You are on page 1of 193

‫مِفتــاحُ اجلنَّــــــــــة‬

‫يف‬
‫عَقِيـــدَةِ أهل السُّــــنَّة‬
‫(عقيدة علماء التبليغ)‬
‫حقوق الطبع لكل مسلم‬

‫األردن ‪ -‬عمان‬

‫هاتف املؤلف‪00962788443923 /‬‬

‫‪ 1443‬ه ‪ 2022 -‬م‬

‫الطبعة األول‬

‫اململكة األردنية اهلامشية‬


‫رقم اإليداع لدى دائرة املكتبة الوطنية‬
‫(‪)2022/461‬‬
‫َ ُ لَ‬
‫ِمفتاح ا جتة‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫في‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫عفيدة ا ِل ال ستة‬
‫عَقَيدَةََعَلَمَاءََالتَبلَيغَ‬

‫تأليف‬
‫سليمان زهدي العايدي‬
‫‪Q‬‬
‫‪‬‬
‫ه‬
‫األحد‪ ،‬ه‬
‫الفرد الصمد‪ ،‬الذي مل يلد ومل يولد‪ ،‬ومل يكن له كفواً أحد‪،‬‬ ‫احلمد لله الو ه‬
‫احد‬
‫ه‬
‫صفات النقص‪ ،‬وعن ك هل‬ ‫فات الكمال‪ ،‬المن زه عن‬‫بص ه‬ ‫ه‬
‫ابإلجياد واإلعدام‪ ،‬املتصف ه‬ ‫املنفرد‬
‫ه‬
‫ونستهديه‪ ،‬ونعوذ ابلل من شرور أنفسنا‪،‬‬ ‫ه‬
‫ونستغفره‬ ‫هصفة‪ ،‬يكون هبا يف ح هقه إهخلل‪ ،‬نستعهينه‬
‫وسيهئات أعمالنا‪ ،‬من يهده للا ف هو المهتدي‪ ،‬ومن يضلهل‪ ،‬فلن هتد له ولياً مرشداً‪ ،‬والصلة‬
‫ه‬
‫وحامل‬ ‫والسلم على سيهدان‪ ،‬وحبيبهنا‪ ،‬وقائه هدان‪ ،‬وموالان‪ ،‬حممد‪ ،‬إه ه‬
‫مام املتقني‪ ،‬وسيهد املرسلني‪،‬‬
‫الرسالة‪ ،‬وأدى األمانة‪ ،‬ونصح األمة‪ ،‬وكشف‬ ‫الدين‪ ،‬أرسله للا ه‬
‫ابحلق‪ ،‬فبلغ ه‬ ‫لو هاء ه‬
‫احلمد يوم ه‬
‫الغمة‪ ،‬وعلى آلههه‪ ،‬وأصحابههه أمجعني‪ ،‬وعلى ك هل من تبعهم إبحسان إىل ه‬
‫يوم ه‬
‫الدين‪.‬‬

‫أما ب عد‪ :‬فلقد جدد للا ‪ ‬دعوة نبهيه هه ‪ ،‬بههق ه‬


‫يام طائفة همن األم هة إبهعادةه ما اندرس‬
‫لل التجو هال على الناس‬ ‫مة‪ ،‬وت ه‬
‫ديد ما اندث ر همنه‪ ،‬وذلك همن هخ ه‬ ‫همن ح هقيق هة ه‬
‫الدين يف حياةه األ ه‬
‫مة التوحيد‪ ،‬ال هِت عليها مدار‬‫عاهتم‪ ،‬لهيدعوهم إىل ح هقيق هة كله ه‬
‫يف بيوهتهم وأسواقههم‪ ،‬ونو هادي ه م وت ُّم ه‬
‫اس هابلله ‪ ‬مع هرفةً ك هاملةً‪،‬‬ ‫لح يف الدُّنيا واألخرةه؛ ف ركزوا يف دعوههتم على تع هر ه‬
‫يف الن ه‬ ‫الفوهز والف ه‬
‫وصفاتههه وأفعالههه‪ ،‬هوفقاً لهمنه هج الق ه‬
‫رآن الك هرهمي‪ ،‬على‬ ‫ضي ا هإلميان الك هامل هابلله ‪ ،‬هِبمسائههه ه‬
‫تقت ه‬
‫لف األولهني‪ ،‬وأتباعهم من اخللف المحسنني‪ ،‬مش همرين‬ ‫ني ‪ ،‬بهفه هم الس ه‬‫ما ب ي نه رسوله األ هم ه‬
‫ات اَّلله ‪ ،‬ال ي رُّدهم عنه رادٌّ‪ ،‬ص هادعهني هِبم هره‪ ،‬ال يصدُّهم عنه صادٌّ‪ ،‬مب لهغهني هرسالة‬ ‫هيف ذ ه‬
‫اه هدين هيف اَّلله حق اِلهه هاد‪ ،‬يدعون من‬
‫احل هق‪ ،‬مؤهدين األمانة لهلخ هلق‪ ،‬ان هص هحني هِل همي هع العهب هاد‪ ،‬م ه‬
‫صرون بهنوهر اَّلله أهل العمى‪ ،‬وُييون ههب هذهه‬
‫ضل إهىل اْلدى‪ ،‬ويصهِبون همن هم على األذى‪ ،‬وي ب ه‬
‫وس‪ ،‬وهانت علي ها الرحلت هيف سبهيلهها‪ ،‬وركوب البهحا هر‪،‬‬ ‫الدعوةه الموتى؛ فحبهبت إهىل النُّف ه‬
‫ب على كث رههتا‪ ،‬وا هإلن فاق هيف مصلحتهها‪ ،‬وهانت علي ه م‬ ‫والتحلهيق هيف األجو هاء‪ ،‬وتشُّم المصاعه ه‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪6‬‬

‫ب اَّلله‪،‬‬
‫وتاراهتم‪ ،‬ومساكهن هم‪ ،‬وأوطاُنم يف جن ه‬
‫ن فوسهم‪ ،‬ون فائهسهم‪ ،‬وأمواْلم‪ ،‬وع هشريهتم‪ ،‬ه‬
‫ات والمكا هره يف سبه هيل الدعوةه إهىل اَّلله ‪.‬‬
‫واستطابوا المرار ه‬

‫ذن رههبا‪ ،‬حَّت صار‬ ‫فأين عت ه هذهه الدعوة وأمثرت‪ ،‬وآتت أكلها يف ك هل مكان ه‬
‫وحني إبهه ه‬
‫اج‪ ،‬وذيوعٌ وشيوعٌ‪ ،‬مل يشاهد همن عهد بعهيد؛ فأحيا للا ههبا القلوب بعد‬ ‫لهلدعوةه ن ف ٌ‬
‫اق ورو ٌ‬
‫ت هبا األرض ب عد ظلم هاهتا‪ ،‬وَتلفت ههبا القلوب ب عد شت هاهتا‪ ،‬وامتَلت ههبا‬‫م هاهتا‪ ،‬وأشرق ه‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫اجا‪ ،‬ودخل الناس هيف دي هن اَّلل أف و ً‬
‫اجا‪.‬‬ ‫األرض ن ًورا وابته ً‬
‫غري أن بعض الناس‪ ،‬لما رأوا علماء التبليغ‪ ،‬ملتزمني بعقيدة أهل السنة واِلماعة‪،‬‬
‫األشاعرة‪ ،‬واملاتريدية‪ ،‬وفضلء احلنابلة وأهل احلديث‪ ،‬طعنوا يف عقيدهتم‪ ،‬واهتموهم ِبُنم‬
‫ه‬
‫معطلةٌ لصفات الباري ‪‬؛ فهجروهم‪ ،‬وبدعوهم‪ ،‬وانفروهم‪ ،‬ونفروا العامة عنهم‪ ،‬وما زادهم‬
‫ذلك إال إمياانً وتسليماً‪ ،‬مبنهج أهل السنة واِلماعة‪ ،‬الذي عليه علماء التبليغ يف العامل‪ ،‬ولل‬
‫احلمد واملنة‪ ،‬والذي عليه علماء األمة املعصومة من أن تتمع على ضللة‪ ،‬على ه‬
‫مر العصور‪.‬‬

‫وقد أردت يف هذه الرسالة املختصرة‪ ،‬أن أبني منهج علماء التبليغ يف العقيدة‪ ،‬وأُنم‬
‫مجل معتقد أهل السنة واِلماعة‪،‬‬ ‫موافقون متاماً ملعتقد أهل السنة واِلماعة‪ ،‬وأحببت أن أ ه‬
‫السادة األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬وفضلء احلنابلة‪ ،‬مع بيان األدلة على كوُنم هم أهل السنة‬
‫واِلماعة؛ بياانً للحق‪ ،‬وأداءً ألمانة العلم‪ ،‬ووفاءً بعهد للا وميثاقه‪ ،‬الذي أخذه على أهل‬
‫العلم ابلبيان وعدم الكتمان‪ ،‬وليكون اجملتهدون يف عمل الدعوة‪ ،‬على بينة من أمرهم يف‬
‫عقيدهتم‪ ،‬وثقة من صحة عقيدة مشاخيهم‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫متهيد‬

‫لقد اختلفت األمة بعد وفاة نبيها ‪ ،‬وتشعبت مذاهبها‪ ،‬وهجمت الفرق الضالة‬
‫السنهية‪ ،‬الِت توارثها أهل السنة واِلماعة عن رسول للا ‪ ‬وأصحابه‪،‬‬
‫واملبتدعة على العقائد ُّ‬
‫فأقام للا ‪ ‬أئمة الدين؛ للدفاع عن عقائد أهل السنة واِلماعة‪ ،‬وكان من أبرز من أقامه‬
‫ْلذا العمل النبيل‪ ،‬اإلمام أمحد بن حنبل (املتوىف سنة ‪241‬ه)‪ ،‬وغريه من األئمة‬ ‫للا ‪‬‬
‫العظماء‪ ،‬فوقفوا موقفاً عظيماً أمام أهل األهواء‪ ،‬ودافعوا عن عقيدة أهل السنة واِلماعة‪ ،‬ومل‬
‫يؤثروا فيهم بسلطاُنم وقوهتم‪ ،‬حَّت نصر للا هبم عقيدة أهل السنة واِلماعة‪ ،‬وبقيت حمفوظة‪.‬‬

‫قد أقام من بعدهم اإلمام أاب احلس هن األشعري (املتوىف سنة ‪٣2٠‬ه )‬ ‫مث إن للا ‪‬‬
‫واإلمام أاب املنصور املاتريدي (املتوىف سنة ‪٣٣٣‬ه ) رمحهما للا‪ ،‬فقاما خري قيام لنصرة عقيدة‬
‫أن اعتمدا نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وف هم الس ه‬
‫لف ْلما‪ ،‬مث‬ ‫أهل احلق‪ ،‬وكان من منهجهما‪ ،‬ه‬
‫السنة‪ ،‬مث جاء بعدمها علماء‬
‫دافعا عن ذلك حبجج عقلية‪ ،‬ورفضا كل ما خيالف الكتاب و ُّ‬
‫وردوا بقوة ووضوح‪ ،‬على أرابب‬
‫كبار‪ ،‬يف التفسري واحلديث والفقه‪ ،‬فساروا على منهجهما‪ُّ ،‬‬
‫مجيع الفلسفات املنحرفة‪.‬‬
‫ه‬
‫علماء األمة‪ ،‬وساروا عليها‪ ،‬ومل ي زل‪ ،‬وال ي زال اِلهابذة‬ ‫وقد ارتضى هذه املنهجية عامة‬
‫من علمائها‪ ،‬من احملدثني‪ ،‬واملفسرين‪ ،‬والفقهاء‪ ،‬واألصوليني‪ ،‬واملتكلمني‪ ،‬على مدى القرون‪،‬‬
‫منتسبني إىل مذهب أهل السنة واِلماعة‪ ،‬األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬كما سيأيت تفصيله‪ ،‬فاملالكية‬
‫والشافعية أشاعرةٌ‪ ،‬واحلنفية ماتريديةٌ‪ ،‬وعامة احلنابلة ال خيالفوُنم يف األصول‪.‬‬

‫وإمنا كان هذا القبول من األمة ْلذه العقيدة الطيبة؛ ألن عقيدة أهل السنة األشاعرة‬
‫واملاتريدية‪ ،‬بنيت على احملكم من نصوص الكتاب الكرمي‪ ،‬واحملكم الصحيح من السنة‬
‫املطهرة‪ ،‬وفهموا ما فيهما وفقاً ملنهج السلف الصاحل يف الفهم السليم‪ ،‬الذي جيمع بني العقل‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪8‬‬

‫والنقل‪ ،‬وجيعل العقل خادماً للنقل‪ ،‬ال حاكماً عليه؛ فإن النقل الصحيح ال يعارض العقل‬
‫العقل السليم تدرك احلقائق الشرعية؛ فإن النقل‬ ‫النقل الصحيح و ه‬ ‫وابجتماع ه‬
‫ه‬ ‫السليم‪،‬‬
‫بصر بعينه هه يف‬ ‫كالشمس‪ ،‬والعقل كالعني‪ ،‬فل يتم اإلبصار إال هبما‪ ،‬فكما أنه ال ي ه‬
‫نتفع الم ه‬
‫نتفع العاقل بعقله هه بل وحي‪ ،‬فبهقد هر النوهر هتت هدي العني‪ ،‬وبقد هر‬
‫دامس‪ ،‬كذلك ال ي ه‬ ‫ظلم ه‬
‫كتمل الرؤية هحني‬
‫كتمل اْلداية والبصرية‪ ،‬كما ت ه‬‫النقل ت ه‬
‫العقل و ه‬ ‫ه‬
‫وبكمال ه‬ ‫الوح هي يهت هدي العقل‪،‬‬
‫الظ ه رية‪ ،‬فأهل السنة واِلماعة هم أبصر الناس ابحلقائق الشرعية ِلمعهم بني النقل‬
‫الصحيح‪ ،‬والعقل الصريح‪.‬‬

‫حبفظ دين هذه األمة‪ ،‬من التحريف واالحنراف‪ ،‬فال تزال طائفةٌ‬ ‫ولقد تكفل للا ‪‬‬
‫يضرهم من خالفهم‪ ،‬وال من خذهلم‪ ،‬حىت أييت أمر هللا ‪،‬‬
‫منها على احلق ظاهرين‪ ،‬ال ُّ‬
‫وقد أخِب نبيه الكرمي ‪ِ ،‬بن هللا ‪ ‬سيبعث على رأس كل مائة سنة‪ ،‬من جيدد هلا أمر‬
‫ال يستعمل لتجديد دينه يف أي من‬ ‫دينها‪ ،‬وما ال شك فيه عند أهل احلق‪ ،‬أن للا ‪‬‬
‫ميادين العلم والعمل الديين‪ ،‬إال من كان من أهل احلق‪ ،‬الذين هم أهل السنة واِلماعة‪ ،‬كما‬
‫ذكر العلماء يف شروط المج هد هد‪ ،‬الذي يبعثه للا ‪ ‬على رأس كل مائة سنة؛ ليجدد لَلمة‬
‫أمر دينها‪.‬‬

‫لتجديد دينه‪ ،‬وإحياء عمل الدعوة والتبليغ يف القرن املاضي‪،‬‬ ‫ومن استعملهم للا ‪‬‬
‫شيخ مشاخينا‪ ،‬العامل والداعي الكبري‪[ ،‬موالان حممد إلياس الكاندهلوي‪ ،‬رمحه هللا ورضي‬
‫معروف بني علماء اْلند‪ ،‬بعلمه‪ ،‬وورعه‪ ،‬وداينته‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فاضل‪ ،‬وويلٌّ صاحلٌ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫عنه]‪ ،‬وهو عاملٌ‬
‫وتقواه‪ ،‬وجهده الكبري يف إعادة األمة إىل النهج ه‬
‫النبوي الشريف‪ ،‬يف العقيدة‪ ،‬والفقه‪ ،‬والتزكية‬
‫والسلوك‪.‬‬

‫كما أنه ينتمي إىل مدرسة عريقة‪ ،‬أصيلة‪ ،‬معروفة ابلعلم والعمل واِلهاد‪ ،‬وهي دار العلوم‬
‫ديوبند‪ ،‬مث مظاهر العلوم بسهارنفور‪ ،‬والذي أنشأ دار العلوم ديوبند‪ ،‬أحد كبار علماء القارة‬
‫‪9‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫ي ‪ ،‬وقام معه ٌ‬
‫مجع من كبار علماء اْلند‪ ،‬كالعلمة‬ ‫اْلندية‪ ،‬العلمة حممد قاسم النانوت هو ُّ‬
‫رشيد أمحد الكنكوهي(‪ ،)1‬وحممود احلسن رمحهما للا‪ ،‬غريمها من مشايخ الشيخ الداعية‬
‫حممد إلياس‪ ،‬من يرجع يف إسناده العلمي‪ ،‬إىل اإلمام ويل للا الدهلوي ‪.‬‬

‫منهج‬
‫وما ال خيتلف فيه اثنان‪ ،‬أن منهج دار العلوم ديوبند‪ ،‬ومظاهر العلوم بسهارنفور‪ٌ ،‬‬
‫سين قوميٌ‪ ،‬أ هسس على التقوى من أول يوم؛ إلحياء املنهج ُّ‬
‫الس ههين الصحيح‪ ،‬عقيدةً‪ ،‬وفقهاً‪،‬‬ ‫ٌّ‬
‫وسلوكاً‪ ،‬فاملذهب العقدي املعتمد‪ ،‬هو مذهب أهل السنة واِلماعة‪ ،‬السادة األشاعرة‪،‬‬
‫واملاتريدية‪ ،‬وفضلء احلنابلة‪ ،‬وأما املذهب الفقهي املعتمد عندهم‪ ،‬هو مذهب اإلمام‬
‫األعظم‪ ،‬التابعي اِلليل‪ ،‬أيب حنيفة النعمان بن اثبت الكويف ‪ ،‬مع كامل التقدير‬
‫واالحرتام‪ ،‬ملذاهب األئمة الثلثة الباقني‪ ،‬املالكي‪ ،‬والشافعي‪ ،‬واحلنبلي‪ ،‬وأما التزكية والسلوك‪،‬‬

‫(‪ )1‬هو الشيخ العلمة‪ ،‬واحلِب الفهامة‪ ،‬اإلمام الرابين الفقيه‪ ،‬احملقق املفسر احملدث‪ ،‬الزاهد الورع‪ ،‬مفِت‬
‫األمة‪ ،‬شيخ مشايخ العصر‪ ،‬الشيخ رشيد أمحد الكنكوهي‪ ،‬ولد سنة ‪1244‬ه ببلدة «كنكوه»‪،‬‬
‫ابْلند‪ ،‬وتويف ودفن هبا سنة ‪1٣2٣‬ه ‪ .‬قرأ على كبار العلماء يف عصره‪ ،‬ومن أشهرهم الشيخ ملوك‬
‫علي النانوتوي‪ ،‬واملفِت صدر الدين آزرده‪ ،‬واحلديث على الشيخ عبد الغين اجملددي‪ ،‬حَّت برع وفاق‬
‫أقرانه يف املعقول واملنقول‪ ،‬وتصدر للتدريس واإلفادة‪ ،‬فتهافت عليه كبار العلماء بدرسهم يف الفقه‪،‬‬
‫واحلديث‪ ،‬والتفسري‪ ،‬واقتصر يف آخر عمره على تدريس الصحاح الستة‪ .‬وملا كف بصره‪ ،‬ترك‬
‫التدريس‪ ،‬وتوسع يف اإلرشاد‪ ،‬والتحقيق‪ .‬كان ‪ ‬ماهداً‪ ،‬شديد الغرية على الدين‪ ،‬مل يكن مثله‬
‫يف زمانه‪ ،‬يف الصدق والعفاف‪ ،‬والتفقه‪ ،‬والشهامة‪ ،‬واإلقدام يف املخاطر‪ ،‬والصلبة يف الدين‪ ،‬وكان‬
‫آية يف التقوى‪ ،‬واتباع السنة‪ ،‬والعمل ابلعزمية‪ ،‬واالستقامة على الشريعة‪ ،‬واحلرص على نشر السنة‪،‬‬
‫أجل مشايخ‬
‫انتهت إليه اإلمامة يف العلم والعمل‪ ،‬وتزكية النفوس‪ ،‬وإحياء السنة وإماتة البدع‪ .‬وهو ُّ‬
‫الشيخ حممد إلياس الكاندهلوي ‪ ،‬واملرشد الروحي له‪ ،‬فعليه تتلمذ‪ ،‬وأخذ الرتبية‬
‫الروحية‪ .‬وله عدة تصانيف‪ ،‬ومنها تعليقات على كتب السنة‪ ،‬والفتاوى الرشيدية‪ ،‬وغريها‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫مقدمة الكوكب الدري على جامع الرتمذي‪( ،‬املتوىف‪ 1٣2٣ :‬ه )‪ ،‬مجعها ورتبها‪ :‬حممد ُيىي‬
‫الكاندهلوي‪ ،‬ونزهة اخلواطر للطالب (‪.)166-16٣/8‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪10‬‬

‫فيعتمدون طرق التزكية الِت ترجع إبسنادها‪ ،‬إىل إمام أهل السنة‪ ،‬وسيد الطائفتني‪ ،‬أيب‬
‫القاسم‪ ،‬اِلنيد البغدادي ‪.‬‬

‫وهذه االتاهات الثلثة ‪ -‬أعين‪ :‬عقيدة أهل السنة واِلماعة‪ ،‬واملذاهب الفقهية األربعة‪،‬‬
‫السنهية السليمة من البدع‪ ،-‬هي الِت ن هقل إلينا ال هدين الصحيح من خلْلا‪ ،‬على‬
‫وطرق التزكية ُّ‬
‫مر العصور‪ ،‬ابألسانيد املتصلة‪ ،‬علماً‪ ،‬وعملً‪ ،‬طبقةً عن طبقةً‪ ،‬والِت متيهز أهل السنة عن‬
‫ه‬
‫غريهم؛ حيث إن اتصال السند يف العلم والعمل‪ ،‬إىل سلفنا الصاحل‪ ،‬ومنهم إىل رسول للا‬
‫‪ ،‬هو الذي مييز أهل احلق عن غريهم‪ ،‬وك ُّل من انتسب إىل منهج السلف الصاحل‪،‬‬
‫عقيدةً‪ ،‬أو فقهاً‪ ،‬أو سلوكاً‪ ،‬وليس له إسناد متصل‪ ،‬طبقةً عن طبقةً‪ ،‬فانتسابه مرد دعوى‪،‬‬
‫ال دليل عليها‪ ،‬بل قامت األدلة على بطلُنا‪.‬‬

‫ويف هذا الكتاب‪ ،‬سأستعرض ابختصار‪ ،‬ما مييز منهج أهل السنة واِلماعة يف أصول‬
‫الدين‪ ،‬وما هي األصول الِت أمجعوا عليها‪ ،‬والِت كان علماء ديوبند ‪-‬ومنهم موالان الشيخ‬
‫حممد إلياس الكاندهلوي‪ -‬يعتقدوُنا‪ ،‬وي ه‬
‫درسوُنا للطلب‪ ،‬ويقيمون املدارس الدينية‪،‬‬
‫واملعاهد الشرعية‪ ،‬لرتسيخ هذه العقيدة الصافية فيهم‪ ،‬ونشرها يف األمة‪.‬‬

‫وما زادين توجهاً وإقباالً على هذا التأليف‪ ،‬بعد توجيه للا ‪ ،‬ورسوله ‪ ،‬إىل‬
‫احلق‪ ،‬والذ ه‬
‫ب عنه وعن أهله‪ ،‬وحرمة كتمانه‪ ،‬ما زادين توجهاً‪ ،‬كلم اإلمام‬ ‫وجوب بيان ه‬
‫المج هد هد‪ ،‬شيخ مشاخينا‪ ،‬موالان حممد إلياس الكاندهلوي ‪ ،‬يف أمهية التأليف؛ لبيان‬
‫أحب أن يُكتب‪ ،‬ويُقرأ عن‬ ‫حقيقة هذه الدعوة املباركة‪ ،‬حيث قال‪ :‬إنَّين من ُ‬
‫قبل‪ ،‬مل أكن ُّ‬
‫أمنع عن هذا‪ ،‬ولكن اآلن أان‬
‫عمل التبليغ هذا كثرياً‪ ،‬ويُدعى إليه ابلتَّحرير‪ ،‬بل كنت ُ‬
‫كتب عنه‪ ..‬وقال أيضاً‪ :‬حنن ُكنَّا يف حالة غري معروفة‪ ،‬وكنا ال جند أحداً‬
‫أقول‪ :‬أَن يُ َ‬
‫نتجول‬ ‫ِّ‬
‫الضروري أن َّ‬ ‫يسمعنا‪ ،‬وال كان أحد يفهم ما كنا نقوله‪ ،‬ففي تلك احلالة‪ ،‬كان من‬
‫يف الناس‪ ،‬ونولد فيهم الطلب‪ ،‬ونُ َف ِّهم بتطبيقه عملياً‪ ،‬ففي تلك احلالة‪ ،‬لو دعوان الناس‬
‫‪11‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫حتريراً‪ ،‬فرمبا يفهمون خالف ما نقصده‪..‬؛ فلذا ما كنا نستحسن أن تصل دعوتنا عند‬
‫ودان‬
‫الناس حتريراً‪ ،‬وأما اآلن‪ ،‬فبفضل هللا وكرمه وبنصرته‪ ،‬قد تغريت األحوال‪ ..‬فلذا ُُج ُ‬
‫على نفس الطريقة السابقة (يف حالتنا الغري املعروفة) ليس بصحيح‪ ،‬فلذا فأان أقول لك‪:‬‬
‫َّعوةِّ َحت ِّريراً‪.)1(‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫إِّنَّهُ َال بُ َّد م ْن أ ََداء الد َ‬
‫فأحببت أن أبهني حقيقة عقيدة علماء التبليغ‪ ،‬وموافقة منهجهم‪ ،‬يف أصول الدين‪،‬‬
‫ملنهج أهل السنة واِلماعة‪ ،‬الذين هم السواد األعظم‪ ،‬من علماء األمة املعصومة من أن‬
‫تتمع على ضللة‪.‬‬

‫وقد قسمت هذا البحث على مق هدمة‪ ،‬وفصلني‪ ،‬ويف كل فصل عهدة مباحث‪ ،‬وخ هامتة‪:‬‬

‫الفصل األ ََّول‪ :‬إثبات كون علماء التبليغ على عقيدة أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وأن أهل‬
‫ُ‬
‫السنة واجلماعة هم السادة األشاعرة‪ ،‬واملاتريدية‪ ،‬وفضالء احلنابلة وأهل احلديث‪ ،‬وفيه‬
‫أحد عشر مباحثاً‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬بيان موافقة عقيدة علماء ديوبند‪ ،‬مبن فيهم موالان وشيخ مشاخينا الشيخ‬
‫العلمة الداعية حممد إلياس الكاندهلوي ‪ ،‬وسائر علماء التبليغ الكرام‪ ،‬لعقيدة أهل‬
‫السنة واِلماعة‪ ،‬األشاعرة واملاتريدية‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مذاهب أهل السنة واِلماعة يف أصول الدين [العقائد]‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬االستدالل على أن أهل السنة واِلماعة‪ ،‬هم السادة األشاعرة‪،‬‬
‫ه‬
‫احلديث‪.‬‬ ‫أهل‬ ‫ه‬
‫احلنابلة و ه‬ ‫واملاتريدية‪ ،‬وفضلء‬

‫(‪ )1‬ملفوظات الشيخ حممد إلياس الكاندهلوي ص (‪ )116-115‬مجع وترتيب الشيخ حممد منظور‬
‫نعماين‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪12‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬أصول عقيدة أهل السنة واِلماعة‪ ،‬األشاعرة‪ ،‬واملاتريدية‪ ،‬وفضلء‬
‫احلنابلة‪.‬‬

‫املبحث اخلامس‪ :‬بيان موافقة السادة فضلء احلنابلة يف أصول الدين ألهل السنة‬
‫األشاعرة واملاتريدية‪.‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬منهج أهل السنة يف التعامل مع النصوص املتشاهبة‪.‬‬

‫املبحث السابع‪ :‬بعض أقوال أئمة السلف الصاحل‪ ،‬يف تعامل أهل السنة واِلماعة‪ ،‬مع‬
‫النصوص املتشاهبة‪.‬‬

‫املبحث الثامن‪ :‬أقوال األئمة يف اإلمجاع على استحالة اتصاف للا تعاىل بوصف‬
‫حادث‪ ،‬أو استحالة قيام احلوادث بذاته العلية‪.‬‬

‫املبحث التاسع‪ :‬مناذج من َتويلت السلف الصاحل للنصوص املتشاهبة‪.‬‬

‫املبحث العاشر‪ :‬مناذج من َتويلت اإلمام احملدث املفسر‪ ،‬حميي السنة‪ ،‬البغوي‪،‬‬
‫للنصوص املتشاهبة‪ ،‬من كتابيه (معامل التنزيل يف تفسري القرآن) و(شرح السنة)‪.‬‬

‫املبحث احلادي عشر‪ :‬عقيدة امللك الناصر صلح الدين األيويب‪.‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬خمتصر عقيدة أهل السنة واجلماعة‪ ،‬السادة األشاعرة‪ ،‬واملاتريدية‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬اإلْليات‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬النبوات‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬السمعيات‪.‬‬


‫‪13‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫وللا أسأل أن يعهي ن نا على هذك هره‪ ،‬وشك هره‪ ،‬والدعوةه إهلي هه‪ ،‬وإهىل هدينه هه‪ ،‬وحس هن عهبادتههه‪ ،‬وأن‬
‫صيحةً لهعهب هادهه‪ ،‬وأن يعهيذان‬
‫اب وهيف غ هريهه خالهصاً لهوجه هه الك هرهمي‪ ،‬ون ه‬
‫جيعل ما قصدانه هيف هذا الكهت ه‬
‫ات أعمالهنا‪ ،‬وأن ي وفهقنا لهما هُيبُّه وي رضاه‪ ،‬إهنه ق هريب هميب؛ وعلى للاه‬
‫همن شروهر أن ف هسنا وسيهئ ه‬
‫ٌ ٌ‬
‫ضي واستهن هادي‪ ،‬وله احلمد والنهعمة‪ ،‬وبههه الت وفهيق والعهصمة‪.‬‬ ‫اعتهم هادي‪ ،‬وإهلي هه ت ف هوي ه‬

‫وكتب‪ :‬سليمان زهدي العايدي‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪14‬‬

‫ُ ََ‬
‫الفصل ا أ‬
‫لول‬
‫إثبات كون علماء التبليغ على عقيدة‬
‫أهل السنة والجماعة‪ ،‬وأن أهل السنة‬
‫والجماعة هم السادة األشاعرة‪،‬‬
‫والماتريدية‪ ،‬وفضالء الحنابلة وأهل‬
‫الحديث‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫املبحث األول‪ :‬بيان موافقة عقيدة علماء ديوبند‪ ،‬مبن فيهم‬


‫موالان حممد إلياس الكاندهلوي ‪ ،‬وسائر علماء التبليغ‬
‫الكرام‪ ،‬لعقيدة أهل السنة واجلماعة‪ ،‬األشاعرة واملاتريدية‪.‬‬

‫لقد مشى علماء اْلند‪ ،‬املنتسبون إىل جامعة دار العلوم ديوبند اإلسلمية‪ ،‬وما تفرع‬
‫عنها من فروع يف العامل‪ ،‬مشوا على عقيدة أهل السنة واِلماعة‪ ،‬وقدوهتم يف ه‬
‫الدين‪ ،‬هم‬
‫الصحابة والتابعون‪ ،‬واتبعوهم إبحسان‪ ،‬وعمدهتم يف ذلك‪ ،‬ما ألفه العلماء الراسخون يف‬
‫العلم‪ ،‬من كتب العلوم اإلسلمية ‪ -‬التفسري واحلديث والفقه‪ ،-‬واستنادهم يف العقائد إىل‬
‫كتب أئمة أهل السنة يف هذا الشأن‪ ،‬مثل كتاب ‪‬الفقه األكِب‪ ‬املنسوب إىل اإلمام األعظم‬
‫أيب حنيفة ‪ ،‬مع شروحه املعروفة‪ ،‬وكتب اإلمام ويل للا الدهلوي‪ ،‬وكتب النسفي‪،‬‬
‫والتفتازاين‪ ،‬وابن اْلمام‪ ،‬رمحهم للا‪ .‬ولقد كتب الشيخ العلمة احملدث‪ ،‬خليل أمحد‬
‫نفوري(‪ ،)1‬رسالةً يف بعض عقائد علماء ديوبند‪ ،‬بني التزامهم ابالتهباع لطريقة اإلمامني‪:‬‬
‫السهار ُّ‬

‫(‪ )1‬هو العلمة الفقيه احملدث‪ ،‬خليل أمحد بن ميد علي األنصاري السهارنفوري‪ 1٣46-126٩( ،‬ه )‪،‬‬
‫ولد يف قرية اننوته من أعمال سهارنفور‪ ،‬وقرأ على كبار مشايخ ديوبند‪ ،‬وكذلك مظاهر العلوم‬
‫مساعدا يف مظاهر العلوم‪ ،‬مث اختري أستا ًذا يف دار العلوم‪ ،‬بديوبند‪ ،‬مث انتقل‬
‫ً‬ ‫بسهارنفور‪ ،‬وعني أستا ًذا‬
‫إىل مظاهر العلوم‪ ،‬وتوىل رائسة التدريس فيها‪ ،‬مث توىل نظارهتا إىل أن غادرها عام ‪ 1٣44‬ه إىل‬
‫احلرمني الشريفني‪ ،‬فلم يرجع إليها‪ .‬أخذ العلم عن‪ :‬يعقوب النانوتوي‪ ،‬واحلسن السهارنفوري‪ ،‬ورشيد‬
‫الكنكوهي‪ ،‬وأمحد دحلن‪ ،‬وعبد القيوم الِبهانوي‪ ،‬وأمحد الِبزجني‪ ،‬وعبد الغين اجملددي‪ ،‬كان الشيخ‬
‫خليل أمحد له الرسوخ التام يف الفقه واحلديث وعلوم الدين‪ ،‬ونفع للا به خلقاً كثرياً‪ ،‬وترج على يده‬
‫مجع من العلماء واملشايخ‪ ،‬قاموا خبدمات جليلة يف نشر العلوم الدينية‪ ،‬وتصحيح العقائد‪ ،‬وتربية‬ ‫ٌ‬
‫النفوس‪ ،‬والدعوة واإلصلح‪ ،‬من أجلهم‪ :‬املصلح الكبري الشيخ حممد إلياس بن إمساعيل‬
‫الكاندهلوي‪ ،‬واحملدث اجلليل الشيخ حممد زكراي الكاندهلوي‪ ،‬وغريمها‪ ،‬من مؤلفاته‪ :‬بذل اجملهود‬
‫يف حل أيب داود‪ ،‬واملهند على املفند‪ ،‬إمتام النعم على تبويب احلكم‪ ،‬تنشيط األذان‪ ،‬مطرقة الكرامة‬
‫على مرآة اإلمامة‪ ،‬هداايت الرشيد يف إفحام العنيد‪ .‬كانت وفاته يف ‪ 16‬ربيع اآلخر سنة ‪1٣46‬ھ‬
‫يف املدينة املنورة‪ ،‬ودفن يف البقيع‪ .‬ينظر‪ :‬نزهة اخلواطر للعلمة عبد احلي احلسين (‪.)1222/8‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪16‬‬

‫األشعري واملاتريدي‪ ،‬يف العقيدة‪ ،‬وأُنم ال خيالفوُنم يف ذلك‪ ،‬مث نظر فيها العلماء البارزون‬
‫من اِلماعة‪ ،‬فوقعوا عليها‪ ،‬بعد النظر؛ تصديقاً وتصويباً‪ ،‬مث أرسلوا الكتاب إىل علماء البلد‬
‫العربية‪ ،‬من احلجاز مكة واملدينة ومصر والشام من خمتلف املذاهب‪ ،‬فاستحسنوه‪ ،‬وكتبوا عليه‬
‫تقاريظ‪ ،‬وتصديقات‪ ،‬وتوثيقات‪.‬‬

‫وهك ذا ص ار ه ذا الكتاب ممعاً عليه من علماء دار العلوم يف حمتوايته‪ ،‬وترمجاانً عن‬
‫أهم الكتب‪ ،‬وأشهرها‪ ،‬وأمثلها‪ ،‬وهو الذي يوضح‬ ‫عقائدهم‪ ،‬وأفكارهم‪ ،‬واتاهاهتم‪ ،‬ومن ه‬
‫ويبني أفكار علماء أهل السنة واِلماعة‪ ،‬من أهل اْلند‪ ،‬املنتسبني إىل دار العلوم ديوبند‪،‬‬
‫والذي هُي ُّق له أن يعد منوذجاً صحيحاً‪ ،‬وترمجاانً حقيقياً عن معتقداهتم‪ ،‬وسأذكر هنا‪ ،‬جانباً‬
‫يسرياً من الكتاب املذكور‪ ،‬وهو اِلانب الذي يص هرح الشيخ املؤلف‪ِ ،‬بن علماء ديوبند كافة‪،‬‬
‫يعتقدون معتقد أهل السنة واِلماعة‪ ،‬األشاعرة واملاتريدية‪.‬‬

‫قال الشيخ احملدث‪ ،‬خليل أمحد السهارنفوري ‪ :)1(‬لهيعلم أوالً قبل أن نشرع يف‬
‫اِلواب‪ ،‬أان حبمد للا ومشاخينا‪ ،‬رضوان للا عليهم أمجعني‪ ،‬ومجيع طائفتنا ومجاعتنا‪ ،‬مقلدون‬
‫لقدوة األانم‪ ،‬وذروة اإلسلم‪ ،‬اإلمام اْلمام‪ ،‬اإلمام األعظم أيب حنيفة النعمان ‪ ،‬يف‬
‫الفروع‪ ،‬ومتبعون لإلمام اهلمام أيب احلسن األشعري‪ ،‬واإلمام اهلمام أيب منصور املاتريدي‬
‫‪ ،‬يف االعتقاد واألصول‪.)2( ..‬‬

‫قلت‪ :‬ولقد سار علماؤان يف التبليغ على منهج أهل السنة واِلماعة يف مجيع أبواب‬
‫عن مطلق التشبيه‬ ‫‪‬‬ ‫االعتقاد‪ ،‬اإلْليات‪ ،‬والنبوات‪ ،‬والسمعيات‪ ،‬مع تنزيه الباري‬
‫والتكييف والتجسيم‪ ،‬وعن اِلهة واملكان واحليز‪ ،‬وعن االنتقال والتغري‪ ،‬وقيام احلوادث بذاته‬

‫(‪ )1‬يعتِب الشيخ خليل السهارنفوري املرشد الثاين ملوالان حممد إلياس الكاندهلوي‪ ،‬بعد شيخه األجل‪،‬‬
‫العلمة رشيد أمحد الكنكوهي‪ ،‬حيث إنه تتلمذ على الشيخ رشيد أوالً‪ ،‬مث بعد وفاته‪ ،‬انتقل إىل‬
‫الشيخ خليل‪.‬‬
‫(‪ )2‬املهند على املفند‪ ،‬ص (‪.)٣٩-٣8‬‬
‫‪17‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫العلية‪ ،‬وبناء على ذلك مل خيرجوا يف تعاملهم مع النصوص املتشاهبة‪ ،‬عن قويل أهل السنة‪،‬‬
‫التفويض والتأويل‪ ،‬وشواهد ذلك كثرية‪ ،‬فمنها‪:‬‬

‫‪ .1‬قال الشيخ خليل أمحد السهارنفوري ‪ ،‬شيخ موالان حممد إلياس ‪،‬‬
‫يف قوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱠ[طه‪ ،]5 :‬وأمثاله من النصوص املتشاهبة‪ :‬قولنا‬
‫يف أمثال تلك اآلايت‪ :‬إان نؤمن هبا‪ ،‬وال يقال‪ :‬كيف؟ ونؤمن ِبن للا ‪ ‬متعال ومنزه عن‬
‫صفات املخلوقني‪ ،‬وعن مسات النقص واحلدوث‪ ،‬كما هو رأي قدمائنا‪ ،‬وأما ما قال‬
‫املتأخرون من أئمتنا يف تلك اآلايت‪ ،‬يؤولوُنا بتأويلت صحيحة سائغة يف اللغة والشرع‪ِ ،‬بنه‬
‫ميكن أن يكون املراد من االستواء‪ :‬االستيلء‪ ،‬ومن اليد‪ :‬القدرة‪ ،‬إىل غري ذلك‪ ،‬تقريباً إىل‬
‫إثباتُ َما له ‪ ،‬ونقول‪:‬‬
‫فحق أيضاً عندان‪ .‬وأما اجلهة واملكان‪ ،‬فال ُجنَ ِّوُز َ‬
‫أفهام القاصرين‪ٌّ ،‬‬
‫إنه ‪ُ ‬منَ َّزهٌ ُ‬
‫ومتَ َعال عنهما‪ ،‬وعن ُجيع مسات احلدوث‪.)1(‬‬

‫‪ .2‬قال شيخ مشاخينا العلمة المح هدث‪ ،‬حممد زكراي الكاندهلوي ‪ ،‬يف شرح‬
‫حديث النزول‪( :‬ينزل ربنا) اختلف يف ضبطه‪ ،‬فقيل‪ :‬ي ن هزل‪ ،‬أي ين هزل للا ملكاً‪ ،‬والدليل‬
‫على صحته‪ ،‬رواية النسائي‪ ،‬من حديث االغر عن أيب هريرة وأيب سعيد مرفوعاً‪ :‬إن هللا ‪‬‬
‫ميهل حىت ميضي شطر الليل األول‪ ،‬مث أيمر منادايً يقول‪ :‬هل من داع فيستجاب له‪..‬‬
‫احلديث(‪ .)2‬وصح حه عبد احلق‪ .‬وعلى هذا فل إشكال يف الرواية‪ .‬وأما على ما هو املشهور‬
‫يف ضبطه‪ ،‬وهو بفتح الياء من النزول‪ ،‬فمشكل؛ لِّ َما فيه من معىن االنتقال‪ ..،‬قال‬
‫البيضاوي ‪ :‬لَ َّما ثبت ابلقواطع‪ ،‬أنه سبحانه وتقدس منزه عن اجلسمية والتحيز‪،‬‬
‫امتنع عليه النزول على معىن االنتقال من موضع إىل موضع أخفض منه‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫فالعلماء يف ذلك على قسمني‪:‬‬

‫(‪ )1‬املهند على املفند‪ ،‬ص (‪.)6٠‬‬


‫(‪ )2‬رواه النسائي يف السنن الكِبى (‪.)1٠24٣‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪18‬‬

‫األول‪ :‬الْ ُم َف ِّو َ‬


‫ضةُ‪ ،‬قال الزرقاين‪ :‬فالراسخون يف العلم يقولون آمنا به‪ ،‬كلٌّ من عند‬
‫ربنا‪ ،‬على طريق اإلمجال‪ ،‬منزهني هللا تعاىل عن الكيفية والتشبيه‪ .‬ونقله البيهقي وغريه عن‬
‫األئمة األربعة والسفيانني واحلمادين والليث واألوزاعي وغريهم‪ ،‬وقال البيهقي‪ :‬هو أسلم‪،‬‬
‫يدل عليه اتفاقهم على أن التأويل املعني ال جيب‪ ،‬فحينئذ التفويض أسلم‪ ،‬انتهى‪.‬‬

‫والقسم الثاين‪ :‬الْ ُم َؤ ِّولَةُ‪ ،‬واختلفوا يف َتويله على أحناء‪ ،‬منها‪ :‬قال ابن العريب ‪:‬‬
‫إن النزول راجع إىل أفعاله ال إىل ذاته‪ ،‬بل ذلك عبارة عن نزول ملكه‪ ،‬الذي ينزل ِبمره‬
‫وُنيه‪..‬‬

‫وحكي عن مالك ‪ ،‬أنه أَ َّولَهُ بنزول رمحته وأمره‪ ،‬أو مالئكته‪ ،‬كما يقال فعل‬
‫امللك كذا أي أتباعه ِبمره‪ ..‬وقال الباجي ‪ :‬إخبار عن إجابة الدعاء يف ذلك الوقت‪،‬‬
‫وإعطاء السائلني ما سألوه‪ ،‬وتنبيه على فضيلة الوقت‪ ،‬كما روي يقول للا تعاىل‪ :‬إذا تقرب‬
‫إيل عبدي شرباً‪ ،‬تقربت إليه ذراعاً‪ ،‬احلديث‪ ،‬مل يرد التقرب يف املسافة‪ ،‬إمنا أراد التقرب‬
‫ابلعمل من العبد‪ ،‬والتقرب ابإلجابة من للا تعاىل‪ .)1(‬انتهى كلم الشيخ الكاندهلوي‪.‬‬

‫هو من أجل تلمذة موالان الشيخ‬ ‫قلت‪ :‬فالشيخ حممد زكراي الكاندهلوي ‪‬‬
‫حممد إلياس‪ ،‬وهو شيخ موالان حممد يوسف‪ ،‬وحممد إنعام احلسن رمحهما للا‪ ،‬وهو يقرر‬
‫مذهب أهل السنة واِلماعة يف النصوص املتشاهبة‪ - ،‬التفويض والتأويل‪ ،-‬وال ينقل إال عن‬
‫علماء أهل السنة األشعرية املرضيني‪ ،‬املقبولني عند األمة‪ ،‬كالبيهقي والبيضاوي‪ ،‬والباجي‬
‫وابن العريب‪ ،‬وهم بدورهم يعتمدون كلم أئمة السلف الصاحل‪ ،‬ويسلكون سبيلهم‪ ،‬واحلمد لل‬
‫رب العاملني‪.‬‬

‫وهنا أنقل بعض النصوص للعلمة احملدث الشيخ حممد إلياس البارة بنكوي ‪،‬‬
‫وكان مدرس احلديث الشريف‪ ،‬يف املعهد الشرعي (كاشف العلوم) يف مركز التبليغ يف اْلند‬

‫(‪ )1‬أوجز املسالك‪ ،‬شرح موطأ مالك (‪.)166-165/4‬‬


‫‪19‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫من تعليقه على كتاب األبواب املنتخبة من مشكاة املصابيح‪ ،‬لإلمام اجملدد حممد إلياس‬
‫الكاندهلوي ‪ ، ‬كلها تؤكد صحة معتقد علماء التبليغ‪ ،‬وأُنم يسلكون مسلك اهل‬
‫السنة واِلماعة يف النصوص املتشاهبة‪ ،‬وال خيرجون عن قوليهم فيها قهيد أمنلة‪ ،‬فإما التفويض‪،‬‬
‫وإما التأويل بشروطه‪:‬‬

‫يف تعريف اإلميان‪ ،‬حديث رقم (‪ )1‬صفحة (‪ :)2‬وهو التصديق‬ ‫‪ .1‬قال ‪‬‬
‫الذي معه أمن وطمأنينة لغةً‪ ،‬ويف الشرع‪ :‬تصديق القلب مبا جاء من عند الرب‪ ،‬فكأن‬
‫املؤمن جيعل به نفسه آمنة من العذاب يف الدارين‪ ،‬أو من التكذيب واملخالفة‪ .‬نقلً عن‬
‫املرقاة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهو عني تعريف أهل السنة األشاعرة لإلميان‪ ،‬وهو تعريف الصادق املصدوق‬
‫‪ ‬حينما سأله جِبيل ‪ ‬عن اإلميان‪ ،‬فلم يزد على التصديق‪ ،‬وأما العمل‪ ،‬فهو شرط‬
‫كمال‪ ،‬كما ذكر ذلك احلافظ ابن حجر يف الفتح‪ ،‬وغريه‪.‬‬

‫يف معىن القضاء‪ ،‬يف حديث رقم (‪ )1‬صفحة (‪ :)٣‬قال القاضي‬ ‫‪ .2‬قال ‪‬‬
‫عياض‪ :‬القضاء‪ :‬هو اإلرادة األزلية‪ ،‬والعناية اإلهلية‪ ،‬املقتضية لنظام املوجودات على‬
‫ترتيب خاص‪ ،‬والقدر تعلق تلك اإلرادة ابألشياء يف أوقاتا‪ .‬نقلً عن املرقاة والطيب‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهو عني مذهب أهل السنة األشاعرة يف معىن القضاء والقدر‪.‬‬

‫يف أفعاله‪ ،‬وأنه خالق أفعال العباد‪ ،‬يف‬ ‫‪ .3‬قال ‪ ‬يف إثبات وحدانية للا ‪‬‬
‫حديث رقم (‪ )8٠‬صفحة (‪ ،)٣8‬يف قوله ‪ :‬كل شيء بقدر حىت العشر والكيس‪.‬‬
‫قال‪ :‬يعين الكيس والقوة‪ ،‬والبلدة والعجز‪ ،‬من قدر للا‪ ،‬فهو ردٌّ على من يثبت القدرة لغري‬
‫للا مطلقاً‪ ..،‬فمعىن احلديث يقتضي الغاية؛ ألنه أراد بذلك أن اكتساب العباد وأفعاْلم كلها‬
‫بتقدير خالقها‪ ،‬حَّت الكيس الذي يوصل صاحبه إىل البغية‪ ،‬والعجز الذي يتأخر به عن‬
‫ذلك البغية‪ .‬نقلً عن الطيب‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪20‬‬

‫قلت‪ :‬وهو عني مذهب أهل السنة األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬يف كون اخلالق ألفعال العباد‬
‫هو للا ‪ ‬وحده‪ ،‬وإمنا يكون من العبد الكسب فحسب‪.‬‬

‫‪ .4‬قال ‪ ‬يف حديث رقم (‪ )٩1‬صفحة (‪ ،)44‬يف قوله ‪ :‬حجابه النور‪،‬‬


‫لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه‪ .‬قال‪ :‬أصل احلجاب يف‬
‫اللغة املنع والسرت‪ ،‬وحقيقة احلجاب إمنا تكون لَلجسام احملدودة‪ ،‬وهللا تعاىل منزه عن‬
‫اجلسم واحلد‪ ..،‬واملراد ابلوجه الذات‪ .‬نقلً عن النووي‪.‬‬

‫يف حديث رقم (‪ )٩2‬صفحة (‪ ،)45‬يف قوله ‪ :‬يد هللا‬ ‫‪‬‬ ‫‪ .5‬قال‬
‫مألى‪ .‬قال‪ :‬أي نعمة للا غزيرة‪ .‬نقلً عن التعليق الصبيح‪.‬‬

‫يف حديث رقم (‪ )٩5‬صفحة (‪ ،)46‬يف قوله ‪ :‬إن هللا خلق‬ ‫‪ .6‬قال ‪‬‬
‫آدم‪ ،‬مث مسح ظهره بيمينه خلقت‪ .‬قال‪ :‬بقدرته وقوته‪ ،‬قال الطيب‪ :‬ينسب اخلري إىل‬
‫اليمني‪ ،‬ففيه‪ :‬تنبيه على تصيص آدم ابلكرامة‪ ،‬وقيل‪ :‬بيد بعض ملئكته وأسند إليه تعاىل؛‬
‫للتشريف‪ ،‬أو ألنه اآلمر واملتصرف‪.‬‬

‫‪ .7‬قال ‪ ‬يف حديث رقم (‪ )212٩‬صفحة (‪ ،)1٣٣‬يف قوله ‪ :‬أَ ْخِّربُوهُ‬


‫مقدس‬‫أَ َّن هللاَ ُُِّيبُّهُ‪ .‬قال‪ :‬قال املازري ومن تبعه‪ :‬حمبة للا لعباده إرادة ثواهبم وتنعيمهم‪ ،‬وهو َّ‬
‫عن الْ َمْيل‪ .‬نقلً عن فتح الباري‪.‬‬

‫‪ .8‬قال ‪ ‬يف حديث رقم (‪ )2266‬صفحة (‪ ،)18٠‬يف قوله ‪ُ  :‬ك ُ‬


‫نت‬
‫سم ُع بِّ ِّه‪ ،‬قال‪ :‬اتفق العلماء من يعتد بقوله‪ ،‬على أن هذا ماز وكناية عن‬ ‫ِّ‬
‫َمس َعهُ الذي يَ َ‬
‫نصرة العبد وَتييده وإعانته‪ ،‬حَّت كأنه سبحانه ين هزل نفسه عن عبده منزلة اآلالت الِت‬
‫يستعني هبا‪ ،‬وْلذا وقع يف رواية‪ :‬فيب يسمع‪ ،‬ويب يبصر‪ ،‬ويب يبطش‪ ،‬ويب ميشي‪ .‬نقلً‬
‫عن حاشية البخاري‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫‪ .9‬قال ‪ ‬يف حديث رقم (‪ )2267‬صفحة (‪ ،)18٠‬يف قوله ‪ :‬كيف لو‬


‫رأوين‪ ،‬قال‪ :‬استدل بعض األشاعرة على املعتزلة‪ ،‬أن للا تعاىل جيوز أن يرى‪ .‬نقلً عن فتح‬
‫الباري‪.‬‬

‫يف حديث رقم (‪ )٣8٠7‬صفحة (‪ ،)18٠‬يف قوله ‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ .10‬قال‬


‫‪‬يضحك هللا تعاىل‪ ،‬قال‪ :‬قال القاضي‪ :‬الضحك هنا‪ ،‬استعارة يف حق للا تعاىل؛ ألنه ال‬
‫الضحك املعروف يف حقنا؛ ألنه إمنا يصح من األجسام‪ ،‬وممن جيوز عليه‬
‫ُ‬ ‫جيوز عليه ‪‬‬
‫تغري احلاالت‪ ،‬وهللا تعاىل ُمنَ َّزهٌ عن ذلك‪ ،‬وإمنا املراد به الرضا بفعلهما‪ ،‬والثواب عليه‪ ،‬ومحد‬
‫فعلهما‪ .‬نقلً عن النووي‪.‬‬

‫‪ .11‬قال ‪ ‬يف حديث رقم (‪ )485٩‬صفحة (‪ ،)٣68‬يف قوله ‪ :‬واهتز‬


‫له العرش‪ ، ‬قال‪ :‬اهتزاز العرش عبارة عن وقوع أمر عظيم‪ ،‬وداهية دهياء؛ ألن فيه رضى ملا‬
‫فيه سخط للا وغضبه‪ .‬نقلً عن الطيب‪.‬‬

‫‪ .12‬قال ‪ ‬يف حديث رقم (‪ )4٩1٩‬صفحة (‪ ،)٣٩٠‬يف قوله ‪ :‬قامت‬


‫الرحم‪ ،‬فأخذت حبقوي الرمحن‪ ،‬قال‪ :‬قال النووي‪ :‬الرحم الِت توصل وتقطع‪ ،‬إمنا هي معىن‬
‫من املعاين‪ ،‬واملعاين ال يتأتى منها القيام وال الكلم‪ ،‬فيكون املراد تعظيم شأُنا‪ ،‬وفضيلة‬
‫واصلها‪ ،‬وعظم إمث قاطعها‪ .‬نقلً عن الطيب‪ .‬مث قال‪ :‬يف معىن ‪‬حبقوي الرمحن‪ ،‬أي بكتهفي‬
‫رمحته العامة واخلاصة‪ ..،‬واملراد به وللا أعلم‪ :‬االستعارة عن االستغاثة واالستعانة‪ .‬نقلً عن‬
‫املرقاة‪.‬‬

‫يف حديث رقم (‪ )4٩٩6‬صفحة (‪ ،)415‬يف قوله ‪َ  :‬وَمن‬ ‫‪ .13‬قال ‪‬‬


‫َس َّر هللاَ أَد َخلَهُ هللاُ اجلَنَّةَ‪ ،‬قال‪ :‬مسرة للا تعاىل م ٌاز عن رضاه‪ ،‬وإيصال اخلري إىل املرضي‬
‫عنه‪ ،‬ومتثيل‪ ،‬شبه معاملة للا تعاىل معه‪ ،‬مبعاملة من يسره بوصول ما ُيبه إليه‪ .‬نقلً عن‬
‫الطيب‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪22‬‬

‫‪ .14‬قال ‪ ‬يف حديث رقم (‪ )5٠٠5‬صفحة (‪ ،)418‬يف قوله ‪ :‬إن هللا‬


‫إذا أحب عبداً‪ ،‬دعا جربيل‪ ،‬قال‪ :‬قال العلماء‪ :‬حمبة للا ‪ ‬لعبده‪ ،‬هي إرادته اخلري له‪،‬‬
‫وهدايته‪ ،‬وإنعامه عليه ورمحته‪ ،‬وبغضه‪ :‬إرادة عقابه‪ ،‬أو شقاوته وحنوه‪ .‬نقلً عن النووي‪.‬‬

‫‪ .15‬قال ‪ ‬يف حديث رقم (‪ )547٠‬صفحة (‪ ،)58٠‬يف قوله ‪ :‬إن هللا‬


‫ال خيفى عليكم‪ ،‬إن هللا تعاىل ليس أبعور‪ ،‬قال‪ :‬أي قد عرفتموه بصفات الكمال وآمنتم‬
‫به‪ ..‬ومفهومه ال يعتِب به‪ ،‬فإن املراد به نفي النقص والعيب‪ ،‬ال إثبات اِلارحة بصفة‬
‫الكمال‪ .‬نقلً عن املرقاة‪.‬‬

‫يف حديث رقم (‪ )5524‬صفحة (‪ ،)61٠‬يف قول ابن مسعود‬ ‫‪ .16‬قال ‪‬‬
‫‪ ،‬جاء حِب من اليهود إىل النب ‪ ،‬فقال‪ :‬اي حممد‪ ،‬إن هللا ميسك السماوات يوم‬
‫علمهُ إىل هللا تعاىل‪ ،‬أو يُ َؤَّو ُل‪ِ ،‬بنه بيان‬
‫ض ُ‬ ‫القيامة على إصبع‪ ..‬احلديث‪ .‬قال‪ :‬هو مما يُ َف َّو ُ‬
‫استحقار العامل عند قدرته‪ ،‬كقولك‪ :‬خبنصري حتصيل هذا األمر‪ .‬نقلً عن حاشية البخاري‪.‬‬

‫‪ .17‬قال ‪ ‬يف ابب رؤية للا تعاىل‪ ،‬حديث رقم (‪ )5655‬صفحة (‪-668‬‬
‫رتو َن َربَّ ُكم ِّعيَاانً‪ ،‬قال‪ :‬اعلم أن مذهب أهل السنة‬
‫‪ ،)66٩‬يف قوله ‪ :‬إِّنَّ ُكم َس ََ‬
‫ِبمجعهم‪ ،‬أن رؤية للا تعاىل مكنة غري مستحيلة عقلً‪ ،‬وأمجعوا أيضاً على وقوعها يف اآلخرة‪،‬‬
‫أي نقلً‪ ،‬وأن املؤمنني يرون للا تعاىل دون الكافرين‪ ..‬وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة‬
‫وإمجاع الصحابة فمن بعدهم من األمة على إثبات رؤية للا تعاىل يف اآلخرة للمؤمنني‪ ..،‬وأما‬
‫رؤية للا تعاىل يف الدنيا فقد قدمنا أُنا مكنة‪ ،‬ولكن اِلمهور من املتكلمني وغريهم‪ ،‬أُنا ال‬
‫تقع يف الدنيا‪ ،‬وحكى اإلمام أبو القاسم القشريي يف رسالته املعروفة‪ ،‬عن اإلمام أيب بكر بن‬
‫فورك‪ ،‬أنه حكى فيها قولني لإلمام أيب احلسن األشعري‪ ،‬أحدمها‪ :‬وقوعها‪ ،‬والثاين‪ :‬ال تقع‪.‬‬
‫مث مذهب أهل احلق أن الرؤية قوة جيعلها هللا يف خلقه‪ ،‬وال يشرتط فيها اتصال األشعة‪،‬‬
‫وال مقابلة املرئي‪ ،‬وال غري ذلك‪ ..،‬وقد قرر أئمتنا املتكلمون ذلك ابلدالئل اِللية‪ ،‬وال‬
‫‪23‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫يلزم من رؤية هللا تعاىل إثبات جهته‪ ،‬تعاىل عن ذلك بل يراه املؤمنون ال يف جهته كما‬
‫يعلمونه ال يف جهته‪ .‬نقلً عن املرقاة‪ .‬عن النووي‪.‬‬

‫يف حديث رقم (‪ )57٠٠‬صفحة (‪ ،)688‬يف قوله ‪ :‬إِّ َّن‬ ‫‪ .18‬قال ‪‬‬
‫ضِّيب‪ ،‬قال‪ :‬املراد من الغضب ُ‬
‫الزمه‪ ،‬وهو إرادة إيصال العذاب إىل من‬ ‫َرمحَِِّت َسبَ َقت غَ َ‬
‫سابق على تعلق‬
‫ب ٌ‬ ‫يقع عليه الغضب‪ ،‬والسبق والغلبة ابعتبار التعلق‪ :‬أي تعلق الرمحة غال ٌ‬
‫الغضب‪ ..‬قال النووي‪ :‬غضب هللا تعاىل ورضاه يرجعان إىل إاثبة املطيع وعقاب العاصي‪.‬‬
‫نقلً عن الطيب وحاشية البخاري‪.‬‬

‫يف حديث رقم (‪ )5725‬صفحة (‪ ،)7٠٠‬يف قوله ‪ :‬كان‬ ‫‪ .19‬قال ‪‬‬


‫يف عماء حتته هواء‪ ،‬وما فوقة هواء‪ ،‬قال الرتمذي‪ :‬قال يزيد بن هارون‪ :‬العماء‪ :‬أي ليس‬
‫معه شيءٌ‪ .‬قال القاضي‪ :‬املراد ابلعماء ما ال تقبله األوهام‪ ،‬وال تدركه العقول واألفهام‪ ،‬عِب‬
‫عن عدم املكان مبا ال يدرك‪ ،‬وال يتوهم‪ ،‬وعن عدم ما ُيويه وُييط به ابْلواء؛ فإنه يطلق‬
‫ويراد به اخللء الذي هو عبارة عن عدم اِلسم؛ ليكون أقرب إىل فهم السامع‪ ..‬وفيه إمياء‬
‫إىل كلم بعض العارفني يف هذا الشأن‪« ،‬وكان هللا ومل يكن معه شيء‪ ،‬واآلن هو على ما‬
‫عليه كان»‪ .‬نقلً عن املرقاة‪.‬‬

‫‪ .20‬قال ‪ ‬يف حديث رقم (‪ )57٣6‬صفحة (‪ ،)7٠4‬تعليقاً على قول اإلمام‬


‫حميط بعلمه‬ ‫الرتمذي‪ :‬وعلم هللا وقدرته وسلطانه يف كل مكان‪ ،‬قال‪ :‬املعىن أنه ‪‬‬
‫وقدرته على سفليات ملكه‪ ،‬كما يف علوايت ملكوته؛ دفعاً لهما عسى أن خيتلج يف وهم من‬
‫ال فهم له‪ ،‬أن له اختصاصاً هابلعل هو دون أسفل‪ ،‬فاملقصود بيان إحاطة علمه وقدرته وسلطانه‪،‬‬
‫وظهور آاثر صفات أفعاله وجلله‪ ،‬يف العلوايت والسفليات‪ .‬نقلً عن التعليق الصبيح‪.‬‬

‫يف حديث رقم (‪ )5725‬صفحة (‪ ،)7٠٠‬يف قوله ‪ :‬لقد‬ ‫‪ .21‬قال ‪‬‬


‫عجب هللا من فالن وفالنة‪ ،‬قال‪ :‬قال القاضي‪ :‬العجب من للا‪ ،‬رضاه ذلك الشيء‪ .‬نقلً‬
‫عن النووي‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪24‬‬

‫قلت‪ :‬فتبني يقيناً وقطعاً ما سبق من النقوالت‪ ،‬أن علماء التبليغ يسريون يف مجيع‬
‫أبواب العقائد‪ ،‬اإلْليات‪ ،‬والنبوات‪ ،‬والسمعيات‪ ،‬على عقيدة أهل السنة واِلماعة‪ ،‬األشاعرة‬
‫واملاتريدية‪ ،‬وال خيالفوُنا قهيد شعرة‪ ،‬وال ينقلون العقيدة إال عن أكابر أئمة أهل السنة‬
‫واِلماعة‪ ،‬من احملدثني واملفسرين واملتكلمني‪ ،‬وأُنم يف أبواب الصفات كذلك‪ ،‬ينزهون للا‬
‫تعاىل عن مجيع معاين احلدوث واالفتقار‪ ،‬من احلدود واألعضاء‪ ،‬واِلسمية والتحيز‪ ،‬واِلهة‬
‫واملكان‪ ،‬وقيام احلوادث بذاته العلية‪ .‬ولل احلمد على اْلداية ْلذه العقيدة الصافية النقية‪.‬‬

‫** ** **‬
‫‪25‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مذاهب أهل السنة يف أصول الدين [العقائد]‬

‫من املعلوم أن املصيب يف أصول الدين [العقائد] واح ٌد‪ ،‬واالختلف يف أصول الدين‬
‫ال جيوز‪ ،‬بعكس االختلف يف الفروع واألحكام؛ ألُنا مبنية يف معظمها على الظن‪ ،‬أما‬
‫أصول الدين‪ ،‬والعقائد‪ ،‬فيجب أن تبىن على اليقني‪.‬‬
‫وه‬
‫الفرقة الِت على احلق‪ ،‬من مجلة الفرق الِت تنتسب إىل اإلسلم‪ ،‬هم أهل السنة‬
‫واِلماعة؛ ألُنا هي الِت حتقق فيها قول النب ‪« :‬هم من كان على ما أان عليه‬
‫وأصحايب»(‪ ،)1‬وأهل السنة واِلماعة يف العقائد هم السواد األعظم‪ ،‬من أتباع املذاهب‬
‫الفقهية األربعة‪ ،‬وهم يف تقرير مسائل االعتقاد ثلثة مذاهب‪:‬‬

‫السادة احلنفية‪ ،‬ويُسمى ابملذهب ال َْماتُريدي‪ ،‬نسبة إلمام‬


‫املذهب األول‪ :‬مذهب َّ‬
‫اْلدى‪ ،‬أيب املنصور املاتريدي احلنفي‪.)2( ،‬‬

‫(‪ )1‬رواه الرتمذي يف سننه (‪ )2641‬وحسنه‪ ،‬والطِباين يف الكبري (‪ ،)62‬واألوسط (‪،2٣٣ )784٠‬‬
‫واحلاكم يف املستدرك (‪ )444‬وصححه احلافظ السخاوي‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو أبو منصور‪ ،‬حممد بن حممد بن حممود‪ ،‬املاتريدي السمرقندي األنصاري احلنفي املتكلم‪،‬‬
‫واألنصاري‪ :‬نسبة إىل الصحايب أيب أيوب االنصاري‪ ،‬كان إماما جليلً مناضلً عن الدين‪ ،‬ه‬
‫موط ًدا‬ ‫ً‬
‫لعقائد أهل السنة‪ ،‬قطع املعتزلة وذوي البدع يف مناظراهتم‪ ،‬وخصمهم يف حماورهتم حَّت أسكتهم‪.‬‬
‫أطلق عليه أصحابه وتلميذه‪ ،‬والذين ترمجوا له لقب‪ :‬إمام اْلدى وإمام املتكلمني‪ ،‬ومصحح عقائد‬
‫املسلمني ورئيس أهل السنة واِلماعة‪ ،‬ومهدي هذه األمة‪ ،‬وانصر السنة‪ ،‬وقامع البدعة‪ ،‬وحمي‬
‫الشريعة‪ ،‬وموطن عقائد املسلمني‪ .‬تفقه على‪ :‬أمحد اِلوزجاين‪ ،‬عن أيب سليمان اِلوزجاين‪211‬ه عن‬
‫حممد بن احلسن الشيباين ‪18٩‬ه ‪ ،‬له‪ :‬كتاب التوحيد‪ ،‬وكتاب املقاالت‪ ،‬وكتاب َتويلت القران‪ ،‬وله‬
‫تصانيف شَّت‪ .‬انظر ترمجته يف‪ :‬الفوائد البهية يف تراجم احلنفية أليب احلسنات اللكنوي‪ ،‬ص‪،1٩5‬‬
‫واتج الرتاجم يف طبقات احلنفية‪ ،‬البن قطلوبغا‪ ،‬ص (‪ )24٩‬رقم الرتمجة (‪.)217‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪26‬‬

‫السادة املالكية والشافعية وبعض احلنابلة‪ ،‬املسمى‬


‫املذهب الثاين‪ :‬مذهب َّ‬
‫ابلْمذهب األشعري‪ ،‬نسبةً إىل اإلمام أيب احلسن األشعري ‪ ،)1(‬الذي مشلته البشارة‬
‫األشعري ‪ ،‬قال‪ :‬لما نزلت هذه اآلية‪ :‬ﭐﱡﭐﲓ‬
‫ه‬ ‫النبوية الشريفة به‪ ،‬فيما ثبت عن عياض‬
‫وم هذا‪ ،‬يعين أاب‬
‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﱠ [املائدة‪ ،]54 :‬قال رسول للا ‪ :‬هم قَ ُ‬
‫األشعري‪.)2(‬‬
‫َّ‬ ‫ُموسى‬

‫عقيب هذا احلديث‪« :‬وذلك لهما وجد فيه من الفضيلة‬ ‫قال اإلمام الب ي ه هق ُّي ‪‬‬
‫اِلليلة‪ ،‬واملرتبة الشريفة لإلمام أيب احلسن األشعري ‪ ،‬فهو من قوم أيب موسى وأوالده‬
‫الذين أوتوا العلم ورزقوا الفهم‪ ،‬خمصوصاً من بينهم بتقوية السنة وقمع البدعة‪ ،‬إبظهار احلجة‬
‫ورد الشبهة‪ ،‬واألشبه أن يكون رسول للا ‪ ‬إمنا جعل قوم أيب موسى من قوم ُيبهم للا‬
‫وُيبونه ملا علم من صحة دينهم‪ ،‬وعرف من قوة يقينهم‪ ،‬فمن حنا يف علم األصول حنوهم‬

‫(‪ )1‬هو إمام أهل السنة واِلماعة‪ ،‬أبو احلسن علي بن إمساعيل بن أيب بشر‪ ،‬إسحاق بن سامل بن‬
‫إمساعيل بن عبد للا بن موسى بن بلل بن أيب بردة عامر ابن صاحب رسول للا ‪ ‬أيب موسى‬
‫األشعري‪ ،‬ولد رمحه للا سنة ‪26٠‬ه ابلبصرة‪ ،‬وتويف ببغداد سنة ‪٣24‬ه رمحه للا تعاىل‪ .‬كان شيخ‬
‫طريقة أهل السنة واِلماعة‪ ،‬وإمام املتكلمني‪ ،‬حافظ على عقيدة السلف واضحة ونقية‪ ،‬وتبعه مجاهري‬
‫العلماء على مر العصور إىل يومنا هذا‪ ،‬تبع أول أمره مذهب اِلبائي املعتزيل‪ ،‬واستمر على االعتزال‬
‫فرتة طويلة‪ ،‬وبرع فيه حَّت صار للمعتزلة إم اماً‪ ،‬وعلى خصومهم حس اماً‪ ،‬فلما أراد للا نصر دينه‪،‬‬
‫وَتيي د سنة نبيه ‪ ،‬بصره ببطلن مذهب االعتزال‪ ،‬فخ رج إىل اِلامع‪ ،‬وصعد املنِب وتِبأ من‬
‫مذهب االعتزال‪ ،‬معلناً رجوعه ملذهب السلف الصاحل‪ .‬قال الفقيه أبو بكر الصرييف‪ :‬كانت املعتزلة‬
‫السماسم‪ .‬وقد استفاد من األشعري‬ ‫قد رفعوا رءوسهم‪ ،‬حىت نشأ األشعري‪ ،‬فحجزهم يف أقماع َّ‬
‫خلق كثري من أكابر العلماء‪ ،‬وفحول األئمة‪ ،‬فتأدبوا آبدابه‪ ،‬وسلكوا مسلكه يف األصول‪ ،‬واتبعوا‬
‫طريقته يف الذب عن الدين‪ ،‬ونصرة أهل السنة‪ ،‬ق ال األستاذ أبو إسحاق اإلسفراييين‪ :‬كنت يف‬
‫جنب الشيخ أيب احلسن الباهلي (تلميذ اإلمام األشعري) كقطرة يف جنب حبر‪ ،‬ومسعت الباهلي‬
‫يقول‪ :‬كنت يف جنب األشعري كقطرة يف جنب البحر‪ .‬ينظر ترمجته‪ :‬طبقات الشافعية للسبكي‪،‬‬
‫(‪ ،)245/2‬وتبيني كذب املفرتي فيما نسب إىل األشعري‪ ،‬للحافظ ابن عساكر‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن أيب شيبة يف مصنفه (‪ )٣2261‬والطِباين يف الكبري (‪ )1٠16‬وقال اْليثمي‪ :‬رجاله رجال‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫وتبع يف نفى التشبيه مع ملزمة الكتاب والسنة قوْلم‪ ،‬جعل من مجلتهم‪ ،‬وعد من حساهبم‬
‫مبشيئة للا وإذنه‪ ،‬أعاننا للا تعاىل على ذلك مبنه‪ ،‬وختم لنا ابلسعادة والشهادة جبوده»(‪.)1‬‬

‫السادة فضالء احلنابلة‪ ،‬نسبة لإلمام أمحد بن حنبل‬


‫املذهب الثالث‪ :‬مذهب َّ‬
‫‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ومجهور علماء املسلمني على مر التاريخ اإلسلمي‪ ،‬هم من األشاعرة‬


‫واملاتريدية‪ ،‬حَّت ال تكاد تد أحداً من أهل العلم‪ ،‬من املفسرين واحملدثني والفقهاء‬
‫واألصوليني واملتكلمني‪ ،‬وأهل اللغة والتاريخ‪ ،‬واملؤرخني والقادة واملصلحني‪ ،‬وغريهم إال وهم‬
‫أشاعرة‪ ،‬أو ماتريدية‪ ،‬أو من فضلء احلنابلة‪ ،‬كما سيأيت‪.‬‬

‫قال اإلمام اتج الدين السبكي ‪« :‬وهؤالء احلنفية والشافعية واملالكية‬


‫وفضالء احلنابلة‪ ،‬وهلل احلمد‪ ،‬يف العقائد ي ٌد واحدةٌ‪ ،‬كلهم على رأي أهل السنة‬
‫واجلماعة‪ ،‬يدينون هللا تعاىل بطريق شيخ السنة واجلماعة‪ ،‬أيب احلسن األشعري‪ ،‬ال ُييد‬
‫ورعاع من احلنابلة‪ ،‬حلقوا‬
‫عنها إال َرعاع من احلنفية والشافعية‪ ،‬حلقوا أبهل االعتزال‪َ ،‬‬
‫أبهل التجسيم‪ ،‬وبرأ هللا املالكية؛ فلم نر مالكياً إال أشعري العقيدة»(‪.)2‬‬

‫وقال ‪ ‬أيضاً‪« :‬اعلم أن أاب احلسن مل يبدع رأاي ومل ينش مذهباً‪ ،‬وإمنا هو مقرر‬
‫ملذاهب السلف‪ ،‬مناضل عما كانت عليه صحابة رسول للا ‪ ،‬فاالنتساب إليه إمنا هو‬
‫ابعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقاً‪ ،‬ومتسك به وأقام احلجج والِباهني عليه‪ ،‬فصار‬
‫املقتدى به يف ذلك السالك سبيله يف الدالئل يسمى أشعرايً‪ ..‬ولقد قلت مرة للشيخ اإلمام‬
‫رمحه للا‪ :‬أان أعجب من احلافظ ابن عساكر يف ع هده طوائف من أتباع الشيخ‪ ،‬ومل يذكر إال‬
‫نزراً يسرياً وعددا قليلً‪ ،‬ولو وىف االستيعاب حقه الستوعب غالب علماء املذاهب األربعة؛‬

‫(‪ )1‬تبيني كذب املفرتي‪ ،‬فيما نسب لَلشعري‪ ،‬للحافظ ابن عساكر الدمشقي‪ ،‬ص (‪.)5٠‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬معيد النعم ومبيد النقم ص (‪.)75‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪28‬‬

‫فإُنم برأي أىب احلسن يدينون للا تعاىل‪ ،‬فقال إمنا ذكر من اشتهر ابملناضلة عن أىب احلسن‪،‬‬
‫وإال فاألمر على ما ذكرت من أن غالب علماء املذاهب معه‪.‬‬

‫وقد ذكر الشيخ شيخ اإلسلم عز الدين بن عبد السلم أن عقيدته اجتمع عليها‬
‫الشافعية واملالكية واحلنفية وفضلء احلنابلة‪ ،‬ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ املالكية‬
‫يف زمانه أبو عمرو بن احلاجب‪ ،‬وشيخ احلنفية مجال الدين احلصريي»(‪.)1‬‬

‫وقال اإلمام احلافظ ابن عساكر الدمشقي ‪« :‬وأكثر العلماء يف مجيع األقطار‬
‫عليه ‪ -‬يعين مذهب األشعري ‪ -‬وأئمة األمصار يف سائر األعصار يدعون إليه‪ ،‬وهل من‬
‫الفقهاء من احلنفية واملالكية والشافعية‪ ،‬إال موافق له‪ ،‬أو منتسب إليه‪ ،‬أو راض حبميد سعيه‬
‫يف دين للا‪ ،‬أو مثن بكثرة العلم عليه» (‪.)2‬‬

‫وقال ‪ ‬أيضاً‪« :‬فإُنم حبمد للا ليسوا معتزلة‪ ،‬وال نفاة لصفات للا معطلة‪،‬‬
‫لكنهم يثبتون له سبحانه ما أثبته لنفسه من الصفات‪ ،‬ويصفونه مبا اتصف به يف حمكم‬
‫اآلايت‪ ،‬ومبا وصفه به نبيه ‪ ‬يف صحيح الرواايت‪ ،‬وينزهونه عن مسات النقص واآلفات‪،‬‬
‫فإذا وجدوا من يقول ابلتجسيم أو التكييف من اجملسمة واملشبهة‪ ،‬ولقوا من يصفه بصفات‬
‫احملداثت من القائلني ابحلدود واِلهة‪ ،‬فحينئذ يسلكون طريق التأويل‪ ،‬ويثبتون تنزيهه ِبوضح‬
‫الدليل‪ ،‬ويبالغون يف إثبات التقديس له والتنزيه خوفاً من وقوع من ال يعلم يف ظلم التشبيه‪،‬‬
‫فإذا أمنوا من ذلك‪ ،‬رأوا أن السكوت أسلم‪ ،‬وترك اخلوض يف التأويل إال عند احلاجة أحزم‪..‬‬
‫فأما إذا تكدر صفاء عقده‪ ،‬بكدورة التكييف والتمثيل‪ ،‬فل بد من تصفية قلبه من الكدر‪،‬‬
‫مبصفاة التأويل‪ ،‬وترويق ذهنه براووق الدليل؛ لتسلم عقيدته من التشبيه والتعطيل»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬طبقات الشافعية‪ )٣65/٣( ،‬ابختصار يسري‪.‬‬


‫(‪ )2‬تبيني كذب املفرتي‪ ،‬ص (‪.)41٠‬‬
‫(‪ )3‬تبيني كذب املفرتي‪ ،‬فيما نسب إىل اإلمام األشعري‪ ،‬ص (‪.)٣88‬‬
‫‪29‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫وقال ‪ ‬أيضاً‪« :‬ولسنا نسلهم أن أاب احلسن اخرتع مذهباً خامساً‪ ،‬وإمنا أقام من‬
‫مذاهب أهل السنة ما صار عند املبتدعة دارساً‪ ،‬وأوضح من أقوال من تقدمه من األربعة‬
‫وغريهم ما غدا ملتبساً‪ ،‬وجدد من معامل الشريعة ما أصبح بتكذيب من اعتدى منطمساً‪،‬‬
‫ولسنا ننتسب مبذهبنا يف التوحيد إليه على معىن أان نقلده فيه ونعتمد عليه‪ ،‬ولكنا نوافقه‬
‫على ما صار إليه من التوحيد؛ لقيام األدلة على صحته ال جملرد التقليد‪ ،‬وإمنا ينتسب منا من‬
‫انتسب إىل مذهبه؛ ليتميز عن املبتدعة‪ ،‬الذين ال يقولون به‪ ،‬من أصناف املعتزلة‪،‬‬
‫واجلهمية‪ ،‬والكرامية‪ ،‬واملشبهة‪ ،‬والساملية‪ ،‬وغريهم من سائر طوائف املبتدعة‪ ،‬وأصحاب‬
‫املقاالت الفاسدة املخرتعة؛ ألن األشعري هو الذي انتدب للرد عليهم‪ ،‬حَّت قمعهم‪ ،‬وأظهر‬
‫ملن ال يعرف البدع بدع هم‪ ،‬ولسنا نرى األئمة األربعة الذين عنيتم يف أصول الدين خمتلفني‪،‬‬
‫بل نراهم يف القول بتوحيد للا وتنزيهه يف ذاته مؤتلفني‪ ،‬وعلى نفي التشبيه عن القدمي ‪‬‬
‫واألشعري ‪ ‬يف األصول على منهاجهم أُجعني‪ ،‬فما على من انتسب إليه‬ ‫ُّ‬ ‫متمعني‪،‬‬
‫على هذا الوجه جناح‪ ،‬وال يرجى ملن تِبأ من عقيدته الصحيحة فلح‪ ،‬فإن عددمت القول‬
‫ابلتنزيه وترك التشبيه متشعراً‪ ،‬فاملوحدون ِبسرهم أشعرية‪ ،‬وال يضر عصابةً انتمت إىل موحد‬
‫مرد التشنيع عليها مبا هي منه ب هريهة»(‪.)1‬‬

‫فانظر ‪ -‬رمحك للا ‪ -‬كيف جعل االنتساب إىل اإلمام األشعري‪ ،‬متيزاً عن أهل البدع‬
‫واألهواء‪ ،‬وأنه هو ومن انتسب إليه‪ ،‬على اعتقاد السلف الصاحل‪ ،‬من األئمة األربعة وغريهم‪.‬‬

‫وقال ‪ ‬أيضاً‪« :‬وهم ‪ -‬يعين األشاعرة ‪ -‬املتمسكون ابلكتاب والسنة‪ ،‬التاركون‬


‫لَلسباب اِلالبة للفتنة‪ ،‬الصابرون على دينهم عند االبتلء واحملنة‪ ،‬الظاهرون على عدوهم مع‬
‫اطراح االنتصار واإلحنة‪ ،‬ال يرتكون التمسك ابلقرآن واحلجج األثرية‪ ،‬وال يسلكون يف‬
‫املعقوالت مسالك املعطلة القدرية‪ ،‬لكنهم جيمعون يف مسائل األصول بني األدلة السمعية‬
‫وبراهني العقول‪ ،‬ويتجنبون إفراط املعتزلة ويتنكبون طرق املعطلة‪ ،‬ويط هرحون تفريط اجملسمة‬

‫(‪ )1‬تبيني كذب املفرتي‪ ،‬فيما نسب إىل اإلمام األشعري‪ ،‬ص ‪.٣5٩‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪30‬‬

‫املشبهة‪ ،‬ويفضحون ابلِباهني عقائد الفرق املموهة‪ ،‬وينكرون مذاهب اِلهمية وينفرون عن‬
‫الكرامية والساملية‪ ،‬ويبطلون مقاالت القدرية‪ ،‬ويرذلون شبه اِلِبية‪ ...‬فمذهبهم أوسط‬
‫املذاهب‪ ،‬ومشرهبم أعذب املشارب‪ ،‬ومنصبهم أكرم املناصب‪ ،‬ورتبتهم أعظم املراتب؛ فل‬
‫يؤثر فيهم قدح قادح‪ ،‬وال يظهر فيهم جرح جارح»(‪.)1‬‬

‫وقال اإلمام املرتضى الزبيدي ‪« :‬وليعلم أن كلًّ من اإلمامني أيب احلسن وأيب‬
‫منصور ‪ ‬وجزامها عن اإلسلم خرياً‪ ،‬مل يبدعا من عندمها رأايً‪ ،‬ومل يشتقا مذهباً‪ ،‬إمنا مها‬
‫قرران ملذاهب السلف‪ ،‬مناضلن عما كانت عليه أصحاب رسول للا‪ ،‬وانظر كلٌّ‬ ‫مه‬
‫منهما ذوي البدع والضلالت‪ ،‬حَّت انقطعوا وولوا منهزمني»(‪.)2‬‬

‫وقال اإلمام عبد القاهر البغدادي ‪‬يف حق إمام أهل السنة‪ ،‬أيب احلسن‬
‫األشع هري ‪ :‬وقد مَل الدنيا كتبه‪ ،‬وما رزق أحد من المتكلمني من التبع ‪ -‬يعين األتباع‬
‫‪ -‬ما قد رزق؛ ألن مجيع أهل احلديث‪ ،‬وكل من مل ي تمعزل من أهل الرأي‪ ،‬على مذهبه‪،‬‬
‫ومن تلمذته المشهورين‪ :‬أبو احلسن الباهلي‪ ،‬وأبو عبد للا بن ماهد‪ ،‬ومها اللذان أمثرا‬
‫تلمذة‪ ،‬هم إهىل اليوم مشوس الزمان‪ ،‬وأئمة العصر‪.)3(‬‬
‫وقال اإلمام أبو إسحق الشريازي ‪ :‬وأبو احلسن األشعري إمام أهل السنة‪،‬‬
‫وعامة أصحاب الشافعي على مذهبه‪ ،‬ومذهبه مذهب أهل ه‬
‫احلق‪.)4(‬‬

‫وقال سلطان العلماء‪ ،‬العز بن عبد السالم ‪ :‬واعتقاد األشعري ‪،‬‬


‫مشتمل على ما دلت عليه أمساء للا التسعة والتسعون‪ ،‬الِت مسى هبا نفسه يف كتابه‪ ،‬وسنة‬
‫ٌ‬
‫رسول للا ‪ ،‬وأمساؤه مندرجة يف أربع كلمات‪ ،‬هن الباقيات الصاحلات‪:‬‬

‫تبيني كذب املفرتي‪ ،‬ص ‪.٣٩7‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫إحتاف السادة املتقني (‪.)7/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أصول الدين‪ ،‬ص (‪.)٣٠٩‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫طبقات الشافعية (‪.)٣76/٣‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪31‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫الكلمة األوىل‪[ :‬سبحان اهلل]‪ :‬ومعناها يف كلم العرب التنزيه والسلب‪ ،‬فهي مشتملة‬
‫على سلب النقص والعيب عن ذات للا وصفاته‪ ،‬فما كان من أمسائه سلباً‪ ،‬فهو مندرج حتت‬
‫هذه الكلمة‪ ،‬ك [القدوس]‪ :‬وهو الطاهر من كل عيب‪ ،‬و[السالم]‪ :‬وهو الذي سلم من كل‬
‫آفة‪.‬‬

‫الكلمة الثانية‪[ :‬احلمد هلل]‪ :‬وهي مشتملة على إثبات ضروب الكمال لذاته وصفاته‪،‬‬
‫فما كان من أمسائه متضمناً لإلثبات‪ :‬ك [العليم]‪ ،‬و[القدير]‪ ،‬و[السميع] و[البصري]‪ ،‬فهو‬
‫مندرج حتت الكلمة الثانية؛ فقد نفينا بقولنا‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬كل عيب عقلناه‪ ،‬وكل نقص‬
‫فهمناه‪ ،‬وأثبتنا ب احلمد هلل‪ ،‬كل كمال عرفناه‪ ،‬وكل جلل أدركناه‪.‬‬

‫الكلمة الثالثة‪[ :‬اهلل أكرب]‪ :‬مبعىن أنه أجل ما نفيناه وأثبتناه‪ ،‬وذلك معىن قوله ‪:‬‬
‫«ال أحصي ثناء عليك أنت‪ ،‬كما أثنيت على نفسك"‪ .‬فما كان متضمناً ملدح‪ ،‬فوق ما‬
‫عرفناه وأدركناه‪ ،‬ك [األعلى]‪ ،‬و[املتعايل]‪ ،‬فهو مندرج حتت قولنا‪[ :‬اهلل أكرب]‪.‬‬

‫الكلمة الرابعة‪[ :‬ال إله إال اهلل]‪ ،‬فإذا كان يف الوجود من هذا شأنه‪ ،‬نفينا أن يكون يف‬
‫الوجود من يشاكله‪ ،‬أو يناظره‪ ،‬فإن األلوهية ترجع إىل استحقاق العبودية‪ ،‬وال يستحق‬
‫العبودية إال من اتصف جبميع ما ذكرانه‪ ،‬فما كان من أمسائه متضمناً للجميع على اإلمجال‬
‫ك [الواحد]‪ ،‬و[األحد]‪ ،‬و[ذي اجلالل واإلكرام]‪ ،‬فهو مندرج حتت قولنا‪[ :‬ال إله إال اهلل]‪ .‬وإمنا‬
‫استحق العبودية ملا وجب له من أوصاف اِللل‪ ،‬ونعوت الكمال الذي ال يصفه الواصفون‬
‫وال يعده العادون‪.)1(‬‬

‫وقال اإلمام حميي الدين النووي ‪ ،‬يف ترمجة األستاذ أيب إسحاق اإلسفراييين‪:‬‬
‫‪‬وكان األستاذ أحد الثلثة‪ ،‬الذين اجتمعوا يف عصر واحد‪ ،‬على نصر مذهب احلديث‬
‫والسنة‪ ،‬يف املسائل الكالمية‪ ،‬القائمني بنصرة مذهب الشيخ أىب احلسن األشعري‪ ،‬وهم‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬ملحة االعتقاد‪ ،‬للعز بن عبد السلم‪ ،‬ص (‪.)2٣-1٣‬‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪32‬‬

‫األستاذ أبو إسحاق اإلسفرايين‪ ،‬والقاضي أبو بكر الباقالين‪ ،‬واإلمام أبو بكر بن‬
‫فورك‪.)1(‬‬
‫وسئل اإلمام ابن حجر اْليتمي عن اإلمام أيب احلسن األشعري‪ ،‬والباقلين‪ ،‬وابن‬
‫فورك‪ ،‬وإمام احلرمني‪ ،‬والباجي‪ ،‬وغريهم من أخذ مبذهب األشعري‪ ،‬فأجاب‪ :‬هم أئهمة‬
‫الدين‪ ،‬وفحول علماء المسلمني؛ فيجب هاالقتهداء هبم؛ لقيامهم بنصرة الش هريعة‪ ،‬وإيضاح‬
‫املشكلت‪ ،‬ورهد شبه أهل الزيغ‪ ،‬وما جيب من االعتقادات والدايانت؛ لعلمهم هابَّلل‪ ،‬وما‬
‫جيب له‪ ،‬وما يستحيل عليه‪ ،‬وما جيوز يف حقه‪ ،‬وال يعرف الوصول إال بعد معرفة األصول‪..‬‬
‫والواجب االعرتاف بفضل أولئك األئمة املذكورين يف السؤال وسابقيهم‪ ،‬وأُنم من مجلة‬
‫املرادين بقوله ‪ُ" :‬يمل هذا العلم من ِّ‬
‫كل خلَف عدولُه‪ ،‬يَنفون عنه حتريف الغالني‪،‬‬
‫وأتويل اجلاهلني"‪ .‬فل يعتقد ضللتهم إهال أمحق جاهل‪ ،‬أو مبتدع زائغ‬
‫َ‬ ‫وانتحال املُبطلني‪،‬‬
‫عن احلق‪ ،‬وال يسبهم إهال فاسق‪ ،‬فينبغهي تبصري اِلاهل‪ ،‬وَتديب الفاسق‪ ،‬واستتابة‬
‫املبتدع‪.)2(‬‬
‫وقال األستاذ أبو احلسن الندوي ‪ :‬وقد سار األشعري يف طريقه ماهداً‬
‫ويرد‬
‫مناضلً منتجاً‪ ،‬ال يعبأ مبا يقال فيه‪ ،‬مؤمناً ِبنه هو الطريق الذي ينفع الدين يف عصره‪ُّ ،‬‬
‫إىل الشريعة مهابتها وكرامتها‪ ،‬وُيرس للناشئة دينها وعقيدهتا‪ ،‬حَّت استطاع بعمله املتواصل‪،‬‬
‫وشخصيته القوية‪ ،‬وعقله الكبري‪ ،‬وإخلصه النادر‪ ،‬أن يرد سيل االعتزال والتفلسف اِلارف‪،‬‬
‫الذي كان يتهدد الدين‪ ،‬وي ث بهت كثرياً من الذين تزلزلت أقدامهم‪ ،‬واضطربت عقوْلم‬
‫وعقائدهم‪ ،‬وأن يوجد يف أهل السنة ثقةً جديدةً بعقيدهتم‪.)3( ‬‬
‫قلت‪ :‬أما الفروع العقدية‪ ،‬وهي ما سوى هذين القسمني‪ ،‬مثل جزئيات العقيدة‪،‬‬
‫من اختلف يف رؤية النب ‪ ‬ربه‪ ،‬ليلة‬ ‫‪‬‬ ‫ومنثل ْلا هنا مبا حدث بني الصحابة‬
‫املعراج ‪ ،‬وغري ذلك من املسائل اِلزئية الغيبية‪ ،‬ويلحق هبذا النوع من االختلف املشروع‬

‫(‪ )1‬هتذيب األمساء واللغات (‪.)17٠/2‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى احلديثية ص (‪.)146-145‬‬
‫(‪ )3‬رجال الفكر والدعوة‪ ،‬ص ‪.1٣٣‬‬
‫‪33‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫الذي حدث بني سلف األمة‪ ،‬االختلف يف تفويض املتشاهبات وَتويلها‪ ،‬فقد نقل العلماء‬
‫عن السلف‪ ،‬أن مجهورهم كان على مذهب التفويض‪ ،‬وعن مجاعات منهم‪ ،‬أُنم أخذوا‬
‫ابلتأويل‪ ،‬كابن عباس ‪ ،‬وغريه من الصحابة‪ ،‬وأكابر التابعني واتبعيهم‪.‬‬
‫وعلى اِلملة فإن اخللف يف هذا النوع من القضااي‪ ،‬ال يرتتب عليه شيء قطعاً‪ ،‬إذ مل‬
‫ينقل عن الصحابة‪ ،‬أو السلف عموماً‪ ،‬أُنم ضلل بعضهم بعضاً بسبب شيء من ذلك‪،‬‬
‫مستفيض مشهور‪ ،‬وما حدث بني طوائف أهل‬
‫ٌ‬ ‫خصوصاً وأن اختلفهم يف مثل هذه القضااي‬
‫ملحق هبذا النوع من االختلف‪ ،‬فكله ال يستلزم‬‫ٌ‬ ‫السنة‪ ،‬من اختلف يف بعض املسائل‪،‬‬
‫تضليلً وال تبديعاً‪.‬‬
‫قال اإلمام عبد القاهر البغدادي ‪ :‬فأما الفرقة الثالهثة والسب عون‪ :‬فهي أهل‬
‫السنة واِلماعة‪ ،‬من فريقى الرأي واحل هديث‪ ،‬دون من يشرتى ْلو احل هديث‪ ،‬وفقهاء هذين‬
‫ني وقراؤهم‪ ،‬وحمدثوهم ومتكلمو أهل احل هديث همن هم‪ ،‬كلهم متفقون على مقالة و ه‬
‫احدة‪،‬‬ ‫الف هريق ه‬
‫هيف ت و هحيد الصانهع و هصفاته‪ ،‬وعدله وحكمته‪ ،‬وهيف أمسائه و هصفاته‪ ،‬وىف أبواب النُّب وة واإلمامة‪،‬‬
‫وىف أحكام العقىب‪ ،‬وىف سائهر أصول الدين‪ ،‬وامنا خيتلهفون هيف احللل واحلرام من فروع‬
‫اجية‪ ..‬وقد‬‫االحكام‪ ،‬وليس بينهم فهيما اختلفوا فه هيه همن ها تضليل وال تفسيق‪ ،‬وهم الفرقة الن ه‬
‫دخل هيف ه هذه اِلملة‪ ،‬مجهور االمة وسوادها األعظم‪ ،‬من أصحاب مالك‪ ،‬والشافهعهي‪ ،‬وأىب‬
‫حنيفة‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬والثوري‪ ،‬وأهل الظ ه‬
‫اهر‪.)1( ‬‬
‫وقال العلمة مل علي القاري ‪ :‬وما وقع من اخلالف بني املاتريدية‬
‫ظنيات‪ ،‬فلم تكن من‬
‫ٌ‬ ‫واألشعرية يف مسائل‪ ،‬فهي ترجع إىل الفروع يف احلقيقة‪ ،‬فإهنا‬
‫ْف بينهما يف الكل‬‫االعتقادات املبنية على اليقينيات‪ ،‬بل قال بعض احملققني‪ :‬إن اخلُل َ‬
‫لفظي‪.)2( ‬‬

‫(‪ )1‬الفرق بني ه‬


‫الفرق‪ ،‬ص (‪.)1٩‬‬
‫(‪ )2‬مرقاة املفاتيح (‪.)2٠6 /1‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪34‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬االستدالل على أن أهل السنة واجلماعة هم السادة‬


‫األشاعرة واملاتريدية وفضالء احلنابلة ِّ‬
‫وأهل احلديث‬

‫يف هذا املبحث سنعرض بعض األدلة والِباهني‪ ،‬على أن أهل السنة واِلماعة هم‪:‬‬
‫األشاعرة واملاتريدية وفضلء احلنابلة وأهل احلديث‪ ،‬وأن هذا اللقب قد أطلق يف التاريخ‬
‫اإلسلمي عليهم مجيعاً‪.‬‬

‫الدليل األول‪ :‬اتفاقهم على عقيدة اإلمام الطحاوي الِت أُجعت األمة على قبوهلا‬

‫اتفقت كلمة علماء أهل السنة واِلماعة‪ ،‬على صحة ما يف العقيدة الطحاوية لإلمام‬
‫أيب جعفر الطحاوي‪ ،‬ورضوها عقيدةً ألهل السنة‪ ،‬فهي عقيدةٌ اثبتةٌ‪ ،‬مرضيةٌ عن السلف‬
‫الصاحل وأئمتهم‪ ،‬وهي عقيدة منقولة عن بعض أئمة السلف‪ ،‬وهم التابعي اِلليل اإلمام أبو‬
‫حنيفة النعمان‪ ،‬وصاحباه أبو يوسف يعقوب األنصاري‪ ،‬وحممد بن احلسن الشيباين ‪.‬‬

‫وبعد املقارنة بني كتب العقائد عند املاتريدية‪ ،‬وبني ما يف العقيدة الطحاوية‪ ،‬ال تكاد‬
‫تد خلفاً بينهما أبداً‪ ،‬وال حَّت خلفاً لفظياً؛ ألن اإلمامني ‪ -‬الطحاوي واملاتريدي ‪-‬‬
‫ينقلن عقيدةً واحدةً‪ ،‬وهي عقيدة اإلمام أيب حنيفة ‪ ،‬واجملتهدين من أتباعه‪.‬‬

‫لذلك اعتىن السادة املاتريدية على ه‬


‫مر الزمان‪ ،‬بشرح العقيدة الطحاوية؛ ألن ما فيها ال‬
‫خيالف ما عندهم من عقيدة اإلمام املاتريدي‪ ،‬حَّت أضحت الطحاوية من املتون املعتمدة‬
‫عند املاتريدية‪ ،‬فأقبلوا عليها شرحاً وتدريساً(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬من أشهر شروح الطحاوية‪ :‬النور االمع والِبهان الساطع لنجم الدين الناصري‪ ،‬وشرح العقيدة‬
‫الطحاوية ملقبل الصرغمتشي ‪ ،‬وشرح القاضي إمساعيل بن إبراهيم الشيباين‪ ،‬والقلئد يف شرح العقائد‬
‫حملمود القونوي‪ ،‬وشرح عمر بن اسحاق الغزنوي‪ ،‬وحممود القسطنطيين‪ ،‬وهبة الدين الرتكستاين‪ ،‬ونور‬
‫اليقني يف أصول الدين يف شرح عقائد الطحاوي حلسن كايف األقحصاري‪ ،‬وشرح عبد الغين الغنيمي‬
‫امليداين‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫وأما األشاعرة‪ ،‬فإُنم يتفقون يف مجيع األصول‪ ،‬مع عقيدة املاتريدية‪ ،‬والعقيدة‬
‫الطحاوية‪ ،‬وال خيالفوُنم إال يف بعض املسائل االجتهادية‪ ،‬الِت ال نص فيها‪ ،‬وهي من فروع‬
‫العقيدة‪ ،‬ال يف األصول‪ ،‬وأكثرها يعد من اخللف اللفظي‪.‬‬

‫وقال اإلمام اتج الدين السبكي ‪ :‬وابجلملة‪ ،‬عقيدة األشعرية هي ما تضمنته‬


‫ضوها عقيدةً‪.)1(‬‬
‫عقيدة أيب جعفر الطحاوي‪ ،‬الِت تلقاها علماء املذاهب ابلقبول‪ ،‬ور ُ‬
‫فإذا كان املنصف يعتقد بصحة ما يف العقيدة الطحاوية‪ ،‬ويعدها من عقيدة السلف‬
‫املقبولة‪ ،‬فاللزم عليه قبول عقيدة األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬الذين ال خيالفون ما يف الطحاوية‪،‬‬
‫ويقر ِبُنم مجيعاً من أهل السنة واِلماعة (‪.)2‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬معيد النعم ومبيد النقم‪ ،‬ص (‪.)75‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مقدمة كتاب أسس العقيدة اإلسلمية‪ ،‬د‪ .‬حممد النجار‪ ،‬ص (‪.)1٩-18‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪36‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن عامة علماء املسلمني يف املشرق واملغرب‪ ،‬وعلى مر‬
‫الدين لألمة‪.‬‬
‫التاريخ‪ ،‬ينتسبون لألشاعرة واملاتريدية‪ ،‬وهم الذين نقلوا َ‬
‫منوهاً بذكر أهل السنة األشاعرة‪ :‬خضع‬ ‫قال األستاذ أبو احلسن الندوي ‪‬‬
‫لعلمهم ونفوذهم العامل اإلسلمي‪ ،‬من أقصاه إىل أقصاه‪ ،‬وبفضلهم انتقلت قيادة العامل‬
‫اإلسلمي الفكرية‪ ،‬وتوجيهه‪ ،‬من املعتزلة إىل أهل السنة‪.)1( ‬‬

‫فالسواد األعظم من املسلمني يف كل وقت وحني‪ ،‬من السادة األشاعرة واملاتريدية‪،‬‬


‫وفضلء احلنابلة‪ ،‬الذين أقامهم للا تعاىل حلمل هذا الدين‪ ،‬فصانوه من حتريف الغالني‪،‬‬
‫وانتحال املبطلني‪ ،‬وَتويل اِلاهلني‪ ،‬حَّت وصل للمسلمني صافياً نقياً‪ ،‬حمفوظاً عن التغيري‬
‫والتبديل‪ ،‬فنذكر بعضاً منهم على سبيل اإلجياز‪:‬‬

‫أوال‪ :‬من أهل التفسري وعلوم القرآن‬

‫أبو منصور المات هريدي (ت ‪ ٣٣٣‬ه ) صاحب تفسري َتويلت أهل السنة‪.‬‬

‫أبو الليث السمرقندي (ت ‪ ٣7٣‬ه ) صاحب تفسري حبر العلوم‪.‬‬

‫أبو إسحاق الثعلب (ت ‪ 427‬ه ) صاحب تفسري الكشف والبيان‪.‬‬

‫مكي بن أيب طالب (ت ‪ 4٣7‬ه ) صاحب تفسري اْلداية إىل بلوغ النهاية‪.‬‬

‫أبو احلسن املاوردي (ت ‪ 45٠‬ه ) صاحب تفسري النكت والعيون‪.‬‬

‫أبو القاسم القشريي (ت ‪ 465‬ه ) صاحب تفسري لطائف اإلشارات‪.‬‬

‫الواحدي النيسابوري (ت ‪ 468‬ه ) تفسري الوسيط يف تفسري القرآن اجمليد‪.‬‬

‫(‪ )1‬رجال الفكر والدعوة يف اإلسلم‪ ،‬خمتصراً‪ ،‬ص ‪.1٣7‬‬


‫‪37‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫البغوي (ت ‪ 516‬ه ) صاحب تفسري معامل التنزيل‪.‬‬

‫أبو بكر بن العريب (ت ‪ 54٣‬ه ) صاحب كتاب أحكام القرآن‪.‬‬

‫ابن عطية األندلسي (ت ‪ 546‬ه ) احملرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز‪.‬‬

‫ابن اِلوزي (ت ‪ 5٩7‬ه ) صاحب تفسري زاد املسري يف علم التفسري‪.‬‬

‫فخر الدين الرازي (ت ‪ 6٠6‬ه ) صاحب تفسري مفاتيح الغيب‪.‬‬

‫انصر الدين البيضاوي (ت ‪ 685‬ه ) تفسري أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪.‬‬

‫حافظ الدين النسفي (ت ‪ 71٠‬ه ) تفسري مدارك التنزيل وحقائق التأويل‪.‬‬

‫علء الدين اخلازن (ت ‪ 725‬ه ) تفسري لباب التأويل يف معاين التنزيل‪.‬‬

‫نظام الدين النيسابوري (ت ‪ 728‬ه ) تفسري غرائب القرآن ورغائب الفرقان‪.‬‬

‫ابن جزي الغرانطي (ت ‪ 741‬ه ) تفسري التسهيل لعلوم التنزيل‪.‬‬

‫أبو حيان األندلسي (ت ‪ 754‬ه ) صاحب تفسري البحر احمليط‪.‬‬

‫السمني احللب (ت ‪ 756‬ه ) تفسري الدر املصون يف علوم الكتاب املكنون‪.‬‬

‫بدر الدين الزركشي (ت ‪ 7٩4‬ه ) صاحب الِبهان يف علوم القرآن‪.‬‬

‫ابن عرفة (ت ‪ 8٠٣‬ه ) صاحب تفسري ابن عرفة‪.‬‬

‫ابن اِلزري (ت ‪ 8٣٣‬ه ) إمام القراءات‪.‬‬

‫جلل الدين احمللي (ت ‪ 864‬ه ) صاحب تفسري اِلللني‪.‬‬

‫عبد الرمحن الثعالب (ت ‪ 875‬ه ) تفسري اِلواهر احلسان يف تفسري القرآن‪.‬‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪38‬‬

‫ابن عادل احلنبلي (ت ‪ 88٠‬ه ) صاحب تفسري اللباب يف علوم الكتاب‪.‬‬

‫برهان الدين البقاعي (ت ‪ 885‬ه ) نظم الدرر يف تناسب اآلايت والسور‪.‬‬

‫جلل الدين السيوطي (ت ‪ ٩11‬ه ) صاحب اإلتقان يف علوم القرآن‪ ،‬والدر املنثور‬
‫يف التفسري ابملأثور‪.‬‬

‫أبو السعود أفندي (ت ‪ ٩51‬ه ) إرشاد العقل السليم إىل مزااي الكتاب الكرمي‪.‬‬

‫اخلطيب الشربيين (ت ‪ ٩77‬ه ) صاحب تفسري السراج املنري‪.‬‬

‫إمساعيل حقي الِبوسوي (ت ‪1127‬ه ) تفسري روح البيان يف تفسري القرآن‪.‬‬

‫أمحد بن عجيبة (ت ‪ 1224‬ه ) تفسري البحر املديد يف تفسري القرآن اجمليد‪.‬‬

‫حممد عبد العظيم الزرقاين (ت ‪1٣67‬ه ) مناهل العرفان يف علوم القرآن‪.‬‬

‫اثنياً‪ :‬من أكابر احملدثني وحفاظ احلديث‬

‫اإلمام احلافظ ابن حبان البسِت (ت‪٣54‬ه )‪ ،‬اإلمام احلافظ أبو بكر اإلمساعيلي‬
‫(ت‪ ،)٣7٠‬اإلمام احلافظ أبو احلسن الدارقطين (ت‪٣85‬ه)‪ ،‬احلاكم النيسابوري‬
‫(ت‪4٠5‬ه)‪ ،‬أبو بكر بن فورك (ت‪4٠6‬ه )‪ ،‬أبو نعيم األصبهاين (ت‪4٣٠‬ه ) أبو ذر‬
‫اْلروي (ت‪4٣4‬ه )‪ ،‬أبو بكر البيهقي (ت‪458‬ه )‪ ،‬القاضي عياض (ت‪544‬ه )‪ ،‬أبو سعد‬
‫السمعاين (ت‪ 562‬ه )‪ ،‬اإلمام احلافظ اخلطيب البغدادي (ت‪46٣‬ه)‪ ،‬ابن عساكر‬
‫(ت‪571‬ه )‪ ،‬أبو طاهر السلفي (ت‪576‬ه )‪ ،‬ابن القطان الفاسي (ت‪628‬ه )‪ ،‬ابن‬
‫الصلح (ت‪64٣‬ه )‪ ،‬زكي الدين املنذري (ت‪656‬ه )‪ ،‬العز بن عبد السلم (ت‪66٠‬ه )‪،‬‬
‫عبد للا بن أيب مجرة األندلسي (ت‪675‬ه )‪ ،‬حميي الدين النووي (ت‪676‬ه )‪ ،‬ابن املنري‬
‫(ت‪68٣‬ه )‪ ،‬ابن دقيق العيد (ت ‪ 7٠2‬ه )‪ ،‬بدر الدين بن مجاعة (ت‪7٣٣‬ه )‪ ،‬صلح‬
‫الدين العلئي (ت‪761‬ه )‪ ،‬مجال الدين الزيلعي (ت‪762‬ه ) مشس الدين الكرماين‬
‫‪39‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫(ت‪786‬ه ) ابن امللقن (ت‪8٠4‬ه )‪ ،‬زين الدين العراقي (ت‪8٠6‬ه )‪ ،‬نور الدين اْليثمي‬
‫(ت‪8٠7‬ه )‪ ،‬ويل الدين العراقي (ت‪826‬ه )‪ ،‬حممد بن خليفة األهيب (ت‪827‬ه )‪ ،‬ابن حجر‬
‫العسقلين (ت‪852‬ه )‪ ،‬بدر الدين العيين (ت‪855‬ه ) مشس الدين السخاوي (ت‪٩٠2‬ه )‪،‬‬
‫جلل الدين السيوطي (ت ‪ ٩11‬ه )‪ ،‬شهاب الدين القسطلين (ت ‪٩2٣‬ه )‪ ،‬املل علي‬
‫القاري (ت‪1٠14‬ه )‪ ،‬حممد عبد الرؤوف املناوي (ت ‪ 1٠٣1‬ه )‪ ،‬ابن علن‬
‫(ت‪1٠57‬ه )‪ ،‬البيقوين (ت حنو ‪ 1٠8٠‬ه )‪ ،‬حممد بن عبد الباقي الزرقاين (ت‪ 1122‬ه )‬
‫مرتضى الزبيدي (ت‪12٠5‬ه ) عبد احلي اللكنوي (ت‪1٣٠4‬ه )‪ .‬احملدث حممد زكراي‬
‫الكاندهلوي (ت‪14٠2‬ه)‪ ،‬وغريهم‪ ،‬الكثري الكثري‪.‬‬

‫اثلثاً‪ :‬من أهل الفقه وأصوله‬

‫من احلنفية‬
‫احلكيم السمرقندي (ت‪٣42‬ه )‪ ،‬أبو اليسر البزدوي (ت‪4٩٣‬ه )‪ ،‬أبو املعني النسفي‬
‫(ت‪5٠8‬ه ) جنم الدين عمر النسفي (ت ‪5٣7‬ه ) نور الدين الصابوين (ت‪58٠‬ه )‪ ،‬علء‬
‫الدين الكاساين (ت‪587‬ه )‪ ،‬برهان الدين املرغيناين (ت‪5٩٣‬ه )‪ ،‬ابن مودود املوصلي‬
‫(ت‪ 68٣‬ه )‪ ،‬برهان الدين النسفي (ت ‪ 687‬ه )‪ ،‬شجاع الدين الرتكستاين (ت ‪ 7٣٣‬ه )‪،‬‬
‫أكمل الدين البابريت (ت ‪ 786‬ه )‪ ،‬سعد الدين التفتازاين (ت ‪ 7٩٣‬ه ) الشريف اِلرجاين‬
‫(ت ‪ 816‬ه )‪ ،‬علء الدين البخاري (ت ‪ 841‬ه )‪ ،‬الكمال بن اْلمام (ت ‪ 861‬ه )‪ ،‬ابن‬
‫أمري حاج (ت‪ 87٩‬ه )‪ ،‬ابن قطلوبغا (ت ‪ 87٩‬ه )‪ ،‬ابن كمال ابشا (ت‪٩4٠‬ه )‪ ،‬ابن جنيم‬
‫(ت‪٩7٠‬ه )‪ ،‬أبو السعود أفندي (ت ‪ ٩82‬ه )‪ ،‬املل علي القاري (ت‪1٠14‬ه )‪ ،‬شهاب‬
‫الدين اخلفاجي (ت ‪ 1٠6٩‬ه )‪ ،‬الشرنبليل (ت‪1٠6٩‬ه )‪ ،‬خري الدين الرملي‬
‫(ت‪1٠81‬ه )‪ ،‬كمال الدين البياضي (ت‪1٠٩8‬ه )‪ ،‬شاه ويل للا الدهلوي (ت‪1176‬ه )‪،‬‬
‫مرتضى الزبيدي (ت‪12٠5‬ه )‪ ،‬حممد خليل املرادي (ت‪12٠6‬ه )‪ ،‬ابن عابدين‬
‫(ت‪1252‬ه )‪ ،‬عبد الغين امليداين (ت ‪ 12٩8‬ه )‪ ،‬عبد احلي اللكنوي (ت ‪ 1٣٠4‬ه )‪،‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪40‬‬

‫رمحة للا الكريواين (ت ‪ 1٣٠8‬ه )‪ ،‬حسونة النواوي (ت ‪ 1٣4٣‬ه )‪ ،‬أنور شاه الكشمريي‬
‫(ت ‪ 1٣52‬ه ) حممد مصطفى املراغي (ت ‪ 1٣64‬ه ) حممد زاهد الكوثري (ت‪1٣71‬ه )‪.‬‬

‫من املالكية‬

‫أبو بكر الباقلين (ت ‪ 4٠٣‬ه )‪ ،‬أبو ذر اْلروي (ت‪4٣4‬ه )‪ ،‬ابن بطال‬


‫(ت‪44٩‬ه )‪ ،‬ابن سيده (ت ‪ 458‬ه )‪ ،‬أبو الوليد الباجي (ت ‪ 474‬ه )‪ ،‬أبو بكر‬
‫الطرطوشي (ت‪ 52٠‬ه ) ابن رشد اِلد (ت ‪ 52٠‬ه ) املازري (ت‪5٣6‬ه )‪ ،‬ابن برجان‬
‫(ت‪ 5٣6‬ه )‪ ،‬ابن عطية األندلسي (ت ‪ 542‬ه )‪ ،‬أبو بكر بن العريب (ت ‪ 54٣‬ه )‪،‬‬
‫القاضي عياض (ت‪ 544‬ه ) أبو القاسم السهيلي (ت‪581‬ه )‪ ،‬ابن مخري السبِت‬
‫(ت‪614‬ه )‪ ،‬ابن احلاجب (ت ‪ 646‬ه )‪ ،‬أمحد بن عمر بن إبراهيم القرطب (ت ‪ 656‬ه )‪،‬‬
‫ابن مالك األندلسي (ت‪ 672‬ه )‪ ،‬ابن بزيزة (ت‪67٣‬ه )‪ ،‬شهاب الدين القرايف‬
‫(ت‪684‬ه )‪ ،‬ابن عطاء للا السكندري (ت‪7٠٩‬ه )‪ ،‬ابن مجيل الربعي (ت ‪ 715‬ه )‪ ،‬علي‬
‫ابن خملوف (ت ‪ 718‬ه )‪ ،‬ابن آجروم (ت ‪ 72٣‬ه )‪ ،‬ابن احلاج الفاسي (ت‪7٣7‬ه )‪ ،‬ابن‬
‫جزي الغرانطي (ت‪741‬ه ) خليل بن إسحاق اِلندي (ت ‪ 776‬ه ) ابن بطوطة‬
‫(ت‪77٩‬ه )‪ ،‬أبو إسحاق الشاطب (ت ‪ 7٩٠‬ه )‪ ،‬ابن فرحون (ت ‪ 7٩٩‬ه )‪ ،‬ابن عرفة‬
‫(ت‪ 8٠٣‬ه )‪ ،‬ابن خلدون (ت‪8٠8‬ه ) أبو عثمان سعيد العقباين (ت‪811‬ه )‪ ،‬حممد بن‬
‫خليفة األيب (ت ‪827‬ه )‪ ،‬عبد الرمحن الثعالب (ت ‪ 876‬ه )‪ ،‬أمحد زروق (ت ‪ 8٩٩‬ه )‪،‬‬
‫أبو العباس الونشريسي (ت‪ ٩14‬ه )‪ ،‬عبد الرمحن األخضري (ت ‪ ٩5٣‬ه )‪ ،‬احلطاب‬
‫(ت‪ ٩54‬ه )‪ ،‬أمحد املقري التلمساين (ت‪ 1٠41‬ه )‪ ،‬إبراهيم اللقاين (ت ‪ 1٠41‬ه )‪،‬‬
‫حممد ميارة (ت ‪1٠72‬ه )‪ ،‬عبد الباقي الزرقاين (ت ‪ 1٠٩٩‬ه )‪ ،‬احلسن اليوسي‬
‫(ت‪11٠2‬ه )‪ ،‬حممد بن عبد الباقي الزرقاين (ت ‪ 1122‬ه )‪ ،‬شهاب الدين النفراوي‬
‫(ت‪1126‬ه )‪ ،‬علي الصعيدي العدوي (ت‪118٩‬ه )‪ ،‬أمحد الدردير (ت‪12٠1‬ه )‪ ،‬أمحد‬
‫ابن عجيبة (ت‪1224‬ه )‪ ،‬حممد بن أمحد بن عرفة الدسوقي (ت‪12٣٠‬ه )‪ ،‬حممد األمري‬
‫الكبري (ت ‪12٣2‬ه )‪ ،‬أمحد بن حممد الصاوي (ت ‪ 1241‬ه )‪ ،‬إمساعيل التميمي‬
‫‪41‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫(ت‪1248‬ه )‪ ،‬حممد بن علي السنوسي (ت‪1276‬ه ) حممد عليش (ت‪12٩٩‬ه )‪ ،‬يوسف‬


‫الدجوي (ت‪ 1٣65‬ه )‪ ،‬حممد احلجوي الثعالب (ت‪1٣76‬ه )‪ ،‬أمحد بن الصديق الغماري‬
‫(ت ‪ 1٣8٠‬ه )‪ ،‬حممد الطاهر بن عاشور (ت ‪ 1٣٩٣‬ه )‪.‬‬

‫من الشافعية‬
‫ابن حبان (ت ‪ ٣54‬ه)‪ ،‬أبو سهل الصعلوكي (ت ‪ ٣6٩‬ه )‪ ،‬ابن خفيف الشريازي‬
‫(ت‪٣71‬ه )‪ ،‬أبو احلسني امللطي (ت‪٣77‬ه )‪ ،‬ابن فورك (ت ‪4٠6‬ه )‪ ،‬أبو إسحاق‬
‫اإلسفراييين (ت ‪ 418‬ه )‪ ،‬أبو إسحاق الثعلب (ت ‪ 427‬ه )‪ ،‬أبو نعيم األصبهاين‬
‫(ت‪ 4٣٠‬ه )‪ ،‬أبو حممد اِلويين‪ ،‬والد إمام احلرمني (ت‪4٣8‬ه )‪ ،‬أبو القاسم اإلسفراييين‬
‫(ت‪ 452‬ه )‪ ،‬أبو بكر البيهقي (ت‪458‬ه )‪ ،‬أبو القاسم القشريي (ت‪465‬ه )‪ ،‬عبد القاهر‬
‫اِلرجاين (ت‪471‬ه )‪ ،‬أبو إسحاق الشريازي (ت‪476‬ه )‪ ،‬أبو سعيد املتويل النيسابوري‬
‫(ت‪478‬ه )‪ ،‬إمام احلرمني أبو املعايل اِلويين (ت‪478‬ه ) أبو احملاسن الروايين (ت‪5٠2‬ه )‪،‬‬
‫أبو حامد الغزايل (ت‪ 5٠5‬ه )‪ ،‬أبو بكر القفال الشاشي (ت ‪ 5٠7‬ه )‪ ،‬أبو القاسم‬
‫األنصاري (ت ‪ 511‬ه )‪ ،‬أبو الفتح الشهرستاين (ت‪548‬ه )‪ ،‬ابن عساكر (ت ‪ 571‬ه )‪،‬‬
‫أمحد الرفاعي (ت‪578‬ه ) قطب الدين النيسابوري (ت‪578‬ه ) ابن أيب عصرون‬
‫(ت‪585‬ه )‪ ،‬فخر الدين الرازي (ت ‪ 6٠6‬ه )‪ ،‬أبو القاسم الرافعي (ت‪62٣‬ه )‪ ،‬زكي الدين‬
‫املنذري (ت ‪ 656‬ه )‪ ،‬العز بن عبد السلم (ت‪66٠‬ه )‪ ،‬حميي الدين النووي (ت‪676‬ه )‪،‬‬
‫انصر الدين البيضاوي (ت‪685‬ه )‪ ،‬حمب الدين الطِبي (ت ‪ 6٩4‬ه )‪ ،‬ابن دقيق العيد‬
‫(ت‪ 7٠2‬ه )‪ ،‬ابن الرفعة (ت‪71٠‬ه )‪ ،‬ابن العطار (ت‪724‬ه )‪ ،‬كمال الدين بن الزملكاين‬
‫(ت‪727‬ه )‪ ،‬بدر الدين بن مجاعة (ت ‪ 7٣٣‬ه )‪ ،‬شهاب الدين بن جهبل (ت‪7٣٣‬ه )‪،‬‬
‫مشس الدين اخلسروشاهي (ت ‪ 7٣٩‬ه )‪ ،‬تقي الدين السبكي (ت‪ 756‬ه )‪ ،‬عضد الدين‬
‫اإلجيي (ت‪756‬ه )‪ ،‬صلح الدين العلئي (ت‪761‬ه )‪ ،‬هباء الدين اإلمخيمي (ت‪764‬ه )‪،‬‬
‫ابن النقيب (ت ‪ 76٩‬ه )‪ ،‬اتج الدين السبكي (ت ‪ 771‬ه )‪ ،‬مجال الدين اإلسنوي‬
‫(ت‪ 772‬ه )‪ ،‬حممد بن عبد الرمحن الدمشقي العثماين (ت ‪ 78٠‬ه )‪ ،‬سراج الدين البلقيين‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪42‬‬

‫(ت‪8٠5‬ه )‪ ،‬زين الدين العراقي (ت ‪ 8٠6‬ه )‪ ،‬جلل الدين البلقيين (ت ‪ 824‬ه )‪ ،‬ويل‬
‫الدين العراقي (ت ‪ 826‬ه )‪ ،‬تقي الدين احلصين (ت ‪ 82٩‬ه )‪ ،‬ابن اِلزري (ت‪8٣٣‬ه )‪،‬‬
‫ابن املقري (ت ‪ 8٣7‬ه )‪ ،‬ابن رسلن (ت ‪ 844‬ه )‪ ،‬ابن شهبة (ت ‪ 851‬ه )‪ ،‬ابن حجر‬
‫العسقلين (ت‪852‬ه )‪ ،‬جلل الدين احمللي (ت‪864‬ه )‪ ،‬شرف الدين املناوي‬
‫(ت‪871‬ه )‪ ،‬ابن إمام الكاملية (ت ‪ 874‬ه )‪ ،‬مشس الدين السخاوي (ت ‪ ٩٠2‬ه )‪،‬‬
‫الكمال بن أيب شريف (ت‪٩٠6‬ه ) شيخ صلح الدين األيويب‪ .‬جلل الدين السيوطي‬
‫(ت‪ ٩11‬ه )‪ ،‬جلل الدين الدواين (ت ‪ ٩18‬ه ) زكراي األنصاري (ت ‪٩26‬ه ) عبد‬
‫الوهاب الشعراين (ت‪٩7٣‬ه )‪ ،‬ابن حجر اْليتمي (ت‪٩74‬ه )‪ ،‬اخلطيب الشربيين‬
‫(ت‪٩77‬ه )‪ ،‬مشس الدين الرملي (ت ‪ 1٠٠4‬ه )‪ ،‬ابن علن (ت ‪ 1٠57‬ه )‪ ،‬امللوي‬
‫(ت‪1181‬ه )‪ ،‬البجريمي (ت‪1221‬ه )‪ ،‬حسن العطار (ت‪125٠‬ه )‪ ،‬إبراهيم الباجوري‬
‫(ت‪1277‬ه )‪ ،‬أمحد زيين دحلن (ت‪1٣٠4‬ه )‪.‬‬

‫فضالء احلنابلة املوافقون لألشاعرة يف األصول‬


‫أبو اخلطاب الكلوذاين (ت‪51٠‬ه ) أبو الفرج بن اِلوزي (ت‪5٩7‬ه )‪ ،‬عز الدين‬
‫الرسعين (ت‪661‬ه )‪ ،‬ابن هشام األنصاري (ت‪761‬ه )‪ ،‬ابن عادل (ت‪88٠‬ه ) ابن النجار‬
‫(ت‪٩72‬ه ) منصور بن يونس البهويت (ت‪1٠51‬ه )‪ ،‬مشس الدين السفاريين (ت‪1188‬ه )‪،‬‬
‫سليمان بن عبد الوهاب (ت‪12٠8‬ه )‪ ،‬حسن بن عمر الشطي (ت‪1274‬ه )‪ ،‬حممد بن‬
‫عبد للا بن محيد (ت‪12٩5‬ه )‪ ،‬حممد بن حسن بن عمر الشطي (ت‪1٣٠7‬ه )‪ ،‬مصطفى‬
‫الشطي (ت‪1٣48‬ه )‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬من أهل التاريخ والسري والرتاجم‬

‫أبو نعيم األصبهاين (‪ 4٣٠‬ه )‪ ،‬اخلطيب البغدادي (‪46٣‬ه )‪ ،‬القاضي عياض‬


‫(‪544‬ه )‪ ،‬ابن عساكر(‪571‬ه )‪ ،‬السهيلي (‪581‬ه )‪ ،‬ابن حجر (‪582‬ه )‪ ،‬ابن األثري‬
‫(‪6٣٠‬ه )‪ ،‬ابن خلكان (‪681‬ه )‪ ،‬احملب الطِبي (‪6٩4‬ه )‪ ،‬املزي (‪ 742‬ه )‪ ،‬الصفدي‬
‫‪43‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫(‪ 764‬ه )‪ ،‬ابن خلدون (‪ 8٠8‬ه )‪ ،‬ابن انصر الدين الدمشقي (‪ 842‬ه )‪ ،‬ابن قاضي‬
‫شهبة (‪ 851‬ه )‪ ،‬السيوطي (‪ ٩11‬ه )‪ ،‬القسطلين (‪ ٩2٣‬ه )‪ ،‬الصاحلي (‪ ٩42‬ه )‪،‬‬
‫التلمساين (‪ 1٠41‬ه )‪ ،‬وغريهم كثري ‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬من أهل اللغة‬


‫ابن هشام (‪ 218‬ه )‪ ،‬ابن فارس (‪ ٣٩5‬ه )‪ ،‬اِلرجاين (‪ 471‬ه )‪ ،‬أبو الِبكات‬
‫األنباري (‪ 577‬ه )‪ ،‬احلموي (‪ 626‬ه )‪ ،‬ابن األثري (‪6٣٠‬ه )‪ ،‬ابن احلاجب (‪646‬ه )‪ ،‬ابن‬
‫مالك (‪ 672‬ه )‪ ،‬القزويين (‪ 682‬ه )‪ ،‬ابن منظور (‪ 711‬ه )‪ ،‬ابن ه‬
‫آجُّروم (‪ 72٣‬ه )‪ ،‬أبو‬
‫حيان (‪ 745‬ه )‪ ،‬ابن عقيل (‪76٩‬ه )‪ ،‬الفريوزآابدي (‪816‬ه )‪ ،‬األهدل (‪ 855‬ه ) خالد‬
‫األزهري (‪٩٠5‬ه )‪ ،‬السيوطي (‪٩11‬ه )‪ ،‬احلطاب (‪٩54‬ه )‪ ،‬الكفوي (‪1٠٩٣‬ه )‪ ،‬املرتضى‬
‫الزبيدي (‪12٠5‬ه )‪ ،‬وغريهم كثري‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬من القادة واملصلحني‬

‫ألب أرسلن (‪465‬ه )‪ ،‬نظام امللك (‪485‬ه )‪ ،‬يوسف بن اتشفني (‪5٠٠‬ه )‪ ،‬ابن‬
‫تومرت (‪ 524‬ه )‪ ،‬نور الدين زنكي (‪56٩‬ه )‪ ،‬صلح الدين األيويب (‪ 58٩‬ه )‪ ،‬العادل‬
‫أبو بكر بن أيوب (‪ 615‬ه )‪ ،‬الكامل حممد ابن العادل (‪ 6٣5‬ه )‪ ،‬األشرف موسى (‪6٣5‬‬
‫ه )‪ ،‬سيف الدين قطز (‪658‬ه )‪ ،‬حممد الفاتح (‪ 886‬ه )‪ ،‬أورنكزيب عاملكري (‪1118‬ه )‪،‬‬
‫عبد القادر اِلزائري (‪ 1٣٠٠‬ه )‪ ،‬عمر املختار (‪ 1٣5٠‬ه )‪ ،‬وغريهم الكثري‪.‬‬

‫ولقد مجع احلافظ ابن عساكر يف كتابه (تبيني كذب املفرتي) أعداداً كبرية من العلماء‬
‫األشاعرة‪ ،‬وقسمهم إىل مخس طبقات‪ ،‬وترجم ْلم ابستفاضة‪ ،‬ويرى اإلمام اتج الدين‬
‫السبكي‪ ،‬أن ابن عساكر‪ ،‬مل يذكر إال نزراً يسرياً‪ ،‬وعدداً قليلً‪ ،‬ولو وىف االستيعاب حقه‪،‬‬
‫الستوعب غالب علماء املذاهب األربعة‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪44‬‬

‫وحنن يف كل هذا إمنا نقتصر على نزر يسري من كان معروفاً بني الناس بنصرة مذهب‬
‫أهل السنة والدفاع عنه‪ ،‬وإال فاألمر ال يدخل حتت اِلهد والطاقة‪ ،‬وهؤالء الذين ذكرانهم‬
‫وعددان مصنفاهتم‪ ،‬سواء يف القرآن وعلومه‪ ،‬أو احلديث‪ ،‬أو الفقه واألصول‪ ،‬أو علوم العربية‪،‬‬
‫أو التواريخ واملغازي والسري‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬هم عبارة عن مراجع املكتبة اإلسلمية‪ ،‬الِت ال غناء‬
‫لكاتب أو ابحث يف أي فن عنهم‪.‬‬

‫** ** **‬
‫‪45‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫الدليل الثالث‪ :‬اعتماد عقيدة األشاعرة واملاتُريدية يف البالد اإلسالمية‪،‬‬


‫على مر التاريخ‪.‬‬

‫انتشر املذهب األشعري واملاتريدي يف العامل اإلسلمي حَّت عم املشرق واملغرب حَّت‬
‫الوقت احلاضر‪ ،‬وتبىن هذا املذهب دول وخلفاء العامل اإلسلمي‪ ،‬فقد ت بىن املذهب‬
‫األشعري غالبية خلفاء املسلمني‪ ،‬ككثري من العباسيني‪ ،‬وسلطني الدولة الغزنوية‪،‬‬
‫والسلجوقية‪ ،‬واألاتبكية‪ ،‬ومجيع سلطني وأمراء الدولة الزنكية والصلحية‪ ،‬وخصوصاً صلح‬
‫الدين األيويب نفسه‪ ،‬فكانوا على عقيدة أيب احلسن األشعري‪.‬‬
‫ولقد كان السلطان الناصر صلح الدين األيويب ‪ ،)1(‬من ه‬
‫أشد الناس اهتماماً‬
‫بشأن تصحيح عقائد املسلمني‪ ،‬وتنقيتها عن كل شائبة؛ حيث كان يعتقد أن نصرة للا تعاىل‬
‫لَلمة مربوطة بتمسكها بدينها احلنيف‪ ،‬والذي أساسه صحة املعتقد‪ ،‬وكان قد نشأ على‬
‫اعتقاد أهل السنة األشعرية‪ ،‬فحفظ يف صباه عقيدة ألفها قطب الدين النيسابوري األشعري‪،‬‬

‫(‪ )1‬هو السلطان الكبري والبطل النهحرير‪ ،‬صلح الدين‪ ،‬منقذ بيت املقدس من أيدي الغادرين‪ ،‬والقائم‬
‫ِبم هر اِلهه هاد وقام هع احملتلني‪ ،‬أبو المظفر يوسف بن أيوب رضي للا عنه‪ – 5٣2( ،‬ت ‪ 58٩‬ه )‪،‬‬
‫املشهور بلقب صلح الدين األيويب‪ ،‬قائد عسكري‪ ،‬أسس الدولة األيوبية‪ ،‬الِت وحدت مصر‬
‫والشام‪ ،‬واحلجاز واليمن يف ظل الراية العباسية‪ ،‬بعد أن قضى على اخللفة الفاطمية‪.‬‬
‫* قال عنه اإلمام مشس الدين الذهب ‪ :‬السلطان الكبري‪ ،‬امللك الناصر‪ ،‬صلح الدين‪ ،‬أبو‬
‫املظفر‪ ،‬يوسف ابن األمري جنم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب‪ ،‬الدويين‪ ،‬مسع من أيب‬
‫طاهر السلفي‪ ،‬والقطب النيسابوري‪ .‬ومتلك بعد نور الدين‪ ،‬واتسعت بلده‪ ..‬وكانت له مهة يف إقامة‬
‫اِلهاد‪ ،‬وإابدة األضداد ما مسع مبثلها ألحد يف دهر ‪ .‬ينظر‪ :‬سري أعلم النبلء (‪.)278/21‬‬
‫* وقال فيه احلافظ ابن كثري ‪ :‬وقد كان متقلل يف ملبسه‪ ،‬ومأكله ومركبه‪ ،‬وال يعرف أنه تطى‬
‫إىل مكروه‪ ،‬وال سيما بعد أن أنعم للا عليه ابمللك‪ ،‬بل كان مهه األكِب ومقصده األعظم نصرة‬
‫اإلسلم‪ ،‬وكسر أعدائه اللئام‪ ،‬وهذا مع ما لديه من الفضائل والفواضل‪ ،‬والفوائد الفرائد‪ ،‬يف اللغة‬
‫واألدب وأايم الناس‪ ،‬حَّت قيل إنه كان ُيفظ احلماسة بتمامها‪ ،‬وكان مواظبا على الصلوات يف‬
‫أوقاهتا يف اِلماعة‪ ،‬يقال إنه مل تفته اِلماعة يف صلة قبل وفاته بدهر طويل‪ ،‬حَّت وال يف مرض‬
‫موته‪ .‬ينظر‪ :‬البداية والنهاية (‪.)٩/1٣‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪46‬‬

‫وصار ُي هفظها صغار ه‬


‫أوالده‪ ،‬فلذلك عقد مجيع سلطني بين أيوب اخلناصر‪ ،‬وشدوا البنان‬
‫على مذهب األشعري‪ ،‬واستمر احلال مجيع أايمهم‪ ،‬وانتقل إىل أايم السلطني املماليك‪ ،‬مث‬
‫إىل سلطني بين عثمان رمحهم للا تعاىل‪.‬‬
‫مسلك السلف الصاحل يف احملافظة‬ ‫فقد سلك السلطان صلح الدين األيويب ‪‬‬
‫على الدين‪ ،‬والتمسك ابلعقيدة الصافية النقية‪ ،‬عقيدة أهل احلق‪ ،‬فأمر ‪ ‬بتدريس عقيدة‬
‫أهل السنة واِلماعة‪ ،‬والِت فيها تنزيه للا عن املكان واحليز واللون‪ ،‬وسواها من صفات‬
‫املخلوقني‪ ،‬يف الكتاتيب واملدارس‪ ،‬وقد ألف العلمة حممد بن هبة للا املكي رسالة يف‬
‫العقيدة‪ ،‬مساها ‪‬حدائق الفصول وجواهر األصول‪ ‬يف علم التوحيد‪ ،‬على أصول أيب احلسن‬
‫األشعري ‪ ،‬أهداها إىل السلطان صلح الدين‪ ،‬فعرفت ابلعقيدة الصلحية‪ ،‬وقد أوالها‬
‫السلطان عناية ابلغة ألُنا تتضمن بيان معتقد احلق‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن كثري ‪ ‬يف ترمجته‪ :‬وكان قد مجع له القطب النيسابوري عقيدة‪،‬‬
‫فكان ُيفظها وُي هفظها من عقل من أوالده‪ ،‬وكان ُيب مساع القرآن واحلديث والعلم‪،‬‬
‫ويواظب على مساع احلديث‪ ،‬وكان رقيق القلب سريع الدمعة عند مساع احلديث‪ ،‬وكان كثري‬
‫التعظيم لشرائع الدين‪.)1(‬‬
‫‪‬‬ ‫وقال عنه احلافظ السيوطي ‪ :‬كان السلطان صلح ه‬
‫الدي هن األيويب‬
‫شافعي املذهب‪ ،‬أشعري االعتقاد‪ ،‬وقد كان له اعتناء خاص بنشر عقيدة اإلمام األشعري‬
‫‪ ،‬فلما ويل السلطان صالح الدين األيويب‪ ،‬أَ َم َر املؤذنني يف وقت التسبيح أن يعلنوا‬
‫بذكر العقيدة األشعرية‪ ،‬فواظب املؤذنني على ذكرها كل ليلة إىل وقتنا هذا‪ ،‬وقد كان ‪‬‬
‫حافظ القرآن‪ ،‬وحافظ كتاب التنبيه يف الفقه الشافعي‪ ،‬وحافظ كتاب احلماسة‪ .‬وكان ديهناً‬
‫ورعاً غازايً ماهداً تقياً‪ ،‬وملا كان للسلطان املذكور صلح الدين ‪ ‬هذا االهتمام بعقيدة‬
‫(‪)2‬‬
‫هذه الرسالة‪ ،‬وأمساها ‪‬حدائق‬ ‫اإلمام األشعري‪ ،‬ألف الشيخ النحوي حممد بن هبة‬

‫(‪ )1‬البداية والنهاية (‪.)٩/1٣‬‬


‫متكلما‬
‫ً‬ ‫حنواي‬
‫فقيها فرضيًا ً‬
‫(‪ )2‬قال اتج الدين السبكي ‪ ‬يف طبقات الشافعية (‪ :)2٣/7‬كان ً‬
‫إماما من أئمة املسلمني‪ ،‬إليه مرجع أهل الداير املصرية يف فتاويهم‪ ‬انتهى‪.‬‬
‫أشعري العقيدة‪ً ،‬‬
‫‪47‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫الفصول وجواهر األصول‪ ‬وأهداها للسلطان‪ ،‬فأقبل عليها‪ ،‬وأمر بتعليمها حَّت للصبيان يف‬
‫الكتاب‪ ،‬وصارت تسمى فيما بعد ب ‪‬العقيدة الصالحية‪‬؛ نسبة إىل صلح الدين‪.)1(‬‬
‫قلت‪ :‬واستمر ذلك مدة طويلة حَّت بعد وفاته رهمحه للا‪ ،‬كما ذكر السيوطي يف الوسائل(‪.)2‬‬
‫وقال القاضي هباء الدين ابن شداد ‪( ‬ت‪6٣2‬ه )‪ :‬وكان أي السلطان صلح‬
‫الدين‪ -‬حسن العقيدة‪ ،‬كثري الذكر لل تعاىل‪ ،‬قد أخذ عقيدته على الدليل بواسطة البحث‬
‫مع مشايخ أهل العلم‪ ،‬وأكابر الفقهاء‪ ،‬وفهم من ذلك ما ُيتاج إىل تفهمه‪ ،‬حبيث كان إذا‬
‫جرى الكلم بني يديه يقول فيه قوالً حسناً‪ ،‬وإن مل يكن بعبارة الفقهاء‪ ،‬فتحصل من ذلك‬
‫سلمة عقيدته عن كدر التشبيه‪ ،‬غري مارق سهم النظر إىل التعطيل والتمويه‪ ،‬جارية على منط‬
‫االستقامة‪ ،‬موافقة لقانون النظر الصحيح‪ ،‬مرضية عند أكابر العلماء‪ ،‬وكان قد ُجع له‬
‫الشيخ قطب الدين النيسابوري عقيدة‪ ،‬جتمع ُجيع ما ُيتاج إليه يف هذا الباب‪ ،‬وكان‬
‫من شدة حرصه عليها‪ ،‬يعلمها الصغار من أوالده؛ حىت ترسخ يف أذهاهنم يف الصغر‪،‬‬
‫وهنا ِّمن ِّح ِّ‬
‫فظهم بني يديه(‪.)3‬‬ ‫ورأيته وهو أيخذها عليهم‪ ،‬وهم يُ ْل ُق َ‬
‫السنهية‪:‬‬
‫وما جاء يف منت هذه العقيدة ُّ‬
‫ذكرت منها معظم املقاص هد‬ ‫فه ذه قواع د العقائه هد‬

‫صلح الدي هن‬


‫ه‬ ‫الناص هر الغازي‬ ‫مجعتها للمل ك األمي هن‬

‫ملك ه للا احلج از واليم ن‬ ‫عزيز مصر قيص هر الش هام ومن‬

‫فصل يف تنزيه هللا تعاىل عن اجلسم‬

‫هم‬ ‫ص بعل‬ ‫مؤله ٌ ه‬ ‫ليس جبسم إهذ ه‬


‫لكل جس هم‬
‫ف خمص ٌ‬
‫حمي زاً أنعه م هدي ت النظ را‬ ‫ويستحيل أن يكون جوهرا‬

‫(‪ )1‬الوسائل يف مسامرة األوائل للحافظ جلل الدين السيوطي‪ ،‬ص (‪.)6‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق ص (‪.)6‬‬
‫(‪ )3‬النوادر السلطانية واحملاسن اليوسفية‪ ،‬ص (‪ )٣٣‬وينظر‪ :‬الوايف ابلوفيات للصفدي (‪.)48/2٩‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪48‬‬

‫ضل النصارى حني قالوا ذل ك‬ ‫ك‬ ‫مث أعد ما قلته هنال‬

‫يلزم عقلً أن يكون حادث ا‬ ‫ألن ما ال يسبق احلوادث ا‬

‫فصل يف تنزيه هللا تعاىل عن املكان‬

‫قطٌر تع اىل للا عن تشبي هه‬ ‫وصان ع الع ال م ال ُيويه هه‬

‫وحكمه اآلن على ما كان ا‬ ‫موجودا وال مكان ا‬


‫ً‬ ‫قد كان‬
‫ه‬
‫ان‬ ‫تغري الزم‬
‫وع ز عن ُّ‬ ‫سبحانه جل عن املك ه‬
‫ان‬

‫ة الع ل و‬ ‫م ن خص ه جبه‬ ‫فقد غل وزاد يف الغل و‬

‫هاء‬ ‫ه‬
‫مبدعها و ه‬
‫العرش ف وق امل‬ ‫وحصر الصانع يف السم هاء‬
‫ه‬
‫التشبيه فيما جوزا(‪.)1‬‬ ‫قد ضل ذو‬ ‫ه التحيُّ زا‬ ‫وأثبتوا لذاته‬

‫أما ابلنسبة للدولة العثمانية‪ ،‬الِت حكمت املسلمني حوايل مخسة قرون‪ ،‬فكانت على‬
‫عقيدة اإلمام املاتريدي‪ ،‬بل خلف بينهم(‪ ،)2‬أضف إىل ذلك‪ ،‬تلك الصروح الشاخمة‪،‬‬
‫واملراكز العلمية‪ ،‬الِت كانت تنشر النور يف مجيع أصقاع العامل اإلسلمي‪ ،‬مثل اِلامع األزهر‬
‫يف مصر‪ ،‬وجامع القرويني يف املغرب‪ ،‬وجامع الزيتونة يف تونس‪ ،‬واِلامع األموي يف دمشق‪،‬‬
‫ومعاهد الشام والعراق‪ ،‬وحماضر شنقيط‪ ،‬وربط حضرموت‪ ،‬ودار العلوم ديوبند‪ ،‬ومظاهر‬
‫العلوم‪ ،‬وندوة العلماء يف اْلند‪ ،‬واملدارس الدينية يف ابكستان‪ ،‬وبنغلديش‪ ،‬وإندونيسيا‬
‫وماليزاي‪ ،‬وسرييلنكا‪ ،‬وتركيا‪ ،‬واِلالية اإلسلمية يف الصني‪ ،‬وآسيا‪ ،‬وإفريقيا‪ ،‬ووالايت روسيا‬
‫اإلسلمية‪ ،‬ومجيع املغرب العريب‪ ،‬وبلد الشام ومصر والعراق واليمن وبعض احلجاز‪،‬‬
‫والسودان وعامة إفريقيا‪ ،‬ومناطق يف دول اخلليج‪ ،‬وغريها من منارات العلوم املبثوثة يف خمتلف‬

‫(‪ )1‬العقيدة الصلحية‪ ،‬ص (‪.)41-4٠‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مقدمة كتاب أسس العقيدة اإلسلمية‪ ،‬د‪ .‬حممد النجار‪ ،‬ص (‪.)24‬‬
‫‪49‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫أحناء العامل اإلسلمي‪ ،‬كلها كانت وال زالت‪ ،‬تتبىن إما مذهب األشاعرة‪ ،‬أو املاتريدية‪ ،‬ومن‬
‫قبلها املدارس اإلسلمية الِت قامت يف حواضر اإلسلم قدمياً‪ ،‬مثل املدارس النظامية نسبة‬
‫للوزير نظام الم لك‪ ،‬وهي كثرية‪ ،‬حَّت قيل ِبنه ال تلو مدينة من مدن العراق وخراسان من‬
‫أحدها‪ ،‬وهي من أهم األسباب يف انتشار املذهب السين‪ ،‬ومن أشهرها نظامية بغداد‪ ،‬الِت‬
‫كانت أكِب جامعة يف الدنيا يومئذ‪.‬‬

‫وعلى اِلملة فإن التاريخ على مدى أدواره كلها‪ ،‬منذ منتصف القرن الرابع‪ ،‬هو خري‬
‫شاهد على أن مذهب األشاعرة واملاتريدية ومن وافقهم من أهل السنة جبميع طوائفهم‪ ،‬هو‬
‫املذهب الغالب السائد‪ ،‬فأينما ارحتلت يف مشارق العامل اإلسلمي ومغاربه‪ ،‬مشاله وجنوبه‪،‬‬
‫فراايت أهل السنة أعلى ما تراه‪ ،‬ومهما ابلغت ابلرجوع يف أحقاب الزمن‪ ،‬لن تد مذهبهم‬
‫َن َجتْتَ ِّم َع أ َُّم ِِّت َعلَى‬
‫مصداق حلديث املصطفى ‪" :‬ل ْ‬
‫ٌ‬ ‫إال غالباً على كل ما سواه‪ ،‬وذلك‬
‫اع ِّة"(‪.)1‬‬
‫ض َاللَة فَ َعلَْي ُك ْم ِّاب ْجلَ َم َ‬
‫َ‬
‫ومن املعلوم من الدين ابلضرورة‪ ،‬أن للا ‪ ‬قد تكفل حبفظ هذا الدين من التحريف‬
‫والضياع‪ ،‬وذلك ِبن قيض له من يقوم به‪ ،‬يف كل علم من العلوم‪ ،‬فالطعن يف ن قل هة ه‬
‫الدين‪،‬‬
‫طعن يف الدين الذي نقلوه‪.‬‬
‫وهم السواد األعظم‪ ،‬هو ٌ‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬رواه الطِباين يف الكبري (‪ )1٣62٣‬عن ابن عمر ‪ ،‬وقال اْليثمي‪ :‬رواه الطِباين إبسنادين‪ ،‬رجال‬
‫أحدمها ثقات‪ ،‬رجال الصحيح‪ ،‬خل مرزوق موىل آل طلحة‪ ،‬وهو ثقة‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪50‬‬

‫الدليل الرابع‪ :‬شهادة أئمة احلنابلة‪ ،‬أن أهل السنة واجلماعة‪ ،‬هم أهل هذه‬
‫املذاهب الثالثة‪.‬‬

‫وحمق هقيهم‪ ،‬يقررون أن السادة األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬هم من‬


‫إن كثرياً من أئمة احلنابلة ه‬
‫أهل السنة‪ ،‬وأذكر منهم على سبيل اإلجياز واالختصار‪:‬‬

‫(ت‪885‬ه)‪ :‬هذه العقيدة‬ ‫‪ .1‬قال العلمة علء الدين املرداوي احلنبلي ‪‬‬
‫مما اتفق عليه األئمة األربعة‪ ،‬وممن حكى عنهم مقاالت السلف ممن تقدم‪ ،‬فكل منهم‬
‫على حق‪ ،‬وإن كان قد وقع اخلالف بني الشيخ أيب احلسن األشعري‪ ،‬شيخ أهل السنة‬
‫من الشافعية‪ ،‬وغريهم‪ ،‬وبني اإلمام أيب حنيفة‪ ،‬يف آخر من أصول مسائل الدين‪ ،‬لكنها‬
‫(‪)1‬‬
‫يسرية‪ ،‬ال تقتضي تكفرياً وال تبديعاً‪‬‬
‫(ت‪1071‬ه)‪ :‬طوائف أهل‬ ‫‪‬‬ ‫‪ .2‬قال العلمة عبد الباقي املواهب احلنبلي‬
‫السنة ثالثة‪ :‬أشاعرة وحنابلة وماتريدية‪ ،‬بدليل عطف العلماء‪ ،‬احلنابلةَ على األشاعرة يف‬
‫كثري من الكتب الكالمية‪ ،‬وُجيع كتب احلنابلة‪.)2( ‬‬
‫(ت‪1188‬ه)‪ :‬أهل السنة واجلماعة‬ ‫‪ .3‬وقال اإلمام السفاريين احلنبلي ‪‬‬
‫ثالث فرق‪ :‬األثرية وإمامهم أمحد بن حنبل‪ ،‬واألشعرية وإمامهم أبو احلسن األشعري‪،‬‬
‫واملاتُريدية وإمامهم أبو املنصور املاتُريدي‪.)3(‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شرح المية ابن تيمية‪ ،‬ص (‪.)182‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬العني واألثر‪ ،‬ص (‪.)52‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬لوامع األنوار‪.)7٣/1( ،‬‬
‫‪51‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫املبحث الرابع‪ :‬شبهة مرور اإلمام أيب احلسن األشعري بثالث مراحل‪،‬‬
‫والرتاجع عن مذهبه بعد توبته من االعتزال‬

‫يدعي بعض الناس أن اإلمام أاب احلسن األشعري رمحه للا تعاىل قد مر يف حياته‬
‫بثلث مراحل‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬مرحلة االعتزال الِت دامت إىل ما يقرب من سن األربعني‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬مرحلة اتباعه لإلمام عبد للا بن سعيد القطان‪ ،‬املعروف اببن كلب‪.‬‬

‫والثالثة‪ :‬مرحلة رجوعه إىل عقيدة السلف وأهل السنة‪.‬‬

‫ويبنون على هذه الدعوى أن مجيع أئمة األشاعرة اتبعوا اإلمام األشعري يف مرحلته‬
‫الثانية فقط‪ ،‬الِت اتبع فيها ابن كلب‪ ،‬إذ يعتِبون ابن كلب ليس من أهل السنة‪ ،‬فيكون‬
‫األشاعرة متبعني البن كلب‪ ،‬ال لإلمام األشعري؛ ألن األشعري تراجع عنها لعقيدة السلف‬
‫الصاحل ‪ -‬زعموا‪ ،-‬وألف كتابه «اإلابنة» بعد تراجعه‪.‬‬
‫هذا تقرير هذه الدعوى‪ ،‬وقبل الشروع يف إثبات بطلُنا اترخيياً وعلمياً‪ ،‬ن ه‬
‫فصل ما ورد‬
‫فيها من قضااي‪ ،‬مث نشرع يف تفنيدها‪ ،‬فلقد تضمنت هذه الدعوى ثلث قضااي‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬أن اإلمام األشعري مر بثلث مراحل يف حياته‪ ،‬االعتزال‪ ،‬مث اتباعه البن‬
‫كلب‪ ،‬مث أخرياً رجوعه إىل منهج السنة واِلماعة‪ ،‬وهذه هي القضية الرئيسية‪ ،‬وهي تتضمن‬
‫القضيتني التاليتني‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬أن عبد للا بن سعيد بن كلب ليس على منهج أهل السنة واِلماعة‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬كتاب «اإلابنة» ميثل املرحلة األخرية من حياة اإلمام األشعري‪ ،‬وهي مرحلة‬
‫العودة إىل طريق السلف الصاحل‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪52‬‬

‫اجلواب عن القضية األوىل‪ :‬مرور أيب احلسن األشعري بثالث مراحل‬

‫وميكن تفنيد هذه الشبهة ابلنقاط التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬هذه دعوى مردة عن أي بينة‪ ،‬وال يعلم عن أحد من املؤرخني أو العلماء من‬
‫ادعى هذا الرتاجع عن اإلمام األشعري‪ ،‬ال من املوافقني له وال حَّت من املخالفني‪ ،‬مع أن‬
‫اإلمام األشعري رمحه للا تعاىل عل ٌم من أعلم املسلمني‪ ،‬يشار إليه ابلبنان‪ ،‬وقد ذاع صيته‬
‫بني اآلفاق‪ ،‬واشتهرت مناظراته مع خصومه على رؤوس األشهاد‪.‬‬

‫فكيف تقبل هذه الدعوى اجملردة عن أي بينة أو دليل يف هذا اإلمام والعلم املشهور؟!‬
‫خصوصاً إذا علمت أن الذي ادعى هذه الدعوى هو من املتأخرين عنه زماانً‪ ،‬ومن المعادين‬
‫ملذهبه واعتقاده‪.‬‬

‫فهل يقبل عند املنصفني دعوى اخلصم املعادي بل ه‬


‫أي بينة أو برهان‪ ،‬وال يسوق دليلً‬
‫على دعواه‪ ،‬إال مرد فهمه القاصر من كتاب اإلابنة‪ ،‬وأنه استنبط من قراءته ْلذا الكتاب أن‬
‫اإلمام تراجع عن مذهبه‪.‬‬

‫‪ .2‬ال يوجد يف مجيع كتب التاريخ والرتاجم والطبقات ُّ‬


‫أي إشارة إىل هذا الرتاجع‬
‫املزعوم‪ ،‬ال من قريب وال من بعيد‪ ،‬بل جند املؤرخني كلهم مطبقني على أن اإلمام أاب احلسن‬
‫بعد هجره للعتزال واملعتزلة رجع إىل مذهب السلف الصاحل‪ ،‬وصنف على طريقتهم كتبه‬
‫اللحقة كاإلابنة واللمع وغريمها من الكتب الِت صنفها يف نصرة مذهب أهل احلق‪.‬‬

‫قال اإلمام أبو بكر بن فورك رمحه للا تعاىل‪« :‬انتقل الشيخ أبو احلسن علي بن‬
‫إمساعيل األشعري رضي للا عنه من مذاهب املعتزلة إىل نصرة مذاهب أهل السنة واِلماعة‪،‬‬
‫ابحلجج العقلية‪ ،‬وصنف يف ذلك الكتب‪)1( »..‬اه ‪.‬‬

‫(‪ )1‬تبيني كذب املفرتي‪ ،‬البن عساكر‪ ،‬ص (‪.)127‬‬


‫‪53‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫وقال عنه ابن خلهكان‪« :‬هو صاحب األصول والقائم بنصرة مذهب السنة‪ ...‬وكان‬
‫أبو احلسن أوالً معتزلياً‪ ،‬مث اتب من القول ابلعدل وخلق القرآن يف املسجد اِلامع ابلبصرة‬
‫يوم اِلمعة»(‪.)1‬‬

‫وقال عنه الذهب‪« :‬وبلغنا أن أاب احلسن اتب وصعد منِب البصرة‪ ،‬وقال‪ :‬إين كنت‬
‫أقول خبلق القرآن‪ ...‬وإين اتئب م ه‬
‫عتق ٌد الرد على املعتزلة»(‪.)2‬‬ ‫ٌ‬
‫وقال عنه العلمة ابن خلدون‪« :‬إىل أن ظهر الشيخ أبو احلسن األشعري وانظر بعض‬
‫مشيختهم أي املعتزلة يف مسائل الصلح واألصلح‪ ،‬فرفض طريقتهم‪ ،‬وكان على رأي‬
‫عبدللا بن سعيد بن كلب‪ ،‬وأيب العباس القلنسي‪ ،‬واحلارث احملاسب‪ ،‬من أتباع السلف‪،‬‬
‫وعلى طريقة السنة»(‪.)3‬‬

‫فأثبت أن اإلمام بعد رجوعه عن االعتزال كان على رأي عبدللا بن كلب والقلنسي‬
‫واحملاسب‪ ،‬وهؤالء كلهم على طريقة السلف والسنة(‪.)4‬‬

‫فلو كان هذا الرتاجع املزعوم صحيحاً‪ ،‬لنقله أصحاب التاريخ والرتاجم كما نقلوا‬
‫تراجع اإلمام عن مذهب االعتزال يف أول أمره‪ ،‬فلماذا نقلوا الرتاجع األول ومل ينقلوا الرتاجع‬
‫الثاين؟! فلو خفي على أئمة التاريخ والرتاجم الذين نقلوا سريته وعرفوها‪ ،‬فكيف علهم هبذا‬
‫الرتاجع من جاء بعده بهعهدةه عقود!؟‪.‬‬

‫وفيات األعيان (‪.)284/٣‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫سري أعلم النبلء (‪.)8٩/15‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مقدمة ابن خلدون ص (‪ ،)85٣‬وهكذا كل كتب التاريخ الِت ترمجت لإلمام أيب احلسن‪ ،‬مثل (اتريخ‬ ‫(‪)3‬‬
‫بغداد‪ ،‬للخطيب البغدادي)‪ ،‬و(طبقات الشافعية‪ ،‬للسبكي) و(شذرات الذهب‪ ،‬البن العماد)‬
‫و(الكامل‪ ،‬البن األثري) و(تبيني كذب املفرتي‪ ،‬البن عساكر) و(ترتيب املدارك‪ ،‬للقاضي عياض)‬
‫و(طبقات الشافعية‪ ،‬البن قاضي شهبة) و(طبقات الشافعية‪ ،‬لَلسنوي) و(الديباج املذهب‪ ،‬البن‬
‫فرحون) و(مرآة اِلنان‪ ،‬لليافعي) وغريها‪ ،‬كلها مطبقةٌ على أن اإلمام أاب احلسن بعد توبته من‬
‫االعتزال‪ ،‬رجع إىل مذهب السلف والسنة‪.‬‬
‫كما سنبني ذلك يف الرد على الشبهة التالية‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪54‬‬

‫‪ .3‬لو ثبت عنه هذا الرتاجع املزعوم‪ ،‬لكان أوىل الناس مبعرفته ونقله هم أصحابه‬
‫وتلمذته؛ ألن أوىل الناس مبعرفة الرجل هم خاصته وأصحابه وأتباعه امللزمون له‪ ،‬فهؤالء هم‬
‫أقرب الناس إليه وأعرفهم ِبحواله وأقواله وآرائه‪ ،‬ال سيما يف قضية مهمة مثل هذه القضية‬
‫الِت تتوفر الدواعي على نقلها‪ ،‬وتتحفز األمساع على تلقفها‪ ،‬خاصة من إمام كبري مثل اإلمام‬
‫أيب احلسن‪.‬‬

‫وعند الرجوع إىل أقوال أصحابه وأصحاب أصحابه أيضاً‪ ،‬ال جند أي إشارة تفيد‬
‫ذلك‪ ،‬بل جندهم متفقني على أن اإلمام كان بعد هجره للعتزال على منهج السلف والسنة‪،‬‬
‫الذي كان عليه احملاسب وابن كلب والقلنسي والكرابيسي وغريهم‪.‬‬

‫ف هذه مؤلفات انصر مذهب األشعري القاضي أيب بكر الباقلين رمحه للا‪،‬‬
‫«كاإلنصاف» و«التمهيد» وغريمها‪ ،‬ومؤلفات ابن فورك‪ ،‬ومؤلفات أيب بكر القفال‬
‫الشاشي‪ ،‬وأيب إسحق الشريازي‪ ،‬وأيب بكر البيهقي وغريهم من أصحاب اإلمام وأصحاب‬
‫أصحابه وتلميذهم‪ ،‬ليس فيها أي ذكر أو إشارة ْلذا األمر الذي هو من األمهية مبكان‪.‬‬

‫فهل يعقل أن يرجع اإلمام عن مذهبه ويهجره‪ ،‬مث ال يكون ْلذه احلادثة املهمة أي‬
‫ذكر عند أحد من أصحابه وتلميذه‪ ،‬وهو من هو جللةً وقدراً‪ ،‬أم تراه قد رجع عن ذلك‬
‫سراً‪ ،‬وهو الذي حني قرر هجر مذهب املعتزلة اعتلى منِب املعتزلة نفسه؛ ليعلن ذلك على‬
‫املَل؟!‬

‫وجل اعتمادهم‬
‫إن إنساانً عاقلً يدري ما يقول ال ميكن أن يقول مثل هذا الكلم‪ُّ ،‬‬
‫يف هذه الدعوى على أسلوب اإلمام األشعري يف َتليف كتاب «اإلابنة» وبعض الرسائل‬
‫األخرى‪ ،‬فقد اتبع اإلمام فيها طريق التفويض‪ ،‬الذي هو طريق مجهور السلف‪ ،‬فبنوا على‬
‫هذا األسلوب خمالفة اإلمام األشعري آلراء ابن كلب‪ ،‬الذي يتهمونه ِبنه مل يكن على طريق‬
‫السلف‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫ترى هل ما يف اإلابنة الِت هي على طريق مجهور السلف‪ ،‬ما يناقض ما كان عليه‬
‫عبد للا بن سعيد بن كلب؟ أو بتعبري آخر‪ ،‬هل كان ابن كلب على خلف طريق السلف‬
‫الذي ألف اإلمام األشعري «اإلابنة» عليه؟‬

‫جيران إىل القضية الثانية‪:‬‬


‫وهذا ُّ‬
‫جواب الشبهة الثانية‪ :‬هل كان ابن ُك َّالب منحرفاً عن السنة ومنهج السلف؟‬

‫من املتفق عليه أن اإلمام األشعري كان على طريقة عبد للا بن سعيد بن كلب‪،‬‬
‫ولكن أصحاب الدعوى يدعون أن ابن كلب مل يكن على طريقة أهل السنة والسلف‬
‫الصاحل؛ لذلك زعموا أن األشاعرة يتبعونه على طريقته املخالفة ألهل السنة واِلماعة‪ ،‬والِت‬
‫تركها اإلمام األشعري لطريقة السلف‪.‬‬

‫وللرد على هذه الشبهة ننقل أقوال األئمة يف حال عبد للا بن سعيد بن كلب‪.‬‬

‫فقد ترجم له ابن قاضي شهبة فقال‪« :‬عبد للا بن سعيد أبو حممد‪ ،‬املعروف اببن‬
‫كلب‪ ،‬كان من كبار املتكلمني‪ ،‬ومن أهل السنة‪ ،‬وبطريقته وطريقة احلارث احملاسيب‬
‫اقتدى أبو احلسن األشعري‪ ،‬وقد صنف كتباً كثرية يف التوحيد والصفات»(‪.)1‬‬

‫قال التاج السبكي‪« :‬وابن كلب على كل حال من أهل السنة‪ ..‬ورأيت اإلمام ضياء‬
‫الدين اخلطيب والد اإلمام فخر الدين الرازي قد ذكر عبد للا بن سعيد يف آخر كتابه «غاية‬
‫املرام يف علم الكلم»‪ ،‬فقال‪ :‬ومن متكلمي أهل السنة يف أايم املأمون عبدللا بن سعيد‬
‫التميمي‪ ،‬الذي دمر املعتزلة يف ملس املأمون‪ ،‬وفضحهم ببيانه» (‪.)2‬‬
‫وقال احلافظ ابن عساكر‪« :‬قرأت ه‬
‫خبط علي بن بقاء الوراق احملدث املصري رسالة‪،‬‬
‫كتب هبا أبو حممد عبد للا بن أيب زيد القريواين الفقيه املالكي ‪ -‬وكان مقدم أصحاب مالك‬

‫(‪ )1‬طبقات الشافعية الكِبى (‪.)78/1‬‬


‫(‪ )2‬الطبقات الكِبى (‪.)٣٠٠/2‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪56‬‬

‫رمحه للا ابملغرب يف زمانه ‪ -‬إىل علي بن أمحد بن إمساعيل البغدادي املعتزيل جواابً عن رسالة‬
‫كتب هبا إىل املالكيني من أهل القريوان‪ ،‬يظهر نصيحتهم مبا يدخلهم به يف أقاويل أهل‬
‫االعتزال‪ ،‬فذكر الرسالة بطوْلا يف جزء وهي معروفة‪ ،‬فمن مجلة جواب ابن أيب زيد له أن‬
‫قال‪« :‬ونسبت ابن كلب إىل البدعة‪ ،‬مث مل ه‬
‫حتك عنه قوالً يعرف أنه بدعة‪ ،‬فيوسم هبذا‬
‫االسم‪ ،‬وما علمنا من نسب إىل ابن كالب البدعة‪ ،‬والذي بلغنا أنه يتقلد السنة‪ ،‬ويتوىل‬
‫الرد على اجلهمية وغريهم من أهل البدع‪ ،‬يعين عبد هللا بن سعيد بن كالب»(‪.)1‬‬
‫َّ‬

‫وقال عنه مجال الدين األسنوي‪« :‬كان من كبار املتكلمني ومن أهل السنة‪ ...‬ذكره‬
‫العبادي يف طبقة أيب بكر الصرييف‪ ،‬قال‪ :‬إنه من أصحابنا املتكلمني»(‪.)2‬‬

‫وقال اإلمام احلافظ الذهب‪« :‬والرجل أقرب املتكلمني إىل السنة‪ ،‬بل هو يف‬
‫مناظريهم»(‪.)3‬‬

‫فتبني من هذه النقول أن عبد للا بن سعيد بن كلب من أهل السنة‪ ،‬ومن اتبع‬
‫السلف‪ ،‬ونصر عقائدهم حبجج عقلية وأدلة قوية‪.‬‬

‫وليس اإلمام األشعري وحده الذي كان على طريق اإلمام ابن كلب‪ ،‬بل كان على‬
‫نفس املعتقد أئمة كبار‪ ،‬مثل اإلمام البخاري رمحه للا‪.‬‬

‫قال احلافظ ابن حجر‪« :‬البخاري يف مجيع ما يورده من تفسري الغريب‪ ،‬إمنا ينقله عن‬
‫أهل ذلك الفن‪ ،‬كأيب عبيدة‪ ،‬والنضر بن مشيل‪ ،‬والفراء وغريهم‪ ،‬وأما املباحث الفقهية فغالبها‬

‫(‪ )1‬تبيني كذب املفرتي ص (‪.)4٠5‬‬


‫(‪ )2‬طبقات الشافعية لَلسنوي (‪.)178/2‬‬
‫(‪ )3‬سري أعلم النبلء (‪ ،)175/11‬علق الشيخ شعيب األرانؤوط على هذا الكلم قائلً‪ :‬كان إمام أهل‬
‫السنة يف عصره‪ ،‬وإليه مرجعها‪ ،‬وقد وصفه إمام احلرمني يف كتابه «اإلرشاد» ِبنه من أصحابنا‪.‬‬
‫‪57‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫مستمدة له من الشافعي وأيب عبي د وأمثاْل ما‪ ،‬وأما املسائ ل الكالمية‪ ،‬فأكثرها من‬
‫الكرابي سي‪ ،‬وابن ُك الَّب وحن ومها»(‪.)1‬‬

‫نصوص واضحةٌ بينة يف أن اإلمام عبد للا بن سعيد بن كلب كان على طريق‬
‫ٌ‬ ‫فهذه‬
‫السلف والسنة(‪.)2‬‬

‫جواب الشبهة الثالثة‪ :‬تراجع األشعري عن مذهبه يف آخر كتبه‪« :‬اإلابنة»‬

‫الرد على هذه الشبهة من عدة جهات‪:‬‬

‫‪ .1‬هذه الشبهة قامت على فهم قاصر مغلوط لطريقة أهل السنة يف التعامل مع‬
‫النصوص املتشاهبة‪ ،‬وذلك أن ألهل السنة طريقتني يف التعامل مع املتشاهبات‪:‬‬

‫الطريقة األوىل‪ :‬وهي طريقة التفويض دون اخلوض يف تفسري النص‪.‬‬

‫والطريقة الثانية‪ :‬هي تفسري النص وَتويله على معىن صحيح‪ ،‬مع التزام الشروط‬
‫والضوابط املقررة ْلذا التأويل‪ ،‬وهذا مسلك بعض السلف الصاحل والصحابة رضي للا عنهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬فتح الباري (‪.)2٩٣/1‬‬


‫(‪ )2‬فإذا كان األمر كذلك كما بني هؤالء األئمة‪ ،‬فما هو السبب يف اهتام عبد للا بن سعيد بن كلب‬
‫مبخالفة طريق السلف؟ يقول ابن عبد الِب يف بيان شيء من ذلك‪ ،‬أثناء ترمجة اإلمام الكرابيسي‬
‫(االنتقاء ص‪« :)165‬وكانت بينه يعين الكرابيسي وبني أمحد بن حنبل صداقة وكيدة‪ ،‬فلما خالفه‬
‫كل واحد منهما يطعن على صاحبه‪ ،‬وذلك أن أمحد‬ ‫يف القرآن‪ ،‬عادت تلك الصداقة عداوة‪ ،‬فكان ُّ‬
‫كان يقول‪ :‬من قال القرآن خملوق فهو جهمي‪ ،‬ومن قال القرآن كلم للا‪ ،‬وال يقول غري خملوق وال‬
‫خملوق‪ ،‬فهو واقفي‪ ،‬ومن قال لفظي ابلقرآن خملوق‪ ،‬فهو مبتدع‪ ،‬وكان الكرابيسي وعبد للا بن كلب‬
‫وأبو ثور وداود بن علي وطبقاهتم يقولون‪ :‬إن القرآن الذي تكلم للا به‪ ،‬صفة من صفاته‪ ،‬ال جيوز‬
‫عليه اخللق‪ ،‬وإن تلوة التايل‪ ،‬وكلمه ابلقرآن كسب له‪ ،‬وفعل له‪ ،‬وذلك خملوق‪ ،‬وإنه حكاية عن‬
‫كلم للا‪ ..‬وهجرت احلنبلية أصحاب أمحد بن حنبل حسيناً الكرابيسي‪ ،‬وبدعوه‪ ،‬وطعنوا عليه وعلى‬
‫كل من قال بقوله يف ذلك» اه ‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪58‬‬

‫واإلمام األشعري رمحه للا تعاىل سلك كل الطريقني الواردين عن السلف يف كتبه‪،‬‬
‫وظهرت طريقة التفويض يف كتابه «اإلابنة»‪ ،‬وهو مسلك مجهور السلف الصاحل‪ ،‬فظن‬
‫البعض أنه تراجع عن عقيدته إىل عقيدة السلف‪ ،‬وترك عقيدة ابن كلب‪.‬‬

‫واحلق أن ابن كلب ‪ -‬كما أثبتنا ‪ -‬مل خيالف طريقة السلف الصاحل أصلً‪ ،‬بل هو‬
‫وسالك مسلك أهل التفويض‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫منهم‪،‬‬

‫‪ .2‬الدليل عند أصحاب هذه الدعوى هو كتاب اإلابنة‪ ،‬وهو معتمدهم الوحيد على‬
‫رجوع اإلمام عن طريقة ابن كلب‪ ،‬ولكن عند النظر يف كتاب اإلابنة‪ ،‬جند أن اإلمام‬
‫األشعري سار فيه على طريقة ابن كلب ومنهجه‪.‬‬

‫قال احلافظ ابن حجر‪« :‬وعلى طريقته ‪ -‬يعين ابن كلب ‪ -‬مشى األشعري يف كتاب‬
‫اإلابنة»(‪ ،)1‬هذا دليل على أن ابن كلب كان على طريقة السلف‪ ،‬وأن اإلمام األشعري‬
‫سار على طريقته يف آخر حياته‪.‬‬

‫وما يؤيد أن اإلابنة مؤلف على طريقة ابن كلب‪ ،‬أن بعض حنابلة بغداد رفضوا‬
‫كتاب اإلابنة تعصباً ومل يقبلوه من األشعري(‪.)2‬‬

‫‪ .3‬أن كتاب «اإلابنة» الطبوع املتداول وقع فيه حتريف ونقص‪ ،‬وزايدة وتلعب يف‬
‫بعض نصوصه‪ ،‬فل يوثق بكل ما جاء فيه أنه اثبت عن اإلمام األشعري‪ ،‬كما قال الشيخ‬
‫الكوثري معلقاً على نسخ «اإلابنة» املتداولة‪« :‬والنسخة املطبوعة يف اْلند من اإلابنة نسخة‬
‫مصحفة حمرفة‪ ،‬تلعبت هبا األيدي األثيمة‪ ،‬فيجب إعادة طبعها من أصل موثوق»(‪)3‬اه ‪.‬‬

‫(‪ )1‬لسان امليزان (‪.)2٩1/٣‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬سري أعلم النبلء (‪ )٩٠/15‬وطبقات احلنابلة (‪ )18/2‬والوايف ابلوفيات (‪.)146/12‬‬
‫(‪ )3‬من مقدمة حتقيق اإلمام الكوثري على كتاب تبيني كذب املفرتي‪ ،‬البن عساكر‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد‬
‫حجازي السقا‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫وقال أيضا‪« :‬ومن العزيز جداً الظفر ِبصل صحيح من مؤلفاته على كثرهتا البالغة‪،‬‬
‫وطبع كتاب اإلابنة مل يكن من أصل وثيق‪ ،‬ويف املقاالت املنشورة ابمسه وقفة» (‪.)1‬‬

‫وقد طبع كتاب اإلابنة طبعةً قوبلت على أربع نسخ خطية‪ ،‬بتحقيق الدكتورة فوقية‬
‫حسني‪ ،‬وهي طبعة وإن كانت أحسن حاالً من املطبوعة قبل‪ ،‬إال أُنا مل تل من التحريف‬
‫والنقص والزايدة أيضاً‪ ،‬وهذا لعله يصحح ما ذهب إليه العلمة الكوثري‪.‬‬

‫يف كتاب «تبيني كذب املفرتي» فصلني من‬ ‫وقد نقل احلافظ ابن عساكر ‪‬‬
‫«اإلابنة»‪ ،‬وعند مقارنة «اإلابنة» املطبوعة املتداولة مع طبعة الدكتورة فوقية مع الفصلني‬
‫املنقولني عند ابن عساكر‪ ،‬يتبني بوضوح قدر ذلك التحريف الذي جرى على هذا الكتاب‪.‬‬

‫فمن أمثلة التلعب الذي حصل يف الكتاب‪ :‬جاء يف النسخة املطبوعة‪« :‬وأنكر أن‬
‫يكون له عينان» (ابلتثنية)‪ ،‬وعند ابن عساكر‪« :‬وأنكروا أن يكون له عني» (ابإلفراد)‪.‬‬

‫وجاء يف طبعة الدكتورة فوقية‪« :‬نقول إن للا عز وجل استوى على عرشه استواءً يليق‬
‫به من غري حلول وال استقرار»‪ ،‬واِلملة األخرية حمذوفة من الطبعة املتداولة!‪.‬‬

‫فإذا ثبت كما مر معنا اترخيياً أن اإلمام بعد رجوعه عن االعتزال كان على منهج‬
‫السلف وأهل السنة‪ ،‬وإذا ثبت أيضاً أن اإلمام ابن كلب كان من أئمة السلف‪ ،‬وعلى ُنج‬
‫السنة‪ ،‬وإذا ثبت أيضا أن كتاب «اإلابنة» الذي بنيت عليه هذه الدعوى من أساسها‪ ،‬هو‬
‫يف حقيقة األمر مؤلف على طريقة ابن كلب‪ ،‬الِت ذاهتا طريقة السلف‪ ،‬إذا ثبت ذلك‪ ،‬ثبت‬
‫بناءً عليه أن اإلمام مل مير بثلث مراحل يف حياته‪ ،‬وإمنا مها مرحلتان‪ :‬مرحلة االعتزال يف‬
‫بداية حياته‪ ،‬مث مرحلة عودته ورجوعه إىل طريق السلف‪ ،‬الِت سار عليها أئمة أهل السنة‬
‫األشاعرة من بعده‪ ،‬إىل يومنا هذا‪ ،‬واحلمد لل الذي مل جيمع أمة حممد ﷺ على ضللة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مقدمة الكوثري على كتاب إشارات املرام للبياضي‪ ،‬وتعليقه على السيف الصقيل‪ ،‬ص‬
‫(‪.)1٩6-155‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪60‬‬

‫بيد أننا سنبالغ يف االفرتاض ونقول‪ :‬هب جدالً أن كتاب «اإلابنة» املتداول غري‬
‫حمرف‪ ،‬وأنه اثبت النسبة إىل اإلمام األشعري‪ ،‬وأنه قد رجع فعلً عما كان يعتقده من التنزيه؛‬
‫فهل يلزم األمة أن تتابعه يف هذا األمر؟!‬

‫إن من يعتقد ذلك يسيء الظن بعقول عشرات اآلالف من أئمة اإلسلم على مر‬
‫أكثر من عشرة قرون‪ ،‬وينسبهم إىل التقليد األعمى يف العقائد‪ ،‬مع كوُنم ممعني على حرمة‬
‫التقليد يف العقائد‪ ،‬واختلفوا يف صحة إميان املقلهد‪ ،‬والصحيح كفايته مع اإلمث‪ ،‬ويغيب عن‬
‫هؤالء أن األمة إمنا نسبت إىل اإلمام األشعري لكونه وقف حاملً لواء السنة على طريق‬
‫السلف يف وجه أصحاب البدع واألهواء‪ ،‬ال ألُنم قلدوه فيما ذهب إليه‪ ،‬فمَّت ما رجع عن‬
‫اعتقاده رجعوا‪.‬‬

‫قال اإلمام اتج الدين السبكي ‪« :‬إن كان هؤالء ‪ -‬يعين أئمة األشاعرة‪-‬‬
‫أغماراً‪ ،‬واألشعري خيلبهم‪ ،‬فليس بعد األنبياء والصحابة ف هط ٌن‪ ،‬فيالل واملسلمني!!»(‪.)1‬‬

‫فهم يف احلقيقة منتسبون إىل رسول للا ﷺ والسلف الصاحل‪ ،‬وما اإلمام األشعري‬
‫رمحه للا وغريه من أئمة أهل السنة إال هأدالء على الطريق‪ ،‬وقاعدة أهل السنة األصيلة هي‬
‫الرجال مبوافقتهم ِّ‬
‫للحق]‪ .‬وهذا هو الذي‬ ‫ُ‬ ‫ف‬
‫عر ُ‬
‫عرف ابلرجال‪ ،‬ولكن يُ َ‬‫أن‪[ :‬احلق ال يُ ُ‬
‫جعل كبار أئمة اإلسلم يتابعون اإلمام األشعري يف تقريره لعقيدة أهل السنة‪ ،‬حيث وجدوه‬
‫قد وافق احلق‪ ،‬وانتصر له أميا انتصار‪ ،‬ومل يزل بقيامه أهل احلق ظاهرين ابحلجة على من‬
‫خالفهم(‪.)2‬‬

‫** ** **‬
‫(‪ )1‬الطبقات الكِبى (‪.)145/6‬‬
‫(‪ )2‬هذا املبحث ِبكمله منقول من كتاب أهل السنة األشاعرة‪ ،‬شهادة علماء األمة وأدلتهم‪َ ،‬تليف‪:‬‬
‫محد أمحد ه‬
‫السنان‪ ،‬وفوزي حممد العنجري‪ ،‬ص (‪.)4٣-16‬‬
‫‪61‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫املبحث اخلامس‪ :‬أصول عقيدة أهل السنة واجلماعة‬

‫أهل السنة واِلماعة من األشاعرة واملاتريدية وفضلء احلنابلة‪ ،‬متفقون يف أصول‬


‫العقائد مجيعها‪ ،‬مع وجود بعض االختلف يف فرعيات العقائد‪ ،‬وقد اختلف الصحابة‬
‫اختلفات لفظيةٌ‪ ،‬ال‬
‫ٌ‬ ‫والسلف‪ ،‬يف مسائل يف فروع العقائد‪ ،‬وكثري من تلك االختلفات‪،‬‬
‫حقيقية‪ ،‬فهم متفقون على‪:‬‬

‫ﭐﱡﭐ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ‬ ‫‪ .1‬أن أول واجب على املكلف‪ ،‬هو معرفة للا ‪‬؛ لقوله ‪:‬‬
‫يف صحيحه‪ :‬ابب العلم قبل القول‬ ‫ﳝ ﳞ ﱠ[حممد‪ .]19:‬قال اإلمام البخاري ‪‬‬
‫والعمل‪.)1(‬‬

‫وقال اإلمام السنوسي ‪ :‬وجيب على ُك ِّل مكلَّف شرعاً أن يعرف ما جيب يف‬
‫وعز‪ ،‬وما يستحيل‪ ،‬وما جيوز‪ ،‬وكذا جيب عليه أن يعرف مثل ذلك يف‬
‫جل َّ‬ ‫ِّ‬
‫حق موالان‪َّ ،‬‬
‫والسالم‪.)2( ‬‬
‫الصالة َّ‬
‫الرسل‪ ،‬عليهم َّ‬ ‫ِّ‬
‫حق ُّ‬

‫شرعاً‪،‬‬ ‫وقال اإلمام جنم الدين ابن محدان احلنبلي ‪ :‬جيب معرفةُ هللا ‪‬‬
‫ابلنظر يف الوجود واملوجود‪ ،‬على كل مكلف قادر‪ ..‬وهي أ ََّو ُل َواجب لنفسه‪.)3( ‬‬

‫احلنبلي ‪ ‬يف بيان عقيدة احلنابلة‪:‬‬


‫ُّ‬ ‫يين‬
‫وقال مشس الدين السفار ُّ‬
‫العبيد ‪ ...‬معرفةُ اإلله ابلت ِّ‬
‫َّسديد‪.)4( ‬‬ ‫‪‬أ ََّو ُل واجب على ِّ‬

‫صحيح البخاري (‪.)24/1‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫طالع البشرى على العقيدة الصغرى‪ ،‬للمارغين‪ ،‬ص (‪.)68‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ُناية املبتدئني‪ ،‬ص (‪.)22‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫لوامع األنوار البهية للسفاريين (‪.)112/1‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪62‬‬

‫‪ .2‬أن لل ‪ ‬األمساء احلسىن‪ ،‬والصفات العلى‪ ،‬يثبتوُنا‪ ،‬وال ينفون شيئاً منها‪ ،‬قال‬
‫أبو حنيفة ‪ :‬ونصفه كما وصف نفسه‪ ،‬أح ٌد صم ٌد‪ ،‬مل يلد ومل يولد‪.)1( ‬‬
‫‪ .3‬إثبات الصفات املعاين‪ ،‬كصفات قدمية أزلية‪ ،‬زائدة على الذات‪ ،‬فهو ٌّ‬
‫حي‪ ،‬بصفة‬
‫مسيع‪ ،‬بصفة السمع‪،‬‬
‫قدير‪ ،‬بصفة القدرة‪ ،‬مري ٌد‪ ،‬بصفة اإلرادة‪ٌ ،‬‬
‫عليم‪ ،‬بصفة العلم‪ٌ ،‬‬ ‫احلياة‪ٌ ،‬‬
‫بصريٌ‪ ،‬بصفة البصر‪ ،‬متكله ٌم‪ ،‬بصفة الكلم‪.‬‬
‫متصف بصفات التنزيه والتقديس‪ ،‬من القدم‪ ،‬والبقاء‪ ،‬والقيام ابلنفس‪،‬‬ ‫‪ .4‬أنه ‪‬‬
‫واملخالفة للحوداث‪ ،‬والوحدانية‪.‬‬
‫‪ .5‬تنزيه صفاته ‪ ‬عن مشاهبة صفات املخلوقني‪ِ ،‬بي وجه من الوجوه‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫[الشورى‪ ،]11 :‬وأنه كما قال اإلمام أبو جعفر‬ ‫ﱒﱔ ﱕﱖﱠ‬
‫ﭐﱡﭐ ﱐ ﱑ ﱓ‬

‫الطحاوي ‪ :‬ال تبلغه األوهام وال تدركه األفهام وال تشبهه األانم‪ .)2( ‬وقال أيضاً‬
‫زل ومل يصب التنزيه؛ فإن ربنا جل وعال موصوف‬ ‫‪ :‬ومن مل يتوق النفي والتشبيه‪َّ ،‬‬
‫بصفات الوحدانية‪ ،‬منعوت بنعوت الفردانية‪ ،‬ليس مبعناه أحد من الربية‪ ،‬وتعاىل عن‬
‫احلدود والغاايت‪ ،‬واألركان واألدوات‪َ ،‬ال حتويه اجلهات الست‪ ،‬كسائر املبتدعات‪.)3( ‬‬
‫‪ .6‬أنه ‪ ‬ال شبيه له يف ذاته‪ ،‬وال يف صفاته‪ ،‬وال يف أفعاله‪ ،‬وأن صفاته ‪‬‬
‫ليست أبعاضاً وال جوارح‪ ،‬وال آالت وال أعضاء؛ فليس هو ‪ ‬جبسم‪ ،‬وال جوهر‪ ،‬وال‬
‫عرض‪ ،‬كما قال اإلمام أبو حنيفة ‪ :‬وهو شيء ال كاألشياء‪ ،‬ومعىن الشيء إثباته‬
‫بال جسم وال جوهر وال َع َرض‪ ،‬وال َّ‬
‫حد له وال ضد له وال ند له‪ ،‬وال مثل له‪.)4(‬‬

‫وقال اإلمام أبو الفضل التميمي‪ ،‬شيخ احلنابلة يف زمانه ‪ :‬وأنكر اإلمام أمحد‬
‫على من يقول ابجلسم‪ ،‬وقال‪ :‬إمنا األمساء مأخوذة ابلشريعة واللغة‪ ،‬وأهل اللغة وضعوا‬
‫ومسك وتركيب وصورة وأتليف‪ ،‬وهللا تعاىل خارج‬
‫هذا االسم على كل ذي طول وعرض ُ‬
‫الفقه األكِب أليب حنيفة‪ ،‬ص (‪.)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫العقيدة الطحاوية بشرح عبد الغين الغنيمي امليداين ص (‪.)41-٣1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)1٠6-1٠٣‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الفقه األكِب‪ ،‬ص (‪.)2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪63‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫عن ذلك كله‪ ،‬فلم جيز أن يُسمى جسماً خلروجه عن معىن اجلسمية‪ ،‬ومل جييء ذلك يف‬
‫الشريعة‪ ،‬فبطل‪.)1(‬‬

‫وقال ‪ ‬أيضاً‪ :‬ومذهب أيب عبد هللا أمحد بن حنبل‪ :‬أن هلل عز وجل وجهاً ال‬
‫ﭐﱡ ﭐ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬ ‫وص َفه بقوله‪:‬‬
‫كالصورة املصورة واألعيان املخططة‪ ،‬بل وجهٌ‪َ ،‬‬
‫ﲊﲋﱠ[القصص‪ ،]88 :‬مث قال‪ :‬وليس معىن وجه معىن جسم عنده‪ ،‬وال صورة وال‬
‫ختطيط‪ ،‬ومن قال ذلك‪ ،‬فقد ابتدع‪.)2(‬‬

‫يف بيان عقيدة اإلمام أمحد ابن حنبل‬ ‫وقال ابن محدان احلراين‪ ،‬شيخ احلنابلة ‪‬‬
‫‪ :‬وأن هللا تعاىل ليس جبوهر‪ ،‬وال َع َرض‪ ،‬وال جسم‪ ،‬ومن شبهه خبلقه فقد كفر‪..،‬‬
‫وكذا من جسم‪ ،‬أو قال‪ :‬إنه جسم ال كاألجسام‪.)3( ‬‬

‫قدمية‪ ،‬ال تتغري وال‬ ‫‪ .7‬أن للا ‪ ‬منزه عن التغري والتبدل‪ ،‬وأن مجيع صفاته ‪‬‬
‫تتبدل‪ ،‬وال تزيد وال تنقص‪ ،‬فل جيوز اتصافه بكل وصف يوجب عليه االتصاف بوصف‬
‫حادث‪ ،‬أو ما يوجب عليه احلد والنهاية‪ ،‬كاحلركة والسكون‪ ،‬والذهاب واجمليء‪ ،‬والكون هيف‬
‫املكان‪ ،‬واالجتماع واالفرتاق‪ ،‬والقرب والبعد من طريق المسافة‪ ،‬واالتصال واالنفصال‪،‬‬
‫والدخول واخلروج‪ ،‬واحلجم واِلرم‪ ،‬واِلثة والصورة‪ ،‬واحليز‪ ،‬واملقدار والنواحي واألقطار‪،‬‬
‫واِلوانب واِلهات‪ ،‬فكلها من صفات احملداثت‪ ،‬وال توز علي هه ‪‬؛ وذلك أن إبراهيم‬
‫‪ ‬ملا رأى هذه العلمات على الكواكب‪ ،‬والشمس والقمر‪ ،‬قال‪ :‬ﭐﱡﭐﱩﱪﱫﱠ‪،‬‬
‫فبني أن ما جاز عليه تلك الصفات‪ ،‬ال يكون خالقا‪ ،‬فل يستحق العبادة‪.‬‬

‫(‪ )1‬اعتقاد اإلمام املنبل أيب عبد للا أمحد بن حنبل‪ ،‬ص (‪.)45‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)17‬‬
‫(‪ُ )3‬ناية املبتدئني يف أصول الدين ص (‪.)٣1-٣٠‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪64‬‬

‫وقال قتادة ‪ ،‬يف قوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱠ ﭐ[األنعام‪،]76:‬‬


‫‪‬علم أن ربه دائم ال يزول‪.)1(‬‬

‫وقال اإلمام الطحاوي ‪ :‬ما زال بصفاته قدمياً قبل خلقهم‪ ،‬مل يزدد بكوهنم‬
‫شيئاً مل يكن قبلهم من صفاته‪ ،‬وكما كان بصفاته أزلياً كذلك ال يزال عليها أبدايً‪.)2(‬‬
‫وقال ابن محدان احلراين‪ ،‬شيخ احلنابلة ‪ ‬يف بيان عقيدة اإلمام أمحد ابن حنبل‬
‫‪ :‬وأن هللا تعاىل‪ ..‬ال ت حله احلوادث‪ ،‬وال ي حل يف حادث‪.)3(‬‬
‫‪ .8‬ومجعيهم متفقون على أن للا ‪ٌّ ‬‬
‫غين عن العاملني‪ ،‬ال جيري عليه زمان‪ ،‬وال‬
‫ُيويه مكان‪ ،‬قال اإلمام األعظم‪ ،‬التابعي اِلليل‪ ،‬أبو حنيفة النعمان ‪ :‬ونقر ِبن للا‬
‫‪ ‬على العرش استوى‪ ،‬من غري أن تكون له حاجة‪ ،‬واستقرار عليه‪ ،‬وهو حافظ العرش‬
‫وغري العرش‪ ،‬من غري احتياج‪ ،‬فلو كان حمتاجاً‪ ،‬ملا قدر على إجياد العامل وتدبريه‪ ،‬كاملخلوقني‪،‬‬
‫ولو كان حمتاجاً إىل اجللوس والقرار‪ ،‬فقبل خلق العرش‪ ،‬أين كان؟ تعاىل هللا عن ذلك‬
‫علواً كبرياً‪.)4(‬‬

‫وقال ‪ ‬أيضاً‪ :‬ولقاء هللا تعاىل ألهل اجلنة حق‪ ،‬بال كيفية‪ ،‬وال تشبيه‪ ،‬وال‬
‫جهة‪ .)5(‬وسئل ‪ :‬أرأيت لو قيل‪ :‬أين للا تعاىل؟ فقال‪ :‬يقال له‪ :‬كان هللا تعاىل وال‬
‫مكان‪ ،‬قبل أن خيلق اخللق‪ ،‬وكان هللا تعاىل ومل يكن أين‪ ،‬وال خلق‪ ،‬وخلق كل شيء‪،‬‬
‫يف مكان‪ ،‬وال ُيتاج إىل مكان‪ ،‬فقد كان يف‬ ‫وهو خالق كل شيء‪ .)6(‬فليس هو ‪‬‬
‫األزل وال مكان‪ ،‬وهو اآلن على ما عليه كان‪ ،‬وهذا ما نص عليه التميمي ‪ ،‬انقل‬

‫تفسري الطِبي (‪.)1٣46٣‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫العقيدة الطحاوية بشرح عبد الغين الغنيمي امليداين ص (‪.)44‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ُناية املبتدئني يف أصول الدين ص (‪.)٣1-٣٠‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الوصية لإلمام أيب حنيفة‪ ،‬بشرح البابريت ص (‪.)٩7‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)14٠‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫الفقه األكِب‪ ،‬ص (‪.)161‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫‪65‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫عقيدة اإلمام أمحد ‪ ،‬بقوله‪ :‬وهللا تعاىل مل يلحقه تغري وال تبدل‪ ،‬وال يلحقه احلدود‬
‫قبل خلق العرش‪ ،‬وال بعد خلق العرش‪.)1( ‬‬

‫‪ .9‬أن كل ما تصور يف الوهم‪ ،‬من طول وعرض وعمق‪ ،‬وألوان‪ ،‬وهيئات وكيفيات‬
‫خمتلفة‪ ،‬فينبغي أن يعتقد أن صانع العامل خبلفه‪ ،‬وأنه قادر على خلق مثله‪.‬‬
‫‪ .10‬أنه ال جيوز عليه الكيفية والكمية واألينية؛ ألن من ال مثل له‪ ،‬ال ميكن أن يقال‬
‫فيه‪ :‬كيف هو‪ ،‬ومن ال عدد له‪ ،‬ال يقال فيه‪ :‬كم هو‪ ،‬ومن ال أول له‪ ،‬ال يقال له‪ :‬مم‬
‫كان‪ ،‬ومن ال مكان له‪ ،‬ال يقال فيه‪ :‬أين كان‪.‬‬
‫‪ .11‬أن علمه سبحانه عام يف مجيع املعلومات‪ ،‬وقدرته عامة يف مجيع املقدورات‪،‬‬
‫وإرادته عامة يف مج يع اإلرادات‪ ،‬علمها على ما هي عليه‪ ،‬وأراد أن يكون ما علم أن يكون‪،‬‬
‫وأراد أن ال يكون ما علم أن ال يكون‪ ،‬وال جيري يف ملكته ما ال يريد كونه‪.‬‬
‫‪ .12‬أن كلم للا قدمي‪ ،‬وكلم واحد‪ ،‬أمر وُني وخِب واستخبار‪ ،‬على معىن التقدير‪،‬‬
‫وكل ما ورد يف الكتب من للا تعاىل ابللغات املختلفة‪ :‬العِبية والعربية والسراينية‪ ،‬كلها‬
‫عبارات تدل على معىن كلم للا تعاىل‪ ،‬ولو جاء أضعاف أضعافه‪ ،‬مل تستغرق معاين كلمه‪،‬‬
‫فمعاين كلم للا تعاىل ال تستغرقها عبارات املعِبين‪ ،‬كما أن معلومات علم للا‪ ،‬ال يستغرقها‬
‫ﭐﱡﭐ ﳀ ﳁ ﳂ‬ ‫عبارات املعِبين‪ ،‬ومقدورات قدرته ال ميكن ضبطها ابحلصر والتحديد‪ ،‬كما ‪:‬‬
‫ﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﱠ [الكهف‪.]109:‬‬
‫‪ .13‬أنه ‪ ‬ال اعرتاض عليه يف مجيع ما أيتيه أو يذره‪ ،‬ال يقال فيما فعله‪ :‬مل فعله‪،‬‬
‫وال فيما تركه‪ :‬مل تركه‪.‬‬
‫حكيم يف مجيع أفعاله‪ ،‬وحقيقة احلكمة يف أفعاله سبحانه وتعاىل‬ ‫‪‬‬ ‫‪ .14‬أنه‬
‫وقوعها م وافقة لعلمه وإرادته‪ ،‬وأنه سبحانه يستحيل الظلم يف وصفه؛ ألنه ال يتصرف يف غري‬
‫ملكه ومن تصرف يف ملكه‪.‬‬

‫(‪ )1‬اعتقاد اإلمام المنبل أمحد بن حنبل‪ ،‬ص (‪.)٣8‬‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪66‬‬

‫بعث الرسل‪ ،‬وأنزل الكتب‪ ،‬وبني الثواب والعقاب‪ ،‬وأيدهم‬ ‫‪‬‬ ‫‪ .15‬أن للا‬
‫ابملعجزات الدالة على صدقهم‪ ،‬وأوجب على لساُنم معرفة التوحيد والشريعة‪ ،‬وكل ما قالوه‪،‬‬
‫فهو صدق‪ ،‬وكل ما فعلوه‪ ،‬فهو حق‪.‬‬
‫‪ .16‬أن اإلمجاع حق‪ ،‬وكل ما اجتمعت عليه األمة يكون حقاً‪ ،‬مقط ً‬
‫وعا به‪ ،‬قوالً‬
‫كان أو فعلً‪.‬‬
‫‪ .17‬أن كل من تدين هبذا الدين الذي وصفناه‪ ،‬من اعتقاد الفرقة الناجية‪ ،‬فهو على‬
‫احلق‪ ،‬وعلى الصراط املستقيم‪ ،‬فمن بدعه‪ ،‬فهو مبتدع‪ ،‬ومن ضلله‪ ،‬فهو ضال‪ ،‬ومن كفره‪،‬‬
‫فهو كافر‪.)1(‬‬
‫قال اإلمام أبو املظفر اإلسفراييين (ت ‪471‬ه )‪ ،‬بعد ذكر مجلة االعتقادات‪ ،‬الِت‬
‫اتفق عليها أهل السنة واِلماعة‪ ،‬والِت سبق ذكر مملها‪ :‬وأعلم أن مجيع ما ذكرانه‪ ،‬من‬
‫اعتقاد أهل السنة واِلماعة‪ ،‬فل خلف يف شيء منه‪ ،‬بني الشافعي وأيب حنيفة رمحهما للا‪،‬‬
‫ومجيع أهل الرأي واحلديث‪ ،‬مثل مالك واألوزاعي‪ ،‬وداود والزهري‪ ،‬والليث بن سعد‪ ،‬وأمحد‬
‫بن حنبل‪ ،‬وسفيان الثوري‪ ،‬وسفيان بن عيينة‪ ،‬وُيىي بن معني‪ ،‬وإسحاق بن راهويه‪ ،‬وحممد‬
‫بن إسحق احلنظلي‪ ،‬وحممد بن أسلم الطوسي‪ ،‬وُيىي بن ُيىي‪ ،‬واحلسني بن الفضل البجلي‪،‬‬
‫وأيب يوسف‪ ،‬وحممد‪ ،‬وزفر‪ ،‬وأيب ثور‪ ،‬وغريهم‪ ،‬من أئمة احلجاز‪ ،‬والشام‪ ،‬والعراق‪ ،‬وأئمة‬
‫خراسان‪ ،‬وما وراء النهر‪ ،‬ومن تقدمهم‪ ،‬من الصحابة والتابعني‪ ،‬وأتباع التابعني‪.)2(‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬التبصري يف الدين ومتييز الفرقة الناجية عن الفرق اْلالكني‪ ،‬أليب املظفر اإلسفراييين‪ ،‬ص (‪-15٣‬‬
‫‪.)18٠‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)184-182‬‬
‫‪67‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫املبحث السادس‪ :‬أصول عقيدة فضالء احلنابلة وموافقتها لألشاعرة‬

‫األصول الِت قام عليها مذهب اإلمام أمحد بن حنبل ‪ ،‬وجرى عليها عامة أهل‬
‫املذهب‪ ،‬وهم من يسمون بفضلء احلنابلة‪ ،‬وكلها متفق عليها بني أهل السنة واِلماعة‪،‬‬
‫األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬وفضلء احلنابلة‪:‬‬
‫أول واجب على املكلف‪ ،‬هو معرفة هللا تعاىل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫(‪)1‬‬

‫قال اإلمام ابن محدان احلراين ‪ ،‬شيخ احلنابلة يف زمانه (‪695-603‬ه) (‪:)1‬‬
‫‪‬جيب معرفة للا تعاىل شرعاً ابلنظر يف الوجود واملوجود‪ ،‬على كل مكلف قادر‪ ،‬واملراد‪ :‬معرفة‬
‫وجود ذاته بصفات الكمال فيما مل يزل‪ ،‬وال يزال‪ ،‬دون معرفة حقيقة ذاته وصفائه؛ الستحالة‬
‫ذلك عقلً عند األكثرين‪ .‬وهي أول واجب لنفسه‪ ،‬وجيب النظر قبلها لتوقفها عليه‪ ،‬فهي‬
‫أول واجب لغريه‪ ،‬فمن تركه مع القدرة عليه لغري عذر أمث‪.)2(‬‬

‫إثبات صفات التنزيه والتقديس (السلبية)‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬


‫وهي صفة ه‬
‫القدم (عدم أولية الوجود)‪ ،‬والبقاء (عدم آخرية الوجود)‪ ،‬والقيام ابلنفس‬
‫(الغىن عن احملل واملخصص املؤثر)‪ ،‬وخمالفة احلوادث (نفي مطلق املشاهبة بينه وبني خلقه)‪،‬‬
‫والوحدانية‪.‬‬

‫(‪ )1‬هو جنم الدين‪ ،‬أمحد بن محدان بن شبيب النمري احلراين‪ ،‬احلنبلي‪ ،‬قال ابن رجب ‪ :‬برع يف‬
‫الفقه‪ ،‬وانتهت إليه معرفة املذهب‪ ،‬ودقائقه‪ ،‬وغوامضه‪ ،‬وكان عارفاً ابألصلني واخلالف‪،‬‬
‫واألدب‪ ،‬وصنف تصانيف كثرية‪ .‬ذيل طبقات احلنابلة (‪ ،)٣٣1/2‬وقال اب ن م ف ل ح ‪:‬‬
‫«الف ق ي ه األصويل‪ ،‬وانتهت إليه معرفة املذهب‪ ،‬ودقائقه‪ ،‬وغوامضه‪ .‬يف املقص د األرشد‬
‫(‪ ،)٩٩/1‬وقال الذهب ‪ :‬كان أحد أوعية العلم‪ .‬معجم حمدثي الذهب‪ ،‬ص (‪ .)21‬وكتابه‬
‫ُناية املبتدئني يف أصول الدين‪ ،‬هو من الكتب املعتمدة يف تقرير عقيدة احلنابلة‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬ناية املبتدئني يف أصول الدين‪ ،‬ص (‪.)22‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪68‬‬

‫قال ابن محدان ‪ :‬جيب اجلزم أبنه تعاىل واحد ال يتجزؤ‪ ،‬وال ينقسم‪ ،‬أحد‬
‫ال من عدد‪ ،‬فرد صمد‪ ،‬مل يلد‪ ،‬ومل يولد‪ ،‬ومل يكن له كفواً أحد‪ ،‬ال مثل له‪ ،‬وال شريك له يف‬
‫حي‪ ،‬موجود‪ ،‬قدمي‬
‫ملكه‪ ،‬وال ظهري يف صنعه‪ ،‬وال معني يف خلقه‪ ،‬وأنه شيء ال كاألشياء‪ٌّ ،‬‬
‫سرمدي‪ ،‬دائم‪ ،‬ال آخر له‪ ،‬وال ُناية‪ ،‬مل يزل وال يزال‬
‫ٌّ‬ ‫أبدي‪،‬‬
‫أزيلٌّ‪ ،‬ال أول له وال بداية‪ ،‬ابق ٌّ‬
‫بصفاته العليا وأمسائه احلسىن‪.)1(‬‬

‫بع (الذاتية)‪:‬‬
‫الس ِّ‬
‫إثبات صفات املعاين َّ‬ ‫(‪)3‬‬

‫عال م وع ل ي م ب ع ل م‪ ،‬واحد‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ .1‬صفة العلم‪ :‬قال ابن محدان ‪ :‬وأنه‬


‫وج ودي قدمي ابق‪ ،‬ذايت‪ ،‬حميط بكل معلوم كلي أو جزئي‪ ،‬على ما هو عليه‪ ،‬ال يتجدد‬
‫بتجدد املعلومات‪ ،‬وال يتعدد بتعددها‪ ،‬وال يقال ضروري‪ ،‬وال كسب‪ ،‬وال نظري‪ ،‬وال‬
‫استداليل‪.)2(‬‬

‫على كل شيء قدير‪ ،‬وقادر‬ ‫‪ .2‬صفة القدرة‪ :‬قال ابن محدان ‪ :‬وأنه ‪‬‬
‫بقدرة واحدة‪ ،‬وجودية‪ ،‬قدمية‪ ،‬ابقية‪ ،‬ذاتية‪ ،‬متعلقة بكل مكن‪ ،‬وهو ‪ -‬أي املمكن ‪ -‬ما‬
‫جاز وجوده‪ ،‬إن أراد شيئاً‪ ،‬كان هبا وإال فل‪ ،‬ومل يوجد شيء وال يوجد إال هبا‪ .‬ونص أمحد‬
‫‪ -‬يعين اإلمام أمحد بن حنبل ‪ -‬على أنه ‪ ‬قادر بقدرة قدمية‪ ،‬وقوة شديدة‪.)3(‬‬

‫مريد إبرادة واحدة‪ ،‬قدمية‬ ‫قال ابن محدان ‪ :‬وأنه ‪‬‬ ‫‪ .3‬صفة اإلرادة‪:‬‬
‫ابقية‪ ،‬نص عليه‪ ،‬متعلقة بكل مكن‪ ،‬وهي غري الشهوة والتمين‪ ،‬مث املشيئة‪ ،‬واإليثار‪ ،‬والرضا‪،‬‬
‫واالختيار‪ ،‬والقصد‪ ،‬والوالية‪ ،‬واحملبة كلها مبعىن اإلرادة املذكورة‪ ..‬وحمبة للا لنا هي إرادته ملا‬
‫يفعل بنا من املنافع والنعم‪ ،‬وبغضه خللقه‪ ،‬إرادته عقاهبم وضررهم‪ .‬قاله القاضي‪.)4(‬‬

‫ُناية املبتدئني يف أصول الدين‪ ،‬ص (‪.)24‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)24‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)24‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)25‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪69‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫حي حبياة واحدة‪ ،‬وجودية‪،‬‬


‫ٌّ‬ ‫‪ .4‬صفة احلياة‪ :‬قال ابن محدان ‪ :‬وللا ‪‬‬
‫قدمية ذاتية‪ ،‬ونص أمحد أنه ‪ٌّ ‬‬
‫حي حبياة قدمية‪.)1(‬‬

‫‪ .6-5‬صفة السمع والبصر‪ :‬قال ابن محدان ‪ :‬وأنه ‪ ‬مسيع بصري‪ ،‬نص‬
‫عليه‪ ،‬بسمع وبصر قدميني‪ ،‬ذاتيني‪ ،‬وجوديني‪ ،‬متعلقني ه‬
‫بكل مسموع ومبصر‪.)2(‬‬

‫‪ .7‬صفة الكالم‪ :‬قال ابن محدان ‪ :‬وللا ‪ ‬قائل ومتكلم‪ ،‬تكلم‪ ،‬ويتكلم‬
‫بكلم قدمي‪ ،‬ذايت وجودي‪ ،‬غري خملوق وال حمدث‪ ،‬وال حادث‪ ،‬ال يشبه كلم الناس‪ ،‬مل يزل‬
‫أمراً‪ ،‬وُنياً‪ ،‬وخِباً‪ ،‬وما هو عليه‪.)3( ‬‬

‫(‪ ) 4‬إثبات تنزيه هللا تعاىل عن اجلسمية‪ ،‬والعرضية‪ ،‬والتحيز يف املكان‪ ،‬وعن قيام‬
‫احلوادث بذاته العلية‪ ،‬وتنزيهه عن املشاهبة والكيفية‪:‬‬

‫قال ابن محدان ‪ :‬وأن للا ‪ ‬ليس جبوهر‪ ،‬وال عرض‪ ،‬وال جسم‪ ،‬وال حتله‬
‫احلوادث‪ ،‬وال ُيل يف حادث‪ ،‬وال ينحصر فيه‪ ،‬بل هو ابئن من خلقه‪ ،‬للا على العرش‪ ،‬ال‬
‫بتحديد‪ ،‬وإمنا التحديد للعرش وما دونه‪ ،‬وهللا فوق ذلك ال مكان والحد؛ ألنه كان وال‬
‫مكان‪ ،‬مث خلق املكان وهو كما كان قبل خلق املكان‪ ،‬وال يعرف ب احلواس‪ ،‬وال ي ق اس‬
‫ب ال ن اس‪ ،‬وال م دخ ل يف ذات ه وص ف ات ه للقياس‪ ،‬مل يتخذ صاحبة وال ولداً‪ ،‬بل هو الغين عن‬
‫كل شيء‪ ،‬وال يستغين عنه شيء‪ ،‬وأنه ال يشبه شيئاً وال يشبهه شيء‪ ،‬ومن شبَّهه خبلقه‬
‫جسم‪ ،‬أو قال‪ :‬إنه جسم ال كاألجسام‪.)4(‬‬
‫فقد كفر‪ ،‬نص عليه أمحد‪ ،‬وكذا من َّ‬

‫ُناية املبتدئني يف أصول الدين‪ ،‬ص (‪.)25‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)25‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)24‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)٣1-٣٠‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪70‬‬

‫(‪ ) 5‬القول يف الصفات املتشاهبة إبثبات ألفاظها‪ ،‬وتفويض العلم مبعانيها إىل هللا‬
‫‪ ،‬مع التصريح بتنزيه هللا تعاىل عن اجلسمية‪ ،‬والكيفية‪ِّ ،‬‬
‫واحلد‪ ،‬والتحيز يف املكان‪،‬‬
‫وعن قيام احلوادث بذاته العلية‪:‬‬

‫قال ابن محدان ‪ :‬وجنزم ِبنه ‪ ‬يف السماء‪ ،‬وأنه استوى على العرش بل‬
‫كيف‪ ،‬بل على ما يليق به يف ذلك كله‪ ،‬وال نتأول ذلك‪ ،‬وال ه‬
‫نفسره‪ ،‬وال نكيهفه‪ ،‬وال نتومهه‪،‬‬
‫وال نعيهنه‪ ،‬وال نعطله‪ ،‬وال نكذبه‪ ،‬بل نكل علمه إىل هللا ‪ ،‬وجنزم بنفي التشبيه‬
‫والتجسيم‪ ،‬وكل نقص‪ ،‬وكذا حكم مجيع آايت الصفات وأخبارها الصحيحة الصرُية‪.)1(‬‬

‫فكافر‪ ،‬ألنه يلزم منه ق دم‬‫ٌ‬ ‫ومن قال‪ :‬إنه بذاته يف كل مكان‪ ،‬أو يف مكان‪،‬‬
‫املكان‪ ،‬وحلوله يف األماكن القذرة وغريها‪ ،‬تعاىل للا عن ذلك علوا كبرياً‪ .‬وهذا ال ينايف كونه‬
‫يف السماء وعلى العرش على ما يليق به؛ لهما سبق‪ ،‬وكذا القول يف حديث النزول وغريه ما‬
‫سنده صحيح‪ ،‬ولفظه صريح‪ ،‬إذا استحال محله على ظاهره‪ .‬وقال التميمي يف اعتقاد أمحد‬
‫يف حديث النزول‪ :‬وال جيوز عليه االنتقال‪ ،‬وال احللول يف األمكنة‪ .‬قال فيه ابن البناء يف‬
‫اعتقاد أمحد‪ :‬وال يقال حبركة وال انتقال‪.)2(‬‬

‫وقال القاضي أبو يعلى ‪ :‬وقد وصفه النيب ﷺ ابلنزول إىل السماء الدنيا‬
‫والعلو‪ ،‬ال على جهة االنتقال واحلركة‪ ،‬كما جازت رؤيته‪ ،‬ال يف جهة‪ ،‬وجتلى للجبل‪ ،‬ال‬
‫على وجه احلركة واالنتقال‪ ،‬وقال‪ :‬ال يثبت نزول عن علو وزوال‪ ،‬بل نزول ال يعقل‬
‫معناه ورؤية‪ ،‬ال يف جهة‪ ،‬وال يعقل ذلك يف الشاهد‪ .‬وقال ابن عقيل‪ :‬ليس بزوال وال‬
‫انتقال‪ ،‬وال كنزولنا‪ .‬وقال أبو نصر السجزي‪ :‬ليس يف قول هللا على العرش حتديد‪ ،‬وإمنا‬

‫(‪ُ )1‬ناية املبتدئني يف أصول الدين‪ ،‬ص (‪.)٣1-٣٠‬‬


‫(‪ )2‬املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)٣1‬‬
‫‪71‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫لتحديد للعرش وما دونه‪ ،‬وهللا فوق ذلك حيث ال مكان وال حد‪ ،‬ألنه كان وال مكان‪،‬‬
‫مث خلق املكان وهو كما كان قبل خلق املكان‪.)1(‬‬

‫وقال أبو حممد رزق للا بن عبد الوهاب التميمي ‪ :‬وال نقول إن العرش‬
‫مكانه‪ ،‬ألن األمكنة صنعة هللا‪ ،‬وهي بعده‪ ،‬وال نقول إنه بذاته قاعد على العرش‪ ،‬أو‬
‫قائم‪ ،‬أو مضطجع‪ ،‬وال انئم‪ ،‬وال مماس‪ ،‬وال مالصق‪ ،‬بل نطلق الصفة كما نطق به‬
‫القرآن‪ ،‬ونضرب عن اخلوض فيما ال يبلغ حقيقته اللسان‪ .‬وقال أمحد ‪ -‬بن حنبل ‪-‬‬
‫‪ :‬أحاديث الصفات متر كما جاءت‪ ،‬من غري حبث على معانيها‪ ،‬وتالف ما خطر‬
‫يف اخلاطر عند مساعها‪ ،‬وننفي التشبيهَ عن هللا تعاىل عند ذكرها‪ ،‬مع تصديق النب ﷺ‪،‬‬
‫واإلميان هبا‪ ،‬وكل ما يعقل ويتصور فهو تكييف وتشبيه‪ ،‬وهو حمال‪ .‬وقال القاضي أبو يعلى‪:‬‬
‫‪‬وهو مستو على العرش بال كيف‪ ،‬وال مطابقة‪ ،‬وال مماسة‪ ،‬وال ما سبيله التقدير‬
‫واملساحة‪ .‬وال يقال يف صفاته‪ :‬حتت‪ ،‬وال فوق‪ ،‬وال قدام‪ ،‬وال خلف‪ ،‬وال كيفية‪ ،‬فل يقال‪:‬‬
‫ما هو‪ ،‬وال من أي شيء هو‪ ،‬وال مَّت كان‪ ،‬وال لهما كان‪.)2(‬‬

‫وتتميماً للفائدة‪ ،‬أذكر نصوصاً متكاثرة عن أئمة املذهب احلنبلي‪ ،‬الذين عليهم‬
‫املعول يف الفتوى‪ ،‬مبا يؤكد أن عقيدة اإلمام أمحد بن حنبل ‪ ‬والسادة احلنابلة متوافقة‬
‫يف األصول مع السادة األشاعرة واملاتريدية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬نصوص اإلمام أيب الفضل التميمي ‪ ،‬شيخ احلنابلة يف زمانه‬


‫(ت‪410‬ه)‪:‬‬

‫‪ .1‬وأنكر اإلمام أمحد على من يقول ابجلسم‪ ،‬وقال‪ :‬إمنا األمساء مأخوذة‬
‫ومسك‪،‬‬
‫ابلشريعة واللغة‪ ،‬وأهل اللغة وضعوا هذا االسم على كل ذي طول‪ ،‬وعرض‪ُ ،‬‬

‫(‪ُ )1‬ناية املبتدئني يف أصول الدين‪ ،‬ص (‪.)٣2-٣1‬‬


‫(‪ )2‬املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)٣4-٣٣‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪72‬‬

‫وتركيب‪ ،‬وصورة‪ ،‬وأتليف‪ ،‬وهللا تعاىل خارج عن ذلك كله‪ ،‬فلم جيز أن يُسمى جسماً؛‬
‫خلروجه عن معىن اجلسمية‪ ،‬ومل جييء ذلك يف الشريعة‪ ،‬فبطل‪.)1(‬‬

‫‪ .2‬وقال ‪ ‬أيضاً‪ :‬ومذهب أيب عبد هللا أمحد بن حنبل‪ :‬أن هلل ‪ ‬وجهاً‪،‬‬
‫وص َفه بقوله‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬
‫ال كالصورة املصورة‪ ،‬واألعيان املخططة‪ ،‬بل وجهٌ‪َ ،‬‬
‫ﲊﲋﱠ[القصص‪ ،]88 :‬مث قال‪ :‬وليس معىن وجه‪ ،‬معىن جسم عنده‪ ،‬وال صورة وال‬
‫ختطيط‪ ،‬ومن قال ذلك‪ ،‬فقد ابتدع‪.)2(‬‬

‫‪ .3‬وقال ‪ ‬أيضاً‪ :‬وكان ‪ -‬يعين اإلمام أمحد بن حنبل ‪ - ‬يقول‪ :‬إِّن هلل‬
‫تعاىل يدين‪ ،‬ومها صفة له يف ذاته‪ ،‬ليستا جبارحتني‪ ،‬وليستا مبركبتني‪ ،‬وال جسم‪ ،‬وال جنس‬
‫من األجسام‪ ،‬وال من جنس احملدود‪ ،‬والرتكيب‪ ،‬واألبعاض‪ ،‬واجلوارح‪.)3(‬‬

‫اثنياً‪ :‬نص القاضي أيب يعلى الفراء (ت‪458‬ه)‪:‬‬

‫يف أخبار‬ ‫الوالد السعيد ‪‬‬ ‫قال أبو احلسني ابن أيب يعلى رمحهما للا‪ :‬قال‬
‫الصفات‪ .. :‬وال يوصف بصفات املخلوقني الدالة على حدثهم‪ ،‬وال جيوز عليه ما جيوز‬
‫عليهم‪ ،‬من التغري من حال إىل حال‪ ،‬ليس جبسم‪ ،‬وال جوهر‪ ،‬وال عرض‪ ،‬وأنه مل يزل‪،‬‬
‫وال يزال‪.)4(‬‬

‫‪‬‬ ‫اثلثاً‪ :‬قال أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي‪ ،‬شيخ احلنابلة يف زمانه‬
‫(ت‪ 513‬ه )‪ :‬تعاىل هللا أن يكون له صفة تشغل األمكنة‪ ،‬ألن هذا عني التجسيم‪،‬‬
‫وليس احلق بذي أجزاء وأبعاض يعاجل هبا‪.)5(‬‬

‫اعتقاد اإلمام املنبل أيب عبد للا أمحد بن حنبل‪ ،‬ص (‪.)45‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)17‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عقيدة اإلمام أمحد بن حنبل‪ ،‬رواية أيب بكر اخللل‪ ،‬ص (‪.)1٠4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫طبقات احلنابلة (‪.)211-21٠/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫دفع شبه التشبيه ِبكف التنزيه‪ ،‬البن اِلوزي‪ ،‬ص (‪.)86‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪73‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫رابعاً‪ :‬نص الشيخ العارف الرابين‪ ،‬عبد القادر اجليالين ‪( :‬ت‪561‬ه)‪:‬‬

‫قال ‪ :‬أما معرفة الصانع ‪ ‬ابآلايت والدالالت على وجه االختصار‪ ،‬فهي‬
‫أن يعرف ويتيقن‪ :‬أنه واحد فرد صمد‪ ،‬مل يلد ومل يولد‪ ،‬ومل يكن له كفواً أحد‪ ،‬ليس كمثله‬
‫شيء‪ ،‬وهو السميع البصري‪ ،‬ال شبيه له‪ ،‬وال نظري‪ ،‬وال عون‪ ،‬وال شريك‪ ،‬وال ظهري‪ ،‬وال‬
‫وزير‪ ،‬وال ند وال مشري له‪ ،‬ليس جبسم فيمس‪ ،‬وال جبوهر فيحس‪ ،‬وال عرض فيقضى‪ ،‬وال‬
‫ذي تركيب أو آلة وأتليف‪ ،‬وماهية وحتديد‪.)1(‬‬

‫خامساً‪ :‬نصوص شيخ املذهب‪ ،‬ابن قدامة املقدسي ‪( ‬ت‪620‬ه)‪:‬‬

‫قال ابن قدامة ‪  :‬وكل ما جاء يف القرآن‪ ،‬أو صح عن املصطفى‬ ‫‪.1‬‬


‫عليه السلم‪ ،‬من صفات الرمحن‪ ،‬وجب اإلميان به‪ ،‬وتلقيه ابلتسليم والقبول‪ ،‬وترك التعرض‬
‫له‪ ،‬ابلرد والتأويل والتشبيه والتمثيل‪ ،‬وما أشكل من ذلك‪ ،‬وجب إثباته لفظاً‪ ،‬وترك‬
‫التعرض ملعناه‪ ،‬ونرد علمه إىل قائله‪ ،‬وجنعل عهدته على انقله؛ اتباعاً لطريق الراسخني يف‬
‫العلم‪.)2(‬‬

‫مما جيب‬ ‫وقال ‪ ‬أيضاً‪ :‬والصحيح أن املتشابه‪ :‬ما ورد يف صفات هللا ‪‬‬
‫اإلميان به‪ ،‬وُيرم التعرض لتأويله‪ ،‬كقوله ‪ :‬ﭐﱡﭐﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ[طه‪ ،]5:‬ﭐﱡﭐ ﲾ‬

‫ﲿﳀﱠ[املائدة‪ ،]64:‬ﭐﱡﭐﲱﲲﲳﱠ[ص‪ ،]75:‬ﭐﱡﭐﱪ ﱫﱬﱠ[الرمحن‪،]27:‬‬


‫ﭐﱡﭐ ﱻ ﱼ ﱠ [القمر‪ ،]14:‬وحنوه؛ وألن يف اآلية قرائن تدل على أن هللا ‪ ‬منفرد بعلم‬
‫أتويل املتشابه‪ .‬فإن قيل‪ :‬فكيف خياطب للا اخللق مبا ال يعقلونه؟ أم كيف ينزل على رسوله‬
‫ما ال يطلع على َتويله؟ قلنا‪ :‬جيوز أن يكلفهم اإلميان مبا ال يطلعون على َتويله؛ ليختِب‬
‫طاعتهم‪ ،‬كما اختِبهم ابإلميان احلروف املقطعة مع أنه ال يعلم معناها‪.)3(‬‬

‫(‪ )1‬الغنية (‪.)71/2‬‬


‫(‪ )2‬ملعة االعتقاد البن قدامة‪ ،‬ص (‪.)6-5‬‬
‫(‪ )3‬روضة الناظر وجنة املناظر‪ .)217-215/1( ،‬ابختصار يسري‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪74‬‬

‫وقال ‪ ‬أيضاً‪ :‬فثبت مبا ذكرانه من الوجوه‪ ،‬أن أتويل املتشابه ال‬ ‫‪.2‬‬
‫يعلمه إال هللا تعاىل‪ ..،‬ويلزم من هذا أن يكون املتشابه‪ ،‬هو ما يتعلق بصفات هللا تعاىل‬
‫وما أشبهه‪.)1(‬‬

‫وقال ‪ ‬أيضاً‪ :‬فإنه ال حاجة لنا إىل علم معىن ما أراد هللا تعاىل من‬ ‫‪.3‬‬
‫صفاته ‪‬؛ فإنه ال يراد منها عمل‪ ،‬وال يتعلق هبا تكليف‪ ،‬سوى اإلميان هبا‪ ،‬وميكن اإلميان‬
‫هبا من غري علم معناها؛ فإن اإلميان ابِلهل صحيح‪ ،‬فإن للا ‪ ‬أمر ابإلميان مبلئكته وكتبه‬
‫ورسله وما أنزل إليهم‪ ،‬وإن كنا ال نعرف من ذلك إال التسمية‪.)2(‬‬

‫أيضا‪ :‬وأما إمياننا ابآلايت وأخبار الصفات‪ ،‬فإمنا هو إميان‬


‫ً‬ ‫وقال ‪‬‬ ‫‪.4‬‬
‫مبجرد األلفاظ‪ ،‬الِت ال شك يف صحتها‪ ،‬وال ريب يف صدقها‪ ،‬وقائلها أعلم مبعناها‪،‬‬
‫فآمنا هبا على املعىن الذي أراد ربنا ‪.)3( ‬‬

‫سادساً‪ :‬نصوص اإلمام احلافظ ال مفسر ابن اجلوزي ‪( ‬ت‪597‬ه)‪:‬‬

‫‪ .1‬قال ‪ :‬الواجب علينا‪ ،‬أن نعتقد أن ذات هللا تعاىل ال ُيويه مكان‪ ،‬وال‬
‫يوصف ابلتغ ري واالنتقال‪ .‬وقد بني احلافظ ابن اِلوزي يف هذا الكتاب‪ ،‬أن عقيدة‬
‫السلف‪ ،‬وعقيدة اإلمام أمحد‪ ،‬تن زيه للا عن اِلهة‪ ،‬وال مكان‪ ،‬واحلد‪ ،‬واِلسمية‪ ،‬والقيام‪،‬‬
‫واِللوس‪ ،‬واالستقرار‪ ،‬وغريها من صفات احلوادث واألجسام(‪.)4‬‬

‫أيضاً‪ :‬فرتى أقواماً يسمعون أخبار الصفات‪ ،‬فيحملوهنا على ما‬ ‫‪ .2‬وقال ‪‬‬
‫يقتضيه احلس‪ ،‬كقول قائلهم‪ :‬ين زل بذاته إىل السماء‪ ،‬ويتنقل‪ ،‬وهذا فهم رديء‪ ،‬ألن‬

‫ذم التأويل‪ ،‬ص (‪ .)٣٩‬ابختصار يسري‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫حترمي النظر يف كتب الكلم‪ ،‬ص (‪.)52-51‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)5٩‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ينظر‪ :‬دفع شبه التشبيه‪ ،‬ص (‪.)58‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪75‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫أكرب منه‪ ،‬ويلزم منه‬


‫ال متنق َل يكون من مكان إىل مكان‪ ،‬ويوجب ذلك كون ال مكان َ‬
‫احلركة‪ ،‬وكل ذلك حمال على احلق ‪.)1( ‬‬

‫‪ .3‬وقال ‪ ‬أيضاً‪ :‬كل من هو يف جهة يكون مقدراً حمدوداً‪ ،‬وهو يتعاىل عن‬
‫ذلك‪ ،‬وإمنا اجلهات للجواهر واألجسام؛ ألهنا أجرام حتتاج إىل جهة‪ ،‬وإذا ثبت بطالن‬
‫اجلهة‪ ،‬ثبت بطالن ال مكان‪.)2(‬‬

‫‪ .4‬وقال ‪ ‬أيضاً‪ :‬فإن قيل‪ :‬نفي اجلهات ُييل وجوده‪ ،‬قلنا‪ :‬إن كان‬
‫ال موجود يقبل االتصال واالنفصال‪ ،‬فقد صدقت‪ ،‬فأما إذا ل م يقبلهما‪ ،‬فليس ُخلوه من‬
‫طرف النقيض مبحال‪.)3(‬‬

‫‪‬‬ ‫سابعاً‪ :‬قال اإلمام املفسر سراج الدين ابن عادل احلنبلي الدمشقي‬
‫(ت‪775‬ه )‪ :‬اختلفت األمة يف تفسري يد اَّلل تعاىل‪ :‬فقالت اجملسمة‪ :‬إهنا عضو جسماين‬
‫كما يف حق كل أحد‪ .. ،‬قالوا‪ :‬واسم اليد موضوع ْلذا العضو‪ ،‬فحمله على شيء آخر ترك‬
‫للغة‪ ،‬وإنه ال جيوز‪ .‬واِلواب عنه‪ :‬أنه تعاىل ليس جبسم؛ ألن اجلسم ال ينفك عن احلركة‬
‫والسكون ومها حمداثن‪ ،‬وما ال ينفك عن احملدث فهو حمدث‪ ،‬وألن كل جسم فهو متناه‬
‫يف املقدار‪ ،‬وكل ما كان متناهياً يف املقدار فهو حمدث‪ ،‬وألن كل جسم فهو مؤلف من‬
‫األجزاء‪ ،‬وكل ما كان كذلك افتقر إىل ما يؤلفه ويركبه‪ ،‬وكل ما كان كذلك فهو حمدث‪،‬‬
‫فثبت هبذه الوجوه أنه ميتنع كونه تعاىل جسماً‪ ،‬فيمتنع أن يكون عضواً جسمانياً‪.‬‬

‫وأما مجهور المو هحدين فلهم يف لف هظ الي هد قوالن‪:‬‬

‫أحدمها‪ :‬قول من يقول‪ :‬إن القرآن ملا دل على إثبات اليد َّلل‪ ،‬آمنا ابَّلل‪ ،‬والعقل دل‬
‫على أنه ميتنع أن يكون يد للا عبارة عن جسم خمصوص‪ ،‬وعضو مركب من األجزاء‬

‫(‪ )1‬صيد اخلاطر‪ ،‬ص (‪.)476‬‬


‫(‪ )2‬دفع شبه التشبيه‪ ،‬ص (‪.)57‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)5٩‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪76‬‬

‫واألبعاض‪ ،‬آمنا به‪ ،‬فأما أن اليد ما هي وما حقيقتها‪ ،‬فقد فوضنا معرفتها إىل هللا تعاىل‪،‬‬
‫وهذه طريقة السلف‪.‬‬

‫واثنيهما‪ :‬قول املتكلمني فقالوا‪ :‬اليد تذكر يف اللغة على وجوه‪ :‬أحدها‪ :‬اِلارحة‪.‬‬
‫واثنيها‪ :‬النعمة‪ ،‬واثلثها‪ :‬القوة‪ ،‬ورابعها‪ :‬امللك‪ ،‬وخامسها‪ :‬شدة العناية واالختصاص‪ ،‬وإذا‬
‫عرف هذا فنقول‪ :‬اليد يف حق اَّلل تعاىل متنع أن تكون اِلارحة‪ ،‬وأما سائر املعاين فكلها‬
‫حاصلة‪.)1(‬‬

‫(ت‪795‬ه )‪ :‬والصواب‪ :‬ما عليه‬ ‫‪‬‬ ‫اثمناً‪ :‬قال احلافظ ابن رجب احلنبلي‬
‫السلف الصاحل‪ ،‬من إمرار آايت الصفات وأحاديثها كما جاءت‪ ،‬من غري تفسري هلا‪ ،‬وال‬
‫تكييف وال متثيل ‪ ،‬وال يصح عن أحد منهم خلف ذلك البتة‪ ،‬خصوصا اإلمام أمحد‪ ،‬وال‬
‫خوض يف معانيها‪ ،‬وال ضرب مثل من األمثال ْلا‪ ..،‬إمنا االقتداء ِبئمة اإلسلم؛ كابن‬
‫املبارك‪ ،‬ومالك‪ ،‬والثوري واألوزاعي‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأيب عبيد‪ ،‬وحنوهم‪.)2(‬‬

‫(ت‪ 1033‬ه)‪ :‬مذهب‬ ‫‪‬‬ ‫اتسعاً‪ :‬قال العالمة مرعي املقدسي احلنبلي‬
‫السلف هو عدم اخلوض يف مثل هذا‪ ،‬والسكوت عنه‪ ،‬وتفويض علمه إىل هللا تعاىل‪ ،‬قال‬
‫ابن عباس ‪ :‬هذا من املكتوم الذي ال يفسر‪ .‬فاألوىل يف هذه اآلية وما شاكلها أن‬
‫يؤمن اإلنسان بظاهرها‪ ،‬ويكل علمها إىل هللا تعاىل‪ ،‬وعلى ذلك مضت أئمة السلف‪ ،‬وقال‬
‫سفيان بن عيينة ‪:‬كل ما وصف هللا به نفسه يف كتابه؛ فتفسريه قراءته والسكوت‬
‫عنه‪ ،‬ليس ألحد أن يفسره إال هللا ورسوله‪.)3(‬‬

‫(‪ )1‬اللباب يف علوم الكتاب‪ )42٩-428/7( ،‬ابختصار يسري‪.‬‬


‫(‪ )2‬فضل علم السلف على اخللف‪ ،‬ص (‪.)4‬‬
‫(‪ )3‬أقاويل الثقات يف َتويل األمساء والصفات واآلايت احملكمات واملشتبهات ص (‪.)62-61‬‬
‫‪77‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫عاشراً‪ :‬نصوص العالمة السفاريين ‪( ‬ت ‪ 1188‬ه)‪:‬‬

‫قال ‪ :‬ومذهب السلف عدم اخلوض يف مثل هذا‪ ،‬والسكوت عنه‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫وتفويض علمه إىل هللا تعاىل‪.)1(‬‬

‫وقال ‪ ‬أيضاً‪:‬‬ ‫‪.2‬‬

‫عرض وال جسم تعاىل ذو العل ى‪.‬‬


‫‪‬ولي س ربُّنا جبوه ر وال ‪َ ...‬‬
‫سبحانه ِّ‬
‫قد استوى كما ورد‪ ...‬من غري كيف قد تعاىل أن ُُيَد‪.)2(‬‬

‫وقال ‪ :‬وكذلك الرضا والغضب‪ ،‬إىل غري ذلك من سائر ما جاء به‬ ‫‪.3‬‬
‫النب الكرمي‪ ،‬فسلف األمة وعلماء األئمة يؤمنون به‪ ،‬ويثبتونه َّّلل ‪،‬‬
‫الكتاب العظيم‪ ،‬و ه‬
‫ابملعىن الذي أراده ‪ ،‬مع اعتقادهم التنزيه والتقديس‪ ،‬عن التشبيه والتنق ِّ‬
‫يص‪.)3(‬‬

‫قلت‪ :‬ونصوص أئمة فضلء احلنابلة يف تقرير هذا املذهب ال حتصى‪ ،‬فاقتصرت على‬
‫ما مضى منها‪ ،‬وال بد من التنبيه هنا‪ ،‬إىل أننا حني نقول‪ :‬إن التفويض هو مذهب فضلء‬
‫احلنابلة‪ ،‬نعين‪ :‬أنه مذهب أكثرهم‪ ،‬وأنه ميثل اخلط احلنبلي العام عِب العصور‪ ،‬وليس عند‬
‫املتأخرين فقط‪ ،‬وأُنم قالوه معتقدين أنه مذهب إمامهم‪ ،‬بل مذهب السلف وسائر األئمة‬
‫املعتِبين‪ ،‬فليسوا مبعزل عن إمامهم وحتقيق قوله‪ ،‬فل يصح أن يقال‪ :‬إن هذا تقليد مذموم؛ إذ‬
‫التقليد عندهم يف العقائد ال جيوز‪ ،‬أو إنه قول من ال عِبة بقوله يف ابب االعتقاد‪ ،‬ولتأكيد‬
‫هذا‪ ،‬أنقل هذين النقلني املهمني‪ ،‬الذين يبيهنان هذه احلقيقة‪:‬‬

‫بدأ العلمة عبد الباقي احلنبلي عقيدته [ابملنصوص] عن اإلمام أمحد‬ ‫‪.1‬‬
‫‪ ،‬ووضع فيها ما يفيد التفويض‪ ،‬وما قاله يف عقيدته‪ :‬معظم ما نقلناه من أصولنا‬

‫(‪ )1‬لوامع األنوار البهية (‪.)٩7/1‬‬


‫(‪ )2‬لوامع األنوار البهية‪.)181/1( ،‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق (‪.)1٠٠/1‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪78‬‬

‫إىل زمننا‪ ،‬متواتر نقله‬ ‫وفروعنا؛ متصل يف ُجيع األعصار‪ ،‬من زمن اإلمام أمحد ‪‬‬
‫ُجع عن ُجع‪.)1(‬‬

‫وقال العلمة السفاريين‪ :‬اعلم أن مذهب احلنابلة هو مذهب السلف‪،‬‬ ‫‪.2‬‬


‫فيصفون هللا مبا وصف به نفسه‪ ،‬ومبا وصفه به رسوله ‪ ،‬من غري حتريف وال تعطيل‪،‬‬
‫ومن غري تكييف وال متثيل‪ ،‬فاهلل تعاىل ذات ال تشبه الذوات‪ ،‬متصفة بصفات الكمال‬
‫الِت ال تشبه الصفات من احملداثت‪ ،‬فإذا ورد القرآن العظيم‪ ،‬وصحيح سنة النب الكرمي عليه‬
‫أفضل الصلة وأمت التسليم بوصف للباري جل شأنه؛ تلقيناه ابلقبول والتسليم‪ ،‬ووجب إثباته‬
‫له على الوجه الذي ورد‪[ ،‬ونكل معناه للعزيز احلكيم]‪[ ..،‬فهذا اعتقاد سائر احلنابلة‬
‫كجميع السلف]‪ ،‬فمن عدل عن هذا املنهج القوي‪ ،‬زاغ عن الصراط املستقيم واحنرف‪.)2(‬‬

‫(‪ )6‬إثبات وحدانية هللا ‪ ‬أبفعاله‪ ،‬وتنزيه هللا ‪ ‬أن يكون له ٌ‬


‫غرض‪ ،‬أو علةٌ‬
‫من خلقه‪ ،‬مع إثبات احلكمة‪ ،‬والتنزيه عن العبث‪:‬‬

‫قال ابن محدان ‪ :‬كل شيء سوى للا وصفاته حادث‪ ،‬وللا خلقه وأوجده‪،‬‬
‫وابتدأه بعد عدمه‪ ،‬ال لعلة وال لغرض‪ ،‬وال لداع‪ ،‬وال حلاجة‪ ،‬وال ملوجب‪ ،‬وال جتب رعاية‬
‫ذلك يف شيء من أفعاله‪ ،‬وال يفعل شيئاً عبثاً‪ ،‬وال خالق ِلسم وال جوهر وال عرض‪ ،‬وال‬
‫شيء إال هو ‪.)3( ‬‬

‫أفعال العباد‪ ،‬خريها وشرها‪ ،‬وإثبات الكسب للعباد‪ ،‬بقدرة‬


‫(‪ )7‬إثبات خلق هللا َ‬
‫حادثة خيلقها هللا ‪ ‬مقارنة لفعل العبد احلادث‪:‬‬

‫قال ابن محدان ‪ :‬وُجيع أفعال العباد كسب هلم‪ ،‬وهي خملوقة هلل خريها‬
‫وشرها‪ ،‬حسنها وقبيحها‪ ،‬ويقال‪ :‬إُنا فعله قبل خلقه‪ ،‬وْلم فيها كسب واختيار‪ .‬وفعل‬

‫(‪ )1‬العني واألثر يف عقائد أهل األثر‪ .‬ص (‪.)1٠٠‬‬


‫(‪ )2‬لوامع األنوار البهية‪ .‬ص (‪.)1٠7/1‬‬
‫(‪ُ )3‬ناية املبتدئني يف أصول الدين‪.)٣4-٣٣( ،‬‬
‫‪79‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫العبد خمتار ميسر يف كسب الطاعة‪ ،‬واكتساب املعصية‪ ،‬غري مكره وال مِب‪ ،‬وال مضطر‪ ،‬وللا‬
‫اخلالق ما كسبه العبد واكتسبه وفعله‪ ،‬والقدرة واملقدور‪ ،‬واالختيار واملختار‪ .‬والكسب ما وقع‬
‫من الفاعل مقارانً لقدرة حمدثة واختيار‪ ،‬وقائل هذا احرتز عن االضطرار واالخرتاع‪ ..‬واِلِب‬
‫والتولد ابطلن‪ ،‬وما يظن أنه متولد من فعل اآلدمي‪ ،‬هو من خلق للا تعاىل وفعله‪ ،‬كأمل‬
‫الضرب‪ ،‬واالستطاعة مع الفعل‪.)1(‬‬

‫قال ‪ :‬وللا تعاىل مقدر اخلري والشر‪ ،‬والنفع والضر‪ ،‬وال خيرج شيء من‬
‫تقديره‪ ،‬وال يصدر إال بتدبريه‪ ،‬كل ما علمه أو قضاه‪ ،‬أو حكم به‪ ،‬أو أخِب به‪ ،‬ال يتصور‬
‫تغيريه‪ ،‬وال خمالفته له‪ ،‬وال لنا اخللف فيه‪.)2(‬‬

‫(‪ )8‬تنزيه هللا ‪ ‬عن أن يكون شيءٌ من أفعاله واجباً عليه‪ ،‬بل ُجيعها ابختياره‬
‫ومشيئته‪:‬‬

‫قال ابن محدان ‪ :‬وال جيب عليه ‪ ‬شيءٌ‪ ،‬وال فعل األصلح واألنفع ْلم‪،‬‬
‫وال جيوز أن يقال‪ :‬إمنا خلق اخللق لينفعهم‪ ،‬فإنه خلق أهل النار‪ ،‬وتليدهم وتسليط إبليس‬
‫وجنده عليهم ابلضلل وغريه‪ ،‬وليس أنفع ْلم‪ .‬وهو احلاكم بكل حكم‪ ،‬والعقل املرعي تبع‬
‫وموافق للنقل الشرعي‪ ،‬فل حسن‪ ،‬وال شكر‪ ،‬وال مدح‪ ،‬وال ذم‪ ،‬وال أمر‪ ،‬وال ُني‪ ،‬وال تتِب‬
‫إابحة إال ابلشرع‪ ،‬وال حكم لعقل يف عني قبل ورود الشرع‪.)3(‬‬

‫فهذه األصول الِت تنبين عليها عقيدة فضلء احلنابلة يف مبحث اإلْليات‪ ،‬متفقة متاماً‬
‫مع أصول أهل السنة واِلماعة‪ ،‬األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬وإن كان هناك بعض اخللفات يف فروع‬
‫املسائل األصولية‪ ،‬الِت مل ُيسمها النص‪ ،‬وليس عليها إمجاع‪ ،‬وللنظر فيها مال‪ ،‬فهذا‬
‫اخللف‪ ،‬ال يقتضي تكفرياً وال تبديعاً‪ ،‬وأما مبحث النبوات‪ ،‬وما يتبعه‪ ،‬من مبحث الصحابة‬

‫(‪ُ )1‬ناية املبتدئني يف أصول الدين‪ ،‬ص (‪.)42‬‬


‫(‪ )2‬املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)46‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)٣4-٣٣‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪80‬‬

‫وحنوه‪ ،‬ومباحث السمعيات‪ ،‬فهم متفقون يف أمهات األصول‪ ،‬ويندر اختلفهم‪ ،‬وإن وجد‬
‫اخللف‪ ،‬فهو يف الفروع الِت خيتلف فيها الرتجيح‪ ،‬لتعارض األدلة‪ ،‬وعدم املرجح القطعي‪.‬‬

‫** ** **‬
‫‪81‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫املبحث السابع‪ :‬منهج أهل السنة يف التعامل مع النصوص املتشاهبة‬

‫لقد جعل للا ‪ ‬يف القرآن الكرمي نصوصاً حمكمات‪ ،‬بينة املعىن‪ ،‬ال حتتمل الشك‬
‫يف فهم املراد منها‪ ،‬وأخر متشاهبات‪ ،‬تشتبه وحتتمل‪ ،‬أو خيفى معناها‪ ،‬فالواجب على املؤمن‪،‬‬
‫هو رد معىن املتشابه من اآلايت‪ ،‬إىل احملكم منها‪ ،‬وفهمها على وفق املعىن املقطوع به‪ ،‬وهذه‬
‫علمة على سلمة ابطنه من الزيغ والضلل‪ ،‬فعن عائشة ‪ ،‬قالت‪ :‬تل رسول اَّلل ‪‬‬
‫ﲓﲕ‬
‫ﲔ‬ ‫ﭐﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ‬ ‫ه هذهه اآلية‪:‬‬
‫ﲧ ﲩﲪ‬
‫ﲡﲣﲤﲥﲦ ﲨ‬
‫ﲢ‬ ‫ﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜ ﲝﲞﲟﲠ‬

‫ﲲ ﱠ‪ ،‬قالت‪ :‬قال رسول اَّلله ‪" :‬فإذا رأيت الَّ ِّذين يتَّبعون‬‫ﲫﲬﲭﲮﲯﲰ ﲱ ﲳ‬
‫ما تشابه منه‪ ،‬فأولئك الَّذين َمسَى َّ‬
‫اّلل؛ فاحذروهم"(‪.)1‬‬
‫قال شيخ املفسرين ابن جرير الطِبي ‪ :‬فمعىن الكلم إذا‪ :‬فأما الذين يف‬
‫قلوهبم ميل عن احلق‪ ،‬وحيف عنه‪ ،‬فيتبعون من آي الكتاب‪ ،‬ما تشاهبت ألفاظه‪ ،‬واحتمل‬
‫صرف صارفه‪ ،‬يف وجوه التأويالت‪ ،‬ابحتماله املعاين املختلفة؛ إرادة اللبس على نفسه‬
‫احتجاجا به على ابطله‪ ،‬الذي مال إليه قلبه‪ ،‬دون احلق الذي أابنه للا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وعلى غريه؛‬
‫فأوضحه ابحملكمات من آي كتابه‪.)2(‬‬

‫وقد نقل إمام أهل السنة‪ ،‬أبو احلسن األشعري ‪ ،‬إمجاع السلف الصاحل يف‬
‫طريقة التعامل مع هذه النصوص‪ ،‬فقال‪ :‬وأُجعوا على التصديق جبميع ما جاء به رسول‬
‫هللا ‪ ‬يف كتاب هللا‪ ،‬وما ثبت به النقل من سائر سنته‪ ،‬ووجوب العمل مبحكمه‪،‬‬
‫واإلقرار بنص مشكله ومتشاهبه‪ ،‬ورد كل ما مل ُيط به علماً بتفسريه إىل هللا ‪ ،‬مع‬
‫اإلميان بنصه‪ .)3(‬ونبني ذلك يف مطلبني‪:‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )4547‬ومسلم (‪.)2665‬‬


‫(‪ )2‬تفسري الطِبي (‪.)1٩7/6‬‬
‫(‪ )3‬رسالة إىل أهل الثغر بباب األبواب‪ ،‬ص (‪.)167-166‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪82‬‬

‫املطلب األول‪ :‬طرق أهل السنة يف التعامل مع النصوص املتشاهبة‬

‫لقد اتفق السلف الصاحل وخلفهم‪ ،‬من علماء أهل السنة واِلماعة ‪ -‬بعد تنزيهه تعاىل‬
‫عن ظواهر النصوص املتشاهبة ‪ ،-‬أن التعامل مع هذه النصوص املتشاهبة‪ ،‬يكون إبحدى‬
‫طريقتني‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬طريقة ُجهور السلف الصال(‪ ،)1‬وهي التفويض‪ :‬ويعين اإلميان والتسليم‬
‫جبميع ما جاء من عند للا ‪ ،‬وصح عن رسول للا ‪ ،‬يف حق صفات للا ‪ ،‬بعد‬
‫تنزيهه ‪ ‬عن صفات احلدوث والنقص‪ ،‬وتتزيهه ‪ ‬عن مشاهبة خلقه يف املعىن واحلقيقة‪،‬‬
‫من اِلسمية وحلول احلوادث بذاته‪ ،‬مع عدم اخلوض فيه بشيء من الكلم‪ ،‬وعدم حتديد‬
‫املعىن من اللفظ‪ ،‬ابلتأويل والتفسري‪.‬‬

‫اثنياً‪ :‬طريقة ُجهور اخللف الصال(‪ ،)2‬وبعض السلف‪ ،‬وهي التأويل‪ :‬ومضمونه‬
‫اإلميان مبا ثبت يف النصوص الصحيحة‪ ،‬ما يتعلق بصفات للا ‪ ،‬مع محلها على معان‬
‫الئقة ابلل ‪ ،‬على وفق لغة العرب‪ ،‬أو هو صرف الكلم عن ظاهره املوهم للتشبيه‪ ،‬إىل‬
‫معىن الئق ابلل ‪ُ ،‬يتمله اللفظ‪ ،‬أوجبه برهان قطعي يف القطعيات‪ ،‬وظين يف الظنيات‪.‬‬

‫وقد ذكر بعض احملققني من أهل السنة‪ ،‬أن ألهل السنة يف النصوص املتشاهبة‪ ،‬ثلثة‬
‫اتاهات‪ ،‬كلها صحيحةٌ‪ ،‬ال حرج فيها‪ ،‬وإمنا اخللف يف األوىل منها‪:‬‬

‫األول‪ :‬إثبات النصوص‪ ،‬مع صرف معناها عن الظاهر‪ ،‬دون تعيني معىن حمدد‪،‬‬
‫وتفويض معناها إىل للا ‪ ،‬وعدم اخلوض يف بيانه‪ ،‬وهو قول أليب احلسن األشعري‬
‫‪ ‬أيضاً‪ ،‬ونسبه كثري من أهل السنة إىل أهل احلديث‪.‬‬

‫(‪ )1‬السلف الصال‪ :‬هم من تقدم من األنبياء‪ ،‬والصحابة‪ ،‬والتابعني‪ ،‬واتبعيهم‪ ،‬وهم أهل القرون الثلثة‬
‫األوىل‪ ،‬وهذا هو قول كثري من العلماء‪ ،‬فيدخل يف السلف األئمة األربعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬اخللف الصال‪ :‬هم السواد األعظم‪ ،‬من األئمة والعلماء الثقات‪ ،‬من الفقهاء‪ ،‬واحملدثني‪ ،‬وعلماء‬
‫أصول الدين‪ ،‬وغريهم‪ ،‬الذين جاؤوا بعد املائة الثالثة‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫الثاين‪ :‬إثبات النصوص‪ ،‬مع صرف معناها عن الظاهر‪ ،‬وَتويلها مبا يليق جبلل للا‬
‫أيضاً‪.‬‬ ‫‪ ،‬وفق لسان العرب‪ ،‬وهو قول أيب احلسن ‪‬‬
‫وليعلم أن التأويل ال يقبل‪ ،‬حَّت تتحقق فيه القواعد املتفق عليها بني العلماء؛ لئل‬
‫يصري حتريفاً للكلم عن مواضعه‪ ،‬وبعدها ُيدد العلماء املعىن املناسب للفظ‪ ،‬وفق شروط‬
‫التأويل الشرعي املقبول‪ ،‬وضوابطه؛ فمن وجد من نفسه قدرة على صنيع السلف الصاحل‪،‬‬
‫من كمال التنزيه‪ ،‬وسلمة الفهم‪ ،‬فليمش على سننهم‪ ،‬فهو أسلم وأوىل‪ ،‬وإال فليتبع اخللف‬
‫الصاحل‪ ،‬وليحرتز من مضلت األهواء‪ ،‬من تشبيه وتعطيل(‪.)1‬‬

‫الثالث‪ :‬إثباتا كصفات معان‪ ،‬ال يعلم معناها وحقيقتها إال هللا ‪ ،‬وهو قول‬
‫معتِب أل هل السنة واِلماعة‪ ،‬على رأسهم‪ ،‬اإلمام األعظم أبو حنيفة النعمان‪ ،‬وشيخ املفسرين‬
‫الطِبي‪ ،‬وإمام أهل السنة‪ ،‬أبو احلسن األشعري ‪ ،‬وكثري من أصحاهبم املتقدمني‪،‬‬
‫قول ه‬
‫عامة فضلء احلنابلة‪.‬‬ ‫وغريهم‪ ،‬وهو ٌ‬

‫‪‬ﱡ ﭐ ﱇ ﱈ ﱉ‬ ‫(ت ‪150‬ه)‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫قال اإلمام األعظم أبو حنيفة النعمان‬
‫ﱊﱠ‪ ،‬ليست كأيدي خلقه‪ ،‬وليست جارحة‪ ،‬وهو خالق األيدي‪ .)2(‬وقال أيضاً‪:‬‬
‫‪‬وهو ‪ ‬شيء ال كاألشياء‪ ،‬ومعىن الشيء‪ :‬الثابت بال جسم‪ ،‬وال جوهر‪ ،‬وال عرض‪،‬‬
‫وال حد له‪ ،‬وال ضد له‪ ،‬وال ند له‪ ،‬وال مثل له‪.)3(‬‬

‫(‪ )1‬شروط التأويل ثالثة‪ )1( :‬أن يكون اللفظ حمتملً‪ ،‬ولو عن بعد للمعىن الذي يؤول إليه‪ ،‬فل يكون‬
‫موجب للتأويل؛ ِبن يكون ظاهر النص خمالفاً لقاعدة مقررة‬
‫ٌ‬ ‫غريباً عنه كل الغرابة‪ )2( .‬أن يكون مثة‬
‫معلومة من الدين ابلضرورة‪ ،‬أي خمالفاً لنص أقوى منه‪ )٣( .‬أن ال يكون التأويل من غري سند‪ ،‬بل‬
‫ال بد أن يكون له سن ٌد‪ ،‬ومستمداً من املوجبات‪ .‬وقال ابن اِلوزي‪ :‬إن نفيت التشبيه يف الظاهر‬
‫والباطن‪ ،‬فمرحباً بك‪ ،‬وإن مل ميكنك أن تتخلص من شرك التشبيه‪ ،‬إىل خالص التوحيد‪ ،‬وخالص‬
‫التنزيه إال ابلتأويل‪ ،‬فالتأويل خريٌ من التشبيه‪ ،‬وقال أيضاً‪ :‬التشبيه داءٌ والتأويل دواؤه‪ ،‬فإذا مل‬
‫يوجد الداء‪ ،‬فال حاجة الستعمال الدواء‪ .‬ينظر‪ :‬املواعظ واجملالس‪ ،‬ص (‪.)11‬‬
‫(‪ )2‬الفقه األكِب‪ ،‬ص (‪.)15٩‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)26‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪84‬‬

‫‪‬وله ‪‬‬ ‫وقال اإلمام احلافظ املفسر‪ ،‬ابن جرير الطِبي ‪( ‬ت ‪310‬ه)‪:‬‬
‫يدان‪ ،‬وميني وأصابع‪ ،‬وليست جارحة‪ ،‬ولكن يداه مبسوطتان ابلنعم على اخللق‪ ،‬ال‬
‫مقبوضتان عن اخلري‪.)1(‬‬

‫وقال اإلمام أبو احلسن األشعري ‪ ‬يف كتاب اإلابنة‪ :‬وليس خيلو قوله ‪:‬‬
‫ﱡﭐﲱ ﲲ ﲳﱠ[ص‪ ،]75:‬أن يكون معىن ذلك إثبات يدين نعمتني‪ ،‬أو يكون معىن‬
‫ذلك‪ ،‬إثبات يدين جارحتني‪ ،‬تعاىل هللا عن ذلك‪ ،‬أو يكون معىن ذلك إثبات يدين قدرتني‪،‬‬
‫أو يكون معىن ذلك‪ ،‬إثبات يدين ليستا نعمتني وال جارحتني وال قدرتني ال توصفان إال‬
‫كما وصف هللا تعاىل‪ ،‬فل جيوز أن يكون معىن ذلك نعمتني؛ وال جيوز عندان وال عند‬
‫خصومنا أن نعين جارحتني‪ ،‬وال جيوز عند خصومنا أن يعين قدرتني‪ ،‬وإذا فسدت األقسام‬
‫الثالثة‪ ،‬صح القسم الرابع‪ ،‬وهو أن معىن قوله ‪ :‬ﱡﭐ ﲳﱠ إثبات يدين ليستا‬
‫جارحتني‪ ،‬وال قدرتني‪ ،‬وال نعمتني ال يوصفان إال ِبن يقال‪ :‬إهنما يدان ليستا كاأليدي‪،‬‬
‫خارجتان عن سائر الوجوه الثالثة الِت سلفت‪.)2(‬‬

‫وقال اإلمام احلافظ أبو بكر اإلمساعيلي ‪( ‬ت‪371‬ه)‪ ،‬يف إثبات صفة‬
‫اليدين‪ ،‬صفة معىن‪ ،‬ال صفة عني‪ ،‬مبعىن اِلارحة‪ :‬وخلق آدم ‪ ‬بيده‪ ،‬ويداه مبسوطتان‪،‬‬
‫ينفق كيف شاء‪ ،‬بال اعتقاد كيف يداه‪ ،‬إذ مل ينطق كتاب هللا تعاىل فيه بكيف‪ ،‬وال يعتقد‬
‫فيه األعضاء‪ ،‬واجلوارح‪ ،‬وال الطول والعرض‪ ،‬والغلظ‪ ،‬والدقة‪ ،‬وحنو هذا ما يكون مثله يف‬
‫اخللق‪ ،‬وأنه ليس كمثله شيء‪ ،‬تبارك وجه ربنا ذو اِللل واإلكرام‪.)3(‬‬

‫وقال اإلمام احلافظ اخلطايب ‪( ‬ت‪388‬ه)‪ :‬وليس معىن اليد عندان‬


‫اجلارحة‪ ،‬إمنا هو صفة جاء هبا التوقيف‪ ،‬فنحن نطلقها على ما جاءت‪ ،‬وال نكيفها‪ ،‬وننتهي‬

‫(‪ )1‬التبصري يف معامل الدين للطِبي‪ ،‬ص (‪.)4٠‬‬


‫(‪ )2‬اإلابنة عن أصول الداينة (‪.)1٣4-1٣٣‬‬
‫(‪ )3‬اعتقاد أئمة احلديث‪ ،‬ص (‪.)52-51‬‬
‫‪85‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫إىل حيث انتهى بنا الكتاب‪ ،‬واألخبار املأثورة الصحيحة‪ ،‬وهو مذهب أهل السنة‬
‫واجلماعة‪.)1(‬‬

‫وقال اإلمام حممد بن يوسف السنوسي ‪ :‬ومشكلت الكتاب والسنة كثرية‬


‫جدا‪ ،‬وقد صنف العلماء يف مجعها والكلم عليها تصانيف‪ ،‬والضابط اِلملي يف مجيعها أن‬
‫ً‬
‫كل مشكل منها مستحيل الظاهر‪ ،‬فإنه ينظر فيه‪:‬‬

‫(‪ )1‬فإذا كان ال يقبل التأويل إال معىن واحداً‪ ،‬وجب أن ُيمل عليه‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬
‫ﭐﱡﭐﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱠ [احلَ ِّديد‪]4:‬؛ فإن املعية ابلتحيز واحللول ابملكان مستحيلة على املوىل‬
‫‪‬؛ أل ُنا من صفات األجسام‪ ،‬فتعني صرف الكلم عن ظاهره‪ ،‬وال يقبل هنا إال َت هو ًيل‬
‫احدا دل عليه السياق‪ ،‬وهو املعية ابإلحاطة‪ ،‬علما ومس ًعا وبصًرا‪.‬‬
‫و ً‬
‫(‪ ) 2‬وإن كان يقبل من التأويل أكثر من معىن واحد‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﱻ ﱼ ﱠ‬
‫[ال َق َمر‪ ،]14:‬وق ولههه ‪ :‬ﱡﭐ ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﱠ[ص‪ ،]75:‬وق ولههه‪ :‬ﭐﱡﭐﱺ ﱻ ﱼ ﱠﭐ‬
‫[طه‪ ،]5:‬فقد اختلف العلماء يف ذلك على ثلثة مذاهب‪:‬‬

‫املذهب األول‪ :‬وجوب تفويض معىن ذلك إىل للا تعاىل‪ ،‬بعد القط هع ابلتنزيه عن‬
‫الظاهر املستحيل‪ ،‬وهو مذهب السلف(‪)2‬؛ وْلذا ملا سأل السائل‪ ،‬مالك بن أنس ‪،‬‬

‫(‪ )1‬أعلم احلديث (شرح صحيح البخاري) (‪.)2٣47 /4‬‬


‫(‪ )2‬قال اإلمام السنوسي‪ :‬ومذهب السلف‪ :‬الوقف يف تعيني َتويلها‪ ،‬وقالوا‪ :‬تقطع ِبن ظاهرها املستحيل‬
‫ونفوض بعد ذلك عني املراد منها إىل للا تعاىل؛ لصحة محل اللفظ على حمامل‪ ،‬ومل يعني‬ ‫غري مراد‪ ،‬ه‬
‫الشرع ما املراد منها‪ ،‬فتعيني بعضها بغري نقل عن صاحب الشرع‪ ،‬تسور على الغيب بغري دليل‪ ،‬وهذا‬
‫القول هو أحسن األقوال وأسلمها‪ ،‬ينظر‪ :‬شرح العقيدة الوسطى‪ ،‬ص (‪ .)141‬وقال الشيخ نزار‬
‫محادي يف حتقيقه على املقدمات للسنوسي‪ :‬ويفهم من كالم اإلمام السنوسي بوضوح‪ ،‬أن‬
‫التفويض الذي يقول به السلف الصال ليس فيه جتهيل هلم رضوان هللا تعاىل‪ ،‬بل كانوا عاملني‬
‫جبميع حمامل ومعاين الكالم‪ ،‬وعاملني مبا يصح إثباته يف حق هللا تعاىل من املعاين احملتملة وما ال‬
‫يصح‪ ،‬وكانوا يقطعون بطرح احملامل واملعاين الفاسدة املقتضية للتجسيم والتشبيه‪ ،‬ويتوقفون يف‬
‫تعيني أحد احملامل واملعاين الصحيحة على سبيل القطع أبهنا مرادة هللا تعاىل بسبب فقدهم أي‬
‫دليل قطعي على التعيني من الشرع‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪86‬‬

‫عن قوله ‪ :‬ﱡﭐﱺ ﱻ ﱼ ﱠ‪ ،‬قال يف جوابه‪ :‬االستواء معلوم‪ ،‬والكيف غري‬


‫معقول‪ ،‬والسؤال عن مثل هذا بدعة‪ ،‬وأمر إبخر هاج السائل‪ ،‬يعين ‪ :‬أن االستواء‬
‫معلوم من لغة العرب‪ ،‬وحمامله اجملازية الِت تصح يف حق للا تعاىل‪ ،‬واملراد يف اآلية منها‪ ،‬أو‬
‫من غريها ما مل نعلمه مهول لنا‪ ،‬والسؤال عن تعيني ما مل يرد نص من الشرهع بتعيينه‪ ،‬بدعة‪،‬‬
‫وصاحب البدعة رجل سوء‪ ،‬تب مانبته وإخراجه من مالس العلم؛ لئل يدخل على‬
‫املسلمني فتنة بسبب إظهار بدعته‪.‬‬

‫املذهب الثاين‪ :‬جواز تعيني التأويل للمشكل‪ ،‬ويرجح على غريه ما يصح بداللة‬
‫السياق أو بكث رة استعمال العرب للفظ املشكل فيه‪ ،‬فتحمل العني على العلم أو البصر أو‬
‫احلفظ‪ ،‬وحت مل اليد على القدرة أو النعمة‪ ،‬وُيمل االستواء على القهر والغلبة‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫إمام احلرمني ومجاعة كثرية من العلماء‪.‬‬

‫املذهب الثالث‪ :‬محل تلك املشكلت على إثبات صفات لل تعاىل تليق جبلله‬
‫الشيخ أيب احلسن األشعري رمحه للا‬
‫شيخ أهل السنة ه‬
‫ومجاله‪ ،‬ال يعرف كنهها‪ .‬وهذا مذهب ه‬
‫تعاىل ورضي عنه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬والظاهر أن من احتاط وعِب فيما يذكره من َتويل لذلك املشكل بلفظ‬
‫االحتمال‪ ،‬فيقول‪ُ :‬يتمل أن يكون املراد من اآلية أو احلديث كذا‪ ،‬فقد سلم من التجاسر‬
‫وسوء األدب‪ ،‬ابِلزم بتعيني ما مل يقم دلهيل قطعي على تعيينه‪.)1(‬‬

‫اثبتةٌ يف القرآن‪،‬‬ ‫قلت‪ :‬فأصحاب االجتاه األول‪ ،‬يقولون‪ :‬إن إضافة اليد إىل للا ‪‬‬
‫الكرمي‪ ،‬وللا أعلم مبراده‪ ،‬ويستحيل أن تكون مبعىن اِلارحة‪ ،‬وال يقولون هي صفة‪ ،‬أو ليس‬
‫بصفة‪ ،‬فل يزيدون على قراءة النص‪ ،‬مع نفي التشبيه والتكييف والتجسيم عن الباري ‪،‬‬
‫ه‬
‫فينزهونه عن مطلق مشاهبة اخللئق‪ ،‬وعن مشاركتهم يف أي معىن من املعاين‪ ،‬ويسمى هذا‬
‫القول‪( :‬التفويض)‪.‬‬

‫(‪ )1‬شرح املقدمات لإلمام السنوسي‪ ،‬ص (‪.)12٣-12٠‬‬


‫‪87‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫اثبتة يف القرآن الكرمي‪ ،‬وال‬ ‫وأصحاب االجتاه الثاين‪ ،‬يقولون‪ :‬إضافة اليد إىل للا ‪‬‬
‫ميكن أن تكون مبعىن اِلارحة‪ ،‬بل نفهم معناها وفق لسان العرب‪ ،‬فتكون مبعىن القدرة أو‬
‫النعمة‪ ،‬أو غري ذلك من املعاين املستعملة لليد يف لغة العرب‪ ،‬حبسب اللئق ابلسياق‪ ،‬وال‬
‫نقطع ابملراد‪ ،‬ويسمى هذا القول‪( :‬التأويل)‪.‬‬

‫يد هي صفته‪ ،‬ويستحيل أن تكون مبعىن‬ ‫‪‬‬ ‫وأصحاب االجتاه الثالث‪ ،‬لل‬
‫اِلارحة‪ ،‬ال نعلم معناها‪ ،‬وال حقيقتها‪ ،‬هبا خلق آدم ‪ ،‬فيثبتوُنا صفة معىن‪ ،‬زائدة على‬
‫الصفات املعاين‪ ،‬مع تفويض العلم حبقيقتها ومعناها إىل للا ‪ ،‬ويسمى هذا القول‪:‬‬
‫(اإلثبات مع التنزيه)‪.‬‬

‫وهذه األقوال مروية كلها عن السلف الصاحل‪ ،‬وكلها منسوبة إلمام السنة أيب احلسن‬
‫األشعري ‪ ،‬ولكل مسلم أن أيخذ ِبي اتاه منها‪ ،‬أما حتقيق أي تلك االتاهات أوىل‪،‬‬
‫فمحله أهل االجتهاد والتحقيق من العلماء‪ ،‬ومن قلد بعضهم‪ ،‬فل حرج عليه‪.‬‬

‫واحلاصل أن االتاهات الثلثة تشتمل على التأويل‪ ،‬ألن كل صرف للفظ عن ظاهره‪،‬‬
‫يسمى َتويلً‪ ،‬وحقيقة اليد ‪ -‬مثلً ‪ -‬هي اِلارحة‪ ،‬واالتاهات الثلثة جيزمون ِبُنا ليست‬
‫جبارحة‪ ،‬إال أن أصحاب االتاه األول والثالث‪ ،‬أتويلهم إُجايل‪ ،‬وأصحاب االتاه الثاين‪،‬‬
‫أتويلهم تفصيلي؛ فكل قول ال يقول ِبن تلك اإلضافات جوارح وأعضاء‪ ،‬فقوله يتضمن‬
‫َتويلً إمجالياً‪ ،‬سواء مساه َتويلً‪ ،‬أو مل ه‬
‫يسمه‪ ،‬فالعِبة ابملعاين‪ ،‬ال ابملباين‪.‬‬

‫وقال اإلمام ابن حجر ‪ :‬أكثر السلف لعدم ظهور أهل البد ِّع يف أزمنتهم‪،‬‬
‫اّلل تعاىل‪ ،‬مع ِّ‬
‫تنزيهه سبحانه عن ظاهرها الذي ال يليق جبالل ذاته‪،‬‬ ‫يفوضون علمها إىل َّ‬
‫وأكثر اخللف يؤولوهنا حبملها على حمال تليق بذلك اجلالل األقدس‪ ،‬والكمال األنفس؛‬
‫الضطرارهم إىل ذلك؛ لكثرة أهل الزي هغ والبد هع يف أزمنتهم؛ ومن مث قال إمام احلرمني‪ :‬لو بقي‬
‫الناس على ما كانوا عليه‪ ،‬مل نؤمر ابالشتغال بعلم الكالم‪ ،‬وأما اآلن فقد كثرت البدع‬
‫ﭐﱡﭐ ﲣ‬ ‫أمواج الفنت تلتطم‪ .‬وأصل هذا اختلفهم يف الوقف يف قوله ‪:‬‬
‫فال سبيل إىل ترك ِّ‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪88‬‬

‫ﲧ ﲩ ﲪ ﲫ ﱠ[آل عمران‪ ]7 :‬فاألكثرون على الوقف على لفظ‬


‫ﲤﲥﲦ ﲨ‬

‫اِلللة‪ ،‬واألقلون على الوقف على ﭐﱡﭐ ﲫ ﱠ‪ ،‬ومن أجلهم ابن عباس ‪ ،‬فكان يقف‬
‫عليه‪ ،‬ويقول مح ًل للناس على سؤاله‪ ،‬واألخذ عنه‪ :‬أان من الراسخني يف العلم‪ ،‬على أنه‬
‫ميكن رفع اخللف‪ِ ،‬بن املتشابه على قسمني‪:‬‬

‫ويال قريبًا‪ ،‬فهذا حممل الوقف األول‪.‬‬


‫(‪ )1‬ما ال يقبل أت ً‬

‫(‪ )2‬وما يقبله‪ ،‬فهذا حممل الثاين‪ ،‬ومن مث اختار بعض احملققني‪ ،‬قبول التأويل إن‬
‫وضعا‪ ،‬ورده إن بعد عنه‪.‬‬
‫قرب من اللفظ‪ ،‬واحتمله ً‬
‫مؤولون؛ إلُجاعهم على صرف اللفظ عن ظاهره‪،‬‬ ‫واحلاصل أن السلف واخللف ِّ‬
‫ولكن أتويل السلف إُجايل لتفويضهم إىل َّ‬
‫اّلل تعاىل‪ ،‬وأتويل اخللف تفصيلي الضطرارهم‬
‫إليه لكثرة املبتدعني‪.)1(‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مرقاة املفاتيح (‪.)26٠ /1‬‬


‫‪89‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫املطلب الثاين‪ :‬سبب اختالف أهل السنة يف طرق التعامل مع النصوص املتشاهبة‬

‫إن السبب احلقيقي الختلف السلف واخللف فيما ذهبوا إليه‪ ،‬من التفويض والتأويل‪،‬‬
‫بعد اتفاقهم على تنزيهه ‪‬‬
‫عن ظاهر اللفظ‪ ،‬املوهم للمشاهبة بصفات املخلوق‪ ،‬هو‬
‫اختلفهم يف الوقف على قوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲣﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨﱠ‪:‬‬

‫فمن ذهب إىل أن الراسخني يف العلم‪ ،‬ال يعلمون معىن النصوص املتشاهبة؛ بناءً على‬
‫الوقف على قوله ‪ :‬ﭐﱡﭐﲦ ﲨ‬
‫ﲧ ﱠ‪ ،‬قال‪ :‬ال جيوز اخلوض يف املتشابه‪ ،‬ابلتفسري وال ابلتأويل‪،‬‬
‫ومن ذهب إىل هذا القول‪ ،‬عائشة‪ ،‬كما سبق‪ ،‬وعروة بن الزبري‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز‪،‬‬
‫وغريهم ‪ ،‬وروي عن مالك بن أنس ‪.‬‬

‫ومن ذهب إىل أن الراسخني يف العلم‪ ،‬يعلمون َتويل املتشابه؛ بناءً على الوقف عند‬
‫قوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲨ‬
‫ﲧ ﲩ ﲪ ﲫ ﱠ‪ ،‬قال‪ :‬إن الراسخني يف العلم يعلمون‬
‫َتويله‪ ،‬ومن ذهب إىل هذا القول‪ ،‬مجع من السلف واخللف‪ ،‬على رأسهم حِب األمة ابن‬
‫عباس ‪ ،‬فقد ثبت عنه‪ ،‬أنه قال‪ :‬أان ممن يعلم أتويله‪ .)1(‬وكذلك قال تلميذه‬
‫املقرب‪ ،‬التابعي اِلليل‪ ،‬ماهد بن جِب ‪ ،‬فقال‪ :‬والراسخون يف العلم يعلمون أتويله‪،‬‬
‫ويقولون‪ :‬آمنا به‪ .)2(‬وقاله الربيع ابن أنس ‪ ‬أيضاً(‪.)3‬‬

‫وقال حممد بن جعفر بن الزبري بن العوام ‪ :‬فكيف خيتلف‪ ،‬وهو قول واحد‪ ،‬من‬
‫رب واحد؟ مث ردوا أتويل املتشابه على ما عرفوا من أتويل احملكمة‪ ،‬الِت ال أتويل ألحد‬
‫ضا‪ ،‬فنفذت به احلجة‪،‬‬
‫فيها إال أتويل واحد‪ ،‬فاتسق بقوهلم الكتاب وصدق بعضه بع ً‬
‫وظهر به العذر‪ ،‬وزاح به الباطل‪ ،‬ودمغ به الكفر‪.)4(‬‬

‫تفسري الطِبي (‪.)66٣2‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫املصدر السابق (‪.)66٣٣‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫املصدر السابق (‪.)66٣5‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫املصدر السابق (‪.)66٣6‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪90‬‬

‫ومن مجع بني قويل السلف واخللف الصاحلني مجعاً حسناً‪ ،‬القاضي ابن عطية ‪‬‬
‫يف تفسريه‪ ،‬وحاصل كلمه‪ ،‬أن احملكم‪ :‬هو ما ال ُيتمل إال َتويلً واحداً‪ ،‬واتضح معناه لكل‬
‫من يفهم كلم العرب‪ ،‬وال يلتبس على أحد من علم العربية‪ ،‬وأن املتشابه‪ :‬ما احتمل من‬
‫التأويل أوجهاً‪ ،‬وهو على قسمني‪:‬‬

‫متشابه مطلق‪ :‬وهو ما ال سبيل إىل العلم به من أمور الغيب‪ ،‬كإدراك حقيقة ذاته‬
‫بوقوعها‪ ،‬ووقت قيام‬ ‫للا ‪‬‬ ‫وصفاته‪ ،‬وأمر الروح‪ ،‬وآماد املغيبات‪ ،‬الِت قد أعلم‬ ‫‪‬‬
‫الساعة‪ ،‬إىل سائر ذلك ‪ ،‬ومن جادل يف هذا املتشابه من أهل الزيغ‪ ،‬نصارى جنران‪ ،‬الذين‬
‫جادلوا يف القرآن‪ ،‬يف حق عيسى ‪ ،‬واليهود‪ ،‬الذين جادلوا رسول للا ‪ ‬يف مدته‪،‬‬
‫ومدة أمته‪ ،‬بسبب حروف أوائل السور(‪ ،)1‬فهذا ال يعلمه إال للا ‪ ،‬وال جيوز اخلوض‬
‫فيه‪ ،‬ألنه سبيل الزيغ مطلقاً‪.‬‬

‫ومتشابه نسيب‪ :‬وهو ما ميكن أن يعلم‪ ،‬ما له احتماالت على وجوه يف اللغة‪ ،‬ومناح‬
‫يف كلم العرب‪ ،‬فهذا يعلمه الراسخون يف العلم‪ ،‬كل حبسب رسوخه يف العلم‪ ،‬وما يفتحه للا‬
‫عليه‪ ،‬فيتأول َتويله املستقيم‪ ،‬ويزال ما فيه‪ ،‬ما عسى أن يتعلق به‪ ،‬من َتويل غري مستقيم‪،‬‬
‫كقوله يف عيسى ‪ :‬ﭐﱡﭐﱙﱚﱠ‪ ،‬إىل غري ذلك‪ ،‬وال يسمى أحد راسخاً‪ ،‬إال ِبن يعلم‬
‫من هذا النوع كثرياً‪ ،‬حبسب ما قدر له‪ ،‬وإال‪ ،‬فمن ال يعلم سوى احملكم‪ ،‬فليس يسمى‬
‫راسخاً؛ إذ الرسوخ إمنا هو املعرفة بتصاريف الكلم‪ ،‬وموارد األحكام‪ ،‬ومواقع املواعظ‪ ،‬وذلك‬
‫كله بقرُية معدة‪ ،‬وهذا القدر هو الذي تعاطاه ابن عباس ‪ ،‬وهو ترمجان القرآن‪ ،‬وال‬
‫يتأول عليه أنه علم وقت الساعة‪ ،‬وأمر الروح وما شاكله(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تفسري الطِبي (‪ ) 4٠٣/1‬واحملرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز لإلمام ابن عطية األندلسي‬
‫(‪.)2٠4-2٠٣/1‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬تفسري ابن عطية (‪.)4٠٣/1‬‬
‫‪91‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫واخلائض يف هذا النوع‪ ،‬قد يرد املتشابه إىل احملكم‪ ،‬فل يؤدي ذلك به إىل الزيغ‪ ،‬بل‬
‫هو من صنيع الراسخني يف العلم‪ ،‬حيث يدفعون ما ظاهره التعارض من نصوص الوحي‪ ،‬وقد‬
‫يؤدي ببعض من مل ترسخ قدماه يف العلم‪ ،‬إىل تتبع املتشاهبات‪ ،‬وإثبات عقائد بظواهرها‪،‬‬
‫فيزيغ عن طريق احلق‪ ،‬كما حدث مع من نزلت فيهم هذه اآلايت‪ ،‬من النصارى واليهود‪،‬‬
‫وهي عامة يف كل الفرق الِت زاغت عن طريق الراسخني يف العلم‪ ،‬كاخلوارج‪ ،‬واملرجئة‪،‬‬
‫والقدرية واِلِبية‪ ،‬واِلهمية املعطلة‪ ،‬والكرامية املشبهة اجملسمة‪ ،‬وغريهم‪.‬‬

‫ﲧ ﲩ ﲪ ﲫ ﱠ‪ ،‬الضمري عائد على مجيع‬


‫ﲣﲤﲥﲦ ﲨ‬ ‫ﭐﱡﭐ‬ ‫فقوله ‪:‬‬
‫ﲦ ﲧﱠ‪ ،‬كان معناه‪ ،‬أنه ال يعلم املتشابه‬ ‫ﭐﱡﭐ‬ ‫متشابه القرآن‪ ،‬فإن جعلنا الوقف على قوله‪:‬‬
‫املطلق إال للا ‪ ‬وحده‪ ،‬ال شريك له‪ ،‬وكذلك النسب‪ ،‬ال يعلمه على الكمال واالستيفاء‪،‬‬
‫واإلحاطة واليقني إال للا ‪ ‬وحده‪ ،‬ال شريك له‪.‬‬

‫وإن جعلنا قوله‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲩ ﱠ عطفاً على اسم للا ‪ ،‬فاملعىن إدخاْلم يف علم‬
‫َتويل املتشابه النسب‪ ،‬كلٌّ بقدره‪ ،‬وما يصلح له‪ ،‬والراسخون يقولون يف مجيع املتشابه‪ :‬آمنا‬
‫بههه(‪.)1‬‬

‫وبنحو ما سبق‪ ،‬قال احلافظ ابن حجر ‪ ،‬فقال‪ :‬وقال اخلطايب ‪:‬‬
‫املتشابه على ضربني‪ :‬أحدمها‪ :‬ما إذا رد إىل احملكم واعتِب به‪ ،‬عرف معناه‪.‬‬

‫واآلخر‪ :‬ما ال سبيل إىل الوقوف على حقيقته‪ ،‬وهو الذي يتبعه أهل الزي هغ‪ ،‬فيطلبون‬
‫َتويله‪ ،‬وال يبلغون كنهه؛ فرياتبون فيه؛ فيفتنون‪ ،‬واَّلل أعلم‪.)2(‬‬

‫وقال املل علي القاري ‪ :‬قال ابن حجر‪ :‬اِلمهور أن الوقف على اِلللة؛‬
‫ليفيد أن علم املتشابه على حقيقة ما هو عليه‪ ،‬خمتص َّ‬
‫ابّلل تعاىل‪ ،‬وال ينايف هذا‪ ،‬جعل‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تفسري ابن عطية (‪ ،)4٠٣/1‬مث قال ابن عطية‪ :‬فإعراب ﭐﱡﭐ ﲩ ﱠ ُيتمل‬
‫الوجهني‪ ،‬ولذلك قال ابن عباس ‪ ‬هبما‪ ،‬واملعىن فيهما يتقارب هبذا النظر الذي سطرانه‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري (‪.)212-211/8‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪92‬‬

‫ابن عباس واآلخرين الوقف على العلم‪ ،‬املفيد أن الراسخني فيه‪ ،‬يعلمون َتويل املتشابه؟ ألُنم‬
‫وإن علموه‪ ،‬مل يدركوا حقيقته املرادة َّلل تعاىل منه‪ ،‬وإمنا علموه بصرف ظاهره عن اَّلل تعاىل؛‬
‫اّلل تعاىل عن‬‫الستحالته بل خلف بني الفريقني‪ ،‬ومن مث اتفق السلف واخللف على تنزيه َّ‬
‫ظواهر املتشاهبات املستحيلة على َّ‬
‫اّلل تعاىل‪ ،‬مث اختلفوا بعد‪ ،‬فأمسك أكثر السلف عن‬
‫اخلوض هيف تعيني املراد من ذلك املتشابه‪ ،‬وفوضوا علمه إىل َّ‬
‫اّلل تعاىل‪ ،‬وهذا أسلم؛ ألن من‬
‫أول‪ ،‬مل أيمن من أن يذكر معىن غري مراد له تعاىل‪ ،‬فيقع يف ورطة التعيني وخطره‪.‬‬

‫وخاض أكثر اخللف يف التأويل‪ ،‬ولكن غري جازمني ِبن هذا مراد اَّلل تعاىل من تلك‬
‫النصوص‪ ،‬وإمنا قصدوا بذلك‪ ،‬صرف العامة عن اعتقاد ظواهر املتشابه‪ ،‬والرد على املبتدعة‪،‬‬
‫املتمسكني ِب كثر تلك الظواهر املوافقة العتقاداهتم الباطلة‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ال ُيل تفسري‬
‫املتشابه إال بسند عن رسول اَّلل ‪ ،‬أو خِب عن أحد من الصحابة‪ ،‬أو إمجاع العلماء‪.)1(‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬مرقاة املفاتيح (‪.)2٣7/1‬‬


‫‪93‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫املبحث الثامن‪ :‬أقوال أئمة السلف يف منهج التعامل مع النصوص املتشاهبة‬

‫مل يكن السلف الصاحل من الصحابة والتابعني خيوضون يف النصوص املتشاهبة؛‬


‫حيث مل تدع احلاجة إىل ذلك‪ ،‬إال أن منهجهم كان واضحاً من خلل تعامل اآلخذين‬
‫عنهم من تلميذهم‪ ،‬فنستطيع اِلزم ِبن الصحابة والتابعني ومن تبعهم إبحسان كلهم‬
‫كانوا منزهني لل تعاىل عن مطلق املشاهبة ابخللق‪ ،‬وأُنم كانوا يفهمون النصوص املتشاهبة‬
‫على وفق القطعي من النصوص احملكمة‪ ،‬وما خالف ظاهره ذلك‪ ،‬فإن التعامل معه‬
‫يكون إما ابلتفويض أو التأويل‪ ،‬ويف هذا املبحث سننقل بعض أقوال أئمة السلف‬
‫الصاحل يف منهجهم يف التعامل مع النصوص املتشاهبة‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬نقوالت عن أئمة اهلدى يف منهج التعامل مع النصوص املتشاهبة‬

‫اإلمام أبو حنيفة ‪( ‬ت‪150‬ه)‪:‬‬ ‫‪.1‬‬


‫قال أبو حنيفة ‪ :‬وصفاته كلها خبلف صفات املخلوقني‪ ،‬يعلم ال كعلمنا‪،‬‬
‫ويقدر ال كقدرتنا‪ ،‬ويرى ال كرؤيتنا‪ ،‬ويتكلم ال ككلمنا‪ ،‬ويسمع ال كسمعنا‪ ،‬وحنن نتكلم‬
‫ابآلالت واحلروف‪ ،‬وهللا تعاىل يتكلم بال آلة‪ ،‬وال حروف‪ ،‬واحلروف خملوقة‪ ،‬وكالم هللا‬
‫تعاىل غري خملوق‪ ،‬وهو شيء ال كاألشياء‪ ،‬ومعىن الشيء‪ :‬الثابت بال جسم‪ ،‬وال جوهر‪،‬‬
‫وال عرض‪ ،‬وال حد له‪ ،‬وال ضد له‪ ،‬وال ند له‪ ،‬وال مثل له‪.)1(‬‬
‫اإلمام مالك بن أنس ‪( ‬ت‪179‬ه)‪:‬‬ ‫‪.2‬‬
‫عن عبد اَّلل بن وهب املصري ‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند مالك بن أنس ‪ ،‬فدخل‬
‫رجل‪ ،‬فقال‪ :‬اي أاب عبد اَّلل‪ ،‬ﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ[طه‪ .]5 :‬كيف استواؤه؟‬
‫ﭐﱡﭐﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ‬ ‫قال‪ :‬فأطرق مالك‪ ،‬وأخذته الرحضاء‪ ،‬مث رفع رأسه‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫(‪ )1‬الفقه األكِب ص (‪.)26-16‬‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪94‬‬

‫كما وصف نفسه‪ ،‬وال يقال‪ :‬كيف‪ ،‬وكيف عنه مرفوع‪ ،‬وأنت رجل سوء صاحب بدعة‪،‬‬
‫أخرجوه‪ .‬قال‪ :‬فأخرج الرجل(‪.)1‬‬
‫وعن ُيىي بن ُيىي ‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند مالك بن أنس ‪ ،‬فجاء رجل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اي أاب عبد اَّلل‪ ،‬ﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ‪ ،‬فكيف استوى؟ قال‪ :‬فأطرق مالك برأسه‪،‬‬
‫حَّت عله الرحضاء‪ ،‬مث قال‪ :‬االستواء غري جمهول‪ ،‬والكيف غري معقول‪ ،‬واإلميان به‬
‫واجب‪ ،‬والسؤال عنه بدعة‪ ،‬وما أراك إال مبتدعا‪.)2(‬‬
‫اإلمام الشافعي ‪( ‬ت‪204‬ه)‪:‬‬ ‫‪.3‬‬
‫قال الشافعي ‪ :‬آمنت ابهلل‪ ،‬ومبا جاء عن هللا‪ ،‬على مراد هللا‪ ،‬وآمنت‬
‫برسول هللا‪ ،‬ومبا جاء عن رسول هللا‪ ،‬على مراد رسول هللا‪.)3(‬‬
‫اإلمام أمحد بن حنبل ‪( ‬ت‪241‬ه)‪:‬‬ ‫‪.4‬‬
‫قال اإلمام أمحد بن حنبل ‪ ‬يف النصوص املتشاهبة‪ :‬نؤمن هبا‪ ،‬ونصدق هبا بال‬
‫كيف‪ ،‬وال معىن‪ ،‬وال نرد شيئاً منها‪ ،‬ونعلم أن ما جاء به الرسول حق‪ ،‬وال نرد على‬
‫ﭐﱡ ﭐ ﱐ‬ ‫رسول هللا ‪ ، ‬وال نصف هللا أبكثر مما وصف به نفسه‪ ،‬بال حد‪ ،‬وال غاية‪،‬‬
‫ﱒ ﱔﱕ ﱖ ﱠ [الشورى‪.)4( ]11 :‬‬
‫ﱑ ﱓ‬

‫اإلمام سفيان بن عيينة ‪( ‬ت‪198‬ه)‪:‬‬ ‫‪.5‬‬


‫قال سفيان بن عيينة ‪ :‬ما وصف َّ‬
‫اّلل تبارك وتعاىل به نفسه يف كتابه‪،‬‬
‫فقراءته تفسريه‪ ،‬ليس ألحد أن يفسره ابلعربية‪ ،‬وال ابلفارسية‪.)5(‬‬

‫منفي‪ ،‬فالل ‪ ‬منزه عن مطلق الكيف والشبه‪،‬‬


‫األمساء والصفات (‪ .)866‬ومعىن (مرفوع) أي ٌّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫و ه‬
‫احلد‪.‬‬
‫األمساء والصفات (‪.)867‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ملعة االعتقاد البن قدامة‪ ،‬ص (‪.)7‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)7‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫األمساء والصفات للبيهقي (‪.)68٣‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪95‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫وقال ‪ ‬أيضاً‪ :‬ما وصف َّ‬


‫اّلل تعاىل به نفسه‪ ،‬فتفسريه قراءته‪ ،‬ليس ألحد أن‬
‫اّلل تبارك وتعاىل‪ ،‬أو رسله صلوات َّ‬
‫اّلل عليهم‪.)1(‬‬ ‫يفسره إال َّ‬
‫(ت‪189‬ه)‪:‬‬ ‫اإلمام حممد بن احلسن الشيباين‪ ،‬صاحب أيب حنيفة‬ ‫‪.6‬‬
‫قال ‪ :‬اتفق الفقهاء كلهم من املشرق إىل املغرب‪ ،‬على اإلميان ابلقرآن‪،‬‬
‫اّلل ‪ ‬يف صفة الرب ‪ ،‬من غري تفسري‪،‬‬ ‫واألحاديث ِّ‬
‫الِت جاء هبا الثقات‪ ،‬عن رسول َّ‬
‫وال وصف‪ ،‬وال تشبيه‪ ،‬فمن فسر اليوم شيئا من ذلك‪ ،‬فقد خرج مما كان عليه النيب‬
‫‪ ،‬وفارق اجلماعة؛ فإهنم مل يصفوا‪ ،‬ومل يفسروا‪ ،‬ولكن أفتوا مبا يف الكتاب والسنة‪ ،‬مث‬
‫سكتوا‪.)2(‬‬
‫اإلمام الرتمذي ‪( ‬ت‪279‬ه)‪:‬‬ ‫‪.7‬‬
‫قال اإلمام الرتمذي ‪ ‬يف الكلم على حديث الرؤية‪ :‬املذهب يف هذا عند أهل‬
‫العلم من األئمة‪ ،‬مثل سفيان الثوري‪ ،‬وابن املبارك‪ ،‬ومالك‪ ،‬وابن عيينة‪ ،‬ووكيع وغريهم‪ ،‬أُنم‬
‫قالوا‪ :‬الذي اختاره أهل احلديث‪ ،‬أن يرووا هذه األشياء كما جاءت‪ ،‬ويؤمن هبا‪ ،‬وال‬
‫تفسر‪ ،‬وال تتوهم‪ ،‬وال يقال‪ :‬كيف‪.)3(‬‬
‫‪‬‬ ‫اإلمام احلافظ احلجة احملدث الفقيه‪ ،‬أبو جعفر الطحاوي‬ ‫‪.8‬‬
‫(ت‪321‬ه)‪:‬‬
‫قال اإلمام الطحاوي ‪ :‬ومن وصف َّ‬
‫اّلل مبعىن من معاين البشر‪ ،‬فقد كفر؛‬
‫فإن ربنا جل وعال موصوف بصفات الوحدانية‪ ،‬منعوت بنعوت الفردانية‪ ،‬ليس يف معناه‬
‫أحد من الربية‪ ،‬وتعاىل عن احلدود والغاايت‪ ،‬واألركان واألعضاء واألدوات‪ ،‬ال حتويه‬
‫اجلهات الست كسائر املبتدعات‪.)4(‬‬

‫األمساء والصفات للبيهقي‪ ،‬ص (‪.)٩٠6‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة واِلماعة لللكائي‪ ،‬ص (‪.)74٠‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سنن الرتمذي (‪.)6٩1/4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫العقيدة الطحاوية بشرح امليداين‪ ،‬ص (‪.)٣4‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪96‬‬

‫اإلمام أبو سليمان اخلطايب ‪( ‬ت‪388‬ه)‪:‬‬ ‫‪.9‬‬


‫‪ :‬وهللا سبحانه موصوف بصفاته‪ ،‬منفي عنه ما ال يليق به‪ ،‬من‬ ‫‪‬‬ ‫قال‬
‫صفات اآلدميني ونعوتم‪ ،‬ليس بذي جوارح‪ ،‬وال بذي أجزاء وأبعاض‪ ،‬ليس كمثله شيء‬
‫وهو السميع البصري‪.)1(‬‬
‫اإلمام أبو الفضل‪ ،‬التميمي ‪ ‬شيخ احلنابلة (ت‪ 410‬ه )‪.‬‬ ‫‪.10‬‬
‫قال ‪ :‬وأنكر اإلمام أمحد على من يقول ابِلسم‪ ،‬وقال‪ :‬إمنا األمساء مأخوذة‬
‫ابلشريعة واللغة‪ ،‬وأهل اللغة وضعوا هذا االسم على كل ذي طول وعرض ومسك‪ ،‬وتركيب‬
‫وصورة وَتليف‪ ،‬وللا تعاىل خارج عن ذلك كله‪ ،‬فلم جيز أن يسمى جسماً؛ خلروجه عن‬
‫معىن اِلسمية‪ ،‬ومل جييء ذلك يف الشريعة‪ ،‬فبطل‪.)2(‬‬
‫(تويف‬ ‫اإلمام املقرئ الكبري أبو عمرو‪ ،‬عثمان بن سعيد الداين ‪‬‬ ‫‪.11‬‬
‫سنة ‪444‬ه )‪:‬‬
‫قال ‪ :‬ومن قوْلم ‪ -‬أي أهل السنة واِلماعة ‪ -‬إن للا جل جلله وتقدست‬
‫أمساؤه‪ ،‬ينزل يف كل ليلة إىل السماء الدنيا‪ ،‬يف الثلث الباقي من الليل ‪ ..‬ونزوله تبارك وتعاىل‬
‫كيف شاء‪ ،‬بال حد‪ ،‬وال تكييف‪ ،‬وال وصف ابنتقال‪ ،‬وال زوال‪.)3(‬‬
‫‪ .12‬اإلمام البيهقي ‪( ‬ت‪458‬ه)‪:‬‬
‫قال اإلمام البيهقي ‪[ :‬فصل يف مع هرفة للا ‪ ‬ومع هرفة صفاته وأمسائه] حقيقة‬
‫صمدا‪ ،‬شيئًا واح ًدا‪ ،‬ال يتصور يف‬
‫أحدا ً‬
‫موجودا قدميًا‪ ،‬مل يزل وال يفىن‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫املعرفة‪ ،‬أن نعرفه‬

‫(‪ )1‬معامل السنن (‪.)٣٣٠ / 4‬‬


‫(‪ )2‬اعتقاد اإلمام املنبل أمحد بن حنبل ص‪.45‬‬
‫(‪ )3‬الرسالة الوافية ص (‪ .)57‬وقد سئل بعض العلماء عن حديث النزول‪ ،‬فقال‪ :‬تفسريه قول إبراهيم‬
‫ب َرابً ال جيوز عليه‬‫‪ ‬حني أفل النجم‪ :‬ﱡﭐ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱠ [األنعام‪ ،]76 :‬فطَلَ َ‬
‫االنتقال واحلركات‪ ،‬وال يتعاقب عليه النزول‪ ،‬وقد مدحه للا بذلك‪ ،‬وأثىن عليه يف كتابه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﭐﱡﭐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱠ[األنعام‪،]75 :‬‬
‫فوصفه ألنه بقوله هذا‪ ،‬موقن‪ .‬ينظر‪ :‬شرح صحيح البخاري البن بطال (‪.)1٣٩/٣‬‬
‫‪97‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫قائما بنفسه‪ ،‬مستغنيًا عن‬


‫الوهم‪ ،‬وال يتبعض‪ ،‬وال يتجزأ‪ ،‬ليس جبوهر‪ ،‬وال عرض‪ ،‬وال جسم‪ً ،‬‬
‫بصريا متكلما‪ ،‬له احلياة‪ ،‬والقدرة والعلم‪ ،‬واإلرادة والسمع‪،‬‬
‫يدا مس ًيعا ً‬
‫قادرا‪ ،‬عاملا مر ً‬
‫غريه‪ ،‬حيا ً‬
‫والبصر‪ ،‬والكلم‪ ،‬مل يزل وال يزال هو هبذه الصفات‪ ،‬وال يشبه شيء منها شيئا من صفات‬
‫املصنوعات‪ ،‬فهي نعوت له أزلية‪ ،‬وصفات له أبدية تقوم به‪ ،‬موجودة بوجوده‪ ،‬قائمة بدوامه‪،‬‬
‫ليست ِبعراض‪ ،‬وال ِبغيار‪ ،‬وال حالة يف أعضاء‪ ،‬غري مكيفة ابلتصور يف األذهان‪ ،‬وال‬
‫مقدورة ابلتمثيل يف األوهام‪ ،‬فقدرته تعم املقدورات‪ ،‬وعلمه يعم املعلومات‪ ،‬وإرادته تعم‬
‫املرادات‪ ،‬ال يكون إال ما يريد‪ ،‬وال يريد ما ال يكون‪ ،‬وهو املتعايل عن احلدود‪ ،‬واِلهات‪،‬‬
‫واألقطار‪ ،‬والغاايت‪ ،‬املستغين عن األماكن‪ ،‬واألزمان‪ ،‬ال تناله احلاجات‪ ،‬وال متسه املنافع‪،‬‬
‫واملضرات‪ ،‬وال تلحقه اللذات‪ ،‬وال الدواعي‪ ،‬وال الشهوات‪ ،‬وال جيوز عليه شيء ما جاز على‬
‫احملداث ت‪ ،‬يدل على حدوثها‪ ،‬ومعناه أنه ال جيوز عليه احلركة وال السكون‪ ،‬واالجتماع‪،‬‬
‫واالفرتاق‪ ،‬واحملاذاة‪ ،‬واملقابلة‪ ،‬واملماسة‪ ،‬واجملاوزة‪ ،‬وال قيام شيء حادث به‪ ،‬وال بطلن صفة‬
‫أزلية عنه‪ ،‬وال يصح عليه العدم‪ ،‬ويستحيل أن يكون له ولد أو زوجة‪ ،‬أو شريك‪ ،‬قادر على‬
‫إماتة كل حي سواه‪ ،‬وجيوز منه إفناء كل شيء غريه‪ ،‬وإعادته األجسام بعده‪ ،‬وخلق أمثاْلا‬
‫من غري قصر على حد‪ ،‬قادر على كل شيء يتوهم على االنفراد حدوثه‪ ،‬له امللك‪ ،‬وله‬
‫احلمد‪ ،‬كل ما أنعم به تفضل منه‪ ،‬وكل ما أضر به عدل منه‪ ،‬ال جيوز عليه جور‪ ،‬وال يصح‬
‫منه ظلم‪.)1(‬‬
‫اإلمام اخلطيب البغدادي ‪( ‬ت‪463‬ه)‪:‬‬ ‫‪.13‬‬
‫قال اإلمام احملدث اخلطيب البغدادي ‪ :‬ويتجنب احملدث يف أماليه‪ ،‬رواية ما‬
‫ال حتتمله عقول العوام؛ ملا ال يؤمن عليهم فيه من دخول اخلطأ واألوهام‪ ،‬وأن يشبهوا‬
‫اّلل تعاىل خبلقه‪ ،‬ويلحقوا به ما يستحيل يف وصفه‪ ،‬وذلك حنو أحاديث الصفات‪ ،‬الِت‬ ‫َّ‬
‫لألزيل القدمي‪ ،‬وإن كانت‬
‫ارح واألعضاء ِّ‬
‫ظاهرها يقتضي التشبيه والتجسيم‪ ،‬وإثبات اجلو ِّ‬
‫األحاديث صحاحا‪ ،‬وهلا يف التأويل طرق ووجوه‪ ،‬إال أن من حقها أن ال تروى إال‬

‫(‪ )1‬شعب اإلميان (‪.)2٠6-2٠5/1‬‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪98‬‬

‫ألهلها؛ خوفًا من أن يضل هبا من جهل معانيها‪ ،‬فيحملها على ظاهرها‪ ،‬أو يستنكرها‬
‫فريدها‪ ،‬ويكذب رواتا ونقلتها‪.)1(‬‬
‫احلافظ اإلمام أبو عمر ابن عبد الرب ‪( ‬ت‪463‬ه)‪:‬‬ ‫‪.14‬‬

‫قال ‪ ‬يف َتويل اجمليء‪ :‬وليس جميئه حركة‪ ،‬وال زواال‪ ،‬وال انتقاال؛ ألن ذلك‬
‫إمنا يكون إذا كان اِلائي جسماً أو جوهًرا‪ ،‬فلما ثبت أنه ليس جبسم وال جوهر‪ ،‬مل جيب‬
‫أن يكون ميئه حركة وال نقلة‪ ،‬ولو اعتِبت ذلك بقوْلم جاءت فلان قيامته‪ ،‬وجاءه املوت‪،‬‬
‫وجاءه املرض‪ ،‬وشبه ذلك ما هو موجود انزل به‪ ،‬وال ميء‪ ،‬لبان لك‪.)2(‬‬

‫وقال ‪ ‬أيضاً‪ :‬وقد قالت فرقة منتسبة إىل السنة إنه ينزل بذاته! وهذا قول‬
‫مهجور؛ ألنه ‪ ‬ذكره ليس مبحل للحركات‪ ،‬وال فيه شيء من عالمات‬
‫املخلوقات‪.)3(‬‬

‫‪ .15‬اإلمام احلافظ‪ ،‬أبو الفرج ابن اجلوزي ‪( ،‬ت‪597‬ه)‪:‬‬

‫قال ‪ :‬إن نفيت التشبيه يف الظاهر والباطن‪ ،‬فمرحباً بك‪ ،‬وإن مل ميكنك‬
‫أن تتخلص من شرك التشبيه‪ ،‬إىل خالص التوحيد‪ ،‬وخالص التنزيه‪ ،‬إال ابلتأويل‪،‬‬
‫فالتأويل خريٌ من التشبيه‪.)4(‬‬

‫ابن محدان احلراينُّ ‪ ،‬شي ُخ احلنابلة يف زمانه (ت‪695‬ه)‪:‬‬


‫‪ .16‬اإلمام ُ‬
‫قال ‪ ،‬يف بيان عقيدة أهل السنة واِلماعة‪ ،‬على مذهب اإلمام أمحد بن‬
‫حنبل‪ :‬جيب اجلزم أبنه تعاىل واحد ال يتجزؤ‪ ،‬وال ينقسم‪ ..‬وأن هللا تعاىل ليس جبوهر‪،‬‬

‫اِلامع ألخلق الراوي (‪.)1٠7/2‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫التمهيد ملا يف املوطأ من األسانيد (‪.)1٣7/7‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫االستذكار (‪.)5٣٠/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ينظر‪ :‬املواعظ واجملالس‪ ،‬ص (‪.)11‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪99‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫ُيل يف حادث‪ ،‬وال ينحصر فيه‪ ،‬بل هو‬ ‫وال عرض‪ ،‬وال جسم‪ ،‬وال َحتُلُّه احلوادث‪ ،‬وال ُّ‬
‫ابئن من خلقه‪ ..،‬وال يعرف ابحلواس‪ ،‬وال يقاس ابلناس‪ ،‬وال مدخل يف ذاته وصفاته للقياس‪،‬‬
‫وأنه ال يشبه شيئاً‪ ،‬وال يشبهه شيء‪ ،‬ومن شبهه خبلقه‪ ،‬فقد كفر‪ ،‬نص عليه أمحد‪ ،‬وكذا من‬
‫جسم‪ ،‬أو قال جسم ال كاألجسام‪.)1(‬‬

‫‪ .17‬اإلمام حميي الدين ُيىي بن شرف النووي ‪ ،‬شيخ اإلسالم‬


‫(ت‪676‬ه)‪:‬‬

‫يف حديث النزول‪ :‬هذا احلديث من أحاديث الصفات‪ ،‬وفيه مذهبان‬ ‫قال ‪‬‬
‫مشهوران للعلماء‪ :‬أحدمها‪ :‬وهو مذهب مجهور السلف‪ ،‬وبعض املتكلمني‪ ،‬أنه يؤمن ِبُنا‬
‫حق على ما يليق ابَّلل تعاىل‪ ،‬وأن ظاهرها املتعارف يف حقنا غري مراد‪ ،‬وال يتكلم يف َتويلها‪،‬‬
‫مع اعتقاد تنزيه اَّلل تعاىل عن صفات املخلوق‪ ،‬وعن االنتقال واحلركات وسائر مسات اخللق‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬مذهب أكثر املتكلمني ومجاعات من السلف‪ ،‬وهو حمكي هنا عن مالك‬
‫‪ ،‬أُنا ت تأول على ما يليق هبا حبسب مواطنها‪ ،‬فعلى هذا‪َ ،‬تولوا هذا‬ ‫واألوزاع هي‬
‫احلديث َتويلني‪ ،‬أحدمها‪َ :‬تويل مالك ابن أنس وغريه‪ ،‬معناه‪ :‬تنزل رمحته وأمره ومالئكته‪،‬‬
‫كما يقال فعل السلطان كذا‪ ،‬إذا فعله أتباعه ِبمره‪ ،‬والثاين‪ :‬أنه على االستعارة‪ ،‬ومعناه‬
‫اإلقبال على الداعني ابإلجابة واللطف‪ ،‬وللا أعلم‪.)2(‬‬

‫أيضاً‪ :‬اعلم أن ألهل العلم يف أحاديث الصفات‪ ،‬وآايت الصفات‬ ‫وقال ‪‬‬
‫قولني‪:‬‬

‫أحدمها‪ :‬وهو مذهب معظم السلف أو كلهم‪ ،‬أنه ال يتكلم يف معناها‪ ،‬بل يقولون‪:‬‬
‫جيب علينا أن نؤمن هبا‪ ،‬ونعتقد هلا معىن يليق جبالل َّ‬
‫اّلل تعاىل وعظمته‪ ،‬مع اعتقادان‬

‫(‪ُ )1‬ناية املبتدئني يف أصول الدين ص (‪.)٣1-٣٠‬‬


‫(‪ )2‬شرح صحيح مسلم (‪.)٣6/6‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪100‬‬

‫اجلازم أن َّ‬
‫اّلل تعاىل ليس كمثله شيء‪ ،‬وأنه منزه عن التجسم واالنتقال‪ ،‬والتحيز يف‬
‫جهة‪ ،‬وعن سائر صفات املخلوق‪ .‬وهذا القول هو مذهب مجاعة من املتكلمني‪ ،‬واختاره‬
‫مجاعة من حمققيهم‪ ،‬وهو أسلم‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬وهو مذهب معظم املتكلمني‪ ،‬أُنا تتأول على ما يليق هبا‪ ،‬على‬
‫حسب مواقعها‪ ،‬وإمنا يسوغ َتويلها ملن كان من أهله‪ِ ،‬بن يكون عارفا بلسان العرب‪،‬‬
‫وقواعد األصول والفروع‪ ،‬ذا رايضة يف العلم‪.)1(‬‬

‫ابن دقيق العيد ‪ ،‬شي ُخ اإلسالم يف زمانه (ت‪702‬ه)‪،‬‬


‫‪ .18‬اإلمام ُ‬
‫وجمدد املائة السابعة‪:‬‬
‫يف العقيدة‪ :‬نقول يف الصفات املشكلة‪ :‬إُنا حق‬ ‫‪‬‬ ‫قال ابن دقيق العيد‬
‫وصدق‪ ،‬على املعىن الذي أراده اَّلل‪ ،‬ومن َتوْلا نظران‪ :‬فإن كان َتويله قريبا‪ ،‬على مقتضى‬
‫لسان العرب‪ ،‬مل ننكر عليه‪ ،‬وإن كان بعيدا‪ ،‬توقفنا عنه‪ ،‬ورجعنا إىل التصديق مع التنزيه‪ ،‬وما‬
‫ﭐﱡ ﭐ ﳎ ﳏ ﳐ‬ ‫كان منها معناه ظاهرا‪ ،‬مفهوما من تاطب العرب‪ ،‬محلناه عليه‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬
‫ﳑ ﳒ ﳓ ﱠ ‪ ،‬فإن املراد به يف استعماْلم الشائ هع‪ ،‬حق اَّلل‪ ،‬فل يتوقف يف محله عليه‪ ،‬وكذا‬
‫َصابِّ ِّع َّ‬
‫الر ْمحَ ِّن "‪ .‬فإن املراد به‪ ،‬إرادة قلب ابن‬ ‫آدم بني إِّصب ع ِّ ِّ‬
‫ني م ْن أ َ‬ ‫قوله ‪ ":‬إن قلب بن َ َ ََْ ْ َ َ ْ‬
‫ﭐﱡ ﭐ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﱠ‬ ‫آدم مصرفة بقدرة اَّلل‪ ،‬وما يوقعه فيه‪ ،‬وكذا قوله ‪:‬‬
‫[النحل‪ .]26:‬معناه خرب اَّلل بنياُنم‪ ،‬وقوله‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱠ [اإلنسان‪ .]9:‬معناه‬
‫ألجل اَّلل‪ ،‬وقس على ذلك‪ .‬انتهى‪ .‬قال احلافظ ابن حجر العسقلين ‪ :‬وهو تفصيل‬
‫ابلغ‪ ،‬قل من تيقظ له‪.)2(‬‬
‫اإلمام احلافظ املفسر ابن كثري ‪( ،‬ت‪774‬ه)‪:‬‬ ‫‪.19‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬ ‫يف َتويل لفظ الوجه‪ :‬يف قوله ‪:‬‬ ‫قال ابن كثري ‪‬‬
‫[القصص‪ :]88:‬إخبار ِبنه الدائم الباقي احلي القيوم‪ ،‬الذي متوت اخللئق وال‬ ‫ﲊﱠ‬

‫(‪ )1‬شرح صحيح مسلم (‪.)1٩/٣‬‬


‫(‪ )2‬فتح الباري (‪.)٣8٣/1٣‬‬
‫‪101‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫ميوت‪ ،‬كما قال ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱠ َّ‬


‫[الر ْمحَ ِّن‪ ،]27 :‬فعرب ابلوجه عن‬
‫الذات‪ ،‬وهكذا قوله ها هنا‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﱠ‪ ،‬أي‪ :‬إال إايه‪ ،‬وقال ماهد‬
‫والثوري‪ :‬أي‪ :‬إال ما أريد به وجهه‪ ،‬وحكاه البخاري يف صحيحه كاملقرر له‪ ،‬وهذا القول ال‬
‫ينايف القول األول‪ ،‬فإن هذا إخبار عن كل األعمال ِبُنا ابطلة إال ما أريد هبا وجه اَّلل ‪‬‬
‫من األعمال الصاحلة املطابقة للشريعة‪ ،‬والقول األول‪ ،‬مقتضاه أن كل الذوات فانية‪،‬‬
‫وهالكة‪ ،‬وزائلة‪ ،‬إال ذاته ‪ ،‬فإنه األول اآلخر‪ ،‬ال هذي هو قبل كل شيء‪ ،‬وبعد كل‬
‫شيء‪.)1(‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬دراسة مقولة اإلمام مالك (االستواء غري جمهول‪ ،‬والكيف غري معقول)‬

‫لقد كان اإلمام مالك رمحه للا سائراً على فهم من قبله من الصحابة والتابعني‪ ،‬وله‬
‫مقولة جامعةٌ‪ ،‬ابتت قاعدة عامة وأصلً كلياً يف ابب النصوص املتشاهبة‪ ،‬واشتهر هذا األثر‬
‫عن اإلمام مالك ‪ ‬شهرة ابلغة‪ ،‬ورواه عنه طائفة من تلميذه‪ ،‬وهو ٌّ‬
‫مروي عنه من طرق‬
‫عديدة‪ ،‬وقد ح هظي ابستحسان أهل العلم‪ ،‬وتلقوه ابلقبول‪ ،‬وهو خمرج يف كتب عديدة من‬
‫مروي عن اإلمام مالك من عشرة من طلبه‪ ،‬ويف هذا املبحث سنقوم بذكر ما‬
‫كتب السنة‪ٌّ ،‬‬
‫وقفت عليه من رواايت ْلذه املقولة عن اإلمام مالك‪ ،‬مث بيان مراد اإلمام مالك من مقولته‪،‬‬
‫كما فهمها أئمة أهل السنة واِلماعة سلفاً وخلفاً‪ ،‬وذلك يف فرعني‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬ذكر رواايت هذه املقولة‬

‫‪ 1‬رواية جعفر بن عبد هللا‪:‬‬

‫قال جعفر بن عبد للا‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند مالك بن أنس‪ ،‬فجاءه رجل فقال‪ :‬اي أاب عبد‬
‫للا‪ ،‬ﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ [طه‪ ،]5:‬كيف استوى‪ ،‬فما وجد مالك من شيء ما‬
‫وجد من مسألته‪ ،‬فنظر إىل األرض‪ ،‬وجعل ينكت بعود يف يده‪ ،‬حَّت عله الرحضاء ‪ -‬يعين‬
‫العرق ‪ ،-‬مث رفع رأسه‪ ،‬ورمى ابلعود‪ ،‬وقال‪« :‬الكيف منه غري معقول‪ ،‬واالستواء منه غري‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري (‪.)262-261/6‬‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪102‬‬

‫جمهول‪ ،‬واإلميان به واجب‪ ،‬والسؤال عنه بدعة‪ ،‬وأظنك صاحب بدعة وأمر به‬
‫فأخرج»(‪.)1‬‬

‫‪ 2‬رواية عبد هللا بن وهب‪:‬‬

‫وفيها قال اإلمام مالك‪ « :‬ﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ كما وصف نفسه‪ ،‬وال‬


‫يقال‪ :‬كيف‪ ،‬وكيف عنه مرفوع‪ ،‬وأنت رجل سوء صاحب بدعة‪ ،‬أخرجوه»(‪.)2‬‬

‫‪ 4 3‬رواية ُيىي بن ُيىي التميمي‪ ،‬ورواية جعفر بن ميمون‪:‬‬

‫وفيها قال اإلمام مالك‪« :‬االستواء غري جمهول‪ ،‬والكيف غري معقول‪.)3(»..‬‬

‫‪ 5‬رواية سفيان بن عيينة‪:‬‬

‫وفيها قال اإلمام مالك‪« :‬االستواء منه معلوم‪ ،‬والكيف منه غري معقول‪.)4(»..‬‬

‫أخرجه أبو نعيم يف حلية األولياء وطبقات األصفياء (‪ )٣25/6‬وأخرجه عنه أيضاً شيخ اإلسلم أبو‬ ‫(‪)1‬‬
‫عثمان الصابوين يف عقيدة السلف وأصحاب احلديث ص (‪ )18٣-181‬والللكائي يف شرح‬
‫أصول اعتقاد أهل السنة واِلماعة (‪ )441/٣‬برقم (‪ )664‬بنحوه‪ ،‬ولفظه‪« :‬الكيف غري معقول‪،‬‬
‫والسؤال عنه بدعة فإين أخاف أن تكون ضاالً‪،‬‬‫واالستواء منه غري جمهول‪ ،‬واإلميان به واجب‪ُّ ،‬‬
‫وأمر به فأخرج»‪.‬‬
‫رواه البيهقي يف األمساء والصفات (‪ )866‬وقال الذهب يف العلو‪ :‬وساق البيهقي إبسناد صحيح‪..‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عن ابن وهب‪ ..‬وذكره‪ .‬وقال احلافظ ابن حجر‪ :‬وأخرج البيهقي بسند جيهد عن ابن وهب‪ ..‬وذكره‪.‬‬
‫روى األوىل البيهقي يف األمساء والصفات (‪ )867‬واالعتقاد (‪ )116‬وأورده الذهب يف العلو‪ ،‬مث قال‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫هذا اثبت عن مالك‪ .‬وقال مشس الدين ابن عبد اْلادي يف كتابه يف االستواء‪ :‬صحيح اثبت عن‬
‫مالك‪ .‬وروى رواية جعفر بن ميمون أبو عثمان الصابوين يف عقيدة السلف أصحاب احلديث ص‬
‫(‪.)٣8‬‬
‫ترتيب املدارك للقاضي عياض (‪ )٣٩/2‬ونقله الذهب يف سري أعلم النبلء (‪)1٠7-1٠6/8‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ورجاْلا ثقات‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫‪ 6‬رواية حممد بن النعمان بن عبد السالم التيمي‪.‬‬

‫وفيها قال اإلمام مالك‪« :‬االستواء منه غري جمهول‪ ،‬والكيف منه غري‬
‫معقول‪.)1(»..‬‬

‫‪ 7‬رواية عبد هللا بن انفع‪.‬‬

‫وفيها قال اإلمام مالك‪« :‬استواؤه معقول‪ ،‬وكيفيته جمهولة‪.)2(»..‬‬

‫‪ 8‬رواية أيوب بن صال املخزومي‪.‬‬

‫سألت عن غري جمهول‪ ،‬وتكلمت يف غري معقول‪.)3(»..‬‬


‫وفيها قال اإلمام مالك‪َ « :‬‬
‫‪ 9‬رواية بشار اخلفاف الشيباين‪.‬‬

‫وفيها قال اإلمام مالك‪« :‬الكيف غري معقول‪ ،‬االستواء جمهول‪.)4(» ..‬‬

‫‪ 10‬رواية سحنون عن بعض أصحاب مالك‪.‬‬

‫مت يف غري معقول‪.)5(» ..‬‬


‫سألت عن غري جمهول‪ ،‬وتكل َ‬
‫وفيها قال اإلمام مالك‪َ « :‬‬

‫** ** **‬

‫رواه أبو الشيخ األنصاري يف طبقات احملدثني ِبصبهان (‪ )211/2‬وإسنادها جيد‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أخرجه احلافظ ابن عبد الِب يف التمهيد (‪.)1٣8/7‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫املصدر السابق (‪.)151/7‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخرجه أبو املظفر السمعاين يف تفسريه (‪.)٣2٠/٣‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ذكره ابن رشد يف البيان والتحصيل (‪.)٣68 - ٣67/16‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪104‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬ذكر معىن هذه املقولة ومراد اإلمام مالك منها‬

‫إن احلاصل من الرواايت السابقة أُنا اجتمعت على إثبات االستواء لل عز وجل‪،‬‬
‫ونفي الكيفية عنه‪ ،‬واعتقاد أُنا منفية عن للا تعاىل‪ ،‬وغري مكنه يف ه‬
‫حق الباري عز وجل عند‬
‫ذوي العقول السليمة‪ ،‬املنزهني لل تعاىل عن مشاهبة املخلوقات المكي فة‪ ،‬كما هو واضح من‬
‫قوله‪« :‬والكيف غري معقول‪ ،‬وال يقال عنه كيف‪ ،‬وكيف عنه مرفوع»‪ ،‬أي ٌّ‬
‫منفي‪.‬‬

‫ومل يرد إثبات الكيف يف واحدة من الرواايت إال ما توهوه البعض من رواية‪ :‬وكيفيته‬
‫جمهولة ‪ ،‬فتومهوا أُنا تفيد ثبوت الكيفية لل تعاىل‪ ،‬مع اِلهل هبذه الكيفية‪ ،‬وهذا كلم ابطل؛‬
‫إذ إن إسناد هذه الرواية فيه اضطراب‪ ،‬وال تقوم احلجة مبثلها إلثبات كيفية للرب عز وجل لو‬
‫أثر مقطوع‪ ،‬ومع ذلك فهو مضطرب‪ ،‬بل وشاذٌّ؛‬ ‫كانت اثبتة ِبثر نبوي‪ ،‬فكيف وهذا ٌ‬
‫ملخالفته لسائ ر الرواايت الصحيحة عن اإلمام مالك‪ ،‬والِت تقطع بنفي الكيف عن الرب عز‬
‫وجل‪ ،‬ه‬
‫وعده من املستحيلت الِت يتنزه الباري عز وجل عنها‪.‬‬

‫وقد أمجع السلف الصاحل على نفي الكيفية عن للا تعاىل؛ لَلدلة القطعية العقلية‬
‫والنقلية يف أن من كيف املكيفات‪ ،‬وقدر املقدرات‪ ،‬يستحيل أن يكون مكيفاً مقدراً‪ ،‬وإال‬
‫قدٌر‪ ،‬وهو مستحيل كما سيأيت يف مبحث الصفات السلبية‪ ،‬يف‬ ‫لزم أن يكون له مكيهف وم ه‬
‫ٌ‬
‫استحالة كونه تعاىل جسماً مقدراً مكيفاً‪.‬‬

‫كما أن أئمة السلف واخللف مل يفهموا من كلم اإلمام مالك إال نفي مطلق الكيفية‪،‬‬
‫وعلى هذا مجاهري أئمة اإلسلم‪ ،‬وعلى رأسهم السادة املالكية أتباع اإلمام مالك‪ ،‬الذين‬
‫ُيرصون كل احلرص أن يتابعوه يف كل كلمة يقوْلا‪ ،‬إلمجاع األمة على إمامته‪ ،‬فكما هو‬
‫معروف أن عامة أئمة املالكية هم أشعرية يف أبواب االعتقاد‪ ،‬وهم مل يتبعوا اإلمام األشعري‬
‫يف االعتقاد إال ِلزمهم مبوافقة أقواله ملا ثبت عن إمامهم وإمام األمة مالك بن أنس ‪.‬‬
‫‪105‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫فقوله‪« :‬االستواء غري جمهول»‪ ،‬أي أنه معلوم وروده يف القرآن الكرمي‪ ،‬أو أن‬
‫االستواء له معان كثريةٌ يف اللغة‪ ،‬وهي معلومة لدى أهل اللغة‪ ،‬كما قال القاضي أبو بكر ابن‬
‫العريب املالكي ‪ « :‬وللستواء يف كلم العرب مخسة عشر معىن ما بني حقيقة وماز‪،‬‬
‫معىن لآلية‪ ،‬ومنها ما ال جيوز على للا حبال‪ ،‬وهو إذا كان‬
‫منها ما جيوز على للا فيكون ً‬
‫االستواء مبعىن التمكن أو االستقرار أو االتصال أو احملاذاة‪ ،‬فإن شيئاً من ذلك ال جيوز على‬
‫الباري تبارك وتعاىل‪ ،‬وال تضرب له األمثال يف املخلوقات‪ ،‬وإما أن ال يفسر كما قال مالك‬
‫وغريه‪ ،‬إن االستواء معلوم يعين مورده يف اللغة ‪ ،‬والكيف غري معقول أي يستحيل يف حق‬
‫للا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬والسؤال عنه بدعة‪ ،‬ألن االشتغال به قد يثري طلب املتشابه ابتغاء‬
‫الفتنة‪ ،‬فتحصل لك من كلم إمام املسلمني مالك أن االستواء معلوم وأن ما جيوز على للا‬
‫غري متعني‪ ،‬وما يستحيل عليه هو منزه عنه‪ ..‬والذي جيب أن يعتقد يف ذلك أن للا كان وال‬
‫شيء معه‪ ،‬مث خلق املخلوقات من العرش إىل الفرش‪ ،‬فلم يتعني هبا‪ ،‬وال حدث له جهة‬
‫منها‪ ،‬وال كان له مكان فيها‪ ،‬فإنه ال ُيول وال يزول‪ ،‬قدوس ال يتغري وال يستحيل»(‪.)1‬‬

‫وقوله‪« :‬والكيف غري معقول»‪ ،‬معناه أن االستواء مبعىن الكيف‪ ،‬أي‪ :‬اْليئة كاِللوس‬
‫ال يعقل‪ ،‬أي ال يقبله العقل السليم‪ ،‬فيكون مستحيلً عقلً؛ لكونه من صفات األجسام؛‬
‫ألن اِللوس ال يصح إال من جسم حمدود مقدر مكيف‪ ،‬متناهي األبعاد‪ُ ،‬يويه مكان‪،‬‬
‫وخيضع لقوانينه‪ ،‬ويكون ذا أعضاء‪ ،‬كألية وركبة‪ ،‬وللا تعاىل منزهٌ عن مشاهبة خلقه يف ه‬
‫أي‬
‫ه‬
‫الصفات‪ ،‬فليس استواءه عن اعوجاج وال‬ ‫معىن من املعاين‪ ،‬فل تشبه ذاته الذو ه‬
‫ات‪ ،‬وال صفاته‬ ‫ً‬
‫اعتدال‪ ،‬وال جلوس وال مقدار‪.‬‬

‫وقوله كما يف الرواية الثابتة األخرى‪« :‬وكيف عنه مرفوع»‪ ،‬أي ٌّ‬
‫منفي‪ ،‬ألن الرفع أييت‬
‫مبعىن النفي‪ ،‬كما يف قولنا‪ :‬النقيضان ال يرتفعان‪ ،‬أي‪ :‬ال ينتفيان‪ .‬وكقوله ‪« :‬رفع القلم‬

‫(‪ )1‬عارضة األحوذي (‪.)2٣5-2٣4/2‬‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪106‬‬

‫عن ثالثة‪ ..‬احلديث»‪ ،‬ومعناه ال تكليف عليه‪ ،‬فال مؤاخذة(‪ ،)1‬فمعىن رفع القلم عن‬
‫الثلثة هو نفي أصل جراين القلم عنهم‪ ،‬ال أن هناك قلماً جيري عليهم ولكننا ال نتصور‬
‫كيفية جراينه؟!‬

‫فل معىن لقول املشبهة‪ :‬االستواء معلوم‪ ،‬والكيفية مهولة‪ ،‬يقصدون بذلك أن‬
‫االستواء هو االستقرار ابِللوس‪ ،‬لكن كيفية جلوسه غري معلومة‪ ،‬ألن االستقرار واِللوس‬
‫كيفما كان‪ ،‬ال يكون إال ِبعضاء‪ ،‬وهؤالء يومهون الناس أن هذا مراد مالك رضي للا عنه‪.‬‬

‫وقوله‪( :‬أنت رجل سوء صاحب بدعة‪ ،‬أخرجوه)‪ ،‬وذلك ألنه قد ظهر من سؤال‬
‫الرجل أنه يعتقد ثبوت الكيف الستواء الرب عز وجل‪ ،‬فهو يسأل عنه‪ ،‬فسبب اإلنكار عليه‬
‫ورميه ابلبدعة والضلل هو أنه أثبت كيفاً لل تعاىل‪ ،‬وهو سبحانه منزهٌ عن الكيف كما مر‪،‬‬
‫معىن لإلنكار عليه‪ ،‬بل‬
‫كيف يف نفس األمر‪ ،‬لما كان هناك ً‬
‫ولو أنه سأل عن كيفية ما له ٌ‬
‫غاية األم ر أنه يكون قد سأل عن أمر اثبت‪ ،‬لكنه غيب من الغيوب‪ ،‬فيقال للسائل‪ :‬للا‬
‫أعلم ابلكيفية‪ ،‬لكن األمر هنا خمتلف متاماً كما سبق بيانه‪.‬‬

‫وقد قال القاضي عياض‪« :‬ورحم للا مالكاً‪ ،‬فلقد كره التحدث مبثل ذلك من‬
‫األحاديث املومهة للتشبيه‪ ،‬واملشكلة املعىن‪ ،‬وقال‪ :‬ما يدعو الناس إىل التحدث مبثل هذا؟! مث‬
‫قال القاضي‪ :‬والنب ‪ ‬أوردها على قوم عرب يفهمون كلم العرب على وجهه وتصرفاهتم‪،‬‬
‫يف حقيقته ومازه‪ ،‬واستعارته‪ ،‬وبليغه وإجيازه‪ ،‬فلم تكن يف حقهم مشكلة‪ ،‬مث جاء من غلبت‬
‫عليه العجمة‪ ،‬وداخلته األمية‪ ،‬فل يكاد يفهم من مقاصد العرب إال نصها وصرُيها‪ ،‬وال‬
‫يتحقق إشاراهتا إىل غرض اإلجياز ووحيها‪ ،‬وتبليغها وتلوُيها‪ ،‬فتفرقوا يف َتويلها أو محلها‬
‫على ظاهرها شذر مذر‪ ،‬فمنهم من آمن به‪ ،‬ومنهم من كفر»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري‪ ،‬للفيومي (‪.)2٣2 /1‬‬
‫(‪ )2‬الشفا بتعريف حقوق املصطفى (‪.)252/2‬‬
‫‪107‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫مث إن هذه املقولة عن اإلمام مالك رمحه للا صارت قاعدة عامة يف التعامل مع مجيع‬
‫العلي الكبري‪ ،‬فيقال‪ :‬االستواء‬
‫النصوص املتشاهبة‪ ،‬والِت يستحيل محلها على ظاهرها يف حق ه‬
‫متنع ثبوته للرب عز وجل‪ ،‬ويقال‪ :‬النزول غري‬
‫غري مهول‪ ،‬والكيف غري معقول‪ ،‬أي‪ٌ :‬‬
‫مهول‪ ،‬واجمليء غري مهول‪ ،‬والغضب والرضا‪ ،‬والفرح والعجب والضحك‪ ،‬لل عز وجل غري‬
‫مهول‪ ،‬والكيف فيها كلهها غري معقول‪ ،‬أي منفي؛ الستحالة كون للا تعاىل جسماً‪،‬‬
‫فكل هذه األفعال املضافة إىل للا تعاىل‪ ،‬يقال‬
‫واستحالة اتصافه تعاىل ابلصفات احلادثة‪ُّ ،‬‬
‫منفي عن للا تعاىل‪،‬‬
‫فيها‪ :‬إُنا معلومة الثبوت شرعاً‪ ،‬ومعلومةٌ لغةً‪ ،‬إال أن الكيف يف كلها ٌّ‬
‫فليست مبعناها يف ه‬
‫حق للا تعاىل؛ ألن للا تعاىل ليس يف معناه أحد من اخلليقة‪.‬‬

‫ومن أفضل من حقق منهج السلف يف النصوص املتشاهبة وبينه كما هو‪ ،‬ونصره‬
‫ابألدلة العقلية والنقلية‪ ،‬حجة اإلسلم الغزايل ‪ ،‬فقال يف بيان حقيقة مذهب السلف‪،‬‬
‫يف اآلايت واألخبار‪ ،‬والِبهان على أن احلق يف ذلك مذهب السلف‪ ،‬فقال‪« :‬اعلم أن‬
‫مذهب السلف‪ ،‬وهو احلق عندان‪ ،‬أن كل من بلغه حديث من هذه األحاديث من عوام‬
‫اخللق‪ ،‬جيب عليه فيه سبعة أمور‪ :‬التقديس‪ ،‬مث التصديق‪ ،‬مث االعرتاف ابلعجز‪ ،‬مث السكوت‪،‬‬
‫مث اإلمساك‪ ،‬مث الكف‪ ،‬مث التسليم‪.‬‬
‫أما التقديس‪ ،‬فأعين به تنزيه الرب تعاىل عن اِلسمية وتوابعها‪.‬‬
‫وأما التصديق‪ ،‬فهو اإلميان ِبن ما قاله حق‪ ،‬على الوجه الذي قاله وأراده‪.‬‬
‫وأما االعرتاف ابلعجز‪ ،‬فهو أن يقر ِبن معرفة مراده ‪ ‬ليس على قدر طاقته‪ ،‬وال‬
‫من شأنه‪.‬‬
‫وأما السكوت ‪ :‬فهو أن ال يسأل عن معناه‪ ،‬وال خيوض فيه‪ ،‬ويعلم أن سؤاله عنه‬
‫بدعة‪ ،‬وأنه يف خوضه فيه خماطر بدينه‪ ،‬وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه‪.‬‬
‫وأما اإلمساك‪ :‬فل يتصرف يف تلك األلفاظ ابلتصريف‪ ،‬والتبديل بلغة أخرى‪ ،‬والزايدة‬
‫فيه‪ ،‬والنقصان منه‪ ،‬واِلم هع والتفريق‪ ،‬بل ال ينطق إال بذلك اللفظ‪ ،‬وعلى ذلك الوجه‪ ،‬من‬
‫اإليراد‪ ،‬واإلعراب‪ ،‬والتصريف‪ ،‬والصيغة‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪108‬‬

‫وأما الكف‪ :‬فإنه يكف ابطنه عين البحث عنه‪ ،‬والتفكر فيه‪.‬‬
‫وأما التسليم‪ :‬فأن ال يعتقد أن ذلك إن خفي عليه لعجزه‪ ،‬فقد خفي على رسول للا‬
‫ه‬
‫السلف‬ ‫‪ ،‬أو على األنبياء‪ ،‬أو على الصديقني واألولياء‪ .‬فهذه سبع وظائف اعتقد كافة‬
‫وجوهبا على كل العوام‪ ،‬ال ينبغي أن يظن ابلسلف اخللف يف شيء منها»(‪.)1‬‬
‫وهذا الكلم املتني الرصني هو عبارة عن شرح تفصيلي لكلم اإلمام مالك‪ ،‬فعلى كل‬
‫من قرأ قوله تعاىل‪ :‬استوى على العرش‪ ،‬أن يلتزم هبذه القواعد السبع‪ ،‬على النحو التايل‪:‬‬
‫أوال‪ :‬التقديس تنزيه للا تعاىل عن اِلسمية ولوازمها‪ ،‬من االستقرار واِللوس‪ ،‬واِلهة‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬التصديق‪ ،‬فهو اإلميان ِبن االستواء حق‪ ،‬على الوجه الذي قاله وأراده‪.‬‬
‫اثلثاً‪ :‬االعرتاف ابلعجز‪ ،‬عن إدراك معىن االستواء وحقيقته‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬السكوت‪ ،‬فل يسأل عن معىن االستواء‪ ،‬وال خيوض فيه‪ ،‬ويعلم أن سؤاله عنه‬
‫بدعة‪ ،‬وأنه يف خوضه فيه خماطر بدينه‪ ،‬وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬اإلمساك‪ ،‬وعدم التصرف يف تلك األلفاظ ابلتصريف‪ ،‬والتبديل‪ ،‬كأن يقول‪:‬‬
‫(مستو)‪ ،‬بل ال ينطق إال بذلك اللفظ‪ ،‬وعلى ذلك الوجه‪ ،‬من اإليراد‪ ،‬واإلعراب‪،‬‬
‫والتصريف‪ ،‬والصيغة‪ ،‬كما قال الكوثري‪« :‬االستواء مل يذكر يف تلك اآلايت إال بصيغة الفعل‬
‫املقرون ِبداة الرتاخي‪ ،‬ومن قال‪ :‬إنه (مستو) نطق مبا مل أيذن به للا‪ ،‬كائناً من كان‪ ،‬ومن زاد‬
‫وقال‪( :‬استوى بذاته) مبعىن استقر‪ ،‬فهو عابد وثن خيايل‪ ،‬إن مل يكن عامياً»(‪.)2‬‬
‫سادسا‪ :‬كف الباطن عن البحث عن معناه‪ ،‬وعن التفكر فيه‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬التسليم والتفويض يف العلم مبعىن االستواء إىل للا عز وجل‪ ،‬ورسوله ‪.‬‬

‫وهكذا يقال يف ابقي النصوص املتشاهبة‪ ،‬وهبذا يكون املرء على طريقة السلف الصاحل‬
‫الراسخني يف العلم‪ ،‬وجيتنب طريقة الزائغني عن احلق‪ ،‬من أهل األهواء‪ ،‬الذين خالفوا السنة‬
‫واِلماعة‪ ،‬وحالفوا البدعة والضللة‪ ،‬عصمنا للا منهم بفضله وكرمه‪.‬‬

‫(‪ )1‬إِلام العوام عن علم الكلم‪ ،‬ص (‪.)42‬‬


‫(‪ )2‬يف حاشيته على السيف الصقيل‪ ،‬ص (‪.)٩٩‬‬
‫‪109‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫الفرع الثالث‪ :‬أقوال أئمة اهلدى فيما يوافق ويشرح كالم اإلمام مالك يف االستواء‬

‫‪ .1‬قال اإلمام األعظم أبو حنيفة النعمان ‪( ‬ت‪15٠‬ه)‪« :‬ونقر أبن هللا تعاىل‬
‫على العرش استوى‪ ،‬من غري أن تكون له حاجة واستقرار عليه‪ ،‬وهو حافظ العرش وغري‬
‫در على إجياد العامل وتدبريه وحفظه‬
‫العرش من غري احتياج‪ ،‬فلو كان حمتاجا‪ ،‬ل ََما قَ َ‬
‫كاملخلوقني‪ ،‬ولو كان يف مكان حمتاجا للجلوس والقرار‪ ،‬فقبل خلق العرش أين كان‬
‫هللا»(‪.)1‬‬

‫(ت‪٣1٠‬ه)‪ :‬االستواء يف‬ ‫‪ .2‬قال شيخ املفسرين اإلمام ابن جرير الطِبي ‪‬‬
‫كلم العرب منصرف على وجوه‪:‬‬

‫(‪ )1‬منها انتهاء شباب الرجل وقوته‪ ،‬فيقال‪ ،‬إذا صار كذلك‪ :‬قد استوى الرجل‪.‬‬

‫(‪ )2‬ومنها استقامة ما كان فيه أوٌد من األمور واألسباب‪ ،‬يقال منه‪ :‬استوى لفلن‬
‫أمره‪ ،‬إذا استقام بعد أود‪.‬‬

‫(‪ )٣‬ومنها‪ :‬اإلقبال على الشيء‪ ،‬يقال استوى فل ٌن على فلن مبا يكرهه ويسوءه بعد‬
‫اإلحسان إليه‪.‬‬

‫(‪ )4‬ومنها‪ :‬االحتياز واالستيلء‪ ،‬كقوْلم‪ :‬استوى فلن على اململكة‪ ،‬مبعىن احتوى‬
‫عليها وحازها‪.‬‬

‫(‪ )5‬ومنها‪ :‬العلو واالرتفاع‪ ،‬كقول القائل‪ ،‬استوى فلن على سريره‪ .‬يعين علوه عليه‪.‬‬

‫علو امللك والسلطان‪ ،‬والقهر والغلبة‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫مث اختار الطِبي معىن االستواء ِبنه ُّ‬
‫وزوال»(‪.)2‬‬
‫وسلْطان‪ ،‬ال علو انتقال َ‬
‫«عال عليها علو ُملْك ُ‬

‫(‪ )1‬الوصية أليب حنيفة‪ ،‬ص (‪.)٩7‬‬


‫(‪ )2‬تفسري الطِبي (‪.)4٣٠/1‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪110‬‬

‫(ت‪٣24‬ه)‪« :‬فصل يف إابنة قول أهل احلق‬ ‫‪‬‬ ‫‪ .3‬قال اإلمام األشعري‬
‫والسنة‪ :‬قولنا الذي نقول به‪ ،‬وداينتنا الِت ندين هبا‪ ،..‬وأن للا تعاىل استوى على العرش على‬
‫املماسة واالستقرار‪ ،‬والتمكن‬
‫َّ‬ ‫الوجه الذي قاله‪ ،‬وابملعىن الذي أراده‪ ،‬استواء منزها عن‬
‫واحللول واالنتقال‪ ،‬ال ُيمله العرش‪ ،‬بل العرش ومحلته حممولون بلطف قدرته‪ ،‬ومقهورون يف‬
‫قبضته‪ ،‬وهو فوق العرش‪ ،‬وفوق كل شيء‪ ،‬إىل توم الثرى‪ ،‬فوقية ال تزيده قرابً إىل العرش‬
‫والسماء ‪ ،‬بل هو رفيع الدرجات عن العرش‪ ،‬كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى‪ ،‬وهو مع‬
‫ذلك قريب من كل موجود‪ ،‬وهو أقرب إىل العبد من حبل الوريد‪ ،‬وهو على كل شيء‬
‫شهيد»(‪.)1‬‬

‫(ت‪٣88‬ه)‪« :‬وليس قولنا إن للا على‬ ‫‪‬‬ ‫‪ .4‬قال اإلمام احلافظ اخلطايب‬
‫العرش‪ ،‬أي ماس له‪ ،‬أو متمكن فيه‪ ،‬أو متحيز يف جهة من جهاته‪ ،‬بل هو خِب جاء به‬
‫التوقيف‪ ،‬فقلنا به‪ ،‬ونفينا عنه التكييف؛ إذ ﱡﭐﱐ ﱑ ﱒﱠ »(‪.)2‬‬

‫‪ .5‬قال اإلمام أبو بكر الباقلين ‪( ‬ت‪4٠٣‬ه)‪« :‬وأن للا جل ثناؤه مستو عن‬
‫العرش‪ ،‬ومستول على مجيع خلقه‪ ،‬كما قال تعاىل‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ‪ ،‬بغري‬
‫مماسة وكيفية‪ ،‬وال جماورة‪ ،‬وأنه يف السماء إله ويف األرض إله كما أخِب بذلك»(‪.)3‬‬

‫وقال ‪ ‬أيضاً‪ « :‬وجيب أن يعلم‪ :‬أن كل ما يدل على احلدوث‪ ،‬أو على مسة‬
‫النقص‪ ،‬فالرب تعاىل يتقدس عنه‪ .‬فمن ذلك‪ :‬أنه تعاىل متقدس عن االختصاص ابِلهات‪،‬‬
‫واالتصاف بصفات احملداثت‪ ،‬وكذلك ال يوصف ابلتحول‪ ،‬واالنتقال‪ ،‬وال القيام‪ ،‬والقعود؛‬
‫لقوله تعاىل‪ :‬ﱡﭐﱐ ﱑ ﱒﱠ‪ ،‬وقوله‪ :‬ﭐﱡﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱠ‪ ،‬وأن هذه الصفات‬
‫ﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ‬ ‫تدل على احلدوث‪ ،‬وللا تعاىل يتقدس عن ذلك فإن قيل أليس قد قال‪:‬‬

‫(‪ )1‬اإلابنة عن أصول الداينة لَلشعري‪ ،‬ص (‪.)21‬‬


‫(‪ )2‬أعلم احلديث‪ ،‬شرح صحيح البخاري (‪.)1474/2‬‬
‫(‪ )3‬اإلنصاف فيما جيب اعتقاده وال جيوز اِلهل به‪ ،‬أليب بكر الباقلين‪ ،‬ص (‪.)22‬‬
‫‪111‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫ﱼﱠ ‪ .‬قيل‪ :‬بلى‪ .‬قد قال ذلك‪ ،‬وحنن نطلق ذلك وأمثاله على ما جاء يف الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬لكن ننفي عنه أمارة احلدوث‪ ،‬ونقول‪ :‬استواؤه ال يشبه استواء اخللق‪ ،‬وال نقول إن‬
‫العرش له قرار‪ ،‬وال مكان‪ ،‬ألن للا تعاىل كان وال مكان‪ ،‬فلما خلق املكان مل يتغري عما‬
‫كان»(‪.)1‬‬

‫(ت‪458‬ه)‪« :‬املذهب الصحيح يف مجيع ذلك‬ ‫‪‬‬ ‫‪ .6‬قال اإلمام البيهقي‬


‫االقتصار على ما ورد به التوقيف دون التكييف‪ ،‬وإىل هذا ذهب املتقدمون من أصحابنا‬
‫ومن تبعهم من املتأخرين‪ ،‬وقالوا‪ :‬االستواء على العرش قد نطق به الكتاب يف غري آية‪،‬‬
‫ووردت به األخبار الصحيحة‪ ،‬فقبوله من جهة التوقيف واجب‪ ،‬والبحث عنه وطلب الكيفية‬
‫له غري جائز‪ ..،‬وعلى مثل قول اإلمام مالك درج أكثر علمائنا يف مسألة االستواء‪ ،‬ويف‬
‫مسألة اجمليء واإلتيان والنزول‪ ..،‬ومل يتكلم أحد من الصحابة والتابعني يف َتويله‪ ،‬مث إُنم‬
‫على قسمني‪ :‬منهم من قبهله وآمن به‪ ،‬ومل يؤوله‪ ،‬ووكل علمه إىل للا‪ ،‬ونفى الكيفية والتشبيه‬
‫عنه‪ ،‬ومنهم من قبله‪ ،‬وآمن به‪ ،‬ومحله على وجه يصح استعماله يف اللغة‪ ،‬وال يناقض‬
‫التوحيد‪.‬‬

‫ويف اِلملة جيب أن يعلم أن استواء للا سبحانه وتعاىل ليس ابستواء اعتدال عن‬
‫اعوجاج‪ ،‬وال استقرار يف مكان‪ ،‬وال ماسة لشيء من خلقه‪ ،‬لكنه استوى على عرشه كما‬
‫أخِب بل كيف‪ ،‬بل أين‪ ،‬ابئن من مجيع خلقه‪ ،‬وأن إتيانه ليس إبتيان من مكان إىل مكان‪،‬‬
‫وأن ميئه ليس حبركة‪ ،‬وأن نزوله ليس بنقلة‪ ،‬وأن نفسه ليس جبسم‪ ،‬وأن وجهه ليس بصورة‪،‬‬
‫وأن يده ليست جبارحة‪ ،‬وأن عينه ليست حبدقة‪ ،‬وإمنا هذه أوصاف جاء هبا التوقيف‪ ،‬فقلنا‬
‫ال‪:‬‬
‫هبا ونفينا عنها التكييف‪ ،‬فقد قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﱐ ﱑ ﱒﱠ [الشورى‪َ ،]11 :‬وقَ َ‬

‫(‪ )1‬اإلنصاف فيما جيب اعتقاده‪ ،‬ص (‪.)٣6‬‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪112‬‬

‫[مرمي‪:‬‬ ‫ﭐﱡﭐﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱠ‬ ‫ال‪:‬‬


‫ﭐﱡﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱠ ﭐ[اإلخالص‪َ ،]4 :‬وقَ َ‬
‫‪.)1(»]65‬‬

‫‪ .7‬قال اإلمام احلافظ أبو عمرو ابن الصلح ‪( ‬ت‪64٣‬ه)‪« :‬الناس يف هذه‬
‫األشياء املومهة للجهة وحنوها فهرق ثلثة‪ ،‬ففرقة تؤول‪ ،‬وفرقة تشبه‪ ،‬واثلثة ترى أنه مل يطلق‬
‫الشارع مثل هذه اللفظة إال وإطلقه سائغ وحسن‪ ،‬فنقوْلا مطلقة كما قالوا‪ ،‬مع التصريح‬
‫ابلتقديس والتنزيه والتربي من التحديد والتشبيه‪ ،‬وال ُنه ُّم بشأُنا ذكراً‪ ،‬وال فكراً‪ ،‬بل نكل‬
‫علمها إىل من أحاط هبا‪ ،‬وبكل شيء خرباً‪ .‬وعلى هذه الطريقة مضى صدر األمة وسادهتا‪،‬‬
‫وإايها اختار أئمة الفقهاء وقادهتا‪ ،‬وإليها دعا أئمة احلديث وأعلمه‪ ،‬وال أحد من املتكلمني‬
‫يصدف عنها وأيابها‪ ،‬وأفصح الغزايل عنهم يف غري موضع بتهجري ما سواها‪ ،‬حَّت أِلم آخراً‬
‫يف إِلامه كل عامل وعامي عما عداها‪ ،‬وهو كتاب «إِلام العوام عن علم الكلم»‪ ،‬وهو آخر‬
‫تصانيف الغزايل مطلقاً أو آخر تصانيفه يف أصول الدين‪ ،‬حث فيه على مذهب السلف ومن‬
‫تبعهم»(‪.)2‬‬

‫قلت‪ :‬وقد سبق تقرير اإلمام الغزايل لعقيدة السلف‪ ،‬وأنه التفويض مع التنزيه‬
‫والتقديس عن اِلسمية ولوازمها‪.‬‬

‫ابن محدان احلراينُّ ‪ ،‬شي ُخ احلنابلة يف زمانه (ت‪695‬ه)‪:‬‬


‫‪ .8‬اإلمام ُ‬
‫قال ‪ ،‬يف بيان عقيدة اإلمام أمحد بن حنبل ‪« :‬للا ‪ ‬على العرش ال‬
‫بتحديد‪ ،‬وإمنا التحديد للعرش وما دونه‪ ،‬وهللا فوق ذلك‪ ،‬ال مكا َن‪ ،‬وال َّ‬
‫حد؛ ألنه كان‬
‫وال مكان‪ ،‬مث خلق املكان‪ ،‬وهو كما كان‪ ،‬قبل خلق املكان»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬االعتقاد للبيهقي‪ ،‬ص (‪ )118-114‬ابختصار وتصرف يسريين‪.‬‬


‫(‪ )2‬البحر احمليط يف أصول الفقه للزركشي (‪.)4٠ /5‬‬
‫(‪ُ )3‬ناية املبتدئني يف أصول الدين ص (‪.)٣1-٣٠‬‬
‫‪113‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫‪ .9‬قال احلافظ ابن كثري ‪« :‬وأما قوله تعاىل‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ‪،‬‬


‫فللناس يف هذا املقام مقاالت كثرية جداً‪ ،‬ليس هذا موضع بسطها‪ ،‬وإمنا يسلك يف هذا‬
‫املقام مذهب السلف الصاحل‪ :‬مالك‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬والثوري والليث بن سعد‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأمحد‬
‫ابن حنبل‪ ،‬وإسحاق بن راهويه وغريهم‪ ،‬من أئمة املسلمني قدمياً وحديثاً‪ ،‬وهو إمرارها كما‬
‫جاءت‪ ،‬من غري تكييف‪ ،‬وال تشبيه‪ ،‬وال تعطيل‪ ،‬والظاهر املتبادر إىل أذهان املشبهني‬
‫منفي عن هللا‪ ،‬فإن للا ال يشبهه شيء من خلقه»(‪.)1‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري (‪.)427-426/٣‬‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪114‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬ذكر آايت االستواء وبيان املعىن الذي سيقت له‬

‫إن اآلايت الِت ذكر فيها استواء للا تعاىل على العرش سبع آايت على الرتتيب اآليت‪:‬‬

‫ﭐﱡﭐﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽ ﱾﱿﲀﲁﲂﲃ‬ ‫‪ .1‬قال تعاىل‪:‬‬


‫ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﲎ ﲏ ﲐ‬

‫ﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﱠ [األعراف‪.]54:‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ‬ ‫‪ .2‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﱳﱴﱵﱶﱷﱸ ﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃ ﲄﱠ[يونس‪.]3:‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ‬ ‫‪ .3‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱠ‬

‫[الرعد‪.]2:‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﱲﱳ ﱴﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽﱾ‬ ‫‪ .4‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﱿ ﲀﲁﲂﲃ ﲄﲅﲆﲇ ﲈﲉﲊﲋﲌﲍ ﲎﲏﲐ‬

‫ﲑﲒﱠ [طه‪.]7-4:‬‬
‫ﱡﭐﱥﱦﱧﱨﱩﱪ ﱫﱬﱭ ﱮﱯﱰﱱﱲ‬ ‫‪ .5‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﱳﱴﱵ ﱶﱷﱠ [الفرقان‪.]59:‬‬
‫ﭐﱡ ﭐ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ‬ ‫‪ .6‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﱶﱸ ﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁ‬
‫ﱷ‬ ‫ﱭﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵ‬
‫ﱮ‬

‫ﲂ ﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﱠ [السجدة‪.]5-4:‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬ ‫‪ .7‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ‬

‫ﱧﱨﱠ [احلديد‪.]4:‬‬
‫‪115‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫فالناظر املتدبر يف سياق اآلايت الكرميات جيد أُنا كلها تتكلم عن تصرف للا تعاىل‬
‫يف خلقه‪ ،‬حيث بدأت كلها ابلكلم عن خلق للا تعاىل للسماوات واألرض‪ ،‬مث ذكرت‬
‫استواءه تعاىل على العرش‪ ،‬مث ذكر يف ثلث آايت التدبري‪ ،‬ويف غريها التفرد يف اخللق واألمر‪،‬‬
‫والتسخري‪ ،‬ومتام اإلحاطة ابلعلم‪.‬‬

‫جلي يف أن املراد بيان كمال خالقية‬


‫فالسياق هو الذي ُيدد املعىن املراد‪ ،‬وهو واضح ٌّ‬
‫للا تعاىل ِلميع املخلوقات‪ ،‬وكمال مالكيته ْلا‪ ،‬وكمال تسخريه وتدبريه ْلا‪ ،‬وكمال إحاطته‬
‫أفعال لل تعاىل‪ ،‬ترجع إىل صفة‬
‫بذلك كله‪ ،‬علماً وقدرةً‪ ،‬وتدبرياً‪ ،‬وتسخرياً‪ ،‬وهذه كلها ٌ‬
‫القدرة‪ ،‬على وفق اإلرادة‪ ،‬على وفق العلم‪ ،‬ومن املتفق عليه عند أهل السنة واِلماعة‬
‫األشاعرة واملاتريدية وفضلء احلنابلة أن أفعال للا تعاىل تقوم مبخلوقاته‪ ،‬ال يف ذاته؛ ألن ذاته‬
‫تعاىل ليست حملً للصفات احلادثة والتغريات‪.‬‬

‫فبناءً على ما سبق‪ ،‬يكون االستواء فعلً فعله للا تعاىل يف العرش أمساه استواءً‪ ،‬وهو‬
‫مستلزم لكمال العظمة والقدرة واإلحاطة والتدبري والتسخري ِلميع الكائنات‪ ،‬وهذا يستوجب‬
‫إخلص العبادة له دون سواه؛ ألن غريه ال ميلك شيئاً من ذلك‪ ،‬وهذا هو ه‬
‫املقصد الذي‬
‫خلق اإلنسان ألجله‪.‬‬

‫أما اجملسمة املشبهة فإُنم يشبهون استواء للا تعاىل ابستواء املخلوق اِلسم على‬
‫اِلسم‪ ،‬وجيعلونه مبعىن االستقرار كما سبق بيانه‪ ،‬وبعضهم يزيد ويقول هو مبعىن القعود‬
‫واِللوس تعاىل للا عن قوْلم علواً كبرياً‪ ،‬وجيعلون االستواء فعلً فعله للا تعاىل يف ذاته‪ِ ،‬بن‬
‫نقل ذاته من مكان إىل مكان فوق العرش‪ ،‬وكل هذا مبين على اعتقادهم جبسمية الرب تعاىل‬
‫عن ذلك علواًكبرياً‪.‬‬

‫والرد عليهم يكون مبا سبق من األدلة القطعية العقلية والنقلية‪ ،‬القاضية ابستحالة‬
‫مشاهبة للا تعاىل خللقه يف أي معىن من املعاين‪ ،‬فليس كمثله شيء‪ ،‬ومل يكن له كفواً أحد‪،‬‬
‫وليس يف معناه أحد من اخلليقة‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪116‬‬

‫وْلذا فسر شيخ املفسرين اإلمام احلافظ ابن جرير الطِبي االستواء ِبنه عل علو ملك‬
‫وسلطان‪ ،‬ال علو زوال وانتقال‪ ،‬ووافقه على ذلك أهل السنة قاطبة‪ ،‬فقال ‪ ‬يف تفسري‬
‫وزوال»(‪.)1‬‬
‫وسلْطان‪ ،‬ال علو انتقال َ‬
‫معىن االستواء‪« :‬عال عليها علو ُملْك ُ‬
‫وقال ‪ ‬أيضاً يف تفسري آية االستواء من سورة األعراف‪« :‬يقول تعاىل ذكره‪ :‬إن‬
‫ربكم الذي له عبادة كل شيء‪ ،‬وال تنبغي العبادة إال له‪ ،‬هو الذي خلق السموات السبع‬
‫واألرضني السبع يف ستة أايم‪ ،‬وانفرد خبلقها بغري شريك وال ظهري‪ ،‬مث استوى على عرشه‬
‫مدبرا لألمور‪ ،‬وقاضيًا يف خلقه ما أحب‪ ،‬ال ُّ‬
‫يضاده يف قضائه أح ٌد‪ ،‬وال يتعقب تدبريه‬ ‫ً‬
‫(‪)2‬‬
‫ب‪ ،‬وال يدخل أموره خلل» ‪.‬‬ ‫ه‬
‫مت عق ٌ‬
‫لكل من تطهر قلبه من دنس التجسيم‪ ،‬وترد عقله عن هوى‬ ‫جلي ه‬‫وهذا واضح ٌّ‬
‫التشبيه أن املراد من االستواء هو كمال التدبري لشؤون اخللئق‪ ،‬وكمال القهر ْلم‪ ،‬وإمنا ذكر‬
‫الع رش دون غريه من املخلوقات مع أُنا مجيعها حتت قهره وتدبريه؛ ألنه أعظم املخلوقات‬
‫حجماً‪ ،‬حبسب علم البشر‪ ،‬فاستواؤه عليه هو استواء على ما دونه من ابب أوىل‪ ،‬كما قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﭐﱡﭐﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﱠ[التوبة‪ ،]129:‬مع أنه رب مجيع املخلوقات‪ ،‬ولكن‬
‫احلكمة ما سبق ذكره وللا أعلم(‪.)3‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬تفسري الطِبي = جامع البيان (‪.)4٣٠ /1‬‬


‫(‪ )2‬املصدر السابق (‪.)18/15‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬اإلرشاد‪ ،‬إلمام احلرمني اِلويين‪ ،‬ص (‪.)2٣-22‬‬
‫‪117‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫املطلب الثالث‪ :‬الكالم على حديث اجلارية‬

‫الفرع األول‪ :‬دراسة حديث اجلارية سنداً ومتناً‬

‫أوالً‪ :‬الكالم على السند‪:‬‬

‫أخرج اإلمام مسلم ‪ ‬بسنده عن معاوية بن احلكم السلمي ‪ :‬قال‪ :‬كانت‬


‫يل جارية ترعى غنماً يل قبل أحد واِلوانهية‪ ،‬فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة‬
‫من غنمها‪ ،‬وأان رجل من بين آدم‪ ،‬آسف كما أيسفون‪ ،‬لكين صككتها صكة‪ ،‬فأتيت رسول‬
‫للا ‪ ،‬فعظم ذلك علي‪ ،‬قلت‪ :‬اي رسول للا أفل أعتقها؟ قال‪« :‬ائتين هبا» فأتيته هبا‪،‬‬
‫فقال ْلا‪« :‬أين هللا؟» قالت‪ :‬يف السماء‪ ،‬قال‪« :‬من أان؟» قالت‪ :‬أنت رسول للا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«أعتقها‪ ،‬فإهنا مؤمنة»(‪.)1‬‬

‫صحيح‪ ،‬قد أخرجه مسلم‬


‫ٌ‬ ‫قال احلافظ البيهقي ‪ ‬بعد حديث اِلارية‪« :‬وهذا‬
‫مقطعاً من حديث األوزاعي‪ ،‬وحجاج الصواف‪ ،‬عن ُيىي بن أيب كثري‪ ،‬دون قصة اِلارية‪،‬‬
‫أظن ‪ -‬مسلهماً ‪ -‬إمنا تركها من احلديث الختلف الرواة يف لفظه‪ ،‬وقد ذكرت يف كتاب‬
‫و ُّ‬
‫الظهار من (السنن) خمالفة من خالف معاوية بن احلكم يف لفظ احلديث»(‪.)2‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا إشارة إىل اضطراب هذه الرواية‪ ،‬وضعفها هبذا اللفظ‪ ،‬وإمنا هي من‬
‫تصرف بعض الرواة‪ ،‬وْلذا قال احلافظ ابن حجر العسقلين بعدما ذكر طرقه ورواايته‬
‫وألفاظه‪« :‬ويف اللفظ خمالفة كثرية»(‪.)3‬‬

‫فقد أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخِبين عطاء أن رجلً كانت له جارية يف‬
‫غنم ترعاها وكانت شاة صفي يعين غزيرة يف غنمه تلك فأراد أن يعطيها نب للا ‪ ،‬فجاء‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)5٣7‬‬


‫(‪ )2‬األمساء والصفات (‪.)٣25/2‬‬
‫(‪ )3‬التلخيص احلبري (‪.)448/٣‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪118‬‬

‫السبع فانتزع ضرعها فغضب الرجل فصك وجه جاريته فجاء نب للا ‪ ‬فذكر ذلك له‬
‫وذكر أنه كانت عليه رقبة مؤمنة وافية قد هم أن جيعلها إايها حني صكها فقال له النب ‪‬‬
‫ايتين هبا فسأْلا النب ‪ :‬أتشهدين أن ال إله إال هللا؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬وأن حممدا عبد هللا‬
‫ورسوله؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬وأن املوت والبعث حق؟ قالت نعم‪ .‬وأن اجلنة والنار حق؟ قالت‬
‫نعم‪ ،‬فلما فرغ قال أعتق أو أمسك»(‪.)1‬‬

‫وأخرج اإلمام مالك عن ابن شهاب الزهري عن عبيد للا بن عبد للا بن عتبة بن‬
‫مسعود‪ :‬أن رجلً من األنصار جاء إىل رسول للا ‪ ‬جبارية له سوداء فقال‪ :‬اي رسول للا‬
‫إن علي رقبة مؤمنة‪ ،‬فإن كنت تراها مؤمنة أعتقها‪ .‬فقال ْلا رسول للا ‪« :‬أتشهدين أن‬
‫ال إله إال هللا؟» قالت نعم‪ .‬قال‪« :‬أتشهدين أن حممدا رسول هللا؟» قالت نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫«أتوقنني ابلبعث بعد املوت؟» قالت نعم‪ .‬فقال رسول للا ‪« :‬أعتقها»(‪.)2‬‬

‫فتحصل من النظر يف أسانيد اخلِب أن رواية هلل بن أيب ميمونة مرجوحة من حيث‬
‫السند‪ ،‬ألنه قد خالفه فيها ابن جريج وسعيد بن زيد‪ ،‬ومع روايتهما من الشواهد الصحاح ما‬
‫يؤكد ترجيح روايتهما‪ ،‬أما رواية عطاء‪ ،‬فل يشهد ْلا إال أسانيد ضعيفة ومتون مضطربة‪.‬‬

‫(‪ )1‬مصنف عبد الرزاق ‪175/٩‬‬


‫(‪ )2‬رواه مالك يف املوطأ (‪ )146٩‬وأمحد يف مسنده (‪ )1574٣‬وقال اْليثمي يف اجملمع‪ :‬رجاله رجال‬
‫الصحيح‪ .‬وعبد الرزاق يف املصنف (‪ )175/٩‬والبزار (‪ )14/1‬والدارمي (‪ )187 / 2‬والبيهقي يف‬
‫سننه الكِبى (‪ )15٠46‬والطِباين (‪ )27 / 12‬وسنده صحيح‪ ،‬وليس فيه سعيد بن املرزابن كما‬
‫قال اْليثمي‪ ،‬وابن اِلارود يف املنتقى (‪ )٩٣1‬وابن أيب شيبة (‪ .)2٠/11‬وهو يف املنتقى البن اِلارود‬
‫(‪ )٩٣1‬والتوحيد البن خزمية (‪ )122‬وقال الذهب يف العلو‪ :‬هذا حديث صحيح‪ .‬وقال ابن كثري يف‬
‫تفسريه (‪ :)5٣5/1‬وهذا إسناد صحيح وجهالة الصحايب ال تضره‪.‬‬
‫‪119‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫اثنياً‪ :‬الكالم على املنت‪:‬‬

‫ما سبق من الكلم على السند يتضح ويتبني أن رواية مسلم ابملعىن‪ ،‬أو على األقل‬
‫أصل يف‬
‫فيها احتمال‪ ،‬ومَّت طرأ االحتمال سقط االستدالل‪ ،‬فكيف يبىن على شيء حمتمل ٌ‬
‫العقيدة؟! وهذا اللفظ على ظاهره فيه إشكاالت كبرية‪ ،‬منها‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن هذا احلديث هبذا اللفظ خمالف لَلصول؛ حيث إنه مل يصح عن النب‬
‫‪ ‬يف تلقني اإلميان طول أداء رسالته السؤال ب «أين»‪ ،‬أو أنه ذكر ما يوهم املكان وال مرة‬
‫واحدة يف غري هذه القصة‪ ،‬بل الثابت عنه تلقني كلمة الشهادة‪ ،‬ه‬
‫وبعث رسله ابلدعوة إليها‪،‬‬
‫ومل يذكر أن أحداً من رسله دعا الناس إىل اإلميان بوجود للا يف السماء‪ ،‬وال استكشف عن‬
‫إميان أحد بسؤاله «أين للا»‪ ،‬ومن ذلك ما رواه ابن عمر ‪« :‬أن رسول هللا ‪ ‬قال‬
‫أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال هللا وأن حممدا رسول هللا ‪..‬‬
‫احلديث»(‪ .)1‬وحديث بعث معاذ ‪ ‬إىل اليمن‪ ،‬وقوله ‪ ‬له‪« :‬ادعهم إىل شهادة أن‬
‫ال إله إال هللا وأين رسول هللا ‪ ..‬احلديث»(‪.)2‬‬

‫الثاين‪ :‬أن املشركني كانوا يقرون ِبن للا تعاىل يف السماء‪ ،‬فل يكون جواب اِلارية‬
‫الذي‬ ‫كافياً يف الداللة على التوحيد‪ ،‬ويدل على ذلك حديث عمران بن احلصني ‪،‬‬
‫«اي‬ ‫أخرجه الرتمذي بسنده عن عمران بن حصني ‪ ،‬قال‪ :‬قال النب ‪ ‬أليب‪:‬‬
‫حصني‪ ،‬كم تعبد اليوم إالهاً؟» قال أيب‪ :‬سبعة‪ ،‬ستةً يف األرض وواحداً يف السماء‪ .‬قال‪:‬‬
‫«فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟» قال الذي يف السماء(‪.)3‬‬

‫فلو قدران سائلً يسأل حصيناً وهو على حالته هذه قبل دخول اإلسلم‪ ،‬فيقول‪ :‬أين‬
‫للا؟ ألجاب حصني‪ :‬يف السماء‪ ،‬وال يكفي هذا يف الداللة على التوحيد واإلميان‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )25‬ومسلم (‪.)٣2‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )1٣٩5‬ومسلم (‪.)25‬‬
‫(‪ )3‬رواه الرتمذي يف سننه (‪.)٣48٣‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪120‬‬

‫الثالث‪ :‬أن رواايت احلديث تنص على أن اِلارية كانت خرساء ال تفصح‪ ،‬وفيها أن‬
‫السؤال واِلواب كان ابإلشارة‪ ،‬أما األلفاظ فهي حكاية من الرواة‪ ،‬ففي لفظ له‪« :‬فمد‬
‫النيب ‪ ‬يده إليها وأشار إليها مستفهماً‪ :‬من يف السماء "‪ ،‬فتكون احملادثة ابإلشارة‪.‬‬
‫على أن اللفظ يكون ضائعاً مع اخلرساء الصماء‪ ،‬فيكون اللفظ لفظ أحد الرواة على حسب‬
‫فهمه ال لفظ الرسول ‪ ،‬ومثل هذا احلديث يصح األخذ به فيما يتعلق ابلعمل دون‬
‫االعتقاد‪ ،‬ولذا أخرجه مسلم يف ابب حترمي الكلم يف الصلة دون كتاب اإلميان»(‪.)1‬‬

‫الرابع‪ :‬أن ظاهره معارض بظواهر أكثر عدداً‪ ،‬وأصح سنداً‪ ،‬ذكر فيها كونه يف كل‬
‫مكان‪ ،‬وكونه على العرش‪ ،‬وقهبل ه‬
‫وجه املصلي‪ ،‬وكونه عند املريض‪ ،‬وعند احملتضر‪ ،‬وكون بعض‬
‫املخلوقات عن ميينه‪ ،‬وغريها من النصوص‪ ،‬كنصوص املعية‪ ،‬والقرب‪ ،‬واإلحاطة‪ ،‬والظرفية؛‬
‫لذلك ذهبت الفرقة اِلهمية إىل اعتقادهم ِبن للا تعاىل بذاته يف كل مكان‪ ،‬وال خيلو منه‬
‫مكان‪ ،‬والعياذ ابلل من هذا الضلل؛ لذلك اضطر بعض السلف إىل أن يقولوا ِبن للا تعاىل‬
‫متحيز حمصور يف‬
‫ٌ‬ ‫يف السماء‪ ،‬أو على العرش؛ رداً عليهم‪ ،‬ال اعتقاداً منهم ِبن للا تعاىل‬
‫السماء أو على العرش؛ ألنه قد انعقد اإلمجاع ‪ -‬كما سيأيت ‪ -‬على أنه ‪ ‬كان وال‬
‫مكان‪ ،‬مث خلق املكان‪ ،‬وهو على ما عليه كان قبل خلق املكان‪ ،‬مل يتغري عما كان‪.‬‬

‫ووافقهم على ضلْلم ابعتقاد حتيز للا تعاىل املشبهة احلشوية‪ ،‬من الكرامية وغريهم‪،‬‬
‫إال أُنم اعتقدوا أنه متحيز يف السماء‪ ،‬أو يف جهة العلو فوق العرش‪ ،‬وكله ضلل مبني‪.‬‬

‫فيقال للمشبههة املوافقني للجهمية يف إثبات التحيز للرب ‪ ،‬إما أن تثبتوا مجيع‬
‫هذه األخبار على ظواهرها‪ ،‬كما ذهبت إليه اِلهمية؛ توافقاً مع أصولكم يف األخذ‬
‫ابلظواهر‪ ،‬ونفي اجملاز‪ ،‬وإما أن َتولوها كلها كما ذهبت إليه املعطلة‪ ،‬فنفوا صفات املعاين‬
‫مطلقاً‪ ،‬وإما أن تتاروا إثبات بعضها وَتويل الباقي‪ ،‬وهو اختياركم‪ ،‬فتكونوا قد قبلتم مبدأ‬
‫التأويل للنصوص املتشاهبة‪ ،‬فل تقدرون معه على منع خصومهم من اختيار الظاهر يف‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تعليق الكوثري على السيف الصقيل للسبكي‪ ،‬ص (‪.)1٠7‬‬
‫‪121‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫اِلميع ‪ ،‬أو التأويل فيه‪ ،‬ويبقى بيان القرينة الِت ألجلها أوجبتم التأويل يف موضعه‪ ،‬وطرد هذه‬
‫القرينة حبيث توجبون التأويل عند وجودها‪ ،‬ومتنعونه عند عدم وجودها أو وجود غريها من‬
‫القرائن‪ ،‬فإن كان لكم ضابط يضبط التأويل‪ ،‬فبينوه لنا ابلشرط السابق‪ ،‬وإال كان َتويلكم‬
‫حتكماً‪.‬‬

‫وبعد النظر يف القرائن املوجبة للتأويل وصرف األلفاظ املومهة للتشبيه عن ظواهرها‪،‬‬
‫وجد أهل السنة واِلماعة أن السلف قد أمجعوا على استحالة كون للا تعاىل متحيزاً يف‬
‫مكان‪ ،‬أو مستقراً فيه؛ إلمجاعهم أنه ليس جسماً وال جوهراً وال عرضاً‪ ،‬وال يشبهه شيء‪،‬‬
‫وأنه كان يف األزل بل مكان‪ ،‬وأنه ال يتغري عن صفاته األزلية‪ ،‬وإمجاعهم يستند إىل‬
‫القطعيات من األدلة العقلية والنقلية‪ ،‬فكانت هذه القرينة سبباً موجباً لصرف اللفظ عن‬
‫ظاهره املوهم للتشبيه بتأويله‪ ،‬أو تفويض العلم مبعناه إىل قائله‪ ،‬مع القطع ابستحالة محله على‬
‫ظاهره‪.‬‬

‫اخلامس‪ :‬أن النب ‪ ‬بني أركان اإلميان يف حديث سؤال جِبيل‪ ،‬ومل يذكر فيه‬
‫عقيدة أن للا يف السماء الِت تعتقدها اجملسمة‪.‬‬

‫السادس‪ :‬أن من يثبت لل املكانية حسب هذا احلديث‪ ،‬ويستدلون به على عقائدهم‬
‫الفاسدة‪ ،‬هو مشرتك أيضاً مع اليهود والنصارى‪ ،‬فاليهود يقولون‪ :‬إن للا تعاىل تعب‪،‬‬
‫فاستلقى على العرش‪ ،‬والنصارى الذين يقولون‪« :‬أابان الذي يف السماء" والعياذ ابلل‪ ،‬لذلك‬
‫كان احلكم ابإلميان ملن يعتقد أن للا تعاىل يف السماء غري مقبول‪« ،‬فلو قال‪ :‬ال إله إال‬
‫ساكن السماء‪ ،‬مل يكن مؤمناً‪ ،‬وكذا لو قال‪ :‬ال إله إال للا ساكن السماء»(‪.)1‬‬

‫وقد سبق يف أصول أهل السنة واِلماعة نقل اإلمجاع على استحالة كون للا تعاىل‬
‫متحيهزاً وحمصوراً يف مكان عن عدد كبري من األئمة‪ ،‬فلرياجع ضرورة‪.‬‬

‫(‪ )1‬روضة الطالبني للنووي (‪.)85/1٠‬‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪122‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬أقوال أئمة أهل السنة واجلماعة يف شرح حديث اجلارية‬

‫‪ .1‬قال حجة اإلسلم اإلمام الغزايل ‪« :‬فإن قيل فإن مل يكن خمصوصاً جبهة‬
‫فوق فما ابل الوجوه واأليدي ترفع إىل السماء يف األدعية شرعاً وطبعاً؟ وما ابله ‪ ‬قال‬
‫للجارية الِت قصد إعتاقها فأراد أن يستيقن إمياُنا أين للا؟ فأشارت إىل السماء فقال إُنا‬
‫مؤمنة؟‬

‫فاِلواب عن األول‪ :‬أن هذا يضاهي قول القائل‪ :‬إن مل يكن للا تعاىل يف الكعبة وهو‬
‫بيته فما ابلنا حنجه ونزوه؟ وما ابلنا نستقبله يف الصلة؟ وإن مل يكن يف األرض فما ابلنا‬
‫نتذلل بوضع وجوهنا على األرض يف السجود؟ وهذا هذاين‪.‬‬

‫بل يقال قصد الشرع من تعبد اخللق ابلكعبة يف الصلة ملزمة الثبوت يف جهة‬
‫واحدة؛ فإن ذلك ال حمالة أقرب إىل اخلشوع وحضور القلب من الرتدد على اِلهات‪ ،‬مث لما‬
‫كانت اِلهات متساوية من حيث إمكان االستقبال‪ ،‬خصص للا بقعة خمصوصة ابلتشريف‬
‫والتعظيم‪ ،‬وشرفها ابإلضافة إىل نفسه‪ ،‬واستمال القلوب إليها بتشريفه؛ ليثيب على استقباْلا‪،‬‬
‫فكذلك السماء قبلة الدعاء‪ ،‬كما أن البيت قبلة الصلة‪ ،‬واملعبود ابلصلة واملقصود ابلدعاء‬
‫منزه عن احللول يف البيت والسماء‪.‬‬

‫وأما حكمه ‪ ‬ابإلميان للجارية لما أشارت إىل السماء‪ ،‬فقد انكشف به أيضاً ‪-‬‬
‫يعين السر يف رفع األيدي إىل السماء‪ ،-‬إذ ظهر أن ال سبيل لَلخرس إىل تفهيم علو املرتبة‬
‫إال ابإلشارة إىل جهة العلو‪ ،‬وقد كان يظن هبا أُنا من عبدة األواثن‪ ،‬ومن يعتقد للا يف بيت‬
‫األصنام‪ ،‬فاستنطقت عن معتقدها‪ ،‬فعرفت ابإلشارة إىل السماء أن معبودها ليس يف بيوت‬
‫األصنام كما يعتقد هؤالء»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬االقتصاد يف االعتقاد‪ ،‬ص (‪.)٣٣-٣1‬‬


‫‪123‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫‪ .2‬قال اإلمام فخر الدين الرازي ‪« :‬إن لفظ أين كما جيعل سؤاالً عن املكان‪،‬‬
‫فقد جيعل سؤاال عن املن زلة والدرجة‪ ،‬يقال أين فلن من فلن‪ ،‬فلعل السؤال كان عن املن زلة‪،‬‬
‫وأشار هبا إىل السماء‪ ،‬أي هو رفيع القدر جداً» (‪.)1‬‬

‫‪ .3‬قال اإلمام النووي ‪« :‬هذا احلديث من أحاديث الصفات‪ ،‬وفيها مذهبان‬


‫تقدم ذكرمها مرات يف كتاب اإلميان‪ :‬أحدمها‪ :‬اإلميان به من غري خوض يف معناه‪ ،‬مع اعتقاد‬
‫أن للا ليس كمثله شىء‪ ،‬وتن زيهه عن مسات املخلوقات‪ .‬والثَّاين‪َ :‬تويله مبا يليق به‪.‬‬

‫تقر ِبن اخلالق املدبهر الفعال‬ ‫فمن قال هبذا قال‪ :‬كان املراد امتحاُنا هل هي ه‬
‫موحدة ُّ‬
‫هو للا وحده‪ ،‬وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء‪ ،‬كما إذا صلى املصلهي استقبل‬
‫الكعبة‪ ،‬وليس ذلك ألنه منحصر يف السماء‪ ،‬كما أنه ليس منحصراً يف جهة الكعبة‪ ،‬بل‬
‫ذلك ألن السماء قبلة الداعني‪ ،‬كما أن الكعبة قبلة املصلهني‪ ،‬أو هي من عبدة األواثن‬
‫العابدين لَلواثن الِت بني أيديهم‪ ،‬فلما قالت‪ :‬يف السماء علم أُنا ه‬
‫موحدة وليست عابدة‬
‫لَلواثن‪.‬‬
‫قال القاضي عياض ‪ :‬ال خلف بني املسلمني قاطبة فقيههم ه‬
‫وحمدثهم‬
‫ومتكلهمهم ونظارهم ومقلهدهم أن الظواهر الواردة بذكر للا يف السماء كقوله تعاىل‪ :‬ﭐﱡﭐﱤ‬
‫ﱥﱦﱧﱠ [امللك‪ ،]16 :‬وحنوه ليست على ظاهرها‪ ،‬بل متأولة عند مجيعهم»(‪.)2‬‬

‫بعد رواية حديث معاوية بن احلكم‪« :‬قلت‪ :‬قد‬ ‫‪ .4‬قال احلافظ ابن اِلوزي ‪‬‬
‫ثبت عند العلماء أن للا تعاىل ال ُيويه السماء واألرض‪ ،‬وال تضمه األقطار‪ ،‬وإمنا عرف‬
‫إبشارهتا تعظيم اخلالق عندها»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أساس التقديس‪ ،‬ص (‪.)٣٠2‬‬


‫(‪ )2‬املنهاج شرح صحيح مسلم بن احلجاج (‪ )24/5‬ومثله يف (إكمال املعلم شرح صحيح مسلم لإلمام‬
‫ابن خليفة األيب)‪ ،‬ويف (مكمل إكمال اإلكمال شرح صحيح مسلم لإلمام السنوسي)‪.‬‬
‫(‪ )3‬دفع شبه التشبيه‪ ،‬ص (‪.)48‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪124‬‬

‫‪ .5‬قال العلمة أبو الوليد الباجي ‪« :‬لعلها تريد وصفه ابلعلو‪ ،‬وبذلك يوصف‬
‫كل من شأنه العلو‪ ،‬فيقال فلن يف السماء‪ ،‬مبعىن علو حاله‪ ،‬ورفعته وشرفه»(‪.)1‬‬

‫‪ .6‬قال اإلمام اخلطايب ‪« :‬هذا السؤال عن أمارة اإلميان ومسة أهله‪ ،‬وليس‬
‫بسؤال عن أصل اإلميان وصفة حقيقته‪ ،‬ولو أن كافراً يريد االنتقال من الكفر إىل دين‬
‫اإلسلم‪ ،‬فوصف من اإلميان هذا القدر الذي تكلمت به اِلارية‪ ،‬مل يصر به مسلماً حَّت‬
‫يشهد أن ال إله إال للا وأن حممداً رسول للا ‪ ،‬ويتِبى من دينه الذي كان يعتقده»(‪.)2‬‬

‫وخنتم هذا الفرع جبواب اإلمام األعظم أيب حنيفة النعمان ملن سأله أين للا‪ ،‬فقال له‬
‫السائل‪« :‬قلت‪ :‬أرأيت لو قيل أين للا تعاىل؟ فقال‪ :‬يقال له‪ :‬كان هللا تعاىل وال مكان‪،‬‬
‫كل شيء‪ ،‬وهو خالق‬
‫قبل أن خيلق اخللق‪ ،‬وكان هللا تعاىل ومل يكن أين‪ ،‬وال خل ٌق‪ ،‬وخلق َّ‬
‫كل شيء»(‪.)3‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬املنتقى شرح املوطأ (‪.)274/6‬‬


‫(‪ )2‬معامل السنن للخطايب (‪.)222/1‬‬
‫(‪ )3‬الفقه األكِب‪ ،‬ص (‪.)161‬‬
‫‪125‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫الفرع الثالث‪ :‬معىن العلو والفوقية هلل عز وجل‬

‫لقد أمجع املسلمون على أن للا هو العلي األعلى املتعال‪ ،‬ونطق بذلك القرآن الكرمي‬
‫ﭐﱡ ﭐ ﳊ ﳋ‬ ‫[األعلى‪ ،]1:‬وقوله تعاىل‪:‬‬ ‫ﭐﱡﭐ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﱠ‬ ‫يف عدة مواضع‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬
‫ﳌﱠ [البقرة‪.]255:‬‬

‫يصح أن يوصف به للا تعاىل عند أهل السنة واِلماعة هو العلو الذي‬
‫والعلو الذي ُّ‬
‫التفرد بصفات العظمة والكِبايء‪ ،‬من وجوب الوجود‪،‬‬ ‫كان متصفاً به يف األزل‪ ،‬من ه‬
‫علو ُّ‬
‫واألولية يف الوجود‪ ،‬بل سبق عدم‪ ،‬واآلخرية بل ه‬
‫طرو فناء‪ ،‬والقيام ابلنفس بل افتقار يف‬
‫ُيل فيه‪ ،‬وال إىل موجد يوجده‪ ،‬والتنزه عن الشبيه‬
‫الوجود إىل حمل يقوم به‪ ،‬وال إىل مكان ُّ‬
‫واملثيل‪ ،‬والوحدانية يف الذات والصفات واألفعال‪ ،‬وكمال احلياة والقيومية‪ ،‬والعلم واإلرادة‬
‫والقدرة والسمع والبصر والكلم‪ ،‬وغري ذلك من الصفات العلى‪ ،‬الِت ال نظري لل تعاىل فيها‬
‫وال شبيه‪ ،‬ولو بوجه من الوجوه‪.‬‬

‫فالل تعاىل ال يزداد علواً عما كان عليه يف األزل‪ ،‬وإال لزم أن يكون غري متصف‬
‫ابلكمال يف األزل‪ ،‬مث اتصف به بعد خلق اخللق من العرش أو غريه‪ ،‬وهذا مستحيل ونفي‬
‫يف بيان عقيدة أهل السنة واِلماعة‪« :‬ما زال‬ ‫لَللوهية‪ ،‬كما قال اإلمام الطحاوي ‪‬‬
‫بصفاته قدمياً قبل خلقه‪ ،‬مل يزدد بكوهنم شيئاً مل يكن قبلهم من صفته‪ ،‬وكما كان بصفاته‬
‫أزلياً كذلك ال يزال عليها أبدايً»(‪.)1‬‬

‫وقال اإلمام القرطب املفسر ‪« :‬فَ عُلُ ُّو هللا تعاىل وارتفاعه عبارةٌ عن ُعلُ ِّو َجمده‬
‫وصفاته وملكوته‪ ،‬أي ليس فوقه فيما جيب له من معاين اجلالل أحد‪ ،‬وال معه من يكون‬
‫العلو مشرتكاً بينه وبينه‪ ،‬لكنه العلي ابإلطالق سبحانه»(‪.)2‬‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬العقيدة الطحاوية بشرح الغنيمي امليداين‪ ،‬ص (‪.)17‬‬


‫(‪ )2‬تفسري القرطب (‪.)22٠/7‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪126‬‬

‫وهكذا أينما جاء وصف للا تعاىل ابلعلو والفوقية‪ ،‬يف القرآن الكرمي‪ ،‬أو السنة‬
‫املطهرة‪ ،‬أو على ألسنة العلماء‪ ،‬فهو هبذا املعىن‪ ،‬وال جيوز إطلقاً أن يوصف بعلو املكان؛‬
‫فإن علو املكان ليس ذاتياً‪ ،‬بل هو مكتسب من املكان‪ ،‬فيكون العايل مكاانً مفتقراً إىل هذا‬
‫علو‬
‫املكان يف علوه‪ ،‬كمن عل بطائرة أو على جبل‪ ،‬فإنه مفتقر يف علوه إىل ما عل به‪ ،‬وأما ُّ‬
‫للا تعاىل فهو وصف ذايتٌّ أزيلٌّ‪ ،‬ليس مكتسباً ال من مساء وال من عرش وال من غري ذلك‪.‬‬

‫ﲈ ﱠ[النحل‪]60 :‬؛ قال اإلمام الطِبي ‪:‬‬


‫ﲉ‬ ‫ففي قوله تعاىل‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲆ ﲇ‬

‫«وهو األفضل واألطيب‪ ،‬واألحسن‪ ،‬واألُجل»(‪.)1‬‬


‫ويف قوله تعاىل‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱾ ﱿ ﱠ[الرعد‪ ،]9:‬قال الطِبي ‪« :‬الْمتَ َع ِّ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ُ‬
‫الْ ُمستعلي على كل شيء بقدرته»(‪.)2‬‬

‫[التوبة‪ ،]40:‬قال الطِبي ‪:‬‬ ‫ﭐﱡﭐ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﱠ‬ ‫ويف قوله تعاىل‪:‬‬


‫«الغالبة»(‪.)3‬‬

‫[األنعام‪ ،]18:‬قال الطِبي ‪:‬‬ ‫ﳔﱠ‬


‫ﳕ‬ ‫ﭐﱡﭐ ﳑ ﳒ ﳓ‬ ‫ويف قوله تعاىل‪:‬‬
‫«ويعين بقوله‪ :‬القاهر‪ ،‬املذلهل املستعبد خلقه‪ ،‬العايل عليهم‪ ،‬وإمنا قال‪ :‬فوق عباده‪ ،‬ألنه‬
‫ومن صفة كل قاهر شيئًا أن يكون مستعليًا عليه‪،‬‬ ‫وصف نفسه تعاىل ذكره بقهره إايهم‪ ،‬ه‬
‫فمعىن الكلم إذًا‪ :‬وللا الغالب عباده‪ ،‬املذلهلهم‪ ،‬العايل عليهم بتذليله هلم‪ ،‬وخلقه إايهم‪،‬‬
‫فهو فوقهم بقهره إايهم»(‪« ،)4‬وهللا الغالب خلقه‪ ،‬العايل عليهم بقدرته»(‪.)5‬‬

‫تفسري الطِبي (‪.)22٩ /17‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫املصدر السابق (‪.)٣66 /16‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫املصدر السابق (‪.)261 /14‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫املصدر السابق (‪.)288 /11‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫املصدر السابق (‪.)4٠8 /11‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪127‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫يف تفسري فوقية للا تعاىل وعل وه ابملعاين الصحيحة‬ ‫وقد ذكر اإلمام الطِبي ‪‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﲔ ﲕ‬ ‫املذكورة يف حقه تعاىل يف شكل قاعدة كلية‪ ،‬فيقول يف تفسري قوله تعاىل‪:‬‬
‫[األعراف‪« :]۱۲۷ :‬يقول‪ :‬وإان عالون عليهم ابلقهر‪ ،‬يعين بقهر امللك‬ ‫ﲖﱠ‬

‫والسلطان‪ ،‬وقد ب ي نا أن‪[ :‬كل عال بقهر وغلبة على شيء‪ ،‬فإن العرب تقول‪ :‬هو‬
‫فوقه]»(‪.)1‬‬

‫[األنعام‪ ،]18:‬قال اإلمام القرطب‬ ‫ﱡﭐ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱠ‬ ‫ويف قوله تعاىل‪:‬‬


‫(‪)2‬‬
‫‪« :‬العلي يف مكانته‪ ،‬الكبري يف سلطانه» ‪.‬‬

‫ع ال ع لى عرشه‪ ،‬ال قاعد‪ ،‬وال‬ ‫وقال اإلمام احلافظ البيهقي ‪« :‬الق دي م ‪‬‬
‫قائم‪ ،‬وال ماس‪ ،‬وال مباين مباينة الذات الِت هي مبعىن االعتزال أو التباعد؛ ألن املاس ة‬
‫واملباين ة الت ي ض ده ا القيام والقعود من أوصاف األجسام‪ ،‬وللا ال أحد صمد مل يلد ومل‬
‫يولد ومل يكن له كفؤا أحد‪ ،‬فل جيوز علي ه م ا جي وز ع لى األجسام تبارك وتعاىل»(‪.)3‬‬

‫وقال اإلمام اِلليل احلافظ حممد بن أيب بكر القرطب‪« :‬لو كان البارئ تعاىل مقدراً‬
‫بقدر‪ ،‬مصوراً بصورة‪ ،‬متناهياً حبد وُناية‪ ،‬خمتصاً جبهة‪ ،‬متغرياً بصفة حادثة يف ذاته لكان‬
‫خمصصاً‪ ،‬ولو استدعى‬‫حمداثً خمتصاً‪ ،‬واختصاصه مبا اختص به من مقدار وشكل يستدعي ه‬
‫خمصصاً لكان مفتقراً حاداثً‪ ،‬وإذا بطل هذا صح أنه‪ :‬بل حد وال ُناية‪ ،‬وأنه سبحانه قائم‬
‫بنفسه‪ ،‬على معىن أنه مستغن عن مكان ي هقلُّه‪ ،‬أو جسم ُيلُّه‪ ،‬أو شيء ميسكه‪ ،‬أو غري‬
‫يستعني به‪ ،‬وال تتغري أوصافه يف نفسه بفعله وتركه»(‪.)4‬‬

‫تفسري الطِبي (‪.)544/4‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫تفسري القرطب (‪.)7٩ /14‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫األمساء والصفات (‪.)٣٠8 /2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫األسىن يف شرح األمساء احلسىن (‪.)21/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪128‬‬

‫وقال أبو نصر السجزي احلنبلي ‪« :‬وليس يف قولنا أن للا فوق العرش حتديد‬
‫حمدود‪ ،‬وللا سبحانه‬
‫ٌ‬ ‫له‪ ،‬وإمنا التحديد يقع للمحداثت‪ ،‬ه‬
‫فمن العرش إىل ما حتت الثرى‬
‫وتعاىل فوق ذلك‪ ،‬حبيث ال مكان‪ ،‬وال حد؛ التفاقنا أن هللا تعاىل كان وال مكان‪ ،‬مث خلق‬
‫املكان‪ ،‬وهو كما كان قبل خلق املكان‪ ،‬وإمنا يقول ابلتحديد من يزعم أنه سبحانه وتعاىل‬
‫على مكان‪ ،‬وقد علم أن األمكنة حمدودة‪ ،‬فإن كان فيها بزعمهم كان حمدوداً!!»(‪.)1‬‬

‫ف هذه املعاين للعلو يف حق للا تعاىل قد اتفق أئمة أهل السنة على أُنا هي املرادة عند‬
‫اإلطلق يف حق للا تعاىل‪ ،‬وكثري منهم صرح ببطلن غريها ما يقتضي التجسيم والتحيز‬
‫والتغري واالنتق ال واحلركة والسكون على للا تعاىل؛ ألُنا علمات احلدوث واالفتقار‪ ،‬ولذلك‬
‫يف مقدمة تفسريه‪« :‬الع لي‪ :‬اس م هللا‪ ،‬واملتعايل‪ ،‬واألعلى‪ :‬من‬ ‫قال اإلمام ابن جزي ‪‬‬
‫العلو‪ :‬مبعىن اجلالل والعظمة‪ ،‬وقيل مبعىن التنزيه عن عما ال يليق به»(‪.)2‬‬

‫واحلاصل أن لفظ العلو والفوقية ومشتقاهتا وردت يف القرآن الكرمي بعدة معان‪ ،‬كالعلو‬
‫والفوقية ابلغلبة والقهر والقدرة والشرف والرفعة واجملد والعزة‪ ،‬علواً وفوقيةً ذاتية قدميةً قهدم‬
‫يصح إضافتها إىل للا‬
‫وجوده تعاىل‪ ،‬وليستا مكتسبتني بعد خلق السماء أو العرش‪ ،‬وكلها ُّ‬
‫تعاىل‪ ،‬وهي متوافقة متاماً مع األدلة النقلية‪ ،‬والعقلية‪ ،‬املفيدة لتنزه للا تعاىل عن احللول يف‬
‫األماكن واِلهات‪ ،‬وتعاليه عن التغري واالنتقال وحدوث الصفات‪ ،‬وغري ذلك من صفات‬
‫األجسام واألجرام املفتقرات‪.‬‬

‫العلو والفوقية ابملكان فل تصح حبال؛ ألنه يستلزم كون للا تعاىل حمدودا حمصوراً‬
‫وأما ُّ‬
‫متحيزاً‪ ،‬مقهوراً للمكان الذي ُيويه‪ ،‬تعاىل للا عن ذلك علواً كبرياً‪.‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬رسالة السجزي ألهل زبيد‪ ،‬ص (‪.)1٩6‬‬


‫(‪ )2‬التسهيل لعلوم التنزيل (‪.)٣2/ 1‬‬
‫‪129‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫املبحث التاسع‪ :‬نصوص السلف الصال يف استحالة اتصاف هللا تعاىل‬


‫العلِّيَّة‬
‫بوصف حادث‪ ،‬أو استحالة التَّ غَ ُِّّري عليه وقيام احلوادث بذاته َ‬
‫لقد أمجعت سائر طوائف األمة على أن مجيع صفات الباري ‪ ‬قدمية أزلية‪ ،‬ليس‬
‫شيءٌ منها خملوقاً‪ ،‬وال حاداثً‪ ،‬وال متجدداً‪ ،‬كما جاء يف وصفه تعاىل ِبنه‪َ  :‬ال تُغَِّريُهُ‬
‫ث‪ .)1(‬ومل خيالف يف ذلك إال فرقة الكرامية اجملسمة(‪ ،)2‬ومن تبعهم على ضلْلم‪ ،‬ويف‬ ‫احلََو ِّاد ُ‬
‫هذا املبحث‪ ،‬سأنقل نزراً يسرياً من أقوال أئمة أهل السنة واِلماعة‪ ،‬سلفاً وخلفاً‪ ،‬ما اتفقوا‬
‫عليه يف هذا الباب‪:‬‬

‫(‪ )1‬أخرج الطِباين يف األوسط (‪ ،)٩448‬عن أنس ‪ ،‬أن رسول للا ‪ ‬مر ِبعرايب وهو يدعو يف‬
‫صلته‪ ،‬وهو يقول‪ :‬اي من ال تراه العيون‪ ،‬وال تالطه الظنون‪ ،‬وال يصفه الواصفون‪ ،‬وال تغريه‬
‫احلوادث‪ ،‬وال خيشى الدوائر‪ ،‬يعلم مثاقيل اِلبال‪ ،‬ومكاييل البحار‪ ،‬وعدد قطر األمطار‪ ،‬وعدد ورق‬
‫أرض أرضاً‪،‬‬
‫األشجار‪ ،‬وعدد ما أظلم عليه الليل‪ ،‬وأشرق عليه النهار‪ ،‬ال تواري منه مساءٌ مساءً‪ ،‬وال ٌ‬
‫جبل ما يف وعره‪ ،‬اجعل خري عمري آخره‪ ،‬وخري عملي خوامته‪ ،‬وخري أايمى‬ ‫حبر ما يف قعره‪ ،‬وال ٌ‬
‫وال ٌ‬
‫يوم ألقاك فيه‪ ،‬فوكل رسول للا ‪ ‬ابألعرايب رجل‪ .. ،‬فلما أاته األعرايب وهب له الذهب‪ ،‬مث قال‬
‫‪« :‬وهبت لك الذهب حلسن ثنائك على هللا عز وجل» قال اْليثمي يف ممع الزوائد (‪/1٠‬‬
‫‪ :) 158‬رواه الطِباين يف األوسط‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح غري عبد للا بن حممد أيب عبد الرمحن‬
‫األذرمي‪ ،‬وهو ثقة اه ‪ .‬قلت‪ :‬فقوله‪( :‬وال تغريه احلوادث) ظاهر يف أن للا تعاىل ال ميكن أن ُيصل‬
‫تبدل عما كان عليه يف األزل‪.‬‬
‫تغريٌ أو ٌ‬
‫يف ذاته ُّ‬
‫(‪ )2‬قال اإلمام شرف الدين بن التلمساين يف شرح ملع األدلة للجويين‪ :‬وخالف إمجاع األمة طائفةٌ نبغوا‬
‫من هسجستان‪ ،‬لقبوا ابلكرامية؛ نسبة إىل حممد بن كرام‪ ،‬وزعموا أن احلوادث تطرأ يعين تتجدد على‬
‫ذات هللا تعاىل عن قوهلم‪ ،‬وهذا املذهب نظري مذهب اجملوس‪ ..‬وكذلك الكرامية تزعم أن للا تعاىل‬
‫إذا أراد إحداث حمدث‪ ،‬أوجد يف ذاته كافًا ونو ًان‪ ،‬وإراد ًة حادثة‪ ،‬وعن ذلك تصدر سائر املخلوقات‬
‫املباينة لذاته‪ .‬شرح ملع األدلة (‪ .)81-8٠‬وقال أبو املظفر اإلسفراييين‪ :‬وما ابتدعوه‪ -‬أي‬
‫الكرامية‪ -‬من الضلالت‪ ،‬ما مل يتجاسر على إطلقه قبلهم واحد من األمم‪ ،‬لعلمهم ابفتضاحه‪ ،‬هو‬
‫قوْلم‪ :‬أبن معبودهم حمل احلوادث‪ ،‬حتدث يف ذاته أقواله وإرادته وإدراكه للمسموعات‬
‫وتبصرا‪ ،‬وكذلك قالوا‪ :‬حتدث يف ذاته مالقاته للصفحة العليا من‬ ‫ً‬ ‫واملبصرات‪ ،‬ومسوا ذلك ً‬
‫مسعا‬
‫العرش‪ ،‬زعموا أن هذه أعراض حتدث يف ذاته‪ ،‬تعاىل للا عن قوْلم‪ .‬التبصري يف الدين‪ ،‬ص (‪-66‬‬
‫‪ )67‬قلت‪ :‬وقد وافق الفرقة الكرامية على بدعتهم ابن تيمية وأتباعه‪ ،‬وخالفوا السلف الصاحل‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪130‬‬

‫(‪ )1‬التابعي اجلليل احلسن البصري ‪( ‬ت‪110‬ه)‪:‬‬

‫ﭐﱡﭐ ﱨ ﱩ ﱪ‬ ‫قال ‪ ‬يف تفسري قوله تعاىل على لسان سيدان إبراهيم ‪:‬‬
‫دائم ال يزول‪.)1(‬‬ ‫ﱫﱠ [األنعام‪ ،]76:‬قال‪ :‬وعرف َّ‬
‫أن ربه ٌ‬
‫(‪ )2‬قتادة بن دعامة السدوسي ‪( ‬ت‪118‬ه)‪:‬‬

‫دائم ال يزول‪.)2(‬‬ ‫يف تفسري اآلية السابقة‪ :‬وعرف َّ‬


‫أن ربه ٌ‬ ‫قال ‪‬‬
‫(‪ )3‬اإلمام األعظم أبو حنيفة النعمان (ت‪150‬ه)‪:‬‬

‫قال ‪ :‬وصفاته يف األزل غري حمدثة وال خملوقة‪ ،‬ومن قال إهنا خملوقة أو‬
‫حمدثة‪ ،‬أو وقف أو شك فيهما‪ ،‬فهو كافر ابهلل تعاىل‪.)3(‬‬

‫(‪ )4‬اإلمام اجلليل سفيان الثوري ‪( ‬ت‪161‬ه)‪:‬‬

‫قال ‪ :‬ما َّ‬


‫أحب هللاُ عبداً فأبغضه‪ ،‬وما أبغضه فأَحبَّه‪ ،‬وإن الرجل ليعبد‬
‫األواثن‪ ،‬وهو عند هللا سعيد‪.)4(‬‬

‫وقال ‪ ‬أيضاً‪ :‬إن الرجل ليعبد األصنام‪ ،‬وهو حبيب هللا‪.)5(‬‬

‫تغري للا ‪ ‬عما كان عليه يف األزل‪ ،‬وأنه ال تقوم بذاته‬


‫يح يف نفي ُّ‬
‫قلت‪ :‬وهذا صر ٌ‬
‫الصفات احلادثة؛ إذ لو كان للا تعاىل تقوم به احلوادث والتغريات‪ ،‬لكان مبغضاً للعبد يف‬
‫حال كفره‪ ،‬مث يكون حمباً له بعد إسلمه‪ ،‬والعكس كذلك‪.‬‬

‫تفسري الطِبي (‪.)1٩٣4‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫تفسري الطِبي (‪.)1٣46٣‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الفقه األكِب‪ ،‬ص (‪.)2٠‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫حلية األولياء وطبقات األصفياء (‪.)۲۹ /7‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة واِلماعة (‪.)4/751‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪131‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫(‪ )5‬الفضيل بن عياض ‪:)187( ‬‬

‫قال أبو حممد املروزي ‪ :‬مسعت احلارث بن عمري‪ ،‬وهو مع فضيل بن عياض‬
‫رمحهما للا‪ ،‬يقول‪ :‬من زعم أن القرآن حمدث‪ ،‬فقد كفر‪ ،‬ومن زعم أنه ليس من علم‬
‫هللا‪ ،‬فهو زنديق‪ ،‬فقال الفضيل‪ :‬صدقت‪.)1(‬‬

‫(‪ )6‬اإلمام وكيع بن اجلراح ‪( ‬ت‪196‬ه)‪:‬‬

‫قال ‪ :‬من قال أن القرآن خملوق‪ ،‬فقد زعم أن القرآن حمدث‪ ،‬ومن زعم‬
‫أن القرآن حمدث‪ ،‬فقد كفر‪.)2(‬‬

‫(‪ )7‬اإلمام أبو ثور إبراهيم بن خالد الكليب ‪( ‬ت‪ 240‬ه )‪:‬‬

‫قال ‪ :‬ومن قال‪ :‬كالم هللا خملوق‪ ،‬فقد كفر‪ ،‬وزعم أن هللا ‪ ‬حدث فيه‬
‫شيء مل يكن‪.)3(‬‬

‫(‪ )8‬اإلمام عبد العزيز الكناين ‪( ‬ت‪240‬ه )‪:‬‬

‫قال ‪ :‬فإن قال ‪ -‬يعين بشراً املريسي‪ :-‬إن للا خلق كلمه يف نفسه‪ ،‬فهذا‬
‫حمال‪ ،‬ال جيد السبيل إىل القول به من قياس وال نظر معقول؛ ألن هللا ‪ ‬ال يكون مكاانً‬
‫للحوادث‪ ،‬وال يكون فيه شيء خملوق‪ ،‬وال يكون انقصاً فيزيد فيه شيء خملوق‪.)4(‬‬

‫العلو للذهب ص (‪.)15٠‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة واِلماعة (‪.)287/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫املصدر السابق (‪.)1٩1/1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫كتاب احليدة‪ ،‬ص (‪.)8٣‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪132‬‬

‫(‪ )9‬اإلمام أمحد ابن حنبل ‪( ‬ت‪241‬ه )‪:‬‬

‫قال ‪ :‬وهللا تعاىل مل يلحقه تغري وال تبدل‪ ،‬وال تلحقه احلدود‪ ،‬قبل خلق‬
‫العرش‪ ،‬وال بعد خلق العرش‪ .)1(‬وقال ‪ :‬من قال‪ :‬القرآن حمدث‪ ،‬فهو كافر‪.)2(‬‬

‫(‪ )10‬اإلمام الرتمذي ‪( ‬ت ‪ 279‬ه )‪:‬‬

‫قال ‪( :‬ويفعل للا ما يشاء) (إن للا يفعل ما يريد)‪ ،‬فكان القول واملشيئة‬
‫واإلرادة من هللا ‪ ‬صفة من صفاته مل تزل‪ ،‬والفعل هو ما أحدث يف خلقه‪.)3(‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا يتفق متاماً مع قول أهل السنة واِلماعة‪ ،‬أن مجيع صفات الباري ‪‬‬
‫قدمية‪ ،‬وال شيء منها حبادث‪ ،‬وأن مجيع أفعاله ‪ ‬حادثة‪ ،‬وال شيء منها بقدمي؛ ألن حمل‬
‫فعله ‪ ‬هو خلقه‪ ،‬وليس ذاته؛ إذ ذاته ليست حملًّ للحوادث‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫(‪ )11‬نصوص اإلمام احلافظ شيخ املفسرين‪ ،‬ابن جرير الطربي‬
‫(ت‪310‬ه)‪:‬‬

‫يف أول اترخيه‪ :‬احلمد لل األول قبل كل أول‪،‬‬ ‫‪ .1‬قال ابن جرير الطِبي ‪‬‬
‫واآلخر بعد كل آخر‪ ،‬والدائم بل زوال‪ ،‬والقائم على كل شيء بغري انتقال‪ ..،‬ال حتيط به‬
‫األوهام‪ ،‬وال حتويه األقطار‪ ،‬وال تد هركه األبصار‪ ..‬خلق خلقه من غري ضرورة كانت به إىل‬
‫خلقهم‪ ..،‬فلم يزده خلقه إايهم‪ -‬إذ خلقهم‪ -‬يف سلطانه على ما مل يزل قبل خلقه إايهم‬
‫مثقال ذرة‪ ،‬وال هو إن أفناهم وأعدمهم ينقصه إفناؤه إايهم ميزان شعره؛ ألنه ال تغريه‬
‫األحوال‪ ،‬وال يدخله امللل‪ ،‬وال ينقص سلطانه األايم والليال‪.)4(‬‬

‫اعتقاد اإلمام أمحد‪ ،‬للتميمي‪ ،‬ص (‪.)٣4‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫سري أعلم النبلء (‪.)۲۸۸ /۱۱‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫كتاب التوحيد‪ ،‬حملمد بن إسحاق ابن مندة‪ ،‬ص (‪.)٣52‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اتريخ الطِبي (‪.)4-٣/1‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪133‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫‪ .2‬قال اإلمام الطِبي ‪ ،‬يف رده على من قال خبلق كلم للا‪ :‬أخِبان عن‬
‫الكلم الذي وصفت أن القدمي به متكلم خملوق‪ ،‬أخلقه إذ كان عنده خملوقاً يف ذاته‪ ،‬أم يف‬
‫غريه‪ ،‬أم قائم بنفسه‪ :‬فإن زعم خلقه يف ذاته‪ ،‬فقد أوجب أن تكون ذاتُهُ حمالا‬
‫للخلق‪ ،‬وذلك عند اجلميع ُك ْف ٌر‪.)1(‬‬

‫‪ .3‬تفسريه ‪ ‬للستواء بقوله‪ :‬عال عليها علو ُملْك ُ‬


‫وسلْطان‪ ،‬ال علو انتقال‬
‫وزوال‪.)2(‬‬
‫َ‬
‫‪ .4‬قال اإلمام الطِبي ‪ :‬يف وصفه تعاىل‪ :‬العامل الذي أحاط بكل شيء‬
‫علمه‪ ،‬والقادر الذي ال يعجزه شيءٌ أراده‪ ،‬واملتكلم الذي ال جيوز عليه السكوت‪.)3(‬‬

‫‪ .5‬نقل اإلمام الطِبي اجتماع املوحدين‪ ،‬من أهل القبلة وغريهم‪ ،‬على فساد وصف‬
‫هللا تعاىل ابأللوان والطعوم‪ ،‬واألراييح والشم‪ ،‬واحلركة والسكون‪.)4(‬‬

‫‪ .6‬اإلمام الطِبي ‪ ‬يوافق أهل السنة األشاعرة‪ ،‬يف أن معرفة للا تعاىل ال حتصل‬
‫عادة إال ابلِبهان العقلي على حدوث العامل‪ ،‬وهذا الِبهان مبين على ملحظة التغري‬
‫واحلدوث يف العامل‪ ،‬من حركة وسكون‪ ،‬واجتماع وافرتاق‪ ،‬فهو ينزه للا تعاىل عن مسة العامل‬
‫الكِبى‪ ،‬أال وهي التغري واحلركة والسكون‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫القدمي األول قبل شيء‪ ،‬وأنه هو احملدث كل‬ ‫‪‬القول يف الداللة على أن للا ‪‬‬
‫شيء بقدرته تعاىل ذكره‪ ،‬فمن الداللة على ذلك‪ ،‬أنه ال شيء يف العامل مشاهد إال جسم أو‬

‫قلت‪ :‬هذا الدليل اِللي والِبهان القوي قد سلكه من قبله‪ ،‬إمام أهل السنة واِلماعة أبو احلسن‬ ‫(‪)1‬‬
‫قائم بذاته تعاىل‪ ،‬وليس‬
‫األشعري يف كتاب اللمع‪ ،‬وبني به أن القرآن مبعىن صفة الكلم‪ ،‬هو قدميٌ ٌ‬
‫حبادث وال خملوق‪ ،‬ألن ذاته تعاىل يستحيل أن تتصف ابحلوادث‪ .‬ينظر‪ :‬اللمع لَلشعري ص (‪.)26‬‬
‫تفسري الطِبي (‪ )4٣٠/1‬قلت‪ :‬وهذا هو املوضع‪ُ ،‬ييل عليه اإلمام الطِبي كلما مر على لفظ‬ ‫(‪)2‬‬
‫االستواء يف تفسريه للقرآن الكرمي‪.‬‬
‫التبصري يف معامل الدين‪ ،‬ص (‪.)127‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)2٠2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪134‬‬

‫قائم جبسم‪ ،‬وأنه ال جسم إال مفرتق أو متمع‪ ،‬وأنه ال مفرتق منه إال وهو موهوم فيه‬
‫االئتلف إىل غريه من أشكاله‪ ،‬وال متمع منه إال وهو موهوم فيه االفرتاق‪ ،‬وأنه مَّت عدم‬
‫أحدمها عدم اآلخر معه‪ ،‬وأنه إذا اجتمع اِلزءان منه بعد االفرتاق‪ ،‬فمعلوم أن اجتماعهما‬
‫حادث فيهما بعد أن مل يكن‪ ،‬وأن االفرتاق إذا حدث فيهما بعد االجتماع‪ ،‬فمعلوم أن‬
‫االفرتاق فيهما حادث بعد أن مل يكن‪ ،‬وإذا كان األمر فيما يف العامل من شيء كذلك‪ ،‬وكان‬
‫حكم ما مل يشاهد وما هو من جنس ما شاهدان يف معىن جسم أو قائم جبسم‪ ،‬وكان ما مل‬
‫حمدث‪ ،‬بتأليف ُم َؤلِّف له إن كان جمتمعاً‪ ،‬وتفريق ُم َف ِّرق له إن‬
‫خيل من احلدث ال شك أنه ٌ‬
‫كان مفرتقا‪ ،‬وكان معلوماً بذلك أن جامع ذلك إن كان متمعاً‪ ،‬ومفرقه إن كان مفرتقاً‪ ،‬من‬
‫ال يشبهه‪ ،‬ومن ال جيوز عليه االجتماع واالفرتاق‪ ،‬وهو الواحد القادر اجلامع بني‬
‫املختلفات‪ ،‬الذي ال يشبهه شيء‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪.)1(‬‬

‫(‪ )12‬اإلمام أبو عبد هللا بن منده ‪( ‬ت‪390‬ه )‪:‬‬

‫أزيل بصفاته وأمسائه الِت وصف هبا نفسه‪ ،‬ووصفه الرسول‬ ‫قال ‪ :‬وأنه ‪‬‬
‫‪ ،‬غري زائلة عنه‪ ،‬وال كائنة دونه‪ ،‬فمن جحد صفة من صفاته بعد الثبوت كان بذلك‬
‫جاحداً‪ ،‬ومن زعم أهنا حمدثة‪ ،‬مل تكن مث كانت‪ ،‬على أي معىن أتوله‪ ،‬دخل يف حكم‬
‫التشبيه ابلصفات الِت هي حمدثة يف املخلوق‪ ،‬زائلة بفنائه‪ ،‬غري ابقية ‪.)2(‬‬

‫(‪ )13‬القاضي عبد الوهاب البغدادي املالكي ‪( ‬ت‪422‬ه)‪:‬‬

‫قال ‪  :‬واعلم أن الوصف له تعاىل ابالستواء اتباع للنص‪ ،‬وتسليم للشرع‪،‬‬


‫وتصديق ملا وصف نفسه تعاىل به‪ ،‬وال جيوز أن يثبت له كيفية؛ ألن الشرع مل يرد بذلك‪ ،‬وال‬
‫أخِب النب ‪ ‬فيه بشيء‪ ،‬وال سألته الصحابة عنه‪ ،‬وألن ذلك يرجع إىل التنقل والتحول‬

‫(‪ )1‬اتريخ الطِبي (‪.)28/1‬‬


‫(‪ )2‬احلجة يف بيان احملجة‪ ،‬لقوام السنة أيب القاسم األصبهاين‪.)1٠2/1( ،‬‬
‫‪135‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫وإشغال احليز واالفتقار إىل األماكن‪ ،‬وذلك يؤول إىل التجسيم‪ ،‬وإىل قدم األجسام‪،‬‬
‫وهذا كفر عند كافة أهل اإلسالم‪.)1(‬‬

‫(‪ )14‬اإلمام البيهقي ‪( ‬ت ‪458‬ه)‪:‬‬

‫قال البيهقي ‪ :‬وهذا كما أن علم للا عز وجل أزيل‪ ،‬متعلق ابملعلومات عند‬
‫حدوثها‪ ،‬ومسعه أزيل‪ ،‬متعلق إبدراك املسموعات عند ظهورها‪ ،‬وبصره أزيل متعلق إبدراك‬
‫املرئيات عند وجودها‪ ،‬من غري حدوث معىن فيه‪ ،‬تعاىل عن أن يكون َحمَالً للحوادث‪ ،‬وأن‬
‫يكون شيءٌ من صفات ذاته حمداثً‪.)2(‬‬

‫(‪ )15‬اإلمام ابن عبد الرب ‪( ‬ت ‪ 463‬ه )‪:‬‬

‫قال ‪ :‬وقد قالت فرقة منتسبة إىل السنة‪ :‬إنه ينزل بذاته‪ ،‬وهذا قول مهجور؛‬
‫ألنه تعاىل ذكره ليس مبحل للحركات‪ ،‬وال فيه شيء من عالمات املخلوقات‪.)3(‬‬

‫(‪ )16‬القاضي أبو يعلى الفراء احلنبلي ‪( ‬ت‪458‬ه)‪:‬‬

‫للملحدة؛ والداللة عليه عهلمنا‬ ‫قال ‪ :‬واحلوادث هلا أول ابتُ ِّدأَ ْ‬
‫ت فيه‪ ،‬خالفاً ُ‬
‫ِبن معىن احملدث أنه املوجود عن عدم‪ ،‬ومعىن احلوادث أُنا موجودة عن عدم‪ ،‬فلو كان فيها‬
‫ما ال أول له‪ ،‬لوجب أن يكون قدمياً‪ ،‬وذلك فاسد؛ لهما بي نا من قيام الداللة على‬
‫حدوثها‪.)4(‬‬

‫شرح رسالة ابن أيب زيد القريواين‪ ،‬ص (‪.)178‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫االعتقاد واْلداية ص (‪.)٩4‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫االستذكار (‪.)5٣٠ /2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫خمتصر املعتمد يف أصول الدين‪ ،‬ص (‪.)165-164‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪136‬‬

‫(‪ )17‬اإلمام أبو احلسن ابن الزاغوين احلنبلي ‪( ‬ت‪527‬ه)‪:‬‬

‫قال ‪ :‬لو كان كلم للا خملوقاً‪ ،‬مل خيل أن يكون خملوقاً يف حمل‪ ،‬أو ال يف حمل‪،‬‬
‫وحمَ ٌ‬
‫ال أ ْن‬ ‫فإن كان يف حمل‪ ،‬فل خيلو أن يكون حمله ذات الباري‪ ،‬أو ذااتً غري ذاته خملوقة‪ُ ،‬‬
‫يكون خلقه تعاىل يف ذاته؛ ألن ذلك يوجب كون ذاته تعاىل َحمالً للحوادث وهذا ٌ‬
‫حمال‪،‬‬
‫اتفقت األمة قاطبةً على إحالته‪.)1(‬‬

‫(‪ )18‬اإلمام أيب الفرج ابن اجلوزي احلنبلي ‪( ‬ت‪597‬ه )‪:‬‬

‫قال ‪ :‬وقد روى حديث النزول عشرون صحابياً‪ ،‬وقد سبق القول‪ ،‬أنه‬
‫يستحيل على هللا ‪ ‬احلركة والنقلة والتغري‪.)2(‬‬

‫(ت‪1188‬ه)‪ :‬فسائر الصفات الذاتية‬ ‫(‪ )19‬اإلمام السفاريين احلنبلي ‪‬‬


‫من احلياة والقدرة واإلرادة والسمع والبصر والعلم والكلم وغريها‪ ،‬وسائر الصفات اخلِبية من‬
‫الوجه واليدين والقدم والعينني وحنوها‪ ،‬وسائر صفات األفعال من االستواء والنزول‪ ،‬واإلتيان‬
‫واجمليء والتكوين وحنوها؛ قدمية لل‪ ،‬أي هي صفات قدمية عند سلف األمة وأئمة اإلسلم‪،‬‬
‫للا ذي اِللل واإلكرام ليس منها شيء حمدث‪ ،‬وإال لكان حمالً للحوادث‪ ،‬وما حل به‬
‫احلادث‪ ،‬فهو حادث تعاىل هللا عن ذلك‪.)3(‬‬

‫وهنا ال بد من التنبيه على أنه ال فرق بني احلادث والمحدث واملخلوق‪ ،‬فكلها‬
‫معناها واحد‪ ،‬وهو ما كان بعد أن مل يكن‪ ،‬كما قال احلافظ ابن حجر ‪ :‬ال فرق بني‬
‫خملوق وحادث‪ ،‬ال عقالً‪ ،‬وال نقالً‪ ،‬وال عرفًا‪ .)4(‬وقال ابن جرير الطِبي ‪ :‬وأنه‬

‫اإليضاح يف أصول الدين‪ ،‬ص (‪.)٣77‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫دفع شبه التشبيه ِبكف التنزيه‪ ،‬ص (‪.)1٩4‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫لوامع األنوار البهية (‪.)258 /1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫فتح الباري (‪.)4٩٩ /1٣‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪137‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫ث إال مصنوعٌ خملوق‪ .)1(‬وقال اإلمام األشعري ‪ :‬واتفق أهل اإلثبات على‬
‫ال ُحم َد َ‬
‫أن معىن خملوق معىن ُحم َدث‪ ،‬ومعىن ُحم َدث معىن خملوق‪ ،‬وهذا هو احلق عندي‪ ،‬واليه‬
‫أذهب وبه أقول‪.)2(‬‬

‫فاحلاصل أن املخلوق هو‪ :‬ما كان بعد أن مل يكن‪ ،‬وكذلك احملدث‪ ،‬فكل خملوق‬
‫حمدث‪ ،‬وكل حمدث خملوق‪ ،‬هذا من حيث اللغة‪ ،‬ومثله يف اصطلح أهل العلم‪ ،‬وعليه فمن‬
‫قال ِبن القرآن حمدث‪ ،‬فقد قال إن القرآن خملوق‪ ،‬وال شك يف أن هذا القول بدعة وضلل‪،‬‬
‫كما أن السلف الصاحل قد أمجعوا بل خلف‪ ،‬على أن القرآن كلم للا ‪ ‬غري خملوق‪ ،‬وال‬
‫حمدث‪ ،‬وال حادث‪ ،‬وإمنا قصدوا بذلك امتناع قيام احلوادث بذات للا تعاىل‪ ،‬واتصافه بصفة‬
‫حادثة مل يكن متصفاً هبا يف األزل؛ فإُنم ما قالوا بقدم القرآن‪ ،‬وعدم حدوثه‪ ،‬إال فراراً من‬
‫القول بقيام احلوادث ابلذات اإلْلية‪ ،‬تعاىل للا عن ذلك‪ ،‬لهما يلزم من ذلك حدوث الباري‬
‫تعاىل عن ذلك علواًكبرياً‪.‬‬

‫وعليه فإن كل نص ثبت عن السلف الصاحل‪ ،‬ومن مشى على طريقهم من أهل السنة‬
‫واِلماعة‪ ،‬من السادة األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬وفضلء أهل احلديث واحلنابلة‪ ،‬فيه أن القرآن‬
‫كلم للا غري خملوق وال حادث‪ ،‬فهو دليل على قوْلم ابمتناع قيام احلوادث بذات للا‬
‫تعاىل(‪.)3‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬التبصري يف معامل الدين ص (‪.)151‬‬


‫(‪ )2‬مقاالت اإلسلميني (‪)541‬‬
‫(‪ )3‬قلت‪ :‬عامة هذه النقول استفدهتا من كتاب (مسألة قيام احلوادث بذات للا تعاىل يف مذهب أهل‬
‫احلديث واحلنابلة)‪ ،‬ألخينا الفاضل الدكتور عبد الفتاح اليافعي حفظه للا‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪138‬‬

‫املبحث العاشر‪ :‬مناذج من أتويالت السلف الصال‬

‫املنهج السائد عند غالب السلف الصاحل‪ ،‬أُنم ميرون اآلايت املتشاهبة‪ ،‬ويفوضون‬
‫معناها إىل للا ‪ ،‬من غري خوض يف َتويلها‪ ،‬مع تنزيهه ‪ ‬عن إثبات أي قدر مشرتك‪،‬‬
‫من املشاهبة بينه وبني خلقه‪ ،‬إال أنه قد ورد عن بعض السلف الصاحل‪ ،‬من الصحابة والتابعني‬
‫واتبعيهم‪َ ،‬تويلت لبعض النصوص املتشاهبة‪ ،‬وقد نقل احلافظ أبو احلسن علي بن القطان‬
‫جييء يوم القيامة‬ ‫الفاسي‪ ،‬إمجاع األمة على قبول منهج التأويل‪ ،‬فقال‪ :‬وأمجعوا أنه ‪‬‬
‫وامللك صفاً صفاً؛ لعرض األمم وحساهبا‪ ،‬وعقاهبا وثواهبا‪ ،‬فيغفر ملن يشاء من املؤمنني‪،‬‬
‫ويعذب منهم من يشاء‪ ،‬كما قال ‪ ،‬وليس جميئه حبركة وال انتقال‪ ،‬وأمجعوا أنه تعاىل‬
‫يرضى عن الطائعني له‪ ،‬وأن رضاه عنهم إرادته نعيمهم‪ ،‬وأمجعوا أنه ُيب التوابني ويسخط‬
‫على الكافري ن ويغضب عليهم‪ ،‬وأن غضبه إرادته لعذاهبم‪ ،‬وأنه ال يقوم لغضبه شيء‪.)1(‬‬
‫فمن األمثلة على قبول منهج التأويل عند السلف الصاحل‪:‬‬

‫َتويل ابن عباس ‪ ،‬لقوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪﱠ ﭐ[القلم‪.]42 :‬‬ ‫‪.1‬‬


‫قال اإلمام الطِبي‪ :‬قال مجاعة من الصحابة والتابعني من أهل التأويل‪ :‬يبدو عن أمر‬
‫شديد‪ .‬مث ذكر ذلك ابإلسناد الصحيح‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال‪ :‬يُكشف عن شدة‪ ،‬مث‬
‫رواه بسنده‪ ،‬عن ماهد‪ ،‬وسعيد بن جبري‪ ،‬وقتادة والضحاك‪ ،‬وإبراهيم النخعي(‪ ،)2‬وابن‬
‫عباس ‪ ،‬هو الذي دعا له النب ‪ِ ،‬بن يفقهه للا يف الدين‪ ،‬وأن يعلمه التأويل‪،‬‬
‫وهو الذي بني منهجية أهل السنة يف التعامل مع النصوص اخلفية املعىن‪ ،‬فعن عكرمة‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس ‪ ،‬أنه سئل عن قوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﳧ ﳨ ﳩﳪﱠﭐ‪ ،‬قال‪ :‬إذا خفي عليكم‬

‫(‪ )1‬اإلقناع يف مسائل اإلمجاع ‪.٣٣- ٣2 :1‬‬


‫(‪ )2‬تفسري الطِبي (‪ ،)554/2٣‬وقال اخلطايب‪ :‬فيكون املعىن يكشف عن قدرته الِت تنكشف عن‬
‫الشدة والكرب‪ .‬فتح الباري (‪.)664/8‬‬
‫‪139‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫شيء من القرآن‪ ،‬فابتغوه يف الشعر‪ ،‬فإنه ديوان العرب‪ ..‬قال ابن عباس ‪ :‬هذا يوم‬
‫كرب وشدة‪.)1(‬‬
‫ﱡﭐ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬ ‫َتويل ابن عباس ‪ ،‬لفظ األيد‪ ،‬يف قوله ‪:‬‬ ‫‪.2‬‬
‫ﳃﱠ [الذارايت‪ ،]47:‬قال‪ :‬بقوة‪.)2( ‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬ ‫َتويل ابن عباس ‪ ،‬لقوله ‪:‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ﱪﱠ [السجدة‪ ،]14:‬قال‪ :‬تَ َركنَا ُك ْم‪.)3( ‬‬
‫ﱡﭐ ﳁ ﳂ‬ ‫َتويل ابن عباس ‪ ،‬الكرسي ابلعلم‪ ،‬يف قوله ‪:‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ﳃ ﳄﱠ[البقرة‪ ،]255:‬قال‪ :‬كرسيه‪ :‬علمه‪ .‬واختاره الطِبي يف تفسريه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن‪ ،‬فقول ابن عباس ‪ ..،‬أنه قال‪ُ  :‬ه َو‬
‫التابعي اِلليل‪ ،‬سعيد بن جبري ‪.)5(‬‬ ‫ْمهُ‪ .)4( ‬وكذلك أوله‬ ‫ِّ‬
‫ُّ‬ ‫عل ُ‬
‫َتويل ابن عباس ‪ ‬لفظ اجمليء‪ ،‬يف قوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ‬ ‫‪.5‬‬
‫ضا ُؤهُ‪.)6( ‬‬
‫ﳐﳑﱠ [الفجر‪ ،]22:‬قال‪ :‬أَ ْم ُرهُ َوقَ َ‬
‫ﭐﱡﭐ ﳔ ﳕ ﳖ‬ ‫َتويل ابن عباس ‪ ‬لفظ األعني‪ ،‬يف قوله ‪:‬‬ ‫‪.6‬‬
‫ﳗ ﱠ [هود‪ ،]37:‬قال‪ِّ :‬مبَْرأَى ِّمنَّا‪ .)7(‬واختاره الطِبي يف تفسري قوله ‪ :‬ﭐﱡﭐﳎ‬

‫رواه احلاكم يف املستدرك (‪ )٣845‬وقال‪ :‬صحيح اإلسناد‪ ،‬ووافقه الذهب‪ .‬وحسنه احلافظ ابن‬ ‫(‪)1‬‬
‫حجر‪.‬‬
‫تفسري الطِبي (‪.)27 / 7‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫املصدر السابق (‪.)177 / 2٠‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫املصدر السابق (‪.)4٠1 / 5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫صحيح البخاري (‪.)٣1 / 6‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫تفسري النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) (‪ )641 / ٣‬وقال اإلمام النسفي ‪ :‬هذا متثيل‬ ‫(‪)6‬‬
‫لظهور آايت اقتداره‪ ،‬وتبيني آاثر قهره وسلطانه‪ ،‬فإن واحداً من امللوك‪ ،‬إذا حضر بنفسه‪ ،‬ظهر‬
‫حبضوره من آاثر اْليبة‪ ،‬ما ال يظهر حبضور عساكره‪ ،‬وخواصه‪.‬‬
‫تفسري البغوي (‪.)٣22/ 2‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪140‬‬

‫ﳏ ﳐ ﳑﳒﱠ [الطور‪ :]48 :‬يقول جل ثناؤه‪ :‬فإنك ِّمبرأى منا‪ ،‬نراك ونرى عملك‪،‬‬
‫وحنن حنوطك وحنفظك‪.)1(‬‬
‫قوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﱠ [النور‪:‬‬ ‫َتويل ابن عباس ‪‬‬ ‫‪.7‬‬
‫‪ ،]35‬فقال‪ :‬هللا سبحانه هادي أهل السماوات واألرض‪.)2(‬‬
‫ﱡﭐ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬ ‫َتويل ابن عباس ‪ ‬لفظ الوجه‪ ،‬يف قوله ‪:‬‬ ‫‪.8‬‬
‫ﱯﱠ [الرمحن‪ ،]27 :‬قال‪ :‬الوجه عبارة عنه‪.)3(‬‬
‫ﭐﱡ ﭐ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬ ‫َتويل ابن عباس ‪ ‬لفظ الوجه‪ ،‬يف قوله ‪:‬‬ ‫‪.9‬‬
‫ﲌﱠ [البقرة‪ ،]115 :‬قال‪ :‬قِّبلة َّ‬
‫اّلل‪ ،‬أينما توجهت شرقا أو غراب‪.)4(‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﱠ‬ ‫‪َ .10‬تويل ماهد ‪ ‬لفظ الوجه‪ ،‬يف قوله ‪:‬‬
‫[البقرة‪ ،]115 :‬قال‪ :‬قبلة َِّّ‬
‫اّلل‪ ،‬فأينما كنت يف شرق أو غرب فال توجهن إال‬
‫إليها‪ ،)5(‬وكذلك فسرها التابعي اِلليل قتادة(‪.)6‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ‬ ‫‪َ .11‬تويل ماهد ‪ ‬لفظ اِلنب‪ ،‬يف قوله ‪:‬‬
‫ﳎﳏﳐﳑﳒﳓﱠ [الزمر‪ ،]56 :‬قال‪ :‬يف أمر َّ‬
‫اّلل‪.)7(‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬ ‫لفظ الوجه‪ ،‬يف قوله ‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫َتويل ماهد‬ ‫‪.12‬‬
‫ﲊﱠ[القصص‪ ،]88 :‬قال‪ :‬إال ما أريد به وجهه‪.)8(‬‬

‫تفسري الطِبي (‪.)6٠5/ 21‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫املصدر السابق (‪.)177/ 1٩‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تفسري القرطب (‪.)8٣/ 2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تفسري ابن أيب حامت (‪ )212/ 1‬برقم (‪ )1124‬وتفسري ابن كثري (‪.)٣٩1/1‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫األمساء والصفات للبيهقي (‪.)1٠7/2‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫تفسري الطِبي (‪.)52٩/2( )18٣6‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫املصدر السابق (‪ )2٣4/ 2٠‬قال الطِبي‪ :‬على ما ضي عت همن العم هل همبا أمرهين اَّلل بههه‪ ،‬هيف طاع هة اَّلله‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫تفسري ابن أيب حامت (‪.)17214‬‬ ‫(‪)8‬‬
‫‪141‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫‪َ .13‬تويل قتادة ‪ ‬لفظ اْلرولة‪ ،‬يف قوله ‪ " :‬قال َّ‬
‫اّلل‪ :‬اي ابن آدم‪..،‬‬
‫مين شربا‪ ،‬دنوت منك ذراعا‪ ،‬وإن دنوت ِّ‬
‫مين ذراعا‪ ،‬دنوت منك ابعا‪ ،‬وإن‬ ‫وإن دنوت ِّ‬
‫فاّلل ‪ ‬أسرع ابملغفرة‪.)1(‬‬ ‫ِّ‬
‫أتيتين متشي‪ ،‬أتيتك أهرول"‪ .‬قال قتادة‪َّ :‬‬
‫َتويل احلسن وقتادة رمحهما للا‪ ،‬صعود الكلم الطيب ورفع العمل الصاحل‪،‬‬ ‫‪.14‬‬
‫بقبوله‪ :‬يف قوله ‪ :‬ﭐﱡﭐﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﱠ[فاطر‪ ،]10 :‬قال احلسن‬
‫اّلل قوال إال بعمل‪ ،‬من قال وأحسن العمل‪ ،‬قبل َّ‬
‫اّلل منه‪‬‬ ‫وقتادة رمحهما للا‪ :‬ال يقبل َّ‬
‫(‪ .)2‬قال البيهقي ‪ :‬صعود الكلم الطيب‪ ،‬والصدقة الطيبة إىل السماء‪ ،‬عبارة عن‬
‫وج املالئكة يكون إىل مقامهم يف السماء‪.)3( ‬‬
‫حسن القبول هلما‪ ،‬وعر ِّ‬
‫‪ :‬ﭐ ﭐﱡﭐ ﲆ ﲇ ﲈ‬ ‫َتويل سفيان الثوري ‪ ،‬لفظ الوجه‪ ،‬يف قوله ‪‬‬ ‫‪.15‬‬
‫ﲉ ﲊﱠ[القصص‪ ،]88 :‬قال‪ :‬كل شيء هالك إال ما ابتغي به وجهه من األعمال‬
‫الصاحلة‪.)4(‬‬
‫َتويل سفيان الثوري ‪ ،‬قوله ‪ :‬ﱡﭐ ﱻ ﱼ ﱠ [القمر‪،]14 :‬‬ ‫‪.16‬‬
‫يقول‪ :‬أبمران‪.)5(‬‬
‫‪َ .17‬تويل ابن املبارك ‪ ‬لفظ الكنف‪ ،‬يف حديث‪" :‬يدنو املؤمن من ربه‪،‬‬
‫حىت يضع عليه كنفه"(‪ .)6‬فقال‪ :‬كنفه‪ :‬يع ِّين سرته‪.)7(‬‬

‫أخرجه أمحد يف مسنده (‪ )124٠5‬بسند صحيح‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫تفسري الطِبي (‪ .)٣4٠/1٩‬وقال البغوي ‪ :‬وعن ق تادة‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﱠ‬ ‫(‪)2‬‬
‫الصالِّح هو ْ ِّ‬ ‫أَي‪ :‬ي ْقبل َّ ِّ‬
‫ص‪ ،‬يَ ْع ِّين أ َّ‬
‫َن‬ ‫اخلَال ُ‬ ‫ب‪ .‬وقال سفيان بن عي ي نة ‪ :‬ال َْع َم ُل َّ ُ ُ َ‬ ‫اّللُ الْ َكل َم الطَّيِّ َ‬ ‫ْ َ َُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ريات‪ ،‬م َن ْاألَق َْوال َو ْاألَفْ َعال‪ .‬تفسري البغوي (‪.)415/6‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّْ‬
‫اخلَ ْ َ‬
‫ب قَ بُول ْ‬ ‫ص َسبَ ُ‬‫اإل ْخ َال َ‬
‫األمساء والصفات (‪.)٣٣4/2‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تفسري ابن أيب حامت (‪.)17215‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫تفسري الطِبي (‪.)581/22‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫رواه البخاري (‪.)4685‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫خلق أفعال العباد للبخاري ص (‪.)78‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪142‬‬

‫‪َ .18‬تويل اإلمام مالك بن أنس ‪ ،‬حلديث النزول‪ ،‬فقد سئل اإلمام مالك عن‬
‫نزول الرب ‪ ،‬فقال‪ :‬ينزل أمره تعاىل كل سحر‪ ،‬فأما هو عز وجل فإنه دائم ال يزول‬
‫وال ينتقل‪ ،‬سبحانه ال إله إىل هو‪.)1(‬‬
‫‪َ .19‬تويل اإلمام الشافعي ‪ ،‬لفظ الوجه‪ ،‬فقد حكى املزين عن الشافعي‪ ،‬يف‬
‫قوله ‪ :‬ﭐ ﭐﱡﭐ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﱠ [البقرة‪ ،]115 :‬قال‪ :‬يعين وهللا أعلم فثم الوجه‬
‫الذي وجهكم هللا إليه‪.)2(‬‬
‫‪َ .20‬تويل اإلمام أمحد بن حنبل ‪ ،‬حلديث النزول‪ ،‬قال حنبل بن إسحاق‪:‬‬
‫سألت أاب عبد اَّلل أمحد بن حنبل‪" :‬ينزل َّ‬
‫اّلل إىل مساء الدنيا"‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬نزوله بعلمه‬
‫مباذا؟ فقال يل‪ :‬اسكت عن هذا‪ ،‬مالك وْلذا‪ ،‬أمض احلديث على ما روي‪ ،‬بال كيف وال‬
‫ﭐﱡﭐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱠ‬ ‫حد‪ ،‬إمنا جاءت به األاثر‪ ،‬ومبا جاء به الكتاب‪ ،‬قال اَّلل ‪:‬‬
‫[النحل‪ ،]74 :‬ينزل كيف يشاء بعلمه وقدرته وعظمته‪ ،‬أحاط بكل شيء علما‪ ،‬ال يبلغ‬
‫قدره واصف‪.)3( ‬‬
‫ﱡﭐ ﳌ ﳍ‬ ‫‪َ .21‬تويل اإلمام أمحد بن حنبل ‪ ،‬لفظ اجمليء‪ ،‬يف قوله ‪:‬‬
‫ﳎﳏﳐﱠ[الفجر‪ ،]22 :‬فقال‪ :‬جاء ثوابه‪.)4(‬‬

‫التمهيد‪ ،‬البن عبد الِب‪ )14٣/7( ،‬وسري أعلم النبلء (‪ )1٠5/8‬وشرح النووي على صحيح مسلم‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪ )6 :٣7‬واإلنصاف‪ ،‬البن السيد البطليوسي‪ ،‬ص (‪.)82‬‬
‫األمساء والصفات للبيهقي (‪.)1٠6/2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة واِلماعة لللكائي (‪ .)777‬قال ابن بطال ‪ :‬وقوله‪ :‬ﭐﱡﳓ‬ ‫(‪)3‬‬
‫اع هل له من أيمره بههفعله هه‪ ،‬فهإن‬ ‫ﳔ ﳕ ﳖ ﱠ[القيامة‪ ،]18:‬فه هيه إهضافة ال هفع هل إهىل اَّلله ‪ ،‬والف ه‬
‫ب إِّ َىل‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ه‬ ‫ه هه‬
‫ب ‪ ‬هو ج هِبيل‪ ،‬فَفيه بَيَا ٌن ل ُك ِّل َما أَ ْش َك َل م ْن ُك ِّل ف ْعل يُنْ َ‬
‫س ُ‬ ‫القا هرئ لكلمه ‪ ‬على النه ُّ‬
‫ول َوَْحن ِّو َذلِّ َ‬‫ُّز ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫اّلل ‪ِّ ،‬ممَّا َال يلِّ ُ ِّ ِّ ِّ‬
‫َِّّ‬
‫ك‪ .‬فتح الباري (‪.)1٩٩/1‬‬ ‫يق بِّه ف ْعلُهُ‪ ،‬م َن ال َْمجيء َوالن ُ‬ ‫َ‬
‫رواه احلافظ البيهقي يف كتابه «مناقب االمام أمحد» ‪ -‬وهو كتاب خمطوط‪ ،-‬ومنه نقل ابن كثري يف‬ ‫(‪)4‬‬
‫البداية والنهاية (‪ .)٣27/1٠‬فقال‪ :‬روى البيهقي عن احلاكم‪ ،‬عن أيب عمرو بن السماك‪ ،‬عن‬
‫حنبل‪ ،‬أن أمحد بن حنبل ‪َ ‬تول قول للا تعاىل‪ :‬ﱡﭐ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﱠ[الفجر‪:‬‬
‫اء ثَ َوابُهُ‪ .‬قال البيهقي‪» :‬وهذا إسناد صحيح ال غبار عليه»‪.‬‬ ‫‪ ،]22‬مبعىن‪َ  :‬ج َ‬
‫‪143‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫‪َ .22‬تويل اإلمام سفيان بن عيينة ‪ ،‬حلديث‪ ":‬وإن آخر وطئة و ِّطئها الرمحن‬
‫بوج"‪ .‬قال‪ :‬إمنا هو آخر خيل َّ‬
‫اّلل بوج‪.)1(‬‬
‫‪ :‬ﭐﭐﭐﭐﱡﭐ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬ ‫‪َ .23‬تويل اإلمام البخاري ‪ ‬لفظ الوجه‪ ،‬يف قوله ‪‬‬
‫ﲊﱠ [القصص‪ .]88 :‬فقال‪ :‬إال ملكه‪ ،‬ويقال‪ :‬إال ما أريد به وج ه هللا‪.)2(‬‬
‫‪:‬ﭐ ﭐ ﭐﱡﭐ ﱣ ﱤ‬ ‫َتويل اإلمام البخاري ‪ ‬لفظ األخذ ابلناصية‪ ،‬يف قوله ‪‬‬ ‫‪.24‬‬
‫ﱥﱦﱧﱨﱩﱠ[هود‪ :]56 :‬يف ملكه وسلطانه‪.)3(‬‬
‫لفظ الضحك‪ ،‬فقال‪ :‬معىن الضحك‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫َتويل اإلمام البخاري‬ ‫‪.25‬‬
‫الرمحة‪.)4(‬‬
‫‪َ .26‬تويل اإلمام احلافظ‪ ،‬يزيد بن هارون ‪ ،‬حلديث أهيب رزين ‪ ،‬أنه قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬اي رسول اَّلل‪ ،‬أين كان ربنا قبل أن خيلق خلقه؟ قال‪" :‬كان يف عماء ما حتته هواء وما‬

‫آخر ما أوقع اَّلل‬ ‫صحيح البخاري (‪ .)112/6‬قال اإلمام البيهقي ‪ :‬معناه هعند أه هل النظ هر‪ :‬أن ه‬ ‫(‪)1‬‬
‫ف‪.‬‬ ‫ج واد هابلطائه ه‬ ‫آخر غزاة غزاها رسول اَّلله ‪ ‬قاتل فهيها العدو‪ ،‬وو ٌّ‬ ‫ف‪ ،‬وكان ه‬ ‫‪ ‬هابلمش هركهني هابلطائه ه‬
‫ني َك ِّس ِِّّين‬ ‫ِّ‬
‫اج َعل َْها َعلَْي ِّه ْم سنِّ َ‬
‫ض َر‪ ،‬اللَّ ُه َّم ْ‬ ‫قال‪ :‬وهو همثل ق ولههه ‪" :‬اللَّ ُه َّم ا ْش ُد ْد َوطْأَتَ َ‬
‫ك َعلَى ُم َ‬
‫ف"‪ .‬وإهمنا أراد آاثر قدرتههه‪ .‬األمساء والصفات للبيهقي (‪.)٣8٩/2‬‬ ‫وس َ‬‫يُ ُ‬
‫صحيح البخاري (‪.)112/6‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫صحيح البخاري (‪.)127/4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫يف كتاب األمس اء والصف ات للبيهقي ص‪ ،47٠‬ابب ما جاء يف الضحك‪ :‬عن أيب هريرة أن رسول‬ ‫(‪)4‬‬
‫للا ﷺ قال‪" :‬يضحك هللا إىل رجلني يقتل أحدمها اآلخر كالمها يدخل اجلنة‪ ."..‬مث قال البيهقي‪:‬‬
‫‪‬قال البخاري‪ :‬معىن الضحك الرمحة‪ ،‬قال أبو سليمان ‪-‬اخلطايب‪« :-‬قول أيب عبد للا قريب‪،‬‬
‫وَتويله على معىن الرضى لفعلهما أقرب وأشبه‪ ،‬ومعلوم أن الضحك من ذوي التمييز يدل على‬
‫الرضى والبشر‪ ،‬واالستهلل منهم دليل قبول الوسيلة‪ ،‬ومقدمة إجناح الطلبة‪ ،‬والكرام يوصفون عند‬
‫املسألة ابلبشر وحسن اللقاء‪ ،‬فيكون املعىن يف قوله‪" :‬يضحك هللا إىل رجلني"؛ أي‪ :‬جيزل العطاء‬
‫هلما؛ ألنه موجب الضحك ومقتضاه‪ .‬انتهى‪ .‬وقال احلافظ ابن حجر‪ ،‬مؤكداً مؤيداً لهما ذهب إليه‬
‫أبو سليمان اخلطايب‪ :‬قلت‪ :‬ويدل على أن املراد ابلضحك اإلقبال ابلرضا‪ ،‬تعديته ب (إىل)‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫ضحك فلن إىل فلن‪ ،‬إذا توجه إليه طلق الوجه‪ ،‬مظهراً للرضا به‪ .‬فتح الباري (‪.)486/6‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪144‬‬

‫فوقه هواء‪ ،‬وخلق عرشه على املاء"‪ .‬قال يزيد بن هارون‪ :‬العماء‪ :‬أي ليس معه‬
‫شيء‪.)1(‬‬
‫للحديث الشريف‪ .." :‬وإن اقرتب إيل‬ ‫‪‬‬ ‫َتويل اإلمام الرتمذي‬ ‫‪.27‬‬
‫شربا‪ ،‬اقرتبت منه ذراعا‪ ،‬وإن اقرتب إيل ذراعا اقرتبت إليه ابعا‪ ،‬وإن أاتين ميشي‪ ،‬أتيته‬
‫هرولة"‪ .‬قال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬ويروى عن األعمش يف تفسري هذا‬
‫احلديث‪ :‬من تقرب مين شِباً‪ ،‬تقربت منه ذراعاً‪ ،‬يعين ابملغفرة والرمحة‪ ،‬وهكذا فسر بعض‬
‫أهل العلم هذا احلديث‪ ،‬قالوا‪ :‬إمنا معناه يقول‪ :‬إذا تقرب إيل العبد بطاعِت‪ ،‬ومبا أمرت‪،‬‬
‫تسارع إليه مغفريت ورمحِت‪.)2(‬‬
‫َتويل اإلمام الرتمذي ‪ ‬للحديث الشريف‪" :‬أييت القرآن وأهله ‪."..‬‬ ‫‪.28‬‬
‫قال‪ :‬ومعىن هذا احلديث عند أهل العلم‪ :‬أنه جييء ثواب قراءته‪.)3(‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﲰ‬ ‫َتويل اإلمام ابن جرير الطِبي ‪ ‬لفظ االستواء‪ ،‬يف قوله ‪:‬‬ ‫‪.29‬‬
‫ﲱ ﲲ ﲳ ﱠ[فصلت‪ ،]11 :‬فقال بعد أن ذكر معاين االستواء يف اللغة‪ ،‬ما نصه‪:‬‬
‫‪‬عال عليهن وارتفع‪ ،‬فدبرهن بقدرته ‪ ..‬عال عليها علو ملك وسلطان‪ ،‬ال علو انتقال‬
‫وزوال‪.)4(‬‬
‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬ ‫‪َ .30‬تويل اإلمام الطِبي ‪ ،‬قوله ‪:‬‬
‫ﱉﱠ [يس‪ .]71:‬قال‪ :‬مما خلقنا من اخللق‪.)5( ‬‬

‫سنن الرتمذي (‪.)٣1٠٩‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫يل َوتَ ْشبِّيهٌ‪َ ،‬وإِّ َّمنَا أ ََر َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اد‪:‬‬ ‫سنن الرتمذي (‪ .)٣6٠٣‬وقال اإلمام ابن قتيبة الدينوري ‪ :‬إ َّن َه َذا متَْث ٌ‬ ‫(‪)2‬‬
‫ع ِّم ْن إِّتْ يَانِّ ِّه‪ ،‬فَ َك َّىن َع ْن َذلِّ َ‬
‫ك ِّابل َْم ْش ِّي َوِّاب ْهلَْرَول َِّة‪.‬‬ ‫َس َر َ‬ ‫اع ِّة‪ ،‬أَتَ ْي تُهُ ِّابلث ََّو ِّ‬
‫اب أ ْ‬ ‫َم ْن أ ََاتِّين ُم ْس ِّر ًعا ِّابلطَّ َ‬
‫َتويل خمتلف احلديث‪ .‬ص (‪.)٣27‬‬
‫سنن الرتمذي (‪ )288٣‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تفسري الطِبي (‪.)4٣٠/1‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫املصدر السابق (‪.)55٠/2٠‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪145‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫ﳔ ﱠ ﭐ[األنعام‪:‬‬
‫ﳕ‬ ‫‪َ .31‬تويل اإلمام الطِبي ‪ ،‬قوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﳑ ﳒ ﳓ‬
‫‪ .]18‬قال‪ :‬فمعىن الكلم إذن‪َّ :‬‬
‫واّلل الغالب عباده‪ ،‬املذل هلم‪ ،‬العايل عليهم بتذليله هلم‬
‫وخلقه إايهم‪ ،‬فهو فوقهم بقهره إايهم‪ ،‬وهم دونه‪.)1(‬‬
‫‪َ .32‬تويل اإلمام احلافظ ابن حبان ‪ ‬حديث‪ ":‬ال تزال جهنم تقول‪ :‬هل من‬
‫ط قَ ْ ِّ‬
‫ط َو ِّع َّزت َ‬
‫ك"(‪ ،)2‬قال اإلمام ابن حبان‬ ‫مزيد‪ ،‬حىت يضع رب العزة فيها قدمه‪ ،‬فتقول‪ :‬قَ ْ‬
‫‪ :‬هذا اخلِب من األخبار الِت أطلقت بتمثيل اجملاورة‪ ،‬وذلك أن يوم القيامة‪ ،‬يلقى يف‬
‫النار من األمم واألمكنة الِت عصي للا عليها‪ ،‬فل تزال تستزيد‪ ،‬حَّت يضع الرب جل وعل‬
‫موضعاً من الكفار واألمكنة يف النار‪ ،‬فتمتليء‪ ،‬فتقول‪ :‬قط قط‪ ،‬تريد حسب حسب؛ ألن‬
‫العرب تطلق يف لغتها اسم القدم على املوضع‪ ،‬قال للا ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱠ‬

‫[يونس‪ ،]2 :‬يريد‪ :‬موضع صدق‪ ،‬ال أن هللا جل وعال يضع قدمه يف النار! َجل ربنا‬
‫وتعاىل عن مثل هذا وأشباهه‪.)3(‬‬
‫‪َ .33‬تويل اإلمام اخلطايب ‪ ‬حلديث الصورة‪ ،‬فقال ‪ :‬فإن الذي جيب‬
‫علينا وعلى كل مسلم‪ ،‬أن نعلم أن ربنا ‪ ‬ليس بذي صورة وال هيئة‪َّ ،‬‬
‫فإن الصورة‬
‫تقتضي الكيفية‪ ،‬وهي عن هللا وعن صفاته َم ِّنفيَّةٌ‪.)4(‬‬
‫‪َ .34‬تويل اإلمام اخلطايب ‪ ‬حلديث‪ " :‬فأما النار‪ :‬فال متتلئ حىت يضع رجله؛‬
‫فتقول‪ :‬قط قط‪ ،‬فهنالك متتلئ‪ ،‬ويزوى بعضها إىل بعض وال يظلم هللا من خلقه أحدا‪.‬‬
‫وأما اجلنة‪ :‬فإن هللا ينشئ هلا خلقا"‪ .‬قال‪ :‬ذكر القدم هاهنا ُيتمل أن يكون املراد به من‬
‫قدمهم للا تعاىل للنار من أهلها‪ ،‬فيقع هبم استيفاء عدد أهل النار وكل شيء قدمته فهو‬
‫قدم‪ ..،‬ومن هذا قوله‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱠ[يونس‪ ،]2:‬أي‪ :‬ما قدموه من‬

‫تفسري الطِبي (‪.)18٠/٩‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫رواه البخاري (‪ )6661‬ومسلم (‪ )2848‬عن أنس بن مالك ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫صحيح ابن حبان (‪ )268‬ابب‪ :‬ذكر خِب شنع به أهل البدع على أئمتنا‪ ،‬حيث ح هرموا التوفيق‬ ‫(‪)3‬‬
‫إلدراك معناه‪.‬‬
‫أعلم احلديث (شرح صحيح البخاري) (‪.)52٩ /1‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪146‬‬

‫األعمال الصاحلة‪ ،‬وقد روى معىن هذا عن احلسن‪ ..‬وما أكثر ما تضرب العرب األمثال يف‬
‫كلمها ِبمساء األعضاء‪ ،‬وهي ال تريد أعياُنا‪ ،‬كقوْلم يف الرجل يسبق منه القول أو الفعل مث‬
‫يندم عليه‪ :‬قد سقط يف يده‪ ،‬أي‪ :‬ندم‪ ،‬وكقوْلم‪ :‬رغم أنف فلن‪ ،‬إذا ذل‪ .‬وعل كعبه‪ :‬إذا‬
‫جل‪ ،‬وحنوها من ألفاظهم الدائرة يف كلمهم‪.)1( ‬‬
‫‪َ .35‬تويل احلفاظ‪ ،‬اخلطايب‪ ،‬وابن عبد الِب‪ ،‬وابن حجر رمحهم للا‪ ،‬حلديث‪" :‬إن‬
‫أحدكم إذا قام يف صالته فإنه يناجي ربه‪ ،‬أو إن ربه بينه وبني القبلة‪ ،‬فال يبزقن أحدكم‬
‫قبل قبلته"(‪.)2‬‬

‫قال اخلطاهيب ‪ :‬معناه أن توجهه إىل القبلة مفض ابلقصد منه إىل ربه؛ فصار‬
‫يف التقدير‪ :‬فإن مقصوده بينه وبني قبلته‪ .‬وقيل‪ :‬هو على حذف مضاف‪ ،‬أي عظمة للا‪ ،‬أو‬
‫ثواب للا‪ .‬وقال ابن عبد الِب‪ :‬هو كالم خرج على التعظيم لشأن القبلة‪ .. ،‬مث قال احلافظ‬
‫ابن حجر‪ :‬وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته‪ ،‬ومهما تؤول به هذا‪ ،‬جاز أن‬
‫يتأول به ذاك‪ ،‬واَّلل أعلم‪.)3( ‬‬

‫ب وض هحكه‪.‬‬
‫‪َ .36‬تويل اإلمام ابن قتيبة الدينوري ‪( ‬ت‪276‬ه) عجب الر ه‬

‫قال ابن قتيبة ‪ :‬وحنن نقول‪ :‬إن العجب والضحك‪ ،‬ليس على ما ظنوا‪ ،‬وإمنا‬
‫هو على‪( :‬حل عنده كذا‪ ،‬مبحل ما يعجب منه‪ ،‬ومبحل ما يضحك منه)؛ هألن الضاحك‬
‫لَلنصاري‪ ،‬الذي ضافه ضيف‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫إمنا يضحك ألمر معجب له‪ ،‬ولذلك قال رسول اَّلل‬
‫وليس يف طعامه فضل عن كفايته‪ ،‬فأمر امرأته إبطفاء السر هاج ليأكل الضيف‪" :‬لقد عجب‬
‫َّ‬
‫اّلل تعاىل من صنيعكما البارحة"‪ .‬أي حل عنده حمل ما يعجب الناس منه‪.)4( ‬‬

‫أعلم احلديث (شرح صحيح البخاري) (‪.)1٩1٠-1٩٠7 /٣‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫رواه البخاري (‪.)4٠5‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫فتح الباري (‪.)5٠8/1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫َتويل خمتلف احلديث البن قتيبة ص (‪.)٣٠6‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪147‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫حلديث‪ " :‬ال تسبوا الريح؛ فإهنا من‬ ‫‪َ .37‬تويل اإلمام ابن قتيبة الدينوري ‪‬‬
‫نفس الرمحن"(‪.)1‬‬

‫قال‪ :‬وإمنا أراد أن الريح من فر ِّج الرمحن ‪ ‬وروحه‪ .‬كذلك قوله‪" :‬إين ألجد‬
‫نفس ربكم من قبل اليمن"(‪ .)2‬قال‪ :‬وهذا من الكناية‪ِّ ،‬ألن معىن هذا‪ ،‬أنه قال‪ :‬كنت يف‬
‫عين ابألنصار‪ِّ .‬‬
‫يعين‪ :‬أنه جيد الفرج من قبل‬ ‫اّلل ِّ‬
‫شدة وكرب وغم من أهل مكة‪ ،‬ففرج َّ‬
‫األنصار‪ ،‬وهم من اليمن‪.)3( ‬‬

‫‪َ .38‬تويلت احلافظ ابن عبد الِب ‪ ‬آلايت‪ ،‬ظاهرها نسبة قيام احلوادث بذات‬
‫اّلل ال ميل حىت متلوا"‪ .‬قال ‪ :‬فلفظ‬ ‫الر ه‬
‫ب‪ ،‬تعاىل عن ذلك علواًكبرياً‪ ،‬كقوله ‪" :‬إن َّ‬
‫خمرج على مثال لفظ‪ ،‬ومعلوم أن اَّلل ‪ ‬ال ميل‪ ،‬سواء مل الناس‪ ،‬أو مل ميلوا‪ ،‬وال يدخله‬
‫ملل يف شيء من األشياء‪ ،‬جل وتعاىل علوا كب ًريا‪ ،‬وإمنا جاء لفظ هذا احلديث‪ ،‬على‬
‫املعروف من لغة العرب‪ِ ،‬بُنم كانوا إذا وضعوا لفظا إبزاء لفظ‪ ،‬وقبالته جوااب له‪ ،‬وجزاء‪،‬‬
‫ﭐﱡ ﭐ ﲜ ﲝ ﲞ‬ ‫ذكروه مبثل لفظه‪ ،‬وإن كان خمالفا له يف معناه‪ ،‬أال ترى إىل قوله ‪:‬‬
‫ﱡﭐ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬ ‫ﲟﱠ[الشورى‪ .]40:‬وقوله ‪:‬‬
‫ﲆﱠ[البقرة‪ .]194:‬واجلزاء ال يكون سيئة‪ ،‬والقصاص ال يكون اعتداء؛ ألنه حق‬
‫وجب‪ ،‬ومثل ذلك قول اَّلل ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱠ [آل‬
‫عمران‪ .]54:‬وقوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲷﲸﲹ ﲺ ﲻﲼﲽﱠ [البقرة‪ ،]15-14:‬وقوله‬
‫‪ :‬ﭐﱡﲃﲄﲅﲆﲇﲈﱠ[الطارق‪ ،]16-15:‬وليس من اَّلله ‪ ‬هزؤ‪ ،‬وال‬
‫مكر‪ ،‬وال كيد‪ ،‬إمنا هو جزاء ملكرهم‪ ،‬واستهزائهم‪ ،‬وجزاء كيدهم‪ ،‬فذكر اِلزاء مبثل لفظ‬
‫االبتداء‪ ،‬ملا وضع حبذائه‪ ،‬وكذلك قوله ‪" :‬إن َّ‬
‫اّلل ال ميل حىت متلوا"‪ .‬أي‪ :‬إن من مل من‬

‫(‪ )1‬رواه احلاكم يف املستدرك (‪ )٣٠75‬والنسائي يف الكِبى (‪.)1٠7٠6‬‬


‫(‪ )2‬رواه أمحد يف مسنده (‪.)1٠٩78‬‬
‫(‪َ )3‬تويل خمتلف احلديث البن قتيبة ص (‪.)٣٠7‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪148‬‬

‫عمل يعمله‪ ،‬قطع عنه جزاؤه‪ .‬فأخرج لفظ قط هع اِلزاء‪ ،‬بلفظ امللل؛ إذ كان حبذائه وجوااب‬
‫له‪.)1(‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬التمهيد (‪.)1٩6-1٩5/1‬‬


‫‪149‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫املبحث احلادي عشر‪ :‬مناذج من أتويالت اإلمام احملدث‬


‫املفسر‪ ،‬حميي السنة‪ ،‬البغوي ‪ ،‬للنصوص املتشاهبة‪ ،‬من‬
‫خالل كتابيه (معامل التنزيل يف تفسري القرآن) و(شرح السنة)‪.‬‬

‫إن اإلمام حميي السنة‪ ،‬البغوي‪ ،‬من أكابر علماء األمة احملققني‪ ،‬وهو سين أشعري‬
‫معروف مذهبه‪ ،‬وهو يقول بقويل أهل السنة‪ ،‬يف التعامل مع النصوص املتشاهبة‪ ،‬التفويض‬
‫ٌ‬
‫والتأويل‪ ،‬فأحياانً يرجح تفويض العلم ابلنصوص إىل للا ‪ ،‬وأحياانً‪ ،‬يذهب إىل َتويلها‪،‬‬
‫عملً بكل القولني‪ ،‬حبسب ما يرتجح لديه األمر يف ه‬
‫كل نص‪ ،‬وقد بىن هذا املذهب على‬
‫أصول أهل السنة واِلماعة‪ ،‬وخلصتها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬استحالة املشاهبة بني اخلالق واملخلوق يف املعىن واحلقيقة‪ ،‬وامتناع ثبوت ه‬
‫أي قدر‬
‫مشرتك يف املعىن‪ ،‬بني اخلالق واملخلوق‪.‬‬

‫اثنياً‪ :‬وجوب كون مجيع صفات للا ‪ ‬قدمية‪ ،‬واستحالة اتصاف الرب ‪ ‬ابلصفات‬
‫احلادثة‪ ،‬فيستحيل قيام احلوادث ابلذات العلهي هة‪ ،‬وابلتايل ُّ‬
‫فكل ما يضاف إىل للا ‪ ‬من‬
‫كل‬
‫األفعال‪ ،‬فإُنا ال تقوم بذاته العلية‪ ،‬كأفعال املخلوقني‪ ،‬كاالستواء والنزول واجمليء‪ ،‬وكذلك ُّ‬
‫صفة مبدؤها يف املخلوق يكون انفعاالً‪ ،‬فإن للا ‪ ‬يستحيل أن يوصف مببدإها‪ ،‬وإمنا‬
‫يوصف بلزمها‪ ،‬كالرمحة‪ ،‬والغضب‪ ،‬والغرية‪ ،‬والرضا‪ ،‬وحنوها؛ فيستحيل أن يوصف الرب‬
‫‪ِ ‬بي صفة‪ ،‬توجب حدوث ت غ ُّري يف ذات للا ‪ ،‬فقال حميي السنة البغوي ‪:‬‬
‫‪‬نفى هللا تعاىل عن نفسه النوم؛ ألنه آفة‪ ،‬وهو منزه عن اآلفات؛ وألنه تَغَ ُّريٌ‪ ،‬وال جيوز‬
‫عليه التَّ غَ ُّريُ‪.)1(‬‬

‫(‪ )1‬تفسري البغوي (‪.)٣12 /1‬‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪150‬‬

‫وقال ‪ ‬أيضاً‪  :‬وجيب أن يعتقد أن هللا عز امسه قدمي جبميع أمسائه وصفاته‪ ،‬ال‬
‫جيوز له اسم حادث‪ ،‬وال صفة حادثة‪ ،‬كان للا خالقاً وال خملوق‪ ،‬ورابً وال مربوب‪ ،‬ومالكاً‬
‫وال ملوك‪ ،‬كما هو اآلخر‪ ،‬قبل فناء العامل‪ ،‬والوارث قبل فناء اخللق‪ ،‬والباعث‪ ،‬قبل ميء‬
‫البعث‪ ،‬ومالك يوم الدين‪ ،‬قبل ميء يوم القيامة‪ ..‬فال جيوز أن ُيدث له اسم حبدوث‬
‫فعله‪ ،‬وال يعتقد يف صفات هللا تعاىل أهنا هو وال غريه‪ ،‬بل هي صفات له أزلية‪ ،‬مل يزل‬
‫جل ذكره‪ ،‬وال يزال موصوفا مبا وصف به نفسه‪ ،‬وال يبلغ الواصفون كنه عظمته‪ ،‬هو األول‬
‫واآلخر‪ ،‬والظاهر والباطن‪ ،‬وهو بكل شيء عليم‪.)1(‬‬

‫ولنذكر القولني هنا‪ ،‬ولنستعرض بعض الصفات الِت أوْلا ‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬القول ابلتفويض‪:‬‬

‫إبثبات بعض األلفاظ املتشاهبات‪ ،‬كصفات معان‪ ،‬ال صفات‬ ‫‪‬‬ ‫فقد قال‬
‫أعيان‪ ،‬بدليل تفويضه العلم حبقيقتها إىل للا ‪ ،‬مع التصريح بنفي الكيفية‪ ،‬خلفاً‬
‫للمشبهة‪ ،‬الذين يثبتون الكيفية‪ ،‬ولكنهم ي ه‬
‫فوضون العلم هبا إىل للا‪ ،‬تعاىل عن قوْلم علواً‬
‫كبرياً‪.‬‬

‫ب‬‫قال اإلمام البغوي ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﱠ [األعراف‪ :]54:‬قال الكله ُّ‬


‫ص َع َد‪ .‬وأولت املعتزلة االستواء ابالستيلء‪ .‬فأما أهل‬ ‫ه‬
‫استَ َق َّر‪ .‬وقال أبو عب يدة‪َ :‬‬ ‫ومقات ٌل‪ْ :‬‬
‫الر ُج ِّل ِّْ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫السنة يقولون‪ِّ :‬االستِّواء َعلَى الْعر ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫اإلميَا ُن‬ ‫ب َعلَى َّ‬ ‫ش ص َفةٌ َّّلل تَ َع َاىل‪ ،‬ب َال َك ْيف‪َ ،‬جي ُ‬ ‫َْ‬ ‫َُْ‬
‫اّلل ‪ .‬وسأل رجل مالهك بن أنس‪ ،‬عن ق ولههه‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱿ ﲀ ﲁ‬ ‫بِّ ِّه‪ ،‬ويكِّل الْعِّلْم فِّ ِّيه إِّ َىل َِّّ‬
‫ٌ‬ ‫ََ ُ َ‬
‫الرحضاء‪ ،‬مث قال‪ِّ :‬اال ْستِّ َواءُ غَ ْريُ َْجم ُهول‪،‬‬ ‫ﲂﱠ‪ ،‬كيف است وى؟ فأطرق رأسه ملهيًّا وعله ُّ‬
‫ال َعْنهُ بِّ ْد َعةٌ‪َ ،‬وَما أَظُن َ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ض ااال‪ .‬مث‬ ‫ُّك إَِّّال َ‬ ‫الس َؤ ُ‬
‫ب‪َ ،‬و ُّ‬ ‫اإلميَا ُن بِّه َواج ٌ‬
‫ف غَ ْريُ َم ْع ُقول‪َ ،‬و ِّْ‬ ‫َوالْ َك ْي ُ‬

‫(‪ )1‬شرح السنة (‪.)18٠-17٩/1‬‬


‫‪151‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫أمر بههه فأخرهج‪ .‬ورهوي عن سفيان الث وهر هي‪ ،‬واألوزاعه هي‪ ،‬واللي ه‬
‫ث ب هن سعد‪ ،‬وسفيان ب هن عي ي نة‪،‬‬
‫الص َف ِّ‬
‫ات‬ ‫ت ال هِت جاءت هيف ِّ‬ ‫وعب هد اَّلله ب هن المبار هك‪ ،‬وغ هريههم همن علم هاء ُّ‬
‫السن هة‪ ،‬هيف ه هذهه اآلاي ه‬
‫ت بِّ َال َك ْيف‪.)1( ‬‬
‫وها َك َما َجاءَ ْ‬ ‫ِّ‬
‫املتشاهبات‪ :‬أَم ُّر َ‬

‫اضح من كلم اإلمام البغوي‪ ،‬أنه يقول بتفويض العلم‬ ‫(‪ )1‬تفسري البغوي (‪ .)2٣6-2٣5/٣‬قلت‪ :‬و ٌ‬
‫حبقيقة معىن االستواء إىل للا ‪ ،‬بعد اإلميان ِبن للا ‪ ‬موصوف به‪ ،‬وذلك من خلل اعتقاده‬
‫أنه من الصفات املتشاهبة‪ ،‬ال من احملكمة‪ ،‬واملتشاهبات‪ :‬إما أن ت رد إىل احملكمات‪ ،‬فتفهم على‬
‫وفقها‪ ،‬أو ي رد العلم حبقيقتها إىل للا ‪ ،‬فإنه صرح بههقدهم مجيع صفاته تعاىل‪ ،‬واستحالة اتصافه ِبي‬
‫َمسَائِّ ِّه‪،‬‬ ‫ث‪ ،‬فَ ُه َو قَ ِّدميٌ ِّجبَ ِّم ِّ‬
‫يع أ ْ‬ ‫ادثَةٌ‪ ،‬وال اسم ح ِّ‬
‫اد ٌ‬ ‫ص َفةٌ ح ِّ‬
‫ّلل ‪ِّ ‬‬ ‫صفة حادث‪ ،‬فقال‪ :‬لَيس َِِّّّ‬
‫َ ٌْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ِّ‬
‫َمسَا ُؤهُ‪ ،‬كما قال يف موضع آخر‪ :‬فالغضب والرضى من ص َفات‬ ‫ت أْ‬ ‫َّس ْ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫َوص َفاته َج َّل َجاللُهُ‪َ ،‬وتَ َقد َ‬
‫اّلل تَ َع َاىل‪ ‬كما صرح‬ ‫ص َفات َّ‬ ‫ُجيع ِّ‬ ‫اخللق‪َ ،‬وَك َذلِّ َ‬
‫ك َِّ‬ ‫صوفا هبما قبل أَن خلق ْ‬ ‫اّلل ‪َ ،‬ملْ يزل َم ْو ُ‬ ‫َّ‬
‫ابستحالة كون استواء للا ‪ ‬له كيفية‪ ،‬حيث نقل كلم أئمة السلف الصاحل‪ ،‬يف نفيهم مطلق‬
‫ت بِّ َال َك ْيف‪ .‬ورفض تفسريه ابالستقرار‪ ،‬حينما‬ ‫ِّ‬ ‫الكيف عن ه‬
‫اء ْ‬ ‫الرب ‪ ،‬بقوْلم‪ :‬أَم ُّر َ‬
‫وها َك َما َج َ‬
‫نقله عن مقاتل والكلب‪ ،‬فإن مقاتل بن سليمان هذا معروف ابلتجسيم‪ ،‬وتفسري االستواء ابالستقرار‬
‫هو قول اجملسمة‪ ،‬ألن االستقرار من صفات األجسام‪ ،‬تعاىل للا عن ذلك علواً كبرياً‪ ،‬وأما ما روي‬
‫عن ابن عباس يف ذلك‪ ،‬فهو مكذوب عليه‪ ،‬كما حققه اإلمام البيهقي يف األمساء والصفات‪ ،‬فقال‬
‫وك هعند أه هل العهل هم‬ ‫ب وحممد بن مروان كلُّهم مرت ٌ‬ ‫ه‬
‫بعد ذكر الرواية إبسنادها‪ :‬وأبو صالح هذا والكله ُّ‬
‫ب همن هم هيف هرواايهتههم‪.‬‬ ‫يث‪ ،‬ال ُيت ُّجون بهشيء همن هرواايهتههم؛ لهكث رةه المناكه هري فهيها‪ ،‬وظهوهر الك هذ ه‬ ‫هابحل هد ه‬
‫األمساء والصفات (‪ .)٣11/2‬وقال عنه احلافظ ابن حبان‪ :‬كان أيخذ من اليهود والنصارى من علم‬
‫الرب ابملخلوقات‪ ،‬وكان يكذب يف احلديث‪ .‬ميزان االعتدال‬ ‫شبِّهُ َّ‬ ‫القرآن الذي وافق كتبهم‪ ،‬وكان يُ َ‬
‫للذهب (‪ .)175/4‬مث قال البغوي‪ :‬فأما أهل السنة يقولون‪ ..:‬فجعل قول أهل السنة مبايناً‬
‫ومغايراً لقوْلما‪ ،‬لكونه يستلزم التكييف‪ ،‬مع كونه غري اثبت عن أحد معتِب من أهل السنة‪ ،‬وحاصل‬
‫قوله‪ :‬أن االستواء اثبت لل ‪ ،‬وليس معناه قيام وصف حادث بذات الرب‪ ،‬تعاىل عن ذلك علواً‬
‫كبرياً‪ ،‬إال أنه مل ُيدد معىن االستواء‪ ،‬واختار تفويض العلم حبقيقته ومعناه إىل للا ‪ .‬وهذا القول‪،‬‬
‫هو القول املقدم عند عامة أهل السنة واِلماعة‪ ،‬األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬وفضلء احلنابلة وأهل‬
‫احلديث‪ ،‬خلفاً للمشبهة‪ ،‬الذين فسروا االستواء ابالستقرار‪ ،‬أو اِللوس‪ ،‬تعاىل للا عن ذلك علواً‬
‫كبرياً‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪152‬‬

‫اثنياً‪ :‬القول ابلتأويل‪:‬‬

‫(‪ )1‬أتويل الرمحة‪:‬‬

‫قال ‪ :‬والرمحة‪ :‬إرادة هللا تعاىل اخلري ألهله‪ .‬وقيل‪ :‬هي ترك عقوبة من‬
‫يستحقها‪ ،‬وإسداء اخلري إىل من ال يستحق‪ ،‬فهي على األول‪ ،‬صفة ذات‪ ،‬وعلى الثاين‪،‬‬
‫صفة فعل‪.)1( ‬‬

‫ك َم ْن أَ َشاءُ ِّم ْن‬ ‫ت ر ْمحَِِّت‪ ،‬أَرحم بِّ ِّ‬


‫َُْ‬
‫ِّ‬ ‫وقال ‪ ‬يف قول ‪ َّ ‬ه ه‬
‫اّللُ للجنة‪ :‬إِّ َّمنَا أَنْ َ‬
‫ك َم ْن‬ ‫ادي‪ .‬مسى اِلنة رمحةً‪ ،‬ألن ههبا تظهر رمحة اَّلله ‪ ‬على خل هق هه‪ ،‬كما قال‪« :‬أَرحم بِّ ِّ‬ ‫ِّعب ِّ‬
‫َُْ‬ ‫َ‬
‫ص َفةٌ‬ ‫ّلل ‪ِّ ‬‬ ‫ص َفاتِِّّه الَِِّّت َمل ي ز ْل ِّهبا موصوفًا‪ ،‬لَيس َِِّّّ‬ ‫اّلل ‪ِّ ‬من ِّ‬ ‫أَ َشاء»‪ ،‬وإهال فَ ر ْمحَةُ َِّّ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ََ َ َ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬‫َّس ْ‬ ‫يع أ ْ ِِّّ ِّ ِِّّ‬ ‫ث‪ ،‬فَ ُه َو قَ ِّدميٌ ِّجبَ ِّم ِّ‬ ‫ادثَةٌ‪ ،‬وال اسم ح ِّ‬ ‫ح ِّ‬
‫َمسَائه‪َ ،‬وص َفاته َج َّل َجاللُهُ‪َ ،‬وتَ َقد َ‬ ‫اد ٌ‬ ‫َ ٌْ َ‬ ‫َ‬
‫َمسَا ُؤهُ‪.)2(‬‬
‫أْ‬

‫(‪ )2‬أتويل الغضب‪:‬‬

‫قال ‪ :‬قوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱟ ﱠ ﱡ ﱠ [الفاحتة‪ ،]7:‬والغضب‪ :‬هو إرادة‬


‫االنتقام من العصاة‪ ،‬وغضب للا تعاىل ال يلحق عصاة املؤمنني‪ ،‬إمنا يلحق الكافرين‪.)3(‬‬

‫(‪ )1‬تفسري البغوي (‪.)51 /1‬‬


‫(‪ )2‬شرح السنة (‪.)257 /15‬‬
‫(‪ )3‬تفسري البغوي (‪.)55 /1‬‬
‫‪153‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫ب الْيَ ْوم غَضبا‪َ ،‬ملْ يغْضب قَبلَهُ ِّمثلَهُ"‪ ،‬أ ََر َ‬


‫اد بِّ ِّه‬ ‫ِّ‬
‫وقال ‪ ‬أيضاً‪ :‬ق وله ‪" :‬غَض َ‬
‫ك الْوقْت‪ ،‬وإَِّّال فالغضب والرضى من ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫إِّظ َْهار الْغَ َ‬
‫اّلل ‪َ ،‬ملْ يزل‬ ‫ص َفات َّ‬ ‫َ‬ ‫ضب ِّيف ذَل َ َ‬
‫ُجيع ِّ‬
‫ص َفات َّ‬
‫اّلل تَ َع َاىل‪.)1(‬‬ ‫اخللق‪َ ،‬وَك َذلِّ َ‬
‫ك َِّ‬ ‫صوفا هبما قبل أَن خلق ْ‬
‫َم ْو ُ‬
‫(‪ )3‬أتويل اجمليء‪:‬‬

‫ضا ُؤهُ‪.)2(‬‬ ‫قال ‪:‬ﱡﭐﳌﳍﱠ[الفجر‪،]22:‬قال احلسن‪َ :‬جاءَ أَ ُ‬


‫مرهُ َوقَ َ‬

‫(‪ )4‬أتويل العلو‪:‬‬

‫يع فَ ْو َق َخل ِّْق ِّه‪َ ،‬وال ُْمتَ َع ِّايل َع ِّن ْاألَ ْشيَ ِّاء‬‫قال ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﳊ ﳋ ﱠ [البقرة‪ِّ َّ :]255:‬‬
‫الرف ُ‬
‫الس ْلطَنَ ِّة‪.)3(‬‬ ‫و ْاألَنْ َد ِّاد‪ ،‬وقِّيل‪ :‬الْعلِّ ُّي ِّابلْمل ِّ‬
‫ْك َو َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫درتِِّّه‪.)4(‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وقال ‪:‬ﱡﭐﱿﱠ[الرعد‪:]9:‬الْ ُمستَ ْعلي َعلَى ُك ِّل َشيء ب ُق َ‬
‫(‪ )5‬أتويل النظر‪:‬‬

‫قال ‪ ‬يف قوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﳋﳌ ﳍ ﳎﳏﳐ ﳑ ﳒ ﱠ [آل عمران‪]77:‬‬


‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫َي‪َ :‬ال يَ ْر َمحُ ُه ْم‪َ ،‬وَال ُُْيس ُن إل َْي ِّه ْم َوَال يُنيلُ ُه ْم َخ ْ ً‬
‫ريا‪.)5(‬‬ ‫أْ‬

‫شرح السنة (‪.)157 /15‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫املصدر السابق (‪.)422 /8‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تفسري البغوي (‪.)٣4٩ /1‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫املصدر السابق (‪.)8 /٣‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫املصدر السابق (‪.)461 /1‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪154‬‬

‫(‪ )6‬أتويل حديث الصورة‪:‬‬

‫طايب هيف ق وله ‪" :‬خلق َّ‬


‫اّلل آدم َعلَى صورته"‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬قال أبو سليمان اخل ه‬
‫اْلاء مرجعها إهىل آدم ‪ ،‬فالمعىن‪ :‬أن ذ هرية آدم خلقوا أطواراً‪ ،‬كانوا هيف مبدإ اخللق نطفة‪،‬‬
‫مث علقة‪ ،‬مث مضغة‪ ،‬مث صاروا صوراً أجنةً‪ ،‬إهىل أن تتم مدة احلمل‪ ،‬فيولدون أطفاالً‪ ،‬وينشئون‬
‫صغ ًارا إهىل أن يكِبوا‪ ،‬فيتم طول أجسادهم‪ ،‬ي قول‪ :‬إِّن آدم مل يكن خلقه َعلَى َه ِّذه الصفة‪،‬‬
‫اخلل َقة‪ ،‬وجد خلقا َاتما طوله ِّستُّو َن ِّذ َراعاً‪.)1(‬‬
‫َولكنه أول َما تناولته ْ‬

‫(‪ )7‬أتويل القرب والدنو واإلتيان واهلرولة‪:‬‬

‫اعا‪َ ،‬وإِّ ْن‬ ‫ت ِّم ْن َ‬


‫ك ِّذ َر ً‬ ‫ربا‪َ ،‬دنَ ْو ُ‬ ‫قال ‪ ‬يف احلديث القدسي‪" :‬فَِّإ ْن َدنَو َ ِّ ِّ‬
‫ت م ِّين ش ْ ً‬ ‫ْ‬
‫ك أ َُه ْر ِّو ُل"‪ .‬قال‪ :‬قَ َ‬
‫ال‬ ‫ك َاب ًعا‪َ ،‬وإِّ ْن أَتَ ْي تَ ِّين متَْ ِّشي‪ ،‬أَتَ ْي تُ َ‬ ‫ت ِّم ْن َ‬ ‫اعا‪َ ،‬دنَ ْو ُ‬ ‫َدنَو َ ِّ‬
‫ت م ِّين ِّذ َر ً‬ ‫ْ‬
‫ش هيف ت ف هس هريهه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫َس َرعُ ِّابل َْمغْ ِّف َرةِّ‪ .)2(‬وقال ‪ ‬أيضاً‪ :‬رهوي ع هن األعم ه‬ ‫ادةُ‪َ :‬و َّ‬
‫اّللُ أ ْ‬ ‫قَتَ َ‬
‫الر ْمحَ ِّة‪ ،‬وكذلهك قال ب عض أه هل العهل هم‪ :‬إهن معناه‪ :‬إهذا‬ ‫اعا"‪ ،‬ي ع هين‪ِّ :‬ابل َْمغْ ِّف َرةِّ َو َّ‬ ‫"تَ َق َّرب ُ ِّ‬
‫ت م ْنهُ ِّذ َر ً‬ ‫ْ‬
‫ت قرب إهيل العبد بهطاع هِت‪ ،‬واتهب هاع أم هري‪ ،‬ت تسارع إهلي هه مغ هفرهيت ورمح هِت‪.)3(‬‬

‫(‪ )8‬تنزيه هللا عن احلركة واالنتقال‪ ،‬والتغري والصورة احلسية‪ ،‬وغريها من مسات‬
‫احملداثت عند الرؤية‪:‬‬

‫ورة الَِِّّت ْيعرفُو َن"‪ .‬قال أبو سليمان‬ ‫اّلل ِّيف غَ ِّْري ُّ‬
‫الص َ‬ ‫قال ‪ :‬قوله‪" :‬فيأتيهم َّ‬
‫اخلط هايب ‪ :‬هذا ُيتاج إهىل َت هويل‪ ،‬وليس ذلهك من أجل أان ننكر رؤية اَّلل ت عاىل‪ ،‬بل‬
‫ول ‪ ‬من ذكر الم هجيء‬ ‫نثبتها‪ ،‬وال من أجل أان ندفع ما جاء هيف الكهتاب‪ ،‬وهيف أخبار الرس ه‬

‫(‪ )1‬شرح السنة (‪.)255 /12‬‬


‫(‪ )2‬رواه أمحد يف مسنده (‪ )124٠5‬بسند صحيح‪.‬‬
‫(‪ )3‬شرح السنة (‪.)26 /5‬‬
‫‪155‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫واإلتيان غري أان ال نكيهف ذلهك‪ ،‬وال جنعله حركةً وانتقاالً‪ ،‬كمجيء األشخاص وإتياُنا‪ ،‬إهىل‬
‫الصورة هيف ه هذهه ال هقصة همبعىن‬
‫غري ذلهك من نعوت احلدث‪ ،‬وت عاىل اَّلل علواً كبهرياً‪ ..،‬وقال‪ُّ :‬‬
‫اإلميان والتسلهيم‪ ،‬واَّلل أعلم‪.)1(‬‬
‫الصفة‪ .‬مث قال‪ :‬ق لت‪ :‬والو هاجب فه هيه وهيف أمثاله ه‬

‫(‪ )9‬أتويل الساق‪:‬‬

‫قال ‪ :‬رهوي ع هن اب هن عباس ‪ ،‬أنه قال‪َ :‬ع ْن شدَّة وكرب‪ ،‬وسئهل عهك هرمة عن‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ق وله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪ ﱠ[الْ َقلَم‪ ،]42 :‬قال‪ :‬إذَا ا ْشتَ َّد ْاألَمر ِّيف ا ْحلَْرب‪ ،‬ق َ‬
‫يل‪:‬‬
‫كشفت ا ْحلَْرب َع ِّن َّ‬
‫الساق‪.)2(‬‬

‫(‪ )10‬أتويل احلقو‪:‬‬

‫قال ‪ :‬قهيل هيف معىن الت علُّق حبقو الرمحن‪ :‬إِّنَّه االستجارة واالعتصام ِّاب َّّلل ‪،‬‬
‫يقال‪ :‬عذت حبقو فلن‪ :‬إهذا استجرت بههه‪.)3(‬‬

‫(‪ )11‬أتويل الفرح والضحك واالستبشار ابلرضا‪:‬‬

‫ضى ِّابلت َّْوبَِّة َوأَقْبَ ُل‬ ‫ح"‪َ ،‬م ْعنَاهُ‪ :‬أ َْر َ‬ ‫قال ‪ :‬قال أبو سليمان اخلط ه ُّ‬
‫ايب‪ :‬ق وله‪ََّّ " :‬للُ أَفْ َر ُ‬
‫آدم غَ ْري جائِّز َعلَى َِّّ‬ ‫ِّ‬ ‫َهلَا‪ ،‬والْ َفر ِّ‬
‫اّلل ‪ ،‬إِّ َّمنَا َم ْعنَاهُ‬ ‫َّاس ِّيف نُعُوت بَِّين َ َ ُ َ‬ ‫ارفُهُ الن ُ‬ ‫ح الَّذي يَتَ َع َ‬ ‫َ َُ‬
‫ضو َن‪ ،‬وكذلهك‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫هه‬
‫َي‪َ :‬را ُ‬ ‫ضا‪ ،‬كقوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﱠ [ال ُْم ْؤمنُو َن‪ ،]53 :‬أ ْ‬ ‫ِّ‬
‫الر َ‬
‫ار قَ ْد‬‫شُ‬ ‫االستِّْب َ‬
‫ك ْ‬ ‫ضى‪َ ،‬وَك َذلِّ َ‬ ‫اّلل ‪ِّ ‬اب ِّ‬
‫لر َ‬ ‫ات َِّّ‬
‫ص َف ِّ‬ ‫ك الْو ِّار ُد ِّيف ا ْحل ِّد ِّ‬
‫يث ِّيف ِّ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫فُس َر الضَّح ُ َ‬
‫ِّ‬
‫يث‪ ،‬فهموا همن ه هذهه‬ ‫ضا‪ .‬والمت ق هدمون همن أه هل احل هد ه‬ ‫يث‪َ ،‬وَم ْعنَاهُ ِّعْن َد ُه ُم‪ِّ :‬‬
‫الر َ‬ ‫جاء ِّيف ا ْحل ِّد ِّ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫يث ما وقع الرتغهيب فه هيه همن األعم هال‪ ،‬وا هإلخبا هر عن فض هل اَّلله ‪ ،‬وأث ب توا ه هذهه‬ ‫األح هاد ه‬

‫(‪ )1‬شرح السنة (‪.)17٩-177 /15‬‬


‫(‪ )2‬املصدر السابق (‪.)142 /15‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق (‪.)21 /1٣‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪156‬‬

‫من زه عن هصف ه‬
‫ات‬ ‫ٌ‬ ‫‪‬‬ ‫ات هَّلله ‪ ،‬ومل يشتغهلوا بهت ف هس هريها‪ ،‬مع اعتهق هاد ههم أن اَّلل‬
‫الصف ه‬
‫ه‬
‫ﱒﱔﱕﱖﱠ [الشورى‪.)1( ]11 :‬‬ ‫المخلوقهني‪ ،‬ﭐﱡﭐﱏﱐﱑ ﱓ‬

‫(‪ )12‬أتويل الغَرية‪:‬‬


‫اّلل‪ :‬الزجر‪ ،‬وللا غيور‪ ،‬أي‪ :‬زجور يزجر ع هن ال ه‬
‫معاصي‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬قيل‪ :‬ال َ‬
‫ْغرية من َّ‬
‫معاصي همنه‪.)2(‬‬ ‫َح ٌد أَ ْغ َريُ ِّم َن َّ‬
‫اّلل"‪ ،‬أي‪ :‬أزجر ع هن ال ه‬
‫وقوله‪َ " :‬ال أ َ‬
‫(‪ )13‬أتويل االستحياء‪:‬‬

‫اّلل ِّم ْنهُ"‪ ،‬قهيل‪َ :‬م ْعنَاهُ جازاه َعلَى استحيائه‪،‬‬


‫قال ‪ :‬ق وله‪" :‬فاستحيا‪ ،‬فاستحيا َّ‬
‫ِّأبَن ترك ُع ُقوبَته َعلَى ذنُوبه‪ ،‬وقوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱠ[الْبَ َق َرة‪،]26 :‬‬
‫أَي‪َ :‬ال ْيرتك‪ِّ ،‬ألَن احلْيَاء َسبَب للرتك‪.)3(‬‬

‫(‪ )14‬أتويل العجب واالستهزاء والسخرية والفرح واالستبشار‪:‬‬

‫عجب هللا"‪َ ،‬م ْعنَاهُ‪ :‬الرضى‪ ،‬وكذلِّك الْ َفرح واالستبشار‬


‫قال ‪ :‬وقهيل هيف قولههه‪ِّ " :‬‬
‫ص َفات هللا ‪َ ‬م ْعنَاهُ‪ :‬الرضى‪ ..،‬وق ولهه ‪ :‬ﱡﭐ ﲻ ﲼ ﲽ ﱠ [الْبَ َق َرة‪:‬‬ ‫الْو ِّارد ِّيف ِّ‬
‫َ‬
‫‪ ،]15‬أَي‪ :‬جيازيهم على استهزائهم‪ ،‬وقال‪ :‬ﭐﱡﭐ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﱠ [الت َّْوبَة‪:‬‬
‫‪ ،]79‬أَي‪ :‬جازاهم على سخريتهم‪.)4(‬‬

‫شرح السنة (‪ .)88 /5‬قلت‪ :‬فاملذهب األول هو مذهب التأويل‪ ،‬والثاين‪ :‬هو مذهب التسليم‬ ‫(‪)1‬‬
‫والتفويض للعلم إىل للا ‪ ، ‬مع تنزيهه تعاىل عن حدوث أي صفة يف ذاته‪ ،‬فجميع صفاته قدمية‬
‫أزلية‪ ،‬وكل املذهبني اثبت عند أهل السنة واِلماعة األشاعرة واملاتريدية‪.‬‬
‫املصدر السابق (‪.)26٩ /٩‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫املصدر السابق (‪.)2٩٩ /12‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫شرح السنة (‪.)77-76 /11‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪157‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫(‪ )15‬أتويل إضافة استطابة الروائح إىل هللا ‪:‬‬

‫الصائِِّّم‬
‫ك‪ :‬الثَّنَاءُ َعلَى َّ‬ ‫يح ال همس ه‬ ‫قال ‪ :‬وقهيل معىن كونههه أطيب عهند اَّلله همن‬
‫هر ه‬
‫وف‪ ،‬كأنه قال‪ :‬إهن‬ ‫ب لِّْل ُخلُ ِّ‬ ‫الص ْوِّم‬
‫ضا بِِّّف ْعلِّ ِّه‪ ،‬لِّئَال ميَْنَ َعهُ ِّم َن ال َْم َواظَبَ ِّة َعلَى َّ‬
‫ا ْجلَالِّ ِّ‬ ‫َو ِّ‬
‫الر َ‬
‫ك عهندكم‪.)1(‬‬
‫يح ال همس ه‬‫ول عهند اَّلله‪ ،‬همن هر ه‬ ‫خلوف ف هم الصائههم‪ ،‬أب لغ هيف القب ه‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬شرح السنة (‪.)22٣-222 /6‬‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪158‬‬

‫املبحث الثاين عشر‪ :‬مقدمات مهمة متعلقة بعلم التوحيد والكالم‬

‫قبل اخلوض يف أي علم من العلوم‪ ،‬ال بد من تقدمي مقدمات مهمة‪ ،‬هبا يتعرف الدارس‬
‫على أهم مبادئ العلم‪ ،‬من تعريفه‪ ،‬وفضله وموضوعه وغريها‪ ،‬كما يتعرف على سبب نشأة‬
‫هذا العلم‪ ،‬وإزالة بعض الشبهات املتعلقة هبذا العلم‪ ،‬وسنقوم بعرض هذه املهمات يف عدة‬
‫مطالب‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مبادئ علم التوحيد والكالم‬

‫ال بد قبل اخلوض يف علم التوحيد من معرفة املبادئ الِت يتوقف عليها الشروع يف هذا‬
‫العلم‪ ،‬وتسمى املبادئ العشرة‪ ،‬املنظومة يف قول بعضهم‪:‬‬

‫وع مث الث م رة‬ ‫احلد وامل وض‬ ‫ادي ه‬


‫كل علم عشرة ‪ُّ .....‬‬ ‫إن مب‬

‫له ونسبةٌ والواض ع ‪ .....‬واالسم االستمداد حكم الشارع‬ ‫وفض‬

‫مسائل والبعض ابلبعض اكتفى ‪ ....‬ومن درى اِلميع حاز الش رفا‬
‫ٌ‬
‫أوالً‪ :‬احلد‪ ،‬أو تعريف علم العقيدة والتوحيد‪:‬‬

‫ُّ‬
‫فحد التوحيد‪ ،‬لغةً‪ :‬العلم ِبن الشيء واحد‪.‬‬

‫وشرعاً‪ :‬هو إفراد املعبود ابلعبادة‪ ،‬مع اعتقاد وحدته‪ ،‬والتصديق هبا‪ ،‬ذااتً‪ ،‬وصفات‪،‬‬
‫وأفعاالً‪.‬‬

‫وأما علم التوحيد‪ :‬فقد عرفه علماء التوحيد ِبنه‪ :‬علم يُ ْقتَدر به على إثبات العقائد‬
‫سبة من أدلتها اليقينية‪.‬‬
‫الدينية ُمكْتَ َ‬
‫‪159‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫وقال ابن خلدون يف مقدمته‪« :‬هو علم يتضمن احلجاج عن العقائد اإلميانية ابألدلة‬
‫العقلية‪ ،‬والرد على املبتدعة املنحرفني يف االعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة‪ ،‬وسر‬
‫هذه العقائد اإلميانية هو التوحيد»(‪.)1‬‬

‫فعلم التوحيد يقوم على إثبات العقيدة الدينية عن طريق األدلة القطعية‪ ،‬العقلية والنقلية‪،‬‬
‫فهو بذلك يقوم بتوضيح أصول العقيدة وشرحها‪ ،‬وتدعيمها ابألدلة‪ ،‬والرد على الشبه الِت‬
‫دور إجيايب يف إثبات صحة‬
‫يوردها املخالفون على العقيدة الصحيحة‪ ،‬فهو علم الكلم له ٌ‬
‫ودور دفاعي يقوم ابلدفاع عن العقيدة ضد اخلصوم املنكرين‪.‬‬
‫العقيدة ابلعقل والنقل‪ٌ ،‬‬
‫اثنياً‪ :‬املوضوع‪:‬‬

‫‪ .1‬ذات للا عز وجل‪ ،‬من حيث ما جيب له من صفات الكمال املطلق‪ ،‬وما يستحيل‬
‫عليه من صفات النقص‪ ،‬وما جيوز عليه من الفعل والرتك‪ ،‬وقد اصطلح على تسمية‬
‫هذا املبحث ب «اإلهليات»‪.‬‬
‫‪ .2‬ذات الرسل‪ ،‬من حيث ما جيب ْلم من صفات الكمال البشري‪ ،‬وما يستحيل‪ ،‬وما‬
‫جيوز من األعراض البشرية‪ ،‬الِت ال تنايف رفيع مقامهم‪ ،‬وقد اصطلح على تسمية هذا‬
‫املبحث ب «النبوات»‪.‬‬
‫‪ .3‬املمكن من حيث إنه يتوصل به إىل وجود الصانع‪ ،‬وذلك ابالستدالل خبلق للا‬
‫تعاىل إلثبات وجوده وصفاته الكمالية‪.‬‬
‫‪ .4‬العقائد الِت ال سبيل إىل اإلميان هبا إال بطريق اخلِب الصادق‪ ،‬وقد اصطلح على‬
‫تسمية هذا املبحث ب «السمعيات»‪ ،‬من حيث اعتقادها(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬اتريخ ابن خلدون (‪.)58٠ /1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬حتفة املريد‪ ،‬شرح جوهرة التوحيد‪ ،‬للبيجوري‪ ،‬ص (‪.)1٠‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪160‬‬

‫فعلماء التوحيد ال يتكلمون يف حق للا تعاىل‪ ،‬وال يف الغيبيات اعتماداً على مرد النظر‬
‫ابلعقل‪ ،‬بل يتكلمون يف ذلك من ابب االستشهاد ابلعقل على صحة ما جاء عن الرسول‬
‫‪ ،‬فالعقل عند علماء التوحيد شاهد للشرع وليس أصلً للدين‪ ،‬مع أن النظر العقلي‬
‫السليم ال خيرج عما جاء به الشرع وال يتناقض معه‪.‬‬

‫اثلثاً‪ :‬الثمرات والفوائد‪:‬‬

‫ﭐﱡﭐ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ‬ ‫األوىل‪ :‬الرتقي من حضيض التقليد إىل ذروة اإليقان‪،‬‬


‫ﳞﳟﳠﳡﱠ[اجملادلة‪.]11:‬‬

‫الثانية‪ :‬إرشاد املسرتشدين إبيراد احلجة‪ ،‬وإلزام املعاندين إبقامة احلجة‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬حفظ قواعد الدين من أن تزلزْلا شبه املبطلني‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬صحة النية واالعتقاد؛ إذ هبا يرجى قبول العمل‪ ،‬وغاية ذلك كله الفور‬
‫بسعادة الدارين(‪.)1‬‬

‫رابعاً‪ :‬فضله‪:‬‬

‫هو أشرف العلوم؛ لكونه أساس األحكام الشرعية وأصل العلوم الدينية‪ ،‬ولكون معلوماتهه‬
‫العقائد اإلسلمية ‪ ،‬فهو متعلق بذاته تعاىل‪ ،‬وذات رسله عليهم السلم‪ ،‬وما يتبع ذلك؛‬
‫فشرف العلم بشرف املعلوم‪ ،‬واملعلوم هبذا العلم‪ ،‬هو للا عز وجل‪ ،‬ورسله عليهم السلم‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬نسبته إىل غريه من العلوم‪:‬‬

‫ميكن القول ِبن علم التوحيد هو رئيس العلوم الشرعية؛ ألن سائر العلوم الشرعية مستندة‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شرح املقاصد للتفتازاين‪.)58-57/1( ،‬‬


‫‪161‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫إليه استناد الفرع إىل األصل‪ ،‬ألن فيه تثبت موضوعاهتا‪ ،‬طاملا كان موضوعه متعلقاً ابلعقائد‬
‫واثباهتا‪ ،‬فيقول عضد الدين اإلجيي يف بيان مرتبة علم الكلم من العلوم الشرعية بناء على‬
‫أعم األمور وأعلها‪ ،‬وغايته أشرف الغاايت وأجداها‪،‬‬ ‫موضوعه وغايته‪« :‬إن موضوعه ُّ‬
‫ودالئله يقينية‪ُ ،‬يكم هبا صريح العقل‪ ،‬وقد َتيدت ابلنقل‪ ،‬وهي الغاية يف الواثقة‪ ،‬وهذه هي‬
‫جهات شرف العلم ال تعدوها؛ فهو أشرف العلوم‪ ،‬وهو العلم األعلى‪ ،‬وهو رئيس العلوم‬
‫على اإلطلق» (‪.)1‬‬

‫اخلامس ‪ :‬أن هذا العلم ال يتطرق إليه النسخ وال التغيري‪ ،‬وال خيتلف ابختلف األمم‬
‫والنواحي خبلف سائر العلوم‪ ،‬فوجب أن يكون أشرف العلوم‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬واضعه‪:‬‬

‫إماما أهل السنة واِلماعة‪ ،‬أبو احلسن األشعري‪ ،‬وأبو منصور املاتريدي‪ ،‬ومن تبعهما‪،‬‬
‫مبعىن أُنم دونوا كتبه‪ ،‬وردوا الشبه الِت أوردها أهل األهواء‪ ،‬وإال فالتوحيد جاء به كل نب‪،‬‬
‫من لدن آدم ‪ ‬إىل يوم القيامة(‪.)2‬‬

‫سابعاً‪ :‬أمساؤه‪:‬‬

‫‪ .1‬علم التوحيد؛ لهما أن ذلك أشهر مباحثه وأشرف مقاصده‪.‬‬


‫‪ .2‬عهلم العقيدة أو االعتقاد‪ ،‬ألنه يطلب يف مباحثه العهلم اِلازم املطابق للواقع‪.‬‬
‫‪ .3‬أصول ه‬
‫الدين‪.‬‬
‫‪ .4‬علم األمساء والصفات‪.‬‬
‫‪ .5‬علم اإلميان‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املواقف ص (‪.)8‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬حتفة املريد‪ ،‬شرح جوهرة التوحيد‪ ،‬للبيجوري‪ ،‬ص (‪.)1٠‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪162‬‬

‫‪ .6‬عهلم الكلم؛ ألن عنوان مباحثه كان قوْلم‪ :‬الكلم يف كذا وكذا‪ ،‬وألن مسألة الكلم‬
‫كانت أشهر مباحثه وأكثرها نزاعاً وجداالً‪ ،‬ووقعت بسببها فتنة عظيمة وحمنة‬
‫شديدة‪ ،‬وألنه إمنا يتحقق ابملباحثة وإدارة الكلم من اِلانبني‪ ،‬وألنه أكثر العلوم‬
‫خلفاً ونزاعاً‪ ،‬فتكثر فيه املناقشات واملباحثات‪.‬‬
‫‪ .7‬الفقه األكِب‪ ،‬مساه بذلك اإلمام أبو حنيفة رمحه للا؛ ألنه عرف «الفقه» بقوله‪:‬‬
‫شامل للعقائد واألحكام‪ ،‬فما يتصل‬
‫ٌ‬ ‫«معرفة النفس ما ْلا وما عليها»‪ ،‬وهذا‬
‫ابلعقائد هو «الفقه األكِب»‪ ،‬وما يتصل ابألحكام هو «الفقه األصغر»‪.‬‬

‫اثمناً‪ :‬استمداده‪:‬‬

‫من األدلة القطعية‪ ،‬العقلية والنقلية‪.‬‬

‫اتسعاً‪ :‬حكم الشارع‪:‬‬

‫‪ .1‬الوجوب العيين على كل مكلف‪ ،‬من ذكر وأنثى‪ ،‬وذلك بتعلم العقائد الصحيحة‬
‫ابألدلة اإلمجالية‪.‬‬

‫‪ . 2‬الوجوب الكفائي على األمة‪ِ ،‬بن يكون فيها طائفة تعلم العقائد ابألدلة التفصيلية‪،‬‬
‫مع القدرة على رد الشبهات الِت يثريها املخالفون‪.‬‬

‫قال العلمة ابن حجر اْليتمي ‪« :‬الذي صرح به أئمتنا أنه جيب على كل أحد‬
‫وجوابً عينياً أن يعرف صحيح االعتقاد من فاسده‪ ،‬وال يشرتط فيه علمه بقوانني أهل‬
‫الكلم؛ ألن املدار على االعتقاد اِلازم ولو ابلتقليد على األصح‪ ،‬وأما تعليم احلجج‬
‫الكلمية‪ ،‬والقيام هبا للرد على املخالفني‪ ،‬فهو فرض كفاية‪ ،‬اللهم إال إن وقعت حادثة‬
‫وتوقف دفع املخالف فيها على تعلم ما يتعلق هبا من علم الكلم‪ ،‬أو آالته‪ ،‬فيجب عيناً‬
‫‪163‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫على من َتهل لذلك تعلمه للرد على املخالفني» (‪.)1‬‬

‫وقال اإلمام النووي ‪« :‬قال العلماء‪ :‬البدعة مخسة أقسام واجبة ومندوبة وحمرمة‬
‫ومكروهة ومباحة فمن الواجبة نظم أدلة املتكلمني للرد على امللحدة املبتدعني وما أشبه‬
‫ذلك ‪.)2(»..‬‬

‫عاشراً‪ :‬مسائله‪:‬‬

‫قضاايه الباحثة عن الواجبات‪ ،‬واِلائزات‪ ،‬واملستحيلت(‪.)3‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬الفتاوى احلديثية‪ ،‬ص (‪.)27‬‬


‫(‪ )2‬شرح النووي على مسلم (‪.)155 /6‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬حتفة املريد‪ ،‬شرح جوهرة التوحيد‪ ،‬للبيجوري‪ ،‬ص (‪.)1٠‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪164‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬سبب نشأة علم التوحيد والكالم‬

‫إن علم التوحيد والكلم كغريه من العلوم‪ ،‬نشأ بسبب احلاجة إليه؛ لكثرة الفرق الضالة‬
‫املبتدعة‪ ،‬الذين تتبعوا املتشاهبات‪ ،‬وأوردوا شبهاً على ما قرره علماء السلف األوائل‪ ،‬فاحتاج‬
‫العلماء من أهل السنة إىل مقاومتهم ومادلتهم ومناظرهتم؛ حَّت ال يلبسوا على الضعفاء أمر‬
‫دينهم‪ ،‬وحَّت ال يد هخلوا يف الدين ما ليس منه‪ ،‬ولو ترك العلماء هؤالء الزاندقة وما يصنعون؛‬
‫الستولوا على كثري من عقول الضعفاء وعوام املسلمني‪ ،‬والقاصرين من علمائهم‪ ،‬فأضلوهم‬
‫وغريوا ما عندهم من االعتقادات الصحيحة؛ فكان لهزاماً على علماء املسلمني أن يقوموا‬
‫ابلرد على هؤالء من خلل تعلمهم هذا العلم ونبوغهم فيه؛ ألن إفحامهم بنفس أدلتهم‬
‫أدعى النقطاعهم‪ ،‬وإلزامهم احلق‪ ،‬فردوا عليهم وأبطلوا شبههم‪.‬‬

‫ويلخص العلمة تقي الدين املقريزي ‪ ‬مبدأ علم الكلم فيقول‪:‬‬

‫«اعلم أن للا تعاىل لما بعث من العرب نبيه حممداً ‪ ‬رسوالً إىل الناس مجيعاً‪ ،‬وصف‬
‫ْلم رهبم سبحانه وتعاىل‪ ،‬مبا وصف به نفسه الكرمية يف كتابه العزيز‪ ،‬فلم يسأله ‪ ‬أح ٌد من‬
‫العرب ِبسرهم‪ ،‬قرويهم وبدويهم عن معىن شيء من ذلك‪ ،‬كما كانوا يسألونه ‪ ‬عن أمر‬
‫الصلة والزكاة والصيام واحلج وغري ذلك‪ ،‬بل كلهم فهموا معىن ذلك وسكتوا عن الكلم يف‬
‫الصفات؛ فأثبتوا رضي للا عنهم بل تشبيه‪ ،‬ونزهوا من غري تعطيل‪ ،‬فمضى عصر الصحابة‬
‫رضي للا عنهم على هذا‪.‬‬

‫إىل أن حدث يف زمنهم القول ابلقدر‪ ،‬وكان أول من قال ابلقدر يف اإلسلم‪ ،‬معبد بن‬
‫خالد اِلهين‪ ،‬ولما بلغ عبد للا بن عمر بن اخلطاب رضي للا عنهما مقالة معبد يف القدر‬
‫تِبأ من القدرية‪ ،‬وأخذ السلف رمحهم للا يف ذم القدرية‪ ،‬وحذروا منهم كما هو معروف يف‬
‫كتب احلديث‪.‬‬
‫‪165‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫وحدث أيضاً يف زمن الصحابة ‪ ‬مذهب اخلوارج‪ ،‬وصرحوا ابلتكفري ابلذنب‪ ،‬واخلروج‬
‫على اإلمام وقت اله‪ ،‬فناظرهم عبد للا بن عباس رضي للا عنهما فلم يرجعوا إىل احلق‪ ،‬وقاتلهم‬
‫أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ ،‬وقتل منهم مجاعة كما هو معروف يف كتب األخبار‪.‬‬

‫مذهب التشيع لعلي بن أيب طالب ‪ ،‬والغلو‬ ‫وحدث أيضا يف زمن الصحابة ‪‬‬
‫فيه‪ ،‬فلما بلغه ذلك أنكره‪.‬‬

‫مث حدث بعد عصر الصحابة ‪ ،‬مذهب جهم بن صفوان ببلد املشرق‪ ،‬فعظمت‬
‫الفتنة به؛ فإنه نفى أن يكون لل تعاىل صفة‪ ،‬وأورد على أهل اإلسلم شكوكاً أثر يف امللة‬
‫اإلسلمية آاثراً قبيحة‪ ،‬تولد عنها بلء كبري‪ ،‬وكان قبيل املائة من سين اْلجرة‪ ،‬فكثر أتباعه‬
‫على أقواله الِت تؤول إىل التعطيل‪ ،‬فأكِب أهل اإلسلم بدعته‪ ،‬ومتالؤا على إنكارها وتضليل‬
‫أهلها‪ ،‬وحذروا من اِلهمية‪ ،‬وعادوهم يف للا‪ ،‬وذموا من جلس إليهم‪ ،‬وكتبوا يف الرد عليهم ما‬
‫هو معروف عند أهله‪.‬‬

‫ويف أثناء ذلك حدث مذهب االعتزال‪ ،‬منذ زمن احلسن البصري ‪ ،‬بعد املائتني‬
‫من سين اْلجرة‪ ،‬وصنفوا فيه مسائل يف العدل والتوحيد‪ ،‬وإثبات أفعال العباد‪ ،‬وأن للا تعاىل‬
‫ال خيلق الشر‪ ،‬وجهلوا ِبن للا ال يرى يف اآلخرة‪ ،‬وأعلنوا ِبن القرآن خملوق حمدث‪ ،‬إىل غري‬
‫ذلك من مسائلهم‪ ،‬فتبعهم خلئق يف بدعهم‪ ،‬وأكثروا من التصنيف يف نصرة مذهبهم‬
‫ابلطرق اِلدلية‪ ،‬فنهى أئمة اإلسلم عن مذهبهم‪ ،‬وذموا علم الكلم‪ ،‬وهجروا من ينتحله‪ ،‬ومل‬
‫يزل أمر املعتزلة يقوى وأتباعهم تكثر ومذهبهم ينتشر يف األرض‪.‬‬

‫مث حدث مذهب التجسيم املضاد ملذهب االعتزال‪ ،‬فظهر حممد بن كرام السجستاين‪،‬‬
‫زعيم الطائفة الكرامية بعد املائتني من سين اْلجرة‪ ،‬وأثبت الصفات حَّت انتهى فيها إىل‬
‫التجسيم والتشبيه‪ ،‬وكانت بني الكرامية ابملشرق وبني املعتزلة مناظرات ومناكرات وفنت كثرية‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪166‬‬

‫متعددة أزماهتا‪.‬‬

‫وقد كان املأمون بن هارون الرشيد سابع خلفاء بين العباس ببغداد‪ ،‬ملا شغف ابلعلوم‬
‫القدمية‪ ،‬بعث إىل بلد الروم من عرب له كتب الفلسفة‪ ،‬وأاته هبا سنة ومائتني من سين‬
‫اْلجرة‪ ،‬فانتشرت مذاهب الفلسفة يف الناس‪ ،‬واشتهرت كتبهم بعامة األمصار‪ ،‬وأقبلت‬
‫املعتزلة والقرامطة واِلهمية وغريهم عليها‪ ،‬وأكثروا من النظر فيها‪ ،‬والتصفح ْلا‪ ،‬فاجنر على‬
‫اإلسلم وأهله من علوم الفلسفة ما ال يوصف من البلء واحملنة يف الدين‪ ،‬وعظم ابلفلسفة‬
‫ضلل أهل البدع‪ ،‬وزادهتم كفراً إىل كفرهم‪.‬‬

‫وكان أبو احلسن علي بن إمساعيل األشعري قد أخذ عن أيب علي اِلبائي‪ ،‬والزمه عدة‬
‫أعوام‪ ،‬مث بدا له فرتك مذهب االعتزال‪ ،‬وسلك طريق أيب حممد عبد للا بن سعيد بن كلب‪،‬‬
‫ونسج على قوانينه‪ ،‬وحقيقة مذهب األشعري ‪ ،‬أنه سلك طريقاً بني النفي الذي هو‬
‫مذهب االعتزال‪ ،‬وبني اإلثبات الذي هو مذهب أهل التجسيم‪ ،‬وانظر على قوله هذا‬
‫واحتج ملذهبه‪ ،‬فمال إليه مجاعة وعولوا على رأيه‪ ،‬ونصروا مذهبه وانظروا عليه وجادلوا فيه‬
‫واستدلوا له يف مصنفات ال تكاد حتصر‪ ،‬فانتشر مذهب أيب احلسن األشعري يف العراق من‬
‫حنو سنة مثانني وثلمثائة‪ ،‬وانتقل منه إىل الشام‪.‬‬

‫فلما ملك السلطان امللك الناصر صلح الدين يوسف بن أيوب داير مصر‪ ،‬كان هو‬
‫وقاضيه على هذا املذهب‪ ،‬قد نشآ عليه منذ كاان يف خدمة السلطان امللك العادل نور الدين‬
‫حمم ود بن زنكي بدمشق‪ ،‬وحفظ صلح الدين يف صباه عقيدة ألفها له قطب الدين أبو‬
‫املعايل النيسابوري‪ ،‬وصار ُيفظها صغار أوالده‪ ،‬فلذلك عقدوا اخلناصر وشدوا البنان على‬
‫مذهب األشعري‪.‬‬

‫واتفق مع ذلك توجه أيب عبد للا حممد بن تومرت أحد رجاالت املغرب إىل العراق‪،‬‬
‫‪167‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫وأخذ عن أيب حامد الغزايل مذهب األشعري‪ ،‬فلما عاد إىل بلد املغرب وقام يف املصامدة‬
‫يفقههم ويعلمهم‪ ،‬وضع ْلم عقيدة لقفها عنه عامتهم‪ ،‬فكان هذا هو السبب يف اشتهار‬
‫مذهب األشعري وانتشاره يف أمصار اإلسلم‪ ،‬حبيث نسي غريه من املذاهب»(‪.)1‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬املواعظ واالعتبار بذكر اخلطط واآلاثر (‪.)1٩٣-188 /4‬‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪168‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬شبهة حول تعلم علم الكالم‬

‫أاثر بعض أهل األهواء شبهة حول تعلم علم الكلم‪ ،‬وقالوا ِبن السلف قد ُنوا عن‬
‫وذموه؛ لذلك فل جيوز االشتغال به‪ ،‬واحتجوا مبا روي عن بعض األئمة يف‬
‫االشتغال به ُّ‬
‫ذلك‪ ،‬فعن ابن عبد األعلى ‪ ‬قال‪ :‬مسعت الشافعي ‪‬يوم انظر حفصاً الفرد ‪-‬‬
‫وكان من متكلمي املعتزلة ‪ -‬يقول‪« :‬ألن يلقى هللاَ العب ُد بكل ذنب ما خال الشرك ابهلل‪،‬‬
‫خري له من أن يلقاه بشيء من علم الكالم‪ ،‬ولقد مسعت من حفص الفرد كالما ال أقدر‬
‫أن أحكيه»‪ ،‬وقال أيضاً‪« :‬قد اطلعت من أهل الكالم على شيء ما ظننته قط‪ ،‬وأن‬
‫يبتلي هللا العبد بكل ما هنى هللا تعاىل عنه ما عدا الشرك‪ ،‬خري له من أن ينظر يف‬
‫الكالم»‪ ،‬وقال‪ « :‬حكمي يف أصحاب الكالم أن يضربوا ابجلريد ويطاف هبم يف القبائل‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة‪ ،‬وأخذ يف الكالم»‪ .‬وغري ذلك من نصوص‬
‫السلف‪.‬‬

‫جواب الشبهة‬

‫لقد رد اإلمام األشعري يف رسالته «استحسان اخلوض يف علم الكلم» أحسن رد‪،‬‬
‫وبني مواضع الضعف يف حجة املخالفني‪ ،‬فقال‪« :‬فإن طائفة من الناس جعلوا اِلهل رأس‬
‫ماْلم‪ ،‬وثقل عليهم النظر والبحث عن الدين‪ ،‬ومالوا اىل التخفيف والتقليد‪ ،‬وطعنوا على من‬
‫فتش عن أصول الدين ونسبوه اىل الضلل‪ ،‬وزعموا أن الكلم يف احلركة والسكون واِلسم‬
‫والعرض واأللوان واألكوان واِلزء والطفرة وصفات الباري عز وجل‪ ،‬بدعة وضللة؛ وقالوا‪ :‬لو‬
‫كان ذلك هدى ورشاداً لتكلم فيه النب ‪ ‬وخلفاؤه وأصحابه‪ ..‬إخل»‪ .‬مث شرع يف ه‬
‫الرد‬
‫على شبهاهتم‪ ،‬وبني ضعفها ابألدلة املفحمة(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬رسالة استحسان اخلوض يف علم الكلم‪ ،‬مطبوعة مع كتاب اللمع لَلشعري‪ ،‬ص (‪.)8٩‬‬
‫‪169‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫ونقول يف رد الشبهة‪ :‬إن من عرف حقيقة كلم أهل السنة ومقصوده‪ ،‬وموضوعه‬
‫ومسائله‪ ،‬يستحيل أن ينهى عنه‪ ،‬فإن أهم مباحثه هي إثبات وجوده تعاىل‪ ،‬وإثبات صفات‬
‫كماله‪ ،‬وتنزيهه عن كل نقص‪ ،‬وإثبات النبوات وكماالت األنبياء‪ ،‬وإثبات املعاد‪ ،‬وكل ذلك‬
‫ابألدلة اليقينية العقلية والنقلية‪ ،‬فمن أين حترم كل هذه العلوم؟! وإمنا مدار القرآن الكرمي على‬
‫إثبات هذه األصول الثلثة‪ ،‬وهي التوحيد والنبوات واملعاد‪ ،‬وكيف يكون ذكر احلجة واملطالبة‬
‫ﭐﱡﭐ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﱠ‬ ‫هبا‪ ،‬والبحث عنها حمظوراً؟ وقد قال للا تعاىل‪:‬‬
‫[البقرة‪ ،]111:‬فطلب منهم الِبهان‪ ،‬وقال تعاىل‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱠ [األنعام‪،]149:‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﱍ ﱎ‬ ‫وقال تعاىل يف الثناء على إبراهيم ‪ ‬يف مادلته قومه يف للا عز وجل‪،‬‬
‫ﭐﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬ ‫ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱠ [األنعام‪ ،]:‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫ﲋ ﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﱠ [هود‪.]32:‬‬

‫وابِلملة فالقرآن من أوله إىل آخره حماجة مع الكفار‪ ،‬ملوء ابحلجج واألدلة والِباهني‬
‫يف مسائل التوحيد‪ ،‬وإثبات الباري والمعاد‪ ،‬وإرسال الرسل‪ ،‬فل يذكر املتكلمون وغريهم‬
‫دليلً صحيحاً على ذلك إال وهو يف القرآن ِبفصح عبارة وأوضح بيان‪ ،‬وأمت معىن‪.‬‬

‫ﱡﭐ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﱠ‬ ‫فعمدة املتكلمني يف التوحيد قوله تعاىل‪:‬‬


‫ﭐﱡﭐ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﱠ‬ ‫[األنبياء‪ ،]22:‬ويف النبوة‪:‬‬
‫ﲖﱠ [يس‪ ،]79:‬إىل غري ذلك من‬
‫[البقرة‪ ،]23:‬ويف البعث‪ :‬ﭐﱡﭐﲑﲒﲓ ﲔﲕ ﲗ‬

‫ﭐﱡﭐ ﲞ‬ ‫اآلايت واألدلة‪ ،‬ومل تزل الرسل ‪ُ ‬ياجون املنكرين وجيادلوُنم‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﲡﱠ [النحل‪ ،]125:‬والصحابة ‪ ‬أيضاً كانوا ُياجون املنكرين وجيادلوُنم‬
‫ﲢ‬ ‫ﲟﲠ‬

‫عند احلاجة‪ ،‬وإال أن احلاجة إليه كانت قليلة يف زماُنم؛ فلذا كان اخلوض فيه قليلً‪.‬‬

‫وبعد هذا ميكن محل ُني السلف عن اخلوض يف علم الكلم على أوجه‪:‬‬

‫الوجه األول ‪ :‬أُنم ُنوا عن كلم أهل البدع واألهواء‪ ،‬فانه كان يف القدمي إمنا يعرف‬
‫ابلكلم أهل البدع واألهواء‪ ،‬وأما أهل السنة فمعوْلم فيما يعتقدون الكتاب والسنة‪ ،‬وكانوا‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪170‬‬

‫قلما خيوضون يف الكلم قاله اإلمام البيهقي‪ ،‬ونقله عنه ابن عساكر يف تبيني كذب املفرتي‪،‬‬
‫مث قال‪ :‬وانهيك بقائله أيب بكر البيهقي‪ ،‬فقد كان من أهل الرواية والدراية(‪.)1‬‬

‫مث قال ابن عساكر‪« :‬وإمنا يعين الشافعي ‪ -‬وللا أعلم ‪ -‬بقوله كلم أهل األهواء‪،‬‬
‫الذين تركوا الكتاب والسنة‪ ،‬وجعلوا معوْلم عقوْلم‪ ،‬وأخذوا يف تسوية الكتاب عليها‪ ،‬وحني‬
‫محلت عليهم السنة بزايدة بيان لنقض أقاويلهم اهتموا رواهتا‪ ،‬وأعرضوا عنها‪ ،‬فأما أهل السنة‬
‫فمذهبهم يف األصول مبين على الكتاب والسنة‪ ،‬وإمنا أخذ من أخذ منهم يف العقل؛ إبطاالً‬
‫ملذهب من زعم أنه غري مستقيم على العقل» (‪.)2‬‬

‫أقول‪ :‬وعلى هذا ُيمل تشديدات السلف الغليظة يف النهي عن الكلم‪ ،‬كما يدل‬
‫عليه سياق كلم الشافعي املتقدم بعدما انظر حفصاً الفرد القدري‪ ،‬وقد جاء مصرحاً يف‬
‫بعض الرواايت عنه‪ ،‬روى عنه ابن عساكر بسنده املتصل‪ ،‬أنه قال‪« :‬ألن يلقى هللاَ عز وجل‬
‫العبد بكل ذنب خال الشرك‪ ،‬خري له من أن يلقاه بشيء من األهواء» (‪.)3‬‬

‫وروى البيهقي أنه دخل حفص الفرد على الشافعي‪ ،‬فقال‪ :‬الشافعي بعد خروجه‪:‬‬
‫«ألن يلقى العب ُد هللاَ بذنوب مثل جبال تامة‪ ،‬خري له من أن يلقاه ابعتقاد حرف مما‬
‫عليه هذا الرجل وأصحابه‪ .‬وكان حفص يقول خبلق القرآن» (‪.)4‬‬

‫وقال احلافظ ابن عساكر‪« :‬والكلم املذموم كلم أصحاب األهوية‪ ،‬وما تزخرفه‬
‫أرابب البدع الم هردية ‪ ،‬فأما الكلم املوافق للكتاب والسنة املوضح حلقائق األصول عند ظهور‬
‫الفتنة‪ ،‬فهو حممود عند العلماء ومن يعلمه‪ ،‬وقد كان الشافعي ُي هسنه‪ ،‬وي فهمه‪ ،‬وقد تكلم‬

‫ينظر‪ :‬تبيني كذب املفرتي فيما نسب إىل األشعري (‪.)٣٣4‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫املصدر السابق (‪.)٣45‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫املصدر السابق (‪.)٣٣7‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫املصدر السابق (‪.)٣41‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪171‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫مع غري واحد من ابتدع‪ ،‬وأقام احلجة عليه حَّت انقطع‪ ،‬مث أورد ابن عساكر مجلة من‬
‫مناظرات الشافعي للمبتدعة الدالة على أنه كان متضلعاً من هذا العلم» (‪.)1‬‬

‫مث قال‪ « :‬فأما الكلم الذي يوافق الكتاب والسنة‪ ،‬ويبني ابلعقل والعِبة‪ ،‬فإنه حممود‬
‫مرغوب فيه عند احلاجة‪ ،‬تكلم فيه الشافعي وغريه من أئمتنا رضي للا تعاىل عنهم عند‬
‫احلاجة كما سبق ذكران له» (‪.)2‬‬

‫الوجه الثاين ‪ :‬أن النهي حممول على اخلوص يف الكلم ملعرفة اجملادلة مع اخلصوم‬
‫واإلحاطة مبناقضة أدلتهم‪ ،‬والتشدق بتكثري األسئلة واألجوبة الدقيقة‪ ،‬وإاثرة الشبه واللوازم‬
‫البعيدة ما مل يكن يعرف شيء منه يف العصر األول‪ ،‬بل كانوا يشددون النكري على من يفتح‬
‫ابب اِلدل واملمارات‪.‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬ما يف التغلغل يف الكلم من خطر الدخول يف البدعة أو الكفر؛ ألن‬
‫الباحث فيه قد خيطئ‪ ،‬واخلطأ فيه ال خيلو عن أحد اخلطرين املذكورين‪ ،‬وقد أشار إىل هذا‬
‫اإلمام الشافعي رمحه للا بقوله‪ « :‬تناظروا يف شيء إن أخطأمت فيه يقال لكم‪ :‬أخطأمت‪ ،‬وال‬
‫تناظروا يف شيء إن أخطأمت فيه يقال‪ :‬كفرمت»(‪.)3‬‬

‫الوجه الرابع‪ :‬ما اشتمل عليه علم الكلم من حكاية مذاهب أهل البدع واألهواء‪،‬‬
‫وذكر الشبه الواردة على اعتقاد أهل السنة‪ ،‬وهذا مفض إىل نشر هذه املذاهب‪ ،‬وقد أمران‬
‫إبمخادها‪ ،‬وموجب لتمكن هذه الشبه يف القلوب‪ .‬وهذا ما أشار إليه اإلمام أمحد رمحه للا‬
‫تعاىل حينما أنكر على احلارث احملاسب تصنيفه كتاابً يف الرد على املبتدعة‪ ،‬فقال له‪ :‬وُيك‬
‫حتكي بدعتهم أوالً مث ترد عليهم! ألست حتمل الناس بتصنيفك على مطالعة البدعة‪ ،‬والتفكر‬
‫يف تلك الشبهات؟‬

‫(‪ )1‬تبيني كذب املفرتي (‪.)٣٣٩‬‬


‫(‪ )2‬املصدر السابق (‪.)٣51‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق (‪.)٣4٣‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪172‬‬

‫قلت‪ :‬إال أن األمر بعد ذلك تغري عما كان‪ ،‬فقد صارت الشبهات ظاهرة‪ ،‬ويندر أن‬
‫يوجد قوم مل يتعرضوا ْلا‪ ،‬فإذا تركوا بل بيان كان هذا سكواتً عن الباطل‪ ،‬وفيه ضياع الدين‪.‬‬

‫الوجه اخلامس‪ :‬أن النهي حممول على االقتصار على الكلم دون تعلم الفقه‪ ،‬قال‬
‫ابن عساكر ‪ : ‬وُيتمل أن يكون مرادهم من النهي عن الكلم أن يقتصر عليه‪ ،‬ويرتك‬
‫تعلم الفقه الذي يتوصل به إىل معرفة احللل واحلرام‪ ،‬ويرفض العمل مبا أمر بفعله من شرائع‬
‫اإلسلم‪ ،‬وال يلتزم فعل ما أمر به الشارع‪ ،‬وترك ما ُنى عنه من األحكام‪ ،‬وقد بلغين عن‬
‫حامت بن عنوان األصم وكان من أفاضل الزهاد وأهل العلم أنه قال‪« :‬الكالم أصل الدين‪،‬‬
‫والفقه فرعه والعمل مثره‪ ،‬فمن اكتفى ابلكالم دون الفقه والعمل تزندق‪ ،‬ومن اكتفى‬
‫ابلعمل دون الكالم والفقه ابتدع‪ ،‬ومن اكتفى ابلفقه دون الكالم والعمل تفسق‪ ،‬ومن‬
‫تفنت يف األبواب كلها ختلص»(‪.)1‬‬

‫وقال العلمة الكوثري ‪« :‬واحلق أن عقيدة السنة يف اإلسلم واحدة سلفاً وخلفاً‬
‫ال تتغري وال تتبدل‪ ،‬بل الذي يتجدد هو طريق الدفاع عنها ابلنظر خلصومها املتجددة‪ ،‬وذم‬
‫علم الكلم من كان يف موضع اإلمامة من السلف حممول حتماً على كلم أهل البدع‬
‫وخوض العامي فيه‪ ،‬قال األستاذ أبو القاسم القشريي وأجاد‪ :‬ال جيحد علم الكلم إال أحد‬
‫رجلني‪ :‬جاهل ركن إىل التقليد‪ ،‬وشق عليه سلوك طرق أهل التحصيل‪ ،‬وخل عن طرق أهل‬
‫النظر‪ ،‬والناس أعداء ما جهلوا‪ ،‬أو رجل يعتقد مذاهب فاسدة‪ ،‬فينطوي على بدع خفية‪،‬‬
‫يلبس على الناس عوار مذهبه‪ ،‬ويعمى عليهم فضائح عقيدته‪ ،‬ويعلم أن أهل التحصيل من‬
‫أهل النظر هم الذين يهتكون السرت عن بدعه‪ ،‬ويظهرون للناس قبح مقاالته»(‪.)2‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬تبيني كذب املفرتي (‪.)٣٣4‬‬


‫(‪ )2‬بيان زغل العلم والطلب‪ ،‬ص (‪.)22‬‬
‫‪173‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪174‬‬

‫ن‬ ‫ُ‬
‫الفصل الثاي‬
‫مختصر عقيدة أهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫السادة األشاعرة والماتريدية‪.‬‬
‫‪175‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫إن مباحث علم التوحيد ثلثة‪ :‬اإلْليات‪ ،‬والنبوات‪ ،‬والسمعيات‪:‬‬


‫املبحث األول‪ :‬اإلهليات‬
‫ما يقوله أهل السنة واِلماعة‪ ،‬السادة األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬يف أصول الدين‪ ،‬وما‬
‫يدينون به لرب العاملني‪ ،‬فيما يتعلق مبا جيب للباري ‪ ‬من صفات الكمال‪ ،‬وما يتنزه عنه‬
‫من صفات النقص‪ ،‬وما جيوز من الفعل والرتك إبرادته‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬ما جيب اعتقاده من صفات الكمال للرب ‪‬‬


‫هو أ َّن هللاَ ‪ ،‬موصوف بصفات الكمال املطلق‪َّ ،‬‬
‫وأن صفات كماله ال تتناهى‪،‬‬
‫حصر‪ ،‬وهذا على سبيل اإلمجال‪ ،‬وأما على سبيل التفصيل‪ ،‬فالواجب‬
‫َ‬ ‫فال َّ‬
‫حد هلا‪ ،‬وال‬
‫القطعي من صفات للا ‪ ،‬وقد قسمها علماء التوحيد إىل عدة‬
‫ُّ‬ ‫اعتقاد ما قام عليه الدليل‬
‫أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬الصفة النفسية‬

‫ه‬
‫الوجود لذاته‪ ،‬املستغين يف‬ ‫وهي صفة [الوجود]‪ ،‬فالل ‪ ‬هو اإلله ُّ‬
‫احلق‪ ،‬الواجب‬
‫كل من سواه يف وجوده إليه‪.‬‬ ‫وجوده عن الم ه‬
‫وجد‪ ،‬املفتقر ُّ‬

‫القسم الثاين‪ :‬صفات التنزيه والتقديس‬

‫(عدم آخريَّة الوجود‬ ‫وهي مخس صفات‪ِّ ،‬‬


‫[الق َدِّم‪( ،‬عدم َّأوليَّة الوجود)‪ ،‬والبقاء‬
‫ُ‬
‫لذاته)‪ ،‬والغىن املطلق‪ ،‬والوحدانية‪ ،‬وال ُْم َخالََفةُ يف احلقيقة واملعىن جلميع احلوادث‬
‫(املخلوقات)]‪ ،‬وهي الِت تضمنتها سورة اإلخلص والتوحيد‪ ،‬فهو للا الواحد‪ ،‬األحد‪ ،‬الفرد‬
‫ال هوتر الصمد‪ ،‬الذي مل يلد‪ ،‬ومل يولد‪ ،‬ومل يكن له كفواً أحد‪ ،‬األول واآلخر‪ ،‬والظاهر والباطن‪،‬‬
‫الغين‪ ،‬والقدُّوس‪ ،‬والسلم‪ ،‬واملؤمن‪.‬‬
‫والباقي‪ُّ ،‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪176‬‬

‫‪‬وهو واح ٌد ال شريك له‪ ،‬وال شيء مثله‪ ،‬وال شيء ه‬


‫يعجزه‪ ،‬وال إله غريه‪ ،‬قدميٌ بل‬
‫دائم بل انتهاء‪ ،‬ال يفىن وال يبهيد‪ ،‬وال يكون إال ما يريد‪ ،‬ال تبلغه األوهام‪ ،‬وال تدركه‬
‫ابتداء‪ٌ ،‬‬
‫ازق بل مؤنة‪،‬‬
‫الق بل حاجة‪ ،‬ر ٌ‬ ‫وم ال ينام‪ ،‬خ ٌ‬ ‫األفهام‪ ،‬وال يشبههه األانم‪ٌّ ،‬‬
‫حي ال ميوت‪ ،‬ق يُّ ٌ‬
‫ابعث بل مشقة‪.)1(‬‬
‫ميت بل خمافة‪ٌ ،‬‬
‫ٌ‬
‫كفؤ‪ ،‬وال نهدٌّ‪ ،‬وال هضدٌّ‪ ،‬وال‬
‫‪‬وهو ‪ ‬ليس كمثله شيء‪ ،‬وال هو مثل شيء‪ ،‬وال له ٌ‬
‫ان األعضاء‬ ‫حدٌّ‪ ،‬وال مثيل‪ ،‬وال شبيه‪ ،‬بل هو متعال عن احلدود والغ ه‬
‫اايت‪ ،‬ومن زه عن األرك ه‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ات‪ ،‬ف ليس هو جبسم مصور‪ ،‬وال جوهر حمدود مقدر‪ ،‬وأنه ال مياثل األجسام‪ ،‬ال هيف‬ ‫واألدو ه‬
‫الت ق هدير‪ ،‬وال هيف قبول االنقسام‪ ،‬وأنه ليس جبوهر‪ ،‬وال حتله اِلو هاهر‪ ،‬وال بهعرض وال حتله‬
‫ت كسائههر‬ ‫األعراض‪ ،‬بل ال مياثل موجوداً‪ ،‬وال مياثله موجود‪ ،‬وأنه ال حتويه اِلهات ه‬
‫الس ُّ‬
‫ات‪ ،‬فل ُيده ال همقدار‪ ،‬وال حتويه األقطار‪ ،‬وال حتيط بههه اِلههات‪ ،‬وال تكتنفه‬
‫المبتدع ه‬
‫األرضون وال السموات‪.)2(‬‬
‫على العرش‪ ،‬على الوجه ال هذي قاله‪ ،‬وابملعىن ال هذي أراده‪ ،‬استهواء‬ ‫استوى ‪‬‬ ‫‪‬قد‬
‫منزهاً عن املماسة واالستقرار‪ ،‬والتمكن واحللول واالنتقال‪ ،‬ال ُيمله العرش‪ ،‬بل العرش ومحلته‬
‫حممولون بلطف قدرته‪ ،‬ومقهورون هيف قبضته‪ ،)3(‬وما العرش والكون كله‪ ،‬أمام عظمة للا‬
‫أي‬ ‫‪ ،‬إال كذرة تسبح يف العدم املطلق‪ ،‬وال ُّ‬
‫يصح حبال أن تكون بني اخلالق واملخلوق ُّ‬
‫نسبة‪ ،‬إال نسبة اخللق والتدبري‪ ،‬واإلجياد واإلمداد‪.‬‬
‫‪‬وأنه ‪ ‬ال ُي ُّل هيف شيء‪ ،‬وال ُي ُّل فه هيه شيء‪ ،‬ت عاىل عن أن ُيويه مكان‪ ،‬كما‬
‫تقدس عن أن ُيده زمان‪ ،‬بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان‪ ،‬وهو اآلن على ما علي هه‬
‫ه‬
‫س عن‬ ‫كان‪ ،‬وأنه ابئن عن خلقه بصفاته‪ ،‬ليس هيف ذاته سواه‪ ،‬وال هيف سواه ذاته‪ ،‬وأنه مقد ٌ‬
‫الت غيهري واالنتقال‪ ،‬ال حتلُّه احلو هادث‪ ،‬وال تعرتيه العوا هرض‪ ،‬بل ال يزال هيف نعوت جلله‪ ،‬منزهاً‬
‫عن الزوال‪ ،‬وهيف هصفات كماله‪ ،‬مستغنياً عن هزايدة االستكمال‪ ،‬وأنه هيف ذاته معلوم الوجود‬

‫(‪ )1‬العقيدة الطحاوية‪ ،‬ص (‪.)4‬‬


‫(‪ )2‬قواعد العقائد للغزايل‪ ،‬ص (‪.)51‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)52‬‬
‫‪177‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫ئي الذات ابألبصار‪ ،‬نعمةً همنه ولطفاً ابألبرار‪ ،‬هيف دار القرار‪ ،‬وإمتاماً همنه للنعيم‪،‬‬ ‫ابلعقول‪ ،‬مر ُّ‬
‫هابلنظ هر إهىل وجهه الك هرمي‪.)1(‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬صفات املعاين الذاتية‬

‫صفات حقيقيةٌ أزليةٌ‪ ،‬قائمةٌ بذاته العلهية‪ ،‬وال ُّ‬


‫يصح أن يتصف ِبضدادها‪ ،‬وهي‬ ‫ٌ‬ ‫وهي‬
‫احلي القيُّوم‪،‬‬
‫سبع صفات‪ :‬احلياة‪ ،‬والعلم‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والكلم؛ فهو ُّ‬
‫القوي المتني‪ ،‬السميع البصري‪،‬‬
‫العليم الواسع احلكيم‪ ،‬اللطيف اخلبري‪ ،‬القادر القدير املقتدر‪ُّ ،‬‬
‫الشهيد‪ ،‬الرقيب‪ ،‬ذو اإلرادة املطلقة‪ ،‬والكلم املنزه عن مجيع صفات كلم الِبية‪.‬‬
‫ومجيع صفاته ‪ ‬أزليةٌ‪ ،‬قائمةٌ بذاته العلهي هة‪ ،‬ال ُيدث وال يتجدد له أي وصف‪،‬‬
‫تغريه احلوادث‪ ،‬أو ُيل فيه وصف حادث‪ ،‬فما زال بصفاته قدمياً قبل خلقه‪ ،‬مل‬ ‫تعاىل أن ه‬
‫يزدد بكوُنم شيئاً‪ ،‬مل يكن قبلهم من صفته‪ ،‬وكما كان بصفاته أزلياً‪ ،‬كذلك ال يزال عليها‬
‫أبدايًّ‪ ،‬فليس بعد خل هق اخللق استفاد اسم اخلالق‪ ،‬وال إبحداث الِبية استفاد اسم الباري‪ ،‬له‬
‫معىن الربوبية وال مربوب‪ ،‬ومعىن اخلالق وال خملوق‪ ،‬ذلك ِبنه على كل شيء قدير‪ ،‬وكل شيء‬
‫ﱒ ﱔ ﱕ ﱖ ﱠﭐ‬
‫ﱡﭐ ﱐ ﱑ ﱓ‬ ‫إليه فقري‪ ،‬وكل أمر عليه يسري‪ ،‬ال ُيتاج إىل شيء‪،‬‬
‫[الشورى‪.)2( ]11:‬‬

‫القسم الرابع‪ :‬صفات األفعال‬

‫ويصح أن يتصف هبا وِبضدادها‪ ،‬كاخللق‬ ‫ُّ‬ ‫وهي صدور األفعال عن قدرته وإرادته‪،‬‬
‫زق‪ ،‬واإلحياء واإلماتة‪ ،‬وغريها‪ ،‬فهو اخلالهق البا هرئ‪ ،‬المص هور الغفار القهار‪ ،‬الوهاب‬ ‫والر ه‬
‫اسط‪ ،‬اخلافهض الرافهع‪ ،‬المعهُّز الم هذ ُّل‪ ،‬احلكم العدل‪ ،‬الل هطيف‬ ‫الرزاق‪ ،‬الفتاح‪ ،‬القابهض الب ه‬
‫احللهيم‪ ،‬الغفور الشكور‪ ،‬احل هفيظ الم هقيت‪ ،‬احل هسيب الك هرمي‪ ،‬الم هجيب‪ ،‬الودود‪ ،‬الباعهث‬
‫صي المب هدئ المعهيد‪ ،‬المحيهي الم هميت‪ ،‬الو هاجد‪ ،‬المق هدم المؤ هخر‪ ،‬الو هايل‬ ‫الوكهيل‪ ،‬الوه ُّ‬
‫يل المح ه‬

‫(‪ )1‬قواعد العقائد‪ ،‬ص (‪.)54-5٣‬‬


‫(‪ )2‬العقيدة الطحاوية‪ ،‬ص (‪.)4‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪178‬‬

‫ك ذو اِلل هل وا هإلكرهام‪ ،‬المق هسط اِل هامع‪،‬‬ ‫الِبُّ‪ ،‬الت واب المن ت هقم‪ ،‬العف ُّو الرءوف‪ ،‬مالهك املل ه‬
‫المغ هين‪ ،‬المعطي المانهع‪ ،‬الض ُّار النافهع‪ ،‬النُّور اْل هادي‪ ،‬الب هديع‪ ،‬الوا هرث‪ ،‬الرهشيد الصبور‪.‬‬

‫القسم اخلامس‪ :‬الصفات اجلامعة‬

‫للرب ‪ ،‬ومعاين التنزيه عن‬ ‫األفعالتمع سائر ما مر من صفات معاين الكمال ه‬ ‫وهي الِت‬
‫يد املكان‪ ،‬واِلللة والعظمة‪ ،‬والعزة والكِبايء‪ ،‬واحلمد‬ ‫كالعلو المطلق عن ق ه‬
‫ه‬ ‫صفات النقص‪،‬‬
‫والمجد‪ ،‬فهو اِللهيل واِلميل‪ ،‬العله ُّي المت ع هايل األعلى‪ ،‬الع هظيم الكبهري‪ ،‬الم هجيد احل هميد‪،‬‬
‫الم ه‬
‫اجد‪.‬‬
‫موصوف بصفة احلياة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬املؤثرة يف إجياد وإعدام مجيع املمكنات‪ ،‬فهو‬‫ٌ‬ ‫فهو‬
‫قاهر‪ ،‬ال ي ع هرتيه قصور وال عجز‪ ،‬وال َتخذه هسنةٌ وال نوم‪ ،‬وال ي عارضه فناء‬
‫ادر‪ ،‬جب ٌار ٌ‬
‫ح ٌّي ق ٌ‬
‫السلطان والقهر‪ ،‬واخللق واألمر‪،‬‬
‫وال موت‪ ،‬وأنه ذو الملك وامللكوت‪ ،‬والعزة واِلِبوت‪ ،‬له ُّ‬
‫ت بهي همينه هه‪ ،‬واخللئهق مقهورون هيف قبضته‪ ،‬وأنه المن فرد ابخللق واالخرتاع‪،‬‬
‫والسموات مط هواي ٌ‬
‫املتوحد ابإلجياد واإلبداع‪ ،‬خلق اخللق وأعماْلم‪ ،‬وقدر أرزاقهم وآجاْلم‪ ،‬ال يش ُّذ عن قبضته‬
‫مقدور‪ ،‬وال يعزب عن قدرته تصاريف األمور‪ ،‬ال حتصى مقدوراته‪ ،‬وال تتناهى معلوماته‪.)1(‬‬
‫موصوف بصفة العلم‪ ،‬الكاشف ِلميع املعلومات‪ ،‬سواء املوجودات‬ ‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫ط همبا جي هري من توم األرضني إهىل أعلى‬ ‫واملعدومات‪ ،‬فهو عاملٌ هجب همي هع املعلومات‪ ،‬هحمي ٌ‬
‫السموات‪ ،‬وأنه عاملٌ ال يعزب عن علمه همث قال ذرة هيف األرض وال هيف السماء‪ ،‬بل يعلم دبهيب‬
‫النملة السوداء‪ ،‬على الصخرة الصماء‪ ،‬هيف اللي لة الظلماء‪ ،‬ويدرك حركة الذر هيف جو اْلواء‪،‬‬
‫اجس الضمائر‪ ،‬وحركات اخلواطر‪ ،‬وخفيات السرائر‪،‬‬ ‫السر وأخفى‪ ،‬ويطلهع على هو ه‬ ‫ويعلم ه‬
‫بهعلم قدمي أزيل‪ ،‬مل يزل موصوفاً بههه‪ ،‬هيف أزل اآلزال‪ ،‬ال بهعلم متجدد ح ه‬
‫اصل هيف ذاته ابحللول‬
‫واالنتقال‪.)2(‬‬

‫(‪ )1‬قواعد العقائد‪ ،‬ص (‪.)55-54‬‬


‫(‪ )2‬املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)56-55‬‬
‫‪179‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫موصوف بصفة اإلرادة‪ ،‬املؤثرة يف تصيص مجيع املمكنات‪ ،‬فهو م هري ٌد‬ ‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫يل أو كثريٌ‪ ،‬صغهريٌ أو كبهريٌ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ه ه‬
‫دبر للحاداثت‪ ،‬فل جيري يف الملك وامللكوت‪ ،‬قل ٌ‬ ‫للكائنات‪ ،‬م ٌ‬
‫فوز أو خسران‪ ،‬هزايدة أو ن قصان‪،‬‬ ‫خري أو شر‪ ،‬نفع أو ضر‪ ،‬إهميان أو كفر‪ ،‬عرفان أو نكر‪ٌ ،‬‬
‫طاعة أو عصيان‪ ،‬إهال بهقضائههه وقدره‪ ،‬وحكمته ومشيئته‪ ،‬فما شاء كان‪ ،‬وما مل يشأ مل يكن‪،‬‬
‫ال خيرج عن م هشيئته لفتة انظر‪ ،‬وال فلتة خاطر‪ ،‬بل هو املبديء املعيد‪ ،‬الفعال ملا ي هريد‪ ،‬ال راد‬
‫صيته إهال بتوفيقه ورمحته‪ ،‬وال ق وة له على‬ ‫ألمره‪ ،‬وال معقب لقضائه‪ ،‬وال مهرب لعبد عن مع ه‬
‫اطني‪ ،‬على أن ُيركوا‬ ‫اإلنس واِلهن‪ ،‬والملئهكة والشي ه‬
‫طاعته إهال مبشيئته وإرادته‪ ،‬ف لو اجتمع ه‬
‫هيف العامل ذرة أو يسكنوها‪ ،‬دون إهرادته ومشيئته‪ ،‬لعجزوا عن ذلهك‪ ،‬وأن إهرادته قائهمة بهذاتههه‪ ،‬هيف‬
‫مجلة هصفاته‪ ،‬مل يزل كذلهك موصوفاً هبا‪ ،‬م هريداً هيف أزله لوجود األشياء هيف أوقاهتا ال هِت قدرها‪،‬‬
‫فوجدت هيف أوقاهتا كما أراده هيف أزله‪ ،‬من غري تقدم وال َتخر‪ ،‬بل وقعت على وفق علمه‬
‫ص زمان؛ فلذلهك مل‬ ‫تبدل وال تغري‪ ،‬دب ر األمور ال برتتيب أفكار‪ ،‬وال تربُّ ه‬‫وإرادته‪ ،‬من غري ُّ‬
‫يشغله شأن عن شأن‪.)1(‬‬
‫موصوف بصفِت السمع والبصر‪ ،‬الكاشفني ِلميع املوجودات‪ ،‬فهو ٌ‬
‫مسيع‬ ‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫صريٌ‪ ،‬يسمع ويرى‪ ،‬ال يعزب عن مسعه مسموع وإهن خ هفي‪ ،‬وال يغيب عن رؤيته مرئي وإهن‬ ‫به‬
‫ظلم‪.)2(‬‬
‫دق‪ ،‬وال ُيجب مسعه بع ٌد‪ ،‬وال يدفع رؤي ته ٌ‬
‫وهو موصوف بصفة الكالم‪ ،‬الد ُّال على مجيع املعلومات‪ ،‬الِت أحاط هبا علمه‪،‬‬
‫لم‪ ،‬آمٌر انهٌ‪ ،‬واع ٌد مت وعه ٌد‪ ،‬بهكلم أزيل قدمي‪ ،‬قائهم بهذاتههه‪ ،‬ال يشبه كلم اخللق‪،‬‬
‫‪‬فهو متك ٌ‬
‫ف ليس بهصوت ُيدث من انسلل هواء أو اصطكاك أجرام‪ ،‬وال هحبرف‪ ،‬ي ن ق هطع إبطباق شفة‬
‫اإل هجنيل والزبور‪ ،‬كتبه المنزلة على رسله ‪ ،‬والقرآن‬ ‫أو حت هريك لهسان‪ ،‬والقرآن والتوراة و ه‬

‫(‪ )1‬قواعد العقائد‪ ،‬ص (‪.)57-56‬‬


‫(‪ )2‬املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)58‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪180‬‬

‫احف‪ ،‬حمفوظ هيف القلوب‪ ،‬وهو مع ذلهك قدمي قائهم بهذات‬ ‫مقروء ابأللسنة‪ ،‬مكتوب هيف المص ه‬
‫للا ت عاىل‪ ،‬ال يقبل هاالن هفصال واالفرتاق‪ ،‬ابالنتقال إهىل القلوب واألوراق‪.)1(‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬ما جيب اعتقاده من تنزيه هللا تعاىل عن صفات النقص‬

‫عن االتصاف ِبضداد الصفة النفسية‪ ،‬وصفات التقديس‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫جيب تنزيه للا‬
‫وصفات املعاين الذاتية‪ ،‬والصفات اِلامعة‪ ،‬فهو من زهٌ عن قبول العدم والفناء‪ ،‬وعن احلدوث‪،‬‬
‫وعن أن يقبل التعدد والشركة يف ذاته أو صفاته أو أفعاله‪ ،‬وعن مشاهبة اخللئق يف أي معىن‬
‫من املعاين‪ ،‬وعن مانستهم يف أي قدر مشرتك من احلقيقة‪ ،‬وعن االفتقار إىل موجد أو‬
‫مكان‪ ،‬أو حمل يقوم فيه‪.‬‬
‫وهو منزه عن املوت‪ ،‬و ه‬
‫السنة والنوم‪ ،‬وعن اِلهل والش ه‬
‫ك والظ هن‪ ،‬وعن العجز واإلكراه‬ ‫ٌ‬
‫واالضطرار يف الفعل‪ ،‬وعن اآلفة يف السمع والبصر والكلم‪ ،‬وعن مشاهبة اخللئق يف مسعهم‬
‫وبصرهم وكلمهم‪ ،‬فهو ي رى من غري حدقة وأجفان‪ ،‬ويسمع من غري أص همخة وآذان‪ ،‬كما‬
‫يعلم بهغري قلب‪ ،‬ويبطش بهغري جارحة‪ ،‬وخيلق بهغري آلة؛ إهذ ال تشبه هصفاته هصف ه‬
‫ات اخللق‪ ،‬كما‬
‫ال تشبه ذاته ذوات اخللق‪ ،)2(‬و هصفاته كلها ههخبلف هصفات املخلوقني‪ ،‬يعلم ال كعلمنا‪،‬‬
‫ويقدر ال كقدرتنا‪ ،‬ويرى ال كرؤيتنا‪ ،‬ويتكلم ال ككلمنا‪ ،‬ويسمع ال كسمعنا‪ ،‬فنحن نتكلم‬
‫ابآلالت واحلروف‪ ،‬وللا ت عاىل يتكلم بهل آلة وال حروف‪ ،‬واحلروف خملوقة‪ ،‬وكلم للا ت عاىل‬

‫احف‬‫(‪ )1‬قواعد العقائد‪ ،‬ص (‪ .)5٩‬قال اإلمام أبو حنيفة ‪ :‬والقرآن كلم للا ت عاىل‪ ،‬هيف المص ه‬
‫آن خملوق‪،‬‬ ‫مكتوب‪ ،‬وهيف القلوب حمفوظ‪ ،‬وعلى األلسن مقروء‪ ،‬وعلى النهب ‪ ‬منزل‪ ،‬ولفظنا هابلقر ه‬
‫وكتابتنا له خملوقة‪ ،‬وقراءتنا له خملوقة‪ ،‬والقرآن غري خملوق‪ .. ،‬ومسع موسى ‪ ‬كلم للا ت عاىل‪ ،‬وقد‬
‫كان للا ت عاىل متكلماً‪ ،‬ومل يكن كلم موسى ‪ .. ،‬ف لما كلم للا موسى‪ ،‬كلمه بهكل هم هه ال هذي هو‬
‫له صفة هيف األزل‪ ،‬و هصفاته كلها ههخبلف هصفات املخلوقني‪ ..،‬ويتكلم ال ككلمنا‪َ ..‬وحنن نتكلم‬
‫ابآلالت واحلروف‪َ ،‬وهللا تَ َع َاىل يتَ َكلَّم بَِّال آلَة َوَال ُح ُروف‪ ،‬واحلروف خملوقة‪َ ،‬وَك َالم هللا تَ َع َاىل غري‬
‫َخمْلُوق‪ .‬الفقه األكِب‪ ،‬ص (‪.)26-2٠‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)58‬‬
‫‪181‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫غري خملوق‪ ،‬وهو ‪ ‬شيءٌ ال كاألشياء‪ ،‬ومعىن الشيء‪ :‬الثَّابِّت بِّ َال جسم َوَال َج ْو َهر َوَال‬
‫عرض َوَال حد لَهُ َوَال ضد لَهُ َوَال ند لَهُ َوَال مثل لَهُ‪.)1(‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬ما جيب اعتقاده‪ ،‬من كمال قدرة هللا ‪ ‬على الفعل‪،‬‬
‫احلقيقي‬
‫ُّ‬ ‫إبجياد املخلوقات‪ ،‬إذا تعلقت هبا إرادته األزلية‪ ،‬وأنه الفاعل‬
‫َوحدهُ‪ ،‬ال شريك له‪ ،‬يف اخللق واألمر‪.‬‬

‫يؤمن أهل السنة واِلماعة‪ ،‬السادة األشاعرة واملاتريدية‪ِ ،‬بنه ‪ ‬خالق مجيع األشياء‬
‫ه‬
‫األسباب ومسبباهتا‪ ،‬فل‬ ‫وأحواْلا‪ ،‬وخالق األجسام وأعراضها‪ ،‬وخالق العباد وأفعاْلم‪ ،‬وخالق‬
‫ادث بههفعله هه‪ ،‬على أحسن الوجوه‪ ،‬وأمتها‪ ،‬فل مؤثر يف الكون إال هو‪،‬‬
‫موجود سواه إهال هو ح ٌ‬
‫وغريه ال َتثري له إطلقاً‪ ،‬ال بطريق العلة‪ ،‬وال الطبع‪ ،‬وال بقوة مودعة فيه‪ ،‬ولكن للا ‪‬‬
‫أجرى العادة أن خيلق املسببات عند أسباهبا‪ ،‬كما خلق املاء عند ضرب سيدان موسى ‪‬‬
‫احلجر‪ ،‬فليس يف العصا وال احلجر‪ ،‬قوةٌ مودعةٌ‪ ،‬هبا خيرج املاء‪ ،‬بل للا ‪ ‬هو الذي خلق‬
‫املاء‪ ،‬عند الضرب ابلعصا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫والسكِّني ال تَقطَع؛ إلن ه‬
‫روي‪ ،‬والنَّار َال ُحت ِّر ُق‪ِّ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫الشبع‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فاخلُ ُبز َال يُ ْشب ُع‪َ ،‬والْ َماءُ َال يُ ِّ َ ُ‬
‫ب خبلقها‪ ،‬فلم خيلق اخلِب ه‬
‫الشبع‪ ،‬ومل خيلق املاء‬ ‫الري وا هإلحراق والقطع‪ ،‬حو هادث‪ ،‬انفرد الر ُّ‬‫وه‬
‫الري‪ ،‬ومل تلق النار ا هإلحراق‪ ،‬وإن كانت أسباابً يف ذلك‪ ،‬فاخلالق هو المسبهب دون السبب‪،‬‬
‫ه‬
‫أن‬ ‫كما قال ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱠ[األنفال‪ .]17 :‬فقد ن فى ‪‬‬
‫ﱠ‬ ‫يكون رسوله خالهقاً لهلرم ه‬
‫ي‪ ،‬وإن كان سبباً فيه؛ لقوله ‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱊ ﱋ ﱌ‬

‫[األنعام‪.]102:‬‬
‫ادل هيف أقضيته‪ ،‬ال ي قاس عدله بهعدل العباد؛ إهذ‬
‫يم هيف أفعاله‪ ،‬ع ٌ‬ ‫ه‬
‫‪‬ويؤمنون ِبنه حك ٌ‬
‫العبد ي تصور همنه الظُّلم بتصرفه هيف ملك غريه‪ ،‬وال ي تصور الظُّلم من للا ت عاىل؛ فهإنه ال‬

‫(‪ )1‬الفقه األكِب أليب حنيفة‪ ،‬ص (‪.)25-24‬‬


‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪182‬‬

‫يصادف لغريه ملكاً حَّت يكون تصرفه فه هيه ظلماً‪ ،‬فكل ما سواه‪ ،‬من إنس وجن‪ ،‬وملك‬
‫حادث‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وشيطان‪ ،‬ومساء وأرض‪ ،‬وحيوان ونبات‪ ،‬ومجاد‪ ،‬وجوهر وعرض‪ ،‬ومدرك وحمسوس‪،‬‬
‫اخرتعه بقدرته بعد العدم اخرتاعاً‪ ،‬وأنشأه إنشاءً بعد أن مل يكن شيئاً؛ إهذ كان هيف األزل‬
‫موجوداً وحده‪ ،‬ومل يكن معه غريه‪ ،‬فأحدث اخللق بعد ذلهك؛ إهظه ًارا لقدرته‪ ،‬وحتقيقاً ملا سبق‬
‫من إهرادته‪ ،‬ولهما حق هيف األزل من كلمته‪ ،‬ال الفتقاره إهلي هه‪ ،‬وحاجته‪.)1(‬‬
‫متفضل ابخللق واالخرتاع والتكليف‪ ،‬ال عن وجوب‪ ،‬ومتط هوٌل ابإلنعام‬
‫ٌ‬ ‫‪‬وأنه ‪‬‬
‫اإلحسان‪ ،‬والنعمة واالمتنان‪ ،‬إهذ كان ق هاد ًرا على أن‬
‫واإلصلح‪ ،‬ال عن لزوم‪ ،‬فله الفضل و ه‬
‫يصب على عباده أن واع العذاب‪ ،‬ويبتليهم بضروب اآلالم واألوصاب‪ ،‬ولو فعل ذلهك لكان‬
‫همنه عدالً‪ ،‬ومل يكن همنه قبيحاً وال ظلماً‪ ،‬وأنه ‪ ‬يثيب عباده المؤمنهني على الطاعات‪،‬‬
‫هحبكم الكرم والوعد‪ ،‬ال هحبكم هاالستهحقاق واللزوم‪ ،‬له إهذ ال جيب علي هه ألحد فعل‪ ،‬وال ي تصور‬
‫حق‪ ،‬وأن حقه هيف الطاعات وجب على اخللق إبجيابه على أل هسنة‬ ‫همنه ظلم‪ ،‬وال جيب علي هه ٌّ‬
‫أنبيائه ‪ ،‬ال همبجرد العقل‪.)2(‬‬
‫وما مضى من األحكام‪ ،‬املتعلقة بصفات للا ‪ ،‬هو ما تضمنته الكلمة األوىل من‬
‫الشهادتني‪ ،‬وهي [شهادة أن ال إله إال اهلل]‪ ،‬وخلصته‪[ :‬أنه ال واجب للوجود لذاته إال هللا‪،‬‬
‫أي ال مستغين عن كل من عداه‪ ،‬وال مفتقر إليه كل من سواه‪ ،‬إال هللا؛ لذلك ال يستحق‬
‫العبادة إال هللا ‪.]‬‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬قواعد العقائد‪ ،‬ص (‪.)61-6٠‬‬


‫(‪ )2‬املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)61‬‬
‫‪183‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫املبحث الثاين‪ :‬النبوات‬

‫ما يقوله أهل السنة واِلماعة‪ ،‬السادة األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬يف أصول الدين‪ ،‬وما‬
‫من صفات الكمال‬ ‫يدينون به لرب العاملني‪ ،‬فيما يتعلق ابعتقاد ما جيب لَلنبياء ‪‬‬
‫البشري‪ ،‬وما يتنزهون عنه من صفات النقص البشري‪ ،‬وما جيوز عليهم من األعراض البشرية‪،‬‬
‫الِت ال تنايف مقاماهتم العلية‪:‬‬
‫قد بعث األنبياء‪ ،‬وأرسل املرسلني‪ ،‬مبشرين‬ ‫يؤمن أهل السنة واِلماعة أن للا ‪‬‬
‫ومنذرين ومشرعني‪ ،‬جبميع أقواْلم‪ ،‬وأفعاْلم‪ ،‬وصدقهم ابملعجزات اخلارقة للعادات‪ ،‬وأوجب‬
‫على اخللق اتباعهم مطلقاً؛ ومبا أن علم للا ‪ ‬حميط بكل معلوم‪ ،‬فيجب اعتقاد اتصافهم‬
‫ابلصدق واألمانة‪ ،‬والتبليغ والفطانة‪ ،‬وأُنم بلغوا أمره وُنيه‪ ،‬ووعده ووعيده‪ ،‬ف وجب على‬
‫اخللق تصديقهم فهيما جاءوا بههه‪.‬‬
‫وجيب اعتقاد أُنم منزهون عن الكذب واخليانة‪ ،‬ابلتلبس ظاهراً أو ابطناً ِبي خمالفة‬
‫شرعية‪ ،‬من الكفر والقبائح‪ ،‬والكبائر والصغائهر‪ ،‬ومنزهون عن كتمان ما أمروا بتبليغه‪ ،‬وعن‬
‫البلدة‪ ،‬كما أُنم منزهون عن األعراض البشرية الم هخل هة مبقاماهتم العلية‪ ،‬وكماالهتم البشرية‪،‬‬
‫كالِبص واِلنون واِلذام‪ ،‬واألمراض المن هفرة‪ ،‬لئل يكون للناس على للا حجة بعد الرسل‪.‬‬
‫وجيوز عليهم األعراض البشرية الغري الم هنفرة‪ ،‬كاألكل والشرب‪ ،‬والنوم واملرض‪ ،‬وحنوها؛‬
‫حتقيقاً ملقام العبودية‪ ،‬ورفقاً بضعفاء العقول؛ لئل يظنوا هبم ما هو من خصائص األلوهية‪،‬‬
‫وتعظيماً ألجورهم‪ ،‬وتنبيهاً على خسة الدنيا وحقارهتا؛ إذ لو كانت الدنيا كرمية عند للا‬
‫‪ ،‬لما كان أشد الناس بلءً هم األنبياء‪ ،‬وتشريعاً لَلحكام يف نزوْلا هبم‪ ،‬وتسلية لَلمة‬
‫من مشاق الدنيا‪.‬‬
‫وما مضى من األحكام املتعلقة ابألنبياء واملرسلني ‪ ،‬هو ما تضمنته الكلمة‬
‫الثانية من الشهادتني‪ ،‬وهي [شهادة أنَّ حممداً رسولُ اهلل]‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪184‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬السمعيات‬

‫ويدخل فيما تتضمنه كلمة [حممد رسول اهلل]‪ ،‬اإلميان جبميع ما جاء ‪ ‬من‬
‫األخبار‪ ،‬فيؤمن أهل السنة واِلماعة‪ ،‬األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬ابمللئكة‪ ،‬والنبيني‪ ،‬والكتب املنزلة‬
‫على املرسلني‪ ،‬ويشهدون أُنم على احلق املبني‪ ،‬ويؤمنون بكل ما أخِب به ‪ ‬من أمور‬
‫الغيب‪ ،‬ما حدث وما سيحدث إىل يوم القيامة‪ ،‬وما سيحدث يف يوم القيامة‪.‬‬
‫‪‬فيؤمنون مبا أخِب به ‪ ‬من خروج الدجال‪ ،‬وأيجوج ومأجوج‪ ،‬وطلوع الشمس من‬
‫مغ هرهبا‪ ،‬ونزول عهيسى علي هه السلم من السماء‪ ،‬وسائهر علمات ي وم ال هقيامة‪ ،‬على ما وردت‬
‫حق كائه ٌن‪.)1(‬‬
‫بههه األخبار الص هحيحة‪ ،‬وأُنا ٌّ‬
‫ويؤمنون ِبنه ‪‬ال يت قبل إميان عبد‪ ،‬حَّت يؤمن همبا أخِب بههه ‪ ‬بعد الموت‪ ،‬وأوله‬
‫سؤال منكر ونكهري‪ ،‬ومها ملكان مهيبان هائلن‪ ،‬يقعه ه‬
‫دان العبد هيف قِبه سوايً‪ ،‬ذا روح وجسد‪،‬‬
‫فيسأالنه عن الت و هحيد والرسالة‪ ،‬ويقوالن له‪ :‬من َربك؟ َوَما دينك؟ َومن نبيك‪ .‬ومها فتاان‬
‫حق وحكمه عدل‪،‬‬ ‫القِب‪ ،‬وسؤاْلما أول فت نة بعد الموت‪ ،‬ويؤمنون بهعذاب القِب ونعيمه‪ ،‬وأنه ٌّ‬
‫على اِلهسم والروح‪ ،‬على ما يشاء‪ ،‬وابمليزان‪ ،‬هذي الكفتني واللهسان‪ ،‬وصفته هيف العهظ هم أنه مثل‬
‫طب قات السموات واألرض‪ ،‬توزن فه هيه األعمال بقدرة للا ‪ ،‬والوزن ي ومئهذ مبثاقهيل الذر‬
‫واخلردل؛ حت هقيقا لتمام العدل‪ ،‬وتوضع صحائهف احلسنات‪ ،‬هيف كفة‪ ،‬فيثقل هبا ال هميزان على‬
‫قدر درجاهتا عهند للا‪ ،‬بهفضل للا‪ ،‬وتطرح صحائهف السيهئات هيف كفة‪ ،‬فيخف هبا ال هميزان‬
‫بهعدل للا‪.)2(‬‬
‫حق‪ ،‬وهو جسر مدود على منت جهنم‪ ،‬أح ُّد من السيف‪،‬‬ ‫الصراط ٌّ‬ ‫‪‬ويؤمنون هِبن ه‬
‫أدق من الشعرة‪ ،‬تزل علي هه أقدام الكافرين‪ ،‬هحبكم للا ‪ ،‬ف ت ه هوي هبم إهىل النار‪ ،‬وتثبت‬
‫و ُّ‬
‫علي هه أقدام المؤمنهني بهفضل للا‪ ،‬فيساقون إهىل دار القرار‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفقه األكِب‪ ،‬ص (‪.)72‬‬


‫(‪ )2‬قواعد العقائد‪ ،‬ص (‪.)65-6٣‬‬
‫‪185‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫ويؤمنون ابحلوض املورود حوض حممد ‪ ،‬يشرب همنه المؤمنهني قبل دخول اِلنة‪،‬‬
‫الصراط‪ ،‬من شرب همنه شربةً‪ ،‬مل يظمأ بعدها أبداً‪ ،‬عرضه مسرية شهر‪ ،‬ماؤه أ ُّ‬
‫شد‬ ‫وبعد جواز ه‬
‫اضا من اللنب‪ ،‬وأحلى من العسل‪ ،‬حوله أاب هريق‪ ،‬عددها بهعدد جنوم السماء‪ ،‬فه هيه هميزااب هن‪،‬‬ ‫بي ً‬
‫ان فه هيه من الكوثر‪.)1(‬‬
‫يصب ه‬
‫اب‪ ،‬وتفاوت الناس فه هيه‪ ،‬إهىل مناقش هيف احلساب‪ ،‬وإهىل مسامح فه هيه‪،‬‬ ‫‪‬ويؤمنون هابحلهس ه‬
‫وإهىل من يدخل اِلنة بهغري هحساب‪ ،‬وهم املقربون‪ ،‬فيسأل للا ‪ ‬من يشاء من األنبهياء‪ ،‬عن‬
‫ت بلهيغ الرسالة‪ ،‬ومن شاء من الكفار‪ ،‬عن تك هذيب المرسلني‪ ،‬ويسأل املبتدعة‪ ،‬عن السنة‪،‬‬
‫ويسأل المسلمني عن األعمال‪.)2(‬‬
‫‪‬ويؤمنون ِبن اِلنة والنار خملوقتان‪ ،‬وأُنما ابقيتان‪ ،‬ال تفنيان أبداً‪ ،‬وأن أهل اِلنة ال‬
‫خيرجون منها أبداً‪ ،‬بفضل للا ‪ ،‬وأن أهل النار الكافرين‪ ،‬ال خيرجون منها أبداً‪ ،‬بعدل للا‬
‫‪.)3( ‬‬
‫‪‬ويؤمنون إبههخراج المو هحدين من النار‪ ،‬بعد االنتقام‪ ،‬حَّت ال يبقى هيف جهنم موح ٌد‬
‫بهفضل للا ‪ ،‬فل خيلد هيف النار موح ٌد‪ ،‬ويؤمنون بشفاعة النب ‪ ‬الكِبى‪ ،‬وأُنا املقام‬
‫المحمود‪ ،‬وبشفاعة األنبهياء ‪ ،‬مث العلماء‪ ،‬مث الشُّهداء‪ ،‬مث سائهر المؤمنهني‪ ،‬كلٌّ على‬
‫يع‪ ،‬أخرج بهفضل‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫حسب جاهه ومنزلته عند للا ‪ ،‬ومن بقي من المؤمنني‪ ،‬ومل يكن له شف ٌ‬
‫ؤمن‪ ،‬بل خيرج همن ها من كان هيف قلبه همث قال ذرة من ه‬
‫اإلميان‪.)4(‬‬ ‫للا ‪ ،‬فل خيلد هيف النار م ٌ‬
‫‪‬ويؤمنون برؤية أهل اِلنة لل ‪ِ ،‬بعني رؤوسهم‪ ،‬بهل تشبهيه وال كيفية‪ ،‬وال هجهة وال‬
‫بل‬ ‫إحاطة‪ ،‬وال يكون بينه وبني خلقه مسافة‪ ،)5(‬وال اتصال شعاع‪ ،‬بل كما علموه ‪‬‬
‫كيف وال حد‪ ،‬وال جسم وال جوهر وال عرض‪ ،‬كذلك يرونه‪ ،‬إذ ليس قرب للا ت عاىل وال‬

‫قواعد العقائد‪ ،‬ص (‪.)67-66‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫املصدر السابق‪ ،‬ص (‪.)68-67‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫عقيدة السلف وأصحاب احلديث‪ ،‬لشيخ اإلسلم أيب عثمان الصابوين‪ ،‬ص (‪.)264‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫قواعد العقائد‪ ،‬ص (‪.)7٠-68‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الفقه األكِب أليب حنيفة‪ ،‬ص (‪.)5٣‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪186‬‬

‫بعده‪ ،‬من ط هريق طول المسافة وقصرها‪ ،‬ولكهن على معىن الكرامة واْلوان‪ ،‬فاملطيع قريب همنه‬
‫بهل كيف‪ ،‬والعاصي بعيد همنه بهل كيف‪ ،‬والقرب والبعد واإلقبال يقع على املناجي‪ ،‬وكذلهك‬
‫جواره هيف اِلنة‪ ،‬والوقوف بني يدي هه بهل كيفية‪ ،‬وال مسافة‪)1(‬؛ إذ ليس هو حمصوراً يف مكان‪،‬‬
‫وال متحيهزاً يف جهة‪.‬‬
‫ويثبتون كرامات األولياء‪ ،‬ويعتقدون أُنا من فعل للا ‪‬؛ إكراماً ْلذا الويل‪ ،‬فيظهر‬
‫الكرامة على طريق خرق العادة للويل‪ ،‬من قطع املسافة البعيدة يف املدة القليلة‪،‬‬ ‫للا ‪‬‬
‫وظهور الطعام والشراب واللباس عند احلاجة‪ ،‬واملشي على املاء‪ ،‬والطريان يف اْلواء‪ ،‬وكلم‬
‫اِلماد والعجماء‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬وكل ما جاز أن يكون معجزة لنب‪ ،‬جاز أن يكون كرامة لويل؛‬
‫ألُنما كليهما من فعل للا وحده‪ ،‬ال من فعل األنبياء وال األولياء؛ إذ ال فاعل إال للا ‪،‬‬
‫وتكون الكرامة معجزة للرسول الذي ظهرت هذه الكرامة لواحد من أمته؛ ألنه يظهر هبا أنه‬
‫ويلٌّ‪ ،‬ولن يكون ولياً إال أن يكون هحمقاً يف داينته‪ ،‬واتباعه لرسوله‪ ،‬فعادت كرامات األولياء‪،‬‬
‫معجزات لَلنبياء‪.)2(‬‬
‫‪‬ويعتقدون ِبن أفضل اخلل هق على اإلطلق‪ ،‬هو نبينا ‪ ،‬مث إخوانه من النبهيني‬
‫‪ ،‬مث خو ُّ‬
‫اص امللئكة‪ ،‬مث أبو بكر الصديق‪ ،‬مث عمر بن اخلطاب الفاروق‪ ،‬مث عثمان‬
‫بن عفان ذو النورين‪ ،‬مث علي بن أيب طالب املرتضى‪ ،‬مث بقية العشرة املبشرين ابِلنة‪ ،‬مث أهل‬
‫بدر‪ ،‬مث أهل أحد‪ ،‬مث أهل بيعة الرضوان‪ ،‬مث سائر الصحابة رضوان للا علي ه م أمجعهني‪،‬‬
‫فضل الصحابة ‪ ،‬وُي هسنون الظن هجب همي هع الصحابة‪ ،‬ويثنون علي ه م‪ ،‬كما أثىن‬
‫ويعتقدون ب ه‬
‫للا ‪ ،‬ورسوله ‪.)3(‬‬
‫نجي من اخللود يف النريان‪ :‬هو التصديق مبا جاء به النب‬ ‫ويعتقدون ِبن اإلميان الم ه‬
‫‪ ،‬يف مجيع ما علهم أنه من الدي هن ابلضرورة‪ ،‬إمجاالً يف اإلمجايل‪ ،‬وتفصيلً يف التفصيلي‪،‬‬

‫(‪ )1‬قواعد العقائد‪ ،‬ص (‪.)67‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬شرح العقائد النسفية‪ ،‬للسعد التفتازاين‪ ،‬ص (‪.)1٩2-18٩‬‬
‫(‪ )3‬قواعد العقائد‪ ،‬ص (‪.)7٠‬‬
‫‪187‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫كما يف حديث جِبيل ‪ ، ‬يف سؤاله عن حقيقة اإلميان‪ ،‬فلم يذكر إال التصديق ِبركان‬
‫اإلميان‪.‬‬
‫نجي من دخول جهنم ابتداءً‪ ،‬فهو ما جيمع‪ :‬التصديق ابِلنان‪،‬‬ ‫وأما اإلميان الم ه‬
‫واإلقرار ابللسان‪ ،‬والعمل ابألركان‪ ،‬وعليه ُيمل كلم السلف الصاحل‪ ،‬يف تعريف اإلميان‪.‬‬
‫كفرون أحداً من أهل القبلة بذنب‪ ،‬ما مل يستحله‪ ،‬ال مرتكب الكبرية‪،‬‬‫‪‬وعليه؛ فل ي ه‬
‫وال اترك العمل الصاحل‪ ،‬خلفاً للخوارج‪ ،‬وال خيرجون أحداً من الدين‪ ،‬إال جبحوده أمراً‬
‫بلة مسلمني مؤمنني‪ ،‬ما داموا مبا جاء به النب ‪‬‬ ‫سمون أهل ه‬
‫الق ه‬ ‫معلوماً منه ابلضرورة‪ ،‬وي ُّ‬
‫بكل ما قال وأخِب مص هدقني‪ ،‬ويرجون للمحسنني من املؤمنني أن يعفو عنهم‪،‬‬
‫معرتفني‪ ،‬وله ه‬
‫ويدخلهم اِلنة برمحته‪ ،‬وال يشهدون ْلم ابِلنة‪ ،‬ويستغفرون لهمسيئهم‪ ،‬وخيافون عليهم‪ ،‬وال‬
‫يقنهطوهم من رمحته‪.)1(‬‬
‫فهذه مجلة ما يعتقده أهل السنة واِلماعة‪ ،‬السادة األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬وما يعتقده‬
‫علماء التبليغ‪ ،‬يف اْلند‪ ،‬والباكستان‪ ،‬وبنغلديش‪ ،‬وغريها من بلد العامل‪ ،‬وما يدرس يف‬
‫مدارسهم الدينية(‪ ،)2‬الِت ت هرج اآلالف المؤلفة‪ ،‬من طلبة العلم الدُّعاة‪ ،‬الذين جيوبون مشارق‬
‫األرض ومغارهبا؛ يف نشر الصفات اإلميانية‪ ،‬ونشر منهجية أهل السنة واِلماعة‪ ،‬ابحلكمة‬
‫واملوعظة احلسنة‪.‬‬

‫(‪ )1‬العقيدة الطحاوية‪ ،‬ص (‪ )18-17‬بتصرف‪.‬‬


‫(‪ )2‬من مجلة الكتب الِت تدرس يف املدارس الدينية التابعة ملراكز التبليغ يف بلد القارة اْلندية‪ ،‬كتاب‬
‫‪‬العقيدة الطحاوية‪ ،‬بشرح العلمة عبد الغين الغنيمي امليداين احلنفي املاتريدي ‪ ، ‬كما درسناه‬
‫يف مركز التبليغ يف ابكستان (رايوند)‪ ،‬على شيخنا العلمة احملدث‪ ،‬إحسان احلق بن بشري احلق‬
‫حفظه للا ورعاه‪ ،‬وكذلك يدرس كتاب ‪‬شرح العقائد النسفية لإلمام التفتازاين ‪ ، ‬كما هو‬
‫احلال يف كثري من مدارس التبليغ‪ ،‬التابعة لدار العلوم ديوبند‪ ،‬يف اْلند والباكستان‪ ،‬غريمها‪ ،‬ويف غريمها‬
‫من البلد‪ ،‬يدرس شروحات جوهرة التوحيد‪ ،‬وخاصة حتفة املريد لإلمام البيجوري ‪ ،‬وكتب‬
‫اإلمام السنوسي ‪.‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪188‬‬

‫أسأل للا العظيم رب العرش العظيم أن ُييهي نا على هذه العقيدة الصافية‪ ،‬وأن يوفقنا‬
‫لنشرها بني العاملني؛ فإُنا ه‬
‫الصراط املستقيم‪ ،‬وأن يتوفاان عليها‪ ،‬وعلى الدعوة إليها‪ ،‬إنه ب ٌّر‬
‫اب رحيم‪ ،‬وآخر دعواان أن احلمد لل رب العاملني‪.‬‬
‫تو ٌ‬

‫******‬
‫‪189‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫خاتمة‬

‫بعد هذه اِلولة املباركة ‪ -‬إن شاء للا تعاىل ‪ -‬يف بيان عقيدة علماء التبليغ‪ ،‬وأُنم على‬
‫عقيدة أهل السنة واِلماعة األشاعرة واملاتريدية‪ ،‬ال خيالفوُنم يف مسألة واحدة‪ ،‬وأن هذه‬
‫العقيدة الصافية متثل عقيدة السلف الصاحل واخللف الصاحل‪ ،‬وعقيدة السواد األعظم من‬
‫علماء األمة على مر العصور‪ ،‬أقول‪ :‬إن عمل الدعوة والتبليغ عن للا تعاىل هو خلفة النب‬
‫ونيابته يف أمته‪ ،‬وأن القائمني به هم أولياء للا وحزبه وخاصته من خلقه ما كانوا‬ ‫‪‬‬
‫خملصني‪ ،‬وملتزمني مبنهج أهل السنة واِلماعة‪ :‬عقيدةً وفقهاً وسلوكاً‪ ،‬فإذا دخل خلل يف أي‬
‫جانب من هذه اِلوانب‪ ،‬كانت هذه الدعوة منحرفة عن منهج احلق‪ ،‬فلن تكون مع أهلها‬
‫معية للا تعاىل ونصرته‪.‬‬

‫إال أن هذه الدعوة املباركة قامت على منهج أهل السنة واِلماعة يف مجيع مراحلها؛ لذا‬
‫كان ْلا القبول واالنتشار يف عامة بلد العامل‪ ،‬بتأييد للا تعاىل ونصرته‪ ،‬وإن حدث بعض‬
‫املخالفات من بعض األفراد‪ ،‬فإن ذلك ال يضر العمل؛ إذ هو يف أصله صحيح موافق ملنهج‬
‫احلق‪ ،‬والواجب على الدعاة هو التواصل الدائم ِبهل العلم الثقات من أهل السنة واِلماعة‪،‬‬
‫والرجوع إليهم يف أخذ الدين الكامل عنهم‪ ،‬عقيدة وفقهاً وسلوكاً‪ ،‬كما أن الواجب على‬
‫العلماء أن يتعاونوا معهم يف إرشادهم وتشجيعهم‪.‬‬

‫و هختاماً أقول‪ :‬هذا ما من للا تعاىل به‪ ،‬مث ما وسعه اِلهد‪ ،‬وتوصل إليه فهم الكاتب‬
‫املتواضع‪ ،‬فيا أيها القارئ له‪ ،‬ما وجدت فيه من صواب وحق فاقبله وال تلتفت إىل قائله‪ ،‬بل‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪190‬‬

‫انظر إىل ما قال‪ ،‬ال إىل من قال‪ ،‬فقد قال ابن مسعود ‪ :‬اقْبَ ِّل ا ْحلَ َّق ِّممَّ ْن قَالَهُ َوإِّ ْن‬
‫َكا َن بغِّيضاً‪ ،‬ور َّد الْب ِّ‬
‫اط َل َعلَى َم ْن قَالَهُ َوإِّ ْن َكا َن َحبِّْيباً‪.)1(‬‬ ‫َ ْ َُ َ‬
‫والصواب من للا تعاىل وحده‪ ،‬وهو ُّ‬
‫املان به‪ ،‬وما كان فيه من خطأ فمن نفسي‬
‫والشيطان‪ ،‬وللا بريء منه ورسوله‪ ،‬ومل آل جهد اإلصابة‪ ،‬وأيىب للا إىل أن ينفرد ابلكمال‪.‬‬

‫وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملي‬

‫** ** **‬

‫(‪ )1‬أخرجه الطِباين يف الكبري (‪ )85٣7‬وقال اْليثمي‪ :‬رواه الطِباين ورجاله ثقات‪ ،‬إال أن معناً مل يدرك‬
‫ابن مسعود‪.‬‬
‫‪191‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫فهرس احملتويات‬

‫املقدمة‪)5(.........................................................................‬‬

‫متهيد‪)7(..........................................................................‬‬

‫الفصل األ ََّول ‪ :‬إثبات كون علماء التبليغ على عقيدة أهل السنة واِلماعة‪ ،‬وأن أهل السنة‬
‫ُ‬
‫واِلماعة هم السادة األشاعرة‪ ،‬واملاتريدية‪ ،‬وفضلء احلنابلة وأهل احلديث‪)14(............‬‬

‫املبحث األول‪ :‬بيان موافقة عقيدة علماء ديوبند‪ ،‬مبن فيهم موالان وشيخ مشاخينا الشيخ‬
‫العلمة الداعية حممد إلياس الكاندهلوي ‪ ،‬وسائر علماء التبليغ الكرام‪ ،‬لعقيدة أهل‬
‫السنة واِلماعة‪ ،‬األشاعرة واملاتريدية‪)15(.............................................‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مذاهب أهل السنة واِلماعة يف أصول الدين (العقيدة)‪)25(..............‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬االستدالل على أن أهل السنة واِلماعة هم السادة األشاعرة واملاتريدية‬
‫أهل احلديث‪)٣4(..................................................‬‬ ‫وفضلء احلنابلة و ه‬

‫الدليل األول‪ :‬اتفاقهم على عقيدة اإلمام الطحاوي الِت أمجعت األمة على قبوْلا‪)٣4(......‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن عامة علماء املسلمني يف املشرق واملغرب‪ ،‬وعلى مر التاريخ‪ ،‬ينتسبون‬
‫لَلشاعرة واملاتريدية‪ ،‬وهم الذين نقلوا الدين لَلمة‪)٣6(.................................‬‬

‫الدليل الثالث‪ :‬اعتماد عقيدة األشاعرة واملاتريدية يف البلد اإلسلمية‪ ،‬على مر التاريخ(‪)45‬‬

‫الدليل الرابع‪ :‬شهادة أئمة احلنابلة‪ ،‬أن أهل السنة واِلماعة‪ ،‬هم أهل هذه املذاهب‬
‫الثلثة‪)5٠(........................................................................‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬شبهة مرور اإلمام أيب احلسن األشعري بثلث مراحل‪ ،‬والرتاجع عن مذهبه‬
‫بعد توبته من االعتزال‪)51(..........................................................‬‬
‫عقيدة علماء التبليغ‬ ‫‪192‬‬

‫املبحث اخلامس‪ :‬أصول عقيدة أهل السنة واِلماعة‪)61(...............................‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬أصول عقيدة فضلء احلنابلة‪)67(...................................‬‬

‫املبحث السابع‪ :‬منهج أهل السنة يف التعامل مع النصوص املتشاهبة‪)81(.................‬‬

‫املطلب األول‪ :‬طرق أهل السنة يف التعامل مع النصوص املتشاهبة‪)82(...................‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬سبب اختلف أهل السنة يف طرق التعامل مع النصوص املتشاهبة‪)8٩(.....‬‬

‫املبحث الثامن‪ :‬أقوال أئمة السلف يف منهج التعامل مع النصوص املتشاهبة‪)٩٣(..........‬‬

‫املطلب األول‪ :‬نقوالت عن أئمة اْلدى يف منهج التعامل مع النصوص املتشاهبة‪)٩٣(......‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬دراسة مقولة اإلمام مالك (االستواء غري مهول‪ ،‬والكيف غري معقول)(‪)1٠1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬ذكر رواايت هذه املقولة‪)1٠1(..........................................‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬ذكر معىن هذه املقولة ومراد اإلمام مالك منها‪)1٠4(.......................‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬أقوال أئمة اْلدى فيما يوافق ويشرح كلم اإلمام مالك يف االستواء‪)1٠٩(....‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬ذكر آايت االستواء وبيان املعىن الذي سيقت له‪)114(.....................‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬الكلم على حديث اِلارية ‪)117(....................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬دراسة حديث اِلارية سنداً ومتناً‪)117(...................................‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬أقوال أئمة أهل السنة واِلماعة يف شرح حديث اِلارية‪)122(............. .‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬معىن العلو والفوقية لل عز وجل‪)125(...................................‬‬


‫‪193‬‬ ‫مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة‬

‫املبحث التاسع‪ :‬نصوص السلف الصاحل يف استحالة اتصاف للا تعاىل بوصف حادث‪ ،‬أو‬
‫استحالة الت غ ُّهري عليه وقيام احلوادث بذاته العلهية‪)12٩(..................................‬‬

‫املبحث العاشر‪ :‬مناذج من َتويلت السلف الصاحل‪)1٣8(..............................‬‬

‫املبحث احلادي عشر‪ :‬مناذج من َتويلت اإلمام احملدث املفسر‪ ،‬حميي السنة‪ ،‬البغوي‬
‫‪ ، ‬للنصوص املتشاهبة‪ ،‬من خلل كتابيه (معامل التنزيل يف تفسري القرآن) و(شرح‬
‫السنة)‪)14٩(......................................................................‬‬

‫املبحث الثاين عشر‪ :‬مقدمات مهمة متعلقة بعلم التوحيد والكلم‪)158(.................‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مبادئ علم التوحيد والكلم‪)158(.....................................‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬سبب نشأة علم التوحيد والكلم‪)164(.................................‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬شبهة حول تعلم علم الكلم‪)168(...................................‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬خمتصر عقيدة أهل السنة واِلماعة‪ ،‬السادة األشاعرة‪ ،‬واملاتريدية‪)174(......‬‬
‫املبحث األول‪ :‬اإلْليات ‪)175(.....................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ما جيب اعتقاده من صفات الكمال ه‬
‫للرب ‪)175(....................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬ما جيب اعتقاده من تنزيه للا ‪ ‬عن صفات النقص‪)18٠(...............‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ما جيب اعتقاده‪ ،‬من كمال قدرة للا ‪ ‬على الفعل‪ ،‬إبجياد املخلوقات‪ ،‬إذا‬
‫احلقيقي وحده ال شريك له يف اخللق واألمر‪)181(...‬‬
‫ُّ‬ ‫تعلقت هبا إرادته األزلية‪ ،‬وأنه الفاعل‬

‫املبحث الثاين‪ :‬النبوات ‪)18٣(......................................................‬‬


‫املبحث الثالث‪ :‬السمعيات ‪)184(..................................................‬‬
‫خامتة ‪)18٩( ......................................................................‬‬

‫فهرس احملتوايت‪)1٩1(..............................................................‬‬

You might also like