Professional Documents
Culture Documents
يف
عَقِيـــدَةِ أهل السُّــــنَّة
(عقيدة علماء التبليغ)
حقوق الطبع لكل مسلم
األردن -عمان
الطبعة األول
تأليف
سليمان زهدي العايدي
Q
ه
األحد ،ه
الفرد الصمد ،الذي مل يلد ومل يولد ،ومل يكن له كفواً أحد، احلمد لله الو ه
احد
ه
صفات النقص ،وعن ك هل فات الكمال ،المن زه عنبص ه ه
ابإلجياد واإلعدام ،املتصف ه املنفرد
ه
ونستهديه ،ونعوذ ابلل من شرور أنفسنا، ه
ونستغفره هصفة ،يكون هبا يف ح هقه إهخلل ،نستعهينه
وسيهئات أعمالنا ،من يهده للا ف هو المهتدي ،ومن يضلهل ،فلن هتد له ولياً مرشداً ،والصلة
ه
وحامل والسلم على سيهدان ،وحبيبهنا ،وقائه هدان ،وموالان ،حممد ،إه ه
مام املتقني ،وسيهد املرسلني،
الرسالة ،وأدى األمانة ،ونصح األمة ،وكشف الدين ،أرسله للا ه
ابحلق ،فبلغ ه لو هاء ه
احلمد يوم ه
الغمة ،وعلى آلههه ،وأصحابههه أمجعني ،وعلى ك هل من تبعهم إبحسان إىل ه
يوم ه
الدين.
ب اَّلله،
وتاراهتم ،ومساكهن هم ،وأوطاُنم يف جن ه
ن فوسهم ،ون فائهسهم ،وأمواْلم ،وع هشريهتم ،ه
ات والمكا هره يف سبه هيل الدعوةه إهىل اَّلله .
واستطابوا المرار ه
ذن رههبا ،حَّت صار فأين عت ه هذهه الدعوة وأمثرت ،وآتت أكلها يف ك هل مكان ه
وحني إبهه ه
اج ،وذيوعٌ وشيوعٌ ،مل يشاهد همن عهد بعهيد؛ فأحيا للا ههبا القلوب بعد لهلدعوةه ن ف ٌ
اق ورو ٌ
ت هبا األرض ب عد ظلم هاهتا ،وَتلفت ههبا القلوب ب عد شت هاهتا ،وامتَلت ههبام هاهتا ،وأشرق ه
ه ه
اجا ،ودخل الناس هيف دي هن اَّلل أف و ً
اجا. األرض ن ًورا وابته ً
غري أن بعض الناس ،لما رأوا علماء التبليغ ،ملتزمني بعقيدة أهل السنة واِلماعة،
األشاعرة ،واملاتريدية ،وفضلء احلنابلة وأهل احلديث ،طعنوا يف عقيدهتم ،واهتموهم ِبُنم
ه
معطلةٌ لصفات الباري ؛ فهجروهم ،وبدعوهم ،وانفروهم ،ونفروا العامة عنهم ،وما زادهم
ذلك إال إمياانً وتسليماً ،مبنهج أهل السنة واِلماعة ،الذي عليه علماء التبليغ يف العامل ،ولل
احلمد واملنة ،والذي عليه علماء األمة املعصومة من أن تتمع على ضللة ،على ه
مر العصور.
وقد أردت يف هذه الرسالة املختصرة ،أن أبني منهج علماء التبليغ يف العقيدة ،وأُنم
مجل معتقد أهل السنة واِلماعة، موافقون متاماً ملعتقد أهل السنة واِلماعة ،وأحببت أن أ ه
السادة األشاعرة واملاتريدية ،وفضلء احلنابلة ،مع بيان األدلة على كوُنم هم أهل السنة
واِلماعة؛ بياانً للحق ،وأداءً ألمانة العلم ،ووفاءً بعهد للا وميثاقه ،الذي أخذه على أهل
العلم ابلبيان وعدم الكتمان ،وليكون اجملتهدون يف عمل الدعوة ،على بينة من أمرهم يف
عقيدهتم ،وثقة من صحة عقيدة مشاخيهم.
7 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
متهيد
لقد اختلفت األمة بعد وفاة نبيها ،وتشعبت مذاهبها ،وهجمت الفرق الضالة
السنهية ،الِت توارثها أهل السنة واِلماعة عن رسول للا وأصحابه،
واملبتدعة على العقائد ُّ
فأقام للا أئمة الدين؛ للدفاع عن عقائد أهل السنة واِلماعة ،وكان من أبرز من أقامه
ْلذا العمل النبيل ،اإلمام أمحد بن حنبل (املتوىف سنة 241ه) ،وغريه من األئمة للا
العظماء ،فوقفوا موقفاً عظيماً أمام أهل األهواء ،ودافعوا عن عقيدة أهل السنة واِلماعة ،ومل
يؤثروا فيهم بسلطاُنم وقوهتم ،حَّت نصر للا هبم عقيدة أهل السنة واِلماعة ،وبقيت حمفوظة.
قد أقام من بعدهم اإلمام أاب احلس هن األشعري (املتوىف سنة ٣2٠ه ) مث إن للا
واإلمام أاب املنصور املاتريدي (املتوىف سنة ٣٣٣ه ) رمحهما للا ،فقاما خري قيام لنصرة عقيدة
أن اعتمدا نصوص الكتاب والسنة ،وف هم الس ه
لف ْلما ،مث أهل احلق ،وكان من منهجهما ،ه
السنة ،مث جاء بعدمها علماء
دافعا عن ذلك حبجج عقلية ،ورفضا كل ما خيالف الكتاب و ُّ
وردوا بقوة ووضوح ،على أرابب
كبار ،يف التفسري واحلديث والفقه ،فساروا على منهجهماُّ ،
مجيع الفلسفات املنحرفة.
ه
علماء األمة ،وساروا عليها ،ومل ي زل ،وال ي زال اِلهابذة وقد ارتضى هذه املنهجية عامة
من علمائها ،من احملدثني ،واملفسرين ،والفقهاء ،واألصوليني ،واملتكلمني ،على مدى القرون،
منتسبني إىل مذهب أهل السنة واِلماعة ،األشاعرة واملاتريدية ،كما سيأيت تفصيله ،فاملالكية
والشافعية أشاعرةٌ ،واحلنفية ماتريديةٌ ،وعامة احلنابلة ال خيالفوُنم يف األصول.
وإمنا كان هذا القبول من األمة ْلذه العقيدة الطيبة؛ ألن عقيدة أهل السنة األشاعرة
واملاتريدية ،بنيت على احملكم من نصوص الكتاب الكرمي ،واحملكم الصحيح من السنة
املطهرة ،وفهموا ما فيهما وفقاً ملنهج السلف الصاحل يف الفهم السليم ،الذي جيمع بني العقل
عقيدة علماء التبليغ 8
والنقل ،وجيعل العقل خادماً للنقل ،ال حاكماً عليه؛ فإن النقل الصحيح ال يعارض العقل
العقل السليم تدرك احلقائق الشرعية؛ فإن النقل النقل الصحيح و ه وابجتماع ه
ه السليم،
بصر بعينه هه يف كالشمس ،والعقل كالعني ،فل يتم اإلبصار إال هبما ،فكما أنه ال ي ه
نتفع الم ه
نتفع العاقل بعقله هه بل وحي ،فبهقد هر النوهر هتت هدي العني ،وبقد هر
دامس ،كذلك ال ي ه ظلم ه
كتمل الرؤية هحني
كتمل اْلداية والبصرية ،كما ت هالنقل ت ه
العقل و ه ه
وبكمال ه الوح هي يهت هدي العقل،
الظ ه رية ،فأهل السنة واِلماعة هم أبصر الناس ابحلقائق الشرعية ِلمعهم بني النقل
الصحيح ،والعقل الصريح.
حبفظ دين هذه األمة ،من التحريف واالحنراف ،فال تزال طائفةٌ ولقد تكفل للا
يضرهم من خالفهم ،وال من خذهلم ،حىت أييت أمر هللا ،
منها على احلق ظاهرين ،ال ُّ
وقد أخِب نبيه الكرمي ِ ،بن هللا سيبعث على رأس كل مائة سنة ،من جيدد هلا أمر
ال يستعمل لتجديد دينه يف أي من دينها ،وما ال شك فيه عند أهل احلق ،أن للا
ميادين العلم والعمل الديين ،إال من كان من أهل احلق ،الذين هم أهل السنة واِلماعة ،كما
ذكر العلماء يف شروط المج هد هد ،الذي يبعثه للا على رأس كل مائة سنة؛ ليجدد لَلمة
أمر دينها.
لتجديد دينه ،وإحياء عمل الدعوة والتبليغ يف القرن املاضي، ومن استعملهم للا
شيخ مشاخينا ،العامل والداعي الكبري[ ،موالان حممد إلياس الكاندهلوي ،رمحه هللا ورضي
معروف بني علماء اْلند ،بعلمه ،وورعه ،وداينته،
ٌ فاضل ،وويلٌّ صاحلٌ،
ٌ عنه] ،وهو عاملٌ
وتقواه ،وجهده الكبري يف إعادة األمة إىل النهج ه
النبوي الشريف ،يف العقيدة ،والفقه ،والتزكية
والسلوك.
كما أنه ينتمي إىل مدرسة عريقة ،أصيلة ،معروفة ابلعلم والعمل واِلهاد ،وهي دار العلوم
ديوبند ،مث مظاهر العلوم بسهارنفور ،والذي أنشأ دار العلوم ديوبند ،أحد كبار علماء القارة
9 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
ي ،وقام معه ٌ
مجع من كبار علماء اْلند ،كالعلمة اْلندية ،العلمة حممد قاسم النانوت هو ُّ
رشيد أمحد الكنكوهي( ،)1وحممود احلسن رمحهما للا ،غريمها من مشايخ الشيخ الداعية
حممد إلياس ،من يرجع يف إسناده العلمي ،إىل اإلمام ويل للا الدهلوي .
منهج
وما ال خيتلف فيه اثنان ،أن منهج دار العلوم ديوبند ،ومظاهر العلوم بسهارنفورٌ ،
سين قوميٌ ،أ هسس على التقوى من أول يوم؛ إلحياء املنهج ُّ
الس ههين الصحيح ،عقيدةً ،وفقهاً، ٌّ
وسلوكاً ،فاملذهب العقدي املعتمد ،هو مذهب أهل السنة واِلماعة ،السادة األشاعرة،
واملاتريدية ،وفضلء احلنابلة ،وأما املذهب الفقهي املعتمد عندهم ،هو مذهب اإلمام
األعظم ،التابعي اِلليل ،أيب حنيفة النعمان بن اثبت الكويف ،مع كامل التقدير
واالحرتام ،ملذاهب األئمة الثلثة الباقني ،املالكي ،والشافعي ،واحلنبلي ،وأما التزكية والسلوك،
( )1هو الشيخ العلمة ،واحلِب الفهامة ،اإلمام الرابين الفقيه ،احملقق املفسر احملدث ،الزاهد الورع ،مفِت
األمة ،شيخ مشايخ العصر ،الشيخ رشيد أمحد الكنكوهي ،ولد سنة 1244ه ببلدة «كنكوه»،
ابْلند ،وتويف ودفن هبا سنة 1٣2٣ه .قرأ على كبار العلماء يف عصره ،ومن أشهرهم الشيخ ملوك
علي النانوتوي ،واملفِت صدر الدين آزرده ،واحلديث على الشيخ عبد الغين اجملددي ،حَّت برع وفاق
أقرانه يف املعقول واملنقول ،وتصدر للتدريس واإلفادة ،فتهافت عليه كبار العلماء بدرسهم يف الفقه،
واحلديث ،والتفسري ،واقتصر يف آخر عمره على تدريس الصحاح الستة .وملا كف بصره ،ترك
التدريس ،وتوسع يف اإلرشاد ،والتحقيق .كان ماهداً ،شديد الغرية على الدين ،مل يكن مثله
يف زمانه ،يف الصدق والعفاف ،والتفقه ،والشهامة ،واإلقدام يف املخاطر ،والصلبة يف الدين ،وكان
آية يف التقوى ،واتباع السنة ،والعمل ابلعزمية ،واالستقامة على الشريعة ،واحلرص على نشر السنة،
أجل مشايخ
انتهت إليه اإلمامة يف العلم والعمل ،وتزكية النفوس ،وإحياء السنة وإماتة البدع .وهو ُّ
الشيخ حممد إلياس الكاندهلوي ،واملرشد الروحي له ،فعليه تتلمذ ،وأخذ الرتبية
الروحية .وله عدة تصانيف ،ومنها تعليقات على كتب السنة ،والفتاوى الرشيدية ،وغريها .ينظر:
مقدمة الكوكب الدري على جامع الرتمذي( ،املتوىف 1٣2٣ :ه ) ،مجعها ورتبها :حممد ُيىي
الكاندهلوي ،ونزهة اخلواطر للطالب (.)166-16٣/8
عقيدة علماء التبليغ 10
فيعتمدون طرق التزكية الِت ترجع إبسنادها ،إىل إمام أهل السنة ،وسيد الطائفتني ،أيب
القاسم ،اِلنيد البغدادي .
وهذه االتاهات الثلثة -أعين :عقيدة أهل السنة واِلماعة ،واملذاهب الفقهية األربعة،
السنهية السليمة من البدع ،-هي الِت ن هقل إلينا ال هدين الصحيح من خلْلا ،على
وطرق التزكية ُّ
مر العصور ،ابألسانيد املتصلة ،علماً ،وعملً ،طبقةً عن طبقةً ،والِت متيهز أهل السنة عن
ه
غريهم؛ حيث إن اتصال السند يف العلم والعمل ،إىل سلفنا الصاحل ،ومنهم إىل رسول للا
،هو الذي مييز أهل احلق عن غريهم ،وك ُّل من انتسب إىل منهج السلف الصاحل،
عقيدةً ،أو فقهاً ،أو سلوكاً ،وليس له إسناد متصل ،طبقةً عن طبقةً ،فانتسابه مرد دعوى،
ال دليل عليها ،بل قامت األدلة على بطلُنا.
ويف هذا الكتاب ،سأستعرض ابختصار ،ما مييز منهج أهل السنة واِلماعة يف أصول
الدين ،وما هي األصول الِت أمجعوا عليها ،والِت كان علماء ديوبند -ومنهم موالان الشيخ
حممد إلياس الكاندهلوي -يعتقدوُنا ،وي ه
درسوُنا للطلب ،ويقيمون املدارس الدينية،
واملعاهد الشرعية ،لرتسيخ هذه العقيدة الصافية فيهم ،ونشرها يف األمة.
وما زادين توجهاً وإقباالً على هذا التأليف ،بعد توجيه للا ،ورسوله ،إىل
احلق ،والذ ه
ب عنه وعن أهله ،وحرمة كتمانه ،ما زادين توجهاً ،كلم اإلمام وجوب بيان ه
المج هد هد ،شيخ مشاخينا ،موالان حممد إلياس الكاندهلوي ،يف أمهية التأليف؛ لبيان
أحب أن يُكتب ،ويُقرأ عن حقيقة هذه الدعوة املباركة ،حيث قال :إنَّين من ُ
قبل ،مل أكن ُّ
أمنع عن هذا ،ولكن اآلن أان
عمل التبليغ هذا كثرياً ،ويُدعى إليه ابلتَّحرير ،بل كنت ُ
كتب عنه ..وقال أيضاً :حنن ُكنَّا يف حالة غري معروفة ،وكنا ال جند أحداً
أقول :أَن يُ َ
نتجول ِّ
الضروري أن َّ يسمعنا ،وال كان أحد يفهم ما كنا نقوله ،ففي تلك احلالة ،كان من
يف الناس ،ونولد فيهم الطلب ،ونُ َف ِّهم بتطبيقه عملياً ،ففي تلك احلالة ،لو دعوان الناس
11 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
حتريراً ،فرمبا يفهمون خالف ما نقصده..؛ فلذا ما كنا نستحسن أن تصل دعوتنا عند
ودان
الناس حتريراً ،وأما اآلن ،فبفضل هللا وكرمه وبنصرته ،قد تغريت األحوال ..فلذا ُُج ُ
على نفس الطريقة السابقة (يف حالتنا الغري املعروفة) ليس بصحيح ،فلذا فأان أقول لك:
َّعوةِّ َحت ِّريراً.)1( ِّ ِّ
إِّنَّهُ َال بُ َّد م ْن أ ََداء الد َ
فأحببت أن أبهني حقيقة عقيدة علماء التبليغ ،وموافقة منهجهم ،يف أصول الدين،
ملنهج أهل السنة واِلماعة ،الذين هم السواد األعظم ،من علماء األمة املعصومة من أن
تتمع على ضللة.
وقد قسمت هذا البحث على مق هدمة ،وفصلني ،ويف كل فصل عهدة مباحث ،وخ هامتة:
الفصل األ ََّول :إثبات كون علماء التبليغ على عقيدة أهل السنة واجلماعة ،وأن أهل
ُ
السنة واجلماعة هم السادة األشاعرة ،واملاتريدية ،وفضالء احلنابلة وأهل احلديث ،وفيه
أحد عشر مباحثاً:
املبحث األول :بيان موافقة عقيدة علماء ديوبند ،مبن فيهم موالان وشيخ مشاخينا الشيخ
العلمة الداعية حممد إلياس الكاندهلوي ،وسائر علماء التبليغ الكرام ،لعقيدة أهل
السنة واِلماعة ،األشاعرة واملاتريدية.
املبحث الثالث :االستدالل على أن أهل السنة واِلماعة ،هم السادة األشاعرة،
ه
احلديث. أهل ه
احلنابلة و ه واملاتريدية ،وفضلء
( )1ملفوظات الشيخ حممد إلياس الكاندهلوي ص ( )116-115مجع وترتيب الشيخ حممد منظور
نعماين.
عقيدة علماء التبليغ 12
املبحث الرابع :أصول عقيدة أهل السنة واِلماعة ،األشاعرة ،واملاتريدية ،وفضلء
احلنابلة.
املبحث اخلامس :بيان موافقة السادة فضلء احلنابلة يف أصول الدين ألهل السنة
األشاعرة واملاتريدية.
املبحث السابع :بعض أقوال أئمة السلف الصاحل ،يف تعامل أهل السنة واِلماعة ،مع
النصوص املتشاهبة.
املبحث الثامن :أقوال األئمة يف اإلمجاع على استحالة اتصاف للا تعاىل بوصف
حادث ،أو استحالة قيام احلوادث بذاته العلية.
املبحث العاشر :مناذج من َتويلت اإلمام احملدث املفسر ،حميي السنة ،البغوي،
للنصوص املتشاهبة ،من كتابيه (معامل التنزيل يف تفسري القرآن) و(شرح السنة).
الفصل الثاين :خمتصر عقيدة أهل السنة واجلماعة ،السادة األشاعرة ،واملاتريدية.
وللا أسأل أن يعهي ن نا على هذك هره ،وشك هره ،والدعوةه إهلي هه ،وإهىل هدينه هه ،وحس هن عهبادتههه ،وأن
صيحةً لهعهب هادهه ،وأن يعهيذان
اب وهيف غ هريهه خالهصاً لهوجه هه الك هرهمي ،ون ه
جيعل ما قصدانه هيف هذا الكهت ه
ات أعمالهنا ،وأن ي وفهقنا لهما هُيبُّه وي رضاه ،إهنه ق هريب هميب؛ وعلى للاه
همن شروهر أن ف هسنا وسيهئ ه
ٌ ٌ
ضي واستهن هادي ،وله احلمد والنهعمة ،وبههه الت وفهيق والعهصمة. اعتهم هادي ،وإهلي هه ت ف هوي ه
ُ ََ
الفصل ا أ
لول
إثبات كون علماء التبليغ على عقيدة
أهل السنة والجماعة ،وأن أهل السنة
والجماعة هم السادة األشاعرة،
والماتريدية ،وفضالء الحنابلة وأهل
الحديث.
15 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
لقد مشى علماء اْلند ،املنتسبون إىل جامعة دار العلوم ديوبند اإلسلمية ،وما تفرع
عنها من فروع يف العامل ،مشوا على عقيدة أهل السنة واِلماعة ،وقدوهتم يف ه
الدين ،هم
الصحابة والتابعون ،واتبعوهم إبحسان ،وعمدهتم يف ذلك ،ما ألفه العلماء الراسخون يف
العلم ،من كتب العلوم اإلسلمية -التفسري واحلديث والفقه ،-واستنادهم يف العقائد إىل
كتب أئمة أهل السنة يف هذا الشأن ،مثل كتاب الفقه األكِب املنسوب إىل اإلمام األعظم
أيب حنيفة ،مع شروحه املعروفة ،وكتب اإلمام ويل للا الدهلوي ،وكتب النسفي،
والتفتازاين ،وابن اْلمام ،رمحهم للا .ولقد كتب الشيخ العلمة احملدث ،خليل أمحد
نفوري( ،)1رسالةً يف بعض عقائد علماء ديوبند ،بني التزامهم ابالتهباع لطريقة اإلمامني:
السهار ُّ
( )1هو العلمة الفقيه احملدث ،خليل أمحد بن ميد علي األنصاري السهارنفوري 1٣46-126٩( ،ه )،
ولد يف قرية اننوته من أعمال سهارنفور ،وقرأ على كبار مشايخ ديوبند ،وكذلك مظاهر العلوم
مساعدا يف مظاهر العلوم ،مث اختري أستا ًذا يف دار العلوم ،بديوبند ،مث انتقل
ً بسهارنفور ،وعني أستا ًذا
إىل مظاهر العلوم ،وتوىل رائسة التدريس فيها ،مث توىل نظارهتا إىل أن غادرها عام 1٣44ه إىل
احلرمني الشريفني ،فلم يرجع إليها .أخذ العلم عن :يعقوب النانوتوي ،واحلسن السهارنفوري ،ورشيد
الكنكوهي ،وأمحد دحلن ،وعبد القيوم الِبهانوي ،وأمحد الِبزجني ،وعبد الغين اجملددي ،كان الشيخ
خليل أمحد له الرسوخ التام يف الفقه واحلديث وعلوم الدين ،ونفع للا به خلقاً كثرياً ،وترج على يده
مجع من العلماء واملشايخ ،قاموا خبدمات جليلة يف نشر العلوم الدينية ،وتصحيح العقائد ،وتربية ٌ
النفوس ،والدعوة واإلصلح ،من أجلهم :املصلح الكبري الشيخ حممد إلياس بن إمساعيل
الكاندهلوي ،واحملدث اجلليل الشيخ حممد زكراي الكاندهلوي ،وغريمها ،من مؤلفاته :بذل اجملهود
يف حل أيب داود ،واملهند على املفند ،إمتام النعم على تبويب احلكم ،تنشيط األذان ،مطرقة الكرامة
على مرآة اإلمامة ،هداايت الرشيد يف إفحام العنيد .كانت وفاته يف 16ربيع اآلخر سنة 1٣46ھ
يف املدينة املنورة ،ودفن يف البقيع .ينظر :نزهة اخلواطر للعلمة عبد احلي احلسين (.)1222/8
عقيدة علماء التبليغ 16
األشعري واملاتريدي ،يف العقيدة ،وأُنم ال خيالفوُنم يف ذلك ،مث نظر فيها العلماء البارزون
من اِلماعة ،فوقعوا عليها ،بعد النظر؛ تصديقاً وتصويباً ،مث أرسلوا الكتاب إىل علماء البلد
العربية ،من احلجاز مكة واملدينة ومصر والشام من خمتلف املذاهب ،فاستحسنوه ،وكتبوا عليه
تقاريظ ،وتصديقات ،وتوثيقات.
وهك ذا ص ار ه ذا الكتاب ممعاً عليه من علماء دار العلوم يف حمتوايته ،وترمجاانً عن
أهم الكتب ،وأشهرها ،وأمثلها ،وهو الذي يوضح عقائدهم ،وأفكارهم ،واتاهاهتم ،ومن ه
ويبني أفكار علماء أهل السنة واِلماعة ،من أهل اْلند ،املنتسبني إىل دار العلوم ديوبند،
والذي هُي ُّق له أن يعد منوذجاً صحيحاً ،وترمجاانً حقيقياً عن معتقداهتم ،وسأذكر هنا ،جانباً
يسرياً من الكتاب املذكور ،وهو اِلانب الذي يص هرح الشيخ املؤلفِ ،بن علماء ديوبند كافة،
يعتقدون معتقد أهل السنة واِلماعة ،األشاعرة واملاتريدية.
قال الشيخ احملدث ،خليل أمحد السهارنفوري :)1(لهيعلم أوالً قبل أن نشرع يف
اِلواب ،أان حبمد للا ومشاخينا ،رضوان للا عليهم أمجعني ،ومجيع طائفتنا ومجاعتنا ،مقلدون
لقدوة األانم ،وذروة اإلسلم ،اإلمام اْلمام ،اإلمام األعظم أيب حنيفة النعمان ،يف
الفروع ،ومتبعون لإلمام اهلمام أيب احلسن األشعري ،واإلمام اهلمام أيب منصور املاتريدي
،يف االعتقاد واألصول.)2( ..
قلت :ولقد سار علماؤان يف التبليغ على منهج أهل السنة واِلماعة يف مجيع أبواب
عن مطلق التشبيه االعتقاد ،اإلْليات ،والنبوات ،والسمعيات ،مع تنزيه الباري
والتكييف والتجسيم ،وعن اِلهة واملكان واحليز ،وعن االنتقال والتغري ،وقيام احلوادث بذاته
( )1يعتِب الشيخ خليل السهارنفوري املرشد الثاين ملوالان حممد إلياس الكاندهلوي ،بعد شيخه األجل،
العلمة رشيد أمحد الكنكوهي ،حيث إنه تتلمذ على الشيخ رشيد أوالً ،مث بعد وفاته ،انتقل إىل
الشيخ خليل.
( )2املهند على املفند ،ص (.)٣٩-٣8
17 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
العلية ،وبناء على ذلك مل خيرجوا يف تعاملهم مع النصوص املتشاهبة ،عن قويل أهل السنة،
التفويض والتأويل ،وشواهد ذلك كثرية ،فمنها:
.1قال الشيخ خليل أمحد السهارنفوري ،شيخ موالان حممد إلياس ،
يف قوله :ﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱠ[طه ،]5 :وأمثاله من النصوص املتشاهبة :قولنا
يف أمثال تلك اآلايت :إان نؤمن هبا ،وال يقال :كيف؟ ونؤمن ِبن للا متعال ومنزه عن
صفات املخلوقني ،وعن مسات النقص واحلدوث ،كما هو رأي قدمائنا ،وأما ما قال
املتأخرون من أئمتنا يف تلك اآلايت ،يؤولوُنا بتأويلت صحيحة سائغة يف اللغة والشرعِ ،بنه
ميكن أن يكون املراد من االستواء :االستيلء ،ومن اليد :القدرة ،إىل غري ذلك ،تقريباً إىل
إثباتُ َما له ،ونقول:
فحق أيضاً عندان .وأما اجلهة واملكان ،فال ُجنَ ِّوُز َ
أفهام القاصرينٌّ ،
إنه ُ منَ َّزهٌ ُ
ومتَ َعال عنهما ،وعن ُجيع مسات احلدوث.)1(
.2قال شيخ مشاخينا العلمة المح هدث ،حممد زكراي الكاندهلوي ،يف شرح
حديث النزول( :ينزل ربنا) اختلف يف ضبطه ،فقيل :ي ن هزل ،أي ين هزل للا ملكاً ،والدليل
على صحته ،رواية النسائي ،من حديث االغر عن أيب هريرة وأيب سعيد مرفوعاً :إن هللا
ميهل حىت ميضي شطر الليل األول ،مث أيمر منادايً يقول :هل من داع فيستجاب له..
احلديث( .)2وصح حه عبد احلق .وعلى هذا فل إشكال يف الرواية .وأما على ما هو املشهور
يف ضبطه ،وهو بفتح الياء من النزول ،فمشكل؛ لِّ َما فيه من معىن االنتقال ..،قال
البيضاوي :لَ َّما ثبت ابلقواطع ،أنه سبحانه وتقدس منزه عن اجلسمية والتحيز،
امتنع عليه النزول على معىن االنتقال من موضع إىل موضع أخفض منه .انتهى.
والقسم الثاين :الْ ُم َؤ ِّولَةُ ،واختلفوا يف َتويله على أحناء ،منها :قال ابن العريب :
إن النزول راجع إىل أفعاله ال إىل ذاته ،بل ذلك عبارة عن نزول ملكه ،الذي ينزل ِبمره
وُنيه..
وحكي عن مالك ،أنه أَ َّولَهُ بنزول رمحته وأمره ،أو مالئكته ،كما يقال فعل
امللك كذا أي أتباعه ِبمره ..وقال الباجي :إخبار عن إجابة الدعاء يف ذلك الوقت،
وإعطاء السائلني ما سألوه ،وتنبيه على فضيلة الوقت ،كما روي يقول للا تعاىل :إذا تقرب
إيل عبدي شرباً ،تقربت إليه ذراعاً ،احلديث ،مل يرد التقرب يف املسافة ،إمنا أراد التقرب
ابلعمل من العبد ،والتقرب ابإلجابة من للا تعاىل .)1(انتهى كلم الشيخ الكاندهلوي.
هو من أجل تلمذة موالان الشيخ قلت :فالشيخ حممد زكراي الكاندهلوي
حممد إلياس ،وهو شيخ موالان حممد يوسف ،وحممد إنعام احلسن رمحهما للا ،وهو يقرر
مذهب أهل السنة واِلماعة يف النصوص املتشاهبة - ،التفويض والتأويل ،-وال ينقل إال عن
علماء أهل السنة األشعرية املرضيني ،املقبولني عند األمة ،كالبيهقي والبيضاوي ،والباجي
وابن العريب ،وهم بدورهم يعتمدون كلم أئمة السلف الصاحل ،ويسلكون سبيلهم ،واحلمد لل
رب العاملني.
وهنا أنقل بعض النصوص للعلمة احملدث الشيخ حممد إلياس البارة بنكوي ،
وكان مدرس احلديث الشريف ،يف املعهد الشرعي (كاشف العلوم) يف مركز التبليغ يف اْلند
من تعليقه على كتاب األبواب املنتخبة من مشكاة املصابيح ،لإلمام اجملدد حممد إلياس
الكاندهلوي ، كلها تؤكد صحة معتقد علماء التبليغ ،وأُنم يسلكون مسلك اهل
السنة واِلماعة يف النصوص املتشاهبة ،وال خيرجون عن قوليهم فيها قهيد أمنلة ،فإما التفويض،
وإما التأويل بشروطه:
يف تعريف اإلميان ،حديث رقم ( )1صفحة ( :)2وهو التصديق .1قال
الذي معه أمن وطمأنينة لغةً ،ويف الشرع :تصديق القلب مبا جاء من عند الرب ،فكأن
املؤمن جيعل به نفسه آمنة من العذاب يف الدارين ،أو من التكذيب واملخالفة .نقلً عن
املرقاة.
قلت :وهو عني تعريف أهل السنة األشاعرة لإلميان ،وهو تعريف الصادق املصدوق
حينما سأله جِبيل عن اإلميان ،فلم يزد على التصديق ،وأما العمل ،فهو شرط
كمال ،كما ذكر ذلك احلافظ ابن حجر يف الفتح ،وغريه.
يف معىن القضاء ،يف حديث رقم ( )1صفحة ( :)٣قال القاضي .2قال
عياض :القضاء :هو اإلرادة األزلية ،والعناية اإلهلية ،املقتضية لنظام املوجودات على
ترتيب خاص ،والقدر تعلق تلك اإلرادة ابألشياء يف أوقاتا .نقلً عن املرقاة والطيب.
قلت :وهو عني مذهب أهل السنة األشاعرة يف معىن القضاء والقدر.
يف أفعاله ،وأنه خالق أفعال العباد ،يف .3قال يف إثبات وحدانية للا
حديث رقم ( )8٠صفحة ( ،)٣8يف قوله :كل شيء بقدر حىت العشر والكيس.
قال :يعين الكيس والقوة ،والبلدة والعجز ،من قدر للا ،فهو ردٌّ على من يثبت القدرة لغري
للا مطلقاً ..،فمعىن احلديث يقتضي الغاية؛ ألنه أراد بذلك أن اكتساب العباد وأفعاْلم كلها
بتقدير خالقها ،حَّت الكيس الذي يوصل صاحبه إىل البغية ،والعجز الذي يتأخر به عن
ذلك البغية .نقلً عن الطيب.
عقيدة علماء التبليغ 20
قلت :وهو عني مذهب أهل السنة األشاعرة واملاتريدية ،يف كون اخلالق ألفعال العباد
هو للا وحده ،وإمنا يكون من العبد الكسب فحسب.
يف حديث رقم ( )٩2صفحة ( ،)45يف قوله :يد هللا .5قال
مألى .قال :أي نعمة للا غزيرة .نقلً عن التعليق الصبيح.
يف حديث رقم ( )٩5صفحة ( ،)46يف قوله :إن هللا خلق .6قال
آدم ،مث مسح ظهره بيمينه خلقت .قال :بقدرته وقوته ،قال الطيب :ينسب اخلري إىل
اليمني ،ففيه :تنبيه على تصيص آدم ابلكرامة ،وقيل :بيد بعض ملئكته وأسند إليه تعاىل؛
للتشريف ،أو ألنه اآلمر واملتصرف.
يف حديث رقم ( )5524صفحة ( ،)61٠يف قول ابن مسعود .16قال
،جاء حِب من اليهود إىل النب ،فقال :اي حممد ،إن هللا ميسك السماوات يوم
علمهُ إىل هللا تعاىل ،أو يُ َؤَّو ُلِ ،بنه بيان
ض ُ القيامة على إصبع ..احلديث .قال :هو مما يُ َف َّو ُ
استحقار العامل عند قدرته ،كقولك :خبنصري حتصيل هذا األمر .نقلً عن حاشية البخاري.
.17قال يف ابب رؤية للا تعاىل ،حديث رقم ( )5655صفحة (-668
رتو َن َربَّ ُكم ِّعيَاانً ،قال :اعلم أن مذهب أهل السنة
،)66٩يف قوله :إِّنَّ ُكم َس ََ
ِبمجعهم ،أن رؤية للا تعاىل مكنة غري مستحيلة عقلً ،وأمجعوا أيضاً على وقوعها يف اآلخرة،
أي نقلً ،وأن املؤمنني يرون للا تعاىل دون الكافرين ..وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة
وإمجاع الصحابة فمن بعدهم من األمة على إثبات رؤية للا تعاىل يف اآلخرة للمؤمنني ..،وأما
رؤية للا تعاىل يف الدنيا فقد قدمنا أُنا مكنة ،ولكن اِلمهور من املتكلمني وغريهم ،أُنا ال
تقع يف الدنيا ،وحكى اإلمام أبو القاسم القشريي يف رسالته املعروفة ،عن اإلمام أيب بكر بن
فورك ،أنه حكى فيها قولني لإلمام أيب احلسن األشعري ،أحدمها :وقوعها ،والثاين :ال تقع.
مث مذهب أهل احلق أن الرؤية قوة جيعلها هللا يف خلقه ،وال يشرتط فيها اتصال األشعة،
وال مقابلة املرئي ،وال غري ذلك ..،وقد قرر أئمتنا املتكلمون ذلك ابلدالئل اِللية ،وال
23 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
يلزم من رؤية هللا تعاىل إثبات جهته ،تعاىل عن ذلك بل يراه املؤمنون ال يف جهته كما
يعلمونه ال يف جهته .نقلً عن املرقاة .عن النووي.
يف حديث رقم ( )57٠٠صفحة ( ،)688يف قوله :إِّ َّن .18قال
ضِّيب ،قال :املراد من الغضب ُ
الزمه ،وهو إرادة إيصال العذاب إىل من َرمحَِِّت َسبَ َقت غَ َ
سابق على تعلق
ب ٌ يقع عليه الغضب ،والسبق والغلبة ابعتبار التعلق :أي تعلق الرمحة غال ٌ
الغضب ..قال النووي :غضب هللا تعاىل ورضاه يرجعان إىل إاثبة املطيع وعقاب العاصي.
نقلً عن الطيب وحاشية البخاري.
قلت :فتبني يقيناً وقطعاً ما سبق من النقوالت ،أن علماء التبليغ يسريون يف مجيع
أبواب العقائد ،اإلْليات ،والنبوات ،والسمعيات ،على عقيدة أهل السنة واِلماعة ،األشاعرة
واملاتريدية ،وال خيالفوُنا قهيد شعرة ،وال ينقلون العقيدة إال عن أكابر أئمة أهل السنة
واِلماعة ،من احملدثني واملفسرين واملتكلمني ،وأُنم يف أبواب الصفات كذلك ،ينزهون للا
تعاىل عن مجيع معاين احلدوث واالفتقار ،من احلدود واألعضاء ،واِلسمية والتحيز ،واِلهة
واملكان ،وقيام احلوادث بذاته العلية .ولل احلمد على اْلداية ْلذه العقيدة الصافية النقية.
** ** **
25 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
من املعلوم أن املصيب يف أصول الدين [العقائد] واح ٌد ،واالختلف يف أصول الدين
ال جيوز ،بعكس االختلف يف الفروع واألحكام؛ ألُنا مبنية يف معظمها على الظن ،أما
أصول الدين ،والعقائد ،فيجب أن تبىن على اليقني.
وه
الفرقة الِت على احلق ،من مجلة الفرق الِت تنتسب إىل اإلسلم ،هم أهل السنة
واِلماعة؛ ألُنا هي الِت حتقق فيها قول النب « :هم من كان على ما أان عليه
وأصحايب»( ،)1وأهل السنة واِلماعة يف العقائد هم السواد األعظم ،من أتباع املذاهب
الفقهية األربعة ،وهم يف تقرير مسائل االعتقاد ثلثة مذاهب:
( )1رواه الرتمذي يف سننه ( )2641وحسنه ،والطِباين يف الكبري ( ،)62واألوسط (،2٣٣ )784٠
واحلاكم يف املستدرك ( )444وصححه احلافظ السخاوي.
( )2هو أبو منصور ،حممد بن حممد بن حممود ،املاتريدي السمرقندي األنصاري احلنفي املتكلم،
واألنصاري :نسبة إىل الصحايب أيب أيوب االنصاري ،كان إماما جليلً مناضلً عن الدين ،ه
موط ًدا ً
لعقائد أهل السنة ،قطع املعتزلة وذوي البدع يف مناظراهتم ،وخصمهم يف حماورهتم حَّت أسكتهم.
أطلق عليه أصحابه وتلميذه ،والذين ترمجوا له لقب :إمام اْلدى وإمام املتكلمني ،ومصحح عقائد
املسلمني ورئيس أهل السنة واِلماعة ،ومهدي هذه األمة ،وانصر السنة ،وقامع البدعة ،وحمي
الشريعة ،وموطن عقائد املسلمني .تفقه على :أمحد اِلوزجاين ،عن أيب سليمان اِلوزجاين211ه عن
حممد بن احلسن الشيباين 18٩ه ،له :كتاب التوحيد ،وكتاب املقاالت ،وكتاب َتويلت القران ،وله
تصانيف شَّت .انظر ترمجته يف :الفوائد البهية يف تراجم احلنفية أليب احلسنات اللكنوي ،ص،1٩5
واتج الرتاجم يف طبقات احلنفية ،البن قطلوبغا ،ص ( )24٩رقم الرتمجة (.)217
عقيدة علماء التبليغ 26
عقيب هذا احلديث« :وذلك لهما وجد فيه من الفضيلة قال اإلمام الب ي ه هق ُّي
اِلليلة ،واملرتبة الشريفة لإلمام أيب احلسن األشعري ،فهو من قوم أيب موسى وأوالده
الذين أوتوا العلم ورزقوا الفهم ،خمصوصاً من بينهم بتقوية السنة وقمع البدعة ،إبظهار احلجة
ورد الشبهة ،واألشبه أن يكون رسول للا إمنا جعل قوم أيب موسى من قوم ُيبهم للا
وُيبونه ملا علم من صحة دينهم ،وعرف من قوة يقينهم ،فمن حنا يف علم األصول حنوهم
( )1هو إمام أهل السنة واِلماعة ،أبو احلسن علي بن إمساعيل بن أيب بشر ،إسحاق بن سامل بن
إمساعيل بن عبد للا بن موسى بن بلل بن أيب بردة عامر ابن صاحب رسول للا أيب موسى
األشعري ،ولد رمحه للا سنة 26٠ه ابلبصرة ،وتويف ببغداد سنة ٣24ه رمحه للا تعاىل .كان شيخ
طريقة أهل السنة واِلماعة ،وإمام املتكلمني ،حافظ على عقيدة السلف واضحة ونقية ،وتبعه مجاهري
العلماء على مر العصور إىل يومنا هذا ،تبع أول أمره مذهب اِلبائي املعتزيل ،واستمر على االعتزال
فرتة طويلة ،وبرع فيه حَّت صار للمعتزلة إم اماً ،وعلى خصومهم حس اماً ،فلما أراد للا نصر دينه،
وَتيي د سنة نبيه ،بصره ببطلن مذهب االعتزال ،فخ رج إىل اِلامع ،وصعد املنِب وتِبأ من
مذهب االعتزال ،معلناً رجوعه ملذهب السلف الصاحل .قال الفقيه أبو بكر الصرييف :كانت املعتزلة
السماسم .وقد استفاد من األشعري قد رفعوا رءوسهم ،حىت نشأ األشعري ،فحجزهم يف أقماع َّ
خلق كثري من أكابر العلماء ،وفحول األئمة ،فتأدبوا آبدابه ،وسلكوا مسلكه يف األصول ،واتبعوا
طريقته يف الذب عن الدين ،ونصرة أهل السنة ،ق ال األستاذ أبو إسحاق اإلسفراييين :كنت يف
جنب الشيخ أيب احلسن الباهلي (تلميذ اإلمام األشعري) كقطرة يف جنب حبر ،ومسعت الباهلي
يقول :كنت يف جنب األشعري كقطرة يف جنب البحر .ينظر ترمجته :طبقات الشافعية للسبكي،
( ،)245/2وتبيني كذب املفرتي فيما نسب إىل األشعري ،للحافظ ابن عساكر.
( )2رواه ابن أيب شيبة يف مصنفه ( )٣2261والطِباين يف الكبري ( )1٠16وقال اْليثمي :رجاله رجال
الصحيح.
27 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
وتبع يف نفى التشبيه مع ملزمة الكتاب والسنة قوْلم ،جعل من مجلتهم ،وعد من حساهبم
مبشيئة للا وإذنه ،أعاننا للا تعاىل على ذلك مبنه ،وختم لنا ابلسعادة والشهادة جبوده»(.)1
وقال أيضاً« :اعلم أن أاب احلسن مل يبدع رأاي ومل ينش مذهباً ،وإمنا هو مقرر
ملذاهب السلف ،مناضل عما كانت عليه صحابة رسول للا ،فاالنتساب إليه إمنا هو
ابعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقاً ،ومتسك به وأقام احلجج والِباهني عليه ،فصار
املقتدى به يف ذلك السالك سبيله يف الدالئل يسمى أشعرايً ..ولقد قلت مرة للشيخ اإلمام
رمحه للا :أان أعجب من احلافظ ابن عساكر يف ع هده طوائف من أتباع الشيخ ،ومل يذكر إال
نزراً يسرياً وعددا قليلً ،ولو وىف االستيعاب حقه الستوعب غالب علماء املذاهب األربعة؛
( )1تبيني كذب املفرتي ،فيما نسب لَلشعري ،للحافظ ابن عساكر الدمشقي ،ص (.)5٠
( )2ينظر :معيد النعم ومبيد النقم ص (.)75
عقيدة علماء التبليغ 28
فإُنم برأي أىب احلسن يدينون للا تعاىل ،فقال إمنا ذكر من اشتهر ابملناضلة عن أىب احلسن،
وإال فاألمر على ما ذكرت من أن غالب علماء املذاهب معه.
وقد ذكر الشيخ شيخ اإلسلم عز الدين بن عبد السلم أن عقيدته اجتمع عليها
الشافعية واملالكية واحلنفية وفضلء احلنابلة ،ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ املالكية
يف زمانه أبو عمرو بن احلاجب ،وشيخ احلنفية مجال الدين احلصريي»(.)1
وقال اإلمام احلافظ ابن عساكر الدمشقي « :وأكثر العلماء يف مجيع األقطار
عليه -يعين مذهب األشعري -وأئمة األمصار يف سائر األعصار يدعون إليه ،وهل من
الفقهاء من احلنفية واملالكية والشافعية ،إال موافق له ،أو منتسب إليه ،أو راض حبميد سعيه
يف دين للا ،أو مثن بكثرة العلم عليه» (.)2
وقال أيضاً« :فإُنم حبمد للا ليسوا معتزلة ،وال نفاة لصفات للا معطلة،
لكنهم يثبتون له سبحانه ما أثبته لنفسه من الصفات ،ويصفونه مبا اتصف به يف حمكم
اآلايت ،ومبا وصفه به نبيه يف صحيح الرواايت ،وينزهونه عن مسات النقص واآلفات،
فإذا وجدوا من يقول ابلتجسيم أو التكييف من اجملسمة واملشبهة ،ولقوا من يصفه بصفات
احملداثت من القائلني ابحلدود واِلهة ،فحينئذ يسلكون طريق التأويل ،ويثبتون تنزيهه ِبوضح
الدليل ،ويبالغون يف إثبات التقديس له والتنزيه خوفاً من وقوع من ال يعلم يف ظلم التشبيه،
فإذا أمنوا من ذلك ،رأوا أن السكوت أسلم ،وترك اخلوض يف التأويل إال عند احلاجة أحزم..
فأما إذا تكدر صفاء عقده ،بكدورة التكييف والتمثيل ،فل بد من تصفية قلبه من الكدر،
مبصفاة التأويل ،وترويق ذهنه براووق الدليل؛ لتسلم عقيدته من التشبيه والتعطيل»(.)3
وقال أيضاً« :ولسنا نسلهم أن أاب احلسن اخرتع مذهباً خامساً ،وإمنا أقام من
مذاهب أهل السنة ما صار عند املبتدعة دارساً ،وأوضح من أقوال من تقدمه من األربعة
وغريهم ما غدا ملتبساً ،وجدد من معامل الشريعة ما أصبح بتكذيب من اعتدى منطمساً،
ولسنا ننتسب مبذهبنا يف التوحيد إليه على معىن أان نقلده فيه ونعتمد عليه ،ولكنا نوافقه
على ما صار إليه من التوحيد؛ لقيام األدلة على صحته ال جملرد التقليد ،وإمنا ينتسب منا من
انتسب إىل مذهبه؛ ليتميز عن املبتدعة ،الذين ال يقولون به ،من أصناف املعتزلة،
واجلهمية ،والكرامية ،واملشبهة ،والساملية ،وغريهم من سائر طوائف املبتدعة ،وأصحاب
املقاالت الفاسدة املخرتعة؛ ألن األشعري هو الذي انتدب للرد عليهم ،حَّت قمعهم ،وأظهر
ملن ال يعرف البدع بدع هم ،ولسنا نرى األئمة األربعة الذين عنيتم يف أصول الدين خمتلفني،
بل نراهم يف القول بتوحيد للا وتنزيهه يف ذاته مؤتلفني ،وعلى نفي التشبيه عن القدمي
واألشعري يف األصول على منهاجهم أُجعني ،فما على من انتسب إليه ُّ متمعني،
على هذا الوجه جناح ،وال يرجى ملن تِبأ من عقيدته الصحيحة فلح ،فإن عددمت القول
ابلتنزيه وترك التشبيه متشعراً ،فاملوحدون ِبسرهم أشعرية ،وال يضر عصابةً انتمت إىل موحد
مرد التشنيع عليها مبا هي منه ب هريهة»(.)1
فانظر -رمحك للا -كيف جعل االنتساب إىل اإلمام األشعري ،متيزاً عن أهل البدع
واألهواء ،وأنه هو ومن انتسب إليه ،على اعتقاد السلف الصاحل ،من األئمة األربعة وغريهم.
( )1تبيني كذب املفرتي ،فيما نسب إىل اإلمام األشعري ،ص .٣5٩
عقيدة علماء التبليغ 30
املشبهة ،ويفضحون ابلِباهني عقائد الفرق املموهة ،وينكرون مذاهب اِلهمية وينفرون عن
الكرامية والساملية ،ويبطلون مقاالت القدرية ،ويرذلون شبه اِلِبية ...فمذهبهم أوسط
املذاهب ،ومشرهبم أعذب املشارب ،ومنصبهم أكرم املناصب ،ورتبتهم أعظم املراتب؛ فل
يؤثر فيهم قدح قادح ،وال يظهر فيهم جرح جارح»(.)1
وقال اإلمام املرتضى الزبيدي « :وليعلم أن كلًّ من اإلمامني أيب احلسن وأيب
منصور وجزامها عن اإلسلم خرياً ،مل يبدعا من عندمها رأايً ،ومل يشتقا مذهباً ،إمنا مها
قرران ملذاهب السلف ،مناضلن عما كانت عليه أصحاب رسول للا ،وانظر كلٌّ مه
منهما ذوي البدع والضلالت ،حَّت انقطعوا وولوا منهزمني»(.)2
وقال اإلمام عبد القاهر البغدادي يف حق إمام أهل السنة ،أيب احلسن
األشع هري :وقد مَل الدنيا كتبه ،وما رزق أحد من المتكلمني من التبع -يعين األتباع
-ما قد رزق؛ ألن مجيع أهل احلديث ،وكل من مل ي تمعزل من أهل الرأي ،على مذهبه،
ومن تلمذته المشهورين :أبو احلسن الباهلي ،وأبو عبد للا بن ماهد ،ومها اللذان أمثرا
تلمذة ،هم إهىل اليوم مشوس الزمان ،وأئمة العصر.)3(
وقال اإلمام أبو إسحق الشريازي :وأبو احلسن األشعري إمام أهل السنة،
وعامة أصحاب الشافعي على مذهبه ،ومذهبه مذهب أهل ه
احلق.)4(
الكلمة األوىل[ :سبحان اهلل] :ومعناها يف كلم العرب التنزيه والسلب ،فهي مشتملة
على سلب النقص والعيب عن ذات للا وصفاته ،فما كان من أمسائه سلباً ،فهو مندرج حتت
هذه الكلمة ،ك [القدوس] :وهو الطاهر من كل عيب ،و[السالم] :وهو الذي سلم من كل
آفة.
الكلمة الثانية[ :احلمد هلل] :وهي مشتملة على إثبات ضروب الكمال لذاته وصفاته،
فما كان من أمسائه متضمناً لإلثبات :ك [العليم] ،و[القدير] ،و[السميع] و[البصري] ،فهو
مندرج حتت الكلمة الثانية؛ فقد نفينا بقولنا :سبحان اهلل ،كل عيب عقلناه ،وكل نقص
فهمناه ،وأثبتنا ب احلمد هلل ،كل كمال عرفناه ،وكل جلل أدركناه.
الكلمة الثالثة[ :اهلل أكرب] :مبعىن أنه أجل ما نفيناه وأثبتناه ،وذلك معىن قوله :
«ال أحصي ثناء عليك أنت ،كما أثنيت على نفسك" .فما كان متضمناً ملدح ،فوق ما
عرفناه وأدركناه ،ك [األعلى] ،و[املتعايل] ،فهو مندرج حتت قولنا[ :اهلل أكرب].
الكلمة الرابعة[ :ال إله إال اهلل] ،فإذا كان يف الوجود من هذا شأنه ،نفينا أن يكون يف
الوجود من يشاكله ،أو يناظره ،فإن األلوهية ترجع إىل استحقاق العبودية ،وال يستحق
العبودية إال من اتصف جبميع ما ذكرانه ،فما كان من أمسائه متضمناً للجميع على اإلمجال
ك [الواحد] ،و[األحد] ،و[ذي اجلالل واإلكرام] ،فهو مندرج حتت قولنا[ :ال إله إال اهلل] .وإمنا
استحق العبودية ملا وجب له من أوصاف اِللل ،ونعوت الكمال الذي ال يصفه الواصفون
وال يعده العادون.)1(
وقال اإلمام حميي الدين النووي ،يف ترمجة األستاذ أيب إسحاق اإلسفراييين:
وكان األستاذ أحد الثلثة ،الذين اجتمعوا يف عصر واحد ،على نصر مذهب احلديث
والسنة ،يف املسائل الكالمية ،القائمني بنصرة مذهب الشيخ أىب احلسن األشعري ،وهم
األستاذ أبو إسحاق اإلسفرايين ،والقاضي أبو بكر الباقالين ،واإلمام أبو بكر بن
فورك.)1(
وسئل اإلمام ابن حجر اْليتمي عن اإلمام أيب احلسن األشعري ،والباقلين ،وابن
فورك ،وإمام احلرمني ،والباجي ،وغريهم من أخذ مبذهب األشعري ،فأجاب :هم أئهمة
الدين ،وفحول علماء المسلمني؛ فيجب هاالقتهداء هبم؛ لقيامهم بنصرة الش هريعة ،وإيضاح
املشكلت ،ورهد شبه أهل الزيغ ،وما جيب من االعتقادات والدايانت؛ لعلمهم هابَّلل ،وما
جيب له ،وما يستحيل عليه ،وما جيوز يف حقه ،وال يعرف الوصول إال بعد معرفة األصول..
والواجب االعرتاف بفضل أولئك األئمة املذكورين يف السؤال وسابقيهم ،وأُنم من مجلة
املرادين بقوله ُ" :يمل هذا العلم من ِّ
كل خلَف عدولُه ،يَنفون عنه حتريف الغالني،
وأتويل اجلاهلني" .فل يعتقد ضللتهم إهال أمحق جاهل ،أو مبتدع زائغ
َ وانتحال املُبطلني،
عن احلق ،وال يسبهم إهال فاسق ،فينبغهي تبصري اِلاهل ،وَتديب الفاسق ،واستتابة
املبتدع.)2(
وقال األستاذ أبو احلسن الندوي :وقد سار األشعري يف طريقه ماهداً
ويرد
مناضلً منتجاً ،ال يعبأ مبا يقال فيه ،مؤمناً ِبنه هو الطريق الذي ينفع الدين يف عصرهُّ ،
إىل الشريعة مهابتها وكرامتها ،وُيرس للناشئة دينها وعقيدهتا ،حَّت استطاع بعمله املتواصل،
وشخصيته القوية ،وعقله الكبري ،وإخلصه النادر ،أن يرد سيل االعتزال والتفلسف اِلارف،
الذي كان يتهدد الدين ،وي ث بهت كثرياً من الذين تزلزلت أقدامهم ،واضطربت عقوْلم
وعقائدهم ،وأن يوجد يف أهل السنة ثقةً جديدةً بعقيدهتم.)3(
قلت :أما الفروع العقدية ،وهي ما سوى هذين القسمني ،مثل جزئيات العقيدة،
من اختلف يف رؤية النب ربه ،ليلة ومنثل ْلا هنا مبا حدث بني الصحابة
املعراج ،وغري ذلك من املسائل اِلزئية الغيبية ،ويلحق هبذا النوع من االختلف املشروع
الذي حدث بني سلف األمة ،االختلف يف تفويض املتشاهبات وَتويلها ،فقد نقل العلماء
عن السلف ،أن مجهورهم كان على مذهب التفويض ،وعن مجاعات منهم ،أُنم أخذوا
ابلتأويل ،كابن عباس ،وغريه من الصحابة ،وأكابر التابعني واتبعيهم.
وعلى اِلملة فإن اخللف يف هذا النوع من القضااي ،ال يرتتب عليه شيء قطعاً ،إذ مل
ينقل عن الصحابة ،أو السلف عموماً ،أُنم ضلل بعضهم بعضاً بسبب شيء من ذلك،
مستفيض مشهور ،وما حدث بني طوائف أهل
ٌ خصوصاً وأن اختلفهم يف مثل هذه القضااي
ملحق هبذا النوع من االختلف ،فكله ال يستلزمٌ السنة ،من اختلف يف بعض املسائل،
تضليلً وال تبديعاً.
قال اإلمام عبد القاهر البغدادي :فأما الفرقة الثالهثة والسب عون :فهي أهل
السنة واِلماعة ،من فريقى الرأي واحل هديث ،دون من يشرتى ْلو احل هديث ،وفقهاء هذين
ني وقراؤهم ،وحمدثوهم ومتكلمو أهل احل هديث همن هم ،كلهم متفقون على مقالة و ه
احدة، الف هريق ه
هيف ت و هحيد الصانهع و هصفاته ،وعدله وحكمته ،وهيف أمسائه و هصفاته ،وىف أبواب النُّب وة واإلمامة،
وىف أحكام العقىب ،وىف سائهر أصول الدين ،وامنا خيتلهفون هيف احللل واحلرام من فروع
اجية ..وقداالحكام ،وليس بينهم فهيما اختلفوا فه هيه همن ها تضليل وال تفسيق ،وهم الفرقة الن ه
دخل هيف ه هذه اِلملة ،مجهور االمة وسوادها األعظم ،من أصحاب مالك ،والشافهعهي ،وأىب
حنيفة ،واألوزاعي ،والثوري ،وأهل الظ ه
اهر.)1(
وقال العلمة مل علي القاري :وما وقع من اخلالف بني املاتريدية
ظنيات ،فلم تكن من
ٌ واألشعرية يف مسائل ،فهي ترجع إىل الفروع يف احلقيقة ،فإهنا
ْف بينهما يف الكلاالعتقادات املبنية على اليقينيات ،بل قال بعض احملققني :إن اخلُل َ
لفظي.)2(
يف هذا املبحث سنعرض بعض األدلة والِباهني ،على أن أهل السنة واِلماعة هم:
األشاعرة واملاتريدية وفضلء احلنابلة وأهل احلديث ،وأن هذا اللقب قد أطلق يف التاريخ
اإلسلمي عليهم مجيعاً.
الدليل األول :اتفاقهم على عقيدة اإلمام الطحاوي الِت أُجعت األمة على قبوهلا
اتفقت كلمة علماء أهل السنة واِلماعة ،على صحة ما يف العقيدة الطحاوية لإلمام
أيب جعفر الطحاوي ،ورضوها عقيدةً ألهل السنة ،فهي عقيدةٌ اثبتةٌ ،مرضيةٌ عن السلف
الصاحل وأئمتهم ،وهي عقيدة منقولة عن بعض أئمة السلف ،وهم التابعي اِلليل اإلمام أبو
حنيفة النعمان ،وصاحباه أبو يوسف يعقوب األنصاري ،وحممد بن احلسن الشيباين .
وبعد املقارنة بني كتب العقائد عند املاتريدية ،وبني ما يف العقيدة الطحاوية ،ال تكاد
تد خلفاً بينهما أبداً ،وال حَّت خلفاً لفظياً؛ ألن اإلمامني -الطحاوي واملاتريدي -
ينقلن عقيدةً واحدةً ،وهي عقيدة اإلمام أيب حنيفة ،واجملتهدين من أتباعه.
( )1من أشهر شروح الطحاوية :النور االمع والِبهان الساطع لنجم الدين الناصري ،وشرح العقيدة
الطحاوية ملقبل الصرغمتشي ،وشرح القاضي إمساعيل بن إبراهيم الشيباين ،والقلئد يف شرح العقائد
حملمود القونوي ،وشرح عمر بن اسحاق الغزنوي ،وحممود القسطنطيين ،وهبة الدين الرتكستاين ،ونور
اليقني يف أصول الدين يف شرح عقائد الطحاوي حلسن كايف األقحصاري ،وشرح عبد الغين الغنيمي
امليداين.
35 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
وأما األشاعرة ،فإُنم يتفقون يف مجيع األصول ،مع عقيدة املاتريدية ،والعقيدة
الطحاوية ،وال خيالفوُنم إال يف بعض املسائل االجتهادية ،الِت ال نص فيها ،وهي من فروع
العقيدة ،ال يف األصول ،وأكثرها يعد من اخللف اللفظي.
** ** **
الدليل الثاين :أن عامة علماء املسلمني يف املشرق واملغرب ،وعلى مر
الدين لألمة.
التاريخ ،ينتسبون لألشاعرة واملاتريدية ،وهم الذين نقلوا َ
منوهاً بذكر أهل السنة األشاعرة :خضع قال األستاذ أبو احلسن الندوي
لعلمهم ونفوذهم العامل اإلسلمي ،من أقصاه إىل أقصاه ،وبفضلهم انتقلت قيادة العامل
اإلسلمي الفكرية ،وتوجيهه ،من املعتزلة إىل أهل السنة.)1(
أبو منصور المات هريدي (ت ٣٣٣ه ) صاحب تفسري َتويلت أهل السنة.
مكي بن أيب طالب (ت 4٣7ه ) صاحب تفسري اْلداية إىل بلوغ النهاية.
جلل الدين السيوطي (ت ٩11ه ) صاحب اإلتقان يف علوم القرآن ،والدر املنثور
يف التفسري ابملأثور.
أبو السعود أفندي (ت ٩51ه ) إرشاد العقل السليم إىل مزااي الكتاب الكرمي.
اإلمام احلافظ ابن حبان البسِت (ت٣54ه ) ،اإلمام احلافظ أبو بكر اإلمساعيلي
(ت ،)٣7٠اإلمام احلافظ أبو احلسن الدارقطين (ت٣85ه) ،احلاكم النيسابوري
(ت4٠5ه) ،أبو بكر بن فورك (ت4٠6ه ) ،أبو نعيم األصبهاين (ت4٣٠ه ) أبو ذر
اْلروي (ت4٣4ه ) ،أبو بكر البيهقي (ت458ه ) ،القاضي عياض (ت544ه ) ،أبو سعد
السمعاين (ت 562ه ) ،اإلمام احلافظ اخلطيب البغدادي (ت46٣ه) ،ابن عساكر
(ت571ه ) ،أبو طاهر السلفي (ت576ه ) ،ابن القطان الفاسي (ت628ه ) ،ابن
الصلح (ت64٣ه ) ،زكي الدين املنذري (ت656ه ) ،العز بن عبد السلم (ت66٠ه )،
عبد للا بن أيب مجرة األندلسي (ت675ه ) ،حميي الدين النووي (ت676ه ) ،ابن املنري
(ت68٣ه ) ،ابن دقيق العيد (ت 7٠2ه ) ،بدر الدين بن مجاعة (ت7٣٣ه ) ،صلح
الدين العلئي (ت761ه ) ،مجال الدين الزيلعي (ت762ه ) مشس الدين الكرماين
39 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
(ت786ه ) ابن امللقن (ت8٠4ه ) ،زين الدين العراقي (ت8٠6ه ) ،نور الدين اْليثمي
(ت8٠7ه ) ،ويل الدين العراقي (ت826ه ) ،حممد بن خليفة األهيب (ت827ه ) ،ابن حجر
العسقلين (ت852ه ) ،بدر الدين العيين (ت855ه ) مشس الدين السخاوي (ت٩٠2ه )،
جلل الدين السيوطي (ت ٩11ه ) ،شهاب الدين القسطلين (ت ٩2٣ه ) ،املل علي
القاري (ت1٠14ه ) ،حممد عبد الرؤوف املناوي (ت 1٠٣1ه ) ،ابن علن
(ت1٠57ه ) ،البيقوين (ت حنو 1٠8٠ه ) ،حممد بن عبد الباقي الزرقاين (ت 1122ه )
مرتضى الزبيدي (ت12٠5ه ) عبد احلي اللكنوي (ت1٣٠4ه ) .احملدث حممد زكراي
الكاندهلوي (ت14٠2ه) ،وغريهم ،الكثري الكثري.
من احلنفية
احلكيم السمرقندي (ت٣42ه ) ،أبو اليسر البزدوي (ت4٩٣ه ) ،أبو املعني النسفي
(ت5٠8ه ) جنم الدين عمر النسفي (ت 5٣7ه ) نور الدين الصابوين (ت58٠ه ) ،علء
الدين الكاساين (ت587ه ) ،برهان الدين املرغيناين (ت5٩٣ه ) ،ابن مودود املوصلي
(ت 68٣ه ) ،برهان الدين النسفي (ت 687ه ) ،شجاع الدين الرتكستاين (ت 7٣٣ه )،
أكمل الدين البابريت (ت 786ه ) ،سعد الدين التفتازاين (ت 7٩٣ه ) الشريف اِلرجاين
(ت 816ه ) ،علء الدين البخاري (ت 841ه ) ،الكمال بن اْلمام (ت 861ه ) ،ابن
أمري حاج (ت 87٩ه ) ،ابن قطلوبغا (ت 87٩ه ) ،ابن كمال ابشا (ت٩4٠ه ) ،ابن جنيم
(ت٩7٠ه ) ،أبو السعود أفندي (ت ٩82ه ) ،املل علي القاري (ت1٠14ه ) ،شهاب
الدين اخلفاجي (ت 1٠6٩ه ) ،الشرنبليل (ت1٠6٩ه ) ،خري الدين الرملي
(ت1٠81ه ) ،كمال الدين البياضي (ت1٠٩8ه ) ،شاه ويل للا الدهلوي (ت1176ه )،
مرتضى الزبيدي (ت12٠5ه ) ،حممد خليل املرادي (ت12٠6ه ) ،ابن عابدين
(ت1252ه ) ،عبد الغين امليداين (ت 12٩8ه ) ،عبد احلي اللكنوي (ت 1٣٠4ه )،
عقيدة علماء التبليغ 40
رمحة للا الكريواين (ت 1٣٠8ه ) ،حسونة النواوي (ت 1٣4٣ه ) ،أنور شاه الكشمريي
(ت 1٣52ه ) حممد مصطفى املراغي (ت 1٣64ه ) حممد زاهد الكوثري (ت1٣71ه ).
من املالكية
من الشافعية
ابن حبان (ت ٣54ه) ،أبو سهل الصعلوكي (ت ٣6٩ه ) ،ابن خفيف الشريازي
(ت٣71ه ) ،أبو احلسني امللطي (ت٣77ه ) ،ابن فورك (ت 4٠6ه ) ،أبو إسحاق
اإلسفراييين (ت 418ه ) ،أبو إسحاق الثعلب (ت 427ه ) ،أبو نعيم األصبهاين
(ت 4٣٠ه ) ،أبو حممد اِلويين ،والد إمام احلرمني (ت4٣8ه ) ،أبو القاسم اإلسفراييين
(ت 452ه ) ،أبو بكر البيهقي (ت458ه ) ،أبو القاسم القشريي (ت465ه ) ،عبد القاهر
اِلرجاين (ت471ه ) ،أبو إسحاق الشريازي (ت476ه ) ،أبو سعيد املتويل النيسابوري
(ت478ه ) ،إمام احلرمني أبو املعايل اِلويين (ت478ه ) أبو احملاسن الروايين (ت5٠2ه )،
أبو حامد الغزايل (ت 5٠5ه ) ،أبو بكر القفال الشاشي (ت 5٠7ه ) ،أبو القاسم
األنصاري (ت 511ه ) ،أبو الفتح الشهرستاين (ت548ه ) ،ابن عساكر (ت 571ه )،
أمحد الرفاعي (ت578ه ) قطب الدين النيسابوري (ت578ه ) ابن أيب عصرون
(ت585ه ) ،فخر الدين الرازي (ت 6٠6ه ) ،أبو القاسم الرافعي (ت62٣ه ) ،زكي الدين
املنذري (ت 656ه ) ،العز بن عبد السلم (ت66٠ه ) ،حميي الدين النووي (ت676ه )،
انصر الدين البيضاوي (ت685ه ) ،حمب الدين الطِبي (ت 6٩4ه ) ،ابن دقيق العيد
(ت 7٠2ه ) ،ابن الرفعة (ت71٠ه ) ،ابن العطار (ت724ه ) ،كمال الدين بن الزملكاين
(ت727ه ) ،بدر الدين بن مجاعة (ت 7٣٣ه ) ،شهاب الدين بن جهبل (ت7٣٣ه )،
مشس الدين اخلسروشاهي (ت 7٣٩ه ) ،تقي الدين السبكي (ت 756ه ) ،عضد الدين
اإلجيي (ت756ه ) ،صلح الدين العلئي (ت761ه ) ،هباء الدين اإلمخيمي (ت764ه )،
ابن النقيب (ت 76٩ه ) ،اتج الدين السبكي (ت 771ه ) ،مجال الدين اإلسنوي
(ت 772ه ) ،حممد بن عبد الرمحن الدمشقي العثماين (ت 78٠ه ) ،سراج الدين البلقيين
عقيدة علماء التبليغ 42
(ت8٠5ه ) ،زين الدين العراقي (ت 8٠6ه ) ،جلل الدين البلقيين (ت 824ه ) ،ويل
الدين العراقي (ت 826ه ) ،تقي الدين احلصين (ت 82٩ه ) ،ابن اِلزري (ت8٣٣ه )،
ابن املقري (ت 8٣7ه ) ،ابن رسلن (ت 844ه ) ،ابن شهبة (ت 851ه ) ،ابن حجر
العسقلين (ت852ه ) ،جلل الدين احمللي (ت864ه ) ،شرف الدين املناوي
(ت871ه ) ،ابن إمام الكاملية (ت 874ه ) ،مشس الدين السخاوي (ت ٩٠2ه )،
الكمال بن أيب شريف (ت٩٠6ه ) شيخ صلح الدين األيويب .جلل الدين السيوطي
(ت ٩11ه ) ،جلل الدين الدواين (ت ٩18ه ) زكراي األنصاري (ت ٩26ه ) عبد
الوهاب الشعراين (ت٩7٣ه ) ،ابن حجر اْليتمي (ت٩74ه ) ،اخلطيب الشربيين
(ت٩77ه ) ،مشس الدين الرملي (ت 1٠٠4ه ) ،ابن علن (ت 1٠57ه ) ،امللوي
(ت1181ه ) ،البجريمي (ت1221ه ) ،حسن العطار (ت125٠ه ) ،إبراهيم الباجوري
(ت1277ه ) ،أمحد زيين دحلن (ت1٣٠4ه ).
( 764ه ) ،ابن خلدون ( 8٠8ه ) ،ابن انصر الدين الدمشقي ( 842ه ) ،ابن قاضي
شهبة ( 851ه ) ،السيوطي ( ٩11ه ) ،القسطلين ( ٩2٣ه ) ،الصاحلي ( ٩42ه )،
التلمساين ( 1٠41ه ) ،وغريهم كثري .
ألب أرسلن (465ه ) ،نظام امللك (485ه ) ،يوسف بن اتشفني (5٠٠ه ) ،ابن
تومرت ( 524ه ) ،نور الدين زنكي (56٩ه ) ،صلح الدين األيويب ( 58٩ه ) ،العادل
أبو بكر بن أيوب ( 615ه ) ،الكامل حممد ابن العادل ( 6٣5ه ) ،األشرف موسى (6٣5
ه ) ،سيف الدين قطز (658ه ) ،حممد الفاتح ( 886ه ) ،أورنكزيب عاملكري (1118ه )،
عبد القادر اِلزائري ( 1٣٠٠ه ) ،عمر املختار ( 1٣5٠ه ) ،وغريهم الكثري.
ولقد مجع احلافظ ابن عساكر يف كتابه (تبيني كذب املفرتي) أعداداً كبرية من العلماء
األشاعرة ،وقسمهم إىل مخس طبقات ،وترجم ْلم ابستفاضة ،ويرى اإلمام اتج الدين
السبكي ،أن ابن عساكر ،مل يذكر إال نزراً يسرياً ،وعدداً قليلً ،ولو وىف االستيعاب حقه،
الستوعب غالب علماء املذاهب األربعة.
عقيدة علماء التبليغ 44
وحنن يف كل هذا إمنا نقتصر على نزر يسري من كان معروفاً بني الناس بنصرة مذهب
أهل السنة والدفاع عنه ،وإال فاألمر ال يدخل حتت اِلهد والطاقة ،وهؤالء الذين ذكرانهم
وعددان مصنفاهتم ،سواء يف القرآن وعلومه ،أو احلديث ،أو الفقه واألصول ،أو علوم العربية،
أو التواريخ واملغازي والسري ،وغري ذلك ،هم عبارة عن مراجع املكتبة اإلسلمية ،الِت ال غناء
لكاتب أو ابحث يف أي فن عنهم.
** ** **
45 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
انتشر املذهب األشعري واملاتريدي يف العامل اإلسلمي حَّت عم املشرق واملغرب حَّت
الوقت احلاضر ،وتبىن هذا املذهب دول وخلفاء العامل اإلسلمي ،فقد ت بىن املذهب
األشعري غالبية خلفاء املسلمني ،ككثري من العباسيني ،وسلطني الدولة الغزنوية،
والسلجوقية ،واألاتبكية ،ومجيع سلطني وأمراء الدولة الزنكية والصلحية ،وخصوصاً صلح
الدين األيويب نفسه ،فكانوا على عقيدة أيب احلسن األشعري.
ولقد كان السلطان الناصر صلح الدين األيويب ،)1(من ه
أشد الناس اهتماماً
بشأن تصحيح عقائد املسلمني ،وتنقيتها عن كل شائبة؛ حيث كان يعتقد أن نصرة للا تعاىل
لَلمة مربوطة بتمسكها بدينها احلنيف ،والذي أساسه صحة املعتقد ،وكان قد نشأ على
اعتقاد أهل السنة األشعرية ،فحفظ يف صباه عقيدة ألفها قطب الدين النيسابوري األشعري،
( )1هو السلطان الكبري والبطل النهحرير ،صلح الدين ،منقذ بيت املقدس من أيدي الغادرين ،والقائم
ِبم هر اِلهه هاد وقام هع احملتلني ،أبو المظفر يوسف بن أيوب رضي للا عنه – 5٣2( ،ت 58٩ه )،
املشهور بلقب صلح الدين األيويب ،قائد عسكري ،أسس الدولة األيوبية ،الِت وحدت مصر
والشام ،واحلجاز واليمن يف ظل الراية العباسية ،بعد أن قضى على اخللفة الفاطمية.
* قال عنه اإلمام مشس الدين الذهب :السلطان الكبري ،امللك الناصر ،صلح الدين ،أبو
املظفر ،يوسف ابن األمري جنم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب ،الدويين ،مسع من أيب
طاهر السلفي ،والقطب النيسابوري .ومتلك بعد نور الدين ،واتسعت بلده ..وكانت له مهة يف إقامة
اِلهاد ،وإابدة األضداد ما مسع مبثلها ألحد يف دهر .ينظر :سري أعلم النبلء (.)278/21
* وقال فيه احلافظ ابن كثري :وقد كان متقلل يف ملبسه ،ومأكله ومركبه ،وال يعرف أنه تطى
إىل مكروه ،وال سيما بعد أن أنعم للا عليه ابمللك ،بل كان مهه األكِب ومقصده األعظم نصرة
اإلسلم ،وكسر أعدائه اللئام ،وهذا مع ما لديه من الفضائل والفواضل ،والفوائد الفرائد ،يف اللغة
واألدب وأايم الناس ،حَّت قيل إنه كان ُيفظ احلماسة بتمامها ،وكان مواظبا على الصلوات يف
أوقاهتا يف اِلماعة ،يقال إنه مل تفته اِلماعة يف صلة قبل وفاته بدهر طويل ،حَّت وال يف مرض
موته .ينظر :البداية والنهاية (.)٩/1٣
عقيدة علماء التبليغ 46
الفصول وجواهر األصول وأهداها للسلطان ،فأقبل عليها ،وأمر بتعليمها حَّت للصبيان يف
الكتاب ،وصارت تسمى فيما بعد ب العقيدة الصالحية؛ نسبة إىل صلح الدين.)1(
قلت :واستمر ذلك مدة طويلة حَّت بعد وفاته رهمحه للا ،كما ذكر السيوطي يف الوسائل(.)2
وقال القاضي هباء الدين ابن شداد ( ت6٣2ه ) :وكان أي السلطان صلح
الدين -حسن العقيدة ،كثري الذكر لل تعاىل ،قد أخذ عقيدته على الدليل بواسطة البحث
مع مشايخ أهل العلم ،وأكابر الفقهاء ،وفهم من ذلك ما ُيتاج إىل تفهمه ،حبيث كان إذا
جرى الكلم بني يديه يقول فيه قوالً حسناً ،وإن مل يكن بعبارة الفقهاء ،فتحصل من ذلك
سلمة عقيدته عن كدر التشبيه ،غري مارق سهم النظر إىل التعطيل والتمويه ،جارية على منط
االستقامة ،موافقة لقانون النظر الصحيح ،مرضية عند أكابر العلماء ،وكان قد ُجع له
الشيخ قطب الدين النيسابوري عقيدة ،جتمع ُجيع ما ُيتاج إليه يف هذا الباب ،وكان
من شدة حرصه عليها ،يعلمها الصغار من أوالده؛ حىت ترسخ يف أذهاهنم يف الصغر،
وهنا ِّمن ِّح ِّ
فظهم بني يديه(.)3 ورأيته وهو أيخذها عليهم ،وهم يُ ْل ُق َ
السنهية:
وما جاء يف منت هذه العقيدة ُّ
ذكرت منها معظم املقاص هد فه ذه قواع د العقائه هد
ملك ه للا احلج از واليم ن عزيز مصر قيص هر الش هام ومن
( )1الوسائل يف مسامرة األوائل للحافظ جلل الدين السيوطي ،ص (.)6
( )2املصدر السابق ص (.)6
( )3النوادر السلطانية واحملاسن اليوسفية ،ص ( )٣٣وينظر :الوايف ابلوفيات للصفدي (.)48/2٩
عقيدة علماء التبليغ 48
هاء ه
مبدعها و ه
العرش ف وق امل وحصر الصانع يف السم هاء
ه
التشبيه فيما جوزا(.)1 قد ضل ذو ه التحيُّ زا وأثبتوا لذاته
أما ابلنسبة للدولة العثمانية ،الِت حكمت املسلمني حوايل مخسة قرون ،فكانت على
عقيدة اإلمام املاتريدي ،بل خلف بينهم( ،)2أضف إىل ذلك ،تلك الصروح الشاخمة،
واملراكز العلمية ،الِت كانت تنشر النور يف مجيع أصقاع العامل اإلسلمي ،مثل اِلامع األزهر
يف مصر ،وجامع القرويني يف املغرب ،وجامع الزيتونة يف تونس ،واِلامع األموي يف دمشق،
ومعاهد الشام والعراق ،وحماضر شنقيط ،وربط حضرموت ،ودار العلوم ديوبند ،ومظاهر
العلوم ،وندوة العلماء يف اْلند ،واملدارس الدينية يف ابكستان ،وبنغلديش ،وإندونيسيا
وماليزاي ،وسرييلنكا ،وتركيا ،واِلالية اإلسلمية يف الصني ،وآسيا ،وإفريقيا ،ووالايت روسيا
اإلسلمية ،ومجيع املغرب العريب ،وبلد الشام ومصر والعراق واليمن وبعض احلجاز،
والسودان وعامة إفريقيا ،ومناطق يف دول اخلليج ،وغريها من منارات العلوم املبثوثة يف خمتلف
أحناء العامل اإلسلمي ،كلها كانت وال زالت ،تتبىن إما مذهب األشاعرة ،أو املاتريدية ،ومن
قبلها املدارس اإلسلمية الِت قامت يف حواضر اإلسلم قدمياً ،مثل املدارس النظامية نسبة
للوزير نظام الم لك ،وهي كثرية ،حَّت قيل ِبنه ال تلو مدينة من مدن العراق وخراسان من
أحدها ،وهي من أهم األسباب يف انتشار املذهب السين ،ومن أشهرها نظامية بغداد ،الِت
كانت أكِب جامعة يف الدنيا يومئذ.
وعلى اِلملة فإن التاريخ على مدى أدواره كلها ،منذ منتصف القرن الرابع ،هو خري
شاهد على أن مذهب األشاعرة واملاتريدية ومن وافقهم من أهل السنة جبميع طوائفهم ،هو
املذهب الغالب السائد ،فأينما ارحتلت يف مشارق العامل اإلسلمي ومغاربه ،مشاله وجنوبه،
فراايت أهل السنة أعلى ما تراه ،ومهما ابلغت ابلرجوع يف أحقاب الزمن ،لن تد مذهبهم
َن َجتْتَ ِّم َع أ َُّم ِِّت َعلَى
مصداق حلديث املصطفى " :ل ْ
ٌ إال غالباً على كل ما سواه ،وذلك
اع ِّة"(.)1
ض َاللَة فَ َعلَْي ُك ْم ِّاب ْجلَ َم َ
َ
ومن املعلوم من الدين ابلضرورة ،أن للا قد تكفل حبفظ هذا الدين من التحريف
والضياع ،وذلك ِبن قيض له من يقوم به ،يف كل علم من العلوم ،فالطعن يف ن قل هة ه
الدين،
طعن يف الدين الذي نقلوه.
وهم السواد األعظم ،هو ٌ
** ** **
( )1رواه الطِباين يف الكبري ( )1٣62٣عن ابن عمر ،وقال اْليثمي :رواه الطِباين إبسنادين ،رجال
أحدمها ثقات ،رجال الصحيح ،خل مرزوق موىل آل طلحة ،وهو ثقة.
عقيدة علماء التبليغ 50
الدليل الرابع :شهادة أئمة احلنابلة ،أن أهل السنة واجلماعة ،هم أهل هذه
املذاهب الثالثة.
(ت885ه) :هذه العقيدة .1قال العلمة علء الدين املرداوي احلنبلي
مما اتفق عليه األئمة األربعة ،وممن حكى عنهم مقاالت السلف ممن تقدم ،فكل منهم
على حق ،وإن كان قد وقع اخلالف بني الشيخ أيب احلسن األشعري ،شيخ أهل السنة
من الشافعية ،وغريهم ،وبني اإلمام أيب حنيفة ،يف آخر من أصول مسائل الدين ،لكنها
()1
يسرية ،ال تقتضي تكفرياً وال تبديعاً
(ت1071ه) :طوائف أهل .2قال العلمة عبد الباقي املواهب احلنبلي
السنة ثالثة :أشاعرة وحنابلة وماتريدية ،بدليل عطف العلماء ،احلنابلةَ على األشاعرة يف
كثري من الكتب الكالمية ،وُجيع كتب احلنابلة.)2(
(ت1188ه) :أهل السنة واجلماعة .3وقال اإلمام السفاريين احلنبلي
ثالث فرق :األثرية وإمامهم أمحد بن حنبل ،واألشعرية وإمامهم أبو احلسن األشعري،
واملاتُريدية وإمامهم أبو املنصور املاتُريدي.)3(
** ** **
املبحث الرابع :شبهة مرور اإلمام أيب احلسن األشعري بثالث مراحل،
والرتاجع عن مذهبه بعد توبته من االعتزال
يدعي بعض الناس أن اإلمام أاب احلسن األشعري رمحه للا تعاىل قد مر يف حياته
بثلث مراحل:
والثانية :مرحلة اتباعه لإلمام عبد للا بن سعيد القطان ،املعروف اببن كلب.
ويبنون على هذه الدعوى أن مجيع أئمة األشاعرة اتبعوا اإلمام األشعري يف مرحلته
الثانية فقط ،الِت اتبع فيها ابن كلب ،إذ يعتِبون ابن كلب ليس من أهل السنة ،فيكون
األشاعرة متبعني البن كلب ،ال لإلمام األشعري؛ ألن األشعري تراجع عنها لعقيدة السلف
الصاحل -زعموا ،-وألف كتابه «اإلابنة» بعد تراجعه.
هذا تقرير هذه الدعوى ،وقبل الشروع يف إثبات بطلُنا اترخيياً وعلمياً ،ن ه
فصل ما ورد
فيها من قضااي ،مث نشرع يف تفنيدها ،فلقد تضمنت هذه الدعوى ثلث قضااي:
األوىل :أن اإلمام األشعري مر بثلث مراحل يف حياته ،االعتزال ،مث اتباعه البن
كلب ،مث أخرياً رجوعه إىل منهج السنة واِلماعة ،وهذه هي القضية الرئيسية ،وهي تتضمن
القضيتني التاليتني.
الثانية :أن عبد للا بن سعيد بن كلب ليس على منهج أهل السنة واِلماعة.
الثالثة :كتاب «اإلابنة» ميثل املرحلة األخرية من حياة اإلمام األشعري ،وهي مرحلة
العودة إىل طريق السلف الصاحل.
عقيدة علماء التبليغ 52
.1هذه دعوى مردة عن أي بينة ،وال يعلم عن أحد من املؤرخني أو العلماء من
ادعى هذا الرتاجع عن اإلمام األشعري ،ال من املوافقني له وال حَّت من املخالفني ،مع أن
اإلمام األشعري رمحه للا تعاىل عل ٌم من أعلم املسلمني ،يشار إليه ابلبنان ،وقد ذاع صيته
بني اآلفاق ،واشتهرت مناظراته مع خصومه على رؤوس األشهاد.
فكيف تقبل هذه الدعوى اجملردة عن أي بينة أو دليل يف هذا اإلمام والعلم املشهور؟!
خصوصاً إذا علمت أن الذي ادعى هذه الدعوى هو من املتأخرين عنه زماانً ،ومن المعادين
ملذهبه واعتقاده.
قال اإلمام أبو بكر بن فورك رمحه للا تعاىل« :انتقل الشيخ أبو احلسن علي بن
إمساعيل األشعري رضي للا عنه من مذاهب املعتزلة إىل نصرة مذاهب أهل السنة واِلماعة،
ابحلجج العقلية ،وصنف يف ذلك الكتب)1( »..اه .
وقال عنه ابن خلهكان« :هو صاحب األصول والقائم بنصرة مذهب السنة ...وكان
أبو احلسن أوالً معتزلياً ،مث اتب من القول ابلعدل وخلق القرآن يف املسجد اِلامع ابلبصرة
يوم اِلمعة»(.)1
وقال عنه الذهب« :وبلغنا أن أاب احلسن اتب وصعد منِب البصرة ،وقال :إين كنت
أقول خبلق القرآن ...وإين اتئب م ه
عتق ٌد الرد على املعتزلة»(.)2 ٌ
وقال عنه العلمة ابن خلدون« :إىل أن ظهر الشيخ أبو احلسن األشعري وانظر بعض
مشيختهم أي املعتزلة يف مسائل الصلح واألصلح ،فرفض طريقتهم ،وكان على رأي
عبدللا بن سعيد بن كلب ،وأيب العباس القلنسي ،واحلارث احملاسب ،من أتباع السلف،
وعلى طريقة السنة»(.)3
فأثبت أن اإلمام بعد رجوعه عن االعتزال كان على رأي عبدللا بن كلب والقلنسي
واحملاسب ،وهؤالء كلهم على طريقة السلف والسنة(.)4
فلو كان هذا الرتاجع املزعوم صحيحاً ،لنقله أصحاب التاريخ والرتاجم كما نقلوا
تراجع اإلمام عن مذهب االعتزال يف أول أمره ،فلماذا نقلوا الرتاجع األول ومل ينقلوا الرتاجع
الثاين؟! فلو خفي على أئمة التاريخ والرتاجم الذين نقلوا سريته وعرفوها ،فكيف علهم هبذا
الرتاجع من جاء بعده بهعهدةه عقود!؟.
.3لو ثبت عنه هذا الرتاجع املزعوم ،لكان أوىل الناس مبعرفته ونقله هم أصحابه
وتلمذته؛ ألن أوىل الناس مبعرفة الرجل هم خاصته وأصحابه وأتباعه امللزمون له ،فهؤالء هم
أقرب الناس إليه وأعرفهم ِبحواله وأقواله وآرائه ،ال سيما يف قضية مهمة مثل هذه القضية
الِت تتوفر الدواعي على نقلها ،وتتحفز األمساع على تلقفها ،خاصة من إمام كبري مثل اإلمام
أيب احلسن.
وعند الرجوع إىل أقوال أصحابه وأصحاب أصحابه أيضاً ،ال جند أي إشارة تفيد
ذلك ،بل جندهم متفقني على أن اإلمام كان بعد هجره للعتزال على منهج السلف والسنة،
الذي كان عليه احملاسب وابن كلب والقلنسي والكرابيسي وغريهم.
ف هذه مؤلفات انصر مذهب األشعري القاضي أيب بكر الباقلين رمحه للا،
«كاإلنصاف» و«التمهيد» وغريمها ،ومؤلفات ابن فورك ،ومؤلفات أيب بكر القفال
الشاشي ،وأيب إسحق الشريازي ،وأيب بكر البيهقي وغريهم من أصحاب اإلمام وأصحاب
أصحابه وتلميذهم ،ليس فيها أي ذكر أو إشارة ْلذا األمر الذي هو من األمهية مبكان.
فهل يعقل أن يرجع اإلمام عن مذهبه ويهجره ،مث ال يكون ْلذه احلادثة املهمة أي
ذكر عند أحد من أصحابه وتلميذه ،وهو من هو جللةً وقدراً ،أم تراه قد رجع عن ذلك
سراً ،وهو الذي حني قرر هجر مذهب املعتزلة اعتلى منِب املعتزلة نفسه؛ ليعلن ذلك على
املَل؟!
وجل اعتمادهم
إن إنساانً عاقلً يدري ما يقول ال ميكن أن يقول مثل هذا الكلمُّ ،
يف هذه الدعوى على أسلوب اإلمام األشعري يف َتليف كتاب «اإلابنة» وبعض الرسائل
األخرى ،فقد اتبع اإلمام فيها طريق التفويض ،الذي هو طريق مجهور السلف ،فبنوا على
هذا األسلوب خمالفة اإلمام األشعري آلراء ابن كلب ،الذي يتهمونه ِبنه مل يكن على طريق
السلف.
55 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
ترى هل ما يف اإلابنة الِت هي على طريق مجهور السلف ،ما يناقض ما كان عليه
عبد للا بن سعيد بن كلب؟ أو بتعبري آخر ،هل كان ابن كلب على خلف طريق السلف
الذي ألف اإلمام األشعري «اإلابنة» عليه؟
من املتفق عليه أن اإلمام األشعري كان على طريقة عبد للا بن سعيد بن كلب،
ولكن أصحاب الدعوى يدعون أن ابن كلب مل يكن على طريقة أهل السنة والسلف
الصاحل؛ لذلك زعموا أن األشاعرة يتبعونه على طريقته املخالفة ألهل السنة واِلماعة ،والِت
تركها اإلمام األشعري لطريقة السلف.
وللرد على هذه الشبهة ننقل أقوال األئمة يف حال عبد للا بن سعيد بن كلب.
فقد ترجم له ابن قاضي شهبة فقال« :عبد للا بن سعيد أبو حممد ،املعروف اببن
كلب ،كان من كبار املتكلمني ،ومن أهل السنة ،وبطريقته وطريقة احلارث احملاسيب
اقتدى أبو احلسن األشعري ،وقد صنف كتباً كثرية يف التوحيد والصفات»(.)1
قال التاج السبكي« :وابن كلب على كل حال من أهل السنة ..ورأيت اإلمام ضياء
الدين اخلطيب والد اإلمام فخر الدين الرازي قد ذكر عبد للا بن سعيد يف آخر كتابه «غاية
املرام يف علم الكلم» ،فقال :ومن متكلمي أهل السنة يف أايم املأمون عبدللا بن سعيد
التميمي ،الذي دمر املعتزلة يف ملس املأمون ،وفضحهم ببيانه» (.)2
وقال احلافظ ابن عساكر« :قرأت ه
خبط علي بن بقاء الوراق احملدث املصري رسالة،
كتب هبا أبو حممد عبد للا بن أيب زيد القريواين الفقيه املالكي -وكان مقدم أصحاب مالك
رمحه للا ابملغرب يف زمانه -إىل علي بن أمحد بن إمساعيل البغدادي املعتزيل جواابً عن رسالة
كتب هبا إىل املالكيني من أهل القريوان ،يظهر نصيحتهم مبا يدخلهم به يف أقاويل أهل
االعتزال ،فذكر الرسالة بطوْلا يف جزء وهي معروفة ،فمن مجلة جواب ابن أيب زيد له أن
قال« :ونسبت ابن كلب إىل البدعة ،مث مل ه
حتك عنه قوالً يعرف أنه بدعة ،فيوسم هبذا
االسم ،وما علمنا من نسب إىل ابن كالب البدعة ،والذي بلغنا أنه يتقلد السنة ،ويتوىل
الرد على اجلهمية وغريهم من أهل البدع ،يعين عبد هللا بن سعيد بن كالب»(.)1
َّ
وقال عنه مجال الدين األسنوي« :كان من كبار املتكلمني ومن أهل السنة ...ذكره
العبادي يف طبقة أيب بكر الصرييف ،قال :إنه من أصحابنا املتكلمني»(.)2
وقال اإلمام احلافظ الذهب« :والرجل أقرب املتكلمني إىل السنة ،بل هو يف
مناظريهم»(.)3
فتبني من هذه النقول أن عبد للا بن سعيد بن كلب من أهل السنة ،ومن اتبع
السلف ،ونصر عقائدهم حبجج عقلية وأدلة قوية.
وليس اإلمام األشعري وحده الذي كان على طريق اإلمام ابن كلب ،بل كان على
نفس املعتقد أئمة كبار ،مثل اإلمام البخاري رمحه للا.
قال احلافظ ابن حجر« :البخاري يف مجيع ما يورده من تفسري الغريب ،إمنا ينقله عن
أهل ذلك الفن ،كأيب عبيدة ،والنضر بن مشيل ،والفراء وغريهم ،وأما املباحث الفقهية فغالبها
مستمدة له من الشافعي وأيب عبي د وأمثاْل ما ،وأما املسائ ل الكالمية ،فأكثرها من
الكرابي سي ،وابن ُك الَّب وحن ومها»(.)1
نصوص واضحةٌ بينة يف أن اإلمام عبد للا بن سعيد بن كلب كان على طريق
ٌ فهذه
السلف والسنة(.)2
.1هذه الشبهة قامت على فهم قاصر مغلوط لطريقة أهل السنة يف التعامل مع
النصوص املتشاهبة ،وذلك أن ألهل السنة طريقتني يف التعامل مع املتشاهبات:
والطريقة الثانية :هي تفسري النص وَتويله على معىن صحيح ،مع التزام الشروط
والضوابط املقررة ْلذا التأويل ،وهذا مسلك بعض السلف الصاحل والصحابة رضي للا عنهم.
واإلمام األشعري رمحه للا تعاىل سلك كل الطريقني الواردين عن السلف يف كتبه،
وظهرت طريقة التفويض يف كتابه «اإلابنة» ،وهو مسلك مجهور السلف الصاحل ،فظن
البعض أنه تراجع عن عقيدته إىل عقيدة السلف ،وترك عقيدة ابن كلب.
واحلق أن ابن كلب -كما أثبتنا -مل خيالف طريقة السلف الصاحل أصلً ،بل هو
وسالك مسلك أهل التفويض.
ٌ منهم،
.2الدليل عند أصحاب هذه الدعوى هو كتاب اإلابنة ،وهو معتمدهم الوحيد على
رجوع اإلمام عن طريقة ابن كلب ،ولكن عند النظر يف كتاب اإلابنة ،جند أن اإلمام
األشعري سار فيه على طريقة ابن كلب ومنهجه.
قال احلافظ ابن حجر« :وعلى طريقته -يعين ابن كلب -مشى األشعري يف كتاب
اإلابنة»( ،)1هذا دليل على أن ابن كلب كان على طريقة السلف ،وأن اإلمام األشعري
سار على طريقته يف آخر حياته.
وما يؤيد أن اإلابنة مؤلف على طريقة ابن كلب ،أن بعض حنابلة بغداد رفضوا
كتاب اإلابنة تعصباً ومل يقبلوه من األشعري(.)2
.3أن كتاب «اإلابنة» الطبوع املتداول وقع فيه حتريف ونقص ،وزايدة وتلعب يف
بعض نصوصه ،فل يوثق بكل ما جاء فيه أنه اثبت عن اإلمام األشعري ،كما قال الشيخ
الكوثري معلقاً على نسخ «اإلابنة» املتداولة« :والنسخة املطبوعة يف اْلند من اإلابنة نسخة
مصحفة حمرفة ،تلعبت هبا األيدي األثيمة ،فيجب إعادة طبعها من أصل موثوق»()3اه .
وقال أيضا« :ومن العزيز جداً الظفر ِبصل صحيح من مؤلفاته على كثرهتا البالغة،
وطبع كتاب اإلابنة مل يكن من أصل وثيق ،ويف املقاالت املنشورة ابمسه وقفة» (.)1
وقد طبع كتاب اإلابنة طبعةً قوبلت على أربع نسخ خطية ،بتحقيق الدكتورة فوقية
حسني ،وهي طبعة وإن كانت أحسن حاالً من املطبوعة قبل ،إال أُنا مل تل من التحريف
والنقص والزايدة أيضاً ،وهذا لعله يصحح ما ذهب إليه العلمة الكوثري.
يف كتاب «تبيني كذب املفرتي» فصلني من وقد نقل احلافظ ابن عساكر
«اإلابنة» ،وعند مقارنة «اإلابنة» املطبوعة املتداولة مع طبعة الدكتورة فوقية مع الفصلني
املنقولني عند ابن عساكر ،يتبني بوضوح قدر ذلك التحريف الذي جرى على هذا الكتاب.
فمن أمثلة التلعب الذي حصل يف الكتاب :جاء يف النسخة املطبوعة« :وأنكر أن
يكون له عينان» (ابلتثنية) ،وعند ابن عساكر« :وأنكروا أن يكون له عني» (ابإلفراد).
وجاء يف طبعة الدكتورة فوقية« :نقول إن للا عز وجل استوى على عرشه استواءً يليق
به من غري حلول وال استقرار» ،واِلملة األخرية حمذوفة من الطبعة املتداولة!.
فإذا ثبت كما مر معنا اترخيياً أن اإلمام بعد رجوعه عن االعتزال كان على منهج
السلف وأهل السنة ،وإذا ثبت أيضاً أن اإلمام ابن كلب كان من أئمة السلف ،وعلى ُنج
السنة ،وإذا ثبت أيضا أن كتاب «اإلابنة» الذي بنيت عليه هذه الدعوى من أساسها ،هو
يف حقيقة األمر مؤلف على طريقة ابن كلب ،الِت ذاهتا طريقة السلف ،إذا ثبت ذلك ،ثبت
بناءً عليه أن اإلمام مل مير بثلث مراحل يف حياته ،وإمنا مها مرحلتان :مرحلة االعتزال يف
بداية حياته ،مث مرحلة عودته ورجوعه إىل طريق السلف ،الِت سار عليها أئمة أهل السنة
األشاعرة من بعده ،إىل يومنا هذا ،واحلمد لل الذي مل جيمع أمة حممد ﷺ على ضللة.
( )1ينظر :مقدمة الكوثري على كتاب إشارات املرام للبياضي ،وتعليقه على السيف الصقيل ،ص
(.)1٩6-155
عقيدة علماء التبليغ 60
بيد أننا سنبالغ يف االفرتاض ونقول :هب جدالً أن كتاب «اإلابنة» املتداول غري
حمرف ،وأنه اثبت النسبة إىل اإلمام األشعري ،وأنه قد رجع فعلً عما كان يعتقده من التنزيه؛
فهل يلزم األمة أن تتابعه يف هذا األمر؟!
إن من يعتقد ذلك يسيء الظن بعقول عشرات اآلالف من أئمة اإلسلم على مر
أكثر من عشرة قرون ،وينسبهم إىل التقليد األعمى يف العقائد ،مع كوُنم ممعني على حرمة
التقليد يف العقائد ،واختلفوا يف صحة إميان املقلهد ،والصحيح كفايته مع اإلمث ،ويغيب عن
هؤالء أن األمة إمنا نسبت إىل اإلمام األشعري لكونه وقف حاملً لواء السنة على طريق
السلف يف وجه أصحاب البدع واألهواء ،ال ألُنم قلدوه فيما ذهب إليه ،فمَّت ما رجع عن
اعتقاده رجعوا.
قال اإلمام اتج الدين السبكي « :إن كان هؤالء -يعين أئمة األشاعرة-
أغماراً ،واألشعري خيلبهم ،فليس بعد األنبياء والصحابة ف هط ٌن ،فيالل واملسلمني!!»(.)1
فهم يف احلقيقة منتسبون إىل رسول للا ﷺ والسلف الصاحل ،وما اإلمام األشعري
رمحه للا وغريه من أئمة أهل السنة إال هأدالء على الطريق ،وقاعدة أهل السنة األصيلة هي
الرجال مبوافقتهم ِّ
للحق] .وهذا هو الذي ُ ف
عر ُ
عرف ابلرجال ،ولكن يُ َأن[ :احلق ال يُ ُ
جعل كبار أئمة اإلسلم يتابعون اإلمام األشعري يف تقريره لعقيدة أهل السنة ،حيث وجدوه
قد وافق احلق ،وانتصر له أميا انتصار ،ومل يزل بقيامه أهل احلق ظاهرين ابحلجة على من
خالفهم(.)2
** ** **
( )1الطبقات الكِبى (.)145/6
( )2هذا املبحث ِبكمله منقول من كتاب أهل السنة األشاعرة ،شهادة علماء األمة وأدلتهمَ ،تليف:
محد أمحد ه
السنان ،وفوزي حممد العنجري ،ص (.)4٣-16
61 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
ﭐﱡﭐ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ .1أن أول واجب على املكلف ،هو معرفة للا ؛ لقوله :
يف صحيحه :ابب العلم قبل القول ﳝ ﳞ ﱠ[حممد .]19:قال اإلمام البخاري
والعمل.)1(
وقال اإلمام السنوسي :وجيب على ُك ِّل مكلَّف شرعاً أن يعرف ما جيب يف
وعز ،وما يستحيل ،وما جيوز ،وكذا جيب عليه أن يعرف مثل ذلك يف
جل َّ ِّ
حق موالانَّ ،
والسالم.)2(
الصالة َّ
الرسل ،عليهم َّ ِّ
حق ُّ
شرعاً، وقال اإلمام جنم الدين ابن محدان احلنبلي :جيب معرفةُ هللا
ابلنظر يف الوجود واملوجود ،على كل مكلف قادر ..وهي أ ََّو ُل َواجب لنفسه.)3(
.2أن لل األمساء احلسىن ،والصفات العلى ،يثبتوُنا ،وال ينفون شيئاً منها ،قال
أبو حنيفة :ونصفه كما وصف نفسه ،أح ٌد صم ٌد ،مل يلد ومل يولد.)1(
.3إثبات الصفات املعاين ،كصفات قدمية أزلية ،زائدة على الذات ،فهو ٌّ
حي ،بصفة
مسيع ،بصفة السمع،
قدير ،بصفة القدرة ،مري ٌد ،بصفة اإلرادةٌ ،
عليم ،بصفة العلمٌ ، احلياةٌ ،
بصريٌ ،بصفة البصر ،متكله ٌم ،بصفة الكلم.
متصف بصفات التنزيه والتقديس ،من القدم ،والبقاء ،والقيام ابلنفس، .4أنه
واملخالفة للحوداث ،والوحدانية.
.5تنزيه صفاته عن مشاهبة صفات املخلوقنيِ ،بي وجه من الوجوه ،قال :
[الشورى ،]11 :وأنه كما قال اإلمام أبو جعفر ﱒﱔ ﱕﱖﱠ
ﭐﱡﭐ ﱐ ﱑ ﱓ
الطحاوي :ال تبلغه األوهام وال تدركه األفهام وال تشبهه األانم .)2( وقال أيضاً
زل ومل يصب التنزيه؛ فإن ربنا جل وعال موصوف :ومن مل يتوق النفي والتشبيهَّ ،
بصفات الوحدانية ،منعوت بنعوت الفردانية ،ليس مبعناه أحد من الربية ،وتعاىل عن
احلدود والغاايت ،واألركان واألدواتَ ،ال حتويه اجلهات الست ،كسائر املبتدعات.)3(
.6أنه ال شبيه له يف ذاته ،وال يف صفاته ،وال يف أفعاله ،وأن صفاته
ليست أبعاضاً وال جوارح ،وال آالت وال أعضاء؛ فليس هو جبسم ،وال جوهر ،وال
عرض ،كما قال اإلمام أبو حنيفة :وهو شيء ال كاألشياء ،ومعىن الشيء إثباته
بال جسم وال جوهر وال َع َرض ،وال َّ
حد له وال ضد له وال ند له ،وال مثل له.)4(
وقال اإلمام أبو الفضل التميمي ،شيخ احلنابلة يف زمانه :وأنكر اإلمام أمحد
على من يقول ابجلسم ،وقال :إمنا األمساء مأخوذة ابلشريعة واللغة ،وأهل اللغة وضعوا
ومسك وتركيب وصورة وأتليف ،وهللا تعاىل خارج
هذا االسم على كل ذي طول وعرض ُ
الفقه األكِب أليب حنيفة ،ص (.)2 ()1
العقيدة الطحاوية بشرح عبد الغين الغنيمي امليداين ص (.)41-٣1 ()2
املصدر السابق ،ص (.)1٠6-1٠٣ ()3
الفقه األكِب ،ص (.)2 ()4
63 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
عن ذلك كله ،فلم جيز أن يُسمى جسماً خلروجه عن معىن اجلسمية ،ومل جييء ذلك يف
الشريعة ،فبطل.)1(
وقال أيضاً :ومذهب أيب عبد هللا أمحد بن حنبل :أن هلل عز وجل وجهاً ال
ﭐﱡ ﭐ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ وص َفه بقوله:
كالصورة املصورة واألعيان املخططة ،بل وجهٌَ ،
ﲊﲋﱠ[القصص ،]88 :مث قال :وليس معىن وجه معىن جسم عنده ،وال صورة وال
ختطيط ،ومن قال ذلك ،فقد ابتدع.)2(
يف بيان عقيدة اإلمام أمحد ابن حنبل وقال ابن محدان احلراين ،شيخ احلنابلة
:وأن هللا تعاىل ليس جبوهر ،وال َع َرض ،وال جسم ،ومن شبهه خبلقه فقد كفر..،
وكذا من جسم ،أو قال :إنه جسم ال كاألجسام.)3(
قدمية ،ال تتغري وال .7أن للا منزه عن التغري والتبدل ،وأن مجيع صفاته
تتبدل ،وال تزيد وال تنقص ،فل جيوز اتصافه بكل وصف يوجب عليه االتصاف بوصف
حادث ،أو ما يوجب عليه احلد والنهاية ،كاحلركة والسكون ،والذهاب واجمليء ،والكون هيف
املكان ،واالجتماع واالفرتاق ،والقرب والبعد من طريق المسافة ،واالتصال واالنفصال،
والدخول واخلروج ،واحلجم واِلرم ،واِلثة والصورة ،واحليز ،واملقدار والنواحي واألقطار،
واِلوانب واِلهات ،فكلها من صفات احملداثت ،وال توز علي هه ؛ وذلك أن إبراهيم
ملا رأى هذه العلمات على الكواكب ،والشمس والقمر ،قال :ﭐﱡﭐﱩﱪﱫﱠ،
فبني أن ما جاز عليه تلك الصفات ،ال يكون خالقا ،فل يستحق العبادة.
( )1اعتقاد اإلمام املنبل أيب عبد للا أمحد بن حنبل ،ص (.)45
( )2املصدر السابق ،ص (.)17
(ُ )3ناية املبتدئني يف أصول الدين ص (.)٣1-٣٠
عقيدة علماء التبليغ 64
وقال اإلمام الطحاوي :ما زال بصفاته قدمياً قبل خلقهم ،مل يزدد بكوهنم
شيئاً مل يكن قبلهم من صفاته ،وكما كان بصفاته أزلياً كذلك ال يزال عليها أبدايً.)2(
وقال ابن محدان احلراين ،شيخ احلنابلة يف بيان عقيدة اإلمام أمحد ابن حنبل
:وأن هللا تعاىل ..ال ت حله احلوادث ،وال ي حل يف حادث.)3(
.8ومجعيهم متفقون على أن للا ٌّ
غين عن العاملني ،ال جيري عليه زمان ،وال
ُيويه مكان ،قال اإلمام األعظم ،التابعي اِلليل ،أبو حنيفة النعمان :ونقر ِبن للا
على العرش استوى ،من غري أن تكون له حاجة ،واستقرار عليه ،وهو حافظ العرش
وغري العرش ،من غري احتياج ،فلو كان حمتاجاً ،ملا قدر على إجياد العامل وتدبريه ،كاملخلوقني،
ولو كان حمتاجاً إىل اجللوس والقرار ،فقبل خلق العرش ،أين كان؟ تعاىل هللا عن ذلك
علواً كبرياً.)4(
وقال أيضاً :ولقاء هللا تعاىل ألهل اجلنة حق ،بال كيفية ،وال تشبيه ،وال
جهة .)5(وسئل :أرأيت لو قيل :أين للا تعاىل؟ فقال :يقال له :كان هللا تعاىل وال
مكان ،قبل أن خيلق اخللق ،وكان هللا تعاىل ومل يكن أين ،وال خلق ،وخلق كل شيء،
يف مكان ،وال ُيتاج إىل مكان ،فقد كان يف وهو خالق كل شيء .)6(فليس هو
األزل وال مكان ،وهو اآلن على ما عليه كان ،وهذا ما نص عليه التميمي ،انقل
عقيدة اإلمام أمحد ،بقوله :وهللا تعاىل مل يلحقه تغري وال تبدل ،وال يلحقه احلدود
قبل خلق العرش ،وال بعد خلق العرش.)1(
.9أن كل ما تصور يف الوهم ،من طول وعرض وعمق ،وألوان ،وهيئات وكيفيات
خمتلفة ،فينبغي أن يعتقد أن صانع العامل خبلفه ،وأنه قادر على خلق مثله.
.10أنه ال جيوز عليه الكيفية والكمية واألينية؛ ألن من ال مثل له ،ال ميكن أن يقال
فيه :كيف هو ،ومن ال عدد له ،ال يقال فيه :كم هو ،ومن ال أول له ،ال يقال له :مم
كان ،ومن ال مكان له ،ال يقال فيه :أين كان.
.11أن علمه سبحانه عام يف مجيع املعلومات ،وقدرته عامة يف مجيع املقدورات،
وإرادته عامة يف مج يع اإلرادات ،علمها على ما هي عليه ،وأراد أن يكون ما علم أن يكون،
وأراد أن ال يكون ما علم أن ال يكون ،وال جيري يف ملكته ما ال يريد كونه.
.12أن كلم للا قدمي ،وكلم واحد ،أمر وُني وخِب واستخبار ،على معىن التقدير،
وكل ما ورد يف الكتب من للا تعاىل ابللغات املختلفة :العِبية والعربية والسراينية ،كلها
عبارات تدل على معىن كلم للا تعاىل ،ولو جاء أضعاف أضعافه ،مل تستغرق معاين كلمه،
فمعاين كلم للا تعاىل ال تستغرقها عبارات املعِبين ،كما أن معلومات علم للا ،ال يستغرقها
ﭐﱡﭐ ﳀ ﳁ ﳂ عبارات املعِبين ،ومقدورات قدرته ال ميكن ضبطها ابحلصر والتحديد ،كما :
ﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﱠ [الكهف.]109:
.13أنه ال اعرتاض عليه يف مجيع ما أيتيه أو يذره ،ال يقال فيما فعله :مل فعله،
وال فيما تركه :مل تركه.
حكيم يف مجيع أفعاله ،وحقيقة احلكمة يف أفعاله سبحانه وتعاىل .14أنه
وقوعها م وافقة لعلمه وإرادته ،وأنه سبحانه يستحيل الظلم يف وصفه؛ ألنه ال يتصرف يف غري
ملكه ومن تصرف يف ملكه.
بعث الرسل ،وأنزل الكتب ،وبني الثواب والعقاب ،وأيدهم .15أن للا
ابملعجزات الدالة على صدقهم ،وأوجب على لساُنم معرفة التوحيد والشريعة ،وكل ما قالوه،
فهو صدق ،وكل ما فعلوه ،فهو حق.
.16أن اإلمجاع حق ،وكل ما اجتمعت عليه األمة يكون حقاً ،مقط ً
وعا به ،قوالً
كان أو فعلً.
.17أن كل من تدين هبذا الدين الذي وصفناه ،من اعتقاد الفرقة الناجية ،فهو على
احلق ،وعلى الصراط املستقيم ،فمن بدعه ،فهو مبتدع ،ومن ضلله ،فهو ضال ،ومن كفره،
فهو كافر.)1(
قال اإلمام أبو املظفر اإلسفراييين (ت 471ه ) ،بعد ذكر مجلة االعتقادات ،الِت
اتفق عليها أهل السنة واِلماعة ،والِت سبق ذكر مملها :وأعلم أن مجيع ما ذكرانه ،من
اعتقاد أهل السنة واِلماعة ،فل خلف يف شيء منه ،بني الشافعي وأيب حنيفة رمحهما للا،
ومجيع أهل الرأي واحلديث ،مثل مالك واألوزاعي ،وداود والزهري ،والليث بن سعد ،وأمحد
بن حنبل ،وسفيان الثوري ،وسفيان بن عيينة ،وُيىي بن معني ،وإسحاق بن راهويه ،وحممد
بن إسحق احلنظلي ،وحممد بن أسلم الطوسي ،وُيىي بن ُيىي ،واحلسني بن الفضل البجلي،
وأيب يوسف ،وحممد ،وزفر ،وأيب ثور ،وغريهم ،من أئمة احلجاز ،والشام ،والعراق ،وأئمة
خراسان ،وما وراء النهر ،ومن تقدمهم ،من الصحابة والتابعني ،وأتباع التابعني.)2(
** ** **
( )1التبصري يف الدين ومتييز الفرقة الناجية عن الفرق اْلالكني ،أليب املظفر اإلسفراييين ،ص (-15٣
.)18٠
( )2املصدر السابق ،ص (.)184-182
67 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
األصول الِت قام عليها مذهب اإلمام أمحد بن حنبل ،وجرى عليها عامة أهل
املذهب ،وهم من يسمون بفضلء احلنابلة ،وكلها متفق عليها بني أهل السنة واِلماعة،
األشاعرة واملاتريدية ،وفضلء احلنابلة:
أول واجب على املكلف ،هو معرفة هللا تعاىل:
ُ ()1
قال اإلمام ابن محدان احلراين ،شيخ احلنابلة يف زمانه (695-603ه) (:)1
جيب معرفة للا تعاىل شرعاً ابلنظر يف الوجود واملوجود ،على كل مكلف قادر ،واملراد :معرفة
وجود ذاته بصفات الكمال فيما مل يزل ،وال يزال ،دون معرفة حقيقة ذاته وصفائه؛ الستحالة
ذلك عقلً عند األكثرين .وهي أول واجب لنفسه ،وجيب النظر قبلها لتوقفها عليه ،فهي
أول واجب لغريه ،فمن تركه مع القدرة عليه لغري عذر أمث.)2(
( )1هو جنم الدين ،أمحد بن محدان بن شبيب النمري احلراين ،احلنبلي ،قال ابن رجب :برع يف
الفقه ،وانتهت إليه معرفة املذهب ،ودقائقه ،وغوامضه ،وكان عارفاً ابألصلني واخلالف،
واألدب ،وصنف تصانيف كثرية .ذيل طبقات احلنابلة ( ،)٣٣1/2وقال اب ن م ف ل ح :
«الف ق ي ه األصويل ،وانتهت إليه معرفة املذهب ،ودقائقه ،وغوامضه .يف املقص د األرشد
( ،)٩٩/1وقال الذهب :كان أحد أوعية العلم .معجم حمدثي الذهب ،ص ( .)21وكتابه
ُناية املبتدئني يف أصول الدين ،هو من الكتب املعتمدة يف تقرير عقيدة احلنابلة.
(ُ )2ناية املبتدئني يف أصول الدين ،ص (.)22
عقيدة علماء التبليغ 68
قال ابن محدان :جيب اجلزم أبنه تعاىل واحد ال يتجزؤ ،وال ينقسم ،أحد
ال من عدد ،فرد صمد ،مل يلد ،ومل يولد ،ومل يكن له كفواً أحد ،ال مثل له ،وال شريك له يف
حي ،موجود ،قدمي
ملكه ،وال ظهري يف صنعه ،وال معني يف خلقه ،وأنه شيء ال كاألشياءٌّ ،
سرمدي ،دائم ،ال آخر له ،وال ُناية ،مل يزل وال يزال
ٌّ أبدي،
أزيلٌّ ،ال أول له وال بداية ،ابق ٌّ
بصفاته العليا وأمسائه احلسىن.)1(
بع (الذاتية):
الس ِّ
إثبات صفات املعاين َّ ()3
على كل شيء قدير ،وقادر .2صفة القدرة :قال ابن محدان :وأنه
بقدرة واحدة ،وجودية ،قدمية ،ابقية ،ذاتية ،متعلقة بكل مكن ،وهو -أي املمكن -ما
جاز وجوده ،إن أراد شيئاً ،كان هبا وإال فل ،ومل يوجد شيء وال يوجد إال هبا .ونص أمحد
-يعين اإلمام أمحد بن حنبل -على أنه قادر بقدرة قدمية ،وقوة شديدة.)3(
مريد إبرادة واحدة ،قدمية قال ابن محدان :وأنه .3صفة اإلرادة:
ابقية ،نص عليه ،متعلقة بكل مكن ،وهي غري الشهوة والتمين ،مث املشيئة ،واإليثار ،والرضا،
واالختيار ،والقصد ،والوالية ،واحملبة كلها مبعىن اإلرادة املذكورة ..وحمبة للا لنا هي إرادته ملا
يفعل بنا من املنافع والنعم ،وبغضه خللقه ،إرادته عقاهبم وضررهم .قاله القاضي.)4(
.6-5صفة السمع والبصر :قال ابن محدان :وأنه مسيع بصري ،نص
عليه ،بسمع وبصر قدميني ،ذاتيني ،وجوديني ،متعلقني ه
بكل مسموع ومبصر.)2(
.7صفة الكالم :قال ابن محدان :وللا قائل ومتكلم ،تكلم ،ويتكلم
بكلم قدمي ،ذايت وجودي ،غري خملوق وال حمدث ،وال حادث ،ال يشبه كلم الناس ،مل يزل
أمراً ،وُنياً ،وخِباً ،وما هو عليه.)3(
( ) 4إثبات تنزيه هللا تعاىل عن اجلسمية ،والعرضية ،والتحيز يف املكان ،وعن قيام
احلوادث بذاته العلية ،وتنزيهه عن املشاهبة والكيفية:
قال ابن محدان :وأن للا ليس جبوهر ،وال عرض ،وال جسم ،وال حتله
احلوادث ،وال ُيل يف حادث ،وال ينحصر فيه ،بل هو ابئن من خلقه ،للا على العرش ،ال
بتحديد ،وإمنا التحديد للعرش وما دونه ،وهللا فوق ذلك ال مكان والحد؛ ألنه كان وال
مكان ،مث خلق املكان وهو كما كان قبل خلق املكان ،وال يعرف ب احلواس ،وال ي ق اس
ب ال ن اس ،وال م دخ ل يف ذات ه وص ف ات ه للقياس ،مل يتخذ صاحبة وال ولداً ،بل هو الغين عن
كل شيء ،وال يستغين عنه شيء ،وأنه ال يشبه شيئاً وال يشبهه شيء ،ومن شبَّهه خبلقه
جسم ،أو قال :إنه جسم ال كاألجسام.)4(
فقد كفر ،نص عليه أمحد ،وكذا من َّ
( ) 5القول يف الصفات املتشاهبة إبثبات ألفاظها ،وتفويض العلم مبعانيها إىل هللا
،مع التصريح بتنزيه هللا تعاىل عن اجلسمية ،والكيفيةِّ ،
واحلد ،والتحيز يف املكان،
وعن قيام احلوادث بذاته العلية:
قال ابن محدان :وجنزم ِبنه يف السماء ،وأنه استوى على العرش بل
كيف ،بل على ما يليق به يف ذلك كله ،وال نتأول ذلك ،وال ه
نفسره ،وال نكيهفه ،وال نتومهه،
وال نعيهنه ،وال نعطله ،وال نكذبه ،بل نكل علمه إىل هللا ،وجنزم بنفي التشبيه
والتجسيم ،وكل نقص ،وكذا حكم مجيع آايت الصفات وأخبارها الصحيحة الصرُية.)1(
فكافر ،ألنه يلزم منه ق دمٌ ومن قال :إنه بذاته يف كل مكان ،أو يف مكان،
املكان ،وحلوله يف األماكن القذرة وغريها ،تعاىل للا عن ذلك علوا كبرياً .وهذا ال ينايف كونه
يف السماء وعلى العرش على ما يليق به؛ لهما سبق ،وكذا القول يف حديث النزول وغريه ما
سنده صحيح ،ولفظه صريح ،إذا استحال محله على ظاهره .وقال التميمي يف اعتقاد أمحد
يف حديث النزول :وال جيوز عليه االنتقال ،وال احللول يف األمكنة .قال فيه ابن البناء يف
اعتقاد أمحد :وال يقال حبركة وال انتقال.)2(
وقال القاضي أبو يعلى :وقد وصفه النيب ﷺ ابلنزول إىل السماء الدنيا
والعلو ،ال على جهة االنتقال واحلركة ،كما جازت رؤيته ،ال يف جهة ،وجتلى للجبل ،ال
على وجه احلركة واالنتقال ،وقال :ال يثبت نزول عن علو وزوال ،بل نزول ال يعقل
معناه ورؤية ،ال يف جهة ،وال يعقل ذلك يف الشاهد .وقال ابن عقيل :ليس بزوال وال
انتقال ،وال كنزولنا .وقال أبو نصر السجزي :ليس يف قول هللا على العرش حتديد ،وإمنا
لتحديد للعرش وما دونه ،وهللا فوق ذلك حيث ال مكان وال حد ،ألنه كان وال مكان،
مث خلق املكان وهو كما كان قبل خلق املكان.)1(
وقال أبو حممد رزق للا بن عبد الوهاب التميمي :وال نقول إن العرش
مكانه ،ألن األمكنة صنعة هللا ،وهي بعده ،وال نقول إنه بذاته قاعد على العرش ،أو
قائم ،أو مضطجع ،وال انئم ،وال مماس ،وال مالصق ،بل نطلق الصفة كما نطق به
القرآن ،ونضرب عن اخلوض فيما ال يبلغ حقيقته اللسان .وقال أمحد -بن حنبل -
:أحاديث الصفات متر كما جاءت ،من غري حبث على معانيها ،وتالف ما خطر
يف اخلاطر عند مساعها ،وننفي التشبيهَ عن هللا تعاىل عند ذكرها ،مع تصديق النب ﷺ،
واإلميان هبا ،وكل ما يعقل ويتصور فهو تكييف وتشبيه ،وهو حمال .وقال القاضي أبو يعلى:
وهو مستو على العرش بال كيف ،وال مطابقة ،وال مماسة ،وال ما سبيله التقدير
واملساحة .وال يقال يف صفاته :حتت ،وال فوق ،وال قدام ،وال خلف ،وال كيفية ،فل يقال:
ما هو ،وال من أي شيء هو ،وال مَّت كان ،وال لهما كان.)2(
وتتميماً للفائدة ،أذكر نصوصاً متكاثرة عن أئمة املذهب احلنبلي ،الذين عليهم
املعول يف الفتوى ،مبا يؤكد أن عقيدة اإلمام أمحد بن حنبل والسادة احلنابلة متوافقة
يف األصول مع السادة األشاعرة واملاتريدية:
.1وأنكر اإلمام أمحد على من يقول ابجلسم ،وقال :إمنا األمساء مأخوذة
ومسك،
ابلشريعة واللغة ،وأهل اللغة وضعوا هذا االسم على كل ذي طول ،وعرضُ ،
وتركيب ،وصورة ،وأتليف ،وهللا تعاىل خارج عن ذلك كله ،فلم جيز أن يُسمى جسماً؛
خلروجه عن معىن اجلسمية ،ومل جييء ذلك يف الشريعة ،فبطل.)1(
.2وقال أيضاً :ومذهب أيب عبد هللا أمحد بن حنبل :أن هلل وجهاً،
وص َفه بقوله :ﭐﱡﭐ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ
ال كالصورة املصورة ،واألعيان املخططة ،بل وجهٌَ ،
ﲊﲋﱠ[القصص ،]88 :مث قال :وليس معىن وجه ،معىن جسم عنده ،وال صورة وال
ختطيط ،ومن قال ذلك ،فقد ابتدع.)2(
.3وقال أيضاً :وكان -يعين اإلمام أمحد بن حنبل - يقول :إِّن هلل
تعاىل يدين ،ومها صفة له يف ذاته ،ليستا جبارحتني ،وليستا مبركبتني ،وال جسم ،وال جنس
من األجسام ،وال من جنس احملدود ،والرتكيب ،واألبعاض ،واجلوارح.)3(
يف أخبار الوالد السعيد قال أبو احلسني ابن أيب يعلى رمحهما للا :قال
الصفات .. :وال يوصف بصفات املخلوقني الدالة على حدثهم ،وال جيوز عليه ما جيوز
عليهم ،من التغري من حال إىل حال ،ليس جبسم ،وال جوهر ،وال عرض ،وأنه مل يزل،
وال يزال.)4(
اثلثاً :قال أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي ،شيخ احلنابلة يف زمانه
(ت 513ه ) :تعاىل هللا أن يكون له صفة تشغل األمكنة ،ألن هذا عني التجسيم،
وليس احلق بذي أجزاء وأبعاض يعاجل هبا.)5(
اعتقاد اإلمام املنبل أيب عبد للا أمحد بن حنبل ،ص (.)45 ()1
املصدر السابق ،ص (.)17 ()2
عقيدة اإلمام أمحد بن حنبل ،رواية أيب بكر اخللل ،ص (.)1٠4 ()3
طبقات احلنابلة (.)211-21٠/2 ()4
دفع شبه التشبيه ِبكف التنزيه ،البن اِلوزي ،ص (.)86 ()5
73 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
قال :أما معرفة الصانع ابآلايت والدالالت على وجه االختصار ،فهي
أن يعرف ويتيقن :أنه واحد فرد صمد ،مل يلد ومل يولد ،ومل يكن له كفواً أحد ،ليس كمثله
شيء ،وهو السميع البصري ،ال شبيه له ،وال نظري ،وال عون ،وال شريك ،وال ظهري ،وال
وزير ،وال ند وال مشري له ،ليس جبسم فيمس ،وال جبوهر فيحس ،وال عرض فيقضى ،وال
ذي تركيب أو آلة وأتليف ،وماهية وحتديد.)1(
مما جيب وقال أيضاً :والصحيح أن املتشابه :ما ورد يف صفات هللا
اإلميان به ،وُيرم التعرض لتأويله ،كقوله :ﭐﱡﭐﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ[طه ،]5:ﭐﱡﭐ ﲾ
وقال أيضاً :فثبت مبا ذكرانه من الوجوه ،أن أتويل املتشابه ال .2
يعلمه إال هللا تعاىل ..،ويلزم من هذا أن يكون املتشابه ،هو ما يتعلق بصفات هللا تعاىل
وما أشبهه.)1(
وقال أيضاً :فإنه ال حاجة لنا إىل علم معىن ما أراد هللا تعاىل من .3
صفاته ؛ فإنه ال يراد منها عمل ،وال يتعلق هبا تكليف ،سوى اإلميان هبا ،وميكن اإلميان
هبا من غري علم معناها؛ فإن اإلميان ابِلهل صحيح ،فإن للا أمر ابإلميان مبلئكته وكتبه
ورسله وما أنزل إليهم ،وإن كنا ال نعرف من ذلك إال التسمية.)2(
.1قال :الواجب علينا ،أن نعتقد أن ذات هللا تعاىل ال ُيويه مكان ،وال
يوصف ابلتغ ري واالنتقال .وقد بني احلافظ ابن اِلوزي يف هذا الكتاب ،أن عقيدة
السلف ،وعقيدة اإلمام أمحد ،تن زيه للا عن اِلهة ،وال مكان ،واحلد ،واِلسمية ،والقيام،
واِللوس ،واالستقرار ،وغريها من صفات احلوادث واألجسام(.)4
أيضاً :فرتى أقواماً يسمعون أخبار الصفات ،فيحملوهنا على ما .2وقال
يقتضيه احلس ،كقول قائلهم :ين زل بذاته إىل السماء ،ويتنقل ،وهذا فهم رديء ،ألن
.3وقال أيضاً :كل من هو يف جهة يكون مقدراً حمدوداً ،وهو يتعاىل عن
ذلك ،وإمنا اجلهات للجواهر واألجسام؛ ألهنا أجرام حتتاج إىل جهة ،وإذا ثبت بطالن
اجلهة ،ثبت بطالن ال مكان.)2(
.4وقال أيضاً :فإن قيل :نفي اجلهات ُييل وجوده ،قلنا :إن كان
ال موجود يقبل االتصال واالنفصال ،فقد صدقت ،فأما إذا ل م يقبلهما ،فليس ُخلوه من
طرف النقيض مبحال.)3(
سابعاً :قال اإلمام املفسر سراج الدين ابن عادل احلنبلي الدمشقي
(ت775ه ) :اختلفت األمة يف تفسري يد اَّلل تعاىل :فقالت اجملسمة :إهنا عضو جسماين
كما يف حق كل أحد .. ،قالوا :واسم اليد موضوع ْلذا العضو ،فحمله على شيء آخر ترك
للغة ،وإنه ال جيوز .واِلواب عنه :أنه تعاىل ليس جبسم؛ ألن اجلسم ال ينفك عن احلركة
والسكون ومها حمداثن ،وما ال ينفك عن احملدث فهو حمدث ،وألن كل جسم فهو متناه
يف املقدار ،وكل ما كان متناهياً يف املقدار فهو حمدث ،وألن كل جسم فهو مؤلف من
األجزاء ،وكل ما كان كذلك افتقر إىل ما يؤلفه ويركبه ،وكل ما كان كذلك فهو حمدث،
فثبت هبذه الوجوه أنه ميتنع كونه تعاىل جسماً ،فيمتنع أن يكون عضواً جسمانياً.
أحدمها :قول من يقول :إن القرآن ملا دل على إثبات اليد َّلل ،آمنا ابَّلل ،والعقل دل
على أنه ميتنع أن يكون يد للا عبارة عن جسم خمصوص ،وعضو مركب من األجزاء
واألبعاض ،آمنا به ،فأما أن اليد ما هي وما حقيقتها ،فقد فوضنا معرفتها إىل هللا تعاىل،
وهذه طريقة السلف.
واثنيهما :قول املتكلمني فقالوا :اليد تذكر يف اللغة على وجوه :أحدها :اِلارحة.
واثنيها :النعمة ،واثلثها :القوة ،ورابعها :امللك ،وخامسها :شدة العناية واالختصاص ،وإذا
عرف هذا فنقول :اليد يف حق اَّلل تعاىل متنع أن تكون اِلارحة ،وأما سائر املعاين فكلها
حاصلة.)1(
(ت795ه ) :والصواب :ما عليه اثمناً :قال احلافظ ابن رجب احلنبلي
السلف الصاحل ،من إمرار آايت الصفات وأحاديثها كما جاءت ،من غري تفسري هلا ،وال
تكييف وال متثيل ،وال يصح عن أحد منهم خلف ذلك البتة ،خصوصا اإلمام أمحد ،وال
خوض يف معانيها ،وال ضرب مثل من األمثال ْلا ..،إمنا االقتداء ِبئمة اإلسلم؛ كابن
املبارك ،ومالك ،والثوري واألوزاعي ،والشافعي ،وأمحد ،وإسحاق ،وأيب عبيد ،وحنوهم.)2(
(ت 1033ه) :مذهب اتسعاً :قال العالمة مرعي املقدسي احلنبلي
السلف هو عدم اخلوض يف مثل هذا ،والسكوت عنه ،وتفويض علمه إىل هللا تعاىل ،قال
ابن عباس :هذا من املكتوم الذي ال يفسر .فاألوىل يف هذه اآلية وما شاكلها أن
يؤمن اإلنسان بظاهرها ،ويكل علمها إىل هللا تعاىل ،وعلى ذلك مضت أئمة السلف ،وقال
سفيان بن عيينة :كل ما وصف هللا به نفسه يف كتابه؛ فتفسريه قراءته والسكوت
عنه ،ليس ألحد أن يفسره إال هللا ورسوله.)3(
قال :ومذهب السلف عدم اخلوض يف مثل هذا ،والسكوت عنه، .1
وتفويض علمه إىل هللا تعاىل.)1(
وقال :وكذلك الرضا والغضب ،إىل غري ذلك من سائر ما جاء به .3
النب الكرمي ،فسلف األمة وعلماء األئمة يؤمنون به ،ويثبتونه َّّلل ،
الكتاب العظيم ،و ه
ابملعىن الذي أراده ،مع اعتقادهم التنزيه والتقديس ،عن التشبيه والتنق ِّ
يص.)3(
قلت :ونصوص أئمة فضلء احلنابلة يف تقرير هذا املذهب ال حتصى ،فاقتصرت على
ما مضى منها ،وال بد من التنبيه هنا ،إىل أننا حني نقول :إن التفويض هو مذهب فضلء
احلنابلة ،نعين :أنه مذهب أكثرهم ،وأنه ميثل اخلط احلنبلي العام عِب العصور ،وليس عند
املتأخرين فقط ،وأُنم قالوه معتقدين أنه مذهب إمامهم ،بل مذهب السلف وسائر األئمة
املعتِبين ،فليسوا مبعزل عن إمامهم وحتقيق قوله ،فل يصح أن يقال :إن هذا تقليد مذموم؛ إذ
التقليد عندهم يف العقائد ال جيوز ،أو إنه قول من ال عِبة بقوله يف ابب االعتقاد ،ولتأكيد
هذا ،أنقل هذين النقلني املهمني ،الذين يبيهنان هذه احلقيقة:
بدأ العلمة عبد الباقي احلنبلي عقيدته [ابملنصوص] عن اإلمام أمحد .1
،ووضع فيها ما يفيد التفويض ،وما قاله يف عقيدته :معظم ما نقلناه من أصولنا
إىل زمننا ،متواتر نقله وفروعنا؛ متصل يف ُجيع األعصار ،من زمن اإلمام أمحد
ُجع عن ُجع.)1(
قال ابن محدان :كل شيء سوى للا وصفاته حادث ،وللا خلقه وأوجده،
وابتدأه بعد عدمه ،ال لعلة وال لغرض ،وال لداع ،وال حلاجة ،وال ملوجب ،وال جتب رعاية
ذلك يف شيء من أفعاله ،وال يفعل شيئاً عبثاً ،وال خالق ِلسم وال جوهر وال عرض ،وال
شيء إال هو .)3(
قال ابن محدان :وُجيع أفعال العباد كسب هلم ،وهي خملوقة هلل خريها
وشرها ،حسنها وقبيحها ،ويقال :إُنا فعله قبل خلقه ،وْلم فيها كسب واختيار .وفعل
العبد خمتار ميسر يف كسب الطاعة ،واكتساب املعصية ،غري مكره وال مِب ،وال مضطر ،وللا
اخلالق ما كسبه العبد واكتسبه وفعله ،والقدرة واملقدور ،واالختيار واملختار .والكسب ما وقع
من الفاعل مقارانً لقدرة حمدثة واختيار ،وقائل هذا احرتز عن االضطرار واالخرتاع ..واِلِب
والتولد ابطلن ،وما يظن أنه متولد من فعل اآلدمي ،هو من خلق للا تعاىل وفعله ،كأمل
الضرب ،واالستطاعة مع الفعل.)1(
قال :وللا تعاىل مقدر اخلري والشر ،والنفع والضر ،وال خيرج شيء من
تقديره ،وال يصدر إال بتدبريه ،كل ما علمه أو قضاه ،أو حكم به ،أو أخِب به ،ال يتصور
تغيريه ،وال خمالفته له ،وال لنا اخللف فيه.)2(
( )8تنزيه هللا عن أن يكون شيءٌ من أفعاله واجباً عليه ،بل ُجيعها ابختياره
ومشيئته:
قال ابن محدان :وال جيب عليه شيءٌ ،وال فعل األصلح واألنفع ْلم،
وال جيوز أن يقال :إمنا خلق اخللق لينفعهم ،فإنه خلق أهل النار ،وتليدهم وتسليط إبليس
وجنده عليهم ابلضلل وغريه ،وليس أنفع ْلم .وهو احلاكم بكل حكم ،والعقل املرعي تبع
وموافق للنقل الشرعي ،فل حسن ،وال شكر ،وال مدح ،وال ذم ،وال أمر ،وال ُني ،وال تتِب
إابحة إال ابلشرع ،وال حكم لعقل يف عني قبل ورود الشرع.)3(
فهذه األصول الِت تنبين عليها عقيدة فضلء احلنابلة يف مبحث اإلْليات ،متفقة متاماً
مع أصول أهل السنة واِلماعة ،األشاعرة واملاتريدية ،وإن كان هناك بعض اخللفات يف فروع
املسائل األصولية ،الِت مل ُيسمها النص ،وليس عليها إمجاع ،وللنظر فيها مال ،فهذا
اخللف ،ال يقتضي تكفرياً وال تبديعاً ،وأما مبحث النبوات ،وما يتبعه ،من مبحث الصحابة
وحنوه ،ومباحث السمعيات ،فهم متفقون يف أمهات األصول ،ويندر اختلفهم ،وإن وجد
اخللف ،فهو يف الفروع الِت خيتلف فيها الرتجيح ،لتعارض األدلة ،وعدم املرجح القطعي.
** ** **
81 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
لقد جعل للا يف القرآن الكرمي نصوصاً حمكمات ،بينة املعىن ،ال حتتمل الشك
يف فهم املراد منها ،وأخر متشاهبات ،تشتبه وحتتمل ،أو خيفى معناها ،فالواجب على املؤمن،
هو رد معىن املتشابه من اآلايت ،إىل احملكم منها ،وفهمها على وفق املعىن املقطوع به ،وهذه
علمة على سلمة ابطنه من الزيغ والضلل ،فعن عائشة ،قالت :تل رسول اَّلل
ﲓﲕ
ﲔ ﭐﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ه هذهه اآلية:
ﲧ ﲩﲪ
ﲡﲣﲤﲥﲦ ﲨ
ﲢ ﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜ ﲝﲞﲟﲠ
ﲲ ﱠ ،قالت :قال رسول اَّلله " :فإذا رأيت الَّ ِّذين يتَّبعونﲫﲬﲭﲮﲯﲰ ﲱ ﲳ
ما تشابه منه ،فأولئك الَّذين َمسَى َّ
اّلل؛ فاحذروهم"(.)1
قال شيخ املفسرين ابن جرير الطِبي :فمعىن الكلم إذا :فأما الذين يف
قلوهبم ميل عن احلق ،وحيف عنه ،فيتبعون من آي الكتاب ،ما تشاهبت ألفاظه ،واحتمل
صرف صارفه ،يف وجوه التأويالت ،ابحتماله املعاين املختلفة؛ إرادة اللبس على نفسه
احتجاجا به على ابطله ،الذي مال إليه قلبه ،دون احلق الذي أابنه للا،
ً وعلى غريه؛
فأوضحه ابحملكمات من آي كتابه.)2(
وقد نقل إمام أهل السنة ،أبو احلسن األشعري ،إمجاع السلف الصاحل يف
طريقة التعامل مع هذه النصوص ،فقال :وأُجعوا على التصديق جبميع ما جاء به رسول
هللا يف كتاب هللا ،وما ثبت به النقل من سائر سنته ،ووجوب العمل مبحكمه،
واإلقرار بنص مشكله ومتشاهبه ،ورد كل ما مل ُيط به علماً بتفسريه إىل هللا ،مع
اإلميان بنصه .)3(ونبني ذلك يف مطلبني:
لقد اتفق السلف الصاحل وخلفهم ،من علماء أهل السنة واِلماعة -بعد تنزيهه تعاىل
عن ظواهر النصوص املتشاهبة ،-أن التعامل مع هذه النصوص املتشاهبة ،يكون إبحدى
طريقتني:
األوىل :طريقة ُجهور السلف الصال( ،)1وهي التفويض :ويعين اإلميان والتسليم
جبميع ما جاء من عند للا ،وصح عن رسول للا ،يف حق صفات للا ،بعد
تنزيهه عن صفات احلدوث والنقص ،وتتزيهه عن مشاهبة خلقه يف املعىن واحلقيقة،
من اِلسمية وحلول احلوادث بذاته ،مع عدم اخلوض فيه بشيء من الكلم ،وعدم حتديد
املعىن من اللفظ ،ابلتأويل والتفسري.
اثنياً :طريقة ُجهور اخللف الصال( ،)2وبعض السلف ،وهي التأويل :ومضمونه
اإلميان مبا ثبت يف النصوص الصحيحة ،ما يتعلق بصفات للا ،مع محلها على معان
الئقة ابلل ،على وفق لغة العرب ،أو هو صرف الكلم عن ظاهره املوهم للتشبيه ،إىل
معىن الئق ابلل ُ ،يتمله اللفظ ،أوجبه برهان قطعي يف القطعيات ،وظين يف الظنيات.
وقد ذكر بعض احملققني من أهل السنة ،أن ألهل السنة يف النصوص املتشاهبة ،ثلثة
اتاهات ،كلها صحيحةٌ ،ال حرج فيها ،وإمنا اخللف يف األوىل منها:
األول :إثبات النصوص ،مع صرف معناها عن الظاهر ،دون تعيني معىن حمدد،
وتفويض معناها إىل للا ،وعدم اخلوض يف بيانه ،وهو قول أليب احلسن األشعري
أيضاً ،ونسبه كثري من أهل السنة إىل أهل احلديث.
( )1السلف الصال :هم من تقدم من األنبياء ،والصحابة ،والتابعني ،واتبعيهم ،وهم أهل القرون الثلثة
األوىل ،وهذا هو قول كثري من العلماء ،فيدخل يف السلف األئمة األربعة.
( )2اخللف الصال :هم السواد األعظم ،من األئمة والعلماء الثقات ،من الفقهاء ،واحملدثني ،وعلماء
أصول الدين ،وغريهم ،الذين جاؤوا بعد املائة الثالثة.
83 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
الثاين :إثبات النصوص ،مع صرف معناها عن الظاهر ،وَتويلها مبا يليق جبلل للا
أيضاً. ،وفق لسان العرب ،وهو قول أيب احلسن
وليعلم أن التأويل ال يقبل ،حَّت تتحقق فيه القواعد املتفق عليها بني العلماء؛ لئل
يصري حتريفاً للكلم عن مواضعه ،وبعدها ُيدد العلماء املعىن املناسب للفظ ،وفق شروط
التأويل الشرعي املقبول ،وضوابطه؛ فمن وجد من نفسه قدرة على صنيع السلف الصاحل،
من كمال التنزيه ،وسلمة الفهم ،فليمش على سننهم ،فهو أسلم وأوىل ،وإال فليتبع اخللف
الصاحل ،وليحرتز من مضلت األهواء ،من تشبيه وتعطيل(.)1
الثالث :إثباتا كصفات معان ،ال يعلم معناها وحقيقتها إال هللا ،وهو قول
معتِب أل هل السنة واِلماعة ،على رأسهم ،اإلمام األعظم أبو حنيفة النعمان ،وشيخ املفسرين
الطِبي ،وإمام أهل السنة ،أبو احلسن األشعري ،وكثري من أصحاهبم املتقدمني،
قول ه
عامة فضلء احلنابلة. وغريهم ،وهو ٌ
ﱡ ﭐ ﱇ ﱈ ﱉ (ت 150ه): قال اإلمام األعظم أبو حنيفة النعمان
ﱊﱠ ،ليست كأيدي خلقه ،وليست جارحة ،وهو خالق األيدي .)2(وقال أيضاً:
وهو شيء ال كاألشياء ،ومعىن الشيء :الثابت بال جسم ،وال جوهر ،وال عرض،
وال حد له ،وال ضد له ،وال ند له ،وال مثل له.)3(
( )1شروط التأويل ثالثة )1( :أن يكون اللفظ حمتملً ،ولو عن بعد للمعىن الذي يؤول إليه ،فل يكون
موجب للتأويل؛ ِبن يكون ظاهر النص خمالفاً لقاعدة مقررة
ٌ غريباً عنه كل الغرابة )2( .أن يكون مثة
معلومة من الدين ابلضرورة ،أي خمالفاً لنص أقوى منه )٣( .أن ال يكون التأويل من غري سند ،بل
ال بد أن يكون له سن ٌد ،ومستمداً من املوجبات .وقال ابن اِلوزي :إن نفيت التشبيه يف الظاهر
والباطن ،فمرحباً بك ،وإن مل ميكنك أن تتخلص من شرك التشبيه ،إىل خالص التوحيد ،وخالص
التنزيه إال ابلتأويل ،فالتأويل خريٌ من التشبيه ،وقال أيضاً :التشبيه داءٌ والتأويل دواؤه ،فإذا مل
يوجد الداء ،فال حاجة الستعمال الدواء .ينظر :املواعظ واجملالس ،ص (.)11
( )2الفقه األكِب ،ص (.)15٩
( )3املصدر السابق ،ص (.)26
عقيدة علماء التبليغ 84
وله وقال اإلمام احلافظ املفسر ،ابن جرير الطِبي ( ت 310ه):
يدان ،وميني وأصابع ،وليست جارحة ،ولكن يداه مبسوطتان ابلنعم على اخللق ،ال
مقبوضتان عن اخلري.)1(
وقال اإلمام أبو احلسن األشعري يف كتاب اإلابنة :وليس خيلو قوله :
ﱡﭐﲱ ﲲ ﲳﱠ[ص ،]75:أن يكون معىن ذلك إثبات يدين نعمتني ،أو يكون معىن
ذلك ،إثبات يدين جارحتني ،تعاىل هللا عن ذلك ،أو يكون معىن ذلك إثبات يدين قدرتني،
أو يكون معىن ذلك ،إثبات يدين ليستا نعمتني وال جارحتني وال قدرتني ال توصفان إال
كما وصف هللا تعاىل ،فل جيوز أن يكون معىن ذلك نعمتني؛ وال جيوز عندان وال عند
خصومنا أن نعين جارحتني ،وال جيوز عند خصومنا أن يعين قدرتني ،وإذا فسدت األقسام
الثالثة ،صح القسم الرابع ،وهو أن معىن قوله :ﱡﭐ ﲳﱠ إثبات يدين ليستا
جارحتني ،وال قدرتني ،وال نعمتني ال يوصفان إال ِبن يقال :إهنما يدان ليستا كاأليدي،
خارجتان عن سائر الوجوه الثالثة الِت سلفت.)2(
وقال اإلمام احلافظ أبو بكر اإلمساعيلي ( ت371ه) ،يف إثبات صفة
اليدين ،صفة معىن ،ال صفة عني ،مبعىن اِلارحة :وخلق آدم بيده ،ويداه مبسوطتان،
ينفق كيف شاء ،بال اعتقاد كيف يداه ،إذ مل ينطق كتاب هللا تعاىل فيه بكيف ،وال يعتقد
فيه األعضاء ،واجلوارح ،وال الطول والعرض ،والغلظ ،والدقة ،وحنو هذا ما يكون مثله يف
اخللق ،وأنه ليس كمثله شيء ،تبارك وجه ربنا ذو اِللل واإلكرام.)3(
إىل حيث انتهى بنا الكتاب ،واألخبار املأثورة الصحيحة ،وهو مذهب أهل السنة
واجلماعة.)1(
( )1فإذا كان ال يقبل التأويل إال معىن واحداً ،وجب أن ُيمل عليه ،كقوله تعاىل:
ﭐﱡﭐﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱠ [احلَ ِّديد]4:؛ فإن املعية ابلتحيز واحللول ابملكان مستحيلة على املوىل
؛ أل ُنا من صفات األجسام ،فتعني صرف الكلم عن ظاهره ،وال يقبل هنا إال َت هو ًيل
احدا دل عليه السياق ،وهو املعية ابإلحاطة ،علما ومس ًعا وبصًرا.
و ً
( ) 2وإن كان يقبل من التأويل أكثر من معىن واحد ،كقوله تعاىل:
ﭐﱡﭐ ﱻ ﱼ ﱠ
[ال َق َمر ،]14:وق ولههه :ﱡﭐ ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﱠ[ص ،]75:وق ولههه :ﭐﱡﭐﱺ ﱻ ﱼ ﱠﭐ
[طه ،]5:فقد اختلف العلماء يف ذلك على ثلثة مذاهب:
املذهب األول :وجوب تفويض معىن ذلك إىل للا تعاىل ،بعد القط هع ابلتنزيه عن
الظاهر املستحيل ،وهو مذهب السلف()2؛ وْلذا ملا سأل السائل ،مالك بن أنس ،
املذهب الثاين :جواز تعيني التأويل للمشكل ،ويرجح على غريه ما يصح بداللة
السياق أو بكث رة استعمال العرب للفظ املشكل فيه ،فتحمل العني على العلم أو البصر أو
احلفظ ،وحت مل اليد على القدرة أو النعمة ،وُيمل االستواء على القهر والغلبة ،وهذا مذهب
إمام احلرمني ومجاعة كثرية من العلماء.
املذهب الثالث :محل تلك املشكلت على إثبات صفات لل تعاىل تليق جبلله
الشيخ أيب احلسن األشعري رمحه للا
شيخ أهل السنة ه
ومجاله ،ال يعرف كنهها .وهذا مذهب ه
تعاىل ورضي عنه.
قلت :والظاهر أن من احتاط وعِب فيما يذكره من َتويل لذلك املشكل بلفظ
االحتمال ،فيقولُ :يتمل أن يكون املراد من اآلية أو احلديث كذا ،فقد سلم من التجاسر
وسوء األدب ،ابِلزم بتعيني ما مل يقم دلهيل قطعي على تعيينه.)1(
اثبتةٌ يف القرآن، قلت :فأصحاب االجتاه األول ،يقولون :إن إضافة اليد إىل للا
الكرمي ،وللا أعلم مبراده ،ويستحيل أن تكون مبعىن اِلارحة ،وال يقولون هي صفة ،أو ليس
بصفة ،فل يزيدون على قراءة النص ،مع نفي التشبيه والتكييف والتجسيم عن الباري ،
ه
فينزهونه عن مطلق مشاهبة اخللئق ،وعن مشاركتهم يف أي معىن من املعاين ،ويسمى هذا
القول( :التفويض).
اثبتة يف القرآن الكرمي ،وال وأصحاب االجتاه الثاين ،يقولون :إضافة اليد إىل للا
ميكن أن تكون مبعىن اِلارحة ،بل نفهم معناها وفق لسان العرب ،فتكون مبعىن القدرة أو
النعمة ،أو غري ذلك من املعاين املستعملة لليد يف لغة العرب ،حبسب اللئق ابلسياق ،وال
نقطع ابملراد ،ويسمى هذا القول( :التأويل).
يد هي صفته ،ويستحيل أن تكون مبعىن وأصحاب االجتاه الثالث ،لل
اِلارحة ،ال نعلم معناها ،وال حقيقتها ،هبا خلق آدم ،فيثبتوُنا صفة معىن ،زائدة على
الصفات املعاين ،مع تفويض العلم حبقيقتها ومعناها إىل للا ،ويسمى هذا القول:
(اإلثبات مع التنزيه).
وهذه األقوال مروية كلها عن السلف الصاحل ،وكلها منسوبة إلمام السنة أيب احلسن
األشعري ،ولكل مسلم أن أيخذ ِبي اتاه منها ،أما حتقيق أي تلك االتاهات أوىل،
فمحله أهل االجتهاد والتحقيق من العلماء ،ومن قلد بعضهم ،فل حرج عليه.
واحلاصل أن االتاهات الثلثة تشتمل على التأويل ،ألن كل صرف للفظ عن ظاهره،
يسمى َتويلً ،وحقيقة اليد -مثلً -هي اِلارحة ،واالتاهات الثلثة جيزمون ِبُنا ليست
جبارحة ،إال أن أصحاب االتاه األول والثالث ،أتويلهم إُجايل ،وأصحاب االتاه الثاين،
أتويلهم تفصيلي؛ فكل قول ال يقول ِبن تلك اإلضافات جوارح وأعضاء ،فقوله يتضمن
َتويلً إمجالياً ،سواء مساه َتويلً ،أو مل ه
يسمه ،فالعِبة ابملعاين ،ال ابملباين.
وقال اإلمام ابن حجر :أكثر السلف لعدم ظهور أهل البد ِّع يف أزمنتهم،
اّلل تعاىل ،مع ِّ
تنزيهه سبحانه عن ظاهرها الذي ال يليق جبالل ذاته، يفوضون علمها إىل َّ
وأكثر اخللف يؤولوهنا حبملها على حمال تليق بذلك اجلالل األقدس ،والكمال األنفس؛
الضطرارهم إىل ذلك؛ لكثرة أهل الزي هغ والبد هع يف أزمنتهم؛ ومن مث قال إمام احلرمني :لو بقي
الناس على ما كانوا عليه ،مل نؤمر ابالشتغال بعلم الكالم ،وأما اآلن فقد كثرت البدع
ﭐﱡﭐ ﲣ أمواج الفنت تلتطم .وأصل هذا اختلفهم يف الوقف يف قوله :
فال سبيل إىل ترك ِّ
عقيدة علماء التبليغ 88
اِلللة ،واألقلون على الوقف على ﭐﱡﭐ ﲫ ﱠ ،ومن أجلهم ابن عباس ،فكان يقف
عليه ،ويقول مح ًل للناس على سؤاله ،واألخذ عنه :أان من الراسخني يف العلم ،على أنه
ميكن رفع اخللفِ ،بن املتشابه على قسمني:
( )2وما يقبله ،فهذا حممل الثاين ،ومن مث اختار بعض احملققني ،قبول التأويل إن
وضعا ،ورده إن بعد عنه.
قرب من اللفظ ،واحتمله ً
مؤولون؛ إلُجاعهم على صرف اللفظ عن ظاهره، واحلاصل أن السلف واخللف ِّ
ولكن أتويل السلف إُجايل لتفويضهم إىل َّ
اّلل تعاىل ،وأتويل اخللف تفصيلي الضطرارهم
إليه لكثرة املبتدعني.)1(
** ** **
املطلب الثاين :سبب اختالف أهل السنة يف طرق التعامل مع النصوص املتشاهبة
إن السبب احلقيقي الختلف السلف واخللف فيما ذهبوا إليه ،من التفويض والتأويل،
بعد اتفاقهم على تنزيهه
عن ظاهر اللفظ ،املوهم للمشاهبة بصفات املخلوق ،هو
اختلفهم يف الوقف على قوله :ﭐﱡﭐ ﲣﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨﱠ:
فمن ذهب إىل أن الراسخني يف العلم ،ال يعلمون معىن النصوص املتشاهبة؛ بناءً على
الوقف على قوله :ﭐﱡﭐﲦ ﲨ
ﲧ ﱠ ،قال :ال جيوز اخلوض يف املتشابه ،ابلتفسري وال ابلتأويل،
ومن ذهب إىل هذا القول ،عائشة ،كما سبق ،وعروة بن الزبري ،وعمر بن عبد العزيز،
وغريهم ،وروي عن مالك بن أنس .
ومن ذهب إىل أن الراسخني يف العلم ،يعلمون َتويل املتشابه؛ بناءً على الوقف عند
قوله :ﭐﱡﭐ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲨ
ﲧ ﲩ ﲪ ﲫ ﱠ ،قال :إن الراسخني يف العلم يعلمون
َتويله ،ومن ذهب إىل هذا القول ،مجع من السلف واخللف ،على رأسهم حِب األمة ابن
عباس ،فقد ثبت عنه ،أنه قال :أان ممن يعلم أتويله .)1(وكذلك قال تلميذه
املقرب ،التابعي اِلليل ،ماهد بن جِب ،فقال :والراسخون يف العلم يعلمون أتويله،
ويقولون :آمنا به .)2(وقاله الربيع ابن أنس أيضاً(.)3
وقال حممد بن جعفر بن الزبري بن العوام :فكيف خيتلف ،وهو قول واحد ،من
رب واحد؟ مث ردوا أتويل املتشابه على ما عرفوا من أتويل احملكمة ،الِت ال أتويل ألحد
ضا ،فنفذت به احلجة،
فيها إال أتويل واحد ،فاتسق بقوهلم الكتاب وصدق بعضه بع ً
وظهر به العذر ،وزاح به الباطل ،ودمغ به الكفر.)4(
ومن مجع بني قويل السلف واخللف الصاحلني مجعاً حسناً ،القاضي ابن عطية
يف تفسريه ،وحاصل كلمه ،أن احملكم :هو ما ال ُيتمل إال َتويلً واحداً ،واتضح معناه لكل
من يفهم كلم العرب ،وال يلتبس على أحد من علم العربية ،وأن املتشابه :ما احتمل من
التأويل أوجهاً ،وهو على قسمني:
متشابه مطلق :وهو ما ال سبيل إىل العلم به من أمور الغيب ،كإدراك حقيقة ذاته
بوقوعها ،ووقت قيام للا وصفاته ،وأمر الروح ،وآماد املغيبات ،الِت قد أعلم
الساعة ،إىل سائر ذلك ،ومن جادل يف هذا املتشابه من أهل الزيغ ،نصارى جنران ،الذين
جادلوا يف القرآن ،يف حق عيسى ،واليهود ،الذين جادلوا رسول للا يف مدته،
ومدة أمته ،بسبب حروف أوائل السور( ،)1فهذا ال يعلمه إال للا ،وال جيوز اخلوض
فيه ،ألنه سبيل الزيغ مطلقاً.
ومتشابه نسيب :وهو ما ميكن أن يعلم ،ما له احتماالت على وجوه يف اللغة ،ومناح
يف كلم العرب ،فهذا يعلمه الراسخون يف العلم ،كل حبسب رسوخه يف العلم ،وما يفتحه للا
عليه ،فيتأول َتويله املستقيم ،ويزال ما فيه ،ما عسى أن يتعلق به ،من َتويل غري مستقيم،
كقوله يف عيسى :ﭐﱡﭐﱙﱚﱠ ،إىل غري ذلك ،وال يسمى أحد راسخاً ،إال ِبن يعلم
من هذا النوع كثرياً ،حبسب ما قدر له ،وإال ،فمن ال يعلم سوى احملكم ،فليس يسمى
راسخاً؛ إذ الرسوخ إمنا هو املعرفة بتصاريف الكلم ،وموارد األحكام ،ومواقع املواعظ ،وذلك
كله بقرُية معدة ،وهذا القدر هو الذي تعاطاه ابن عباس ،وهو ترمجان القرآن ،وال
يتأول عليه أنه علم وقت الساعة ،وأمر الروح وما شاكله(.)2
( )1ينظر :تفسري الطِبي ( ) 4٠٣/1واحملرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز لإلمام ابن عطية األندلسي
(.)2٠4-2٠٣/1
( )2ينظر :تفسري ابن عطية (.)4٠٣/1
91 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
واخلائض يف هذا النوع ،قد يرد املتشابه إىل احملكم ،فل يؤدي ذلك به إىل الزيغ ،بل
هو من صنيع الراسخني يف العلم ،حيث يدفعون ما ظاهره التعارض من نصوص الوحي ،وقد
يؤدي ببعض من مل ترسخ قدماه يف العلم ،إىل تتبع املتشاهبات ،وإثبات عقائد بظواهرها،
فيزيغ عن طريق احلق ،كما حدث مع من نزلت فيهم هذه اآلايت ،من النصارى واليهود،
وهي عامة يف كل الفرق الِت زاغت عن طريق الراسخني يف العلم ،كاخلوارج ،واملرجئة،
والقدرية واِلِبية ،واِلهمية املعطلة ،والكرامية املشبهة اجملسمة ،وغريهم.
وإن جعلنا قوله :ﭐﱡﭐ ﲩ ﱠ عطفاً على اسم للا ،فاملعىن إدخاْلم يف علم
َتويل املتشابه النسب ،كلٌّ بقدره ،وما يصلح له ،والراسخون يقولون يف مجيع املتشابه :آمنا
بههه(.)1
وبنحو ما سبق ،قال احلافظ ابن حجر ،فقال :وقال اخلطايب :
املتشابه على ضربني :أحدمها :ما إذا رد إىل احملكم واعتِب به ،عرف معناه.
واآلخر :ما ال سبيل إىل الوقوف على حقيقته ،وهو الذي يتبعه أهل الزي هغ ،فيطلبون
َتويله ،وال يبلغون كنهه؛ فرياتبون فيه؛ فيفتنون ،واَّلل أعلم.)2(
وقال املل علي القاري :قال ابن حجر :اِلمهور أن الوقف على اِلللة؛
ليفيد أن علم املتشابه على حقيقة ما هو عليه ،خمتص َّ
ابّلل تعاىل ،وال ينايف هذا ،جعل
( )1ينظر :تفسري ابن عطية ( ،)4٠٣/1مث قال ابن عطية :فإعراب ﭐﱡﭐ ﲩ ﱠ ُيتمل
الوجهني ،ولذلك قال ابن عباس هبما ،واملعىن فيهما يتقارب هبذا النظر الذي سطرانه.
( )2فتح الباري (.)212-211/8
عقيدة علماء التبليغ 92
ابن عباس واآلخرين الوقف على العلم ،املفيد أن الراسخني فيه ،يعلمون َتويل املتشابه؟ ألُنم
وإن علموه ،مل يدركوا حقيقته املرادة َّلل تعاىل منه ،وإمنا علموه بصرف ظاهره عن اَّلل تعاىل؛
اّلل تعاىل عنالستحالته بل خلف بني الفريقني ،ومن مث اتفق السلف واخللف على تنزيه َّ
ظواهر املتشاهبات املستحيلة على َّ
اّلل تعاىل ،مث اختلفوا بعد ،فأمسك أكثر السلف عن
اخلوض هيف تعيني املراد من ذلك املتشابه ،وفوضوا علمه إىل َّ
اّلل تعاىل ،وهذا أسلم؛ ألن من
أول ،مل أيمن من أن يذكر معىن غري مراد له تعاىل ،فيقع يف ورطة التعيني وخطره.
وخاض أكثر اخللف يف التأويل ،ولكن غري جازمني ِبن هذا مراد اَّلل تعاىل من تلك
النصوص ،وإمنا قصدوا بذلك ،صرف العامة عن اعتقاد ظواهر املتشابه ،والرد على املبتدعة،
املتمسكني ِب كثر تلك الظواهر املوافقة العتقاداهتم الباطلة .وقال الشافعي :ال ُيل تفسري
املتشابه إال بسند عن رسول اَّلل ،أو خِب عن أحد من الصحابة ،أو إمجاع العلماء.)1(
** ** **
كما وصف نفسه ،وال يقال :كيف ،وكيف عنه مرفوع ،وأنت رجل سوء صاحب بدعة،
أخرجوه .قال :فأخرج الرجل(.)1
وعن ُيىي بن ُيىي ،قال :كنا عند مالك بن أنس ،فجاء رجل ،فقال:
اي أاب عبد اَّلل ،ﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ ،فكيف استوى؟ قال :فأطرق مالك برأسه،
حَّت عله الرحضاء ،مث قال :االستواء غري جمهول ،والكيف غري معقول ،واإلميان به
واجب ،والسؤال عنه بدعة ،وما أراك إال مبتدعا.)2(
اإلمام الشافعي ( ت204ه): .3
قال الشافعي :آمنت ابهلل ،ومبا جاء عن هللا ،على مراد هللا ،وآمنت
برسول هللا ،ومبا جاء عن رسول هللا ،على مراد رسول هللا.)3(
اإلمام أمحد بن حنبل ( ت241ه): .4
قال اإلمام أمحد بن حنبل يف النصوص املتشاهبة :نؤمن هبا ،ونصدق هبا بال
كيف ،وال معىن ،وال نرد شيئاً منها ،ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ،وال نرد على
ﭐﱡ ﭐ ﱐ رسول هللا ، وال نصف هللا أبكثر مما وصف به نفسه ،بال حد ،وال غاية،
ﱒ ﱔﱕ ﱖ ﱠ [الشورى.)4( ]11 :
ﱑ ﱓ
ألهلها؛ خوفًا من أن يضل هبا من جهل معانيها ،فيحملها على ظاهرها ،أو يستنكرها
فريدها ،ويكذب رواتا ونقلتها.)1(
احلافظ اإلمام أبو عمر ابن عبد الرب ( ت463ه): .14
قال يف َتويل اجمليء :وليس جميئه حركة ،وال زواال ،وال انتقاال؛ ألن ذلك
إمنا يكون إذا كان اِلائي جسماً أو جوهًرا ،فلما ثبت أنه ليس جبسم وال جوهر ،مل جيب
أن يكون ميئه حركة وال نقلة ،ولو اعتِبت ذلك بقوْلم جاءت فلان قيامته ،وجاءه املوت،
وجاءه املرض ،وشبه ذلك ما هو موجود انزل به ،وال ميء ،لبان لك.)2(
وقال أيضاً :وقد قالت فرقة منتسبة إىل السنة إنه ينزل بذاته! وهذا قول
مهجور؛ ألنه ذكره ليس مبحل للحركات ،وال فيه شيء من عالمات
املخلوقات.)3(
قال :إن نفيت التشبيه يف الظاهر والباطن ،فمرحباً بك ،وإن مل ميكنك
أن تتخلص من شرك التشبيه ،إىل خالص التوحيد ،وخالص التنزيه ،إال ابلتأويل،
فالتأويل خريٌ من التشبيه.)4(
ُيل يف حادث ،وال ينحصر فيه ،بل هو وال عرض ،وال جسم ،وال َحتُلُّه احلوادث ،وال ُّ
ابئن من خلقه ..،وال يعرف ابحلواس ،وال يقاس ابلناس ،وال مدخل يف ذاته وصفاته للقياس،
وأنه ال يشبه شيئاً ،وال يشبهه شيء ،ومن شبهه خبلقه ،فقد كفر ،نص عليه أمحد ،وكذا من
جسم ،أو قال جسم ال كاألجسام.)1(
يف حديث النزول :هذا احلديث من أحاديث الصفات ،وفيه مذهبان قال
مشهوران للعلماء :أحدمها :وهو مذهب مجهور السلف ،وبعض املتكلمني ،أنه يؤمن ِبُنا
حق على ما يليق ابَّلل تعاىل ،وأن ظاهرها املتعارف يف حقنا غري مراد ،وال يتكلم يف َتويلها،
مع اعتقاد تنزيه اَّلل تعاىل عن صفات املخلوق ،وعن االنتقال واحلركات وسائر مسات اخللق.
والثاين :مذهب أكثر املتكلمني ومجاعات من السلف ،وهو حمكي هنا عن مالك
،أُنا ت تأول على ما يليق هبا حبسب مواطنها ،فعلى هذاَ ،تولوا هذا واألوزاع هي
احلديث َتويلني ،أحدمهاَ :تويل مالك ابن أنس وغريه ،معناه :تنزل رمحته وأمره ومالئكته،
كما يقال فعل السلطان كذا ،إذا فعله أتباعه ِبمره ،والثاين :أنه على االستعارة ،ومعناه
اإلقبال على الداعني ابإلجابة واللطف ،وللا أعلم.)2(
أيضاً :اعلم أن ألهل العلم يف أحاديث الصفات ،وآايت الصفات وقال
قولني:
أحدمها :وهو مذهب معظم السلف أو كلهم ،أنه ال يتكلم يف معناها ،بل يقولون:
جيب علينا أن نؤمن هبا ،ونعتقد هلا معىن يليق جبالل َّ
اّلل تعاىل وعظمته ،مع اعتقادان
اجلازم أن َّ
اّلل تعاىل ليس كمثله شيء ،وأنه منزه عن التجسم واالنتقال ،والتحيز يف
جهة ،وعن سائر صفات املخلوق .وهذا القول هو مذهب مجاعة من املتكلمني ،واختاره
مجاعة من حمققيهم ،وهو أسلم.
والقول الثاين :وهو مذهب معظم املتكلمني ،أُنا تتأول على ما يليق هبا ،على
حسب مواقعها ،وإمنا يسوغ َتويلها ملن كان من أهلهِ ،بن يكون عارفا بلسان العرب،
وقواعد األصول والفروع ،ذا رايضة يف العلم.)1(
لقد كان اإلمام مالك رمحه للا سائراً على فهم من قبله من الصحابة والتابعني ،وله
مقولة جامعةٌ ،ابتت قاعدة عامة وأصلً كلياً يف ابب النصوص املتشاهبة ،واشتهر هذا األثر
عن اإلمام مالك شهرة ابلغة ،ورواه عنه طائفة من تلميذه ،وهو ٌّ
مروي عنه من طرق
عديدة ،وقد ح هظي ابستحسان أهل العلم ،وتلقوه ابلقبول ،وهو خمرج يف كتب عديدة من
مروي عن اإلمام مالك من عشرة من طلبه ،ويف هذا املبحث سنقوم بذكر ما
كتب السنةٌّ ،
وقفت عليه من رواايت ْلذه املقولة عن اإلمام مالك ،مث بيان مراد اإلمام مالك من مقولته،
كما فهمها أئمة أهل السنة واِلماعة سلفاً وخلفاً ،وذلك يف فرعني:
قال جعفر بن عبد للا ،قال :كنا عند مالك بن أنس ،فجاءه رجل فقال :اي أاب عبد
للا ،ﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ [طه ،]5:كيف استوى ،فما وجد مالك من شيء ما
وجد من مسألته ،فنظر إىل األرض ،وجعل ينكت بعود يف يده ،حَّت عله الرحضاء -يعين
العرق ،-مث رفع رأسه ،ورمى ابلعود ،وقال« :الكيف منه غري معقول ،واالستواء منه غري
جمهول ،واإلميان به واجب ،والسؤال عنه بدعة ،وأظنك صاحب بدعة وأمر به
فأخرج»(.)1
وفيها قال اإلمام مالك« :االستواء غري جمهول ،والكيف غري معقول.)3(»..
وفيها قال اإلمام مالك« :االستواء منه معلوم ،والكيف منه غري معقول.)4(»..
أخرجه أبو نعيم يف حلية األولياء وطبقات األصفياء ( )٣25/6وأخرجه عنه أيضاً شيخ اإلسلم أبو ()1
عثمان الصابوين يف عقيدة السلف وأصحاب احلديث ص ( )18٣-181والللكائي يف شرح
أصول اعتقاد أهل السنة واِلماعة ( )441/٣برقم ( )664بنحوه ،ولفظه« :الكيف غري معقول،
والسؤال عنه بدعة فإين أخاف أن تكون ضاالً،واالستواء منه غري جمهول ،واإلميان به واجبُّ ،
وأمر به فأخرج».
رواه البيهقي يف األمساء والصفات ( )866وقال الذهب يف العلو :وساق البيهقي إبسناد صحيح.. ()2
عن ابن وهب ..وذكره .وقال احلافظ ابن حجر :وأخرج البيهقي بسند جيهد عن ابن وهب ..وذكره.
روى األوىل البيهقي يف األمساء والصفات ( )867واالعتقاد ( )116وأورده الذهب يف العلو ،مث قال: ()3
هذا اثبت عن مالك .وقال مشس الدين ابن عبد اْلادي يف كتابه يف االستواء :صحيح اثبت عن
مالك .وروى رواية جعفر بن ميمون أبو عثمان الصابوين يف عقيدة السلف أصحاب احلديث ص
(.)٣8
ترتيب املدارك للقاضي عياض ( )٣٩/2ونقله الذهب يف سري أعلم النبلء ()1٠7-1٠6/8 ()4
ورجاْلا ثقات.
103 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
وفيها قال اإلمام مالك« :االستواء منه غري جمهول ،والكيف منه غري
معقول.)1(»..
وفيها قال اإلمام مالك« :الكيف غري معقول ،االستواء جمهول.)4(» ..
** ** **
رواه أبو الشيخ األنصاري يف طبقات احملدثني ِبصبهان ( )211/2وإسنادها جيد. ()1
أخرجه احلافظ ابن عبد الِب يف التمهيد (.)1٣8/7 ()2
املصدر السابق (.)151/7 ()3
أخرجه أبو املظفر السمعاين يف تفسريه (.)٣2٠/٣ ()4
ذكره ابن رشد يف البيان والتحصيل (.)٣68 - ٣67/16 ()5
عقيدة علماء التبليغ 104
الفرع الثاين :ذكر معىن هذه املقولة ومراد اإلمام مالك منها
إن احلاصل من الرواايت السابقة أُنا اجتمعت على إثبات االستواء لل عز وجل،
ونفي الكيفية عنه ،واعتقاد أُنا منفية عن للا تعاىل ،وغري مكنه يف ه
حق الباري عز وجل عند
ذوي العقول السليمة ،املنزهني لل تعاىل عن مشاهبة املخلوقات المكي فة ،كما هو واضح من
قوله« :والكيف غري معقول ،وال يقال عنه كيف ،وكيف عنه مرفوع» ،أي ٌّ
منفي.
ومل يرد إثبات الكيف يف واحدة من الرواايت إال ما توهوه البعض من رواية :وكيفيته
جمهولة ،فتومهوا أُنا تفيد ثبوت الكيفية لل تعاىل ،مع اِلهل هبذه الكيفية ،وهذا كلم ابطل؛
إذ إن إسناد هذه الرواية فيه اضطراب ،وال تقوم احلجة مبثلها إلثبات كيفية للرب عز وجل لو
أثر مقطوع ،ومع ذلك فهو مضطرب ،بل وشاذٌّ؛ كانت اثبتة ِبثر نبوي ،فكيف وهذا ٌ
ملخالفته لسائ ر الرواايت الصحيحة عن اإلمام مالك ،والِت تقطع بنفي الكيف عن الرب عز
وجل ،ه
وعده من املستحيلت الِت يتنزه الباري عز وجل عنها.
وقد أمجع السلف الصاحل على نفي الكيفية عن للا تعاىل؛ لَلدلة القطعية العقلية
والنقلية يف أن من كيف املكيفات ،وقدر املقدرات ،يستحيل أن يكون مكيفاً مقدراً ،وإال
قدٌر ،وهو مستحيل كما سيأيت يف مبحث الصفات السلبية ،يف لزم أن يكون له مكيهف وم ه
ٌ
استحالة كونه تعاىل جسماً مقدراً مكيفاً.
كما أن أئمة السلف واخللف مل يفهموا من كلم اإلمام مالك إال نفي مطلق الكيفية،
وعلى هذا مجاهري أئمة اإلسلم ،وعلى رأسهم السادة املالكية أتباع اإلمام مالك ،الذين
ُيرصون كل احلرص أن يتابعوه يف كل كلمة يقوْلا ،إلمجاع األمة على إمامته ،فكما هو
معروف أن عامة أئمة املالكية هم أشعرية يف أبواب االعتقاد ،وهم مل يتبعوا اإلمام األشعري
يف االعتقاد إال ِلزمهم مبوافقة أقواله ملا ثبت عن إمامهم وإمام األمة مالك بن أنس .
105 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
فقوله« :االستواء غري جمهول» ،أي أنه معلوم وروده يف القرآن الكرمي ،أو أن
االستواء له معان كثريةٌ يف اللغة ،وهي معلومة لدى أهل اللغة ،كما قال القاضي أبو بكر ابن
العريب املالكي « :وللستواء يف كلم العرب مخسة عشر معىن ما بني حقيقة وماز،
معىن لآلية ،ومنها ما ال جيوز على للا حبال ،وهو إذا كان
منها ما جيوز على للا فيكون ً
االستواء مبعىن التمكن أو االستقرار أو االتصال أو احملاذاة ،فإن شيئاً من ذلك ال جيوز على
الباري تبارك وتعاىل ،وال تضرب له األمثال يف املخلوقات ،وإما أن ال يفسر كما قال مالك
وغريه ،إن االستواء معلوم يعين مورده يف اللغة ،والكيف غري معقول أي يستحيل يف حق
للا سبحانه وتعاىل ،والسؤال عنه بدعة ،ألن االشتغال به قد يثري طلب املتشابه ابتغاء
الفتنة ،فتحصل لك من كلم إمام املسلمني مالك أن االستواء معلوم وأن ما جيوز على للا
غري متعني ،وما يستحيل عليه هو منزه عنه ..والذي جيب أن يعتقد يف ذلك أن للا كان وال
شيء معه ،مث خلق املخلوقات من العرش إىل الفرش ،فلم يتعني هبا ،وال حدث له جهة
منها ،وال كان له مكان فيها ،فإنه ال ُيول وال يزول ،قدوس ال يتغري وال يستحيل»(.)1
وقوله« :والكيف غري معقول» ،معناه أن االستواء مبعىن الكيف ،أي :اْليئة كاِللوس
ال يعقل ،أي ال يقبله العقل السليم ،فيكون مستحيلً عقلً؛ لكونه من صفات األجسام؛
ألن اِللوس ال يصح إال من جسم حمدود مقدر مكيف ،متناهي األبعادُ ،يويه مكان،
وخيضع لقوانينه ،ويكون ذا أعضاء ،كألية وركبة ،وللا تعاىل منزهٌ عن مشاهبة خلقه يف ه
أي
ه
الصفات ،فليس استواءه عن اعوجاج وال معىن من املعاين ،فل تشبه ذاته الذو ه
ات ،وال صفاته ً
اعتدال ،وال جلوس وال مقدار.
وقوله كما يف الرواية الثابتة األخرى« :وكيف عنه مرفوع» ،أي ٌّ
منفي ،ألن الرفع أييت
مبعىن النفي ،كما يف قولنا :النقيضان ال يرتفعان ،أي :ال ينتفيان .وكقوله « :رفع القلم
عن ثالثة ..احلديث» ،ومعناه ال تكليف عليه ،فال مؤاخذة( ،)1فمعىن رفع القلم عن
الثلثة هو نفي أصل جراين القلم عنهم ،ال أن هناك قلماً جيري عليهم ولكننا ال نتصور
كيفية جراينه؟!
فل معىن لقول املشبهة :االستواء معلوم ،والكيفية مهولة ،يقصدون بذلك أن
االستواء هو االستقرار ابِللوس ،لكن كيفية جلوسه غري معلومة ،ألن االستقرار واِللوس
كيفما كان ،ال يكون إال ِبعضاء ،وهؤالء يومهون الناس أن هذا مراد مالك رضي للا عنه.
وقوله( :أنت رجل سوء صاحب بدعة ،أخرجوه) ،وذلك ألنه قد ظهر من سؤال
الرجل أنه يعتقد ثبوت الكيف الستواء الرب عز وجل ،فهو يسأل عنه ،فسبب اإلنكار عليه
ورميه ابلبدعة والضلل هو أنه أثبت كيفاً لل تعاىل ،وهو سبحانه منزهٌ عن الكيف كما مر،
معىن لإلنكار عليه ،بل
كيف يف نفس األمر ،لما كان هناك ً
ولو أنه سأل عن كيفية ما له ٌ
غاية األم ر أنه يكون قد سأل عن أمر اثبت ،لكنه غيب من الغيوب ،فيقال للسائل :للا
أعلم ابلكيفية ،لكن األمر هنا خمتلف متاماً كما سبق بيانه.
وقد قال القاضي عياض« :ورحم للا مالكاً ،فلقد كره التحدث مبثل ذلك من
األحاديث املومهة للتشبيه ،واملشكلة املعىن ،وقال :ما يدعو الناس إىل التحدث مبثل هذا؟! مث
قال القاضي :والنب أوردها على قوم عرب يفهمون كلم العرب على وجهه وتصرفاهتم،
يف حقيقته ومازه ،واستعارته ،وبليغه وإجيازه ،فلم تكن يف حقهم مشكلة ،مث جاء من غلبت
عليه العجمة ،وداخلته األمية ،فل يكاد يفهم من مقاصد العرب إال نصها وصرُيها ،وال
يتحقق إشاراهتا إىل غرض اإلجياز ووحيها ،وتبليغها وتلوُيها ،فتفرقوا يف َتويلها أو محلها
على ظاهرها شذر مذر ،فمنهم من آمن به ،ومنهم من كفر»(.)2
( )1ينظر :املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري ،للفيومي (.)2٣2 /1
( )2الشفا بتعريف حقوق املصطفى (.)252/2
107 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
مث إن هذه املقولة عن اإلمام مالك رمحه للا صارت قاعدة عامة يف التعامل مع مجيع
العلي الكبري ،فيقال :االستواء
النصوص املتشاهبة ،والِت يستحيل محلها على ظاهرها يف حق ه
متنع ثبوته للرب عز وجل ،ويقال :النزول غري
غري مهول ،والكيف غري معقول ،أيٌ :
مهول ،واجمليء غري مهول ،والغضب والرضا ،والفرح والعجب والضحك ،لل عز وجل غري
مهول ،والكيف فيها كلهها غري معقول ،أي منفي؛ الستحالة كون للا تعاىل جسماً،
فكل هذه األفعال املضافة إىل للا تعاىل ،يقال
واستحالة اتصافه تعاىل ابلصفات احلادثةُّ ،
منفي عن للا تعاىل،
فيها :إُنا معلومة الثبوت شرعاً ،ومعلومةٌ لغةً ،إال أن الكيف يف كلها ٌّ
فليست مبعناها يف ه
حق للا تعاىل؛ ألن للا تعاىل ليس يف معناه أحد من اخلليقة.
ومن أفضل من حقق منهج السلف يف النصوص املتشاهبة وبينه كما هو ،ونصره
ابألدلة العقلية والنقلية ،حجة اإلسلم الغزايل ،فقال يف بيان حقيقة مذهب السلف،
يف اآلايت واألخبار ،والِبهان على أن احلق يف ذلك مذهب السلف ،فقال« :اعلم أن
مذهب السلف ،وهو احلق عندان ،أن كل من بلغه حديث من هذه األحاديث من عوام
اخللق ،جيب عليه فيه سبعة أمور :التقديس ،مث التصديق ،مث االعرتاف ابلعجز ،مث السكوت،
مث اإلمساك ،مث الكف ،مث التسليم.
أما التقديس ،فأعين به تنزيه الرب تعاىل عن اِلسمية وتوابعها.
وأما التصديق ،فهو اإلميان ِبن ما قاله حق ،على الوجه الذي قاله وأراده.
وأما االعرتاف ابلعجز ،فهو أن يقر ِبن معرفة مراده ليس على قدر طاقته ،وال
من شأنه.
وأما السكوت :فهو أن ال يسأل عن معناه ،وال خيوض فيه ،ويعلم أن سؤاله عنه
بدعة ،وأنه يف خوضه فيه خماطر بدينه ،وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه.
وأما اإلمساك :فل يتصرف يف تلك األلفاظ ابلتصريف ،والتبديل بلغة أخرى ،والزايدة
فيه ،والنقصان منه ،واِلم هع والتفريق ،بل ال ينطق إال بذلك اللفظ ،وعلى ذلك الوجه ،من
اإليراد ،واإلعراب ،والتصريف ،والصيغة.
عقيدة علماء التبليغ 108
وأما الكف :فإنه يكف ابطنه عين البحث عنه ،والتفكر فيه.
وأما التسليم :فأن ال يعتقد أن ذلك إن خفي عليه لعجزه ،فقد خفي على رسول للا
ه
السلف ،أو على األنبياء ،أو على الصديقني واألولياء .فهذه سبع وظائف اعتقد كافة
وجوهبا على كل العوام ،ال ينبغي أن يظن ابلسلف اخللف يف شيء منها»(.)1
وهذا الكلم املتني الرصني هو عبارة عن شرح تفصيلي لكلم اإلمام مالك ،فعلى كل
من قرأ قوله تعاىل :استوى على العرش ،أن يلتزم هبذه القواعد السبع ،على النحو التايل:
أوال :التقديس تنزيه للا تعاىل عن اِلسمية ولوازمها ،من االستقرار واِللوس ،واِلهة.
اثنياً :التصديق ،فهو اإلميان ِبن االستواء حق ،على الوجه الذي قاله وأراده.
اثلثاً :االعرتاف ابلعجز ،عن إدراك معىن االستواء وحقيقته.
رابعاً :السكوت ،فل يسأل عن معىن االستواء ،وال خيوض فيه ،ويعلم أن سؤاله عنه
بدعة ،وأنه يف خوضه فيه خماطر بدينه ،وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه.
خامساً :اإلمساك ،وعدم التصرف يف تلك األلفاظ ابلتصريف ،والتبديل ،كأن يقول:
(مستو) ،بل ال ينطق إال بذلك اللفظ ،وعلى ذلك الوجه ،من اإليراد ،واإلعراب،
والتصريف ،والصيغة ،كما قال الكوثري« :االستواء مل يذكر يف تلك اآلايت إال بصيغة الفعل
املقرون ِبداة الرتاخي ،ومن قال :إنه (مستو) نطق مبا مل أيذن به للا ،كائناً من كان ،ومن زاد
وقال( :استوى بذاته) مبعىن استقر ،فهو عابد وثن خيايل ،إن مل يكن عامياً»(.)2
سادسا :كف الباطن عن البحث عن معناه ،وعن التفكر فيه.
سابعاً :التسليم والتفويض يف العلم مبعىن االستواء إىل للا عز وجل ،ورسوله .
وهكذا يقال يف ابقي النصوص املتشاهبة ،وهبذا يكون املرء على طريقة السلف الصاحل
الراسخني يف العلم ،وجيتنب طريقة الزائغني عن احلق ،من أهل األهواء ،الذين خالفوا السنة
واِلماعة ،وحالفوا البدعة والضللة ،عصمنا للا منهم بفضله وكرمه.
الفرع الثالث :أقوال أئمة اهلدى فيما يوافق ويشرح كالم اإلمام مالك يف االستواء
.1قال اإلمام األعظم أبو حنيفة النعمان ( ت15٠ه)« :ونقر أبن هللا تعاىل
على العرش استوى ،من غري أن تكون له حاجة واستقرار عليه ،وهو حافظ العرش وغري
در على إجياد العامل وتدبريه وحفظه
العرش من غري احتياج ،فلو كان حمتاجا ،ل ََما قَ َ
كاملخلوقني ،ولو كان يف مكان حمتاجا للجلوس والقرار ،فقبل خلق العرش أين كان
هللا»(.)1
(ت٣1٠ه) :االستواء يف .2قال شيخ املفسرين اإلمام ابن جرير الطِبي
كلم العرب منصرف على وجوه:
( )1منها انتهاء شباب الرجل وقوته ،فيقال ،إذا صار كذلك :قد استوى الرجل.
( )2ومنها استقامة ما كان فيه أوٌد من األمور واألسباب ،يقال منه :استوى لفلن
أمره ،إذا استقام بعد أود.
( )٣ومنها :اإلقبال على الشيء ،يقال استوى فل ٌن على فلن مبا يكرهه ويسوءه بعد
اإلحسان إليه.
( )4ومنها :االحتياز واالستيلء ،كقوْلم :استوى فلن على اململكة ،مبعىن احتوى
عليها وحازها.
( )5ومنها :العلو واالرتفاع ،كقول القائل ،استوى فلن على سريره .يعين علوه عليه.
(ت٣24ه)« :فصل يف إابنة قول أهل احلق .3قال اإلمام األشعري
والسنة :قولنا الذي نقول به ،وداينتنا الِت ندين هبا ،..وأن للا تعاىل استوى على العرش على
املماسة واالستقرار ،والتمكن
َّ الوجه الذي قاله ،وابملعىن الذي أراده ،استواء منزها عن
واحللول واالنتقال ،ال ُيمله العرش ،بل العرش ومحلته حممولون بلطف قدرته ،ومقهورون يف
قبضته ،وهو فوق العرش ،وفوق كل شيء ،إىل توم الثرى ،فوقية ال تزيده قرابً إىل العرش
والسماء ،بل هو رفيع الدرجات عن العرش ،كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى ،وهو مع
ذلك قريب من كل موجود ،وهو أقرب إىل العبد من حبل الوريد ،وهو على كل شيء
شهيد»(.)1
(ت٣88ه)« :وليس قولنا إن للا على .4قال اإلمام احلافظ اخلطايب
العرش ،أي ماس له ،أو متمكن فيه ،أو متحيز يف جهة من جهاته ،بل هو خِب جاء به
التوقيف ،فقلنا به ،ونفينا عنه التكييف؛ إذ ﱡﭐﱐ ﱑ ﱒﱠ »(.)2
.5قال اإلمام أبو بكر الباقلين ( ت4٠٣ه)« :وأن للا جل ثناؤه مستو عن
العرش ،ومستول على مجيع خلقه ،كما قال تعاىل :ﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱠ ،بغري
مماسة وكيفية ،وال جماورة ،وأنه يف السماء إله ويف األرض إله كما أخِب بذلك»(.)3
وقال أيضاً « :وجيب أن يعلم :أن كل ما يدل على احلدوث ،أو على مسة
النقص ،فالرب تعاىل يتقدس عنه .فمن ذلك :أنه تعاىل متقدس عن االختصاص ابِلهات،
واالتصاف بصفات احملداثت ،وكذلك ال يوصف ابلتحول ،واالنتقال ،وال القيام ،والقعود؛
لقوله تعاىل :ﱡﭐﱐ ﱑ ﱒﱠ ،وقوله :ﭐﱡﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱠ ،وأن هذه الصفات
ﭐﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ تدل على احلدوث ،وللا تعاىل يتقدس عن ذلك فإن قيل أليس قد قال:
ﱼﱠ .قيل :بلى .قد قال ذلك ،وحنن نطلق ذلك وأمثاله على ما جاء يف الكتاب
والسنة ،لكن ننفي عنه أمارة احلدوث ،ونقول :استواؤه ال يشبه استواء اخللق ،وال نقول إن
العرش له قرار ،وال مكان ،ألن للا تعاىل كان وال مكان ،فلما خلق املكان مل يتغري عما
كان»(.)1
ويف اِلملة جيب أن يعلم أن استواء للا سبحانه وتعاىل ليس ابستواء اعتدال عن
اعوجاج ،وال استقرار يف مكان ،وال ماسة لشيء من خلقه ،لكنه استوى على عرشه كما
أخِب بل كيف ،بل أين ،ابئن من مجيع خلقه ،وأن إتيانه ليس إبتيان من مكان إىل مكان،
وأن ميئه ليس حبركة ،وأن نزوله ليس بنقلة ،وأن نفسه ليس جبسم ،وأن وجهه ليس بصورة،
وأن يده ليست جبارحة ،وأن عينه ليست حبدقة ،وإمنا هذه أوصاف جاء هبا التوقيف ،فقلنا
ال:
هبا ونفينا عنها التكييف ،فقد قال تعاىل :ﱡﭐﱐ ﱑ ﱒﱠ [الشورىَ ،]11 :وقَ َ
.7قال اإلمام احلافظ أبو عمرو ابن الصلح ( ت64٣ه)« :الناس يف هذه
األشياء املومهة للجهة وحنوها فهرق ثلثة ،ففرقة تؤول ،وفرقة تشبه ،واثلثة ترى أنه مل يطلق
الشارع مثل هذه اللفظة إال وإطلقه سائغ وحسن ،فنقوْلا مطلقة كما قالوا ،مع التصريح
ابلتقديس والتنزيه والتربي من التحديد والتشبيه ،وال ُنه ُّم بشأُنا ذكراً ،وال فكراً ،بل نكل
علمها إىل من أحاط هبا ،وبكل شيء خرباً .وعلى هذه الطريقة مضى صدر األمة وسادهتا،
وإايها اختار أئمة الفقهاء وقادهتا ،وإليها دعا أئمة احلديث وأعلمه ،وال أحد من املتكلمني
يصدف عنها وأيابها ،وأفصح الغزايل عنهم يف غري موضع بتهجري ما سواها ،حَّت أِلم آخراً
يف إِلامه كل عامل وعامي عما عداها ،وهو كتاب «إِلام العوام عن علم الكلم» ،وهو آخر
تصانيف الغزايل مطلقاً أو آخر تصانيفه يف أصول الدين ،حث فيه على مذهب السلف ومن
تبعهم»(.)2
قلت :وقد سبق تقرير اإلمام الغزايل لعقيدة السلف ،وأنه التفويض مع التنزيه
والتقديس عن اِلسمية ولوازمها.
** ** **
الفرع الرابع :ذكر آايت االستواء وبيان املعىن الذي سيقت له
إن اآلايت الِت ذكر فيها استواء للا تعاىل على العرش سبع آايت على الرتتيب اآليت:
ﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﱠ [األعراف.]54:
ﭐﱡﭐ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ .2قال تعاىل:
ﱳﱴﱵﱶﱷﱸ ﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃ ﲄﱠ[يونس.]3:
ﭐﱡﭐ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ .3قال تعاىل:
ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱠ
[الرعد.]2:
ﭐﱡﭐ ﱲﱳ ﱴﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽﱾ .4قال تعاىل:
ﱿ ﲀﲁﲂﲃ ﲄﲅﲆﲇ ﲈﲉﲊﲋﲌﲍ ﲎﲏﲐ
ﲑﲒﱠ [طه.]7-4:
ﱡﭐﱥﱦﱧﱨﱩﱪ ﱫﱬﱭ ﱮﱯﱰﱱﱲ .5قال تعاىل:
ﱳﱴﱵ ﱶﱷﱠ [الفرقان.]59:
ﭐﱡ ﭐ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ .6قال تعاىل:
ﱶﱸ ﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁ
ﱷ ﱭﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵ
ﱮ
ﲂ ﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﱠ [السجدة.]5-4:
ﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐ .7قال تعاىل:
ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ
ﱧﱨﱠ [احلديد.]4:
115 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
فالناظر املتدبر يف سياق اآلايت الكرميات جيد أُنا كلها تتكلم عن تصرف للا تعاىل
يف خلقه ،حيث بدأت كلها ابلكلم عن خلق للا تعاىل للسماوات واألرض ،مث ذكرت
استواءه تعاىل على العرش ،مث ذكر يف ثلث آايت التدبري ،ويف غريها التفرد يف اخللق واألمر،
والتسخري ،ومتام اإلحاطة ابلعلم.
فبناءً على ما سبق ،يكون االستواء فعلً فعله للا تعاىل يف العرش أمساه استواءً ،وهو
مستلزم لكمال العظمة والقدرة واإلحاطة والتدبري والتسخري ِلميع الكائنات ،وهذا يستوجب
إخلص العبادة له دون سواه؛ ألن غريه ال ميلك شيئاً من ذلك ،وهذا هو ه
املقصد الذي
خلق اإلنسان ألجله.
أما اجملسمة املشبهة فإُنم يشبهون استواء للا تعاىل ابستواء املخلوق اِلسم على
اِلسم ،وجيعلونه مبعىن االستقرار كما سبق بيانه ،وبعضهم يزيد ويقول هو مبعىن القعود
واِللوس تعاىل للا عن قوْلم علواً كبرياً ،وجيعلون االستواء فعلً فعله للا تعاىل يف ذاتهِ ،بن
نقل ذاته من مكان إىل مكان فوق العرش ،وكل هذا مبين على اعتقادهم جبسمية الرب تعاىل
عن ذلك علواًكبرياً.
والرد عليهم يكون مبا سبق من األدلة القطعية العقلية والنقلية ،القاضية ابستحالة
مشاهبة للا تعاىل خللقه يف أي معىن من املعاين ،فليس كمثله شيء ،ومل يكن له كفواً أحد،
وليس يف معناه أحد من اخلليقة.
عقيدة علماء التبليغ 116
وْلذا فسر شيخ املفسرين اإلمام احلافظ ابن جرير الطِبي االستواء ِبنه عل علو ملك
وسلطان ،ال علو زوال وانتقال ،ووافقه على ذلك أهل السنة قاطبة ،فقال يف تفسري
وزوال»(.)1
وسلْطان ،ال علو انتقال َ
معىن االستواء« :عال عليها علو ُملْك ُ
وقال أيضاً يف تفسري آية االستواء من سورة األعراف« :يقول تعاىل ذكره :إن
ربكم الذي له عبادة كل شيء ،وال تنبغي العبادة إال له ،هو الذي خلق السموات السبع
واألرضني السبع يف ستة أايم ،وانفرد خبلقها بغري شريك وال ظهري ،مث استوى على عرشه
مدبرا لألمور ،وقاضيًا يف خلقه ما أحب ،ال ُّ
يضاده يف قضائه أح ٌد ،وال يتعقب تدبريه ً
()2
ب ،وال يدخل أموره خلل» . ه
مت عق ٌ
لكل من تطهر قلبه من دنس التجسيم ،وترد عقله عن هوى جلي هوهذا واضح ٌّ
التشبيه أن املراد من االستواء هو كمال التدبري لشؤون اخللئق ،وكمال القهر ْلم ،وإمنا ذكر
الع رش دون غريه من املخلوقات مع أُنا مجيعها حتت قهره وتدبريه؛ ألنه أعظم املخلوقات
حجماً ،حبسب علم البشر ،فاستواؤه عليه هو استواء على ما دونه من ابب أوىل ،كما قال
تعاىل :ﭐﱡﭐﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﱠ[التوبة ،]129:مع أنه رب مجيع املخلوقات ،ولكن
احلكمة ما سبق ذكره وللا أعلم(.)3
** ** **
قلت :وهذا إشارة إىل اضطراب هذه الرواية ،وضعفها هبذا اللفظ ،وإمنا هي من
تصرف بعض الرواة ،وْلذا قال احلافظ ابن حجر العسقلين بعدما ذكر طرقه ورواايته
وألفاظه« :ويف اللفظ خمالفة كثرية»(.)3
فقد أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخِبين عطاء أن رجلً كانت له جارية يف
غنم ترعاها وكانت شاة صفي يعين غزيرة يف غنمه تلك فأراد أن يعطيها نب للا ،فجاء
السبع فانتزع ضرعها فغضب الرجل فصك وجه جاريته فجاء نب للا فذكر ذلك له
وذكر أنه كانت عليه رقبة مؤمنة وافية قد هم أن جيعلها إايها حني صكها فقال له النب
ايتين هبا فسأْلا النب :أتشهدين أن ال إله إال هللا؟ قالت :نعم .وأن حممدا عبد هللا
ورسوله؟ قالت :نعم .وأن املوت والبعث حق؟ قالت نعم .وأن اجلنة والنار حق؟ قالت
نعم ،فلما فرغ قال أعتق أو أمسك»(.)1
وأخرج اإلمام مالك عن ابن شهاب الزهري عن عبيد للا بن عبد للا بن عتبة بن
مسعود :أن رجلً من األنصار جاء إىل رسول للا جبارية له سوداء فقال :اي رسول للا
إن علي رقبة مؤمنة ،فإن كنت تراها مؤمنة أعتقها .فقال ْلا رسول للا « :أتشهدين أن
ال إله إال هللا؟» قالت نعم .قال« :أتشهدين أن حممدا رسول هللا؟» قالت نعم .قال:
«أتوقنني ابلبعث بعد املوت؟» قالت نعم .فقال رسول للا « :أعتقها»(.)2
فتحصل من النظر يف أسانيد اخلِب أن رواية هلل بن أيب ميمونة مرجوحة من حيث
السند ،ألنه قد خالفه فيها ابن جريج وسعيد بن زيد ،ومع روايتهما من الشواهد الصحاح ما
يؤكد ترجيح روايتهما ،أما رواية عطاء ،فل يشهد ْلا إال أسانيد ضعيفة ومتون مضطربة.
ما سبق من الكلم على السند يتضح ويتبني أن رواية مسلم ابملعىن ،أو على األقل
أصل يف
فيها احتمال ،ومَّت طرأ االحتمال سقط االستدالل ،فكيف يبىن على شيء حمتمل ٌ
العقيدة؟! وهذا اللفظ على ظاهره فيه إشكاالت كبرية ،منها:
األول :أن هذا احلديث هبذا اللفظ خمالف لَلصول؛ حيث إنه مل يصح عن النب
يف تلقني اإلميان طول أداء رسالته السؤال ب «أين» ،أو أنه ذكر ما يوهم املكان وال مرة
واحدة يف غري هذه القصة ،بل الثابت عنه تلقني كلمة الشهادة ،ه
وبعث رسله ابلدعوة إليها،
ومل يذكر أن أحداً من رسله دعا الناس إىل اإلميان بوجود للا يف السماء ،وال استكشف عن
إميان أحد بسؤاله «أين للا» ،ومن ذلك ما رواه ابن عمر « :أن رسول هللا قال
أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال هللا وأن حممدا رسول هللا ..
احلديث»( .)1وحديث بعث معاذ إىل اليمن ،وقوله له« :ادعهم إىل شهادة أن
ال إله إال هللا وأين رسول هللا ..احلديث»(.)2
الثاين :أن املشركني كانوا يقرون ِبن للا تعاىل يف السماء ،فل يكون جواب اِلارية
الذي كافياً يف الداللة على التوحيد ،ويدل على ذلك حديث عمران بن احلصني ،
«اي أخرجه الرتمذي بسنده عن عمران بن حصني ،قال :قال النب أليب:
حصني ،كم تعبد اليوم إالهاً؟» قال أيب :سبعة ،ستةً يف األرض وواحداً يف السماء .قال:
«فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟» قال الذي يف السماء(.)3
فلو قدران سائلً يسأل حصيناً وهو على حالته هذه قبل دخول اإلسلم ،فيقول :أين
للا؟ ألجاب حصني :يف السماء ،وال يكفي هذا يف الداللة على التوحيد واإلميان.
الثالث :أن رواايت احلديث تنص على أن اِلارية كانت خرساء ال تفصح ،وفيها أن
السؤال واِلواب كان ابإلشارة ،أما األلفاظ فهي حكاية من الرواة ،ففي لفظ له« :فمد
النيب يده إليها وأشار إليها مستفهماً :من يف السماء " ،فتكون احملادثة ابإلشارة.
على أن اللفظ يكون ضائعاً مع اخلرساء الصماء ،فيكون اللفظ لفظ أحد الرواة على حسب
فهمه ال لفظ الرسول ،ومثل هذا احلديث يصح األخذ به فيما يتعلق ابلعمل دون
االعتقاد ،ولذا أخرجه مسلم يف ابب حترمي الكلم يف الصلة دون كتاب اإلميان»(.)1
الرابع :أن ظاهره معارض بظواهر أكثر عدداً ،وأصح سنداً ،ذكر فيها كونه يف كل
مكان ،وكونه على العرش ،وقهبل ه
وجه املصلي ،وكونه عند املريض ،وعند احملتضر ،وكون بعض
املخلوقات عن ميينه ،وغريها من النصوص ،كنصوص املعية ،والقرب ،واإلحاطة ،والظرفية؛
لذلك ذهبت الفرقة اِلهمية إىل اعتقادهم ِبن للا تعاىل بذاته يف كل مكان ،وال خيلو منه
مكان ،والعياذ ابلل من هذا الضلل؛ لذلك اضطر بعض السلف إىل أن يقولوا ِبن للا تعاىل
متحيز حمصور يف
ٌ يف السماء ،أو على العرش؛ رداً عليهم ،ال اعتقاداً منهم ِبن للا تعاىل
السماء أو على العرش؛ ألنه قد انعقد اإلمجاع -كما سيأيت -على أنه كان وال
مكان ،مث خلق املكان ،وهو على ما عليه كان قبل خلق املكان ،مل يتغري عما كان.
ووافقهم على ضلْلم ابعتقاد حتيز للا تعاىل املشبهة احلشوية ،من الكرامية وغريهم،
إال أُنم اعتقدوا أنه متحيز يف السماء ،أو يف جهة العلو فوق العرش ،وكله ضلل مبني.
فيقال للمشبههة املوافقني للجهمية يف إثبات التحيز للرب ،إما أن تثبتوا مجيع
هذه األخبار على ظواهرها ،كما ذهبت إليه اِلهمية؛ توافقاً مع أصولكم يف األخذ
ابلظواهر ،ونفي اجملاز ،وإما أن َتولوها كلها كما ذهبت إليه املعطلة ،فنفوا صفات املعاين
مطلقاً ،وإما أن تتاروا إثبات بعضها وَتويل الباقي ،وهو اختياركم ،فتكونوا قد قبلتم مبدأ
التأويل للنصوص املتشاهبة ،فل تقدرون معه على منع خصومهم من اختيار الظاهر يف
( )1ينظر :تعليق الكوثري على السيف الصقيل للسبكي ،ص (.)1٠7
121 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
اِلميع ،أو التأويل فيه ،ويبقى بيان القرينة الِت ألجلها أوجبتم التأويل يف موضعه ،وطرد هذه
القرينة حبيث توجبون التأويل عند وجودها ،ومتنعونه عند عدم وجودها أو وجود غريها من
القرائن ،فإن كان لكم ضابط يضبط التأويل ،فبينوه لنا ابلشرط السابق ،وإال كان َتويلكم
حتكماً.
وبعد النظر يف القرائن املوجبة للتأويل وصرف األلفاظ املومهة للتشبيه عن ظواهرها،
وجد أهل السنة واِلماعة أن السلف قد أمجعوا على استحالة كون للا تعاىل متحيزاً يف
مكان ،أو مستقراً فيه؛ إلمجاعهم أنه ليس جسماً وال جوهراً وال عرضاً ،وال يشبهه شيء،
وأنه كان يف األزل بل مكان ،وأنه ال يتغري عن صفاته األزلية ،وإمجاعهم يستند إىل
القطعيات من األدلة العقلية والنقلية ،فكانت هذه القرينة سبباً موجباً لصرف اللفظ عن
ظاهره املوهم للتشبيه بتأويله ،أو تفويض العلم مبعناه إىل قائله ،مع القطع ابستحالة محله على
ظاهره.
اخلامس :أن النب بني أركان اإلميان يف حديث سؤال جِبيل ،ومل يذكر فيه
عقيدة أن للا يف السماء الِت تعتقدها اجملسمة.
السادس :أن من يثبت لل املكانية حسب هذا احلديث ،ويستدلون به على عقائدهم
الفاسدة ،هو مشرتك أيضاً مع اليهود والنصارى ،فاليهود يقولون :إن للا تعاىل تعب،
فاستلقى على العرش ،والنصارى الذين يقولون« :أابان الذي يف السماء" والعياذ ابلل ،لذلك
كان احلكم ابإلميان ملن يعتقد أن للا تعاىل يف السماء غري مقبول« ،فلو قال :ال إله إال
ساكن السماء ،مل يكن مؤمناً ،وكذا لو قال :ال إله إال للا ساكن السماء»(.)1
وقد سبق يف أصول أهل السنة واِلماعة نقل اإلمجاع على استحالة كون للا تعاىل
متحيهزاً وحمصوراً يف مكان عن عدد كبري من األئمة ،فلرياجع ضرورة.
الفرع الثاين :أقوال أئمة أهل السنة واجلماعة يف شرح حديث اجلارية
.1قال حجة اإلسلم اإلمام الغزايل « :فإن قيل فإن مل يكن خمصوصاً جبهة
فوق فما ابل الوجوه واأليدي ترفع إىل السماء يف األدعية شرعاً وطبعاً؟ وما ابله قال
للجارية الِت قصد إعتاقها فأراد أن يستيقن إمياُنا أين للا؟ فأشارت إىل السماء فقال إُنا
مؤمنة؟
فاِلواب عن األول :أن هذا يضاهي قول القائل :إن مل يكن للا تعاىل يف الكعبة وهو
بيته فما ابلنا حنجه ونزوه؟ وما ابلنا نستقبله يف الصلة؟ وإن مل يكن يف األرض فما ابلنا
نتذلل بوضع وجوهنا على األرض يف السجود؟ وهذا هذاين.
بل يقال قصد الشرع من تعبد اخللق ابلكعبة يف الصلة ملزمة الثبوت يف جهة
واحدة؛ فإن ذلك ال حمالة أقرب إىل اخلشوع وحضور القلب من الرتدد على اِلهات ،مث لما
كانت اِلهات متساوية من حيث إمكان االستقبال ،خصص للا بقعة خمصوصة ابلتشريف
والتعظيم ،وشرفها ابإلضافة إىل نفسه ،واستمال القلوب إليها بتشريفه؛ ليثيب على استقباْلا،
فكذلك السماء قبلة الدعاء ،كما أن البيت قبلة الصلة ،واملعبود ابلصلة واملقصود ابلدعاء
منزه عن احللول يف البيت والسماء.
وأما حكمه ابإلميان للجارية لما أشارت إىل السماء ،فقد انكشف به أيضاً -
يعين السر يف رفع األيدي إىل السماء ،-إذ ظهر أن ال سبيل لَلخرس إىل تفهيم علو املرتبة
إال ابإلشارة إىل جهة العلو ،وقد كان يظن هبا أُنا من عبدة األواثن ،ومن يعتقد للا يف بيت
األصنام ،فاستنطقت عن معتقدها ،فعرفت ابإلشارة إىل السماء أن معبودها ليس يف بيوت
األصنام كما يعتقد هؤالء»(.)1
.2قال اإلمام فخر الدين الرازي « :إن لفظ أين كما جيعل سؤاالً عن املكان،
فقد جيعل سؤاال عن املن زلة والدرجة ،يقال أين فلن من فلن ،فلعل السؤال كان عن املن زلة،
وأشار هبا إىل السماء ،أي هو رفيع القدر جداً» (.)1
تقر ِبن اخلالق املدبهر الفعال فمن قال هبذا قال :كان املراد امتحاُنا هل هي ه
موحدة ُّ
هو للا وحده ،وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء ،كما إذا صلى املصلهي استقبل
الكعبة ،وليس ذلك ألنه منحصر يف السماء ،كما أنه ليس منحصراً يف جهة الكعبة ،بل
ذلك ألن السماء قبلة الداعني ،كما أن الكعبة قبلة املصلهني ،أو هي من عبدة األواثن
العابدين لَلواثن الِت بني أيديهم ،فلما قالت :يف السماء علم أُنا ه
موحدة وليست عابدة
لَلواثن.
قال القاضي عياض :ال خلف بني املسلمني قاطبة فقيههم ه
وحمدثهم
ومتكلهمهم ونظارهم ومقلهدهم أن الظواهر الواردة بذكر للا يف السماء كقوله تعاىل :ﭐﱡﭐﱤ
ﱥﱦﱧﱠ [امللك ،]16 :وحنوه ليست على ظاهرها ،بل متأولة عند مجيعهم»(.)2
بعد رواية حديث معاوية بن احلكم« :قلت :قد .4قال احلافظ ابن اِلوزي
ثبت عند العلماء أن للا تعاىل ال ُيويه السماء واألرض ،وال تضمه األقطار ،وإمنا عرف
إبشارهتا تعظيم اخلالق عندها»(.)3
.5قال العلمة أبو الوليد الباجي « :لعلها تريد وصفه ابلعلو ،وبذلك يوصف
كل من شأنه العلو ،فيقال فلن يف السماء ،مبعىن علو حاله ،ورفعته وشرفه»(.)1
.6قال اإلمام اخلطايب « :هذا السؤال عن أمارة اإلميان ومسة أهله ،وليس
بسؤال عن أصل اإلميان وصفة حقيقته ،ولو أن كافراً يريد االنتقال من الكفر إىل دين
اإلسلم ،فوصف من اإلميان هذا القدر الذي تكلمت به اِلارية ،مل يصر به مسلماً حَّت
يشهد أن ال إله إال للا وأن حممداً رسول للا ،ويتِبى من دينه الذي كان يعتقده»(.)2
وخنتم هذا الفرع جبواب اإلمام األعظم أيب حنيفة النعمان ملن سأله أين للا ،فقال له
السائل« :قلت :أرأيت لو قيل أين للا تعاىل؟ فقال :يقال له :كان هللا تعاىل وال مكان،
كل شيء ،وهو خالق
قبل أن خيلق اخللق ،وكان هللا تعاىل ومل يكن أين ،وال خل ٌق ،وخلق َّ
كل شيء»(.)3
** ** **
لقد أمجع املسلمون على أن للا هو العلي األعلى املتعال ،ونطق بذلك القرآن الكرمي
ﭐﱡ ﭐ ﳊ ﳋ [األعلى ،]1:وقوله تعاىل: ﭐﱡﭐ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﱠ يف عدة مواضع ،كقوله تعاىل:
ﳌﱠ [البقرة.]255:
يصح أن يوصف به للا تعاىل عند أهل السنة واِلماعة هو العلو الذي
والعلو الذي ُّ
التفرد بصفات العظمة والكِبايء ،من وجوب الوجود، كان متصفاً به يف األزل ،من ه
علو ُّ
واألولية يف الوجود ،بل سبق عدم ،واآلخرية بل ه
طرو فناء ،والقيام ابلنفس بل افتقار يف
ُيل فيه ،وال إىل موجد يوجده ،والتنزه عن الشبيه
الوجود إىل حمل يقوم به ،وال إىل مكان ُّ
واملثيل ،والوحدانية يف الذات والصفات واألفعال ،وكمال احلياة والقيومية ،والعلم واإلرادة
والقدرة والسمع والبصر والكلم ،وغري ذلك من الصفات العلى ،الِت ال نظري لل تعاىل فيها
وال شبيه ،ولو بوجه من الوجوه.
فالل تعاىل ال يزداد علواً عما كان عليه يف األزل ،وإال لزم أن يكون غري متصف
ابلكمال يف األزل ،مث اتصف به بعد خلق اخللق من العرش أو غريه ،وهذا مستحيل ونفي
يف بيان عقيدة أهل السنة واِلماعة« :ما زال لَللوهية ،كما قال اإلمام الطحاوي
بصفاته قدمياً قبل خلقه ،مل يزدد بكوهنم شيئاً مل يكن قبلهم من صفته ،وكما كان بصفاته
أزلياً كذلك ال يزال عليها أبدايً»(.)1
وقال اإلمام القرطب املفسر « :فَ عُلُ ُّو هللا تعاىل وارتفاعه عبارةٌ عن ُعلُ ِّو َجمده
وصفاته وملكوته ،أي ليس فوقه فيما جيب له من معاين اجلالل أحد ،وال معه من يكون
العلو مشرتكاً بينه وبينه ،لكنه العلي ابإلطالق سبحانه»(.)2
ُّ
وهكذا أينما جاء وصف للا تعاىل ابلعلو والفوقية ،يف القرآن الكرمي ،أو السنة
املطهرة ،أو على ألسنة العلماء ،فهو هبذا املعىن ،وال جيوز إطلقاً أن يوصف بعلو املكان؛
فإن علو املكان ليس ذاتياً ،بل هو مكتسب من املكان ،فيكون العايل مكاانً مفتقراً إىل هذا
علو
املكان يف علوه ،كمن عل بطائرة أو على جبل ،فإنه مفتقر يف علوه إىل ما عل به ،وأما ُّ
للا تعاىل فهو وصف ذايتٌّ أزيلٌّ ،ليس مكتسباً ال من مساء وال من عرش وال من غري ذلك.
يف تفسري فوقية للا تعاىل وعل وه ابملعاين الصحيحة وقد ذكر اإلمام الطِبي
ﭐﱡﭐ ﲔ ﲕ املذكورة يف حقه تعاىل يف شكل قاعدة كلية ،فيقول يف تفسري قوله تعاىل:
[األعراف« :]۱۲۷ :يقول :وإان عالون عليهم ابلقهر ،يعين بقهر امللك ﲖﱠ
والسلطان ،وقد ب ي نا أن[ :كل عال بقهر وغلبة على شيء ،فإن العرب تقول :هو
فوقه]»(.)1
ع ال ع لى عرشه ،ال قاعد ،وال وقال اإلمام احلافظ البيهقي « :الق دي م
قائم ،وال ماس ،وال مباين مباينة الذات الِت هي مبعىن االعتزال أو التباعد؛ ألن املاس ة
واملباين ة الت ي ض ده ا القيام والقعود من أوصاف األجسام ،وللا ال أحد صمد مل يلد ومل
يولد ومل يكن له كفؤا أحد ،فل جيوز علي ه م ا جي وز ع لى األجسام تبارك وتعاىل»(.)3
وقال اإلمام اِلليل احلافظ حممد بن أيب بكر القرطب« :لو كان البارئ تعاىل مقدراً
بقدر ،مصوراً بصورة ،متناهياً حبد وُناية ،خمتصاً جبهة ،متغرياً بصفة حادثة يف ذاته لكان
خمصصاً ،ولو استدعىحمداثً خمتصاً ،واختصاصه مبا اختص به من مقدار وشكل يستدعي ه
خمصصاً لكان مفتقراً حاداثً ،وإذا بطل هذا صح أنه :بل حد وال ُناية ،وأنه سبحانه قائم
بنفسه ،على معىن أنه مستغن عن مكان ي هقلُّه ،أو جسم ُيلُّه ،أو شيء ميسكه ،أو غري
يستعني به ،وال تتغري أوصافه يف نفسه بفعله وتركه»(.)4
وقال أبو نصر السجزي احلنبلي « :وليس يف قولنا أن للا فوق العرش حتديد
حمدود ،وللا سبحانه
ٌ له ،وإمنا التحديد يقع للمحداثت ،ه
فمن العرش إىل ما حتت الثرى
وتعاىل فوق ذلك ،حبيث ال مكان ،وال حد؛ التفاقنا أن هللا تعاىل كان وال مكان ،مث خلق
املكان ،وهو كما كان قبل خلق املكان ،وإمنا يقول ابلتحديد من يزعم أنه سبحانه وتعاىل
على مكان ،وقد علم أن األمكنة حمدودة ،فإن كان فيها بزعمهم كان حمدوداً!!»(.)1
ف هذه املعاين للعلو يف حق للا تعاىل قد اتفق أئمة أهل السنة على أُنا هي املرادة عند
اإلطلق يف حق للا تعاىل ،وكثري منهم صرح ببطلن غريها ما يقتضي التجسيم والتحيز
والتغري واالنتق ال واحلركة والسكون على للا تعاىل؛ ألُنا علمات احلدوث واالفتقار ،ولذلك
يف مقدمة تفسريه« :الع لي :اس م هللا ،واملتعايل ،واألعلى :من قال اإلمام ابن جزي
العلو :مبعىن اجلالل والعظمة ،وقيل مبعىن التنزيه عن عما ال يليق به»(.)2
واحلاصل أن لفظ العلو والفوقية ومشتقاهتا وردت يف القرآن الكرمي بعدة معان ،كالعلو
والفوقية ابلغلبة والقهر والقدرة والشرف والرفعة واجملد والعزة ،علواً وفوقيةً ذاتية قدميةً قهدم
يصح إضافتها إىل للا
وجوده تعاىل ،وليستا مكتسبتني بعد خلق السماء أو العرش ،وكلها ُّ
تعاىل ،وهي متوافقة متاماً مع األدلة النقلية ،والعقلية ،املفيدة لتنزه للا تعاىل عن احللول يف
األماكن واِلهات ،وتعاليه عن التغري واالنتقال وحدوث الصفات ،وغري ذلك من صفات
األجسام واألجرام املفتقرات.
العلو والفوقية ابملكان فل تصح حبال؛ ألنه يستلزم كون للا تعاىل حمدودا حمصوراً
وأما ُّ
متحيزاً ،مقهوراً للمكان الذي ُيويه ،تعاىل للا عن ذلك علواً كبرياً.
** ** **
( )1أخرج الطِباين يف األوسط ( ،)٩448عن أنس ،أن رسول للا مر ِبعرايب وهو يدعو يف
صلته ،وهو يقول :اي من ال تراه العيون ،وال تالطه الظنون ،وال يصفه الواصفون ،وال تغريه
احلوادث ،وال خيشى الدوائر ،يعلم مثاقيل اِلبال ،ومكاييل البحار ،وعدد قطر األمطار ،وعدد ورق
أرض أرضاً،
األشجار ،وعدد ما أظلم عليه الليل ،وأشرق عليه النهار ،ال تواري منه مساءٌ مساءً ،وال ٌ
جبل ما يف وعره ،اجعل خري عمري آخره ،وخري عملي خوامته ،وخري أايمى حبر ما يف قعره ،وال ٌ
وال ٌ
يوم ألقاك فيه ،فوكل رسول للا ابألعرايب رجل .. ،فلما أاته األعرايب وهب له الذهب ،مث قال
« :وهبت لك الذهب حلسن ثنائك على هللا عز وجل» قال اْليثمي يف ممع الزوائد (/1٠
:) 158رواه الطِباين يف األوسط ،ورجاله رجال الصحيح غري عبد للا بن حممد أيب عبد الرمحن
األذرمي ،وهو ثقة اه .قلت :فقوله( :وال تغريه احلوادث) ظاهر يف أن للا تعاىل ال ميكن أن ُيصل
تبدل عما كان عليه يف األزل.
تغريٌ أو ٌ
يف ذاته ُّ
( )2قال اإلمام شرف الدين بن التلمساين يف شرح ملع األدلة للجويين :وخالف إمجاع األمة طائفةٌ نبغوا
من هسجستان ،لقبوا ابلكرامية؛ نسبة إىل حممد بن كرام ،وزعموا أن احلوادث تطرأ يعين تتجدد على
ذات هللا تعاىل عن قوهلم ،وهذا املذهب نظري مذهب اجملوس ..وكذلك الكرامية تزعم أن للا تعاىل
إذا أراد إحداث حمدث ،أوجد يف ذاته كافًا ونو ًان ،وإراد ًة حادثة ،وعن ذلك تصدر سائر املخلوقات
املباينة لذاته .شرح ملع األدلة ( .)81-8٠وقال أبو املظفر اإلسفراييين :وما ابتدعوه -أي
الكرامية -من الضلالت ،ما مل يتجاسر على إطلقه قبلهم واحد من األمم ،لعلمهم ابفتضاحه ،هو
قوْلم :أبن معبودهم حمل احلوادث ،حتدث يف ذاته أقواله وإرادته وإدراكه للمسموعات
وتبصرا ،وكذلك قالوا :حتدث يف ذاته مالقاته للصفحة العليا من ً واملبصرات ،ومسوا ذلك ً
مسعا
العرش ،زعموا أن هذه أعراض حتدث يف ذاته ،تعاىل للا عن قوْلم .التبصري يف الدين ،ص (-66
)67قلت :وقد وافق الفرقة الكرامية على بدعتهم ابن تيمية وأتباعه ،وخالفوا السلف الصاحل.
عقيدة علماء التبليغ 130
ﭐﱡﭐ ﱨ ﱩ ﱪ قال يف تفسري قوله تعاىل على لسان سيدان إبراهيم :
دائم ال يزول.)1( ﱫﱠ [األنعام ،]76:قال :وعرف َّ
أن ربه ٌ
( )2قتادة بن دعامة السدوسي ( ت118ه):
قال :وصفاته يف األزل غري حمدثة وال خملوقة ،ومن قال إهنا خملوقة أو
حمدثة ،أو وقف أو شك فيهما ،فهو كافر ابهلل تعاىل.)3(
قال أبو حممد املروزي :مسعت احلارث بن عمري ،وهو مع فضيل بن عياض
رمحهما للا ،يقول :من زعم أن القرآن حمدث ،فقد كفر ،ومن زعم أنه ليس من علم
هللا ،فهو زنديق ،فقال الفضيل :صدقت.)1(
قال :من قال أن القرآن خملوق ،فقد زعم أن القرآن حمدث ،ومن زعم
أن القرآن حمدث ،فقد كفر.)2(
( )7اإلمام أبو ثور إبراهيم بن خالد الكليب ( ت 240ه ):
قال :ومن قال :كالم هللا خملوق ،فقد كفر ،وزعم أن هللا حدث فيه
شيء مل يكن.)3(
قال :فإن قال -يعين بشراً املريسي :-إن للا خلق كلمه يف نفسه ،فهذا
حمال ،ال جيد السبيل إىل القول به من قياس وال نظر معقول؛ ألن هللا ال يكون مكاانً
للحوادث ،وال يكون فيه شيء خملوق ،وال يكون انقصاً فيزيد فيه شيء خملوق.)4(
قال :وهللا تعاىل مل يلحقه تغري وال تبدل ،وال تلحقه احلدود ،قبل خلق
العرش ،وال بعد خلق العرش .)1(وقال :من قال :القرآن حمدث ،فهو كافر.)2(
قال ( :ويفعل للا ما يشاء) (إن للا يفعل ما يريد) ،فكان القول واملشيئة
واإلرادة من هللا صفة من صفاته مل تزل ،والفعل هو ما أحدث يف خلقه.)3(
قلت :وهذا يتفق متاماً مع قول أهل السنة واِلماعة ،أن مجيع صفات الباري
قدمية ،وال شيء منها حبادث ،وأن مجيع أفعاله حادثة ،وال شيء منها بقدمي؛ ألن حمل
فعله هو خلقه ،وليس ذاته؛ إذ ذاته ليست حملًّ للحوادث.
( )11نصوص اإلمام احلافظ شيخ املفسرين ،ابن جرير الطربي
(ت310ه):
يف أول اترخيه :احلمد لل األول قبل كل أول، .1قال ابن جرير الطِبي
واآلخر بعد كل آخر ،والدائم بل زوال ،والقائم على كل شيء بغري انتقال ..،ال حتيط به
األوهام ،وال حتويه األقطار ،وال تد هركه األبصار ..خلق خلقه من غري ضرورة كانت به إىل
خلقهم ..،فلم يزده خلقه إايهم -إذ خلقهم -يف سلطانه على ما مل يزل قبل خلقه إايهم
مثقال ذرة ،وال هو إن أفناهم وأعدمهم ينقصه إفناؤه إايهم ميزان شعره؛ ألنه ال تغريه
األحوال ،وال يدخله امللل ،وال ينقص سلطانه األايم والليال.)4(
.2قال اإلمام الطِبي ،يف رده على من قال خبلق كلم للا :أخِبان عن
الكلم الذي وصفت أن القدمي به متكلم خملوق ،أخلقه إذ كان عنده خملوقاً يف ذاته ،أم يف
غريه ،أم قائم بنفسه :فإن زعم خلقه يف ذاته ،فقد أوجب أن تكون ذاتُهُ حمالا
للخلق ،وذلك عند اجلميع ُك ْف ٌر.)1(
.5نقل اإلمام الطِبي اجتماع املوحدين ،من أهل القبلة وغريهم ،على فساد وصف
هللا تعاىل ابأللوان والطعوم ،واألراييح والشم ،واحلركة والسكون.)4(
.6اإلمام الطِبي يوافق أهل السنة األشاعرة ،يف أن معرفة للا تعاىل ال حتصل
عادة إال ابلِبهان العقلي على حدوث العامل ،وهذا الِبهان مبين على ملحظة التغري
واحلدوث يف العامل ،من حركة وسكون ،واجتماع وافرتاق ،فهو ينزه للا تعاىل عن مسة العامل
الكِبى ،أال وهي التغري واحلركة والسكون ،فقال :
القدمي األول قبل شيء ،وأنه هو احملدث كل القول يف الداللة على أن للا
شيء بقدرته تعاىل ذكره ،فمن الداللة على ذلك ،أنه ال شيء يف العامل مشاهد إال جسم أو
قلت :هذا الدليل اِللي والِبهان القوي قد سلكه من قبله ،إمام أهل السنة واِلماعة أبو احلسن ()1
قائم بذاته تعاىل ،وليس
األشعري يف كتاب اللمع ،وبني به أن القرآن مبعىن صفة الكلم ،هو قدميٌ ٌ
حبادث وال خملوق ،ألن ذاته تعاىل يستحيل أن تتصف ابحلوادث .ينظر :اللمع لَلشعري ص (.)26
تفسري الطِبي ( )4٣٠/1قلت :وهذا هو املوضعُ ،ييل عليه اإلمام الطِبي كلما مر على لفظ ()2
االستواء يف تفسريه للقرآن الكرمي.
التبصري يف معامل الدين ،ص (.)127 ()3
املصدر السابق ،ص (.)2٠2 ()4
عقيدة علماء التبليغ 134
قائم جبسم ،وأنه ال جسم إال مفرتق أو متمع ،وأنه ال مفرتق منه إال وهو موهوم فيه
االئتلف إىل غريه من أشكاله ،وال متمع منه إال وهو موهوم فيه االفرتاق ،وأنه مَّت عدم
أحدمها عدم اآلخر معه ،وأنه إذا اجتمع اِلزءان منه بعد االفرتاق ،فمعلوم أن اجتماعهما
حادث فيهما بعد أن مل يكن ،وأن االفرتاق إذا حدث فيهما بعد االجتماع ،فمعلوم أن
االفرتاق فيهما حادث بعد أن مل يكن ،وإذا كان األمر فيما يف العامل من شيء كذلك ،وكان
حكم ما مل يشاهد وما هو من جنس ما شاهدان يف معىن جسم أو قائم جبسم ،وكان ما مل
حمدث ،بتأليف ُم َؤلِّف له إن كان جمتمعاً ،وتفريق ُم َف ِّرق له إن
خيل من احلدث ال شك أنه ٌ
كان مفرتقا ،وكان معلوماً بذلك أن جامع ذلك إن كان متمعاً ،ومفرقه إن كان مفرتقاً ،من
ال يشبهه ،ومن ال جيوز عليه االجتماع واالفرتاق ،وهو الواحد القادر اجلامع بني
املختلفات ،الذي ال يشبهه شيء ،وهو على كل شيء قدير.)1(
أزيل بصفاته وأمسائه الِت وصف هبا نفسه ،ووصفه الرسول قال :وأنه
،غري زائلة عنه ،وال كائنة دونه ،فمن جحد صفة من صفاته بعد الثبوت كان بذلك
جاحداً ،ومن زعم أهنا حمدثة ،مل تكن مث كانت ،على أي معىن أتوله ،دخل يف حكم
التشبيه ابلصفات الِت هي حمدثة يف املخلوق ،زائلة بفنائه ،غري ابقية .)2(
وإشغال احليز واالفتقار إىل األماكن ،وذلك يؤول إىل التجسيم ،وإىل قدم األجسام،
وهذا كفر عند كافة أهل اإلسالم.)1(
قال البيهقي :وهذا كما أن علم للا عز وجل أزيل ،متعلق ابملعلومات عند
حدوثها ،ومسعه أزيل ،متعلق إبدراك املسموعات عند ظهورها ،وبصره أزيل متعلق إبدراك
املرئيات عند وجودها ،من غري حدوث معىن فيه ،تعاىل عن أن يكون َحمَالً للحوادث ،وأن
يكون شيءٌ من صفات ذاته حمداثً.)2(
قال :وقد قالت فرقة منتسبة إىل السنة :إنه ينزل بذاته ،وهذا قول مهجور؛
ألنه تعاىل ذكره ليس مبحل للحركات ،وال فيه شيء من عالمات املخلوقات.)3(
للملحدة؛ والداللة عليه عهلمنا قال :واحلوادث هلا أول ابتُ ِّدأَ ْ
ت فيه ،خالفاً ُ
ِبن معىن احملدث أنه املوجود عن عدم ،ومعىن احلوادث أُنا موجودة عن عدم ،فلو كان فيها
ما ال أول له ،لوجب أن يكون قدمياً ،وذلك فاسد؛ لهما بي نا من قيام الداللة على
حدوثها.)4(
قال :لو كان كلم للا خملوقاً ،مل خيل أن يكون خملوقاً يف حمل ،أو ال يف حمل،
وحمَ ٌ
ال أ ْن فإن كان يف حمل ،فل خيلو أن يكون حمله ذات الباري ،أو ذااتً غري ذاته خملوقةُ ،
يكون خلقه تعاىل يف ذاته؛ ألن ذلك يوجب كون ذاته تعاىل َحمالً للحوادث وهذا ٌ
حمال،
اتفقت األمة قاطبةً على إحالته.)1(
قال :وقد روى حديث النزول عشرون صحابياً ،وقد سبق القول ،أنه
يستحيل على هللا احلركة والنقلة والتغري.)2(
وهنا ال بد من التنبيه على أنه ال فرق بني احلادث والمحدث واملخلوق ،فكلها
معناها واحد ،وهو ما كان بعد أن مل يكن ،كما قال احلافظ ابن حجر :ال فرق بني
خملوق وحادث ،ال عقالً ،وال نقالً ،وال عرفًا .)4(وقال ابن جرير الطِبي :وأنه
ث إال مصنوعٌ خملوق .)1(وقال اإلمام األشعري :واتفق أهل اإلثبات على
ال ُحم َد َ
أن معىن خملوق معىن ُحم َدث ،ومعىن ُحم َدث معىن خملوق ،وهذا هو احلق عندي ،واليه
أذهب وبه أقول.)2(
فاحلاصل أن املخلوق هو :ما كان بعد أن مل يكن ،وكذلك احملدث ،فكل خملوق
حمدث ،وكل حمدث خملوق ،هذا من حيث اللغة ،ومثله يف اصطلح أهل العلم ،وعليه فمن
قال ِبن القرآن حمدث ،فقد قال إن القرآن خملوق ،وال شك يف أن هذا القول بدعة وضلل،
كما أن السلف الصاحل قد أمجعوا بل خلف ،على أن القرآن كلم للا غري خملوق ،وال
حمدث ،وال حادث ،وإمنا قصدوا بذلك امتناع قيام احلوادث بذات للا تعاىل ،واتصافه بصفة
حادثة مل يكن متصفاً هبا يف األزل؛ فإُنم ما قالوا بقدم القرآن ،وعدم حدوثه ،إال فراراً من
القول بقيام احلوادث ابلذات اإلْلية ،تعاىل للا عن ذلك ،لهما يلزم من ذلك حدوث الباري
تعاىل عن ذلك علواًكبرياً.
وعليه فإن كل نص ثبت عن السلف الصاحل ،ومن مشى على طريقهم من أهل السنة
واِلماعة ،من السادة األشاعرة واملاتريدية ،وفضلء أهل احلديث واحلنابلة ،فيه أن القرآن
كلم للا غري خملوق وال حادث ،فهو دليل على قوْلم ابمتناع قيام احلوادث بذات للا
تعاىل(.)3
** ** **
املنهج السائد عند غالب السلف الصاحل ،أُنم ميرون اآلايت املتشاهبة ،ويفوضون
معناها إىل للا ،من غري خوض يف َتويلها ،مع تنزيهه عن إثبات أي قدر مشرتك،
من املشاهبة بينه وبني خلقه ،إال أنه قد ورد عن بعض السلف الصاحل ،من الصحابة والتابعني
واتبعيهمَ ،تويلت لبعض النصوص املتشاهبة ،وقد نقل احلافظ أبو احلسن علي بن القطان
جييء يوم القيامة الفاسي ،إمجاع األمة على قبول منهج التأويل ،فقال :وأمجعوا أنه
وامللك صفاً صفاً؛ لعرض األمم وحساهبا ،وعقاهبا وثواهبا ،فيغفر ملن يشاء من املؤمنني،
ويعذب منهم من يشاء ،كما قال ،وليس جميئه حبركة وال انتقال ،وأمجعوا أنه تعاىل
يرضى عن الطائعني له ،وأن رضاه عنهم إرادته نعيمهم ،وأمجعوا أنه ُيب التوابني ويسخط
على الكافري ن ويغضب عليهم ،وأن غضبه إرادته لعذاهبم ،وأنه ال يقوم لغضبه شيء.)1(
فمن األمثلة على قبول منهج التأويل عند السلف الصاحل:
شيء من القرآن ،فابتغوه يف الشعر ،فإنه ديوان العرب ..قال ابن عباس :هذا يوم
كرب وشدة.)1(
ﱡﭐ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ َتويل ابن عباس ،لفظ األيد ،يف قوله : .2
ﳃﱠ [الذارايت ،]47:قال :بقوة.)2(
ﭐﱡﭐ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ َتويل ابن عباس ،لقوله : .3
ﱪﱠ [السجدة ،]14:قال :تَ َركنَا ُك ْم.)3(
ﱡﭐ ﳁ ﳂ َتويل ابن عباس ،الكرسي ابلعلم ،يف قوله : .4
ﳃ ﳄﱠ[البقرة ،]255:قال :كرسيه :علمه .واختاره الطِبي يف تفسريه،
فقال :وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن ،فقول ابن عباس ..،أنه قالُ :ه َو
التابعي اِلليل ،سعيد بن جبري .)5( ْمهُ .)4( وكذلك أوله ِّ
ُّ عل ُ
َتويل ابن عباس لفظ اجمليء ،يف قوله :ﭐﱡﭐ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ .5
ضا ُؤهُ.)6(
ﳐﳑﱠ [الفجر ،]22:قال :أَ ْم ُرهُ َوقَ َ
ﭐﱡﭐ ﳔ ﳕ ﳖ َتويل ابن عباس لفظ األعني ،يف قوله : .6
ﳗ ﱠ [هود ،]37:قالِّ :مبَْرأَى ِّمنَّا .)7(واختاره الطِبي يف تفسري قوله :ﭐﱡﭐﳎ
رواه احلاكم يف املستدرك ( )٣845وقال :صحيح اإلسناد ،ووافقه الذهب .وحسنه احلافظ ابن ()1
حجر.
تفسري الطِبي (.)27 / 7 ()2
املصدر السابق (.)177 / 2٠ ()3
املصدر السابق (.)4٠1 / 5 ()4
صحيح البخاري (.)٣1 / 6 ()5
تفسري النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) ( )641 / ٣وقال اإلمام النسفي :هذا متثيل ()6
لظهور آايت اقتداره ،وتبيني آاثر قهره وسلطانه ،فإن واحداً من امللوك ،إذا حضر بنفسه ،ظهر
حبضوره من آاثر اْليبة ،ما ال يظهر حبضور عساكره ،وخواصه.
تفسري البغوي (.)٣22/ 2 ()7
عقيدة علماء التبليغ 140
ﳏ ﳐ ﳑﳒﱠ [الطور :]48 :يقول جل ثناؤه :فإنك ِّمبرأى منا ،نراك ونرى عملك،
وحنن حنوطك وحنفظك.)1(
قوله :ﭐﱡﭐ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﱠ [النور: َتويل ابن عباس .7
،]35فقال :هللا سبحانه هادي أهل السماوات واألرض.)2(
ﱡﭐ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ َتويل ابن عباس لفظ الوجه ،يف قوله : .8
ﱯﱠ [الرمحن ،]27 :قال :الوجه عبارة عنه.)3(
ﭐﱡ ﭐ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ َتويل ابن عباس لفظ الوجه ،يف قوله : .9
ﲌﱠ [البقرة ،]115 :قال :قِّبلة َّ
اّلل ،أينما توجهت شرقا أو غراب.)4(
ﭐﱡﭐ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﱠ َ .10تويل ماهد لفظ الوجه ،يف قوله :
[البقرة ،]115 :قال :قبلة َِّّ
اّلل ،فأينما كنت يف شرق أو غرب فال توجهن إال
إليها ،)5(وكذلك فسرها التابعي اِلليل قتادة(.)6
ﭐﱡﭐ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ َ .11تويل ماهد لفظ اِلنب ،يف قوله :
ﳎﳏﳐﳑﳒﳓﱠ [الزمر ،]56 :قال :يف أمر َّ
اّلل.)7(
ﭐﱡﭐ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ لفظ الوجه ،يف قوله : َتويل ماهد .12
ﲊﱠ[القصص ،]88 :قال :إال ما أريد به وجهه.)8(
َ .13تويل قتادة لفظ اْلرولة ،يف قوله " :قال َّ
اّلل :اي ابن آدم..،
مين شربا ،دنوت منك ذراعا ،وإن دنوت ِّ
مين ذراعا ،دنوت منك ابعا ،وإن وإن دنوت ِّ
فاّلل أسرع ابملغفرة.)1( ِّ
أتيتين متشي ،أتيتك أهرول" .قال قتادةَّ :
َتويل احلسن وقتادة رمحهما للا ،صعود الكلم الطيب ورفع العمل الصاحل، .14
بقبوله :يف قوله :ﭐﱡﭐﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﱠ[فاطر ،]10 :قال احلسن
اّلل قوال إال بعمل ،من قال وأحسن العمل ،قبل َّ
اّلل منه وقتادة رمحهما للا :ال يقبل َّ
( .)2قال البيهقي :صعود الكلم الطيب ،والصدقة الطيبة إىل السماء ،عبارة عن
وج املالئكة يكون إىل مقامهم يف السماء.)3(
حسن القبول هلما ،وعر ِّ
:ﭐ ﭐﱡﭐ ﲆ ﲇ ﲈ َتويل سفيان الثوري ،لفظ الوجه ،يف قوله .15
ﲉ ﲊﱠ[القصص ،]88 :قال :كل شيء هالك إال ما ابتغي به وجهه من األعمال
الصاحلة.)4(
َتويل سفيان الثوري ،قوله :ﱡﭐ ﱻ ﱼ ﱠ [القمر،]14 : .16
يقول :أبمران.)5(
َ .17تويل ابن املبارك لفظ الكنف ،يف حديث" :يدنو املؤمن من ربه،
حىت يضع عليه كنفه"( .)6فقال :كنفه :يع ِّين سرته.)7(
َ .18تويل اإلمام مالك بن أنس ،حلديث النزول ،فقد سئل اإلمام مالك عن
نزول الرب ،فقال :ينزل أمره تعاىل كل سحر ،فأما هو عز وجل فإنه دائم ال يزول
وال ينتقل ،سبحانه ال إله إىل هو.)1(
َ .19تويل اإلمام الشافعي ،لفظ الوجه ،فقد حكى املزين عن الشافعي ،يف
قوله :ﭐ ﭐﱡﭐ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﱠ [البقرة ،]115 :قال :يعين وهللا أعلم فثم الوجه
الذي وجهكم هللا إليه.)2(
َ .20تويل اإلمام أمحد بن حنبل ،حلديث النزول ،قال حنبل بن إسحاق:
سألت أاب عبد اَّلل أمحد بن حنبل" :ينزل َّ
اّلل إىل مساء الدنيا" .قال :قلت :نزوله بعلمه
مباذا؟ فقال يل :اسكت عن هذا ،مالك وْلذا ،أمض احلديث على ما روي ،بال كيف وال
ﭐﱡﭐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱠ حد ،إمنا جاءت به األاثر ،ومبا جاء به الكتاب ،قال اَّلل :
[النحل ،]74 :ينزل كيف يشاء بعلمه وقدرته وعظمته ،أحاط بكل شيء علما ،ال يبلغ
قدره واصف.)3(
ﱡﭐ ﳌ ﳍ َ .21تويل اإلمام أمحد بن حنبل ،لفظ اجمليء ،يف قوله :
ﳎﳏﳐﱠ[الفجر ،]22 :فقال :جاء ثوابه.)4(
التمهيد ،البن عبد الِب )14٣/7( ،وسري أعلم النبلء ( )1٠5/8وشرح النووي على صحيح مسلم ()1
( )6 :٣7واإلنصاف ،البن السيد البطليوسي ،ص (.)82
األمساء والصفات للبيهقي (.)1٠6/2 ()2
شرح أصول اعتقاد أهل السنة واِلماعة لللكائي ( .)777قال ابن بطال :وقوله :ﭐﱡﳓ ()3
اع هل له من أيمره بههفعله هه ،فهإن ﳔ ﳕ ﳖ ﱠ[القيامة ،]18:فه هيه إهضافة ال هفع هل إهىل اَّلله ،والف ه
ب إِّ َىل ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ه ه هه
ب هو ج هِبيل ،فَفيه بَيَا ٌن ل ُك ِّل َما أَ ْش َك َل م ْن ُك ِّل ف ْعل يُنْ َ
س ُ القا هرئ لكلمه على النه ُّ
ول َوَْحن ِّو َذلِّ َُّز ِّ ِّ ِّ اّلل ِّ ،ممَّا َال يلِّ ُ ِّ ِّ ِّ
َِّّ
ك .فتح الباري (.)1٩٩/1 يق بِّه ف ْعلُهُ ،م َن ال َْمجيء َوالن ُ َ
رواه احلافظ البيهقي يف كتابه «مناقب االمام أمحد» -وهو كتاب خمطوط ،-ومنه نقل ابن كثري يف ()4
البداية والنهاية ( .)٣27/1٠فقال :روى البيهقي عن احلاكم ،عن أيب عمرو بن السماك ،عن
حنبل ،أن أمحد بن حنبل َ تول قول للا تعاىل :ﱡﭐ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﱠ[الفجر:
اء ثَ َوابُهُ .قال البيهقي» :وهذا إسناد صحيح ال غبار عليه». ،]22مبعىنَ :ج َ
143 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
َ .22تويل اإلمام سفيان بن عيينة ،حلديث ":وإن آخر وطئة و ِّطئها الرمحن
بوج" .قال :إمنا هو آخر خيل َّ
اّلل بوج.)1(
:ﭐﭐﭐﭐﱡﭐ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ َ .23تويل اإلمام البخاري لفظ الوجه ،يف قوله
ﲊﱠ [القصص .]88 :فقال :إال ملكه ،ويقال :إال ما أريد به وج ه هللا.)2(
:ﭐ ﭐ ﭐﱡﭐ ﱣ ﱤ َتويل اإلمام البخاري لفظ األخذ ابلناصية ،يف قوله .24
ﱥﱦﱧﱨﱩﱠ[هود :]56 :يف ملكه وسلطانه.)3(
لفظ الضحك ،فقال :معىن الضحك: َتويل اإلمام البخاري .25
الرمحة.)4(
َ .26تويل اإلمام احلافظ ،يزيد بن هارون ،حلديث أهيب رزين ،أنه قال:
قلت :اي رسول اَّلل ،أين كان ربنا قبل أن خيلق خلقه؟ قال" :كان يف عماء ما حتته هواء وما
آخر ما أوقع اَّلل صحيح البخاري ( .)112/6قال اإلمام البيهقي :معناه هعند أه هل النظ هر :أن ه ()1
ف. ج واد هابلطائه ه آخر غزاة غزاها رسول اَّلله قاتل فهيها العدو ،وو ٌّ ف ،وكان ه هابلمش هركهني هابلطائه ه
ني َك ِّس ِِّّين ِّ
اج َعل َْها َعلَْي ِّه ْم سنِّ َ
ض َر ،اللَّ ُه َّم ْ قال :وهو همثل ق ولههه " :اللَّ ُه َّم ا ْش ُد ْد َوطْأَتَ َ
ك َعلَى ُم َ
ف" .وإهمنا أراد آاثر قدرتههه .األمساء والصفات للبيهقي (.)٣8٩/2 وس َيُ ُ
صحيح البخاري (.)112/6 ()2
صحيح البخاري (.)127/4 ()3
يف كتاب األمس اء والصف ات للبيهقي ص ،47٠ابب ما جاء يف الضحك :عن أيب هريرة أن رسول ()4
للا ﷺ قال" :يضحك هللا إىل رجلني يقتل أحدمها اآلخر كالمها يدخل اجلنة ."..مث قال البيهقي:
قال البخاري :معىن الضحك الرمحة ،قال أبو سليمان -اخلطايب« :-قول أيب عبد للا قريب،
وَتويله على معىن الرضى لفعلهما أقرب وأشبه ،ومعلوم أن الضحك من ذوي التمييز يدل على
الرضى والبشر ،واالستهلل منهم دليل قبول الوسيلة ،ومقدمة إجناح الطلبة ،والكرام يوصفون عند
املسألة ابلبشر وحسن اللقاء ،فيكون املعىن يف قوله" :يضحك هللا إىل رجلني"؛ أي :جيزل العطاء
هلما؛ ألنه موجب الضحك ومقتضاه .انتهى .وقال احلافظ ابن حجر ،مؤكداً مؤيداً لهما ذهب إليه
أبو سليمان اخلطايب :قلت :ويدل على أن املراد ابلضحك اإلقبال ابلرضا ،تعديته ب (إىل) ،تقول:
ضحك فلن إىل فلن ،إذا توجه إليه طلق الوجه ،مظهراً للرضا به .فتح الباري (.)486/6
عقيدة علماء التبليغ 144
فوقه هواء ،وخلق عرشه على املاء" .قال يزيد بن هارون :العماء :أي ليس معه
شيء.)1(
للحديث الشريف .." :وإن اقرتب إيل َتويل اإلمام الرتمذي .27
شربا ،اقرتبت منه ذراعا ،وإن اقرتب إيل ذراعا اقرتبت إليه ابعا ،وإن أاتين ميشي ،أتيته
هرولة" .قال الرتمذي :هذا حديث حسن صحيح ،ويروى عن األعمش يف تفسري هذا
احلديث :من تقرب مين شِباً ،تقربت منه ذراعاً ،يعين ابملغفرة والرمحة ،وهكذا فسر بعض
أهل العلم هذا احلديث ،قالوا :إمنا معناه يقول :إذا تقرب إيل العبد بطاعِت ،ومبا أمرت،
تسارع إليه مغفريت ورمحِت.)2(
َتويل اإلمام الرتمذي للحديث الشريف" :أييت القرآن وأهله .".. .28
قال :ومعىن هذا احلديث عند أهل العلم :أنه جييء ثواب قراءته.)3(
ﭐﱡﭐ ﲰ َتويل اإلمام ابن جرير الطِبي لفظ االستواء ،يف قوله : .29
ﲱ ﲲ ﲳ ﱠ[فصلت ،]11 :فقال بعد أن ذكر معاين االستواء يف اللغة ،ما نصه:
عال عليهن وارتفع ،فدبرهن بقدرته ..عال عليها علو ملك وسلطان ،ال علو انتقال
وزوال.)4(
ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ َ .30تويل اإلمام الطِبي ،قوله :
ﱉﱠ [يس .]71:قال :مما خلقنا من اخللق.)5(
ﳔ ﱠ ﭐ[األنعام:
ﳕ َ .31تويل اإلمام الطِبي ،قوله :ﭐﱡﭐ ﳑ ﳒ ﳓ
.]18قال :فمعىن الكلم إذنَّ :
واّلل الغالب عباده ،املذل هلم ،العايل عليهم بتذليله هلم
وخلقه إايهم ،فهو فوقهم بقهره إايهم ،وهم دونه.)1(
َ .32تويل اإلمام احلافظ ابن حبان حديث ":ال تزال جهنم تقول :هل من
ط قَ ْ ِّ
ط َو ِّع َّزت َ
ك"( ،)2قال اإلمام ابن حبان مزيد ،حىت يضع رب العزة فيها قدمه ،فتقول :قَ ْ
:هذا اخلِب من األخبار الِت أطلقت بتمثيل اجملاورة ،وذلك أن يوم القيامة ،يلقى يف
النار من األمم واألمكنة الِت عصي للا عليها ،فل تزال تستزيد ،حَّت يضع الرب جل وعل
موضعاً من الكفار واألمكنة يف النار ،فتمتليء ،فتقول :قط قط ،تريد حسب حسب؛ ألن
العرب تطلق يف لغتها اسم القدم على املوضع ،قال للا :ﭐﱡﭐ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱠ
[يونس ،]2 :يريد :موضع صدق ،ال أن هللا جل وعال يضع قدمه يف النار! َجل ربنا
وتعاىل عن مثل هذا وأشباهه.)3(
َ .33تويل اإلمام اخلطايب حلديث الصورة ،فقال :فإن الذي جيب
علينا وعلى كل مسلم ،أن نعلم أن ربنا ليس بذي صورة وال هيئةَّ ،
فإن الصورة
تقتضي الكيفية ،وهي عن هللا وعن صفاته َم ِّنفيَّةٌ.)4(
َ .34تويل اإلمام اخلطايب حلديث " :فأما النار :فال متتلئ حىت يضع رجله؛
فتقول :قط قط ،فهنالك متتلئ ،ويزوى بعضها إىل بعض وال يظلم هللا من خلقه أحدا.
وأما اجلنة :فإن هللا ينشئ هلا خلقا" .قال :ذكر القدم هاهنا ُيتمل أن يكون املراد به من
قدمهم للا تعاىل للنار من أهلها ،فيقع هبم استيفاء عدد أهل النار وكل شيء قدمته فهو
قدم ..،ومن هذا قوله :ﭐﱡﭐ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱠ[يونس ،]2:أي :ما قدموه من
األعمال الصاحلة ،وقد روى معىن هذا عن احلسن ..وما أكثر ما تضرب العرب األمثال يف
كلمها ِبمساء األعضاء ،وهي ال تريد أعياُنا ،كقوْلم يف الرجل يسبق منه القول أو الفعل مث
يندم عليه :قد سقط يف يده ،أي :ندم ،وكقوْلم :رغم أنف فلن ،إذا ذل .وعل كعبه :إذا
جل ،وحنوها من ألفاظهم الدائرة يف كلمهم.)1(
َ .35تويل احلفاظ ،اخلطايب ،وابن عبد الِب ،وابن حجر رمحهم للا ،حلديث" :إن
أحدكم إذا قام يف صالته فإنه يناجي ربه ،أو إن ربه بينه وبني القبلة ،فال يبزقن أحدكم
قبل قبلته"(.)2
قال اخلطاهيب :معناه أن توجهه إىل القبلة مفض ابلقصد منه إىل ربه؛ فصار
يف التقدير :فإن مقصوده بينه وبني قبلته .وقيل :هو على حذف مضاف ،أي عظمة للا ،أو
ثواب للا .وقال ابن عبد الِب :هو كالم خرج على التعظيم لشأن القبلة .. ،مث قال احلافظ
ابن حجر :وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته ،ومهما تؤول به هذا ،جاز أن
يتأول به ذاك ،واَّلل أعلم.)3(
ب وض هحكه.
َ .36تويل اإلمام ابن قتيبة الدينوري ( ت276ه) عجب الر ه
قال ابن قتيبة :وحنن نقول :إن العجب والضحك ،ليس على ما ظنوا ،وإمنا
هو على( :حل عنده كذا ،مبحل ما يعجب منه ،ومبحل ما يضحك منه)؛ هألن الضاحك
لَلنصاري ،الذي ضافه ضيف، إمنا يضحك ألمر معجب له ،ولذلك قال رسول اَّلل
وليس يف طعامه فضل عن كفايته ،فأمر امرأته إبطفاء السر هاج ليأكل الضيف" :لقد عجب
َّ
اّلل تعاىل من صنيعكما البارحة" .أي حل عنده حمل ما يعجب الناس منه.)4(
حلديث " :ال تسبوا الريح؛ فإهنا من َ .37تويل اإلمام ابن قتيبة الدينوري
نفس الرمحن"(.)1
قال :وإمنا أراد أن الريح من فر ِّج الرمحن وروحه .كذلك قوله" :إين ألجد
نفس ربكم من قبل اليمن"( .)2قال :وهذا من الكنايةِّ ،ألن معىن هذا ،أنه قال :كنت يف
عين ابألنصارِّ .
يعين :أنه جيد الفرج من قبل اّلل ِّ
شدة وكرب وغم من أهل مكة ،ففرج َّ
األنصار ،وهم من اليمن.)3(
َ .38تويلت احلافظ ابن عبد الِب آلايت ،ظاهرها نسبة قيام احلوادث بذات
اّلل ال ميل حىت متلوا" .قال :فلفظ الر ه
ب ،تعاىل عن ذلك علواًكبرياً ،كقوله " :إن َّ
خمرج على مثال لفظ ،ومعلوم أن اَّلل ال ميل ،سواء مل الناس ،أو مل ميلوا ،وال يدخله
ملل يف شيء من األشياء ،جل وتعاىل علوا كب ًريا ،وإمنا جاء لفظ هذا احلديث ،على
املعروف من لغة العربِ ،بُنم كانوا إذا وضعوا لفظا إبزاء لفظ ،وقبالته جوااب له ،وجزاء،
ﭐﱡ ﭐ ﲜ ﲝ ﲞ ذكروه مبثل لفظه ،وإن كان خمالفا له يف معناه ،أال ترى إىل قوله :
ﱡﭐ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲟﱠ[الشورى .]40:وقوله :
ﲆﱠ[البقرة .]194:واجلزاء ال يكون سيئة ،والقصاص ال يكون اعتداء؛ ألنه حق
وجب ،ومثل ذلك قول اَّلل :ﭐﱡﭐ ﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱠ [آل
عمران .]54:وقوله :ﭐﱡﭐ ﲷﲸﲹ ﲺ ﲻﲼﲽﱠ [البقرة ،]15-14:وقوله
:ﭐﱡﲃﲄﲅﲆﲇﲈﱠ[الطارق ،]16-15:وليس من اَّلله هزؤ ،وال
مكر ،وال كيد ،إمنا هو جزاء ملكرهم ،واستهزائهم ،وجزاء كيدهم ،فذكر اِلزاء مبثل لفظ
االبتداء ،ملا وضع حبذائه ،وكذلك قوله " :إن َّ
اّلل ال ميل حىت متلوا" .أي :إن من مل من
عمل يعمله ،قطع عنه جزاؤه .فأخرج لفظ قط هع اِلزاء ،بلفظ امللل؛ إذ كان حبذائه وجوااب
له.)1(
** ** **
إن اإلمام حميي السنة ،البغوي ،من أكابر علماء األمة احملققني ،وهو سين أشعري
معروف مذهبه ،وهو يقول بقويل أهل السنة ،يف التعامل مع النصوص املتشاهبة ،التفويض
ٌ
والتأويل ،فأحياانً يرجح تفويض العلم ابلنصوص إىل للا ،وأحياانً ،يذهب إىل َتويلها،
عملً بكل القولني ،حبسب ما يرتجح لديه األمر يف ه
كل نص ،وقد بىن هذا املذهب على
أصول أهل السنة واِلماعة ،وخلصتها:
أوالً :استحالة املشاهبة بني اخلالق واملخلوق يف املعىن واحلقيقة ،وامتناع ثبوت ه
أي قدر
مشرتك يف املعىن ،بني اخلالق واملخلوق.
اثنياً :وجوب كون مجيع صفات للا قدمية ،واستحالة اتصاف الرب ابلصفات
احلادثة ،فيستحيل قيام احلوادث ابلذات العلهي هة ،وابلتايل ُّ
فكل ما يضاف إىل للا من
كل
األفعال ،فإُنا ال تقوم بذاته العلية ،كأفعال املخلوقني ،كاالستواء والنزول واجمليء ،وكذلك ُّ
صفة مبدؤها يف املخلوق يكون انفعاالً ،فإن للا يستحيل أن يوصف مببدإها ،وإمنا
يوصف بلزمها ،كالرمحة ،والغضب ،والغرية ،والرضا ،وحنوها؛ فيستحيل أن يوصف الرب
ِ بي صفة ،توجب حدوث ت غ ُّري يف ذات للا ،فقال حميي السنة البغوي :
نفى هللا تعاىل عن نفسه النوم؛ ألنه آفة ،وهو منزه عن اآلفات؛ وألنه تَغَ ُّريٌ ،وال جيوز
عليه التَّ غَ ُّريُ.)1(
وقال أيضاً :وجيب أن يعتقد أن هللا عز امسه قدمي جبميع أمسائه وصفاته ،ال
جيوز له اسم حادث ،وال صفة حادثة ،كان للا خالقاً وال خملوق ،ورابً وال مربوب ،ومالكاً
وال ملوك ،كما هو اآلخر ،قبل فناء العامل ،والوارث قبل فناء اخللق ،والباعث ،قبل ميء
البعث ،ومالك يوم الدين ،قبل ميء يوم القيامة ..فال جيوز أن ُيدث له اسم حبدوث
فعله ،وال يعتقد يف صفات هللا تعاىل أهنا هو وال غريه ،بل هي صفات له أزلية ،مل يزل
جل ذكره ،وال يزال موصوفا مبا وصف به نفسه ،وال يبلغ الواصفون كنه عظمته ،هو األول
واآلخر ،والظاهر والباطن ،وهو بكل شيء عليم.)1(
إبثبات بعض األلفاظ املتشاهبات ،كصفات معان ،ال صفات فقد قال
أعيان ،بدليل تفويضه العلم حبقيقتها إىل للا ،مع التصريح بنفي الكيفية ،خلفاً
للمشبهة ،الذين يثبتون الكيفية ،ولكنهم ي ه
فوضون العلم هبا إىل للا ،تعاىل عن قوْلم علواً
كبرياً.
أمر بههه فأخرهج .ورهوي عن سفيان الث وهر هي ،واألوزاعه هي ،واللي ه
ث ب هن سعد ،وسفيان ب هن عي ي نة،
الص َف ِّ
ات ت ال هِت جاءت هيف ِّ وعب هد اَّلله ب هن المبار هك ،وغ هريههم همن علم هاء ُّ
السن هة ،هيف ه هذهه اآلاي ه
ت بِّ َال َك ْيف.)1(
وها َك َما َجاءَ ْ ِّ
املتشاهبات :أَم ُّر َ
اضح من كلم اإلمام البغوي ،أنه يقول بتفويض العلم ( )1تفسري البغوي ( .)2٣6-2٣5/٣قلت :و ٌ
حبقيقة معىن االستواء إىل للا ،بعد اإلميان ِبن للا موصوف به ،وذلك من خلل اعتقاده
أنه من الصفات املتشاهبة ،ال من احملكمة ،واملتشاهبات :إما أن ت رد إىل احملكمات ،فتفهم على
وفقها ،أو ي رد العلم حبقيقتها إىل للا ،فإنه صرح بههقدهم مجيع صفاته تعاىل ،واستحالة اتصافه ِبي
َمسَائِّ ِّه، ث ،فَ ُه َو قَ ِّدميٌ ِّجبَ ِّم ِّ
يع أ ْ ادثَةٌ ،وال اسم ح ِّ
اد ٌ ص َفةٌ ح ِّ
ّلل ِّ صفة حادث ،فقال :لَيس َِِّّّ
َ ٌْ َ َ ْ َ
ِّ
َمسَا ُؤهُ ،كما قال يف موضع آخر :فالغضب والرضى من ص َفات ت أْ َّس ْ ِّ ِّ ِّ
َوص َفاته َج َّل َجاللُهَُ ،وتَ َقد َ
اّلل تَ َع َاىل كما صرح ص َفات َّ ُجيع ِّ اخللقَ ،وَك َذلِّ َ
ك َِّ صوفا هبما قبل أَن خلق ْ اّلل َ ،ملْ يزل َم ْو ُ َّ
ابستحالة كون استواء للا له كيفية ،حيث نقل كلم أئمة السلف الصاحل ،يف نفيهم مطلق
ت بِّ َال َك ْيف .ورفض تفسريه ابالستقرار ،حينما ِّ الكيف عن ه
اء ْ الرب ،بقوْلم :أَم ُّر َ
وها َك َما َج َ
نقله عن مقاتل والكلب ،فإن مقاتل بن سليمان هذا معروف ابلتجسيم ،وتفسري االستواء ابالستقرار
هو قول اجملسمة ،ألن االستقرار من صفات األجسام ،تعاىل للا عن ذلك علواً كبرياً ،وأما ما روي
عن ابن عباس يف ذلك ،فهو مكذوب عليه ،كما حققه اإلمام البيهقي يف األمساء والصفات ،فقال
وك هعند أه هل العهل هم ب وحممد بن مروان كلُّهم مرت ٌ ه
بعد ذكر الرواية إبسنادها :وأبو صالح هذا والكله ُّ
ب همن هم هيف هرواايهتههم. يث ،ال ُيت ُّجون بهشيء همن هرواايهتههم؛ لهكث رةه المناكه هري فهيها ،وظهوهر الك هذ ه هابحل هد ه
األمساء والصفات ( .)٣11/2وقال عنه احلافظ ابن حبان :كان أيخذ من اليهود والنصارى من علم
الرب ابملخلوقات ،وكان يكذب يف احلديث .ميزان االعتدال شبِّهُ َّ القرآن الذي وافق كتبهم ،وكان يُ َ
للذهب ( .)175/4مث قال البغوي :فأما أهل السنة يقولون ..:فجعل قول أهل السنة مبايناً
ومغايراً لقوْلما ،لكونه يستلزم التكييف ،مع كونه غري اثبت عن أحد معتِب من أهل السنة ،وحاصل
قوله :أن االستواء اثبت لل ،وليس معناه قيام وصف حادث بذات الرب ،تعاىل عن ذلك علواً
كبرياً ،إال أنه مل ُيدد معىن االستواء ،واختار تفويض العلم حبقيقته ومعناه إىل للا .وهذا القول،
هو القول املقدم عند عامة أهل السنة واِلماعة ،األشاعرة واملاتريدية ،وفضلء احلنابلة وأهل
احلديث ،خلفاً للمشبهة ،الذين فسروا االستواء ابالستقرار ،أو اِللوس ،تعاىل للا عن ذلك علواً
كبرياً.
عقيدة علماء التبليغ 152
قال :والرمحة :إرادة هللا تعاىل اخلري ألهله .وقيل :هي ترك عقوبة من
يستحقها ،وإسداء اخلري إىل من ال يستحق ،فهي على األول ،صفة ذات ،وعلى الثاين،
صفة فعل.)1(
يع فَ ْو َق َخل ِّْق ِّهَ ،وال ُْمتَ َع ِّايل َع ِّن ْاألَ ْشيَ ِّاءقال :ﭐﱡﭐ ﳊ ﳋ ﱠ [البقرةِّ َّ :]255:
الرف ُ
الس ْلطَنَ ِّة.)3( و ْاألَنْ َد ِّاد ،وقِّيل :الْعلِّ ُّي ِّابلْمل ِّ
ْك َو َّ ُ َ َ َ َ
درتِِّّه.)4( ِّ ِّ
وقال :ﱡﭐﱿﱠ[الرعد:]9:الْ ُمستَ ْعلي َعلَى ُك ِّل َشيء ب ُق َ
( )5أتويل النظر:
( )8تنزيه هللا عن احلركة واالنتقال ،والتغري والصورة احلسية ،وغريها من مسات
احملداثت عند الرؤية:
ورة الَِِّّت ْيعرفُو َن" .قال أبو سليمان اّلل ِّيف غَ ِّْري ُّ
الص َ قال :قوله" :فيأتيهم َّ
اخلط هايب :هذا ُيتاج إهىل َت هويل ،وليس ذلهك من أجل أان ننكر رؤية اَّلل ت عاىل ،بل
ول من ذكر الم هجيء نثبتها ،وال من أجل أان ندفع ما جاء هيف الكهتاب ،وهيف أخبار الرس ه
واإلتيان غري أان ال نكيهف ذلهك ،وال جنعله حركةً وانتقاالً ،كمجيء األشخاص وإتياُنا ،إهىل
الصورة هيف ه هذهه ال هقصة همبعىن
غري ذلهك من نعوت احلدث ،وت عاىل اَّلل علواً كبهرياً ..،وقالُّ :
اإلميان والتسلهيم ،واَّلل أعلم.)1(
الصفة .مث قال :ق لت :والو هاجب فه هيه وهيف أمثاله ه
قال :رهوي ع هن اب هن عباس ،أنه قالَ :ع ْن شدَّة وكرب ،وسئهل عهك هرمة عن
ِّ ِّ
ق وله :ﭐﱡﭐ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪ ﱠ[الْ َقلَم ،]42 :قال :إذَا ا ْشتَ َّد ْاألَمر ِّيف ا ْحلَْرب ،ق َ
يل:
كشفت ا ْحلَْرب َع ِّن َّ
الساق.)2(
قال :قهيل هيف معىن الت علُّق حبقو الرمحن :إِّنَّه االستجارة واالعتصام ِّاب َّّلل ،
يقال :عذت حبقو فلن :إهذا استجرت بههه.)3(
ضى ِّابلت َّْوبَِّة َوأَقْبَ ُل ح"َ ،م ْعنَاهُ :أ َْر َ قال :قال أبو سليمان اخلط ه ُّ
ايب :ق ولهََّّ " :للُ أَفْ َر ُ
آدم غَ ْري جائِّز َعلَى َِّّ ِّ َهلَا ،والْ َفر ِّ
اّلل ،إِّ َّمنَا َم ْعنَاهُ َّاس ِّيف نُعُوت بَِّين َ َ ُ َ ارفُهُ الن ُ ح الَّذي يَتَ َع َ َ َُ
ضو َن ،وكذلهك، ِّ هه
َيَ :را ُ ضا ،كقوله :ﭐﱡﭐ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﱠ [ال ُْم ْؤمنُو َن ،]53 :أ ْ ِّ
الر َ
ار قَ ْدشُ االستِّْب َ
ك ْ ضىَ ،وَك َذلِّ َ اّلل ِّ اب ِّ
لر َ ات َِّّ
ص َف ِّ ك الْو ِّار ُد ِّيف ا ْحل ِّد ِّ
يث ِّيف ِّ
َ
ِّ
فُس َر الضَّح ُ َ
ِّ
يث ،فهموا همن ه هذهه ضا .والمت ق هدمون همن أه هل احل هد ه يثَ ،وَم ْعنَاهُ ِّعْن َد ُه ُمِّ :
الر َ جاء ِّيف ا ْحل ِّد ِّ
َ ََ
يث ما وقع الرتغهيب فه هيه همن األعم هال ،وا هإلخبا هر عن فض هل اَّلله ،وأث ب توا ه هذهه األح هاد ه
من زه عن هصف ه
ات ٌ ات هَّلله ،ومل يشتغهلوا بهت ف هس هريها ،مع اعتهق هاد ههم أن اَّلل
الصف ه
ه
ﱒﱔﱕﱖﱠ [الشورى.)1( ]11 : المخلوقهني ،ﭐﱡﭐﱏﱐﱑ ﱓ
شرح السنة ( .)88 /5قلت :فاملذهب األول هو مذهب التأويل ،والثاين :هو مذهب التسليم ()1
والتفويض للعلم إىل للا ، مع تنزيهه تعاىل عن حدوث أي صفة يف ذاته ،فجميع صفاته قدمية
أزلية ،وكل املذهبني اثبت عند أهل السنة واِلماعة األشاعرة واملاتريدية.
املصدر السابق (.)26٩ /٩ ()2
املصدر السابق (.)2٩٩ /12 ()3
شرح السنة (.)77-76 /11 ()4
157 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
الصائِِّّم
ك :الثَّنَاءُ َعلَى َّ يح ال همس ه قال :وقهيل معىن كونههه أطيب عهند اَّلله همن
هر ه
وف ،كأنه قال :إهن ب لِّْل ُخلُ ِّ الص ْوِّم
ضا بِِّّف ْعلِّ ِّه ،لِّئَال ميَْنَ َعهُ ِّم َن ال َْم َواظَبَ ِّة َعلَى َّ
ا ْجلَالِّ ِّ َو ِّ
الر َ
ك عهندكم.)1(
يح ال همس هول عهند اَّلله ،همن هر ه خلوف ف هم الصائههم ،أب لغ هيف القب ه
** ** **
قبل اخلوض يف أي علم من العلوم ،ال بد من تقدمي مقدمات مهمة ،هبا يتعرف الدارس
على أهم مبادئ العلم ،من تعريفه ،وفضله وموضوعه وغريها ،كما يتعرف على سبب نشأة
هذا العلم ،وإزالة بعض الشبهات املتعلقة هبذا العلم ،وسنقوم بعرض هذه املهمات يف عدة
مطالب:
ال بد قبل اخلوض يف علم التوحيد من معرفة املبادئ الِت يتوقف عليها الشروع يف هذا
العلم ،وتسمى املبادئ العشرة ،املنظومة يف قول بعضهم:
مسائل والبعض ابلبعض اكتفى ....ومن درى اِلميع حاز الش رفا
ٌ
أوالً :احلد ،أو تعريف علم العقيدة والتوحيد:
ُّ
فحد التوحيد ،لغةً :العلم ِبن الشيء واحد.
وشرعاً :هو إفراد املعبود ابلعبادة ،مع اعتقاد وحدته ،والتصديق هبا ،ذااتً ،وصفات،
وأفعاالً.
وأما علم التوحيد :فقد عرفه علماء التوحيد ِبنه :علم يُ ْقتَدر به على إثبات العقائد
سبة من أدلتها اليقينية.
الدينية ُمكْتَ َ
159 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
وقال ابن خلدون يف مقدمته« :هو علم يتضمن احلجاج عن العقائد اإلميانية ابألدلة
العقلية ،والرد على املبتدعة املنحرفني يف االعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة ،وسر
هذه العقائد اإلميانية هو التوحيد»(.)1
فعلم التوحيد يقوم على إثبات العقيدة الدينية عن طريق األدلة القطعية ،العقلية والنقلية،
فهو بذلك يقوم بتوضيح أصول العقيدة وشرحها ،وتدعيمها ابألدلة ،والرد على الشبه الِت
دور إجيايب يف إثبات صحة
يوردها املخالفون على العقيدة الصحيحة ،فهو علم الكلم له ٌ
ودور دفاعي يقوم ابلدفاع عن العقيدة ضد اخلصوم املنكرين.
العقيدة ابلعقل والنقلٌ ،
اثنياً :املوضوع:
.1ذات للا عز وجل ،من حيث ما جيب له من صفات الكمال املطلق ،وما يستحيل
عليه من صفات النقص ،وما جيوز عليه من الفعل والرتك ،وقد اصطلح على تسمية
هذا املبحث ب «اإلهليات».
.2ذات الرسل ،من حيث ما جيب ْلم من صفات الكمال البشري ،وما يستحيل ،وما
جيوز من األعراض البشرية ،الِت ال تنايف رفيع مقامهم ،وقد اصطلح على تسمية هذا
املبحث ب «النبوات».
.3املمكن من حيث إنه يتوصل به إىل وجود الصانع ،وذلك ابالستدالل خبلق للا
تعاىل إلثبات وجوده وصفاته الكمالية.
.4العقائد الِت ال سبيل إىل اإلميان هبا إال بطريق اخلِب الصادق ،وقد اصطلح على
تسمية هذا املبحث ب «السمعيات» ،من حيث اعتقادها(.)2
فعلماء التوحيد ال يتكلمون يف حق للا تعاىل ،وال يف الغيبيات اعتماداً على مرد النظر
ابلعقل ،بل يتكلمون يف ذلك من ابب االستشهاد ابلعقل على صحة ما جاء عن الرسول
،فالعقل عند علماء التوحيد شاهد للشرع وليس أصلً للدين ،مع أن النظر العقلي
السليم ال خيرج عما جاء به الشرع وال يتناقض معه.
الرابعة :صحة النية واالعتقاد؛ إذ هبا يرجى قبول العمل ،وغاية ذلك كله الفور
بسعادة الدارين(.)1
رابعاً :فضله:
هو أشرف العلوم؛ لكونه أساس األحكام الشرعية وأصل العلوم الدينية ،ولكون معلوماتهه
العقائد اإلسلمية ،فهو متعلق بذاته تعاىل ،وذات رسله عليهم السلم ،وما يتبع ذلك؛
فشرف العلم بشرف املعلوم ،واملعلوم هبذا العلم ،هو للا عز وجل ،ورسله عليهم السلم.
ميكن القول ِبن علم التوحيد هو رئيس العلوم الشرعية؛ ألن سائر العلوم الشرعية مستندة
إليه استناد الفرع إىل األصل ،ألن فيه تثبت موضوعاهتا ،طاملا كان موضوعه متعلقاً ابلعقائد
واثباهتا ،فيقول عضد الدين اإلجيي يف بيان مرتبة علم الكلم من العلوم الشرعية بناء على
أعم األمور وأعلها ،وغايته أشرف الغاايت وأجداها، موضوعه وغايته« :إن موضوعه ُّ
ودالئله يقينيةُ ،يكم هبا صريح العقل ،وقد َتيدت ابلنقل ،وهي الغاية يف الواثقة ،وهذه هي
جهات شرف العلم ال تعدوها؛ فهو أشرف العلوم ،وهو العلم األعلى ،وهو رئيس العلوم
على اإلطلق» (.)1
اخلامس :أن هذا العلم ال يتطرق إليه النسخ وال التغيري ،وال خيتلف ابختلف األمم
والنواحي خبلف سائر العلوم ،فوجب أن يكون أشرف العلوم.
سادساً :واضعه:
إماما أهل السنة واِلماعة ،أبو احلسن األشعري ،وأبو منصور املاتريدي ،ومن تبعهما،
مبعىن أُنم دونوا كتبه ،وردوا الشبه الِت أوردها أهل األهواء ،وإال فالتوحيد جاء به كل نب،
من لدن آدم إىل يوم القيامة(.)2
سابعاً :أمساؤه:
.6عهلم الكلم؛ ألن عنوان مباحثه كان قوْلم :الكلم يف كذا وكذا ،وألن مسألة الكلم
كانت أشهر مباحثه وأكثرها نزاعاً وجداالً ،ووقعت بسببها فتنة عظيمة وحمنة
شديدة ،وألنه إمنا يتحقق ابملباحثة وإدارة الكلم من اِلانبني ،وألنه أكثر العلوم
خلفاً ونزاعاً ،فتكثر فيه املناقشات واملباحثات.
.7الفقه األكِب ،مساه بذلك اإلمام أبو حنيفة رمحه للا؛ ألنه عرف «الفقه» بقوله:
شامل للعقائد واألحكام ،فما يتصل
ٌ «معرفة النفس ما ْلا وما عليها» ،وهذا
ابلعقائد هو «الفقه األكِب» ،وما يتصل ابألحكام هو «الفقه األصغر».
اثمناً :استمداده:
.1الوجوب العيين على كل مكلف ،من ذكر وأنثى ،وذلك بتعلم العقائد الصحيحة
ابألدلة اإلمجالية.
. 2الوجوب الكفائي على األمةِ ،بن يكون فيها طائفة تعلم العقائد ابألدلة التفصيلية،
مع القدرة على رد الشبهات الِت يثريها املخالفون.
قال العلمة ابن حجر اْليتمي « :الذي صرح به أئمتنا أنه جيب على كل أحد
وجوابً عينياً أن يعرف صحيح االعتقاد من فاسده ،وال يشرتط فيه علمه بقوانني أهل
الكلم؛ ألن املدار على االعتقاد اِلازم ولو ابلتقليد على األصح ،وأما تعليم احلجج
الكلمية ،والقيام هبا للرد على املخالفني ،فهو فرض كفاية ،اللهم إال إن وقعت حادثة
وتوقف دفع املخالف فيها على تعلم ما يتعلق هبا من علم الكلم ،أو آالته ،فيجب عيناً
163 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
وقال اإلمام النووي « :قال العلماء :البدعة مخسة أقسام واجبة ومندوبة وحمرمة
ومكروهة ومباحة فمن الواجبة نظم أدلة املتكلمني للرد على امللحدة املبتدعني وما أشبه
ذلك .)2(»..
عاشراً :مسائله:
** ** **
إن علم التوحيد والكلم كغريه من العلوم ،نشأ بسبب احلاجة إليه؛ لكثرة الفرق الضالة
املبتدعة ،الذين تتبعوا املتشاهبات ،وأوردوا شبهاً على ما قرره علماء السلف األوائل ،فاحتاج
العلماء من أهل السنة إىل مقاومتهم ومادلتهم ومناظرهتم؛ حَّت ال يلبسوا على الضعفاء أمر
دينهم ،وحَّت ال يد هخلوا يف الدين ما ليس منه ،ولو ترك العلماء هؤالء الزاندقة وما يصنعون؛
الستولوا على كثري من عقول الضعفاء وعوام املسلمني ،والقاصرين من علمائهم ،فأضلوهم
وغريوا ما عندهم من االعتقادات الصحيحة؛ فكان لهزاماً على علماء املسلمني أن يقوموا
ابلرد على هؤالء من خلل تعلمهم هذا العلم ونبوغهم فيه؛ ألن إفحامهم بنفس أدلتهم
أدعى النقطاعهم ،وإلزامهم احلق ،فردوا عليهم وأبطلوا شبههم.
«اعلم أن للا تعاىل لما بعث من العرب نبيه حممداً رسوالً إىل الناس مجيعاً ،وصف
ْلم رهبم سبحانه وتعاىل ،مبا وصف به نفسه الكرمية يف كتابه العزيز ،فلم يسأله أح ٌد من
العرب ِبسرهم ،قرويهم وبدويهم عن معىن شيء من ذلك ،كما كانوا يسألونه عن أمر
الصلة والزكاة والصيام واحلج وغري ذلك ،بل كلهم فهموا معىن ذلك وسكتوا عن الكلم يف
الصفات؛ فأثبتوا رضي للا عنهم بل تشبيه ،ونزهوا من غري تعطيل ،فمضى عصر الصحابة
رضي للا عنهم على هذا.
إىل أن حدث يف زمنهم القول ابلقدر ،وكان أول من قال ابلقدر يف اإلسلم ،معبد بن
خالد اِلهين ،ولما بلغ عبد للا بن عمر بن اخلطاب رضي للا عنهما مقالة معبد يف القدر
تِبأ من القدرية ،وأخذ السلف رمحهم للا يف ذم القدرية ،وحذروا منهم كما هو معروف يف
كتب احلديث.
165 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
وحدث أيضاً يف زمن الصحابة مذهب اخلوارج ،وصرحوا ابلتكفري ابلذنب ،واخلروج
على اإلمام وقت اله ،فناظرهم عبد للا بن عباس رضي للا عنهما فلم يرجعوا إىل احلق ،وقاتلهم
أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ،وقتل منهم مجاعة كما هو معروف يف كتب األخبار.
مذهب التشيع لعلي بن أيب طالب ،والغلو وحدث أيضا يف زمن الصحابة
فيه ،فلما بلغه ذلك أنكره.
مث حدث بعد عصر الصحابة ،مذهب جهم بن صفوان ببلد املشرق ،فعظمت
الفتنة به؛ فإنه نفى أن يكون لل تعاىل صفة ،وأورد على أهل اإلسلم شكوكاً أثر يف امللة
اإلسلمية آاثراً قبيحة ،تولد عنها بلء كبري ،وكان قبيل املائة من سين اْلجرة ،فكثر أتباعه
على أقواله الِت تؤول إىل التعطيل ،فأكِب أهل اإلسلم بدعته ،ومتالؤا على إنكارها وتضليل
أهلها ،وحذروا من اِلهمية ،وعادوهم يف للا ،وذموا من جلس إليهم ،وكتبوا يف الرد عليهم ما
هو معروف عند أهله.
ويف أثناء ذلك حدث مذهب االعتزال ،منذ زمن احلسن البصري ،بعد املائتني
من سين اْلجرة ،وصنفوا فيه مسائل يف العدل والتوحيد ،وإثبات أفعال العباد ،وأن للا تعاىل
ال خيلق الشر ،وجهلوا ِبن للا ال يرى يف اآلخرة ،وأعلنوا ِبن القرآن خملوق حمدث ،إىل غري
ذلك من مسائلهم ،فتبعهم خلئق يف بدعهم ،وأكثروا من التصنيف يف نصرة مذهبهم
ابلطرق اِلدلية ،فنهى أئمة اإلسلم عن مذهبهم ،وذموا علم الكلم ،وهجروا من ينتحله ،ومل
يزل أمر املعتزلة يقوى وأتباعهم تكثر ومذهبهم ينتشر يف األرض.
مث حدث مذهب التجسيم املضاد ملذهب االعتزال ،فظهر حممد بن كرام السجستاين،
زعيم الطائفة الكرامية بعد املائتني من سين اْلجرة ،وأثبت الصفات حَّت انتهى فيها إىل
التجسيم والتشبيه ،وكانت بني الكرامية ابملشرق وبني املعتزلة مناظرات ومناكرات وفنت كثرية
عقيدة علماء التبليغ 166
متعددة أزماهتا.
وقد كان املأمون بن هارون الرشيد سابع خلفاء بين العباس ببغداد ،ملا شغف ابلعلوم
القدمية ،بعث إىل بلد الروم من عرب له كتب الفلسفة ،وأاته هبا سنة ومائتني من سين
اْلجرة ،فانتشرت مذاهب الفلسفة يف الناس ،واشتهرت كتبهم بعامة األمصار ،وأقبلت
املعتزلة والقرامطة واِلهمية وغريهم عليها ،وأكثروا من النظر فيها ،والتصفح ْلا ،فاجنر على
اإلسلم وأهله من علوم الفلسفة ما ال يوصف من البلء واحملنة يف الدين ،وعظم ابلفلسفة
ضلل أهل البدع ،وزادهتم كفراً إىل كفرهم.
وكان أبو احلسن علي بن إمساعيل األشعري قد أخذ عن أيب علي اِلبائي ،والزمه عدة
أعوام ،مث بدا له فرتك مذهب االعتزال ،وسلك طريق أيب حممد عبد للا بن سعيد بن كلب،
ونسج على قوانينه ،وحقيقة مذهب األشعري ،أنه سلك طريقاً بني النفي الذي هو
مذهب االعتزال ،وبني اإلثبات الذي هو مذهب أهل التجسيم ،وانظر على قوله هذا
واحتج ملذهبه ،فمال إليه مجاعة وعولوا على رأيه ،ونصروا مذهبه وانظروا عليه وجادلوا فيه
واستدلوا له يف مصنفات ال تكاد حتصر ،فانتشر مذهب أيب احلسن األشعري يف العراق من
حنو سنة مثانني وثلمثائة ،وانتقل منه إىل الشام.
فلما ملك السلطان امللك الناصر صلح الدين يوسف بن أيوب داير مصر ،كان هو
وقاضيه على هذا املذهب ،قد نشآ عليه منذ كاان يف خدمة السلطان امللك العادل نور الدين
حمم ود بن زنكي بدمشق ،وحفظ صلح الدين يف صباه عقيدة ألفها له قطب الدين أبو
املعايل النيسابوري ،وصار ُيفظها صغار أوالده ،فلذلك عقدوا اخلناصر وشدوا البنان على
مذهب األشعري.
واتفق مع ذلك توجه أيب عبد للا حممد بن تومرت أحد رجاالت املغرب إىل العراق،
167 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
وأخذ عن أيب حامد الغزايل مذهب األشعري ،فلما عاد إىل بلد املغرب وقام يف املصامدة
يفقههم ويعلمهم ،وضع ْلم عقيدة لقفها عنه عامتهم ،فكان هذا هو السبب يف اشتهار
مذهب األشعري وانتشاره يف أمصار اإلسلم ،حبيث نسي غريه من املذاهب»(.)1
** ** **
أاثر بعض أهل األهواء شبهة حول تعلم علم الكلم ،وقالوا ِبن السلف قد ُنوا عن
وذموه؛ لذلك فل جيوز االشتغال به ،واحتجوا مبا روي عن بعض األئمة يف
االشتغال به ُّ
ذلك ،فعن ابن عبد األعلى قال :مسعت الشافعي يوم انظر حفصاً الفرد -
وكان من متكلمي املعتزلة -يقول« :ألن يلقى هللاَ العب ُد بكل ذنب ما خال الشرك ابهلل،
خري له من أن يلقاه بشيء من علم الكالم ،ولقد مسعت من حفص الفرد كالما ال أقدر
أن أحكيه» ،وقال أيضاً« :قد اطلعت من أهل الكالم على شيء ما ظننته قط ،وأن
يبتلي هللا العبد بكل ما هنى هللا تعاىل عنه ما عدا الشرك ،خري له من أن ينظر يف
الكالم» ،وقال « :حكمي يف أصحاب الكالم أن يضربوا ابجلريد ويطاف هبم يف القبائل،
ويقال :هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة ،وأخذ يف الكالم» .وغري ذلك من نصوص
السلف.
جواب الشبهة
لقد رد اإلمام األشعري يف رسالته «استحسان اخلوض يف علم الكلم» أحسن رد،
وبني مواضع الضعف يف حجة املخالفني ،فقال« :فإن طائفة من الناس جعلوا اِلهل رأس
ماْلم ،وثقل عليهم النظر والبحث عن الدين ،ومالوا اىل التخفيف والتقليد ،وطعنوا على من
فتش عن أصول الدين ونسبوه اىل الضلل ،وزعموا أن الكلم يف احلركة والسكون واِلسم
والعرض واأللوان واألكوان واِلزء والطفرة وصفات الباري عز وجل ،بدعة وضللة؛ وقالوا :لو
كان ذلك هدى ورشاداً لتكلم فيه النب وخلفاؤه وأصحابه ..إخل» .مث شرع يف ه
الرد
على شبهاهتم ،وبني ضعفها ابألدلة املفحمة(.)1
( )1ينظر :رسالة استحسان اخلوض يف علم الكلم ،مطبوعة مع كتاب اللمع لَلشعري ،ص (.)8٩
169 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
ونقول يف رد الشبهة :إن من عرف حقيقة كلم أهل السنة ومقصوده ،وموضوعه
ومسائله ،يستحيل أن ينهى عنه ،فإن أهم مباحثه هي إثبات وجوده تعاىل ،وإثبات صفات
كماله ،وتنزيهه عن كل نقص ،وإثبات النبوات وكماالت األنبياء ،وإثبات املعاد ،وكل ذلك
ابألدلة اليقينية العقلية والنقلية ،فمن أين حترم كل هذه العلوم؟! وإمنا مدار القرآن الكرمي على
إثبات هذه األصول الثلثة ،وهي التوحيد والنبوات واملعاد ،وكيف يكون ذكر احلجة واملطالبة
ﭐﱡﭐ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﱠ هبا ،والبحث عنها حمظوراً؟ وقد قال للا تعاىل:
[البقرة ،]111:فطلب منهم الِبهان ،وقال تعاىل :ﭐﱡﭐ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱠ [األنعام،]149:
ﭐﱡﭐ ﱍ ﱎ وقال تعاىل يف الثناء على إبراهيم يف مادلته قومه يف للا عز وجل،
ﭐﱡﭐ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱠ [األنعام ،]:وقال تعاىل:
ﲋ ﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﱠ [هود.]32:
وابِلملة فالقرآن من أوله إىل آخره حماجة مع الكفار ،ملوء ابحلجج واألدلة والِباهني
يف مسائل التوحيد ،وإثبات الباري والمعاد ،وإرسال الرسل ،فل يذكر املتكلمون وغريهم
دليلً صحيحاً على ذلك إال وهو يف القرآن ِبفصح عبارة وأوضح بيان ،وأمت معىن.
ﭐﱡﭐ ﲞ اآلايت واألدلة ،ومل تزل الرسل ُ ياجون املنكرين وجيادلوُنم ،قال تعاىل:
ﲡﱠ [النحل ،]125:والصحابة أيضاً كانوا ُياجون املنكرين وجيادلوُنم
ﲢ ﲟﲠ
عند احلاجة ،وإال أن احلاجة إليه كانت قليلة يف زماُنم؛ فلذا كان اخلوض فيه قليلً.
وبعد هذا ميكن محل ُني السلف عن اخلوض يف علم الكلم على أوجه:
الوجه األول :أُنم ُنوا عن كلم أهل البدع واألهواء ،فانه كان يف القدمي إمنا يعرف
ابلكلم أهل البدع واألهواء ،وأما أهل السنة فمعوْلم فيما يعتقدون الكتاب والسنة ،وكانوا
عقيدة علماء التبليغ 170
قلما خيوضون يف الكلم قاله اإلمام البيهقي ،ونقله عنه ابن عساكر يف تبيني كذب املفرتي،
مث قال :وانهيك بقائله أيب بكر البيهقي ،فقد كان من أهل الرواية والدراية(.)1
مث قال ابن عساكر« :وإمنا يعين الشافعي -وللا أعلم -بقوله كلم أهل األهواء،
الذين تركوا الكتاب والسنة ،وجعلوا معوْلم عقوْلم ،وأخذوا يف تسوية الكتاب عليها ،وحني
محلت عليهم السنة بزايدة بيان لنقض أقاويلهم اهتموا رواهتا ،وأعرضوا عنها ،فأما أهل السنة
فمذهبهم يف األصول مبين على الكتاب والسنة ،وإمنا أخذ من أخذ منهم يف العقل؛ إبطاالً
ملذهب من زعم أنه غري مستقيم على العقل» (.)2
أقول :وعلى هذا ُيمل تشديدات السلف الغليظة يف النهي عن الكلم ،كما يدل
عليه سياق كلم الشافعي املتقدم بعدما انظر حفصاً الفرد القدري ،وقد جاء مصرحاً يف
بعض الرواايت عنه ،روى عنه ابن عساكر بسنده املتصل ،أنه قال« :ألن يلقى هللاَ عز وجل
العبد بكل ذنب خال الشرك ،خري له من أن يلقاه بشيء من األهواء» (.)3
وروى البيهقي أنه دخل حفص الفرد على الشافعي ،فقال :الشافعي بعد خروجه:
«ألن يلقى العب ُد هللاَ بذنوب مثل جبال تامة ،خري له من أن يلقاه ابعتقاد حرف مما
عليه هذا الرجل وأصحابه .وكان حفص يقول خبلق القرآن» (.)4
وقال احلافظ ابن عساكر« :والكلم املذموم كلم أصحاب األهوية ،وما تزخرفه
أرابب البدع الم هردية ،فأما الكلم املوافق للكتاب والسنة املوضح حلقائق األصول عند ظهور
الفتنة ،فهو حممود عند العلماء ومن يعلمه ،وقد كان الشافعي ُي هسنه ،وي فهمه ،وقد تكلم
ينظر :تبيني كذب املفرتي فيما نسب إىل األشعري (.)٣٣4 ()1
املصدر السابق (.)٣45 ()2
املصدر السابق (.)٣٣7 ()3
املصدر السابق (.)٣41 ()4
171 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
مع غري واحد من ابتدع ،وأقام احلجة عليه حَّت انقطع ،مث أورد ابن عساكر مجلة من
مناظرات الشافعي للمبتدعة الدالة على أنه كان متضلعاً من هذا العلم» (.)1
مث قال « :فأما الكلم الذي يوافق الكتاب والسنة ،ويبني ابلعقل والعِبة ،فإنه حممود
مرغوب فيه عند احلاجة ،تكلم فيه الشافعي وغريه من أئمتنا رضي للا تعاىل عنهم عند
احلاجة كما سبق ذكران له» (.)2
الوجه الثاين :أن النهي حممول على اخلوص يف الكلم ملعرفة اجملادلة مع اخلصوم
واإلحاطة مبناقضة أدلتهم ،والتشدق بتكثري األسئلة واألجوبة الدقيقة ،وإاثرة الشبه واللوازم
البعيدة ما مل يكن يعرف شيء منه يف العصر األول ،بل كانوا يشددون النكري على من يفتح
ابب اِلدل واملمارات.
الوجه الثالث :ما يف التغلغل يف الكلم من خطر الدخول يف البدعة أو الكفر؛ ألن
الباحث فيه قد خيطئ ،واخلطأ فيه ال خيلو عن أحد اخلطرين املذكورين ،وقد أشار إىل هذا
اإلمام الشافعي رمحه للا بقوله « :تناظروا يف شيء إن أخطأمت فيه يقال لكم :أخطأمت ،وال
تناظروا يف شيء إن أخطأمت فيه يقال :كفرمت»(.)3
الوجه الرابع :ما اشتمل عليه علم الكلم من حكاية مذاهب أهل البدع واألهواء،
وذكر الشبه الواردة على اعتقاد أهل السنة ،وهذا مفض إىل نشر هذه املذاهب ،وقد أمران
إبمخادها ،وموجب لتمكن هذه الشبه يف القلوب .وهذا ما أشار إليه اإلمام أمحد رمحه للا
تعاىل حينما أنكر على احلارث احملاسب تصنيفه كتاابً يف الرد على املبتدعة ،فقال له :وُيك
حتكي بدعتهم أوالً مث ترد عليهم! ألست حتمل الناس بتصنيفك على مطالعة البدعة ،والتفكر
يف تلك الشبهات؟
قلت :إال أن األمر بعد ذلك تغري عما كان ،فقد صارت الشبهات ظاهرة ،ويندر أن
يوجد قوم مل يتعرضوا ْلا ،فإذا تركوا بل بيان كان هذا سكواتً عن الباطل ،وفيه ضياع الدين.
الوجه اخلامس :أن النهي حممول على االقتصار على الكلم دون تعلم الفقه ،قال
ابن عساكر : وُيتمل أن يكون مرادهم من النهي عن الكلم أن يقتصر عليه ،ويرتك
تعلم الفقه الذي يتوصل به إىل معرفة احللل واحلرام ،ويرفض العمل مبا أمر بفعله من شرائع
اإلسلم ،وال يلتزم فعل ما أمر به الشارع ،وترك ما ُنى عنه من األحكام ،وقد بلغين عن
حامت بن عنوان األصم وكان من أفاضل الزهاد وأهل العلم أنه قال« :الكالم أصل الدين،
والفقه فرعه والعمل مثره ،فمن اكتفى ابلكالم دون الفقه والعمل تزندق ،ومن اكتفى
ابلعمل دون الكالم والفقه ابتدع ،ومن اكتفى ابلفقه دون الكالم والعمل تفسق ،ومن
تفنت يف األبواب كلها ختلص»(.)1
وقال العلمة الكوثري « :واحلق أن عقيدة السنة يف اإلسلم واحدة سلفاً وخلفاً
ال تتغري وال تتبدل ،بل الذي يتجدد هو طريق الدفاع عنها ابلنظر خلصومها املتجددة ،وذم
علم الكلم من كان يف موضع اإلمامة من السلف حممول حتماً على كلم أهل البدع
وخوض العامي فيه ،قال األستاذ أبو القاسم القشريي وأجاد :ال جيحد علم الكلم إال أحد
رجلني :جاهل ركن إىل التقليد ،وشق عليه سلوك طرق أهل التحصيل ،وخل عن طرق أهل
النظر ،والناس أعداء ما جهلوا ،أو رجل يعتقد مذاهب فاسدة ،فينطوي على بدع خفية،
يلبس على الناس عوار مذهبه ،ويعمى عليهم فضائح عقيدته ،ويعلم أن أهل التحصيل من
أهل النظر هم الذين يهتكون السرت عن بدعه ،ويظهرون للناس قبح مقاالته»(.)2
** ** **
ن ُ
الفصل الثاي
مختصر عقيدة أهل السنة والجماعة،
السادة األشاعرة والماتريدية.
175 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
ه
الوجود لذاته ،املستغين يف وهي صفة [الوجود] ،فالل هو اإلله ُّ
احلق ،الواجب
كل من سواه يف وجوده إليه. وجوده عن الم ه
وجد ،املفتقر ُّ
ئي الذات ابألبصار ،نعمةً همنه ولطفاً ابألبرار ،هيف دار القرار ،وإمتاماً همنه للنعيم، ابلعقول ،مر ُّ
هابلنظ هر إهىل وجهه الك هرمي.)1(
ويصح أن يتصف هبا وِبضدادها ،كاخللق ُّ وهي صدور األفعال عن قدرته وإرادته،
زق ،واإلحياء واإلماتة ،وغريها ،فهو اخلالهق البا هرئ ،المص هور الغفار القهار ،الوهاب والر ه
اسط ،اخلافهض الرافهع ،المعهُّز الم هذ ُّل ،احلكم العدل ،الل هطيف الرزاق ،الفتاح ،القابهض الب ه
احللهيم ،الغفور الشكور ،احل هفيظ الم هقيت ،احل هسيب الك هرمي ،الم هجيب ،الودود ،الباعهث
صي المب هدئ المعهيد ،المحيهي الم هميت ،الو هاجد ،المق هدم المؤ هخر ،الو هايل الوكهيل ،الوه ُّ
يل المح ه
ك ذو اِلل هل وا هإلكرهام ،المق هسط اِل هامع، الِبُّ ،الت واب المن ت هقم ،العف ُّو الرءوف ،مالهك املل ه
المغ هين ،المعطي المانهع ،الض ُّار النافهع ،النُّور اْل هادي ،الب هديع ،الوا هرث ،الرهشيد الصبور.
للرب ،ومعاين التنزيه عن األفعالتمع سائر ما مر من صفات معاين الكمال ه وهي الِت
يد املكان ،واِلللة والعظمة ،والعزة والكِبايء ،واحلمد كالعلو المطلق عن ق ه
ه صفات النقص،
والمجد ،فهو اِللهيل واِلميل ،العله ُّي المت ع هايل األعلى ،الع هظيم الكبهري ،الم هجيد احل هميد،
الم ه
اجد.
موصوف بصفة احلياة ،والقدرة ،املؤثرة يف إجياد وإعدام مجيع املمكنات ،فهوٌ فهو
قاهر ،ال ي ع هرتيه قصور وال عجز ،وال َتخذه هسنةٌ وال نوم ،وال ي عارضه فناء
ادر ،جب ٌار ٌ
ح ٌّي ق ٌ
السلطان والقهر ،واخللق واألمر،
وال موت ،وأنه ذو الملك وامللكوت ،والعزة واِلِبوت ،له ُّ
ت بهي همينه هه ،واخللئهق مقهورون هيف قبضته ،وأنه المن فرد ابخللق واالخرتاع،
والسموات مط هواي ٌ
املتوحد ابإلجياد واإلبداع ،خلق اخللق وأعماْلم ،وقدر أرزاقهم وآجاْلم ،ال يش ُّذ عن قبضته
مقدور ،وال يعزب عن قدرته تصاريف األمور ،ال حتصى مقدوراته ،وال تتناهى معلوماته.)1(
موصوف بصفة العلم ،الكاشف ِلميع املعلومات ،سواء املوجودات ٌ وهو
ط همبا جي هري من توم األرضني إهىل أعلى واملعدومات ،فهو عاملٌ هجب همي هع املعلومات ،هحمي ٌ
السموات ،وأنه عاملٌ ال يعزب عن علمه همث قال ذرة هيف األرض وال هيف السماء ،بل يعلم دبهيب
النملة السوداء ،على الصخرة الصماء ،هيف اللي لة الظلماء ،ويدرك حركة الذر هيف جو اْلواء،
اجس الضمائر ،وحركات اخلواطر ،وخفيات السرائر، السر وأخفى ،ويطلهع على هو ه ويعلم ه
بهعلم قدمي أزيل ،مل يزل موصوفاً بههه ،هيف أزل اآلزال ،ال بهعلم متجدد ح ه
اصل هيف ذاته ابحللول
واالنتقال.)2(
موصوف بصفة اإلرادة ،املؤثرة يف تصيص مجيع املمكنات ،فهو م هري ٌد ٌ وهو
يل أو كثريٌ ،صغهريٌ أو كبهريٌ، ه ه ه
دبر للحاداثت ،فل جيري يف الملك وامللكوت ،قل ٌ للكائنات ،م ٌ
فوز أو خسران ،هزايدة أو ن قصان، خري أو شر ،نفع أو ضر ،إهميان أو كفر ،عرفان أو نكرٌ ،
طاعة أو عصيان ،إهال بهقضائههه وقدره ،وحكمته ومشيئته ،فما شاء كان ،وما مل يشأ مل يكن،
ال خيرج عن م هشيئته لفتة انظر ،وال فلتة خاطر ،بل هو املبديء املعيد ،الفعال ملا ي هريد ،ال راد
صيته إهال بتوفيقه ورمحته ،وال ق وة له على ألمره ،وال معقب لقضائه ،وال مهرب لعبد عن مع ه
اطني ،على أن ُيركوا اإلنس واِلهن ،والملئهكة والشي ه
طاعته إهال مبشيئته وإرادته ،ف لو اجتمع ه
هيف العامل ذرة أو يسكنوها ،دون إهرادته ومشيئته ،لعجزوا عن ذلهك ،وأن إهرادته قائهمة بهذاتههه ،هيف
مجلة هصفاته ،مل يزل كذلهك موصوفاً هبا ،م هريداً هيف أزله لوجود األشياء هيف أوقاهتا ال هِت قدرها،
فوجدت هيف أوقاهتا كما أراده هيف أزله ،من غري تقدم وال َتخر ،بل وقعت على وفق علمه
ص زمان؛ فلذلهك مل تبدل وال تغري ،دب ر األمور ال برتتيب أفكار ،وال تربُّ هوإرادته ،من غري ُّ
يشغله شأن عن شأن.)1(
موصوف بصفِت السمع والبصر ،الكاشفني ِلميع املوجودات ،فهو ٌ
مسيع ٌ وهو
صريٌ ،يسمع ويرى ،ال يعزب عن مسعه مسموع وإهن خ هفي ،وال يغيب عن رؤيته مرئي وإهن به
ظلم.)2(
دق ،وال ُيجب مسعه بع ٌد ،وال يدفع رؤي ته ٌ
وهو موصوف بصفة الكالم ،الد ُّال على مجيع املعلومات ،الِت أحاط هبا علمه،
لم ،آمٌر انهٌ ،واع ٌد مت وعه ٌد ،بهكلم أزيل قدمي ،قائهم بهذاتههه ،ال يشبه كلم اخللق،
فهو متك ٌ
ف ليس بهصوت ُيدث من انسلل هواء أو اصطكاك أجرام ،وال هحبرف ،ي ن ق هطع إبطباق شفة
اإل هجنيل والزبور ،كتبه المنزلة على رسله ،والقرآن أو حت هريك لهسان ،والقرآن والتوراة و ه
احف ،حمفوظ هيف القلوب ،وهو مع ذلهك قدمي قائهم بهذات مقروء ابأللسنة ،مكتوب هيف المص ه
للا ت عاىل ،ال يقبل هاالن هفصال واالفرتاق ،ابالنتقال إهىل القلوب واألوراق.)1(
املطلب الثاين :ما جيب اعتقاده من تنزيه هللا تعاىل عن صفات النقص
عن االتصاف ِبضداد الصفة النفسية ،وصفات التقديس، جيب تنزيه للا
وصفات املعاين الذاتية ،والصفات اِلامعة ،فهو من زهٌ عن قبول العدم والفناء ،وعن احلدوث،
وعن أن يقبل التعدد والشركة يف ذاته أو صفاته أو أفعاله ،وعن مشاهبة اخللئق يف أي معىن
من املعاين ،وعن مانستهم يف أي قدر مشرتك من احلقيقة ،وعن االفتقار إىل موجد أو
مكان ،أو حمل يقوم فيه.
وهو منزه عن املوت ،و ه
السنة والنوم ،وعن اِلهل والش ه
ك والظ هن ،وعن العجز واإلكراه ٌ
واالضطرار يف الفعل ،وعن اآلفة يف السمع والبصر والكلم ،وعن مشاهبة اخللئق يف مسعهم
وبصرهم وكلمهم ،فهو ي رى من غري حدقة وأجفان ،ويسمع من غري أص همخة وآذان ،كما
يعلم بهغري قلب ،ويبطش بهغري جارحة ،وخيلق بهغري آلة؛ إهذ ال تشبه هصفاته هصف ه
ات اخللق ،كما
ال تشبه ذاته ذوات اخللق ،)2(و هصفاته كلها ههخبلف هصفات املخلوقني ،يعلم ال كعلمنا،
ويقدر ال كقدرتنا ،ويرى ال كرؤيتنا ،ويتكلم ال ككلمنا ،ويسمع ال كسمعنا ،فنحن نتكلم
ابآلالت واحلروف ،وللا ت عاىل يتكلم بهل آلة وال حروف ،واحلروف خملوقة ،وكلم للا ت عاىل
احف( )1قواعد العقائد ،ص ( .)5٩قال اإلمام أبو حنيفة :والقرآن كلم للا ت عاىل ،هيف المص ه
آن خملوق، مكتوب ،وهيف القلوب حمفوظ ،وعلى األلسن مقروء ،وعلى النهب منزل ،ولفظنا هابلقر ه
وكتابتنا له خملوقة ،وقراءتنا له خملوقة ،والقرآن غري خملوق .. ،ومسع موسى كلم للا ت عاىل ،وقد
كان للا ت عاىل متكلماً ،ومل يكن كلم موسى .. ،ف لما كلم للا موسى ،كلمه بهكل هم هه ال هذي هو
له صفة هيف األزل ،و هصفاته كلها ههخبلف هصفات املخلوقني ..،ويتكلم ال ككلمناَ ..وحنن نتكلم
ابآلالت واحلروفَ ،وهللا تَ َع َاىل يتَ َكلَّم بَِّال آلَة َوَال ُح ُروف ،واحلروف خملوقةَ ،وَك َالم هللا تَ َع َاىل غري
َخمْلُوق .الفقه األكِب ،ص (.)26-2٠
( )2املصدر السابق ،ص (.)58
181 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
غري خملوق ،وهو شيءٌ ال كاألشياء ،ومعىن الشيء :الثَّابِّت بِّ َال جسم َوَال َج ْو َهر َوَال
عرض َوَال حد لَهُ َوَال ضد لَهُ َوَال ند لَهُ َوَال مثل لَهُ.)1(
املطلب الثالث :ما جيب اعتقاده ،من كمال قدرة هللا على الفعل،
احلقيقي
ُّ إبجياد املخلوقات ،إذا تعلقت هبا إرادته األزلية ،وأنه الفاعل
َوحدهُ ،ال شريك له ،يف اخللق واألمر.
يؤمن أهل السنة واِلماعة ،السادة األشاعرة واملاتريديةِ ،بنه خالق مجيع األشياء
ه
األسباب ومسبباهتا ،فل وأحواْلا ،وخالق األجسام وأعراضها ،وخالق العباد وأفعاْلم ،وخالق
ادث بههفعله هه ،على أحسن الوجوه ،وأمتها ،فل مؤثر يف الكون إال هو،
موجود سواه إهال هو ح ٌ
وغريه ال َتثري له إطلقاً ،ال بطريق العلة ،وال الطبع ،وال بقوة مودعة فيه ،ولكن للا
أجرى العادة أن خيلق املسببات عند أسباهبا ،كما خلق املاء عند ضرب سيدان موسى
احلجر ،فليس يف العصا وال احلجر ،قوةٌ مودعةٌ ،هبا خيرج املاء ،بل للا هو الذي خلق
املاء ،عند الضرب ابلعصا ،وهكذا.
والسكِّني ال تَقطَع؛ إلن ه
روي ،والنَّار َال ُحت ِّر ُقِّ ، ِّ
الشبع ُ ُ فاخلُ ُبز َال يُ ْشب ُعَ ،والْ َماءُ َال يُ ِّ َ ُ
ب خبلقها ،فلم خيلق اخلِب ه
الشبع ،ومل خيلق املاء الري وا هإلحراق والقطع ،حو هادث ،انفرد الر ُّوه
الري ،ومل تلق النار ا هإلحراق ،وإن كانت أسباابً يف ذلك ،فاخلالق هو المسبهب دون السبب،
ه
أن كما قال :ﭐﱡﭐ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱠ[األنفال .]17 :فقد ن فى
ﱠ يكون رسوله خالهقاً لهلرم ه
ي ،وإن كان سبباً فيه؛ لقوله :ﭐﱡﭐ ﱊ ﱋ ﱌ
[األنعام.]102:
ادل هيف أقضيته ،ال ي قاس عدله بهعدل العباد؛ إهذ
يم هيف أفعاله ،ع ٌ ه
ويؤمنون ِبنه حك ٌ
العبد ي تصور همنه الظُّلم بتصرفه هيف ملك غريه ،وال ي تصور الظُّلم من للا ت عاىل؛ فهإنه ال
يصادف لغريه ملكاً حَّت يكون تصرفه فه هيه ظلماً ،فكل ما سواه ،من إنس وجن ،وملك
حادث،
ٌ وشيطان ،ومساء وأرض ،وحيوان ونبات ،ومجاد ،وجوهر وعرض ،ومدرك وحمسوس،
اخرتعه بقدرته بعد العدم اخرتاعاً ،وأنشأه إنشاءً بعد أن مل يكن شيئاً؛ إهذ كان هيف األزل
موجوداً وحده ،ومل يكن معه غريه ،فأحدث اخللق بعد ذلهك؛ إهظه ًارا لقدرته ،وحتقيقاً ملا سبق
من إهرادته ،ولهما حق هيف األزل من كلمته ،ال الفتقاره إهلي هه ،وحاجته.)1(
متفضل ابخللق واالخرتاع والتكليف ،ال عن وجوب ،ومتط هوٌل ابإلنعام
ٌ وأنه
اإلحسان ،والنعمة واالمتنان ،إهذ كان ق هاد ًرا على أن
واإلصلح ،ال عن لزوم ،فله الفضل و ه
يصب على عباده أن واع العذاب ،ويبتليهم بضروب اآلالم واألوصاب ،ولو فعل ذلهك لكان
همنه عدالً ،ومل يكن همنه قبيحاً وال ظلماً ،وأنه يثيب عباده المؤمنهني على الطاعات،
هحبكم الكرم والوعد ،ال هحبكم هاالستهحقاق واللزوم ،له إهذ ال جيب علي هه ألحد فعل ،وال ي تصور
حق ،وأن حقه هيف الطاعات وجب على اخللق إبجيابه على أل هسنة همنه ظلم ،وال جيب علي هه ٌّ
أنبيائه ،ال همبجرد العقل.)2(
وما مضى من األحكام ،املتعلقة بصفات للا ،هو ما تضمنته الكلمة األوىل من
الشهادتني ،وهي [شهادة أن ال إله إال اهلل] ،وخلصته[ :أنه ال واجب للوجود لذاته إال هللا،
أي ال مستغين عن كل من عداه ،وال مفتقر إليه كل من سواه ،إال هللا؛ لذلك ال يستحق
العبادة إال هللا .]
** ** **
ما يقوله أهل السنة واِلماعة ،السادة األشاعرة واملاتريدية ،يف أصول الدين ،وما
من صفات الكمال يدينون به لرب العاملني ،فيما يتعلق ابعتقاد ما جيب لَلنبياء
البشري ،وما يتنزهون عنه من صفات النقص البشري ،وما جيوز عليهم من األعراض البشرية،
الِت ال تنايف مقاماهتم العلية:
قد بعث األنبياء ،وأرسل املرسلني ،مبشرين يؤمن أهل السنة واِلماعة أن للا
ومنذرين ومشرعني ،جبميع أقواْلم ،وأفعاْلم ،وصدقهم ابملعجزات اخلارقة للعادات ،وأوجب
على اخللق اتباعهم مطلقاً؛ ومبا أن علم للا حميط بكل معلوم ،فيجب اعتقاد اتصافهم
ابلصدق واألمانة ،والتبليغ والفطانة ،وأُنم بلغوا أمره وُنيه ،ووعده ووعيده ،ف وجب على
اخللق تصديقهم فهيما جاءوا بههه.
وجيب اعتقاد أُنم منزهون عن الكذب واخليانة ،ابلتلبس ظاهراً أو ابطناً ِبي خمالفة
شرعية ،من الكفر والقبائح ،والكبائر والصغائهر ،ومنزهون عن كتمان ما أمروا بتبليغه ،وعن
البلدة ،كما أُنم منزهون عن األعراض البشرية الم هخل هة مبقاماهتم العلية ،وكماالهتم البشرية،
كالِبص واِلنون واِلذام ،واألمراض المن هفرة ،لئل يكون للناس على للا حجة بعد الرسل.
وجيوز عليهم األعراض البشرية الغري الم هنفرة ،كاألكل والشرب ،والنوم واملرض ،وحنوها؛
حتقيقاً ملقام العبودية ،ورفقاً بضعفاء العقول؛ لئل يظنوا هبم ما هو من خصائص األلوهية،
وتعظيماً ألجورهم ،وتنبيهاً على خسة الدنيا وحقارهتا؛ إذ لو كانت الدنيا كرمية عند للا
،لما كان أشد الناس بلءً هم األنبياء ،وتشريعاً لَلحكام يف نزوْلا هبم ،وتسلية لَلمة
من مشاق الدنيا.
وما مضى من األحكام املتعلقة ابألنبياء واملرسلني ،هو ما تضمنته الكلمة
الثانية من الشهادتني ،وهي [شهادة أنَّ حممداً رسولُ اهلل].
عقيدة علماء التبليغ 184
ويدخل فيما تتضمنه كلمة [حممد رسول اهلل] ،اإلميان جبميع ما جاء من
األخبار ،فيؤمن أهل السنة واِلماعة ،األشاعرة واملاتريدية ،ابمللئكة ،والنبيني ،والكتب املنزلة
على املرسلني ،ويشهدون أُنم على احلق املبني ،ويؤمنون بكل ما أخِب به من أمور
الغيب ،ما حدث وما سيحدث إىل يوم القيامة ،وما سيحدث يف يوم القيامة.
فيؤمنون مبا أخِب به من خروج الدجال ،وأيجوج ومأجوج ،وطلوع الشمس من
مغ هرهبا ،ونزول عهيسى علي هه السلم من السماء ،وسائهر علمات ي وم ال هقيامة ،على ما وردت
حق كائه ٌن.)1(
بههه األخبار الص هحيحة ،وأُنا ٌّ
ويؤمنون ِبنه ال يت قبل إميان عبد ،حَّت يؤمن همبا أخِب بههه بعد الموت ،وأوله
سؤال منكر ونكهري ،ومها ملكان مهيبان هائلن ،يقعه ه
دان العبد هيف قِبه سوايً ،ذا روح وجسد،
فيسأالنه عن الت و هحيد والرسالة ،ويقوالن له :من َربك؟ َوَما دينك؟ َومن نبيك .ومها فتاان
حق وحكمه عدل، القِب ،وسؤاْلما أول فت نة بعد الموت ،ويؤمنون بهعذاب القِب ونعيمه ،وأنه ٌّ
على اِلهسم والروح ،على ما يشاء ،وابمليزان ،هذي الكفتني واللهسان ،وصفته هيف العهظ هم أنه مثل
طب قات السموات واألرض ،توزن فه هيه األعمال بقدرة للا ،والوزن ي ومئهذ مبثاقهيل الذر
واخلردل؛ حت هقيقا لتمام العدل ،وتوضع صحائهف احلسنات ،هيف كفة ،فيثقل هبا ال هميزان على
قدر درجاهتا عهند للا ،بهفضل للا ،وتطرح صحائهف السيهئات هيف كفة ،فيخف هبا ال هميزان
بهعدل للا.)2(
حق ،وهو جسر مدود على منت جهنم ،أح ُّد من السيف، الصراط ٌّ ويؤمنون هِبن ه
أدق من الشعرة ،تزل علي هه أقدام الكافرين ،هحبكم للا ،ف ت ه هوي هبم إهىل النار ،وتثبت
و ُّ
علي هه أقدام المؤمنهني بهفضل للا ،فيساقون إهىل دار القرار.
ويؤمنون ابحلوض املورود حوض حممد ،يشرب همنه المؤمنهني قبل دخول اِلنة،
الصراط ،من شرب همنه شربةً ،مل يظمأ بعدها أبداً ،عرضه مسرية شهر ،ماؤه أ ُّ
شد وبعد جواز ه
اضا من اللنب ،وأحلى من العسل ،حوله أاب هريق ،عددها بهعدد جنوم السماء ،فه هيه هميزااب هن، بي ً
ان فه هيه من الكوثر.)1(
يصب ه
اب ،وتفاوت الناس فه هيه ،إهىل مناقش هيف احلساب ،وإهىل مسامح فه هيه، ويؤمنون هابحلهس ه
وإهىل من يدخل اِلنة بهغري هحساب ،وهم املقربون ،فيسأل للا من يشاء من األنبهياء ،عن
ت بلهيغ الرسالة ،ومن شاء من الكفار ،عن تك هذيب المرسلني ،ويسأل املبتدعة ،عن السنة،
ويسأل المسلمني عن األعمال.)2(
ويؤمنون ِبن اِلنة والنار خملوقتان ،وأُنما ابقيتان ،ال تفنيان أبداً ،وأن أهل اِلنة ال
خيرجون منها أبداً ،بفضل للا ،وأن أهل النار الكافرين ،ال خيرجون منها أبداً ،بعدل للا
.)3(
ويؤمنون إبههخراج المو هحدين من النار ،بعد االنتقام ،حَّت ال يبقى هيف جهنم موح ٌد
بهفضل للا ،فل خيلد هيف النار موح ٌد ،ويؤمنون بشفاعة النب الكِبى ،وأُنا املقام
المحمود ،وبشفاعة األنبهياء ،مث العلماء ،مث الشُّهداء ،مث سائهر المؤمنهني ،كلٌّ على
يع ،أخرج بهفضل ه ه ه ه
حسب جاهه ومنزلته عند للا ،ومن بقي من المؤمنني ،ومل يكن له شف ٌ
ؤمن ،بل خيرج همن ها من كان هيف قلبه همث قال ذرة من ه
اإلميان.)4( للا ،فل خيلد هيف النار م ٌ
ويؤمنون برؤية أهل اِلنة لل ِ ،بعني رؤوسهم ،بهل تشبهيه وال كيفية ،وال هجهة وال
بل إحاطة ،وال يكون بينه وبني خلقه مسافة ،)5(وال اتصال شعاع ،بل كما علموه
كيف وال حد ،وال جسم وال جوهر وال عرض ،كذلك يرونه ،إذ ليس قرب للا ت عاىل وال
بعده ،من ط هريق طول المسافة وقصرها ،ولكهن على معىن الكرامة واْلوان ،فاملطيع قريب همنه
بهل كيف ،والعاصي بعيد همنه بهل كيف ،والقرب والبعد واإلقبال يقع على املناجي ،وكذلهك
جواره هيف اِلنة ،والوقوف بني يدي هه بهل كيفية ،وال مسافة)1(؛ إذ ليس هو حمصوراً يف مكان،
وال متحيهزاً يف جهة.
ويثبتون كرامات األولياء ،ويعتقدون أُنا من فعل للا ؛ إكراماً ْلذا الويل ،فيظهر
الكرامة على طريق خرق العادة للويل ،من قطع املسافة البعيدة يف املدة القليلة، للا
وظهور الطعام والشراب واللباس عند احلاجة ،واملشي على املاء ،والطريان يف اْلواء ،وكلم
اِلماد والعجماء ،وغري ذلك ،وكل ما جاز أن يكون معجزة لنب ،جاز أن يكون كرامة لويل؛
ألُنما كليهما من فعل للا وحده ،ال من فعل األنبياء وال األولياء؛ إذ ال فاعل إال للا ،
وتكون الكرامة معجزة للرسول الذي ظهرت هذه الكرامة لواحد من أمته؛ ألنه يظهر هبا أنه
ويلٌّ ،ولن يكون ولياً إال أن يكون هحمقاً يف داينته ،واتباعه لرسوله ،فعادت كرامات األولياء،
معجزات لَلنبياء.)2(
ويعتقدون ِبن أفضل اخلل هق على اإلطلق ،هو نبينا ،مث إخوانه من النبهيني
،مث خو ُّ
اص امللئكة ،مث أبو بكر الصديق ،مث عمر بن اخلطاب الفاروق ،مث عثمان
بن عفان ذو النورين ،مث علي بن أيب طالب املرتضى ،مث بقية العشرة املبشرين ابِلنة ،مث أهل
بدر ،مث أهل أحد ،مث أهل بيعة الرضوان ،مث سائر الصحابة رضوان للا علي ه م أمجعهني،
فضل الصحابة ،وُي هسنون الظن هجب همي هع الصحابة ،ويثنون علي ه م ،كما أثىن
ويعتقدون ب ه
للا ،ورسوله .)3(
نجي من اخللود يف النريان :هو التصديق مبا جاء به النب ويعتقدون ِبن اإلميان الم ه
،يف مجيع ما علهم أنه من الدي هن ابلضرورة ،إمجاالً يف اإلمجايل ،وتفصيلً يف التفصيلي،
كما يف حديث جِبيل ، يف سؤاله عن حقيقة اإلميان ،فلم يذكر إال التصديق ِبركان
اإلميان.
نجي من دخول جهنم ابتداءً ،فهو ما جيمع :التصديق ابِلنان، وأما اإلميان الم ه
واإلقرار ابللسان ،والعمل ابألركان ،وعليه ُيمل كلم السلف الصاحل ،يف تعريف اإلميان.
كفرون أحداً من أهل القبلة بذنب ،ما مل يستحله ،ال مرتكب الكبرية،وعليه؛ فل ي ه
وال اترك العمل الصاحل ،خلفاً للخوارج ،وال خيرجون أحداً من الدين ،إال جبحوده أمراً
بلة مسلمني مؤمنني ،ما داموا مبا جاء به النب سمون أهل ه
الق ه معلوماً منه ابلضرورة ،وي ُّ
بكل ما قال وأخِب مص هدقني ،ويرجون للمحسنني من املؤمنني أن يعفو عنهم،
معرتفني ،وله ه
ويدخلهم اِلنة برمحته ،وال يشهدون ْلم ابِلنة ،ويستغفرون لهمسيئهم ،وخيافون عليهم ،وال
يقنهطوهم من رمحته.)1(
فهذه مجلة ما يعتقده أهل السنة واِلماعة ،السادة األشاعرة واملاتريدية ،وما يعتقده
علماء التبليغ ،يف اْلند ،والباكستان ،وبنغلديش ،وغريها من بلد العامل ،وما يدرس يف
مدارسهم الدينية( ،)2الِت ت هرج اآلالف المؤلفة ،من طلبة العلم الدُّعاة ،الذين جيوبون مشارق
األرض ومغارهبا؛ يف نشر الصفات اإلميانية ،ونشر منهجية أهل السنة واِلماعة ،ابحلكمة
واملوعظة احلسنة.
أسأل للا العظيم رب العرش العظيم أن ُييهي نا على هذه العقيدة الصافية ،وأن يوفقنا
لنشرها بني العاملني؛ فإُنا ه
الصراط املستقيم ،وأن يتوفاان عليها ،وعلى الدعوة إليها ،إنه ب ٌّر
اب رحيم ،وآخر دعواان أن احلمد لل رب العاملني.
تو ٌ
******
189 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
خاتمة
بعد هذه اِلولة املباركة -إن شاء للا تعاىل -يف بيان عقيدة علماء التبليغ ،وأُنم على
عقيدة أهل السنة واِلماعة األشاعرة واملاتريدية ،ال خيالفوُنم يف مسألة واحدة ،وأن هذه
العقيدة الصافية متثل عقيدة السلف الصاحل واخللف الصاحل ،وعقيدة السواد األعظم من
علماء األمة على مر العصور ،أقول :إن عمل الدعوة والتبليغ عن للا تعاىل هو خلفة النب
ونيابته يف أمته ،وأن القائمني به هم أولياء للا وحزبه وخاصته من خلقه ما كانوا
خملصني ،وملتزمني مبنهج أهل السنة واِلماعة :عقيدةً وفقهاً وسلوكاً ،فإذا دخل خلل يف أي
جانب من هذه اِلوانب ،كانت هذه الدعوة منحرفة عن منهج احلق ،فلن تكون مع أهلها
معية للا تعاىل ونصرته.
إال أن هذه الدعوة املباركة قامت على منهج أهل السنة واِلماعة يف مجيع مراحلها؛ لذا
كان ْلا القبول واالنتشار يف عامة بلد العامل ،بتأييد للا تعاىل ونصرته ،وإن حدث بعض
املخالفات من بعض األفراد ،فإن ذلك ال يضر العمل؛ إذ هو يف أصله صحيح موافق ملنهج
احلق ،والواجب على الدعاة هو التواصل الدائم ِبهل العلم الثقات من أهل السنة واِلماعة،
والرجوع إليهم يف أخذ الدين الكامل عنهم ،عقيدة وفقهاً وسلوكاً ،كما أن الواجب على
العلماء أن يتعاونوا معهم يف إرشادهم وتشجيعهم.
و هختاماً أقول :هذا ما من للا تعاىل به ،مث ما وسعه اِلهد ،وتوصل إليه فهم الكاتب
املتواضع ،فيا أيها القارئ له ،ما وجدت فيه من صواب وحق فاقبله وال تلتفت إىل قائله ،بل
عقيدة علماء التبليغ 190
انظر إىل ما قال ،ال إىل من قال ،فقد قال ابن مسعود :اقْبَ ِّل ا ْحلَ َّق ِّممَّ ْن قَالَهُ َوإِّ ْن
َكا َن بغِّيضاً ،ور َّد الْب ِّ
اط َل َعلَى َم ْن قَالَهُ َوإِّ ْن َكا َن َحبِّْيباً.)1( َ ْ َُ َ
والصواب من للا تعاىل وحده ،وهو ُّ
املان به ،وما كان فيه من خطأ فمن نفسي
والشيطان ،وللا بريء منه ورسوله ،ومل آل جهد اإلصابة ،وأيىب للا إىل أن ينفرد ابلكمال.
** ** **
( )1أخرجه الطِباين يف الكبري ( )85٣7وقال اْليثمي :رواه الطِباين ورجاله ثقات ،إال أن معناً مل يدرك
ابن مسعود.
191 مفتاح اجلنة يف عقيدة أهل السنة
فهرس احملتويات
املقدمة)5(.........................................................................
متهيد)7(..........................................................................
الفصل األ ََّول :إثبات كون علماء التبليغ على عقيدة أهل السنة واِلماعة ،وأن أهل السنة
ُ
واِلماعة هم السادة األشاعرة ،واملاتريدية ،وفضلء احلنابلة وأهل احلديث)14(............
املبحث األول :بيان موافقة عقيدة علماء ديوبند ،مبن فيهم موالان وشيخ مشاخينا الشيخ
العلمة الداعية حممد إلياس الكاندهلوي ،وسائر علماء التبليغ الكرام ،لعقيدة أهل
السنة واِلماعة ،األشاعرة واملاتريدية)15(.............................................
املبحث الثالث :االستدالل على أن أهل السنة واِلماعة هم السادة األشاعرة واملاتريدية
أهل احلديث)٣4(.................................................. وفضلء احلنابلة و ه
الدليل األول :اتفاقهم على عقيدة اإلمام الطحاوي الِت أمجعت األمة على قبوْلا)٣4(......
الدليل الثاين :أن عامة علماء املسلمني يف املشرق واملغرب ،وعلى مر التاريخ ،ينتسبون
لَلشاعرة واملاتريدية ،وهم الذين نقلوا الدين لَلمة)٣6(.................................
الدليل الثالث :اعتماد عقيدة األشاعرة واملاتريدية يف البلد اإلسلمية ،على مر التاريخ()45
الدليل الرابع :شهادة أئمة احلنابلة ،أن أهل السنة واِلماعة ،هم أهل هذه املذاهب
الثلثة)5٠(........................................................................
املبحث الرابع :شبهة مرور اإلمام أيب احلسن األشعري بثلث مراحل ،والرتاجع عن مذهبه
بعد توبته من االعتزال)51(..........................................................
عقيدة علماء التبليغ 192
املطلب الثاين :سبب اختلف أهل السنة يف طرق التعامل مع النصوص املتشاهبة)8٩(.....
املطلب الثاين :دراسة مقولة اإلمام مالك (االستواء غري مهول ،والكيف غري معقول)()1٠1
الفرع الثاين :ذكر معىن هذه املقولة ومراد اإلمام مالك منها)1٠4(.......................
الفرع الثالث :أقوال أئمة اْلدى فيما يوافق ويشرح كلم اإلمام مالك يف االستواء)1٠٩(....
الفرع الرابع :ذكر آايت االستواء وبيان املعىن الذي سيقت له)114(.....................
الفرع الثاين :أقوال أئمة أهل السنة واِلماعة يف شرح حديث اِلارية)122(............. .
املبحث التاسع :نصوص السلف الصاحل يف استحالة اتصاف للا تعاىل بوصف حادث ،أو
استحالة الت غ ُّهري عليه وقيام احلوادث بذاته العلهية)12٩(..................................
املبحث احلادي عشر :مناذج من َتويلت اإلمام احملدث املفسر ،حميي السنة ،البغوي
، للنصوص املتشاهبة ،من خلل كتابيه (معامل التنزيل يف تفسري القرآن) و(شرح
السنة))14٩(......................................................................
الفصل الثاين :خمتصر عقيدة أهل السنة واِلماعة ،السادة األشاعرة ،واملاتريدية)174(......
املبحث األول :اإلْليات )175(.....................................................
املطلب األول :ما جيب اعتقاده من صفات الكمال ه
للرب )175(....................
املطلب الثاين :ما جيب اعتقاده من تنزيه للا عن صفات النقص)18٠(...............
املطلب الثالث :ما جيب اعتقاده ،من كمال قدرة للا على الفعل ،إبجياد املخلوقات ،إذا
احلقيقي وحده ال شريك له يف اخللق واألمر)181(...
ُّ تعلقت هبا إرادته األزلية ،وأنه الفاعل
فهرس احملتوايت)1٩1(..............................................................