You are on page 1of 249

‫الطبعة األولى‬

‫‪ 1444‬ـه ‪ 2022 -‬م‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬
‫‪5‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫مقدمة‬
‫َّ‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن‬
‫س ِّيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فال ُم َّ‬
‫ضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أ َّ‬
‫ال‬
‫محمدً ا عبده ورسوله‪.‬‬ ‫ال الله وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد َّ‬
‫أن َّ‬ ‫إله إ َّ‬

‫محم ٍد ‪،‬‬
‫هدي َّ‬
‫وخير الهدي ُ‬
‫َ‬ ‫وبعد‪َّ :‬‬
‫فإن أصدق الحديث كال ُم الله‪،‬‬
‫وكل بدعة ضاللة‪َّ ،‬‬
‫وكل ضاللة في‬ ‫وكل محدثة بدعة‪َّ ،‬‬
‫وشر األمور محدثاتها‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫النار‪.‬‬

‫اللهم صل على محمد النبي األمي وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى‬
‫ذريته وآل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬

‫فإن اإلسالم هو دين الله الخاتم‪ ،‬أودع الله فيه ما تصلح به الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫وما يصلح به الفرد وتصلح به الجماعة‪ ،‬وهو دين جمع بين إباحة أرزاق البدن‬
‫وأرشد العباد إلى غذاء أرواحهم‪.‬‬

‫والله ‪ ‬أباح للمسلم الطيبات من الرزق‪ :‬مطعمًا‪ ،‬ومأكالً‪ ،‬وملبسًا‪،‬‬


‫أباح له المسكن الواسع الفسيح كثير المرافق‪ ،‬والزوجة الصالحة‪ ،‬والمركب‬
‫الهنيء‪ ،‬وأن يطعم أطيب اللحم‪ ،‬وأن يتناول الحلواء والعسل‪ ،‬وما شاء من‬
‫ثمرات النخيل واألعناب‪ ،‬وهذا ال يتعارض مع تقوى العبد وإيمانه‪ ،‬وال مع‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪6‬‬

‫زهده وطلبه الجنة‪ ،‬وال ينقص من خوفه من الله وال يمنع هربه من النار‪.‬‬

‫وإن في كتاب الله العزيز لتربية لروح المسلم وتهذيبا ألخالقه‪ ،‬وتقوية‬
‫لقلبه في حب الله وتقواه ومراقبته‪ ،‬كما أن في سنة النبي ‪ ،‬وفي‬
‫سيرته وهديه إرشادا إلى الزهد المشروع المحبوب لرب العالمين‪ ،‬كما أن في‬
‫سير الصحابة (رضوان الله عليهم)‪ ،‬بيانا عمليا للزهد الذى يحبه الله ورسوله‬
‫‪.‬‬

‫وربنا (جل شأنه) ال يريد من المسلم أن يحرم نفسه من الطيبات‪ ،‬وال أن يهيم‬
‫على وجهه يعيش عيشة األنعام ‪ ،‬ويسكن المزابل‪ ،‬ويلبس المرقعات‪ ،‬ويعذب‬
‫نفسه‪ ،‬ويحرمها من الطيبات‪ ،‬ثم ال يبالى سقط على الموت أو سقط الموت‬
‫عليه‪ ،‬ولقد قال الله تعالى ذاكرا وصية الناصحين من قوم قارون‪ :‬ﱹ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﱸ(((‪.‬‬

‫وقد كان النبي ‪ ‬يأكل اللحم‪ ،‬بل يأكل أطيبه وهو الذراع‪ ،‬ويحب‬
‫الحلواء‪ ،‬ويلبس جميل الثياب ‪ ،‬ويتزوج النساء‪ ،‬ويدلل زوجه‪،‬‬
‫ويضاحك ولده(((‪ ،‬وهو خير الزاهدين‪ ،‬وأكملهم ورعا‪ ،‬وأعظمهم حبا وتعظيما‬
‫لربه‪ ،‬وأشدهم منه خشية‪ ،‬ولقد جمع األئمة من كالم الله (جل ثناؤه) وسنة‬

‫((( اآلية‪77‬سورة القصص‪.‬‬


‫((( راجع تفصيل ذلك في الشمائل النبوية للترمذي رحمه الله‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫رسوله ‪ ‬ما يشرح هذا الزهد المشروع المحبوب لله (جل ثناؤه)‬
‫ورسوله ‪ :‬فكتب ابن المبارك ‪ ‬كتاب الزهد‪ ،‬وكذلك كتب‬
‫االمام أحمد كتاب الزهد(((‪ ،‬وكذلك ابن أبى عاصم‪ ،‬وكتب البخارى في‬
‫«صحيحه» كتاب الرقاق‪ ،‬وكتب غيرهم من علماء السنة من هذا شيئا كثيرا طيبا‪.‬‬

‫إن االلتزام بهدى القرآن والسنة يجعل المسلم يسير سير ًا وسطًا‪ ،‬ويهدى‬
‫سواء السبيل‪ ،‬غير أن أقوامًا رأوا الدنيا فتحت على عباد الله‪ ،‬فأسرفوا في‬
‫مأكلهم ومشربهم وملبسهم ومساكنهم‪ ،‬وأنفقوا الكثير والكثير فيما ال ينبغي‪،‬‬
‫فذهبوا إلى الطرف اآلخر‪ ،‬أولئك هم الصوفية‪ ،‬الذين بدأ أمرهم بالدعوة إلى‬
‫مواجهة حياة البذخ تلك التي يرونها‪ ،‬لكنهم لم يقاوموها بالكتاب والسنة‬
‫وهدي الصحابة ومن تبعهم‪ ،‬بل بكالم من عند أنفسهم‪ ،‬وسلكوا مسالك رأوا‬
‫أنها مستفادة من القرآن‪ ،‬راحوا يأمرون بالجوع وتحدثوا فيه كثير ًا‪ ،‬وعبروا عن‬

‫((( وفي هذه الكتب ما ينبغي التنبيه عليه مع جاللة مصنفيها‪ ،‬وكونها مستقيمة في الجملة‪ ،‬على‬
‫منهاج السنة‪ ،‬ولكن ذكر في بعضها أخبار هي إلى حكايات الصوفية أقرب من ذلك ما جاء في‬
‫الزهد لإلمام أحمد‪ :‬حدثنا عبد الله حدثنا اسحق بن موسى أبو موسى االنصاري قال سمعت‬
‫عبد الرحمن بن محمد المحاربي يقول سمعت األعمش يقول قلت إلبراهيم التيمي بلغني أنك‬
‫تمكث شهر ًا ال تأكل شيئًا قال‪ :‬نعم وشهرين‪ ،‬ما أكلت منذ أربعين ليلة إالحبة عنب ناولنيها أهلى‪،‬‬
‫فاكلتها ثم لفظتها‪ .‬ثم قلت لألعمش أصدقته فقال‪ :‬إبراهيم بن يزيد التيمي‪ ،‬يريد أنه صدوق»‪،‬‬
‫والصحيح في السنة النهي عن الوصال‪ ،‬ولم يضع العنبة ثم يلفظها‪.‬وهذه بحكايات الصوفية أشبه‪.‬‬
‫وفيه أيضا‪ :‬حدثنا عبد الله ابن أحمد أخبرت عن ابن المبارك أن امرأة قالت لعائشة رحمها الله ا‬
‫كشفي لي عن قبر رسول الله ‪ ‬فكشفت لها عنه فبكت حتى ماتت‪ ،‬وهذه أيضا مثلها‪.‬‬
‫الزهد‪ :‬ألحمد ص‪362‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪8‬‬

‫ذلك بعبارات نمقوها‪ ،‬والزهد في القرآن والسنة فيه الصيام‪ ،‬وفيه عدم اإلسراف‪،‬‬
‫وغير ذلك مما هو مبين في النصوص واآلثار‪ ،‬أما الجوع فقد استعاذ منه النبى‬
‫يع‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ‬
‫ج ُ‬ ‫ك ِم ْن ا ْل ُجو ِع َفإِ َّن ُه بِئ َْس َّ‬
‫الض ِ‬ ‫‪ ‬فقال‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫ت ا ْلبِ َطا َنةُ»(((‪ .‬وتكلم الصوفية في الخطرات‪ ،‬وأكثروا‬ ‫خيان َِة َفإِنَّها بِئْس ِ‬
‫ِ‬ ‫بِ َ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ك م ْن ا ْل َ‬
‫من هذه المصطلحات التي لم ترد‪.‬‬

‫بدأ التصوف هكذا جهدا فرديا‪ ،‬ثم صار‪ ،‬جماعات واجتماعات‪ ،‬ولكن‬
‫لم تكن تلك األمور بصورة الطرقية المعاصرة‪ ،‬بل كان األمر (شيخ حوله‬
‫يتعاهد قلوبهم ويؤدبهم ويرشدهم‪ ،‬وإن كانت العالقة بين هذا‬ ‫(((‬
‫طالب)‬
‫الشيخ ومريديه تختلف بصورة ما عن العالقة بين الشيخ والتلميذ التي تذكر في‬
‫آداب طالب العلم وآداب طالب الحديث‪ ،‬فالعالقة بين الشيخ ومريديه فيها نوع‬
‫من التعظيم والتقديس‪ ،‬وبدع في أخذ العهود‪ ،‬والزام المريد بأمور بعيدة عن‬
‫دين الله تعالى‪ ،‬ومع هذه االنحرافات فقد كان كثيرا من الصوفية األوائل كثيرا‬
‫على المنهج العقدي الصحيح في الجملة مع وجود شطحات لهم معلومة‪ ،‬لذا‬
‫فقد كان علماء أهل السنة منصفين معهم‪ ،‬إذ مدحوا ما عندهم من اتباع للسنة‪،‬‬
‫وشكروا لهم ما تخلقوا به من خلق محمود شرعا‪ :‬من وورع وزهد وخوف‪،‬‬

‫((( رواه أبو داود في كِتَاب الصاَل َِة‪ ،‬باب فِي ِ‬


‫ااِل ْستِ َعا َذ ِة حديث رقم ‪ ،1323‬وحسنه األلباني في‬ ‫َّ‬
‫ظالل الجنة برقم ‪.311‬‬
‫((( االتجاهات العقدية عند الصوفية‪ :‬أ‪.‬د عبد الله بن دجين السهلى ص ‪ ،101‬دار كنوز إشبيليا‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪١٤٢٥ ،‬هـ‪٢٠١٤ :‬م‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫وغير ذلك مما أخذوه من الكتاب لسنة‪ ،‬فنجد مثال شيخ اإلسالم يذكر صحة‬
‫معتقد الصوفية الذين ذكرهم أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية‪،‬‬
‫والقشيري في الرسالة في باب الصفات‪ ،‬ويذكر أنهم كانوا في ذلك على عقيدة‬
‫أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهذا من إنصاف علماء أهل السنة‪.‬‬

‫لقد راح ركب التصوف بعد‪ ،‬يسير بهم بعيد ًا عن الكتاب والسنة وهدي‬
‫الصحابة رويد ًا رويد ًا‪ ،‬ليقترب من البدع والضالالت ثم إلى الكفريات‪،‬‬
‫حتى صار التصوف مجانبًا للكتاب والسنة‪ ،‬إما إلى البدع المضلة‪ ،‬وإما إلى‬
‫الشركيات والكفريات‪ ،‬فقد ابتدعوا األذكار واألوراد والعبادات التي لم يأذن‬
‫بها الله ‪.‬‬

‫هذا في الجانب السلوكي‪ ،‬أما في الجانب الفكري المنهجي وفي البناء‬


‫العقدي‪ ،‬فقد خلطوا التصوف بالفلسفة اليونانية‪ ،‬والفلسفات الفارسية وغيرها‪،‬‬
‫وروجوا األفكار الكفرية كوحدة الوجود والحلول واالتحاد‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وفيما‬
‫يتصل ببحثنا فإنهم حين عملوا بالسحر وتقربوا للكواكب‪ ،‬واستعانوا بالجن‬
‫والشياطين كان هذا جريا منهم على سننهم ومنهاجهم الكفري القائل بوحدة‬
‫الوجود‪ ،‬فهم ال يرون غضاضة في ذلك‪ ،‬فأهل وحدة الوجود يرون كل دعوة‬
‫لمخلوق من كوكب وجني هي دعوة لله تعالى‪ ،‬فال فرق عندهم بين دعوة الله‬
‫ودعوة الكوكب‪ ،‬وال فرق عندهم بين التقرب إلى الله‪ ،‬والتقرب للكوكب‪.‬‬
‫وكان مشايخ الصوفية وأئمة تلك الطرق قد ظهروا لمريديهم‪ ،‬ولعوام الناس‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪10‬‬

‫بظاهر االستقامة والصالح والوالية‪ ،‬وأنهم هم أهل العلم اللدني‪ ،‬وأهل‬


‫الخطوة‪ ،‬وأصحاب الكرامات‪ ،‬هؤالء لم يجدوا بدا من إظهار هذا‪ ،‬وقد تالعب‬
‫الشيطان بهم فاستعانوا بالشياطين‪ ،‬وكتبوا الطالسم واألرقام‪ ،‬والسريانيات‪،‬‬
‫ووصل بهم الحال إلى سحر مريديهم وإعالن ذلك بال غضاضة‪ ،‬ومن نظر في‬
‫موالد الصوفية رأى من ذلك الشيء الكثير كالضرب بالسيوف وإدخال أسياخ‬
‫الحديد في البطون‪ ،‬ودعوة الحيات واستخراجها بتعاويذ وعزائم‪ ،‬وهذا منشور‬
‫على الشبكة العنكبوتية غير منكور منهم‪ .‬ولقد أدخلوا الطالسم واالستعانة‬
‫بالشياطين في أورادهم وأذكارهم‪ ،‬وأصلوا عبادة الكواكب والتعلق بها‪،‬‬
‫والسعي إلى تسخيرها مستدلين على ذلك بآيات وأحاديث في غير موضعها‪،‬‬
‫فكانوا أول من تعبد لله بالسحر‪ ،‬والتنجيم‪ ،‬وعبادة الكواكب في ملة اإلسالم‪،‬‬
‫وجعلوا ذلك من المنح اإللهية والعطايا الربانية‪ ،‬ومعلوم لكل مسلم نظر في‬
‫كتاب الله خطر السحر ويكفي في ذلك قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ‬
‫‪11‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﱸ((( وقوله‪ :‬ﱹﯶ ﯷ‬


‫ﯸﱸ((( وقال‪ :‬ﱹﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﱸ(((‪ ،‬وغير ذلك من آيات يجدها‬
‫في كتاب الله تنهى عن السحر وتحذر منه‪ ،‬ويكفيه قوله ‪ ‬اجتنبوا‬
‫السبع الموبقات‪ ،‬ومعلوم في دين الله حرمة الكهانة‪ ،‬وخطرها على العقيدة‪،‬‬
‫وما فيها من مفاسد كثيرة مثل الشرك بالله في مسألة تفرده بعلم الغيب‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من أنواع الشرك‪ ،‬ومثل ما فيها من الكذب وأكل أموال الناس بالباطل‪،‬‬
‫وكذلك حرم اإلسالم التنجيم والتعلق بالكواكب‪ ،‬والظن أنها تملك من أمر‬
‫الناس شيئا‪ ،‬لكن الصوفية‪ ،‬مارسوا ذلك كله‪.‬‬

‫وإذا سأل المرء نفسه‪ :‬لماذا أدخل الصوفية السحر في طرقهم‪ ،‬ولماذا يستخدم‬
‫شيوخ الطرق السحر‪ ،‬والكهانة؟!‬

‫فالجواب‪ :‬أن الطرق الصوفية قامت على معتقدات وأفكار ونظريات تأباها‬
‫الفطرة السليمة‪ ،‬وينكرها المسلم السوى‪ ،‬فراحوا يتعاطون السحر‪ ،‬ويستعينون‬
‫بالشياطين لتقدم لهم خدمات يضلون بها عباد الله‪ ،‬ويلبسون عليهم دينهم‪،‬‬
‫فتصنع الشياطين لهم أمور ًا خارقة‪ :‬كالطيران في الهواء‪ ،‬أو السير على الماء‪،‬‬
‫أو الظهور للمريدين في أحالمهم يمجدون الشيخ ويثنون عليه؛ فيفتتن الناس‬
‫ممن ال علم له وال معرفة بتوحيد ربه ‪ ،‬فيرى أن هذه كرامات أكرم الله‬

‫((( اآلية ‪ 102‬سورة البقرة‪.‬‬


‫((( اآلية ‪77‬سورة يونس‪.‬‬
‫((( اآلية ‪69‬سورة البقرة‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪12‬‬

‫بها الشيخ‪ ،‬مع معرفته بمخالفة شيخه للكتاب والسنة‪.‬‬

‫ومن شيوخ الصوفية من إذا جاءه المريد سحره‪ ،‬ليقيده عنده بقيد كى ال‬
‫يصحو عقله وقلبه فيهجره‪.‬‬

‫والصوفية لبسوا على الناس في تعاطيهم السحر‪ ،‬بأن ما يصنعونه إنما هو‬
‫من باب أسرار الحروف‪ ،‬ومن ذا الذى يمكن أن ينكر نورانية أحرف كالم الله‬
‫تعالى وتأثير وحيه؟!‪ ،‬وزعموا أن هذه األسماء الغريبة في الطالسم واألسحار‬
‫إنما هي أسماء لله ؛لكنها باللغة السريانية الشريفة‪ ،‬ولم يخجل شيوخهم األكابر‬
‫من اإلقرار بتعاطيهم السحر‪ ،‬بل عده المترجمون منهم من مناقب شيوخهم‪.‬‬

‫جاء في كتاب (كتاب القبورية في اليمن)‪ :‬إن التفريق بين السحر والكرامات‬
‫ال يكاد يميزه كل أحد‪ ،‬بل إنه ليشتبه علی أكثر العوام في كثير من األحوال‪،‬‬
‫وقد يشتبه على بعض أهل العلم حيث يتعجلون في إصدار الحكم قبل الخبرة‬
‫والدراية التامة بأحوال من تجري الخوارق على يديه؛ وذلك ألن بعض السحرة‬
‫قد بلغ مبلغ كبيرة من الدهاء والمعرفة بحيث يخفي أعماله الخبيثة‪ ،‬ويتظاهر‬
‫باألعمال الصالحة‪ ،‬فإذا نظر إليه الناظر أحسن به الظن وسلكه في عباد الله‬
‫الصالحين‪ ،‬ثم إذا ظهر على يديه خارق ظن أن ذلك كرامة له‪ ،‬فمن هنا حرص‬
‫بعض الساعين إلى الجاه والمكانة والتصدر والتسمي بأسماء الوالية واالتصاف‬
‫بصفاتها عند الناس أن يتظاهر بالزهد من جهة ويستخدم بعض أنواع السحر من‬
‫جهة أخرى ليحسب من األولياء‪ ،‬ولقلة العلم وغلبة الجهل ورواج الخرافة وما‬
‫‪13‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫يحصل عليه من سمعة ويلتف حوله من مریدین وربما يزكيه بعض األخيار‬
‫اغترارا بحاله‪ ،‬لهذه العوامل مجتمعة فشت أنواع من السحر لدى بعض مذعي‬
‫التصوف وبعض القبوربين(((‪.‬‬

‫لقد زين الصوفية هذا الشرك بالله تعالى للناس‪ .‬وهذا شأن البدع‪ :‬تبدأ‬
‫صغيرة‪ ،‬ثم ال تزال تكبر حتى تخرج إلى الكفر والعياذ بالله‪ ،‬تماما ككره الثلج‬
‫عندما تتدحرج‪.‬‬

‫و سنتناول ‪-‬إن شاء الله‪ -‬فى هذا البحث هذا الموضوع بالتفصيل؛ لينجلى‬
‫األمر لطالب الحق‪ ،‬وينكشف إفك هؤالء‪ ،‬ﱹ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﱸ‪.‬‬

‫((( القبورية في اليمن نشأتها ‪ -‬آثارها ‪ -‬موقف العلماء منها تأليف فضيلة الشيخ أحمد بن حسن‬
‫المعلم ص‪.34‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪14‬‬

‫سبب الدراسة‪:‬‬
‫أما الذي حدانا إلى الكتابة في هذا الموضوع‪ ،‬فإن الله تعالى من علي وبعض‬
‫إخواني باالحتساب على السحرة والمنجمين والكهان‪ ،‬احتسابا شرعيا مأذونا‬
‫فيه‪ ،‬ومندوبا إليه من قبل والة األمور‪ ،‬وقد عاينا ووقفنا ورأينا العالقة الوثيقة‬
‫بين الصوفية وبين السحر والتنجيم والكهانة‪ ،‬وتبين لنا أن أكثر هؤالء الشيوخ‬
‫من أرباب الطرق إن هم إال سحرة ومنجمون‪ ،‬ومتعلقين بالكواكب متقربين‬
‫لها‪ ،‬ظاهرين للناس بخالف ذلك‪ ،‬فكان لزاما علينا بيان ذلك‪ ،‬ال سيما وأنه مع‬
‫كثرة ما كتب في السحر من ناحية‪ ،‬والتصوف من ناحية‪ ،‬لم نجد دراسة تكشف‬
‫هذه العالقة الخبيثة‪ ،‬فاستعنا بالله وتوكلنا على الله في إيضاح ذلك وبيانه‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫هدف الدراسة‪:‬‬
‫إن هدف هذه الدراسة أن تكشف للناس جميعا باألدلة والوثائق العالقة بين‬
‫السحر والكهانة والتنجيم‪ ،‬وبين التصوف‪ ،‬وقد هدفنا (بحول الله) إلى بيان أن‬
‫شيوخ الطرق الصوفية سواء أكانوا في القديم أو في الحديث إن هم إال سحرة‬
‫وكهنة ومنجمون‪ ،‬وأكثر الناس ال يعرفون حالهم‪ ،‬ويغرهم سربال التقى والزهد‬
‫الذي يتسربلون به للخلق‪ ،‬فعلنا ذلك ذودا عن حياض التوحيد وذبا عن كتاب‬
‫الله الذي أهانوه‪ ،‬وعن النبي ‪ ‬الذي كتبوا اسمه الشريف المعظم‬
‫‪-‬عند الله وعند الناس‪ -‬بما ال يليق ذكره من مدادهم الخبيث‪ ،‬وغير ذلك مما‬
‫حاولوا هدمه من ثوابت الملة وقواعد الدين‪ ،‬والله الموفق والمستعان‪ ،‬وبه‬
‫الحول والقوة‪ ،‬ال حول وال قوة إال به‪.‬‬

‫وكان هدفنا أن نجلي العالقة التي بين الصوفية‪ ،‬وبين السحر والتنجيم‪،‬‬
‫وهو موضوع لم ينل حظه من الدراسة والبحث مع خطورة ذلك‪ ،‬وكثرة تعاطي‬
‫الصوفية لذلك‪ ،‬ولما لم نجد بحثا مستقال في هذا الموضوع رغبنا في القيام‬
‫على هذا الثغر بهذا البحث‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪16‬‬

‫منهج الدراسة‪:‬‬
‫أما منهج هذه الدراسة‪ ،‬فقد استخدمنا فيها منهجين من مناهج الدراسة‪،‬‬
‫األول‪ :‬المنهج الوصفي‪ ،‬وذلك حين عرضنا المادة عرضا أمينا من مصادرها‬
‫األصيلة‪ ،‬بل صورنا وثائق من كتب الصوفية ؛إلثبات تعاطيهم للسحر‪ ،‬والله‬
‫يعلم أننا كنا منصفين جهدنا‪ ،‬مع بشاعة الجرم الذي تعاطوه‪.‬‬

‫المنهج الثاني‪ :‬المنهج االستقرائي(((‪.‬‬

‫((( من المعلوم أن االستقراء على نوعين تام‪ ،‬وغير تام‪ :‬فالتام كاستقراء اللغة التام الذي نتج‬
‫عنه أن الكلمة تنقسم إلى اسم وفعل وحرف ال غير‪ ،‬وكاستقراء نصوص الشرع التي دلت على‬
‫أن التوحيد ينقسم إلى توحيد ربوبية‪ ،‬وتوحيد ألوهية‪ ،‬وتوحيد أسماء وصفات‪ ،‬وكان االستقراء‬
‫في بحثنا من النوع الثاني أي غير التام‪ ،‬إذ استقرأنا في هذا الكتاب غالب أحوال شيوخ الصوفية‬
‫المعظمين‪ ،‬وطائفة كبيرة من طرقهم‪ ،‬وهو استقراء تدل النماذج الكثيرة المذكورة على ما لم يذكر‪،‬‬
‫ويقاس ما لم يبحث على ما بحث هنا‪ ،‬أما االستقراء التام فإنه يحتاج إلى دراسات أخص‪ ،‬ودوائر‬
‫أضيق كأن يتناول باحث ما شيخا من شيوخ الصوفية السحرة‪ ،‬ثم يدرس عالقته بالسحر والتنجيم‬
‫والكهانة‪ ،‬كذلك يدرس دارس طريقة واحدة‪ :‬يبحث جميع كتبها وأورادها‪ ،‬وتراجم رجالها‪،‬‬
‫ولسوف يكون العمل بعد ضخما جدا‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫خطة البحث‪:‬‬
‫يشتمل هذا الكتاب على مقدمة وتمهيد وخمسة مباحث ومالحق‪:‬‬

‫التمهيد فيه‪ :‬تعريف بالتصوف‪ ،‬ونبذة عن نشأته‪ ،‬وبيان مصادره ومذاهبه‬

‫ثم المبحث األول‪ :‬وعنوانه‪« :‬الصوفية والتعبد لله بالسحر‪.‬وفيه مطلبان‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬وهو بعنوان‪ :‬الصوفية أول من تعبد لله بالسحر في اإلسالم‪.‬‬

‫والمطلب الثانى‪ :‬بعنوان‪ :‬حجج الصوفية الداحضة الستعمال السحر‪.‬‬


‫وكشف الطلسم البرهوتي المنسوب زورا وبهتانا لسليمان عليه السالم‪،‬‬
‫واستخدام الصوفية له‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أعالم الصوفية في علم السحر وأشهر كتبهم‪.‬‬

‫وفيه مطلبان‪ :‬أعالم الصوفية في علم السحر‪.‬‬

‫المطلب الثانى‪ :‬أشهر كتب الصوفية في علم السحر‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الطرق الصوفية والسحر‪.‬‬

‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الطرق الصوفية (القديمة والحديثة) والسحر‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الطالسم وعبارات السحر عند أعالم التصوف الغالة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬عالقة المتأخرين من الصوفية بالمتقدمين‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪18‬‬

‫وفيه مسألتان‪:‬‬

‫‪ - 1‬دالئل أخذ متأخري الصوفية من متقدميهم‪.‬‬

‫‪ - 2‬تفوق المتأخرين من سحرة الصوفية على المتقدمين‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬أغراض السحر عند الصوفية ووسائله‪ ،‬والعالقة بين الكشف‬
‫والكهانة‪.‬‬

‫وفيه خمسة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬األغراض التي استخدم الصوفية السحر من أجلها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الوسائل التي سلكها الصوفية لعمل السحر‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬اللغة السريانية والسحر لدى الصوفية‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬علم المكاشفة الصوفي والتأصيل للكهانة‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬شاعر مفوه من المعاصرين من ظلمات التصوف والسحر‬

‫إلى نور التوحيد والسنة‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ونسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم‪ ،‬صراط الذين أنعم عليهم غير‬
‫المغضوب عليهم وال الضالين‪ ،‬وأن يهدينا سواء السبيل‪ ،‬وأن يسلك بنا منهج‬
‫النبى ‪ ‬وإخوانه من األنبياء (عليهم الصالة والسالم)‪ ،‬وأصحابه‬
‫الكرام ‪ ‬غير غالين وال مفرطين‪ ،‬إنه سميع مجيب الدعاء‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫التمهيد‬
‫وفيه مطلبان‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التعريف بالسحر والتنجيم والكهانة‪ ،‬وبيان حرمة هذه‬


‫األشياء‪ ،‬وخطرها على الفرد والمجتمع‬

‫المطلب الثاني التعريف بالتصوف‪ ،‬ونبذة عن نشأته‪ ،‬وبيان مصادره ومذاهبه‪.‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪20‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التعريف بالسحر والتنجيم والكهانة‪ ،‬وبيان‬


‫حرمة هذه األشياء‪ ،‬وخطورتها على الفرد والمجتمع‬

‫أوال‪ :‬التعريف بالسحر والكهانة والتنجيم‪:‬‬


‫لقد حرم الله السحر والتجيم والكهانة‪ ،‬وحذر منها تحذيرا شديدا‪ ،‬وبين‬
‫النبي ‪ ‬عظيم إثم وذنب من يأتي هذه األشياء‪ ،‬وقبل بيان معنى‬
‫السحر والكهانة والتنجيم‪ ،‬نعرف بهذه الثالثة‪ :‬لغة واصطالحا‪.‬‬

‫التعريف بالسحر‪:‬‬
‫السحر لغة‪ :‬وردت كلمـة السحر في معاجـم اللغـة في معان عدة نذكر منها‪:‬‬

‫أوال‪ :‬السحر‪ :‬هو كل ما لطـف مأخذه‪ ،‬ودق‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬السحر‪ :‬بمعنى الصرف واإلزالة والخداع‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﰅ‬
‫ﰆﱸ(((‪ ،‬فأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته الى غيره‪ .‬قال « يونس‬
‫تقول العرب للرجل‪ :‬ماسحرك عن وجـه كـذا‪ ،‬والعرب إنما سمت السحر‬
‫سحر ًا ألنه‪ :‬يزيل الصحة عن المرض‪ ،‬وإنما يقال سحره‪ :‬أي أزاله عن البغض‬
‫إلى الحب‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬السحر‪ :‬كل أمر يخفى‪ ،‬ويتخيل على غير حقيقته‪ ،‬ويجرى مجرى‬
‫التمويه والخداع‪.‬‬

‫((( من اآلية‪ 89‬سورة المؤمنون‪.‬‬


‫‪21‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫رابعا‪ :‬السحر‪ :‬هو اخراج الباطل في صورة الحق‪ ،‬والسحر‪ :‬سمي سحر ًا‪،‬‬
‫ألنه صرف الشيء عن جهته‪ .‬فكـأن الساحر لما أدى الباطل في صورة الحق‪،‬‬
‫وخيل الشيء على غـير حقيقته سحر الشيء عن وجهه وصرفه‪ ،‬ومن السحـر‪:‬‬
‫األخذة التي تأخذ العين‪ ،‬حتى تتخيل شيئا على وجه‪ ،‬وليس األصل هذا الذي‬
‫تراه‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬السحـر‪ :‬كل أمر يخفى سببه‪ ،‬ويتخيل على غير حقيقتـه‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬جاءت كلمة السحر بمعنى اإلفساد‪ ،‬تقول العرب طعام مسحور إذا‬
‫فسد عمله(((‪.‬‬

‫السحر اصطالحا‪ :‬عرف السحر بتعريفات اصطالحية عدة منها‪:‬‬

‫أوال‪ :‬عرف الطبري السحر بأنه‪ :‬تخيل الشي إلى المرء بخالف ما هـو بـه‬
‫في عينه وحقيقتـه‪ ،‬نظـير الذي يرى السراب من بعيد‪ ،‬فيخيل إليه أنه ماء‪ ،‬ويرى‬
‫الشيء من بعيد فيثبته بخالف ما هو على حقيقته‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عرف السحر بأنه نوع يستفاد من العلم بخواص الـجـواهـر‪ ،‬وبأمور‬
‫حسابية في مطالع النجوم‪ ،‬فيتخذ من تلك الجواهر هيكال على صـورة الشخص‬
‫المسحور‪ ،‬ويرصد به وقتًا مخصوصًا من المطالع‪ ،‬وتقـرن به كلـمـات يتلفظ بها‬

‫((( استفدنا ما كتبناه هنا من دراسة الدكتوره حياة باأخضر‪ ،‬والتي هي بعنوان‪ :‬موقف اإلسالم من‬
‫السحر‪ :‬ج ‪ 1‬جامعة أم القرى‪ ،‬قسم العقيدة‪ ،‬وذلك طلبا لإليجاز‪ ،‬وكذلك من باب رد الفضل إلى‬
‫أهله‪ ،‬حيث جمعت الدكتورة في ذلك مادة قيمة وكبيرة‪ ،‬انتقينا منها ما ذكرناه هنا‪ ،‬وقد رجعت إلى‬
‫جملة وافرة من المراجع‪ ،‬أثبتتها في الحواشي‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪22‬‬

‫من الكفر والفحش المخالف للشرع‪ ،‬يتوصل بسببها إلى االستعانة بالشياطين‪،‬‬
‫ويحصل من مجموع ذلك أحوال غريبة في الشخص المسحور(((‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬عرف السحر بأنه‪ :‬كالم مؤلف‪ ،‬يعظم فيه غير الله تعالى‪ ،‬وتنسب إليه‬
‫األفعال والمقادير‪ ،‬الكائنات بخلق الله عند قول الساحر‪ ،‬وفعله في السحور‪،‬‬
‫(((‬
‫ماشاء من أمره حسب ما جرت العادة به‬

‫رابعا‪ :‬السحر‪ :‬عزائم‪ ،‬وعقد‪ ،‬ورقی توثر في األبدان والقلوب‪ ،‬فتمرض‬


‫وتقتـل‪ ،‬وتفرق بين المرء وزوجه‪ ،‬أو يأخذه عن زوجه(((‪.‬‬

‫تعريف جامع للسحر‪:‬‬

‫استعرضت الدكتورة حياة باأخضر التعريفات السابقة وغيرها ثم خرجت‬


‫بتعريف نراه جامعا لما قيل في تعريف السحر‪ ،‬كاشفا عن حقيقته‪.‬‬

‫وعرفت السحر بأنه‪ :‬علم سرى‪ ،‬تزاولة النفوس الخبيثة‪ ،‬إما بقصد تخييل‬
‫الشيء على غير حقيقته‪ ،‬أو بقصد اإلضرار بخلق من مخلوقات الله‪ ،‬ويستعان‬
‫في هذا اإلضرار بالتقرب إلى الشيطان‪ ،‬بارتكاب القبائح قوالً‪ :‬كالرقى والعزائم‪،‬‬
‫والنفث على العقد‪ ،‬بإلفاظ فيها شرك‪ .‬أو عمالً‪ :‬كعبادة الكواكب‪ ،‬والتزام‬
‫الجنابة‪ ،‬والفسوق‪ ،‬وسائر المعاصي‪ ،‬أو اعتقاد ًا‪ :‬كاستحسان ما يوجب التقرب‬

‫((( التعريف للغزالي بتصرف يسير‪ ،‬راجع موقف اإلسالم من السحر‪ :‬د حياة‪.‬‬
‫((( التعريف البن العربي المالكي‪ ،‬راجع المرجع السابق‪.‬‬
‫((( التعريف البن قدامة‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫منه‪ ،‬ومحبته إياه‪ .‬فينتج عـن كل ذلك أثر حقيقي على المسحور بدون إرادته‪،‬‬
‫بإذن الله تعالى‪.‬‬

‫تعريف الكهانة‪:‬‬
‫حرم الله تعالى الكهانة‪ ،‬وحذر منها رسول الله ‪ ،‬ولكن الصوفية‬
‫الذين يدعون محبة الله‪ ،‬ومحبة النبي ‪ ‬مارسوا الكهانة وادعوا‬
‫االطالع على المغيبات‪ ،‬وقل شيخ من شيوخ الصوفية إال وتعاطى الكهانة‪،‬‬
‫وتوسعوا ما استطاعوا من أجل ذلك في مصطلح الكشف الذي أكثره كهانة‬
‫صوفية‪ ،‬وسنعرف هنا بالكهانة لغة واصطالحا‪:‬‬

‫الكهانة لغة‪ :‬كهن له يكهن‪ :‬قضى له بالغيـب من باب قتل فهو‪ :‬كاهن ويكهن‪،‬‬
‫وكهن كهانة وتكهن تكهنـًا وتكهينًا‪ .‬واألخير نادر‪ .‬وكهن كهانة‪ :‬مثل كفــــــرة‬
‫وكفار‪ ،‬فإذا صارت الكهانة له طبيعة وغريزة قيل‪ .‬كهن بالضم‪ .‬والكهانة‬
‫بالكسر‪ :‬الصناعة‪ .‬والعرب تسمي كل من يتعاطى علمًا دقيقًا كاهنا‪ .‬ومنهم من‬
‫كان يسمى المنجــم والطبيب كاهنًا‪.‬‬

‫والكاهن في كالم العرب‪ :‬الذي يقوم بأمر الرجل‪ ،‬ويسعى في حاجته‪،‬‬


‫والقيام بأسبابه وأمر خزائنه‪ .‬وكاهن الرجل‪ :‬من يخلفه في أهله للقيام بأمرهم‪.‬‬

‫الكهانة اصطـالحـًا‪ :‬تعاطى األخبار عن الحوادث الخفية الغائبة‪ ،‬بادعاء‬


‫معرفة األسرار ومطالعة علم الغيب عن طريق مساعدة الشياطين للكاهن‪.‬‬

‫وعلى هذا التعريف فالتنجيم‪ ،‬وضـرب الرمل‪ ،‬وقراءة الكـف‪ ،‬والـعـرافـة‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪24‬‬

‫وغير ذلك تدخل في الكهانة‪ .‬يقـول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪( :‬العراف قد قيل‪:‬‬
‫إنه اسم عـام للكاهن والمنجـم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرف األمور‬
‫الغيبيـة)(((‪.‬‬

‫أنواع الكهانة‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬أن يكون لإلنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السماء‪،‬‬
‫فإن الجن كانوا يصعدون إلى جهة السماء‪ ،‬فيركب بعضهم بعضًا إلى أن يدنو‬
‫األعلى‪ ،‬بحيث يسمع الكالم‪ ،‬فيلقيه إلى الذي يليه‪ ،‬إلى أن يتلقاه من يلقيه في‬
‫أذن الكاهن‪ ،‬فيزيد عليه‪ .‬فلما جـاء اإلسالم‪ ،‬ونزل القرآن‪ ،‬حرست السماء من‬
‫الشياطين قال تعالى‪ :‬ﱹ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﱸ(((‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬أن يكون لإلنسان ولي من الجن‪ ،‬يخبره بما يطرأ في أقطار‬
‫األرض‪ ،‬وما خفى عنه مما قرب أو بعد‪ ،‬وهذا ال يستبعد حدوثه فالشياطين‬
‫تسري في اإلنسان سریان دمه‪ ،‬وهي تدخل البيوت التي ال يذكر فيها اسم الله‪،‬‬
‫وتشارك في الطعام والشراب والثياب واألوالد إذا لم يذكر اسم الله‪.‬وهذان‬
‫النوعان هما من استمتاع االنس بالجن والشياطين‪ ،‬باستخدامهم فــی اإلخبار‬
‫بالمغيبات‪ ((( .‬والفرق بينهما في المعلومات التي يعطيها الشيطان وليه الكاهن‪،‬‬

‫((( موقف اإلسالم من السحر‪ :‬ج ‪1‬ص‪ 166‬الدكتوره حياة باأخضر بتصرف يسير‪.‬‬
‫((( اآلية ‪ 9‬سورة الجن‪.‬‬
‫((( موقف اإلسالم من السحر‪ :‬ج ‪1‬ص‪ 166‬الدكتوره حياة باأخضر بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫فاألول استراق السمع‪ ،‬ومحاولة تحسس ما يجري في السماء‪ ،‬بالتسمع إلى‬


‫المالئكة‪ ،‬وأما النوع األخر فهو اإلخبار باألحوال األرضية التي تجري بعيدا‬
‫عن الكاهن وعن طالب الكهانة‪ ،‬والجن بما له من قدرة يستطيع أن يجوب‬
‫األقطار البعيدة‪ ،‬ليأتيه باألخبار‪.‬‬

‫الـنــوع الثالـث‪ :‬ما يستند إلى ظن وتخمين وحدس‪ ،‬بأن يزعم الشخص أنه‬
‫يعرف األمور بمقدمات وأسباب‪ ،‬يستدل بها على مواقعه كالشيء المسـروق‪،‬‬
‫فيعرف من سرقه‪ .‬وتتهم المرأة بالزني‪ ،‬فيعرف صاحبها‪ ،‬وهذا قد يجعل الله فيه‬
‫لبعض الناس قوة مع كثرة الكذب فيه(((‪.‬‬

‫تعريف التنجيم‪:‬‬
‫يستخدم كثير من الصوفية علم التنجيم‪ ،‬وألف فيه طائفة من معظميهم‪ ،‬ألف‬
‫فيه البوني‪ ،‬وأكثر ابن عربي من الحديث عن الكواكب والنجوم‪ ،‬وربط ذلك‬
‫بالحوادث واألحوال‪ ،‬وسيأتيك طرف من هذا في هذا البحث‪ ،‬والتنجيم علم‬
‫معروف‪ ،‬وكان العرب قبل اإلسالم يتعاطون شيئا منه‪ ،‬وقد حذر منه رسول الله‬
‫‪ ،‬وبين أنه ال يجوز نسبة الحوادث إلى النجوم‪ ،‬وسنعرف هنا بعلم‬
‫التنجيم في إيجاز‪.‬‬

‫تعريف التنجيم لغة‪ :‬جاء في مختار الصحاح‪ :‬نجم الشيء ظهر وطلع‪ ،‬وبابه‬
‫دخل يقال نجم السن والقرن والنبت إذا طلعت‪ ،‬والنجم الوقت المضروب‪،‬‬

‫((( موقف اإلسالم من السحر‪ :‬ج ‪1‬ص‪ 166‬الدكتوره حياة باأخضر بتصرف يسير‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪26‬‬

‫ومنه سمي المنجم‪ ،‬والنجم الكوكب(((‪.‬‬

‫التنجيم اصطالحا‪ :‬عرف التنجيم بأنه‪ :‬معرفة الغيب‪ ،‬باالعتماد على النظرية‬
‫القائلة بتأثير النجوم في شئون اإلنسان‪.‬‬

‫وكشف الطالع في علم التنجيم عبارة‪ :‬عن خريطة للسماوات وقت الوالدة‪.‬‬
‫وتستخدم خريطة إيضاحية لدائرة البروج‪ .‬ويقـــال ان المنزل أو الرمز في‬
‫حالة الصعود‪ ،‬ووقت والدة الشخص‪ ،‬هو الذي يحدد طبعه‪ ،‬ومدى استعداده‬
‫للمرض‪ ،‬وتعرضه لبعض الحظوظ أو الكوراث‪.‬‬

‫والواقـع أن علم التنجيم‪ ،‬علم فارسي أدخل إلى العالم اإلسالمي في إعطاء‬
‫النجوم معانی‪ ،‬ورموز ًا وتصوير ًا لمظاهر الطبيعة الخارقة‪ ،‬على أنها قوى شر‪،،‬‬
‫أو خير‪ ،‬تسعى إلى مكافأة اإلنسان‪ ،‬أو إنزال العقاب به(((‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬حرمة السحر وبيان خطره على الفرد والمجتمع‪:‬‬


‫لقد حرم اإلسالم السحر‪ ،‬وبين سوء عاقبة السحرة في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وعده‬
‫اإلسالم من أكبر الكبائر وأعظم الفواحش‪ ،‬وقرنه بالشرك بالله والقتل‪ ،‬وقذف‬
‫المحصنات‪ ،‬والتولي عن جهاد الكفار طواعية‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪،‬‬
‫وإن السحر في كثير من األحيان ليأخذ معه طائفة من تلك الفواحش الكبيرة‪،‬‬

‫((( إيضاح مختار الصحاح للرازي‪ :‬نديم‪ ،‬وأسامة‪ ،‬وعادل مرعشلي‪ ،‬تقديم وهبة الزحيلي مادة‬
‫نجم‪ ،‬دار البشائر‪ ،‬الطبعة األولى‪1417 ،‬ه=‪1997‬م‪.‬‬
‫((( موقف اإلسالم من السحر حياة سعيد عمر با أخضر ج ‪ 1‬ص‪ 205‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫فهو شرك وكفر به تعالى‪ ،‬وهذا أول ما يصنعه من يسير في ظلمات السحر‪ ،‬وقد‬
‫يقتل الساحر المسحور‪ ،‬وقد يأكل أموال اليتامى بسحره‪ ،‬وكذا الكاهن بكهانته‪،‬‬
‫والمنجم بتنجيمه‪.‬‬

‫والسحر وسيلة من وسائل تدمير المجتمع؛ إذ ينشر فيه الكفر والشرك‪،‬‬


‫ويلقى العدوات بين أقرب القرابات‪ ،‬ويبغض أهل المودات ويكفي قوله تعالى‪:‬‬
‫ﱹﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﱸ‪ ،‬فهذا الزواج الذي‬
‫جعل الله فيه المودة والرحمه‪ ،‬وهوالرباط الوثيق‪ ،‬الذي وصفه ربنا بأنه ميثاق‬
‫غليظ‪ ،‬يفصم الساحر عراه‪ ،‬ويكون من جند إبليس في تحقيق تلك الجريمة التي‬
‫يثيب الشيطان من أوالده من أتاها‪ ،‬وفي السحر موبقات ال حصر لها ومفاسد‬
‫تنخر في المجتمع‪ ،‬ففيه أكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬وفيه الزنا‪ ،‬وشرب الخمر‪،‬‬
‫وفي الكهانة والتجيم النميمة والوقيعة بين الخلق‪ ،‬ومن طالع األسباب التي‬
‫تعمل من أجلها األسحار علم خطر السحر على المجتمع كله‪ ،‬بما يتوجب معه‬
‫يقظة والة األمور الذين أناط الله بهم حماية الدين‪ ،‬وحماية المجتمع من الدمار‬
‫واالنهيار‪.‬‬

‫وقد وردت نصوص شرعية تحرم وتحذر من السحر والكهانة والتنجيم من‬
‫ذلك‪:‬‬

‫‪1.‬قال تعالى‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ‬


‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡﭢﭣﭤ‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪28‬‬

‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢﱸ(((‪.‬‬
‫‪2.‬ذم الله سبحانه متعاطي السحر‪ ،‬وأخبر أن الخسران قرينه‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﱹﯶ ﯷ ﯸﱸ((( وقال‪ :‬ﱹﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﱸ(((‪.‬‬
‫‪3.‬بين النبي ‪ ‬خطورة إتيان الكهان والسحرة‪ :‬عن أبى هريرة‬
‫‪ ‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪« :‬من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه‬
‫بما يقول فقد كفر بما انزل على محمد»(((‪ ،‬وعن عبد الله بن مسعود قال «من‬
‫أتى ساحرا أو كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل على محمد‬
‫‪.(((»‬‬
‫‪4.‬هون النبي ‪ ‬شأن الكهان‪ :‬أخرج البخاري من حديث َعائِ َش ُة‬

‫((( اآلية ‪ 102‬سورة البقرة‪.‬‬


‫((( اآلية ‪77‬سورة يونس‪.‬‬
‫((( اآلية ‪69‬سورة البقرة‪.‬‬
‫((( أخرجه أحمد في مسنده حديث رقم‪( -9171‬ج ‪ / 19‬ص ‪ )214‬وصححه األلباني في‬
‫صحيح الترغيب والترهيب برقم ‪( - 3047‬ج ‪ / 3‬ص ‪)98‬‬
‫((( السنن الكبرى للبيهقي ‪( -‬ج ‪ / 8‬ص ‪ )135‬وصححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب‬
‫‪( -‬ج ‪ / 3‬ص ‪ )98‬برقم‪.3048‬‬
‫‪29‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫ول ال َّل ِه ‪َ ‬عن ا ْل ُكه ِ‬


‫ول‬‫ان َف َق َال َل ُه ْم َر ُس ُ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َاس َر ُس َ‬ ‫‪ ‬قالت‪َ :‬س َأ َل ُأن ٌ‬
‫ول ال َّل ِه َفإِن َُّه ْم ُي َحدِّ ُث َ‬
‫ون َأ ْح َيانًا‬ ‫ال َّل ِه ‪َ « :‬ل ْي ُسوا بِ َش ْي ٍء»‪َ ،‬قا ُلوا َيا َر ُس َ‬
‫ك ا ْلك َِل َم ُة ِم ْن ا ْل َح ِّق َيخْ َط ُف َها‬ ‫ول ال َّل ِه ‪« :‬تِ ْل َ‬ ‫ون َح ًّقا َف َق َال َر ُس ُ‬ ‫الشي ِء َي ُك ُ‬ ‫ِ‬
‫ب َّ ْ‬
‫ون فِ َيها َأ ْك َث َر ِم ْن ِمائ َِة ك َْذ َب ٍة»(((‪.‬‬
‫اج ِة َف َيخْ ِل ُط َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫جن ُِّّي َف َي ُق ُّر َها في ُأ ُذ ِن َول ِّيه َق َّر الدَّ َج َ‬
‫ا ْل ِ‬

‫إن هذا من أبرز معالم احتسابه ‪ ‬على هؤالء الكهان‪ ،‬حيث بين‬
‫قدرهم للناس وأنهم ليسوا بشيء‪ ،‬لقد سحقهم ‪ ‬سحقا وأزال من‬
‫الصدور تعظيمهم‪ ،‬وقلل القليل وقبح القبيح‪ ،‬فهم ال يملكون نفعا وال ضرا إال‬
‫بإذن الله‪ ،‬فهؤالء الذين هم ليسوا بشيء كيف للمسلم أن يأتيهم طالبا منهم نفعا‬
‫أو كشف ضر‪ .‬وفي هذا تحذير من االنخداع بهؤالء وبيان لقدرهم‪ ،‬وهو أنهم‬
‫ال قدر لهم(((‪.‬‬

‫‪5.‬وعن ابن عباس‪ ،‬أن النبي ‪ ‬قال‪« :‬ليس منا من تسحر أو تسحر‬

‫الساَلَمِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫((( رواه البخاري في كِتَاب ا َأْلْ َد ِ‬


‫ب‪َ ،‬باب ا ْل َم َع ِ‬
‫يض حديث رقم‪ ،5745‬ومسلم في كتَاب َّ‬ ‫ار ُ‬
‫ان ا ْل ُكه ِ‬‫يم ا ْل َكهان َِة وإِ ْتي ِ‬
‫ان حديث رقم‪.4135‬‬ ‫َّ‬ ‫َباب َت ْح ِر ِ َ َ َ‬
‫((( ‪ ‬كيف لو يرى النبى ‪ ‬ما يجري في زماننا هذا‪ ،‬من تعلق الناس بقارئ‬
‫الكف والفنجان ومتابعتهم القنوات الفضائية والسوشيال ميديا وما تعج به من قراءة الكف والطالع‬
‫اليكترونيًا كما سنبينه إن شاء الله في كتاب الكهانة واالحتساب عليها‪ .‬هذا بيان الحتساب النبى‬
‫‪ ‬وحثه أمته وتبينه لألمة أن السحرة والكهان ضعاف وليسوا بشئ‪ ،‬وإن الله ‪ ‬يقول‬
‫إن كيد الشيطان كان ضعيفًا‪ ،‬فالساحر يستعين بالضعيف‪ ،‬والذى يلجأ إلى الساحر ليسحر يستعين‬
‫بمن هو أضعف منه فحالهم ضعف في ضعف في ضعف‪ ،‬وداللة ذلك أن النبى ‪ ‬بين‬
‫حالهم وأن مقاومتهم ومحاربتهم يسيرة فقال‪ :‬من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك‬
‫اليوم سم وال سحر‪.‬وكذلك األوراد واألذكار الشرعية وهي يسيرة جدا‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪30‬‬

‫له‪ ،‬أو تكهن أو تكهن له‪ ،‬أو تطير أو تطير له»((( وهذا وعيد شديد أيضا لمن عمل‬
‫بالكهانة لنفسه أو غيره‪.‬‬
‫ض َأ ْز َواجِ النَّبِ ِّي ‪َ ‬ع ْن النَّبِ ِّي‬ ‫‪6.‬وعن نافع َع ْن َص ِف َّي َة َع ْن َب ْع ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫«م ْن َأتَى َع َّرا ًفا َف َس َأ َل ُه َع ْن َش ْيء َل ْم ُت ْق َب ْل َل ُه َص َاَل ٌة َأ ْر َبع َ‬
‫ين َل ْي َلةً»(((‪.‬‬ ‫‪َ ‬ق َال‪َ :‬‬
‫‪7.‬حذر النبي ‪ ‬من التكسب بالكهانة‪َ :‬عن َأبِي مسع ٍ‬
‫ود ْاأْلَن َْص ِ‬
‫ار ِّي‪:‬‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ان ا ْلك ِ‬
‫َاه ِن»(((‪.‬‬ ‫ب َو َم ْهرِ ا ْل َب ِغي َو ُح ْل َو ِ‬
‫ول ال َّل ِه ‪ ‬ن ََهى َع ْن َث َم ِن ا ْل َك ْل ِ‬ ‫َ‬
‫«أ َّن َر ُس َ‬
‫ِّ‬
‫‪8.‬كره النبي ‪ ‬حتى مشابهة الكهان في سجعهم‪َ .‬ع ْن َأبِي‬
‫ت‬‫ول ال َّل ِه ‪َ ‬ق َضى فِي ْام َر َأ َت ْي ِن ِم ْن ُه َذ ْي ٍل ا ْق َت َت َلتَا َف َر َم ْ‬ ‫ُه َر ْي َر َة ‪َ :‬‬
‫«أ َّن َر ُس َ‬
‫ت َو َلدَ َها ا َّل ِذي فِي َب ْطن ِ َها‬ ‫اب َب ْطن ََها َو ِه َي َح ِام ٌل َف َق َت َل ْ‬
‫إِ ْحدَ ُاه َما ْاأْلُ ْخ َرى بِ َح َجرٍ َف َأ َص َ‬
‫اخت ََص ُموا إِ َلى النَّبِ ِّي ‪َ ‬ف َق َضى َأ َّن ِد َي َة َما فِي َب ْطن ِ َها ُغ َّر ٌة َع ْبدٌ َأ ْو َأ َمةٌ‪،‬‬ ‫َف ْ‬
‫ول ال َّل ِه َم ْن َاَل َشرِ َب َو َاَل َأك ََل َو َاَل‬
‫ف َأ ْغ َر ُم َيا َر ُس َ‬
‫ت َك ْي َ‬‫َف َق َال َولِ ُّي ا ْل َم ْر َأ ِة ا َّلتِي َغرِ َم ْ‬
‫ك ي َط ُّل َف َق َال النَّبِي ‪ ‬إِن ََّما َه َذا ِم ْن إِ ْخ َو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫ُّ‬ ‫َن َط َق َو َاَل ْاست ََه َّل َفم ْث ُل َذل َ ُ‬
‫ان»(((‪.‬‬ ‫ا ْلك َُّه ِ‬

‫((( المعجم األوسط للطبراني ‪( -‬ج ‪ / 9‬ص ‪ ،4413 )466‬وصححه األلباني في‬
‫الصحيحة‪2195‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ا ْل َك َهانَة َوإ ْت َيان ا ْل ُك َّهان‪ ،‬حديث رقم ‪.4137‬‬ ‫ِ‬
‫الساَلَمِ‪َ ،‬باب َت ْحر ِ‬ ‫ِ‬
‫((( رواه مسلم في كتَاب َّ‬
‫ِ‬
‫ب حديث رقم ‪ ،2083‬ومسلم في كتَاب‬ ‫((( رواه البخاري في كِتَاب ا ْل ُب ُيوعِ‪َ ،‬باب َث َم ِن ا ْل َك ْل ِ‬
‫اه ِن َو َم ْه ِر ا ْل َب ِغ ِّي حديث رقم ‪.2930‬‬
‫ان ا ْل َك ِ‬‫ب وح ْلو ِ‬ ‫اة‪َ ،‬باب َت ْح ِر ِ‬
‫يم َث َم ِن ا ْل َك ْل ِ َ ُ َ‬
‫ا ْلمسا َق ِ‬
‫ُ َ‬
‫((( رواه البخاري في كِتَاب ال ِّطب‪ ،‬باب ا ْلكِهان َِة حديث رقم ‪ ،5317‬ومسلم في كِتَاب ا ْل َقسامة‪ِ،‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ‬
‫ين حديث رقم ‪.3185‬‬ ‫َباب ِد َي ِة ا ْل َجن ِ ِ‬
‫‪31‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫‪9.‬بين النبي ‪ ‬كذب الكهان على الكالم المخطوف الذي توحيه‬


‫ول‬ ‫إليهم الشياطين‪َ ،‬ع ْن َعائِ َش َة ‪َ ‬ز ْوجِ النَّبِي ‪َ ‬أن ََّها َس ِم َع ْت َر ُس َ‬
‫ِّ‬
‫اب َفت َْذك ُُر ْاأْلَ ْم َر‬ ‫الس َح ُ‬ ‫ول‪« :‬إِ َّن ا ْل َم َاَلئِ َك َة َتن ِْز ُل فِي ا ْل َعن ِ‬
‫َان َو ُه َو َّ‬ ‫ال َّل ِه ‪َ ‬ي ُق ُ‬

‫ان َف َيك ِْذ ُب َ‬


‫ون‬ ‫ُوح ِيه إِ َلى ا ْلك َُّه ِ‬
‫الشياطِين السمع َفتَسمعه َفت ِ‬
‫الس َماء َفت َْس َترِ ُق َّ َ ُ َّ ْ َ ْ َ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫ُقض َي في َّ‬
‫ِ ِ‬

‫َم َع َها ِما َئ َة ك َْذ َب ٍة ِم ْن ِعن ِْد َأ ْن ُف ِس ِه ْم»(((‪.‬‬


‫ ‪10.‬ذكر النبي ‪ ‬أن الكواكب والشمس والقمر من آيات الله‪ ،‬وأن‬
‫العباد عليهم إذا رأوا تغيرا فيهما أن يلجأوا إلى مسخر هذه اآليات ومدبرها‪،‬‬
‫ول ال َّل ِه ‪‬‬ ‫الشم ُس َع َلى َع ْه ِد رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫َع ْن ا ْل ُمغ َيرة ْب ِن ُش ْع َب َة َق َال‪ :‬ك ََس َف ْت َّ ْ‬
‫ول ال َّل ِه‬
‫يم َف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الش ْم ُس ل َم ْوت إِ ْب َراه َ‬ ‫يم َف َق َال الن ُ‬
‫َّاس ك ََس َف ْت َّ‬ ‫ِ‬
‫ات إِ ْب َراه ُ‬
‫َي ْو َم َم َ‬
‫ت َأ َح ٍد َو َاَل لِ َح َياتِ ِه َفإِ َذا َر َأ ْيت ُْم‬
‫ان لِمو ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ْم َس َوا ْل َق َم َر َاَل َينْكَس َف ِ َ ْ‬
‫‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫َف َص ُّلوا َوا ْد ُعوا ال َّل َه»(((‪.‬‬
‫اب النَّبِي ‪‬‬ ‫اس َق َال َأ ْخ َب َرنِي َر ُج ٌل مِ ْن َأ ْص َح ِ‬
‫ ‪11.‬وعن عبد ال َّل ِه ْب َن َع َّب ٍ‬
‫ِّ‬
‫ول ال َّل ِه ‪ُ ‬رمِ َي بِن َْج ٍم‬ ‫وس َل ْي َل ًة م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫مِ ْن ْاأْلَن َْص ِ‬
‫ار َأن َُّه ْم َب ْين ََما ُه ْم ُج ُل ٌ‬
‫اه ِل َّي ِة‬
‫ون فِي ا ْلج ِ‬
‫َ‬ ‫«ما َذا ُكنْت ُْم َت ُقو ُل َ‬
‫ول ال َّله ‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫اس َتن ََار َف َق َال َل ُه ْم َر ُس ُ‬ ‫َف ْ‬
‫ِ‬ ‫إِ َذا ر ِمي بِ ِم ْث ِل ه َذا»‪َ ،‬قا ُلوا‪ :‬ال َّله ورسو ُله َأ ْع َلم ُكنَّا َن ُق ُ ِ‬
‫يم‬‫ول ُولدَ ال َّل ْي َل َة َر ُج ٌل َعظ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ول ال َّل ِه ‪َ « :‬فإِنَّها َاَل يرمى بِها لِمو ِ‬ ‫يم‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ُْ َ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ات َر ُج ٌل َعظ ٌ‬ ‫َو َم َ‬

‫((( رواه البخاري في كِتَاب َبدْ ِء ا ْل َخ ْل ِق‪َ ،‬باب ِذك ِْر ا ْل َماَلَئِ َك ِة‪ ،‬حديث رقم ‪.2971‬‬
‫س حديث رقم ‪ ،985‬ومسلم‬ ‫الش ْم ِ‬‫وف َّ‬ ‫((( رواه البخاري في كِتَاب ا ْلجمع ِة‪ ،‬باب الصاَل َِة فِي كُس ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وف‪َ ،‬باب َما ُع ِر َض َع َلى النَّبِ ِّي ‪ ‬في َص َاَلة ا ْل ُك ُسوف حديث رقم ‪.1508‬‬ ‫في كِتَاب ا ْل ُكس ِ‬
‫ُ‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪32‬‬

‫َأ َح ٍد َو َاَل لِ َح َياتِ ِه َو َلكِ ْن َر ُّبنَا ‪ْ ‬اس ُم ُه إِ َذا َق َضى َأ ْم ًرا َس َّب َح َح َم َل ُة ا ْل َع ْر ِ‬
‫ش ُث َّم‬
‫اء ا َّل ِذين ي ُلونَهم حتَّى يب ُلغَ التَّسبِيح َأه َل ه ِذ ِه السم ِ‬
‫اء الدُّ ْن َيا ُث َّم‬ ‫سبح َأه ُل السم ِ‬
‫َّ َ‬ ‫ْ ُ ْ َ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َْ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َّ َ ْ‬
‫ش لِ َح َم َل ِة ا ْل َع ْر ِ‬
‫ش َما َذا َق َال َر ُّبك ُْم َف ُيخْ بِ ُرون َُه ْم َما َذا َق َال‬ ‫ون َح َم َل َة ا ْل َع ْر ِ‬
‫ين َي ُل َ‬ ‫ِ‬
‫َق َال ا َّلذ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َب ْع ًضا َحتَّى َي ْب ُلغَ ا ْلخَ َب ُر َهذه َّ‬
‫الس َما َء الدُّ ْن َيا‬ ‫َق َال َف َي ْستَخْ بِ ُر َب ْع ُض َأ ْه ِل َّ‬
‫ون إِ َلى َأ ْولِ َيائِ ِه ْم َو ُي ْر َم ْو َن بِ ِه َف َما َجا ُءوا بِ ِه َع َلى َو ْج ِه ِه‬
‫الس ْم َع َف َي ْق ِذ ُف َ‬ ‫ف ا ْل ِ‬
‫ج ُّن َّ‬ ‫َفتَخْ َط ُ‬
‫ون فِ ِيه َو َي ِزيدُ َ‬
‫ون»(((‪.‬‬ ‫َف ُه َو َح ٌّق َو َلكِن َُّه ْم َي ْقرِ ُف َ‬
‫ ‪12.‬بين النبي أن من يتعامل مع النجوم على سبيل أنها تنفع وتضر أنه ساحر‪،‬‬
‫«م ْن ا ْق َت َب َس ِع ْل ًما ِم ْن الن ُُّجو ِم‬ ‫ِ‬
‫ول ال َّله ‪َ :‬‬ ‫َع ْن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫اس َق َال َق َال َر ُس ُ‬
‫الس ْحرِ زَا َد َما زَا َد»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ا ْق َت َب َس ُش ْع َب ًة م ْن ِّ‬
‫ ‪13.‬حذر النبي ‪ ‬من التعلق بها على هذا النحو‪ ،‬وأن هذا كفر‬
‫بالخالق الجليل وقد نصح ألمته عمليا ‪َ ،‬ع ْن َز ْي ِد ْب ِن َخال ِ ٍد ا ْل ُج َهن ِ ِّي‬
‫ول ال َّل ِه ‪ ‬ص َاَل َة الصبحِ بِا ْلحدَ يبِي ِة فِي إِ ْث ِر سم ٍ‬
‫اء‬ ‫َأ َّن ُه َق َال‪َ :‬ص َّلى َلنَا َر ُس ُ‬
‫َ َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫َ‬
‫ون َما َذا َق َال‬ ‫«ه ْل َتدْ ُر َ‬ ‫َّاس َف َق َال‪َ :‬‬ ‫كَان َْت مِ ْن ال َّل ْي ِل َف َل َّما ان َْص َر َ‬
‫ف َأ ْق َب َل َع َلى الن ِ‬

‫ادي ُم ْؤ ِم ٌن بِي َوكَافِ ٌر َف َأ َّما‬ ‫«أصبح ِمن ِعب ِ‬


‫َر ُّب ُك ْم»‪َ ،‬قا ُلوا‪ :‬ال َّل ُه َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ق َال‪َ ْ َ َ ْ َ :‬‬
‫ك ُم ْؤ ِم ٌن بِي كَافِ ٌر بِا ْلك َْوك ِ‬
‫َب َو َأ َّما َم ْن َق َال‬ ‫َم ْن َق َال ُمطِ ْرنَا بِ َف ْض ِل ال َّل ِه َوبِ َر ْح َمتِ ِه َف َذلِ َ‬

‫يم ا ْل َكهان َِة وإِ ْتي ِ‬


‫ان ا ْل ُكه ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‪ ،‬حديث رقم ‪.4136‬‬ ‫َّ‬ ‫الساَلَمِ‪َ ،‬باب َت ْح ِر ِ َ َ َ‬ ‫((( رواه مسلم في كتَاب َّ‬
‫ب‪َ ،‬باب فِي الن ُُّجومِ‪ ،‬حديث رقم ‪ ،3406‬وصححه األلباني في‬ ‫ِ‬
‫((( رواه أبو داود في كتَاب ال ِّط ِّ‬
‫الصحيحة حديث رقم‪.793‬السلسلة الصحيحة‪( :‬ج ‪ / 2‬ص ‪.)292‬‬
‫‪33‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫ك كَافِ ٌر بِي ُم ْؤ ِم ٌن بِا ْلك َْوك ِ‬


‫َب»(((‪.‬‬ ‫ُمطِ ْرنَا بِن َْو ِء ك ََذا َوك ََذا َف َذلِ َ‬
‫ ‪14.‬نفي النبي ‪ ‬تأثير الكواكب‪ ،‬وبين أن المسلم البد أن يعتقد‬
‫هذا‪ ،‬يعتقد أال تأثير للكواكب وال عمل لها في حياة العباد وأنها ال تملك لهم‬
‫نفعا وال ضرا‪ ،‬وأنها مسخرة مربوبة للرب القدير سبحانه‪ ،‬قال أبو ُه َر ْي َر َة َق َال‬
‫ول ال َّل ِه ‪َ :‬‬
‫«اَل َعدْ َوى َو َاَل َه َام َة َو َاَل ن َْو َء َو َاَل َص َف َر»(((‪.‬‬ ‫َر ُس ُ‬

‫وهكذا بينت هذه النصوص المتكاثرةووغيرها كثير حرمة السحر‪ ،‬والتنجيم‪،‬‬


‫والكهانة‪ ،‬وخسران أهلها‪ ،‬والمتعاقين بهم والقاصدين لهم‪.‬بما يجعل المسلم‬
‫يحذر أشد الحذر من مواقعة تلك الموبقات المهلكة للدين والدنيا‪ ،‬المفسدة‬
‫للدنيا واآلخرة‪ ،‬المدمرة للفرد واألسرة والمجتمع‪.‬‬

‫((( سبق تخريجه وهو صحيح‪..‬‬


‫ِ‬ ‫اَل عَدْ َوى َو َ‬
‫اَل ط َي َرةَ‪ ،‬حديث رقم ‪.4118‬‬ ‫الساَلَمِ‪َ ،‬باب َ‬ ‫ِ‬
‫((( رواه مسلم في كتَاب َّ‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪34‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التعريف بالتصوف‪ ،‬ونبذة عن نشأته‪ ،‬وبيان‬


‫مصادره ومذاهبه‬

‫التصوف نهج حادث في الملة اإلسالمية‪ ،‬وطريقة مبتدعة في العبادة والخلق‬


‫والمعرفة‪،‬‬

‫قامت ساقه على جذور غريبة عن اإلسالم‪ ،‬واستمد حياته من األديان والملل‬
‫األخرى‪ ،‬كما كرع من الفلسفات الغربية والشرقية‪.‬‬

‫ومن المعلوم يقينا لدى الصوفية وغيرهم أن التصوف نشأ كطرق في الملة‬
‫اإلسالمية بعد القرون المفضلة‪ ،‬وأن النسك الفاسد ظهر بالبصرة‪ ،‬ثم انتشر‬
‫(((‬
‫بغيرها‪.‬‬

‫وقداقترن االنحراف بالتصوف منذ مهده‪ ،‬وذكر المصنفون في الفرق‬


‫انحرافهم منذ أوائل شأنهم‪ ،‬قال األشعري((( في مقاالت اإلسالميين‪ ،‬وهو‬

‫((( كتاب التوحيد‪ :‬صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان ص ‪144‬هـ بتصرف يسير‪ ،‬وزارة الشؤون‬
‫اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد ‪ -‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الرابعة‪1423‬هـ‪.‬‬
‫((( هو‪ :‬أبو الحسن األشعري‪ ،‬علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله‬
‫بن موسى ابن بالل بن أبي بردة بن أبي موسى األشعري البصري‪ ،‬المتكلم البصري‪ ،‬صاحب‬
‫المصنفات‪ ،‬أخذ علم الكالم أو ً‬
‫ال عن أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة ثم فارقه ورجع عن االعتزال‬
‫الساجي‪ ،‬وعلم الكالم الجدل والنَّظر‪،‬‬
‫وأظهر ذلك وشرع في الرد عليهم‪ ،‬أخذ الحديث عن زكريا َّ‬
‫قال الخطيب البغدادي‪ :‬أبو الحسن األشعري المتكلم صاحب الكتب والتصانيف في الرد على‬
‫الملحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة ‪ -‬والجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة وهو‬
‫بصري سكن بغداد إلى أن توفي‪.‬توفي في سنة أربع وعشرين وثالثمائة وقيل‪ :‬سنة عشرين وقيل‪:‬‬
‫‪35‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫قريب بهذا العهد‪ :‬وفي النساك من الصوفية من يقول بالحلول‪ ،‬وأن البارئ يحل‬
‫في األشخاص‪ ،‬وأنه جائز أن يحل في إنسان وسبع وغير ذلك من األشخاص‪،‬‬
‫وأصحاب هذه المقالة إذا أرادوا شيئًا يستحسنونه قالوا‪ :‬ال ندري لعل الله حال‬
‫فيه‪ ،‬ومالوا إلى اطراح الشرائع وزعموا أن اإلنسان ليس عليه فرض‪ ،‬وال تلزمه‬
‫عبادة إذا وصل إلى معبوده(((‪.‬‬

‫وكما اقترن االنحراف بالتصوف اقترن به الخالف واالختالف‪ ،‬من‬


‫االختالف في األصل اللغوي‪ ،‬إلى االختالف في المعنى االصطالحي إلى‬
‫االختالف في أصل النشأة‪ ،‬وهذا كله مبسوط في كتب الصوفية وغيرهم‪ ،‬لكننا‬
‫هنا سنعرف بإيجاز بالتصوف لغة واصطالحا‪ ،‬كما سنلمح إلى ما يتعلق بالنشأة‬
‫ومصادر االستمداد‪ ،‬والمذاهب الصوفية على ما تقتضيه طبيعة البحث في‬
‫ذلك‪ ،‬إذ إن بحثنا خاص بالحديث عن السحر عند الصوفية‪ ،‬لكن هذه لمحة ال‬
‫غنى عنها لقاريء هذا البحث‪ ،‬وسيجد القاريء في هوامش هذه اللمحة مراجع‬
‫لالستزادة‪.‬‬

‫التصوف لغة‪ :‬تعددت أقوال العلماء‪ ،‬وكذا الصوفية أنفسهم في بيان أصل‬
‫التصوف ومعناه اللغوي‪ ،‬حيث نقل بعض المتصوفة أكثر من خمسين تعريفًا‬

‫سنة ثالثين‪.‬راجع‪ :‬طبقات الشافعية‪ :‬البن قاضي شهبة (ج ‪ / 1‬ص ‪ ،)11‬العبر في خبر من غبر ‪-‬‬
‫(ج ‪ / 1‬ص ‪ ،)126‬وفيات األعيان ‪( -‬ج ‪ / 3‬ص ‪)284‬‬
‫((( مقاالت اإلسالميين واختالف المصلين‪ :‬ألبي الحسن األشعري ج ‪ / 1‬ص ‪ 4‬تحقيق محمد‬
‫محيي الدين عبدالحميد‪ ،‬المكتبة العصرية ‪1411‬ه=‪1990‬مـــ‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪36‬‬

‫له عن متقدميهم‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إن أقوال مشايخ الصوفية تزيد على ألف قول‪.‬‬
‫وأغلب هذه األقوال في تعريف التصوف ال يؤيده االشتقاق اللغوي‪ ،‬وأشهر‬
‫هذه التعريفات‪.‬‬

‫أوال‪ :‬قيل إن التصوف‪ :‬مأخوذ من الصفاء»‪ ،‬وهذا غلط لغة ألن النسبة إليه‬
‫صفائي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬قيل‪ :‬نسبة ألصحاب الصفة‪ ،‬وأما نسبة الصوفية إلى أهل الصفة فانها‬
‫غير صحيحة من جهتين‬

‫الجهة األولى‪ :‬وهي اللغة‪ ،‬حيث أن النسبة إلى الصفة لغة هي « صفى »‬
‫(بضم الصاد‪ ،‬وتشديد الفاء مع الكسر)‪.‬‬

‫الجهة الثانية‪ :‬هي الصفة الجامعة بين المنسوب والمنسوب إليه‪ ..‬فأهل‬
‫الصفة لم يكونوا‬

‫أشخاصًا بأعيانهم‪ ،‬ولم تكن لهم صفة تميزهم في عباداتهم عن سائر‬


‫المسلمين‪ ،‬إال في حال عارض‪ ،‬فلما ذهب هذه‪ ،‬الحال العارض خال المكان‬
‫منهم‪ ،‬والصوفية على غير هذا‪ ،‬بما لهم من صفات وشارات‪ ،‬يتميزون بها‪.‬‬
‫وهؤالء القوم‪ ،‬إنما قعدوا في المسجد ضرورة‪ ،‬وإنما أكلوا من الصدقة ضرورة‪،‬‬
‫فلما فتح الله على المسلمين‪ ،‬استغنوا عن تلك الحال‪ ،‬وخرجوا منها‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬قيل‪ :‬نسبة للصوفانة‪ ،‬وهي بقلة قصيرة‪ ،‬نسبوا إليها الكتفائهم بنبات‬
‫الصحراء‪ ،‬وهذا أيضًا غلط‪ ،‬ألنه لو نسبوا إليها لقيل‪ :‬صوفاني‬
‫‪37‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫رابعا‪ :‬قيل‪ :‬نسبة لرجل يقال له‪ :‬صوفة‪ ،‬واسمه الغوث بن مر بن أد طابخة‬
‫بن إلياس بن مضر انقطع للعبادة عند بيت الله الحرام‪ ،‬الغوث‪ ،‬قال عبد الكريم‬
‫الخطيب‪ :‬ونقول إن نسبة الصوفية إلى « صوفة » هذا الذي عاش في الجاهلية‬
‫‪-‬إذا صح أن الصوفية نسبوا طريقتهم‪ -‬أو طرقهم ‪-‬إليه‪ -‬هذه النسبة تلقي ظالال‬
‫من التهم حول صحة نسبتهم إلى اإلسالم‪ ،‬ألن الرجل الذي انتسبوا إليه لم يكن‬
‫على دين صحيح‪ ،‬وإن سلك مسلك الزهد والتعبد‪ ،‬حيث ال يستبعد أن يكون‬
‫هذا مذهبًا شخصيًا له‪ ،‬أو أنه تلقاه من بعض النساك والرهبان‪ ،‬أو وصل إليه من‬
‫بعض أصحاب الديانات الهندية‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬قيل نسبة‪ :‬لصوفة القفا‪ ،‬وهي الشعرات النابتة في مؤخر الرأس‪،‬‬

‫سادسا‪ :‬قيل‪ :‬نسبة إلى الصوف وقيل غير ذلك‪ ،‬والراجح من هذه األقوال‬
‫والله أعلم ‪ -‬أن التصوف ماخوذ من الصوف»‪ ،‬وهو أصل اشتقاقه‪ .‬ويقدس‬
‫المتصوفة الصوف ويعظمون أمره‪ ،‬يقول أحمد زيني دحالن‪« :‬وحكي عن‬
‫الشيخ عبد الـرحـيـم القناوي أنه «رأى مرة في عنق كلب خرقة من صوف فقام‬
‫له إجال ً‬
‫ال للخرقة الصوف المنسوبة للصوفية»(((ومن قرأ كالم دحالن هذا علم‬

‫((( الصوفية في حضرموت نشائها‪ .‬أصولها آثارها‪ :‬أمين أحمد عبد الله السعدي ص‪122‬وما‬
‫بعدها بتصرف دار التوحيد ط‪1432 ،2‬هـ=‪2011‬م‪.‬وراجع الرسالة القشيرية‪ :‬للقشيري‬
‫(‪ ،)٢/٥٥٠‬عوارف المعارف‪ :‬للسهروردي (ص‪ )٥٨‬تلبيس إبليس‪ :‬البن الجوزي‪ :‬ص‪،201‬‬
‫مجموع الفتاوى‪ :‬البن تيمية (‪ )١٠/٣٦٩‬وانظر لزاما‪ :‬التصوف والمتصوفة في مواجهة اإلسالم‬
‫عبدالكريم الخطيب ‪ 73‬دار الفكر العربي‪ .‬الطبعة األولى ‪.1980‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪38‬‬

‫سر نقمته على دعوة التوحيد‪ ،‬وكذبه على داعيتها ‪ ،‬وقد كفانا الشيخ‬
‫السهسواني مؤنته في كتاب صيانة اإلنسان عن وسوسة الشيخ دحالن‪ ،‬ويالله ما‬
‫أبدع عنوان كتابه‪ ،‬وأخبره عن حال دحالن‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬قال البعض إن كلمة «الصوفية» مأخوذة من كلمة يونانية هي‪( :‬صوفيا)‬
‫ومعناها‪ :‬الحكمة(((‪.‬‬

‫وهكذا نرى أن أصل التسمية اللغوي ال يرجع إلى كتاب وال إلى سنة‪ ،‬وال‬
‫إلى أثر من آثار السلف‪ ،‬كما أن أصل االستمداد ال يرجع إلى معنى صحيح‬
‫معتبر شرعا‪ ،‬فهو إما يرجع إلى أصل يوناني‪( :‬سوفيا)‪ ،‬أو إلى رجل جاهلي‬
‫هو‪ :‬الغوث بن مر‪ ،‬وما حاجة المسلم إلى األخذ من الوثنية‪ ،‬والجاهلية‪ ،‬وقد‬
‫أغناه الله بأسماء اإلسالم واإليمان واإلحسان‪ ،‬وشرفه باالنتساب إلى السنة‬
‫والجماعة والسلف‪ ،‬التي هي نسب شرعية إسالمية‪ ،‬وإما يرجع التصوف إلى‬
‫صوفة القفا أو بقلة وهو استمداد عجيب أيضا‪ ،‬وأما النسبة إلى صفة مسجد‬
‫النبي ‪ ‬فإنها ال تصح لغة‪ ،‬كما أنها ال تصح اصطالحا‪ ،‬وحكما‪،‬‬
‫وواقعا‪ ،‬فأين هؤالء من أصحاب الصفة اعتقادا ومعرفة وسلوكا وخلقا؟!!‪.‬‬

‫أما نسبتهم إلى الصوف فهي الصحيحة لغة‪ ،‬كما أنها صحيحة واقعا‪،‬‬
‫فالصوفية يرون أن الصوف لباس الزاهدين‪ ،‬ويرون أن ذلك تشبها بالمسيح عليه‬
‫السالم‪ ،‬وقد ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ‬في «الفتاوى»‪ :‬عن محمد بن‬

‫((( حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة تأليف د محمد ربیع ص ‪ ،34‬دار اآلثار‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫سيرين أنه بلغه أن قوما يفضلون لباس الصوف‪ ،‬فقال‪ :‬إن قوما يتخذون الصوف‬
‫يقولون إنهم يتشبهون بالمسيح بن مريم‪ ،‬وهدي نبينا أحب إلينا‪ ،‬وكان النبي‬
‫(((‬
‫‪ ‬يلبس القطن وغيره‪.‬‬

‫ويقول أبو نصر السراج ‪-‬مؤلف أقدم كتاب عربي في التصوف‪ :-‬إن صوفى‬
‫مشتق من الصوف ألن الصوف كان لباس األنبياء‪ ،‬ورمز األولياء والخاصة‪ ،‬كما‬
‫(((‬
‫يظهر من أخبار الصوفية وآثارهم‪.‬‬

‫وقال الشيخ إحسان إلهي ظهير‪ :‬قبل أن أبحث في التصوف ونشأته وتاريخه‬
‫نريد أن نذكر أصل اشتقاقه‪ ،‬من أين اشتق؟ وكيف كان اشتقاقه؟ واختالف‬
‫الباحثين فيه والصوفية أنفسهم أيضا(((‪ ،‬ولقد سئل الشبلي‪ :‬لم سميت بهذا‬
‫االسم؟ فقال‪( :‬هذا االسم الذي أطلق عليهم اختلف في أصله وفي مصدر‬
‫اشتقاقه) (((‪ .‬ثم عقب على ذلك بقوله‪ :‬وال زالوا مختلفين فيه حتى اليوم‪.‬‬
‫وبمثل ذلك قال القشيري في رسالته‪( :‬ليس يشهد لهذا االسم من حيث العربية‬

‫((( حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة تأليف د محمد ربیع ص ‪ ،34‬دار اآلثار‪ ،‬وراجع‬
‫مجموع الفتاوى ج ‪7‬ص‪ ،11‬وانظر زاد المعاد‪ :‬البن القيم ج ‪1‬ص‪.12‬‬
‫((( اللمع‪ :‬للطوسي ص‪.37‬‬
‫ِ‬
‫السنة‬ ‫ف‪ :‬المن َْشأ َو َ‬
‫الم َصادر‪ :‬تأليف األستاذ إحسان إلهي ظهيرص‪ ،24‬إدارة ترجمان ُّ‬ ‫َّــص ُّو ُ‬
‫((( الت َ‬
‫الهور ‪ -‬باكستان‪1941 ،‬م ‪ 1987‬م‬
‫((( أبحاث في التصوف‪ :‬الدكتور عبد الحليم محمود ص‪ ،55‬ضمن مجموعة مؤلفاته‪ ،‬دار‬
‫الكتاب اللبناني الطبعة األولى ‪1979‬م‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪40‬‬

‫قياس وال اشتقاق) (((‪.‬كما أنه مما الشك فيه أنه ال يصح وال يستقيم اشتقاقه من‬
‫حيث اللغة إال من الصوف‪ ،‬ولو أنه هو اختيار الكثيرين من الصوفية وغيرهم‬
‫كالطوسي‪ ،‬وأبي طالب المكي‪ ،‬والسهروردي وأبي المفاخر يحيى باخرزي‪،‬‬
‫وابن تيمية‪ ،‬وابن خلدون من المتقدمين‪.‬واألستاذ مصطفى عبد الرزاق‪،‬‬
‫والدكتور زكي مبارك‪ ،‬والدكتور عبد الحليم محمود‪ ،‬والدكتور قاسم غني‪،‬‬
‫ومن المستشرقين مرجليوس‪ ،‬ونيكلسون‪ ،‬وماسينيون‪ ،‬ونولدكه وغيرهم من‬
‫المتأخرين(((‪.‬‬

‫التصوف اصطالحا‪ :‬كما كثرت األقوال في تعريف التصوف لغة‪ ،‬كذلك‬


‫بالنسبة لتعريفه اصطالحًا‪ ،‬إذ جاء في كتاب قواعد التصوف‪ :‬وقد حد التصوف‬
‫ورسم بوجوه األلفين‪ ،‬مرجع كلها لصدق التوجه إلى الله تعالى‪ ،‬ومن تعريفات‬
‫الصوفية لمفهوم التصوف ما قاله الجنيد‪ :‬التصوف تصفية القلب من موافقة‬
‫البرية‪ ،‬ومفارقة األخالق الطبيعية‪ ،‬وإخماد الصفات البشرية‪.‬ومجانبة الدواعي‬
‫النفسانية‪ ،‬ومنازل الصفات الربانية‪ ،‬والتعلق بعلوم الحقيقة‪ ،‬واتباع الرسول في‬
‫الحقيقة‪ (((.‬وعرفه بعضهم بأنه‪ُ « :‬خ ُل ُّو األسرار مما عنه ُبدّ ‪ ،‬وتعل ُقها بما ليس منه‬

‫((( الرسالة القشيرية لعبد الكريم القشيري ج‪ 2‬ص ‪ 550‬دار الكتب الحديثة القاهرة‪.‬بواسطة‬
‫التصوف‪ :‬للشيخ إحسان إلهي ظهيرص‪.25‬‬
‫ف‪ :‬المن َْشأ والمص ِ‬
‫ادر‪ :‬األستاذ إحسان إلهي ظهيرص‪.25‬‬ ‫َّــص ُّو ُ‬
‫َ َ َ‬ ‫((( الت َ‬
‫((( التعرف المذهب أهل التصوف‪ ،‬الكالم في (ص ‪ ،)43‬بواسطة الصوفية في حضرموت‬
‫نشائها‪ .‬أصولها آثارها‪ :‬أمين أحمد عبد الله السعدي ص‪.49‬‬
‫‪41‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫بدّ »(((‪ .‬وقيل‪« :‬أن تكون مع الله بال عالقة» وقيل غير ذلك‪.‬‬

‫وكثرة هذه التعريفات تدل على عدم ضبط أهل التصوف لمصطلح التصوف‬
‫فضالً عن غيرهم‪ ،‬وهذه ميزة الباطل ال ثبات له وال قرار؛ وإنما هو االضطراب‬
‫واالختالف‪.‬‬

‫ولكثرة تعريفات التصوف فقد لخصه بعضهم بأنه‪ :‬السير في طريق الزهد‬
‫بأسلوب من التقشف‪ ،‬وأنواع التجرد عن زينة الحياة وشكلياتها‪ ،‬وأخذ النفس‬
‫بأسلوب من التقشف‪ ،‬وأنواع من العبادة‪ ،‬واألوراد والجوع‪ ،‬والسهر في صالة‪،‬‬
‫أو تالوة ورد‪ ،‬حتى يضعف في اإلنسان الجانب الجسدي ويقوى فيه الجانب‬
‫النفسي أو الروحي‪ ،‬فهو إخضاع الجسد للنفس بهذا الطريق المتقدم‪ ،‬سعيًا إلى‬
‫تحقق الكمال النفسي كما يقولون‪ ،‬وإلى معرفة الذات اإللهية وكماالتها‪ ،‬وهو‬
‫ما يعبرون عنه بمعرفة الحقيقة(((‪.‬‬

‫ويرى الدكتور زكي مبارك في كتابه التصوف اإلسالمي في األدب‬


‫واألخالق(((‪ :‬أن التصوف مجموعة األفكار اإلسالمية والنصرانية واليهودية‪،‬‬
‫أو هو الخالصة الروحية من تلك الديانات الثالث‪.‬‬

‫ف‪ :‬المن َْشأ والمص ِ‬


‫ادر‪ :‬األستاذ‬ ‫َّــص ُّو ُ‬
‫َ َ َ‬ ‫((( طبقات الصوفية ج ‪ / 1‬ص ‪76‬وما بعدها بواسطة الت َ‬
‫إحسان إلهي ظهير ص ‪.28‬‬
‫((( التصوف اإلسالمي بين الدين والفلسفة‪ :‬إبراهيم هالل ص‪ ،1‬بواسطة الصوفية في حضرموت‬
‫نشائها‪ .‬أصولها آثارها‪ :‬أمين أحمد عبد الله السعدي ص‪.50‬‬
‫((( التصوف اإلسالمي في األدب واألخالق‪ :‬الدكتور زكي مبارك ج‪ 1‬ص ‪.160‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪42‬‬

‫ويرى محمد شفقة في كتابه التصوف بين الحق والخلق‪ :‬أن التصوف طريقة‬
‫زهدية في التربية النفسية يعتمد على جملة من العقائد الغيبية (الميتافيريكية)‬
‫مما لم يقم على صحتها دليل في الشرع وال في العقل‪.‬‬

‫ويالله العجب كيف يسير الرجل في طريق ال يشهد لصحته شرع وال عقل‪.‬‬

‫ونرى أن أقرب التعريفات إلى حقيقة التصوف تعريف الموسوعة‬


‫الميسرة(((وهو أن‪ :‬التصوف حركة دينية انتشرت في العالم اإلسالمي عقب‬
‫الفتوحات اإلسالمية وازدياد الترف والرخاء االقتصادي‪ ،‬كردة فعل مضادة‬
‫لذلك في حمل بعضهم على الزهد‪ ،‬ثم تطور بهم األمر حتى أصبحت لهم‬
‫طريقة تعرف باسم الصوفية‪ ،‬وترى أن تربية النفس والوصول بها إلى معرفة‬
‫الله تكون بالكشف والمشاهدة‪ ،‬حتى تداخلت طريقتهم تلك مع الفلسفات‬
‫الهندية‪ ،‬والفارسية‪ ،‬واليونانية(((‪.‬‬

‫الفرق بين الزهد المشروع وبين التصوف‪:‬‬


‫فرق الشيخ إحسان إلهي ظهير بين التصوف والزهد فقال‪ :‬التصوف أمر زائد‬
‫وطارئ على الزهد‪ ،‬وله كيانه وهيئته‪ ،‬ونظامه وأصوله‪ ،‬وقواعده وأسسه‪ ،‬وكتبه‬
‫ومؤلفاته ورسائله ومصنفاته‪ ،‬كما أن له رجاال وسدنة وزعماء وأعيانا‪ ،‬بينما الزهد‬

‫((( الموسوعة الميسرة ص ‪.341‬‬


‫((( الشيخ احسان الهي ظهير منهجه وجهوده في تقرير العقيدة والرد على الفرق المخالفة‪ :‬د‬
‫علي بن موسى الزهري ص‪ ،144‬دار المسلم للنشرو التوزيع الطبعة األولى‪١٤٢٧‬هـ‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫عبارة من ترجيح اآلخرة على الدنيا‪ ،‬والتصوف اسم لترك الدنيا تماما‪ ،‬والزهد‬
‫هو تجنب الحرام‪ ،‬واالقتصاد في الحالل‪ ،‬والتمتع بنعم الله بالكفاف‪ ،‬وإشراك‬
‫اآلخرين في آالء الله ونعمه وخدمة األهل واألخوان والخالن‪ ،‬والتصوف‬
‫تحريم الحالل‪ ،‬وترك الطيبات‪ ،‬والتهرب من الزواج ومعاشرة األهل‪ ،‬والتهرب‬
‫من معاشرة اإلخوان‪ ،‬وتعذيب النفس بالجوع والتعري والسهر‪.‬فالزهد منهج‬
‫وسلوك مبني على الكتاب و السنة‪ ،‬وليس التصوف كذلك‪ ،‬لذلك إحتيج لبيانه‬
‫إلى‪( :‬التعرف لمذهب أهل التصوف) و (قواعد التصوف) و (الرسالة القشيرية)‬
‫و (اللمع) و (قوت القلوب) و (قواعد التصوف) و (عوارف المعارف) وغيرها‬
‫من الكتب‪....‬فعندما نكتب إنما نكتب عن هذا المذهب أي مذهب التصوف ال‬
‫عن الزهد(((‪ .‬وقد أحسن في ذلك وأجاد‪ ،‬وأصاب كبد الحقيقة ‪ ،‬وبمثل‬
‫قوله نقول أيضا في كتابتنا هذا البحث‪.‬‬

‫وبهذا يتبين لنا مخالفة الصوفية لمنهج سلف األمة في العبادة‪ ،‬والسلوك‪،‬‬
‫وتعذيبهم للنفس برياضات ابتدعوها من عند أنفسهم أمالها عليهم الشيطان‪،‬‬
‫وما ذاك؛ إال لبعدهم عن نور الوحي‪ ،‬الكتاب والسنة‪ ،‬واتباع اآلراء المخالفة‬
‫والنظريات الفلسفية الدخيلة على األمة اإلسالمية المخالفة لمذهب السلف‬
‫على أننا نذكر أمرا مهما ذكره بعض الباحثين األكاديميين‬ ‫(((‬
‫الصالح‪.‬‬

‫((( التصوف المنشأ والمصادر‪ :‬الشيخ إحسان إلهي ظهير ص ‪.12‬‬


‫((( الصوفية في حضرموت نشائها‪ .‬أصولها آثارها‪ :‬أمين أحمد عبد الله السعدي ص‪.50‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪44‬‬

‫السودانيين‪ :‬وهو أن التصوف الذي كان تركا للدنيا وعزوفا عنها‪ ،‬والتقلل‬
‫من المطعم والمشرب‪ ،‬ولبس المرقعات‪ ،‬وسكنى الجبانات والمزابل هذا‬
‫كان شأن التصوف قديما‪ ،‬أما واقع التصوف اليوم فهو يخالف ذلك تماما‪،‬‬
‫فبيوتات التصوف في السودان مثال من أغنى البيوت‪ ،‬وأكثرها ترفا‪ ،‬وشيوخ‬
‫التصوف يعيشون عيشة الملوك والقياصرة‪ ،‬ويسكنون أفخم البيوت‪ ،‬ويركبون‬
‫أفخم السيارات وأغالها ثمنا‪ ،‬وأحدثها صناعة‪ ،‬قد أخذوا ذلك من مريديهم‬
‫ودراويشهم‪ ،‬اقفروا أفواه الفقراء‪ ،‬وجوعوا بطونهم ليعيشوا تلك الحياةالرغيدة‪،‬‬
‫ونحن نوافقه على ذلك تمام الموافقة‪ ،‬فشيوخ الصوفية من أكثر الناس ثراءا‬
‫وأرغدهم عيشا‪.‬‬

‫نفرق بين‬
‫وقال الشيخ المعلم أيضا‪ :‬حتى ال تختلط علينا المفاهيم‪ ،‬يجب أن ِّ‬
‫الزهد الذي دعا إليه اإلسالم‪ ،‬وحث عليه الرسول ‪ ،‬وحمده أئمة‬
‫الـمحدَ ث المجلوب‬
‫المسلمين‪ ،‬ولم يذمه أحد ممن يعتد بقوله‪ ،‬وبين التصوف ُ‬
‫من خارج حدود اإلسالم‪ ،‬والمضبوط بضوابطه المعروفة‪ ،‬والمحدّ د بحدوده‬
‫الواضحة‪ ،‬والمبني على فلسفة خاصة‪ ،‬فهذا لون والزهد الذي جاءت به شريعة‬
‫اإلسالم لون آخر‪ ،‬وإن الخلط بين األمرين قد أوقع لبسًا كبير ًا على عوام‬
‫الناس‪ ،‬واستغ َّله دعاة التصوف وتزينوا به‪ ،‬بل اتخذوه درعًا واقيًا من سهام‬
‫الطاعنين عليهم وعلى فلسفته الضالة وبدعهم المحدثة الخارجة عما جاء به‬
‫اإلسالم‪ ،‬فإذا تك َّلم متكلم عن مخازي التصوف ومثالبه‪ ،‬عارضه المتصوفة‬
‫‪45‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫بإبراز الشخصيات النظيفة الطاهرة على أنها أئمته ومؤسسوه‪ ،‬فيذكرون أباذر‬
‫‪ ‬وأبا الدرداء ‪ ،‬ومن التابعين أويس القرني‪ ،‬والحسن البصري‬
‫ومن شابههما‪ ،‬ثم يذكرون مالك بن دينار‪ ،‬والفضيل بن عياض‪ ،‬ومن أهل‬
‫اليمن‪ :‬عمرو بن ميمون األودي‪ ،‬وطاووس بن كيسان اليماني‪ ،‬ووهب بن منبه‪،‬‬
‫ونحوهم‪ ،‬وهؤالء ال عالقة لهم ألبتة بما أحدث بعد من تصوف مبتدَ ع فلسفي‬
‫ٍ‬
‫محتو على إلحاد أصحاب الحلول واالتحاد‪ ،‬ومكائد المتاجرين بالوالية‬
‫والكرامات(((‪.‬‬

‫نشأة التصوف وتطوره‪:‬‬


‫كما اختلف في تعريف التصوف كذلك اختلف في الوقت الذي نشأ فيه‪،‬‬
‫فال يعرف وقت ظهور التصوف في األمة اإلسالمية بالتحديد وال من هو أول‬
‫متصوف‪ ،‬ولم يكن لفظ الصوفية مشهور ًا في القرون الثالثة‪ ،‬يقول اإلمام ابن‬
‫الجوزي‪« :‬والتصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي ثم ترخص المنتسبون‬
‫إليها بالسماع والرقص فمال إليهم طالب اآلخرة من العوام لما يظهرونه من‬
‫التزهد‪ ،‬ومال إليهم طالب الدنيا لما يرون عندهم من الراحة واللعب‪ ..‬إلى‬
‫أن قال‪ :‬كانت النسبة في زمن رسول الله ‪ ‬إلى اإليمان واإلسالم‬
‫فيقال‪ :‬مسلم ومؤمن‪ ،‬ثم حدث اسم زاهد وعابد‪ ،‬ثم نشأ أقوام تعلقوا بالزهد‬
‫والتعبد فتخلوا عن الدنيا وانقطعوا إلى العبادة واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا‬

‫((( القبورية في اليمن‪ :‬أحمد المعلم ص‪.33‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪46‬‬

‫بها وأخالقًا تخلقوا بها»((( ويذهب البعض إلى أن ظهور التصوف كان نتيجة‬
‫إقبال الناس على الدنيا واالنشغال بها‪ ،‬ولذا عرف المقبلون على الزهد والعبادة‬
‫باسم الصوفية‪ ،‬ومنذ ذلك الوقت غلب هذا االسم على هذه الطائفة من الزهاد‬
‫فيقال‪ :‬رجل صوفي وللجماعة الصوفية (((‪.‬‬

‫وقد اختلفت األقوال في أول من لقب بالصوفي‪ ،‬فقيل‪ :‬هو أبو هاشم‬
‫الكوفي((( (ت‪١٥٠‬هـ) وأنه بني خانقاه للصوفية في الرملة من بالد الشام‪ ،‬وكان‬
‫مولى من الموالي وكان يقول بالحلول واالتحاد وكان باطنيا دهريًا(((‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫إن أول من تسمى بالصوفي عبدك((( الصوفي من أهل بغداد(((‪ ،‬وقيل‪ :‬إن جابر‬
‫بن حيان أول من لقب بالصوفي‪ ،‬وهؤالء الذين ذكر عن كل واحد منهم أنه‬

‫((( الصوفية في حضرموت‪ :‬أمين أحمد عبد الله السعدي ص‪52‬بتصرف‪.‬التصوف‪ :‬إحسان‬
‫إلهي ص‪43‬‬
‫((( الصوفية في حضرموت‪ :‬أمين أحمد عبد الله السعدي ص‪52‬بتصرف‪.‬‬
‫((( الصوفية في حضرموت‪ :‬أمين أحمد عبد الله السعدي ص‪52‬بتصرف‪.‬وراجع التصوف‪:‬‬
‫إحسان إلهي ظهير وترجمته في تاريخ بغداد ج‪14‬ص‪.397‬‬
‫((( الصوفية في حضرموت‪ :‬أمين أحمد عبد الله السعدي ص‪52‬بتصرف‪.‬وراجع التصوف‪:‬‬
‫إحسان إلهي ظهير وترجمته في تاريخ بغداد ج‪14‬ص‪.397‬‬
‫((( عبدك الصوفي‪ :‬من قدماء المشايخ البغداديين قبل السري وبشر بن الحارث‪ ،‬وذكر ابن النجار‬
‫بسنده أن أحمد بن إبراهيم الحرقي قال‪ :‬قال لي اسحاق بن داود‪ :‬أول من سمي ببغداد (صوفي)‬
‫عبدك الصوفي‪.‬وكان عبدك من أصحاب معافى بن عمران‪ ،‬وكان حارث المحاسبي ال يرى به‬
‫أحدا‪ .‬ذيل تاريخ بغداد ابن النجار البغدادي ‪( -‬ج ‪ / 1‬ص ‪.)252‬‬
‫((( الصوفية في حضرموت‪ :‬أمين أحمد عبد الله السعدي ص‪52‬بتصرف‪.‬وراجع التصوف‪:‬‬
‫إحسان إلهي ظهير وترجمته في تاريخ بغداد ج‪14‬ص‪.397‬‬
‫‪47‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫أول من لقب بالصوفي مطعون في مذاهبهم وعقائدهم‪ ،‬ورمي كل واحد منهم‬


‫بالفسق والفجور حتى الزندقة‪ ،‬وخاصة جابر بن حيان وعبدك‪.‬‬
‫(((‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه الله تعالى‪ :-‬إن أول ما ظهرت الـصـوفـيـة‬
‫في البصرة‪ ،‬وأول من بنى دويرة للصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد‪،‬‬
‫وعبد الواحد من أصحاب الحسن‪ ،‬وكان في البصرة من المبالغة في الزهد‬
‫والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر أهل األمصار‪ ،‬ولهذا يقال‪:‬‬
‫فقه كوفي وعبادة بصرية(((‪.‬‬

‫وذهب بعضهم أن التصوف ظهر بالكوفة بسبب االضطرابات السياسية‪.‬‬

‫لم يكن للتصوف عند نشأته جماعة معروفة لها نظامها الخاص‪ ،‬ورئيسها‬
‫المعين‪ ،‬وإنما تميزت في أول أمرها بالزهد المبالغ فيه ودعوى حب الله تعالى‬
‫وهما قاعدتا الصوفية التي كانوا ينطلقون منهما‪ ،‬ولكن تغير األمر كما أسلفنا‬
‫وحدث االنحراف عن الشرع فيما بعد كما سيأتي‪ .‬وإنه لمن المعلوم أن صدق‬
‫الرجل في ادعائه محبة الله تظهر من خالل التزامه بأوامر الله واجتناب نواهيه‪،‬‬
‫وذلك باتباع نبيه محمد ‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ﱹ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬

‫((( الصوفية في حضرموت‪ :‬أمين أحمد عبد الله السعدي ص‪52‬بتصرف‪.‬وراجع التصوف‪:‬‬
‫إحسان إلهي ظهير وترجمته في تاريخ بغداد ج‪14‬ص‪.397‬‬
‫((( مجموع الفتاوى ج‪11‬ص‪ ،6‬وراجع الصوفية في حضرموت‪ :‬أمين أحمد عبد الله السعدي‬
‫ص‪.54‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪48‬‬

‫ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﱸ((( وهذا النهج القرآني السديد‬


‫تخالفه مناهج الصوفية‪ ،‬ففهمهم للمحبة ال يسير وفق هذه اآلية الكريمة‪ ،‬إذ‬
‫يدعون محبة الله مع وقوعهم في مخالفة هدي نبينا محمد ‪ ،‬وقد‬
‫لبس الشيطان عليهم‪ ،‬وصدهم عن العلم الشرعي‪ ،‬وزين لهم الجهل وأنه ال‬
‫حاجة لكم في العلم‪ ،‬وأنتم تتلقون عن الله مباشرة‪ ،‬وأوحى إليهم من إفكه‬
‫وضالله الشيء الكثير‪ ،‬لذا تخبطوا وتحيروا في ظلمات الجهل‪ ،‬فمنهم من‬
‫ترك الدنيا جملة فتركوا ما يصلح أبدانهم وبغضوا المال بغضًا شديد ًا‪ ،‬وبالغوا‬
‫في تعذيب النفس‪ ،‬حتى ذكر عن بعضهم أنه كان ال يضطجع‪ ،‬مع عملهم‬
‫باألحاديث الموضوعة في عباداتهم المبتدعة‪ ،‬ثم جاء أقوام تكلموا لهم في‬
‫الجوع والفقر والوساوس والخطرات وصنفوا في ذلك‪ .‬وجاء آخرون فميزوا‬
‫مذهب التصوف بعد تهذيبه وأفردوا ذلك بصفات تميزه عن غيره‪ ،‬وجعلوا‬
‫منه االختصاص بالمرقعة‪ ،‬والوجد‪ ،‬والرقص‪ ،‬والصفير ونحو ذلك‪.‬ثم بلغ‬
‫بشيوخهم أن جعلوا التصوف الذي هو مزيج مما سبق‪ ،‬مع مخلفات الملل‬
‫األخرى لب الدين وأنه هو علم الباطن‪ ،‬وجعلوا علم الشريعة الذي أسس‬
‫على الكتاب والسنة هو العلم الظاهر‪ ،‬ومنهم من خرج به الجوع إلى الخياالت‬
‫الفاسدة فادعى عشق الحق والهيمان به‪ ،‬لتخيلهم مستحسن الصورة فهاموا به‬
‫وهؤالء بين الكفر والبدعة‪ .‬ثم وصل القوم لتشعب الطرق وفساد االعتقاد إلى‬

‫((( اآليتان ‪32-31‬سورة آل عمران‪.‬‬


‫‪49‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫قول بعضهم بالحلول وقول البعض اآلخر باالتحاد‪ .‬وما زال إبليس يوقعهم في‬
‫(((‬
‫فنون من البدع والضالالت‪.‬‬

‫وذكر الدكتور عبد الله بن دجين السهلي شيئا من هذا التاريخ حين قال‪ :‬بدأت‬
‫المبالغة في التعبد مبكرا‪ ،‬فكان يطلق على أصحابها العباد والقراء والزهاد‪،‬‬
‫وظهر اتخاذ الجبانات دورا للتعبد بدال من المساجد‪ ،‬في البصرة‪ ،‬ثم بالغوا في‬
‫الزهد والعبادة والخوف‪ ،‬وأطلق لقب العباد في القرن الثاني على من آثر العزلة‪،‬‬
‫وشدد على نفـسه في العبادة بصوره لم تعهد من قبل‪ ،‬مع علمهم وفضلهم‪،‬‬
‫واشتغالهم بالكتاب والسنة تعلما‪ ،‬وتعليما‪ ،‬وتصديهم ألهل األهواء‪ ،‬وظهر‬
‫فيهم اإلغماء عند سماع القرآن‪ ،‬وأنكر عليهم بقايا الصحابة وكبار التابعين‬
‫ذلك‪ ،‬ومن أعالم هؤالء‪ :‬عامر بن عبدالله بن الزبير(((‪.‬‬

‫وأول تمييز للصوفية عن جماعة المسلمين‪ ،‬کان في النصف الثاني من‬


‫القرن الثاني‪ ،‬ومن أبرز أعالمهم عبد الواحد بن زید أشهر مؤسسي التصوف‪،‬‬
‫وشيخ الصوفية بالبصرة‪ ،‬ومن أشهر أصحابه أحمد بن عطاء الهجيمي البصری‬
‫(ت‪200‬هـ)‪ ،‬بالغ في العبادة والجوع‪ ،‬وكان متروك الحديث‪ ،‬وهو أول من بنى‬

‫((( راجع الصوفية في حضرموت‪ :‬أمين أحمد عبد الله السعدي ص‪ .54‬ولالستزادة مجموع‬
‫الفتاوى (‪.)10/81‬‬
‫أدب الطلب‪ :‬للشوكاني (ص‪ ،)172‬ط ‪1979‬م‪ ،‬مركز الدراسات واألبحاث اليمنية ‪ -‬صنعاء‪.‬‬
‫تلبيس إبليس‪ :‬البن الجوزي ‪.231‬‬
‫((( االتجاهات العقدية‪ :‬أ‪.‬د عبد الله السهلى ص ‪ 13‬دار كنوز إشبيليا‪ ،‬الطبعة األولى‪١٤٢٥ ،‬هـ‪:‬‬
‫‪٢٠١٤‬م‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪50‬‬

‫دويرة للصوفية‪ ،‬ونصب نفسه لألستاذية‪ ،‬وأوقف دارا للمتعبدين والمريدين‬


‫يقص عليهم(((‪.‬‬

‫هذا وقد كان تميز الصوفية عن جمهور المسلمين وعلمائهم قليال في أول‬
‫ظهور التصوف‪ ،‬لكن برز بعد ذلك‪ .‬وقد خلط المتقدمون التصوف بأصول‬
‫الكتاب والسنة واآلثار‪ ،‬إذ العهد قريب‪ ،‬وأنوار اآلثار النبوية بعد فيها ظهور(((‪.‬‬

‫و بعد ظهور اسم التصوف كان للصوفية شعب ثالث‪:‬‬


‫‪1.‬الصوفية الزهاد األوائل‪ :‬وهم قوم ذوي معتقد سليم في الجملة‪ ،‬وزالت‬
‫معلومة في التعبد‪.‬والحديث عن هؤالء الصوفية من إنصاف علماء أهل السنة‪،‬‬
‫إذ مدحوا ما عندهم من اتباع للسنة‪ ،‬وما تخلقوا به من ورع وزهد وخوف‪،‬‬
‫وغير ذلك مما أخذوه من الكتاب السنة‪ ،‬فنجد شيخ اإلسالم يدافع عن معتقد‬
‫الصوفية الذي ذكرهم أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية‪ ،‬والقشيري‬
‫في الرسالة‪ ،‬ويذكر أنهم كانوا على عقيدة أهل السنة والجماعة في باب الصفات‬
‫وأنهم يمرونها كما جاءت(((‪ ،‬وهذا من إنصاف علماء أهل السنة‪.‬‬

‫وذكر الدكتور عبد الله السهلي سمات هذه الطائفة وهذا االتجاه فقال‪:‬‬
‫وسمتهم البارزة‪ :‬الدعوة للزهد وشدة العبادة‪ ،‬ولبس المرقعات‪ ،‬مع موافقة‬

‫((( االتجاهات العقدية‪ :‬أ‪.‬د عبد الله السهلى ص ‪13‬وما بعدها بتصرف‪.‬‬
‫((( االتجاهات العقدية‪ :‬أ‪.‬د عبد الله السهلى ص ‪.16‬‬
‫((( االتجاهات العقدية عند الصوفية‪ :‬أ‪.‬د عبد الله بن دجين السهلى ص ‪10‬بتصرف‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫أهل السنة في االعتقاد في الجملة (((‪.‬وذكر من أعالم هؤالء‪ :‬الجنيد‪ ،‬وسهل‬


‫بن الله وغيرهما ممن رویت عنهم أقوال تدل على سالمة اعتقادهم في الجملة‪،‬‬
‫وحرصهم على االتباع‪ ،‬ولكن زلت أقدامهم في مواطن‪.‬ومن مواطن الزلل التي‬
‫ذكرها محمود عبد الرءوف القاسم‪ ،‬وهي سقطات وزالت ليست بالهينة‪.‬‬

‫قول الجنيد‪ :‬ال يكون الصدّ يق صدِّ يقًا حتى يشهد له في حقه سبعون صدِّ يقًا‬
‫أنه زنديق‪ ،‬فهم يشهدون على ظاهره‪ ،‬مما ظهر من حاله؛ ألن الصديق يعطي‬
‫الظاهر حكم الظاهر‪ ،‬ويعطي الباطن حكم الباطن‪ ،‬فال يلبسون بالباطن على‬
‫الظاهر وال بالظاهر على الباطن‪ ،‬فهم يشهدون أنه زنديق ظاهر ًا‪ ،‬كما يعلمون‬
‫أنه صديق باطنًا‪ ،‬لتحققهم بذلك الحال في نفوسهم(((‪.‬وقال أيضًا (وقد أورده‬
‫الغزالي في إحياء علوم الدين)‪... :‬أهل األنس يقولون في كالمهم ومناجاتهم‬
‫في خلواتهم أشياء هي كفر عند العامة(((‪.‬‬

‫ومن جيد قول الجنيد‪ :‬علمنا مضبوط بالكتاب والسنة‪ ،‬وقال أبو سليمان‬
‫الداراني‪ :‬ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فال أقبل منه إال بشاهدين‬
‫عدلين‪ :‬الكتاب والسنة((( ونحن نقول‪ :‬ال يمكن أبدا أن يستوى هذان الرجالن‪،‬‬

‫((( االتجاهات العقدية عند الصوفية‪ :‬أ‪.‬د عبد الله بن دجين السهلى ص ‪.10‬‬
‫((( المناظر اإللهية‪( ،‬ص‪ ،)44 :‬وكشف الحجاب‪( ،‬ص‪ )373 :‬وغيرها‪.‬‬
‫((( راجع‪ :‬الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ تأليف‪ /‬محمود عبد الرءوف القاسم‬
‫ص‪.9‬‬
‫((( سير أعالم النبالء‪ :‬للذهبي ج‪ 10‬ص‪.183‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪52‬‬

‫وال هذا الكالم الحكيم مع الصوفية الضالين الذين ينطقون ويكتبون الکالم‬
‫المشكل‪ ،‬بل يكتبون الكلمات الباطلة التي هي كفر وضالل‪ ،‬كقول أحدهم‪» :‬ما‬
‫في الجبة إال الله»‪ ،‬وكذلك تعاطيهم للسحر‪ ،‬وعبادتهم للكواكب‪ ،‬وتعاملهم‬
‫مع الشياطين‪ ،‬وتعاطيهم الكهانة‪ ،‬ثم ينامون ملء جفونهم ويسهر الناس جراها‬
‫ويختصم‪ :‬بين حاكم عليها بميزان الشرع بما تستحق‪ ،‬وبين مدافع عن الكفر‬
‫والباطل ملتمس المعاذير لمن تفوه بها‪ ،‬مؤول لها تأويالت بعيدة‪ ،‬ليس في هذه‬
‫المعاذير إقراره بأنها كفر وضالل تفوه بها ضال‪ ،‬وسيعرض البحث هذا كيف‬
‫دافعوا عن سحر الحالج‪ ،‬وسحر ابن عربي‪ ،‬وتعلقه بالكواكب‪ ،‬واشتغاله بعلم‬
‫الحروف(((‪.‬‬

‫وهؤالء الصوفية األوائل نرى أال وارث لهم في هذا الزمان‪ ،‬وإال فأين هذا‬
‫الذي يشبه سهال‪ ،‬أو أبا سليمان الداراني (على ما عليهما من مآخذ)‪ ،‬وأين‬
‫الصوفي سليم المعتقد في الجملة في زماننا بأن يكون على معتقد السلف‬
‫أصحاب الحديث‪ ،‬فالحق أن الصوفية في زماننا مزجوا تصوفهم بعلم الكالم‬

‫((( عرف األنطاكي علم الحروف بقوله‪( :‬علم الحرف علم باحث عن خواص الحروف إفرادا‬
‫وترکیبا‪ ،‬وموضوعه الحروف الهجائية ومادته األوفاق‪ ،‬والتراكيب وصورة تقسيمها كما وكيفأ‬
‫وتأليف األقسام والعزائم وما ينتج منها‪ ،‬وفاعله المتصرف‪ ،‬وغايته التصرف على وجه يحصل‬
‫به المطلوب إيقاعا وانتزاعا‪ ،‬ومرتبته بعد الروحانيات والفلك والنجامة) «تذكرة داود األنطاکی»‬
‫بواسطة رسالة شريفة فيما يتعلق باألعداد والحروف واألوفق وكم بقى من عمر الدنيا » ص (‪21‬‬
‫‪ )22 -‬لإلمام الصنعاني‪ ،‬تحقيق مجاهد بن حسن الوصابي‪ ،‬طبع مكتبة دار القدس‪ ،‬صنعاء‪،‬‬
‫الطبعه االولي (‪ 1412‬هـ ‪1992-‬م)‪..‬‬
‫‪53‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫والفلسفة‪ ،‬وعقائد الباطنية بصورة يستحيل معها الفصل والتمييز‪ ،‬فحتى أولئك‬
‫الذين يدرسون التصوف نظريا في قاعات الدرس بأقسام التصوف في جامعة‬
‫األزهر مثال إذا تحدثوا عن انحرافات الصوفية‪ ،‬فهم على انحراف إلى األشعرية‬
‫أو االعتزال أو غير ذلك‪ ،‬أما أن تجد منهم واحدا على اعتقاد أهل السنة فهذا ما‬
‫لم نره‪.‬‬

‫‪2.‬صوفية أهل الكالم‪ :‬وسمتهم البارزة علم الكالم‪ ،‬وما يتضمنه من نفي‬
‫الصفات الفعلية‪ ،‬أو نفى الصفات جميعا‪ .‬ظهر صوفية أهل الكالم بعد الصوفية‬
‫األوائل‪ .‬من هؤالء الحارث المحاسبي(((‪ ،‬وأبو القاسم القشيري(((‪ ،‬وأبو طالب‬

‫بي‪ ،‬الزاهد العارف‪ ،‬شيخ الصوفية‪ ،‬و ُكنْيتُه أبو عبد الله‪ .‬له التصانيف‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ُ‬
‫((( الحارث ب ُن أسد المحاس ُّ‬
‫المشهورة؛ منها‪ « :‬كتاب الر َع ِ‬
‫اية لحقوق الله «‪ ،‬و غيره‪ .‬و هو أستا ُذ ِ‬
‫أكثر البغداديين؛ و هو من َأ ْهل‬ ‫ُ ِّ‬
‫ال َب ْص َرة‪ .‬سمي المحاسبي ألنه كان يحاسب نفسه‪ .‬قال الخطيب‪ :‬له كتب كثيرة في الزهد‪ ،‬وأصول‬
‫الديانة‪ ،‬والرد على المعتزلة والرافضة‪.‬قال الجنيد‪ :‬خلف له أبوه ماال كثيرا فتركه‪ ،‬وقال‪ :‬ال يتوارث‬
‫أهل ملتين‪.‬وكان أبوه واقفيا‪.‬مات ببغداد‪ ،‬سنة ثالث و أربعين و مائتين‪ .‬طبقات الصوفية ‪( -‬ج ‪/ 1‬‬
‫ص ‪ ،)33‬طبقات األولياء ‪( -‬ج ‪ / 1‬ص ‪ ،)29‬سير أعالم النبالء ‪( -‬ج ‪ / 12‬ص ‪.)110‬‬
‫((( قال الذهبي‪ :‬االمام الزاهد‪ ،‬القدوة‪ ،‬االستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبدالملك بن‬
‫طلحة القشيري‪ ،‬الخراساني‪ ،‬النيسابوري‪ ،‬الشافعي‪ ،‬الصوفي‪ ،‬المفسر‪ ،‬صاحب « الرسالة «‪.‬ولد‬
‫سنة خمس وسبعين وثالث مئة‪.‬وتعاني الفروسية والعمل بالسالح حتى برع في ذلك‪ ،‬ثم تعلم‬
‫الكتابة والعربية‪ ،‬وجود‪ .‬ثم سمع الحديث من‪ :‬أبي الحسين أحمد بن محمد الخفاف‪ ،‬صاحب‬
‫أبي العباس الثقفي‪ ،‬ومن أبي نعيم عبدالملك بن الحسن االسفراييني‪ ،‬وأبي الحسن العلوي‪،‬‬
‫وعبد الرحمن بن إبراهيم المزكي‪ ،‬وعبد الله بن يوسف‪ ،‬وأبي بكر بن فورك‪ ،‬وأبي نعيم أحمد بن‬
‫محمد‪ ،‬وعدة‪.‬وتفقه على أبي بكر محمد بن أبي بكر الطوسي‪ ،‬واالستاذ أبي إسحاق االسفراييني‪،‬‬
‫وابن فورك‪ .‬توفي صبيح يوم االحد السادس والعشرين من ربيع اآلخر‪ ،‬سنة خمس وستين وأربع‬
‫مئة‪ .‬سير أعالم النبالء ‪( -‬ج ‪ / 18‬ص ‪.)227‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪54‬‬

‫المكي((( الذين أدخلوا علم الكالم على التصوف‪.‬‬


‫‪3.‬الصوفية المتفلسفة‪ :‬وهم الذين تبنوا عقائد مختلفة مقتبسة من الفالسفة‬
‫الصابئة وغيرهم(((‪.‬كان الغزالي صوفيا متكلما‪ ،‬مهد للتصوف الفلسفي بما‬
‫ذكره من إشارات في كتبه‪.‬‬

‫ثم ظهرت الصوفية الفلسفية على أيدي المالحدة‪ :‬كابن عربي وغیره‪ ،‬الذین‬
‫بنوا على إشارات الغزالي وجنحـوا إلى الفلسفة والباطنية جنوحا كليا‪ .‬ثم تابعت‬
‫الطرق الصوفية بعد ابن عربی سبيله المعوجة‪ ،‬فکانت الطرق بعد القرن الثامن‬
‫شارحة لكتب ابن عربي وأتباعه‪ ،‬مفرعة عليها‪ ،‬ومدافعة عنها(((‪.‬‬

‫هوالء الصوفية المتفلسفة المالحدة نقلوا عن فالسفة اليونان الصابئة السحرة‬


‫عبدة الکواکب مثل‪ :‬أرسطو‪ ،‬وقالوا بالحلول واالتحاد‪ ،‬ووحدة الوجود‪ ،‬ولم‬
‫يروا غضاضة في االشتغال بالسحر وعبادة الكواكب‪ ،‬وسيجد القاريء في بحثنا‬

‫((( محمد بن علي بن عطية أبو طالب المكي الزاهد الواعظ‪ :‬صاحب قوت القلوب حدث عن‬
‫علي بن أحمد المصيصي والمفيد وكان مجتهد ًا في العبادة‪ .‬كان يستعمل الرياضة كثير ًا وهجر‬
‫الطعام زمانًا واقتصر على أكل الحشائش المباحة فاخضر جلده‪ ،‬حدث عنه عبد العزيز األزجي‬
‫وغيره‪ .‬قال الخطيب‪ :‬ذكر في القوت أشياء منكرة في الصفات وكان من أهل الجبل ونشأ بمكة‪.‬‬
‫وقال لي أبو طاهر العالف‪ :‬إن أبا طالب وعظ ببغداد وخلط في كالمه وحفظ عنه أنه قال‪ :‬ليس‬
‫على المخلوقين أضر من الخالق فبدعوه وهجروه فبطل الوعظ‪ .‬مات سنة ست وثمانين وثالثمائة‬
‫انتهى‪ .‬وذكره النديم في مصنفي المعتزلة‪ .‬الوافي بالوفيات ‪( -‬ج ‪ / 1‬ص ‪ )490‬لسان الميزان ‪-‬‬
‫(ج ‪ / 2‬ص ‪.)443‬‬
‫((( االتجاهات العقدية‪ :‬أ‪.‬د عبد الله السهلى ص ‪17‬بتصرف‪.‬‬
‫((( االتجاهات العقدية‪ :‬أ‪.‬د عبد الله السهلى ص ‪17‬بتصرف‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫دالئل ذلك من كالمهم‪.‬‬

‫بل لقد كذب هؤالء الضالل على الصوفية األوائل‪ ،‬وزعموا أنهم كانوا على‬
‫طريقتهم‪ ،‬ونسبوا إليهم كتبا في الـسحر والشعوذة‪ ،‬فنسبوا للجنيد رسالة في‬
‫الكيمياء‪ ،‬ورسالة في الطالسم‪ ،‬ونسبوا للجنيد طريقة في الحل والتقطير‪ ،‬كما‬
‫نسبوا إلى سهل بن عبد الله التسرى رسالة في الحروف‪ ،‬نقلت من طريق ابن‬
‫ميسرة‪ ،‬وقد نشرها الدكتور محمد کمال جعفر فی آخر کتاب التراث الصوفي‬
‫لسهل التستـرى‪ ،‬وقد تضمنت الرسالة أقواال كفرية‪ ،‬ال يمكن أن تصدر عن‬
‫سهل مثل‪ :‬الحروف هي القوى الروحانية المفردة‪ ،‬وهي أصل األشياء» وفي‬
‫هذه الرسالة أيضا‪ :‬وجميع الصفات التي وصف بها الخالق ‪-‬تعالى‪ -‬نفسه إنما‬
‫وجدت بهذه القوة‪ ،‬وبها تعلقت وبها أحاط المكنونات‪.(((.‬‬

‫هذا وقد رأى الدكتور محمود عبد الرءؤف القاسم‪ ،‬أن التصوف حقيقة‬
‫واحدة وإن اختلفت المسميات والمظاهر‪ ،‬وأنه منهج أجنبي عن دين اإلسالم‪،‬‬
‫وأنهم يجتمعون جميعا في القول بوحدة الوجود في الحقيقة‪ ،‬هذه العقيدة‬
‫التي نرى أنها أساس كبير من أسس تعاطي الصوفية للسحر ولعبادة الكواكب‬
‫والجن‪ ،‬قال القاسم‪:‬‬
‫وكل إلـــى ذاك الجمـــال يشـــير‬
‫ٌّ‬ ‫عباراتنـــا شـــتى وحســـنك واحـــد‬

‫ال يوجد إال صوفية واحدة‪ ،‬غايتها واحدة‪ ،‬وحقيقتها واحدة (وسنرى أن‬

‫((( االتجاهات العقدية‪ :‬أ‪.‬د عبد الله السهلى ص ‪44‬وما بعدها بتصرف‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪56‬‬

‫طريقتها واحدة) منذ أن وجدت الصوفية حتى النهاية‪ ،‬وإن اختلفت األسماء‪،‬‬
‫وهذه براهين من أقوال عارفيهم (وصاحب البيت أدرى بما فيه)‪ :‬قال الجنيد‬
‫(سيد الطائفة)‪( :‬الصوفية أهل بيت واحد ال يدخل فيهم غيرهم) (((‪.‬‬

‫هذه أقوال لبعض كبار القوم‪ ،‬نخلص منها إلى أن للصوفية عقيدة واحدة يدين‬
‫بها كل المتصوفة قديمهم وحديثهم‪ ،‬وأن الطرق الصوفية (كالشاذلية والرفاعية‬
‫والقادرية والخلوتية والنقشبندية واليشرطية والمولوية والبكطاشية والتجانية‬
‫وغيرها وغيرها‪ ،‬وإن اختلفت أسماؤها‪ ،‬فهي كلها تؤدي إلى هدف واحد هو‬
‫العقيدة الصوفية الواحدة(((‪.‬وبين هذه العقيدة فقال‪ :‬إن الصوفيين كلهم‪ ،‬من‬
‫أولهم إلى آخرهم‪( ،‬إال المبتدئين)‪ ،‬يؤمنون بوحدة الوجود‪ ،‬وما مضى‪ ،‬ومئات‬
‫النصوص التالية هي أدلة وبراهين(((‪ .‬ثم ساق كثيرا من النقول‪.‬‬

‫ويمكن إجمال مراحل التصوف فيما يلي‪:‬‬


‫المرحلة األولى‪:‬‬

‫كان يغلب على أصحاب هذه المرحلة العبادة واالنعزال عن الناس‪ ،‬مع‬
‫االلتزام بآداب الشريعة‪ ،‬ويغلب عليهم الخوف الشديد والبكاء المستمر حيث‬
‫كان بعضهم يواصل صومه ثالثًا‪ ،‬فينهاهم أهل العلم مبينين أن أبا بكر وعمر‬

‫((( الرسالة القشيرية (ص‪.)127 :‬‬


‫((( الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ تأليف‪ /‬محمود عبد الرءوف القاسم ص ‪9‬‬
‫((( الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ تأليف‪ /‬محمود عبد الرءوف القاسم ص‬
‫‪77‬‬
‫‪57‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫لم يكونا هكذا‪.‬وكان فيهم من يصرح أن علمهم مضبوط بالكتاب والسنة‪،‬‬


‫فهؤالء وإن كانت مقاصدهم حسنة فإنهم في حقيقة األمر على غير الجادة لقلة‬
‫علمهم‪ ،‬بل قد وقع بعضهم في التعبد باألحاديث الموضوعة‪.‬وإن كان الصفاء‬
‫الروحي قد وجد في هذه المرحلة إال أنه استحدث إلى جانب ذلك االستماع‬
‫إلى القصائد الزهدية مع استعمال األلحان المطربة‪ ،‬وصنفت الكتب التي تجمع‬
‫أخبار الزهد‪ ،‬لكنها خلطت بين الصحيح وغيره‪ .‬يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪:‬‬
‫«فإن المذاهب قد ظهرت بعد القرون المفضلة رويد ًا رويد ًا‪ ،‬وكان أصحابها‬
‫األولون قد انفردوا بما أتوا من الزهد والورع‪ ،‬الذي لم يكن عليه رسول الله‬
‫وأصحابه‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان‪ ،‬وإلى هذا يشير قوله تعالى‪ :‬ﱹ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﱸ(((‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪:‬‬

‫بدأت فيها ظهور مصطلحات غامضة‪ ،‬وطقوس غريبة‪ ،‬وانحرافات عن‬


‫الشريعة‪ ،‬وظهرت طرق منظمة لها مشايخها وطقوسها الخاصة بها‪ ،‬وكان‬
‫ذلك بعد القرن الثالث الهجري‪ ،‬وظهر ما يسمى بعلم الظاهر والباطن‪ ،‬وأعلن‬
‫بعضهم سقوط التكاليف الشرعية عن أوليائهم‪ ،‬لوصولهم إلى علم الحقيقة‬
‫بسبب الكشف واإللهام‪ ،‬وادعوا االطالع على علم الغيب فكثرت األساطير‬
‫والخرافات في ذلك‪ ،‬كما انتشرت فيهم الكهانة وإلقاء الشياطين‪ ،‬وظهر واضحا‬

‫((( الحديد‪.27 :‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪58‬‬

‫أثر الشيعة والباطنية على الصوفية في هذه المرحلة‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪:‬‬

‫وتعتبر هذه المرحلة أخطر مراحل التصوف حيث تسربت إلي التصوف‬
‫الفلسفة اليونانية‪ ،‬فأبعدتها عن مراحل التصوف السابقة‪ ،‬بل جعلتها خارجة عن‬
‫اإلسالم‪ ،‬وظهرت النظريات الفلسفية الكثيرة‪ ،‬حيث ذكر بعضهم أن األفالطونية‬
‫الحديثة هي إحدى المصادر األساسية للتصوف‪ ،‬بل إنها المصدر األول لمن‬
‫قال بوحدة الوجود والحلول‪ ،‬ويرى آخرون أنها مأخوذة من البوذية‪ ،‬وغيرها‬
‫من الديانات المحرفة كاليهودية والنصرانية‪ .‬وكان من شخصيات هذه المرحلة‬
‫أبو يزيد البسطامي الذي كان له دور كبير في انحراف التصوف عن ذي قبل‪ ،‬قال‬
‫عنه الحافظ ابن كثير‪« :‬وقد حكي عنه شطحات ناقصات‪ ،‬وقد تأولها الكثير من‬
‫الفقهاء والصوفية‪ ،‬وحملوها على محامل بعيدة‪ ،‬وقد قال بعضهم‪ :‬إنه قال ذلك‬
‫في حالة االصطالم والغيبة‪ ،‬ومن العلماء من بدعه وخطأه‪ ،‬وجعل ذلك من أكبر‬
‫البدع‪ ،‬وأنها تدل على اعتقاد فاسد كامن في القلب ظهر في أوقاته‪ ،‬والله أعلم»‬

‫ثم جاء بعد أبي يزيد البسطامي الحسين بن منصور الحالج الذي كان له أثر‬
‫واضح في زيادة االنحراف عند الصوفية‪ ،‬حيث صرح بمعتقده الفاسد‪ ،‬وأظهر‬
‫أعما ً‬
‫ال منكرة‪ .‬وقد حكم علماء عصره بزندقته الموجبة لقتله‪ ،‬فقتل وصلب‬
‫وأحرقت جثته‪.‬ومن أقوال الحالج التي تبرز زندقته من الحلول‪( :‬ما في الجبة‬
‫إال الله) وغير ذلك من أقواله الشنيعة وأفعاله القبيحة‪ ،‬وكذلك اشتغاله بالسحر‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫وانتهت هذه المرحلة الخطيرة بابن الفارض وابن عربي وغيرهما‪ ،‬فصار هؤالء‬
‫المتصوفة يعتقدون أن ال فرق بين الله وخلقه‪ ،‬وأنه تعالى متجل في كل شيء‬
‫في الكون حتى الكالب والخنازير (نعوذ بالله من هذا الكفر)‪ ،‬فالكل مظاهره‪،‬‬
‫وما في الوجود إال الله‪ ،‬فهو الظاهر في الكون‪ ،‬والكون مظهره تعالى الله‬
‫وتقدس‪ ،‬وأضاف ابن عربي أقوا ً‬
‫ال شنيعة على أقوال من سبقه من المتصوفة‪،‬‬
‫وألف المؤلفات المنحرفة المشاقة لدين الله تعالى ككتابيه الفتوحات المكية‪،‬‬
‫وفصوص الحكم(((‪ ،‬وفي كتاب الفتوحات مثال تزيين لكل كفر وباطل‪ ،‬ولعب‬
‫بالكلمات واأللفاظ‪ ،‬واستخدام التمويه والتضليل لترويج الكفر والسحر‬
‫وعبادة الكواكب‪ ،‬وتقديسها وتعظيمها‪.‬‬

‫ولقد مثل مقتل الحالج تحوال كبيرا في من أتى بعده من الصوفية عامة وفي‬
‫غالتهم خاصة‪ ،‬وتمثل ذلك في‪:‬‬

‫‪B‬استتارهم بمذهبهم‪ ،‬ومحاولة إخفاء حقيقته عن عامة المسلمين‪.‬‬


‫‪B‬اتخاذ الغلو في الرسول ‪ ‬ذريعة إلى نشر العقائد الهدامة في‬
‫صفوف األمة بدعوى محبة الرسول ‪.‬‬

‫يعد ابن عربي صاحب مذهب وحدة الوجود في المحيط الصوفي‪ ،‬إذ بذل في‬
‫سبيل نشره ودعوة الناس إليه كل ما في وسعه(((‪.‬‬
‫((( راجع الصوفية في حضرموت‪ :‬أمين أحمد عبد الله السعدي ص‪56‬وما بعدها بتصرف‪.‬‬
‫((( محبة الرسول بين االتباع واالبتداع‪ :‬عبد الرؤف محمد عثمان ص‪ ،437‬رئاسة إدارة البحوث‬
‫العلمية واإلفتاء‪ ،‬الطبعة األولى‪1414 ،‬ه‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪60‬‬

‫مذاهب التصوف ومصادره‪:‬‬


‫يمكن تقسيم مذاهب الغالة من الصوفية إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬أهل المذهب اإلشراقي‪:‬‬


‫وهو الذي غلبت فيه الناحية الفلسفية على ما عداها‪ ،‬واإلشراق بالمعنى‬
‫الفلسفي الصوفي‪ :‬هو تلقى العلم الغيبى والمعرفة اإللهية عن العالم العلوى‬
‫الروحاني بعد سلوك طريق التصوف‪ :‬من رياضة روحية‪ ،‬ومجاهدة للنفس‬
‫بحيث تصفو من الكدورات البشرية‪ ،‬وحينئذ ينعكس عليها أو يشرق فيها‬
‫من العلوم والمعارف ما هو منقوش في العالم الروحاني العلوى‪ ،‬أو العقول‬
‫والنفوس الفلكية‪ ،‬واالشراقيون هم‪ :‬الذين يرون أن المعارف تحصل عن‬
‫هذا الطريق و يطلبونها به‪ ،‬وهذا أسلوب مخالف لتعاليم اإلسالم‪ ،‬مأخوذ من‬
‫الديانات المنحرفة كالبوذية وغيرها(((‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬مذهب الحلول‪:‬‬


‫وهم القائلون بأن الله يحل في اإلنسان ‪-‬تعالى الله عن ذلك‪ -‬وقد نادي‬
‫بذلك بعض الغالة من الصوفية‪ :‬كالحسين بن منصور الحالج‪ ،‬الذي أفتى‬
‫العلماء بكفره وقتله‪ ،‬وقد قتل وصلب سنة ‪309‬هـ‪ ،‬ومع أنه قتل لزندقته‪،‬‬
‫وتبرأ منه بعض الصوفية‪ ،‬إال أن أكثرهم صححوا حاله‪ ،‬ودونوا كالمه‪ ،‬ومنهم‬

‫((( أضواء على التصوف‪ :‬الدكتور طلعت غنام ص‪67‬بتصرف‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬حقيقة الصوفية في‬
‫ضوء الكتاب والسنة تأليف د محمد ربیع ص‪.27‬‬
‫‪61‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫مثال‪ :‬أبو العباس بن عطاء البغدادي‪ ،‬ومحمد بن حقيق الشيرازي‪ ،‬وإبراهيم‬


‫النصرابادي‪ ،‬كما نقل ذلك الخطيب البغدادي في تاريخه‪ .‬وقد ترجم اليافعي‬
‫للحالج في كتابه مرآة الجنان وأطال في ترجمته وذكر اعتذار الصوفية له‪،‬‬
‫وشنع على الحافظ الذهبي في ترجمة الحالج ونبذه‪ ،‬والحالج هو إمام ابن‬
‫عربي وفاتح الطريق له ولغيره‪ ،‬وهذا يدل على اقتناع القوم بآراء الحالج وابن‬
‫عربي المنحرفة‪ ،‬واعتقادهم بواليتهما وتخريج المخارج ألقوالهما الشنيعة‪،‬‬
‫وذلك لبعدهم عن منهج السلف الصالح الذي سار فيه الحافظ الذهبي وغيره‬
‫(((‬
‫من علماء السنة‪.‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬القول بوحدة الوجود‪:‬‬


‫وهو المذهب الذي يقرر أن الموجود واحد في الحقيقة‪ ،‬وكل ما تراه ليس إال‬
‫تعينات للذت اإللهية‪ ،‬وزعيم هذه الطائفة ابن عربي المدفون بدمشق والمتوفى‬
‫سنة ‪638‬ه‪ ،‬من ذلك قوله في في كتاب الفتوحات المكية‪:‬‬
‫ياليـــت شـــعري مـــن المكلـــف‬ ‫العبـــد رب والــــرب عــــبد‬

‫أو قلـــت رب أنـــى يكلـــف‬ ‫إن قـلــــت عـبــــد فــــذاك حـــق‬

‫ويقول أيضا في «الفتوحات»‪( :‬إن الذين عبدوا العجل ما عبدوا غير الله)‪،‬‬
‫ومن العجائب التي تدل على حكمة الله في الهداية واإلضالل‪ ،‬أن الذي يقول‬

‫((( راجع الصوفية في حضرموت‪ :‬أمين أحمد عبد الله السعدي ص‪59‬وما بعدها بتصرف‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪62‬‬

‫هذا اإلفك يلقبه الصوفية بالعارف بالله‪ ،‬والقطب األكبر‪ ،‬والمسك األذفر‪،‬‬
‫والكبريت األحمر‪ ،‬بل لقد مدح فرعون‪ ،‬وحكم بأنه مات على اإليمان‪ ،‬وذم‬
‫هارون ‪ ‬إلنكاره على قومه عبادة العجل‪ ،‬مخالفا بذلك نص القرآن‪،‬‬
‫كما يرى ابن عربي أن النصاري إنما كفروا ألنهم خصصوا عيسى باأللوهية ولو‬
‫عمموا لما كفروا(((‪.‬‬

‫مصادر التصوف‪:‬‬
‫استمد التصوف أصوله ومصادره من مصادر شتى‪ ،‬وهي مصادر غريبة‬
‫عن الوحي المطهر‪ :‬كتابا وسنة‪ ،‬وبعيدة عن هدي الصحابة (رضي الله عنه)‬
‫وتابعيهم بإحسان‪ ،‬ومن مصادره‪ :‬الفلسفة اإلشراقية‪ ،‬وكذلك األصول الهندية‪،‬‬
‫والفارسية‪ ،‬وثمت تعاليم غربية‪ ،‬وأخرى شرقية(((‪.‬‬

‫قال الدكتور طلعت غنام‪ :‬إن التصوف يشبه إلى حد كبير الصورة الخاصة‬
‫التي انفردت بها الروحانية الهندية‪ ،‬وبمذاهب الهنود المختلفة في تلك العصور‬
‫وهي مرتبطة أحكم االرتباط بمذهب الفيدا‪ ،‬كتاب الهند المقدس‪.‬‬

‫وإذا نظرنا إلى التراث العالمي ‪-‬وخاصة الغربي المسيحي منه‪ -‬وجدنا أن‬
‫استعمال كلمة صوفي (‪ « )Alysticisme‬يرجع في الغرب للمرة األولى‬
‫إلى (دينيس األريوباجی) (‪ )Denis I AreopA Gits‬أثقف أثينا في‬

‫((( حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة تأليف د محمد ربیع ص‪.27‬‬
‫((( أضواء على التصوف‪ :‬الدكتور طلعت غنام ص‪29‬بتصرف‪ ،‬عالم الكتب‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫القرن األول‪ ،‬في سفرين من المؤلفات المنسوبة إليه وهما‪« :‬االسماء اإللهية»‬
‫و«األلوهية المتصوفة» وينبغي أن نالحظ هنا أن أكثر التعبيرات التي وردت في‬
‫هذين الـكتابين قد صار فيما بعد تعبيرات اصطالحية فنية في علم التصوف‬
‫المعاصر(((‪.‬‬

‫فمن أصل مسيحي أدخلوا الرهبنة والحلول واالتحاد‪ ،‬وأيقظ الفكرة‬


‫المسيحية القائلة (حلول الالهوت في الناسوت)‪ ،‬ومن أصل هندى جاءت‬
‫فكرة وحدة الوجود واالتحاد‪ ،‬والتناسخ‪ .‬ومن أصل فارسي جاءت الحقيقة‬
‫المحمدية‪ ،‬وأنها أول مخلوق خلقه الله‪ ،‬وأنها التعين األول إلى آخر تلك‬
‫الترهات التي امتألت بها كتب الصوفية (((‪.‬‬

‫أخذ بعض سحرة الصوفية السحر عن الملل األخرى‪:‬‬

‫لقد بعث الله (جل ثناؤه)‪ ،‬نبيه ‪ ،‬بالدين الخاتم دين هو أحب‬
‫األديان إلى الله وأكملها‪ ،‬جاء النبي ‪ ‬مصدقا لما بين يديه من رسل‬
‫الله الذين بشروا به ‪ ،‬وجاء بكتاب مهيمن على ما سبقه من كتب‪،‬‬
‫مصدق لما فيها‪ ،‬محق للحق مبطل لما زادوه األحبار والرهبان أو حرفوه‪ ،‬ناسخ‬
‫للشرائع من قبله‪ ،‬وقد نهانا النبي ‪ ‬عن التشبه في ديننا بأهل الملل‬
‫األخرى‪ ،‬وحذر منه تحذيرا شديدا‪ ،‬فقال‪َ « :‬ل ْي َس ِمنَّا َم ْن ت ََش َّب َه بِ َغ ْيرِنَا»(((‪ ،‬وقال‬

‫((( أضواء على التصوف‪ :‬الدكتور طلعت غنام ص‪.23‬‬


‫((( أضواء على التصوف‪ :‬الدكتور طلعت غنام ص‪ 80‬بتصرف‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫((( رواه الترمذي في كتَاب ااِل ْست ْئ َذان‪َ ،‬باب َما َجا َء في ك ََراه َية إِ َش َارة ا ْل َيد بِ َّ‬
‫الساَلَ ِم حديث رقم‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪64‬‬

‫على سبيل التحذير أيضا‪َ « :‬ل َت َّتبِ ُع َّن َسن ََن َم ْن َق ْب َلك ُْم ِش ْب ًرا بِ ِش ْبرٍ َو ِذ َرا ًعا بِ ِذ َرا ٍع َحتَّى‬
‫ول ال َّل ِه ا ْل َي ُهو َد َوالن ََّص َارى َق َال َف َم ْن»(((‪،‬‬ ‫ب َل َس َل ْكت ُُمو ُه ُق ْلنَا َيا َر ُس َ‬
‫َل ْو َس َلكُوا ُج ْح َر َض ٍّ‬
‫هذا هو المنهج الحق‪ ،‬لكن المتصوفة يأخذون من كل الشرائع السابقة‪ ،‬بل‬
‫ويتجاوزون ذلك إلى األخذ من كل نحلة وثقافة وفلسفة‪ ،‬وأمر استيراد األفكار‬
‫من األمم األخرى معلوم ال ينكره أحد (منهم فضال عن غيرهم)‪ ،‬وما األفكار‬
‫والنظريات المخالفة للعقيدة اإلسالمية‪ ،‬والسنة النبوية إال فكرة يهودية‪ ،‬أو‬
‫نصرانية‪ ،‬أو بوذية‪ ،‬أو يونانية‪ ،‬أو فلسفية‪ ،‬أو ما شئت من نحلة وملة‪ ،‬ولم يجد‬
‫الصوفية حرجا في ذلك‪ ،‬وكان السحر مما تلقفه الصوفية عن غيرهم‪.‬‬

‫لقد سافر بعض كبار الصوفية لتعلم السحر في الهند‪ ،‬قال الخطيب البغدادي‬
‫«حدَّ َثنِي َأ ُبو سعيد السجزي‪ ،‬أنبأنا ُم َح َّمد بن َع ْب ِد ال َّل ِه ْب ِن ُع َب ْيد ال َّل ِه الصوفي‬
‫َ‬
‫علي بن َأ ْح َمد‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫الشيرازي قال‪ :‬سمعت أبا ال َح َسن بن أبي توبة يقول‪ :‬سمعت ّ‬
‫ول‪ :‬وجهني المعتضد إِ َلى الهند ألمور أتعرفها‬
‫الحاسب َق َال‪ :‬سمعت والدي َي ُق ُ‬
‫ليقف عليها‪ ،‬وكان معي فِي السفينة رجل يعرف بالحسين بن َمن ُْصور‪ ،‬وكان‬
‫حسن العشرة طيب الصحبة‪ ،‬فلما خرجنا من المركب ونحن َع َلى الساحل‬
‫والحمالون ينقلون الثياب من المركب إِ َلى الشط فقلت َل ُه‪ :‬أيش جئت إِ َلى‬
‫هاهنا؟ َق َال‪ :‬جئت ألتعلم السحر‪ ،‬وأدعو الخلق إِ َلى ال َّله تعالى‪َ ،‬ق َال‪ :‬وكان َع َلى‬

‫‪2619‬وصححه األلباني في السلسة الصحيحة برقم ‪2194‬ج‪ 5‬ص‪.193‬‬


‫يث ا َأْلْ ْنبِي ِ‬
‫اء‪َ ،‬باب َما ُذكِ َر َع ْن َبنِي إِ ْس َرائِ َيل حديث رقم ‪،3197‬‬ ‫اد ِ‬
‫((( رواه البخاري في كِتَاب َأح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ومسلم في كِتَاب ا ْل ِع ْل ِم‪َ ،‬باب ا ِّت َبا ِع ُسن َِن ا ْل َي ُهود َوالن ََّص َارى حديث رقم ‪.4822‬‬
‫ِ‬
‫‪65‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫الشط كوخ وفيه شيخ كبير‪ ،‬فسأله ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور‪ :‬هل عندكم من يعرف شيئا‬
‫من السحر؟ َق َال‪ :‬فأخرج الشيخ كبة غزل وناول طرفه ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور‪ ،‬ثم‬
‫رمى الكبة فِي الهواء فصارت طاقة واحدة‪ ،‬ثم صعد عليها ونزل! َو َق َال للحسين‬
‫بن َمن ُْصور‪ :‬مثل هذا تريد؟ ثم فارقني ولم أره بعد ذلك ّإاّل ببغداد‪.‬‬

‫الر ْح َم ِن‬
‫وقال الخطيب أنبأنا إسماعيل بن أحمد الحيرى‪ ،‬أنبأنا َأ ُبو َع ْبد َّ‬
‫السلمي َق َال‪َ :‬ق َال المزين‪ :‬رأيت ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور فِي بعض أسفاره قلت َل ُه‪:‬‬
‫إِ َلى أين؟ َف َق َال‪ :‬إِ َلى الهند أتعلم السحر أدعو به الخلق إِ َلى ال َّله ‪.‬‬

‫وقال الخطيب أيضا َأ ْخ َب َرنَا ُم َح َّمدُ ْب ُن َعلِ ّي بن الفتح‪ ،‬أنبأنا ُم َح َّمد ْبن ا ْل ُح َس ْين‬
‫ول‪َ :‬ق َال لِي بعض أصحابنا ُق ْل ُت‬ ‫النيسابوري َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َأ َبا ا ْل َع َّباس الرزاز َي ُق ُ‬
‫ألبي ا ْل َع َّباس بن عطاء‪ :‬ما تقول فِي ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور؟ َف َق َال‪ :‬ذاك مخدوم من‬
‫الجن‪َ ،‬ق َال‪ :‬فلما ك َ‬
‫َان بعد سنة سألته عنه فقال‪ :‬ذاك من حق‪ .‬فقلت‪ :‬قد سألتك‬
‫عنه قبل هذا فقلت مخدوم من الجن‪ ،‬وأنت اآلن تقول هذا! َف َق َال‪ :‬نعم‪ ،‬ليس‬
‫كل من صحبنا يبقى معنا فيمكننا أن نشرفه َع َلى األحوال‪ ،‬وسألت عنه وأنت فِي‬
‫بدء أمرك‪ ،‬وأما اآلن وقد تأكد الحال بيننا‪ ،‬فاألمر فيه ما سمعت(((‪.‬‬

‫ومما جاء في الموسوعة الميسرة عنهم‪ ...‬حتى تداخلت طريقتهم تلك‬


‫مع الفلسفات الهندية‪ ،‬والفارسية‪ ،‬واليونانية‪ (((.‬وهذه الديانات فيها السحر‬
‫((( تاريخ بغداد وذيوله‪ :،‬أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ج ‪7‬ص ‪ ،120‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫((( (ص ‪.)341‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪66‬‬

‫والتنجيم‪.‬‬

‫قال الدكتور طلعت غنام‪ :‬إن التصوف يشبه إلى حد كبير الصورة الخاصة‬
‫التي انفردت بها الروحانية الهندية‪.‬وبمذاهب الهنود المختلفة في تلك العصور‬
‫وهي مرتبطة أحكم االرتباط بمذهب الفيدا‪ ،‬كتاب الهند المقدس(((‪.‬‬

‫قلنا‪ ،‬وهذا الكتاب يشتمل على السحر وقد وقع اقتباس الصوفية منه بعض‬
‫األفكار فال يبعد أخذ سحرتهم منه‪.‬‬

‫أما عن اقتباس السحر من الشيعة فهناك دالئل على ذل‪ ،‬وبين التشيع‬
‫والتصوف قواسم مشتركة‪ ،‬وتشابه‪ ،‬مع رد بعضهم على بعض بل وتضليل‬
‫بعضهم‪ ،‬وتكفير الحر العاملي للصوفية معلوم‪ ،‬لكن ال يخفى أنه على مدى‬
‫تاريخ اإلسالم والمسلمين كان التصوف والرفض هما السكين التي يذبح بها‬
‫أهل اإلسالم‪ ،‬وتطعن بها الشريعة‪.‬‬

‫ولقد تأثر الصوفية بالتشيع في أمور كثيرة‪ ،‬ومنها أمر السحر‪ ،‬وقد أثبت هذا‬
‫الصوف ّية‬ ‫ّ‬
‫المتأخرين من ّ‬ ‫فقال»ثم حدث أيضا عند‬
‫ّ‬ ‫األثر عبد الرحمن ابن خلدون‬
‫الحس وظهر من كثير منهم القول على اإلطالق‬
‫ّ‬ ‫الكالم في الكشف وفيما وراء‬
‫األئمة‬
‫ّ‬ ‫والرافضة لقولهم بألوه ّية‬
‫بالحلول والوحدة‪ ،‬فشاركوا فيها اإلمام ّية ّ‬
‫وحلول اإلله فيهم‪ .‬وظهر منهم أيضا القول بالقطب واألبدال وكأنّه يحاكي‬
‫الشيعة وتو ّغلوا في الدّ يانة‬
‫الرافضة في اإلمام والنّقباء‪ .‬وأشربوا أقوال ّ‬
‫مذهب ّ‬

‫((( أضواء على التصوف‪ :‬الدكتور طلعت غنام ص‪.166‬‬


‫‪67‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫بمذاهبهم‪ ،‬حتّى جعلوا مستند طريقهم في لبس الخرقة ّ‬


‫أن عل ّيا (رضي الله عنه)‬
‫البصري‪ ،‬وأخذ عليه العهد بالتزام ال ّطريقة‪ .‬وا ّتصل ذلك عنهم‬
‫ّ‬ ‫ألبسها الحسن‬
‫علي من وجه صحيح‪ ...،‬وظهر منهم‬
‫بالجنيد من شيوخهم‪ .‬وال يعلم هذا عن ّ‬
‫الرافضة وكتب المتأخرين‬
‫أيضا القول بالقطب وامتألت كتب اإلسماعيل ّية من ّ‬
‫ّ‬
‫يستدل بعضهم بكالم‬ ‫الفاطمي المنتظر‪ ...‬ور ّبما‬ ‫المتصوفة بمثل ذلك في‬
‫ّ‬ ‫من‬
‫ّ‬
‫المنجمين في القرانات وهو من نوع الكالم في المالحم‪ .‬وأكثر من تك ّلم من‬
‫ّ‬
‫الحاتمي في كتاب‬ ‫عربي‪،‬‬ ‫الفاطمي‪ ،‬ابن‬ ‫ّ‬
‫المتأخرين في شأن‬ ‫المتصوفة‬
‫ّ‬ ‫هؤالء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحق بن سبعين‬
‫ّ‬ ‫قسي في كتاب (خلع النّعلين)‪ ،‬وعبد‬
‫(عنقاء مغرب)‪ ،‬وابن ّ‬
‫وابن أبي واصل تلميذه في شرحه لكتاب (خلع النّعلين)‪ .‬وأكثر كلماتهم في‬
‫مفسرو كالمهم(((‪.‬‬
‫يصرح ّ‬ ‫يصرحون في ّ‬
‫األقل أو ّ‬ ‫شأنه ألغاز وأمثال ور ّبما ّ‬
‫جابر ابن حيان الصوفي الشيعي والسحر‪:‬‬

‫جمع جابر ابن حيان بين السحر والتنجيم والتصوف والتشيع‪ ،‬وكان ممن‬
‫نقل السحر من التشيع إلى التصوف‪ ،‬وقد أثبت هذا األثر الشيعة أنفسهم فقال‬
‫ابن النديم‪« :‬أخبار جابر بن حيان وأسماء كتبه‪ :‬هو أبو عبد الله جابر بن حيان بن‬
‫عبد الله الكوفي المعروف بالصوفي‪ ،‬واختلف الناس في أمره‪ :‬فقالت الشيعة‪:‬‬
‫إنه من كبارهم وأحد األبواب وزعموا أنه كان صاحب جعفر الصادق رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬وكان من أهل الكوفة‪ ،‬وزعم قوم من الفالسفة أنه كان منهم‪ ،‬وله في‬

‫((( مقدمة ابن خلدون‪ :‬ابن خلدون ج‪1‬ص‪.304‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪68‬‬

‫المنطق والفلسفة مصنفات‪ ،‬وزعم أهل صناعة الذهب والفضة أن الرياسة‬


‫انتهت إليه في عصره وأن أمره كان مكتوما‪ ،‬وزعموا أنه كان يتنقل في البلدان‬
‫ال يستقر به بلد خوفا من السلطان على نفسه‪ ،‬وقيل إنه كان في جملة البرامكة‬
‫ومنقطعا إليهم‪ ،‬ومتحققا بجعفر بن يحيى‪ ،‬فمن زعم هذا قال إنه عني بسيده‬
‫جعفر هو البرمكي‪ ،‬وقالت الشيعة إنما عني جعفر الصادق‪ ،‬قال ابن النديم‪:‬‬
‫وحدثني بعض الثقات ممن تعاطا الصنعة أنه كان ينزل في شارع باب الشام‬
‫في درب يعرف بدرب الذهب‪ ،‬وقال لي هذا الرجل إن جابرا كان أكثر مقامه‬
‫بالكوفة‪ ،‬وبها كان يدبر األكسير لصحة هوائها‪ ،‬ولما أصيب بالكوفة األزج‬
‫الذي وجد فيه هوان ذهب فيه نحو مائتي رطل ذكر هذا الرجل أن الموضع‬
‫الذي أصيب ذلك فيه كان دار جابر بن حيان‪ ،‬فإنه لم يصب في ذلك االزج‬
‫غير الهاون فقط‪ ،‬وموضع قد بني للحل والعقد هذا في أيام عز الدولة بن معز‬
‫الدولة‪ ،‬وقال لي أبو اسبكتكين دستاردار‪ :‬انه هو الذي خرج ليتسلم ذلك‪ ،‬وقال‬
‫جماعة من أهل العلم وأكابر الوراقين إن هذا الرجل يعني جابرا ال أصل له‬
‫وال حقيقة‪ ،‬وبعضهم قال إنه ما صنف وإن كان له حقيقة اال كتاب الرحمة وإن‬
‫هذه المصنفات صنفها الناس ونحلوه إياها‪ ،‬وأنا أقول إن رجال فاضال يجلس‬
‫ويتعب فيصنف كتابا يحتوي على ألفي ورقة يتعب قريحته وفكره بإخراجه‬
‫ويتعب يده وجسمه بنسخه ثم ينحله لغيره إما موجودا أو معدوما ضرب من‬
‫الجهل‪ ،‬وإن ذلك ال يستمر على أحد‪ ،‬وال يدخل تحته من تحلى ساعة واحدة‬
‫‪69‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫بالعلم‪ ،‬وأي فائدة في هذا وأي عائدة والرجل له حقيقة وأمره أظهر وأشهر‪،‬‬
‫وتصنيفاته أعظم وأكثر‪ ،‬ولهذا الرجل كتب في مذاهب الشيعة أنا أوردها في‬
‫مواضعها وكتب في معان شتى من العلوم قد ذكرتها في مواضعها من الكتاب‬
‫وقد قيل إن أصله من خراسان‪ ،‬والرازي يقول في كتبه المؤلفة في الصنعة قال‬
‫أستاذنا أبو موسى جابر بن حيان‪....‬وقال جابر في كتاب فهرسته‪ ....‬ثم ألفت‬
‫كتبا في الزهد والمواعظ وألفت كتبا في العزائم كثيرة حسنة وألفت كتبا في‬
‫النيرنجات وألفت في األشياء التي يعمل بخواصها(((‪.‬‬

‫وفي مقدمة ابن خلدون‪ :‬ثم ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه‬
‫الملة‪ ،‬فتصفح كتب القوم واستخرج الصناعة‪ ،‬وغاص في زبدتها واستخرجها‬
‫ووضع فيها عدة من التآليف‪ .‬وأكثر الكالم فيها وفي صناعة السيمياء‪ ،‬ألنها من‬
‫توابعها‪ ،‬وألن إحالة األجسام النوعية من صورة إلى أخرى إنما تكون بالقوة‬
‫النفسية ال بالصناعة العملية فهو من قبيل السحر كما نذكره في موضعه(((‪.‬‬

‫وفي فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم (ومؤلفه شيعي)‪ :‬وممن وقفت‬
‫على كتاب منسوب إليه من علماء الشيعة جابر بن حيان من أصحاب الصادق‬
‫(صلوات الله عليه) « الفهرست» والنجاشي ذكر جابر بن حيان‪ ،‬وذكر في باب‬

‫((( الفهرست‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو الفرج محمد بن إسحاق بن محمد الوراق البغدادي المعتزلي‬
‫الشيعي المعروف بابن النديم ص‪435‬تحقيق‪ :‬إبراهيم رمضان‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة بيروت ‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪ 1417‬هـ ‪ 1997 -‬م‪.‬‬
‫((( مقدمة ابن خلدون‪( :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.)303‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪70‬‬

‫األشربة ما هذا لفظه‪ :‬إن الطالع في الفلك ال يكذب في الداللة على ما يدل أبد ًا‬
‫هذا آخر لفظه في المعنى‪ ،‬ثم شرح ما يدل على فضله في علم النجوم وغيرها‪،‬‬
‫وقد ذكره ابن النديم في رجال الشيعة‪ ،‬وأن له تصانيف على مذهبنا(((‪.‬‬

‫وقال الصفدي في ترجمته‪ :‬جابر بن حيان‪ ،‬أبو موسى الطرسوسي قال القاضي‬
‫شمس الدين أحمد بن خلكان‪ :‬ألف كتابًا يشتمل على ألف ورقة يتضمن‬
‫رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة في الكيمياء‪.‬قلت (الصفدي) وأنا‬
‫أنزه اإلمام جعفر ًا الصادق ‪ ‬عن الكالم في الكيمياء‪ ،‬وإنما هذا الشيطان‬
‫أراد اإلغواء بكونه عزا ذلك إلى أن يقوله مثل جعفر الصادق لتتلقاه النفوس‬
‫بالقبول‪ ،‬ورأيته إذا ذكر الحجر يقول بعدما يرمزه‪ :‬وقد أوضحته في الكتاب‬
‫الفالني فيتعب الطالب حتى يظفر بذلك المصنف المشؤوم‪ ،‬فيجده قد قال‪:‬‬
‫وقد بينته في الكتاب الفالني‪.‬فال يزال يحيل على شيء بعد شيء‪.‬ووجدت‬
‫بعض الفضالء قد كتب على بعض تصانيفه‪ ،‬إما الفردوسي أو غيره‪:‬‬
‫واألواخـــر‬ ‫األوائـــل‬ ‫غـــر‬ ‫بمقالـــه‬ ‫الـــذي‬ ‫هـــذا‬

‫كـــذب الـــذي ســـماك جابـــر‬ ‫كاســـر‬ ‫إال‬ ‫أنـــت‬ ‫مـــا‬

‫وتصانيفه في هذا الفن كثيرة وليس تحتها طائل‪ ،‬واستطرد الكالم معي‬
‫في أول شرح المية العجم إلى الكالم على الكيمياء وحقيقتها وليس هذا‬

‫((( فرج المهوم في تاريخ علماء النجوم‪ :‬ابن طاووس ج ‪ / 1‬ص ‪ ،59‬منشورات الرضي قم‪،‬‬
‫‪1368‬هـ=‪1949‬م‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫موضعه(((‪.‬وجاء في ترجمة الموفق المطجن‪ :‬وحصلت كثير ًا من كتب جابر‬


‫بن حيان الصوفي(((‪.‬‬

‫َان متقدمًا فِي العلوم الطبيعية‪،‬‬


‫وقال القفطي‪ :‬جابر بن حيان الصوفي الكوفي ك َ‬
‫بارعًا منها فِي صناعة الكيمياء‪َ ،‬و َل ُه فِ َيها تآليف كثيرة‪ ،‬ومصنفات مشهورة‪،‬‬
‫َان مع َه َذا مشرفًا َع َلى كثير من علوم الفلسفة‪ ،‬ومتقلد ًا للعلم المعروف بعلم‬
‫َوك َ‬
‫الباطن‪ ،‬وهو مذهب المتصوفين من أهل اإلسالم كالحارث بن أسد المحاسبي‬
‫وسهل بن عبد الله التستري ونظرائهم(((‪ .‬وفي األعالم للزركلي‪ :‬جابر بن حيان‬
‫بن عبد الله الكوفي‪ ،‬أبو موسى‪ :‬فيلسوف كيميائي‪ ،‬كان يعرف بالصوفي‪.‬من‬
‫أهل الكوفة‪ ،‬وأصله من خراسان((( فثبت بهذا تشيع الرجل وصوفيته وسحره‪.‬‬

‫وبعدما تقدم ذكره يمكن إيجاز أسباب تردي التصوف وانحرافه فيما يلي‪:‬‬

‫‪1.‬أن التصوف تأثر بفلسفات أجنبية عن الدين اإلسالمي وبيئته فهو وافد‬
‫إلينا من الهندية أو الغنوصية أو اليونانية‪.‬‬
‫‪2.‬تأثر الصوفية بالشيعة ‪-‬وهم كما نعلم‪ -‬بعيدون عن الطريق اإلسالمي‬
‫القويم‪.‬‬

‫((( الوافي بالوفيات‪ :‬للصفدي ج ‪ 3‬ص ‪ ،497‬دار إحياء التراث العربي‪2000 ،‬مـ‪.‬‬
‫((( الوافي بالوفيات‪ :‬للصفدي ج ‪ 6‬ص ‪.232‬‬
‫((( إخبار العلماء بأخبار الحكماء ج ‪ 1‬ص ‪ ،73‬تحقيق إبراهيم شمس الدين‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1426‬هـ=‪2005‬مـ‪.‬‬
‫((( األعالم‪ :‬للزركلي ج ‪2‬ص ‪ ،103‬دار العلم للماليين‪ ،‬الطبعة السابعة‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪72‬‬

‫‪3.‬األخذ بكالم الفالسفة المسلمين وبما أدخلوه في اإلسالم من فلسفات‬


‫أجنبية‪ ،‬أخذوا يقيسون عليها نظريات ظنوا مماثلتها ومحاكاتها في اإلسالم‪.‬‬
‫‪4.‬المسيحية ورهبانيتها ومبادئها في الحلول واالتحاد وماشابه ذلك(((‪.‬‬

‫هذ لمحة موجزة عن التصوف ونشأته ومذاهبه ومصادره‪ ،‬ومن تلك‬


‫المصادر دخل السحر‪ ،‬والتنجيم‪ ،‬وعبادة الكواكب والتعلق بها‪ ،‬كما دخلت‬
‫تلك العقائد‪ ،‬وألسباب غير معلومة لنا وال مفهومة لم يبرز الدارسون للتصوف‬
‫استمداد التصوف للسحر والتنجيم وعبادة الكواكب في تلك المصادر‪ ،‬مع‬
‫بسطهم للجوانب األخرى‪ ،‬واألفكار األخرى التي اقتبسوها‪.‬‬

‫((( أضواء على التصوف‪ :‬الدكتور طلعت غنام ص‪.23‬‬


‫‪73‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫المبحث األول‪ :‬الصوفية والتعبد هلل بالسحر‬


‫لقد عمل الصوفية بالسحر‪ ،‬واشتغلوا بالتنجيم وكانت فيهم الكهانة‪ ،‬ولكن‬
‫الصوفية إذ وقعوا في في هذه الباليا لم يقروا بأن هذا سحر وتنجيم وكهانة‪ ،‬وأن‬
‫هذه أمور حرمها الله وإن تعاطوها‪ ،‬بل جعلوها من دين الله تعالى‪ ،‬وجعلوا‬
‫المشتغلين بها من خواص األولياء‪ ،‬فهم عملوا هذه الموبقات ثم تعبدوا لله بها‪،‬‬
‫وساقوا ليضلوا الناس حججا داحضة‪ ،‬ودالئل هي أوهن من بيت العنكبوت‪،‬‬
‫كما نسبوا ذلك الئمة الهدى من األنبياء والصالحين‪ ،‬فافتروا إفكا وزورا على‬
‫سليمان ‪ ،‬ونسبوا إليه ‪-‬وكذبوا‪ -‬طلسما‪ ،‬زعموا أنه كان يسير به أمر‬
‫مملكته‪ ،‬ويتصرف به في الجن‪ ،‬وللقوم غرام بقضية استخدام الجن‪.‬وفي هذا‬
‫المبحث نلقي الضوء على هذه المسائل‪ ،‬ويشتمل هذا المبحث على مطلبين‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الصوفية الصوفية أول من تعبد لله بالسحر في اإلسالم‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حجج الصوفية الداحضة الستعمال السحر‪.‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪74‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الصوفية أول من تعبد هلل بالسحر في اإلسالم‬

‫تحدث العلماء عن أول من فتح باب السحر في اإلسالم وألف فيه‪ ،‬ونشر‬
‫أمره‪ ،‬ثم تحدثوا عمن جعله دينا وعبادة‪ ،‬وأمرا مشروعا‪ ،‬واستدل لزعمه‬
‫بالكتاب والسنة‪.‬‬

‫ذكر ابن النديم (وهو يتحدث عن السحرة المعزمين) هالل بن وصيف(((‪،‬‬


‫وبين أنه هو الذى فتح هذا األمر في االسالم‪.‬وكان مخدوما ومناطقا‪ ،‬وله أفعال‬
‫عجيبة‪ ،‬وأعمال حسنة وخواتيم مجربة‪.‬وله من الكتب‪ ،‬كتاب الروح المتالشية‪،‬‬
‫وكتاب المفاخر في األعمال‪ ،‬وكتاب تفسير ما قالته الشياطين لسليمان بن داود‬
‫(صلى الله على نبينا وعليهما) وما أخذ عليهم من العهود(((‪ .‬فهذا أول من فتح‬
‫باب السحر وصنف فيه في اإلسالم‪.‬‬

‫أما أول من تعبد لله بالسحر‪ ،‬وزخرف القول ليجعله من أخص علوم األولياء‬
‫فهم الصوفية‪ ،‬فالصوفية هم أول من أدخل السحر في دين اإلسالم‪ ،‬بعدما‬
‫قطعوا في البدعة والضالل شأوا بعيدا‪ ،‬وأخذت البدعة تسلمهم إلى أكبر منها‪،‬‬
‫حتى ولجوا أبواب الكفر‪ ،‬وزين لهم الشيطان أعمالهم‪ ،‬فعملوا على إدخال‬
‫العقائد الباطلة‪ :‬كوحدة الوجود‪ ،‬وعملوا على تزيينها بزخرف من القول‪ ،‬ثم‬
‫أدخلوا السحر‪ ،‬وراحوا يكذبون على الله ودينه‪ ،‬وعلى أنفسهم وعلى الناس‪،‬‬

‫((( تعذر علينا العثور على ترجمة لهذا الرجل‪.‬‬


‫((( الفهرست‪ :‬ابن النديم ج ‪ 1‬ص ‪.371‬‬
‫‪75‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫ويزخرفون القول ويغمضون الكالم‪ ،‬ويتقعرون ويتشدقون ويتفلسفون إليهام‬


‫الناس أن كالمهم صواب‪ ،‬ويهول كالمهم المزخرف الغامض على قليل العلم‬
‫قليل الدين‪ ،‬فيظن أن هذا الكالم الفخم المفخم ال يكون إال حقا‪ ،‬ومن ثم فهو ال‬
‫يبحث عن مدى اتفاق هذا الكالم مع كتاب الله‪ ،‬ومع هدي النبي ‪،‬‬
‫ومع هدي أصحابه والسلف الصالحين ‪ ،‬قال ابن خلدون‪ :‬علم أسرار‬
‫المسمى لهذا العهد بالسيمياء‪ ،‬نقل وضعه من ال ّطلسمات‬
‫ّ‬ ‫الحروف وهو‬
‫المتصوفة‪ ،‬فاستعمل استعمال العا ّم في‬
‫ّ‬ ‫التصرف من‬
‫ّ‬ ‫إليه في اصطالح أهل‬
‫الخاص‪ ،‬وحدث هذا العلم في الم ّلة بعد صدر منها‪ ،‬عند ظهور الغالة من‬
‫ّ‬
‫الحس‪ ،‬وظهور الخوارق على أيديهم‬
‫ّ‬ ‫المتصوفة وجنوحهم إلى كشف حجاب‬
‫ّ‬
‫ّصرفات في عالم العناصر‪ ،‬وتدوين الكتب واالصطالحات‪ ،‬ومزاعمهم في‬
‫والت ّ‬
‫األسمائي‪ :‬مظاهره أرواح‬ ‫تنزل الوجود عن الواحد وترتيبه‪ ،‬وزعموا ّ‬
‫أن الكمال‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫األفالك والكواكب‪ّ ،‬‬
‫وأن طبائع الحروف وأسرارها سارية في األسماء‪ ،‬فهي‬
‫األول تتن ّقل في‬
‫سارية في األكوان على هذا النظام‪ ،‬واألكوان من لدن اإلبداع ّ‬
‫عربي‪ ،‬وغيرهما‬
‫ّ‬ ‫البوني وابن‬
‫ّ‬ ‫أطواره‪ ،‬وتعرب عن أسراره‪ ،‬تعدّ دت فيه تآليف‬

‫ممن ا ّتبع آثارهما‪ ،‬وحاصله عندهم وثمرته ّ‬


‫تصرف النّفوس الر ّبان ّية في عالم‬ ‫ّ‬
‫الطبيعة باألسماء الحسنى والكلمات اإلله ّية الناشئة عن الحروف المحيطة‬
‫السارية في األكوان(((‪.‬‬
‫باألسرار ّ‬

‫((( ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر‪ ،‬المؤلف‪:‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪76‬‬

‫لقد قام ابن خلدون بالتأريخ لهذه البلية التي جرها الصوفية إلى دين الله‬
‫تعالى‪ ،‬وهذا التاريخ لم ينكره أحد؛ ألنه حقيقة متواترة‪ ،‬وكتب الصوفية‪،‬‬
‫وأورادهم وأذكارهم شاهدة بذلك‪ :‬ما كتب منها حديثا‪ ،‬وما تقادم عهده‪.‬‬

‫لقد بقي السحر سحرا ينكره المسلمون منذ أن بين الله حرمته‪ ،‬ومنذ أن حذر‬
‫النبي ‪ ‬منه‪ ،‬وهو منكر عظيم‪ ،‬وأمر قبيح عند كل النفوس‪ :‬المؤمنة‬
‫منها وغير المؤمنة‪ ،‬حتى من كان يعمل به كان يسر بذلك‪ ،‬يستخفون من الناس‬
‫وال يستخفون من الله‪ ،‬لكن الصوفية السحرة المارقين الذين يسهل عليهم‬
‫جميعا الزيادة في دين الله‪ ،‬واالبتداع فيه‪ ،‬ويلتمسون لذلك ضعاف األدلة‬
‫وموضوعاتها‪ ،‬ويدعمون أقوالهم بالخرافات والحكايات المرسالت التي ال‬
‫خطام وال ذمام‪ ،‬جلبوا السحر وعملوا به‪ ،‬ثم لم يكتفوا بذلك بل جعلوه من‬
‫دين الله ومن شرعه‪ ،‬بل جعلوه نوعا من العلم ال يناله إال خواص األولياء‪،‬‬
‫ولكن لم يسموه سحرا‪ ،‬وإنما جلبوا له أسماء تشتبه على الناس‪ ،‬فعلم السيمياء‬
‫يطلعهم الله فيه على خواص األشياء‪ ،‬وعلم أسرار الحروف علم جليل‪ ،‬خصوا‬
‫به وزعموا أن هذا العلم في كتاب الله‪ ،‬وليتأمل المسلم الحروف المقطعة في‬
‫فواتح السور‪ ،‬أليس لها حكمة؟‪ ،‬ألم يقل جمع من العلماء إنها سر من أسرار‬
‫القرآن؟!‪ ،‬فها نحن أوالء قد أحطنا بهذه األسرار‪ ،‬ثم ربطوها بالكواكب والتقرب‬

‫عبد الرحمن بن محمد بن محمد‪ ،‬ابن خلدون أبو زيد‪ ،‬ولي الدين الحضرمي اإلشبيلي ج ‪1‬ص‬
‫‪ 164‬تحقيق‪ :‬خليل شحادة‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1408 ،‬هـ ‪ 1988 -‬م‪،‬‬
‫والنقول من مقدمة الكتاب والمشهورة بالمقدمة‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫إليها‪ ،‬ثم تحدثوا عن الكواكب والتصرف فيها وبها في الكون‪.‬‬

‫بدأ الحالج هذا الطريق وصنف فيه ثم تبعه ابن عربي فبسطه‪ ،‬وشقق الكالم‬
‫فيه‪ ،‬وتشدق وشرق فيه وغرب‪ ،‬وأبعد وأغرب‪ ،‬وتقحم كل بلية‪.‬‬

‫ولقد سار المتصوفة في طريق السحر وعمدوا إلى‪:‬‬

‫‪1.‬تکریس مصطلح أهل التصرف‪ ،‬ووصف أوليائهم بالتصرف في الكون‪،‬‬


‫وسوق كثير من القصص والحكايات في ذلك‪ ،‬وحسبك نظرة في كتاب طبقات‬
‫الشعراني‪ ،‬أو كرامات األولياء للنبهاني لترى تلك الظلمات المتراكمة‪.‬‬
‫‪2.‬نقل الصوفية طريقة علم الطالسم وطريقة أهله إلى الحروف‪ ،‬وجعلوا‬
‫للحروف أسرارا من وراء ما هو معروف من ظاهرها‪.‬‬
‫‪3.‬إدخال السحر وما يتصل بأسرار الحروف وافتراءهم على الله بأن هذا من‬
‫شرع الله‪.‬‬
‫‪4.‬إن من أكبر أسباب إدخال الصوفية للسحر في شرع الله طلبهم للخوارق‪،‬‬
‫ورغبتهم في كشف الغيب‪ ،‬من أجل ذلك لم يستنكفوا أن يستعينوا بالشياطين‪،‬‬
‫وأن يتعاطوا السحر‪ ،‬ثم زعموا بعد‪ ،‬أن الله أذن لهم فيه‪.‬‬

‫لقد عمل الصوفية بالتنجيم‪ ،‬ودافعوا عن كبراءهم الذين عملوا به حتى أن‬
‫اآللوسي((( المفسر تكلم عن التنجيم وبين حرمته وفساده‪ ،‬ورد على المنجمين‬

‫((( هو اآللوسي الكبير محمود بن عبد الله الحسينى االلوسى‪ ،‬شهاب الدين‪ ،‬أبو الثناء‪ :‬مفسر‪،‬‬
‫محدث‪ ،‬أديب‪ ،‬من المجددين‪ ،‬من أهل بغداد‪ ،‬مولده ووفاته فيها‪.‬ولد سنة (‪1217‬هـ = ‪1802‬م)‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪78‬‬

‫ردودا قوية‪ ،‬لكنه دافع عن تنجيم ابن عربي‪ ،‬وساق حججا واهية‪ ،‬وتلك عادة‬
‫اآللوسي في االعتذار عن الصوفية المنحرفين‪ ،‬ومن دفاعه عن تنجيم ابن عربي‬
‫قوله‪ :‬إن اإلحاطة باألسرار المودعة في األجرام ال يبعد أن تحصل لبعض‬
‫الخواص ذوي النفوس القدسية لكن بطريق الكشف أو نحوه‪ ،‬دون االستدالل‬
‫الفكري واألعمال الرصدية مثالً‪ ،‬وهو الذي يقتضيه كالم الشيخ األكبر قدس‬
‫سره‪ ،‬قال في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات‪ :‬ومن األولياء النقباء وهم‬
‫أثنا عشر نقيبًا في كل زمان ال يزيدون وال ينقصون‪ ،‬على عدد البروج األثنى‬
‫عشر كل نقيب عالم بخاصية كل برج‪ ،‬وبما أودع الله تعالى في مقامه من‬
‫األسرار والتأثيرات‪ ،‬وما يعطي للنزالء فيه من الكواكب السيارة والثوابت‪ ...‬ثم‬
‫قال‪ :‬ومنهم النجباء وهم ثمانية في كل زمان إلى أن قال‪ :‬ولهم القدم الراسخة في‬

‫ونسبة االسرة االلوسية إلى جزيرة (آلوس) في وسط نهر الفرات‪ ،‬تقلد االفتاء ببلده سنة ‪ 1248‬هـ‪،‬‬
‫وعزل‪ ،‬فانقطع للعلم‪.‬ثم سافر (سنة ‪ 1262‬ه) إلى الموصل‪ ،‬فاالستانة‪ ،‬ومر بماردين وسيواس‪،‬‬
‫فغاب ‪ 21‬شهرا وأكرمه السلطان عبد المجيد‪.‬وعاد إلى بغداد يدون رحالته ويكمل ما كان قد‬
‫بدأ به من مصنفاته‪ ،‬فاستمر إلى أن توفى سنة‪ 1270‬هـ=‪1854‬م‪.‬من كتبه (روح المعاني ‪ -‬ط)‬
‫في التفسير‪ ،‬تسع مجلدات كبيرة‪ ،‬و (غرائب االغتراب ‪ -‬ط) ضمنه تراجم الذين لقيهم‪ ،‬وأبحاثا‬
‫ومناظرات‪ ،‬قال الزركلي‪ :‬كان سلفي االعتقاد‪ ،‬مجتهدا‪ .‬األعالم للزركلي ‪( -‬ج ‪ / 7‬ص ‪)176‬‬
‫وذكر غير الزركلي أن اآللوسي كان مترددا بين مذهب السلف والخلف في مسائل الصفات‪،‬‬
‫حشى تفسيره بالتفسير اإلشاري‪ ،‬وانتصر البن عربي والحالج‪ ،‬وكثير من الصوفية الذين عرف‬
‫عنهم االنحراف في العقيدة‪ .‬أما ولده فقال عنه الشيخ بكر أبو زيد عن ولده محمود اآللوسي‬
‫محمود شكري بن عبد الله بن شهاب الدين محمود اآللوسي الحسيني‪ .‬سنة ‪ 1342‬هـ‪ .‬عالم‬
‫سلفي جليل القدر‪.‬طبقات النسابين‪ :‬الشيخ بكر أبو زيد ‪( -‬ج ‪ / 1‬ص ‪.)34‬‬
‫‪79‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫علم تسيير الكواكب من جهة الكشف واالطالع ال من جهة الطريقة المعلومة‬


‫عند العلماء بهذا الشأن‪ ،‬والنقباء هم الذين حازوا علم الفلك التاسع‪ ،‬والنجباء‬
‫حازوا علم الثمانية األفالك التي دونه‪ ،‬وهي كل فلك فيه كوكب‪ ،‬ويفهم من‬
‫هذا القول بالتأثيرات وأنها مفاضة من البرج على النازل فيه من الكواكب‪ .‬وقد‬
‫تكررت اإلشارة منه إلى ذلك‪.‬‬

‫وفي الفصل الثالث من الباب الحادي والسبعين والثلثمائة من الفتوحات‪...‬‬


‫أن الله تعالى خلق في جوف الكرسي جسمًا شفافًا مستدير ًا يعني الفلك‬
‫األطلس قسمه اثنى عشر قسمًا هي البروج‪ ،‬وأسكن كل برج منها ملكًا‪ ...،‬إلى‬
‫أن قال‪ :‬وجعل لكل نائب من هؤالء األمالك اإلثني عشر في كل برج ملكه إياه‬
‫ثالثين خزانة‪ ،‬تحتوي كل خزانة منها على علوم شتى يهبون منها لمن نزل بهم ما‬
‫تعطيه مرتبته‪ ،‬وهي الخزائن التي قال الله تعالى فيها‪ :‬ﱹﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆﱸ(((‪ .‬وهذه الخزائن تسمى عند أهل التعاليم‬
‫درجات الفلك‪ ،‬والنازلون بها هم الجواري‪ ،‬والمنازل وعيوقاتها من الثوابت‬
‫والعلوم الحاصلة من هذه الخزائن اإللهية هي ما يظهر في عالم األركان من‬
‫التأثيرات؛ بل ما يظهر في مقعر فلك الثوابت إلى األرض‪ ....‬وله قدس سره‬
‫كالم غير هذا أيضًا‪ ،‬وقد صرح بنحو ما صرح به المنجمون من اختالف طبائع‬
‫البروج‪ ،‬وأن كل ثالثة منها على مرتبة واحدة في المزاج‪ ،‬وأنا ال أزيد على القول‬

‫((( اآلية‪21‬سورة الحجر‪.‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪80‬‬

‫بأن لإلجرام العلوية كواكبها وأفالكها أسرار ًا وحكمًا وتأثيرات غير ذاتية‪ ،‬بل‬

‫مفاضة عليها من جانب الحق والفياض المطلق جل شأنه وعظم سلطانه‪.((()...‬‬

‫ولنا مع هذا النقل وقفات‪:‬‬

‫الوقفة األولى‪ :‬مع قوله‪( :‬إن اإلحاطة باألسرار المودعة في األجرام ال يبعد‬

‫أن تحصل لبعض الخواص ذوي النفوس القدسية لكن بطريق الكشف أو نحوه‪،‬‬

‫دون االستدالل الفكري واألعمال الرصدية مثالً‪ ،‬وهو الذي يقتضيه كالم الشيخ‬

‫األكبر قدس سره)‪.‬‬

‫زعم اآللوسي أن التنجيم الذي اشتغل به ابن عربي حصل له بالكشف‬

‫الذي هو مصدر من مصادر الصوفية‪ ،‬وأن تنجيم ابن عربي لم يكن من طريق‬

‫المنجمين‪ ،‬كما أن تنجيمه ليس من باب االستدالل‪ ،‬وعليه فإن ابن عربي عنده‬

‫غير مطالب بدليل‪ ،‬والحجة عند اآللوىسي فقط أن ابن عربي قاله‪ ،‬وقول ابن‬

‫عربي يقبل فقط ألن ابن عربي قاله‪.‬‬

‫الوقفة الثانية‪ :‬فيما نقله من كالم ابن عربي‪( :‬ومن األولياء النقباء‪ ،‬وهم اثنا‬
‫عشر نقيبًا في كل زمان ال يزيدون وال ينقصون على عدد البروج األثنى عشر‪،‬‬

‫كل نقيب عالم بخاصية كل برج‪ ،‬وبما أودع الله تعالى في مقامه من األسرار‬

‫والتأثيرات‪ ،‬وما يعطي للنزالء فيه من الكواكب السيارة والثوابت)‪.‬‬

‫((( تفسير اآللوسي‪ :‬ج ‪17‬ص ‪.179‬‬


‫‪81‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫لقد ربط ابن عربي بين التنجيم وبين الكرامة والوالية‪ ،‬ولبس وضلل الناس‬

‫بكالمه‪ ،‬وال يخفى أن تلك األبراج هي التي يعتمد عليها الكهان والمنجمون‬

‫اعتمادا كامال‪.‬وهذا كالم يرده كالم اآللوسي نفسه في تحريم التنجيم والرد‬

‫على أهله‪ ،‬لكنه مرر كالم ابن عربي وساقه مساق الدليل‪.‬‬

‫الوقفة الثالثة‪ :‬مع نقل اآللوسي لقول ابن عربي‪ :‬وجعل لكل نائب من هؤالء‬

‫األمالك االثني عشر في كل برج ملكه إياه ثالثين خزانة تحتوي كل خزانة منها‬

‫على علوم شتى‪ ،‬يهبون منها لمن نزل بهم ما تعطيه مرتبته وهي الخزائن التي قال‬

‫الله تعالى فيها‪ :‬ﱹﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆﱸ‬


‫(((‬

‫وهذه الخزائن تسمى عند أهل التعاليم درجات الفلك‪....‬الخ‪.‬‬

‫لقد استدل ابن عربي على التنجيم هنا بقوله تعالى‪ :‬ﱹﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬

‫ﮀ ﮁﱸ‪ :‬وهذا كالم ال يقبل ممن هو دون اآللوسي‪ ،‬فكيف يقبل‬

‫المفسر استدالل ابن عربي باآلية على هذا الباطل‪ ،‬ثم إن المفسر يريد من الناس‬

‫أن يقبلوه دون مطالبة بدليل‪ ،‬ويجوز علما باطال قد أثبت هو بنفسه قبل قليل‬

‫بطالنه‪ ،‬وهدمه للعقيدة‪ ،‬وهذا االستدالل بهذه اآلية استدالل باطل ال يصح‪،‬‬

‫لكن غرام اآللوسي بالصوفية الغالة جعله يمشي له هذا االستدالل‪ .‬ويقال مثل‬

‫هذا في قوله اآلتي بعد قليل‪.‬‬

‫((( اآلية‪ 21‬سورة الحجر‪.‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪82‬‬

‫الوقفة الرابعة‪ :‬مع قول اآللوسي عن ابن عربي‪ :‬وقد صرح بنحو ما صرح به‬

‫المنجمون‪.‬‬

‫وهذا أوال‪ :‬اعتراف منه بأن ما عند ابن عربي هو نفسه ما عند المنجمين‪ .‬ثم‬
‫ثانيا‪ :‬تناقض اآللوسي إذ رد على المنجمين وأنكر عليهم ودحض شبهاتهم‪ ،‬ثم‬
‫صوب ابن عربي‪ ،‬وكالم ابن عربي هو هو كالم المنجمين‪.‬‬

‫وقال اآللوسي أيضا‪ :‬وقد نص بعض ساداتنا الصوفية قدست أسرارهم‬


‫وأشرقت علينا أنوارهم على أن علومه ‪ ‬التي وهبت له ثالثة‬
‫أنواع‪ :‬نوع أوجب عليه إظهاره وتبليغه وهو علم الشريعة والتكاليف االلهية‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﱹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈﱸ(((‪.‬‬

‫ونوع أوجب عليه كتمانه‪ ،‬وهو علم األسرار اإللهية التي ال تتحملها قوة غير‬
‫قوته القدسية ‪.‬‬

‫ونوع خيره الله تعالى فيه بين األمرين‪ ،‬وهذا منها ما أظهره لمن رآه أهالً له‪،‬‬
‫ومنه ما لم يظهره ألمر ما‪ ،‬فلعل ما وهب له ‪ ‬من العلم بدقائق‬
‫أسرار اإلجرام العلوية وحكمها وما أراد الله تعالى بها مما لم يظهره للناس‪.)...‬‬

‫وهذا الكالم فيه ما فيه من خطل وباطل‪ ،‬فهو يصوب تنجيم الصوفية‪،‬‬
‫ويستدل لهم بالظن والتوهم‪ ،‬بأن لعل هذا الباطل وهوالتنجيم يكون مما وهبه‬
‫((( اآلية‪67‬سورة المائدة‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫النبي ‪ ‬لبعض األمة‪ ،‬ففيه نسبة هذا الباطل إليه ‪ ،‬ثم ادعاء‬
‫أنه علمه بعض أصحابه‪ ،‬وهذا كله باطل اليحل وهو ضالل مبين‪ ،‬وهو قول‬
‫بالتوهم والتخيل‪.‬‬

‫وذكر في تفسير حقي (وهو صوفي تركي)‪ :‬قال عبد الرحمن البسطامى‬
‫مؤلف الفوائح المسكية فى بحر الوقوف‪ :‬ثم إن بعض األنبياء علموا أسرار‬
‫الحروف بالوحى الربانى‪ ،‬واإللقاء الصمدانى‪ ،‬وبعض األولياء بالكشف الجلى‬
‫النورانى‪ ،‬والفيض العلى الروحانى‪ ،‬وبعض العلماء بالنقل الصحيح‪ ،‬والعقل‬
‫الرجيح وكل منهم أخبر أصحابه ببعض أسرارها بطريق الكشف والشهود‪ ،‬أو‬
‫بطريق الرسم والحدود‪ ،‬والصحيح أن الله تعالى طوى علم أسرار الحروف عن‬
‫أكثر هذه األمة لما فيها من الحكم االلهية‪ ،‬والمصالح الربانية‪ ،‬ولم يأذن لألكابر‬
‫أن يعرفوا منه إال بعض أسراره التى يشتمل عليها تركيبها الخاص المنتج أنواع‬
‫التسخيرات والتأثيرات فى العوالم العلويات والسفليات‪ ،‬إلى غير ذلك(((‪.‬‬

‫وهذا مفسر صوفي أيضا يرى أن الله أذن ألكابر األولياء في معرفة بعض‬
‫أسرار الحروف التي يحصل بها التأثير والتسخير في العوالم العلوية والسفلية‪،‬‬
‫وهذا أيضا مما أدخله هؤالء في الشريعة فجعلوا استخدام الحروف للتسخير‬
‫والتأثير الذي هو سحر كرامة وأمرا خص الله به أكابر األولياء‪.‬‬

‫((( روح البيان في تفسير القرآن‪ :‬إسماعيل حقي ج ‪ / 1‬ص ‪ ،28‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‬
‫الرابعة‪2018 ،‬م‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪84‬‬

‫وفي تفسير حقي أيضا‪ :‬ثم أسرار الحروف المقطعة والمتشابهات القرآنية‬
‫مما ينكشف ألهل الله بعد الوصول إلى غاية المراتب‪ ،‬وإن كان بعض لوازمها‬
‫قد يحصل ألهل الوسط أيضًا‪ ،‬فال يطمع في حقائقها من توغل في الرسوم‪،‬‬
‫واشتغل بالعلوم‪ ،‬نسأل الله تعالى أن ينجينا من ورطات العالقات الوجودية‬
‫المانعة عن األمور الشهودية(((‪.‬‬

‫ثم هذا أيضا يذهب إلى ما ذهب إليه اآللوىسي من أن هذه أسرار تكون ألهل‬
‫الكشف‪ ،‬وأنها محجوبة عمن انشغل بالعلوم‪ ،‬وصدق في كون أهل العلوم ال‬
‫يحصل لهم هذا العلم؛ألن من كان عالما بالكتاب والسنة علم أن هذا سحر وأنه‬
‫ال يليق بعالم أن يتعاطى هذا‪.‬‬

‫((( تفسير حقي‪ :‬ج ‪10‬ص ‪.306‬‬


‫‪85‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫الصوفية هم شرار السحرة جمعوا بين السحر والتدليس‪:‬‬


‫هناك فرق شكلي بين السحرة الذين ال ينسبون أنفسهم إلى التصوف صراحة‪،‬‬
‫وبين السحرة من الصوفية‪ ،‬فالسحرة الذين ال ينسبون أنفسهم إلى التصوف‬
‫يعترفون بأنهم يتعاطون السحر‪ ،‬وإن سموه بغير اسمه‪ :‬كمعالج روحاني‪ ،‬وعالم‬
‫أبراج‪ ،‬وجالب الحبيب‪ ،‬وغير ذلك لكنه يصرح بعقده وطالسمه وتعامله مع‬
‫الجن والشياطين‪ ،‬وينسب ذلك إلي علوم حصل عليها ودورات علمية في‬
‫ذلك‪ ،‬ولذلك تجد القنوات ذات االتجاه العلماني تستضيف هؤالء مع نهاية‬
‫كل عام ميالدي دون حرج منهم‪.‬‬

‫أما المتصوفة فهم سحرة أشرار أيضا‪ ،‬غير أنهم ينسبون ذلك إلى‬
‫الدين‪ ،‬وأن أفعالهم إمداد من رب العالمين‪ ،‬ويخرجون على الناس‬
‫بظاهر االستقامة والوالية والكرامة والصالح‪ ،‬يخادعون الناس بذلك‪،‬‬
‫ويتعاونون مع الشياطين‪ ،‬ويوهمون الناس بأن هذه األمور التي تجري‬
‫هي من فعل خدام اآلية كذا‪ ،‬أو السورة كذا‪ ،‬أو هذا من تدبير خادم اسم‬
‫الله األعظم‪ ،‬أو خادم اسمه (تعالى) كذا‪ ،‬وأن هذه األعمال الشيطانية‬
‫السحرية إنما هي تأييد من الله لهم‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪86‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حجج الصوفية الداحضة الستعمال السحر‬

‫لما كان السحر معصية كبرى‪ ،‬وأمرا مكروها مبغوضا شرعا وفطرة؛ بحث‬
‫الصوفية عن مسوغات لتعاطيهم السحر‪ ،‬والكهانة‪ ،‬واستخدام الشياطين‪ ،‬إذ‬
‫كيف يظهرون للناس بظاهر الصالح‪ ،‬وتلهج ألسنتهم بالكالم عن محبة الله‪،‬‬
‫وخوفه‪ ،‬وتعظيمه‪ ،‬ووجوب البعد عن المعاصي صغيرها وكبيرها‪ ،‬والدعوة إلى‬
‫تهذيب النفس‪ ،‬وتربيتها‪ ،‬وفطمها عن الشهوات‪ ،‬وبعدها عن المحرمات‪ ،‬كيف‬
‫لمن يكثر الحديث عن هذا أن يتعاطى أكبر الكبائر‪ ،‬وأبشع المحرمات‪ ،‬وكيف‬
‫يتعاطى ما يدخل به العباد في ظلمات الشرك‪ ،‬ويخرجهم من نور التوحيد‪،‬‬
‫وكيف لهذا الذي يدعي رقة القلب‪ ،‬والعفو عمن جنى عليه أن يسعى إلى ظلم‬
‫خلق الله‪ :‬بقتل‪ ،‬وخراب ديار‪ ،‬وتفرقة بين المرء وزوجه‪ ،‬والحبيب وحبيبه‪،‬‬
‫وكيف يأكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬كيف هذا ولماذا؟‬

‫إن سحرة الصوفية هم سحرة أشرار أيضا‪ ،‬غير أنهم ينسبون ذلك إلى الدين‪،‬‬
‫ويزعمون أن أفعالهم إمداد من رب العالمين‪ ،‬ويخرجون على الناس بظاهر‬
‫االستقامة والوالية والكرامة والصالح‪ ،‬يخادعون الناس بذلك‪ ،‬إن هؤالء راحوا‬
‫يلبسون على الناس بأن السحر علم يحتاج إليه‪ ،‬وأنه من العلوم النافعة‪ ،‬وأن أهل‬
‫الوالية يستخدمونه في الحق‪ ،‬ثم بدل أن يتحدثوا عن تعاطي السحر صراحة؛‬
‫راحوا يتحدثون عن أسرار الحروف‪ ،‬وعالقة الكواكب بهذه الحروف‪ ،‬وعن‬
‫اطالعهم على أسرار الكون‪ ،‬وغوائل النفس بهذه األمور‪ ،‬ونوجز حججهم‬
‫‪87‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫الداحضة فيما يلي‪:‬‬

‫‪1 .‬الحديث عن قوة تأثير الحروف‪:‬‬


‫سر هذا‬
‫ذكر الصوفية أن للحروف تصرفا في العوالم واألنفس‪ ،‬واختلفوا في ّ‬
‫التصرف وسببه‪:‬‬
‫ّ‬

‫‪.‬أ فمنهم من جعله للمزاج ا ّلذي في الحرف‪ّ ،‬‬


‫وقسم الحروف بقسمة ال ّطبائع‬
‫واختصت ّ‬
‫كل طبيعة‬ ‫ّ‬ ‫إلى أربعة أصناف متعددة‪ ،‬كما أن للعناصر طبائع متعددة‪،‬‬
‫التصرف في طبيعتها فعال وانفعاال بذلك الصنف‪:‬‬
‫ّ‬ ‫بصنف من الحروف يقع‬
‫يسمونه التكسير إلى‪ :‬ترابي‪-‬هوائي‪-‬مائي‪-‬‬
‫صناعي ّ‬
‫ّ‬ ‫فتنوعت الحروف بقانون‬
‫ّ‬
‫ناري‪-‬فيأخذون اسم الشخص واسم أمه مع هذه الحروف‪ ،‬ويقسمونها بطريقة‬
‫سيأتي شرحها وبيانها في موضعه‪.‬‬
‫التصرف ا ّلذي في الحروف راجع للنسبة‬
‫ّ‬ ‫سر‬
‫‪.‬ب ومن الصوفية من جعل ّ‬
‫فإن حروف أبجد دا ّلة على أعدادها المتعارفة وضعا وطبعا‪ ،‬فبينها من‬
‫العدد ّية‪ّ :‬‬
‫أجل تناسب األعداد تناسب في نفسها أيضا‪ ،‬وعندهم لكل حرف رقم‪ ،‬ولكل‬
‫رقم وحرف وفق‪ ،‬وذكر ابن خلدون أنهم يخرجون لألسماء أوفاقا(((‪.‬‬

‫وللسحرة حديث طويل عن الحروف واألرقام سيأتي الحديث عنه مفصال‬


‫في كتاب أبي جاد وعالقته بالسحر‪ ،‬ولهم جداول وطرق واستخدامات‪،‬‬
‫وارتباطات بالزمان وبالطالسم‪.‬‬

‫((( مقدمة ابن خلدون‪ :‬ابن خلدون ص ‪.165‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪88‬‬

‫‪2 .‬ادعاء الصوفية تصرفهم في األكوان بالحروف واألعداد من‬


‫الكرامات‪:‬‬
‫أقر الصوفية أن التناسب ا ّلذي بين الحروف وأمزجة الطبائع‪ ،‬أو بين‬
‫الحروف واألعداد أمر عسير على الفهم‪ ،‬إذ ليس من قبيل العلوم والقياسات‪،‬‬
‫مما‬
‫سر الحروف ّ‬ ‫الذوق والكشف‪ .‬قال البوني‪ :‬وال تظ ّن ّ‬
‫أن ّ‬ ‫وإنّما مستندهم فيه ّ‬
‫ّ‬
‫اإللهي‪ .‬وأ ّما‬
‫ّ‬ ‫العقلي‪ ،‬وإنّما هو بطريق المشاهدة والتوفيق‬
‫ّ‬ ‫يتوصل إليه بالقياس‬
‫ّ‬
‫التصرف في عالم الطبيعة بهذه الحروف واألسماء المركّبة فيها‪ ،‬وتأ ّثر األكوان‬
‫ّ‬
‫تصرف هؤالء‬
‫أن ّ‬‫عن ذلك‪ ،‬فأمر ال ينكر لثبوته عن كثير منهم تواترا‪ ،‬وقد يظ ّن ّ‬
‫فإن حقيقة ال ّطلسم وتأثيره‬
‫وتصرف أصحاب ال ّطلسمات واحد‪ ،‬وليس كذلك‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫على ما ح ّققه أهله‪ ،‬أنّه قوى روحان ّية من جوهر القهر‪ ،‬تفعل فيما له ركّب فعل‬
‫غلبة وقهر‪ ،‬بأسرار فلك ّية ونسب عدد ّية وبخورات جالبات لروحان ّية ذلك‬
‫السفل ّية‪،‬‬
‫بالهمة‪ ،‬فائدتها ربط الطبائع العلو ّية بالطبائع ّ‬
‫ّ‬ ‫ال ّطلسم‪ ،‬مشدودة فيه‬
‫وهو عندهم كالخميرة المركّبة من هوائ ّية‪ ،‬وأرض ّية‪ ،‬ومائ ّية‪ ،‬ونار ّية حاصلة‬
‫وتصرف ما حصلت فيه إلى ذاتها‪ ،‬وتقلبه إلى صورتها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫في جملتها‪ ،‬تحيل‬
‫وكذلك اإلكسير لألجسام المعدن ّية‪ ،‬كالخميرة تقلب المعدن ا ّلذي تسري فيه‬
‫ّ‬
‫؛ألن‬ ‫إلى نفسها باإلحالة‪ .‬ولذلك يقولون‪ :‬موضوع الكيمياء جسد في جسد‬
‫اإلكسير أجزاؤه ك ّلها جسدان ّية‪ .‬ويقولون‪ :‬موضوع ال ّطلسم روح في جسد؛ألنّه‬
‫السفل ّية جسد‪ ،‬والطبائع العلو ّية‬ ‫ربط الطبائع العلو ّية بال ّطبائع ّ‬
‫السفل ّية‪ .‬والطبائع ّ‬
‫‪89‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫تصرف أهل ال ّطلسمات وأهل األسماء‪ ،‬بعد أن‬


‫روحان ّية‪ ،‬وتحقيق الفرق بين ّ‬
‫التصرف في عالم الطبيعة ك ّله إنّما هو للنفس اإلنسان ّية والهمم البشر ّية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تعلم ّ‬
‫أن‬
‫تصرف أهل‬
‫أن ّ‬‫أن النفس اإلنسان ّية محيطة بالطبيعة وحاكمة عليها بالذات‪ّ ،‬إاّل ّ‬
‫ّ‬

‫ال ّطلسمات إنّما هو في استنزال روحان ّية األفالك وربطها ّ‬


‫بالصور أو بالنسب‬
‫العدد ّية‪ ،‬حتّى يحصل من ذلك نوع مزاج يفعل اإلحالة والقلب بطبيعته‪ ،‬فعل‬
‫وتصرف أصحاب األسماء إنّما هو بما حصل لهم‬
‫ّ‬ ‫الخميرة فيما حصلت فيه‪.‬‬
‫ّ‬
‫فيسخر الطبيعة لذلك‬ ‫اني‪،‬‬
‫اإللهي‪ ،‬واإلمداد الر ّب ّ‬
‫ّ‬ ‫بالمجاهدة والكشف من النّور‬
‫طائعة غير مستعصية‪ ،‬وال يحتاج إلى مدد من القوى الفلك ّية وال غيرها‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫مدده أعلى منها(((‪.‬‬

‫قوة‬ ‫قال البوني‪ :‬ويحتاج أهل ال ّطلسمات إلى قليل من ّ‬


‫الرياضة‪ ،‬تفيد النفس ّ‬
‫على استنزال روحان ّية األفالك‪ .‬وأهون بها وجهة ورياضة‪ .‬بخالف أهل األسماء‪،‬‬
‫التصرف في األكوان‪ ،‬إذ هو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن رياضتهم هي الرياضة الكبرى‪ ،‬وليست لقصد‬
‫التصرف حاصل لهم بالعرض‪ ،‬كرامة من كرامات الله لهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حجاب‪ .‬وإنّما‬
‫فإن خال صاحب األسماء عن معرفة أسرار الله‪ ،‬وحقائق الملكوت‪ ،‬ا ّلذي هو‬
‫نتيجة المشاهدة والكشف‪ ،‬واقتصر على مناسبات األسماء وطبائع الحروف‬
‫وتصرف بها من هذه الحيث ّية وهؤالء هم أهل السيمياء في المشهور‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والكلمات‪،‬‬
‫كان إذا ال فرق بينه وبين صاحب ال ّطلسمات‪ ،‬بل صاحب ال ّطلسمات أوثق منه؛‬

‫((( مقدمة ابن خلدون‪ :‬ابن خلدون ج‪1‬ص‪.165‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪90‬‬

‫ألنّه يرجع إلى أصول طبيع ّية علم ّية وقوانين مر ّتبة‪ .‬وأ ّما صاحب أسرار األسماء‬
‫إذا فاته الكشف ا ّلذي ي ّطلع به على حقائق الكلمات‪ ،‬وآثار المناسبات بفوات‬
‫يعول‬
‫برهاني ّ‬
‫ّ‬ ‫الخلوص في الوجهة‪ ،‬وليس له في العلوم االصطالح ّية قانون‬
‫عليه يكون حاله أضعف رتبة(((‪.‬‬

‫وكالم البوني هذا شنشنة معروفة للمتصوفة‪ ،‬فهو كالم كله تدليس وتلبيس‪،‬‬
‫وإلباس الباطل الواضح ثوب الحق المنير‪ ،‬فهو يريد أن يقول للناس إن الصوفية‬
‫وإن تعاطوا السحر والتنجيم‪ ،‬وفعلوا ما يفعله المنجمون وأهل الطالسم‪،‬‬
‫فهذا ليس ألنهم سحرة‪ ،‬وإن فعلوا ما يفعله السحرة وأهل الطلسمات وأهل‬
‫التنجيم؛ألنهم يفعلون ما يفعلون وقلوبهم عامرة بمعرفة أسماء الله‪ ،‬ويكشف‬
‫الله لهم (بزعمهم) كشفا ربانيا‪ ،‬وهذا الفرق بينهم وبين السحرة الخلص‪ ،‬لكنه‬
‫أثبت لهم السحر والتنجيم والكهانة من حيث أراد أن يبرأهم‪ ،‬فإن كالمه ظاهر‬
‫لكل عاقل أن الجميع سحرة ومنجمون‪ ،‬ولكن الصوفية يفعلون ذلك بوحي‬
‫أسماء الله ومعرفتهم بحكمته‪ ،‬وهذا كله كذب واضح‪ ،‬فالقوم سحرة منجمون‬
‫كهنة وكشفهم شيطاني ال رباني‪.‬‬

‫وإنما نقلنا في هذا الموطن هذه العجائب‪ ،‬وذكرنا شيئًا من أالعيب السحرة‬
‫وأفعالهم وتوسعنا في نقل كالم ابن خلدون عن البونى‪ ،‬والبونى كان شر‬
‫المتقدمين الذين قاموا بأعمال السحر وألفوا فيه‪ ،‬وأطلنا هنا إلثبات تصوفه‪،‬‬

‫((( مقدمة ابن خلدون‪ :‬ابن خلدون ج‪1‬ص‪.165‬‬


‫‪91‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫وهذا الرجل لو لم يؤلف إال كتاب شمس المعارف الذى هو كتاب الخبث‪،‬‬
‫الذى امتأل كفر ًا وظلمة وضاللة‪ ،‬وقد استند عليه كثير من السحرة وأكابرهم‪،‬‬
‫وكان مرجعًا لهم‪ .‬وهذا الكتاب الخبيث مشهور عند العامة وعند الخاصة‪،‬‬
‫وقد أجرت صحيفة اليوم السابع المصرية في عددها الصادر في ‪/ 5 / 30‬‬
‫‪2017‬م تقرير ًا عن السحر‪ ،‬وحين تحدثت عن أشهر كتب السحر‪ ،‬ذكرت في‬
‫أولها كتاب شمس المعارف‪ ،‬وهو كتاب يباع بثمن بخس‪.‬فلو لميؤلف البوني‬
‫غيره لكفى به قدحا في دينه‪ ،‬والله المستعان‪،‬‬

‫السحرة الصوفية وتلونهم‪:‬‬


‫فيا قوم هذه عالقة المتصوفة بالسحر‪ ،‬وهذا اإلسهاب في النقل عن ابن‬
‫خلدون في حديثه عن البونى ما جرى منا إال لبيان حال هؤالء القوم‪ ،‬وتعاملهم‬
‫مع الطلسمات واألسرار‪ ،‬وليتبين المسلم الفرق بين الساحر المجاهر بسحره‪،‬‬
‫فهو معترف بذلك‪ ،‬وبين الصوفي الذى ألبس السحر لبوس اإلسالم بل لبوس‬
‫الوالية والكرامة‪ ،‬وأخرجه مخرج الكرامات واألسرار ومعرفة بالعلم اللدنى‪.‬‬

‫وكالم البونى في ذلك‪ ،‬وأنه كتب ذلك السحر لله يرجو ثوابه‪ ،‬ويرجو الدار‬
‫اآلخر‪ ،‬أنموذج شاهد على ضالالت القوم وتلبيساتهم وتالعب الشيطان بهم‬
‫ومخادعتهم لعوام الناس‪( ،‬ومعلوم أن البوني من كبار المتصوفة‪ ،‬أثنوا عليه في‬
‫كتب طبقاتهم‪ ،‬بل ذكره النبهاني ومجده)‪ ،‬وغير البوني منهم على نهجه درج‬
‫كالطوخي الذي يري أن هذه الكتب السحرية إنما كتبت لله تعالى‪ ،‬وأن نشرها‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪92‬‬

‫نشر لعلم نافع يرجو ثوابه‪ ،‬وأن هذه فتوحات ومجربات جاد عليه بها ربه تعالى‪،‬‬
‫وأن هذا أثر من آثار الصالح‪ ،‬وغيرهم ممن كتب في السحر قال نحو هذا‪.‬وما‬
‫أشبه الليلة بالبارحة‪ ،‬إن القوم ليشربون من مشرب واحد‪ ،‬فرغم هذه السنيين‬
‫المتطاولة بين البوني والطوخي إال أن سبيلهم واحد‪ ،‬وصدق ربنا إذ يقول‪:‬‬
‫ﱹﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﱸ(((‪.‬‬

‫وإن الطوخي((( من السحرة الذين يلبسون لكل حالة لبوسها‪ ،‬فهو يسمي‬

‫((( اآلية‪106‬سورة يوسف‪.‬‬


‫((( هو عبد الفتاح عبده الطوخي كان ساحرا متصوفا‪ ،‬من مريدي الطريقة النقشبندية‪ ،‬قال في‬
‫كتاب اسم الله األعظم‪ :‬ص ‪ :16‬ثم لتعلم أيها المريد الصادق‪ ،‬واألخ الجهيد الذائق‪ ،‬أن مذهب‬
‫هذه الطائفة عمومًا وخصوصًا مشايخ طريقتنا القادرية والسادة النقشبندية االعتماد في علوم‬
‫األسرار من الحروف واألسماء وغيرها على الوهب والفتح ‪ .]...‬وبالمناسبة على الكالم فإني‬
‫كمحتسب على السحرة جبت الشرق والغرب‪ ،‬ولقيت عتاة السحر في المغرب وأوربا وإفريقيا‬
‫وما رأيت ساحر ًا كتب ما كتب هذا الرجل وال ألف كمؤلفاته‪ ،‬وإن كثير ًا من السحرة الذين قبض‬
‫عليهم المحتسبون‪ ،‬وأحيلوا إلى المحاكم الشرعية بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬وحكم القضاء‬
‫بتعزيرهم‪ ،‬أونفذت فيهم أحكام الله وقطعت رقابهم‪ ،‬إال كانوا معتمدين على كتب الطوخى‬
‫اعتماد ًا كبير ًا‪ ،‬ولقد نمى إلى علمنا وجود أحد المعمرين كان قد لقي الطوخي وكانت له به عالقة‪،‬‬
‫إذ كان يبيع له كتبه‪ ،‬وهو إلى اآلن يبيع هذه الكتب خفية‪ ،‬يضعها في مكان سري في مكتبته التي‬
‫تبيع كتب التصوف‪ ،‬وأوراد الطرق وأذكارها‪ ،‬بحي الحسين‪ ،‬فسعينا وحرصنا على لقياه عسى أن‬
‫يمكنني ربي من ذلك قبل أن يلقى الله فأكرمني الله‪ ،‬والتقيته‪ ،‬فإذا هو رجل قد شارف على الثمانين‬
‫فأعطانا من أسرار الطوخي وخباياه وأخباره الكثير‪ ،‬وقد= وثقثنا جانبا مما حكاه بالفيديو في لقاء‬
‫مع هذا الرجل‪ ،‬وذكر لنا قصة إنشاء الطوخي معهدا للسحر وما كان يأخذ في هذه الدورات من‬
‫أموال طائلة‪ ،‬وحدثني كثيرا عن إشاعته السحر في األرض‪ ،‬وأخبرني عن سر يتعلق بكتب الرجل‬
‫التي ينشرها للعامة من أنه كان يحذف منها ما يسمى بالمفتاح وال يعطيه إال ألهل الدورات‪.‬وإني‬
‫ألشهد فأقول‪ :‬إن هذا الرجل الذى يقال له الطوخى ما خدم الشيطان أحد ًا مثله‪ ،‬وما ألف أحد في‬
‫‪93‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫نفسه بالمعالج الروحاني في مواضع‪ ،‬وينسب نفسه للتصوف في مواضع‬


‫أخرى‪ ،‬وهذا حال السحرة الذين يتصلون بالطبقات الراقية كالكتاب‪ ،‬ورجال‬
‫المال واألعمال‪ ،‬ورجال السياسة والفنانين‪ ،‬فيلبس لهم لباس الروحانيات‪،‬‬
‫ويلبس لبسة التصوف ويشير إلى تصوفه إشارات‪ ،‬كما يظهر أيضا أنه من أهل‬
‫الرقي الفكري‪ ،‬ويظهر علوه عند الطبقات العليا فيسمي نفسه بالعالم الروحاني‪،‬‬
‫والعالم الفلكي‪.‬وذلك ليجاري كل من يريد خدمته‪.‬‬

‫من تلبيسات سحرة الصوفية‪:‬‬


‫خلط غالة الصوفية السحر بالكرامة‪ ،‬وأوهم سحرتهم الناس أن ما يتعاطونه‬
‫من السحر‪ ،‬وما يرونه من غرائب إنما هو كرامات أيدهم بها ربنا لصالحهم‪،‬‬
‫وقربهم منه‪ ،‬وحبهم (لله تعالى)‪ .‬وقد نص على هذا الذهبي في ترجمة الحالج‪،‬‬
‫فقال» فسافر إلى الهند‪ ،‬وتعلم السحر‪ ،‬فحصل له به حال شيطاني‪ ،‬هرب منه‬
‫الحال اإليماني‪ ،‬ثم بدت منه كفريات أباحت دمه‪ ،‬وكسرت صنمه‪ ،‬واشتبه على‬

‫كتب السحر مثل ما ألف‪ ،‬وإنى ألعتقد أنه لو كان في زمن فرعون لفاق أهل السحر كفر ًا وضال ً‬
‫ال‪،‬‬
‫فهذا الرجل ألبس الضاللة والكفر لبوس اإلسالم‪ ،‬وقلما يوجد ساحر إال وهو معتمد على كتبه‪،،‬‬
‫وأما القارئ البسيط فإنها إذا وقعت في يديه يقرأ ما يكتبه الطوخى في مطلعها‪ ،‬من تمجيد لله‬
‫وثناء عليه وصالة على الرسول ‪ ‬وإنه يحمد الله في أولها أن أبقاه ليخرج هذا العلم‬
‫وأنه يتقرب إلى الله بهذه الكتب‪ ،‬وأن هذه من األسرار‪ ،‬وإننا لنرى أال نذكر رجسه وخبثه وكفره‬
‫واستغاثته بالشياطين وما فى كتبه من سحر العطف والصرف واإليذاء في هذا المقام‪ ،‬فإن كل‬
‫طالب علم لبيب محتسب على السحرة األشرار والكهنة الفجار يعرف قوله وكتبه‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪94‬‬

‫الناس السحر بالكرامات‪ ،‬فضل به خلق كثير(((‪.‬‬

‫ومما يبرهن أن هذه األمور من األحوال الشيطانية ما ذكره الذهبي من قيام‬


‫الرهبان بهذه الخوارق‪ ،‬والمكاشفات‪ ،‬قال الذهبي في ترجمة الصوفي الشهير‬
‫السن َِّة‪،‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َب كَث ًيرا م َن ا ْلع ْل ِم َو ُّ‬
‫ِ‬
‫الصوف ُّي‪َ ،‬خ ِّي ٌر َد ِّي ٌن‪َ ،‬كت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُح َس ْي ُن ْب ُن ُم َب َارك‪» :‬ا ْل َم ْوصلِ ُّي ُّ‬
‫وع‪،‬‬ ‫يف‪َ ،‬و ُج ُم ٌ‬ ‫ب ا ْل ُف َق َرا َء‪َ ،‬م ْولِدُ ُه‪َ :‬ب ْعدَ َعا ِم َس ْب ِعي َن َو ِس ِّت مِائ ٍَة‪َ ،‬و َل ُه َت َوال ِ ُ‬ ‫ِ‬
‫َو َصح َ‬
‫اآلخ َر ِة َسنَ َة‬
‫ات فِي جمادى ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫اس ِم‪َ ،‬م َ‬ ‫ال‪ ،‬واب ِن َأبِي ا ْل َق ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َسم َع م َن ا ْلع َماد بِ ِن ال َّط َّب ِ َ ْ‬
‫َان بِا ْل َم ْو ِص ِل‬ ‫ا ْثنَ َت ْي ِن َو َأ ْر َب ِعي َن َو َس ْب ِع مِائ ٍَة‪ .‬وقال الذهبي‪َ :‬حدَّ َثنِي َّ‬
‫الش ْي ُخ ُح َس ْي ٌن َأ َّن ُه ك َ‬
‫اح ٍد مِنَّا‪ :‬إِ ْن ك َ‬
‫َان‬ ‫ف‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فا ْن َط َل ْق ُت إِ َلي ِه َأنَا و َثال َثةٌ‪َ ،‬ف َق َال ك ُُّل و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اش ُ‬ ‫اهب ي َك ِ‬
‫َر ٌ ُ‬
‫ِ‬

‫يح‪َ ،‬ف َأ َّما َأنَا َف َأ ْض َم ْر ُت َز ْيت َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫آخ ُر َأ َرا َد‬
‫ُون كلتي‪َ ،‬و َ‬ ‫ُي َكاش ُفني بِ َك َذا َوك ََذا‪َ ،‬ف َك ْش ُف ُه َصح ٌ‬
‫اح ْت َل ُه ُس ْب َحةٌ‪َ ،‬ف َط َل ْعنَا إِ َل ْي ِه َو ُب ْسنَا َيدَ ُه بِ َج ْهلٍ‪،‬‬ ‫آخ ُر َأ َرا َد ُق َّب ًارا بِ َخ ٍّل‪َ ،‬و َرابِ ُعنَا َر َ‬
‫َل َبنًا َو َ‬
‫ت ُف ٍ‬
‫الن‪َ ،‬ف َل َّما‬ ‫ادمِه َلبنًا َف َق َال‪ :‬ما ُهنَا َشيء‪َ ،‬ق َال‪ :‬ا ْط ُلبه مِن بي ِ‬ ‫َق َال‪َ :‬ف َط َلب َلنَا مِن َخ ِ‬
‫ْ ُ ْ َْ‬ ‫ْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اآلخ ِر بِا ْل ُق َّب ِ‬
‫ُون‪َ ،‬وبِ َ‬ ‫الزيت ِ‬
‫ار‪َ ،‬و َل ْم َي ُك ْن‬ ‫اك‪َ ،‬وك ََذا َف َع َل بِي بِ َّ ْ‬ ‫َأ ْح َض َر ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ض ْع ُه ُقدَّ ا َم َذ َ‬
‫يه‪،‬‬‫ت‪َ ،‬فا ْط ُلب َلنَا ُقبارا َف َأ َك ْلنَا وا ْع َت َقدْ نَا فِ ِ‬ ‫اد ِم‪ :‬ا ْذ َهب إِ َلى بي ٍ‬ ‫ِعنْدَ ه َأي ًضا‪ ،‬ب ْل َق َال ل ِ ْل َخ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ً‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬
‫ف‬ ‫ون َع َوانِي‪َ ،‬و َس ْو َ‬ ‫َف َل َّما ن ََز ْلنَا‪َ ،‬ت َط َّل َع إِ َل ْينَا مِ ْن َطا َق ٍة‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬يا ُف َق َرا َء ا ْل َف ِق ِير‪َ ،‬ما َي ُك ُ‬
‫ان َف َي ِض ُّل بِ ِه ا ْل َج َه َلةُ‪،‬‬ ‫ف ي ْك ُثر فِي الر ْهب ِ‬
‫ُّ َ‬ ‫َت ْل َقى ُس ْب َحت ََك‪ُ .‬ق ْل ُت (الذهبي)‪َ :‬ه َذا ا ْل َك ْش ُ َ ُ‬
‫ْ َ ْ ِ (((‬ ‫ف َشي َطانِي‪ ،‬ويتَو َّلدُ َلهم مِن َفر ِ‬
‫ط ا ْل ُجو ِع َوالخل َوة‪.‬‬ ‫َو ُه َو ك َْش ٌ ْ ٌّ َ َ َ َ ْ ْ ْ‬

‫((( العبر في خبر من غبر‪ :‬لشمس الدين الذهبي ج‪1‬ص ‪ 454‬تحقيق‪ :‬أبو هاجر محمد السعيد بن‬
‫بسيوني زغلول‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫((( معجم الشيوخ الكبير‪ :‬الذهبي ج‪1‬ص ‪217‬تحقيق‪ :‬الدكتور محمد الحبيب الهيلة‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫‪95‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫لقد اغتر هؤالء الصوفية بهذا الكشف من ذلك الراهب الذي يكفر بالله‬
‫ورسوله ‪ ،‬وهم يعظمونه من أجل ذلك‪ ،‬حتى أنهم قبلوا يده‪،‬‬
‫ففتنتهم بمن يدعي اإلسالم أعظم‪.‬‬

‫اغتر به هؤالء‪ ،‬فهم يروون ذلك على أساس وقوع الكشف للراهب الكافر‬
‫بالله‪ ،‬فمن باب أولى تصديقهم بنحو هذا إذا وقع ممن يدعي اإلسالم‪.‬‬

‫وممن أكثر من تلبيس الكرامة بالسحر‪ :‬الحالج‪ ،‬قال الذهبي في ترجمته‪» :‬‬
‫تصوف الحالج‪ ،‬وصحب سهل بن عبد الله التستري‪ ،‬ثم قدم بغداد‪ ،‬فصحب‬
‫الجنيد والنوري‪ ،‬وتعبد فبالغ في المجاهدة والترهب‪ ،‬ثم فتن ودخل عليه‬
‫الداخل من الكبر والرئاسة‪ ،‬فسافر إلى الهند‪ ،‬وتعلم السحر‪ ،‬فحصل له به‬
‫حال شيطاني‪ ،‬هرب منه الحال اإليماني‪ ،‬ثم بدت منه كفريات أباحت دمه‪،‬‬
‫وكسرت صنمه‪ ،‬واشتبه على الناس السحر بالكرامات‪ ،‬فضل به خلق كثير‪،‬‬
‫كدأب من مضى ومن يكون‪ ،‬مثل أبي مقتل الدجال األكبر‪ ،‬والمعصوم من‬
‫عصم الله‪ ،‬وقد جال هذا الرجل بخراسان وما وراء النهر والهند‪ ،‬وزرع في‬
‫كل ناحية زندقة‪ ،‬فكانوا يكاتبونه من الهند بالمغيث‪ ،‬ومن بالد الترك بالمقيت‪،‬‬
‫لبعد الديار عن اإليمان‪ .‬وأما البالد القريبة‪ ،‬فكانوا يكاتبونه من خراسان بأبي‬
‫عبد الله الزاهد‪ ،‬ومن خوزستان بالشيخ حالج األسرار‪ ،‬وسماه أشياعه ببغداد‬
‫المصطلم‪ ،‬وبالبصرة المجير‪...‬وقال ناس من األغتام‪ :‬بل هذا رجل عارف ولي‬

‫مكتبة الصديق‪ ،‬الطائف ‪ -‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1408 ،‬هـ ‪ 1988 -‬م‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪96‬‬

‫الله صاحب كرامات‪ ،‬فليقل ما شاء فجهلوا من وجهين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أنه ولي‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬أن الولي يقول ما شاء؛ فلن يقول إال الحق‪ ،‬وهذه بلية عظيمة ومرضة‬
‫مزمنة‪ ،‬أعيى األطباء دواؤها‪ ،‬وراج بهرجها وعز ناقدها‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬

‫وقد فطن العلماء إلى شعوذة الحالج‪ ،‬فقال أبو بكر بن سعدان‪ :‬قال لي‬
‫الحالج‪ :‬تؤمن بي حتى أبعث إليك عصفورة‪ ،‬تطرح من ذرقها وزن حبة‪ ،‬على‬
‫كذا منًا من نحاس فيصير ذهبا؟ قلت‪ :‬أفتؤمن بي حتى أبعث إليك بفيل يستلقي‬
‫فتصير قوائمه في السماء‪ ،‬فإذا أردت أن تخفيه‪ ،‬أخفيته في عينك‪ ،‬فأبهته‪ ،‬وكان‬
‫مموها مشعوذا(((‪.‬‬

‫‪3 .‬دعوى الصوفية السحرة التصرف بأسماء اهلل الحسنى‪:‬‬


‫يدعي الصوفية أنهم لشدة معرفتهم بأسماء الله‪ ،‬وكثرة ذكرهم لله بها يمدون‬
‫بمدد منه (تعالى)‪ ،‬ويطلعون على ما ال يطلع عليه غيرهم‪ ،‬ويقدرون على ما‬
‫يعجز عنه سواهم‪.‬‬

‫ويستخدم سحرة الصوفية األسماء الحسنى في تصريف سحرهم‪ ،‬فيمزجون‬


‫األسماء بقوى الكلمات‪ ،‬واألسماء بقوى الكواكب‪ ،‬فيع ّين لذكر األسماء‬
‫الحسنى‪ ،‬أو ما يرسم من أوفاقها‪ ،‬بل ولسائر األسماء‪ ،‬أوقاتا تكون من حظوظ‬

‫البوني في كتابه ا ّلذي ّ‬


‫سماه‬ ‫ّ‬ ‫الكواكب ا ّلذي يناسب ذلك االسم‪ ،‬كما فعله‬
‫((( العبر في خبر من غبر‪ :‬الذهبي ج‪1‬ص‪.454‬‬
‫‪97‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫األنماط‪ .‬وهذه المناسبة عندهم هي من لدن الحضرة العمائ ّية‪ .‬وهي برزخ ّية‬
‫تنزل تفصيلها في الحقائق على ما هي عليه من‬
‫األسمائي‪ ،‬وإنّما ّ‬
‫ّ‬ ‫الكمال‬
‫المناسبة‪.‬‬

‫وإثبات هذه المناسبة عندهم إنّما هو بحكم المشاهدة‪ ،‬فإذا خال صاحب‬
‫األسماء عن تلك المشاهدة‪ ،‬وتل ّقى تلك المناسبة تقليدا؛ كان عمله بمثابة‬
‫عمل صاحب ال ّطلسم‪ ،‬بل هو أوثق منه كما قلناه‪ .‬وكذلك قد يمزج أيضا‬
‫صاحب ال ّطلسمات عمله وقوى كواكبه بقوى الدعوات المؤ ّلفة من الكلمات‬
‫المخصوصة لمناسبة بين الكلمات والكواكب‪ّ ،‬إاّل ّ‬
‫أن مناسبة الكلمات عندهم‬
‫ليست كما هي عند أصحاب األسماء من اال ّطالع في حال المشاهدة‪ ،‬وإنّما‬
‫السحر ّية‪ ،‬من اقتسام الكواكب لجميع ما‬
‫يرجع إلى ما اقتضته أصول طريقتهم ّ‬
‫المكونات‪ ،‬من جواهر وأعراض وذوات ومعان‪ ،‬والحروف واألسماء‬
‫ّ‬ ‫في عالم‬
‫من جملة ما فيه(((‪.‬‬

‫يخصه‪،‬‬ ‫قال ابن خلدون‪ :‬ويزعمون‪ :‬أن ّ‬


‫لكل واحد من الكواكب قسم منها ّ‬
‫ويبنون على ذلك مباني غريبة منكرة من تقسيم سور القرآن وآيه على هذا‬
‫البوني في‬
‫ّ‬ ‫المجريطي في الغاية‪ .‬وال ّظاهر من حال‬
‫ّ‬ ‫النحو‪ ،‬كما فعله مسلمة‬
‫فإن تلك األنماط إذا تص ّفحتها‪ ،‬وتص ّفحت الدّ عوات‬
‫أنماطه أنّه اعتبر طريقتهم‪ّ .‬‬
‫ثم وقفت على الغاية‪،‬‬
‫السبعة‪ّ ،‬‬ ‫ا ّلتي ّ‬
‫تضمنتها‪ ،‬وتقسيمها على ساعات الكواكب ّ‬

‫((( مقدمة ابن خلدون‪ :‬ابن خلدون ج ‪1‬ص ‪.167‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪98‬‬

‫تختص ّ‬
‫بكل كوكب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتص ّفحت قيامات الكواكب ا ّلتي فيها‪ ،‬وهي الدّ عوات ا ّلتي‬
‫ويسمونها قيامات الكواكب‪ ،‬أي الدعوة ا ّلتي يقام له بها‪ ،‬شهد له ذلك‪ :‬إ ّما بأنّه‬
‫ّ‬
‫بأن التناسب ا ّلذي كان في أصل اإلبداع وبرزخ العلم قضى بذلك‬ ‫من ما ّدتها‪ ،‬أو ّ‬
‫(((‬
‫يتم من ا ْل ِع ْل ِم إِ ّاّل قلِ ً‬
‫ياًل »‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ك ّله‪« .‬وما أوت ْ‬
‫الطلسم البرهوتي المنسوب زورا وبهتانا لسليمان ‪ ‬واستخدام‬
‫الصوفية له‬
‫لقد برأ الله ‪ ‬نبيه سليمان ‪ ‬من السحر‪ ،‬كما فقال تعالى‪:‬‬
‫ﱹ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﱸ(((‪،‬‬
‫ولكن الصوفية زعموا أن هناك عهودا ودعوات واستغاثات سحرية يعملون بها‬
‫ويوصون بها مريديهم نسبوها إلى سليمان ‪ ،‬وزعموا أن هناك طلسما له‬
‫‪ ‬كان منقوشا على خاتمه‪.‬‬

‫وينسب الصوفية إلى سليمان ‪ ‬ما يعرف بالبرهتية(((‪ ،‬وهذه النسبة‬


‫نسب ٌة باطلة أضيفت إلى سليمان ‪ ‬على وجه تلبيس الحق بالباطل‪ ،‬وهي‬
‫فرية كاذبة لتزيين هذا االنحراف‪ ،‬وإال فإن سليمان نبي كريم داع إلى توحيد الله‬

‫((( من اآلية‪ 85‬سورة اإلسراء‪.‬‬


‫((( من اآلية‪103‬سورة البقرة‪.‬‬
‫((( ذكر أرباب الطرق الصوفية البرهتية والجلجلوتية‪ ،‬وهما في كتب السحر‪ ،‬وموجودتان في‬
‫أوراد وأذكار الطرق‪ ،‬كالطريقة الميرغنية والطريقة الختمية والبرهاتية‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫الخالص‪ ،‬ناه عن الشرك‪ ،‬والسحر شرك به تعالى‪.‬‬

‫ويشرح بعضهم البرهتية بقوله‪« :‬يكتب هذا العهد الذي تكلم به سليمان بن‬
‫داود (عليهما الصالة والسالم)‪ ،‬وذكر آصف بن برخيا أن هذا العهد كان منقوشا‬
‫على جوانب البساط‪ ،‬وأن آخره كان منقوشا على الخاتم الذي ختم به على‬
‫الجن واإلنس‪ ،‬وهو هذا‪ :‬ببرهتيه ‪ 2‬كرير ‪ 2‬تتليه ‪ 2‬طوران ‪ 2‬مزجل ‪ 2‬بزحل ‪2‬‬
‫ترقب ‪ 2‬برهش ‪ 2‬غلمش ‪ 2‬خوطير ‪ 2‬قلنهود ‪ 2‬برشان ‪ 2‬كظهير ‪ 2‬نموشلخ ‪2‬‬
‫برهيوال ‪ 2‬بشكيلخ ‪ 2‬قز ‪ 2‬مز ‪ 2‬انغلليط ‪ 2‬قبرات ‪ 2‬غياها ‪ 2‬كيدهوال ‪ 2‬شمخهر‬
‫‪ 2‬شمخاهير ‪ 2‬اللهم بكهطهونية بشاريش طوش طوياش بلطشفويل‪ ...‬مفياج‬
‫بعزتك إال ما أخذت سمعهم وأبصارهم‪ ،‬والعهد الذي حكم به السيد سليمان‬
‫على الجن‪.‬‬

‫وقد تكلموا على خواص هذا العهد فقالوا‪ :‬إن برهتيه كرير إذا كتبت بريق‬
‫الطالب على مأكول‪ ،‬وأهدى ألحد من الناس‪ ،‬تمكنت محبة الطالب في قلب‬
‫آكله‪ ،‬وكذا إذا قرأها الطالب على ماء ؛فعل ذلك‪ ،‬وإن نقشت على طابع من‬
‫عنبر وحملته البكر‪ ،‬تزوجت‪ ،‬وكذلك تكتب وتعلق على السلعة‪ .‬وإذا أضيف‬
‫إليها تتليه طوران طوران وعلق على مصاب؛ أفاق واحترق عارضه‪ ،‬وإن كان‬
‫مسحورا بطل سحره‪.‬‬

‫وقد ذكر أبو معشر الفلكي وغيره كالما فيه استغاثات بأسماء الشياطين‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪100‬‬

‫وغيرها زاعمين أنها منقوشة على خاتم سليمان‪ ،((( .‬وهذا كذب محض‪،‬‬
‫وضالل مبين‪.‬‬

‫وينتشر بين السحرة الصوفية ورقة تسمى بالعهود السليمانية‪ ،‬مليئة بالطالسم‪،‬‬
‫واالستغاثات بالشياطين كما هو موضح بالصورة التالية‪:‬‬

‫كما نشر الطوخى كتابًا من تأليفه أسماه الخاتم السليمانى‪ ،‬وهو كتاب ملئ‬
‫بالطالسم والرموز والسحر‪ ،‬وهذا كله كذب على الله وعلى نبيه سليمان عليه‬
‫السالم‪ ،‬وإنهم ليقولون منكر ًا من القول وزور ًا ويأتون بهتانًا عظيمًا‪ .‬وإنما‬
‫يفعلون ذلك ليخدعوا عباد الله إذ يلقون إليهم ما أوحته لهم الشياطين‪ ،‬ويدعون‬
‫أنهم متبعون لهذا النبي الكريم‪ ،‬وأنهم ال يفعلون محرما‪ ،‬وهذا زعم باطل مردود‬
‫من وجوه كثيرة‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن سليمان نبي واألنبياء يدعون إلى توحيد الله‪ ،‬وإخالص العبادة له‪،‬‬

‫((( تذكرة أولى األلباب ‪ -‬الشيخ داود األنطاكي (‪ )159/3‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪101‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫والسحر مناقض لذلك‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬


‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﱸ(((‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن الله أثنى على عبده سليمان فقال‪ :‬ﱹ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ‬


‫ﮁﮂ ﮃ ﮄﱸ(((‪ ،‬وقوله‪ :‬ﱹ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﱸ((( فكيف والحالة‬
‫هذه أن يكون ساحرا‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬أن من تأمل قصته التي ذكرت في سورة النمل رأى دعوته إلى توحيد‬
‫الله الخالص‪ ،‬ومن تأمل ما ورد عنه في سورة سبأ وسورة ص علم أن تسخير‬
‫الجن له كان معجزة أيده بها الله ‪ ،‬وأن الرب المليك الجليل سبحانه هو‬
‫من سخر ذلك له‪ ،‬ولم يكن التسخير أبدا بهذا الطلسم الكفري‪ ،‬هذا وليس‬
‫للخاتم وال للعصا دور في ذلك‪ ،‬وليس على ذلك أثارة من علم‪.‬‬

‫الفالسفة والصوفية والسحر‪:‬‬


‫خلط الصوفية الفلسفة بالتصوف‪ ،‬حتى صار فريق منهم كبير يعرف بذلك‬
‫وينسب إليه‪ ،‬ويذكر العلماء التصوف الفلسفي وينقدونه‪ ،‬حتى كثير ممن ينتصر‬
‫للتصوف وينتمي إليه‪ ،‬ولقد عمد بعض هؤالء الصوفية الفالسفة إلى تعاطي‬
‫السحر‪ ،‬وأخذوا من الفالسفة واطلعوا على كتبهم‪ ،‬ونقلوا منها وصححوا‬

‫((( اآلية‪25‬سورة األنبياء‪.‬‬


‫((( اآلية‪30‬سورة ص‪.‬‬
‫((( اآلية‪40‬سورة ص‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪102‬‬

‫واستدركوا عليهم‪ .‬قال ابن سبعين‪( :‬وهذه السيمياء تنقسم إلى خمسة أقسام‪:‬‬
‫الكاذبة منها الذي يذكرها مسلمة المجريطي صاحب رسائل إخوان الصفا ‪،‬‬
‫والمشكوك منها الذي يزعم ابن مسرة أنه وصله‪ ،‬والصحيح منها الذي إذا‬
‫وصف للفقيه سماه كرامة‪ ،‬وإذا ذكر للحكيم سماه تصريفًا‪ ،‬وإذا ذكر للمقرب‬
‫المحقق سماه فتنة)(((‪.‬‬

‫الم ْج ِريطي‪ ،‬مسلمة بن أحمد بن قاسم‬ ‫ِ‬


‫والمجريطي هذا هو َأ ُبو القاسم َ‬
‫بن عبد الله المجريطي‪ ،‬أبو القاسم‪ :‬فيلسوف رياضي فلكي‪ ،.‬كان إمام‬
‫الرياضيين باألندلس‪ ،‬أوسعهم إحاطة بعلم األفالك وحركات النجوم‪ .‬مولده‬
‫ووفاته بمجريط (مدريد)‪ ،‬ذهب بعض المؤرخين إلى أنه مؤلف (رسائل‬
‫إخوان الصفاء)‪ ،‬ولم يثبت ذلك‪ ،‬من كتبه (ثمار العدد) في الحساب‪ ،‬يعرف‬
‫بالمعامالت‪ ،‬و (اختصار تعديل الكواكب من زيج البتاني)‪ ،‬و (رتبة الحكيم)‪ ،‬و‬
‫(غاية الحكيم)‪ ،‬و (كتاب األحجار)‪ ،‬و (روضة الحدائق) رسالة صغيرة‪ .‬وعني‬
‫العربي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الفارسي إلى التاريخ‬
‫ّ‬ ‫بزيج محمد بن موسى الخوارزمي فنقل تاريخه‬
‫وزاد فيه جداول حسنة‪- ،‬كما يقول القفطي‪ -‬وأنه اتبع الخوارزمي على خطأه‬
‫(((‬
‫ولم ينبه على مواضع الغلط فيه ولد في عام ‪ 338‬وتوفي في عام ‪.398‬‬

‫وممن جمع بين التصوف والفلسفة واالنتساب إلى الباطنية ابن َم َس َّرة محمد‬

‫((( الفهرست‪ ،‬المؤلف‪ :‬ابن النديم ص‪435‬تحقيق‪ :‬إبراهيم رمضان‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة بيروت‬
‫‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪ 1417‬هـ ‪ 1997 -‬م‪.‬‬
‫((( األعالم‪ :‬الزركلي ج‪7‬ص ‪.224‬‬
‫‪103‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫بن عبد الله بن مسرة‪ ،‬أبو عبد الله‪ :‬متصوف‪ ،‬متفلسف‪ ،‬أندلسي‪ ،‬من دعاة‬
‫اإلسماعيلية‪ .‬من أهل قرطبة‪.‬ولد سنة ‪269‬هـ‪ .‬قال الحميدي‪( :‬له طريقة في‬
‫البالغة‪ ،‬وتدقيق في غوامض إشارات الصوفية‪ ،‬وتآليف في المعاني‪ ،‬ونسبت‬
‫الفرضي عنه‪( :‬اتهم بالزندقة‬
‫ّ‬ ‫إليه بذلك مقاالت نعوذ بال َّله منها!)‪ ،‬وقال ابن‬

‫فخرج فارا‪ ،‬وتردد بالمشرق مدة‪ ،‬فاش َت َغل بمالقاة أهل َ‬


‫الجدَ ل‪ ،‬وأصحاب‬

‫والم ْعت َِزلة‪ ،‬ثم ان َْص َرف إلى األنْدَ ُلس فأظهر ْ‬
‫نسكًا َو َورعًا‪ ،‬واغتر‬ ‫ُ‬ ‫ال َكالَم‪،‬‬
‫النَّاس بظاهره‪ ،‬فاختلفوا إليه وسمعوا منه‪ ،‬ثم ظهر النَّاس على سوء معتقده‪.‬‬
‫وفتح مذهبه فانقبض من كان له إدراك ِ‬
‫وع ْلم‪ ،‬و َت َمادى في صحبته آخرون غلب‬ ‫ْ‬
‫يحرف التأويل في‬
‫الج ْهل‪ ،‬فدانوا بنحلته ثم انصرف إلى األندلس‪ ،‬وكان ّ‬
‫عليهم َ‬
‫كثير من القرآن‪ ،‬وقد رد عليه جماعة من أهل المشرق) (((‪ ،‬وفي تاريخ قضاة‬
‫األندلس أن القاضي ابن زرب وضع كتابا في الرد علي ابن مسرة‪ ،‬واستتاب‬
‫بعض أتباعه‪ ،‬و (أحرق ما وجد عندهم من كتبه وأوضاعه) توفي سنة ‪319‬‬
‫هـ)(((‪.‬‬

‫ومنهم الحالج وابن عربي‪ ،‬وسيأتي الحديث عنهما مفصال‪.‬‬

‫((( األعالم‪ :‬الزركلي‪.)224/7( ،‬‬


‫((( تاريخ علماء األندلس‪ :‬ابن الفرضي ج ‪2‬ص ‪ ،42‬عنى بنشره؛ وصححه‪ :‬السيد عزت العطار‬
‫الحسيني‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1408 ،‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪104‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أعالم الصوفية في علم السحر وأشهر‬


‫كتبهم‬
‫لقد تعاطي السحر جماعة من األعالم الذين برزوا في التصوف‪ ،‬وصاروا فيه‬
‫رؤوسا وقادة‪ ،‬وعد تالمذتهم ومن جاء بعدهم معرفتهم بالسحر وعملهم به من‬
‫المناقب‪ ،‬وأثنوا عليهم بمعرفتهم بالسحر وعلومه‪ ،‬فذكروا معرفتهم باألوفاق‪،‬‬
‫وأسرار الحروف وغير ذلك في تراجمهم‪ ،‬وعدوا كذلك الكتب التي ألفوها في‬
‫ذلك من آثارهم المشكورة‪.‬‬

‫وفي عرضنا لهذا األمر سنتحدث عن هذين األمر في مطلبين‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أعالم الصوفية في علم السحر‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أشهر كتب الصوفية في علم السحر‪.‬‬


‫‪105‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫المطلب األول‪ :‬أعالم الصوفية في علم السحر‬

‫تعاطى كثير من أعالم الصوفية السحر‪ ،‬وألفوا فيه كتبا‪ ،‬ومن أبرز هؤالء‪:‬‬

‫أوال‪ :‬ابن عربي‪:‬‬


‫البن عربي منزلة عند الصوفية ال تضاهى‪ ،‬وهو معظم لدى سائر المتصوفة‪،‬‬
‫وتقتبس من نار ضالله كل الفرق‪ ،‬ويخلعون عليه ألقاب التعظيم والتقديس‪،‬‬
‫ويجيبون عن كل ما قال أو فعل‪ ،‬ويلقبونه بالشيخ األكبر‪ ،‬والكبريت األحمر‪،‬‬
‫وكان ابن عربي متعاطيا للسحر‪ ،‬كما كان منجما‪ ،‬كما أنه كان أيضا ناشرا لما‬
‫يعرف بأسرار الحروف‪ ،‬وكتاب الفتوحات المكية غاص بالتنجيم‪ ،‬مروج له‪،‬‬
‫مزك له‪ ،‬مستدال له بأدلة ال تساعده من بالكتاب والسنة‪ ،‬وإنما هي تمويهات‪،‬‬
‫وكذب وتدليس‪.‬‬

‫وقد ذكر المحبي في كتاب خالصة األثر‪ :‬أن ابن عربي كان له جفر فيه رموز‬
‫فقال‪ ):‬وقد استخرج بعض المعتنين بالجفر قتله (أي السلطان عثمان) في تلك‬
‫السنة من جفر الشيخ األكبر ابن عربي برموز ظاهرة‪ ،‬وفي ذيلها العجب كل‬
‫العجب) (((‪ .‬ومما قاله ابن عربي عن الحروز‪( :‬وإن سألك عن الحرز‪ ،‬فاكتب له‬
‫هذه األسماء‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله‬
‫على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم‪....‬ثم ذكر مجموعة من الطالسم‪...‬ثم‬

‫((( خالصة األثر في أعيان القرن الحادي‪ :‬عشرمحمد أمين المحبي ج ‪ 2‬ص ‪ ،182‬المطبعة‬
‫الوهيبة‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪106‬‬

‫قال‪ :‬وإن سألك عن زيادة البخور فاكتب له هذه األسماء في قرطاس‪...‬ثم تبخره‬
‫ثالثة أيام‪ ،‬وفي اليوم الثالث ترمي المجمرة وما فيها من الفحم وغيره في مفرق‬
‫طريق له أربع طرائق‪ ،‬أو تكتب له ذلك أربعة أيام وترمي المجمرة كل يوم في‬
‫مفرق آخر(((‪ ،‬وإن سألك عن العزيمة؛ فقل له‪ :‬يحتاج إلى بيضة دجاجة حمراء‪،‬‬
‫ويكتب عليها هذه العزيمة‪( :‬يا سما سلمعونة‪ ...‬يا مالك الجن والشياطين يا حي‬
‫يا قيوم احبس السارق‪...‬أهيا شراهيا‪ ).....‬ثم تدفنها في المطبخ ‪...‬وإن سألك‬
‫عن العزيمة‪ .‬فاكتب له هذه العزيمة واألسماء في قرطاس‪ ،‬وعلقها في مهب‬
‫الريح‪ ،‬فإنه يرجع ما سرقه بإذن الله تعالى‪ ،‬وهذا كتابه‪( :‬هطوس هطوس‪...‬إلى‬
‫أن يقول‪ ...‬عبوس عبوس كمال الما أجيبوا الله(((‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬البوني‪:‬‬
‫هذا الرجل عليه كفل ممن تعلم السحر ممن جاء بعده إلى يومنا هذا‪ ،‬فقد ألف‬
‫في السحر كتبا كثيرة وخطيرة‪ ،‬ودل الناس على مسالك السحر الوعرة‪ ،‬وأدنى‬
‫لهم طلعها الذي كأنه رؤوس الشياطين‪ ،‬وليس لساحر جاء بعده إال وللبوني‬
‫في عنقه يد سوداء‪ ،‬وهي يد ال تنفعه‪ ،‬ووبال على التابع والمتبوع‪ ،‬يوم يتبرأ‬
‫الذين اتبعوا من الذين اتبعوا‪ ،‬يوم يقول السحرة من بعده له وألمثاله‪ :‬ربنا هؤالء‬

‫((( مجموعة ساعة الخير ص‪.6 :‬ومجموعة الخير كتاب طبعته دار الجيل للطباعة عام ‪1989‬م‬
‫مجموع من كالم ابن عربي اشتمل على معرفة أسماء البروج‪ ،‬ومعرفة منازل القمر وبخورات‬
‫الكواكب السبعة‪ ،‬وما يزعمون ويفترون بأنه حرز سليمان‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫((( مجموعة ساعة الخير‪ ،‬ص‪.7 :‬‬
‫‪107‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار‪ ،‬فيقول الله (جل جالله) لكل ضعف ولكن‬
‫ال تعلمون‪ ،‬وقد خدع البوني نفسه‪ ،‬وخدعه الشيطان فزعم أنه يحسن إلى العباد‬
‫بذلك‪ ،‬ويعلمهم علما يحتاجون إليه‪ ،‬وأنه يبتغي األجر من الله على ذلك‪ .‬وقد‬
‫ذكر في هذه الكتب أشياء تقشعر منها األبدان‪ ،‬وتنفطر لها القلوب‪ ،‬وتنشق منها‬
‫األرض‪ ،‬وتخر الجبال هدا‪ ،‬لما فيها من استغاثات بالشياطين‪ ،‬وتعليق للناس‬
‫بغير الله‪ ،‬وتعظيم الشياطين‪ ،‬وتعليم الناس السحر من صرف وعطف‪ ،‬وفى‬
‫كتبه وصفات شيطانية للقتل والتدمير والتخريب‪ ،‬والطالق والسرقة والوصول‬
‫إلى شتى المحارم والعياذ بالله تعالى‪.‬‬

‫والبوني ساحر متصوف‪ ،‬له عند الصوفية منزلة كبيرة‪ ،‬قال يوسف النبهاني‬
‫صاحب كرامات األولياء في ترجمته للبوني‪ :‬أبو العباس أحمد بن علي البوني‬
‫من كبار المشايخ ذوي األنوار واألسرار‪ ،‬وممن أخذ عنه المرسي‪ ،‬فمن كراماته‬
‫أنه كان مجاب الدعوة‪...‬توفي سنة (‪622‬هـ)(((‪.‬‬

‫ويذكر مترجموه أنه وﻟﺪ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻮﻧﺔ (ﻋﻨﺎﺑﺔ) ﺳﻨﺔ ‪ 520‬ﻫـ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ‪ ،‬ﻗﺮأ‬
‫اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺎﻟﻘﺮاءات ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﻮﻧﺲ‪ ،‬وﺗﻔﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺬﻫﺐ اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟﻚ‬
‫‪ ،‬وﺗﻔﻨﻦ ﻓﻲ ﻋﺪة ﻋﻠﻮم‪ ،‬وأﺧﺬ ﻋﻦ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻨﻬﻢ‪ :‬اﺑﻦ ﺣﺮز اﻟﻠﻪ‪ ،‬واﺑﻦ رزق‬
‫اﻟﻠﻪ‪ ،‬واﺑﻦ ﻋﻮاﻧﺔ‪ ،‬ورﺣﻞ إﻟﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ‪ ،‬وﻟﻘﻲ ﻫﻨﺎك أﺑﺎ اﻟﻘﺎﺳﻢ اﻟﺴﻬﻴﻠﻲ‪ ،‬واﺑﻦ‬

‫((( جامع كرامات األولياء النبهاني‪ ،508/1 :‬تحقيق إبراهيم عطوة عوض‪ ،‬المكتبة الثقافية‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪108‬‬

‫ﺑﺸﻜﻮال‪ ،‬واﻟﻔﻘﻴﻪ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﺨﺰرﺟﻲ اﻟﺴﺒﺘ‪ ،‬وﻗﺪم إﻟﻰ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ‪ ،‬وﻟﻘﻲ‬
‫اﻟﺤﺎﻓﻆ أﺑﻲ ﻃﺎﻫﺮ اﻟﺴﻠﻔﻲ‪ ،‬وأﺑا اﻟﻄﺎﻫﺮ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﻮف اﻟﺰﻫﺮي اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ‪،‬‬
‫وأﻗﺎم ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة زﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺎﺿﺪ‪.‬ﺛﻢ ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻫﺮة إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ﻷداء ﻓﺮﻳﻀﺔ‬
‫اﻟﺤﺞ‪ ،‬ﺛﻢ رﺣﻞ إﻟﻰ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﻘﺪس‪ ،‬وﻣﻨﻬﺎ ﺗﻮﺟﻪ إﻟﻰ دﻣﺸﻖ‪ ،‬واﻟﺘﻘﻰ ﺑﺎﻟﺤﺎﻓﻆ أﺑﻲ‬
‫اﻟﻘﺎﺳﻢ اﺑﻦ ﻋﺴﺎﻛﺮ‪.‬ﺛﻢ دﺧﻞ واﺳﻂ وﺑﻐﺪاد‪ ،‬وﻟﻘﻲ اﻟﺤﺎﻓﻆ أﺑﺎ اﻟﻔﺮج اﺑﻦ اﻟﺠﻮزي‪،‬‬
‫ورﺟﻊ إﻟﻰ ﺑﻴﺖ المقدس‪ ،‬وﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ‪ ،‬وأدى ﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ ﻣﺮة أﺧﺮى وﻋﺎد‬
‫إﻟﻰ ﻣﺼﺮ‪ ،‬ﺛﻢ ﻋﺎد إﻟﻰ ﺗﻮﻧﺲ ﻣﺮة أﺧﺮى‪ ،‬وأﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺼﺒﻴﺎن وﻳﺆم اﻟﻨﺎس‬
‫ﺑأﺣﺪ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻫﻨﺎك‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺮك اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ وأﻗﺒﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻋﻆ‪ ،‬وقال المترجمون له‪:‬‬
‫ﻛﺎن ﻛﺜﻴﺮ اﻹﻧﻘﻄﺎع واﻟﻌﺒﺎدة‪ ،‬ﻛﺜﻴﺮ اﻟﺘﻬﺠﺪ واﻟﺼﻴﺎم‪ ،‬ﻳﻤﺴﻚ ﻋﻦ اﻟﻄﻌﺎم ﻓﻲ أﻛﺜﺮ‬
‫أوﻗﺎﺗﻪ‪ ،‬وﻳﺆﺛﺮ اﻟﻌﺰﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺎﻟﻄﺔ اﻟﻨﺎس‪ ،‬وﻳﺨﺮج ﻓﻲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن إﻟﻰ ﺟﺒﻞ‬
‫(ﻣﺎﻛﻮض) ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ ﺷﺮﻗﻲ ﺗﻮﻧﺲ ﻋﻠﻰ ﻳﻮﻣﻴﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻴﻘﻴﻢ ﺑﻪ‪ ،‬وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ أوﻻد‬
‫وﻻ أﺗﺒﺎع ﻹﻋﺮاﺿﻪ ﻋﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬قال محبوه‪ :‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ زﻣﻨﻪ ﺑﺒﻠﺪه أﺣﺴﻦ ﻣﻨﻪ‬
‫ﺧﻠﻘﺎ‪ ،‬وﻻ أﻛﺜﺮ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﻌﻠﻢ اﻟﺤﺴﺎب واﻟﺤﺮوف واﻟﻔﻠﻚ ﻣﻨﻪ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻛﺎن ﻳﻘﺎل ﻟﻪ‪:‬‬
‫ﻛﻨﺪي اﻟﺰﻣﺎن‪ ،‬وزعموا أن اﻟﺤﺮوف كانت ﺗﺨﺎﻃﺒﻪ ﻓﻴﻌﻠﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻨﺎﻓﻌﻬﺎ وﻣﻀﺎرﻫﺎ‪.‬‬
‫وينقلون ﻋﻨﻪ أﺣﻮاال ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻮة ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻲ (أي ﻛﺎن ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺨﻄﻮة)‪،‬‬
‫واﻹﺧﺘﻔﺎء ﻋﻦ اﻟﻨﺎس واﻹﺣﺘﺠﺎب ﻋﻨﻬﻢ‪ ،‬ﻓﺴﺎﻋﺔ ﻫﻮ ﻣﻌﻚ ﺗﺮاه‪ ،‬وﺳﺎﻋﺔ ﻳﻐﻴﺐ‬
‫ﻋﻨﻚ وﻳﺘﻮارى ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻼ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻚ إﻻ ﺑﻌﺪ أﺳﺒﻮع وأﻛﺜر‪ ،‬وﻛﺎن ﻛﺜﻴﺮا ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ‬
‫ﺑﻤﺎ ﻳﻘﺘﺮح ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﻮاﻛﻪ واﻟﺨﻀﺮوات ﻓﻲ ﻏﻴﺮ وﻗﺖ أواﻧﻬﺎ‪ ،‬وكانت وﻓﺎﺗﻪ‪ :‬ﻓﻲ‬
‫‪109‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﻮﻧﺲ ﺳﻨﺔ ‪ 622‬ﻫـ‪ ،‬ﻋﻦ ﻧﺤﻮ ‪ 80‬ﺳﻨﺔ‪.‬ﻫﺬه ﺧﻼﺻﺔ ﺗﺮﺟﻤﺘﻪ‪.‬‬

‫وقد مدح هؤالء المترجمون البوني وذكروه بعبارات التعديل والتفخيم‪،‬‬


‫مع أنهم يقرون أنه كان يتعاطى السحر‪ ،‬فانظر إلى ضالل الصوفية‪ ،‬وتعصبهم‬
‫لشيوخهم بالباطل‪ ،‬وهم يعلمون أن البوني وأمثاله ينشرون الكفر والضالل ثم‬
‫أنت ترى كيف زينوه للناظرين‪ ،‬في حين أنه كان ينبغي أن يحذروا الناس منه‬
‫ومن كتبه التي صارت زادا لكل ساحر ومارق(((‪.‬‬

‫ونقول بعد عرض هذه الترجمة‪( :‬ال حول وال قوة إال بالله)‪ ،‬نسأل الله‬
‫(تعالى) الثبات على التوحيد والسنة حتى نلقاه‪ ،‬إن أخسر الناس عالم لم ينفعه‬
‫علمه‪ ،‬والهداية من الله تعالى‪ ،‬ومن تأمل هذه الترجمة الحافلة بشيوخ لهم‬
‫منزلتهم في العلم والعمل سأل الله الثبات حتى الممات‪ ،‬فمن شيوخ البوني‬
‫الحافظ السلفي ناقل كالم رسول الله‪ ،‬وابن عساكر اإلمام المحدث المؤرخ‪،‬‬
‫والحافظ ابن الجوزي الذي أسلم على يديه كثير من اليهود والنصارى وغيرهم‬
‫من أهل الملل‪ ،‬وانتفع بمواعظه خلق ال يحصون‪ ،‬ورحل البوني إلى األقطار‬
‫فسمع علما نافعا كثيرا‪ ،‬وحمل فوائد جليلة‪ ،‬والتقى شيوخا انتفع بهم من البشر‬
‫ما ال يحصيه إال الله‪ ،‬ثم ينتهي أمره ساحرا (والعياذ بالله)‪ ،‬وتنصرف عنايته‬
‫إلى نشر السحر والكفر بالله‪ ،‬وفي كتب البوني من الكفر ما يندى له الجبين‪،‬‬

‫((( الترجمة ملخصة من‪( :‬اﻟﻤﻘﻔﻰ اﻟﻜﺒﻴﺮ) ﻟﻠﻤﻘﺮﻳﺰي‪ ،‬و (اﻟﻜﻮاﻛﺐ اﻟﺪرﻳﺔ) ﻟﻠﻤﻨﺎوي‪ ،‬واﻷﻋﻼم‪،‬‬
‫وﻛﺸﻒ اﻟﻈﻨﻮن‪ ،‬وﻫﺪﻳﺔ اﻟﻌﺎرﻓﻴﻦ‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪110‬‬

‫وتندك من هوله الجبال الراسيات وينفطر القلب‪ ،‬وينفلق الكبد‪ ،‬ومن تأمل هذه‬
‫الترجمة وحال الرجل يرى عظم دعائه ‪ :‬اللهم مقلب القلوب ثبت‬
‫قلبي على دينك اللهم مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك‪ ،‬وحاجة العبد‬
‫إليه في كل لحظه‪ ،‬وعلم أيضا عظم قوله في صالته‪ :‬ﱹ ﭧ ﭨ ﭩﱸ‬
‫في كل ركعة من ركعات صالته‪ ،‬وأنه محتاج الى هذه الهداية والثبات عليها‬
‫عند كل طرفة عين‪ ،‬وعلم شأن القاعدة الجليلة‪ :‬ليس العلم ما حفظ إنما العلم‬
‫ما نفع‪.‬‬

‫أسانيد البوني في علوم السحر‪:‬‬


‫ذكر البوني أسانيده في علم السحر فقال‪» :‬وسندي بعلم الحروف إلى الشيخ‬
‫اإلمام أبي الحسن البصري‪ ،‬وهو أخذ عن‪  ‬حبيب العجمي وهو أخذ عن الشيخ‬
‫داود الجيلي‪ ،‬وهو أخذ عن الشيخ معروف الكرخي‪ ،‬عن الشيخ سري الدين‬
‫ُ‬
‫السقطي‪ ،‬عن شيخ الوقت والطريقة معدن السلوك والحقيقة الشيخ الجنيد‬
‫البغدادي‪ ،‬عن الشيخ حماد الدينوري‪ ،‬عن الشيخ أحمد األسود‪ ،‬عن الشيخ‬
‫محمد الغزالي‪ ،‬عن الشيخ أبي النجيب السهروردي وهو لقن الشيخ العارف‬
‫الفاضل أصيل الدين الشيرازي‪ ،‬وهو لقن الشيخ عبد الله الباياني‪ ،‬وهو لقن‬
‫الشيخ قاسم السرجاني‪ ،‬وهو لقن الشيخ السيرجاني‪ ،‬وهو لقن الشيخ اإلمام‬
‫العارف الصمداني والهمام النوراني جالل الدين عبد الله البسطامي‪ ،‬وهو لقن‬
‫شمس وصلتي وبدر قلبي طود الحقائق الشامخ وجبل المعارف الراسخ شمس‬
‫‪111‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫العارفين وسر الله في األرضين أبا عبد الله شمس الدين األصفهاني‪.‬‬

‫هذا إسناده في علم الحروف التي يستخدمها في السحر‪ ،‬وقد يكون كاذبا‬
‫في تعاطي كل رجال االسناد السحر‪ ،‬فإن سنده السابق‪ ،‬فيه الجنيد‪ ،‬وهو اليؤثر‬
‫عنه ذلك‪ ،‬ومع وجود بعض المالحظات على الشيخ فإنه كان مستقيما في أكثر‬
‫أحواله‪ ،‬ويتكلم شيخ اإلسالم وغيره عنه بخير‪ ،‬وكذلك ابن القيم في المدارج‪،‬‬
‫وينقالن بعض كلماته في الزهد‪ ،‬وتربية النفس‪.‬‬

‫قال البوني‪ :‬وسندي بعلم األوفاق‪...‬عن الشيخ اإلمام العالمة سراج‬


‫الدين الحنفي‪ ،‬وهو أخذ عن الشيخ شهاب الدين القدسي‪ ،‬وهو أخذ عن‬
‫الشيخ شمس الدين الفارسي‪ ،‬وهو أخذ عن الشيخ شهاب الدين الهمداني‪،‬‬
‫وهو أخذ عن الشيخ قطب الدين الضيائي‪ ،‬وهو أخذ عن الشيخ محيي الدين‬
‫بن عربي‪ ،‬وهو أخذ عن الشيخ أبي العباس أحمد بن التوريزي‪ ،‬وهو أخذ‬
‫عن الشيخ أبي عبد الله القرشي‪ ،‬وهو أخذ عن الشيخ أبي مدين األندلسي‪.‬‬
‫وأيضًا أخذت هذه الرواية عن الشيخ محمد عز الدين بن جماعة الشافعي‪ ،‬وهو‬
‫أخذ عن الشيخ محمد بن سيرير‪ ،‬وهو أخذ عن الشيخ شهاب الدين الهمداني‪،‬‬
‫وهو أخذ عن قطب الدين أيضًا‪ ،‬وهو أخذ عن الشيخ محيي الدين بن عربي‪.‬‬

‫وقال‪ :‬وأيضًا سندي بعلم الحروف والوفق إلى الشيخ اإلمام العالم العالمة‬
‫الفقيه الثقة مساعد بن سادي بن مسعود بن عبد الله بن رحمة الهواري الحميري‬
‫القرشي‪ ،‬وهو أخذ عن الشيخ شهاب الدين أحمد الشاذلي‪ ،‬وهو أخذ عن الشيخ‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪112‬‬

‫تاج الدين عطاء المالكي الشاذلي‪ ،‬وهو أخذ عن الشيخ أبي العباس أحمد بن‬

‫عمر األنصاري المرسي‪.‬‬

‫و أيضًا سندي بعلم الحروف والوفق إلى الشيخ اإلمام العالمة أبي العباس‬

‫أحمد بن ميمون القسطالني‪ ،‬وهو أخذ عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن أحمد‬

‫القرشي‪ ،‬عن الشيخ اإلمام العالمة أستاذ العصر وأوحد الدهر أبي مدين شعيب‬
‫(((‬
‫بن حسن األنصاري األندلسي رأس السبعة األبدال وواحد األربعة األوتاد»‬

‫ويبدو من ذكره لهذه األسانيد حرصه على علم السحر‪ ،‬ودأبه في ذلك‪،‬‬

‫وشدة طلبه لهذا العلم‪ ،‬يظهر ذلك من عدم كفايته بسند واحد بل طلب ذلك‬

‫العلم الخبيث من أكثر من طريق‪ ،‬نسأل الله أن يرزقنا علما نافعا‪ ،‬ورزقا واسعا‪،‬‬

‫وعمال متقبال‪ ،‬لقد أجهد نفسه‪ ،‬وكد فيما أفسد عليه دنياه وآخراه‪ ،‬وسبحان‬

‫َاص َب ٌة َت ْص َلى ن ًَارا َحامِ َيةً)‪ ((( .‬ثم إن شره وفساده لم ينقطع ال‬
‫من قال‪َ ( :‬عامِ َل ٌة ن ِ‬

‫في حياته وال بعد مماته‪ ،‬بل ورث علما ضارا غير نافع‪ ،‬وترك كتبا هي سيئات‬

‫جاريات‪ ،‬وكان يكتب في مقدمة كتبه أنه كتب ذلك يرجو به وجه الله والدار‬
‫اآلخرة‪ ،‬فضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعا‪ ،‬والمعصوم‬

‫من عصمه الله‪ ،‬والسعيد من ثبته ربه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي اآلخرة‪.‬‬

‫((( شمس المعارف الكبرى أو شمس المعارف ولطائف العوارف‪ :‬أحمد بن علي البوني‪ :‬ص‪:‬‬
‫‪ ،530‬وما بعدها المتوفى سنة ‪ 622‬هـ‪ ،‬المكتبة الشعبية ببيروت‪.‬‬
‫((( اآليتان ‪4-3‬سورة‪.‬‬
‫‪113‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫ثالثا‪ :‬أبو الحسن الشاذلي‪:‬‬


‫أبو الحسن الشاذلي (ولد سنة ‪591‬وتوفي سنة ‪ 656‬هـ) وهو علي بن عبد‬
‫الله بن عبد الجبار بن يوسف ابن هرمز الشاذلي المغربي‪ ،‬أبو الحسن‪ :‬رأس‬
‫الطائفة الشاذلية‪ ،‬من المتصوفة‪ ،‬وصاحب األوراد المسماة «حزب الشاذلي»‪.‬‬

‫ولد في بالد «غمارة» بريف المغرب‪ ،‬ونشأ في بني زرويل (قرب شفشاون)‪،‬‬
‫وتفقه وتصوف بتونس‪ ،‬وسكن « شاذلة» قرب تونس‪ ،‬فنسب إليها‪ .‬وطلب‬
‫«الكيمياء» في ابتداء أمره‪ ،‬ثم تركها‪...،‬ينتسب إلى األدارسة أصحاب المغرب‪،‬‬
‫أخبره بذلك أحد شيوخه عن طريق «المكاشفة» قال الذهبي‪ :‬نسب مجهول‬
‫ال يصح وال يثبت‪ ،‬كان أولى به تركه‪ .‬وله غير «الحزب» رسالة «األمين» في‬
‫آداب التصوف رتبها على أبواب(((‪ .‬قال الذهبي عن نسبه لعلي ابن أبي طالب‬
‫ِ‬
‫وترك كثير مما قاله في تواليفه من‬ ‫األو َلى بِه ْتركه‪ْ ،‬‬‫نسب كان ْ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ :‬وهذا‬
‫الحقيقة‪ ،‬وهو َر ُجل كبير القدر‪ ،‬كثير الكالم‪ ،‬عالي المقام‪َ .‬ل ُه ِشعر ون ْثر فيه‬
‫ُمتشابهات وعبارات‪ ،‬يتكلف َل ُه فِي االعتذار َعن َْها(((‪.‬‬

‫الص ِغير َو ُه َو‬


‫وقال الصفدي‪َ ... :‬وله حزبان َكبِير وصغير‪َ ،‬و َاَل َب ْأس بِذكر َّ‬
‫لي َيا َعظِيم‪َ ،‬يا َحلِيم َيا عليم‪َ ،‬أنْت َر ِّبي وعلمك‬ ‫بِسم الله الرحمن ِ‬
‫الرحيم‪َ ،‬يا َع ّ‬
‫َّ ْ َ َّ‬

‫((( األعالم‪ :‬للزركلي ج ‪4‬ص‪.305‬‬


‫((( تاريخ بغداد وذيوله‪ :،‬أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ج ‪7‬ص ‪ ،120‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪114‬‬

‫حسبي‪َ ...‬يا من بِ َي ِد ِه ملكوت كل َش ْيء كهيص كهيعص كهيعص انصرنا َفإنَّك‬


‫اهت ا ْل ُو ُجوه‬
‫اهت ا ْل ُو ُجوه َش َ‬
‫خير الناصرين َوا ْفت َْح لنا َفإنَّك خير الفاتحين‪َ ...‬ش َ‬
‫اب من حمل ظلما طس حم عسق مرج‬ ‫اهت ا ْل ُو ُجوه للحي القيوم َوقد َخ َ‬ ‫َش َ‬
‫ينهما برزخ َاَل يبغيان حم حم حم حم حم حم حم‪ُ ،‬ح َّم ْاأْلَمر‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْل َب ْحرين َي ْلتَق َيان َب َ‬
‫ليم ِ‬ ‫تاب من ِ‬
‫الله ال َع ِ‬ ‫ِ‬
‫غافر‬ ‫زيز ال َع ِ‬ ‫نزيل الك ِ َ‬
‫ون حم َت ُ‬‫ْصر َ‬
‫َو َجاء الن َّْصر فعلينا َاَل تن ُ‬
‫اب ِذي الطول َاَل إِ َله إِ َّاَّل ُه َو إِ َل ْي ِه ا ْلمصير‪ ،‬بِسم‬ ‫ديد ِ‬
‫الع َق ِ‬ ‫َّوب َش ِ‬‫الذنب وقاب ِل الت ِ‬ ‫ِ‬

‫الله بابنا ت َبارك حيطاننا يس سقفنا كهيعص كفايتنا حم عسق حمايتنا َف َس َي ْك ِفي َك ُهم‬
‫الس ِميع ا ْل َعلِيم‪.((( ...‬‬
‫الله َو ُه َو َّ‬
‫وقال الفاسي‪ :‬ولما سافر إلى مصر كتبوا إلى سلطان مصر مكاتبات إنه‬
‫سيقدم عليكم مصر مغربي من الزنادقة‪ ،‬أخرجناه من بالدنا حين أتلف عقائد‬
‫المسلمين‪ ،‬وإياكم وأن يخدعكم بحالوة منطقه‪ ،‬فإنه من كبار الملحدين‪ ،‬ومعه‬
‫استخدامات من الجن(((‪.‬‬

‫وهذا مما دأب عليه السحرة فإنهم يتعاملون مع الشياطين‪.‬‬

‫ويوجد في كتبه المنسوبة إليه طالسم‪ ،‬وهذه الكتب يتعاطاها الصوفية‪،‬‬


‫ويطبعونها اآلن وينشرونها‪ ،‬ويتعبدون بها‪.‬وكان ألبي الحسن الشاذلي كتاب‬
‫اسمه «السر الجليل في خواص حسبنا الله ونعم الوكيل»‪ ،‬نسبه إليه إسماعيل‬

‫((( الوافي بالوفيات‪ :‬الصفدي ج‪21‬ص‪.)143‬‬


‫((( طبقات الشاذلية الكبرى‪ ،‬الفاسي‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪115‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫باشا في هدية العارفين(((‪ ،‬وعمر كحاله في معجم المؤلفين(((‪ ،‬وهو كتاب‬


‫مختصر من كتاب له آخر‪ ،‬وهذا الكتاب يثبت ما نقل عن الشاذلي من تعاطي‬
‫علم الكيمياء واستخدام الجن‪ ،‬ويحوي طالسم كثيرة(((‪.‬‬

‫((( هدية العارفية‪ :‬إسماعيل باشا البغدادي (‪)2 / 710‬‬


‫((( معجم المؤلفين‪ ،‬وعمر كحاله في (‪)2 / 468‬‬
‫((( السابقان‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪116‬‬

‫ومن أمثلة ما جاء في هذا الكتاب‪ :‬وسخر لي كما سخرت الريح واالنس‬
‫والجن والحش والطير لنبيك سليمان بن داود عليهما السالم وبأهيا شراهيا‬
‫أدرناي أصباؤت آل شداي يا من أمره بين الكاف والنون‪ ...‬الخ(((‪.‬‬

‫ومن األمثلة أيضا‪ :‬وقل بعد ذلك يا خدام هذه اآلية الشريفة توجهوا إلى‬

‫((( الشاذلي‪ ،‬السر الجليل‪ ،‬ص ‪ .6‬وال يخفى أن تسخير الله عز وجل لنبيه سليمان الريح والطير‬
‫وحشرها له من آيات نبوة هذا النبى الكريم ومعجزاته‪ ،‬وهذا الرجل يسأل الله أن يكون له ما لهذا‬
‫النبى من تسخير الجن له وخضوعها ألمره وسيطرته عليها‪ ،‬وهو ما امتنع عنه نبينا ﷺ حينما تفلت‬
‫عليه العفريت فأراد أن يربطه في سارية من سوارى المسجد ولكنه تذكر دعوة سليمان عليه السالم‬
‫واختصاصه وحده بذلك فترك ذلك عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫‪117‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫فالن بن فالنة‪ ،‬وادخلوا له في صفات مهولة‪ ،‬وعرفوه عني وعن اسمي وعن‬
‫كنيتي وحاجتي‪ ،‬وما أنا طالب بحق ما تعتقدونه من عظمتها عليكم أجيبوا أهيا‬
‫‪ 2‬الوحا ‪ 2‬الساعة ‪ 2‬بارك الله فيكم وعليكم ﱹ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﱸ احضروا مقامي واسمعوا‪ ..‬الخ(((‪.‬‬

‫وهذه االستغاثة بأهيا شراهيا‪ ...‬ال يشك عاقل أنها أسماء للشياطين‪ ،‬وكتب‬
‫السحر مملؤة بهذه األسماء‪ ،‬وال يكاد يحصى عدد من قبض عليهم من أولئك‬
‫السحرة‪ ،‬وقد ملئت أسحارهم وأعمالهم بهذه األسماء‪ ،‬وقد أحيلوا إلى‬
‫المحاكم الشرعية وحكم فيهم بحكم الله وحكم رسوله ‪ ،‬وكان‬
‫هؤالء قد كتبوا الطالسم في الحجب بأيديهم‪ ،‬بعدما اتفق معهم‪ ،‬وبعدما تم‬
‫خداعهم ليضبطوا بجرمهم‪.‬‬

‫المثال الثالث‪ :‬قوله عن بعض األسحار‪ :‬ومن كتبها في خرقة بيضاء يوم‬
‫السبت‪ ،‬في ساعة عطارد‪ ،‬والقمر مسعود‪ ،‬وجعلها في رأسه وفي حلل خصاصه‬
‫يتلو اآلية الشريفة المذكورة في كل وقت وحين استطاع‪ ،‬فإنه ينتصر على خصمه‬
‫ويظفر به بعون الله تعالى(((‪.‬‬

‫المثال الرابع‪ :‬قال‪ :‬من أراد أن يعقد ألسنة جميع الخالئق‪ ،‬فليجعل له لوحا‬
‫من الرصاص األسود المصطفى‪ ،‬مقدار ثالثة مثاقيل‪ ،‬ثم تنقش هذه اآلية عليه‪،‬‬

‫((( السر الجليل‪ :‬الشاذلي ص ‪.22‬‬


‫((( السابق‪ :‬ص‪22‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪118‬‬

‫وتقرأ اآلية ألفا واحدا على اللوح‪ ،‬وتضعه في بطن الحوت الطري‪ ،‬وتدفنه في‬
‫األرض المبلولة بالندا‪ ،‬وتكتب أسماء الحاسدين واألعداد فيه تنعقد ألسنتهم‬
‫بإذن الله(((‪.‬‬

‫ولم يبح الشاذلي في هذا الكتاب بكل ما عنده‪ ،‬بل كانت هناك أسرار من‬
‫السحر يعلمها ألتباعه الخاصين به عن مشافهة‪ ،‬قال اليافعي في كتابه الدر النظيم‬
‫وهو يتكلم عن أسرار الدائرة‪ :‬وأبان لي الشيخ نجم الدين األصفهاني كما أبان‬
‫له الشيخ أبو العباس المرسي‪ ،‬كما أبان له الغوث أبو الحسن الشاذلي كتب‬
‫الدائرة المذكورة نفعنا الله بها‪ ،‬هذا ولمنافعها وسرها فوق ما ذكرته ال تسمح‬
‫بكتابته بل الغالية للرجال في الصدور‪ ،‬وقال أوصاني أبو العباس المرسي كما‬
‫أوصاني الشيخ أبو الحسن‪....‬الخ (((‪.‬‬

‫وجاء في كتاب النفحة العلية في أوراد الشاذلية‪ :‬فصل‪ :‬في ذكر الدائرة والخاتم‬
‫والحرز والسيف‪ ،‬وكلها أسماء بمسمى واحد‪ ،‬وفي كيفية وضعها وما فيها من‬
‫الخواص قراء ًة وحمالً‪ ،‬وضبط أسمائها المعجمة وغير ذلك‪ .‬اعلم أن الرواية في‬
‫هذه الدائرة من طريقين‪ ،‬أحدهما‪ :‬عن سيدي اإلمام أحمد أبي العباس المرسي‪،‬‬
‫والثانية‪ :‬عن سيدي اإلمام شهاب الدين ولد الشيخ أبي الحسن الشاذلي ‪.‬‬
‫أما خواصها؛ فمنها ما رواه سيدي اإلمام شهاب الدين عن والده قال‪ :‬هذه‬

‫((( السر الجليل‪ :‬للشاذلي ص ‪.50‬‬


‫((( الدر النظيم‪ :‬لليافعي ص ‪ 112‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪119‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫الدائرة ورثتها عن آبائي وأجدادي الكرام‪ ،‬ويريد آباءه في الطريق‪ ،‬قال‪ :‬وكان‬
‫الشيخ يكتب هذه الدائرة بالسند‪ ،‬وقال‪ :‬من كانت هذه الدائرة على رأسه ال‬
‫يموت‪ ،‬أي‪ :‬ما دامت على رأسه(((‪.‬‬

‫سبحانك ربي يوعز أن هذه الورقة تمنع عنه الموت والله يقول‪ :‬ﱹﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﱸ‪ ،‬ويقول ﱹ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﱸ‪ ،‬ﱹ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙﱸ‪.‬‬

‫قاف‪َ ،‬أ ُد َّم‪،‬‬ ‫ٌ‬


‫بالمثناة)‪....،‬أحون‪ٌ ،‬‬ ‫عق (وفي رواية‬
‫طهور‪َ ،‬بدْ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وهذه هي الدائرة‪:‬‬
‫َح َّم‪ ،‬ها ٌء‪ ،‬أمي ٌن أو (آمين)‪....‬اعلم أن هذه األسماء هي من أسماء الله تعالى‪،‬‬
‫ليست بلسان من ألسنة عالم الملك وال عالم الملكوت‪ ،‬وال ٍ‬
‫بلغة من لغات‬
‫العالمين‪ ،‬وإنما هي أسماء جبروتية يذكر الله تعالى بها في روضة من رياض‬
‫جبروته‪...‬فاعلم أن الله قد جمع في هذه األسماء علوم األولين واآلخرين»(((‪.‬‬
‫وفي هذه كما ذكرنا قبل أسماء شياطين‪ ،‬وهي كما ترى في كتب الصوفية‪،‬‬
‫وكتب السحر قد امتألت بها وبأمثالها‪.‬ولقد رأينا الكثير مما كتبه السحرة منها‬
‫حينما من الله علينا بالقبض عليهم‪ ،‬وتفتيش ما لديهم‪« .‬ثم يرسم صورتها التي‬
‫تكتب بها في الحرز‪ ،‬وهي مربع داخله ست دوائر مكتوب على دائرته الكبرى‬
‫الطلسم نفسه‪ ،‬وعلى بقية الدوائر آيات قرآنية)‪ ،‬ثم يقول‪ :‬هذه على وفق العبارة‬

‫((( النفحة العلية في أوراد الشاذلية‪ ،‬الكاتب‪ :‬عبد القادر زكي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة النيل‪1321 ،‬هـ‪،‬‬
‫‪1903‬م‪ ،،‬ص‪.191 :‬‬
‫((( النفحة العلية‪ ،‬ص‪.204 ،203 :‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪120‬‬

‫المتقدمة‪ ،‬ورأيتها بخط شيخنا حفظه الله تعالى‪ ،‬وقال في الحاشية من نسخته‪:‬‬
‫وينبغي أن تكون الدائرة الكبرى مالقي ًة للخطوط األربعة (أي‪ :‬أضالع المربع)‬
‫ال خارجة عنها وال داخلة‪ ،‬وقد وضع صورتها الشيخ اليافعي في كتاب (الدر‬
‫النظيم في خواص القرآن العظيم) على كيفيتين رواهما من طريقتين‪ ،‬األولى‬
‫عن الشيخ أبي العباس المرسي‪ ..‬والرواية الثانية عن سيدي اإلمام تقي الدين‬
‫عن أبيه سيدي اإلمام شهاب الدين عن أبيه الشيخ أبي الحسن الشاذلي(((‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬ابن سبعين‪:‬‬


‫ومن أعالم التصوف المطلعين للسحر‪ ،‬والمتعاطين له‪ ،‬بل والمستدركين‬
‫على أهله ابن سبعين‪ ،‬قال ابن سبعين‪ :‬وهذه السيمياء تنقسم إلى خمسة أقسام‪:‬‬
‫الكاذبة منها الذي يذكرها مسلمة المجريطي صاحب رسائل إخوان الصفا ‪،‬‬
‫والمشكوك منها الذي يزعم ابن مسرة أنه وصله‪ ،‬والصحيح منها الذي إذا‬
‫وصف للفقيه سماه كرامة‪ ،‬وإذا ذكر للحكيم سماه تصريفًا‪ ،‬وإذا ذكر للمقرب‬
‫المحقق سماه فتنة(((‪.‬‬

‫فهو هنا يكذب المجريطي الذي يصرح بالسحر‪ ،‬ويشكك فيما يتعاطاه‬
‫ابن مسرة‪ ،‬ويختار طريق التمويه والتلبيس‪ ،‬إذ يرى أن الصحيح من هذا العلم‬
‫الفاسد‪ ،‬هو الذي يكسى حلل الكرامة‪ ،‬ووصف التصريف‪ ،‬وسمة االختبار‪.‬‬

‫((( النفحة العلية‪ ،‬ص‪.207 ،206 :‬‬


‫((( الفهرست‪ :‬ابن النديم ص‪.435‬‬
‫‪121‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫ومن أقوال ابن سبعين في الرسالة النورية‪« :‬ومن فضيلته (أي‪ :‬الذكر) أنه‬
‫ينفع في سبع خواص من السيمياء‪ ..‬ومن أراد استعمال قوى الكواكب بحسب‬
‫صناعة أهل العلم الرياضي ال بد له من الذكر‪ ،‬وذلك بعد الدستورية‪ ،‬أعني‬
‫أن يكون الكوكب في بيته‪ ،‬أو شرفه في الوتد‪ ،‬وينظر الكوكب إليه من بيته‬
‫أو شرفه من الوتد‪ ،‬كالزهرة في الميزان في الطالع‪ ،‬وزحل في الجدي أو في‬
‫الميزان‪ ،‬والمريخ في الجدي‪ ،‬واعلم أن الكوكب إذا كان في الحيز‪ ،‬أو البرج‪،‬‬
‫أو الدستورية كان أظهر فعالً وأقوى تأثير ًا‪ ،‬ثم يعمد إلى اتخاذ الصورة واالسم‪،‬‬
‫والبخور‪ ،‬واألفعال‪ ،‬مثال ذلك برج الثور‪ :‬تستعمل صورة إذا كان في الوجه‬
‫الثاني ويريد الحكيم أن يخدم أمره‪ ،‬يتخذ صورة ثور مضروب الوسط ويناديه‪:‬‬
‫(لهرلرل)‪ ،‬وينجر بذنب الفأرة‪ ،‬ويفعل األمور المهلكة بإذن الله‪ ،‬ويقول في‬
‫جميع خدمته‪ :‬يا حمراليل‪ ...‬ومفهوم ذلك‪ :‬يا ملك القوى السارية في األجسام‬
‫الفلكية والطبيعية والذرات العارفة لك والتي فوقها يا نور النور(((‪ .‬ونؤكد هنا‬
‫أن لهرلرل وحمراليل وغيرهما مما حذفناه أسماء للشياطين‪ ،‬لكن هؤالء‬
‫يخادعون الناس‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬الحالج‪:‬‬
‫ينقل المتصوفة المحدثون كثيرا عن الحالج وينزلونه منازل األولياء‪ ،‬ويرون‬

‫((( رسائل ابن سبعين‪ :‬عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر الغافقي العكي‪ :‬ص‪،160 :‬‬
‫‪.161‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪122‬‬

‫أنه من خيار المتصوفة ويعطي هذا مبررا في كثرة النقل عنه‪.‬‬

‫وقد تعاطى الحالج السحر‪ ،‬وذهب إلى الهند في طلبه كما مر ذكره‪ ،‬وقد كان‬
‫الحالج يصنع الحيل أحيانا‪ ،‬والسحر واستخدام الشياطين أحيانا أخرى‪ ،‬ولعله‬
‫بدأ بالحيل ثم سلك طريق السحر واستخدام الشياطين‪ ،‬قال الخطيب البغدادي‬
‫في تاريخ بغداد‪ :‬وظهر أمر رجل يعرف بالحالج‪ ،‬يقال َل ُه‪ :‬ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور‪،‬‬
‫يسى األولى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكان في حبس السلطان بسعاية وقعت به في وزارة َعل ّي بن ع َ‬
‫وذكر عنه ضروب من الزندقة‪ ،‬ووضع الحيل َع َلى تضليل الناس من جهات‬
‫يسى عند قبضه عليه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تشبه الشعوذة والسحر‪ ،‬وادعاء النبوة‪ ،‬فكشفه َعل ّي بن ع َ‬
‫وأنهى خبره إِ َلى السلطان‪ ،‬يعني المقتدر بالله‪ ،‬فلم يقر بما رمي به من ذلك‪،‬‬
‫وعاقبه‪ ،‬وصلبه حيا أياما متوالية فِي رحبة الجسر فِي كل يوم غدوة‪ ،‬وينادى عليه‬
‫بما ذكر عنه‪ ،‬ثم ينزل به(((‪.‬‬

‫سفر الحالج لتعلم السحر في الهند‪:‬‬


‫قال الخطيب البغدادي‪َ :‬حدَّ َثنِي َأ ُبو سعيد السجزي‪ ،‬أنبأنا ُم َح َّمد بن َع ْب ِد‬
‫ال َّل ِه ْب ِن ُع َب ْيد ال َّل ِه الصوفي الشيرازي َق َال‪ :‬سمعت أبا ا ْل َح َسن بن أبي توبة‬
‫يقول‪ :‬سمعت علي بن َأ ْح َمد الحاسب َق َال‪ :‬سمعت والدي َي ُق ُ‬
‫ول‪ :‬وجهني‬ ‫ّ‬
‫المعتضد إِ َلى الهند ألمور أتعرفها ليقف عليها‪ ،‬وكان معي فِي السفينة رجل‬

‫((( تاريخ بغداد‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي‬
‫(المتوفى‪463 :‬هـ)‬
‫‪123‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫يعرف بالحسين بن َمن ُْصور‪ ،‬وكان حسن العشرة طيب الصحبة‪ ،‬فلما خرجنا‬
‫من المركب‪ ،‬ونحن َع َلى الساحل‪ ،‬والحمالون ينقلون الثياب من المركب إِ َلى‬
‫الشط فقلت َل ُه‪ :‬أيش جئت إِ َلى هاهنا؟ َق َال‪ :‬جئت ألتعلم السحر‪ ،‬وأدعو الخلق‬
‫إِ َلى ال َّله تعالى‪َ ،‬ق َال‪ :‬وكان َع َلى الشط كوخ وفيه شيخ كبير‪ ،‬فسأله ا ْل ُح َس ْين بن‬
‫َمن ُْصور‪ :‬هل عندكم من يعرف شيئا من السحر؟ َق َال‪ :‬فأخرج الشيخ كبة غزل‬
‫وناول طرفه ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور‪ ،‬ثم رمى الكبة فِي الهواء فصارت طاقة واحدة‪،‬‬
‫ثم صعد عليها ونزل! َو َق َال للحسين بن َمن ُْصور‪ :‬مثل هذا تريد؟ ثم فارقني ولم‬
‫أره بعد ذلك ّإاّل ببغداد(((‪.‬‬

‫حيلة شفاء المرضى عند الحالج‪:‬‬


‫وثق الخطيب البغدادي روايات تحايل الحالج منها قوله‪َ :‬أ ْخ َب َرنَا َعلِ ّي بن‬
‫َأبِي َعلِ ّي ا ْل ُم َعدَّ ل‪َ ،‬ع ْن َأبِي ا ْل َح َسن َأ ْح َمد بن يوسف األزرق‪َ ،‬ق َال‪َ :‬حدَّ َثنِي غير‬
‫َان قد أنفذ أحد‬ ‫واحد من الثقات من أصحابنا أن ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور الحالج ك َ‬
‫أصحابه إِ َلى بلد من بلدان الجبل‪ ،‬ووافقه َع َلى حيلة يعملها‪ ،‬فخرج الرجل فأقام‬
‫عندهم سنين يظهر النسك والعبادة‪ ،‬وإقراء القرآن والصوم‪ ،‬فغلب َع َلى البلد‬
‫حتى إذا علم َأ َّن ُه قد تمكن أظهر َأ َّن ُه قد عمي‪ ،‬فكان يقاد إِ َلى مسجده‪ ،‬ويتعامى‬
‫َع َلى كل أحد شهورا‪ ،‬ثم أظهر َأ َّن ُه قد زمن‪ ،‬فكان يحبو أو يحمل إِ َلى المسجد‬
‫حتى مضت سنة َع َلى ذلك‪ ،‬وتقرر فِي النفوس زمانته وعماه‪َ ،‬ف َق َال لهم بعد‬

‫((( تاريخ بغداد‪ :‬للخطيب (‪.)120/7‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪124‬‬

‫ول لِي‪ :‬إِ َّن ُه يطرق هذا البلد‬ ‫ذلك‪ :‬إني رأيت فِي النوم َ‬
‫كأ َّن النَّبِي ‪َ ‬ي ُق ُ‬
‫َّ‬
‫عبد لله صالح مجاب الدعوة‪ ،‬تكون عافيتك َع َلى يده وبدعائه‪ ،‬فاطلبوا لِي كل‬
‫من يجتاز من الفقراء‪ ،‬أو من الصوفية‪ ،‬فلعل ال َّله أن يفرج عني َع َلى يد ذلك‬
‫العبد وبدعائه‪ ،‬كما وعدني َر ُسول ال َّل ِه ‪ ‬فتعلقت النفوس إِ َلى ورود‬
‫العبد الصالح‪ ،‬وتطلعته القلوب‪ ،‬ومضى األجل الذي ك َ‬
‫َان بينه وبين الحالج‪،‬‬
‫فقدم البلد فلبس الثياب الصوف الرقاق‪ ،‬وتفرد فِي الجامع بالدعاء والصالة‪،‬‬
‫وتنبهوا َع َلى خبره‪ ،‬فقالوا لألعمى‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬احملوني إليه‪ ،‬فلما حصل عنده وعلم‬
‫َأ َّن ُه الحالج‪َ .‬ق َال َل ُه‪ :‬يا َع ْبد ال َّل ِه إني رأيت فِي المنام كيت وكيت‪ ،‬فتدعو ال َّله‬
‫لِي‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ومن أنا وما محلي‪ .‬فما زال به حتى دعى َل ُه‪ ،‬ثم مسح يده عليه‪،‬‬
‫فقام المتزامن صحيحا مبصرا! فانقلب البلد‪ ،‬وكثر الناس َع َلى الحالج فتركهم‬
‫وخرج من البلد‪ ،‬وأقام المتعامي المتزامن فيه شهورا(((‪.‬‬

‫استخدام الحالج للجن‪:‬‬


‫قال الخطيب َحدَّ َثنِي مسعود بن ناصر‪َ ،‬ق َال‪ :‬حدثنا َأ ُبو َع ْبد ال َّل ِه ْبن باكو‬
‫الشيرازي‪َ ،‬ق َال‪ :‬سمعت أبا َع ْبد ال َّل ِه ْبن خفيف‪ ،‬وقد سأله َأ ُبو ا ْل َح َسن بن َأبِي‬
‫توبة َع ِن ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬سمعت أبا َي ْع ُقوب النهرجوري َي ُق ُ‬
‫ول‪ :‬دخل‬
‫ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور مكة ومعه أربع مائة رجل فأخذ كل شيخ من شيوخ الصوفية‬
‫جماعة‪َ ،‬ق َال‪ :‬وكان فِي سفرته األولى كنت آمر من يخدمه‪َ .‬ق َال‪ :‬ففي هذه الكرة‬

‫((( تاريخ بغداد‪ :‬للخطيب البغدادي راجع (‪.)688/8‬‬


‫‪125‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫أمرت المشايخ‪ ،‬وتشفعت إليهم ليحملوا عنه الجمع العظيم‪َ ،‬ق َال‪ :‬فلما ك َ‬
‫َان‬
‫وقت المغرب جئت إليه وقلت َل ُه‪ :‬قد أمسينا فقم بنا حتى نفطر‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬نأكل َع َلى‬
‫َأبِي قبيس‪.‬فأخذنا ما أردنا من الطعام و صعدنا إِ َلى َأبِي قبيس‪ ،‬وقعدنا لألكل‪،‬‬
‫فلما فرغنا من األكل‪َ ،‬ق َال ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور‪ :‬لم نأكل شيئا حلوا‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫أليس قد أكلنا التمر؟ َف َق َال‪ :‬أريد شيئا قد مسته النار‪.‬فقام وأخذ ركوته وغاب‬
‫عنا ساعة‪ ،‬ثم رجع ومعه جام حلواء فوضعه بين أيدينا‪َ ،‬و َق َال‪ :‬بسم ال َّله‪ ،‬فأخذا‬
‫القوم يأكلون‪ ،‬وأنا أقول مع نفسي قد أخذ فِي الصنعة التي نسبها إليه عمرو بن‬
‫ُع ْث َمان‪َ ،‬ق َال‪ :‬فأخذت منه قطعة‪ ،‬ونزلت الوادي‪ ،‬ودرت َع َلى الحالويين أريهم‬
‫ذلك الحلواء‪ ،‬وأسألهم هل يعرفون من يتخذ هذا بمكة فما عرفوه حتى حمل‬
‫إِ َلى جارية طباخة فعرفته‪َ ،‬و َقا َل ْت‪ :‬ال يعمل هذا إِال بزبيد‪ ،‬فذهبت إِ َلى حاج‬
‫زبيد‪ ،‬وكان لِي فيه صديق‪ ،‬وأريته الحلواء فعرفه‪َ ،‬و َق َال‪ :‬يعمل هذا عندنا إِال َأ َّن ُه‬
‫ال يمكن حمله َفال أدري كيف حمل‪ .‬وأمرت حتى حمل إليه الجام وتشفعت‬
‫إليه ليتعرف الخبر بزبيد هل ضاع ألحد من الحالويين جام عالمته كذا كذا‪.‬‬
‫فرجع الزبيدي إِ َلى زبيد‪ ،‬وإذا َأ َّن ُه حمل من دكان إنسان حالوي‪ ،‬فصح عندي أن‬
‫الرجل مخدوم(((‪.‬‬

‫الروحان ّية النّهم‬


‫سموا ُّ‬
‫وقال ابن العربي عن السحرة مكفرا الحالج‪ :‬وإنّما ُّ‬
‫الجنَّة‪،‬‬ ‫أن أرواحهم تنظر إلى الملكوت األ ْع َلى‪ ،‬و ُتعاين ُ‬
‫الحور‪ ،‬وتشاهد َ‬ ‫زعموا ّ‬

‫((( تاريخ بغداد‪ :‬للخطيب‪ )688/8( 16‬حتى (‪.)705/8‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪126‬‬

‫رون‬ ‫أيضا ِ‬
‫«الف ْك ِر َّية» ألنّهم زعموا أنّهم يتف ّك َ‬ ‫وسموا ً‬
‫برؤية البارئ تعالى‪ُّ ،‬‬
‫وتتن َّعم ْ‬
‫الح ّاّلجِ‬ ‫ِ‬
‫كر َة غاية العبادة‪ ،‬وهو مذهب َ‬ ‫في هذا حتّى يعرفون الله‪ ،‬فجعلوا الف َ‬
‫ِ‬
‫الكافر(((‪.‬‬ ‫الس ِ‬
‫احر‬ ‫َّ‬

‫((( المسالِك في شرح ُم َو َّطأ مالك‪ :،‬أبو بكر بن العربي (‪َ ،)403/3‬دار ال َغرب اإلسالمي‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ 1428 ،‬هـ ‪ 2007 -‬م‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أشهر كتب الصوفية في علم السحر‬

‫لقد كتب الصوفية كتبا خالصة في علم السحر وإن سموها بغير أسمائها‪:‬‬
‫كأسرار الحروف‪ ،‬وخواصها وغير ذلك‪ ،‬هذا غير ما ذكروه في ثنايا أذكارهم‬
‫وأورادهم‪ ،‬وسيأتي ما في أوراد وأذكار كل طريقة من طالسم‪ ،‬وأسماء شياطين‪.‬‬

‫يقول الدكتور كامل الشيبي‪ :‬وقد دخلت هذه الكتب السرية في التصوف‪،‬‬
‫وقد نقل لنا األستاذ سعيد محمد حسن أنه‪ :‬كان تناول هذه الكتب وشرحها‬
‫موضع اهتمام المشتغلين بالسحر والطالسم‪ ،‬وكثيرا ما أسهم الصوفي الكبير‬
‫محيي الدين بن عربي وحجة اإلسالم الغزالي بنصيب كبير في االشتغال بهذه‬
‫الكتب(((‪.‬‬

‫وسنذكر في هذا المطلب بعض الكتب في السحر ألعالم من الصوفية‪:‬‬

‫‪1 .‬كتاب شمس المعارف للبوني‪:‬‬


‫شم ِ‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ْ‬‫وني صاح ُ‬
‫علي) ال ُب ُّ‬
‫قال الزبيدي‪« :‬البوني» أبو الع َّباس (أحمدُ ب ُن ِّ‬
‫ماء والحر ِ‬
‫وف(((‪.‬‬ ‫ريقة) البونية فِي األَس ِ‬
‫(شيخ ال َّط ِ‬
‫ُ‬ ‫ف وال ُّل ْم َع ِة‪،‬‬
‫عار ِ‬
‫الم ِ‬
‫ُُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫ومعظم مؤلفات هذا الرجل في في السحر‪ ،‬قال رضا كحالة عنه‪» :‬عالم‬
‫بعلم الحروف‪ ،‬من تصانيفه‪ :‬مفاتيح أسرار الحروف‪ .‬ومصابيح أنوار الظروف‪،‬‬
‫شرح المعارف الكبرى‪ ،‬إظهار الرموز وإبداء الكنوز‪ ،‬اللمعة النورانية‪ ،‬لطائف‬
‫((( الصلة بين التصوف والتشيع‪ :‬ج‪1‬ص‪.200‬‬
‫((( تاج العروس من جواهر القاموس‪ :‬الزبيدي ج‪34‬ص‪ ،288‬دار الهداية‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪128‬‬

‫وتنضح مصنفاته بالسحر لكن‬ ‫(((‬


‫اإلشارات في أسرار الحروف العلو ّيات»‬
‫أخبث كتبه؛ بل أخبث كتب السحر قاطبة هذا الكتاب الذي أصل فيه لهذا الكفر‬
‫البواح‪ ،‬والضالل المبين‪ ،‬وهذا الكتاب عمدة أهل السحر‪ ،‬أفرغ في هذا الكتاب‬
‫خالصة فكرة وثمرة عمره الخبيث في هذا الفن‪ ،‬وبوب‪ ،‬ورتب وفصل‪ ،‬ومن‬
‫فصول كتابه‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬في الحروف المعجمة وما يترتب فيها من االسرار‬


‫واإلضمارات‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬في الكسر والبسط وترتيب األعمال في األوقات والساعات‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬في احكام منازل القمر الثمانية والعشرين الفلكيات‪.‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬في أحكام البروج االثني عشر ومالها من اإلشارات‬


‫واالرتباطات‪.‬‬

‫وفي الفصل السابع‪ :‬في األسماء التي كان النبي عيسى يحيي بها األموات‪.‬‬

‫وفي الفصل الثامن‪ :‬في التواقيف األربعة ومالها من الفصول والدائرات‪.‬‬

‫وفي الفصل الثالث عشر‪ :‬في سواقط الفاتحة ومالها من األوفاق والدعوات‪.‬‬

‫وفي الفصل السادس عشر‪ :‬في أسماء الله الحسنى وأوفاقها النافعات‬
‫المجربات‪.‬‬

‫((( معجم المؤلفين‪ :‬عمر رضا كحالة (‪ ،26/2‬مكتبة المثنى ‪ -‬بيروت‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‬
‫بيروت‬
‫‪129‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫وفي الفصل السابع عشر‪ :‬في خواص كـهـيـعـص وحروفها الربانيات‬


‫األقدسيات‪ ،‬وهذا يفسر وجود كهيعص في كثير من األوراد واألذكار الصوفية‪،‬‬
‫ليس بحكم أنها كلمة من القرآن‪ ،‬بل لكونها كلمة لها أسرارها السحرية‪ ،‬وكتب‬
‫السحر تذكر ذلك‪ ،‬فهي ليست إذن حروفا قرآنية يبدأ بها أو يتبرك بها‪ ،‬بل ربطها‬
‫البوني بالسحر‪ ،‬واستخدم كالم الله العظيم في التقرب إلى الشيطان الرجيم‪،‬‬
‫ولقد أدرج أولئك السحرة األشرار‪ ،‬وذلك الشيطان البوني الحروف المقطعة في‬
‫األوراد واألذكار وأضافوها إلى الطالسم والرموز‪ ،‬وهذا امتهان لكالم الرحمن‬
‫وعدم تعظيم له‪ ،‬إنه إرضاء للشيطان ‪ -‬وتبديل لكالمه (تعالى)‪ ،‬وليتأمل العبد‬
‫المؤمن والمحتسب الصادق المجاهد على هؤالء كيف أن الله حينما أمر بنى‬
‫إسرائيل أن يقولوا حطة فقالوا حنطة‪ ،‬حرف واحد غيروه في الكالم الذى أمر‬
‫الله به قال (تعالى)‪ » :‬فبدل الذين ظلموا قو ً‬
‫ال غير الذى قيل لهم»‪ :‬فكيف بمن‬
‫ينزع هذه األحرف القرآنية من سياقها ولحاقها ثم يضعها مع أسماء الشياطين‪،‬‬
‫ويضعها في الكالم الذى يتعبد به لهؤالء الشياطين‪.‬‬

‫وفي الفصل التاسع عشر‪ :‬في خواص بعض األوفاق والطلسمات النافعة‪.‬‬

‫ولقد امتأل كتاب شمس المعارف بالطالسم والرموز السحرية‪ ،‬واألعمال‬


‫الكفرية‪ ،‬وأعمال السحر من عطف وصرف‪ ،‬وامتأل استغاثة بالشياطين‪،‬‬
‫وتعظيما لهم وكذلك امتأل استغاثات بالمخلوقات األخرى»‬
‫(((‬

‫((( شمس المعارف‪ ،‬البوني‪( ،‬ص‪.)124 ،123 ،122 :‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪130‬‬

‫‪2 .‬الفتوحات المكية‪:‬‬


‫وفيه من التنجيم وعبادة الكواكب ما أشرنا إلى شيء منه فيما مضى‪ ،‬وقد أكثر‬
‫في الكتاب من هذا‪ ،‬كما أكثر من الحديث عن الحروف وأسرارها‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بالتنجيم فقد ذكرنا قبل ما يبين هذا‪ ،‬مما يغني عن ذكره‪ ،‬أما‬
‫السحر والطالسم فمنه قوله في الفتوحات المكية‪( ( :‬والسحر باإلطالق صفة‬
‫مذمومة وحظ األولياء منها ما أطلعهم الله عليه من علم الحروف‪ ،‬وهو علم‬
‫األولياء‪ ،‬فيتعلمون ما أودع الله في الحروف واألسماء من الخواص العجيبة‬
‫التي تنفعل عنها األشياء لهم في عالم الحقيقة والخيال‪ ،‬فهو وان كان مذمومًا‬
‫باإلطالق فهو محمود بالتقييد‪ ،‬وهو من باب الكرامات‪ ،‬وهو عين السحر عند‬
‫العلماء فقد كانت سحرة موسى مازال عنهم علم السحر‪ ،‬مع كونهم آمنوا برب‬
‫موسى وهرون‪ ،‬ودخلوا في دين الله وآثروا اآلخرة على الدنيا‪ ،‬ورضوا بعذاب‬
‫الله على يد فرعون مع كونهم يعلمون السحر‪ ،‬ويسمى عندنا علم السيمياء‪،‬‬
‫مشتق من السمة وهي العالمة‪ :‬أي علم العالمات التي نصبت على ما تعطيه‬
‫من االنفعاالت من جمع حروف‪ ،‬وتركيب أسماء‪ ،‬وكلمات‪ ،‬فمن الناس من‬
‫يعطي ذلك كله في بسم الله وحده‪ ،‬فيقوم له ذلك مقام جميع األسماء كلها‪،‬‬
‫وتنزل من هذا العبد منزلة كن‪ ،‬وهي آية من فاتحة الكتاب‪ ،‬ومن هنا تفعل ال‬
‫من بسملة سائر السور‪ ،‬وما عند أكثر الناس من ذلك خبر‪ ،‬والبسملة التي تنفعل‬
‫عنها الكائنات على اإلطالق‪ ،‬هي بسملة الفاتحة‪ ،‬وأما بسملة سائر السور فهي‬
‫‪131‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫ألمور خاصة‪ ،‬وقد لقينا فاطمة بنت مثنى وكانت من أكابر الصالحين تتصرف‬
‫في العالم‪ ،‬ويظهر عنها من خرق العوائد بفاتحة الكتاب خاصة كل شيء‪ ،‬رأيت‬
‫ذلك منها‪ ،‬وكانت تتخيل أن تلك يعرفه كل أحد‪ ،‬وكانت تقول لي العجب ممن‬
‫يعتاص عليه شيء‪ ،‬وعنده فاتحة الكتاب ألي شيء ال يقرؤها‪ ،‬فيكون له ما‬
‫يريد‪ ،‬ما هذا إال حرمان‪)..‬‬

‫وفي كالمه أباطيل وتدليس‪ ،‬وتمويه على خلق الله‪ ،‬فالفاتحة فضلها وثوابها‬
‫وبركتها ال ينكر‪ ،‬ولكن أن يدعي أن وليته تلك كانت تتصرف في الكون بها‪،‬‬
‫تصرف السحرة‪ ،‬فهذا هو الباطل‪ ،‬ثم يرى أن السحر منه ماهو محمود ومنه ما‬
‫هو مذموم‪ ،‬ثم يلبس على الخلق مرة أخرى فيزعم أن سحرة موسى ما تركوا‬
‫السحر‪ ،‬والدليل عنده أن الله ذكرهم بعد توبتهم باسم السحرة‪ ،‬ومع أن هذا‬
‫زعم باطل‪ ،‬فالله بعد إيمانهم لم يسمهم سحرة‪ ،‬بل قال فألقى السحرة ساجدين‬
‫ذكر خضوعهم وإيمانهم‪ .‬وقال أيضا‪( :‬فكل حرف منها وقع في جدول الحرارة‬
‫فهو حار‪ ،‬وما وقع منها في جدول البرودة فهو بارد وكذلك اليبوسة والرطوبة‪،‬‬
‫ولم نر هذا التررتيب يصيب في كل عمل بل يعمل باالتفاق كأعداد الوفق) (((‪.‬‬

‫وهذا جدول ذكر فيه ما يتعلق بطبائع الحروف موجود في هذا الكتاب ج‪3‬‬
‫ص‪:305‬‬

‫((( الفتوحات المكية‪ :‬ابن عربي ج‪10‬ص‪ 243‬تحقيق د عثمان يحيى‪ ،‬مراجعة د إبراهيم مدكور‪،‬‬
‫الهيئة المصرية للكتاب‪1406 ،‬هـ=‪1986‬م‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪132‬‬

‫‪3 .‬طواسين الحالج‪:‬‬


‫وأو ُل َمن َ‬ ‫ِ‬
‫نشره المستشرق‬ ‫من كُتب الحالج المشهورة كتاب ال َّطواسين‪َّ :‬‬
‫ماسينيون‪ ،‬والمستشرقون دأبوا على االحتفاء بكل ما يطعن في الدين‪ :‬طباعة‬
‫ودراسة‪ ،‬كما هو معلوم‪.‬‬

‫وفي الطواسين طالسم رسمها الحالج وشرحها‪ ،‬وشرحه ال يخلو من‬


‫تلبيس‪ ،‬وكذب‪ ،‬وأنه يوهم أنه يشرح بهذه الرسوم كالما يقوله‪ ،‬لكن الحق أنها‬
‫طالسم سحرية من ذلك‪:‬‬

‫طواسين ص ‪ 203‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪133‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪134‬‬

‫‪4 .‬كتاب مجموعة ساعة الخير‪ :‬البن عربي‬


‫وقد مرت نقول من هذا الكتاب‪.‬‬

‫إن المتأمل في هذه الكتب وكان ممن أنار الله بصيرته وهداه صراطه المستقيم‪،‬‬
‫وممن سلمت فطرته يعلم أن مؤلفيها يكرعون من عين آنية واحدة‪ ،‬ومصدر خبث‬
‫واحد‪ ،‬هوالشيطان فهو الذي يعلمهم يقول ربنا‪ :‬ﱹ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﱸ‪...‬اآلية‪،‬‬
‫فهم يتعلمون تلك العلوم التي هي علوم السحر‪ ،‬التي هي علوم ضرر وفساد‬
‫وإفساد‪.‬‬

‫نسأل الله الثبات والهداية والفالح‪ ،‬وأن يسلمنا والمسلمين من شر هؤالء‬


‫وأن يعصمنا من مضالت الفتن‪.‬‬
‫‪135‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الطرق الصوفية والسحر‪.‬‬


‫يكثر السحر في الطرق الصوفية‪ ،‬إذ توجد الطالسم في أذكارها‪ ،‬وأورادها‪،‬‬
‫وعهودها‪ ،‬كما يظهر في الكثير منها أعمال السحر‪ ،‬فالطريقة الرفاعية مثال تأتي‬
‫بأعمال السحر من ضرب أنفسهم بالسيف وإدخال أسياخ الحديد في الخد‬
‫والبطن‪ ،‬والسيطرة على األفاعي والعقارب وغير ذلك‪ ،‬وفي هذا المبحث‬
‫نتحدث عن ذلك من خالل مطلبين‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الطرق الصوفية (القديمة والحديثة) والسحر‪.‬‬

‫المطلب الثانى‪ :‬اقتباس سحرة الصوفية المتأخرين من متقدميهم‪ ،‬وفي هذا‬


‫المطلب بيان‪:‬‬

‫دالئل أخذ متأخري الصوفية من متقدميهم‪ ،‬وبيان قضية مهمة وهي أن‪:‬‬
‫المتأخرين من سحرة الصوفية فاقوا المتقدمين في أعمال السحر‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪136‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الطرق الصوفية (القديمة والحديثة) والسحر‪.‬‬

‫إن من المتصوفة قوم فيهم تعبد‪ ،‬وفيهم محبة لله ورسوله‪ ،‬وألصحاب نبينا‬
‫‪ ،‬لكنهم فيما يتعاطونه ويصنعونه‪ ،‬مقلدون آلبائهم‪ ،‬سائرون في‬
‫طرقهم الضالة‪ ،‬كما قال تعالى عن أمثالهم أنهم قالوا‪ :‬ﱹ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﱸ(((‪ ،‬وكما قال تعالى‪ :‬ﱹ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﱸ(((‪ ،‬ومن هذه الضالالت ما يكون في هذه األوراد‬
‫من السحر والضالل‪ ،‬وإن الله تعالى بفضله ليمن على بعض أحفاد أولئك‪:‬‬
‫فيهدون إلى الصراط المستقيم‪ ،‬ونعرف بعض إخواننا السودانيين السلفيين لهم‬
‫جد يعتقد فيه ويزار‪ ،‬وله ضريح يشرك بالله عنده‪ ،‬فقاموا يحذرون الناس من‬
‫هذا ا لشرك‪ ،‬بل بنوا ‪-‬بفضل الله‪ -‬صرحًا يعلمون فيه الناس التوحيد؛ لكنهم‬
‫عاجزون عن إزالة ذلك الضريح الذى يعبد من دون الله‪.‬‬

‫إن هؤالء القائمين على عمارة تلك األضرحة ورعايتها كلهم أبناء دنيا‪،‬‬
‫يأخذون المال واإلتاوات من الجاهلين‪ ،‬وأبنائهم يتعلمون في أفضل جامعات‬
‫العالم من أموال هؤالء الجاهلين‪.‬‬

‫إن قضيتهم هي المال والدنيا‪ ،‬وكيف يسيطرون على الوالية والكرامة‪ ،‬بدأ‬
‫هؤالء الناس يفكرون‪ ،‬ووجدوا أنه مايدخلهم في هذا الطريق إال التعامل مع‬

‫((( من اآلية‪23‬سورة الزخرف‪.‬‬


‫((( اآليتان ‪70-69‬سورة الصافات‪.‬‬
‫‪137‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫الشياطين والجن والعفاريت‪ ،‬وعندما يأتي أحد إليهم يقرأ هذه األذكار يجد‬
‫راحة‪ ،‬فيضله الشيطان بهم‪.‬فالصوفية يعمون على الناس‪ ،‬ويخدعون العوام‬
‫بحديث الهم والغم‪ ،‬ويلبسون على الناس بتفسير قوله‪ :‬أو استأثرت به في علم‬
‫الغيب عندك‪.‬‬

‫‪1 .‬الشاذلية والسحر‪:‬‬


‫تنبيه مهم حول حزب البحر وحزب البر للشاذلى‪ :‬إن ما حدانا للكتابة حول‬
‫ما في هذا الحزب (خاصة) من السحر أن كثير ًا من أهل العلم والفضل درسوه‪،‬‬
‫ولكنهم لم يتعرضوا إلى قضية السحر فيه‪.‬‬

‫ولقد وردت أسماء غريبة أعجمية في هذا الحزب المنتشر لدى الطرق‬
‫الشاذلية‪ ،‬ومنشور على مواقعه اإلليكترونية‪ ،‬ولم نجد شيخ اإلسالم مثالً وقد‬
‫انتقد حزبى الشاذلى نقد ًا لهذه األسماء‪ ،‬ونحن نعرف أن شيخ اإلسالم ال يترك‬
‫أبد ًا نقد هذه األمور‪ :‬فإما أن تكون هذه األسماء قد أدخلت بعد ‪ -‬أو أن للحزب‬
‫أكثر من صيغة أطلع شيخ اإلسالم على أحدها‪.‬‬

‫أو أن الشيخ تناولها ولكنها سقطت من الكتاب‪ ،‬أو أسقطت‪ ،‬السيما أن‬
‫الشيخ العمران والدكتور الجديع اللذين حققا نقد شيخ اإلسالم ذكرا في الطبعة‬
‫الثانية أنهما وجدا بعض ما كان مفقود ًا‪ ،‬وذكروا أيضا أن هناك جزء من رسالة‬
‫شيخ اإلسالم مفقود‪ ،‬فلعله نقد هذا الكالم في هذا الجزء الذى لم يعثر عليه‬
‫بعد‪ .‬أو ربما أن المتأخرين أدخلوا السحر فيها‪ ،‬وعلى كل حال فنحن نذكر‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪138‬‬

‫اآلن حزبا موجودا‪ ،‬ومنسوبا إلى الشاذلي‪ ،‬وهو حزب يقرأه جمع من المنتسبين‬
‫للطرق فيه هذه الطالسم‪ ،‬وهو أيضا مطبوع يطبعه الصوفية ويباع في كثير من‬
‫مكتبات العالم اإلسالمي‪ ،‬ونحن إنما نذكر ما وجدناه في هذا الزمان مسطورا‬
‫في كتبهم وأذكارهم‪.‬‬

‫يقول الشاذلي في ورده المسمى «الحزب الكبير»‪... :‬استعنت بالله على‬


‫كل من نوي لي سوء ًا‪ ،‬كيف أخاف وإلهي أملي‪ ،‬أم كيف أضام وعلى الله‬
‫متكلي اللهم احرسني من كيد الفاسق ومن سطوة المارق ومن لدغة الغاسق‪..‬‬
‫بـ كهيعص‪..‬كفيت‪.‬بـ حم‪.‬عسق‪ ..‬حميت‪ .‬اللهم أمنا من كل خوف وهم وغم‬
‫وكرب كد كد‪ ...‬كردد كردد‪...‬كرده كرده‪ ..‬ده ده ده‪..‬ده‪ ،‬الله رب العزة كتب‬
‫اسمه على كل شيء أعزه خضع كل شيء لعظمه سلطانه اللهم أخضع لي جميع‬
‫من يراني من الجن واإلنس والطير والوحوش والهوام‪ ،‬اللهم إجعل لي نورا‬
‫ولووا هاربين‬
‫ْ‬ ‫من نورك على وجهي ومن ضياء سلطانك أمامي حتى إذا رأوني‬
‫خاضعين لهيبة الله ولهيبة أسمائه ولهيبتي‪ ،‬تدكدكت الجبال بـ كهيعص‪...‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كفيت‪ .‬بـ حم‪ .‬عسق‪ .‬حميت‪...‬ور ّد ال ّله ا ّلذين كفروا بِغ ْيظ ِه ْم ْ‬
‫لم ينالوا خ ْير ًا‬
‫عزيز ًا‪ ...‬بها بها بها‪ .‬بهيا بهيا بهيا‪.‬‬‫قو ّيًا ِ‬‫مؤمِنِين ا ْل ِقتال وكان ال ّله ِ‬
‫وكفى ال ّله ا ْل ْ‬
‫بهيات بهيات بهيات‪ ..‬القديم األزلي‪ ،‬يخضع لي جميع من يراني‪...‬لمقفنجل‬
‫حديد ًا وقِ‬
‫يا أرض خذيهم‪ ،‬قل كونو ْا ِحجار ًة أو ِ‬
‫مسئولون‪...‬‬‫فوهم إِنّهم ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وقد ذكرنا قبل أن هذا من أسماء الشياطين‪ ،‬وليعلم أنه ال يمكن التقرب‬
‫‪139‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫للشياطين إال بقرابين تقدم لهم طاعة لهم‪ ،‬ومعصية لله ولرسوله ‪‬‬

‫وكفرا بهما‪ ،‬ومما يتقرب به هؤالء إلى شياطينهم خلط كالم الله بطالسمهم‪،‬‬
‫واستغاثتهم بين ثنايا آياته بالشياطين‪.‬فعلوا ذلك ألنهم لم يستطيعوا تحريف‬
‫كالمه‪ ،‬ألن الله قال‪ :‬ﱹ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﱸ(((‪.‬وإن الناظر‬
‫المنصف المميز المحب لكالم الله‪ ،‬المعظم للقرآن كالم الكريم سبحانه يعلم‬
‫أن صاحب هذا الحزب يذكر فيه بها بها ‪ ...‬القديم األزلى‪ .‬فهذه أسماء شياطين‬
‫جعلها بين آيات القرآن‪ ،‬وكذلك لمقفنجل‪ ،‬في وسطها ‪ -‬لقد جعل أول هذا‬
‫الكالم وآخره من القرآن وبين ذلك أسماء شياطين‪ ،‬ثم يقول‪ :‬ﱹ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖﱸ((( وهذه من سورة ثم بعدها‪ :‬ﱹﰆﰇ ﰈ ﰉﱸ ‪ ،‬وهذه من‬
‫سورة أخرى(((‪.‬‬

‫وفي أوراد الشاذلية‪ :‬طهور‪ ..‬بدعق‪..‬محببه‪..‬صوراه‪ ..‬محببه‪ ..‬سقفاطيس‪...‬‬


‫سقاطيم‪ ..‬أحون‪..‬قاف‪..‬آدم‪ ..‬حم‪ ..‬هاء‪ ..‬آمين‪ ....‬يقرأ هذا الورد صباحا‬
‫ومساء(((‪.‬‬

‫هذا الورد يقرأ صباحًا ومساء فأى ورد هذا الذى يذكر به الرب صباحًا‬

‫((( اآلية‪9‬سورة الحجر‪.‬‬


‫((( اآلية‪50‬سورة اإلسراء‪.‬‬
‫((( اآلية‪24‬سورة الصافات‪.‬‬
‫((( أوراد الطريقة الشاذلية‪ :‬أبو الحسن الشاذلي وأعيان مشايخ طريقته ص‪ 20‬وما بعدها‪ ،‬دار‬
‫الزاهد‪ ،‬القاهرة‪1418 ،‬ه‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪140‬‬

‫ومسا ًء‪ ،‬وفيه تلك األسماء التي لطالما وجدت في الحجب التي يكتبها السحرة‪،‬‬
‫وهي في كتب السحرة المفسدين في األرض عند القبض عليهم متلبسين‪ ،،‬كما‬
‫أنها موجودة في مكتبات منتشرة في العالم اإلسالمي‪ ،‬يبيعها من باع حظه من‬
‫اآلخرة بحظ من الدنيا قليل‪.‬‬

‫جمه بِلِجا ِم قدْ رتِ ِه‬ ‫الر ِح ِ‬


‫يم‪...‬ي ْل ِ‬
‫من ّ‬
‫ِ‬
‫وجاء في الحزب الصغير‪« :‬بِ ْس ِم الله ّ‬
‫الر ْح ِ‬
‫(((‬
‫عز ًيزا حمعسق ِحمايتنا كهيعص»‪.‬‬ ‫حمي ًثا أ ْطمى ِ‬
‫طمي ًثا وكان الله ِ‬
‫قو ًّيا ِ‬ ‫أحمى ِ‬
‫ْ‬
‫الله م ْن أراد لِى‬
‫وجاء في التحصين الشريف أيضا‪« :‬ال حول وال قوة إِال بِ ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫مأمونًا ْ‬
‫مأمونًا‪...‬انْتهى‬ ‫وسا ْ‬
‫لموسا لم ً‬
‫ً‬ ‫لم ًسا‬
‫لم ًسا ْ‬
‫هم ًسا ْ‬
‫هم ًسا ْ‬
‫سو ًءا خذله الله ْ‬
‫الش ِريف»((( ونحن نقول الحول وال قوة إال بالله‪ ،‬ونحيل حولنا وقوتنا‬ ‫الت ّْح ِصين ّ‬
‫إلى حول الله وقوته‪ .‬وفي حزب النصر في أوراد «الشاذلية» «يا عزيز يا رحيم‪...‬‬
‫وأسقط البين بيني وبينك حتى ال يكون شيء أقرب إلى منك‪ ...‬اللهم هب لي‬
‫النور الذي أرى به رسولك ‪ ‬ما كان ويكون‪ ،‬اللهم ارزقني من كنز ال‬
‫حول وال قوة إال بالله فإنها كنز من كنوز الجنة‪ ،‬واضربني بها ضربًا تمحق بها‬
‫من قلبي كل قوة‪ .‬باسم المهيمن العزيز القادر أجل كل شيء وهو ناصري ق‪.‬ج‬
‫ن ص انصرني‪...‬اللهم ال تمكن األعداء فينا وال تسلطهم علينا ‏بذنوبنا ثالثًا‪.‬‬

‫((( الحزب الصغير الكتاب منشور على موقع الطريقة البرهانية‬


‫‪http: //www.burhaniya.org/sofism/dekr.htm‬‬
‫((( التحصين الشريف للشاذلي الكتاب منشور على موقع الطريقة البرهانية‬
‫‪http: //www.burhaniya.org/sofism/dekr.htm‬‬
‫‪141‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫حم األمر وجاء النصر‪ ،‬فعلينا ال ‏ينصرون‪ .‬حمعسق حمايتنا مما‬


‫حم حم حم‪ّ ،‬‬
‫نخاف‪ ،‬اللهم قنا شر األسواء‏وال تجعلنا محال للبلوى‪ ،‬اللهم أعطنا أمل الرجاء‬
‫‏وفوق األمل يا هو يا هو يا هو»((( «وسنبين معنى يا هو وما هو مقصودها في‬
‫خلوات السحرة عند كالمنا عن السحرة والروحانيات وأن لكل آية في القرآن‬
‫حي ا ْلق ّيو ِم وقدْ‬ ‫ِْ‬ ‫ِ ْ‬
‫ولكل سورة عندهم خداما‪ .‬وفي حزب البحر» وعنت الوجوه لل ِّ‬
‫يان * ب ْينهما‬ ‫خاب من حمل ظ ْلما * طس * حم عسق * مرج ا ْلبحري ِن ي ْل ِتق ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫حم األمر وجاء النصر فعلينا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْبر ٌ‬
‫زخ ال ي ْبغيان * حم حم حم حم حم حم حم * ّ‬
‫ال ينصرون *حم»(((‪.‬‬

‫ومن طالسم كتاب السر الجليل‪:‬‬


‫وسخر لي كما سخرت الريح واالنس والجن والحش والطير لنبيك سليمان‬
‫بن داود عليهما السالم وبأهيا شراهيا أدرناي أصباؤت آل شداي يا من أمره بين‬
‫الكاف والنون‪ ...‬الخ(((‪.‬‬

‫((( أوراد الطريقة الشاذلية‪ ،‬أبو الحسن الشاذلي وأعيان مشايخ طريقته‪ ،‬دار الزاهد‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1418‬ه‪ ،‬ص‪57‬وما بعدها‬
‫((( أوراد الطريقة الشاذلية‪ ،‬أبو الحسن الشاذلي وأعيان مشايخ طريقته‪ ،‬دار الزاهد‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1418‬ه‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫((( الشاذلي‪ ،‬السر الجليل‪ ،‬ص ‪ .6‬وال يخفى أن تسخير الله ‪ ‬لنبيه سليمان الريح والطير‬
‫وفسرها له من آيات نبوة هذا النبى الكريم ومعجزاته‪ ،‬وهذا يسأل الله أن يكون له ما لهذا النبى من‬
‫تسخير الجن له وخضوعها ألمره وسيطرته عليها‪ ،‬وهو ما امتنع عنه نبينا ‪ ‬حينما نقلت‬
‫عليه العفريت فأراد أن يربطه في سارية من سوارى المسجد ولكنه تذكر دعوة سليمان عليه السالم‬
‫واختصاصه وحده بذلك فترك ذلك عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪142‬‬

‫وهذه األسماء أسماء شياطين‪ ،‬دأب السحرة على استعمالها‪.‬إن هؤالء‬


‫الشاذلية يعتنون بهذه األوراد التي فيها الطالسم‪ ،‬وفيها أسماء الشياطين‪،‬‬
‫ويتلونها‪ ،‬ويحرصون عليها ماال يحرصون عن تالوة الكتاب العزيز‪ ،‬أفتذكر‬
‫هذه األسماء الشيطانية‪ ،‬ثم يقال على إثرها يا من أمره بين الكاف والنون (مع‬
‫خطأ هذه العبارة أيضا)‪ ،‬أو ليس ربنا هو الذى يقول للشئ كن فيكون‪ :‬ﱹ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﱸ‪.‬‬

‫وإننا لنسأل متعجبين فنقول‪ :‬ما الذى بين القوم وبين الله تعالى رب‬
‫العالمين؟!‪ ،‬ما الذى بين القوم وبين كتابه؟!‪ ،‬ما الذى بينهم وبين الله ليدخلوا‬
‫أسماء الشياطين في أسمائه ومع صفاته والله يقول‪ :‬ﱹ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﱸ(((‪ .‬ما الذى بينهم‬
‫وبين كتاب الله حتى يدنسوه‪ ،‬ما بينهم وبين أولياء الله وأحبابه حتى يؤذوهم في‬
‫ربهم وفى كتابهم؟!‪ ،‬أفال تتقون أيها الصوفية؟ أفال تعقلون؟‪ ،‬أفال تنظرون إلى‬
‫هذه الطلسمات‪ ،‬والحروف المقطعة واألسماء الغريبة ‪-‬إن لهؤالء القوم قلوبا‬
‫ال يعقلون بها‪ ،‬وآذانا يسمعون بها‪ ،‬وأعين ال يبصرون بها‪ -‬حقا إنها ال تعمى‬
‫األبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور‪ .‬ولكن اإلجابة واضحة لنا‪.‬‬

‫وإن اإلجابة لواضحة في قولهم‪ :‬يا خدام هذه اآلية‪.‬‬

‫إن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته‪ ،‬وهؤالء ليسوا من أهل الله‪ ،‬وال من‬

‫((( اآلية‪180‬سورة األعراف‪.‬‬


‫‪143‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫خاصته لكنهم من أهل الشياطين وخاصتهم‪ ،‬ولذلك التجد تعظيمًا من هؤالء‬


‫ال لله وال لكتابه‪ ،‬وهم ما ذكروا القرآن إال أدخلوا فيهطالسمهم وشياطينهم‪،‬‬
‫وإذا ذكروا الطالسم والشياطين خلطوها بكالم الله العظيم شيئًا‪ ،‬فهاهم‬
‫يقولون بعد قول الله‪ :‬ﱹ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﱸ((( في نفس‬
‫الكتاب‪« :‬وقل بعد ذلك يا خدام هذه اآلية الشريفة توجهوا إلى فالن بن فالنة‬
‫وادخلوا له في صفات مهولة‪ ،‬وعرفوه عني وعن اسمي‪ ،‬وعن كنيتي وحاجتي‪،‬‬
‫وما أنا طالب بحق ما تعتقدونه من عظمتها عليكم أجيبوا أهيا ‪ 2‬الوحا ‪ 2‬الساعة‬
‫‪ 2‬بارك الله فيكم وعليكم‪........‬الخ»(((‪.‬‬

‫كتاب النفحة العلية في أوراد الشاذلية‪:‬‬


‫وقد شحن هذا الكتاب بأسماء شيطانية‪ ،‬كما جاءت فيه طالسم وسننقل هنا‬
‫صورا من الكتاب ليطلع القاريء بنفسه على ما فيه من باليا‪.‬‬

‫((( اآلية‪29‬سورة يس‪.‬‬


‫((( الشاذلي‪ ،‬السر الجليل‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪144‬‬
‫‪145‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪146‬‬
‫‪147‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪148‬‬
‫‪149‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫وفي هذا الكتاب ذكر لما سمي بحزب الدائرة وفيه‪» :‬وهذه هي الدائرة‪:‬‬
‫محبب ٌه‪ ،‬صور ٌه (وفي رواية بالسين)‬
‫عق (وفي رواية بالمثناة)‪ْ ،‬‬
‫طهور‪ ،‬بدْ ٌ‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫أحون‪،‬‬ ‫سقغاطيس (وفي رواية‪ :‬سبقاطيس)‪ ،‬سقاطيم (وفي رواية‪ :‬سفاطيم)‪،‬‬
‫حم‪ ،‬ها ٌء‪ ،‬أمي ٌن أو (آمين)‪.....‬اعلم أن هذه األسماء هي من أسماء‬
‫قاف‪ ،‬أد ّم‪ّ ،‬‬
‫ٌ‬
‫الله تعالى‪ ،‬ليست بلسان من ألسنة عالم الملك وال عالم الملكوت‪ ،‬وال ٍ‬
‫بلغة‬
‫من لغات العالمين‪ ،‬وإنما هي أسماء جبروتية يذكر الله تعالى بها في روضة‬
‫من رياض جبروته‪...‬فاعلم أن الله قد جمع في هذه األسماء علوم األولين‬
‫واآلخرين(((‪.‬‬

‫كيف يقال ان الله جمع في هذا علوم األولين واآلخرين‪ ،‬وهو كالم مبتدع بعد‬
‫النبي ‪ ،‬والدين قد أكمله له ربه قبل مماته‪ ،‬وقال الله له ‪:‬‬
‫ﱹ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﱸ(((‪،‬‬
‫والنبي ما ترك ‪ ‬شاردة وال واردة‪ ،‬وال شيئًا ينفع أمته إال علمهم إياه‪،‬‬
‫ودلهم عليه‪ ،‬لقد علمهم كيف يستنجون‪ ،‬كيف يتوضؤن‪ ،‬كيف يغتسلون كيف‬
‫يستاكون‪ ،‬أفال يعلمهم أسماء الله الحسنى وصفاته العلى‪ ،‬لكن القوم كاذبون‪،‬‬
‫لقد سموا الله بأسماء الشياطين وخدعوا عوام المسلمين وذكروا أن هذه أسماء‬
‫جبروتيه يذكر الله بها في جبروته‪ .‬إن هذا باطل وسيدمغه تعالى كما قال‪ :‬ﱹ‬

‫((( النفحة العلية في أوراد الشاذلية‪ :،‬عبد القادر زكي ص‪ ،204 ،203 :‬القاهرة‪ ،‬مطبعة النيل‪.‬‬
‫((( من اآلية‪3‬سورة المائدة‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪150‬‬

‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﱸ(((‪.‬‬
‫لكم الويل بما تصفون ربنا بصفات لم يصف بها نفسه ولم يصفه بها رسوله‬
‫‪.‬‬

‫ثم يرسم صورتها التي تكتب بها في الحرز‪ ،‬وهي مربع داخله ست دوائر‬
‫مكتوب على دائرته الكبرى الطلسم نفسه‪ ،‬وعلى بقية الدوائر آيات قرآنية)‪ ،‬ثم‬
‫يقول‪ :‬هذه على وفق العبارة المتقدمة‪ ،‬ورأيتها بخط شيخنا حفظه الله تعالى‪،‬‬
‫وقال في الحاشية من نسخته‪ :‬وينبغي أن تكون الدائرة الكبرى مالقي ًة للخطوط‬
‫األربعة (أي‪ :‬أضالع المربع) ال خارجة عنها وال داخلة(((‪.‬‬

‫وفي كتاب المآثر العلية يقول‪ :‬طهور‪ :‬االسم األول الكامل في ذاته المنور‬
‫لصفاته‪[ ،‬ويستخدم] للدخول على الملوك‪ ،‬ك ِّبر الله سبعا ثم قل‪ :‬طاء‪ ،‬ثم اقرأ‪:‬‬
‫ﱹ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﱸ(((‪ ،‬ثم قل حكمت‬
‫على أنفسهم الطاء‪ ،‬واذكر االسم سبعا‪ :‬بدْ عق‪ :‬االسم الثاني‪ ،‬بمعنى الباقي الذي‬
‫كل شيء به باق‪ ،‬ذات األقسام [أي القسم] للدخول على العلماء والقضاة‪ ،‬هلل‬
‫الله سبعا‪ ،‬ثم قل باء‪ ،‬ثم اقرأ‪ :‬ﱹ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﱸ(((‪ ،‬ثم قل‪ :‬فلقت‬
‫عقولهم بالقاف‪ ،‬ثم اذكر االسم سبعا‪.‬‬

‫((( من اآلية‪18‬سورة األنبياء‪.‬‬


‫((( النفحة العلية‪ ،‬ص‪.207 ،206 :‬‬
‫((( اآلية‪4‬سورة الشعراء‪.‬‬
‫((( اآلية‪58‬سورة يس‪.‬‬
‫‪151‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫االسم السادس‪ ،‬وهو المعروف بمفتاح الغيب‪ :‬س ْقفاطِيس‪:‬‬


‫للفتح على القلب‪ ،‬تقول‪ :‬يا سالم سبعا‪ ،‬ثم تقول‪ :‬سين‪،‬‬
‫وتذكر‬ ‫قلبي‪،‬‬ ‫مفتاح‬ ‫تعطيني‬ ‫أن‬ ‫األعظم‬ ‫باسمك‬ ‫أسألك‬
‫االسم السابع‪ ،‬وهو اسم الجاللة الموصل إلى مفتاح الكنوز‪ ،‬ولرتبة‬
‫الكمال‪ :‬سقاطِيم‪ ،‬وهو أن تقول يا الله بألف الوصل‪ ،‬وهاء الرفع‪ ،‬والمد‬
‫سبعا‪ ،‬ثم تقول‪ :‬ﱹ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﱸ(((‪ .‬رب أسألك حوال من حولك‪ ،‬وقوة من قوتك‪،‬‬
‫وتأييدا من تأييدك حتى ال أرى غيرك‪ ،‬وال أشهد سواك‪ ،‬ثم اذكر االسم‬
‫سبعا‪ .‬ثم قال [اليافعي]‪ :‬أدغمت الكالم أوله صيانة له من غير أهله‪.‬‬
‫حم هاء آمين»‪ .‬هي االسم‬
‫ويستطرد اليافعي في بيان أسراره‪ ،‬فيقول‪« :‬أحون أد ّم ّ‬
‫األعظم‪ ،‬بل ويعلم األتباع من الصوفية كيف يذكرون بها‪ ،‬وينسب ذلك إلى‬
‫حم هاء آمين» سبعين مرة‪،‬‬
‫شيخه الذي يقول‪ :‬واتل االسم االعظم «أحون أد ّم ّ‬
‫وسل ما تريد‪ ،‬وصفة السؤال أن تقول عقب تالوتك في الوقت المخصوص‪:‬‬
‫حم هاء آمين» افعل لي كذا وكذا(((‪.‬‬
‫أسألك اللهم يا من هو‪« :‬أحون أد ّم ّ‬
‫‪2 .‬الطريقة الدسوقية والسحر‪:‬‬
‫جاء في الحزب الصغير‪« :‬يلجمه بلجام قدرته أحمى حميثا أطمى طميثا‪،‬‬

‫((( اآليتان‪98-97‬سورة المؤمنون‪.‬‬


‫((( المفاخر العلية في المآثر الشاذلية‪ ،‬أحمد بن عباد ‪68‬بتصرف‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪152‬‬

‫عزيزا‪ ،‬حمعسق حمايتنا‪ ،‬كهيعص كفايتنا‪ ،‬فسيكفيكهم الله وهو‬


‫وكان الله قو ًّيا ً‬
‫السميع العليم (ثال ًثا)‪ ،‬وال حول وال قوة إال بالله العلي العظيم‪ ،‬وصلى الله على‬
‫سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪ .‬وفي الحزب الكبير‪ ...:‬اللهم آمنا من كل‬
‫خوف وهم وغم وكرب كدكد كردد كردد كرده كرده ده ده ده ده الله رب العزة‬
‫كتب الله اسمه‪...‬حتى إذا رأوني ولوا هاربين خاضعين لهيبة الله ولهيبة أسمائه‬
‫ولهيبتي تدكدكت الجبال‪ ،‬بكهيعص كفيت‪ ،‬بحمعسق حميت‪ ،‬فسيكفيكهم الله‬
‫وهو السميع العليم (ثال ًثا)‪ ،...،‬بها بها بها بهيا بهيا بهيات بهيات بهيات القديم‬
‫األزلي يخضع لي جميع من يراني لمقنجل يا أرض خذيهم‪ ،‬قل كونوا حجارة‬
‫أو حديدً ا‪ ،‬وقفوهم إنهم مسئولون‪ ،‬كـأنهم خشب مسندة‪ ،‬وال حول وال قوة إال‬
‫بالله العلي العظيم‪.‬طهور‪ ،‬بدعق‪ ،‬محببه‪ ،‬صوره‪ ،‬محببه‪ ،‬سقفاطيس‪ ،‬سقاطيم‪،‬‬
‫أحون‪ ،‬ق‪ ،‬آدم‪ ،‬حم‪ ،‬هاء‪ ،‬آمين(((‪ .‬وهذه أيضا منقولة عن شيوخهم المتقدمين‪،‬‬
‫فهم يأخذون من بعضهم وينقلون بالسند المظلم المتصل إلى الشيطان الرجيم‪.‬‬
‫أنها ظلمات بعضها فوق بعض‪.‬‬

‫((( مجموعة أوراد الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية ص‪.24 ،23‬‬


‫‪153‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪154‬‬
‫‪155‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫‪3 .‬الطريقة الجيالنية والسحر‪:‬‬


‫جاء في ورد الجاللة المنسوب زورا وبهتانًا للشيخ عبد القادر الجيالني‬
‫‪ ‬ما نصه‪ :‬مهباش‪ ،‬وطهفلوش‪ ،‬وايتنوخ‪ ،‬وملوخ‪ ،‬ومخمت‪ ...،‬وأسألك‬
‫الوصول بالسر الذي تدهش منه العقول‪ ،‬فهو من قربه ذاهل‪ ،‬ايتنوخ‪ ،‬يا ملوخ‪،‬‬
‫باي‪ ،‬وامن أي وامن‪ ،‬مهباش الذي له ملك السموات واألرض‪ ،‬ثم يستطرد قائالً‪:‬‬
‫طهفلوش انقطع الرجاء إال منك‪ ،‬وسدت الطرق إال إليك‪ ،‬وخابت اآلمال إال‬
‫فيك(((‪ .‬يا باسط يا غني بمهبوب ذي لطف خفي بصعصع بسهسهوب ذي العز‬

‫((( الكنوز النورانية من أدعية وأوراد السادة القدرية ورد الجاللة‪ :‬مخلف العلي ص ‪ ،10‬طبعة‬
‫المؤلف‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪156‬‬

‫الشامخ‪ ،‬الذي له العظمة والكبرياء‪ ،‬بطهطهوب لهوب ذي القدرة والبرهان‪،‬‬


‫والعظمة والسلطان‪ ،‬ثم يستطرد قائالً‪ :‬بحق سورة الواقعة‪ ،‬وبحق فقج مخمت‬
‫مفتاح جبار فرد معطي خير الرازقين(((‪.‬‬

‫هذه أسماء شياطين فنسأل الله السالمة والعافية‪ ،‬لقد بدأ الورد بـ (يا باسط‬
‫ياغنى ثم ذكرت أسماء الشياطين ثم يقول انقطع الرجاء إال منك) والله لقد‬
‫أنزلوا هذه الشياطين منزلة ربنا الحكيم العليم سبحانه‪ ،‬ماذا نقول إال اللهم‬
‫أجرنا في مصيبتنا‪ ..‬إننا لنتعجب من وجود تلك األسماء عند قوم يرون أن‬
‫هذه أذكار يتعبدون لله بها يتقربون بها للرحمن‪ .‬نحن ال نتعجب من وجودها‬
‫في كالم السحرة وحجبهم وكتبهم‪ ،‬فهم اليصلون إلى ضر الناس وال إلى‬
‫العطف والصرف إال بهذا‪.‬والقوم يشربون من عين آنية واحدة‪ ،‬فهذه الطريقة‬
‫البرهانية وهي فرخ من فروخ الشاذلية‪ ،‬وأذكار القوم ال تكاد تخلو من االستغاثة‬
‫بالشياطين‪ ،‬أو وجود حروف مقطعة أو أسماء أعجمية غريبة‪ .‬وهؤالء القوم‬
‫أي أصحاب الطريقة البرهانية ذكروا أسماء لم يذكرها من سبقهم مثل حوسم‬
‫دوسم‪ ..‬وهذه األسماء النجدها إال عند عتاولة السحر‪ ،‬ومن الصلوات واألدعية‬
‫ما يعرف بالجلجلوتية التي ملئت باالستغاثة بالشياطين‪.‬‬

‫ويقول الدسوقي في ورده المسمى « الحزب الكبير» ما نصه‪ :‬اللهم آمني من‬
‫كل خوف‪ ،‬وهم وغم‪ ،‬وكرب كدكد كردد كردد كردد كرده كرده كرده ده ده ده‬

‫((( ذكر ودعاء‪ :‬جمع عبد الله أحمد زينة ص ‪ ،53‬مؤسسة الشعب‪1419 ،‬هـ=‪1998‬م‪.‬‬
‫‪157‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫ده ده الله رب العزة(((‪ .‬وهذا الورد مما اتفقت عليه أكثر الطرق‪.‬‬

‫‪4 .‬الطريقة البرهانية والسحر‪.‬‬


‫شرعها شيوخ الطريقة البرهانية‪ :‬الحزب السيفي‪ ،‬وصالة‬
‫ومن األوراد التي ّ‬
‫ابن بشيش‪ ،‬والحزب المغني‪ ،‬وحزب البحر‪ ،‬وحزب النصر‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وللطريقة‬
‫البرهانية تشريع في إعطاء هذه األوراد للمريدين والتدرج بها !!! وأحيانًا يضيفون‬
‫أسماء أعجمية لألوراد مثل قولهم‪( :‬يا دهيائيل ويا مهيائيل ويا عصفهيائيل ويا‬
‫صفيهائيل توكلوا بعمل كذا وكذا) !! ومما أوردوه في ورد التحصين الشريف‪:‬‬
‫من أراد لي سوء ًا خذله الله همسًا همسًا لمسًا لمسًا لموسًا لموسًا مأمونًا‬
‫مأمونًا أنا األسد سهمي‪((( .‬وفي الحزب الكبير في نفس الكتاب‪ :‬اللهم أمنا من‬
‫كل خوف وهم وغم وكرب كد كد كردد كردد كرده كرده ده ده ده ده (((وفي‬
‫نفس الحزب (بها بها بها بهيا بهيا بهيا بهيات بهيات بهيات) (((‪( .‬بها بها بهيا بهيا‬
‫بهيات‪ )..‬و (همسًا همسًا لمسًا لمسًا لموسًا لموسًا) (وكرب‬ ‫ٍ‬ ‫بهيات بهيات‬
‫كد ٍ‬
‫كد كردد كردد كرده كرده ده ده ده الله) (((‪ .‬بسر طهور بدعق حاء محببه‬ ‫ٍ‬

‫‪ -‬مفيض العطايا صورة أنت عدتي‪...،‬ويا سقفاطيس صاحب الحمد والثنا ‪-‬‬

‫((( ذكر ودعاء جمع عبد الله زينة ص ‪.117‬‬


‫((( مجموع أوراد الطريقة البرهانية‪ :‬أبناء الشيخ محمد عبده البرهاني‪ :‬ص‪.12‬‬
‫((( السابق ص‪.21‬‬
‫((( السابق‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫((( كتاب شرح أوراد الطريقة البرهانية ص‪.7-6‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪158‬‬

‫عظيم سقاطيم وكافي البرية أحون وقاف مع أدم أدم لنا ‪ -‬رضاك وهبنا منك‬
‫فيض الدراية(((‪.‬‬

‫وجاء في «أوراد الطريقة البرهانية» أحمى حميثًا أطمى طميثًا‪ ،‬ﱹ ﮆ ﮇ‬


‫ﮈ ﮉﱸ‪ ...‬بها بها بهيا بهيا بهيا بهيات بهيات بهيات القديم األزلي‪ ،‬يخضع‬
‫لي كل من يراني‪ ،‬لمقفنجل يا أرض خذيهم‪ ،‬ﱹ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﱸ ‪،‬‬
‫ﱹﰆﰇ ﰈ ﰉﱸ‪ ،‬ﱹ ﯩ ﯪ ﯫﱸ‪ ،‬وال حول وال قوة إال بالله‬
‫العلي العظيم‪ ،‬طهور بدعق محببه صوره محببه سقفاطيس سقاطيم أحون أد ّم‬
‫ٍ‬
‫بهيات‪ )..‬و (همسًا همسًا‬ ‫حم هاء آمين‪( .»((( .‬بها بها بهيا بهيا بهيات بهيات‬
‫ّ‬
‫كد ٍ‬
‫كد كردد كردد كرده كرده ده ده ده‬ ‫لمسًا لمسًا لموسًا لموسًا) و (وكرب ٍ‬

‫الله) (((‪.‬‬

‫وفي موقع الطريقة اإللكتروني الرسمي ما يعرف بالجلجوتية ونصها «بدأت‬


‫ببسم الله روحى به اهتدت الى كشف اسرار بباطنه انطوت وصليت بالثانى‬
‫على خير خلقه محمد من زاح الضاللة والغلت الهى لقد اقسمت باسمك داعيا‬
‫بآج وماهوج جلت فتجلجلت سالتك باالسم المعظم قدره ويسر امورى يا‬
‫الهى بصلمهت‪ ..‬واقدر لى عونا خديما مسخرا طحطمغيائيل به الكربة انجلت‬

‫((( السابق‪ ،‬ص ‪.111-110‬‬


‫((( مجموع أوراد الطريقة البرهانية‪ ،‬ص ‪.21 - 18‬‬
‫((( شرح أوراد الطريقة البرهانية» ص‪.7-6‬‬
‫‪159‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫فسخر لى فيها خديما يطيعنى»(((‪.‬‬

‫‪5 .‬الطريقة الفاسية والسحر‪:‬‬


‫يقول الفاسي‪« :‬اللهم ِّ‬
‫صل على كلمتك العليا من حيث االختراع‪ ،‬واالبتداع‪،‬‬
‫وعروتك الوثقى من حيث تتابع االتباع‪ ،‬وحبلك المعتصم عند الضيق‪،‬‬
‫حم‪،‬‬
‫واالتساع‪ ،‬وصراطك المستقيم للهداية‪ ،‬واالتباع‪« ،‬الم»‪« ،‬حم»‪ ،‬أد ّم‪ّ ،‬‬
‫حمد ّرسول ال ّل ِه وا ّل ِذين معه» أحون ودود‪« ،‬طه»‪« ،‬يس»‪،‬‬
‫«ق»‪« ،‬طسم»‪ّ « ،‬م ّ‬
‫«ق»‪« ،‬ن والقلم وما يسطرون»‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل على المتخلق بصفاتك‪ ،‬المستغرق‬
‫قل إِي ور ِّبي‬
‫«أحق هو ْ‬
‫ّ‬ ‫في مشهادة ذاتك‪ ،‬الحق المتخلق بالحق‪ ،‬حقيقة الحق‪،‬‬
‫إِنّه ّ‬
‫لحق(((‪.‬‬

‫‪6 .‬النقشبندية‪:‬‬
‫تم إلقاء القبض على ساحر نقشبندي‪ ،‬وحكم عليه بالقتل ونفذ فيه الحكم‪،‬‬
‫وقد نقلت وسائل اإلعالم السعودية الخبر‪.‬‬

‫‪7 .‬الطريقة الختمية والسحر‪.‬‬


‫وجاء في كتاب مجمع األوراد الكبير وهو من كتب الطريقة الختمية عن‬
‫محمد الحسن الميرغني أن من أذكار هذه الطريقة «بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫(((تمت المشاهدة يوم الخميس ‪ 2022 -1-20‬الساعة العاشرة صباحا‪.‬‬


‫‪https: //burhaniyat.blogspot.com/201802//blog-post_25.htm‬‬
‫((( كنوز االسرار في الصالة السالم على النبي المختار‪ :‬جمعه عبد الفتاح القاضي ص ‪79‬راجعه‬
‫عبد الجليل قاسم‪2011 ،‬هـ‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪160‬‬

‫وصلى آله على سيدنا برهتيه‪ ،‬تبتليه طوارك‪ ،‬مزحل‪ ،‬برهشب‪ ،‬خوطر‪ ،‬قلينهود‪،‬‬
‫برشا كطهير بانموا شلخ‪ ،‬شماهير‪ ،‬شمها حيرحورب النور األعلى عبطال فال‬
‫إله إال هو رب العرش العظيم»(((‪ .‬هل بعد هذا الضالل وهذه األسماء الشيطانية‬
‫يقال إله إال هو رب العرش العظيم‪.‬‬

‫‪8 .‬الطريقة القادرية والسحر‪:‬‬


‫وجاء في كتاب « قالدة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي» أن من أوراد الشيخ‬
‫الرفاعي ومن أحزابه الغريبة العجيبة‪« :‬المص الرالر الر المر المر المر كهيعص‬
‫ط طسم طس طسم طسم الم الم الم الم يس ص حم حم حمعسق حم حم‬
‫حمعسق حم حم ق ن‪ ...‬محمد رسول الله حصني مكمالً وأبو بكر يميني حرز ًا‬
‫ووكيالً وعمر بن الخطاب يساري عز ًا وتجمالً وعثمان بن عفان من خلفي قوة‬
‫وحوال وعلي بن أبي طالب أمامي مهابة‪ ...‬ال إله إال أنت أحون قاف آدم حم‬
‫هاء آمين‪ ...‬شتوش هموش أطوش شرح خمدت النار من مخافته»((( وال يخفى‬
‫على عاقل أن هذه طالسم لم ترد عن رسول الله ‪.‬وكذلك تظهر‬
‫هذه الكلمات غير المفهومة في الطريقة الدسوقية‪ ،‬فيقول الدسوقي في ورده‬
‫المسمى « الحزب الكبير « ما نصه‪ « :‬اللهم آمني من كل خوف‪ ،‬وهم وغم‪،‬‬
‫وكرب كدكد كردد كردد كردد كرده كرده كرده ده ده ده ده ده الله رب العزة»(((‪.‬‬

‫((( مجمع األوراد الكبير‪ :‬محمد عثمان الميرغني الختم ص‪1439 ،116‬ه=‪2018‬م‪.‬‬
‫((( قالدة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه األكابر صفحة‪.363 ،362 :‬‬
‫((( ذكر ودعاء جمع عبد الله زينة ص ‪.117‬‬
‫‪161‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫وفي الطريقة البرهانية في الحزب الصغير‪« :‬أحمى حميثًا أطمى طميثًا‪( ،‬وكان‬
‫الله قويًا عزيز ًا)» وفي نفس الحزب يقول المريد‪« :‬بها بها بهيا بهيا بهيا بهيات‬
‫بهيات بهيات القديم األزلي‪ ،‬يخضع لي كل من يراني‪ ،‬لمقفنجل يا‪...‬الخ»‬
‫(((‬

‫وقد تكرر مرارا في طرق كثيرة‪.‬‬

‫‪9 .‬الطريقة الميرغنية والسحر‪:‬‬


‫ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﻣﺠﻤﻮع اﻷوراد اﻟﻜﺒﻴﺮ لﻟﻤﻴﺮﻏﻨﻲ « أﻳﺘﻬﺎ اﻷرواح اﻟﺮوﺣﺎﻧﻴﺔ‬
‫اﻟﻌﻠﻮﻳﺔ و اﻟﺴﻔﻠﻴﺔ و ﺧﺪام اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺑﺤﻖ ﻣﺎﺗﻠﻮﺗﻪ ﻋﻠﻴﻜﻢ و ﻣﺎ أﺗﻠﻮه ﻋﻠﻴﻜﻢ‬
‫و ﻫﻮ ﺑﺮﻫﺘﻴﺔ‪ 2‬ﻛﺮﻳﺮ ‪ 2‬ﺗﺘﻠﻴﺔ ‪ 2‬ﻃﻮران ‪ 2‬ﻣﺰﺟﻞ ‪2‬ﺑﺰﺟﻞ ‪ 2‬ﺗﺮﻗﺐ‪ 2‬ﺑﺮﻫﺶ‪2‬‬
‫ﻏﻠﻤﺶ ‪ 2‬ﺧﻮﻃﻴﺮ ‪ 2‬ﻗﻠﻨﻬﻮد‪ 2‬ﺑﺮﺷﺎن ‪ 2‬ﻛﻄﻬﻴﺮ ‪ 2‬ﻧﻮﺷﻠﺦ‪ ......2‬ﻛﺸﻄﺮﻳﺦ ﻣﻨﻴﺮ‬
‫اﻷﻓﻼك ﻃﻴﻠﻎ ﻣﻨﺸﺊ اﻷﺷﺠﺎر ﺷﻄﻜﻴﻚ ﻣﺰﻋﺞ اﻟﻌﻔﺎرﻳﺖ‪...‬أﺟﺐ أﻳﻬﺎاﻟﺴﻴﺪ‬
‫ﻃﺤﻴﻄﻤﻐﻴﻠﻴﺎل ﻫﻴﺎ اﻟﻮحا ﻳﺎ ﻣﻴﻄﻄﺮون‪ ...‬اﻟﺴﻴﺪ ﺳﻤﺴﻤﺎﺋﻴﻞ اﻟﻤﻠﻚاﻟﻤﻮﻛﻞﺑﻔﺒﻚ‬
‫اﻟﻤﺮﻳﺦ و أزﺟﺮ ﻟﻲ اﺑﺎ ﻣﺤﺮز اﻷﺣﻤﺮ‪ ...‬ﺻﺮﻓﻴﺎﺋﻴﻞ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻤﻮﻛﻞ ﺑﻔﻠﻚاﻟﻤﺸﺘﺮىو‬
‫أزﺟﺮ ﻟﻲ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺷﻤﻬﺮوش ﺧﺎدم ﻳﻮم اﻟﺨﻤﻴﺲ‪ ...‬ﺷﻤﻴﺎ ﺷﻤﻴﺎ ﻛﻐﻴﺜﺎ ﻛﻴﻜﻐﻴﺜﺎ‪...‬‬
‫ﺣﻢ ﻫﺎء آﻣﻴﻦ‬
‫أﺟﺐﻳﺎ ﻣﻮرﺷﻄﻴﺚ و ﻳﺎ ﻃﻬﻴﻮج أﺳﺄﻟﻚ ﻳﺎ ﻣﻦ ﻫﻮ اﺣﻮن ﻗﺎف أد ًّم ّ‬
‫ﺑﺤﻖﻣﺎﻟﺦﻣﻠﻴﺦ اﻣﻠﻴﺨﻮم أﺟﺐ ﻳﺎ ﻃﺜﻜﺘﺌﻴﻞ و أﻧﺖ ﻳﺎ أﺳﻄﻴﺲ»(((‪.‬‬

‫((( مجموع أوراد الطريقة البرهانية ص ‪.21 - 18‬‬


‫((( ﻣﺠﻤﻮع اﻷوراد اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺜﻤﺎن اﻟﻤﻴﺮﻏﻨﻲ ص‪116‬إﻟﻰ ص ‪ 120‬و ص ‪.139‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪162‬‬

‫ ‪10.‬الطريقة التيجانية والسحر‪:‬‬


‫وهذه الطريقة يكثر فيها السحر‪ ،‬وهذه بعض الصور لطالسم وردت في‬
‫كتاب لشيخ من شيوخهم‪:‬‬
‫‪163‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪164‬‬
‫‪165‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪166‬‬

‫ ‪11.‬أمثلة أخرى على تعاطي الصوفية للسحر‪:‬‬


‫ويقول أحمد بن محمد الصاوي في حاشيته على «شرح الخريدة البهية»‪:‬‬
‫(سيدي محمد الخلوتي أخذ عن الشيخ دمرداش فأحبه وقربه وشغله بالطريق‬
‫وأخاله ‪ -‬أي أدخله الخلوة ‪ -‬مرارا وظهرت نجابته‪ ،‬وجد واجتهد‪ ،‬واشتهر‬
‫وتلقى عنه علم األوفاق والحرف والزايرجا والرمل فأتقن ذلك) (((وأحمد‬
‫الصاوي شيخ الطريقة الخلوتية في زمنه‪ ،‬كما أن تلك العلوم «األوفاق والحرف‬

‫((( الكشف عن حقيقة الصوفية» ص (‪ ،)866‬تأليف محمود عبد الرؤوف القاسم‪ ،‬طبع المكتبة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة الثانية (‪1413‬ه)‪..‬‬
‫‪167‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫والزائر جا والرمل» من علوم السحر والكهانة(((‪.‬‬

‫إن الصوفية المتقدمين والمنتشرين في البالد اإلسالمية سيما مصر والمغرب‬


‫كانوا يتعاطون أنواع من السحر والكهانة‪ ،‬ويتعلمه المتأخر منهم عن المتقدم‪،‬‬
‫كما يتناقلون سائر العلوم‪ ،‬وليس الحكم على شواذ منهم بل هم كثيرون‬
‫(كثرة تعز عن الحصر) ولكن على أناس وصفوا بالوالية التامة وربما بالقطبية‬
‫والبدنية(((‪.‬‬

‫قال الشيخ عبد الله بن محمد بن سالم باكثير الكندي في رحلته المسماة‬
‫األشواق القوية إلى مواطن السادة العلوية» وهو يذكر تنقالته بين تريم وما‬
‫حولها وأخذه عن كبار شيوخها وأئمتها‪( :‬ثم زرنا العالم الجليل المنور سیدنا‬
‫عبد الله بن حمد بن عقيل مطهر‪ ،‬وذكر إجازته لهم في بعض األذكار ثم قال‪:‬‬
‫وأجازنا أيضا في األذكار واألدعية التي في «شمس المعارف الكبرى» والعمل‬
‫بما فيها من الفوائد‪.‬‬

‫ولم يكتفوا بمجرد النقل والرواية بل صنفوا فيها‪ ،‬فهذا أحد رجال «المشرع»‬
‫الذي قال عنه في مقدمة ترجمته‪( :‬سالم بن أحمد بن شیخان بن علي بن أبي‬
‫بكر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبود بن علي بن محمد مولى الدويلة‬
‫منه‪ ،‬وهو جد المذكور قبله نادرة األعصار وغرة األمصار ‪ -‬ثم ذكر له ترجمة‬
‫((( السابق‪.‬‬
‫((( األشواق القوية إلى مواطن السادة العلوية» ص (‪ )26 - 25‬للعالمة الشيخ عبد الله بن محمد‬
‫بنسالم باكثير الكندي‪ ،‬طبع مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬بور سعيد‪ ،‬الطبعة األولى (‪1421‬هـ‪200 .‬م)‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪168‬‬

‫مطولة دليل على االعتناء واالهتمام به وتعظيمه هذا الرجل قال‪ :‬ومن مصنفاته‬
‫في غريب العلوم‪ :‬مصباح السر الالمع بمفتاح الجفر الجامع» و «غرر البيان‬
‫عن عمر الزمان» و«المشروط األسمى األسني في شروط األسماء الحسنی»‬
‫و «العقد المنظوم في بعض ما يحتوي عليه الحروف من الخواص والعلوم»‬
‫و«إيوان المقعد الحرفي وديوان المشهد الوصفي» يتضمن ما يتعلق بالوفق‬
‫المثلث و «مرهم العطف و درهم الصرف) و «أسفار الهالك في العمل بوبر‬
‫بن مالك» و«موائد الفضل الجامعة البابا في موارد الرمل النافعة أحبابا» و«الماء‬
‫السلسال‪ ،‬الرحيق األصفى في التعلق باألسماء التي اقتضت ربوبيتها تخليق‬
‫الموجودات اإلمكانية وما لها منزلة وحرفة» و«حل المغنم في حل الطلسم»‬
‫و«البرهان المعروف من موازين الحروف» و «منتهى الطلب في قسمة الرتب‬
‫على الكواكب السبعة والرأس والذنب)‪ ،‬و«الجدول العذب األهني من شرب‬
‫األسماء الحسنی» و«عقد الحكم في ورد االسم» واعقد الآللئ الفخام في‬
‫ورد الليالي واأليام» و«التحصينات الموانع بالدعوات الجوامع» و«التحبير في‬
‫التسخير » ووفق الطبق الوفق» وغير ذلك أضربت صفحة عن ذكره ال لعلة‪،‬‬
‫واالختصار عن میدانه عالي الذرا صعب المجرى بنا ولنا أحرى وليس على‬
‫الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد((()‪.‬‬

‫وقال الشلي‪( :‬شيخ بن عبد الله العيدروس الشيخ اإلمام‪ ،‬والصديق الهمام‬

‫((( «المشرع) (‪.)106/2‬‬


‫‪169‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫رأس الرؤوس وبهجة الجلوس‪ ،‬ذو المكارم التي أبد الدهر ال تبلى‪ ،‬والمجد‬
‫الذي يعلو وال يعلى‪ ،‬والكشف الظاهر الجلي‪ ،‬والمنصب الشامخ العلي‪ ،‬إمام‬
‫أهل عصره والمشار إليه في قطره) وفي الترجمة‪( :‬وكان له معرفة تامة بعلم‬
‫الحروف واألسماء کثیر التصرف ويقول‪ :‬إن والدي علمني ذلك في حياته وأنا‬
‫صغير)‪ ،‬فهذا إذا على معرفة تامة ويتصرف بذلك العلم واألدهى أن الذي علمه‬
‫ذلك أبوه‪ ،‬ومن أبوه؟ إن أباه هو‪( :‬السيد الشريف محيي الدين وإمام األولياء‬
‫والصالحين‪ ،‬وقطب األقطاب الواصلين‪ ،‬وشیخ المشایخ وغوث األكابر‪ ،‬وسيد‬
‫الجماعة‪ ،‬وسلطان الوجود‪ ،‬السيد عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن السقاف‬
‫كنيته أبو محمد ولقبه العيدروس) (‪ )3‬هذا هو أبوه الذي علمه(((‪.‬‬

‫ومن هؤالء األولياء الذين يعرفون هذا العلم ويستخدمونه (مشیخ بن عبد‬
‫الله بن الشيخ علي أحد األولياء الصالحين والمشايخ العارفين مرشد السالكين‬
‫وقدوة الناسكين)‪ .‬قال الشلى‪( :‬ويقال‪ :‬إنه كان يعرف علم الحرف‪ ،‬علمه إياه‬
‫بعض السياحين بعد أن اختبره بأشياء يعجز عن احتمالها أكثر الكاملين‪ ،‬وكان‬
‫يحكم الوفق الثالثي ويتصرف به‪ ،‬وله كرامات كثيرة و أنفاس منيرة شهيرة‪،‬‬
‫فكان يأتي بالشيء قبل أوانه‪ ،‬ويحضر بعض األشياء التي لم توجد إال في‬
‫البالد البعيدة‪ .‬حكي أنه أطعم بعض أصحابه فاكهة الصيف أيام الشتاء! وأطعم‬

‫((( «شرح العينية » ص (‪« .)5‬المشرع) (‪.)116/2‬بواسطة القبورية‪.‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪170‬‬

‫بعضهم بحضرموت القات المشهور باليمن !!) ) (((‪.‬‬

‫ومن هؤالء من أولياء تهامة (يوسف بن أبي بكر القليصي) قال الشرجي‬
‫في ترجمته‪( :‬وكان عالما عارفا وكانت له معرفة تامة بكتب البوني‪ ،‬وكان كثير‬
‫االشتغال باألسماء عارفا بخواصها‪ ،‬وكانت آثار بركة ذلك عليه ظاهرة) (((‪.‬‬

‫وفي كتاب القبورية‪ :‬ومن الذين ظهر لي أنهم استخدموا السحر وعملوا به‬
‫رجل سماه صاحب تاج األعراس» ووصفه ب (أعجوبة زمانه و فريد عصره‬
‫وأوانه والمتحدي بواليته لمعاصريه وأقرانه)‪ ،‬الحبيب المحبوب و الفرد‬
‫المطلق المجذوب محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الرحمن العطاس المعروف‬
‫بالزنقلي‪ ،‬المقيم والمتوفي بقام در مغوز قريبة من بندر بمبي بأرض الهند‪ ،‬كان‬
‫في أول أمره يتعبد في الغابات‪ ،‬وينفر من الناس كما هو شأن السالك المجد‪،‬‬
‫حتى تكمل رياضته‪ ،‬قال‪ :‬وكثيرا ما يأتي لزيارته أهل جهتنا المهاجرين من حضر‬
‫موت إلى الهند العارفين بأنساب السادة آل العطاس‪ ،‬فال يزيدهم على هذا‪،‬‬
‫وربما تجرأ عليه بعض من قبائل الجعدة بالسؤال وقال له‪ :‬نحن نعرف أنساب‬
‫آل عطاس‪ ،‬فيقول الحبيب محمد‪ :‬أين جنبيتك أين خنجرك؟ فينظر إلى قرابه فإذا‬
‫هو فارغ‪ ،‬فيقول له الحبيب محمد‪ :‬انظر إلى فوق فإذا هي معلقة برأسها في ورقة‬
‫من ورق شجرة عنب بفتح وسکون‪ ،‬كان الحبيب محمد يجلس للناس تحتها‬

‫((( المشرع) (‪.)215/2‬‬


‫((( «طبقات الخواص» ص (‪.)368‬‬
‫‪171‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫وذلق الجنبية مصوب فوق رأس ذلك السائل فيندهش عند ذلك‪ ،‬ثم يقول له‬
‫الحبيب محمد‪ :‬الزم أدبك‪ .‬انتهی‪ .‬قلت‪ :‬وما ذاك إال لكرامته على مواله وثمرة‬
‫إخالصه في أقواله وأفعاله الوجه الله ‪ -‬قال ‪( :-‬ومن كرامات الحبيب محمد‬
‫المذكور أنه يستخدم اآلساد على رؤوس األشهاد ويركب عليها‪ ،‬ويرسلها‬
‫لحراسة بعض زائريه فتذهب معهم حتى تبلغهم مأمنهم وال تضرهم بأدنى شيء‬
‫ثم ترجع إليه وال تزال عاكفة حواليه‪ ،‬حتى إنها بقيت تحرس ضريحه بعد وفاته‬
‫وال تتعرض لزواره بسوء وهم كذلك‪ ،‬ويأتون لها باللحوم غالبا کالهدية(((‪.‬‬

‫وفي الهند أيضا ولي آخر أتقن عددا من علوم السحر والكهانة هو عبد الله بن‬
‫حسین بن محمد بن علي بن أحمد المعروف کسلفه با «بافقيه»‪ ،‬قال عنه الشلی‪:‬‬
‫وكان ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬من علو همته أنه ال يسمع بشيء إال وأحب أن‬
‫يقف على أصله ومادته‪ ،‬ويتطلب أربابه من سائر اآلفاق حتى أحكم علم الرمل‬
‫والهيئة واألسماء واألوفاق‪ ،‬واجتهد في علم الكيمياء غاية الجهد‪ ،‬وجد في‬
‫(((‬
‫طلبه من تهامة ونجد‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه ناله وأصاب غرضه من بعض أهل الرياضة)‬

‫ويحكى أن الحبيب عبد الله بن عمر بن يحيى أتاه بعض أهل ذلك الشأن‪،‬‬
‫وأعطاء مسرجة وقال له‪ :‬إذا بدت لك حاجة فأسرج فيها‪ ،‬فأخذها منه وأسرج فيها‬
‫ليلة‪ ،‬فحضر حولها أربعة نفر‪ ،‬فسألهم من أنتم؟ قالوا‪ :‬نحن خدمة هذا السراج‪،‬‬

‫((( تاج األعراس (‪.)362-356/1‬‬


‫((( المشروع» (‪.)171/2‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪172‬‬

‫ماحاجتك؟ قال‪ :‬إيتوني بكيس رياالت من البحر‪ ،‬فغابوا ساعة وأتوه بها تقطر‬
‫ماء ووضعوها بين يديه‪ ،‬فنظر إليها ثم أمرهم بردها إلى البحر‪ ،‬فردوها وقالوا‬
‫له‪ :‬هل لك حاجة أخرى‪ ،‬وإال فأطفئ الشمعة فإنها تحرق أجوافنا‪ ،‬فأطفأها‬
‫وذهبوا‪ ،‬فلما أصبح جاء إلى خاله الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر يصافحه‬
‫فقبض يده عنه‪ ،‬فقال‪ :‬لم ال تصافحني؟ قال‪ :‬هات المسرجة التي معك‪ ،‬فأتى‬
‫بها إليه فأمره أن يكسرها فكسرها‪ ،‬زهد في الدنيا وثقة بالله وما عنده (((‪.‬‬

‫ومما يلتحق بذلك ما هو مشهور مما يفعله المجاذيب المنتسبون البن علوان‬
‫من طعن أنفسهم بالحراب والخناجر في عيونهم وأماكن أخرى من أجسادهم‪،‬‬
‫فإن ذلك من السحر أو ما يلتحق به‪ ،‬وهم عندما يفعلون ذلك يقولون‪( :‬سك‬
‫وبحرك یا ابن علوان) أو كما يقولون‪ ،‬أي لتكن هذه الصفات في بحرك‪ ،‬أي‬
‫نتلقاها بحالك‪ ،‬أي مما أكرمك الله به من التصريف‪ .‬وقد حكم العالمة حسين‬
‫بن عبد الرحمن األهدل على ذلك بأنه أحوال شیطانية فقال ‪ -‬وهو يتحدث عن‬
‫السيد أحمد الرفاعي ‪( :-‬وتبعه خلق أحسنوا االعتقاد فيه ولهم أحوال عجيبة‬
‫من أكل الحيات حية‪ ،‬والنزول في النار وهي تضطرم فتطفأ‪ ،‬ويركبون األسد‪،‬‬
‫ولهم مواسم يجتمع بها عندهم عالم کثير‪ .‬قلت‪ :‬األحوال المذكورة أحوال‬
‫شيطانية كما ذكره الحافظ ابن تيمية ثم الذهبي فاعلم ذلك والله أعلم(((‪.‬‬

‫((( تذكير الناس‪ :‬ص (‪.)381 - 380‬‬


‫((( تحفة الزمن) ص (‪ ،)274‬مخطوط‪ ،‬بواسطة القبورية‪.‬‬
‫‪173‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ تأليف‪ /‬محمود عبد‬


‫الرءوف القاسم‬

‫ومن الطرق المشتهرة بالسحر‪:‬‬


‫ ‪12.‬الشطارية‪:‬‬
‫نسبة إلى عبد الله شطار الخراساني‪ ،‬مات سنة ‪ 832‬هـ في مدينة ماندو في‬
‫الهند الوسطى‪ ،‬وقد كانت في القرن العاشر طريقة الهند الرئيسية‪ ،‬أدخلت اليوغا‬
‫في رياضتها‪ ،‬واهتمت كثير ًا بالسيمياء (السحر) (((‪.‬‬

‫‪13.‬العيساوية‪:‬‬
‫نسبة إلى سيدي محمد بن عيسى‪ ،‬من بالد السوس (المغرب)‪ ،‬تخرج‬
‫في الطريقة الجزولية‪ ،‬مات في (مكناسة الزيتون) سنة ‪ 933‬هـ‪ ،‬ويظهر أنها‬
‫والجزولية فرعان من الرفاعية‪ ،‬ألنهما تعتمدان الطبول وضرب الشيش‬
‫والخناجر وأكل الزجاج والحيات‪ ،‬وفيهما كثير من المنكرات ‪ -‬شأن كل‬
‫الطرق ‪ -‬لكن محمود ًا أبا الفيض المنوفي يجعل الجزولية فرعًا من الشاذلية(((‪.‬‬

‫وذكر الشيخ محمود عبد الرءوف القاسم قصة يعرف صاحبها وخالصتها‬
‫أن مستشارا في محاكم االستئناف في مدينة حلب‪ ،‬كانت تجمعه الصالة في‬
‫المسجد مع بائع شراب متجول‪ ،‬وفي ذات مرة‪ ،‬طلب إليه البائع أن يجرب أن‬

‫((( القبورية في اليمن‪.264 :‬‬


‫((( السابق‪ :‬ص‪..265‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪174‬‬

‫(بطد زهجٍ واحٍ ياحي ٍ‬


‫ياه) مائة‬ ‫يقرأ بعد كل وقت من أوقات الصالة‪ ،‬الكلمات‪ٍ :‬‬

‫مرة‪ ،‬وبعامل الفضول‪ ،‬صار المستشار يرددها بعد كل صالة‪...‬بعد ثالثة أيام‪،‬‬
‫بينما كان جالسًا على قوس المحكمة يفصل في قضايا الناس‪ ،‬إذا به يرى أمامه‬
‫بيته وأهله يقومون بأعمالهم حسب المعتاد‪ ،‬وعندما رجع إليهم بعد الظهر‪،‬‬
‫سألهم عما كانوا يفعلونه في ذلك الوقت؟ فكان في بعض ما رآه بعض ما كانوا‬
‫يفعلونه‪ .‬وصارت مثل هذه الحالة تتكرر أمامه كلما كرر تالوة األسماء‪.‬‬

‫إن كتب التصوف المحض‪ ،‬والتي لم تؤلف للخداع والتضليل والمراوغة‪،‬‬


‫مألى بمثل هذه الفقرة‪ ،‬وهي واضحة كل الوضوح في أن التصوف هو السحر‪،‬‬
‫والفرق بينهما أن الصوفي مخدوع مراوغ‪ ،‬والساحر صادق(((‪.‬‬

‫ومما يجدر ذكره أن علم الحروف‪ ،‬رغم كونه من مستلزمات الكهانة‬


‫أو (الصوفية؛ ال فرق) في جميع حاالتها‪ ،‬إال أنه كان مقتصر ًا على الشيوخ‬
‫والعارفين‪ ،‬حتى جاءت الحروفية فعممته‪ ،‬وصار علم الحروف (السحر) حرفة‬
‫ووسيلة لتسخير الطبيعة‪ ،‬بقطع النظر عن كون المستخدم لها بر ًا أو فاجر ًا‪،‬‬
‫وانشغل الصوفية (وغيرهم) به لرسم الهياكل والطالسم‪...‬والمحبة والقبول‬
‫والشفاء من األمراض وغيرها(((‪ .‬ورغم أن الطريقة الحروفية اندثرت باندماجها‬
‫في البكطاشية فيما بعد؛ إال أنها تركت أثرها الحروفي في كل الطرق‪ ،‬وبالتالي‬

‫((( القبورية في اليمن‪ :‬ص‪.450‬‬


‫((( السابق‪.‬‬
‫‪175‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫في األمة جمعاء‪ ،‬إال من رحم ربك‪ ،‬وهكذا صار علم الحروف (السحر) من‬
‫المظاهر البارزة في ثقافة األمة جمعاء‪ ،‬إلى جانب القبوريات وخوارق المشايخ‬
‫وتغريبة بني هالل وقصة سيف بن ذي يزن‪ ،‬وكذلك ظهر أثرها بعد زمن في‬
‫الشيخية‪ ،‬ثم في البابية والبهائية(((‪.‬‬

‫يقول السيد عبدالرحمن المشهور في التفريق بين الكرامة والسحر واإلشارة‬


‫إلى أن بعض من يدعي الوالية قد يكون من السحرة المشعوذين والتنصيص‬
‫على بعض المجاذيب من أتباع الرفاعي أو أحمدبن علوان أن بعضهم إنما‬
‫يفعل ذلك بطريق السحر وتأكيده على أن الكرامة ال تكون على يد فاسق وال‬
‫يتعلم من حصلت على يده سببها وال يسعى إليها وأن من التشبه بأصحاب‬
‫الكرامات من ليسوا منهم من يستعملون الجان يقول في ذلك كله‪« :‬مسألة ى»‬
‫(خوارق العادة على أربعة أقسام‪ :‬المعجزة المقرونة بدعوى النبوة المعجوز‬
‫عن معارضتها الحاصلة بغير اكتساب وتعلم‪ ،‬والكرامة وهي ما تظهر على يد‬
‫كامل المتابعة لنبيه من غير تعلم ومباشرة أعمال مخصوصة‪ ،‬وتنقسم إلى ما‬
‫هو إرهاص وهو ما يظهر على يد النبي قبل دعوى النبوة‪ ،‬وما هو معونة وهو ما‬
‫يظهر على يد المؤمن الذي لم يفسق ولم يفتر به‪ ،‬واالستدراج وهو مايظهر على‬
‫يد الفاسق المغتر‪ ،‬والسحر وهو ما يحصل بتعلم ومباشرة سبب على يد فاسق‪،‬‬
‫أو كافر‪ ،‬كالشعوذة وهي خفة اليد باألعمال وحمل الحيات ولدغها له‪ ،‬واللعب‬

‫((( السابق‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪176‬‬

‫بالنار من غير تأثير‪ ،‬والطالسم والتعزيمات المحرمة‪ ،‬واستخدام الجان وغير‬


‫ذلك‪ .‬إذا عرفت ذلك علمت أن ما يتعاطاه الذين يضربون صدورهم بدبوس‬
‫أو سكين أو يطعنون أعينهم أو يحملون النار أو يأكلونها وينتمون إلى سيدي‬
‫أحمد الرفاعي أو سيدي أحمد بن علوان أو غيرهما من األولياء أنهم إن كانوا‬
‫مستقيمين على الشريعة قائمين باألوامر تاركين للمناهي عالمين بالغرض‬
‫العيني من العلم عاملين به لم يتعلموا السبب المحصل لهذا العمل فهو من‬
‫حيز الكرامة وإال فهو من حيز السحر إذ اإلجماع منعقد على أن الكرامة ال‬
‫تظهر على يد فاسق وأنها التحصل بتعلم أقوال وأعمال وأن ما يظهر على يد‬
‫الفاسق من الخوارق من السحر المحرم تعلمه وتعليمه وفعله ويجب زجر‬
‫فاعله ومدعيه‪ ،‬ومتى حكمنا بأنه سحر وضالل حرم التفرج عليه؛ إذ القاعدة أن‬
‫التفرج على الحرام حرام؛ كدخول محل الصور المحرمة‪ ،‬وحرم المال المأخوذ‬
‫عليه‪ ،‬والفرق بين معجزة األنبياء وكرامة األولياء وبين نحو السحر أن السحر‬
‫والطلسمات والسيمياء وجميع هذه األمور ليس فيها شيء من خوارق العادة؛‬
‫بل جرت بترتيب مسببات على أسباب‪ ،‬غير أن تلك األسباب لم تحصل لكثير‬
‫من الناس‪ ،‬بخالف المعجزة والكرامة فليس لهما سبيل في العادة‪ ،‬وإن السحر‬
‫مختص بمن عمل له‪ ،‬حتى أن أهل هذه الحروف إذا طلب منهم الملوك مثالً‬
‫صنعتها طلبوا منهم أن يكتب لهم أسماء من يحضر ذلك المجلس فيصنعون‬
‫ذلك إن سمي لهم فلو حضر آخر لم ير شيئًا وأن قرائن األحوال المفيدة للعلم‬
‫‪177‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫القطعي المحت ّفة باألنبياء واألولياء من الفضل والشرف وحس الخلق والصدق‬
‫والحياء والزهد والفتوة وترك الرذائل وكمال العلم وصالح العمل وغيرهما‪،‬‬
‫والساحر على الضد من ذلك(((‪.‬‬

‫((( بغية المسترشدين ص (‪)299 - 298‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪178‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الطالسم وعبارات السحر عند أعالم التصوف‬


‫الغالة‬

‫‪1 .‬ابن عربي وطالسمه‪:‬‬


‫قال ابن عربي‪ :‬وإن سألك عن العزيمة‪ .‬فاكتب له هذه العزيمة واألسماء‬
‫في قرطاس‪ ،‬وعلقها في مهب الريح‪ ،‬فإنه يرجع ما سرقه بإذن الله تعالى‪ ،‬وهذا‬
‫كتابه‪( :‬هطوس هطوس واله قادس ماس ريحان األطبال آل شداي اسالم أم‬
‫موسى أهيكالت داود وحرز عظيم فلعلعح العميلع سيرهوه عبوس عبوس‬
‫(((‬
‫كمال الما أجيبوا الله‪.‬‬

‫نقول هل خفى على الرسول الكريم ‪ ‬وصحابته األجالء‪ ،‬هل‬


‫خفى على ترجمان القرآن ابن عباس‪ :‬ابن عم رسول الله ‪ ‬أن‬
‫يبنوا للناس كهعيص فيأتى ابن عربى ويفكك هذه األحرف إلى خمسة عشر‪،‬‬
‫ويوهم عوام الناس بكالم باطل‪.‬فالقوم يدور عملهم كله حول الشياطين‪ ،‬وفك‬
‫األسحار وحل المربوط‪ ،‬وربط الرجال‪.‬قال ابن عربي» فالحروف التي يلتقي‬
‫بها الحكمة العلية وهي خمستها المنتظمة في مفتتح سورة « كهيعص‪ ...‬ومنها‬
‫للبركة في كل شيء إذا كتب ووضع فيه وهي هذه (ماهف ‪ 2‬نوفي ضوفي بنوقي‬
‫‪ 2‬كهيعص حمعسق يس والقرآن الحكيم»(((‪.‬‬

‫((( مجموعة ساعة الخير‪ ،‬ابن عربي ص‪1960 ،7‬م دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫((( المبادئ والغايات في معاني الحروف واآليات‪ :‬ابن عربي ص‪ ،83‬المكتبة األزهرية للتراث‪،‬‬
‫‪179‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫وقال أيضا‪ :‬ومنها لحل المربوط يكتب في إناء جديد ويحط في النداء ليلة‬
‫ويجعل فيه قليل زيت طيب وتدهن منه الفرج وهو‪ :‬كهيعص حمعسق ونفخ في‬
‫الصور فجمعناهم جمعا يأجوج في كوح أيكوك أنكوح كوج نصر من الله وفتح‬
‫(((‬
‫قريب‪.‬‬

‫فانظر يا عبد الله المؤمن الموحد‪ ،‬أيها المحتسب القائم بحدود الله المبين‬
‫خطر هؤالء‪ ،‬أنظر ماذا قدموا في أذكارهم ودعواتهم‪ ،‬قدموا شهرين وكشهيل‬
‫وعجاجيل وأخروا اسمه تبارك وتعالى فقالوا بحق يا كريم‪ ،‬والله يقدم اسمه‬
‫تعالى ويعلو‪ ،‬واليعلى عليه‪ ،‬فالكريم الرحمن الجليل األكبر ال يقدم عليه أحد‬
‫تعالى‪ .‬إن الذى عايش هؤالء القوم وأطلع على سرارهم‪ ،‬وخبر أخبارهم‪ ،‬وسبر‬
‫أغوارهم‪ ،‬وخالطهم يعرف أسرار تلك الكتب‪ ،‬وتلك الدعوات ويعلم حقيقة‬
‫القوم‪.‬‬

‫ولعل الله تعالى أن يعين بحوله وقوته على بيان حقيقة تلك األسرار وخبثها‬
‫في باب السحر إن شاء الله حيث أن المقام هنا ال يتسع‪ ،‬وسنبين أنهم يكتبون‬
‫حروفًا طالسما إذا فككتها وجدت فيها من االستغاثات بأسماء الشياطين‪،‬‬
‫أنهم يكتبون حروفًا وأرقامًا ال يفطن لها القارئ العادي‪ ،‬وال يعرفها‪ ،‬وهي‬
‫حين يفكها العالم الخبير يجد فيها ما فيها من استهانة بالقرآن‪ ،‬وامتهان له‪ ،‬مع‬

‫‪2016‬م‪.‬‬
‫((( المبادئ والغايات‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪180‬‬

‫ظهورهم بظاهر الصالح والوالية والكرامة‪ ،‬وأنهم أهل تصوف‪ ،‬ولكن الحق أن‬
‫الشيطان قد أغواهم واستزلهم فوقعوا في ورطاته وشركه(((‪ .‬ثم يقول ابن عربي‬
‫وعقب كل صالة تقرأ هذه العزيمة‪.‬‬

‫يا قومنا أفيقوا وانظروا بأبصاركم وأرجعوا فطرتكم إلى أصل نشأتها‪،‬‬
‫وحكموا عقولكم‪ .‬ألم يعلمكم النبى ‪ ‬أذكار ما بعد الصالة‪ ،‬ونقله‬
‫إليكم أصحابه بالسند الثابت الصحيح‪ ،‬وبسالسل رجال هي أعز من سالسل‬
‫الذهب عنه ‪ ‬؛ لكن الحقيقة أن القوم أعوان للشياطين‪ ،‬يقعدون بكل‬
‫صراط يصدون الناس عن ربهم تعالى‪ ،‬حتى أن من صلى أفسدوا عليه صالته‬
‫بد ً‬
‫ال من قوله أذكار الرسول ‪ ‬يقول اللهم بيونا قيل‪ ...‬إلى آخر هذا‬
‫الضالل‪.‬‬

‫ثم يقول (ويضاف إليها آيات‪ ،‬أوليس الذي خلق السماوات واألرض بقادر‬
‫على أن يخلق مثلهم‪...‬ويضيف‪ :‬وخوفي أخوف من خوف مساء أو صباح‬
‫أصباؤت آل شداي على األعلى عظيم األمور إن الله هو التواب الرحيم لسالمين‬
‫الصالحين اركض برجلك‪ ...‬وإن سألك عن العزيمة فقل له‪ :‬يحتاج إلى بيضة‬
‫دجاجة حمراء‪ ،‬ويكتب عليها هذه العزيمة‪( :‬يا سما سلمعونة يا القب المدين‬
‫مدين االسمين‪ ،‬يا مالك الجن والشياطين يا حي يا قيوم احبس السارق‪...‬أهيا‬

‫((( لعل الله أن يطيل في األعمار وأن يوسع المقام لنتكلم عن أولئك السحرة األشرار الذين‬
‫قبض عليهم وقد دنسوا القرآن‪.‬‬
‫‪181‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫شراهيا أدوناي أصباؤت آل شداي الساتر) ثم تدفنها في المطبخ(((‪.‬‬

‫‪2 .‬ابن سبعين والطالسم‪:‬‬


‫من أقوال ابن سبعين في الرسالة النورية‪...:‬ومن فضيلته (أي‪ :‬الذكر) أنه‬
‫ينفع في سبع خواص من السيمياء‪ ..‬يتخذ صورة ثور مضروب الوسط ويناديه‪:‬‬
‫(لهرلرل)‪...،‬ويقول في جميع خدمته‪ :‬يا حمراليل يا ديراليل يا جبراليل‪،‬‬
‫ومفهوم ذلك‪ :‬يا ملك القوى السارية في األجسام الفلكية والطبيعية والذرات‬
‫العارفة لك والتي فوقها يا نور النور(((‪.‬‬

‫كذبت وربنا الخالق العليم إنه تعالى نور السماوات واالرض وليست هذه‬
‫الشياطين التي تستغيثون بها من دونه تعالى‪ .‬ويقول ابن سبعين في (الرسالة‬
‫النورية) يخاطب أحد المريدين‪...:‬هذه الكلمات التي نذكرها لك مرموزة‬
‫مني‪ ،‬غير أن الذاكر ينتفع بها‪ ،‬وهي‪ :‬عمرش أش عمر صح راهيا إيداحا أيهم‬
‫اردع صعر عرجم كعلم‪....‬فقل إذا وجدت البحر والوجود والحمد‪ :‬قهوم‬
‫طمس هوالم صعنج ذلك الله ربكم يا يا يا(((‪.‬‬

‫‪3 .‬اليافعي في كتاب الدر النظيم‪:‬‬


‫قال اليافعي‪ :‬للمنزوف ويكتب معها انقلب يا دم بألف ال حول وال قوة إال‬

‫((( مجموعة ساعة الخير ص ‪.7‬‬


‫((( رسائل ابن سبعين‪ ،‬عبد الحق بن سبعين ص‪ ،161-160 :‬دار الكتب العلمية ‪2007‬م‪.‬‬
‫((( رسائل ابن سبعين‪( ،‬ص‪.)182 :‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪182‬‬

‫بالله العلي العظيم هج لج هج لج هج لج هي لخطاي هي تكتب في ورقة وتعلق‬


‫بين عيني المنزوف على انفه‪ ...‬الخ(((‪.‬‬

‫‪4 .‬البوني وطالسمه‪:‬‬


‫جاء في كتاب «منبع أصول الحكمة للبوني» «اللهم إني أسألك بعظيم قديم‬
‫كريم مكنون مخزون أسمائك وبأنواع أجناس رقوم نقوش أنوارك‪ ،‬وبعزيز‬
‫إعزاز عزتك‪ ،‬وبحول طول جول شديد قوتك وبقدرة مقدار اقتدار قوتك‪،‬‬
‫وبتأييد تحميد وتمجيد عظمتك‪ ،‬وبسمو نمو علو رفعتك‪ ،‬وبقيوم ديوم دوام‬
‫أبديتك‪ ،‬وبرضوان غفران آل مغفرتك‪ ،‬وبرفيع بديع منبع سلطانك‪ ،‬وبصالت‬
‫سعات بساط رحمتك‪ ،‬وبلوامع بوارق صواعق عجيج وهيج بهيج رهيج‪ ...‬يا‬
‫أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا قديم يا مغيث أطمس بطلسم‪.(((.‬‬

‫فيا أيها المحبون لرسول الله ‪ ‬يامن تذكرون في موالدكم‬


‫وحضراتكم (التي هي بدعة أصال) تذكرون فيها مقدمة دعوة البونى‪ ،‬وهى‪:‬‬
‫اللهم إنى أسألك بعظيم قديم كريم مكنون مخزون اسمائك‪ ...‬إلى آخره‪ ،‬أال‬
‫تدرون ما وضعه في أثناء هذه الدعوة من أسماء الشياطين‪ ،‬وما في هذه الدعوة‬
‫من دعوة غير الله رب العالمين‪ ،‬أال يكفيكم أن صاحب هذه الدعوى رأس من‬
‫رؤوس الكفر والفتن‪ ،‬وهو ممن أشاع السحر والكهانة‪ ،‬هذا الرجل مركز من‬
‫((( الدر النظيم في خواص القرآن العظيم‪ ،‬أبو محمد اليمني اليافعي الشافعي‪ ،‬المكتبة العالمية‪،‬‬
‫مصر الطبعة األولى‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫((( منبع أصول الحكمة‪ :‬للبوني ص ‪.111‬‬
‫‪183‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫مراكز الدعوة للشيطان‪ ،‬وهو معين عظيم للشيطان الرجيم‪ ،‬إنه مفرق الجماعات‪،‬‬
‫ومطلق الزوجات‪ ،‬وهادم البيوت‪ ،‬ومفرق األحبة‪ ،‬أفال يكفى هذا الكتاب‬
‫البغيض الذى لو وقع على األرض النشقت‪ ،‬لما فيه من الكفر بالرحمن الرحيم‬
‫واالستغاثة بالشياطين؟!‪ ،‬أال تعلمون أن ما تذكرونه في موالدكم وحضراتكم‬
‫من عمل صاحب شمس المعارف ومنبع أصول الحكمة‪ ،‬وال شمس في كتبه‪،‬‬
‫وال معرفة‪ ،‬وال حكمة‪ ،‬وليس فيها إال الكفر بالله تعالى‪.‬‬

‫قال البوني « وهو أن يقال‪ ...‬أيها األعوان المستخرجة من حروف اسم فالن‪،‬‬
‫وتذكر اسم المطلوب‪ ،‬ثم أسماء األعوان أن تتوكلوا في العمل الذي أريده منكم‬
‫في الجسد الذي استخرجتم من بحق كذا وكذا ويذكر أقسام القسم‪ ...‬ومن هذا‬
‫األقسام قوله‪ « :‬برهيته ‪ 2‬كرير ‪ 2‬تتليه ‪ 2‬طوران ‪ 2‬مزجل‪ ..‬بعزتك إال ما أخذت‬
‫سمعهم وأبصارهم سبحانه من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وقال «‬
‫يا مذهب بحق الملك الغالب أمره عليك روقيائيل وأنت يا أبيض‪ ...‬أجيبوا‬
‫وافعلوا كذا وكذا(((‪.‬‬

‫‪5 .‬الغزالي والطالسم‪:‬‬


‫وردت في كتب الغزالي طالسم وأسماء غريبة‪ ،‬فمما ورد في رسائله‪ ،‬التي‬
‫جمعها إبراهيم أمين وطبعتها المكتبة التوفيقية‪ :‬كلمات تفرق بها بين جماعة‬
‫فاسدة تخافهم‪ ،‬تأخذ أفرادا من شعير‪ ،‬وتقول عليه أربع مرات هاطاش ماطاش‬

‫((( منبع أصول الحكمة ص ‪176‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪184‬‬

‫هطاشنة‪ ،‬وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وترميه من حيث ال‬
‫يشعرون‪ ،‬وتنظر ما يصنع الله‪.‬‬

‫ومن أراد أن يبصر الجن مشاهدة ومصادقة ومخاطبة ويسمع كالمهم ويعينونه‬
‫على ما يريد فليقرأ سورة الجن في بيت خال من يوم بطالة في أحد أو أربعاء‬
‫وبين يديه بخور اللبان ويخط له مند ً‬
‫ال يقعد فيه وال ينقطع عنه البخور‪ (((...‬وقال‬
‫أيضا‪ :‬ولهم حشيشة تسمى بحشيشة الراسن تبخر من أوراقها على اسم من تريد‬
‫فيأتيك وإن لم يرد‪ ،‬بشرط أن تقول هذه الكلمات على البخور تقول‪ :‬يا جامع‬
‫يا جن اجمعوا وقدموا الق الق عاجال عاجالً اشروثا اشروثا كبيبا الصبي‪ :‬ائتنا‬
‫كرهًا أو طوعًا‪ :‬قالتا أتينا طائعين وليكن في يوم األحد أو أربعاء(((‪.‬‬

‫هذا ما ينقل عن الغزالى‪ ،‬فإلى أتباع الغزالى الناقلين عنه‪ ،‬هذا ما يكتبه‪،‬‬
‫وهناك طلسم ينسب إلى الغزالى‪ ،‬ويسمى بطلسم أو مثلث الغزالى‪ ،‬ويعملونه‬
‫لقهر الجبابرة والقياصرة ومالقاة الملوك والحكام‪ ،‬ويدعون اشتعماله في نصرة‬
‫المظلوم‪ ،‬وإبعاد الظالم‪ ،‬ويرون أنه يفرق الظلمة‪ ،‬وهو طلسم سوف نبينه بإذنه‬
‫(تعالى)‪ ،‬ونكشف حقيقته ‪-‬إن شاء الله‪ -‬في باب السحر والصرف‪ ،‬ويكتب‬
‫السحرة مثلث الغزالى في أعمال الصرف‪ ،‬وقد مجد هذا المثلث البرعي‪ :‬حين‬
‫قال‪:‬‬

‫((( مجموعة رسائل الغزالي‪ ،‬تحقيق إبراهيم أمين‪ ،‬المكتبة التوفيقية‪ ،‬ص ‪.516‬‬
‫((( مجموعة رسائل الغزالي ص ‪519‬‬
‫‪185‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫بـبـصـيـ ــرة األنــ ــوار ال كهـ ــواك‬ ‫ومثلــ ــث الغــــزالى أخرج ــه لن ــا‬

‫لطريقــة وحقيقــة وشــريعة تنهاك‬ ‫وهـــــــــو اإلمـــــام الـمـرتــــضى‬

‫أهــ ــل البصائ ــر والعل ــوم س ــواك‬ ‫والخاتـــم المرمـــوز يعـــرف ســـره‬

‫ظفــــروا بــه مــن شــاهدوا مــوالك‬ ‫هــو باطــن الق ـرآن والســر الخفــى‬

‫وهناك طلسم آخر ذكره في كتاب المنقذ من الضالل يقيم به الدليل على‬
‫المنجمين من صناعتهم‪ ،‬جاء في هذا الكتاب‪:‬‬

‫أما الذين ادعوا الحيرة من أهل التعليم فعالجهم ما ذكرناه في كتاب القسطاس‬
‫المستقيم وال نطول بذكره في هذه الرسالة‪ .‬وأما ما توهمه أهل اإلباحة‪ ،‬فقد‬
‫حصرنا شبههم في سبعة أنواع وكشفناها في كيمياء السعادة‪.‬وأما من فسد‬
‫إيمانه بطريق الفلسفة‪ ،‬حتى أنكر أصل النبوة‪ ،‬فقد ذكرنا حقيقة النبوة ووجودها‬
‫بالضرورة‪ ،‬بدليل وجود عمل خواص األدوية والنجوم وغيرهما‪ .‬وإنما قدمنا‬
‫هذه المقدمة ألجل ذلك وأننا أوردنا الدليل من خواص الطب والنجوم‪ ،‬ألنه من‬
‫نفس علمهم‪ .‬ونحن نبين لكل عالم بفن من العلوم كالنجوم‪ ،‬والطب‪ ،‬والطبيعة‪،‬‬
‫والسحر والطلسمات مثالً من نفس علمه برهان النبوة‪.‬قد اعترفوا بخواص هي‬
‫أعجب من هذا فيما أوردوه في كتبهم‪ ،‬وهي من الخواص العجيبة المجربة في‬
‫معالجة الحامل التي عسر عليها الطلق بهذا الشكل‪ :‬يكتب على خرقتين لم‬
‫يصبهما ماء‪ ،‬وتنظر إليهما الحامل بعينها‪ .‬وتضعها تحت قدميها‪ ،‬فيسرع الولد‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪186‬‬

‫في الحال إلى الخروج‪ .‬وقد أقروا بإمكان ذلك‪ ،‬وأوردوه في عجائب الخواص‬
‫وهو شكل فيه تسعة بيوت‪ ،‬ويرقم فيها رقومًا مخصوصة‪ ،‬يكون مجموع ما في‬
‫جدول واحد خمسة عشر‪ ،‬قرأته في طول الشكل أو في عرضه أو على التأريب‪.‬‬

‫ب ط د ‪ 4 9 2‬ز ه ج ‪ 3 5 7‬و ا ح ‪ 8 1 6‬فيا ليت شعري! من يصدق بذلك‬


‫ثم ال يتسع عقله للتصديق بأن تقدير صالة الصبح بركعتين‪ ،‬والظهر بأربع‪،‬‬
‫والمغرب بثالث‪ ،‬وهو لخواص غير معلومة بنظر الحكمة وسببها اختالف هذه‬
‫األوقات‪ .‬وإنما تدرك هذه الخواص بنور النبوة‪ .‬والعجب أنا لو غيرنا العبارة‬
‫إلى عبارة المنجمين لعقلوا اختالف هذه األوقات‪ ،‬فنقول‪ :‬أليس يختلف الحكم‬
‫في الطالع‪ ،‬بأن تكون الشمس في وسط السماء‪ ،‬أو في الطالع أو في الغارب‪،‬‬
‫حتى يبنوا على هذا في تسييراتهم اختالف العالج وتفاوت األعمار واآلجال‪،‬‬
‫وال فرق بين الزوال وبين كون الشمس في وسط السماء‪ ،‬وال بين المغرب وبين‬
‫كون الشمس في الغارب‪ ،‬فهل لتصديق ذلك سبب‪ ،‬وإال أن ذلك يسمعه بعبارة‬
‫منجم‪ ،‬لعله جرب كذبه مئة مرة‪ .‬وال يزال يعاود تصديقه‪ ،‬حتى لو قال المنجم‬
‫له‪ :‬إذا كانت الشمس في وسط السماء ونظر إليها الكوكب الفالني‪ ،‬والطالع هو‬
‫البرج الفالني‪ ،‬فلبست ثوبًا جديد ًا في ذلك الوقت قتلت في ذلك الثوب! فإنه‬
‫ال يلبس الثوب في ذلك الوقت‪ ،‬وربما يقاسي فيه البرد الشديد‪ ،‬وربما سمعه من‬
‫منجم وقد جرب كذبه مرات!‪.‬فليت شعري! من يتسع عقله لقبول هذه البدائع‬
‫ويضطر إلى االعتراف بأنها خواص ‪ -‬معرفتها لبعض األنبياء ‪ -‬فيكف ينكر مثل‬
‫‪187‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫ذلك‪ ،‬فيما يسمعه من قول نبي صادق مؤيد بالمعجزات‪ ،‬لم يعرف قط بالكذب!‬
‫ولم ال يتسع إلمكانه؟ فإن أنكر فلسفي إمكان هذه الخواص في أعداد الركعات‪،‬‬
‫ورمي الجمار وعدد أركان الحج‪ ،‬وسائر تعبدات الشرع‪ ،‬لم يجد بينها وبين‬
‫خواص األدوية والنجوم فرقًا أصالً(((‪.‬‬

‫وال يتسع المقام هنا لعرض كل الطالسم التي عند الصوفية وإال الحتجنا إلى‬
‫كراريس كثيرة‪ ،‬وقد عرضنا منها ما يؤدي الغرض‪ ،‬ولو لم يطلع المسلم إال على‬
‫ما أورده ابن عربى والغزالى والبونى من طالسم لكان كافيًا‪ ،‬فإن المتأخرين‬
‫عالة على المتقدمين ‪ -‬وكم جروا من بالء لهذه األمة‪.‬وقد بين ذلك أقوام كانوا‬
‫على هذا ثم هداهم الله كابن مطهر رحمه الله رحمة واسعة‪.‬‬

‫((( المنقذ من الضالل‪ :‬للغزالي ج ‪ 1‬ص ‪ ،20‬تحقيق جميل صليبا‪ ،‬كامل عياد‪ ،‬مكتبة األندلس‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪188‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬عالقة المتأخرين من الصوفية بالمتقدمين‬

‫يرتبط الصوفية المتأخرين بالمتقدمين ويستقون منهم‪ ،‬وكتب المتأخرين‬


‫مشحونة بالنقل عن المتقدمين من سحرة الصوفية أو األوراد التي فيها سحر‬
‫وسنذكر هنا نماذج فقط وإال فالدالئل تعز على الحصر ولكن ثمت نماذج منها‪:‬‬

‫‪1.‬جاء في كتاب الفيوضات الربانية في أوراد الطريقة القادرية إلسماعيل‬


‫القادرى ولقي شيخه محمد عقيلة حاورقى مكة شوال من السنة ‪ 1023‬الهجرة‬
‫النبوية ت‪1233‬هـ‪ /561 :‬واشرف على نشرها محمد بن علي بن يوسف نقل‬
‫أوراد الجيالنى ‪ -‬ص ‪ 47‬كما ذكر حزب البحر للشاذلى الصغير وفيه «قراءة‬
‫‪ 29‬حرف بنفس واحد وفيه ضم ‪ -‬اليتعدون من المعاصرين وفى األوراد التي‬
‫جمعها طالسم‪ ،‬ويذكر في أسانيده السهروردى عن الجيالنى ‪ -‬ويذكر الشبلى‪:‬‬
‫انظر ص ‪ 52‬وما بعدها في ص ‪ 42‬قوله‪ :‬مشكل كشا بالخبر‪.‬والكتاب طبعته‬
‫مكتبة القاهرة‪ ،‬وتم ورد الجمعه للجيالنى‪ :‬وفيه ونهدير حيار‪ ...‬هيكليا علويات‬
‫روحانيات أمالك أمالك عرشى ‪ -‬وباألمالك الروحانيين المديرين الكواكب‬
‫المنيرة بأفالكك‪ ...‬نامك عن الجيالنى‪ .‬ونقل حزب الغزالى حجة اإلسالم‪.‬‬
‫وينقل عن السهرودى في عوارف المعارف ص ‪.108‬‬
‫‪2.‬جاء في كتاب النفحات الجودية في مآثر وأوراد الطريقة النقشبندية‪:‬‬
‫وفي أورادها طالسم ص ‪ 47‬جدول من حروف وأرقام‪ ،‬والمؤلف هو ا‪.‬د‬
‫جودة محمد أبو اليزيد المهدى ‪ -‬نائب رئيس جامعة األزهر ‪ -‬عضو مجمع‬
‫‪189‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫البحوث من الدار الجودية ط‪ 2‬ص ‪.2005‬في ص ‪ 107‬ينقل عن ابن عربى من‬


‫الفتوحات المكية‪ :‬ويقول‪ :‬قد تجسدت في موالنا الشيخ جودة موسى الدسره‬
‫وهو في المقام العيسوى عالمات االسهاب العيسوية التي نص عليها الشيخ‬
‫األكبر سيدى محيى الدين بن عربى رضوان الله عليه في الفتوحات المكية‪ .‬وفى‬
‫ص ‪ 91‬يذكر في اسناده للشاذلية ‪ -‬الشاذلى ‪ -‬والمرسى ‪ -‬ابن عطا لله‪ ،‬وفى‬
‫ص ‪.74‬ص ‪ :95‬وينقل عن الشعرانى ص ‪ 98‬ويذكر السيد البدوى طريقهم‪.‬‬
‫ويرى أن طريقة جده امتدادا لطريق ابن عربى ص ‪ 101‬وفى ص ‪ 12‬فإذا تبين‬
‫ذلك عرفنا أن طريقة ابن عربى األكثرية قد كتب لها االستمرار في الوجود إلى‬
‫العصر الحاضر‪.‬‬
‫‪3.‬وفي كتاب الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم‪ ......‬د‪/‬‬
‫حسن عبد النبى إبراهيم شاهين أستاذ مساعد بكلية اآلداب جامعة حضرموت‪.‬‬
‫وهو صوفي يمني نقول عن الجيلى ت ‪832‬هـ = والرفاعى ص ‪ 31‬ووصية‬
‫بكتب ابن عربى‪.‬‬
‫‪4.‬وجاء في كتاب مجموع االوراد الكبير لمحمد عثمان الميرغني السوداني‬
‫مكتبة القاهرة راجعه وصححه الخليفة عبد الباسط محمد في ص ‪ 28‬ذكر أسماء‬
‫الصوفية الذين سبقوه واستغاث بهم‪ ،‬وفيهم الحالج وابن مشيش وغيرهم من‬
‫السحرة‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪190‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬أغراض السحر عند الصوفية ووسائله‬


‫إن أغراض السحر عند المتصوفة هي ذاتها األغراض التي عند غيرهم‪،‬‬
‫والمراد بالغرض االستخدامات التي يستعمل السحرة الصوفية السحر من‬
‫أجلها‪ ،‬والمراد هنا ذكر نماذج من كتب الستخدامهم السحر في أمور منكرة‬
‫محرمة‪ ،‬وفي مظالم لعباد الله‪ ،‬وهم الذين يلبسون مسوح الزهد والخوف‬
‫والورع‪ ،‬ويتظاهرون بطاعتهم لله وحبهم له سبحانه‪ .‬وفي هذا المبحث خمسة‬
‫مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬األغراض التي استخدم الصوفية السحر من أجلها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الوسائل التي سلكها الصوفية لعمل السحر‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬اللغة السريانية والسحر لدى الصوفية‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬علم المكاشفة الصوفي والتأصيل للكهانة‬

‫المطلب الخامس‪ :‬شاعر مفوه من المعاصرين من ظلمات التصوف والسحر‬

‫إلى نور التوحيد والسنة‪.‬‬


‫‪191‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫المطلب األول‪ :‬األغراض التي استخدم الصوفية السحر من‬


‫أجلها‪.‬‬

‫استخدم الصوفية السحر لتحقيق مآرب اما لهم‪ ،‬وإما لغيرهم‪ ،‬وصنعوا‬
‫مثل غيرهم من السحرة في هذا‪ ،‬وزادوا بأنهم جمعوا بين كفر السحرة وخبث‬
‫المنافقين‪ ،‬لقد خادعوا عوام المسلمين فزعموا أن لهم كرامات وعلم لدنى ال‬
‫يعلمه عامة الناس‪ ،‬وأن لهم أسرار وأنهم خصوا بأسماء للرحمن جال جالله‬
‫قد ورثوها‪ ،‬وعلموها‪ ،‬منة من الله ومنحة‪ ،‬والمتأمل في حالهم يعرف أن‬
‫هؤالء سحرة‪ ،‬يعظمون الشياطين ويستغيثون بغير الرحمن‪ ،‬ويفرقون بين المرء‬
‫وزوجه‪ ،‬ويعلقون قلوب الناس بغير الله رغبًا ورهبًا‪.‬‬

‫وسنذكر في هذا المطلب مايبين هذا‬

‫‪1 .‬السحرة الصوفية والقتل‬


‫قال اﻟﻨﺒﻬﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺔ اﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ‪ :‬ﻗﺎل‪ :‬اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺰ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺪاﻣﻐﺎﻧﻲ اﻟﺨﺮﺳﺎﻧﻲ‬
‫وﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻗﺎل‪ :‬ﻛﺎن ﺑﺨﺮﺳﺎن ﺷﺨﺺ ﻳﻜﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻠﺐ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻴﻲ‬
‫اﻟﺪﻳﻦ وﻳﺆذﻳﻪ وﻳﺆذي ﻣﻦ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻪ ﺑﻜﻞ ﻃﺮﻳﻖ ﺧﺎرج ﻓﺎﺣﺶ‪ ،‬ﻓﺄﻛﺜﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن‬
‫اﻟﺸﻜﺎﻳﺔ ﻣﻨﻪ إﻟﻰ اﻟﺸﻴﺦ إﻟﻰ أن ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﻻ ﺻﺒﺮ ﻟﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا‪ ،‬إﻟﻰ أن ﺟﺎء اﻷﻣﺮ إﻟﻰ‬
‫اﻟﺸﻴﺦ ﺑﺎﻧﻔﺎذ اﻟﻘﺪر‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻟﺸﺨﺺ ﻧﺎوﻟﻨﻲ اﻟﺨﻨﺠﺮ اﻟﺬي ﻣﻦ ﺻﻔﺘﻪ ﻛﻴﺖ وﻛﻴﺖ‪،‬‬
‫وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﺮﻓﻪ‪ ،‬وأﺧﺬ ورقة ﻗﺪ ﻗﺼﺖ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ إﻧﺴﺎن ﻓﺬﺑﺤﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﻨﺠﺮ‪،‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪192‬‬

‫وﻗﺎل‪ :‬ﻳﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻗﺪ ذﺑﺤﺖ ﻫﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﺘﻌﺪي ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺨﺮﺳﺎن‪،‬‬

‫وﻗﺪ رﻓﻌﺖ ﺟﺴﺮا ﻣﻦ سقف داره ﻋﻦ اﻟﺠﺪار‪ ،‬ووﺿﻌﺖ اﻟﺨﻨﺠﺮ ﺗﺤﺘﻪ ﻻ ﻳﺮﻓﻌﻪ‬
‫أﻗﻞ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﻳﻦ ً‬
‫رﺟﻼ‪ ،‬وﻛﺘﺒﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻨﺠﺮ ﺑﺪﻣﻪ‪ :‬ذﺑﺤﻪ ﻣﺤﻴﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ‪،‬‬

‫ﻓﺬﻫﺐ ﻣﻦ ﺣﻀﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺸﺎﻛﻴﻦ ﻓﻮﺟﺪﻫﻢ ﻓﻲ ﺧﺮﺳﺎن ﻳﻘﻮﻟﻮن‪ :‬ذﺑﺢ ﻓﻼن ﻓﻲ‬

‫اﻟﻴﻮم اﻟﻔﻼﻧﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺄﺧﺒﺮوﻫﻢ ﺑﺎﻟﻘﺼﺔ‪ ،‬ﻓﺨﻠﺺ ﻛﺜﻴﺮ اﻟﺘﻬﻤﺔ‪،‬‬

‫ورﻓﻌﻮا رأس اﻟﺠﺴﺮ ﻛﻤﺎ ذﻛﺮ‪ ،‬ﻓﻮﺟﺪوا اﻟﺨﻨﺠﺮ واﻟﻜﺘﺎﺑﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺴﺮاج ﻓﻲ‬

‫«ﺗﻔﺎح اﻷرواح»(((‪.‬‬

‫لقد أورد القوم هذه القصة في كتبهم على سبيل الكرامات‪ ،‬وال جرم أن هذه‬

‫الحكاية لو ثبتت وكانت حقا‪ ،‬لكان ذلك سحرا واستعانة بالشياطين على تنفيذ‬

‫ذلك‪ ،‬وال يخفى أن السحر منه ما يقتل‪ ،‬ومنه ما يمرض‪.‬‬

‫وﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎب اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ اﻷﺣﻤﺮ ﻣﺎ ﻧﺼﻪ‪ :‬وإذا ﺻﻮرت ﻣﻦ ﺗﺮﻳﺪ قتله ﻣﻦ‬

‫اﻟﻔﺎﺳﻘﻴﻦ داﺧﻞ اﻟﻤﺨﻤﺲ‪ ،‬وﺟﻌﻠﺖ ﺣﺮف اﻟﻄﺎء ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺠﻠﻮس ﻣﻮﺿﻊ ﻗﻠﺒﻪ‬

‫ﺛﻢ ﺧﺬ ﺧﻨﺠﺮا ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ اﻟﺨﺎص ﻧﺼﻠﻪ‪ ،‬وﻧﺎﺑﻪ‪ ،‬واﻧﻘﺶ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﺘﺔ ﻋﺸﺮ ﻃﺎء‬
‫ﻫﻨﺪﻳﺔ ﺳﻄﺮا واﺣﺪا ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺜﻼﺛﺎء‪ ،‬ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻤﺮﻳﺦ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻤﻄﻠﻮب ﻳﻬﻠﻚ ﻓﻲ وﻗﺘﻪ‬

‫وﺳﺎﻋﺘﻪ‪ ...‬اﻟﺦ(((‪.‬‬

‫((( ﺟﺎﻣﻊ ﻛﺮاﻣﺎت اﻷوﻟﻴﺎء‪ :‬اﻟﻨﺒﻬﺎﻧﻲ (‪)162/1‬‬


‫((( الكبريت األحمر‪ :‬الشعراني ص ‪20‬‬
‫‪193‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫‪2 .‬الخرس‬
‫وقال الشاذلي‪ :‬من أراد أن يعقد ألسنة جميع الخالئق فليجعل له لوحا من‬
‫الرصاص األسود المصطفى مقدار ثالثة مثاقيل‪ ،‬ثم تنقش هذه اآلية عليه وتقرأ‬
‫اآلية ألفا واحدا على اللوح وتضعه في بطن الحوت الطري وتدفنه في األرض‬
‫المبلولة بالندا وتكتب أسماء الحاسدين واألعداد فيه تنعقد ألسنتهم بإذن الله(((‪.‬‬

‫‪3 .‬االجتماع بالجن عيانا‪ ،‬واستخدامهم‪ ،‬و إخضاع األرواح العلوية‬


‫والسفلية‬
‫ويشرح البوني في كتابه «منبع أصول الحكمة» الطريقة أسرار البرهتية‪ ،‬بقوله‪:‬‬
‫فاعلم أن أسماء البرهتية‪( ،‬وقد بينا سابقا استخدام السحرة لها في أعمالهم وتعج‬
‫بها كتبهم)‪ ،‬هي القسم الم ّعول عليه من قديم الزمان‪ ،‬وكان القدماء يسمونه‬
‫بالعهد القديم‪ ،‬والميثاق العظيم‪ ،‬والسر المصون‪ ،‬والكنز المخزون‪ ،‬والعهد‬
‫القديم‪ ،‬والكبريت األحمر‪ ،‬وقد تكلم به الحكماء األول‪ ،‬ثم السيد سليمان بن‬
‫داود عليه السالم‪ ،‬ثم آصف بن برخيا‪ ،‬ثم الحكيم قلفطيروس‪ ،‬ثم تتلمذ له إلى‬
‫يومنا هذا‪ ،‬وهو قسم عظيم ال يتخلف عنه ملك‪ ،‬وال يعصيه جني‪ ،‬وال عفريت‪،‬‬
‫وال مارد‪ ،‬وال شيطان‪ ،‬وكل طالب لم تكن عنده‪ ،‬أو لم يكن له علم بها‪ ،‬فعلمه‬
‫أجذم‪....‬ويتصرف في جميع األعمال من استنزال أمالك‪ ،‬واستحضار أعوان‪،‬‬
‫وجلب ودفع‪ ،‬وصرع وقهر‪ ،‬وإخفاء وإظهار‪...‬كرير» إن من خواصه أن من‬
‫((( السر الجليل الشاذلي‪ :‬ص ‪.50‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪194‬‬

‫واظب على قراءته كل ليلة مائة مرة‪ ،‬فإنه يجتمع بالجن عيانا‪ ،‬وربما يصيرون له‬
‫خداما‪ ،‬ومن واظب على ذكر برهتيه كرير تتليه‪....‬خضعت له األرواح العلوية‬
‫والسفلية(((‪.‬‬

‫‪4 .‬استخراج األجوبة من األسئلة‬


‫قال ابن خلدون‪ :‬ومن فروع علم السيمياء عندهم استخراج األجوبة من‬
‫األسئلة‪ ،‬بارتباطات بين الكلمات‪ -‬حرف ّية‪ ،‬يوهمون أنّها أصل في معرفة ما‬
‫يحاولون علمه من الكائنات االستقبال ّية(((‪.‬‬

‫‪5 .‬قضاء الحوائج‬


‫قال في كتاب العقد المنظوم فيما تحتويه الحروف من الخواص والعلوم‪:‬‬
‫وإذا أردت قضاء حاجة من أحد أي أحد كان من جميع الموجودات فاكتب‬
‫جميع عدد اسمك واسم األمر واسم المطلوب‪ ،‬وإذا اجتمع من الجملة عدد‬
‫فارسمه في ساعة سعيدة‪ ،‬وامسكه عندك وانهض به في طلب حاجتك يقضى‬
‫إن شاء الله تعالى(((‪.‬‬

‫‪6 .‬الشفاء‬
‫جاء في كتاب «الجواهر اللماعة» يقول علي أبو حي الله الرزوقي‪ :‬لمن‬

‫((( منبع أصول الحكمة للبوني ص ‪.68-67‬‬


‫((( مقدمة ابن خلدون‪ :‬ابن خلدون ‪.167‬‬
‫((( العقد المنظوم فيما تحتويه الحروف من الخواص والعلوم‪ :‬ابن عربي ص ‪183‬تحقيق سعيد‬
‫عبد الفتاح‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األولي‪1427‬ه=‪2006‬م‪.‬‬
‫‪195‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫كانت له حاجة أو يطلب شفاء أو نصر ًا أو غير ذلك‪» :‬تصوم لله سبعة أيام‬
‫برياضة تامة‪ ...‬وتقول‪ :‬اللهم إني أسألك ثم ينادي الساحر‪ :‬لهيوش وطهيوش‬
‫ويقول أسألك اللهم بحق هذه األسماء واألسرار التي ألقيتها في قلب نبيك‬
‫محمد ‪((( ‬وكسيته من جالل لطفك وهديته بطهارة قدسك أن تسخر‬
‫لي روحانية((( خدام اسمك اللطيف المبارك العلوية والسفلية يكونون عونًا لي‬

‫((( حاشا النبى الكريم ‪ ‬من قول هذا‪ ،‬كيف وقد غسل جبريل عليه السالم قلبه الطيب‬
‫الطاهر فأخرج منه فأخرج منها ماال يرضى الله تعالى‪ ،‬وأخرج منه حظ الشيطان‪ ،‬فكيف لهذا‬
‫القلب الطاهر الذى غسله جبريل مرات أن يستغيث بالشياطين كيف يستغيث طهيوش وهو الذى‬
‫علم ابن عمه وهو غالم إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله‪ .‬كيف هذا وهو سيد‬
‫الموحدين‪ ،‬حاشاه ثم حاشاه ‪ ‬من وقول واعتقاد ذلك‪.‬‬
‫((( يعتقد أولئك أن الروحانيين هم خدام القرآن‪ ،‬فإنهم يعتقدون أن لكل آية خادمًا‪ ،‬وهم قوم‬
‫من الجن بأرواح مالئكية ‪ -‬أو نورانية ‪ -‬ويعتقدون أن الجن أعرف بالقرآن فهم آمنوا به وفهموه‬
‫أكثر من الجن‪ ،،‬فالنبى ‪ ‬لما دعا قريش إلى اإليمان بالقرآن وتاله عليهم ما آمن معه‬
‫إال القليل‪ ،‬أما الجن فإنهم حينما سمعوه ولوا إلى قومهم منذرين ‪ -‬وقالوا يا قومنا أجيبوا داعى‬
‫الله‪ ،‬وقالوا كما قال الله عنهم‪ :‬إنا سمعنا قرآنًا عجبًا ‪ -‬بل ذكر النبى ‪ - ‬أنهم كانوا‬
‫أحسن رد ًا على أسئلة القرآن فإن النبى ‪ ‬لما قرأ سورة الرحمن على الصحابة كانوا‬
‫سكوتًا فلما انتهى قال ‪ ‬مالى أرى الجن أحسن منكم رد ًا فإنى ما أتيت على قوله‪:‬‬
‫فبأى آالء ربكما تكذبان إال قالوا وال نسيئ من آالك تكذب ملك الحمد ‪ -‬والجن يعلمون أسرار‬
‫القرآن ويتلقونه قبل األنس‪ ،‬ويعلمون ماال يعلمه األنس‪ ،‬وأن هؤالء المتصوفة إذا سئلوا عن هذه‬
‫األسماء االعجمية التي في أورادهم قالوا أنها أسماء الله باللغة السريانية وإذا قيل لهم كيف لم‬
‫يعلمها غيركم ذكروا أن الجن هم مطلعون على أمرهم مالم يطلع عليه األنس‪ ،‬ويقولون هذا ليس‬
‫بمستنكر ألم يقل النبى ‪ ‬أو استأثرت به في علم الغيب عندك‪ ،‬واللغة السريانية كانت‬
‫قبل العربية فهذه أسماء الله بها علمها من علمها وجهلها من جهلها‪.‬ثم يقولون إنه وبالتجربة أن‬
‫هذه األذكار المباركة ما قرأها مهموم وال مغموم وال من كان صورة ضيق حرجًا إال سرى عنه‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪196‬‬

‫على ما أريد «وهو كذا وكذا» أجب‪..‬يا شعضوض وائتوني من مال الله الذي‬
‫مع خلق الله بحقك يا الله ويا شعضوض وحفيال(((‪.‬‬

‫وذكر أولئك اغراضا أخرى كتيسير األمور(((»ومحبة األزواج وكالمشي على‬


‫الماء وجلب األخبار(((»استعمال قوى الكواكب((( «‪.‬ويشتمل جميع ذلك على‬
‫استغاثات بالشياطين وتعلق بهم وتعليق قلوب طالب السحر بهم‪.‬‬

‫وذهب عنه الهم والغم‪ .‬بمجرد قراءة تلك األفكار‪ .‬وهذا أمر عادى وجوابه واضح‪ ،‬فإن ضيق‬
‫الصدر من الشيطان ومن األعراض عن ذكر الرحمن فإن الله يقول‪ :‬ومن أعرض عن ذكرى فإن له‬
‫معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى‪ .‬فالضنك من هذا الشيطان فإذا قرأ هذه األدعية التي فيها‬
‫الشرك والدعاء للشيطان سرى عنه ألن الشيطان يتركه وال يدخل عليه ذلك الغم وذلك الهم‪ .‬ولقد‬
‫رأيت يومًا من األيام عند بيوت السحرة ينشرون هذا األفك والكفر رجالً هو طبيب جراح كبير‪،‬‬
‫وحينما أخذ وسألته كيف وأنت الطبيب الجراح الكبير الذى تستودعك الناس أرواحها تأتى إلى‬
‫ذلك الساحر الجاهل‪ .‬فقال كان عندى ضيق صدر وهم وغم فجئت لهذا الرجل فأعطانى حجابًا‬
‫فلما علقته علقته ذهب عنى ذلك الضيق وذلك الهم‪ .‬ولكن غسلت الجاكت الطبي الخاص بى‬
‫وكان فيه ذلك الحجاب فأتلفته الغسالة وتمزق فجئت إليه ليكتب لى حجابًا أعلقه ليسرى عنى‬
‫ويذهب عنى ما أنا فيه بعدما تمذق الحجاب‪.‬‬
‫((( الجواهر اللماعة‪ :‬لعلي الرزوقي ص ‪ ،54‬طبعة‪ :‬مصطفى البابي الحلبي ‪ 1360‬هـ‪.‬‬
‫((( منبع أصول الحكمة للبوني ص ‪ 111‬طبعة‪ :‬مصطفى البابي الحلبي‪.‬‬
‫((( شموس األنوار وكنوز األسرار‪ ،‬ابن الحاج التلمساني‪ ،‬ص ‪50‬‬
‫((( رسائل ابن سبعين‪( ،‬ص‪.)161 ،160 :‬‬
‫‪197‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الوسائل التي سلكها الصوفية لعمل السحر‪.‬‬

‫استخدم الصوفية كثيرا من الوسائل لعمل األسحار ومن ذلك‪:‬‬

‫عمل العزائم السحرية‪:‬‬


‫وفي كتب الصوفية الكثير من العزائم ما كان خالصا للسحر‪ ،‬وكذلك في‬
‫بعض كتب األذكار والتحصينات عندهم‪ ،‬وسنذكر ذلك عند الحديث عن‬
‫السحر في أذكارهم وأورادهم قريبا ان شاء الله‪.‬ومن العزائم التي يستخدمونها‬
‫سحرة الصوفية في أعمالهم[ عزيمات النار ](((‪ :‬وسيأتي الحديث عنها مفصال‬
‫في باب السحر عند الحديث عن الطالسم‪ .‬ومن عزائمهم‪ :‬ترهوش حرهوس‪..‬‬
‫اجلبوا وهيجوا قلب كذا وكذا إلى محبة كذا وكذا‪...‬الخ(((‪.‬‬

‫اليمين والقسم السحري عند سحرة الصوفية‪:‬‬


‫األقسام جمع قسم‪ ،‬واألقسام من جنس العزائم‪ ،‬وهي ألفاظ مخصوص‬
‫متداولة عندهم يقسمون بها على الشياطين أو الخدام أو الروحانيات كما‬
‫يسمونهم عند عمل أعمالهم السحر بعد عمل الوفق وتحين الطالع والدخنة‬
‫المناسبة قال البوني « وهو أن يقال عند الفراغ الزايرجة والدخنة مطلوقة أقسم‬
‫عليكم أيها األعوان المستخرجة من حروف اسم فالن وتذكر اسم المطلوب‬
‫ثم أسماء األعوان أن تتوكلوا في العمل الذي أريده منكم في الجسد الذي‬

‫((( السر المظروف‪ :‬محمد الشافعي الخلوتي ص ‪ ،11‬مطبعة البابي الحلبي‪1270 ،‬ه=‪1951‬م‪.‬‬
‫((( منبع أصول الحكمة‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪198‬‬

‫استخرجتم من بحق كذا وكذا ويذكر أقسام القسم‪ ...‬الخ(((‪ .‬ومن هذه األقسام‪:‬‬
‫يا مذهب بحق الملك الغالب أمره عليك روقيائيل‪..‬عليك عنيائيل‪ ..‬عليك‬
‫كسفيائيل أجيبوا وافعلوا كذا وكذا(((‪.‬‬

‫السيمياء‪:‬‬
‫قال القرافي في «الفروق»‪ :‬السيمياء وهو عبارة عما يركب من خواص‬
‫أرضية كدهن خاص أو مائعات خاصة أو كلمات خاصة توجب تخيالت‬
‫خاصة وإدراك الحواس الخمس أو بعضا لحقائق من المأكوالت والمشمومات‬
‫والمبصرات والملموسات والمسموعات وقد يكون لذلك وجود حقيقي يخلق‬
‫الله تلك األعيان عند تلك المحاوالت وقد ال تكون له حقيقة بل تخيل صرف‬
‫وقد يستولي ذلك على األوهام حتى يتخيل الوهم مضي السنين المتطاولة في‬
‫الزمن اليسير وتكرر الفصول وتخيل السن وحدوث األوالد وانقضاء األعمار‬
‫في الوقت المتقارب من الساعة ونحوها ويسلب الفكر الصحيح بالكلية ويصير‬
‫أحوال اإلنسان مع تلك المحاوالت كحاالت النائم من غير فرق ويختص ذلك‬
‫كله بمن عمل له‪ ،‬ومن لم يعمل له ال يجد شيئا من ذلك(((‪ .‬وهذه األشياء ليس‬
‫فيها شيء من السحر وانما يستخدمها من يستخدمها إلظهار قدرته‪ ،‬وليضحك‬
‫على عقول الناس ويلبس عليهم ويدعي أن عنده كرامات‪ ،‬وذكرناها هنا لبيان‬

‫((( منبع أصول الحكمة‪ ،‬ص ‪.16‬‬


‫((( منبع أصول الحكمة ص ‪176‬‬
‫((( الفروق‪ :‬للقرافي (‪121/4‬تحقيق عمر حسن القيام‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫‪199‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫الفرق وليكون المحتسب على بينة من هذا األمر‪.‬‬

‫علم الحروف وخواص األسماء‪:‬‬


‫جاء في كتاب «الجواهر اللماعة» يقول علي أبو حي الله الرزوقي‪ :‬لمن‬
‫كانت له حاجة أو يطلب شفاء أو نصر ًا أو غير ذلك‪« :‬تصوم لله سبعة أيام‬
‫برياضة تامة‪ ...‬وتقول‪ :‬اللهم إني أسألك يا لهيوش‪ ...‬أسألك اللهم بحق هذه‬
‫األسماء واألسرار التي ألقيتها في قلب نبيك محمد ‪ ‬وكسيته من‬
‫جالل لطفك وهديته بطهارة قدسك أن تسخر لي روحانية خدام اسمك اللطيف‬
‫المبارك العلوية والسفلية يكونون عونًا لي على ما أريد(((‪.‬‬

‫وهل بعد هذا الخبث من خبث‪ ،‬وبعد هذا اإلفك من إفك‪ ،‬يزعمون أن‬
‫لهيوش وغيره مما ألقي في قلب النبي الهادي ‪ ‬سبحانك هذا بهتان‬
‫عظيم‪.‬‬

‫مواالة غالة الصوفية إلبليس وهو معينهم في أمر السحر‪:‬‬


‫معلوم أن الشيطان أول من علم البشر السحر‪ ،‬ولقد والى هؤالء السحرة‬
‫الصوفية الشيطان من أجل تحقيق مآربهم‪ ،‬قال ابن حجر في ترجمة أحمد‬
‫الغزالي» أحمد الغزالي رسخ الطريقة‪...‬ولكن مدده شيطاني ال رباني‪..‬إلى‬
‫ان يقول‪ :‬قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البالغة كان أبو الفتوح قاصا‬
‫ظريفا واعظا سلك في وعظه مسلكا منكرا ألنه كان يتعصب إلبليس ويقول‬

‫((( الجواهر اللماعة لعلي الرزوقي‪ ،‬طبعة‪ :‬مصطفى البابي الحلبي ‪ 1360‬هـ‪ .‬ص ‪.54‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪200‬‬

‫أنه سيد الموحدين وقال يوما من لم يتعلم التوحيد من إبليس فهو زنديق ألنه‬
‫أمر أن يسجد لغير سيده فأبى‪..‬وذكر بن الجوزي في المنتظم من ذلك أشياء‬
‫كثيرة(((‪ .‬وقال الذهبي قال الذهبي‪ « :‬أحمد بن محمد بن محمد‪ ،‬الواعظ أبو‬
‫وسي‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫الغزالي‪ ،‬الط ُّ‬
‫الي‪[ ،‬المتوفى‪ 520 :‬هـ]أخو اإلمام أبي حامد َّ‬
‫الغز ُّ‬
‫الفتوح َّ‬
‫ا‪...‬يتعصب إلبليس ويعذره(((‪ .‬وقال الذهبي أيضا‪ :‬كان رقيق‬
‫َّ‬ ‫امتزهدً‬
‫كان صوف ًّي ِّ‬
‫الديانة متكلمًا في عقيدته‪ .‬حضر يوسف الهمذاني في الزاهد عنه‪ ،‬فسئل عنه‬
‫شيطاني ال ر ّباني‪ .‬ذهب دينه والدنيا ال تبقى له(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فقال‪ :‬مدد كالمه‬

‫وكان الحالج معظما إلبليس وقد نضحت مؤلفاته بذلك فقد كتب في‬
‫صح ْت الدعاوى ألَ َح ٍد‪ ،‬إ َّ‬
‫ال‬ ‫طواسينه «طاسين األزل وااللتباس»‪ ،‬فقال‪« :‬ما َّ‬
‫إل ْبليِ ٍ‬
‫س و َأ ْح َمدَ ‪ ،‬صلعم‪ ،‬غير أن إبليس َس َق َط عن ال َع ْي ِن‪ ،‬و َأ ْح َمد (صلعم)(((‪.‬‬

‫«اس ُجدْ !» وألَ ْح َمد «ا ْن ُظر!» هذا ما‬


‫عين العين‪ .‬قيل إلبليس ْ‬ ‫ك ُِش َ‬
‫ف َل ُه عن ِ‬

‫سجد‪ ،‬وأحمد (ما َن َظ َر) ما التفت يمينًا و ال شما ً‬


‫ال‪« ،‬ما َزا َغ ال َب َص َر وما طغى»‬

‫((( لسان الميزان‪ :‬ابن حجر العسقالني (‪ ،)295/1‬دائرة المعرف النظامية ‪ -‬الهند‪ ،‬مؤسسة‬
‫األعلمي للمطبوعات بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1390 ،‬هـ ‪1971/‬م‪،‬‬
‫((( تاريخ اإلسالم َو َوفيات المشاهير َواألعالم‪ ،‬المؤلف‪ :‬شمس الدين أبو عبد الله محمد بن‬
‫أحمد بن عثمان بن َقا ْيماز الذهبي (المتوفى‪748 :‬هـ)‪ ،‬المحقق‪ :‬الدكتور بشار ّ‬
‫عواد معروف‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 2003 ،‬م‪.)311/11( ،‬‬
‫((( العبر في خبر من غبر‪ :‬الذهبي ج‪2‬ص‪413‬تحقيق أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫((( كره أهل الحديث هذا الرمز لإلشارة إلى الصالة على النبي ‪ ،‬وأمروا بكتابة‬
‫الصالة عليه كاملة ‪.‬‬
‫‪201‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫سجدت‪َ ،‬س َق َط‬


‫ُ‬ ‫وقال‪..‬تناظرت مع إِبليس وفِ ْر َع ْون فى ال ُفت َُّو ِة فقال إبليس «إن‬
‫ُ‬
‫سقطت من منزلة الفتَّوةْ»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫رسو ِ‬
‫له‪،‬‬ ‫آمنت بِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َعنِى اسم الفتوة» وقال فرعون «إن‬
‫َّوة‪...‬فصاحبي‬ ‫ساط الفت ِ‬‫سقطت مِن بِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫رجعت عن دعواي وقولي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫و ُق ْل ُت َأنا ْ‬
‫«إن‬
‫بالنار‪ ،‬وما َر َج َع َعن دعواه‪ ،‬وفرعون‬ ‫ِ‬ ‫و ُأستَاذي إبليس و فرعون‪ ،‬وإبليس ُه ِد َد‬
‫بالواس َط ِة البتّة‪ ،‬وإن ُقتِ ْل ُت أو ُصلِ ْب ُت‬
‫ِ‬ ‫ُأ ْغ ِر َق فى اليم‪ ،‬وما رجع عن دعواه‪ ،‬ولم يقر‬
‫رجعت عن دعواي(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أو ُقطِ َع ْت يداي ورجالي ما‬

‫نعوذ بالله من الضاللة ومن الخذالن‪ ،‬والحالج وغيره من السحرة يمدحون‬


‫إبليس ألنه من يخدمهم‪ ،‬ويغويهم‪ ،‬ويعطيهم‪ ،‬ويعدهم ويمنيهم‪ ،‬ولكن ما‬
‫وعدهم إال غرورا‪ ،‬وبعدما أضل الحالج وأخذ منه ما يريد فغرس به كفرا‬
‫وشرا وضالال اسلمه إلى القتل وما أغنى عنه فتيال‪ ،‬وال دفع عنه القتل والعذاب‬
‫المهين في الدنيا ولعذاب اآلخرة أشد وأبقى‪.‬‬

‫اللهم إنا نسألك الثبات في األمر والعزيمة على الرشد ونسألك موجبات‬
‫رحمتك وعزائم مغفرتك‪ ،‬ونسألك الغنيمة من كل بر والسالمة من كل إثم‪،‬‬
‫ونسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار‪.‬ونسألك أن تعيننا على ذكرك وشكرك‬
‫وحسن عبادك وأن ترزقنا التحصن التام الدائم باألذكار النبوية‪ ،‬ونسألك الثبات‬
‫على التوحيد والسنة حتى نلقاك وأنت راض عنا‪.‬‬

‫((( كتاب الطواسين‪ :‬للحالج ص ‪.13‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪202‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬اللغة السريانية والسحر لدى الصوفية‪.‬‬

‫تعظيم الصوفية للغة السريانية‪:‬‬


‫إن القرآن نزل بلسان عربي مبين وهو كالم الله الذي ينبغي على كل مسلم‬
‫تعظيمه ومحبته وتقديمه‪ ،‬والرسول ‪ ‬تكلم بالعربية فبها دعواته‬
‫وأذكاره وتضرعه إلى ربه تعالى‪ ،‬ويجب أن يكون المسلم سائرا على هديه‪،‬‬
‫فهديه خير الهدي وأحسنه‪ ،‬هذا واجب على المسلم فكيف بمن يدعي حبه حبا‬
‫ملك عليه حياته وبغض اليه الدنيا وزهده فيها حتى هام على وجهه كما يدعي‬
‫كيف يقدم على الكتاب المبين كالما هو بغير تلك اللغة الشريفة التي اختارها‬
‫الرب واصطفاها لينزل بها كتابه‪ ،‬ويتكلم بها نبيه‪ ،‬وهل صدق ذلك في محبته‪،‬‬
‫أولئك هم الصوفية الذين يدعون ذلك كله‪ ،‬ثم يضعون السريانية في أذكارهم‪،‬‬
‫ويزعمون أنها لغة شريفة مقدسة معظمه‪.‬‬

‫وهنا يرد سؤال أال وهو لماذا يعتنى الصوفية بالسريانية؟‬

‫ولماذا يستخدمون في أورادهم أسماء أعجمية وسريانية‪ ،‬ونقول جوابا إن‬


‫هذا من باب التعمية وإضالل الناس وإفسادهم وإفساد عقائدهم‪ ،‬ولئال يسأل‬
‫الناس عن معانى هذه األسماء‪ ،‬والصحيح أن بعض هذه الكلمات األعجمية‬
‫إنما هي أسماء شياطين‪.‬‬

‫أما ما ورد من حديث عن السريانية وفضلها‪ ،‬وأن الله تكلم بها‪ ،‬أو أنها كالم‬
‫‪203‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫المالئكة أو أنها كالم أهل الجنة‪.‬وإن الله إذا غضب تكلم العربية واذا رضي‬
‫تكلم بالسريانية‪ .‬فهذه أحاديث موضوعة‪ ،‬أو نقول عمن قوله ليس بحجة‪،‬‬
‫كما ذكر عن الشعبي قال‪( :‬كالم الناس يوم القيامة السريانية)(((‪ ،‬أو ما ذكره‬
‫الدينوري في األخبار الطوال‪ :‬أن ولد نوح كثروا بها‪ ،‬فشحنت بهم‪ ،‬وكان كالم‬
‫الجميع السريانية‪ ،‬وهي لغة نوح(((‪.‬أو ما ذكر أيضا عن الحسن قال خرج آدم من‬
‫الجنة ولغته السريانية ولن تعود إليه(((‪.‬وما نقل عن بعض أهل العلم في تفسير‬
‫بعض الكلمات القرآنية‪ ،‬وأنها سريانية‪.‬‬

‫ول ال َّل ِه‬ ‫ت َق َال لِي َر ُس ُ‬ ‫وما ورد في الصحيح عن السريانية هو حديث َزيدُ بن َثابِ ٍ‬
‫ْ ْ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ْر َيان َّي َة إِن ََّها َت ْأتيني ُكت ٌ‬
‫ُب َق َال ُق ْل ُت َاَل َق َال َف َت َع َّل ْم َها َف َت َع َّل ْمت َُها‬ ‫‪ُ :‬ت ْحس ُن ُّ‬
‫فِي َس ْب َع َة َع َش َر َي ْو ًما) (((‪ ،‬وكان السبب في ذلك خوف النبي ‪ ‬على‬
‫كتبه من اليهود‪ ،‬وأن يزوروا فيها‪ ،‬أو يترجموا له خطأ أو يكتبوا خطأ ولو كانت‬
‫لها مزية أخرى لذكرها النبى ‪ ‬في هذا المقام‪.‬‬

‫فليس لغالة الصوفية دليل صحيح على فضل السريانية‪ ،‬أو أن هذه األسماء‬
‫السريانية هي أسماء لله ‪ ،‬ومن عجيب دالئلهم استداللهم بما قاله‬

‫((( مصنف ابن أبي شيبة‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪.161‬‬


‫((( األخبار الطوال‪ :‬الدينوري ص ‪ ،2‬وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪.‬‬
‫((( مسائل االمام أحمد كتاب العلل ومعرفة الرجال‪ :‬لالمام أحمد بن حنبل ج ‪ 3‬ص ‪ 414‬تحقيق‬
‫وتخريج الدكتور وصي الله بن محمد عباس المكتب االسالمي بيروت دار الخاني الرياض‪.‬‬
‫((( مسند أحمد ج ‪ 44‬ص ‪ 72‬حديث رقم‪20605‬وصححه األلباني في الصحيحة برقم‪.187‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪204‬‬

‫السيوطي في منظومته التثبيت‪ ،‬في ليلة المبيت‪:‬‬


‫أن ســـؤال القبـــر بالســـريانى‬ ‫وم ــن غري ــب م ــا ت ــرى العين ــان‬
‫(((‬
‫ولـــم أره لغيـــره بعينـــي‬ ‫أفتـــى بهـــذا شـــيخنا البلقينـــي‬

‫اإْل ْس َاَلم علم الدّ ين ال ُب ْل ِقين ِ ّي‬


‫َاوى َشيخنَا شيخ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫قال السيوطي‪« :‬في َفت َ‬
‫لذلِك على ُم ْستَند‬ ‫بالس ْر َيان َّية َولم َأقف َ‬ ‫ِ‬
‫َأن ا ْل َم ِّيت ُيجيب ُّ‬
‫الس َؤال في ا ْل َق ْبر ُّ‬
‫الح ِديث َأنه بالعربي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُسئ َل ا ْل َحافظ ابن حجر َعن َذلك َف َق َال َظاهر َ‬
‫ِ‬

‫يحتَمل َم َع َذلِك َأن يكون خطاب كل أحد بِلِ َسانِ ِه»(((‪.‬وتمسك‬ ‫َق َال َو ْ‬
‫الصوفية بهذا القول الغريب الذي ال يستند إلى أصل كعادتهم ورغبتهم‬
‫في اإلغراب عن األمة عقائد وأفكارا ليستدلوا على مكانة السريانية‪.‬‬
‫وقال عبد العزيز الدباغ ‪ :‬نعم سؤال القبر بالسريانية ألنها لغة المالئكة واألرواح‬
‫ومن جملة المالئكة مالئكة السؤال وإنما يجيب الميت عن سؤالهما روحه‬
‫وهي تتكلم بالسريانية كسائر األرواح؛ ألن الروح إذا زال عنها حجاب الذات‬
‫عادت إلى الميت حالتها األولى‪ ،‬ثم قال‪« :‬والولي المفتوح عليه فتحا كبيرا‬
‫يتكلم بها من غير تعلم أصال ألن الحكم لروحه فما ظنك بالميت فال صعوبة‬

‫((( أرجوزة التثبيت‪ ،‬في ليلة التبييت‪ ،‬نظم العالمة جالل الدين السيوطي‪ ،‬دراسة وتحقيق وتعليق‬
‫د محمد بن عوض الشهري‪ ،‬مجلة العلوم الشرعية‪.‬‬
‫((( شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور‪ :‬جالل الدين السيوطي ص‪ ،147‬تحقيق‪ :‬عبد‬
‫المجيد طعمة حلبي‪ ،‬دار المعرفة ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعةاألولى‪1417 ،‬هـ ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫‪205‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫عليه في التكلم بها(((‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬أما السؤال فإن الملكين يقوالنه له بلفظ السريانية (مرازهو)‪ ،‬وكل‬
‫حرف عندهم له معناه‪ .‬وأما الجواب إذا كان الميت مؤمنا فإنه يجيبهما بقوله‪:‬‬
‫(مرادأزير) وحاصل معنى الجواب أنه قيل جميع المكونات ونبينا الذي هو حق‬
‫وسائر األنبياء الذين هم حق وكافة المالئكة الذين هم حق وجميع األنوار التي‬
‫هي حق وعذاب جهنم الذي هو حق وكل الشر الذي هو حق هو سبحانه خالقها‬
‫ومالكها ومتصرف فيها ال معاند له وال شريك وال راد لحكمه فيها‪ .‬فإذا أجاب‬
‫الميت بهذا الجواب الحق قال له الملكان‪( :‬ناصر) ومعناه يعلم مما وضعت‬
‫له حروفه في السريانية كالتالي‪ :‬النون المفتوحة بعدها ألف للنور الساكن في‬
‫الذات المشتعل فيها ن والحرف الثاني وهو الصاد المكسور يدل على التراب‪،‬‬
‫والراء الساكنة تدل على حقيقة المعنى السابق‪ ،‬وعليه يكون معنى هذا الكالم‪:‬‬
‫نور إيمانك الساكن في ذاتك الترابية أي التي أصلها من التراب صحيح حق‬
‫مطابق ال شك فيه فهو قريب من قوله في الحديث نم صالحا قد علمنا إن كنت‬
‫لموقنا والله أعلم»‪.‬‬
‫(((‬

‫ونقول تعقيبا على هذا‪:‬‬

‫إن أول وأهم ما يمكن الرد به على هذه الضاللة أنها محدث ٌة في دين الله وال‬
‫((( اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز‪ ،‬جمعه‪ :‬أحمد بن المبارك المالكي ص‪ 243‬تحقيق‬
‫إبراهيم الكيالي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪.،‬‬
‫((( اإلبريز‪ ،‬ص ‪ 255‬وكذلك ذكره أبو العباس البوني في «منبع األصول والحكمة»‪ ،‬ص‪40‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪206‬‬

‫سنة‪ ،‬والقول ٍ‬
‫أحد من الصحابة والتابعين‪.‬‬ ‫كتاب وال ٍ‬
‫ٍ‬ ‫أصل لها من‬

‫كما أن دين الله سهل ميسور‪ ،‬قال البخاري‪َ :‬باب الدِّ ي ُن ُي ْس ٌر َو َق ْو ُل النَّبِ ِّي‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪َ :‬‬
‫الس ْم َحةُ»(((‪ ،‬وقال ‪:‬‬ ‫ين إِ َلى ال َّله ا ْل َحنيف َّي ُة َّ‬
‫ب الدِّ ِ‬‫«أ َح ُّ‬
‫ً‬
‫وعمال‬ ‫الس ْم َح ِة»(((‪ .‬أي الدين السهل اللين‪ ،‬اعتقاد ًا‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫«و َلكِنِّي ُب ِع ْث ُ‬
‫ت بِا ْل َحنيف َّية َّ‬ ‫َ‬
‫وقو ً‬
‫ال فمن أين لهؤالء الصوفية تلك العبارات واألسماء الصعبة المتعاضة‪ :‬من‬
‫أين مرازهو ‪ -‬مراد أزير‪ ،‬ناصرتم‪ ،‬وهذا كالم أشبه بتعقيد الوثنين وألغازهم في‬
‫دينهم لتبرير كفرهم الذى تمجه القلوب والعقول‪.‬‬

‫إن خطاب جبريل للنبى ‪ ‬كان بالعربية ‪ -‬في مثل قوله ‪‬‬

‫س فِي َر ْو ِعي َأ َّن ن ْف ًسا َل ْن تَخْ ُر َج ِم َن الدُّ ْن َيا َحتَّى ت َْس َتك ِْم َل‬ ‫وح ا ْل ُقدُ ِ‬
‫ث ُر ُ‬ ‫َق َال‪َ « :‬ن َف َ‬
‫الرز ِْق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ِر ْز َق َها‪َ ،‬ف َأ ْج ِم ُلوا فِي ال َّط َل ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪َ ،‬وال َي ْحم َلنَّ ُك ِم ْاست ْب َطا ُء ِّ‬ ‫َأ َج َل َها‪َ ،‬وت َْست َْوع َ‬
‫َأ ْن َت ْط ُل ُبو ُه بِ َم ْع ِص َي ِة ال َّل ِه‪َ ،‬فإِ َّن ال َّل َه ال ُين َُال َما ِعنْدَ ُه إِال بِ َطا َعتِ ِه»(((‪ ،‬وقد رقاه جبريل‬
‫ودارسه القرآن‪ ،‬ولم يشر أنه كان شيء من هذا بغير العربية‪.‬‬

‫إن الطرق والفرق الصوفية تجمع بين اللغة العربية والسريانية في أورادها‪،‬‬
‫وهذا الجمع فيه التقليل الكبير من قيمة القرآن وقيمة السنة‪ .‬وفي غالب الفرق‬

‫((( كتاب اإليمان‪.‬‬


‫((( مسند أحمد ج ‪ 45‬ص ‪255‬حديث رقم ‪.21260‬وصححه األلباني في الصحيحة برقم‬
‫‪.2924‬‬
‫((( المعجم الكبير للطبراني ج ‪ / 7‬ص ‪ 181‬حديث رقم‪ ،7594‬وصححه األلباني في‬
‫الصحيحة‪.2866‬‬
‫‪207‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫الصوفية توجد األوراد السريانية‪ ،‬فعند الطريقة القادرية ينسبون وردا للشيخ عبد‬
‫القادر ‪ ‬فال يشك العلماء في عدم صحة هذا النسب إليه‪ ،‬ويسمونه ورد‬
‫الجاللة‪ ،‬يقولون فيه ما نصه‪ :‬وأسألك الوصول بالسر الذي تدهش منه العقول‪،‬‬
‫فهو من قربه ذاهل‪ ،‬ايتنوخ‪ ،‬يا ملوخ‪ ،‬باي‪ ،‬وامن أي وامن‪ ،‬مهباش الذي له‬
‫ملك السموات واألرض‪ ...‬طهفلوش انقطع الرجاء إال منك‪ ،‬وسدت الطرق‬
‫إال إليك‪ ،‬وخابت اآلمال إال فيك(((‪.‬‬

‫هل تعلم أيها المسلم الموحد وأيها المحتسب المجاهد لهؤالء المارقين‬
‫الكافرين أن اتينوخ‪ ،‬ملوخ‪ .‬مهباش أسماء شياطين ‪-‬وأنها وجدت في حجب‬
‫السحر وفى كتابات السحرة‪.‬‬

‫وليتأمل المسلم الموحد والمحتسب المجاهد على هؤالء كيف ذكروا هذه‬
‫األسماء على أنها أسماء لله وذكروها مع أسماء الله العظيمة‪.‬‬

‫أسماء الشياطين السريانية وخلطها بأسماء اهلل وآياته القرآنية‪:‬‬


‫أيها الموحد إن ربنا يقول‪ :‬ﱹ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﱸ((( فأى إلحاد أعظم من إدخال‬
‫طهنلوش ‪ -‬ايتنوخ في أسماء الله جل في عاله‪ .‬لقد اشتملت هذه األوراد على‬
‫االستغاثة بالشياطين‪ ،‬وطلب النفع والمدد منهم‪ ،‬وهذا شرك‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱹﭦ‬

‫((( مجموع األوراد الكبير‪ ،‬محمد عثمان المرغني‪ :‬ص‪10‬‬


‫((( اآلية‪180‬سورة األعراف‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪208‬‬

‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﱸ(((‪،‬‬
‫ومن يدخل اسم الشيطان مع اسم الرحمن جل جالله‪ ،‬مشرك‪ ،‬إن هؤالء قوم‬
‫ماتت قلوبهم‪ ،‬وهم غارقون في هذه الظلمات‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱹ ﮗ ﮘﮙ‬
‫ﮚﮛﮜ ﮝﮞﮟﮠ ﮡﮢ ﮣﮤﮥﮦﮧ‬
‫ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﱸ(((‪ ،‬وأى ظلمات أشد من هذه‬
‫الظلمات‪.‬‬

‫فيا دعاة التصوف اتقوا الله في عوام المسلمين‪.‬اربطوهم بالله تعالى‪.‬‬

‫أمن أجل لعاعة من الدنيا تدفعون العباد إلى االستعانة بالشياطين؟‬


‫وتدفعونهم إلى غصب الجبار؟‪ ،‬وإن رزقكم لمقسوم مقدر تحصلون عليه بما‬
‫أحل الله‪ .‬والله لتسألن عن هؤالء البسطاء الذين علقوا تلك الحجب التي فيها‬
‫كطهلتوش ‪ -‬مضطرون‪..‬لمفجنجل أهطم فشذ‪ ،‬وخادعتم الناس بأنها أسماء‬
‫الله وأنها كتبت على خاتم سليمان وعصا موسى‪.‬‬

‫ياقومنا أجيبوا داعى الله ‪ -‬يا من لبستم العمائم والجبب ستقفون بين يدى‬
‫الله ‪ -‬يامن عندكم شيء من العلم تعلمون أن الرسول ‪ ‬وأبا بكر‬
‫وعمر بن الخطاب وأمهات المؤمنين وعلماء الصحابة مانقلوا هذه األسماء‪،‬‬
‫ولو كان خير ًا لسبقونا إليه‪.‬ويقرأ المريد نعم ذلك المريد‪ ،‬ذلك المسكين الذى‬

‫((( اآلية‪13‬سورة لقمان‪.‬‬


‫((( اآلية‪122‬سورة األنعام‪.‬‬
‫‪209‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫سلب عقله‪ ،‬وتعلق بشيخه وأشرك بربه‪ ،‬وما اتبع سنة نبيه ‪ ‬هذه‬
‫األوراد‪ ،‬لقد حرموه لذة القرآن‪ ،‬وتالوته وجعلوا في ثنايا كالم الله مهبوب‬
‫‪-‬صعصع‪ -‬سهسهوب(((‪ .‬ثم يقول بعدما قدم ذكر هؤالء الشياطين ذي العز‬
‫الشامخ‪.‬‬

‫لقد ألقى المحتسبون على السحر القبض على كثير من الصوفية الذين‬
‫يعملون بالسحر‪ ،‬وحين وحين يسأل الواحد منهم عن هذا يقول لقد تعلمت‬
‫ذلك في الخالوى ‪-‬أي أنه تعلم ذلك في محاضن القرآن‪ -‬لقد علمه كتابه تلك‬
‫الحجب واألسحار من علمه كتاب الله الكريم‪ ،‬وال ريب أن الذي علمه ذلك‬
‫هو من يقرأ تلك األوراد وغيرها‪ ،‬فيري أن ال خلل في خلط اإليمان بالشرك‪،‬‬
‫وخلط كالم الله بأسماء الشياطين‪.‬‬

‫وهناك ذكر ودعاء عندهم لسورة الواقعة وضعوا بين آياتها مثل هذه األسماء‪،‬‬
‫من ذلك قولهم‪« :‬يا باسط يا غني بمهبوب ذي لطف خفي بصعصع بسهسهوب‬
‫ذي العز الشامخ‪ ،‬الذي له العظمة والكبرياء‪ ،‬بطهطهوب لهوب ذي القدرة‬
‫والبرهان‪ ،‬والعظمة والسلطان» ثم يستطرد قائالً‪« :‬بحق سورة الواقعة‪ ،‬وبحق‬
‫فقج مخمت مفتاح جبار فرد معطي خير الرازقين»(((‪ .‬والصوفية كما هو معلوم‬
‫يجوزون القول بحق آل البيت‪ ،‬بحق الرسول ‪ ‬وهكذا استجراهم‬

‫((( سهسهوب‪ :‬يكتبه بعض سحرة افريقيا في حجبهم وكتبهم وأعمالهم‪.‬‬


‫((( ذكر ودعاء جمع عبد الله زينة‪ ،‬مؤسسة الشعب‪.1998 ،‬ص ‪.53‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪210‬‬

‫الشيطان حتى وصلوا إلى القول بحق فقج مخمت‪ ،،‬والناظر في هذه األوراد‬
‫يجدهم ماتركوا شيئًا وال أحد ًا دون الله إال استغاثوا به‪.‬‬

‫ولقد صنع البوني هذا وهو يشرح أسرار البرهتية في كتاب «منبع أصول‬
‫الحكمة» فقال‪ :‬فاعلم أن أسماء البرهتية‪ ،‬هي القسم الم ّعول عليه من قديم‬
‫الزمان‪ ،‬وكان القدماء يسمونه بالعهد القديم‪ ،‬والميثاق العظيم‪ ،‬والسر المصون‪،‬‬
‫والكنز المخزون‪ ،‬والعهد القديم‪ ،‬والكبريت األحمر‪ ،‬وقد تكلم به الحكماء‬
‫األول‪ ،‬ثم السيد سليمان بن داود ‪ ،‬ثم آصف بن برخيا‪ ،‬ثم الحكيم‬
‫قلفطيروس‪ ،‬ثم تتلمذ له إلى يومنا هذا‪ ،‬وهو قسم عظيم ال يتخلف عنه ملك‪،‬‬
‫وال يعصيه جني‪ ،‬وال عفريت‪ ،‬وال مارد‪ ،‬وال شيطان‪ ،‬وكل طالب لم تكن عنده‪،‬‬
‫أو لم يكن له علم بها‪ ،‬فعلمه أجذم‪ .‬وبالجملة فهذه األسماء قسم جليل عظيم‬
‫الشأن‪ ،‬كثير البركة‪ ،‬والبرهان يغني عن جميع ما عداه من العزائم واألقسام‪،‬‬
‫ويتصرف في جميع األعمال من استنزال أمالك‪ ،‬واستحضار أعوان‪ ،‬وجلب‬
‫ودفع‪ ،‬وصرع وقهر‪ ،‬وإخفاء وإظهار‪ .‬إن من خواصه أن من واظب على قراءته‬
‫كل ليلة مائة مرة‪ ،‬فإنه يجتمع بالجن عيانا‪ ،‬وربما يصيرون له خداما‪ ،‬ومن واظب‬
‫على ذكر برهتيه كرير‪....‬خضعت له األرواح العلوية والسفلية(((‪.‬‬

‫إن أولئك السحرة الذين هم على منهج برهتيه كرير يعتقدون اعتقاد ًا جازمًا‬
‫أنهم يذبحون ويتقربون للشياطين‪ ،‬وهؤالء فاقوا مشركي قريش‪ ،‬ألن مشركي‬

‫((( منبع أصول الحكمة‪ :‬البوني ص ‪.68-67‬‬


‫‪211‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫مكة كانوا يصنعون ما يصنعون‪ ،‬ويتقربون لألوثان واألصنام‪ ،‬فإذا سئلوا أقروا‬
‫لله بالربوبية بأنه هو الخالق الرازق المدبر‪ ،‬وأن هذه القرابين يقدمونها لألوثان‬
‫لتقربهم إلى الله قال تعالى‪ :‬ﱹ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐﮑﮒﮓ ﮔ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮛﮜﮝﮞ‬
‫ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﱸ(((‪ ،‬أما أولئك السحرة فهم‬
‫يتقربون للشيطان‪ ،‬وهم كفار بالرحمن‪.‬‬

‫ولقد حدث مع بعض المحتسبين على السحر قصة واقعية تبين ذلك‪ ،‬كان‬
‫بعض أتباع الطرق يعمل بالسحر ويذبح للشيطان‪ ،‬وعندما أراد أن ينصب له‬
‫ذلك المحتسب كمينا‪ ،‬أرسل له من يتظاهر بطلب سحر حتى يؤخذ متلبسا‬
‫بجرمه‪ ،‬فطلب الساحر الصوفي من الرجل أن يأتيه بذبيحة قبيل أذان المغرب‪،‬‬
‫وأن يدخل بها الحمام ليذبحها عند غروب الشمس للشيطان‪ ،‬وهذا ليس فعال‬
‫فرديا‪ ،‬يؤكد ذلك كثرة من ضبط وهو يصنع ذلك‪ ،‬ولكن كثرة من ضبط متلبسا‬
‫بذلك من أتباع الطرق يثبت أن كثرة كاثرة منهم تصنع ذلك تكتب الطالسم‪،‬‬
‫وتعمل أعمال الصرف والعطف واإليذاء‪ ،‬وال يتسع المقام لذكر ذلك وسيأتى‬
‫الحديث عمن أقيمت عليهم الحدود وضربت اعناقهم بالسيف ومن تم تعزيرهم‬
‫في مالحق الدراسة‪.‬‬

‫وال يشك أحد أن كبار المتصوفة خدعوا الناس‪ ،‬وأوعزوا إليهم أن البرهتية‬

‫((( اآلية‪3‬سورة الزمر‪.‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪212‬‬

‫ذكر لله تعالى‪ ،‬وهي في حقيقتها استغاثة بالشياطين وتقرب إليها‪ ،‬وتسخير لها‬
‫وطلبها للخدمة‪ ،‬مع أن المؤمن صاحب العقيدة السليمة‪ ،‬بل والعاقل يعلم أن‬
‫حقيقة األمر ليس هي خدمة الجن وتسخيرهم هؤالء لهم‪ ،‬بل إن الجن هم الذين‬
‫يستخدمون السحرة لنشر مراد الشيطان من العباد‪ :‬من الكفر والشرك‪ ،‬واإلفساد‬
‫بين المرء وزوجه‪ ،‬وهذه البرهتية أخبث ماعند هؤالء من األوراد واألذكار‬
‫واألعمال‪ ،‬وهي مشحونة باالستغاثة بالشياطين‪ ،‬وهذه البرهتية يستخدمها‬
‫السحرة كثيرا‪.‬‬
‫‪213‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫المطلب الرابع‪ :‬علم المكاشفة الصوفي والتأصيل للكهانة‬

‫يکثر الصوفية الحديث عن علم المكاشفة‪ ،‬ويتحدثون عن تجاربهم فيه‪،‬‬


‫ويسوقون الكثير من القصص حول الكشف‪ .‬والكشف‪ :‬حالة من الشفاف‬
‫الروحي يصل إليها اإلنسان الصالح المؤمن فينکشف له بعض أمور الغيب‪.‬‬
‫أما علم المكاشفة بالمفهوم الصوفي فهو (وافد خطير في تاريخ التصوف)(((‪.‬‬

‫الكشف في عرف الصوفية‪:‬‬


‫يعرف الصوفية الكشف‪ :‬بأنه رفع الحجاب‪ .‬والكشف عند الصوفية أنواع‪،‬‬
‫(وكل نوع يحتمل أنواعا و درجات‪ ،‬ويتناول الكشف عندهم‪ :‬الكشف عن‬
‫األمور الشرعية والكونية‪ ،‬وكل ما يصح أن يكون موضوعا للمعرفة‪ ،‬مثل روية‬
‫النبي (صلى الله عليهم) بعد موته‪ ،‬ورؤية الخضر‪ ،‬وكذلك اإللهام والفراسة‪،‬‬
‫والهواتف‪ ،‬والرؤى‪ ،‬ودعواهم اإلسراءات والمعارج وغير ذلك(((‪ .‬فهذه‬
‫الضالالت كلها‪ ،‬والتي فتحت على اإلمة شرا مستطيرا‪ ،‬مؤسسة على علم‬
‫الكشف الصوفي ونتيجة له‪ ،‬وهذا كله من تالعب الشياطين بهم‪ ،‬ووحيهم لهم‪.‬‬

‫والكشف الحسي في المفهوم الصوفي هو‪ :‬كهانة في حقيقة األمر‪ ،‬تكاشفهم‬


‫الشياطين ببعض المسائل الحسية فيكاشفون هم مريديهم ويزعمون أن هذا‬

‫((( علم المكاشفة في إحياء علوم الدين دراسة نقدية‪ :‬أ‪.‬د عبد الله بن دجین السهلي ص‪ ،5‬دار‬
‫كنوز إشبيليا‪ .‬الطبعة األولى‪١٤٣٦ ،‬هـ=‪٢٠١٥‬م‪.‬‬
‫((( علم المكاشفة في إحياء علوم الدين‪ :‬أ‪.‬د عبد الله السهلي ص‪13‬بتصرف‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪214‬‬

‫وحي من الله تعالى‪ ،‬وليس هذا في الحقيقة إال كهانة سموها بغير اسمها‪ ،‬قال‬
‫الدكتور السهلي‪ :‬الكشف الحسي‪ ،‬هو‪ :‬الكشف عن حقائق الوجود من العرش‬
‫إلى الفرش‪ ،‬بارتفاع الحجب الحسية عن عين القلب وعين البصر‪ ،‬وهو المراد‬
‫بالكشف عند اإلطالق(((‪.‬‬

‫ويزعمون أن الكشف هو‪ :‬رفع الحجب عن قلب الصوفي وبصره بعد اتحاده‬
‫مع الله‪.‬ليعلم صاحب الكشف بعد ذلك كل ما يجرى‪ ،‬وكذلك من أنواع‬
‫الكشف الكشف عن معان جديدة في القرآن والسنة واآلثار‪ ،‬فيما يعرف بعلم‬
‫الحقيقة التي ال يعلمها علماء الشريعة أو علماء الظاهر(((‪.‬‬

‫فقه قضية اإلخبار بالمغيبات وموضع الكهانة من ذلك‪:‬‬


‫لقد بين أهل العلم فقه قضية اإلخبار بالمغيبات؛ حتى يكون المؤمن على‬
‫بصيرة‪ ،‬فهذا واقع بدرجة ما للناس مؤمنهم وكافرهم‪ ،‬فيكون للمؤمن المتبع‬
‫للسنة‪ ،‬العابد لربه نوع كرامة وتوفيق وإلهام‪ ،‬ومن لم يكن مستقيما فهذا من‬
‫إلقاء الشياطين‪ ،‬وهي كهانة‪ ،‬وقد تكون موافقة ورمية من غير رام‪ ،‬وقد تكون‬
‫ألمور نفسانية‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم‪ :‬فاإلخبار بالمغيبات يكون من أسباب نفسانية‪ ،‬ويكون‬


‫عن أسباب خبيثة شيطانية وغير شيطانية‪ ،‬ويكون أيضا عن أسباب ملكية‪ .‬وقال‬

‫((( علم المكاشفة في إحياء علوم الدين‪ :‬أ‪.‬د عبد الله السهلي ص‪13‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫((( علم المكاشفة في إحياء علوم الدين‪ :‬أ‪.‬د عبد الله السهلي ص‪13‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪215‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫ابن القيم ولذلك يقع ذلك من الكفار والنصارى وعابدي النيران‪ ...‬وهو من‬
‫جنس کشف الکهان‪ ،‬ومسيلمة مع فرط کفره کان یکاشف أصحابه‪ .‬والتفريق‬
‫بين هذا كله بنور الوحي(((‪.‬‬

‫فعلم المكاشفة عند الصوفية يؤصل ويؤسس للكهانة‪ ،‬وهو دعوة لممارسة‬
‫الصوفية للكهانة‪ ،‬ومكاشفات الصوفية أكثرها من وحي الشيطان وتالعبه‬
‫بهم‪ ،‬وعلم المكاشفة يعطى الصبغة الشرعية والعلمية للكهانة‪ .‬نعم هناك‬
‫حاالت من مكاشفة الصوفية تدور بين كونها دجال وكذبا‪ ،‬ومخادعة لمريديهم‬
‫الذين يستعذبون هذا الخداع‪ ،‬لكن أكثرها كهانة ووحي شياطين‪ ،‬السيما وأن‬
‫المکاشفین من الصوفية كانوا فاسدي العقيدة‪ ،‬منحرفي السلوك‪ ،‬قبيحي الفعال‪.‬‬

‫و قد لبس الصوفية على الناس‪ ،‬وبهرجوا دعواهم اطالع الغيب‪ ،‬فلم يسموه‬
‫بهذا االسم الذي يعرف الناس أنه من اختصاص الرب سبحانه‪ ،‬فاستوردوا اسم‬
‫الكشف؛ لتكون هذه الدعوى عندهم كرامة من كرامات الله لهم‪ ،‬وكذبوا‪ .‬قال‬
‫الدكتور عبدالله السهلي‪ :‬إن موضوعات علم المكاشفة في نظر الغزالي تؤكد‬
‫أنه وحي من وحى الشيطان‪ ،‬وأنه قول بالبدع المعروفة الباطلة‪ ،‬كالقول بالحلول‬
‫والجبر‪ ،‬لكنها تلبس بشيء من التعظيم والعبادة‪ ،‬حتى يروح على الجاهل‪ ،‬وال‬
‫يعترض األتباع‪ ،‬وهذا يوضح خطر علم المكاشفة مصدر التلقى األهم عند‬

‫((( راجع الصفدية ج‪1‬ص‪ ،189‬ومدارج السالكين ج‪3‬ص‪238‬بواسطة علم المكاشفة في إحياء‬
‫علوم الدين‪ :‬أ‪.‬د عبد الله السهلي ص‪26‬باختصار‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪216‬‬

‫الصوفية(((‪.‬‬

‫وقال الدكتور السهلي أيضا‪ :‬والكشف الصوفي الشيطاني هو ما أشار إليه‬

‫الله تعالى بقوله‪ :‬ﱹ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬

‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﱸ(((‪ ،‬ولعل هذا النوع من التنزل وإلقاء‬

‫السمع من الشياطين هو ما ظنه الغزالي وحيا‪ (((...‬وقد حاول الصوفية ومنهم‬

‫الغزالى أن يسووا بين وحي األنبياء‪ ،‬وبين الكهانة التي يسمونها مكاشفة األولياء‬

‫لتسويغ هذه الكهانة؛ ولذلك ال يوجد صوفي ال يدعي حصول هذه المكاشفة‬

‫له‪ ،‬أو مكاشفة شيخه له بأشياء‪ ،‬والصوفية في ذلك بين مستقل ومستکثر‪ ،‬فهذا‬

‫الشيخ اطلع على مافی قلب هذا‪ ،‬وحدثه بما توسوس به نفسه‪ ،‬وهذا نبأ بما يأكل‬

‫الناس وما يدخرون في بيوتهم‪ ،‬وغير بيوتهم‪ ،‬وهذا علم عمر هذا‪ ،‬ومتى يأتيه‬

‫أجله‪ ...‬وهلم جرا‪ .‬وقد يظهر الشيطان لهم ليضلهم‪ ،‬ويذكر لهم كلمة صدق‬

‫معها مائة كذبة‪.‬ومن نظر في طبقات الشعراني‪ ،‬أو جامع الكرامات للنبهاني‪،‬‬

‫وكشف المحجوب للهجويري رأى من ذلك العجب العجاب(((‪.‬‬

‫((( علم المكاشفة في إحياء علوم الدين‪ :‬أ‪.‬د عبد الله السهلي ص‪.44‬‬
‫((( اآليات‪223-221‬سورة الشعراء‪.‬‬
‫((( علم المكاشفة في إحياء علوم الدين‪ :‬أ‪.‬د عبد الله السهلي ص‪.27‬‬
‫((( راجع في ذلك علم المكاشفة في إحياء علوم الدين‪ :‬أ‪.‬د عبد الله السهلي ص‪45‬وما بعدها‪،‬‬
‫وراجع الطبقات الكبرى للشعراني‪ ،‬وجامع كرامات األولياء للنبهاني‪ ،‬وكشف المحجوب‬
‫للهجويري‪ ،‬وكتب تراجم الصوفية األخرى‪.‬‬
‫‪217‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫استخدام الصوفية للجن‬


‫استخدام الجن دائر بين السحر والكهانة‪ ،‬وأحب أن أضيف هنا أن هناك‬
‫نوعين آخرين من استخدام الجن على اعتبار أن ذلك من الكرامات‪.‬‬

‫أما النوع األول‪ :‬فهو االستخدام المباشر للجن واعتبار ذلك من كرامات‬
‫المستخدم لهم‪ ،‬ذكره صاحب تاج األعراس‪.‬‬

‫من أمثلة ذلك ما ذكره صاحب تاج األعراس أثناء كالمه عن مساعي آل‬
‫العطاس في الصلح بين القبائل قال‪( :‬فلما وصل الركب قبيل المغرب إلى‬
‫محلة تلك القبيلة تشاور رجالها أن يغلقوا أبوابهم في وجه الركب العطاسي‪،‬‬
‫فحاول السادة قرع األبواب والنداء بأسماء كبرائهم فلم يجبهم أحد فغضب‬
‫رجال الركب بأجمعهم لهذا الجفاء‪ ،‬ونادي الحبيب أحمد بن حسن بأعلى‬
‫صوته متحمسا‪( :‬أين سالم بن محسن وجنه) وكان حاضرا في مقدمة رجال‬
‫الركب فعند ذلك التبس الحبيب بحال مهيب وأخذ يحرك يده يمينا وشماال‪،‬‬
‫فانطلق مزنقب (الجني خادم ذلك الحبيب) في داخل تلك الديار على أهلها‬
‫بالصيحات المفجعة التي كادت تجن منها نساؤهم وصبيانهم فخرج رجالهم‬
‫في الحال إلى محطة الركب‪ ،‬وقدموا لهم العدايل ‪ -‬العرابین ‪ -‬فيما سبق منهم‪،‬‬
‫وما لحق من الخطأ على مقام العطاس‪ ،‬وبات الكل على خير سمر‪ ،‬وعادت‬
‫المياه إلى مجاريها (((‪.‬‬
‫((( تاج األعراس (‪.)56 /2‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪218‬‬

‫وفي تاج األعراس ما وقع لذلك الرجل نفسه بمكة مع أميرها الشريف عون‪،‬‬
‫قال العطاس‪( :‬ومنها ما وقع للحبيب سالم المذكور مع أمير مكة الشريف عون‬
‫وكان مشهورة بالبطن من غير تفكير في القضايا‪ ،‬فحينما دخل الحبيب سالم‬
‫إلى مكة ألداء حجة اإلسالم قيل له‪ :‬إن الشريف عون قد منع دعوى السيادة‬
‫والمخاطبة بلقب سید بتاتا وأنه يعاقب من بقي مصرة على ذلك‪ ،‬فقال الحبيب‬
‫سالم‪ :‬إنما جئنا إلى هذه البالد لنؤدي ركن من أركان اإلسالم ونزور شفيع‬
‫األنام ونزداد شرفا إلى شرفنا‪ ،‬وأنه ال مسوغ لي في ترك لقبي الذي وضعه علماء‬
‫المسلمين على أهل بيت نبيهم كما أني ال حاجة لي بالشريف عون‪ ،‬فانتشر‬
‫كالم الحبيب سالم بين الناس وسرعان ما بلغ الشريف عون فاستدعى الحبيب‬
‫سالم وقال له‪ .‬أنت القائل كذا وكذا‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬برهن لي اآلن على أنك‬
‫من أوالد فاطمة عليا فنخس الحبيب سالم الجدار‪ ،‬وقال‪ :‬صب الماء یا مزنقب‬
‫من هاهنا‪ ،‬فما تم كلمته حتى ثجا الماء بقوة وأخذ يفترش في جوانب المجلس‬
‫أي غرفة استقبال الناس ويطغى على الفرش الملكية الثمينة‪ ،‬والشريف يقول‪:‬‬
‫األمان األمان‪ ،‬يا سيد سالم أنت سيد أنت حبيب‪ ،‬فضرب الحبيب سالم الجدار‬
‫ثانية وقال‪ :‬يكفي وخرج من عند الشريف والشريف مبهوت مما رآه‪ ،‬فدخل‬
‫على الشريف بعض أعوانه في ذلك الحين وقال له‪ :‬إن هذا من عمل السحر ثم‬
‫دخل عليه أحد علماء مكة في حاجة له فأخبره الشريف بما وقع وما قيل‪ ،‬فقام‬
‫العالم ونظر إلى الخدم يغرفون الماء وينشرون الفرش المبلولة في الشمس‪،‬‬
‫‪219‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫فقال للشريف‪ :‬يا موالنا هذه كرامة من الله لهذا السيد‪ ،‬فإن السحر ال جرم له‬
‫وإنما هي خیاالت تتراءى للناس كما وصفه الله بذلك في كتابه العزيز في قوله‪:‬‬

‫ﱹﯢ ﯣﱸ(((‪ ،‬وفي اآلية األخرى‪ :‬ﱹ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﱸ(((‪،‬‬


‫أي والحال أنها واقفة‪ ،‬واستشهد له بمجيء الذي عنده علم من الكتاب بعرش‬
‫بلقيس فانبسط الشريف بجواب هذا العالم(((‪.‬‬

‫فانظر إلى ما هو مغروس في فطر الناس من استنكار ذلك وعده من أعمال‬


‫الشياطين‪ ،‬وقارنه بما جاء به ذلك العالم من التأويل واعتبار أن ذلك كرامة‬
‫باعتبار أن السحر ليس له حقيقة وإنما هو خيال وخداع‪ ،‬وهذا خالف ما عليه‬
‫أهل التحقيق من أن الساحر قادر على أن يعمل أشياء لها حقيقة ووجود في‬
‫الخارج‪ ،‬وأما اعتبار المصنف ذلك من قبيل ما حصل لجلساء سليمان من نقل‬
‫عرش بلقيس فإنه مع الفارق الكبير جدا‪ ،‬كما أنه ما كان ليستم لوال أن الله ذكره‬
‫في القرآن وهو الخبر الذي ال يكذب(((‪.‬‬

‫والنوع الثاني‪ :‬استخدام الجن لخدمة أضرحة األولياء‪ ،‬وهذا النوع من أخطر‬
‫مكائد الشيطان للمتعلقين بالثبور واألولياء‪ ،‬كما أنه كان من أعظم مكائده‬
‫لعباد األصنام حيث كان يتلبس باألصنام ويخاطب عبادها ويخبرهم ببعض‬

‫((( اآلية ‪ 116‬سورة األعراف‪.‬‬


‫((( اآلية ‪ 66‬سورة طه‪.‬‬
‫((( تاج األعراس» (‪.)57-56/2‬‬
‫((( القبورية‪.857 :‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪220‬‬

‫األمور ويجيبهم على بعض أسئلتهم‪ ،‬وربما حقق لهم بعض ما يطلبونه منها‪،‬‬
‫وفي هذا السياق نفسه نجد أن الشيطان كاد المتعلقين بالقبور وبالذات الذين‬
‫يدعون أصحابها‪ ،‬فنجد أولئك الشياطين يأتون إلى أولئك المستغيثين في صور‬
‫األولياء الذين استغاثوا بهم فيوقنون حينها أن الذي أغاثهم واستجاب دعاءهم‬
‫هو الولي بينما هو أحد خدام ضريحه‪.‬‬

‫واسمع إلى هذه الحكاية التي يرويها أحمد بن حسن العطاس‪ ،‬قال صاحب‬
‫«التذكير»‪ :‬وقال ‪ :‬سافر الحبيب طالب بن حسين بن عمر بن عبد الرحمن‬
‫العطاس‪ ،‬وهو أصغر أوالد الحبيب حسين بن عمر إلى صنعاء اليمن‪ ،‬فصرعت‬
‫في ذلك الوقت بنت اإلمام بسبب الجان‪ ،‬فأحضروا أهل العزائم والطالسم‪،‬‬
‫وبذلوا وسعهم فنطق الجني على لسانها‪ ،‬وقال‪ :‬ال أخرج من هذه البنت إال‬
‫إن جاء حبيبي طالب بن حسين العطاس‪ ،‬فقالوا‪ :‬وأين حبيبك هذا؟ فقال‪ :‬هو‬
‫مقبل عليكم في هذه القافلة التي تجيء من حضر موت إلى صنعاء بعد يومين‬
‫أو ثالثة‪ .‬فأمر اإلمام فرسان من عنده يخرجون لتلقي القافلة‪ ،‬واالستخبار عن‬
‫الحبيب طالب بن حسین‪ ،‬فلما بلغوا إلى القافلة وجدوه فيها فقالوا له‪ :‬نحن‬
‫رسل اإلمام إليك لتحضر إلى بيته سريعا‪ ،‬فقال لهم‪ :‬وما الخبر؟ فأخبروه به‪،‬‬
‫لئال ينزعج فركب معهم‪ ،‬ولما وصل إلى صنعاء استقبلوه باإلكرام‪ ،‬وطلب منه‬
‫اإلمام معالجة البنت وأدخلوه إلى المنزل المعد لها‪ ،‬فحين بدا وجه الحبيب‬
‫طالب من الباب نطق الجني‪ ،‬وقال‪ :‬مرحبا بحبيبي طالب بن حسين بن عمر‬
‫‪221‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫بن عبد الرحمن‪ ،‬فأخذ يوبخه‪ ،‬ويقول له‪ :‬ال حياك الله تعمد إلى هذه الشريفة‬
‫وتؤذيها وتؤذي أهلها‪ ،‬فقال له‪ :‬ال تعجل علي واستخبرني أوال عن بالدك‬
‫حريضة وأهلها فإني خرجت منها بعد سفرك بأيام‪ ،‬فقال له‪ :‬هات ما عندك‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬بعد مسيرك وقعت الرحمة وسالت األودية‪ ،‬و شربت حريضة‪ ،‬وفالنة‬
‫توفيت‪ ،‬وأخبره بأخبار كثيرة‪ ،‬فقال له‪ :‬ومن أنت؟ فقال‪ :‬أنا من أخدام عمك‬
‫سالم بن عمر مولی حميشة‪ ،‬وأنا من التسعة النفر الذين حضروا المكسر في‬
‫جبك الفالني لما اهتريت وقلت‪ :‬یا سالم بن عمر يا ذخري‪ ،‬وربدنا المكسر‬
‫حقك‪ ،‬قال له‪ :‬مرادنا خروجك حاال من هذه البنت‪ ،‬وأعطنا العهد والميثاق‬
‫على أنك ال تعود‪ ،‬فقال‪ :‬أما إذا جئت أنت فال عذر لي عن الخروج‪ ،‬وعاهده‬
‫على أن ال يعود أبدا‪ ،‬وخرج منها‪ ،‬فقامت البنت كأنما نشطت من عقال‪ ،‬وأكرمه‬
‫اإلمام إكراما عظيما‪ ،‬وأعطاه أربعمائة أو خمسمائة من األشرفيات‪ ،‬وأعطاه‬
‫جببًا من أكسية الحرير وطاسة شراب‪ ،‬فيها كتابات نفيسة‪ ،‬وهي موجودة عند‬
‫ذريته إلى اآلن(((‪.‬‬

‫وفي هذه الحكاية داللتان‪:‬‬

‫األولى‪ :‬أن الجن المسخرين لبعض من زعم الوالية أو لبعض األسر تخدمهم‬

‫بما يحقق لهم الشهرة والجاه‪ ،‬وعلى ذلك فكثير مما يذكر من كرامات‬
‫لبعضهم مثل‪ :‬أن فالنة أصيب بمرض ثم جاء فالن فضربه أو تفل عليه فقام‬

‫((( «تذكير الناس» ص (‪.)153 - 152‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪222‬‬

‫كأنما نشط من عقال‪ ،‬وأن فالنا جن أو تلبست به الجن‪ ..‬إلخ‪ ،‬ومعظم ذلك من‬
‫هذا القبيل فال كرامة وال والية ولكنها کهانة وتسخير للجن بواسطة السحر أو‬
‫نحوه‪.‬‬

‫الداللة الثانية‪ :‬أن ما يشاهده ويحس به المستغيث باألولياء والصالحين من‬


‫حضور أولئك المستغاث بهم إنما هم شياطين تصوروا بصورهم وأدوا عنهم‬
‫تلك الخدمة ليعلقوا الناس بأولئك األولياء‪ ،‬وهذا واضح من سياق الحكاية‬
‫فالرجل (اهترا) أي دعا ذلك الولي وهو مكروب حيث كسر جربه وخشي أن‬
‫يتسع الكسر فاستغاث بمن يعتقد فيه فحضر عنده تسعة نفر لرد الكسر وإصالح‬
‫الجرب‪ ،‬ولذلك فسوف يزداد اعتقاده في ذلك الولي وسوف ينقل ذلك ويشيعه‬
‫بين الناس وتنتشر له بذلك دعاية كبيرة‪ ،‬وسيترسخ بذلك اعتقاد الناس فيه بأنه‬
‫ينفع من استغاث به‪ ،‬وهذا هو الشرك الذي ال يخالف فيه أحد من المتقدمين أو‬
‫المتأخرين‪ .‬ويشهد لهذا االستنتاج شواهد أخرى‪:‬‬

‫الشاهد األول‪ :‬ما حدثني به أحد أحفاد الفقيه علي بن محمد المالكي‬
‫صاحب «الحوطة»‪ ،‬من مديرية ميفعة محافظة شبوة والمعروف اختصارة‬
‫(بالفقيه علي) قال‪ :‬كان هناك جماعات من العبيد أو األخدام كانوا يعتقدون‬
‫في الفقيه علي ويزورونه في مواعيد محددة وربما تأخروا بعض السنين‪ ،‬فإذا‬
‫حصل ذلك و جاءوا في السنة التي بعدها هم ونساؤهم فإنهم عند دخولهم إلى‬
‫الضريح يتلبس الجن بنسائهم فيصرعن حتى يأتي أحد ذرية الشيخ المذكور أيا‬
‫‪223‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫كان منهم فيضرب النساء قائال‪( :‬نقضي یا فقیه علي) وعند ذلك يفقن ويتخلى‬
‫عنهن الجن دون أي عالج آخر أو قراءة‪.‬وواضح من هذه الحكاية أن أولئك‬
‫الجن موكلون بذلك الضريح من أجل ترسيخ االعتقاد فيه بين الناس الذي قد‬
‫تهيأت نفوسهم له‪.‬‬

‫الشاهد الثاني‪ :‬ما حدثني به كذلك أحد أحفاد الشيخ أبي بكر بن سالم‬
‫صاحب عينات» قال‪ :‬كان أبي إذا مرض يهتري بجده أبي بكر بن سالم‪ ،‬وفي‬
‫أحد أمراضه تأخر الشفاء رغم اهترائه المتكرر‪ ،‬فاهتری بشخص آخر فبينما هو‬
‫كذلك إذا سمع جدال بين شخصين ال يراهما‪ ،‬يقول أحدهما‪ :‬أنا أتواله‪ ،‬ويقول‬
‫اآلخر‪ :‬بال أنا أتواله‪ ،‬أنا أحق به فهو من ذرية مخدومي أبي بكر بن سالم‪.‬‬

‫إن هذه الحكاية صحيحة إن شاء الله حدثني بها ابن ذلك الرجل الذي كان‬

‫مريضا وهو ثقة معروف باالستقامة وجرى له ما جرى‪ .‬وداللتها واضحة في‬
‫التأكيد على ما قلته سابقا من وجود خدام ألضرحة األولياء(((‪.‬‬

‫استخدام الجن‪:‬‬
‫وأما استخدام الجن بالصورة التي مرت فإنما هي غالبا تقع بواسطة تلك‬
‫العلوم‪ ،‬فتلك العلوم عمدتها تسخير الجن‪ ،‬وبهذا تعرف حكم من يدعي أنه‬
‫يسر الجن في مصالحه‪ ،‬أو لما يشاء من أغراض سواء في عالج بعض األمراض‬
‫أو إخراج السحر والجن من المصروعين والمسحورين أو كشف بعض‬

‫(((‪.‬القبورية‪844 :‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪224‬‬

‫المغيبات‪ ،‬أو يستعين بهم على إثبات قدرت‪ ،‬و يتحدى بهم من ينازعه ويخوف‬
‫بهم من ال يقدره وال يحترمه(((‪.‬‬

‫((( السابق‪.‬‬
‫‪225‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫المطلب الخامس‪ :‬شاعر مفوه من المعاصرين من ظلمات‬


‫التصوف والسحر إلى نور التوحيد والسنة‬

‫هذه قصة رجل من المتأخرين والمعاصرين لنا‪ ،‬مات رحمه الله منذ سنوات‪،‬‬
‫رجل نشأ ببلد إسالمي‪ ،‬وتلقى دروسه على بعض العلماء في ذلك البلد‪ ،‬ونال‬
‫الشهادات العليا‪ ،‬وتبوأ مناصب عدة‪ ،‬فهو أديب شاعر‪ ،‬وإعالمي وخطيب‬
‫مصقع‪ ،‬حضر مؤتمرات يجتمع فيه ملوك ورؤساء وأمراء‪ ،‬ووزراء‪ ،‬كتب في‬
‫الجرائد والصحف‪ ،‬نشرت له قصائد ألقيت في مناسبات‪ ،‬فيها شيء من الغلو‬
‫في النبي ‪ ،‬وكان متأثرا‪ ،‬ببعض الشعراء الذين سبقوه‪ ،‬وعندهم غلو‬
‫كالبوصيرى والبرعى‪ ،‬وقد عارضهم في بعض قصائدهم‪ ،‬وقد نشر ديوانا قدم‬
‫له أناس لهم مكانتهم األدبية‪ ،‬ووجاهتهم‪.‬‬

‫ولقد تأثر الشاعر رحمه الله رحمة واسعة‪ ،‬وانخدع بالمتصوفة أهل األسرار‬
‫والحروف واألرقام‪ ،‬أولئك الذين يظهرون للخلق بظاهر الزهد والصالح‬
‫والوالية والكرامة‪ ،‬وحقيقة أمرهم وباطن حالهم في خلواتهم كتابة مالو نزل‬
‫على األرض لشقها‪ ،‬فهم يكتبون الطالسم والحروف وكان هذا الشاعر يعتقد‬
‫أن هذا علم لدني‪ ،‬وأنه علم أسرار وكرامات «رحمه الله رحمة واسعة»‪.‬‬

‫وقد جرى لقاء بينه وبين بعض األشخاص‪ ،‬الذين يعرفون حقيقة األمر‪ ،‬ودار‬
‫في هذا اللقاء حديث فيه من العجائب والغرائب ما ال يعلم به إال الله‪ ،‬وقد‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪226‬‬

‫كان مما جرى فيه الحديث ورقة صفراء فيها مربع به أرقام ومربعات‪ ،‬فسأله‬
‫عن التقسيم الموجود في هذه الورقة الصفراء‪ ،‬وكان الشاعر قد أخطأ فيها‪،‬‬
‫وأشكل عليه شيء مما يكتبه السحرة في هذا المربع‪ ،‬وقد بين له خطأه‪ ،‬وما‬
‫يكتبه السحرة في ذلك‪ ،‬فتعجب الرجل‪ ،‬ثم دار الحديث نحو الساعة‪ ،‬وعظ هذا‬
‫الرجل شاعرنا‪ ،‬وبين له ما في هذا من السحر وغضب الله ومناقضة التوحيد‪،‬‬
‫ومخالفة هدي جده ‪ ‬الذي يحبه ويمدحه‪ ،‬وما زال به حتى شرح الله‬
‫صدره‪ ،‬فقال قد كنت أحسب أن هذا علم من العلوم‪ ،‬وسر أتقرب به إلى ربي‪،‬‬
‫ثم اتصل الود بينهما‪ ،‬وجرى الحديث بينهما‪ ،‬وقد تاب الشاعر عن هذا‪ ،‬بل‬
‫بحمده تعالى غير القصائد التي فيها الغلو وصححها‪ ،‬لتوافق كتاب الله وهدي‬
‫جده المصطفى ‪.‬‬

‫وقد أكرم الله هذا الشاعر المحب الصادق‪ ،‬الراجع إلى الحق‪ ،‬اآلخذ‬
‫بالنصيحة فختم له خاتمة حسنة إن شاء الله‪ ،‬فقد وجد ميتا رحمه الله واضعا‬
‫يده اليمنى على اليسرى على هيئة المصلي‪ ،‬ثم إنه وجد ميتا بعد ثالث كما‬
‫ذكر الطبيب؛ولكنه رحمه الله وعلى طول المدة لم يتغير فيه شيء‪ ،‬لكأنه نائم‬
‫رحمه الله‪ ،‬فالحمد لله الذي نجاه من براثن الصوفية وسحرهم‪ ،‬وسلك به‬
‫سبيل المصطفى الهادي ‪ ‬ونجاه من البرعي وأمثاله‪ ،‬الذين يتلبسون‬
‫بالشرك النتن‪ ،‬والسحر ويوهمون الناس أنها أسرار ال يعرفها إال أهل الله‬
‫وخاصته‪ ،‬ولقد كتب في هذه الورقة التي جرى النقاش حولها مثلث الغزالي‬
‫‪227‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫السحري الذي يقول فيه ذلك البرعي‪:‬‬


‫بـبـصـيـ ــرة األنــ ــوار ال كهـ ــواك‬ ‫ومثلــ ــث الغــــزالى أخرج ــه لن ــا‬

‫لطريقــة وحقيقــة وشــريعة تنهاك‬ ‫وهـــــــــو اإلمـــــام الـمـرتــــضى‬

‫أهــ ــل البصائ ــر والعل ــوم س ــواك‬ ‫والخاتـــم المرمـــوز يعـــرف ســـره‬

‫ظفــــروا بــه مــن شــاهدوا مــوالك‬ ‫هــو باطــن الق ـرآن والســر الخفــى‬

‫فرحمك الله أيها الشار المحب الصادق‪ ،‬فال نحسب ما أصابه من الهديه‬
‫إال بفضل حبه الصادق للنبي ‪ ،‬جمعنا الله‪ ،‬وجمعك به في الجنة‬
‫‪ ،‬ونفعك بما قلت في حبه‪.‬‬

‫ونقول لكل من خاض في هذا الباب‪ :‬باب التصوف‪ ،‬اآلثم‪ ،‬والشرك النتن‪:‬‬
‫أن أعظم ما يثبت العبد عليه في الدنيا وعند اللقاء هو التوحيد الذى هو حق الله‬
‫على العباد‬

‫نسألك اللهم حبك وحب من يحبك وحب أوليائك العارفين بتوحيدك‪،‬‬


‫وأن تنزل على قلوبنا جميعًا‪ ،‬ومن قرأ الكتاب السكينة وتهدينا وإياه الصراط‬
‫المستقيم وتثبتنا على التوحيد والسنة‪.‬‬

‫ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﱸ‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪228‬‬

‫الخاتمة‬
‫الحمد لله الحمد لله الذي من علينا االنتهاء من هذا الكتاب الذي خرجنا‬
‫منه أشد بصيرة وأقوى يقينا في التصوف وانحرافه‪ .‬والذي خبرنا من خالله‬
‫صلة التصوف الوثيقة بالسحر والكهانة والتنجيم‪ ،‬عرفنا ذلك من كتب القوم‬
‫وأورادهم وأذكارهم‪ ،‬وما ذكرناه في هذا البحث غيض من فيض‪ ،‬وقطرة من‬
‫بحر لجی تغشاه ضالالت من فوقها بدع وانحرافات‪ ،‬من فوقها کفروشرك‪،‬‬
‫ظلمات بعضها فوق بعض‪.‬‬

‫ونريد أن نذكر في هذه الخاتمة‪ ،‬أهم النتائج‪.‬‬

‫‪1.‬أن دين النبي محمد ‪ ،‬أتمه الله قبل أن يقبض نبيه ‪،‬‬
‫وعليه فما جاء به التصوف هو زياده في الدين تأباها الشريعة‪ ،‬وتردها النصوص‬
‫على أصحابها‪.‬‬
‫‪2.‬لقد كان في الصوفية عباد وزهاد‪ ،‬أصحاب منهج عقدی سلیم في الجملة‪،‬‬
‫مع زالت وأخطاء‪ ،‬كالجنيد والداراني ولكن هؤالء ال وارث لهم في زماننا‬
‫‪3.‬هناك فرق بين الزهد المشروع وبين التصوف‪ ،‬وليس التصوف‪ ،‬وليس‬
‫التصوف هو الزهد‪ ،‬فالزهد مأخوذ من الكتاب والسنة‪ ،‬أما التصوف فأكثره‬
‫مستورد من دیانات وفلسفات وثقافات أجنبيه‪.‬‬
‫‪229‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫‪4.‬جنى التصوف الكالمي على الدين جناية عظيمة‪ ،‬إذ اغتر الناس بهؤالء‬
‫العباد‪ ،‬وسمعوا جميل كالمهم في الوعظ فتبعوهم على منهجهم الكالمي‪.‬‬
‫‪5.‬جنى التصوف الفلسفي على اإلسالم‪ ،‬وحاول القضاء عليه قضاء مبرما‪،‬‬
‫فأدخل الفلسفات والمعتقدات الباطلة‪ ،‬وسوغ السحر‪ ،‬وعبادة الكواكب‬
‫والتنجيم‪ ،‬وعظم شأن الكهانة‪ ،‬وعد هذه األباطيل كرامات وأسرارا‪.‬‬
‫‪6.‬التصوف نهج حادث‪ ،‬وفلسفـة مستوردة في المعرفة والعلم والعبادة‬
‫والسوك‪.‬‬
‫‪7.‬كان العتقاد الصوفية بوحدة الوجود‪ ،‬والحلول واالتحاد أثره في انتشار‬
‫السحر والكهانة‪ ،‬وعبارة الكواكب‪ ،‬واالستعانه بالشياطين فهم يرون أال فرق‬
‫بين التعبد لله والتعبد للكوكب‪ ،‬واالستعانة بالله واالستعانة بالشيطان الرجيم‬
‫فالكل هو الله بزعمهم‪ ،‬أو هي أشياء حل فيها تعالى الله عما يقولون‪.‬‬
‫‪8.‬اشتغل المعظمون من شيوخ الصوفيه كابن عربي والحالج‪ ،‬والسهروردي‬
‫بالسحر والتنجيم‪ ،‬أما الكهانة التي يسمونها الكشف فال يوجد صوفی لم‬
‫يمارسها‪ ،‬وكتبهم شاهدة بذلك‪.‬‬
‫‪9.‬انتشار السحر و الكهانة والتنجيم في الطرق المعاصرة كانتشارها في‬
‫التصوف قديما‪.‬‬
‫ ‪10.‬تفوق السحرة من الصوفية المتأخرين على المتقدمين في السحر‪،‬‬
‫وعملوا على التأليف الصريح والمفصل فيه‪ ،‬وجابت كتبهم الخبيثة جابت‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪230‬‬

‫األفاق والعياذ بالله‪.‬‬


‫ ‪11.‬أبرز كتب السحر‪ ،‬وأخطرها كتبت بأيدى شيوخ الصوفية‪ :‬كابن عربي‬
‫والحالج والبونى والطوفي وغيرهم ممن ذكرنا‪.‬‬
‫ ‪12.‬نشر الصوفية السحر والطالسم‪ ،‬والحروف واألرقام السحرية على أنها‬
‫أسرار وعطاءات إلهية‪ ،‬وفتوحات صمدانية‪.‬‬
‫ ‪13.‬استخدم الصوفية األسماء والكلمات السريانية لتغطية سحرهم‬
‫وتنجيمهم‪.‬‬
‫ ‪14.‬الصوفية أول من تعبد الله بالسحر في الملة اإلسالمية‪.‬‬
‫ ‪15.‬استخدم الصرفية نفس أساليب السحرة‪ ،‬وعملوا األعمال لنفس األغراض‬
‫من قتل وتدمير وخراب ديار ‪...‬ألخ‪.‬‬
‫ ‪16.‬ال نجاة للخلق إال بتوحيد الله وعبادته وحده ال شريك له‪ ،‬وبطاعة رسوله‬
‫‪ ‬واتباعه في كل شيء‪.‬‬
‫ ‪17.‬فی قصة ذلك الشاعر التائب الذي اغتر بالصوفية السحرة‪ ،‬ومارس‬
‫أعمالهم زمانا ثم أدركته رحمة الله فتاب وأبصر الصراط فسار فيه‪ ،‬بيان بأن من‬
‫هؤالء من يهديهم الله وإن كانوا قلة‪ ،‬لكن من كان فيه الصدق لكنه خدع تدركه‬
‫عناية الله‪.‬‬

‫وبعد ذکر من النتائج نسأل الله تعالى‪ ،‬أن يرزقنا الهداية إلى الصراط‬
‫المستقیم‪ ،‬وأن يثبتنا عليه حتى نلقاه‪ ،‬وأن يعصمنا من الزلل‪ ،‬وأن يحفظنا من‬
‫‪231‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫طرق الضالل والهوى‪ ،‬وأن يتقبل سعينا‪ ،‬وأن يكتب له القبول‬

‫و الحمدلله أوال وآخرا‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه وخليله‬
‫محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪232‬‬

‫أهم المراجع‬
‫‪1.‬القرآن الكريم‬
‫‪2.‬صحيح البخاري‪.‬‬
‫‪3.‬صحيح مسلم‪.‬‬
‫‪4.‬الشمائل النبوية للترمذي‪.‬‬
‫‪5.‬أبو داود‬
‫‪6.‬مسند أحمد‬
‫‪7.‬المعجم الكبير للطبراني‬
‫‪8.‬مصنف ابن أبي شيبة‬
‫‪9.‬ظالل الجنة‪.‬‬
‫ ‪10.‬الترمذي‬
‫ ‪11.‬السلسة الصحيحة لأللباني‪.‬‬
‫ ‪12.‬كتاب التوحيد‪ :‬صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان ص ‪144‬هـ‪ ،‬وزارة‬
‫الشؤون اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد ‪ -‬المملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬الرابعة‪1423‬هـ‪.‬‬
‫ ‪13.‬مقاالت اإلسالميين واختالف المصلين‪ :‬ألبي الحسن األشعري‪ ،‬تحقيق‬
‫‪233‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫محمد محيي الدين عبدالحميد‪ ،‬المكتبة العصرية ‪1411‬ه=‪1990‬مـــ‪.‬‬


‫ ‪14.‬الصوفية في حضرموت نشائها‪ .‬أصولها آثارها‪ :‬أمين أحمد عبد الله‬
‫السعدي‪ ،‬دار التوحيد ط‪1432 ،2‬هـ=‪2011‬م‪.‬‬
‫ ‪15.‬حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة تأليف د محمد ربیع ص ‪ ،34‬دار‬
‫اآلثار‪.‬‬
‫ف‪ :‬المن َْشأ والمص ِ‬
‫ادر‪ :‬تأليف األستاذ إحسان إلهي ظهيرص‪،24‬‬ ‫َّــص ُّو ُ‬
‫َ َ َ‬ ‫ ‪16.‬الت َ‬
‫السنة الهور ‪ -‬باكستان‪1941 ،‬م ‪ 1987‬م‪.‬‬
‫إدارة ترجمان ُّ‬
‫ ‪17.‬أبحاث في التصوف‪ :‬الدكتور عبد الحليم محمود‪ ،‬ضمن مجموعة‬
‫مؤلفاته‪ ،‬دار الكتاب اللبناني الطبعة األولى ‪1979‬م‪.‬‬
‫ ‪18.‬الرسالة القشيرية لعبد الكريم القشيري دار الكتب الحديثة القاهرة‪..‬‬
‫ ‪19.‬الشيخ احسان الهي ظهير منهجه وجهوده في تقرير العقيدة والرد على‬
‫الفرق المخالفة‪ :‬د علي بن موسى الزهري ص‪ ،144‬دار المسلم للنشرو‬
‫التوزيع الطبعة األولى‪١٤٢٧‬ه‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪20.‬محبة الرسول بين االتباع واالبتداع‪ :‬عبد الرؤف محمد عثمان‪ ،‬رئاسة‬
‫إدارة البحوث العلمية واإلفتاء‪ ،‬الطبعة األولى‪1414 ،‬ه‪.‬‬
‫ ‪21.‬تاريخ بغداد وذيوله‪ :،‬أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ج ‪7‬ص‬
‫‪ ،120‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬مصطفى عبد‬
‫القادر عطا‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪234‬‬

‫ ‪22.‬الفهرست‪ ،‬المؤلف‪ :‬أبو الفرج محمد بن إسحاق بن محمد الوراق‬


‫البغدادي المعتزلي الشيعي المعروف بابن النديم ص‪435‬تحقيق‪ :‬إبراهيم‬
‫رمضان‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعرفة بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪ 1417‬هـ ‪1997 -‬‬
‫م‪.‬‬
‫ ‪23.‬فرج المهوم في تاريخ علماء النجوم‪ :‬ابن طاووس‪ ،‬منشورات الرضي‬
‫قم‪1368 ،‬هـ=‪1949‬م‪.‬‬
‫ ‪24.‬الوافي بالوفيات‪ :‬للصفدي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪2000 ،‬مـ‪.‬‬
‫ ‪25.‬إخبار العلماء بأخبار الحكماء‪ ،‬تحقيق إبراهيم شمس الدين‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1426 ،‬هـ=‪2005‬مـ‪.‬‬
‫ ‪26.‬األعالم‪ :‬للزركلي‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬الطبعة السابعة‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪27.‬ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي‬
‫الشأن األكبر‪ ،‬المؤلف‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن محمد‪ ،‬ابن خلدون أبو‬
‫زيد‪ ،‬ولي الدين الحضرمي اإلشبيلي تحقيق‪ :‬خليل شحادة‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1408 ،‬هـ ‪ 1988 -‬م‪.،‬‬
‫ ‪28.‬طبقات النسابين‪ :‬الشيخ بكر أبو زيد دار الرشد‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1407‬ه=‪1987‬م‪.‬‬
‫ ‪29.‬روح البيان في تفسير القرآن‪ :‬إسماعيل حقي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‬
‫الرابعة‪2018 ،‬م‪.‬‬
‫‪235‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫ ‪30.‬العبر في خبر من غبر‪ :‬لشمس الدين الذهبي تحقيق‪ :‬أبو هاجر محمد‬
‫السعيد بن بسيوني زغلول‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫ ‪31.‬معجم الشيوخ الكبير‪ :‬الذهبي تحقيق‪ :‬الدكتور محمد الحبيب الهيلة‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مكتبة الصديق‪ ،‬الطائف ‪ -‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪ 1408‬هـ ‪ 1988 -‬م‪.‬‬
‫ ‪32.‬تذكرة أولى األلباب ‪ -‬الشيخ داود األنطاكي وما بعدها‪.‬‬
‫ ‪33.‬تاريخ علماء األندلس‪ :‬ابن الفرضي‪ ،‬عنى بنشره؛ وصححه‪ :‬السيد عزت‬
‫العطار الحسيني‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1408 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1988‬م‪.‬‬
‫ ‪34.‬خالصة األثر في أعيان القرن الحادي‪ :‬عشرمحمد أمين المحبي‪ ،‬المطبعة‬
‫الوهيبة‪.‬‬
‫ ‪35.‬جامع كرامات األولياء النبهاني‪ ،508/1 :‬تحقيق إبراهيم عطوة عوض‪،‬‬
‫المكتبة الثقافية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫ ‪36.‬شمس المعارف الكبرى أو شمس المعارف ولطائف العوارف‪ :‬أحمد بن‬
‫علي البوني‪ ،‬وما بعدها المتوفى سنة ‪ 622‬هـ‪ ،‬المكتبة الشعبية ببيروت‪.‬‬
‫ ‪37.‬طبقات الشاذلية الكبرى‪ :‬الحسن بن محمد الفاسي‪ ،‬مكتبة الفاسية‬
‫المصرية‪1347 ،‬ه=‪1938‬م‪.‬‬
‫ ‪38.‬هدية العارفية‪ :‬إسماعيل باشا البغدادي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪236‬‬

‫‪1951‬م‪.‬‬
‫ ‪39.‬معجم المؤلفين‪ ،‬عمر رضا كحالة‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪40.‬السر الجليل في خواص حسبنا الله ونعم الوكيل‪ :‬أبو الحسن الشاذلي‪،‬‬
‫مكتبة إشاعة اإلسالم دلهي الهند‪.‬‬
‫ ‪41.‬النفحة العلية في أوراد الشاذلية‪ ،‬عبد القادر زكي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة النيل‪،‬‬
‫‪1321‬هـ‪1903 ،‬م‪ ،،‬ص‪.191 :‬‬
‫ ‪42.‬رسائل ابن سبعين‪ :‬عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر الغافقي‬
‫العكي‪.‬‬
‫ ‪43.‬المسالِك في شرح ُم َو َّطأ مالك‪ :،‬القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر‬
‫بن العربي المعافري االشبيلي المالكي (المتوفى‪543 :‬هـ)‪ ،‬قرأه وع ّلق عليه‪:‬‬
‫السليماني‪ ،‬الناشر‪َ :‬دار‬
‫السليماني وعائشة بنت الحسين ُّ‬
‫محمد بن الحسين ُّ‬
‫ال َغرب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ 1428 ،‬هـ ‪2007 -‬م‪.‬‬
‫ ‪44.‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ :‬الزبيدي‪ ،‬دار الهداية‪.‬‬
‫ ‪45.‬الفتوحات المكية‪ :‬ابن عربي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د عثمان يحيى‪ ،‬مراجعة د إبراهيم‬
‫مدكور‪ ،‬الهيئة المصرية للكتاب‪1406 ،‬هـ=‪1986‬م‪.‬‬
‫ ‪46.‬الحزب الصغير الكتاب منشور على موقع الطريقة البرهانية‬
‫‪http: //www.burhaniya.org/sofism/dekr.htm‬‬
‫ ‪47.‬التحصين الشريف للشاذلي الكتاب منشور على موقع الطريقة البرهانية‬
‫‪237‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫‪http: //www.burhaniya.org/sofism/dekr.htm‬‬
‫ ‪48.‬أوراد الطريقة الشاذلية‪ ،‬أبو الحسن الشاذلي وأعيان مشايخ طريقته‪ ،‬دار‬
‫الزاهد‪ ،‬القاهرة‪1418 ،‬ه‪.،‬‬
‫ ‪49.‬النفحة العلية في أوراد الشاذلية‪ :،‬عبد القادر زكي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة النيل‪.‬‬
‫ ‪50.‬المفاخر العلية في المآثر الشاذلية‪ ،‬أحمد بن عباد‪ ،‬المكتبة األزهرية‪.‬‬
‫ ‪51.‬مجموع أوراد الطريقة البرهانية‪ :‬أبناء الشيخ محمد عبده البرهاني‪.‬‬
‫ ‪52.‬الكنوز النورانية من أدعية وأوراد السادة القدرية ورد الجاللة‪ :‬مخلف‬
‫العلي‪ ،‬طبعة المؤلف‪.‬‬
‫ ‪53.‬ذكر ودعاء‪ :‬جمع عبد الله أحمد زينة‪ ،‬مؤسسةالشعب‪1419 ،‬هـ=‪1998‬م‪.‬‬
‫ ‪54.‬شرح أوراد الطريقة البرهانية‬
‫‪https: //burhaniyat.blogspot.com/201802//blog-post_25.htm‬‬
‫ ‪55.‬كنوز االسرار في الصالة السالم على النبي المختار‪ :‬جمعه عبد الفتاح‬
‫القاضي‪ ،‬راجعه عبد الجليل قاسم‪2011 ،‬هـ‪.‬‬
‫ ‪56.‬مجمع األوراد الكبير‪ :‬محمد عثمان الميرغني الختم‪ ،‬دار الجيل للطبع‬
‫والنشر والتوزيع ‪1439‬هـ=‪2018‬م‪.‬‬
‫ ‪57.‬قالدة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه األكابر‪ :‬أبو الهدى محمد‬
‫بن الحسن الرفاعي‪ :‬تخريج عبد الوارث محمد عليدار الكتب العلمية‪.‬‬
‫ ‪58.‬مجموعة ساعة الخير‪ ،‬ابن عربي‪ ،‬دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪238‬‬

‫‪1960‬م‪.‬‬
‫ ‪59.‬المبادئ والغايات في معاني الحروف واآليات‪ :‬ابن عربي‪ ،‬المكتبة‬
‫األزهرية للتراث‪2016 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪60.‬الدر النظيم في خواص القرآن العظيم‪ ،‬أبو محمد اليمني اليافعي الشافعي‪،‬‬
‫المكتبة العالمية‪ ،‬مصر الطبعة األولى‪.‬‬
‫ ‪61.‬مجموعة رسائل الغزالي‪ ،‬تحقيق إبراهيم أمين‪ ،‬المكتبة التوفيقية‪.‬‬
‫ ‪62.‬المنقذ من الضالل‪ :‬للغزالي‪ ،‬تحقيق جميل صليبا‪ ،‬كامل عياد‪ ،‬مكتبة‬
‫ ‪63.‬تاريخ اإلسالم َو َوفيات المشاهير َواألعالم‪ ،‬المؤلف‪ :‬شمس الدين أبو‬
‫عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن َقا ْيماز الذهبي (المتوفى‪748 :‬هـ)‪،‬‬
‫عواد معروف‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫المحقق‪ :‬الدكتور بشار ّ‬
‫األولى‪ 2003 ،‬م‪.)311/11( ،‬‬
‫ ‪64.‬العبر في خبر من غبر‪ ،‬المؤلف‪ :‬شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد‬
‫بن عثمان بن َقا ْيماز الذهبي (المتوفى‪748 :‬هـ) المحقق‪ :‬أبو هاجر محمد‬
‫السعيد بن بسيوني زغلول‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫ ‪65.‬الطواسين‪ ،‬أبو المغيث الحسين بن منصور‪ ،:‬اعتنى بنشره وتصحيحه‬
‫وتعليق‪ ،‬الحواشي عليه لويس ماسينيون‪ ،‬منشورات أسمار‪ ،‬باريس‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫ ‪66.‬األخبار الطوال‪ :‬الدينوري‪ ،‬وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪.‬‬
‫ ‪67.‬مسائل االمام أحمد كتاب العلل ومعرفة الرجال‪ :‬لالمام أحمد بن حنبل‪،‬‬
‫‪239‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫تحقيق وتخريج الدكتور وصي الله بن محمد عباس المكتب االسالمي بيروت‬
‫دار الخاني الرياض‪.‬‬
‫ ‪68.‬أرجوزة التثبيت‪ ،‬في ليلة التبييت‪ ،‬نظم العالمة جالل الدين السيوطي‪،‬‬
‫دراسة وتحقيق وتعليق د محمد بن عوض الشهري‪ ،‬مجلة العلوم الشرعية‪.‬‬
‫ ‪69.‬شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور‪ :‬جالل الدين السيوطي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد المجيد طعمة حلبي‪ ،‬دار المعرفة ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعةاألولى‪1417 ،‬هـ‬
‫‪1996 -‬م‪.‬‬
‫ ‪70.‬اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز‪ ،‬جمعه‪ :‬أحمد بن المبارك المالكي‪،‬‬
‫تحقيق إبراهيم الكيالي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪.،‬‬
‫ ‪71.‬منبع أصول الحكمة‪ ،‬البوني‪ ،‬طبعة‪ :‬مصطفى البابي الحلبي‪.‬‬
‫ ‪72.‬شمس المعارف الكبرى أو شمس المعارف ولطائف العوارف‪ ،‬أحمد بن‬
‫علي البوني المتوفى سنة ‪ 622‬هـ‪ ،‬المكتبة الشعبية ببيروت‪.‬‬
‫ ‪73.‬الفيوضات الر ّبانية في المآثر واألوراد القادرية (جمع وترتيب الحاج‬
‫إسماعيل ابن السيد محمد سعيد القادري)‪.‬‬
‫ ‪74.‬قالدة الجواهر فى ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه األكابر‪ ،‬تأليف العالم‬
‫العالمة السيد‪ /‬أبي الهدي الصيادي (ت ‪1328‬هـ)‪ ،‬خرج آياته وأحاديثه‬
‫الشيخ‪ /‬عبدالوارث محمد علي‪.‬‬
‫ ‪75.‬السر المظروف في علم بسط الحروف‪ :‬محمد الشافعي الخلوتي‪ ،‬مطبعة‬
‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪240‬‬

‫البابي الحلبي‪1270 ،‬ه=‪1951‬م‪.‬‬


‫‪241‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫الفهرس‬
‫مقدمة ‪5.................................................................‬‬

‫سبب الدراسة‪14........................................................ :‬‬

‫هدف الدراسة‪15........................................................ :‬‬

‫منهج الدراسة‪16........................................................ :‬‬

‫خطة البحث‪17......................................................... :‬‬

‫التمهيد ‪19................................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التعريف بالسحر والتنجيم والكهانة‪ ،‬وبيان حرمة هذه‬

‫األشياء‪ ،‬وخطورتها على الفرد والمجتمع ‪20..............................‬‬

‫أوال‪ :‬التعريف بالسحر والكهانة والتنجيم‪20............................. :‬‬

‫التعريف بالسحر‪20..................................................... :‬‬

‫تعريف الكهانة‪23....................................................... :‬‬

‫تعريف التنجيم‪25....................................................... :‬‬

‫ثانيا‪ :‬حرمة السحر وبيان خطره على الفرد والمجتمع‪26.................. :‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪242‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التعريف بالتصوف‪ ،‬ونبذة عن نشأته‪ ،‬وبيان مصادره‬

‫ومذاهبه ‪34...............................................................‬‬

‫الفرق بين الزهد المشروع وبين التصوف‪42............................. :‬‬

‫نشأة التصوف وتطوره‪45................................................ :‬‬

‫و بعد ظهور اسم التصوف كان للصوفية شعب ثالث‪50.................. :‬‬

‫ويمكن إجمال مراحل التصوف فيما يلي‪56............................. :‬‬

‫مذاهب التصوف ومصادره‪60........................................... :‬‬

‫القسم األول‪ :‬أهل المذهب اإلشراقي‪60................................. :‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬مذهب الحلول‪60......................................... :‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬القول بوحدة الوجود‪61.................................. :‬‬

‫مصادر التصوف‪62...................................................... :‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الصوفية والتعبد لله بالسحر ‪73...........................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الصوفية أول من تعبد لله بالسحر في اإلسالم‪74...........‬‬

‫الصوفية هم شرار السحرة جمعوا بين السحر والتدليس‪85............... :‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حجج الصوفية الداحضة الستعمال السحر ‪86.............‬‬

‫‪ .1‬الحديث عن قوة تأثير الحروف‪87.................................... :‬‬

‫‪ .2‬ادعاء الصوفية تصرفهم في األكوان بالحروف واألعداد من الكرامات ‪88....‬‬


‫‪243‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫السحرة الصوفية وتلونهم‪91............................................. :‬‬

‫من تلبيسات سحرة الصوفية‪93.......................................... :‬‬

‫‪ .4‬الصوفية السحرة التصرف بأسماء الله الحسنى‪96..................... :‬‬

‫الطلسم البرهوتي المنسوب زورا وبهتانا لسليمان ‪ ‬واستخدام‬

‫الصوفية له‪98.............................................................‬‬

‫الفالسفة والصوفية والسحر‪101.......................................... :‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أعالم الصوفية في علم السحر وأشهر كتبهم‪104............‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أعالم الصوفية في علم السحر‪105..........................‬‬

‫أوال‪ :‬ابن عربي‪105....................................................... :‬‬

‫ثانيا‪ :‬البوني‪106.......................................................... :‬‬

‫ثالثا‪ :‬أبو الحسن الشاذلي‪113............................................. :‬‬

‫رابعا‪ :‬ابن سبعين‪120..................................................... :‬‬

‫خامسا‪ :‬الحالج‪121...................................................... :‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أشهر كتب الصوفية في علم السحر ‪127....................‬‬

‫‪.1‬كتاب شمس المعارف للبوني‪127..................................... :‬‬

‫‪ .2‬الفتوحات المكية‪130................................................. :‬‬

‫‪ .3‬طواسين الحالج‪132.................................................. :‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪244‬‬

‫‪ .4‬كتاب مجموعة ساعة الخير‪ :‬البن عربي‪134.............................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الطرق الصوفية والسحر‪135............................. .‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الطرق الصوفية (القديمة والحديثة) والسحر‪136............‬‬

‫‪ .1‬الشاذلية والسحر‪137.................................................. :‬‬

‫ومن طالسم كتاب السر الجليل‪141...................................... :‬‬

‫كتاب النفحة العلية في أوراد الشاذلية‪143................................. :‬‬

‫‪ .2‬الطريقة الدسوقية والسحر‪151......................................... :‬‬

‫‪ .3‬الطريقة الجيالنية والسحر‪155......................................... :‬‬

‫‪ .4‬الطريقة البرهانية والسحر‪157.......................................... .‬‬

‫‪ .5‬الطريقة الفاسية والسحر‪159........................................... :‬‬

‫‪ .6‬النقشبندية‪159........................................................ :‬‬

‫‪ .7‬الطريقة الختمية والسحر‪159............................................‬‬

‫‪ .8‬الطريقة القادرية والسحر‪160.......................................... :‬‬

‫‪ .9‬الطريقة الميرغنية والسحر‪161......................................... :‬‬

‫‪ .10‬الطريقة التيجانية والسحر‪162........................................ :‬‬

‫‪ .11‬أمثلة أخرى على تعاطي الصوفية للسحر‪166......................... :‬‬

‫ومن الطرق المشتهرة بالسحر‪173........................................ :‬‬


‫‪245‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫‪ .12‬الشطارية‪173........................................................ :‬‬

‫‪ .13‬العيساوية‪173....................................................... :‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الطالسم وعبارات السحر عند أعالم التصوف الغالة‪178......‬‬

‫‪ .1‬ابن عربي وطالسمه‪178............................................... :‬‬

‫‪ .2‬ابن سبعين والطالسم‪181............................................. :‬‬

‫‪ .3‬اليافعي في كتاب الدر النظيم‪181...................................... :‬‬

‫‪ .4‬البوني وطالسمه‪182.................................................. :‬‬

‫‪ .5‬الغزالي والطالسم‪183................................................ :‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬عالقة المتأخرين من الصوفية بالمتقدمين‪188..............‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬أغراض السحر عند الصوفية ووسائله ‪190..................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬األغراض التي استخدم الصوفية السحر من أجلها‪191..... .‬‬

‫‪ .1‬السحرة الصوفية والقتل‪191.............................................‬‬

‫‪ .2‬الخرس ‪193............................................................‬‬

‫‪ .3‬االجتماع بالجن عيانا‪ ،‬واستخدامهم‪ ،‬وإخضاع األرواح العلوية‬

‫والسفلية‪193...............................................................‬‬

‫‪ .4‬استخراج األجوبة من األسئلة ‪194.......................................‬‬

‫‪ .5‬قضاء الحوائج ‪194.....................................................‬‬


‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬ ‫‪246‬‬

‫‪ .6‬الشفاء‪194..............................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الوسائل التي سلكها الصوفية لعمل السحر‪197............ .‬‬

‫عمل العزائم السحرية‪197................................................ :‬‬

‫اليمين والقسم السحري عند سحرة الصوفية‪197.......................... :‬‬

‫السيمياء‪198............................................................. :‬‬

‫علم الحروف وخواص األسماء‪199...................................... :‬‬

‫مواالة غالة الصوفية إلبليس وهو معينهم في أمر السحر‪199............... :‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬اللغة السريانية والسحر لدى الصوفية‪202................. .‬‬

‫تعظيم الصوفية للغة السريانية‪202......................................... :‬‬

‫أسماء الشياطين السريانية وخلطها بأسماء الله وآياته القرآنية‪207.......... :‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬علم المكاشفة الصوفي والتأصيل للكهانة ‪213..............‬‬

‫الكشف في عرف الصوفية‪213............................................ :‬‬

‫فقه قضية اإلخبار بالمغيبات وموضع الكهانة من ذلك‪214................. :‬‬

‫استخدام الصوفية للجن‪217................................................‬‬

‫استخدام الجن‪223....................................................... :‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬شاعر مفوه من المعاصرين من ظلمات التصوف والسحر‬


‫إلى نور التوحيد والسنة ‪225................................................‬‬
‫‪247‬‬ ‫السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية‬

‫الخاتمة‪228................................................................‬‬

‫أهم المراجع‪232...........................................................‬‬

‫الفهرس ‪241...............................................................‬‬

You might also like