Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
َّ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ،ومن
س ِّيئات أعمالنا ،من يهده الله فال ُم َّ
ضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أ َّ
ال
محمدً ا عبده ورسوله. ال الله وحده ال شريك له ،وأشهد َّ
أن َّ إله إ َّ
محم ٍد ،
هدي َّ
وخير الهدي ُ
َ وبعدَّ :
فإن أصدق الحديث كال ُم الله،
وكل بدعة ضاللةَّ ،
وكل ضاللة في وكل محدثة بدعةَّ ،
وشر األمور محدثاتهاَّ ،
َّ
النار.
اللهم صل على محمد النبي األمي وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى
ذريته وآل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
فإن اإلسالم هو دين الله الخاتم ،أودع الله فيه ما تصلح به الدنيا واآلخرة،
وما يصلح به الفرد وتصلح به الجماعة ،وهو دين جمع بين إباحة أرزاق البدن
وأرشد العباد إلى غذاء أرواحهم.
زهده وطلبه الجنة ،وال ينقص من خوفه من الله وال يمنع هربه من النار.
وإن في كتاب الله العزيز لتربية لروح المسلم وتهذيبا ألخالقه ،وتقوية
لقلبه في حب الله وتقواه ومراقبته ،كما أن في سنة النبي ،وفي
سيرته وهديه إرشادا إلى الزهد المشروع المحبوب لرب العالمين ،كما أن في
سير الصحابة (رضوان الله عليهم) ،بيانا عمليا للزهد الذى يحبه الله ورسوله
.
وربنا (جل شأنه) ال يريد من المسلم أن يحرم نفسه من الطيبات ،وال أن يهيم
على وجهه يعيش عيشة األنعام ،ويسكن المزابل ،ويلبس المرقعات ،ويعذب
نفسه ،ويحرمها من الطيبات ،ثم ال يبالى سقط على الموت أو سقط الموت
عليه ،ولقد قال الله تعالى ذاكرا وصية الناصحين من قوم قارون :ﱹ ﯨ ﯩ
ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ
ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﱸ(((.
وقد كان النبي يأكل اللحم ،بل يأكل أطيبه وهو الذراع ،ويحب
الحلواء ،ويلبس جميل الثياب ،ويتزوج النساء ،ويدلل زوجه،
ويضاحك ولده((( ،وهو خير الزاهدين ،وأكملهم ورعا ،وأعظمهم حبا وتعظيما
لربه ،وأشدهم منه خشية ،ولقد جمع األئمة من كالم الله (جل ثناؤه) وسنة
رسوله ما يشرح هذا الزهد المشروع المحبوب لله (جل ثناؤه)
ورسوله :فكتب ابن المبارك كتاب الزهد ،وكذلك كتب
االمام أحمد كتاب الزهد((( ،وكذلك ابن أبى عاصم ،وكتب البخارى في
«صحيحه» كتاب الرقاق ،وكتب غيرهم من علماء السنة من هذا شيئا كثيرا طيبا.
إن االلتزام بهدى القرآن والسنة يجعل المسلم يسير سير ًا وسطًا ،ويهدى
سواء السبيل ،غير أن أقوامًا رأوا الدنيا فتحت على عباد الله ،فأسرفوا في
مأكلهم ومشربهم وملبسهم ومساكنهم ،وأنفقوا الكثير والكثير فيما ال ينبغي،
فذهبوا إلى الطرف اآلخر ،أولئك هم الصوفية ،الذين بدأ أمرهم بالدعوة إلى
مواجهة حياة البذخ تلك التي يرونها ،لكنهم لم يقاوموها بالكتاب والسنة
وهدي الصحابة ومن تبعهم ،بل بكالم من عند أنفسهم ،وسلكوا مسالك رأوا
أنها مستفادة من القرآن ،راحوا يأمرون بالجوع وتحدثوا فيه كثير ًا ،وعبروا عن
((( وفي هذه الكتب ما ينبغي التنبيه عليه مع جاللة مصنفيها ،وكونها مستقيمة في الجملة ،على
منهاج السنة ،ولكن ذكر في بعضها أخبار هي إلى حكايات الصوفية أقرب من ذلك ما جاء في
الزهد لإلمام أحمد :حدثنا عبد الله حدثنا اسحق بن موسى أبو موسى االنصاري قال سمعت
عبد الرحمن بن محمد المحاربي يقول سمعت األعمش يقول قلت إلبراهيم التيمي بلغني أنك
تمكث شهر ًا ال تأكل شيئًا قال :نعم وشهرين ،ما أكلت منذ أربعين ليلة إالحبة عنب ناولنيها أهلى،
فاكلتها ثم لفظتها .ثم قلت لألعمش أصدقته فقال :إبراهيم بن يزيد التيمي ،يريد أنه صدوق»،
والصحيح في السنة النهي عن الوصال ،ولم يضع العنبة ثم يلفظها.وهذه بحكايات الصوفية أشبه.
وفيه أيضا :حدثنا عبد الله ابن أحمد أخبرت عن ابن المبارك أن امرأة قالت لعائشة رحمها الله ا
كشفي لي عن قبر رسول الله فكشفت لها عنه فبكت حتى ماتت ،وهذه أيضا مثلها.
الزهد :ألحمد ص362دار الكتب العلمية.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 8
ذلك بعبارات نمقوها ،والزهد في القرآن والسنة فيه الصيام ،وفيه عدم اإلسراف،
وغير ذلك مما هو مبين في النصوص واآلثار ،أما الجوع فقد استعاذ منه النبى
يعَ ،و َأ ُعو ُذ
ج ُ ك ِم ْن ا ْل ُجو ِع َفإِ َّن ُه بِئ َْس َّ
الض ِ فقال« :ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ُعو ُذ بِ َ
ت ا ْلبِ َطا َنةُ»((( .وتكلم الصوفية في الخطرات ،وأكثروا خيان َِة َفإِنَّها بِئْس ِ
ِ بِ َ ِ
َ َ ك م ْن ا ْل َ
من هذه المصطلحات التي لم ترد.
بدأ التصوف هكذا جهدا فرديا ،ثم صار ،جماعات واجتماعات ،ولكن
لم تكن تلك األمور بصورة الطرقية المعاصرة ،بل كان األمر (شيخ حوله
يتعاهد قلوبهم ويؤدبهم ويرشدهم ،وإن كانت العالقة بين هذا (((
طالب)
الشيخ ومريديه تختلف بصورة ما عن العالقة بين الشيخ والتلميذ التي تذكر في
آداب طالب العلم وآداب طالب الحديث ،فالعالقة بين الشيخ ومريديه فيها نوع
من التعظيم والتقديس ،وبدع في أخذ العهود ،والزام المريد بأمور بعيدة عن
دين الله تعالى ،ومع هذه االنحرافات فقد كان كثيرا من الصوفية األوائل كثيرا
على المنهج العقدي الصحيح في الجملة مع وجود شطحات لهم معلومة ،لذا
فقد كان علماء أهل السنة منصفين معهم ،إذ مدحوا ما عندهم من اتباع للسنة،
وشكروا لهم ما تخلقوا به من خلق محمود شرعا :من وورع وزهد وخوف،
وغير ذلك مما أخذوه من الكتاب لسنة ،فنجد مثال شيخ اإلسالم يذكر صحة
معتقد الصوفية الذين ذكرهم أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية،
والقشيري في الرسالة في باب الصفات ،ويذكر أنهم كانوا في ذلك على عقيدة
أهل السنة والجماعة ،وهذا من إنصاف علماء أهل السنة.
لقد راح ركب التصوف بعد ،يسير بهم بعيد ًا عن الكتاب والسنة وهدي
الصحابة رويد ًا رويد ًا ،ليقترب من البدع والضالالت ثم إلى الكفريات،
حتى صار التصوف مجانبًا للكتاب والسنة ،إما إلى البدع المضلة ،وإما إلى
الشركيات والكفريات ،فقد ابتدعوا األذكار واألوراد والعبادات التي لم يأذن
بها الله .
وإذا سأل المرء نفسه :لماذا أدخل الصوفية السحر في طرقهم ،ولماذا يستخدم
شيوخ الطرق السحر ،والكهانة؟!
فالجواب :أن الطرق الصوفية قامت على معتقدات وأفكار ونظريات تأباها
الفطرة السليمة ،وينكرها المسلم السوى ،فراحوا يتعاطون السحر ،ويستعينون
بالشياطين لتقدم لهم خدمات يضلون بها عباد الله ،ويلبسون عليهم دينهم،
فتصنع الشياطين لهم أمور ًا خارقة :كالطيران في الهواء ،أو السير على الماء،
أو الظهور للمريدين في أحالمهم يمجدون الشيخ ويثنون عليه؛ فيفتتن الناس
ممن ال علم له وال معرفة بتوحيد ربه ،فيرى أن هذه كرامات أكرم الله
ومن شيوخ الصوفية من إذا جاءه المريد سحره ،ليقيده عنده بقيد كى ال
يصحو عقله وقلبه فيهجره.
والصوفية لبسوا على الناس في تعاطيهم السحر ،بأن ما يصنعونه إنما هو
من باب أسرار الحروف ،ومن ذا الذى يمكن أن ينكر نورانية أحرف كالم الله
تعالى وتأثير وحيه؟! ،وزعموا أن هذه األسماء الغريبة في الطالسم واألسحار
إنما هي أسماء لله ؛لكنها باللغة السريانية الشريفة ،ولم يخجل شيوخهم األكابر
من اإلقرار بتعاطيهم السحر ،بل عده المترجمون منهم من مناقب شيوخهم.
جاء في كتاب (كتاب القبورية في اليمن) :إن التفريق بين السحر والكرامات
ال يكاد يميزه كل أحد ،بل إنه ليشتبه علی أكثر العوام في كثير من األحوال،
وقد يشتبه على بعض أهل العلم حيث يتعجلون في إصدار الحكم قبل الخبرة
والدراية التامة بأحوال من تجري الخوارق على يديه؛ وذلك ألن بعض السحرة
قد بلغ مبلغ كبيرة من الدهاء والمعرفة بحيث يخفي أعماله الخبيثة ،ويتظاهر
باألعمال الصالحة ،فإذا نظر إليه الناظر أحسن به الظن وسلكه في عباد الله
الصالحين ،ثم إذا ظهر على يديه خارق ظن أن ذلك كرامة له ،فمن هنا حرص
بعض الساعين إلى الجاه والمكانة والتصدر والتسمي بأسماء الوالية واالتصاف
بصفاتها عند الناس أن يتظاهر بالزهد من جهة ويستخدم بعض أنواع السحر من
جهة أخرى ليحسب من األولياء ،ولقلة العلم وغلبة الجهل ورواج الخرافة وما
13 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
يحصل عليه من سمعة ويلتف حوله من مریدین وربما يزكيه بعض األخيار
اغترارا بحاله ،لهذه العوامل مجتمعة فشت أنواع من السحر لدى بعض مذعي
التصوف وبعض القبوربين(((.
لقد زين الصوفية هذا الشرك بالله تعالى للناس .وهذا شأن البدع :تبدأ
صغيرة ،ثم ال تزال تكبر حتى تخرج إلى الكفر والعياذ بالله ،تماما ككره الثلج
عندما تتدحرج.
و سنتناول -إن شاء الله -فى هذا البحث هذا الموضوع بالتفصيل؛ لينجلى
األمر لطالب الحق ،وينكشف إفك هؤالء ،ﱹ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﱸ.
((( القبورية في اليمن نشأتها -آثارها -موقف العلماء منها تأليف فضيلة الشيخ أحمد بن حسن
المعلم ص.34
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 14
سبب الدراسة:
أما الذي حدانا إلى الكتابة في هذا الموضوع ،فإن الله تعالى من علي وبعض
إخواني باالحتساب على السحرة والمنجمين والكهان ،احتسابا شرعيا مأذونا
فيه ،ومندوبا إليه من قبل والة األمور ،وقد عاينا ووقفنا ورأينا العالقة الوثيقة
بين الصوفية وبين السحر والتنجيم والكهانة ،وتبين لنا أن أكثر هؤالء الشيوخ
من أرباب الطرق إن هم إال سحرة ومنجمون ،ومتعلقين بالكواكب متقربين
لها ،ظاهرين للناس بخالف ذلك ،فكان لزاما علينا بيان ذلك ،ال سيما وأنه مع
كثرة ما كتب في السحر من ناحية ،والتصوف من ناحية ،لم نجد دراسة تكشف
هذه العالقة الخبيثة ،فاستعنا بالله وتوكلنا على الله في إيضاح ذلك وبيانه.
15 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
هدف الدراسة:
إن هدف هذه الدراسة أن تكشف للناس جميعا باألدلة والوثائق العالقة بين
السحر والكهانة والتنجيم ،وبين التصوف ،وقد هدفنا (بحول الله) إلى بيان أن
شيوخ الطرق الصوفية سواء أكانوا في القديم أو في الحديث إن هم إال سحرة
وكهنة ومنجمون ،وأكثر الناس ال يعرفون حالهم ،ويغرهم سربال التقى والزهد
الذي يتسربلون به للخلق ،فعلنا ذلك ذودا عن حياض التوحيد وذبا عن كتاب
الله الذي أهانوه ،وعن النبي الذي كتبوا اسمه الشريف المعظم
-عند الله وعند الناس -بما ال يليق ذكره من مدادهم الخبيث ،وغير ذلك مما
حاولوا هدمه من ثوابت الملة وقواعد الدين ،والله الموفق والمستعان ،وبه
الحول والقوة ،ال حول وال قوة إال به.
وكان هدفنا أن نجلي العالقة التي بين الصوفية ،وبين السحر والتنجيم،
وهو موضوع لم ينل حظه من الدراسة والبحث مع خطورة ذلك ،وكثرة تعاطي
الصوفية لذلك ،ولما لم نجد بحثا مستقال في هذا الموضوع رغبنا في القيام
على هذا الثغر بهذا البحث.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 16
منهج الدراسة:
أما منهج هذه الدراسة ،فقد استخدمنا فيها منهجين من مناهج الدراسة،
األول :المنهج الوصفي ،وذلك حين عرضنا المادة عرضا أمينا من مصادرها
األصيلة ،بل صورنا وثائق من كتب الصوفية ؛إلثبات تعاطيهم للسحر ،والله
يعلم أننا كنا منصفين جهدنا ،مع بشاعة الجرم الذي تعاطوه.
((( من المعلوم أن االستقراء على نوعين تام ،وغير تام :فالتام كاستقراء اللغة التام الذي نتج
عنه أن الكلمة تنقسم إلى اسم وفعل وحرف ال غير ،وكاستقراء نصوص الشرع التي دلت على
أن التوحيد ينقسم إلى توحيد ربوبية ،وتوحيد ألوهية ،وتوحيد أسماء وصفات ،وكان االستقراء
في بحثنا من النوع الثاني أي غير التام ،إذ استقرأنا في هذا الكتاب غالب أحوال شيوخ الصوفية
المعظمين ،وطائفة كبيرة من طرقهم ،وهو استقراء تدل النماذج الكثيرة المذكورة على ما لم يذكر،
ويقاس ما لم يبحث على ما بحث هنا ،أما االستقراء التام فإنه يحتاج إلى دراسات أخص ،ودوائر
أضيق كأن يتناول باحث ما شيخا من شيوخ الصوفية السحرة ،ثم يدرس عالقته بالسحر والتنجيم
والكهانة ،كذلك يدرس دارس طريقة واحدة :يبحث جميع كتبها وأورادها ،وتراجم رجالها،
ولسوف يكون العمل بعد ضخما جدا.
17 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
خطة البحث:
يشتمل هذا الكتاب على مقدمة وتمهيد وخمسة مباحث ومالحق:
المطلب األول :وهو بعنوان :الصوفية أول من تعبد لله بالسحر في اإلسالم.
وفيه مسألتان:
المبحث الرابع :أغراض السحر عند الصوفية ووسائله ،والعالقة بين الكشف
والكهانة.
هذا ،ونسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم ،صراط الذين أنعم عليهم غير
المغضوب عليهم وال الضالين ،وأن يهدينا سواء السبيل ،وأن يسلك بنا منهج
النبى وإخوانه من األنبياء (عليهم الصالة والسالم) ،وأصحابه
الكرام غير غالين وال مفرطين ،إنه سميع مجيب الدعاء.
19 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
التمهيد
وفيه مطلبان:
التعريف بالسحر:
السحر لغة :وردت كلمـة السحر في معاجـم اللغـة في معان عدة نذكر منها:
ثانيا :السحر :بمعنى الصرف واإلزالة والخداع ،ومنه قوله تعالى :ﱹ ﰅ
ﰆﱸ((( ،فأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته الى غيره .قال « يونس
تقول العرب للرجل :ماسحرك عن وجـه كـذا ،والعرب إنما سمت السحر
سحر ًا ألنه :يزيل الصحة عن المرض ،وإنما يقال سحره :أي أزاله عن البغض
إلى الحب.
ثالثا :السحر :كل أمر يخفى ،ويتخيل على غير حقيقته ،ويجرى مجرى
التمويه والخداع.
رابعا :السحر :هو اخراج الباطل في صورة الحق ،والسحر :سمي سحر ًا،
ألنه صرف الشيء عن جهته .فكـأن الساحر لما أدى الباطل في صورة الحق،
وخيل الشيء على غـير حقيقته سحر الشيء عن وجهه وصرفه ،ومن السحـر:
األخذة التي تأخذ العين ،حتى تتخيل شيئا على وجه ،وليس األصل هذا الذي
تراه.
خامسا :السحـر :كل أمر يخفى سببه ،ويتخيل على غير حقيقتـه.
سادسا :جاءت كلمة السحر بمعنى اإلفساد ،تقول العرب طعام مسحور إذا
فسد عمله(((.
أوال :عرف الطبري السحر بأنه :تخيل الشي إلى المرء بخالف ما هـو بـه
في عينه وحقيقتـه ،نظـير الذي يرى السراب من بعيد ،فيخيل إليه أنه ماء ،ويرى
الشيء من بعيد فيثبته بخالف ما هو على حقيقته.
ثانيا :عرف السحر بأنه نوع يستفاد من العلم بخواص الـجـواهـر ،وبأمور
حسابية في مطالع النجوم ،فيتخذ من تلك الجواهر هيكال على صـورة الشخص
المسحور ،ويرصد به وقتًا مخصوصًا من المطالع ،وتقـرن به كلـمـات يتلفظ بها
((( استفدنا ما كتبناه هنا من دراسة الدكتوره حياة باأخضر ،والتي هي بعنوان :موقف اإلسالم من
السحر :ج 1جامعة أم القرى ،قسم العقيدة ،وذلك طلبا لإليجاز ،وكذلك من باب رد الفضل إلى
أهله ،حيث جمعت الدكتورة في ذلك مادة قيمة وكبيرة ،انتقينا منها ما ذكرناه هنا ،وقد رجعت إلى
جملة وافرة من المراجع ،أثبتتها في الحواشي.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 22
من الكفر والفحش المخالف للشرع ،يتوصل بسببها إلى االستعانة بالشياطين،
ويحصل من مجموع ذلك أحوال غريبة في الشخص المسحور(((.
ثالثا :عرف السحر بأنه :كالم مؤلف ،يعظم فيه غير الله تعالى ،وتنسب إليه
األفعال والمقادير ،الكائنات بخلق الله عند قول الساحر ،وفعله في السحور،
(((
ماشاء من أمره حسب ما جرت العادة به
وعرفت السحر بأنه :علم سرى ،تزاولة النفوس الخبيثة ،إما بقصد تخييل
الشيء على غير حقيقته ،أو بقصد اإلضرار بخلق من مخلوقات الله ،ويستعان
في هذا اإلضرار بالتقرب إلى الشيطان ،بارتكاب القبائح قوالً :كالرقى والعزائم،
والنفث على العقد ،بإلفاظ فيها شرك .أو عمالً :كعبادة الكواكب ،والتزام
الجنابة ،والفسوق ،وسائر المعاصي ،أو اعتقاد ًا :كاستحسان ما يوجب التقرب
((( التعريف للغزالي بتصرف يسير ،راجع موقف اإلسالم من السحر :د حياة.
((( التعريف البن العربي المالكي ،راجع المرجع السابق.
((( التعريف البن قدامة.
23 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
منه ،ومحبته إياه .فينتج عـن كل ذلك أثر حقيقي على المسحور بدون إرادته،
بإذن الله تعالى.
تعريف الكهانة:
حرم الله تعالى الكهانة ،وحذر منها رسول الله ،ولكن الصوفية
الذين يدعون محبة الله ،ومحبة النبي مارسوا الكهانة وادعوا
االطالع على المغيبات ،وقل شيخ من شيوخ الصوفية إال وتعاطى الكهانة،
وتوسعوا ما استطاعوا من أجل ذلك في مصطلح الكشف الذي أكثره كهانة
صوفية ،وسنعرف هنا بالكهانة لغة واصطالحا:
الكهانة لغة :كهن له يكهن :قضى له بالغيـب من باب قتل فهو :كاهن ويكهن،
وكهن كهانة وتكهن تكهنـًا وتكهينًا .واألخير نادر .وكهن كهانة :مثل كفــــــرة
وكفار ،فإذا صارت الكهانة له طبيعة وغريزة قيل .كهن بالضم .والكهانة
بالكسر :الصناعة .والعرب تسمي كل من يتعاطى علمًا دقيقًا كاهنا .ومنهم من
كان يسمى المنجــم والطبيب كاهنًا.
وغير ذلك تدخل في الكهانة .يقـول شيخ اإلسالم ابن تيمية( :العراف قد قيل:
إنه اسم عـام للكاهن والمنجـم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرف األمور
الغيبيـة)(((.
أنواع الكهانة:
النوع األول :أن يكون لإلنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السماء،
فإن الجن كانوا يصعدون إلى جهة السماء ،فيركب بعضهم بعضًا إلى أن يدنو
األعلى ،بحيث يسمع الكالم ،فيلقيه إلى الذي يليه ،إلى أن يتلقاه من يلقيه في
أذن الكاهن ،فيزيد عليه .فلما جـاء اإلسالم ،ونزل القرآن ،حرست السماء من
الشياطين قال تعالى :ﱹ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﱸ(((.
النوع الثاني :أن يكون لإلنسان ولي من الجن ،يخبره بما يطرأ في أقطار
األرض ،وما خفى عنه مما قرب أو بعد ،وهذا ال يستبعد حدوثه فالشياطين
تسري في اإلنسان سریان دمه ،وهي تدخل البيوت التي ال يذكر فيها اسم الله،
وتشارك في الطعام والشراب والثياب واألوالد إذا لم يذكر اسم الله.وهذان
النوعان هما من استمتاع االنس بالجن والشياطين ،باستخدامهم فــی اإلخبار
بالمغيبات ((( .والفرق بينهما في المعلومات التي يعطيها الشيطان وليه الكاهن،
((( موقف اإلسالم من السحر :ج 1ص 166الدكتوره حياة باأخضر بتصرف يسير.
((( اآلية 9سورة الجن.
((( موقف اإلسالم من السحر :ج 1ص 166الدكتوره حياة باأخضر بتصرف يسير.
25 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
الـنــوع الثالـث :ما يستند إلى ظن وتخمين وحدس ،بأن يزعم الشخص أنه
يعرف األمور بمقدمات وأسباب ،يستدل بها على مواقعه كالشيء المسـروق،
فيعرف من سرقه .وتتهم المرأة بالزني ،فيعرف صاحبها ،وهذا قد يجعل الله فيه
لبعض الناس قوة مع كثرة الكذب فيه(((.
تعريف التنجيم:
يستخدم كثير من الصوفية علم التنجيم ،وألف فيه طائفة من معظميهم ،ألف
فيه البوني ،وأكثر ابن عربي من الحديث عن الكواكب والنجوم ،وربط ذلك
بالحوادث واألحوال ،وسيأتيك طرف من هذا في هذا البحث ،والتنجيم علم
معروف ،وكان العرب قبل اإلسالم يتعاطون شيئا منه ،وقد حذر منه رسول الله
،وبين أنه ال يجوز نسبة الحوادث إلى النجوم ،وسنعرف هنا بعلم
التنجيم في إيجاز.
تعريف التنجيم لغة :جاء في مختار الصحاح :نجم الشيء ظهر وطلع ،وبابه
دخل يقال نجم السن والقرن والنبت إذا طلعت ،والنجم الوقت المضروب،
((( موقف اإلسالم من السحر :ج 1ص 166الدكتوره حياة باأخضر بتصرف يسير.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 26
التنجيم اصطالحا :عرف التنجيم بأنه :معرفة الغيب ،باالعتماد على النظرية
القائلة بتأثير النجوم في شئون اإلنسان.
وكشف الطالع في علم التنجيم عبارة :عن خريطة للسماوات وقت الوالدة.
وتستخدم خريطة إيضاحية لدائرة البروج .ويقـــال ان المنزل أو الرمز في
حالة الصعود ،ووقت والدة الشخص ،هو الذي يحدد طبعه ،ومدى استعداده
للمرض ،وتعرضه لبعض الحظوظ أو الكوراث.
والواقـع أن علم التنجيم ،علم فارسي أدخل إلى العالم اإلسالمي في إعطاء
النجوم معانی ،ورموز ًا وتصوير ًا لمظاهر الطبيعة الخارقة ،على أنها قوى شر،،
أو خير ،تسعى إلى مكافأة اإلنسان ،أو إنزال العقاب به(((.
((( إيضاح مختار الصحاح للرازي :نديم ،وأسامة ،وعادل مرعشلي ،تقديم وهبة الزحيلي مادة
نجم ،دار البشائر ،الطبعة األولى1417 ،ه=1997م.
((( موقف اإلسالم من السحر حياة سعيد عمر با أخضر ج 1ص 205بتصرف يسير.
27 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
فهو شرك وكفر به تعالى ،وهذا أول ما يصنعه من يسير في ظلمات السحر ،وقد
يقتل الساحر المسحور ،وقد يأكل أموال اليتامى بسحره ،وكذا الكاهن بكهانته،
والمنجم بتنجيمه.
وقد وردت نصوص شرعية تحرم وتحذر من السحر والكهانة والتنجيم من
ذلك:
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ
ﮡ ﮢﱸ(((.
2.ذم الله سبحانه متعاطي السحر ،وأخبر أن الخسران قرينه ،قال تعالى:
ﱹﯶ ﯷ ﯸﱸ((( وقال :ﱹﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﱸ(((.
3.بين النبي خطورة إتيان الكهان والسحرة :عن أبى هريرة
قال :قال رسول الله « :من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه
بما يقول فقد كفر بما انزل على محمد»((( ،وعن عبد الله بن مسعود قال «من
أتى ساحرا أو كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل على محمد
.(((»
4.هون النبي شأن الكهان :أخرج البخاري من حديث َعائِ َش ُة
إن هذا من أبرز معالم احتسابه على هؤالء الكهان ،حيث بين
قدرهم للناس وأنهم ليسوا بشيء ،لقد سحقهم سحقا وأزال من
الصدور تعظيمهم ،وقلل القليل وقبح القبيح ،فهم ال يملكون نفعا وال ضرا إال
بإذن الله ،فهؤالء الذين هم ليسوا بشيء كيف للمسلم أن يأتيهم طالبا منهم نفعا
أو كشف ضر .وفي هذا تحذير من االنخداع بهؤالء وبيان لقدرهم ،وهو أنهم
ال قدر لهم(((.
5.وعن ابن عباس ،أن النبي قال« :ليس منا من تسحر أو تسحر
له ،أو تكهن أو تكهن له ،أو تطير أو تطير له»((( وهذا وعيد شديد أيضا لمن عمل
بالكهانة لنفسه أو غيره.
ض َأ ْز َواجِ النَّبِ ِّي َ ع ْن النَّبِ ِّي 6.وعن نافع َع ْن َص ِف َّي َة َع ْن َب ْع ِ
ِ ٍ
«م ْن َأتَى َع َّرا ًفا َف َس َأ َل ُه َع ْن َش ْيء َل ْم ُت ْق َب ْل َل ُه َص َاَل ٌة َأ ْر َبع َ
ين َل ْي َلةً»(((. َ ق َالَ :
7.حذر النبي من التكسب بالكهانةَ :عن َأبِي مسع ٍ
ود ْاأْلَن َْص ِ
ار ِّي: َ ْ ُ ْ
ان ا ْلك ِ
َاه ِن»(((. ب َو َم ْهرِ ا ْل َب ِغي َو ُح ْل َو ِ
ول ال َّل ِه ن ََهى َع ْن َث َم ِن ا ْل َك ْل ِ َ
«أ َّن َر ُس َ
ِّ
8.كره النبي حتى مشابهة الكهان في سجعهمَ .ع ْن َأبِي
تول ال َّل ِه َ ق َضى فِي ْام َر َأ َت ْي ِن ِم ْن ُه َذ ْي ٍل ا ْق َت َت َلتَا َف َر َم ْ ُه َر ْي َر َة َ :
«أ َّن َر ُس َ
ت َو َلدَ َها ا َّل ِذي فِي َب ْطن ِ َها اب َب ْطن ََها َو ِه َي َح ِام ٌل َف َق َت َل ْ
إِ ْحدَ ُاه َما ْاأْلُ ْخ َرى بِ َح َجرٍ َف َأ َص َ
اخت ََص ُموا إِ َلى النَّبِ ِّي َ ف َق َضى َأ َّن ِد َي َة َما فِي َب ْطن ِ َها ُغ َّر ٌة َع ْبدٌ َأ ْو َأ َمةٌ، َف ْ
ول ال َّل ِه َم ْن َاَل َشرِ َب َو َاَل َأك ََل َو َاَل
ف َأ ْغ َر ُم َيا َر ُس َ
ت َك ْي ََف َق َال َولِ ُّي ا ْل َم ْر َأ ِة ا َّلتِي َغرِ َم ْ
ك ي َط ُّل َف َق َال النَّبِي إِن ََّما َه َذا ِم ْن إِ ْخ َو ِ ِ ِ
ان ُّ َن َط َق َو َاَل ْاست ََه َّل َفم ْث ُل َذل َ ُ
ان»(((. ا ْلك َُّه ِ
((( المعجم األوسط للطبراني ( -ج / 9ص ،4413 )466وصححه األلباني في
الصحيحة2195
ِ ِ ِ ِ
يم ا ْل َك َهانَة َوإ ْت َيان ا ْل ُك َّهان ،حديث رقم .4137 ِ
الساَلَمَِ ،باب َت ْحر ِ ِ
((( رواه مسلم في كتَاب َّ
ِ
ب حديث رقم ،2083ومسلم في كتَاب ((( رواه البخاري في كِتَاب ا ْل ُب ُيوعَِ ،باب َث َم ِن ا ْل َك ْل ِ
اه ِن َو َم ْه ِر ا ْل َب ِغ ِّي حديث رقم .2930
ان ا ْل َك ِب وح ْلو ِ اةَ ،باب َت ْح ِر ِ
يم َث َم ِن ا ْل َك ْل ِ َ ُ َ
ا ْلمسا َق ِ
ُ َ
((( رواه البخاري في كِتَاب ال ِّطب ،باب ا ْلكِهان َِة حديث رقم ،5317ومسلم في كِتَاب ا ْل َقسامةِ،
َ َ َ ِّ َ
ين حديث رقم .3185 َباب ِد َي ِة ا ْل َجن ِ ِ
31 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
((( رواه البخاري في كِتَاب َبدْ ِء ا ْل َخ ْل ِقَ ،باب ِذك ِْر ا ْل َماَلَئِ َك ِة ،حديث رقم .2971
س حديث رقم ،985ومسلم الش ْم ِوف َّ ((( رواه البخاري في كِتَاب ا ْلجمع ِة ،باب الصاَل َِة فِي كُس ِ
ُ َّ ُ ُ َ َ
ِ ِ ِ
وفَ ،باب َما ُع ِر َض َع َلى النَّبِ ِّي في َص َاَلة ا ْل ُك ُسوف حديث رقم .1508 في كِتَاب ا ْل ُكس ِ
ُ
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 32
َأ َح ٍد َو َاَل لِ َح َياتِ ِه َو َلكِ ْن َر ُّبنَا ْ اس ُم ُه إِ َذا َق َضى َأ ْم ًرا َس َّب َح َح َم َل ُة ا ْل َع ْر ِ
ش ُث َّم
اء ا َّل ِذين ي ُلونَهم حتَّى يب ُلغَ التَّسبِيح َأه َل ه ِذ ِه السم ِ
اء الدُّ ْن َيا ُث َّم سبح َأه ُل السم ِ
َّ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َ َْ َّ َ َ َّ َ ْ
ش لِ َح َم َل ِة ا ْل َع ْر ِ
ش َما َذا َق َال َر ُّبك ُْم َف ُيخْ بِ ُرون َُه ْم َما َذا َق َال ون َح َم َل َة ا ْل َع ْر ِ
ين َي ُل َ ِ
َق َال ا َّلذ َ
ِِ ِ
الس َم َاوات َب ْع ًضا َحتَّى َي ْب ُلغَ ا ْلخَ َب ُر َهذه َّ
الس َما َء الدُّ ْن َيا َق َال َف َي ْستَخْ بِ ُر َب ْع ُض َأ ْه ِل َّ
ون إِ َلى َأ ْولِ َيائِ ِه ْم َو ُي ْر َم ْو َن بِ ِه َف َما َجا ُءوا بِ ِه َع َلى َو ْج ِه ِه
الس ْم َع َف َي ْق ِذ ُف َ ف ا ْل ِ
ج ُّن َّ َفتَخْ َط ُ
ون فِ ِيه َو َي ِزيدُ َ
ون»(((. َف ُه َو َح ٌّق َو َلكِن َُّه ْم َي ْقرِ ُف َ
12.بين النبي أن من يتعامل مع النجوم على سبيل أنها تنفع وتضر أنه ساحر،
«م ْن ا ْق َت َب َس ِع ْل ًما ِم ْن الن ُُّجو ِم ِ
ول ال َّله َ : َع ْن ا ْب ِن َع َّب ٍ
اس َق َال َق َال َر ُس ُ
الس ْحرِ زَا َد َما زَا َد»(((. ِ
ا ْق َت َب َس ُش ْع َب ًة م ْن ِّ
13.حذر النبي من التعلق بها على هذا النحو ،وأن هذا كفر
بالخالق الجليل وقد نصح ألمته عمليا َ ،ع ْن َز ْي ِد ْب ِن َخال ِ ٍد ا ْل ُج َهن ِ ِّي
ول ال َّل ِه ص َاَل َة الصبحِ بِا ْلحدَ يبِي ِة فِي إِ ْث ِر سم ٍ
اء َأ َّن ُه َق َالَ :ص َّلى َلنَا َر ُس ُ
َ َ ُ ْ َ ُّ ْ َ
ون َما َذا َق َال «ه ْل َتدْ ُر َ َّاس َف َق َالَ : كَان َْت مِ ْن ال َّل ْي ِل َف َل َّما ان َْص َر َ
ف َأ ْق َب َل َع َلى الن ِ
قامت ساقه على جذور غريبة عن اإلسالم ،واستمد حياته من األديان والملل
األخرى ،كما كرع من الفلسفات الغربية والشرقية.
ومن المعلوم يقينا لدى الصوفية وغيرهم أن التصوف نشأ كطرق في الملة
اإلسالمية بعد القرون المفضلة ،وأن النسك الفاسد ظهر بالبصرة ،ثم انتشر
(((
بغيرها.
((( كتاب التوحيد :صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان ص 144هـ بتصرف يسير ،وزارة الشؤون
اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد -المملكة العربية السعودية ،الطبعة :الرابعة1423هـ.
((( هو :أبو الحسن األشعري ،علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله
بن موسى ابن بالل بن أبي بردة بن أبي موسى األشعري البصري ،المتكلم البصري ،صاحب
المصنفات ،أخذ علم الكالم أو ً
ال عن أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة ثم فارقه ورجع عن االعتزال
الساجي ،وعلم الكالم الجدل والنَّظر،
وأظهر ذلك وشرع في الرد عليهم ،أخذ الحديث عن زكريا َّ
قال الخطيب البغدادي :أبو الحسن األشعري المتكلم صاحب الكتب والتصانيف في الرد على
الملحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة -والجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة وهو
بصري سكن بغداد إلى أن توفي.توفي في سنة أربع وعشرين وثالثمائة وقيل :سنة عشرين وقيل:
35 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
قريب بهذا العهد :وفي النساك من الصوفية من يقول بالحلول ،وأن البارئ يحل
في األشخاص ،وأنه جائز أن يحل في إنسان وسبع وغير ذلك من األشخاص،
وأصحاب هذه المقالة إذا أرادوا شيئًا يستحسنونه قالوا :ال ندري لعل الله حال
فيه ،ومالوا إلى اطراح الشرائع وزعموا أن اإلنسان ليس عليه فرض ،وال تلزمه
عبادة إذا وصل إلى معبوده(((.
التصوف لغة :تعددت أقوال العلماء ،وكذا الصوفية أنفسهم في بيان أصل
التصوف ومعناه اللغوي ،حيث نقل بعض المتصوفة أكثر من خمسين تعريفًا
سنة ثالثين.راجع :طبقات الشافعية :البن قاضي شهبة (ج / 1ص ،)11العبر في خبر من غبر -
(ج / 1ص ،)126وفيات األعيان ( -ج / 3ص )284
((( مقاالت اإلسالميين واختالف المصلين :ألبي الحسن األشعري ج / 1ص 4تحقيق محمد
محيي الدين عبدالحميد ،المكتبة العصرية 1411ه=1990مـــ.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 36
له عن متقدميهم ،وقال بعضهم :إن أقوال مشايخ الصوفية تزيد على ألف قول.
وأغلب هذه األقوال في تعريف التصوف ال يؤيده االشتقاق اللغوي ،وأشهر
هذه التعريفات.
أوال :قيل إن التصوف :مأخوذ من الصفاء» ،وهذا غلط لغة ألن النسبة إليه
صفائي.
ثانيا :قيل :نسبة ألصحاب الصفة ،وأما نسبة الصوفية إلى أهل الصفة فانها
غير صحيحة من جهتين
الجهة األولى :وهي اللغة ،حيث أن النسبة إلى الصفة لغة هي « صفى »
(بضم الصاد ،وتشديد الفاء مع الكسر).
الجهة الثانية :هي الصفة الجامعة بين المنسوب والمنسوب إليه ..فأهل
الصفة لم يكونوا
ثالثا :قيل :نسبة للصوفانة ،وهي بقلة قصيرة ،نسبوا إليها الكتفائهم بنبات
الصحراء ،وهذا أيضًا غلط ،ألنه لو نسبوا إليها لقيل :صوفاني
37 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
رابعا :قيل :نسبة لرجل يقال له :صوفة ،واسمه الغوث بن مر بن أد طابخة
بن إلياس بن مضر انقطع للعبادة عند بيت الله الحرام ،الغوث ،قال عبد الكريم
الخطيب :ونقول إن نسبة الصوفية إلى « صوفة » هذا الذي عاش في الجاهلية
-إذا صح أن الصوفية نسبوا طريقتهم -أو طرقهم -إليه -هذه النسبة تلقي ظالال
من التهم حول صحة نسبتهم إلى اإلسالم ،ألن الرجل الذي انتسبوا إليه لم يكن
على دين صحيح ،وإن سلك مسلك الزهد والتعبد ،حيث ال يستبعد أن يكون
هذا مذهبًا شخصيًا له ،أو أنه تلقاه من بعض النساك والرهبان ،أو وصل إليه من
بعض أصحاب الديانات الهندية.
خامسا :قيل نسبة :لصوفة القفا ،وهي الشعرات النابتة في مؤخر الرأس،
سادسا :قيل :نسبة إلى الصوف وقيل غير ذلك ،والراجح من هذه األقوال
والله أعلم -أن التصوف ماخوذ من الصوف» ،وهو أصل اشتقاقه .ويقدس
المتصوفة الصوف ويعظمون أمره ،يقول أحمد زيني دحالن« :وحكي عن
الشيخ عبد الـرحـيـم القناوي أنه «رأى مرة في عنق كلب خرقة من صوف فقام
له إجال ً
ال للخرقة الصوف المنسوبة للصوفية»(((ومن قرأ كالم دحالن هذا علم
((( الصوفية في حضرموت نشائها .أصولها آثارها :أمين أحمد عبد الله السعدي ص122وما
بعدها بتصرف دار التوحيد ط1432 ،2هـ=2011م.وراجع الرسالة القشيرية :للقشيري
( ،)٢/٥٥٠عوارف المعارف :للسهروردي (ص )٥٨تلبيس إبليس :البن الجوزي :ص،201
مجموع الفتاوى :البن تيمية ( )١٠/٣٦٩وانظر لزاما :التصوف والمتصوفة في مواجهة اإلسالم
عبدالكريم الخطيب 73دار الفكر العربي .الطبعة األولى .1980
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 38
سر نقمته على دعوة التوحيد ،وكذبه على داعيتها ،وقد كفانا الشيخ
السهسواني مؤنته في كتاب صيانة اإلنسان عن وسوسة الشيخ دحالن ،ويالله ما
أبدع عنوان كتابه ،وأخبره عن حال دحالن.
سابعا :قال البعض إن كلمة «الصوفية» مأخوذة من كلمة يونانية هي( :صوفيا)
ومعناها :الحكمة(((.
وهكذا نرى أن أصل التسمية اللغوي ال يرجع إلى كتاب وال إلى سنة ،وال
إلى أثر من آثار السلف ،كما أن أصل االستمداد ال يرجع إلى معنى صحيح
معتبر شرعا ،فهو إما يرجع إلى أصل يوناني( :سوفيا) ،أو إلى رجل جاهلي
هو :الغوث بن مر ،وما حاجة المسلم إلى األخذ من الوثنية ،والجاهلية ،وقد
أغناه الله بأسماء اإلسالم واإليمان واإلحسان ،وشرفه باالنتساب إلى السنة
والجماعة والسلف ،التي هي نسب شرعية إسالمية ،وإما يرجع التصوف إلى
صوفة القفا أو بقلة وهو استمداد عجيب أيضا ،وأما النسبة إلى صفة مسجد
النبي فإنها ال تصح لغة ،كما أنها ال تصح اصطالحا ،وحكما،
وواقعا ،فأين هؤالء من أصحاب الصفة اعتقادا ومعرفة وسلوكا وخلقا؟!!.
أما نسبتهم إلى الصوف فهي الصحيحة لغة ،كما أنها صحيحة واقعا،
فالصوفية يرون أن الصوف لباس الزاهدين ،ويرون أن ذلك تشبها بالمسيح عليه
السالم ،وقد ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية في «الفتاوى» :عن محمد بن
((( حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة تأليف د محمد ربیع ص ،34دار اآلثار.
39 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
سيرين أنه بلغه أن قوما يفضلون لباس الصوف ،فقال :إن قوما يتخذون الصوف
يقولون إنهم يتشبهون بالمسيح بن مريم ،وهدي نبينا أحب إلينا ،وكان النبي
(((
يلبس القطن وغيره.
ويقول أبو نصر السراج -مؤلف أقدم كتاب عربي في التصوف :-إن صوفى
مشتق من الصوف ألن الصوف كان لباس األنبياء ،ورمز األولياء والخاصة ،كما
(((
يظهر من أخبار الصوفية وآثارهم.
وقال الشيخ إحسان إلهي ظهير :قبل أن أبحث في التصوف ونشأته وتاريخه
نريد أن نذكر أصل اشتقاقه ،من أين اشتق؟ وكيف كان اشتقاقه؟ واختالف
الباحثين فيه والصوفية أنفسهم أيضا((( ،ولقد سئل الشبلي :لم سميت بهذا
االسم؟ فقال( :هذا االسم الذي أطلق عليهم اختلف في أصله وفي مصدر
اشتقاقه) ((( .ثم عقب على ذلك بقوله :وال زالوا مختلفين فيه حتى اليوم.
وبمثل ذلك قال القشيري في رسالته( :ليس يشهد لهذا االسم من حيث العربية
((( حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة تأليف د محمد ربیع ص ،34دار اآلثار ،وراجع
مجموع الفتاوى ج 7ص ،11وانظر زاد المعاد :البن القيم ج 1ص.12
((( اللمع :للطوسي ص.37
ِ
السنة ف :المن َْشأ َو َ
الم َصادر :تأليف األستاذ إحسان إلهي ظهيرص ،24إدارة ترجمان ُّ َّــص ُّو ُ
((( الت َ
الهور -باكستان1941 ،م 1987م
((( أبحاث في التصوف :الدكتور عبد الحليم محمود ص ،55ضمن مجموعة مؤلفاته ،دار
الكتاب اللبناني الطبعة األولى 1979م.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 40
قياس وال اشتقاق) (((.كما أنه مما الشك فيه أنه ال يصح وال يستقيم اشتقاقه من
حيث اللغة إال من الصوف ،ولو أنه هو اختيار الكثيرين من الصوفية وغيرهم
كالطوسي ،وأبي طالب المكي ،والسهروردي وأبي المفاخر يحيى باخرزي،
وابن تيمية ،وابن خلدون من المتقدمين.واألستاذ مصطفى عبد الرزاق،
والدكتور زكي مبارك ،والدكتور عبد الحليم محمود ،والدكتور قاسم غني،
ومن المستشرقين مرجليوس ،ونيكلسون ،وماسينيون ،ونولدكه وغيرهم من
المتأخرين(((.
((( الرسالة القشيرية لعبد الكريم القشيري ج 2ص 550دار الكتب الحديثة القاهرة.بواسطة
التصوف :للشيخ إحسان إلهي ظهيرص.25
ف :المن َْشأ والمص ِ
ادر :األستاذ إحسان إلهي ظهيرص.25 َّــص ُّو ُ
َ َ َ ((( الت َ
((( التعرف المذهب أهل التصوف ،الكالم في (ص ،)43بواسطة الصوفية في حضرموت
نشائها .أصولها آثارها :أمين أحمد عبد الله السعدي ص.49
41 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
بدّ »((( .وقيل« :أن تكون مع الله بال عالقة» وقيل غير ذلك.
وكثرة هذه التعريفات تدل على عدم ضبط أهل التصوف لمصطلح التصوف
فضالً عن غيرهم ،وهذه ميزة الباطل ال ثبات له وال قرار؛ وإنما هو االضطراب
واالختالف.
ولكثرة تعريفات التصوف فقد لخصه بعضهم بأنه :السير في طريق الزهد
بأسلوب من التقشف ،وأنواع التجرد عن زينة الحياة وشكلياتها ،وأخذ النفس
بأسلوب من التقشف ،وأنواع من العبادة ،واألوراد والجوع ،والسهر في صالة،
أو تالوة ورد ،حتى يضعف في اإلنسان الجانب الجسدي ويقوى فيه الجانب
النفسي أو الروحي ،فهو إخضاع الجسد للنفس بهذا الطريق المتقدم ،سعيًا إلى
تحقق الكمال النفسي كما يقولون ،وإلى معرفة الذات اإللهية وكماالتها ،وهو
ما يعبرون عنه بمعرفة الحقيقة(((.
ويرى محمد شفقة في كتابه التصوف بين الحق والخلق :أن التصوف طريقة
زهدية في التربية النفسية يعتمد على جملة من العقائد الغيبية (الميتافيريكية)
مما لم يقم على صحتها دليل في الشرع وال في العقل.
ويالله العجب كيف يسير الرجل في طريق ال يشهد لصحته شرع وال عقل.
عبارة من ترجيح اآلخرة على الدنيا ،والتصوف اسم لترك الدنيا تماما ،والزهد
هو تجنب الحرام ،واالقتصاد في الحالل ،والتمتع بنعم الله بالكفاف ،وإشراك
اآلخرين في آالء الله ونعمه وخدمة األهل واألخوان والخالن ،والتصوف
تحريم الحالل ،وترك الطيبات ،والتهرب من الزواج ومعاشرة األهل ،والتهرب
من معاشرة اإلخوان ،وتعذيب النفس بالجوع والتعري والسهر.فالزهد منهج
وسلوك مبني على الكتاب و السنة ،وليس التصوف كذلك ،لذلك إحتيج لبيانه
إلى( :التعرف لمذهب أهل التصوف) و (قواعد التصوف) و (الرسالة القشيرية)
و (اللمع) و (قوت القلوب) و (قواعد التصوف) و (عوارف المعارف) وغيرها
من الكتب....فعندما نكتب إنما نكتب عن هذا المذهب أي مذهب التصوف ال
عن الزهد((( .وقد أحسن في ذلك وأجاد ،وأصاب كبد الحقيقة ،وبمثل
قوله نقول أيضا في كتابتنا هذا البحث.
وبهذا يتبين لنا مخالفة الصوفية لمنهج سلف األمة في العبادة ،والسلوك،
وتعذيبهم للنفس برياضات ابتدعوها من عند أنفسهم أمالها عليهم الشيطان،
وما ذاك؛ إال لبعدهم عن نور الوحي ،الكتاب والسنة ،واتباع اآلراء المخالفة
والنظريات الفلسفية الدخيلة على األمة اإلسالمية المخالفة لمذهب السلف
على أننا نذكر أمرا مهما ذكره بعض الباحثين األكاديميين (((
الصالح.
السودانيين :وهو أن التصوف الذي كان تركا للدنيا وعزوفا عنها ،والتقلل
من المطعم والمشرب ،ولبس المرقعات ،وسكنى الجبانات والمزابل هذا
كان شأن التصوف قديما ،أما واقع التصوف اليوم فهو يخالف ذلك تماما،
فبيوتات التصوف في السودان مثال من أغنى البيوت ،وأكثرها ترفا ،وشيوخ
التصوف يعيشون عيشة الملوك والقياصرة ،ويسكنون أفخم البيوت ،ويركبون
أفخم السيارات وأغالها ثمنا ،وأحدثها صناعة ،قد أخذوا ذلك من مريديهم
ودراويشهم ،اقفروا أفواه الفقراء ،وجوعوا بطونهم ليعيشوا تلك الحياةالرغيدة،
ونحن نوافقه على ذلك تمام الموافقة ،فشيوخ الصوفية من أكثر الناس ثراءا
وأرغدهم عيشا.
نفرق بين
وقال الشيخ المعلم أيضا :حتى ال تختلط علينا المفاهيم ،يجب أن ِّ
الزهد الذي دعا إليه اإلسالم ،وحث عليه الرسول ،وحمده أئمة
الـمحدَ ث المجلوب
المسلمين ،ولم يذمه أحد ممن يعتد بقوله ،وبين التصوف ُ
من خارج حدود اإلسالم ،والمضبوط بضوابطه المعروفة ،والمحدّ د بحدوده
الواضحة ،والمبني على فلسفة خاصة ،فهذا لون والزهد الذي جاءت به شريعة
اإلسالم لون آخر ،وإن الخلط بين األمرين قد أوقع لبسًا كبير ًا على عوام
الناس ،واستغ َّله دعاة التصوف وتزينوا به ،بل اتخذوه درعًا واقيًا من سهام
الطاعنين عليهم وعلى فلسفته الضالة وبدعهم المحدثة الخارجة عما جاء به
اإلسالم ،فإذا تك َّلم متكلم عن مخازي التصوف ومثالبه ،عارضه المتصوفة
45 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
بإبراز الشخصيات النظيفة الطاهرة على أنها أئمته ومؤسسوه ،فيذكرون أباذر
وأبا الدرداء ،ومن التابعين أويس القرني ،والحسن البصري
ومن شابههما ،ثم يذكرون مالك بن دينار ،والفضيل بن عياض ،ومن أهل
اليمن :عمرو بن ميمون األودي ،وطاووس بن كيسان اليماني ،ووهب بن منبه،
ونحوهم ،وهؤالء ال عالقة لهم ألبتة بما أحدث بعد من تصوف مبتدَ ع فلسفي
ٍ
محتو على إلحاد أصحاب الحلول واالتحاد ،ومكائد المتاجرين بالوالية
والكرامات(((.
بها وأخالقًا تخلقوا بها»((( ويذهب البعض إلى أن ظهور التصوف كان نتيجة
إقبال الناس على الدنيا واالنشغال بها ،ولذا عرف المقبلون على الزهد والعبادة
باسم الصوفية ،ومنذ ذلك الوقت غلب هذا االسم على هذه الطائفة من الزهاد
فيقال :رجل صوفي وللجماعة الصوفية (((.
وقد اختلفت األقوال في أول من لقب بالصوفي ،فقيل :هو أبو هاشم
الكوفي((( (ت١٥٠هـ) وأنه بني خانقاه للصوفية في الرملة من بالد الشام ،وكان
مولى من الموالي وكان يقول بالحلول واالتحاد وكان باطنيا دهريًا((( ،وقيل:
إن أول من تسمى بالصوفي عبدك((( الصوفي من أهل بغداد((( ،وقيل :إن جابر
بن حيان أول من لقب بالصوفي ،وهؤالء الذين ذكر عن كل واحد منهم أنه
((( الصوفية في حضرموت :أمين أحمد عبد الله السعدي ص52بتصرف.التصوف :إحسان
إلهي ص43
((( الصوفية في حضرموت :أمين أحمد عبد الله السعدي ص52بتصرف.
((( الصوفية في حضرموت :أمين أحمد عبد الله السعدي ص52بتصرف.وراجع التصوف:
إحسان إلهي ظهير وترجمته في تاريخ بغداد ج14ص.397
((( الصوفية في حضرموت :أمين أحمد عبد الله السعدي ص52بتصرف.وراجع التصوف:
إحسان إلهي ظهير وترجمته في تاريخ بغداد ج14ص.397
((( عبدك الصوفي :من قدماء المشايخ البغداديين قبل السري وبشر بن الحارث ،وذكر ابن النجار
بسنده أن أحمد بن إبراهيم الحرقي قال :قال لي اسحاق بن داود :أول من سمي ببغداد (صوفي)
عبدك الصوفي.وكان عبدك من أصحاب معافى بن عمران ،وكان حارث المحاسبي ال يرى به
أحدا .ذيل تاريخ بغداد ابن النجار البغدادي ( -ج / 1ص .)252
((( الصوفية في حضرموت :أمين أحمد عبد الله السعدي ص52بتصرف.وراجع التصوف:
إحسان إلهي ظهير وترجمته في تاريخ بغداد ج14ص.397
47 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه الله تعالى :-إن أول ما ظهرت الـصـوفـيـة
في البصرة ،وأول من بنى دويرة للصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد،
وعبد الواحد من أصحاب الحسن ،وكان في البصرة من المبالغة في الزهد
والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر أهل األمصار ،ولهذا يقال:
فقه كوفي وعبادة بصرية(((.
لم يكن للتصوف عند نشأته جماعة معروفة لها نظامها الخاص ،ورئيسها
المعين ،وإنما تميزت في أول أمرها بالزهد المبالغ فيه ودعوى حب الله تعالى
وهما قاعدتا الصوفية التي كانوا ينطلقون منهما ،ولكن تغير األمر كما أسلفنا
وحدث االنحراف عن الشرع فيما بعد كما سيأتي .وإنه لمن المعلوم أن صدق
الرجل في ادعائه محبة الله تظهر من خالل التزامه بأوامر الله واجتناب نواهيه،
وذلك باتباع نبيه محمد ،كما قال تعالى :ﱹ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
((( الصوفية في حضرموت :أمين أحمد عبد الله السعدي ص52بتصرف.وراجع التصوف:
إحسان إلهي ظهير وترجمته في تاريخ بغداد ج14ص.397
((( مجموع الفتاوى ج11ص ،6وراجع الصوفية في حضرموت :أمين أحمد عبد الله السعدي
ص.54
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 48
قول بعضهم بالحلول وقول البعض اآلخر باالتحاد .وما زال إبليس يوقعهم في
(((
فنون من البدع والضالالت.
وذكر الدكتور عبد الله بن دجين السهلي شيئا من هذا التاريخ حين قال :بدأت
المبالغة في التعبد مبكرا ،فكان يطلق على أصحابها العباد والقراء والزهاد،
وظهر اتخاذ الجبانات دورا للتعبد بدال من المساجد ،في البصرة ،ثم بالغوا في
الزهد والعبادة والخوف ،وأطلق لقب العباد في القرن الثاني على من آثر العزلة،
وشدد على نفـسه في العبادة بصوره لم تعهد من قبل ،مع علمهم وفضلهم،
واشتغالهم بالكتاب والسنة تعلما ،وتعليما ،وتصديهم ألهل األهواء ،وظهر
فيهم اإلغماء عند سماع القرآن ،وأنكر عليهم بقايا الصحابة وكبار التابعين
ذلك ،ومن أعالم هؤالء :عامر بن عبدالله بن الزبير(((.
((( راجع الصوفية في حضرموت :أمين أحمد عبد الله السعدي ص .54ولالستزادة مجموع
الفتاوى (.)10/81
أدب الطلب :للشوكاني (ص ،)172ط 1979م ،مركز الدراسات واألبحاث اليمنية -صنعاء.
تلبيس إبليس :البن الجوزي .231
((( االتجاهات العقدية :أ.د عبد الله السهلى ص 13دار كنوز إشبيليا ،الطبعة األولى١٤٢٥ ،هـ:
٢٠١٤م.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 50
هذا وقد كان تميز الصوفية عن جمهور المسلمين وعلمائهم قليال في أول
ظهور التصوف ،لكن برز بعد ذلك .وقد خلط المتقدمون التصوف بأصول
الكتاب والسنة واآلثار ،إذ العهد قريب ،وأنوار اآلثار النبوية بعد فيها ظهور(((.
وذكر الدكتور عبد الله السهلي سمات هذه الطائفة وهذا االتجاه فقال:
وسمتهم البارزة :الدعوة للزهد وشدة العبادة ،ولبس المرقعات ،مع موافقة
((( االتجاهات العقدية :أ.د عبد الله السهلى ص 13وما بعدها بتصرف.
((( االتجاهات العقدية :أ.د عبد الله السهلى ص .16
((( االتجاهات العقدية عند الصوفية :أ.د عبد الله بن دجين السهلى ص 10بتصرف.
51 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
قول الجنيد :ال يكون الصدّ يق صدِّ يقًا حتى يشهد له في حقه سبعون صدِّ يقًا
أنه زنديق ،فهم يشهدون على ظاهره ،مما ظهر من حاله؛ ألن الصديق يعطي
الظاهر حكم الظاهر ،ويعطي الباطن حكم الباطن ،فال يلبسون بالباطن على
الظاهر وال بالظاهر على الباطن ،فهم يشهدون أنه زنديق ظاهر ًا ،كما يعلمون
أنه صديق باطنًا ،لتحققهم بذلك الحال في نفوسهم(((.وقال أيضًا (وقد أورده
الغزالي في إحياء علوم الدين)... :أهل األنس يقولون في كالمهم ومناجاتهم
في خلواتهم أشياء هي كفر عند العامة(((.
ومن جيد قول الجنيد :علمنا مضبوط بالكتاب والسنة ،وقال أبو سليمان
الداراني :ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فال أقبل منه إال بشاهدين
عدلين :الكتاب والسنة((( ونحن نقول :ال يمكن أبدا أن يستوى هذان الرجالن،
((( االتجاهات العقدية عند الصوفية :أ.د عبد الله بن دجين السهلى ص .10
((( المناظر اإللهية( ،ص ،)44 :وكشف الحجاب( ،ص )373 :وغيرها.
((( راجع :الكشف عن حقيقة الصوفية ألول مرة في التاريخ تأليف /محمود عبد الرءوف القاسم
ص.9
((( سير أعالم النبالء :للذهبي ج 10ص.183
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 52
وال هذا الكالم الحكيم مع الصوفية الضالين الذين ينطقون ويكتبون الکالم
المشكل ،بل يكتبون الكلمات الباطلة التي هي كفر وضالل ،كقول أحدهم» :ما
في الجبة إال الله» ،وكذلك تعاطيهم للسحر ،وعبادتهم للكواكب ،وتعاملهم
مع الشياطين ،وتعاطيهم الكهانة ،ثم ينامون ملء جفونهم ويسهر الناس جراها
ويختصم :بين حاكم عليها بميزان الشرع بما تستحق ،وبين مدافع عن الكفر
والباطل ملتمس المعاذير لمن تفوه بها ،مؤول لها تأويالت بعيدة ،ليس في هذه
المعاذير إقراره بأنها كفر وضالل تفوه بها ضال ،وسيعرض البحث هذا كيف
دافعوا عن سحر الحالج ،وسحر ابن عربي ،وتعلقه بالكواكب ،واشتغاله بعلم
الحروف(((.
وهؤالء الصوفية األوائل نرى أال وارث لهم في هذا الزمان ،وإال فأين هذا
الذي يشبه سهال ،أو أبا سليمان الداراني (على ما عليهما من مآخذ) ،وأين
الصوفي سليم المعتقد في الجملة في زماننا بأن يكون على معتقد السلف
أصحاب الحديث ،فالحق أن الصوفية في زماننا مزجوا تصوفهم بعلم الكالم
((( عرف األنطاكي علم الحروف بقوله( :علم الحرف علم باحث عن خواص الحروف إفرادا
وترکیبا ،وموضوعه الحروف الهجائية ومادته األوفاق ،والتراكيب وصورة تقسيمها كما وكيفأ
وتأليف األقسام والعزائم وما ينتج منها ،وفاعله المتصرف ،وغايته التصرف على وجه يحصل
به المطلوب إيقاعا وانتزاعا ،ومرتبته بعد الروحانيات والفلك والنجامة) «تذكرة داود األنطاکی»
بواسطة رسالة شريفة فيما يتعلق باألعداد والحروف واألوفق وكم بقى من عمر الدنيا » ص (21
)22 -لإلمام الصنعاني ،تحقيق مجاهد بن حسن الوصابي ،طبع مكتبة دار القدس ،صنعاء،
الطبعه االولي ( 1412هـ 1992-م)..
53 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
والفلسفة ،وعقائد الباطنية بصورة يستحيل معها الفصل والتمييز ،فحتى أولئك
الذين يدرسون التصوف نظريا في قاعات الدرس بأقسام التصوف في جامعة
األزهر مثال إذا تحدثوا عن انحرافات الصوفية ،فهم على انحراف إلى األشعرية
أو االعتزال أو غير ذلك ،أما أن تجد منهم واحدا على اعتقاد أهل السنة فهذا ما
لم نره.
2.صوفية أهل الكالم :وسمتهم البارزة علم الكالم ،وما يتضمنه من نفي
الصفات الفعلية ،أو نفى الصفات جميعا .ظهر صوفية أهل الكالم بعد الصوفية
األوائل .من هؤالء الحارث المحاسبي((( ،وأبو القاسم القشيري((( ،وأبو طالب
بي ،الزاهد العارف ،شيخ الصوفية ،و ُكنْيتُه أبو عبد الله .له التصانيف ِ ٍ ِ ُ
((( الحارث ب ُن أسد المحاس ُّ
المشهورة؛ منها « :كتاب الر َع ِ
اية لحقوق الله « ،و غيره .و هو أستا ُذ ِ
أكثر البغداديين؛ و هو من َأ ْهل ُ ِّ
ال َب ْص َرة .سمي المحاسبي ألنه كان يحاسب نفسه .قال الخطيب :له كتب كثيرة في الزهد ،وأصول
الديانة ،والرد على المعتزلة والرافضة.قال الجنيد :خلف له أبوه ماال كثيرا فتركه ،وقال :ال يتوارث
أهل ملتين.وكان أبوه واقفيا.مات ببغداد ،سنة ثالث و أربعين و مائتين .طبقات الصوفية ( -ج / 1
ص ،)33طبقات األولياء ( -ج / 1ص ،)29سير أعالم النبالء ( -ج / 12ص .)110
((( قال الذهبي :االمام الزاهد ،القدوة ،االستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبدالملك بن
طلحة القشيري ،الخراساني ،النيسابوري ،الشافعي ،الصوفي ،المفسر ،صاحب « الرسالة «.ولد
سنة خمس وسبعين وثالث مئة.وتعاني الفروسية والعمل بالسالح حتى برع في ذلك ،ثم تعلم
الكتابة والعربية ،وجود .ثم سمع الحديث من :أبي الحسين أحمد بن محمد الخفاف ،صاحب
أبي العباس الثقفي ،ومن أبي نعيم عبدالملك بن الحسن االسفراييني ،وأبي الحسن العلوي،
وعبد الرحمن بن إبراهيم المزكي ،وعبد الله بن يوسف ،وأبي بكر بن فورك ،وأبي نعيم أحمد بن
محمد ،وعدة.وتفقه على أبي بكر محمد بن أبي بكر الطوسي ،واالستاذ أبي إسحاق االسفراييني،
وابن فورك .توفي صبيح يوم االحد السادس والعشرين من ربيع اآلخر ،سنة خمس وستين وأربع
مئة .سير أعالم النبالء ( -ج / 18ص .)227
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 54
ثم ظهرت الصوفية الفلسفية على أيدي المالحدة :كابن عربي وغیره ،الذین
بنوا على إشارات الغزالي وجنحـوا إلى الفلسفة والباطنية جنوحا كليا .ثم تابعت
الطرق الصوفية بعد ابن عربی سبيله المعوجة ،فکانت الطرق بعد القرن الثامن
شارحة لكتب ابن عربي وأتباعه ،مفرعة عليها ،ومدافعة عنها(((.
((( محمد بن علي بن عطية أبو طالب المكي الزاهد الواعظ :صاحب قوت القلوب حدث عن
علي بن أحمد المصيصي والمفيد وكان مجتهد ًا في العبادة .كان يستعمل الرياضة كثير ًا وهجر
الطعام زمانًا واقتصر على أكل الحشائش المباحة فاخضر جلده ،حدث عنه عبد العزيز األزجي
وغيره .قال الخطيب :ذكر في القوت أشياء منكرة في الصفات وكان من أهل الجبل ونشأ بمكة.
وقال لي أبو طاهر العالف :إن أبا طالب وعظ ببغداد وخلط في كالمه وحفظ عنه أنه قال :ليس
على المخلوقين أضر من الخالق فبدعوه وهجروه فبطل الوعظ .مات سنة ست وثمانين وثالثمائة
انتهى .وذكره النديم في مصنفي المعتزلة .الوافي بالوفيات ( -ج / 1ص )490لسان الميزان -
(ج / 2ص .)443
((( االتجاهات العقدية :أ.د عبد الله السهلى ص 17بتصرف.
((( االتجاهات العقدية :أ.د عبد الله السهلى ص 17بتصرف.
55 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
بل لقد كذب هؤالء الضالل على الصوفية األوائل ،وزعموا أنهم كانوا على
طريقتهم ،ونسبوا إليهم كتبا في الـسحر والشعوذة ،فنسبوا للجنيد رسالة في
الكيمياء ،ورسالة في الطالسم ،ونسبوا للجنيد طريقة في الحل والتقطير ،كما
نسبوا إلى سهل بن عبد الله التسرى رسالة في الحروف ،نقلت من طريق ابن
ميسرة ،وقد نشرها الدكتور محمد کمال جعفر فی آخر کتاب التراث الصوفي
لسهل التستـرى ،وقد تضمنت الرسالة أقواال كفرية ،ال يمكن أن تصدر عن
سهل مثل :الحروف هي القوى الروحانية المفردة ،وهي أصل األشياء» وفي
هذه الرسالة أيضا :وجميع الصفات التي وصف بها الخالق -تعالى -نفسه إنما
وجدت بهذه القوة ،وبها تعلقت وبها أحاط المكنونات.(((.
هذا وقد رأى الدكتور محمود عبد الرءؤف القاسم ،أن التصوف حقيقة
واحدة وإن اختلفت المسميات والمظاهر ،وأنه منهج أجنبي عن دين اإلسالم،
وأنهم يجتمعون جميعا في القول بوحدة الوجود في الحقيقة ،هذه العقيدة
التي نرى أنها أساس كبير من أسس تعاطي الصوفية للسحر ولعبادة الكواكب
والجن ،قال القاسم:
وكل إلـــى ذاك الجمـــال يشـــير
ٌّ عباراتنـــا شـــتى وحســـنك واحـــد
ال يوجد إال صوفية واحدة ،غايتها واحدة ،وحقيقتها واحدة (وسنرى أن
((( االتجاهات العقدية :أ.د عبد الله السهلى ص 44وما بعدها بتصرف.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 56
طريقتها واحدة) منذ أن وجدت الصوفية حتى النهاية ،وإن اختلفت األسماء،
وهذه براهين من أقوال عارفيهم (وصاحب البيت أدرى بما فيه) :قال الجنيد
(سيد الطائفة)( :الصوفية أهل بيت واحد ال يدخل فيهم غيرهم) (((.
هذه أقوال لبعض كبار القوم ،نخلص منها إلى أن للصوفية عقيدة واحدة يدين
بها كل المتصوفة قديمهم وحديثهم ،وأن الطرق الصوفية (كالشاذلية والرفاعية
والقادرية والخلوتية والنقشبندية واليشرطية والمولوية والبكطاشية والتجانية
وغيرها وغيرها ،وإن اختلفت أسماؤها ،فهي كلها تؤدي إلى هدف واحد هو
العقيدة الصوفية الواحدة(((.وبين هذه العقيدة فقال :إن الصوفيين كلهم ،من
أولهم إلى آخرهم( ،إال المبتدئين) ،يؤمنون بوحدة الوجود ،وما مضى ،ومئات
النصوص التالية هي أدلة وبراهين((( .ثم ساق كثيرا من النقول.
كان يغلب على أصحاب هذه المرحلة العبادة واالنعزال عن الناس ،مع
االلتزام بآداب الشريعة ،ويغلب عليهم الخوف الشديد والبكاء المستمر حيث
كان بعضهم يواصل صومه ثالثًا ،فينهاهم أهل العلم مبينين أن أبا بكر وعمر
المرحلة الثانية:
المرحلة الثالثة:
وتعتبر هذه المرحلة أخطر مراحل التصوف حيث تسربت إلي التصوف
الفلسفة اليونانية ،فأبعدتها عن مراحل التصوف السابقة ،بل جعلتها خارجة عن
اإلسالم ،وظهرت النظريات الفلسفية الكثيرة ،حيث ذكر بعضهم أن األفالطونية
الحديثة هي إحدى المصادر األساسية للتصوف ،بل إنها المصدر األول لمن
قال بوحدة الوجود والحلول ،ويرى آخرون أنها مأخوذة من البوذية ،وغيرها
من الديانات المحرفة كاليهودية والنصرانية .وكان من شخصيات هذه المرحلة
أبو يزيد البسطامي الذي كان له دور كبير في انحراف التصوف عن ذي قبل ،قال
عنه الحافظ ابن كثير« :وقد حكي عنه شطحات ناقصات ،وقد تأولها الكثير من
الفقهاء والصوفية ،وحملوها على محامل بعيدة ،وقد قال بعضهم :إنه قال ذلك
في حالة االصطالم والغيبة ،ومن العلماء من بدعه وخطأه ،وجعل ذلك من أكبر
البدع ،وأنها تدل على اعتقاد فاسد كامن في القلب ظهر في أوقاته ،والله أعلم»
ثم جاء بعد أبي يزيد البسطامي الحسين بن منصور الحالج الذي كان له أثر
واضح في زيادة االنحراف عند الصوفية ،حيث صرح بمعتقده الفاسد ،وأظهر
أعما ً
ال منكرة .وقد حكم علماء عصره بزندقته الموجبة لقتله ،فقتل وصلب
وأحرقت جثته.ومن أقوال الحالج التي تبرز زندقته من الحلول( :ما في الجبة
إال الله) وغير ذلك من أقواله الشنيعة وأفعاله القبيحة ،وكذلك اشتغاله بالسحر.
59 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
وانتهت هذه المرحلة الخطيرة بابن الفارض وابن عربي وغيرهما ،فصار هؤالء
المتصوفة يعتقدون أن ال فرق بين الله وخلقه ،وأنه تعالى متجل في كل شيء
في الكون حتى الكالب والخنازير (نعوذ بالله من هذا الكفر) ،فالكل مظاهره،
وما في الوجود إال الله ،فهو الظاهر في الكون ،والكون مظهره تعالى الله
وتقدس ،وأضاف ابن عربي أقوا ً
ال شنيعة على أقوال من سبقه من المتصوفة،
وألف المؤلفات المنحرفة المشاقة لدين الله تعالى ككتابيه الفتوحات المكية،
وفصوص الحكم((( ،وفي كتاب الفتوحات مثال تزيين لكل كفر وباطل ،ولعب
بالكلمات واأللفاظ ،واستخدام التمويه والتضليل لترويج الكفر والسحر
وعبادة الكواكب ،وتقديسها وتعظيمها.
ولقد مثل مقتل الحالج تحوال كبيرا في من أتى بعده من الصوفية عامة وفي
غالتهم خاصة ،وتمثل ذلك في:
يعد ابن عربي صاحب مذهب وحدة الوجود في المحيط الصوفي ،إذ بذل في
سبيل نشره ودعوة الناس إليه كل ما في وسعه(((.
((( راجع الصوفية في حضرموت :أمين أحمد عبد الله السعدي ص56وما بعدها بتصرف.
((( محبة الرسول بين االتباع واالبتداع :عبد الرؤف محمد عثمان ص ،437رئاسة إدارة البحوث
العلمية واإلفتاء ،الطبعة األولى1414 ،ه.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 60
((( أضواء على التصوف :الدكتور طلعت غنام ص67بتصرف ،عالم الكتب ،حقيقة الصوفية في
ضوء الكتاب والسنة تأليف د محمد ربیع ص.27
61 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
ويقول أيضا في «الفتوحات»( :إن الذين عبدوا العجل ما عبدوا غير الله)،
ومن العجائب التي تدل على حكمة الله في الهداية واإلضالل ،أن الذي يقول
((( راجع الصوفية في حضرموت :أمين أحمد عبد الله السعدي ص59وما بعدها بتصرف.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 62
هذا اإلفك يلقبه الصوفية بالعارف بالله ،والقطب األكبر ،والمسك األذفر،
والكبريت األحمر ،بل لقد مدح فرعون ،وحكم بأنه مات على اإليمان ،وذم
هارون إلنكاره على قومه عبادة العجل ،مخالفا بذلك نص القرآن،
كما يرى ابن عربي أن النصاري إنما كفروا ألنهم خصصوا عيسى باأللوهية ولو
عمموا لما كفروا(((.
مصادر التصوف:
استمد التصوف أصوله ومصادره من مصادر شتى ،وهي مصادر غريبة
عن الوحي المطهر :كتابا وسنة ،وبعيدة عن هدي الصحابة (رضي الله عنه)
وتابعيهم بإحسان ،ومن مصادره :الفلسفة اإلشراقية ،وكذلك األصول الهندية،
والفارسية ،وثمت تعاليم غربية ،وأخرى شرقية(((.
قال الدكتور طلعت غنام :إن التصوف يشبه إلى حد كبير الصورة الخاصة
التي انفردت بها الروحانية الهندية ،وبمذاهب الهنود المختلفة في تلك العصور
وهي مرتبطة أحكم االرتباط بمذهب الفيدا ،كتاب الهند المقدس.
وإذا نظرنا إلى التراث العالمي -وخاصة الغربي المسيحي منه -وجدنا أن
استعمال كلمة صوفي ( « )Alysticismeيرجع في الغرب للمرة األولى
إلى (دينيس األريوباجی) ( )Denis I AreopA Gitsأثقف أثينا في
((( حقيقة الصوفية في ضوء الكتاب والسنة تأليف د محمد ربیع ص.27
((( أضواء على التصوف :الدكتور طلعت غنام ص29بتصرف ،عالم الكتب.
63 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
القرن األول ،في سفرين من المؤلفات المنسوبة إليه وهما« :االسماء اإللهية»
و«األلوهية المتصوفة» وينبغي أن نالحظ هنا أن أكثر التعبيرات التي وردت في
هذين الـكتابين قد صار فيما بعد تعبيرات اصطالحية فنية في علم التصوف
المعاصر(((.
لقد بعث الله (جل ثناؤه) ،نبيه ،بالدين الخاتم دين هو أحب
األديان إلى الله وأكملها ،جاء النبي مصدقا لما بين يديه من رسل
الله الذين بشروا به ،وجاء بكتاب مهيمن على ما سبقه من كتب،
مصدق لما فيها ،محق للحق مبطل لما زادوه األحبار والرهبان أو حرفوه ،ناسخ
للشرائع من قبله ،وقد نهانا النبي عن التشبه في ديننا بأهل الملل
األخرى ،وحذر منه تحذيرا شديدا ،فقالَ « :ل ْي َس ِمنَّا َم ْن ت ََش َّب َه بِ َغ ْيرِنَا»((( ،وقال
على سبيل التحذير أيضاَ « :ل َت َّتبِ ُع َّن َسن ََن َم ْن َق ْب َلك ُْم ِش ْب ًرا بِ ِش ْبرٍ َو ِذ َرا ًعا بِ ِذ َرا ٍع َحتَّى
ول ال َّل ِه ا ْل َي ُهو َد َوالن ََّص َارى َق َال َف َم ْن»(((، ب َل َس َل ْكت ُُمو ُه ُق ْلنَا َيا َر ُس َ
َل ْو َس َلكُوا ُج ْح َر َض ٍّ
هذا هو المنهج الحق ،لكن المتصوفة يأخذون من كل الشرائع السابقة ،بل
ويتجاوزون ذلك إلى األخذ من كل نحلة وثقافة وفلسفة ،وأمر استيراد األفكار
من األمم األخرى معلوم ال ينكره أحد (منهم فضال عن غيرهم) ،وما األفكار
والنظريات المخالفة للعقيدة اإلسالمية ،والسنة النبوية إال فكرة يهودية ،أو
نصرانية ،أو بوذية ،أو يونانية ،أو فلسفية ،أو ما شئت من نحلة وملة ،ولم يجد
الصوفية حرجا في ذلك ،وكان السحر مما تلقفه الصوفية عن غيرهم.
لقد سافر بعض كبار الصوفية لتعلم السحر في الهند ،قال الخطيب البغدادي
«حدَّ َثنِي َأ ُبو سعيد السجزي ،أنبأنا ُم َح َّمد بن َع ْب ِد ال َّل ِه ْب ِن ُع َب ْيد ال َّل ِه الصوفي
َ
علي بن َأ ْح َمد ْ َ َ
الشيرازي قال :سمعت أبا ال َح َسن بن أبي توبة يقول :سمعت ّ
ول :وجهني المعتضد إِ َلى الهند ألمور أتعرفها
الحاسب َق َال :سمعت والدي َي ُق ُ
ليقف عليها ،وكان معي فِي السفينة رجل يعرف بالحسين بن َمن ُْصور ،وكان
حسن العشرة طيب الصحبة ،فلما خرجنا من المركب ونحن َع َلى الساحل
والحمالون ينقلون الثياب من المركب إِ َلى الشط فقلت َل ُه :أيش جئت إِ َلى
هاهنا؟ َق َال :جئت ألتعلم السحر ،وأدعو الخلق إِ َلى ال َّله تعالىَ ،ق َال :وكان َع َلى
الشط كوخ وفيه شيخ كبير ،فسأله ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور :هل عندكم من يعرف شيئا
من السحر؟ َق َال :فأخرج الشيخ كبة غزل وناول طرفه ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور ،ثم
رمى الكبة فِي الهواء فصارت طاقة واحدة ،ثم صعد عليها ونزل! َو َق َال للحسين
بن َمن ُْصور :مثل هذا تريد؟ ثم فارقني ولم أره بعد ذلك ّإاّل ببغداد.
الر ْح َم ِن
وقال الخطيب أنبأنا إسماعيل بن أحمد الحيرى ،أنبأنا َأ ُبو َع ْبد َّ
السلمي َق َالَ :ق َال المزين :رأيت ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور فِي بعض أسفاره قلت َل ُه:
إِ َلى أين؟ َف َق َال :إِ َلى الهند أتعلم السحر أدعو به الخلق إِ َلى ال َّله .
وقال الخطيب أيضا َأ ْخ َب َرنَا ُم َح َّمدُ ْب ُن َعلِ ّي بن الفتح ،أنبأنا ُم َح َّمد ْبن ا ْل ُح َس ْين
ولَ :ق َال لِي بعض أصحابنا ُق ْل ُت النيسابوري َق َالَ :س ِم ْع ُت َأ َبا ا ْل َع َّباس الرزاز َي ُق ُ
ألبي ا ْل َع َّباس بن عطاء :ما تقول فِي ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور؟ َف َق َال :ذاك مخدوم من
الجنَ ،ق َال :فلما ك َ
َان بعد سنة سألته عنه فقال :ذاك من حق .فقلت :قد سألتك
عنه قبل هذا فقلت مخدوم من الجن ،وأنت اآلن تقول هذا! َف َق َال :نعم ،ليس
كل من صحبنا يبقى معنا فيمكننا أن نشرفه َع َلى األحوال ،وسألت عنه وأنت فِي
بدء أمرك ،وأما اآلن وقد تأكد الحال بيننا ،فاألمر فيه ما سمعت(((.
والتنجيم.
قال الدكتور طلعت غنام :إن التصوف يشبه إلى حد كبير الصورة الخاصة
التي انفردت بها الروحانية الهندية.وبمذاهب الهنود المختلفة في تلك العصور
وهي مرتبطة أحكم االرتباط بمذهب الفيدا ،كتاب الهند المقدس(((.
قلنا ،وهذا الكتاب يشتمل على السحر وقد وقع اقتباس الصوفية منه بعض
األفكار فال يبعد أخذ سحرتهم منه.
أما عن اقتباس السحر من الشيعة فهناك دالئل على ذل ،وبين التشيع
والتصوف قواسم مشتركة ،وتشابه ،مع رد بعضهم على بعض بل وتضليل
بعضهم ،وتكفير الحر العاملي للصوفية معلوم ،لكن ال يخفى أنه على مدى
تاريخ اإلسالم والمسلمين كان التصوف والرفض هما السكين التي يذبح بها
أهل اإلسالم ،وتطعن بها الشريعة.
ولقد تأثر الصوفية بالتشيع في أمور كثيرة ،ومنها أمر السحر ،وقد أثبت هذا
الصوف ّية ّ
المتأخرين من ّ فقال»ثم حدث أيضا عند
ّ األثر عبد الرحمن ابن خلدون
الحس وظهر من كثير منهم القول على اإلطالق
ّ الكالم في الكشف وفيما وراء
األئمة
ّ والرافضة لقولهم بألوه ّية
بالحلول والوحدة ،فشاركوا فيها اإلمام ّية ّ
وحلول اإلله فيهم .وظهر منهم أيضا القول بالقطب واألبدال وكأنّه يحاكي
الشيعة وتو ّغلوا في الدّ يانة
الرافضة في اإلمام والنّقباء .وأشربوا أقوال ّ
مذهب ّ
جمع جابر ابن حيان بين السحر والتنجيم والتصوف والتشيع ،وكان ممن
نقل السحر من التشيع إلى التصوف ،وقد أثبت هذا األثر الشيعة أنفسهم فقال
ابن النديم« :أخبار جابر بن حيان وأسماء كتبه :هو أبو عبد الله جابر بن حيان بن
عبد الله الكوفي المعروف بالصوفي ،واختلف الناس في أمره :فقالت الشيعة:
إنه من كبارهم وأحد األبواب وزعموا أنه كان صاحب جعفر الصادق رضي
الله عنه ،وكان من أهل الكوفة ،وزعم قوم من الفالسفة أنه كان منهم ،وله في
بالعلم ،وأي فائدة في هذا وأي عائدة والرجل له حقيقة وأمره أظهر وأشهر،
وتصنيفاته أعظم وأكثر ،ولهذا الرجل كتب في مذاهب الشيعة أنا أوردها في
مواضعها وكتب في معان شتى من العلوم قد ذكرتها في مواضعها من الكتاب
وقد قيل إن أصله من خراسان ،والرازي يقول في كتبه المؤلفة في الصنعة قال
أستاذنا أبو موسى جابر بن حيان....وقال جابر في كتاب فهرسته ....ثم ألفت
كتبا في الزهد والمواعظ وألفت كتبا في العزائم كثيرة حسنة وألفت كتبا في
النيرنجات وألفت في األشياء التي يعمل بخواصها(((.
وفي مقدمة ابن خلدون :ثم ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه
الملة ،فتصفح كتب القوم واستخرج الصناعة ،وغاص في زبدتها واستخرجها
ووضع فيها عدة من التآليف .وأكثر الكالم فيها وفي صناعة السيمياء ،ألنها من
توابعها ،وألن إحالة األجسام النوعية من صورة إلى أخرى إنما تكون بالقوة
النفسية ال بالصناعة العملية فهو من قبيل السحر كما نذكره في موضعه(((.
وفي فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم (ومؤلفه شيعي) :وممن وقفت
على كتاب منسوب إليه من علماء الشيعة جابر بن حيان من أصحاب الصادق
(صلوات الله عليه) « الفهرست» والنجاشي ذكر جابر بن حيان ،وذكر في باب
((( الفهرست ،المؤلف :أبو الفرج محمد بن إسحاق بن محمد الوراق البغدادي المعتزلي
الشيعي المعروف بابن النديم ص435تحقيق :إبراهيم رمضان ،الناشر :دار المعرفة بيروت -
لبنان ،الطبعة :الثانية 1417هـ 1997 -م.
((( مقدمة ابن خلدون( :ج / 1ص .)303
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 70
األشربة ما هذا لفظه :إن الطالع في الفلك ال يكذب في الداللة على ما يدل أبد ًا
هذا آخر لفظه في المعنى ،ثم شرح ما يدل على فضله في علم النجوم وغيرها،
وقد ذكره ابن النديم في رجال الشيعة ،وأن له تصانيف على مذهبنا(((.
وقال الصفدي في ترجمته :جابر بن حيان ،أبو موسى الطرسوسي قال القاضي
شمس الدين أحمد بن خلكان :ألف كتابًا يشتمل على ألف ورقة يتضمن
رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة في الكيمياء.قلت (الصفدي) وأنا
أنزه اإلمام جعفر ًا الصادق عن الكالم في الكيمياء ،وإنما هذا الشيطان
أراد اإلغواء بكونه عزا ذلك إلى أن يقوله مثل جعفر الصادق لتتلقاه النفوس
بالقبول ،ورأيته إذا ذكر الحجر يقول بعدما يرمزه :وقد أوضحته في الكتاب
الفالني فيتعب الطالب حتى يظفر بذلك المصنف المشؤوم ،فيجده قد قال:
وقد بينته في الكتاب الفالني.فال يزال يحيل على شيء بعد شيء.ووجدت
بعض الفضالء قد كتب على بعض تصانيفه ،إما الفردوسي أو غيره:
واألواخـــر األوائـــل غـــر بمقالـــه الـــذي هـــذا
وتصانيفه في هذا الفن كثيرة وليس تحتها طائل ،واستطرد الكالم معي
في أول شرح المية العجم إلى الكالم على الكيمياء وحقيقتها وليس هذا
((( فرج المهوم في تاريخ علماء النجوم :ابن طاووس ج / 1ص ،59منشورات الرضي قم،
1368هـ=1949م.
71 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
وبعدما تقدم ذكره يمكن إيجاز أسباب تردي التصوف وانحرافه فيما يلي:
1.أن التصوف تأثر بفلسفات أجنبية عن الدين اإلسالمي وبيئته فهو وافد
إلينا من الهندية أو الغنوصية أو اليونانية.
2.تأثر الصوفية بالشيعة -وهم كما نعلم -بعيدون عن الطريق اإلسالمي
القويم.
((( الوافي بالوفيات :للصفدي ج 3ص ،497دار إحياء التراث العربي2000 ،مـ.
((( الوافي بالوفيات :للصفدي ج 6ص .232
((( إخبار العلماء بأخبار الحكماء ج 1ص ،73تحقيق إبراهيم شمس الدين ،الطبعة األولى،
1426هـ=2005مـ.
((( األعالم :للزركلي ج 2ص ،103دار العلم للماليين ،الطبعة السابعة1986 ،م.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 72
تحدث العلماء عن أول من فتح باب السحر في اإلسالم وألف فيه ،ونشر
أمره ،ثم تحدثوا عمن جعله دينا وعبادة ،وأمرا مشروعا ،واستدل لزعمه
بالكتاب والسنة.
أما أول من تعبد لله بالسحر ،وزخرف القول ليجعله من أخص علوم األولياء
فهم الصوفية ،فالصوفية هم أول من أدخل السحر في دين اإلسالم ،بعدما
قطعوا في البدعة والضالل شأوا بعيدا ،وأخذت البدعة تسلمهم إلى أكبر منها،
حتى ولجوا أبواب الكفر ،وزين لهم الشيطان أعمالهم ،فعملوا على إدخال
العقائد الباطلة :كوحدة الوجود ،وعملوا على تزيينها بزخرف من القول ،ثم
أدخلوا السحر ،وراحوا يكذبون على الله ودينه ،وعلى أنفسهم وعلى الناس،
((( ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر ،المؤلف:
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 76
لقد قام ابن خلدون بالتأريخ لهذه البلية التي جرها الصوفية إلى دين الله
تعالى ،وهذا التاريخ لم ينكره أحد؛ ألنه حقيقة متواترة ،وكتب الصوفية،
وأورادهم وأذكارهم شاهدة بذلك :ما كتب منها حديثا ،وما تقادم عهده.
لقد بقي السحر سحرا ينكره المسلمون منذ أن بين الله حرمته ،ومنذ أن حذر
النبي منه ،وهو منكر عظيم ،وأمر قبيح عند كل النفوس :المؤمنة
منها وغير المؤمنة ،حتى من كان يعمل به كان يسر بذلك ،يستخفون من الناس
وال يستخفون من الله ،لكن الصوفية السحرة المارقين الذين يسهل عليهم
جميعا الزيادة في دين الله ،واالبتداع فيه ،ويلتمسون لذلك ضعاف األدلة
وموضوعاتها ،ويدعمون أقوالهم بالخرافات والحكايات المرسالت التي ال
خطام وال ذمام ،جلبوا السحر وعملوا به ،ثم لم يكتفوا بذلك بل جعلوه من
دين الله ومن شرعه ،بل جعلوه نوعا من العلم ال يناله إال خواص األولياء،
ولكن لم يسموه سحرا ،وإنما جلبوا له أسماء تشتبه على الناس ،فعلم السيمياء
يطلعهم الله فيه على خواص األشياء ،وعلم أسرار الحروف علم جليل ،خصوا
به وزعموا أن هذا العلم في كتاب الله ،وليتأمل المسلم الحروف المقطعة في
فواتح السور ،أليس لها حكمة؟ ،ألم يقل جمع من العلماء إنها سر من أسرار
القرآن؟! ،فها نحن أوالء قد أحطنا بهذه األسرار ،ثم ربطوها بالكواكب والتقرب
عبد الرحمن بن محمد بن محمد ،ابن خلدون أبو زيد ،ولي الدين الحضرمي اإلشبيلي ج 1ص
164تحقيق :خليل شحادة ،الناشر :دار الفكر ،بيروت ،الطبعة :الثانية 1408 ،هـ 1988 -م،
والنقول من مقدمة الكتاب والمشهورة بالمقدمة.
77 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
بدأ الحالج هذا الطريق وصنف فيه ثم تبعه ابن عربي فبسطه ،وشقق الكالم
فيه ،وتشدق وشرق فيه وغرب ،وأبعد وأغرب ،وتقحم كل بلية.
لقد عمل الصوفية بالتنجيم ،ودافعوا عن كبراءهم الذين عملوا به حتى أن
اآللوسي((( المفسر تكلم عن التنجيم وبين حرمته وفساده ،ورد على المنجمين
((( هو اآللوسي الكبير محمود بن عبد الله الحسينى االلوسى ،شهاب الدين ،أبو الثناء :مفسر،
محدث ،أديب ،من المجددين ،من أهل بغداد ،مولده ووفاته فيها.ولد سنة (1217هـ = 1802م)
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 78
ردودا قوية ،لكنه دافع عن تنجيم ابن عربي ،وساق حججا واهية ،وتلك عادة
اآللوسي في االعتذار عن الصوفية المنحرفين ،ومن دفاعه عن تنجيم ابن عربي
قوله :إن اإلحاطة باألسرار المودعة في األجرام ال يبعد أن تحصل لبعض
الخواص ذوي النفوس القدسية لكن بطريق الكشف أو نحوه ،دون االستدالل
الفكري واألعمال الرصدية مثالً ،وهو الذي يقتضيه كالم الشيخ األكبر قدس
سره ،قال في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات :ومن األولياء النقباء وهم
أثنا عشر نقيبًا في كل زمان ال يزيدون وال ينقصون ،على عدد البروج األثنى
عشر كل نقيب عالم بخاصية كل برج ،وبما أودع الله تعالى في مقامه من
األسرار والتأثيرات ،وما يعطي للنزالء فيه من الكواكب السيارة والثوابت ...ثم
قال :ومنهم النجباء وهم ثمانية في كل زمان إلى أن قال :ولهم القدم الراسخة في
ونسبة االسرة االلوسية إلى جزيرة (آلوس) في وسط نهر الفرات ،تقلد االفتاء ببلده سنة 1248هـ،
وعزل ،فانقطع للعلم.ثم سافر (سنة 1262ه) إلى الموصل ،فاالستانة ،ومر بماردين وسيواس،
فغاب 21شهرا وأكرمه السلطان عبد المجيد.وعاد إلى بغداد يدون رحالته ويكمل ما كان قد
بدأ به من مصنفاته ،فاستمر إلى أن توفى سنة 1270هـ=1854م.من كتبه (روح المعاني -ط)
في التفسير ،تسع مجلدات كبيرة ،و (غرائب االغتراب -ط) ضمنه تراجم الذين لقيهم ،وأبحاثا
ومناظرات ،قال الزركلي :كان سلفي االعتقاد ،مجتهدا .األعالم للزركلي ( -ج / 7ص )176
وذكر غير الزركلي أن اآللوسي كان مترددا بين مذهب السلف والخلف في مسائل الصفات،
حشى تفسيره بالتفسير اإلشاري ،وانتصر البن عربي والحالج ،وكثير من الصوفية الذين عرف
عنهم االنحراف في العقيدة .أما ولده فقال عنه الشيخ بكر أبو زيد عن ولده محمود اآللوسي
محمود شكري بن عبد الله بن شهاب الدين محمود اآللوسي الحسيني .سنة 1342هـ .عالم
سلفي جليل القدر.طبقات النسابين :الشيخ بكر أبو زيد ( -ج / 1ص .)34
79 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
بأن لإلجرام العلوية كواكبها وأفالكها أسرار ًا وحكمًا وتأثيرات غير ذاتية ،بل
الوقفة األولى :مع قوله( :إن اإلحاطة باألسرار المودعة في األجرام ال يبعد
أن تحصل لبعض الخواص ذوي النفوس القدسية لكن بطريق الكشف أو نحوه،
دون االستدالل الفكري واألعمال الرصدية مثالً ،وهو الذي يقتضيه كالم الشيخ
الذي هو مصدر من مصادر الصوفية ،وأن تنجيم ابن عربي لم يكن من طريق
المنجمين ،كما أن تنجيمه ليس من باب االستدالل ،وعليه فإن ابن عربي عنده
غير مطالب بدليل ،والحجة عند اآللوىسي فقط أن ابن عربي قاله ،وقول ابن
الوقفة الثانية :فيما نقله من كالم ابن عربي( :ومن األولياء النقباء ،وهم اثنا
عشر نقيبًا في كل زمان ال يزيدون وال ينقصون على عدد البروج األثنى عشر،
كل نقيب عالم بخاصية كل برج ،وبما أودع الله تعالى في مقامه من األسرار
لقد ربط ابن عربي بين التنجيم وبين الكرامة والوالية ،ولبس وضلل الناس
بكالمه ،وال يخفى أن تلك األبراج هي التي يعتمد عليها الكهان والمنجمون
اعتمادا كامال.وهذا كالم يرده كالم اآللوسي نفسه في تحريم التنجيم والرد
على أهله ،لكنه مرر كالم ابن عربي وساقه مساق الدليل.
الوقفة الثالثة :مع نقل اآللوسي لقول ابن عربي :وجعل لكل نائب من هؤالء
األمالك االثني عشر في كل برج ملكه إياه ثالثين خزانة تحتوي كل خزانة منها
على علوم شتى ،يهبون منها لمن نزل بهم ما تعطيه مرتبته وهي الخزائن التي قال
لقد استدل ابن عربي على التنجيم هنا بقوله تعالى :ﱹﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
المفسر استدالل ابن عربي باآلية على هذا الباطل ،ثم إن المفسر يريد من الناس
أن يقبلوه دون مطالبة بدليل ،ويجوز علما باطال قد أثبت هو بنفسه قبل قليل
بطالنه ،وهدمه للعقيدة ،وهذا االستدالل بهذه اآلية استدالل باطل ال يصح،
لكن غرام اآللوسي بالصوفية الغالة جعله يمشي له هذا االستدالل .ويقال مثل
الوقفة الرابعة :مع قول اآللوسي عن ابن عربي :وقد صرح بنحو ما صرح به
المنجمون.
وهذا أوال :اعتراف منه بأن ما عند ابن عربي هو نفسه ما عند المنجمين .ثم
ثانيا :تناقض اآللوسي إذ رد على المنجمين وأنكر عليهم ودحض شبهاتهم ،ثم
صوب ابن عربي ،وكالم ابن عربي هو هو كالم المنجمين.
ونوع أوجب عليه كتمانه ،وهو علم األسرار اإللهية التي ال تتحملها قوة غير
قوته القدسية .
ونوع خيره الله تعالى فيه بين األمرين ،وهذا منها ما أظهره لمن رآه أهالً له،
ومنه ما لم يظهره ألمر ما ،فلعل ما وهب له من العلم بدقائق
أسرار اإلجرام العلوية وحكمها وما أراد الله تعالى بها مما لم يظهره للناس.)...
وهذا الكالم فيه ما فيه من خطل وباطل ،فهو يصوب تنجيم الصوفية،
ويستدل لهم بالظن والتوهم ،بأن لعل هذا الباطل وهوالتنجيم يكون مما وهبه
((( اآلية67سورة المائدة.
83 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
النبي لبعض األمة ،ففيه نسبة هذا الباطل إليه ،ثم ادعاء
أنه علمه بعض أصحابه ،وهذا كله باطل اليحل وهو ضالل مبين ،وهو قول
بالتوهم والتخيل.
وذكر في تفسير حقي (وهو صوفي تركي) :قال عبد الرحمن البسطامى
مؤلف الفوائح المسكية فى بحر الوقوف :ثم إن بعض األنبياء علموا أسرار
الحروف بالوحى الربانى ،واإللقاء الصمدانى ،وبعض األولياء بالكشف الجلى
النورانى ،والفيض العلى الروحانى ،وبعض العلماء بالنقل الصحيح ،والعقل
الرجيح وكل منهم أخبر أصحابه ببعض أسرارها بطريق الكشف والشهود ،أو
بطريق الرسم والحدود ،والصحيح أن الله تعالى طوى علم أسرار الحروف عن
أكثر هذه األمة لما فيها من الحكم االلهية ،والمصالح الربانية ،ولم يأذن لألكابر
أن يعرفوا منه إال بعض أسراره التى يشتمل عليها تركيبها الخاص المنتج أنواع
التسخيرات والتأثيرات فى العوالم العلويات والسفليات ،إلى غير ذلك(((.
وهذا مفسر صوفي أيضا يرى أن الله أذن ألكابر األولياء في معرفة بعض
أسرار الحروف التي يحصل بها التأثير والتسخير في العوالم العلوية والسفلية،
وهذا أيضا مما أدخله هؤالء في الشريعة فجعلوا استخدام الحروف للتسخير
والتأثير الذي هو سحر كرامة وأمرا خص الله به أكابر األولياء.
((( روح البيان في تفسير القرآن :إسماعيل حقي ج / 1ص ،28دار الكتب العلمية ،الطبعة
الرابعة2018 ،م.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 84
وفي تفسير حقي أيضا :ثم أسرار الحروف المقطعة والمتشابهات القرآنية
مما ينكشف ألهل الله بعد الوصول إلى غاية المراتب ،وإن كان بعض لوازمها
قد يحصل ألهل الوسط أيضًا ،فال يطمع في حقائقها من توغل في الرسوم،
واشتغل بالعلوم ،نسأل الله تعالى أن ينجينا من ورطات العالقات الوجودية
المانعة عن األمور الشهودية(((.
ثم هذا أيضا يذهب إلى ما ذهب إليه اآللوىسي من أن هذه أسرار تكون ألهل
الكشف ،وأنها محجوبة عمن انشغل بالعلوم ،وصدق في كون أهل العلوم ال
يحصل لهم هذا العلم؛ألن من كان عالما بالكتاب والسنة علم أن هذا سحر وأنه
ال يليق بعالم أن يتعاطى هذا.
أما المتصوفة فهم سحرة أشرار أيضا ،غير أنهم ينسبون ذلك إلى
الدين ،وأن أفعالهم إمداد من رب العالمين ،ويخرجون على الناس
بظاهر االستقامة والوالية والكرامة والصالح ،يخادعون الناس بذلك،
ويتعاونون مع الشياطين ،ويوهمون الناس بأن هذه األمور التي تجري
هي من فعل خدام اآلية كذا ،أو السورة كذا ،أو هذا من تدبير خادم اسم
الله األعظم ،أو خادم اسمه (تعالى) كذا ،وأن هذه األعمال الشيطانية
السحرية إنما هي تأييد من الله لهم.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 86
لما كان السحر معصية كبرى ،وأمرا مكروها مبغوضا شرعا وفطرة؛ بحث
الصوفية عن مسوغات لتعاطيهم السحر ،والكهانة ،واستخدام الشياطين ،إذ
كيف يظهرون للناس بظاهر الصالح ،وتلهج ألسنتهم بالكالم عن محبة الله،
وخوفه ،وتعظيمه ،ووجوب البعد عن المعاصي صغيرها وكبيرها ،والدعوة إلى
تهذيب النفس ،وتربيتها ،وفطمها عن الشهوات ،وبعدها عن المحرمات ،كيف
لمن يكثر الحديث عن هذا أن يتعاطى أكبر الكبائر ،وأبشع المحرمات ،وكيف
يتعاطى ما يدخل به العباد في ظلمات الشرك ،ويخرجهم من نور التوحيد،
وكيف لهذا الذي يدعي رقة القلب ،والعفو عمن جنى عليه أن يسعى إلى ظلم
خلق الله :بقتل ،وخراب ديار ،وتفرقة بين المرء وزوجه ،والحبيب وحبيبه،
وكيف يأكل أموال الناس بالباطل ،كيف هذا ولماذا؟
إن سحرة الصوفية هم سحرة أشرار أيضا ،غير أنهم ينسبون ذلك إلى الدين،
ويزعمون أن أفعالهم إمداد من رب العالمين ،ويخرجون على الناس بظاهر
االستقامة والوالية والكرامة والصالح ،يخادعون الناس بذلك ،إن هؤالء راحوا
يلبسون على الناس بأن السحر علم يحتاج إليه ،وأنه من العلوم النافعة ،وأن أهل
الوالية يستخدمونه في الحق ،ثم بدل أن يتحدثوا عن تعاطي السحر صراحة؛
راحوا يتحدثون عن أسرار الحروف ،وعالقة الكواكب بهذه الحروف ،وعن
اطالعهم على أسرار الكون ،وغوائل النفس بهذه األمور ،ونوجز حججهم
87 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
ألنّه يرجع إلى أصول طبيع ّية علم ّية وقوانين مر ّتبة .وأ ّما صاحب أسرار األسماء
إذا فاته الكشف ا ّلذي ي ّطلع به على حقائق الكلمات ،وآثار المناسبات بفوات
يعول
برهاني ّ
ّ الخلوص في الوجهة ،وليس له في العلوم االصطالح ّية قانون
عليه يكون حاله أضعف رتبة(((.
وكالم البوني هذا شنشنة معروفة للمتصوفة ،فهو كالم كله تدليس وتلبيس،
وإلباس الباطل الواضح ثوب الحق المنير ،فهو يريد أن يقول للناس إن الصوفية
وإن تعاطوا السحر والتنجيم ،وفعلوا ما يفعله المنجمون وأهل الطالسم،
فهذا ليس ألنهم سحرة ،وإن فعلوا ما يفعله السحرة وأهل الطلسمات وأهل
التنجيم؛ألنهم يفعلون ما يفعلون وقلوبهم عامرة بمعرفة أسماء الله ،ويكشف
الله لهم (بزعمهم) كشفا ربانيا ،وهذا الفرق بينهم وبين السحرة الخلص ،لكنه
أثبت لهم السحر والتنجيم والكهانة من حيث أراد أن يبرأهم ،فإن كالمه ظاهر
لكل عاقل أن الجميع سحرة ومنجمون ،ولكن الصوفية يفعلون ذلك بوحي
أسماء الله ومعرفتهم بحكمته ،وهذا كله كذب واضح ،فالقوم سحرة منجمون
كهنة وكشفهم شيطاني ال رباني.
وإنما نقلنا في هذا الموطن هذه العجائب ،وذكرنا شيئًا من أالعيب السحرة
وأفعالهم وتوسعنا في نقل كالم ابن خلدون عن البونى ،والبونى كان شر
المتقدمين الذين قاموا بأعمال السحر وألفوا فيه ،وأطلنا هنا إلثبات تصوفه،
وهذا الرجل لو لم يؤلف إال كتاب شمس المعارف الذى هو كتاب الخبث،
الذى امتأل كفر ًا وظلمة وضاللة ،وقد استند عليه كثير من السحرة وأكابرهم،
وكان مرجعًا لهم .وهذا الكتاب الخبيث مشهور عند العامة وعند الخاصة،
وقد أجرت صحيفة اليوم السابع المصرية في عددها الصادر في / 5 / 30
2017م تقرير ًا عن السحر ،وحين تحدثت عن أشهر كتب السحر ،ذكرت في
أولها كتاب شمس المعارف ،وهو كتاب يباع بثمن بخس.فلو لميؤلف البوني
غيره لكفى به قدحا في دينه ،والله المستعان،
وكالم البونى في ذلك ،وأنه كتب ذلك السحر لله يرجو ثوابه ،ويرجو الدار
اآلخر ،أنموذج شاهد على ضالالت القوم وتلبيساتهم وتالعب الشيطان بهم
ومخادعتهم لعوام الناس( ،ومعلوم أن البوني من كبار المتصوفة ،أثنوا عليه في
كتب طبقاتهم ،بل ذكره النبهاني ومجده) ،وغير البوني منهم على نهجه درج
كالطوخي الذي يري أن هذه الكتب السحرية إنما كتبت لله تعالى ،وأن نشرها
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 92
نشر لعلم نافع يرجو ثوابه ،وأن هذه فتوحات ومجربات جاد عليه بها ربه تعالى،
وأن هذا أثر من آثار الصالح ،وغيرهم ممن كتب في السحر قال نحو هذا.وما
أشبه الليلة بالبارحة ،إن القوم ليشربون من مشرب واحد ،فرغم هذه السنيين
المتطاولة بين البوني والطوخي إال أن سبيلهم واحد ،وصدق ربنا إذ يقول:
ﱹﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﱸ(((.
وإن الطوخي((( من السحرة الذين يلبسون لكل حالة لبوسها ،فهو يسمي
كتب السحر مثل ما ألف ،وإنى ألعتقد أنه لو كان في زمن فرعون لفاق أهل السحر كفر ًا وضال ً
ال،
فهذا الرجل ألبس الضاللة والكفر لبوس اإلسالم ،وقلما يوجد ساحر إال وهو معتمد على كتبه،،
وأما القارئ البسيط فإنها إذا وقعت في يديه يقرأ ما يكتبه الطوخى في مطلعها ،من تمجيد لله
وثناء عليه وصالة على الرسول وإنه يحمد الله في أولها أن أبقاه ليخرج هذا العلم
وأنه يتقرب إلى الله بهذه الكتب ،وأن هذه من األسرار ،وإننا لنرى أال نذكر رجسه وخبثه وكفره
واستغاثته بالشياطين وما فى كتبه من سحر العطف والصرف واإليذاء في هذا المقام ،فإن كل
طالب علم لبيب محتسب على السحرة األشرار والكهنة الفجار يعرف قوله وكتبه.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 94
((( العبر في خبر من غبر :لشمس الدين الذهبي ج1ص 454تحقيق :أبو هاجر محمد السعيد بن
بسيوني زغلول ،الناشر :دار الكتب العلمية -بيروت.
((( معجم الشيوخ الكبير :الذهبي ج1ص 217تحقيق :الدكتور محمد الحبيب الهيلة ،الناشر:
95 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
لقد اغتر هؤالء الصوفية بهذا الكشف من ذلك الراهب الذي يكفر بالله
ورسوله ،وهم يعظمونه من أجل ذلك ،حتى أنهم قبلوا يده،
ففتنتهم بمن يدعي اإلسالم أعظم.
اغتر به هؤالء ،فهم يروون ذلك على أساس وقوع الكشف للراهب الكافر
بالله ،فمن باب أولى تصديقهم بنحو هذا إذا وقع ممن يدعي اإلسالم.
وممن أكثر من تلبيس الكرامة بالسحر :الحالج ،قال الذهبي في ترجمته» :
تصوف الحالج ،وصحب سهل بن عبد الله التستري ،ثم قدم بغداد ،فصحب
الجنيد والنوري ،وتعبد فبالغ في المجاهدة والترهب ،ثم فتن ودخل عليه
الداخل من الكبر والرئاسة ،فسافر إلى الهند ،وتعلم السحر ،فحصل له به
حال شيطاني ،هرب منه الحال اإليماني ،ثم بدت منه كفريات أباحت دمه،
وكسرت صنمه ،واشتبه على الناس السحر بالكرامات ،فضل به خلق كثير،
كدأب من مضى ومن يكون ،مثل أبي مقتل الدجال األكبر ،والمعصوم من
عصم الله ،وقد جال هذا الرجل بخراسان وما وراء النهر والهند ،وزرع في
كل ناحية زندقة ،فكانوا يكاتبونه من الهند بالمغيث ،ومن بالد الترك بالمقيت،
لبعد الديار عن اإليمان .وأما البالد القريبة ،فكانوا يكاتبونه من خراسان بأبي
عبد الله الزاهد ،ومن خوزستان بالشيخ حالج األسرار ،وسماه أشياعه ببغداد
المصطلم ،وبالبصرة المجير...وقال ناس من األغتام :بل هذا رجل عارف ولي
مكتبة الصديق ،الطائف -المملكة العربية السعودية ،الطبعة :األولى 1408 ،هـ 1988 -م.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 96
والثاني :أن الولي يقول ما شاء؛ فلن يقول إال الحق ،وهذه بلية عظيمة ومرضة
مزمنة ،أعيى األطباء دواؤها ،وراج بهرجها وعز ناقدها ،والله المستعان.
وقد فطن العلماء إلى شعوذة الحالج ،فقال أبو بكر بن سعدان :قال لي
الحالج :تؤمن بي حتى أبعث إليك عصفورة ،تطرح من ذرقها وزن حبة ،على
كذا منًا من نحاس فيصير ذهبا؟ قلت :أفتؤمن بي حتى أبعث إليك بفيل يستلقي
فتصير قوائمه في السماء ،فإذا أردت أن تخفيه ،أخفيته في عينك ،فأبهته ،وكان
مموها مشعوذا(((.
األنماط .وهذه المناسبة عندهم هي من لدن الحضرة العمائ ّية .وهي برزخ ّية
تنزل تفصيلها في الحقائق على ما هي عليه من
األسمائي ،وإنّما ّ
ّ الكمال
المناسبة.
وإثبات هذه المناسبة عندهم إنّما هو بحكم المشاهدة ،فإذا خال صاحب
األسماء عن تلك المشاهدة ،وتل ّقى تلك المناسبة تقليدا؛ كان عمله بمثابة
عمل صاحب ال ّطلسم ،بل هو أوثق منه كما قلناه .وكذلك قد يمزج أيضا
صاحب ال ّطلسمات عمله وقوى كواكبه بقوى الدعوات المؤ ّلفة من الكلمات
المخصوصة لمناسبة بين الكلمات والكواكبّ ،إاّل ّ
أن مناسبة الكلمات عندهم
ليست كما هي عند أصحاب األسماء من اال ّطالع في حال المشاهدة ،وإنّما
السحر ّية ،من اقتسام الكواكب لجميع ما
يرجع إلى ما اقتضته أصول طريقتهم ّ
المكونات ،من جواهر وأعراض وذوات ومعان ،والحروف واألسماء
ّ في عالم
من جملة ما فيه(((.
تختص ّ
بكل كوكب، ّ وتص ّفحت قيامات الكواكب ا ّلتي فيها ،وهي الدّ عوات ا ّلتي
ويسمونها قيامات الكواكب ،أي الدعوة ا ّلتي يقام له بها ،شهد له ذلك :إ ّما بأنّه
ّ
بأن التناسب ا ّلذي كان في أصل اإلبداع وبرزخ العلم قضى بذلك من ما ّدتها ،أو ّ
(((
يتم من ا ْل ِع ْل ِم إِ ّاّل قلِ ً
ياًل ». ِ
ك ّله« .وما أوت ْ
الطلسم البرهوتي المنسوب زورا وبهتانا لسليمان واستخدام
الصوفية له
لقد برأ الله نبيه سليمان من السحر ،كما فقال تعالى:
ﱹ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﱸ(((،
ولكن الصوفية زعموا أن هناك عهودا ودعوات واستغاثات سحرية يعملون بها
ويوصون بها مريديهم نسبوها إلى سليمان ،وزعموا أن هناك طلسما له
كان منقوشا على خاتمه.
ويشرح بعضهم البرهتية بقوله« :يكتب هذا العهد الذي تكلم به سليمان بن
داود (عليهما الصالة والسالم) ،وذكر آصف بن برخيا أن هذا العهد كان منقوشا
على جوانب البساط ،وأن آخره كان منقوشا على الخاتم الذي ختم به على
الجن واإلنس ،وهو هذا :ببرهتيه 2كرير 2تتليه 2طوران 2مزجل 2بزحل 2
ترقب 2برهش 2غلمش 2خوطير 2قلنهود 2برشان 2كظهير 2نموشلخ 2
برهيوال 2بشكيلخ 2قز 2مز 2انغلليط 2قبرات 2غياها 2كيدهوال 2شمخهر
2شمخاهير 2اللهم بكهطهونية بشاريش طوش طوياش بلطشفويل ...مفياج
بعزتك إال ما أخذت سمعهم وأبصارهم ،والعهد الذي حكم به السيد سليمان
على الجن.
وقد تكلموا على خواص هذا العهد فقالوا :إن برهتيه كرير إذا كتبت بريق
الطالب على مأكول ،وأهدى ألحد من الناس ،تمكنت محبة الطالب في قلب
آكله ،وكذا إذا قرأها الطالب على ماء ؛فعل ذلك ،وإن نقشت على طابع من
عنبر وحملته البكر ،تزوجت ،وكذلك تكتب وتعلق على السلعة .وإذا أضيف
إليها تتليه طوران طوران وعلق على مصاب؛ أفاق واحترق عارضه ،وإن كان
مسحورا بطل سحره.
وقد ذكر أبو معشر الفلكي وغيره كالما فيه استغاثات بأسماء الشياطين
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 100
وغيرها زاعمين أنها منقوشة على خاتم سليمان ،((( .وهذا كذب محض،
وضالل مبين.
وينتشر بين السحرة الصوفية ورقة تسمى بالعهود السليمانية ،مليئة بالطالسم،
واالستغاثات بالشياطين كما هو موضح بالصورة التالية:
كما نشر الطوخى كتابًا من تأليفه أسماه الخاتم السليمانى ،وهو كتاب ملئ
بالطالسم والرموز والسحر ،وهذا كله كذب على الله وعلى نبيه سليمان عليه
السالم ،وإنهم ليقولون منكر ًا من القول وزور ًا ويأتون بهتانًا عظيمًا .وإنما
يفعلون ذلك ليخدعوا عباد الله إذ يلقون إليهم ما أوحته لهم الشياطين ،ويدعون
أنهم متبعون لهذا النبي الكريم ،وأنهم ال يفعلون محرما ،وهذا زعم باطل مردود
من وجوه كثيرة:
األول :أن سليمان نبي واألنبياء يدعون إلى توحيد الله ،وإخالص العبادة له،
الثالث :أن من تأمل قصته التي ذكرت في سورة النمل رأى دعوته إلى توحيد
الله الخالص ،ومن تأمل ما ورد عنه في سورة سبأ وسورة ص علم أن تسخير
الجن له كان معجزة أيده بها الله ،وأن الرب المليك الجليل سبحانه هو
من سخر ذلك له ،ولم يكن التسخير أبدا بهذا الطلسم الكفري ،هذا وليس
للخاتم وال للعصا دور في ذلك ،وليس على ذلك أثارة من علم.
واستدركوا عليهم .قال ابن سبعين( :وهذه السيمياء تنقسم إلى خمسة أقسام:
الكاذبة منها الذي يذكرها مسلمة المجريطي صاحب رسائل إخوان الصفا ،
والمشكوك منها الذي يزعم ابن مسرة أنه وصله ،والصحيح منها الذي إذا
وصف للفقيه سماه كرامة ،وإذا ذكر للحكيم سماه تصريفًا ،وإذا ذكر للمقرب
المحقق سماه فتنة)(((.
وممن جمع بين التصوف والفلسفة واالنتساب إلى الباطنية ابن َم َس َّرة محمد
((( الفهرست ،المؤلف :ابن النديم ص435تحقيق :إبراهيم رمضان ،الناشر :دار المعرفة بيروت
-لبنان ،الطبعة :الثانية 1417هـ 1997 -م.
((( األعالم :الزركلي ج7ص .224
103 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
بن عبد الله بن مسرة ،أبو عبد الله :متصوف ،متفلسف ،أندلسي ،من دعاة
اإلسماعيلية .من أهل قرطبة.ولد سنة 269هـ .قال الحميدي( :له طريقة في
البالغة ،وتدقيق في غوامض إشارات الصوفية ،وتآليف في المعاني ،ونسبت
الفرضي عنه( :اتهم بالزندقة
ّ إليه بذلك مقاالت نعوذ بال َّله منها!) ،وقال ابن
والم ْعت َِزلة ،ثم ان َْص َرف إلى األنْدَ ُلس فأظهر ْ
نسكًا َو َورعًا ،واغتر ُ ال َكالَم،
النَّاس بظاهره ،فاختلفوا إليه وسمعوا منه ،ثم ظهر النَّاس على سوء معتقده.
وفتح مذهبه فانقبض من كان له إدراك ِ
وع ْلم ،و َت َمادى في صحبته آخرون غلب ْ
يحرف التأويل في
الج ْهل ،فدانوا بنحلته ثم انصرف إلى األندلس ،وكان ّ
عليهم َ
كثير من القرآن ،وقد رد عليه جماعة من أهل المشرق) ((( ،وفي تاريخ قضاة
األندلس أن القاضي ابن زرب وضع كتابا في الرد علي ابن مسرة ،واستتاب
بعض أتباعه ،و (أحرق ما وجد عندهم من كتبه وأوضاعه) توفي سنة 319
هـ)(((.
تعاطى كثير من أعالم الصوفية السحر ،وألفوا فيه كتبا ،ومن أبرز هؤالء:
وقد ذكر المحبي في كتاب خالصة األثر :أن ابن عربي كان له جفر فيه رموز
فقال ):وقد استخرج بعض المعتنين بالجفر قتله (أي السلطان عثمان) في تلك
السنة من جفر الشيخ األكبر ابن عربي برموز ظاهرة ،وفي ذيلها العجب كل
العجب) ((( .ومما قاله ابن عربي عن الحروز( :وإن سألك عن الحرز ،فاكتب له
هذه األسماء :بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله رب العالمين ،وصلى الله
على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم....ثم ذكر مجموعة من الطالسم...ثم
((( خالصة األثر في أعيان القرن الحادي :عشرمحمد أمين المحبي ج 2ص ،182المطبعة
الوهيبة.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 106
قال :وإن سألك عن زيادة البخور فاكتب له هذه األسماء في قرطاس...ثم تبخره
ثالثة أيام ،وفي اليوم الثالث ترمي المجمرة وما فيها من الفحم وغيره في مفرق
طريق له أربع طرائق ،أو تكتب له ذلك أربعة أيام وترمي المجمرة كل يوم في
مفرق آخر((( ،وإن سألك عن العزيمة؛ فقل له :يحتاج إلى بيضة دجاجة حمراء،
ويكتب عليها هذه العزيمة( :يا سما سلمعونة ...يا مالك الجن والشياطين يا حي
يا قيوم احبس السارق...أهيا شراهيا ).....ثم تدفنها في المطبخ ...وإن سألك
عن العزيمة .فاكتب له هذه العزيمة واألسماء في قرطاس ،وعلقها في مهب
الريح ،فإنه يرجع ما سرقه بإذن الله تعالى ،وهذا كتابه( :هطوس هطوس...إلى
أن يقول ...عبوس عبوس كمال الما أجيبوا الله(((.
ثانيا :البوني:
هذا الرجل عليه كفل ممن تعلم السحر ممن جاء بعده إلى يومنا هذا ،فقد ألف
في السحر كتبا كثيرة وخطيرة ،ودل الناس على مسالك السحر الوعرة ،وأدنى
لهم طلعها الذي كأنه رؤوس الشياطين ،وليس لساحر جاء بعده إال وللبوني
في عنقه يد سوداء ،وهي يد ال تنفعه ،ووبال على التابع والمتبوع ،يوم يتبرأ
الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ،يوم يقول السحرة من بعده له وألمثاله :ربنا هؤالء
((( مجموعة ساعة الخير ص.6 :ومجموعة الخير كتاب طبعته دار الجيل للطباعة عام 1989م
مجموع من كالم ابن عربي اشتمل على معرفة أسماء البروج ،ومعرفة منازل القمر وبخورات
الكواكب السبعة ،وما يزعمون ويفترون بأنه حرز سليمان ،وغير ذلك.
((( مجموعة ساعة الخير ،ص.7 :
107 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ،فيقول الله (جل جالله) لكل ضعف ولكن
ال تعلمون ،وقد خدع البوني نفسه ،وخدعه الشيطان فزعم أنه يحسن إلى العباد
بذلك ،ويعلمهم علما يحتاجون إليه ،وأنه يبتغي األجر من الله على ذلك .وقد
ذكر في هذه الكتب أشياء تقشعر منها األبدان ،وتنفطر لها القلوب ،وتنشق منها
األرض ،وتخر الجبال هدا ،لما فيها من استغاثات بالشياطين ،وتعليق للناس
بغير الله ،وتعظيم الشياطين ،وتعليم الناس السحر من صرف وعطف ،وفى
كتبه وصفات شيطانية للقتل والتدمير والتخريب ،والطالق والسرقة والوصول
إلى شتى المحارم والعياذ بالله تعالى.
والبوني ساحر متصوف ،له عند الصوفية منزلة كبيرة ،قال يوسف النبهاني
صاحب كرامات األولياء في ترجمته للبوني :أبو العباس أحمد بن علي البوني
من كبار المشايخ ذوي األنوار واألسرار ،وممن أخذ عنه المرسي ،فمن كراماته
أنه كان مجاب الدعوة...توفي سنة (622هـ)(((.
ويذكر مترجموه أنه وﻟﺪ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻮﻧﺔ (ﻋﻨﺎﺑﺔ) ﺳﻨﺔ 520ﻫـ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،ﻗﺮأ
اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺎﻟﻘﺮاءات ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﻮﻧﺲ ،وﺗﻔﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺬﻫﺐ اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟﻚ
،وﺗﻔﻨﻦ ﻓﻲ ﻋﺪة ﻋﻠﻮم ،وأﺧﺬ ﻋﻦ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻨﻬﻢ :اﺑﻦ ﺣﺮز اﻟﻠﻪ ،واﺑﻦ رزق
اﻟﻠﻪ ،واﺑﻦ ﻋﻮاﻧﺔ ،ورﺣﻞ إﻟﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وﻟﻘﻲ ﻫﻨﺎك أﺑﺎ اﻟﻘﺎﺳﻢ اﻟﺴﻬﻴﻠﻲ ،واﺑﻦ
((( جامع كرامات األولياء النبهاني ،508/1 :تحقيق إبراهيم عطوة عوض ،المكتبة الثقافية،
بيروت.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 108
ﺑﺸﻜﻮال ،واﻟﻔﻘﻴﻪ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﺨﺰرﺟﻲ اﻟﺴﺒﺘ ،وﻗﺪم إﻟﻰ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،وﻟﻘﻲ
اﻟﺤﺎﻓﻆ أﺑﻲ ﻃﺎﻫﺮ اﻟﺴﻠﻔﻲ ،وأﺑا اﻟﻄﺎﻫﺮ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﻮف اﻟﺰﻫﺮي اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ،
وأﻗﺎم ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة زﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺎﺿﺪ.ﺛﻢ ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻫﺮة إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ﻷداء ﻓﺮﻳﻀﺔ
اﻟﺤﺞ ،ﺛﻢ رﺣﻞ إﻟﻰ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﻘﺪس ،وﻣﻨﻬﺎ ﺗﻮﺟﻪ إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ،واﻟﺘﻘﻰ ﺑﺎﻟﺤﺎﻓﻆ أﺑﻲ
اﻟﻘﺎﺳﻢ اﺑﻦ ﻋﺴﺎﻛﺮ.ﺛﻢ دﺧﻞ واﺳﻂ وﺑﻐﺪاد ،وﻟﻘﻲ اﻟﺤﺎﻓﻆ أﺑﺎ اﻟﻔﺮج اﺑﻦ اﻟﺠﻮزي،
ورﺟﻊ إﻟﻰ ﺑﻴﺖ المقدس ،وﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ،وأدى ﻓﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ ﻣﺮة أﺧﺮى وﻋﺎد
إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ،ﺛﻢ ﻋﺎد إﻟﻰ ﺗﻮﻧﺲ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وأﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺼﺒﻴﺎن وﻳﺆم اﻟﻨﺎس
ﺑأﺣﺪ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻫﻨﺎك ،ﺛﻢ ﺗﺮك اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ وأﻗﺒﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻋﻆ ،وقال المترجمون له:
ﻛﺎن ﻛﺜﻴﺮ اﻹﻧﻘﻄﺎع واﻟﻌﺒﺎدة ،ﻛﺜﻴﺮ اﻟﺘﻬﺠﺪ واﻟﺼﻴﺎم ،ﻳﻤﺴﻚ ﻋﻦ اﻟﻄﻌﺎم ﻓﻲ أﻛﺜﺮ
أوﻗﺎﺗﻪ ،وﻳﺆﺛﺮ اﻟﻌﺰﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺎﻟﻄﺔ اﻟﻨﺎس ،وﻳﺨﺮج ﻓﻲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن إﻟﻰ ﺟﺒﻞ
(ﻣﺎﻛﻮض) ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ ﺷﺮﻗﻲ ﺗﻮﻧﺲ ﻋﻠﻰ ﻳﻮﻣﻴﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻴﻘﻴﻢ ﺑﻪ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ أوﻻد
وﻻ أﺗﺒﺎع ﻹﻋﺮاﺿﻪ ﻋﻦ ذﻟﻚ ،قال محبوه :ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ زﻣﻨﻪ ﺑﺒﻠﺪه أﺣﺴﻦ ﻣﻨﻪ
ﺧﻠﻘﺎ ،وﻻ أﻛﺜﺮ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﻌﻠﻢ اﻟﺤﺴﺎب واﻟﺤﺮوف واﻟﻔﻠﻚ ﻣﻨﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻛﺎن ﻳﻘﺎل ﻟﻪ:
ﻛﻨﺪي اﻟﺰﻣﺎن ،وزعموا أن اﻟﺤﺮوف كانت ﺗﺨﺎﻃﺒﻪ ﻓﻴﻌﻠﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻨﺎﻓﻌﻬﺎ وﻣﻀﺎرﻫﺎ.
وينقلون ﻋﻨﻪ أﺣﻮاال ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻮة ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻲ (أي ﻛﺎن ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺨﻄﻮة)،
واﻹﺧﺘﻔﺎء ﻋﻦ اﻟﻨﺎس واﻹﺣﺘﺠﺎب ﻋﻨﻬﻢ ،ﻓﺴﺎﻋﺔ ﻫﻮ ﻣﻌﻚ ﺗﺮاه ،وﺳﺎﻋﺔ ﻳﻐﻴﺐ
ﻋﻨﻚ وﻳﺘﻮارى ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻼ ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻚ إﻻ ﺑﻌﺪ أﺳﺒﻮع وأﻛﺜر ،وﻛﺎن ﻛﺜﻴﺮا ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ
ﺑﻤﺎ ﻳﻘﺘﺮح ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﻮاﻛﻪ واﻟﺨﻀﺮوات ﻓﻲ ﻏﻴﺮ وﻗﺖ أواﻧﻬﺎ ،وكانت وﻓﺎﺗﻪ :ﻓﻲ
109 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
ونقول بعد عرض هذه الترجمة( :ال حول وال قوة إال بالله) ،نسأل الله
(تعالى) الثبات على التوحيد والسنة حتى نلقاه ،إن أخسر الناس عالم لم ينفعه
علمه ،والهداية من الله تعالى ،ومن تأمل هذه الترجمة الحافلة بشيوخ لهم
منزلتهم في العلم والعمل سأل الله الثبات حتى الممات ،فمن شيوخ البوني
الحافظ السلفي ناقل كالم رسول الله ،وابن عساكر اإلمام المحدث المؤرخ،
والحافظ ابن الجوزي الذي أسلم على يديه كثير من اليهود والنصارى وغيرهم
من أهل الملل ،وانتفع بمواعظه خلق ال يحصون ،ورحل البوني إلى األقطار
فسمع علما نافعا كثيرا ،وحمل فوائد جليلة ،والتقى شيوخا انتفع بهم من البشر
ما ال يحصيه إال الله ،ثم ينتهي أمره ساحرا (والعياذ بالله) ،وتنصرف عنايته
إلى نشر السحر والكفر بالله ،وفي كتب البوني من الكفر ما يندى له الجبين،
((( الترجمة ملخصة من( :اﻟﻤﻘﻔﻰ اﻟﻜﺒﻴﺮ) ﻟﻠﻤﻘﺮﻳﺰي ،و (اﻟﻜﻮاﻛﺐ اﻟﺪرﻳﺔ) ﻟﻠﻤﻨﺎوي ،واﻷﻋﻼم،
وﻛﺸﻒ اﻟﻈﻨﻮن ،وﻫﺪﻳﺔ اﻟﻌﺎرﻓﻴﻦ.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 110
وتندك من هوله الجبال الراسيات وينفطر القلب ،وينفلق الكبد ،ومن تأمل هذه
الترجمة وحال الرجل يرى عظم دعائه :اللهم مقلب القلوب ثبت
قلبي على دينك اللهم مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك ،وحاجة العبد
إليه في كل لحظه ،وعلم أيضا عظم قوله في صالته :ﱹ ﭧ ﭨ ﭩﱸ
في كل ركعة من ركعات صالته ،وأنه محتاج الى هذه الهداية والثبات عليها
عند كل طرفة عين ،وعلم شأن القاعدة الجليلة :ليس العلم ما حفظ إنما العلم
ما نفع.
العارفين وسر الله في األرضين أبا عبد الله شمس الدين األصفهاني.
هذا إسناده في علم الحروف التي يستخدمها في السحر ،وقد يكون كاذبا
في تعاطي كل رجال االسناد السحر ،فإن سنده السابق ،فيه الجنيد ،وهو اليؤثر
عنه ذلك ،ومع وجود بعض المالحظات على الشيخ فإنه كان مستقيما في أكثر
أحواله ،ويتكلم شيخ اإلسالم وغيره عنه بخير ،وكذلك ابن القيم في المدارج،
وينقالن بعض كلماته في الزهد ،وتربية النفس.
وقال :وأيضًا سندي بعلم الحروف والوفق إلى الشيخ اإلمام العالم العالمة
الفقيه الثقة مساعد بن سادي بن مسعود بن عبد الله بن رحمة الهواري الحميري
القرشي ،وهو أخذ عن الشيخ شهاب الدين أحمد الشاذلي ،وهو أخذ عن الشيخ
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 112
تاج الدين عطاء المالكي الشاذلي ،وهو أخذ عن الشيخ أبي العباس أحمد بن
و أيضًا سندي بعلم الحروف والوفق إلى الشيخ اإلمام العالمة أبي العباس
أحمد بن ميمون القسطالني ،وهو أخذ عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن أحمد
القرشي ،عن الشيخ اإلمام العالمة أستاذ العصر وأوحد الدهر أبي مدين شعيب
(((
بن حسن األنصاري األندلسي رأس السبعة األبدال وواحد األربعة األوتاد»
ويبدو من ذكره لهذه األسانيد حرصه على علم السحر ،ودأبه في ذلك،
وشدة طلبه لهذا العلم ،يظهر ذلك من عدم كفايته بسند واحد بل طلب ذلك
العلم الخبيث من أكثر من طريق ،نسأل الله أن يرزقنا علما نافعا ،ورزقا واسعا،
وعمال متقبال ،لقد أجهد نفسه ،وكد فيما أفسد عليه دنياه وآخراه ،وسبحان
َاص َب ٌة َت ْص َلى ن ًَارا َحامِ َيةً) ((( .ثم إن شره وفساده لم ينقطع ال
من قالَ ( :عامِ َل ٌة ن ِ
في حياته وال بعد مماته ،بل ورث علما ضارا غير نافع ،وترك كتبا هي سيئات
جاريات ،وكان يكتب في مقدمة كتبه أنه كتب ذلك يرجو به وجه الله والدار
اآلخرة ،فضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعا ،والمعصوم
من عصمه الله ،والسعيد من ثبته ربه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي اآلخرة.
((( شمس المعارف الكبرى أو شمس المعارف ولطائف العوارف :أحمد بن علي البوني :ص:
،530وما بعدها المتوفى سنة 622هـ ،المكتبة الشعبية ببيروت.
((( اآليتان 4-3سورة.
113 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
ولد في بالد «غمارة» بريف المغرب ،ونشأ في بني زرويل (قرب شفشاون)،
وتفقه وتصوف بتونس ،وسكن « شاذلة» قرب تونس ،فنسب إليها .وطلب
«الكيمياء» في ابتداء أمره ،ثم تركها...،ينتسب إلى األدارسة أصحاب المغرب،
أخبره بذلك أحد شيوخه عن طريق «المكاشفة» قال الذهبي :نسب مجهول
ال يصح وال يثبت ،كان أولى به تركه .وله غير «الحزب» رسالة «األمين» في
آداب التصوف رتبها على أبواب((( .قال الذهبي عن نسبه لعلي ابن أبي طالب
ِ
وترك كثير مما قاله في تواليفه من األو َلى بِه ْتركهْ ،نسب كان ْ ٌ :وهذا
الحقيقة ،وهو َر ُجل كبير القدر ،كثير الكالم ،عالي المقامَ .ل ُه ِشعر ون ْثر فيه
ُمتشابهات وعبارات ،يتكلف َل ُه فِي االعتذار َعن َْها(((.
الله بابنا ت َبارك حيطاننا يس سقفنا كهيعص كفايتنا حم عسق حمايتنا َف َس َي ْك ِفي َك ُهم
الس ِميع ا ْل َعلِيم.((( ...
الله َو ُه َو َّ
وقال الفاسي :ولما سافر إلى مصر كتبوا إلى سلطان مصر مكاتبات إنه
سيقدم عليكم مصر مغربي من الزنادقة ،أخرجناه من بالدنا حين أتلف عقائد
المسلمين ،وإياكم وأن يخدعكم بحالوة منطقه ،فإنه من كبار الملحدين ،ومعه
استخدامات من الجن(((.
ومن أمثلة ما جاء في هذا الكتاب :وسخر لي كما سخرت الريح واالنس
والجن والحش والطير لنبيك سليمان بن داود عليهما السالم وبأهيا شراهيا
أدرناي أصباؤت آل شداي يا من أمره بين الكاف والنون ...الخ(((.
ومن األمثلة أيضا :وقل بعد ذلك يا خدام هذه اآلية الشريفة توجهوا إلى
((( الشاذلي ،السر الجليل ،ص .6وال يخفى أن تسخير الله عز وجل لنبيه سليمان الريح والطير
وحشرها له من آيات نبوة هذا النبى الكريم ومعجزاته ،وهذا الرجل يسأل الله أن يكون له ما لهذا
النبى من تسخير الجن له وخضوعها ألمره وسيطرته عليها ،وهو ما امتنع عنه نبينا ﷺ حينما تفلت
عليه العفريت فأراد أن يربطه في سارية من سوارى المسجد ولكنه تذكر دعوة سليمان عليه السالم
واختصاصه وحده بذلك فترك ذلك عليه الصالة والسالم.
117 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
فالن بن فالنة ،وادخلوا له في صفات مهولة ،وعرفوه عني وعن اسمي وعن
كنيتي وحاجتي ،وما أنا طالب بحق ما تعتقدونه من عظمتها عليكم أجيبوا أهيا
2الوحا 2الساعة 2بارك الله فيكم وعليكم ﱹ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ
ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﱸ احضروا مقامي واسمعوا ..الخ(((.
وهذه االستغاثة بأهيا شراهيا ...ال يشك عاقل أنها أسماء للشياطين ،وكتب
السحر مملؤة بهذه األسماء ،وال يكاد يحصى عدد من قبض عليهم من أولئك
السحرة ،وقد ملئت أسحارهم وأعمالهم بهذه األسماء ،وقد أحيلوا إلى
المحاكم الشرعية وحكم فيهم بحكم الله وحكم رسوله ،وكان
هؤالء قد كتبوا الطالسم في الحجب بأيديهم ،بعدما اتفق معهم ،وبعدما تم
خداعهم ليضبطوا بجرمهم.
المثال الثالث :قوله عن بعض األسحار :ومن كتبها في خرقة بيضاء يوم
السبت ،في ساعة عطارد ،والقمر مسعود ،وجعلها في رأسه وفي حلل خصاصه
يتلو اآلية الشريفة المذكورة في كل وقت وحين استطاع ،فإنه ينتصر على خصمه
ويظفر به بعون الله تعالى(((.
المثال الرابع :قال :من أراد أن يعقد ألسنة جميع الخالئق ،فليجعل له لوحا
من الرصاص األسود المصطفى ،مقدار ثالثة مثاقيل ،ثم تنقش هذه اآلية عليه،
وتقرأ اآلية ألفا واحدا على اللوح ،وتضعه في بطن الحوت الطري ،وتدفنه في
األرض المبلولة بالندا ،وتكتب أسماء الحاسدين واألعداد فيه تنعقد ألسنتهم
بإذن الله(((.
ولم يبح الشاذلي في هذا الكتاب بكل ما عنده ،بل كانت هناك أسرار من
السحر يعلمها ألتباعه الخاصين به عن مشافهة ،قال اليافعي في كتابه الدر النظيم
وهو يتكلم عن أسرار الدائرة :وأبان لي الشيخ نجم الدين األصفهاني كما أبان
له الشيخ أبو العباس المرسي ،كما أبان له الغوث أبو الحسن الشاذلي كتب
الدائرة المذكورة نفعنا الله بها ،هذا ولمنافعها وسرها فوق ما ذكرته ال تسمح
بكتابته بل الغالية للرجال في الصدور ،وقال أوصاني أبو العباس المرسي كما
أوصاني الشيخ أبو الحسن....الخ (((.
وجاء في كتاب النفحة العلية في أوراد الشاذلية :فصل :في ذكر الدائرة والخاتم
والحرز والسيف ،وكلها أسماء بمسمى واحد ،وفي كيفية وضعها وما فيها من
الخواص قراء ًة وحمالً ،وضبط أسمائها المعجمة وغير ذلك .اعلم أن الرواية في
هذه الدائرة من طريقين ،أحدهما :عن سيدي اإلمام أحمد أبي العباس المرسي،
والثانية :عن سيدي اإلمام شهاب الدين ولد الشيخ أبي الحسن الشاذلي .
أما خواصها؛ فمنها ما رواه سيدي اإلمام شهاب الدين عن والده قال :هذه
الدائرة ورثتها عن آبائي وأجدادي الكرام ،ويريد آباءه في الطريق ،قال :وكان
الشيخ يكتب هذه الدائرة بالسند ،وقال :من كانت هذه الدائرة على رأسه ال
يموت ،أي :ما دامت على رأسه(((.
سبحانك ربي يوعز أن هذه الورقة تمنع عنه الموت والله يقول :ﱹﯺ ﯻ
ﯼ ﯽ ﱸ ،ويقول ﱹ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﱸ ،ﱹ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙﱸ.
((( النفحة العلية في أوراد الشاذلية ،الكاتب :عبد القادر زكي ،القاهرة ،مطبعة النيل1321 ،هـ،
1903م ،،ص.191 :
((( النفحة العلية ،ص.204 ،203 :
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 120
المتقدمة ،ورأيتها بخط شيخنا حفظه الله تعالى ،وقال في الحاشية من نسخته:
وينبغي أن تكون الدائرة الكبرى مالقي ًة للخطوط األربعة (أي :أضالع المربع)
ال خارجة عنها وال داخلة ،وقد وضع صورتها الشيخ اليافعي في كتاب (الدر
النظيم في خواص القرآن العظيم) على كيفيتين رواهما من طريقتين ،األولى
عن الشيخ أبي العباس المرسي ..والرواية الثانية عن سيدي اإلمام تقي الدين
عن أبيه سيدي اإلمام شهاب الدين عن أبيه الشيخ أبي الحسن الشاذلي(((.
فهو هنا يكذب المجريطي الذي يصرح بالسحر ،ويشكك فيما يتعاطاه
ابن مسرة ،ويختار طريق التمويه والتلبيس ،إذ يرى أن الصحيح من هذا العلم
الفاسد ،هو الذي يكسى حلل الكرامة ،ووصف التصريف ،وسمة االختبار.
ومن أقوال ابن سبعين في الرسالة النورية« :ومن فضيلته (أي :الذكر) أنه
ينفع في سبع خواص من السيمياء ..ومن أراد استعمال قوى الكواكب بحسب
صناعة أهل العلم الرياضي ال بد له من الذكر ،وذلك بعد الدستورية ،أعني
أن يكون الكوكب في بيته ،أو شرفه في الوتد ،وينظر الكوكب إليه من بيته
أو شرفه من الوتد ،كالزهرة في الميزان في الطالع ،وزحل في الجدي أو في
الميزان ،والمريخ في الجدي ،واعلم أن الكوكب إذا كان في الحيز ،أو البرج،
أو الدستورية كان أظهر فعالً وأقوى تأثير ًا ،ثم يعمد إلى اتخاذ الصورة واالسم،
والبخور ،واألفعال ،مثال ذلك برج الثور :تستعمل صورة إذا كان في الوجه
الثاني ويريد الحكيم أن يخدم أمره ،يتخذ صورة ثور مضروب الوسط ويناديه:
(لهرلرل) ،وينجر بذنب الفأرة ،ويفعل األمور المهلكة بإذن الله ،ويقول في
جميع خدمته :يا حمراليل ...ومفهوم ذلك :يا ملك القوى السارية في األجسام
الفلكية والطبيعية والذرات العارفة لك والتي فوقها يا نور النور((( .ونؤكد هنا
أن لهرلرل وحمراليل وغيرهما مما حذفناه أسماء للشياطين ،لكن هؤالء
يخادعون الناس.
خامسا :الحالج:
ينقل المتصوفة المحدثون كثيرا عن الحالج وينزلونه منازل األولياء ،ويرون
((( رسائل ابن سبعين :عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر الغافقي العكي :ص،160 :
.161
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 122
وقد تعاطى الحالج السحر ،وذهب إلى الهند في طلبه كما مر ذكره ،وقد كان
الحالج يصنع الحيل أحيانا ،والسحر واستخدام الشياطين أحيانا أخرى ،ولعله
بدأ بالحيل ثم سلك طريق السحر واستخدام الشياطين ،قال الخطيب البغدادي
في تاريخ بغداد :وظهر أمر رجل يعرف بالحالج ،يقال َل ُه :ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور،
يسى األولى، ِ ِ ِ ِ
وكان في حبس السلطان بسعاية وقعت به في وزارة َعل ّي بن ع َ
وذكر عنه ضروب من الزندقة ،ووضع الحيل َع َلى تضليل الناس من جهات
يسى عند قبضه عليه، ِ ِ
تشبه الشعوذة والسحر ،وادعاء النبوة ،فكشفه َعل ّي بن ع َ
وأنهى خبره إِ َلى السلطان ،يعني المقتدر بالله ،فلم يقر بما رمي به من ذلك،
وعاقبه ،وصلبه حيا أياما متوالية فِي رحبة الجسر فِي كل يوم غدوة ،وينادى عليه
بما ذكر عنه ،ثم ينزل به(((.
((( تاريخ بغداد ،المؤلف :أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي
(المتوفى463 :هـ)
123 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
يعرف بالحسين بن َمن ُْصور ،وكان حسن العشرة طيب الصحبة ،فلما خرجنا
من المركب ،ونحن َع َلى الساحل ،والحمالون ينقلون الثياب من المركب إِ َلى
الشط فقلت َل ُه :أيش جئت إِ َلى هاهنا؟ َق َال :جئت ألتعلم السحر ،وأدعو الخلق
إِ َلى ال َّله تعالىَ ،ق َال :وكان َع َلى الشط كوخ وفيه شيخ كبير ،فسأله ا ْل ُح َس ْين بن
َمن ُْصور :هل عندكم من يعرف شيئا من السحر؟ َق َال :فأخرج الشيخ كبة غزل
وناول طرفه ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور ،ثم رمى الكبة فِي الهواء فصارت طاقة واحدة،
ثم صعد عليها ونزل! َو َق َال للحسين بن َمن ُْصور :مثل هذا تريد؟ ثم فارقني ولم
أره بعد ذلك ّإاّل ببغداد(((.
ول لِي :إِ َّن ُه يطرق هذا البلد ذلك :إني رأيت فِي النوم َ
كأ َّن النَّبِي َ ي ُق ُ
َّ
عبد لله صالح مجاب الدعوة ،تكون عافيتك َع َلى يده وبدعائه ،فاطلبوا لِي كل
من يجتاز من الفقراء ،أو من الصوفية ،فلعل ال َّله أن يفرج عني َع َلى يد ذلك
العبد وبدعائه ،كما وعدني َر ُسول ال َّل ِه فتعلقت النفوس إِ َلى ورود
العبد الصالح ،وتطلعته القلوب ،ومضى األجل الذي ك َ
َان بينه وبين الحالج،
فقدم البلد فلبس الثياب الصوف الرقاق ،وتفرد فِي الجامع بالدعاء والصالة،
وتنبهوا َع َلى خبره ،فقالوا لألعمىَ ،ف َق َال :احملوني إليه ،فلما حصل عنده وعلم
َأ َّن ُه الحالجَ .ق َال َل ُه :يا َع ْبد ال َّل ِه إني رأيت فِي المنام كيت وكيت ،فتدعو ال َّله
لِيَ ،ف َق َال :ومن أنا وما محلي .فما زال به حتى دعى َل ُه ،ثم مسح يده عليه،
فقام المتزامن صحيحا مبصرا! فانقلب البلد ،وكثر الناس َع َلى الحالج فتركهم
وخرج من البلد ،وأقام المتعامي المتزامن فيه شهورا(((.
أمرت المشايخ ،وتشفعت إليهم ليحملوا عنه الجمع العظيمَ ،ق َال :فلما ك َ
َان
وقت المغرب جئت إليه وقلت َل ُه :قد أمسينا فقم بنا حتى نفطرَ ،ف َق َال :نأكل َع َلى
َأبِي قبيس.فأخذنا ما أردنا من الطعام و صعدنا إِ َلى َأبِي قبيس ،وقعدنا لألكل،
فلما فرغنا من األكلَ ،ق َال ا ْل ُح َس ْين بن َمن ُْصور :لم نأكل شيئا حلوا ،فقلت:
أليس قد أكلنا التمر؟ َف َق َال :أريد شيئا قد مسته النار.فقام وأخذ ركوته وغاب
عنا ساعة ،ثم رجع ومعه جام حلواء فوضعه بين أيديناَ ،و َق َال :بسم ال َّله ،فأخذا
القوم يأكلون ،وأنا أقول مع نفسي قد أخذ فِي الصنعة التي نسبها إليه عمرو بن
ُع ْث َمانَ ،ق َال :فأخذت منه قطعة ،ونزلت الوادي ،ودرت َع َلى الحالويين أريهم
ذلك الحلواء ،وأسألهم هل يعرفون من يتخذ هذا بمكة فما عرفوه حتى حمل
إِ َلى جارية طباخة فعرفتهَ ،و َقا َل ْت :ال يعمل هذا إِال بزبيد ،فذهبت إِ َلى حاج
زبيد ،وكان لِي فيه صديق ،وأريته الحلواء فعرفهَ ،و َق َال :يعمل هذا عندنا إِال َأ َّن ُه
ال يمكن حمله َفال أدري كيف حمل .وأمرت حتى حمل إليه الجام وتشفعت
إليه ليتعرف الخبر بزبيد هل ضاع ألحد من الحالويين جام عالمته كذا كذا.
فرجع الزبيدي إِ َلى زبيد ،وإذا َأ َّن ُه حمل من دكان إنسان حالوي ،فصح عندي أن
الرجل مخدوم(((.
رون أيضا ِ
«الف ْك ِر َّية» ألنّهم زعموا أنّهم يتف ّك َ وسموا ً
برؤية البارئ تعالىُّ ،
وتتن َّعم ْ
الح ّاّلجِ ِ
كر َة غاية العبادة ،وهو مذهب َ في هذا حتّى يعرفون الله ،فجعلوا الف َ
ِ
الكافر(((. الس ِ
احر َّ
((( المسالِك في شرح ُم َو َّطأ مالك :،أبو بكر بن العربي (َ ،)403/3دار ال َغرب اإلسالمي،
الطبعة :األولى 1428 ،هـ 2007 -م.
127 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
لقد كتب الصوفية كتبا خالصة في علم السحر وإن سموها بغير أسمائها:
كأسرار الحروف ،وخواصها وغير ذلك ،هذا غير ما ذكروه في ثنايا أذكارهم
وأورادهم ،وسيأتي ما في أوراد وأذكار كل طريقة من طالسم ،وأسماء شياطين.
يقول الدكتور كامل الشيبي :وقد دخلت هذه الكتب السرية في التصوف،
وقد نقل لنا األستاذ سعيد محمد حسن أنه :كان تناول هذه الكتب وشرحها
موضع اهتمام المشتغلين بالسحر والطالسم ،وكثيرا ما أسهم الصوفي الكبير
محيي الدين بن عربي وحجة اإلسالم الغزالي بنصيب كبير في االشتغال بهذه
الكتب(((.
وفي الفصل السابع :في األسماء التي كان النبي عيسى يحيي بها األموات.
وفي الفصل الثالث عشر :في سواقط الفاتحة ومالها من األوفاق والدعوات.
وفي الفصل السادس عشر :في أسماء الله الحسنى وأوفاقها النافعات
المجربات.
((( معجم المؤلفين :عمر رضا كحالة ( ،26/2مكتبة المثنى -بيروت ،دار إحياء التراث العربي
بيروت
129 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
وفي الفصل التاسع عشر :في خواص بعض األوفاق والطلسمات النافعة.
أما فيما يتعلق بالتنجيم فقد ذكرنا قبل ما يبين هذا ،مما يغني عن ذكره ،أما
السحر والطالسم فمنه قوله في الفتوحات المكية( ( :والسحر باإلطالق صفة
مذمومة وحظ األولياء منها ما أطلعهم الله عليه من علم الحروف ،وهو علم
األولياء ،فيتعلمون ما أودع الله في الحروف واألسماء من الخواص العجيبة
التي تنفعل عنها األشياء لهم في عالم الحقيقة والخيال ،فهو وان كان مذمومًا
باإلطالق فهو محمود بالتقييد ،وهو من باب الكرامات ،وهو عين السحر عند
العلماء فقد كانت سحرة موسى مازال عنهم علم السحر ،مع كونهم آمنوا برب
موسى وهرون ،ودخلوا في دين الله وآثروا اآلخرة على الدنيا ،ورضوا بعذاب
الله على يد فرعون مع كونهم يعلمون السحر ،ويسمى عندنا علم السيمياء،
مشتق من السمة وهي العالمة :أي علم العالمات التي نصبت على ما تعطيه
من االنفعاالت من جمع حروف ،وتركيب أسماء ،وكلمات ،فمن الناس من
يعطي ذلك كله في بسم الله وحده ،فيقوم له ذلك مقام جميع األسماء كلها،
وتنزل من هذا العبد منزلة كن ،وهي آية من فاتحة الكتاب ،ومن هنا تفعل ال
من بسملة سائر السور ،وما عند أكثر الناس من ذلك خبر ،والبسملة التي تنفعل
عنها الكائنات على اإلطالق ،هي بسملة الفاتحة ،وأما بسملة سائر السور فهي
131 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
ألمور خاصة ،وقد لقينا فاطمة بنت مثنى وكانت من أكابر الصالحين تتصرف
في العالم ،ويظهر عنها من خرق العوائد بفاتحة الكتاب خاصة كل شيء ،رأيت
ذلك منها ،وكانت تتخيل أن تلك يعرفه كل أحد ،وكانت تقول لي العجب ممن
يعتاص عليه شيء ،وعنده فاتحة الكتاب ألي شيء ال يقرؤها ،فيكون له ما
يريد ،ما هذا إال حرمان)..
وفي كالمه أباطيل وتدليس ،وتمويه على خلق الله ،فالفاتحة فضلها وثوابها
وبركتها ال ينكر ،ولكن أن يدعي أن وليته تلك كانت تتصرف في الكون بها،
تصرف السحرة ،فهذا هو الباطل ،ثم يرى أن السحر منه ماهو محمود ومنه ما
هو مذموم ،ثم يلبس على الخلق مرة أخرى فيزعم أن سحرة موسى ما تركوا
السحر ،والدليل عنده أن الله ذكرهم بعد توبتهم باسم السحرة ،ومع أن هذا
زعم باطل ،فالله بعد إيمانهم لم يسمهم سحرة ،بل قال فألقى السحرة ساجدين
ذكر خضوعهم وإيمانهم .وقال أيضا( :فكل حرف منها وقع في جدول الحرارة
فهو حار ،وما وقع منها في جدول البرودة فهو بارد وكذلك اليبوسة والرطوبة،
ولم نر هذا التررتيب يصيب في كل عمل بل يعمل باالتفاق كأعداد الوفق) (((.
وهذا جدول ذكر فيه ما يتعلق بطبائع الحروف موجود في هذا الكتاب ج3
ص:305
((( الفتوحات المكية :ابن عربي ج10ص 243تحقيق د عثمان يحيى ،مراجعة د إبراهيم مدكور،
الهيئة المصرية للكتاب1406 ،هـ=1986م.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 132
إن المتأمل في هذه الكتب وكان ممن أنار الله بصيرته وهداه صراطه المستقيم،
وممن سلمت فطرته يعلم أن مؤلفيها يكرعون من عين آنية واحدة ،ومصدر خبث
واحد ،هوالشيطان فهو الذي يعلمهم يقول ربنا :ﱹ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﱸ...اآلية،
فهم يتعلمون تلك العلوم التي هي علوم السحر ،التي هي علوم ضرر وفساد
وإفساد.
دالئل أخذ متأخري الصوفية من متقدميهم ،وبيان قضية مهمة وهي أن:
المتأخرين من سحرة الصوفية فاقوا المتقدمين في أعمال السحر.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 136
إن من المتصوفة قوم فيهم تعبد ،وفيهم محبة لله ورسوله ،وألصحاب نبينا
،لكنهم فيما يتعاطونه ويصنعونه ،مقلدون آلبائهم ،سائرون في
طرقهم الضالة ،كما قال تعالى عن أمثالهم أنهم قالوا :ﱹ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﱸ((( ،وكما قال تعالى :ﱹ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﱸ((( ،ومن هذه الضالالت ما يكون في هذه األوراد
من السحر والضالل ،وإن الله تعالى بفضله ليمن على بعض أحفاد أولئك:
فيهدون إلى الصراط المستقيم ،ونعرف بعض إخواننا السودانيين السلفيين لهم
جد يعتقد فيه ويزار ،وله ضريح يشرك بالله عنده ،فقاموا يحذرون الناس من
هذا ا لشرك ،بل بنوا -بفضل الله -صرحًا يعلمون فيه الناس التوحيد؛ لكنهم
عاجزون عن إزالة ذلك الضريح الذى يعبد من دون الله.
إن هؤالء القائمين على عمارة تلك األضرحة ورعايتها كلهم أبناء دنيا،
يأخذون المال واإلتاوات من الجاهلين ،وأبنائهم يتعلمون في أفضل جامعات
العالم من أموال هؤالء الجاهلين.
إن قضيتهم هي المال والدنيا ،وكيف يسيطرون على الوالية والكرامة ،بدأ
هؤالء الناس يفكرون ،ووجدوا أنه مايدخلهم في هذا الطريق إال التعامل مع
الشياطين والجن والعفاريت ،وعندما يأتي أحد إليهم يقرأ هذه األذكار يجد
راحة ،فيضله الشيطان بهم.فالصوفية يعمون على الناس ،ويخدعون العوام
بحديث الهم والغم ،ويلبسون على الناس بتفسير قوله :أو استأثرت به في علم
الغيب عندك.
ولقد وردت أسماء غريبة أعجمية في هذا الحزب المنتشر لدى الطرق
الشاذلية ،ومنشور على مواقعه اإلليكترونية ،ولم نجد شيخ اإلسالم مثالً وقد
انتقد حزبى الشاذلى نقد ًا لهذه األسماء ،ونحن نعرف أن شيخ اإلسالم ال يترك
أبد ًا نقد هذه األمور :فإما أن تكون هذه األسماء قد أدخلت بعد -أو أن للحزب
أكثر من صيغة أطلع شيخ اإلسالم على أحدها.
أو أن الشيخ تناولها ولكنها سقطت من الكتاب ،أو أسقطت ،السيما أن
الشيخ العمران والدكتور الجديع اللذين حققا نقد شيخ اإلسالم ذكرا في الطبعة
الثانية أنهما وجدا بعض ما كان مفقود ًا ،وذكروا أيضا أن هناك جزء من رسالة
شيخ اإلسالم مفقود ،فلعله نقد هذا الكالم في هذا الجزء الذى لم يعثر عليه
بعد .أو ربما أن المتأخرين أدخلوا السحر فيها ،وعلى كل حال فنحن نذكر
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 138
اآلن حزبا موجودا ،ومنسوبا إلى الشاذلي ،وهو حزب يقرأه جمع من المنتسبين
للطرق فيه هذه الطالسم ،وهو أيضا مطبوع يطبعه الصوفية ويباع في كثير من
مكتبات العالم اإلسالمي ،ونحن إنما نذكر ما وجدناه في هذا الزمان مسطورا
في كتبهم وأذكارهم.
للشياطين إال بقرابين تقدم لهم طاعة لهم ،ومعصية لله ولرسوله
وكفرا بهما ،ومما يتقرب به هؤالء إلى شياطينهم خلط كالم الله بطالسمهم،
واستغاثتهم بين ثنايا آياته بالشياطين.فعلوا ذلك ألنهم لم يستطيعوا تحريف
كالمه ،ألن الله قال :ﱹ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﱸ(((.وإن الناظر
المنصف المميز المحب لكالم الله ،المعظم للقرآن كالم الكريم سبحانه يعلم
أن صاحب هذا الحزب يذكر فيه بها بها ...القديم األزلى .فهذه أسماء شياطين
جعلها بين آيات القرآن ،وكذلك لمقفنجل ،في وسطها -لقد جعل أول هذا
الكالم وآخره من القرآن وبين ذلك أسماء شياطين ،ثم يقول :ﱹ ﭒ ﭓ ﭔ
ﭕ ﭖﱸ((( وهذه من سورة ثم بعدها :ﱹﰆﰇ ﰈ ﰉﱸ ،وهذه من
سورة أخرى(((.
هذا الورد يقرأ صباحًا ومساء فأى ورد هذا الذى يذكر به الرب صباحًا
ومسا ًء ،وفيه تلك األسماء التي لطالما وجدت في الحجب التي يكتبها السحرة،
وهي في كتب السحرة المفسدين في األرض عند القبض عليهم متلبسين ،،كما
أنها موجودة في مكتبات منتشرة في العالم اإلسالمي ،يبيعها من باع حظه من
اآلخرة بحظ من الدنيا قليل.
((( أوراد الطريقة الشاذلية ،أبو الحسن الشاذلي وأعيان مشايخ طريقته ،دار الزاهد ،القاهرة،
1418ه ،ص57وما بعدها
((( أوراد الطريقة الشاذلية ،أبو الحسن الشاذلي وأعيان مشايخ طريقته ،دار الزاهد ،القاهرة،
1418ه ،ص.17
((( الشاذلي ،السر الجليل ،ص .6وال يخفى أن تسخير الله لنبيه سليمان الريح والطير
وفسرها له من آيات نبوة هذا النبى الكريم ومعجزاته ،وهذا يسأل الله أن يكون له ما لهذا النبى من
تسخير الجن له وخضوعها ألمره وسيطرته عليها ،وهو ما امتنع عنه نبينا حينما نقلت
عليه العفريت فأراد أن يربطه في سارية من سوارى المسجد ولكنه تذكر دعوة سليمان عليه السالم
واختصاصه وحده بذلك فترك ذلك عليه الصالة والسالم.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 142
وإننا لنسأل متعجبين فنقول :ما الذى بين القوم وبين الله تعالى رب
العالمين؟! ،ما الذى بين القوم وبين كتابه؟! ،ما الذى بينهم وبين الله ليدخلوا
أسماء الشياطين في أسمائه ومع صفاته والله يقول :ﱹ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ
ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﱸ((( .ما الذى بينهم
وبين كتاب الله حتى يدنسوه ،ما بينهم وبين أولياء الله وأحبابه حتى يؤذوهم في
ربهم وفى كتابهم؟! ،أفال تتقون أيها الصوفية؟ أفال تعقلون؟ ،أفال تنظرون إلى
هذه الطلسمات ،والحروف المقطعة واألسماء الغريبة -إن لهؤالء القوم قلوبا
ال يعقلون بها ،وآذانا يسمعون بها ،وأعين ال يبصرون بها -حقا إنها ال تعمى
األبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .ولكن اإلجابة واضحة لنا.
إن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ،وهؤالء ليسوا من أهل الله ،وال من
وفي هذا الكتاب ذكر لما سمي بحزب الدائرة وفيه» :وهذه هي الدائرة:
محبب ٌه ،صور ٌه (وفي رواية بالسين)
عق (وفي رواية بالمثناة)ْ ،
طهور ،بدْ ٌ
ٌ
ٌ
أحون، سقغاطيس (وفي رواية :سبقاطيس) ،سقاطيم (وفي رواية :سفاطيم)،
حم ،ها ٌء ،أمي ٌن أو (آمين).....اعلم أن هذه األسماء هي من أسماء
قاف ،أد ّمّ ،
ٌ
الله تعالى ،ليست بلسان من ألسنة عالم الملك وال عالم الملكوت ،وال ٍ
بلغة
من لغات العالمين ،وإنما هي أسماء جبروتية يذكر الله تعالى بها في روضة
من رياض جبروته...فاعلم أن الله قد جمع في هذه األسماء علوم األولين
واآلخرين(((.
كيف يقال ان الله جمع في هذا علوم األولين واآلخرين ،وهو كالم مبتدع بعد
النبي ،والدين قد أكمله له ربه قبل مماته ،وقال الله له :
ﱹ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﱸ(((،
والنبي ما ترك شاردة وال واردة ،وال شيئًا ينفع أمته إال علمهم إياه،
ودلهم عليه ،لقد علمهم كيف يستنجون ،كيف يتوضؤن ،كيف يغتسلون كيف
يستاكون ،أفال يعلمهم أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ،لكن القوم كاذبون،
لقد سموا الله بأسماء الشياطين وخدعوا عوام المسلمين وذكروا أن هذه أسماء
جبروتيه يذكر الله بها في جبروته .إن هذا باطل وسيدمغه تعالى كما قال :ﱹ
((( النفحة العلية في أوراد الشاذلية :،عبد القادر زكي ص ،204 ،203 :القاهرة ،مطبعة النيل.
((( من اآلية3سورة المائدة.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 150
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﱸ(((.
لكم الويل بما تصفون ربنا بصفات لم يصف بها نفسه ولم يصفه بها رسوله
.
ثم يرسم صورتها التي تكتب بها في الحرز ،وهي مربع داخله ست دوائر
مكتوب على دائرته الكبرى الطلسم نفسه ،وعلى بقية الدوائر آيات قرآنية) ،ثم
يقول :هذه على وفق العبارة المتقدمة ،ورأيتها بخط شيخنا حفظه الله تعالى،
وقال في الحاشية من نسخته :وينبغي أن تكون الدائرة الكبرى مالقي ًة للخطوط
األربعة (أي :أضالع المربع) ال خارجة عنها وال داخلة(((.
وفي كتاب المآثر العلية يقول :طهور :االسم األول الكامل في ذاته المنور
لصفاته[ ،ويستخدم] للدخول على الملوك ،ك ِّبر الله سبعا ثم قل :طاء ،ثم اقرأ:
ﱹ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﱸ((( ،ثم قل حكمت
على أنفسهم الطاء ،واذكر االسم سبعا :بدْ عق :االسم الثاني ،بمعنى الباقي الذي
كل شيء به باق ،ذات األقسام [أي القسم] للدخول على العلماء والقضاة ،هلل
الله سبعا ،ثم قل باء ،ثم اقرأ :ﱹ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﱸ((( ،ثم قل :فلقت
عقولهم بالقاف ،ثم اذكر االسم سبعا.
((( الكنوز النورانية من أدعية وأوراد السادة القدرية ورد الجاللة :مخلف العلي ص ،10طبعة
المؤلف.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 156
هذه أسماء شياطين فنسأل الله السالمة والعافية ،لقد بدأ الورد بـ (يا باسط
ياغنى ثم ذكرت أسماء الشياطين ثم يقول انقطع الرجاء إال منك) والله لقد
أنزلوا هذه الشياطين منزلة ربنا الحكيم العليم سبحانه ،ماذا نقول إال اللهم
أجرنا في مصيبتنا ..إننا لنتعجب من وجود تلك األسماء عند قوم يرون أن
هذه أذكار يتعبدون لله بها يتقربون بها للرحمن .نحن ال نتعجب من وجودها
في كالم السحرة وحجبهم وكتبهم ،فهم اليصلون إلى ضر الناس وال إلى
العطف والصرف إال بهذا.والقوم يشربون من عين آنية واحدة ،فهذه الطريقة
البرهانية وهي فرخ من فروخ الشاذلية ،وأذكار القوم ال تكاد تخلو من االستغاثة
بالشياطين ،أو وجود حروف مقطعة أو أسماء أعجمية غريبة .وهؤالء القوم
أي أصحاب الطريقة البرهانية ذكروا أسماء لم يذكرها من سبقهم مثل حوسم
دوسم ..وهذه األسماء النجدها إال عند عتاولة السحر ،ومن الصلوات واألدعية
ما يعرف بالجلجلوتية التي ملئت باالستغاثة بالشياطين.
ويقول الدسوقي في ورده المسمى « الحزب الكبير» ما نصه :اللهم آمني من
كل خوف ،وهم وغم ،وكرب كدكد كردد كردد كردد كرده كرده كرده ده ده ده
((( ذكر ودعاء :جمع عبد الله أحمد زينة ص ،53مؤسسة الشعب1419 ،هـ=1998م.
157 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
ده ده الله رب العزة((( .وهذا الورد مما اتفقت عليه أكثر الطرق.
-مفيض العطايا صورة أنت عدتي...،ويا سقفاطيس صاحب الحمد والثنا -
عظيم سقاطيم وكافي البرية أحون وقاف مع أدم أدم لنا -رضاك وهبنا منك
فيض الدراية(((.
الله) (((.
6 .النقشبندية:
تم إلقاء القبض على ساحر نقشبندي ،وحكم عليه بالقتل ونفذ فيه الحكم،
وقد نقلت وسائل اإلعالم السعودية الخبر.
وصلى آله على سيدنا برهتيه ،تبتليه طوارك ،مزحل ،برهشب ،خوطر ،قلينهود،
برشا كطهير بانموا شلخ ،شماهير ،شمها حيرحورب النور األعلى عبطال فال
إله إال هو رب العرش العظيم»((( .هل بعد هذا الضالل وهذه األسماء الشيطانية
يقال إله إال هو رب العرش العظيم.
((( مجمع األوراد الكبير :محمد عثمان الميرغني الختم ص1439 ،116ه=2018م.
((( قالدة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه األكابر صفحة.363 ،362 :
((( ذكر ودعاء جمع عبد الله زينة ص .117
161 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
وفي الطريقة البرهانية في الحزب الصغير« :أحمى حميثًا أطمى طميثًا( ،وكان
الله قويًا عزيز ًا)» وفي نفس الحزب يقول المريد« :بها بها بهيا بهيا بهيا بهيات
بهيات بهيات القديم األزلي ،يخضع لي كل من يراني ،لمقفنجل يا...الخ»
(((
((( الكشف عن حقيقة الصوفية» ص ( ،)866تأليف محمود عبد الرؤوف القاسم ،طبع المكتبة
اإلسالمية ،عمان ،األردن ،الطبعة الثانية (1413ه)..
167 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
قال الشيخ عبد الله بن محمد بن سالم باكثير الكندي في رحلته المسماة
األشواق القوية إلى مواطن السادة العلوية» وهو يذكر تنقالته بين تريم وما
حولها وأخذه عن كبار شيوخها وأئمتها( :ثم زرنا العالم الجليل المنور سیدنا
عبد الله بن حمد بن عقيل مطهر ،وذكر إجازته لهم في بعض األذكار ثم قال:
وأجازنا أيضا في األذكار واألدعية التي في «شمس المعارف الكبرى» والعمل
بما فيها من الفوائد.
ولم يكتفوا بمجرد النقل والرواية بل صنفوا فيها ،فهذا أحد رجال «المشرع»
الذي قال عنه في مقدمة ترجمته( :سالم بن أحمد بن شیخان بن علي بن أبي
بكر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبود بن علي بن محمد مولى الدويلة
منه ،وهو جد المذكور قبله نادرة األعصار وغرة األمصار -ثم ذكر له ترجمة
((( السابق.
((( األشواق القوية إلى مواطن السادة العلوية» ص ( )26 - 25للعالمة الشيخ عبد الله بن محمد
بنسالم باكثير الكندي ،طبع مكتبة الثقافة الدينية ،بور سعيد ،الطبعة األولى (1421هـ200 .م)
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 168
مطولة دليل على االعتناء واالهتمام به وتعظيمه هذا الرجل قال :ومن مصنفاته
في غريب العلوم :مصباح السر الالمع بمفتاح الجفر الجامع» و «غرر البيان
عن عمر الزمان» و«المشروط األسمى األسني في شروط األسماء الحسنی»
و «العقد المنظوم في بعض ما يحتوي عليه الحروف من الخواص والعلوم»
و«إيوان المقعد الحرفي وديوان المشهد الوصفي» يتضمن ما يتعلق بالوفق
المثلث و «مرهم العطف و درهم الصرف) و «أسفار الهالك في العمل بوبر
بن مالك» و«موائد الفضل الجامعة البابا في موارد الرمل النافعة أحبابا» و«الماء
السلسال ،الرحيق األصفى في التعلق باألسماء التي اقتضت ربوبيتها تخليق
الموجودات اإلمكانية وما لها منزلة وحرفة» و«حل المغنم في حل الطلسم»
و«البرهان المعروف من موازين الحروف» و «منتهى الطلب في قسمة الرتب
على الكواكب السبعة والرأس والذنب) ،و«الجدول العذب األهني من شرب
األسماء الحسنی» و«عقد الحكم في ورد االسم» واعقد الآللئ الفخام في
ورد الليالي واأليام» و«التحصينات الموانع بالدعوات الجوامع» و«التحبير في
التسخير » ووفق الطبق الوفق» وغير ذلك أضربت صفحة عن ذكره ال لعلة،
واالختصار عن میدانه عالي الذرا صعب المجرى بنا ولنا أحرى وليس على
الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد((().
وقال الشلي( :شيخ بن عبد الله العيدروس الشيخ اإلمام ،والصديق الهمام
رأس الرؤوس وبهجة الجلوس ،ذو المكارم التي أبد الدهر ال تبلى ،والمجد
الذي يعلو وال يعلى ،والكشف الظاهر الجلي ،والمنصب الشامخ العلي ،إمام
أهل عصره والمشار إليه في قطره) وفي الترجمة( :وكان له معرفة تامة بعلم
الحروف واألسماء کثیر التصرف ويقول :إن والدي علمني ذلك في حياته وأنا
صغير) ،فهذا إذا على معرفة تامة ويتصرف بذلك العلم واألدهى أن الذي علمه
ذلك أبوه ،ومن أبوه؟ إن أباه هو( :السيد الشريف محيي الدين وإمام األولياء
والصالحين ،وقطب األقطاب الواصلين ،وشیخ المشایخ وغوث األكابر ،وسيد
الجماعة ،وسلطان الوجود ،السيد عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن السقاف
كنيته أبو محمد ولقبه العيدروس) ( )3هذا هو أبوه الذي علمه(((.
ومن هؤالء األولياء الذين يعرفون هذا العلم ويستخدمونه (مشیخ بن عبد
الله بن الشيخ علي أحد األولياء الصالحين والمشايخ العارفين مرشد السالكين
وقدوة الناسكين) .قال الشلى( :ويقال :إنه كان يعرف علم الحرف ،علمه إياه
بعض السياحين بعد أن اختبره بأشياء يعجز عن احتمالها أكثر الكاملين ،وكان
يحكم الوفق الثالثي ويتصرف به ،وله كرامات كثيرة و أنفاس منيرة شهيرة،
فكان يأتي بالشيء قبل أوانه ،ويحضر بعض األشياء التي لم توجد إال في
البالد البعيدة .حكي أنه أطعم بعض أصحابه فاكهة الصيف أيام الشتاء! وأطعم
ومن هؤالء من أولياء تهامة (يوسف بن أبي بكر القليصي) قال الشرجي
في ترجمته( :وكان عالما عارفا وكانت له معرفة تامة بكتب البوني ،وكان كثير
االشتغال باألسماء عارفا بخواصها ،وكانت آثار بركة ذلك عليه ظاهرة) (((.
وفي كتاب القبورية :ومن الذين ظهر لي أنهم استخدموا السحر وعملوا به
رجل سماه صاحب تاج األعراس» ووصفه ب (أعجوبة زمانه و فريد عصره
وأوانه والمتحدي بواليته لمعاصريه وأقرانه) ،الحبيب المحبوب و الفرد
المطلق المجذوب محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الرحمن العطاس المعروف
بالزنقلي ،المقيم والمتوفي بقام در مغوز قريبة من بندر بمبي بأرض الهند ،كان
في أول أمره يتعبد في الغابات ،وينفر من الناس كما هو شأن السالك المجد،
حتى تكمل رياضته ،قال :وكثيرا ما يأتي لزيارته أهل جهتنا المهاجرين من حضر
موت إلى الهند العارفين بأنساب السادة آل العطاس ،فال يزيدهم على هذا،
وربما تجرأ عليه بعض من قبائل الجعدة بالسؤال وقال له :نحن نعرف أنساب
آل عطاس ،فيقول الحبيب محمد :أين جنبيتك أين خنجرك؟ فينظر إلى قرابه فإذا
هو فارغ ،فيقول له الحبيب محمد :انظر إلى فوق فإذا هي معلقة برأسها في ورقة
من ورق شجرة عنب بفتح وسکون ،كان الحبيب محمد يجلس للناس تحتها
وذلق الجنبية مصوب فوق رأس ذلك السائل فيندهش عند ذلك ،ثم يقول له
الحبيب محمد :الزم أدبك .انتهی .قلت :وما ذاك إال لكرامته على مواله وثمرة
إخالصه في أقواله وأفعاله الوجه الله -قال ( :-ومن كرامات الحبيب محمد
المذكور أنه يستخدم اآلساد على رؤوس األشهاد ويركب عليها ،ويرسلها
لحراسة بعض زائريه فتذهب معهم حتى تبلغهم مأمنهم وال تضرهم بأدنى شيء
ثم ترجع إليه وال تزال عاكفة حواليه ،حتى إنها بقيت تحرس ضريحه بعد وفاته
وال تتعرض لزواره بسوء وهم كذلك ،ويأتون لها باللحوم غالبا کالهدية(((.
وفي الهند أيضا ولي آخر أتقن عددا من علوم السحر والكهانة هو عبد الله بن
حسین بن محمد بن علي بن أحمد المعروف کسلفه با «بافقيه» ،قال عنه الشلی:
وكان -رحمه الله تعالى -من علو همته أنه ال يسمع بشيء إال وأحب أن
يقف على أصله ومادته ،ويتطلب أربابه من سائر اآلفاق حتى أحكم علم الرمل
والهيئة واألسماء واألوفاق ،واجتهد في علم الكيمياء غاية الجهد ،وجد في
(((
طلبه من تهامة ونجد ،ويقال :إنه ناله وأصاب غرضه من بعض أهل الرياضة)
ويحكى أن الحبيب عبد الله بن عمر بن يحيى أتاه بعض أهل ذلك الشأن،
وأعطاء مسرجة وقال له :إذا بدت لك حاجة فأسرج فيها ،فأخذها منه وأسرج فيها
ليلة ،فحضر حولها أربعة نفر ،فسألهم من أنتم؟ قالوا :نحن خدمة هذا السراج،
ماحاجتك؟ قال :إيتوني بكيس رياالت من البحر ،فغابوا ساعة وأتوه بها تقطر
ماء ووضعوها بين يديه ،فنظر إليها ثم أمرهم بردها إلى البحر ،فردوها وقالوا
له :هل لك حاجة أخرى ،وإال فأطفئ الشمعة فإنها تحرق أجوافنا ،فأطفأها
وذهبوا ،فلما أصبح جاء إلى خاله الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر يصافحه
فقبض يده عنه ،فقال :لم ال تصافحني؟ قال :هات المسرجة التي معك ،فأتى
بها إليه فأمره أن يكسرها فكسرها ،زهد في الدنيا وثقة بالله وما عنده (((.
ومما يلتحق بذلك ما هو مشهور مما يفعله المجاذيب المنتسبون البن علوان
من طعن أنفسهم بالحراب والخناجر في عيونهم وأماكن أخرى من أجسادهم،
فإن ذلك من السحر أو ما يلتحق به ،وهم عندما يفعلون ذلك يقولون( :سك
وبحرك یا ابن علوان) أو كما يقولون ،أي لتكن هذه الصفات في بحرك ،أي
نتلقاها بحالك ،أي مما أكرمك الله به من التصريف .وقد حكم العالمة حسين
بن عبد الرحمن األهدل على ذلك بأنه أحوال شیطانية فقال -وهو يتحدث عن
السيد أحمد الرفاعي ( :-وتبعه خلق أحسنوا االعتقاد فيه ولهم أحوال عجيبة
من أكل الحيات حية ،والنزول في النار وهي تضطرم فتطفأ ،ويركبون األسد،
ولهم مواسم يجتمع بها عندهم عالم کثير .قلت :األحوال المذكورة أحوال
شيطانية كما ذكره الحافظ ابن تيمية ثم الذهبي فاعلم ذلك والله أعلم(((.
13.العيساوية:
نسبة إلى سيدي محمد بن عيسى ،من بالد السوس (المغرب) ،تخرج
في الطريقة الجزولية ،مات في (مكناسة الزيتون) سنة 933هـ ،ويظهر أنها
والجزولية فرعان من الرفاعية ،ألنهما تعتمدان الطبول وضرب الشيش
والخناجر وأكل الزجاج والحيات ،وفيهما كثير من المنكرات -شأن كل
الطرق -لكن محمود ًا أبا الفيض المنوفي يجعل الجزولية فرعًا من الشاذلية(((.
وذكر الشيخ محمود عبد الرءوف القاسم قصة يعرف صاحبها وخالصتها
أن مستشارا في محاكم االستئناف في مدينة حلب ،كانت تجمعه الصالة في
المسجد مع بائع شراب متجول ،وفي ذات مرة ،طلب إليه البائع أن يجرب أن
مرة ،وبعامل الفضول ،صار المستشار يرددها بعد كل صالة...بعد ثالثة أيام،
بينما كان جالسًا على قوس المحكمة يفصل في قضايا الناس ،إذا به يرى أمامه
بيته وأهله يقومون بأعمالهم حسب المعتاد ،وعندما رجع إليهم بعد الظهر،
سألهم عما كانوا يفعلونه في ذلك الوقت؟ فكان في بعض ما رآه بعض ما كانوا
يفعلونه .وصارت مثل هذه الحالة تتكرر أمامه كلما كرر تالوة األسماء.
في األمة جمعاء ،إال من رحم ربك ،وهكذا صار علم الحروف (السحر) من
المظاهر البارزة في ثقافة األمة جمعاء ،إلى جانب القبوريات وخوارق المشايخ
وتغريبة بني هالل وقصة سيف بن ذي يزن ،وكذلك ظهر أثرها بعد زمن في
الشيخية ،ثم في البابية والبهائية(((.
((( السابق.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 176
القطعي المحت ّفة باألنبياء واألولياء من الفضل والشرف وحس الخلق والصدق
والحياء والزهد والفتوة وترك الرذائل وكمال العلم وصالح العمل وغيرهما،
والساحر على الضد من ذلك(((.
((( مجموعة ساعة الخير ،ابن عربي ص1960 ،7م دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع.
((( المبادئ والغايات في معاني الحروف واآليات :ابن عربي ص ،83المكتبة األزهرية للتراث،
179 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
وقال أيضا :ومنها لحل المربوط يكتب في إناء جديد ويحط في النداء ليلة
ويجعل فيه قليل زيت طيب وتدهن منه الفرج وهو :كهيعص حمعسق ونفخ في
الصور فجمعناهم جمعا يأجوج في كوح أيكوك أنكوح كوج نصر من الله وفتح
(((
قريب.
فانظر يا عبد الله المؤمن الموحد ،أيها المحتسب القائم بحدود الله المبين
خطر هؤالء ،أنظر ماذا قدموا في أذكارهم ودعواتهم ،قدموا شهرين وكشهيل
وعجاجيل وأخروا اسمه تبارك وتعالى فقالوا بحق يا كريم ،والله يقدم اسمه
تعالى ويعلو ،واليعلى عليه ،فالكريم الرحمن الجليل األكبر ال يقدم عليه أحد
تعالى .إن الذى عايش هؤالء القوم وأطلع على سرارهم ،وخبر أخبارهم ،وسبر
أغوارهم ،وخالطهم يعرف أسرار تلك الكتب ،وتلك الدعوات ويعلم حقيقة
القوم.
ولعل الله تعالى أن يعين بحوله وقوته على بيان حقيقة تلك األسرار وخبثها
في باب السحر إن شاء الله حيث أن المقام هنا ال يتسع ،وسنبين أنهم يكتبون
حروفًا طالسما إذا فككتها وجدت فيها من االستغاثات بأسماء الشياطين،
أنهم يكتبون حروفًا وأرقامًا ال يفطن لها القارئ العادي ،وال يعرفها ،وهي
حين يفكها العالم الخبير يجد فيها ما فيها من استهانة بالقرآن ،وامتهان له ،مع
2016م.
((( المبادئ والغايات ،ص.25
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 180
ظهورهم بظاهر الصالح والوالية والكرامة ،وأنهم أهل تصوف ،ولكن الحق أن
الشيطان قد أغواهم واستزلهم فوقعوا في ورطاته وشركه((( .ثم يقول ابن عربي
وعقب كل صالة تقرأ هذه العزيمة.
يا قومنا أفيقوا وانظروا بأبصاركم وأرجعوا فطرتكم إلى أصل نشأتها،
وحكموا عقولكم .ألم يعلمكم النبى أذكار ما بعد الصالة ،ونقله
إليكم أصحابه بالسند الثابت الصحيح ،وبسالسل رجال هي أعز من سالسل
الذهب عنه ؛ لكن الحقيقة أن القوم أعوان للشياطين ،يقعدون بكل
صراط يصدون الناس عن ربهم تعالى ،حتى أن من صلى أفسدوا عليه صالته
بد ً
ال من قوله أذكار الرسول يقول اللهم بيونا قيل ...إلى آخر هذا
الضالل.
ثم يقول (ويضاف إليها آيات ،أوليس الذي خلق السماوات واألرض بقادر
على أن يخلق مثلهم...ويضيف :وخوفي أخوف من خوف مساء أو صباح
أصباؤت آل شداي على األعلى عظيم األمور إن الله هو التواب الرحيم لسالمين
الصالحين اركض برجلك ...وإن سألك عن العزيمة فقل له :يحتاج إلى بيضة
دجاجة حمراء ،ويكتب عليها هذه العزيمة( :يا سما سلمعونة يا القب المدين
مدين االسمين ،يا مالك الجن والشياطين يا حي يا قيوم احبس السارق...أهيا
((( لعل الله أن يطيل في األعمار وأن يوسع المقام لنتكلم عن أولئك السحرة األشرار الذين
قبض عليهم وقد دنسوا القرآن.
181 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
كذبت وربنا الخالق العليم إنه تعالى نور السماوات واالرض وليست هذه
الشياطين التي تستغيثون بها من دونه تعالى .ويقول ابن سبعين في (الرسالة
النورية) يخاطب أحد المريدين...:هذه الكلمات التي نذكرها لك مرموزة
مني ،غير أن الذاكر ينتفع بها ،وهي :عمرش أش عمر صح راهيا إيداحا أيهم
اردع صعر عرجم كعلم....فقل إذا وجدت البحر والوجود والحمد :قهوم
طمس هوالم صعنج ذلك الله ربكم يا يا يا(((.
مراكز الدعوة للشيطان ،وهو معين عظيم للشيطان الرجيم ،إنه مفرق الجماعات،
ومطلق الزوجات ،وهادم البيوت ،ومفرق األحبة ،أفال يكفى هذا الكتاب
البغيض الذى لو وقع على األرض النشقت ،لما فيه من الكفر بالرحمن الرحيم
واالستغاثة بالشياطين؟! ،أال تعلمون أن ما تذكرونه في موالدكم وحضراتكم
من عمل صاحب شمس المعارف ومنبع أصول الحكمة ،وال شمس في كتبه،
وال معرفة ،وال حكمة ،وليس فيها إال الكفر بالله تعالى.
قال البوني « وهو أن يقال ...أيها األعوان المستخرجة من حروف اسم فالن،
وتذكر اسم المطلوب ،ثم أسماء األعوان أن تتوكلوا في العمل الذي أريده منكم
في الجسد الذي استخرجتم من بحق كذا وكذا ويذكر أقسام القسم ...ومن هذا
األقسام قوله « :برهيته 2كرير 2تتليه 2طوران 2مزجل ..بعزتك إال ما أخذت
سمعهم وأبصارهم سبحانه من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وقال «
يا مذهب بحق الملك الغالب أمره عليك روقيائيل وأنت يا أبيض ...أجيبوا
وافعلوا كذا وكذا(((.
هطاشنة ،وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وترميه من حيث ال
يشعرون ،وتنظر ما يصنع الله.
ومن أراد أن يبصر الجن مشاهدة ومصادقة ومخاطبة ويسمع كالمهم ويعينونه
على ما يريد فليقرأ سورة الجن في بيت خال من يوم بطالة في أحد أو أربعاء
وبين يديه بخور اللبان ويخط له مند ً
ال يقعد فيه وال ينقطع عنه البخور (((...وقال
أيضا :ولهم حشيشة تسمى بحشيشة الراسن تبخر من أوراقها على اسم من تريد
فيأتيك وإن لم يرد ،بشرط أن تقول هذه الكلمات على البخور تقول :يا جامع
يا جن اجمعوا وقدموا الق الق عاجال عاجالً اشروثا اشروثا كبيبا الصبي :ائتنا
كرهًا أو طوعًا :قالتا أتينا طائعين وليكن في يوم األحد أو أربعاء(((.
هذا ما ينقل عن الغزالى ،فإلى أتباع الغزالى الناقلين عنه ،هذا ما يكتبه،
وهناك طلسم ينسب إلى الغزالى ،ويسمى بطلسم أو مثلث الغزالى ،ويعملونه
لقهر الجبابرة والقياصرة ومالقاة الملوك والحكام ،ويدعون اشتعماله في نصرة
المظلوم ،وإبعاد الظالم ،ويرون أنه يفرق الظلمة ،وهو طلسم سوف نبينه بإذنه
(تعالى) ،ونكشف حقيقته -إن شاء الله -في باب السحر والصرف ،ويكتب
السحرة مثلث الغزالى في أعمال الصرف ،وقد مجد هذا المثلث البرعي :حين
قال:
((( مجموعة رسائل الغزالي ،تحقيق إبراهيم أمين ،المكتبة التوفيقية ،ص .516
((( مجموعة رسائل الغزالي ص 519
185 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
بـبـصـيـ ــرة األنــ ــوار ال كهـ ــواك ومثلــ ــث الغــــزالى أخرج ــه لن ــا
أهــ ــل البصائ ــر والعل ــوم س ــواك والخاتـــم المرمـــوز يعـــرف ســـره
ظفــــروا بــه مــن شــاهدوا مــوالك هــو باطــن الق ـرآن والســر الخفــى
وهناك طلسم آخر ذكره في كتاب المنقذ من الضالل يقيم به الدليل على
المنجمين من صناعتهم ،جاء في هذا الكتاب:
أما الذين ادعوا الحيرة من أهل التعليم فعالجهم ما ذكرناه في كتاب القسطاس
المستقيم وال نطول بذكره في هذه الرسالة .وأما ما توهمه أهل اإلباحة ،فقد
حصرنا شبههم في سبعة أنواع وكشفناها في كيمياء السعادة.وأما من فسد
إيمانه بطريق الفلسفة ،حتى أنكر أصل النبوة ،فقد ذكرنا حقيقة النبوة ووجودها
بالضرورة ،بدليل وجود عمل خواص األدوية والنجوم وغيرهما .وإنما قدمنا
هذه المقدمة ألجل ذلك وأننا أوردنا الدليل من خواص الطب والنجوم ،ألنه من
نفس علمهم .ونحن نبين لكل عالم بفن من العلوم كالنجوم ،والطب ،والطبيعة،
والسحر والطلسمات مثالً من نفس علمه برهان النبوة.قد اعترفوا بخواص هي
أعجب من هذا فيما أوردوه في كتبهم ،وهي من الخواص العجيبة المجربة في
معالجة الحامل التي عسر عليها الطلق بهذا الشكل :يكتب على خرقتين لم
يصبهما ماء ،وتنظر إليهما الحامل بعينها .وتضعها تحت قدميها ،فيسرع الولد
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 186
في الحال إلى الخروج .وقد أقروا بإمكان ذلك ،وأوردوه في عجائب الخواص
وهو شكل فيه تسعة بيوت ،ويرقم فيها رقومًا مخصوصة ،يكون مجموع ما في
جدول واحد خمسة عشر ،قرأته في طول الشكل أو في عرضه أو على التأريب.
ذلك ،فيما يسمعه من قول نبي صادق مؤيد بالمعجزات ،لم يعرف قط بالكذب!
ولم ال يتسع إلمكانه؟ فإن أنكر فلسفي إمكان هذه الخواص في أعداد الركعات،
ورمي الجمار وعدد أركان الحج ،وسائر تعبدات الشرع ،لم يجد بينها وبين
خواص األدوية والنجوم فرقًا أصالً(((.
وال يتسع المقام هنا لعرض كل الطالسم التي عند الصوفية وإال الحتجنا إلى
كراريس كثيرة ،وقد عرضنا منها ما يؤدي الغرض ،ولو لم يطلع المسلم إال على
ما أورده ابن عربى والغزالى والبونى من طالسم لكان كافيًا ،فإن المتأخرين
عالة على المتقدمين -وكم جروا من بالء لهذه األمة.وقد بين ذلك أقوام كانوا
على هذا ثم هداهم الله كابن مطهر رحمه الله رحمة واسعة.
((( المنقذ من الضالل :للغزالي ج 1ص ،20تحقيق جميل صليبا ،كامل عياد ،مكتبة األندلس
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 188
استخدم الصوفية السحر لتحقيق مآرب اما لهم ،وإما لغيرهم ،وصنعوا
مثل غيرهم من السحرة في هذا ،وزادوا بأنهم جمعوا بين كفر السحرة وخبث
المنافقين ،لقد خادعوا عوام المسلمين فزعموا أن لهم كرامات وعلم لدنى ال
يعلمه عامة الناس ،وأن لهم أسرار وأنهم خصوا بأسماء للرحمن جال جالله
قد ورثوها ،وعلموها ،منة من الله ومنحة ،والمتأمل في حالهم يعرف أن
هؤالء سحرة ،يعظمون الشياطين ويستغيثون بغير الرحمن ،ويفرقون بين المرء
وزوجه ،ويعلقون قلوب الناس بغير الله رغبًا ورهبًا.
وﻗﺎل :ﻳﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻗﺪ ذﺑﺤﺖ ﻫﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﺘﻌﺪي ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺨﺮﺳﺎن،
وﻗﺪ رﻓﻌﺖ ﺟﺴﺮا ﻣﻦ سقف داره ﻋﻦ اﻟﺠﺪار ،ووﺿﻌﺖ اﻟﺨﻨﺠﺮ ﺗﺤﺘﻪ ﻻ ﻳﺮﻓﻌﻪ
أﻗﻞ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﻳﻦ ً
رﺟﻼ ،وﻛﺘﺒﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻨﺠﺮ ﺑﺪﻣﻪ :ذﺑﺤﻪ ﻣﺤﻴﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ،
ﻓﺬﻫﺐ ﻣﻦ ﺣﻀﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺸﺎﻛﻴﻦ ﻓﻮﺟﺪﻫﻢ ﻓﻲ ﺧﺮﺳﺎن ﻳﻘﻮﻟﻮن :ذﺑﺢ ﻓﻼن ﻓﻲ
اﻟﻴﻮم اﻟﻔﻼﻧﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ،ﻓﺄﺧﺒﺮوﻫﻢ ﺑﺎﻟﻘﺼﺔ ،ﻓﺨﻠﺺ ﻛﺜﻴﺮ اﻟﺘﻬﻤﺔ،
ورﻓﻌﻮا رأس اﻟﺠﺴﺮ ﻛﻤﺎ ذﻛﺮ ،ﻓﻮﺟﺪوا اﻟﺨﻨﺠﺮ واﻟﻜﺘﺎﺑﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺴﺮاج ﻓﻲ
«ﺗﻔﺎح اﻷرواح»(((.
لقد أورد القوم هذه القصة في كتبهم على سبيل الكرامات ،وال جرم أن هذه
الحكاية لو ثبتت وكانت حقا ،لكان ذلك سحرا واستعانة بالشياطين على تنفيذ
وﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺘﺎب اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ اﻷﺣﻤﺮ ﻣﺎ ﻧﺼﻪ :وإذا ﺻﻮرت ﻣﻦ ﺗﺮﻳﺪ قتله ﻣﻦ
اﻟﻔﺎﺳﻘﻴﻦ داﺧﻞ اﻟﻤﺨﻤﺲ ،وﺟﻌﻠﺖ ﺣﺮف اﻟﻄﺎء ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺠﻠﻮس ﻣﻮﺿﻊ ﻗﻠﺒﻪ
ﺛﻢ ﺧﺬ ﺧﻨﺠﺮا ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ اﻟﺨﺎص ﻧﺼﻠﻪ ،وﻧﺎﺑﻪ ،واﻧﻘﺶ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﺘﺔ ﻋﺸﺮ ﻃﺎء
ﻫﻨﺪﻳﺔ ﺳﻄﺮا واﺣﺪا ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺜﻼﺛﺎء ،ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻤﺮﻳﺦ ،ﻓﺈن اﻟﻤﻄﻠﻮب ﻳﻬﻠﻚ ﻓﻲ وﻗﺘﻪ
وﺳﺎﻋﺘﻪ ...اﻟﺦ(((.
2 .الخرس
وقال الشاذلي :من أراد أن يعقد ألسنة جميع الخالئق فليجعل له لوحا من
الرصاص األسود المصطفى مقدار ثالثة مثاقيل ،ثم تنقش هذه اآلية عليه وتقرأ
اآلية ألفا واحدا على اللوح وتضعه في بطن الحوت الطري وتدفنه في األرض
المبلولة بالندا وتكتب أسماء الحاسدين واألعداد فيه تنعقد ألسنتهم بإذن الله(((.
واظب على قراءته كل ليلة مائة مرة ،فإنه يجتمع بالجن عيانا ،وربما يصيرون له
خداما ،ومن واظب على ذكر برهتيه كرير تتليه....خضعت له األرواح العلوية
والسفلية(((.
6 .الشفاء
جاء في كتاب «الجواهر اللماعة» يقول علي أبو حي الله الرزوقي :لمن
كانت له حاجة أو يطلب شفاء أو نصر ًا أو غير ذلك» :تصوم لله سبعة أيام
برياضة تامة ...وتقول :اللهم إني أسألك ثم ينادي الساحر :لهيوش وطهيوش
ويقول أسألك اللهم بحق هذه األسماء واألسرار التي ألقيتها في قلب نبيك
محمد ((( وكسيته من جالل لطفك وهديته بطهارة قدسك أن تسخر
لي روحانية((( خدام اسمك اللطيف المبارك العلوية والسفلية يكونون عونًا لي
((( حاشا النبى الكريم من قول هذا ،كيف وقد غسل جبريل عليه السالم قلبه الطيب
الطاهر فأخرج منه فأخرج منها ماال يرضى الله تعالى ،وأخرج منه حظ الشيطان ،فكيف لهذا
القلب الطاهر الذى غسله جبريل مرات أن يستغيث بالشياطين كيف يستغيث طهيوش وهو الذى
علم ابن عمه وهو غالم إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله .كيف هذا وهو سيد
الموحدين ،حاشاه ثم حاشاه من وقول واعتقاد ذلك.
((( يعتقد أولئك أن الروحانيين هم خدام القرآن ،فإنهم يعتقدون أن لكل آية خادمًا ،وهم قوم
من الجن بأرواح مالئكية -أو نورانية -ويعتقدون أن الجن أعرف بالقرآن فهم آمنوا به وفهموه
أكثر من الجن ،،فالنبى لما دعا قريش إلى اإليمان بالقرآن وتاله عليهم ما آمن معه
إال القليل ،أما الجن فإنهم حينما سمعوه ولوا إلى قومهم منذرين -وقالوا يا قومنا أجيبوا داعى
الله ،وقالوا كما قال الله عنهم :إنا سمعنا قرآنًا عجبًا -بل ذكر النبى - أنهم كانوا
أحسن رد ًا على أسئلة القرآن فإن النبى لما قرأ سورة الرحمن على الصحابة كانوا
سكوتًا فلما انتهى قال مالى أرى الجن أحسن منكم رد ًا فإنى ما أتيت على قوله:
فبأى آالء ربكما تكذبان إال قالوا وال نسيئ من آالك تكذب ملك الحمد -والجن يعلمون أسرار
القرآن ويتلقونه قبل األنس ،ويعلمون ماال يعلمه األنس ،وأن هؤالء المتصوفة إذا سئلوا عن هذه
األسماء االعجمية التي في أورادهم قالوا أنها أسماء الله باللغة السريانية وإذا قيل لهم كيف لم
يعلمها غيركم ذكروا أن الجن هم مطلعون على أمرهم مالم يطلع عليه األنس ،ويقولون هذا ليس
بمستنكر ألم يقل النبى أو استأثرت به في علم الغيب عندك ،واللغة السريانية كانت
قبل العربية فهذه أسماء الله بها علمها من علمها وجهلها من جهلها.ثم يقولون إنه وبالتجربة أن
هذه األذكار المباركة ما قرأها مهموم وال مغموم وال من كان صورة ضيق حرجًا إال سرى عنه
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 196
على ما أريد «وهو كذا وكذا» أجب..يا شعضوض وائتوني من مال الله الذي
مع خلق الله بحقك يا الله ويا شعضوض وحفيال(((.
وذهب عنه الهم والغم .بمجرد قراءة تلك األفكار .وهذا أمر عادى وجوابه واضح ،فإن ضيق
الصدر من الشيطان ومن األعراض عن ذكر الرحمن فإن الله يقول :ومن أعرض عن ذكرى فإن له
معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى .فالضنك من هذا الشيطان فإذا قرأ هذه األدعية التي فيها
الشرك والدعاء للشيطان سرى عنه ألن الشيطان يتركه وال يدخل عليه ذلك الغم وذلك الهم .ولقد
رأيت يومًا من األيام عند بيوت السحرة ينشرون هذا األفك والكفر رجالً هو طبيب جراح كبير،
وحينما أخذ وسألته كيف وأنت الطبيب الجراح الكبير الذى تستودعك الناس أرواحها تأتى إلى
ذلك الساحر الجاهل .فقال كان عندى ضيق صدر وهم وغم فجئت لهذا الرجل فأعطانى حجابًا
فلما علقته علقته ذهب عنى ذلك الضيق وذلك الهم .ولكن غسلت الجاكت الطبي الخاص بى
وكان فيه ذلك الحجاب فأتلفته الغسالة وتمزق فجئت إليه ليكتب لى حجابًا أعلقه ليسرى عنى
ويذهب عنى ما أنا فيه بعدما تمذق الحجاب.
((( الجواهر اللماعة :لعلي الرزوقي ص ،54طبعة :مصطفى البابي الحلبي 1360هـ.
((( منبع أصول الحكمة للبوني ص 111طبعة :مصطفى البابي الحلبي.
((( شموس األنوار وكنوز األسرار ،ابن الحاج التلمساني ،ص 50
((( رسائل ابن سبعين( ،ص.)161 ،160 :
197 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
((( السر المظروف :محمد الشافعي الخلوتي ص ،11مطبعة البابي الحلبي1270 ،ه=1951م.
((( منبع أصول الحكمة ،ص .124
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 198
استخرجتم من بحق كذا وكذا ويذكر أقسام القسم ...الخ((( .ومن هذه األقسام:
يا مذهب بحق الملك الغالب أمره عليك روقيائيل..عليك عنيائيل ..عليك
كسفيائيل أجيبوا وافعلوا كذا وكذا(((.
السيمياء:
قال القرافي في «الفروق» :السيمياء وهو عبارة عما يركب من خواص
أرضية كدهن خاص أو مائعات خاصة أو كلمات خاصة توجب تخيالت
خاصة وإدراك الحواس الخمس أو بعضا لحقائق من المأكوالت والمشمومات
والمبصرات والملموسات والمسموعات وقد يكون لذلك وجود حقيقي يخلق
الله تلك األعيان عند تلك المحاوالت وقد ال تكون له حقيقة بل تخيل صرف
وقد يستولي ذلك على األوهام حتى يتخيل الوهم مضي السنين المتطاولة في
الزمن اليسير وتكرر الفصول وتخيل السن وحدوث األوالد وانقضاء األعمار
في الوقت المتقارب من الساعة ونحوها ويسلب الفكر الصحيح بالكلية ويصير
أحوال اإلنسان مع تلك المحاوالت كحاالت النائم من غير فرق ويختص ذلك
كله بمن عمل له ،ومن لم يعمل له ال يجد شيئا من ذلك((( .وهذه األشياء ليس
فيها شيء من السحر وانما يستخدمها من يستخدمها إلظهار قدرته ،وليضحك
على عقول الناس ويلبس عليهم ويدعي أن عنده كرامات ،وذكرناها هنا لبيان
وهل بعد هذا الخبث من خبث ،وبعد هذا اإلفك من إفك ،يزعمون أن
لهيوش وغيره مما ألقي في قلب النبي الهادي سبحانك هذا بهتان
عظيم.
((( الجواهر اللماعة لعلي الرزوقي ،طبعة :مصطفى البابي الحلبي 1360هـ .ص .54
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 200
أنه سيد الموحدين وقال يوما من لم يتعلم التوحيد من إبليس فهو زنديق ألنه
أمر أن يسجد لغير سيده فأبى..وذكر بن الجوزي في المنتظم من ذلك أشياء
كثيرة((( .وقال الذهبي قال الذهبي « :أحمد بن محمد بن محمد ،الواعظ أبو
وسي. ُّ
الغزالي ،الط ُّ
الي[ ،المتوفى 520 :هـ]أخو اإلمام أبي حامد َّ
الغز ُّ
الفتوح َّ
ا...يتعصب إلبليس ويعذره((( .وقال الذهبي أيضا :كان رقيق
َّ امتزهدً
كان صوف ًّي ِّ
الديانة متكلمًا في عقيدته .حضر يوسف الهمذاني في الزاهد عنه ،فسئل عنه
شيطاني ال ر ّباني .ذهب دينه والدنيا ال تبقى له(((.
ّ فقال :مدد كالمه
وكان الحالج معظما إلبليس وقد نضحت مؤلفاته بذلك فقد كتب في
صح ْت الدعاوى ألَ َح ٍد ،إ َّ
ال طواسينه «طاسين األزل وااللتباس» ،فقال« :ما َّ
إل ْبليِ ٍ
س و َأ ْح َمدَ ،صلعم ،غير أن إبليس َس َق َط عن ال َع ْي ِن ،و َأ ْح َمد (صلعم)(((.
((( لسان الميزان :ابن حجر العسقالني ( ،)295/1دائرة المعرف النظامية -الهند ،مؤسسة
األعلمي للمطبوعات بيروت -لبنان ،الطبعة :الثانية1390 ،هـ 1971/م،
((( تاريخ اإلسالم َو َوفيات المشاهير َواألعالم ،المؤلف :شمس الدين أبو عبد الله محمد بن
أحمد بن عثمان بن َقا ْيماز الذهبي (المتوفى748 :هـ) ،المحقق :الدكتور بشار ّ
عواد معروف،
الناشر :دار الغرب اإلسالمي ،الطبعة :األولى 2003 ،م.)311/11( ،
((( العبر في خبر من غبر :الذهبي ج2ص413تحقيق أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول،
دار الكتب العلمية -بيروت.
((( كره أهل الحديث هذا الرمز لإلشارة إلى الصالة على النبي ،وأمروا بكتابة
الصالة عليه كاملة .
201 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
اللهم إنا نسألك الثبات في األمر والعزيمة على الرشد ونسألك موجبات
رحمتك وعزائم مغفرتك ،ونسألك الغنيمة من كل بر والسالمة من كل إثم،
ونسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار.ونسألك أن تعيننا على ذكرك وشكرك
وحسن عبادك وأن ترزقنا التحصن التام الدائم باألذكار النبوية ،ونسألك الثبات
على التوحيد والسنة حتى نلقاك وأنت راض عنا.
أما ما ورد من حديث عن السريانية وفضلها ،وأن الله تكلم بها ،أو أنها كالم
203 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
المالئكة أو أنها كالم أهل الجنة.وإن الله إذا غضب تكلم العربية واذا رضي
تكلم بالسريانية .فهذه أحاديث موضوعة ،أو نقول عمن قوله ليس بحجة،
كما ذكر عن الشعبي قال( :كالم الناس يوم القيامة السريانية)((( ،أو ما ذكره
الدينوري في األخبار الطوال :أن ولد نوح كثروا بها ،فشحنت بهم ،وكان كالم
الجميع السريانية ،وهي لغة نوح(((.أو ما ذكر أيضا عن الحسن قال خرج آدم من
الجنة ولغته السريانية ولن تعود إليه(((.وما نقل عن بعض أهل العلم في تفسير
بعض الكلمات القرآنية ،وأنها سريانية.
ول ال َّل ِه ت َق َال لِي َر ُس ُ وما ورد في الصحيح عن السريانية هو حديث َزيدُ بن َثابِ ٍ
ْ ْ ُ
ِ ِ ِ ِ
الس ْر َيان َّي َة إِن ََّها َت ْأتيني ُكت ٌ
ُب َق َال ُق ْل ُت َاَل َق َال َف َت َع َّل ْم َها َف َت َع َّل ْمت َُها ُ :ت ْحس ُن ُّ
فِي َس ْب َع َة َع َش َر َي ْو ًما) ((( ،وكان السبب في ذلك خوف النبي على
كتبه من اليهود ،وأن يزوروا فيها ،أو يترجموا له خطأ أو يكتبوا خطأ ولو كانت
لها مزية أخرى لذكرها النبى في هذا المقام.
فليس لغالة الصوفية دليل صحيح على فضل السريانية ،أو أن هذه األسماء
السريانية هي أسماء لله ،ومن عجيب دالئلهم استداللهم بما قاله
يحتَمل َم َع َذلِك َأن يكون خطاب كل أحد بِلِ َسانِ ِه»(((.وتمسك َق َال َو ْ
الصوفية بهذا القول الغريب الذي ال يستند إلى أصل كعادتهم ورغبتهم
في اإلغراب عن األمة عقائد وأفكارا ليستدلوا على مكانة السريانية.
وقال عبد العزيز الدباغ :نعم سؤال القبر بالسريانية ألنها لغة المالئكة واألرواح
ومن جملة المالئكة مالئكة السؤال وإنما يجيب الميت عن سؤالهما روحه
وهي تتكلم بالسريانية كسائر األرواح؛ ألن الروح إذا زال عنها حجاب الذات
عادت إلى الميت حالتها األولى ،ثم قال« :والولي المفتوح عليه فتحا كبيرا
يتكلم بها من غير تعلم أصال ألن الحكم لروحه فما ظنك بالميت فال صعوبة
((( أرجوزة التثبيت ،في ليلة التبييت ،نظم العالمة جالل الدين السيوطي ،دراسة وتحقيق وتعليق
د محمد بن عوض الشهري ،مجلة العلوم الشرعية.
((( شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور :جالل الدين السيوطي ص ،147تحقيق :عبد
المجيد طعمة حلبي ،دار المعرفة -لبنان ،الطبعةاألولى1417 ،هـ 1996 -م.
205 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
قالوا :أما السؤال فإن الملكين يقوالنه له بلفظ السريانية (مرازهو) ،وكل
حرف عندهم له معناه .وأما الجواب إذا كان الميت مؤمنا فإنه يجيبهما بقوله:
(مرادأزير) وحاصل معنى الجواب أنه قيل جميع المكونات ونبينا الذي هو حق
وسائر األنبياء الذين هم حق وكافة المالئكة الذين هم حق وجميع األنوار التي
هي حق وعذاب جهنم الذي هو حق وكل الشر الذي هو حق هو سبحانه خالقها
ومالكها ومتصرف فيها ال معاند له وال شريك وال راد لحكمه فيها .فإذا أجاب
الميت بهذا الجواب الحق قال له الملكان( :ناصر) ومعناه يعلم مما وضعت
له حروفه في السريانية كالتالي :النون المفتوحة بعدها ألف للنور الساكن في
الذات المشتعل فيها ن والحرف الثاني وهو الصاد المكسور يدل على التراب،
والراء الساكنة تدل على حقيقة المعنى السابق ،وعليه يكون معنى هذا الكالم:
نور إيمانك الساكن في ذاتك الترابية أي التي أصلها من التراب صحيح حق
مطابق ال شك فيه فهو قريب من قوله في الحديث نم صالحا قد علمنا إن كنت
لموقنا والله أعلم».
(((
إن أول وأهم ما يمكن الرد به على هذه الضاللة أنها محدث ٌة في دين الله وال
((( اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز ،جمعه :أحمد بن المبارك المالكي ص 243تحقيق
إبراهيم الكيالي ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى.،
((( اإلبريز ،ص 255وكذلك ذكره أبو العباس البوني في «منبع األصول والحكمة» ،ص40
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 206
سنة ،والقول ٍ
أحد من الصحابة والتابعين. كتاب وال ٍ
ٍ أصل لها من
كما أن دين الله سهل ميسور ،قال البخاريَ :باب الدِّ ي ُن ُي ْس ٌر َو َق ْو ُل النَّبِ ِّي
ِ ِ ِ َ :
الس ْم َحةُ»((( ،وقال : ين إِ َلى ال َّله ا ْل َحنيف َّي ُة َّ
ب الدِّ ِ«أ َح ُّ
ً
وعمال الس ْم َح ِة»((( .أي الدين السهل اللين ،اعتقاد ًا ِ ِ ِ «و َلكِنِّي ُب ِع ْث ُ
ت بِا ْل َحنيف َّية َّ َ
وقو ً
ال فمن أين لهؤالء الصوفية تلك العبارات واألسماء الصعبة المتعاضة :من
أين مرازهو -مراد أزير ،ناصرتم ،وهذا كالم أشبه بتعقيد الوثنين وألغازهم في
دينهم لتبرير كفرهم الذى تمجه القلوب والعقول.
إن خطاب جبريل للنبى كان بالعربية -في مثل قوله
س فِي َر ْو ِعي َأ َّن ن ْف ًسا َل ْن تَخْ ُر َج ِم َن الدُّ ْن َيا َحتَّى ت َْس َتك ِْم َل وح ا ْل ُقدُ ِ
ث ُر ُ َق َالَ « :ن َف َ
الرز ِْق ِ ِ ب ِر ْز َق َهاَ ،ف َأ ْج ِم ُلوا فِي ال َّط َل ِ ِ
بَ ،وال َي ْحم َلنَّ ُك ِم ْاست ْب َطا ُء ِّ َأ َج َل َهاَ ،وت َْست َْوع َ
َأ ْن َت ْط ُل ُبو ُه بِ َم ْع ِص َي ِة ال َّل ِهَ ،فإِ َّن ال َّل َه ال ُين َُال َما ِعنْدَ ُه إِال بِ َطا َعتِ ِه»((( ،وقد رقاه جبريل
ودارسه القرآن ،ولم يشر أنه كان شيء من هذا بغير العربية.
إن الطرق والفرق الصوفية تجمع بين اللغة العربية والسريانية في أورادها،
وهذا الجمع فيه التقليل الكبير من قيمة القرآن وقيمة السنة .وفي غالب الفرق
الصوفية توجد األوراد السريانية ،فعند الطريقة القادرية ينسبون وردا للشيخ عبد
القادر فال يشك العلماء في عدم صحة هذا النسب إليه ،ويسمونه ورد
الجاللة ،يقولون فيه ما نصه :وأسألك الوصول بالسر الذي تدهش منه العقول،
فهو من قربه ذاهل ،ايتنوخ ،يا ملوخ ،باي ،وامن أي وامن ،مهباش الذي له
ملك السموات واألرض ...طهفلوش انقطع الرجاء إال منك ،وسدت الطرق
إال إليك ،وخابت اآلمال إال فيك(((.
هل تعلم أيها المسلم الموحد وأيها المحتسب المجاهد لهؤالء المارقين
الكافرين أن اتينوخ ،ملوخ .مهباش أسماء شياطين -وأنها وجدت في حجب
السحر وفى كتابات السحرة.
وليتأمل المسلم الموحد والمحتسب المجاهد على هؤالء كيف ذكروا هذه
األسماء على أنها أسماء لله وذكروها مع أسماء الله العظيمة.
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﱸ(((،
ومن يدخل اسم الشيطان مع اسم الرحمن جل جالله ،مشرك ،إن هؤالء قوم
ماتت قلوبهم ،وهم غارقون في هذه الظلمات ،قال تعالى :ﱹ ﮗ ﮘﮙ
ﮚﮛﮜ ﮝﮞﮟﮠ ﮡﮢ ﮣﮤﮥﮦﮧ
ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﱸ((( ،وأى ظلمات أشد من هذه
الظلمات.
ياقومنا أجيبوا داعى الله -يا من لبستم العمائم والجبب ستقفون بين يدى
الله -يامن عندكم شيء من العلم تعلمون أن الرسول وأبا بكر
وعمر بن الخطاب وأمهات المؤمنين وعلماء الصحابة مانقلوا هذه األسماء،
ولو كان خير ًا لسبقونا إليه.ويقرأ المريد نعم ذلك المريد ،ذلك المسكين الذى
سلب عقله ،وتعلق بشيخه وأشرك بربه ،وما اتبع سنة نبيه هذه
األوراد ،لقد حرموه لذة القرآن ،وتالوته وجعلوا في ثنايا كالم الله مهبوب
-صعصع -سهسهوب((( .ثم يقول بعدما قدم ذكر هؤالء الشياطين ذي العز
الشامخ.
لقد ألقى المحتسبون على السحر القبض على كثير من الصوفية الذين
يعملون بالسحر ،وحين وحين يسأل الواحد منهم عن هذا يقول لقد تعلمت
ذلك في الخالوى -أي أنه تعلم ذلك في محاضن القرآن -لقد علمه كتابه تلك
الحجب واألسحار من علمه كتاب الله الكريم ،وال ريب أن الذي علمه ذلك
هو من يقرأ تلك األوراد وغيرها ،فيري أن ال خلل في خلط اإليمان بالشرك،
وخلط كالم الله بأسماء الشياطين.
وهناك ذكر ودعاء عندهم لسورة الواقعة وضعوا بين آياتها مثل هذه األسماء،
من ذلك قولهم« :يا باسط يا غني بمهبوب ذي لطف خفي بصعصع بسهسهوب
ذي العز الشامخ ،الذي له العظمة والكبرياء ،بطهطهوب لهوب ذي القدرة
والبرهان ،والعظمة والسلطان» ثم يستطرد قائالً« :بحق سورة الواقعة ،وبحق
فقج مخمت مفتاح جبار فرد معطي خير الرازقين»((( .والصوفية كما هو معلوم
يجوزون القول بحق آل البيت ،بحق الرسول وهكذا استجراهم
الشيطان حتى وصلوا إلى القول بحق فقج مخمت ،،والناظر في هذه األوراد
يجدهم ماتركوا شيئًا وال أحد ًا دون الله إال استغاثوا به.
ولقد صنع البوني هذا وهو يشرح أسرار البرهتية في كتاب «منبع أصول
الحكمة» فقال :فاعلم أن أسماء البرهتية ،هي القسم الم ّعول عليه من قديم
الزمان ،وكان القدماء يسمونه بالعهد القديم ،والميثاق العظيم ،والسر المصون،
والكنز المخزون ،والعهد القديم ،والكبريت األحمر ،وقد تكلم به الحكماء
األول ،ثم السيد سليمان بن داود ،ثم آصف بن برخيا ،ثم الحكيم
قلفطيروس ،ثم تتلمذ له إلى يومنا هذا ،وهو قسم عظيم ال يتخلف عنه ملك،
وال يعصيه جني ،وال عفريت ،وال مارد ،وال شيطان ،وكل طالب لم تكن عنده،
أو لم يكن له علم بها ،فعلمه أجذم .وبالجملة فهذه األسماء قسم جليل عظيم
الشأن ،كثير البركة ،والبرهان يغني عن جميع ما عداه من العزائم واألقسام،
ويتصرف في جميع األعمال من استنزال أمالك ،واستحضار أعوان ،وجلب
ودفع ،وصرع وقهر ،وإخفاء وإظهار .إن من خواصه أن من واظب على قراءته
كل ليلة مائة مرة ،فإنه يجتمع بالجن عيانا ،وربما يصيرون له خداما ،ومن واظب
على ذكر برهتيه كرير....خضعت له األرواح العلوية والسفلية(((.
إن أولئك السحرة الذين هم على منهج برهتيه كرير يعتقدون اعتقاد ًا جازمًا
أنهم يذبحون ويتقربون للشياطين ،وهؤالء فاقوا مشركي قريش ،ألن مشركي
مكة كانوا يصنعون ما يصنعون ،ويتقربون لألوثان واألصنام ،فإذا سئلوا أقروا
لله بالربوبية بأنه هو الخالق الرازق المدبر ،وأن هذه القرابين يقدمونها لألوثان
لتقربهم إلى الله قال تعالى :ﱹ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
ﮏ ﮐﮑﮒﮓ ﮔ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮛﮜﮝﮞ
ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﱸ((( ،أما أولئك السحرة فهم
يتقربون للشيطان ،وهم كفار بالرحمن.
ولقد حدث مع بعض المحتسبين على السحر قصة واقعية تبين ذلك ،كان
بعض أتباع الطرق يعمل بالسحر ويذبح للشيطان ،وعندما أراد أن ينصب له
ذلك المحتسب كمينا ،أرسل له من يتظاهر بطلب سحر حتى يؤخذ متلبسا
بجرمه ،فطلب الساحر الصوفي من الرجل أن يأتيه بذبيحة قبيل أذان المغرب،
وأن يدخل بها الحمام ليذبحها عند غروب الشمس للشيطان ،وهذا ليس فعال
فرديا ،يؤكد ذلك كثرة من ضبط وهو يصنع ذلك ،ولكن كثرة من ضبط متلبسا
بذلك من أتباع الطرق يثبت أن كثرة كاثرة منهم تصنع ذلك تكتب الطالسم،
وتعمل أعمال الصرف والعطف واإليذاء ،وال يتسع المقام لذكر ذلك وسيأتى
الحديث عمن أقيمت عليهم الحدود وضربت اعناقهم بالسيف ومن تم تعزيرهم
في مالحق الدراسة.
وال يشك أحد أن كبار المتصوفة خدعوا الناس ،وأوعزوا إليهم أن البرهتية
ذكر لله تعالى ،وهي في حقيقتها استغاثة بالشياطين وتقرب إليها ،وتسخير لها
وطلبها للخدمة ،مع أن المؤمن صاحب العقيدة السليمة ،بل والعاقل يعلم أن
حقيقة األمر ليس هي خدمة الجن وتسخيرهم هؤالء لهم ،بل إن الجن هم الذين
يستخدمون السحرة لنشر مراد الشيطان من العباد :من الكفر والشرك ،واإلفساد
بين المرء وزوجه ،وهذه البرهتية أخبث ماعند هؤالء من األوراد واألذكار
واألعمال ،وهي مشحونة باالستغاثة بالشياطين ،وهذه البرهتية يستخدمها
السحرة كثيرا.
213 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
((( علم المكاشفة في إحياء علوم الدين دراسة نقدية :أ.د عبد الله بن دجین السهلي ص ،5دار
كنوز إشبيليا .الطبعة األولى١٤٣٦ ،هـ=٢٠١٥م.
((( علم المكاشفة في إحياء علوم الدين :أ.د عبد الله السهلي ص13بتصرف.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 214
وحي من الله تعالى ،وليس هذا في الحقيقة إال كهانة سموها بغير اسمها ،قال
الدكتور السهلي :الكشف الحسي ،هو :الكشف عن حقائق الوجود من العرش
إلى الفرش ،بارتفاع الحجب الحسية عن عين القلب وعين البصر ،وهو المراد
بالكشف عند اإلطالق(((.
ويزعمون أن الكشف هو :رفع الحجب عن قلب الصوفي وبصره بعد اتحاده
مع الله.ليعلم صاحب الكشف بعد ذلك كل ما يجرى ،وكذلك من أنواع
الكشف الكشف عن معان جديدة في القرآن والسنة واآلثار ،فيما يعرف بعلم
الحقيقة التي ال يعلمها علماء الشريعة أو علماء الظاهر(((.
((( علم المكاشفة في إحياء علوم الدين :أ.د عبد الله السهلي ص13بتصرف يسير.
((( علم المكاشفة في إحياء علوم الدين :أ.د عبد الله السهلي ص13بتصرف يسير.
215 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
ابن القيم ولذلك يقع ذلك من الكفار والنصارى وعابدي النيران ...وهو من
جنس کشف الکهان ،ومسيلمة مع فرط کفره کان یکاشف أصحابه .والتفريق
بين هذا كله بنور الوحي(((.
فعلم المكاشفة عند الصوفية يؤصل ويؤسس للكهانة ،وهو دعوة لممارسة
الصوفية للكهانة ،ومكاشفات الصوفية أكثرها من وحي الشيطان وتالعبه
بهم ،وعلم المكاشفة يعطى الصبغة الشرعية والعلمية للكهانة .نعم هناك
حاالت من مكاشفة الصوفية تدور بين كونها دجال وكذبا ،ومخادعة لمريديهم
الذين يستعذبون هذا الخداع ،لكن أكثرها كهانة ووحي شياطين ،السيما وأن
المکاشفین من الصوفية كانوا فاسدي العقيدة ،منحرفي السلوك ،قبيحي الفعال.
و قد لبس الصوفية على الناس ،وبهرجوا دعواهم اطالع الغيب ،فلم يسموه
بهذا االسم الذي يعرف الناس أنه من اختصاص الرب سبحانه ،فاستوردوا اسم
الكشف؛ لتكون هذه الدعوى عندهم كرامة من كرامات الله لهم ،وكذبوا .قال
الدكتور عبدالله السهلي :إن موضوعات علم المكاشفة في نظر الغزالي تؤكد
أنه وحي من وحى الشيطان ،وأنه قول بالبدع المعروفة الباطلة ،كالقول بالحلول
والجبر ،لكنها تلبس بشيء من التعظيم والعبادة ،حتى يروح على الجاهل ،وال
يعترض األتباع ،وهذا يوضح خطر علم المكاشفة مصدر التلقى األهم عند
((( راجع الصفدية ج1ص ،189ومدارج السالكين ج3ص238بواسطة علم المكاشفة في إحياء
علوم الدين :أ.د عبد الله السهلي ص26باختصار.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 216
الصوفية(((.
الغزالى أن يسووا بين وحي األنبياء ،وبين الكهانة التي يسمونها مكاشفة األولياء
لتسويغ هذه الكهانة؛ ولذلك ال يوجد صوفي ال يدعي حصول هذه المكاشفة
له ،أو مكاشفة شيخه له بأشياء ،والصوفية في ذلك بين مستقل ومستکثر ،فهذا
الشيخ اطلع على مافی قلب هذا ،وحدثه بما توسوس به نفسه ،وهذا نبأ بما يأكل
الناس وما يدخرون في بيوتهم ،وغير بيوتهم ،وهذا علم عمر هذا ،ومتى يأتيه
أجله ...وهلم جرا .وقد يظهر الشيطان لهم ليضلهم ،ويذكر لهم كلمة صدق
معها مائة كذبة.ومن نظر في طبقات الشعراني ،أو جامع الكرامات للنبهاني،
((( علم المكاشفة في إحياء علوم الدين :أ.د عبد الله السهلي ص.44
((( اآليات223-221سورة الشعراء.
((( علم المكاشفة في إحياء علوم الدين :أ.د عبد الله السهلي ص.27
((( راجع في ذلك علم المكاشفة في إحياء علوم الدين :أ.د عبد الله السهلي ص45وما بعدها،
وراجع الطبقات الكبرى للشعراني ،وجامع كرامات األولياء للنبهاني ،وكشف المحجوب
للهجويري ،وكتب تراجم الصوفية األخرى.
217 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
أما النوع األول :فهو االستخدام المباشر للجن واعتبار ذلك من كرامات
المستخدم لهم ،ذكره صاحب تاج األعراس.
من أمثلة ذلك ما ذكره صاحب تاج األعراس أثناء كالمه عن مساعي آل
العطاس في الصلح بين القبائل قال( :فلما وصل الركب قبيل المغرب إلى
محلة تلك القبيلة تشاور رجالها أن يغلقوا أبوابهم في وجه الركب العطاسي،
فحاول السادة قرع األبواب والنداء بأسماء كبرائهم فلم يجبهم أحد فغضب
رجال الركب بأجمعهم لهذا الجفاء ،ونادي الحبيب أحمد بن حسن بأعلى
صوته متحمسا( :أين سالم بن محسن وجنه) وكان حاضرا في مقدمة رجال
الركب فعند ذلك التبس الحبيب بحال مهيب وأخذ يحرك يده يمينا وشماال،
فانطلق مزنقب (الجني خادم ذلك الحبيب) في داخل تلك الديار على أهلها
بالصيحات المفجعة التي كادت تجن منها نساؤهم وصبيانهم فخرج رجالهم
في الحال إلى محطة الركب ،وقدموا لهم العدايل -العرابین -فيما سبق منهم،
وما لحق من الخطأ على مقام العطاس ،وبات الكل على خير سمر ،وعادت
المياه إلى مجاريها (((.
((( تاج األعراس (.)56 /2
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 218
وفي تاج األعراس ما وقع لذلك الرجل نفسه بمكة مع أميرها الشريف عون،
قال العطاس( :ومنها ما وقع للحبيب سالم المذكور مع أمير مكة الشريف عون
وكان مشهورة بالبطن من غير تفكير في القضايا ،فحينما دخل الحبيب سالم
إلى مكة ألداء حجة اإلسالم قيل له :إن الشريف عون قد منع دعوى السيادة
والمخاطبة بلقب سید بتاتا وأنه يعاقب من بقي مصرة على ذلك ،فقال الحبيب
سالم :إنما جئنا إلى هذه البالد لنؤدي ركن من أركان اإلسالم ونزور شفيع
األنام ونزداد شرفا إلى شرفنا ،وأنه ال مسوغ لي في ترك لقبي الذي وضعه علماء
المسلمين على أهل بيت نبيهم كما أني ال حاجة لي بالشريف عون ،فانتشر
كالم الحبيب سالم بين الناس وسرعان ما بلغ الشريف عون فاستدعى الحبيب
سالم وقال له .أنت القائل كذا وكذا ،قال :نعم ،قال :برهن لي اآلن على أنك
من أوالد فاطمة عليا فنخس الحبيب سالم الجدار ،وقال :صب الماء یا مزنقب
من هاهنا ،فما تم كلمته حتى ثجا الماء بقوة وأخذ يفترش في جوانب المجلس
أي غرفة استقبال الناس ويطغى على الفرش الملكية الثمينة ،والشريف يقول:
األمان األمان ،يا سيد سالم أنت سيد أنت حبيب ،فضرب الحبيب سالم الجدار
ثانية وقال :يكفي وخرج من عند الشريف والشريف مبهوت مما رآه ،فدخل
على الشريف بعض أعوانه في ذلك الحين وقال له :إن هذا من عمل السحر ثم
دخل عليه أحد علماء مكة في حاجة له فأخبره الشريف بما وقع وما قيل ،فقام
العالم ونظر إلى الخدم يغرفون الماء وينشرون الفرش المبلولة في الشمس،
219 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
فقال للشريف :يا موالنا هذه كرامة من الله لهذا السيد ،فإن السحر ال جرم له
وإنما هي خیاالت تتراءى للناس كما وصفه الله بذلك في كتابه العزيز في قوله:
والنوع الثاني :استخدام الجن لخدمة أضرحة األولياء ،وهذا النوع من أخطر
مكائد الشيطان للمتعلقين بالثبور واألولياء ،كما أنه كان من أعظم مكائده
لعباد األصنام حيث كان يتلبس باألصنام ويخاطب عبادها ويخبرهم ببعض
األمور ويجيبهم على بعض أسئلتهم ،وربما حقق لهم بعض ما يطلبونه منها،
وفي هذا السياق نفسه نجد أن الشيطان كاد المتعلقين بالقبور وبالذات الذين
يدعون أصحابها ،فنجد أولئك الشياطين يأتون إلى أولئك المستغيثين في صور
األولياء الذين استغاثوا بهم فيوقنون حينها أن الذي أغاثهم واستجاب دعاءهم
هو الولي بينما هو أحد خدام ضريحه.
واسمع إلى هذه الحكاية التي يرويها أحمد بن حسن العطاس ،قال صاحب
«التذكير» :وقال :سافر الحبيب طالب بن حسين بن عمر بن عبد الرحمن
العطاس ،وهو أصغر أوالد الحبيب حسين بن عمر إلى صنعاء اليمن ،فصرعت
في ذلك الوقت بنت اإلمام بسبب الجان ،فأحضروا أهل العزائم والطالسم،
وبذلوا وسعهم فنطق الجني على لسانها ،وقال :ال أخرج من هذه البنت إال
إن جاء حبيبي طالب بن حسين العطاس ،فقالوا :وأين حبيبك هذا؟ فقال :هو
مقبل عليكم في هذه القافلة التي تجيء من حضر موت إلى صنعاء بعد يومين
أو ثالثة .فأمر اإلمام فرسان من عنده يخرجون لتلقي القافلة ،واالستخبار عن
الحبيب طالب بن حسین ،فلما بلغوا إلى القافلة وجدوه فيها فقالوا له :نحن
رسل اإلمام إليك لتحضر إلى بيته سريعا ،فقال لهم :وما الخبر؟ فأخبروه به،
لئال ينزعج فركب معهم ،ولما وصل إلى صنعاء استقبلوه باإلكرام ،وطلب منه
اإلمام معالجة البنت وأدخلوه إلى المنزل المعد لها ،فحين بدا وجه الحبيب
طالب من الباب نطق الجني ،وقال :مرحبا بحبيبي طالب بن حسين بن عمر
221 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
بن عبد الرحمن ،فأخذ يوبخه ،ويقول له :ال حياك الله تعمد إلى هذه الشريفة
وتؤذيها وتؤذي أهلها ،فقال له :ال تعجل علي واستخبرني أوال عن بالدك
حريضة وأهلها فإني خرجت منها بعد سفرك بأيام ،فقال له :هات ما عندك،
فقال له :بعد مسيرك وقعت الرحمة وسالت األودية ،و شربت حريضة ،وفالنة
توفيت ،وأخبره بأخبار كثيرة ،فقال له :ومن أنت؟ فقال :أنا من أخدام عمك
سالم بن عمر مولی حميشة ،وأنا من التسعة النفر الذين حضروا المكسر في
جبك الفالني لما اهتريت وقلت :یا سالم بن عمر يا ذخري ،وربدنا المكسر
حقك ،قال له :مرادنا خروجك حاال من هذه البنت ،وأعطنا العهد والميثاق
على أنك ال تعود ،فقال :أما إذا جئت أنت فال عذر لي عن الخروج ،وعاهده
على أن ال يعود أبدا ،وخرج منها ،فقامت البنت كأنما نشطت من عقال ،وأكرمه
اإلمام إكراما عظيما ،وأعطاه أربعمائة أو خمسمائة من األشرفيات ،وأعطاه
جببًا من أكسية الحرير وطاسة شراب ،فيها كتابات نفيسة ،وهي موجودة عند
ذريته إلى اآلن(((.
األولى :أن الجن المسخرين لبعض من زعم الوالية أو لبعض األسر تخدمهم
بما يحقق لهم الشهرة والجاه ،وعلى ذلك فكثير مما يذكر من كرامات
لبعضهم مثل :أن فالنة أصيب بمرض ثم جاء فالن فضربه أو تفل عليه فقام
كأنما نشط من عقال ،وأن فالنا جن أو تلبست به الجن ..إلخ ،ومعظم ذلك من
هذا القبيل فال كرامة وال والية ولكنها کهانة وتسخير للجن بواسطة السحر أو
نحوه.
الشاهد األول :ما حدثني به أحد أحفاد الفقيه علي بن محمد المالكي
صاحب «الحوطة» ،من مديرية ميفعة محافظة شبوة والمعروف اختصارة
(بالفقيه علي) قال :كان هناك جماعات من العبيد أو األخدام كانوا يعتقدون
في الفقيه علي ويزورونه في مواعيد محددة وربما تأخروا بعض السنين ،فإذا
حصل ذلك و جاءوا في السنة التي بعدها هم ونساؤهم فإنهم عند دخولهم إلى
الضريح يتلبس الجن بنسائهم فيصرعن حتى يأتي أحد ذرية الشيخ المذكور أيا
223 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
كان منهم فيضرب النساء قائال( :نقضي یا فقیه علي) وعند ذلك يفقن ويتخلى
عنهن الجن دون أي عالج آخر أو قراءة.وواضح من هذه الحكاية أن أولئك
الجن موكلون بذلك الضريح من أجل ترسيخ االعتقاد فيه بين الناس الذي قد
تهيأت نفوسهم له.
الشاهد الثاني :ما حدثني به كذلك أحد أحفاد الشيخ أبي بكر بن سالم
صاحب عينات» قال :كان أبي إذا مرض يهتري بجده أبي بكر بن سالم ،وفي
أحد أمراضه تأخر الشفاء رغم اهترائه المتكرر ،فاهتری بشخص آخر فبينما هو
كذلك إذا سمع جدال بين شخصين ال يراهما ،يقول أحدهما :أنا أتواله ،ويقول
اآلخر :بال أنا أتواله ،أنا أحق به فهو من ذرية مخدومي أبي بكر بن سالم.
إن هذه الحكاية صحيحة إن شاء الله حدثني بها ابن ذلك الرجل الذي كان
مريضا وهو ثقة معروف باالستقامة وجرى له ما جرى .وداللتها واضحة في
التأكيد على ما قلته سابقا من وجود خدام ألضرحة األولياء(((.
استخدام الجن:
وأما استخدام الجن بالصورة التي مرت فإنما هي غالبا تقع بواسطة تلك
العلوم ،فتلك العلوم عمدتها تسخير الجن ،وبهذا تعرف حكم من يدعي أنه
يسر الجن في مصالحه ،أو لما يشاء من أغراض سواء في عالج بعض األمراض
أو إخراج السحر والجن من المصروعين والمسحورين أو كشف بعض
(((.القبورية844 :
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 224
المغيبات ،أو يستعين بهم على إثبات قدرت ،و يتحدى بهم من ينازعه ويخوف
بهم من ال يقدره وال يحترمه(((.
((( السابق.
225 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
هذه قصة رجل من المتأخرين والمعاصرين لنا ،مات رحمه الله منذ سنوات،
رجل نشأ ببلد إسالمي ،وتلقى دروسه على بعض العلماء في ذلك البلد ،ونال
الشهادات العليا ،وتبوأ مناصب عدة ،فهو أديب شاعر ،وإعالمي وخطيب
مصقع ،حضر مؤتمرات يجتمع فيه ملوك ورؤساء وأمراء ،ووزراء ،كتب في
الجرائد والصحف ،نشرت له قصائد ألقيت في مناسبات ،فيها شيء من الغلو
في النبي ،وكان متأثرا ،ببعض الشعراء الذين سبقوه ،وعندهم غلو
كالبوصيرى والبرعى ،وقد عارضهم في بعض قصائدهم ،وقد نشر ديوانا قدم
له أناس لهم مكانتهم األدبية ،ووجاهتهم.
ولقد تأثر الشاعر رحمه الله رحمة واسعة ،وانخدع بالمتصوفة أهل األسرار
والحروف واألرقام ،أولئك الذين يظهرون للخلق بظاهر الزهد والصالح
والوالية والكرامة ،وحقيقة أمرهم وباطن حالهم في خلواتهم كتابة مالو نزل
على األرض لشقها ،فهم يكتبون الطالسم والحروف وكان هذا الشاعر يعتقد
أن هذا علم لدني ،وأنه علم أسرار وكرامات «رحمه الله رحمة واسعة».
وقد جرى لقاء بينه وبين بعض األشخاص ،الذين يعرفون حقيقة األمر ،ودار
في هذا اللقاء حديث فيه من العجائب والغرائب ما ال يعلم به إال الله ،وقد
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 226
كان مما جرى فيه الحديث ورقة صفراء فيها مربع به أرقام ومربعات ،فسأله
عن التقسيم الموجود في هذه الورقة الصفراء ،وكان الشاعر قد أخطأ فيها،
وأشكل عليه شيء مما يكتبه السحرة في هذا المربع ،وقد بين له خطأه ،وما
يكتبه السحرة في ذلك ،فتعجب الرجل ،ثم دار الحديث نحو الساعة ،وعظ هذا
الرجل شاعرنا ،وبين له ما في هذا من السحر وغضب الله ومناقضة التوحيد،
ومخالفة هدي جده الذي يحبه ويمدحه ،وما زال به حتى شرح الله
صدره ،فقال قد كنت أحسب أن هذا علم من العلوم ،وسر أتقرب به إلى ربي،
ثم اتصل الود بينهما ،وجرى الحديث بينهما ،وقد تاب الشاعر عن هذا ،بل
بحمده تعالى غير القصائد التي فيها الغلو وصححها ،لتوافق كتاب الله وهدي
جده المصطفى .
وقد أكرم الله هذا الشاعر المحب الصادق ،الراجع إلى الحق ،اآلخذ
بالنصيحة فختم له خاتمة حسنة إن شاء الله ،فقد وجد ميتا رحمه الله واضعا
يده اليمنى على اليسرى على هيئة المصلي ،ثم إنه وجد ميتا بعد ثالث كما
ذكر الطبيب؛ولكنه رحمه الله وعلى طول المدة لم يتغير فيه شيء ،لكأنه نائم
رحمه الله ،فالحمد لله الذي نجاه من براثن الصوفية وسحرهم ،وسلك به
سبيل المصطفى الهادي ونجاه من البرعي وأمثاله ،الذين يتلبسون
بالشرك النتن ،والسحر ويوهمون الناس أنها أسرار ال يعرفها إال أهل الله
وخاصته ،ولقد كتب في هذه الورقة التي جرى النقاش حولها مثلث الغزالي
227 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
أهــ ــل البصائ ــر والعل ــوم س ــواك والخاتـــم المرمـــوز يعـــرف ســـره
ظفــــروا بــه مــن شــاهدوا مــوالك هــو باطــن الق ـرآن والســر الخفــى
فرحمك الله أيها الشار المحب الصادق ،فال نحسب ما أصابه من الهديه
إال بفضل حبه الصادق للنبي ،جمعنا الله ،وجمعك به في الجنة
،ونفعك بما قلت في حبه.
ونقول لكل من خاض في هذا الباب :باب التصوف ،اآلثم ،والشرك النتن:
أن أعظم ما يثبت العبد عليه في الدنيا وعند اللقاء هو التوحيد الذى هو حق الله
على العباد
ﱹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﱸ.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 228
الخاتمة
الحمد لله الحمد لله الذي من علينا االنتهاء من هذا الكتاب الذي خرجنا
منه أشد بصيرة وأقوى يقينا في التصوف وانحرافه .والذي خبرنا من خالله
صلة التصوف الوثيقة بالسحر والكهانة والتنجيم ،عرفنا ذلك من كتب القوم
وأورادهم وأذكارهم ،وما ذكرناه في هذا البحث غيض من فيض ،وقطرة من
بحر لجی تغشاه ضالالت من فوقها بدع وانحرافات ،من فوقها کفروشرك،
ظلمات بعضها فوق بعض.
1.أن دين النبي محمد ،أتمه الله قبل أن يقبض نبيه ،
وعليه فما جاء به التصوف هو زياده في الدين تأباها الشريعة ،وتردها النصوص
على أصحابها.
2.لقد كان في الصوفية عباد وزهاد ،أصحاب منهج عقدی سلیم في الجملة،
مع زالت وأخطاء ،كالجنيد والداراني ولكن هؤالء ال وارث لهم في زماننا
3.هناك فرق بين الزهد المشروع وبين التصوف ،وليس التصوف ،وليس
التصوف هو الزهد ،فالزهد مأخوذ من الكتاب والسنة ،أما التصوف فأكثره
مستورد من دیانات وفلسفات وثقافات أجنبيه.
229 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
4.جنى التصوف الكالمي على الدين جناية عظيمة ،إذ اغتر الناس بهؤالء
العباد ،وسمعوا جميل كالمهم في الوعظ فتبعوهم على منهجهم الكالمي.
5.جنى التصوف الفلسفي على اإلسالم ،وحاول القضاء عليه قضاء مبرما،
فأدخل الفلسفات والمعتقدات الباطلة ،وسوغ السحر ،وعبادة الكواكب
والتنجيم ،وعظم شأن الكهانة ،وعد هذه األباطيل كرامات وأسرارا.
6.التصوف نهج حادث ،وفلسفـة مستوردة في المعرفة والعلم والعبادة
والسوك.
7.كان العتقاد الصوفية بوحدة الوجود ،والحلول واالتحاد أثره في انتشار
السحر والكهانة ،وعبارة الكواكب ،واالستعانه بالشياطين فهم يرون أال فرق
بين التعبد لله والتعبد للكوكب ،واالستعانة بالله واالستعانة بالشيطان الرجيم
فالكل هو الله بزعمهم ،أو هي أشياء حل فيها تعالى الله عما يقولون.
8.اشتغل المعظمون من شيوخ الصوفيه كابن عربي والحالج ،والسهروردي
بالسحر والتنجيم ،أما الكهانة التي يسمونها الكشف فال يوجد صوفی لم
يمارسها ،وكتبهم شاهدة بذلك.
9.انتشار السحر و الكهانة والتنجيم في الطرق المعاصرة كانتشارها في
التصوف قديما.
10.تفوق السحرة من الصوفية المتأخرين على المتقدمين في السحر،
وعملوا على التأليف الصريح والمفصل فيه ،وجابت كتبهم الخبيثة جابت
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 230
وبعد ذکر من النتائج نسأل الله تعالى ،أن يرزقنا الهداية إلى الصراط
المستقیم ،وأن يثبتنا عليه حتى نلقاه ،وأن يعصمنا من الزلل ،وأن يحفظنا من
231 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
و الحمدلله أوال وآخرا ،وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه وخليله
محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 232
أهم المراجع
1.القرآن الكريم
2.صحيح البخاري.
3.صحيح مسلم.
4.الشمائل النبوية للترمذي.
5.أبو داود
6.مسند أحمد
7.المعجم الكبير للطبراني
8.مصنف ابن أبي شيبة
9.ظالل الجنة.
10.الترمذي
11.السلسة الصحيحة لأللباني.
12.كتاب التوحيد :صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان ص 144هـ ،وزارة
الشؤون اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد -المملكة العربية السعودية،
الطبعة :الرابعة1423هـ.
13.مقاالت اإلسالميين واختالف المصلين :ألبي الحسن األشعري ،تحقيق
233 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
30.العبر في خبر من غبر :لشمس الدين الذهبي تحقيق :أبو هاجر محمد
السعيد بن بسيوني زغلول ،الناشر :دار الكتب العلمية -بيروت.
31.معجم الشيوخ الكبير :الذهبي تحقيق :الدكتور محمد الحبيب الهيلة،
الناشر :مكتبة الصديق ،الطائف -المملكة العربية السعودية ،الطبعة :األولى،
1408هـ 1988 -م.
32.تذكرة أولى األلباب -الشيخ داود األنطاكي وما بعدها.
33.تاريخ علماء األندلس :ابن الفرضي ،عنى بنشره؛ وصححه :السيد عزت
العطار الحسيني ،الناشر :مكتبة الخانجي ،القاهرة ،الطبعة :الثانية 1408 ،هـ -
1988م.
34.خالصة األثر في أعيان القرن الحادي :عشرمحمد أمين المحبي ،المطبعة
الوهيبة.
35.جامع كرامات األولياء النبهاني ،508/1 :تحقيق إبراهيم عطوة عوض،
المكتبة الثقافية ،بيروت.
36.شمس المعارف الكبرى أو شمس المعارف ولطائف العوارف :أحمد بن
علي البوني ،وما بعدها المتوفى سنة 622هـ ،المكتبة الشعبية ببيروت.
37.طبقات الشاذلية الكبرى :الحسن بن محمد الفاسي ،مكتبة الفاسية
المصرية1347 ،ه=1938م.
38.هدية العارفية :إسماعيل باشا البغدادي ،دار إحياء التراث العربي،
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 236
1951م.
39.معجم المؤلفين ،عمر رضا كحالة ،مؤسسة الرسالة1993 ،م.
40.السر الجليل في خواص حسبنا الله ونعم الوكيل :أبو الحسن الشاذلي،
مكتبة إشاعة اإلسالم دلهي الهند.
41.النفحة العلية في أوراد الشاذلية ،عبد القادر زكي ،القاهرة ،مطبعة النيل،
1321هـ1903 ،م ،،ص.191 :
42.رسائل ابن سبعين :عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر الغافقي
العكي.
43.المسالِك في شرح ُم َو َّطأ مالك :،القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر
بن العربي المعافري االشبيلي المالكي (المتوفى543 :هـ) ،قرأه وع ّلق عليه:
السليماني ،الناشرَ :دار
السليماني وعائشة بنت الحسين ُّ
محمد بن الحسين ُّ
ال َغرب اإلسالمي ،الطبعة :األولى 1428 ،هـ 2007 -م.
44.تاج العروس من جواهر القاموس :الزبيدي ،دار الهداية.
45.الفتوحات المكية :ابن عربي ،تحقيق :د عثمان يحيى ،مراجعة د إبراهيم
مدكور ،الهيئة المصرية للكتاب1406 ،هـ=1986م.
46.الحزب الصغير الكتاب منشور على موقع الطريقة البرهانية
http: //www.burhaniya.org/sofism/dekr.htm
47.التحصين الشريف للشاذلي الكتاب منشور على موقع الطريقة البرهانية
237 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
http: //www.burhaniya.org/sofism/dekr.htm
48.أوراد الطريقة الشاذلية ،أبو الحسن الشاذلي وأعيان مشايخ طريقته ،دار
الزاهد ،القاهرة1418 ،ه.،
49.النفحة العلية في أوراد الشاذلية :،عبد القادر زكي ،القاهرة ،مطبعة النيل.
50.المفاخر العلية في المآثر الشاذلية ،أحمد بن عباد ،المكتبة األزهرية.
51.مجموع أوراد الطريقة البرهانية :أبناء الشيخ محمد عبده البرهاني.
52.الكنوز النورانية من أدعية وأوراد السادة القدرية ورد الجاللة :مخلف
العلي ،طبعة المؤلف.
53.ذكر ودعاء :جمع عبد الله أحمد زينة ،مؤسسةالشعب1419 ،هـ=1998م.
54.شرح أوراد الطريقة البرهانية
https: //burhaniyat.blogspot.com/201802//blog-post_25.htm
55.كنوز االسرار في الصالة السالم على النبي المختار :جمعه عبد الفتاح
القاضي ،راجعه عبد الجليل قاسم2011 ،هـ.
56.مجمع األوراد الكبير :محمد عثمان الميرغني الختم ،دار الجيل للطبع
والنشر والتوزيع 1439هـ=2018م.
57.قالدة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه األكابر :أبو الهدى محمد
بن الحسن الرفاعي :تخريج عبد الوارث محمد عليدار الكتب العلمية.
58.مجموعة ساعة الخير ،ابن عربي ،دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع،
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 238
1960م.
59.المبادئ والغايات في معاني الحروف واآليات :ابن عربي ،المكتبة
األزهرية للتراث2016 ،م.
60.الدر النظيم في خواص القرآن العظيم ،أبو محمد اليمني اليافعي الشافعي،
المكتبة العالمية ،مصر الطبعة األولى.
61.مجموعة رسائل الغزالي ،تحقيق إبراهيم أمين ،المكتبة التوفيقية.
62.المنقذ من الضالل :للغزالي ،تحقيق جميل صليبا ،كامل عياد ،مكتبة
63.تاريخ اإلسالم َو َوفيات المشاهير َواألعالم ،المؤلف :شمس الدين أبو
عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن َقا ْيماز الذهبي (المتوفى748 :هـ)،
عواد معروف ،الناشر :دار الغرب اإلسالمي ،الطبعة:
المحقق :الدكتور بشار ّ
األولى 2003 ،م.)311/11( ،
64.العبر في خبر من غبر ،المؤلف :شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد
بن عثمان بن َقا ْيماز الذهبي (المتوفى748 :هـ) المحقق :أبو هاجر محمد
السعيد بن بسيوني زغلول ،الناشر :دار الكتب العلمية -بيروت.
65.الطواسين ،أبو المغيث الحسين بن منصور ،:اعتنى بنشره وتصحيحه
وتعليق ،الحواشي عليه لويس ماسينيون ،منشورات أسمار ،باريس2008 ،م.
66.األخبار الطوال :الدينوري ،وزارة الثقافة واإلرشاد القومي.
67.مسائل االمام أحمد كتاب العلل ومعرفة الرجال :لالمام أحمد بن حنبل،
239 السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية
تحقيق وتخريج الدكتور وصي الله بن محمد عباس المكتب االسالمي بيروت
دار الخاني الرياض.
68.أرجوزة التثبيت ،في ليلة التبييت ،نظم العالمة جالل الدين السيوطي،
دراسة وتحقيق وتعليق د محمد بن عوض الشهري ،مجلة العلوم الشرعية.
69.شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور :جالل الدين السيوطي،
تحقيق :عبد المجيد طعمة حلبي ،دار المعرفة -لبنان ،الطبعةاألولى1417 ،هـ
1996 -م.
70.اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز ،جمعه :أحمد بن المبارك المالكي،
تحقيق إبراهيم الكيالي ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة األولى.،
71.منبع أصول الحكمة ،البوني ،طبعة :مصطفى البابي الحلبي.
72.شمس المعارف الكبرى أو شمس المعارف ولطائف العوارف ،أحمد بن
علي البوني المتوفى سنة 622هـ ،المكتبة الشعبية ببيروت.
73.الفيوضات الر ّبانية في المآثر واألوراد القادرية (جمع وترتيب الحاج
إسماعيل ابن السيد محمد سعيد القادري).
74.قالدة الجواهر فى ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه األكابر ،تأليف العالم
العالمة السيد /أبي الهدي الصيادي (ت 1328هـ) ،خرج آياته وأحاديثه
الشيخ /عبدالوارث محمد علي.
75.السر المظروف في علم بسط الحروف :محمد الشافعي الخلوتي ،مطبعة
السحر والتنجيم والكهانة عند الصوفية 240
الفهرس
مقدمة 5.................................................................
التمهيد 19................................................................
ومذاهبه 34...............................................................
الصوفية له98.............................................................
.6النقشبندية159........................................................ :
.12الشطارية173........................................................ :
.13العيساوية173....................................................... :
.2الخرس 193............................................................
والسفلية193...............................................................
.6الشفاء194..............................................................
السيمياء198............................................................. :
الخاتمة228................................................................
أهم المراجع232...........................................................
الفهرس 241...............................................................