You are on page 1of 33

‫جامعة أكلي زلند أوحلاج البويرة‬

‫قسم الشريعة‬

‫‪2020/2019‬‬ ‫سنة اثنية أصول الدين‬

‫األستاذة د‪ :‬أنيسة زغدود‬ ‫ادلقياس ‪:‬عقيدة إسالمية‬

‫السداسي الرابع‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬

‫إ ّن احلمد هلل ضلمده ونستعينو ونستغفره ونستهديو ونتوب إليو ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا من يهده هللا فهو ادلهتدي ومن يضلل فلن جتدلو وليّا مرشدا‪ .‬وأشهد أن ال إلو إال‬
‫زلمدا عبده ورسولو‪.‬‬
‫هللا وحده ال شريك لو وأشهد أ ّن ّ‬
‫ىذه دروس العقيدة اإلسالمية للسداسي الرابع لطلبة سنة اثنية أصول الدين ‪.‬و ابهلل التوفيق‪.‬‬

‫مفردات ادلقياس ‪ :‬العقيدة اإلسالمية‬

‫زلتوى ادلادة‪:‬‬

‫‪(-‬السمعيات)‬

‫أوال‪ :‬عامل ادلالئكة واجلن‬

‫اثنيا‪ :‬اليوم اآلخر‬

‫طريقة القرآن يف عرض احلياة اآلخرة وإثباهتا‬ ‫‪-1‬‬

‫مسؤولية اإلنسان العظمى واحلياة اآلخرة‬ ‫‪-2‬‬

‫أثر اإلميان ابحلياة اآلخرة واحلساب‬ ‫‪-3‬‬

‫‪2‬‬
‫تعريف السمعيات‪:‬‬
‫السم ِعيَّ ِ‬
‫ات لغة ‪ :‬السمعيات كلمة منسوبة إذل السمع من ظبع يسمع ظبعا‪ ،‬قاؿ اػبليل بن أضبد‬ ‫َّ ْ‬
‫‪«:‬السمع‪ :‬األذف»‪.1‬وقاؿ ابن منظور‪«:‬السمع‪ :‬حس األذف»‪.2‬‬

‫س لِلْ َع ْق ِل‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫اب أَِو ُّ ِ‬


‫السمع الْوا ِرَد ِٓت الْ ِكَت ِ‬ ‫ات اصطالحاً‪":‬ما َكا َف طَ ِر ِ ِ ِ ِ‬
‫السم ِعيَّ ِ‬
‫السنَّة َو ْاْل ََثر فبا لَْي َ‬ ‫يق الْعلْم بو َّ ْ َ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ‬
‫فِ ِيو ََؾب ٌاؿ"‪ .‬والسمعيات‪ :‬نسبة إذل السمع وظبيت هبذا االسم‪ ،‬ألهنا تسمع ظباعاً من الوحي فقط‪ .‬ودل‬
‫يكن للعقل فيها مدخل ٓت إثباهتا أو نفيها‪.‬‬

‫والسمعيات تُعرؼ أيضا ابسم آخر وىو الغيبيات‪ ،‬واؼبقصود هبا " كل ما ال سبيل إذل اإليباف بو إال عن‬
‫طريق اػبرب اليقيٍت‪." .‬من ذلك اإلسراء واؼبعراج‪ .‬ؾبيء ملك اؼبوت إذل موسى ملسو هيلع هللا ىلص ‪ .‬أشراط الساعة‪.‬فتنة‬
‫القرب عذاب القرب أو نعيمو‪.‬النفخ ٓت الصور ‪ .‬البعث واغبشر ‪ .‬الشفاعة‪ .‬اغبساب‪ .‬اؼبوازين‪ .‬نشر‬
‫الدواوين‪.‬اغبوض‪ .‬ال صراط‪ .‬العبورعلى الصراط وكيفيتو‪ ،‬اعبنة والنار‪ .‬أىل اعبنة وأىل النار‪.‬‬

‫موضوع السمعيات‪:‬‬

‫ونقصد ابلسمعيات‪ :‬اؼبسائل اليت ال تتلقى إال عن طريق السمع‪ ،‬وال أتخذ إال من الوحي ‪ ،‬أي ما جاء‬
‫هبا القرآف‪ ،‬والسنة الصحيحة‪ ،‬فبل قدرة غبواسنا البشرية على معرفة كنهها وكيفيتها واب لتارل ال يستطيع‬
‫العقل البشري أف يستقل دبعرفتها أو إدراكها‪ .‬وىذا السبب ىو الذي دعا بعض العلماء إذل إطبلؽ اسم‬
‫السمعيات عليها‪ ،‬فهي تتعلق بعادل الغيب‪ ،‬وأحداث اليوـ اْلخر‪ ،‬وما فيو من مشاىد ومواقف كاغبشر‬
‫واؼبيزاف والصراط ‪،‬والعرش واللوح واعبنة والنار وغَتىا من مباحث الغيب‪.‬‬

‫وقبد ابن طبَت السبيت (ت‪614.‬ىػ) ٓت " كتابو مقدمات اؼبراشد إذل علم العقائد" قد وضع مقدمة ذكر‬
‫فصل الكبلـ ٓت كيفية اؼبوت‪ ،‬وسؤاؿ القرب وعذابو ونعيمو‪،‬‬
‫فيها السمعيات اليت هبب اإليباف هبا ّت َّ‬
‫واغبساب واإلعادة والصحف واؼبيزاف‪ ،‬واغبوض والشفاعة‪ ،‬والصراط واعبنة ‪.‬‬

‫حكم اإلميان ابلسمعيات ‪ :‬وكل ما ثبت عن النيب‪( ،‬ملسو هيلع هللا ىلص)‪ ،‬من أخبار فهو حق هبب تصديقو سواء‬
‫شاىدانه حبواسنا‪ ،‬أو غاب عنا‪،‬وسواء أدركناه بعقولنا أـ دل ندركو ‪ .‬والعقل الصحيح السليم يصدؽ هبا‬
‫ألهنا أخبار صحيحة وصادقة‪ .‬والبحث ٓت السمعيات أو مسائل الغيب يكوف من حيث اعتقادىا وىو‬
‫يقوـ على دعامتني‪ :‬اإلقرار هبا مع التصديق ويقابلو اعبحود واإلنكار ؽبا‪ ،‬اإلمرار ؽبا مع إثبات معناىا‬
‫ويقابلو اػبوض ٓت الكنو واغبقيقة‪ ،‬وؿباولة التصور والتوىم ابلعقل بعيدا عن النقل‪ .‬وضابط السمعيات‪:‬‬
‫أف العقل ال يبنعها وال وبيلها‪ ،‬وال يوجبها ‪ ،‬فمىت ما صح النقل عن هللا عز وجل ورسولو ملسو هيلع هللا ىلص فإف‬

‫‪3‬‬
‫الواجب اعتقاد ذلك واإلقرار بو‪ ،‬ودفع كل تعارض موىوـ بُت شرع هللا وىو الوحي وبُت خلقو وىو‬
‫العقل‪ .‬والقاعدة الذىبية ىو أنو ال يتعارض وحي صحيح مع عقل صريح عند ‪.‬‬
‫مصدر العلم ابلسمعيات‪ :‬ىو الوحي أي الكتاب والسنة الصحيحة ‪ .‬وأساس ِ‬
‫االيباف ابلسمعيات ىو‬
‫اإل يباف اب﵁ تعاذل فهو أوؿ غيب هبب اإليباف بو ‪ .‬بعد ذلك نؤمن بكل ما أخربان هللا ورسولو صلى هللا‬
‫ِ‬
‫عليو وسلم‪ .‬والفرؽ األساسي بُت اؼبؤمن والكافر ىو مسألة اإل يباف ابلغيب لقولو تعاذل ‪ (:‬ادل َٰذَل َ‬
‫ك‬
‫اى ْم يُ ِنف ُقو َف )‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫الْ ِكتاب َال ريب ۛ فِ ِيو ۛ ىدى لِّلْمت َِّق َّ ِ‬
‫يمو َف الصَّ َبلةَ َوفبَّا َرَزْقػَن ُ‬
‫ين يػُْؤمنُو َف ابلْ َغْيب َويُق ُ‬
‫ُت الذ َ‬
‫ًُ ُ َ‬ ‫َ ُ َْ َ‬
‫البقرة‪.3 ،2 ،1:‬‬

‫فما ىو الغيب ؟‬

‫اصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫مفهوم الغيب لغة و‬

‫تسًت الشيء عن العيوف‪ّ ،‬ت يقاس‬ ‫تعريف الغيب لغة‪ :‬غيب‪ :‬الغُت والياء والباء ٌ‬
‫أصل صحيح يدؿ على ُّ‬
‫واب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اب فبا ال يعلمو إال هللا‪ ،‬ويقاؿ‪ :‬غابت الشمس َتغيب َغْيػَب ًة غُيُ ً‬
‫الغْيب‪ :‬ما َغ َ‬
‫من ذلك َ‬
‫الغيب اصطالحا‪ :‬الغيب كل ما غاب عنك فلم تشهده أبي وسيلة من وسائل اؼبشاىدة‪ .‬و اؼبشاىدة‬
‫ىنا ذات معٌت عاـ و ال يقصد هبا الرؤية البصرية و إمبا كل ما تكوف شاىداً عليو إبصاراً أو ظباعاً أو‬
‫رصداً أو قياساً أو إخباراً من شاىد‪.‬‬

‫كل ما غاب عن الناس أبم ٍر من هللا وتقديره كالبعث‬ ‫وقد جاء على ّ ٍ‬
‫عدة معاف منها‪ :‬الغيب ىو ّ‬
‫أيضا‬
‫أيضا دبعٌت الوحي والقرآف الكرمي‪ .‬كما جاء الغيب ً‬
‫واغبساب واعبزاء واعبنة والنار واؼببلئكة‪ .‬والغيب ً‬
‫دبعٌت األحداث القدرية‪ .‬إذل جانب ٍ‬
‫معاف تدؿ على عدـ اإلدراؾ للشيء ابغبواس اػبمس‪.‬‬

‫فما ىو عامل الغيب ؟‬

‫شيء موجود ٓت الفلك‪ ،‬وقيل إ ّف ُك ّل‬ ‫تُعرف كلمة العا َمل يف اللُغة‪ :‬أب ّهنا ُكل ما خلقو هللا‪ ،‬وقيل‪ُ :‬كل ٍ‬
‫ّ‬ ‫َ ُ‬
‫وعا َدل النبات‪.‬‬
‫وعا َدل اغبيواف‪َ ،‬‬
‫كعا َدل اإلنساف‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫سمى َعا َدل‪َ ،‬‬
‫صنف من اؼبخلوقات يُ ّ‬
‫العلماء أب ّف ُك ّل ما غاب عن النظر يطلق عليو غيب‪.‬‬ ‫تعريف عامل الغيب يف االصطالح‪ّ :‬‬
‫وعرفو بعض ُ‬
‫‪.‬و حاصلو أنو ‪ :‬ىو ما غاب عن حس الناظرين من اؼبوجودات ‪.‬ىو"" عادل ذو طبيعة عقلية معنوية‬
‫متعالية عن اؼبادة؛ ولذلك فإنو ليس بعادل قابل للشهود اإلنساين‪ ،‬بل يدرؾ اإلنساف ثبوتو وآَثره فحسب‬
‫كاؼبوجود اإلؽبي‪ ،‬ووجود اؼببلئكة‪ ،‬واعبن ‪ ،‬واعبنة والنار‪ ،‬وغَتىا من اؼبوجودات الغيبية‪ ،‬وهللا تعاذل وحده‬
‫صبيعا"‪.‬‬
‫الذي وبيط علمو بعالَ َمي الغيب والشهادة ً‬
‫‪4‬‬
‫أقسام الغيب‪ :‬ينقسم ابلغيب ابعتبار العلم بو إذل نوعُت‪ :‬الغيب اؼبطلق والغيب النسيب‪.‬‬

‫آايت كثَتةٌ‬ ‫الغيب ادلُطلق‪ :‬وىو الغيب الذي ال يعلمو ّإال هللا‪ ،‬ودل يطّلع عليو أح ٌد من خلقو‪ ،‬وقد دلّت ٌ‬
‫ب إِ َّال َّ‬
‫اَّللُ َوَما يَ ْش ُع ُرو َف‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ض الْ َغْي َ‬ ‫على ىذا النوع‪ ،‬كقولو ‪-‬تعاذل ‪( :-‬قُ ْل َال يَػ ْعلَ ُم َم ْن ٓت َّ َ َ‬
‫ب َال يَػ ْعلَ ُم َها إِ َّال ُىَو َويَػ ْعلَ ُم َما ِٓت الْ َِّرب‬ ‫أ ََّاي َف يػُْبػ َعثُو َف)‪،‬النمل ‪ .65 :‬ولقولو ‪-‬تعاذل ‪ ( :-‬و ِعْن َدهُ َم َفاتِح الْ َغْي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫س إِ َّال ِٓت كَِتابٍ‬ ‫ِ‬
‫ب َوَال َايب ٍ‬ ‫ض وَال رطْ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ٍ ِ َّ‬ ‫والْبح ِر وما َتس ُق ُ ِ‬
‫ط م ْن َوَرَقة إال يَػ ْعلَ ُم َها َوَال َحبَّة ٓت ظُلُ َمات ْاأل َْر ِ َ َ‬ ‫َ َ ْ ََ ْ‬
‫ُت)‪،‬األنعاـ ‪.59:‬‬ ‫ُمبِ ٍ‬

‫ومن أمثلتو العلم بوقت قياـ الساعة‪ ،‬واؼبوت من حيث زمانو ومكانو وسببو‪ ،‬وبعض ما ظبى هللا تعاذل بو‬
‫ث َويَػ ْعَل ُم َما ِٓت‬ ‫الس ِ‬ ‫نفسو ‪.‬وقد بُت هللا ىذه اؼبفاتيح‪ ،‬بقولو ‪-‬تعاذل ‪( :-‬إِ َّف َّ ِ ِ‬
‫اعة َويػَُن ِّزُؿ اْل َغْي َ‬
‫اَّلل عْن َدهُ عْل ُم َّ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫يم َخِب ٌَت)‪.‬لقماف‬ ‫ِ‬ ‫ض َسبُ ُ ِ‬
‫ي أ َْر ٍ‬ ‫ِ‬
‫ْاأل َْر َح ِاـ وَما َت ْد ِري نَػ ْفس َما َذا َت ْكسب َغ ًدا وَما َت ْد ِري نَػ ْف ِ‬
‫وت إ َّف ََّ‬
‫اَّلل َعل ٌ‬ ‫س أبَ ِّ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫‪ . 34:‬وقاؿ ملسو هيلع هللا ىلص ٓت بعض دعائو ‪( :‬اللهم إين أسألك بكل اسم ىو لك ظبيت بو نفسك أو علمتو‬
‫أحداً من خلقك أو استأثرت بو ٓت علم الغيب عندؾ ‪).‬‬
‫الغيب النسيب‪ :‬وىو الغيب الذي يكوف معلوماً لبعض اػبلق‪ ،‬وال يكوف معلوماً ْلخرين‪ ،‬فيكوف غيباً‬
‫بطرؽ عديدة كالوحي إذل الرسل الذين‬ ‫ابلنسبة للشخص اعباىل بو‪ ،‬وىذا النوع من الغيب يبكن معرفتو ٍ‬
‫يبلغونو إذل الناس ‪،‬ومن أمثلة ذلك ما جاء من أخبار اعبن ٓت قولو تعاذل ‪( :‬قُل أ ِ‬
‫ُوح َي إِ َ َّ‬
‫رل أَنَّوُ ْ‬
‫اسَت َم َع‬ ‫ْ‬
‫ِِ‬ ‫نَػ َف ر ِمن ا ْعبِ ِن َفػ َقالُوا إِ َّان َِظبعنا قُػرآ ًان عجبا يػه ِدي إِ َذل ُّ ِ ِ ِ‬
‫َح ًدا )اعبن ‪. 2- 1 :‬‬ ‫الر ْشد َف َآمنَّا بو َولَ ْن نُ ْش ِرَؾ ب َربَّنا أ َ‬ ‫َْ ْ َ َ ً َ ْ‬ ‫ٌ َ ّ‬
‫ومنها ما كاف غائبا عن البعض مثل اغبوادث التارىبية‪ ،‬فإهنا غيب ابلنسبة ؼبن دل يعلم هبا ‪ ،‬لذلك قاؿ هللا‬
‫نت لَ َديِْه ْم إِذْ‬ ‫تعاذل للنيب ملسو هيلع هللا ىلص بعد أف ذكر قصة آؿ عمراف ‪ََٰ ( :‬ذلِك ِمن أَنب ِاء الْغي ِ ِ ِ‬
‫ب نُوحيو إِلَْي َ‬
‫ك ۚ َوَما ُك َ‬ ‫َ ْ َ َْ‬
‫ص ُمو َف ) آؿ عمراف ‪.44:‬‬ ‫يػْل ُقو َف أَْق َبلمهم أَيػُّهم ي ْك ُفل مرَمي وما ُكنت َل َدي ِهم ِإ ْذ َْىبَت ِ‬
‫َُ ْ ُ ْ َ ُ َْ َ ََ َ ْ ْ‬ ‫ُ‬
‫ومنها كل ما غاب عن اغبس بسبب بعد الزماف ( اؼبستقبل ) أو( اؼبكاف) أو غَت ذلك حىت ينكشف‬
‫ذلك اغبجاب الزماين أو اؼبكاين بوسائل اؼبعرفة و العلم ‪ ،‬كما حدث مع اعبن ابؼبشاىدة لؤلثر كما ٓت‬
‫ض َأتْ ُكل ِمنسأَتَو ۖ َفػلَ َّما خ َّر َتػبػيػََّن ِ‬
‫ت‬ ‫ت َما َد َّؽبُْم َعلَ َٰى َمْوتِِو إِ َّال َدابَّةُ ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ضْيػَنا َعلَْيو الْ َمْو َ‬
‫قولو تعاذل ‪َ ( :‬فػلَ َّما قَ َ‬
‫ُت ) سبأ‪14:‬وذلك ٓت موت سليماف عليو‬ ‫اب الْم ِه ِ‬ ‫ا ْعبِ ُّن أَف لَّو َكانُوا يػ ْعلَمو َف الْ َغْيب ما لَبِثُوا ِٓت الْع َذ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫السبلـ‪.‬‬

‫وما ىو عامل الشهادة ؟‬

‫‪5‬‬
‫يدؿ على حضور وعلم وإعبلـ‪.‬يقاؿ َش ِهد الرجل‬ ‫عامل الشهادة لغة ‪ :‬شهد‪ :‬الشُت واؽباء والداؿ‪ ،‬أصل ُّ‬
‫ٌ‬
‫وش ِهد لو بكذا َشهاد ًة‪ ،‬أي‬ ‫وش ِه َدهُ ُشهوداً‪ ،‬أي َح َ‬
‫ض َره‪ ،‬فهو شاى ٌد‪َ .. .‬‬ ‫على كذا‪ ...‬واؼبشاىدة‪ :‬اؼبعاينة‪َ .‬‬
‫أدَّى ما عنده من الشهادة‪ ،‬فهو ِ‬
‫شاى ٌد‪.‬‬

‫عامل الشهادة يف االصطالح‪ :‬ىو عادل األكواف الظاىرة و ا﵀سوسات الطبيعية ‪.‬وىو خبلؼ عادل‬
‫الغيب‪ .‬وىو كل ما كاف من اؼبوجودات أماـ نظر اإلنساف يشاىده و يدركو إبحدى حواسو كاغبيواف‪،‬‬
‫والنبات‪ ،‬واعبماد ‪.‬وكل ما تدركو اغبواس يدركو العقل‪ ".‬فعادل الشهادة وما هبري فيو من تفصيبلت‬
‫وإصباليات ذبريبية يعرؼ ابؼببلحظة بوساطة العقل واغبو ِّ‬
‫اس‪ ،‬ويقوـ العقل ابالستنباط فبا يبلحظو‬
‫ابالستقراء واالستنتاج بتقدمي معرفة عنو‪".‬‬

‫أقسام عامل الشهادة ‪ :‬نبا قسماف‪:‬‬

‫األول‪ :‬اآلفاق و ىي الكوف الفسيح ‪ .‬وقد أمر هللا اإلنساف أف يتف ّكر بعقلو ٓت الكوف ٓت أكثر من‬
‫ض‬
‫*و ْاأل َْر َ‬ ‫َّاىا َوَما َؽبَا ِم ْن فُػ ُر ٍ‬
‫وج َ‬ ‫ف بَػَنػْيػَن َاىا َوَزيػَّن َ‬
‫آية‪ ،‬مثل قولو ‪-‬تعاذل ‪( :-‬أََفػَلم يػْنظُروا إِ َذل َّ ِ‬
‫الس َماء َفػْوَقػ ُه ْم َكْي َ‬ ‫َْ ُ‬
‫ٍ‬
‫يب) ؽ‪.6:‬‬ ‫صرًة و ِذ ْكرى لِ ُك ِل َعْب ٍد ُمنِ ٍ‬ ‫م َد ْد َانىا وأَْل َقيػَنا فِيها رو ِاسي وأَنْػبػْتػَنا فِيها ِمن ُك ِل َزو ٍج َهبِ ٍ ِ‬
‫ّ‬ ‫يج*َتػْب َ َ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ََ َ َ َ َ ْ ّ ْ‬
‫تكوف األ َِجنَّة ٓت ظلمات األرحاـ‪،‬‬
‫والثاين‪ :‬األنفُس‪ .‬قاؿ الرازي‪" :‬اؼبراد منها الدالئل اؼبأخوذة من كيفية ُّ‬
‫وحدوث األعضاء العجيبة‪ ،‬والًتكيبات الغريبة"‪.‬‬

‫وأمر هللا ٓت كتابو الكرمي ٓت آايت كثَتة ابلنظر ٓت ىذا التكوين العجيب الذي خلق عليو اإلنساف‪ ،‬مقرو ًان‬
‫ببياف اغبكمة من ذلك اترة كما ٓت قولو تعاذل ‪َ ﴿:‬ما َل ُك ْم َال َتػ ْر ُجو َف ِ﵁ َوَق ًا‬
‫ار * َوَق ْد َخَل َق ُك ْم أَ ْطَو ًاار ﴾‬
‫نوح‪.14 - 13 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك أَنَّوُ‬‫ف بِ َربِّ َ‬
‫ُت َؽبُم أَنَّوُ ا ْغب ُّق أَوَدل ي ْك ِ‬
‫َ ََْ‬ ‫(سنُ ِري ِه ْم آَ َايتَنا ِٓت اْلَْ َفاؽ َوِٓت أَنْػ ُفس ِه ْم َح َّىت يَػَتػَبػ َّ َ ْ‬
‫وقد ذكرنبا هللا بقولو‪َ :‬‬
‫َعَلى ُك ِّل َش ْي ٍء َش ِهي ٌد)فصلت ‪ ، 53:‬فيكوف لئلنساف التف ّكر ٓت السماوات واألرض و ٓت اإلنساف ‪.‬‬

‫التمسك بدينو‪ ،‬ؼبا يرى ويُشاىد من اْلايت الدالة على قُدرة هللا وعظمتو‪،‬‬
‫العا َدل يُكسب اؼبُسلم ّ‬
‫وىذا َ‬
‫شيء غاب عنو؛ لوجود بعض األمثلة من عادل‬ ‫وخاص ًة ٓت النفس‪ ،‬والكوف‪ ،‬وبذلك يزداد إيباانً اب﵁ وبكل ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الغيب ٓت عادل الشهادة؛ كإحياء األرض اؼبيتة الدالّة على قدرة هللا على إحياء اؼبوتى ‪.‬‬

‫العالقة بني عامل الغيب وعامل الشهادة‬

‫‪6‬‬
‫العاَلمُت ابإلميان هبما ؛ فعادل الشهادة يستوي فيو صبيع الناس‪ ،‬فبل أحد يستطيع إنكاره‪ّ ،‬أما‬ ‫يفرؽ بُت َ‬
‫ّ‬
‫َعا َدل الغيب فهو ميزاف التفاضل عند هللا‪ ،‬وبو يصل اإلنساف إذل درجة اؼبتقُت؛ أل ّف اإلنساف يؤمن‬
‫ُ‬
‫ين يػُْؤِمنُو َف ابلْ َغْيب)‪ .‬البقرة‪.3 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ويصدؽ بشيء ال يراه‪ ،‬قاؿ هللا ‪-‬تعاذل ‪ٓ -‬ت صفات اؼبتقُت‪( :‬الذ َ‬
‫ّ‬
‫( العبلقة بُت ميداف الشهادة وميداف الغيب‪،‬بليل عبد الكرمي ) ‪:‬‬

‫وبتدبُّر آايت القرآف الكرمي قبد عاَل َمي الغيب والشهادة متكامَلُت‪ ،‬يذكراف معا (ا لظواىر الكونية مع‬
‫بعض اؼبخلوقات من عادل الغيب؛ كتسبيح الرعد حبمده واؼببلئكة) ٓت قولو تعاذل‪ُ ﴿ :‬ىَو الَّ ِذي يُِري ُك ُم‬
‫بلئِ َكةُ ِم ْن ِخي َفتِ ِو َويػُْرِس ُل‬
‫الرْع ُد ِ َحب ْم ِدِه َواْل َم َ‬
‫اب الثَِّق َاؿ * َويُ َسِبّ ُح َّ‬ ‫اْلَبػ ْر َؽ َخْوًفا َو َط َم ًعا َويػُْن ِش ُئ َّ‬
‫الس َح َ‬
‫يد الْ ِم َح ِاؿ ﴾ الرعد‪.13 - 12 :‬‬ ‫ِ‬ ‫صيب ِهبا من يشاء وىم ُهب ِادلُو َف ِٓت َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َو ُىَو َشد ُ‬ ‫الصََّواع َق َفػيُ ُ َ َ ْ َ َ ُ َ ُ ْ َ‬
‫ات بِ َغ َِْت َع َم ٍد‬‫السماو ِ‬
‫اَّللُ الذي َرَف َع َّ َ َ‬
‫وكذلك ذكر العرش ‪ -‬وىو من الغيب ‪ -‬مع الظواىر الكونية ‪ِ َّ َّ ﴿:‬‬
‫ص ُل اْلَْ َاي ِت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َج ٍل ُم َس ِّمى يَُدبُّر ْاأل َْم َر يػَُف ّ‬
‫ِ‬
‫س َوالْ َق َم َر ُك ّّل َْهب ِري أل َ‬ ‫اسَتػَوى َعلَى الْ َع ْر ِش َو َس َّخ َر الش ْ‬
‫َّم َ‬ ‫َتػ َرْونَػ َها ُّتَّ ْ‬
‫لَ َعلَّ ُك ْم بِلِ َق ِاء َربِّ ُك ْم تُوقِنُو َف ﴾ [الرعد‪.2 :‬‬

‫ض‬ ‫واالستدالؿ على البعث ِ‬


‫دبقدمات اإلحياء للنبات ٓت ميداف اْلفاؽ من عادل الشهادة؛ ﴿ َوَتػ َرى ْاأل َْر َ‬ ‫ّ‬
‫اَّلل ُىَو ا ْغبَ ُّق َوأَنَّوُ ُْوبيِي‬ ‫ك ِأب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ى ِامد ًة َفِإ َذا أَنْػزلْنا عَليػها الْماء اىتػ َّزت وربت وأَنْػبػت ِ‬
‫َف ََّ‬ ‫ت م ْن ُك ِّل َزْو ٍج َهبيج * َذل َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ ََ ْ َ َ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ث َم ْن ِٓت الْ ُقبُوِر ﴾ اغبج‪:‬‬ ‫اَّلل يَػْبػ َع ُ‬ ‫ب فِ َيها َوأ َّ‬
‫َف ََّ‬
‫الس ِ‬
‫اع َة آَتَيةٌ َال َريْ َ‬‫َف َّ َ‬ ‫الْ َمْوَتى َوأَنَّوُ َعَلى ُك ِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير * َوأ َّ‬
‫‪.7 – 6‬‬
‫غيبا كاف أـ شهادة ‪ -‬ىي مستسلمة ﵁ تعاذل ‪َ ﴿:‬وِ ََِّّلل يَ ْس ُج ُد َم ْن ِٓت‬ ‫مكوانت الوجود ‪ً -‬‬ ‫وصبيع ِّ‬
‫ص ِاؿ ﴾ الرعد‪َ ﴿ ،15 :‬وإِ ْف ِم ْن َش ْي ٍء إِالَّ يُ َسِبّ ُح‬ ‫ض طَْو ًعا َوَك ْرًىا َو ِظ َ‬
‫بل ُؽبُْم ِابلْغُ ُد ِّو َواْلَْ َ‬
‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫َّ َ َ‬
‫ور ﴾ اإلسراء‪.44 :‬‬ ‫يح ُه ْم ِإنَّوُ َكا َف َحلِ ًيما َغ ُف ًا‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫َحب ْمده َوَلك ْن َال َتػ ْف َق ُهو َف َت ْسبِ َ‬
‫ص ُرو َف * َوَما الَ‬ ‫وأقسم تعاذل على صدؽ الوحي بعاؼبي الغيب والشهادة مطل ًقا؛ ﴿ فَبلَ أُقْ ِسم ِدبَا تػُب ِ‬
‫ُ ْ‬
‫وؿ َك ِرٍمي ﴾ اغباقة‪. - 38 :‬‬ ‫صرو َف * إِنَّو لَ َقو ُؿ رس ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ ْ َُ‬ ‫تُػْب ُ‬
‫فمهمة الوحي ٓت عادل الشهادة تتمثَّل ٓت إمداد اإلنساف ابلعلم اؼبتَّصل بعادل الغيب؛ لَتبطو بو فينشأ‬
‫" َّ‬
‫ويتمكن اإلنساف من ربقيق غاية وجوده ٓت عادل الشهادة‪ ،‬ولن يسًتدَّ‬ ‫َّ‬ ‫تكامل للوحي مع العقل والكوف‪،‬‬
‫ليتوحد عادل‬
‫العقل اؼبسلم عافيتو إال أف يستعيد رؤيتو اإلسبلمية الكاملة‪ ،‬اؼببنية على التوحيد والوحدانية؛ َّ‬
‫الغيب مع عادل الشهادة‪ ،‬والوحي مع العقل والكوف"‪.‬‬

‫التكامل بُت العاؼبُت عادل الغيب وعادل الشهادة ٓت مظهرين‪:‬‬


‫ُ‬ ‫فبَّا سبق يبكن إبراز‬
‫األوؿ ‪:‬وجود أدلة عادل الغيب ٓت عادل الشهادة ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الثاين ‪ :‬بروز اؼبخلوقات من عادل الغيب إذل عادل الشهادة‪ّ ،‬ت تنتقل من عادل الشهادة إذل عادل الغيب‬
‫ابنتظاـ وا ِطّراد‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك ظواىر الوالدة واؼبوت ٓت عادل اإلنساف"‪.‬‬
‫اإلميان ابلغيب وأثره يف احلياة‬
‫أثر كبَت ٓت حياة الفرد واجملتمع ومن تلك اْلَثر‬
‫واإليباف اؼبطلق بكل ما غاب عن السمع والبصر لو ٌ‬
‫واعبوانب اإلهبابية‪:‬‬

‫‪-‬تنمية التقوى لدى الشخص دبراقبة هللا عز وجل لو ٓت السر وٓت العلم‪.‬‬

‫‪-‬ا ستشعار رعاية هللا عز وجل للبشرية على اختبلؼ األزمنة واألماكن‪.‬‬

‫‪-‬يكوف اإلنساف مدركاً للغاية من وجوده ولوجود العقاب واعبزاء‪.‬‬

‫‪ -‬إف اإليباف ابلغيب يسهم ٓت زايدة حصانة اإلنساف من الوقوع ٓت شر اػبرافات والدجل والشعوذة‪.‬‬

‫‪-‬يدرؾ اإلنساف حقيقة أف اغبياة اغبقيقية ىي اغبياة اْلخرة‪ ،‬وأ ّف الدنيا ما ىي إال معرب للحياة اْلخرة‬
‫لذا عليو االستعداد لذلك اليوـ ابلعمل الصاحل‪.‬‬

‫‪ -‬الشعور ابلطمأنينة والرضى والتسليم أبمر هللا ٓت النفس والكوف‪ ،‬والبعد عن االنشغاؿ دبا ال تردكو‬
‫العقوؿ واغبواس‪.‬‬

‫لكن عامل الغيب ال يدرك ابحلواس فكيف يعرف ؟‬

‫ىناؾ من اغبسيُت والتجريبيُت من ال يؤمن بعادل الغيب ألنو ال يتعرؼ عليو حبواسو فيقوؿ ‪:‬هللا ال أراه‬
‫إذف غَت موجود ‪ ،‬ال أظبع عذاب القرب إذف غَت موجود‪.‬‬

‫فهذا صنف من الناس مادي التفكري فهل تكفي احلواس للحكم على شيء أبنو موجود أو غري‬
‫موجود ؟‬

‫اغبواس ال تكفي ألهنا زبطئ مثل اػبداع البصري ‪.‬و اغبواس ؿبدودة ‪.‬و ؾباؿ اإل دراؾ اغبسي ؿبدود‬
‫بُت العتبة الدنيا والقصوى ‪.‬واإلحساسات آ نية جزئية فردية ذاتية ال تنتقل‪ ،‬فهي إذف ال ترقي إذل‬
‫مستوى العلم ألف العلم يقوـ على التعميم والتجريد‪.‬‬

‫إذف فبل يوثق ٓت اغبواس ألنو يبكن أف يكوف ىناؾ موجودات ال تسجلها ىذه اغبواس وال تدركها‪.‬‬

‫االستنتاج ‪ :‬اغبسيوف اؼباديوف ضيقوا واسعاً فاؼبوجودات منها ما ىو حسيي يدرؾ ابغبواس ومنها ما ال‬
‫يدرؾ ابغبواس " الغيبيات " إذف فليس كل ما ال يدرؾ ابغبواس غَت موجود‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫فكيف تعرف السمعيات ؟‬
‫اإلنساف بعقلو قد يصل إذل إثبات بعض الغيبيات كوجود هللا‪ ،‬وكإدراكو لبعض األمور الغيبية‬
‫اليت ؽبا مثيل ٓت عادل الشهادة كاالستدالؿ على النشأة اْلخرة ابلنشأة األوذل‪ .‬ولكنّو ال يستطيع أف‬
‫يصل إذل إثبات ُك ّل الغيبيات ّإال بوحي‪ ،‬واؼبعرفة اؼبكتسبة من الوحي تكوف يقيني ًة؛ أل ّف ٓت الوحي يتل ّقى‬
‫ُ‬
‫العلم من هللا‪ ،‬وداللتو على اؼبعرفة الدينية دالل ًة شرعي ًة ظبعي ًة عقلي ًة‪.‬‬
‫اغبس وىو وسيلة اإلدراؾ اؼبباشرة‪ ،‬وبداية طريق اإلنساف كبو اؼبعرفة‪ ،‬ال يستطع اإلنساف بو أف‬ ‫و ّ‬
‫بل‪ ،‬فمن رضبة هللا ‪-‬سبحانو ‪-‬‬‫بد لو من النقل والعقل ليكوف منهجاً ُمتكام ً‬
‫يُدرؾ صبيع األشياء‪ ،‬ولكن ال ّ‬
‫عدد مصادر اؼبعرفة‪ ،‬فلو بَِقي اإلنساف يعتمد على حواسو فقط َلب ِقي عاجزاً عن إدراؾ ما وراء‬
‫بعباده أف ّ‬
‫اؼبادة‪.‬‬
‫تعرف السمعيات أبمرين مها‪:‬‬
‫اخلرب‪ :‬ويقصد بو النص القرآين واغبديث النبوي الصحيح‪.‬‬
‫األثر‪ :‬وىو ما يدؿ على اؼبؤثِّر‪.‬‬
‫فاػبرب الصادؽ وىو القرآف واغبديث الصحيح يدؿ على الغيبيات‪ .‬وكذلك آَثر اؼبوجودات‬
‫الغيبية اليت تدرؾ ابغبواس تدؿ على وجودىا ابستنتاج العقل‪ ،‬لكن العقل بعد أف يقر بوجودىا يظل‬
‫جاىبل حبقيقتها‪.‬‬
‫وجههم إذل بلوغ اإليباف من طريق البحث‬ ‫و حينما دعا القرآف الناس إذل اإليباف أبصوؿ الغيب َّ‬
‫العلمي؛ فحثَّهم على استخداـ أدواهتم اؼبعرفية ُّ‬
‫للتفكر والتدبُّر ٓت دالئل القدرة وسعة العلم الدالَّة على‬
‫قدرة اػبالق‪ ،‬وأرشدىم إذل أف ىذه الدالئل منبثَّة ٓت السماء واألرض وٓت أنفسهم وفيما حوؽبم؛ ﴿ أََفػلَ ْم‬
‫ض َم َد ْد َان َىا َوأَلْ َقْيػنَا فِ َيها َرَو ِاس َي‬ ‫َّاىا َوَما َؽبَا ِم ْن فػُ ُر ٍ‬
‫وج َو ْاأل َْر َ‬ ‫ف بَػَنػْيػنَ َاىا َوَزيػَّن َ‬
‫يػنْظُروا إِ َذل َّ ِ‬
‫الس َماء َفػْوَقػ ُه ْم َكْي َ‬ ‫َ ُ‬
‫يب ﴾[ؽ‪ ،]8 - 6 :‬ففي ىذا إَثرة للعقل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صرةً وذ ْكرى ل ُك ِل َعْبد ُمن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوأَنػَْبػْتػنَا ف َيها م ْن ُك ِّل َزْو ٍج َهب ٍ‬
‫ّ‬ ‫يج * َتػْب َ َ َ‬
‫اإلنساين دبا يوصلو إذل االطمئناف للخرب ا لصادؽ‪ ،‬ويقوده ىذا إذل الركوف لتفصيبلت الغيب‪ ،‬وأف ال‬
‫طاقة لو هبا؛ حيث دل يستوعب ما ىو ٓت ؾبالو ٓت الشهادة‪ ،‬وعجز عن كثَت فبا ىو فيها‪ ،‬فكيف بو مع‬
‫ما ىو خارج عن نطاقو؟! وىذا يصدؽ ٓت الغيب الذي ال يصبح من عادل الشهادة‪ ،‬أمَّا ما يبكن أف‬
‫يدرؾ فيصبح من عادل الشهادة فالبحث فيو يطولو اغبس والعقل‪.‬‬
‫انتهى‬

‫‪9‬‬
‫أوال‪ :‬عامل ادلالئكة وعامل اجلن ‪:‬‬
‫اؼببلئكة واعبن من عادل الغيب ال نراىم ولكن جاءتنا معرفة عنهم من اػبرب‪.‬‬
‫عامل ادلالئكة ‪ :‬اإليباف ابؼببلئكة يتضمن أربعة أمور‪:‬‬
‫األوؿ ‪ :‬اإليباف بوجودىم‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬اإليباف دبن ُعلم اظبو منهم ابظبو (كجربيل) ومن دل يُعلم أظباءىم يُؤمن هبم إصبا ًال‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬اإليباف دبا ُعلم من صفاهتم‪.‬‬
‫بل و ًا‬
‫هنار‬ ‫الرابع ‪ :‬اإليباف دبا ُعلم من أعماؽبم اليت يقوموف هبا أبمر هللا تعاذل كتسبيحو‪ ،‬والتعبد لو لي ً‬
‫بدوف ملل وال فُػتُور‪.‬‬
‫وؿ ِدبَا أُن ِزَؿ إِلَْي ِو ِمن َّربِِّو‬‫الر ُس ُ‬ ‫(آم َن َّ‬
‫الركن الثاين من أركاف اإليباف‪ ،‬قاؿ ‪-‬تعاذل ‪َ :-‬‬ ‫يػَُع ّد اإليباف ابؼببلئكة ُّ‬
‫َح ٍد ِّمن ُّر ُسلِ ِو) البقرة‪.285 :‬‬ ‫ِ ِ ِِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫َوالْ ُمْؤمنُو َف ُكلّّ َآم َن ِابللَّػو َوَم َبلئ َكتو َوُكتُبِو َوُر ُسلو َال نػَُف ِّر ُؽ بَػ ْ َ‬
‫ُت أ َ‬
‫واإليباف هبم يعٍت‪ :‬التصديق‪ ،‬واليقُت بوجودىم‪ ،‬وإعطاؤىم اؼبنزلة اليت َمنحهم هللا ‪-‬سبحانو ‪ّ -‬إايىا‪،‬‬
‫شيء ّإال أبمر منو‪ ،‬وأ ّهنم ُر ُسلو‪ ،‬قاؿ –‬ ‫واإلقرار أب ّهنم ِعباد ﵁ مأموروف‪ ،‬ومكلَّفوف منو‪ ،‬ال يقدروف على ٍ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ُت أَيْ ِدي ِه ْم َوَما‬ ‫اَّلل َِظب ِ‬
‫َّاس إِ َّف ََّ ٌ‬
‫يع بَص ٌَت * يَػ ْعَل ُم َما بَػ ْ َ‬ ‫ص َط ِفي ِم َن اْل َم َبلئِ َك ِة ُر ُس ًبل َوِم َن الن ِ‬ ‫اَّللُ يَ ْ‬
‫تعاذل‪َّ ﴿ :‬‬
‫ور ﴾ اغبج‪76 ،75 :‬‬ ‫خْل َفهم وإِ َذل َِّ‬
‫اَّلل تُػ ْر َج ُع ْاأل ُُم ُ‬ ‫َ ُْ َ‬
‫من ىم ادلالئكة ؟‬
‫ك لِلْ َم َبلئِ َك ِة‬
‫تقد ٌـ على َخلق بٍت آدـ‪ ،‬لقوؿ هللا ‪-‬تعاذل ‪(َ :-‬وإِذْ قَ َاؿ َربُّ َ‬
‫َخلْق ادلالئكة‪ :‬خلْق اؼببلئكة م ِ‬
‫ُ ّ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِِين ج ِ‬
‫اع ٌل ِٓت ْاأل َْر ِ‬
‫الد َم َاء َوَْكب ُن نُ َسبّ ُح َحب ْمد َؾ َونػَُق ّد ُ‬
‫ك ّ‬ ‫َذب َع ُل ف َيها َمن يػُْفس ُد ف َيها َويَ ْسف ُ‬
‫ض َخلي َفةً قَالُوا أ َْ‬ ‫ّ َ‬
‫ك قَ َاؿ إِِ ّين أ َْعلَ ُم َما َال َتػ ْعلَ ُمو َف)‪.‬البقرة ‪33:‬‬
‫لَ َ‬
‫خلق هللا ‪-‬سبحانو ‪ -‬اؼببلئكة من نوٍر بدليل ما ُرِوي عن ّأـ اؼبؤمنُت عائشة ‪-‬اهنع هللا يضر ‪ -‬أ ّف الرسوؿ ‪-‬صلّى‬
‫ِ‬ ‫اعباف ِمن ما ِرٍج ِمن ان ٍر‪ِ ،‬‬ ‫وخلِ َق ُّ‬ ‫هللا عليو وسلّم ‪ -‬قاؿ‪ِ ِ ِ ِ :‬‬
‫ف‬‫آد ُـ فبَّا ُوص َ‬ ‫وخل َق َ‬ ‫ُ‬ ‫(خل َقت اؼبَبلئ َكةُ من نُوٍر‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫لَ ُك ْم)‪ .‬صحيح مسلم‪.‬‬
‫‪ -‬مسكنهم السماء‪ ،‬وإمبا يهبطوف منها إذل األرض أو غَتىا من ِجهات اؼبلكوت تنفي ًذا ألمر هللا تعاذل‬
‫ض َوَم ْن ِعنْ َدهُ َال يَ ْسَت ْكِ ُربو َف َع ْن ِعَب َادتِِو َوَال يَ ْسَت ْح ِس ُرو َف ﴾‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫قاؿ تعاذل ‪َ ﴿:‬ولَوُ َم ْن ٓت َّ َ َ‬
‫[األنبياء‪].19 :‬‬

‫وصفهم ؽبم بذلك؛ فقاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬إِ َّف‬ ‫كذب هللا اؼبشركُت على ْ‬ ‫‪-‬ال يتّصفوف ابلذكورة أو األنوثة‪ ،‬فقد َّ‬
‫ين َال يػُْؤِمنُو َف ِابْْل ِخ َرِة لَيُ َس ُّمو َف الْ َم َبلئِ َك َة َت ْس ِمَي َة ْاألُنْػَثى َوَما َؽبُْم بِ ِو ِم ْن ِعلْ ٍم إِ ْف يَػتَّبِ ُعو َف إِ َّال الظَّ َّن َوإِ َّف‬ ‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫الظَّ َّن َال يػُ ْغٍِت ِم َن ا ْغبَِّق َشْيػًئا ﴾ النجم‪.28 - 26 :‬‬
‫‪ -‬ومتطهروف من الشهوات‪ ،‬ال أيكلوف وال يشربوف ‪ ،‬وال يتناسلوف وال يناموف‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ـبتلفة‪ ،‬ومثاؿ ذلك إرساؽبم على ىيئة بش ٍر كما أرسل هللا إذل إبراىيم‬ ‫التشكل بصوٍر ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫‪-‬ؽبم القدرة على‬
‫َّل َؽبا بَ َش ًار َس ِو ِّاي)‪ .‬مرمي‪17 :‬‬ ‫ِ‬
‫روحنا َفػَت َمث َ‬
‫َرسلنا إَليها َ‬ ‫عليو السبلـ ‪ ،‬ومرمي ‪-‬عليها السبلـ ‪ -‬قاؿ تعاذل‪َ ( :‬فأ َ‬
‫ض‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ ِ‬
‫‪ -‬امتبلؾ األجنحة‪ ،‬وزبتلف فيما بينها ابلعدد‪ ،‬قاؿ ‪-‬تعاذل ‪( :-‬ا ْغبَ ْم ُد للػو َفاطر َّ َ َ‬
‫يد ِٓت ا ْػبَلْ ِق َما يَ َشاءُ ِإ َّف اللَّػ َو َعَلى ُك ِّل َش ْي ٍء‬
‫ث َوُرَاب َع يَ ِز ُ‬
‫اع ِل الْم َبلئِ َك ِة رس ًبل أ ُِورل أ ِ ٍ‬
‫َجن َحة َّمْثػ ٌَت َوثَُبل َ‬ ‫ْ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬
‫جِ‬
‫َ‬
‫َقد ٌير)‪ .‬فاطر‪1 :‬‬ ‫ِ‬
‫صفات ادلالئكة اخلُلقيّة ‪:‬‬
‫(أبَيْ ِدي َس َف َرٍة كِ َرٍاـ بَػ َرَرٍة)‪ ،‬عبس‪:‬‬ ‫تتّصف اؼببلئكة ابألخبلؽ الفاضلة الكريبة البارة ‪ ،‬قاؿ ‪-‬تعاذل ‪ِ :-‬‬
‫‪.16.- 15‬و من تلك الصفات‪ :‬اغبياء‪ .‬ودليلو ما ثبت ٓت صحيح مسلم عن عائشة ‪-‬اهنع هللا يضر ‪ -‬أ ّف النيب ‪-‬‬
‫َستَ ِحي ِمن َر ُج ٍل تَ ْستَ ِحي منو اؼب َبلئِ َكةُ)‪ .‬صحيح مسلم‪.‬‬ ‫عليو الصبلة والسبلـ ‪ -‬قاؿ‪( :‬أََال أ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ؤمرو َف)‪.‬‬ ‫فعلو َف ما يُ َ‬ ‫(ىبافو َف َربػَّ ُهم من فَوق ِهم َويَ َ‬ ‫‪-‬و اػبوؼ من هللا ‪-‬سبحانو ‪ -‬وخشيتو‪ ،‬قاؿ ‪-‬تعاذل ‪َ :-‬‬
‫النحل‪.53 :‬‬
‫َّاس َوا ْغبِ َج َارةُ‬‫ود َىا الن ُ‬
‫ِ‬
‫ين َآمنُواْ قُواْ أَن ُف َس ُك ْم َوأ َْىلي ُك ْم َانراً َوقُ ُ‬
‫َّ ِ‬
‫‪ -‬و عدـ معصية هللا لقولو تعاذل‪(:‬اي أيػَّها الذ َ‬
‫بل ٌ ِ‬
‫َعَلْيػ َها َمبلئِ َكةٌ ِغ َ‬
‫اَّلل َمآ أ ََم َرُى ْم َويَػ ْف َعلُو َف َما يػُْؤَم ُرو َف) التحرمي‪36:‬‬ ‫صو َف ََّ‬ ‫ظ ش َد ٌاد الَّ يَػ ْع ُ‬
‫‪-‬و عبادة هللا‪ ،‬وطاعتو دوف فتوٍر أو م ٍلل‪ ،‬ومن عباداهتم‪ :‬دواـ ِذكرىم ﵁ ‪-‬تعاذل ‪ ،-‬ومنو التسبيح كما‬
‫ُت ِم ْن َحْوِؿ الْ َع ْر ِش يُ َسبِّ ُحو َف ِ َحب ْم ِد َرِّهبِ ْم) ‪ .‬ا لزمر‪ ،‬آية‪75 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجل ‪(َ :-‬وَتػ َرى الْ َم َبلئ َكةَ َحافّ َ‬ ‫عز ّ‬ ‫قاؿ هللا ‪ّ -‬‬
‫ض َوَم ْن ِعْن َدهُ َال يَ ْسَت ْكِ ُربو َف َع ْن ِعَب َادتِِو َوَال يَ ْسَت ْح ِس ُرو َف * يُ َسبِّ ُحو َف اللَّْي َل‬ ‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َولَوُ َم ْن ٓت َّ َ َ‬
‫َوالنػ ََّه َار َال يَػ ْفتُػ ُرو َف ﴾ األنبياء‪.23 ،19 :‬‬
‫ؼ ال يفًتوف‪ ،‬ومنهم ُس َّجد ال يرَفعوف منذ خلقهم هللا‪ ،‬كقولو صلى‬ ‫أبدا فهم صفو ٌ‬ ‫ومنهم َمن ىذا شأنو ً‬
‫شرب؛ وٓت رواية‪ :‬أربع أصابع ‪ -‬إال وملك قائم‬ ‫تئط‪ ،‬ما فيها ٌ‬ ‫وح َّق ؽبا أ ْف َّ‬ ‫هللا عليو وسلم"‪:‬أطَّت السماءُ ُ‬
‫اية‪ :‬ال يرفعوف ُرؤوسهم ‪ -‬منذ خلَق هللا السماوات واألرض ‪ -‬وٓت رواية‪ :‬ال‬ ‫أو راكع أو ساجد؛ وٓت رو ٍ‬
‫ٌ‬
‫يرَفعوهنا إذل يوـ القيامة"‪ .‬خرجو الًتمذي وابن ماجو وأضبد ‪.‬‬

‫‪-‬و العلم الوفَت؛ فقد تل ّقت اؼببلئكة ِعلمها من هللا ‪-‬سبحانو ‪.-‬قولو تعاذل ‪ ﴿:‬يَػ ْعَل ُمو َف َما َتػ ْف َعلُو َف ﴾‬
‫االنفطار‪ 12 :‬؛ فاْلية على عمومها لكتابة األعماؿ ظاىرىا وابطنها‪.‬‬
‫ف اؼب َبلئِ َكةُ ِعْن َد‬ ‫صفُّو َف كما َتص ُّ‬ ‫(أال َت ُ‬
‫‪ -‬وتنظيم األمور والشؤوف‪ ،‬قاؿ الرسوؿ ‪-‬عليو الصبلة والسبلـ ‪َ :-‬‬
‫ُ َ‬
‫اصو َف ٓت‬ ‫وؼ األَُوَؿ ويَػَتػ َر ُّ‬ ‫قاؿ‪ :‬يُتِ ُّمو َف ُّ‬
‫الص ُف َ‬ ‫ف اؼب َبلئِ َكةُ ِعْن َد َرِّهبَا؟ َ‬
‫ص ُّ‬
‫ُ‬ ‫كيف َت‬
‫َ‬
‫سوؿ ِ‬
‫هللا‪ ،‬و‬ ‫َرِّهبَا؟ َفػ ُقلَْنا اي َر َ‬
‫َ‬
‫ف)‪ .‬مسلم‪.‬‬ ‫الص ِّ‬
‫َّ‬

‫‪11‬‬
‫وظائ ُفهم وأعماذلم ‪:‬‬
‫وعوادل اؼبنظورة وغَت اؼبنظورة أبمر‬ ‫فليّو وما بينهما ‪ -‬وما فيو من ـبلوقات َ‬ ‫وس ِ‬ ‫ِ‬
‫تدبَت أمر اؼبلكوت ‪ُ -‬علويّو ُ‬
‫ات سبػ ًقا * َفاْلمدِبر ِ‬ ‫ات سبحا * َف َّ ِ‬ ‫الس ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫السابِ َق َ ْ‬ ‫احب َ ْ ً‬ ‫هللا تعاذل ﴿ َوالنَّا ِزَعات َغ ْرًقا * َوالنَّاش َطات نَ ْش ًطا * َو َّ َ‬
‫أ َْم ًار ﴾ النازعات‪.5 - 1 :‬‬
‫الس َماءُ َف ِه َي يَػْوَمئِ ٍذ‬
‫ت َّ‬ ‫ت اْلواقِعةُ * وانْ َشقَّ ِ‬ ‫ٍِ ِ‬
‫‪ :‬منهم‪ :‬اؼبكلفوف حبمل العرش‪ ،‬وعددىم شبانية ﴿ َفػَيػْوَمئذ َوَقػ َع َ َ َ‬
‫َّ‬
‫ك َفػْوَقػ ُه ْم يَػْوَمئِ ٍذ َشبَانَِيةٌ ﴾ اغباقة‪ .17 - 15 :‬ومنهم‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ك َعَلى أ َْر َجائ َها َوَْوب ِم ُل َع ْر َش َرِبّ َ‬ ‫َواىَيةٌ * َواْل َمَل ُ‬
‫ِ‬
‫ُت * َعَلى‬ ‫ِ‬ ‫اؼبكلَّفوف بتبليغ الوحي إذل حيث َأمر هللا تعاذل ( جربائيل )‪.‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬نَػ َزَؿ بِ ِو ُّ‬
‫وح ْاألَم ُ‬ ‫الر ُ‬
‫ين ﴾ الشعراء‪.194 ،193 :‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َقػْلبِ ِ‬
‫ك لَت ُكو َف م َن اْل ُمْنذر َ‬ ‫َ‬
‫ومنهم‪ :‬خزنة اعبنَّة‪َ ﴿.‬والْ َم َبلئِ َكةُ يَ ْد ُخلُو َف َعلَْي ِه ْم ِم ْن ُك ِّل َاب ٍب ﴾ الرعد‪23 :‬‬
‫احةٌ‬ ‫ِ‬
‫‪.‬ومنهم‪ :‬خزنة النار‪ ،‬وسيدىم مالك‪َ ﴿ .‬وَما أ َْد َر َاؾ َما َس َق ُر * َال تػُْبقي َوَال تَ َذ ُر * لَ َّو َ‬
‫ِ َّ ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫اب النَّار إال َم َبلئ َك ًة َوَما َج َعْلَنا ع َّدَتػ ُه ْم إال فْتػَن ًة للذ َ‬ ‫َص َح َ‬ ‫لْلَب َش ِر * َعَلْيػ َها ت ْس َع َة َع َش َر * َوَما َج َعْلَنا أ ْ‬
‫اب َواْل ُمْؤِمنُو َف‬ ‫ِ‬
‫ين أُوتُوا اْلكَت َ‬
‫َك َفروا لِيستػي ِقن الَّ ِذين أُوتُوا اْل ِكتاب ويػزداد الَّ ِذين آمنوا إِيبا ًان وَال يػرَات َّ ِ‬
‫ب الذ َ‬ ‫َ َ َ َ َْ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫ُ َ َْْ َ َ‬
‫اَّللُ َم ْن يَ َشاءُ َويَػ ْه ِدي َم ْن‬ ‫ض ُّل َّ‬ ‫كي ِ‬ ‫ِ‬ ‫وؿ الَّ ِذين ِٓت قُػلُوهبِِم مرض واْل َكافِرو َف ما َذا أَراد َّ ِ‬
‫اَّللُ هبَ َذا َمَث ًبل َك َذل َ ُ‬ ‫ْ ََ ٌ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َولَِيػ ُق َ‬
‫ك إِ َّال ُىَو َوَما ِى َي إِ َّال ِذ ْك َرى لِْلَب َش ِر ﴾ اؼبدثر‪.31 - 27 :‬‬ ‫ود َرِبّ َ‬‫يَ َشاءُ َوَما يَػ ْعَل ُم ُجنُ َ‬
‫ك قَ َاؿ إِنَّ ُك ْم َماكِثُو َف ﴾ الزخرؼ‪:‬‬ ‫ض َعلَْيػنَا َربُّ َ‬‫ك لَِيػ ْق ِ‬ ‫ِ‬
‫الزَابنَيةَ ﴾ العلق‪َ ﴿ .18 :‬و َان َدْوا َاي َمال ُ‬
‫﴿ سن ْدع َّ ِ‬
‫ََ ُ‬
‫‪.77‬‬
‫ت َتػَوفػَّتْوُ ُر ُسلُنَا َو ُى ْم َال‬
‫َح َد ُك ُم الْ َمْو ُ‬ ‫ِ‬
‫ومنهم‪ :‬مبلئكة األرواح‪ ،‬وسيدىم إسرافيل‪َ ﴿ .‬ح َّىت إذَا َج َاء أ َ‬
‫وى ُه ْم َوأ َْد َاب َرُى ْم ﴾ دمحم‪27 :‬‬ ‫ض ِربُو َف ُو ُج َ‬‫ف إِ َذا َتػَوفػَّْتػ ُه ُم اْل َم َبلئِ َكةُ يَ ْ‬
‫يػَُف ِّرطُو َف ﴾ األنعاـ‪َ ﴿.61 :‬ف َكْي َ‬
‫ومنهم‪ :‬مبلئكة األرزاؽ‪ ،‬وسيدىم ميكائيل ‪.‬ومنهم‪ :‬اؼبكلَّفوف حبفظ السماوات‪ .‬ومنهم‪ :‬اؼبكلَّفوف ابلرايح‬
‫والسحاب ‪.‬ومنهم‪ :‬اؼبكلَّفوف ابعبباؿ ‪ .‬قد ثبت ٓت حديث الطائف وعودة النيب ملسو هيلع هللا ىلص منها أنو أاته جربيل‬
‫فقاؿ لو‪(( :‬إف هللا قد ظبع قوؿ قومك لك‪ ،‬وما ردوا بو عليك وقد بعث هللا إليك مَلك اعبباؿ لتأمره دبا‬
‫شئت فيهم‪ ،‬ف ناداين ملك اعبباؿ فسلم علي‪ّ ،‬ت قاؿ‪ :‬اي دمحم‪ ،‬ذلك فيما شئت‪ ،‬إف شئت أف أطبق‬
‫شيئا))‪.‬‬
‫عليهم األخشبُت‪ ،‬فقاؿ ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬بل أرجو أف ىبرج هللا من أصبلهبم من يعبد هللا ال يشرؾ بو ً‬
‫البخاري ومسلم ‪ ،‬ومعٌت (األخشباف)‪ :‬جببل مكة ا﵀يطاف هبا‪.‬‬
‫‪ .‬ومنهم‪ :‬اؼبكلَّفوف ابلنبات ‪.‬ومنهم‪ :‬اؼبكلَّفوف ابلبحار ‪.‬ومنهم‪ :‬اؼبكلَّفوف أبمور اغبوت والطيور والدواب‪،‬‬
‫وكبوىا من األمم والعوادل اليت ال وبصيها إال هللا تعاذل‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ -‬تدبَت أمر اؼبكلَّفُت من اػبلق ‪ -‬اعبن واإلنس ‪ -‬والصلة الوثيقة هبم ٓت أحواؿ كثَتة‪ٓ ،‬ت حياهتم وبعد‬
‫ٍ‬
‫صباعات من اؼببلئكة عليهم السبلـ على التفصيل كما‬ ‫فباهتم‪ ،‬وقد جاءت النُّصوص إبثبات وظائف‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪1-‬حفظ بٍت آدـ‪ ،‬وىو من وظيفة اؼببلئكة اؼبع ِّقبات‪َ ﴿ .‬و ُىَو الْ َق ِاى ُر َفػْو َؽ ِعَب ِادِه َويػُْرِس ُل‬
‫ت َتػَوفػَّْتوُ ُر ُسلَُنا َو ُى ْم َال يػَُف ِّرطُو َف ﴾ األنعاـ‪. 61 :‬‬ ‫َح َد ُك ُم اْل َمْو ُ‬ ‫ِ‬
‫َعَلْي ُك ْم َح َف َظ ًة َح َّىت إ َذا َج َاء أ َ‬
‫اَّلل َال يػُ َغَُِّت َما بِ َقْوٍـ َح َّىت يػُ َغَُِّتوا َما‬ ‫ُت ي َديِْو وِمن َخلْ ِف ِو َْوب َفظُونَوُ ِمن أ َْم ِر َِّ ِ‬
‫اَّلل إ َّف ََّ‬ ‫ْ‬ ‫ات م ْن بَػ ْ ِ َ َ ْ‬
‫﴿ لَو مع ِقّب ِ‬
‫ُ َُ َ ٌ‬
‫وءا فَ َبل َم َردَّ لَوُ َوَما َؽبُْم ِم ْن ُدونِِو ِم ْن َو ٍاؿ ﴾ الرعد‪ 11 :‬وقاؿ ؾباىد‪" :‬ما‬ ‫ٍ‬ ‫ِأبَنػْفُ ِس ِهم وإِذَا أَر َاد َّ ِ‬
‫اَّللُ ب َقْوـ ُس ً‬ ‫َْ َ‬
‫من عبد إال لو ملك موكل حبفظو ٓت نومو ويقظتو من اعبن اإلنس واؽبواـ‪ ،‬فما منها شيء أيتيو إال قاؿ‬
‫لو اؼبلك‪ :‬وراءؾ‪ ،‬إال شيء أذف هللا فيو‪ ،‬فيصيبو‪".‬‬
‫ُت كِ َر ًاما‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫‪2-‬حفظ أعماؿ بٍت آدـ‪ ،‬وىو من وظيفة الكراـ الكاتبُت‪ .‬قاؿ تعاذل﴿ ‪َ:‬وإِ َّف َعلَْي ُك ْم َغبَافظ َ‬
‫ِ‬
‫ُت يَػ ْعلَ ُمو َف َما َتػ ْف َعلُو َف ﴾ االنفطار‪11- 13 :‬‬ ‫َكاتبِ َ‬
‫ِ‬
‫ات‬
‫الس َم َاو ُ‬
‫اد َّ‬‫‪3-‬السياحة اللتماس ؾبالس الذكر وحلَ ِق العلم‪ ،‬وىو من وظيفة اؼببلئكة السيَّاحُت‪ ﴿ .‬تَ َك ُ‬
‫يػَتػ َفطَّرَف ِمن َفػوقِ ِه َّن والْم َبلئِ َكةُ يسبِحو َف ِحبم ِد رّهبِِم ويسَتػغْ ِفرو َف لِمن ِٓت ْاألَر ِ ِ‬
‫ور‬ ‫ض أََال إ َّف ََّ‬
‫اَّلل ُىَو الْ َغفُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َُّ ُ َْ َ ْ ََ ْ ُ َ ْ‬ ‫َ ْ ْ ْ َ َ‬
‫يم ﴾ الشورى‪.5 :‬‬ ‫َّ ِ‬
‫الرح ُ‬
‫‪4-‬مبلئكة الروح الذين ينفُخوف األ رواح ٓت األجنَّة ٓت األرحاـ‪ ،‬ويقبضوهنا عند انتهاء اْلجاؿ‪ .‬عن ابن‬
‫مسعود هنع هللا يضر قاؿ‪ :‬حدثنا رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص وىو الصادؽ اؼبصدوؽ‪(( :‬إف أحدكم ُهب َمع ٓت بطن أمو أربعُت‬
‫يوما نطفة‪ّ ،‬ت يكوف علقة مثل ذلك‪ّ ،‬ت يكوف مضغة مثل ذلك‪ّ ،‬ت يرسل إليو اؼبلك فينفخ فيو الروح‪،‬‬
‫ً‬
‫ويؤمر أبربع كلمات؛ ب َكْتب رزقو‪ ،‬وأجلو‪ ،‬وعملو‪ ،‬وشقي أو سعيد))‪ .‬البخاري ومسلم وأبو داود‬
‫والًتمذي‪.‬‬
‫ين َْوب ِملُو َف‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫‪5-‬اؼببلئكة الذين ي ِ‬
‫سددوف ويُعينوف اؼبكلفُت على اػبَت ويبدُّوف اجملاىدين اؼبتَّقُت‪ ﴿ .‬الذ َ‬ ‫ُ ّ‬
‫ضب ًة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ُك َّل َش ْيء َر َْ‬ ‫ين َآمنُوا َربػََّنا َوس ْع َ‬ ‫اْل َع ْر َش َوَم ْن َحْوَلوُ يُ َسبّ ُحو َف َحب ْمد َرّهب ْم َويػُْؤمنُو َف بو َويَ ْسَتػ ْغف ُرو َف للذ َ‬
‫َّات َع ْد ٍف الَِّيت َو َع ْدَتػ ُه ْم‬ ‫و ِعْلما َفا ْغ ِفر لِلَّ ِذين َاتبوا واتػَّبػعوا سبِيَلك وقِ ِهم ع َذاب ا ْعب ِحي ِم * ربػَّنا وأَد ِخْلهم جن ِ‬
‫ََ َ ْ ُْ َ‬ ‫ْ َ ُ َ َُ َ َ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ ً‬
‫السِيئاتِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السِيَّئات َوَم ْن َت ِق َّ َّ‬ ‫يم * َوق ِه ُم َّ‬ ‫ك أَنْ َ ِ‬
‫ت اْل َعز ُيز ا ْغبَك ُ‬ ‫صَل َح م ْن َآابئ ِه ْم َوأَْزَواج ِه ْم َوذُ ِّرَّايهت ْم إِنَّ َ‬ ‫َوَم ْن َ‬
‫يم ﴾ غافر‪.9 - 7 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫ك ُىَو اْل َفْوُز اْل َعظ ُ‬ ‫ضبَتوُ َو َذل َ‬‫يَػْوَمئذ َفػ َق ْد َر ْ‬
‫اسَتػ َق ُاموا َتػَتػَنػ َّزُؿ َعَلْي ِه ُم اْل َم َبلئِ َكةُ أ ََّال ََزبافُوا َوَال َْرب َزنُوا َوأَبْ ِش ُروا ِاب ْعبَن َِّة الَِّيت ُكْنػتُ ْم‬
‫اَّللُ ُّتَّ ْ‬
‫ين َقالُوا َربػَُّنا َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫﴿ إ َّف الذ َ‬
‫الدنْػَيا َوِٓت ْاْل ِخ َرِة َوَل ُك ْم فِ َيها َما َت ْشَت ِهي أَنْػ ُف ُس ُك ْم َوَل ُك ْم فِ َيها َما‬ ‫وع ُدو َف * َْكب ُن أَْولَِيا ُؤُك ْم ِٓت ا ْغبََي ِاة ُّ‬‫تُ َ‬
‫ُت أََل ْن يَك ِْفَي ُك ْم أَ ْف ُيبِ َّد ُك ْم‬ ‫َتدَّعو َف * نػُزًال ِمن َغ ُفوٍر رِحي ٍم ﴾ فصلت‪32 – 33 :‬و ﴿ إِ ْذ َتػ ُق ُ ِ ِ ِ‬
‫وؿ للْ ُمْؤمن َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫صِ ُربوا َوَتػتػَّ ُقوا َو َأيْتُوُك ْم ِم ْن َفػْوِرِى ْم َى َذا يبُْ ِد ْد ُك ْم َربُّ ُك ْم‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫ُت * بَػَلى إِ ْف َت ْ‬ ‫َربُّ ُك ْم بَِث َبلثَة َآالؼ م َن الْ َم َبلئ َكة ُمْنػ َزل َ‬

‫‪13‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ٍ ِ‬
‫ُت ﴾ آؿ عمراف‪.125 ،124 :‬‬ ‫َخب ْم َسة َآالؼ م َن الْ َم َبلئ َكة ُم َس ِّوم َ‬
‫فاألوؿ‪.‬‬
‫األوؿ َّ‬
‫‪ُ 6-‬كتَّاب الناس يوـ اعبمعة على أبواب اؼبساجد َّ‬
‫مد َة انتظا ِرىم لصبلة اعبماعة‪.‬‬ ‫‪7-‬الصبلة على اؼبصلُت َّ‬
‫‪8-‬فتنة األموات ٓت القبور‪ .‬ونبا منكر ونكَت‪.‬وقد جاء ٓت وصفهما‪ :‬أهنما أسوداف أزرقاف؛ فعن أيب ىريرة‬
‫هنع هللا يضر قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪(( :‬إذا أقرب اؼبيت ‪ -‬أو قاؿ‪ :‬أحدكم ‪ -‬أاته ملكاف أسوداف أزرقاف‪ ،‬يقاؿ‬
‫ألحدنبا‪ :‬اؼبنكر‪ ،‬ولآلخر‪ :‬النكَت‪ ))...‬حسن رواه الًتمذي وابن حباف وابن أيب عاصم ٓت السنن‪.‬‬

‫سؤال وجوابو‪:‬أثبت ابخلرب مث ابألثر الصفات اخللقية للمالئكة ‪:‬‬

‫اع ِل الْ َم َبلئِ َك ِة ُر ُس ًبل أ ُِورل‬


‫ضجِ‬ ‫اط ِر َّ ِ‬
‫الس َم َاوات َو ْاأل َْر ِ َ‬
‫دليل اخلرب‪ :‬قولو تعاذل ‪( :‬ا ْغبمد ِ ََِّّلل فَ ِ‬
‫َْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اَّلل َعَل َٰى ُك ِّل َش ْيء َقد ٌير) فاطر‪31:‬‬ ‫ِ‬ ‫ث ورَاب َع ۚ يَ ِز ُ ِ ِ‬ ‫أ ِ ٍ‬
‫يد ٓت ا ْػبَْلق َما يَ َش اءُ ۚ إ َّف ََّ‬ ‫َجن َحة َّمْثػ َ ٌَٰت َوثَُبل َ َ ُ‬
‫ْ‬
‫دليل األثر ‪ :‬رؤية النيب ملسو هيلع هللا ىلص عبربيل ٓت بداية البعثة يغطي السماء ٓت صورتو اغبقيقية‪ ،‬ورؤية‬
‫الصحابة مهنع هللا يضر جربيل ٓت صورة إ نساف ٓت حديث جربيل عليو السبلـ ‪.‬كاف كثَتا ما يتمثل ٓت‬
‫صورة الصحايب دحية الكليب ‪.‬وكذلك ضيوؼ إبراىيم ىم مبلئكة ٓت صورة بشر بدليل أنو قدـ‬
‫ؽبم الطعاـ وأبوا أف أيكلوا‪.‬‬
‫النتيجة‪ :‬اؼببلئكة يبكن أف تظهر ٓت صورة حقيقية وصورة بشرية ( سبثل ) كما سبثل جربيل عليو‬
‫السبلـ ؼبرمي عليها السبلـ ‪ .‬ونتوقف ٓت ا عتقادان عند ىذا اغبد اؼبثبت ابلنص أو األثر لصحيح‪.‬‬

‫م سألة التفاضل بني ادلالئكة واإلنسان ‪:‬‬


‫أيهما أفضل ادلالئكة أم البشر ؟‬
‫اى ْم ِٓت الَْبػ ِّر َوالَْب ْح ِر َوَرَزْقػَن ُ‬
‫اىم‬ ‫ضبلَْن ُ‬ ‫ىذه ادلسألة قبدىا ٓت قولو تعاذل ‪َ ( :‬وَل َق ْد َك َّرْمَنا بٍَِت َ‬
‫آد َـ َو ََ‬
‫ض ًيبل ) اإلسراء‪. 73 :‬‬ ‫ات وَفضَّْلَناىم عَل َٰى َكثِ ٍَت ِّفبَّن خَل ْقَنا َتػ ْف ِ‬
‫ِ َِّ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ّم َن الطيَّب َ‬
‫ودلت اْلية على أف بٍت آدـ دل يفضلوا على صبيع اؼبخلوقات‪.‬‬
‫وأقوال العلماء يف ادلسألة ‪:‬‬
‫‪- 1‬قاؿ البعض بتفضيل اؼببلئكة مطلقا ‪:‬لصفاهتم‪.‬‬
‫‪- 2‬قاؿ البعض بتفضيل بٍت آدـ مطلقا [ السجود‪ ،‬العلم‪ ،‬اػببلفة‪ ،‬التكرمي‪ ،‬العلم‪.] ...‬‬
‫‪- 3‬مذىب أىل السنة‪ :‬األنبياء أفضل من اؼببلئكة أما بقية البشر فاألفضل التوقف‪ ،‬وذىب‬
‫صباعة من اؼبنتسبُت اِذل السنة أف األنبياء وصاغبي البشر أفضل من اؼببلئكة‪.‬‬
‫‪- 4‬بينما ذىبت اؼبعتزلة إذل تفضيل اؼببلئكة على البشر‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫أما أتباع األشاعرة فهم على قولُت منهم من يفضل األنبياء واألولياء و منهم من يقف وال يقطع‬
‫بينهما بشيء‪ ،‬لكن وبكى عن بعضهم ميل إذل تفضيل اؼببلئكة وحكي ذلك عن غَتىم وىم‬
‫بعض الصوفية‪.‬‬
‫‪ - 6‬وقالت الشيعة إف صبيع األئمة أفضل من صبيع اؼببلئكة‪.‬‬
‫‪- 7‬وذكر أف أاب حنيفة توقف ٓت اؼبسألة وكذلك شارح الطحاوية‪.‬‬
‫‪ - 8‬وذكر السفاريٍت أف ا ِإلماـ أضبد كاف يفضل صاغبي اؼبؤمنُت على اؼببلئكة‪ ،‬وىبطئ من‬
‫يفضل اؼببلئكة على بٍت آدـ‪.‬‬
‫زلل النزاع ‪ :‬ادلفاضلة بني صاحلي البشر وادلالئكة ‪:‬أيهما أفضل ؟‬
‫صاحلو البشر ‪:‬األنبياء واألولياء والصاغبوف أفضل من اؼببلئكة‪ .‬ومراتب الصبلح ىي‪ :‬النبوة‪،‬‬
‫الصديقة‪ ،‬الشهادة‪ ،‬الصحبة‪ ،‬التقوى‪ ،‬والوالية‪.‬‬
‫احلجج ‪:‬‬
‫‪- 1‬أمر هللا اؼببلئكة ابلسجود ْل دـ سجود تشريف وتكرمي‪.‬‬
‫ِ‬
‫ت َعلَ َّي)اإلسراء ‪.62‬‬ ‫ك َى َذا الَّذي َك َّرْم َ‬ ‫‪- 2‬التكرمي ٓت قولو تعاذل (أ ََرآيْػتَ َ‬
‫‪- 3‬خلق هللا آ دـ بيديو ونفخ فيو من روحو بينما خلق اؼببلئكة بكلمتو [كن]‪.‬‬
‫َذب َع ُل فِ َيها َمن‬‫ض َخلِي َفةً ۖ قَالُوا أ َْ‬ ‫‪ٓ- 4‬ت قولو تعاذل‪ ( :‬وإِذْ قَ َاؿ ربُّك لِلْم َبلئِ َك ِة إِِين ج ِ‬
‫اع ٌل ِٓت ْاأل َْر ِ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ك ۖ قَ َاؿ إِِ ّين أ َْعلَ ُم َما َال َتػ ْعلَ ُمو َف ) البقرة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫يػ ْف ِسد فِيها ويس ِفك ِ‬
‫س لَ َ‬
‫الد َم َاء َوَْكب ُن نُ َسبّ ُح َحب ْمد َؾ َونػَُق ّد ُ‬
‫ُ ُ َ ََ ْ ُ ّ‬
‫‪. 33 :‬‬
‫‪- 5‬واػبليفة يػَُف ضَّل على من ليس خليفة‪ ،‬وقد طلب اؼببلئكة ىذه اؼبكانة أي اػبِبلفة‪.‬‬
‫ض ُه ْم َعلَى‬ ‫َظب َاء ُكلََّها ُّتَّ َع َر َ‬ ‫‪- 6‬تفضيل آ دـ على اؼببلئكة ابلعلم حُت سئلوا عن األظباء‪َ ( :‬و َعلَّ َم َ‬
‫آد َـ ْاأل َْ‬
‫ِ‬ ‫الْم َبلئِ َك ِة َفػ َق َاؿ أَنبِئ ِوين ِأب َْظب ِاء َٰىؤَال ِء إِف ُكنتم ِ ِ‬
‫ك َال علْ َم لَنَا إِ َّال َما َعلَّ ْمَتػنَا ۖ إِنَّ َ‬
‫ك‬ ‫ُت)‪ (31‬قَالُوا ُسْب َحانَ َ‬ ‫صادق َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يم )‪ (32‬البقرة ‪32 - 31 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ا ْغبَك ُ‬
‫َنت الْ َعل ُ‬
‫أ َ‬
‫األشق أفضل بسبب (الشهوة‪ ،‬اغبرص‪ ،‬الغضب‪ ،‬اؽبوى‪.)...‬‬ ‫أشق و ّ‬ ‫‪- 7‬طاعة البشر ّ‬
‫‪- 8‬مباىاة هللا تعاذل ابلبشر الصاغبُت ٓت اؼبئل األعلى( أ ىل عرفة ‪ ،‬الذاكروف ‪ ،‬ؾبالس العلم ‪.)..‬‬

‫حتقيق القول يف زلل النزاع البن تيمية ‪:‬‬

‫نقل ابن القيم عن ابن تيمية ‪( :‬أنو سئل عن صاغبي بٍت آدـ واؼببلئكة أيهما أفضل؟ فأجاب‬
‫أبف صاغبي البشر أفضل ابعتبار كماؿ النهاية‪ ،‬واؼببلئكة أفضل ابعتبار البداية‪ ،‬فإف اؼببلئكة اْلف ٓت‬
‫الرفيق األعلى منزىُت عما يبلبسو بنو آدـ‪ ،‬مستغرقوف ٓت عبادة الرب‪ ،‬وال ريب أف ىذه األحواؿ‬

‫‪15‬‬
‫اْلف أكمل من أحواؿ البشر‪ ،‬وأما يوـ القيامة بعد دخوؿ اعبنة فيصَت حاؿ صاغبي البشر أكمل‬
‫انتهى‬ ‫من حاؿ اؼببلئكة) ‪.‬‬

‫‪ -‬عامل اجلن ‪ :‬عادل اعبن من الغيبيات مثل عادل اؼببلئكة‪ .‬نؤمن بوجودىم‪.‬‬
‫تسميتو‪ :‬يسموف ابعبن الستتارىم عن أعُت اإلنس كما تسمى اعبنة ابعبنة اللتفاؼ األشجار‬
‫حوؿ بعضها‪ ،‬وكما يسمى اعبنُت ٓت بطن أمو جنيناً الستتاره‪ ،‬وكما يسمى اجملن ؾبناً الستتار اؼبقاتل‬
‫بو ٓت اغبرب‪.‬‬
‫أصل خلق اجلن‪:‬‬
‫الس ُم ِوـ ﴾‬
‫اف َخَل ْقَناهُ ِم ْن َقػْب ُل ِم ْن َان ِر َّ‬
‫نعلم أف اعبن ُخلقوا من ا لنار كما قاؿ تعاذل ‪َ ﴿:‬وا ْعبَ َّ‬
‫اف ِم ْن َما ِرٍج ِم ْن َان ٍر ﴾ الرضبن‪ .15 :‬قاؿ عبدهللا بن عباس‬ ‫اغبجر‪ ،27 :‬وقاؿ تعاذل ‪َ ﴿:‬و َخَل َق ا ْعبَ َّ‬
‫‪ -‬رضي هللا تعاذل عنهما ‪( :-‬مارج من انر‪ :‬طرؼ اللهب)‪ ،‬وعن حديث عائشة ‪ -‬رضي هللا تعاذل‬
‫وخلق اعبآف من مارج من انر‪،‬‬ ‫((خلقت اؼببلئكة من نور‪ُ ،‬‬ ‫عنها ‪ -‬قالت‪ :‬قاؿ رسوؿ هللا ‪ -‬ملسو هيلع هللا ىلص ‪ُ :-‬‬
‫وخلق آدـ فبا وصف لكم)) رواه مسلم‪ .‬وأهنم أيكلوف ويشربوف ويتزاوجوف وؽبم ذرية كما قاؿ هللا‬ ‫ُ‬
‫َّخ ُذونَوُ َوذُ ِّريػََّتوُ أَْولَِياء ِمن ُد ِوين َو ُى ْم َل ُك ْم َع ُدّّو)‪.‬الكهف ‪. 53:‬وكاف‬
‫تعاذل ٓت الشيطاف ‪ ( :‬أََفػتػت ِ‬
‫َ‬
‫خلقهم قبل خلق اإلنس‪ ،‬كما قاؿ هللا تعاذل‪( :‬وَل َق ْد خَل ْقَنا ا ِإلنسا َف ِمن صلْص ٍاؿ ِمن َضبٍإ َّمسنُ ٍ‬
‫وف‬ ‫َ َ ّْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫الس ُم ِوـ)‪.‬اغبجر ‪27- 26 :‬‬ ‫آف َخَل ْقَناهُ ِمن َقػْب ُل ِمن َّان ِر َّ‬
‫َوا ْعبَ َّ‬
‫صفة خلقة اجلن‪:‬‬
‫حقيقة اعبن هللا أعلم هبا ‪،‬ولكننا نعلم أف الذي يشَت إليو اػبرب الصادؽ أف اعبن يتشكلوف‬
‫ابلصور اؼبختلفة‪ .‬ورد ٓت السنة اؼبطهرة أحاديث عديدة تدؿ على تشكل اعبن ورؤيتهم‪ ،‬من‬
‫ذلك ‪:‬‬
‫‪ - 1‬ثبت ٓت الصحيحُت عن أيب ىريرة أنو قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص ‪ (:‬إف عفريتا من اعبن جعل‬
‫علي الصبلة‪ ،‬وأف هللا أمكنٍت منو فذعتو‪ ،‬فلقد نبمت أف أربطو إذل‬
‫علي البارحة‪ ،‬ليقطع َّ‬
‫يفتك َّ‬
‫جنب سارية من سواري اؼبسجد‪ ،‬حىت تنظروف إليو أصبعوف ‪-‬أوكلكم ‪ّ .-‬ت ذكرت قوؿ أخي‬
‫َح ٍد ِّم ْن بَػ ْع ِدي))‪ .‬فرده هللا خاسئاً)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ب ِرل ُمْل ًكا ال يَ َنبغي أل َ‬
‫سليماف ‪َ ((:‬ق َاؿ ر ِ ِ‬
‫ب ا ْغف ْر ِرل َوَى ْ‬
‫َّ‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪- 2‬وٓت صحيح مسلم عن أيب الدرداء قاؿ‪ (:‬قاـ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فسمعناه يقوؿ‪ :‬أعوذ اب﵁‬
‫منك‪ّ ،‬ت قاؿ‪ :‬ألعنك بلعنة هللا‪ .‬ثبلَثً‪ ،‬وبسط يده كأنو يتناوؿ شيئاً‪ .‬فلما فرغ من الصبلة قلنا‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫اي رسوؿ هللا‪ ,‬قد ظبعناؾ تقوؿ ٓت الصبلة شيئاً‪ ،‬دل نسمعك تقولو قبل ذلك‪ .‬ورأيناؾ بسطت‬
‫يدؾ؟ قاؿ‪ :‬إف عدو هللا إبليس جاء بشهاب من انر ليجعلو ٓت وجهي‪ .‬فقلت‪ :‬أعوذ اب﵁ منك‪.‬‬
‫ثبلث مرات‪ّ .‬ت قلت‪ :‬ألعنك بلعنة هللا التامة‪ .‬فلم يستأخر‪ .‬ثبلث مرات‪ّ .‬ت أردت أخذه‪ .‬وهللا‬
‫لوال دعوة أخينا سليماف ألصبح موثقاً يلعب بو ولداف أىل اؼبدينة‪.) .‬‬
‫‪ - 3‬ما ورد ٓت صحيح البخاري عن أيب ىريرة هنع هللا يضر قاؿ‪ ( :‬وكلٍت رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص حبفظ زكاة‬
‫رمضاف‪ ،‬فأاتين آت‪ ،‬فجعل وبثو من الطعاـ‪ ،‬فأخذتو وقلت‪ :‬وهللا ألرفعنك إذل رسوؿ هللا صلى‬
‫هللا عليو وسلم‪ ،‬قاؿ‪ :‬إين ؿبتاج‪ ,‬وعلي عياؿ‪ ,‬ورل حاجة شديدة‪ ،‬قاؿ‪ :‬فخليت عنو‪ ،‬فأصبحت‬
‫فقاؿ النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬اي أاب ىريرة ما فعل أسَتؾ البارحة؟ قاؿ‪ :‬قلت‪ :‬اي رسوؿ هللا‪ ،‬شكا حاجة‬
‫شديدة‪ ،‬وعيا ًال فرضبتو فخليت سبيلو‪ ،‬فقاؿ‪ :‬أما إنو قد كذبك‪ ،‬وسيعود‪ .‬فعرفت أنو سيعود‪،‬‬
‫لقوؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬إنو سيعود‪ .‬فرصدتو‪ ،‬فجعل وبثو من الطعاـ‪ ،‬فأخذتو فقلت‪ :‬ألرفعنك إذل‬
‫رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬قاؿ‪ :‬دعٍت فإين ؿبتاج‪ ,‬وعلي ع ياؿ‪ ،‬ال أعود‪ ،‬فرضبتو فخليت سبيلو‪ ،‬فأصبحت‬
‫فقاؿ رل رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬اي أاب ىريرة ما فعل أسَتؾ؟ قلت‪ :‬اي رسوؿ هللا شكا حاجة شديدة‬
‫وعيا ًال‪ ،‬فرضبتو فخليت سبيلو‪ ،‬قاؿ‪ :‬أما إنو كذبك‪ ،‬وسيعود‪ .‬فرصدتو الثالثة‪ ،‬فجعل وبثو من‬
‫الطعاـ‪ ،‬فأخذتو فقلت‪ :‬ألرفعنك إذل رسوؿ هللا‪ ،‬وىذا آخر ثبلث مرات إنك تزعم ال تعود‪ّ ،‬ت‬
‫تعود‪ ،‬قاؿ‪ :‬دعٍت أعلمك كلمات ينفعك هللا هبا‪ ،‬قلت‪ :‬ما ىن؟ قاؿ‪ :‬إذا أويت إذل فراشك‪،‬‬
‫فاقرأ آية الكرسي‪ ( :‬هللا ال إلو إال ىو اغبي القيوـ) ‪.‬حىت زبتم اْلية‪ ،‬فإنك لن يزاؿ عليك من‬
‫هللا حافظ‪ ،‬وال يقربك شيطاف حىت تص بح‪ ،‬فخليت سبيلو فأصبحت‪ ،‬فقاؿ رل رسوؿ هللا صلى‬
‫هللا عليو وسلم‪ :‬ما فعل أسَتؾ البارحة؟ قلت‪ :‬اي رسوؿ هللا‪ ،‬زعم أنو يعلمٍت كلمات ينفعٍت هللا‬
‫هبا فخليت سبيلو‪ ،‬قاؿ‪ :‬ما ىي؟ قلت‪ :‬قاؿ رل‪ :‬إذا أويت إذل فراشك‪ ،‬فاقرأ آية الكرسي من‬
‫أوؽبا حىت زبتم ‪ ( :‬هللا ال إلو إال ىو اغبي القيوـ‪ ).‬وقاؿ رل‪ :‬لن يزاؿ عليك من هللا حافظ‪ ،‬وال‬
‫يقربك شيطاف حىت تصبح ‪ -‬وكانوا أحرص شيء على اػبَت ‪ -‬فقاؿ النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬أما إنو قد‬
‫صدقك وىو كذوب‪ ،‬تعلم من زباطب منذ ثبلث لياؿ اي أاب ىريرة‪.‬قاؿ‪ :‬ال‪ ،‬قاؿ‪ :‬ذاؾ‬
‫شيطاف‪ ).‬البخاري‬
‫ويقوؿ دمحم رشيد رضا مبيناً إمكانية رؤية اعبن‪( :‬فإذا سبثل اؼبلك أو اعباف ٓت صورة كثيفة كصورة‬
‫البشر أو غَتىم‪ ،‬أمكن للبشر أف يروه‪ ،‬ولكنهم ال يرونو على صورتو وخلقتو األصلية حبسب‬
‫العادة‪ ،‬وسنة هللا ٓت خلق عاؼبو وعاؼبها‪).‬‬
‫صورة الشيطان‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫صورة الشيطاف من أقبح الصور ٓت اػبلق‪ ،‬وقد شبهها هللا بثمار أشجار الزقوـ ٓت النار اليت تنبت‬
‫ُت ِإنػََّها‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ٓت أصل اعبحيم‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬أَ َذلِك خيػر نػزًال أَـ شجرةُ َّ ِ‬
‫الزقُّوـ إِ َّان َج َعلَْن َاىا فْتػَن ًة للظَّالم َ‬ ‫َ َ ْ ٌ ُُ ْ َ َ َ‬
‫ُت ﴾‪.‬ا لصافات‪65 – 62 :‬‬ ‫شجرةٌ َْزبرج ِٓت أَص ِل اعب ِحي ِم َطلْعها َكأَنَّو رءوس الشَّي ِ‬
‫اط ِ‬ ‫ُ ُُ ُ َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ََ ُُ‬
‫الشيطان لو قرانن ‪:‬‬
‫جاء ٓت صحيح مسلم من حديث عبدهللا بن عمر ‪ -‬رضي هللا تعاذل عنهما ‪ -‬أف النيب ‪ -‬صلى‬
‫هللا عليو وسلم ‪ -‬قاؿ‪( :‬ال ربروا بصبلتكم قبل طلوع الشمس وال قبل غروهبا فإهنا تطلع بقرين‬
‫شيطاف)‪ ،‬ومعٌت اغبديث‪ :‬أف اؼبشركُت كانوا يعبدوف الشمس ويسجدوف عند طلوعها وعند‬
‫غروهبا وعند ذلك ينتصب الشيطاف ٓت اعبهة اليت تكوف فيها الشمس حىت تكوف العبادة لو‪.‬‬
‫واجلن سللوقات عاقلة مكلفة‪:‬‬
‫وف"الذارايت‪.56:‬‬ ‫االنس إِالَّ لِيػعب ُد ِ‬ ‫ِ‬ ‫لقولو تعاذل‪" :‬وما خلَ ْق ِ‬
‫ت اعب َّن َو َ َ ْ ُ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫وأهنم مكلفوف ابلعبادات يوجو إليهم أمر هللا تعاذل وهنيو‪ ،‬فقد أرسل إليهم النيب صلى هللا عليو‬
‫اسَت َم َع نَػ َف ٌر ِّم َن ا ْعبِ ِّن‬ ‫وسلم وحضروا واستمعوا القرآف كما قاؿ هللا تعاذل ‪( :‬قُل أ ِ‬
‫ُوح َي إِ َ َّ‬
‫رل أَنَّوُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫َفػ َقالُوا إِ َّان َِظبعنا قُػرآ ًان عجبا يػه ِدي إِ َذل ُّ ِ‬
‫َح ًدا)‪.‬اعبن ‪ 2- 1:‬وكما‬ ‫الر ْشد َف َآمنَّا بو َوَلن نُّ ْش ِرَؾ ب َربَّنا أ َ‬ ‫َْ ْ َ َ ً َ ْ‬
‫ضروه َقالُوا أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َنصتُوا َفػَل َّما‬ ‫ك نَػ َف ًار ّم َن ا ْعب ِّن يَ ْسَتم ُعو َف اْل ُق ْرآ َف َفػَل َّما َح َ ُ ُ‬ ‫ص َرْفػَنا إَِلْي َ‬ ‫ِ‬
‫قاؿ تعاذل‪َ( :‬وإ ْذ َ‬
‫ص ِّد ًقا‬ ‫وسى ُم َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ين ﴿‪َ ﴾ 29‬قالُوا َاي َقػْوَمَنا إ َّان َظب ْعَنا كَت ًااب أُن ِزَؿ من بَػ ْعد ُم َ‬ ‫ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫قُض َي َولْوا إ َذل َقػْومهم ُّمنذر َ‬
‫اَّلل َو ِآمنُوا ِب ِو‬‫لِّما بػُت يدي ِو يػه ِدي ِإ َذل ا ْغب ِق وِإ َذل َط ِر ٍيق ُّمست ِقي ٍم ﴿‪ ﴾33‬اي َقػومنا أ َِجيبوا د ِاعي َِّ‬
‫َ ْ ََ ُ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ ْ َ ََ ْ َ ْ‬
‫س ِدبُْع ِج ٍز ِٓت‬ ‫اب أَلِي ٍم ﴿‪ ﴾31‬ومن َّال ُِهبب د ِاعي َِّ‬
‫اَّلل َفػَلْي َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ََ‬
‫يػ ْغ ِفر َل ُكم ِمن ذُنُوبِ ُكم و ُِهبرُكم ِمن َع َذ ٍ‬
‫ْ َ ْ ّْ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ‬
‫ٍ‬
‫ض َبلؿ ُّمبِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُت ﴿‪ ) ﴾32‬األحقاؼ ‪32- 29 :‬‬ ‫ك ِٓت َ‬ ‫س َلوُ من ُدونو أَولَياء أُْوَلئ َ‬ ‫ِ‬
‫ْاأل َْرض َوَلْي َ‬
‫جزاؤىم‪ :‬دبا أهنم مكلفوف فلهم جزاء يوـ القيامة‪.‬‬
‫نذ ُرونَ ُك ْم‬‫صو َف عَلي ُكم ءاايِِت وي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قاؿ تعاذل‪( :‬اي معشر اعبِ ِن و ِ‬
‫اال ِ‬
‫نس أََدلْ َايت ُك ْم ُر ُس ٌل ّمن ُك ْم يَػ ُق ُّ َ ْ ُ َ َ َ ُ‬ ‫َ َْ ََ ّ َ‬
‫الدنْػَيا َو َش ِه ُد ُوا َعَلى أَن ُف ِس ِه ُم أَنػَّ ُه ْم َكانُوا‬
‫اغبيواةُ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لِ َق ِ‬
‫آء يَػْوم ُك ْم َىذا َقالُوا َشه ْد َان َعلى أن ُفسَنا َو َغ َّرْتػ ُه ُم َ‬
‫َ‬
‫َي آالء َرِبّ ُك َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اؼ َم َق َاـ َربّو َجنػََّتاف َفبأ ِّ‬
‫ين) األنعاـ‪ .133:‬قاؿ هللا تعاذل‪َ( :‬ول َم ْن َخ َ‬ ‫َكافر َ‬
‫تُ َك ِّذ َاب ِف) الرضبن ‪46:‬‬
‫صالح وفساد اجلن‪:‬‬
‫منهم اؼبؤمن‪ ،‬ومنهم الكافر‪ ،‬ومنهم اؼبطيع‪ ،‬ومنهم العاصي‪ ،‬وأكثرىم العصاة والفجار والكفار‪،‬‬
‫ك ُكنَّا َط َرائِ َق قِ َد ًدا ﴾ اعبن‪ ،11 :‬وقاؿ تعاذل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫قاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬وأ ََّان ِمنَّا َّ ِ ِ‬
‫الصاغبُو َف َومنَّا ُدو َف َذل َ‬ ‫َ‬
‫اسطُو َف َفمن أَسَلم َفأُوَلئِك َرب َّروا رشدا وأ ََّما الْ َق ِ‬
‫اسطُو َف َف َكانُوا‬ ‫﴿ وأ ََّان ِمنَّا الْمسلِمو َف وِمنَّا الْ َق ِ‬
‫َ َ ْ ََ ً َ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫ُْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ِعبََهن ََّم َح َطًبا ﴾ اعبن‪15 - 14 :‬‬

‫‪18‬‬
‫قرين اإلنس‪:‬‬
‫جاء ٓت صحيح مسلم عن عبد هللا بن مسعود هنع هللا يضر قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪" :‬ما منكم من أحد‬
‫إال وقد ُوّكِل بو قرينو من اعبن وقرينو من اؼببلئك ة‪ ،‬قالو‪ :‬وإايؾ اي رسوؿ هللا؟ قاؿ ‪ ":‬وإايي إال‬
‫أف هللا أعانٍت عليو فأسلم‪ ،‬فبل أيمرين إال خبَت" ‪-‬رواه مسلم ‪-‬‬
‫اجلن ال يعلمون الغيب‬
‫ب إِ َّال َّ‬
‫اَّللُ َوَما يَ ْش ُع ُرو َف أ ََّاي َف يػُْبػ َعثُو َف )‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ض اْل َغْي َ‬ ‫اقرأ قولو تعاذل (قُل ال يَػ ْعَل ُم َمن ٓت َّ َ َ‬
‫ض َأتْ ُك ُل‬ ‫ت َما َد َّؽبُْم َعَلى َمْوتِِو إِالَّ َدابَّةُ األ َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ضْيػَنا َعَلْيو اْل َمْو َ‬
‫النمل ‪ .65:‬وقولو تعاذل‪َ ( :‬فػَل َّما َق َ‬
‫ُت) سبأ‪.14:‬‬ ‫اب الْم ِه ِ‬ ‫ت ا ْعبِ ُّن أَف لَّو َكانُوا يػ ْعَلمو َف الْ َغْيب ما َلبِثُوا ِٓت الْع َذ ِ‬ ‫ِمنسأََتو َفػَل َّما خ َّر َتػبػيَّػَن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫و الذين يدعوف أهنم يعلموف الغيب ٓت اؼبستقبل كل ىذا من الكهانة وقد ثبت عن النيب صلى‬
‫هللا عليو وسلم ‪ (:‬أف من أتى عرافاً فسألو شيء دل تقبل لو صبلة أربعُت ليلة ‪).‬رواه مسلم‬
‫قدراهتم ‪ :‬اجلن وال شياطني كاإلنس فيهم جوانب قوة وجوانب ضعف‪:‬‬
‫ك)‬ ‫ِ‬ ‫جوانب قوة‪ :‬قاؿ تعاذل‪َ ( :‬ق َاؿ ِع ْف ِريت ِمن اعبِ ِن أ َََن ءاتِيك بِ ِو َقػبل أَف َتػ ُق ِ‬
‫وـ من َّم َقام َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َّ ّ َ َ ْ َ‬
‫اسَت َط ْعتُ ْم أَ ْف َتػْنػ ُف ُذوا ِم ْن‬ ‫اإلنْ ِ ِ‬
‫س إِف ْ‬ ‫النمل‪ 39:‬أي سرعة اغبركة واالنتقاؿ‪.‬و ﴿ َاي َم ْع َشر ا ْعبِ ِن و ِْ‬
‫َ َّ‬
‫اف ﴾( الرضبن اْلية‪33 :‬‬ ‫ض َفانْػ ُف ُذوا َال َتػْنػ ُف ُذو َف إِ َّال بِسلْ َط ٍ‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أَْق َطار َّ َ َ‬
‫جوانب الضعف‪:‬‬
‫ضعِي ًفا ﴾ النساء‪76 :‬‬ ‫‪ -‬ضعف كيد الشيطاف عموما ٓت قولو تعاذل ‪ِ ﴿:‬إ َّف َكي َد الشَّي َط ِ‬
‫اف َكا َف َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫‪ -‬ال سلطاف ؽبم على عباد هللا الصاغبُت‪ ،‬وأف سلطاهنم يكوف ابإلغواء واإلضبلؿ‪.‬‬
‫‪ -‬خوؼ الشيطاف من بعض عباد هللا تعاذل ولذلك قيل‪( :‬من قوي إيبانو قهر شيطانو‪)-‬‬
‫‪-‬عجزىم عن اإلتياف ابؼبعجزات وال يستطيعوف أف أيتوا دبثل ما جاء بو األنبياء والرسل‪.‬‬
‫‪ -‬ال يتمثلوف ٓت اؼبناـ ابلرسوؿ ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫‪ -‬ال يستطيع اعبن أف يتجاوزوا حدود معينة من أقطار السماوات واألرض‪.‬‬
‫العالقة بني اجلن واإلنس‪:‬‬
‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫يس َكا َف‬ ‫﴿وإِذْ قػُلَْنا للْ َم َبلئ َكة ْ‬
‫اس ُج ُدوا َْل َد َـ فَ َس َج ُدوا إال إبْل َ‬ ‫إبليس و الشياطني عدو لبين آدم ‪َ :‬‬
‫َّخ ُذونَو وذُ ِريػََّتو أَولِياء ِمن د ِوين وىم لَ ُكم ع ُدّّو بِئْ ِ ِ ِ‬ ‫ِمن ا ْعبِ ِن َفػ َفسق عن أَم ِر ربِ ِو أََفػتػت ِ‬
‫س للظَّالم َ‬
‫ُت‬ ‫َ‬ ‫َُ ّ ُ ْ َ َ ْ ُ َُْ ْ َ‬ ‫َ ّ َ َ َ ْ ْ َّ َ‬
‫بَ َدالً ﴾الكهف اْلية‪.53 :‬‬
‫حكم خدمة اجلن لإلنس؟‬
‫حترم االستعانة ابجلن ولو كانوا مسلمُت‪ .‬وسئل الدكتور وىبة الزحيلي ‪ :‬ىل هبوز االستعانة ابعبن‬
‫اؼبسلم؟ وما حكم من استعاف ابعبن اؼبسلم ػبدمة اؼبسلمُت؟ وما حكم االستعانة ابعبن بشكل عاـ؟‬
‫‪19‬‬
‫فأجاب‪ :‬وبرـ االستعانة ابعبن أايً كانوا‪ ،‬فهو مذموـ شرعاً لقولو تعاذل ٓت سورة اعبن‪َ ﴿ :‬وأَنَّوُ َكا َف ِر َج ٌاؿ‬
‫ٍ ِ ِ‬ ‫ِمن ِْ‬
‫س يَػ ُعوذُو َف بِ ِر َجاؿ م َن ا ْعب ِّن َفػ َز ُاد ُ‬
‫وى ْم َرَى ًقا ﴾ اعبن‪.6 :‬‬ ‫اإلنْ ِ‬ ‫َ‬

‫أدلة ادلانعني‪:‬‬

‫س وَق َاؿ أَْولَِي ُاؤ ُى ْم ِمن ِْ‬


‫اإلنْ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫اسَت ْكَثػ ْرُُْت م َن ْاإلنْ ِ َ‬
‫‪- 1‬وبقولو تعاذل ‪َ ﴿:‬ويَػْوَـ َْوب ُش ُرُى ْم َصب ًيعا َاي َم ْع َش َر ا ْعب ِّن َقد ْ‬
‫ين فِ َيها إِ َّال َما َش َاء َّ‬
‫اَّللُ ِإ َّف‬ ‫ِِ‬
‫َّار َمْثػَوا ُك ْم َخالد َ‬
‫ت َلَنا َق َاؿ الن ُ‬ ‫َجَلَنا الَّ ِذي أ َّ‬
‫َجْل َ‬ ‫ضَنا بَِبػ ْع ٍ‬
‫ض َوبَػَل ْغَنا أ َ‬ ‫اسَت ْمَت َع بَػ ْع ُ‬
‫َربػََّنا ْ‬
‫يم ﴾ األنعاـ‪.128 :‬‬ ‫ربَّك ح ِك ِ‬
‫يم َعل ٌ‬ ‫َ َ َ ٌ‬
‫‪ - 2‬أنو وسيلة إذل عبادهتم وتصديقهم؛ ألف ٓت اعبن من ىو كافر ومن ىو مسلم ومن ىو مبتدع‪ ،‬وال‬
‫تعرؼ أحواؽبم فبل ينبغي االعتمػاد عليهم وال يسألوف؛ وألنو وسيلة لبلعتقاد فيهم والشرؾ‪ ،‬وىو وسيلة‬
‫لطلب النفع منهم واالستعانة هبم‪ ،‬وذلك كلو من الشرؾ‪.‬‬
‫‪ - 3‬أهنم يكذبوف فقد يزعم أنو مسلم‪ ،‬وىو كذاب من أجل أف يتدجل على اإلنس فيُغلق ىذا الباب‬
‫من أصلو‪.‬‬
‫جنيا أو غَت جٍت‪.‬‬
‫‪ - 4‬االستعانة ابلغائب ال ذبوز سواء كاف ً‬
‫‪ - 5‬ىم ٓت الغالب ال ىبدموف اإلنس وال يساعدوهنم إال بعد دعائهم أو التقرب إليهم‪.‬‬
‫‪ - 6‬فيو اعتداء على حقوؽ هللا‪ ،‬وعلى حقوؽ اْلدميُت من أخذ أمواؽبم‪ ،‬والتأثَت على عقيدهتم‪ ،‬وفتح‬
‫ابب شر ؽبم‪.‬‬
‫‪ - 7‬قوؽبم‪ :‬أبنو دل يثبت من فعل النيب ملسو هيلع هللا ىلص وال صحابتو وال التابعُت وال أحد من أئمة الدين أنو استعمل‬
‫اعبن‪ ،‬ولو كاف ٓت ىذا خَت ؼبا أدخره هللا عنهم‪.‬‬
‫‪ - 8‬األصل ٓت االستعانة ابعبن اؼبنع‪.‬‬
‫ميكن للجن أن يتلبس اإلنس ‪ :‬ذكر اؼبس ٓت قولو تعاذل‪َ ( :‬ال يػ ُقومو َف إِالَّ َكما يػ ُق ِ‬
‫وـ الَّذي يَػَت َخبَّطُوُ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫س ) البقرة‪275:‬‬ ‫ِ‬
‫الشَّْي َطا ُف م َن اؼبَ ّ‬
‫ومن السنة قولو ملسو هيلع هللا ىلص ‪ (:‬إف الشيطاف هبري من ابن آدـ ؾبرى الدـ‪ ).‬البخاري و مسلم عن صفية رضي‬
‫هللا عنها‪.‬وقد جاءت أحاديث عن رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص رواىا اإلماـ أضبد والبيهقي‪ ،‬أنو أِت بصيب ؾبنوف فجعل‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص يقوؿ ‪:‬اخرج عدو هللا‪ ،‬اخرج عدو هللا) وٓت بعض ألفاظو‪ :‬اخرج عدو هللا أان رسوؿ هللا)‪ .‬فربأ‬
‫الصيب‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫إذا ابتلي االنساف ابعبن من ابب األذى واالعتداء أو من ابب التسليط ابلسحر واغبسد والعُت‪،‬‬
‫ين بِ ِو ِم َن اَ َح ٍد اِالَّ ِِإب ْذ ِف‬‫ضِ‬ ‫ِ‬
‫فإ ّف ىذا األذى وبدث أو ال وبدث إبذف هللا‪ ،‬قاؿ تعاذل‪َ( :‬وَما ُىم ب َ ّ‬
‫آر َ‬
‫ِ‬
‫هللا) البقرة‪32. :‬‬
‫فاألمر ابتالء لتمحيص اإلميان ‪ ،‬فاؼببتلى ٓت ؾباىدة مأجور عليها وهللا يعينو‪ ،‬وعليو لزوـ التقوى‬
‫انتهى‬ ‫والدعاء والتمسك ابلقرآف واألذكار‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬اليوم اآلخر‬

‫‪- 1‬طريقة القرآن يف عرض احلياة اآلخرة وإثباهتا‪:‬‬


‫منهجنا ىو التأصيل من الكتاب والسنة الصحيحة ٓت تقرير اؼبسائل العقدية‪ ،‬فنبلحظ أف ‪:‬‬
‫وؿ‬ ‫‪-‬اإلميان ابليوم اآلخر أييت عقب ذكر اإلميان ابهلل مباشرة‪ .‬قاؿ تعاذل‪َ( :‬وِم َن الن ِ‬
‫َّاس َمن يػَّ ُق ُ‬
‫ءامنَّا ِاب﵁ و ِابلْيػوِـ ِ‬
‫اْلخ ِر) البقرة‪8:‬‬ ‫َ َْ‬ ‫ََ‬
‫‪-‬تتعدد أمساء اليوم اآلخر ‪ :‬يوـ الدين‪ ،‬القارعة‪ ،‬القيامة‪...‬اخل‪.‬‬
‫‪-‬ورد يف القرآن الكرمي تذكري ابليوم اآلخر وعرض دلشاىده وتفصيل ألحداثو (اؼبوت‪ ،‬البعث‪،‬‬
‫اغبشر‪ ،‬اغبساب‪ ،‬الصراط‪ ،‬اؼبيزاف‪ ،‬الصحف‪ ،‬اعبنة‪ ،‬النار‪ ،‬وتفاصيل العذاب والنعيم‪.)...‬فهذه اْلايت‬
‫والصور كلها إثبات لليوـ اْلخر وتذكَت لئلنساف ؼبا فيها من ترغيب وترىيب‪.‬‬
‫فما ىي األدلة اليت صلدىا يف القرآن الكرمي يف إثبات اليوم اآلخر؟‬
‫إ ثبات اليوـ اْلخر ٓت القرآف الكرمي يكوف إبثبات البعث‪ ،‬والبعث ىو إحياء اؼبوتى‪ .‬ومشكلة اؼبشركُت‬
‫الذين ينكروف اليوـ اْلخر وال يؤمنوف بو ىو أىم ينكروف البعث‪ .‬قولو ‪-‬تعاذل‪(َ :-‬وَقالُوا أَإِذَا ُكنَّا ِعظَ ًاما‬
‫ض أَإِ َّان لَ ِفي َخلْ ٍق‬ ‫ِ‬
‫َوُرفَا ًات أَإِ َّان لَ َمْبػ ُعوثُو َف َخلْ ًقا َجد ًيدا)[اإلسراء‪ ( ،]49 :‬أَإِذَا َ‬
‫ضلَلَْنا ِٓت ْاأل َْر ِ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫ين َك َف ُروا َى ْل نَ ُدلُّ ُك ْم‬
‫ك َر ْج ٌع بَعي ٌد)[ؽ‪َ( ،]3 :‬وقَ َاؿ الذ َ‬ ‫َجديد)[السجدة‪( ،13 :‬أَإِذَا م ْتػَنا َوُكنَّا تػُ َر ًااب ذَل َ‬
‫اَّلل َك ِذ ًاب أ َْـ بِ ِو ِجنَّةٌ‪[)...‬سبأ‪:‬‬ ‫يد * أَْفػتػرى علَى َِّ‬
‫ََ َ‬
‫علَى رج ٍل يػنػبِئ ُكم إِذَا م ِزْقػتم ُكلَّ فبَُ َّزٍؽ إِنَّ ُكم لَ ِفي خلْ ٍق ج ِد ٍ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ َُ ُّ ْ ُ ّ ُ ْ‬
‫‪]8 ،7‬‬
‫أدلة القرآن الكرمي يف إثبات البعث واليوم اآلخر‪:‬‬
‫‪- 1‬االستدالل ابلنشأة األوىل على البعث‪ :‬فالقرآف الكرمي يعتمد على دليل اػبلق األوؿ إلثبات اػبلق‬
‫الثاين‪ ،‬ومعٌت الدليل ‪:‬أيهما أيسر اػبلق ابتداء؟ أـ إعادة اػبلق؟ هللا ال يُعجزه شيء‪ ،‬وليس شىء عليو‬
‫ابلبعيد‪ ،‬فهو ال قوي القادر الذي خلق اػبلق ‪ ،‬فكيف يصعب عليو أف يعيده؟! (َو ُىَو الَّ ِذي يَػْب َدأُ ا ْػبَلْ َق‬

‫‪21‬‬
‫ض َو ُىَو الْ َع ِز ُيز ا ْغبَ ِكي ُم)[الروـ‪،]27 :‬‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫َعَلى ٓت َّ َ َ‬
‫يدهُ و ُىو أ َْىو ُف َعَلْي ِو وَلوُ الْمَثل ْاأل ْ ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ُّتَّ يُع ُ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫(َوَقالُوا أَإِ َذا ُكنَّا ِع َظ ًاما َوُرَفا ًات أَإِ َّان َل َمْبػ ُعوثُو َف َخلْ ًقا َج ِد ًيدا * قُ ْل ُكونُوا ِح َج َارًة أَْو َح ِد ًيدا * أَْو َخلْ ًقا ِفبَّا‬
‫يد َان قُِل الَّ ِذي َف َط َرُك ْم أ ََّوَؿ َم َّرٍة‪[)...‬اإلسراء‪َ( ،]51 - 49 :‬و ُىَو الَّ ِذي‬ ‫ِ‬
‫ص ُدوِرُك ْم َف َسَيػ ُقولُو َف َم ْن يُع ُ‬
‫يَ ْكبُػ ُر ِٓت ُ‬
‫ؼ اللَّْي ِل َوالنػ ََّها ِر أََف َبل َتػ ْع ِقلُو َف * بَ ْل‬ ‫اختِ َبل ُ‬
‫يت َوَلوُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َوِإَلْيو ُْرب َش ُرو َف * َو ُىَو الَّذي ُْوبيِي َوُيب ُ‬
‫َذرأَ ُكم ِٓت ْاألَر ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫َقالُوا ِمْث َل َما َق َاؿ ْاأل ََّولُو َف * َقالُوا أَإِ َذا مْتػَنا َوُكنَّا تُػ َر ًااب َوع َظ ًاما أَإِ َّان َل َمْبػ ُعوثُو َف * َل َق ْد ُوع ْد َان َْكب ُن َو َآاب ُؤ َان َى َذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َوَم ْن فِ َيها إِ ْف ُكْنػتُ ْم َتػ ْعلَ ُمو َف * َسَيػ ُقولُو َف ِ ََِّّلل قُ ْل أََف َبل‬ ‫ِ‬
‫ُت * قُ ْل ل َم ِن ْاأل َْر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِمن َقػبل إِ ْف ى َذا إِ َّال أ ِ‬
‫َساط َُت ْاأل ََّول َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُْ َ‬
‫ث َفِإ َّان َخلَ ْقَنا ُك ْم ِم ْن‬
‫ب ِمن الْبػع ِ‬
‫َّاس إِ ْف ُكْنػتُ ْم ِٓت َريْ ٍ َ َ ْ‬ ‫َت َذ َّك ُروف)[اؼبؤمنوف‪َ ( ، ]85 - 79 :‬اي أَيػَُّها الن ُ‬
‫اب)[اغبج‪ ،]5 :‬إذل غَت ذلك من اْلايت اليت َت ْذ ُكر قدرة هللا‪ ،‬وتُ َذ ّكِر بنشأة اػبلق‪ ،‬وَتػ ُردُّ عليهم‬ ‫تُػر ٍ‬
‫َ‬
‫استبعادىم لؤلمر‪ .‬فإعادة إحياء اإلنساف بعد اؼبوت أسهل من خلقو ابتداء‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِج ِل لِلْ ُكتُ ِ‬‫ِ‬
‫ُت ﴾‬ ‫يدهُ َو ْع ًدا َعَلْيػَنا إِ َّان ُكنَّا َفاعل َ‬ ‫ب َك َما بَ َدأْ َان أ ََّوَؿ َخلْ ٍق نُع ُ‬ ‫الس َم َاء َك َط ِّي ّ ّ‬ ‫﴿يَػ ْوَـ نَطْ ِوي َّ‬
‫اإلنْ َسا ُف أ ََّان َخَل ْقَناهُ ِم ْن‬ ‫ؼ أ ُْخرج َحيِّا * أَوَال يَ ْذ ُكر ِْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت َل َسْو َ َ ُ‬ ‫اإلنْ َسا ُف أَإِ َذا َما ِم ُّ‬ ‫وؿ ِْ‬ ‫األنبياء‪َ ﴿.. 134 :‬ويَػ ُق ُ‬
‫ك َشْيػًئا ﴾ مرمي‪67 ،66 :‬‬ ‫َقػْب ُل َوَدلْ يَ ُ‬
‫ففي ىذه اْلايت يوضح سبحانو لعباده أنو يعيد إحياء اؼبوتى بعد أف ماتوا وبليت أجسامهم ٓت‬
‫األرض‪ ،‬فكما أنو أنشأىم أوؿ مرة ال يعجزه أف ينشئهم مرة أخرى‪.‬‬
‫‪- 2‬االستدالل خبلق السموات واألرض‪ :‬إف من صبلة ما خلق هللا تعاذل ما ىو أعظم من خلق الناس؛‬
‫اَّلل الَّ ِذي‬ ‫َف ََّ‬ ‫فكيف يقاؿ للذي خلق السموات واألرض‪ :‬أنت ال تستطيع أف زبلق ما دوهنا ‪ ﴿:‬أََوَدلْ يَػ َرْوا أ َّ‬
‫ض َوَدلْ يَػ ْع َي ِ َخبْل ِق ِه َّن بِ َق ِاد ٍر َعَلى أَ ْف ُْوبيِ َي اْل َمْوَتى بَػَلى إِنَّوُ َعَلى ُك ِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير ﴾‬ ‫خَلق َّ ِ‬
‫الس َم َاوات َو ْاأل َْر َ‬ ‫َ َ‬
‫َّاس َال يَػ ْعَل ُمو َف ﴾‬ ‫َّاس َوَل ِك َّن أَ ْكَثػ َر الن ِ‬ ‫ض أَ ْكَبػ ُر ِم ْن َخْل ِق الن ِ‬ ‫ات َو ْاأل َْر ِ‬‫السماو ِ‬
‫األحقاؼ‪َ ﴿.. 33 :‬ػبَْل ُق َّ َ َ‬
‫اإلنْ َسا ُف أ ََّان‬ ‫‪ - 3‬االستدالل إبخراج النار من الشجر األخضرعلى البعث ‪ٓ:‬ت قولو تعاذل ‪ ﴿ :‬أَوَدلْ يَػر ِْ‬
‫َ َ‬
‫ب َلَنا َمَث ًبل َونَ ِس َي َخْل َقوُ َق َاؿ َم ْن ُْوب ِي اْلعِ َظ َاـ َوى َي‬
‫ِ‬
‫ض َر َ‬‫ُت * َو َ‬ ‫يم ُمبِ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫َخَل ْقَناهُ م ْن نُ ْط َفة َفإ َذا ُىَو َخص ٌ‬
‫ض ِر َان ًار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخ َ‬ ‫َّج ِر ْاأل ْ‬‫يم * الَّذي َج َع َل َل ُك ْم م َن الش َ‬ ‫يم * قُ ْل ُْوبِي َيها الَّذي أَنْ َشأ ََىا أ ََّوَؿ َم َّرٍة َو ُىَو ب ُك ِّل َخْل ٍق َعل ٌ‬
‫َرم ٌ‬
‫َفِإ َذا أَنْػتُ ْم ِمْنوُ تُوقِ ُدو َف ﴾ يس‪83 - 77 :‬‬
‫‪ - 4‬االستدالل إبحياء األرض ادليتة وإنبات النبات‪ :‬فهذه األرض تكوف ميتة ىامدة فينزؿ هللا عليها‬
‫ب‬
‫َّات َو َح َّ‬‫السما ِء ماء مبارًكا فَأَنػْبػْتػنا بِ ِو جن ٍ‬ ‫ِ‬
‫اؼباء فتصبح ـبضرة انضرة ابلزرع والنبات‪َ( ، :‬ونػَ َّزلَْنا م َن َّ َ َ ً َُ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ا ْغب ِ ِ‬
‫وج)[ؽ‪- 9 :‬‬ ‫ك ا ْػبُُر ُ‬ ‫َحَيػْيػَنا بِو بَػلْ َدةً َمْيػًتا َك َذل َ‬
‫َّخ َل َابس َقات َؽبَا طَلْ ٌع نَضي ٌد * ِرْزقًا للْعَباد َوأ ْ‬ ‫صيد * َوالن ْ‬ ‫َ‬
‫‪ .]11‬فإحياء األرض اؼبيتة اليابسة ابؼباء وإخراج أنواع النبااتت دليل حي على إمكانية البعث‪ .‬قاؿ‬
‫ِ‬ ‫ك َتػرى ا َالر َ ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َحَيا َىا َل ُم ْحِيي‬ ‫ت ِإ َّف الَّذي أ ْ‬ ‫ت َوَربَ ْ‬ ‫اؼبآء ْاىَتػ َّز ْ‬
‫َنزْلَنا َعَلْيػ َها َ‬‫ض َخاش َع ًة َفإ َذآ أ َ‬ ‫تعاذل‪َ( :‬وم َن اََايتو أَنَّ َ َ ْ‬
‫ت ِم َن ا ْغبَ ِّي َو ُْوب ِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫اْل َموَتى ِإنَّوُ َعَلى ُك ِّل َش ْيء َقد ٌير) فصلت‪.39:‬و ﴿ ُْىب ِر ُج ا ْغبَ َّي م َن اْل َمِيّت َو ُْىب ِر ُج اْل َمِيّ َ‬
‫ض بَػ ْع َد‬ ‫ت َِّ‬ ‫ك ُْزبرجو َف﴾ الروـ‪َ ﴿ .19 :‬فانْظُر إِ َذل آ ََث ِر ر ْضب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ُْوب ِي ْاأل َْر َ‬ ‫اَّلل َكْي َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫ض بَػ ْع َد َمْوهتَا َوَك َذل َ َ ُ‬ ‫ْاأل َْر َ‬
‫‪22‬‬
‫َّاس إِ ْف‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َل ُم ْح ِي الْ َمْوَتى َو ُىَو َعَلى ُك ِّل َش ْيء َقد ٌير ﴾ الروـ‪ ،53 :‬قاؿ تعاذل ‪َ ﴿:‬ايأَيػَُّها الن ُ‬ ‫َمْوهتَا إِ َّف َذل َ‬
‫ض َغ ٍة َُـبلََّق ٍة َو َغ َِْت َُـبلََّق ٍة‬
‫اب ُّتَّ ِم ْن نُطْ َف ٍة ُّتَّ ِم ْن َعَل َق ٍة ُّتَّ ِم ْن ُم ْ‬‫ث َفِإ َّان َخَل ْقَنا ُكم ِمن تُػر ٍ‬
‫ْ ْ َ‬
‫ب ِمن الْبػع ِ‬
‫ُكْنػتُ ْم ِٓت َريْ ٍ َ َ ْ‬
‫َش َّد ُك ْم َوِمْن ُك ْم َم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َج ٍل ُم َس ِّمى ُّتَّ ُْلب ِر ُج ُك ْم ط ْف ًبل ُّتَّ لَتػْبػلُغُوا أ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُت َل ُك ْم َونُق ُّر ِٓت ْاأل َْر َحاـ َما نَ َشاءُ إ َذل أ َ‬ ‫لنُػَبػِّ َ‬
‫ِ‬
‫ض َى ِام َد ًة َفِإ َذا أَنْػ َزلَْنا َعَلْيػ َها‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يػَُتػَو َّْت َومْن ُك ْم َم ْن يػَُردُّ ِإ َذل أ َْرَذؿ الْ ُع ُم ِر ل َكْي َبل يَػ ْعَل َم م ْن بَػ ْعد علْ ٍم َشْيػًئا َوَتػ َرى ْاأل َْر َ‬
‫اَّلل ُىَو ا ْغبَ ُّق َوأَنَّوُ ُْوب ِي الْ َمْوَتى َوأَنَّوُ َعَلى ُك ِّل‬ ‫ك ِأب َّ‬ ‫الْماء اىتػ َّزت وربت وأَنْػبػتت ِمن ُك ِل زو ٍج هبِ ٍ ِ‬
‫َف ََّ‬ ‫يج * َذل َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ََ ْ َ َ َ ْ ْ ّ َْ َ‬
‫َش ْي ٍء َق ِد ٌير ﴾ اغبج‪.7- 5 :‬‬
‫‪- 5‬االستدالل إبحياء بعض األموات يف الدنيا‪ :‬إخبار هللا تعاذل دبا وقع من البعث اغبسي اؼبشاىد ٓت‬
‫بل على البعث ٓت يوـ القيامة‪.‬‬ ‫اغبياة الدنيا‪ :‬ليكوف إحياء هللا للموتى ٓت الدنيا دلي ً‬
‫وش َها َق َاؿ أَ ََّّن ُْوبيِي َى ِذِه‬
‫‪-‬قصة عزيز اؼبار على القرية ‪ ﴿:‬أَو َكالَّ ِذي م َّر عَلى َقػري ٍة وِىي خا ِويةٌ عَلى عر ِ‬
‫َ َ َْ َ َ َ َ َ ُ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اَّلل بػعد موِهتَا َفأَماَتو َّ ِ‬
‫ت ماَئ َة‬ ‫ض يَػْوـ َق َاؿ بَ ْل َلبِْث َ‬ ‫ت َق َاؿ َلبِْث ُ‬
‫ت يَػْوًما أَْو بَػ ْع َ‬ ‫اَّللُ ماَئ َة َع ٍاـ ُّتَّ بَػ َعَثوُ َق َاؿ َك ْم َلبِْث َ‬ ‫َُّ َ ْ َ َ ْ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ك آيَ ًة لِلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫َّاس َوانْظُْر إِ َذل اْلع َظ ِاـ َكْي َ‬ ‫ك َدلْ يَػَت َسن َّْو َوانْظُْر إِ َذل َ‬
‫ضبا ِرَؾ َولَن ْج َعَل َ‬ ‫ك َو َش َاربِ َ‬ ‫َع ٍاـ َفانْظُْر إِ َذل َط َعام َ‬
‫اَّلل َعَلى ُك ِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير ﴾ البقرة‪.259 :‬‬ ‫َف ََّ‬‫ُت َلوُ َق َاؿ أ َْعَل ُم أ َّ‬ ‫وىا َغبْ ًما َفػَل َّما َتػَبػ َّ َ‬
‫ِ‬
‫نػُْنش ُزَىا ُّتَّ نَ ْك ُس َ‬
‫‪-‬و منها موت بٍت إسرائيل الذين تنطعوا ٓت إيباهنم‪ ،‬واشًتطوا لذلك أف يروا رهبم؛ فأخذهتم الصاعقة‪ّ ،‬ت‬
‫الص ِ‬
‫اع َقةُ َوأَنْػتُ ْم‬ ‫َخ َذْت ُك ُم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َج ْه َرًة َفأ َ‬
‫ك َح َّىت نَػ َرى ََّ‬ ‫وسى َل ْن نػُْؤم َن َل َ‬ ‫بعثهم هللا لَتيهم قدرتو ‪َ ﴿:‬وإ ْذ قُػلْتُ ْم َاي ُم َ‬
‫َتػْنظُ ُرو َف * ُّتَّ بَػ َعْثػَنا ُك ْم ِم ْن بَػ ْع ِد َمْوتِ ُك ْم َل َعلَّ ُك ْم َت ْش ُك ُرو َف ﴾ البقرة‪.56 ،55 :‬‬
‫وغَتىا من اْلايت اليت ربكي اؼبشاىدة اغبسية إلحياء ىؤالء األموات كقتيل بٍت إسرائيل‪ ،‬وإحياء الذين‬
‫َّاس َوَل ِك َّن أَ ْكَثػ َر‬
‫ض ٍل َعَلى الن ِ‬ ‫َحي ُ ِ‬
‫اى ْم إ َّف ََّ‬
‫اَّلل َل ُذو َف ْ‬ ‫اَّللُ ُموتُوا ُّتَّ أ ْ َ‬
‫خرجوا من دايرىم حذر اؼبوت ﴿ َفػ َق َاؿ َؽبُُم َّ‬
‫َّاس َال يَ ْش ُك ُرو َف ﴾ البقرة‪243 :‬‬ ‫الن ِ‬
‫‪ - 6‬االستدالل حبصول اليقظة بعد النوم‪ :‬فالنوـ موتة صغرى واالستيقاظ شبيو ابإلحياء بعد اؼبوت‬
‫وكبن كل يوـ مبوت موتة صغرى ونبعث‪ .‬قاؿ تعاذل‪َ( :‬و ُىَو الَّ ِذي يَػَتػَوفَّا ُكم ِابلَّْي ِل َويَػ ْعَل ُم َما َج َر ْحتُم ِابلنَّها ٍر‬
‫‪.‬‬ ‫ُّتَّ يَػْبػ َعثُ ُكم) األنعاـ‪63:‬‬
‫مستخفيا هبا‪،‬‬
‫ً‬ ‫صح أف رسوؿ هللا ‪-‬ملسو هلآو هيلع هللا ىلص ‪ -‬اندى بو ٓت قومو حُت أُِمر أف يصدع بدعوة اغبق بعد أف كاف‬
‫ُب دبا تعملوف)‪.‬الكامل ٓت ا لتاريخ ‪،‬‬ ‫حاس ُ َّ‬
‫فقاؿ‪( :‬وهللا لَتموتُ َّن كما تناموف‪ ،‬ولَتُبعثُ َّن كما تستيقظوف‪ ،‬ولَتُ َ‬
‫ُت‬ ‫األنػْفُ ِ‬ ‫ج‪ ،2‬ص‪ ، 41- 43‬ىذا قريب فبا جاء بو القرآف الكرمي ٓت قولو ‪-‬تعاذل ‪َّ َّ ( :-‬‬
‫سحَ‬ ‫اَّللُ يَػَتػَوْت ْ َ َ‬
‫َج ٍل ُم َس ِّمى إِ َّف ِٓت‬ ‫ت ويػرِسل ْاأل ْ ِ‬ ‫ك الَِّيت قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ِٓت َمَنام َها َفػيُ ْمس ُ‬
‫ِ‬
‫َمْوهتَا َوالَِّيت َدلْ َسبُ ْ‬
‫ُخ َرى إ َذل أ َ‬ ‫ضى َعلَْيػ َها الْ َمْو َ َ ُْ ُ‬
‫ك َْل َاي ٍت لِ َقْوٍـ يَػَتػ َف َّك ُرو َف)[الزمر‪.]42 :‬‬ ‫ذَل َ‬
‫ِ‬
‫‪ - 7‬االستدالل أبن حكمة هللا تعاىل وعدلو يقتضيان وجود البعث ؛ فا﵁ عز وجل دل ىبلق الناس عبثا‪.‬‬
‫فبلبد من الرجوع إذل هللا تعاذل للحساب و اعبزاء ‪.‬قاؿ تعاذل‪ ﴿ :‬أَفَ َح ِسْبػتُ ْم أ ََّمبَا َخلَ ْقَنا ُك ْم َعَبػًثا َوأَنَّ ُك ْم إِلَْيػَنا‬

‫‪23‬‬
‫اإلنْ َسا ُف أَ ْف يػُْتػ َرَؾ ُس ًدى ﴾ القيامة‪ .36 :‬وٓت آية َثلثة‪َ( :‬وَما‬ ‫َوبسب ِْ‬
‫َال تُػ ْر َج ُعو َف ﴾ اؼبؤمنوف‪﴿ ،115 :‬أ َْ َ ُ‬
‫َّخ َذ َؽبًْوا َال ََّزب ْذ َانهُ ِم ْن َل ُد َّان ِإ ْف ُكنَّا‬
‫السماء و ْاألَرض وما بػيػنػهما َال ِعبُِت * َلو أَرد َان أَ ْف نَػت ِ‬
‫َ ْ َْ‬ ‫َخَل ْقَنا َّ َ َ َ ْ َ َ َ َْ َ ُ َ‬
‫ت َو ُى ْم‬ ‫س ِدبَا َك َسَب ْ‬ ‫ض ِاب ْغبَِّق َولِتُ ْج َزى ُك ُّل نَػ ْف ٍ‬ ‫اَّلل َّ ِ‬
‫الس َم َاوات َو ْاأل َْر َ‬ ‫ُت)[األنبياء‪َ( ،]17 ،16 :‬و َخَل َق َُّ‬
‫ِِ‬
‫َفاعل َ‬
‫ِ‬ ‫َال يُظَْل ُمو َف)[اعباثية‪َ( .]22 :‬وَقالُوا َما ِى َي ِإ َّال َحَياتُػَنا ُّ‬
‫وت َوَْكبَيا َوَما يػُْهل ُكَنا ِإ َّال الد ْ‬
‫َّى ُر َوَما َؽبُْم‬ ‫الدنْػَيا َمبُ ُ‬
‫ك ِم ْن ِعلْ ٍم إِ ْف ُى ْم إِ َّال يَظُنُّو َف)[اعباثية‪.]24 :‬‬ ‫ِ‬
‫بِ َذل َ‬
‫مسالك القرآن الكرمي يف معاجلتو لقضية البعث‪:‬‬
‫القرآف الكرمي ٓت معاعبتو لقضية البعث واعبزاء‪ ،‬يعرض ثبلثة مسالك ‪:‬‬
‫ادلسلك األول‪ :‬عرض الشبهة مث الرد عليها‪ :‬مثالو من سورة ؽ‪ :‬قاؿ تعاذل ‪ (:‬ؽ واْل ُقر ِ‬
‫آف‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬
‫يب )‪ (2‬أَإِذَا مْتػنَا َوُكنَّا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الْ َمجيد )‪ (1‬بَ ْل َعجبُوا أَ ْف َج َاء ُى ْم ُمنْذ ٌر مْنػ ُه ْم َفػ َق َاؿ الْ َكاف ُرو َف َى َذا َش ْيءٌ َعج ٌ‬
‫ظ )‪ (4‬بَ ْل َك َّذبُوا‬ ‫اب َح ِفي ٌ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض مْنػ ُه ْم َوعنْ َد َان كتَ ٌ‬
‫تػُرااب ذَلِك رجع بعِي ٌد )‪(3‬قَ ْد علِمنا ما َتػْنػقُص ْاألَر ِ‬
‫ُ ْ ُ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ًَ َ َْ ٌ َ‬
‫َّاىا َوَما َؽبَا‬ ‫يج )‪ (5‬أََفػَلم يػْنظُروا إِ َذل َّ ِ‬ ‫ِاب ْغبَِّق َل َّما َج َاء ُى ْم َفػ ُه ْم ِٓت أ َْم ٍر َم ِر ٍ‬
‫ف بَػَنػْيػَن َاىا َوَزيػَّن َ‬
‫الس َماء َفػْوَقػ ُه ْم َكْي َ‬ ‫َْ ُ‬
‫يج )‪َ (7‬تػب ِ‬
‫ص َرًة‬ ‫ْ‬ ‫ض َم َد ْد َان َىا َوأَْل َق ْيػَنا فِ َيها َرَو ِاس َي َوأَنْػَبػْتػَنا فِ َيها ِم ْن ُك ِّل َزْو ٍج َهبِ ٍ‬ ‫وج )‪َ (6‬و ْاأل َْر َ‬ ‫ِم ْن فُػ ُر ٍ‬
‫ب‬‫َّات َو َح َّ‬ ‫السم ِاء ماء مبارًكا َفأَنْػبػْتػنا ِب ِو جن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫و ِذ ْكرى لِ ُك ِل َعْب ٍد ُمنِ ٍ‬
‫يب )‪َ (8‬ونَػ َّزْلَنا م َن َّ َ َ ً َُ َ َ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْغب ِ‬
‫ك‬ ‫َحَيػْيػَنا ِبو بَػْل َد ًة َمْيػًتا َك َذل َ‬‫َّخ َل َابس َقات َؽبَا َطْل ٌع نَضي ٌد )‪ِ (10‬رْزًقا لْلعَباد َوأ ْ‬ ‫صيد )‪َ (9‬والن ْ‬ ‫َ‬
‫وج[ } ؽ‪ .11 - 1 :‬من ‪1‬إذل ‪ 3‬عرض الشبهة ‪.‬من ‪4‬إذل ‪11‬الرد ٓت عدد من األدلة العقلية‬ ‫ا ْػبُُر ُ‬
‫واغبسية اؼبشاىدة‪ ،‬اليت زباطب العقل وتستثَت الوجداف‪.‬‬
‫ادلسلك الثاين‪ :‬تقدمي الدليل‪ ،‬مث إيراد القضية بعد استقامتو ووضوحو‪:‬‬
‫ُت* ُّتَّ َج َعلْنَاهُ نُطْ َفةً‬ ‫مثالو ‪:‬يقوؿ هللا تعاذل من سورة اؼبؤمنوف‪( :‬ولَ َق ْد َخلَ ْقنَا اإلنساف ِمن سبللة ِّمن ِط ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ضغَةَ عظَاماً فَ َك َسْو َان الْعظَ َاـ‬ ‫ِ‬ ‫ضغَةً فَ َخلَ ْقنَا الْ ُم ْ‬ ‫ٓت َقػ ار ٍر مَّ ِك ٍ‬
‫ُت* ُّتَّ َخلَ ْقنَا النُّطْ َفةَ َعلَ َقةً فَ َخلَ ْقنَا الْ َعلَ َقةَ ُم ْ‬ ‫َ‬
‫ك لَ َميِّتُو َف* ُّتَّ إِنَّ ُك ْم يَػْوَـ‬ ‫ِ‬
‫َح َس ُن اػبالقُت* ُّتَّ إِنَّ ُك ْم بَػ ْع َد ذل َ‬ ‫اَّللُ أ ْ‬ ‫َنشأْ َانهُ َخلْقاً َ‬
‫آخ َر َفػَتػَب َارَؾ َّ‬ ‫َغبْماً ُّتَّ أ َ‬
‫الْ ِقَي َام ِة تػُْبػ َعثُو َف‪ ).‬اؼبؤمنوف ‪16 - 12‬‬
‫ادلسلك الثالث‪ :‬ىو إخبار هللا تعاىل بوقوع البعث من غري أن يذكر الدليل‬
‫مثالو‪ :‬إ قسام ادلنكرين أبن هللا ال يبعث من ميوت و إقسام هللا حبدوث البعث ‪.‬يقوؿ تعاذل ٓت‬
‫وت ۚ بَػلَ َٰى َو ْع ًد ا َعلَْي ِو َحقِّ ا َوَٰلَ ِك َّن أَ ْكَثػ َر‬
‫اَّللُ َمن َيبُ ُ‬
‫ث َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫سورة النحل‪َ (:‬وأَقْ َس ُموا ِاب ََّّلل َج ْه َد أَْيبَاهن ْم ۙ َال يَػْبػ َع ُ‬
‫َّاس َال يَػ ْعلَ ُمو َف )‪.‬النحل ‪38:‬‬ ‫الن ِ‬
‫َّ ِ‬
‫و مثالو‪ :‬نفيهم رليء الساعة وزعمهم عدم وقوع البعث‪.‬يقوؿ تعاذل من سورة سبأ‪َ(.‬وَق َاؿ الذ َ‬
‫ين‬
‫السماو ِ‬
‫ات‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫اعةُ ۖ قُل بَػلَ َٰى ورِّيب لََتأْتَِيػنَّ ُك ْم َع ِادل الْ َغْي ِ‬ ‫َك َف ُروا َال َأتْتِ َينا َّ‬
‫ب َعْنوُ مْثػ َق ُاؿ َذ َّرة ٓت َّ َ َ‬ ‫ب ۖ َال يَػ ْع ُز ُ‬ ‫الس َ ْ َ َ‬
‫اب ُّمبِ ٍُت ‪).‬سبأ‪ . 3 :‬و من سورة التغابن‬ ‫ك وَال أَ ْكبػر إِ َّال ِٓت كَِت ٍ‬ ‫ض وَال أ ِ َٰ ِ‬
‫َوَال ِٓت ْاأل َْر ِ َ ْ‬
‫َص َغ ُر من َذل َ َ َ ُ‬

‫‪24‬‬
‫ۚ ِ‬ ‫ۚ‬ ‫َّ ِ‬
‫ك‬ ‫ين َك َف ُروا أَ ْف َل ْن يػُْبػ َعثُوا ۚ قُ ْل بَػَل َٰى َوَرِّيب َلتُػْبػ َعثُ َّن ُّتَّ َلتُػَنػبَّػ ُؤ َّف ِدبَا َع ِمْلتُ ْم ۚ َو ََٰذل َ‬
‫( َزَع َم الذ َ‬
‫اَّلل يَ ِس ٌَت ﴿‪ ﴾٧‬التغابن ‪7:‬‬ ‫عَلى َِّ‬
‫َ‬
‫الصوِر َفِإ َذا ُى ْم ِم َن‬‫و مثالو ‪ :‬اإلخبار بقيامهم من قبورىم‪:‬يقوؿ تعاذل من سورة يس (َونُِف َخ ِٓت ُّ‬
‫ص َد َؽ‬
‫ضب ُن َو َ‬ ‫اث ِإ َذل َرّهبِِ ْم يَػْن ِسلُو َف * َقالُوا َاي َويْػَلَنا َم ْن بَػ َعَثػَنا ِم ْن َم ْرَق ِد َان َى َذا َما َو َع َد َّ‬
‫الر َْ‬
‫ْاألَجد ِ‬
‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س َشْيػًئا‬ ‫ض ُرو َف * َفاْلَيػْوَـ َال تُ ْظَل ُم نَػ ْف ٌ‬ ‫يع َل َديْػَنا ُْؿب َ‬ ‫صْي َح ًة َواح َد ًة َفِإ َذا ُى ْم َصب ٌ‬ ‫ت إ َّال َ‬
‫اْلمرسلُو َف * إِ ْف َكانَ ْ ِ‬
‫َُْ‬
‫َوَال ُْذب َزْو َف إِ َّال َما ُكْنػتُ ْم َتػ ْع َملُو َف)‪ .‬يس‪54 – 51 :‬‬
‫وقد ركز القرآف الكرمي ٓت اال ستدالؿ على اليوـ اْلخر من خبلؿ إثبات البعث على ثبلثة‬
‫صفات ‪:‬‬
‫‪ )1‬تقرير كماؿ العلم ﵁ تعاذل ‪.‬‬
‫‪ )2‬تقرير كماؿ القدرة ﵁ تعاذل ‪.‬‬
‫‪ )3‬تقرير كماؿ اغبكمة ﵁ تعاذل‪..‬انتهى‬

‫‪ - 2‬مسؤولية اإلنسان العظمى واحلياة اآلخرة‪:‬‬


‫تعريف ادلسؤولية‪:‬‬
‫عرفها عبد هللا دراز بقولو‪" :‬اؼبسؤولية ىي كوف الفرد مكلفاً أبف يقوـ ببعض األشياء وأبف يقدـ عنها‬
‫حساابً إذل غَته‪ ".‬وعرفها أضبد بن عبد العزيز "أبهنا أىلية الشخص أف يكوف مطالباً شرعاً ابمتثاؿ‬
‫اؼبأمورات‪ ،‬واجتناب اؼبنهيات‪ ،‬وؿباسباً عليها‪".‬‬
‫إ ذا أردان أف نتعرؼ على اؼبعٌت اعبامع لل مسؤولية هبدران أف نضع جبوارىا الكلمات القرآنية اليت تتطابق‬
‫معها‪ ،‬وىذه الكلمات ىي اخلالفة والتكليف واألمانة‪.‬‬
‫ونورد اْلف فيما يلي تفسَت ىذه الكلمات من كتب التفاسَت حىت يتضح لنا اؼبعٌت‪:‬‬
‫َذب َع ُل فِ َيها َم ْن يػُْف ِس ُد فِ َيها‬
‫ض َخلِي َفةً قَالُوا أ َْ‬ ‫اع ٌل ِٓت ْ َ‬
‫األ ْر ِ‬ ‫‪1‬قاؿ تعاذل ‪ ﴿:‬وإِذْ قَ َاؿ ربُّك لِلْم َبلئِ َك ِة إِِين ج ِ‬
‫ّ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ك قَ َاؿ إِِ ّين أ َْعلَ ُم َما َال َتػ ْعلَ ُمو َف ﴾البقرة‪ ، 33 :‬أي إين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ويس ِفك ِ‬
‫س لَ َ‬ ‫الد َم َاء َوَْكب ُن نُ َسبّ ُح َحب ْمد َؾ َونػَُق ّد ُ‬
‫ََ ْ ُ ّ‬
‫جاعل (أقواماً ىبلف بعضهم بعضاً)‪.‬‬
‫ِ‬
‫ت ﴾ البقرة‪ .‬آية‬ ‫ت َو َعلَْيػ َها َما ا ْكَت َسَب ْ‬ ‫اَّللُ نػَ ْف ًسا إِ َّال ُو ْس َع َها َؽبَا َما َك َسَب ْ‬
‫ف َّ‬ ‫‪ 2‬وقاؿ تعاذل ‪َ ﴿:‬ال يُ َكلّ ُ‬
‫‪ٓ .286‬ت اْلية نص على تكليف العباد ابألوامر واألعماؿ اليت ٓت وسع اؼبكلف‪ ،‬وٓت مقتضى إدراكو‪،‬‬
‫فللنفس ما كسبت من خَت‪ ،‬وعليها ما اكتسبت من شر‪.‬‬
‫ُت أَ ْف َْوب ِملَْنػ َها َوأَ ْش َف ْق َن ِمْنػ َها‬ ‫ات و ْاألَر ِ ِ ِ‬
‫ض َوا ْعبَباؿ فَأَبَػ ْ َ‬
‫ضنا ْاألَمانَةَ علَى َّ ِ‬
‫الس َم َاو َ ْ‬ ‫‪ 3‬وقاؿ تعاذل‪ ﴿:‬إِ َّان َع َر ْ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ضبلَ َها ِْ‬
‫اإلنْ َسا ُف إنَّوُ َكا َف ظَلُ ً‬
‫وما َج ُه ًوال ﴾األحزاب‪ .‬آية ‪.72‬‬ ‫َو ََ‬

‫‪25‬‬
‫ذكر ابن كثَت ٓت تفسَت األمانة عدة أقواؿ‪ ،‬تدور كلها على الفرائ ض والطاعات‪ّ ،‬ت قاؿ "وكل ىذا‬
‫األقواؿ ال تنآت بينها‪ ،‬بل ىي راجحة إذل أهنا التكليف وقبوؿ األوامر والنواىي بشرطها‪ ،‬وىو أنو إذا قاـ‬
‫بذلك أثيب‪ ،‬وإف تركها عوقب‪ ،‬فقبلها اإلنساف على ضعفو وجهلو وظلمو إال من وفقو هللا‪".‬‬
‫ضَنا ْاأل ََمانَ َة ﴾ يقوؿ‪" :‬وردت كلمة األمانة‬
‫قوؿ العقاد ٓت بياف اؼبراد ابألمانة ٓت قولو تعاذل ‪َ ﴿:‬ع َر ْ‬
‫واألماانت ٓت طبسة مواضع من القرآف الكرمي وكلها ابؼبعٌت الذي يفيد التبعة والعهد واؼبسؤولية‪".‬‬
‫إذف اؼبسؤولية ٓت معناىا اعبامع الشامل تعٍت"‪ :‬االستعداد الفطري الذي جبل هللا تعاذل عليو اإلنساف‬
‫ليصلح للقياـ برعاية ما كلفو بو من أمور تتعلق بدينو ودنياه‪ ،‬فإف وْت ما عليو من الرعاية حصل لو‬
‫الثواب‪ ،‬وإف فرط فيها حصل لو العقاب‪".‬‬
‫أىداف ادلسؤولية اليت كلفها هللا تعاىل عباده‪:‬‬
‫اإلنْس إِ َّال لِيػعب ُد ِ‬
‫وف ﴾ سورة الذارايت‪:‬‬ ‫‪ 1‬حتقيق العبودية‪ :‬انطبلقاً من قولو تعاذل ‪ ﴿:‬وَما َخلَ ْق ُ ِ ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ت ا ْعب َّن َو ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪ . 56‬فاؽبدؼ األساسي لوجود اإلنساف ٓت الكوف ىو عبادة هللا‪ ،‬واػبضوع لو‪ ،‬وتعمَت الكوف؛ بوصفو‬
‫خليفة هللا ٓت أرضو‪.‬‬
‫وحقيقة العبودية ىي التوحيد‪ ،‬أبف يكوف العمل خالصاً ﵁ تعاذل دوف سواه‪ ،‬فقد دعا كل رسوؿ أمتو‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إذل عبادة هللا وحده‪ ،‬واجتناب ما سواه‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪َ ﴿:‬ولَ َق ْد بَػ َعْثػنَا ٓت ُك ِّل أُمَّة َر ُس ًوال أَف اُ ْعبُ ُدوا ََّ‬
‫اَّلل‬
‫ف‬‫ض فَانْظُ ُروا َكْي َ‬ ‫ت َعلَْي ِو الض ََّبللَةُ فَ ِس َُتوا ِٓت ْاأل َْر ِ‬ ‫واجتنِبوا الطَّاغُوت فَ ِمْنػهم من ىدى َّ ِ‬
‫اَّللُ َومْنػ ُه ْم َم ْن َحقَّ ْ‬ ‫َ ُْ َْ ََ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َكا َف َعاقَبةُ الْ ُم َك ّذبِ َ‬
‫ُت ﴾‪.‬ا لنحل‪.36 :‬‬
‫والعبودية ﵁ تعاذل ال تقتصر على ؾبرد أداء شعائر ومناسك معينة‪ :‬كالصبلة‪ ،‬والصياـ‪ ،‬واغبج – مثبلً‬
‫– وإمبا ىي اسم جامع لكل ما وببو هللا ويرضاه من األقواؿ واألعماؿ الظاىرة والباطنة‪.‬‬
‫‪-‬فمظاىر العبادة‪:‬وتشمل‪1:‬ادلظهر الديين وموضوعو ‪:‬عبلقة اؼبسلم ابػبالق ‪2.‬ادلظهر االجتماعي‬
‫وموضوعو ‪ :‬عبلقة اؼبسلم ابألفراد واعبماعات ‪3.‬وأما ادلظهر الكوين ‪ :‬فموضوعو عبلقة اؼبسلم ابلكوف‬
‫ا﵀يط ‪.‬‬
‫‪2‬مرضاة هللا تعاىل‪:‬‬
‫يتخذ اؼبسلم ٓت قياـ اؼبسؤوليات اؼبختلفة مرضاة هللا تعاذل ىدفاً لو مقتدايً بنيب هللا سليماف عليو السبلـ‬
‫حُت دعا ربو أف يناؿ على عملو الصاحل رضاه‪ ،‬كما حكى القرآف الكرمي ٓت قولو تعاذل ‪َ ﴿:‬فػَتػَب َّس َم‬
‫ي وأَ ْف أَعمل ص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اغبًا‬ ‫ت َعلَ َّي َو َعلَى َوال َد َّ َ ْ َ َ َ‬‫ك الَِّيت أَنػْ َع ْم َ‬
‫ب أَْوِزْعٍِت أَ ْف أَ ْش ُك َر ن ْع َمَت َ‬
‫ضاح ًكا م ْن َقػْوؽبَا َوَق َاؿ َر ّ‬
‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َتػرضاه وأَد ِخلٍِْت بِر ْ ِ‬
‫ُت ﴾ النمل‪ ، .19 :‬ويستنهض ىذا اؽبدؼ ٓت اؼبسؤولية نبة‬ ‫ك ِٓت عَباد َؾ الصَّاغب َ‬ ‫ضبت َ‬ ‫ََ‬ ‫ََُْ ْ‬
‫اإلنساف إلتباع منهج هللا ٓت اغبياة الدنيا‪ ،‬والتنعم هبدايتو الذين ال سبيل إليهما إال ابلتزاـ أمر هللا‪ ،‬قاؿ‬
‫الس َبلِـ َو ُْىب ِر ُج ُه ْم ِم َن‬ ‫ُت * يَػ ْه ِدي بِ ِو َّ‬
‫اَّللُ َم ِن اتػََّب َع ِر ْ‬
‫ضَوانَوُ ُسبُ َل َّ‬ ‫اب ُمبِ ٌ‬
‫اَّلل نُ ِ‬
‫ور َوكَت ٌ‬
‫ِ ِ‬
‫تعاذل ‪َ ﴿:‬ق ْد َج َاء ُك ْم م َن َّ ٌ‬
‫اط ُم ْسَت ِقي ٍم ﴾‪ .‬اؼبائدة‪.16 - 15 :‬‬ ‫ات إِ َذل النُّوِر ِإبِذْنِِو ويػه ِدي ِهم إِ َذل ِصر ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َْ ْ‬
‫الظُّلُم ِ‬
‫َ‬
‫‪26‬‬
‫ويناؿ اؼبسلم بتحقيق ىذا اؽبدؼ ٓت عملو األجر العظيم الذي ىو دليل على أنو مقياس ٓت خَتية‬
‫ٍ‬ ‫األعماؿ‪ ،‬قاؿ تعاذل ‪َ ﴿:‬ال خيػر ِٓت َكثِ ٍَت ِمن َْقبواىم إِ َّال من أَمر بِ ٍ‬
‫ُت الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ص َد َقة أَْو َم ْع ُروؼ أَْو ِإ ْ‬
‫ص َبل ٍح بَػ ْ َ‬ ‫ْ َ ُ ْ َ ْ ََ َ‬ ‫َ َْ‬
‫َج ًار َع ِظ ًيما ﴾‪ .‬النساء‪.114 :‬‬ ‫اَّلل َفسو َ ِ ِ‬
‫ؼ نػُْؤتيو أ ْ‬
‫ومن يػ ْفعل َذلِك ابتِغاء مر ِ ِ‬
‫ضاة َّ َ ْ‬ ‫ََ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َْ َ‬
‫ووبصل بو العامل على درجة عالية عند هللا تعاذل‪ ،‬ال يصل إليها من ابء بسخطو سبحانو وتعاذل‪ ،‬قاؿ‬
‫ات ِعْن َد‬‫ص َُت * ُى ْم َد َر َج ٌ‬ ‫اَّلل وم ْأواه جهنَّم وِبْئس الْم ِ‬ ‫ِ ٍ ِ ِ‬
‫اَّلل َك َم ْن َاب َء ب َس َخط م َن َّ َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ َ‬
‫ضوا َف َِّ‬ ‫ِ‬
‫تعاذل ‪ ﴿:‬أََف َم ِن اتَّػَب َع ر ْ َ‬
‫ص ٌَت ِدبَا يَػ ْع َملُو َف ﴾‪ .‬آؿ عمراف‪.163 - 162 :‬‬ ‫اَّلل ب ِ‬ ‫َِّ‬
‫اَّلل َو َُّ َ‬
‫ىل وردت مسؤولية اإلنسان يف القرآن؟‬
‫جاء ذكر مسؤولية اإلنسان ٓت قولو تعاذل‪ ( :‬يَػْوَـ َت ْش َه ُد َعَل ْي ِه ْم أَْل ِسَنػتُػ ُه ْم َوأَيْ ِدي ِه ْم َوأ َْر ُجلُ ُهم ِدبَا َكانُوا‬
‫يَػ ْع َملُو َف ) النور‪.24:‬‬
‫جاءت الشريعة حبفظ اجلوارح ‪:‬من خبلؿ األوامر والنواىي اإلؽبية ‪ :‬إفعل كذا ال تفعل كذا‪ .‬لقولو تعاذل‬
‫ِِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ُت )‬ ‫صبِ ُحوا َعلَ َٰى َما َفػ َعلْتُ ْم َاندم َ‬ ‫ين َآمنُوا إِف َج َاء ُك ْم فَاس ٌق بَِنػَبٍإ َفػَتػَبػيػَّنُوا أَف تُصيبُوا َقػْوًما َجب َهالَة َفػتُ ْ‬ ‫( َاي أَيػَُّها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َال يَ ْس َخ ْر َقػْوٌـ ِّمن َقػْوٍـ َع َس َٰى أَف يَ ُكونُوا َخْيػ ًار ِّمْنػ ُه ْم‬ ‫َّ ِ‬
‫سورة اغبجرات ‪. 6:‬وقولو أيضا ‪َ (:‬اي أَيػَُّها الذ َ‬
‫س ِاال ْس ُم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ٍ‬
‫َوَال ن َساءٌ ّمن نّ َساء َع َس َٰى أَف يَ ُك َّن َخْيػ ًار ّمْنػ ُه َّن ۖ َوَال َتػلْم ُزوا أَنفُ َس ُك ْم َوَال َتػَنابَػ ُزوا ابْ َأللْ َقاب ۖ بئْ َ‬
‫ك ُى ُم الظَّالِ ُمو َف( سورة اغبجرات ‪.11:‬وقولو تعاذل ‪( :‬قُل‬ ‫ِ‬
‫ب فَأُوَٰلَئ َ‬ ‫الْفُسو ُؽ بػع َد ِْ ِ‬
‫اإليبَاف ۚ َوَمن َّدلْ يَػتُ ْ‬ ‫ُ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لِّلْمؤِمنُِت يػغضُّوا ِمن أَب ِ‬
‫صَنػ ُعو َف ) النور‪.33:‬‬ ‫اَّلل َخبِ ٌَت دبَا يَ ْ‬ ‫ك أَْزَك َٰى َؽبُْم ۗ إ َّف ََّ‬‫وج ُه ْم ۚ َٰذَل َ‬
‫صا ِرى ْم َوَْوب َفظُوا فػُ ُر َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ُْ َ َ ُ‬
‫وشلا يسأل عنو اإلنسان العهد لقولو قاؿ هللا تعاذل‪َ( :‬وأَْوفُوا ِابلْ َع ْه ِد إِ َّف الْ َع ْه َد َكا َف َم ْسئُ ًوال) اإلسراء‪:‬‬
‫‪ 34‬قاؿ هللا تعاذل‪َ( :‬ولَتُ ْسأَلُ َّن َع َّما ُكْنػتُ ْم َتػ ْع َملُو َف) النحل‪.9 :‬‬
‫ِ‬ ‫ويسأل الرسل لقولو ‪َ ( :‬فػلَنسأَلَ َّن الَّ ِذ ِ‬
‫ُت) األعراؼ‪.6 :‬‬ ‫ين أ ُْرس َل إِلَْي ِه ْم َولََن ْسأَلَ َّن الْ ُم ْر َسل َ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫وهللا تعاىل يسأل عيسى عليو السالم عما نسب إ ليو لقولو تعاذل ‪( :‬وإذ قاؿ هللا اي عيسى ابن مرمي‬
‫أأنت قلت للناس ازبذوين وأمي إؽبُت من دوف هللا قاؿ سبحانك ما يكوف رل أف أقوؿ ما ليس رل‬
‫حبق إف كنت قلتو فقد علمتو تعلم ما ٓت نفسي وال أعلم ما ٓت نفسك إنك أنت عبلـ‬
‫الغيوب (اؼبائدة‪. 116:‬‬
‫ويف السنة ذكرت ادلسؤولية ‪ :‬فعن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما أنو ظبع رسوؿ هللا صلى هللا عليو‬
‫وسلم يقوؿ‪ « :‬كلكم راع ومسؤوؿ عن رعي تو؛ فاإلماـ راع وىو مسؤوؿ عن رعيتو‪ ،‬والرجل ٓت أىلو‬
‫راع وىو مسؤوؿ عن رعيتو‪ ،،‬واؼبرأة ٓت بيت زوجها راعية وىي مسؤولة عن رعيتها‪ ،‬واػبادـ ٓت ماؿ‬
‫سيده راع وىو مسؤوؿ عن رعيتو»‪ ،‬قاؿ‪ :‬فسمعت ىؤالء من رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص وأحسب النيب ملسو هيلع هللا ىلص‬
‫قاؿ‪ " :‬والرجل ٓت ماؿ أبيو راع وىو مسؤوؿ عن رعيتو فكلكم راع وكلكم مسؤوؿ عن‬

‫‪27‬‬
‫رعيتو‪ ".‬البخاري‪ .‬وجاء ٓت اغبديث عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قاؿ‪" :‬اؼبؤمن للمؤمن كالبنياف يشد بعضو بعضا‪،‬‬
‫وشبك بُت أصابعو‪ ".‬صحيح البخاري‪.‬‬
‫إذف فكل إنساف مسؤوؿ عن نفسو و عن اْلخرين حسب عبلقتو هبم وقد أثبتت الشريعة أنواع‬
‫ىذه اؼبسؤولية وعن كيفية أدائها ابلشكل الصحيح (التكاليف الشرعية )‪.‬‬

‫فيما تتمثل مسؤولية اإلنسان يف عالقتو ابلكون ؟‬


‫ذكر الراغب األصبهاين أف ‪ ":‬الفعل اؼبختص ابإلنساف ثبلثة‪ :‬عمارة األرض‪ ،‬اؼبذكورة ٓت قولو‪( :‬ىو الذي‬
‫أنشأكم من األرض واستعمركم فيها( ىود‪ ،61:‬وذلك ربصيل ما بو تزجية اؼبعاش لنفسو وغَته‪.‬وعبادتو‬
‫اؼبذكورة ٓت قولو‪( :‬وما خلقت اعبن واإلنس إال )‪.‬الذارايت‪ ، 56:‬وذلك ىو االمتثاؿ للباري تعاذل ٓت‬
‫عبادتو‪ٓ ،‬ت أوامره ونواىيو‪ ،‬وخبلفتو اؼبذكورة ٓت قولو‪( :‬ويستخلفكم ٓت األرض فينظر كيف تعملوف )‬
‫األعراؼ‪ ، 129:‬وذلك ىو االقتداء ابلباري سبحانو على قدر طاقة البشر ٓت السياسة‪ ،‬ابستعماؿ‬
‫مكارـ الشريعة‪ .‬ومكارـ الشريعة ىي اغبكمة‪ ،‬والقياـ ابلعدالة بُت الناس ٓت اغبكم‪ ،‬واإلحساف والفضل‪.‬‬
‫والقصد منها‪ :‬أف يبلغ بذلك إذل جنة اؼبأوى‪ ،‬وجوار رب العزة تبارؾ وتعاذل ( ‪.‬‬
‫ويتناوؿ ماجد عرساف الكيبلين العبلقات بُت اإلنساف واػبالق والكوف واغبياة اْلخرة كما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬العبلقة بُت اػبالق وبُت اإلنساف‪ :‬عبلقة عبودية‪.‬‬
‫‪ 2‬العبلقة بُت اإلنساف والكوف‪ :‬عبلقة تسخَت‪.‬‬
‫‪3‬العبلقة بُت اإلنساف وبُت اغبياة‪ :‬عبلقة ابتبلء‪.‬‬
‫‪ 4‬العبلقة بُت اإلنساف واْلخرة‪ :‬عبلقة مسؤولية وجزاء‪.‬‬
‫عالقة اإلنسان ابلكون‬
‫اإلنساف يندرج ضمن ىذا الكوف اؼبعبود ﵁‪ ،‬فهو جزء منو‪ ،‬و لكنو مع ذلك يتمتع خبصوصية كبَتة‬
‫ذبعلو مست قبل بداخلو‪ ،‬فهو اػبليفة فيو‪ ،‬و الكوف ىو اجملاؿ خبلفتو اؼبسخر لو‪ .‬كما أف اإلنساف‬
‫يتميز عن سائر اؼبخلوقات ابلعقل‪ ،‬فبا هبعل الكوف ؾباؿ خصبا للتفكر و التأمل ٓت دقائقو‪ ،‬مرة‬
‫لبلعتبار‪ ،‬و مرة للتعلم من دقتو نظامو و صبالو‪ ،‬و مرة أخرى للزايدة ٓت اإليباف و مشاركتو ٓت‬
‫التسبيح ﵁ الواحد القهار‪.‬‬
‫قواعد‪:‬‬
‫اإلنساف جزء من الكوف و نبا ـبلوقاف يشًتكاف ٓت عبادة هللا‬ ‫‪‬‬

‫الكوف مسخر لئلنساف و ىو مأمور بتعمَته و العمل فيو‬ ‫‪‬‬

‫الكوف ؾباؿ للتفكر و التأمل و التعلم لئلنساف‪ ،‬يستلهم من نظامو و صبالو‪..‬‬ ‫‪‬‬

‫‪28‬‬
‫وس َّخ َر لكم ما ٓت السماوات وما ٓت‬
‫ىذا التسخَت يبدو لنا واضحا ٓت قولو تعاذل ٓت سورة اعباثية‪َ ( :‬‬
‫ِ‬
‫األرض َصبيعاً ) اْلية ‪ . 13‬فالكوف ىو بيئة اإلنساف و ؾباؿ عملو‪.‬‬

‫والتسخري لغة‪ :‬العمل واػبدمة ؾباان‪.‬‬

‫ومصطلحا‪ :‬أف هللا مكن اإلنساف من استخداـ مظاىر الكوف ٓت تطبيقات عملية انفعة لئلنساف ٓت‬
‫ؾباالت حياتو دوف شبن يقدمو ﵁ الغٍت سبحانو وتعاذل ‪.‬‬

‫ميادين التسخري‬

‫ميادين التسخَت اليت هبب أف تتوجو إليها أجهزة الوعي ٓت اإلنساف‪( :‬العقل والسمع البصر)‪ .‬ولقد‬
‫ربددت ميادين التسخَت ٓت ميدانُت رئيسيُت نبا" ‪:‬ميداف الكوف"‪" ،‬وميداف النفس ‪".‬وقيمة ىذا التحديد‬
‫ىو حفظ ىذه األجهزة من التوجو إذل ما ال يبكن البحث فيو‪ .‬ومن تبديد الطاقات فيما ال طائل ربتو ‪.‬‬

‫وتتحدد جوانب التسخري يف ميدان الكون يف عناصر الكون الرئيسية الثالثة‪:‬‬

‫الفضاء ا﵀سوس‪ ،‬واليابسة اؼبلموسة‪ ،‬واؼباء الكائن ٓت ا﵀يطات والبحار وما يتفرع عنهما‪ .‬ومن ىذه‬
‫الس َم ِاء‬
‫ض َوأَنػْ َزَؿ ِم َن َّ‬ ‫"اَّلل الَّ ِذي خلَق َّ ِ‬
‫الس َم َاوات َو ْاأل َْر َ‬ ‫َ َ‬ ‫اؼبيادين الثبلثة تتفرع ميادين فرعية ال حصر ؽبا‪َُّ .‬‬
‫ك لَِت ْج ِر َي ِٓت الَْب ْح ِر ِأب َْمرِه َو َس َّخ َر لَ ُك ُم ْ َ‬
‫األنػْ َه َار‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َخ َر َج بِو م َن الث ََّم َرات ِرْزقًا لَ ُك ْم َو َس َّخ َر لَ ُك ُم الْفُلْ َ‬
‫َم ًاء فَأ ْ‬
‫ُت َو َس َّخ َر لَ ُك ُم اللَّْي َل َوالنػ ََّه َار) ‪.‬إبراىيم ‪33- 32:‬‬ ‫َّمس والْ َقمر َدائَِبػ ْ ِ‬
‫(‪َ )32‬و َس َّخ َر لَ ُك ُم الش ْ َ َ َ َ‬
‫ولقد ازداد التسخَت ٓت آايت اْلفاؽ ٓت الكوف ابزدايد العلم بقوانُت ىذا الكوف‪ ،‬وىو ما نسميو بتقدـ‬
‫التكنولوجيا‪.‬‬

‫وكبن اليوـ نرى آَثر اػبروج على – عبلقة التسخَت – ٓت اغبضارة اؼبعاصرة ٓت ميادين العلوـ‬
‫والتكنولوجيا الذرية واؽبيدروجينة وعلوـ الفضاء‪ ،‬وىي تتحوؿ على يد االنساف الذي ال يهتدي بعبلقة‬
‫التسخَت إذل أىواؿ وأخطار مسخرة "على " اإلنساف تنذر بتدمَت حياتو كاملة على األرض بدؿ أف تكوف‬
‫مسخرة "لو" ترقى بو إذل الرسوخ ٓت معرفة هللا والتنعم بنعمو‪.‬‬

‫كيف تكون عمارة األرض ؟‬


‫َنشأَ ُكم ِّم َن ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫قاؿ تعاذل‪ (:‬وإِ َ َٰذل َشبُود أَخاىم ِ‬
‫ض‬ ‫اَّلل َما لَ ُكم ّم ْن إَِٰلَو َغْيػ ُرهُ ۖ ُىَو أ َ‬
‫صاغبًا ۚ قَ َاؿ َاي َقػْوـ ْاعبُ ُدوا ََّ‬
‫َ َ ُْ َ‬ ‫َ‬
‫واستػعمرُكم فِيها فَاستػغْ ِفروه ُّتَّ تُوبوا إِلَي ِو ۚ إِ َّف رِيب قَ ِر ِ‬
‫يب ) ىود‪.61 :‬‬ ‫يب ُّؾب ٌ‬
‫َّ ٌ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ َْ ْ َ َ ْ َ َْ ُ ُ‬

‫‪29‬‬
‫ذكر اؼبفسروف‪ :‬أف تعمَت األرض من مقتضيات كوف اإلنساف خليفة فيها‪ ،‬وقد أخرج ابن أيب حاُت عن‬
‫اسَتػ ْع َم َرُك ْم فِ َيها) أهنا دبعٌت‪ :‬استخلفكم فيها‪ ،‬ونُِقل عن بعض العلماء أف تعمَت األرض‬
‫ابن زيد ٓت قولو ( ْ‬
‫واجب‪ ،‬فقالوا‪ " :‬االستعمار طلب العمارة‪ ،‬والطلب اؼبطلق من هللا تعاذل على الوجوب ‪".‬‬
‫إف هللا كما علم اإلنساف كيف يصلي وكيف يصوـ ‪،‬علمو كيف تكوف عمارة األرض وأرشده‪.‬و من‬
‫ذلك ‪:‬‬
‫لبلنساف ابلنظر إذل الكوف واؼبخلوقات والتدبر فيها لقولو تعاذل‪( :‬قُِل انظُ ُروا َما َذا ِٓت‬ ‫‪ -‬األمر اؼبوجو ِ‬
‫ت َوالنُّ ُذ ُر َعن َقػْوٍـ َّال يػُْؤِمنُو َف ) يونس ‪ 131:‬لقولو‪( :‬أََفبل يَػْنظُ ُرو َف‬
‫ض ۚ َوَما تُػ ْغٍِت ْاْل َاي ُ‬
‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫َّ َ َ‬
‫ت) الغاشية‪.17:‬‬ ‫إِ َذل ا ِإلبِ ِل َكي ِ‬
‫ف ُخل َق ْ‬ ‫ْ َ‬
‫‪ -‬فهذا التدبر ٓت اؼبخلوقات ومعرفة كيف خلقت ىو وسيلة ؼبعرفة اػبالق تعاذل وعظمتو من خبلؿ معرفة‬
‫القوا نُت والسنن اليت ذبري عليها ىذه اؼبخلوقات ‪.‬وؽبذا نبلحظ انتهاء كثَت من ىذه اْلايت الكونية‬
‫بوظائف العقل واإليباف ‪ :‬يتذكروف يتفكروف يبصروف‪....‬‬
‫‪ -‬ىذا النظر وبرر اإلنساف من عبادة غَت هللا دبا أف ىذه الكائنات من خلق هللا فبل ينظر إ ليها رغبا‬
‫وال رىبا‪.‬‬
‫‪ -‬الينظر إليها بعبلقة العداوة والصراع بل ينظر إ ليها بعبلقة التسخَت الرابين لبٍت آدـ بدليل قولو تعاذل‪(:‬‬
‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور ) اؼبلك ‪. 15‬وقولو‬ ‫ُّش ُ‬‫ض َذلُ ًوال َف ْام ُشوا ِٓت َمَناكبِ َها َوُكلُوا من ِّرْزقو ۖ َوإَِلْيو الن ُ‬
‫ُىَو الَّذي َج َع َل َل ُك ُم ْاأل َْر َ‬
‫ك َْل َاي ٍت لَِّقْوٍـ يَػَتػ َف َّك ُرو َف )‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َِصب ًيعا ّمْنوُ ۚ إِ َّف ِٓت ََٰذل َ‬
‫السماو ِ‬
‫ات َوَما ِٓت ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫تعاذل‪َ ( :‬و َس َّخ َر َل ُكم َّما ٓت َّ َ َ‬
‫اعباثية ‪. 13:‬‬
‫‪-‬يتصرؼ اإلنساف مع ـبلوقات هللا وفق منهج هللا تعاذل وىو االنتفاع واإلصبلح وعدـ اإلفساد‪ .‬ويتعامل‬
‫اإلنساف مع البيئة ٓت إطار العقيدة اإلسبلمية ‪.‬مثبل تكوف العمارة ابلفبلحة والصناعة والبناء وشق‬
‫َّاس َولَِيػ ْعَل َم َّ‬
‫اَّللُ َمن‬ ‫س َش ِدي ٌد َوَمَنافِ ُع لِلن ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َنزلَْنا ا ْغبَد َيد فيو َأبْ ٌ‬
‫الطرقات وأنواع الصناعات ‪ .‬لقولو تعاذل ‪َ( :‬وأ َ‬
‫ي َع ِز ٌيز) اغبديد ‪25:‬‬ ‫اَّلل َق ِو ّّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫نص ُرهُ َوُر ُسَلوُ ابلْ َغْيب ۚ إ َّف ََّ‬
‫يَ ُ‬
‫ومن ذلك حديث النيب صلى هللا عليو وسلم ‪ ( :‬مامن مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منو‬
‫إنساف أو طَت أو هبيمة إال كاف لو بو صدقة )‪ .‬متفق عليو‪.‬‬
‫وقولو ملسو هيلع هللا ىلص‪ ( :‬إف قامت الساعة وٓت يد أحدكم فسيلة فإف استطاع أال تقوـ حىت يغرسها فليغرسها )‪ .‬رواه‬
‫أضبد‪ ،‬والبخاري ٓت األدب اؼبفرد‪ .‬ونستفيد من اغبديثُت أنبية عمارة األرض (ىنا الغرس حىت وأف دل‬
‫يثمر)‪.‬‬
‫آد َـ ُخ ُذوا ِزيَنػَت ُك ْم‬
‫‪ -‬وٓت التعامل مع خَتات الطبيعة هنى النيب ملسو هيلع هللا ىلص عن اإلسراؼ لقولو تعاذل‪َ ( :‬اي بٍَِت َ‬
‫ِ‬ ‫ِع َند ُك ِّل َم ْس ِج ٍد َوُكلُوا َوا ْش َربُوا َوَال تُ ْس ِرفُوا ۚ إِنَّوُ َال ُِوب ُّ‬
‫ُت ) األعراؼ ‪.31:‬‬ ‫ب الْ ُم ْس ِرف َ‬

‫‪31‬‬
‫‪-‬وٓت تعامل مع اغبيواف أمر النيب ملسو هيلع هللا ىلص اب لرفق لقولو ‪ ...(:‬فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذحبتم فأحسنوا‬
‫الذبح وليحد أحدكم شفرتو فلَتح ذبيحتو ) من أسباب دخوؿ النار عدـ الرفق ابغبيواف لقولو صلى هللا‬
‫عليو وسلم ‪ ( :‬دخلت امرأة النار ٓت ىرة حبستها فبل ىي أ طعمتها وال تركتها أتكل من خشاش األرض‬
‫) ‪.‬رواه ا لبخاري ومسلم‬
‫ص َبل ِح َها)‬ ‫‪-‬كما هنى القرآف عن اإلفساد ٓت األرض قاؿ تعاذل‪َ( :‬وَال تُػ ْف ِس ُدوا ِٓت ْاأل َْر ِ‬
‫ض بَػ ْع َد إِ ْ‬
‫انتهى‬ ‫األعراؼ‪. 85:‬‬

‫اثلثا‪ :‬أثر اإلميان ابحلياة اآلخرة واحلساب‪:‬‬


‫ورد ترتيب اإليباف ابليوـ اْلخر ٓت القرآف الكرمي مباشرة بعد اإليباف اب﵁ تعاذل ٓت كثَت من اْلايت‪،‬‬
‫لًتسيخ عقيدة اعبزاء ٓت نفس اؼبؤمن اليت توجو سلوكو ٓت اغبياة‪ ،‬فليس ىناؾ شيء أعظم من اإليباف اب﵁‬
‫واإليباف ابليوـ اْلخر وازعا دينيا لتوجيو سلوؾ اإلنساف ٓت الدنيا‪.‬‬
‫قاؿ تعاذل ٓت ضرورة يوـ اغبساب واعبزاء‪ ( :‬أَفَ َح ِسْبػتُ ُم أ ََّمبَا َخلَ ْقَنا ُك ْم َعَبػًثا َّو أَنَّ ُك ُم إِلَْيػَنا الَ تػُ ْر َج ُعو َف)‬
‫اؼبؤمنوف‪115:‬‬
‫فماىي آاثر اإلميان ابليوم اآلخر يف حياة اإلنسان؟‬
‫‪-‬من آاثر اإلميان ابليوم اآلخر واحلساب استقامة الفرد ادلسلم‪:‬‬
‫وذلك ألف ىذا اإليباف هبعل اؼبسلم يراقب هللا عز وجل ٓت نواايه وٓت أقوالو وأفعالو‪ ،‬ومعٌت ذلك أنو‬
‫يستشعر أف هللا يراه ويعلم كل شيء منو كما جاء ٓت حديث جربيل‪( :‬قاؿ‪ :‬فأخربين عن اإلحساف‪،‬‬
‫قاؿ‪ :‬أف تعبد هللا كأنك تراه فإف دل تكن تراه فإنو يراؾ)‪.‬‬
‫ويتولد عن ىذا االستشعار تقوى هللا تعاذل وذلك ابػبوؼ منو وامتثاؿ أوامره واجتناب نواىيو‪ .‬وىذا ىو‬
‫اغبد الضروري للوقاية من النار ٓت اْلخرة ومن غضب هللا تعاذل ٓت الدنيا‪ ،‬وطاؼبا اؼبسلم ملتزـ هبذه الرتبة‬
‫فهو ٓت أماف من هللا تعاذل‪.‬‬
‫ومن جانب آخر ذبعل ىذا العبد التقي وبظى برعاية هللا وحفظو ونصره (والية هللا تعاذل)؛ فالصاحل‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬ ‫التقي ىو من أولياء هللا تعاذل‪ ،‬قاؿ عز وجل‪ ( :‬أَالَ إِ َّف أَْولَِيآء هللا الَ َخْو ٌ ِ‬
‫ؼ َعلَْيه ْم َوالَ ُى ْم َْوب َزنُو َف الذ َ‬
‫َء َامنُوا َو َكانُوا يَػتػَّ ُقو َف)‪.‬‬
‫‪-‬فينشأ عن اإليباف ابليوـ اْلخر بعد ربقيق مرتبة التقوى التوازف النفسي؛ أي راحة القلب وسكينة‬
‫النفس وعدـ اضطراهبا ٓت غالب األحياف عند الشدائد واالنفعاالت‪ ،‬ومنشأ ذلك استشعار فناء الدنيا‬

‫‪31‬‬
‫وزواؽبا وزواؿ ما فيها‪ ،‬واستشعار أهنا دار ابتبلء وامتحاف وعلى اؼبؤمن أف يكوف يقضا ٓت كل مرحلة‬
‫وؿبطة من حياتو ليحسن التصرؼ و ينجح ٓت االمتحاف ‪.‬‬
‫ِ َّ ِ‬
‫‪-‬و التصرؼ الصحيح ىو لزوـ التقوى والثبات عليها وىو معٌت االستقامة‪ .‬قاؿ تعاذل‪( :‬إ َّف الذ َ‬
‫ين َقالُوا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َربػَُّنا هللا ُّتَّ اَ ْسَتػ َق ُاموا َتػَتػَنػ َّزُؿ َعَلْي ِه ُم الْ َم َآلئ َكةُ أَالَّ ََزبافُوا َو َال َْرب َزنُوا َوأَبْش ُروا ابعبنَّة الَِّيت ُكنتُم تُ َ‬
‫وع ُدو َف)‬
‫فصلت‪33:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬فعدـ اإل يباف ابليوـ اْلخر واستشعار اغبياة اْلخرة يُفقد اإلنساف توازنو ٓت اغبياة أماـ تغَتات‬
‫وىزات اجتماعيّة ‪.‬‬
‫الدنيا‪ ،‬فيصاب بصدمات وضغوطات نفسية ّ‬ ‫وتقلبات أحواؿ ّ‬
‫يين‪:‬‬
‫‪-‬أما أثر اإلميان ابليوم اآلخر يف اجملتمع فيسمى بـ الوازع ال ّد ّ‬
‫الدائمة ٓت عمق اجملتمع‪ ،‬حيث يصبغ األفراد بصبغتو وعقيدتو‪ .‬ومن مظاىره‬
‫وىو سلطة الدين القوية و ّ‬
‫على عموـ اجملتمع مثبل‪ :‬عدـ االعتداء على اإلنساف مهما كاف‪ ،‬االلتزاـ اعبماعي بشعَتة الصياـ‪ ،‬صبلة‬
‫اعبمعة‪ ،‬احتشاـ اؼبرأة ٓت لباسها وٓت طبيعة عبلقتها وتعاملها مع اعبنس اْلخر (الرجل)و كذلك عفة‬
‫الرجل مع اؼبرأة ‪ ،‬نصرة اؼبظلوـ‪ ،‬وإغاثة اؼبلهوؼ ‪...‬اخل‪.‬‬
‫ونسبة اعبرائم ٓت اجملتمع ا﵀افظ اؼبلتزـ ابإلسبلـ تكوف أقل بكثَت من غَته‪ ،‬وإذا قارّان ؾبتمعا إسبلميّا‬
‫آبخر غَت مسلم وجدان الفرؽ شاسعا من حيث األخبلؽ واعبرائم واْلفات؛ فاؼبسلم ال يسرؽ بوازع ديٍت‬
‫َّب ىذا خوفا من السلطة والقانوف‬
‫ديٍت‪ ،‬ولكن ٓت اجملتمعات األخ رى يػَُت َجن ُ‬
‫ووبافظ على األمانة بوازع ّ‬
‫الوضعي‪.‬‬
‫‪-‬إذف فعدـ اإليباف ابليوـ اْلخر ّ‬
‫وبوؿ اإل نساف إذل وحش واجملتمع إذل عفن يعيش ٓت الشهوات‬
‫ديٍت بينما اجملتمعات األخرى الكافرة منفلتة‬
‫غَت مرتدع بقانوف؛ فاجملتمع اؼبسلم منضبط أخبلقيا بدافع ّ‬
‫أخبلقيّا تكثر فيها اعبرائم كاالعتداء على النفس و العرض و اؼباؿ و كاالنتحار ٓت البلداف الغربية‪ .‬قاؿ‬
‫اط َلَناكِبُو َف) اؼبؤمنوف‪74:‬‬
‫الصر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ذين َال يُومنُو َف ابْلخ َرة َع ِن ّ َ‬
‫ِ َّ‬
‫تعاذل‪َ ( :‬وإ َّف ال َ‬
‫‪ -‬اإل يباف ابليوـ اْلخر هبعل اؼبؤمن يتهيّأ للقاء هللا تعاذل ابلعمل الصاحل‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ ( :‬فَ َمن َكا َف يَػ ْر ُجواْ‬
‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫لِقآء ربِ ِو َفػلْيػعمل عمبلً ِ‬
‫فيه ّوف عليو مصائب الدنيا‬ ‫َح ًدا) الكهف‪َ .113:‬‬ ‫صاغبًا َّوالَ يُ ْش ِرْؾ بعَب َادة َربّو أ َ‬
‫َ َّ َ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫غًت‪.‬‬
‫يغًت هبا ُم ّ‬
‫ومشاكلها فيصرب على شدائدىا ويتفاءؿ ابػب َت والفرج‪ ،‬فإف أحواؿ الدنيا متقلبة فبل ّ‬
‫سراء‬
‫قاؿ رسوؿ هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ( :‬عجبا ألمر اؼبؤمن إ ّف أمره كلو خَت وليس ذلك ألحد إال ؼبؤمن‪ ،‬إف أصابتو ّ‬
‫ضراء صرب فكاف خَتا لو) –رواه مسلم ‪ -‬فاإل يباف نصفو صرب ونصفو‬
‫شكر فكاف خَتا لو‪ ،‬وإف أصابتو ّ‬
‫شكر‪.‬‬
‫نفع ادلؤمن وخريه وصالحو إىل اآلخرين غبديثو‬
‫‪ -‬ومن آاثر اإلميان ابليوم اآلخر أن يتع ّدى ُ‬
‫صلى هللا عليو وسلّم‪ ( :‬ال يؤمن أحدكم حىت وبب ألخيو ما وبب لنفسو)‪ ،‬كما يتعدى ىذا النفع إذل‬
‫البيئة وما فيها من إنساف وحيواف ونبات‪...‬‬
‫‪32‬‬
‫ورد ٓت األثر ٓت القوؿ اؼبشهور عن عمر ابن اػبطّاب هنع هللا يضر أنّو قاؿ‪ ( :‬لو عثرت بغلة ٓت العراؽ لظننت‬
‫أف هللا سيسألٍت عنها ِدلَ دلْ ِّ‬
‫تسو ؽبا الطريق اي عمر)‪.‬‬
‫وعلى عكس اؼبؤمن ابليوـ اْلخر ذاؾ الصنف اغبريص على الدنيا فبل يؤمن ابلبعث وال ابليوـ اْلخر‬
‫ص الن ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس َعَلى‬ ‫غارؽ ٓت شهوات الدنيا ومل ّذاهتا كحاؿ اؼبشركُت واليهود‪ ،‬قاؿ تعاذل‪َ( :‬وَلَتج َدنػَّ ُه ُم أ ْ‬
‫َح َر َ‬
‫ف سَن ٍة َّو ما ُىو ِدبُز ْح ِزِح ِو ِمن الْع َذ ِ‬
‫اب أَف يػَُّع َّم َر) البقرة‪:‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ َ‬ ‫َح ُد ُى ْم َلْو يػَُع َّم ُر أَلْ َ َ َ َ َ‬
‫ين أَ ْش َرُكوا يَػَودُّ أ َ‬
‫َحيواة ومن الذ َ‬
‫‪96‬‬
‫انتهى‬

‫‪33‬‬

You might also like