Professional Documents
Culture Documents
هدفي
ال ذين يؤمن ون ب الغيب ويقيم ون الص الة ومم ا رزقن اهم "
" ينفقون
" .ثم وص ف المتقين بالعقائ د واألعم ال الباطن ة ,واألعم ال الظ اهرة ,لتض من التق وى ل ذلك فق ال " :الَّ ِذينَ يُْؤ ِمنُ ونَ بِ ْال َغ ْي ِ
ب
وارح اد الج من النقي ل ,المتض ه الرس برت ب ا أخ ام بم ديق الت و التص ان :ه ة اإليم .حقيق
افر لم من الك ا المس يز به ه ال يتم الحس ,فإن اهدة ب ياء المش ان باألش أن في اإليم .وليس الش
.إنم ا الش أن في اإليم ان ب الغيب ,ال ذي لم ن ره ولم نش اهده ,وإنم ا ن ؤمن ب ه ,لخ بر هللا وخ بر رس وله
له رد هلل ورس ديق مج ه تص افر ,ألن لم من الك ه المس يز ب ذي يم ان ال ذا اإليم .فه
فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر هللا به ,أو أخبر به رس وله ,س واء ش اهده ,أو لم يش اهده وس واء فهم ه وعقل ه ,أو لم يهت د إلي ه عقل ه
.وفهمه
بخالف الزنادقة والمكذبين باألمور الغيبية ,ألن عق ولهم القاص رة المقص رة لم تهت د إليه ا فك ذبوا بم ا لم يحيط وا بعلم ه ففس دت
رجت أحالمهم ولهم ,وم .عق
دى هللا دين به دقين المهت نين المص ول المؤم .وزكت عق
ويدخل في اإليمان بالغيب ,اإليمان بجميع ما أخبر هللا به من الغيوب الماضية والمستقبلة ,وأحوال اآلخرة ,وحق ائق أوص اف هللا
ل من ذلك ه الرس برت ب ا أخ ا ,وم .وكيفيته
وا كيفيتها ا ,وإن لم يفهم ا ,ويتيقنونه فات هللا ووجوده ون بص .فيؤمن
صاَل ةَ " لم يقل :يفعل ون الص الة ,أو ي أتون بالص الة ,ألن ه ال يكفي فيه ا مج رد اإلتي ان بص ورتها الظ اهرة
.ثم قال " َويُقِي ُمونَ ال َّ
روطها ا ,وش ا ,وواجباته ام أركانه اهرا ,بإتم اظ الة ,إقامته ة الص .فإقام
ه منها ه ويفعل ا يقول دبر م ا ,وت
.وإقامته ا باطن ا ,بإقام ة روحه ا ,وه و حض ور القلب فيه
الص اَل ةَ تَ ْنهَى َع ِن ْالفَحْ َش ا ِء َو ْال ُم ْن َك ِر " وهي ال تي ي ترتب عليه ا الث واب
.فه ذه الص الة هي ال تي ق ال هللا فيه ا " ِإ َّن َّ
ل منها ا عق الته ,إال م د من ص واب للعب .فال ث
ها ونوافلها الة فرائض دخل في الص .وي
.ثم قال " َو ِم َّما َر َز ْقنَاهُ ْم يُ ْنفِقُونَ " يدخل فيه النفق ات الواجب ة كالزك اة ,والنفق ه على الزوج ات واألق ارب ,والممالي ك ونح و ذلك
ير رق الخ عط تحبة بجمي ات المس .والنفق
ة إلى هللا ة من حيث هي ,قرب ه ,وألن النفق وع أهل بابه وتن ثرة أس ق عليهم ,لك ذكر المنف .ولم ي
وأتى بـ " من " الدالة على التبعيض ,لينبههم أنه لم يرد منهم إال جزءا يسيرا من أموالهم ,غير ضار لهم وال مثق ل ,ب ل ينتفع ون
وانهم ه إخ عب ه ,وينتف .هم بإنفاق
وفي قوله " َرزَ ْقنَاهُ ْم " إش ارة إلى أن ه ذه األم وال ال تي بين أي ديكم ,ليس ت حاص لة بق وتكم وملككم ,وإنم ا هي رزق هللا ,ال ذي
ه عليكم ولكم ,وأنعم ب .خ
.فكم ا أنعم عليكم وفض لكم على كث ير من عب اده ,فاش كروه ب إخراج بعض م ا أنعم ب ه عليكم ,وواس وا إخ وانكم المع دمين
وكثيرا م ا يجم ع تع الى بين الص الة والزك اة في الق رآن ,ألن الص الة متض منة لإلخالص للمعب ود ,والزك اة والنفق ة ,متض منة
ده ان على عبي .اإلحس
ع الخلق عيه في نف ود ,وس ه للمعب د ,إخالص عادة العب وان س .فعن
.كما أن عنوان شقاوة العبد ,عدم هذين األمرين منه ,فال إخالص وال إحسان
ختم هللا على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبص ارهم غش اوة "
" ولهم عذاب عظيم
ثم ذكر الموانع المانعة لهم من اإليمان فقالَ " :ختَ َم هَّللا ُ َعلَى قُلُوبِ ِه ْم َو َعلَى َس ْم ِع ِه ْم " أي :طبع عليها بطابع ال يدخلها اإليم ان ,وال
دهم ا يفي معون م ا ينفعهم ,وال يس ون م ا فال يع ذ فيه .ينف
ار ِه ْم ِغ َشا َوةٌ " أي :غشاء وغطاء وأكنة تمنعها عن النظر الذي ينفعهم ,وهذه طرق العلم والخ ير ,ق د س دت عليهم" , ص َِو َعلَى َأ ْب َ
دهم رجى عن ير ي ع فيهم ,وال خ .فال مطم
وإنما منعوا ذلك ,وسدت عنهم أبواب اإليمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم بعد ما تبين لهم الحق ,كما ق ال تع الىَ " :ونُقَلِّبُ
اب عاجل ذا عق َّر ٍة " وه ِه َأ َّو َل َم وا بِ ا لَ ْم يُْؤ ِمنُ ا َرهُ ْم َك َم َ.أ ْفِئ َدتَهُ ْم َوَأب َ
ْص
.ثم ذكر العقاب اآلجل فقالَ " :ولَهُ ْم َع َذابٌ َع ِظي ٌم " وهو عذاب النار ,وسخط الجبار المستمر الدائم
وإذا قيل لهم ال تفسدوا في األرض قالوا إنما نحن مصلحون "
"
الكفر لب و العم اد في األرض ,وه افقون عن اإلفس ؤالء المن .أي :إذا نهى ه
" .والمعاص ي ,ومن ه إظه ار س رائر المؤمن ون لع دوهم وم واالتهم للك افرين " قَ الُوا ِإنَّ َم ا نَحْ نُ ُم ْ
ص لِحُونَ
فجمعوا بين العمل بالفساد في األرض ,وإظهار أنه ليس بإفساد بل هو إصالح ,قلب ا للحق ائق ,وجمع ا بين فع ل الباط ل واعتق اده
.حقا
.وه ؤالء أعظم جناي ة ممن يعم ل بالمعاص ي ,م ع اعتق اد تحريمه ا ,فه ذا أق رب للس المة ,وأرجى لرجوعه
ولما كان في قولهم " ِإنَّ َما نَحْ نُ ُمصْ لِحُونَ " حصر لإلصالح في ج انبهم -وفي ض منه أن المؤم نين ليس وا من أه ل اإلص الح -
:قلب هللا عليهم دعواهم بقوله
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب هللا "
" بنورهم وتركهم في ظلمات ال يبصرون
ص ٌّم ْص رُونَ ُ ت اَل يُب ِ ور ِه ْم َوت ََر َكهُ ْم فِي ظُلُ َما ٍ َب هَّللا ُ بِنُ ِت َما َحوْ لَهُ َذه َ ضا َء ْثم ذكر مثلهم فقالَ " :مثَلُهُ ْم َك َمثَ ِل الَّ ِذي ا ْستَوْ قَ َد نَارًا فَلَ َّما َأ َ
ْ
ق َح َذ َر ال َم وْ ِ
ت صابِ َعهُ ْم فِي آ َذانِ ِه ْم ِمنَ الص ََّوا ِع ِ َأ
ق يَجْ َعلُونَ َ ات َو َر ْع ٌد َوبَرْ ٌ ب ِمنَ ال َّس َما ِء فِي ِه ظُلُ َم ٌصيِّ ٍ بُ ْك ٌم ُع ْم ٌي فَهُ ْم اَل يَرْ ِجعُونَ َأوْ َك َ
ضا َء لَهُ ْم َم َشوْ ا فِي ِه َوِإ َذا َأ ْ
ظلَ َم َعلَ ْي ِه ْم قَ ا ُموا َولَ وْ َش ا َء هَّللا ُ لَ َذه َ
َب بِ َس ْم ِع ِه ْم ارهُ ْم ُكلَّ َما َأ َ ص َق يَ ْخطَفُ َأ ْب َ َوهَّللا ُ ُم ِحيطٌ بِ ْال َكافِ ِرينَ يَ َكا ُد ْالبَرْ ُ
ِدي ٌر ْي ٍء قَ لِّ َش ار ِه ْم ِإ َّن هَّللا َ َعلَى ُك
ِ ْص" َوَأب َ .
ارا توقد ن ذي اس ل ال ه ,كمث انوا علي اك ابق لم .أي :مثلهم المط
.أي :ك ان في ظلم ة عظيم ة ,وحاج ة إلى الن ار ش ديدة فاس توقدها من غ يره ,ولم تكن عن ده مع دة ,ب ل هي خارج ة عنه
فلما أضاءت النار ما حوله ,ونظر المحل الذي هو فيه ,وما فيه من المخاوف وأمنها ,وانتفع بتلك الن ار ,وق رت به ا عين ه ,وظن
أنه قادر عليها ,فبينما ه و ك ذلك ,إذ ذهب هللا بن وره ,ف زال عن ه الن ور ,وذهب مع ه الس رور ,وبقي في الظلم ة العظيم ة والن ار
راق ا من اإلح ا فيه راق ,وبقي م ا من اإلش ا فيه ذهب م ة ,ف .المحرق
فبقي في ظلمات متعددة :ظلم ة اللي ل ,وظلم ة الس حاب ,وظلم ة المط ر ,والظلم ة الحاص لة بع د الن ور ,فكي ف يك ون ح ال ه ذا
وف؟ .الموص
فكذلك هؤالء المنافقون ,استوقدوا نار اإليم ان من المؤم نين ,ولم تكن ص فة لهم ,فاستض اءوا به ا مؤقت ا وانتفع وا ,فحقنت ب ذلك
دنيا وع من األمن في ال ل لهم ن والهم ,وحص لمت أم اؤهم ,وس .دم
فبينما هم كذلك ,إذ هجم عليهم الموت ,فسلبهم االنتفاع بذلك النور ,وحص ل لهم ك ل هم وغم وع ذاب ,وحص ل لهم ظلم ة الق بر,
.وظلمة الكفر ,وظلمة النفاق ,وظلمة المعاصي على اختالف أنواعها ,وبعد ذلك ظلمة النار ,وبئس القرار
ي ا أيه ا الن اس اعب دوا ربكم ال ذي خلقكم وال ذين من قبلكم "
" لعلكم تتقون
هذا أمر عام لجميع الناس ,بأمر عام ,وهو العبادة الجامعة ,المتثال أوامر هللا ,واجتناب نواهيه ,وتص ديق خ بره ,ف أمرهم تع الى
ا خلقهم له .بم
ت ْال ِج َّن َواِإْل ْن َ
س ِإاَّل لِيَ ْعبُدُو ِن " .قال تعالى " َو َما خَ لَ ْق ُ
إن هللا ال يستحيي أن يضرب مثال ما بعوضة فما فوقها فأم ا "
ال ذين آمن وا فيعلم ون أن ه الح ق من ربهم وأم ا ال ذين كف روا
فيقولون ماذا أراد هللا بهذا مثال يضل به كثيرا ويهدي به كث يرا
" وما يضل به إال الفاسقين
ُوض ةً فَ َم ا فَوْ قَهَ ا " الش تمال األمث ال على الحكم ة, يقول تعالى " ِإ َّن هَّللا َ اَل يَ ْستَحْ يِي َأ ْن يَضْ ِر َ
ب َمثَاًل َم ا " أي أي مث ل ك ان " بَع َ
تحي من الحق ق ,وهللا ال يس اح الح .وإيض
يرة ياء الحق ال في األش رب األمث رض ا لمن أنك ذا ,جواب أن في ه .وك
ترض على هللا في ذلك .واع
تراض ك اع .فليس في ذل
ه بهم اده ورحمت و من تعليم هللا لعب له .ب
كر القبول والش .فيجب أن تتلقى ب
ق ِم ْن َربِّ ِه ْم " فيفهمونها
ُّ ونَ َأنَّهُ ْال َح وا فَيَ ْعلَ ُم ال " :فََأ َّما الَّ ِذينَ آ َمنُ ذا ق .وله
رون فيها .ويتفك
يل ه التفص ه على وج تملت علي ا اش وا م إن علم .ف
انهم ذلك علمهم وإيم .ازداد ب
ا حق وا أنه .وإال علم
ه حق تملت علي ا اش .وم
ق فيها ه الح .وإن خفي عليهم وج
ربها عبثا أن هللا لم يض .لعلمهم ب
ة بالغة ل لحكم .ب
ابغة ةس .ونعم
" يرون ون ويتح َذا َمثَاًل " فيعترض ا َذا َأ َرا َد هَّللا ُ بِهَ ونَ َم رُوا فَيَقُولُ َ .وَأ َّما الَّ ِذينَ َكفَ
رهم را إلى كف يزدادون كف .ف
انهم ا على إيم ون إيمان ا ازداد المؤمن .كم
يرًا ِه َكثِ ِدي بِ يرًا َويَ ْه ِه َكثِ لُّ بِ ُض
ال " :ي ِ ذا ق " وله .
افرين نين والك ال المؤم ذه ح .فه
ات القرآنية ه اآلي د نزول .عن
ت سُو َرةٌ فَ ِم ْنهُ ْم َم ْن يَقُو ُل َأيُّ ُك ْم زَا َد ْتهُ هَ ِذ ِه ِإي َمانًا فََأ َّما الَّ ِذينَ آ َمنُوا فَزَ ا َد ْتهُ ْم ِإي َمانًا َوهُ ْم يَ ْستَب ِْش رُونَ َوَأ َّما الَّ ِذينَ قال تعالى " َوِإ َذا َما ُأ ْن ِزلَ ْ
افِرُونَ اتُوا َوهُ ْم َك ِه ْم َو َم ا ِإلَى ِرجْ ِس َزا َد ْتهُ ْم ِرجْ ًس َرضٌ فَ وبِ ِه ْم َم " فِي قُلُ .
اد ة على العب .فال أعظم نعم
ات القرآنية زول اآلي .من ن
ذا عه .وم
وم محنة ون لق .تك
يرة .وح
اللة .وض
رهم ر إلى ش ادة ش .وزي
يرهم ير إلى خ ادة خ ة; وزي ة; ورحم وم منح .ولق
الل ة واإلض رد بالهداي
اده; وانف اوت بين عب بحان من ف .فس
ضلُّ بِ ِه ِإاَّل ْالفَا ِسقِينَ " أي :الخ ارجين عن طاع ة هللا; المعان دين لرس ل
ثم ذكر حكمته وعدله في إضالله من يضل فقالَ " :و َما يُ ِ
دال هب ون ب فهم; فال يبغ ق وص ار الفس ذين ص .هللا; ال
دى الحيتهم لله دم ص اللهم; لع الى; إض ه تع ت حكمت .فاقتض
الحة ال الص ان; وتحلى باألعم ف باإليم ة من اتص ه; هداي له وحكمت ى فض ا اقتض .كم
.والفس ق نوع ان :ن وع مخ رج من ال دين; وه و الفس ق المقتض ي للخ روج من اإليم ان; كالم ذكور في ه ذه اآلي ة ونحوها
ق بِنَبٍَإ فَتَبَيَّنُوا " اآلية .ونوع غير مخرج من اإليمان كما في قوله تعالى " يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِإ ْن َجا َء ُك ْم فَ ِ
اس ٌ
الذين ينقضون عهد هللا من بعد ميثاقه ويقطعون ما أم ر هللا "
" به أن يوصل ويفسدون في األرض أولئك هم الخاسرون
ِه ِد ِميثَاقِ َد هَّللا ِ ِم ْن بَ ْع ونَ َع ْه ال " الَّ ِذينَ يَ ْنقُ ُ
ض قين فق ف الفاس " ثم وص .
.وه ذا يعم العه د ال ذي بينهم وبين ربهم; وال ذي بينهم وبين الخل ق; ال ذي أك ده عليهم ب المواثيق الثقيل ة واإللزام ات
.فال يب الون بتل ك المواثي ق; ب ل ينقض ونها; وي تركون أوام ره ويرتكب ون نواهي ه; وينقض ون العه ود ال تي بينهم وبين الخلق
" يرة ياء كث ه أش دخل في ذا ي َل " وه ِه َأ ْن ي َ
ُوص َر هَّللا ُ بِ ا َأ َم ونَ َم َ .ويَ ْقطَ ُع
ام بعبوديته ه; والقي ان ب ه باإليم ا وبين ا بينن لم ا; أن نص إن هللا أمرن .ف
ام بحقوقه ره; والقي ه; وتعزي ه; ومحبت ان ب وله; باإليم ا وبين رس ا بينن .وم
.وم ا بينن ا وبين الوال دين واألق ارب; واألص حاب; وس ائر الخل ق بالقي ام بحق وقهم ال تي أم ر هللا أن نص لها
ام ا أتم القي اموا به وق; وق ذه الحق ل من ه ه أن يوص ر هللا ب ا أم لوا م ون; فوص ا المؤمن .فأم
وأما الفاسقون; فقطعوها; ونب ذوها وراء ظه ورهم; معتاض ين عنه ا بالفس ق والقطيع ة; والعم ل بالمعاص ي; وه و :اإلفس اد في
.األرض
" رة دنيا واآلخ رُونَ " في ال فته " هُ ُم ْالخَ ِ
اس ذه ص .فَُأولَِئ َ
ك " أي :من ه
فحصر الخسارة فيهم; ألن خسرانهم عام في كل أحوالهم; ليس لهم نوع من الربح; ألن كل عمل صالح; ش رطه اإليم ان; فمن ال
ار الكفر و خس ار; ه ذا الخس ه; وه لل ه; ال عم ان ل .إيم
وأما الخسار الذي قد يكون كفرا; وقد يكون معصية; وقد يكون تفريطا في ترك مستحب الم ذكور في قول ه تع الى " ِإ َّن اِإْل ْن َس انَ
ْر " فهذا عام لكل مخلوق; إال من اتصف باإليمان والعمل الصالح; والتواصي بالحق; والتواصي بالصبر; وحقيقة فوات لَفِي ُخس ٍ
.الخير; الذي كان العبد بصدد تحصيله وهو تحت إمكانه
قالوا سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا إن ك أنت العليم الحكيم "
"
" رك ة أم ك ,ومخالف ا علي تراض من ك من االع ب َْحانَ َ
ك " أي :ننزه الُوا ُس .قَ
" ودا ك وج ال من اه ,فض ا " إي ا َعلَّ ْمتَنَ وه " ِإاَّل َم
ا " بوج .اَل ِع ْل َم لَنَ
ه من الوج
ك َأ ْنتَ ْال َعلِي ُم ْال َح ِكي ُم " العليم الذي أحاط علما بكل شيء ,فال يغيب عنه ,وال يع زب مثق ال ذرة في الس ماوات واألرض ,وال " ِإنَّ َ
بر ك وال أك غر من ذل .أص
أمور ام ذ عنه وق ,وال يش ا مخل رج عنه تي ال يخ ة ,ال ة التام ه الحكم .الحكيم ,من ل
يء إال لحكمة ر بش ة ,وال أم يئا إال لحكم قش ا خل .فم
ق به عه الالئ يء في موض ع الش ة :وض .والحكم
يء ة أدنى ش ورهم عن معرف ه ,وقص ترفوا بعلم هللا وحكمت أقروا ,واع .ف
.واعترافهم بفضل هللا عليهم; وتعليمه إياهم ما ال يعلمون
قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أق ل "
لكم إني أعلم غيب الس ماوات واألرض وأعلم م ا تب دون وم ا
" كنتم تكتمون
.فحينئذ ق ال هللا " :يَ ا آ َد ُم َأ ْنبِْئهُ ْم بَِأ ْس َماِئ ِه ْم " أي :أس ماء المس ميات ال تي عرض ها هللا على المالئك ة; فعج زوا عنها
.فَلَ َّما َأ ْنبَ َأهُ ْم بَِأ ْس َماِئ ِه ْم " ت بين للمالئك ة فض ل آدم عليهم; وحكم ة الب اري وعلم ه في اس تخالف ه ذا الخليفة "
" اب اغ وم ت َواَأْلرْ ِ
ض " وه َما َوا ِ الس لْ لَ ُك ْم ِإنِّي َأ ْعلَ ُم َغي َ
ْب َّ ا َل َألَ ْم َأقُ .قَ
اهده ا; فلم نش .عن
اب أولى هادة من ب الغيب; فالش اب ان عالم إذا ك .ف
َ " .وَأ ْعلَ ُم َما تُ ْب ُدونَ " أي :تظهرون " َو َما ُك ْنتُ ْم تَ ْكتُ ُمونَ "
وإذ قلن ا للمالئك ة اس جدوا آلدم فس جدوا إال إبليس أبى "
" واستكبر وكان من الكافرين
الى ة هلل تع ا; وعبودي ه وتعظيم ال جود آلدم; إكرام الى بالس رهم تع .ثم أم
جود ادروا كلهم بالس ر هللا; وب امتثلوا أم .ف
" ر هللا وعلى آدم تكبر عن أم جود; واس ع عن الس يس َأبَى " امتن
ِ.إاَّل ِإ ْبلِ َ
.
ُج ُد لِ َم ْن خَ لَ ْقتَ ِطينًا ال " َأَأ ْس "ق .
.وه ذا اإلب اء من ه واالس تكبار; نتيج ة الكف ر ال ذي ه و منط و علي ه; فت بينت حينئذ عداوت ه هلل; وآلدم; وكف ره واس تكباره
.وفي هذه اآليات من العبر واآليات; إثبات الكالم هلل تعالى; وأنه لم يزل متكلما; يقول م ا ش اء; ويتكلم بم ا ش اء; وأن ه عليم حكيم
وفيه أن العب د إذا حفيت علي ه حكم ة هللا في بعض المخلوق ات والم أمورات ف الوجب علي ه; التس ليم; واته ام عقل ه; واإلق رار هلل
.بالحكمة
وه ا لم يعلم بيههم على م وا; وتن ا جهل انه بهم; بتعليمهم م ة; وإحس أن المالئك اء هللا بش ه اعتن .وفي
ه وحكمته ه; بعلم رف لمالئكت ا :أن هللا تع وه :منه يلة العلم من وج ه فض .وفي
ون في العبد فة تك لص ه أفض العلم; وأن ل آدم ب رفهم فض ا :أن هللا ع .ومنه
ل علمه ان فض اب ه; لم ال جود آلدم; إكرام رهم بالس ا :أن هللا أم .ومنه
.ومنه ا :أن االمتح ان للغ ير; إذا عج زوا عم ا امتحن وا ب ه; ثم عرف ه ص احب الفض يلة; فه و أكم ل مم ا عرف ه ابت داء
.ومنها االعتبار بحال أبوي اإلنس والجن; وبيان فضل آدم; وأفضال هللا عليه; وعداوة إبليس له; إلى غير ذلك من العبر
وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكال منه ا رغ دا حيث "
" شئتما وال تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين
لما خلق هللا آدم وفضله; أتم نعمته عليه; بأن خلق منه زوجه; ليسكن إليها; ويستأنس بها; وأمرهم ا بس كنى الجن ة; واألك ل منه ا
عا هنيئا دا; أي :واس .رغ
َظ َمُأ فِيهَا َواَل تَضْ َحى "
ك اَل ت ْ
ك َأاَّل تَجُو َع فِيهَا َواَل تَ ْع َرى َوَأنَّ َ " َحي ُ
ْث ِشْئتُ َما " أي :من أصناف الثمار والفواكه; وقال هللا لهِ " :إ َّن لَ َ
.
" ة; هللا أعلم بها جر الجن واع ش وع من أن َج َرةَ " ن ِذ ِه َّ
الش ا هَ َ .واَل تَ ْق َربَ
ة لنا ير معلوم ةغ ا وابتالء; أو لحكم ا امتحان ا عنه ا نهاهم .وإنم
" ه رتب الظلم عليه ريم; ألن ا ِمنَ الظَّالِ ِمينَ " دل على أن النهي للتح .فَتَ ُكونَ
.فلم ي زل ع دوهما يوس وس لهم ا وي زين لهم ا تن اول م ا نهي ا عن ه; ح تى أزلهم ا أي :حملهم ا على الزل ل بتزيينه
َوقَا َس َمهُ َما " باهلل " ِإنِّي لَ ُك َما لَ ِمنَ النَّا ِ
ص ِحينَ " فاغترا به وأطاعاه; فأخرجهما مما كانا فيه; من النعم والرغد; وأهبط وا إلى دار "
.التعب والنصب والمجاهدة
فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا "
" بعضكم لبعض عدو ولكم في األرض مستقر ومتاع إلى حين
" داء إلبليس وذريته ه; أع ُد ٌّو " أي :آدم وذريت ُك ْم لِبَع ٍ
ْض َع ْض
.بَع ُ
.ومن المعل وم أن الع دو; يج د ويجته د في ض رر ع دوه وإيص ال الش ر إلي ه بك ل طري ق; وحرمان ه الخ ير بك ل طريق
ففي ضمن هذا ,تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى " ِإ َّن ال َّش ْيطَانَ لَ ُك ْم َع ُد ٌّو فَاتَّ ِخ ُذوهُ َع ُد ًّوا ِإنَّ َم ا يَ ْدعُو ِح ْزبَ هُ لِيَ ُكونُ وا ِم ْن
َداًل س لِلظَّالِ ِمينَ بَُد ٌّو بِْئ َ ير " " َأفَتَتَّ ِخ ُذونَ هُ َو ُذ ِّريَّتَ هُ َأوْ لِيَ ا َء ِم ْن دُونِي َوهُ ْم لَ ُك ْم َع
ِع ِ ب َّ
الس َحا ِ " َأ ْ
ص .
رار كن وق تَقَ ٌّر " أي :مس ض ُم ْسال " َولَ ُك ْم فِي اَأْلرْ ِ اط فق ر منتهى اإلهب .ثم ذك
" ا ,وخلقت لكم تي خلقتم له دار ال ا لل ون منه الكم ,ثم تنتقل اء آج ع ِإلَى ِح ٍ
ين " انقض ا ٌ َ .و َمتَ
.ففيها أن مدة هذه الحياة ,مؤقتة عارضة ,ليست مسكنا حقيقيا ,وإنما هي معبر يتزود منها لتلك الدار ,وال تعمر لالستقرار
فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه ه و الت واب ال رحيم "
"
" نَا " اآلية ا َأ ْنفُ َس ا ظَلَ ْمنَ ه " َربَّنَ ت " وهي قول
ا ٍ ه هللا " ِم ْن َربِّ ِه َكلِ َم ف وتلقن ,وألهم .فَتَلَقَّى آ َد ُم " أي :تلق
اب " هللا " َعلَ ْي ِه " ورحم ه " ِإنَّهُ هُ َو التَّوَّابُ " لمن ت اب إلي ه وأن اب
.ف اعترف بذنب ه وس أل هللا مغفرت ه " فَتَ َ
روطها ثانيا ة إذا اجتمعت ش ه للتوب ه أوال ,ثم قبول ان :وتوفيق ه نوع .وتوبت
.ال َّر ِح ِيم " بعباده ,ومن رحمته بهم ,أن وفقهم للتوبة ,وعفا عنهم وصفح "
" وال تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون "
اط ِل َوتَ ْكتُ ُموا ْال َح َّ
ق " فنهاهم عن ش يئين ,عن خل ط الح ق بالباط ل ,وكتم ان الحق ق بِ ْالبَ ِ
.ثم قال " َواَل ت َْلبِسُوا " أي :تخلطوا " ْال َح َّ
ألن المقصود من أهل الكتب والعلم ,تمييز الحق ,وإظهار الحق ,ليهتدي ب ذلك المهت دون ,ويرج ع الض الون ,وتق وم الحج ة على
دين .المعان
رمين بيل المج تبين س ل ,ولتس ق من الباط يز الح ه ,ليم ح بينات ه ,وأوض ل آيات .ألن هللا فص
داة األمم ل وه اء الرس و من خلف ل العلم ,فه ذا من أه ل به .فمن عم
ومن لبس الحق بالباطل ,فلم يميز هذا من هذا ,مع علمه بذلك ,وكتم الحق الذي يعلمه ,وأم ر بإظه اره ,فه و من دع اة جهنم ,ألن
.الناس ال يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم ,فاختاروا ألنفسكم إحدى الحالتين
" وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين "
تحقيها اةَ " مس وا ال َّز َك ا " َوآتُ اهرا وباطن اَل ةَ " أي :ظ وا َّ
الص ال " َوَأقِي ُم .ثم ق
" لين ع المص لوا م رَّا ِك ِعينَ " أي :ص
وا َم َ .وارْ َك ُع
َع ال
ف إنكم إذا فعلتم ذل ك م ع اإليم ان برس ل هللا وآي ات هللا ,فق د جمعتم بين األعم ال الظ اهرة والباطن ة ,وبين اإلخالص للمعب ود,
ة والمالية ة البدني ادات القلبي ده وبين العب ان إلى عبي ,.واإلحس
.وقول ه " َوارْ َك ُع وا َم َع ال رَّا ِك ِعينَ " أي :ص لوا م ع المص لين ,ففي ه األم ر بالجماع ة للص الة ووجوبها
الركوع الة ب بر عن الص هع الة ألن ان الص وع ,ركن من أرك ه أن الرك .وفي
.والتعبير عن العبادة بجزئها ,يدل على فرضيته فيها
واستعينوا بالصبر والصالة وإنها لكبيرة إال على الخاش عين "
"
ع أنواعه بر بجمي ا بالص ورهم كله تعينوا في أم رهم هللا أن يس .أم
خطها ة فال يتس دار هللا المؤلم بر على أق ا ,والص تى يتركه ية هللا ح بر عن معص و الص .وه
.فبالص بر وحبس النفس على م ا أم ر هللا بالص بر علي ه ,معون ة عظيم ة على ك ل أم ر من األم ور ,ومن يتص بر يص بره هللا
وكذلك الصالة ,ال تي هي م يزان اإليم ان ,وتنهى عن الفحش اء والمنك ر ,يس تعان به ا على ك ل أم ر من األم ور " َوِإنَّهَ ا " أي:
ِعينَ اقة " ِإاَّل َعلَى ْال َخ ِ
اش ي َرةٌ " أي :ش الة " لَ َكبِ " الص .
فإنها سهلة عليهم خفيفة ,ألن الخشوع ,وخشية هللا ,ورجاء ما عنده ,يوجب له فعلها ,منشرحا صدره ,لترقبه للثواب ,وخش يته من
اب .العق
ياء عليه ل األش ارت من أثق اص ا ,وإذا فعله دعوه إليه هي ه ال داعي ل ذلك ,فإن .بخالف من لم يكن ك
.والخشوع هو :خضوع القلب وطمأنينته ,وسكونه هلل تعالى ,وانكساره بين يديه ,ذال وافتقارا ,وإيمانا به وبلقائه
" الذين يظنون أنهم مالقو ربهم وأنهم إليه راجعون "
ولهذا قال " الَّ ِذينَ يَظُنُّونَ " أي :يستيقنون " َأنَّهُ ْم ُماَل قُو َربِّ ِه ْم " فيجازيهم بأعمالهم " َوَأنَّهُ ْم ِإلَ ْي ِه َر ِ
اجعُونَ " فهذا الذي خفف عليهم
ل الس يئات رهم عن فع ات ,وزج يبات ,ونفس عنهم الكرب لي في المص ادات وأوجب لهم التس .العب
ات ات العالي ؤالء لهم النعيم المقيم في الغرف .فه
.ومن لم يؤمن بلقاء ربه ,كانت الصالة وغيرها من العبادات ,من أشق شيء عليه
وإذ واع دنا موس ى أربعين ليل ة ثم اتخ ذتم العج ل من بع ده "
" وأنتم ظالمون
.ثم ذك ر منت ه عليهم بوع ده لموس ى أربعين ليل ة لي نزل عليهم الت وراة المتض منة للنعم العظيم ة والمص الح العميمة
ده ,أي ذهابه ل من بع دوا العج تى عب اد ح تكمال الميع ل اس بروا قب .ثم إنهم لم يص
َوَأ ْنتُ ْم َ
ظالِ ُمونَ " تعلمون بظلمكم ,قد قامت عليكم الحجة ,فهو أعظم جرما وأكبر إثما "
وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى هللا جهرة فأخذتكم "
" الصاعقة وأنتم تنظرون
" ك َحتَّى نَ َرى هَّللا َ َج ْه َرةً " وه ذا غاي ة الج رأة على هللا وعلى رس وله
وس ى لَ ْن نُ ْؤ ِمنَ لَ َ .وَِإ ْذ قُ ْلتُ ْم يَ ا ُم َ
" ية العظيمة وت أو الغش ا الم ا ِعقَةُ " إم َذ ْت ُك ُم َّ
الص .فََأخَ
" احبه ر إلى ص ل ينظ ك ,ك وع ذل رُونَ " وق َ .وَأ ْنتُ ْم تَ ْنظُ
" .ثُ َّم بَ َع ْثنَا ُك ْم ِم ْن بَ ْع ِد َموْ تِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُكرُونَ "
فبدل الذين ظلموا قوال غير الذي قيل لهم فأنزلنا على ال ذين "
" ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون
ظلَ ُم وا " منهم ,ولم يقل فبدلوا ألنهم لم يكونوا كلهم بدلوا " قَوْ اًل َغي َْر الَّ ِذي قِي َل لَهُ ْم " فقالوا بدل حطة حبة في حنطة "
فَبَ َّد َل الَّ ِذينَ َ
رى .اس تهانة ب أمر هللا ,واس تهزاء وإذا ب دلوا الق ول م ع خفت ه فتب ديلهم للفع ل من ب اب أولى وأح
ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم ,ولما كان هذا الطغيان أكبر سبب لوقوع عقوب ة هللا بهم ق ال " فََأ ْن َز ْلنَ ا َعلَى الَّ ِذينَ َ
ظلَ ُم وا " "
ًزا " منهم " " ِرجْ .
.أي :عذابا " ِمنَ ال َّس َما ِء بِ َما َكانُوا يَ ْف ُسقُونَ " بسبب فسقهم وبغيهم
وإذ استس قى موس ى لقوم ه فقلن ا اض رب بعص اك الحج ر "
فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أن اس مش ربهم كل وا
" واشربوا من رزق هللا وال تعثوا في األرض مفسدين
ربون منه اء يش قى ,أي :طلب لهم م .استس
" م جنس ا اس ده ,وإم وم عن وص معل ر مخص َر " إم ا حج
ص ك ْال َح َج
ِربْ بِ َع َ ا َ .فَقُ ْلنَ ا ْ
اض
" رة قبيلة ا عش رائيل اثنت ني إس لب ا " وقبائ َرةَ َع ْينً اع ْ
َش هُ ْاثنَتَ ت ِم ْنا ْنفَ َج َر ْ .فَ
س َم ْش َربَهُ ْم " أي :محلهم الذي يشربون عليه من هذه األعين ,فال يزاحم بعضهم بعضا ,بل يش ربونه متهن ئين ال " قَ ْد َعلِ َم ُكلُّ ُأنَا ٍ
عي وال تعب ير س ق هَّللا ِ " أي :ال ذي آت
اكم من غ َربُوا ِم ْن ِر ْز ِ وا َو ْ
اش ال " ُكلُ ذا ق درين ,وله .متك
َ .واَل تَ ْعثَوْ ا فِي اَأْلرْ ِ
ض " أي :تخربوا على وجه اإلفساد "
وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة "
" واذكروا ما فيه لعلكم تتقون
.ثم ع اد تب ارك وتع الى ي وبخ ب ني إس رائيل بم ا فع ل س لفهم فق الَ " :وِإ ْذ َأخَ ْذنَا ِميثَ اقَ ُك ْم " اآلية
أي :واذكروا " َوِإ ْذ َأ ْ
خَذنَا ِميثَاقَ ُك ْم " وهو العهد الثقيل المؤكد بالتخويف لهم ,برفع الطور فوقهم وقيل لهم " ُخ ُذوا َما آتَ ْينَ ا ُك ْم " من
ر هللا بر على أوام اد ,وص د واجته َّو ٍة " أي :بج وراة " بِقُ .الت
" وه وه وتتعلم أن تتل ابكم ,ب ا في كت ِه " أي :م ا فِي رُوا َم َ .و ْاذ ُك
.لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ " عذاب هللا وسخطه ,أو لتكونوا من أهل التقوى "
ولقد علمتم ال ذين اعت دوا منكم في الس بت فقلن ا لهم كون وا "
" قردة خاسئين
ت " وهم ال ذين ذك ر هللا " ت " أي :ولقد تقرر عن دكم حال ة " الَّ ِذينَ ا ْعتَ دَوْ ا ِم ْن ُك ْم فِي َّ
الس ْب ِ َولَقَ ْد َعلِ ْمتُ ُم الَّ ِذينَ ا ْعتَدَوْ ا ِم ْن ُك ْم فِي ال َّس ْب ِ
ت " اآلي ات اض َرةَ ْالبَحْ ِر ِإ ْذ يَ ْع ُدونَ فِي َّ
الس ْب ِ َت َح ِ اس َأ ْلهُ ْم َع ِن ْالقَرْ يَ ِة الَّتِي َك ان ْ
.قصتهم مبسوطة في سورة األعراف في قوله " َو ْ
.فأوجب لهم هذا الذنب العظيم ,أن غضب هللا عليهم ,وجعلهم " قِ َر َدةً خَاسِِئينَ " حقيرين ذليلين
" فجعلناها نكاال لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين "
.وجع ل هللا ه ذه العقوب ة " نَ َك ااًل لِ َم ا بَ ْينَ يَ َد ْيهَا " أي :لمن حض رها من األمم ,وبلغ ه خبره ا ,ممن ه و في وقتهم
َ .و َما خَ ْلفَهَا " أي :من بعدها ,فتقوم على العباد حجة هللا ,وليرت دعوا عن معاص يه ,ولكنه ا ال تك ون موعظ ة نافع ة إال للمتقين "
وأما من عداهم ,فال ينتفعون باآليات
قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنه ا بق رة ال "
" فارض وال بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون
ان " ك يُبَي ِّْن لَنَا َما ِه َي " أي :ما سنها " قَا َل ِإنَّهُ يَقُو ُل ِإنَّهَا بَقَ َرةٌ اَل فَ ِ
ارضٌ " أي :كبيرة " َواَل بِ ْك ٌر " أي :ص غيرة " َع َو ٌ ع لَنَا َربَّ َ
ا ْد ُ
طة بين ك " أي :متوس َ .بَ ْينَ َذلِ
ابقا ذكورين س نين ,الم .الس
بر غر والك ا الص .وهم
.فَا ْف َعلُوا َما تُْؤ َمرُونَ " واتركوا التشديد والتعنت "
قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يق ول إنه ا بق رة "
" صفراء فاقع لونها تسر الناظرين
ص ْف َرا ُء فَاقِ ٌع لَوْ نُهَا " أي :شديد " تَسُرُّ النَّا ِظ ِرينَ " من حسنها "
ك يُبَي ِّْن لَنَا َما لَوْ نُهَا قَا َل ِإنَّهُ يَقُو ُل ِإنَّهَا بَقَ َرةٌ َ .قَالُوا ا ْد ُ
ع لَنَا َربَّ َ
قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علين ا وإن ا "
" إن شاء هللا لمهتدون
ك يُبَي ِّْن لَنَا َما ِه َي ِإ َّن ْالبَقَ َر تَ َشابَهَ َعلَ ْينَا " فلم نهتد إلى ما تريد " َوِإنَّا ِإ ْن َشا َء هَّللا ُ لَ ُم ْهتَ ُدونَ " قَالُوا ا ْد ُ
ع لَنَا َربَّ َ
فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي هللا الم وتى وي ريكم آيات ه "
" لعلكم تعقلون
فلما ذبحوها ,قلنا لهم اضربوا القتي ل ببعض ها ,أي :بعض و منه ا ,إم ا بعض و معين ,أو أي عض و منه ا ,فليس في تعيين ه فائ دة,
أخبر بقاتله ون ,ف انوا يكتم اك رج م اه هللا ,وأخ ها فأحي ربوه ببعض .فض
وتى اء هللا الم دل على إحي اي اهدون -م ه -وهم يش ان في إحيائ .وك
.لعلكم تعقلون ,فتنزجرون عن ما يضركم
أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كالم "
" هللا ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون
انهم وا في إيم اب ,أي :فال تطمع ل الكت ان أه نين من إيم اع المؤم ع ألطم ذا قط .ه
وأخالقهم ال تقتضي الطمع فيهم ,فإنهم كانوا يحرفون كالم هللا من بع د م ا عقل وه وعلم وه ,فيض عون ل ه مع اني ,م ا أراده ا هللا,
د هللا ا هي من عن د هللا ,وم ا من عن اس أنه وا الن .ليوهم
!.ف إذا ك انت ح الهم في كت ابهم ال ذي يرون ه ش رفهم ودينهم يص دون ب ه الن اس عن س بيل هللا ,فكي ف ي رجى منهم إيم ان لكم؟
.فهذا من أبعد األشياء
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمن ا وإذا خال بعض هم إلى بعض "
قالوا أتحدثونهم بما فتح هللا عليكم ليحاجوكم ب ه عن د ربكم أفال
" تعقلون
.ثم ذكر حال منافقي أهل الكتاب فقال " َوِإ َذا لَقُوا الَّ ِذينَ آ َمنُوا قَالُوا آ َمنَّا " فأظهروا لهم اإليمان ق وال بألس نتهم ,م ا ليس في قل وبهم
ْض " فلم يكن عندهم أحد من غير أهل دينهم قال بعضهم لبعضَ " :أتُ َح ِّدثُونَهُ ْم بِ َما فَت ََح هَّللا ُ َعلَ ْي ُك ْم " أي" :
ضهُ ْم ِإلَى بَع ٍ
َوِإ َذا خَاَل بَ ْع ُ
ة لهم عليكم؟ ك حج ون ذل بروهم أنكم مثلهم ,فيك ان وتخ رون لهم اإليم .أتظه
.يقول ون :إنهم ق د أق روا ب أن م ا نحن علي ه ح ق ,وم ا هم علي ه باط ل ,فيحتج ون عليكم ب ذلك عن د ربهم
" ة عليكم؟ و حج اه تركون م ل ,فت ون لكم عق ونَ " أي :أفال يك َ.أفَاَل تَ ْعقِلُ
.هذا يقوله بعضهم لبعض
ومنهم أميون ال يعلمون الكتاب إال أماني وإن هم إال يظن ون "
"
" ل العلم وا من أه وام ,وليس اب " ُأ ِّميُّونَ " أي :ع َ .و ِم ْنهُ ْم " أي :من أه
ل الكت
َاب ِإاَّل َأ َمانِ َّ
ي " أي :ليس لهم حظ من كتاب هللا إال التالوة فقط ,وليس عندهم خبر بما عند األولين الذين يعلم ون " اَل يَ ْعلَ ُمونَ ْال ِكت َ
ل العلم منهم د أله ون وتقالي ا معهم ظن ؤالء ,إنم الهم ,وه ةح ق المعرف .ح
.فذكر في هذه اآليات علم اءهم ,وع وامهم ,ومن افقيهم ,ومن لم ين افق منهم ,فالعلم اء منهم ,متمس كون بم ا هم علي ه من الض الل
.والعوام مقلدون لهم ,ال بصيرة عندهم فال مطمع لكم في الطائفتين
وقالوا لن تمسنا النار إال أيام ا مع دودة ق ل أتخ ذتم عن د هللا "
" عهدا فلن يخلف هللا عهده أم تقولون على هللا ما ال تعلمون
ذكر أفعالهم القبيحة ,ثم ذكر -مع هذا -أنهم يزكون أنفسهم ,ويشهدون لها بالنجاة من عذاب هللا ,والف وز بثواب ه ,وأنهم لم تمس هم
اءة واألمن وا بين اإلس ابع ,فجمع د باألص ة تع دودة ,أي :قليل ا مع ار إال أيام .الن
ولما كان هذا مجرد دعوى ,رد هللا تع الى عليهم فق ال " :قُ لْ " لهم ,ي ا أيه ا الرس ول " َأتَّخَ ْذتُ ْم ِع ْن َد هَّللا ِ َع ْه دًا " أي باإليم ان ب ه
دل ير وال يتب ذي ال يتغ احبه ال اة ص وجب لنج د الم ذا الوع ه ,فه له وبطاعت .وبرس
َ.أ ْم تَقُولُونَ َعلَى هَّللا ِ َما اَل تَ ْعلَ ُمونَ " ؟ فأخبر تعالى أن صدق دع واهم ومتوق ف على أح د ه ذين األم رين الل ذين ال ث الث لهما "
حيحة واهم ص ون دع دا ,فتك د هللا عه ذوا عن د اتخ وا ق ا أن يكون .إم
ذابهم زيهم ع غ لخ ون أبل ة ,فيك ون كاذب ه ,فتك ولين علي وا متق ا أن يكون .وإم
وقد علم من حالهم أنهم لم يتخذوا عند هللا عهدا ,لتكذيبهم كث يرا من األنبي اء ,ح تى وص لت بهم الح ال إلى أن قتل وا طائف ة منهم,
هم المواثيق ة هللا ونقض ولهم عن طاع .ولنك
ون ا ال يعلم هم ائلون علي ون ,ق ون مختلق ذلك ,أنهم متقول .فتعين ب
.والقول عليه بال علم ,من أعظم المحرمات ,وأشنع القبيحات
وإذ أخذنا ميثاق بني إس رائيل ال تعب دون إال هللا وبالوال دين "
إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقول وا للن اس حس نا
وأقيم وا الص الة وآت وا الزك اة ثم ت وليتم إال قليال منكم وأنتم
" معرضون
ق بَنِي ِإ ْس َراِئي َل " هذا من قسوتهم أن كل أمر أمروا به ,استعصوا فال يقبلونه إال باأليمان الغليظة ,والعه ود فقوله " َوِإ ْذ َأخ َْذنَا ِميثَا َ
.الموثقة
" رك به ده ,ونهى عن الش ادة هللا وح ر بعب ذا أم ُدونَ ِإاَّل هَّللا َ " ه .اَل تَ ْعبُ
وهذا أصل الدين ,فال تقبل األعمال كلها ,إن لم يكن هذا أساسها ,فهذا حق هللا تع الى على عب اده ,ثم ق الَ " :وبِ ْال َوالِ َد ْي ِن ِإحْ َس انًا "
انا دين إحس نوا بالوال .أي :أحس
ان إليهم و إحس اه ولي ,وفعلي ,مم ان ,ق ل إحس ذا يعم ك .وه
اءة ان واإلس دم اإلحس دين ,أو ع اءة إلى الوال ه النهي عن اإلس .وفي
ده يء ,نهي عن ض ر بالش ان ,واألم واجب ,اإلحس .ألن ال
اءة ,وهي أعظم جرما دان :اإلس ان ض .ولإلحس
األول قب رم ,لكن ال يجب أن يلح ذا مح اءة ,وه دون إس ان ب رك اإلحس .وت
اكين امى ,والمس ارب واليت لة األق ال في ص ذا يق .وك
دم ا تق د ,كم ون بالح ل تك ر بالع د ,ب ان ال تنحص يل اإلحس .وتفاص
ُس نًا " ومن الق ول الحس ن أم رهم ب المعروف ,ونهيهم عن المنك ر, ثم أمر باإلحسان إلى الناس عموم ا فق الَ " :وقُولُ وا لِلنَّ ِ
اس ح ْ
ل كالم طيب ك من ك ير ذل ة وغ الم ,والبشاش ذل الس .وتعليمهم العلم ,وب
ولما كان اإلنسان ال يسع الناس بماله ,أمر بأمر يقدر به على اإلحسان إلى كل مخلوق ,وهو اإلحس ان ب القول ,فيك ون في ض من
ب ِإاَّل بِ الَّتِي ِه َي َأحْ َس نُ
" .ذل ك ,النهي عن الكالم الق بيح للن اس ح تى للكف ار ,وله ذا ق ال تع الىَ " :واَل تُ َج ا ِدلُوا َأ ْه َل ْال ِكتَ ا ِ
ومن أدب اإلنسان الذي أدب هللا ب ه عب اده ,أن يك ون اإلنس ان نزيه ا فى أقوال ه وأفعال ه ,غ ير ف احش وال ب ذيء ,وال ش اتم ,وال
.مخاصم
.بل يكون حسن الخلق ,واس ع الحلم ,مج امال لك ل أح د ,ص بورا على م ا ينال ه من أذى الخل ق ,امتث اال ألم ر هللا ,ورج اء لثوابه
.ثم أمرهم بإقامة الصالة ,وإيتاء الزكاة ,لما تقدم أن الص الة متض منة لإلخالص للمعب ود ,والزك اة متض منة لإلحس ان إلى العبيد
ثم بعد هذا األمر لكم ,بهذه األوامر الحسنة التي إذا نظر إليه ا البص ير العاق ل ,ع رف أن من إحس ان هللا على عب اده ,أن أم رهم
راض ه اإلع َولَّ ْيتُ ْم " على وج ق عليكم " ثُ َّم تَ ذ المواثي ا عليهم ,وأخ ل به ا ,,وتفض .به
ولى عنه ات وع إلى م ة رج ه ني ولى ,ول د يت ولي ق .ألن المت
ذه األوامر وع في ه ة وال رج ؤالء ليس لهم رغب .وه
ذالن وذ باهلل من الخ .فنع
وا كلهم وهم أنهم تول تثناء ,لئال ي ذا اس ه " ِإاَّل قَلِياًل ِم ْن ُك ْم " ه .وقول
.فأخبر أن قليال منهم ,عصمهم هللا وثبتهم
أولئك الذين اشتروا الحي اة ال دنيا ب اآلخرة فال يخف ف عنهم "
" العذاب وال هم ينصرون
اش تَ َر ُوا ْال َحيَ اةَ ال ُّد ْنيَا ثم أخ بر تع الى عن الس بب ال ذي أوجب لهم الكف ر ببعض الكت اب ,واإليم ان ببعض ه فق الُ " :أولَِئ َ
ك الَّ ِذينَ ْ
.بِ اآْل ِخ َر ِة " توهم وا أنهم إن لم يعين وا حلف اءهم حص ل لهم ع ار ,فاخت اروا الن ار على الع ار
.فله ذا ق ال " :فَاَل يُ َخفَّفُ َع ْنهُ ُم ْال َع َذابُ " ب ل :ه و ب اق على ش دته ,وال يحص ل لهم راح ة ب وقت من األوق ات
َ .واَل هُ ْم يُ ْن َ
صرُونَ " أي :يدفع عنهم مكروه "
" وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم هللا بكفرهم فقليال ما يؤمنون "
.أي :اعتذروا عن اإليمان لما دعوتهم إلي ه ,ي ا أيه ا الرس ول ,ب أن قل وبهم غل ف ,أي :عليه ا غالف وأغطي ة ,فال تفق ه م ا تق ول
ذب منهم ذا ك دم العلم ,وه ذر لع زعمهم -ع ون لهم -ب ني ,فيك .يع
رهم بب كف ون ,بس رودون ملعون ِر ِه ْم " أي :أنهم مط لْ لَ َعنَهُ ُم هَّللا ُ بِ ُك ْف الى " :بَ ال تع ذا ق .فله
انهم ؤمن منهم ,أو قليال ,إيم .فقليال ,الم
.وكفرهم هو الكثير
وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة "
واس معوا ق الوا س معنا وعص ينا وأش ربوا في قل وبهم العج ل
" بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين
اس َمعُوا " أي :س ماع قب ول وطاع ة واس تجابة " ور ُخ ُذوا َم ا آتَ ْينَ ا ُك ْم بِقُ َّو ٍة َو ْ .وَِإ ْذ َأخَ ْذنَا ِميثَ اقَ ُك ْم َو َرفَ ْعنَ ا فَ وْ قَ ُك ُم ُّ
الط َ
َص ْينَا " أي :ص ارت ه ذه ح التهم " َوُأ ْش ِربُوا فِي قُلُ وبِ ِه ُم ْال ِعجْ َل " أي :ص بغ حب العج ل ,وحب عبادت ه ,في " قَالُوا َس ِم ْعنَا َوع َ
رهم بب كف ربها بس وبهم ,وش .قل
قُلْ بِْئ َس َما يَْأ ُم ُر ُك ْم بِ ِه ِإي َمانُ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُمْؤ ِمنِينَ " أي :أنتم تدعون اإليمان وتتمدحون بالدين الح ق ,وأنتم قتلتم أنبي اء هللا ,واتخ ذتم "
العجل إلها من دون هللا ,لما غاب عنكم موسى ,نبي هللا ,و لم تقبلوا أوامره ونواهيه إال بعد التهديد ورفع الط ور ف وقكم ,ف التزمتم
تم بالفعل القول ,ونقض .ب
فما هذا اإليمان الذي ادعيتم ,وما هذا الدين؟ فإن كان هذا إيمانا على زعمكم ,فبئس اإليمان الداعي صاحبه إلى الطغي ان ,والكف ر
يان ثرة العص ل هللا ,وك .برس
ل شر اه عن ك ير ,وينه لخ احبه بك أمر ص حيح ,ي ان الص د أن اإليم د عه .وق
.فوضح بهذا كذبهم ,وتبين تناقضهم
قل إن كانت لكم الدار اآلخرة عند هللا خالصة من دون الناس "
" فتمنوا الموت إن كنتم صادقين
َت لَ ُك ُم ال َّدا ُر اآْل ِخ َرةُ " يع ني الجن ة " خَ الِ َ
ص ةً ِم ْن دُو ِن النَّ ِ
اس " كم ا زعمتم, أي " :قُلْ " لهم على وجه تصحيح دعواهم " ِإ ْن َكان ْ
.أن ه لن ي دخل الجن ة إال من ك ان ه ودا أو نص ارى ,وأن الن ار لن تمس كم إال أيام ا مع دودة
.ف إن كنتم ص ادقين في ه ذه ال دعوى " فَتَ َمنَّ ُوا ْال َم وْ تَ " وه ذا ن وع مباهل ة بينهم ,وبين رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم
.وليس بع د ه ذا اإللج اء والمض ايقة لهم بع د العن اد منهم ,إال أح د أم رين :إم ا أن يؤمن وا باهلل ورس وله
وإما أن يباهلوا على ما هم عليه بأمر يسير عليهم ,وهو تمني الموت الذي يوصلهم إلى الدار التي هي خالص ة لهم ,ف امتنعوا من
.ذلك
" ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم وهللا عليم بالظالمين "
ذلك ع علمهم ب وله ,م ادة هلل ولرس دة والمح ة المعان
د أنهم في غاي ل أح .فعلم ك
ت َأ ْي ِدي ِه ْم " من الكفر والمعاصي ,ألنهم يعلمون أن ه طري ق لهم إلى المج ازاة بأعم الهم
ولهذا قال تعالى " َولَ ْن يَتَ َمنَّوْ هُ َأبَدًا بِ َما قَ َّد َم ْ
.الخبيثة
" ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إال الفاسقون "
ت " تحصل بها الهداي ة لمن اس تهدى ,وإقام ة الحج ة على من عان د, يقول لنبيه صلى هللا عليه وسلم " َولَقَ ْد َأ ْن َز ْلنَا ِإلَ ْيكَ آيَا ٍ
ت بَيِّنَا ٍ
وهي في الوضوح والداللة على الحق ,قد بلغت مبلغا عظيم ا ووص لت إلى حال ة ال يمتن ع من قبوله ا إال من فس ق عن أم ر هللا,
بر ة التك تكبر غاي ة هللا ,واس رج عن طاع .وخ
.وهذا فيه التعجب من كثرة معاهداتهم ,وعدم صبرهم على الوالء بها
واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان "
ولكن الشياطين كف روا يعلم ون الن اس الس حر وم ا أن زل على
الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد ح تى يق وال
إنم ا نحن فتن ة فال تكف ر فيتعلم ون منهم ا م ا يفرق ون ب ه بين
الم رء وزوج ه وم ا هم بض ارين ب ه من أح د إال ب إذن هللا
ويتعلمون ما يضرهم وال ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما ل ه
في اآلخ رة من خالق ول بئس م ا ش روا ب ه أنفس هم ل و ك انوا
" يعلمون
كذلك هؤالء اليهود لما نبذوا كتاب هللا اتبعوا ما تتلوا الش ياطين وتختل ق من الس حر على مل ك س ليمان حيث أخ رجت الش ياطين
.للن اس الس حر وزعم وا أن س ليمان علي ه الس الم ك ان يس تعمله وب ه حص ل ل ه المل ك العظيم
.وهم كذب ة في ذل ك فلم يس تعمله س ليمان ب ل نزه ه الص ادق في قيل هَ " :و َم ا َكفَ َر ُس لَ ْي َمانُ " أي :بتعلم الس حر ,فلم يتعلمه
" رُوا " في ذلك يَا ِطينَ َكفَ َ .ولَ ِك َّن َّ
الش
يُ َعلِّ ُمونَ النَّ َ
اس السِّحْ َر " من إضاللهم وحرصهم على إغواء بني آدم وكذلك اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين الكائنين "
.ب أرض باب ل من أرض الع راق أن زل عليهم ا الس حر امتحان ا وابتالء من هللا لعب اده فيعلم انهم الس حر
َو َما يُ َعلِّ َما ِن ِم ْن َأ َح ٍد َحتَّى " ينصحاه ,و " يَقُواَل ِإنَّ َم ا نَحْ نُ فِ ْتنَ ةٌ فَاَل تَ ْكفُ رْ " أي :ال تتعلم الس حر فإن ه كف ر فينهيان ه عن الس حر "
ويخبرانه عن مرتبته ,فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس واإلضالل ونسبته وترويجه إلى من برأه هللا من ه وه و س ليمان
الم ه الس .علي
ون لهم حجة حهما لئال يك ع نص ام .وتعليم الملكين امتحان
فهؤالء اليهود يتبعون السحر الذي تعلمه الشياطين ,والسحر الذي يعلمه الملكان ,فتركوا علم األنبياء والمرسلين وأقبلوا على علم
به ا يناس بو إلى م ل يص ياطين ,وك .الش
ثم ذكر مفاسد السحر فقال " :فَيَتَ َعلَّ ُمونَ ِم ْنهُ َما َما يُفَرِّ قُونَ بِ ِه بَ ْينَ ْال َمرْ ِء َو َزوْ ِج ِه " مع أن محبة الزوجين ال تقاس بمحب ة غيرهم ا,
ألن هللا قال في حقهما " َو َج َع َل بَ ْينَ ُك ْم َم َو َّدةً َو َرحْ َمةً " وفي هذا دليل على أن السحر له حقيقة وأن ه يض ر ب إذن هللا أي ب إرادة هللا,
ذه اآلية ا في ه يئة هللا ,كم ق بمش و المتعل دري وه ان :إذن ق .واإلذن نوع
ابقة ة الس الى في اآلي ه تع رعي كم ا في قول .وإذن ش
فَِإنَّهُ نَ َّزلَهُ َعلَى قَ ْلبِكَ بِِإ ْذ ِن هَّللا ِ " وفي هذه اآلية وما أشبهها أن األسباب مهم ا بلغت في ق وة الت أثير فإنه ا تابع ة للقض اء والق در "
ليست مستقلة في التأثير ,ولم يخالف في هذا األصل من فرق األمة غير القدرية في أفعال العباد زعم وا أنه ا مس تقلة غ ير تابع ة
درة هللا ا عن ق يئة ,فأخرجوه .للمش
ابعين حابة والت اع الص وله وإجم نة رس اب هللا وس الفوا كت .فخ
.ثم ذكر أن علم السحر مضرة محضة ,ليس فيه منفعة ال دينية وال دنيوية كم ا يوج د بعض المن افع الدنيوي ة في بعض المعاصي
اس َوِإ ْث ُمهُ َم ا َأ ْكبَ ُر ِم ْن نَ ْف ِع ِه َما
" .كم ا ق ال تع الى في الخم ر والميس ر " قُ لْ فِي ِه َم ا ِإ ْث ٌم َكبِ ي ٌر َو َمنَ افِ ُع لِلنَّ ِ
.فه ذا الس حر مض رة محض ة ,فليس ل ه داع أص ال ,فالمنهي ات كله ا إم ا مض رة محض ة ,أو ش رها أك بر من خيرها
رها ثر من ش ا أك ة أو خيره لحة محض ا مص أمورات إم ا أن الم .كم
" لعة تري في الس ة المش حر رغب تَ َراهُ " أي :رغب في الس ود " لَ َم ِن ْ
اش ْد َعلِ ُم َ .ولَقَ
وا " أي اليه
َما لَهُ فِي اآْل ِخ َر ِة ِم ْن خَ اَل ٍ
ق " أي :نصيب ,بل هو موجب للعقوبة ,فلم يكن فعلهم إي اه جهال ,ولكنهم اس تحبوا الحي اة ال دنيا على "
رة .اآلخ
س َما َش َروْ ا بِ ِه َأ ْنفُ َسهُ ْم لَوْ َكانُوا يَ ْعلَ ُمونَ " علما يثمر العمل ما فعلوه "
َ .ولَبِْئ َ
يا أيها الذين آمنوا ال تقولوا راعنا وقولوا انظرن ا واس معوا "
" وللكافرين عذاب أليم
اعنَ ا " أي :راع أحوالن ا ,فيقص دون به ا مع نى ص حيحا
.كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلمهم أمر الدين " َر ِ
.وك ان اليه ود يري دون به ا مع نى فاس دا ,ف انتهزوا الفرص ة ,فص اروا يخ اطبون الرس ول ب ذلك ,ويقص دون المع نى الفاسد
اب ذا الب دا له ة ,س ذه الكلم نين عن ه .فنهى هللا المؤم
رم يلة إلى مح ان وس ائز ,إذا ك ه النهي عن الج .ففي
وفيه األدب ,واس تعمال األلف اظ ,ال تي ال تحتم ل إال الحس ن ,وع دم الفحش ,وت رك األلف اظ القبيح ة ,أو ال تي فيه ا ن وع تش ويش
ير الئق رغ ال ألم .واحتم
وا ا ْنظُرْ نَا ال " َوقُولُ ن فق ل إال الحس ة ,ال تحتم أمرهم بلفظ "ف .
ذور ير مح ود من غ ا المقص ل به ة يحص ا كافي .فإنه
" تماعه ر باس ا أم موع ,ليعم م ذكر المس َمعُوا " لم ي َ .و ْ
اس
تجابة نى ,واس ا ومع ة ,لفظ تي هي الحكم نة ال ماع الس رآن ,وس ماع الق هس دخل في .في
.ففيه األدب والطاعة
ما يود الذين كفروا من أهل الكت اب وال المش ركين أن ي نزل "
عليكم من خير من ربكم وهللا يختص برحمته من يشاء وهللا ذو
" الفضل العظيم
ثم توعد الكافرين بالعذاب المؤلم الموجع ,وأخبر عن ع داوة اليه ود المش ركين للمؤم نين ,أنهم م ا ي ودون " َأ ْن يُنَ َّز َل َعلَ ْي ُك ْم ِم ْن
ٍر " خَ ْي .
ض ِل ْال َع ِظ ِيم " .أي :ال قليال ,وال كث يرا " ِم ْن َربِّ ُك ْم " حس دا منهم ,وبغض ا لكم أن يختص كم بفض له فإن ه " ُذو ْالفَ ْ
ومن فضله عليكم ,أنزل الكت اب على رس ولكم ,ل يزكيكم ,ويعلمكم الكت اب والحكم ة ,ويعلمكم م ا لم تكون وا تعلم ون ,فل ه الحم د
.والمنة
ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منه ا أو مثله ا ألم تعلم "
" أن هللا على كل شيء قدير
قاطه ر ,أو إلى إس روع ,إلى حكم آخ ل المكلفين من حكم مش خ نق ة النس ل ,فحقيق و النق خ ,ه .النس
.وك ان اليه ود ينك رون النس خ ,ويزعم ون أن ه ال يج وز ,وه و م ذكور عن دهم في الت وراة ,فإنك ارهم ل ه ,كف ر وه وى محض
.ف أخبر هللا تع الى عن حكمت ه في النس خ فق الَ " :م ا نَ ْن َس ْخ ِم ْن آيَ ٍة َأوْ نُ ْن ِس هَا " أي :ننس ها العب اد ,فنزيله ا من قل وبهم
" ع لكم " َأوْ ِم ْثلِهَا ا " وأنف ٍر ِم ْنهَ ْأ ِ
ت بِ َخ ْي " نَ .
فدل على أن النسخ ال يكون ألقل مصلحة لكم من األول ,ألن فضله تع الى ي زداد ,خصوص ا على ه ذه األم ة ,ال تي س هل عليه ا
هيل ه التس ا ,غاي .دينه
وأخبر أن من قدح في النسخ ,قدح في ملكه وقدرته فقالَ " :ألَ ْم تَ ْعلَ ْم َأ َّن هَّللا َ َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء قَ ِدي ٌر
أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن "
" يتبدل الكفر باإليمان فقد ضل سواء السبيل
ُل وس ى ِم ْن قَ ْب ألوا رس ولهم " َك َم ا ُس ِئ َل ُم َ أن يس ود ,ب نين ,أو اليه " ينهى هللا المؤم .
وس ى ب َأ ْن تُنَ ِّز َل َعلَ ْي ِه ْم ِكتَابًا ِمنَ ال َّس َما ِء فَقَ ْد َس َألُوا ُم َ
والمراد بذلك ,أسئلة التعنت واالعتراض ,كما قال تعالى " :يَ ْسَألُكَ َأ ْه ُل ْال ِكتَا ِ
َرةً ا هَّللا َ َج ْه الُوا َأ ِرنَ ك فَقَ َ َر ِم ْن َذلِ " َأ ْكبَ .
ْؤ ُك ْم َد َل ُك ْم ت َُس يَا َء ِإ ْن تُ ْب َألُوا ع َْن َأ ْش وا اَل ت َْس ا الَّ ِذينَ آ َمنُ ا َأيُّهَ الى " :يَ ال تع " وق .
ا ,هي المنهي عنها ذه ونحوه .فه
اس َألُوا َأ ْه َل ال ِّذ ْك ِر ِإ ْن ُك ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُم ونَ
" .وأم ا س ؤال االسترش اد والتعليم ,فه ذا محم ود ق د أم ر هللا ب ه كم ا ق ال تع الى " فَ ْ
ك َع ِن ْاليَتَ ا َمى " ونح و ذلك .ويق رهم علي ه ,كم ا في قول ه " يَ ْس َألُونَكَ َع ِن ْالخَ ْم ِر َو ْال َمي ِْس ِر " " َويَ ْس َألُونَ َ
ض َّل َس َوا َء َّ
الس بِي ِل ولما كانت المسائل المنهي عنها مذمومة ,قد تصل بصاحبها إلى الكفر قالَ " :و َم ْن يَتَبَ َّد ِل ْال ُك ْف َر بِاِإْل ي َم ِ
ان فَقَ ْد َ
".
ولن ترضى عنك اليهود وال النص ارى ح تى تتب ع ملتهم ق ل "
إن هدى هللا هو اله دى ولئن اتبعت أه واءهم بع د ال ذي ج اءك
" من العلم ما لك من هللا من ولي وال نصير
يخبر تعالى رسوله ,أنه ال يرضى منه اليهود وال النصارى ,إال باتباعه دينهم ,ألنهم دعاة إلى الدين الذي هم عليه ,ويزعمون أنه
دى .اله
دَى َو ْالهُ ه " هُ لت ب ذي أرس دَى هَّللا ِ " ال ل لهم " ِإ َّن هُ " فق .
ير ك ِمنَ ْال ِع ْل ِم َم ا لَ كَ ِمنَ هَّللا ِ ِم ْن َولِ ٍّي َواَل ن ِ
َص ٍ " .وأما ما أنتم عليه ,فهو الهوى بدليل قوله " َولَِئ ِن اتَّبَعْتَ َأ ْه َوا َءهُ ْم بَ ْع َد الَّ ِذي َجا َء َ
.فه ذا في ه النهي العظيم ,عن اتب اع أه واء اليه ود والنص ارى ,والتش به بهم فيم ا يختص ب ه دينهم
ة في ذلك ه داخل إن أمت لم -ف ه وس لى هللا علي ول هللا ص ان لرس اب -وإن ك .والخط
اطب وص المخ نى ال بخص وم المع ار بعم .ألن االعتب
.كما أن العبرة بعموم اللفظ ,ال بخصوص السبب
وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم "
مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بي تي للط ائفين
" والعاكفين والركع السجود
ثم ذكر تعالى ,أنموذجا باقيا داال على إمامة إبراهيم ,وهو :هذا البيت الحرام الذي جعل قص ده ,ركن ا من أرك ان اإلس الم ,حاط ا
ام ذنوب واآلث .لل
وفيه من آثار الخليل وذريته ,ما عرف به إمامته ,وتذكرت به حالته فقالَ " :وِإ ْذ َج َع ْلنَ ا ْالبَيْتَ َمثَابَ ةً لِلنَّ ِ
اس " أي :مرجع ا يثوب ون
را ه وط ون من ه ,وال يقض ترددون إلي ة ,ي ة والدنيوي افعهم الديني ول من ه ,لحص .إلي
.وجعل ه " َأ ْمنً ا " ي أمن ب ه ك ل أح د ,ح تى ال وحش ,وح تى الجم ادات كاألش جار
.وله ذا ك انوا في الجاهلي ة -على ش ركهم -يحترمون ه أش د االح ترام ,ويج د أح دهم قات ل أبي ه في الح رم ,فال يهيجه
ريفا وتكريما ا ,وتش ة وتعظيم الم ,زاده حرم
اء اإلس اج .فلم
صلًّى " يحتمل أن يك ون الم راد ب ذلك ,المق ام المع روف ال ذي ق د جع ل اآلن ,مقاب ل ب اب الكعبة "
َ .واتَّ ِخ ُذوا ِم ْن َمقَ ِام ِإ ْب َرا ِهي َم ُم َ
.وأن الم راد به ذا ,ركعت ا الط واف ,يس تحب أن تكون ا خل ف مق ام إب راهيم ,وعلي ه جمه ور المفس رين
راهيم في الحج ات إب ع مقام افا ,فيعم جمي ردا مض ام مف ون المق ل أن يك .ويحتم
.وهي المش اعر كله ا ,من الط واف ,والس عي ,والوق وف بعرف ة ,ومزدلف ة ورمي الجم ار والنح ر ,وغ ير ذل ك من أفع ال الحج
عائر الحج ه في ش دوا ب دا ,أي :اقت لًّى " أي :معب ص
هُ " :م َ نى قول ون مع .فيك
ظ له ال اللف ه ,واحتم نى األول في دخول المع نى أولى ,ل ذا المع له .ولع
َو َع ِه ْدنَا ِإلَى ِإ ْب َرا ِهي َم َوِإ ْس َما ِعي َل َأ ْن طَه َِّرا بَ ْيتِ َي " أي :أوحينا إليهما ,وأمرناهما بتطهير بيت هللا من الشرك ,والكفر والمعاصي" ,
.ومن ال رجس والنحاس ات ,واألق ذار ,ليك ون " لِلطَّاِئفِينَ " في ه " َو ْال َع ا ِكفِينَ َوالرُّ َّك ِع ُّ
الس جُو ِد " أي :المص لين
رام جد الح ه بالمس واف ,الختصاص دم الط .ق
جد مطلقا رطه ,المس اف ,ألن من ش .ثم االعتك
نى ذا المع ل ,له ا أفض ع أنه الة ,م .ثم الص
ه لفوائد بيت إلي اري ال اف الب .وأض
ه بيت هللا يره ,لكون ماعيل بتطه راهيم وإس ام إب دة اهتم يش ك يقتض ا :أن ذل .منه
عهما في ذلك تغرقان وس دهما ,ويس ذالن جه .فيب
رام ريف واإلك ي التش افة ,تقتض ا :أن اإلض .ومنه
ه وتكريمه اده بتعظيم ر عب منها أم .ففي ض
وب إليه الب للقل بب الج افة ,هي الس ذه اإلض ا :أن ه .ومنه
.أي :وإذ دعا إبراهيم لهذا البيت ,أن يجعله هللا بلدا آمنا ,ويرزق أهله من أنواع الثمرات
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا "
" إنك أنت السميع العليم
بيت د من ال ا القواع ة رفعهم ماعيل ,في حال راهيم وإس ر إب .أي :واذك
ل العظيم ذا العم تمرارهما على ه اس ,واس .األس
وكيف كانت حالهما من الخوف والرجاء ,حتى إنهما -مع هذا العمل -دعوا هللا أن يتقبل منهم ا عملهم ا ,ح تى يجع ل في ه النف ع
.العميم
ربن ا وابعث فيهم رس وال منهم يتل و عليهم آيات ك ويعلمهم "
" الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم
ث فِي ِه ْم " أي :في ذريتن ا " َر ُس واًل ِم ْنهُ ْم " ليك ون أرف ع ل درجتهما ,ولينق ادوا ل ه ,وليعرف وه حقيق ة المعرفة " .ربَّنَ ا َوا ْب َع ْ َ
" نى ةَ " مع اب َو ْال ِح ْك َم
َ ا " َويُ َعلِّ ُمهُ ُم ْال ِكتَ ا ,وتحفيظ ا ,وحفظ كَ " لفظ و َعلَ ْي ِه ْم آيَاتِ .يَ ْتلُ
" َ .ويُ َز ِّكي ِه ْم " بالتربي ة على األعم ال الص الحة والت بري من األعم ال الردي ة ,ال تي ال ت زكي النفس معها
" يء ه ,ش ع على قوت ذي ال يمتن يء ,ال لش اهر لك ُز " أي :الق ك َأ ْنتَ ْال َع ِزي
ِ.إنَّ َ
" عها ياء مواض ع األش ذي يض ْ
.ال َح ِكي ُم " ال
ول ذا الرس ك ,ابعث فيهم ه ك وحكمت .فبعزت
.فاس تجاب هللا لهم ا ,فبعث هللا ه ذا الرس ول الك ريم ,ال ذي رحم هللا ب ه ذريتهم ا خاص ة ,وس ائر الخل ق عامة
" .ولهذا قال عليه الصالة والسالم " أنا دعوة أبي إبراهيم
ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن هللا اص طفى لكم "
" الدين فال تموتن إال وأنتم مسلمون
ي ِإ َّن هَّللا َ
فأنتم -يا بني يعقوب -قد وص اكم أب وكم بالخص وص ,فيجب عليكم كم ال االنقي اد ,واتب اع خ اتم األنبي اء ق ال " :يَ ا بَنِ َّ
اصْ طَفَى لَ ُك ُم ال ِّدينَ " أي :اختاره وتخيره لكم ,رحمة بكم ,وإحسانا إليكم ,فقوموا به ,واتصفوا بشرائعه ,وانصبغوا بأخالق ه ,ح تى
.تستمروا على ذلك فال يأتيكم الموت إال وأنتم عليه ,ألن من عاش على شيء ,مات عليه ,ومن مات على شيء ,بعث عليه
فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهت دوا وإن تول وا فإنم ا هم "
" في شقاق فسيكفيكهم هللا وهو السميع العليم
أي :فإن آمن أهل الكتاب بمثل ما آمنتم ب ه -ي ا معش ر المؤم نين -من جمي ع الرس ل ,وجمي ع الكتب ,ال ذين أول من دخ ل فيهم,
وأولى خاتمهم وأفضلهم محمد صلى هللا عليه وسلم والقرآن ,وأسلموا هلل وح ده ,ولم يفرق وا بين أح د من الرس ل " فَقَ ِد ا ْهتَ دَوْ ا "
ات النعيم ل لجن تقيم ,الموص راط المس .للص
ان ذا اإليم ة ,إال به بيل لهم إلى الهداي .أي :فال س
دوا ارى تهت ودا أو نص وا ه ولهم " كون وا بق ا زعم " وال كم .
انوا عليه اك ة بم ة ,خاص وا أن الهداي .فزعم
و " الهدى " هو العلم بالحق ,والعمل به ,وصده ,الضالل عن العلم ,والضالل عن العمل بعد العلم ,وهو الشقاق الذي كانوا عليه,
وا وا وأعرض ا تول .لم
وله ,في شق ق وهللا ورس ون في ش ذي يك و ال اق ,ه .فالمش
.ويل زم من المش اقة ,المح ادة ,والع داوة البليغ ة ,ال تي من لوازمه ا ,ب ذل م ا يق درون علي ه من أذي ة الرس ول
فلهذا وعد هللا رسوله ,أن يكفيه إياهم ,ألنه السميع لجميع األصوات ,باختالف اللغات ,على تفنن الحاج ات ,العليم بم ا بين أي ديهم
واطن الظواهر والب هادة ,ب الغيب والش ا خلفهم ,ب .وم
رهم اك هللا ش ذلك ,كف ان ك إذا ك .ف
.وق د أنج ز هللا لرس وله وع ده ,وس لطه عليهم ,ح تى قت ل بعض هم ,وس بى بعض هم ,وأجلى بعض هم ,وش ردهم ك ل مش رد
.ففيه معجزة من معجزات القرآن ,وهو اإلخبار بالشيء قبل وقوعه ,فوقع طبق ما أخبر
" صبغة هللا ومن أحسن من هللا صبغة ونحن له عابدون "
أي :الزموا صبغة هللا ,وهو دينه ,وقوموا به قياما تاما ,بجميع أعماله الظاهرة والباطنة ,وجميع عقائده في جمي ع األوق ات ,ح تى
فاتكم فة من ص بغة ,وص ون لكم ص .يك
فإذا كان صفة من صفاتكم ,أوجب ذلك لكم االنقياد ألوامره ,طوعا واختيارا ومحبة ,وصار الدين طبيعة لكم بمنزلة الص بغ الت ام
للثوب الذي ص ار ل ه ص فة ,فحص لت لكم الس عادة الدنيوي ة واألخروي ة ,لحث ال دين على مك ارم األخالق ,ومحاس ن األعم ال,
ور الي األم .ومع
ص ْب َغةً " أي :ال أحس ن ص بغة من ص بغته.فله ذا ق ال -على س بيل التعجب المتق رر للعق ول الزكي ةَ " :-و َم ْن َأحْ َس نُ ِمنَ هَّللا ِ ِ
.وإذا أردت أن تع رف نموذج ا ي بين ل ك الف رق بين ص بغة هللا وبين غيره ا من الص بغ ,فقس الش يء بض ده
وارح اد الج وع القلب وانقي ه خض ر مع حيحا ,أث اص ه إيمان د آمن برب رى في عب فت .فكي
ل ,ونعت جليل ق كام ل ,وخل ل جمي ن ,وفع ف حس ل وص زال يتحلى بك .فلم ي
ة وعيب بيح ,ورذيل فق ل وص .ويتخلى من ك
فوصفه ,الصدق في قوله وفعله ,والصبر والحلم ,والعف ة ,والش جاعة ,واإلحس ان الق ولي والفعلي ,ومحب ة هللا وخش يته ,وخوف ه,
اؤه .ورج
ده ان لعبي ود ,واإلحس ه اإلخالص للمعب .فحال
وقين يره من المخل ل على غ ه ,وأقب رد عن ه ,وش ر برب د كف ه بعب .فقس
فاتصف بالصفات القبيحة ,من الكفر ,والشرك والكذب ,والخيانة ,المكر ,والخداع ,وعدم العفة ,واإلس اءة إلى الخل ق ,في أقوال ه,
.وأفعاله
ده ان إلى عبي ود ,وال إحس .فال إخالص للمعب
.فإنه يظهر لك الفرق العظيم بينهما ,ويتبين لك أنه ال أحسن من صبغة هللا ,وفي ضمنه أنه ال أقبح صبغة ممن انص بغ بغ ير دينه
وفي قولهَ " :ونَحْ نُ لَهُ عَابِ ُدونَ " بيان لهذه الصبغة ,وهي القيام بهذين األصلين ,اإلخالص والمتابعة ,ألن " العبادة " اس م ج امع
اهرة والباطنة وال الظ ال ,واألق اه ,من األعم ه هللا ويرض ا يحب لم .لك
وله ان رس رعها هللا على لس تى يش ذلك ,ح ون ك .وال تك
ال ك األعم ده ,في تل ه هللا وح د وج د العب .واإلخالص أن يقص
ؤذن بالحصر ول ,ي ديم المعم .فتق
.وقالَ " :ونَحْ نُ لَهُ عَابِ ُدونَ " فوصفهم باسم الفاعل الدال على الثبوت واالستقرار ,ليدل على اتصافهم بذلك
الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا "
" منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون
ق َوهُ ْم يَ ْعلَ ُم ونَ ْال َح ُّ
ق ِم ْن َربِّكَ فَاَل ْرفُونَ َأ ْبنَا َءهُ ْم َوِإ َّن فَ ِريقًا ِم ْنهُ ْم لَيَ ْكتُ ُمونَ ْال َح َّ
ْرفُونَهُ َك َما يَع ِ ثم قال تعالى " الَّ ِذينَ آتَ ْينَاهُ ُم ْال ِكت َ
َاب يَع ِ
ِرينَ ون ََّن ِمنَ ْال ُم ْمتَ " تَ ُك .
يخبر تعالى :أن أهل الكتاب قد تقرر عندهم ,وعرفوا أن محمدا رسول هللا ,وأن ما جاء به ,حق وصدق ,وتقينوا ذلك ,كم ا تيقن وا
يره تبهون بغ اءهم بحيث ال يش .أبن
.فمع رفتهم بمحم د ص لى هللا علي ه وس لم ,وص لت إلى ح د ال يش كون في ه وال يم ترون
ولكن فريقا منهم -وهم أكثرهم -الذين كفروا به ,كتموا هذه الشهادة م ع تيقنه ا ,وهم يعلم ون " َو َم ْن َأ ْ
ظلَ ُم ِم َّم ْن َكتَ َم َش هَا َدةً ِع ْن َدهُ
هَّللا ِ ِمنَ " .
بههم رهم وش ه من ش ذير ل نين ,وتح ول والمؤم لية للرس ك ,تس من ذل .وفي ض
ون ق وهم يعلم وا الح ق منهم ,لم يكتم .وفري
ه ,جهال رب ه ,ومنهم من كف .فمنهم من آمن ب
فالعالم ,عليه إظهار الحق ,وتبيينه وتزيينه ,بكل ما يقدر عليه من عبارة وبرهان ,ومثال ,وغير ذلك ,وإبطال الباطل وتمييزه عن
ذلك ؤد ل قم ل طري وس ,بك ه للنف يينه ,وتقبيح ق ,وتش .الح
.فهوالء الكاتمون ,عكسوا األمر ,فانعكست أحوالهم
ومن حيث خرجت فول وجه ك ش طر المس جد الح رام وإن ه "
" للحق من ربك وما هللا بغافل عما تعملون
ْث خَ َرجْ تَ " في أس فارك وغيره ا ,وه ذا للعم وم " ,فَ َولِّ َوجْ هَ كَ َش ْ
ط َر ْال َم ْس ِج ِد ْال َح َر ِام " أي :جهته .أيَ " :و ِم ْن َحي ُ
ق ِم ْن َربِّكَ " أك ده بـ " إن " والالم ,لئال ثم خاطب األمة عموما فقال " َو َح ْيثُ َما ُك ْنتُ ْم فَ َولُّوا ُوجُوهَ ُك ْم َش ْ
ط َرهُ " ,وق الَ " :وِإنَّهُ لَ ْل َح ُّ
ال هي ال االمتث بيل التش ه على س بهة ,ولئال يظن أن ه أدنى ش د في ع ألح .يق
َ .و َما هَّللا ُ بِغَافِ ٍل َع َّما تَ ْع َملُونَ " بل هو مطلع عليكم في جميع أحوالكم ,فت أدبوا مع ه ,وراقب وه بامتث ال أوام ره ,واجتن اب نواهيه "
.فإن أعمالكم غير مغفول عنها ,بل مجازون عليها أتم الجزاء ,إن خيرا فخير ,وإن شرا ,فشر
ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثم ا "
كنتم فول وا وج وهكم ش طره لئال يك ون للن اس عليكم حج ة إال
الذين ظلموا منهم فال تخش وهم واخش وني وألتم نعم تي عليكم
" ولعلكم تهتدون
اس َعلَ ْي ُك ْم حُ َّجةٌ " أي :شرعنا لكم استقبال الكعبة المشرفة ,لينقطع عنكم احتجاج الن اس من أه ل الكت اب
وقال هنا " لَِئاَّل يَ ُكونَ لِلنَّ ِ
ركين .والمش
ه الحجة وجهت علي دس ,لت بيت المق تقبال ل و بقي مس هل .فإن
رام بيت الح ة ال تقرة ,هي الكعب ه المس ابهم أن قبلت دون في كت اب ,يج ل الكت إن أه .ف
والمشركون يرون أن من مفاخرهم ,هذا البيت العظيم ,وأن ه من مل ة إب راهيم ,وأن ه إذا لم يس تقبله محم د ص لى هللا علي ه وس لم,
توجهت نحوه حججهم ,وقالوا :كيف يدعي أنه على ملة إبراهيم ,وهو من ذريته ,وقد ترك استقبال قبلته؟ فباستقبال القبل ة ,ق امت
ركين ,وانقطعت حججهم عليه اب والمش ل الكت ة على أه .الحج
ِإاَّل الَّ ِذينَ ظَلَ ُموا ِم ْنهُ ْم " أي :من احتج منهم بحجة ,هو ظالم فيها ,وليس له ا مس تند إال اتب اع اله وى والظلم ,فه ذا ال س بيل إلى "
اج عليه ه واالحتج .إقناع
وكذلك ال معنى لجعل الشبهة التي يوردونه ا على س بيل االحتج اج ,محال يؤب ه له ا ,وال يلقى له ا ب ال ,فله ذا ق ال تع الى " :فَاَل
احبه ذول ص ذول ,مخ مه ,مخ ل كاس ة ,والباط وْ هُ ْم " ألن حجتهم باطل .ت َْخ َش
.وهذا بخالف صاحب الحق ,فإن للحق صولة وعزا ,يوجب خشية من هو مع ه ,وأم ر تع الى بخش يته ,ال تي هي رأس ك ل خ ير
ره ل أم يته ,ولم يمتث ف عن معص .فمن لم يخش هللا ,لم ينك
وكان صرف المسلمين إلى الكعبة ,مما حصلت فيه فتنة كبيرة ,أشاعها أهل الكتاب ,والمنافقون ,والمش ركون ,وأك ثروا فيه ا من
به .الكالم والش
.فله ذا بس طها هللا تع الى ,وبينه ا أكم ل بي ان ,وأك دها ب أنواع من التأكي دات ,ال تي تض منتها ه ذه اآلي ات
دة رة الواح ة الم ع كفاي رات ,م ا ,ثالث م ر به ا :األم .منه
ة عموما ة ,أو لألم ه األم دخل في ول ,فت ون للرس ا أن يك ر ,إم ود ,أن األم ا :أن المعه .ومنه
كَ َولِّ َوجْ هَ ه " فَ وص في قول ول بالخص ا الرس ر فيه ة أم ذه اآلي " وه .
وهَ ُك ْم ه " فَ َولُّوا ُو ُج ا في قول ة عموم " واألم .
.ومنه ا أن ه رد في ه جمي ع االحتجاج ات الباطل ة ,ال تي أورده ا أه ل العن اد وأبطله ا ش بهة ش بهة ,كم ا تق دم توض يحها
اب ل الكت ة أه ول قبل اع الرس اع من اتب ع األطم ه قط ا :أن .ومنه
ق ِم ْن َربِّكَ
ُّ ه " وَِإنَّهُ لَ ْل َح ا قول " ومنه .
ق ِم ْن َربِّكَ
ُّ الَ " :وِإنَّهُ لَ ْل َح ذا ق عه اف ,ولكن م اف ش ادق العظيم ك ار الص رد إخب " فمج .
.ومنها :أنه أخبر -وهو العالم بالخفيات -أن أهل الكتاب متقرر عندهم ,صحة هذا األمر ,ولكنهم يكتم ون ه ذه الش هادة م ع العلم
ولما كان توليته لنا إلى استقبال القبلة ,نعمة عظيمة ,وكان لطفه بهذه األمة ورحمته ,لم يزل يتزايد ,وكلما شرع لهم شريعة ,فهي
ال " َوُأِلتِ َّم نِ ْع َمتِي َعلَ ْي ُك ْم ةق ة عظيم " نعم .
زال كتابه وله ,وإن ال رس ه ,بإرس ة لدين ة ,الهداي ل النعم .فأص
.ثم بع د ذل ك ,النعم المتمم ات له ذا األص ل ,ال تع د ك ثرة ,وال تحص ر ,من ذ بعث هللا رس وله إلى أن ق رب رحيل ه من ال دنيا
تت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوَأ ْت َم ْم ُ
وقد أعطاه هللا من األحوال والنعم ,وأعطى أمته ,ما أتم به نعمته عليه وعليهم ,وأنزل هللا علي ه " ْاليَ وْ َم َأ ْك َم ْل ُ
اَل َم ِدينًا يت لَ ُك ُم اِإْل ْس
ُ ض" َعلَ ْي ُك ْم نِ ْع َمتِي َو َر ِ .
كره ام بش ال عن القي دا ,فض هع غل ذي ال نبل له ,ال د على فض ه الحم .فلل
" ون به ق ,وتعمل ون الح ُدونَ " أي :تعلم َ .ولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْهتَ
فاهلل تبارك وتعالى -من رحمته -بالعباد ,قد يسر لهم أسباب الهداي ة غاي ة التيس ير ,ونبههم على س لوك طرقه ا ,وبينه ا لهم ,أتم
يين .تب
حتى أن في جملة ذلك ,أنه يقيض للحق ,المعاندين له فيجادلون فيه ,فيتضح بذلك الحق ,وتظه ر آيات ه وأعالم ه ,ويتض ح بطالن
ة له ه ال حقيق ل ,وأن .الباط
ثر الخلق ه ألك بين حال ا لم يت ق ,لربم ة الح ه في مقابل وال قيام .ول
ياء بين األش دها تت .وبض
ار ل النه رف فض اع ل ,م وال اللي .فل
ل الحسن رف فض اع بيح ,م وال الق .ول
ور ة الن رف منفع اع ةم وال الظلم .ول
اهرا احا ظ ق اتض ح الح ا اتض ل ,م وال الباط .ول
.فلله الحمد على ذلك
كم ا أرس لنا فيكم رس وال منكم يتل و عليكم آياتن ا وي زكيكم "
" ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون
يقول تعالى :إن إنعامنا عليكم باستقبال الكعبة وإتمامها بالشرائع ,والنعم المتممة ,ليس ذلك ببدع من إحساننا ,وال بأوله ,بل أنعمنا
.عليكم بأصول النعم ومتمماتها ,فأبلغها ,إرسالنا إليكم هذا الرسول الكريم منكم ,تعرفون نسبه وصدقه ,وأمانت ه وكمال ه ونص حه
" ة وغيرها ات القرآني ذا يعم اآلي ا " وه و َعلَ ْي ُك ْم آيَاتِنَ .يَ ْتلُ
فهو يتلو عليكم اآليات المبينة للح ق من الباط ل ,واله دى من الض الل ,ال تي دلتكم أوال ,على توحي د هللا وكمال ه ,ثم على ص دق
.رسوله ,ووجوب اإليمان ب ه ,ثم على جمي ع م ا أخ بر ب ه من المع اد والغي وب ,ح تى حص ل لكم الهداي ة التام ة ,والعلم اليقي ني
َويُ َز ِّكي ُك ْم " أي يطهر أخالقكم ونفوسكم ,بتربيتها على األخالق الجميل ة ,وتنزيهه ا عن األخالق الرذيل ة ,وذل ك ك تزكيتكم من "
الشرك ,إلى التوحيد ومن الرياء إلى اإلخالص ,ومن الكذب إلى الصدق ,ومن الخيانة إلى األمانة ,ومن الكبر إلى التواضع ,ومن
.سوء الخلق إلى حسن الخلق ,ومن التباغض والتهاجر والتقاطع ,إلى التحابب والتواصل والتوادد ,وغير ذل ك من أن واع التزكية
" ه ومعانيه رآن ,ألفاظ اب " أي :الق
َ َ .ويُ َعلِّ ُم ُك ُم ْال ِكتَ
َ .و ْال ِح ْك َم ةَ " قي ل :هي الس نة ,وقي ل :الحكم ة ,معرف ة أس رار الش ريعة والفق ه فيه ا ,وتنزي ل األم ور منازلها "
بين الق رآن وتفس ره ,وتع بر عنه اب ,ألن الس نة ,ت نة داخال في تعليم الكت ذا -تعليم الس ون -على ه .فيك
" بين ,ال علم وال عمل الل م ه ,في ض ل بعثت انوا قب ونَ " ألنهم ك وا تَ ْعلَ ُم ا لَ ْم تَ ُكونُ َ .ويُ َعلِّ ُم ُك ْم َم
ان ببه ك لم ,وبس ه وس لى هللا علي ده ص ة فعلى ي ذه األم هه ل ,نالت ل علم أو عم .فك
اده ا على عب بر نعم ينعم به ول النعم على اإلطالق ,وهي أك ذه النعم هي أص .فه
.فوظيفتهم شكر هللا عليها والقيام بها
يا أيه ا ال ذين آمن وا اس تعينوا بالص بر والص الة إن هللا م ع "
" الصابرين
اَل ِة ب ِْر َو َّ
الص ة " بِ َّ
الص ورهم الدنيوي تعانة على أم نين ,باالس الى المؤم ر هللا تع " أم .
فالصبر هو :حبس النفس وكفها عما تكره ,فهو ثالثة أقسام :صبرها على طاعة هللا ,حتى تؤديها ,وعن معصية هللا حتى تتركه ا,
خطها ة فال تتس دار هللا المؤلم .وعلى أق
درك مطلوبه ابر ,أن ي ير الص بيل لغ ر ,فال س ل أم ة على ك ة العظيم و المعون بر ه .فالص
.وخصوص ا ,الطاع ات الش اقة المس تمرة ,فإنه ا مفتق رة أش د االفتق ار ,إلى تحم ل الص بر ,وتج رع الم رارة الش اقة
فإذا الزم صاحبها الصبر ,فاز بالنجاح ,وإن رده المكروه والمشقة ,عن الص بر والمالزم ة عليه ا ,لم ي درك ش يئا ,وحص ل على
ان .الحرم
درة العبد لق ا وهي في مح ا إليه تد دواعي النفس ونوازعه تي تش ية ال ذلك المعص .وك
فهذه ال يمكن تركها إال بصبر عظيم ,وكف لدواعي قلبه ونوازعها ,هلل تعالى ,واس تعانة باهلل على العص مة منه ا ,فإنه ا من الفتن
ار .الكب
وكذلك البالء الشاق ,خصوصا إن استمر ,فهذا تضعف معه القوى النفس انية والجس دية ,ويوج د مقتض اها ,وه و التس خط ,إن لم
دوام ار على ال ه ,واالفتق أ إلي ه ,واللج ل علي بر هلل ,والتوك احبها بالص اص .يقاومه
ة من أحواله ل حال ه في ك طر إلي ل مض د ,ب ه العب اج إلي بر محت .فعلمت أن الص
فلهذا أمر هللا تعالى ب ه ,وأخ بر أن ه " َم َع َّ
الص ابِ ِرينَ " أي :م ع من ك ان الص بر لهم خلق ا ,وص فة ,وملك ة -بمعونت ه وتوفيق ه,
ديده .وتس
عوبة لص ل عظيم ,وزالت عنهم ك هل عليهم ك اره ,وس اق والمك ذلك ,المش انت عليهم ب .فه
.وه ذه معي ة خاص ة ,تقتض ي محبت ه ومعونت ه ,ونص ره وقرب ه ,وه ذه منقب ة عظيم ة للص ابرين
رفا ال وش ا فض .فل و لم يكن للص ابرين فض يلة إال أنهم ف ازوا به ذه المعي ة من هللا ,لكفى به
.وأم ا المعي ة العام ة ,فهي معي ة العلم والق درة ,كم ا في قول ه تع الىَ " :وهُ َو َم َع ُك ْم َأ ْينَ َم ا ُك ْنتُ ْم " وه ذه عام ة للخلق
.وأم ر تع الى باالس تعانة بالص الة ألن الص الة هي عم اد ال دين ,ون ور المؤم نين ,وهي الص لة بين العب د وبين ربه
فإذا كانت صالة العبد صالة كاملة ,مجتمعا فيها ما يلزم فيها ,وما يسن ,وحصل فيها حضور القلب ,الذي هو لبها فصار العبد إذا
دخل فيها ,استشعر دخوله على ربه ,ووقوفه بين يديه ,موقف العبد الخادم المتأدب ,مستحضرا لكل ما يقوله وما يفعله ,مس تغرقا
.بمناجاة ربه ودعائه -ال ج رم أن ه ذه الص الة ,من أك بر المعون ة على جمي ع األم ور ف إن الص الة تنهى عن الفحش اء والمنكر
.وألن هذا الحضور الذي يكون في الصالة ,يوجب للعبد في قلبه ,وصفا ,وداعيا يدعوه إلى امتث ال أوام ر رب ه ,واجتن اب نواهيه
.هذه هي الصالة التي أمر هللا ,أن نستعين بها على كل شيء
وال تقولوا لمن يقتل في سبيل هللا أم وات ب ل أحي اء ولكن ال "
" تشعرون
لما ذكر تبارك وتعالى ,األمر باالستعانة بالصبر على جميع األحوال ,ذكر نموذجا مم ا يس تعان بالص بر علي ه ,وه و الجه اد في
سبيله ,وهو أفضل الطاعات البدنية ,وأشقها على النفوس ,لمشقته في نفسه ,ولكونه مؤديا للقتل ,وع دم الحي اة ,ال تي إنم ا ي رغب
اة ولوازمها ول الحي دنيا لحص ذه ال ون في ه .الراغب
ادها ا يض ع لم ا ,ودف عى له هس ه ,فإن رفون ب ا يتص لم .فك
ه وأعظم وب أعلى من ل إال لمحب ه العاق وب ال يترك وم ,أن المحب .ومن المعل
فأخبر تعالى :أن من قتل في سبيله ,بأن قاتل في سبيل هللا ,لتكون كلمة هللا هي العليا ,ودينه الظاهر ,ال لغير ذل ك من األغ راض,
.فأن ه لم تفت ه الحي اة المحبوب ة ,ب ل حص ل ل ه حي اة أعظم وأكم ل ,مم ا تظن ون وتحس بون
فالشهداء " َأحْ يَا ٌء ِع ْن َد َربِّ ِه ْم يُرْ زَ قُونَ فَ ِر ِحينَ بِ َما آتَاهُ ُم هَّللا ُ ِم ْن فَضْ لِ ِه َويَ ْستَب ِْشرُونَ بِالَّ ِذينَ َل ْم يَ ْل َحقُ وا بِ ِه ْم ِم ْن خَ ْلفِ ِه ْم َأاَّل خَ وْ ٌ
ف َعلَ ْي ِه ْم
ْؤ ِمنِينَ َر ْال ُم ي ُع َأجْ ٍل َوَأ َّن هَّللا َ اَل ي ِ
ُض ضٍة ِمنَ هَّللا ِ َوفَ ْ رُونَ بِنِ ْع َم ونَ يَ ْستَب ِْش " َواَل هُ ْم يَحْ زَ نُ .
فهل أعظم من هذه الحياة المتضمنة للقرب من هللا تعالى ,وتمتعهم برزق ه الب دني في الم أكوالت والمش روبات اللذي ذة ,وال رزق
رح و الف روحي ,وه .ال
زن وف وح لخ ار ,وزوال ك و االستبش .وه
دنيا اة ال ل من الحي ة ,أكم اة برزخي ذه حي .وه
بل قد أخبر النبي صلى هللا عليه وسلم أن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر ترد أنه ار الجن ة ,وتأك ل من ثماره ا ,وت أوي
العرش ةب ل معلق .إلى قنادي
بر عليه ة الص بيل هللا ,ومالزم اد في س ة ,أعظم حث على الجه ذه اآلي .وفي ه
ه أحد ف عن واب ,لم يتخل بيل هللا من الث ولين في س ا للمقت اد بم عر العب وش .فل
.ولكن ع دم العلم اليقي ني الت ام ,ه و ال ذي ف تر الع زائم ,وزاد ن وم الن ائم ,وأف ات األج ور العظيم ة والغن ائم
" .لم ال يكون كذلك وهللا تعالى قد " ا ْشت ََرى ِمنَ ْال ُمْؤ ِمنِينَ َأ ْنفُ َسهُ ْم َوَأ ْم َوالَهُ ْم بَِأ َّن لَهُ ُم ْال َجنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي َس بِي ِل هَّللا ِ فَيَ ْقتُلُ ونَ َويُ ْقتَلُ ونَ
.فوهللا ل و ك ان لإلنس ان أل ف نفس ,ت ذهب نفس ا فنفس ا في س بيل هللا ,لم يكن عظيم ا في ج انب ه ذا األج ر العظيم
.ولهذا ال يتمنى الشهداء -بعدما عاينوا من ثواب هللا وحسن جزائه -إال أن يردوا إلى الدنيا ,حتى يقتلون في سبيله مرة بعد م رة
.وفي اآلية ,دليل على نعيم البرزخ وعذابه ,كما تكاثرت بذلك النصوص
" الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا هلل وإنا إليه راجعون "
يمة ة الجس ة ,والمنح ارة العظيم ازوا بالبش ذين ف ابرين ,هم ال .فالص
ص يبَةٌ " وهي ك ل م ا ي ؤلم القلب ,أو الب دن أو كليهم ا مم ا تق دم ذك ره .ثم وص فهم بقول ه " الَّ ِذينَ ِإ َذا َأ َ
ص ابَ ْتهُ ْم ُم ِ
.قَ الُوا ِإنَّا هَّلِل ِ " أي :مملوك ون هلل ,م دبرون تحت أم ره وتص ريفه ,فليس لن ا من أنفس نا وأموالن ا ش يء "
تراض عليه والهم ,فال اع ه وأم راحمين ,بمماليك رف أرحم ال د تص ا ,فق يء منه ا بش إذا ابتالن .ف
.ب ل من كم ال عبودي ة العب د ,علم ه ,ب أن وق وع البلي ة من المال ك الحكيم ,ال ذي ه و أرحم بعب ده من نفسه
.في وجب ل ه ذل ك ,الرض ا عن هللا ,والش كر ل ه على ت دبيره ,لم ا ه و خ ير لعب ده ,,وإن لم يش عر ب ذلك
ل بعمله ل عام از ك اد ,فمج وم المع ون ي ه راجع ا إلي ون هلل ,فإن ا مملوك ع أنن .وم
ده ورا عن ا موف دنا أجرن بنا وج برنا واحتس إن ص .ف
وات األجر خط وف ا إال الس خطنا ,لم يكن حظن ا وس .وإن جزعن
.فكون العبد هلل ,وراجعا إليه ,من أقوى أسباب الصبر
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون "
"
ات ِم ْن َربِّ ِه ْم " أي :ثن اء وتنوي ه بح الهم " َو َرحْ َم ةٌ " عظيمة "
ص لَ َو ٌ ُ.أولَِئ َ
ك " الموص وفون بالص بر الم ذكور " َعلَ ْي ِه ْم َ
ال األجر ه كم الون ب ذي ين بر ال اهم ,أن وفقهم للص .ومن رحمته إي
َوُأولَِئ َ
ك هُ ُم ْال ُم ْهتَ ُدونَ " الذين عرفوا الحق ,وهو في هذا الموضع ,علمهم بأنهم هلل ,وأنهم إلي ه راجع ون ,وعمل وا ب ه وه و هن ا "
برهم هلل .ص
.ودلت ه ذه اآلي ة ,على أن من لم يص بر ,فل ه ض د م ا لهم ,فحص ل ل ه ال ذم من هللا ,والعقوب ة ,والض الل والخس ارة
ازعين اء الج ابرين ,وأعظم عن ل تعب الص ا أق ريقين " وم رق بين الف ا أعظم الف " فم .
.فق د اش تملت هات ان اآليت ان على ت وطين النف وس على المص ائب قب ل وقوعه ا ,لتخ ف وتس هل ,إذا وقعت
بر و الص ه ,إذا وقعت ,وه لب ا تقاب ان م .وبي
ابرين من األجر ا للص بر ,وم ا يعين على الص ان م .وبي
ابر ال الص دح ابر ,بض ير الص ال غ .ويعلم ح
ديال نة هللا تب د لس د خلت ,ولن تج تي ق نة هللا ال ان ,س ذا االبتالء واالمتح .وأن ه
.وبيان أنواع المصائب
إن ال ذين كف روا وم اتوا وهم كف ار أولئ ك عليهم لعن ة هللا "
" والمالئكة والناس أجمعين
وأم ا من كف ر واس تمر على كف ره ح تى م ات ولم يرج ع إلى رب ه ,ولم ينب إلي ه ,ولم يتب عن ق ريب فأولئك " َعلَ ْي ِه ْم لَ ْعنَ ةُ هَّللا ِ
اس َأجْ َم ِعينَ ِة َوالنَّ ِ " َو ْال َماَل ِئ َك .
.ألنه لما صار كفرهم وصفا ثابتا ,صارت اللعنة عليهم وصفا ثابتا ال تزول ,ألن الحكم يدور مع علته ,وجودا وعدما
ومن الناس من يتخ ذ من دون هللا أن دادا يحب ونهم كحب هللا "
وال ذين آمن وا أش د حب ا هلل ول و ي رى ال ذين ظلم وا إذ ي رون
" العذاب أن القوة هلل جميعا وأن هللا شديد العذاب
ار ِجينَ ِمنَ النَّ ِ
ار ِ ا هُ ْم بِخَ الى " َو ِمنَ النَّ ِ
اس " إلى " َو َم ال تع " ثم ق .
التي قبلها ةب ذه اآلي ال ه ن اتص ا أحس .م
.فإن ه تع الى ,لم ا بين وحدانيت ه وأداته ا القاطع ة ,وبراهينه ا الس اطعة الموص لة إلى علم اليقين ,المزيل ة لك ل شك
اس " مع هذا البي ان الت ام " َم ْن يَتَّ ِخ ُذ ِم ْن دُو ِن هَّللا ِ َأ ْن دَادًا " هلل أي :نظ راء ومثالء ,يس اويهم في هللا بالعب ادة
ذكر هنا أن " ِمنَ النَّ ِ
ة ,والتعظيم والطاعة .والمحب
ومن كان بهذه الحالة -بعد إقامة الحجة ,وبيان التوحي د -علم أن ه معان د هلل ,مش اق ل ه ,أو مع رض عن ت دبر آيات ه والتفك ر في
ذاب ة الع ه كلم د حقت علي لق ك ,ب ذر في ذل ه أدنى ع ه ,فليس ل .مخلوقات
وهؤالء الذين يتخذون األنداد مع هللا ,ال يس وونهم باهلل في الخل ق وال رزق والت دبير ,وإنم ا يس وونهم ب ه ,في العب ادة ,فيعب دونهم
وهم إليه .ليقرب
ه ليس هلل ند ل على أن ذوا " دلي ه " اتخ .وفي قول
نى ا من المع ا فارغ ردة ,ولفظ مية مج ه ,تس دادا ل ات أن وا بعض المخلوق ركون جعل ا المش .وإنم
الى ال تع اق .كم
" وْ ِل ا ِه ٍر ِمنَ ْالقَ ض َأ ْم بِظَ
ُّموهُ ْم َأ ْم تُنَبُِّئونَ هُ بِ َم ا اَل يَ ْعلَ ُم فِي اَأْلرْ ِ َر َكا َء قُ لْ َس " َو َج َعلُ وا هَّلِل ِ ُش .
" الظَّ َّن ونَ ِإاَّل " ِإ ْن ِه َي ِإاَّل َأ ْس َما ٌء َس َّم ْيتُ ُموهَا َأ ْنتُ ْم َوآبَ اُؤ ُك ْم َم ا َأ ْن َز َل هَّللا ُ بِهَ ا ِم ْن ُس ْلطَ ٍ
ان ِإ ْن يَتَّبِ ُع .
رازق و ال رب ه وق ,وال يره مخل الق ,وغ و الخ دا هلل ألن هللا ه المخلوق ليس ن .ف
راء ني وأنتم الفق و الغ رزوق ,وهللا ه داه م .ومن ع
وه ع الوج ون من جمي د ناقص وه ,والعبي ل الوج ل من ك و الكام .وه
يء رش ر واألم ع والض ه من النف وق ليس ل ار ,والمخل افع الض و الن .وهللا ه
دادا ة وأن ذ من دون هللا آله ول من اتخ ا ,بطالن ق ا يقين .فعلم علم
ير ذلك نما ,أو غ الحا ,ص ا ,أو ص ا أو نبي ان ملك واء ك .س
ام ذل الت ة ,وال تحق للمحب ة الكامل و المس .وأن هللا ه
فلهذا مدح هللا المؤمنين بقوله " َوالَّ ِذينَ آ َمنُ وا َأ َش ُّد ُحبًّ ا هَّلِل ِ " أي :من أه ل األن داد ألن دادهم ,ألنهم أخلص لوا محبتهم ل ه ,وه ؤالء
ركوا بها .أش
.وألنهم أحب وا من يس تحق المحب ة على الحقيق ة ,ال ذي محبت ه هي عين ص الح العب د وس عادته وف وزه
ره تت أم اده ,وتش د وفس قاء العب ه عين ش يئا ,ومحبت تحق من الحب ش وا من ال يس ركون أحب .والمش
دهم هللا بقوله ذا توع .فله
َ .ولَوْ يَ َرى الَّ ِذينَ ظَلَ ُم وا " باتخاد األنداد واالنقياد لغير رب العباد وظلموا الخلق بص دهم عن س بيل هللا ,وس عيهم فيم ا يض رهم "
" ارهم ا بأبص ة عيان وم القيام اب " أي :يَذ َ َروْ نَ ْال َع ِ.إ ْذ يَ
َأ َّن ْالقُ َّوةَ هَّلِل ِ َج ِميعًا َوَأ َّن هَّللا َ َش ِدي ُد ْال َع َذا ِ
ب " ,أي :لعلموا علما جازما ,أن القوة والقدرة هلل كلها ,وأن أن دادهم ليس فيه ا من الق وة "
يء .ش
فتبين لهم في ذلك في اليوم ,ضعفها وعجزها ,ال كم ا اش تبه عليهم في ال دنيا ,وظن وا أن له ا من األم ر ش يئا ,وأنه ا تق ربهم إلي ه
لهم إليه .وتوص
.فخ اب ظنهم ,وبط ل س عيهم ,وح ق عليهم ش دة الع ذاب ,ولم ت دفع عنهم أن دادهم ش يئا ,ولم تغن عنهم مثق ال ذرة من النفع
.بل يحصل لهم الضرر منها ,من حيث ظنوا نفعها
إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبع وا ورأوا الع ذاب وتقطعت "
" بهم األسباب
وتبرأ المتبعون من التابعين ,وتقطعت بينهم الوصل ,التي ك انت في ال دنيا ,ألنه ا ك انت لغ ير هللا ,وعلى غ ير أم ر هللا ,ومتعلق ة
والهم ت أح الهم ,وتالش محلت أعم ه ,فاض ةل ذي ال حقيق ل ال .بالباط
وتبين لهم أنهم كانوا كاذبين ,وأن أعمالهم التي يؤملون نفعها وحصول نتيجته ا ,انقلبت عليهم حس رة وندام ة ,وأنهم خال دون في
دا ا أب ون منه ار ال يخرج .الن
فهل بعد هذا الخسران خسران؟ ذلك ب أنهم اتبع وا الباط ل ,ورج وا غ ير مرج و ,وتعلق وا بغ ير متعل ق ,فبطلت األعم ال ببطالن
.متعلقها
رر ة الض رتهم غاي ا ,فض ل فيه اتهم من األم اف رة بم ا بطلت ,وقعت الحس .ولم
ا نفعه ه ,ورج ل لوجه بين ,وأخلص العم ق الم ك الح ق باهلل المل ذا بخالف من تعل .وه
فهذا قد وضع الحق في موضعه ,فكانت أعماله حقا ,لتعلقها بالحق ,ففاز بنتيجة عمله ,ووجد جزاءه عن د رب ه ,غ ير منقط ع كم ا
الى ال تع .ق
ت َوآ َمنُ وا بِ َم ا نُ ِّز َل َعلَى ُم َح َّم ٍد َوهُ َو ْال َح ُّ
ق ِم ْن " ض َّل َأ ْع َمالَهُ ْم َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ
ص ُّدوا ع َْن َسبِي ِل هَّللا ِ َأ َ
الَّ ِذينَ َكفَرُوا َو َ
ك بَِأ َّن الَّ ِذينَ َكفَرُوا اتَّبَعُوا ْالبَا ِط َل َوَأ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُوا اتَّبَعُوا ْال َح َّ
ق ِم ْن َربِّ ِه ْم َك َذلِكَ يَضْ ِربُ هَّللا ُ َربِّ ِه ْم َكفَّ َر َع ْنهُ ْم َسيَِّئاتِ ِه ْم َوَأصْ لَ َح بَالَهُ ْم َذلِ َ
اس َأ ْمثَالَهُ ْم
" .لِلنَّ ِ
وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا من ا "
كذلك يريهم هللا أعمالهم حس رات عليهم وم ا هم بخ ارجين من
" النار
.وحينئذ يتم نى الت ابعون أن ي ردوا إلى ال دنيا فيت برأوا من متب وعيهم ,ب أن ي تركوا الش رك باهلل ,ويقبل وا على إخالص العم ل هلل
ار ال وإنظ وقت وقت إمه ر ,وليس ال ات األم ات ,ف .وهيه
وا عنه ا نه ادوا لم و ردوا لع ة ,فل ذا ,فهم كذب عه .وم
.وإنم ا ه و ق ول يقولون ه ,وأم اني يتمنونه ا ,حنق ا وغيظ ا على المتب وعين لم ا ت برأوا منهم وال ذنب ذنبهم
ول ألتباعه ذا يق عه ر ,إبليس ,وم وعين على الش رأس المتب .ف
اس تَ َج ْبتُ ْم لِي فَاَل " ق َو َو َع ْدتُ ُك ْم فَ َأ ْخلَ ْفتُ ُك ْم َو َم ا َك انَ لِي َعلَ ْي ُك ْم ِم ْن ُس ْلطَا ٍن ِإاَّل َأ ْن َد َع وْ تُ ُك ْم فَ ْ
ض َي اَأْل ْم ُر ِإ َّن هَّللا َ َو َع َد ُك ْم َو ْع َد ْال َح ِّ
لَ َّما قُ ِ
" .تَلُو ُمونِي َولُو ُموا َأ ْنفُ َس ُك ْم
وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل هللا قالوا بل نتبع ما ألفين ا علي ه "
" آباءنا أولو كان آباؤهم ال يعقلون شيئا وال يهتدون
أتتبع داعي هللا الذي يريد ل ك الخ ير والس عادة الدنيوي ة واألخروي ة ,ال ذي ك ل الفالح بطاعت ه ,وك ل الف وز في خدمت ه ,وجمي ع
.األرب اح في معامل ة المنعم ب النعم الظ اهرة والباطن ة ,ال ذي ال ي أمر إال ب الخير ,وال ينهى إال عن الشر
.أم تتب ع داعي الش يطان ,ال ذي ه و ع دو اإلنس ان ,ال ذي يري د ل ك الش ر ,ويس عى -بجه ده -على إهالك ك في ال دنيا واآلخ رة
ران في واليته ل الخس ه ,وك ر في طاعت ل الش ذي ك .ال
ير ر ,وال ينهى إال عن خ أمر إال بش ذي ال ي .وال
.ثم أخ بر تع الى عن ح ال المش ركين إذا أم روا باتب اع م ا أن زل هللا على رس وله ,مم ا تق دم وص فه ,رغب وا عن ذل ك وق الوا
" ِه آبَا َءنَا ا َعلَ ْي ا َأ ْلفَ ْينَ ُع َم لْ نَتَّبِ " بَ .
اء ان باألنبي دوا في اإليم اء ,وزه د اآلب اكتفوا بتقلي .ف
ق ,واهية رد الح بهة ل ذه ش الال وه دهم ض اس ,وأش ل الن اؤهم أجه ذا ,فآب عه .وم
افهم دم إنص ه ,وع ق ,ورغبتهم عن هم عن الح ل على إعراض ذا دلي .فه
و القصد قه ان الح دهم ,لك ن قص دهم ,وحس دوا ,لرش وه .فل
.ومن جعل الحق قصده ,ووازن بينه وبين غيره ,تبين له الحق قطعا ,واتبعه ,إن كان منصفا
يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقن اكم واش كروا هلل "
" إن كنتم إياه تعبدون
هذا أمر للمؤمنين خاصة ,بعد األمر العام ,وذلك أنهم هم المنتفعون على الحقيق ة -ب األوامر والن واهي ,بس بب إيم انهم ,ف أمرهم
.ب أمر الطيب ات من ال رزق ,والش كر هلل على إنعام ه ,باس تعمالها بطاعت ة ,والتق وى به ا على م ا يوص ل إليه
" .ف أمرهم بم ا أم ر ب ه المرس لين في قول ه " يَ ا َأيُّهَ ا الرُّ ُس ُل ُكلُ وا ِمنَ الطَّيِّبَ ا ِ
ت َوا ْع َملُ وا َ
ص الِحًا
الح ل الص و العم ة ,ه ذه اآلي كر في ه .فالش
ة من التبعة رزق ,خالص ات من ال ه الطيب اح هللا ل ؤمن أب ل " حالال " ألن الم ا لم يق .وهن
ا ليس له اول م زه عن تن ه يحج .وألن إيمان
كروه ُدونَ " أي :فاش ه " ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ِإيَّاهُ تَ ْعبُ .وقول
ر به ا أم ده ,وأتى بم د عب كره ,فق ا أن من ش ده ,كم ده وح كر هللا ,لم يعب دل على أن من لم يش .ف
الح وقبوله ل الص بب للعم ل الطيب ,س ا على أن أك دل أيض .وي
ودة ودة ,ويجلب النعم المفق ظ النعم الموج كر يحف كر ,عقيب النعم ,ألن الش ر بالش .واألم
.كما أن الكفر ,ينفر النعم المفقودة ويزيل النعم الموجودة
إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير "
هللا فمن اض طر غ ير ب اغ وال ع اد فال إثم علي ه إن هللا غف ور
" رحيم
ولما ذكر تعالى إباحة الطيبات ذكر تحريم الخبائث فقال " ِإنَّ َما َح َّر َم َعلَ ْي ُك ُم ْال َم ْيتَةَ " وهي :ما مات بغير تذكية شرعية ,ألن الميتة
.خبيث ة مض رة ,لرداءته ا في نفس ها ,وألن األغلب ,أن تك ون عن م رض ,فيك ون زي ادة م رض
ه حالل طيب ر ,فإن مك البح راد ,وس ة الج وم ,ميت ذا العم ارع من ه تثنى الش .واس
" رى ة األخ د في اآلي َّد َم " أي :المس
ا قي فوح كم َ .وال
َو َما ُأ ِه َّل بِ ِه لِ َغي ِْر هَّللا ِ " أي :ذبح لغير هللا ,كالذي يذبح لألصنام واألوثان ,من األحجار ,والقب ور ونحوه ا ,وه ذا الم ذكور غ ير "
ات اص للمحرم .خ
ت
ا ِ ه " طَيِّبَ وم قول ا بمفه دلول عليه ائث الم اس الخب ان أجن ه ,لبي " وجيء ب .
دم ا تق ا " كم هَ " :حاَل اًل طَيِّبً ابقة ,من قول ة الس تفاد من اآلي ات ,تس وم المحرم .فعم
ا عن المضر ا ,وتنزيه ا بن ا ,لطف ائث ونحوه ذه الخب اه رم علين اح .وإنم
راه دم ,وإك وع وع رم ,بج طُ َّر " أي :ألجئ إلى المح ذا " فَ َم ِن ْ
اض عه .وم
" دم جوعه عع ه على الحالل ,أو م ع قدرت رم ,م الب للمح ير ط اغ " أي :غ
ٍ َر بَ َ .غ ْي
" طرارا ه ,اض ا أبيح ل اول م د في تن اوز الح ا ٍد " أي :متج َ .واَل َع
" ِه اح وذنب " َعلَ ْي " فَاَل ِإ ْث َم " أي :جن .
ان عليه اك ر إلى م ع األم ع اإلثم ,رج .وإذا ارتف
ل نفسه ة ,وأن يقت ده إلى التهلك ل منهي أن يلقي بي ل ,ب أمور باألك ة ,م ذه الحال ان به .واإلنس
اتال لنفسه ون ق ات ,فيك تى م لح رك األك أثم إن ت ل ,وي ه األك .فيجب ,إذا ,علي
وهذه اإلباحة والتوسعة ,من رحمته تعالى بعباده ,فلهذا ختمها بهذين االسمين الكريمين المناس بين غاي ة المناس بة فق الِ " :إ َّن هَّللا َ
و ٌر َر ِحي ٌم " َغفُ .
ولما كان الحل مشروطا بهذين الشرطين ,وكان اإلنسان في هذه الحالة ,ربما ال يستقصى تم ام االستقص اء في تحقيقه ا -أخ بر,
.أن ه غف ور ,فيغف ر م ا أخط أ في ه في ه ذه الح ال ,خصوص ا وق د غلبت ه الض رورة ,وأذهبت حواس ه المش قة
ورات بيح المحظ رورات ت هورة " الض دة المش ل على القاع ة ,دلي ذه اآلي " وفي ه .
رحمن ك ال ه ,المل هل د أباح ان ,فق ه اإلنس طر إلي ور ,اض ل محظ .فك
.فله الحمد والشكر ,أوال وآخرا ,وظاهرا وباطنا
إن الذين يكتمون ما أنزل هللا من الكتاب ويش ترون ب ه ثمن ا "
قليال أولئك ما يأكلون في بط ونهم إال الن ار وال يكلمهم هللا ي وم
" القيامة وال يزكيهم ولهم عذاب أليم
.ه ذا وعي د ش ديد لمن كتم م ا أن زل هللا على رس له ,من العلم ال ذي أخ ذ هللا الميث اق على أهل ه ,أن ي بينوه للن اس وال يكتم وه
ر هللا ,فأولئك ذ أم دنيوي ,ونب ام ال ه بالحط وض عن
.فمن تع
َما يَْأ ُكلُونَ فِي بُطُونِ ِه ْم ِإاَّل النَّ َ
ار " ,ألن هذا الثمن ال ذي اكتس بوه ,إنم ا حص ل لهم ب أقبح المكاس ب ,وأعظم المحرم ات ,فك ان "
زاؤهم من جنس عملهم .ج
" رض عنهم خط عليهم وأع دس لق ِة " ب وْ َم ْالقِيَا َم َ .واَل يُ َكلِّ ُمهُ ُم هَّللا ُ يَ
ار ذاب الن ذا أعظم عليهم من ع .فه
َ .واَل يُ َز ِّكي ِه ْم " أي :ال يطه رهم من األخالق الرذيل ة ,وليس لهم أعم ال تص لح للم دح والرض ا والج زاء عليها "
.وإنما لم يزكهم ألنهم فعلوا أسباب عدم التزكية التي أعظم أسبابها ,العمل بكتاب هللا ,واالهتداء به ,والدعوة إليه
ذلك بأن هللا نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب "
" لفي شقاق بعيد
" واها ار س ا واخت ة ,ممن أباه باب الهداي ه أس دل ,ومنع ه بالع
ك " الم ذكور ,وه و مجازات َ َ .ذلِ
ق " ومن الح ق ,مج ازاة المحس ن بإحس انه ,والمس يء بإس اءته " ْال َح ِّ اب بِ
َ َّز َل ْال ِكتَ .بِ َأ َّن هَّللا َ نَ
ق " ما يدل على أن هللا أنزله لهداية خلق ه ,وتب يين الح ق من الباط ل ,واله دى من الض الل َاب بِ ْال َح ِّ
.وأيضا ففي قوله " :نَ َّز َل ْال ِكت َ
أعظم العقوبة ازى ب أن يج قب و حقي وده ,فه
رفه عن مقص .فمن ص
اختَلَفُ وا فِي ْال ِكتَ ا ِ
ب لَفِي ِش قَا ٍ
ق بَ ِعي ٍد " أي :وإن ال ذين اختلف وا في الكت اب ,ف آمنوا ببعض ه ,وكف روا ببعضه " َ .وِإ َّن الَّ ِذينَ ْ
ادة ق " أي :محقَا ٍ راداتهم " لَفِي ِش وائهم وم رفوه على أه وه وص ذين حرف .وال
" .بَ ِعي ٍد " من الح ق ألنهم ق د خ الفوا الكت اب ال ذي ج اء ب الحق الم وجب لالتف اق وع دم التن اقض
تراقهم ك اف رتب على ذل قاقهم ,وت ثر ش رهم ,وك رج أم .فم
.بخالف أه ل الكت اب ال ذين آمن وا ب ه ,وحكم وه في ك ل ش يء ,ف إنهم اتفق وا وارتفق وا بالمحب ة واالجتم اع عليه
وقد تضمنت هذه اآليات ,الوعيد للكاتمين لما أنزل هللا ,الم ؤثرين علي ه ,ع رض ال دنيا -بالع ذاب والس خط ,وأن هللا ال يطه رهم
المغفرة التوفيق ,وال ب .ب
دى اللة على اله ارهم الض و إيث ك وه بب في ذل ر الس .وذك
رة ذاب على المغف ار الع ك ,اختي ترتب على ذل .ف
لة إليها ا موص ون أنه تي يعلم باب ال ار ,لعملهم باألس برهم على الن دة ص ع لهم بش .ثم توج
تراق ه ,وعلم االف اق علي وجب لالتف ق الم تمل على الح اب مش .وأن الكت
.وأن كل من خالفه ,فهو في غاية البعد عن الحق ,والمنازعة والمخاصمة ,وهللا أعلم
فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على ال ذين يبدلون ه إن هللا "
" سميع عليم
.ولم ا ك ان الموص ي ق د يمتن ع من الوص ية ,لم ا يتوهم ه أن من بع ده ,ق د يب دل م ا وص ى ب ه ق ال تع الى
.فَ َم ْن بَ َّدلَ هُ " أي :أي اإليص اء للم ذكورين أو غ يرهم " بَ ْع َد َما َس ِم َعهُ " أي :بع د م ا عقل ه ,وع رف طرق ه وتنفي ذه "
.فَِإنَّ َم ا ِإ ْث ُم هُ َعلَى الَّ ِذينَ يُبَ ِّدلُونَ هُ " وإال فالموص ي وق ع أج ره على هللا ,وإنم ا اإلثم على المب دل المغ ير "
" يته ي ووص ة الموص ماعه لمقال هس وات ,ومن ائر األص مع س ِمي ٌع " يس ِ.إ َّن هَّللا َ َس
يته ور في وص راه ,وأن ال يج معه وي راقب من يس ه أن ي .فينبغي ل
" ى إليه ل الموص ه ,وعليم بعم َ .علِي ٌم " بنيت
و أخطأ ه ول ك ,أثاب ه ذل ي ,وعلم هللا من نيت د الموص إذا اجته .ف
ديل ه من التب ى إلي ذير للموص ه ,التح .وفي
ذر من هللا ه ,فليح ع على فعل ه ,مطل إن هللا عليم ب .ف
.هذا حكم الوصية العادلة
فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فال إثم عليه "
" إن هللا غفور رحيم
ف ,وإثم ف وجن ا حي تي فيه ية ال ا الوص .وأم
.فينبغي لمن حض ر الموص ي وقت الوص ية به ا ,أن ينص حه بم ا ه و األحس ن واألع دل ,وأن ينه اه عن الج ور
ذلك دل و التعم د ,واإلثم :وه ير تعم أ ,من غ ا عن خط ل به و :المي ف ,وه .والجن
فإن لم يفعل ذلك ,فينبغي له أن يصلح بين الموصى إليهم ,ويتوصل إلى العدل بينهم على وج ه التراض ي والمص الحة ,ووعظهم
بتبرئة ذمة ميتهم فهذا قد فعل معروفا عظيما ,وليس عليهم ,كم ا على مب دل الوص ية الج ائزة وله ذا ق الِ " :إ َّن هَّللا َ َغفُ و ٌر " أي:
يغفر جميع الزالت ,ويصفح عن التبع ات لمن ت اب إلي ه ,ومن ه مغفرت ه لمن غض من نفس ه ,وت رك بعض حق ه ألخي ه ,ألن من
امحه هللا امح ,س .س
راءة ذمته لب ا ألج هم بعض امحة بعض بوا بمس يته ,إذا احتس ائر في وص ور لميتهم الج .غف
اطفون تراحمون ويتع هي رب ل أم رع لهم ك اده ,حيث ش .رحيم بعب
فدلت هذه اآليات ,على الحث على الوصية ,وعلى بيان من هي له ,وعلى وعيد المبدل للوصية العادلة ,وال ترغيب في اإلص الح
.في الوصية الجائرة
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الص يام كم ا كتب على ال ذين "
" من قبلكم لعلكم تتقون
يخبر تعالى ,بما من هللا به على عباده ,بأنه فرض عليهم الصيام ,كما فرضه على األمم السابقة ,ألنه من الشرائع واألوامر ,ال تي
ان ل زم ق في ك لحة للخل .هي مص
وفيه تنشيط لهذه األمة ,بأنه ينبغي لكم أن تنافس وا غ يركم في تكمي ل األعم ال ,والمس ارعة إلى ص الح الخص ال ,وأن ه ليس من
تم بها تي اختصص ة ,ال ور الثقيل .األم
ونَ ال " لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ يام فق روعية الص ه في مش الى حكمت ر تع " ثم ذك .
اب نهيه ر هللا واجتن ال أم ه امتث وى ,ألن في باب التق بر أس يام من أك إن الص .ف
فمما اشتمل عليه من التقوى ,أن الصائم يترك ما حرم هللا علي ه من األك ل والش رب والجم اع ونحوه ا ,ال تي تمي ل إليه ا نفس ه,
ا ,ثوابه ا بتركه ذلك إلى هللا ,راجي اب .متقرب
وى ذا من التق .فه
.ومنه ا أن الص ائم ي درب نفس ه على مراقب ة هللا تع الى ,في ترك م ا ته وى نفس ه ,م ع قدرت ه علي ه ,لعلم ه ب اطالع هللا عليه
.ومنها أن الصيام يضيق مجاري الشيطان ,فإنه يجري من ابن آدم ,مجرى الدم ,فبالص يام ,يض عف نف وذه ,وتق ل من ه المعاصي
وى ال التق ات من خص ه ,والطاع ثر طاعت الب ,تك ائم في الغ ا :أن الص .ومنه
.ومنها أن الغني إذا ذاق ألم الجوع ,أوجب له ذلك ,مواساة الفقراء المعدمين ,وهذا من خصال التقوى
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من "
اله دى والفرق ان فمن ش هد منكم الش هر فليص مه ومن ك ان
مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخ ر يري د هللا بكم اليس ر وال
يري د بكم العس ر ولتكمل وا الع دة ولتك بروا هللا على م ا ه داكم
" ولعلكم تشكرون
ضانَ الَّ ِذي ُأ ْن ِز َل فِي ِه ْالقُرْ آنُ " أي :الصوم المفروض عليكم ,هو شهر رمضان ,الشهر العظيم ,الذي قد حصل لكم في ه "
َش ْه ُر َر َم َ
ل العظيم .من هللا الفض
وهو القرآن الكريم ,المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية ,وتبيين الحق بأوضح بي ان ,والفرق ان بين الح ق والباط ل,
قاوة ل الش عادة وأه ل الس الل ,وأه دى والض .واله
.فحقي ق بش هر ,ه ذا فض له ,وه ذا إحس ان هللا عليكم في ه ,أن يك ون موس ما للعب اد ومفروض ا في ه الص يام
الش ْه َر فَ ْليَ ُ
ص ْمهُ " ه ذا في ه تع يين الص يام على فلما قرره ,وبين فضيلته ,وحكمة هللا تعالى في تخصيصه قال " :فَ َم ْن َش ِه َد ِم ْن ُك ُم َّ
حيح الحاضر ادر الص .الق
ولما كان النسخ للتخيير ,بين الصيام والفداء خاصة ,أعاد الرخصة للمريض والمس افر ,لئال يت وهم أن الرخص ة أيض ا منس وخة
فقال " :ي ُِري ُد هَّللا ُ بِ ُك ُم ْالي ُْس َر َواَل ي ُِري ُد بِ ُك ُم ْالع ْ
ُس َر " أي :يري د هللا تع الى ,أن ييس ر عليكم الط رق الموص لة إلى رض وانه ,أعظم
هيل غ تس هلها أبل ير ,ويس .تيس
له هولة في أص ة الس اده في غاي ه عب ر هللا ب ا أم عم ان جمي ذا ك .وله
.وإذا حص لت بعض الع وارض الموجب ة لثقل ه ,س هله تس هيال آخ ر ,إم ا بإس قاطه ,أو تخفيف ه ب أنواع التخفيف ات
.وه ذه جمل ة ال يمكن تفص يلها ,ألن تفاص يلها ,جمي ع الش رعيات ,وي دخل فيه ا جمي ع ال رخص والتخفيف ات
َولِتُ ْك ِملُوا ْال ِع َّدةَ " وهذا -وهللا أعلم -لئال يتوهم متوهم ,أن صيام رمضان ,يحصل المقصود منه ببعضه ,دفع هذا الوهم ب األمر "
بتكميل عدته ويشكر هللا تعالى عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعبادة ,وبالتكبير عن د انقض ائه ,وي دخل في ذل ك ,التكب ير
.عند رؤية هالل شوال ,إلى فراغ خطبة العيد
أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نس ائكم هن لب اس لكم وأنتم "
لباس لهن علم هللا أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا
عنكم فاآلن باشروهن وابتغوا م ا كتب هللا لكم وكل وا واش ربوا
حتى يتبين لكم الخي ط األبيض من الخي ط األس ود من الفج ر ثم
أتم وا الص يام إلى اللي ل وال تباش روهن وأنتم ع اكفون في
المساجد تلك حدود هللا فال تقربوها كذلك يبين هللا آيات ه للن اس
" لعلهم يتقون
الى ال تع اق ول العلم كم بب لحص ره ,س تجابة ألم ان باهلل واالس .وألن اإليم
يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِإ ْن تَتَّقُوا هَّللا َ يَجْ َعلْ لَ ُك ْم فُرْ قَانًا "
وال ت أكلوا أم والكم بينكم بالباط ل وت دلوا به ا إلى الحك ام "
" لتأكلوا فريقا من أموال الناس باإلثم وأنتم تعلمون
يركم وال غ والكم أي :أم ذوا أم .أي :وال تأخ
أضافه إليهم ,ألنه ينبعي للمسلم أن يحب ألخيه ما يحب لنفسه ,ويحترم ماله ,كما يحترم ماله وألن أكله لمال غ يره يج رئ غ يره
درة د الق ه عن ل مال .على أك
.ولم ا ك ان أكله ا ن وعين :نوع ا بح ق ,ونوع ا بباط ل ,وك ان المح رم إنم ا ه و أكله ا بالباط ل ,قي ده هللا تع الى ب ذلك
و ذلك ة ,أو نح ة أو عاري ة في وديع رقة ,والخيان ب ,والس ه الغض ا على وج ذلك ,أكله دخل ب .وي
ويدخل فيه أيضا ,أخذها على وجه المعاوضة ,بمعاوضة محرمة ,كعقود الربا ,والقمار كلها ,فإنها من أك ل الم ال بالباط ل ,ألن ه
اح وض مب ةع .ليس في مقابل
ارة ,ونحوها راء ,واإلج بيع ,والش بب غش في ال ذها ,بس ك أخ دخل في ذل .وي
رتهم ل أج رار ,وأك تعمال األج ك ,اس دخل في ذل .وي
وا بواجبه ل ,لم يقوم رة على عم ذهم أج ذلك أخ .وك
.وي دخل في ذل ك ,أخ ذ األج رة على العب ادات والقرب ات ,ال تي ال تص ح ,ح تى يقص د به ا وج ه هللا تع الى
.وي دخل في ذل ك ,األخ ذ من الزك وات والص دقات ,واألوق اف ,والوص ايا ,لمن ليس ل ه ح ق منه ا ,أو ف وق حقه
وه ه من الوج ك بوج ل ذل ل ,فال يح ال بالباط ل الم وه ,من أك ذا ونح له .فك
حتى ولو حصل فيه النزاع واالرتفاع إلى حاكم الشرع ,وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة ,غلبت حجة المحق ,وحكم له الحاكم
ذلك .ب
.ف إن حكم الح اكم ,ال ي بيح محرم ا ,وال يحل ل حرام ا ,إنم ا يحكم على نح و مم ا يس مع ,وإال فحق ائق األم ور باقية
تراحة بهة ,وال اس ة ,وال ش ل راح اكم للمبط .فليس في حكم الح
.فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة ,وحكم له ب ذلك ,فإن ه ال يح ل ل ه ,ويك ون آكال لم ال غ يره ,بالباط ل واإلثم ,وه و ع الم ب ذلك
د في نكاله ه ,وأش غ في عقوبت ون أبل .فيك
وعلى هذا ,فالوكيل إذا علم أن موكله مبط ل في دع واه ,لم يح ل ل ه أن يخاص م عن الخ ائن كم ا ق ال تع الى " َواَل تَ ُك ْن لِ ْلخَ اِئنِينَ
ونَ ه " لَ َعلَّهُ ْم يَتَّقُ َّل لَ ُك ْم " إلى قول الى " ُأ ِح ال تع ي ًما " ثم ق " خَ ِ
ص .
.كان في أول فرض الصيام ,يح رم على المس لمين ,األك ل ,والش رب ,والجم اع في اللي ل بع د الن وم ,فحص لت المش قة لبعض هم
اع رب ,والجم ل ,والش ا ,األك يام كله الي الص اح في لي ك ,وأب الى عنهم ذل ف هللا تع .فخف
روا به ا أم ترك بعض م هم ,ب انون أنفس ونهم يخت ام أو لم ينم ,لك واء ن .س
اب " هللا " َعلَ ْي ُك ْم " ب أن وس ع لكم أم را ك ان -ل وال توس عته -موجب ا لإلثم " َو َعفَ ا َع ْن ُك ْم " م ا س لف من التخ ون "
.فَتَ َ
اش رُوه َُّن " وطئا وقبل ة ولمس ا وغ ير ذلك " .فَ اآْل نَ " بع د ه ذه الرخص ة والس عة من هللا " بَ ِ
َب هَّللا ُ لَ ُك ْم " أي :انووا في مباشرتكم لزوجاتكم ,التقرب إلى هللا تعالى والمقصود األعظم من الوطء ,وهو حصول "
َوا ْبتَ ُغوا َما َكت َ
اح د النك ول مقاص ه ,وحص رج زوجت ه ,وف اف فرج ة وإعف .الذري
.ومم ا كتب هللا لكم ليل ة الق در ,الموافق ة للي الي ص يام رمض ان فال ينبغي لكم ,أن تش تغلوا به ذه الل ذة عنه ا ,وتض يعوها
درك اتت -لم ت در -إذا ف ة الق ة ,وليل ذة مدرك .فالل
اش َربُوا َحتَّى يَتَبَيَّنَ لَ ُك ُم ْال َخ ْي طُ اَأْل ْبيَضُ ِمنَ ْال َخ ْي ِط اَأْل ْس َو ِد ِمنَ ْالفَجْ ِر " ه ذا غاي ة لألك ل والش رب والجم اع "
وا َو ْ َ .و ُكلُ
أس عليه ر ,فال ب وع الفج اكا في طل وه ,ش ل ونح ه إذا أك ه أن .وفي
.وفي ه دلي ل على اس تحباب الس حور ,لألم ر ,وأن ه يس تحب ت أخيره ,أخ ذا من مع نى رخص ة هللا وتس هيله على العب اد
وفيه أيضا ,دليل على أنه يجوز أن يدركه الفجر ,وهو جنب من الجماع ,قبل أن يغتسل ,ويصح صيامه ,ألن الزم إباح ة الجم اع
ق حق و جنب ,والزم الح ر وه ه الفج ر ,أن يدرك وع الفج .إلى طل
الص يَا َم " أي :اإلمس اك عن المفط رات " ِإلَى اللَّ ْي ِل " وه و غ روب الش مس ".ثُ َّم " إذا طل ع الفج ر " َأتِ ُّموا ِّ
.ولم ا ك ان إباح ة ال وطء في لي الي الص يام ,ليس ت إباح ة عام ة لك ل أح د ,ف إن المعتك ف ال يح ل ل ه ذل ك ,اس تثناه بقوله
" ذلك فون ب ا ِج ِد " أي :وأنتم متص ا ِكفُونَ فِي ْال َم َس رُوه َُّن َوَأ ْنتُ ْم َع َ .واَل تُبَ ِ
اش
.ودلت اآلية على مشروعية االعتكاف ,وهو لزوم المسجد ,لطاعة هللا تعالى ,وانقطاعا إليه وأن االعتكاف ال يصح إال في مس جد
.ويس تفاد من تعري ف المس اجد ,أنه ا المس اجد المعروف ة عن دهم ,وهي ال تي تق ام فه ا الص لوات الخمس
اف دات االعتك وطء من مفس ه أن ال .وفي
تلك المذكورات -وهو تحريم األكل والشرب والجماع ونح وه من المفط رات في الص يام ,وتح ريم الفط ر على غ ير المح ذور,
وتحريم الوطء على المعتكف ونحو ذلك من المحرمات " ُحدُو ُد هَّللا ِ " التي حدها لعباده ,ونهاهم عنها فقال " :فَاَل تَ ْق َربُوهَ ا " أبل غ
.من قول ه " فال تفعلوه ا " ألن القرب ان ,يش مل النهي عن فع ل المح رم بنفس ه ,والنهي عن وس ائله الموص لة إليه
.والعب د م أمور ب ترك المحرم ات ,والبع د منه ا ,غاي ة م ا يمكن ه ,وت رك ك ل س بب ي دعو إليه
دوها " فنهى عن مجاوزتها دود هللا فال تعت كح ا " تل ول هللا فيه ر فيق ا األوام .وأم
" اح ل إيض حها لهم ,أكم يين ,وأوض ابقة ,أتم تب ام الس
ك " أي :ي بين هللا لعب اده األحك َذلِ َ َ .ك
" اس لَ َعلَّهُ ْم يَتَّقُ ونَ " ف إنهم إذا ب ان لهم الح ق ,اتبع وه وإذا ت بين لهم الباط ل ,اجتنب وه
.يُبَيِّنُ هَّللا ُ آيَاتِ ِه لِلنَّ ِ
ه لم يفعله و علم تحريم رم ,ول ه مح ل بأن ه الجه رم على وج ل المح د يفع ان ق إن اإلنس .ف
وى ببا للتق كس ان ذل ة ,فك ذر وال حج ق لهم ع ه ,لم يب اس آيات إذا بين هللا للن .ف
يركم وال غ والكم أي :أم ذوا أم .أي :وال تأخ
أضافه إليهم ,ألنه ينبعي للمسلم أن يحب ألخيه ما يحب لنفسه ,ويحترم ماله ,كما يحترم ماله وألن أكله لمال غ يره يج رئ غ يره
درة د الق ه عن ل مال .على أك
.ولم ا ك ان أكله ا ن وعين :نوع ا بح ق ,ونوع ا بباط ل ,وك ان المح رم إنم ا ه و أكله ا بالباط ل ,قي ده هللا تع الى ب ذلك
و ذلك ة ,أو نح ة أو عاري ة في وديع رقة ,والخيان ب ,والس ه الغض ا على وج ذلك ,أكله دخل ب .وي
ويدخل فيه أيضا ,أخذها على وجه المعاوضة ,بمعاوضة محرمة ,كعقود الربا ,والقمار كلها ,فإنها من أك ل الم ال بالباط ل ,ألن ه
اح وض مب ةع .ليس في مقابل
ارة ,ونحوها راء ,واإلج بيع ,والش بب غش في ال ذها ,بس ك أخ دخل في ذل .وي
رتهم ل أج رار ,وأك تعمال األج ك ,اس دخل في ذل .وي
وا بواجبه ل ,لم يقوم رة على عم ذهم أج ذلك أخ .وك
.وي دخل في ذل ك ,أخ ذ األج رة على العب ادات والقرب ات ,ال تي ال تص ح ,ح تى يقص د به ا وج ه هللا تع الى
.وي دخل في ذل ك ,األخ ذ من الزك وات والص دقات ,واألوق اف ,والوص ايا ,لمن ليس ل ه ح ق منه ا ,أو ف وق حقه
وه ه من الوج ك بوج ل ذل ل ,فال يح ال بالباط ل الم وه ,من أك ذا ونح له .فك
حتى ولو حصل فيه النزاع واالرتفاع إلى حاكم الشرع ,وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة ,غلبت حجة المحق ,وحكم له الحاكم
ذلك .ب
.ف إن حكم الح اكم ,ال ي بيح محرم ا ,وال يحل ل حرام ا ,إنم ا يحكم على نح و مم ا يس مع ,وإال فحق ائق األم ور باقية
تراحة بهة ,وال اس ة ,وال ش ل راح اكم للمبط .فليس في حكم الح
.فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة ,وحكم له ب ذلك ,فإن ه ال يح ل ل ه ,ويك ون آكال لم ال غ يره ,بالباط ل واإلثم ,وه و ع الم ب ذلك
د في نكاله ه ,وأش غ في عقوبت ون أبل .فيك
وعلى هذا ,فالوكيل إذا علم أن موكله مبط ل في دع واه ,لم يح ل ل ه أن يخاص م عن الخ ائن كم ا ق ال تع الى " َواَل تَ ُك ْن لِ ْلخَ اِئنِينَ
صي ًما" خَ ِ
وق اتلوا في س بيل هللا ال ذين يق اتلونكم وال تعت دوا إن هللا ال "
" يحب المعتدين
هذه اآليات ,تتضمن األمر بالقتال في سبيل هللا ,وهذا كان بعد الهجرة إلى المدينة ,لما قوى المسلمون للقت ال ,أم رهم هللا ب ه ,بع د
ديهم ف أي أمورين بك انوا م اك .م
لمين ال في الفتن بين المس بِي ِل هَّللا ِ " حث على اإلخالص ,ونهى عن االقتت ال " فِي َس يص القت .وفي تخص
" اتِلُونَ ُك ْم " أي .الَّ ِذينَ يُقَ
ال ذين ال رأي لهم وال قت يوخ ال ير الش ال ,غ ون الرج الكم ,وهم المكلف تعدون لقت ذين هم مس .ال
والنهي عن االعتداء ,يش مل أن واع االعت داء كله ا ,من قت ل من ال يقات ل ,من النس اء ,والمج انين واألطف ال ,والرهب ان ونح وهم
.والتمثي ل ب القتلى ,وقت ل الحيوان ات ,وقط ع األش جار ونحوه ا ,لغ ير مص لحة تع ود للمس لمين
.ومن االعتداء ,مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها ,فإن ذلك ال يجوز
واقتل وهم حيث ثقفتم وهم وأخرج وهم من حيث أخرج وكم "
والفتنة أشد من القتل وال تق اتلوهم عن د المس جد الح رام ح تى
" يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين
ْث ثَقِ ْفتُ ُم وهُ ْم " ه ذا أم ر بقت الهم ,أينم ا وج دوا في ك ل وقت ,وفي ك ل زم ان قت ال مدافع ة ,وقت ال مهاجمة " َ .وا ْقتُلُ وهُ ْم َحي ُ
ثم استثنى من هذا العم وم قت الهم " ِع ْن َد ْال َم ْس ِج ِد ْال َح َر ِام " وأن ه ال يج وز إال أن يب دأوا بالقت ال ,ف إنهم يق اتلون ,ج زاء لهم على
.اعتدائهم
وقاتلوهم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين هلل فإن انته وا فال "
" عدوان إال على الظالمين
ولما كان القتال عند المسجد الحرام ,يتوهم أنه مفسدة في هذا البلد الحرام ,أخبر تعالى أن المفسدة بالفتن ة عن ده بالش رك ,والص د
الهم رج في قت لمون -ح ا المس ل ,فليس عليكم -أيه دة القت د من مفس ه ,أش .عن دين
.ويس تدل من ه ذه اآلي ة -على القاع دة المش هورة -وهي :أن ه ي رتكب أخ ف المفس دتين ,ل دفع أعالهما
.ثم ذك ر تع الى المقص ود من القت ال في س بيله ,وأن ه ليس المقص ود ب ه ,س فك دم اء الكف ار ,وأخ ذ أم والهم
ولكن المقصود به أن " َويَ ُكونَ الدِّينُ هَّلِل ِ " تعالى ,فيظهر دين هللا تعالى ,على سائر األديان ,وي دفع ك ل م ا يعارض ه ,من الش رك
راد بالفتنة و الم يره ,وه .وغ
ال ل وال قت ود ,فال قت ذا المقص له إذا حص .ف
فَِإ ِن ا ْنتَهَوْ ا " عن قتالكم عند المسجد الحرام " فَاَل ُع ْد َوانَ ِإاَّل َعلَى الظَّالِ ِمينَ " أي :فليس عليهم منكم اعت داء ,إال من ظلم منهم" ,
.فإنه يستحق المعاقبة ,بقدر ظلمه
فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا هللا كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا "
فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وم ا ل ه في اآلخ رة من
" خالق
ولما كانت هذه اإلفاضة ,يقصد بها ما ذكر ,والمذكورات آخ ر المناس ك ,أم ر تع الى عن د الف راغ منه ا ,باس تغفاره واإلكث ار من
ره .ذك
يره فيها ه وتقص د ,في أداء عبادت ع من العب ل الواق تغفار للخل .فاالس
يمة ة الجس ة والمن ادة العظيم ذه العب التوفيق له هب ه علي كر هللا على إنعام ر هللا ,ش .وذك
وهكذا ينبغي للعبد ,كلما فرغ من عبادة ,أن يستغفر هللا عن التقصير ,ويشكره على التوفي ق ,ال كمن ي رى أن ه ق د أكم ل العب ادة,
المقت ,ورد الفعل قب ذا حقي ة ,فه ة رفيع ه محال ومنزل ه ,وجعلت ل ا على رب .ومن به
ال أخر ق ألعم القبول والتوفي قب ا أن األول ,حقي .كم
.ثم أخ بر تع الى عن أح وال الخل ق ,وأن الجمي ع يس ألونه مط البهم ,ويس تدفعونه م ا يض رهم ,ولكن مقاص دهم تختلف
فمنهم " َم ْن يَقُو ُل َربَّنَا آتِنَا فِي ال ُّد ْنيَا " أي :يسأله من مطالب الدنيا ما هو من ش هواته ,وليس ل ه في اآلخ رة من نص يب ,لرغبت ه
دنيا ه على ال ر همت ا ,وقص .عنه
اه ه ودني ات دين ه في مهم ر إلي دارين ,ويفتق لحة ال دعو هللا لمص .ومنهم من ي
وكل من هؤالء وهؤالء ,لهم نصيب من كسبهم وعملهم ,وسيجازيهم تعالى ,على حسب أعمالهم ,وهم اتهم وني اتهم ,ج زاء دائ را
د وأتمه ل حم ه أكم د علي ل ,يحم دل والفض .بين الع
قا افرا ,أو فاس لما أو ك ل داع ,مس وة ك ل على أن هللا يجيب دع ة ,دلي ذه اآلي .وفي ه
.ولكن ليس ت إجابت ه دع اء من دع اه ,دليال على محبت ه ل ه وقرب ه من ه ,إال في مط الب اآلخ رة ,ومهم ات ال دين
والحسنة المطلوبة في الدنيا ,يدخل فيها كل ما يحسن وقعه عند العبد ,من رزق هني واسع حالل ,وزوجة صالحة ,وول د تق ر ب ه
ة والمباحة الب المحبوب ك ,من المط و ذل الح ,ونح لص افع ,وعم ة ,وعلم ن .العين ,وراح
وحسنة اآلخرة ,هي السالمة من العقوبات ,في القبر ,والموقف ,والنار ,وحص ول رض ا هللا ,والف وز ب النعيم المقيم ,والق رب من
رحيم رب ال .ال
.فصار هذا الدعاء ,أجمع دعاء وأكمله ,وأواله باإليثار ,ولهذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم يكثر من الدعاء به ,والحث عليه
واذكروا هللا في أيام معدودات فمن تعج ل في ي ومين فال إثم "
عليه ومن تأخر فال إثم عليه لمن اتقى واتقوا هللا واعلموا أنكم
" إليه تحشرون
يأمر تعالى بذكره في األيام المعدودات ,وهي أيام التشريق الثالثة بعد العي د ,لمزيته ا وش رفها ,وك ون بقي ة المناس ك تفع ل به ا,
يامها رم ص ذا ح ا ,وله يافا هلل فيه اس أض ون الن .ولك
" .فلل ذكر فيه ا مزي ة ,ليس ت لغيره ا ,وله ذا ق ال الن بي ص لى هللا علي ه وس لم " أي ام التش ريق ,أي ام أك ل وش رب ,وذك ر هللا
رائض د عقب الف ذكر المقي ذبح ,وال د ال ار ,وعن د رمي الجم ره عن ا ,ذك ر هللا فيه دخل في ذك .وي
ر ,وليس ببعيد ق ,كالعش ير المطل ا التكب تحب فيه ه يس اء :إن ال بعض العلم لق .ب
" اني وم الث مس الي روب ش لغ ا قب ر منه نى " ونف رج من " م .فَ َم ْن تَ َع َّج َل فِي يَ
وْ َمي ِْن " أي خ
فَاَل ِإ ْث َم َعلَ ْي ِه َو َم ْن تََأ َّخ َر " بأن بات بها ليلة الثالث ورمى من الغد " فَاَل ِإ ْث َم َعلَ ْي ِه " وه ذا تخفي ف من هللا تع الى على عب اده ,في "
رين ة كال ,األم .إباح
ادة ثر عب ه أك ل ,ألن أخر أفض رين ,فالمت ه إذا أبيح كال األم وم أن .ولكن من المعل
ولما كان نفي الحرج ,قد يفهم منه نفي الحرج في ذلك المذكور وفي غيره ,والحال أن الحرج منفي عن المتق دم والمت أخر فق ط -
ده بقوله .قي
" وال الحج وره ,وأح ع أم .لِ َم ِن اتَّقَى " أي :اتقى هللا في جمي
يء لش رج في ك ه نفي الح لل يء ,حص لش .فمن اتقى هللا في ك
زاء من جنس العمل ان الج يء ,ك يء دون ش اه في ش .ومن اتق
" يه اب معاص ره واجتن ال أوام وا هَّللا َ " بامتث َ .واتَّقُ
" الكم ازيكم بأعم رُونَ " فمج ِه تُحْ َش وا َأنَّ ُك ْم ِإلَ ْي َ .وا ْعلَ ُم
د العقوبة ه أش ه ,عاقب ده ,ومن لم يتق وى عن زاء التق دج اه ,وج .فمن اتق
.فالعلم بالجزاء ,من أعظم الدواعي لتقوى هللا ,فلهذا حث تعالى ,على العلم بذلك
ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد هللا على "
" ما في قلبه وهو ألد الخصام
لما أمر تعالى باإلكثار من ذكره ,وخصوصا في األوقات الفاضلة ,الذي هو خير مصلحة وبر ,أخبر تعالى بحال من يتكلم بلسانه
ك قَوْ لُ هُ فِي ْال َحيَ ا ِة ال ُّد ْنيَا " أي :إذا تكلم, ويخالف فعله قوله ,فالكالم إما أن يرفع اإلنسان أو يخفضه فقالَ " :و ِمنَ النَّ ِ
اس َم ْن يُ ْع ِجبُ َ
امع ه للس .راق كالم
وإذا نطق ,ظنته يتكلم بكالم نافع ,ويؤكد ما يقول بأنه " َويُ ْش ِه ُد هَّللا َ َعلَى َما فِي قَ ْلبِ ِه " بأن يخبر أن هللا يعلم ,أن ما في قلب ه مواف ق
ه فعله الف قول ه يخ ك ,ألن اذب في ذل وك ه ,وه قب ا نط .لم
ص ِام " أي :إذا خاصمته ,وج دت في ه فلو كان صادقا ,لتوافق القول والفعل ,كحال المؤمن غير المنافق ,ولهذا قالَ " :وه َُو َألَ ُّد ْال ِخ َ
من اللدد والصعوبة والتعصب ,وما يترتب على ذلك ,ما هو من مقابح الص فات ,ليس ك أخالق المؤم نين ,ال ذين جعل وا الس هولة
.مركبهم ,واالنقياد للحق وظيفتهم ,والسماحة سجيتهم
وإذا قيل له اتق هللا أخذته العزة باإلثم فحسبه جهنم ول بئس "
" المهاد
بر وأنف وى هللا تك ر بتق ي هللا ,إذا أم د في األرض بمعاص ذا المفس ر أن ه .ثم ذك
" حين بر على الناص ي والتك ل بالمعاص ع يين العم اِإْل ْث ِم " فيجم َّزةُ بِ هُ ْال ِع َ.أخَ َذ ْت
" برين ين والمتك تي هي دار العاص بُهُ َجهَنَّ ُم " ال .فَ َح ْس
س ْال ِمهَا ُد " أي :المستقر والمسكن ,عذاب دائم ,وهم ال ينقطع ,ويأس مستمر ,ال يخفف عنهم العذاب ,وال يرجون الث واب" ,
َولَبِْئ َ
الهم ة ألعم ايتهم ومقابل زاء لجن .ج
.فعياذا باهلل ,من أحوالهم
ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة هللا وهللا رءوف "
" بالعباد
ردات اني المف .مع
.ق ال في الص حاح :ش ريت الش يء أش ريه ش راء :إذا بعت ه وإذا اش تريته أيض ا ,وه و من األض داد
ا ِة هَّللا ِ " أي :يبيعها ا َء َمرْ َ
ض اس َم ْن يَ ْش
هُ ا ْبتِ َغ ِري نَ ْف َس
الى " َو ِمنَ النَّ ِ ال هللا تع .ق
اموس ه في الق اعوه ا هـ ومثل دُو َد ٍة " أي :ب س د ََرا ِه َم َم ْع َروْ هُ بِثَ َم ٍن بَ ْخ ٍ الىَ " :و َش ال تع .وق
هذه اآلية نزلت في صهيب بن سنان الرومي حين أراده المش ركون على ت رك اإلس الم ,كم ا رواه ابن عب اس وأنس ,وس عيد بن
يرهم ةغ ة وجماع دي وعكرم ان النه و عثم يب وأب .المس
.وذل ك أن ه لم ا أس لم بمك ة وأراد الهج رة ,منع ه الن اس أن يه اجر بمال ه ,وإن أحب أن يتج رد من ه ويه اجر :فعل
ذه اآلية هه أنزل هللا في ه ,ف اهم مال .فتخلص منهم وأعط
بيع بيع ربح ال ه :ربح ال الوا ل رة ,فق رف الح ة ,إلى ط اب وجماع ر بن الخط اه عم .فتلق
ذه اآلية هه زل في أخبروه أن هللا أن ا ذاك؟ ف ارتكم ,وم ر هللا تج ال :وأنتم ,فال أخس .فق
هيب بيع ص ه " ربح ال ال ل لم ق ه وس لى هللا علي ول هللا ص روى أن رس " وي .
وحدث أبو عثمان النهدي عن صهيب قال :لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى هللا عليه وسلم قالت لي قريش :يا ص هيب,
دا ك أب ون ذل ك؟ وهللا ال يك رج أنت ومال ك ,وتخ ال ل ا وال م دمت إلين .ق
الوا :نعم ني؟ ق ون ع الي تخل .فقلت لهم :أرأيتم إن دفعت إليكم م
دمت المدينة تى ق رجت ح ني ,فح وا ع الي ,فخل دفعت إليهم م .ف
رتين هيب " م هيب ربح ص ال " :ربح ص لم فق ه وس لى هللا علي بي ص ك الن غ ذل .فبل
وقال حماد بن سلمة ,عن علي بن يزيد ,عن سعيد بن المسيب قال :أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى هللا علي ه وس لم ,فاتبع ه
ريش ر من ق .نف
.ف نزل عن راحلت ه ,ونث ل م ا في كنانت ه ,ثم ق ال :ي ا معش ر ق ريش ,ق د علمتم أني من أرم اكم رجال
.وأنتم -وهللا -ال تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ,ثم أضرب بسيفي ,ما بقي في ي دي من ه ش يء ثم افعل وا م ا ش ئتم
ه :نعم الوا ل بيلي ,ق ة ,وخليتم س تي بمك الي وقني ئتم دللتكم على م .وإن ش
فلما قدم على النبي صلى هللا عليه وسلم قال " :ربح ال بيع " ق ال :ون زلت ومن الن اس من يش ري نفس ه ابتغ اء مرض اة هللا وهللا
اد .رءوف بالعب
اش ت ََرى ِمنَ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ َأ ْنفُ َس هُ ْم وأما األكثرون ,فحملوا ذلك على أنها نزلت في كل مجاهد في س بيل هللا كم ا ق ال تع الىِ " :إ َّن هَّللا َ ْ
َوَأ ْم َوالَهُ ْم بَِأ َّن لَهُ ُم ْال َجنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي َسبِي ِل هَّللا ِ فَيَ ْقتُلُونَ َويُ ْقتَلُونَ َو ْعدًا َعلَ ْي ِه َحقًّا فِي التَّوْ َرا ِة َواِإْل ْن ِجي ِل َو ْالقُ رْ آ ِن َو َم ْن َأوْ فَى بِ َع ْه ِد ِه ِمنَ
وْ ُز ْال َع ِظي ُم َو ْالفَ ك هُ َ ِه َو َذلِ ايَ ْعتُ ْم بِ رُوا بِبَي ِْع ُك ُم الَّ ِذي بَ " هَّللا ِ فَا ْستَب ِْش .
اس ه بعض الن ر علي فين ,أنك امر بين الص ام بن ع ل هش ا حم .ولم
ذه اآلية وا ه ا ,وتل رة وغيرهم و هري اب وأب ر بن الخط رد عليهم عم .ف
اد ا هـ اة هللا وهللا رءوف بالعب اء مرض ه ابتغ ري نفس اس من يش .ومن الن
.من تفسير ابن كثير بتصرف يسير
يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة وال تتبعوا خطوات "
" الشيطان إنه لكم عدو مبين
هذا أمر من هللا تعالى للمؤمنين أن يدخلوا " فِي الس ِّْل ِم َكافَّةً " أي :في جميع شرائع ال دين ,وال ي تركوا منه ا ش يئا ,وأن ال يكون وا
ه ,تركه ه ,وإن خالف واه فعل روع ه ر المش ق األم واه ,إن واف هه ذ إله .ممن اتخ
بل الواجب ,أن يكون الهوى ,تبعا للدين ,وأن يفعل كل ما يقدر عليه ,من أفعال الخير ,وم ا يعج ز عن ه ,يلتزم ه وينوي ه ,فيدرك ه
.بنيته
ان " أي :في
ط ِ ت َّ
الش ْي َ ولما كان الدخول في السلم كافة ,ال يمكن وال يتصور إال بمخالفة طرق الشيطان قالَ " :واَل تَتَّبِ ُع وا ُخطُ َوا ِ
داوة اهر الع د ٌُّو ُمبِ ٌ
ين " ظ ي هللا " ِإنَّهُ لَ ُك ْم َع ل بمعاص .العم
.والعدو المبين ,ال يأمر إال بالسوء والفحشاء ,وما به الضرر عليكم
سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة هللا "
" من بعد ما جاءته فإن هللا شديد العقاب
بقول تعالىَ " :سلْ بَنِي ِإ ْس َراِئي َل َك ْم آتَ ْينَاهُ ْم ِم ْن آيَ ٍة بَيِّنَ ٍة " تدل على الح ق ,وعلى ص دق الرس ل ,فتيقنوه ا وعرفوه ا ,فلم يقوم وا
ام بها ي القي تي تقتض ة ,ال ذه النعم كر ه .بش
.ب ل كف روا به ا ,وب دلوا نعم ة هللا كف را ,فله ذا اس تحقوا أن ي نزل هللا عليهم عقاب ه ويح رمهم من ثوابه
وسمى هللا تعالى كفر النعمة تبديال لها ,ألن من أنعم هللا عليه نعمة دينية أو دنيوية ,فلم يشكرها ,ولم يقم بواجبه ا ,اض محلت عن ه
دل النعمة رب ار الكف ي ,فص الكفر والمعاص دلت ب .وذهبت ,وتب
.وأما من شكر هللا تعالى ,وقام بحقها ,فإنها تثبت وتستمر ,ويزيده هللا منها
زين للذين كفروا الحي اة ال دنيا ويس خرون من ال ذين آمن وا "
وال ذين اتق وا ف وقهم ي وم القيام ة وهللا ي رزق من يش اء بغ ير
" حساب
دنيا اة ال رعه ,أنهم زينت لهم الحي ادوا لش له ,ولم ينق ه ورس روا باهلل وبآيات ذين كف الى أن ال بر تع .يخ
فزينت في أعينهم وقلوبهم ,فرضوا بها ,واطمأنوا بها فصارت أهواؤهم وإراداتهم وأعمالهم كلها لها ,فأقبلوا عليه ا ,وأكب وا على
تحصيلها ,وعظموها ,وعظموا من شاركهم في صنيعهم ,واحتق روا المؤم نين ,واس تهزأوا بهم وق الوا :أه ؤالء من هللا عليهم من
.بيننا؟ وهذا من ضعف عقولهم ونظرهم القاصر ,فإن الدنيا دار ابتالء وامتحان ,وسيحصل الشقاء فيه ا أله ل اإليم ان والكف ران
.ب ل الم ؤمن في ال دنيا ,وإن نال ه مك روه ,فإن ه يص بر ويحتس ب ,فيخف ف هللا عن ه بإيمان ه وص بره ,م ا ال يك ون لغ يره
وإنما الشأن كل الشأن ,والتفضيل الحقيقي ,في الدار الباقية ,فلهذا قال تعالىَ " :والَّ ِذينَ اتَّقَوْ ا فَوْ قَهُ ْم يَ وْ َم ْالقِيَا َم ِة " فيك ون المتق ون
ور ة والحب رور ,والبهج أنواع النعيم والس درجات ,متمتعين ب .في أعلى ال
.والكف ار تحتهم في أس فل ال دركات ,مع ذبين ب أنواع الع ذاب واإلهان ة ,والش قاء الس رمدي ,ال ذي ال منتهى له
افرين نين ,ونعي على الك لية للمؤم ة تس ذه اآلي .ففي ه
ولما كانت األرزاق الدنيوية واألخروية ,ال تحصل إال بتقدير هللا ,ولن تنال إال بمشيئة هللا قال تعالىَ " :وهَّللا ُ يَرْ ُز ُ
ق َم ْن يَ َشا ُء بِ َغي ِْر
افر ؤمن والك ل للم دنيوي ,يحص الرزق ال ب"ف ا ٍ .ح َس
ِ
.وأما رزق القلوب من العلم واإليمان ,ومحبة هللا ,وخشيته ورجائه ونحو ذلك ,فال يعطيها إال من يحبه
كان الناس أمة واح دة فبعث هللا النب يين مبش رين ومن ذرين "
وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الن اس فيم ا اختلف وا في ه
وما اختلف فيه إال الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البين ات بغي ا
بينهم فهدى هللا ال ذين آمن وا لم ا اختلف وا في ه من الح ق بإذن ه
" وهللا يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
ان ور وال إيم قاء ,ليس لهم ن الل والش ر والض
اس مجتمعين على الكف ان الن .أي :ك
فرحمهم هللا تعالى بإرسال الرسل إليهم " ُمبَ ِّش ِرينَ " من أطاع هللا بثمرات الطاعات ,من الرزق ,والقوة في البدن والقلب ,والحياة
وان هللا والجنة وز برض ك ,الف ة ,وأعلى ذل .الطيب
َو ُم ْن ِذ ِرينَ " من عصى هللا ,بثمرات المعصية ,من حرمان الرزق ,والضعف ,واإلهانة ,والحياة الضيقة ,وأش د ذل ك ,س خط هللا "
ار .والن
" ر العادلة ادقة ,واألوام ارات الص و اإلخب ْال َح ِّ
ق " وه اب بِ
َ َز َل َم َعهُ ُم ْال ِكتَ َ .وَأ ْن
روع ول والف ل بين المختلفين في األص ق ,يفص وح ة ,فه ه الكتب اإللهي تملت علي ا اش لم .فك
وله ازع ,إلى هللا وإلى رس رد االختالف والتن ازع ,أن ي د االختالف والتن واجب عن و ال ذا ه .وه
الرد إليهما رب ا أم نزاع ,لم ل ال وله ,فص نة رس ه ,وس وال أن في كتاب .ول
ولما ذكر نعمته العظيمة بإنزال الكتب على أهل الكت اب ,وك ان ه ذا يقتض ي اتف اقهم عليه ا واجتم اعهم -أخ بر تع الى أنهم بغى
ثرة االختالف ام وك نزاع والخص ل ال هم على بعض ,وحص .بعض
فاختلفوا في الكتاب الذي ينبغي أن يكونوا أولى الناس باالجتماع عليه ,وذلك من بعد ما علموه وتيقن وه باآلي ات البين ات ,واألدل ة
دا الال بعي ذلك ض لوا ب ات ,وض .القاطع
ق " فك ل م ا اختل ف في ه أه ل الكت اب ,وأخط أوا في ه الح ق " اختَلَفُ وا فِي ِه ِمنَ ْال َح ِّ
فَهَدَى هَّللا ُ الَّ ِذينَ آ َمنُوا " من هذه األم ة " لِ َم ا ْ
يره لهم ورحمته الى وتيس ِه " تع ة " بِِإ ْذنِ ذه األم هه ق في
واب ,ه .والص دى هللا للح
" تَقِ ٍيم َرا ٍط ُم ْس ا ُء ِإلَى ِ
ص ِدي َم ْن يَ َش " َوهَّللا ُ يَ ْه .
فعم الخلق تعالى ,بالدعوة إلى الصراط المستقيم ,عدال منه تعالى ,وإقامة حجة على الخلق ,لئال يقولوا " م ا جاءن ا من بش ير وال
ذير "ن .
اده اء من عب ه -من ش ه ولطف ه ,وإعانت له ورحمت دى -بفض .وه
.فهذا فضله وإحسانه ,وذاك عدله وحكمته ,تبارك وتعالى
كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو "
خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو ش ر لكم وهللا يعلم وأنتم ال
" تعلمون
.ه ذه اآلي ة ,فيه ا ف رض القت ال في س بيل هللا ,بع د م ا ك ان المؤمن ون م أمورين بترك ه ,لض عفهم ,وع دم احتم الهم ل ذلك
.فلم ا ه اجر الن بي ص لى هللا علي ه وس لم إلى المدين ة ,وك ثر المس لون ,وق ووا أم رهم هللا تع الى بالقت ال
.وأخ بر أن ه مك روه للنف وس ,لم ا في ه من التعب والمش قة ,وحص ول أن واع المخ اوف والتع رض للمت الف
ومع هذا ,فهو خير محض ,لما فيه من الثواب العظيم ,والتحرز من العقاب األليم ,والنصر على األعداء والظف ر بالغن ائم ,وغ ير
ه من الكراهة ا في رب ,على م وم اه ك ,مم .ذل
و " َو َع َسى َأ ْن تُ ِحبُّوا َش ْيًئا َوه َُو َش ٌّر لَ ُك ْم " وذل ك مث ل القع ود عن الجه اد لطلب الراح ة ,فإن ه ش ر ,ألن ه يعقب الخ ذالن ,وتس لط
.األع داء على اإلس الم وأهل ه ,وحص ول ال ذل واله وان ,وف وات األج ر العظيم وحص ول العق اب
.وهذه اآليات ,عامة مطردة ,في أن أفعال الخير التي تكرهها النفوس -لم ا تتوهم ه فيه ا من الراح ة والل ذة -فهي ش ر ,بال شك
وأما أحوال الدنيا ,فليس األمر مطردا ,ولكن الغالب على العبد المؤمن ,أنه إذا أحب أمرا من األم ور ,فقيض هللا ل ه من األس باب
ما يصرفه عنه أنه خير له ,فاألوفق له في ذلك ,أن يشكر هللا ,ويعتق د الخ ير في الواق ع ,ألن ه يعلم أن هللا تع الى أرحم بالعب د من
" .نفس ه ,وأق در على مص لحة عب ده من ه ,وأعلم بمص لحته من ه كم ا ق ال تع الى " َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم َوَأ ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُم ونَ
.فالالئق بكم أن تتمشوا مع أقداره ,سواء سرتكم أو ساءتكم
إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل هللا أولئك "
" يرجون رحمة هللا وهللا غفور رحيم
.ه ذه األعم ال الثالث ة ,هي عن وان الس عادة وقطب رحى العبودي ة ,وبه ا يع رف م ا م ع اإلنس ان ,من ال ربح والخس ران
فأما اإليمان ,فال تسأل عن فضيلته ,وكيف تسأل عن شيء ه و الفاص ل بين أه ل الس عادة وأه ل الش قاوة ,وأه ل الجن ة من أه ل
.النار؟ وهو الذي إذا كان مع العبد ,قبلت أعم ال الخ ير من ه ,وإذا ع دم من ه ,لم يقب ل ل ه ص رف وال ع دل ,وال ف رض ,وال نفل
الى ا هللا تع ألوف ,لرض وب الم ة المحب رة ,فهي مفارق ا الهج .وأم
رة لدينه ا إلى هللا ونص ه ,تقرب ه ,وخالن ه ,وأهل ه ,وأموال اجر وطن ترك المه .في
.وأم ا الجه اد ,فه و ب ذل الجه د في مقارع ة األع داء ,والس عي الت ام ,في نص رة دين هللا ,وقم ع دين الش يطان
زاء ل الج زاؤه ,أفض الحة ,وج ال الص و ذروة األعم .وه
لمين نام ,وأمن المس اد األص ذالن عب الم وخ رة اإلس يع دائ بر ,لتوس بب األك و الس .وه
والهم وأوالدهم هم وأم .على أنفس
ه وتكميال اب د قيام ا أش ان لغيره قتها -ك ا ومش ة -على ألوائه ال الثالث ذه األعم ام به .فمن ق
وجب للرحمة بب الم وا بالس ة هللا ,ألنهم أت راجين رحم وا هم ال ؤالء ,أن يكون ق به .فحقي
عادة باب الس ام بأس د القي ون إال بع اء ,ال يك ل على أن الرج ذا دلي .وفي ه
رور ز وتمن وغ ذا عج باب ,فه ام باألس دم القي ل ,وع ارن للكس اء المق ا الرج .وأم
وهو دال على ضعف همة صاحبه ,ونقص عقله ,بمنزلة من يرجو وجود الولد بال نك اح ,ووج ود الغل ة بال ب ذر ,وس قي ,ونح و
.ذلك
وفي قوله " ُأولَِئ َ
ك يَرْ جُونَ َرحْ َم ةَ هَّللا ِ " إش ارة إلى أن العب د -ول و أتى من األعم ال بم ا أتى ب ه -ال ينبغي ل ه أن يعتم د عليه ا,
تر عيوبه ه ,وس رة ذنوب ه ومغف ول أعمال و قب ه ,ويرج ة رب و رحم ل يرج ا ,ب ول عليه .ويع
.وله ذا ق ال " َوهَّللا ُ َغفُ و ٌر " أي :لمن ت اب توب ة نص وحا " َر ِحي ٌم " وس عت رحمت ه ك ل ش يء ,وعم ج وده وإحس انه ,ك ل حي
ت " وحص لت ل ه رحم ة ت ي ُْذ ِه ْبنَ َّ
الس يَِّئا ِ وفي هذا دليل على أن من قام بهذه األعمال المذكورة ,حصل له مغفرة هللا ,إذ " ْال َح َسنَا ِ
.هللا
رة دنيا واآلخ ات ال ه عقوب دفعت عن رة ,ان ه المغف لت ل .وإذا حص
محلت آثارها رت واض د غف تي ق ذنوب ,ال ار ال تي هي آث .ال
رة دنيا واآلخ ير في ال لخ ل على ك ة ,حص ه الرحم لت ل .وإذا حص
بل أعمالهم المذكورة من رحمة هللا بهم ,فلوال توفيقه إياهم ,لم يريدوها ,ولوال إقدارهم عليها ,لم يق دروا عليه ا ,ول وال إحس انه لم
ا منهم ا ويقبله .يتمه
.فله الفضل ,أوال وآخرا ,وهر الذي من بالسبب والمسبب
نساؤكم حرث لكم ف أتوا ح رثكم أنى ش ئتم وق دموا ألنفس كم "
" واتقوا هللا واعلموا أنكم مالقوه وبشر المؤمنين
ث لَ ُك ْم فَْأتُوا َحرْ ثَ ُك ْم َأنَّى ِشْئتُ ْم " مقبلة ومدبرة غير أنه ال يكون إال في القبل ,لكونه موضع الح رث ,وه و الموض ع "
نِ َساُؤ ُك ْم َحرْ ٌ
ه الولد ون من ذي يك .ال
.وفي ه دلي ل على تح ريم ال وطء في ال دبر ,ألن هللا لم يبح إتي ان الم رأة إال في الموض ع ال ذي من ه الح رث
ك ,ولعن فاعله ريم ذل لم في تح ه وس لى هللا علي بي ص اديث عن الن
د تك اثرت األح
.وق
َوقَ ِّد ُموا َأِل ْنفُ ِس ُك ْم " أي :من التق رب إلى هللا بفع ل الخ يرات ,ومن ذل ك أن يباش ر الرج ل امرأت ه ,ويجامعه ا على وج ه القرب ة "
ع هللا بهم ذين ينف ة ,ال يل الذري اء تحص اب ,وعلى رج .واالحتس
َواتَّقُوا هَّللا َ " أي :في جميع أحوالكم ,كونوا مالزمين لتقوى هللا ,مستعينين على ذلك بعلمكم " َوا ْعلَ ُموا َأنَّ ُك ْم ُماَل قُوهُ " ومجازيكم "
الحة وغيرها الكم الص .على أعم
َوبَ ِّش ِر ْال ُمْؤ ِمنِينَ " لم يذكر المبشر به ,ليدل على العموم ,وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي اآلخرة :وكل خير ,واندفاع ك ل "
ارة ذه البش ل في ه و داخ ان -فه ير ,رتب على اإليم .ض
.وفيها محبة هللا للمؤمنين ,ومحبة ما يسرهم ,واستحباب تنشيطهم وتشويقهم بما أعد هللا لهم من الجزاء الدنيوي واألخروي
وال تجعلوا هللا عرضة أليم انكم أن ت بروا وتتق وا وتص لحوا "
" بين الناس وهللا سميع عليم
م عليه د المقس ه ,وتأكي مب م ,تعظيم المقس ود من اليمين والقس .المقص
يء لش ا في ك ك حفظه ى ذل ان مقتض ان ,وك ظ األيم ر بحف د أم الى ق ان هللا تع .وك
و أحب إليه اه رك م من ت اليمين ,يتض بر ب ان ال ك ,إذا ك تثنى من ذل الى اس .ولكن هللا تع
.فنهى عباده أن يجعلوا أيمانهم عرضة ,أي :مانع ة وحائل ة عن أن ي بروا أي :يفعل وا خ يرا ,ويتق وا ش را ,ويص لحوا بين الن اس
ه على يمينه رم إقامت ه ,وح رك واجب ,وجب حنث ف على ت .فمن حل
ه الحنث تحب ل تحب ,اس رك مس ف على ت .ومن حل
تحب الحنث روه ,اس ل مك رم ,وجب الحنث ,أو على فع ل مح ف على فع .ومن حل
ظ اليمين عن الحنث ه حف اح ,فينبغي في ا المب .وأم
دم أهمها الح ,ق زاحمت المص ه " إذا ت هورة ,أن دة المش ة على القاع ذه اآلي تدل به " ويس .
.فهن ا تتميم اليمين ,مص لحة ,وامتث ال أوام ر هللا في ه ذه األش ياء ,مص لحة أك بر من ذل ك ,فق دمت ل ذلك
ِمي ٌع " أي الَ " :وهَّللا ُ َس ريمين فق مين الك ذين االس ة به .ثم ختم اآلي
.لجمي ع األص وات " َعلِي ٌم " بالمقاص د والني ات ,ومن ه ,س ماعه ألق وال الح الفين ,وعلم ه بمقاص دهم ه ل هي خ ير أم شر
.وفي ضمن ذلك ,التحذير من مجازاته ,وأن أعمالكم ونياتكم ,قد استقر علمها عنده
وإذا طلقتم النس اء فبلغن أجلهن فأمس كوهن بمع روف أو "
سرحوهن بمعروف وال تمس كوهن ض رارا لتعت دوا ومن يفع ل
ذلك فقد ظلم نفسه وال تتخذوا آيات هللا هزوا واذكروا نعم ة هللا
عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا هللا
" واعلموا أن هللا بكل شيء عليم
تين دة أو اثن ا بواح ا رجعي ا َء " أي :طالق الىَ " :وِإ َذا طَلَّ ْقتُ ُم النِّ َس ال تع .ثم ق
" دتهن اء ع اربن انقض .فَبَلَ ْغنَ َأ َجلَه َُّن " أي :ق
ُوف َأوْ َس ِّرحُوه َُّن بِ َم ْع ر ٍ
ُوف " أي :إم ا أن تراجع وهن ,ونيتكم القي ام بحق وقهن ,أو ت تركوهن بال رجع ة وال " فََأ ْم ِس ُكوه َُّن بِ َم ْعر ٍ
.إض رار ,وله ذا ق الَ " :واَل تُ ْم ِس ُكوه َُّن ِ
ض َرارًا " أي :مض ارة بهن " لِتَ ْعتَ دُوا " في فعلكم ه ذا الحالل ,إلى الح رام
ارة رام :المض المعروف ,والح اك ب الحالل :اإلمس .ف
َ .و َم ْن يَ ْف َع لْ َذلِ كَ فَقَ ْد ظَلَ َم نَ ْف َس هُ " ول و ك ان الح ق يع ود للمخل وق فالض رر عائ د إلى من أراد الض رار "
ت هَّللا ِ هُ ُز ًوا " لما بين تعالى ح دوده غاي ة التب يين ,وك ان المقص ود ,العلم به ا والعم ل ,والوق وف معه ا ,وع دم "
َواَل تَتَّ ِخ ُذوا آيَا ِ
مجاوزته ا ,ألن ه تع الى لم ينزله ا عبث ا ,ب ل أنزله ا ب الحق والص دق والج د ,نهى عن اتخاذه ا ه زوا ,أي :لعب ا به ا ,وهو
ال لواجبها دم االمتث ا ,وع رى عليه .التج
ع الثالت ثرة الطالق ,أو جم راق ,أو ك اك ,أو الف ارة في اإلمس تعمال المض ل اس .مث
لحته عيا في مص ه وس اب دة ,رفق د واح دة بع ه واح لل ه -جع .وهللا -من رحمت
" اء دا وثن ان ,حم ا باللس ةَ هَّللا ِ َعلَ ْي ُك ْم " عموم رُوا نِ ْع َم َ .و ْاذ ُك
ة هللا رفها في طاع ان ,بص رارا ,وباألرك ا ,وإق
القلب ,اعتراف .ب
ب َو ْال ِح ْك َم ِة " أي :السنة اللذين بين لكم بهما طرق الخير ورغبكم فيها ,وطرق الش ر وح ذركم إياه ا" ,
َو َما َأ ْن َز َل َعلَ ْي ُك ْم ِمنَ ْال ِكتَا ِ
ون وا تعلم ا لم تكون ه ,وعلمكم م ه وأعدائ ه في أوليائ ه ووقائع رفكم نفس .وع
ه ,الحكم اب في ريعة ,فالكت رار الش ة :أس راد بالحكم ل :الم .وقي
ره ونواهيه ة هللا في أوام ان حكم ا ,بي ة فيه .والحكم
حيح يين ص .وكال المعن
ولهذا قال " يَ ِعظُ ُك ْم بِ ِه " أي :بما أنزل عليكم ,وهذا مم ا يق وي أن الم راد بالحكم ة ,أس رار الش ريعة ,ألن الموعظ ة ببي ان الحكم
زول الجهل ه ,ي الحكم ب ترهيب ,ف ترغيب ,أو ال ة ,وال .والحكم
وجب الرغبة ترغيب ,ي ع ال ةم .والحكم
والحكمة مع الترهيب ,يوجب الرهب ة " َواتَّقُ وا هَّللا َ " في جمي ع أم وركم " َوا ْعلَ ُم وا َأ َّن هَّللا َ بِ ُك ِّل َش ْي ٍء َعلِي ٌم " فله ذا بين لكم ه ذه
.األحكام ,التي هي جارية مع المصالح في كل زمان ومكان ,فله الحمد والمنة
وإذا طلقتم النس اء فبلغن أجلهن فال تعض لوهن أن ينكحن "
أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذل ك يوع ظ ب ه من ك ان
منكم يؤمن باهلل والي وم اآلخ ر ذلكم أزكى لكم وأطه ر وهللا يعلم
" وأنتم ال تعلمون
هذا خطاب ألولياء المرأة المطلقة دون الثالث إذا خرجت من العدة ,وأراد زوجها أن ينكحها ,ورضيت بذلك ,فال يج وز لوليه ا,
.من أب وغ يره; أن يعض لها; أي :يمنعه ا من ال تزوج ب ه حنق ا علي ه; وغض با; اش مئزازا لم ا فع ل من الطالق األول
ه من العضل ه يمنع ِر " فإيمان وْ ِم اآْل ِخ ْؤ ِمنُ بِاهَّلل ِ َو ْاليَ انَ ِم ْن ُك ْم يُ ر أن " َم ْن َك .وذك
َذلِ ُك ْم َأ ْز َكى لَ ُك ْم َوَأ ْ
طهَ ُر " وأطيب مما يظن الولي أن عدم تزويجه ,هو الرأي والالئق وأنه يقاب ل بطالق ه األول بع دم تزويج ه" ,
برين ترفعين المتك ادة الم وع اه .كم
ونَ إن " هَّللا َ يَ ْعلَ ُم َوَأ ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُم ه ,ف دم تزويج لحة ,في ع ان يظن أن المص إن ك "ف .
.ف امتثلوا أم ر من ه و ع الم بمص الحكم ,مري د له ا ,ق ادر عليه ا ,ميس ر له ا من الوج ه ال ذي تعرف ون وغ يره
وفي هذه اآلية ,دليل على أنه ال بد من الولي في النكاح ,ألنه نهى األولياء عن العضل ,وال ينهاهم إال عن أمر ,هو تحت تدبيرهم
ه حق .ولهم في
ض ْعنَ " اآلية ثم قال تعالى " َو ْال َوالِد ُ
َات يُرْ ِ
فإن خفتم فرجاال أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا هللا كم ا علمكم "
" ما لم تكونوا تعلمون
وقوله " :فَِإ ْن ِخ ْفتُ ْم " حذف المتعلق ,ليعم الخوف من العدو ,والسبع ,وفوات ما يتض رر العب د بفوت ه فص لواِ " ,ر َج ااًل " ماش ين
.على أرجلكم
" تقبال ه االس ال ,ال يلزم ذه الح ات ,وفي ه ائر المركوب ل ,وس ل واإلب ا " على الخي َ.أوْ ُر ْكبَانً
الخوف ذور ب الة المع فة ص ذه ص .فه
الة كاملة لى ص ل األمن ,ص إذا حص .ف
لوات ل الص ْاذ ُكرُوا هَّللا َ " تكمي ِإ َذا َأ ِم ْنتُ ْم فَ ه " فَ دخل في قول .وي
عادة العبد هس ا في ة التعليم ,لم ه على نعم كرا ل ر هللا ,ش ار من ذك ا ,اإلكث ه أيض دخل في .وي
ر هللا ار من ذك ا لم يكن يعلم ,اإلكث ه هللا م يلة العلم ,وأن على من علم ة ,فض ة الكريم .وفي اآلي
.وفيه اإلشعار أيضا بأن اإلكثار من ذكره ,سبب لتعليم علوم أخرى ,ألن الشكر مقرون بالمزيد
وق ال لهم ن بيهم إن هللا ق د بعث لكم ط الوت ملك ا ق الوا أنى "
يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت س عة من
المال قال إن هللا اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجس م
" وهللا يؤتي ملكه من يشاء وهللا واسع عليم
.وأن ه عين لهم ن بيهم; ط الوت ملك ا; يق ودهم في ه ذا األم ر ال ذي ال ب د ل ه من قائ د يحس ن القي ادة
اال ثر م ا وأك ه بيت ق من و أح الوت; وثم من ه ه لط تغربوا تعيين .وأنهم اس
فأجابهم نبيهم :إن هللا اختاره عليكم; بما آتاه هللا من قوة العلم بالسياسة; وقوة الجس م; الل ذين هم ا آل ة الش جاعة والنج دة ,وحس ن
دبير .الت
وتهم يادة في بي ك والس ان المل احبه ممن ك ون ص ال; وال بك ثرة الم ك ليس بك .وأن المل
.فاهلل يؤتي ملكه من يشاء
وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن ي أتيكم الت ابوت في ه س كينة من
ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمل ه المالئك ة إن
" في ذلك آلية لكم إن كنتم مؤمنين
.ثم لم يكت ف ذل ك الن بي الك ريم بإقن اعهم بم ا ذك ره; من كف اءة ط الوت ,واجتم اع الص فاف المطلوب ة في ه ح تى ق ال لهم
وس ى َوآ ُل هَ ارُونَ " ِ " .إ َّن آيَ ةَ ُم ْل ِك ِه َأ ْن يَ ْأتِيَ ُك ُم التَّاب ُ
ُوت فِي ِه َس ِكينَةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم َوبَقِيَّةٌ ِم َّما تَ َركَ آ ُل ُم َ
داء ه األع تولت علي د اس ابوت ق ذا الت ان ه .وك
فلم يكتفوا بالصفات المعنوية في طالوت ,وال بتعيين هللا له على لسان نبيهم ,حتى يؤيد ذل ك ه ذه المعج زة ,وله ذا ق الِ " :إ َّن فِي
ك آَل يَةً لَ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُمْؤ ِمنِينَ " فحينئذ سلموا وانقادوا
َ .ذلِ َ
ولما برزوا لجالوت وجن وده ق الوا ربن ا أف رغ علين ا ص برا "
" وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين
" دوهم ر على ع ذلك الفتح والنص لى هللا علي ه وس لم " َج الُوتَ " وحص
لب َل دَا ُو ُد " ص َ .وقَتَ
ك َو ْال ِح ْك َمةَ " النبوة والعلوم النافعة وآتاه هللا الحكمة وفصل الخطاب "
َ .وآتَاهُ هَّللا ُ " أي :داود " ْال ُم ْل َ
فهزم وهم ب إذن هللا وقت ل داود ج الوت وآت اه هللا المل ك "
والحكمة وعلمه مما يشاء ولوال دفع هللا الناس بعض هم ببعض
" لفسدت األرض ولكن هللا ذو فضل على العالمين
ت اَأْلرْ ضُ " باس تيالء الكف رة والفج ار ,وأه ل الش ر
ْض لَفَ َس َد ِ ثم بين تعالى ,فائدة الجهاد فقالَ " :ولَوْ اَل َد ْف ُع هَّللا ِ النَّ َ
اس بَ ْع َ
ضهُ ْم بِبَع ٍ
اد .والفس
َولَ ِك َّن هَّللا َ ُذو فَضْ ٍل َعلَى ْال َعالَ ِمينَ " حيث لطف بالمؤمنين ,ودافع عنهم ,وعن دينهم ,بمل شرعه وبما قدره "
" تلك آيات هللا نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين "
لم ه وس لى هللا علي وله ص ال لرس ةق ذه القص ا بين ه .فلم
" لِينَ ك لَ ِمنَ ْال ُمرْ َس ْال َح ِّ
ق وَِإنَّ َ كَ بِ ا َعلَ ْي ات هَّللا ِ نَ ْتلُوهَ
ُ ك آيَ
َ " تِ ْل .
ا للواقع ا من هللا ,مطابق ا وحي بر به ة ,حيث أخ ذه القص الته ,ه ة على رس ة األدل .ومن جمل
يرة لألمة بر كث ة ,ع ذه القص .وفي ه
.منها :فضيلة الجهاد في سبيله ,وفوائده ,وثمراته ,وأنه السبب الوحيد في حفظ الدين ,وحف ظ األوط ان ,وحف ظ األب دان واألم وال
.وأن المجاهدين ,ولو شقت عليهم األم ور ,ف إن ع واقبهم حمي دة ,كم ا أن الن اكلين ,ول و اس تراحوا قليال ,ف إنهم س يتعبون ط ويال
رين ع إلى أم اءة ترج اءة ,وأن الكف ه كف ة من في داب لرياس ا :االنت .ومنه
دبير ة والت و علم السياس ذي ه .إلى العلم ال
ا الحق ذ به تي ينف وة ال .وإلى الق
يره ق من غ و أح ران ,فه ه األم ع في .وأن من اجتم
ومنها االستدالل بهذه القصة ,على ما قاله العلماء ,أنه ينبغي لألمير للجيوش ,أن يتفقدها عند فصولها ,فيمنع من ال يصلح للقت ال,
.من رج ال وخي ل ورك اب ,لض عفه ,أو ض عف ص بره ,أو لتخذيل ه ,أو خ وف الض رر بص حبته
اس رر محض على الن مض ذا القس إن ه .ف
ومنه ا :أن ه ينبغي عن د حض ور الي أس ,تقوي ة المجاه دين ,وتش جيعهم ,وحثهم على الق وة اإليماني ة ,واالتك ال الكام ل على هللا,
داء ر على األع بر والنص ة على الص بيت ,واإلعان ؤال هللا التث ه ,وس اد علي .واالعتم
ير حقيقته اد ,غ ال والجه زم على القت ا :أن الع .ومنه
.فق د يع زم اإلنس ان ,ولكن عن د حض وره ,تنح ل عزيمت ه وله ذا ك ان من دع اء الن بي ص لى هللا علي ه وس لم
" ة على الرشد ر ,والعزيم ات في األم ألك الثب " أس .
.فه ؤالء ال ذين عزم وا على القت ال ,وأت وا بكالم ي دل على الع زم المص مم ,لم ا ج اء ال وقت ,نكص أك ثرهم
اء د القض ا بع ألك الرض لم " وأس ه وس لى هللا علي هص ذا قول به ه " ويش .
.ألن الرضا بعد وقوع القضاء المكروه للنفوس ,هو الرضا الحقيقي
" تلك آيات هللا نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين "
لم ه وس لى هللا علي وله ص ال لرس ةق ذه القص ا بين ه .فلم
" لِينَ ك لَ ِمنَ ْال ُمرْ َس ْال َح ِّ
ق وَِإنَّ َ كَ بِ ا َعلَ ْي ات هَّللا ِ نَ ْتلُوهَ
ُ ك آيَ
َ " تِ ْل .
ا للواقع ا من هللا ,مطابق ا وحي بر به ة ,حيث أخ ذه القص الته ,ه ة على رس ة األدل .ومن جمل
يرة لألمة بر كث ة ,ع ذه القص .وفي ه
.منها :فضيلة الجهاد في سبيله ,وفوائده ,وثمراته ,وأنه السبب الوحيد في حفظ الدين ,وحف ظ األوط ان ,وحف ظ األب دان واألم وال
.وأن المجاهدين ,ولو شقت عليهم األم ور ,ف إن ع واقبهم حمي دة ,كم ا أن الن اكلين ,ول و اس تراحوا قليال ,ف إنهم س يتعبون ط ويال
رين ع إلى أم اءة ترج اءة ,وأن الكف ه كف ة من في داب لرياس ا :االنت .ومنه
دبير ة والت و علم السياس ذي ه .إلى العلم ال
ا الحق ذ به تي ينف وة ال .وإلى الق
يره ق من غ و أح ران ,فه ه األم ع في .وأن من اجتم
ومنها االستدالل بهذه القصة ,على ما قاله العلماء ,أنه ينبغي لألمير للجيوش ,أن يتفقدها عند فصولها ,فيمنع من ال يصلح للقت ال,
.من رج ال وخي ل ورك اب ,لض عفه ,أو ض عف ص بره ,أو لتخذيل ه ,أو خ وف الض رر بص حبته
اس رر محض على الن مض ذا القس إن ه .ف
ومنه ا :أن ه ينبغي عن د حض ور الي أس ,تقوي ة المجاه دين ,وتش جيعهم ,وحثهم على الق وة اإليماني ة ,واالتك ال الكام ل على هللا,
داء ر على األع بر والنص ة على الص بيت ,واإلعان ؤال هللا التث ه ,وس اد علي .واالعتم
ير حقيقته اد ,غ ال والجه زم على القت ا :أن الع .ومنه
.فق د يع زم اإلنس ان ,ولكن عن د حض وره ,تنح ل عزيمت ه وله ذا ك ان من دع اء الن بي ص لى هللا علي ه وس لم
" ة على الرشد ر ,والعزيم ات في األم ألك الثب " أس .
.فه ؤالء ال ذين عزم وا على القت ال ,وأت وا بكالم ي دل على الع زم المص مم ,لم ا ج اء ال وقت ,نكص أك ثرهم
اء د القض ا بع ألك الرض لم " وأس ه وس لى هللا علي هص ذا قول به ه " ويش .
.ألن الرضا بعد وقوع القضاء المكروه للنفوس ,هو الرضا الحقيقي
تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم هللا ورفع "
بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن م ريم البين ات وأي دناه ب روح
الق دس ول و ش اء هللا م ا اقتت ل ال ذين من بع دهم من بع د م ا
ج اءتهم البين ات ولكن اختلف وا فمنهم من آمن ومنهم من كف ر
" ولو شاء هللا ما اقتتلوا ولكن هللا يفعل ما يريد
يخبر الباري أنه ف اوت بين الرس ل في الفض ائل الجليل ة ,والتخصيص ات الجميل ة ,بحس ب م ا من هللا ب ه عليهم ,وق اموا ب ه من
اإليمان الكامل; واليقين الراس خ ,واألخالق العالي ة ,واآلداب الس امية ,وال دعوة ,والتعليم والنف ع العميم :فمنهم :من اتخ ذه خليال,
ات ق درج وق الخالئ هف ا ,ومنهم :من رفع ه تكليم .ومنهم :من كلم
امخ لهم الش ول ,لفض ر ,إلى الوص د من البش بيل ألح .وجميعهم ال س
.وخص عيسى بن مريم ,أنه آت اه البين ات الدال ة على أن ه رس ول هللا حق ا ,وعب ده ص دقا ,وأن م ا ج اء ب ه عن عن د هللا كل ه حق
.فجعله يبرئ األكمة واألبرص; ويحيي الم وتى ب إذن هللا وكلم الن اس في المه د ص بيا ,وأي ده ب روح الق دس ,أي ب روح اإليم ان
فجعل روحانيته فائقة روحانية غيره ,فحصل له بذلك ,القوة والتأييد ,وإن كان أصل التأييد بهذه الروح عاما لك ل م ؤمن ,بحس ب
ُوح ِم ْن هُ " لكن م ا لعيس ى أعظم ,مم ا لغ يره ,له ذا خص ه هللا بال ذكر .إيمان ه كم ا ق ال " َوَأيَّ َدهُ ْم بِ ر ٍ
و األول ح ,ه نى األص ه لكن المع ه ومؤازرت ده هللا بإعانت ل ,أي ا -جبري دس -هن ل :إن روح الق .وقي
ولما أخبر عن كمال الرسل ,وما أعطاهم من الفضل والخصائص ,وأن دينهم واحد ,ودعوتهم إلى الخير واحدة ,كان موجب ذلك
.ومقتض اه ,أن تجتم ع األمم على تص ديقهم ,واالنقي اد لهم ,لم ا آت اهم من البين ات ال تي على مثله ا ,ي ؤمن البشر
ع االختالف بين األمم تقيم ,ووق راط المس وا عن الص ثرهم ,انحرف .لكن أك
كفر من ومنهم آمن; من .فمنهم
ادي وجب االختالف والتع وم ذي; ه ال ال ك; االقتت ل ذل ع ألج .ووق
وا ا اختلف دى; فم اء هللا لجمعهم على اله وش .ول
وا ا اقتتل ال -م وجب لالقتت ع االختالف الم دما وق ا -بع اء هللا أيض وش .ول
باب ب األس ام بحس ذا النظ ور على ه ان األم ت جري ه; اقتض .ولكن حكمت
بباتها باب لمس ع األس رف في جمي الى ,يتص ه تع اهد على أن بر ش ة أك ذه اآلي .ففي ه
اء منعها ا ,وإن ش اء أبقاه ه إن ش .وأن
ا يريد ال لم ه فع ده ,فإن ه وح ع لحكمت ك تب ل ذل .وك
.فليس إلرادته ومشيئته ,ممانع وال معارض وال معاون
يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن ي أتي ي وم "
" ال بيع فيه وال خلة وال شفاعة والكافرون هم الظالمون
ير رق الخ عط ات ,في جمي نين على النفق .يحث هللا المؤم
د التعميم ول ,يفي ذف المعم .ألن ح
وع عليهم النعم ذي رزقهم ,ون و ال هه ه عليهم ,بأن ذكرهم نعمت .وي
ة على التبعيض ل أتى بـ " من " الدال ديهم ,ب ا في أي عم إخراج جمي أمرهم ب ه لم ي .وأن
اق دعوهم إلى اإلنف اي ذا مم .فه
ومما يدعوهم أيضا إخبارهم أن هذه النفقات ,مدخرة عند هللا ,في يوم ال تفيد فيه المعاوض ات ب البيع ونح وه ,وال التبرع ات ,وال
فاعات .الش
اتي دمت لحي اق ول :م د يق ل أح .فك
.فتنقط ع األس باب كله ا ,إال األس باب المتعلق ة بطاع ة هللا واإليم ان ب ه ,ي وم ال ينف ع م ال وال بن ون ,إال من أتى هللا بقلب س ليم
ْف بِ َم ا َع ِملُ وا َوهُ ْم فِي " ص الِحًا فَُأولَِئكَ لَهُ ْم َج زَ ا ُء ِّ
الض ع ِ َو َما َأ ْم َوالُ ُك ْم َواَل َأوْ اَل ُد ُك ْم بِالَّتِي تُقَ ِّربُ ُك ْم ِع ْن َدنَا ُز ْلفَى ِإاَّل َم ْن آ َمنَ َو َع ِم َل َ
ونَ ت آ ِمنُ
ا ِ " ْال ُغ ُرفَ .
" رًا رًا َوَأ ْعظَ َم َأجْ َو خَ ْي َد هَّللا ِ هُ دُوهُ ِع ْن ٍر تَ ِج ُك ْم ِم ْن خَ ْي ِّد ُموا َأِل ْنفُ ِس ا تُقَ " َو َم .
.ثم ق ال تع الىَ " :و ْال َك افِرُونَ هُ ُم الظَّالِ ُمونَ " وذل ك ألن هللا خلقهم لعبادت ه ,ورزقهم وعاف اهم ,ليس تعينوا ب ذلك على طاعته
لطانا هس نزل ب ا لم ي ركوا باهلل ,م ه ,وأش ا خلقهم هللا ل وا عم .فخرج
يان وق والعص ر والفس ه ,على الكف تعانوا بنعم .واس
.فلم يبقوا للعدل موضعا ,فلهذا حصر الظلم المطلق فيهم
هللا ال إله إال هو الحي القيوم ال تأخذه سنة وال نوم له ما في "
الس ماوات وم ا في األرض من ذا ال ذي يش فع عن ده إال بإذن ه
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وال يحيطون بشيء من علمه إال
بما شاء وسع كرس يه الس ماوات واألرض وال يئ وده حفظهم ا
" وهو العلي العظيم
أخبر صلى هللا عليه وسلم أن هذه اآلية أعظم آيات القرآن ,لما احتوت عليه من معاني التوحيد والعظمة ,وسعة الص فات للب اري
الى .تع
.ف أخبر أن ه " هَّللا ِ " ال ذي ل ه جمي ع مع اني األلوهي ة ,وأن ه ال يس تحق األلوهي ة والعبودي ة إال هو
يره ,باطلة ادة غ يره ,وعب ةغ .فألوهي
.وأن ه " ْال َح ُّي " ال ذي ل ه جمي ع مع اني الحي اة الكامل ة ,من الس مع ,والبص ر ,والق درة ,واإلرادة وغيره ا ,والص فات الذاتية
كما أن " ْالقَيُّو ُم " تدخل في ه جمي ع ص فات األفع ال ,ألن ه القي وم ال ذي ق ام بنفس ه ,واس تغنى عن جمي ع مخلوقات ه ,وق ام بجمي ع
ا وبقائها ه في وجوده اج إلي ا تحت عم دها بجمي ا ,وأم دها وأبقاه وات ,فأوج .الموج
وْ ٌم اس " َواَل نَ نَةٌ " أي :نع ُذهُ ِس ه " اَل تَْأ ُخ ه ,أن ه وقيوميت ال حيات " ومن كم .
ز ,واالنحالل عف ,والعج ه الض ذي يعتري وق ,ال ان للمخل ا يعرض وم ,إنم نة والن .ألن الس
اء ,والجالل ة ,والكبري ذي العظم ان ,ل .وال يعرض
ماوات واألرض ا في الس عم ك جمي ه مال بر أن .وأخ
ور ذا الط د منهم عن ه رج أح ك ,ال يخ د هلل ممالي .فكلهم عبي
" دًا رَّحْ َم ِن َع ْب ت َواَأْلرْ ِ
ض ِإاَّل آتِي ال َما َوا ِ لُّ َم ْن فِي َّ
الس " ِإ ْن ُك .
اء فات المل ك والتص رف ,والس لطان ,والكبري هص ذي ل و ال ك ,وه ع الممال ك لجمي و المال .فه
ِه د " ِإاَّل بِِإ ْذنِ َدهُ " أح فَ ُع ِع ْن ه ال " يَ ْش ه أن ام ملك " ومن تم .
أذن لهم تى ي فاعة ح دمون على ش ك ,ال يق ه ممالي دل فعاء ,عبي اء والش ل الوجه .فك
" ت َواَأْلرْ ِ
ض َما َوا ِ ك َّ
الس ُ هُ ُم ْل ا لَ فَا َعةُ َج ِمي ًع لْ هَّلِل ِ َّ
الش " قُ .
له اع رس ده ,واتب ي إال توحي ى ,وال يرتض فع إال فيمن ارتض د أن يش أذن ألح .وهللا ال ي
يب فاعة نص ه في الش ذا ,فليس ل ف به .فمن لم يتص
ثم أخبر عن علمه الواسع المحيط ,وأنه يعلم ما بين أيدي الخالئ ق ,من األم ور المس تقبلة ,ال تي ال نهاي ة له ا " َو َم ا خَ ْلفَهُ ْم " من
د لها تي ال ح ية ,ال .األمورالماض
دُو ُر ا تُ ْخفِي ُّ
الص ةَ اَأْل ْعيُ ِن َو َم ة " يَ ْعلَ ُم خَ اِئنَ ه خافي ه ال تخفى علي " وأن .
ا َء " منها ا َشه " ِإاَّل بِ َم يء من علم هللا ومعلومات د بش ط أح ق ال يحي .وأن الخل
وهو ما أطلعهم عليه من األمور الشرعية والقدرية ,وهو جزء يسير ج دا مض محل في عل وم الب اري ومعلومات ه ,كم ا ق ال أعلم
ا َعلَّ ْمتَنَا ا ِإاَّل َم ك اَل ِع ْل َم لَنَ
ب َْحانَ َ ة " ُس ل والمالئك ه ,وهم الرس قب " الخل .
ثم أخ بر عن عظمت ه وجالل ه ,وأن كرس يه ,وس ع الس ماوات واألرض ,وأن ه ق د حفظهم ا ومن فيهم ا من الع والم ,باألس باب
ات ا هللا في المخلوق تي جعله ات ,ال .والنظام
ه في أحكامه عة حكمت داره ,وس ه ,واقت ال عظمت ا ,لكم ه حفظهم ؤوده ,أي :يثقل ك ,فال ي ع ذل .وم
" فاته ةص و العلي بعظم ه ,وه ع مخلوقات ه ,على جمي َو ْال َعلِ ُّي " بذات َ .وهُ
.وه و العلي ال ذي قه ر المخلوق ات ,ودانت ل ه الموج ودات ,وخض عت ل ه الص عاب ,وذلت ل ه الرق اب
ْال َع ِظ ِيم " الجامع ,لجميع صفات العظمة والكبرياء ,والمجد والبهاء ,الذي تحبه القلوب ,وتعظمه األرواح ,ويعرف العارفون أن "
ة العلي العظيم اب عظم محلة في ج ا مض فة ,فإنه يء ,وإن جلت عن الص لش ةك .عظم
فآية ,احتوت على هذه المعاني التي هي أجل المعاني ,يحق أن تكون أعظم آي ات الق رآن ,ويح ق لمن قرأه ا ,مت دبرا متفهم ا ,أن
.يمتلئ قلبه من اليقين والعرفان واإليمان ,وأن يكون محفوظا بذلك ,من شرور الشيطان
هللا ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور وال ذين "
كفروا أولي اؤهم الط اغوت يخرج ونهم من الن ور إلى الظلم ات
" أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
تي قبلها ة ال ة على اآلي ة مترتب ذه اآلي .ه
رة ذه هي الثم اس ,وه ابقة ,هي األس .فالس
فأخبر تعالى ,أن الذين آمنوا باهلل ,وصدقوا إيمانهم ,بالقي ام بواجب ات اإليم ان ,وت رك ك ل م ا ينافي ه ,أن ه وليهم ,يت والهم بواليت ه
الخاصة ,ويتولى تربيتهم ,فيخرجهم من ظلمات الجهل والكفر والمعاصي والغفلة واإلع راض ,إلى ن ور العلم واليقين واإليم ان,
ل على ربهم ال الكام ة واإلقب .والطاع
رى رى ,ويجنبهم العس رهم لليس ان ,وييس وحي واإليم ور ال ا من ن ه فيه ا يقذف وبهم ,بم ور قل .وين
وأما الذين كفروا ,فإنهم لما تولوا غير وليهم ,والهم هللا ما تولوا ألنفسهم ,وخذلهم ,ووكلهم إلى رعاية من توالهم ,ممن ليس عنده
ع وال ضر .نف
الح ل الص افع ,والعم ة العلم الن وهم هداي قوهم ,وحرم لوهم ,وأش .فأض
دين ا مخل دين فيه واهم ,خال ار مث ارت الن عادة ,وص وهم الس .وحرم
.اللهم تولنا فيمن توليت
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه هللا الملك إذ قال "
إب راهيم ربي ال ذي يح يي ويميت ق ال أن ا أح يي وأميت ق ال
إب راهيم ف إن هللا ي أتي بالش مس من المش رق ف أت به ا من
" المغرب فبهت الذي كفر وهللا ال يهدي القوم الظالمين
.يقص هللا علين ا من أنب اء الرس ل والس الفين ,م ا ب ه تت بين الحق ائق ,وتق وم ال براهين المتنوع ة على التوحيد
فأخبر تعالى عن خليله إبراهيم صلى هللا عليه وسلم ,حيث حاج ه ذا المل ك الجب ار ,وه و نم رود الب ابلي ,المعط ل المنك ر ل رب
العالمين ,وانتدب لمقاومة إب راهيم الخلي ل ومحاجت ه في ه ذا األم ر ,ال ذي ال يقب ل ش كا ,وال إش كاال ,وال ريب ا ,وه و توحي د هللا
حها ور وأوض و أجلى األم ذي ه ه ,ال .وربوبيت
ولكن هذا الجبار ,غره ملكه وأطغاه ,حتى وصلت به الحال ,إلى أن نفاه ,وحاج إبراهيم الرسول العظيم ,الذي أعطاه هللا من العلم
لم ه وس لى هللا علي دص وى محم ل ,س دا من الرس ط أح ا لم يع .واليقين ,م
يت " أي :ه و المنف رد ب الخلق والت دبير ,واإلحي اء واإلماتة .فق ال إب راهيم من اظرا ل ه " َرب َِّي الَّ ِذي يُحْ يِي َويُ ِم ُ
اء واإلماتة و اإلحي ا ,وه ذا الجنس أظهره ذكر من ه .ف
ا ُأحْ يِي َوُأ ِم ُ
يت ا " َأنَ ار مباهت ك الجب ال ذل " فق .
تبقاءه تبقي من أردت اس ه ,وأس ل من أردت قتل ذلك أني أقت نى ب .وع
ود دة عن المقص ر ,وحي ه وتزوي ذا تموي وم أن ه .ومن المعل
وات ا على األم دومات ,ورده اة في المع اد الحي رد بإيج ذي تف و ال الى ه ود ,أن هللا تع .وأن المقص
باب ير أس ا وبغ باب ربطه ا ,بأس ات بآجاله اد والحيوان ذي يميت العب و ال هه .وأن
اع ا راج على الهمج الرع ا ,ربم ا تمويه ل مموه ا رآه الخلي .فلم
ت بِهَ ا ِمنَ ْال َم ْغ ِر ِ ْأ ْأ
ب فَبُ ِهتَ الَّ ِذي س ِمنَ ْال َم ْش ِر ِ
ق فَ ِ قال إبراهيم -ملزما له بتصديق قوله إن كان كما يزعم " :فَِإ َّن هَّللا َ يَ تِي بِ َّ
الش ْم ِ
بهته محلت ش ه ,واض ف ,وانقطعت جحت َر " أي :وق َ .كفَ
ل إلى آخر اال من دلي ل ,انتق ذا من الخلي .وليس ه
ادقا ان ص ه إن ك رد دليل رود ,بط زام لنم و إل اه .وإنم
تزوير والتمويه ترويج وال ل ال ذي ال يقب ذا ال .وأتى به
.فجمي ع األدل ة ,الس معية والعقلي ة ,والفطري ة ,ق د ق امت ش اهدة بتوحي د هللا ,معترف ة ب انفراده ب الخلق والت دبير
ادة إال هو تحق العب أنه ,ال يس ذا ش .وأن من ه
ل العظيم ذا األص ون على ه ل ,متفق ع الرس .وجمي
ار العنيد ذا الجب ل له ابر ,مماث د مك ره إال معان .ولم ينك
.فهذا من أدلة التوحيد
أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروش ها ق ال أنى "
يحيي هذه هللا بعد موته ا فأمات ه هللا مائ ة ع ام ثم بعث ه ق ال كم
لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة ع ام ف انظر
إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حم ارك ولنجعل ك آي ة
للناس وانظر إلى العظ ام كي ف ننش زها ثم نكس وها لحم ا فلم ا
" تبين له قال أعلم أن هللا على كل شيء قدير
ٍة " اآلية َّر َعلَى قَرْ يَ الَ " :أوْ َكالَّ ِذي َم زاء فق درة والبعث والج ال الق ة كم ر أدل .ثم ذك
زاء رة -على البعث والج ل اآلخ دنيا قب ان في ال ان ,محسوس ذان دليالن عظيم .ه
ة الكريمة ه اآلي دل علي ات حيح ,كم اك في البعث على الص لش د رج راه هللا على ي د أج .واح
راهيم ه إب د خليل ر ,على ي .واآلخ
ده ابق على ي د الس ل التوحي رى دلي ا أج .كم
ها وت على عروش دمرا وخ رت ت د دم ةق ر على قري ل ,م ذا الرج .فه
قد مات أهلها وخربت عمارتها ,فقال -على وجه الشك واالستبعادَ " :أنَّى يُحْ يِي هَ ِذ ِه هَّللا ُ بَ ْع َد َموْ تِهَ ا " ؟ أي :ذل ك بعي د ,وهي في
ال ذه الح .ه
اعة ك الس ه تل ام بقلب اق بم ا ,بحس ا مثله ني :وغيره .يع
ام ةع ه هللا مائ اس ,حيث أمات ة الن ه ورحم أراد هللا رحمت .ف
ه معه ار ,فأمات ه حم ان مع .وك
دد الطويلة ذه الم اكله ا هللا بحالهم راب ,فأبقاهم ام وش ه طع .ومع
ْض يَ وْ ٍم " وذل ك بحس ب م ا ظنه ت يَوْ ًم ا َأوْ بَع َ
.فلم ا مض ت األع وام المائ ة بعث ه هللا فق الَ " :ك ْم لَبِ ْثتَ قَ ا َل لَبِ ْث ُ
ٍام لْ لَبِ ْثتَ ِماَئةَ َع ال هللا " بَ " فق .
رام اء الك د بعض األنبي ة على ي ذه المجاوب اهر أن ه .والظ
ع بها ا ,ليقتن ة عيان ه أراه اآلي اس ,أن ه وبالن ة هللا ب ام رحم .ومن تم
ك لَ ْم يَت ََس نَّ ْه " أي :لم يتغ ير في ه ذه الم دد الطويلة .فبعد ما عرف أن ه ميت ق د أحي اه هللا ,قي ل ل ه " :فَ ا ْنظُرْ ِإلَى طَ َعا ِم َ
ك َو َش َرابِ َ
وذلك من آيات قدرة هللا ,فإن الطعام والشراب -خصوصا ما ذكره المفسرون :أنه فاكهة وعص ير -ال يلبث أن يتغ ير ,وه ذا ق د
ك " ,ف إذا ه و ق د تم زق وتف رق ,وص ار عظام ا نخ رة .حفظ ه هللا ,مائ ة ع ام وقي ل ل هَ " :وا ْنظُ رْ ِإلَى ِح َم ِ
ار َ
َ .وا ْنظُ رْ ِإلَى ْال ِعظَ ِام َك ْي فَ نُ ْن ِش ُزهَا " أي :نرف ع بعض ها إلى بعض ,ونص ل بعض ها ببعض ,بع د م ا تف رقت وتم زقت "
" اة ه الحي د في ا " ثم ,نعي د االلتئام " لَحْ ًم وهَا " بع .ثُ َّم نَ ْك ُس
" وه ه من الوج ريب بوج ل ال هُ " رأى عين ال يقب .فَلَ َّما تَبَيَّنَ لَ
" ِدي ٌر ْي ٍء قَ ِّل َش ا َل َأ ْعلَ ُم َأ َّن هَّللا َ َعلَى ُك " قَ .
فاعترف بقدرة هللا على كل شيء وصار آية للناس ,ألنهم قد عرفوا موته وموت حماره ,وعرف وا قض يته ,ثم ش اهدوا ه ذه اآلي ة
برى .الك
ذا الرجل واب في ه و الص ذا ه .ه
وأما قول كثير من المفسرين :إن هذا الرجل ,مؤمن ,أو نبي من األنبياء ,إما عزيز أو غ يره ,وأن قول ه " َأنَّى يُحْ يِي هَ ِذ ِه هَّللا ُ بَ ْع َد
َموْ تِهَا " ,يعني كيف تعمر هذه القرية ,بعد أن كانت خرابا ,وأن هللا أماته ,ليريه ما يعيد لهذه القري ة من عمارته ا ب الخلق ,وأنه ا
عمرت في هذه المدة ,وتراجع الناس إليها وصارت عامرة ,بعد أن كانت دامرة -فهذا ال يدل عليه اللفظ بل ينافيه ,وال يدل علي ه
نى .المع
.ف أي آي ة وبره ان ,برج وع البل دان ال دامرة إلى العم ارة ,وه ذه لم ت زل تش اهد ,تعم ر ق رى ومس اكن ,وتخ رب أخ رى
.وإنم ا اآلي ة العظيم ة ,في إحيائ ه بع د موت ه ,وإحي اء حم اره ,وإبق اء طعام ه وش رابه ,لم يتعفن ولم يتغ ير
.ثم قوله " فَلَ َّما تَبَيَّنَ لَهُ " صريح في أنه لم يتبين له إال بعد ما شاهد هذه الحال الدالة على كمال قدرته عيانا
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم ت ؤمن "
قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربع ة من الط ير فص رهن
إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتين ك س عيا
" واعلم أن هللا عزيز حكيم
وأما البرهان اآلخر ,فإن إبراهيم قال طالبا من هللا ,أن يريه كيف يحيي الم وتى :فق ال هللا ل هَ " :أ َولَ ْم تُ ْؤ ِم ْن " ليزي ل الش بهة عن
.خليله
ال " إب راهيم " :بَلَى " ي ا رب ,ق د آمنت أن ك على ك ل ش يء ق دير ,وأن ك تح يي الم وتى ,وتج ازي العب اد "
.قَ َ
ة عين اليقين ل إلى درج بي ,وأص د أن يطمئن قل .ولكن أري
اد ة بالعب ة ال ,ورحم ه ,كرام اب هللا دعوت .فأج
" ور هي بين أي الطي ِر " ولم ي ةً ِمنَ الطَّ ْي ْذ َأرْ بَ َع ا َل فَ ُخ .قَ
ود و المقص ا ,وه وع منه أي ن لة ب ة حاص .فاآلي
" زقهن مهن ,واذبحهن ,وم ك"ض
َ رْ ه َُّن ِإلَ ْي .فَ ُ
ص
" ٌز َح ِكي ٌم ْعيًا َوا ْعلَ ْم َأ َّن هَّللا َ ع ِ
َزي ك َس
َ ْز ًءا ثُ َّم ا ْد ُعه َُّن يَْأتِينَ ٍل ِم ْنه َُّن ُج ِّل َجبَ لْ َعلَى ُك " ثُ َّم اجْ َع .
.ففعل ذل ك ,وف رق أج زاءهن على الجب ال ,ال تي حول ه ,ودع اهن بأس مائهن ,ف أقبلن إلي ه ,أي :س ريعات ,ألن الس عي :الس رعة
اة ون من الحي ا يك لم ائرات ,على أكم ا جئن ط وائمهن ,وإنم راد ,أنهن جئن على ق .وليس الم
يرهن ح من غ ل وأوض اءهن أكم ذلك ,ألن إحي ور ب .وخص الطي
وس المبطلة رض للنف ا يع ل وهم ,ربم ذا ك ا أزال في ه .وأيض
فجعلهن متعددات أربعة ,ومزقهن جميعا ,وجعلهن على رءوس الجبال ليكون ذلك ظاهرا علنا ,يش اهد من ق رب ومن بع د ,وأن ه
ة من الحيل امال حيل ون ع يرا ,لئال يظن أن يك ه كث اهن عن .نح
رعات دعوهن ,فجئن مس ره أن ي ا أم .وأيض
زة هللا وحكمته ال ع ان على كم بر بره ة ,أك ذه اآلي ارت ه .فص
.وفيه تنبيه على أن البعث فيه يظهر للعباد كمال عزة هللا وحكمته وعظمته وسعة سلطانه ,وتمام عدله وفضله
يا أيها الذين آمنوا ال تبطلوا ص دقاتكم ب المن واألذى كال ذي "
ينفق ماله رئاء الناس وال يؤمن باهلل واليوم اآلخر فمثله كمث ل
صفوان عليه تراب فأصابه وابل فترك ه ص لدا ال يق درون على
" شيء مما كسبوا وهللا ال يهدي القوم الكافرين
ص َدقَاتِ ُك ْم بِ ْال َمنِّ َواَأْل َذى
" .ثم نهى أش د النهي ,عن المن واألذى ,وض رب ل ذلك مثال فق ال " :يَ ا َأيُّهَ ا الَّ ِذينَ آ َمنُ وا اَل تُ ْب ِطلُ وا َ
.اآلي ة ض رب هللا في ه ذه اآلي ات ,ثالث ة أمثل ة :للمنف ق ابتغ اء وجه ه ,ولم يتب ع نفقت ه من ا وال أذى
.ولمن أتبعها منا وأذى ,وللمرائي
إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوه ا الفق راء "
" فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم وهللا بما تعملون خبير
ان أفضل ير ,ك لمها للفق ا ,وس ير ,وإن أخفاه دق ,فهي خ داها المتص دقة ,إن أب بر أن الص .وأخ
ان آخر ير ,إحس اء على الفق .ألن اإلخف
وة اإلخالص دل على ق هي ا ,فإن .وأيض
" .وأح د الس بعة ال ذين يظلهم هللا في ظل ه " من تص دق بص دقة فأخفاه ا ,ح تى ال تعلم ش ماله م ا تنف ق يمينه
دة لطيفة ٌر لَ ُك ْم " فائ َو َخ ْي َرا َء فَهُ ا ْالفُقَ ا َوتُْؤ تُوهَ هَ " :وِإ ْن تُ ْخفُوهَ .وفي قول
ير ا ,إذا أعطيت الفق ير من إظهاره اخ و أن إخفاءه .وه
فأما إذا صرفت في مشروع خ يري ,لم يكن في اآلي ة ,م ا ي دل على فض يلة إخفائه ا ,ب ل هن ا قواع د الش رع ,ت دل على مراع اة
لحة .المص
ير ال الخ وس على أعم يط النف داء ,وتنش وة واالقت ول األس يرا ,لحص ار خ ان اإلظه اك .فربم
ران ا األم ع فيه دقات يجتم ذا :أن الص يَِّئاتِ ُك ْم " في ه هَ " :ويُ َكفِّ ُر َع ْن ُك ْم ِم ْن َس .وقول
واب واألجر نات والث ثرة الحس و :ك ير ,وه ول الخ .حص
يئات ير الس روي ,بتكف دنيوي واألخ ر والبالء ال ع الش .ودف
َ .وهَّللا ُ بِ َما تَ ْع َملُونَ َخبِي ٌر " فيجازي كال بعمله ,بحسب حكمته "
إن الذين آمن وا وعمل وا الص الحات وأق اموا الص الة وآت وا "
الزكاة لهم أجرهم عن د ربهم وال خ وف عليهم وال هم يحزن ون
"
ت َوَأقَا ُموا ال َّ
صاَل ةَ َوآتَ ُوا ال َّز َكاةَ " اآلي ة ,لبي ان أن ثم أدخل هذه اآلية بين آيات الربا ,وهي قولهِ " :إ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُوا َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ
ان وحقوقه ل اإليم ة ,تكمي ب الربوي رم هللا من المكاس اح اب م باب الجتن بر األس .أك
اء والمنكر الة تنهى عن الفحش إن الص اة ,ف اء الزك الة ,وإيت ة الص ا ,إقام .خصوص
.وإن الزكاة إحسان إلى الخلق ,ينافي تعاطي الربا ,الذي هو ظلم لهم ,وإساءة عليهم
يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وذروا ما بقي من الرب ا إن كنتم "
" مؤمنين
وه رهم أن يتق نين ,وأم اب للمؤم ه الخط .ثم وج
.وي ذروا م ا بقي من مع امالت الرب ا ,ال تي ك انوا يتعاطونه ا قب ل ذل ك وأنهم إن لم يفعل وا ذل ك ,ف إنهم مح اربون هلل ورس وله
.وهذا من أعظم ما يدل على شناعة الربا ,حيث جعل المصر عليه ,محاربا هلل ورسوله
وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خ ير لكم "
" إن كنتم تعلمون
َر ٍة َرةٌ ِإلَى َمي َْس َر ٍة فَنَ ِظ انَ ُذو ع ْ
ُس ال " :وَِإ ْن َك ذا ق " وله .
.أي :وإن ك ان ال ذي علي ه ال دين معس را ,ال يق در على الوف اء ,وجب على غريم ه ,أن ينظ ره إلى ميس رة
ا عليه وفى م اح ,أن ي ق مب أي طري اء ب ه وف لل ه إذا حص و يجب علي .وه
وإن تصدق عليه غريمه -بإسقاط الدين كل ه أو بعض ه -فه و خ ير ل ه ,ويه ون على العب د ,ال تزام األم ور الش رعية ,واجتن اب
.المع امالت الربوي ة ,واإلحس ان إلى المعس رين ,علم ه ب أن ل ه يوم ا يرج ع في ه إلى هللا ,ويوفي ه عمل ه ,وال يظلم ه مثق ال ذرة
ت َوهُ ْم اَل ي ْ
ُظلَ ُمونَ " .كما ختم هذه اآلية بقولهَ " :واتَّقُوا يَوْ ًما تُرْ َجعُونَ فِي ِه ِإلَى هَّللا ِ ثُ َّم تُ َوفَّى ُكلُّ نَ ْف ٍ
س َما َك َسبَ ْ
يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مس مى ف اكتبوه "
وليكتب بينكم كاتب بالعدل وال يأب كاتب أن يكتب كما علمه هللا
فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق هللا رب ه وال يبخس من ه
" شيئا
َدي ٍْن " اآلية دَايَ ْنتُ ْم بِ وا ِإ َذا تَ ا الَّ ِذينَ آ َمنُ ا َأيُّهَ الى " يَ ال تع .ثم ق
احتوت هذه اآليات ,على إرشاد الباري عب اده في مع امالتهم ,إلى حف ظ حق وقهم ب الطرق النافع ة واإلص الحات ال تي ال تق ترح
يرة د كث ا فوائ إن فيه ا ,ف ل منه .العقالء أعلى وال أكم
منها :جواز المعامالت في الديون ,سواء كانت ديون سلم أو شراء مؤجال ثمنه ,فكله جائز ,ألن هللا أخ بر ب ه عن المؤم نين ,وم ا
.أخ بر ب ه عن المؤم نين ,فإن ه من مقتض يات اإليم ان وق د أق رهم علي ه المل ك ال ديان
ارات ول اإلج داينات وحل ع الم ل في جمي مية األج وب تس ا :وج .ومنه
دخل في الميسر ر ,في رر وخط هغ ل ,ألن ه ال يح وال ,فإن ل مجه ان األج ه إذا ك ا :أن .ومنه
ديون ة ال الى ,بكتاب ره تع ا :أم .ومنه
.وه ذا األم ر ق د يجب ,إذا وجب حف ظ الح ق ,كال ذي للعب د علي ه والي ة ,وك أموال اليت امى ,واألوق اف ,وال وكالء ,واألمن اء
.وق د يق ارب الوج وب ,كم ا إذا ك ان الح ق متمحض ا للعب د ,فق د يق وى االس تحباب ,بحس ب األح وال المقتض ية ل ذلك
وعلى كل حال ,فالكتابة من أعظم ما تحفظ به هذه المعامالت المؤجلة ,لكثرة النسيان ,ولوقوع المغالطات ,ولالحتراز من الخونة
الى ون هللا تع ذين ال يخش .ال
ومنها :أمره تعالى للكاتب أن يكتب بين المتع املين بالع دل ,فال يمي ل م ع أح دهما لقراب ة وال غيره ا ,وال على أح دهما ,لع داوة
.ونحوها
ان إليهما ال ,ومن اإلحس ل األعم املين من أفض ة بين المتع ا :أن الكتاب .ومنه
ذلك ره هللا ب ا أم ا ,كم راءة ذممه ا ,وب ظ حقوقهم ا حف .وفيه
ور ,ليحظى بثوابها ذه األم اس ,ه اتب بين الن ب الك .فليحتس
دل ا بالع دل ,معروف ا بالع ون عارف د أن يك اتب ال ب ا :أن الك .ومنه
دل ,لم يتمكن منه ا بالع ه إذا لم يكن عارف .ألن
.وإذا لم يكن معت برا ع دال عن د الن اس رض يا ,لم تكن كتابت ه معت برة ,وال حاص ال به ا المقص ود ,ال ذي ه و حف ظ الحق وق
.ومنه ا :أن من تم ام الكتاب ة والع دل فيه ا ,أن يحس ن الك اتب اإلنش اء ,واأللف اظ المعت برة ,في ك ل معامل ة بحس بها
ار عظيم ام ,اعتب ذا المق رف في ه .وللع
ومنها :أن الكتابة من نعم هللا على العباد ,التي ال تستقيم أمورهم الدينية وال الدنيوية إال بها ,وأن من علمه هللا الكتابة ,فق د تفض ل
ل عظيم ه بفض .علي
ب َك َم ا فمن تمام شكره لنعمة هللا تعالى ,أن يقضي بكتابته حاجات العباد ,وال يمتنع من الكتابة ولهذا قالَ " :واَل يَْأ َ
ب َكاتِبٌ َأ ْن يَ ْكتُ َ
َ " .علَّ َمهُ هَّللا ُ
وال يأب الشهداء إذا ما دعوا وال تسأموا أن تكتب وه ص غيرا "
أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند هللا وأق وم للش هادة وأدنى أال
" ترتابوا
ل أو لألداء واء دعي للتحم هادة ,س ع ,إذا دعي للش ه أن يمتن اهد ليس ل ا :أن الش .ومنه
.وأن القي ام بالش هادة من أفض ل األعم ال الص الحة ,كم ا أم ر هللا به ا ,وأخ بر عن نفعه ا ومص الحها
رهما ة ,تض دعيا في وقت أو حال أن ي هيد ,ب اتب ,وال بالش رار بالك ل اإلض ه ال يح ا :أن .ومنه
وكما أنه نهى ألهل الحقوق والمتعاملين ,وأن يضاروا الشهود والكتاب ,فإنه أيضا ,نهى للكاتب والشهيد ,أن يضار المتع املين أو
دها .أح
.وفي ه ذا أيض ا أن الش اهد والك اتب -إذا حص ل عليهم ا ض رر في الكتاب ة والش هادة -أن ه يس قط عنهم ا الوج وب
وفيها التنبيه على أن جميع المحسنين الفاعلين للمعروف ,ال يحل إضرارهم ,وتحميلهم ما ال يطيقون ,فـ " هل جزاء اإلحسان إال
ان؟ " اإلحس .
وكذلك على من أحسن وفعل معروفا ,أن يتمم إحسانه بترك اإلضرار القولي والفعلي ,بمن أوقع به المع روف ,ف إن اإلحس ان ,ال
ذلك .يتم إال ب
ومنها :أنه ال يجوز أخذ األجرة على الكتابة والشهادة ,حيث وجبت ,ألنه حق أوجبه هللا على الكاتب والشهيد ,وألن ه من مض ارة
املين .المتع
ومنها :التنبيه على المصالح والفوائد المترتبة على العمل بهذه اإلرشادات الجليلة ,وأن فيها حفظ الحقوق والعدل ,وقط ع التن ازع
.والسالمة من النسيان والذهول ولهذا قالَ " :ذلِ ُك ْم َأ ْق َسطُ ِع ْن َد هَّللا ِ َوَأ ْق َو ُم لِل َّشهَا َد ِة َوَأ ْدنَى َأاَّل تَرْ تَابُوا " وهذه مصالح ضرورية للعباد