You are on page 1of 152

My plan for the next year 2023

‫هدفي‬

1) To be more close my god


2) ‫حفظ عشره اجزاء من القران الكريم‬
3) Have more fun
4) ‫االلتزام باداء النوافل و كذلك السنن الرواتب قيام الليل و لو بركعتين و صفحه من القران الكريم‬
5) ‫االلتزام باالذكار‬
6) Love myself more
7) Stop music
8) Be fit
9) Do sport daily
10) Stop being talkative
11) Learn a new language
12) ‫اتعلم اكتر عن ديني‬
13) Save money
14) Became more responsible
15) Don’t stop being with people that I love My small family
Mayada, Mosab
‫" الم "‬
‫ملة‬ ‫دم الكالم على البس‬ ‫‪.‬تق‬
‫وأما الحروف المقطعة في أوائل السور‪ ,‬فاألسلم فيها‪ ,‬السكوت عن التعرض لمعناها من غير مستند ش رعي‪ ,‬م ع الج زم ب أن هللا‬
‫‪.‬تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة ال نعلمها‬

‫" ذلك الكتاب ال ريب فيه هدى للمتقين "‬


‫ك ْال ِكتَابُ " أي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة‪ ,‬المشتمل على ما لم تشتمل علي ه كتب المتق دمين‪ ,‬من‬
‫وقوله " َذلِ َ‬
‫بين‬ ‫ق الم‬ ‫‪.‬العلم العظيم‪ ,‬والح‬
‫وه‬ ‫ه من الوج‬ ‫ك بوج‬ ‫ِه " وال ش‬ ‫و " اَل َري َ‬
‫ْب فِي‬ ‫‪.‬فه‬
‫ك‪ ,‬اليقين‬ ‫ريب والش‬ ‫د ال‬ ‫ده‪ ,‬إذ ض‬ ‫تلزم ض‬ ‫ه‪ ,‬يس‬ ‫ريب عن‬ ‫‪.‬ونفي ال‬
‫ريب‬ ‫ك وال‬ ‫ل للش‬ ‫تمل على على اليقين المزي‬ ‫اب مش‬ ‫ذا الكت‬ ‫‪.‬فه‬
‫وهذه قاعدة مفيدة‪ ,‬أن النفي المقصود به المدح‪ ,‬ال بد أن يكون متضمنا لضدة‪ ,‬وه و الكم ال‪ ,‬ألن النفي ع دم‪ ,‬والع دم المحض‪ ,‬ال‬
‫دح فيه‬ ‫‪.‬م‬
‫فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية ال تحصل إال باليقين قال‪ " :‬هُ دًى لِ ْل ُمتَّقِينَ " واله دى‪ :‬م ا تحص ل ب ه الهداي ة من الض اللة‬
‫رق النافعة‬ ‫لوك الط‬ ‫ة إلى س‬ ‫ه الهداي‬ ‫اب‬ ‫به‪ :‬وم‬ ‫‪.‬والش‬
‫وقال " هُدًى " وحذف المعمول‪ ,‬فلم يقل هدى للمصلحة الفالنية‪ ,‬وال للش يء الفالني‪ ,‬إلرادة العم وم‪ ,‬وأن ه ه دى لجمي ع مص الح‬
‫دارين‬ ‫‪.‬ال‬
‫فهو مرشد للعباد في المسائل األصولية والفروعية‪ ,‬ومبين للحق من الباطل‪ ,‬والصحيح من الض عيف‪ ,‬وم بين لهم كي ف يس لكون‬
‫راهم‬ ‫اهم وأخ‬ ‫ة لهم‪ ,‬في دني‬ ‫رق النافع‬ ‫‪.‬الط‬
‫دًى لِلنَّ ِ‬
‫اس " فعمم‬ ‫ر " هُ‬ ‫ع آخ‬ ‫ال في موض‬ ‫‪.‬وق‬
‫اس‬ ‫ع الن‬ ‫دى لجمي‬ ‫هه‬ ‫ه في نفس‬ ‫دًى لِ ْل ُمتَّقِينَ " ألن‬ ‫يره " هُ‬ ‫ع وغ‬ ‫ذا الموض‬ ‫‪.‬وفي ه‬
‫ه رأسا‬ ‫وا ب‬ ‫قياء لم يرفع‬ ‫‪.‬فاألش‬
‫قائهم‬ ‫ه لش‬ ‫وا ب‬ ‫ة‪ ,‬ولم ينتفع‬ ‫ه الحج‬ ‫امت عليهم ب‬ ‫دى هللا‪ ,‬فق‬ ‫وا ه‬ ‫‪.‬ولم يقبل‬
‫وأما المتقون الذين أتوا بالسبب األكبر‪ ,‬لحصول الهداي ة‪ ,‬وه و التق وى ال تي حقيقته ا‪ :‬اتخ اذ م ا يقي س خط هللا وعذاب ه‪ ,‬بامتث ال‬
‫وا‬ ‫ه‪ ,‬وانتفع‬ ‫دوا ب‬ ‫ه‪ ,‬فاهت‬ ‫اب نواهي‬ ‫ره‪ ,‬واجتن‬ ‫‪.‬أوام‬
‫اع‬ ‫ة االنتف‬ ‫‪.‬غاي‬
‫لْ لَ ُك ْم فُرْ قَانًا‬ ‫وا هَّللا َ يَجْ َع‬ ‫وا ِإ ْن تَتَّقُ‬ ‫ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‬ ‫ا َأيُّهَ‬ ‫الى " يَ‬ ‫ال تع‬ ‫"ق‬ ‫‪.‬‬
‫ات الكونية‬ ‫ة‪ ,‬واآلي‬ ‫ات القرآني‬ ‫ون باآلي‬ ‫المتقون هم المنتفع‬ ‫‪.‬ف‬
‫ة التوفيق‬ ‫ان‪ ,‬هداي‬ ‫ة البي‬ ‫ان‪ :‬هداي‬ ‫ة نوع‬ ‫‪.‬وألن الهداي‬
‫ة التوفيق‬ ‫ل لهم هداي‬ ‫يرهم لم تحص‬ ‫دايتان‪ ,‬وغ‬ ‫لت لهم اله‬ ‫المتقون حص‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪.‬وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها‪ ,‬ليست هداية حقيقية تامة‬

‫ال ذين يؤمن ون ب الغيب ويقيم ون الص الة ومم ا رزقن اهم "‬
‫" ينفقون‬
‫‪ " .‬ثم وص ف المتقين بالعقائ د واألعم ال الباطن ة‪ ,‬واألعم ال الظ اهرة‪ ,‬لتض من التق وى ل ذلك فق ال‪ " :‬الَّ ِذينَ يُْؤ ِمنُ ونَ بِ ْال َغ ْي ِ‬
‫ب‬
‫وارح‬ ‫اد الج‬ ‫من النقي‬ ‫ل‪ ,‬المتض‬ ‫ه الرس‬ ‫برت ب‬ ‫ا أخ‬ ‫ام بم‬ ‫ديق الت‬ ‫و التص‬ ‫ان‪ :‬ه‬ ‫ة اإليم‬ ‫‪.‬حقيق‬
‫افر‬ ‫لم من الك‬ ‫ا المس‬ ‫يز به‬ ‫ه ال يتم‬ ‫الحس‪ ,‬فإن‬ ‫اهدة ب‬ ‫ياء المش‬ ‫ان باألش‬ ‫أن في اإليم‬ ‫‪.‬وليس الش‬
‫‪.‬إنم ا الش أن في اإليم ان ب الغيب‪ ,‬ال ذي لم ن ره ولم نش اهده‪ ,‬وإنم ا ن ؤمن ب ه‪ ,‬لخ بر هللا وخ بر رس وله‬
‫له‬ ‫رد هلل ورس‬ ‫ديق مج‬ ‫ه تص‬ ‫افر‪ ,‬ألن‬ ‫لم من الك‬ ‫ه المس‬ ‫يز ب‬ ‫ذي يم‬ ‫ان ال‬ ‫ذا اإليم‬ ‫‪.‬فه‬
‫فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر هللا به‪ ,‬أو أخبر به رس وله‪ ,‬س واء ش اهده‪ ,‬أو لم يش اهده وس واء فهم ه وعقل ه‪ ,‬أو لم يهت د إلي ه عقل ه‬
‫‪.‬وفهمه‬
‫بخالف الزنادقة والمكذبين باألمور الغيبية‪ ,‬ألن عق ولهم القاص رة المقص رة لم تهت د إليه ا فك ذبوا بم ا لم يحيط وا بعلم ه ففس دت‬
‫رجت أحالمهم‬ ‫ولهم‪ ,‬وم‬ ‫‪.‬عق‬
‫دى هللا‬ ‫دين به‬ ‫دقين المهت‬ ‫نين المص‬ ‫ول المؤم‬ ‫‪.‬وزكت عق‬
‫ويدخل في اإليمان بالغيب‪ ,‬اإليمان بجميع ما أخبر هللا به من الغيوب الماضية والمستقبلة‪ ,‬وأحوال اآلخرة‪ ,‬وحق ائق أوص اف هللا‬
‫ل من ذلك‬ ‫ه الرس‬ ‫برت ب‬ ‫ا أخ‬ ‫ا‪ ,‬وم‬ ‫‪.‬وكيفيته‬
‫وا كيفيتها‬ ‫ا‪ ,‬وإن لم يفهم‬ ‫ا‪ ,‬ويتيقنونه‬ ‫فات هللا ووجوده‬ ‫ون بص‬ ‫‪.‬فيؤمن‬
‫صاَل ةَ " لم يقل‪ :‬يفعل ون الص الة‪ ,‬أو ي أتون بالص الة‪ ,‬ألن ه ال يكفي فيه ا مج رد اإلتي ان بص ورتها الظ اهرة‬
‫‪.‬ثم قال " َويُقِي ُمونَ ال َّ‬
‫روطها‬ ‫ا‪ ,‬وش‬ ‫ا‪ ,‬وواجباته‬ ‫ام أركانه‬ ‫اهرا‪ ,‬بإتم‬ ‫اظ‬ ‫الة‪ ,‬إقامته‬ ‫ة الص‬ ‫‪.‬فإقام‬
‫ه منها‬ ‫ه ويفعل‬ ‫ا يقول‬ ‫دبر م‬ ‫ا‪ ,‬وت‬
‫‪.‬وإقامته ا باطن ا‪ ,‬بإقام ة روحه ا‪ ,‬وه و حض ور القلب فيه‬
‫الص اَل ةَ تَ ْنهَى َع ِن ْالفَحْ َش ا ِء َو ْال ُم ْن َك ِر " وهي ال تي ي ترتب عليه ا الث واب‬
‫‪.‬فه ذه الص الة هي ال تي ق ال هللا فيه ا " ِإ َّن َّ‬
‫ل منها‬ ‫ا عق‬ ‫الته‪ ,‬إال م‬ ‫د من ص‬ ‫واب للعب‬ ‫‪.‬فال ث‬
‫ها ونوافلها‬ ‫الة فرائض‬ ‫دخل في الص‬ ‫‪.‬وي‬
‫‪.‬ثم قال " َو ِم َّما َر َز ْقنَاهُ ْم يُ ْنفِقُونَ " يدخل فيه النفق ات الواجب ة كالزك اة‪ ,‬والنفق ه على الزوج ات واألق ارب‪ ,‬والممالي ك ونح و ذلك‬
‫ير‬ ‫رق الخ‬ ‫عط‬ ‫تحبة بجمي‬ ‫ات المس‬ ‫‪.‬والنفق‬
‫ة إلى هللا‬ ‫ة من حيث هي‪ ,‬قرب‬ ‫ه‪ ,‬وألن النفق‬ ‫وع أهل‬ ‫بابه وتن‬ ‫ثرة أس‬ ‫ق عليهم‪ ,‬لك‬ ‫ذكر المنف‬ ‫‪.‬ولم ي‬
‫وأتى بـ " من " الدالة على التبعيض‪ ,‬لينبههم أنه لم يرد منهم إال جزءا يسيرا من أموالهم‪ ,‬غير ضار لهم وال مثق ل‪ ,‬ب ل ينتفع ون‬
‫وانهم‬ ‫ه إخ‬ ‫عب‬ ‫ه‪ ,‬وينتف‬ ‫‪.‬هم بإنفاق‬
‫وفي قوله " َرزَ ْقنَاهُ ْم " إش ارة إلى أن ه ذه األم وال ال تي بين أي ديكم‪ ,‬ليس ت حاص لة بق وتكم وملككم‪ ,‬وإنم ا هي رزق هللا‪ ,‬ال ذي‬
‫ه عليكم‬ ‫ولكم‪ ,‬وأنعم ب‬ ‫‪.‬خ‬
‫‪.‬فكم ا أنعم عليكم وفض لكم على كث ير من عب اده‪ ,‬فاش كروه ب إخراج بعض م ا أنعم ب ه عليكم‪ ,‬وواس وا إخ وانكم المع دمين‬
‫وكثيرا م ا يجم ع تع الى بين الص الة والزك اة في الق رآن‪ ,‬ألن الص الة متض منة لإلخالص للمعب ود‪ ,‬والزك اة والنفق ة‪ ,‬متض منة‬
‫ده‬ ‫ان على عبي‬ ‫‪.‬اإلحس‬
‫ع الخلق‬ ‫عيه في نف‬ ‫ود‪ ,‬وس‬ ‫ه للمعب‬ ‫د‪ ,‬إخالص‬ ‫عادة العب‬ ‫وان س‬ ‫‪.‬فعن‬
‫‪.‬كما أن عنوان شقاوة العبد‪ ,‬عدم هذين األمرين منه‪ ,‬فال إخالص وال إحسان‬

‫والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أن زل من قبل ك وب اآلخرة "‬


‫" هم يوقنون‬
‫نة‬ ‫رآن والس‬ ‫و الق‬ ‫كَ " وه‬ ‫ِز َل ِإلَ ْي‬ ‫ا ُأ ْن‬ ‫ونَ بِ َم‬ ‫ال " َوالَّ ِذينَ يُْؤ ِمنُ‬ ‫‪.‬ثم ق‬
‫ةَ‬ ‫اب َو ْال ِح ْك َم‬
‫َ‬ ‫كَ ْال ِكتَ‬ ‫َز َل هَّللا ُ َعلَ ْي‬ ‫الى " َوَأ ْن‬ ‫ال تع‬ ‫"ق‬ ‫‪.‬‬
‫فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول‪ ,‬وال يفرق ون بين بعض م ا أن زل إلي ه‪ ,‬فيؤمن ون ببعض ه‪ ,‬وال يؤمن ون ببعض ه‪ ,‬إم ا‬
‫بجحده أو تأويله‪ ,‬على غير مراد هللا ورسوله‪ ,‬كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة‪ ,‬الذين يؤول ون النص وص الدال ة على خالف‬
‫‪.‬ق ولهم‪ ,‬بم ا حاص له ع دم التص ديق بمعناه ا‪ ,‬وإن ص دقوا بلفظه ا‪ ,‬فلم يؤمن وا به ا إيمان ا حقيقيا‬
‫ابقة‬ ‫ع الكتب الس‬ ‫ان بجمي‬ ‫مل اإليم‬ ‫كَ " يش‬ ‫ِز َل ِم ْن قَ ْبلِ‬ ‫ا ُأ ْن‬ ‫ه " َو َم‬ ‫‪.‬وقول‬
‫‪.‬ويتض من اإليم ان ب الكتب‪ ,‬اإليم ان بالرس ل وبم ا اش تملت علي ه‪ ,‬خصوص ا الت وراة واإلنجي ل والزب ور‬
‫‪.‬وه ذه خاص ية المؤم نين‪ ,‬يؤمن ون ب الكتب الس ماوية كله ا‪ ,‬وبجمي ع الرس ل فال يفرق ون بين أح د منهم‬
‫ونَ‬ ‫اآْل ِخ َر ِة هُ ْم يُوقِنُ‬ ‫ال " َوبِ‬ ‫" ثم ق‬ ‫‪.‬‬
‫وت‬ ‫د الم‬ ‫ون بع‬ ‫ا يك‬ ‫م لم‬ ‫رة " اس‬ ‫‪.‬و " اآلخ‬
‫ان‬ ‫ان اإليم‬ ‫د أرك‬ ‫ر‪ ,‬أح‬ ‫اليوم اآلخ‬ ‫ان ب‬ ‫وم‪ ,‬ألن اإليم‬ ‫د العم‬ ‫ذكر بع‬ ‫ه بال‬ ‫‪.‬وخص‬
‫ة والعمل‬ ‫ة والرهب‬ ‫اعث الرغب‬ ‫ه أعظم ب‬ ‫‪.‬وألن‬
‫‪.‬و " اليقين " هو العلم التام‪ ,‬الذي ليس فيه أدنى شك‪ ,‬والموجب للعمل‬

‫" أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون "‬


‫‪ُ.‬أولَِئ َ‬
‫ك " أي الموص وفون بتل ك الص فات الحمي دة " َعلَى هُ دًى ِم ْن َربِّ ِه ْم " أي‪ :‬على ه دى عظيم‪ ,‬ألن التنك ير للتعظيم "‬
‫تقيمة؟‬ ‫ال المس‬ ‫حيحة واألعم‬ ‫دة الص‬ ‫منة للعقي‬ ‫ذكورة المتض‬ ‫فات الم‬ ‫ك الص‬ ‫ة أعظم من تل‬ ‫‪!!.‬وأي هداي‬
‫اللة‬ ‫ا‪ ,‬فهي ض‬ ‫ا خالفه‬ ‫واها مم‬ ‫اس‬ ‫دايتهم وم‬ ‫ة‪ ,‬إال ه‬ ‫ة في الحقيق‬ ‫ل الهداي‬ ‫‪.‬وه‬
‫وأتى بـ " على " في هذا الموضع‪ ,‬الدالة على االستعالء‪ ,‬وفي الضاللة يأتي بـ " في " كما في قوله " وَِإنَّا َأوْ ِإيَّا ُك ْم لَ َعلَى هُدًى َأوْ‬
‫ض اَل ٍل ُمبِي ٍن " ألن ص احب اله دى مس تعمل باله دى‪ ,‬مرتف ع ب ه‪ ,‬وص احب الض الل منغمس في ه محتقر‬ ‫‪.‬فِي َ‬
‫وب‬ ‫اة من المره‬ ‫المطلوب والنج‬ ‫وز ب‬ ‫و الف‬ ‫ونَ " والفالح ه‬ ‫ال " َوُأولَِئكَ هُ ُم ْال ُم ْفلِ ُح‬ ‫‪.‬ثم ق‬
‫حصر الفالح فيهم‪ ,‬ألنه ال سبيل إلى الفالح إال بسلوك سبيلهم‪ ,‬وما ع دا تل ك الس بيل‪ ,‬فهي س بل الش قاء والهالك والخس ار‪ ,‬ال تي‬
‫‪.‬تفضي بسالكها إلى الهالك‬
‫إن ال ذين كف روا س واء عليهم أأن ذرتهم أم لم تن ذرهم ال "‬
‫" يؤمنون‬
‫‪.‬فله ذا‪ ,‬لم ا ذك ر ص فات المؤم نين حق ا‪ ,‬ذك ر ص فات الكف ار المظه رين لكف رهم المعان دين للرس ول فق ال‬
‫اوةٌ َولَهُ ْم "‬
‫ار ِه ْم ِغ َش َ‬ ‫ِإ َّن الَّ ِذينَ َكفَرُوا َس َوا ٌء َعلَ ْي ِه ْم َأَأ ْن َذرْ تَهُ ْم َأ ْم لَ ْم تُ ْن ِذرْ هُ ْم اَل يُْؤ ِمنُونَ خَ تَ َم هَّللا ُ َعلَى قُلُوبِ ِه ْم َو َعلَى َس ْم ِع ِه ْم َو َعلَى َأب َ‬
‫ْص ِ‬
‫َذابٌ ع ِ‬
‫َظي ٌم‬ ‫" َع‬ ‫‪.‬‬
‫يخبر تعالى‪ :‬أن الذين كفروا‪ ,‬أي‪ :‬اتصفوا بالكفر‪ ,‬وانصبغوا به‪ ,‬وصار وصفا لهم الزم ا‪ ,‬ال ي ردعهم عن ه رادع‪ ,‬وال ينج ع فيهم‬
‫‪.‬وعظ‬
‫ون‬ ‫ذرهم ال يؤمن‬ ‫ذرتهم‪ ,‬أم لم تن‬ ‫واء عليهم أأن‬ ‫رهم‪ ,‬فس‬ ‫تمرون على كف‬ ‫‪.‬إنهم مس‬
‫د بعضه‬ ‫ول‪ ,‬أو جح‬ ‫ه الرس‬ ‫اء ب‬ ‫اج‬ ‫ود لم‬ ‫و‪ :‬الجح‬ ‫ر‪ ,‬ه‬ ‫ة الكف‬ ‫‪.‬وحقيق‬
‫فهؤالء الكفار‪ ,‬ال تفيدهم الدعوة‪ ,‬إال إقامة الحجة‪ ,‬وكأن في هذا قطعا‪ ,‬لطمع الرسول ص لى هللا علي ه وس لم في إيم انهم‪ ,‬وأن ك ال‬
‫تأس عليهم‪ ,‬وال تذهب نفسك عليهم حسرات‬

‫ختم هللا على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبص ارهم غش اوة "‬
‫" ولهم عذاب عظيم‬
‫ثم ذكر الموانع المانعة لهم من اإليمان فقال‪َ " :‬ختَ َم هَّللا ُ َعلَى قُلُوبِ ِه ْم َو َعلَى َس ْم ِع ِه ْم " أي‪ :‬طبع عليها بطابع ال يدخلها اإليم ان‪ ,‬وال‬
‫دهم‬ ‫ا يفي‬ ‫معون م‬ ‫ا ينفعهم‪ ,‬وال يس‬ ‫ون م‬ ‫ا فال يع‬ ‫ذ فيه‬ ‫‪.‬ينف‬
‫ار ِه ْم ِغ َشا َوةٌ " أي‪ :‬غشاء وغطاء وأكنة تمنعها عن النظر الذي ينفعهم‪ ,‬وهذه طرق العلم والخ ير‪ ,‬ق د س دت عليهم‪" ,‬‬ ‫ص ِ‬‫َو َعلَى َأ ْب َ‬
‫دهم‬ ‫رجى عن‬ ‫ير ي‬ ‫ع فيهم‪ ,‬وال خ‬ ‫‪.‬فال مطم‬
‫وإنما منعوا ذلك‪ ,‬وسدت عنهم أبواب اإليمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم بعد ما تبين لهم الحق‪ ,‬كما ق ال تع الى‪َ " :‬ونُقَلِّبُ‬
‫اب عاجل‬ ‫ذا عق‬ ‫َّر ٍة " وه‬ ‫ِه َأ َّو َل َم‬ ‫وا بِ‬ ‫ا لَ ْم يُْؤ ِمنُ‬ ‫ا َرهُ ْم َك َم‬ ‫‪َ.‬أ ْفِئ َدتَهُ ْم َوَأب َ‬
‫ْص‬
‫‪.‬ثم ذكر العقاب اآلجل فقال‪َ " :‬ولَهُ ْم َع َذابٌ َع ِظي ٌم " وهو عذاب النار‪ ,‬وسخط الجبار المستمر الدائم‬

‫ومن الن اس من يق ول آمن ا باهلل وب اليوم اآلخ ر وم ا هم "‬


‫" بمؤمنين‬
‫اس َم ْن يَقُو ُل آ َمنَّا بِاهَّلل ِ َوبِ ْاليَوْ ِم اآْل ِخ ِر َو َما هُ ْم‬
‫ثم قال تعالى‪ :‬في وصف المنافقين‪ ,‬الذين ظاهرهم اإلسالم وباطنهم الكفر‪َ " :‬و ِمنَ النَّ ِ‬
‫َأ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ا َولهُ ْم َع ذابٌ لِي ٌم‬ ‫بِ ُمْؤ ِمنِينَ يُ َخا ِد ُعونَ هَّللا َ َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا َو َما يَ ْخ َد ُعونَ ِإاَّل َأ ْنفُ َسهُ ْم َو َما يَ ْش ُعرُونَ فِي قُلُوبِ ِه ْم َم َرضٌ فَ َزا َدهُ ُم ُ َم َر ً‬
‫هَّللا‬
‫ِذبُونَ‬ ‫انُوا يَ ْك‬ ‫ا َك‬ ‫" بِ َم‬ ‫‪.‬‬
‫ير‬ ‫ار الخ‬ ‫و‪ :‬إظه‬ ‫اق ه‬ ‫‪.‬واعلم أن النف‬
‫ان الشر‬ ‫‪.‬وإبط‬
‫اق العملي‬ ‫ادي‪ ,‬والنف‬ ‫اق االعتق‬ ‫ف‪ ,‬النف‬ ‫ذا التعري‬ ‫دخل في ه‬ ‫‪.‬وي‬
‫‪ " .‬كالذي ذكره الن بي ص لى هللا علي ه وس لم في قول ه " آي ة المن افق ثالت‪ :‬إذا ح دث ك ذب‪ ,‬وإذا وع د أخل ف‪ ,‬وإذا ائتمن خ ان‬
‫م فجر‬ ‫ة " وإذا خاص‬ ‫" وفي رواي‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬وأم ا النف اق االعتق ادي المخ رج عن دائ رة اإلس الم‪ ,‬فه و ال ذي وص ف هللا ب ه المن افقين في ه ذه الس ورة وغيرها‬
‫ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة النبي صلى هللا عليه وسلم من مكة إلى المدين ة‪ ,‬وال بع د الهج رة‪ ,‬ح تى ك انت وقع ة " ب در "‬
‫زهم‬ ‫نين‪ ,‬وأع‬ ‫ر هللا المؤم‬ ‫‪.‬وأظه‬
‫فذل من في المدينة ممن لم يسلم‪ ,‬فأظهر اإلس الم بعض هم خوف ا ومخادع ة‪ ,‬ولتحقن دم اؤهم‪ ,‬وتس لم أم والهم‪ ,‬فك انوا بين أظه ر‬
‫وا منهم‬ ‫ة‪ ,‬ليس‬ ‫اهر أنهم منهم‪ ,‬وفي الحقيق‬ ‫لمين‪ ,‬في الظ‬ ‫‪.‬المس‬
‫فمن لطف هللا بالمؤمنين‪ ,‬أن جال أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميزون بها‪ ,‬لئال يغتر بهم المؤمنون‪ ,‬ولينقمعوا أيضا عن كثير من‬
‫ورهم‬ ‫‪.‬فج‬
‫وبِ ِه ْم‬ ‫ا فِي قُلُ‬ ‫و َرةٌ تُنَبُِّئهُ ْم بِ َم‬ ‫َّز َل َعلَ ْي ِه ْم ُس‬ ‫افِقُونَ َأ ْن تُنَ‬ ‫َذ ُر ْال ُمنَ‬ ‫الى " يَحْ‬ ‫ال تع‬ ‫" وق‬ ‫‪.‬‬
‫اس َم ْن يَقُو ُل آ َمنَّا بِاهَّلل ِ َوبِ ْاليَوْ ِم اآْل ِخ ِر َو َما هُ ْم بِ ُمْؤ ِمنِينَ " فإنهم يقولون بألس نتهم م ا ليس‬
‫فوصفهم هللا بأصل النفاق فقال‪َ " :‬و ِمنَ النَّ ِ‬
‫وبهم‬ ‫‪.‬في قل‬
‫فأك ذبهم هللا بقول ه " َو َم ا هُ ْم بِ ُم ْؤ ِمنِينَ " ألن اإليم ان الحقيقي‪ ,‬م ا تواط أ علي ه القلب واللس ان‪ ,‬وإنم ا ه ذا مخادع ة هلل ولعب اده‬
‫‪.‬المؤمنين‬

‫يخادعون هللا وال ذين آمن وا وم ا يخ دعون إال أنفس هم وم ا "‬


‫" يشعرون‬
‫ادع‬ ‫وده ممن يخ‬ ‫ه لكي يتمكن من مقص‬ ‫يئا‪ ,‬ويبطن خالف‬ ‫هش‬ ‫ادع لمن يخادع‬ ‫ر المخ‬ ‫ة‪ :‬أن يظه‬ ‫‪.‬والمخادع‬
‫هم‬ ‫داعهم على أنفس‬ ‫اد خ‬ ‫لك‪ ,‬فع‬ ‫ذا المس‬ ‫اده ه‬ ‫ع هللا وعب‬ ‫لكوا م‬ ‫افقون‪ ,‬س‬ ‫ؤالء المن‬ ‫‪.‬فه‬
‫‪.‬وه ذا من العج ائب‪ ,‬ألن المخ ادع‪ ,‬إم ا أن ينتج خداع ه ويحص ل ل ه مقص وده‪ ,‬أو يس لم‪ ,‬ال ل ه وال عليه‬
‫‪.‬وه ؤالء ع اد خ داعهم على أنفس هم‪ ,‬وك أنهم يعمل ون م ا يعمل ون من المك ر إلهالك أنفس هم وإض رارها وكي دها‬
‫يئا‬ ‫دهم ش‬ ‫رهم كي‬ ‫ون‪ ,‬ال يض‬ ‫اده المؤمن‬ ‫يئا‪ ,‬وعب‬ ‫داعهم ش‬ ‫رر بخ‬ ‫الى ال يتض‬ ‫‪.‬ألن هللا تع‬
‫فال يضر المؤمنين أن أظهر المنافقون اإليمان‪ ,‬فسلمت بذلك أموالهم وحقنت دم اؤهم‪ ,‬وص ار كي دهم في نح ورهم‪ ,‬وحص ل لهم‬
‫‪.‬ب ذلك الخ زي والفض يحة في ال دنيا‪ ,‬والح زن المس تمر بس بب م ا يحص ل للمؤم نين من الق وة والنص رة‬
‫ثم في اآلخرة‪ ,‬لهم الع ذاب األليم الموج ع المفج ع‪ ,‬بس بب ك ذبهم‪ ,‬وكف رهم‪ ,‬وفج ورهم‪ ,‬والح ال أنهم ‪ -‬من جهلهم وحم اقتهم ‪ -‬ال‬
‫‪.‬يشعرون بذلك‬

‫في قل وبهم م رض ف زادهم هللا مرض ا ولهم ع ذاب أليم بم ا "‬


‫" كانوا يكذبون‬
‫اق‬ ‫بهات‪ ,‬والنف‬ ‫ك‪ ,‬والش‬ ‫رض الش‬ ‫ا‪ :‬م‬ ‫المرض هن‬ ‫راد ب‬ ‫َرضٌ " الم‬ ‫وبِ ِه ْم َم‬ ‫ه " فِي قُلُ‬ ‫‪.‬وقول‬
‫‪.‬وذل ك أن القلب يع رض ل ه مرض ان يخرجان ه عن ص حته واعتدال ه‪ :‬م رض الش بهات الباطل ة‪ ,‬وم رض الش هوات المردية‬
‫بهات‬ ‫رض الش‬ ‫ا من م‬ ‫دع‪ ,‬كله‬ ‫كوك والب‬ ‫اق‪ ,‬والش‬ ‫الكفر والنف‬ ‫‪.‬ف‬
‫هوات‬ ‫رض الش‬ ‫ا‪ ,‬من م‬ ‫ي وفعله‬ ‫واحش والمعاص‬ ‫ة الف‬ ‫ا‪ ,‬ومحب‬ ‫‪.‬والزن‬
‫هوة الزنا‬ ‫وش‬ ‫َرضٌ " وه‬ ‫ِه َم‬ ‫َع الَّ ِذي فِي قَ ْلبِ‬ ‫الى " فَيَ ْ‬
‫ط َم‬ ‫ال تع‬ ‫اق‬ ‫‪.‬كم‬
‫‪.‬والمع افي‪ ,‬من ع وفي من ه ذين المرض ين‪ ,‬فحص ل ل ه اليقين واإليم ان‪ ,‬والص بر عن ك ل معص ية‪ ,‬فرف ل في أث واب العافية‬
‫وفي قوله عن المنافقين " فِي قُلُوبِ ِه ْم َم َرضٌ فَ َزا َدهُ ُم هَّللا ُ َم َرضًا " بي ان لحكمت ه تع الى في تق دير المعاص ي على العاص ين‪ ,‬وأن ه‬
‫‪.‬بس ب ذن وبهم الس ابقة‪ ,‬يبتليهم بالمعاص ي الالحق ة الموجب ة لعقوبته ا كم ا ق ال تع الى‬
‫"‬ ‫َّر ٍة‬ ‫ِه َأ َّو َل َم‬ ‫وا بِ‬ ‫ا لَ ْم يُْؤ ِمنُ‬ ‫ا َرهُ ْم َك َم‬ ‫" َونُقَلِّبُ َأ ْفِئ َدتَهُ ْم َوَأب َ‬
‫ْص‬ ‫‪.‬‬
‫وبَهُ ْم‬ ‫وا َأ َزا َغ هَّللا ُ قُلُ‬ ‫الى " فَلَ َّما َزا ُغ‬ ‫ال تع‬ ‫" وق‬ ‫‪.‬‬
‫ِه ْم‬ ‫ا ِإلَى ِرجْ ِس‬ ‫َزا َد ْتهُ ْم ِرجْ ًس‬ ‫َرضٌ فَ‬ ‫وبِ ِه ْم َم‬ ‫الى " َوَأ َّما الَّ ِذينَ فِي قُلُ‬ ‫ال تع‬ ‫" وق‬ ‫‪.‬‬
‫دها‬ ‫نة بع‬ ‫نة‪ ,‬الحس‬ ‫واب الحس‬ ‫ا أن من ث‬ ‫دها‪ ,‬كم‬ ‫ية بع‬ ‫ية‪ ,‬المعص‬ ‫ة المعص‬ ‫‪.‬فعقوب‬
‫‪ " .‬قال تعالى " َويَ ِزي ُد هَّللا ُ الَّ ِذينَ ا ْهتَدَوْ ا هُدًى‬

‫وإذا قيل لهم ال تفسدوا في األرض قالوا إنما نحن مصلحون "‬
‫"‬
‫الكفر‬ ‫لب‬ ‫و العم‬ ‫اد في األرض‪ ,‬وه‬ ‫افقون عن اإلفس‬ ‫ؤالء المن‬ ‫‪.‬أي‪ :‬إذا نهى ه‬
‫‪ " .‬والمعاص ي‪ ,‬ومن ه إظه ار س رائر المؤمن ون لع دوهم وم واالتهم للك افرين " قَ الُوا ِإنَّ َم ا نَحْ نُ ُم ْ‬
‫ص لِحُونَ‬
‫فجمعوا بين العمل بالفساد في األرض‪ ,‬وإظهار أنه ليس بإفساد بل هو إصالح‪ ,‬قلب ا للحق ائق‪ ,‬وجمع ا بين فع ل الباط ل واعتق اده‬
‫‪.‬حقا‬
‫‪.‬وه ؤالء أعظم جناي ة ممن يعم ل بالمعاص ي‪ ,‬م ع اعتق اد تحريمه ا‪ ,‬فه ذا أق رب للس المة‪ ,‬وأرجى لرجوعه‬
‫ولما كان في قولهم " ِإنَّ َما نَحْ نُ ُمصْ لِحُونَ " حصر لإلصالح في ج انبهم ‪ -‬وفي ض منه أن المؤم نين ليس وا من أه ل اإلص الح ‪-‬‬
‫‪:‬قلب هللا عليهم دعواهم بقوله‬

‫" أال إنهم هم المفسدون ولكن ال يشعرون "‬


‫َأاَل ِإنَّهُ ْم هُ ُم ْال ُم ْف ِس ُدونَ " فإنه ال أعظم إفسادا ممن كفر بآيات هللا‪ ,‬وصد عن سبيل هللا وخادع هللا وأولياءه‪ ,‬ووالى المح اربين هلل "‬
‫ورسوله‪ ,‬وزعم ‪ -‬مع هذا ‪ -‬أن هذا إصالح‪ ,‬فهل بعد هذا الفساد فساد؟!! ولكن ال يعلمون علما ينفعهم‪ ,‬وإن كانوا قد علم وا ب ذلك‬
‫ة هللا‬ ‫ه عليهم حج‬ ‫وم ب‬ ‫ا تق‬ ‫‪.‬علم‬
‫وإنما كان العمل في األرض إفسادا‪ ,‬ألنه سبب لفساد ما على وجه األرض من الحبوب والثمار واألشجار‪ ,‬والنب ات‪ ,‬لم ا يحص ل‬
‫ببها المعاصي‬ ‫تي س‬ ‫ات ال‬ ‫ا من اآلف‬ ‫‪.‬فيه‬
‫وألن اإلص الح في األرض‪ ,‬أن تعم ر بطاع ة هللا واإليم ان ب ه‪ ,‬له ذا خل ق هللا الخل ق‪ ,‬وأس كنهم األرض‪ ,‬وأدر علهيم األرزاق‪,‬‬
‫ه وعبادته‬ ‫ا على طاعت‬ ‫تعينوا به‬ ‫‪.‬ليس‬
‫‪.‬فإذا عمل فيها بضده‪ ,‬كان سعيا فيها بالفساد‪ ,‬وإخرابا لها عما خلقت له‬
‫وإذا قي ل لهم آمن وا كم ا آمن الن اس ق الوا أن ؤمن كم ا آمن "‬
‫" السفهاء أال إنهم هم السفهاء ولكن ال يعلمون‬
‫أي‪ :‬إذا قيل للمنافقين‪ :‬آمنوا كما آمن الناس‪ ,‬أي‪ :‬كإيمان الصحابة " ‪ 4‬وهو اإليمان ب القلب واللس ان‪ ,‬ق الوا ‪ -‬ب زعمهم الباط ل ‪:-‬‬
‫فهاء؟‬ ‫ا آمن الس‬ ‫ؤمن كم‬ ‫‪.‬أن‬
‫‪.‬يعن ون ‪ -‬قبحهم هللا ‪ -‬الص حابة " ‪ ,4‬ل زعمهم أن س فههم‪ ,‬أوجب لهم اإليم ان‪ ,‬وت رك األوط ان‪ ,‬ومع اداة الكف ار‬
‫‪.‬والعق ل عن دهم يقتض ي ض د ذل ك‪ ,‬فنس بوهم إلى الس فه; وفي ض من ذل ك‪ ,‬أنهم هم العقالء أرب اب الحجى والنهي‬
‫فرد هللا ذلك عليهم‪ ,‬وأخبر أنهم‪ ,‬هم السفهاء على الحقيقة‪ ,‬ألن حقيقة السفه‪ ,‬جهل اإلنس ان بمص الح نفس ه‪ ,‬وس عيه فيم ا يض رها‪,‬‬
‫ة عليهم‬ ‫فة منطبق‬ ‫ذه الص‬ ‫‪.‬وه‬
‫‪.‬كم ا أن العق ل والحج ا‪ ,‬معرف ة اإلنس ان بمص الح نفس ه‪ ,‬والس عي فيم ا ينفع ه‪ ,‬وفي دف ع م ا يض ره‬
‫نين‬ ‫حابة والمؤم‬ ‫ة على الص‬ ‫فة‪ ,‬منطبق‬ ‫ذه الص‬ ‫‪.‬وه‬
‫‪.‬فالعبرة باألوصاف والبرهان‪ ,‬ال بالدعاوى المجردة‪ ,‬واألقوال الفارغة‬

‫وإذا لق وا ال ذين آمن وا ق الوا آمن ا وإذا خل وا إلى ش ياطينهم "‬


‫" قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون‬
‫وبهم‬ ‫ا ليس في قل‬ ‫نتهم م‬ ‫ولهم بألس‬ ‫ذا من ق‬ ‫‪.‬ه‬
‫وذلك أنهم إذا اجتمع وا ب المؤمنين‪ ,‬أظه روا أنهم على ط ريقتهم‪ ,‬وأنهم معهم‪ ,‬ف إذا خل و إلى ش ياطينهم ‪ -‬أي ك برائهم ورؤس ائهم‬
‫‪.‬بالش ر ‪ -‬ق الوا‪ :‬إن ا معكم في الحقيق ة‪ ,‬وإنم ا نحن مس تهزئون ب المؤمنين بإظهارن ا لهم‪ ,‬أن ا على ط ريقتهم‬
‫‪.‬فهذه حالهم الباطنة والظاهرة‪ ,‬وال يحيق المكر السيئ إال بأهله‬

‫" هللا يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون "‬


‫ونَ‬ ‫انِ ِه ْم يَ ْع َمهُ‬ ‫ُّدهُ ْم فِي طُ ْغيَ‬ ‫تَه ِْزُئ بِ ِه ْم َويَ ُم‬ ‫الى " هَّللا ُ يَ ْس‬ ‫ال تع‬ ‫"ق‬ ‫‪.‬‬
‫اده‬ ‫تهزائهم بعب‬ ‫زاء لهم‪ ,‬على اس‬ ‫ذا ج‬ ‫‪.‬وه‬
‫فمن استهزائه بهم‪ ,‬أن زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء واألحوال الخبيثة‪ ,‬حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين‪ ,‬لما لم يسلط هللا المؤم نين‬
‫‪.‬عليهم‬
‫ومن استهزائه بهم يوم القيامة‪ ,‬أن يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا‪ ,‬فإذا مشي المؤمنون بنورهم‪ ,‬طفئ نور المنافقين‪ ,‬وبق وا في‬
‫د الطمع‬ ‫أس بع‬ ‫ا أعظم الي‬ ‫يرين‪ ,‬فم‬ ‫ور متح‬ ‫د الن‬ ‫ة بع‬ ‫‪.‬الظلم‬
‫"‬ ‫تُ ْم َوارْ تَ ْبتُ ْم " اآلية‬ ‫ُك ْم َوتَ َرب ْ‬
‫َّص‬ ‫الُوا بَلَى َولَ ِكنَّ ُك ْم فَتَ ْنتُ ْم َأ ْنفُ َس‬ ‫ادُونَهُ ْم َألَ ْم نَ ُك ْن َم َع ُك ْم قَ‬ ‫‪.‬يُنَ‬
‫قوله " َويَ ُم ُّدهُ ْم " أي يزي دهم " فِي طُ ْغيَ انِ ِه ْم " أي‪ :‬فج ورهم وكف رهم " يَ ْع َمهُ ونَ " أي ح ائرون م ترددون‪ ,‬وه ذا من اس تهزائه‬
‫‪.‬تعالى بهم‬
‫أولئك الذين اشتروا الضاللة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما "‬
‫" كانوا مهتدين‬
‫الض اَل لَةَ بِ ْالهُ دَى فَ َم ا َربِ َح ْ‬
‫ت تِ َج ا َرتُهُ ْم َو َم ا َك انُوا ُم ْهتَ ِدينَ‬ ‫‪ " .‬ثم ق ال تع الى كاش فا عن حقيق ة أح والهم " ُأولَِئكَ الَّ ِذينَ ْ‬
‫اش تَ َر ُوا َّ‬
‫ضاَل لَةَ بِ ْالهُدَى " أي‪ :‬رغبوا في الضاللة‪ ,‬رغب ة المش تري في‬ ‫أولئك‪ ,‬أي‪ :‬المنافقون الموصوفون بتلك الصفات " الَّ ِذينَ ا ْشت ََر ُوا ال َّ‬
‫وال النفيسة‬ ‫ا األم‬ ‫ذل فيه‬ ‫ا ‪ -‬يب‬ ‫ه فيه‬ ‫تي ‪ -‬من رغبت‬ ‫لعة‪ ,‬ال‬ ‫‪.‬الس‬
‫لعة‬ ‫ر‪ ,‬كالس‬ ‫ة الش‬ ‫تي هي غاي‬ ‫اللة‪ ,‬ال‬ ‫ل الض‬ ‫ه جع‬ ‫ة‪ ,‬فإن‬ ‫ن األمثل‬ ‫ذا من أحس‬ ‫‪.‬وه‬
‫ة الثمن‬ ‫الح‪ ,‬بمنزل‬ ‫ة الص‬ ‫و غاي‬ ‫ذي ه‬ ‫دى‪ ,‬ال‬ ‫ل اله‬ ‫‪.‬وجع‬
‫ة فيها‬ ‫اللة رغب‬ ‫ه في الض‬ ‫ة عن‬ ‫دى‪ ,‬رغب‬ ‫ذلوا اله‬ ‫‪.‬فب‬
‫فقة‬ ‫ت الص‬ ‫فقتهم‪ ,‬فبئس‬ ‫ذه ص‬ ‫ارة‪ ,‬وه‬ ‫بئس التج‬ ‫ارتهم‪ ,‬ف‬ ‫ذه تج‬ ‫‪.‬فه‬
‫‪.‬وإذا ك ان من يب ذل دين ارا في مقابل ة درهم خاس را‪ ,‬فكي ف من ب ذل ج وهرة وأخ ذ عنه ا درهم ا؟!! فكي ف من ب ذل اله دى‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫في مقابلة الضاللة‪ ,‬واختار الشقاء على السعادة‪ ,‬ورغب في سافل األم ور وت رك عاليه ا؟!! فم ا ربحت تجارت ه‪ ,‬ب ل خس ر فيه ا‬
‫ارة‬ ‫‪.‬أعظم خس‬
‫ك هُ َو ْال ُخ ْس َرانُ ْال ُمبِينُ "‬
‫َ‬ ‫َس رُوا َأ ْنفُ َس هُ ْم َوَأ ْهلِي ِه ْم يَ وْ َم ْالقِيَا َم ِة َأاَل َذلِ‬ ‫‪ " .‬قُ لْ ِإ َّن ْال َخ ِ‬
‫اس ِرينَ الَّ ِذينَ خ ِ‬
‫‪.‬وقوله " َو َما َكانُوا ُم ْهتَ ِدينَ " تحقيق لضاللهم‪ ,‬وأنهم لم يحصل لهم من الهداية شيء‪ ,‬فهذه أوصافهم القبيحة‬

‫مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب هللا "‬
‫" بنورهم وتركهم في ظلمات ال يبصرون‬
‫ص ٌّم‬ ‫ْص رُونَ ُ‬ ‫ت اَل يُب ِ‬ ‫ور ِه ْم َوت ََر َكهُ ْم فِي ظُلُ َما ٍ‬ ‫َب هَّللا ُ بِنُ ِ‬‫ت َما َحوْ لَهُ َذه َ‬ ‫ضا َء ْ‬‫ثم ذكر مثلهم فقال‪َ " :‬مثَلُهُ ْم َك َمثَ ِل الَّ ِذي ا ْستَوْ قَ َد نَارًا فَلَ َّما َأ َ‬
‫ْ‬
‫ق َح َذ َر ال َم وْ ِ‬
‫ت‬ ‫صابِ َعهُ ْم فِي آ َذانِ ِه ْم ِمنَ الص ََّوا ِع ِ‬ ‫َأ‬
‫ق يَجْ َعلُونَ َ‬ ‫ات َو َر ْع ٌد َوبَرْ ٌ‬ ‫ب ِمنَ ال َّس َما ِء فِي ِه ظُلُ َم ٌ‬‫صيِّ ٍ‬ ‫بُ ْك ٌم ُع ْم ٌي فَهُ ْم اَل يَرْ ِجعُونَ َأوْ َك َ‬
‫ضا َء لَهُ ْم َم َشوْ ا فِي ِه َوِإ َذا َأ ْ‬
‫ظلَ َم َعلَ ْي ِه ْم قَ ا ُموا َولَ وْ َش ا َء هَّللا ُ لَ َذه َ‬
‫َب بِ َس ْم ِع ِه ْم‬ ‫ارهُ ْم ُكلَّ َما َأ َ‬ ‫ص َ‬‫ق يَ ْخطَفُ َأ ْب َ‬ ‫َوهَّللا ُ ُم ِحيطٌ بِ ْال َكافِ ِرينَ يَ َكا ُد ْالبَرْ ُ‬
‫ِدي ٌر‬ ‫ْي ٍء قَ‬ ‫لِّ َش‬ ‫ار ِه ْم ِإ َّن هَّللا َ َعلَى ُك‬
‫ِ‬ ‫ْص‬‫" َوَأب َ‬ ‫‪.‬‬
‫ارا‬ ‫توقد ن‬ ‫ذي اس‬ ‫ل ال‬ ‫ه‪ ,‬كمث‬ ‫انوا علي‬ ‫اك‬ ‫ابق لم‬ ‫‪.‬أي‪ :‬مثلهم المط‬
‫‪.‬أي‪ :‬ك ان في ظلم ة عظيم ة‪ ,‬وحاج ة إلى الن ار ش ديدة فاس توقدها من غ يره‪ ,‬ولم تكن عن ده مع دة‪ ,‬ب ل هي خارج ة عنه‬
‫فلما أضاءت النار ما حوله‪ ,‬ونظر المحل الذي هو فيه‪ ,‬وما فيه من المخاوف وأمنها‪ ,‬وانتفع بتلك الن ار‪ ,‬وق رت به ا عين ه‪ ,‬وظن‬
‫أنه قادر عليها‪ ,‬فبينما ه و ك ذلك‪ ,‬إذ ذهب هللا بن وره‪ ,‬ف زال عن ه الن ور‪ ,‬وذهب مع ه الس رور‪ ,‬وبقي في الظلم ة العظيم ة والن ار‬
‫راق‬ ‫ا من اإلح‬ ‫ا فيه‬ ‫راق‪ ,‬وبقي م‬ ‫ا من اإلش‬ ‫ا فيه‬ ‫ذهب م‬ ‫ة‪ ,‬ف‬ ‫‪.‬المحرق‬
‫فبقي في ظلمات متعددة‪ :‬ظلم ة اللي ل‪ ,‬وظلم ة الس حاب‪ ,‬وظلم ة المط ر‪ ,‬والظلم ة الحاص لة بع د الن ور‪ ,‬فكي ف يك ون ح ال ه ذا‬
‫وف؟‬ ‫‪.‬الموص‬
‫فكذلك هؤالء المنافقون‪ ,‬استوقدوا نار اإليم ان من المؤم نين‪ ,‬ولم تكن ص فة لهم‪ ,‬فاستض اءوا به ا مؤقت ا وانتفع وا‪ ,‬فحقنت ب ذلك‬
‫دنيا‬ ‫وع من األمن في ال‬ ‫ل لهم ن‬ ‫والهم‪ ,‬وحص‬ ‫لمت أم‬ ‫اؤهم‪ ,‬وس‬ ‫‪.‬دم‬
‫فبينما هم كذلك‪ ,‬إذ هجم عليهم الموت‪ ,‬فسلبهم االنتفاع بذلك النور‪ ,‬وحص ل لهم ك ل هم وغم وع ذاب‪ ,‬وحص ل لهم ظلم ة الق بر‪,‬‬
‫‪.‬وظلمة الكفر‪ ,‬وظلمة النفاق‪ ,‬وظلمة المعاصي على اختالف أنواعها‪ ,‬وبعد ذلك ظلمة النار‪ ,‬وبئس القرار‬

‫" صم بكم عمي فهم ال يرجعون "‬


‫ص ٌّم " أي‪ :‬عن سماع الخير " بُ ْك ٌم " أي‪ :‬عن النطق به " ُع ْم ٌي " أي‪ :‬عن رؤية الحق " فَهُ ْم اَل يَرْ ِج ُع ونَ‬
‫فلهذا قال تعالى عنهم " ُ‬
‫ون إليه‬ ‫وه‪ ,‬فال يرجع‬ ‫د أن عرف‬ ‫ق بع‬ ‫وا الح‬ ‫‪ ".‬ألنهم ترك‬
‫‪.‬بخالف من ترك الحق عن جهل وضالل‪ ,‬فإنه ال يعقل‪ ,‬وهو أقرب رجوعا منهم‬

‫أو كص يب من الس ماء في ه ظلم ات ورع د وب رق يجعل ون "‬


‫أص ابعهم في آذانهم من الص واعق ح ذر الم وت وهللا محي ط‬
‫" بالكافرين‬
‫ب ِمنَ َّ‬
‫الس َما ِء " أي‪ :‬كص احب ص يب وه و المط ر ال ذي يص وب‪ ,‬أي‪ :‬ي نزل بك ثرة‬ ‫ص يِّ ٍ‬ ‫‪.‬ثم ق ال تع الى " َأوْ َك َ‬
‫"‬ ‫ات المطر‬ ‫حاب‪ ,‬وظلم‬ ‫ة الس‬ ‫ل‪ ,‬وظلم‬ ‫ة اللي‬ ‫ات " ظلم‬ ‫ٌ‬ ‫ِه ظُلُ َم‬ ‫‪.‬فِي‬
‫"‬ ‫حاب‬ ‫مع من الس‬ ‫ذي بس‬ ‫وت ال‬ ‫و‪ :‬الص‬ ‫ٌد " وه‬ ‫‪َ .‬و َر ْع‬
‫‪.‬وبَرْ ٌ‬
‫ق " وهو الضوء الالمع المشاهد من السحاب "‬ ‫َ‬

‫يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مش وا في ه وإذا "‬


‫أظلم عليهم قاموا ول و ش اء هللا ل ذهب بس معهم وأبص ارهم إن‬
‫" هللا على كل شيء قدير‬
‫"‬ ‫وا‬ ‫ا ُموا " أي‪ :‬وقف‬ ‫ِه َوِإ َذا َأ ْ‬
‫ظلَ َم َعلَ ْي ِه ْم قَ‬
‫ض ا َء لَهُ ْم " ال برق في تل ك الظلم ات " َم َش وْ ا فِي‬ ‫‪ُ .‬كلَّ َم ا َأ َ‬
‫فهكذا حالة المنافقين‪ ,‬إذا سمعوا القرآن وأوام ره‪ ,‬ونواهي ه‪ ,‬ووع ده‪ ,‬ووعي ده‪ ,‬جعل وا أص ابعهم في آذانهم‪ ,‬وأعرض وا عن أم ره‬
‫وده‬ ‫زعجهم وع‬ ‫ده‪ ,‬وت‬ ‫يروعهم وعي‬ ‫ده‪ ,‬ف‬ ‫ده ووعي‬ ‫ه‪ ,‬ووع‬ ‫‪.‬ونهي‬
‫فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم‪ ,‬ويكرهونه ا كراه ة ص احب الص يب ال ذي تس مع الرع د‪ ,‬فيجع ل أص ابعه في أذني ه خش ية‬
‫المة‬ ‫ه الس‬ ‫لت ل‬ ‫ا حص‬ ‫ذا ربم‬ ‫وت‪ ,‬فه‬ ‫‪.‬الم‬
‫وأما المنافقون‪ ,‬فأنى لهم الس المة‪ ,‬وه و تع الى محي ط بهم‪ ,‬ق درة‪ ,‬وعلم ا فال يفوتون ه وال يعجزون ه‪ ,‬ب ل يحف ظ عليهم أعم الهم‪,‬‬
‫زاء‬ ‫ا أتم الج‬ ‫ازيهم عليه‬ ‫‪.‬ويج‬
‫ان‬ ‫رق اإليم‬ ‫دودة عليهم ط‬ ‫وي‪ ,‬ومس‬
‫مم‪ ,‬والبكم‪ ,‬والعمى المعن‬ ‫انوا مبتلين بالص‬ ‫اك‬ ‫‪.‬ولم‬
‫ار ِه ْم " أي‪ :‬الحس ية‪ ,‬ففي ه تخوي ف لهم وتح ذير من العقوب ة الدنيوي ة‪ ,‬ليح ذروا‪,‬‬
‫ْص ِ‬ ‫َب بِ َس ْم ِع ِه ْم َوَأب َ‬‫قال تعالى‪َ " :‬ولَوْ َشا َء هَّللا ُ لَ َذه َ‬
‫اقهم‬ ‫رهم ونف‬ ‫دعوا عن بعض ش‬ ‫‪.‬فيرت‬
‫"‬ ‫يء‬ ‫زه ش‬ ‫ِدي ٌر " فال يعج‬ ‫ْي ٍء قَ‬ ‫ِّل َش‬ ‫‪ِ.‬إ َّن هَّللا َ َعلَى ُك‬
‫ارض‬ ‫انع وال مع‬ ‫ير مم‬ ‫ه من غ‬ ‫يئا فعل‬ ‫اء ش‬ ‫ه إذا ش‬ ‫ه‪ ,‬أن‬ ‫‪.‬ومن قدرت‬
‫وفي هذه اآلية وما أشبهها‪ ,‬رد على القدرية القائلين بأن أفع الهم غ ير داخل ة في ق درة هللا تع الى‪ ,‬ألن أفع الهم من جمل ة األش ياء‬
‫‪ " .‬الداخلة في قوله " ِإ َّن هَّللا َ َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء قَ ِدي ٌر‬

‫ي ا أيه ا الن اس اعب دوا ربكم ال ذي خلقكم وال ذين من قبلكم "‬
‫" لعلكم تتقون‬
‫هذا أمر عام لجميع الناس‪ ,‬بأمر عام‪ ,‬وهو العبادة الجامعة‪ ,‬المتثال أوامر هللا‪ ,‬واجتناب نواهيه‪ ,‬وتص ديق خ بره‪ ,‬ف أمرهم تع الى‬
‫ا خلقهم له‬ ‫‪.‬بم‬
‫ت ْال ِج َّن َواِإْل ْن َ‬
‫س ِإاَّل لِيَ ْعبُدُو ِن‬ ‫‪ " .‬قال تعالى " َو َما خَ لَ ْق ُ‬

‫ال ذي جع ل لكم األرض فراش ا والس ماء بن اء وأن زل من "‬


‫الس ماء م اء ف أخرج ب ه من الثم رات رزق ا لكم فال تجعل وا هلل‬
‫" أندادا وأنتم تعلمون‬
‫ثم استدل على وجوب عبادته وحده‪ ,‬بأنه ربكم‪ ,‬الذي رباكم بأصناف النعم‪ ,‬فخلقكم بعد العدم‪ ,‬وخلق ال ذين من قبلكم‪ ,‬وأنعم عليكم‬
‫بالنعم الظاهرة والباطنة‪ ,‬فجعل لكم األرض فراشا تستقرون عليها‪ ,‬وتنتفعون باألبنية‪ ,‬والزراع ة‪ ,‬والحراث ة‪ ,‬والس لوك من مح ل‬
‫اع بها‬ ‫وه االنتف‬ ‫ك من وج‬ ‫ير ذل‬ ‫ل‪ ,‬وغ‬ ‫‪.‬إلى مح‬
‫‪.‬وجع ل الس ماء بن اء لمس كنكم‪ ,‬وأودع فيه ا من المن افع م ا ه و من ض روراتكم وحاج اتكم‪ ,‬كالش مس‪ ,‬والقم ر‪ ,‬والنج وم‬
‫‪َ .‬وَأ ْنزَ َل ِمنَ ال َّس َما ِء َما ًء " والسماء ه و ك ل م ا عال فوق ك فه و س ماء‪ ,‬وله ذا ق ال المفس رون‪ :‬الم راد بالس ماء ههن ا‪ ,‬الس حاب "‬
‫فأنزل منه تعالى م اء " فَ َأ ْخ َر َج بِ ِه ِمنَ الثَّ َم َرا ِ‬
‫ت " ك الحبوب‪ ,‬والثم ار‪ ,‬من نخي ل‪ ,‬وفواك ه‪ ,‬وزروع وغيره ا " ِر ْزقً ا لَ ُك ْم " ب ه‬
‫ون‬ ‫ون وتفكه‬ ‫ون وتعيش‬ ‫ون‪ ,‬وتتقوت‬ ‫‪.‬ترتزق‬
‫فَاَل تَجْ َعلُ وا هَّلِل ِ َأ ْن دَادًا " أي‪ :‬أش باها ونظ راء من المخل وقين‪ ,‬فتعب دونهم كم ا تعب دون هللا‪ ,‬وتحب ونهم كم ا تحبون ه‪ ,‬وهم مثلكم‪" ,‬‬
‫‪.‬مخلوق ون‪ ,‬مرزوق ون م دبرون‪ ,‬ال يملك ون مثق ال ذرة في األرض وال في الس ماء‪ ,‬وال ينفع ونكم وال يض رون‬
‫‪َ .‬وَأ ْنتُ ْم تَ ْعلَ ُم ونَ " أن هللا ليس ل ه ش ريك‪ ,‬وال نظ ير‪ ,‬ال في الخل ق‪ ,‬وال رزق‪ ,‬والت دبير‪ ,‬وال في األلوهي ة والكم ال "‬
‫فه‬ ‫فه الس‬ ‫ذا من أعجب العجب‪ ,‬وأس‬ ‫ذلك؟ ه‬ ‫ع علمكم ب‬ ‫رى م‬ ‫ة أخ‬ ‫ه آله‬ ‫دون مع‬ ‫ف تعب‬ ‫‪.‬فكي‬
‫وهذه اآلية‪ ,‬جمعت بين األمر بعبادة هللا وح ده‪ ,‬والنهي عن عب ادة م ا س واه‪ ,‬وبي ان ال دليل الب اهر على وج وب عبادت ه‪ ,‬وبطالن‬
‫‪.‬عب ادة م ا س واه‪ ,‬وه و ذك ر توحي د الربوبي ة‪ ,‬المتض من انف راده ب الخلق وال رزق والت دبير‬
‫فإذا كان أحد‪ ,‬مقرا بأنه ليس له شريك بذلك‪ ,‬فكذلك فليكن اإلقرار بأن هللا ليس ل ه ش ريك في عبادت ه‪ ,‬وه ذا أوض ح دلي ل عقلي‪,‬‬
‫رك‬ ‫الى‪ ,‬وبطالن الش‬ ‫اري تع‬ ‫ة الب‬ ‫‪.‬على وحداني‬
‫‪.‬وقوله " لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ " يحتمل أن المعنى أنكم إذا عبدتم هللا وح ده‪ ,‬اتقيتم ب ذلك س خطه وعذاب ه‪ ,‬ألنكم أتيتم بالس بب ال دافع ل ذلك‬
‫‪.‬ويحتمل أن يكون المعنى‪ :‬أنكم إذا عبدتم هللا‪ ,‬صرتم من المتقين الموص وفين ب التقوى‪ ,‬وكال المعن يين ص حيح‪ ,‬وهم ا متالزم ان‬
‫ان من المتقين‬ ‫ة‪ ,‬ك‬ ‫ادة كامل‬ ‫‪.‬فمن أتى بالعب‬
‫‪.‬ومن كان من المتقين‪ ,‬حصلت له النجاة من عذاب هللا وسخطه‬
‫وإن كنتم في ريب مم ا نزلن ا على عب دنا ف أتوا بس ورة من "‬
‫" مثله وادعوا شهداءكم من دون هللا إن كنتم صادقين‬
‫وهذا دليل عقلي‪ ,‬على صدق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬وصحة ما جاء به فق ال‪ :‬وإن كنتم ‪ -‬ي ا معش ر المعان دين للرس ول‪,‬‬
‫الرادين دعوته‪ ,‬الزاعمين كذبه ‪ -‬في شك واشتباه‪ ,‬مما نزلنا على عبدنا‪ ,‬هل هو حق أو غيره‪ ,‬فههنا أمر نصف فيه الفيصلة بينكم‬
‫‪.‬وبينه‬
‫رأ‬ ‫أ بينكم‪ ,‬ال يكتب وال يق‬ ‫ذ نش‬ ‫ه من‬ ‫ر‪ ,‬وأنتم تعرفون‬ ‫ر مثلكم‪ ,‬ليس من جنس آخ‬ ‫ه بش‬ ‫و أن‬ ‫‪.‬وه‬
‫تراه‬ ‫ه واف‬ ‫ه تقول‬ ‫د هللا‪ ,‬وقلتم أنتم‪ ,‬إن‬ ‫ه من عن‬ ‫بركم أن‬ ‫اب‪ ,‬أخ‬ ‫اكم بكت‬ ‫‪.‬فأت‬
‫فإن كان األمر كما تقولون‪ ,‬فأتوا بسورة من مثله‪ ,‬واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم‪ ,‬فإن هذا أمر يس ير عليكم‪,‬‬
‫ول‬ ‫ة للرس‬ ‫داوة العظيم‬ ‫ة‪ ,‬والع‬ ‫احة والخطاب‬ ‫ل الفص‬ ‫ا‪ ,‬وأنتم أه‬ ‫‪.‬خصوص‬
‫فإن جئتم بسورة من مثله‪ ,‬فهو كما زعمتم‪ ,‬وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز‪ ,‬فهذا آية كبيرة‪ ,‬ودليل واض ح جلي‬
‫على صدقه وصدق ما جاء به‪ ,‬فيتعين عليكم اتباعه‪ ,‬واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة والشدة‪ ,‬أن ك ان وقوده ا الن اس‬
‫‪.‬والحج ارة‪ ,‬ليس ت كن ار ال دنيا‪ ,‬ال تي تتق د ب الحطب‪ ,‬وه ذه الن ار الموص وفة‪ ,‬مع دة ومهي أة للك افرين باهلل ورس له‬
‫ول هللا‬ ‫ه رس‬ ‫بين لكم أن‬ ‫ات‬ ‫دم‬ ‫وله‪ ,‬بع‬ ‫ر برس‬ ‫ذروا الكف‬ ‫‪.‬فاح‬
‫‪.‬وه ذه اآلي ة ونحوه ا يس مونها آي ة التح دي‪ ,‬وه و تعج يز الخل ق عن أن ي أتوا بمث ل ه ذا الق رآن ويعارض وه بوجه‬
‫ْض ظَ ِه يرًا‬ ‫ت اِإْل ْنسُ َو ْال ِج ُّن َعلَى َأ ْن يَْأتُوا بِ ِم ْث ِل هَ َذا ْالقُ رْ آ ِن اَل يَ ْأتُونَ بِ ِم ْثلِ ِه َولَ وْ َك انَ بَع ُ‬
‫ْض هُ ْم ِلبَع ٍ‬ ‫‪ " .‬قال تعالى " قُلْ لَِئ ِن اجْ تَ َم َع ِ‬
‫اب؟‬ ‫ه ككالم رب األرب‬ ‫ون كالم‬ ‫راب‪ ,‬أن يك‬ ‫وق من ت‬ ‫در المخل‬ ‫ف يق‬ ‫‪.‬وكي‬
‫أم كيف يقدر الفقير الناقص من جميع الوجوه‪ ,‬أن يأتي بكالم ككالم الكامل‪ ,‬الذي ل ه الكم ال المطل ق‪ ,‬والغ نى الواس ع من جمي ع‬
‫وه؟‬ ‫‪.‬الوج‬
‫ان‬ ‫درة اإلنس‬ ‫ان‪ ,‬وال في ق‬ ‫ذا ليس في اإلمك‬ ‫‪.‬ه‬
‫‪.‬وك ل من ل ه أدنى ذوق ومعرف ة ب أنواع الكالم‪ ,‬إذا وزن ه ذا الق رآن بغ يره من كالم البلغ اء‪ ,‬ظه ر ل ه الف رق العظيم‬
‫وفي قوله " َوِإ ْن ُك ْنتُ ْم فِي َر ْي ٍ‬
‫ب " إلى آخره‪ ,‬دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضاللة‪ ,‬ه و الش اك الح ائر ال ذي لم يع رف‬
‫اللة‬ ‫ق من الض‬ ‫‪.‬الح‬
‫ادقا في طلب الحق‬ ‫ان ص‬ ‫ه‪ ,‬وإن ك‬ ‫رى باتباع‬ ‫قح‬ ‫ه الح‬ ‫ذي إذا بين ل‬ ‫ذا ال‬ ‫‪.‬فه‬
‫‪.‬وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه‪ ,‬فهذا ال يمكن رجوعه‪ ,‬ألنه ترك الحق بعد م ا ت بين‪ ,‬ولم يترك ه عن جه ل‪ ,‬فال حيل ة فيه‬
‫‪.‬وك ذلك الش اك ال ذي ليس بص ادق في طلب الح ق‪ ,‬ب ل ه و مع رض‪ ,‬غ ير مجته د بطلب ه‪ ,‬فه ذا ‪ -‬في الغ الب ‪ -‬ال يوفق‬
‫وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم‪ ,‬دليل على أن أعظم أوصافه صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬قيام ه بالعبودي ة‪ ,‬ال تي ال‬
‫رين‬ ‫د من األولين واآلخ‬ ‫ا أح‬ ‫ه فيه‬ ‫‪.‬يلحق‬
‫ِد ِه لَ ْياًل‬ ‫َرى بِ َع ْب‬ ‫ْب َحانَ الَّ ِذي َأ ْس‬ ‫ال " ُس‬ ‫راء فق‬ ‫ام اإلس‬ ‫ة في مق‬ ‫فه بالعبودي‬ ‫ا وص‬ ‫"ك‬ ‫‪.‬‬
‫ك الَّ ِذي نَ َّز َل ْالفُرْ قَانَ َعلَى َع ْب ِد ِه لِيَ ُكونَ لِ ْل َعالَ ِمينَ نَ ِذيرًا‬
‫‪ " .‬وفي مقام تنزيل القرآن عليه فقال " تَبَا َر َ‬

‫فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ف اتقوا الن ار ال تي وقوده ا الن اس "‬


‫" والحجارة أعدت للكافرين‬
‫ت لِ ْل َكافِ ِرينَ " ونحوها من اآليات‪ ,‬دليل لمذهب أهل السنة والجماعة‪ ,‬أن الجنة والنار مخلوقتان‪ ,‬خالف ا للمعتزلة‬ ‫‪.‬وفي قوله " ُأ ِع َّد ْ‬
‫‪ " .‬وفيه ا أيض ا‪ ,‬أن الموح دين ‪ -‬وإن ارتكب وا بعض الكب ائر ‪ -‬ال يخل دون في الن ار‪ ,‬ألن ه ق ال " ُأ ِع َّد ْ‬
‫ت لِ ْل َك افِ ِرينَ‬
‫‪.‬فل و ك ان عص اة الموح دين يخل دون فيه ا‪ ,‬لم تكن مع دة للك افرين وح دهم خالف ا للخ وارج والمعتزلة‬
‫‪.‬وفيها داللة على أن العذاب مستحق بأسبابه‪ ,‬وهو الكفر‪ ,‬وأنواع المعاصي على اختالفها‬

‫وبشر الذين آمنوا وعمل وا الص الحات أن لهم جن ات تج ري "‬


‫من تحتها األنهار كلم ا رزق وا منه ا من ثم رة رزق ا ق الوا ه ذا‬
‫الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطه رة‬
‫" وهم فيها خالدون‬
‫ولما ذكر جزاء الكافرين‪ ,‬ذكر جزاء المؤمنين‪ ,‬أهل األعمال الصالحات‪ ,‬كما هي طريقت ه تع الى في كتاب ه‪ ,‬يجم ع بين ال ترغيب‬
‫‪.‬وال ترهيب‪ ,‬ليك ون العب د راغب ا راهب ا‪ ,‬خائف ا راجي ا فق ال‪َ " :‬وبَ ِّش ِر " أي‪ :‬أيه ا الرس ول‪ ,‬ومن ق ام مقامك‬
‫ت " بج وارحهم‪ ,‬فص دقوا إيم انهم بأعم الهم الص الحة "‬ ‫‪.‬الَّ ِذينَ آ َمنُ وا " بقل وبهم " َو َع ِملُ وا َّ‬
‫الص الِ َحا ِ‬
‫ووصفت أعمال الخير بالصالحات‪ ,‬ألن بها تصلح أحوال العبد‪ ,‬وأمور دينه ودنياه‪ ,‬وحياته الدنيوية واألخروية‪ ,‬ويزول به ا عن ه‬
‫‪.‬فس اد األح وال‪ ,‬فيك ون ب ذلك من الص الحين‪ ,‬ال ذين يص لحون لمج اورة ال رحمن في جنته‬
‫فبشرهم " َأ َّن لَهُ ْم َجنَّا ٍ‬
‫ت " أي‪ :‬بساتين جامع ة لألش جار العجيب ة‪ ,‬والثم ار األنيق ة‪ ,‬والظ ل المدي د‪ ,‬واألغص ان واألفن ان‪ ,‬وب ذلك‬
‫ة‪ ,‬يجتن‬ ‫ارت جن‬ ‫‪.‬ص‬
‫اكنها‬ ‫اس‬ ‫ا‪ ,‬وينعم فيه‬ ‫ا داخله‬ ‫‪.‬به‬
‫تَجْ ِري ِم ْن تَحْ تِهَا اَأْل ْنهَا ُر " أي‪ :‬أنهار الماء‪ ,‬واللبن‪ ,‬والعسل‪ ,‬والخمر يفجرونها كيف ش اءوا‪ ,‬ويص رفونها أين أرادوا‪ ,‬وتس قى "‬
‫ار‬ ‫ناف الثم‬ ‫جار فتنبت أص‬ ‫ك األش‬ ‫ا تل‬ ‫‪.‬منه‬
‫ُزقُوا ِم ْنهَا ِم ْن ثَ َم َر ٍة ِر ْزقًا قَالُوا هَ َذا الَّ ِذي ر ِ‬
‫ُز ْقنَا ِم ْن قَ ْب ُل " أي‪ :‬ه ذا من جنس ه‪ ,‬وعلى وص فه‪ ,‬كله ا متش ابهة في الحس ن "‬ ‫ُكلَّ َما ر ِ‬
‫ذة‬ ‫‪.‬والل‬
‫ذذون بأكلها‬ ‫ا متل‬ ‫ذة‪ ,‬فهم دائم‬ ‫ال من الل‬ ‫ة‪ ,‬وليس لهم وقت خ‬ ‫رة خاس‬ ‫ا ثم‬ ‫‪.‬ليس فيه‬
‫ا في الطعم‬ ‫م‪ ,‬مختلف‬ ‫ابها في االس‬ ‫ل‪ :‬متش‬ ‫ابِهًا " قي‬ ‫ِه ُمت ََش‬ ‫وا بِ‬ ‫ه " َوُأتُ‬ ‫‪.‬وقول‬
‫ا في االسم‬ ‫ون‪ ,‬مختلف‬ ‫ابها في الل‬ ‫ل‪ :‬متش‬ ‫‪.‬وقي‬
‫ذا أحسن‬ ‫له‬ ‫ة‪ ,‬ولع‬ ‫ذة‪ ,‬والفكاه‬ ‫ن‪ ,‬والل‬ ‫ا‪ ,‬في الحس‬ ‫ه بعض‬ ‫به بعض‬ ‫ل‪ :‬يش‬ ‫‪.‬وقي‬
‫‪.‬ثم لما ذكر مسكنهم‪ ,‬وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم‪ ,‬ذكر أزواجهم‪ ,‬فوصفهن بأكمل وص ف وأوج زه‪ ,‬وأوض حه فق ال‬
‫"‬ ‫‪َ .‬ولَهُ ْم فِيهَ ا َأ ْز َوا ٌج ُمطَهَّ َرةٌ " فلم يق ل " مطه رة من العيب الفالني " ليش مل جمي ع أن واع التطه ير‬
‫ار‬ ‫رات األبص‬ ‫ان‪ ,‬مطه‬ ‫رات اللس‬ ‫ق‪ ,‬مطه‬ ‫رات الخل‬ ‫رات األخالق‪ ,‬مطه‬ ‫‪.‬فهن مطه‬
‫فأخالقهن‪ ,‬أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن‪ ,‬وحسن التبعل‪ ,‬واألدب القولي والفعلي‪ ,‬ومطهر خلقهن من الحيض‬
‫ة الكريهة‬ ‫اق‪ ,‬والرائح‬ ‫اط والبص‬ ‫ط‪ ,‬والمخ‬ ‫ول والغائ‬ ‫ني‪ ,‬والب‬ ‫اس والم‬ ‫‪.‬والنف‬
‫‪.‬ومطهرات الخلق أيضا‪ ,‬بكمال الجمال‪ ,‬فليس فيهن عيب‪ ,‬وال دمامة خل ق‪ ,‬ب ل هن خ يرات حس ان‪ ,‬مطه رات اللس ان والط رف‬
‫بيح‬ ‫ل كالم ق‬ ‫نتهن عن ك‬ ‫رات ألس‬ ‫رفهن على أزواجهن‪ ,‬وقاص‬ ‫رات ط‬ ‫‪.‬قاص‬
‫ر‪ ,‬والمبش ر ب ه‪ ,‬والس بب الموص ل له ذه البش ارة‬ ‫‪.‬ففي ه ذه اآلي ة الكريم ة‪ ,‬ذك ر المبش ر والمبش‬
‫ه من أمته‬ ‫ام مقام‬ ‫لم ومن ق‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫ول ص‬ ‫و الرس‬ ‫ر‪ ,‬ه‬ ‫‪.‬فالمبش‬
‫الحات‬ ‫املون الص‬ ‫ون الع‬ ‫ر‪ ,‬هم المؤمن‬ ‫‪.‬والمبش‬
‫فات‬ ‫ك الص‬ ‫وفات بتل‬ ‫ات الموص‬ ‫ه‪ ,‬هي الجن‬ ‫رب‬ ‫‪.‬والمبش‬
‫الح‬ ‫ل الص‬ ‫ان والعم‬ ‫و اإليم‬ ‫ذلك‪ ,‬ه‬ ‫لل‬ ‫بب الموص‬ ‫‪.‬والس‬
‫ارة‪ ,‬إال بهما‬ ‫ذه البش‬ ‫ول إلى ه‬ ‫بيل إلى الوص‬ ‫‪.‬فال س‬
‫باب‬ ‫ل األس‬ ‫ق‪ ,‬بأفض‬ ‫ل الخل‬ ‫د أفض‬ ‫لة‪ ,‬على ي‬ ‫ارة حاص‬ ‫ذا أعظم بش‬ ‫‪.‬وه‬
‫‪.‬وفي ه اس تحباب بش ارة المؤم نين‪ ,‬وتنش يطهم على األعم ال ب ذكر جزائه ا وثمراته ا‪ ,‬فإنه ا ب ذلك‪ ,‬تخ ف وتس هل‬
‫الح‬ ‫ل الص‬ ‫ان والعم‬ ‫ه لإليم‬ ‫ان‪ ,‬توفيق‬ ‫لة لإلنس‬ ‫رى حاص‬ ‫‪.‬وأعظم بش‬
‫لها‬ ‫ارة وأص‬ ‫ذلك أول البش‬ ‫‪.‬ف‬
‫وت‬ ‫د الم‬ ‫رى عن‬ ‫ده‪ ,‬البش‬ ‫‪.‬ومن بع‬
‫ذا النعيم المقيم‬ ‫ول إلى ه‬ ‫ده‪ ,‬الوص‬ ‫‪.‬ومن بع‬
‫‪.‬نسأل هللا من فضله‬

‫إن هللا ال يستحيي أن يضرب مثال ما بعوضة فما فوقها فأم ا "‬
‫ال ذين آمن وا فيعلم ون أن ه الح ق من ربهم وأم ا ال ذين كف روا‬
‫فيقولون ماذا أراد هللا بهذا مثال يضل به كثيرا ويهدي به كث يرا‬
‫" وما يضل به إال الفاسقين‬
‫ُوض ةً فَ َم ا فَوْ قَهَ ا " الش تمال األمث ال على الحكم ة‪,‬‬ ‫يقول تعالى " ِإ َّن هَّللا َ اَل يَ ْستَحْ يِي َأ ْن يَضْ ِر َ‬
‫ب َمثَاًل َم ا " أي أي مث ل ك ان " بَع َ‬
‫تحي من الحق‬ ‫ق‪ ,‬وهللا ال يس‬ ‫اح الح‬ ‫‪.‬وإيض‬
‫يرة‬ ‫ياء الحق‬ ‫ال في األش‬ ‫رب األمث‬ ‫رض‬ ‫ا لمن أنك‬ ‫ذا‪ ,‬جواب‬ ‫أن في ه‬ ‫‪.‬وك‬
‫ترض على هللا في ذلك‬ ‫‪.‬واع‬
‫تراض‬ ‫ك اع‬ ‫‪.‬فليس في ذل‬
‫ه بهم‬ ‫اده ورحمت‬ ‫و من تعليم هللا لعب‬ ‫له‬ ‫‪.‬ب‬
‫كر‬ ‫القبول والش‬ ‫‪.‬فيجب أن تتلقى ب‬
‫ق ِم ْن َربِّ ِه ْم " فيفهمونها‬
‫ُّ‬ ‫ونَ َأنَّهُ ْال َح‬ ‫وا فَيَ ْعلَ ُم‬ ‫ال‪ " :‬فََأ َّما الَّ ِذينَ آ َمنُ‬ ‫ذا ق‬ ‫‪.‬وله‬
‫رون فيها‬ ‫‪.‬ويتفك‬
‫يل‬ ‫ه التفص‬ ‫ه على وج‬ ‫تملت علي‬ ‫ا اش‬ ‫وا م‬ ‫إن علم‬ ‫‪.‬ف‬
‫انهم‬ ‫ذلك علمهم وإيم‬ ‫‪.‬ازداد ب‬
‫ا حق‬ ‫وا أنه‬ ‫‪.‬وإال علم‬
‫ه حق‬ ‫تملت علي‬ ‫ا اش‬ ‫‪.‬وم‬
‫ق فيها‬ ‫ه الح‬ ‫‪.‬وإن خفي عليهم وج‬
‫ربها عبثا‬ ‫أن هللا لم يض‬ ‫‪.‬لعلمهم ب‬
‫ة بالغة‬ ‫ل لحكم‬ ‫‪.‬ب‬
‫ابغة‬ ‫ةس‬ ‫‪.‬ونعم‬
‫"‬ ‫يرون‬ ‫ون ويتح‬ ‫َذا َمثَاًل " فيعترض‬ ‫ا َذا َأ َرا َد هَّللا ُ بِهَ‬ ‫ونَ َم‬ ‫رُوا فَيَقُولُ‬ ‫‪َ .‬وَأ َّما الَّ ِذينَ َكفَ‬
‫رهم‬ ‫را إلى كف‬ ‫يزدادون كف‬ ‫‪.‬ف‬
‫انهم‬ ‫ا على إيم‬ ‫ون إيمان‬ ‫ا ازداد المؤمن‬ ‫‪.‬كم‬
‫يرًا‬ ‫ِه َكثِ‬ ‫ِدي بِ‬ ‫يرًا َويَ ْه‬ ‫ِه َكثِ‬ ‫لُّ بِ‬ ‫ُض‬
‫ال‪ " :‬ي ِ‬ ‫ذا ق‬ ‫" وله‬ ‫‪.‬‬
‫افرين‬ ‫نين والك‬ ‫ال المؤم‬ ‫ذه ح‬ ‫‪.‬فه‬
‫ات القرآنية‬ ‫ه اآلي‬ ‫د نزول‬ ‫‪.‬عن‬
‫ت سُو َرةٌ فَ ِم ْنهُ ْم َم ْن يَقُو ُل َأيُّ ُك ْم زَا َد ْتهُ هَ ِذ ِه ِإي َمانًا فََأ َّما الَّ ِذينَ آ َمنُوا فَزَ ا َد ْتهُ ْم ِإي َمانًا َوهُ ْم يَ ْستَب ِْش رُونَ َوَأ َّما الَّ ِذينَ‬ ‫قال تعالى " َوِإ َذا َما ُأ ْن ِزلَ ْ‬
‫افِرُونَ‬ ‫اتُوا َوهُ ْم َك‬ ‫ِه ْم َو َم‬ ‫ا ِإلَى ِرجْ ِس‬ ‫َزا َد ْتهُ ْم ِرجْ ًس‬ ‫َرضٌ فَ‬ ‫وبِ ِه ْم َم‬ ‫" فِي قُلُ‬ ‫‪.‬‬
‫اد‬ ‫ة على العب‬ ‫‪.‬فال أعظم نعم‬
‫ات القرآنية‬ ‫زول اآلي‬ ‫‪.‬من ن‬
‫ذا‬ ‫عه‬ ‫‪.‬وم‬
‫وم محنة‬ ‫ون لق‬ ‫‪.‬تك‬
‫يرة‬ ‫‪.‬وح‬
‫اللة‬ ‫‪.‬وض‬
‫رهم‬ ‫ر إلى ش‬ ‫ادة ش‬ ‫‪.‬وزي‬
‫يرهم‬ ‫ير إلى خ‬ ‫ادة خ‬ ‫ة; وزي‬ ‫ة; ورحم‬ ‫وم منح‬ ‫‪.‬ولق‬
‫الل‬ ‫ة واإلض‬ ‫رد بالهداي‬
‫اده; وانف‬ ‫اوت بين عب‬ ‫بحان من ف‬ ‫‪.‬فس‬
‫ضلُّ بِ ِه ِإاَّل ْالفَا ِسقِينَ " أي‪ :‬الخ ارجين عن طاع ة هللا; المعان دين لرس ل‬
‫ثم ذكر حكمته وعدله في إضالله من يضل فقال‪َ " :‬و َما يُ ِ‬
‫دال‬ ‫هب‬ ‫ون ب‬ ‫فهم; فال يبغ‬ ‫ق وص‬ ‫ار الفس‬ ‫ذين ص‬ ‫‪.‬هللا; ال‬
‫دى‬ ‫الحيتهم لله‬ ‫دم ص‬ ‫اللهم; لع‬ ‫الى; إض‬ ‫ه تع‬ ‫ت حكمت‬ ‫‪.‬فاقتض‬
‫الحة‬ ‫ال الص‬ ‫ان; وتحلى باألعم‬ ‫ف باإليم‬ ‫ة من اتص‬ ‫ه; هداي‬ ‫له وحكمت‬ ‫ى فض‬ ‫ا اقتض‬ ‫‪.‬كم‬
‫‪.‬والفس ق نوع ان‪ :‬ن وع مخ رج من ال دين; وه و الفس ق المقتض ي للخ روج من اإليم ان; كالم ذكور في ه ذه اآلي ة ونحوها‬
‫ق بِنَبٍَإ فَتَبَيَّنُوا " اآلية‬ ‫‪.‬ونوع غير مخرج من اإليمان كما في قوله تعالى " يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِإ ْن َجا َء ُك ْم فَ ِ‬
‫اس ٌ‬
‫الذين ينقضون عهد هللا من بعد ميثاقه ويقطعون ما أم ر هللا "‬
‫" به أن يوصل ويفسدون في األرض أولئك هم الخاسرون‬
‫ِه‬ ‫ِد ِميثَاقِ‬ ‫َد هَّللا ِ ِم ْن بَ ْع‬ ‫ونَ َع ْه‬ ‫ال " الَّ ِذينَ يَ ْنقُ ُ‬
‫ض‬ ‫قين فق‬ ‫ف الفاس‬ ‫" ثم وص‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬وه ذا يعم العه د ال ذي بينهم وبين ربهم; وال ذي بينهم وبين الخل ق; ال ذي أك ده عليهم ب المواثيق الثقيل ة واإللزام ات‬
‫‪.‬فال يب الون بتل ك المواثي ق; ب ل ينقض ونها; وي تركون أوام ره ويرتكب ون نواهي ه; وينقض ون العه ود ال تي بينهم وبين الخلق‬
‫"‬ ‫يرة‬ ‫ياء كث‬ ‫ه أش‬ ‫دخل في‬ ‫ذا ي‬ ‫َل " وه‬ ‫ِه َأ ْن ي َ‬
‫ُوص‬ ‫َر هَّللا ُ بِ‬ ‫ا َأ َم‬ ‫ونَ َم‬ ‫‪َ .‬ويَ ْقطَ ُع‬
‫ام بعبوديته‬ ‫ه; والقي‬ ‫ان ب‬ ‫ه باإليم‬ ‫ا وبين‬ ‫ا بينن‬ ‫لم‬ ‫ا; أن نص‬ ‫إن هللا أمرن‬ ‫‪.‬ف‬
‫ام بحقوقه‬ ‫ره; والقي‬ ‫ه; وتعزي‬ ‫ه; ومحبت‬ ‫ان ب‬ ‫وله; باإليم‬ ‫ا وبين رس‬ ‫ا بينن‬ ‫‪.‬وم‬
‫‪.‬وم ا بينن ا وبين الوال دين واألق ارب; واألص حاب; وس ائر الخل ق بالقي ام بحق وقهم ال تي أم ر هللا أن نص لها‬
‫ام‬ ‫ا أتم القي‬ ‫اموا به‬ ‫وق; وق‬ ‫ذه الحق‬ ‫ل من ه‬ ‫ه أن يوص‬ ‫ر هللا ب‬ ‫ا أم‬ ‫لوا م‬ ‫ون; فوص‬ ‫ا المؤمن‬ ‫‪.‬فأم‬
‫وأما الفاسقون; فقطعوها; ونب ذوها وراء ظه ورهم; معتاض ين عنه ا بالفس ق والقطيع ة; والعم ل بالمعاص ي; وه و‪ :‬اإلفس اد في‬
‫‪.‬األرض‬
‫"‬ ‫رة‬ ‫دنيا واآلخ‬ ‫رُونَ " في ال‬ ‫فته " هُ ُم ْالخَ ِ‬
‫اس‬ ‫ذه ص‬ ‫‪.‬فَُأولَِئ َ‬
‫ك " أي‪ :‬من ه‬
‫فحصر الخسارة فيهم; ألن خسرانهم عام في كل أحوالهم; ليس لهم نوع من الربح; ألن كل عمل صالح; ش رطه اإليم ان; فمن ال‬
‫ار الكفر‬ ‫و خس‬ ‫ار; ه‬ ‫ذا الخس‬ ‫ه; وه‬ ‫لل‬ ‫ه; ال عم‬ ‫ان ل‬ ‫‪.‬إيم‬
‫وأما الخسار الذي قد يكون كفرا; وقد يكون معصية; وقد يكون تفريطا في ترك مستحب الم ذكور في قول ه تع الى " ِإ َّن اِإْل ْن َس انَ‬
‫ْر " فهذا عام لكل مخلوق; إال من اتصف باإليمان والعمل الصالح; والتواصي بالحق; والتواصي بالصبر; وحقيقة فوات‬ ‫لَفِي ُخس ٍ‬
‫‪.‬الخير; الذي كان العبد بصدد تحصيله وهو تحت إمكانه‬

‫كيف تكفرون باهلل وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يح ييكم "‬


‫" ثم إليه ترجعون‬
‫ونَ‬ ‫ِه تُرْ َج ُع‬ ‫ا ُك ْم ثُ َّم يُ ِميتُ ُك ْم ثُ َّم يُحْ يِي ُك ْم ثُ َّم ِإلَ ْي‬ ‫ا فََأحْ يَ‬ ‫رُونَ بِاهَّلل ِ َو ُك ْنتُ ْم َأ ْم َواتً‬ ‫فَ تَ ْكفُ‬ ‫الى " َك ْي‬ ‫ال تع‬ ‫" ثم ق‬ ‫‪.‬‬
‫ار‬ ‫وبيخ واإلنك‬ ‫تفهام التعجب والت‬ ‫ذا اس‬ ‫‪.‬ه‬
‫أي‪ :‬كيف يحصل منكم الكفر باهلل; الذي خلقكم من العدم; وأنعم عليكم بأصناف النعم; ثم يميتكم عند اس تكمال آج الكم; ويج ازيكم‬
‫زاء األوفى‬ ‫ازيكم الج‬ ‫ون; فيج‬ ‫ه ترجع‬ ‫ور; ثم إلي‬ ‫د البعث والنش‬ ‫ييكم بع‬ ‫ور; ثم يح‬ ‫‪.‬في القب‬
‫فإذا كنتم في تصرفه; وتدبيره; وبره; وتحت أوامره الدينية; وبعد ذلك تحت دينه الجزائي; أفيليق بكم أن تكفروا به; وهل ه ذا إال‬
‫ير‬ ‫فه كب‬ ‫ل عظيم وس‬ ‫‪.‬جه‬
‫‪.‬؟ بل الذي يليق بكم; أن تتقوه; وتشكروه; وتؤمنوا به; وتخافوا عذابه; وترجوا ثوابه‬

‫ه و ال ذي خل ق لكم م ا في األرض جميع ا ثم اس توى إلى "‬


‫" السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم‬
‫ق لَ ُك ْم َم ا فِي اَأْلرْ ِ‬
‫ض َج ِمي ًع ا " أي‪ :‬خل ق لكم‪ ,‬ب را بكم ورحم ة‪ ,‬جمي ع م ا على األرض‪ ,‬لالنتف اع واالس تمتاع‪" ,‬‬ ‫هُ َو الَّ ِذي خَ لَ َ‬
‫ار‬ ‫‪.‬واالعتب‬
‫‪.‬وفي ه ذه اآلي ة الكريم ة‪ ,‬دلي ل على أن األص ل في األش ياء‪ ,‬اإلباح ة والطه ارة‪ ,‬ألنه ا س يقت في مع رض االمتن ان‬
‫يخرج بذلك‪ ,‬الخبائث‪ ,‬فإن تحريمها أيضا‪ ,‬يؤخذ من فحوى اآلية‪ ,‬وبيان المقصود منها‪ ,‬وأنه خلقه ا لنفعن ا‪ ,‬فم ا في ه ض رر‪ ,‬فه و‬
‫ارج من ذلك‬ ‫‪.‬خ‬
‫ا لنا‬ ‫ائث‪ ,‬تنزيه‬ ‫ا من الخب‬ ‫ه‪ ,‬منعن‬ ‫ام نعمت‬ ‫‪.‬ومن تم‬
‫ْي ٍء َعلِي ٌم‬ ‫ِّل َش‬ ‫َو بِ ُك‬ ‫ت َوهُ‬
‫َما َوا ٍ‬ ‫ْب َع َس‬ ‫وَّاه َُّن َس‬ ‫َما ِء فَ َس‬ ‫تَ َوى ِإلَى َّ‬
‫الس‬ ‫ه‪ " :‬ثُ َّم ْ‬
‫اس‬ ‫" وقول‬ ‫‪.‬‬
‫اس تَ َوى " ت رد في الق رآن على ثالث ة مع اني‪ :‬فت ارة ال تع دي ب الحرف‬ ‫‪.‬مع اني كلم ة " اس توى " " ْ‬
‫َّدهُ َو ْ‬
‫اس ت ََوى‬ ‫َغ َأ ُش‬ ‫‪ " .‬فيك ون معناه ا‪ ,‬الكم ال والتم ام‪ ,‬كم ا في قول ه عن موس ى " َولَ َّما بَلَ‬
‫ش ْ‬
‫اس ت ََوى " ‪" ,‬‬ ‫وتارة تك ون بمع نى " عال " و " ارتف ع " ‪ ,‬وذل ك إذا ع ديت بـ " على " كقول ه تع الى‪ " :‬ال رَّحْ َمنُ َعلَى ْال َع رْ ِ‬
‫ور ِه‬
‫ِ‬ ‫تَ ُووا َعلَى ظُهُ‬ ‫" لِت َْس‬ ‫‪.‬‬
‫ذه اآلية‬ ‫ا في ه‬ ‫ديت بـ " إلى " كم‬ ‫ا إذا ع‬ ‫د " كم‬ ‫نى " قص‬ ‫ون بمع‬ ‫ارة تك‬ ‫‪.‬وت‬
‫‪.‬أي‪ :‬لما خلق تعالى األرض‪ ,‬قصد إلى خلق السماوات‪ ,‬فسواهن سبع سماوات‪ ,‬فخلقها وأحكمه ا‪ ,‬وأتقنه ا‪ ,‬وه و بك ل ش يء عليم‬
‫فيعلم ما يلج في األرض‪ ,‬وما يخرج منها‪ ,‬وما ينزل من السماء‪ ,‬وما يعرج فيه ا‪ ,‬و " يَ ْعلَ ُم َم ا تُ ِس رُّ ونَ َو َم ا تُ ْعلِنُ ونَ " يعلم الس ر‬
‫‪.‬وأخفى‬
‫ق َوهُ َو اللَّ ِطي فُ ْالخَ بِ ي ُر " ألن‬
‫وكثيرا ما يقرن بين خلقه‪ ,‬وإثبات علمه كما في هذه اآلية‪ ,‬وكما في قوله تع الى‪َ " :‬أاَل يَ ْعلَ ُم َم ْن َخلَ َ‬
‫‪.‬خلقه للمخلوقات‪ ,‬أدل دليل على علمه‪ ,‬وحكمته‪ ,‬وقدرته‬

‫وإذ ق ال رب ك للمالئك ة إني جاع ل في األرض خليف ة ق الوا "‬


‫أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك ال دماء ونحن نس بح بحم دك‬
‫" ونقدس لك قال إني أعلم ما ال تعلمون‬
‫"‬ ‫ةً‬ ‫ٌل فِي اَأْلرْ ِ‬
‫ض خَ لِيفَ‬ ‫ِة ِإنِّي َجا ِع‬ ‫ك لِ ْل َماَل ِئ َك‬
‫ا َل َربُّ َ‬ ‫" وَِإ ْذ قَ‬ ‫‪.‬‬
‫هذا شروع في ابتداء خلق آدم عليه السالم أبي البشر‪ ,‬وفض له‪ ,‬وأن هللا تع الى ‪ -‬حين أراد خلق ه ‪ -‬أخ بر المالئك ة ب ذلك‪ ,‬وأن هللا‬
‫تخلفه في األرض‬ ‫‪.‬مس‬
‫فقالت المالئكة عليهم السالم‪َ " :‬أتَجْ َع ُل فِيهَا َم ْن يُ ْف ِس ُد فِيهَا " بالمعاصي " َويَ ْسفِ ُ‬
‫ك ال ِّد َما َء " ‪ ,‬وهذا تخصيص بعد تعميم‪ ,‬لبيان ش دة‬
‫دة القتل‬ ‫‪.‬مفس‬
‫وهذا بحسب ظنهم أن المجهول في األرض‪ ,‬سيحدث منه ذلك‪ ,‬فنزهوا الباري عن ذلك‪ ,‬وعظم وه‪ ,‬وأخ بروا أنهم ق ائمون بعب ادة‬
‫الوا‬ ‫دة فق‬ ‫ال من المفس‬ ‫هخ‬ ‫‪.‬هللا على وج‬
‫"‬ ‫دك وجاللك‬ ‫ق بحم‬ ‫ه الالئ‬ ‫ك التنزي‬ ‫ِدكَ " أي‪ :‬ننزه‬ ‫بِّ ُح بِ َح ْم‬ ‫‪َ .‬ونَحْ نُ نُ َس‬
‫"‬ ‫يص واإلخالص‬ ‫دة للتخص‬ ‫ون الالم مفي‬ ‫ك‪ ,‬فتك‬ ‫ا‪ :‬ونقدس‬ ‫ل أن معناه‬ ‫ك " يحتم‬
‫َ‬ ‫‪َ .‬ونُقَ دِّسُ لَ‬
‫نا‬ ‫ك أنفس‬ ‫دس ل‬ ‫ون‪ ,‬ونق‬ ‫ل أن يك‬ ‫‪.‬ويحتم‬
‫ا من األخالق الرذيلة‬ ‫ه‪ ,‬ونطهره‬ ‫يته وتعظيم‬ ‫ة هللا وخش‬ ‫ة‪ ,‬كمحب‬ ‫األخالق الجميل‬ ‫اب‬ ‫‪.‬أي‪ :‬نطهره‬
‫ونَ‬ ‫ا اَل تَ ْعلَ ُم‬ ‫ة " َم‬ ‫ذا الخليف‬ ‫ة‪ِ " :‬إنِّي َأ ْعلَ ُم " من ه‬ ‫ال هللا للمالئك‬ ‫"ق‬ ‫‪.‬‬
‫ألن كالمكم بحسب ما ظننتم‪ ,‬وأنا عالم بالظواهر والسرائر‪ ,‬وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة‪ ,‬أضعاف أضعاف م ا في‬
‫ض من ذل ك‪ ,‬من الش ر فل و لم يكن في ذل ك‪ ,‬إال أن هللا تع الى أراد أن يجت بي منهم األنبي اء والص ديقين‪ ,‬والش هداء والص الحين‪,‬‬
‫ولتظهر آياته للخلق‪ ,‬ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق ه ذا الخليف ة‪ ,‬كالجه اد وغ يره‪ ,‬وليظه ر م ا كمن في‬
‫غرائز المكلفين من الخير والشر باالمتحان‪ ,‬وليتبين عدوه من وليه‪ ,‬وحزبه من حربه‪ ,‬وليظهر ما كمن في نفس إبليس من الش ر‬
‫‪.‬الذي انطوى عليه‪ ,‬واتصف به‪ ,‬فهذه حكم عظيمة‪ ,‬يكفي بعضها في ذلك‬

‫وعلم آدم األس ماء كله ا ثم عرض هم على المالئك ة فق ال "‬


‫" أنبئوني بأسماء هؤالء إن كنتم صادقين‬
‫ثم لما كان قول المالئكة عليهم السالم‪ ,‬فيه إشارة إلى فضلهم على الخليف ة ال ذي يجعل ه هللا في األرض‪ ,‬أراد هللا تع الى‪ ,‬أن ي بين‬
‫لهم من فضل آدم‪ ,‬ما يعرفون به فضله‪ ,‬وكمال حكمة هللا وعلمه فقال‪َ " :‬و َعلَّ َم آ َد َم اَأْل ْس َما َء ُكلَّهَ ا " أي‪ :‬أس ماء األش ياء‪ ,‬وم ا ه و‬
‫مى لها‬ ‫‪.‬مس‬
‫‪.‬فعلم ه االس م والمس مى‪ ,‬أي‪ :‬األلف اظ والمع اني‪ ,‬ح تى المص غر من األس ماء والمك بر‪ ,‬كالقص عة والقص يعة‬
‫"‬ ‫ِة " امتحان ا لهم‪ ,‬ه ل يعرفونه ا أم ال؟‬ ‫ض هُ ْم " أي‪ :‬ع رض المس ميات " َعلَى ْال َماَل ِئ َك‬
‫‪.‬ثُ َّم َع َر َ‬
‫‪.‬فَقَا َل َأ ْنبُِئونِي بَِأ ْس َما ِء هَُؤاَل ِء ِإ ْن ُك ْنتُ ْم َ‬
‫صا ِدقِينَ " في قولكم وظنكم‪ ,‬أنكم أفضل من هذا الخليفة "‬

‫قالوا سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا إن ك أنت العليم الحكيم "‬
‫"‬
‫"‬ ‫رك‬ ‫ة أم‬ ‫ك‪ ,‬ومخالف‬ ‫ا علي‬ ‫تراض من‬ ‫ك من االع‬ ‫ب َْحانَ َ‬
‫ك " أي‪ :‬ننزه‬ ‫الُوا ُس‬ ‫‪.‬قَ‬
‫"‬ ‫ودا‬ ‫ك وج‬ ‫ال من‬ ‫اه‪ ,‬فض‬ ‫ا " إي‬ ‫ا َعلَّ ْمتَنَ‬ ‫وه " ِإاَّل َم‬
‫ا " بوج‬ ‫‪.‬اَل ِع ْل َم لَنَ‬
‫ه من الوج‬
‫ك َأ ْنتَ ْال َعلِي ُم ْال َح ِكي ُم " العليم الذي أحاط علما بكل شيء‪ ,‬فال يغيب عنه‪ ,‬وال يع زب مثق ال ذرة في الس ماوات واألرض‪ ,‬وال "‬ ‫ِإنَّ َ‬
‫بر‬ ‫ك وال أك‬ ‫غر من ذل‬ ‫‪.‬أص‬
‫أمور‬ ‫ام‬ ‫ذ عنه‬ ‫وق‪ ,‬وال يش‬ ‫ا مخل‬ ‫رج عنه‬ ‫تي ال يخ‬ ‫ة‪ ,‬ال‬ ‫ة التام‬ ‫ه الحكم‬ ‫‪.‬الحكيم‪ ,‬من ل‬
‫يء إال لحكمة‬ ‫ر بش‬ ‫ة‪ ,‬وال أم‬ ‫يئا إال لحكم‬ ‫قش‬ ‫ا خل‬ ‫‪.‬فم‬
‫ق به‬ ‫عه الالئ‬ ‫يء في موض‬ ‫ع الش‬ ‫ة‪ :‬وض‬ ‫‪.‬والحكم‬
‫يء‬ ‫ة أدنى ش‬ ‫ورهم عن معرف‬ ‫ه‪ ,‬وقص‬ ‫ترفوا بعلم هللا وحكمت‬ ‫أقروا‪ ,‬واع‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪.‬واعترافهم بفضل هللا عليهم; وتعليمه إياهم ما ال يعلمون‬

‫قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أق ل "‬
‫لكم إني أعلم غيب الس ماوات واألرض وأعلم م ا تب دون وم ا‬
‫" كنتم تكتمون‬
‫‪.‬فحينئذ ق ال هللا‪ " :‬يَ ا آ َد ُم َأ ْنبِْئهُ ْم بَِأ ْس َماِئ ِه ْم " أي‪ :‬أس ماء المس ميات ال تي عرض ها هللا على المالئك ة; فعج زوا عنها‬
‫‪.‬فَلَ َّما َأ ْنبَ َأهُ ْم بَِأ ْس َماِئ ِه ْم " ت بين للمالئك ة فض ل آدم عليهم; وحكم ة الب اري وعلم ه في اس تخالف ه ذا الخليفة "‬
‫"‬ ‫اب‬ ‫اغ‬ ‫وم‬ ‫ت َواَأْلرْ ِ‬
‫ض " وه‬ ‫َما َوا ِ‬ ‫الس‬ ‫لْ لَ ُك ْم ِإنِّي َأ ْعلَ ُم َغي َ‬
‫ْب َّ‬ ‫ا َل َألَ ْم َأقُ‬ ‫‪.‬قَ‬
‫اهده‬ ‫ا; فلم نش‬ ‫‪.‬عن‬
‫اب أولى‬ ‫هادة من ب‬ ‫الغيب; فالش‬ ‫اب‬ ‫ان عالم‬ ‫إذا ك‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪َ " .‬وَأ ْعلَ ُم َما تُ ْب ُدونَ " أي‪ :‬تظهرون " َو َما ُك ْنتُ ْم تَ ْكتُ ُمونَ "‬

‫وإذ قلن ا للمالئك ة اس جدوا آلدم فس جدوا إال إبليس أبى "‬
‫" واستكبر وكان من الكافرين‬
‫الى‬ ‫ة هلل تع‬ ‫ا; وعبودي‬ ‫ه وتعظيم‬ ‫ال‬ ‫جود آلدم; إكرام‬ ‫الى بالس‬ ‫رهم تع‬ ‫‪.‬ثم أم‬
‫جود‬ ‫ادروا كلهم بالس‬ ‫ر هللا; وب‬ ‫امتثلوا أم‬ ‫‪.‬ف‬
‫"‬ ‫ر هللا وعلى آدم‬ ‫تكبر عن أم‬ ‫جود; واس‬ ‫ع عن الس‬ ‫يس َأبَى " امتن‬
‫‪ِ.‬إاَّل ِإ ْبلِ َ‬
‫‪.‬‬
‫ُج ُد لِ َم ْن خَ لَ ْقتَ ِطينًا‬ ‫ال " َأَأ ْس‬ ‫"ق‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬وه ذا اإلب اء من ه واالس تكبار; نتيج ة الكف ر ال ذي ه و منط و علي ه; فت بينت حينئذ عداوت ه هلل; وآلدم; وكف ره واس تكباره‬
‫‪.‬وفي هذه اآليات من العبر واآليات; إثبات الكالم هلل تعالى; وأنه لم يزل متكلما; يقول م ا ش اء; ويتكلم بم ا ش اء; وأن ه عليم حكيم‬
‫وفيه أن العب د إذا حفيت علي ه حكم ة هللا في بعض المخلوق ات والم أمورات ف الوجب علي ه; التس ليم; واته ام عقل ه; واإلق رار هلل‬
‫‪.‬بالحكمة‬
‫وه‬ ‫ا لم يعلم‬ ‫بيههم على م‬ ‫وا; وتن‬ ‫ا جهل‬ ‫انه بهم; بتعليمهم م‬ ‫ة; وإحس‬ ‫أن المالئك‬ ‫اء هللا بش‬ ‫ه اعتن‬ ‫‪.‬وفي‬
‫ه وحكمته‬ ‫ه; بعلم‬ ‫رف لمالئكت‬ ‫ا‪ :‬أن هللا تع‬ ‫وه‪ :‬منه‬ ‫يلة العلم من وج‬ ‫ه فض‬ ‫‪.‬وفي‬
‫ون في العبد‬ ‫فة تك‬ ‫لص‬ ‫ه أفض‬ ‫العلم; وأن‬ ‫ل آدم ب‬ ‫رفهم فض‬ ‫ا‪ :‬أن هللا ع‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫ل علمه‬ ‫ان فض‬ ‫اب‬ ‫ه; لم‬ ‫ال‬ ‫جود آلدم; إكرام‬ ‫رهم بالس‬ ‫ا‪ :‬أن هللا أم‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫‪.‬ومنه ا‪ :‬أن االمتح ان للغ ير; إذا عج زوا عم ا امتحن وا ب ه; ثم عرف ه ص احب الفض يلة; فه و أكم ل مم ا عرف ه ابت داء‬
‫‪.‬ومنها االعتبار بحال أبوي اإلنس والجن; وبيان فضل آدم; وأفضال هللا عليه; وعداوة إبليس له; إلى غير ذلك من العبر‬

‫وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكال منه ا رغ دا حيث "‬
‫" شئتما وال تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين‬
‫لما خلق هللا آدم وفضله; أتم نعمته عليه; بأن خلق منه زوجه; ليسكن إليها; ويستأنس بها; وأمرهم ا بس كنى الجن ة; واألك ل منه ا‬
‫عا هنيئا‬ ‫دا; أي‪ :‬واس‬ ‫‪.‬رغ‬
‫َظ َمُأ فِيهَا َواَل تَضْ َحى "‬
‫ك اَل ت ْ‬
‫ك َأاَّل تَجُو َع فِيهَا َواَل تَ ْع َرى َوَأنَّ َ‬ ‫" َحي ُ‬
‫ْث ِشْئتُ َما " أي‪ :‬من أصناف الثمار والفواكه; وقال هللا له‪ِ " :‬إ َّن لَ َ‬
‫‪.‬‬
‫"‬ ‫ة; هللا أعلم بها‬ ‫جر الجن‬ ‫واع ش‬ ‫وع من أن‬ ‫َج َرةَ " ن‬ ‫ِذ ِه َّ‬
‫الش‬ ‫ا هَ‬ ‫‪َ .‬واَل تَ ْق َربَ‬
‫ة لنا‬ ‫ير معلوم‬ ‫ةغ‬ ‫ا وابتالء; أو لحكم‬ ‫ا امتحان‬ ‫ا عنه‬ ‫ا نهاهم‬ ‫‪.‬وإنم‬
‫"‬ ‫ه رتب الظلم عليه‬ ‫ريم; ألن‬ ‫ا ِمنَ الظَّالِ ِمينَ " دل على أن النهي للتح‬ ‫‪.‬فَتَ ُكونَ‬
‫‪.‬فلم ي زل ع دوهما يوس وس لهم ا وي زين لهم ا تن اول م ا نهي ا عن ه; ح تى أزلهم ا أي‪ :‬حملهم ا على الزل ل بتزيينه‬
‫َوقَا َس َمهُ َما " باهلل " ِإنِّي لَ ُك َما لَ ِمنَ النَّا ِ‬
‫ص ِحينَ " فاغترا به وأطاعاه; فأخرجهما مما كانا فيه; من النعم والرغد; وأهبط وا إلى دار "‬
‫‪.‬التعب والنصب والمجاهدة‬

‫فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا "‬
‫" بعضكم لبعض عدو ولكم في األرض مستقر ومتاع إلى حين‬
‫"‬ ‫داء إلبليس وذريته‬ ‫ه; أع‬ ‫ُد ٌّو " أي‪ :‬آدم وذريت‬ ‫ُك ْم لِبَع ٍ‬
‫ْض َع‬ ‫ْض‬
‫‪.‬بَع ُ‬
‫‪.‬ومن المعل وم أن الع دو; يج د ويجته د في ض رر ع دوه وإيص ال الش ر إلي ه بك ل طري ق; وحرمان ه الخ ير بك ل طريق‬
‫ففي ضمن هذا‪ ,‬تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى " ِإ َّن ال َّش ْيطَانَ لَ ُك ْم َع ُد ٌّو فَاتَّ ِخ ُذوهُ َع ُد ًّوا ِإنَّ َم ا يَ ْدعُو ِح ْزبَ هُ لِيَ ُكونُ وا ِم ْن‬
‫َداًل‬ ‫س لِلظَّالِ ِمينَ بَ‬‫ُد ٌّو بِْئ َ‬ ‫ير " " َأفَتَتَّ ِخ ُذونَ هُ َو ُذ ِّريَّتَ هُ َأوْ لِيَ ا َء ِم ْن دُونِي َوهُ ْم لَ ُك ْم َع‬
‫ِع ِ‬ ‫ب َّ‬
‫الس‬ ‫َحا ِ‬ ‫" َأ ْ‬
‫ص‬ ‫‪.‬‬
‫رار‬ ‫كن وق‬ ‫تَقَ ٌّر " أي‪ :‬مس‬ ‫ض ُم ْس‬‫ال " َولَ ُك ْم فِي اَأْلرْ ِ‬ ‫اط فق‬ ‫ر منتهى اإلهب‬ ‫‪.‬ثم ذك‬
‫"‬ ‫ا‪ ,‬وخلقت لكم‬ ‫تي خلقتم له‬ ‫دار ال‬ ‫ا لل‬ ‫ون منه‬ ‫الكم‪ ,‬ثم تنتقل‬ ‫اء آج‬ ‫ع ِإلَى ِح ٍ‬
‫ين " انقض‬ ‫ا ٌ‬ ‫‪َ .‬و َمتَ‬
‫‪.‬ففيها أن مدة هذه الحياة‪ ,‬مؤقتة عارضة‪ ,‬ليست مسكنا حقيقيا‪ ,‬وإنما هي معبر يتزود منها لتلك الدار‪ ,‬وال تعمر لالستقرار‬

‫فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه ه و الت واب ال رحيم "‬
‫"‬
‫"‬ ‫نَا " اآلية‬ ‫ا َأ ْنفُ َس‬ ‫ا ظَلَ ْمنَ‬ ‫ه " َربَّنَ‬ ‫ت " وهي قول‬
‫ا ٍ‬ ‫ه هللا " ِم ْن َربِّ ِه َكلِ َم‬ ‫ف وتلقن‪ ,‬وألهم‬ ‫‪.‬فَتَلَقَّى آ َد ُم " أي‪ :‬تلق‬
‫اب " هللا " َعلَ ْي ِه " ورحم ه " ِإنَّهُ هُ َو التَّوَّابُ " لمن ت اب إلي ه وأن اب‬
‫‪.‬ف اعترف بذنب ه وس أل هللا مغفرت ه " فَتَ َ‬
‫روطها ثانيا‬ ‫ة إذا اجتمعت ش‬ ‫ه للتوب‬ ‫ه أوال‪ ,‬ثم قبول‬ ‫ان‪ :‬وتوفيق‬ ‫ه نوع‬ ‫‪.‬وتوبت‬
‫‪.‬ال َّر ِح ِيم " بعباده‪ ,‬ومن رحمته بهم‪ ,‬أن وفقهم للتوبة‪ ,‬وعفا عنهم وصفح "‬

‫قلنا اهبط وا منه ا جميع ا فإم ا ي أتينكم م ني ه دى فمن تب ع "‬


‫" هداي فال خوف عليهم وال هم يحزنون‬
‫كرر اإلهباط‪ ,‬ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله " فَِإ َّما يَْأتِيَنَّ ُك ْم ِمنِّي هُدًى " أي‪ :‬أي وقت وزمان جاءكم مني‪ ,‬يا معشر الثقلين‪ ,‬ه دى‪,‬‬
‫ائي‬ ‫دنيكم من رض‬ ‫ني; وي‬ ‫دنيكم م‬ ‫ني‪ ,‬وي‬ ‫ربكم م‬ ‫ا يق‬ ‫ديكم لم‬ ‫اب يه‬ ‫ول وكت‬ ‫‪.‬أي‪ :‬رس‬
‫فمن تب ع ه داي منكم‪ ,‬ب أن آمن برس لي وكت بي‪ ,‬واهت دى بهم‪ ,‬وذل ك بتص ديق جمي ع أخب ار الرس ل والكتب‪ ,‬واالمتث ال لألم ر‬
‫اب للنهي‬ ‫‪.‬واالجتن‬
‫"‬ ‫ونَ‬ ‫ف َعلَ ْي ِه ْم َواَل هُ ْم يَحْ َزنُ‬ ‫وْ ٌ‬ ‫" فَاَل َخ‬ ‫‪.‬‬
‫قَى‬ ‫لُّ َواَل يَ ْش‬ ‫ي فَاَل يَ ِ‬
‫ض‬ ‫دَا َ‬ ‫ة األخ‬ ‫َع هُ‬ ‫" وفي اآلي‬ ‫رى " فَ َم ِن اتَّبَ‬
‫‪.‬‬
‫فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء‪ :‬نفي الخوف‪ ,‬والحزن‪ ,‬والفرق بينهما‪ ,‬أن المكروه إن كان قد مضى‪ ,‬أحدث الحزن‪ ,‬وإن ك ان‬
‫وف‬ ‫دث الخ‬ ‫را‪ ,‬أح‬ ‫‪.‬منتظ‬
‫عادة‬ ‫دى والس‬ ‫و اله‬ ‫دهما‪ ,‬وه‬ ‫ا‪ ,‬ثبت ض‬ ‫دى وإذا انتفي‬ ‫ع اله‬ ‫ا عمن اتب‬ ‫‪.‬فنفاهم‬
‫دى‬ ‫ة واله‬ ‫ة واألخروي‬ ‫عادة الدنيوي‬ ‫ه األمن والس‬ ‫لل‬ ‫داه‪ ,‬حص‬ ‫عه‬ ‫‪.‬فمن اتب‬
‫قاء‬ ‫الل‪ ,‬والش‬ ‫زن‪ ,‬والض‬ ‫وف‪ ,‬والح‬ ‫روه‪ ,‬من الخ‬ ‫ل مك‬ ‫هك‬ ‫‪.‬وانتفى عن‬
‫وب‬ ‫د المره‬ ‫دفع عن‬ ‫وب‪ ,‬وان‬ ‫ه المرغ‬ ‫لل‬ ‫‪.‬فحص‬
‫وهذا عكس من لم يتبع هداه‪ ,‬فكفر به‪ ,‬وكذب آياته‬

‫والذين كفروا وك ذبوا بآياتن ا أولئ ك أص حاب الن ار هم فيه ا "‬


‫" خالدون‬
‫"‬ ‫ريم لغريمه‬ ‫احبه‪ ,‬والغ‬ ‫احب لص‬ ‫ة الص‬ ‫ا‪ ,‬مالزم‬ ‫ون له‬ ‫ار " ‪ ,‬أي‪ :‬المالزم‬ ‫حاب الن‬ ‫‪.‬أولئك أص‬
‫"‬ ‫رون‬ ‫ذاب وال هم ينص‬ ‫تر عنهم الع‬ ‫ا وال يف‬
‫ا خَالِ‬ ‫‪.‬هُ ْم فِيهَ‬
‫ون منه‬ ‫ُدونَ " ال يخرج‬
‫وفي هذه اآليات وما أشبهها‪ ,‬انقسام الخلق من الجن واإلنس‪ ,‬إلى أهل السعادة‪ ,‬وأهل الشقاوة‪ ,‬وفيه ا ص فات الف ريقين واألعم ال‬
‫ذلك‬ ‫ةل‬ ‫‪.‬الموجب‬
‫وأن الجن كاإلنس في الثواب والعقاب‪ ,‬كما أنهم مثلهم‪ ,‬في األمر والنهي‬

‫ي ا ب ني إس رائيل اذك روا نعم تي ال تي أنعمت عليكم وأوف وا "‬


‫" بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون‬
‫‪.‬ثم ش رع تع الى ي ذكر ب ني إس رائيل نعم ه عليهم وإحس انه فق ال‪ " :‬يَ ا بَنِي ِإ ْس َراِئي َل " الم راد بإس رائيل‪ ,‬يعق وب علي ه الس الم‬
‫والخطاب مع فرق بني إسرائيل‪ ,‬الذين بالمدينة وما حولها‪ ,‬ويدخل فيهم من أتى بعدهم‪ ,‬فأمرهم بأمر ع ام فق ال " ْاذ ُك رُوا نِ ْع َمتِ َي‬
‫ها‬ ‫ورة بعض‬ ‫ذه الس‬ ‫يذكر في ه‬ ‫تي س‬ ‫ائر النعم‪ ,‬ال‬ ‫مل س‬ ‫و يش‬ ‫‪.‬الَّتِي َأ ْن َع ْم ُ‬
‫ت َعلَ ْي ُك ْم " ‪ ,‬وه‬
‫يه‬ ‫ه ويرض‬ ‫ا يحب‬ ‫تعمالها فيم‬ ‫الجوارح‪ ,‬باس‬ ‫اء‪ ,‬وب‬ ‫ان‪ ,‬ثن‬ ‫ا‪ ,‬وباللس‬ ‫القلب‪ ,‬اعتراف‬ ‫اب‬ ‫راد ذكره‬ ‫‪.‬والم‬
‫"‬ ‫رعه‬ ‫ةش‬ ‫له‪ ,‬وإقام‬ ‫ه‪ ,‬وبرس‬ ‫ان ب‬ ‫ده إليهم من اإليم‬ ‫ا عه‬ ‫وم‬ ‫ِدي " وه‬ ‫وا بِ َع ْه‬ ‫‪َ .‬وَأوْ فُ‬
‫"‬ ‫ازاة على ذلك‬ ‫و المج‬ ‫ِد ُك ْم " وه‬ ‫‪ُ.‬أ ِ‬
‫وف بِ َع ْه‬
‫ال هَّللا ُ ِإنِّي َم َع ُك ْم لَِئ ْن َأقَ ْمتُ ُم‬ ‫يل َوبَ َع ْثنَ ا ِم ْنهُ ُم ْاثن َْي ع َ‬
‫َش َر نَقِيبً ا َوقَ َ‬ ‫والمراد بذلك‪ :‬ما ذكره هللا في قوله " َولَقَ ْد َأ َخ َذ هَّللا ُ ِميثَا َ‬
‫ق بَنِي ِإ ْس َراِئ َ‬
‫يل‬‫ض َّل َس َوا َء ال َّسبِ ِ‬ ‫صاَل ةَ َوآتَ ْيتُ ُم ال َّز َكاةَ َوآ َم ْنتُ ْم بِ ُر ُسلِي " إلى قوله " فَقَ ْد َ‬ ‫" ال َّ‬
‫وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم وال تكون وا أول ك افر ب ه "‬
‫" وال تشتروا بآياتي ثمنا قليال وإياي فاتقون‬
‫ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده‪ ,‬وهو الرهبة منه تعالى‪ ,‬وخشيته وحده‪ ,‬فإن من خشيه‪ ,‬أوجبت له خش يته‪ ,‬امتث ال‬
‫اب نهيه‬ ‫ره‪ ,‬واجتن‬ ‫‪.‬أم‬
‫ثم أمرهم باألمر الخاص‪ ,‬الذي ال يتم إيمانهم‪ ,‬وال يصح إال به فقال‪َ " :‬وآ ِمنُوا بِ َم ا َأ ْن زَ ْل ُ‬
‫ت " وه و الق رآن ال ذي أنزل ه على عب ده‬
‫لم‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫دص‬ ‫وله محم‬ ‫‪.‬ورس‬
‫زل عليه‬ ‫ان بمن أن‬ ‫ك‪ ,‬اإليم‬ ‫تلزم ذل‬ ‫ه‪ ,‬ويس‬ ‫ه‪ ,‬واتباع‬ ‫ان ب‬ ‫أمرهم باإليم‬ ‫‪.‬ف‬
‫ا وال مناقضا‬ ‫ه ال مخالف‬ ‫ال‬ ‫ِّدقًا لِ َم‬
‫ا َم َع ُك ْم " أي‪ :‬موافق‬ ‫ص‬
‫‪.‬وذك ر ال داعي إليم انهم فق ال " ُم َ‬
‫فإذا كان موافقا لما معكم من الكتب‪ ,‬غير مخالف لها; فال مانع لكم من اإليمان به‪ ,‬ألنه جاء بما جاء به المرسلون‪ ,‬ف أنتم أولى من‬
‫ل الكتب والعلم‬ ‫ونكم أه‬ ‫ه‪ ,‬لك‬ ‫دق ب‬ ‫ه وص‬ ‫‪.‬آمن ب‬
‫ص ِّدقًا لِ َما َم َع ُك ْم " إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به‪ ,‬عاد ذلك عليكم‪ ,‬بتكذيب ما معكم‪ ,‬ألن م ا ج اء ب ه ه و‬
‫وأيضا فإن في قوله " ُم َ‬
‫اء‬ ‫ا من األنبي‬ ‫ى وغيرهم‬ ‫ى وعيس‬ ‫ه موس‬ ‫اء ب‬ ‫ذي ج‬ ‫‪.‬ال‬
‫ا معكم‬ ‫ذيب لم‬ ‫ه تك‬ ‫ذيبكم ل‬ ‫‪.‬فتك‬
‫ارة به‬ ‫رآن والبش‬ ‫ذا الق‬ ‫اء به‬ ‫ذي ج‬ ‫بي ال‬ ‫ذا الن‬ ‫فة ه‬ ‫دكم‪ ,‬ص‬ ‫تي بأي‬ ‫إن في الكتب ال‬ ‫ا‪ ,‬ف‬ ‫‪.‬وأيض‬
‫‪.‬ف إن لم تؤمن وا ب ه‪ ,‬ك ذبتم ببعض م ا أن زل إليكم‪ ,‬ومن ك ذب ببعض م ا أن زل إلي ه‪ ,‬فق د ك ذب بجميعه‬
‫ل جميعهم‬ ‫ذب الرس‬ ‫دك‬ ‫وله‪ ,‬فق‬ ‫ر برس‬ ‫ا أن من كف‬ ‫‪.‬كم‬
‫‪.‬فلما أمرهم باإليمان به‪ ,‬نه اهم وح ذرهم عن ض ده وه و الكف ر ب ه فق ال‪َ " :‬واَل تَ ُكونُ وا َأو ََّل َك افِ ٍر بِ ِه " أي‪ :‬بالرس ول والق رآن‬
‫وقوله " َأ َّو َل َكافِ ٍر بِ ِه " أبلغ من قوله وال تكفروا به ألنهم إذا كانوا أول كافر ب ه‪ ,‬ك ان في ه مب ادرتهم إلى الكف ر‪ ,‬عكس م ا ينبغي‬
‫دهم‬ ‫دى بهم من بع‬ ‫ار عليهم إثمهم وإثم من اقت‬ ‫‪.‬منهم‪ ,‬وص‬
‫ثم ذكر المانع لهم من اإليمان‪ ,‬وهو اختيار العرض األدنى على السعادة األبدية فق ال " َواَل ت َْش تَرُوا بِآيَ اتِي ثَ َمنً ا قَلِياًل " وه و م ا‬
‫‪.‬يحصل لهم من المناصب والمآكل‪ ,‬التي يتوهمون انقطاعها‪ ,‬إن آمن وا باهلل ورس وله‪ ,‬فاش تروها بآي ات هللا واس تحبوها‪ ,‬وآثروها‬
‫َّاي " أي‪ :‬ال غ يري " فَ اتَّقُو ِن " ف إنكم إذا اتقيتم هللا وح ده‪ ,‬أوجبت لكم تق واه‪ ,‬تق ديم اإليم ان بآيات ه على الثمن القليل "‬
‫‪.‬وَِإي َ‬
‫‪.‬كما أنكم‪ ,‬إذا اخترتم الثمن القليل‪ ,‬فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم‬

‫" وال تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون "‬
‫اط ِل َوتَ ْكتُ ُموا ْال َح َّ‬
‫ق " فنهاهم عن ش يئين‪ ,‬عن خل ط الح ق بالباط ل‪ ,‬وكتم ان الحق‬ ‫ق بِ ْالبَ ِ‬
‫‪.‬ثم قال " َواَل ت َْلبِسُوا " أي‪ :‬تخلطوا " ْال َح َّ‬
‫ألن المقصود من أهل الكتب والعلم‪ ,‬تمييز الحق‪ ,‬وإظهار الحق‪ ,‬ليهتدي ب ذلك المهت دون‪ ,‬ويرج ع الض الون‪ ,‬وتق وم الحج ة على‬
‫دين‬ ‫‪.‬المعان‬
‫رمين‬ ‫بيل المج‬ ‫تبين س‬ ‫ل‪ ,‬ولتس‬ ‫ق من الباط‬ ‫يز الح‬ ‫ه‪ ,‬ليم‬ ‫ح بينات‬ ‫ه‪ ,‬وأوض‬ ‫ل آيات‬ ‫‪.‬ألن هللا فص‬
‫داة األمم‬ ‫ل وه‬ ‫اء الرس‬ ‫و من خلف‬ ‫ل العلم‪ ,‬فه‬ ‫ذا من أه‬ ‫ل به‬ ‫‪.‬فمن عم‬
‫ومن لبس الحق بالباطل‪ ,‬فلم يميز هذا من هذا‪ ,‬مع علمه بذلك‪ ,‬وكتم الحق الذي يعلمه‪ ,‬وأم ر بإظه اره‪ ,‬فه و من دع اة جهنم‪ ,‬ألن‬
‫‪.‬الناس ال يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم‪ ,‬فاختاروا ألنفسكم إحدى الحالتين‬
‫" وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين "‬
‫تحقيها‬ ‫اةَ " مس‬ ‫وا ال َّز َك‬ ‫ا " َوآتُ‬ ‫اهرا وباطن‬ ‫اَل ةَ " أي‪ :‬ظ‬ ‫وا َّ‬
‫الص‬ ‫ال " َوَأقِي ُم‬ ‫‪.‬ثم ق‬
‫"‬ ‫لين‬ ‫ع المص‬ ‫لوا م‬ ‫رَّا ِك ِعينَ " أي‪ :‬ص‬
‫وا َم‬ ‫‪َ .‬وارْ َك ُع‬
‫َع ال‬
‫ف إنكم إذا فعلتم ذل ك م ع اإليم ان برس ل هللا وآي ات هللا‪ ,‬فق د جمعتم بين األعم ال الظ اهرة والباطن ة‪ ,‬وبين اإلخالص للمعب ود‪,‬‬
‫ة والمالية‬ ‫ة البدني‬ ‫ادات القلبي‬ ‫ده وبين العب‬ ‫ان إلى عبي‬ ‫‪,.‬واإلحس‬
‫‪.‬وقول ه " َوارْ َك ُع وا َم َع ال رَّا ِك ِعينَ " أي‪ :‬ص لوا م ع المص لين‪ ,‬ففي ه األم ر بالجماع ة للص الة ووجوبها‬
‫الركوع‬ ‫الة ب‬ ‫بر عن الص‬ ‫هع‬ ‫الة ألن‬ ‫ان الص‬ ‫وع‪ ,‬ركن من أرك‬ ‫ه أن الرك‬ ‫‪.‬وفي‬
‫‪.‬والتعبير عن العبادة بجزئها‪ ,‬يدل على فرضيته فيها‬

‫أتأمرون الناس بالبر وتنس ون أنفس كم وأنتم تتل ون الكت اب "‬


‫" أفال تعقلون‬
‫اب "‬ ‫َأتَْأ ُمرُونَ النَّ َ‬
‫اس بِ ْالبِ ِّر " أي‪ :‬باإليمان والخير " َوتَ ْن َسوْ نَ َأ ْنفُ َس ُك ْم " أي تتركونها عن أمرها بذلك‪ ,‬والح ال " َوَأ ْنتُ ْم تَ ْتلُ ونَ ْال ِكتَ َ‬
‫ونَ‬ ‫" َأفَاَل تَ ْعقِلُ‬ ‫‪.‬‬
‫ره‬ ‫ا يض‬ ‫ه عم‬ ‫لب‬ ‫ير‪ ,‬وينعق‬ ‫ه من الخ‬ ‫ا ينفع‬ ‫هم‬ ‫لب‬ ‫ه يعق‬ ‫ل عقال ألن‬ ‫مي العق‬ ‫‪.‬وس‬
‫ا ينهى عنه‬ ‫ارك لم‬ ‫ه‪ ,‬وأول ت‬ ‫أمر ب‬ ‫اي‬ ‫ل لم‬ ‫ون أول فاع‬ ‫احبه‪ ,‬أن يك‬ ‫ل يحث ص‬ ‫ك أن العق‬ ‫‪.‬وذل‬
‫فمن أمر غيره بالخير‪ ,‬ولم يفعله‪ ,‬أو نهاه عن الشر فلم يتركه‪ ,‬دل على عدم عقله وجهله‪ ,‬خصوصا إذا كان عالما بذلك‪ ,‬قد ق امت‬
‫ه الحجة‬ ‫‪.‬علي‬
‫وهذه اآلية‪ ,‬وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل‪ ,‬فهي عامة لكل أحد لقوله تعالى‪ " :‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا لِ َم تَقُولُونَ َما اَل تَ ْف َعلُونَ‬
‫ونَ‬ ‫ا اَل تَ ْف َعلُ‬ ‫وا َم‬ ‫َد هَّللا ِ َأ ْن تَقُولُ‬ ‫ا ِع ْن‬ ‫َر َم ْقتً‬ ‫" َكبُ‬ ‫‪.‬‬
‫وليس في اآلية أن اإلنسان إذا لم يقم بما أمر به‪ ,‬أنه يترك األمر بالمعروف‪ ,‬والنهي عن المنكر‪ ,‬ألنه ا دلت على الت وبيخ بالنس بة‬
‫بين‬ ‫‪.‬إلى الواج‬
‫ه ونهيها‬ ‫ر نفس‬ ‫ه‪ ,‬وأم‬ ‫يره ونهي‬ ‫رغ‬ ‫بين‪ :‬أم‬ ‫ان واج‬ ‫وم أن على اإلنس‬ ‫‪.‬وإال فمن المعل‬
‫رك اآلخر‬ ‫ة في ت‬ ‫ون رخص‬ ‫دهما‪ ,‬ال يك‬ ‫ترك أح‬ ‫‪.‬ف‬
‫ل أن يتركهما‬ ‫الواجبين‪ ,‬والنقص الكام‬ ‫ان ب‬ ‫وم اإلنس‬ ‫ال أن يق‬ ‫إن الكم‬ ‫‪.‬ف‬
‫ير‬ ‫و دون األخ‬ ‫ة األول‪ ,‬وه‬ ‫ر‪ ,‬فليس في رتب‬ ‫دهما دون اآلخ‬ ‫ه بأح‬ ‫ا قيام‬ ‫‪.‬وأم‬
‫ه فعله‬ ‫الف قول‬ ‫اد لمن يخ‬ ‫دم االنقي‬ ‫ة على ع‬ ‫وس مجبول‬ ‫إن النف‬ ‫اف‬ ‫‪.‬وأيض‬
‫‪.‬فاقتداؤهم باألفعال‪ ,‬أبلغ من اقتدائهم باألقوال المجردة‬

‫واستعينوا بالصبر والصالة وإنها لكبيرة إال على الخاش عين "‬
‫"‬
‫ع أنواعه‬ ‫بر بجمي‬ ‫ا بالص‬ ‫ورهم كله‬ ‫تعينوا في أم‬ ‫رهم هللا أن يس‬ ‫‪.‬أم‬
‫خطها‬ ‫ة فال يتس‬ ‫دار هللا المؤلم‬ ‫بر على أق‬ ‫ا‪ ,‬والص‬ ‫تى يتركه‬ ‫ية هللا ح‬ ‫بر عن معص‬ ‫و الص‬ ‫‪.‬وه‬
‫‪.‬فبالص بر وحبس النفس على م ا أم ر هللا بالص بر علي ه‪ ,‬معون ة عظيم ة على ك ل أم ر من األم ور‪ ,‬ومن يتص بر يص بره هللا‬
‫وكذلك الصالة‪ ,‬ال تي هي م يزان اإليم ان‪ ,‬وتنهى عن الفحش اء والمنك ر‪ ,‬يس تعان به ا على ك ل أم ر من األم ور " َوِإنَّهَ ا " أي‪:‬‬
‫ِعينَ‬ ‫اقة " ِإاَّل َعلَى ْال َخ ِ‬
‫اش‬ ‫ي َرةٌ " أي‪ :‬ش‬ ‫الة " لَ َكبِ‬ ‫" الص‬ ‫‪.‬‬
‫فإنها سهلة عليهم خفيفة‪ ,‬ألن الخشوع‪ ,‬وخشية هللا‪ ,‬ورجاء ما عنده‪ ,‬يوجب له فعلها‪ ,‬منشرحا صدره‪ ,‬لترقبه للثواب‪ ,‬وخش يته من‬
‫اب‬ ‫‪.‬العق‬
‫ياء عليه‬ ‫ل األش‬ ‫ارت من أثق‬ ‫اص‬ ‫ا‪ ,‬وإذا فعله‬ ‫دعوه إليه‬ ‫هي‬ ‫ه ال داعي ل‬ ‫ذلك‪ ,‬فإن‬ ‫‪.‬بخالف من لم يكن ك‬
‫‪.‬والخشوع هو‪ :‬خضوع القلب وطمأنينته‪ ,‬وسكونه هلل تعالى‪ ,‬وانكساره بين يديه‪ ,‬ذال وافتقارا‪ ,‬وإيمانا به وبلقائه‬

‫" الذين يظنون أنهم مالقو ربهم وأنهم إليه راجعون "‬
‫ولهذا قال " الَّ ِذينَ يَظُنُّونَ " أي‪ :‬يستيقنون " َأنَّهُ ْم ُماَل قُو َربِّ ِه ْم " فيجازيهم بأعمالهم " َوَأنَّهُ ْم ِإلَ ْي ِه َر ِ‬
‫اجعُونَ " فهذا الذي خفف عليهم‬
‫ل الس يئات‬ ‫رهم عن فع‬ ‫ات‪ ,‬وزج‬ ‫يبات‪ ,‬ونفس عنهم الكرب‬ ‫لي في المص‬ ‫ادات وأوجب لهم التس‬ ‫‪.‬العب‬
‫ات‬ ‫ات العالي‬ ‫ؤالء لهم النعيم المقيم في الغرف‬ ‫‪.‬فه‬
‫‪.‬ومن لم يؤمن بلقاء ربه‪ ,‬كانت الصالة وغيرها من العبادات‪ ,‬من أشق شيء عليه‬

‫ي ا ب ني إس رائيل اذك روا نعم تي ال تي أنعمت عليكم وأني "‬


‫" فضلتكم على العالمين‬
‫‪.‬ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته‪ ,‬وعظا لهم‪ ,‬وتحذيرا وحثا‬

‫واتق وا يوم ا ال تج زي نفس عن نفس ش يئا وال يقب ل منه ا "‬


‫" شفاعة وال يؤخذ منها عدل وال هم ينصرون‬
‫وخوفهم بيوم القيامة الذي " اَل تَجْ ِزي " في ه أي‪ :‬ال تغ ني " نَ ْفسٌ " ول و ك انت من األنفس الكريم ة كاألنبي اء والص الحين " ع َْن‬
‫س " ول و ك انت من العش يرة األق ربين " َش ْيًئا " ال كب يرا وال ص غيرا وإنم ا ينف ع اإلنس ان عمل ه ال ذي قدمه‬ ‫‪.‬نَ ْف ٍ‬
‫َواَل يُ ْقبَ ُل ِم ْنهَا " أي‪ :‬النفس‪ ,‬شفاعة ألحد بدون إذن هللا ورضاه عن المشفوع له‪ ,‬وال يرضى منه العم ل إال م ا أري د ب ه وجه ه "‬
‫نة‬ ‫بيل والس‬ ‫ان على الس‬ ‫‪.‬وك‬
‫َواَل يُْؤ َخ ُذ ِم ْنهَا َع ْد ٌل " أي‪ :‬فداء " ولو أن للذين ظلموا ما في األرض جميعا ومثله معه الفتدوا به من سوء العذاب " وال يقب ل "‬
‫روه‬ ‫دفع عنهم المك‬ ‫رُونَ " أي‪ :‬ي‬ ‫ص‬‫ك " َواَل هُ ْم يُ ْن َ‬ ‫‪.‬منهم ذل‬
‫وه‬ ‫ه من الوج‬ ‫ق بوج‬ ‫اع من الخل‬ ‫‪.‬فنفى االنتف‬
‫افع‬ ‫يل المن‬ ‫ذا في تحص‬ ‫ْيًئا " ه‬ ‫ِزي نَ ْفسٌ ع َْن نَ ْف ٍ‬
‫س َش‬ ‫ه " اَل تَجْ‬ ‫‪.‬فقول‬
‫"‬ ‫افع‬ ‫ه الن‬ ‫تقبل ب‬ ‫ر المس‬ ‫ذا النفي لألم‬ ‫ار‪ ,‬فه‬ ‫ع المض‬ ‫ذا في دف‬ ‫رُونَ " ه‬ ‫‪َ .‬واَل هُ ْم يُ ْن َ‬
‫ص‬
‫‪.‬وال تقب ل منه ا ش فاعة‪ ,‬وال يؤخ ذ منه ا ع دل‪ ,‬ه ذا نفي للنف ع ال ذي يطلب ممن يملك ه بع وض‪ ,‬كالع دل‪ ,‬أو بغ يره‪ ,‬كالش فاعة‬
‫فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين‪ ,‬لعلمه أنهم ال يملكون له مثق ال ذرة من النف ع‪ ,‬وأن يعلق ه باهلل ال ذي يجلب‬
‫‪.‬المنافع‪ ,‬ويدفع المضار‪ ,‬فيعبده وحده ال شريك له ويستعين على عبادته‬

‫وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون "‬


‫" أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بالء من ربكم عظيم‬
‫هذا شروع في تعداد نعمه على بني إسرائيل على وج ه التفص يل فق ال‪َ " :‬وِإ ْذ نَ َّج ْينَ ا ُك ْم ِم ْن ِ‬
‫آل فِرْ َع وْ نَ " أي‪ :‬من فرع ون ومأله‬
‫ذيقونكم‬ ‫نى ي‬ ‫تعملونهم والمع‬ ‫ونهم ويس‬ ‫و ُمونَ ُك ْم " أي‪ :‬يول‬ ‫ك " يَ ُس‬ ‫ل ذل‬ ‫انوا قب‬ ‫وده وك‬ ‫‪.‬وجن‬
‫"‬ ‫وكم‬ ‫ية نم‬ ‫ا َء ُك ْم " خش‬ ‫َذبِّحُونَ َأ ْبنَ‬ ‫انوا " يُ‬ ‫أن ك‬ ‫ده ب‬ ‫ب " أي أش‬‫َذا ِ‬ ‫و َء ْال َع‬ ‫‪.‬س‬
‫ُ‬
‫َويَ ْستَحْ يُونَ نِ َسا َء ُك ْم " أي‪ :‬فال يقتلونهن فأنتم بين قتيل ومذلل باألعمال الشاقة مستحيي على وجه المنة علي ه واالس تعالء علي ه "‬
‫ر أعينهم‬ ‫رون لتق‬ ‫دوهم وهم ينظ‬ ‫راق ع‬ ‫ة وإغ‬ ‫اة التام‬ ‫ة فمن هللا عليهم بالنج‬ ‫ة اإلهان‬ ‫ذا غاي‬ ‫‪.‬فه‬
‫"‬ ‫ان " ِم ْن َربِّ ُك ْم َع ِظي ٌم‬ ‫اء " بَاَل ٌء " أي‪ :‬إحس‬ ‫ك " أي‪ :‬اإلنج‬
‫َ‬ ‫" َوفِي َذلِ‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام بأوامره‬

‫وإذ واع دنا موس ى أربعين ليل ة ثم اتخ ذتم العج ل من بع ده "‬
‫" وأنتم ظالمون‬
‫‪.‬ثم ذك ر منت ه عليهم بوع ده لموس ى أربعين ليل ة لي نزل عليهم الت وراة المتض منة للنعم العظيم ة والمص الح العميمة‬
‫ده‪ ,‬أي ذهابه‬ ‫ل من بع‬ ‫دوا العج‬ ‫تى عب‬ ‫اد ح‬ ‫تكمال الميع‬ ‫ل اس‬ ‫بروا قب‬ ‫‪.‬ثم إنهم لم يص‬
‫َوَأ ْنتُ ْم َ‬
‫ظالِ ُمونَ " تعلمون بظلمكم‪ ,‬قد قامت عليكم الحجة‪ ,‬فهو أعظم جرما وأكبر إثما "‬

‫" ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون "‬


‫‪.‬ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضا فعفا هللا عنكم بسبب ذلك " لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُكرُونَ " هللا‬

‫وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى هللا جهرة فأخذتكم "‬
‫" الصاعقة وأنتم تنظرون‬
‫"‬ ‫ك َحتَّى نَ َرى هَّللا َ َج ْه َرةً " وه ذا غاي ة الج رأة على هللا وعلى رس وله‬
‫وس ى لَ ْن نُ ْؤ ِمنَ لَ َ‬ ‫‪.‬وَِإ ْذ قُ ْلتُ ْم يَ ا ُم َ‬
‫"‬ ‫ية العظيمة‬ ‫وت أو الغش‬ ‫ا الم‬ ‫ا ِعقَةُ " إم‬ ‫َذ ْت ُك ُم َّ‬
‫الص‬ ‫‪.‬فََأخَ‬
‫"‬ ‫احبه‬ ‫ر إلى ص‬ ‫ل ينظ‬ ‫ك‪ ,‬ك‬ ‫وع ذل‬ ‫رُونَ " وق‬ ‫‪َ .‬وَأ ْنتُ ْم تَ ْنظُ‬
‫‪ " .‬ثُ َّم بَ َع ْثنَا ُك ْم ِم ْن بَ ْع ِد َموْ تِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُكرُونَ "‬

‫وظللنا عليكم الغمام وأنزلن ا عليكم المن والس لوى كل وا من "‬


‫" طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون‬
‫ثم ذكر نعمته عليكم في التيه والبرية الخالية من الظالل وسعة األرزاق فق ال " َوظَلَّ ْلنَ ا َعلَ ْي ُك ُم ْال َغ َم ا َم َوَأ ْنزَ ْلنَ ا َعلَ ْي ُك ُم ْال َم َّن " وه و‬
‫ير ذلك‬ ‫بز وغ‬ ‫أة والخ‬ ‫ل والكم‬ ‫ه الزنجبي‬ ‫ل بال تعب ومن‬ ‫ل رزق يحص‬ ‫امع لك‬ ‫مج‬ ‫‪.‬اس‬
‫ت "‬‫َوالس َّْل َو ى " طائر صغير يقال له السماني طيب اللحم فكان ينزل عليهم من المن والسلوى ما يكفيهم ويقيتهم " ُكلُوا ِم ْن طَيِّبَ ا ِ‬
‫َما َر َز ْقنَا ُك ْم " أي‪ :‬رزفا ال يحصل نظيره ألهل المدن المترفهين‪ ,‬فلم يشكروا هذه النعم ة‪ ,‬واس تمروا على قس اوة القل وب وك ثرة‬
‫ذنوب‬ ‫‪.‬ال‬
‫‪َ .‬و َما ظَلَ ُمونَ ا " يع ني بتل ك األفع ال المخالف ة ألوامرن ا ألن هللا ال تض ره معص ية العاص ين‪ ,‬كم ا ال تنفع ه طاع ات الط ائعين "‬
‫‪َ .‬ولَ ِك ْن َكانُوا َأ ْنفُ َسهُ ْم يَ ْ‬
‫ظلِ ُمونَ " فيعود ضرره عليهم "‬

‫وإذ قلن ا ادخل وا ه ذه القري ة فكل وا منه ا حيث ش ئتم رغ دا "‬


‫وادخلوا الباب سجدا وقولوا حط ة نغف ر لكم خطاي اكم وس نزيد‬
‫" المحسنين‬
‫وهذا أيضا من نعمته عليهم بعد معصيتهم إياه‪ ,‬فأمرهم بدخول قري ة تك ون لهم ع زا ووطن ا ومس كنا‪ ,‬ويحص ل لهم فيه ا ال رزق‬
‫‪.‬الرغ د وأن يك ون دخ ولهم على وج ه خاض عين هلل في ه بالفع ل‪ ,‬وه و دخ ول الب اب س جدا‪ ,‬أي‪ :‬خاض عين ذليلين‬
‫اه مغفرته‬ ‫ؤالهم إي‬ ‫اهم بس‬ ‫ط عنم خطاي‬ ‫وا " ِحطَّةٌ " أي أن يح‬ ‫و أن يقول‬ ‫القول‪ ,‬وه‬ ‫‪.‬وب‬
‫"‬ ‫رة‬ ‫ؤالكم المغف‬ ‫ا ُك ْم " بس‬ ‫رْ لَ ُك ْم َخطَايَ‬ ‫‪.‬نَ ْغفِ‬
‫‪َ .‬و َسن َِزي ُد ْال ُمحْ ِسنِينَ " بأعمالهم‪ ,‬أي جزاء عاجل وآجال "‬

‫فبدل الذين ظلموا قوال غير الذي قيل لهم فأنزلنا على ال ذين "‬
‫" ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون‬
‫ظلَ ُم وا " منهم‪ ,‬ولم يقل فبدلوا ألنهم لم يكونوا كلهم بدلوا " قَوْ اًل َغي َْر الَّ ِذي قِي َل لَهُ ْم " فقالوا بدل حطة حبة في حنطة "‬
‫فَبَ َّد َل الَّ ِذينَ َ‬
‫رى‬ ‫‪.‬اس تهانة ب أمر هللا‪ ,‬واس تهزاء وإذا ب دلوا الق ول م ع خفت ه فتب ديلهم للفع ل من ب اب أولى وأح‬
‫ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم‪ ,‬ولما كان هذا الطغيان أكبر سبب لوقوع عقوب ة هللا بهم ق ال " فََأ ْن َز ْلنَ ا َعلَى الَّ ِذينَ َ‬
‫ظلَ ُم وا " "‬
‫ًزا‬ ‫" منهم " " ِرجْ‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬أي‪ :‬عذابا " ِمنَ ال َّس َما ِء بِ َما َكانُوا يَ ْف ُسقُونَ " بسبب فسقهم وبغيهم‬
‫وإذ استس قى موس ى لقوم ه فقلن ا اض رب بعص اك الحج ر "‬
‫فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أن اس مش ربهم كل وا‬
‫" واشربوا من رزق هللا وال تعثوا في األرض مفسدين‬
‫ربون منه‬ ‫اء يش‬ ‫قى‪ ,‬أي‪ :‬طلب لهم م‬ ‫‪.‬استس‬
‫"‬ ‫م جنس‬ ‫ا اس‬ ‫ده‪ ,‬وإم‬ ‫وم عن‬ ‫وص معل‬ ‫ر مخص‬ ‫َر " إم ا حج‬
‫ص‬ ‫ك ْال َح َج‬
‫ِربْ بِ َع َ‬ ‫ا َ‬ ‫‪.‬فَقُ ْلنَ ا ْ‬
‫اض‬
‫"‬ ‫رة قبيلة‬ ‫ا عش‬ ‫رائيل اثنت‬ ‫ني إس‬ ‫لب‬ ‫ا " وقبائ‬ ‫َرةَ َع ْينً‬ ‫اع ْ‬
‫َش‬ ‫هُ ْاثنَتَ‬ ‫ت ِم ْن‬‫ا ْنفَ َج َر ْ‬ ‫‪.‬فَ‬
‫س َم ْش َربَهُ ْم " أي‪ :‬محلهم الذي يشربون عليه من هذه األعين‪ ,‬فال يزاحم بعضهم بعضا‪ ,‬بل يش ربونه متهن ئين ال "‬ ‫قَ ْد َعلِ َم ُكلُّ ُأنَا ٍ‬
‫عي وال تعب‬ ‫ير س‬ ‫ق هَّللا ِ " أي‪ :‬ال ذي آت‬
‫اكم من غ‬ ‫َربُوا ِم ْن ِر ْز ِ‬ ‫وا َو ْ‬
‫اش‬ ‫ال " ُكلُ‬ ‫ذا ق‬ ‫درين‪ ,‬وله‬ ‫‪.‬متك‬
‫‪َ .‬واَل تَ ْعثَوْ ا فِي اَأْلرْ ِ‬
‫ض " أي‪ :‬تخربوا على وجه اإلفساد "‬

‫وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واح د ف ادع لن ا رب ك "‬


‫يخرج لنا مما تنبت األرض من بقلها وقثائها وفومها وعدس ها‬
‫وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بال ذي ه و خ ير اهبط وا‬
‫مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا‬
‫بغض ب من هللا ذل ك ب أنهم ك انوا يكف رون بآي ات هللا ويقتل ون‬
‫" النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون‬
‫ار لها‬ ‫ل لنعم هللا واالحتق‬ ‫ه التمل‬ ‫ى‪ ,‬على وج‬ ‫روا‪ ,‬إذ قلتم لموس‬ ‫‪.‬أي‪ :‬واذك‬
‫"‬ ‫اح ٍد " أي‪ :‬جنس من الطع ام‪ ,‬وإن ك ان كم ا تق دم أنواع ا‪ ,‬لكنه ا ال تتغ ير‬ ‫ط َع ٍام َو ِ‬ ‫َص بِ َر َعلَى َ‬ ‫‪.‬لَ ْن ن ْ‬
‫ت اَأْلرْ ضُ ِم ْن بَ ْقلِهَ ا " أي‪ :‬نباته ا ال ذي ليس بش جر يق وم على س اقه "‬ ‫ك ي ُْخ ِرجْ لَنَ ا ِم َّما تُ ْنبِ ُ‬
‫ع لَنَ ا َربَّ َ‬
‫‪.‬فَ ا ْد ُ‬
‫ص لِهَا " والع دس والبص ل مع روف "‬ ‫‪َ .‬وقِثَّاِئهَ ا " وه و الخي ار " َوفُو ِمهَ ا " أي ثومه ا‪َ " ,‬و َعد َِس هَا َوبَ َ‬
‫ذكورة‬ ‫ة الم‬ ‫و األطعم‬ ‫َو َأ ْدنَى " وه‬ ‫تَ ْب ِدلُونَ الَّ ِذي هُ‬ ‫ي " َأت َْس‬ ‫ال لهم موس‬ ‫‪.‬ق‬
‫"‬ ‫ق بكم‬ ‫ير الئ‬ ‫ذا غ‬ ‫لوى‪ ,‬فه‬ ‫و المن والس‬ ‫ٌر " وه‬ ‫َو َخ ْي‬ ‫‪.‬بِالَّ ِذي هُ‬
‫دتموها‬ ‫وه وج‬ ‫ر هبطتم‬ ‫ا‪ ,‬أي مص‬ ‫تي طلبتموه‬ ‫ة ال‬ ‫ذه األطعم‬ ‫إن ه‬ ‫‪.‬ف‬
‫وأما طعامكم الذي من هللا به عليكم‪ ,‬فهو خير األطعمة وأشرفها‪ ,‬فكيف تطلبون به بدال؟ ولما كان الذي جرى منهم فيه أكبر دلي ل‬
‫ت َعلَ ْي ِه ُم ال ِّذلَّةُ " ال تي تش اهد على ظ اهر‬ ‫ُربَ ْ‬‫على قلة صبرهم واحتقارهم ألوامر هللا ونعمه‪ ,‬جازاهم من جنس عملهم فقال " َوض ِ‬
‫وبهم‬ ‫ُ‬
‫َكنَة " بقل‬ ‫دانهم " َو ْال َم ْس‬ ‫‪.‬أب‬
‫ة‪ ,‬وهممهم أردأ الهمم‬ ‫هم أنفس مهين‬ ‫ل أنفس‬ ‫ة‪ ,‬ب‬ ‫زة‪ ,‬وال لهم همم عالي‬
‫هم عزي‬ ‫‪.‬فلم تكن أنفس‬
‫ب ِمنَ هَّللا ِ " أي‪ :‬لم تكن غنيمتهم التي رجعوا بها وفازوا‪ ,‬إال أن رجعوا بسخطه عليهم‪ ,‬فبئس ت الغنيم ة غ نيمتهم‪" ,‬‬
‫َض ٍ‬
‫َوبَا ُءوا بِغ َ‬
‫التهم‬ ‫ةح‬ ‫ت الحال‬ ‫‪.‬وبئس‬
‫ت هَّللا ِ " الداالت على الحق الموضحة‪ ,‬فلما كفروا بها‪ ,‬عاقبهم بغضبه "‬ ‫َذلِكَ " الذي استحقوا به غضبه " بَِأنَّهُ ْم َكانُوا يَ ْكفُرُونَ بِآيَا ِ‬
‫ٍّ‬
‫ق‬ ‫ِر َح‬ ‫ونَ النَّبِيِّينَ بِ َغ ْي‬ ‫انوا " َويَ ْقتُلُ‬ ‫اك‬ ‫" عليهم‪ ,‬وبم‬ ‫‪.‬‬
‫ق " زي ادة ش ناعة‪ ,‬وإال فمن المعل وم أن قت ل النب يين‪ ,‬ال يك ون بح ق‪ ,‬لكن لئال يظن جهلهم وع دم علمهم‬ ‫‪.‬وقول ه " بِ َغ ْي ِر َح ٍّ‬
‫َص وْ ا " ب أن ارتكب وا معاص ي هللا " َو َك انُوا يَ ْعتَ ُدونَ " على عب اد هللا‪ ,‬ف إن المعاص ي يج ر بعض ها بعضا "‬
‫‪َ .‬ذلِ كَ بِ َم ا ع َ‬
‫فالغفلة ينشأ عنها الذنب الصغير‪ ,‬ثم ينشأ عنه الذنب الكبير‪ ,‬ثم ينشأ عنها أنواع البدع والكفر وغير ذلك‪ ,‬فنسأل هللا العافية من كل‬
‫‪.‬بالء‬
‫واعلم أن الخطاب في هذه اآليات ألمة بني إسرائيل الذين كانوا موجودين وقت نزون القرآن‪ ,‬وه ذه األفع ال الم ذكورة خوطب وا‬
‫دة‬ ‫د عدي‬ ‫بت لهم لفوائ‬ ‫الفهم‪ ,‬ونس‬ ‫ل أس‬ ‫ا وهي فع‬ ‫‪.‬به‬
‫د ومن آمن به‬ ‫لهم على محم‬ ‫ون فض‬ ‫هم‪ ,‬ويزعم‬ ‫ون أنفس‬ ‫دحون ويزك‬ ‫انوا يتم‬ ‫ا أنهم ك‬ ‫‪.‬منه‬
‫فبين هللا من أحوال سلفهم التي قد تق ررت عن دهم‪ ,‬م ا ي بين ب ه لك ل واح د منهم‪ ,‬أنهم ليس وا من أه ل الص بر ومك ارم األخالق‪,‬‬
‫ال‬ ‫الي األعم‬ ‫‪.‬ومع‬
‫‪!!.‬ف إذا ك انت ه ذه حال ة س لفهم ‪ -‬م ع أن المظن ة أنهم أولى وأرف ع حال ة‪ ,‬ممن بع دهم ‪ -‬فكي ف الظن بالمخ اطبين؟‬
‫‪.‬ومنه ا أن نعم ة هللا على المتق دمين منهم‪ ,‬نعم ة واص لة إلى المت أخرين‪ ,‬والنعم ة على اآلب اء‪ ,‬نعم ة على األبن اء‬
‫ملهم وتعمهم‬ ‫ا نعم تش‬ ‫ا‪ ,‬ألنه‬ ‫وا به‬ ‫‪.‬فخوطب‬
‫ومنها أن الخطاب لهم بأفعال غ يرهم‪ ,‬مم ا ي دل على أن األم ة المجتمع ة على دين تتكاف ل وتتس اعد على مص الحها‪ ,‬ح تى ك ان‬
‫ا من الجميع‬ ‫هم حادث‬ ‫ادث من بعض‬ ‫ان الح‬ ‫د‪ ,‬وك‬ ‫أخرهم في وقت واح‬ ‫دمهم ومت‬ ‫‪.‬متق‬
‫‪.‬ألن م ا يعمل ه بعض هم من الخ ير‪ ,‬يع ود بمص لحة الجمي ع‪ ,‬وم ا يعمل ه من الش ر يع ود بض رر الجميع‬
‫ريك للعاصي‬ ‫ية ش‬ ‫ي بالمعص‬ ‫ا‪ ,‬والراض‬ ‫ا لم ينكره‬ ‫الهم أكثره‬ ‫ا‪ :‬أن أفع‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫‪.‬إلى غير ذلك من الحكم‪ ,‬التي ال يعلمها إال هللا‬

‫إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن "‬


‫باهلل والي وم اآلخ ر وعم ل ص الحا فلهم أج رهم عن د ربهم وال‬
‫" خوف عليهم وال هم يحزنون‬
‫الص ابِِئينَ َم ْن آ َمنَ بِاهَّلل ِ َو ْاليَ وْ ِم اآْل ِخ ِر َو َع ِم َل‬
‫ص ا َرى َو َّ‬ ‫ثم قال تعالى حاكما بين الفرق الكتابية " ِإ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُوا َوالَّ ِذينَ هَ ادُوا َوالنَّ َ‬
‫ونَ‬ ‫ف َعلَ ْي ِه ْم َواَل هُ ْم يَحْ زَ نُ‬ ‫وْ ٌ‬ ‫َد َربِّ ِه ْم َواَل خَ‬ ‫ُرهُ ْم ِع ْن‬ ‫الِحًا فَلَهُ ْم َأجْ‬ ‫ص‬
‫" َ‬ ‫‪.‬‬
‫ارى‬ ‫رق النص‬ ‫ةف‬ ‫حيح‪ ,‬أنهم من جمل‬ ‫ابئين‪ ,‬الص‬ ‫ة‪ ,‬ألن الص‬ ‫اب خاص‬ ‫ل الكت‬ ‫ذا الحكم على أه‬ ‫‪.‬وه‬
‫فأخبر هللا أن المؤمنين من هذه األمة‪ ,‬واليهود والنصارى‪ ,‬والصابئين من آمن باهلل واليوم اآلخر‪ ,‬وصدقوا رسلهم‪ ,‬فإن لهم األجر‬
‫ون‬ ‫وف عليهم وال هم يحزن‬ ‫‪.‬العظيم‪ ,‬واألمن‪ ,‬وال خ‬
‫زن‬ ‫وف والح‬ ‫ه الخ‬ ‫ال‪ ,‬فعلي‬ ‫ذه الح‬ ‫و بض د ه‬ ‫وم اآلخ ر‪ ,‬فه‬ ‫له والي‬ ‫ر منهم باهلل ورس‬ ‫ا من كف‬ ‫‪.‬وأم‬
‫والصحيح أن هذا الحكم بين هذه الطوائف‪ ,‬من حيث هم‪ ,‬ال بالنسبة إلى اإليم ان بمحم د‪ ,‬ف إن ه ذا‪ ,‬إخب ار عنهم قب ل بعث ة محم د‬
‫والهم‬ ‫مون أح‬ ‫ذا مض‬ ‫لم وأن ه‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫‪.‬ص‬
‫وهذه طريقة القرآن‪ ,‬إذا وقع في بعض النفوس عند سياق اآليات بعض األوهام‪ ,‬فال بد أن تجد ما يزي ل ذل ك ال وهم‪ ,‬ألن ه تنزي ل‬
‫يء‬ ‫لش‬ ‫عت ك‬ ‫ه وس‬ ‫ا‪ ,‬ومن رحمت‬ ‫ل وجوده‬ ‫ياء قب‬ ‫‪.‬ممن يعلم األش‬
‫‪.‬وذلك ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬أنه ذكر بني إسرائيل وذمهم‪ ,‬وذكر معاصيهم وقبائحهم‪ ,‬ربما وقع في بعض النفوس‪ ,‬أنهم كلهم يش ملهم ال ذم‬
‫فه‬ ‫ذم منهم بوص‬ ‫ه ال‬ ‫بين من ال يلحق‬ ‫الى أن ي‬ ‫اري تع‬ ‫أراد الب‬ ‫‪.‬ف‬
‫ولما كان أيضا‪ ,‬ذكر بني إسرائيل خاصة‪ ,‬يوهم االختصاص بهم‪ ,‬ذكر تعالى حكم ا عام ا يش مل الطوائ ف كله ا‪ ,‬ليتض ح الح ق‪,‬‬
‫كال‬ ‫وهم واإلش‬ ‫زول الت‬ ‫‪.‬وي‬
‫‪.‬فسبحان من أودع في كتابه‪ ,‬ما يبهر عقول العالمين‬

‫وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة "‬
‫" واذكروا ما فيه لعلكم تتقون‬
‫‪.‬ثم ع اد تب ارك وتع الى ي وبخ ب ني إس رائيل بم ا فع ل س لفهم فق ال‪َ " :‬وِإ ْذ َأخَ ْذنَا ِميثَ اقَ ُك ْم " اآلية‬
‫أي‪ :‬واذكروا " َوِإ ْذ َأ ْ‬
‫خَذنَا ِميثَاقَ ُك ْم " وهو العهد الثقيل المؤكد بالتخويف لهم‪ ,‬برفع الطور فوقهم وقيل لهم " ُخ ُذوا َما آتَ ْينَ ا ُك ْم " من‬
‫ر هللا‬ ‫بر على أوام‬ ‫اد‪ ,‬وص‬ ‫د واجته‬ ‫َّو ٍة " أي‪ :‬بج‬ ‫وراة " بِقُ‬ ‫‪.‬الت‬
‫"‬ ‫وه‬ ‫وه وتتعلم‬ ‫أن تتل‬ ‫ابكم‪ ,‬ب‬ ‫ا في كت‬ ‫ِه " أي‪ :‬م‬ ‫ا فِي‬ ‫رُوا َم‬ ‫‪َ .‬و ْاذ ُك‬
‫‪.‬لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ " عذاب هللا وسخطه‪ ,‬أو لتكونوا من أهل التقوى "‬

‫ثم توليتم من بعد ذل ك فل وال فض ل هللا عليكم ورحمت ه لكنتم "‬


‫" من الخاسرين‬
‫ات‬ ‫تم‪ ,‬وك ان ذل ك موجب ا ألن يح ل بكم أعظم العقوب‬ ‫َولَّ ْيتُ ْم " وأعرض‬ ‫غ " تَ‬ ‫د البلي‬ ‫ذا التأكي‬ ‫ده‬ ‫‪.‬فبع‬
‫‪ " .‬ولكن " فَلَوْ اَل فَضْ ُل هَّللا ِ َعلَ ْي ُك ْم َو َرحْ َمتُهُ لَ ُك ْنتُ ْم ِمنَ ْالخَ ا ِس ِرينَ‬

‫ولقد علمتم ال ذين اعت دوا منكم في الس بت فقلن ا لهم كون وا "‬
‫" قردة خاسئين‬
‫ت " وهم ال ذين ذك ر هللا "‬ ‫ت " أي‪ :‬ولقد تقرر عن دكم حال ة " الَّ ِذينَ ا ْعتَ دَوْ ا ِم ْن ُك ْم فِي َّ‬
‫الس ْب ِ‬ ‫َولَقَ ْد َعلِ ْمتُ ُم الَّ ِذينَ ا ْعتَدَوْ ا ِم ْن ُك ْم فِي ال َّس ْب ِ‬
‫ت " اآلي ات‬ ‫اض َرةَ ْالبَحْ ِر ِإ ْذ يَ ْع ُدونَ فِي َّ‬
‫الس ْب ِ‬ ‫َت َح ِ‬ ‫اس َأ ْلهُ ْم َع ِن ْالقَرْ يَ ِة الَّتِي َك ان ْ‬
‫‪.‬قصتهم مبسوطة في سورة األعراف في قوله " َو ْ‬
‫‪.‬فأوجب لهم هذا الذنب العظيم‪ ,‬أن غضب هللا عليهم‪ ,‬وجعلهم " قِ َر َدةً خَاسِِئينَ " حقيرين ذليلين‬

‫" فجعلناها نكاال لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين "‬
‫‪.‬وجع ل هللا ه ذه العقوب ة " نَ َك ااًل لِ َم ا بَ ْينَ يَ َد ْيهَا " أي‪ :‬لمن حض رها من األمم‪ ,‬وبلغ ه خبره ا‪ ,‬ممن ه و في وقتهم‬
‫‪َ .‬و َما خَ ْلفَهَا " أي‪ :‬من بعدها‪ ,‬فتقوم على العباد حجة هللا‪ ,‬وليرت دعوا عن معاص يه‪ ,‬ولكنه ا ال تك ون موعظ ة نافع ة إال للمتقين "‬
‫وأما من عداهم‪ ,‬فال ينتفعون باآليات‬

‫وإذ قال موسى لقومه إن هللا ي أمركم أن ت ذبحوا بق رة ق الوا "‬


‫" أتتخذنا هزوا قال أعوذ باهلل أن أكون من الجاهلين‬
‫أي‪ :‬واذكروا ما جرى لكم مع موسى‪ ,‬حين قتلتم قتيال‪ ,‬فأدارئتم فيه‪ ,‬أي‪ :‬تدافعتم واختلفتم في قاتله‪ ,‬حتى تفاقم األمر بينكم وك اد ‪-‬‬
‫ير‬ ‫ر كب‬ ‫دث بينكم ش‬ ‫يين هللا لكم ‪ -‬يح‬ ‫وال تب‬ ‫‪.‬ل‬
‫رة‬ ‫وا بق‬ ‫ل‪ :‬اذبح‬ ‫بين القائ‬ ‫ى في ت‬ ‫ال لكم موس‬ ‫‪.‬فق‬
‫تراض عليه‬ ‫دم االع‬ ‫ره‪ ,‬وع‬ ‫ال أم‬ ‫ادرة إلى امتث‬ ‫واجب‪ ,‬المب‬ ‫ان من ال‬ ‫‪.‬وك‬
‫‪ " .‬ولكنهم أب وا إال االع تراض‪ ,‬فق الوا‪َ " :‬أتَتَّ ِخ ُذنَا هُ ُز ًوا " فق ال ن بي هللا " َأ ُع و ُذ بِاهَّلل ِ َأ ْن َأ ُك ونَ ِمنَ ْال َج ا ِهلِينَ‬
‫اس‬ ‫تهزئ بالن‬ ‫ذي يس‬ ‫و ال‬ ‫ه‪ ,‬وه‬ ‫دة في‬ ‫ذي ال فائ‬ ‫الكالم ال‬ ‫ذي يتكلم ب‬ ‫و ال‬ ‫له‬ ‫إن الجاه‬ ‫‪.‬ف‬
‫و آدمي مثله‬ ‫تهزاءه بمن ه‬ ‫ل‪ ,‬اس‬ ‫دين والعق‬ ‫ة بال‬ ‫وب المزري‬ ‫بر العي‬ ‫يرى أن من أك‬ ‫ل‪ ,‬ف‬ ‫ا العاق‬ ‫‪.‬وأم‬
‫اده‬ ‫ة لعب‬ ‫ه‪ ,‬والرحم‬ ‫كر لرب‬ ‫ه الش‬ ‫ي من‬ ‫يله يقتض‬ ‫ه‪ ,‬فتفض‬ ‫ل علي‬ ‫د فض‬ ‫ان ق‬ ‫‪.‬وإن ك‬
‫فلما قال لهم موسى ذلك‪ ,‬علموا أن ذلك صدق فقالوا‬

‫قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنه ا بق رة ال "‬
‫" فارض وال بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون‬
‫ان "‬ ‫ك يُبَي ِّْن لَنَا َما ِه َي " أي‪ :‬ما سنها " قَا َل ِإنَّهُ يَقُو ُل ِإنَّهَا بَقَ َرةٌ اَل فَ ِ‬
‫ارضٌ " أي‪ :‬كبيرة " َواَل بِ ْك ٌر " أي‪ :‬ص غيرة " َع َو ٌ‬ ‫ع لَنَا َربَّ َ‬
‫ا ْد ُ‬
‫طة بين‬ ‫ك " أي‪ :‬متوس‬ ‫َ‬ ‫‪.‬بَ ْينَ َذلِ‬
‫ابقا‬ ‫ذكورين س‬ ‫نين‪ ,‬الم‬ ‫‪.‬الس‬
‫بر‬ ‫غر والك‬ ‫ا الص‬ ‫‪.‬وهم‬
‫‪.‬فَا ْف َعلُوا َما تُْؤ َمرُونَ " واتركوا التشديد والتعنت "‬

‫قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يق ول إنه ا بق رة "‬
‫" صفراء فاقع لونها تسر الناظرين‬
‫ص ْف َرا ُء فَاقِ ٌع لَوْ نُهَا " أي‪ :‬شديد " تَسُرُّ النَّا ِظ ِرينَ " من حسنها "‬
‫ك يُبَي ِّْن لَنَا َما لَوْ نُهَا قَا َل ِإنَّهُ يَقُو ُل ِإنَّهَا بَقَ َرةٌ َ‬ ‫‪.‬قَالُوا ا ْد ُ‬
‫ع لَنَا َربَّ َ‬
‫قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علين ا وإن ا "‬
‫" إن شاء هللا لمهتدون‬
‫ك يُبَي ِّْن لَنَا َما ِه َي ِإ َّن ْالبَقَ َر تَ َشابَهَ َعلَ ْينَا " فلم نهتد إلى ما تريد " َوِإنَّا ِإ ْن َشا َء هَّللا ُ لَ ُم ْهتَ ُدونَ "‬ ‫قَالُوا ا ْد ُ‬
‫ع لَنَا َربَّ َ‬

‫ق ال إن ه يق ول إنه ا بق رة ال ذل ول تث ير األرض وال تس قي "‬


‫الحرث مسلمة ال شية فيها قالوا اآلن جئت بالحق فذبحوها وما‬
‫" كادوا يفعلون‬
‫ة بالعمل‬ ‫و ٌل " أي مذلل‬ ‫َرةٌ اَل َذلُ‬ ‫و ُل ِإنَّهَ‬ ‫ا بَقَ‬ ‫ال ِإنَّهُ يَقُ‬
‫َ‬ ‫‪.‬قَ‬
‫ض " بالحراثة " َواَل تَ ْسقِي ْال َحرْ َ‬
‫ث " أي‪ :‬ليست بسانية " ُم َسلَّ َمةٌ " من العيوب أو من العمل " اَل ِش يَةَ فِيهَ ا " أي‪ :‬ال "‬ ‫تُثِي ُر اَأْلرْ َ‬
‫دم‬ ‫وف المتق‬ ‫ا الموص‬ ‫ير لونه‬ ‫اغ‬ ‫ون فيه‬ ‫‪.‬ل‬
‫"‬ ‫ان الواضح‬ ‫ْال َح ِّ‬
‫ق " أي‪ :‬بالبي‬ ‫الُوا اآْل نَ ِجْئتَ بِ‬ ‫‪.‬قَ‬
‫رة‬ ‫الحق أول م‬ ‫اءهم ب‬ ‫دج‬ ‫ذا من جهلهم‪ ,‬وإال فق‬ ‫‪.‬وه‬
‫فلو أنهم اعترضوا أي بقرة‪ ,‬لحصل المقص ود‪ ,‬ولكنهم ش ددوا بك ثرة األس ئلة فش دد هللا عليهم‪ ,‬ول و لم يقول وا " إن ش اء هللا " لم‬
‫ا إليها‬ ‫دوا أيض‬ ‫‪.‬يهت‬
‫"‬ ‫فات‬ ‫ك الص‬ ‫فت بتل‬ ‫تي وص‬ ‫رة ال‬ ‫َذبَحُوهَا " أي‪ :‬البق‬ ‫‪.‬فَ‬
‫َو َما َكادُوا يَ ْف َعلُونَ " بسب التعنت الذي جرى منهم "‬

‫فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي هللا الم وتى وي ريكم آيات ه "‬
‫" لعلكم تعقلون‬
‫فلما ذبحوها‪ ,‬قلنا لهم اضربوا القتي ل ببعض ها‪ ,‬أي‪ :‬بعض و منه ا‪ ,‬إم ا بعض و معين‪ ,‬أو أي عض و منه ا‪ ,‬فليس في تعيين ه فائ دة‪,‬‬
‫أخبر بقاتله‬ ‫ون‪ ,‬ف‬ ‫انوا يكتم‬ ‫اك‬ ‫رج م‬ ‫اه هللا‪ ,‬وأخ‬ ‫ها فأحي‬ ‫ربوه ببعض‬ ‫‪.‬فض‬
‫وتى‬ ‫اء هللا الم‬ ‫دل على إحي‬ ‫اي‬ ‫اهدون ‪ -‬م‬ ‫ه ‪ -‬وهم يش‬ ‫ان في إحيائ‬ ‫‪.‬وك‬
‫‪.‬لعلكم تعقلون‪ ,‬فتنزجرون عن ما يضركم‬

‫ثم قست قلوبكم من بع د ذل ك فهي كالحج ارة أو أش د قس وة "‬


‫وإن من الحجارة لما يتفجر من ه األنه ار وإن منه ا لم ا يش قق‬
‫فيخرج من ه الم اء وإن منه ا لم ا يهب ط من خش ية هللا وم ا هللا‬
‫" بغافل عما تعملون‬
‫"‬ ‫ا الموعظة‬ ‫ؤثر فيه‬ ‫تدت وغلظت‪ ,‬فلم ت‬ ‫وبُ ُك ْم " أي‪ :‬اش‬ ‫ت قُلُ‬
‫ْ‬ ‫‪.‬ثُ َّم قَ َس‬
‫"‬ ‫ات‬ ‫ة‪ ,‬وأراكم اآلي‬ ‫النعم العظيم‬ ‫ا أنعم هللا عليكم ب‬ ‫دم‬ ‫ك " أي‪ :‬من بع‬
‫َ‬ ‫ِد َذلِ‬ ‫‪ِ .‬م ْن بَ ْع‬
‫اده‬ ‫ة القلب وانقي‬ ‫وجب رق‬ ‫اي‬ ‫اهدتم‪ ,‬مم‬ ‫اش‬ ‫وبكم‪ ,‬ألن م‬ ‫و قل‬ ‫‪.‬ولم يكن ينبغي أن تقس‬
‫وة من الحديد‬ ‫د قس‬ ‫تي هي أش‬ ‫ا َر ِة " ال‬ ‫ا " َك ْال ِح َج‬ ‫وتها بأنه‬ ‫ف قس‬ ‫‪.‬ثم وص‬
‫ار‬ ‫ار‪ ,‬ذاب‪ ,‬بخالف األحج‬ ‫اص إذا أذيب في الن‬ ‫د والرص‬ ‫‪.‬ألن الحدي‬
‫ار‬ ‫اوة األحج‬ ‫ر عن قس‬ ‫ا ال تقص‬ ‫َوةً " أي‪ :‬إنه‬ ‫ُّد قَ ْس‬ ‫ه " َأوْ َأ َش‬ ‫‪.‬وقول‬
‫نى " بل‬ ‫ت " أو " بمع‬ ‫" وليس‬ ‫‪.‬‬
‫ق فَيَ ْخ ُر ُج ِم ْن هُ ْال َم ا ُء َوِإ َّن‬
‫ثم ذكر فضيلة األحجار على قلوبهم فقال " َوِإ َّن ِمنَ ْال ِح َجا َر ِة لَ َما يَتَفَ َّج ُر ِم ْنهُ اَأْل ْنهَ ا ُر َوِإ َّن ِم ْنهَ ا لَ َم ا يَ َّش قَّ ُ‬
‫وبكم‬ ‫لت قل‬ ‫ور فض‬ ‫ذه األم‬ ‫يَ ِة هَّللا ِ " فبه‬ ‫طُ ِم ْن خ ْ‬
‫َش‬ ‫ا يَ ْهبِ‬ ‫ا لَ َم‬ ‫‪ِ .‬م ْنهَ‬
‫ثم توعدهم تعالى أشد الوعيد فقال " َو َما هَّللا ُ بِغَافِ ٍل َع َّما تَ ْع َملُونَ " بل ه و ع الم به ا حاف ظ لص غيرها وكبيره ا‪ ,‬وس يجازيكم على‬
‫اه‬ ‫زاء وأوف‬ ‫ك‪ ,‬أتم الج‬ ‫‪.‬ذل‬
‫واعلم أن كثيرا من المفسرين رحمهم هللا‪ ,‬قد أكثروا في حشو تفاسيرهم من قصص بني إسرائيل‪ ,‬ونزلوا عليه ا اآلي ات القرآني ة‪,‬‬
‫‪ " .‬وجعلوه ا تفس يرا لكت اب هللا‪ ,‬محتجين بقول ه ص لى هللا علي ه وس لم " ح دثوا عن ب ني إس رائيل وال ح رج‬
‫والذي أرى أنه‪ ,‬وإن جاز نقل أحاديثهم على وجه‪ ,‬تك ون مف ردة غ ير مقرون ة‪ ,‬وال منزل ة على كت اب هللا‪ ,‬فإن ه ال يج وز جعله ا‬
‫لم‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫ول هللا ص‬ ‫ح عن رس‬ ‫ا إذا لم تص‬ ‫اب هللا قطع‬ ‫يرا لكت‬ ‫‪.‬تفس‬
‫ذبوهم‬ ‫اب وال تك‬ ‫ل الكت‬ ‫دقوا أه‬ ‫لم " ال تص‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫ال ص‬ ‫اق‬ ‫ا كم‬ ‫ك أن مرتبته‬ ‫" وذل‬ ‫‪.‬‬
‫فإذا كانت مرتبتها أن تكون مش كوكا فيه ا‪ ,‬وك ان من المعل وم بالض رورة من دين اإلس الم أن الق رآن يجب اإليم ان ب ه والقط ع‬
‫ه ومعانيه‬ ‫‪.‬بألفاظ‬
‫فال يجوز أن تجعل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة‪ ,‬التي يغلب على الظن كذبها‪ ,‬أو كذب أكثره ا‪ ,‬مع اني لكت اب هللا‪,‬‬
‫ذا أحد‬ ‫تريب به‬ ‫ا‪ ,‬وال يس‬ ‫ا به‬ ‫‪.‬مقطوع‬
‫ا حصل‬ ‫لم‬ ‫ذا‪ ,‬حص‬ ‫ة عن ه‬ ‫بب الغفل‬ ‫‪.‬ولكن بس‬
‫‪.‬وهللا الموفق‬

‫أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كالم "‬
‫" هللا ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون‬
‫انهم‬ ‫وا في إيم‬ ‫اب‪ ,‬أي‪ :‬فال تطمع‬ ‫ل الكت‬ ‫ان أه‬ ‫نين من إيم‬ ‫اع المؤم‬ ‫ع ألطم‬ ‫ذا قط‬ ‫‪.‬ه‬
‫وأخالقهم ال تقتضي الطمع فيهم‪ ,‬فإنهم كانوا يحرفون كالم هللا من بع د م ا عقل وه وعلم وه‪ ,‬فيض عون ل ه مع اني‪ ,‬م ا أراده ا هللا‪,‬‬
‫د هللا‬ ‫ا هي من عن‬ ‫د هللا‪ ,‬وم‬ ‫ا من عن‬ ‫اس أنه‬ ‫وا الن‬ ‫‪.‬ليوهم‬
‫‪!.‬ف إذا ك انت ح الهم في كت ابهم ال ذي يرون ه ش رفهم ودينهم يص دون ب ه الن اس عن س بيل هللا‪ ,‬فكي ف ي رجى منهم إيم ان لكم؟‬
‫‪.‬فهذا من أبعد األشياء‬
‫وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمن ا وإذا خال بعض هم إلى بعض "‬
‫قالوا أتحدثونهم بما فتح هللا عليكم ليحاجوكم ب ه عن د ربكم أفال‬
‫" تعقلون‬
‫‪.‬ثم ذكر حال منافقي أهل الكتاب فقال " َوِإ َذا لَقُوا الَّ ِذينَ آ َمنُوا قَالُوا آ َمنَّا " فأظهروا لهم اإليمان ق وال بألس نتهم‪ ,‬م ا ليس في قل وبهم‬
‫ْض " فلم يكن عندهم أحد من غير أهل دينهم قال بعضهم لبعض‪َ " :‬أتُ َح ِّدثُونَهُ ْم بِ َما فَت ََح هَّللا ُ َعلَ ْي ُك ْم " أي‪" :‬‬
‫ضهُ ْم ِإلَى بَع ٍ‬
‫َوِإ َذا خَاَل بَ ْع ُ‬
‫ة لهم عليكم؟‬ ‫ك حج‬ ‫ون ذل‬ ‫بروهم أنكم مثلهم‪ ,‬فيك‬ ‫ان وتخ‬ ‫رون لهم اإليم‬ ‫‪.‬أتظه‬
‫‪.‬يقول ون‪ :‬إنهم ق د أق روا ب أن م ا نحن علي ه ح ق‪ ,‬وم ا هم علي ه باط ل‪ ,‬فيحتج ون عليكم ب ذلك عن د ربهم‬
‫"‬ ‫ة عليكم؟‬ ‫و حج‬ ‫اه‬ ‫تركون م‬ ‫ل‪ ,‬فت‬ ‫ون لكم عق‬ ‫ونَ " أي‪ :‬أفال يك‬ ‫‪َ.‬أفَاَل تَ ْعقِلُ‬
‫‪.‬هذا يقوله بعضهم لبعض‬

‫" أوال يعلمون أن هللا يعلم ما يسرون وما يعلنون "‬


‫َأ َواَل يَ ْعلَ ُمونَ َأ َّن هَّللا َ يَ ْعلَ ُم َما يُ ِسرُّ ونَ َو َما يُ ْعلِنُونَ " فهم وإن أسروا ما يعتقدونه فيم ا بينهم‪ ,‬وزعم وا أنهم بإس رارهم‪ ,‬ال يتط رق "‬
‫‪.‬عليهم حجة للمؤمنين‪ ,‬فإن هذا غلط منهم وجهل كبير‪ ,‬فإن هللا يعلم سرهم وعلنهم‪ ,‬فيظهر لعباده ما هم عليه‬

‫ومنهم أميون ال يعلمون الكتاب إال أماني وإن هم إال يظن ون "‬
‫"‬
‫"‬ ‫ل العلم‬ ‫وا من أه‬ ‫وام‪ ,‬وليس‬ ‫اب " ُأ ِّميُّونَ " أي‪ :‬ع‬ ‫‪َ .‬و ِم ْنهُ ْم " أي‪ :‬من أه‬
‫ل الكت‬
‫َاب ِإاَّل َأ َمانِ َّ‬
‫ي " أي‪ :‬ليس لهم حظ من كتاب هللا إال التالوة فقط‪ ,‬وليس عندهم خبر بما عند األولين الذين يعلم ون "‬ ‫اَل يَ ْعلَ ُمونَ ْال ِكت َ‬
‫ل العلم منهم‬ ‫د أله‬ ‫ون وتقالي‬ ‫ا معهم ظن‬ ‫ؤالء‪ ,‬إنم‬ ‫الهم‪ ,‬وه‬ ‫ةح‬ ‫ق المعرف‬ ‫‪.‬ح‬
‫‪.‬فذكر في هذه اآليات علم اءهم‪ ,‬وع وامهم‪ ,‬ومن افقيهم‪ ,‬ومن لم ين افق منهم‪ ,‬فالعلم اء منهم‪ ,‬متمس كون بم ا هم علي ه من الض الل‬
‫‪.‬والعوام مقلدون لهم‪ ,‬ال بصيرة عندهم فال مطمع لكم في الطائفتين‬

‫فويل للذين يكتبون الكتاب بأي ديهم ثم يقول ون ه ذا من عن د "‬


‫هللا ليشتروا به ثمنا قليال فويل لهم مما كتبت أي ديهم ووي ل لهم‬
‫" مما يكسبون‬
‫توعد تعالى المحرفين للكتاب‪ ,‬الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون " هَ َذا ِم ْن ِع ْن ِد هَّللا ِ " وهذا فيه إظهار الباطل وكتم الح ق‪ ,‬وإنم ا‬
‫ا قَلِياًل‬ ‫ِه ثَ َمنً‬ ‫تَرُوا بِ‬ ‫ع علمهم " لِيَ ْش‬ ‫كم‬ ‫وا ذل‬ ‫" فعل‬ ‫‪.‬‬
‫ا ثمن ‪ -‬قليل‬ ‫ا إلى آخره‬ ‫ا ‪ -‬من أوله‬ ‫دنيا كله‬ ‫‪.‬وال‬
‫فجعلوا باطلهم شركا يصطادون به ما في أيدي الناس‪ ,‬فظلموهم من وجهين‪ :‬من جهة تلبيس دينهم عليهم‪ ,‬ومن جهة أخذ أم والهم‬
‫رقة ونحوهما‬ ‫با وس‬ ‫ذها غص‬ ‫ك أعظم ممن يأخ‬ ‫ل‪ ,‬وذل‬ ‫ل الباط‬ ‫ل بأبط‬ ‫ق‪ ,‬ب‬ ‫ير ح‬ ‫‪.‬بغ‬
‫ت َأ ْي ِدي ِه ْم " أي‪ :‬من التحري ف والباط ل " َو َو ْي ٌل َلهُ ْم ِم َّما يَ ْك ِس بُونَ " من‬
‫ولهذا توعدهم بهذين األم رين فق ال " فَ َو ْي ٌل َلهُ ْم ِم َّما َكتَبَ ْ‬
‫وال‬ ‫‪.‬األم‬
‫ديد‬ ‫د الش‬ ‫منها الوعي‬‫رة‪ ,‬وفي ض‬ ‫ذاب والحس‬ ‫دة الع‬ ‫ل‪ :‬ش‬ ‫‪.‬والوي‬
‫قال شيخ اإلسالم لما ذكر هذه اآليات من قوله " َأفَت ْ‬
‫َط َمعُونَ " إلى " يَ ْك ِس بُونَ " ‪ :‬ف إن هللا ذم ال ذين يحرف ون الكلم عن مواض عه‪,‬‬
‫دع الباطلة‬ ‫له من الب‬ ‫ا أص‬ ‫نة‪ ,‬على م‬ ‫اب والس‬ ‫ل الكت‬ ‫اول لمن حم‬ ‫و متن‬ ‫‪.‬وه‬
‫‪.‬وذم ال ذين ال يعلم ون الكت اب إال أم اني‪ ,‬وه و متن اول لمن ت رك س ر ت دبر الق رآن ولم يعلم إال مج رد تالوة حروفه‬
‫ومتناول لمن كتب كتابا بيده‪ ,‬مخالفا لكتاب هللا‪ ,‬لينال به دنيا وقال‪ :‬إنه من عند هللا‪ ,‬مثل أن يقول‪ :‬ه ذا ه و الش رع وال دين‪ ,‬وه ذا‬
‫‪.‬مع نى الكت اب والس نة‪ ,‬وه ذا معق ول الس لف واألئم ة‪ ,‬وه ذا ه و أص ول ال دين‪ ,‬ال ذي يجب اعتق اده على األعي ان والكفاية‬
‫ذي يقوله‬ ‫ق ال‬ ‫ه في الح‬ ‫ه مخالف‬ ‫نة‪ ,‬لئال يحتج ب‬ ‫اب والس‬ ‫ده من الكت‬ ‫ا عن‬ ‫اول لمن كتم م‬ ‫‪.‬ومتن‬
‫‪.‬وه ذه األم ور كث يرة ج دا في أه ل األه واء جمل ة‪ ,‬كالرافض ة‪ ,‬وتفص يال مث ل كث ير من المنتس بين إلى الفقه اء‬
‫‪.‬انتهى‬

‫وقالوا لن تمسنا النار إال أيام ا مع دودة ق ل أتخ ذتم عن د هللا "‬
‫" عهدا فلن يخلف هللا عهده أم تقولون على هللا ما ال تعلمون‬
‫ذكر أفعالهم القبيحة‪ ,‬ثم ذكر ‪ -‬مع هذا ‪ -‬أنهم يزكون أنفسهم‪ ,‬ويشهدون لها بالنجاة من عذاب هللا‪ ,‬والف وز بثواب ه‪ ,‬وأنهم لم تمس هم‬
‫اءة واألمن‬ ‫وا بين اإلس‬ ‫ابع‪ ,‬فجمع‬ ‫د باألص‬ ‫ة تع‬ ‫دودة‪ ,‬أي‪ :‬قليل‬ ‫ا مع‬ ‫ار إال أيام‬ ‫‪.‬الن‬
‫ولما كان هذا مجرد دعوى‪ ,‬رد هللا تع الى عليهم فق ال‪ " :‬قُ لْ " لهم‪ ,‬ي ا أيه ا الرس ول " َأتَّخَ ْذتُ ْم ِع ْن َد هَّللا ِ َع ْه دًا " أي باإليم ان ب ه‬
‫دل‬ ‫ير وال يتب‬ ‫ذي ال يتغ‬ ‫احبه ال‬ ‫اة ص‬ ‫وجب لنج‬ ‫د الم‬ ‫ذا الوع‬ ‫ه‪ ,‬فه‬ ‫له وبطاعت‬ ‫‪.‬وبرس‬
‫‪َ.‬أ ْم تَقُولُونَ َعلَى هَّللا ِ َما اَل تَ ْعلَ ُمونَ " ؟ فأخبر تعالى أن صدق دع واهم ومتوق ف على أح د ه ذين األم رين الل ذين ال ث الث لهما "‬
‫حيحة‬ ‫واهم ص‬ ‫ون دع‬ ‫دا‪ ,‬فتك‬ ‫د هللا عه‬ ‫ذوا عن‬ ‫د اتخ‬ ‫وا ق‬ ‫ا أن يكون‬ ‫‪.‬إم‬
‫ذابهم‬ ‫زيهم ع‬ ‫غ لخ‬ ‫ون أبل‬ ‫ة‪ ,‬فيك‬ ‫ون كاذب‬ ‫ه‪ ,‬فتك‬ ‫ولين علي‬ ‫وا متق‬ ‫ا أن يكون‬ ‫‪.‬وإم‬
‫وقد علم من حالهم أنهم لم يتخذوا عند هللا عهدا‪ ,‬لتكذيبهم كث يرا من األنبي اء‪ ,‬ح تى وص لت بهم الح ال إلى أن قتل وا طائف ة منهم‪,‬‬
‫هم المواثيق‬ ‫ة هللا ونقض‬ ‫ولهم عن طاع‬ ‫‪.‬ولنك‬
‫ون‬ ‫ا ال يعلم‬ ‫هم‬ ‫ائلون علي‬ ‫ون‪ ,‬ق‬ ‫ون مختلق‬ ‫ذلك‪ ,‬أنهم متقول‬ ‫‪.‬فتعين ب‬
‫‪.‬والقول عليه بال علم‪ ,‬من أعظم المحرمات‪ ,‬وأشنع القبيحات‬

‫بلى من كس ب س يئة وأح اطت ب ه خطيئت ه فأولئ ك أص حاب "‬


‫" النار هم فيها خالدون‬
‫ثم ذكر تعالى‪ ,‬حكما عاما لكل أحد‪ ,‬يدخل فيه بنو إسرائيل وغيرهم‪ ,‬وهو الحكم الذي ال حكم غ يره‪ ,‬ال أم انيهم ودع اويهم بص فة‬
‫ة له‬ ‫ول ال حقيق‬ ‫هق‬ ‫رتم‪ ,‬فإن‬ ‫ا ذك‬ ‫ر كم‬ ‫ال‪ " :‬بَلَى " أي‪ :‬ليس األم‬ ‫اجين فق‬ ‫الكين والن‬ ‫‪.‬اله‬
‫ا دونه‬ ‫رك فم‬ ‫رط‪ ,‬فيعم الش‬ ‫ياق الش‬ ‫رة في س‬
‫و نك‬ ‫يَِّئةً " وه‬ ‫ب َس‬
‫َ‬ ‫‪.‬ولكن " َم ْن َك َس‬
‫والمراد به‪ - :‬هنا ‪ -‬الشرك‪ ,‬بدليل قوله " َوَأ َحاطَ ْ‬
‫ت بِ ِه خَ ِطيَئتُهُ " أي‪ :‬أحاطت بعاملها‪ ,‬فلم تدع له منفذا‪ ,‬وهذا ال يكون إال الش رك‪,‬‬
‫ه خطيئته‬ ‫طب‬ ‫ان ال تحي‬ ‫ه اإليم‬ ‫إن من مع‬ ‫‪.‬ف‬
‫ار هُ ْم فِيهَا خَ الِ ُدونَ " وقد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية‪ ,‬وهي حجة عليهم كما ترى‪ ,‬فإنه ا "‬ ‫ك َأصْ َحابُ النَّ ِ‬ ‫فَُأولَِئ َ‬
‫‪.‬ظاهرة في الشرك‪ ,‬وهكذا كل مبطل يحتج بآية‪ ,‬أو حديث صحيح على قوله الباطل فال بد أن يكون فيما احتج به حجة عليه‬

‫والذين آمنوا وعمل وا الص الحات أولئ ك أص حاب الجن ة هم "‬


‫" فيها خالدون‬
‫"‬ ‫وم اآلخر‬ ‫له‪ ,‬والي‬ ‫ه‪ ,‬ورس‬ ‫ه‪ ,‬وكتب‬ ‫‪َ .‬والَّ ِذينَ آ َمنُ‬
‫وا " باهلل ومالئكت‬
‫ت " وال تك ون األعم ال ص الحة إال بش رطين‪ :‬أن تك ون خالص ة لوج ه هللا‪ ,‬متبع ا به ا س نة رس وله "‬ ‫‪َ .‬و َع ِملُ وا َّ‬
‫الص الِ َحا ِ‬
‫الح‬ ‫ل الص‬ ‫ان والعم‬ ‫ل اإليم‬ ‫وز‪ ,‬هم أه‬ ‫اة والف‬ ‫ل النج‬ ‫تين‪ ,‬أن أه‬ ‫اتين اآلي‬ ‫له‬ ‫‪.‬فحاص‬
‫افرون به‬ ‫ركون باهلل‪ ,‬الك‬ ‫ار هم المش‬ ‫ل الن‬ ‫الكون أه‬ ‫‪.‬واله‬
‫فهذه الشرائع من أصول الدين‪ ,‬التي أمر هللا بها في كل شريعة‪ ,‬الشتمالها على المصالح العامة‪ ,‬في كل زمان ومكان‪ ,‬فال ي دخلها‬
‫دين‬ ‫ل ال‬ ‫خ‪ ,‬كأص‬ ‫‪.‬نس‬
‫‪.‬ولهذا أمرنا بها في قوله " َوا ْعبُدُوا هَّللا َ َواَل تُ ْش ِر ُكوا بِ ِه َش ْيًئا " إلى آخر اآلية‬

‫وإذ أخذنا ميثاق بني إس رائيل ال تعب دون إال هللا وبالوال دين "‬
‫إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقول وا للن اس حس نا‬
‫وأقيم وا الص الة وآت وا الزك اة ثم ت وليتم إال قليال منكم وأنتم‬
‫" معرضون‬
‫ق بَنِي ِإ ْس َراِئي َل " هذا من قسوتهم أن كل أمر أمروا به‪ ,‬استعصوا فال يقبلونه إال باأليمان الغليظة‪ ,‬والعه ود‬ ‫فقوله " َوِإ ْذ َأخ َْذنَا ِميثَا َ‬
‫‪.‬الموثقة‬
‫"‬ ‫رك به‬ ‫ده‪ ,‬ونهى عن الش‬ ‫ادة هللا وح‬ ‫ر بعب‬ ‫ذا أم‬ ‫ُدونَ ِإاَّل هَّللا َ " ه‬ ‫‪.‬اَل تَ ْعبُ‬
‫وهذا أصل الدين‪ ,‬فال تقبل األعمال كلها‪ ,‬إن لم يكن هذا أساسها‪ ,‬فهذا حق هللا تع الى على عب اده‪ ,‬ثم ق ال‪َ " :‬وبِ ْال َوالِ َد ْي ِن ِإحْ َس انًا "‬
‫انا‬ ‫دين إحس‬ ‫نوا بالوال‬ ‫‪.‬أي‪ :‬أحس‬
‫ان إليهم‬ ‫و إحس‬ ‫اه‬ ‫ولي‪ ,‬وفعلي‪ ,‬مم‬ ‫ان‪ ,‬ق‬ ‫ل إحس‬ ‫ذا يعم ك‬ ‫‪.‬وه‬
‫اءة‬ ‫ان واإلس‬ ‫دم اإلحس‬ ‫دين‪ ,‬أو ع‬ ‫اءة إلى الوال‬ ‫ه النهي عن اإلس‬ ‫‪.‬وفي‬
‫ده‬ ‫يء‪ ,‬نهي عن ض‬ ‫ر بالش‬ ‫ان‪ ,‬واألم‬ ‫واجب‪ ,‬اإلحس‬ ‫‪.‬ألن ال‬
‫اءة‪ ,‬وهي أعظم جرما‬ ‫دان‪ :‬اإلس‬ ‫ان ض‬ ‫‪.‬ولإلحس‬
‫األول‬ ‫قب‬ ‫رم‪ ,‬لكن ال يجب أن يلح‬ ‫ذا مح‬ ‫اءة‪ ,‬وه‬ ‫دون إس‬ ‫ان ب‬ ‫رك اإلحس‬ ‫‪.‬وت‬
‫اكين‬ ‫امى‪ ,‬والمس‬ ‫ارب واليت‬ ‫لة األق‬ ‫ال في ص‬ ‫ذا يق‬ ‫‪.‬وك‬
‫دم‬ ‫ا تق‬ ‫د‪ ,‬كم‬ ‫ون بالح‬ ‫ل تك‬ ‫ر بالع‬ ‫د‪ ,‬ب‬ ‫ان ال تنحص‬ ‫يل اإلحس‬ ‫‪.‬وتفاص‬
‫ُس نًا " ومن الق ول الحس ن أم رهم ب المعروف‪ ,‬ونهيهم عن المنك ر‪,‬‬ ‫ثم أمر باإلحسان إلى الناس عموم ا فق ال‪َ " :‬وقُولُ وا لِلنَّ ِ‬
‫اس ح ْ‬
‫ل كالم طيب‬ ‫ك من ك‬ ‫ير ذل‬ ‫ة وغ‬ ‫الم‪ ,‬والبشاش‬ ‫ذل الس‬ ‫‪.‬وتعليمهم العلم‪ ,‬وب‬
‫ولما كان اإلنسان ال يسع الناس بماله‪ ,‬أمر بأمر يقدر به على اإلحسان إلى كل مخلوق‪ ,‬وهو اإلحس ان ب القول‪ ,‬فيك ون في ض من‬
‫ب ِإاَّل بِ الَّتِي ِه َي َأحْ َس نُ‬
‫‪ " .‬ذل ك‪ ,‬النهي عن الكالم الق بيح للن اس ح تى للكف ار‪ ,‬وله ذا ق ال تع الى‪َ " :‬واَل تُ َج ا ِدلُوا َأ ْه َل ْال ِكتَ ا ِ‬
‫ومن أدب اإلنسان الذي أدب هللا ب ه عب اده‪ ,‬أن يك ون اإلنس ان نزيه ا فى أقوال ه وأفعال ه‪ ,‬غ ير ف احش وال ب ذيء‪ ,‬وال ش اتم‪ ,‬وال‬
‫‪.‬مخاصم‬
‫‪.‬بل يكون حسن الخلق‪ ,‬واس ع الحلم‪ ,‬مج امال لك ل أح د‪ ,‬ص بورا على م ا ينال ه من أذى الخل ق‪ ,‬امتث اال ألم ر هللا‪ ,‬ورج اء لثوابه‬
‫‪.‬ثم أمرهم بإقامة الصالة‪ ,‬وإيتاء الزكاة‪ ,‬لما تقدم أن الص الة متض منة لإلخالص للمعب ود‪ ,‬والزك اة متض منة لإلحس ان إلى العبيد‬
‫ثم بعد هذا األمر لكم‪ ,‬بهذه األوامر الحسنة التي إذا نظر إليه ا البص ير العاق ل‪ ,‬ع رف أن من إحس ان هللا على عب اده‪ ,‬أن أم رهم‬
‫راض‬ ‫ه اإلع‬ ‫َولَّ ْيتُ ْم " على وج‬ ‫ق عليكم " ثُ َّم تَ‬ ‫ذ المواثي‬ ‫ا عليهم‪ ,‬وأخ‬ ‫ل به‬ ‫ا‪ ,,‬وتفض‬ ‫‪.‬به‬
‫ولى عنه‬ ‫ات‬ ‫وع إلى م‬ ‫ة رج‬ ‫ه ني‬ ‫ولى‪ ,‬ول‬ ‫د يت‬ ‫ولي ق‬ ‫‪.‬ألن المت‬
‫ذه األوامر‬ ‫وع في ه‬ ‫ة وال رج‬ ‫ؤالء ليس لهم رغب‬ ‫‪.‬وه‬
‫ذالن‬ ‫وذ باهلل من الخ‬ ‫‪.‬فنع‬
‫وا كلهم‬ ‫وهم أنهم تول‬ ‫تثناء‪ ,‬لئال ي‬ ‫ذا اس‬ ‫ه " ِإاَّل قَلِياًل ِم ْن ُك ْم " ه‬ ‫‪.‬وقول‬
‫‪.‬فأخبر أن قليال منهم‪ ,‬عصمهم هللا وثبتهم‬

‫وإذ أخذنا ميثاقكم ال تسفكون دم اءكم وال تخرج ون أنفس كم "‬


‫" من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون‬
‫وحي بالمدينة‬ ‫انوا في زمن ال‬ ‫ذين ك‬ ‫ل لل‬ ‫ة‪ ,‬فع‬ ‫ذه اآلي‬ ‫ذكور في ه‬ ‫ل الم‬ ‫ذا الفع‬ ‫‪.‬وه‬
‫وذلك أن األوس والخزرج ‪ -‬وهم األنصار ‪ -‬كانوا قبل مبعث الن بي ص لى هللا علي ه وس لم مش ركين‪ ,‬وك انوا يقتتل ون على ع ادة‬
‫‪.‬الجاهلية‬
‫اع‬ ‫و قينق‬ ‫ير‪ ,‬وبن‬ ‫و النض‬ ‫ة‪ ,‬وبن‬ ‫و قريظ‬ ‫ود‪ ,‬بن‬ ‫رق اليه‬ ‫رق الثالث من ف‬ ‫نزلت عليهم الف‬ ‫‪.‬ف‬
‫ل المدينة‬ ‫ة من أه‬ ‫الفت فرق‬ ‫ة منهم‪ ,‬ح‬ ‫ل فرق‬ ‫‪.‬فك‬
‫فكانوا إذا اقتتلوا‪ ,‬أعان اليهودي حليفه على مقاتليه‪ ,‬الذين تعينهم الفرقة األخرى من اليهود‪ ,‬فيقتل اليهودي اليهودي‪ ,‬ويخرجه من‬
‫ل جالء ونهب‬ ‫اره إذا حص‬ ‫‪.‬دي‬
‫هم بعضا‬ ‫دى بعض‬ ‫ائفتين ف‬ ‫ارى بين الط‬ ‫ل أس‬ ‫د حص‬ ‫ان ق‬ ‫ا‪ ,‬وك‬ ‫رب أوزاره‬ ‫عت الح‬ ‫‪.‬ثم إذا وض‬
‫ت عليهم‬ ‫د فرض‬ ‫ا‪ ,‬ق‬ ‫ة كله‬ ‫ور الثالث‬ ‫‪.‬واألم‬
‫‪.‬ففرض عليهم أن ال يسفك بعضهم دم بعض‪ ,‬وال يخرج بعضهم بعضا من ديارهم‪ ,‬وإذا وجدوا أسيرا منهم‪ ,‬وجب عليهم فداؤه‬
‫ثم أنتم ه ؤالء تقتل ون أنفس كم وتخرج ون فريق ا منكم من "‬
‫ديارهم تظ اهرون عليهم ب اإلثم والع دوان وإن ي أتوكم أس ارى‬
‫تفادوهم وهو مح رم عليكم إخ راجهم أفتؤمن ون ببعض الكت اب‬
‫وتكف رون ببعض فم ا ج زاء من يفع ل ذل ك منكم إال خ زي في‬
‫الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما هللا بغافل‬
‫" عما تعملون‬
‫ْض "‬ ‫ب " وهو ف داء األس ير " َوتَ ْكفُ رُونَ بِبَع ٍ‬ ‫ْض ْال ِكتَا ِ‬
‫فعملوا باألخير وتركوا األولين‪ ,‬فأنكر هللا عليهم ذلك فقال‪َ " :‬أفَتُْؤ ِمنُونَ بِبَع ِ‬
‫راج‬ ‫ل واإلخ‬ ‫و القت‬ ‫‪.‬وه‬
‫وفيها دليل على أن اإليمان‪ ,‬يقتضي فعل األوامر‪ ,‬واجتناب النواهي وأن المأمورات من اإليمان قال تعالى‪ " :‬فَ َما َجزَ ا ُء َم ْن يَ ْف َع ُل‬
‫ع ذلك‬ ‫د وق‬ ‫ُّد ْنيَا " وق‬ ‫ا ِة ال‬ ‫ي فِي ْال َحيَ‬
‫ْز ٌ‬ ‫كَ ِم ْن ُك ْم ِإاَّل ِخ‬ ‫‪َ .‬ذلِ‬
‫بى منهم‪ ,‬وأجلى من أجلى‬ ‫بى من س‬ ‫ل‪ ,‬وس‬ ‫ل من قت‬ ‫وله عليهم‪ ,‬فقت‬ ‫لط رس‬ ‫أخزاهم هللا‪ ,‬وس‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪َ " .‬ويَوْ َم ْالقِيَا َم ِة يُ َر ُّدونَ ِإلَى َأ َش ِّد ْال َع َذا ِ‬
‫ب " أي‪ :‬أعظمه " َو َما هَّللا ُ بِغَافِ ٍل َع َّما تَ ْع َملُونَ "‬

‫‪ ‬‬

‫أولئك الذين اشتروا الحي اة ال دنيا ب اآلخرة فال يخف ف عنهم "‬
‫" العذاب وال هم ينصرون‬
‫اش تَ َر ُوا ْال َحيَ اةَ ال ُّد ْنيَا‬ ‫ثم أخ بر تع الى عن الس بب ال ذي أوجب لهم الكف ر ببعض الكت اب‪ ,‬واإليم ان ببعض ه فق ال‪ُ " :‬أولَِئ َ‬
‫ك الَّ ِذينَ ْ‬
‫‪.‬بِ اآْل ِخ َر ِة " توهم وا أنهم إن لم يعين وا حلف اءهم حص ل لهم ع ار‪ ,‬فاخت اروا الن ار على الع ار‬
‫‪.‬فله ذا ق ال‪ " :‬فَاَل يُ َخفَّفُ َع ْنهُ ُم ْال َع َذابُ " ب ل‪ :‬ه و ب اق على ش دته‪ ,‬وال يحص ل لهم راح ة ب وقت من األوق ات‬
‫‪َ .‬واَل هُ ْم يُ ْن َ‬
‫صرُونَ " أي‪ :‬يدفع عنهم مكروه "‬

‫ولق د آتين ا موس ى الكت اب وقفين ا من بع ده بالرس ل وآتين ا "‬


‫عيسى ابن مريم البين ات وأي دناه ب روح الق دس أفكلم ا ج اءكم‬
‫رس ول بم ا ال ته وى أنفس كم اس تكبرتم ففريق ا ك ذبتم وفريق ا‬
‫" تقتلون‬
‫يمتن تعالى على بني إسرائيل‪ ,‬أن أرسل لهم كليمه موسى‪ ,‬وآتاه التوراة‪ ,‬ثم ت ابع بع ده بالرس ل ال ذين يحكم ون ب التوراة‪ ,‬إلى أن‬
‫الم‬ ‫ه الس‬ ‫ى علي‬ ‫اءهم بعيس‬ ‫‪.‬ختم أنبي‬
‫ه البشر‬ ‫ؤمن على مثل‬ ‫اي‬ ‫ات‪ ,‬م‬ ‫ات البين‬ ‫اه من اآلي‬ ‫‪.‬وآت‬
‫"‬ ‫دس‬ ‫روح الق‬ ‫واه هللا ب‬ ‫ُس " أي‪ :‬ق‬
‫د ِ‬ ‫ُوح ْالقُ‬
‫ر ِ‬ ‫‪َ .‬وَأيَّ ْدنَاهُ بِ‬
‫‪.‬ق ال أك ثر المفس رين‪ :‬إن ه جبري ل علي ه الس الم‪ ,‬وقي ل‪ :‬إن ه اإليم ان ال ذي يؤي د هللا ب ه عب اده‬
‫‪.‬ثم م ع ه ذه النعم ال تي ال يق در ق درها‪ ,‬لم ا أت وكم " بِ َم ا اَل تَ ْه َوى َأ ْنفُ ُس ُك ُم ْ‬
‫اس تَ ْكبَرْ تُ ْم " عن اإليم ان بهم‬
‫‪.‬فَفَ ِريقً ا " منهم " َك َّذ ْبتُ ْم َوفَ ِريقً ا تَ ْقتُلُ ونَ " فق دمتم اله وى على اله دى‪ ,‬وآث رتم ال دنيا على اآلخ رة "‬
‫‪.‬وفيها من التوبيخ والتشديد‪ ,‬ما ال يخفى‬

‫" وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم هللا بكفرهم فقليال ما يؤمنون "‬
‫‪.‬أي‪ :‬اعتذروا عن اإليمان لما دعوتهم إلي ه‪ ,‬ي ا أيه ا الرس ول‪ ,‬ب أن قل وبهم غل ف‪ ,‬أي‪ :‬عليه ا غالف وأغطي ة‪ ,‬فال تفق ه م ا تق ول‬
‫ذب منهم‬ ‫ذا ك‬ ‫دم العلم‪ ,‬وه‬ ‫ذر لع‬ ‫زعمهم ‪ -‬ع‬ ‫ون لهم ‪ -‬ب‬ ‫ني‪ ,‬فيك‬ ‫‪.‬يع‬
‫رهم‬ ‫بب كف‬ ‫ون‪ ,‬بس‬ ‫رودون ملعون‬ ‫ِر ِه ْم " أي‪ :‬أنهم مط‬ ‫لْ لَ َعنَهُ ُم هَّللا ُ بِ ُك ْف‬ ‫الى‪ " :‬بَ‬ ‫ال تع‬ ‫ذا ق‬ ‫‪.‬فله‬
‫انهم‬ ‫ؤمن منهم‪ ,‬أو قليال‪ ,‬إيم‬ ‫‪.‬فقليال‪ ,‬الم‬
‫‪.‬وكفرهم هو الكثير‬

‫ولما جاءهم كتاب من عند هللا مص دق لم ا معهم وك انوا من "‬


‫قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم م ا عرف وا كف روا‬
‫" به فلعنة هللا على الكافرين‬
‫أي‪ :‬ولما جاءهم من عند هللا على يد أفضل الخلق‪ ,‬وخاتم األنبياء‪ ,‬الكتاب المشتمل على تصديق ما معهم من التوراة‪ ,‬وق د علم وا‬
‫به‪ ,‬وتيقنوه على أنهم إذا كان وقع بينهم وبين المشركين في الجاهلية حروب‪ ,‬استنصروا بهذا النبي‪ ,‬وتوع دوهم بخروج ه‪ ,‬وأنهم‬
‫ركين معه‬ ‫اتلون المش‬ ‫‪.‬يق‬
‫‪.‬فلم ا ج اءهم ه ذا الكت اب والن بي ال ذي عرف وا‪ ,‬كف روا ب ه‪ ,‬بغي ا وحس دا‪ ,‬أن ي نزل هللا من فض له على من يش اء من عب اده‬
‫‪.‬فلعنهم هللا‪ ,‬وغضب عليهم غضبا بعد غضب‪ ,‬لكثرة كفرهم‪ ,‬وتوالى شكهم وشركهم‬

‫بئسما اشتروا ب ه أنفس هم أن يكف روا بم ا أن زل هللا بغي ا أن "‬


‫ي نزل هللا من فض له على من يش اء من عب اده فب اءوا بغض ب‬
‫" على غضب وللكافرين عذاب مهين‬
‫"‬ ‫وت النعيم المقيم‬ ‫لى الجحيم‪ ,‬وف‬ ‫وص‬ ‫ع‪ ,‬وه‬ ‫ؤلم موج‬ ‫ين " أي‪ :‬م‬
‫افِ ِرينَ َع‬ ‫‪َ .‬ولِ ْل َك‬
‫َذابٌ ُم ِه ٌ‬
‫فبئس الحال حالهم‪ ,‬وبئس ما استعاضوا واستبدلوا من اإليمان باهلل وكتبه ورسله‪ ,‬الكفر به‪ ,‬وبكتب ه‪ ,‬وبرس له‪ ,‬م ع علمهم وتيقنهم‪,‬‬
‫‪.‬فيكون أعظم لعذابهم‬
‫وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل هللا قالوا ن ؤمن بم ا أن زل علين ا "‬
‫ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون‬
‫" أنبياء هللا من قبل إن كنتم مؤمنين‬
‫أي‪ :‬وإذا أمر اليهود باإليمان بما أنزل هللا على رسوله‪ ,‬وهو القرآن استكبروا وعتوا‪ ,‬و " قَالُوا نُ ْؤ ِمنُ بِ َم ا ُأ ْن ِز َل َعلَ ْينَ ا َويَ ْكفُ رُونَ‬
‫واه من الكتب‬ ‫اس‬ ‫ا َو َرا َءهُ " أي‪ :‬بم‬ ‫‪.‬بِ َم‬
‫مع أن الواجب أن يؤمنوا بما أنزل هللا مطلقا‪ ,‬سواء أنزل عليهم‪ ,‬أو على غيرهم‪ ,‬وهذا هو اإليم ان الن افع‪ ,‬اإليم ان بم ا أن زل هللا‬
‫له‬ ‫ع رس‬ ‫‪.‬على جمي‬
‫وأما التفريق بين الرسل والكتب‪ ,‬وزعم اإليمان ببعضها دون بعض‪ ,‬فهذا ليس بإيمان‪ ,‬بل هو الكفر بعينه‪ ,‬ولهذا قال تعالى‪ِ " :‬إ َّن‬
‫ْض َوي ُِري ُدونَ َأ ْن يَتَّ ِخ ُذوا بَ ْينَ َذلِ كَ‬
‫ْض َونَ ْكفُ ُر بِبَع ٍ‬ ‫الَّ ِذينَ يَ ْكفُرُونَ بِاهَّلل ِ َو ُر ُسلِ ِه َوي ُِري ُدونَ َأ ْن يُفَ ِّرقُوا بَ ْينَ هَّللا ِ َو ُر ُسلِ ِه َويَقُولُونَ نُْؤ ِمنُ بِبَع ٍ‬
‫افِرُونَ َحقّاً‬ ‫بِياًل ُأولَِئكَ هُ ُم ْال َك‬ ‫" َس‬ ‫‪.‬‬
‫ولهذا رد عليهم تبارك وتعالى هنا‪ ,‬ردا شافيا‪ ,‬وألزمهم إلزاما ال محيد لهم عنه‪ ,‬فرد عليهم بكفرهم بالقرآن ب أمرين فق ال‪َ " :‬وهُ َو‬
‫ق " ‪ ,‬فإذا كان هو الحق في جميع ما اشتمل عليه من اإلخبارات‪ ,‬واألوامر والن واهي‪ ,‬وه و من عن د ربهم‪ ,‬ف الكفر ب ه ‪ -‬بع د‬ ‫ْال َح ُّ‬
‫ذي أنزله‬ ‫الحق ال‬ ‫رب‬ ‫ر باهلل‪ ,‬وكف‬ ‫ك ‪ -‬كف‬ ‫‪.‬ذل‬
‫ا عليه‬ ‫ق ومهيمن‬ ‫ه من الح‬ ‫ا دل علي‬ ‫لم‬ ‫ه في ك‬ ‫ال‬ ‫ا َم َعهُ ْم " أي‪ :‬موافق‬ ‫ِّدقًا لِ َم‬ ‫ص‬
‫ال " ُم َ‬ ‫‪.‬ثم ق‬
‫يره؟‬ ‫رون بنظ‬ ‫زل عليكم‪ ,‬وتكف‬ ‫ا أن‬ ‫ون بم‬ ‫‪.‬فلم تؤمن‬
‫هل هذا إال تعصب‪ ,‬واتباع للهوى ال للهدى؟ وأيضا‪ ,‬فإن كون القرآن مصدقا لما معهم‪ ,‬يقتضي أنه حج ة لهم على ص دق م ا في‬
‫ا إال به‬ ‫بيل لهم إلى إثباته‬ ‫ديهم من الكتب‪ ,‬قال س‬ ‫‪.‬أي‬
‫فإذا كفروا به وجحدوه‪ ,‬صاروا بمنزلة من ادعى دعوى بحجة وبينة‪ ,‬ليس له غيرها‪ ,‬وال تتم دعواه إال بسالمة بينته‪ ,‬ثم يأتي ه و‬
‫‪.‬لبينته وحجته‪ ,‬فيقدح فيها ويكذب به ا; أليس ه ذا من الحماق ة والجن ون؟ فك ان كف رهم ب القرآن‪ ,‬كف را بم ا في أي ديهم ونقض ا له‬
‫ثم نقض عليهم تعالى دعواهم اإليمان بما أنزل إليهم بقوله‪ " :‬قُلْ " لهم " فَلِ َم تَ ْقتُلُونَ َأ ْنبِيَا َء هَّللا ِ ِم ْن قَ ْب ُل ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُمْؤ ِمنِينَ‬

‫ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بع ده وأنتم "‬


‫" ظالمون‬
‫ة للحق‬ ‫حات المبين‬
‫ة الواض‬ ‫ت " أي‪ :‬باألدل‬ ‫ا ِ‬ ‫ى بِ ْالبَيِّنَ‬ ‫ا َء ُك ْم ُم َ‬
‫وس‬ ‫ْد َج‬ ‫‪َ .‬ولَقَ‬
‫‪.‬ثُ َّم اتَّخ َْذتُ ُم ْال ِعجْ َل ِم ْن بَ ْع ِد ِه " أي‪ :‬بعد مجيئه " َوَأ ْنتُ ْم َ‬
‫ظالِ ُمونَ " في ذلك ليس لكم عذر "‬

‫وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة "‬
‫واس معوا ق الوا س معنا وعص ينا وأش ربوا في قل وبهم العج ل‬
‫" بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين‬
‫اس َمعُوا " أي‪ :‬س ماع قب ول وطاع ة واس تجابة "‬ ‫ور ُخ ُذوا َم ا آتَ ْينَ ا ُك ْم بِقُ َّو ٍة َو ْ‬ ‫‪.‬وَِإ ْذ َأخَ ْذنَا ِميثَ اقَ ُك ْم َو َرفَ ْعنَ ا فَ وْ قَ ُك ُم ُّ‬
‫الط َ‬
‫َص ْينَا " أي‪ :‬ص ارت ه ذه ح التهم " َوُأ ْش ِربُوا فِي قُلُ وبِ ِه ُم ْال ِعجْ َل " أي‪ :‬ص بغ حب العج ل‪ ,‬وحب عبادت ه‪ ,‬في "‬ ‫قَالُوا َس ِم ْعنَا َوع َ‬
‫رهم‬ ‫بب كف‬ ‫ربها بس‬ ‫وبهم‪ ,‬وش‬ ‫‪.‬قل‬
‫قُلْ بِْئ َس َما يَْأ ُم ُر ُك ْم بِ ِه ِإي َمانُ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُمْؤ ِمنِينَ " أي‪ :‬أنتم تدعون اإليمان وتتمدحون بالدين الح ق‪ ,‬وأنتم قتلتم أنبي اء هللا‪ ,‬واتخ ذتم "‬
‫العجل إلها من دون هللا‪ ,‬لما غاب عنكم موسى‪ ,‬نبي هللا‪ ,‬و لم تقبلوا أوامره ونواهيه إال بعد التهديد ورفع الط ور ف وقكم‪ ,‬ف التزمتم‬
‫تم بالفعل‬ ‫القول‪ ,‬ونقض‬ ‫‪.‬ب‬
‫فما هذا اإليمان الذي ادعيتم‪ ,‬وما هذا الدين؟ فإن كان هذا إيمانا على زعمكم‪ ,‬فبئس اإليمان الداعي صاحبه إلى الطغي ان‪ ,‬والكف ر‬
‫يان‬ ‫ثرة العص‬ ‫ل هللا‪ ,‬وك‬ ‫‪.‬برس‬
‫ل شر‬ ‫اه عن ك‬ ‫ير‪ ,‬وينه‬ ‫لخ‬ ‫احبه بك‬ ‫أمر ص‬ ‫حيح‪ ,‬ي‬ ‫ان الص‬ ‫د أن اإليم‬ ‫د عه‬ ‫‪.‬وق‬
‫‪.‬فوضح بهذا كذبهم‪ ,‬وتبين تناقضهم‬

‫قل إن كانت لكم الدار اآلخرة عند هللا خالصة من دون الناس "‬
‫" فتمنوا الموت إن كنتم صادقين‬
‫َت لَ ُك ُم ال َّدا ُر اآْل ِخ َرةُ " يع ني الجن ة " خَ الِ َ‬
‫ص ةً ِم ْن دُو ِن النَّ ِ‬
‫اس " كم ا زعمتم‪,‬‬ ‫أي‪ " :‬قُلْ " لهم على وجه تصحيح دعواهم " ِإ ْن َكان ْ‬
‫‪.‬أن ه لن ي دخل الجن ة إال من ك ان ه ودا أو نص ارى‪ ,‬وأن الن ار لن تمس كم إال أيام ا مع دودة‬
‫‪.‬ف إن كنتم ص ادقين في ه ذه ال دعوى " فَتَ َمنَّ ُوا ْال َم وْ تَ " وه ذا ن وع مباهل ة بينهم‪ ,‬وبين رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫‪.‬وليس بع د ه ذا اإللج اء والمض ايقة لهم بع د العن اد منهم‪ ,‬إال أح د أم رين‪ :‬إم ا أن يؤمن وا باهلل ورس وله‬
‫وإما أن يباهلوا على ما هم عليه بأمر يسير عليهم‪ ,‬وهو تمني الموت الذي يوصلهم إلى الدار التي هي خالص ة لهم‪ ,‬ف امتنعوا من‬
‫‪.‬ذلك‬

‫" ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم وهللا عليم بالظالمين "‬
‫ذلك‬ ‫ع علمهم ب‬ ‫وله‪ ,‬م‬ ‫ادة هلل ولرس‬ ‫دة والمح‬ ‫ة المعان‬
‫د أنهم في غاي‬ ‫ل أح‬ ‫‪.‬فعلم ك‬
‫ت َأ ْي ِدي ِه ْم " من الكفر والمعاصي‪ ,‬ألنهم يعلمون أن ه طري ق لهم إلى المج ازاة بأعم الهم‬
‫ولهذا قال تعالى " َولَ ْن يَتَ َمنَّوْ هُ َأبَدًا بِ َما قَ َّد َم ْ‬
‫‪.‬الخبيثة‬

‫ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أش ركوا ي ود "‬


‫أحدهم ل و يعم ر أل ف س نة وم ا ه و بمزحزح ه من الع ذاب أن‬
‫" يعمر وهللا بصير بما يعملون‬
‫فالموت أكره شيء إليهم‪ ,‬وهم أحرص على الحياة من كل أحد من الناس‪ ,‬حتى من المشركين ال ذين ال يؤمن ون بأح د من الرس ل‬
‫‪.‬والكتب‬
‫نَ ٍة‬ ‫فَ َس‬ ‫وْ يُ َع َّم ُر َأ ْل‬ ‫ُدهُ ْم لَ‬ ‫َو ُّد َأ َح‬ ‫ال‪ " :‬يَ‬ ‫دنيا فق‬ ‫دة محبتهم ال‬ ‫رش‬ ‫" ثم ذك‬ ‫‪.‬‬
‫االت‬ ‫ة هي من المح‬ ‫وا حال‬ ‫رص‪ ,‬تمن‬ ‫ون من الح‬ ‫ا يك‬ ‫غم‬ ‫ذا أبل‬ ‫‪.‬وه‬
‫يئا‬ ‫ذاب ش‬ ‫ع عنهم من الع‬ ‫يئا وال دف‬
‫ذكور‪ ,‬لم يغن عنهم ش‬ ‫ر الم‬ ‫روا العم‬ ‫و عم‬ ‫ال أنهم ل‬ ‫‪.‬والح‬
‫‪.‬وهَّللا ُ بَ ِ‬
‫صي ٌر بِ َما يَ ْع َملُونَ " تهديد لهم على المجازاة بأعمالهم "‬ ‫َ‬

‫ق ل من ك ان ع دوا لجبري ل فإن ه نزل ه على قلب ك ب إذن هللا "‬


‫" مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين‬
‫أي‪ :‬قل لهؤالء اليهود‪ ,‬الذين زعموا أن الذي منعهم من اإليمان بك‪ ,‬أن وليك جبريل عليه السالم‪ ,‬ولو كان غ يره من مالئك ة هللا‪,‬‬
‫بر على هللا‬ ‫افت‪ ,‬وتك‬ ‫اقض وته‬ ‫زعم منكم‪ ,‬تن‬ ‫ذا ال‬ ‫دقوا‪ :‬إن ه‬ ‫ك وص‬ ‫وا ب‬ ‫‪.‬آلمن‬
‫فإن جبريل عليه السالم هو الذي نزل القرآن من عند هللا على قلبك‪ ,‬وه و ال ذي ي نزل على األنبي اء قبل ك‪ ,‬وهللا ه و ال ذي أم ره‪,‬‬
‫ول محض‬ ‫و رس‬ ‫ذلك‪ ,‬فه‬ ‫له ب‬ ‫‪.‬وأرس‬
‫مع أن هذا الكتاب الذي نزل به جبريل ‪ -‬مصدقا لما تقدمه من الكتب ‪ -‬غير مخالف لها وال مناقض‪ ,‬وفيه الهداية التامة من أنواع‬
‫روي‪ ,‬لمن آمن به‬ ‫دنيوي واألخ‬ ‫الخير ال‬ ‫ارة ب‬ ‫الالت‪ ,‬والبش‬ ‫‪.‬الض‬
‫له ومالئكته‬ ‫داوة هلل ولرس‬ ‫ه‪ ,‬وع‬ ‫ر باهلل وآيات‬ ‫ذلك‪ ,‬كف‬ ‫وف ب‬ ‫ل‪ ,‬الموص‬ ‫داوة لجبري‬ ‫‪.‬فالع‬
‫ل هللا‬ ‫ق‪ ,‬على رس‬ ‫د هللا من الح‬ ‫ه من عن‬ ‫نزل ب‬ ‫اي‬ ‫ل لم‬ ‫هب‬ ‫ل‪ ,‬ال لذات‬ ‫داوتهم لجبري‬ ‫إن ع‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪.‬فيتضمن الكفر والعداوة‪ ,‬للذي أنزله وأرسله‪ ,‬والذي أرسل به‪ ,‬والذي أرسل إليه‪ ,‬فهذا وجه ذلك‬

‫" ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إال الفاسقون "‬
‫ت " تحصل بها الهداي ة لمن اس تهدى‪ ,‬وإقام ة الحج ة على من عان د‪,‬‬ ‫يقول لنبيه صلى هللا عليه وسلم " َولَقَ ْد َأ ْن َز ْلنَا ِإلَ ْيكَ آيَا ٍ‬
‫ت بَيِّنَا ٍ‬
‫وهي في الوضوح والداللة على الحق‪ ,‬قد بلغت مبلغا عظيم ا ووص لت إلى حال ة ال يمتن ع من قبوله ا إال من فس ق عن أم ر هللا‪,‬‬
‫بر‬ ‫ة التك‬ ‫تكبر غاي‬ ‫ة هللا‪ ,‬واس‬ ‫رج عن طاع‬ ‫‪.‬وخ‬
‫‪.‬وهذا فيه التعجب من كثرة معاهداتهم‪ ,‬وعدم صبرهم على الوالء بها‬

‫أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أك ثرهم ال يؤمن ون "‬


‫"‬
‫ه النقض‬ ‫رتب علي‬ ‫دت‬ ‫د العه‬ ‫ا وج‬ ‫رار‪ ,‬فكلم‬ ‫د التك‬ ‫ا " تفي‬ ‫‪.‬فـ " ُكلَّ َم‬
‫ك؟‬ ‫بب في ذل‬ ‫ا الس‬ ‫‪.‬م‬
‫ون‬ ‫ثرهم ال يؤمن‬ ‫بب أن أك‬ ‫‪.‬الس‬
‫ود‬ ‫ذي أوجب لهم نقض العه‬ ‫و ال‬ ‫انهم ه‬ ‫دم إيم‬ ‫‪.‬فع‬
‫ال هللا فيهم‬ ‫ل من ق‬ ‫انوا مث‬ ‫انهم‪ ,‬لك‬ ‫دق إيم‬ ‫وص‬ ‫‪.‬ول‬
‫‪ِ " .‬منَ ْال ُمْؤ ِمنِينَ ِر َجا ٌل َ‬
‫ص َدقُوا َما عَاهَدُوا هَّللا َ َعلَ ْي ِه "‬
‫ولما جاءهم رسول من عند هللا مصدق لم ا معهم نب ذ فري ق "‬
‫من ال ذين أوت وا الكت اب كت اب هللا وراء ظه ورهم ك أنهم ال‬
‫" يعلمون‬
‫أي‪ :‬ولما جاءهم هذا الرسول الكريم بالكتاب العظيم بالحق الموافق لما معهم وكانوا يزعمون أنهم متمسكون بكتابهم‪ ,‬فلما كف روا‬
‫اء به‬ ‫اج‬ ‫ول وبم‬ ‫ذا الرس‬ ‫‪.‬به‬
‫اب هَّللا ِ " ال ذي أن زل إليهم أي طرح وه رغب ة عن ه " َو َرا َء ظُهُ ِ‬
‫ور ِه ْم " وه ذا أبل غ في "‬ ‫ق ِمنَ الَّ ِذينَ ُأوتُ وا ْال ِكتَ َ‬
‫اب ِكتَ َ‬ ‫نَبَ َذ فَ ِري ٌ‬
‫اإلعراض كأنهم في فعلهم هذا من الجاهلين وهم يعلمون صدقه وحقيقة ما جاء به‪ ,‬تبين به ذا أن ه ذا الفري ق من أه ل الكت اب لم‬
‫‪.‬يب ق في أي ديهم ش يء حيث لم يؤمن وا به ذا الرس ول‪ ,‬فص ار كف رهم ب ه كف را بكت ابهم من حيث ال يش عرون‬
‫ولما كان من العوائد القدسية والحكمة اإللهية أن من ترك ما ينفعه وأمكنه االنتفاع به ولم ينتفع‪ ,‬ابتلي باالشتغال بم ا يض ره‪ ,‬فمن‬
‫ترك عبادة الرحمن‪ ,‬ابتلي بعبادة األوثان‪ ,‬ومن ترك محب ة هللا وخوف ه ورج اءه‪ ,‬ابتلي بمحب ة غ ير هللا وخوف ه ورجائ ه‪ ,‬ومن لم‬
‫‪.‬ينف ق مال ه في طاع ة هللا أنفق ه في طاع ة الش يطان‪ ,‬ومن ت رك ال ذل لرب ه‪ ,‬ابتلي بال ذل للعبيد‬
‫‪.‬ومن ترك الحق ابتلي بالباطل‬

‫واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان "‬
‫ولكن الشياطين كف روا يعلم ون الن اس الس حر وم ا أن زل على‬
‫الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد ح تى يق وال‬
‫إنم ا نحن فتن ة فال تكف ر فيتعلم ون منهم ا م ا يفرق ون ب ه بين‬
‫الم رء وزوج ه وم ا هم بض ارين ب ه من أح د إال ب إذن هللا‬
‫ويتعلمون ما يضرهم وال ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما ل ه‬
‫في اآلخ رة من خالق ول بئس م ا ش روا ب ه أنفس هم ل و ك انوا‬
‫" يعلمون‬
‫كذلك هؤالء اليهود لما نبذوا كتاب هللا اتبعوا ما تتلوا الش ياطين وتختل ق من الس حر على مل ك س ليمان حيث أخ رجت الش ياطين‬
‫‪.‬للن اس الس حر وزعم وا أن س ليمان علي ه الس الم ك ان يس تعمله وب ه حص ل ل ه المل ك العظيم‬
‫‪.‬وهم كذب ة في ذل ك فلم يس تعمله س ليمان ب ل نزه ه الص ادق في قيل ه‪َ " :‬و َم ا َكفَ َر ُس لَ ْي َمانُ " أي‪ :‬بتعلم الس حر‪ ,‬فلم يتعلمه‬
‫"‬ ‫رُوا " في ذلك‬ ‫يَا ِطينَ َكفَ‬ ‫‪َ .‬ولَ ِك َّن َّ‬
‫الش‬
‫يُ َعلِّ ُمونَ النَّ َ‬
‫اس السِّحْ َر " من إضاللهم وحرصهم على إغواء بني آدم وكذلك اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين الكائنين "‬
‫‪.‬ب أرض باب ل من أرض الع راق أن زل عليهم ا الس حر امتحان ا وابتالء من هللا لعب اده فيعلم انهم الس حر‬
‫َو َما يُ َعلِّ َما ِن ِم ْن َأ َح ٍد َحتَّى " ينصحاه‪ ,‬و " يَقُواَل ِإنَّ َم ا نَحْ نُ فِ ْتنَ ةٌ فَاَل تَ ْكفُ رْ " أي‪ :‬ال تتعلم الس حر فإن ه كف ر فينهيان ه عن الس حر "‬
‫ويخبرانه عن مرتبته‪ ,‬فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس واإلضالل ونسبته وترويجه إلى من برأه هللا من ه وه و س ليمان‬
‫الم‬ ‫ه الس‬ ‫‪.‬علي‬
‫ون لهم حجة‬ ‫حهما لئال يك‬ ‫ع نص‬ ‫ام‬ ‫‪.‬وتعليم الملكين امتحان‬
‫فهؤالء اليهود يتبعون السحر الذي تعلمه الشياطين‪ ,‬والسحر الذي يعلمه الملكان‪ ,‬فتركوا علم األنبياء والمرسلين وأقبلوا على علم‬
‫به‬ ‫ا يناس‬ ‫بو إلى م‬ ‫ل يص‬ ‫ياطين‪ ,‬وك‬ ‫‪.‬الش‬
‫ثم ذكر مفاسد السحر فقال‪ " :‬فَيَتَ َعلَّ ُمونَ ِم ْنهُ َما َما يُفَرِّ قُونَ بِ ِه بَ ْينَ ْال َمرْ ِء َو َزوْ ِج ِه " مع أن محبة الزوجين ال تقاس بمحب ة غيرهم ا‪,‬‬
‫ألن هللا قال في حقهما " َو َج َع َل بَ ْينَ ُك ْم َم َو َّدةً َو َرحْ َمةً " وفي هذا دليل على أن السحر له حقيقة وأن ه يض ر ب إذن هللا أي ب إرادة هللا‪,‬‬
‫ذه اآلية‬ ‫ا في ه‬ ‫يئة هللا‪ ,‬كم‬ ‫ق بمش‬ ‫و المتعل‬ ‫دري وه‬ ‫ان‪ :‬إذن ق‬ ‫‪.‬واإلذن نوع‬
‫ابقة‬ ‫ة الس‬ ‫الى في اآلي‬ ‫ه تع‬ ‫رعي كم‬ ‫ا في قول‬ ‫‪.‬وإذن ش‬
‫فَِإنَّهُ نَ َّزلَهُ َعلَى قَ ْلبِكَ بِِإ ْذ ِن هَّللا ِ " وفي هذه اآلية وما أشبهها أن األسباب مهم ا بلغت في ق وة الت أثير فإنه ا تابع ة للقض اء والق در "‬
‫ليست مستقلة في التأثير‪ ,‬ولم يخالف في هذا األصل من فرق األمة غير القدرية في أفعال العباد زعم وا أنه ا مس تقلة غ ير تابع ة‬
‫درة هللا‬ ‫ا عن ق‬ ‫يئة‪ ,‬فأخرجوه‬ ‫‪.‬للمش‬
‫ابعين‬ ‫حابة والت‬ ‫اع الص‬ ‫وله وإجم‬ ‫نة رس‬ ‫اب هللا وس‬ ‫الفوا كت‬ ‫‪.‬فخ‬
‫‪.‬ثم ذكر أن علم السحر مضرة محضة‪ ,‬ليس فيه منفعة ال دينية وال دنيوية كم ا يوج د بعض المن افع الدنيوي ة في بعض المعاصي‬
‫اس َوِإ ْث ُمهُ َم ا َأ ْكبَ ُر ِم ْن نَ ْف ِع ِه َما‬
‫‪ " .‬كم ا ق ال تع الى في الخم ر والميس ر " قُ لْ فِي ِه َم ا ِإ ْث ٌم َكبِ ي ٌر َو َمنَ افِ ُع لِلنَّ ِ‬
‫‪.‬فه ذا الس حر مض رة محض ة‪ ,‬فليس ل ه داع أص ال‪ ,‬فالمنهي ات كله ا إم ا مض رة محض ة‪ ,‬أو ش رها أك بر من خيرها‬
‫رها‬ ‫ثر من ش‬ ‫ا أك‬ ‫ة أو خيره‬ ‫لحة محض‬ ‫ا مص‬ ‫أمورات إم‬ ‫ا أن الم‬ ‫‪.‬كم‬
‫"‬ ‫لعة‬ ‫تري في الس‬ ‫ة المش‬ ‫حر رغب‬ ‫تَ َراهُ " أي‪ :‬رغب في الس‬ ‫ود " لَ َم ِن ْ‬
‫اش‬ ‫ْد َعلِ ُم‬ ‫‪َ .‬ولَقَ‬
‫وا " أي اليه‬
‫َما لَهُ فِي اآْل ِخ َر ِة ِم ْن خَ اَل ٍ‬
‫ق " أي‪ :‬نصيب‪ ,‬بل هو موجب للعقوبة‪ ,‬فلم يكن فعلهم إي اه جهال‪ ,‬ولكنهم اس تحبوا الحي اة ال دنيا على "‬
‫رة‬ ‫‪.‬اآلخ‬
‫س َما َش َروْ ا بِ ِه َأ ْنفُ َسهُ ْم لَوْ َكانُوا يَ ْعلَ ُمونَ " علما يثمر العمل ما فعلوه "‬
‫‪َ .‬ولَبِْئ َ‬

‫يا أيها الذين آمنوا ال تقولوا راعنا وقولوا انظرن ا واس معوا "‬
‫" وللكافرين عذاب أليم‬
‫اعنَ ا " أي‪ :‬راع أحوالن ا‪ ,‬فيقص دون به ا مع نى ص حيحا‬
‫‪.‬كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلمهم أمر الدين " َر ِ‬
‫‪.‬وك ان اليه ود يري دون به ا مع نى فاس دا‪ ,‬ف انتهزوا الفرص ة‪ ,‬فص اروا يخ اطبون الرس ول ب ذلك‪ ,‬ويقص دون المع نى الفاسد‬
‫اب‬ ‫ذا الب‬ ‫دا له‬ ‫ة‪ ,‬س‬ ‫ذه الكلم‬ ‫نين عن ه‬ ‫‪.‬فنهى هللا المؤم‬
‫رم‬ ‫يلة إلى مح‬ ‫ان وس‬ ‫ائز‪ ,‬إذا ك‬ ‫ه النهي عن الج‬ ‫‪.‬ففي‬
‫وفيه األدب‪ ,‬واس تعمال األلف اظ‪ ,‬ال تي ال تحتم ل إال الحس ن‪ ,‬وع دم الفحش‪ ,‬وت رك األلف اظ القبيح ة‪ ,‬أو ال تي فيه ا ن وع تش ويش‬
‫ير الئق‬ ‫رغ‬ ‫ال ألم‬ ‫‪.‬واحتم‬
‫وا ا ْنظُرْ نَا‬ ‫ال " َوقُولُ‬ ‫ن فق‬ ‫ل إال الحس‬ ‫ة‪ ,‬ال تحتم‬ ‫أمرهم بلفظ‬ ‫"ف‬ ‫‪.‬‬
‫ذور‬ ‫ير مح‬ ‫ود من غ‬ ‫ا المقص‬ ‫ل به‬ ‫ة يحص‬ ‫ا كافي‬ ‫‪.‬فإنه‬
‫"‬ ‫تماعه‬ ‫ر باس‬ ‫ا أم‬ ‫موع‪ ,‬ليعم م‬ ‫ذكر المس‬ ‫َمعُوا " لم ي‬ ‫‪َ .‬و ْ‬
‫اس‬
‫تجابة‬ ‫نى‪ ,‬واس‬ ‫ا ومع‬ ‫ة‪ ,‬لفظ‬ ‫تي هي الحكم‬ ‫نة ال‬ ‫ماع الس‬ ‫رآن‪ ,‬وس‬ ‫ماع الق‬ ‫هس‬ ‫دخل في‬ ‫‪.‬في‬
‫‪.‬ففيه األدب والطاعة‬

‫ما يود الذين كفروا من أهل الكت اب وال المش ركين أن ي نزل "‬
‫عليكم من خير من ربكم وهللا يختص برحمته من يشاء وهللا ذو‬
‫" الفضل العظيم‬
‫ثم توعد الكافرين بالعذاب المؤلم الموجع‪ ,‬وأخبر عن ع داوة اليه ود المش ركين للمؤم نين‪ ,‬أنهم م ا ي ودون " َأ ْن يُنَ َّز َل َعلَ ْي ُك ْم ِم ْن‬
‫ٍر‬ ‫" خَ ْي‬ ‫‪.‬‬
‫ض ِل ْال َع ِظ ِيم‬ ‫‪ " .‬أي‪ :‬ال قليال‪ ,‬وال كث يرا " ِم ْن َربِّ ُك ْم " حس دا منهم‪ ,‬وبغض ا لكم أن يختص كم بفض له فإن ه " ُذو ْالفَ ْ‬
‫ومن فضله عليكم‪ ,‬أنزل الكت اب على رس ولكم‪ ,‬ل يزكيكم‪ ,‬ويعلمكم الكت اب والحكم ة‪ ,‬ويعلمكم م ا لم تكون وا تعلم ون‪ ,‬فل ه الحم د‬
‫‪.‬والمنة‬

‫ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منه ا أو مثله ا ألم تعلم "‬
‫" أن هللا على كل شيء قدير‬
‫قاطه‬ ‫ر‪ ,‬أو إلى إس‬ ‫روع‪ ,‬إلى حكم آخ‬ ‫ل المكلفين من حكم مش‬ ‫خ نق‬ ‫ة النس‬ ‫ل‪ ,‬فحقيق‬ ‫و النق‬ ‫خ‪ ,‬ه‬ ‫‪.‬النس‬
‫‪.‬وك ان اليه ود ينك رون النس خ‪ ,‬ويزعم ون أن ه ال يج وز‪ ,‬وه و م ذكور عن دهم في الت وراة‪ ,‬فإنك ارهم ل ه‪ ,‬كف ر وه وى محض‬
‫‪.‬ف أخبر هللا تع الى عن حكمت ه في النس خ فق ال‪َ " :‬م ا نَ ْن َس ْخ ِم ْن آيَ ٍة َأوْ نُ ْن ِس هَا " أي‪ :‬ننس ها العب اد‪ ,‬فنزيله ا من قل وبهم‬
‫"‬ ‫ع لكم " َأوْ ِم ْثلِهَا‬ ‫ا " وأنف‬ ‫ٍر ِم ْنهَ‬ ‫ْأ ِ‬
‫ت بِ َخ ْي‬ ‫" نَ‬ ‫‪.‬‬
‫فدل على أن النسخ ال يكون ألقل مصلحة لكم من األول‪ ,‬ألن فضله تع الى ي زداد‪ ,‬خصوص ا على ه ذه األم ة‪ ,‬ال تي س هل عليه ا‬
‫هيل‬ ‫ه التس‬ ‫ا‪ ,‬غاي‬ ‫‪.‬دينه‬
‫وأخبر أن من قدح في النسخ‪ ,‬قدح في ملكه وقدرته فقال‪َ " :‬ألَ ْم تَ ْعلَ ْم َأ َّن هَّللا َ َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء قَ ِدي ٌر‬

‫ألم تعلم أن هللا له ملك السماوات واألرض وم ا لكم من دون "‬


‫" هللا من ولي وال نصير‬
‫"‬ ‫ت َواَأْلرْ ِ‬
‫ض‬ ‫اوا ِ‬
‫َم َ‬ ‫ك َّ‬
‫الس‬ ‫ُ‬ ‫هُ ُم ْل‬ ‫" َألَ ْم تَ ْعلَ ْم َأ َّن هَّللا َ لَ‬ ‫‪.‬‬
‫فإذا كان مالكا لكم‪ ,‬متصرفا فيكم‪ ,‬تصرف المالك البر الرحيم في أقداره وأوامره ونواهيه‪ ,‬فكم ا أن ه ال حج ر علي ه في تق دير م ا‬
‫‪.‬يق دره على عب اده من أن واع التق ادير‪ ,‬ك ذلك ال يع ترض علي ه فيم ا يش رعه لعب اده من األحك ام‬
‫‪.‬فالعب د م دبر مس خر تحت أوام ر رب ه الديني ة والقدري ة‪ ,‬فم ا ل ه واالع تراض؟ وه و أيض ا‪ ,‬ولي عب اده‪ ,‬ونص يرهم‬
‫ارهم‬ ‫ع مض‬ ‫رهم في دف‬ ‫افعهم‪ ,‬وينص‬ ‫يل من‬ ‫والهم في تحص‬ ‫‪.‬فيت‬
‫ه بهم‬ ‫ه ورحمت‬ ‫يه حكمت‬ ‫ا تقتض‬ ‫ام‪ ,‬م‬ ‫رع لهم من األحك‬ ‫ه لهم‪ ,‬أن يش‬ ‫‪.‬فمن واليت‬
‫ومن تأمل ما وقع في القرآن والس نة من النس خ‪ ,‬ع رف ب ذلك حكم ة هللا ورحمت ه عب اده‪ ,‬وإيص الهم إلى مص الحهم‪ ,‬من حيث ال‬
‫‪.‬يشعرون بلطفه‬

‫أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن "‬
‫" يتبدل الكفر باإليمان فقد ضل سواء السبيل‬
‫ُل‬ ‫وس ى ِم ْن قَ ْب‬ ‫ألوا رس ولهم " َك َم ا ُس ِئ َل ُم َ‬ ‫أن يس‬ ‫ود‪ ,‬ب‬ ‫نين‪ ,‬أو اليه‬ ‫" ينهى هللا المؤم‬ ‫‪.‬‬
‫وس ى‬ ‫ب َأ ْن تُنَ ِّز َل َعلَ ْي ِه ْم ِكتَابًا ِمنَ ال َّس َما ِء فَقَ ْد َس َألُوا ُم َ‬
‫والمراد بذلك‪ ,‬أسئلة التعنت واالعتراض‪ ,‬كما قال تعالى‪ " :‬يَ ْسَألُكَ َأ ْه ُل ْال ِكتَا ِ‬
‫َرةً‬ ‫ا هَّللا َ َج ْه‬ ‫الُوا َأ ِرنَ‬ ‫ك فَقَ‬ ‫َ‬ ‫َر ِم ْن َذلِ‬ ‫" َأ ْكبَ‬ ‫‪.‬‬
‫ْؤ ُك ْم‬ ‫َد َل ُك ْم ت َُس‬ ‫يَا َء ِإ ْن تُ ْب‬ ‫َألُوا ع َْن َأ ْش‬ ‫وا اَل ت َْس‬ ‫ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‬ ‫ا َأيُّهَ‬ ‫الى‪ " :‬يَ‬ ‫ال تع‬ ‫" وق‬ ‫‪.‬‬
‫ا‪ ,‬هي المنهي عنها‬ ‫ذه ونحوه‬ ‫‪.‬فه‬
‫اس َألُوا َأ ْه َل ال ِّذ ْك ِر ِإ ْن ُك ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُم ونَ‬
‫‪ " .‬وأم ا س ؤال االسترش اد والتعليم‪ ,‬فه ذا محم ود ق د أم ر هللا ب ه كم ا ق ال تع الى " فَ ْ‬
‫ك َع ِن ْاليَتَ ا َمى " ونح و ذلك‬ ‫‪.‬ويق رهم علي ه‪ ,‬كم ا في قول ه " يَ ْس َألُونَكَ َع ِن ْالخَ ْم ِر َو ْال َمي ِْس ِر " " َويَ ْس َألُونَ َ‬
‫ض َّل َس َوا َء َّ‬
‫الس بِي ِل‬ ‫ولما كانت المسائل المنهي عنها مذمومة‪ ,‬قد تصل بصاحبها إلى الكفر قال‪َ " :‬و َم ْن يَتَبَ َّد ِل ْال ُك ْف َر بِاِإْل ي َم ِ‬
‫ان فَقَ ْد َ‬
‫‪".‬‬

‫ود كثير من أهل الكتاب ل و ي ردونكم من بع د إيم انكم كف ارا "‬


‫حس دا من عن د أنفس هم من بع د م ا ت بين لهم الح ق ف اعفوا‬
‫" واصفحوا حتى يأتي هللا بأمره إن هللا على كل شيء قدير‬
‫ثم أخبر عن حسد كثير من أهل الكتاب‪ ,‬وأنهم بلغت بهم الحال‪ ,‬أنهم ودوا " لَوْ يَ ُر ُّدونَ ُك ْم ِم ْن بَ ْع ِد ِإي َمانِ ُك ْم ُكفَّارًا " وس عوا في ذل ك‪,‬‬
‫ب آ ِمنُ وا بِالَّ ِذي ُأ ْن ِز َل َعلَى الَّ ِذينَ آ َمنُ وا َوجْ هَ‬
‫ت طَاِئفَ ةٌ ِم ْن َأ ْه ِل ْال ِكتَ ا ِ‬
‫وعملوا المكايد‪ ,‬وكيدهم راجع عليهم كما قال تعالى‪َ " :‬وقَ الَ ْ‬
‫هم‬ ‫د أنفس‬ ‫ادر من عن‬ ‫دهم الص‬ ‫ذا من حس‬ ‫ونَ " وه‬ ‫َرهُ لَ َعلَّهُ ْم يَرْ ِج ُع‬ ‫رُوا آ ِخ‬ ‫ار َوا ْكفُ‬
‫ِ‬ ‫‪.‬النَّهَ‬
‫أمره‬ ‫أتي هللا ب‬ ‫تى ي‬ ‫فح‪ ,‬ح‬ ‫العفو عنهم‪ ,‬والص‬ ‫اء إليهم ب‬ ‫ة من أس‬ ‫أمرهم هللا بمقابل‬ ‫‪.‬ف‬
‫ثم بعد ذلك‪ ,‬أتى هللا بأمره إياهم بالجهاد‪ ,‬فشفى هللا أنفس المؤمنين منهم‪ ,‬فقتلوا من قتلوا‪ ,‬واسترقوا من استرقوا‪ ,‬وأجلوا من أجلوا‬
‫" " ِإ َّن هَّللا َ َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء قَ ِدي ٌر‬

‫وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة وم ا تق دموا ألنفس كم من خ ير "‬


‫" تجدوه عند هللا إن هللا بما تعملون بصير‬
‫ات‬ ‫ل القرب‬ ‫لك‬ ‫اة وفع‬ ‫اء الزك‬ ‫الة‪ ,‬وإيت‬ ‫ة الص‬ ‫ر‪ ,‬بإقام‬ ‫الوقت الحاض‬ ‫تغال ب‬ ‫رهم هللا باالش‬ ‫‪.‬ثم أم‬
‫‪ " .‬ووعدهم أنهم‪ ,‬مهما فعلوا من خير‪ ,‬فإنه ال يضيع عند هللا‪ ,‬بل يجدونه عنده وافرا موفرا قد حفظه " ِإ َّن هَّللا َ بِ َما تَ ْع َملُونَ بَ ِ‬
‫صي ٌر‬
‫وق الوا لن ي دخل الجن ة إال من ك ان ه ودا أو نص ارى تل ك "‬
‫" أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين‬
‫ودا‬ ‫ان ه‬ ‫ة إال من ك‬ ‫دخل الجن‬ ‫ود‪ ,‬لن ي‬ ‫ال اليه‬ ‫‪.‬أي‪ :‬ق‬
‫ارى‬ ‫ان نص‬ ‫ة إال من ك‬ ‫دخل الجن‬ ‫ارى‪ ,‬لن ي‬ ‫الت النص‬ ‫‪.‬وق‬
‫‪.‬فحكم وا ألنفس هم بالجن ة وح دهم‪ ,‬وه ذا مج رد أم اني غ ير مقبول ة‪ ,‬إال بحج ة وبره ان‪ ,‬ف أتوا به ا إن كنتم ص ادقين‬
‫واه‬ ‫حة دع‬ ‫ان على ص‬ ‫د أن يقيم البره‬ ‫وى‪ ,‬ال ب‬ ‫ل من ادعى دع‬ ‫ذا ك‬ ‫‪.‬وهك‬
‫رق بينهما‬ ‫ان ال ف‬ ‫ان لك‬ ‫ا ادعى بال بره‬ ‫دع عكس م‬ ‫واه‪ ,‬وادعى م‬ ‫ه دع‬ ‫و قلبت علي‬ ‫‪.‬وإال‪ ,‬فل‬
‫ذبها‬ ‫دعوى أو يك‬ ‫دق ال‬ ‫ذي يص‬ ‫و ال‬ ‫ان‪ ,‬ه‬ ‫‪.‬فالبره‬
‫‪.‬ولما لم يكن بأيديهم برهان‪ ,‬علم كذبهم بتلك الدعوى‬

‫بلى من أسلم وجهه هلل وهو محسن فله أج ره عن د رب ه وال "‬


‫" خوف عليهم وال هم يحزنون‬
‫ثم ذكر تعالى البرهان الجلي العام لكل أحد‪ ,‬فقال‪ " :‬بَلَى " أي‪ :‬ليس بأمانيكم ودعاويكم‪ ,‬ولكن " َم ْن َأ ْسلَ َم َوجْ هَ هُ هَّلِل ِ " أي‪ :‬أخلص‬
‫ه بقلبه‬ ‫ا إلي‬ ‫ه‪ ,‬متوجه‬ ‫‪.‬هلل أعمال‬
‫‪َ .‬وهُ َو " م ع إخالص ه " ُمحْ ِس ٌن " في عب ادة رب ه‪ ,‬ب أن عب ده بش رعه‪ ,‬فأولئك هم أه ل الجن ة وح دهم "‬
‫فَلَهُ َأجْ ُرهُ ِع ْن َد َربِّ ِه " وهو الجنة بما اشتملت عليه من النعيم " َواَل خَ وْ ٌ‬
‫ف َعلَ ْي ِه ْم َواَل هُ ْم يَحْ زَ نُونَ " فحصل لهم المرغوب‪ ,‬ونجوا "‬
‫‪.‬من المرهوب‬

‫وقالت اليهود ليست النصارى على ش يء وق الت النص ارى "‬


‫ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب ك ذلك ق ال ال ذين ال‬
‫يعلمون مثل قولهم فاهلل يحكم بينهم يوم القيامة فيما ك انوا في ه‬
‫" يختلفون‬
‫الكين‬ ‫ار اله‬ ‫ل الن‬ ‫و من أه‬ ‫ذلك‪ ,‬فه‬ ‫ا‪ ,‬أن من ليس ك‬ ‫‪.‬ويفهم منه‬
‫ول‬ ‫ة للرس‬ ‫ود‪ ,‬والمتابع‬ ‫ل اإلخالص للمعب‬ ‫اة إال أله‬ ‫‪.‬فال نج‬
‫وذلك أنه بلغ بأهل الكتاب الهوى والحسد‪ ,‬إلى أن بعض هم ض لل بعض ا‪ ,‬وكف ر بعض هم بعض ا‪ ,‬كم ا فع ل األمي ون من مش ركي‬
‫يرهم‬ ‫رب وغ‬ ‫‪.‬الع‬
‫فكل فرقة تضلل األخرى‪ ,‬ويحكم هللا في اآلخرة بين المختلفين بحكمه العدل‪ ,‬الذي أخبر به عب اده‪ ,‬فإن ه ال ف وز وال نج اة إال لمن‬
‫‪.‬صدق جميع األنبياء والمرسلين‪ ,‬وامتثل أوامر ربه‪ ,‬واجتنب نواهيه‪ ,‬ومن عداهم‪ ,‬فهو هالك‬
‫ومن أظلم ممن منع مساجد هللا أن يذكر فيه ا اس مه وس عى "‬
‫في خرابها أولئ ك م ا ك ان لهم أن ي دخلوها إال خ ائفين لهم في‬
‫" الدنيا خزي ولهم في اآلخرة عذاب عظيم‬
‫‪.‬أي‪ :‬ال أح د أظلم‪ ,‬وأش د جرم ا‪ ,‬ممن من ع مس اجد هللا‪ ,‬عن ذك ر هللا فيه ا‪ ,‬وإقام ة الص الة وغيره ا من الطاع ات‬
‫"‬ ‫وي‬ ‫ي والمعن‬ ‫ا " الحس‬ ‫عه " فِي َخ َرابِهَ‬ ‫ذل وس‬ ‫د وب‬ ‫َعى " أي‪ :‬اجته‬ ‫‪َ .‬و َس‬
‫ديرها‬ ‫ا‪ ,‬وتق‬ ‫دمها وتخريبه‬ ‫ي‪ :‬ه‬ ‫الخراب الحس‬ ‫‪.‬ف‬
‫م هللا فيها‬ ‫ذاكرين الس‬ ‫ع ال‬ ‫وي‪ ,‬من‬ ‫راب المعن‬ ‫‪.‬والخ‬
‫وهذا عام‪ ,‬لكل من اتصف بهذه الص فة‪ ,‬في دخل في ذل ك أص حاب الفي ل‪ ,‬وق ريش‪ ,‬حين ص دوا رس ول هللا عنه ا ع ام الحديبي ة‪,‬‬
‫‪.‬والنص ارى حين أخرب وا بيت المق دس‪ ,‬وغ يرهم من أن واع الظلم ة‪ ,‬الس اعين في خرابه ا‪ ,‬مح ادة هلل‪ ,‬ومش اقة‬
‫‪.‬فج ازاهم هللا‪ ,‬ب أن منعهم دخوله ا ش رعا وق درا‪ ,‬إال خ ائفين ذليلين‪ ,‬فلم ا أخ افوا عب اد هللا‪ ,‬أخ افهم هللا‬
‫‪.‬فالمش ركون ال ذين ص دوا رس وله‪ ,‬لم يلبث رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم إال يس يرا‪ ,‬ح تى أذن هللا ل ه في فتح مكة‬
‫ْج َد ْال َح َرا َم بَ ْع َد َع ا ِم ِه ْم هَ َذا‬
‫ومنع المشركين من قربان بيته‪ ,‬فقال تعالى‪ " :‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِإنَّ َما ْال ُم ْش ِر ُكونَ نَ َجسٌ فَاَل يَ ْق َربُوا ْال َمس ِ‬
‫"‬ ‫‪.‬‬
‫رى عليهم‬ ‫اج‬ ‫ر هللا م‬ ‫د ذك‬ ‫ل‪ ,‬ق‬ ‫حاب الفي‬ ‫‪.‬وأص‬
‫أجلوهم‬ ‫نين‪ ,‬ف‬ ‫لط هللا عليهم المؤم‬ ‫ارى‪ ,‬س‬ ‫‪.‬والنص‬
‫‪.‬وهكذا كل من اتصف بوصفهم‪ ,‬فال بد أن يناله قسطه‪ ,‬وهذا من اآليات العظيمة‪ ,‬أخبر بها الباري قبل وقوعها‪ ,‬فوقعت كما أخبر‬
‫اجد‬ ‫ول المس‬ ‫ار من دخ‬ ‫وز تمكين الكف‬ ‫ه ال يج‬ ‫ة‪ ,‬على أن‬ ‫ة الكريم‬ ‫اء باآلي‬ ‫تدل العلم‬ ‫‪.‬واس‬
‫"‬ ‫َذابٌ ع ِ‬
‫َظي ٌم‬ ‫َر ِة َع‬ ‫دم " َولَهُ ْم فِي اآْل ِخ‬ ‫ا تق‬ ‫يحة كم‬ ‫ْز ٌ‬
‫ي " فض‬ ‫ُّد ْنيَا ِخ‬ ‫" لَهُ ْم فِي ال‬ ‫‪.‬‬
‫وإذا ك ان ال أظلم ممن من ع مس اجد هللا أن ي ذكر فيه ا اس مه‪ ,‬فال أعظم إيمان ا ممن س عى في عم ارة المس اجد بالعم ارة الحس ية‬
‫ِر‬ ‫اج َد هَّللا ِ َم ْن آ َمنَ بِاهَّلل ِ َو ْاليَ وْ ِم اآْل ِخ‬
‫ِ‬ ‫ُر َم َس‬ ‫" والمعنوي ة‪ ,‬كم ا ق ال تع الى‪ِ " :‬إنَّ َم ا يَ ْع ُم‬ ‫‪.‬‬
‫ت َأ ِذنَ هَّللا ُ َأ ْن تُرْ فَ َع َويُ ْذ َك َر فِيهَ ا ْ‬
‫اس ُمهُ‬ ‫‪ " .‬ب ل ق د أم ر هللا تع الى برف ع بيوت ه وتعظيمه ا وتكريمه ا‪ ,‬فق ال تع الى‪ " :‬فِي بُيُ و ٍ‬
‫‪.‬وللمساجد أحكام كثيرة‪ ,‬يرجع حاصلها إلى مضون هذه اآليات الكريمة‬

‫وهلل المش رق والمغ رب فأينم ا تول وا فثم وج ه هللا إن هللا "‬


‫" واسع عليم‬
‫ِربُ‬ ‫ق َو ْال َم ْغ‬
‫ِر ُ‬ ‫" أي‪َ " :‬وهَّلِل ِ ْال َم ْش‬ ‫‪.‬‬
‫وار ومغاربها‬ ‫الع األن‬ ‫ة‪ ,‬في مط‬ ‫ات العظيم‬ ‫ل اآلي‬ ‫ا مح‬ ‫ذكر‪ ,‬ألنهم‬ ‫هما بال‬ ‫‪.‬خص‬
‫ات‬ ‫ل الجه‬ ‫ا لك‬ ‫ان مالك‬ ‫ا‪ ,‬ك‬ ‫ا له‬ ‫‪.‬ف‬ ‫ان مالك‬ ‫إذا ك‬
‫فََأ ْينَ َما تُ َولُّ وا " وجوهكم من الجهات‪ ,‬إذا كان توليكم إياها بأمره‪ ,‬إما أن يأمركم باستقبال الكعبة بعد أن كنتم م أمورين باس تقبال "‬
‫بيت المقدس‪ ,‬أو تؤمرون بالصالة في السفر على الراحلة ونحوها‪ ,‬فإن القبلة حيثما توجه العبد أو تشتبه القبل ة‪ ,‬فيتح رى الص الة‬
‫و ذلك‬ ‫رض ونح‬ ‫لب أو م‬ ‫ذورا بص‬ ‫ون مع‬ ‫أ‪ ,‬أو يك‬ ‫ه الخط‬ ‫بين ل‬ ‫ا‪ ,‬ثم يت‬ ‫‪.‬إليه‬
‫أمورا‬ ‫ذورا أو م‬ ‫ا مع‬ ‫د فيه‬ ‫ون العب‬ ‫ا أن يك‬ ‫ور‪ ,‬إم‬ ‫ذه األم‬ ‫‪.‬فه‬
‫ك ربه‬ ‫ة عن مل‬ ‫ات‪ ,‬خارج‬ ‫ة من الجه‬ ‫تقبل جه‬ ‫ا اس‬ ‫لح‬ ‫ال‪ ,‬فم‬ ‫‪.‬وبك‬
‫فَثَ َّم َوجْ هُ هَّللا ِ ِإ َّن هَّللا َ َوا ِس ٌع َعلِي ٌم " في إثبات الوجه هلل تعالى‪ ,‬على الوجه الالئق به تعالى‪ ,‬وأن هلل وجها ال تشبهه الوجوه‪ ,‬وهو ‪" -‬‬
‫اتكم‬ ‫رائركم وني‬ ‫ا‪ ,‬عليم بس‬ ‫فات عظيمه‬ ‫ل والص‬ ‫ع الفض‬ ‫الى ‪ -‬واس‬ ‫‪.‬تع‬
‫‪.‬فمن سعته وعلمه‪ ,‬وسع لكم األمر‪ ,‬وقبل منكم المأمور‪ ,‬فله الحمد والشكر‬

‫وق الوا اتخ ذ هللا ول دا س بحانه ب ل ل ه م ا في الس ماوات "‬


‫" واألرض كل له قانتون‬
‫"‬ ‫ال ذلك‬ ‫ل من ق‬ ‫ركون‪ ,‬وك‬ ‫ارى والمش‬ ‫ود والنص‬ ‫الُوا " أي‪ :‬اليه‬ ‫‪َ .‬وقَ‬
‫"‬ ‫هم‬ ‫وا أنفس‬ ‫اءة‪ ,‬وظلم‬ ‫ل اإلس‬ ‫اءوا ك‬ ‫ه‪ ,‬وأس‬ ‫ق بجالل‬ ‫ا ال يلي‬ ‫بوه إلى م‬ ‫دًا " فنس‬ ‫َذ هَّللا ُ َولَ‬ ‫‪.‬اتَّخَ‬
‫اه‬ ‫هم إي‬ ‫ع تنقص‬ ‫اهم‪ ,‬ورزقهم م‬ ‫د حلم عليهم‪ ,‬وعاف‬ ‫ك منهم‪ ,‬ق‬ ‫ابر على ذل‬ ‫الى ‪ -‬ص‬ ‫و ‪ -‬تع‬ ‫‪.‬وه‬
‫"‬ ‫‪.‬س ْب َحانَهُ " أي‪ :‬ت نزه وتق دس عن ك ل م ا وص فه ب ه المش ركون والظ المون مم ا ال يلي ق بجالله‬
‫ُ‬
‫وه‬ ‫ه من الوج‬ ‫‪.‬فس بحان من ل ه الكم ال المطل ق‪ ,‬من جمي ع الوج وه‪ ,‬ال ذي ال يعتري ه نقص بوج‬
‫ت َواَأْلرْ ِ‬
‫ض " أي‪ :‬جميعهم ملك ه‬ ‫ومع رده لق ولهم‪ ,‬أق ام الحج ة والبره ان على تنزيه ه عن ذل ك فق ال‪ " :‬بَ لْ لَ هُ َم ا فِي َّ‬
‫الس َما َوا ِ‬
‫‪.‬وعبي ده‪ ,‬يتص رف فيهم تص رف المال ك بالممالي ك‪ ,‬وهم ق انتون ل ه مس خرون تحت ت دبيره‬
‫فإذا كانوا كلهم عبيده‪ ,‬مفتقرين إليه‪ ,‬وهو غني عنهم‪ ,‬فكيف يكون منهم أحد‪ ,‬يكون له ولدا‪ ,‬والولد ال بد أن يكون من جنس وال ده‪,‬‬
‫زء منه‬ ‫هج‬ ‫‪.‬ألن‬
‫راء‬ ‫ني وأنتم الفق‬ ‫و الغ‬ ‫ورون‪ ,‬وه‬ ‫ون المقه‬ ‫اهر‪ ,‬وأنتم المملوك‬ ‫ك الق‬ ‫الى المال‬ ‫‪.‬وهللا تع‬
‫مجه‬ ‫ل وأس‬ ‫ل الباط‬ ‫ذا من أبط‬ ‫د؟ ه‬ ‫ه ول‬ ‫ون ل‬ ‫ذا‪ ,‬يك‬ ‫عه‬ ‫فم‬ ‫‪.‬فكي‬
‫الق‬ ‫دبير الخ‬ ‫ق كلهم‪ ,‬تحت ت‬ ‫وت الخل‬ ‫و قن‬ ‫ام وه‬ ‫وت ع‬ ‫ان‪ :‬قن‬ ‫وت نوع‬ ‫‪.‬والقن‬
‫ادة‬ ‫وت العب‬ ‫و قن‬ ‫اص‪ ,‬وه‬ ‫‪.‬وخ‬
‫ذه اآلية‬ ‫ا في ه‬ ‫النوع األول كم‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪ " .‬والنوع الثاني كما في قوله تعالى " َوقُو ُموا هَّلِل ِ قَانِتِينَ‬

‫بديع السماوات واألرض وإذا قضى أمرا فإنم ا يق ول ل ه كن "‬


‫" فيكون‬
‫ض " أي‪ :‬خالقهم ا على وج ه ق د أتقنهم ا وأحس نهما على غ ير مث ال س بق‬ ‫ت َواَأْلرْ ِ‬
‫اوا ِ‬ ‫‪.‬ثم ق ال " بَ ِدي ُع َّ‬
‫الس َم َ‬
‫ضى َأ ْمرًا فَِإنَّ َما يَقُو ُل لَهُ ُك ْن فَيَ ُكونُ " فال يستعصى عليه‪ ,‬وال يمتنع منه "‬
‫‪.‬وَِإ َذا قَ َ‬
‫وقال الذين ال يعلمون لوال يكلمنا هللا أو تأتينا آية ك ذلك ق ال "‬
‫الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا اآليات لق وم‬
‫" يوقنون‬
‫ا كلم الرسل‬ ‫ا هللا‪ ,‬كم‬ ‫ل يكلمن‬ ‫يرهم‪ :‬ه‬ ‫اب وغ‬ ‫ل الكت‬
‫‪.‬أي‪ :‬ق‬ ‫ة من أه‬ ‫ال الجهل‬
‫َأوْ تَْأتِينَا آيَ ةٌ " ‪ ,‬يعن ون آي ات االق تراح‪ ,‬ال تي يقترحونه ا بعق ولهم الفاس دة‪ ,‬وآرائهم الكاس دة‪ ,‬ال تي تج رأوا به ا على الخ الق‪" ,‬‬
‫ولهم‬ ‫له كق‬ ‫تكبروا على رس‬ ‫‪.‬واس‬
‫وس ى َأ ْكبَ َر ِم ْن َذلِ َ‬
‫ك" "‬ ‫ب َأ ْن تُن َِّز َل َعلَ ْي ِه ْم ِكتَابًا ِمنَ ال َّس َما ِء فَقَ ْد َس َألُوا ُم َ‬
‫ك َأ ْه ُل ْال ِكتَا ِ‬
‫ك َحتَّى ن ََرى هَّللا َ َج ْه َرةً " ‪ " ,‬يَ ْسَألُ َ‬
‫لَ ْن نُْؤ ِمنَ لَ َ‬
‫‪.‬اآلية‬
‫"‬ ‫ك فَيَ ُك ونَ َم َع هُ نَ ِذيرًا َأوْ ي ُْلقَى ِإلَ ْي ِه َك ْن ٌز َأوْ تَ ُك ونُ َل هُ َجنَّةٌ يَْأ ُك ُل ِم ْنهَ ا " اآلي ات‬‫‪.‬لَ وْ اَل ُأ ْن ِز َل ِإلَ ْي ِه َملَ ٌ‬
‫ات‬ ‫ا " اآلي‬ ‫ا ِمنَ اَأْلرْ ِ‬
‫ض يَ ْنبُو ًع‬ ‫َر لَنَ‬ ‫ك َحتَّى تَ ْف ُج‬ ‫َ‬ ‫ْؤ ِمنَ لَ‬ ‫الُوا لَ ْن نُ‬ ‫ه " َوقَ‬ ‫‪.‬وقول‬
‫بين الحق‬ ‫دهم ت‬ ‫اد‪ ,‬ولم يكن قص‬ ‫ات االسترش‬ ‫ات التعنت‪ ,‬ال آي‬ ‫ون آي‬ ‫لهم‪ ,‬يطلب‬ ‫ع رس‬ ‫ذا دأبهم م‬ ‫‪.‬فه‬
‫‪ " .‬ف إن الرس ل‪ ,‬ق د ج اءوا من اآلي ات‪ ,‬بم ا ي ؤمن ك ل مثل ه البش ر‪ ,‬وله ذا ق ال تع الى " قَ ْد بَيَّنَّا اآْل يَ ا ِ‬
‫ت لِقَ وْ ٍم يُوقِنُ ونَ‬
‫‪.‬فكل موقن‪ ,‬فقد عرف من آيات هللا الباهرة‪ ,‬وبراهينه الظاهرة‪ ,‬ما حصل له به اليقين‪ ,‬واندفع عنه كل شك وريب‬

‫إن ا أرس لناك ب الحق بش يرا ون ذيرا وال تس أل عن أص حاب "‬


‫" الجحيم‬
‫ثم ذكر تعالى بعض آية موجزة مختصرة جامعة لآليات الدالة على صدقه صلى هللا علي ه وس لم وص حة م ا ج اء ب ه فق ال‪ِ " :‬إنَّا‬
‫ك بِ ْال َح ِّ‬
‫ق بَ ِشيرًا َونَ ِذي ًرا " فهذا مشتمل على اآلي ات ال تي ج اء به ا‪ ,‬وهي ترج ع إلى ثالث ة أم ور‪ :‬األول‪ ,‬في نفس إرس اله‪,‬‬ ‫َأرْ َس ْلنَا َ‬
‫ه ودله‬ ‫يرته وهدي‬ ‫اني‪ ,‬في س‬ ‫‪.‬والث‬
‫نة‬ ‫رآن والس‬ ‫ه من الق‬ ‫اء ب‬ ‫اج‬ ‫ةم‬ ‫الث‪ ,‬في معرف‬ ‫‪.‬والث‬
‫ْلنَاكَ‬ ‫ه‪ِ " :‬إنَّا َأرْ َس‬ ‫د دخال في قول‬ ‫اني‪ ,‬ق‬ ‫األول والث‬ ‫"ف‬ ‫‪.‬‬
‫ْال َح ِّ‬
‫ق‬ ‫ه " بِ‬ ‫الث في قول‬ ‫" والث‬ ‫‪.‬‬
‫وبيان األمر األول وهو ‪ -‬نفس إرساله ‪ -‬أنه قد علم حالة أهل األرض قبل بعثته صلى هللا عليه وس لم وم ا ك انوا علي ه من عب ادة‬
‫األوثان والنيران‪ ,‬والصلبان‪ ,‬وتبديلهم لألديان‪ ,‬حتى كانوا في ظلمة من الكفر‪ ,‬قد عمتهم وش ملتهم‪ ,‬إال بقاي ا من أه ل الكت اب‪ ,‬ق د‬
‫ل البعثة‬ ‫وا قبي‬ ‫‪.‬انقرض‬
‫دير رحيم‬ ‫ه حكيم عليم‪ ,‬ق‬ ‫تركهم همال‪ ,‬ألن‬ ‫دى‪ ,‬ولم ي‬ ‫هس‬ ‫ق خلق‬ ‫الى لم يخل‬ ‫د علم أن هللا تع‬ ‫‪.‬وق‬
‫فمن حكمته ورحمته بعباده‪ ,‬أن أرسل إليهم ه ذا الرس ول العظيم‪ ,‬ي أمرهم بعب ادة ال رحمن وح ده ال ش ريك ل ه‪ ,‬فبمج رد رس الته‬
‫ول هللا‬ ‫ه رس‬ ‫يرة على أن‬ ‫ة كب‬ ‫و آي‬ ‫دقه‪ ,‬وه‬ ‫لص‬ ‫رف العاق‬ ‫‪.‬يع‬
‫وأما الثاني‪ ,‬فمن عرف النبي صلى هللا عليه وسلم معرفة تامة‪ ,‬وعرف سيرته وهديه قبل البعثة‪ ,‬ونشوءه على أكمل الخصال‪ ,‬ثم‬
‫من بعد ذلك‪ ,‬قد ازدادت مكارمه وأخالقه العظيمة الباهرة للناظرين‪ ,‬فمن عرفها‪ ,,‬وسبر أحواله‪ ,‬ع رف أنه ا ال تك ون إال أخالق‬
‫‪.‬األنبي اء الك املين‪ ,‬ألن ه تع الى جع ل األوص اف أك بر دلي ل على معرف ة أص حابها وص دقهم وك ذبهم‬
‫وأما الثالث‪ ,‬فهو معرفة ما جاء به صلى هللا عليه وسلم من الشرع العظيم‪ ,‬والقرآن الك ريم‪ ,‬المش تمل على اإلخب ارات الص ادقة‪,‬‬
‫‪.‬واألوام ر الحس نة‪ ,‬والنهي عن ك ل ق بيح‪ ,‬والمعج زات الب اهرة‪ ,‬فجمي ع اآلي ات ت دخل في ه ذه الثالثة‬
‫ة واألخروية‬ ‫عادة الدنيوي‬ ‫ك بالس‬ ‫ي ًرا " أي لمن أطاع‬ ‫ه " بَ ِش‬ ‫‪.‬قول‬
‫"‬ ‫روي‬ ‫دنيوي واألخ‬
‫قاوة والهالك ال‬ ‫اك بالش‬ ‫ِذيرًا " لمن عص‬ ‫‪َ .‬ونَ‬
‫ب ْال َج ِح ِيم " أي‪ :‬لست مسئوال عنهم‪ ,‬إنما عليك البالغ‪ ,‬وعلينا الحساب "‬
‫‪َ .‬واَل تُ ْسَأ ُل ع َْن َأصْ َحا ِ‬

‫ولن ترضى عنك اليهود وال النص ارى ح تى تتب ع ملتهم ق ل "‬
‫إن هدى هللا هو اله دى ولئن اتبعت أه واءهم بع د ال ذي ج اءك‬
‫" من العلم ما لك من هللا من ولي وال نصير‬
‫يخبر تعالى رسوله‪ ,‬أنه ال يرضى منه اليهود وال النصارى‪ ,‬إال باتباعه دينهم‪ ,‬ألنهم دعاة إلى الدين الذي هم عليه‪ ,‬ويزعمون أنه‬
‫دى‬ ‫‪.‬اله‬
‫دَى‬ ‫َو ْالهُ‬ ‫ه " هُ‬ ‫لت ب‬ ‫ذي أرس‬ ‫دَى هَّللا ِ " ال‬ ‫ل لهم " ِإ َّن هُ‬ ‫" فق‬ ‫‪.‬‬
‫ير‬ ‫ك ِمنَ ْال ِع ْل ِم َم ا لَ كَ ِمنَ هَّللا ِ ِم ْن َولِ ٍّي َواَل ن ِ‬
‫َص ٍ‬ ‫‪ " .‬وأما ما أنتم عليه‪ ,‬فهو الهوى بدليل قوله " َولَِئ ِن اتَّبَعْتَ َأ ْه َوا َءهُ ْم بَ ْع َد الَّ ِذي َجا َء َ‬
‫‪.‬فه ذا في ه النهي العظيم‪ ,‬عن اتب اع أه واء اليه ود والنص ارى‪ ,‬والتش به بهم فيم ا يختص ب ه دينهم‬
‫ة في ذلك‬ ‫ه داخل‬ ‫إن أمت‬ ‫لم ‪ -‬ف‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫ول هللا ص‬ ‫ان لرس‬ ‫اب ‪ -‬وإن ك‬ ‫‪.‬والخط‬
‫اطب‬ ‫وص المخ‬ ‫نى ال بخص‬ ‫وم المع‬ ‫ار بعم‬ ‫‪.‬ألن االعتب‬
‫‪.‬كما أن العبرة بعموم اللفظ‪ ,‬ال بخصوص السبب‬

‫الذين آتيناهم الكتاب يتلونه ح ق تالوت ه أولئ ك يؤمن ون ب ه "‬


‫" ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون‬
‫اس رُونَ يَ ا بَنِي ِإ ْس َراِئي َل ْاذ ُك رُوا‬ ‫ك هُ ُم ْال َخ ِ‬‫ق تِاَل َوتِ ِه ُأولَِئكَ يُْؤ ِمنُونَ بِ ِه َو َم ْن يَ ْكفُ رْ بِ ِه فَُأولَِئ َ‬ ‫ثم قال‪ " :‬الَّ ِذينَ آتَ ْينَاهُ ُم ْال ِكت َ‬
‫َاب يَ ْتلُونَهُ َح َّ‬
‫س َش ْيًئا َواَل يُ ْقبَ ُل ِم ْنهَ ا َع ْد ٌل َواَل تَ ْنفَ ُعهَ ا‬ ‫ت َعلَ ْي ُك ْم َوَأنِّي فَض َّْلتُ ُك ْم َعلَى ْال َعالَ ِمينَ َواتَّقُوا يَوْ ًما اَل تَجْ ِزي نَ ْفسٌ ع َْن نَ ْف ٍ‬ ‫نِ ْع َمتِ َي الَّتِي َأ ْن َع ْم ُ‬
‫رُونَ‬ ‫ص‬‫فَا َعةٌ َواَل هُ ْم يُ ْن َ‬ ‫" َش‬ ‫‪.‬‬
‫ق تِاَل َوتِ ِه " أي‪ :‬يتبعون ه ح ق اتباع ه‪ ,‬والتالوة‪:‬‬ ‫يخبر تعالى أن الذين آتاهم الكتاب‪ ,‬ومن عليهم ب ه من ة مطلق ة‪ ,‬أنهم " يَ ْتلُونَ هُ َح َّ‬
‫اع‬ ‫‪.‬االتب‬
‫ابهه‬ ‫ون بمتش‬ ‫ه‪ ,‬ويؤمن‬ ‫ون بمحكم‬ ‫ه‪ ,‬ويعمل‬ ‫ون حرام‬ ‫ه‪ ,‬ويحرم‬ ‫ون حالل‬ ‫‪.‬فيحل‬
‫‪.‬وه ؤالء هم الس عداء من أه ل الكت اب‪ ,‬ال ذين عرف وا نعم ة هللا وش كروها‪ ,‬وآمن وا بك ل الرس ل‪ ,‬ولم يفرق وا بين أح د منهم‬
‫ا وراءه‬ ‫رون بم‬ ‫ا ويكف‬ ‫زل علين‬ ‫ا أن‬
‫ون حق ا‪ ,‬ال من ق ال منهم " ن ؤمن بم‬ ‫ؤالء‪ ,‬هم المؤمن‬ ‫" فه‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬ولهذا توعدهم بقوله " َو َم ْن يَ ْكفُرْ بِ ِه فَُأولَِئ َ‬
‫ك هُ ُم ْالخَ ِ‬
‫اسرُونَ " وقد تقدم تفسير اآلية التي بعدها‬
‫وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس "‬
‫" إماما قال ومن ذريتي قال ال ينال عهدي الظالمين‬
‫يخبر تعالى‪ ,‬عن عبده وخليله‪ ,‬إبراهيم عليه السالم‪ ,‬المتفق على إمامته وجاللته‪ ,‬ال ذي ك ل من طوائ ف أه ل الكت اب تدعي ه‪ ,‬ب ل‬
‫وكذلك المشركون‪ :‬أن هللا ابتاله وامتحنه بكلمات‪ ,‬أي‪ :‬بأوامر ونواهي‪ ,‬كما هي عادة هللا في ابتالئه لعباده‪ ,‬ليتبين الكاذب ال ذي ال‬
‫‪.‬يثبت عن د االبتالء‪ ,‬واالمتح ان من الص ادق‪ ,‬ال ذي ترتف ع درجت ه‪ ,‬ويزي د ق دره‪ ,‬ويزك و عمل ه‪ ,‬ويخلص ذهبه‬
‫الم‬ ‫ه الس‬ ‫ل علي‬ ‫ام‪ ,‬الخلي‬ ‫ذا المق‬ ‫ان من أجلهم في ه‬ ‫‪.‬وك‬
‫اس ِإ َما ًم ا " أي‪ :‬يقت دون ب ك في‬ ‫اعلُ َ‬
‫ك لِلنَّ ِ‬ ‫فأتم ما ابتاله هللا به‪ ,‬وأكمله ووفاه‪ ,‬فشكر هللا له ذلك‪ ,‬ولم يزل هللا شكورا فقال‪ِ " :‬إنِّي َج ِ‬
‫‪.‬اله دى‪ ,‬ويمش ون خلف ك إلى س عادتهم األبدي ة‪ ,‬ويحص ل ل ك الثن اء ال دائم‪ ,‬واألج ر الجزي ل‪ ,‬والتعظيم من ك ل أحد‬
‫وهذه ‪ -‬لعمر هللا ‪ -‬أفضل درجة‪ ,‬تنافس فيها المتنافسون‪ ,‬وأعلى مقام‪ ,‬شمر إليه الع املون‪ ,‬وأكم ل حال ة حص لها أول و الع زم من‬
‫بيله‬ ‫ع لهم‪ ,‬داع إلى هللا وإلى س‬ ‫ديق متب‬ ‫لص‬ ‫اعهم‪ ,‬من ك‬ ‫لين وأتب‬ ‫‪.‬المرس‬
‫ة ذريته‬ ‫ه ودرج‬ ‫و درجت‬ ‫ه‪ ,‬لتعل‬ ‫ك لذريت‬ ‫ذا‪ ,‬طلب ذل‬ ‫ام‪ ,‬وأدرك ه‬ ‫ذا المق‬ ‫راهيم به‬ ‫ط إب‬ ‫ا اغتب‬ ‫‪.‬فلم‬
‫دون‬ ‫ثر فيهم المرش‬ ‫ه أن يك‬ ‫اد هللا‪ ,‬ومحبت‬ ‫حه لعب‬ ‫ه‪ ,‬ونص‬ ‫ا من إمامت‬ ‫ذا أيض‬ ‫‪.‬وه‬
‫امية‬ ‫ات الس‬ ‫ة‪ ,‬والمقام‬ ‫ذه الهمم العالي‬ ‫ةه‬ ‫ه عظم‬ ‫‪.‬فلل‬
‫فأجابه الرحيم اللطيف‪ ,‬وأخبر بالمانع من نيل هذا المقام فقال‪ " :‬اَل يَنَا ُل َع ْه ِدي الظَّالِ ِمينَ " أي‪ :‬ال ينال اإلمامة في الدين‪ ,‬من ظلم‬
‫‪.‬نفس ه وض رها‪ ,‬وح ط ق درها‪ ,‬لمناف اة الظلم له ذا المق ام‪ ,‬فإن ه مق ام‪ ,‬آلت ه الص بر واليقين‬
‫ونتيجته أن يك ون ص احبه على ج انب عظيم من اإليم ان واألعم ال الص الحة‪ ,‬واألخألق الجميل ة‪ ,‬والش مائل الس ديدة‪ ,‬والمحب ة‬
‫ية واإلنابة‬ ‫ة‪ ,‬والخش‬ ‫‪.‬التام‬
‫‪.‬فأين الظلم وهذا المقام؟ ودل مفهوم اآلية‪ ,‬أن غير الظالم‪ ,‬سينال اإلمامة‪ ,‬ولكن مع إتيانه بأسبابها‬

‫وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم "‬
‫مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بي تي للط ائفين‬
‫" والعاكفين والركع السجود‬
‫ثم ذكر تعالى‪ ,‬أنموذجا باقيا داال على إمامة إبراهيم‪ ,‬وهو‪ :‬هذا البيت الحرام الذي جعل قص ده‪ ,‬ركن ا من أرك ان اإلس الم‪ ,‬حاط ا‬
‫ام‬ ‫ذنوب واآلث‬ ‫‪.‬لل‬
‫وفيه من آثار الخليل وذريته‪ ,‬ما عرف به إمامته‪ ,‬وتذكرت به حالته فقال‪َ " :‬وِإ ْذ َج َع ْلنَ ا ْالبَيْتَ َمثَابَ ةً لِلنَّ ِ‬
‫اس " أي‪ :‬مرجع ا يثوب ون‬
‫را‬ ‫ه وط‬ ‫ون من‬ ‫ه‪ ,‬وال يقض‬ ‫ترددون إلي‬ ‫ة‪ ,‬ي‬ ‫ة والدنيوي‬ ‫افعهم الديني‬ ‫ول من‬ ‫ه‪ ,‬لحص‬ ‫‪.‬إلي‬
‫‪.‬وجعل ه " َأ ْمنً ا " ي أمن ب ه ك ل أح د‪ ,‬ح تى ال وحش‪ ,‬وح تى الجم ادات كاألش جار‬
‫‪.‬وله ذا ك انوا في الجاهلي ة ‪ -‬على ش ركهم ‪ -‬يحترمون ه أش د االح ترام‪ ,‬ويج د أح دهم قات ل أبي ه في الح رم‪ ,‬فال يهيجه‬
‫ريفا وتكريما‬ ‫ا‪ ,‬وتش‬ ‫ة وتعظيم‬ ‫الم‪ ,‬زاده حرم‬
‫اء اإلس‬ ‫اج‬ ‫‪.‬فلم‬
‫صلًّى " يحتمل أن يك ون الم راد ب ذلك‪ ,‬المق ام المع روف ال ذي ق د جع ل اآلن‪ ,‬مقاب ل ب اب الكعبة "‬
‫‪َ .‬واتَّ ِخ ُذوا ِم ْن َمقَ ِام ِإ ْب َرا ِهي َم ُم َ‬
‫‪.‬وأن الم راد به ذا‪ ,‬ركعت ا الط واف‪ ,‬يس تحب أن تكون ا خل ف مق ام إب راهيم‪ ,‬وعلي ه جمه ور المفس رين‬
‫راهيم في الحج‬ ‫ات إب‬ ‫ع مقام‬ ‫افا‪ ,‬فيعم جمي‬ ‫ردا مض‬ ‫ام مف‬ ‫ون المق‬ ‫ل أن يك‬ ‫‪.‬ويحتم‬
‫‪.‬وهي المش اعر كله ا‪ ,‬من الط واف‪ ,‬والس عي‪ ,‬والوق وف بعرف ة‪ ,‬ومزدلف ة ورمي الجم ار والنح ر‪ ,‬وغ ير ذل ك من أفع ال الحج‬
‫عائر الحج‬ ‫ه في ش‬ ‫دوا ب‬ ‫دا‪ ,‬أي‪ :‬اقت‬ ‫لًّى " أي‪ :‬معب‬ ‫ص‬
‫ه‪ُ " :‬م َ‬ ‫نى قول‬ ‫ون مع‬ ‫‪.‬فيك‬
‫ظ له‬ ‫ال اللف‬ ‫ه‪ ,‬واحتم‬ ‫نى األول في‬ ‫دخول المع‬ ‫نى أولى‪ ,‬ل‬ ‫ذا المع‬ ‫له‬ ‫‪.‬ولع‬
‫َو َع ِه ْدنَا ِإلَى ِإ ْب َرا ِهي َم َوِإ ْس َما ِعي َل َأ ْن طَه َِّرا بَ ْيتِ َي " أي‪ :‬أوحينا إليهما‪ ,‬وأمرناهما بتطهير بيت هللا من الشرك‪ ,‬والكفر والمعاصي‪" ,‬‬
‫‪.‬ومن ال رجس والنحاس ات‪ ,‬واألق ذار‪ ,‬ليك ون " لِلطَّاِئفِينَ " في ه " َو ْال َع ا ِكفِينَ َوالرُّ َّك ِع ُّ‬
‫الس جُو ِد " أي‪ :‬المص لين‬
‫رام‬ ‫جد الح‬ ‫ه بالمس‬ ‫واف‪ ,‬الختصاص‬ ‫دم الط‬ ‫‪.‬ق‬
‫جد مطلقا‬ ‫رطه‪ ,‬المس‬ ‫اف‪ ,‬ألن من ش‬ ‫‪.‬ثم االعتك‬
‫نى‬ ‫ذا المع‬ ‫ل‪ ,‬له‬ ‫ا أفض‬ ‫ع أنه‬ ‫الة‪ ,‬م‬ ‫‪.‬ثم الص‬
‫ه لفوائد‬ ‫بيت إلي‬ ‫اري ال‬ ‫اف الب‬ ‫‪.‬وأض‬
‫ه بيت هللا‬ ‫يره‪ ,‬لكون‬ ‫ماعيل بتطه‬ ‫راهيم وإس‬ ‫ام إب‬ ‫دة اهتم‬ ‫يش‬ ‫ك يقتض‬ ‫ا‪ :‬أن ذل‬ ‫‪.‬منه‬
‫عهما في ذلك‬ ‫تغرقان وس‬ ‫دهما‪ ,‬ويس‬ ‫ذالن جه‬ ‫‪.‬فيب‬
‫رام‬ ‫ريف واإلك‬ ‫ي التش‬ ‫افة‪ ,‬تقتض‬ ‫ا‪ :‬أن اإلض‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫ه وتكريمه‬ ‫اده بتعظيم‬ ‫ر عب‬ ‫منها أم‬ ‫‪.‬ففي ض‬
‫وب إليه‬ ‫الب للقل‬ ‫بب الج‬ ‫افة‪ ,‬هي الس‬ ‫ذه اإلض‬ ‫ا‪ :‬أن ه‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫‪.‬أي‪ :‬وإذ دعا إبراهيم لهذا البيت‪ ,‬أن يجعله هللا بلدا آمنا‪ ,‬ويرزق أهله من أنواع الثمرات‬

‫وإذ ق ال إب راهيم رب اجع ل ه ذا بل دا آمن ا وارزق أهل ه من "‬


‫الثمرات من آمن منهم باهلل واليوم اآلخر قال ومن كف ر فأمتع ه‬
‫" قليال ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير‬
‫‪.‬ثم قيد عليه السالم هذا الدعاء للمؤمنين‪ ,‬تأدبا مع هللا‪ ,‬إذ كان دع اؤه األول‪ ,‬في ه اإلطالق‪ ,‬فج اء الج واب في ه مقي دا بغ ير الظ الم‬
‫فلما دعا لهم بالرزق‪ ,‬وقيده بالمؤمن‪ ,‬وكان رزق هللا شامال للمؤمن والكافر‪ ,‬والعاصي والط ائع‪ ,‬ق ال تع الى‪َ " :‬و َم ْن َكفَ َر " أي‪:‬‬
‫افرهم‬ ‫لمهم وك‬ ‫‪.‬أرزقهم كلهم‪ ,‬مس‬
‫ه إلى نعيم الجنة‬ ‫ل من‬ ‫ادة هللا‪ ,‬ثم ينتق‬ ‫الرزق على عب‬ ‫تعين ب‬ ‫لم فيس‬ ‫ا المس‬ ‫‪.‬أم‬
‫س ْال َم ِ‬
‫صي ُر‬ ‫ار َوبِْئ َ‬ ‫‪ " .‬وأما الكافر‪ ,‬فيتمتع فيها قليال " ثُ َّم َأضْ طَرُّ هُ " أي‪ :‬ألجئه وأخرجه مكرها " ِإلَى َع َذا ِ‬
‫ب النَّ ِ‬

‫وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا "‬
‫" إنك أنت السميع العليم‬
‫بيت‬ ‫د من ال‬ ‫ا القواع‬ ‫ة رفعهم‬ ‫ماعيل‪ ,‬في حال‬ ‫راهيم وإس‬ ‫ر إب‬ ‫‪.‬أي‪ :‬واذك‬
‫ل العظيم‬ ‫ذا العم‬ ‫تمرارهما على ه‬ ‫اس‪ ,‬واس‬ ‫‪.‬األس‬
‫وكيف كانت حالهما من الخوف والرجاء‪ ,‬حتى إنهما ‪ -‬مع هذا العمل ‪ -‬دعوا هللا أن يتقبل منهم ا عملهم ا‪ ,‬ح تى يجع ل في ه النف ع‬
‫‪.‬العميم‬

‫ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مس لمة ل ك وأرن ا "‬


‫" مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‬
‫‪.‬ودع وا ألنفس هما‪ ,‬وذريتهم ا باإلس الم‪ ,‬ال ذي حقيقت ه‪ ,‬خض وع القلب‪ ,‬وانقي اده لرب ه المتض من النقي اد الج وارح‬
‫"‬ ‫ون أبلغ‬ ‫اهدة‪ ,‬ليك‬ ‫ه اإلرادة والمش‬ ‫ا على وج‬ ‫َكنَا " أي‪ :‬علمناه‬ ‫َاس‬
‫ا َمن ِ‬ ‫‪َ .‬وَأ ِرنَ‬
‫ام‬ ‫ياق والمق‬ ‫ه الس‬ ‫دل علي‬ ‫اي‬ ‫ا‪ ,‬كم‬ ‫ال الحج كله‬ ‫ك‪ :‬أعم‬ ‫راد بالمناس‬ ‫ون الم‬ ‫ل أن يك‬ ‫‪.‬يحتم‬
‫ويحتمل أن يكون المراد‪ :‬ما هو أعظم من ذلك‪ ,‬وهو الدين كله‪ ,‬والعبادات كلها‪ ,‬كما يدل علي ه عم وم اللف ظ‪ ,‬ألن النس ك‪ :‬التعب د‪,‬‬
‫ا عرفيا‬ ‫دات الحج‪ ,‬تغليب‬ ‫‪.‬ولكن غلب على متعب‬
‫الح‬ ‫ل الص‬ ‫افع‪ ,‬والعم‬ ‫ق للعلم الن‬ ‫ع إلى التوفي‬ ‫ا‪ ,‬يرج‬ ‫ل دعائهم‬ ‫ون حاص‬ ‫‪.‬فيك‬
‫ك َأ ْنتَ التَّوَّابُ الر ِ‬
‫َّحي ُم‬ ‫ولما كان العبد ‪ -‬مهما كان ‪ -‬ال بد أن يعتريه التقصير‪ ,‬ويحتاج إلى التوبة قاال‪َ " :‬وتُبْ َعلَ ْينَا ِإنَّ َ‬

‫ربن ا وابعث فيهم رس وال منهم يتل و عليهم آيات ك ويعلمهم "‬
‫" الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم‬
‫ث فِي ِه ْم " أي‪ :‬في ذريتن ا " َر ُس واًل ِم ْنهُ ْم " ليك ون أرف ع ل درجتهما‪ ,‬ولينق ادوا ل ه‪ ,‬وليعرف وه حقيق ة المعرفة "‬ ‫‪.‬ربَّنَ ا َوا ْب َع ْ‬ ‫َ‬
‫"‬ ‫نى‬ ‫ةَ " مع‬ ‫اب َو ْال ِح ْك َم‬
‫َ‬ ‫ا " َويُ َعلِّ ُمهُ ُم ْال ِكتَ‬ ‫ا‪ ,‬وتحفيظ‬ ‫ا‪ ,‬وحفظ‬ ‫كَ " لفظ‬ ‫و َعلَ ْي ِه ْم آيَاتِ‬ ‫‪.‬يَ ْتلُ‬
‫"‬ ‫‪َ .‬ويُ َز ِّكي ِه ْم " بالتربي ة على األعم ال الص الحة والت بري من األعم ال الردي ة‪ ,‬ال تي ال ت زكي النفس معها‬
‫"‬ ‫يء‬ ‫ه‪ ,‬ش‬ ‫ع على قوت‬ ‫ذي ال يمتن‬ ‫يء‪ ,‬ال‬ ‫لش‬ ‫اهر لك‬ ‫ُز " أي‪ :‬الق‬ ‫ك َأ ْنتَ ْال َع ِزي‬
‫‪ِ.‬إنَّ َ‬
‫"‬ ‫عها‬ ‫ياء مواض‬ ‫ع األش‬ ‫ذي يض‬ ‫ْ‬
‫‪.‬ال َح ِكي ُم " ال‬
‫ول‬ ‫ذا الرس‬ ‫ك‪ ,‬ابعث فيهم ه‬ ‫ك وحكمت‬ ‫‪.‬فبعزت‬
‫‪.‬فاس تجاب هللا لهم ا‪ ,‬فبعث هللا ه ذا الرس ول الك ريم‪ ,‬ال ذي رحم هللا ب ه ذريتهم ا خاص ة‪ ,‬وس ائر الخل ق عامة‬
‫‪ " .‬ولهذا قال عليه الصالة والسالم " أنا دعوة أبي إبراهيم‬

‫ومن ي رغب عن مل ة إب راهيم إال من س فه نفس ه ولق د "‬


‫" اصطفيناه في الدنيا وإنه في اآلخرة لمن الصالحين‬
‫ولما عظم هللا إبراهيم هذا التعظيم‪ ,‬وأخبر عن صفاته الكاملة قال تعالى‪َ " :‬و َم ْن يَ رْ غَبُ ع َْن ِملَّ ِة ِإ ْب َرا ِهي َم ِإاَّل َم ْن َس فِهَ نَ ْف َس هُ َولَقَ ِد‬
‫ص ى بِهَ ا ِإ ْب َرا ِهي ُم بَنِي ِه‬ ‫ت لِ َربِّ ْال َع الَ ِمينَ َو َو َّ‬ ‫ال َأ ْس لَ ْم ُ‬
‫الص الِ ِحينَ ِإ ْذ قَ ا َل لَ هُ َربُّهُ َأ ْس لِ ْم قَ َ‬ ‫َّ‬ ‫اصْ طَفَ ْينَاهُ فِي ال ُّد ْنيَا َوِإنَّهُ فِي اآْل ِخ َر ِة لَ ِمنَ‬
‫ال ِلبَنِي ِه َم ا‬ ‫ت ِإ ْذ قَ َ‬ ‫وب ْال َم وْ ُ‬ ‫ض َر يَ ْعقُ َ‬ ‫ي ِإ َّن هَّللا َ اصْ طَفَى لَ ُك ُم ال ِّدينَ فَاَل تَ ُم وتُ َّن ِإاَّل َوَأ ْنتُ ْم ُم ْس لِ ُمونَ َأ ْم ُك ْنتُ ْم ُش هَدَا َء ِإ ْذ َح َ‬ ‫َويَ ْعقُوبُ يَا بَنِ َّ‬
‫ْ‬
‫ك َّمة قَ ْد َخلَت لَهَ ا َم ا‬ ‫ٌ‬ ‫ُأ‬ ‫ْ‬
‫ق ِإلَهًا َوا ِح دًا َونَحْ نُ لَ هُ ُم ْس لِ ُمونَ تِل َ‬ ‫ك ِإ ْب َرا ِهي َم َوِإ ْس َما ِعي َل وَِإ ْس َحا َ‬ ‫ك َوِإلَهَ آبَاِئ َ‬ ‫ُ‬
‫تَ ْعبُ ُدونَ ِم ْن بَ ْع ِدي قَالوا نَ ْعبُ ُد ِإلَهَ َ‬
‫ونَ‬ ‫ُ‬ ‫انوا يَ ْع َمل‬ ‫ُ‬ ‫لونَ َع َّما َك‬ ‫ُ‬ ‫َأ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ْبت ْم َواَل ت ْس‬ ‫ا َك َس‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت َولك ْم َم‬ ‫بَ ْ‬ ‫" َك َس‬ ‫‪.‬‬
‫أي‪ :‬ما يرغب " ع َْن ِملَّ ِة ِإ ْب َرا ِهي َم " بعد ما عرف من فضله ‪ِ " 4‬إاَّل َم ْن َسفِهَ نَ ْف َس هُ " أي‪ :‬جهله ا وامتهنه ا‪ ,‬ورض ي له ا بال دون‪,‬‬
‫راهيم‬ ‫ة إب‬ ‫ل‪ ,‬ممن رغب في مل‬ ‫د وأكم‬ ‫ه ال أرش‬ ‫ا أن‬ ‫ون كم‬ ‫فقة المغب‬ ‫ا بص‬ ‫‪.‬وباعه‬
‫اص طَفَ ْينَاهُ فِي ال ُّد ْنيَا " أي‪ :‬اخترن اه ووفقن اه لألعم ال‪ ,‬ال تي ص ار به ا‪ ,‬من‬
‫ثم أخبر عن حالته في الدنيا واآلخ رة فق ال‪َ " :‬ولَقَ ِد ْ‬
‫ار‬ ‫طفين األخي‬ ‫‪.‬المص‬
‫‪َ .‬وِإنَّهُ فِي اآْل ِخ َر ِة لَ ِمنَ الصَّالِ ِحينَ " الذين لهم‪ ,‬أعلى الدرجات "‬

‫" إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين "‬


‫"‬ ‫الَ ِمينَ‬ ‫َربِّ ْال َع‬ ‫لَ ْم ُ‬
‫ت ِل‬ ‫ه " َأ ْس‬ ‫اال لرب‬ ‫ال " امتث‬
‫َ‬ ‫لِ ْم قَ‬ ‫هُ َربُّهُ َأ ْس‬ ‫ال لَ‬
‫َ‬ ‫" ِإ ْذ قَ‬ ‫‪.‬‬
‫د هلل نعته‬ ‫ان التوحي‬ ‫ة فك‬ ‫ة‪ ,‬وإناب‬ ‫دا‪ ,‬ومحب‬ ‫ا وتوحي‬ ‫‪.‬إخالص‬
‫‪.‬ثم ورثه في ذريته‪ ,‬ووصاهم به‪ ,‬وجعلها كلمة باقية في عقبه‪ ,‬وتوارثت فيهم‪ ,‬حتى وصلت ليعقوب فوصى بها بنيه‬

‫ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن هللا اص طفى لكم "‬
‫" الدين فال تموتن إال وأنتم مسلمون‬
‫ي ِإ َّن هَّللا َ‬
‫فأنتم ‪ -‬يا بني يعقوب ‪ -‬قد وص اكم أب وكم بالخص وص‪ ,‬فيجب عليكم كم ال االنقي اد‪ ,‬واتب اع خ اتم األنبي اء ق ال‪ " :‬يَ ا بَنِ َّ‬
‫اصْ طَفَى لَ ُك ُم ال ِّدينَ " أي‪ :‬اختاره وتخيره لكم‪ ,‬رحمة بكم‪ ,‬وإحسانا إليكم‪ ,‬فقوموا به‪ ,‬واتصفوا بشرائعه‪ ,‬وانصبغوا بأخالق ه‪ ,‬ح تى‬
‫‪.‬تستمروا على ذلك فال يأتيكم الموت إال وأنتم عليه‪ ,‬ألن من عاش على شيء‪ ,‬مات عليه‪ ,‬ومن مات على شيء‪ ,‬بعث عليه‬

‫أم كنتم ش هداء إذ حض ر يعق وب الم وت إذ ق ال لبني ه م ا "‬


‫تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل‬
‫" وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون‬
‫ولما كان اليهود يزعمون أنهم على ملة إبراهيم‪ ,‬ومن بعده يعقوب‪ ,‬قال تعالى منكرا عليهم‪َ " :‬أ ْم ُك ْنتُ ْم ُشهَدَا َء " أي‪ :‬حضورا " ِإ ْذ‬
‫ت‬‫وْ ُ‬ ‫وب ْال َم‬‫َ‬ ‫َر يَ ْعقُ‬ ‫ض‬
‫" َح َ‬ ‫‪.‬‬
‫بابه‬ ‫ه وأس‬ ‫‪.‬أي‪ :‬مقدمات‬
‫اهم به‬ ‫ا وص‬ ‫الهم م‬ ‫ه بامتث‬ ‫ه في حيات‬ ‫ر عين‬ ‫ار‪ ,‬ولتق‬ ‫ه االختب‬ ‫ه على وج‬ ‫ال لبني‬ ‫‪.‬فق‬
‫ق ِإلَهً ا َو ِ‬
‫اح دًا "‬ ‫يل َوِإ ْس َحا َ‬ ‫ك َوِإلَ هَ آبَاِئ َ‬
‫ك ِإ ْب َرا ِهي َم َوِإ ْس َم ِ‬
‫اع َ‬ ‫‪َ " .‬ما تَ ْعبُ ُدونَ ِم ْن بَ ْع ِدي " فأجابوه بما قرت به عينه فقالوا‪ " :‬نَ ْعبُ ُد ِإلَهَ َ‬
‫دل به‬ ‫يئا‪ ,‬وال نع‬ ‫هش‬ ‫رك ب‬ ‫‪.‬فال‪ ,‬نش‬
‫"‬ ‫د والعمل‬ ‫وا بين التوحي‬ ‫لِ ُمونَ " فجمع‬ ‫هُ ُم ْس‬ ‫‪َ .‬ونَحْ نُ لَ‬
‫دوا بعد‬ ‫وب‪ ,‬ألنهم لم يوج‬ ‫روا يعق‬ ‫وم أنهم لم يحض‬ ‫‪.‬ومن المعل‬
‫‪.‬فإذا لم يحضروا‪ ,‬فقد أخبر هللا عنه أنه وصى بنيه بالحنيفية‪ ,‬ال باليهودية‬
‫تلك أمة قد خلت لها م ا كس بت ولكم م ا كس بتم وال تس ألون "‬
‫" عما كانوا يعملون‬
‫ك ُأ َّمةٌ قَ ْد خَ لَ ْ‬
‫ت " أي‪ :‬مضت " لَهَا َما َك َسبَ ْ‬
‫ت َولَ ُك ْم َما َك َس ْبتُ ْم " أي‪ :‬ك ل ل ه عمل ه‪ ,‬وك ل س يجازى بم ا فعل ه‪ ,‬ال‬ ‫ثم قال تعالى‪ " :‬تِ ْل َ‬
‫واه‬ ‫ه وتق‬ ‫دا إال إيمان‬ ‫ع أح‬ ‫د وال ينف‬ ‫ذنب أح‬ ‫دب‬ ‫ذ أح‬ ‫‪.‬يؤاخ‬
‫ة له‬ ‫ارغ ال حقيق‬ ‫رف‬ ‫ول‪ ,‬أم‬ ‫رد الق‬ ‫ا بمج‬ ‫اؤكم‪ ,‬أنكم على ملتهم‪ ,‬والرض‬ ‫ه وادع‬ ‫تغالكم ب‬ ‫‪.‬فاش‬
‫بل الواجب عليكم‪ ,‬أن تنظروا حالتكم التي أنتم عليها‪ ,‬هل تصلح للنجاة أم ال‬

‫وقالوا كونوا ه ودا أو نص ارى تهت دوا ق ل ب ل مل ة إب راهيم "‬


‫" حنيفا وما كان من المشركين‬
‫‪.‬أي‪ :‬دع ا ك ل من اليه ود والنص ارى المس لمين إلى ال دخول في دينهم‪ ,‬زاعمين أنهم هم المهت دون وغ يرهم ض ال‬
‫قال له مجيبا جوابا شافيا " بَلْ " نتبع " ِملَّةَ ِإ ْب َرا ِهي َم َحنِيفًا " أي‪ :‬مقبال على هللا‪ ,‬معرضا عما سواه‪ ,‬قائما بالتوحيد‪ ,‬تارك ا للش رك‬
‫‪.‬والتنديد‬
‫‪.‬فهذا الذي في اتباعه الهداية‪ ,‬وفي اإلعراض عن ملته‪ ,‬الكفر والغواية‬

‫قول وا آمن ا باهلل وم ا أن زل إلين ا وم ا أن زل إلى إب راهيم "‬


‫وإس ماعيل وإس حاق ويعق وب واألس باط وم ا أوتي موس ى‬
‫وعيس ى وم ا أوتي الن بيون من ربهم ال نف رق بين أح د منهم‬
‫" ونحن له مسلمون‬
‫ان به‬ ‫ا يجب اإليم‬ ‫عم‬ ‫تملت على جمي‬ ‫د اش‬ ‫ة‪ ,‬ق‬ ‫ة الكريم‬ ‫ذه اآلي‬ ‫‪.‬ه‬
‫‪.‬واعلم أن اإليم ان ال ذي ه و تص ديق القلب الت ام‪ ,‬به ذه األص ول‪ ,‬وإق راره المتض من ألعم ال القل وب والج وارح‬
‫الحة كلها‬ ‫ال الص‬ ‫ه األعم‬ ‫دخل في‬ ‫الم‪ ,‬وت‬ ‫ه اإلس‬ ‫دخل في‬ ‫ار ‪ -‬ي‬ ‫ذا االعتب‬ ‫و ‪ -‬به‬ ‫‪.‬وه‬
‫اره‬ ‫ر من آث‬ ‫ان‪ ,‬وأث‬ ‫‪.‬فهي من اإليم‬
‫ا ذكر‬ ‫هم‬ ‫ل في‬ ‫ان‪ ,‬دخ‬ ‫ق اإليم‬ ‫‪.‬فحيث أطل‬
‫ان‬ ‫ه اإليم‬ ‫ل في‬ ‫ق دخ‬ ‫الم‪ ,‬إذا أطل‬ ‫ذلك اإلس‬ ‫‪.‬وك‬
‫ديق‬ ‫رار والتص‬ ‫ا في القلب من اإلق‬ ‫ما لم‬ ‫ان اس‬ ‫ان اإليم‬ ‫ا‪ ,‬ك‬ ‫رن بينهم‬ ‫إذا ق‬ ‫‪.‬ف‬
‫اهرة‬ ‫ال الظ‬ ‫ما لألعم‬ ‫الم‪ ,‬اس‬ ‫‪.‬واإلس‬
‫الحة‬ ‫ال الص‬ ‫ان واألعم‬ ‫ع بين اإليم‬ ‫ذلك إذا جم‬ ‫‪.‬وك‬
‫وبكم‬ ‫ا قل‬ ‫نتكم‪ ,‬متواطئة عليه‬ ‫وا " أي‪ :‬بألس‬ ‫الى‪ " :‬قُولُ‬ ‫ه تع‬ ‫‪.‬فقول‬
‫زاء‬ ‫واب والج‬ ‫ه الث‬ ‫ترتب علي‬ ‫ام‪ ,‬الم‬ ‫ول الت‬ ‫و الق‬ ‫ذا ه‬ ‫‪.‬وه‬
‫اق وكفر‬ ‫اد القلب‪ ,‬نف‬ ‫دون اعتق‬ ‫ان‪ ,‬ب‬ ‫ق باللس‬ ‫ا أن النط‬ ‫‪.‬فكم‬
‫‪.‬فالقول الخالي من العمل عمل القلب‪ ,‬عديم التأثير‪ ,‬قليل الفائدة‪ ,‬وإن كان العبد ي ؤجر علي ه‪ ,‬إذا ك ان ح يرا ومع ه أص ل اإليم ان‬
‫ل القلب‬ ‫ه عم‬ ‫ترن ب‬ ‫رد‪ ,‬والمق‬ ‫ول المج‬ ‫رق بين الق‬ ‫‪.‬لكن ف‬
‫‪.‬وفي قول ه " قُولُ وا " إش ارة إلى اإلعالن بالعقي دة‪ ,‬والص دع به ا‪ ,‬وال دعوة له ا‪ ,‬إذ هي أص ل ال دين وأساسه‬
‫وفي قوله‪ " :‬آ َمنَّا " ونحوه‪ ,‬مما فيه صدور الفعل‪ ,‬منسوبا إلى جميع األمة‪ ,‬إشارة إلى أن ه يجب على األم ة‪ ,‬االعتص ام بحب ل هللا‬
‫‪.‬جميع ا‪ ,‬والحث على االئتالف ح تى يك ون داعيهم واح دا‪ ,‬وعملهم متح دا‪ ,‬وفي ض منه النهي عن االف تراق‬
‫د الواحد‬ ‫نين كالجس‬ ‫ه‪ :‬أن المؤم‬ ‫‪.‬وفي‬
‫‪.‬وفي قوله‪ " :‬قُولُوا آ َمنَّا بِاهَّلل ِ " إلخ داللة على جواز إضافة اإلنس ان إلى نفس ه اإليم ان‪ ,‬على وج ه التقيي د‪ ,‬ب ل على وج وب ذلك‬
‫بخالف قوله " أنا مؤمن " ونحوه‪ ,‬فإنه ال يق ال إال مقرون ا باالس تثناء بالمش يئة‪ ,‬لم ا في ه من تزكي ة النفس‪ ,‬والش هادة على نفس ه‬
‫ان‬ ‫‪.‬باإليم‬
‫فقوله‪ " :‬آ َمنَّا بِاهَّلل ِ " أي‪ :‬بأنه واجب الوجود‪ ,‬واحد أحد‪ ,‬متصف بك ل ص فة كم ال‪ ,‬م نزه عن ك ل نقص وعيب‪ ,‬مس تحق إلف راده‬
‫وه‬ ‫ه من الوج‬ ‫ا‪ ,‬بوج‬ ‫يء منه‬ ‫ه في ش‬ ‫راك ب‬ ‫دم اإلش‬ ‫ا‪ ,‬وع‬ ‫ادة كله‬ ‫‪.‬بالعب‬
‫َو َما ُأ ْن ِز َل ِإلَ ْينَا " يشمل القرآن والسنة لقوله تعالى‪َ " :‬وَأ ْنزَ َل هَّللا ُ َعلَ ْيكَ ْال ِكت َ‬
‫َاب َو ْال ِح ْك َمةَ " فيدخل فيه اإليم ان بم ا تض منه كت اب "‬
‫هللا وسنة رسوله‪ ,‬من صفات الباري‪ ,‬وصفات رسله‪ ,‬واليوم اآلخر‪ ,‬والغيوب الماضية والمستقبلة‪ ,‬واإليمان بما تض منه ذل ك من‬
‫ير ذلك‬ ‫زاء وغ‬ ‫ام الج‬ ‫رعية‪ ,‬وأحك‬ ‫ة الش‬ ‫ام األمري‬ ‫‪.‬األحك‬
‫"‬ ‫ر اآلية‬ ‫َرا ِهي َم " إلى آخ‬ ‫ِز َل ِإلَى ِإ ْب‬ ‫ا ُأ ْن‬ ‫‪َ .‬و َم‬
‫اء‬ ‫ع األنبي‬ ‫ة على جمي‬ ‫ع الكتب المنزل‬ ‫ان بجمي‬ ‫ه اإليم‬ ‫‪.‬في‬
‫‪.‬واإليم ان باألنبي اء عموم ا وخصوص ا‪ ,‬م ا نص علي ه في اآلي ة‪ ,‬لش رفهم وإلتي انهم بالش رائع الكب ار‬
‫مول‬ ‫وم والش‬ ‫ه العم‬ ‫ؤمن بهم على وج‬ ‫اء والكتب‪ ,‬أن ي‬ ‫ان باألنبي‬ ‫الواجب في اإليم‬ ‫‪.‬ف‬
‫ه مفصال‬ ‫ان ب‬ ‫يل‪ ,‬وجب اإليم‬ ‫رف منهم بالتفص‬ ‫اع‬ ‫‪.‬ثم م‬
‫ؤمن بهم كلهم‬ ‫لن‬ ‫ٍد ِم ْنهُ ْم " أي‪ :‬ب‬ ‫ق بَ ْينَ َأ َح‬
‫ِّر ُ‬ ‫ه‪ " :‬اَل نُفَ‬ ‫‪.‬وقول‬
‫ه على دين‬ ‫دعي أن‬ ‫ل من ي‬ ‫ا عن ك‬ ‫ردوا به‬ ‫تي انف‬ ‫لمين‪ ,‬ال‬ ‫ية المس‬ ‫ذه خاص‬ ‫‪.‬ه‬
‫‪.‬فاليهود والنصارى والصابئون وغيرهم ‪ -‬وإن زعموا أنهم يؤمنون بم ا يؤمن ون ب ه من الرس ل والكتب ‪ -‬ف إنهم يكف رون بغ يره‬
‫رون به‬ ‫ها يكف‬ ‫ه وبعض‬ ‫ون ب‬ ‫ها يؤمن‬ ‫ل والكتب‪ ,‬بعض‬ ‫ون بين الرس‬ ‫‪.‬فيفرق‬
‫ديقهم‬ ‫ذيبهم تص‬ ‫‪.‬وينقض تك‬
‫‪.‬ف إن الرس ول ال ذي زعم وا‪ ,‬أنهم ق د آمن وا ب ه‪ ,‬ق د ص دق س ائر الرس ل وخصوص ا محم د ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫ولهم‬ ‫را برس‬ ‫ون كف‬ ‫ه‪ ,‬فيك‬ ‫برهم ب‬ ‫ا أخ‬ ‫ولهم فيم‬ ‫ذبوا رس‬ ‫دك‬ ‫دا‪ ,‬فق‬
‫‪.‬ف إذا ك ذبوا محم‬
‫‪.‬وفي قوله‪َ " :‬و َما ُأوتِ َي النَّبِيُّونَ ِم ْن َربِّ ِه ْم " داللة على أن عطية الدين‪ ,‬هي العطية الحقيقية المتصلة بالسعادة الدنيوي ة واألخروية‬
‫و ذلك‬ ‫ال ونح‬ ‫ك والم‬ ‫اء من المل‬ ‫ا أوتي األنبي‬ ‫ؤمن بم‬ ‫ا أن ن‬ ‫‪.‬لم يأمرن‬
‫رائع‬ ‫وا من الكتب والش‬ ‫ا أعط‬ ‫ؤمن بم‬ ‫ا أن ن‬ ‫ل أمرن‬ ‫‪.‬ب‬
‫‪.‬وفي ه أن األنبي اء مبلغ ون عن هللا‪ ,‬ووس ائط بين هللا وبين خلق ه في تبلي غ دين ه‪ ,‬ليس لهم من األم ر ش يء‬
‫وفي قول ه‪ِ " :‬م ْن َربِّ ِه ْم " إش ارة إلى أن ه من كم ال ربوبيت ه لعب اده‪ ,‬أن ي نزل عليهم الكتب‪ ,‬ويرس ل إليهم الرس ل‪ ,‬فال تقتض ي‬
‫دى وال همال‬ ‫ركهم س‬ ‫ه‪ ,‬ت‬ ‫‪.‬ربوبيت‬
‫وإذا كان ما أوتي النبيون‪ ,‬إنما هو من ربهم‪ ,‬ففي ه الف رق بين األنبي اء وبين من ي دعي النب وة‪ ,‬وأن ه يحص ل الف رق بينهم بمج رد‬
‫دعون إليه‬ ‫اي‬ ‫ةم‬ ‫‪.‬معرف‬
‫ل شر‬ ‫ون إال عن ك‬ ‫ير‪ ,‬وال ينه‬ ‫دعون إال إلى الخ‬ ‫ل ال ي‬ ‫‪.‬فالرس‬
‫وكل واحد منهم‪ ,‬يصدق اآلخر‪ ,‬ويشهد له بالحق‪ ,‬من غير تخالف وال تناقض لكونه من عن د ربهم " َولَ وْ َك انَ ِم ْن ِع ْن ِد َغ ْي ِر هَّللا ِ‬
‫يرًا‬ ‫ا َكثِ‬ ‫اختِاَل فً‬
‫ِه ْ‬ ‫دُوا فِي‬ ‫" لَ َو َج‬ ‫‪.‬‬
‫وهذا بخالف من ادعى النب وة‪ ,‬فال ب د أن يتناقض وا في أخب ارهم وأوام رهم ون واهيهم‪ ,‬كم ا يعلم ذل ك من س بر أح وال الجمي ع‪,‬‬
‫دعون إليه‬ ‫اي‬ ‫رف م‬ ‫‪.‬وع‬
‫فلما بين تعالى جميع ما يؤمن به‪ ,‬عموما وخصوصا‪ ,‬وكان القول ال يغني عن العمل قال‪َ " :‬ونَحْ نُ لَهُ ُم ْس لِ ُمونَ " أي‪ :‬خاض عون‬
‫ادة‬ ‫ه العب‬ ‫ون ل‬ ‫ا‪ ,‬مخلص‬ ‫ا وظاهرن‬ ‫ه‪ ,‬بباطنن‬ ‫ادون لعبادت‬ ‫ه‪ ,‬منق‬ ‫‪.‬لعظمت‬
‫لِ ُمونَ‬ ‫و " ُم ْس‬ ‫ل وه‬ ‫هُ " على العام‬ ‫و " لَ‬ ‫ول‪ ,‬وه‬ ‫ديم المعم‬ ‫دليل تق‬ ‫"ب‬ ‫‪.‬‬
‫فقد اشتملت هذه اآلية الكريم ة ‪ -‬على إيجازه ا واختص ارها ‪ -‬على أن واع التوحي د الثالث ة‪ :‬توحي د الربوبي ة‪ ,‬وتوحي د األلوهي ة‪,‬‬
‫فات‬ ‫ماء والص‬ ‫د األس‬ ‫‪.‬وتوحي‬
‫ع الكتب‬ ‫ل‪ ,‬وجمي‬ ‫ع الرس‬ ‫ان بجمي‬ ‫تملت على اإليم‬ ‫‪.‬واش‬
‫د التعميم‬ ‫ل‪ ,‬بع‬ ‫دال على الفض‬ ‫يص ال‬ ‫‪.‬وعلى التخص‬
‫وارح واإلخالص هلل في ذلك‬ ‫ان والج‬ ‫القلب واللس‬ ‫ديق ب‬ ‫‪.‬وعلى التص‬
‫اذبين‬ ‫وة من الك‬ ‫ادقين‪ ,‬ومن ادعى النب‬ ‫ل الص‬ ‫رق بين الرس‬ ‫‪.‬وعلى الف‬
‫‪.‬وعلى تعليم الب اري عب اده‪ ,‬كي ف يقول ون‪ ,‬ورحمت ه وإحس انه عليهم ب النعم الديني ة المتص لة بس عادة ال دنيا واآلخ رة‬
‫‪.‬فسبحان من جعل كتابه تبيانا لكل شيء‪ ,‬وهدى ورحمة لقوم يؤمنون‬

‫فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهت دوا وإن تول وا فإنم ا هم "‬
‫" في شقاق فسيكفيكهم هللا وهو السميع العليم‬
‫أي‪ :‬فإن آمن أهل الكتاب بمثل ما آمنتم ب ه ‪ -‬ي ا معش ر المؤم نين ‪ -‬من جمي ع الرس ل‪ ,‬وجمي ع الكتب‪ ,‬ال ذين أول من دخ ل فيهم‪,‬‬
‫وأولى خاتمهم وأفضلهم محمد صلى هللا عليه وسلم والقرآن‪ ,‬وأسلموا هلل وح ده‪ ,‬ولم يفرق وا بين أح د من الرس ل " فَقَ ِد ا ْهتَ دَوْ ا "‬
‫ات النعيم‬ ‫ل لجن‬ ‫تقيم‪ ,‬الموص‬ ‫راط المس‬ ‫‪.‬للص‬
‫ان‬ ‫ذا اإليم‬ ‫ة‪ ,‬إال به‬ ‫بيل لهم إلى الهداي‬ ‫‪.‬أي‪ :‬فال س‬
‫دوا‬ ‫ارى تهت‬ ‫ودا أو نص‬ ‫وا ه‬ ‫ولهم " كون‬ ‫وا بق‬ ‫ا زعم‬ ‫" وال كم‬ ‫‪.‬‬
‫انوا عليه‬ ‫اك‬ ‫ة بم‬ ‫ة‪ ,‬خاص‬ ‫وا أن الهداي‬ ‫‪.‬فزعم‬
‫و " الهدى " هو العلم بالحق‪ ,‬والعمل به‪ ,‬وصده‪ ,‬الضالل عن العلم‪ ,‬والضالل عن العمل بعد العلم‪ ,‬وهو الشقاق الذي كانوا عليه‪,‬‬
‫وا‬ ‫وا وأعرض‬ ‫ا تول‬ ‫‪.‬لم‬
‫وله‪ ,‬في شق‬ ‫ق وهللا ورس‬ ‫ون في ش‬ ‫ذي يك‬ ‫و ال‬ ‫اق‪ ,‬ه‬ ‫‪.‬فالمش‬
‫‪.‬ويل زم من المش اقة‪ ,‬المح ادة‪ ,‬والع داوة البليغ ة‪ ,‬ال تي من لوازمه ا‪ ,‬ب ذل م ا يق درون علي ه من أذي ة الرس ول‬
‫فلهذا وعد هللا رسوله‪ ,‬أن يكفيه إياهم‪ ,‬ألنه السميع لجميع األصوات‪ ,‬باختالف اللغات‪ ,‬على تفنن الحاج ات‪ ,‬العليم بم ا بين أي ديهم‬
‫واطن‬ ‫الظواهر والب‬ ‫هادة‪ ,‬ب‬ ‫الغيب والش‬ ‫ا خلفهم‪ ,‬ب‬ ‫‪.‬وم‬
‫رهم‬ ‫اك هللا ش‬ ‫ذلك‪ ,‬كف‬ ‫ان ك‬ ‫إذا ك‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪.‬وق د أنج ز هللا لرس وله وع ده‪ ,‬وس لطه عليهم‪ ,‬ح تى قت ل بعض هم‪ ,‬وس بى بعض هم‪ ,‬وأجلى بعض هم‪ ,‬وش ردهم ك ل مش رد‬
‫‪.‬ففيه معجزة من معجزات القرآن‪ ,‬وهو اإلخبار بالشيء قبل وقوعه‪ ,‬فوقع طبق ما أخبر‬

‫" صبغة هللا ومن أحسن من هللا صبغة ونحن له عابدون "‬
‫أي‪ :‬الزموا صبغة هللا‪ ,‬وهو دينه‪ ,‬وقوموا به قياما تاما‪ ,‬بجميع أعماله الظاهرة والباطنة‪ ,‬وجميع عقائده في جمي ع األوق ات‪ ,‬ح تى‬
‫فاتكم‬ ‫فة من ص‬ ‫بغة‪ ,‬وص‬ ‫ون لكم ص‬ ‫‪.‬يك‬
‫فإذا كان صفة من صفاتكم‪ ,‬أوجب ذلك لكم االنقياد ألوامره‪ ,‬طوعا واختيارا ومحبة‪ ,‬وصار الدين طبيعة لكم بمنزلة الص بغ الت ام‬
‫للثوب الذي ص ار ل ه ص فة‪ ,‬فحص لت لكم الس عادة الدنيوي ة واألخروي ة‪ ,‬لحث ال دين على مك ارم األخالق‪ ,‬ومحاس ن األعم ال‪,‬‬
‫ور‬ ‫الي األم‬ ‫‪.‬ومع‬
‫ص ْب َغةً " أي‪ :‬ال أحس ن ص بغة من ص بغته‬‫‪.‬فله ذا ق ال ‪ -‬على س بيل التعجب المتق رر للعق ول الزكي ة‪َ " :-‬و َم ْن َأحْ َس نُ ِمنَ هَّللا ِ ِ‬
‫‪.‬وإذا أردت أن تع رف نموذج ا ي بين ل ك الف رق بين ص بغة هللا وبين غيره ا من الص بغ‪ ,‬فقس الش يء بض ده‬
‫وارح‬ ‫اد الج‬ ‫وع القلب وانقي‬ ‫ه خض‬ ‫ر مع‬ ‫حيحا‪ ,‬أث‬ ‫اص‬ ‫ه إيمان‬ ‫د آمن برب‬ ‫رى في عب‬ ‫فت‬ ‫‪.‬فكي‬
‫ل‪ ,‬ونعت جليل‬ ‫ق كام‬ ‫ل‪ ,‬وخل‬ ‫ل جمي‬ ‫ن‪ ,‬وفع‬ ‫ف حس‬ ‫ل وص‬ ‫زال يتحلى بك‬ ‫‪.‬فلم ي‬
‫ة وعيب‬ ‫بيح‪ ,‬ورذيل‬ ‫فق‬ ‫ل وص‬ ‫‪.‬ويتخلى من ك‬
‫فوصفه‪ ,‬الصدق في قوله وفعله‪ ,‬والصبر والحلم‪ ,‬والعف ة‪ ,‬والش جاعة‪ ,‬واإلحس ان الق ولي والفعلي‪ ,‬ومحب ة هللا وخش يته‪ ,‬وخوف ه‪,‬‬
‫اؤه‬ ‫‪.‬ورج‬
‫ده‬ ‫ان لعبي‬ ‫ود‪ ,‬واإلحس‬ ‫ه اإلخالص للمعب‬ ‫‪.‬فحال‬
‫وقين‬ ‫يره من المخل‬ ‫ل على غ‬ ‫ه‪ ,‬وأقب‬ ‫رد عن‬ ‫ه‪ ,‬وش‬ ‫ر برب‬ ‫د كف‬ ‫ه بعب‬ ‫‪.‬فقس‬
‫فاتصف بالصفات القبيحة‪ ,‬من الكفر‪ ,‬والشرك والكذب‪ ,‬والخيانة‪ ,‬المكر‪ ,‬والخداع‪ ,‬وعدم العفة‪ ,‬واإلس اءة إلى الخل ق‪ ,‬في أقوال ه‪,‬‬
‫‪.‬وأفعاله‬
‫ده‬ ‫ان إلى عبي‬ ‫ود‪ ,‬وال إحس‬ ‫‪.‬فال إخالص للمعب‬
‫‪.‬فإنه يظهر لك الفرق العظيم بينهما‪ ,‬ويتبين لك أنه ال أحسن من صبغة هللا‪ ,‬وفي ضمنه أنه ال أقبح صبغة ممن انص بغ بغ ير دينه‬
‫وفي قوله‪َ " :‬ونَحْ نُ لَهُ عَابِ ُدونَ " بيان لهذه الصبغة‪ ,‬وهي القيام بهذين األصلين‪ ,‬اإلخالص والمتابعة‪ ,‬ألن " العبادة " اس م ج امع‬
‫اهرة والباطنة‬ ‫وال الظ‬ ‫ال‪ ,‬واألق‬ ‫اه‪ ,‬من األعم‬ ‫ه هللا ويرض‬ ‫ا يحب‬ ‫لم‬ ‫‪.‬لك‬
‫وله‬ ‫ان رس‬ ‫رعها هللا على لس‬ ‫تى يش‬ ‫ذلك‪ ,‬ح‬ ‫ون ك‬ ‫‪.‬وال تك‬
‫ال‬ ‫ك األعم‬ ‫ده‪ ,‬في تل‬ ‫ه هللا وح‬ ‫د وج‬ ‫د العب‬ ‫‪.‬واإلخالص أن يقص‬
‫ؤذن بالحصر‬ ‫ول‪ ,‬ي‬ ‫ديم المعم‬ ‫‪.‬فتق‬
‫‪.‬وقال‪َ " :‬ونَحْ نُ لَهُ عَابِ ُدونَ " فوصفهم باسم الفاعل الدال على الثبوت واالستقرار‪ ,‬ليدل على اتصافهم بذلك‬

‫ق ل أتحاجونن ا في هللا وه و ربن ا وربكم ولن ا أعمالن ا ولكم "‬


‫" أعمالكم ونحن له مخلصون‬
‫المحاجة هي‪ :‬المجادلة بين اثنين فأكثر‪ ,‬تتعلق بالمسائل الخالفية‪ ,‬حتى يكون كل من الخصمين يري د نص رة قول ه‪ ,‬وإبط ال ق ول‬
‫مه‬ ‫‪.‬خص‬
‫ة على ذلك‬ ‫ة الحج‬ ‫د في إقام‬ ‫ا‪ ,‬يجته‬ ‫د منهم‬ ‫ل واح‬ ‫‪.‬فك‬
‫والمطلوب منها‪ ,‬أن تكون بالتي هي أحسن‪ ,‬بأقرب طريق يرد الضال إلى الحق‪ ,‬ويقيم الحجة على المعاند‪ ,‬ويوضح الحق‪ ,‬ويبين‬
‫‪.‬الباطل‬
‫‪.‬ف إن خ رجت عن ه ذه األم ور‪ ,‬ك انت مم اراة‪ ,‬ومخاص مة ال خ ير فيه ا‪ ,‬وأح دثت من الش ر م ا أح دثت‬
‫‪.‬فك ان أه ل الكت اب‪ ,‬يزعم ون أنهم أولى باهلل من المس لمين‪ ,‬وه ذا مج رد دع وى‪ ,‬تفتق ر إلى بره ان ودليل‬
‫‪.‬ف إذا ك ان رب الجمي ع واح دا‪ ,‬ليس رب ا لكم دونن ا‪ ,‬وك ل من ا ومنكم‪ ,‬ل ه عمل ه‪ ,‬فاس توينا نحن وأنتم ب ذلك‬
‫يره‬ ‫ريقين أولى باهلل من غ‬ ‫د الف‬ ‫ون أح‬ ‫وجب أن يك‬ ‫ذا ال ي‬ ‫‪.‬فه‬
‫‪.‬ألن التفري ق م ع االش تراك في الش يء‪ ,‬من غ ير ف رق م ؤثر‪ ,‬دع وى باطل ة‪ ,‬وتفري ق بين متم اثلين‪ ,‬ومك ابرة ظ اهرة‬
‫ده‬ ‫الحة هلل وح‬ ‫ال الص‬ ‫إخالص األعم‬ ‫يل‪ ,‬ب‬ ‫ل التفض‬ ‫ا يحص‬ ‫‪.‬وإنم‬
‫‪.‬وه ذه الحال ة‪ ,‬وص ف المؤم نين وح دهم‪ ,‬فتعين أنهم أولى باهلل من غ يرهم ألن اإلخالص‪ ,‬ه و الطري ق إلى الخالص‬
‫فهذا هو الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان‪ ,‬باألوصاف الحقيقية‪ ,‬التي يسلمها أهل العقول‪ ,‬وال ينازع فيها إال ك ل مك ابر‬
‫ول‬ ‫‪.‬جه‬
‫‪.‬ففي هذه اآلية‪ ,‬إرشاد لطيف لطريق المحاجة‪ ,‬وأن األمور مبنية على الجمع بين المتماثلين‪ ,‬والفرق بين المختلفين‬

‫أم تقول ون إن إب راهيم وإس ماعيل وإس حاق ويعق وب "‬


‫واألسباط كانوا هودا أو نصارى ق ل أأنتم أعلم أم هللا ومن أظلم‬
‫" ممن كتم شهادة عنده من هللا وما هللا بغافل عما تعملون‬
‫‪.‬وه ذه دع وى أخ رى منهم‪ ,‬ومحاج ة في رس ل هللا‪ ,‬زعم وا أنهم أولى به ؤالء الرس ل الم ذكورين من المس لمين‬
‫فرد هللا عليهم بقوله " َأَأ ْنتُ ْم َأ ْعلَ ُم َأ ِم هَّللا ُ " فاهلل يقول‪َ " :‬ما َكانَ ِإب َْرا ِهي ُم يَهُو ِديًّا َواَل ن ْ‬
‫َص َرانِيًّا َولَ ِك ْن َك انَ َحنِيفً ا ُم ْس لِ ًما َو َم ا َك انَ ِمنَ‬
‫رانيا‬ ‫ا أو نص‬ ‫ان يهودي‬ ‫لك‬ ‫ون‪ :‬ب‬ ‫ِر ِكينَ " وهم يقول‬ ‫ْ‬
‫‪.‬ال ُم ْش‬
‫‪.‬فإم ا أن يكون وا‪ ,‬هم الص ادقين الع المين‪ ,‬أو يك ون هللا تع الى ه و الص ادق الع الم ب ذلك‪ ,‬فأح د األم رين متعين ال محالة‬
‫وصورة الجواب مبهم‪ ,‬وهو في غاية الوضوح والبي ان ح تى إن ه ‪ -‬من وض وحه ‪ -‬لم يحتج أن يق ول ب ل هللا أعلم وه و أص دق‪,‬‬
‫ل أحد‬ ‫ه لك‬ ‫ك‪ ,‬النجالئ‬ ‫و ذل‬ ‫‪.‬ونح‬
‫‪.‬كم ا إذا قي ل‪ :‬اللي ل أن ور‪ ,‬أم النه ار؟ والن ار أح ر أم الم اء؟ والش رك أحس ن أم التوحي د؟ ونح و ذلك‬
‫وهذا يعرفه كل من له أدنى عقل حتى إنهم بأنفسهم يعرفون ذلك‪ ,‬ويعرفون أن إب راهيم وغ يره من األنبي اء‪ ,‬لم يكون وا ه ودا وال‬
‫ان ظلمهم أعظم الظلم‬ ‫ذا ك‬ ‫هادة‪ ,‬فله‬ ‫ذه الش‬ ‫ذا العلم وه‬ ‫وا ه‬ ‫ارى‪ ,‬فكتم‬ ‫‪.‬نص‬
‫ولهذا قال تعالى‪َ " :‬و َم ْن َأ ْ‬
‫ظلَ ُم ِم َّم ْن َكتَ َم َشهَا َدةً ِع ْن َدهُ ِمنَ هَّللا ِ " فهي شهادة عندهم‪ ,‬مودعة من هللا‪ ,‬ال من الخلق‪ ,‬فيقتض ي االهتم ام‬
‫دها‬ ‫روا ض‬ ‫ا‪ ,‬وأظه‬ ‫ا‪ ,‬فكتموه‬ ‫‪.‬بإقامته‬
‫دعوة إليه‬ ‫ل‪ ,‬وال‬ ‫ار الباط‬ ‫ه‪ ,‬وإظه‬ ‫قب‬ ‫دم النط‬ ‫ق‪ ,‬وع‬ ‫وا بين كتم الح‬ ‫‪.‬جمع‬
‫د العقوبة‬ ‫ه أش‬ ‫يعاقبهم علي‬
‫ذا‪ ,‬أعظم الظلم؟ بلى وهللا‪ ,‬وس‬ ‫‪.‬أليس ه‬
‫فلهذا قال‪َ " :‬و َما هَّللا ُ بِغَافِ ٍل َع َّما تَ ْع َملُونَ " بل قد أحصى أعم الهم‪ ,‬وع دها وادخ ر لهم جزاءه ا‪ ,‬ف بئس الج زاء ج زاؤهم‪ ,‬وبئس ت‬
‫المين‬ ‫وى للظ‬ ‫ار‪ ,‬مث‬ ‫‪.‬الن‬
‫ازى عليها‬ ‫تي يج‬ ‫ال ال‬ ‫منة لألعم‬ ‫ات المتض‬ ‫درة‪ ,‬عقب اآلي‬ ‫ر العلم والق‬ ‫رآن في ذك‬ ‫ة الق‬ ‫ذه طريق‬ ‫‪.‬وه‬
‫ترهيب‬ ‫ترغيب وال‬ ‫د‪ ,‬وال‬ ‫د والوعي‬ ‫ك الوع‬ ‫د ذل‬ ‫‪.‬فيفي‬
‫ويفيد أيضا‪ ,‬ذكر األسماء الحسنى بعد األحكام‪ ,‬أن األمر الديني والجزائي‪ ,‬أثر من آثارها‪ ,‬وموجب من موجباتها‪ ,‬وهي مقتض ية‬
‫‪.‬له‬

‫تلك أمة قد خلت لها م ا كس بت ولكم م ا كس بتم وال تس ألون "‬


‫" عما كانوا يعملون‬
‫ت َولَ ُك ْم َما َك َس ْبتُ ْم َواَل تُ ْس َألُونَ َع َّما َك انُوا يَ ْع َملُ ونَ " تق دم تفس يرها‪ ,‬وكرره ا‪ ,‬لقط ع‬ ‫ثم قال تعالى‪ " :‬تِ ْلكَ ُأ َّمةٌ قَ ْد َخلَ ْ‬
‫ت لَهَا َما َك َسبَ ْ‬
‫‪.‬التعل ق ب المخلوقين‪ ,‬وأن المع ول علي ه‪ ,‬مم ا اتص ف ب ه اإلنس ان‪ ,‬ال عم ل أس الفه وآبائه‬
‫‪.‬فالنفع الحقيقي باألعمال‪ ,‬ال باألنتساب المجرد للرجال‬

‫سيقول السفهاء من الناس م ا والهم عن قبلتهم ال تي ك انوا "‬


‫عليه ا ق ل هلل المش رق والمغ رب يه دي من يش اء إلى ص راط‬
‫" مستقيم‬
‫قد اشتملت اآلية األولى‪ ,‬على معجزة‪ ,‬وتسلية‪ ,‬وتطمين قلوب المؤمنين‪ ,‬واعتراض وجوابه‪ ,‬من ثالثة أوجه‪ ,‬وص فة المع ترض‪,‬‬
‫لم لحكم هللا دينه‬ ‫فة المس‬ ‫‪.‬وص‬
‫فأخبر تعالى أنه سيعترض السفهاء من الناس‪ ,‬وهم الذين ال يعرفون مصالح أنفسهم‪ ,‬بل يض يعونها ويبيعونه ا ب أبخس ثمن‪ ,‬وهم‬
‫رائعه‬ ‫ام هللا وش‬ ‫ين على أحك‬ ‫بههم من المعترض‬ ‫ارى‪ ,‬ومن أش‬ ‫ود والنص‬ ‫‪.‬اليه‬
‫امهم بمكة‬ ‫دة مق‬ ‫دس‪ ,‬م‬ ‫تقبال بيت المق‬ ‫أمورين باس‬ ‫انوا م‬ ‫لمين ك‬ ‫ك أن المس‬ ‫‪.‬وذل‬
‫ثم بعد الهجرة إلى المدينة‪ ,‬نحو سنة ونصف ‪ -‬لما هلل في ذلك من الحكم التي سيشير إلى بعضها‪ ,‬وك انت حكمت ه تقتض ي أم رهم‬
‫تقبال الكعبة‬ ‫‪.‬باس‬
‫‪.‬ف أخبرهم أن ه ال ب د أن يق ول الس فهاء من الن اس " َم ا َواَّل هُ ْم ع َْن قِ ْبلَتِ ِه ُم الَّتِي َك انُوا َعلَ ْيهَ ا " وهي اس تقبال بيت المق دس‬
‫ه؟‬ ‫رفهم عن‬ ‫يء ص‬ ‫‪.‬أي‪ :‬أي ش‬
‫انه‬ ‫له وإحس‬ ‫رعه‪ ,‬وفض‬ ‫تراض على حكم هللا وش‬ ‫ك االع‬ ‫‪.‬وفي ذل‬
‫ل‪ ,‬والحلم‪ ,‬والديانة‬ ‫ل العق‬ ‫فه‪ ,‬قلي‬ ‫ف بالس‬ ‫ع ممن اتص‬ ‫ا يق‬ ‫ه إنم‬ ‫ه‪ ,‬وأن‬ ‫بر بوقوع‬ ‫الهم‪ ,‬وأخ‬ ‫‪.‬فس‬
‫ذا الكالم‬ ‫در ه‬ ‫د علم مص‬ ‫الوا بهم‪ ,‬إذ ق‬ ‫‪.‬فال تب‬
‫ه ذهنه‬ ‫فيه‪ ,‬وال يلقي ل‬ ‫اعتراض الس‬ ‫الي ب‬ ‫ل ال يب‬ ‫‪.‬فالعاق‬
‫ل معاند‬ ‫فيه جاه‬ ‫ام هللا‪ ,‬إال س‬ ‫ترض على أحك‬ ‫ه ال يع‬ ‫ة على أن‬ ‫‪.‬ودلت اآلي‬
‫ضى‬ ‫وأما الرشيد المؤمن العاقل‪ ,‬فيتلقى أحكام ربه بالقبول‪ ,‬واالنقياد‪ ,‬والتسليم كما قال تعالى‪َ " :‬و َما َكانَ لِ ُمْؤ ِم ٍن َواَل ُمْؤ ِمنَ ٍة ِإ َذا قَ َ‬
‫ِر ِه ْم‬ ‫َرةُ ِم ْن َأ ْم‬ ‫ونَ لَهُ ُم ْال ِخيَ‬ ‫رًا َأ ْن يَ ُك‬ ‫ولُهُ َأ ْم‬ ‫" هَّللا ُ َو َر ُس‬ ‫‪.‬‬
‫"‬ ‫َج َر بَ ْينَهُ ْم " اآلية‬ ‫ا َش‬ ‫ك فِي َم‬ ‫و َ‬ ‫ونَ َحتَّى ي َُح ِّك ُم‬ ‫ك اَل يُْؤ ِمنُ‬
‫‪.‬فَاَل َو َربِّ َ‬
‫"‬ ‫ِم ْعنَا َوَأطَ ْعنَا‬ ‫وا َس‬ ‫ولِ ِه لِيَحْ ُك َم بَ ْينَهُ ْم َأ ْن يَقُولُ‬ ‫وا ِإلَى هَّللا ِ َو َر ُس‬ ‫وْ َل ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ِإ َذا ُد ُع‬ ‫انَ قَ‬ ‫ا َك‬ ‫" ِإنَّ َم‬ ‫‪.‬‬
‫االة به‬ ‫دم المب‬ ‫ولهم‪ ,‬وع‬ ‫ني عن رد ق‬ ‫ا يغ‬ ‫فهاء " م‬ ‫ه " الس‬ ‫ان في قول‬ ‫دك‬ ‫‪.‬وق‬
‫ولكنه تعالى ‪ -‬مع هذا ‪ -‬لم يترك هذه الشبهة‪ ,‬حتى أزالها وكشفها مما سيعرض لبعض القلوب من االعتراض‪ ,‬فقال تعالى‪ " :‬قُ لْ‬
‫تَقِ ٍيم‬ ‫اط ُم ْس‬
‫َر ٍ‬ ‫ا ُء ِإلَى ِ‬
‫ص‬ ‫ِدي َم ْن يَ َش‬ ‫ِربُ يَ ْه‬ ‫ق َو ْال َم ْغ‬
‫ِر ُ‬ ‫ا " هَّلِل ِ ْال َم ْش‬ ‫" " لهم مجيب‬ ‫‪.‬‬
‫أي‪ :‬فإذا كان المشرق والمغرب ملكا هلل‪ ,‬ليس جهة من الجهات خارجة من ملكه‪ ,‬ومع ه ذا يه دي من يش اء إلى ص راط مس تقيم‪,‬‬
‫ومنه هدايتكم إلى هذه القبلة التي هي من مل ة إب راهيم ‪ -‬فألي ش يء يع ترض المع ترض بت وليتكم قبل ة داخل ة تحت مل ك هللا‪ ,‬لم‬
‫رد ذلك‬ ‫ره‪ ,‬بمج‬ ‫ليم ألم‬ ‫وجب التس‬ ‫ذا ي‬ ‫ه؟ فه‬ ‫ال‬ ‫ت ملك‬ ‫ة ليس‬ ‫تقبلوا جه‬ ‫‪.‬تس‬
‫ذلك‬ ‫داكم ل‬ ‫انه‪ ,‬أن ه‬ ‫ه وإحس‬ ‫ل هللا عليكم‪ ,‬وهدايت‬ ‫و من فض‬ ‫ف‪ ,‬وه‬ ‫‪.‬فكي‬
‫دا لكم وبغيا‬ ‫ل هللا‪ ,‬حس‬ ‫ترض على فض‬
‫المعترض عليكم‪ ,‬مع‬ ‫‪.‬ف‬
‫ص َرا ٍط ُم ْستَقِ ٍيم " مطلقا‪ ,‬والمطل ق يحم ل على المقي د‪ ,‬ف إن الهداي ة والض الل‪ ,‬لهم ا أس باب‬‫ولما كان قوله " يَ ْه ِدي َم ْن يَ َشا ُء ِإلَى ِ‬
‫أوجبتها حكمة هللا وعدله‪ ,‬وقد أخبر في غير موضع من كتابه بأسباب الهداية‪ ,‬التي إذا أتى به ا العب د حص ل ل ه اله دى كم ا ق ال‬
‫تعالى " يَ ْه ِدي بِ ِه هَّللا ُ َم ِن اتَّبَ َع ِرضْ َوانَهُ ُسب َُل ال َّساَل ِم " ذكر في هذه اآلية الس بب الم وجب لهداي ة ه ذه األم ة مطلق ا بجمي ع أن واع‬
‫‪:‬الهداية‪ ,‬ومنة هللا عليها فقال‬

‫وك ذلك جعلن اكم أم ة وس طا لتكون وا ش هداء على الن اس "‬


‫ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة ال تي كنت عليه ا‬
‫إال لنعلم من يتب ع الرس ول ممن ينقلب على عقبي ه وإن ك انت‬
‫لكبيرة إال على الذين هدى هللا وم ا ك ان هللا ليض يع إيم انكم إن‬
‫" هللا بالناس لرءوف رحيم‬
‫"‬ ‫ارا‬ ‫دال خي‬ ‫طًا " أي‪ :‬ع‬ ‫ا ُك ْم ُأ َّمةً َو َس‬ ‫ك َج َع ْلنَ‬
‫َذلِ َ‬ ‫‪َ .‬و َك‬
‫ة تحت الخطر‬ ‫األطراف داخل‬ ‫ط‪ ,‬ف‬ ‫دا الوس‬ ‫اع‬ ‫‪.‬وم‬
‫دين‬ ‫ور ال‬ ‫ل أم‬ ‫طا في ك‬ ‫ة‪ ,‬وس‬ ‫ذه األم‬ ‫ل هللا ه‬ ‫‪.‬فجع‬
‫‪.‬وس طا في األنبي اء‪ ,‬بين من غال فيهم‪ ,‬كالنص ارى‪ ,‬وبين من جف اهم‪ ,‬ك اليهود‪ ,‬ب أن آمن وا بهم كلهم على الوج ه الالئ ق ب ذلك‬
‫ارى‬ ‫اون النص‬ ‫ارهم‪ ,‬وال ته‬ ‫ود وآص‬ ‫ديدات اليه‬ ‫ريعة‪ ,‬ال تش‬ ‫طا في الش‬ ‫‪.‬ووس‬
‫وفي باب الطهارة والمطاعم‪ ,‬ال كاليهود الذين ال تصح لهم صالة إال في بيعهم وكنائسهم‪ ,‬وال يطهرهم الماء من النجاس ات‪ ,‬وق د‬
‫ة لهم‬ ‫ات‪ ,‬عقوب‬ ‫رمت عليهم الطيب‬ ‫‪.‬ح‬
‫ا دب ودرج‬ ‫احوا م‬ ‫ل أب‬ ‫يئا‪ ,‬ب‬ ‫ون ش‬ ‫يئا‪ ,‬وال يحرم‬ ‫ون ش‬ ‫ذين ال ينجس‬ ‫ارى ال‬ ‫‪.‬وال كالنص‬
‫ارة وأتمها‬ ‫ل طه‬ ‫ارتهم أكم‬ ‫ل طه‬ ‫‪.‬ب‬
‫ائث من ذلك‬ ‫رم عليهم الخب‬ ‫اكح‪ ,‬وح‬ ‫ارب والمالبس والمن‬ ‫اعم والمش‬ ‫ات من المط‬ ‫اح هللا لهم الطيب‬ ‫‪.‬وأب‬
‫لها‬ ‫ال أفض‬ ‫ا‪ ,‬ومن األعم‬ ‫ه‪ ,‬ومن األخالق أجله‬ ‫دين‪ ,‬أكمل‬ ‫ة من ال‬ ‫ذه األم‬ ‫‪.‬فله‬
‫واهم‬ ‫ةس‬ ‫ه ألم‬ ‫ا لم يهب‬ ‫ان‪ ,‬م‬ ‫دل واإلحس‬ ‫‪.‬ووهبهم هللا من العلم والحلم‪ ,‬والع‬
‫فلذلك كانوا " ُأ َّمةً َو َسطًا " كاملين معتدلين‪ ,‬ليكونوا " ُشهَدَا َء َعلَى النَّ ِ‬
‫اس " بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط‪ ,‬يحكم ون على الن اس‬
‫يرهم‬ ‫ان‪ ,‬وال يحكم عليهم غ‬ ‫ل األدي‬ ‫ائر أه‬ ‫‪.‬من س‬
‫ردود‬ ‫وم‬ ‫الرد‪ ,‬فه‬ ‫هب‬ ‫هدت ل‬ ‫اش‬ ‫ول‪ ,‬وم‬ ‫و مقب‬ ‫القبول‪ ,‬فه‬ ‫ةب‬ ‫ذه األم‬ ‫هه‬ ‫هدت ل‬ ‫اش‬ ‫‪.‬فم‬
‫فإن قيل كيف يقبل حكمهم على غيرهم‪ ,‬والحال أن كل مختصمين‪ ,‬غير مقبول قول بعضهم على بعض؟ قي ل‪ :‬إنم ا لم يقب ل ق ول‬
‫ود التهمة‬ ‫مين‪ ,‬لوج‬ ‫د المتخاص‬ ‫‪.‬أح‬
‫‪.‬فأم ا إذا انتفت التهم ة‪ ,‬وحص لت العدال ة التام ة‪ ,‬كم ا في ه ذه األم ة‪ ,‬فإنم ا المقص ود‪ ,‬الحكم بالع دل والحق‬
‫ل قولها‬ ‫ة‪ ,‬فقب‬ ‫ذه األم‬ ‫ودان في ه‬ ‫ا موج‬ ‫دل‪ ,‬وهم‬ ‫ك‪ ,‬العلم والع‬ ‫رط ذل‬ ‫‪.‬وش‬
‫‪.‬ف إن ش ك ش اك في فض لها‪ ,‬وطلب مزكي ا له ا‪ ,‬فه و أكم ل الخل ق‪ ,‬ن بيهم ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫ِهيدًا‬ ‫و ُل َعلَ ْي ُك ْم َش‬ ‫الى " َويَ ُك‬
‫َّس‬
‫ونَ الر ُ‬ ‫ال تع‬ ‫ذا ق‬ ‫" فله‬ ‫‪.‬‬
‫ومن شهادة هذه األمة على غيرهم‪ ,‬أنه إذا كان يوم القيامة‪ ,‬وسأل هللا المرسلين عن تبليغهم‪ ,‬واألمم المكذبة عن ذلك‪ ,‬وأنكروا أن‬
‫ا نبيها‬ ‫ة‪ ,‬وزكاه‬ ‫ذه األم‬ ‫اء به‬ ‫هد األنبي‬ ‫اء بلغتهم ‪ -‬استش‬ ‫‪.‬األنبي‬
‫‪ " .‬وفي اآلي ة دلي ل على أن إجم اع ه ذه األم ة‪ ,‬حج ة قاطع ة‪ ,‬وأنهم معص ومون عن الخط أ‪ ,‬إلطالق قول ه " َو َس طًا‬
‫‪.‬فلو قدر اتفاقهم على الخطأ‪ ,‬لم يكونوا وسطا‪ ,‬إال في بعض األمور‪ ,‬وفيها اشتراط العدالة في الحكم‪ ,‬والشهادة‪ ,‬والفتيا‪ ,‬ونحو ذلك‬
‫يق ول تع الى‪َ " :‬و َم ا َج َع ْلنَ ا ْالقِ ْبلَ ةَ الَّتِي ُك ْنتَ َعلَ ْيهَ ا " وهي اس تقبال بيت المق دس أوال " ِإاَّل لِنَ ْعلَ َم " أي‪ :‬علم ا يتعل ق ب ه الث واب‬
‫ل وجودها‬ ‫ور قب‬ ‫ل األم‬ ‫الم بك‬ ‫الى ع‬ ‫و تع‬ ‫اب‪ ,‬وإال فه‬ ‫‪.‬والعق‬
‫ادة‬ ‫ة على عب‬ ‫ة الحج‬ ‫ه‪ ,‬وإقام‬ ‫ام عدل‬ ‫ا‪ ,‬لتم‬ ‫ا وال عقاب‬ ‫ه ثواب‬ ‫ق علي‬ ‫ذا العلم‪ ,‬ال يعل‬ ‫‪.‬ولكن ه‬
‫اب‬ ‫واب والعق‬ ‫ا الث‬ ‫رتب عليه‬ ‫الهم‪ ,‬ت‬ ‫دت أعم‬ ‫ل إذا وج‬ ‫‪.‬ب‬
‫‪.‬أي‪ :‬ش رعنا تل ك القبل ة لنعلم ونمتحن " َم ْن يَتَّبِ ُع الر ُ‬
‫َّس و َل " وي ؤمن ب ه‪ ,‬فيتبع ه على ك ل ح ال‪ ,‬ألن ه عب د م أمور م دثر‬
‫تقبل الكعبة‬ ‫ه يس‬ ‫ة‪ ,‬أن‬ ‫برت الكتب المتقدم‬ ‫د أخ‬ ‫هق‬ ‫‪.‬وألن‬
‫ول‬ ‫ة للرس‬ ‫ا‪ ,‬وطاع‬ ‫ك إيمان‬ ‫ده ذل‬ ‫ا يزي‬ ‫ق‪ ,‬مم‬ ‫وده الح‬ ‫ذي مقص‬ ‫ف ال‬ ‫‪.‬فالمنص‬
‫وأما من انقلب على عقبيه‪ ,‬وأعرض عن الحق‪ ,‬واتبع هواه‪ ,‬فإنه يزداد كفرا إلى كفره‪ ,‬وحيرة إلى حيرته‪ ,‬ويدلي بالحجة الباطلة‪,‬‬
‫ة لها‬ ‫بهة ال حقيق‬ ‫ة على ش‬ ‫‪.‬المبني‬
‫َت " أي‪ :‬صرفك عنها " لَ َكبِي َرةٌ " أي‪ :‬شاقة " ِإاَّل َعلَى الَّ ِذينَ هَدَى هَّللا ُ " فعرفوا بذلك نعمة هللا عليهم‪ ,‬وشكروا‪ ,‬وأقروا "‬
‫َوِإ ْن َكان ْ‬
‫اع األرض‬ ‫ائر بق‬ ‫له على س‬ ‫ذي فض‬ ‫بيت العظيم‪ ,‬ال‬ ‫ذا ال‬ ‫ان‪ ,‬حيث وجههم إلى ه‬ ‫ه باإلحس‬ ‫‪.‬ل‬
‫‪.‬وجع ل قص ده‪ ,‬ركن ا من أرك ان اإلس الم‪ ,‬وهادم ا لل ذنوب واآلث ام‪ ,‬فله ذا خ ف عليهم ذل ك‪ ,‬وش ق على من س واهم‬
‫‪.‬ثم ق ال تع الى " َو َم ا َك انَ هَّللا ُ لِي ِ‬
‫ُض ي َع ِإي َم انَ ُك ْم " أي‪ :‬م ا ينبغي ل ه وال يلي ق ب ه تع الى‪ ,‬ب ل ه و من الممتنع ات عليه‬
‫انكم‬ ‫يع إيم‬ ‫تحيل‪ ,‬أن يض‬ ‫ه‪ ,‬ومس‬ ‫ع علي‬ ‫ه ممتن‬ ‫أخبر أن‬ ‫‪.‬ف‬
‫وفي هذا بشارة عظيمة لمن من هللا عليهم باإلسالم واإليمان‪ ,‬بأن هللا س يحفظ عليهم إيم انهم‪ ,‬فال يض يعه‪ ,‬وحفظ ه نوع ان‪ :‬حف ظ‬
‫‪.‬عن الض ياع والبطالن‪ ,‬بعص مته لهم عن ك ل مفس د ومزي د ل ه‪ ,‬ومنقص من المحن المقلق ة‪ ,‬واأله واء الص ادة‬
‫انهم‬ ‫ه إيق‬ ‫انهم‪ ,‬ويتم ب‬ ‫ه إيم‬ ‫زداد ب‬ ‫اي‬ ‫وفيقهم لم‬ ‫ه‪ ,‬وت‬ ‫هل‬ ‫ظ بتنميت‬ ‫‪.‬وحف‬
‫‪.‬فكم ا ابت دأكم‪ ,‬ب أن ه داكم لإليم ان‪ ,‬فس يحفظه لكم‪ ,‬ويتم نعمت ه‪ ,‬بتنميت ه وتنمي ة أج ره‪ ,‬وثواب ه‪ ,‬وحفظ ه من ك ل مك در‬
‫‪.‬ب ل إذا وج دت المحن المقص ود منه ا‪ ,‬ت بين الم ؤمن الص ادق من الك اذب فإنه ا تمحص المؤم نين‪ ,‬وتظه ر ص دقهم‬
‫وكأن في هذا احترازا‪ ,‬عما قد يقال‪ ,‬إن قوله‪َ " :‬و َما َج َع ْلنَا ْالقِ ْبلَةَ الَّتِي ُك ْنتَ َعلَ ْيهَا ِإاَّل لِنَ ْعلَ َم َم ْن يَتَّبِ ُع ال َّرسُو َل ِم َّم ْن يَ ْنقَلِبُ َعلَى َعقِبَ ْي ِه‬
‫ُض ي َع ِإي َم انَ ُك ْم " بتق ديره له ذه المحن ة أو‬ ‫" قد يكون سببا لترك بعض المؤمنين إيمانهم‪ ,‬فدفع ه ذا ال وهم بقول ه " َو َم ا َك انَ هَّللا ُ لِي ِ‬
‫‪.‬غيرها‬
‫ودخل في ذلك من مات من المؤمنين قبل تحويل الكعبة‪ ,‬ف إن هللا ال يض يع إيم انهم‪ ,‬لك ونهم امتثل وا أم ر هللا وطاع ة رس وله في‬
‫‪.‬وقتها‬
‫ب ذلك‬ ‫ل وقت‪ ,‬بحس‬ ‫ره في ك‬ ‫ال أم‬ ‫ة هللا‪ ,‬امتث‬ ‫‪.‬وطاع‬
‫وارح‬ ‫ال الج‬ ‫ه أعم‬ ‫دخل في‬ ‫ان ت‬ ‫ة‪ ,‬أن اإليم‬ ‫نة والجماع‬ ‫ل الس‬ ‫ذهب أه‬ ‫ل لم‬ ‫ة‪ ,‬دلي‬ ‫ذه اآلي‬ ‫‪.‬وفي ه‬
‫ة بهم عظيمها‬ ‫ديد الرحم‬ ‫َر ُء ٌ‬
‫وف َر ِحي ٌم " أي‪ :‬ش‬ ‫ه " ِإ َّن هَّللا َ بِالنَّ ِ‬
‫اس لَ‬ ‫‪.‬وقول‬
‫دأهم بها‬ ‫تي ابت‬ ‫ه ال‬ ‫ه بهم‪ ,‬أن يتم عليهم نعمت‬ ‫ه ورحمت‬ ‫‪.‬فمن رأفت‬
‫انه دون قلبه‬ ‫ان بلس‬ ‫ل في اإليم‬ ‫يز عنهم من دخ‬ ‫‪.‬وأن م‬
‫ه درجتهم‬ ‫انهم‪ ,‬وارتفعت ب‬ ‫ه إيم‬ ‫ا‪ ,‬زاد ب‬ ‫‪.‬وأن امتحنهم امتحان‬
‫‪.‬وأن وجههم إلى أشرف البيوت‪ ,‬وأجلها‬

‫قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ف ول "‬


‫وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره‬
‫وإن الذين أوت وا الكت اب ليعلم ون أن ه الح ق من ربهم وم ا هللا‬
‫" بغافل عما يعملون‬
‫ك فِي َّ‬
‫الس َما ِء " أي‪ :‬ك ثرة ت ردده في جمي ع جهات ه‪ ,‬ش وقا وانتظ ارا ل نزول ال وحي باس تقبال‬ ‫يقول هللا لنبيه " قَ ْد نَ َرى تَقَلُّ َ‬
‫ب َوجْ ِه َ‬
‫‪.‬الكعبة‬
‫تلزم لتقليب البصر‬ ‫ه مس‬ ‫ه‪ ,‬وألن تقليب الوج‬ ‫ادة اهتمام‬ ‫رك " لزي‬ ‫ل " بص‬ ‫ك " ولم يق‬
‫َ‬ ‫ال " َوجْ ِه‬ ‫‪.‬وق‬
‫"‬ ‫اك‬ ‫ا إي‬ ‫ك لواليتن‬ ‫‪.‬فَلَنُ َولِّيَنَّ َ‬
‫ك " أي‪ :‬نوجه‬
‫"‬ ‫ا‪ ,‬وهي الكعبة‬ ‫اهَا " أي‪ :‬تحبه‬ ‫ض‬‫ةً تَرْ َ‬ ‫‪.‬قِ ْبلَ‬
‫وفي هذا بيان لفضله وشرفه صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬حيث إن هللا تعالى‪ ,‬يس ارع في رض اه‪ ,‬ثم ص رح ل ه باس تقبالها فق ال‪ " :‬فَ َولِّ‬
‫ان‬ ‫دن اإلنس‬ ‫ل من ب‬ ‫ا أقب‬ ‫ه‪ :‬م‬ ‫َر ِام " والوج‬ ‫ِج ِد ْال َح‬ ‫ْ‬
‫ط َر ْال َم ْس‬ ‫كَ َش‬ ‫‪َ .‬وجْ هَ‬
‫"‬ ‫مال‬ ‫وب وش‬ ‫رب‪ ,‬جن‬ ‫رق وغ‬ ‫ر‪ ,‬وش‬ ‫ر وبح‬ ‫ا ُك ْنتُ ْم " أي‪ :‬من ب‬ ‫‪َ .‬و َح ْيثُ َم‬
‫"‬ ‫ْ‬
‫ط َرهُ " أي‪ :‬جهته‬ ‫وهَ ُك ْم َش‬ ‫‪.‬فَ َولُّوا ُو ُج‬
‫‪.‬ففيه ا اش تراط اس تقبال الكعب ة‪ ,‬للص لوات كله ا‪ ,‬فرض ها‪ ,‬ونفله ا‪ ,‬وأن ه إن أمكن اس تقبال عينه ا‪ ,‬وإال فيكفي ش طرها وجهتها‬
‫ده‬ ‫يء نهي عن ض‬ ‫ر بالش‬ ‫الة‪ ,‬ألن األم‬ ‫ل للص‬ ‫دن‪ ,‬مبط‬ ‫ات بالب‬ ‫‪.‬وأن االلتف‬
‫ولما ذكر تعالى فيما تقدم‪ ,‬المعترضين على ذلك من أهل الكتاب وغيرهم وذكر جوابهم‪ ,‬ذكر هنا‪ ,‬أن أهل الكتاب والعلم اء منهم‪,‬‬
‫‪.‬يعلم ون أن ك في ذل ك على ح ق واض ح‪ ,‬لم ا يجدون ه في كتبهم‪ ,‬فيعترض ون عن ادا وبغيا‬
‫ذلك‬ ‫الوا ب‬ ‫اهم‪ ,‬فال تب‬ ‫ون بخط‬ ‫انوا يغم‬ ‫إذا ك‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪.‬ف إن اإلنس ان إنم ا يغم ه‪ ,‬اع تراض من اع ترض علي ه‪ ,‬إذا ك ان األم ر مش تبها‪ ,‬وك ان ممكن ا أن يك ون مع ه ص واب‬
‫فأما إذا تيقن أن الصواب والحق مع المعترض عليه‪ ,‬وأن المعترض معاند‪ ,‬عارف ببطالن قوله‪ ,‬فإنه ال محل للمباالة‪ ,‬بل ينتظ ر‬
‫بالمعترض‪ ,‬العقوبة الدنيوية واألخروية‪ ,‬فلهذا قال تع الى " َو َم ا هَّللا ُ بِغَافِ ٍل َع َّما يَ ْع َملُ ونَ " ب ل يحف ظ عليهم أعم الهم‪ ,‬ويج ازيهم‬
‫‪.‬عليها‬
‫نين‬ ‫لية للمؤم‬ ‫ين‪ ,‬وتس‬ ‫د للمعترض‬ ‫ا وعي‬ ‫‪.‬وفيه‬
‫كان النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬من كمال حرصه على هداية الخلق ‪ -‬يبذل غاية ما يقدر عليه من النصيحة‪ ,‬ويتلط ف به دايتهم‪,‬‬
‫ر هللا‬ ‫ادوا ألم‬ ‫زن إذا لم ينق‬ ‫‪.‬ويح‬
‫دوانا‬ ‫دا وع‬ ‫دى‪ ,‬عم‬ ‫رك اله‬ ‫ل هللا‪ ,‬وت‬ ‫تكبر على رس‬ ‫ر هللا‪ ,‬واس‬ ‫رد عن أم‬ ‫ار‪ ,‬من تم‬ ‫ان من الكف‬ ‫‪.‬فك‬
‫‪.‬فمنهم‪ :‬اليهود والنصارى‪ ,‬أهل الكتاب األول‪ ,‬الذين كفروا بمحمد صلى هللا عليه وسلم عن يقين‪ ,‬ال عن جهل‬

‫ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آي ة م ا تبع وا قبلت ك وم ا "‬


‫أنت بت ابع قبلتهم وم ا بعض هم بت ابع قبل ة بعض ولئن اتبعت‬
‫" أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين‬
‫‪.‬فلهذا أخبره هللا تعالى أنك " َولَِئ ْن َأتَيْتَ الَّ ِذينَ ُأوتُوا ْال ِكت َ‬
‫َاب بِ ُك ِّل آيَ ٍة " أي‪ :‬بكل برهان ودليل‪ ,‬يوضح قول ك‪ ,‬وي بين م ا ت دعو إليه‬
‫"‬ ‫ل على اتباعه‬ ‫ة‪ ,‬دلي‬ ‫اع القبل‬ ‫وك‪ ,‬ألن اتب‬ ‫ا تبع‬ ‫كَ " أي‪ :‬م‬ ‫وا قِ ْبلَتَ‬ ‫ا تَبِ ُع‬ ‫‪َ .‬م‬
‫أن القبلة‬ ‫وش‬ ‫بب ه‬ ‫‪.‬وألن الس‬
‫وه‬ ‫ق وترك‬ ‫وا الح‬ ‫دون‪ ,‬عرف‬ ‫ذلك‪ ,‬ألنهم معان‬ ‫رك‬ ‫ان األم‬ ‫اك‬ ‫‪.‬وإنم‬
‫ات‬ ‫ات البين‬ ‫ه اآلي‬ ‫حل‬ ‫ه‪ ,‬فتوض‬ ‫تبه علي‬ ‫و مش‬ ‫ق‪ ,‬وه‬ ‫ا‪ ,‬من يتطلب الح‬ ‫ع به‬ ‫ا ينتف‬ ‫ات إنم‬ ‫‪.‬فاآلي‬
‫ة فيه‬ ‫ق‪ ,‬فال حيل‬ ‫اع الح‬ ‫دم اتب‬ ‫زم بع‬ ‫ا من ج‬ ‫‪.‬وأم‬
‫ة بعض‬ ‫ابع قبل‬ ‫ير ت‬ ‫هم‪ ,‬غ‬ ‫ل‪ ,‬وبعض‬ ‫ا بينهم‪ ,‬حاص‬ ‫إن اختالفهم فيم‬ ‫اف‬ ‫‪.‬وأيض‬
‫فليس بغريب منهم ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬أن ال يتبعوا قبلتك يا محمد‪ ,‬وهم األعداء الحسدة حقيقة‪ ,‬وقوله " َو َم ا َأ ْنتَ بِتَ ابِ ٍع قِ ْبلَتَهُ ْم " أبل غ من‬
‫‪.‬قول ه " َواَل تَتَّبِ ْع " ألن ذل ك يتض من أن ه ص لى هللا علي ه وس لم اتص ف بمخ الفتهم‪ ,‬فال يمكن وق وع ذل ك منه‬
‫ولهم‬ ‫ل لهم على ق‬ ‫ة " ألنهم ال دلي‬ ‫ل آي‬ ‫وا بك‬ ‫و أت‬ ‫ل " ول‬ ‫‪.‬ولم يق‬
‫وكذلك إذا تبين الحق بأدلته اليقينية‪ ,‬لم يلزم اإلتيان بأجوبة الشبه الواردة عليه‪ ,‬ألنها ال حد لها‪ ,‬وألنه يعلم بطالنها‪ ,‬للعلم ب أن ك ل‬
‫برع‬ ‫اب الت‬ ‫به من ب‬ ‫ل الش‬ ‫ون ح‬ ‫ل‪ ,‬فيك‬ ‫و باط‬ ‫ح‪ ,‬فه‬ ‫ق الواض‬ ‫افى الح‬ ‫ان‬ ‫‪.‬م‬
‫َولَِئ ِن اتَّبَعْتَ َأ ْه َوا َءهُ ْم " إنما قال " أهواءهم " ولم يقل " دينهم " ألن م ا هم علي ه مج رد أه واء نفس‪ ,‬ح تى هم ‪ -‬في قل وبهم ‪" -‬‬
‫دين‬ ‫ه ليس ب‬ ‫ون أن‬ ‫‪.‬يعلم‬
‫وى‪ ,‬ال محالة‬ ‫ع اله‬ ‫دين‪ ,‬اتب‬ ‫رك ال‬ ‫‪.‬ومن ت‬
‫‪.‬ق ال تع الى‪َ " :‬أفَ َرَأيْتَ َم ِن اتَّ َخ َذ ِإلَهَ هُ هَ َواهُ " " ِم ْن بَ ْع ِد َم ا َج ا َءكَ ِمنَ ْال ِع ْل ِم " بأن ك على الح ق‪ ,‬وهم على الباطل‬
‫ك ِإ ًذا " أي‪ :‬إن اتبعتهم‪ ,‬فه ذا اح تراز‪ ,‬لئال تنفص ل ه ذه الجمل ة عم ا قبله ا‪ ,‬ول و في األفه ام "‬ ‫‪ِ.‬إنَّ َ‬
‫"‬ ‫درج في جملتهم‬ ‫ل فيهم‪ ,‬ومن‬ ‫‪.‬لَ ِمنَ الظَّالِ ِمينَ " أي‪ :‬داخ‬
‫ل على الحق‬ ‫آثر الباط‬ ‫ل‪ ,‬ف‬ ‫ق والباط‬ ‫‪.‬وأي ظلم أعظم‪ ,‬من ظلم‪ ,‬من علم الح‬
‫ة في ذلك‬ ‫ه داخل‬ ‫إن أمت‬ ‫لم‪ ,‬ف‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫هص‬ ‫اب ل‬ ‫ان الخط‬ ‫ذا‪ ,‬وإن ك‬ ‫‪.‬وه‬
‫وأيضا‪ ,‬فإذا كان هو صلى هللا عليه وسلم ولو فعل ذلك ‪ -‬وحاشاه ‪ -‬صار ظالما مع علو مرتبته‪ ,‬وكثرة إحس انه ‪ -‬فغ يره من ب اب‬
‫‪.‬أولى وأحرى‬

‫الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا "‬
‫" منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون‬
‫ق َوهُ ْم يَ ْعلَ ُم ونَ ْال َح ُّ‬
‫ق ِم ْن َربِّكَ فَاَل‬ ‫ْرفُونَ َأ ْبنَا َءهُ ْم َوِإ َّن فَ ِريقًا ِم ْنهُ ْم لَيَ ْكتُ ُمونَ ْال َح َّ‬
‫ْرفُونَهُ َك َما يَع ِ‬ ‫ثم قال تعالى " الَّ ِذينَ آتَ ْينَاهُ ُم ْال ِكت َ‬
‫َاب يَع ِ‬
‫ِرينَ‬ ‫ون ََّن ِمنَ ْال ُم ْمتَ‬ ‫" تَ ُك‬ ‫‪.‬‬
‫يخبر تعالى‪ :‬أن أهل الكتاب قد تقرر عندهم‪ ,‬وعرفوا أن محمدا رسول هللا‪ ,‬وأن ما جاء به‪ ,‬حق وصدق‪ ,‬وتقينوا ذلك‪ ,‬كم ا تيقن وا‬
‫يره‬ ‫تبهون بغ‬ ‫اءهم بحيث ال يش‬ ‫‪.‬أبن‬
‫‪.‬فمع رفتهم بمحم د ص لى هللا علي ه وس لم‪ ,‬وص لت إلى ح د ال يش كون في ه وال يم ترون‬
‫ولكن فريقا منهم ‪ -‬وهم أكثرهم ‪ -‬الذين كفروا به‪ ,‬كتموا هذه الشهادة م ع تيقنه ا‪ ,‬وهم يعلم ون " َو َم ْن َأ ْ‬
‫ظلَ ُم ِم َّم ْن َكتَ َم َش هَا َدةً ِع ْن َدهُ‬
‫هَّللا ِ‬ ‫ِمنَ‬ ‫"‬ ‫‪.‬‬
‫بههم‬ ‫رهم وش‬ ‫ه من ش‬ ‫ذير ل‬ ‫نين‪ ,‬وتح‬ ‫ول والمؤم‬ ‫لية للرس‬ ‫ك‪ ,‬تس‬ ‫من ذل‬ ‫‪.‬وفي ض‬
‫ون‬ ‫ق وهم يعلم‬ ‫وا الح‬ ‫ق منهم‪ ,‬لم يكتم‬ ‫‪.‬وفري‬
‫ه‪ ,‬جهال‬ ‫رب‬ ‫ه‪ ,‬ومنهم من كف‬ ‫‪.‬فمنهم من آمن ب‬
‫فالعالم‪ ,‬عليه إظهار الحق‪ ,‬وتبيينه وتزيينه‪ ,‬بكل ما يقدر عليه من عبارة وبرهان‪ ,‬ومثال‪ ,‬وغير ذلك‪ ,‬وإبطال الباطل وتمييزه عن‬
‫ذلك‬ ‫ؤد ل‬ ‫قم‬ ‫ل طري‬ ‫وس‪ ,‬بك‬ ‫ه للنف‬ ‫يينه‪ ,‬وتقبيح‬ ‫ق‪ ,‬وتش‬ ‫‪.‬الح‬
‫‪.‬فهوالء الكاتمون‪ ,‬عكسوا األمر‪ ,‬فانعكست أحوالهم‬

‫" الحق من ربك فال تكونن من الممترين "‬


‫ْال َح ُّ‬
‫ق ِم ْن َربِّكَ " أي‪ :‬هذا الحق الذي هو أحق أن يسمى حق ا من ك ل ش يء‪ ,‬لم ا اش تمل علي ه من المط الب العالي ة‪ ,‬واألوام ر "‬
‫الحسنة‪ ,‬وتزكية النفوس وحثها على تحصيل مصالحها‪ ,‬ودفع مفاسدها‪ ,‬لصدوره من ربك‪ ,‬الذي ‪ -‬من جملة تربيته ل ك‪ ,‬أن أن زل‬
‫الح‬ ‫ع المص‬ ‫وس‪ ,‬وجمي‬ ‫ول والنف‬ ‫ة العق‬ ‫ه تربي‬ ‫ذي في‬ ‫رآن ال‬ ‫ذا الق‬ ‫كه‬ ‫‪.‬علي‬
‫"‬ ‫ة فيه‬ ‫ك وريب‬ ‫ك أدنى ش‬ ‫لل‬ ‫ِرينَ " أي‪ :‬فال يحص‬ ‫ون ََّن ِمنَ ْال ُم ْمتَ‬ ‫‪.‬فَاَل تَ ُك‬
‫‪.‬بل تفكر فيه وتأمل‪ ,‬حتى تصل بذلك إلى اليقين‪ ,‬ألن التفكر فيه ال محالة‪ ,‬دافع للشك‪ ,‬موصل لليقين‬

‫ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكون وا ي أت "‬


‫" بكم هللا جميعا إن هللا على كل شيء قدير‬
‫ا في عبادته‬ ‫ه إليه‬ ‫ة يتوج‬ ‫ه وجه‬ ‫ة‪ ,‬ل‬ ‫ل دين ومل‬ ‫ل أه‬ ‫‪.‬أي‪ :‬ك‬
‫‪.‬وليس الشأن في استقبال القبلة‪ ,‬فإنه من الشرائع التي تتغ ير به ا األزمن ة واألح وال‪ ,‬وي دخلها النس خ والنق ل‪ ,‬من جه ة إلى جهة‬
‫ده‬ ‫زلفى عن‬ ‫ه‪ ,‬وطلب ال‬ ‫رب إلي‬ ‫ة هللا‪ ,‬والتق‬ ‫ال طاع‬ ‫أن‪ ,‬في امتث‬ ‫ل الش‬ ‫أن ك‬ ‫‪.‬ولكن الش‬
‫ور الوالية‬ ‫عادة ومنش‬ ‫وان الس‬ ‫و عن‬ ‫ذا ه‬ ‫‪.‬فه‬
‫رة‬ ‫دنيا واآلخ‬ ‫ارة ال‬ ‫ا خس‬ ‫لت له‬ ‫وس‪ ,‬حص‬ ‫ه النف‬ ‫فب‬ ‫ذي إذا لم تتص‬ ‫و ال‬ ‫‪.‬وه‬
‫كما أنها إذا اتصفت به‪ ,‬فهي الرابحة على الحقيقة‪ ,‬وهذا أمر متفق عليه في جميع الشرائع‪ ,‬وهو الذي خلق هللا له الخلق‪ ,‬وأم رهم‬
‫‪.‬به‬
‫يرات‬ ‫ل الخ‬ ‫ر بفع‬ ‫د على األم‬ ‫در زائ‬ ‫يرات‪ ,‬ق‬ ‫تباق إلى الخ‬ ‫ر باالس‬ ‫‪.‬واألم‬
‫ادرة إليها‬ ‫وال‪ ,‬والمب‬ ‫ل األح‬ ‫ا على أكم‬ ‫ا‪ ,‬وإيقاعه‬ ‫ا‪ ,‬وتكميله‬ ‫من فعله‬ ‫ا‪ ,‬يتض‬ ‫تباق إليه‬ ‫إن االس‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪.‬ومن س بق في ال دنيا إلى الخ يرات‪ ,‬فه و الس ابق في اآلخ رة إلى الجن ات‪ ,‬فالس ابقون أعلى الخل ق درجة‬
‫‪.‬والخ يرات تش مل جمي ع الف رائض والنواف ل‪ ,‬من ص الة‪ ,‬وص يام‪ ,‬وزك اة وحج‪ ,‬عم رة‪ ,‬وجه اد‪ ,‬ونف ع متع د وقاصر‬
‫ت بِ ُك ُم‬‫ولما كان أقوى ما يحث النفوس على المسارعة إلى الخير‪ ,‬وينشطها‪ ,‬ما رتب هللا عليها من الثواب قال‪َ " :‬أ ْينَ َم ا تَ ُكونُ وا يَ ْأ ِ‬
‫ي الَّ ِذينَ َأ َس ا ُءوا بِ َم ا َع ِمل وا‬
‫ُ‬ ‫هَّللا ُ َج ِميعًا ِإ َّن هَّللا َ َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء قَ ِدي ٌر " فيجمعكم ليوم القيامة بقدرته‪ ,‬فيجازي كل عامل بعمله " لِيَجْ ِز َ‬
‫نَى‬ ‫نُوا بِ ْالح ْ‬
‫ُس‬ ‫ي الَّ ِذينَ َأحْ َس‬
‫ِز َ‬ ‫" َويَجْ‬ ‫‪.‬‬
‫ا العمل‬ ‫ف به‬ ‫يلة يتص‬ ‫ل فض‬ ‫ان بك‬ ‫ريفة على اإلتي‬ ‫ة الش‬ ‫ذه اآلي‬ ‫تدل به‬ ‫‪.‬ويس‬
‫كالص الة في أول وقته ا‪ ,‬والمب ادرة إلى إب راء الذم ة‪ ,‬من الص يام‪ ,‬والحج‪ ,‬والعم رة‪ ,‬وإخ راج الزك اة‪ ,‬واإلتي ان بس نن العب ادات‬
‫‪!!.‬وآدابها‪ ,‬فلله ما أجمعها وأنفعها من آية‬

‫ومن حيث خرجت فول وجه ك ش طر المس جد الح رام وإن ه "‬
‫" للحق من ربك وما هللا بغافل عما تعملون‬
‫ْث خَ َرجْ تَ " في أس فارك وغيره ا‪ ,‬وه ذا للعم وم‪ " ,‬فَ َولِّ َوجْ هَ كَ َش ْ‬
‫ط َر ْال َم ْس ِج ِد ْال َح َر ِام " أي‪ :‬جهته‬ ‫‪.‬أي‪َ " :‬و ِم ْن َحي ُ‬
‫ق ِم ْن َربِّكَ " أك ده بـ " إن " والالم‪ ,‬لئال‬ ‫ثم خاطب األمة عموما فقال " َو َح ْيثُ َما ُك ْنتُ ْم فَ َولُّوا ُوجُوهَ ُك ْم َش ْ‬
‫ط َرهُ " ‪ ,‬وق ال‪َ " :‬وِإنَّهُ لَ ْل َح ُّ‬
‫ال‬ ‫هي ال االمتث‬ ‫بيل التش‬ ‫ه على س‬ ‫بهة‪ ,‬ولئال يظن أن‬ ‫ه أدنى ش‬ ‫د في‬ ‫ع ألح‬ ‫‪.‬يق‬
‫‪َ .‬و َما هَّللا ُ بِغَافِ ٍل َع َّما تَ ْع َملُونَ " بل هو مطلع عليكم في جميع أحوالكم‪ ,‬فت أدبوا مع ه‪ ,‬وراقب وه بامتث ال أوام ره‪ ,‬واجتن اب نواهيه "‬
‫‪.‬فإن أعمالكم غير مغفول عنها‪ ,‬بل مجازون عليها أتم الجزاء‪ ,‬إن خيرا فخير‪ ,‬وإن شرا‪ ,‬فشر‬

‫ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثم ا "‬
‫كنتم فول وا وج وهكم ش طره لئال يك ون للن اس عليكم حج ة إال‬
‫الذين ظلموا منهم فال تخش وهم واخش وني وألتم نعم تي عليكم‬
‫" ولعلكم تهتدون‬
‫اس َعلَ ْي ُك ْم حُ َّجةٌ " أي‪ :‬شرعنا لكم استقبال الكعبة المشرفة‪ ,‬لينقطع عنكم احتجاج الن اس من أه ل الكت اب‬
‫وقال هنا " لَِئاَّل يَ ُكونَ لِلنَّ ِ‬
‫ركين‬ ‫‪.‬والمش‬
‫ه الحجة‬ ‫وجهت علي‬ ‫دس‪ ,‬لت‬ ‫بيت المق‬ ‫تقبال ل‬ ‫و بقي مس‬ ‫هل‬ ‫‪.‬فإن‬
‫رام‬ ‫بيت الح‬ ‫ة ال‬ ‫تقرة‪ ,‬هي الكعب‬ ‫ه المس‬ ‫ابهم أن قبلت‬ ‫دون في كت‬ ‫اب‪ ,‬يج‬ ‫ل الكت‬ ‫إن أه‬ ‫‪.‬ف‬
‫والمشركون يرون أن من مفاخرهم‪ ,‬هذا البيت العظيم‪ ,‬وأن ه من مل ة إب راهيم‪ ,‬وأن ه إذا لم يس تقبله محم د ص لى هللا علي ه وس لم‪,‬‬
‫توجهت نحوه حججهم‪ ,‬وقالوا‪ :‬كيف يدعي أنه على ملة إبراهيم‪ ,‬وهو من ذريته‪ ,‬وقد ترك استقبال قبلته؟ فباستقبال القبل ة‪ ,‬ق امت‬
‫ركين‪ ,‬وانقطعت حججهم عليه‬ ‫اب والمش‬ ‫ل الكت‬ ‫ة على أه‬ ‫‪.‬الحج‬
‫ِإاَّل الَّ ِذينَ ظَلَ ُموا ِم ْنهُ ْم " أي‪ :‬من احتج منهم بحجة‪ ,‬هو ظالم فيها‪ ,‬وليس له ا مس تند إال اتب اع اله وى والظلم‪ ,‬فه ذا ال س بيل إلى "‬
‫اج عليه‬ ‫ه واالحتج‬ ‫‪.‬إقناع‬
‫وكذلك ال معنى لجعل الشبهة التي يوردونه ا على س بيل االحتج اج‪ ,‬محال يؤب ه له ا‪ ,‬وال يلقى له ا ب ال‪ ,‬فله ذا ق ال تع الى‪ " :‬فَاَل‬
‫احبه‬ ‫ذول ص‬ ‫ذول‪ ,‬مخ‬ ‫مه‪ ,‬مخ‬ ‫ل كاس‬ ‫ة‪ ,‬والباط‬ ‫وْ هُ ْم " ألن حجتهم باطل‬ ‫‪.‬ت َْخ َش‬
‫‪.‬وهذا بخالف صاحب الحق‪ ,‬فإن للحق صولة وعزا‪ ,‬يوجب خشية من هو مع ه‪ ,‬وأم ر تع الى بخش يته‪ ,‬ال تي هي رأس ك ل خ ير‬
‫ره‬ ‫ل أم‬ ‫يته‪ ,‬ولم يمتث‬ ‫ف عن معص‬ ‫‪.‬فمن لم يخش هللا‪ ,‬لم ينك‬
‫وكان صرف المسلمين إلى الكعبة‪ ,‬مما حصلت فيه فتنة كبيرة‪ ,‬أشاعها أهل الكتاب‪ ,‬والمنافقون‪ ,‬والمش ركون‪ ,‬وأك ثروا فيه ا من‬
‫به‬ ‫‪.‬الكالم والش‬
‫‪.‬فله ذا بس طها هللا تع الى‪ ,‬وبينه ا أكم ل بي ان‪ ,‬وأك دها ب أنواع من التأكي دات‪ ,‬ال تي تض منتها ه ذه اآلي ات‬
‫دة‬ ‫رة الواح‬ ‫ة الم‬ ‫ع كفاي‬ ‫رات‪ ,‬م‬ ‫ا‪ ,‬ثالث م‬ ‫ر به‬ ‫ا‪ :‬األم‬ ‫‪.‬منه‬
‫ة عموما‬ ‫ة‪ ,‬أو لألم‬ ‫ه األم‬ ‫دخل في‬ ‫ول‪ ,‬فت‬ ‫ون للرس‬ ‫ا أن يك‬ ‫ر‪ ,‬إم‬ ‫ود‪ ,‬أن األم‬ ‫ا‪ :‬أن المعه‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫كَ‬ ‫َولِّ َوجْ هَ‬ ‫ه " فَ‬ ‫وص في قول‬ ‫ول بالخص‬ ‫ا الرس‬ ‫ر فيه‬ ‫ة أم‬ ‫ذه اآلي‬ ‫" وه‬ ‫‪.‬‬
‫وهَ ُك ْم‬ ‫ه " فَ َولُّوا ُو ُج‬ ‫ا في قول‬ ‫ة عموم‬ ‫" واألم‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬ومنه ا أن ه رد في ه جمي ع االحتجاج ات الباطل ة‪ ,‬ال تي أورده ا أه ل العن اد وأبطله ا ش بهة ش بهة‪ ,‬كم ا تق دم توض يحها‬
‫اب‬ ‫ل الكت‬ ‫ة أه‬ ‫ول قبل‬ ‫اع الرس‬ ‫اع من اتب‬ ‫ع األطم‬ ‫ه قط‬ ‫ا‪ :‬أن‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫ق ِم ْن َربِّكَ‬
‫ُّ‬ ‫ه " وَِإنَّهُ لَ ْل َح‬ ‫ا قول‬ ‫" ومنه‬ ‫‪.‬‬
‫ق ِم ْن َربِّكَ‬
‫ُّ‬ ‫ال‪َ " :‬وِإنَّهُ لَ ْل َح‬ ‫ذا ق‬ ‫عه‬ ‫اف‪ ,‬ولكن م‬ ‫اف ش‬ ‫ادق العظيم ك‬ ‫ار الص‬ ‫رد إخب‬ ‫" فمج‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬ومنها‪ :‬أنه أخبر ‪ -‬وهو العالم بالخفيات ‪ -‬أن أهل الكتاب متقرر عندهم‪ ,‬صحة هذا األمر‪ ,‬ولكنهم يكتم ون ه ذه الش هادة م ع العلم‬
‫ولما كان توليته لنا إلى استقبال القبلة‪ ,‬نعمة عظيمة‪ ,‬وكان لطفه بهذه األمة ورحمته‪ ,‬لم يزل يتزايد‪ ,‬وكلما شرع لهم شريعة‪ ,‬فهي‬
‫ال " َوُأِلتِ َّم نِ ْع َمتِي َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫ةق‬ ‫ة عظيم‬ ‫" نعم‬ ‫‪.‬‬
‫زال كتابه‬ ‫وله‪ ,‬وإن‬ ‫ال رس‬ ‫ه‪ ,‬بإرس‬ ‫ة لدين‬ ‫ة‪ ,‬الهداي‬ ‫ل النعم‬ ‫‪.‬فأص‬
‫‪.‬ثم بع د ذل ك‪ ,‬النعم المتمم ات له ذا األص ل‪ ,‬ال تع د ك ثرة‪ ,‬وال تحص ر‪ ,‬من ذ بعث هللا رس وله إلى أن ق رب رحيل ه من ال دنيا‬
‫ت‬‫ت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوَأ ْت َم ْم ُ‬
‫وقد أعطاه هللا من األحوال والنعم‪ ,‬وأعطى أمته‪ ,‬ما أتم به نعمته عليه وعليهم‪ ,‬وأنزل هللا علي ه " ْاليَ وْ َم َأ ْك َم ْل ُ‬
‫اَل َم ِدينًا‬ ‫يت لَ ُك ُم اِإْل ْس‬
‫ُ‬ ‫ض‬‫" َعلَ ْي ُك ْم نِ ْع َمتِي َو َر ِ‬ ‫‪.‬‬
‫كره‬ ‫ام بش‬ ‫ال عن القي‬ ‫دا‪ ,‬فض‬ ‫هع‬ ‫غل‬ ‫ذي ال نبل‬ ‫له‪ ,‬ال‬ ‫د على فض‬ ‫ه الحم‬ ‫‪.‬فلل‬
‫"‬ ‫ون به‬ ‫ق‪ ,‬وتعمل‬ ‫ون الح‬ ‫ُدونَ " أي‪ :‬تعلم‬ ‫‪َ .‬ولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْهتَ‬
‫فاهلل تبارك وتعالى ‪ -‬من رحمته ‪ -‬بالعباد‪ ,‬قد يسر لهم أسباب الهداي ة غاي ة التيس ير‪ ,‬ونبههم على س لوك طرقه ا‪ ,‬وبينه ا لهم‪ ,‬أتم‬
‫يين‬ ‫‪.‬تب‬
‫حتى أن في جملة ذلك‪ ,‬أنه يقيض للحق‪ ,‬المعاندين له فيجادلون فيه‪ ,‬فيتضح بذلك الحق‪ ,‬وتظه ر آيات ه وأعالم ه‪ ,‬ويتض ح بطالن‬
‫ة له‬ ‫ه ال حقيق‬ ‫ل‪ ,‬وأن‬ ‫‪.‬الباط‬
‫ثر الخلق‬ ‫ه ألك‬ ‫بين حال‬ ‫ا لم يت‬ ‫ق‪ ,‬لربم‬ ‫ة الح‬ ‫ه في مقابل‬ ‫وال قيام‬ ‫‪.‬ول‬
‫ياء‬ ‫بين األش‬ ‫دها تت‬ ‫‪.‬وبض‬
‫ار‬ ‫ل النه‬ ‫رف فض‬ ‫اع‬ ‫ل‪ ,‬م‬ ‫وال اللي‬ ‫‪.‬فل‬
‫ل الحسن‬ ‫رف فض‬ ‫اع‬ ‫بيح‪ ,‬م‬ ‫وال الق‬ ‫‪.‬ول‬
‫ور‬ ‫ة الن‬ ‫رف منفع‬ ‫اع‬ ‫ةم‬ ‫وال الظلم‬ ‫‪.‬ول‬
‫اهرا‬ ‫احا ظ‬ ‫ق اتض‬ ‫ح الح‬ ‫ا اتض‬ ‫ل‪ ,‬م‬ ‫وال الباط‬ ‫‪.‬ول‬
‫‪.‬فلله الحمد على ذلك‬

‫كم ا أرس لنا فيكم رس وال منكم يتل و عليكم آياتن ا وي زكيكم "‬
‫" ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون‬
‫يقول تعالى‪ :‬إن إنعامنا عليكم باستقبال الكعبة وإتمامها بالشرائع‪ ,‬والنعم المتممة‪ ,‬ليس ذلك ببدع من إحساننا‪ ,‬وال بأوله‪ ,‬بل أنعمنا‬
‫‪.‬عليكم بأصول النعم ومتمماتها‪ ,‬فأبلغها‪ ,‬إرسالنا إليكم هذا الرسول الكريم منكم‪ ,‬تعرفون نسبه وصدقه‪ ,‬وأمانت ه وكمال ه ونص حه‬
‫"‬ ‫ة وغيرها‬ ‫ات القرآني‬ ‫ذا يعم اآلي‬ ‫ا " وه‬ ‫و َعلَ ْي ُك ْم آيَاتِنَ‬ ‫‪.‬يَ ْتلُ‬
‫فهو يتلو عليكم اآليات المبينة للح ق من الباط ل‪ ,‬واله دى من الض الل‪ ,‬ال تي دلتكم أوال‪ ,‬على توحي د هللا وكمال ه‪ ,‬ثم على ص دق‬
‫‪.‬رسوله‪ ,‬ووجوب اإليمان ب ه‪ ,‬ثم على جمي ع م ا أخ بر ب ه من المع اد والغي وب‪ ,‬ح تى حص ل لكم الهداي ة التام ة‪ ,‬والعلم اليقي ني‬
‫َويُ َز ِّكي ُك ْم " أي يطهر أخالقكم ونفوسكم‪ ,‬بتربيتها على األخالق الجميل ة‪ ,‬وتنزيهه ا عن األخالق الرذيل ة‪ ,‬وذل ك ك تزكيتكم من "‬
‫الشرك‪ ,‬إلى التوحيد ومن الرياء إلى اإلخالص‪ ,‬ومن الكذب إلى الصدق‪ ,‬ومن الخيانة إلى األمانة‪ ,‬ومن الكبر إلى التواضع‪ ,‬ومن‬
‫‪.‬سوء الخلق إلى حسن الخلق‪ ,‬ومن التباغض والتهاجر والتقاطع‪ ,‬إلى التحابب والتواصل والتوادد‪ ,‬وغير ذل ك من أن واع التزكية‬
‫"‬ ‫ه ومعانيه‬ ‫رآن‪ ,‬ألفاظ‬ ‫اب " أي‪ :‬الق‬
‫َ‬ ‫‪َ .‬ويُ َعلِّ ُم ُك ُم ْال ِكتَ‬
‫‪َ .‬و ْال ِح ْك َم ةَ " قي ل‪ :‬هي الس نة‪ ,‬وقي ل‪ :‬الحكم ة‪ ,‬معرف ة أس رار الش ريعة والفق ه فيه ا‪ ,‬وتنزي ل األم ور منازلها "‬
‫بين الق رآن وتفس ره‪ ,‬وتع بر عنه‬ ‫اب‪ ,‬ألن الس نة‪ ,‬ت‬ ‫نة داخال في تعليم الكت‬ ‫ذا ‪ -‬تعليم الس‬ ‫ون ‪ -‬على ه‬ ‫‪.‬فيك‬
‫"‬ ‫بين‪ ,‬ال علم وال عمل‬ ‫الل م‬ ‫ه‪ ,‬في ض‬ ‫ل بعثت‬ ‫انوا قب‬ ‫ونَ " ألنهم ك‬ ‫وا تَ ْعلَ ُم‬ ‫ا لَ ْم تَ ُكونُ‬ ‫‪َ .‬ويُ َعلِّ ُم ُك ْم َم‬
‫ان‬ ‫ببه ك‬ ‫لم‪ ,‬وبس‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫ده ص‬ ‫ة فعلى ي‬ ‫ذه األم‬ ‫هه‬ ‫ل‪ ,‬نالت‬ ‫ل علم أو عم‬ ‫‪.‬فك‬
‫اده‬ ‫ا على عب‬ ‫بر نعم ينعم به‬ ‫ول النعم على اإلطالق‪ ,‬وهي أك‬ ‫ذه النعم هي أص‬ ‫‪.‬فه‬
‫‪.‬فوظيفتهم شكر هللا عليها والقيام بها‬

‫" فاذكروني أذكركم واشكروا لي وال تكفرون "‬


‫فلهذا قال تعالى " فَ ْاذ ُكرُونِي َأ ْذ ُكرْ ُك ْم " فأمر تعالى بذكره‪ ,‬ووعد عليه أفضل جزاء‪ ,‬وهو ذك ره لمن ذك ره‪ ,‬كم ا ق ال تع الى على‬
‫‪ " .‬لس ان رس وله " من ذك رني في نفس ه ذكرت ه في نفس ي‪ ,‬ومن ذك رني في مأل ذكرت ه في مأل خ ير منهم‬
‫‪.‬وذك ر هللا تع الى‪ ,‬أفض له‪ ,‬م ا تواط أ علي ه القلب واللس ان‪ ,‬وه و ال ذي يثم ر معرف ة هللا ومحبت ه‪ ,‬وك ثرة ثوابه‬
‫والذكر هو رأس الشكر‪ ,‬فلهذا أمر ب ه خصوص ا‪ ,‬ثم من بع ده أم ر بالش كر عموم ا فق ال‪َ " :‬و ْ‬
‫اش ُكرُوا لِي " أي‪ :‬على م ا أنعمت‬
‫نوف النقم‬ ‫ذه النعم ودفعت عنكم ص‬ ‫‪.‬عليكم به‬
‫والشكر يكون بالقلب‪ ,‬إقرارا بالنعم‪ ,‬واعترافا‪ ,‬وباللسان‪ ,‬ذكرا وثناء‪ ,‬وبالجوارح‪ ,‬طاعة هلل وانقيادا ألمره‪ ,‬واجتنابا لنهيه‪ ,‬فالشكر‬
‫ودة‬ ‫ادة في النعم المفق‬ ‫ودة‪ ,‬وزي‬ ‫ة الموج‬ ‫اء النعم‬ ‫ه بق‬ ‫‪.‬في‬
‫َدنَّ ُك ْم‬ ‫كَرْ تُ ْم َأَل ِزي‬ ‫الى " لَِئ ْن َش‬ ‫ال تع‬ ‫"ق‬ ‫‪.‬‬
‫وفي اإلتيان باألمر بالشكر بعد النعم الديني ة‪ ,‬من العلم وتزكي ة األخالق والتوفي ق لألعم ال‪ ,‬بي ان أنه ا أك بر النعم‪ ,‬ب ل هي النعم‬
‫دوم‪ ,‬إذا زال غيرها‬ ‫تي ت‬ ‫ة؟ ال‬ ‫‪.‬الحقيقي‬
‫‪.‬وأنه ينبغي لمن وفقوا لعلم أو عم ل‪ ,‬أن يش كروا هللا على ذل ك‪ ,‬ليزي دهم من فض له‪ ,‬ولين دفع عنهم اإلعج اب‪ ,‬فيش تغلوا بالش كر‬
‫ولما كان الشكر ضده الكفر‪ ,‬نهى عن ضده فقال " َواَل تَ ْكفُرُو ِن " المراد بالكفر ههنا‪ ,‬ما يقاب ل الش كر‪ ,‬فه و كف ر النعم وجح دها‪,‬‬
‫ام بها‬ ‫دم القي‬ ‫‪.‬وع‬
‫ويحتم ل أن يك ون المع نى عام ا‪ ,‬فيك ون الكف ر أنواع ا كث يرة‪ ,‬أعظم ه الكف ر باهلل‪ ,‬ثم أن واع المعاص ي‪ ,‬على اختالف أنواعه ا‬
‫‪.‬وأجناسها‪ ,‬من الشرك‪ ,‬فما دونه‬

‫يا أيه ا ال ذين آمن وا اس تعينوا بالص بر والص الة إن هللا م ع "‬
‫" الصابرين‬
‫اَل ِة‬ ‫ب ِْر َو َّ‬
‫الص‬ ‫ة " بِ َّ‬
‫الص‬ ‫ورهم الدنيوي‬ ‫تعانة على أم‬ ‫نين‪ ,‬باالس‬ ‫الى المؤم‬ ‫ر هللا تع‬ ‫" أم‬ ‫‪.‬‬
‫فالصبر هو‪ :‬حبس النفس وكفها عما تكره‪ ,‬فهو ثالثة أقسام‪ :‬صبرها على طاعة هللا‪ ,‬حتى تؤديها‪ ,‬وعن معصية هللا حتى تتركه ا‪,‬‬
‫خطها‬ ‫ة فال تتس‬ ‫دار هللا المؤلم‬ ‫‪.‬وعلى أق‬
‫درك مطلوبه‬ ‫ابر‪ ,‬أن ي‬ ‫ير الص‬ ‫بيل لغ‬ ‫ر‪ ,‬فال س‬ ‫ل أم‬ ‫ة على ك‬ ‫ة العظيم‬ ‫و المعون‬ ‫بر ه‬ ‫‪.‬فالص‬
‫‪.‬وخصوص ا‪ ,‬الطاع ات الش اقة المس تمرة‪ ,‬فإنه ا مفتق رة أش د االفتق ار‪ ,‬إلى تحم ل الص بر‪ ,‬وتج رع الم رارة الش اقة‬
‫فإذا الزم صاحبها الصبر‪ ,‬فاز بالنجاح‪ ,‬وإن رده المكروه والمشقة‪ ,‬عن الص بر والمالزم ة عليه ا‪ ,‬لم ي درك ش يئا‪ ,‬وحص ل على‬
‫ان‬ ‫‪.‬الحرم‬
‫درة العبد‬ ‫لق‬ ‫ا وهي في مح‬ ‫ا إليه‬ ‫تد دواعي النفس ونوازعه‬ ‫تي تش‬ ‫ية ال‬ ‫ذلك المعص‬ ‫‪.‬وك‬
‫فهذه ال يمكن تركها إال بصبر عظيم‪ ,‬وكف لدواعي قلبه ونوازعها‪ ,‬هلل تعالى‪ ,‬واس تعانة باهلل على العص مة منه ا‪ ,‬فإنه ا من الفتن‬
‫ار‬ ‫‪.‬الكب‬
‫وكذلك البالء الشاق‪ ,‬خصوصا إن استمر‪ ,‬فهذا تضعف معه القوى النفس انية والجس دية‪ ,‬ويوج د مقتض اها‪ ,‬وه و التس خط‪ ,‬إن لم‬
‫دوام‬ ‫ار على ال‬ ‫ه‪ ,‬واالفتق‬ ‫أ إلي‬ ‫ه‪ ,‬واللج‬ ‫ل علي‬ ‫بر هلل‪ ,‬والتوك‬ ‫احبها بالص‬ ‫اص‬ ‫‪.‬يقاومه‬
‫ة من أحواله‬ ‫ل حال‬ ‫ه في ك‬ ‫طر إلي‬ ‫ل مض‬ ‫د‪ ,‬ب‬ ‫ه العب‬ ‫اج إلي‬ ‫بر محت‬ ‫‪.‬فعلمت أن الص‬
‫فلهذا أمر هللا تعالى ب ه‪ ,‬وأخ بر أن ه " َم َع َّ‬
‫الص ابِ ِرينَ " أي‪ :‬م ع من ك ان الص بر لهم خلق ا‪ ,‬وص فة‪ ,‬وملك ة ‪ -‬بمعونت ه وتوفيق ه‪,‬‬
‫ديده‬ ‫‪.‬وتس‬
‫عوبة‬ ‫لص‬ ‫ل عظيم‪ ,‬وزالت عنهم ك‬ ‫هل عليهم ك‬ ‫اره‪ ,‬وس‬ ‫اق والمك‬ ‫ذلك‪ ,‬المش‬ ‫انت عليهم ب‬ ‫‪.‬فه‬
‫‪.‬وه ذه معي ة خاص ة‪ ,‬تقتض ي محبت ه ومعونت ه‪ ,‬ونص ره وقرب ه‪ ,‬وه ذه منقب ة عظيم ة للص ابرين‬
‫رفا‬ ‫ال وش‬ ‫ا فض‬ ‫‪.‬فل و لم يكن للص ابرين فض يلة إال أنهم ف ازوا به ذه المعي ة من هللا‪ ,‬لكفى به‬
‫‪.‬وأم ا المعي ة العام ة‪ ,‬فهي معي ة العلم والق درة‪ ,‬كم ا في قول ه تع الى‪َ " :‬وهُ َو َم َع ُك ْم َأ ْينَ َم ا ُك ْنتُ ْم " وه ذه عام ة للخلق‬
‫‪.‬وأم ر تع الى باالس تعانة بالص الة ألن الص الة هي عم اد ال دين‪ ,‬ون ور المؤم نين‪ ,‬وهي الص لة بين العب د وبين ربه‬
‫فإذا كانت صالة العبد صالة كاملة‪ ,‬مجتمعا فيها ما يلزم فيها‪ ,‬وما يسن‪ ,‬وحصل فيها حضور القلب‪ ,‬الذي هو لبها فصار العبد إذا‬
‫دخل فيها‪ ,‬استشعر دخوله على ربه‪ ,‬ووقوفه بين يديه‪ ,‬موقف العبد الخادم المتأدب‪ ,‬مستحضرا لكل ما يقوله وما يفعله‪ ,‬مس تغرقا‬
‫‪.‬بمناجاة ربه ودعائه ‪ -‬ال ج رم أن ه ذه الص الة‪ ,‬من أك بر المعون ة على جمي ع األم ور ف إن الص الة تنهى عن الفحش اء والمنكر‬
‫‪.‬وألن هذا الحضور الذي يكون في الصالة‪ ,‬يوجب للعبد في قلبه‪ ,‬وصفا‪ ,‬وداعيا يدعوه إلى امتث ال أوام ر رب ه‪ ,‬واجتن اب نواهيه‬
‫‪.‬هذه هي الصالة التي أمر هللا‪ ,‬أن نستعين بها على كل شيء‬

‫وال تقولوا لمن يقتل في سبيل هللا أم وات ب ل أحي اء ولكن ال "‬
‫" تشعرون‬
‫لما ذكر تبارك وتعالى‪ ,‬األمر باالستعانة بالصبر على جميع األحوال‪ ,‬ذكر نموذجا مم ا يس تعان بالص بر علي ه‪ ,‬وه و الجه اد في‬
‫سبيله‪ ,‬وهو أفضل الطاعات البدنية‪ ,‬وأشقها على النفوس‪ ,‬لمشقته في نفسه‪ ,‬ولكونه مؤديا للقتل‪ ,‬وع دم الحي اة‪ ,‬ال تي إنم ا ي رغب‬
‫اة ولوازمها‬ ‫ول الحي‬ ‫دنيا لحص‬ ‫ذه ال‬ ‫ون في ه‬ ‫‪.‬الراغب‬
‫ادها‬ ‫ا يض‬ ‫ع لم‬ ‫ا‪ ,‬ودف‬ ‫عى له‬ ‫هس‬ ‫ه‪ ,‬فإن‬ ‫رفون ب‬ ‫ا يتص‬ ‫لم‬ ‫‪.‬فك‬
‫ه وأعظم‬ ‫وب أعلى من‬ ‫ل إال لمحب‬ ‫ه العاق‬ ‫وب ال يترك‬ ‫وم‪ ,‬أن المحب‬ ‫‪.‬ومن المعل‬
‫فأخبر تعالى‪ :‬أن من قتل في سبيله‪ ,‬بأن قاتل في سبيل هللا‪ ,‬لتكون كلمة هللا هي العليا‪ ,‬ودينه الظاهر‪ ,‬ال لغير ذل ك من األغ راض‪,‬‬
‫‪.‬فأن ه لم تفت ه الحي اة المحبوب ة‪ ,‬ب ل حص ل ل ه حي اة أعظم وأكم ل‪ ,‬مم ا تظن ون وتحس بون‬
‫فالشهداء " َأحْ يَا ٌء ِع ْن َد َربِّ ِه ْم يُرْ زَ قُونَ فَ ِر ِحينَ بِ َما آتَاهُ ُم هَّللا ُ ِم ْن فَضْ لِ ِه َويَ ْستَب ِْشرُونَ بِالَّ ِذينَ َل ْم يَ ْل َحقُ وا بِ ِه ْم ِم ْن خَ ْلفِ ِه ْم َأاَّل خَ وْ ٌ‬
‫ف َعلَ ْي ِه ْم‬
‫ْؤ ِمنِينَ‬ ‫َر ْال ُم‬ ‫ي ُع َأجْ‬ ‫ٍل َوَأ َّن هَّللا َ اَل ي ِ‬
‫ُض‬ ‫ض‬‫ٍة ِمنَ هَّللا ِ َوفَ ْ‬ ‫رُونَ بِنِ ْع َم‬ ‫ونَ يَ ْستَب ِْش‬ ‫" َواَل هُ ْم يَحْ زَ نُ‬ ‫‪.‬‬
‫فهل أعظم من هذه الحياة المتضمنة للقرب من هللا تعالى‪ ,‬وتمتعهم برزق ه الب دني في الم أكوالت والمش روبات اللذي ذة‪ ,‬وال رزق‬
‫رح‬ ‫و الف‬ ‫روحي‪ ,‬وه‬ ‫‪.‬ال‬
‫زن‬ ‫وف وح‬ ‫لخ‬ ‫ار‪ ,‬وزوال ك‬ ‫و االستبش‬ ‫‪.‬وه‬
‫دنيا‬ ‫اة ال‬ ‫ل من الحي‬ ‫ة‪ ,‬أكم‬ ‫اة برزخي‬ ‫ذه حي‬ ‫‪.‬وه‬
‫بل قد أخبر النبي صلى هللا عليه وسلم أن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر ترد أنه ار الجن ة‪ ,‬وتأك ل من ثماره ا‪ ,‬وت أوي‬
‫العرش‬ ‫ةب‬ ‫ل معلق‬ ‫‪.‬إلى قنادي‬
‫بر عليه‬ ‫ة الص‬ ‫بيل هللا‪ ,‬ومالزم‬ ‫اد في س‬ ‫ة‪ ,‬أعظم حث على الجه‬ ‫ذه اآلي‬ ‫‪.‬وفي ه‬
‫ه أحد‬ ‫ف عن‬ ‫واب‪ ,‬لم يتخل‬ ‫بيل هللا من الث‬ ‫ولين في س‬ ‫ا للمقت‬ ‫اد بم‬ ‫عر العب‬ ‫وش‬ ‫‪.‬فل‬
‫‪.‬ولكن ع دم العلم اليقي ني الت ام‪ ,‬ه و ال ذي ف تر الع زائم‪ ,‬وزاد ن وم الن ائم‪ ,‬وأف ات األج ور العظيم ة والغن ائم‬
‫‪ " .‬لم ال يكون كذلك وهللا تعالى قد " ا ْشت ََرى ِمنَ ْال ُمْؤ ِمنِينَ َأ ْنفُ َسهُ ْم َوَأ ْم َوالَهُ ْم بَِأ َّن لَهُ ُم ْال َجنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي َس بِي ِل هَّللا ِ فَيَ ْقتُلُ ونَ َويُ ْقتَلُ ونَ‬
‫‪.‬فوهللا ل و ك ان لإلنس ان أل ف نفس‪ ,‬ت ذهب نفس ا فنفس ا في س بيل هللا‪ ,‬لم يكن عظيم ا في ج انب ه ذا األج ر العظيم‬
‫‪.‬ولهذا ال يتمنى الشهداء ‪ -‬بعدما عاينوا من ثواب هللا وحسن جزائه ‪ -‬إال أن يردوا إلى الدنيا‪ ,‬حتى يقتلون في سبيله مرة بعد م رة‬
‫‪.‬وفي اآلية‪ ,‬دليل على نعيم البرزخ وعذابه‪ ,‬كما تكاثرت بذلك النصوص‬

‫ولنبل ونكم بش يء من الخ وف والج وع ونقص من األم وال "‬


‫" واألنفس والثمرات وبشر الصابرين‬
‫‪.‬أخبر تعالى‪ ,‬أنه ال بد أن يبتلي عباده بالمحن‪ ,‬ليتبين الص ادق من الك اذب‪ ,‬والج ازع من الص ابر‪ ,‬وه ذه س نته تع الى في عب اده‬
‫ألن السراء لو استمرت ألهل اإليمان‪ ,‬ولم يحصل معها محنة‪ ,‬لحصل االختالط الذي هو فس اد‪ ,‬وحكم ة هللا تقتض ي تمي يز أه ل‬
‫ل الشر‬ ‫ير من أه‬ ‫‪.‬الخ‬
‫‪.‬ه ذه فائ دة المحن‪ ,‬ال إزال ة م ا م ع المؤم نين من اإليم ان‪ ,‬وال ردهم عن دينهم‪ ,‬فم ا ك ان هللا ليض يع إيم ان المؤم نين‬
‫وع " أي‪ :‬بش يء يس ير منهما‬‫ف " من األع داء " َو ْال ُج ِ‬
‫‪.‬ف أخبر في ه ذه اآلي ة أن ه س يبتلي عب اده " بِ َش ْي ٍء ِمنَ ْال َخ وْ ِ‬
‫وا‪ ,‬والمحن تمحص ال تهلك‬ ‫وع‪ ,‬لهلك‬ ‫ه‪ ,‬أو الج‬ ‫الخوف كل‬ ‫هل‬ ‫و ابتالهم ب‬
‫‪.‬ألن‬
‫ص ِمنَ اَأْل ْم َوا ِل " وهذا يشمل جميع النقص المعتري لألموال‪ ,‬من جوائح سماوية‪ ,‬وغرق‪ ,‬وضياع‪ ,‬وأخذ الظلم ة لألم وال "‬
‫َونَ ْق ٍ‬
‫ير ذلك‬ ‫ق وغ‬ ‫اع الطري‬ ‫ة‪ ,‬وقط‬ ‫‪.‬من المل‬ ‫وك الظلم‬
‫‪َ .‬واَأْل ْنفُ ِ‬
‫س " أي ذهاب األحباب‪ ,‬من األوالد‪ ,‬واألق ارب‪ ,‬واألص حاب‪ ,‬ومن أن واع األم راض في ب دن العب د‪ ,‬أو ب دن من يحبه "‬
‫‪َ .‬والثَّ َم َرا ِ‬
‫ت " أي الحبوب‪ ,‬وثمار النخيل‪ ,‬واألشجار كلها‪ ,‬والخضر ببرد‪ ,‬أو برد‪ ,‬أو ح رق‪ ,‬أو آف ة س ماوية‪ ,‬من ج راد ونح وه "‬
‫بر‬ ‫ا أخ‬ ‫وقعت كم‬ ‫ا‪ ,‬ف‬ ‫بر به‬ ‫ير‪ ,‬أخ‬ ‫ع‪ ,‬ألن العليم الخب‬ ‫د أن تق‬ ‫ور‪ ,‬ال ب‬ ‫ذه األم‬ ‫‪.‬فه‬
‫ابرين‬ ‫ازعين وص‬ ‫مين‪ :‬ج‬ ‫اس قس‬ ‫م الن‬ ‫إذا وقعت‪ ,‬انقس‬ ‫‪.‬ف‬
‫يبة‬ ‫ذه المص‬ ‫ود ه‬ ‫و وج‬ ‫وب‪ ,‬وه‬ ‫وات المحب‬ ‫يبتان‪ ,‬ف‬ ‫ه المص‬ ‫لت ل‬ ‫ازع‪ ,‬حص‬ ‫‪.‬فالج‬
‫بر‬ ‫ر هللا بالص‬ ‫ال أم‬ ‫ر بامتث‬ ‫و األج‬ ‫ا‪ ,‬وه‬ ‫و أعظم منه‬ ‫اه‬ ‫وات م‬ ‫‪.‬وف‬
‫ان‬ ‫ه من اإليم‬ ‫ا مع‬ ‫ان‪ ,‬ونقص م‬ ‫ارة والحرم‬ ‫ار بالخس‬ ‫‪.‬فف‬
‫ان‬ ‫دة النقص‬ ‫دال على ش‬ ‫خط ال‬ ‫ه الس‬ ‫لل‬ ‫كران‪ ,‬وحص‬ ‫ا والش‬ ‫بر والرض‬ ‫ه الص‬ ‫‪.‬وفات‬
‫وأما من وفقه هللا للصبر عند وجود هذه المصائب‪ ,‬فحبس نفسه عن التسخط‪ ,‬قوال وفعال‪ ,‬واحتس ب أجره ا عن د هللا‪ ,‬وعلم أن م ا‬
‫يدركه من األجر بصبره‪ ,‬أعظم من المصيبة التي حصلت له‪ ,‬بل المصيبة تكون نعمة في حقه‪ ,‬ألنها صارت طريقا لحص ول م ا‬
‫الثواب‬ ‫از ب‬ ‫ر هللا‪ ,‬وف‬ ‫ل أم‬ ‫د امتث‬ ‫ا‪ ,‬فق‬ ‫ع منه‬ ‫ه وأنف‬ ‫ير ل‬ ‫وخ‬ ‫‪.‬ه‬
‫‪.‬فلهذا قال تعالى " َوبَ ِّش ِر الصَّابِ ِرينَ " أي‪ :‬بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب‬

‫" الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا هلل وإنا إليه راجعون "‬
‫يمة‬ ‫ة الجس‬ ‫ة‪ ,‬والمنح‬ ‫ارة العظيم‬ ‫ازوا بالبش‬ ‫ذين ف‬ ‫ابرين‪ ,‬هم ال‬ ‫‪.‬فالص‬
‫ص يبَةٌ " وهي ك ل م ا ي ؤلم القلب‪ ,‬أو الب دن أو كليهم ا مم ا تق دم ذك ره‬ ‫‪.‬ثم وص فهم بقول ه " الَّ ِذينَ ِإ َذا َأ َ‬
‫ص ابَ ْتهُ ْم ُم ِ‬
‫‪.‬قَ الُوا ِإنَّا هَّلِل ِ " أي‪ :‬مملوك ون هلل‪ ,‬م دبرون تحت أم ره وتص ريفه‪ ,‬فليس لن ا من أنفس نا وأموالن ا ش يء "‬
‫تراض عليه‬ ‫والهم‪ ,‬فال اع‬ ‫ه وأم‬ ‫راحمين‪ ,‬بمماليك‬ ‫رف أرحم ال‬ ‫د تص‬ ‫ا‪ ,‬فق‬ ‫يء منه‬ ‫ا بش‬ ‫إذا ابتالن‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪.‬ب ل من كم ال عبودي ة العب د‪ ,‬علم ه‪ ,‬ب أن وق وع البلي ة من المال ك الحكيم‪ ,‬ال ذي ه و أرحم بعب ده من نفسه‬
‫‪.‬في وجب ل ه ذل ك‪ ,‬الرض ا عن هللا‪ ,‬والش كر ل ه على ت دبيره‪ ,‬لم ا ه و خ ير لعب ده‪ ,,‬وإن لم يش عر ب ذلك‬
‫ل بعمله‬ ‫ل عام‬ ‫از ك‬ ‫اد‪ ,‬فمج‬ ‫وم المع‬ ‫ون ي‬ ‫ه راجع‬ ‫ا إلي‬ ‫ون هلل‪ ,‬فإن‬ ‫ا مملوك‬ ‫ع أنن‬ ‫‪.‬وم‬
‫ده‬ ‫ورا عن‬ ‫ا موف‬ ‫دنا أجرن‬ ‫بنا وج‬ ‫برنا واحتس‬ ‫إن ص‬ ‫‪.‬ف‬
‫وات األجر‬ ‫خط وف‬ ‫ا إال الس‬ ‫خطنا‪ ,‬لم يكن حظن‬ ‫ا وس‬ ‫‪.‬وإن جزعن‬
‫‪.‬فكون العبد هلل‪ ,‬وراجعا إليه‪ ,‬من أقوى أسباب الصبر‬
‫أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون "‬
‫"‬
‫ات ِم ْن َربِّ ِه ْم " أي‪ :‬ثن اء وتنوي ه بح الهم " َو َرحْ َم ةٌ " عظيمة "‬
‫ص لَ َو ٌ‬ ‫‪ُ.‬أولَِئ َ‬
‫ك " الموص وفون بالص بر الم ذكور " َعلَ ْي ِه ْم َ‬
‫ال األجر‬ ‫ه كم‬ ‫الون ب‬ ‫ذي ين‬ ‫بر ال‬ ‫اهم‪ ,‬أن وفقهم للص‬ ‫‪.‬ومن رحمت‬‫ه إي‬
‫َوُأولَِئ َ‬
‫ك هُ ُم ْال ُم ْهتَ ُدونَ " الذين عرفوا الحق‪ ,‬وهو في هذا الموضع‪ ,‬علمهم بأنهم هلل‪ ,‬وأنهم إلي ه راجع ون‪ ,‬وعمل وا ب ه وه و هن ا "‬
‫برهم هلل‬ ‫‪.‬ص‬
‫‪.‬ودلت ه ذه اآلي ة‪ ,‬على أن من لم يص بر‪ ,‬فل ه ض د م ا لهم‪ ,‬فحص ل ل ه ال ذم من هللا‪ ,‬والعقوب ة‪ ,‬والض الل والخس ارة‬
‫ازعين‬ ‫اء الج‬ ‫ابرين‪ ,‬وأعظم عن‬ ‫ل تعب الص‬ ‫ا أق‬ ‫ريقين " وم‬ ‫رق بين الف‬ ‫ا أعظم الف‬ ‫" فم‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬فق د اش تملت هات ان اآليت ان على ت وطين النف وس على المص ائب قب ل وقوعه ا‪ ,‬لتخ ف وتس هل‪ ,‬إذا وقعت‬
‫بر‬ ‫و الص‬ ‫ه‪ ,‬إذا وقعت‪ ,‬وه‬ ‫لب‬ ‫ا تقاب‬ ‫ان م‬ ‫‪.‬وبي‬
‫ابرين من األجر‬ ‫ا للص‬ ‫بر‪ ,‬وم‬ ‫ا يعين على الص‬ ‫ان م‬ ‫‪.‬وبي‬
‫ابر‬ ‫ال الص‬ ‫دح‬ ‫ابر‪ ,‬بض‬ ‫ير الص‬ ‫ال غ‬ ‫‪.‬ويعلم ح‬
‫ديال‬ ‫نة هللا تب‬ ‫د لس‬ ‫د خلت‪ ,‬ولن تج‬ ‫تي ق‬ ‫نة هللا ال‬ ‫ان‪ ,‬س‬ ‫ذا االبتالء واالمتح‬ ‫‪.‬وأن ه‬
‫‪.‬وبيان أنواع المصائب‬

‫إن الصفا والمروة من ش عائر هللا فمن حج ال بيت أو اعتم ر "‬


‫فال جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا ف إن هللا ش اكر‬
‫" عليم‬
‫صفَا َو ْال َمرْ َوةَ " وهما معروفان " ِم ْن َش َعاِئ ِر هَّللا ِ " أي أعالم دينه الظاهرة‪ ,‬التي تعبد هللا به ا عب اده‪ ,‬وإذا كان ا‬
‫يخبر تعالى " ِإ َّن ال َّ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫هَّللا‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫‪ " .‬من ش عائر هللا‪ ,‬فق د أم ر هللا بتعظيم ش عائره فق ال " َو َمن يُ َعظ ْم ش َعاِئ َر ِ فِإنهَ ا ِمن تق َوى القل و ِ‬
‫وب‬ ‫وى القل‬ ‫عائره‪ ,‬من تق‬ ‫عائر هللا‪ ,‬وأن تعظيم ش‬ ‫ا من ش‬ ‫ين أنهم‬ ‫وع النص‬ ‫دل مجم‬ ‫‪.‬ف‬
‫والتقوى واجبة على كل مكل ف‪ ,‬وذل ك ي دل على أن الس عي بهم ا ف رض الزم للحج والعم رة‪ ,‬كم ا علي ه الجمه ور‪ ,‬ودلت علي ه‬
‫‪ " .‬األح اديث النبوي ة وفعل ه الن بي ص لى هللا علي ه وس لم وق ال " خ ذوا ع ني مناس ككم‬
‫"‬ ‫ِه َأ ْن يَطَّوَّفَ بِ ِه َما‬ ‫اح َعلَ ْي‬
‫َ‬ ‫َر فَاَل ُجنَ‬ ‫" فَ َم ْن َح َّج ْالبَيْتَ َأ ِو ا ْعتَ َم‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬ه ذا دف ع ل وهم من ت وهم وتح رج من المس لمين عن الط واف بينهم ا‪ ,‬لكونهم ا في الجاهلي ة تعب د عن دهما األص نام‬
‫ير الزم‬ ‫هغ‬ ‫وهم‪ ,‬ال ألن‬ ‫ذا ال‬ ‫دفع ه‬ ‫اح ل‬ ‫الى الجن‬ ‫‪.‬فنفى تع‬
‫‪.‬ودل تقيي د نفي الجن اح فيمن تط وف بهم ا في الحج والعم رة‪ ,‬أن ه ال يتط وع بالس عي مف ردا إال م ع انض مامه لحج أو عم رة‬
‫ردة‬ ‫ادة مف‬ ‫و عب‬ ‫رة والحج‪ ,‬وه‬ ‫ع العم‬ ‫رع م‬ ‫ه يش‬ ‫البيت‪ ,‬فإن‬ ‫واف ب‬ ‫‪.‬بخالف الط‬
‫ع النسك‬ ‫ا تتب‬ ‫ار فإنه‬ ‫ة‪ ,‬ورمي الجم‬ ‫ة ومزدلف‬ ‫وف بعرف‬ ‫عي والوق‬ ‫ا الس‬ ‫‪.‬فأم‬
‫ان‬ ‫ة نوع‬ ‫ة‪ ,‬ألن البدع‬ ‫انت بدع‬ ‫ك‪ ,‬ك‬ ‫ة للنس‬ ‫ير تابع‬ ‫و فعلت غ‬ ‫‪.‬فل‬
‫رعها أصال‬ ‫ادة‪ ,‬لم يش‬ ‫د هلل بعب‬ ‫وع يتعب‬ ‫‪.‬ن‬
‫‪.‬ون وع يتعب د ل ه بعب ادة ق د ش رعها على ص فة مخصوص ة‪ ,‬فتفع ل على غ ير تل ك الص فة‪ ,‬وه ذا منه‬
‫وقوله " َو َم ْن تَطَ َّو َع " أي‪ :‬فعل طاعة مخلصا بها هلل تعالى " َخ ْيرًا " من حج وعمرة‪ ,‬وط واف‪ ,‬وص الة‪ ,‬وص وم وغ ير ذل ك "‬
‫هُ‬ ‫ٌر لَ‬ ‫َو َخ ْي‬ ‫" فَهُ‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬ف دل ه ذا‪ ,‬على أن ه كلم ا ازداد العب د من طاع ة هللا‪ ,‬ازداد خ يره وكمال ه‪ ,‬ودرجت ه عن د هللا‪ ,‬لزي ادة إيمانه‬
‫ودل تقييد التطوع بالخير‪ ,‬أن من تطوع بالبدع‪ ,‬التي لم يشرعها هللا وال رسوله‪ ,‬أنه ال يحصل له إال العناء‪ ,‬وليس بخير له‪ ,‬بل قد‬
‫روعية العمل‬ ‫دم مش‬ ‫ا بع‬ ‫دا عالم‬ ‫ان متعم‬ ‫ه إن ك‬ ‫را ل‬ ‫ون ش‬ ‫‪.‬يك‬
‫فَِإ َّن هَّللا َ َشا ِك ٌر َعلِي ٌم " الشاكر والشكور‪ ,‬من أسماء هللا تعالى‪ ,‬الذي يقبل من عباده اليسير من العمل‪ ,‬ويجازيهم عليه‪ ,‬العظيم من "‬
‫األجر‪ ,‬الذي إذا قام عبده بأوامره‪ ,‬وامتثل طاعته‪ ,‬أعانه على ذلك‪ ,‬وأثنى عليه ومدحه‪ ,‬وجازاه في قلبه نورا وإيمانا‪ ,‬وسعة‪ ,‬وفي‬
‫‪.‬بدن ه ق وة ونش اطا‪ ,‬وفي جمي ع أحوال ه زي ادة برك ة ونم اء‪ ,‬وفي أعمال ه زي ادة توفيق‬
‫ور‬ ‫ذه األم‬ ‫هه‬ ‫وفرا‪ ,‬لم تنقص‬ ‫امال م‬ ‫هك‬ ‫د رب‬ ‫ل عن‬ ‫واب اآلج‬ ‫دم على الث‬ ‫ك‪ ,‬يق‬ ‫د ذل‬ ‫‪.‬ثم بع‬
‫يرا منه‬ ‫ه هللا خ‬ ‫يئا هلل‪ ,‬عوض‬ ‫رك ش‬ ‫ده‪ ,‬أن من ت‬ ‫كره لعب‬ ‫‪.‬ومن ش‬
‫ومن تقرب منه شبرا‪ ,‬تقرب منه ذراعا‪ ,‬ومن تقرب منه ذراعا‪ ,‬تقرب منه باعا‪ ,‬ومن أتاه يمش ي‪ ,‬أت اه هرول ة‪ ,‬ومن عامل ه‪ ,‬ربح‬
‫اعفة‬ ‫عافا مض‬ ‫ه أض‬ ‫‪.‬علي‬
‫‪.‬وم ع أن ه ش اكر‪ ,‬فه و عليم بمن يس تحق الث واب الكام ل‪ ,‬بحس ب نيت ه وإيمان ه وتق واه‪ ,‬ممن ليس ك ذلك‬
‫‪.‬عليم بأعمال العباد‪ ,‬فال يضيعها‪ ,‬بل يجدونها أوفر ما كانت‪ ,‬على حسب نياتهم التي اطلع عليها العليم الحكيم‬

‫إن الذين يكتمون ما أنزلن ا من البين ات واله دى من بع د م ا "‬


‫" بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم هللا ويلعنهم الالعنون‬
‫هذه اآلية‪ ,‬وإن كانت نازلة في أهل الكتاب‪ ,‬وما كتموا من شأن الرسول صلى هللا عليه وسلم وصفاته‪ ,‬ف إن حكمه ا ع ام لك ل من‬
‫رات له‬ ‫ق المظه‬ ‫داالت على الح‬ ‫ت " ال‬
‫ا ِ‬ ‫زل هللا " ِمنَ ْالبَيِّنَ‬ ‫ا أن‬ ‫ان م‬ ‫ف بكتم‬ ‫‪.‬اتص‬
‫‪َ .‬و ْالهُدَى " وهو العلم الذي تحصل ب ه الهداي ة إلى الص راط المس تقيم‪ ,‬ويت بين ب ه طري ق أه ل النعيم‪ ,‬من طري ق أه ل الجحيم "‬
‫‪.‬ف إن هللا أخ ذ الميث اق على أه ل العلم‪ ,‬ب أن ي بينوا الن اس م ا من هللا ب ه عليهم من علم الكت اب وال يكتم وه‬
‫فمن نبذ ذل ك وجم ع بين المفس دتين‪ ,‬كتم م ا أن زل هللا‪ ,‬والغش لعب اد هللا فأولئك " يَ ْل َعنُهُ ُم هَّللا ُ " أي‪ :‬يبع دهم ويط ردهم عن قرب ه‬
‫‪.‬ورحمته‬
‫َويَ ْل َعنُهُ ُم الاَّل ِعنُونَ " وهم جميع الخليقة‪ ,‬فتقع عليهم اللعنة من جميع الخليقة‪ ,‬لسعيهم في غش الخلق وفساد أديانهم‪ ,‬وإبعادهم من "‬
‫وزوا من جنس عملهم‬ ‫ة هللا‪ ,‬فج‬ ‫‪.‬رحم‬
‫كما أن معلم الناس الخير‪ ,‬يصلي هللا عليه ومالكته‪ ,‬حتى الحوت في جوف الم اء‪ ,‬لس عيه في مص لحة الخل ق‪ ,‬وإص الح أدي انهم‪,‬‬
‫وزى من جنس عمله‬ ‫ة هللا‪ ,‬فج‬ ‫ربهم من رحم‬ ‫‪.‬وق‬
‫حها‬ ‫اس ويوض‬ ‫ات للن‬ ‫بين هللا اآلي‬ ‫اق هلل‪ ,‬ي‬ ‫ر هللا‪ ,‬مش‬ ‫اد ألم‬ ‫زل هللا‪ ,‬مض‬ ‫ا أن‬ ‫اتم لم‬ ‫‪.‬فالك‬
‫‪.‬وهذا يسعى في طمسها وإخفائها فهذا عليه هذا الوعيد الشديد‬
‫إال الذين ت ابوا وأص لحوا وبين وا فأولئ ك أت وب عليهم وأن ا "‬
‫" التواب الرحيم‬
‫ِإاَّل الَّ ِذينَ تَابُوا " أي رجعوا عما هم عليه من ال ذنوب‪ ,‬ن دما وإقالع ا‪ ,‬وعزم ا على ع دم المع اودة " َوَأ ْ‬
‫ص لَحُوا " م ا فس د من "‬
‫الهم‬ ‫‪.‬أعم‬
‫ل الحسن‬ ‫ل فع‬ ‫تى يحص‬ ‫بيح ح‬ ‫رك الق‬ ‫‪.‬فال يكفي ت‬
‫ا أخفى‬ ‫دم‬ ‫دي ض‬ ‫ه‪ ,‬ويب‬ ‫ا كتم‬ ‫بين م‬ ‫تى ي‬ ‫ا‪ ,‬ح‬ ‫اتم أيض‬ ‫ك في الك‬ ‫‪.‬وال يكفي ذل‬
‫وب عنها‬ ‫ير محج‬ ‫ة هللا غ‬ ‫ه‪ ,‬ألن توب‬ ‫وب هللا علي‬ ‫ذا يت‬ ‫‪.‬فه‬
‫فمن أتى بسبب التوبة‪ ,‬تاب هللا عليه‪ ,‬ألنه " التَّوَّابُ " أي الرجاع على عب اده ب العفو والص فح‪ ,‬بع د ال ذنب إذا ت ابوا‪ ,‬وباإلحس ان‬
‫وا‬ ‫ع‪ ,‬إذا رجع‬ ‫د المن‬ ‫‪.‬والنعم بع‬
‫"‬ ‫يء‬ ‫لش‬ ‫عت ك‬ ‫تي وس‬ ‫ة‪ ,‬ال‬ ‫ة العظيم‬ ‫ف بالرحم‬ ‫ذي اتص‬ ‫َّر ِح ِيم " ال‬ ‫‪.‬ال‬
‫‪.‬ومن رحمته‪ ,‬أن وفقهم للتوبة واإلنابة فتابوا وأنابوا‪ ,‬ثم رحمهم بأن قبل ذلك منهم‪ ,‬لطفا وكرما‪ ,‬هذا حكم التائب من الذنب‬

‫إن ال ذين كف روا وم اتوا وهم كف ار أولئ ك عليهم لعن ة هللا "‬
‫" والمالئكة والناس أجمعين‬
‫وأم ا من كف ر واس تمر على كف ره ح تى م ات ولم يرج ع إلى رب ه‪ ,‬ولم ينب إلي ه‪ ,‬ولم يتب عن ق ريب فأولئك " َعلَ ْي ِه ْم لَ ْعنَ ةُ هَّللا ِ‬
‫اس َأجْ َم ِعينَ‬ ‫ِة َوالنَّ ِ‬ ‫" َو ْال َماَل ِئ َك‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬ألنه لما صار كفرهم وصفا ثابتا‪ ,‬صارت اللعنة عليهم وصفا ثابتا ال تزول‪ ,‬ألن الحكم يدور مع علته‪ ,‬وجودا وعدما‬

‫" خالدين فيها ال يخفف عنهم العذاب وال هم ينظرون "‬


‫ان‬ ‫ا متالزم‬ ‫ذاب‪ ,‬وهم‬ ‫ة‪ ,‬أو في الع‬ ‫ا " أي‪ :‬في اللعن‬ ‫ِدينَ فِيهَ‬ ‫‪.‬و " خَالِ‬
‫ظرُونَ " أي‪ :‬يمهلون‪ ,‬ألن وقت اإلمهال ‪ -‬وهو ال دنيا ‪ -‬ق د‬‫و " اَل يُخَ فَّفُ َع ْنهُ ُم ْال َع َذابُ " بل عذابهم دائم شديد مستمر " َواَل هُ ْم يُ ْن َ‬
‫‪.‬مضى‪ ,‬ولم يبق لهم عذر فيعتذرون‬

‫" وإلهكم إله واحد ال إله إال هو الرحمن الرحيم "‬


‫‪.‬يخ بر تع الى ‪ -‬وه و أص دق الق ائلين ‪ -‬أن ه " ِإلَ هٌ َوا ِح ٌد " أي‪ :‬متوح د متف رد في ذات ه‪ ,‬وأس مائه‪ ,‬وص فاته‪ ,‬وأفعاله‬
‫‪.‬فليس ل ه ش ريك في ذات ه‪ ,‬وال س مي ل ه وال كف و ل ه‪ ,‬وال مث ل‪ ,‬وال نظ ير‪ ,‬وال خ الق‪ ,‬وال م دبر غ يره‬
‫فإذا كان كذلك‪ ,‬فه و المس تحق ألن يؤل ه ويعب د بجمي ع أن واع العب ادة‪ ,‬وال يش رك ب ه أح د من خلق ه‪ ,‬ألن ه " ال رَّحْ َم ِن ال ر ِ‬
‫َّح ِيم "‬
‫‪.‬المتص ف بالرحم ة العظيم ة‪ ,‬ال تي ال يماثله ا رحم ة أح د‪ ,‬فق د وس عت ك ل ش يء وعمت ك ل حي‬
‫االت‬ ‫واع الكم‬ ‫ا أن‬ ‫لت له‬ ‫ه حص‬ ‫ات‪ ,‬وبرحمت‬ ‫دت المخلوق‬ ‫ه وج‬ ‫‪.‬فبرحمت‬
‫ل نقمة‬ ‫اك‬ ‫دفع عنه‬ ‫ه ان‬ ‫‪.‬وبرحمت‬
‫وبرحمته عرف عباده نفسه بصفاته وآالئه‪ ,‬وبين لهم كل ما يحتاجون إلي ه من مص الح دينهم ودني اهم‪ ,‬بإرس ال الرس ل‪ ,‬وإن زال‬
‫‪.‬الكتب‬
‫فإذا علم أن ما بالعباد من نعمة‪ ,‬فمن هللا‪ ,‬وأن أحدا من المخلوقين‪ ,‬ال ينفع أحدا ‪ -‬علم أن هللا ه و المس تحق لجمي ع أن واع العب ادة‪,‬‬
‫‪.‬وأن يف رد بالمحب ة والخ وف‪ ,‬والرج اء‪ ,‬والتعظيم‪ ,‬والتوك ل‪ ,‬وغ ير ذل ك من أن واع الطاع ات‬
‫وأن من أظلم الظلم‪ ,‬وأقبح القبيح‪ ,‬أن يعدل عن عبادته إلى عبادة العبيد‪ ,‬وأن يشرك المخلوقين من تراب‪ ,‬برب األرباب‪ ,‬أو يعب د‬
‫وي‬ ‫ادر الق‬ ‫دبر الق‬ ‫الق الم‬ ‫ع الخ‬ ‫وه‪ ,‬م‬ ‫ع الوج‬ ‫اجز من جمي‬ ‫دبر الع‬ ‫وق الم‬ ‫‪.‬المخل‬
‫يء‬ ‫لش‬ ‫رك‬ ‫ذي قه‬ ‫‪.‬ال‬
‫يء‬ ‫لش‬ ‫هك‬ ‫‪.‬ودان ل‬
‫اري وإلهيته‬ ‫ة الب‬ ‫ات وحداني‬ ‫ة‪ ,‬إثب‬ ‫ذه اآلي‬ ‫‪.‬ففي ه‬
‫وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين وبيان أصل ال دليل على ذل ك وه و إثب ات رحمت ه ال تي من آثاره ا وج ود جمي ع النعم‪,‬‬
‫ع النقم‬ ‫دفاع جمي‬ ‫‪.‬وان‬
‫الى‬ ‫ه تع‬ ‫الي على وحدانيت‬ ‫ل إجم‬ ‫ذا دلي‬ ‫‪.‬فه‬
‫‪:‬ثم ذكر األدلة التفصيلية فقال‬

‫إن في خل ق الس ماوات واألرض واختالف اللي ل والنه ار "‬


‫والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الن اس وم ا أن زل هللا من‬
‫السماء من ماء فأحيا به األرض بع د موته ا وبث فيه ا من ك ل‬
‫دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين الس ماء واألرض‬
‫" آليات لقوم يعقلون‬
‫"‬ ‫ت َواَأْلرْ ِ‬
‫ض " اآلية‬ ‫َما َوا ِ‬ ‫ق َّ‬
‫الس‬ ‫ِ‬ ‫‪ِ.‬إ َّن فِي خَ ْل‬
‫اري وإلهيته‬ ‫ة الب‬ ‫ة على وحداني‬ ‫ات أي أدل‬ ‫ة‪ ,‬آي‬ ‫ات العظيم‬ ‫ذه المخلوق‬ ‫الى أن في ه‬ ‫بر تع‬ ‫‪.‬أخ‬
‫فاته‬ ‫ائر ص‬ ‫ه وس‬ ‫لطانه ورحمت‬ ‫‪.‬وعظيم س‬
‫ول يعملونها‬ ‫ونَ " أي‪ :‬لمن لهم عق‬ ‫وْ ٍم يَ ْعقِلُ‬ ‫ا " لِقَ‬ ‫‪.‬ولكنه‬
‫ا خلقت له‬ ‫‪.‬فيم‬
‫دبيره‬ ‫ره وت‬ ‫ه وفك‬ ‫ا بعقل‬ ‫ات ويعرفه‬ ‫ع باآلي‬ ‫ل‪ ,‬ينتف‬ ‫ده من العق‬ ‫ا من هللا على عب‬
‫‪.‬فعلى حس‬ ‫بم‬
‫ت " في ارتفاعها واتساعها‪ ,‬وإحكامها‪ ,‬وإتقانها‪ ,‬وما جعل هللا فيه ا من الش مس والقم ر‪ ,‬والنج وم‪ ,‬وتنظيمه ا‬ ‫ففي " خ َْل ِ‬
‫ق ال َّس َما َوا ِ‬
‫اد‬ ‫الح العب‬ ‫‪.‬لمص‬
‫ض " مهادا للخلق‪ ,‬يمكنهم القرار عليه ا‪ ,‬واالنتف اع بم ا عليه ا‪ ,‬واالعتب ار‪ ,‬م ا ي دل ذل ك على انف راد هللا تع الى‬‫وفي خلق " اَأْلرْ ِ‬
‫بالخلق والتدبير‪ ,‬وبيان قدرته العظيمة التي بها خلقها‪ ,‬وحكمته التي بها أتقنها‪ ,‬وأحسنها ونظمها‪ ,‬وعلمه ورحمت ه ال تي به ا أودع‬
‫اتهم‬ ‫روراتهم وحاج‬ ‫الحهم‪ ,‬وض‬ ‫ق ومص‬ ‫افع الخل‬ ‫ا أودع‪ ,‬من من‬ ‫‪.‬م‬
‫‪.‬وفي ذل ك أبل غ ال دليل على كمال ه‪ ,‬واس تحقاقه أن يف رد بالعب ادة‪ ,‬النف راده ب الخلق والت دبير‪ ,‬والقي ام بش ئون عب اده‬
‫ه اآلخر‬ ‫دهما‪ ,‬خلف‬ ‫دوام‪ ,‬إذا ذهب أح‬ ‫ا على ال‬ ‫و تعاقبهم‬ ‫ار " ‪ ,‬وه‬
‫ِ‬ ‫ِل َوالنَّهَ‬ ‫ف اللَّ ْي‬ ‫‪.‬وفي " ْ‬
‫اختِاَل ِ‬
‫وفي اختالفهما في الحر‪ ,‬والبرد‪ ,‬والتوسط‪ ,‬وفي الطول‪ ,‬والقصر‪ ,‬والتوس ط‪ ,‬وم ا ينش أ عن ذل ك من الفض ول‪ ,‬ال تي به ا انتظ ام‬
‫ات‬ ‫جار ونبات‬ ‫ه األرض‪ ,‬من أش‬ ‫ا على وج‬ ‫عم‬ ‫اتهم‪ ,‬وجمي‬ ‫ني آدم وحيوان‬ ‫الح ب‬ ‫‪.‬مص‬
‫كل ذلك بانتظام وتدبير‪ ,‬وتسخير‪ ,‬تنبهر له العقول‪ ,‬وتعجز عن إدراك ه من الرج ال الفح ول‪ ,‬م ا ي دل ذل ك على ق درة مص رفها‪,‬‬
‫وعلمه وحكمته‪ ,‬ورحمته الواسعة‪ ,‬ولطفه الشامل‪ ,‬وتص ريفه وت دبيره‪ ,‬ال ذي تف رد ب ه‪ ,‬وعظمت ه‪ ,‬وعظم ة ملك ه وس لطانه‪ ,‬مم ا‬
‫‪.‬ي وجب أن يؤل ه ويعب د‪ ,‬ويف رد بالمحب ة والتعظيم‪ ,‬والخ وف والرج اء‪ ,‬وب ذل الجه د في محاب ه ومراض يه‬
‫ك الَّتِي تَجْ ِري فِي ْالبَحْ ِر " وهي السفن والمراكب ونحوها‪ ,‬مما ألهم هللا عباده صنعتها‪ ,‬وخلق لهم من اآلالت الداخلية‬
‫وفي " َو ْالفُ ْل ِ‬
‫درهم عليها‬ ‫ا أق‬ ‫ة‪ ,‬م‬ ‫‪.‬والخارجي‬
‫ثم سخر لها هذا البحر العظيم والرياح‪ ,‬التي تحملها بما فيها من الرك اب واألم وال‪ ,‬والبض ائع ال تي هي من من افع الن اس‪ ,‬وبم ا‬
‫هم‬ ‫الحهم وتنتظم معايش‬ ‫ه مص‬ ‫وم ب‬ ‫‪.‬تق‬
‫ا؟‬ ‫ه يعملونه‬ ‫اب‬ ‫ق لهم من اآلالت م‬ ‫ا‪ ,‬وخل‬ ‫درهم عليه‬ ‫نعتها‪ ,‬وأق‬ ‫ذي ألهمهم ص‬ ‫‪.‬فمن ال‬
‫اح؟‬ ‫خيره‪ ,‬والري‬ ‫ه وتس‬ ‫ه بإذن‬ ‫ري في‬ ‫ر‪ ,‬تج‬ ‫ا البح‬ ‫خر له‬ ‫ذي س‬ ‫‪.‬أم من ال‬
‫أم من الذي خلق للمراكب البرية والبحرية‪ ,‬النار والمعادن المعينة على حملها‪ ,‬وحم ل م ا فيه ا من األم وال؟ فه ل ه ذه األم ور‪,‬‬
‫حصلت اتفاقا‪ ,‬أم استقل بعملها هذا المخلوق الضعيف الع اجز‪ ,‬ال ذي خ رج من بطن أم ه‪ ,‬ال علم ل ه وال ق درة؟ ثم خل ق ل ه رب ه‬
‫القدرة‪ ,‬وعلمه ما يشاء تعليمه؟ أم المسخر لذلك رب واحد‪ ,‬حكيم عليم‪ ,‬ال يعج زه ش يء‪ ,‬وال يمتن ع علي ه ش يء؟ ب ل األش ياء ق د‬
‫دانت بربوبيته‪ ,‬واستكانت لعظمته‪ ,‬وخضعت لجبروته؟ وغاية العبد الضعيف‪ ,‬أن جعله هللا جزءا من أج زاء األس باب‪ ,‬ال تي به ا‬
‫وجدت هذه األمور العظام‪ ,‬فهذا يدل على رحمة هللا وعنايته بخلقه‪ ,‬وذلك يوجب أن تك ون المحب ة كله ا ل ه‪ ,‬والخ وف والرج اء‪,‬‬
‫ذل والتعظيم‬ ‫ة‪ ,‬وال‬ ‫ع الطاع‬ ‫‪.‬وجمي‬
‫"‬ ‫حاب‬ ‫ازل من الس‬ ‫ر الن‬ ‫و المط‬ ‫ا ٍء " وه‬ ‫َما ِء ِم ْن َم‬ ‫زَ َل هَّللا ُ ِمنَ َّ‬
‫الس‬ ‫ا َأ ْن‬ ‫‪َ .‬و َم‬
‫فََأحْ يَا بِ ِه اَأْلرْ َ‬
‫ض بَ ْع َد َموْ تِهَا " فأظهرت من أنواع األقوات‪ ,‬وأصناف النباتات‪ ,‬ما هو من ضرورات الخالئق‪ ,‬التي ال يعيش ون "‬
‫دونها‬ ‫‪.‬ب‬
‫أليس ذلك دليال على قدرة من أنزله‪ ,‬وأخرج به ما أخرج ورحمته‪ ,‬ولطفه بعباده‪ ,‬وقيامه بمصالحهم‪ ,‬وشدة افتقارهم وضرورتهم‬
‫ث‬‫إليه من كل وجه؟ أما يوجب ذلك أن يكون هو معبودهم وإلههم؟ أليس ذلك دليال على إحياء الموتى ومجازاتهم بأعمالهم؟ " َوبَ َّ‬
‫فِيهَا " أي‪ :‬في األرض " ِم ْن ُك ِّل دَابَّ ٍة " أي‪ :‬نشر في أقط ار األرض من ال دواب المتنوع ة‪ ,‬م ا ه و دلي ل على قدرت ه وعظمت ه‪,‬‬
‫لطانه العظيم‬ ‫ه وس‬ ‫‪.‬ووحدانيت‬
‫اع‬ ‫وه االنتف‬ ‫ع وج‬ ‫ا بجمي‬ ‫ون به‬ ‫اس‪ ,‬ينتفع‬ ‫خرها للن‬ ‫‪.‬وس‬
‫ربون من دره‬ ‫ه‪ ,‬ويش‬ ‫أكلون من لحم‬ ‫اي‬ ‫ا‪ :‬م‬ ‫‪.‬فمنه‬
‫ون‬ ‫ا يركب‬ ‫ا‪ :‬م‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫بر به‬ ‫ا يعت‬ ‫ام‬ ‫تهم‪ ,‬ومنه‬ ‫الحهم وحراس‬ ‫اع في مص‬ ‫وس‬ ‫اه‬ ‫ا‪ :‬م‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫ل دابة‬ ‫ا من ك‬ ‫ه بث فيه‬ ‫ا‪ :‬أن‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫أقواتهم‬ ‫لب‬ ‫أرزاقهم‪ ,‬المتكف‬ ‫ائم ب‬ ‫و الق‬ ‫بحانه‪ ,‬ه‬ ‫هس‬ ‫‪.‬فإن‬
‫اح " ب اردة وح ارة‪ ,‬وجنوب ا‬
‫يف ال ِّريَ ِ‬ ‫فم ا من داب ة في األرض إال على هللا رزقه ا‪ ,‬ويعلم مس تقرها ومس تودعها وفي " َوت ْ‬
‫َص ِر ِ‬
‫ورا وبين ذلك‬ ‫رقا ودب‬ ‫ماال‪ ,‬وش‬ ‫‪.‬وش‬
‫وتارة تثير السحاب‪ ,‬وتارة تؤلف بينه‪ ,‬وتارة تلقحه‪ ,‬وتارة تدره‪ ,‬وتارة تمزقه وتزيل ضرره‪ ,‬وتارة تك ون رحم ة‪ ,‬وت ارة ترس ل‬
‫ذاب‬ ‫‪.‬بالع‬
‫فمن الذي صرفها هذا التصريف‪ ,‬وأودع فيها من من افع العب اد‪ ,‬م ا ال يس تغنون عن ه؟ وس خرها‪ ,‬ليعيش فيه ا جمي ع الحيوان ات‪,‬‬
‫وتصلح األبدان واألشجار‪ ,‬والحبوب والنباتات‪ ,‬إال العزيز الحكيم الرحيم‪ ,‬اللطي ف بعب اده المس تحق لك ل ذل وخض وع‪ ,‬ومحب ة‬
‫‪.‬وإنابة وعبادة؟ وفي تسخير السحاب بين السماء واألرض ‪ -‬على خفته ولطافته ‪ -‬يحمل الماء الكث ير‪ ,‬فيس وقه هللا إلى حيث ش اء‬
‫اجتهم إليه‬ ‫ق وقت ح‬ ‫ه على الخل‬ ‫اد‪ ,‬وينزل‬ ‫ول والوه‬ ‫روي التل‬ ‫اد‪ ,‬وي‬ ‫ه البالد والعب‬ ‫يي ب‬ ‫‪.‬فيح‬
‫ة وعطفا‬ ‫رفه عناي‬ ‫ا‪ ,‬ويص‬ ‫ة ولطف‬ ‫ه رحم‬ ‫كه عنهم‪ ,‬فينزل‬ ‫ه‪ ,‬أمس‬ ‫رهم كثرت‬ ‫ان يض‬ ‫إذا ك‬ ‫‪.‬ف‬
‫فما أعظم سلطانه‪ ,‬وأغزر إحسانه‪ ,‬وألطف امتنانه!! أليس من الق بيح بالعب اد‪ ,‬أن يتمتع وا برزق ه‪ ,‬ويعيش وا ب بره وهم يس تعينون‬
‫يه‬ ‫اخطه ومعاص‬ ‫ذلك على مس‬ ‫‪.‬ب‬
‫‪.‬أليس ذل ك دليال على حلم ه وص بره‪ ,‬وعف وه وص فحه‪ ,‬وعظيم لطف ه؟ فل ه الحم د أوال وآخ را‪ ,‬وباطن ا وظ اهرا‬
‫والحاصل‪ ,‬أنه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات‪ ,‬وتغلغل فكره في بدائع المبتدعات‪ ,‬وازداد تأمل ه للص نعة وم ا أودع فيه ا من‬
‫لطائف البر والحكمة‪ ,‬علم بذلك‪ ,‬أنها خلقت للحق وبالحق‪ ,‬وأنها ص حائف آي ات‪ ,‬وكتب دالالت‪ ,‬على م ا أخ بر ب ه هللا عن نفس ه‬
‫‪.‬ووحدانيته‪ ,‬وما أخ برت ب ه الرس ل من الي وم اآلخ ر‪ ,‬وأنه ا مس خرات‪ ,‬ليس له ا ت دبير وال استعص اء على م دبرها ومص رفها‬
‫‪.‬فتع رف أن الع الم العل وي والس فلي كلهم إلي ه مفتق رون‪ ,‬وإلي ه ص امدون وأن ه الغ ني بال ذات عن جمي ع المخلوق ات‬
‫‪.‬فال إله إال هللا‪ ,‬وال رب سواه‬

‫ومن الناس من يتخ ذ من دون هللا أن دادا يحب ونهم كحب هللا "‬
‫وال ذين آمن وا أش د حب ا هلل ول و ي رى ال ذين ظلم وا إذ ي رون‬
‫" العذاب أن القوة هلل جميعا وأن هللا شديد العذاب‬
‫ار ِجينَ ِمنَ النَّ ِ‬
‫ار‬ ‫ِ‬ ‫ا هُ ْم بِخَ‬ ‫الى " َو ِمنَ النَّ ِ‬
‫اس " إلى " َو َم‬ ‫ال تع‬ ‫" ثم ق‬ ‫‪.‬‬
‫التي قبلها‬ ‫ةب‬ ‫ذه اآلي‬ ‫ال ه‬ ‫ن اتص‬ ‫ا أحس‬ ‫‪.‬م‬
‫‪.‬فإن ه تع الى‪ ,‬لم ا بين وحدانيت ه وأداته ا القاطع ة‪ ,‬وبراهينه ا الس اطعة الموص لة إلى علم اليقين‪ ,‬المزيل ة لك ل شك‬
‫اس " مع هذا البي ان الت ام " َم ْن يَتَّ ِخ ُذ ِم ْن دُو ِن هَّللا ِ َأ ْن دَادًا " هلل أي‪ :‬نظ راء ومثالء‪ ,‬يس اويهم في هللا بالعب ادة‬
‫ذكر هنا أن " ِمنَ النَّ ِ‬
‫ة‪ ,‬والتعظيم والطاعة‬ ‫‪.‬والمحب‬
‫ومن كان بهذه الحالة ‪ -‬بعد إقامة الحجة‪ ,‬وبيان التوحي د ‪ -‬علم أن ه معان د هلل‪ ,‬مش اق ل ه‪ ,‬أو مع رض عن ت دبر آيات ه والتفك ر في‬
‫ذاب‬ ‫ة الع‬ ‫ه كلم‬ ‫د حقت علي‬ ‫لق‬ ‫ك‪ ,‬ب‬ ‫ذر في ذل‬ ‫ه أدنى ع‬ ‫ه‪ ,‬فليس ل‬ ‫‪.‬مخلوقات‬
‫وهؤالء الذين يتخذون األنداد مع هللا‪ ,‬ال يس وونهم باهلل في الخل ق وال رزق والت دبير‪ ,‬وإنم ا يس وونهم ب ه‪ ,‬في العب ادة‪ ,‬فيعب دونهم‬
‫وهم إليه‬ ‫‪.‬ليقرب‬
‫ه ليس هلل ند‬ ‫ل على أن‬ ‫ذوا " دلي‬ ‫ه " اتخ‬ ‫‪.‬وفي قول‬
‫نى‬ ‫ا من المع‬ ‫ا فارغ‬ ‫ردة‪ ,‬ولفظ‬ ‫مية مج‬ ‫ه‪ ,‬تس‬ ‫دادا ل‬ ‫ات أن‬ ‫وا بعض المخلوق‬ ‫ركون جعل‬ ‫ا المش‬ ‫‪.‬وإنم‬
‫الى‬ ‫ال تع‬ ‫اق‬ ‫‪.‬كم‬
‫"‬ ‫وْ ِل‬ ‫ا ِه ٍر ِمنَ ْالقَ‬ ‫ض َأ ْم بِظَ‬
‫ُّموهُ ْم َأ ْم تُنَبُِّئونَ هُ بِ َم ا اَل يَ ْعلَ ُم فِي اَأْلرْ ِ‬ ‫َر َكا َء قُ لْ َس‬ ‫" َو َج َعلُ وا هَّلِل ِ ُش‬ ‫‪.‬‬
‫"‬ ‫الظَّ َّن‬ ‫ونَ ِإاَّل‬ ‫" ِإ ْن ِه َي ِإاَّل َأ ْس َما ٌء َس َّم ْيتُ ُموهَا َأ ْنتُ ْم َوآبَ اُؤ ُك ْم َم ا َأ ْن َز َل هَّللا ُ بِهَ ا ِم ْن ُس ْلطَ ٍ‬
‫ان ِإ ْن يَتَّبِ ُع‬ ‫‪.‬‬
‫رازق‬ ‫و ال‬ ‫رب ه‬ ‫وق‪ ,‬وال‬ ‫يره مخل‬ ‫الق‪ ,‬وغ‬ ‫و الخ‬ ‫دا هلل ألن هللا ه‬ ‫المخلوق ليس ن‬ ‫‪.‬ف‬
‫راء‬ ‫ني وأنتم الفق‬ ‫و الغ‬ ‫رزوق‪ ,‬وهللا ه‬ ‫داه م‬ ‫‪.‬ومن ع‬
‫وه‬ ‫ع الوج‬ ‫ون من جمي‬ ‫د ناقص‬ ‫وه‪ ,‬والعبي‬ ‫ل الوج‬ ‫ل من ك‬ ‫و الكام‬ ‫‪.‬وه‬
‫يء‬ ‫رش‬ ‫ر واألم‬ ‫ع والض‬ ‫ه من النف‬ ‫وق ليس ل‬ ‫ار‪ ,‬والمخل‬ ‫افع الض‬ ‫و الن‬ ‫‪.‬وهللا ه‬
‫دادا‬ ‫ة وأن‬ ‫ذ من دون هللا آله‬ ‫ول من اتخ‬ ‫ا‪ ,‬بطالن ق‬ ‫ا يقين‬ ‫‪.‬فعلم علم‬
‫ير ذلك‬ ‫نما‪ ,‬أو غ‬ ‫الحا‪ ,‬ص‬ ‫ا‪ ,‬أو ص‬ ‫ا أو نبي‬ ‫ان ملك‬ ‫واء ك‬ ‫‪.‬س‬
‫ام‬ ‫ذل الت‬ ‫ة‪ ,‬وال‬ ‫تحق للمحب‬ ‫ة الكامل‬ ‫و المس‬ ‫‪.‬وأن هللا ه‬
‫فلهذا مدح هللا المؤمنين بقوله " َوالَّ ِذينَ آ َمنُ وا َأ َش ُّد ُحبًّ ا هَّلِل ِ " أي‪ :‬من أه ل األن داد ألن دادهم‪ ,‬ألنهم أخلص لوا محبتهم ل ه‪ ,‬وه ؤالء‬
‫ركوا بها‬ ‫‪.‬أش‬
‫‪.‬وألنهم أحب وا من يس تحق المحب ة على الحقيق ة‪ ,‬ال ذي محبت ه هي عين ص الح العب د وس عادته وف وزه‬
‫ره‬ ‫تت أم‬ ‫اده‪ ,‬وتش‬ ‫د وفس‬ ‫قاء العب‬ ‫ه عين ش‬ ‫يئا‪ ,‬ومحبت‬ ‫تحق من الحب ش‬ ‫وا من ال يس‬ ‫ركون أحب‬ ‫‪.‬والمش‬
‫دهم هللا بقوله‬ ‫ذا توع‬ ‫‪.‬فله‬
‫‪َ .‬ولَوْ يَ َرى الَّ ِذينَ ظَلَ ُم وا " باتخاد األنداد واالنقياد لغير رب العباد وظلموا الخلق بص دهم عن س بيل هللا‪ ,‬وس عيهم فيم ا يض رهم "‬
‫"‬ ‫ارهم‬ ‫ا بأبص‬ ‫ة عيان‬ ‫وم القيام‬ ‫اب " أي‪ :‬ي‬‫َذ َ‬ ‫َروْ نَ ْال َع‬ ‫‪ِ.‬إ ْذ يَ‬
‫َأ َّن ْالقُ َّوةَ هَّلِل ِ َج ِميعًا َوَأ َّن هَّللا َ َش ِدي ُد ْال َع َذا ِ‬
‫ب " ‪ ,‬أي‪ :‬لعلموا علما جازما‪ ,‬أن القوة والقدرة هلل كلها‪ ,‬وأن أن دادهم ليس فيه ا من الق وة "‬
‫يء‬ ‫‪.‬ش‬
‫فتبين لهم في ذلك في اليوم‪ ,‬ضعفها وعجزها‪ ,‬ال كم ا اش تبه عليهم في ال دنيا‪ ,‬وظن وا أن له ا من األم ر ش يئا‪ ,‬وأنه ا تق ربهم إلي ه‬
‫لهم إليه‬ ‫‪.‬وتوص‬
‫‪.‬فخ اب ظنهم‪ ,‬وبط ل س عيهم‪ ,‬وح ق عليهم ش دة الع ذاب‪ ,‬ولم ت دفع عنهم أن دادهم ش يئا‪ ,‬ولم تغن عنهم مثق ال ذرة من النفع‬
‫‪.‬بل يحصل لهم الضرر منها‪ ,‬من حيث ظنوا نفعها‬

‫إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبع وا ورأوا الع ذاب وتقطعت "‬
‫" بهم األسباب‬
‫وتبرأ المتبعون من التابعين‪ ,‬وتقطعت بينهم الوصل‪ ,‬التي ك انت في ال دنيا‪ ,‬ألنه ا ك انت لغ ير هللا‪ ,‬وعلى غ ير أم ر هللا‪ ,‬ومتعلق ة‬
‫والهم‬ ‫ت أح‬ ‫الهم‪ ,‬وتالش‬ ‫محلت أعم‬ ‫ه‪ ,‬فاض‬ ‫ةل‬ ‫ذي ال حقيق‬ ‫ل ال‬ ‫‪.‬بالباط‬
‫وتبين لهم أنهم كانوا كاذبين‪ ,‬وأن أعمالهم التي يؤملون نفعها وحصول نتيجته ا‪ ,‬انقلبت عليهم حس رة وندام ة‪ ,‬وأنهم خال دون في‬
‫دا‬ ‫ا أب‬ ‫ون منه‬ ‫ار ال يخرج‬ ‫‪.‬الن‬
‫فهل بعد هذا الخسران خسران؟ ذلك ب أنهم اتبع وا الباط ل‪ ,‬ورج وا غ ير مرج و‪ ,‬وتعلق وا بغ ير متعل ق‪ ,‬فبطلت األعم ال ببطالن‬
‫‪.‬متعلقها‬
‫رر‬ ‫ة الض‬ ‫رتهم غاي‬ ‫ا‪ ,‬فض‬ ‫ل فيه‬ ‫اتهم من األم‬ ‫اف‬ ‫رة بم‬ ‫ا بطلت‪ ,‬وقعت الحس‬ ‫‪.‬ولم‬
‫ا نفعه‬ ‫ه‪ ,‬ورج‬ ‫ل لوجه‬ ‫بين‪ ,‬وأخلص العم‬ ‫ق الم‬ ‫ك الح‬ ‫ق باهلل المل‬ ‫ذا بخالف من تعل‬ ‫‪.‬وه‬
‫فهذا قد وضع الحق في موضعه‪ ,‬فكانت أعماله حقا‪ ,‬لتعلقها بالحق‪ ,‬ففاز بنتيجة عمله‪ ,‬ووجد جزاءه عن د رب ه‪ ,‬غ ير منقط ع كم ا‬
‫الى‬ ‫ال تع‬ ‫‪.‬ق‬
‫ت َوآ َمنُ وا بِ َم ا نُ ِّز َل َعلَى ُم َح َّم ٍد َوهُ َو ْال َح ُّ‬
‫ق ِم ْن "‬ ‫ض َّل َأ ْع َمالَهُ ْم َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ‬
‫ص ُّدوا ع َْن َسبِي ِل هَّللا ِ َأ َ‬
‫الَّ ِذينَ َكفَرُوا َو َ‬
‫ك بَِأ َّن الَّ ِذينَ َكفَرُوا اتَّبَعُوا ْالبَا ِط َل َوَأ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُوا اتَّبَعُوا ْال َح َّ‬
‫ق ِم ْن َربِّ ِه ْم َك َذلِكَ يَضْ ِربُ هَّللا ُ‬ ‫َربِّ ِه ْم َكفَّ َر َع ْنهُ ْم َسيَِّئاتِ ِه ْم َوَأصْ لَ َح بَالَهُ ْم َذلِ َ‬
‫اس َأ ْمثَالَهُ ْم‬
‫‪ " .‬لِلنَّ ِ‬
‫وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا من ا "‬
‫كذلك يريهم هللا أعمالهم حس رات عليهم وم ا هم بخ ارجين من‬
‫" النار‬
‫‪.‬وحينئذ يتم نى الت ابعون أن ي ردوا إلى ال دنيا فيت برأوا من متب وعيهم‪ ,‬ب أن ي تركوا الش رك باهلل‪ ,‬ويقبل وا على إخالص العم ل هلل‬
‫ار‬ ‫ال وإنظ‬ ‫وقت وقت إمه‬ ‫ر‪ ,‬وليس ال‬ ‫ات األم‬ ‫ات‪ ,‬ف‬ ‫‪.‬وهيه‬
‫وا عنه‬ ‫ا نه‬ ‫ادوا لم‬ ‫و ردوا لع‬ ‫ة‪ ,‬فل‬ ‫ذا‪ ,‬فهم كذب‬ ‫عه‬ ‫‪.‬وم‬
‫‪.‬وإنم ا ه و ق ول يقولون ه‪ ,‬وأم اني يتمنونه ا‪ ,‬حنق ا وغيظ ا على المتب وعين لم ا ت برأوا منهم وال ذنب ذنبهم‬
‫ول ألتباعه‬ ‫ذا يق‬ ‫عه‬ ‫ر‪ ,‬إبليس‪ ,‬وم‬ ‫وعين على الش‬ ‫رأس المتب‬ ‫‪.‬ف‬
‫اس تَ َج ْبتُ ْم لِي فَاَل "‬ ‫ق َو َو َع ْدتُ ُك ْم فَ َأ ْخلَ ْفتُ ُك ْم َو َم ا َك انَ لِي َعلَ ْي ُك ْم ِم ْن ُس ْلطَا ٍن ِإاَّل َأ ْن َد َع وْ تُ ُك ْم فَ ْ‬
‫ض َي اَأْل ْم ُر ِإ َّن هَّللا َ َو َع َد ُك ْم َو ْع َد ْال َح ِّ‬
‫لَ َّما قُ ِ‬
‫‪ " .‬تَلُو ُمونِي َولُو ُموا َأ ْنفُ َس ُك ْم‬

‫ي ا أيه ا الن اس كل وا مم ا في األرض حالال طيب ا وال تتبع وا "‬


‫" خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين‬
‫افرهم‬ ‫ؤمنهم وك‬ ‫اس كلهم‪ ,‬م‬ ‫اب للن‬ ‫ذا خط‬ ‫‪.‬ه‬
‫‪ " .‬فامتن عليهم بأن أمرهم أن يأكلوا من جمي ع م ا في األرض من حب وب‪ ,‬وثم ار‪ ,‬وفواك ه‪ ,‬وحيوان ات‪ ,‬حال ة كونه ا " َحاَل اًل [‬
‫تناوله‬ ‫لكم‬ ‫محلال‬ ‫‪.‬أي‪:‬‬
‫رم‬ ‫ا على مح‬ ‫رم أو معين‬ ‫ه مح‬ ‫ة أو على وج‬ ‫ة محرم‬ ‫ال بمعامل‬ ‫رقة‪ ,‬وال محص‬ ‫ب وال س‬ ‫‪.‬ليس بغص‬
‫"‬ ‫ائث كلها‬ ‫نزير‪ ,‬والخب‬ ‫دم‪ ,‬ولحم الخ‬ ‫ة وال‬ ‫بيث‪ ,‬كالميت‬ ‫ا " أي ليس‪ :‬بخ‬ ‫‪.‬طَيِّبً‬
‫ان اإلباحة‬ ‫ل في األعي‬ ‫ل على أن األص‬ ‫ة‪ ,‬دلي‬ ‫ذه اآلي‬ ‫‪.‬ففي ه‬
‫د الطيب‬ ‫وض‬ ‫ذي ه‬ ‫بيث ال‬ ‫و الخ‬ ‫ه‪ ,‬وه‬ ‫رم لذات‬ ‫ا مح‬ ‫ان‪ :‬إم‬ ‫رم نوع‬ ‫ا‪ ,‬وأن المح‬ ‫‪.‬أكال وانتفاع‬
‫‪.‬وإم ا مح رم لم ا ع رض ل ه‪ ,‬وه و المح رم لتعل ق ح ق هللا‪ ,‬أو ح ق عب اده ب ه‪ ,‬وه و ض د الحالل‬
‫اهر األمر‬ ‫ه لظ‬ ‫أثم تارك‬ ‫ة واجب‪ ,‬ي‬ ‫ا يقيم البني‬ ‫در م‬ ‫ل بق‬ ‫ل على أن األك‬ ‫ه دلي‬ ‫‪.‬وفي‬
‫رهم به‬ ‫ا أم‬ ‫رهم باتب‬ ‫اع م‬ ‫ا أم‬ ‫‪.‬ولم‬
‫إذ هو عين صالحهم‪ ,‬نهاهم عن اتباع " ُخطُ َوا ِ‬
‫ت ال َّش ْيطَا ِن " أي‪ :‬طرقه التي يأمر بها‪ ,‬وهي جمي ع العاص ى‪ ,‬من كف ر‪ ,‬وفس وق‪,‬‬
‫‪.‬وظلم‬
‫و ذلك[‬ ‫ام‪ ,‬ونح‬ ‫وائب‪ ,‬والح‬ ‫ريم الس‬ ‫ك تح‬ ‫دخل في ذل‬ ‫‪.‬وي‬
‫أكوالت المحرمة‬ ‫اول الم‬ ‫ه تن‬ ‫دخل في‬ ‫‪.‬وي‬
‫"‬ ‫ين " أي‪ :‬ظ اهر الع داوة‪ ,‬فال يري د ب أمركم‪ ,‬إال غش كم‪ ,‬وأن تكون وا من أص حاب الس عير‬ ‫‪ِ.‬إنَّهُ لَ ُك ْم َع ُد ٌّو ُمبِ ٌ‬
‫فلم يكتف ربنا بنهينا عن اتباع خطواته‪ ,‬حتى أخبرنا ‪ -‬وهو أصدق القائلين ‪ -‬بعداوته الداعية للحذر منه‪ ,‬ثم لم يكتف ب ذلك‪ ,‬ح تى‬
‫‪:‬أخبرنا بتفصيل ما يأمر به‪ ,‬وأنه أقبح األشياء‪ ,‬وأعظمها مفسدة فقال‬
‫إنم ا ي أمركم بالس وء والفحش اء وأن تقول وا على هللا م ا ال "‬
‫" تعلمون‬
‫"‬ ‫ع المعاصي‬ ‫ك‪ ,‬جمي‬ ‫دخل في ذل‬ ‫احبه‪ ,‬في‬ ‫وء ص‬ ‫ذي يس‬ ‫ر ال‬ ‫‪ِ.‬إنَّ َم ا يَ ْأ ُم ُر ُك ْم بِ ُّ‬
‫و ِء " أي‪ :‬الش‬
‫الس‬
‫فيكون قوله‪َ " :‬و ْالفَحْ َشا ِء " من ب اب عط ف الخ اص على الع ام‪ ,‬ألن الفحش اء من المعاص ي‪ ,‬م ا تن اهى قبح ه‪ ,‬كالزن ا‪ ,‬وش رب‬
‫ه عقل‬ ‫ه من ل‬ ‫ا يستفحش‬ ‫ك‪ ,‬مم‬ ‫و ذل‬ ‫ل ونح‬ ‫ذف‪ ,‬والبخ‬ ‫ل‪ ,‬والق‬ ‫ر‪ ,‬والقت‬ ‫‪.‬الخم‬
‫‪َ .‬وَأ ْن تَقُولُ وا َعلَى هَّللا ِ َم ا اَل تَ ْعلَ ُم ونَ " في دخل في ذل ك‪ ,‬الق ول على هللا بال علم‪ ,‬في ش رعه‪ ,‬وق دره "‬
‫فمن وصف هللا بغير ما وصف به نفسه‪ ,‬أو وصفه به رسوله‪ ,‬أو نفى عنه ما أثبته لنفسه‪ ,‬أو أثبت له م ا نف اه عن نفس ه‪ ,‬فق د ق ال‬
‫علم‬ ‫بال‬ ‫هللا‬ ‫‪.‬على‬
‫الى بال علم‬ ‫ال على هللا تع‬ ‫دق‬ ‫دها من هللا‪ ,‬فق‬ ‫رب من عب‬ ‫ا‪ ,‬تق‬ ‫دا‪ ,‬وأوثان‬ ‫‪.‬ومن زعم أن هلل ن‬
‫‪.‬ومن ق ال‪ :‬إن هللا أح ل ك ذا‪ ,‬أو ح رم ك ذا‪ ,‬أو أم ر بك ذا‪ ,‬أو نهى عن ك ذا‪ ,‬بغ ير بص يرة‪ ,‬فق د ق ال على هللا بال علم‬
‫‪.‬ومن ق ال‪ :‬هللا خل ق ه ذا الص نف من المخلوق ات‪ ,‬للعل ة الفالني ة بال بره ان ل ه ب ذلك‪ ,‬فق د ق ال على هللا بال علم‬
‫ومن أعظم الق ول على هللا بال علم‪ ,‬أن يت أول المت أول كالم ه‪ ,‬أو كالم رس وله‪ ,‬على مع اني اص طلح عليه ا طائف ة من طوائ ف‬
‫ول‪ :‬إن هللا أرادها‬ ‫الل‪ ,‬ثم يق‬ ‫‪.‬الض‬
‫فالقول على هللا بال علم‪ ,‬من أكبر المحرمات‪ ,‬وأشملها‪ ,‬وأكبر طرق الشيطان التي يدعو إليه ا‪ ,‬فه ذه ط رق الش يطان ال تي ي دعو‬
‫‪.‬إليه ا ه و وجن وده‪ ,‬ويب ذلون مك رهم وخ داعهم‪ ,‬على إغ واء الخل ق بم ا يق درون عليه‬
‫‪.‬وأم ا هللا تع الى‪ ,‬فإن ه ي أمر بالع دل واإلحس ان‪ ,‬وإيت اء ذي الق ربى‪ ,‬وينهي عن الفحش اء والمنك ر والبغي‬
‫فلينظر العبد نفسه‪ ,‬مع أي الداعيين‪ ,‬ومن أي الحزبين؟‬

‫وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل هللا قالوا بل نتبع ما ألفين ا علي ه "‬
‫" آباءنا أولو كان آباؤهم ال يعقلون شيئا وال يهتدون‬
‫أتتبع داعي هللا الذي يريد ل ك الخ ير والس عادة الدنيوي ة واألخروي ة‪ ,‬ال ذي ك ل الفالح بطاعت ه‪ ,‬وك ل الف وز في خدمت ه‪ ,‬وجمي ع‬
‫‪.‬األرب اح في معامل ة المنعم ب النعم الظ اهرة والباطن ة‪ ,‬ال ذي ال ي أمر إال ب الخير‪ ,‬وال ينهى إال عن الشر‬
‫‪.‬أم تتب ع داعي الش يطان‪ ,‬ال ذي ه و ع دو اإلنس ان‪ ,‬ال ذي يري د ل ك الش ر‪ ,‬ويس عى ‪ -‬بجه ده ‪ -‬على إهالك ك في ال دنيا واآلخ رة‬
‫ران في واليته‬ ‫ل الخس‬ ‫ه‪ ,‬وك‬ ‫ر في طاعت‬ ‫ل الش‬ ‫ذي ك‬ ‫‪.‬ال‬
‫ير‬ ‫ر‪ ,‬وال ينهى إال عن خ‬ ‫أمر إال بش‬ ‫ذي ال ي‬ ‫‪.‬وال‬
‫‪.‬ثم أخ بر تع الى عن ح ال المش ركين إذا أم روا باتب اع م ا أن زل هللا على رس وله‪ ,‬مم ا تق دم وص فه‪ ,‬رغب وا عن ذل ك وق الوا‬
‫"‬ ‫ِه آبَا َءنَا‬ ‫ا َعلَ ْي‬ ‫ا َأ ْلفَ ْينَ‬ ‫ُع َم‬ ‫لْ نَتَّبِ‬ ‫" بَ‬ ‫‪.‬‬
‫اء‬ ‫ان باألنبي‬ ‫دوا في اإليم‬ ‫اء‪ ,‬وزه‬ ‫د اآلب‬ ‫اكتفوا بتقلي‬ ‫‪.‬ف‬
‫ق‪ ,‬واهية‬ ‫رد الح‬ ‫بهة ل‬ ‫ذه ش‬ ‫الال وه‬ ‫دهم ض‬ ‫اس‪ ,‬وأش‬ ‫ل الن‬ ‫اؤهم أجه‬ ‫ذا‪ ,‬فآب‬ ‫عه‬ ‫‪.‬وم‬
‫افهم‬ ‫دم إنص‬ ‫ه‪ ,‬وع‬ ‫ق‪ ,‬ورغبتهم عن‬ ‫هم عن الح‬ ‫ل على إعراض‬ ‫ذا دلي‬ ‫‪.‬فه‬
‫و القصد‬ ‫قه‬ ‫ان الح‬ ‫دهم‪ ,‬لك‬ ‫ن قص‬ ‫دهم‪ ,‬وحس‬ ‫دوا‪ ,‬لرش‬ ‫وه‬ ‫‪.‬فل‬
‫‪.‬ومن جعل الحق قصده‪ ,‬ووازن بينه وبين غيره‪ ,‬تبين له الحق قطعا‪ ,‬واتبعه‪ ,‬إن كان منصفا‬

‫ومثل الذين كفروا كمثل ال ذي ينع ق بم ا ال يس مع إال دع اء "‬


‫" ونداء صم بكم عمي فهم ال يعقلون‬
‫ص ٌّم بُ ْك ٌم ُع ْم ٌي فَهُ ْم اَل يَ ْعقِلُ ونَ‬ ‫‪ " .‬ثم ق ال تع الى " َو َمثَ ُل الَّ ِذينَ َكفَ رُوا َك َمثَ ِل الَّ ِذي يَ ْن ِع ُ‬
‫ق بِ َم ا اَل يَ ْس َم ُع ِإاَّل ُد َع ا ًء َونِ دَا ًء ُ‬
‫لما بين تعالى‪ ,‬عدم انقيادهم لما جاءت به الرسل‪ ,‬وردهم لذلك‪ ,‬بالتقليد‪ ,‬وعلم من ذلك أنهم غير ق ابلين للح ق‪ ,‬وال مس تجيبين ل ه‪,‬‬
‫بل كان معلوما لكل أحد أنهم لن يزولوا عن عنادهم ‪ -‬أخبر تعالى‪ ,‬أن مثلهم ‪ -‬عند دعاء ال داعي لهم إلى اإليم ان ‪ -‬كمث ل البه ائم‬
‫ا ومناديها‬ ‫ول راعيه‬ ‫ا يق‬ ‫ا علم بم‬ ‫ا‪ ,‬وليس له‬ ‫ا راعيه‬ ‫ق له‬ ‫تي ينع‬ ‫‪.‬ال‬
‫فهم يسمعون مجرد الصوت‪ ,‬الذي تقوم به عليهم الحجة‪ ,‬ولكنهم ال يفقهونه فقها ينفعهم‪ ,‬فلهذا كانوا صما‪ ,‬ال يسمعون الحق سماع‬
‫ير لهم‬ ‫هخ‬ ‫ا في‬ ‫ون بم‬ ‫ا‪ ,‬فال ينطق‬ ‫ار‪ ,‬بكم‬ ‫ر اعتب‬ ‫رون نظ‬ ‫ا‪ ,‬ال ينظ‬ ‫ول‪ ,‬عمي‬ ‫‪.‬فهم وقب‬
‫ل الجهالء‬ ‫فهاء‪ ,‬وأجه‬ ‫فه الس‬ ‫ل هم أس‬ ‫حيح‪ ,‬ب‬ ‫لص‬ ‫ه ليس لهم عق‬ ‫ه‪ ,‬أن‬ ‫ذلك كل‬ ‫وجب ل‬ ‫بب الم‬ ‫‪.‬والس‬
‫فهل يستريب العاقل‪ ,‬أن من دعى إلى الرشاد‪ ,‬وذيد عن الفساد‪ ,‬ونهى عن اقتحام العذاب‪ ,‬وأمر بما فيه صالحه وفالح ه‪ ,‬وف وزه‪,‬‬
‫ونعيمه فعصى الناصح‪ ,‬وتولى عن أمر ربه‪ ,‬واقتحم النار على بصيرة‪ ,‬واتب ع الباط ل‪ ,‬ونب ذ الح ق ‪ -‬أن ه ذا ليس ل ه مس كة من‬
‫عقل‪ ,‬وأنه لو اتصف بالمكر والخديعة والدهاء‪ ,‬فإنه من أسفه السفهاء‬

‫يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقن اكم واش كروا هلل "‬
‫" إن كنتم إياه تعبدون‬
‫هذا أمر للمؤمنين خاصة‪ ,‬بعد األمر العام‪ ,‬وذلك أنهم هم المنتفعون على الحقيق ة ‪ -‬ب األوامر والن واهي‪ ,‬بس بب إيم انهم‪ ,‬ف أمرهم‬
‫‪.‬ب أمر الطيب ات من ال رزق‪ ,‬والش كر هلل على إنعام ه‪ ,‬باس تعمالها بطاعت ة‪ ,‬والتق وى به ا على م ا يوص ل إليه‬
‫‪ " .‬ف أمرهم بم ا أم ر ب ه المرس لين في قول ه " يَ ا َأيُّهَ ا الرُّ ُس ُل ُكلُ وا ِمنَ الطَّيِّبَ ا ِ‬
‫ت َوا ْع َملُ وا َ‬
‫ص الِحًا‬
‫الح‬ ‫ل الص‬ ‫و العم‬ ‫ة‪ ,‬ه‬ ‫ذه اآلي‬ ‫كر في ه‬ ‫‪.‬فالش‬
‫ة من التبعة‬ ‫رزق‪ ,‬خالص‬ ‫ات من ال‬ ‫ه الطيب‬ ‫اح هللا ل‬ ‫ؤمن أب‬ ‫ل " حالال " ألن الم‬ ‫ا لم يق‬ ‫‪.‬وهن‬
‫ا ليس له‬ ‫اول م‬ ‫زه عن تن‬ ‫ه يحج‬ ‫‪.‬وألن إيمان‬
‫كروه‬ ‫ُدونَ " أي‪ :‬فاش‬ ‫ه " ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ِإيَّاهُ تَ ْعبُ‬ ‫‪.‬وقول‬
‫ر به‬ ‫ا أم‬ ‫ده‪ ,‬وأتى بم‬ ‫د عب‬ ‫كره‪ ,‬فق‬ ‫ا أن من ش‬ ‫ده‪ ,‬كم‬ ‫ده وح‬ ‫كر هللا‪ ,‬لم يعب‬ ‫دل على أن من لم يش‬ ‫‪.‬ف‬
‫الح وقبوله‬ ‫ل الص‬ ‫بب للعم‬ ‫ل الطيب‪ ,‬س‬ ‫ا على أن أك‬ ‫دل أيض‬ ‫‪.‬وي‬
‫ودة‬ ‫ودة‪ ,‬ويجلب النعم المفق‬ ‫ظ النعم الموج‬ ‫كر يحف‬ ‫كر‪ ,‬عقيب النعم‪ ,‬ألن الش‬ ‫ر بالش‬ ‫‪.‬واألم‬
‫‪.‬كما أن الكفر‪ ,‬ينفر النعم المفقودة ويزيل النعم الموجودة‬
‫إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير "‬
‫هللا فمن اض طر غ ير ب اغ وال ع اد فال إثم علي ه إن هللا غف ور‬
‫" رحيم‬
‫ولما ذكر تعالى إباحة الطيبات ذكر تحريم الخبائث فقال " ِإنَّ َما َح َّر َم َعلَ ْي ُك ُم ْال َم ْيتَةَ " وهي‪ :‬ما مات بغير تذكية شرعية‪ ,‬ألن الميتة‬
‫‪.‬خبيث ة مض رة‪ ,‬لرداءته ا في نفس ها‪ ,‬وألن األغلب‪ ,‬أن تك ون عن م رض‪ ,‬فيك ون زي ادة م رض‬
‫ه حالل طيب‬ ‫ر‪ ,‬فإن‬ ‫مك البح‬ ‫راد‪ ,‬وس‬ ‫ة الج‬ ‫وم‪ ,‬ميت‬ ‫ذا العم‬ ‫ارع من ه‬ ‫تثنى الش‬ ‫‪.‬واس‬
‫"‬ ‫رى‬ ‫ة األخ‬ ‫د في اآلي‬ ‫َّد َم " أي‪ :‬المس‬
‫ا قي‬ ‫فوح كم‬ ‫‪َ .‬وال‬
‫َو َما ُأ ِه َّل بِ ِه لِ َغي ِْر هَّللا ِ " أي‪ :‬ذبح لغير هللا‪ ,‬كالذي يذبح لألصنام واألوثان‪ ,‬من األحجار‪ ,‬والقب ور ونحوه ا‪ ,‬وه ذا الم ذكور غ ير "‬
‫ات‬ ‫اص للمحرم‬ ‫‪.‬خ‬
‫ت‬
‫ا ِ‬ ‫ه " طَيِّبَ‬ ‫وم قول‬ ‫ا بمفه‬ ‫دلول عليه‬ ‫ائث الم‬ ‫اس الخب‬ ‫ان أجن‬ ‫ه‪ ,‬لبي‬ ‫" وجيء ب‬ ‫‪.‬‬
‫دم‬ ‫ا تق‬ ‫ا " كم‬ ‫ه‪َ " :‬حاَل اًل طَيِّبً‬ ‫ابقة‪ ,‬من قول‬ ‫ة الس‬ ‫تفاد من اآلي‬ ‫ات‪ ,‬تس‬ ‫وم المحرم‬ ‫‪.‬فعم‬
‫ا عن المضر‬ ‫ا‪ ,‬وتنزيه‬ ‫ا بن‬ ‫ا‪ ,‬لطف‬ ‫ائث ونحوه‬ ‫ذه الخب‬ ‫اه‬ ‫رم علين‬ ‫اح‬ ‫‪.‬وإنم‬
‫راه‬ ‫دم‪ ,‬وإك‬ ‫وع وع‬ ‫رم‪ ,‬بج‬ ‫طُ َّر " أي‪ :‬ألجئ إلى المح‬ ‫ذا " فَ َم ِن ْ‬
‫اض‬ ‫عه‬ ‫‪.‬وم‬
‫"‬ ‫دم جوعه‬ ‫عع‬ ‫ه على الحالل‪ ,‬أو م‬ ‫ع قدرت‬ ‫رم‪ ,‬م‬ ‫الب للمح‬ ‫ير ط‬ ‫اغ " أي‪ :‬غ‬
‫ٍ‬ ‫َر بَ‬ ‫‪َ .‬غ ْي‬
‫"‬ ‫طرارا‬ ‫ه‪ ,‬اض‬ ‫ا أبيح ل‬ ‫اول م‬ ‫د في تن‬ ‫اوز الح‬ ‫ا ٍد " أي‪ :‬متج‬ ‫‪َ .‬واَل َع‬
‫"‬ ‫ِه‬ ‫اح وذنب " َعلَ ْي‬ ‫" فَاَل ِإ ْث َم " أي‪ :‬جن‬ ‫‪.‬‬
‫ان عليه‬ ‫اك‬ ‫ر إلى م‬ ‫ع األم‬ ‫ع اإلثم‪ ,‬رج‬ ‫‪.‬وإذا ارتف‬
‫ل نفسه‬ ‫ة‪ ,‬وأن يقت‬ ‫ده إلى التهلك‬ ‫ل منهي أن يلقي بي‬ ‫ل‪ ,‬ب‬ ‫أمور باألك‬ ‫ة‪ ,‬م‬ ‫ذه الحال‬ ‫ان به‬ ‫‪.‬واإلنس‬
‫اتال لنفسه‬ ‫ون ق‬ ‫ات‪ ,‬فيك‬ ‫تى م‬ ‫لح‬ ‫رك األك‬ ‫أثم إن ت‬ ‫ل‪ ,‬وي‬ ‫ه األك‬ ‫‪.‬فيجب‪ ,‬إذا‪ ,‬علي‬
‫وهذه اإلباحة والتوسعة‪ ,‬من رحمته تعالى بعباده‪ ,‬فلهذا ختمها بهذين االسمين الكريمين المناس بين غاي ة المناس بة فق ال‪ِ " :‬إ َّن هَّللا َ‬
‫و ٌر َر ِحي ٌم‬ ‫" َغفُ‬ ‫‪.‬‬
‫ولما كان الحل مشروطا بهذين الشرطين‪ ,‬وكان اإلنسان في هذه الحالة‪ ,‬ربما ال يستقصى تم ام االستقص اء في تحقيقه ا ‪ -‬أخ بر‪,‬‬
‫‪.‬أن ه غف ور‪ ,‬فيغف ر م ا أخط أ في ه في ه ذه الح ال‪ ,‬خصوص ا وق د غلبت ه الض رورة‪ ,‬وأذهبت حواس ه المش قة‬
‫ورات‬ ‫بيح المحظ‬ ‫رورات ت‬ ‫هورة " الض‬ ‫دة المش‬ ‫ل على القاع‬ ‫ة‪ ,‬دلي‬ ‫ذه اآلي‬ ‫" وفي ه‬ ‫‪.‬‬
‫رحمن‬ ‫ك ال‬ ‫ه‪ ,‬المل‬ ‫هل‬ ‫د أباح‬ ‫ان‪ ,‬فق‬ ‫ه اإلنس‬ ‫طر إلي‬ ‫ور‪ ,‬اض‬ ‫ل محظ‬ ‫‪.‬فك‬
‫‪.‬فله الحمد والشكر‪ ,‬أوال وآخرا‪ ,‬وظاهرا وباطنا‬

‫إن الذين يكتمون ما أنزل هللا من الكتاب ويش ترون ب ه ثمن ا "‬
‫قليال أولئك ما يأكلون في بط ونهم إال الن ار وال يكلمهم هللا ي وم‬
‫" القيامة وال يزكيهم ولهم عذاب أليم‬
‫‪.‬ه ذا وعي د ش ديد لمن كتم م ا أن زل هللا على رس له‪ ,‬من العلم ال ذي أخ ذ هللا الميث اق على أهل ه‪ ,‬أن ي بينوه للن اس وال يكتم وه‬
‫ر هللا‪ ,‬فأولئك‬ ‫ذ أم‬ ‫دنيوي‪ ,‬ونب‬ ‫ام ال‬ ‫ه بالحط‬ ‫وض عن‬
‫‪.‬فمن تع‬
‫َما يَْأ ُكلُونَ فِي بُطُونِ ِه ْم ِإاَّل النَّ َ‬
‫ار " ‪ ,‬ألن هذا الثمن ال ذي اكتس بوه‪ ,‬إنم ا حص ل لهم ب أقبح المكاس ب‪ ,‬وأعظم المحرم ات‪ ,‬فك ان "‬
‫زاؤهم من جنس عملهم‬ ‫‪.‬ج‬
‫"‬ ‫رض عنهم‬ ‫خط عليهم وأع‬ ‫دس‬ ‫لق‬ ‫ِة " ب‬ ‫وْ َم ْالقِيَا َم‬ ‫‪َ .‬واَل يُ َكلِّ ُمهُ ُم هَّللا ُ يَ‬
‫ار‬ ‫ذاب الن‬ ‫ذا أعظم عليهم من ع‬ ‫‪.‬فه‬
‫‪َ .‬واَل يُ َز ِّكي ِه ْم " أي‪ :‬ال يطه رهم من األخالق الرذيل ة‪ ,‬وليس لهم أعم ال تص لح للم دح والرض ا والج زاء عليها "‬
‫‪.‬وإنما لم يزكهم ألنهم فعلوا أسباب عدم التزكية التي أعظم أسبابها‪ ,‬العمل بكتاب هللا‪ ,‬واالهتداء به‪ ,‬والدعوة إليه‬

‫أولئك الذين اشتروا الضاللة بالهدى والع ذاب ب المغفرة فم ا "‬


‫" أصبرهم على النار‬
‫رة‬ ‫ذاب على المغف‬ ‫دى‪ ,‬والع‬ ‫اللة على اله‬ ‫اروا الض‬ ‫ه‪ ,‬واخت‬ ‫وا عن‬ ‫اب هللا‪ ,‬وأعرض‬ ‫ذوا كت‬ ‫ؤالء نب‬ ‫‪.‬فه‬
‫!فهؤالء ال يصلح لهم إال النار‪ ,‬فكيف يصبرون عليها‪ ,‬وأنى لهم الجلد عليها؟‬

‫ذلك بأن هللا نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب "‬
‫" لفي شقاق بعيد‬
‫"‬ ‫واها‬ ‫ار س‬ ‫ا واخت‬ ‫ة‪ ,‬ممن أباه‬ ‫باب الهداي‬ ‫ه أس‬ ‫دل‪ ,‬ومنع‬ ‫ه بالع‬
‫ك " الم ذكور‪ ,‬وه و مجازات‬ ‫َ‬ ‫‪َ .‬ذلِ‬
‫ق " ومن الح ق‪ ,‬مج ازاة المحس ن بإحس انه‪ ,‬والمس يء بإس اءته "‬ ‫ْال َح ِّ‬ ‫اب بِ‬
‫َ‬ ‫َّز َل ْال ِكتَ‬ ‫‪.‬بِ َأ َّن هَّللا َ نَ‬
‫ق " ما يدل على أن هللا أنزله لهداية خلق ه‪ ,‬وتب يين الح ق من الباط ل‪ ,‬واله دى من الض الل‬ ‫َاب بِ ْال َح ِّ‬
‫‪.‬وأيضا ففي قوله‪ " :‬نَ َّز َل ْال ِكت َ‬
‫أعظم العقوبة‬ ‫ازى ب‬ ‫أن يج‬ ‫قب‬ ‫و حقي‬ ‫وده‪ ,‬فه‬
‫رفه عن مقص‬ ‫‪.‬فمن ص‬
‫اختَلَفُ وا فِي ْال ِكتَ ا ِ‬
‫ب لَفِي ِش قَا ٍ‬
‫ق بَ ِعي ٍد " أي‪ :‬وإن ال ذين اختلف وا في الكت اب‪ ,‬ف آمنوا ببعض ه‪ ,‬وكف روا ببعضه "‬ ‫‪َ .‬وِإ َّن الَّ ِذينَ ْ‬
‫ادة‬ ‫ق " أي‪ :‬مح‬‫قَا ٍ‬ ‫راداتهم " لَفِي ِش‬ ‫وائهم وم‬ ‫رفوه على أه‬ ‫وه وص‬ ‫ذين حرف‬ ‫‪.‬وال‬
‫"‬ ‫‪.‬بَ ِعي ٍد " من الح ق ألنهم ق د خ الفوا الكت اب ال ذي ج اء ب الحق الم وجب لالتف اق وع دم التن اقض‬
‫تراقهم‬ ‫ك اف‬ ‫رتب على ذل‬ ‫قاقهم‪ ,‬وت‬ ‫ثر ش‬ ‫رهم‪ ,‬وك‬ ‫رج أم‬ ‫‪.‬فم‬
‫‪.‬بخالف أه ل الكت اب ال ذين آمن وا ب ه‪ ,‬وحكم وه في ك ل ش يء‪ ,‬ف إنهم اتفق وا وارتفق وا بالمحب ة واالجتم اع عليه‬
‫وقد تضمنت هذه اآليات‪ ,‬الوعيد للكاتمين لما أنزل هللا‪ ,‬الم ؤثرين علي ه‪ ,‬ع رض ال دنيا ‪ -‬بالع ذاب والس خط‪ ,‬وأن هللا ال يطه رهم‬
‫المغفرة‬ ‫التوفيق‪ ,‬وال ب‬ ‫‪.‬ب‬
‫دى‬ ‫اللة على اله‬ ‫ارهم الض‬ ‫و إيث‬ ‫ك وه‬ ‫بب في ذل‬ ‫ر الس‬ ‫‪.‬وذك‬
‫رة‬ ‫ذاب على المغف‬ ‫ار الع‬ ‫ك‪ ,‬اختي‬ ‫ترتب على ذل‬ ‫‪.‬ف‬
‫لة إليها‬ ‫ا موص‬ ‫ون أنه‬ ‫تي يعلم‬ ‫باب ال‬ ‫ار‪ ,‬لعملهم باألس‬ ‫برهم على الن‬ ‫دة ص‬ ‫ع لهم بش‬ ‫‪.‬ثم توج‬
‫تراق‬ ‫ه‪ ,‬وعلم االف‬ ‫اق علي‬ ‫وجب لالتف‬ ‫ق الم‬ ‫تمل على الح‬ ‫اب مش‬ ‫‪.‬وأن الكت‬
‫‪.‬وأن كل من خالفه‪ ,‬فهو في غاية البعد عن الحق‪ ,‬والمنازعة والمخاصمة‪ ,‬وهللا أعلم‬

‫ليس البر أن تول وا وج وهكم قب ل المش رق والمغ رب ولكن "‬


‫ال بر من آمن باهلل والي وم اآلخ ر والمالئك ة والكت اب والنب يين‬
‫وآتى المال على حب ه ذوي الق ربى واليت امى والمس اكين وابن‬
‫الس بيل والس ائلين وفي الرق اب وأق ام الص الة وآتى الزك اة‬
‫والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء‬
‫" وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون‬
‫ق َو ْال َم ْغ ِر ِ‬
‫ب " أي‪ :‬ليس ه ذا ه و ال بر المقص ود من العب اد‪ ,‬فيك ون ك ثرة‬ ‫ْس ْالبِ َّر َأ ْن تُ َولُّوا ُوجُوهَ ُك ْم قِبَ َل ْال َم ْش ِر ِ‬
‫يقول تعالى‪ " :‬لَي َ‬
‫قاق والخالف‬ ‫ه إال الش‬ ‫ذي ليس تحت‬ ‫اء ال‬ ‫دال‪ ,‬من العن‬ ‫ه والج‬ ‫‪.‬البحث في‬
‫‪.‬وه ذا نظ ير قول ه ص لى هللا علي ه وس لم " ليس الش ديد بالص رعة‪ ,‬إنم ا الش ديد ال ذي يمل ك نفس ه عن د الغض ب " ونح و ذلك‬
‫‪َ .‬ولَ ِك َّن ْالبِ َّر َم ْن آ َمنَ بِاهَّلل ِ " أي‪ :‬بإن ه إل ه واح د‪ ,‬موص وف بك ل ص فة كم ال‪ ,‬م نزه عن ك ل نقص "‬
‫‪َ .‬و ْاليَ وْ ِم اآْل ِخ ِر " وه و ك ل م ا أخ بر هللا ب ه في كتاب ه‪ ,‬أو أخ بر ب ه الرس ول‪ ,‬مم ا يك ون بع د الم وت "‬
‫"‬ ‫ِة " ال ذين وص فهم هللا لن ا في كتاب ه‪ ,‬ووص فهم رس وله ص لى هللا علي ه وس لم‬ ‫‪َ .‬و ْال َماَل ِئ َك‬
‫ب " أي‪ :‬جنس الكتب ال تي أنزله ا هللا على رس وله‪ ,‬وأعظمه ا الق رآن‪ ,‬في ؤمن بم ا تض منه من األخب ار واألحك ام "‬‫‪َ .‬و ْال ِكتَ ا ِ‬
‫َوالنَّبِيِّينَ " عموما‪ ,‬خصوصا خاتمهم وأفضلهم محمد صلى هللا عليه وسلم " َوآتَى ْال َما َل " وهو كل ما يتموله اإلنسان من مال‪" ,‬‬
‫يرا‬ ‫ان أو كث‬ ‫‪.‬قليال ك‬
‫ال‬ ‫ال " َعلَى ُحبِّ ِه " أي‪ :‬حب الم‬ ‫ال " َعلَى ُحبِّ ِه " أي‪ :‬حب الم‬ ‫‪.‬أي‪ :‬أعطى الم‬
‫ه العبد‬ ‫اد يخرج‬ ‫وس‪ ,‬فال يك‬ ‫وب للنف‬ ‫ال محب‬ ‫ه أن الم‬ ‫‪.‬بين ب‬
‫ا إليمانه‬ ‫ذا برهان‬ ‫ان ه‬ ‫الى‪ ,‬ك‬ ‫ا إلى هللا تع‬ ‫ه‪ ,‬تقرب‬ ‫هل‬ ‫ع حب‬ ‫هم‬ ‫‪.‬فمن أخرج‬
‫ى الفقر‬ ‫نى‪ ,‬ويخش‬ ‫ل الغ‬ ‫حيح‪ ,‬يأم‬ ‫حيح ش‬ ‫وص‬ ‫دق وه‬ ‫ه‪ ,‬أن يتص‬ ‫ال على حب‬ ‫اء الم‬ ‫‪.‬ومن إيت‬
‫‪.‬وك ذلك إذا ك انت الص دقة عن قل ة‪ ,‬ك ان أفض ل‪ ,‬ألن ه في ه ذه الح ال‪ ,‬يحب إمس اكه‪ ,‬لم ا يتوهم ه من الع دم والفقر‬
‫‪ " .‬وك ذلك إخ راج النفيس من الم ال‪ ,‬وم ا يحب ه من مال ه كم ا ق ال تع الى‪ " :‬لَ ْن تَنَ الُوا ْالبِ َّر َحتَّى تُ ْنفِقُ وا ِم َّما تُ ِحبُّونَ‬
‫ال على حبه‬ ‫ؤالء ممن آتى الم‬ ‫له‬ ‫‪.‬فك‬
‫انك‬ ‫برك وإحس‬ ‫اس ب‬ ‫ق عليهم‪ ,‬وهم أولى الن‬ ‫ر المنف‬ ‫‪.‬ثم ذك‬
‫اقلون‬ ‫رون ويتع‬ ‫ذين يتناص‬ ‫رورهم‪ ,‬ال‬ ‫رح بس‬ ‫ابهم‪ ,‬وتف‬ ‫ع لمص‬ ‫ذين تتوج‬ ‫رْ بَى " ال‬ ‫‪.‬من " َذ ِوي ْالقُ‬
‫‪.‬فمن أحس ن ال بر وأوفق ه‪ ,‬تعاه د األق ارب باإلحس ان الم الي والق ولي‪ ,‬على حس ب ق ربهم وح اجتهم‬
‫"‬ ‫تغنون بها‬ ‫وة يس‬ ‫ب لهم‪ ,‬وليس لهم ق‬ ‫ذين ال كاس‬ ‫ا َمى " ال‬ ‫‪َ .‬و ْاليَتَ‬
‫ده‬ ‫د بول‬ ‫الى‪ ,‬أرحم بهم من الوال‬ ‫ه تع‬ ‫ة على أن‬ ‫اد‪ ,‬الدال‬ ‫الى بالعب‬ ‫ه تع‬ ‫ذا من رحمت‬ ‫‪.‬وه‬
‫‪.‬فاهلل ق د أوص ى العب اد‪ ,‬وف رض عليهم في أم والهم‪ ,‬اإلحس ان إلى من فق د آب اؤهم ليص يروا كمن لم يفق د والديه‬
‫ه يتيمه‬ ‫يره‪ ,‬رحم‬ ‫تيم غ‬ ‫ل فمن رحم ي‬ ‫زاء من جنس العم‬
‫‪.‬وألن الج‬
‫َو ْال َم َسا ِكي ِن " وهم الذين أسكنتهم الحاجة‪ ,‬وأذلهم الفقر فلهم حق على األغنياء‪ ,‬بما يدفع مسكنتهم أو يخففها‪ ,‬بما يق درون علي ه‪" ,‬‬
‫ا يتيسر‬ ‫‪.‬وبم‬
‫"‬ ‫ده‬ ‫ير بل‬ ‫ه في غ‬ ‫عب‬ ‫ريب المنقط‬ ‫و الغ‬ ‫بِي ِل " وه‬ ‫‪َ .‬وا ْبنَ َّ‬
‫الس‬
‫‪.‬فحث هللا عب اده على إعطائ ه من الم ال‪ ,‬م ا يعين ه غلى س فره‪ ,‬لكون ه مظن ة الحاج ة‪ ,‬وك ثرة المص ارف‬
‫هللا‬ ‫أنعم‬ ‫من‬ ‫فعلى‬
‫عليه بوطنه وراحته‪ ,‬وخوله من نعمته‪ ,‬أن يرحم أخاه الغريب‪ ,‬الذي بهذه الصفة‪ ,‬على حسب استطاعته‪ ,‬ولو بتزويده‪ ,‬أو إعطائه‬
‫الم وغيرها‬ ‫ه من المظ‬ ‫ا ينوب‬ ‫عم‬ ‫فره‪ ,‬أو دف‬ ‫ة لس‬ ‫‪.‬آل‬
‫"‬ ‫ؤال‬ ‫وجب الس‬ ‫وائج‪ ,‬ت‬ ‫ة من الح‬ ‫رض لهم حاج‬ ‫ذين تع‬
‫اِئلِينَ " أي‪ :‬ال‬ ‫‪َ .‬و َّ‬
‫الس‬
‫كمن ابتلي ب أرش جناي ة‪ ,‬أو ض ريبة علي ه من والة األم ور‪ ,‬أو يس أل الن اس لتعم ير المص الح العام ة‪ ,‬كالمس اجد‪ ,‬والم دارس‪,‬‬
‫والقناطر‪ ,‬ونحو ذلك‪ ,‬فهذا له الحق‪ ,‬وإن كان غنيا " َوفِي ال ِّرقَا ِ‬
‫ب " فيدخل فيه العتق واإلعانة عليه‪ ,‬وب ذل م ال للمك اتب‪ ,‬لي وفي‬
‫د الظلمة‬ ‫ار‪ ,‬أو عن‬ ‫د الكف‬ ‫رى عن‬ ‫داء األس‬ ‫يده‪ ,‬وف‬ ‫‪.‬س‬
‫َوَأقَا َم ال َّ‬
‫صاَل ةَ َوآتَى ال َّز َكاةَ " قد تقدم مرارا‪ ,‬أن هللا تعالى يقرن بين الصالة والزكاة‪ ,‬لكونهما أفضل العبادات‪ ,‬وأكم ل القرب ات‪" ,‬‬
‫اق‬ ‫احبه من اإليق‬ ‫عص‬ ‫ام‬ ‫رف م‬ ‫ان‪ ,‬ويع‬ ‫وزن اإليم‬ ‫اي‬ ‫ة‪ ,‬وبهم‬ ‫ة‪ ,‬ومالي‬ ‫ة‪ ,‬وبدني‬ ‫ادات قلبي‬ ‫‪.‬عب‬
‫"‬ ‫د لنفسه‬ ‫زام العب‬ ‫إلزام هللا أو إل‬ ‫تزام ب‬ ‫و‪ ,‬االل‬ ‫د‪ ,‬ه‬ ‫دُوا " والعه‬ ‫ِد ِه ْم ِإ َذا عَاهَ‬ ‫ونَ بِ َع ْه‬ ‫‪َ .‬و ْال ُموفُ‬
‫فدخل في ذلك حقوق هللا كلها‪ ,‬لكون هللا ألزم بها عباده والتزموها‪ ,‬ودخل وا تحت عه دتها‪ ,‬ووجب عليهم أداؤه ا‪ ,‬وحق وق العب اد‪,‬‬
‫و ذلك‬ ‫ذور‪ ,‬ونح‬ ‫ان والن‬ ‫د كاأليم‬ ‫ا العب‬ ‫تي التزمه‬ ‫وق ال‬ ‫ا هللا عليهم‪ ,‬والحق‬ ‫تي أوجبه‬ ‫‪.‬ال‬
‫َوالصَّابِ ِرينَ فِي ْالبَْأ َسا ِء " أي‪ :‬الفقر‪ ,‬ألن الفقير يحتاج إلى الصبر من وجوه كثيرة‪ ,‬لكونه يحصل ل ه من اآلالم القلبي ة والبدني ة "‬
‫يره‬ ‫ل لغ‬ ‫ا ال يحص‬ ‫تمرة‪ ,‬م‬ ‫‪.‬المس‬
‫ألم‬ ‫ه‪ ,‬ت‬ ‫در علي‬ ‫ا ال يق‬ ‫اء‪ ,‬بم‬ ‫إن تنعم األغني‬ ‫‪.‬ف‬
‫ألم‬ ‫ه‪ ,‬ت‬ ‫اعت عيال‬ ‫اع‪ ,‬أو ج‬ ‫‪.‬وإن ج‬
‫ألم‬ ‫واه‪ ,‬ت‬ ‫ق له‬ ‫ير مواف‬ ‫ا‪ ,‬غ‬ ‫ل طعام‬ ‫‪.‬وإن أك‬
‫وإن عرى‪ ,‬أو كاد‪ ,‬تألم‪ ,‬وإن نظر إلى ما بين يديه وما يتوهمه من المستقبل الذي يستعد له تألم‪ ,‬وإن أص ابه ال برد ال ذي ال يق در‬
‫ألم‬ ‫ه‪ ,‬ت‬ ‫‪.‬على دفع‬
‫واب من هللا عليها‬ ‫اء الث‬ ‫اب‪ ,‬ورج‬ ‫ا‪ ,‬واالحتس‬ ‫بر عليه‬ ‫ؤمر بالص‬ ‫ائب‪ ,‬ي‬ ‫ا‪ ,‬مص‬ ‫ذه ونحوه‬ ‫له‬ ‫‪.‬فك‬
‫َوال َّ‬
‫ضرَّا ِء " أي‪ :‬المرض على اختالف أنواعه‪ ,‬من حمى‪ ,‬وقروح‪ ,‬ورياح‪ ,‬ووجع عضو‪ ,‬حتى الضرس واإلصبع ونحو ذل ك‪" ,‬‬
‫بر على ذلك‬ ‫اج إلى الص‬ ‫ه يحت‬ ‫‪.‬فإن‬
‫ألن النفس تضعف‪ ,‬والبدن‪ ,‬يألم‪ ,‬وذلك في غاية المشقة على النفوس‪ ,‬خصوص ا م ع تط اول ذل ك‪ ,‬فإن ه ي ؤمر بالص بر‪ ,‬احتس ابا‬
‫الى‬ ‫واب هللا تع‬ ‫‪.‬لث‬
‫ْأ‬
‫َو ِحينَ ْالبَ ِ‬
‫س " أي‪ :‬وقت القتال لألعداء المأمور بقتالهم‪ ,‬ألن الجالد‪ ,‬يشق غاية المشقة على النفس‪ ,‬ويجزع اإلنسان من القت ل‪" ,‬‬
‫أو الجراح‪ ,‬أو األسر‪ ,‬فاحتيج إلى الصبر في ذلك‪ ,‬احتسابا‪ ,‬ورجاء لثواب هللا تع الى‪ ,‬ال ذي من ه النص ر والمعون ة‪ ,‬ال تي وع دها‬
‫ابرين‬ ‫‪.‬الص‬
‫ُأولَِئكَ " أي‪ :‬المتصفون بما ذكر‪ ,‬من العقائد الحسنة‪ ,‬واألعمال ال تي هي آث ار اإليم ان‪ ,‬وبرهان ه ون وره‪ ,‬واألخالق ال تي هي "‬
‫انية‬ ‫ة اإلنس‬ ‫ان وحقيق‬ ‫ال اإلنس‬ ‫‪.‬جم‬
‫انهم‬ ‫دقت إيم‬ ‫الهم ص‬ ‫انهم‪ ,‬ألن أعم‬ ‫َدقُوا " في إيم‬ ‫‪.‬فأولئك " الَّ ِذينَ َ‬
‫ص‬
‫"‬ ‫أمور‬ ‫وا الم‬ ‫ور‪ ,‬وفعل‬ ‫وا المحظ‬ ‫ونَ " ألنهم ترك‬ ‫‪َ .‬وُأولَِئكَ هُ ُم ْال ُمتَّقُ‬
‫‪.‬ألن ه ذه األم ور مش تملة على ك ل خص ال الخ ير‪ ,‬تض منا ولزوم ا‪ ,‬ألن الوف اء بالعه د‪ ,‬ي دخل في ه ال دين كله‬
‫ون‬ ‫ادقون المتق‬ ‫رار الص‬ ‫ؤالء األب‬ ‫وم‪ ,‬فه‬ ‫واها أق‬ ‫اس‬ ‫ان بم‬ ‫ا‪ ,‬ك‬ ‫ام به‬ ‫‪.‬ومن ق‬
‫‪.‬وقد علم ما رتب هللا على هذه األمور الثالثة‪ ,‬من الثواب الدنيوي واألخروي‪ ,‬مما ال يمكن تفصيله في مثل هذا الموضع‬

‫ي ا أيه ا ال ذين آمن وا كتب عليكم القص اص في القتلى الح ر "‬


‫ب الحر والعب د بالعب د واألن ثى ب األنثى فمن عفي ل ه من أخي ه‬
‫شيء فاتب اع ب المعروف وأداء إلي ه بإحس ان ذل ك تخفي ف من‬
‫" ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم‬
‫صاصُ فِي ْالقَ ْتلَى " أي‪ :‬المساواة فيه‪ ,‬وأن يقتل القاتل على الص فة‪ ,‬ال تي‬ ‫يمتن تعالى على عباده المؤمنين‪ ,‬بأنه فرض عليهم " ْالقِ َ‬
‫قتل عليها المقتول‪ ,‬إقامة للعدل والقسط بين العباد وتوجيه الخط اب لعم وم المؤم نين‪ ,‬في ه دلي ل على أن ه يجب عليهم كلهم ح تى‬
‫أولياء القاتل حتى القاتل بنفسه ‪ -‬إعانة ولي المقتول‪ ,‬إذا طلب القصاص ويمكنه من القاتل‪ ,‬وأنه ال يجوز لهم أن يحول وا بين ه ذا‬
‫‪.‬الح د‪ ,‬ويمنع وا ال ولي من االقتص اص‪ ,‬كم ا علي ه ع ادة الجاهلي ة‪ ,‬ومن أش بههم من إي واء المح دثين‬
‫ذكر‬ ‫ذكر بال‬ ‫ا‪ ,‬ال‬ ‫دخل بمنطقوقه‬ ‫ْال ُح ِّر " ي‬ ‫رُّ بِ‬ ‫ال " ْال ُح‬ ‫ك فق‬ ‫يل ذل‬ ‫‪.‬ثم بين تفص‬
‫َواُأْل ْنثَى بِاُأْل ْنثَى " واألنثى بالذكر‪ ,‬والذكر باألنثى‪ ,‬فيكون منطوقها مقدما على مفهوم قوله " األنثى باألنثى " مع دالل ة الس نة‪" ,‬‬
‫األنثى‬ ‫لب‬ ‫ذكر يقت‬ ‫‪.‬على أن ال‬
‫وا‬ ‫وان وإن عل‬ ‫ذا‪ ,‬األب‬ ‫وم ه‬ ‫رج من عم‬ ‫‪.‬وخ‬
‫ذلك‬ ‫نة ب‬ ‫ورود الس‬ ‫د‪ ,‬ل‬ ‫‪.‬فال يقتالن بالول‬
‫ده‬ ‫د بول‬ ‫ل الوال‬ ‫دل‪ ,‬أن يقت‬ ‫ه ليس من الع‬ ‫دل على أن‬ ‫اي‬ ‫اصُ " م‬ ‫ه " ْالقِ َ‬
‫ص‬ ‫ع أن في قول‬ ‫‪.‬م‬
‫‪.‬وألن في قلب الوالد من الشفقة والرحمة‪ ,‬ما يمنعه من القت ل لول ده إال بس بب اختالل في عقل ه‪ ,‬أو أذي ة ش ديدة ج دا من الول د له‬
‫نين خاصة‬ ‫اب المؤم‬ ‫ة في خط‬ ‫ع أن اآلي‬ ‫نة‪ ,‬م‬ ‫افر بالس‬ ‫ا‪ ,‬الك‬ ‫وم أيض‬ ‫رج من العم‬ ‫‪.‬وخ‬
‫دوه‬ ‫ل ولي هللا بع‬ ‫دل أن يقت‬ ‫ا فليس من الع‬ ‫‪.‬وأيض‬
‫ا أو اختلفت‬ ‫اوت قيمتهم‬ ‫ثى‪ ,‬تس‬ ‫ان أو أن‬ ‫را ك‬ ‫د‪ ,‬ذك‬ ‫د بالعب‬ ‫‪.‬والعب‬
‫او له‬ ‫ير مس‬ ‫هغ‬ ‫د‪ ,‬لكون‬ ‫ل بالعب‬ ‫ر‪ ,‬ال يقت‬ ‫ا على أن الح‬ ‫‪.‬ودل بمفهومه‬
‫ه ذلك‬ ‫دم وج‬ ‫المرأة‪ ,‬وتق‬ ‫لب‬ ‫ل الرج‬ ‫ز قت‬ ‫ل العلم فلم يج‬ ‫ا بعض أه‬ ‫ذ بمفهومه‬ ‫األنثى‪ ,‬أخ‬ ‫ثى ب‬ ‫‪.‬واألن‬
‫دل عنه‬ ‫ةب‬ ‫ل‪ ,‬وأن الدي‬ ‫ود في القت‬ ‫وب الق‬
‫ل على أن األص‬ ‫ل وج‬
‫ة‪ ,‬دلي‬ ‫ذه اآلي‬ ‫‪.‬وفي ه‬
‫فله ذا ق ال " فَ َم ْن ُعفِ َي لَ هُ ِم ْن َأ ِخي ِه َش ْي ٌء " أي عف ا ولي المقت ول عن القات ل إلى الدي ة‪ ,‬أو عف ا بعض‬
‫‪.‬األلي اء‪ ,‬فإن ه يس قط القص اص‪ ,‬وتجب الدي ة‪ ,‬وتك ون الخ يرة في الق ود‪ ,‬واختي ار الدي ة إلى ال ولي‬
‫ُوف " من غير أن يشق علي ه‪ ,‬وال يحمل ه م ا ال يطي ق‪,‬‬ ‫فإذا عفا عنه‪ ,‬وجب على الولي‪ ,‬أي‪ :‬ولي المقتول أن يتبع القاتل " بِ ْال َم ْعر ِ‬
‫اء والطلب‪ ,‬وال يحرجه‬ ‫ن االقتض‬ ‫ل يحس‬ ‫‪.‬ب‬
‫وعلى القاتل " َوَأدَا ٌء ِإلَ ْي ِه بِِإحْ َسا ٍن " من غ ير مط ل وال نقص‪ ,‬وال إس اءة فعلي ة أو قولي ة‪ ,‬فه ل ج زاء اإلحس ان إلي ه ب العفو‪ ,‬إال‬
‫اء‬ ‫ن القض‬ ‫ان بحس‬ ‫‪.‬اإلحس‬
‫ان‬ ‫اس لإلنس‬ ‫ا يثبت في ذمم الن‬ ‫لم‬ ‫ه في ك‬ ‫أمور ب‬ ‫ذا م‬ ‫‪.‬وه‬
‫المعروف‬ ‫اع ب‬ ‫ق‪ ,‬باالتب‬ ‫ه الح‬ ‫أمور من ل‬ ‫‪.‬م‬
‫ان‬ ‫األداء باإلحس‬ ‫ق‪ ,‬ب‬ ‫ه الح‬ ‫‪.‬ومن علي‬
‫و إلى الدية‬ ‫ق وحث على العف‬ ‫ِه " ترقي‬ ‫هُ ِم ْن َأ ِخي‬ ‫ه " فَ َم ْن ُعفِ َي لَ‬ ‫‪.‬وفي قول‬
‫و مجانا‬ ‫ك‪ ,‬العف‬ ‫ن من ذل‬ ‫‪.‬وأحس‬
‫‪.‬وفي قول ه " َأ ِخي ِه " دلي ل على أن القات ل‪ ,‬ال يكف ر‪ ,‬ألن الم راد ب األخوة هن ا‪ ,‬أخ وة اإليم ان‪ ,‬فلم يخ رج بالقت ل منها‬
‫‪.‬ومن ب اب أولى‪ ,‬أن س ائر المعاص ي‪ ,‬ال تي هي دون الكف ر‪ ,‬وال يكف ر به ا فاعله ا‪ ,‬وإنم ا ينقص ب ذلك إيمانه‬
‫وإذا عفا أولياء المقتول‪ ,‬أو عفا بعضهم‪ ,‬احتقن دم القاتل‪ ,‬وصار معصوما منهم ومن غيرهم‪ ,‬ولهذا قال " فَ َم ِن ا ْعتَدَى بَ ْع َد َذلِ كَ "‬
‫رة‬ ‫َذابٌ َألِي ٌم " أي‪ :‬في اآلخ‬ ‫هُ َع‬ ‫و " فَلَ‬ ‫د العف‬ ‫‪.‬أي‪ :‬بع‬
‫ذلك‬ ‫هب‬ ‫ه‪ ,‬فيجب قتل‬ ‫ل مكافئا ل‬ ‫ه قت‬ ‫دم‪ ,‬ألن‬ ‫ا تق‬ ‫ذ مم‬ ‫ه‪ ,‬فيؤخ‬ ‫ه وعدم‬ ‫ا قتل‬ ‫‪.‬وأم‬
‫‪.‬وأم ا من فس ر الع ذاب األليم بالقت ل‪ ,‬وأن اآلي ة ت دل على أن ه يتعين قتل ه‪ ,‬وال يج وز العف و عن ه‪ ,‬وب ذلك ق ال بعض العلم اء‬
‫‪.‬والصحيح األول‪ ,‬ألن جنايته ال تزيد على جناية غيره‬

‫" ولكم في القصاص حياة يا أولي األلباب لعلكم تتقون "‬


‫اص َحيَ اةٌ " أي‪ :‬تنحقن ب ذلك ال دماء‪ ,‬وتنقم ع ب ه‬
‫ِ‬ ‫ثم بين تعالى حكمته العظيمة في مش روعية القص اص فق ال‪َ " :‬ولَ ُك ْم فِي ْالقِ َ‬
‫ص‬
‫األشقياء‪ ,‬ألن من عرف أنه مقتول إذا قتل‪ ,‬ال يكاد يصدر منه القتل‪ ,‬وإذا رؤي القات ل مقت وال ان ذعر ب ذلك غ يره‪ ,‬وانزج ر‪ ,‬فل و‬
‫ل بالقتل‬ ‫ذي يحص‬ ‫ر‪ ,‬ال‬ ‫اف الش‬ ‫ل انكف‬ ‫ل‪ ,‬لم يحص‬ ‫ير القت‬ ‫لغ‬ ‫ة القات‬ ‫انت عقوب‬ ‫‪.‬ك‬
‫ار‬ ‫ة الحكيم الغف‬ ‫دل على حكم‬ ‫اي‬ ‫ار‪ ,‬م‬ ‫ة واالنزج‬ ‫ا من النكاي‬ ‫رعية‪ ,‬فيه‬ ‫دود الش‬ ‫ائر الح‬ ‫ذا س‬ ‫‪.‬وهك‬
‫ير‬ ‫ادة التعظيم والتكث‬ ‫اة " إلف‬ ‫ر " الحي‬ ‫‪.‬ونك‬
‫‪.‬ولم ا ك ان ه ذا الحكم‪ ,‬ال يع رف حقيقت ه‪ ,‬إال أه ل العق ول الكامل ة واأللب اب الثقيل ة‪ ,‬خص هم بالخط اب دون غ يرهم‬
‫وهذا يدل على أن هللا تعالى‪ ,‬يحب من عباده‪ ,‬أن يعملوا أفكارهم وعقولهم‪ ,‬في تدبر م ا في أحكام ه‪ ,‬من الحكم‪ ,‬والمص الح الدال ة‬
‫على كماله‪ ,‬وكمال حكمته وحمده‪ ,‬وعدله ورحمته الواسعة وأن من كان به ذه المثاب ة‪ ,‬فق د اس تحق الم دح بأن ه من ذوي األلب اب‬
‫‪.‬ال ذين وج ه إليهم الخط اب‪ ,‬ون اداهم رب األرب اب‪ ,‬وكفى ب ذلك فض ال‪ ,‬وش رفا‪ ,‬لق وم يعقل ون‬
‫وقوله " لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ ونَ " وذل ك أن من ع رف رب ه وع رف م ا في دين ه وش رعه من األس رار العظيم ة والحكم البديع ة واآلي ات‬
‫‪.‬الرفيعة‪ ,‬أوجب له ذلك أن ينقاد ألمر هللا‪ ,‬ويعظم معاصيه‪ ,‬فيتركها‪ ,‬فيستحق بذلك أن يكون من المتقين‬

‫كتب عليكم إذا حضر أح دكم الم وت إن ت رك خ يرا الوص ية "‬


‫" للوالدين واألقربين بالمعروف حقا على المتقين‬
‫ض َر َأ َح َد ُك ُم ْال َم وْ ُ‬
‫ت " أي‪ :‬أس بابه‪ ,‬ك المرض المش رف على الهالك‪ ,‬وحض ور‬ ‫أي فرض هللا عليكم‪ ,‬يا معشر المؤم نين " ِإ َذا َح َ‬
‫باب المهالك‬ ‫‪.‬أس‬
‫ك خَ ْي ًر ا " وهو المال الكثير عرفا‪ ,‬فعليه أن يوصي لوالديه وأقرب الناس إليه بالمعروف‪ ,‬على ق در حال ه من غ ير‬
‫وكان قد " تَ َر َ‬
‫رب‬ ‫د‪ ,‬دون األق‬ ‫ار على األبع‬ ‫رف‪ ,‬وال اقتص‬ ‫‪.‬س‬
‫يل‬ ‫ل التفض‬ ‫ذا أتى بأفع‬ ‫ة‪ ,‬وله‬ ‫رب والحاج‬ ‫رتبهم على الق‬
‫لي‬ ‫‪.‬ب‬
‫‪.‬وقول ه " َحقًّ ا َعلَى ْال ُمتَّقِينَ " دل على وج وب ذل ك‪ ,‬ألن الح ق ه و‪ :‬الث ابت وق د جعل ه هللا من موجب ات التق وى‬
‫واريث‬ ‫ة الم‬ ‫وخة بآي‬ ‫ة منس‬ ‫ذه اآلي‬ ‫رون أن ه‬ ‫رين ي‬ ‫ور المفس‬ ‫‪.‬واعلم أن جمه‬
‫‪.‬وبعض هم ي رى أنه ا في الوال دين واألق ربين غ ير ال وارثين‪ ,‬م ع أن ه لم ي دل على التخص يص ب ذلك دليل‬
‫‪.‬واألحس ن في ه ذا أن يق ال‪ :‬إن ه ذه الوص ية للوال دين واألق ربين مجمل ة‪ ,‬رده ا هللا تع الى إلى الع رف الج اري‬
‫‪.‬ثم إن هللا تع الى ق در للوال دين ال وارثين وغيرهم ا من األق ارب ال وارثين ه ذا المع روف في آي ات الم واريث‪ ,‬بع د أن مجمال‬
‫وبقي الحكم فيمن لم يرث وا من الوال دين الممن وعين من اإلرث وغيرهم ا ممن حجب بش خص أو وص ف‪ ,‬ف إن اإلنس ان م أمور‬
‫بره‬ ‫اس ب‬ ‫ق الن‬ ‫ؤالء وهم أح‬ ‫ية له‬ ‫‪.‬بالوص‬
‫وهذا القول تتفق عليه األمة‪ ,‬ويحصل به الجمع بين القولين المتقدمين‪ ,‬ألن كال من القائلين بهما ك ل منهم لح ظ ملحظ ا‪ ,‬واختل ف‬
‫ورد‬ ‫‪.‬الم‬
‫فبهذا الجمع‪ ,‬يحصل االتفاق‪ ,‬والجمع بين اآليات‪ ,‬فإنه أمكن الجمع‪ ,‬كان أحسن من ادعاء النسخ‪ ,‬الذي لم يدل عليه دليل صحيح‬

‫فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على ال ذين يبدلون ه إن هللا "‬
‫" سميع عليم‬
‫‪.‬ولم ا ك ان الموص ي ق د يمتن ع من الوص ية‪ ,‬لم ا يتوهم ه أن من بع ده‪ ,‬ق د يب دل م ا وص ى ب ه ق ال تع الى‬
‫‪.‬فَ َم ْن بَ َّدلَ هُ " أي‪ :‬أي اإليص اء للم ذكورين أو غ يرهم " بَ ْع َد َما َس ِم َعهُ " أي‪ :‬بع د م ا عقل ه‪ ,‬وع رف طرق ه وتنفي ذه "‬
‫‪.‬فَِإنَّ َم ا ِإ ْث ُم هُ َعلَى الَّ ِذينَ يُبَ ِّدلُونَ هُ " وإال فالموص ي وق ع أج ره على هللا‪ ,‬وإنم ا اإلثم على المب دل المغ ير "‬
‫"‬ ‫يته‬ ‫ي ووص‬ ‫ة الموص‬ ‫ماعه لمقال‬ ‫هس‬ ‫وات‪ ,‬ومن‬ ‫ائر األص‬ ‫مع س‬ ‫ِمي ٌع " يس‬ ‫‪ِ.‬إ َّن هَّللا َ َس‬
‫يته‬ ‫ور في وص‬ ‫راه‪ ,‬وأن ال يج‬ ‫معه وي‬ ‫راقب من يس‬ ‫ه أن ي‬ ‫‪.‬فينبغي ل‬
‫"‬ ‫ى إليه‬ ‫ل الموص‬ ‫ه‪ ,‬وعليم بعم‬ ‫‪َ .‬علِي ٌم " بنيت‬
‫و أخطأ‬ ‫ه ول‬ ‫ك‪ ,‬أثاب‬ ‫ه ذل‬ ‫ي‪ ,‬وعلم هللا من نيت‬ ‫د الموص‬ ‫إذا اجته‬ ‫‪.‬ف‬
‫ديل‬ ‫ه من التب‬ ‫ى إلي‬ ‫ذير للموص‬ ‫ه‪ ,‬التح‬ ‫‪.‬وفي‬
‫ذر من هللا‬ ‫ه‪ ,‬فليح‬ ‫ع على فعل‬ ‫ه‪ ,‬مطل‬ ‫إن هللا عليم ب‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪.‬هذا حكم الوصية العادلة‬

‫فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فال إثم عليه "‬
‫" إن هللا غفور رحيم‬
‫ف‪ ,‬وإثم‬ ‫ف وجن‬ ‫ا حي‬ ‫تي فيه‬ ‫ية ال‬ ‫ا الوص‬ ‫‪.‬وأم‬
‫‪.‬فينبغي لمن حض ر الموص ي وقت الوص ية به ا‪ ,‬أن ينص حه بم ا ه و األحس ن واألع دل‪ ,‬وأن ينه اه عن الج ور‬
‫ذلك‬ ‫دل‬ ‫و التعم‬ ‫د‪ ,‬واإلثم‪ :‬وه‬ ‫ير تعم‬ ‫أ‪ ,‬من غ‬ ‫ا عن خط‬ ‫ل به‬ ‫و‪ :‬المي‬ ‫ف‪ ,‬وه‬ ‫‪.‬والجن‬
‫فإن لم يفعل ذلك‪ ,‬فينبغي له أن يصلح بين الموصى إليهم‪ ,‬ويتوصل إلى العدل بينهم على وج ه التراض ي والمص الحة‪ ,‬ووعظهم‬
‫بتبرئة ذمة ميتهم فهذا قد فعل معروفا عظيما‪ ,‬وليس عليهم‪ ,‬كم ا على مب دل الوص ية الج ائزة وله ذا ق ال‪ِ " :‬إ َّن هَّللا َ َغفُ و ٌر " أي‪:‬‬
‫يغفر جميع الزالت‪ ,‬ويصفح عن التبع ات لمن ت اب إلي ه‪ ,‬ومن ه مغفرت ه لمن غض من نفس ه‪ ,‬وت رك بعض حق ه ألخي ه‪ ,‬ألن من‬
‫امحه هللا‬ ‫امح‪ ,‬س‬ ‫‪.‬س‬
‫راءة ذمته‬ ‫لب‬ ‫ا ألج‬ ‫هم بعض‬ ‫امحة بعض‬ ‫بوا بمس‬ ‫يته‪ ,‬إذا احتس‬ ‫ائر في وص‬ ‫ور لميتهم الج‬ ‫‪.‬غف‬
‫اطفون‬ ‫تراحمون ويتع‬ ‫هي‬ ‫رب‬ ‫ل أم‬ ‫رع لهم ك‬ ‫اده‪ ,‬حيث ش‬ ‫‪.‬رحيم بعب‬
‫فدلت هذه اآليات‪ ,‬على الحث على الوصية‪ ,‬وعلى بيان من هي له‪ ,‬وعلى وعيد المبدل للوصية العادلة‪ ,‬وال ترغيب في اإلص الح‬
‫‪.‬في الوصية الجائرة‬

‫يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الص يام كم ا كتب على ال ذين "‬
‫" من قبلكم لعلكم تتقون‬
‫يخبر تعالى‪ ,‬بما من هللا به على عباده‪ ,‬بأنه فرض عليهم الصيام‪ ,‬كما فرضه على األمم السابقة‪ ,‬ألنه من الشرائع واألوامر‪ ,‬ال تي‬
‫ان‬ ‫ل زم‬ ‫ق في ك‬ ‫لحة للخل‬ ‫‪.‬هي مص‬
‫وفيه تنشيط لهذه األمة‪ ,‬بأنه ينبغي لكم أن تنافس وا غ يركم في تكمي ل األعم ال‪ ,‬والمس ارعة إلى ص الح الخص ال‪ ,‬وأن ه ليس من‬
‫تم بها‬ ‫تي اختصص‬ ‫ة‪ ,‬ال‬ ‫ور الثقيل‬ ‫‪.‬األم‬
‫ونَ‬ ‫ال " لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ‬ ‫يام فق‬ ‫روعية الص‬ ‫ه في مش‬ ‫الى حكمت‬ ‫ر تع‬ ‫" ثم ذك‬ ‫‪.‬‬
‫اب نهيه‬ ‫ر هللا واجتن‬ ‫ال أم‬ ‫ه امتث‬ ‫وى‪ ,‬ألن في‬ ‫باب التق‬ ‫بر أس‬ ‫يام من أك‬ ‫إن الص‬ ‫‪.‬ف‬
‫فمما اشتمل عليه من التقوى‪ ,‬أن الصائم يترك ما حرم هللا علي ه من األك ل والش رب والجم اع ونحوه ا‪ ,‬ال تي تمي ل إليه ا نفس ه‪,‬‬
‫ا‪ ,‬ثوابه‬ ‫ا بتركه‬ ‫ذلك إلى هللا‪ ,‬راجي‬ ‫اب‬ ‫‪.‬متقرب‬
‫وى‬ ‫ذا من التق‬ ‫‪.‬فه‬
‫‪.‬ومنه ا أن الص ائم ي درب نفس ه على مراقب ة هللا تع الى‪ ,‬في ترك م ا ته وى نفس ه‪ ,‬م ع قدرت ه علي ه‪ ,‬لعلم ه ب اطالع هللا عليه‬
‫‪.‬ومنها أن الصيام يضيق مجاري الشيطان‪ ,‬فإنه يجري من ابن آدم‪ ,‬مجرى الدم‪ ,‬فبالص يام‪ ,‬يض عف نف وذه‪ ,‬وتق ل من ه المعاصي‬
‫وى‬ ‫ال التق‬ ‫ات من خص‬ ‫ه‪ ,‬والطاع‬ ‫ثر طاعت‬ ‫الب‪ ,‬تك‬ ‫ائم في الغ‬ ‫ا‪ :‬أن الص‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫‪.‬ومنها أن الغني إذا ذاق ألم الجوع‪ ,‬أوجب له ذلك‪ ,‬مواساة الفقراء المعدمين‪ ,‬وهذا من خصال التقوى‬

‫أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فع دة من "‬


‫أيام أخر وعلى الذين يطيقون ه فدي ة طع ام مس كين فمن تط وع‬
‫" خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون‬
‫هولة‬ ‫ة الس‬ ‫ة في غاي‬ ‫دودات‪ ,‬أي‪ :‬قليل‬ ‫ام مع‬ ‫ه أي‬ ‫بر أن‬ ‫يام‪ ,‬أخ‬ ‫رض عليهم الص‬ ‫هف‬ ‫ر أن‬ ‫ا ذك‬ ‫‪.‬ولم‬
‫هيال آخر‬ ‫هل تس‬ ‫‪.‬ثم س‬
‫يض ا َأوْ َعلَى َس فَ ٍر فَ ِع َّدةٌ ِم ْن َأي ٍَّام ُأخَ َر " وذل ك للمش قة‪ ,‬في الغ الب‪ ,‬رخص هللا لهم ا‪ ,‬في الفطر‬
‫‪.‬فق ال " فَ َم ْن َك انَ ِم ْن ُك ْم َم ِر ً‬
‫ولما كان ال بد من حص ول مص لحة الص يام لك ل م ؤمن‪ ,‬أمرهم ا أن يقض ياه في أي ام أخ ر إذا زال الم رض‪ ,‬وانقض ى الس فر‪,‬‬
‫لت الراحة‬ ‫‪.‬وحص‬
‫وفي قوله " فَ ِع َّدةٌ ِم ْن َأي ٍَّام " فيه دليل على أنه يقضي عدد أيام رمضان‪ ,‬كامال ك ان‪ ,‬أو ناقص ا‪ ,‬وعلى أن ه يج وز أن يقض ي أيام ا‬
‫العكس‬ ‫ارة ك‬ ‫ةح‬ ‫ام طويل‬ ‫اردة‪ ,‬عن أي‬ ‫يرة ب‬ ‫‪.‬قص‬
‫‪ " .‬وقول ه " َو َعلَى الَّ ِذينَ ي ُِطيقُونَ هُ " أي‪ :‬يطيق ون الص يام " فِ ْديَ ةٌ " عن ك ل ي وم يفطرون ه " طَ َع ا ُم ِم ْس ِك ٍ‬
‫ين‬
‫وهذا في ابتداء فرض الصيام‪ ,‬لما كانوا غير معتادين للصيام‪ ,‬وكان فرضه حتما‪ ,‬فيه مشقة عليهم‪ ,‬درجهم ال رب الحكيم‪ ,‬بأس هل‬
‫‪.‬طريق‬
‫ل‪ ,‬أو يطعم‬ ‫و أفض‬ ‫وم‪ ,‬وه‬ ‫وم‪ ,,‬بين أن يص‬ ‫ق للص‬ ‫ير المطي‬ ‫‪.‬وخ‬
‫ٌر لَ ُك ْم‬ ‫و ُموا خَ ْي‬ ‫ال‪َ " :‬وَأ ْن ت ُ‬
‫َص‬ ‫ذا ق‬ ‫" وله‬ ‫‪.‬‬
‫ام أخر‬ ‫يه في أي‬ ‫ر ويقض‬ ‫ق‪ ,‬يفط‬ ‫ير المطي‬ ‫ق وغ‬ ‫ا على المطي‬ ‫يام حتم‬ ‫ل الص‬ ‫ك‪ ,‬جع‬
‫‪.‬ثم بع د ذل‬
‫وقيل " َو َعلَى الَّ ِذينَ يُ ِطيقُونَهُ " أي يتكلفونه ويشق عليهم مشقة غير محتمل ة‪ ,‬كالش يخ الكب ير‪ ,‬فدي ة عن ك ل ي وم‪ ,‬طع ام مس كين‪,‬‬
‫‪.‬وهذا هو الصحيح‬

‫شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من "‬
‫اله دى والفرق ان فمن ش هد منكم الش هر فليص مه ومن ك ان‬
‫مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخ ر يري د هللا بكم اليس ر وال‬
‫يري د بكم العس ر ولتكمل وا الع دة ولتك بروا هللا على م ا ه داكم‬
‫" ولعلكم تشكرون‬
‫ضانَ الَّ ِذي ُأ ْن ِز َل فِي ِه ْالقُرْ آنُ " أي‪ :‬الصوم المفروض عليكم‪ ,‬هو شهر رمضان‪ ,‬الشهر العظيم‪ ,‬الذي قد حصل لكم في ه "‬
‫َش ْه ُر َر َم َ‬
‫ل العظيم‬ ‫‪.‬من هللا الفض‬
‫وهو القرآن الكريم‪ ,‬المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية‪ ,‬وتبيين الحق بأوضح بي ان‪ ,‬والفرق ان بين الح ق والباط ل‪,‬‬
‫قاوة‬ ‫ل الش‬ ‫عادة وأه‬ ‫ل الس‬ ‫الل‪ ,‬وأه‬ ‫دى والض‬ ‫‪.‬واله‬
‫‪.‬فحقي ق بش هر‪ ,‬ه ذا فض له‪ ,‬وه ذا إحس ان هللا عليكم في ه‪ ,‬أن يك ون موس ما للعب اد ومفروض ا في ه الص يام‬
‫الش ْه َر فَ ْليَ ُ‬
‫ص ْمهُ " ه ذا في ه تع يين الص يام على‬ ‫فلما قرره‪ ,‬وبين فضيلته‪ ,‬وحكمة هللا تعالى في تخصيصه قال‪ " :‬فَ َم ْن َش ِه َد ِم ْن ُك ُم َّ‬
‫حيح الحاضر‬ ‫ادر الص‬ ‫‪.‬الق‬
‫ولما كان النسخ للتخيير‪ ,‬بين الصيام والفداء خاصة‪ ,‬أعاد الرخصة للمريض والمس افر‪ ,‬لئال يت وهم أن الرخص ة أيض ا منس وخة‬
‫فقال‪ " :‬ي ُِري ُد هَّللا ُ بِ ُك ُم ْالي ُْس َر َواَل ي ُِري ُد بِ ُك ُم ْالع ْ‬
‫ُس َر " أي‪ :‬يري د هللا تع الى‪ ,‬أن ييس ر عليكم الط رق الموص لة إلى رض وانه‪ ,‬أعظم‬
‫هيل‬ ‫غ تس‬ ‫هلها أبل‬ ‫ير‪ ,‬ويس‬ ‫‪.‬تيس‬
‫له‬ ‫هولة في أص‬ ‫ة الس‬ ‫اده في غاي‬ ‫ه عب‬ ‫ر هللا ب‬ ‫ا أم‬ ‫عم‬ ‫ان جمي‬ ‫ذا ك‬ ‫‪.‬وله‬
‫‪.‬وإذا حص لت بعض الع وارض الموجب ة لثقل ه‪ ,‬س هله تس هيال آخ ر‪ ,‬إم ا بإس قاطه‪ ,‬أو تخفيف ه ب أنواع التخفيف ات‬
‫‪.‬وه ذه جمل ة ال يمكن تفص يلها‪ ,‬ألن تفاص يلها‪ ,‬جمي ع الش رعيات‪ ,‬وي دخل فيه ا جمي ع ال رخص والتخفيف ات‬
‫َولِتُ ْك ِملُوا ْال ِع َّدةَ " وهذا ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬لئال يتوهم متوهم‪ ,‬أن صيام رمضان‪ ,‬يحصل المقصود منه ببعضه‪ ,‬دفع هذا الوهم ب األمر "‬
‫بتكميل عدته ويشكر هللا تعالى عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعبادة‪ ,‬وبالتكبير عن د انقض ائه‪ ,‬وي دخل في ذل ك‪ ,‬التكب ير‬
‫‪.‬عند رؤية هالل شوال‪ ,‬إلى فراغ خطبة العيد‬

‫وإذا سألك عب ادي ع ني ف إني ق ريب أجيب دع وة ال داع إذا "‬


‫" دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون‬
‫‪.‬هذا جواب سؤال سأل النبي صلى هللا عليه وسلم بعض أصحابه فقالوا‪ :‬يا رسول هللا‪ ,‬أقريب ربنا فنناجيه‪ ,‬أم بعيد فنناديه؟ ف نزل‬
‫َوِإ َذا َسَألَ َ‬
‫ك ِعبَا ِدي َعنِّي فَِإنِّي قَ ِريبٌ " ألن ه تع الى‪ ,‬ال رقيب الش هيد‪ ,‬المطل ع على الس ر وأخفى‪ ,‬يعلم خائن ة األعين وم ا تخفي "‬
‫ه‪ ,‬باإلجابة‬ ‫ا من داعي‬ ‫ريب أيض‬ ‫وق‬ ‫دور‪ ,‬فه‬ ‫‪.‬الص‬
‫ا ِن‬ ‫اع ِإ َذا َد َع‬
‫َّد ِ‬ ‫َوةَ ال‬ ‫ال " ُأ ِجيبُ َد ْع‬ ‫ذا ق‬ ‫" وله‬ ‫‪.‬‬
‫ألة‬ ‫اء مس‬ ‫ادة‪ ,‬ودع‬ ‫اء عب‬ ‫ان‪ :‬دع‬ ‫دعاء نوع‬ ‫‪.‬وال‬
‫‪.‬والق رب نوع ان‪ :‬ق رب بعلم ه من ك ل خلق ه‪ ,‬وق رب من عابدي ه وداعي ه باإلجاب ة‪ ,‬والمعون ة والتوفيق‬
‫‪.‬فمن دعا ربه بقلب حاضر‪ ,‬ودعاء مشروع‪ ,‬ولم يمنع مانع من إجاب ة ال دعاء‪ ,‬كأك ل الح رام ونح وه‪ ,‬ف إن هللا ق د وع ده باإلجابة‬
‫وخصوصا إذا أتى بأسباب إجاب ة ال دعاء‪ ,‬وهي االس تجابة هلل تع الى باالنقي اد ألوام ره ونواهي ه القولي ة والفعلي ة‪ ,‬واإليم ان ب ه‪,‬‬
‫تجابة‬ ‫وجب لالس‬ ‫‪.‬الم‬
‫فلهذا قال‪ " :‬فَ ْليَ ْستَ ِجيبُوا لِي َو ْليُْؤ ِمنُوا بِي َل َعلَّهُ ْم يَرْ ُش ُدونَ " أي‪ :‬يحصل لهم الرشد‪ ,‬الذي هو الهداي ة لإليم ان واألعم ال الص الحة‪,‬‬
‫‪.‬ويزول عنهم البغي‪ ,‬المنافي لإليمان واألعمال الصالحة‬

‫أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نس ائكم هن لب اس لكم وأنتم "‬
‫لباس لهن علم هللا أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا‬
‫عنكم فاآلن باشروهن وابتغوا م ا كتب هللا لكم وكل وا واش ربوا‬
‫حتى يتبين لكم الخي ط األبيض من الخي ط األس ود من الفج ر ثم‬
‫أتم وا الص يام إلى اللي ل وال تباش روهن وأنتم ع اكفون في‬
‫المساجد تلك حدود هللا فال تقربوها كذلك يبين هللا آيات ه للن اس‬
‫" لعلهم يتقون‬
‫الى‬ ‫ال تع‬ ‫اق‬ ‫ول العلم كم‬ ‫بب لحص‬ ‫ره‪ ,‬س‬ ‫تجابة ألم‬ ‫ان باهلل واالس‬ ‫‪.‬وألن اإليم‬
‫يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِإ ْن تَتَّقُوا هَّللا َ يَجْ َعلْ لَ ُك ْم فُرْ قَانًا "‬
‫وال ت أكلوا أم والكم بينكم بالباط ل وت دلوا به ا إلى الحك ام "‬
‫" لتأكلوا فريقا من أموال الناس باإلثم وأنتم تعلمون‬
‫يركم‬ ‫وال غ‬ ‫والكم أي‪ :‬أم‬ ‫ذوا أم‬ ‫‪.‬أي‪ :‬وال تأخ‬
‫أضافه إليهم‪ ,‬ألنه ينبعي للمسلم أن يحب ألخيه ما يحب لنفسه‪ ,‬ويحترم ماله‪ ,‬كما يحترم ماله وألن أكله لمال غ يره يج رئ غ يره‬
‫درة‬ ‫د الق‬ ‫ه عن‬ ‫ل مال‬ ‫‪.‬على أك‬
‫‪.‬ولم ا ك ان أكله ا ن وعين‪ :‬نوع ا بح ق‪ ,‬ونوع ا بباط ل‪ ,‬وك ان المح رم إنم ا ه و أكله ا بالباط ل‪ ,‬قي ده هللا تع الى ب ذلك‬
‫و ذلك‬ ‫ة‪ ,‬أو نح‬ ‫ة أو عاري‬ ‫ة في وديع‬ ‫رقة‪ ,‬والخيان‬ ‫ب‪ ,‬والس‬ ‫ه الغض‬ ‫ا على وج‬ ‫ذلك‪ ,‬أكله‬ ‫دخل ب‬ ‫‪.‬وي‬
‫ويدخل فيه أيضا‪ ,‬أخذها على وجه المعاوضة‪ ,‬بمعاوضة محرمة‪ ,‬كعقود الربا‪ ,‬والقمار كلها‪ ,‬فإنها من أك ل الم ال بالباط ل‪ ,‬ألن ه‬
‫اح‬ ‫وض مب‬ ‫ةع‬ ‫‪.‬ليس في مقابل‬
‫ارة‪ ,‬ونحوها‬ ‫راء‪ ,‬واإلج‬ ‫بيع‪ ,‬والش‬ ‫بب غش في ال‬ ‫ذها‪ ,‬بس‬ ‫ك أخ‬ ‫دخل في ذل‬ ‫‪.‬وي‬
‫رتهم‬ ‫ل أج‬ ‫رار‪ ,‬وأك‬ ‫تعمال األج‬ ‫ك‪ ,‬اس‬ ‫دخل في ذل‬ ‫‪.‬وي‬
‫وا بواجبه‬ ‫ل‪ ,‬لم يقوم‬ ‫رة على عم‬ ‫ذهم أج‬ ‫ذلك أخ‬ ‫‪.‬وك‬
‫‪.‬وي دخل في ذل ك‪ ,‬أخ ذ األج رة على العب ادات والقرب ات‪ ,‬ال تي ال تص ح‪ ,‬ح تى يقص د به ا وج ه هللا تع الى‬
‫‪.‬وي دخل في ذل ك‪ ,‬األخ ذ من الزك وات والص دقات‪ ,‬واألوق اف‪ ,‬والوص ايا‪ ,‬لمن ليس ل ه ح ق منه ا‪ ,‬أو ف وق حقه‬
‫وه‬ ‫ه من الوج‬ ‫ك بوج‬ ‫ل ذل‬ ‫ل‪ ,‬فال يح‬ ‫ال بالباط‬ ‫ل الم‬ ‫وه‪ ,‬من أك‬ ‫ذا ونح‬ ‫له‬ ‫‪.‬فك‬
‫حتى ولو حصل فيه النزاع واالرتفاع إلى حاكم الشرع‪ ,‬وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة‪ ,‬غلبت حجة المحق‪ ,‬وحكم له الحاكم‬
‫ذلك‬ ‫‪.‬ب‬
‫‪.‬ف إن حكم الح اكم‪ ,‬ال ي بيح محرم ا‪ ,‬وال يحل ل حرام ا‪ ,‬إنم ا يحكم على نح و مم ا يس مع‪ ,‬وإال فحق ائق األم ور باقية‬
‫تراحة‬ ‫بهة‪ ,‬وال اس‬ ‫ة‪ ,‬وال ش‬ ‫ل راح‬ ‫اكم للمبط‬ ‫‪.‬فليس في حكم الح‬
‫‪.‬فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة‪ ,‬وحكم له ب ذلك‪ ,‬فإن ه ال يح ل ل ه‪ ,‬ويك ون آكال لم ال غ يره‪ ,‬بالباط ل واإلثم‪ ,‬وه و ع الم ب ذلك‬
‫د في نكاله‬ ‫ه‪ ,‬وأش‬ ‫غ في عقوبت‬ ‫ون أبل‬ ‫‪.‬فيك‬
‫وعلى هذا‪ ,‬فالوكيل إذا علم أن موكله مبط ل في دع واه‪ ,‬لم يح ل ل ه أن يخاص م عن الخ ائن كم ا ق ال تع الى " َواَل تَ ُك ْن لِ ْلخَ اِئنِينَ‬
‫ونَ‬ ‫ه " لَ َعلَّهُ ْم يَتَّقُ‬ ‫َّل لَ ُك ْم " إلى قول‬ ‫الى " ُأ ِح‬ ‫ال تع‬ ‫ي ًما " ثم ق‬ ‫" خَ ِ‬
‫ص‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬كان في أول فرض الصيام‪ ,‬يح رم على المس لمين‪ ,‬األك ل‪ ,‬والش رب‪ ,‬والجم اع في اللي ل بع د الن وم‪ ,‬فحص لت المش قة لبعض هم‬
‫اع‬ ‫رب‪ ,‬والجم‬ ‫ل‪ ,‬والش‬ ‫ا‪ ,‬األك‬ ‫يام كله‬ ‫الي الص‬ ‫اح في لي‬ ‫ك‪ ,‬وأب‬ ‫الى عنهم ذل‬ ‫ف هللا تع‬ ‫‪.‬فخف‬
‫روا به‬ ‫ا أم‬ ‫ترك بعض م‬ ‫هم‪ ,‬ب‬ ‫انون أنفس‬ ‫ونهم يخت‬ ‫ام أو لم ينم‪ ,‬لك‬ ‫واء ن‬ ‫‪.‬س‬
‫اب " هللا " َعلَ ْي ُك ْم " ب أن وس ع لكم أم را ك ان ‪ -‬ل وال توس عته ‪ -‬موجب ا لإلثم " َو َعفَ ا َع ْن ُك ْم " م ا س لف من التخ ون "‬
‫‪.‬فَتَ َ‬
‫اش رُوه َُّن " وطئا وقبل ة ولمس ا وغ ير ذلك "‬ ‫‪.‬فَ اآْل نَ " بع د ه ذه الرخص ة والس عة من هللا " بَ ِ‬
‫َب هَّللا ُ لَ ُك ْم " أي‪ :‬انووا في مباشرتكم لزوجاتكم‪ ,‬التقرب إلى هللا تعالى والمقصود األعظم من الوطء‪ ,‬وهو حصول "‬
‫َوا ْبتَ ُغوا َما َكت َ‬
‫اح‬ ‫د النك‬ ‫ول مقاص‬ ‫ه‪ ,‬وحص‬ ‫رج زوجت‬ ‫ه‪ ,‬وف‬ ‫اف فرج‬ ‫ة وإعف‬ ‫‪.‬الذري‬
‫‪.‬ومم ا كتب هللا لكم ليل ة الق در‪ ,‬الموافق ة للي الي ص يام رمض ان فال ينبغي لكم‪ ,‬أن تش تغلوا به ذه الل ذة عنه ا‪ ,‬وتض يعوها‬
‫درك‬ ‫اتت ‪ -‬لم ت‬ ‫در ‪ -‬إذا ف‬ ‫ة الق‬ ‫ة‪ ,‬وليل‬ ‫ذة مدرك‬ ‫‪.‬فالل‬
‫اش َربُوا َحتَّى يَتَبَيَّنَ لَ ُك ُم ْال َخ ْي طُ اَأْل ْبيَضُ ِمنَ ْال َخ ْي ِط اَأْل ْس َو ِد ِمنَ ْالفَجْ ِر " ه ذا غاي ة لألك ل والش رب والجم اع "‬
‫وا َو ْ‬ ‫‪َ .‬و ُكلُ‬
‫أس عليه‬ ‫ر‪ ,‬فال ب‬ ‫وع الفج‬ ‫اكا في طل‬ ‫وه‪ ,‬ش‬ ‫ل ونح‬ ‫ه إذا أك‬ ‫ه أن‬ ‫‪.‬وفي‬
‫‪.‬وفي ه دلي ل على اس تحباب الس حور‪ ,‬لألم ر‪ ,‬وأن ه يس تحب ت أخيره‪ ,‬أخ ذا من مع نى رخص ة هللا وتس هيله على العب اد‬
‫وفيه أيضا‪ ,‬دليل على أنه يجوز أن يدركه الفجر‪ ,‬وهو جنب من الجماع‪ ,‬قبل أن يغتسل‪ ,‬ويصح صيامه‪ ,‬ألن الزم إباح ة الجم اع‬
‫ق حق‬ ‫و جنب‪ ,‬والزم الح‬ ‫ر وه‬ ‫ه الفج‬ ‫ر‪ ,‬أن يدرك‬ ‫وع الفج‬ ‫‪.‬إلى طل‬
‫الص يَا َم " أي‪ :‬اإلمس اك عن المفط رات " ِإلَى اللَّ ْي ِل " وه و غ روب الش مس "‬‫‪.‬ثُ َّم " إذا طل ع الفج ر " َأتِ ُّموا ِّ‬
‫‪.‬ولم ا ك ان إباح ة ال وطء في لي الي الص يام‪ ,‬ليس ت إباح ة عام ة لك ل أح د‪ ,‬ف إن المعتك ف ال يح ل ل ه ذل ك‪ ,‬اس تثناه بقوله‬
‫"‬ ‫ذلك‬ ‫فون ب‬ ‫ا ِج ِد " أي‪ :‬وأنتم متص‬ ‫ا ِكفُونَ فِي ْال َم َس‬ ‫رُوه َُّن َوَأ ْنتُ ْم َع‬ ‫‪َ .‬واَل تُبَ ِ‬
‫اش‬
‫‪.‬ودلت اآلية على مشروعية االعتكاف‪ ,‬وهو لزوم المسجد‪ ,‬لطاعة هللا تعالى‪ ,‬وانقطاعا إليه وأن االعتكاف ال يصح إال في مس جد‬
‫‪.‬ويس تفاد من تعري ف المس اجد‪ ,‬أنه ا المس اجد المعروف ة عن دهم‪ ,‬وهي ال تي تق ام فه ا الص لوات الخمس‬
‫اف‬ ‫دات االعتك‬ ‫وطء من مفس‬ ‫ه أن ال‬ ‫‪.‬وفي‬
‫تلك المذكورات ‪ -‬وهو تحريم األكل والشرب والجماع ونح وه من المفط رات في الص يام‪ ,‬وتح ريم الفط ر على غ ير المح ذور‪,‬‬
‫وتحريم الوطء على المعتكف ونحو ذلك من المحرمات " ُحدُو ُد هَّللا ِ " التي حدها لعباده‪ ,‬ونهاهم عنها فقال‪ " :‬فَاَل تَ ْق َربُوهَ ا " أبل غ‬
‫‪.‬من قول ه " فال تفعلوه ا " ألن القرب ان‪ ,‬يش مل النهي عن فع ل المح رم بنفس ه‪ ,‬والنهي عن وس ائله الموص لة إليه‬
‫‪.‬والعب د م أمور ب ترك المحرم ات‪ ,‬والبع د منه ا‪ ,‬غاي ة م ا يمكن ه‪ ,‬وت رك ك ل س بب ي دعو إليه‬
‫دوها " فنهى عن مجاوزتها‬ ‫دود هللا فال تعت‬ ‫كح‬ ‫ا " تل‬ ‫ول هللا فيه‬ ‫ر فيق‬ ‫ا األوام‬ ‫‪.‬وأم‬
‫"‬ ‫اح‬ ‫ل إيض‬ ‫حها لهم‪ ,‬أكم‬ ‫يين‪ ,‬وأوض‬ ‫ابقة‪ ,‬أتم تب‬ ‫ام الس‬
‫ك " أي‪ :‬ي بين هللا لعب‬ ‫اده األحك‬ ‫َذلِ َ‬ ‫‪َ .‬ك‬
‫"‬ ‫اس لَ َعلَّهُ ْم يَتَّقُ ونَ " ف إنهم إذا ب ان لهم الح ق‪ ,‬اتبع وه وإذا ت بين لهم الباط ل‪ ,‬اجتنب وه‬
‫‪.‬يُبَيِّنُ هَّللا ُ آيَاتِ ِه لِلنَّ ِ‬
‫ه لم يفعله‬ ‫و علم تحريم‬ ‫رم‪ ,‬ول‬ ‫ه مح‬ ‫ل بأن‬ ‫ه الجه‬ ‫رم على وج‬ ‫ل المح‬ ‫د يفع‬ ‫ان ق‬ ‫إن اإلنس‬ ‫‪.‬ف‬
‫وى‬ ‫ببا للتق‬ ‫كس‬ ‫ان ذل‬ ‫ة‪ ,‬فك‬ ‫ذر وال حج‬ ‫ق لهم ع‬ ‫ه‪ ,‬لم يب‬ ‫اس آيات‬ ‫إذا بين هللا للن‬ ‫‪.‬ف‬
‫يركم‬ ‫وال غ‬ ‫والكم أي‪ :‬أم‬ ‫ذوا أم‬ ‫‪.‬أي‪ :‬وال تأخ‬
‫أضافه إليهم‪ ,‬ألنه ينبعي للمسلم أن يحب ألخيه ما يحب لنفسه‪ ,‬ويحترم ماله‪ ,‬كما يحترم ماله وألن أكله لمال غ يره يج رئ غ يره‬
‫درة‬ ‫د الق‬ ‫ه عن‬ ‫ل مال‬ ‫‪.‬على أك‬
‫‪.‬ولم ا ك ان أكله ا ن وعين‪ :‬نوع ا بح ق‪ ,‬ونوع ا بباط ل‪ ,‬وك ان المح رم إنم ا ه و أكله ا بالباط ل‪ ,‬قي ده هللا تع الى ب ذلك‬
‫و ذلك‬ ‫ة‪ ,‬أو نح‬ ‫ة أو عاري‬ ‫ة في وديع‬ ‫رقة‪ ,‬والخيان‬ ‫ب‪ ,‬والس‬ ‫ه الغض‬ ‫ا على وج‬ ‫ذلك‪ ,‬أكله‬ ‫دخل ب‬ ‫‪.‬وي‬
‫ويدخل فيه أيضا‪ ,‬أخذها على وجه المعاوضة‪ ,‬بمعاوضة محرمة‪ ,‬كعقود الربا‪ ,‬والقمار كلها‪ ,‬فإنها من أك ل الم ال بالباط ل‪ ,‬ألن ه‬
‫اح‬ ‫وض مب‬ ‫ةع‬ ‫‪.‬ليس في مقابل‬
‫ارة‪ ,‬ونحوها‬ ‫راء‪ ,‬واإلج‬ ‫بيع‪ ,‬والش‬ ‫بب غش في ال‬ ‫ذها‪ ,‬بس‬ ‫ك أخ‬ ‫دخل في ذل‬ ‫‪.‬وي‬
‫رتهم‬ ‫ل أج‬ ‫رار‪ ,‬وأك‬ ‫تعمال األج‬ ‫ك‪ ,‬اس‬ ‫دخل في ذل‬ ‫‪.‬وي‬
‫وا بواجبه‬ ‫ل‪ ,‬لم يقوم‬ ‫رة على عم‬ ‫ذهم أج‬ ‫ذلك أخ‬ ‫‪.‬وك‬
‫‪.‬وي دخل في ذل ك‪ ,‬أخ ذ األج رة على العب ادات والقرب ات‪ ,‬ال تي ال تص ح‪ ,‬ح تى يقص د به ا وج ه هللا تع الى‬
‫‪.‬وي دخل في ذل ك‪ ,‬األخ ذ من الزك وات والص دقات‪ ,‬واألوق اف‪ ,‬والوص ايا‪ ,‬لمن ليس ل ه ح ق منه ا‪ ,‬أو ف وق حقه‬
‫وه‬ ‫ه من الوج‬ ‫ك بوج‬ ‫ل ذل‬ ‫ل‪ ,‬فال يح‬ ‫ال بالباط‬ ‫ل الم‬ ‫وه‪ ,‬من أك‬ ‫ذا ونح‬ ‫له‬ ‫‪.‬فك‬
‫حتى ولو حصل فيه النزاع واالرتفاع إلى حاكم الشرع‪ ,‬وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة‪ ,‬غلبت حجة المحق‪ ,‬وحكم له الحاكم‬
‫ذلك‬ ‫‪.‬ب‬
‫‪.‬ف إن حكم الح اكم‪ ,‬ال ي بيح محرم ا‪ ,‬وال يحل ل حرام ا‪ ,‬إنم ا يحكم على نح و مم ا يس مع‪ ,‬وإال فحق ائق األم ور باقية‬
‫تراحة‬ ‫بهة‪ ,‬وال اس‬ ‫ة‪ ,‬وال ش‬ ‫ل راح‬ ‫اكم للمبط‬ ‫‪.‬فليس في حكم الح‬
‫‪.‬فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة‪ ,‬وحكم له ب ذلك‪ ,‬فإن ه ال يح ل ل ه‪ ,‬ويك ون آكال لم ال غ يره‪ ,‬بالباط ل واإلثم‪ ,‬وه و ع الم ب ذلك‬
‫د في نكاله‬ ‫ه‪ ,‬وأش‬ ‫غ في عقوبت‬ ‫ون أبل‬ ‫‪.‬فيك‬
‫وعلى هذا‪ ,‬فالوكيل إذا علم أن موكله مبط ل في دع واه‪ ,‬لم يح ل ل ه أن يخاص م عن الخ ائن كم ا ق ال تع الى " َواَل تَ ُك ْن لِ ْلخَ اِئنِينَ‬
‫صي ًما‬‫" خَ ِ‬

‫يس ألونك عن األهل ة ق ل هي م واقيت للن اس والحج وليس "‬


‫البر بأن ت أتوا ال بيوت من ظهوره ا ولكن ال بر من اتقى وأت وا‬
‫" البيوت من أبوابها واتقوا هللا لعلكم تفلحون‬
‫ا‪ ,‬أو عن ذاتها‬ ‫دتها وحكمته‬ ‫ا فائ‬ ‫ع ‪ -‬هالل ‪ -‬م‬ ‫ك َع ِن اَأْل ِهلَّ ِة " جم‬
‫َألُونَ َ‬
‫الى " يَ ْس‬ ‫ه تع‬ ‫‪.‬فقول‬
‫"‬ ‫دبير‬ ‫ذا الت‬ ‫ه‪ ,‬على ه‬ ‫ه ورحمت‬ ‫الى‪ ,‬بلطف‬ ‫ا هللا تع‬ ‫لْ ِه َي َم‬
‫اس " أي جعله‬ ‫‪.‬قُ‬
‫يت لِلنَّ ِ‬
‫َواقِ ُ‬
‫يبدو الهالل ضعيفا في أول الشهر‪ ,‬ثم يتزايد إلى نصفه‪ ,‬ثم يش رع في النقص إلى كمال ه‪ ,‬وهك ذا‪ ,‬ليع رف الن اس ب ذلك‪ ,‬م واقيت‬
‫ات الحج‬ ‫ارات‪ ,‬وأوق‬ ‫اة‪ ,‬والكف‬ ‫ات الزك‬ ‫يام‪ ,‬وأوق‬ ‫اداتهم‪ ,‬من الص‬ ‫‪.‬عب‬
‫ولما كان الحج يقع في أشهر معلومات‪ ,‬ويستغرق أوقاتا كثيرة قال‪َ " :‬و ْال َح ِّج " وكذلك تع رف ب ذلك‪ ,‬أوق ات ال ديون الم ؤجالت‪,‬‬
‫ات الخلق‬ ‫و من حاج‬ ‫اه‬ ‫ك‪ ,‬مم‬ ‫ير ذل‬ ‫ل‪ ,‬وغ‬ ‫دد والحم‬ ‫دة الع‬ ‫ارات‪ ,‬وم‬ ‫دة اإلج‬ ‫‪.‬وم‬
‫الم‪ ,‬وجاهل‬ ‫ير‪ ,‬وع‬ ‫غير‪ ,‬وكب‬ ‫د‪ ,‬من ص‬ ‫ل أح‬ ‫هك‬ ‫ابا‪ ,‬يعرف‬ ‫الى‪ ,‬حس‬ ‫ه تع‬ ‫‪.‬فجعل‬
‫اس‬ ‫ادر من الن‬ ‫ه إال الن‬ ‫ية‪ ,‬لم يعرف‬ ‫نة الشمس‬ ‫اب بالس‬ ‫وك‬ ‫ان الحس‬
‫‪.‬فل‬
‫ْأ‬
‫ْس ْالبِرُّ بَِأ ْن تَ تُوا ْالبُيُوتَ ِم ْن ظُه ِ‬
‫ُورهَا " وهذا كما ك ان األنص ار وغ يرهم من الع رب‪ ,‬إذا أحرم وا‪ ,‬لم ي دخلوا ال بيوت من "‬ ‫َولَي َ‬
‫ه بر‬ ‫ا أن‬ ‫ذلك‪ ,‬وظن‬ ‫دا ب‬ ‫ا‪ ,‬تعب‬ ‫‪.‬أبوابه‬
‫رعه لهم‬ ‫الى‪ ,‬لم يش‬ ‫بر‪ ,‬ألن هللا تع‬ ‫ه ليس من ال‬ ‫الى‪ ,‬أن‬ ‫أخبر تع‬ ‫‪.‬ف‬
‫د ببدعة‬ ‫و متعب‬ ‫وله‪ ,‬فه‬ ‫رعها هللا وال رس‬ ‫ادة لم يش‬ ‫د بعب‬ ‫ل من تعب‬ ‫‪.‬وك‬
‫‪.‬وأم رهم أن ي أتوا ال بيوت من أبوابه ا لم ا في ه من الس هولة عليهم‪ ,‬ال تي هي قاع دة من قواع د الش رع‬
‫‪.‬ويستفاد من إشارة اآلية أنه ينبغي في كل أمر من األمور‪ ,‬أن يأتيه اإلنسان من الطريق السهل القريب‪ ,‬الذي قد جعل ل ه موصال‬
‫فاآلمر بالمعروف‪ ,‬والناهي عن المنكر‪ ,‬ينبغي أن ينظ ر في حال ة الم أمور‪ ,‬ويس تعمل مع ه الرف ق والسياس ة‪ ,‬ال تي به ا يحص ل‬
‫ود أو بعضه‬ ‫‪.‬المقص‬
‫وده‬ ‫ه مقص‬ ‫لب‬ ‫هله‪ ,‬يحص‬ ‫ق وأس‬ ‫رب طري‬ ‫لك أق‬ ‫‪.‬والمتعلم والمعلم‪ ,‬ينبغي أن يس‬
‫‪.‬وهك ذا ك ل من ح اول أم را من األم ور وأت اه من أبواب ه‪ ,‬وث ابر علي ه‪ ,‬فال ب د أن يحص ل ل ه المقص ود‪ ,‬بع ون المل ك المعب ود‬
‫َواتَّقُوا هَّللا َ " هذا هو البر‪ ,‬الذي أمر هللا به‪ ,‬وهو لزوم تقواه على الدوام‪ ,‬بامتثال أوام ره‪ ,‬واجتن اب نواهي ه‪ ,‬فإن ه س بب للفالح‪" ,‬‬
‫وب‬ ‫اة من المره‬ ‫المطلوب‪ ,‬والنج‬ ‫وز ب‬ ‫و الف‬ ‫ذي ه‬ ‫‪.‬ال‬
‫‪.‬فمن لم يتق هللا تعالى‪ ,‬لم يكن له سبيل إلى الفالح‪ ,‬ومن اتقاه‪ ,‬فاز بالفالح والنجاح‬

‫وق اتلوا في س بيل هللا ال ذين يق اتلونكم وال تعت دوا إن هللا ال "‬
‫" يحب المعتدين‬
‫هذه اآليات‪ ,‬تتضمن األمر بالقتال في سبيل هللا‪ ,‬وهذا كان بعد الهجرة إلى المدينة‪ ,‬لما قوى المسلمون للقت ال‪ ,‬أم رهم هللا ب ه‪ ,‬بع د‬
‫ديهم‬ ‫ف أي‬ ‫أمورين بك‬ ‫انوا م‬ ‫اك‬ ‫‪.‬م‬
‫لمين‬ ‫ال في الفتن بين المس‬ ‫بِي ِل هَّللا ِ " حث على اإلخالص‪ ,‬ونهى عن االقتت‬ ‫ال " فِي َس‬ ‫يص القت‬ ‫‪.‬وفي تخص‬
‫"‬ ‫اتِلُونَ ُك ْم " أي‬ ‫‪.‬الَّ ِذينَ يُقَ‬
‫ال‬ ‫ذين ال رأي لهم وال قت‬ ‫يوخ ال‬ ‫ير الش‬ ‫ال‪ ,‬غ‬ ‫ون الرج‬ ‫الكم‪ ,‬وهم المكلف‬ ‫تعدون لقت‬ ‫ذين هم مس‬ ‫‪.‬ال‬
‫والنهي عن االعتداء‪ ,‬يش مل أن واع االعت داء كله ا‪ ,‬من قت ل من ال يقات ل‪ ,‬من النس اء‪ ,‬والمج انين واألطف ال‪ ,‬والرهب ان ونح وهم‬
‫‪.‬والتمثي ل ب القتلى‪ ,‬وقت ل الحيوان ات‪ ,‬وقط ع األش جار ونحوه ا‪ ,‬لغ ير مص لحة تع ود للمس لمين‬
‫‪.‬ومن االعتداء‪ ,‬مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها‪ ,‬فإن ذلك ال يجوز‬

‫واقتل وهم حيث ثقفتم وهم وأخرج وهم من حيث أخرج وكم "‬
‫والفتنة أشد من القتل وال تق اتلوهم عن د المس جد الح رام ح تى‬
‫" يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين‬
‫ْث ثَقِ ْفتُ ُم وهُ ْم " ه ذا أم ر بقت الهم‪ ,‬أينم ا وج دوا في ك ل وقت‪ ,‬وفي ك ل زم ان قت ال مدافع ة‪ ,‬وقت ال مهاجمة "‬ ‫‪َ .‬وا ْقتُلُ وهُ ْم َحي ُ‬
‫ثم استثنى من هذا العم وم قت الهم " ِع ْن َد ْال َم ْس ِج ِد ْال َح َر ِام " وأن ه ال يج وز إال أن يب دأوا بالقت ال‪ ,‬ف إنهم يق اتلون‪ ,‬ج زاء لهم على‬
‫‪.‬اعتدائهم‬

‫" فإن انتهوا فإن هللا غفور رحيم "‬


‫وهذا مستمر في كل وقت‪ ,‬حتي ينته وا عن كف رهم فيس لموا‪ ,‬ف إن هللا يت وب عليهم‪ ,‬ول و حص ل منهم م ا حص ل من الكف ر باهلل‪,‬‬
‫‪.‬والشرك في المسجد الحرام‪ ,‬وصد الرسول والمؤمنين عنه وهذا من رحمته وكرمه بعباده‬

‫وقاتلوهم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين هلل فإن انته وا فال "‬
‫" عدوان إال على الظالمين‬
‫ولما كان القتال عند المسجد الحرام‪ ,‬يتوهم أنه مفسدة في هذا البلد الحرام‪ ,‬أخبر تعالى أن المفسدة بالفتن ة عن ده بالش رك‪ ,‬والص د‬
‫الهم‬ ‫رج في قت‬ ‫لمون ‪ -‬ح‬ ‫ا المس‬ ‫ل‪ ,‬فليس عليكم ‪ -‬أيه‬ ‫دة القت‬ ‫د من مفس‬ ‫ه‪ ,‬أش‬ ‫‪.‬عن دين‬
‫‪.‬ويس تدل من ه ذه اآلي ة ‪ -‬على القاع دة المش هورة ‪ -‬وهي‪ :‬أن ه ي رتكب أخ ف المفس دتين‪ ,‬ل دفع أعالهما‬
‫‪.‬ثم ذك ر تع الى المقص ود من القت ال في س بيله‪ ,‬وأن ه ليس المقص ود ب ه‪ ,‬س فك دم اء الكف ار‪ ,‬وأخ ذ أم والهم‬
‫ولكن المقصود به أن " َويَ ُكونَ الدِّينُ هَّلِل ِ " تعالى‪ ,‬فيظهر دين هللا تعالى‪ ,‬على سائر األديان‪ ,‬وي دفع ك ل م ا يعارض ه‪ ,‬من الش رك‬
‫راد بالفتنة‬ ‫و الم‬ ‫يره‪ ,‬وه‬ ‫‪.‬وغ‬
‫ال‬ ‫ل وال قت‬ ‫ود‪ ,‬فال قت‬ ‫ذا المقص‬ ‫له‬ ‫إذا حص‬ ‫‪.‬ف‬
‫فَِإ ِن ا ْنتَهَوْ ا " عن قتالكم عند المسجد الحرام " فَاَل ُع ْد َوانَ ِإاَّل َعلَى الظَّالِ ِمينَ " أي‪ :‬فليس عليهم منكم اعت داء‪ ,‬إال من ظلم منهم‪" ,‬‬
‫‪.‬فإنه يستحق المعاقبة‪ ,‬بقدر ظلمه‬

‫الش هر الح رام بالش هر الح رام والحرم ات قص اص فمن "‬


‫اعتدى عليكم فاعتدوا علي ه بمث ل م ا اعت دى عليكم واتق وا هللا‬
‫" واعلموا أن هللا مع المتقين‬
‫يقول تعالى‪ " :‬ال َّش ْه ُر ْال َح َرا ُم بِال َّشه ِْر ْال َح َر ِام " ‪ ,‬يحتمل أن يكون المراد به‪ ,‬ما وقع من صد المشركين للنبي صلى هللا عليه وس لم‬
‫وأصحابه عام الحديبية‪ ,‬عن الدخول لمكة‪ ,‬وقاضوهم على دخولها من قابل‪ ,‬وكان الصد والقضاء في شهر حرام‪ ,‬وهو ذو القعدة‪,‬‬
‫ذا‬ ‫ذا به‬ ‫ون ه‬ ‫‪.‬فيك‬
‫كهم‪ ,‬وكماله‬ ‫ام نس‬ ‫حابة‪ ,‬بتم‬ ‫وب الص‬ ‫ييب لقل‬ ‫ه‪ ,‬تط‬ ‫ون في‬ ‫‪.‬فيك‬
‫‪.‬ويحتمل أن يك ون المع نى‪ :‬أنكم إن ق اتلتموهم في الش هر الح رام‪ ,‬فق د ق اتلوكم في ه‪ ,‬وهم المعت دون‪ ,‬فليس عليكم في ذل ك ح رج‬
‫اص‬ ‫ام على الخ‬ ‫ف الع‬ ‫اب عط‬ ‫اصٌ " من ب‬ ‫ص‬ ‫ُ‬
‫ات قِ َ‬ ‫ه‪َ " :‬و ْال ُح ُر َم‬ ‫ون قول‬ ‫ذا فيك‬ ‫‪.‬وعلى ه‬
‫أي‪ :‬كل شيء يحترم من شهر حرام‪ ,‬أو بلد حرام‪ ,‬أو إحرام‪ ,‬أو ما هو أعم من ذلك‪ ,‬جميع م ا أم ر الش رع باحترام ه‪ ,‬فمن تج رأ‬
‫ه يقتص منه‬ ‫ا‪ ,‬فإن‬ ‫‪.‬عليه‬
‫رام‪ ,‬قوتل‬ ‫هر الح‬ ‫ل في الش‬ ‫‪.‬فمن قات‬
‫ه حرمة‬ ‫د‪ ,‬ولم يكن ل‬ ‫ه الح‬ ‫ذ من‬ ‫رام‪ ,‬أخ‬ ‫د الح‬ ‫ك البل‬ ‫‪.‬ومن هت‬
‫ه‪ ,‬اقتص منه‬ ‫وا‪ ,‬من‬ ‫ع عض‬ ‫ه أو قط‬ ‫ه‪ ,‬ومن جرح‬ ‫لب‬ ‫ه قت‬ ‫ل مكافئا ل‬ ‫‪.‬ومن قت‬
‫ه بدله‬ ‫ذ من‬ ‫ترم‪ ,‬أخ‬ ‫يره المح‬ ‫ال غ‬ ‫ذم‬ ‫‪.‬ومن أخ‬
‫ولكن هل لصاحب الحق‪ ,‬أن يأخذ من ماله بقدر حقه أم ال؟ خالف بين العلماء‪ ,‬الراجح من ذلك‪ ,‬أنه‪ ,‬إن كان س بب الح ق ظ اهرا‬
‫‪.‬كالضيف‪ ,‬إذا لم يقره غ يره‪ ,‬والزوج ة‪ ,‬والق ريب إذا امتن ع من تجب علي ه النفق ة من اإلنف اق علي ه‪ ,,‬فإن ه يج وز أخ ذه من ماله‬
‫وإن كان السبب خفيا‪ ,‬كمن جحد دين غيره‪ ,‬أو خانه في وديعة‪ ,‬أو سرق منه ونحو ذلك‪ ,‬فإنه ال يجوز له أن يأخذ من ماله مقابل ة‬
‫‪ " .‬له‪ ,‬جمعا بين األدلة‪ ,‬ولهذا قال تع الى‪ ,‬توكي دا وتقوي ة لم ا تق دم‪ " :‬فَ َم ِن ا ْعتَ دَى َعلَ ْي ُك ْم فَا ْعتَ دُوا َعلَ ْي ِه بِ ِم ْث ِل َم ا ا ْعتَ دَى َعلَ ْي ُك ْم‬
‫دي‬ ‫ة المعت‬ ‫ة في مقابل‬ ‫ا هي المماثل‬ ‫ة‪ ,‬وأنه‬ ‫فة المقاص‬ ‫ير لص‬ ‫ذا تفس‬ ‫‪.‬ه‬
‫ولما كانت النفوس ‪ -‬في الغالب ‪ -‬ال تقف على حدها إذا رخص لها في المعاقبة لطلبها التشفي‪ ,‬أمر تعالى بل زوم تق واه‪ ,‬ال تي هي‬
‫‪.‬الوق وف عن د ح دوده‪ ,‬وع دم تجاوزه ا‪ ,‬وأخ بر تع الى أن ه " َم َع ْال ُمتَّقِينَ " أي‪ :‬ب العون‪ ,‬والنص ر‪ ,‬والتأيي د‪ ,‬والتوفيق‬
‫عادة األبدية‬ ‫ه الس‬ ‫لل‬ ‫ه‪ ,‬حص‬ ‫ان هللا مع‬ ‫‪.‬ومن ك‬
‫‪.‬ومن لم يلزم التقوى‪ ,‬تخلى عنه وليه‪ ,‬وخذله‪ ,‬فوكله إلى نفسه فصار هالكه أقرب إليه من حبل الوريد‬
‫وأنفقوا في سبيل هللا وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا "‬
‫" إن هللا يحب المحسنين‬
‫لة إلى هللا‬ ‫رق الموص‬ ‫وال في الط‬ ‫راج األم‬ ‫و إخ‬ ‫بيله‪ ,‬وه‬ ‫ة في س‬ ‫اده بالنفق‬ ‫الى عب‬ ‫أمر تع‬ ‫‪.‬ي‬
‫اق على من تجب مؤنته‬ ‫ريب‪ ,‬أو إنف‬ ‫كين‪ ,‬أو ق‬ ‫دقة على مس‬ ‫ير‪ ,‬من ص‬ ‫رق الخ‬ ‫لط‬ ‫‪.‬وهي ك‬
‫بيل هللا‬ ‫اد في س‬ ‫اق في الجه‬ ‫ك اإلنف‬ ‫ل في ذل‬ ‫ا دخ‬ ‫ك‪ ,‬وأول م‬ ‫‪.‬وأعظم ذل‬
‫دن‬ ‫اد بالب‬ ‫رض كالجه‬ ‫وف‬ ‫ال‪ ,‬وه‬ ‫اد بالم‬ ‫ه‪ ,‬جه‬ ‫ة في‬ ‫إن النفق‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪.‬وفيه ا من المص الح العظيم ة‪ ,‬اإلعان ة على تقوي ة المس لمين‪ ,‬وت وهين الش رك وأهل ه‪ ,‬وعلى إقام ة دين هللا وإع زازه‬
‫اق النفقة‬ ‫وم إال على س‬ ‫بيل هللا‪ ,‬ال يق‬ ‫اد في س‬ ‫‪.‬فالجه‬
‫دونها‬ ‫وده ب‬ ‫الروح‪ ,‬ال يمكن وج‬ ‫ه‪ ,‬ك‬ ‫ةل‬ ‫‪.‬فالنفق‬
‫البهم‬ ‫دة تك‬ ‫داء‪ ,‬وش‬ ‫ليط لألع‬ ‫اد‪ ,‬وتس‬ ‫ال للجه‬ ‫بيل هللا‪ ,‬إبط‬ ‫اق في س‬ ‫رك اإلنف‬ ‫‪.‬وفي ت‬
‫ذلك‬ ‫لل‬ ‫ِة " كالتعلي‬ ‫ِدي ُك ْم ِإلَى التَّ ْهلُ َك‬ ‫وا بَِأ ْي‬ ‫الى‪َ " :‬واَل تُ ْلقُ‬ ‫ه تع‬ ‫ون قول‬ ‫‪.‬فيك‬
‫‪.‬واإللقاء بالي د إلى التهلك ة يرج ع إلى أم رين‪ :‬ل ترك م ا أم ر ب ه العب د‪ ,‬إذا ك ان ترك ه موجب ا أو مقارب ا لهالك الب دن أو ال روح‬
‫يرة‬ ‫ور كث‬ ‫ك أم‬ ‫دخل تحت ذل‬ ‫روح‪ ,‬في‬ ‫ف النفس أو ال‬ ‫ل إلى تل‬ ‫بب موص‬ ‫وس‬ ‫اه‬ ‫لم‬ ‫‪.‬وفع‬
‫داء‬ ‫لط األع‬ ‫وجب لتس‬ ‫ه‪ ,‬الم‬ ‫ة في‬ ‫بيل هللا‪ ,‬أو النفق‬ ‫اد في س‬ ‫رك الجه‬ ‫ك‪ ,‬ت‬ ‫‪.‬فمن ذل‬
‫ومن ذلك‪ ,‬تغرير اإلنسان بنفسه‪ ,‬في مقاتلة‪ ,‬أو سفر مخوف‪ ,‬أو محل مسبعة أو حيات‪ ,‬أو يصعد شجرا‪ ,‬أو بنيانا خطرا‪ ,‬أو يدخل‬
‫و ذلك‬ ‫ر ونح‬ ‫ه خط‬ ‫يء في‬ ‫‪.‬تحت ش‬
‫ده إلى التهلكة‬ ‫وه‪ ,‬ممن ألقى بي‬ ‫ذا ونح‬ ‫‪.‬فه‬
‫أس من التوبة‬ ‫ي هللا‪ ,‬والي‬ ‫ة على معاص‬ ‫ك اإلقام‬ ‫‪.‬ومن ذل‬
‫دين‬ ‫روح وال‬ ‫ا هالك لل‬ ‫تي في تركه‬ ‫رائض‪ ,‬ال‬ ‫ه من الف‬ ‫ر هللا ب‬ ‫ا أم‬ ‫رك م‬ ‫ات‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫ولما كانت النفقة في سبيل هللا‪ ,‬نوعا من أنواع اإلحسان‪ ,‬أمر باإلحسان عموما فق ال‪َ " :‬وَأحْ ِس نُوا ِإ َّن هَّللا َ ي ُِحبُّ ْال ُمحْ ِس نِينَ " وه ذا‬
‫يء‬ ‫يء دون ش‬ ‫ده بش‬ ‫ه لم يقي‬ ‫ان‪ ,‬ألن‬ ‫واع اإلحس‬ ‫ع أن‬ ‫مل جمي‬ ‫‪.‬يش‬
‫دم‬ ‫ا تق‬ ‫ال كم‬ ‫ان بالم‬ ‫ه‪ ,‬اإلحس‬ ‫دخل في‬ ‫‪.‬في‬
‫و ذلك‬ ‫فاعات ونح‬ ‫اه‪ ,‬بالش‬ ‫ان بالج‬ ‫ه‪ ,‬اإلحس‬ ‫دخل في‬ ‫‪.‬وي‬
‫افع‬ ‫ر‪ ,‬وتعليم العلم الن‬ ‫روف‪ ,‬والنهي عن المنك‬ ‫األمر المع‬ ‫ان ب‬ ‫ك‪ ,‬اإلحس‬ ‫دخل في ذل‬ ‫‪.‬وي‬
‫ويدخل في ذلك‪ ,‬قضاء حوائج الناس‪ ,‬من تفريج كرباتهم‪ ,‬وإزالة شدائدهم‪ ,‬وعيادة مرضاهم‪ ,‬وتشييع جن ائزهم‪ ,‬وإرش اد ض الهم‪,‬‬
‫‪.‬وإعان ة من يعم ل عمال‪ ,‬والعم ل لمن ال يحس ن العم ل ونح و ذل ك‪ ,‬مم ا ه و من اإلحس ان ال ذي أم ر هللا به‬
‫‪.‬وي دخل في اإلحس ان أيض ا‪ ,‬اإلحس ان في عب ادة هللا تع الى‪ ,‬وه و كم ا ذك ر الن بي ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫"‬ ‫راك‬ ‫هي‬ ‫راه‪ ,‬فإن‬
‫إن لم تكن ت‬ ‫راه‪ ,‬ف‬ ‫كت‬ ‫د هللا كأن‬ ‫" أن تعب‬ ‫‪.‬‬
‫فمن اتصف بهذه الصفات‪ ,‬كان من الذين قال هللا فيهم " لِلَّ ِذينَ َأحْ َسنُوا ْال ُح ْسنَى َو ِزيَ ا َدةٌ " وك ان هللا مع ه يس دده ويرش ده‪ ,‬ويعين ه‬
‫‪.‬على كل أموره‬
‫وأتم وا الحج والعم رة هلل ف إن أحص رتم فم ا استيس ر من "‬
‫الهدي وال تحلقوا رءوس كم ح تى يبل غ اله دي محل ه فمن ك ان‬
‫منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو ص دقة أو‬
‫نسك ف إذا أمنتم فمن تمت ع ب العمرة إلى الحج فم ا استيس ر من‬
‫الهدي فمن لم يجد فصيام ثالثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم‬
‫تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام‬
‫" واتقوا هللا واعلموا أن هللا شديد العقاب‬
‫‪.‬ولم ا ف رغ تع الى من ذك ر أحك ام الص يام والجه اد‪ ,‬ذك ر أحك ام الحج فق ال‪َ " :‬وَأتِ ُّموا ْال َح َّج َو ْال ُع ْم َرةَ هَّلِل ِ " اآلية‬
‫َرةَ " على أم ور‪ :‬أح دها‪ ,‬وج وب الحج والعم رة‪ ,‬وفرض يتهما‬ ‫‪.‬يس تدل بقول ه " َوَأتِ ُّموا ْال َح َّج َو ْال ُع ْم‬
‫الثاني‪ :‬وجوب إتمامهما‪ ,‬بأركانهما‪ ,‬وواجباتهما‪ ,‬التي قد دل عليها فعل النبي صلى هللا عليه وسلم وقول ه " خ ذوا ع ني مناس ككم‬
‫"‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬الث الث‪ :‬أن في ه حج ة لمن ق ال بوج وب العم رة الراب ع‪ :‬أن الحج والعم رة‪ ,‬يجب إتمامهم ا بالش روع فيهم ا‪ ,‬ول و كان ا نقال‬
‫زم لهما‬ ‫ا يل‬ ‫لم‬ ‫د على فع‬ ‫در زائ‬ ‫ذا ق‬ ‫انهما‪ ,‬وه‬ ‫ا وإحس‬ ‫ر بإتقانهم‬ ‫امس‪ :‬األم‬ ‫‪.‬الخ‬
‫الى‬ ‫هما " هَّلِل ِ " تع‬ ‫ر بإخالص‬ ‫ه األم‬ ‫ادس‪ :‬وفي‬ ‫‪.‬الس‬
‫السابع‪ :‬أنه ال يخرج المحرم بهما‪ ,‬بشيء من األشياء حتى يكملهما‪ ,‬إال بما استثناه هللا‪ ,‬وهو الحصر‪ ,‬فلهذا قال‪ " :‬فَِإ ْن ُأحْ ِ‬
‫صرْ تُ ْم "‬
‫‪.‬أي‪ :‬منعتم من الوص ول إلى ال بيت لتكميلهم ا‪ ,‬بم رض‪ ,‬أو ض اللة‪ ,‬أو ع دو‪ ,‬ونح و ذل ك من أن واع الحص ر‪ ,‬ال ذي ه و المنع‬
‫ي " أي‪ :‬فاذبحوا ما استيسر من الهدي‪ ,‬وهو سبع بدن ة‪ ,‬أو س بع بق رة‪ ,‬أو ش اة ي ذبحها المحص ر‪ ,‬ويحل ق "‬ ‫فَ َما ا ْستَ ْي َس َر ِمنَ ْالهَ ْد ِ‬
‫‪.‬ويح ل من إحرام ه بس بب الحص ر كم ا فع ل الن بي ص لى هللا علي ه وس لم وأص حابه‪ ,‬لم ا ص دهم المش ركون ع ام الحديبية‬
‫ع ثم يحل‬ ‫ا في المتمت‬ ‫ام كم‬ ‫رة أي‬ ‫ه‪ ,‬عش‬ ‫م بدل‬ ‫دي‪ ,‬فليص‬ ‫د اله‬ ‫إن لم يج‬ ‫‪.‬ف‬
‫ي َم ِحلَّهُ‬
‫ْد ُ‬ ‫َغ ْالهَ‬ ‫ُك ْم َحتَّى يَ ْبلُ‬
‫وس‬
‫وا ُر ُء َ‬ ‫الى " َواَل تَحْ لِقُ‬ ‫ال تع‬ ‫" ثم ق‬ ‫‪.‬‬
‫وهذا من محظورات اإلحرام‪ ,‬إزالة الشعر‪ ,‬بحلق أو غيره‪ ,‬ألن المعنى واح د من ال رأس‪ ,‬أو من الب دن‪ ,‬ألن المقص ود من ذل ك‪,‬‬
‫عر‬ ‫ة الش‬ ‫ود في بقي‬ ‫و موج‬ ‫ه‪ ,‬وه‬ ‫ه بإزالت‬ ‫ع من الترف‬ ‫عث والمن‬ ‫ول الش‬ ‫‪.‬حص‬
‫امع الترفه‬ ‫ار بج‬ ‫عر‪ ,‬تقليم األظف‬ ‫ة الش‬ ‫اء على إزال‬ ‫ير من العلم‬ ‫اس كث‬ ‫‪.‬وق‬
‫وم النحر‬ ‫وي‬ ‫ه‪ ,‬وه‬ ‫دي محل‬ ‫غ اله‬ ‫تى يبل‬ ‫ر‪ ,‬ح‬ ‫ا ذك‬ ‫ع مم‬ ‫تمر المن‬ ‫‪.‬ويس‬
‫ه اآلية‬ ‫دل علي‬ ‫ات‬ ‫ر‪ ,‬كم‬ ‫د النح‬ ‫ق بع‬ ‫ون الحل‬ ‫ل‪ ,‬أن يك‬ ‫‪.‬واألفض‬
‫وم النحر‬ ‫لي‬ ‫ه قب‬ ‫ل من عمرت‬ ‫دي‪ ,‬لم يتحل‬ ‫اق اله‬ ‫ع إذا س‬ ‫ة‪ ,‬على أن المتمت‬ ‫ذه اآلي‬ ‫تدل به‬ ‫‪.‬ويس‬
‫دي‬ ‫وق اله‬ ‫بب س‬ ‫ه إحالل بس‬ ‫الحج‪ ,‬ولم يكن ل‬ ‫رم ب‬ ‫رة‪ ,‬أح‬ ‫عى للعم‬ ‫اف وس‬ ‫إذا ط‬ ‫‪.‬ف‬
‫وإنما منع تبارك وتعالى من ذلك‪ ,‬لما فيه من الذل والخضوع هلل‪ ,‬واالنكسار له‪ ,‬والتواض ع ال ذي ه و عين مص لحة العب د‪ ,‬وليس‬
‫رر‬ ‫ك من ض‬ ‫ه في ذل‬ ‫‪.‬علي‬
‫فإذا حصل الضرر بأن كان به أذى من مرض‪ ,‬ينتفع بحلق رأسه له‪ ,‬أو قروح‪ ,‬أو قمل ونحو ذلك فإنه يح ل ل ه أن يحل ق رأس ه‪,‬‬
‫‪.‬ولكن يك ون علي ه فدي ة‪ ,‬من ص يام ثالث ة أي ام‪ ,‬أو إطع ام س تة مس اكين‪ ,‬أو نس ك م ا يج زى في أض حية‪ ,‬فه و مخ ير‬
‫يام‬ ‫دقة‪ ,‬فالص‬ ‫ل‪ ,‬فالص‬ ‫ك أفض‬ ‫‪.‬والنس‬
‫ومثل هذا‪ ,‬كل ما كان في معنى ذلك‪ ,‬من تقليم األظفار‪ ,‬أو تغطية الرأس‪ ,‬أو لبس المخيط‪ ,‬أو الطيب‪ ,‬فإنه يجوز عن د الض رورة‪,‬‬
‫ه يترفه‬ ‫اب‬ ‫ةم‬ ‫ع‪ ,‬إزال‬ ‫د من الجمي‬ ‫ذكورة ألن القص‬ ‫ة الم‬ ‫وب الفدي‬ ‫ع وج‬ ‫‪.‬م‬
‫‪.‬ثم ق ال تع الى " فَ ِإ َذا َأ ِم ْنتُ ْم " أي‪ :‬ب أن ق درتم على ال بيت من غ ير م انع ع دو وغ يره‬
‫"‬ ‫راغ منها‬ ‫د الف‬ ‫ه بع‬ ‫ع بتمتع‬ ‫ه‪ ,‬وانتف‬ ‫ْال ُع ْم َر ِة ِإلَى ْال َح ِّج " ب‬
‫ا إلي‬ ‫ل به‬ ‫أن توص‬ ‫‪.‬فَ َم ْن تَ َمتَّ َع بِ‬
‫ي " أي‪ :‬فعلي ه م ا تيس ر من اله دي‪ ,‬وه و م ا يج زى في أض حية "‬ ‫َر ِمنَ ْالهَ ْد ِ‬ ‫‪.‬فَ َم ا ا ْستَي َْس‬
‫وهذا دم نسك‪ ,‬مقابلة لحصول النسكين له في سفرة واحدة‪ ,‬وإلنعام هللا عليه بحصول االنتف اع بالمتع ة‪ ,‬بع د ف راغ العم رة‪ ,‬وقب ل‬
‫روع في الحج‬ ‫‪.‬الش‬
‫كين له‬ ‫ول النس‬ ‫رآن لحص‬ ‫ا‪ ,‬الق‬ ‫‪.‬ومثله‬
‫دي‬ ‫هه‬ ‫رد للحج‪ ,‬ليس علي‬ ‫ة‪ ,‬على أن المف‬ ‫وم اآلي‬ ‫دل مفه‬ ‫‪.‬وي‬
‫هر الحج‬ ‫ا في أش‬ ‫واز فعله‬ ‫ة‪ ,‬وعلى ج‬ ‫يلة المتع‬ ‫ل فض‬ ‫واز‪ ,‬ب‬ ‫ة‪ ,‬على ج‬ ‫‪.‬ودلت اآلي‬
‫"‬ ‫ِة َأي ٍَّام فِي ْال َحجِّ‬ ‫يَا ُم ثَاَل ثَ‬ ‫ه " فَ ِ‬
‫ص‬ ‫دي أو ثمن‬ ‫ْد " أي اله‬ ‫" فَ َم ْن لَ ْم يَ ِج‬ ‫‪.‬‬
‫‪ " .‬أول جوازه ا من حين اإلح رام ب العمرة‪ ,‬وآخره ا ثالث ة أي ام بع د النح ر‪ ,‬أي ام رمي الجم ار‪ ,‬والم بيت بـ " م نى‬
‫امن‪ ,‬والتاسع‬ ‫ابع‪ ,‬والث‬ ‫وم الس‬ ‫ا‪ ,‬أن يص‬ ‫ل منه‬ ‫‪.‬ولكن األفض‬
‫‪َ .‬و َس ْب َع ٍة ِإ َذا َر َج ْعتُ ْم " أي‪ :‬ف رغتم من أعم ال الحج‪ ,‬فيج وز فعله ا في مك ة‪ ,‬وفي الطري ق‪ ,‬وعن د وص وله إلى أهله "‬
‫"‬ ‫دي على المتمتع‬ ‫وب اله‬ ‫ذكور من وج‬ ‫ك " الم‬
‫َ‬ ‫‪َ .‬ذلِ‬
‫ض ِري ْال َم ْس ِج ِد ْال َح َر ِام " بأن كان عند مس افة قص ر ف أكثر‪ ,‬أو بعي دا عن د عرف ات‪ ,‬فه ذا ال ذي يجب علي ه "‬
‫لِ َم ْن لَ ْم يَ ُك ْن َأ ْهلُهُ َحا ِ‬
‫فر واحد‬ ‫ه في س‬ ‫كين ل‬ ‫ول النس‬ ‫دي‪ ,‬لحص‬ ‫‪.‬اله‬
‫ذلك‬ ‫وجب ل‬ ‫دم الم‬ ‫دي‪ ,‬لع‬ ‫هه‬ ‫رام‪ ,‬فليس علي‬ ‫جد الح‬ ‫ري المس‬ ‫ه من حاض‬ ‫ان أهل‬ ‫ا من ك‬ ‫‪.‬وأم‬
‫"‬ ‫اب نواهيه‬ ‫ره‪ ,‬واجتن‬ ‫ال أوام‬ ‫وركم‪ ,‬بامتث‬ ‫ع أم‬ ‫وا هَّللا َ " أي‪ :‬في جمي‬ ‫‪َ .‬واتَّقُ‬
‫ذه اآلية‬ ‫ذكورة في ه‬ ‫ورات الم‬ ‫ذه المحظ‬ ‫اب ه‬ ‫أمورات‪ ,‬واجتن‬ ‫ذه الم‬ ‫الكم‪ ,‬له‬ ‫ك‪ ,‬امتث‬ ‫‪.‬ومن ذل‬
‫‪َ .‬وا ْعلَ ُموا َأ َّن هَّللا َ َش ِدي ُد ْال ِعقَا ِ‬
‫ب " أي‪ :‬لمن عصاه‪ ,‬وهذا هو الموجب للتقوى‪ ,‬فإن من خاف عقاب هللا‪ ,‬انكف عما ي وجب العق اب "‬
‫واب‬ ‫له إلى الث‬ ‫ا يوص‬ ‫ل لم‬ ‫واب هللا‪ ,‬عم‬ ‫اث‬ ‫ا أن من رج‬ ‫‪.‬كم‬
‫‪.‬ومن لم يخف العقاب‪ ,‬ولم يرج الثواب‪ ,‬اقتحم المحارم‪ ,‬وتجرأ على ترك الواجبات‬

‫الحج أش هر معلوم ات فمن ف رض فيهن الحج فال رفث وال "‬


‫فس وق وال ج دال في الحج وم ا تفعل وا من خ ير يعلم ه هللا‬
‫" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي األلباب‬
‫‪.‬يخ بر تع الى أن " ْال َح َّج " واق ع في " َأ ْش هُ ٌر َم ْعلُو َم ٌ‬
‫ات " عن د المخ اطبين‪ ,‬مش هورات‪ ,‬بحيث ال تحت اج إلى تخص يص‬
‫لوات الخمس‬ ‫ات الص‬ ‫الى أوق‬ ‫ا بين تع‬ ‫هره‪ ,‬وكم‬ ‫يين ش‬ ‫يام إلى تع‬ ‫اج الص‬ ‫ا احت‬ ‫‪.‬كم‬
‫ة بينهم‬ ‫ه معروف‬ ‫تمرة في ذريت‬ ‫زل مس‬ ‫تي لم ت‬ ‫راهيم‪ ,‬ال‬ ‫ة إب‬ ‫ان من مل‬ ‫دك‬ ‫ا الحج‪ ,‬فق‬ ‫‪.‬وأم‬
‫‪.‬والمراد باألشهر المعلومات عند الجمهور‪ ,‬شوال‪ ,‬وذو القعدة‪ ,‬وعشر من ذي الحج ة‪ ,‬فهي ال تي يق ع فيه ا اإلح رام ب الحج غالبا‬
‫"‬ ‫روع فيه‬ ‫ه‪ ,‬ألن الش‬ ‫رم ب‬ ‫ض فِي ِه َّن ْال َح َّج " أي‪ :‬أح‬
‫َر َ‬ ‫‪.‬فَ َم ْن فَ‬
‫ان نفال‬ ‫وك‬ ‫ا‪ ,‬ول‬ ‫يره فرض‬ ‫‪.‬يص‬
‫هره‬ ‫ل أش‬ ‫الحج قب‬ ‫رام ب‬ ‫وز اإلح‬ ‫ه ال يج‬ ‫ه‪ ,‬على أن‬ ‫افعي ومن تابع‬ ‫ة‪ ,‬الش‬ ‫ذه اآلي‬ ‫تدل به‬ ‫‪.‬واس‬
‫ان قريبا‬ ‫هره لك‬ ‫ل أش‬ ‫الحج قب‬ ‫رام ب‬ ‫حة اإلح‬ ‫ور‪ ,‬بص‬ ‫ول الجه‬ ‫ة لق‬ ‫ا دالل‬ ‫ل‪ :‬فيه‬ ‫و قي‬ ‫‪.‬قلت ل‬
‫ض فِي ِه َّن ْال َح َّج " دلي ل على أن الف رض ق د يق ع في األش هر الم ذكورة وق د ال يق ع فيه ا‪ ,‬وإال لم يقي ده‬
‫‪.‬ف إن قول ه " فَ َم ْن فَ َر َ‬
‫ق َواَل ِجدَا َل فِي ْال َح ِّج " أي‪ :‬يجب أن تعظموا اإلحرام بالحج‪ ,‬وخصوصا‪ ,‬الواقع في أشهره‪ ,‬وتصونوه‬ ‫ث َواَل فُسُو َ‬
‫وقوله " فَاَل َرفَ َ‬
‫‪.‬عن ك ل م ا يفس ده أو ينقص ه‪ ,‬من ال رفث وه و‪ :‬الجم اع ومقدمات ه الفعلي ة والقولي ة‪ ,‬خصوص ا عن د النس اء‪ ,‬بحض رتهن‬
‫رام‬ ‫ورات اإلح‬ ‫ا محظ‬ ‫ي‪ ,‬ومنه‬ ‫ع المعاص‬ ‫و‪ :‬جمي‬ ‫وق وه‬ ‫‪.‬والفس‬
‫داوة‬ ‫ع الع‬ ‫ر‪ ,‬وتوق‬ ‫ير الش‬ ‫ا تث‬ ‫ة‪ ,‬لكونه‬ ‫ة والمخاص‬ ‫اراة والمنازع‬ ‫و‪ :‬المم‬ ‫دال‪ ,‬وه‬ ‫‪.‬والج‬
‫والمقصود من الحج‪ ,‬الذل واالنكسار هلل‪ ,‬والتقرب إلي ه بم ا أمكن من القرب ات‪ ,‬والت نزه عن مقارف ة الس يئات‪ ,‬فإن ه ب ذلك‪ ,‬يك ون‬
‫زاء إال الجنة‬ ‫هج‬ ‫برور‪ ,‬ليس ل‬ ‫برورا والم‬ ‫‪.‬م‬
‫ا في الحج‬ ‫ع عنه‬ ‫ظ المن‬ ‫ه يتغل‬ ‫ان‪ ,‬فإن‬ ‫ان وزم‬ ‫ل مك‬ ‫ة في ك‬ ‫انت ممنوع‬ ‫ياء‪ ,‬وإن ك‬ ‫ذه األش‬ ‫‪.‬وه‬
‫ل األوامر‬ ‫تى يفع‬ ‫يح‬ ‫ترك المعاص‬ ‫رب إلى هللا ب‬ ‫ه ال يتم التق‬ ‫‪.‬واعلم أن‬
‫هُ هَّللا ُ‬ ‫ٍر يَ ْعلَ ْم‬ ‫وا ِم ْن خَ ْي‬ ‫ا تَ ْف َعلُ‬ ‫الى " َو َم‬ ‫ال تع‬ ‫ذا ق‬ ‫" وله‬ ‫‪.‬‬
‫ل في ذلك[‬ ‫ادة‪ ,‬داخ‬ ‫ة وعب‬ ‫ير وقرب‬ ‫لخ‬ ‫وم فك‬ ‫يص على العم‬ ‫‪.‬أتى بـ " من " للتنص‬
‫أي‪ :‬فإن هللا به عليم‪ ,‬وهذا يتضمن غاية الحث على أفعال الخير‪ ,‬خصوصا في تلك البقاع الشريفة والحرمات المنيفة‪ ,‬فإن ه ينبغي‬
‫‪.‬ت دارك م ا أمكن تدارك ه فيه ا‪ ,‬من ص الة‪ ,‬وص يام‪ ,‬وص دقة‪ ,‬وط واف‪ ,‬وإحس ان ق ولي وفعلي‬
‫‪.‬ثم أمر تعالى بالتزود لهذا السفر المب ارك‪ ,‬ف إن ال تزود في ه‪ ,‬االس تغناء عن المخل وقين‪ ,‬والك ف عن أم والهم‪ ,‬س ؤاال واستش رافا‬
‫المين‬ ‫رب الع‬ ‫ةل‬ ‫ادة قرب‬ ‫افرين‪ ,‬وزي‬ ‫ة للمس‬ ‫ع وإعان‬ ‫ه‪ ,‬نف‬ ‫ار من‬ ‫‪.‬وفي اإلكث‬
‫اع‬ ‫ة ومت‬ ‫ة ‪ -‬بلغ‬ ‫ة البني‬ ‫ه‪ ,‬إقام‬ ‫راد من‬ ‫ذي الم‬ ‫زاد ال‬ ‫ذا ال‬ ‫‪.‬وه‬
‫وأما الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه‪ ,‬في دنياه‪ ,‬وأخراه‪ ,‬فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار‪ ,‬وهو الموص ل ألكم ل‬
‫دا‬ ‫ا أب‬ ‫ل نعيم دائم‬ ‫ذة‪ ,‬وأج‬ ‫‪.‬ل‬
‫‪.‬ومن ت رك ه ذا ال زاد‪ ,‬فه و المنقط ع ب ه ال ذي ه و عرض ة لك ل ش ر‪ ,‬وممن وع من الوص ول إلى دار المتقين‬
‫وى‬ ‫دح للتق‬ ‫ذا م‬ ‫‪.‬فه‬
‫ب‬
‫ا ِ‬ ‫ا ُأولِي اَأْل ْلبَ‬ ‫ون يَ‬
‫ِ‬ ‫ال " َواتَّقُ‬ ‫اب فق‬ ‫ا أولي األلب‬ ‫ر به‬ ‫" ثم أم‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬أي‪ :‬يا أهل العقول الرزينة‪ ,‬اتقوا ربكم‪ ,‬الذي تقواه أعظم ما تأمر به العقول‪ ,‬وتركها دليل على الجهل‪ ,‬وفساد الرأي‬

‫ليس عليكم جناح أن تبتغوا فض ال من ربكم ف إذا أفض تم من "‬


‫عرفات ف اذكروا هللا عن د المش عر الح رام واذك روه كم ا ه داكم‬
‫" وإن كنتم من قبله لمن الضالين‬
‫لما أمر تعالى بالتقوى‪ ,‬أخبر تعالى أن ابتغاء فضل هللا بالتكسب في مواسم الحج وغيره‪ ,‬ليس فيه حرج إذا لم يشغل عما يجب إذا‬
‫كان المقصود هو الحج‪ ,‬وكان الكس ب حالال منس وبا إلى فض ل هللا‪ ,‬ال منس وبا إلى ح ذق العب د‪ ,‬والوق وف م ع الس بب‪ ,‬ونس يان‬
‫رج بعينه‬ ‫و الح‬ ‫ذا ه‬ ‫إن ه‬ ‫بب‪ ,‬ف‬ ‫‪.‬المس‬
‫ت فَ ْاذ ُكرُوا هَّللا َ ِع ْن َد ْال َم ْش َع ِر ْال َح َر ِام " داللة على أمور‪ :‬أحدها‪ :‬الوقوف بعرفة‪ ,‬وأنه كان معروف ا‬
‫وفي قوله " فَِإ َذا َأفَضْ تُ ْم ِم ْن َع َرفَا ٍ‬
‫ان الحج‬ ‫ه ركن من أرك‬ ‫‪.‬أن‬
‫وف‬ ‫د الوق‬ ‫ون إال بع‬ ‫ات‪ ,‬ال تك‬ ‫ة من عرف‬ ‫‪.‬فاإلفاض‬
‫الثاني‪ :‬األمر بذكر هللا عند المشعر الحرام‪ ,‬وهو المزدلفة‪ ,‬وذلك أيضا معروف‪ ,‬يكون ليلة النح ر بائت ا به ا‪ ,‬وبع د ص الة الفج ر‪,‬‬
‫‪.‬يق ف في المزدلف ة داعي ا‪ ,‬ح تى يس فر ج دا‪ ,‬وي دخل في ذك ر هللا عن ده‪ ,‬إيق اع الف رائض والنواف ل فيه‬
‫ترتيب‬ ‫اء وال‬ ‫ه الف‬ ‫دل علي‬ ‫ات‬ ‫ة‪ ,‬كم‬ ‫وف بعرف‬ ‫أخر عن الوق‬ ‫ة‪ ,‬مت‬ ‫وف بمزدلف‬ ‫الث‪ :‬أن الوق‬ ‫‪.‬الث‬
‫ا‪ ,‬وإظهارها‬ ‫ود فعله‬ ‫اعر الحج المقص‬ ‫ا من مش‬ ‫ة‪ ,‬كالهم‬ ‫ات ومزدلف‬ ‫امس‪ :‬أن عرف‬ ‫ع‪ ,‬والخ‬ ‫‪.‬الراب‬
‫الحرام‬ ‫ده ب‬ ‫ا قي‬ ‫رم‪ ,‬كم‬ ‫ة في الح‬ ‫ادس‪ :‬أن مزدلف‬ ‫‪.‬الس‬
‫د بـ " مزدلفة‬ ‫وم التقيي‬ ‫و مفه‬ ‫اه‬ ‫ل‪ ,‬كم‬ ‫ة في الح‬ ‫ابع‪ :‬أن عرف‬ ‫" الس‬ ‫‪.‬‬
‫َو ْاذ ُكرُوهُ َك َما هَدَا ُك ْم َوِإ ْن ُك ْنتُ ْم ِم ْن قَ ْبلِ ِه لَ ِمنَ الضَّالِّينَ " أي‪ :‬اذكروا هللا تعالى‪ ,‬كما من عليكم بالهداية بعد الض الل‪ ,‬وكم ا علمكم "‬
‫ون‬ ‫وا تعلم‬ ‫ا لم تكون‬ ‫‪.‬م‬
‫‪.‬فهذه من أكبر النعم‪ ,‬التي يجب شكرها ومقابلتها بذكر المنعم بالقلب واللسان‬

‫ثم أفيض وا من حيث أف اض الن اس واس تغفروا هللا إن هللا "‬


‫" غفور رحيم‬
‫ْث َأفَ َ‬
‫اض النَّاسُ " أي‪ :‬ثم أفيضوا من مزدلفة‪ ,‬من حيث أفاض الناس‪ ,‬من لدن إبراهيم عليه الس الم إلى اآلن "‬ ‫‪.‬ثُ َّم َأفِيضُوا ِم ْن َحي ُ‬
‫والمقصود من هذه اإلفاضة‪ ,‬كان معروفا عندهم‪ ,‬وهو رمي الجمار‪ ,‬وذبح الهدايا‪ ,‬والطواف‪ ,‬والسعي‪ ,‬والمبيت بـ " منى " ليالي‬
‫‪.‬التشريق وتكميل باقي المناسك‬

‫فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا هللا كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا "‬
‫فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وم ا ل ه في اآلخ رة من‬
‫" خالق‬
‫ولما كانت هذه اإلفاضة‪ ,‬يقصد بها ما ذكر‪ ,‬والمذكورات آخ ر المناس ك‪ ,‬أم ر تع الى عن د الف راغ منه ا‪ ,‬باس تغفاره واإلكث ار من‬
‫ره‬ ‫‪.‬ذك‬
‫يره فيها‬ ‫ه وتقص‬ ‫د‪ ,‬في أداء عبادت‬ ‫ع من العب‬ ‫ل الواق‬ ‫تغفار للخل‬ ‫‪.‬فاالس‬
‫يمة‬ ‫ة الجس‬ ‫ة والمن‬ ‫ادة العظيم‬ ‫ذه العب‬ ‫التوفيق له‬ ‫هب‬ ‫ه علي‬ ‫كر هللا على إنعام‬ ‫ر هللا‪ ,‬ش‬ ‫‪.‬وذك‬
‫وهكذا ينبغي للعبد‪ ,‬كلما فرغ من عبادة‪ ,‬أن يستغفر هللا عن التقصير‪ ,‬ويشكره على التوفي ق‪ ,‬ال كمن ي رى أن ه ق د أكم ل العب ادة‪,‬‬
‫المقت‪ ,‬ورد الفعل‬ ‫قب‬ ‫ذا حقي‬ ‫ة‪ ,‬فه‬ ‫ة رفيع‬ ‫ه محال ومنزل‬ ‫ه‪ ,‬وجعلت ل‬ ‫ا على رب‬ ‫‪.‬ومن به‬
‫ال أخر‬ ‫ق ألعم‬ ‫القبول والتوفي‬ ‫قب‬ ‫ا أن األول‪ ,‬حقي‬ ‫‪.‬كم‬
‫‪.‬ثم أخ بر تع الى عن أح وال الخل ق‪ ,‬وأن الجمي ع يس ألونه مط البهم‪ ,‬ويس تدفعونه م ا يض رهم‪ ,‬ولكن مقاص دهم تختلف‬
‫فمنهم " َم ْن يَقُو ُل َربَّنَا آتِنَا فِي ال ُّد ْنيَا " أي‪ :‬يسأله من مطالب الدنيا ما هو من ش هواته‪ ,‬وليس ل ه في اآلخ رة من نص يب‪ ,‬لرغبت ه‬
‫دنيا‬ ‫ه على ال‬ ‫ر همت‬ ‫ا‪ ,‬وقص‬ ‫‪.‬عنه‬
‫اه‬ ‫ه ودني‬ ‫ات دين‬ ‫ه في مهم‬ ‫ر إلي‬ ‫دارين‪ ,‬ويفتق‬ ‫لحة ال‬ ‫دعو هللا لمص‬ ‫‪.‬ومنهم من ي‬
‫وكل من هؤالء وهؤالء‪ ,‬لهم نصيب من كسبهم وعملهم‪ ,‬وسيجازيهم تعالى‪ ,‬على حسب أعمالهم‪ ,‬وهم اتهم وني اتهم‪ ,‬ج زاء دائ را‬
‫د وأتمه‬ ‫ل حم‬ ‫ه أكم‬ ‫د علي‬ ‫ل‪ ,‬يحم‬ ‫دل والفض‬ ‫‪.‬بين الع‬
‫قا‬ ‫افرا‪ ,‬أو فاس‬ ‫لما أو ك‬ ‫ل داع‪ ,‬مس‬ ‫وة ك‬ ‫ل على أن هللا يجيب دع‬ ‫ة‪ ,‬دلي‬ ‫ذه اآلي‬ ‫‪.‬وفي ه‬
‫‪.‬ولكن ليس ت إجابت ه دع اء من دع اه‪ ,‬دليال على محبت ه ل ه وقرب ه من ه‪ ,‬إال في مط الب اآلخ رة‪ ,‬ومهم ات ال دين‬
‫والحسنة المطلوبة في الدنيا‪ ,‬يدخل فيها كل ما يحسن وقعه عند العبد‪ ,‬من رزق هني واسع حالل‪ ,‬وزوجة صالحة‪ ,‬وول د تق ر ب ه‬
‫ة والمباحة‬ ‫الب المحبوب‬ ‫ك‪ ,‬من المط‬ ‫و ذل‬ ‫الح‪ ,‬ونح‬ ‫لص‬ ‫افع‪ ,‬وعم‬ ‫ة‪ ,‬وعلم ن‬ ‫‪.‬العين‪ ,‬وراح‬
‫وحسنة اآلخرة‪ ,‬هي السالمة من العقوبات‪ ,‬في القبر‪ ,‬والموقف‪ ,‬والنار‪ ,‬وحص ول رض ا هللا‪ ,‬والف وز ب النعيم المقيم‪ ,‬والق رب من‬
‫رحيم‬ ‫رب ال‬ ‫‪.‬ال‬
‫‪.‬فصار هذا الدعاء‪ ,‬أجمع دعاء وأكمله‪ ,‬وأواله باإليثار‪ ,‬ولهذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم يكثر من الدعاء به‪ ,‬والحث عليه‬

‫واذكروا هللا في أيام معدودات فمن تعج ل في ي ومين فال إثم "‬
‫عليه ومن تأخر فال إثم عليه لمن اتقى واتقوا هللا واعلموا أنكم‬
‫" إليه تحشرون‬
‫يأمر تعالى بذكره في األيام المعدودات‪ ,‬وهي أيام التشريق الثالثة بعد العي د‪ ,‬لمزيته ا وش رفها‪ ,‬وك ون بقي ة المناس ك تفع ل به ا‪,‬‬
‫يامها‬ ‫رم ص‬ ‫ذا ح‬ ‫ا‪ ,‬وله‬ ‫يافا هلل فيه‬ ‫اس أض‬ ‫ون الن‬ ‫‪.‬ولك‬
‫‪ " .‬فلل ذكر فيه ا مزي ة‪ ,‬ليس ت لغيره ا‪ ,‬وله ذا ق ال الن بي ص لى هللا علي ه وس لم " أي ام التش ريق‪ ,‬أي ام أك ل وش رب‪ ,‬وذك ر هللا‬
‫رائض‬ ‫د عقب الف‬ ‫ذكر المقي‬ ‫ذبح‪ ,‬وال‬ ‫د ال‬ ‫ار‪ ,‬وعن‬ ‫د رمي الجم‬ ‫ره عن‬ ‫ا‪ ,‬ذك‬ ‫ر هللا فيه‬ ‫دخل في ذك‬ ‫‪.‬وي‬
‫ر‪ ,‬وليس ببعيد‬ ‫ق‪ ,‬كالعش‬ ‫ير المطل‬ ‫ا التكب‬ ‫تحب فيه‬ ‫ه يس‬ ‫اء‪ :‬إن‬ ‫ال بعض العلم‬ ‫لق‬ ‫‪.‬ب‬
‫"‬ ‫اني‬ ‫وم الث‬ ‫مس الي‬ ‫روب ش‬ ‫لغ‬ ‫ا قب‬ ‫ر منه‬ ‫نى " ونف‬ ‫رج من " م‬ ‫‪.‬فَ َم ْن تَ َع َّج َل فِي يَ‬
‫وْ َمي ِْن " أي خ‬
‫فَاَل ِإ ْث َم َعلَ ْي ِه َو َم ْن تََأ َّخ َر " بأن بات بها ليلة الثالث ورمى من الغد " فَاَل ِإ ْث َم َعلَ ْي ِه " وه ذا تخفي ف من هللا تع الى على عب اده‪ ,‬في "‬
‫رين‬ ‫ة كال‪ ,‬األم‬ ‫‪.‬إباح‬
‫ادة‬ ‫ثر عب‬ ‫ه أك‬ ‫ل‪ ,‬ألن‬ ‫أخر أفض‬ ‫رين‪ ,‬فالمت‬ ‫ه إذا أبيح كال األم‬ ‫وم أن‬ ‫‪.‬ولكن من المعل‬
‫ولما كان نفي الحرج‪ ,‬قد يفهم منه نفي الحرج في ذلك المذكور وفي غيره‪ ,‬والحال أن الحرج منفي عن المتق دم والمت أخر فق ط ‪-‬‬
‫ده بقوله‬ ‫‪.‬قي‬
‫"‬ ‫وال الحج‬ ‫وره‪ ,‬وأح‬ ‫ع أم‬ ‫‪.‬لِ َم ِن اتَّقَى " أي‪ :‬اتقى هللا في جمي‬
‫يء‬ ‫لش‬ ‫رج في ك‬ ‫ه نفي الح‬ ‫لل‬ ‫يء‪ ,‬حص‬ ‫لش‬ ‫‪.‬فمن اتقى هللا في ك‬
‫زاء من جنس العمل‬ ‫ان الج‬ ‫يء‪ ,‬ك‬ ‫يء دون ش‬ ‫اه في ش‬ ‫‪.‬ومن اتق‬
‫"‬ ‫يه‬ ‫اب معاص‬ ‫ره واجتن‬ ‫ال أوام‬ ‫وا هَّللا َ " بامتث‬ ‫‪َ .‬واتَّقُ‬
‫"‬ ‫الكم‬ ‫ازيكم بأعم‬ ‫رُونَ " فمج‬ ‫ِه تُحْ َش‬ ‫وا َأنَّ ُك ْم ِإلَ ْي‬ ‫‪َ .‬وا ْعلَ ُم‬
‫د العقوبة‬ ‫ه أش‬ ‫ه‪ ,‬عاقب‬ ‫ده‪ ,‬ومن لم يتق‬ ‫وى عن‬ ‫زاء التق‬ ‫دج‬ ‫اه‪ ,‬وج‬ ‫‪.‬فمن اتق‬
‫‪.‬فالعلم بالجزاء‪ ,‬من أعظم الدواعي لتقوى هللا‪ ,‬فلهذا حث تعالى‪ ,‬على العلم بذلك‬

‫ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد هللا على "‬
‫" ما في قلبه وهو ألد الخصام‬
‫لما أمر تعالى باإلكثار من ذكره‪ ,‬وخصوصا في األوقات الفاضلة‪ ,‬الذي هو خير مصلحة وبر‪ ,‬أخبر تعالى بحال من يتكلم بلسانه‬
‫ك قَوْ لُ هُ فِي ْال َحيَ ا ِة ال ُّد ْنيَا " أي‪ :‬إذا تكلم‪,‬‬ ‫ويخالف فعله قوله‪ ,‬فالكالم إما أن يرفع اإلنسان أو يخفضه فقال‪َ " :‬و ِمنَ النَّ ِ‬
‫اس َم ْن يُ ْع ِجبُ َ‬
‫امع‬ ‫ه للس‬ ‫‪.‬راق كالم‬
‫وإذا نطق‪ ,‬ظنته يتكلم بكالم نافع‪ ,‬ويؤكد ما يقول بأنه " َويُ ْش ِه ُد هَّللا َ َعلَى َما فِي قَ ْلبِ ِه " بأن يخبر أن هللا يعلم‪ ,‬أن ما في قلب ه مواف ق‬
‫ه فعله‬ ‫الف قول‬ ‫ه يخ‬ ‫ك‪ ,‬ألن‬ ‫اذب في ذل‬ ‫وك‬ ‫ه‪ ,‬وه‬ ‫قب‬ ‫ا نط‬ ‫‪.‬لم‬
‫ص ِام " أي‪ :‬إذا خاصمته‪ ,‬وج دت في ه‬ ‫فلو كان صادقا‪ ,‬لتوافق القول والفعل‪ ,‬كحال المؤمن غير المنافق‪ ,‬ولهذا قال‪َ " :‬وه َُو َألَ ُّد ْال ِخ َ‬
‫من اللدد والصعوبة والتعصب‪ ,‬وما يترتب على ذلك‪ ,‬ما هو من مقابح الص فات‪ ,‬ليس ك أخالق المؤم نين‪ ,‬ال ذين جعل وا الس هولة‬
‫‪.‬مركبهم‪ ,‬واالنقياد للحق وظيفتهم‪ ,‬والسماحة سجيتهم‬

‫وإذا ت ولى س عى في األرض ليفس د فيه ا ويهل ك الح رث "‬


‫" والنسل وهللا ال يحب الفساد‬
‫َوِإ َذا ت ََولَّى " هذا الذي يعجبك قوله إذا حضر عندك " َس َعى فِي اَأْلرْ ِ‬
‫ض لِيُ ْف ِس َد فِيهَا " أي‪ :‬يجته د على أعم ال المعاص ي‪ ,‬ال تي "‬
‫ث َوالنَّ ْس َل " ف الزروع والثم ار والمواش ي‪ ,‬تتل ف وتنقص‪ ,‬وتق ل بركته ا‪,‬‬ ‫ك " بسبب ذل ك " ْال َح رْ َ‬
‫هي إفساد في األرض " َويُ ْهلِ َ‬
‫ل في المعاصي‬ ‫بب العم‬ ‫‪.‬بس‬
‫‪َ .‬وهَّللا ُ اَل يُ ِحبُّ ْالفَ َسا َد " فإذا كان ال يحب الفساد‪ ,‬فهو يبغض العبد المفسد في األرض‪ ,‬غاية البغض‪ ,‬وإن قال بلسانه قوال حس نا "‬
‫ففي هذه اآلية دليل على أن األقوال التي تصدر من األشخاص‪ ,‬ليست دليال على صدق وال كذب‪ ,‬وال ب ر وال فج ور ح تى يوج د‬
‫العمل المصدق لها‪ ,‬المزكى لها وأنه ينبغي اختبار أحوال الش هود‪ ,‬والمح ق والمبط ل من الن اس‪ ,‬ب بر أعم الهم‪ ,‬والنظ ر لق رائن‬
‫‪.‬أحوالهم‪ ,‬وأن ال يغتر بتمويههم وتزكيتهم أنفسهم‬

‫وإذا قيل له اتق هللا أخذته العزة باإلثم فحسبه جهنم ول بئس "‬
‫" المهاد‬
‫بر وأنف‬ ‫وى هللا تك‬ ‫ر بتق‬ ‫ي هللا‪ ,‬إذا أم‬ ‫د في األرض بمعاص‬ ‫ذا المفس‬ ‫ر أن ه‬ ‫‪.‬ثم ذك‬
‫"‬ ‫حين‬ ‫بر على الناص‬ ‫ي والتك‬ ‫ل بالمعاص‬ ‫ع يين العم‬ ‫اِإْل ْث ِم " فيجم‬ ‫َّزةُ بِ‬ ‫هُ ْال ِع‬ ‫‪َ.‬أخَ َذ ْت‬
‫"‬ ‫برين‬ ‫ين والمتك‬ ‫تي هي دار العاص‬ ‫بُهُ َجهَنَّ ُم " ال‬ ‫‪.‬فَ َح ْس‬
‫س ْال ِمهَا ُد " أي‪ :‬المستقر والمسكن‪ ,‬عذاب دائم‪ ,‬وهم ال ينقطع‪ ,‬ويأس مستمر‪ ,‬ال يخفف عنهم العذاب‪ ,‬وال يرجون الث واب‪" ,‬‬
‫َولَبِْئ َ‬
‫الهم‬ ‫ة ألعم‬ ‫ايتهم ومقابل‬ ‫زاء لجن‬ ‫‪.‬ج‬
‫‪.‬فعياذا باهلل‪ ,‬من أحوالهم‬

‫ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة هللا وهللا رءوف "‬
‫" بالعباد‬
‫ردات‬ ‫اني المف‬ ‫‪.‬مع‬
‫‪.‬ق ال في الص حاح‪ :‬ش ريت الش يء أش ريه ش راء‪ :‬إذا بعت ه وإذا اش تريته أيض ا‪ ,‬وه و من األض داد‬
‫ا ِة هَّللا ِ " أي‪ :‬يبيعها‬ ‫ا َء َمرْ َ‬
‫ض‬ ‫اس َم ْن يَ ْش‬
‫هُ ا ْبتِ َغ‬ ‫ِري نَ ْف َس‬
‫الى " َو ِمنَ النَّ ِ‬ ‫ال هللا تع‬ ‫‪.‬ق‬
‫اموس‬ ‫ه في الق‬ ‫اعوه ا هـ ومثل‬ ‫دُو َد ٍة " أي‪ :‬ب‬ ‫س د ََرا ِه َم َم ْع‬ ‫َروْ هُ بِثَ َم ٍن بَ ْخ ٍ‬ ‫الى‪َ " :‬و َش‬ ‫ال تع‬ ‫‪.‬وق‬
‫هذه اآلية نزلت في صهيب بن سنان الرومي حين أراده المش ركون على ت رك اإلس الم‪ ,‬كم ا رواه ابن عب اس وأنس‪ ,‬وس عيد بن‬
‫يرهم‬ ‫ةغ‬ ‫ة وجماع‬ ‫دي وعكرم‬ ‫ان النه‬ ‫و عثم‬ ‫يب وأب‬ ‫‪.‬المس‬
‫‪.‬وذل ك أن ه لم ا أس لم بمك ة وأراد الهج رة‪ ,‬منع ه الن اس أن يه اجر بمال ه‪ ,‬وإن أحب أن يتج رد من ه ويه اجر‪ :‬فعل‬
‫ذه اآلية‬ ‫هه‬ ‫أنزل هللا في‬ ‫ه‪ ,‬ف‬ ‫اهم مال‬ ‫‪.‬فتخلص منهم وأعط‬
‫بيع‬ ‫بيع ربح ال‬ ‫ه‪ :‬ربح ال‬ ‫الوا ل‬ ‫رة‪ ,‬فق‬ ‫رف الح‬ ‫ة‪ ,‬إلى ط‬ ‫اب وجماع‬ ‫ر بن الخط‬ ‫اه عم‬ ‫‪.‬فتلق‬
‫ذه اآلية‬ ‫هه‬ ‫زل في‬ ‫أخبروه أن هللا أن‬ ‫ا ذاك؟ ف‬ ‫ارتكم‪ ,‬وم‬ ‫ر هللا تج‬ ‫ال‪ :‬وأنتم‪ ,‬فال أخس‬ ‫‪.‬فق‬
‫هيب‬ ‫بيع ص‬ ‫ه " ربح ال‬ ‫ال ل‬ ‫لم ق‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫ول هللا ص‬ ‫روى أن رس‬ ‫" وي‬ ‫‪.‬‬
‫وحدث أبو عثمان النهدي عن صهيب قال‪ :‬لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى هللا عليه وسلم قالت لي قريش‪ :‬يا ص هيب‪,‬‬
‫دا‬ ‫ك أب‬ ‫ون ذل‬ ‫ك؟ وهللا ال يك‬ ‫رج أنت ومال‬ ‫ك‪ ,‬وتخ‬ ‫ال ل‬ ‫ا وال م‬ ‫دمت إلين‬ ‫‪.‬ق‬
‫الوا‪ :‬نعم‬ ‫ني؟ ق‬ ‫ون ع‬ ‫الي تخل‬ ‫‪.‬فقلت لهم‪ :‬أرأيتم إن دفعت إليكم م‬
‫دمت المدينة‬ ‫تى ق‬ ‫رجت ح‬ ‫ني‪ ,‬فح‬ ‫وا ع‬ ‫الي‪ ,‬فخل‬ ‫دفعت إليهم م‬ ‫‪.‬ف‬
‫رتين‬ ‫هيب " م‬ ‫هيب ربح ص‬ ‫ال‪ " :‬ربح ص‬ ‫لم فق‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫بي ص‬ ‫ك الن‬ ‫غ ذل‬ ‫‪.‬فبل‬
‫وقال حماد بن سلمة‪ ,‬عن علي بن يزيد‪ ,‬عن سعيد بن المسيب قال‪ :‬أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى هللا علي ه وس لم‪ ,‬فاتبع ه‬
‫ريش‬ ‫ر من ق‬ ‫‪.‬نف‬
‫‪.‬ف نزل عن راحلت ه‪ ,‬ونث ل م ا في كنانت ه‪ ,‬ثم ق ال‪ :‬ي ا معش ر ق ريش‪ ,‬ق د علمتم أني من أرم اكم رجال‬
‫‪.‬وأنتم ‪ -‬وهللا ‪ -‬ال تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي‪ ,‬ثم أضرب بسيفي‪ ,‬ما بقي في ي دي من ه ش يء ثم افعل وا م ا ش ئتم‬
‫ه‪ :‬نعم‬ ‫الوا ل‬ ‫بيلي‪ ,‬ق‬ ‫ة‪ ,‬وخليتم س‬ ‫تي بمك‬ ‫الي وقني‬ ‫ئتم دللتكم على م‬ ‫‪.‬وإن ش‬
‫فلما قدم على النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ " :‬ربح ال بيع " ق ال‪ :‬ون زلت ومن الن اس من يش ري نفس ه ابتغ اء مرض اة هللا وهللا‬
‫اد‬ ‫‪.‬رءوف بالعب‬
‫اش ت ََرى ِمنَ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ َأ ْنفُ َس هُ ْم‬ ‫وأما األكثرون‪ ,‬فحملوا ذلك على أنها نزلت في كل مجاهد في س بيل هللا كم ا ق ال تع الى‪ِ " :‬إ َّن هَّللا َ ْ‬
‫َوَأ ْم َوالَهُ ْم بَِأ َّن لَهُ ُم ْال َجنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي َسبِي ِل هَّللا ِ فَيَ ْقتُلُونَ َويُ ْقتَلُونَ َو ْعدًا َعلَ ْي ِه َحقًّا فِي التَّوْ َرا ِة َواِإْل ْن ِجي ِل َو ْالقُ رْ آ ِن َو َم ْن َأوْ فَى بِ َع ْه ِد ِه ِمنَ‬
‫وْ ُز ْال َع ِظي ُم‬ ‫َو ْالفَ‬ ‫ك هُ‬ ‫َ‬ ‫ِه َو َذلِ‬ ‫ايَ ْعتُ ْم بِ‬ ‫رُوا بِبَي ِْع ُك ُم الَّ ِذي بَ‬ ‫" هَّللا ِ فَا ْستَب ِْش‬ ‫‪.‬‬
‫اس‬ ‫ه بعض الن‬ ‫ر علي‬ ‫فين‪ ,‬أنك‬ ‫امر بين الص‬ ‫ام بن ع‬ ‫ل هش‬ ‫ا حم‬ ‫‪.‬ولم‬
‫ذه اآلية‬ ‫وا ه‬ ‫ا‪ ,‬وتل‬ ‫رة وغيرهم‬ ‫و هري‬ ‫اب وأب‬ ‫ر بن الخط‬ ‫رد عليهم عم‬ ‫‪.‬ف‬
‫اد ا هـ‬ ‫اة هللا وهللا رءوف بالعب‬ ‫اء مرض‬ ‫ه ابتغ‬ ‫ري نفس‬ ‫اس من يش‬ ‫‪.‬ومن الن‬
‫‪.‬من تفسير ابن كثير بتصرف يسير‬

‫يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة وال تتبعوا خطوات "‬
‫" الشيطان إنه لكم عدو مبين‬
‫هذا أمر من هللا تعالى للمؤمنين أن يدخلوا " فِي الس ِّْل ِم َكافَّةً " أي‪ :‬في جميع شرائع ال دين‪ ,‬وال ي تركوا منه ا ش يئا‪ ,‬وأن ال يكون وا‬
‫ه‪ ,‬تركه‬ ‫ه‪ ,‬وإن خالف‬ ‫واه فعل‬ ‫روع ه‬ ‫ر المش‬ ‫ق األم‬ ‫واه‪ ,‬إن واف‬ ‫هه‬ ‫ذ إله‬ ‫‪.‬ممن اتخ‬
‫بل الواجب‪ ,‬أن يكون الهوى‪ ,‬تبعا للدين‪ ,‬وأن يفعل كل ما يقدر عليه‪ ,‬من أفعال الخير‪ ,‬وم ا يعج ز عن ه‪ ,‬يلتزم ه وينوي ه‪ ,‬فيدرك ه‬
‫‪.‬بنيته‬
‫ان " أي‪ :‬في‬
‫ط ِ‬ ‫ت َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫ولما كان الدخول في السلم كافة‪ ,‬ال يمكن وال يتصور إال بمخالفة طرق الشيطان قال‪َ " :‬واَل تَتَّبِ ُع وا ُخطُ َوا ِ‬
‫داوة‬ ‫اهر الع‬ ‫د ٌُّو ُمبِ ٌ‬
‫ين " ظ‬ ‫ي هللا " ِإنَّهُ لَ ُك ْم َع‬ ‫ل بمعاص‬ ‫‪.‬العم‬
‫‪.‬والعدو المبين‪ ,‬ال يأمر إال بالسوء والفحشاء‪ ,‬وما به الضرر عليكم‬

‫فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البين ات ف اعلموا أن هللا عزي ز "‬


‫" حكيم‬
‫‪.‬ولم ا ك ان العب د ال ب د أن يق ع من ه خل ل وزل ل‪ ,‬ق ال تع الى " فَ ِإ ْن َزلَ ْلتُ ْم " أي أخط أتم ووقعتم في ال ذنوب‬
‫"‬ ‫ٌز َح ِكي ٌم‬ ‫ا ْعلَ ُموا َأ َّن هَّللا َ ع ِ‬
‫َزي‬ ‫ُ‬
‫ات " أي‪ :‬على علم ويقين " فَ‬ ‫ا َء ْت ُك ُم ْالبَيِّنَ‬ ‫ا َج‬ ‫ِد َم‬ ‫" ِم ْن بَ ْع‬ ‫‪.‬‬
‫وفيه من الوعيد الشديد‪ ,‬والتخويف‪ ,‬ما يوجب ترك الزلل‪ ,‬ف إن العزي ز المق ام الحكيم‪ ,‬إذا عص اه العاص ي‪ ,‬قه ره بقوت ه‪ ,‬وعذب ه‬
‫اة‬ ‫اة والجن‬ ‫ذيب العص‬ ‫ه‪ ,‬تع‬ ‫إن من حكمت‬ ‫هف‬ ‫ى حكمت‬ ‫‪.‬بمقتض‬
‫‪.‬وهذا فيه من الوعيد الشديد والتهديد‪ ,‬ما تنخلع له القلوب‬

‫هل ينظرون إال أن يأتيهم هللا في ظل ل من الغم ام والمالئك ة "‬


‫" وقضي األمر وإلى هللا ترجع األمور‬
‫يقول تعالى‪ :‬هل ينتظر الساعون في الفساد في األرض‪ ,‬المتبعون لخطوات الشيطان‪ ,‬النابذون ألمر هللا إال يوم الجزاء باألعمال‪,‬‬
‫‪.‬ال ذي ق د حش ى من األه وال والش دائد والفظ ائع‪ ,‬م ا يقلق ل قل وب الظ المين‪ ,‬ويحي ق ب ه الج زاء الس يئ على المفس دين‬
‫وذلك أن هللا تعالى يطوي السماوات واألرض‪ ,‬وتنتثر الكواكب‪ ,‬وتكور الشمس والقمر‪ ,‬وتنزل المالئكة الكرام‪ ,‬فتحيط بالخالئق‪,‬‬
‫ِام " ليفص ل بين عب اده بالقض اء الع دل‬ ‫ٍل ِمنَ ْال َغ َم‬ ‫‪.‬وي نزل الب اري تب ارك وتع الى " فِي ظُلَ‬
‫‪.‬فتوضع الموازين‪ ,‬وتنشر الدواوين‪ ,‬وتبيض وجوه أهل السعادة وتس ود وج وه أه ل الش قاوة‪ ,‬ويتم يز أه ل الخ ير من أه ل الشر‬
‫ازى بعمله‬ ‫ل يج‬ ‫‪.‬وك‬
‫و عليه‬ ‫اه‬ ‫ةم‬ ‫ه‪ ,‬إذا علم حقيق‬ ‫الم على يدي‬ ‫ك يعض الظ‬ ‫‪.‬فهنال‬
‫وهذه اآلية وما أشبهها‪ ,‬دليل لمذهب أهل السنة والجماعة‪ ,‬المثبتين للص فات االختياري ة‪ ,‬كاالس تواء‪ ,‬وال نزول‪ ,‬والمجيء‪ ,‬ونح و‬
‫‪.‬ذل ك من الص فات ال تي أخ بر به ا تع الى‪ ,‬عن نفس ه‪ ,‬وأخ بر به ا عن ه رس وله ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫بيه وال تحريف‬ ‫ير تش‬ ‫ه‪ ,‬من غ‬ ‫ق بجالل هللا وعظمت‬ ‫ه يلي‬ ‫ا على وج‬ ‫ا لمعانيه‬ ‫‪.‬فيثبتونه‬
‫تعطيل‬ ‫‪.‬وال‬
‫خالفا للمعطلة‪ ,‬على اختالف أنواعهم‪ ,‬من الجهمية‪ ,‬والمعتزلة‪ ,‬واألشعرية ونحوهم‪ ,‬ممن ينفي هذه الصفات‪ ,‬ويت أول ‪ -‬ألجله ا ‪-‬‬
‫اآليات بتأويالت ما أنزل هللا بها من سلطان‪ ,‬بل حقيقتها‪ ,‬القدح في بيان هللا وبيان رسوله‪ ,‬والزعم بأن كالمهم‪ ,‬هو ال ذي تحص ل‬
‫اب‬ ‫ذا الب‬ ‫ة في ه‬ ‫ه الهداي‬ ‫‪.‬ب‬
‫ل عقلي‬ ‫ل وال دلي‬ ‫ل نقلي‪ ,‬ب‬ ‫ؤالء ليس معهم دلي‬ ‫‪.‬فه‬
‫أما النقلي‪ ,‬فقد اعترفوا أن النصوص الواردة في الكتاب والسنة‪ ,‬ظاهرها‪ ,‬بل صريحها‪ ,‬دال على م ذهب أه ل الس نة والجماع ة‪,‬‬
‫‪.‬وأنه ا تحت اج ل داللتها على م ذهبهم الباط ل‪ ,‬أن تخ رج عن ظاهره ا وي زاد فيه ا وينقص‬
‫ان‬ ‫ال ذرة من إيم‬ ‫ه مثق‬ ‫يه من في قلب‬ ‫رى‪ ,‬ال يرتض‬ ‫ات‬ ‫ذا كم‬ ‫‪.‬وه‬
‫فات‬ ‫ذه الص‬ ‫دل على نفي ه‬ ‫اي‬ ‫لم‬ ‫ل‪ ,‬فليس في العق‬ ‫ا العق‬ ‫‪.‬وأم‬
‫‪.‬بل العقل دل على أن الفاعل‪ ,‬أكمل من الذي ال يقدر على الفع ل‪ ,‬وأن فعل ه تع الى‪ ,‬المتعل ق بنفس ه‪ ,‬والمتعل ق بخلق ه‪ ,‬ه و كم ال‬
‫بيه بخلقه‬ ‫دل على التش‬ ‫اي‬ ‫وا أن إثباته‬ ‫إن زعم‬ ‫‪.‬ف‬
‫ذات‬ ‫ع الكالم على ال‬ ‫فات‪ ,‬يتب‬ ‫ل لهم‪ :‬الكالم على الص‬ ‫‪.‬قي‬
‫فات‬ ‫بهها الص‬ ‫فات ال تش‬ ‫هص‬ ‫ذوات‪ ,‬فلل‬ ‫بهها ال‬ ‫ا ال تش‬ ‫ا أن هلل ذات‬ ‫‪.‬فكم‬
‫بيه بوجه‬ ‫ي التش‬ ‫ا يقتض‬ ‫ا‪ ,‬م‬ ‫ذواتهم‪ ,‬فليس في إثباته‬ ‫عل‬ ‫ه‪ ,‬تب‬ ‫فات خلق‬ ‫ه‪ ,‬وص‬ ‫ع لذات‬ ‫فاته تب‬ ‫‪.‬فص‬
‫ويقال أيضا‪ ,‬لمن أثبت بعض الصفات‪ ,‬ونفى بعض ا‪ ,‬أو أثبت األس ماء دون الص فات‪ :‬إم ا أن تثبت الجمي ع كم ا أثبت ه هللا لنفس ه‪,‬‬
‫وله‬ ‫ه رس‬ ‫‪.‬وأثبت‬
‫المين‬ ‫رب الع‬ ‫را ل‬ ‫ون منك‬ ‫ع‪ ,‬وتك‬ ‫ا أن تنفي الجمي‬ ‫‪.‬وإم‬
‫اقض‬ ‫ذا تن‬ ‫ه‪ ,‬فه‬ ‫ك لبعض‬ ‫ك‪ ,‬ونفي‬ ‫ك بعض ذل‬ ‫ا إثبات‬ ‫‪.‬وأم‬
‫بيال‬ ‫رق س‬ ‫د إلى الف‬ ‫ه‪ ,‬ولن تج‬ ‫ا نفيت‬ ‫ه‪ ,‬وبين م‬ ‫ا أثبت‬ ‫رق بين م‬ ‫‪.‬فف‬
‫بيها‬ ‫ي تش‬ ‫ه ال يقتض‬ ‫ا أثبت‬ ‫إن قلت‪ :‬م‬ ‫‪.‬ف‬
‫بيها‬ ‫ي تش‬ ‫ه ال يقتض‬ ‫ا نفيت‬ ‫ات‪ :‬لم‬ ‫نة واإلثب‬ ‫ل الس‬ ‫ك أه‬ ‫ال ل‬ ‫‪.‬ق‬
‫بيه‬ ‫ه إال التش‬ ‫ذي نفيت‬ ‫ل من ال‬ ‫إن قلت‪ :‬ال أعق‬ ‫‪.‬ف‬
‫بيه‬ ‫ه إال التش‬ ‫ذي أثبت‬ ‫ل من ال‬ ‫اة‪ :‬ونحن ال نعق‬ ‫ك النف‬ ‫ال ل‬ ‫‪.‬ق‬
‫ا نفيته‬ ‫نة‪ ,‬لم‬ ‫ل الس‬ ‫ه أه‬ ‫كب‬ ‫اة‪ ,‬أجاب‬ ‫ه النف‬ ‫ا أجبت ب‬ ‫‪.‬فم‬
‫والحاصل أن من نفى شيئا‪ ,‬مما دل الكتاب والسنة على إثباته‪ ,‬فهو متن اقض‪ ,‬ال يثبت ل ه دلي ل ش رعي وال عقلي‪ ,‬ب ل ق د خ الف‬
‫‪.‬المعقول والمنقول‬

‫سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة هللا "‬
‫" من بعد ما جاءته فإن هللا شديد العقاب‬
‫بقول تعالى‪َ " :‬سلْ بَنِي ِإ ْس َراِئي َل َك ْم آتَ ْينَاهُ ْم ِم ْن آيَ ٍة بَيِّنَ ٍة " تدل على الح ق‪ ,‬وعلى ص دق الرس ل‪ ,‬فتيقنوه ا وعرفوه ا‪ ,‬فلم يقوم وا‬
‫ام بها‬ ‫ي القي‬ ‫تي تقتض‬ ‫ة‪ ,‬ال‬ ‫ذه النعم‬ ‫كر ه‬ ‫‪.‬بش‬
‫‪.‬ب ل كف روا به ا‪ ,‬وب دلوا نعم ة هللا كف را‪ ,‬فله ذا اس تحقوا أن ي نزل هللا عليهم عقاب ه ويح رمهم من ثوابه‬
‫وسمى هللا تعالى كفر النعمة تبديال لها‪ ,‬ألن من أنعم هللا عليه نعمة دينية أو دنيوية‪ ,‬فلم يشكرها‪ ,‬ولم يقم بواجبه ا‪ ,‬اض محلت عن ه‬
‫دل النعمة‬ ‫رب‬ ‫ار الكف‬ ‫ي‪ ,‬فص‬ ‫الكفر والمعاص‬ ‫دلت ب‬ ‫‪.‬وذهبت‪ ,‬وتب‬
‫‪.‬وأما من شكر هللا تعالى‪ ,‬وقام بحقها‪ ,‬فإنها تثبت وتستمر‪ ,‬ويزيده هللا منها‬

‫زين للذين كفروا الحي اة ال دنيا ويس خرون من ال ذين آمن وا "‬
‫وال ذين اتق وا ف وقهم ي وم القيام ة وهللا ي رزق من يش اء بغ ير‬
‫" حساب‬
‫دنيا‬ ‫اة ال‬ ‫رعه‪ ,‬أنهم زينت لهم الحي‬ ‫ادوا لش‬ ‫له‪ ,‬ولم ينق‬ ‫ه ورس‬ ‫روا باهلل وبآيات‬ ‫ذين كف‬ ‫الى أن ال‬ ‫بر تع‬ ‫‪.‬يخ‬
‫فزينت في أعينهم وقلوبهم‪ ,‬فرضوا بها‪ ,‬واطمأنوا بها فصارت أهواؤهم وإراداتهم وأعمالهم كلها لها‪ ,‬فأقبلوا عليه ا‪ ,‬وأكب وا على‬
‫تحصيلها‪ ,‬وعظموها‪ ,‬وعظموا من شاركهم في صنيعهم‪ ,‬واحتق روا المؤم نين‪ ,‬واس تهزأوا بهم وق الوا‪ :‬أه ؤالء من هللا عليهم من‬
‫‪.‬بيننا؟ وهذا من ضعف عقولهم ونظرهم القاصر‪ ,‬فإن الدنيا دار ابتالء وامتحان‪ ,‬وسيحصل الشقاء فيه ا أله ل اإليم ان والكف ران‬
‫‪.‬ب ل الم ؤمن في ال دنيا‪ ,‬وإن نال ه مك روه‪ ,‬فإن ه يص بر ويحتس ب‪ ,‬فيخف ف هللا عن ه بإيمان ه وص بره‪ ,‬م ا ال يك ون لغ يره‬
‫وإنما الشأن كل الشأن‪ ,‬والتفضيل الحقيقي‪ ,‬في الدار الباقية‪ ,‬فلهذا قال تعالى‪َ " :‬والَّ ِذينَ اتَّقَوْ ا فَوْ قَهُ ْم يَ وْ َم ْالقِيَا َم ِة " فيك ون المتق ون‬
‫ور‬ ‫ة والحب‬ ‫رور‪ ,‬والبهج‬ ‫أنواع النعيم والس‬ ‫درجات‪ ,‬متمتعين ب‬ ‫‪.‬في أعلى ال‬
‫‪.‬والكف ار تحتهم في أس فل ال دركات‪ ,‬مع ذبين ب أنواع الع ذاب واإلهان ة‪ ,‬والش قاء الس رمدي‪ ,‬ال ذي ال منتهى له‬
‫افرين‬ ‫نين‪ ,‬ونعي على الك‬ ‫لية للمؤم‬ ‫ة تس‬ ‫ذه اآلي‬ ‫‪.‬ففي ه‬
‫ولما كانت األرزاق الدنيوية واألخروية‪ ,‬ال تحصل إال بتقدير هللا‪ ,‬ولن تنال إال بمشيئة هللا قال تعالى‪َ " :‬وهَّللا ُ يَرْ ُز ُ‬
‫ق َم ْن يَ َشا ُء بِ َغي ِْر‬
‫افر‬ ‫ؤمن والك‬ ‫ل للم‬ ‫دنيوي‪ ,‬يحص‬ ‫الرزق ال‬ ‫ب"ف‬ ‫ا ٍ‬ ‫‪.‬ح َس‬
‫ِ‬
‫‪.‬وأما رزق القلوب من العلم واإليمان‪ ,‬ومحبة هللا‪ ,‬وخشيته ورجائه ونحو ذلك‪ ,‬فال يعطيها إال من يحبه‬

‫كان الناس أمة واح دة فبعث هللا النب يين مبش رين ومن ذرين "‬
‫وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الن اس فيم ا اختلف وا في ه‬
‫وما اختلف فيه إال الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البين ات بغي ا‬
‫بينهم فهدى هللا ال ذين آمن وا لم ا اختلف وا في ه من الح ق بإذن ه‬
‫" وهللا يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‬
‫ان‬ ‫ور وال إيم‬ ‫قاء‪ ,‬ليس لهم ن‬ ‫الل والش‬ ‫ر والض‬
‫اس مجتمعين على الكف‬ ‫ان الن‬ ‫‪.‬أي‪ :‬ك‬
‫فرحمهم هللا تعالى بإرسال الرسل إليهم " ُمبَ ِّش ِرينَ " من أطاع هللا بثمرات الطاعات‪ ,‬من الرزق‪ ,‬والقوة في البدن والقلب‪ ,‬والحياة‬
‫وان هللا والجنة‬ ‫وز برض‬ ‫ك‪ ,‬الف‬ ‫ة‪ ,‬وأعلى ذل‬ ‫‪.‬الطيب‬
‫َو ُم ْن ِذ ِرينَ " من عصى هللا‪ ,‬بثمرات المعصية‪ ,‬من حرمان الرزق‪ ,‬والضعف‪ ,‬واإلهانة‪ ,‬والحياة الضيقة‪ ,‬وأش د ذل ك‪ ,‬س خط هللا "‬
‫ار‬ ‫‪.‬والن‬
‫"‬ ‫ر العادلة‬ ‫ادقة‪ ,‬واألوام‬ ‫ارات الص‬ ‫و اإلخب‬ ‫ْال َح ِّ‬
‫ق " وه‬ ‫اب بِ‬
‫َ‬ ‫َز َل َم َعهُ ُم ْال ِكتَ‬ ‫‪َ .‬وَأ ْن‬
‫روع‬ ‫ول والف‬ ‫ل بين المختلفين في األص‬ ‫ق‪ ,‬يفص‬ ‫وح‬ ‫ة‪ ,‬فه‬ ‫ه الكتب اإللهي‬ ‫تملت علي‬ ‫ا اش‬ ‫لم‬ ‫‪.‬فك‬
‫وله‬ ‫ازع‪ ,‬إلى هللا وإلى رس‬ ‫رد االختالف والتن‬ ‫ازع‪ ,‬أن ي‬ ‫د االختالف والتن‬ ‫واجب عن‬ ‫و ال‬ ‫ذا ه‬ ‫‪.‬وه‬
‫الرد إليهما‬ ‫رب‬ ‫ا أم‬ ‫نزاع‪ ,‬لم‬ ‫ل ال‬ ‫وله‪ ,‬فص‬ ‫نة رس‬ ‫ه‪ ,‬وس‬ ‫وال أن في كتاب‬ ‫‪.‬ول‬
‫ولما ذكر نعمته العظيمة بإنزال الكتب على أهل الكت اب‪ ,‬وك ان ه ذا يقتض ي اتف اقهم عليه ا واجتم اعهم ‪ -‬أخ بر تع الى أنهم بغى‬
‫ثرة االختالف‬ ‫ام وك‬ ‫نزاع والخص‬ ‫ل ال‬ ‫هم على بعض‪ ,‬وحص‬ ‫‪.‬بعض‬
‫فاختلفوا في الكتاب الذي ينبغي أن يكونوا أولى الناس باالجتماع عليه‪ ,‬وذلك من بعد ما علموه وتيقن وه باآلي ات البين ات‪ ,‬واألدل ة‬
‫دا‬ ‫الال بعي‬ ‫ذلك ض‬ ‫لوا ب‬ ‫ات‪ ,‬وض‬ ‫‪.‬القاطع‬
‫ق " فك ل م ا اختل ف في ه أه ل الكت اب‪ ,‬وأخط أوا في ه الح ق "‬ ‫اختَلَفُ وا فِي ِه ِمنَ ْال َح ِّ‬
‫فَهَدَى هَّللا ُ الَّ ِذينَ آ َمنُوا " من هذه األم ة " لِ َم ا ْ‬
‫يره لهم ورحمته‬ ‫الى وتيس‬ ‫ِه " تع‬ ‫ة " بِِإ ْذنِ‬ ‫ذه األم‬ ‫هه‬ ‫ق في‬
‫واب‪ ,‬ه‬ ‫‪.‬والص‬ ‫دى هللا للح‬
‫"‬ ‫تَقِ ٍيم‬ ‫َرا ٍط ُم ْس‬ ‫ا ُء ِإلَى ِ‬
‫ص‬ ‫ِدي َم ْن يَ َش‬ ‫" َوهَّللا ُ يَ ْه‬ ‫‪.‬‬
‫فعم الخلق تعالى‪ ,‬بالدعوة إلى الصراط المستقيم‪ ,‬عدال منه تعالى‪ ,‬وإقامة حجة على الخلق‪ ,‬لئال يقولوا " م ا جاءن ا من بش ير وال‬
‫ذير‬ ‫"ن‬ ‫‪.‬‬
‫اده‬ ‫اء من عب‬ ‫ه ‪ -‬من ش‬ ‫ه ولطف‬ ‫ه‪ ,‬وإعانت‬ ‫له ورحمت‬ ‫دى ‪ -‬بفض‬ ‫‪.‬وه‬
‫‪.‬فهذا فضله وإحسانه‪ ,‬وذاك عدله وحكمته‪ ,‬تبارك وتعالى‬

‫أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما ي أتكم مث ل ال ذين خل وا من "‬


‫قبلكم مستهم البأس اء والض راء وزلزل وا ح تى يق ول الرس ول‬
‫" والذين آمنوا معه متى نصر هللا أال إن نصر هللا قريب‬
‫يخبر تبارك وتعالى‪ ,‬أنه ال بد أن يمتحن عبادة بالسراء والضراء والمشقة كما فعل بمن قبلهم‪ ,‬فهي سنته الجاري ة‪ ,‬ال تي ال تتغ ير‬
‫د أن يبتليه‬ ‫رعه‪ ,‬ال ب‬ ‫ه وش‬ ‫ام بدين‬ ‫دل‪ ,‬أن من ق‬ ‫‪.‬وال تتب‬
‫‪.‬فإن صبر على أمر هللا‪ ,‬ولم يبال بالمكاره الواقعة في سبيله‪ ,‬فهو الصادق ال ذي ق د ن ال من الس عادة كم ا له ا‪ ,‬ومن الس يادة آلتها‬
‫‪.‬ومن جعل فتنة الناس كعذاب هللا‪ ,‬بأن صدته المكاره عما هو بصدده وثنته المحن عن مقص ده‪ ,‬فه و الك اذب في دع وى اإليم ان‬
‫ال أو تكذبه‬ ‫دقه األعم‬ ‫تى تص‬ ‫دعاوي‪ ,‬ح‬
‫رد ال‬ ‫ني‪ ,‬ومج‬ ‫التحلي والتم‬ ‫ان ب‬ ‫ه ليس اإليم‬ ‫‪.‬فإن‬
‫‪.‬فق د ج رى على األمم األق دمين م ا ذك ر هللا عنهم " َم َّس ْتهُ ُم ْالبَْأ َس ا ُء َو َّ‬
‫الض رَّا ُء " أي‪ :‬الفق ر واألم راض في أب دانهم‬
‫َو ُز ْل ِزلُوا " بأنواع المخاوف من التهديد بالقتل‪ ,‬والنفي‪ ,‬وأخذ األموال‪ ,‬وقتل األحبة‪ ,‬وأنواع المضار ح تى وص لت بهم الح ال‪" ,‬‬
‫ع يقينهم به‬ ‫ر هللا م‬ ‫تبطأوا نص‬ ‫زال‪ ,‬إلى أن اس‬ ‫‪.‬وآل بهم الزل‬
‫ُر هَّللا ِ‬ ‫هُ َمتَى ن ْ‬
‫َص‬ ‫وا َم َع‬ ‫و ُل َوالَّ ِذينَ آ َمنُ‬ ‫َّس‬
‫ول الر ُ‬
‫َ‬ ‫يقه " يَقُ‬ ‫ر وض‬ ‫دة األم‬ ‫" ولكن لش‬ ‫‪.‬‬
‫ر اتسع‬ ‫اق األم‬ ‫اض‬ ‫دة‪ ,‬وكلم‬ ‫د الش‬ ‫رج عن‬ ‫ان الف‬ ‫اك‬ ‫‪.‬فلم‬
‫ه يمتحن‬ ‫الحق فإن‬ ‫ام ب‬ ‫ل من ق‬ ‫ذا ك‬ ‫ِريبٌ " فهك‬ ‫َر هَّللا ِ قَ‬ ‫الى‪َ " :‬أاَل ِإ َّن ن ْ‬
‫َص‬ ‫ال تع‬ ‫‪.‬ق‬
‫فكلما اشتدت عليه وصعبت ‪ -‬إذا صابر وثابر على ما هو عليه ‪ -‬انقلبت المحنة في حقه منحة‪ ,‬والمشقات راح ات‪ ,‬وأعقب ه ذل ك‪,‬‬
‫داء‬ ‫ه من ال‬ ‫ا في قلب‬ ‫فاء م‬ ‫داء وش‬ ‫ار على األع‬ ‫‪.‬االنتص‬
‫‪ " .‬وه ذه اآلي ة نظ ير قول ه تع الى " َأ ْم َح ِس ْبتُ ْم َأ ْن تَ ْد ُخلُوا ْال َجنَّةَ َولَ َّما يَ ْعلَ ِم هَّللا ُ الَّ ِذينَ َجاهَ دُوا ِم ْن ُك ْم َويَ ْعلَ َم َّ‬
‫الص ابِ ِرينَ‬
‫ص َدقُوا‬ ‫ب النَّاسُ َأ ْن يُ ْت َر ُك وا َأ ْن يَقُولُ وا آ َمنَّا َوهُ ْم اَل يُ ْفتَنُ ونَ َولَقَ ْد فَتَنَّا الَّ ِذينَ ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم فَلَيَ ْعلَ َم َّن هَّللا ُ الَّ ِذينَ َ‬
‫وقول ه تع الى " الم َأ َح ِس َ‬
‫‪.‬ولَيَ ْعلَ َم َّن ال َكا ِذبِينَ " فعند االمتحان‪ ,‬يكرم المرء أو يهان‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫يس ألونك م اذا ينفق ون ق ل م ا أنفقتم من خ ير فللوال دين "‬


‫واألق ربين واليت امى والمس اكين وابن الس بيل وم ا تفعل وا من‬
‫" خير فإن هللا به عليم‬
‫ق عليه‬ ‫ق والمنف‬ ‫ؤال عن المنف‬ ‫ذا يعم الس‬
‫ألونك عن النفق‬ ‫ة‪ ,‬وه‬
‫‪.‬أي‪ :‬يس‬
‫فأجابهم عنها فقال‪ " :‬قُلْ َما َأ ْنفَ ْقتُ ْم ِم ْن َخي ٍْر " أي‪ :‬مال قليل أو كثير‪ ,‬فأولى الن اس ب ه‪ ,‬وأحقهم بالتق ديم‪ ,‬أعظمهم حق ا علي ك‪ ,‬وهم‬
‫رم عقوقهما‬ ‫ا‪ ,‬والمح‬ ‫واجب برهم‬ ‫دان ال‬ ‫‪.‬الوال‬
‫اق عليهما‬ ‫رك اإلنف‬ ‫وق‪ ,‬ت‬ ‫ا‪ ,‬ومن أعظم العق‬ ‫ة عليهم‬ ‫ا‪ ,‬النفق‬ ‫‪.‬ومن أعظم برهم‬
‫د الموسر‬ ‫ة‪ ,‬على الول‬ ‫ا واجب‬ ‫ة عليهم‬ ‫انت النفق‬ ‫ذا ك‬ ‫‪.‬وله‬
‫‪.‬ومن بعد الوالدين‪ ,‬األقربون‪ ,‬على اختالف طبقاتهم‪ ,‬األقرب فاألقرب‪ ,‬على حسب القرب والحاجة‪ ,‬فاإلنفاق عليه ص دقة وص لة‬
‫َو ْاليَتَا َم ى " وهم الصغار الذين ال كاسب لهم‪ ,‬فهم في مظنة الحاجة‪ ,‬لعدم قيامهم بمصالح أنفسهم‪ ,‬وفقد الكاسب‪ ,‬فوصى هللا بهم "‬
‫ه بهم ولطفا‬ ‫ة من‬ ‫‪.‬العب‬ ‫اد‪ ,‬رحم‬
‫‪َ .‬و ْال َم َس ا ِكي ِن " وهم أه ل الحاج ات‪ ,‬وأرب اب الض رورات ال ذين أس كنتهم الحاج ة‪ ,‬فينف ق عليهم‪ ,‬ل دفع حاج اتهم وإغن ائهم "‬
‫الس بِي ِل " أي‪ :‬الغ ريب المنقط ع ب ه في غ ير بل ده‪ ,‬فيع ان على س فره بالنفق ة‪ ,‬ال تي توص له إلى مقص ده "‬ ‫‪َ .‬وا ْبنَ َّ‬
‫ولما خصص هللا تعالى هؤالء األصناف‪ ,‬لشدة الحاجة‪ ,‬عمم تعالى فقال‪َ " :‬و َما تَ ْف َعلُوا ِم ْن َخي ٍْر " من صدقة على هؤالء وغيرهم‪,‬‬
‫ير‬ ‫م الخ‬ ‫دخل في اس‬ ‫ات‬ ‫ات‪ ,‬ألنه‬ ‫ات والقرب‬ ‫واع الطاع‬ ‫ع أن‬ ‫ل ومن جمي‬ ‫‪.‬ب‬
‫فَِإ َّن هَّللا َ بِ ِه َعلِي ٌم " فيجازيكم عليه‪ ,‬ويحفظه لكم‪ ,‬كل على حسب نيته وإخالصه‪ ,‬وكثرة نفقته وقلتها‪ ,‬وشدة الحاج ة إليه ا‪ ,‬وعظم "‬
‫‪.‬وقعها ونفعها‬

‫كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو "‬
‫خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو ش ر لكم وهللا يعلم وأنتم ال‬
‫" تعلمون‬
‫‪.‬ه ذه اآلي ة‪ ,‬فيه ا ف رض القت ال في س بيل هللا‪ ,‬بع د م ا ك ان المؤمن ون م أمورين بترك ه‪ ,‬لض عفهم‪ ,‬وع دم احتم الهم ل ذلك‬
‫‪.‬فلم ا ه اجر الن بي ص لى هللا علي ه وس لم إلى المدين ة‪ ,‬وك ثر المس لون‪ ,‬وق ووا أم رهم هللا تع الى بالقت ال‬
‫‪.‬وأخ بر أن ه مك روه للنف وس‪ ,‬لم ا في ه من التعب والمش قة‪ ,‬وحص ول أن واع المخ اوف والتع رض للمت الف‬
‫ومع هذا‪ ,‬فهو خير محض‪ ,‬لما فيه من الثواب العظيم‪ ,‬والتحرز من العقاب األليم‪ ,‬والنصر على األعداء والظف ر بالغن ائم‪ ,‬وغ ير‬
‫ه من الكراهة‬ ‫ا في‬ ‫رب‪ ,‬على م‬ ‫وم‬ ‫اه‬ ‫ك‪ ,‬مم‬ ‫‪.‬ذل‬
‫و " َو َع َسى َأ ْن تُ ِحبُّوا َش ْيًئا َوه َُو َش ٌّر لَ ُك ْم " وذل ك مث ل القع ود عن الجه اد لطلب الراح ة‪ ,‬فإن ه ش ر‪ ,‬ألن ه يعقب الخ ذالن‪ ,‬وتس لط‬
‫‪.‬األع داء على اإلس الم وأهل ه‪ ,‬وحص ول ال ذل واله وان‪ ,‬وف وات األج ر العظيم وحص ول العق اب‬
‫‪.‬وهذه اآليات‪ ,‬عامة مطردة‪ ,‬في أن أفعال الخير التي تكرهها النفوس ‪ -‬لم ا تتوهم ه فيه ا من الراح ة والل ذة ‪ -‬فهي ش ر‪ ,‬بال شك‬
‫وأما أحوال الدنيا‪ ,‬فليس األمر مطردا‪ ,‬ولكن الغالب على العبد المؤمن‪ ,‬أنه إذا أحب أمرا من األم ور‪ ,‬فقيض هللا ل ه من األس باب‬
‫ما يصرفه عنه أنه خير له‪ ,‬فاألوفق له في ذلك‪ ,‬أن يشكر هللا‪ ,‬ويعتق د الخ ير في الواق ع‪ ,‬ألن ه يعلم أن هللا تع الى أرحم بالعب د من‬
‫‪ " .‬نفس ه‪ ,‬وأق در على مص لحة عب ده من ه‪ ,‬وأعلم بمص لحته من ه كم ا ق ال تع الى " َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم َوَأ ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُم ونَ‬
‫‪.‬فالالئق بكم أن تتمشوا مع أقداره‪ ,‬سواء سرتكم أو ساءتكم‬

‫يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وص د "‬


‫عن سبيل هللا وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أك بر‬
‫عن د هللا والفتن ة أك بر من القت ل وال يزال ون يق اتلونكم ح تى‬
‫ي ردوكم عن دينكم إن اس تطاعوا ومن يرت دد منكم عن دين ه‬
‫فيمت وه و ك افر فأولئ ك حبطت أعم الهم في ال دنيا واآلخ رة‬
‫" وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‬
‫ولما كان األمر بالقتال‪ ,‬لو لم يقيد‪ ,‬لشمل األشهر الحرم وغيرها‪ ,‬استثنى تعالى‪ ,‬القت ال في األش هر الح رم فق ال‪ " :‬يَ ْس َألُونَكَ ع َِن‬
‫َر ِام " اآلية‬ ‫ه ِْر ْال َح‬ ‫َّ‬
‫‪.‬الش‬
‫‪.‬الجمه ور على أن تح ريم القت ال في األش هر الح رم‪ ,‬منس وخ ب األمر بقت ال المش ركين حيثم ا وج دوا‬
‫ول على المقيد‬ ‫ق محم‬ ‫خ‪ ,‬ألن المطل‬ ‫ه لم ينس‬ ‫رين‪ :‬إن‬ ‫ال بعض المفس‬ ‫‪.‬وق‬
‫ال مطلقا‬ ‫ر بالقت‬ ‫وم األم‬ ‫دة‪ ,‬لعم‬ ‫ة مقي‬ ‫ذه اآلي‬ ‫‪.‬وه‬
‫‪.‬وألن من جمل ة مزي ة األش هر الح رم‪ :‬ب ل أك بر مزاياه ا‪ ,‬تح ريم القت ال فيه ا‪ ,‬وه ذا إنم ا ه و في قت ال االبت داء‬
‫رام‬ ‫د الح‬ ‫وز في البل‬ ‫ا يج‬ ‫رم‪ ,‬كم‬ ‫هر الح‬ ‫وز في األش‬ ‫ه يج‬ ‫دفع فإن‬ ‫ال ال‬ ‫ا قت‬ ‫‪.‬وأم‬
‫ولما كانت هذه اآلية نازلة بسبب ما حصل‪ ,‬لسرية عبد هللا بن جحش‪ ,‬وقتلهم عمرو بن الحضرمي‪ ,‬وأخذهم أموالهم‪ ,‬وكان ذلك ‪-‬‬
‫على ما قيل في شهر رجب ‪ -‬عيرهم المش ركون بالقت ال باألش هر الح رم‪ ,‬وك انوا في تعي يرهم ظ المين‪ ,‬إذ فيهم من القب ائح‪ ,‬م ا‬
‫ا فيهم‬ ‫ان م‬ ‫الى في بي‬ ‫ال تع‬ ‫لمين‪ ,‬ق‬ ‫ه المس‬ ‫يروا ب‬ ‫اع‬ ‫ه أعظم مم‬ ‫‪.‬بعض‬
‫يل هَّللا ِ " أي‪ :‬صد المشركين من يري د اإليم ان باهلل وبرس وله‪ ,‬وفتنتهم من آمن ب ه‪ ,‬وس عيهم في ردهم عن دينهم‪" ,‬‬
‫ص ٌّد ع َْن َسبِ ِ‬
‫َو َ‬
‫اف في الشر‬ ‫رده‪ ,‬ك‬ ‫و بمج‬ ‫ذي ه‬ ‫رام‪ ,‬ال‬ ‫د الح‬ ‫رام‪ ,‬والبل‬ ‫هر الح‬ ‫ل في الش‬ ‫رهم الحاص‬ ‫‪.‬وكف‬
‫رام؟‬ ‫دح‬ ‫رام وبل‬ ‫هر ح‬ ‫ان في ش‬ ‫دك‬ ‫ف‪ ,‬وق‬ ‫‪!!.‬فكي‬
‫َوِإ ْخ َرا ُج َأ ْهلِ ِه " أي‪ :‬أهل المسجد الحرام‪ ,‬وهم النبي صلى هللا عليه وسلم وأصحابه‪ ,‬ألنهم أحق به من المش ركين‪ ,‬وهم عم اره "‬
‫‪.‬على الحقيق ة‪ ,‬ف أخرجوهم " ِم ْن هُ " ولم يمكن وهم من الوص ول إلي ه‪ ,‬م ع أن ه ذا ال بيت‪ ,‬س واء الع اكف في ه والب اد‬
‫فهذه األمور كل واحد منها " َأ ْكبَ ُر ِمنَ ْالقَ ْت ِل " في الشهر الحرام‪ ,‬فكي ف وق د اجتمعت فيهم؟! فعلم أنهم فس قة ظلم ة‪ ,‬في تعي يرهم‬
‫نين‬ ‫‪.‬المؤم‬
‫نين‬ ‫اتلون المؤم‬ ‫وا يق‬ ‫الى أنهم لن يزال‬ ‫بر تع‬ ‫‪.‬ثم أخ‬
‫وليس غرضهم في أموالهم وقتلهم‪ ,‬وإنما غرضهم أن يرجعوهم عن دينهم‪ ,‬ويكونوا كفارا بعد إيمانهم ح تى يكون وا من أص حاب‬
‫عير‬ ‫‪.‬الس‬
‫افرون‬ ‫ره الك‬ ‫وك‬ ‫وره‪ ,‬ول‬ ‫أبى هللا إال أن يتم ن‬ ‫ا أمكنهم‪ ,‬وي‬ ‫اعون بم‬ ‫ك‪ ,‬س‬ ‫درتهم في ذل‬ ‫اذلون ق‬ ‫‪.‬فهم ب‬
‫ردوهم عن دينهم‬ ‫تى ي‬ ‫يرهم‪ ,‬ح‬ ‫اتلون غ‬ ‫ون يق‬ ‫ار‪ ,‬ال يزال‬ ‫ل الكف‬ ‫ام لك‬ ‫ف‪ ,‬ع‬ ‫ذا الوص‬ ‫‪.‬وه‬
‫وخصوصا‪ ,‬أهل الكتاب‪ ,‬من اليهود والنصارى‪ ,‬ألفوا الجمعيات‪ ,‬ونشروا الدعاة‪ ,‬وبثوا األطباء‪ ,‬وبنوا المدارس‪ ,‬لجذب األمم إلى‬
‫ككهم في دينهم‬ ‫تي تش‬ ‫به‪ ,‬ال‬ ‫ا يمكنهم من الش‬ ‫لم‬ ‫الهم عليهم‪ ,‬ك‬ ‫‪.‬دينهم‪ ,‬وإدخ‬
‫ولكن المرجو من هللا تعالى‪ ,‬الذي من على المؤمنين باإلسالم‪ ,‬واختار لهم دينه القيم‪ ,‬وأكمل لهم دينه ‪ -‬أن يتم عليهم نعمته بالقيام‬
‫‪.‬ب ه أتم قي ام‪ ,‬وأن يخ ذل ك ل من أراد أن يطفئ ن وره‪ ,‬ويجع ل كي دهم في نح ورهم‪ ,‬وينص ر دين ه‪ ,‬ويعلى كلمته‬
‫دقت على من قبلهم‬ ‫اص‬ ‫ار‪ ,‬كم‬ ‫ودين من الكف‬ ‫ؤالء الموج‬ ‫ادقة على ه‬ ‫ةص‬ ‫‪.‬وتك ون ه ذه اآلي‬
‫ِإ َّن الَّ ِذينَ َكفَرُوا يُ ْنفِقُ ونَ َأ ْم َوالَهُ ْم لِيَ ُ‬
‫ص ُّدوا ع َْن َس بِي ِل هَّللا ِ فَ َس يُ ْنفِقُونَهَا ثُ َّم تَ ُك ونُ َعلَ ْي ِه ْم َح ْس َرةً ثُ َّم يُ ْغلَبُ ونَ َوالَّ ِذينَ َكفَ رُوا ِإلَى َجهَنَّ َم "‬
‫رُونَ‬ ‫" يُحْ َش‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬ثم أخ بر تع الى أن من ارت د عن اإلس الم‪ ,‬ب أن اخت ار علي ه الكف ر واس تمر على ذل ك ح تى م ات ك افرا‬
‫"‬ ‫الم‬ ‫و اإلس‬ ‫رطها‪ ,‬وه‬ ‫ود ش‬ ‫دم وج‬ ‫َر ِة " لع‬ ‫ُّد ْنيَا َواآْل ِخ‬ ‫الُهُ ْم فِي ال‬ ‫ت َأ ْع َم‬ ‫‪.‬فَُأولَِئ َ‬
‫ك َحبِطَ ْ‬
‫"‬ ‫ُدونَ‬ ‫ا خَ الِ‬ ‫َحابُ النَّ ِ‬
‫ار هُ ْم فِيهَ‬ ‫" َوُأولَِئكَ َأ ْ‬
‫ص‬ ‫‪.‬‬
‫ه عمله‬ ‫ع إلي‬ ‫ه يرج‬ ‫الم‪ ,‬أن‬ ‫اد إلى اإلس‬ ‫د ثم ع‬ ‫ا‪ ,‬أن من ارت‬ ‫ة بمفهومه‬ ‫‪.‬ودلت اآلي‬
‫‪.‬وكذلك من تاب من المعاصي‪ ,‬فإنها تعود إليه أعماله المتقدمة‬

‫إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل هللا أولئك "‬
‫" يرجون رحمة هللا وهللا غفور رحيم‬
‫‪.‬ه ذه األعم ال الثالث ة‪ ,‬هي عن وان الس عادة وقطب رحى العبودي ة‪ ,‬وبه ا يع رف م ا م ع اإلنس ان‪ ,‬من ال ربح والخس ران‬
‫فأما اإليمان‪ ,‬فال تسأل عن فضيلته‪ ,‬وكيف تسأل عن شيء ه و الفاص ل بين أه ل الس عادة وأه ل الش قاوة‪ ,‬وأه ل الجن ة من أه ل‬
‫‪.‬النار؟ وهو الذي إذا كان مع العبد‪ ,‬قبلت أعم ال الخ ير من ه‪ ,‬وإذا ع دم من ه‪ ,‬لم يقب ل ل ه ص رف وال ع دل‪ ,‬وال ف رض‪ ,‬وال نفل‬
‫الى‬ ‫ا هللا تع‬ ‫ألوف‪ ,‬لرض‬ ‫وب الم‬ ‫ة المحب‬ ‫رة‪ ,‬فهي مفارق‬ ‫ا الهج‬ ‫‪.‬وأم‬
‫رة لدينه‬ ‫ا إلى هللا ونص‬ ‫ه‪ ,‬تقرب‬ ‫ه‪ ,‬وخالن‬ ‫ه‪ ,‬وأهل‬ ‫ه‪ ,‬وأموال‬ ‫اجر وطن‬ ‫ترك المه‬ ‫‪.‬في‬
‫‪.‬وأم ا الجه اد‪ ,‬فه و ب ذل الجه د في مقارع ة األع داء‪ ,‬والس عي الت ام‪ ,‬في نص رة دين هللا‪ ,‬وقم ع دين الش يطان‬
‫زاء‬ ‫ل الج‬ ‫زاؤه‪ ,‬أفض‬ ‫الحة‪ ,‬وج‬ ‫ال الص‬ ‫و ذروة األعم‬ ‫‪.‬وه‬
‫لمين‬ ‫نام‪ ,‬وأمن المس‬ ‫اد األص‬ ‫ذالن عب‬ ‫الم وخ‬ ‫رة اإلس‬ ‫يع دائ‬ ‫بر‪ ,‬لتوس‬ ‫بب األك‬ ‫و الس‬ ‫‪.‬وه‬
‫والهم وأوالدهم‬ ‫هم وأم‬ ‫‪.‬على أنفس‬
‫ه وتكميال‬ ‫اب‬ ‫د قيام‬ ‫ا أش‬ ‫ان لغيره‬ ‫قتها ‪ -‬ك‬ ‫ا ومش‬ ‫ة ‪ -‬على ألوائه‬ ‫ال الثالث‬ ‫ذه األعم‬ ‫ام به‬ ‫‪.‬فمن ق‬
‫وجب للرحمة‬ ‫بب الم‬ ‫وا بالس‬ ‫ة هللا‪ ,‬ألنهم أت‬ ‫راجين رحم‬ ‫وا هم ال‬ ‫ؤالء‪ ,‬أن يكون‬ ‫ق به‬ ‫‪.‬فحقي‬
‫عادة‬ ‫باب الس‬ ‫ام بأس‬ ‫د القي‬ ‫ون إال بع‬ ‫اء‪ ,‬ال يك‬ ‫ل على أن الرج‬ ‫ذا دلي‬ ‫‪.‬وفي ه‬
‫رور‬ ‫ز وتمن وغ‬ ‫ذا عج‬ ‫باب‪ ,‬فه‬ ‫ام باألس‬ ‫دم القي‬ ‫ل‪ ,‬وع‬ ‫ارن للكس‬ ‫اء المق‬ ‫ا الرج‬ ‫‪.‬وأم‬
‫وهو دال على ضعف همة صاحبه‪ ,‬ونقص عقله‪ ,‬بمنزلة من يرجو وجود الولد بال نك اح‪ ,‬ووج ود الغل ة بال ب ذر‪ ,‬وس قي‪ ,‬ونح و‬
‫‪.‬ذلك‬
‫وفي قوله " ُأولَِئ َ‬
‫ك يَرْ جُونَ َرحْ َم ةَ هَّللا ِ " إش ارة إلى أن العب د ‪ -‬ول و أتى من األعم ال بم ا أتى ب ه ‪ -‬ال ينبغي ل ه أن يعتم د عليه ا‪,‬‬
‫تر عيوبه‬ ‫ه‪ ,‬وس‬ ‫رة ذنوب‬ ‫ه ومغف‬ ‫ول أعمال‬ ‫و قب‬ ‫ه‪ ,‬ويرج‬ ‫ة رب‬ ‫و رحم‬ ‫ل يرج‬ ‫ا‪ ,‬ب‬ ‫ول عليه‬ ‫‪.‬ويع‬
‫‪.‬وله ذا ق ال " َوهَّللا ُ َغفُ و ٌر " أي‪ :‬لمن ت اب توب ة نص وحا " َر ِحي ٌم " وس عت رحمت ه ك ل ش يء‪ ,‬وعم ج وده وإحس انه‪ ,‬ك ل حي‬
‫ت " وحص لت ل ه رحم ة‬ ‫ت ي ُْذ ِه ْبنَ َّ‬
‫الس يَِّئا ِ‬ ‫وفي هذا دليل على أن من قام بهذه األعمال المذكورة‪ ,‬حصل له مغفرة هللا‪ ,‬إذ " ْال َح َسنَا ِ‬
‫‪.‬هللا‬
‫رة‬ ‫دنيا واآلخ‬ ‫ات ال‬ ‫ه عقوب‬ ‫دفعت عن‬ ‫رة‪ ,‬ان‬ ‫ه المغف‬ ‫لت ل‬ ‫‪.‬وإذا حص‬
‫محلت آثارها‬ ‫رت واض‬ ‫د غف‬ ‫تي ق‬ ‫ذنوب‪ ,‬ال‬ ‫ار ال‬ ‫تي هي آث‬ ‫‪.‬ال‬
‫رة‬ ‫دنيا واآلخ‬ ‫ير في ال‬ ‫لخ‬ ‫ل على ك‬ ‫ة‪ ,‬حص‬ ‫ه الرحم‬ ‫لت ل‬ ‫‪.‬وإذا حص‬
‫بل أعمالهم المذكورة من رحمة هللا بهم‪ ,‬فلوال توفيقه إياهم‪ ,‬لم يريدوها‪ ,‬ولوال إقدارهم عليها‪ ,‬لم يق دروا عليه ا‪ ,‬ول وال إحس انه لم‬
‫ا منهم‬ ‫ا ويقبله‬ ‫‪.‬يتمه‬
‫‪.‬فله الفضل‪ ,‬أوال وآخرا‪ ,‬وهر الذي من بالسبب والمسبب‬

‫يس ألونك عن الخم ر والميس ر ق ل فيهم ا إثم كب ير ومن افع "‬


‫للن اس وإثمهم ا أك بر من نفعهم ا ويس ألونك م اذا ينفق ون ق ل‬
‫" العفو كذلك يبين هللا لكم اآليات لعلكم تتفكرون‬
‫ك َع ِن ْال َخ ْم ِر " اآلي ة أي يس ألك ‪ -‬ي ا أيه ا الرس ول ‪ -‬المؤمن ون عن أحك ام الخم ر والميس ر‪ ,‬وق د كان ا‬
‫ثم ق ال تع الى " يَ ْس َألُونَ َ‬
‫‪.‬مس تعملين في الجاهلي ة وأول اإلس الم‪ ,‬فكأن ه وق ع فيهم ا إش كال فله ذا س ألوا عن حكمهما‬
‫‪.‬ف أمر هللا تع الى نبي ه‪ ,‬أن ي بين لهم منافعهم ا ومض ارهما‪ ,‬ليك ون ذل ك مقدم ة لتحريمهم ا‪ ,‬وتح تيم تركهما‬
‫فأخبر أن إثمهما ومضارهما‪ ,‬وما يصدر عنهما‪ ,‬من ذهاب العقل والمال‪ ,‬والصد عن ذكر هللا‪ ,‬وعن الصالة‪ ,‬والعداوة‪ ,‬والبغضاء‬
‫‪ -.‬أك بر مم ا يظنون ه من نفعهم ا‪ ,‬من كس ب الم ال بالتج ارة ب الخمر‪ ,‬وتحص يله بالقم ار والط رب للنف وس‪ ,‬عن د تعاطيهما‬
‫‪.‬وك ان ه ذا البي ان زاج را للنف وس عنهم ا‪ ,‬ألن العاق ل ي رجح م ا ت رجحت مص لحته‪ ,‬ويجتنب م ا ت رجحت مض رته‬
‫‪.‬ولكن لم ا ك انوا ق د ألفوهم ا‪ ,‬وص عب التح تيم بتركهم ا أول وهل ة‪ ,‬ق دم ه ذه اآلي ة‪ ,‬مقدم ة للتح ريم‪ ,‬ال ذي ذك ره في قوله‬
‫ان "‬ ‫ص ابُ َواَأْل ْزاَل ُم ِرجْ سٌ ِم ْن َع َم ِل َّ‬
‫الش ْيطَ ِ‬ ‫‪ " .‬يَ ا َأيُّهَ ا الَّ ِذينَ آ َمنُ وا ِإنَّ َم ا ْالخَ ْم ُر َو ْال َمي ِْس ُر َواَأْل ْن َ‬
‫ه وحكمته‬ ‫ه ورحمت‬ ‫ذا من لطف‬ ‫ونَ " وه‬ ‫لْ َأ ْنتُ ْم ُم ْنتَهُ‬ ‫ه " فَهَ‬ ‫‪.‬إلى قول‬
‫ا انتهينا‬ ‫ر " ‪ :1‬انتهين‬ ‫ال عم‬ ‫زلت‪ ,‬ق‬ ‫ان‬ ‫ذا لم‬ ‫‪.‬وله‬
‫ان‬ ‫وع ك‬ ‫اه‪ ,‬من أي ن‬ ‫ل وغط‬ ‫امر العق‬ ‫كر خ‬ ‫ل مس‬ ‫وك‬ ‫ر‪ ,‬فه‬ ‫ا الخم‬ ‫‪.‬فأم‬
‫وأما الميسر‪ ,‬فهو كل المغالبات التي يكون فيها عوض من الطرفين‪ ,‬من النرد‪ ,‬والشطرنج‪ ,‬وكل مغالبة قولي ة أو فعلي ة‪ ,‬تع وض‬
‫‪.‬بع وض‪ ,‬س وى مس ابقة الخي ل‪ ,‬واإلب ل‪ ,‬والس هام‪ ,‬فإنه ا مباح ة‪ ,‬لكونه ا معين ة على الجه اد‪ ,‬ف رخص فيه ا الش ارع‬
‫والهم‬ ‫ه من أم‬ ‫ا ينفقون‬ ‫دار م‬ ‫ؤال عن مق‬ ‫ذا س‬ ‫‪.‬وه‬
‫‪.‬فيس ر هللا لهم األم ر‪ ,‬وأم رهم أن ينفق وا العف و‪ ,‬وه و المتيس ر من أم والهم‪ ,‬ال ذي ال تتعل ق ب ه ح اجتهم وض رورتهم‬
‫‪.‬وه ذا يرج ع إلى ك ل أح د بحس به‪ ,‬من غ ني وفق ير ومتوس ط‪ ,‬ك ل ل ه ق درة على إنف اق م ا عف ا من مال ه‪ ,‬ول و ش ق تم رة‬
‫‪.‬وله ذا أم ر رس وله ص لى هللا علي ه وس لم‪ ,‬أن يأخ ذ العف و من أخالق الن اس وص دقاتهم‪ ,‬وال يكلفهم م ا يش ق عليهم‬
‫ا يشق‬ ‫ا بم‬ ‫ا لن‬ ‫ا‪ ,‬أو تكليف‬ ‫ه لن‬ ‫ة من‬ ‫ه حاج‬ ‫اب‬ ‫ا أمرن‬ ‫ا بم‬ ‫الى لم يأمرن‬ ‫أن هللا تع‬ ‫كب‬ ‫‪.‬ذل‬
‫‪.‬ب ل أمرن ا بم ا في ه س عادتنا‪ ,‬وم ا يس هل علين ا‪ ,‬وم ا ب ه النف ع لن ا وإلخوانن ا فيس تحق على ذل ك‪ ,‬أتم الحمد‬
‫ك يُبَيِّنُ هَّللا ُ لَ ُك ُم اآْل يَ ا ِ‬
‫ت " أي‪ :‬ال داالت على الح ق‪,‬‬ ‫ولما بين تعالى هذا البيان الشافي‪ ,‬وأطلع العباد على أسرار شرعه قال‪َ " :‬ك َذلِ َ‬
‫ان‬ ‫افع والفرق‬ ‫الت للعلم الن‬ ‫‪.‬المحص‬
‫لَ َعلَّ ُك ْم تَتَفَ َّكرُونَ فِي ال ُّد ْنيَا َواآْل ِخ َر ِة " أي‪ :‬لكي تس تعملوا أفك اركم في أس رار ش رعه‪ ,‬وتعرف وا أن أوام ره‪ ,‬فيه ا مص الح ال دنيا "‬
‫رة‬ ‫‪.‬واآلخ‬
‫‪.‬وأيضا لكي تتفكروا في الدنيا وسرعة انقضائها‪ ,‬وفي اآلخرة وبقائها‪ ,‬وأنها دار الجزاء فتعمروها‬

‫في الدنيا واآلخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصالح لهم خير "‬


‫وإن تخ الطوهم ف إخوانكم وهللا يعلم المفس د من المص لح ول و‬
‫" شاء هللا ألعنتكم إن هللا عزيز حكيم‬
‫لما نزل قوله تعالى " ِإ َّن الَّ ِذينَ يَْأ ُكلُونَ َأ ْم َوا َل ْاليَتَ ا َمى ظُ ْل ًم ا ِإنَّ َم ا يَ ْأ ُكلُونَ فِي بُطُ ونِ ِه ْم نَ ارًا َو َسيَ ْ‬
‫ص لَوْ نَ َس ِعيرًا " ش ق ذل ك على‬
‫المسلمين‪ ,‬وعزلوا طعامهم عن طعام اليتامى‪ ,‬خوفا على أنفسهم من تناولها‪ ,‬ول و في ه ذه الحال ة ال تي ج رت الع ادة بالمش اركة‬
‫لم عن ذلك‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫بي ص‬ ‫ألوا الن‬ ‫ا‪ ,‬وس‬ ‫‪.‬فيه‬
‫فأخبرهم تعالى أن المقصود‪ ,‬إصالح أموال اليتامى‪ ,‬بحفظها وصيانتها‪ ,‬واإلتجار فيها وأن خلطتهم إياهم في طعام وغيره‪ ,‬ج ائز‬
‫‪.‬على وج ه ال يض ر باليت امى‪ ,‬ألنهم إخ وانكم‪ ,‬ومن ش أن األخ‪ ,‬مخالط ة أخي ه‪ ,‬والمرج ع في ذل ك إلى الني ة والعمل‬
‫‪.‬فمن علم من نيت ه‪ ,‬أن ه مص لح للي تيم‪ ,‬وليس ل ه طم ع في مال ه‪ ,‬فل و دخ ل علي ه ش يء ‪ -‬من غ ير قص د ‪ -‬لم يكن علي ه ب أس‬
‫‪ " .‬ومن علم هللا من نيت ه‪ ,‬أن قص ده بالمخالط ة‪ ,‬التوص ل إلى أكله ا‪ ,‬ف ذلك ال ذي ح رج وأثم‪ ,‬و " الوس ائل له ا أحك ام المقاصد‬
‫وفي هذه اآلية‪ ,‬دليل على جواز أنواع المخالطات‪ ,‬في المآكل والمشارب‪ ,‬والعقود وغيرها‪ ,‬وهذه الرخصة‪ ,‬لطف من هللا تع الى‪,‬‬
‫نين‬ ‫عة على المؤم‬ ‫ان‪ ,‬وتوس‬ ‫‪.‬وإحس‬
‫رجتم‬ ‫ذلك‪ ,‬فح‬ ‫ةب‬ ‫دم الرخص‬ ‫ق عليكم بع‬ ‫ا َء هَّللا ُ َأَل ْعنَتَ ُك ْم " أي‪ :‬ش‬ ‫وْ َش‬ ‫‪.‬وإال " َولَ‬
‫ق عليكم وأثمتم‬ ‫‪.‬وش‬
‫"‬ ‫يء‬ ‫لش‬ ‫ر لك‬ ‫ة‪ ,‬والقه‬ ‫وة الكامل‬ ‫ه الق‬ ‫ٌز " أي‪ :‬ل‬ ‫‪ِ.‬إ َّن هَّللا َ ع ِ‬
‫َزي‬
‫‪.‬ولكن ه ‪ -‬م ع ذل ك " َح ِكي ٌم " ال يفع ل إال م ا ه و مقتض ى حكمت ه الكامل ة وعنايت ه التام ة‪ ,‬فعزت ه ال تن افي حكمته‬
‫فال يقال‪ :‬إنه ما شاء فعل‪ ,‬وافق الحكمة أو خالفها‪ :‬بل يقال‪ ,‬إن أفعاله وكذلك أحكامه‪ ,‬تابعة لحكمته‪ ,‬فال يخلق شيئا عبثا‪ ,‬بل ال ب د‬
‫ا‪ ,‬أم لم نعرفها‬ ‫ة‪ ,‬عرفناه‬ ‫ه من حكم‬ ‫‪.‬ل‬
‫ردا عن الحكمة‬ ‫يئا مج‬ ‫اده ش‬ ‫رع لعب‬ ‫ذلك لم يش‬ ‫‪.‬وك‬
‫‪.‬فال يأمر إال بما فيه مصلحة خالصة‪ ,‬أو راجحة‪ ,‬وال ينهى إال عما فيه مفسدة خالصة أو راجحة‪ ,‬لتمام حكمته ورحمته‬

‫وال تنكح وا المش ركات ح تى ي ؤمن وألم ة مؤمن ة خ ير من‬


‫مشركة ولو أعجبتكم وال تنكحوا المشركين حتى يؤمن وا ولعب د‬
‫مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار وهللا‬
‫ي دعو إلى الجن ة والمغف رة بإذن ه وي بين آيات ه للن اس لعلهم‬
‫" يتذكرون‬
‫ركهن‬ ‫ا دمن على ش‬ ‫ِر َكا ِ‬
‫ت"م‬ ‫اء " ْال ُم ْش‬ ‫‪.‬أي " َواَل تَ ْن ِك ُح‬
‫وا " النس‬
‫َحتَّى يُْؤ ِم َّن " ألن المؤمنة ‪ -‬ولو بلغت من الدمامة ما بلغت ‪ -‬خير من المشركة‪ ,‬ولو بلغت من الحسن ما بلغت‪ ,‬وهذه عامة في "‬
‫ركات‬ ‫اء المش‬ ‫ع النس‬ ‫‪.‬جمي‬
‫َات ِمنَ الَّ ِذينَ ُأوتُ وا ْال ِكتَ َ‬
‫اب‬ ‫ص ن ُ‬ ‫‪ " .‬وخصص تها آي ة المائ دة‪ ,‬في إباح ة نس اء أه ل الكت اب كم ا ق ال تع الى‪َ " :‬و ْال ُمحْ َ‬
‫"‬ ‫يص فيه‬ ‫ام ال تخص‬ ‫ذا ع‬ ‫وا " وه‬ ‫ِر ِكينَ َحتَّى يُْؤ ِمنُ‬ ‫وا ْال ُم ْش‬ ‫‪َ .‬واَل تُ ْن ِك ُح‬
‫ار " أي‪ :‬في‬ ‫ثم ذك ر تع الى‪ ,‬الحكم ة في تح ريم نك اح المس لم أو المس لمة‪ ,‬لمن خالفهم ا في ال دين فق ال‪ُ " :‬أولَِئ َ‬
‫ك يَ ْد ُعونَ ِإلَى النَّ ِ‬
‫‪.‬أق والهم وأفع الهم وأح والهم‪ ,‬فمخ الطتهم على خط ر منهم‪ ,‬والخط ر ليس من األخط ار الدنيوي ة‪ ,‬إنم ا ه و الش قاء األب دي‬
‫ويستفاد من تعليل اآلية‪ ,‬النهي عن مخالطة كل مشرك ومبتدع‪ ,‬ألنه إذا لم يج ز ال تزوج ‪ -‬م ع أن في ه مص الح كث يرة ‪ -‬فالخلط ة‬
‫‪.‬المج ردة من ب اب أولى‪ ,‬وخصوص ا‪ ,‬الخلط ة ال تي فيه ا ارتف اع المش رك ونح وه على المس لم‪ ,‬كالخدم ة ونحوها‬
‫اح‬ ‫ولي في النك‬ ‫ار ال‬ ‫ل على اعتب‬ ‫ِر ِكينَ " دلي‬ ‫وا ْال ُم ْش‬ ‫ه " َواَل تُ ْن ِك ُح‬ ‫‪.‬وفي قول‬
‫َوهَّللا ُ يَ ْدعُو ِإلَى ْال َجنَّ ِة َو ْال َم ْغفِ َر ِة " أي‪ :‬يدعو عباده لتحصيل الجنة والمغفرة‪ ,‬التي من آثارها‪ ,‬دف ع العقوب ات وذل ك بال دعوة إلى "‬
‫الح‬ ‫ل الص‬ ‫افع‪ ,‬والعم‬ ‫وح‪ ,‬والعلم الن‬ ‫ة النص‬
‫الحة‪ ,‬والتوب‬ ‫ال الص‬ ‫بابها من األعم‬ ‫‪.‬أس‬
‫اس لَ َعلَّهُ ْم يَتَ َذ َّكرُونَ " فيوجب لهم ذلك‪ ,‬التذكر لما نسوه‪ ,‬وعلم ما جهلوه‪ ,‬واالمتثال لم ا "‬
‫َويُبَيِّنُ آيَاتِ ِه " أي‪ :‬أحكامه وحكمها " لِلنَّ ِ‬
‫‪.‬ضيعوه‬

‫ويس ألونك عن المحيض ق ل ه و أذى ف اعتزلوا النس اء في "‬


‫المحيض وال تقربوهن حتى يطه رن ف إذا تطه رن ف أتوهن من‬
‫" حيث أمركم هللا إن هللا يحب التوابين ويحب المتطهرين‬
‫يض " اآليات‪ :‬يخبر تعالى‪ ,‬عن سؤالهم عن المحيض‪ ,‬وهل تكون المرأة بحالها بع د الحيض‪,‬‬ ‫ثم قال تعالى " َويَ ْسَألُونَكَ َع ِن ْال َم ِح ِ‬
‫ود؟‬ ‫ه اليه‬ ‫ا يفعل‬ ‫ا كم‬ ‫ك‪ ,‬أم تجتنب مطلق‬ ‫ل ذل‬ ‫انت قب‬ ‫اك‬ ‫‪.‬كم‬
‫فأخبر تعالى أن الحيض أذى‪ ,‬وإذا كان أذى‪ ,‬فمن الحكمة أن يمنع هللا تعالى عباده عن األذى وحده‪ ,‬ولهذا قال‪ " :‬فَا ْعت َِزلُوا النِّ َسا َء‬
‫" فِي ْال َم ِح ِ‬
‫يض‬ ‫‪.‬‬
‫رم إجماعا‬ ‫و المح‬ ‫ذا ه‬ ‫ة‪ ,‬فه‬ ‫رج خاص‬ ‫وطء في الف‬ ‫و ال‬ ‫ان الحيض‪ ,‬وه‬ ‫‪.‬أي‪ :‬مك‬
‫‪.‬وتخص يص االع تزال في المحيض‪ ,‬ي دل على أن مباش رة الح ائض ومالمس تها‪ ,‬في غ ير ال وطء في الف رج‪ ,‬ج ائز‬
‫طهُرْ نَ " يدل على ترك المباشرة فيم ا ق رب من الف رج‪ ,‬وذل ك فيم ا بين الس رة والركب ة‪ ,‬فينبغي‬ ‫لكن قوله " َواَل تَ ْق َربُوه َُّن َحتَّى يَ ْ‬
‫‪.‬ترك ه كم ا ك ان الن بي ص لى هللا علي ه وس لم إذا أراد أن يباش ر امرأت ه وهي ح ائض‪ ,‬أمره ا أن ت تزر‪ ,‬فيباش رها‬
‫طهُرْ نَ " أي‪ :‬ينقطع دمهن‪ ,‬فإذا انقطع الدم‪ ,‬زال المنع الموج ود وقت جريان ه‪,‬‬ ‫وحد هذا االعتزال وعدم القربان للحيض " َحتَّى يَ ْ‬
‫ال منه‬ ‫دم‪ ,‬واالغتس‬ ‫اع ال‬ ‫رطان‪ ,‬انقط‬ ‫هش‬ ‫ان لحل‬ ‫ذي ك‬ ‫‪.‬ال‬
‫فلما انقطع الدم‪ ,‬زال الشرط األول وبقي الثاني‪ ,‬فلهذا قال‪ " :‬فَِإ َذا تَطَهَّرْ نَ " أي‪ :‬اغتسلن " فَْأتُوه َُّن ِم ْن َحي ُ‬
‫ْث َأ َم َر ُك ُم هَّللا ُ " أي‪ :‬في‬
‫رث‬ ‫ل الح‬ ‫ه مح‬ ‫دبر‪ ,‬ألن‬ ‫ل ال في ال‬ ‫‪.‬القب‬
‫حته‬ ‫رط لص‬ ‫دم‪ ,‬ش‬
‫اع ال‬ ‫ائض‪ ,‬وأن انقط‬ ‫ال للح‬ ‫وب االغتس‬ ‫ل على وج‬ ‫ه دلي‬ ‫‪.‬وفي‬
‫ولما كان هذا المنع لطفا منه تعالى بعباده‪ ,‬وصيانة عن األذى قال تعالى‪ِ " :‬إ َّن هَّللا َ ي ُِحبُّ التَّوَّابِينَ " أي‪ :‬من ذن وبهم على ال دوام "‬
‫‪َ .‬وي ُِحبُّ ْال ُمتَطَه ِِّرينَ " أي‪ :‬المت نزهين عن اآلث ام وه ذا يش مل التطه ر الحس ي من األنج اس واألح داث‬
‫ففيه مشروعية الطهارة مطلقا‪ ,‬ألن هللا تعالى يحب المتصف بها‪ ,‬ولهذا كانت الطهارة مطلقا‪ ,‬ش رطا لص حة الص الة والط واف‪,‬‬
‫حف‬ ‫واز مس المص‬ ‫‪.‬وج‬
‫‪.‬ويشمل التطهر المعنوي عن األخالق الرذيلة‪ ,‬والصفات القبيحة‪ ,‬واألفعال الخسيسة‬

‫نساؤكم حرث لكم ف أتوا ح رثكم أنى ش ئتم وق دموا ألنفس كم "‬
‫" واتقوا هللا واعلموا أنكم مالقوه وبشر المؤمنين‬
‫ث لَ ُك ْم فَْأتُوا َحرْ ثَ ُك ْم َأنَّى ِشْئتُ ْم " مقبلة ومدبرة غير أنه ال يكون إال في القبل‪ ,‬لكونه موضع الح رث‪ ,‬وه و الموض ع "‬
‫نِ َساُؤ ُك ْم َحرْ ٌ‬
‫ه الولد‬ ‫ون من‬ ‫ذي يك‬ ‫‪.‬ال‬
‫‪.‬وفي ه دلي ل على تح ريم ال وطء في ال دبر‪ ,‬ألن هللا لم يبح إتي ان الم رأة إال في الموض ع ال ذي من ه الح رث‬
‫ك‪ ,‬ولعن فاعله‬ ‫ريم ذل‬ ‫لم في تح‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫بي ص‬ ‫اديث عن الن‬
‫د تك‬ ‫اثرت األح‬
‫‪.‬وق‬
‫َوقَ ِّد ُموا َأِل ْنفُ ِس ُك ْم " أي‪ :‬من التق رب إلى هللا بفع ل الخ يرات‪ ,‬ومن ذل ك أن يباش ر الرج ل امرأت ه‪ ,‬ويجامعه ا على وج ه القرب ة "‬
‫ع هللا بهم‬ ‫ذين ينف‬ ‫ة‪ ,‬ال‬ ‫يل الذري‬ ‫اء تحص‬ ‫اب‪ ,‬وعلى رج‬ ‫‪.‬واالحتس‬
‫َواتَّقُوا هَّللا َ " أي‪ :‬في جميع أحوالكم‪ ,‬كونوا مالزمين لتقوى هللا‪ ,‬مستعينين على ذلك بعلمكم " َوا ْعلَ ُموا َأنَّ ُك ْم ُماَل قُوهُ " ومجازيكم "‬
‫الحة وغيرها‬ ‫الكم الص‬ ‫‪.‬على أعم‬
‫َوبَ ِّش ِر ْال ُمْؤ ِمنِينَ " لم يذكر المبشر به‪ ,‬ليدل على العموم‪ ,‬وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي اآلخرة‪ :‬وكل خير‪ ,‬واندفاع ك ل "‬
‫ارة‬ ‫ذه البش‬ ‫ل في ه‬ ‫و داخ‬ ‫ان ‪ -‬فه‬ ‫ير‪ ,‬رتب على اإليم‬ ‫‪.‬ض‬
‫‪.‬وفيها محبة هللا للمؤمنين‪ ,‬ومحبة ما يسرهم‪ ,‬واستحباب تنشيطهم وتشويقهم بما أعد هللا لهم من الجزاء الدنيوي واألخروي‬
‫وال تجعلوا هللا عرضة أليم انكم أن ت بروا وتتق وا وتص لحوا "‬
‫" بين الناس وهللا سميع عليم‬
‫م عليه‬ ‫د المقس‬ ‫ه‪ ,‬وتأكي‬ ‫مب‬ ‫م‪ ,‬تعظيم المقس‬ ‫ود من اليمين والقس‬ ‫‪.‬المقص‬
‫يء‬ ‫لش‬ ‫ا في ك‬ ‫ك حفظه‬ ‫ى ذل‬ ‫ان مقتض‬ ‫ان‪ ,‬وك‬ ‫ظ األيم‬ ‫ر بحف‬ ‫د أم‬ ‫الى ق‬ ‫ان هللا تع‬ ‫‪.‬وك‬
‫و أحب إليه‬ ‫اه‬ ‫رك م‬ ‫من ت‬ ‫اليمين‪ ,‬يتض‬ ‫بر ب‬ ‫ان ال‬ ‫ك‪ ,‬إذا ك‬ ‫تثنى من ذل‬ ‫الى اس‬ ‫‪.‬ولكن هللا تع‬
‫‪.‬فنهى عباده أن يجعلوا أيمانهم عرضة‪ ,‬أي‪ :‬مانع ة وحائل ة عن أن ي بروا أي‪ :‬يفعل وا خ يرا‪ ,‬ويتق وا ش را‪ ,‬ويص لحوا بين الن اس‬
‫ه على يمينه‬ ‫رم إقامت‬ ‫ه‪ ,‬وح‬ ‫رك واجب‪ ,‬وجب حنث‬ ‫ف على ت‬ ‫‪.‬فمن حل‬
‫ه الحنث‬ ‫تحب ل‬ ‫تحب‪ ,‬اس‬ ‫رك مس‬ ‫ف على ت‬ ‫‪.‬ومن حل‬
‫تحب الحنث‬ ‫روه‪ ,‬اس‬ ‫ل مك‬ ‫رم‪ ,‬وجب الحنث‪ ,‬أو على فع‬ ‫ل مح‬ ‫ف على فع‬ ‫‪.‬ومن حل‬
‫ظ اليمين عن الحنث‬ ‫ه حف‬ ‫اح‪ ,‬فينبغي في‬ ‫ا المب‬ ‫‪.‬وأم‬
‫دم أهمها‬ ‫الح‪ ,‬ق‬ ‫زاحمت المص‬ ‫ه " إذا ت‬ ‫هورة‪ ,‬أن‬ ‫دة المش‬ ‫ة على القاع‬ ‫ذه اآلي‬ ‫تدل به‬ ‫" ويس‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬فهن ا تتميم اليمين‪ ,‬مص لحة‪ ,‬وامتث ال أوام ر هللا في ه ذه األش ياء‪ ,‬مص لحة أك بر من ذل ك‪ ,‬فق دمت ل ذلك‬
‫ِمي ٌع " أي‬ ‫ال‪َ " :‬وهَّللا ُ َس‬ ‫ريمين فق‬ ‫مين الك‬ ‫ذين االس‬ ‫ة به‬ ‫‪.‬ثم ختم اآلي‬
‫‪.‬لجمي ع األص وات " َعلِي ٌم " بالمقاص د والني ات‪ ,‬ومن ه‪ ,‬س ماعه ألق وال الح الفين‪ ,‬وعلم ه بمقاص دهم ه ل هي خ ير أم شر‬
‫‪.‬وفي ضمن ذلك‪ ,‬التحذير من مجازاته‪ ,‬وأن أعمالكم ونياتكم‪ ,‬قد استقر علمها عنده‬

‫ال يؤاخذكم هللا باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخ ذكم بم ا كس بت "‬


‫" قلوبكم وهللا غفور حليم‬
‫‪ " .‬ثم ق ال تع الى " اَل يَُؤ ا ِخ ُذ ُك ُم هَّللا ُ بِ اللَّ ْغ ِو فِي َأ ْي َم انِ ُك ْم َولَ ِك ْن يَُؤ ا ِخ ُذ ُك ْم بِ َم ا َك َس بَ ْ‬
‫ت قُلُ وبُ ُك ْم َوهَّللا ُ َغفُ و ٌر َحلِي ٌم‬
‫أي‪ :‬ال يؤاخذكم بما يجري على ألسنتكم من األيمان الالغية‪ ,‬التي يتكلم بها العبد‪ ,‬من غير قصد منه وال كسب قلب‪ ,‬ولكنها جرت‬
‫‪.‬على لس انه كق ول الرج ل في ع رض كالم ه‪ " :‬ال وهللا " و " بلى وهللا " ‪ ,‬وكحلف ه على أم ر م اض‪ ,‬يظن ص دق نفسه‬
‫ده القلب‬ ‫ا قص‬ ‫ذة‪ ,‬على م‬ ‫ا المؤاخ‬ ‫‪.‬وإنم‬
‫ال‬ ‫برة في األفع‬ ‫ا هي معت‬ ‫وال‪ ,‬كم‬ ‫د في األق‬ ‫ار المقاص‬ ‫ل على اعتب‬ ‫ذا‪ ,‬دلي‬ ‫‪.‬وفي ه‬
‫وهللا " غفور " لمن تاب إليه‪ " ,‬حليم " بمن عصاه‪ ,‬حيث لم يعاجله بالعقوبة‪ ,‬بل حلم عنه وستر‪ ,‬وصفح مع قدرته علي ه‪ ,‬وكون ه‬
‫‪.‬بين يديه‬

‫للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا ف إن "‬


‫" هللا غفور رحيم‬
‫‪.‬وه ذا من األيم ان الخاص ة بالزوج ة‪ ,‬في أم ر خ اص وه و حل ف الرج ل‪ ,‬على ت رك وطء زوجت ه مطلقا‬
‫دا‬ ‫‪.‬أو مقي‬
‫ثر‬ ‫هر أو أك‬ ‫ة أش‬ ‫ل من أربع‬ ‫‪.‬بأق‬
‫فمن آلى من زوجته خاصة ‪ -‬فإن كان لدون أربعة أشهر‪ ,‬فهذا مثل سائر األيمان‪ ,‬إن حنث كف ر‪ ,‬وإن أتم يمين ه‪ ,‬فال ش يء علي ه‪,‬‬
‫هر‬ ‫ة أش‬ ‫ه أربع‬ ‫ه ملك‬ ‫بيل‪ ,‬ألن‬ ‫هس‬ ‫ه علي‬ ‫‪.‬وليس لزوجت‬
‫‪.‬وإن كان أبدا‪ ,‬أو م دة تزي د على أربع ة أش هر‪ ,‬ض ربت ل ه م دة أربع ة أش هر من يمين ه‪ ,‬إذا طلبت زوجت ه ذل ك‪ ,‬ألن ه ح ق لها‬
‫وطء‬ ‫و ال‬ ‫ر بالفيئة‪ ,‬وه‬ ‫إذا تمت‪ ,‬أم‬ ‫‪.‬ف‬
‫ارة اليمين‬ ‫ه إال كف‬ ‫يء علي‬ ‫إن وطئ‪ ,‬فال ش‬ ‫‪.‬ف‬
‫اكم‬ ‫ه الح‬ ‫ق علي‬ ‫ع‪ ,‬طل‬ ‫إن امتن‬ ‫بر على الطالق‪ ,‬ف‬ ‫ع‪ ,‬أج‬ ‫‪.‬وإن امتن‬
‫ولكن الفيئة والرجوع إلى زوجته‪ ,‬أحب إلى هللا تع الى‪ ,‬وله ذا ق ال‪ " :‬فَ ِإ ْن فَ ا ُءوا " أي‪ :‬رجع وا إلى م ا حلف وا على ترك ه‪ ,‬وه و‬
‫وطء‬ ‫‪.‬ال‬
‫"‬ ‫وعهم‬ ‫بب رج‬ ‫ف‪ ,‬بس‬ ‫ل منهم من الحل‬ ‫ا حص‬ ‫ر لهم م‬ ‫و ٌر " يغف‬ ‫ِإ َّن هَّللا َ َغفُ‬ ‫‪.‬فَ‬
‫َر ِحي ٌم " حيث جع ل أليم انهم كف ارة وتحل ة‪ ,‬ولم يجعله ا الزم ة لهم‪ ,‬غ ير قابل ة لالنفك اك‪ ,‬ورحيم بهم أيض ا‪ ,‬حيث ف اءوا إلى "‬
‫‪.‬زوجاتهم‪ ,‬وحنوا عليهن ورحموهن‬

‫" وإن عزموا الطالق فإن هللا سميع عليم "‬


‫َوِإ ْن َعزَ ُموا الطَّاَل َ‬
‫ق " أي‪ :‬امتنعوا من الفيئة‪ ,‬فكان ذلك دليال على رغبتهم عنهن‪ ,‬وع دم إرادتهم ألزواجهم‪ ,‬وه ذا ال يك ون إال "‬
‫ا على الطالق‬ ‫‪.‬عزم‬
‫ام به‬ ‫ه‪ ,‬أو ق‬ ‫اكم علي‬ ‫بره الح‬ ‫رة‪ ,‬وإال أج‬ ‫ه مباش‬ ‫واجب من‬ ‫ق ال‬
‫‪.‬ف إن حص‬‫ذا الح‬ ‫له‬
‫‪.‬فَ ِإ َّن هَّللا َ َس ِمي ٌع َعلِي ٌم " في ه وعي د وتهدي د‪ ,‬لمن يحل ف ه ذا الحل ف‪ ,‬ويقص د ب ذلك‪ ,‬المض ارة والمش اقة "‬
‫ويستدل بهذه اآلية‪ ,‬على أن اإليالء‪ ,‬خاص بالزوجة‪ ,‬لقوله " من نسائهم‪ ,‬وعلى وجوب الوطء في كل أربعة أشهر مرة‪ ,‬ألنه بع د‬
‫‪.‬األربعة‪ ,‬يجبر‪ ,‬إما على الوطء‪ ,‬أو على الطالق‪ ,‬وال يكون ذلك إال لتركه واجبا‬

‫والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثالث ة ق روء وال يح ل لهن أن "‬


‫يكتمن ما خلق هللا في أرحامهن إن كن يؤمن باهلل واليوم اآلخر‬
‫وبعولتهن أح ق ب ردهن في ذل ك إن أرادوا إص الحا ولهن مث ل‬
‫الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة وهللا عزيز حكيم‬
‫"‬
‫أي‪ :‬النساء الالتي طلقهن أزواجهن " يَتَ َربَّصْ نَ بَِأ ْنفُ ِس ِه َّن " أي‪ :‬ينتظرن ويعتددن مدة " ثَاَل ثَةَ قُرُو ٍء " أي‪ :‬حيض‪ ,‬أو أطه ار على‬
‫‪.‬اختالف العلم اء في الم راد ب ذلك‪ ,‬م ع أن الص حيح أن الق رء‪ ,‬الحيض‪ ,‬وله ذه الع دة‪ ,‬ع دة حكم‬
‫‪.‬منه ا‪ :‬العلم ب براءة ال رحم‪ ,‬إذا تك رر عليه ا ثالث ة األق راء‪ ,‬علم أن ه ليس في رحمه ا حم ل‪ ,‬فال يفض ي إلى اختالط األنس اب‬
‫ق هَّللا ُ فِي َأرْ َحا ِم ِه َّن " وحرم عليهن‪ ,‬كتم ان ذل ك‪ ,‬من حم ل أو حيض‪ ,‬ألن كتم ان‬
‫ولهذا أوجب تعالى عليهن اإلخبار عن " َما َخلَ َ‬
‫يرة‬ ‫د كث‬ ‫ي إلى مفاس‬ ‫ك‪ ,‬يفض‬ ‫‪.‬ذل‬
‫دة‬ ‫اء الع‬ ‫تعجاال النقض‬ ‫ه‪ ,‬أو اس‬ ‫ة في‬ ‫ه‪ ,‬رغب‬ ‫ول‬ ‫ير من ه‬ ‫ه بغ‬ ‫وجب أن تلحق‬ ‫ل‪ ,‬م‬ ‫ان الحم‬ ‫‪.‬فكتم‬
‫‪.‬ف إذا ألحقت ه بغ ير أبي ه‪ ,‬حص ل من قط ع ال رحم واإلرث‪ ,‬واحتج اب محارم ه وأقارب ه عن ه‪ ,‬وربم ا ت زوج ذوات محارمه‬
‫‪.‬وحصل في مقابلة ذلك‪ ,‬إلحاق ه بغ ير أبي ه‪ ,‬وثب وت تواب ع ذل ك‪ ,‬من اإلرث من ه ول ه‪ ,‬ومن جع ل أق ارب الملح ق ب ه‪ ,‬أق ارب له‬
‫اد‬ ‫ه إال رب العب‬ ‫ا ال يعلم‬ ‫اد‪ ,‬م‬ ‫ر والفس‬ ‫ك من الش‬ ‫‪.‬وفي ذل‬
‫‪.‬ولو لم يكن في ذلك‪ ,‬إال إقامتها مع من نكاحها باطل في حقه‪ ,‬وفيه اإلصرار على الكبيرة العظيمة‪ ,‬وهي الزنا ‪ -‬لكفى بذلك ش را‬
‫وأما كتمان الحيض‪ ,‬فإن استعجلت فأخبرت به وهي كاذبة‪ ,‬ففيه من انقطاع حق الزوج عنها‪ ,‬وإباحتها لغيره وما يتفرع عن ذل ك‬
‫ا ذكرنا‬ ‫ر‪ ,‬كم‬ ‫‪.‬من الش‬
‫وإن كذب وأخبرت بعدم وجود الحيض‪ ,‬لتطول العدة‪ ,‬فتأخذ منه نفقة غير واجبة عليه‪ ,‬بل هي سحت عليه ا محرم ة من جه تين‪:‬‬
‫من كونها ال تستحقه‪ ,‬ومن كونها‪ ,‬تسبته إلى حكم الشرع وهي كاذبة‪ ,‬وربما راجعها بعد انقضاء العدة‪ ,‬فيكون ذلك سفاحا‪ ,‬لكونها‬
‫ق هَّللا ُ فِي َأرْ َح ا ِم ِه َّن ِإ ْن ُك َّن يُ ْؤ ِم َّن بِاهَّلل ِ َو ْاليَ وْ ِم اآْل ِخ ِر‬
‫‪ " .‬أجنبي ة من ه‪ ,‬فله ذا ق ال تع الى‪َ " :‬واَل يَ ِح لُّ لَه َُّن َأ ْن يَ ْكتُ ْمنَ َم ا خَ لَ َ‬
‫فصدور الكتمان منهن‪ ,‬دليل على عدم إيمانهن باهلل والي وم اآلخ ر‪ ,‬وإال فل و آمن باهلل والي وم اآلخ ر‪ ,‬وع رفن أنهن مجزي ات عن‬
‫يء من ذلك‬ ‫در منهن ش‬ ‫الهن‪ ,‬لم يص‬ ‫‪.‬أعم‬
‫‪.‬وفي ذلك دليل على قبول خبر المرأة‪ ,‬عما تخبر بها عن نفسها‪ ,‬من األمر الذي ال يطلع عليها غيرها‪ ,‬كالحم ل والحيض ونحوها‬
‫ثم قال تعالى " َوبُعُولَتُه َُّن َأ َح ُّ‬
‫ق بِ َر ِّد ِه َّن فِي َذلِ َ‬
‫ك " أي‪ :‬ألزواجهن ما دامت متربصة في تلك العدة‪ ,‬أن ي ردوهن إلى نك احهن " ِإ ْن‬
‫ودة‬ ‫ة وم‬ ‫ة وألف‬ ‫اَل حًا " أي‪ :‬رغب‬ ‫‪َ.‬أ َرادُوا ِإ ْ‬
‫ص‬
‫ومفهوم اآلية أنهم إن لم يريدوا اإلصالح‪ ,‬فليسوا بأحق بردهن‪ ,‬فال يحل لهم أن يراجعوهن‪ ,‬لقصد المض ارة له ا‪ ,‬وتطوي ل الع دة‬
‫‪.‬عليها‬
‫والن‬ ‫هق‬ ‫د؟ في‬ ‫ذا القص‬ ‫عه‬ ‫ك‪ ,‬م‬ ‫ك ذل‬ ‫ل يمل‬ ‫‪.‬وه‬
‫الجمهور على أنه يملك ذلك‪ ,‬مع التحريم‪ ,‬والصحيح أنه إذا لم يرد اإلصالح‪ ,‬ال يملك ذلك‪ ,‬كما ه و ظ اهر اآلي ة الكريم ة‪ ,‬وه ذه‬
‫تربص‬ ‫ذا ال‬ ‫رى في ه‬ ‫ة أخ‬ ‫‪.‬حكم‬
‫‪.‬وهي‪ :‬أن ه ربم ا أن زوجه ا ن دم على فراق ه له ا‪ ,‬فجعلت ل ه ه ذه الم دة‪ ,‬لي تروى به ا ويقط ع نظ ره‬
‫وهذا يدل على محبته تعالى‪ ,‬لأللفة بين الزوجين‪ ,‬وكراهته للفراق‪ ,‬كما قال الن بي ص لى هللا علي ه وس لم " أبغض الحالل إلى هللا‬
‫" الطالق‬ ‫‪.‬‬
‫رجعي‬ ‫اص في الطالق ال‬ ‫ذا خ‬ ‫‪.‬وه‬
‫أحق برجعتها‬ ‫لب‬ ‫ائن‪ ,‬فليس البع‬ ‫ا الطالق الب‬ ‫‪.‬وأم‬
‫روط‬ ‫ع الش‬ ‫د مجتم‬ ‫د جدي‬ ‫د من عق‬
‫يا على ال‬ ‫تراجع‪ ,‬فال ب‬ ‫ل إن تراض‬ ‫‪.‬ب‬
‫ثم قال تعالى " َولَه َُّن ِم ْث ُل الَّ ِذي َعلَ ْي ِه َّن بِ ْال َم ْعر ِ‬
‫ُوف " أي‪ :‬وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم‪ ,‬مثل الذي عليهن ألزواجهن‬
‫تحبة‬ ‫ة والمس‬ ‫وق الالزم‬ ‫‪.‬من الحق‬
‫‪.‬ومرج ع الحق وق بين ال زوجين إلى المع روف‪ ,‬وه و‪ :‬الع ادة الجاري ة في ذل ك البل د وذل ك الزم ان من مثله ا لمثله‬
‫خاص والعوائد‬ ‫وال‪ ,‬واألش‬ ‫ة‪ ,‬واألح‬ ‫ة واألمكن‬ ‫اختالف األزمن‬ ‫كب‬ ‫ف ذل‬ ‫‪.‬ويختل‬
‫‪.‬في ه ذا دلي ل على أن النفق ة والكس وة‪ ,‬والمعاش رة‪ ,‬والمس كن‪ ,‬وك ذلك ال وطء ‪ -‬الك ل يرج ع إلى المع روف‬
‫د المطلق‬ ‫وجب العق‬ ‫ذا م‬ ‫‪.‬فه‬
‫رم حالال‬ ‫ا‪ ,‬أو ح‬ ‫ل حرام‬ ‫رطا أح‬ ‫رطهما‪ ,‬إال ش‬ ‫رط‪ ,‬فعلى ش‬ ‫ع الش‬ ‫ام‬ ‫‪.‬وأم‬
‫ض َل هَّللا ُ "‬
‫َولِل ِّر َجا ِل َعلَ ْي ِه َّن َد َر َجةٌ " أي‪ :‬رفعة ورياسة‪ ,‬وزيادة حق عليها‪ ,‬كما قال تعالى‪ " :‬الرِّ َج ا ُل قَوَّا ُم ونَ َعلَى النِّ َس ا ِء بِ َم ا فَ َّ‬
‫َوالِ ِه ْم‬ ‫وا ِم ْن َأ ْم‬ ‫ا َأ ْنفَقُ‬ ‫هُ ْم َعلَى بَع ٍ‬
‫ْض َوبِ َم‬ ‫ْض‬
‫" بَع َ‬ ‫‪.‬‬
‫ال‬ ‫ات بالرج‬ ‫ائر الوالي‬ ‫برى‪ ,‬وس‬ ‫غرى والك‬ ‫ة الص‬ ‫اء‪ ,‬واإلمام‬ ‫وة والقض‬ ‫ب النب‬ ‫‪.‬ومنص‬
‫وه‬ ‫الميراث ونح‬ ‫ور‪ ,‬ك‬ ‫ير من األم‬ ‫ا في كث‬ ‫ا له‬ ‫عفا م‬ ‫هض‬ ‫‪.‬ول‬
‫‪َ .‬وهَّللا ُ ع ِ‬
‫َزي ٌز َح ِكي ٌم " أي‪ :‬له العزة القاهرة والسلطان العظيم‪ ,‬الذي دانت له جميع األشياء‪ ,‬ولكنه ‪ -‬مع عزته ‪ -‬حكيم في تصرفه "‬
‫ع الحمل‬ ‫دتهن وض‬ ‫ل‪ ,‬فع‬ ‫ة‪ ,‬الحوام‬ ‫ذه اآلي‬ ‫وم ه‬ ‫رج من عم‬ ‫‪.‬ويخ‬
‫دة‬ ‫دخل بهن‪ ,‬فليس لهن ع‬ ‫‪.‬والالتي لم ي‬
‫حابة " ‪4‬‬ ‫ول الص‬ ‫وق‬ ‫اه‬ ‫تان‪ ,‬كم‬ ‫دتهن حيض‬ ‫اء‪ ,‬فع‬ ‫‪.‬واإلم‬
‫‪.‬وسياق اآلية‪ ,‬يدل على أن المراد بها‪ ,‬الحرة‬

‫الطالق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وال يحل "‬


‫لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إال أن يخاف ا أال يقيم ا ح دود‬
‫هللا فإن خفتم أال يقيما حدود هللا فال جناح عليهما فيما افتدت به‬
‫تل ك ح دود هللا فال تعت دوها ومن يتع د ح دود هللا فأولئ ك هم‬
‫" الظالمون‬
‫ه بال نهاية‬ ‫ل زوجت‬ ‫ق الرج‬ ‫و أن يطل‬ ‫الم‪ ,‬ه‬ ‫تمر أول اإلس‬ ‫ة‪ ,‬واس‬ ‫ان الطالق في الجاهلي‬ ‫‪.‬ك‬
‫فكان إذا أراد مضارتها‪ ,‬طلقها‪ ,‬فإذا شارفت انقض اء ع دتها‪ ,‬راجعه ا‪ ,‬ثم طلقه ا وص نع به ا مث ل ذل ك أب دا‪ ,‬فيحص ل عليه ا من‬
‫ه عليم‬ ‫ا هللا ب‬ ‫رر م‬ ‫‪.‬الض‬
‫ان‬
‫ِ‬ ‫ة " َم َّرتَ‬ ‫ه الرجع‬ ‫لب‬ ‫ذي تحص‬ ‫الى أن " الطَّاَل َ‬
‫ق " أي ال‬ ‫أخبر تع‬ ‫"ف‬ ‫‪.‬‬
‫دة‬ ‫ذه الم‬ ‫ه في ه‬ ‫ع رأي‬ ‫ا‪ ,‬ويراج‬ ‫ارة ‪ -‬من ارتجاعه‬ ‫رد المض‬ ‫زوج ‪ -‬إن لم ي‬ ‫‪.‬ليتمكن ال‬
‫وأما ما فوقها‪ ,‬فليس محال لذلك‪ ,‬ألن من زاد على الثنتين‪ ,‬فإما متجرئ على المح رم‪ ,‬أو ليس ل ه رغب ة في إمس اكها‪ ,‬ب ل قص ده‬
‫ارة‬ ‫‪.‬المض‬
‫ُوف " أي‪ :‬عشرة حسنة‪ ,‬ويجري مجرى أمثاله مع زوجاتهم‪ ,‬وهذا هو األرجح‪,‬‬ ‫فلهذا أمر تعالى الزوج‪ ,‬أن يمسك زوجته " بِ َم ْعر ٍ‬
‫وإال يسرحها ويفارقها " بِِإحْ َسا ٍن " ‪ ,‬ومن اإلحسان‪ ,‬أن ال يأخ ذ على فراق ه له ا ش يئا من مال ه‪ ,‬ألن ه ظلم‪ ,‬وأخ ذ للم ال في غ ير‬
‫مقابلة بشيء‪ ,‬فلهذا قال‪َ " :‬واَل يَ ِحلُّ لَ ُك ْم َأ ْن تَْأ ُخ ُذوا ِم َّما آتَ ْيتُ ُموه َُّن َش ْيًئا ِإاَّل َأ ْن يَ َخافَا َأاَّل يُقِي َما ُحدُو َد هَّللا ِ " وهي المخالعة بالمعروف‪,‬‬
‫ع هللا فيه‬ ‫افت أن ال تطي‬ ‫ه‪ ,‬وخ‬ ‫ه أو نقص دين‬ ‫ه أو خلق‬ ‫ا‪ ,‬لخلق‬ ‫ة زوجه‬ ‫رهت الزوج‬ ‫أن ك‬ ‫‪.‬ب‬
‫َت بِ ِه " ألن ه ع وض لتحص يل مقص ودها من الفرقة "‬ ‫‪.‬فَ ِإ ْن ِخ ْفتُ ْم َأاَّل يُقِي َم ا ُح دُو َد هَّللا ِ فَاَل ُجنَ ا َح َعلَ ْي ِه َم ا فِي َم ا ا ْفتَ د ْ‬
‫ذه الحكمة‬ ‫دت ه‬ ‫ع‪ ,‬إذا وج‬ ‫روعية الخل‬
‫‪.‬وفي ه‬ ‫ذا مش‬
‫‪.‬تِ ْل كَ " أي م ا تق دم من األحك ام الش رعية " ُح دُو ُد هَّللا ِ " أي‪ :‬أحكام ه ال تي ش رعها لكم‪ ,‬وأم ر ب الوقوف معها "‬
‫َو َم ْن يَتَ َع َّد حُ دُو َد هَّللا ِ فَُأولَِئكَ هُ ُم الظَّالِ ُمونَ " وأي ظلم أعظم ممن اقتحم الحالل‪ ,‬وتعدى منه إلى الحرام‪ ,‬فلم يس عه م ا أح ل هللا؟ "‬
‫‪.‬والظلم ثالث ة أقس ام‪ :‬ظلم العب د فيم ا بين ه وبين هللا‪ ,‬وظلم العب د األك بر ال ذي ه و الش رك‪ ,‬وظلم العب د فيم ا بين ه وبين الخلق‬
‫يئا‬ ‫اش‬ ‫ترك هللا منه‬ ‫اد‪ ,‬ال ي‬ ‫وق العب‬ ‫ة‪ ,‬وحق‬ ‫ره هللا بالتوب‬ ‫رك‪ ,‬ال يغف‬ ‫‪.‬فالش‬
‫والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك‪ ,‬تحت المشيئة والحكمة‬

‫فإن طلقها فال تحل له من بع د ح تى تنكح زوج ا غ يره ف إن "‬


‫طلقها فال جناح عليهما أن يتراجعا إن ظن ا أن يقيم ا ح دود هللا‬
‫" وتلك حدود هللا يبينها لقوم يعلمون‬
‫يقول تعالى‪ " :‬فَِإ ْن طَلَّقَهَا " أي‪ :‬الطلقة الثالثة " فَاَل تَ ِحلُّ لَهُ ِم ْن بَ ْع ُد َحتَّى تَ ْن ِك َح َزوْ ًج ا َغ ْي َرهُ " أي‪ :‬نكاح ا ص حيحا ويطأه ا‪ ,‬ألن‬
‫اق‬ ‫ذا باالتف‬ ‫وطء‪ ,‬وه‬ ‫د وال‬ ‫ه العق‬ ‫دخل فب‬ ‫حيحا‪ ,‬وي‬ ‫ون ص‬ ‫رعي ال يك‬ ‫اح الش‬ ‫‪.‬النك‬
‫اح رغبة‬ ‫اني‪ ,‬نك‬ ‫اح الث‬ ‫ون نك‬ ‫‪.‬ويتعين أن يك‬
‫د التحليل‬ ‫اح‪ ,‬وال يفي‬ ‫ا لألول‪ ,‬فليس بنك‬ ‫ه تحليله‬ ‫دب‬ ‫إن قص‬ ‫‪.‬ف‬
‫زوج‬ ‫ه ليس ب‬ ‫يد‪ ,‬ألن‬ ‫د وطء الس‬ ‫‪.‬وال يفي‬
‫فإذا تزوجها الثاني راغبا ووطئها‪ ,‬ثم فارقها وانقضت عدتها " فَاَل ُجنَا َح َعلَ ْي ِه َما " أي‪ :‬على الزوج األول والزوجة " َأ ْن يَت ََر َ‬
‫اج َعا‬
‫ار التراضي‬ ‫دل على اعتب‬ ‫ا‪ ,‬ف‬ ‫تراجع إليهم‬ ‫افته ال‬ ‫ا‪ ,‬إلض‬ ‫دا بينهم‬ ‫دا جدي‬ ‫ددا عق‬ ‫‪ ".‬أي‪ :‬يج‬
‫‪.‬ولكن يش ترط في ال تراجع أن يظن ا " َأ ْن يُقِي َم ا ُح دُو َد هَّللا ِ " ب أن يق وم ك ل منهم ا‪ ,‬بح ق ص احبه‬
‫‪.‬وذل ك إذا ن دما على عش رتهما الس ابقة الموجب ة للف راق‪ ,‬وعزم ا أن يب دالها بعش رة حس نة‪ ,‬فهن ا ال جن اح عليهم ا في ال تراجع‬
‫ومفهوم اآلية الكريمة‪ ,‬أنهما إن لم يظنا أن يقيما حدود هللا‪ ,‬بأن غلب على ظنهم ا أن الح ال الس ابقة باقي ة‪ ,‬والعش رة الس يئة غ ير‬
‫‪.‬زائل ة أن عليهم ا في ذل ك جناح ا‪ ,‬ألن جمي ع األم ور‪ ,‬إن لم يقم فيه ا أم ر هللا‪ ,‬ويس لك به ا طاعت ه‪ ,‬لم يح ل اإلق دام عليها‬
‫وفي هذا داللة على أنه ينبغي لإلنسان‪ ,‬إذا أراد أن يدخل في أمر من األمور‪ ,‬خصوصا الواليات‪ ,‬الصغار‪ ,‬والكبار‪ ,‬أن ينظر في‬
‫‪.‬نفسه‬
‫دم‪ ,‬وإال أحجم‬ ‫ا‪ ,‬أق‬ ‫ك‪ ,‬ووث‬ ‫ق به‬ ‫وة على ذل‬ ‫هق‬ ‫إن رأى من نفس‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪.‬ولم ا بين تع الى ه ذه األحك ام العظيم ة ق ال‪َ " :‬وتِ ْل َ‬
‫ك ُح دُو ُد هَّللا ِ " أي‪ :‬ش رائعه ال تي ح ددها وبينه ا ووض حها‬
‫"‬ ‫يرهم‬ ‫افعون لغ‬ ‫ا‪ ,‬الن‬ ‫ون به‬ ‫ونَ " ألنهم المنتفع‬ ‫وْ ٍم يَ ْعلَ ُم‬ ‫ا لِقَ‬ ‫‪.‬يُبَيِّنُهَ‬
‫‪.‬وفي ه ذا من فض يلة أه ل العلم‪ ,‬م ا ال يخفى‪ ,‬ألن هللا تع الى جع ل تبيين ه لح دوده‪ ,‬خاص ا بهم‪ ,‬وأنهم المقص ودون ب ذلك‬
‫‪.‬وفيه أن هللا تعالى يحب من عباده‪ ,‬معرفة حدود ما أنزل على رسوله والتفقه بها‬

‫وإذا طلقتم النس اء فبلغن أجلهن فأمس كوهن بمع روف أو "‬
‫سرحوهن بمعروف وال تمس كوهن ض رارا لتعت دوا ومن يفع ل‬
‫ذلك فقد ظلم نفسه وال تتخذوا آيات هللا هزوا واذكروا نعم ة هللا‬
‫عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا هللا‬
‫" واعلموا أن هللا بكل شيء عليم‬
‫تين‬ ‫دة أو اثن‬ ‫ا بواح‬ ‫ا رجعي‬ ‫ا َء " أي‪ :‬طالق‬ ‫الى‪َ " :‬وِإ َذا طَلَّ ْقتُ ُم النِّ َس‬ ‫ال تع‬ ‫‪.‬ثم ق‬
‫"‬ ‫دتهن‬ ‫اء ع‬ ‫اربن انقض‬ ‫‪.‬فَبَلَ ْغنَ َأ َجلَه َُّن " أي‪ :‬ق‬
‫ُوف َأوْ َس ِّرحُوه َُّن بِ َم ْع ر ٍ‬
‫ُوف " أي‪ :‬إم ا أن تراجع وهن‪ ,‬ونيتكم القي ام بحق وقهن‪ ,‬أو ت تركوهن بال رجع ة وال "‬ ‫فََأ ْم ِس ُكوه َُّن بِ َم ْعر ٍ‬
‫‪.‬إض رار‪ ,‬وله ذا ق ال‪َ " :‬واَل تُ ْم ِس ُكوه َُّن ِ‬
‫ض َرارًا " أي‪ :‬مض ارة بهن " لِتَ ْعتَ دُوا " في فعلكم ه ذا الحالل‪ ,‬إلى الح رام‬
‫ارة‬ ‫رام‪ :‬المض‬ ‫المعروف‪ ,‬والح‬ ‫اك ب‬ ‫الحالل‪ :‬اإلمس‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪َ .‬و َم ْن يَ ْف َع لْ َذلِ كَ فَقَ ْد ظَلَ َم نَ ْف َس هُ " ول و ك ان الح ق يع ود للمخل وق فالض رر عائ د إلى من أراد الض رار "‬
‫ت هَّللا ِ هُ ُز ًوا " لما بين تعالى ح دوده غاي ة التب يين‪ ,‬وك ان المقص ود‪ ,‬العلم به ا والعم ل‪ ,‬والوق وف معه ا‪ ,‬وع دم "‬
‫َواَل تَتَّ ِخ ُذوا آيَا ِ‬
‫مجاوزته ا‪ ,‬ألن ه تع الى لم ينزله ا عبث ا‪ ,‬ب ل أنزله ا ب الحق والص دق والج د‪ ,‬نهى عن اتخاذه ا ه زوا‪ ,‬أي‪ :‬لعب ا به ا‪ ,‬وهو‬
‫ال لواجبها‬ ‫دم االمتث‬ ‫ا‪ ,‬وع‬ ‫رى عليه‬ ‫‪.‬التج‬
‫ع الثالت‬ ‫ثرة الطالق‪ ,‬أو جم‬ ‫راق‪ ,‬أو ك‬ ‫اك‪ ,‬أو الف‬ ‫ارة في اإلمس‬ ‫تعمال المض‬ ‫ل اس‬ ‫‪.‬مث‬
‫لحته‬ ‫عيا في مص‬ ‫ه وس‬ ‫اب‬ ‫دة‪ ,‬رفق‬ ‫د واح‬ ‫دة بع‬ ‫ه واح‬ ‫لل‬ ‫ه ‪ -‬جع‬ ‫‪.‬وهللا ‪ -‬من رحمت‬
‫"‬ ‫اء‬ ‫دا وثن‬ ‫ان‪ ,‬حم‬ ‫ا باللس‬ ‫ةَ هَّللا ِ َعلَ ْي ُك ْم " عموم‬ ‫رُوا نِ ْع َم‬ ‫‪َ .‬و ْاذ ُك‬
‫ة هللا‬ ‫رفها في طاع‬ ‫ان‪ ,‬بص‬ ‫رارا‪ ,‬وباألرك‬ ‫ا‪ ,‬وإق‬
‫القلب‪ ,‬اعتراف‬ ‫‪.‬ب‬
‫ب َو ْال ِح ْك َم ِة " أي‪ :‬السنة اللذين بين لكم بهما طرق الخير ورغبكم فيها‪ ,‬وطرق الش ر وح ذركم إياه ا‪" ,‬‬
‫َو َما َأ ْن َز َل َعلَ ْي ُك ْم ِمنَ ْال ِكتَا ِ‬
‫ون‬ ‫وا تعلم‬ ‫ا لم تكون‬ ‫ه‪ ,‬وعلمكم م‬ ‫ه وأعدائ‬ ‫ه في أوليائ‬ ‫ه ووقائع‬ ‫رفكم نفس‬ ‫‪.‬وع‬
‫ه‪ ,‬الحكم‬ ‫اب في‬ ‫ريعة‪ ,‬فالكت‬ ‫رار الش‬ ‫ة‪ :‬أس‬ ‫راد بالحكم‬ ‫ل‪ :‬الم‬ ‫‪.‬وقي‬
‫ره ونواهيه‬ ‫ة هللا في أوام‬ ‫ان حكم‬ ‫ا‪ ,‬بي‬ ‫ة فيه‬ ‫‪.‬والحكم‬
‫حيح‬ ‫يين ص‬ ‫‪.‬وكال المعن‬
‫ولهذا قال " يَ ِعظُ ُك ْم بِ ِه " أي‪ :‬بما أنزل عليكم‪ ,‬وهذا مم ا يق وي أن الم راد بالحكم ة‪ ,‬أس رار الش ريعة‪ ,‬ألن الموعظ ة ببي ان الحكم‬
‫زول الجهل‬ ‫ه‪ ,‬ي‬ ‫الحكم ب‬ ‫ترهيب‪ ,‬ف‬ ‫ترغيب‪ ,‬أو ال‬ ‫ة‪ ,‬وال‬ ‫‪.‬والحكم‬
‫وجب الرغبة‬ ‫ترغيب‪ ,‬ي‬ ‫ع ال‬ ‫ةم‬ ‫‪.‬والحكم‬
‫والحكمة مع الترهيب‪ ,‬يوجب الرهب ة " َواتَّقُ وا هَّللا َ " في جمي ع أم وركم " َوا ْعلَ ُم وا َأ َّن هَّللا َ بِ ُك ِّل َش ْي ٍء َعلِي ٌم " فله ذا بين لكم ه ذه‬
‫‪.‬األحكام‪ ,‬التي هي جارية مع المصالح في كل زمان ومكان‪ ,‬فله الحمد والمنة‬

‫وإذا طلقتم النس اء فبلغن أجلهن فال تعض لوهن أن ينكحن "‬
‫أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذل ك يوع ظ ب ه من ك ان‬
‫منكم يؤمن باهلل والي وم اآلخ ر ذلكم أزكى لكم وأطه ر وهللا يعلم‬
‫" وأنتم ال تعلمون‬
‫هذا خطاب ألولياء المرأة المطلقة دون الثالث إذا خرجت من العدة‪ ,‬وأراد زوجها أن ينكحها‪ ,‬ورضيت بذلك‪ ,‬فال يج وز لوليه ا‪,‬‬
‫‪.‬من أب وغ يره; أن يعض لها; أي‪ :‬يمنعه ا من ال تزوج ب ه حنق ا علي ه; وغض با; اش مئزازا لم ا فع ل من الطالق األول‬
‫ه من العضل‬ ‫ه يمنع‬ ‫ِر " فإيمان‬ ‫وْ ِم اآْل ِخ‬ ‫ْؤ ِمنُ بِاهَّلل ِ َو ْاليَ‬ ‫انَ ِم ْن ُك ْم يُ‬ ‫ر أن " َم ْن َك‬ ‫‪.‬وذك‬
‫َذلِ ُك ْم َأ ْز َكى لَ ُك ْم َوَأ ْ‬
‫طهَ ُر " وأطيب مما يظن الولي أن عدم تزويجه‪ ,‬هو الرأي والالئق وأنه يقاب ل بطالق ه األول بع دم تزويج ه‪" ,‬‬
‫برين‬ ‫ترفعين المتك‬ ‫ادة الم‬ ‫وع‬ ‫اه‬ ‫‪.‬كم‬
‫ونَ‬ ‫إن " هَّللا َ يَ ْعلَ ُم َوَأ ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُم‬ ‫ه‪ ,‬ف‬ ‫دم تزويج‬ ‫لحة‪ ,‬في ع‬ ‫ان يظن أن المص‬ ‫إن ك‬ ‫"ف‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬ف امتثلوا أم ر من ه و ع الم بمص الحكم‪ ,‬مري د له ا‪ ,‬ق ادر عليه ا‪ ,‬ميس ر له ا من الوج ه ال ذي تعرف ون وغ يره‬
‫وفي هذه اآلية‪ ,‬دليل على أنه ال بد من الولي في النكاح‪ ,‬ألنه نهى األولياء عن العضل‪ ,‬وال ينهاهم إال عن أمر‪ ,‬هو تحت تدبيرهم‬
‫ه حق‬ ‫‪.‬ولهم في‬
‫ض ْعنَ " اآلية‬ ‫ثم قال تعالى " َو ْال َوالِد ُ‬
‫َات يُرْ ِ‬

‫والوالدات يرضعن أوالدهن ح ولين ك املين لمن أراد أن يتم "‬


‫الرض اعة وعلى المول ود ل ه رزقهن وكس وتهن ب المعروف ال‬
‫تكل ف نفس إال وس عها ال تض ار وال دة بول دها وال مول ود ل ه‬
‫بول ده وعلى ال وارث مث ل ذل ك ف إن أرادا فص اال عن ت راض‬
‫منهم ا وتش اور فال جن اح عليهم ا وإن أردتم أن تسترض عوا‬
‫أوالدكم فال جن اح عليكم إذا س لمتم م ا آتيتم ب المعروف واتق وا‬
‫" هللا واعلموا أن هللا بما تعملون بصير‬
‫ض ْعنَ َأوْ اَل َده َُّن َح وْ لَي ِْن‬
‫‪ " .‬ه ذا خ بر بمع نى األم ر‪ ,‬ت نزيال ل ه منزل ة المتق رر‪ ,‬ال ذي ال يحت اج إلى أم ر ب أن " يُرْ ِ‬
‫ضا َعةَ " فإذا تم للرضيع حوالن‪ ,‬فق د‬ ‫ولما كان الحول‪ ,‬يطلق على الكامل‪ ,‬وعلى معظم الحول قال‪َ " :‬كا ِملَ ْي ِن لِ َم ْن َأ َرا َد َأ ْن يُتِ َّم ال َّر َ‬
‫‪.‬تم رض اعه وص ار اللبن بع د ذل ك‪ ,‬بمنزل ة س ائر األغذي ة‪ ,‬فله ذا ك ان الرض اع بع د الح ولين‪ ,‬غ ير معت بر‪ ,‬فال يح رم‬
‫ْهرًا‬ ‫ونَ َش‬ ‫الُهُ ثَاَل ثُ‬ ‫ص‬
‫هُ َوفِ َ‬ ‫الى " َو َح ْملُ‬ ‫ه تع‬ ‫ذا النص‪ ,‬ومن قول‬ ‫ذ من ه‬ ‫" ويؤخ‬ ‫‪.‬‬
‫د بها‬ ‫ود الول‬ ‫ه يمكن وج‬ ‫هر‪ ,‬وأن‬ ‫تة أش‬ ‫لس‬ ‫دة الحم‬ ‫لم‬ ‫‪.‬أن أق‬
‫َو َعلَى ْال َموْ لُو ِد لَهُ " أي‪ :‬األب " ِر ْزقُه َُّن َو ِك ْس َوتُه َُّن بِ ْال َم ْعر ِ‬
‫ُوف " وهذا شامل لما إذا ك انت في حبال ه أو مطلق ة‪ ,‬ف إن على األب "‬
‫اع‬ ‫رة للرض‬ ‫وتها‪ ,‬وهي األج‬ ‫ا وكس‬ ‫ا‪ ,‬أي‪ :‬نفقته‬ ‫‪.‬رزقه‬
‫ودل هذا‪ ,‬على أنها إذا كانت في حباله‪ ,‬ال يجب لها أجرة‪ ,‬غير النفقة والكسوة‪ ,‬وكل بحسب حاله‪ ,‬فله ذا ق ال‪ " :‬اَل تُ َكلَّفُ نَ ْفسٌ ِإاَّل‬
‫َعهَا " ‪ ,‬فال يكل ف الفق ير أن ينف ق نفق ة الغ ني‪ ,‬وال من لم يج د ش يئا بالنفق ة ح تى يجد‬ ‫‪ُ .‬و ْس‬
‫ضا َّر َوالِ َدةٌ بِ َولَ ِدهَا َواَل َموْ لُو ٌد لَهُ بِ َولَ ِد ِه " أي‪ :‬ال يحل أن تضار الوالدة بسبب ولدها‪ ,‬إما أن تمن ع من إرض اعه‪ ,‬أو ال تعطى "‬
‫اَل تُ َ‬
‫رة‬ ‫وة أو األج‬ ‫ة‪ ,‬والكس‬ ‫ا من النفق‬ ‫ا يجب له‬ ‫‪.‬م‬
‫‪َ .‬واَل َموْ لُو ٌد لَهُ بِ َولَ ِد ِه " بأن تمتنع من إرضاعه على وجه المضارة‪ ,‬أو تطلب زيادة عن الواجب‪ ,‬ونحو ذلك من أن واع الض رر "‬
‫به‬ ‫ه من كس‬ ‫ه‪ ,‬وألن‬
‫وب ل‬ ‫ه موه‬ ‫ه‪ ,‬ألن‬ ‫د ألبي‬ ‫هُ " أن الول‬ ‫و ٌد لَ‬ ‫ه " َموْ لُ‬ ‫‪.‬ودل قول‬
‫ث ِم ْث ُل َذلِكَ " أي‪ :‬على وارث الطفل إذا ع دم‬ ‫فلذلك جاز له األخذ من ماله‪ ,‬رضي أو لم يرض‪ ,‬بخالف األم وقوله " َو َعلَى ْال َو ِ‬
‫ار ِ‬
‫وة‬ ‫ع والكس‬ ‫ة للمرض‬ ‫ا على األب من النفق‬ ‫لم‬ ‫ال‪ ,‬مث‬ ‫هم‬ ‫ل ليس ل‬ ‫ان الطف‬ ‫‪.‬األب‪ ,‬وك‬
‫وارث الموسر‬ ‫ريب ال‬ ‫رين‪ ,‬على الق‬ ‫ارب المعس‬ ‫ة األق‬ ‫وب نفق‬ ‫دل على وج‬ ‫‪.‬ف‬
‫"‬ ‫ولين‬ ‫ل الح‬ ‫بي قب‬ ‫ام الص‬ ‫ااًل " أي فط‬ ‫ص‬
‫وان " فِ َ‬ ‫ِإ ْن َأ َرادَا " أي‪ :‬األب‬ ‫‪.‬فَ‬
‫"‬ ‫اض ِم ْنهُ َم ا " ب أن يكون ا راض يين " َوت ََش ا ُو ٍر " فيم ا بينهم ا‪ ,‬ه ل ه و مص لحة للص بي أم ال؟‬
‫‪.‬ع َْن تَ َر ٍ‬
‫ولين‬ ‫ل الح‬ ‫ه قب‬ ‫ا " في فطام‬ ‫ا َح َعلَ ْي ِه َم‬ ‫يا " فَاَل ُجنَ‬ ‫لحة ورض‬ ‫ان مص‬ ‫إن ك‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪.‬ف دلت اآلي ة بمفهومه ا‪ ,‬على أن ه إن رض ي أح دهما دون اآلخ ر‪ ,‬أو لم يكن مص لحة للطف ل‪ ,‬أن ه ال يج وز فطامه‬
‫ضعُوا َأوْ اَل َد ُك ْم " أي‪ :‬تطلبوا لهم المراضع غير أمهاتهم على غير وجه المض ارة " فَاَل ُجنَ َ‬
‫اح َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫وقوله‪ " :‬وَِإ ْن َأ َر ْدتُ ْم َأ ْن تَ ْستَرْ ِ‬
‫صي ٌر " فمجازيكم على ذلك بالخير والشر‬ ‫ُ‬ ‫هَّللا‬
‫ُوف " أي‪ :‬للمرضعات‪َ " ,‬و ُ بِ َما تَ ْع َملونَ بَ ِ‬ ‫ْ‬
‫ِإ َذا َسلَّ ْمتُ ْم َما آتَ ْيتُ ْم بِال َم ْعر ِ‬

‫وال ذين يتوف ون منكم وي ذرون أزواج ا يتربص ن بأنفس هن "‬


‫أربع ة أش هر وعش را ف إذا بلغن أجلهن فال جن اح عليكم فيم ا‬
‫" فعلن في أنفسهن بالمعروف وهللا بما تعملون خبير‬
‫ام وجوبا‬ ‫رة أي‬ ‫هر وعش‬ ‫ة أش‬ ‫ة أربع‬ ‫ه‪ ,‬متربص‬ ‫زوج‪ ,‬مكثت زوجت‬ ‫وفي ال‬ ‫‪.‬أي‪ :‬إذا ت‬
‫رك في ابتدائه‬ ‫هر‪ ,‬ويتح‬ ‫ة األش‬ ‫دة األربع‬ ‫ل في م‬ ‫بين الحم‬ ‫ك‪ ,‬ليت‬ ‫ة في ذل‬ ‫‪.‬والحكم‬
‫امس‬ ‫هر الخ‬ ‫‪.‬في الش‬
‫ع الحمل‬ ‫دتهن بوض‬ ‫إن ع‬ ‫ل‪ ,‬ف‬ ‫وص بالحوام‬ ‫ام مخص‬ ‫ذا الع‬ ‫‪.‬وه‬
‫ام‬ ‫ة أي‬ ‫هران وخمس‬ ‫رة‪ ,‬ش‬ ‫دة الح‬ ‫ف من ع‬ ‫دتها على النص‬ ‫ة‪ ,‬ع‬ ‫ذلك األم‬ ‫‪.‬وك‬
‫‪.‬وقوله‪ " :‬فَِإ َذا بَلَ ْغنَ َأ َجلَه َُّن " أي‪ :‬انقضت ع دتهن " فَاَل ُجنَ ا َح َعلَ ْي ُك ْم فِي َم ا فَ َع ْلنَ فِي َأ ْنفُ ِس ِه َّن " أي‪ :‬من مراجعته ا للزين ة والطيب‬
‫"‬ ‫روه‬ ‫رم وال مك‬ ‫ير مح‬ ‫هغ‬ ‫ُوف " أي‪ :‬على وج‬ ‫ْال َم ْعر ِ‬ ‫‪.‬بِ‬
‫وفي هذا وجوب اإلحداد‪ ,‬مدة العدة‪ ,‬على المتوفى عنها زوجه ا‪ ,‬دون غيره ا من المطلق ات والمفارق ات‪ ,‬وه و مجم ع علي ه بين‬
‫اء‬ ‫‪.‬العلم‬
‫‪َ .‬وهَّللا ُ بِ َم ا تَ ْع َملُ ونَ َخبِ ي ٌر " أي‪ :‬ع الم بأعم الكم‪ ,‬ظاهره ا وباطنه ا‪ ,‬جليله ا وخفيه ا‪ ,‬فمج ازيكم عليها "‬
‫وفي خطابه لألولياء بقوله‪ " :‬فَاَل جُ نَ ا َح َعلَ ْي ُك ْم فِي َم ا فَ َع ْلنَ فِي َأ ْنفُ ِس ِه َّن " دلي ل على أن ال ولي ينظ ر على الم رأة‪ ,‬ويمنعه ا مم ا ال‬
‫‪.‬يجوز فعله ويجبرها على ما يجب‪ ,‬وأنه مخاطب بذلك‪ ,‬واجب عليه‬

‫وال جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النس اء أو أكننتم "‬


‫في أنفسكم علم هللا أنكم س تذكرونهن ولكن ال تواع دوهن س را‬
‫إال أن تقولوا قوال معروفا وال تعزم وا عق دة النك اح ح تى يبل غ‬
‫الكت اب أجل ه واعلم وا أن هللا يعلم م ا في أنفس كم فاح ذروه‬
‫" واعلموا أن هللا غفور حليم‬
‫اة‬ ‫ة في الحي‬ ‫اة‪ ,‬أو المبان‬ ‫دة من وف‬ ‫ذا حكم المعت‬ ‫‪.‬ه‬
‫‪ " .‬فيح رم على غ ير مبينه ا أن يص رح له ا في الخطب ة‪ ,‬وه و الم راد بقول ه " َولَ ِك ْن اَل تُ َوا ِع دُوه َُّن ِس ًّرا‬
‫اح‬ ‫ه الجن‬ ‫الى في‬ ‫قط تع‬ ‫د أس‬ ‫ريض‪ ,‬فق‬ ‫ا التع‬ ‫‪.‬وأم‬
‫‪.‬والفرق بينهما‪ :‬أن التصريح‪ ,‬ال يحتمل غير النكاح‪ ,‬فلهذا حرم‪ ,‬خوفا من استعجالها‪ ,‬وكذبها في انقضاء عدتها‪ ,‬رغبة في النك اح‬
‫‪.‬ففي ه دالل ة على من ع وس ائل المح رم‪ ,‬وقض اء‪ ,‬لح ق زوجه ا األول‪ ,‬بع دم مواع دتها لغ يره م دة ع دتها‬
‫وأما التعريض‪ ,‬وهو‪ :‬الذي يحتمل النكاح وغيره‪ ,‬فهو جائز للبائن ك أن يق ول‪ :‬إني أري د ال تزوج‪ ,‬وإني أحب أن تش اوريني عن د‬
‫‪.‬انقض اء ع دتك‪ ,‬ونح و ذل ك‪ ,‬فه ذا ج ائز ألن ه ليس بمنزل ة الص ريح‪ ,‬وفي النف وس داع ق وي إليه‬
‫دتها‪ ,‬إذا انقضت‬ ‫تزوج من هي في ع‬ ‫ه أن ي‬ ‫ان في نفس‬ ‫مار اإلنس‬ ‫ذا إض‬ ‫‪.‬وك‬
‫دمات العقد‬ ‫ه‪ ,‬في مق‬ ‫يل كل‬ ‫ذا التفص‬ ‫ت َْذ ُكرُونَه َُّن " ه‬ ‫ُك ْم َعلِ َم هَّللا ُ َأنَّ ُك ْم َس‬ ‫ذا ق ال " َأوْ َأ ْكنَ ْنتُ ْم فِي َأ ْنفُ ِس‬ ‫‪.‬وله‬
‫هُ‬ ‫ابُ َأ َجلَ‬ ‫َغ ْال ِكتَ‬ ‫ل " َحتَّى يَ ْبلُ‬ ‫اح فال يح‬ ‫د النك‬ ‫ا عق‬ ‫" وأم‬ ‫‪.‬‬
‫دة‬ ‫ي الع‬ ‫‪.‬أي‪ :‬تنقض‬
‫‪َ .‬وا ْعلَ ُم وا َأ َّن هَّللا َ يَ ْعلَ ُم َم ا فِي َأ ْنفُ ِس ُك ْم " أي‪ :‬ف انووا الخ ير‪ ,‬وال تن ووا الش ر‪ ,‬خوف ا من عقاب ة ورج اء لثوابه "‬
‫َوا ْعلَ ُم وا َأ َّن هَّللا َ َغفُ و ٌر " لمن ص درت من ه ال ذنوب‪ ,‬فت اب منه ا‪ ,‬ورج ع إلى رب ه " َحلِي ٌم " حيث لم يعاج ل العاص ين على "‬
‫‪.‬معاصيهم‪ ,‬مع قدرته عليهم‬

‫ال جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمس وهن أو تفرض وا "‬


‫لهن فريضة ومتعوهن على الموس ع ق دره وعلى المق تر ق دره‬
‫" متاعا بالمعروف حقا على المحسنين‬
‫أي‪ :‬ليس عليكم ‪ -‬يا معشر األزواج ‪ -‬جناح وإثم‪ ,‬بتطليق النساء قبل المسيس‪ ,‬وفرض المه ر‪ ,‬وإن ك ان في ذل ك كس ر له ا‪ ,‬فإن ه‬
‫بر بالمتعة‬ ‫‪.‬ينج‬
‫واطرهن‬ ‫برا لخ‬ ‫ال‪ ,‬ج‬ ‫يئا من الم‬ ‫وهن ش‬ ‫أن تعط‬ ‫وه َُّن " ب‬ ‫‪.‬فعليكم أن " فَ َمتِّ ُع‬
‫"‬ ‫َد ُرهُ‬ ‫ر " قَ‬ ‫ِر " أي‪ :‬المعس‬ ‫َد ُرهُ َو َعلَى ْال ُم ْقتِ‬
‫ِع قَ‬ ‫" َعلَى ْال ُم ِ‬
‫وس‬ ‫‪.‬‬
‫ُوف " فه ذا ح ق واجب " َعلَى ْال ُمحْ ِس نِينَ "‬
‫وهذا يرجع الى العرف‪ ,‬وأنه يختلف باختالف األحوال وله ذا ق ال‪َ " :‬متَا ًع ا بِ ْال َم ْعر ِ‬
‫وهن‬ ‫‪.‬ليس لهم أن يبخس‬
‫‪.‬فكم ا تس ببوا لتش وفهن واش تياقهن‪ ,‬وتعل ق قل وبهن‪ ,‬ثم لم يعط وهن م ا رغبن في ه‪ ,‬فعليهم ‪ -‬في مقابل ة ذل ك ‪ -‬المتعة‬
‫فلل ه م ا أحس ن ه ذا الحكم اإللهي‪ ,‬وأدل ه على حكم ة ش ارعه ورحمت ه!! ومن أحس ن من هللا حكم ا لق وم يوقن ون؟!! فه ذا حكم‬
‫‪.‬المطلقات قبل المسيس وقبل فرض المهر‬
‫وإن طلقتم وهن من قب ل أن تمس وهن وق د فرض تم لهن "‬
‫فريض ة فنص ف م ا فرض تم إال أن يعف ون أو يعف و ال ذي بي ده‬
‫عقدة النكاح وأن تعفوا أق رب للتق وى وال تنس وا الفض ل بينكم‬
‫" إن هللا بما تعملون بصير‬
‫ثم ذكر حكم المفروض لهن فقال‪ :‬أي‪ :‬إذا طلقتم النساء قبل المسيس‪ ,‬وبعد فرض المهر‪ ,‬فللمطلقات من المهر المفروض‪ ,‬نص فه‪,‬‬
‫فه‬ ‫‪.‬ولكم نص‬
‫وهذا هو الواجب ما لم يدخله عفو ومسامحة‪ ,‬بأن تعف و عن نص فها لزوجه ا‪ ,‬إذا ك ان يص ح عفوه ا‪َ " ,‬أوْ يَ ْعفُ َو الَّ ِذي بِيَ ِد ِه ُع ْق َدةُ‬
‫ل عقدته‬ ‫ده ح‬ ‫ذي بي‬ ‫ه ال‬ ‫حيح‪ ,‬ألن‬ ‫زوج على الص‬ ‫و ال‬ ‫اح " وه‬
‫ِ‬ ‫‪.‬النِّ َك‬
‫ك وال وكيل‬ ‫ير مال‬ ‫هغ‬ ‫رأة‪ ,‬لكون‬ ‫ا وجب للم‬ ‫و عن م‬ ‫ح أن يعف‬ ‫ولي‪ ,‬ال يص‬ ‫‪.‬وألن ال‬
‫ثم رغب في العفو‪ ,‬وأن من عفا‪ ,‬كان أقرب لتقواه‪ ,‬لكونه إحسانا موجبا لشرح الصدر‪ ,‬ولك ون اإلنس ان ال ينبغي أن يهم ل نفس ه‬
‫من اإلحسان والمعروف‪ ,‬وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة‪ ,‬ألن معاملة الن اس فيم ا بينهم على درج تين‪ :‬إم ا ع دل‬
‫واجب‬ ‫اء ال‬ ‫واجب‪ ,‬وإعط‬ ‫ذ ال‬ ‫و‪ :‬أخ‬ ‫اف واجب‪ ,‬وه‬ ‫‪.‬وإنص‬
‫ا في النفس‬ ‫وق‪ ,‬والغض مم‬ ‫امح في الحق‬ ‫واجب والتس‬ ‫ا ليس ب‬ ‫اء م‬ ‫و إعط‬ ‫ان‪ ,‬وه‬ ‫ل وإحس‬ ‫ا فض‬ ‫‪.‬وإم‬
‫فال ينبغي لإلنسان أن ينسى هذه الدرجة‪ ,‬ولو في بعض األوقات‪ ,‬وخصوصا لمن بينك وبينه معاملة‪ ,‬أو مخالط ة‪ ,‬ف إن هللا مج از‬
‫رم‬ ‫ل والك‬ ‫نين بالفض‬ ‫‪.‬المحس‬
‫‪ " .‬ولهذا قال‪ِ " :‬إ َّن هَّللا َ بِ َما تَ ْع َملُونَ بَ ِ‬
‫صي ٌر‬

‫حافظوا على الصلوات والصالة الوسطى وقوموا هلل ق انتين "‬


‫"‬
‫تين‬ ‫لَ َوا ِ‬
‫ت " إلخ اآلي‬ ‫افِظُوا َعلَى َّ‬
‫الص‬ ‫الى‪َ " :‬ح‬ ‫ال تع‬ ‫‪.‬ثم ق‬
‫الص اَل ِة ْال ُو ْس طَى " وهي العص ر خصوصا‬ ‫الص لَ َوا ِ‬
‫ت " عموم ا وعلى " َو َّ‬ ‫‪.‬ي أمر تع الى بالمحافظ ة " َعلَى َّ‬
‫‪.‬والمحافظ ة عليه ا‪ :‬أداؤه ا بوقته ا‪ ,‬وش روطها‪ ,‬وأركانه ا‪ ,‬وخش وعها‪ ,‬وجمي ع ماله ا‪ ,‬من واجب ومس تحب‬
‫وبالمحافظة على الصلوات‪ ,‬تحصل المحافظة على سائر العبادات‪ ,‬وتفيد النهي عن الفحشاء والمنكر‪ ,‬وخصوصا إذا أكمله ا كم ا‬
‫عين‬ ‫ين; خاش‬ ‫انِتِينَ " أي ذليلين مخلص‬ ‫وا هَّلِل ِ قَ‬ ‫ه‪َ " :‬وقُو ُم‬ ‫ر بقول‬ ‫‪.‬أم‬
‫‪.‬فإن القنوت‪ :‬دوام الطاعة مع الخشوع‬

‫فإن خفتم فرجاال أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا هللا كم ا علمكم "‬
‫" ما لم تكونوا تعلمون‬
‫وقوله‪ " :‬فَِإ ْن ِخ ْفتُ ْم " حذف المتعلق‪ ,‬ليعم الخوف من العدو‪ ,‬والسبع‪ ,‬وفوات ما يتض رر العب د بفوت ه فص لوا‪ِ " ,‬ر َج ااًل " ماش ين‬
‫‪.‬على أرجلكم‬
‫"‬ ‫تقبال‬ ‫ه االس‬ ‫ال‪ ,‬ال يلزم‬ ‫ذه الح‬ ‫ات‪ ,‬وفي ه‬ ‫ائر المركوب‬ ‫ل‪ ,‬وس‬ ‫ل واإلب‬ ‫ا " على الخي‬ ‫‪َ.‬أوْ ُر ْكبَانً‬
‫الخوف‬ ‫ذور ب‬ ‫الة المع‬ ‫فة ص‬ ‫ذه ص‬ ‫‪.‬فه‬
‫الة كاملة‬ ‫لى ص‬ ‫ل األمن‪ ,‬ص‬ ‫إذا حص‬ ‫‪.‬ف‬
‫لوات‬ ‫ل الص‬ ‫ْاذ ُكرُوا هَّللا َ " تكمي‬ ‫ِإ َذا َأ ِم ْنتُ ْم فَ‬ ‫ه " فَ‬ ‫دخل في قول‬ ‫‪.‬وي‬
‫عادة العبد‬ ‫هس‬ ‫ا في‬ ‫ة التعليم‪ ,‬لم‬ ‫ه على نعم‬ ‫كرا ل‬ ‫ر هللا‪ ,‬ش‬ ‫ار من ذك‬ ‫ا‪ ,‬اإلكث‬ ‫ه أيض‬ ‫دخل في‬ ‫‪.‬وي‬
‫ر هللا‬ ‫ار من ذك‬ ‫ا لم يكن يعلم‪ ,‬اإلكث‬ ‫ه هللا م‬ ‫يلة العلم‪ ,‬وأن على من علم‬ ‫ة‪ ,‬فض‬ ‫ة الكريم‬ ‫‪.‬وفي اآلي‬
‫‪.‬وفيه اإلشعار أيضا بأن اإلكثار من ذكره‪ ,‬سبب لتعليم علوم أخرى‪ ,‬ألن الشكر مقرون بالمزيد‬

‫والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية ألزواجهم متاعا "‬


‫إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فال جناح عليكم في م ا فعلن‬
‫" في أنفسهن من معروف وهللا عزيز حكيم‬
‫الى‪َ " :‬والَّ ِذينَ يُت ََوفَّوْ نَ ِم ْن ُك ْم " اآلية‬ ‫ال تع‬ ‫‪.‬ثم ق‬
‫‪.‬اش تهر عن د كث ير من المفس رين‪ ,‬أن ه ذه اآلي ة الكريم ة‪ ,‬نس ختها اآلي ة ال تي قبله ا وهي قول ه تع الى‬
‫َوالَّ ِذينَ يُتَ َوفَّوْ نَ ِم ْن ُك ْم َويَ َذرُونَ َأ ْز َواجًا يَتَ َربَّصْ نَ بَِأ ْنفُ ِس ِه َّن َأرْ بَ َعةَ َأ ْشه ٍُر َو َع ْش ًرا " وأن األمر كان على الزوجة‪ ,‬أن تتربص ح وال "‬
‫هر وعشر‬ ‫ة أش‬ ‫خ بأربع‬ ‫امال‪ ,‬ثم نس‬ ‫‪.‬ك‬
‫نزول‬ ‫ع‪ ,‬ال في ال‬ ‫دم في الوض‬ ‫ك تق‬ ‫خة‪ ,‬أن ذل‬ ‫ة الناس‬ ‫دم اآلي‬ ‫ون عن تق‬ ‫‪.‬ويجيب‬
‫وخ‬ ‫أخر عن المنس‬ ‫خ أن يت‬ ‫رط الناس‬ ‫‪.‬ألن ش‬
‫ل عليه‬ ‫ول ال دلي‬ ‫ذا الق‬ ‫‪.‬وه‬
‫واب‬ ‫و الص‬ ‫ة‪ ,‬ه‬ ‫ر في اآلي‬ ‫ول اآلخ‬ ‫ه أن الق‬ ‫حل‬ ‫تين‪ ,‬اتض‬ ‫ل اآلي‬ ‫‪.‬ومن تأم‬
‫رأة‬ ‫تيم‪ ,‬على الم‬ ‫ه التح‬ ‫را‪ ,‬على وج‬ ‫هر وعش‬ ‫ة أش‬ ‫تربص أربع‬ ‫وب ال‬ ‫ة األولى في وج‬ ‫‪.‬وأن اآلي‬
‫‪.‬وأم ا في ه ذه اآلي ة فإنه ا وص ية أله ل الميت‪ ,‬أن يبق وا زوج ة ميتهم عن دهم‪ ,‬ح وال ك امال‪ ,‬ج برا لخاطره ا‪ ,‬وب را بميتهم‬
‫ص يَّةً َأِل ْز َوا ِج ِه ْم " أي‪ :‬وص ية من هللا أله ل الميت‪ ,‬أن يستوص وا بزوجت ه‪ ,‬ويمتعوه ا وال يخرجوها‬
‫‪.‬وله ذا ق ال " َو ِ‬
‫اح َعلَ ْي ُك ْم فِي َم ا فَ َع ْلنَ فِي‬
‫فإن رغبت‪ ,‬أقامت في وصيتها‪ ,‬وإن أحبت الخروج‪ ,‬فال حرج عليها‪ ,‬ولهذا قال‪ " :‬فَ ِإ ْن خَ َرجْ نَ فَاَل ُجنَ َ‬
‫ِه َّن‬ ‫" َأ ْنفُ ِس‬ ‫‪.‬‬
‫اس‬ ‫ل واللب‬ ‫‪.‬أي‪ :‬من التجم‬
‫ار‬ ‫دين واالعتب‬ ‫دود ال‬ ‫ا عن ح‬ ‫ذي ال يخرجه‬ ‫المعروف‪ ,‬ال‬ ‫ون ب‬ ‫رط‪ ,‬أن يك‬ ‫‪.‬لكن الش‬
‫وختم اآلية بهذين االسمين العظيمين‪ ,‬الدالين على كمال العزة‪ ,‬وكم ال الحكم ة‪ ,‬ألن ه ذه أحك ام ص درت عن عزت ه‪ ,‬ودلت على‬
‫‪.‬كمال حكمته‪ ,‬حيث وضعها في مواضعها الالئقه بها‬

‫" وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين "‬


‫لما بين في اآلية السابقة‪ ,‬إمتاع المفارقة بالموت‪ ,‬ذكر هنا أن كل مطلقة‪ ,‬فلها على زوجها‪ ,‬أن يمتعه ا ويعطيه ا م ا يناس ب حال ه‬
‫‪.‬وحاله ا‪ ,‬وأن ه ح ق‪ ,‬إنم ا يق وم ب ه المتق ون‪ ,‬فه و من خص ال التق وى الواجب ة والمس تحبة‬
‫‪.‬ف إن ك انت الم رأة لم يس م له ا ص داق‪ ,‬وطلقه ا قب ل ال دخول‪ ,‬فتق دم أن ه يجب علي ه بحس ب يس اره وإعس اره‬
‫مى‬ ‫ف المس‬ ‫ا نص‬ ‫ا‪ ,‬فمتاعه‬ ‫مى له‬ ‫ان مس‬ ‫‪.‬وإن ك‬
‫اء‬ ‫ور العلم‬ ‫ول جمه‬ ‫تحبة‪ ,‬في ق‬‫ارت المتع‬ ‫ة مس‬ ‫ا‪ ,‬ص‬ ‫دخوال به‬ ‫انت م‬ ‫‪.‬وإن ك‬
‫ً‬
‫ومن العلماء من أوجب ذلك‪ ,‬استدالال بقوله " َحقّا َعلَى ْال ُمتَّقِينَ " واألصل في " الح ق " أن ه واجب‪ ,‬خصوص ا وق د أض افه إلى‬
‫‪.‬المتيقين‪ ,‬وأصل التقوى‪ ,‬واجبة‬

‫" كذلك يبين هللا لكم آياته لعلكم تعقلون "‬


‫فلما بين تعالى هذه األحكام الجليلة بين الزوجين‪ ,‬أثنى على أحكامه وعلى بيانه له ا وتوض يحه‪ ,‬وموافقته ا للعق ول الس ليمة‪ ,‬وأن‬
‫‪.‬القصد من بيانه لعباده‪ ,‬أن يعقلوا عنه ما بينه‪ ,‬فيعقلونها حفظا‪ ,‬وفهما وعمال بها‪ ,‬فإن ذلك من تمام عقلها‬

‫ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف ح ذر الم وت "‬


‫فق ال لهم هللا موت وا ثم أحي اهم إن هللا ل ذو فض ل على الن اس‬
‫" ولكن أكثر الناس ال يشكرون‬
‫أي‪ :‬ألم تسمع بهذه القصة العجيبة الجارية على من قبلكم من بني إسرائيل‪ ,‬حيث حل الوباء بديارهم‪ ,‬فخرجوا بهذه الكثرة‪ ,‬ف رارا‬
‫ذرون‬ ‫انوا يح‬ ‫اك‬ ‫وع م‬ ‫نى عنهم من وق‬ ‫رار‪ ,‬وال أغ‬ ‫وت‪ ,‬فلم ينجهم الف‬ ‫‪.‬من الم‬
‫رهم‬ ‫اتهم هللا عن آخ‬ ‫ودهم‪ ,‬وأم‬ ‫املهم بنقيض مقص‬ ‫‪.‬فع‬
‫ير ذلك‬ ‫ا بغ‬ ‫رين‪ ,‬وإم‬ ‫ير من المفس‬ ‫ه كث‬ ‫ا قال‬ ‫بي‪ ,‬كم‬ ‫دعوة ن‬ ‫اب‬ ‫اهم‪ ,‬إم‬ ‫ل عليهم‪ ,‬فأحي‬ ‫‪.‬ثم تفض‬
‫كرهم لنعم هللا‬ ‫وجب لش‬ ‫كم‬ ‫اس‪ ,‬وذل‬ ‫له على الن‬ ‫و ال زال فض‬ ‫انه‪ ,‬وه‬ ‫له وإحس‬ ‫ك‪ ,‬بفض‬ ‫‪.‬ولكن ذل‬
‫اة هللا‬ ‫رفها في مرض‬ ‫ا وص‬ ‫االعتراف به‬ ‫‪.‬ب‬
‫كر‬ ‫واجب الش‬ ‫روا ب‬ ‫د قص‬ ‫اس ق‬ ‫أكثر الن‬ ‫ك‪ ,‬ف‬ ‫ع ذل‬ ‫‪.‬وم‬
‫ة على البعث‬ ‫ة محسوس‬ ‫ك آي‬ ‫دير‪ ,‬وذل‬ ‫يء ق‬ ‫لش‬ ‫ه على ك‬ ‫برة بأن‬ ‫ة‪ ,‬ع‬ ‫ذه القص‬ ‫‪.‬وفي ه‬
‫ل بهم‬ ‫رائيل‪ ,‬ومن اتص‬ ‫ني إس‬ ‫دب‬ ‫واترا عن‬ ‫ة‪ ,‬نقال مت‬ ‫ة منقول‬ ‫ة معروف‬ ‫ذه القص‬ ‫إن ه‬ ‫‪.‬ف‬
‫اطبين‬ ‫د المخ‬ ‫رر عن‬ ‫د تق‬ ‫ذي ق‬ ‫ر ال‬ ‫لوب األم‬ ‫الى‪ ,‬بأس‬ ‫ا تع‬ ‫ذا أتى به‬ ‫‪.‬وله‬
‫ائهم‬ ‫ا عن لق‬ ‫داء‪ ,‬وجبن‬ ‫ا من األع‬ ‫ارهم‪ ,‬خوف‬ ‫وا من دي‬ ‫ذين خرج‬ ‫ؤالء ال‬ ‫ل أن ه‬ ‫‪.‬ويحتم‬
‫دها‬ ‫ر بع‬ ‫ذا; أن هللا ذك‬ ‫ده‬ ‫‪.‬ويؤي‬
‫ائهم‬ ‫ارهم وأبن‬ ‫رجين من دي‬ ‫انوا مخ‬ ‫رائيل; أنهم ك‬ ‫ني إس‬ ‫بر عن ب‬ ‫ال وأخ‬ ‫ر بالقت‬ ‫‪.‬األم‬
‫‪.‬وعلى االحتم الين; ف إن فيه ا ترغيب ا في الجه اد; وترهيب ا من التقاع د عن ه‪ ,‬وأن ذل ك ال يغ ني عن الم وت ش يئا‬
‫اج ِع ِه ْم "‬
‫ض ِ‬‫ب َعلَ ْي ِه ُم ْالقَ ْت ُل ِإلَى َم َ‬
‫‪ " .‬قُلْ لَوْ ُك ْنتُ ْم فِي بُيُوتِ ُك ْم لَبَ َر َز الَّ ِذينَ ُكتِ َ‬
‫" وقاتلوا في سبيل هللا واعلموا أن هللا سميع عليم "‬
‫األمرين‬ ‫وم إال ب‬ ‫اد ال يق‬ ‫دن ألن الجه‬ ‫ال والب‬ ‫بيله بالم‬ ‫ال في س‬ ‫ر بالقت‬ ‫ع هللا بين األم‬ ‫‪.‬جم‬
‫ة هللا هي العليا‬ ‫ون كلم‬ ‫د‪ ,‬لتك‬ ‫ل العب‬ ‫أن يقات‬ ‫ه‪ ,‬ب‬ ‫‪.‬وحث على اإلخالص في‬
‫‪.‬ف إن هللا " َس ِمي ٌع " لألق وال وإن خفيت " َعلِي ٌم " بم ا تحت وي علي ه القل وب من الني ات الص الحة وض دها‬
‫وأيضا‪ ,‬فإنه إذا علم المجاهد في سبيله‪ ,‬أن هللا سميع عليم‪ ,‬هان عليه ذلك‪ ,‬وعلم أنه‪ ,‬بعينه‪ ,‬ما يتحمل المتحملون من أجله‪ ,‬وأنه ال‬
‫‪.‬بد أن يمدهم بعونه ولطفه‬

‫من ذا الذي يق رض هللا قرض ا حس نا فيض اعفه ل ه أض عافا "‬


‫" كثيرة وهللا يقبض ويبسط وإليه ترجعون‬
‫وتأمل هذا الحث اللطيف على النفقة‪ ,‬وأن المنفق قد أقرض هللا الملي‪ ,‬الكريم‪ ,‬ووعده المضاعفة الكث يرة كم ا ق ال تع الى‪َ " :‬مثَ ُل‬
‫اعفُ لِ َم ْن يَ َش ا ُء َوهَّللا ُ َو ِ‬
‫اس ٌع َعلِي ٌم‬ ‫الَّ ِذينَ يُ ْنفِقُونَ َأ ْم َوالَهُ ْم فِي َسبِي ِل هَّللا ِ َك َمثَ ِل َحبَّ ٍة َأ ْنبَت ْ‬
‫َت َس ْب َع َسنَابِ َل فِي ُك ِّل ُس ْنبُلَ ٍة ِماَئةُ َحبَّ ٍة َوهَّللا ُ ي َ‬
‫ُض ِ‬
‫"‬ ‫‪.‬‬
‫ولما كان الم انع األك بر من اإلنف اق خ وف اإلمالق‪ ,‬أخ بر تع الى أن الغ نى والفق ر بي د هللا‪ ,‬وأن ه يقبض ال رزق على من يش اء‪,‬‬
‫اء‬ ‫طه على من يش‬ ‫‪.‬ويبس‬
‫اد كلهم إلى هللا‬ ‫ع العب‬ ‫ل مرج‬ ‫ائع ب‬ ‫هض‬ ‫ر‪ ,‬وال يظن أن‬ ‫وف الفق‬ ‫اق خ‬ ‫د اإلنف‬ ‫أخر من يري‬ ‫‪.‬فال يت‬
‫ون إليه‬ ‫ا يكون‬ ‫وج م‬ ‫دخرا‪ ,‬أح‬ ‫ده‪ ,‬م‬ ‫رهم عن‬ ‫املون أج‬ ‫ون والع‬ ‫د المنفق‬ ‫‪.‬فيج‬
‫ير عنه‬ ‫ا ال يمكن التعب‬ ‫ع العظيم‪ ,‬م‬ ‫ه من الوق‬ ‫ون ل‬ ‫‪.‬ويك‬
‫والمراد بالقرض الحسن‪ :‬هو ما جمع أوصاف الحسن‪ ,‬من النية الص الحة‪ ,‬وس ماحة النفس‪ ,‬بالنفق ة‪ ,‬ووقوعه ا في محله ا وأن ال‬
‫‪.‬يتبعها المنفق‪ ,‬منا وال أذى; وال مبطال ومنقصا‬

‫ألم ت ر إلى المإل من ب ني إس رائيل من بع د موس ى إذ ق الوا "‬


‫لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقات ل في س بيل هللا ق ال ه ل عس يتم إن‬
‫كتب عليكم القتال أال تقاتلوا قالوا وما لنا أال نقاتل في سبيل هللا‬
‫وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تول وا إال‬
‫" قليال منهم وهللا عليم بالظالمين‬
‫وا عنه‬ ‫اد‪ ,‬وال ينكل‬ ‫يرغبوا في الجه‬ ‫بروا ول‬ ‫ة; ليعت‬ ‫ة على األم‬ ‫ذه القص‬ ‫الى ه‬ ‫‪.‬يقص هللا تع‬
‫رين‬ ‫روا األم‬ ‫اكلين; خس‬ ‫رة; والن‬ ‫دنيا واآلخ‬ ‫دة في ال‬ ‫واقب الحمي‬ ‫ارت لهم الع‬ ‫ابرين ص‬ ‫إن الص‬ ‫‪.‬ف‬
‫فأخبر تعالى أن أهل الرأي من بني إسرائيل وأصحاب الكلمة النافذة; تراودوا في شأن الجهاد‪ ,‬واتفق وا على أن يطلب وا من ن بيهم‬
‫‪.‬أن يعين لهم ملك ا; لينقط ع ال نزاع بتعيين ه‪ ,‬وتحص ل الطاع ة التام ة; وال يبقى لقائ ل مق ال‬
‫ل معه‬ ‫رد كالم ال فع‬ ‫ذا‪ ,‬مج‬ ‫ي; أن طلبهم ه‬ ‫بيهم خش‬ ‫‪.‬وأن ن‬
‫ا تاما‬ ‫ك التزام‬ ‫تزموا ذل‬ ‫ازم; وأنهم ال‬ ‫العزم الج‬ ‫بيهم‪ ,‬ب‬ ‫ابوا ن‬ ‫‪.‬فأج‬
‫‪.‬وأن القتال متعين عليهم‪ ,‬حيث كان وسيلة السترجاع ديارهم; ورجوعهم إلى مقرهم ووطنهم‬

‫وق ال لهم ن بيهم إن هللا ق د بعث لكم ط الوت ملك ا ق الوا أنى "‬
‫يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت س عة من‬
‫المال قال إن هللا اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجس م‬
‫" وهللا يؤتي ملكه من يشاء وهللا واسع عليم‬
‫‪.‬وأن ه عين لهم ن بيهم; ط الوت ملك ا; يق ودهم في ه ذا األم ر ال ذي ال ب د ل ه من قائ د يحس ن القي ادة‬
‫اال‬ ‫ثر م‬ ‫ا وأك‬ ‫ه بيت‬ ‫ق من‬ ‫و أح‬ ‫الوت; وثم من ه‬ ‫ه لط‬ ‫تغربوا تعيين‬ ‫‪.‬وأنهم اس‬
‫فأجابهم نبيهم‪ :‬إن هللا اختاره عليكم; بما آتاه هللا من قوة العلم بالسياسة; وقوة الجس م; الل ذين هم ا آل ة الش جاعة والنج دة‪ ,‬وحس ن‬
‫دبير‬ ‫‪.‬الت‬
‫وتهم‬ ‫يادة في بي‬ ‫ك والس‬ ‫ان المل‬ ‫احبه ممن ك‬ ‫ون ص‬ ‫ال; وال بك‬ ‫ثرة الم‬ ‫ك ليس بك‬ ‫‪.‬وأن المل‬
‫‪.‬فاهلل يؤتي ملكه من يشاء‬

‫وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن ي أتيكم الت ابوت في ه س كينة من‬
‫ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمل ه المالئك ة إن‬
‫" في ذلك آلية لكم إن كنتم مؤمنين‬
‫‪.‬ثم لم يكت ف ذل ك الن بي الك ريم بإقن اعهم بم ا ذك ره; من كف اءة ط الوت‪ ,‬واجتم اع الص فاف المطلوب ة في ه ح تى ق ال لهم‬
‫وس ى َوآ ُل هَ ارُونَ "‬ ‫‪ِ " .‬إ َّن آيَ ةَ ُم ْل ِك ِه َأ ْن يَ ْأتِيَ ُك ُم التَّاب ُ‬
‫ُوت فِي ِه َس ِكينَةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم َوبَقِيَّةٌ ِم َّما تَ َركَ آ ُل ُم َ‬
‫داء‬ ‫ه األع‬ ‫تولت علي‬ ‫د اس‬ ‫ابوت ق‬ ‫ذا الت‬ ‫ان ه‬ ‫‪.‬وك‬
‫فلم يكتفوا بالصفات المعنوية في طالوت‪ ,‬وال بتعيين هللا له على لسان نبيهم‪ ,‬حتى يؤيد ذل ك ه ذه المعج زة‪ ,‬وله ذا ق ال‪ِ " :‬إ َّن فِي‬
‫ك آَل يَةً لَ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُمْؤ ِمنِينَ " فحينئذ سلموا وانقادوا‬
‫‪َ .‬ذلِ َ‬

‫فلم ا فص ل ط الوت ب الجنود ق ال إن هللا مبتليكم بنه ر فمن "‬


‫شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإن ه م ني إال من اغ ترف‬
‫غرفة بيده فشربوا من ه إال قليال منهم فلم ا ج اوزه ه و وال ذين‬
‫آمنوا معه قالوا ال طاقة لن ا الي وم بج الوت وجن وده ق ال ال ذين‬
‫يظنون أنهم مالقو هللا كم من فئة قليل ة غلبت فئ ة كث يرة ب إذن‬
‫" هللا وهللا مع الصابرين‬
‫فلما ترأس فيهم طالوت‪ ,‬وجندهم‪ ,‬ورتبهم‪ ,‬وفصل بهم إلى قتال عدوهم‪ ,‬وكان قد رأى منهم من ضعف العزائم والهمم‪ ,‬ما يحت اج‬
‫ٍر " تم رون علي ه وقت حاج ة إلى الم اء‬ ‫‪.‬إلى تمي يز الص ابر من الناك ل ق ال‪ِ " :‬إ َّن هَّللا َ ُم ْبتَلِي ُك ْم بِنَهَ‬
‫ْس ِمنِّي " أي‪ :‬ال يتبع ني‪ ,‬ألن ذل ك بره ان على قل ة ص بره‪ ,‬ووف ور جزع ه " َو َم ْن لَ ْم يَ ْ‬
‫ط َع ْم هُ فَِإنَّهُ ِمنِّي " "‬ ‫ب ِم ْن هُ فَلَي َ‬
‫فَ َم ْن َش ِر َ‬
‫امح فيها‬ ‫ه مس‬ ‫ِد ِه " أي‪ :‬فإن‬ ‫ةً بِيَ‬ ‫َرفَ ُغرْ فَ‬ ‫بره " ِإاَّل َم ِن ا ْغتَ‬ ‫دقه وص‬ ‫‪.‬لص‬
‫‪.‬فلم ا وص لوا إلى ذل ك النه ر وك انوا محت اجين إلى الم اء‪ ,‬ش ربوا كلهم من ه " ِإاَّل قَلِياًل ِم ْنهُ ْم " ف إنهم ص بروا ولم يش ربوا‬
‫او َزهُ هُ َو َوالَّ ِذينَ آ َمنُ وا َم َع هُ قَ الُوا " أي‪ :‬الن اكلون أو ال ذين ع بروا‪ " :‬اَل طَاقَ ةَ لَنَ ا ْاليَ وْ َم بِ َج الُوتَ َو ُجنُ و ِد ِه "‬
‫‪ " .‬فَلَ َّما َج َ‬
‫ولهم‬ ‫ه نك‬ ‫بررون ب‬ ‫ول ي‬ ‫ذا ق‬ ‫اكلين‪ ,‬فه‬ ‫ائلون‪ ,‬هم الن‬ ‫ان الق‬ ‫إن ك‬ ‫‪.‬ف‬
‫هم‬ ‫‪.‬وإن ك ان الق ائلون هم ال ذين ع بروا م ع ط الوت‪ ,‬فإن ه حص ل معهم ن وع استض عاف ألنفس‬
‫يرةً بِ ِإ ْذ ِن هَّللا ِ َوهَّللا ُ َم َع‬
‫ت فَِئةً َكثِ َ‬
‫ولكن ش جعهم على الثب ات واإلق دام‪ ,‬أه ل اإليم ان الكام ل حيث ق الوا‪َ " :‬ك ْم ِم ْن فَِئ ٍة قَلِيلَ ٍة َغلَبَ ْ‬
‫‪.‬الصَّابِ ِرينَ " بعونه وتأييده‪ ,‬ونصره‪ ,‬فثبتوا‪ ,‬وصبروا لقتال عدوهم جالوت وجنوده‬

‫ولما برزوا لجالوت وجن وده ق الوا ربن ا أف رغ علين ا ص برا "‬
‫" وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين‬
‫"‬ ‫دوهم‬ ‫ر على ع‬ ‫ذلك الفتح والنص‬ ‫لى هللا علي ه وس لم " َج الُوتَ " وحص‬
‫لب‬ ‫َل دَا ُو ُد " ص‬ ‫‪َ .‬وقَتَ‬
‫ك َو ْال ِح ْك َمةَ " النبوة والعلوم النافعة وآتاه هللا الحكمة وفصل الخطاب "‬
‫‪َ .‬وآتَاهُ هَّللا ُ " أي‪ :‬داود " ْال ُم ْل َ‬

‫فهزم وهم ب إذن هللا وقت ل داود ج الوت وآت اه هللا المل ك "‬
‫والحكمة وعلمه مما يشاء ولوال دفع هللا الناس بعض هم ببعض‬
‫" لفسدت األرض ولكن هللا ذو فضل على العالمين‬
‫ت اَأْلرْ ضُ " باس تيالء الكف رة والفج ار‪ ,‬وأه ل الش ر‬
‫ْض لَفَ َس َد ِ‬ ‫ثم بين تعالى‪ ,‬فائدة الجهاد فقال‪َ " :‬ولَوْ اَل َد ْف ُع هَّللا ِ النَّ َ‬
‫اس بَ ْع َ‬
‫ضهُ ْم بِبَع ٍ‬
‫اد‬ ‫‪.‬والفس‬
‫َولَ ِك َّن هَّللا َ ُذو فَضْ ٍل َعلَى ْال َعالَ ِمينَ " حيث لطف بالمؤمنين‪ ,‬ودافع عنهم‪ ,‬وعن دينهم‪ ,‬بمل شرعه وبما قدره "‬

‫" تلك آيات هللا نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين "‬
‫لم‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫وله ص‬ ‫ال لرس‬ ‫ةق‬ ‫ذه القص‬ ‫ا بين ه‬ ‫‪.‬فلم‬
‫"‬ ‫لِينَ‬ ‫ك لَ ِمنَ ْال ُمرْ َس‬ ‫ْال َح ِّ‬
‫ق وَِإنَّ َ‬ ‫كَ بِ‬ ‫ا َعلَ ْي‬ ‫ات هَّللا ِ نَ ْتلُوهَ‬
‫ُ‬ ‫ك آيَ‬
‫َ‬ ‫" تِ ْل‬ ‫‪.‬‬
‫ا للواقع‬ ‫ا من هللا‪ ,‬مطابق‬ ‫ا وحي‬ ‫بر به‬ ‫ة‪ ,‬حيث أخ‬ ‫ذه القص‬ ‫الته‪ ,‬ه‬ ‫ة على رس‬ ‫ة األدل‬ ‫‪.‬ومن جمل‬
‫يرة لألمة‬ ‫بر كث‬ ‫ة‪ ,‬ع‬ ‫ذه القص‬ ‫‪.‬وفي ه‬
‫‪.‬منها‪ :‬فضيلة الجهاد في سبيله‪ ,‬وفوائده‪ ,‬وثمراته‪ ,‬وأنه السبب الوحيد في حفظ الدين‪ ,‬وحف ظ األوط ان‪ ,‬وحف ظ األب دان واألم وال‬
‫‪.‬وأن المجاهدين‪ ,‬ولو شقت عليهم األم ور‪ ,‬ف إن ع واقبهم حمي دة‪ ,‬كم ا أن الن اكلين‪ ,‬ول و اس تراحوا قليال‪ ,‬ف إنهم س يتعبون ط ويال‬
‫رين‬ ‫ع إلى أم‬ ‫اءة ترج‬ ‫اءة‪ ,‬وأن الكف‬ ‫ه كف‬ ‫ة من في‬ ‫داب لرياس‬ ‫ا‪ :‬االنت‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫دبير‬ ‫ة والت‬ ‫و علم السياس‬ ‫ذي ه‬ ‫‪.‬إلى العلم ال‬
‫ا الحق‬ ‫ذ به‬ ‫تي ينف‬ ‫وة ال‬ ‫‪.‬وإلى الق‬
‫يره‬ ‫ق من غ‬ ‫و أح‬ ‫ران‪ ,‬فه‬ ‫ه األم‬ ‫ع في‬ ‫‪.‬وأن من اجتم‬
‫ومنها االستدالل بهذه القصة‪ ,‬على ما قاله العلماء‪ ,‬أنه ينبغي لألمير للجيوش‪ ,‬أن يتفقدها عند فصولها‪ ,‬فيمنع من ال يصلح للقت ال‪,‬‬
‫‪.‬من رج ال وخي ل ورك اب‪ ,‬لض عفه‪ ,‬أو ض عف ص بره‪ ,‬أو لتخذيل ه‪ ,‬أو خ وف الض رر بص حبته‬
‫اس‬ ‫رر محض على الن‬ ‫مض‬ ‫ذا القس‬ ‫إن ه‬ ‫‪.‬ف‬
‫ومنه ا‪ :‬أن ه ينبغي عن د حض ور الي أس‪ ,‬تقوي ة المجاه دين‪ ,‬وتش جيعهم‪ ,‬وحثهم على الق وة اإليماني ة‪ ,‬واالتك ال الكام ل على هللا‪,‬‬
‫داء‬ ‫ر على األع‬ ‫بر والنص‬ ‫ة على الص‬ ‫بيت‪ ,‬واإلعان‬ ‫ؤال هللا التث‬ ‫ه‪ ,‬وس‬ ‫اد علي‬ ‫‪.‬واالعتم‬
‫ير حقيقته‬ ‫اد‪ ,‬غ‬ ‫ال والجه‬ ‫زم على القت‬ ‫ا‪ :‬أن الع‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫‪.‬فق د يع زم اإلنس ان‪ ,‬ولكن عن د حض وره‪ ,‬تنح ل عزيمت ه وله ذا ك ان من دع اء الن بي ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫"‬ ‫ة على الرشد‬ ‫ر‪ ,‬والعزيم‬ ‫ات في األم‬ ‫ألك الثب‬ ‫" أس‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬فه ؤالء ال ذين عزم وا على القت ال‪ ,‬وأت وا بكالم ي دل على الع زم المص مم‪ ,‬لم ا ج اء ال وقت‪ ,‬نكص أك ثرهم‬
‫اء‬ ‫د القض‬ ‫ا بع‬ ‫ألك الرض‬ ‫لم " وأس‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫هص‬ ‫ذا قول‬ ‫به ه‬ ‫" ويش‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬ألن الرضا بعد وقوع القضاء المكروه للنفوس‪ ,‬هو الرضا الحقيقي‬

‫" تلك آيات هللا نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين "‬
‫لم‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫وله ص‬ ‫ال لرس‬ ‫ةق‬ ‫ذه القص‬ ‫ا بين ه‬ ‫‪.‬فلم‬
‫"‬ ‫لِينَ‬ ‫ك لَ ِمنَ ْال ُمرْ َس‬ ‫ْال َح ِّ‬
‫ق وَِإنَّ َ‬ ‫كَ بِ‬ ‫ا َعلَ ْي‬ ‫ات هَّللا ِ نَ ْتلُوهَ‬
‫ُ‬ ‫ك آيَ‬
‫َ‬ ‫" تِ ْل‬ ‫‪.‬‬
‫ا للواقع‬ ‫ا من هللا‪ ,‬مطابق‬ ‫ا وحي‬ ‫بر به‬ ‫ة‪ ,‬حيث أخ‬ ‫ذه القص‬ ‫الته‪ ,‬ه‬ ‫ة على رس‬ ‫ة األدل‬ ‫‪.‬ومن جمل‬
‫يرة لألمة‬ ‫بر كث‬ ‫ة‪ ,‬ع‬ ‫ذه القص‬ ‫‪.‬وفي ه‬
‫‪.‬منها‪ :‬فضيلة الجهاد في سبيله‪ ,‬وفوائده‪ ,‬وثمراته‪ ,‬وأنه السبب الوحيد في حفظ الدين‪ ,‬وحف ظ األوط ان‪ ,‬وحف ظ األب دان واألم وال‬
‫‪.‬وأن المجاهدين‪ ,‬ولو شقت عليهم األم ور‪ ,‬ف إن ع واقبهم حمي دة‪ ,‬كم ا أن الن اكلين‪ ,‬ول و اس تراحوا قليال‪ ,‬ف إنهم س يتعبون ط ويال‬
‫رين‬ ‫ع إلى أم‬ ‫اءة ترج‬ ‫اءة‪ ,‬وأن الكف‬ ‫ه كف‬ ‫ة من في‬ ‫داب لرياس‬ ‫ا‪ :‬االنت‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫دبير‬ ‫ة والت‬ ‫و علم السياس‬ ‫ذي ه‬ ‫‪.‬إلى العلم ال‬
‫ا الحق‬ ‫ذ به‬ ‫تي ينف‬ ‫وة ال‬ ‫‪.‬وإلى الق‬
‫يره‬ ‫ق من غ‬ ‫و أح‬ ‫ران‪ ,‬فه‬ ‫ه األم‬ ‫ع في‬ ‫‪.‬وأن من اجتم‬
‫ومنها االستدالل بهذه القصة‪ ,‬على ما قاله العلماء‪ ,‬أنه ينبغي لألمير للجيوش‪ ,‬أن يتفقدها عند فصولها‪ ,‬فيمنع من ال يصلح للقت ال‪,‬‬
‫‪.‬من رج ال وخي ل ورك اب‪ ,‬لض عفه‪ ,‬أو ض عف ص بره‪ ,‬أو لتخذيل ه‪ ,‬أو خ وف الض رر بص حبته‬
‫اس‬ ‫رر محض على الن‬ ‫مض‬ ‫ذا القس‬ ‫إن ه‬ ‫‪.‬ف‬
‫ومنه ا‪ :‬أن ه ينبغي عن د حض ور الي أس‪ ,‬تقوي ة المجاه دين‪ ,‬وتش جيعهم‪ ,‬وحثهم على الق وة اإليماني ة‪ ,‬واالتك ال الكام ل على هللا‪,‬‬
‫داء‬ ‫ر على األع‬ ‫بر والنص‬ ‫ة على الص‬ ‫بيت‪ ,‬واإلعان‬ ‫ؤال هللا التث‬ ‫ه‪ ,‬وس‬ ‫اد علي‬ ‫‪.‬واالعتم‬
‫ير حقيقته‬ ‫اد‪ ,‬غ‬ ‫ال والجه‬ ‫زم على القت‬ ‫ا‪ :‬أن الع‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫‪.‬فق د يع زم اإلنس ان‪ ,‬ولكن عن د حض وره‪ ,‬تنح ل عزيمت ه وله ذا ك ان من دع اء الن بي ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫"‬ ‫ة على الرشد‬ ‫ر‪ ,‬والعزيم‬ ‫ات في األم‬ ‫ألك الثب‬ ‫" أس‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬فه ؤالء ال ذين عزم وا على القت ال‪ ,‬وأت وا بكالم ي دل على الع زم المص مم‪ ,‬لم ا ج اء ال وقت‪ ,‬نكص أك ثرهم‬
‫اء‬ ‫د القض‬ ‫ا بع‬ ‫ألك الرض‬ ‫لم " وأس‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫هص‬ ‫ذا قول‬ ‫به ه‬ ‫" ويش‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬ألن الرضا بعد وقوع القضاء المكروه للنفوس‪ ,‬هو الرضا الحقيقي‬

‫تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم هللا ورفع "‬
‫بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن م ريم البين ات وأي دناه ب روح‬
‫الق دس ول و ش اء هللا م ا اقتت ل ال ذين من بع دهم من بع د م ا‬
‫ج اءتهم البين ات ولكن اختلف وا فمنهم من آمن ومنهم من كف ر‬
‫" ولو شاء هللا ما اقتتلوا ولكن هللا يفعل ما يريد‬
‫يخبر الباري أنه ف اوت بين الرس ل في الفض ائل الجليل ة‪ ,‬والتخصيص ات الجميل ة‪ ,‬بحس ب م ا من هللا ب ه عليهم‪ ,‬وق اموا ب ه من‬
‫اإليمان الكامل; واليقين الراس خ‪ ,‬واألخالق العالي ة‪ ,‬واآلداب الس امية‪ ,‬وال دعوة‪ ,‬والتعليم والنف ع العميم‪ :‬فمنهم‪ :‬من اتخ ذه خليال‪,‬‬
‫ات‬ ‫ق درج‬ ‫وق الخالئ‬ ‫هف‬ ‫ا‪ ,‬ومنهم‪ :‬من رفع‬ ‫ه تكليم‬ ‫‪.‬ومنهم‪ :‬من كلم‬
‫امخ‬ ‫لهم الش‬ ‫ول‪ ,‬لفض‬ ‫ر‪ ,‬إلى الوص‬ ‫د من البش‬ ‫بيل ألح‬ ‫‪.‬وجميعهم ال س‬
‫‪.‬وخص عيسى بن مريم‪ ,‬أنه آت اه البين ات الدال ة على أن ه رس ول هللا حق ا‪ ,‬وعب ده ص دقا‪ ,‬وأن م ا ج اء ب ه عن عن د هللا كل ه حق‬
‫‪.‬فجعله يبرئ األكمة واألبرص; ويحيي الم وتى ب إذن هللا وكلم الن اس في المه د ص بيا‪ ,‬وأي ده ب روح الق دس‪ ,‬أي ب روح اإليم ان‬
‫فجعل روحانيته فائقة روحانية غيره‪ ,‬فحصل له بذلك‪ ,‬القوة والتأييد‪ ,‬وإن كان أصل التأييد بهذه الروح عاما لك ل م ؤمن‪ ,‬بحس ب‬
‫ُوح ِم ْن هُ " لكن م ا لعيس ى أعظم‪ ,‬مم ا لغ يره‪ ,‬له ذا خص ه هللا بال ذكر‬ ‫‪.‬إيمان ه كم ا ق ال " َوَأيَّ َدهُ ْم بِ ر ٍ‬
‫و األول‬ ‫ح‪ ,‬ه‬ ‫نى األص‬ ‫ه لكن المع‬ ‫ه ومؤازرت‬ ‫ده هللا بإعانت‬ ‫ل‪ ,‬أي‬ ‫ا ‪ -‬جبري‬ ‫دس ‪ -‬هن‬ ‫ل‪ :‬إن روح الق‬ ‫‪.‬وقي‬
‫ولما أخبر عن كمال الرسل‪ ,‬وما أعطاهم من الفضل والخصائص‪ ,‬وأن دينهم واحد‪ ,‬ودعوتهم إلى الخير واحدة‪ ,‬كان موجب ذلك‬
‫‪.‬ومقتض اه‪ ,‬أن تجتم ع األمم على تص ديقهم‪ ,‬واالنقي اد لهم‪ ,‬لم ا آت اهم من البين ات ال تي على مثله ا‪ ,‬ي ؤمن البشر‬
‫ع االختالف بين األمم‬ ‫تقيم‪ ,‬ووق‬ ‫راط المس‬ ‫وا عن الص‬ ‫ثرهم‪ ,‬انحرف‬ ‫‪.‬لكن أك‬
‫كفر‬ ‫من‬ ‫ومنهم‬ ‫آمن;‬ ‫من‬ ‫‪.‬فمنهم‬
‫ادي‬ ‫وجب االختالف والتع‬ ‫وم‬ ‫ذي; ه‬ ‫ال ال‬ ‫ك; االقتت‬ ‫ل ذل‬ ‫ع ألج‬ ‫‪.‬ووق‬
‫وا‬ ‫ا اختلف‬ ‫دى; فم‬ ‫اء هللا لجمعهم على اله‬ ‫وش‬ ‫‪.‬ول‬
‫وا‬ ‫ا اقتتل‬ ‫ال ‪ -‬م‬ ‫وجب لالقتت‬ ‫ع االختالف الم‬ ‫دما وق‬ ‫ا ‪ -‬بع‬ ‫اء هللا أيض‬ ‫وش‬ ‫‪.‬ول‬
‫باب‬ ‫ب األس‬ ‫ام بحس‬ ‫ذا النظ‬ ‫ور على ه‬ ‫ان األم‬ ‫ت جري‬ ‫ه; اقتض‬ ‫‪.‬ولكن حكمت‬
‫بباتها‬ ‫باب لمس‬ ‫ع األس‬ ‫رف في جمي‬ ‫الى‪ ,‬يتص‬ ‫ه تع‬ ‫اهد على أن‬ ‫بر ش‬ ‫ة أك‬ ‫ذه اآلي‬ ‫‪.‬ففي ه‬
‫اء منعها‬ ‫ا‪ ,‬وإن ش‬ ‫اء أبقاه‬ ‫ه إن ش‬ ‫‪.‬وأن‬
‫ا يريد‬ ‫ال لم‬ ‫ه فع‬ ‫ده‪ ,‬فإن‬ ‫ه وح‬ ‫ع لحكمت‬ ‫ك تب‬ ‫ل ذل‬ ‫‪.‬وك‬
‫‪.‬فليس إلرادته ومشيئته‪ ,‬ممانع وال معارض وال معاون‬

‫يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن ي أتي ي وم "‬
‫" ال بيع فيه وال خلة وال شفاعة والكافرون هم الظالمون‬
‫ير‬ ‫رق الخ‬ ‫عط‬ ‫ات‪ ,‬في جمي‬ ‫نين على النفق‬ ‫‪.‬يحث هللا المؤم‬
‫د التعميم‬ ‫ول‪ ,‬يفي‬ ‫ذف المعم‬ ‫‪.‬ألن ح‬
‫وع عليهم النعم‬ ‫ذي رزقهم‪ ,‬ون‬ ‫و ال‬ ‫هه‬ ‫ه عليهم‪ ,‬بأن‬ ‫ذكرهم نعمت‬ ‫‪.‬وي‬
‫ة على التبعيض‬ ‫ل أتى بـ " من " الدال‬ ‫ديهم‪ ,‬ب‬ ‫ا في أي‬ ‫عم‬ ‫إخراج جمي‬ ‫أمرهم ب‬ ‫ه لم ي‬ ‫‪.‬وأن‬
‫اق‬ ‫دعوهم إلى اإلنف‬ ‫اي‬ ‫ذا مم‬ ‫‪.‬فه‬
‫ومما يدعوهم أيضا إخبارهم أن هذه النفقات‪ ,‬مدخرة عند هللا‪ ,‬في يوم ال تفيد فيه المعاوض ات ب البيع ونح وه‪ ,‬وال التبرع ات‪ ,‬وال‬
‫فاعات‬ ‫‪.‬الش‬
‫اتي‬ ‫دمت لحي‬ ‫اق‬ ‫ول‪ :‬م‬ ‫د يق‬ ‫ل أح‬ ‫‪.‬فك‬
‫‪.‬فتنقط ع األس باب كله ا‪ ,‬إال األس باب المتعلق ة بطاع ة هللا واإليم ان ب ه‪ ,‬ي وم ال ينف ع م ال وال بن ون‪ ,‬إال من أتى هللا بقلب س ليم‬
‫ْف بِ َم ا َع ِملُ وا َوهُ ْم فِي "‬ ‫ص الِحًا فَُأولَِئكَ لَهُ ْم َج زَ ا ُء ِّ‬
‫الض ع ِ‬ ‫َو َما َأ ْم َوالُ ُك ْم َواَل َأوْ اَل ُد ُك ْم بِالَّتِي تُقَ ِّربُ ُك ْم ِع ْن َدنَا ُز ْلفَى ِإاَّل َم ْن آ َمنَ َو َع ِم َل َ‬
‫ونَ‬ ‫ت آ ِمنُ‬
‫ا ِ‬ ‫" ْال ُغ ُرفَ‬ ‫‪.‬‬
‫"‬ ‫رًا‬ ‫رًا َوَأ ْعظَ َم َأجْ‬ ‫َو خَ ْي‬ ‫َد هَّللا ِ هُ‬ ‫دُوهُ ِع ْن‬ ‫ٍر تَ ِج‬ ‫ُك ْم ِم ْن خَ ْي‬ ‫ِّد ُموا َأِل ْنفُ ِس‬ ‫ا تُقَ‬ ‫" َو َم‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬ثم ق ال تع الى‪َ " :‬و ْال َك افِرُونَ هُ ُم الظَّالِ ُمونَ " وذل ك ألن هللا خلقهم لعبادت ه‪ ,‬ورزقهم وعاف اهم‪ ,‬ليس تعينوا ب ذلك على طاعته‬
‫لطانا‬ ‫هس‬ ‫نزل ب‬ ‫ا لم ي‬ ‫ركوا باهلل‪ ,‬م‬ ‫ه‪ ,‬وأش‬ ‫ا خلقهم هللا ل‬ ‫وا عم‬ ‫‪.‬فخرج‬
‫يان‬ ‫وق والعص‬ ‫ر والفس‬ ‫ه‪ ,‬على الكف‬ ‫تعانوا بنعم‬ ‫‪.‬واس‬
‫‪.‬فلم يبقوا للعدل موضعا‪ ,‬فلهذا حصر الظلم المطلق فيهم‬

‫هللا ال إله إال هو الحي القيوم ال تأخذه سنة وال نوم له ما في "‬
‫الس ماوات وم ا في األرض من ذا ال ذي يش فع عن ده إال بإذن ه‬
‫يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وال يحيطون بشيء من علمه إال‬
‫بما شاء وسع كرس يه الس ماوات واألرض وال يئ وده حفظهم ا‬
‫" وهو العلي العظيم‬
‫أخبر صلى هللا عليه وسلم أن هذه اآلية أعظم آيات القرآن‪ ,‬لما احتوت عليه من معاني التوحيد والعظمة‪ ,‬وسعة الص فات للب اري‬
‫الى‬ ‫‪.‬تع‬
‫‪.‬ف أخبر أن ه " هَّللا ِ " ال ذي ل ه جمي ع مع اني األلوهي ة‪ ,‬وأن ه ال يس تحق األلوهي ة والعبودي ة إال هو‬
‫يره‪ ,‬باطلة‬ ‫ادة غ‬ ‫يره‪ ,‬وعب‬ ‫ةغ‬ ‫‪.‬فألوهي‬
‫‪.‬وأن ه " ْال َح ُّي " ال ذي ل ه جمي ع مع اني الحي اة الكامل ة‪ ,‬من الس مع‪ ,‬والبص ر‪ ,‬والق درة‪ ,‬واإلرادة وغيره ا‪ ,‬والص فات الذاتية‬
‫كما أن " ْالقَيُّو ُم " تدخل في ه جمي ع ص فات األفع ال‪ ,‬ألن ه القي وم ال ذي ق ام بنفس ه‪ ,‬واس تغنى عن جمي ع مخلوقات ه‪ ,‬وق ام بجمي ع‬
‫ا وبقائها‬ ‫ه في وجوده‬ ‫اج إلي‬ ‫ا تحت‬ ‫عم‬ ‫دها بجمي‬ ‫ا‪ ,‬وأم‬ ‫دها وأبقاه‬ ‫وات‪ ,‬فأوج‬ ‫‪.‬الموج‬
‫وْ ٌم‬ ‫اس " َواَل نَ‬ ‫نَةٌ " أي‪ :‬نع‬ ‫ُذهُ ِس‬ ‫ه " اَل تَْأ ُخ‬ ‫ه‪ ,‬أن‬ ‫ه وقيوميت‬ ‫ال حيات‬ ‫" ومن كم‬ ‫‪.‬‬
‫ز‪ ,‬واالنحالل‬ ‫عف‪ ,‬والعج‬ ‫ه الض‬ ‫ذي يعتري‬ ‫وق‪ ,‬ال‬ ‫ان للمخل‬ ‫ا يعرض‬ ‫وم‪ ,‬إنم‬ ‫نة والن‬ ‫‪.‬ألن الس‬
‫اء‪ ,‬والجالل‬ ‫ة‪ ,‬والكبري‬ ‫ذي العظم‬ ‫ان‪ ,‬ل‬ ‫‪.‬وال يعرض‬
‫ماوات واألرض‬ ‫ا في الس‬ ‫عم‬ ‫ك جمي‬ ‫ه مال‬ ‫بر أن‬ ‫‪.‬وأخ‬
‫ور‬ ‫ذا الط‬ ‫د منهم عن ه‬ ‫رج أح‬ ‫ك‪ ,‬ال يخ‬ ‫د هلل ممالي‬ ‫‪.‬فكلهم عبي‬
‫"‬ ‫دًا‬ ‫رَّحْ َم ِن َع ْب‬ ‫ت َواَأْلرْ ِ‬
‫ض ِإاَّل آتِي ال‬ ‫َما َوا ِ‬ ‫لُّ َم ْن فِي َّ‬
‫الس‬ ‫" ِإ ْن ُك‬ ‫‪.‬‬
‫اء‬ ‫فات المل ك والتص رف‪ ,‬والس لطان‪ ,‬والكبري‬ ‫هص‬ ‫ذي ل‬ ‫و ال‬ ‫ك‪ ,‬وه‬ ‫ع الممال‬ ‫ك لجمي‬ ‫و المال‬ ‫‪.‬فه‬
‫ِه‬ ‫د " ِإاَّل بِِإ ْذنِ‬ ‫َدهُ " أح‬ ‫فَ ُع ِع ْن‬ ‫ه ال " يَ ْش‬ ‫ه أن‬ ‫ام ملك‬ ‫" ومن تم‬ ‫‪.‬‬
‫أذن لهم‬ ‫تى ي‬ ‫فاعة ح‬ ‫دمون على ش‬ ‫ك‪ ,‬ال يق‬ ‫ه ممالي‬ ‫دل‬ ‫فعاء‪ ,‬عبي‬ ‫اء والش‬ ‫ل الوجه‬ ‫‪.‬فك‬
‫"‬ ‫ت َواَأْلرْ ِ‬
‫ض‬ ‫َما َوا ِ‬ ‫ك َّ‬
‫الس‬ ‫ُ‬ ‫هُ ُم ْل‬ ‫ا لَ‬ ‫فَا َعةُ َج ِمي ًع‬ ‫لْ هَّلِل ِ َّ‬
‫الش‬ ‫" قُ‬ ‫‪.‬‬
‫له‬ ‫اع رس‬ ‫ده‪ ,‬واتب‬ ‫ي إال توحي‬ ‫ى‪ ,‬وال يرتض‬ ‫فع إال فيمن ارتض‬ ‫د أن يش‬ ‫أذن ألح‬ ‫‪.‬وهللا ال ي‬
‫يب‬ ‫فاعة نص‬ ‫ه في الش‬ ‫ذا‪ ,‬فليس ل‬ ‫ف به‬ ‫‪.‬فمن لم يتص‬
‫ثم أخبر عن علمه الواسع المحيط‪ ,‬وأنه يعلم ما بين أيدي الخالئ ق‪ ,‬من األم ور المس تقبلة‪ ,‬ال تي ال نهاي ة له ا " َو َم ا خَ ْلفَهُ ْم " من‬
‫د لها‬ ‫تي ال ح‬ ‫ية‪ ,‬ال‬ ‫‪.‬األمورالماض‬
‫دُو ُر‬ ‫ا تُ ْخفِي ُّ‬
‫الص‬ ‫ةَ اَأْل ْعيُ ِن َو َم‬ ‫ة " يَ ْعلَ ُم خَ اِئنَ‬ ‫ه خافي‬ ‫ه ال تخفى علي‬ ‫" وأن‬ ‫‪.‬‬
‫ا َء " منها‬ ‫ا َش‬‫ه " ِإاَّل بِ َم‬ ‫يء من علم هللا ومعلومات‬ ‫د بش‬ ‫ط أح‬ ‫ق ال يحي‬ ‫‪.‬وأن الخل‬
‫وهو ما أطلعهم عليه من األمور الشرعية والقدرية‪ ,‬وهو جزء يسير ج دا مض محل في عل وم الب اري ومعلومات ه‪ ,‬كم ا ق ال أعلم‬
‫ا َعلَّ ْمتَنَا‬ ‫ا ِإاَّل َم‬ ‫ك اَل ِع ْل َم لَنَ‬
‫ب َْحانَ َ‬ ‫ة " ُس‬ ‫ل والمالئك‬ ‫ه‪ ,‬وهم الرس‬ ‫قب‬ ‫" الخل‬ ‫‪.‬‬
‫ثم أخ بر عن عظمت ه وجالل ه‪ ,‬وأن كرس يه‪ ,‬وس ع الس ماوات واألرض‪ ,‬وأن ه ق د حفظهم ا ومن فيهم ا من الع والم‪ ,‬باألس باب‬
‫ات‬ ‫ا هللا في المخلوق‬ ‫تي جعله‬ ‫ات‪ ,‬ال‬ ‫‪.‬والنظام‬
‫ه في أحكامه‬ ‫عة حكمت‬ ‫داره‪ ,‬وس‬ ‫ه‪ ,‬واقت‬ ‫ال عظمت‬ ‫ا‪ ,‬لكم‬ ‫ه حفظهم‬ ‫ؤوده‪ ,‬أي‪ :‬يثقل‬ ‫ك‪ ,‬فال ي‬ ‫ع ذل‬ ‫‪.‬وم‬
‫"‬ ‫فاته‬ ‫ةص‬ ‫و العلي بعظم‬ ‫ه‪ ,‬وه‬ ‫ع مخلوقات‬ ‫ه‪ ,‬على جمي‬ ‫َو ْال َعلِ ُّي " بذات‬ ‫‪َ .‬وهُ‬
‫‪.‬وه و العلي ال ذي قه ر المخلوق ات‪ ,‬ودانت ل ه الموج ودات‪ ,‬وخض عت ل ه الص عاب‪ ,‬وذلت ل ه الرق اب‬
‫ْال َع ِظ ِيم " الجامع‪ ,‬لجميع صفات العظمة والكبرياء‪ ,‬والمجد والبهاء‪ ,‬الذي تحبه القلوب‪ ,‬وتعظمه األرواح‪ ,‬ويعرف العارفون أن "‬
‫ة العلي العظيم‬ ‫اب عظم‬ ‫محلة في ج‬ ‫ا مض‬ ‫فة‪ ,‬فإنه‬ ‫يء‪ ,‬وإن جلت عن الص‬ ‫لش‬ ‫ةك‬ ‫‪.‬عظم‬
‫فآية‪ ,‬احتوت على هذه المعاني التي هي أجل المعاني‪ ,‬يحق أن تكون أعظم آي ات الق رآن‪ ,‬ويح ق لمن قرأه ا‪ ,‬مت دبرا متفهم ا‪ ,‬أن‬
‫‪.‬يمتلئ قلبه من اليقين والعرفان واإليمان‪ ,‬وأن يكون محفوظا بذلك‪ ,‬من شرور الشيطان‬

‫ال إك راه في ال دين ق د ت بين الرش د من الغي فمن يكف ر "‬


‫بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة الوثقى ال انفص ام‬
‫" لها وهللا سميع عليم‬
‫هذا بيان لكمال هذا الدين اإلسالمي‪ ,‬وأنه ‪ -‬لكمال براهينه‪ ,‬واتضاح آياته‪ ,‬وكونه ه و دين العق ل والعلم‪ ,‬ودين الفط رة والحكم ة‪,‬‬
‫‪.‬ودين الص الح واإلص الح‪ ,‬ودين الح ق والرش د‪ ,‬فلكمال ه وقب ول الفط ر ل ه ‪ -‬ال يحت اج إلى اإلك راه عليه‬
‫‪.‬ألن اإلك راه‪ ,‬إنم ا يق ع على م ا تنف ر عن ه القل وب‪ ,‬ويتن افى م ع الحقيق ة والح ق‪ ,‬أو لم ا تخفى براهين ه وآياته‬
‫اده‬ ‫ه لعن‬ ‫ه‪ ,‬فإن‬ ‫دين‪ ,‬ورده ولم يقبل‬ ‫ذا ال‬ ‫اءه ه‬ ‫‪.‬وإال فمن ج‬
‫ة‪ ,‬إذا رده ولم يقبله‬ ‫ذر وال حج‬ ‫دع‬ ‫ق ألح‬ ‫د من الغي‪ ,‬فلم يب‬ ‫بين الرش‬ ‫دت‬ ‫هق‬ ‫‪.‬فإن‬
‫اد‬ ‫ة للجه‬ ‫يرة الموجب‬ ‫ات الكث‬ ‫نى‪ ,‬وبين اآلي‬ ‫ذا المع‬ ‫اة بين ه‬ ‫‪.‬وال مناف‬
‫دين‬ ‫دين على ال‬ ‫داء المعت‬ ‫دفع اعت‬ ‫ه هلل‪ ,‬ول‬ ‫دين كل‬ ‫ون ال‬ ‫ال‪ ,‬ليك‬ ‫ر بالقت‬ ‫إن هللا أم‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪.‬وأجم ع المس لمون على أن الجه اد‪ ,‬م اض م ع ال بر والف اجر‪ ,‬وأن ه من الف روض المس تمرة‪ ,‬الجه اد الق ولي الفعلي‬
‫فمن ظن من المفسرين أن هذه اآلية‪ ,‬تنافي آيات الجهاد‪ ,‬فجزم بأنها منسوخة ‪ -‬فقوله ضعيف‪ ,‬لفظا ومعنى‪ ,‬كما ه و واض ح بين‪,‬‬
‫ا عليه‬ ‫ا نبهن‬ ‫ة‪ ,‬كم‬ ‫ة الكريم‬ ‫دبر اآلي‬ ‫‪.‬لمن ت‬
‫ثم ذكر هللا انقسام الناس إلى قسمين‪ :‬قسم آمن باهلل وح ده ال ش ريك ل ه‪ ,‬وكف ر بالط اغوت ‪ -‬وه و ك ل م ا ين افي اإليم ان باهلل من‬
‫الشرك وغيره ‪ -‬فهذا قد استمسك بالعروة الوثقى‪ ,‬التي ال انفصام لها‪ ,‬بل هو مستقيم على الدين الصحيح‪ ,‬حتى يص ل ب ه إلى هللا;‬
‫كرامته‬ ‫دار‬ ‫‪.‬وإلى‬
‫ويؤخذ القسم الثاني‪ ,‬من مفهوم اآلية‪ ,‬أن من لم يؤمن باهلل‪ ,‬بل كفر به‪ ,‬وآمن بالط اغوت‪ ,‬فإن ه هال ك هالك ا أب ديا‪ ,‬ومع ذب ع ذابا‬
‫رمديا‬ ‫‪.‬س‬
‫وقول ه‪َ " :‬وهَّللا ُ َس ِمي ٌع " أي‪ :‬لجمي ع األص وات‪ ,‬ب اختالف اللغ ات‪ ,‬على تفنن الحاج ات‪ ,‬وس ميع ل دعاء ال داعين‪ ,‬وخض وع‬
‫رعين‬ ‫‪.‬المتض‬
‫"‬ ‫ور‬ ‫ا األم‬ ‫ا خفي من خفاي‬ ‫دور‪ ,‬وم‬ ‫ه الص‬ ‫ا أكنت‬ ‫‪َ .‬علِي ٌم " بم‬
‫‪.‬فيجازي كل أحد‪ ,‬بحسب ما يعلمه‪ ,‬من نياته وعمله‬

‫هللا ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور وال ذين "‬
‫كفروا أولي اؤهم الط اغوت يخرج ونهم من الن ور إلى الظلم ات‬
‫" أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‬
‫تي قبلها‬ ‫ة ال‬ ‫ة على اآلي‬ ‫ة مترتب‬ ‫ذه اآلي‬ ‫‪.‬ه‬
‫رة‬ ‫ذه هي الثم‬ ‫اس‪ ,‬وه‬ ‫ابقة‪ ,‬هي األس‬ ‫‪.‬فالس‬
‫فأخبر تعالى‪ ,‬أن الذين آمنوا باهلل‪ ,‬وصدقوا إيمانهم‪ ,‬بالقي ام بواجب ات اإليم ان‪ ,‬وت رك ك ل م ا ينافي ه‪ ,‬أن ه وليهم‪ ,‬يت والهم بواليت ه‬
‫الخاصة‪ ,‬ويتولى تربيتهم‪ ,‬فيخرجهم من ظلمات الجهل والكفر والمعاصي والغفلة واإلع راض‪ ,‬إلى ن ور العلم واليقين واإليم ان‪,‬‬
‫ل على ربهم‬ ‫ال الكام‬ ‫ة واإلقب‬ ‫‪.‬والطاع‬
‫رى‬ ‫رى‪ ,‬ويجنبهم العس‬ ‫رهم لليس‬ ‫ان‪ ,‬وييس‬ ‫وحي واإليم‬ ‫ور ال‬ ‫ا من ن‬ ‫ه فيه‬ ‫ا يقذف‬ ‫وبهم‪ ,‬بم‬ ‫ور قل‬ ‫‪.‬وين‬
‫وأما الذين كفروا‪ ,‬فإنهم لما تولوا غير وليهم‪ ,‬والهم هللا ما تولوا ألنفسهم‪ ,‬وخذلهم‪ ,‬ووكلهم إلى رعاية من توالهم‪ ,‬ممن ليس عنده‬
‫ع وال ضر‬ ‫‪.‬نف‬
‫الح‬ ‫ل الص‬ ‫افع‪ ,‬والعم‬ ‫ة العلم الن‬ ‫وهم هداي‬ ‫قوهم‪ ,‬وحرم‬ ‫لوهم‪ ,‬وأش‬ ‫‪.‬فأض‬
‫دين‬ ‫ا مخل‬ ‫دين فيه‬ ‫واهم‪ ,‬خال‬ ‫ار مث‬ ‫ارت الن‬ ‫عادة‪ ,‬وص‬ ‫وهم الس‬ ‫‪.‬وحرم‬
‫‪.‬اللهم تولنا فيمن توليت‬

‫ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه هللا الملك إذ قال "‬
‫إب راهيم ربي ال ذي يح يي ويميت ق ال أن ا أح يي وأميت ق ال‬
‫إب راهيم ف إن هللا ي أتي بالش مس من المش رق ف أت به ا من‬
‫" المغرب فبهت الذي كفر وهللا ال يهدي القوم الظالمين‬
‫‪.‬يقص هللا علين ا من أنب اء الرس ل والس الفين‪ ,‬م ا ب ه تت بين الحق ائق‪ ,‬وتق وم ال براهين المتنوع ة على التوحيد‬
‫فأخبر تعالى عن خليله إبراهيم صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬حيث حاج ه ذا المل ك الجب ار‪ ,‬وه و نم رود الب ابلي‪ ,‬المعط ل المنك ر ل رب‬
‫العالمين‪ ,‬وانتدب لمقاومة إب راهيم الخلي ل ومحاجت ه في ه ذا األم ر‪ ,‬ال ذي ال يقب ل ش كا‪ ,‬وال إش كاال‪ ,‬وال ريب ا‪ ,‬وه و توحي د هللا‬
‫حها‬ ‫ور وأوض‬ ‫و أجلى األم‬ ‫ذي ه‬ ‫ه‪ ,‬ال‬ ‫‪.‬وربوبيت‬
‫ولكن هذا الجبار‪ ,‬غره ملكه وأطغاه‪ ,‬حتى وصلت به الحال‪ ,‬إلى أن نفاه‪ ,‬وحاج إبراهيم الرسول العظيم‪ ,‬الذي أعطاه هللا من العلم‬
‫لم‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫دص‬ ‫وى محم‬ ‫ل‪ ,‬س‬ ‫دا من الرس‬ ‫ط أح‬ ‫ا لم يع‬ ‫‪.‬واليقين‪ ,‬م‬
‫يت " أي‪ :‬ه و المنف رد ب الخلق والت دبير‪ ,‬واإلحي اء واإلماتة‬ ‫‪.‬فق ال إب راهيم من اظرا ل ه " َرب َِّي الَّ ِذي يُحْ يِي َويُ ِم ُ‬
‫اء واإلماتة‬ ‫و اإلحي‬ ‫ا‪ ,‬وه‬ ‫ذا الجنس أظهره‬ ‫ذكر من ه‬ ‫‪.‬ف‬
‫ا ُأحْ يِي َوُأ ِم ُ‬
‫يت‬ ‫ا " َأنَ‬ ‫ار مباهت‬ ‫ك الجب‬ ‫ال ذل‬ ‫" فق‬ ‫‪.‬‬
‫تبقاءه‬ ‫تبقي من أردت اس‬ ‫ه‪ ,‬وأس‬ ‫ل من أردت قتل‬ ‫ذلك أني أقت‬ ‫نى ب‬ ‫‪.‬وع‬
‫ود‬ ‫دة عن المقص‬ ‫ر‪ ,‬وحي‬ ‫ه وتزوي‬ ‫ذا تموي‬ ‫وم أن ه‬ ‫‪.‬ومن المعل‬
‫وات‬ ‫ا على األم‬ ‫دومات‪ ,‬ورده‬ ‫اة في المع‬ ‫اد الحي‬ ‫رد بإيج‬ ‫ذي تف‬ ‫و ال‬ ‫الى ه‬ ‫ود‪ ,‬أن هللا تع‬ ‫‪.‬وأن المقص‬
‫باب‬ ‫ير أس‬ ‫ا وبغ‬ ‫باب ربطه‬ ‫ا‪ ,‬بأس‬ ‫ات بآجاله‬ ‫اد والحيوان‬ ‫ذي يميت العب‬ ‫و ال‬ ‫هه‬ ‫‪.‬وأن‬
‫اع‬ ‫ا راج على الهمج الرع‬ ‫ا‪ ,‬ربم‬ ‫ا تمويه‬ ‫ل مموه‬ ‫ا رآه الخلي‬ ‫‪.‬فلم‬
‫ت بِهَ ا ِمنَ ْال َم ْغ ِر ِ‬ ‫ْأ‬ ‫ْأ‬
‫ب فَبُ ِهتَ الَّ ِذي‬ ‫س ِمنَ ْال َم ْش ِر ِ‬
‫ق فَ ِ‬ ‫قال إبراهيم ‪ -‬ملزما له بتصديق قوله إن كان كما يزعم‪ " :‬فَِإ َّن هَّللا َ يَ تِي بِ َّ‬
‫الش ْم ِ‬
‫بهته‬ ‫محلت ش‬ ‫ه‪ ,‬واض‬ ‫ف‪ ,‬وانقطعت جحت‬ ‫َر " أي‪ :‬وق‬ ‫‪َ .‬كفَ‬
‫ل إلى آخر‬ ‫اال من دلي‬ ‫ل‪ ,‬انتق‬ ‫ذا من الخلي‬ ‫‪.‬وليس ه‬
‫ادقا‬ ‫ان ص‬ ‫ه إن ك‬ ‫رد دليل‬ ‫رود‪ ,‬بط‬ ‫زام لنم‬ ‫و إل‬ ‫اه‬ ‫‪.‬وإنم‬
‫تزوير والتمويه‬ ‫ترويج وال‬ ‫ل ال‬ ‫ذي ال يقب‬ ‫ذا ال‬ ‫‪.‬وأتى به‬
‫‪.‬فجمي ع األدل ة‪ ,‬الس معية والعقلي ة‪ ,‬والفطري ة‪ ,‬ق د ق امت ش اهدة بتوحي د هللا‪ ,‬معترف ة ب انفراده ب الخلق والت دبير‬
‫ادة إال هو‬ ‫تحق العب‬ ‫أنه‪ ,‬ال يس‬ ‫ذا ش‬ ‫‪.‬وأن من ه‬
‫ل العظيم‬ ‫ذا األص‬ ‫ون على ه‬ ‫ل‪ ,‬متفق‬ ‫ع الرس‬ ‫‪.‬وجمي‬
‫ار العنيد‬ ‫ذا الجب‬ ‫ل له‬ ‫ابر‪ ,‬مماث‬ ‫د مك‬ ‫ره إال معان‬ ‫‪.‬ولم ينك‬
‫‪.‬فهذا من أدلة التوحيد‬

‫أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروش ها ق ال أنى "‬
‫يحيي هذه هللا بعد موته ا فأمات ه هللا مائ ة ع ام ثم بعث ه ق ال كم‬
‫لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة ع ام ف انظر‬
‫إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حم ارك ولنجعل ك آي ة‬
‫للناس وانظر إلى العظ ام كي ف ننش زها ثم نكس وها لحم ا فلم ا‬
‫" تبين له قال أعلم أن هللا على كل شيء قدير‬
‫ٍة " اآلية‬ ‫َّر َعلَى قَرْ يَ‬ ‫ال‪َ " :‬أوْ َكالَّ ِذي َم‬ ‫زاء فق‬ ‫درة والبعث والج‬ ‫ال الق‬ ‫ة كم‬ ‫ر أدل‬ ‫‪.‬ثم ذك‬
‫زاء‬ ‫رة ‪ -‬على البعث والج‬ ‫ل اآلخ‬ ‫دنيا قب‬ ‫ان في ال‬ ‫ان‪ ,‬محسوس‬ ‫ذان دليالن عظيم‬ ‫‪.‬ه‬
‫ة الكريمة‬ ‫ه اآلي‬ ‫دل علي‬ ‫ات‬ ‫حيح‪ ,‬كم‬ ‫اك في البعث على الص‬ ‫لش‬ ‫د رج‬ ‫راه هللا على ي‬ ‫د أج‬ ‫‪.‬واح‬
‫راهيم‬ ‫ه إب‬ ‫د خليل‬ ‫ر‪ ,‬على ي‬ ‫‪.‬واآلخ‬
‫ده‬ ‫ابق على ي‬ ‫د الس‬ ‫ل التوحي‬ ‫رى دلي‬ ‫ا أج‬ ‫‪.‬كم‬
‫ها‬ ‫وت على عروش‬ ‫دمرا وخ‬ ‫رت ت‬ ‫د دم‬ ‫ةق‬ ‫ر على قري‬ ‫ل‪ ,‬م‬ ‫ذا الرج‬ ‫‪.‬فه‬
‫قد مات أهلها وخربت عمارتها‪ ,‬فقال ‪ -‬على وجه الشك واالستبعاد‪َ " :‬أنَّى يُحْ يِي هَ ِذ ِه هَّللا ُ بَ ْع َد َموْ تِهَ ا " ؟ أي‪ :‬ذل ك بعي د‪ ,‬وهي في‬
‫ال‬ ‫ذه الح‬ ‫‪.‬ه‬
‫اعة‬ ‫ك الس‬ ‫ه تل‬ ‫ام بقلب‬ ‫اق‬ ‫بم‬ ‫ا‪ ,‬بحس‬ ‫ا مثله‬ ‫ني‪ :‬وغيره‬ ‫‪.‬يع‬
‫ام‬ ‫ةع‬ ‫ه هللا مائ‬ ‫اس‪ ,‬حيث أمات‬ ‫ة الن‬ ‫ه ورحم‬ ‫أراد هللا رحمت‬ ‫‪.‬ف‬
‫ه معه‬ ‫ار‪ ,‬فأمات‬ ‫ه حم‬ ‫ان مع‬ ‫‪.‬وك‬
‫دد الطويلة‬ ‫ذه الم‬ ‫اك‬‫له‬ ‫ا هللا بحالهم‬ ‫راب‪ ,‬فأبقاهم‬ ‫ام وش‬ ‫ه طع‬ ‫‪.‬ومع‬
‫ْض يَ وْ ٍم " وذل ك بحس ب م ا ظنه‬ ‫ت يَوْ ًم ا َأوْ بَع َ‬
‫‪.‬فلم ا مض ت األع وام المائ ة بعث ه هللا فق ال‪َ " :‬ك ْم لَبِ ْثتَ قَ ا َل لَبِ ْث ُ‬
‫ٍام‬ ‫لْ لَبِ ْثتَ ِماَئةَ َع‬ ‫ال هللا " بَ‬ ‫" فق‬ ‫‪.‬‬
‫رام‬ ‫اء الك‬ ‫د بعض األنبي‬ ‫ة على ي‬ ‫ذه المجاوب‬ ‫اهر أن ه‬ ‫‪.‬والظ‬
‫ع بها‬ ‫ا‪ ,‬ليقتن‬ ‫ة عيان‬ ‫ه أراه اآلي‬ ‫اس‪ ,‬أن‬ ‫ه وبالن‬ ‫ة هللا ب‬ ‫ام رحم‬ ‫‪.‬ومن تم‬
‫ك لَ ْم يَت ََس نَّ ْه " أي‪ :‬لم يتغ ير في ه ذه الم دد الطويلة‬ ‫‪.‬فبعد ما عرف أن ه ميت ق د أحي اه هللا‪ ,‬قي ل ل ه‪ " :‬فَ ا ْنظُرْ ِإلَى طَ َعا ِم َ‬
‫ك َو َش َرابِ َ‬
‫وذلك من آيات قدرة هللا‪ ,‬فإن الطعام والشراب ‪ -‬خصوصا ما ذكره المفسرون‪ :‬أنه فاكهة وعص ير ‪ -‬ال يلبث أن يتغ ير‪ ,‬وه ذا ق د‬
‫ك " ‪ ,‬ف إذا ه و ق د تم زق وتف رق‪ ,‬وص ار عظام ا نخ رة‬ ‫‪.‬حفظ ه هللا‪ ,‬مائ ة ع ام وقي ل ل ه‪َ " :‬وا ْنظُ رْ ِإلَى ِح َم ِ‬
‫ار َ‬
‫‪َ .‬وا ْنظُ رْ ِإلَى ْال ِعظَ ِام َك ْي فَ نُ ْن ِش ُزهَا " أي‪ :‬نرف ع بعض ها إلى بعض‪ ,‬ونص ل بعض ها ببعض‪ ,‬بع د م ا تف رقت وتم زقت "‬
‫"‬ ‫اة‬ ‫ه الحي‬ ‫د في‬ ‫ا " ثم‪ ,‬نعي‬ ‫د االلتئام " لَحْ ًم‬ ‫وهَا " بع‬ ‫‪.‬ثُ َّم نَ ْك ُس‬
‫"‬ ‫وه‬ ‫ه من الوج‬ ‫ريب بوج‬ ‫ل ال‬ ‫هُ " رأى عين ال يقب‬ ‫‪.‬فَلَ َّما تَبَيَّنَ لَ‬
‫"‬ ‫ِدي ٌر‬ ‫ْي ٍء قَ‬ ‫ِّل َش‬ ‫ا َل َأ ْعلَ ُم َأ َّن هَّللا َ َعلَى ُك‬ ‫" قَ‬ ‫‪.‬‬
‫فاعترف بقدرة هللا على كل شيء وصار آية للناس‪ ,‬ألنهم قد عرفوا موته وموت حماره‪ ,‬وعرف وا قض يته‪ ,‬ثم ش اهدوا ه ذه اآلي ة‬
‫برى‬ ‫‪.‬الك‬
‫ذا الرجل‬ ‫واب في ه‬ ‫و الص‬ ‫ذا ه‬ ‫‪.‬ه‬
‫وأما قول كثير من المفسرين‪ :‬إن هذا الرجل‪ ,‬مؤمن‪ ,‬أو نبي من األنبياء‪ ,‬إما عزيز أو غ يره‪ ,‬وأن قول ه " َأنَّى يُحْ يِي هَ ِذ ِه هَّللا ُ بَ ْع َد‬
‫َموْ تِهَا " ‪ ,‬يعني كيف تعمر هذه القرية‪ ,‬بعد أن كانت خرابا‪ ,‬وأن هللا أماته‪ ,‬ليريه ما يعيد لهذه القري ة من عمارته ا ب الخلق‪ ,‬وأنه ا‬
‫عمرت في هذه المدة‪ ,‬وتراجع الناس إليها وصارت عامرة‪ ,‬بعد أن كانت دامرة ‪ -‬فهذا ال يدل عليه اللفظ بل ينافيه‪ ,‬وال يدل علي ه‬
‫نى‬ ‫‪.‬المع‬
‫‪.‬ف أي آي ة وبره ان‪ ,‬برج وع البل دان ال دامرة إلى العم ارة‪ ,‬وه ذه لم ت زل تش اهد‪ ,‬تعم ر ق رى ومس اكن‪ ,‬وتخ رب أخ رى‬
‫‪.‬وإنم ا اآلي ة العظيم ة‪ ,‬في إحيائ ه بع د موت ه‪ ,‬وإحي اء حم اره‪ ,‬وإبق اء طعام ه وش رابه‪ ,‬لم يتعفن ولم يتغ ير‬
‫‪.‬ثم قوله " فَلَ َّما تَبَيَّنَ لَهُ " صريح في أنه لم يتبين له إال بعد ما شاهد هذه الحال الدالة على كمال قدرته عيانا‬

‫وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم ت ؤمن "‬
‫قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربع ة من الط ير فص رهن‬
‫إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتين ك س عيا‬
‫" واعلم أن هللا عزيز حكيم‬
‫وأما البرهان اآلخر‪ ,‬فإن إبراهيم قال طالبا من هللا‪ ,‬أن يريه كيف يحيي الم وتى‪ :‬فق ال هللا ل ه‪َ " :‬أ َولَ ْم تُ ْؤ ِم ْن " ليزي ل الش بهة عن‬
‫‪.‬خليله‬
‫ال " إب راهيم‪ " :‬بَلَى " ي ا رب‪ ,‬ق د آمنت أن ك على ك ل ش يء ق دير‪ ,‬وأن ك تح يي الم وتى‪ ,‬وتج ازي العب اد "‬
‫‪.‬قَ َ‬
‫ة عين اليقين‬ ‫ل إلى درج‬ ‫بي‪ ,‬وأص‬ ‫د أن يطمئن قل‬ ‫‪.‬ولكن أري‬
‫اد‬ ‫ة بالعب‬ ‫ة ال‪ ,‬ورحم‬ ‫ه‪ ,‬كرام‬ ‫اب هللا دعوت‬ ‫‪.‬فأج‬
‫"‬ ‫ور هي‬ ‫بين أي الطي‬ ‫ِر " ولم ي‬ ‫ةً ِمنَ الطَّ ْي‬ ‫ْذ َأرْ بَ َع‬ ‫ا َل فَ ُخ‬ ‫‪.‬قَ‬
‫ود‬ ‫و المقص‬ ‫ا‪ ,‬وه‬ ‫وع منه‬ ‫أي ن‬ ‫لة ب‬ ‫ة حاص‬ ‫‪.‬فاآلي‬
‫"‬ ‫زقهن‬ ‫مهن‪ ,‬واذبحهن‪ ,‬وم‬ ‫ك"ض‬
‫َ‬ ‫رْ ه َُّن ِإلَ ْي‬ ‫‪.‬فَ ُ‬
‫ص‬
‫"‬ ‫ٌز َح ِكي ٌم‬ ‫ْعيًا َوا ْعلَ ْم َأ َّن هَّللا َ ع ِ‬
‫َزي‬ ‫ك َس‬
‫َ‬ ‫ْز ًءا ثُ َّم ا ْد ُعه َُّن يَْأتِينَ‬ ‫ٍل ِم ْنه َُّن ُج‬ ‫ِّل َجبَ‬ ‫لْ َعلَى ُك‬ ‫" ثُ َّم اجْ َع‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬ففعل ذل ك‪ ,‬وف رق أج زاءهن على الجب ال‪ ,‬ال تي حول ه‪ ,‬ودع اهن بأس مائهن‪ ,‬ف أقبلن إلي ه‪ ,‬أي‪ :‬س ريعات‪ ,‬ألن الس عي‪ :‬الس رعة‬
‫اة‬ ‫ون من الحي‬ ‫ا يك‬ ‫لم‬ ‫ائرات‪ ,‬على أكم‬ ‫ا جئن ط‬ ‫وائمهن‪ ,‬وإنم‬ ‫راد‪ ,‬أنهن جئن على ق‬ ‫‪.‬وليس الم‬
‫يرهن‬ ‫ح من غ‬ ‫ل وأوض‬ ‫اءهن أكم‬ ‫ذلك‪ ,‬ألن إحي‬ ‫ور ب‬ ‫‪.‬وخص الطي‬
‫وس المبطلة‬ ‫رض للنف‬ ‫ا يع‬ ‫ل وهم‪ ,‬ربم‬ ‫ذا ك‬ ‫ا أزال في ه‬ ‫‪.‬وأيض‬
‫فجعلهن متعددات أربعة‪ ,‬ومزقهن جميعا‪ ,‬وجعلهن على رءوس الجبال ليكون ذلك ظاهرا علنا‪ ,‬يش اهد من ق رب ومن بع د‪ ,‬وأن ه‬
‫ة من الحيل‬ ‫امال حيل‬ ‫ون ع‬ ‫يرا‪ ,‬لئال يظن أن يك‬ ‫ه كث‬ ‫اهن عن‬ ‫‪.‬نح‬
‫رعات‬ ‫دعوهن‪ ,‬فجئن مس‬ ‫ره أن ي‬ ‫ا أم‬ ‫‪.‬وأيض‬
‫زة هللا وحكمته‬ ‫ال ع‬ ‫ان على كم‬ ‫بر بره‬ ‫ة‪ ,‬أك‬ ‫ذه اآلي‬ ‫ارت ه‬ ‫‪.‬فص‬
‫‪.‬وفيه تنبيه على أن البعث فيه يظهر للعباد كمال عزة هللا وحكمته وعظمته وسعة سلطانه‪ ,‬وتمام عدله وفضله‬

‫مثل ال ذين ينفق ون أم والهم في س بيل هللا كمث ل حب ة أنبتت "‬


‫سبع سنابل في كل س نبلة مائ ة حب ة وهللا يض اعف لمن يش اء‬
‫" وهللا واسع عليم‬
‫ل إليه‬ ‫ه الموص‬ ‫و طريق‬ ‫بيله‪ ,‬وه‬ ‫والهم في س‬ ‫اق أم‬ ‫اده على إنف‬ ‫ذا حث عظيم من هللا لعب‬ ‫‪.‬ه‬
‫فيدخل في هذا‪ ,‬إنفاقه في ترقية العلوم النافعة‪ ,‬وفي االس تعداد للجه اد في س بيله‪ ,‬وفي تجه ز المجاه دين وتجه يزهم‪ ,‬وفي جمي ع‬
‫لمين‬ ‫ة للمس‬ ‫ة النافع‬ ‫اريع الخيري‬ ‫‪.‬المش‬
‫اكين‬ ‫راء والمس‬ ‫اجين‪ ,‬والفق‬ ‫اق على المحت‬ ‫ك‪ ,‬اإلنف‬ ‫‪.‬ويلي ذل‬
‫ات‬ ‫ير والطاع‬ ‫ة على الخ‬ ‫ات‪ ,‬واإلعان‬ ‫ع الحاج‬ ‫ة دف‬ ‫ون في النفق‬ ‫ران‪ ,‬فيك‬ ‫ع األم‬ ‫د يجتم‬ ‫‪.‬وق‬
‫ثر من ذلك‬ ‫عاف أك‬ ‫بعمائة إلى أض‬ ‫اعفة بس‬ ‫ات مض‬ ‫ذه المض‬ ‫ذه النفق‬ ‫اعفة‪ ,‬ه‬
‫‪.‬فه‬
‫ولهذا قال " َوهَّللا ُ ي َ‬
‫ُض ا ِعفُ لِ َم ْن يَ َش ا ُء " وذل ك بحس ب م ا يق وم بقلب المنف ق‪ ,‬من اإليم ان‪ ,‬واإلخالص الت ام‪ ,‬وفي ثم رات نفقت ه‬
‫‪.‬ونفعها‬
‫‪.‬فإن بعض طرق الخيرات‪ ,‬يترتب على اإلنفاق فيها‪ ,‬منافع متسلسلة‪ ,‬ومصالح متنوعة‪ ,‬فكان الجزاء من جنس العمل‬

‫الذين ينفقون أموالهم في س بيل هللا ثم ال يتبع ون م ا أنفق وا "‬


‫من ا وال أذى لهم أج رهم عن د ربهم وال خ وف عليهم وال هم‬
‫" يحزنون‬
‫‪.‬ثم أيض ا‪ ,‬ذك ر ثواب ا آخ ر للمنفقين أم والهم في س بيله‪ ,‬نفق ة ص ادرة‪ ,‬مس توفية لش روطها‪ ,‬منتفي ة موانعها‬
‫ة‪ ,‬أو فعلية‬ ‫ه‪ ,‬قولي‬ ‫ةل‬ ‫دادا للنعم‪ ,‬وأذي‬ ‫ه‪ ,‬وتع‬ ‫ا منهم علي‬
‫ون المنف‬ ‫ه من‬
‫‪.‬فال يتبع‬ ‫ق علي‬
‫‪.‬فهؤالء " لَهُ ْم َأجْ ُرهُ ْم ِع ْن َد َربِّ ِه ْم " بحسب ما يعلمه منه‪ ,‬وبحسب نفقاتهم ونفعها‪ ,‬وبفضله الذي ال تناله‪ ,‬وال تص ل إلي ه‪ :‬ص دقاتهم‬
‫ف َعلَ ْي ِه ْم َواَل هُ ْم يَحْ َزنُونَ " فنفى عنهم المكروه الماضي‪ ,‬بنفي الحزن‪ ,‬والمستقبل بنفي الخ وف عليهم‪ ,‬فق د حص ل لهم "‬
‫َواَل خَ وْ ٌ‬
‫‪.‬المحبوب‪ ,‬واندفع عنهم المكروه‬

‫قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعه ا أذى وهللا غ ني "‬


‫" حليم‬
‫‪.‬ذك ر هللا أرب ع م راتب لإلحس ان‪ :‬المرتب ة العلي ا‪ ,‬النفق ة الص ادرة عن ني ة ص الحة‪ ,‬ولم يتبعه ا المنف ق من ا وال أذى‬
‫ثم يليها‪ ,‬قول المعروف وهو‪ :‬اإلحسان القولي بجميع وجوهه‪ ,‬الذي فيه سرور المسلم‪ ,‬واالعت ذار من الس ائل إذا لم يواف ق عن ده‬
‫روف‬ ‫وال المع‬ ‫ك من أق‬ ‫ير ذل‬ ‫يئا‪ ,‬وغ‬ ‫‪.‬ش‬
‫ول أو فعل‬ ‫ك‪ ,‬بق‬ ‫اء إلي‬ ‫رة‪ ,‬عمن أس‬ ‫العفو والمغف‬ ‫ان ب‬ ‫ة‪ :‬اإلحس‬ ‫‪.‬والثالث‬
‫‪.‬وه ذان أفض ل من الرابع ة‪ ,‬وخ ير منه ا‪ ,‬وهي ال تي يتبعه ا المتص دق األذى للمعطي‪ ,‬ألن ه ك در إحس انه وفع ل خ يرا وش را‬
‫فالخير المحض ‪ -‬وإن كان مفضوال ‪ -‬خير من الخير الذي يخالطه شر‪ ,‬وإن ك ان فاض ال‪ ,‬وفي ه ذا‪ ,‬التح ذير العظيم لمن ي ؤذي‬
‫ق والجهل‬ ‫ؤم والحم‬ ‫ل الل‬ ‫ه أه‬ ‫ا يفعل‬ ‫ه‪ ,‬كم‬ ‫دق علي‬ ‫‪.‬من تص‬
‫"‬ ‫اده‬ ‫ع عب‬ ‫دقاتهم‪ ,‬وعن جمي‬ ‫الى " َغنِ ٌّي " عن ص‬ ‫‪َ .‬وهَّللا ُ " تع‬
‫"‬ ‫اجلهم بالعقوبة‬ ‫ين‪ ,‬وال يع‬ ‫اه‪ ,‬يحلم عن العاص‬ ‫عة عطاي‬ ‫اه‪ ,‬وس‬ ‫ال غن‬ ‫ع كم‬ ‫‪.‬حلِي ٌم " م‬
‫َ‬
‫‪.‬بل يعافيهم‪ ,‬ويرزقهم‪ ,‬ويدر عليهم خيره‪ ,‬وهم مبارزون له بالمعاصي‬

‫يا أيها الذين آمنوا ال تبطلوا ص دقاتكم ب المن واألذى كال ذي "‬
‫ينفق ماله رئاء الناس وال يؤمن باهلل واليوم اآلخر فمثله كمث ل‬
‫صفوان عليه تراب فأصابه وابل فترك ه ص لدا ال يق درون على‬
‫" شيء مما كسبوا وهللا ال يهدي القوم الكافرين‬
‫ص َدقَاتِ ُك ْم بِ ْال َمنِّ َواَأْل َذى‬
‫‪ " .‬ثم نهى أش د النهي‪ ,‬عن المن واألذى‪ ,‬وض رب ل ذلك مثال فق ال‪ " :‬يَ ا َأيُّهَ ا الَّ ِذينَ آ َمنُ وا اَل تُ ْب ِطلُ وا َ‬
‫‪.‬اآلي ة ض رب هللا في ه ذه اآلي ات‪ ,‬ثالث ة أمثل ة‪ :‬للمنف ق ابتغ اء وجه ه‪ ,‬ولم يتب ع نفقت ه من ا وال أذى‬
‫‪.‬ولمن أتبعها منا وأذى‪ ,‬وللمرائي‬

‫ومثل الذين ينفقون أم والهم ابتغ اء مرض اة هللا وتثبيت ا من "‬


‫أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكله ا ض عفين ف إن‬
‫" لم يصبها وابل فطل وهللا بما تعملون بصير‬
‫ضا ِة هَّللا ِ َوت َْثبِيتًا ِم ْن َأ ْنفُ ِس ِه ْم "‬
‫فأما األول‪ ,‬فإنه لما كانت نفقته مقبولة مضاعفة‪ ,‬لصدورها عن اإليمان واإلخالص التام " ا ْبتِغَا َء َمرْ َ‬
‫أي‪ :‬ينفقون‪ ,‬وهم ثابتون على وجه السماحة والصدق فمث ل ه ذا العم ل " َك َمثَ ِل َجنَّ ٍة بِ َر ْب َو ٍة " وه و المك ان المرتف ع‪ ,‬ألن ه يت بين‬
‫ا غزير‬ ‫اء فيه‬ ‫مس‪ ,‬والم‬ ‫اح والش‬ ‫‪.‬للري‬
‫فإن لم يصبها ذلك الوابل الغزير‪ ,‬حصل ط ل ك اف‪ ,‬لطيب منبته ا‪ ,‬وحس ن أرض ها‪ ,‬وحص ول جمي ع األس باب الم وفرة لنموه ا‬
‫ا وإثمارها‬ ‫‪.‬وازدهاره‬
‫اعفا‬ ‫ْعفَ ْي ِن " أي متض‬ ‫ض‬‫ا ِ‬ ‫َت ُأ ُكلَهَ‬
‫آت ْ‬ ‫ذا " فَ‬ ‫‪.‬وله‬
‫‪.‬وهذه الجنة التي على هذا الوصف‪ ,‬هي أعلى ما يطلبه الناس‪ ,‬فهذا العمل الفاضل بأعلى المنازل‬

‫أيود أحدكم أن تكون ل ه جن ة من نخي ل وأعن اب تج ري من "‬


‫تحتها األنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الك بر ول ه ذري ة‬
‫ضعفاء فأصابها إعصار في ه ن ار ف احترقت ك ذلك ي بين هللا لكم‬
‫" اآليات لعلكم تتفكرون‬
‫وأما من أنفق هلل‪ ,‬ثم أتبع نفقته منا وأذى‪ ,‬أو عمل عمال‪ ,‬فأتى بمبطل لذلك العمل‪ ,‬فهذا مثله مث ال ص احب ه ذه الجن ة‪ ,‬لكن س لط‬
‫ت " ول ه ذري ة ض عفاء‪ ,‬وه و ض عيف ق د أص ابه الك بر‬ ‫ص ا ٌر " وه و ال ريح الش ديدة " فِي ِه نَ ا ٌر فَ احْ ت ََرقَ ْ‬
‫‪.‬عليه ا " ِإ ْع َ‬
‫فهذه الحال من أفظع األحوال‪ ,‬ولهذا ص در ه ذا المث ل بقول ه‪َ " :‬أيَ َو ُّد َأ َح ُد ُك ْم " إلى آخره ا باالس تفهام المتق رر عن د المخ اطبين‬
‫‪.‬فظاعته‬
‫برى‬ ‫يبة ك‬ ‫ا‪ ,‬مص‬ ‫اع ثماره‬ ‫جارها‪ ,‬وإين‬ ‫اء أش‬ ‫د زه‬ ‫دة‪ ,‬بع‬ ‫ة واح‬ ‫ا دفع‬ ‫إن تلفه‬ ‫‪.‬ف‬
‫ثم حصول هذه الفاجعة ‪ -‬وصاحبها كبير قد ضعف عن العمل‪ ,‬وله ذري ة ض عفاء‪ ,‬ال مس اعدة منهم ل ه‪ ,‬وم ؤنتهم علي ه ‪ -‬فاجع ة‬
‫أخرى‪ ,‬فصار صاحب هذا المثل‪ ,‬الذي عمل هلل‪ ,‬ثم أبطل عمله بمناف له‪ ,‬يشبه حال صاحب الجنة‪ ,‬التي ج رى عليه ا م ا ج رى‪,‬‬
‫رورته إليها‬ ‫تدت ض‬ ‫‪.‬حين اش‬
‫‪.‬المثل الثالث‪ :‬الذي يرائي الناس‪ ,‬وليس معه إيم ان باهلل‪ ,‬وال احتس اب لثواب ه‪ ,‬حيث ش به قلب ه بالص فوان‪ ,‬وه و‪ :‬الحج ر األملس‬
‫ي الطيبة‬ ‫ا تنبت األراض‬ ‫ر‪ ,‬أنبت كم‬ ‫ابه المط‬ ‫ه إذا أص‬ ‫رائي‪ ,‬أن‬ ‫راب يظن ال‬ ‫هت‬ ‫‪.‬علي‬
‫لدا‬ ‫هص‬ ‫تراب‪ ,‬وترك‬ ‫ه من ال‬ ‫ا علي‬ ‫أذهب م‬ ‫ديد‪ ,‬ف‬ ‫ل الش‬ ‫ابه الواب‬ ‫ذي أص‬ ‫الحجر‪ ,‬ال‬ ‫هك‬ ‫‪.‬ولكن‬
‫اس ال يلين وال يخشع‬ ‫وق‬ ‫له‬ ‫ان‪ ,‬ب‬ ‫ه إيم‬ ‫ذي ليس في‬ ‫رائي‪ ,‬ال‬ ‫ابق لقلب الم‬ ‫ل مط‬ ‫ذا مث‬ ‫‪.‬وه‬
‫‪.‬فه ذا‪ ,‬أعمال ه ونفقات ه‪ ,‬ال أص ل له ا‪ ,‬تؤس س علي ه‪ ,‬وال غاي ة له ا‪ ,‬تنتهي إلي ه‪ ,‬ب ل م ا عمل ه‪ ,‬فه و باط ل‪ ,‬لع دم ش رطه‬
‫انع‬ ‫ود الم‬ ‫رط‪ ,‬لوج‬ ‫ود الش‬ ‫د وج‬ ‫ل بع‬ ‫ه بط‬ ‫ذي قبل‬ ‫‪.‬وال‬
‫‪.‬واألول‪ ,‬مقب ول مض اعف‪ ,‬لوج ود ش رطه ال ذي ه و اإليم ان واإلخالص والثب ات‪ ,‬وانتف اء الموان ع المفس دة‬
‫املين‬ ‫ع الع‬ ‫ق على جمي‬ ‫ة‪ ,‬تنطب‬ ‫ال الثالث‬ ‫ذه األمث‬ ‫‪.‬وه‬
‫ال المطابقة‬ ‫ة‪ ,‬واألمث‬ ‫وازين العادل‬ ‫ذه الم‬ ‫يره‪ ,‬به‬ ‫ه وغ‬ ‫د نفس‬ ‫يزن العب‬ ‫‪.‬فل‬
‫اس َو َما يَ ْعقِلُهَا ِإاَّل ْال َعالِ ُمونَ "‬
‫‪َ " .‬وتِ ْلكَ اَأْل ْمثَا ُل نَضْ ِربُهَا لِلنَّ ِ‬
‫يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا "‬
‫لكم من األرض وال تيمموا الخبيث منه تنفق ون ولس تم بآخذي ه‬
‫" إال أن تغمضوا فيه واعلموا أن هللا غني حميد‬
‫‪.‬يحث الب اري عب اده‪ ,‬على اإلنف اق مم ا كس بوا‪ ,‬في التج ارات‪ ,‬ومم ا أخ رج لهم من األرض‪ ,‬من الحب وب والثم ار‬
‫‪.‬وه ذا يش مل زك اة النق دين‪ ,‬والع روض كله ا‪ ,‬المع دة لل بيع والش راء‪ ,‬والخ ارج من األرض‪ ,‬من الحب وب والثم ار‬
‫رض والنفل‬ ‫ا‪ ,‬الف‬ ‫دخل في عمومه‬ ‫‪.‬وي‬
‫ه هلل‬ ‫دون‪ ,‬يجعلون‬ ‫رديء ال‬ ‫و ال‬ ‫بيث‪ ,‬وه‬ ‫دوا الخ‬ ‫ا‪ ,‬وال يقص‬ ‫دوا الطيب منه‬ ‫الى أن يقص‬ ‫ر تع‬ ‫‪.‬وأم‬
‫اض‬ ‫اة واإلغم‬ ‫ه المغاض‬ ‫وه‪ ,‬إال على وج‬ ‫وه‪ ,‬ولم يقبل‬ ‫ه‪ ,‬لم يرتض‬ ‫ق علي‬ ‫ه لهم من لهم ح‬ ‫و بذل‬ ‫‪.‬ول‬
‫فالواجب‪ ,‬إخراج الوسط من هذه األشياء‪ ,‬والكمال‪ :‬إخراج العالي‪ ,‬والممنوع إخراج الرديء فإن هذا ال يج زئ عن ال واجب‪ ,‬وال‬
‫دوب‬ ‫ام في المن‬ ‫واب الت‬ ‫ه الث‬ ‫ل في‬ ‫‪.‬يحص‬
‫‪َ .‬وا ْعلَ ُم وا َأ َّن هَّللا َ َغنِ ٌّي َح ِمي ٌد " فه و غ ني عن جمي ع المخل وقين‪ ,‬وه و الغ ني عن نفق ات المنفقين‪ ,‬وعن طاع ات الط ائعين "‬
‫ه عليهم‬ ‫له وكرم‬ ‫ا‪ ,‬لنفعهم‪ ,‬ومحض فض‬ ‫ا‪ ,‬وحثهم عليه‬ ‫رهم به‬ ‫ا أم‬ ‫‪.‬وإنم‬
‫‪.‬وم ع كم ال غن اه‪ ,‬وس عة عطاي اه‪ ,‬فه و الحمي د فيم ا يش رعه لعب اده من األحك ام‪ ,‬الموص لة لهم إلى دار الس الم‬
‫دل والحكمة‬ ‫ل‪ ,‬والع‬ ‫رج عن الفض‬ ‫تي ال تخ‬ ‫ه‪ ,‬ال‬ ‫د في أفعال‬ ‫‪.‬وحمي‬
‫‪.‬وحميد األوصاف‪ ,‬ألن أوصافه كلها محاسن وكماالت‪ ,‬ال يبلغ العباد كنهها‪ ,‬وال يدركون وصفها‬

‫الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحش اء وهللا يع دكم مغف رة "‬


‫" منه وفضال وهللا واسع عليم‬
‫فلما حثهم على اإلنفاق النافع‪ ,‬ونهاهم عن اإلمساك الضار‪ ,‬بين لهم أنهم بين داعيين‪ :‬داعي الرحمن‪ ,‬يدعوهم إلى الخير‪ ,‬ويع دهم‬
‫وا‬ ‫ا أنفق‬ ‫ل‪ ,‬وإخالف م‬ ‫ل واآلج‬ ‫واب العاج‬ ‫ل والث‬ ‫ير‪ ,‬والفض‬ ‫ه الخ‬ ‫‪.‬علي‬
‫روا‬ ‫وا أن يفتق‬ ‫وفهم‪ ,‬إن أنفق‬ ‫اك ويخ‬ ‫ذي يحثهم على اإلمس‬ ‫يطان‪ ,‬ال‬ ‫‪.‬وداعي الش‬
‫‪.‬فمن ك ان مجيب ا ل داعي ال رحمن‪ ,‬وأنف ق مم ا رزق ه هللا‪ ,‬فليبش ر بمغف رة ال ذنوب‪ ,‬وحص ول ك ل مطل وب‬
‫عير‬ ‫حاب الس‬ ‫وا من أص‬ ‫ه‪ ,‬ليكون‬ ‫دعو حزب‬ ‫اي‬ ‫ه إنم‬ ‫يطان‪ ,‬فإن‬ ‫داعي الش‬ ‫ال‬ ‫ان مجيب‬ ‫‪.‬ومن ك‬
‫ق به‬ ‫رين ألي‬ ‫د أي األم‬ ‫تر العب‬ ‫‪.‬فليخ‬
‫وختم اآلية بأنه " َوا ِس ٌع َعلِي ٌم " أي واسع الص فات كث ير الهب ات عليم بمن يس تحق المض اعفة من الع املين وعليم بمن ه و أه ل‬
‫‪.‬فيوفقه لفعل الخيرات وترك المنكرات‬

‫يؤتي الحكمة من يش اء ومن ي ؤت الحكم ة فق د أوتي خ يرا "‬


‫" كثيرا وما يذكر إال أولو األلباب‬
‫لما ذكر أحوال المنفقين لألموال‪ ,‬وأن هللا أعطاهم‪ ,‬ومن عليهم باألموال التي يدركون به ا النفق ات في الط رق الخيري ة‪ ,‬وين الون‬
‫‪.‬بها المقامات السنية‪ ,‬ذك ر م ا ه و أفض ل من ذل ك‪ ,‬وه و أن ه يعطي الحكم ة من يش اء من عب اده‪ ,‬ومن أراد بهم خ يرا من خلقه‬
‫‪.‬والحكمة هي‪ :‬العلوم النافعة‪ ,‬والمعارف الصائبة‪ ,‬والعقول المسددة‪ ,‬واأللباب الرزين ة‪ ,‬وإص ابة الص واب في األق وال واألفع ال‬
‫وهذا أفضل العطايا‪ ,‬وأجل الهبات‪ ,‬ولهذا قال‪َ " :‬و َم ْن يُْؤ تَ ْال ِح ْك َمةَ فَقَ ْد ُأوتِ َي َخ ْي رًا َكثِ يرًا " ألن ه خ رج من ظلم ة الجه االت إلى‬
‫نور الهدى‪ ,‬ومن حمق االنحراف في األقوال واألفعال‪ ,‬إلى إصابة الصواب فيها‪ ,‬وحصول السداد‪ ,‬وألنه كمل نفس ه به ذا الخ ير‬
‫اهم‬ ‫ع‪ ,‬في دينهم ودني‬ ‫ق أعظم نف‬ ‫ع الخل‬ ‫تعد لنف‬ ‫‪.‬العظيم‪ ,‬واس‬
‫عها‬ ‫ياء في مواض‬ ‫ع األش‬ ‫تي هي‪ :‬وض‬ ‫ة‪ ,‬ال‬ ‫لح إال بالحكم‬ ‫ور ال تص‬ ‫ع األم‬ ‫‪.‬وجمي‬
‫ام‬ ‫ع اإلحج‬ ‫ام في موض‬ ‫دام واإلحج‬ ‫ل اإلق‬ ‫دام في مح‬ ‫ا‪ ,‬واإلق‬ ‫ور منازله‬ ‫ل األم‬ ‫‪.‬وتنزي‬
‫يم‬ ‫اء الجس‬ ‫ذا العط‬ ‫در ه‬ ‫رف ق‬ ‫ا يع‬ ‫ر العظيم‪ ,‬وم‬ ‫ذا األم‬ ‫ذكر ه‬
‫‪.‬ولكن م‬ ‫ا يت‬
‫‪ِ.‬إاَّل ُأولُ و اَأْل ْلبَ ا ِ‬
‫ب " وهم‪ :‬أه ل العق ول الوافي ة‪ ,‬واألحالم الكامل ة‪ ,‬فهم ال ذين يعرف ون الن افع فيعملون ه‪ ,‬والض ار فيتركونه "‬
‫وهذان األمران‪ ,‬وهما بذل النفقات المالية‪ ,‬وبذل‪ ,‬الحكمة العلمية‪ ,‬أفضل ما تقرب به المتقربون إلى هللا‪ ,‬وأعلى ما وصلوا ب ه إلى‬
‫ات‬ ‫ل الكرام‬ ‫‪.‬أج‬
‫وهما اللذان ذكرهما النبي صلى هللا عليه وسلم بقوله " ال حسد إال في اثن تين‪ :‬رج ل آت اه هللا م اال فس لطه على هلكت ه في الح ق‪,‬‬
‫‪ " .‬ورجل آتاه هللا الحكمه فهو يعلمها الناس‬

‫وم ا أنفقتم من نفق ة أو ن ذرتم من ن ذر ف إن هللا يعلم ه وم ا "‬


‫" للظالمين من أنصار‬
‫‪.‬يخ بر تع الى‪ ,‬أن ه مهم ا أنف ق المنفق ون أو تص دق المتص دقون‪ ,‬أو ن ذر الن اذرون‪ ,‬ف إن هللا يعلم ذلك‬
‫ال ذرة‬ ‫ده مثق‬ ‫يع عن‬ ‫زاء‪ ,‬وأن هللا ال يض‬ ‫دل على الج‬ ‫ه‪ ,‬ي‬ ‫ار بعلم‬ ‫مون اإلخب‬ ‫‪.‬ومض‬
‫يئة‬ ‫الحة‪ ,‬أو س‬ ‫ات ص‬ ‫ه‪ ,‬من ني‬ ‫درت عن‬ ‫اص‬ ‫‪.‬ويعلم م‬
‫‪.‬وأن الظالمين الذين يمنع ون م ا أوجب هللا عليهم‪ ,‬أو يقتحم ون م ا ح رم عليهم‪ ,‬ليس من دونهم أنص ار‪ ,‬ينص رونهم ويمنع ونهم‬
‫‪.‬وأنه ال بد أن تقع بهم العقوبات‬

‫إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوه ا الفق راء "‬
‫" فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم وهللا بما تعملون خبير‬
‫ان أفضل‬ ‫ير‪ ,‬ك‬ ‫لمها للفق‬ ‫ا‪ ,‬وس‬ ‫ير‪ ,‬وإن أخفاه‬ ‫دق‪ ,‬فهي خ‬ ‫داها المتص‬ ‫دقة‪ ,‬إن أب‬ ‫بر أن الص‬ ‫‪.‬وأخ‬
‫ان آخر‬ ‫ير‪ ,‬إحس‬ ‫اء على الفق‬ ‫‪.‬ألن اإلخف‬
‫وة اإلخالص‬ ‫دل على ق‬ ‫هي‬ ‫ا‪ ,‬فإن‬ ‫‪.‬وأيض‬
‫‪ " .‬وأح د الس بعة ال ذين يظلهم هللا في ظل ه " من تص دق بص دقة فأخفاه ا‪ ,‬ح تى ال تعلم ش ماله م ا تنف ق يمينه‬
‫دة لطيفة‬ ‫ٌر لَ ُك ْم " فائ‬ ‫َو َخ ْي‬ ‫َرا َء فَهُ‬ ‫ا ْالفُقَ‬ ‫ا َوتُْؤ تُوهَ‬ ‫ه‪َ " :‬وِإ ْن تُ ْخفُوهَ‬ ‫‪.‬وفي قول‬
‫ير‬ ‫ا‪ ,‬إذا أعطيت الفق‬ ‫ير من إظهاره‬ ‫اخ‬ ‫و أن إخفاءه‬ ‫‪.‬وه‬
‫فأما إذا صرفت في مشروع خ يري‪ ,‬لم يكن في اآلي ة‪ ,‬م ا ي دل على فض يلة إخفائه ا‪ ,‬ب ل هن ا قواع د الش رع‪ ,‬ت دل على مراع اة‬
‫لحة‬ ‫‪.‬المص‬
‫ير‬ ‫ال الخ‬ ‫وس على أعم‬ ‫يط النف‬ ‫داء‪ ,‬وتنش‬ ‫وة واالقت‬ ‫ول األس‬ ‫يرا‪ ,‬لحص‬ ‫ار خ‬ ‫ان اإلظه‬ ‫اك‬ ‫‪.‬فربم‬
‫ران‬ ‫ا األم‬ ‫ع فيه‬ ‫دقات يجتم‬ ‫ذا‪ :‬أن الص‬ ‫يَِّئاتِ ُك ْم " في ه‬ ‫ه‪َ " :‬ويُ َكفِّ ُر َع ْن ُك ْم ِم ْن َس‬ ‫‪.‬وقول‬
‫واب واألجر‬ ‫نات والث‬ ‫ثرة الحس‬ ‫و‪ :‬ك‬ ‫ير‪ ,‬وه‬ ‫ول الخ‬ ‫‪.‬حص‬
‫يئات‬ ‫ير الس‬ ‫روي‪ ,‬بتكف‬ ‫دنيوي واألخ‬ ‫ر والبالء ال‬ ‫ع الش‬ ‫‪.‬ودف‬
‫‪َ .‬وهَّللا ُ بِ َما تَ ْع َملُونَ َخبِي ٌر " فيجازي كال بعمله‪ ,‬بحسب حكمته "‬

‫ليس عليك هداهم ولكن هللا يهدي من يشاء وم ا تنفق وا من "‬


‫خير فألنفسكم وما تنفق ون إال ابتغ اء وج ه هللا وم ا تنفق وا من‬
‫" خير يوف إليكم وأنتم ال تظلمون‬
‫أي‪ :‬إنما عليك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬البالغ‪ ,‬وحث الناس على الخير‪ ,‬وزج رهم عن الش ر‪ ,‬وأم ا الهداي ة‪ ,‬فبي د هللا تع الى‪ :‬ويخ بر عن‬
‫‪.‬المؤم نين حق ا‪ ,‬أنهم ال ينفق ون إال لطلب مرض اة ربهم‪ ,‬واحتس اب ثواب ه‪ ,‬ألن إيم انهم‪ ,‬ي دعوهم إلى ذلك‬
‫اإلخالص‬ ‫ذكير لهم‪ ,‬ب‬ ‫من الت‬ ‫نين‪ ,‬ويتض‬ ‫ة للمؤم‬ ‫ير وتزكي‬ ‫ذا خ‬ ‫‪.‬فه‬
‫وكرر علمه ‪ -‬تعالى ‪ -‬بنفقاتهم‪ ,‬إلعالمهم أنه ال يضيع عنده‪ ,‬مثقال ذرة " وإن تك حسنة يض اعفها وي ؤت من لدن ه أج را عظيما‬
‫‪".‬‬

‫للفقراء الذين أحصروا في سبيل هللا ال يستطيعون ضربا في "‬


‫األرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بس يماهم ال‬
‫" يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن هللا به عليم‬
‫يعني أنه ينبغي أن تتحروا بصدقاتكم الفقراء‪ ,‬الذين حبسوا أنفسهم في سبيل هللا‪ ,‬وعلى طاعته‪ ,‬وليس لهم إرادة في االكتس اب‪ ,‬أو‬
‫ون‬ ‫ه‪ ,‬وهم يتعفف‬ ‫درة علي‬ ‫‪.‬ليس لهم ق‬
‫اس ِإ ْل َحافًا‬
‫َألُونَ النَّ َ‬ ‫اء " اَل يَ ْس‬ ‫ل ظن أنهم أغني‬ ‫" إذا رآهم الجاه‬ ‫‪.‬‬
‫ؤال‬ ‫وا في الس‬ ‫طرارا‪ ,‬لم يلحف‬ ‫ألوا اض‬ ‫ة‪ ,‬وإن س‬ ‫ألون بالكلي‬ ‫‪.‬فهم ال يس‬
‫فهذا الصنف من الفقراء‪ ,‬أفضل ما وضعت فيهم النفقات‪ ,‬ل دفع ح اجتهم‪ ,‬وإعان ة لهم على مقص دهم وطري ق الخ ير‪ ,‬وش كرا لهم‬
‫‪.‬على ما اتصفوا به‪ ,‬من الصبر‪ ,‬والنظر إلى الخالق‪ ,‬ال إلى الخلق‬

‫ال ذين ينفق ون أم والهم باللي ل والنه ار س را وعالني ة فلهم "‬


‫" أجرهم عند ربهم وال خوف عليهم وال هم يحزنون‬
‫ومع ذلك‪ ,‬فاإلنفاق في طرق اإلحسان وعلى المحاويج حيثما كانوا‪ ,‬فإنه خير وأج ر‪ ,‬وث واب عن د هللا وله ذا ق ال تع الى‪ " :‬الَّ ِذينَ‬
‫ةً " اآلية‬ ‫ًّرا َو َعاَل نِيَ‬ ‫ار ِس‬
‫ِ‬ ‫ِل َوالنَّهَ‬ ‫َوالَهُ ْم بِاللَّ ْي‬ ‫ونَ َأ ْم‬ ‫‪.‬يُ ْنفِقُ‬
‫"‬ ‫ةً " اآلية‬ ‫ًّرا َو َعاَل نِيَ‬ ‫ار ِس‬
‫ِ‬ ‫ِل َوالنَّهَ‬ ‫َوالَهُ ْم بِاللَّ ْي‬ ‫ونَ َأ ْم‬ ‫‪.‬الَّ ِذينَ يُ ْنفِقُ‬
‫‪.‬ف إن هللا يظلهم بظل ه ي وم ال ظ ل إال ظل ه‪ ,‬وإن هللا ي نيلهم الخ يرات وي دفع عنهم األح زان والمخ اوف والكريه ات‬
‫ب حاله‬ ‫د منهم بحس‬ ‫ل أح‬ ‫َد َربِّ ِه ْم " أي ك‬ ‫ُرهُ ْم ِع ْن‬ ‫ه‪ " :‬فَلَهُ ْم َأجْ‬ ‫‪.‬وقول‬
‫‪.‬وتخص يص ذل ك‪ ,‬بأن ه عن د ربهم‪ ,‬ي دل على ش رف ه ذه الح ال‪ ,‬ووقوعه ا في الموق ع األك بر‪ ,‬كم ا في الح ديث الص حيح‬
‫إن العبد ليتصدق بالتمرة من كسب طيب فيتقبلها الجبار بيده فيربيها ألح دكم كم ا ي ربي أح دكم فل وه ح تى تك ون مث ل الجب ل "‬
‫" العظيم‬

‫الذين ي أكلون الرب ا ال يقوم ون إال كم ا يق وم ال ذي يتخبط ه "‬


‫الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مث ل الرب ا وأح ل‬
‫هللا البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله م ا‬
‫سلف وأم ره إلى هللا ومن ع اد فأولئ ك أص حاب الن ار هم فيه ا‬
‫" خالدون‬
‫لما ذك ر هللا حال ة المنفقين وم ا لهم من هللا‪ ,‬من الخ يرات‪ ,‬وم ا يكف ر عنهم‪ ,‬من ال ذنوب والخطيئات‪ ,‬ذك ر الظ المين أه ل الرب ا‬
‫الهم‬ ‫ب أعم‬ ‫ازون بحس‬ ‫بر أنهم يج‬ ‫ة‪ ,‬وأخ‬ ‫امالت الخبيث‬ ‫‪.‬والمع‬
‫فكما كانوا في الدنيا في طلب المكاسب الخبيثة كالمج انين‪ ,‬عوقب وا في ال برزخ والقيام ة‪ ,‬ب أنهم ال يقوم ون من قب ورهم‪ ,‬أو ي وم‬
‫رع‬ ‫ون والص‬ ‫ْيطَانُ ِمنَ ْال َمسِّ " أي‪ :‬من الجن‬ ‫هُ َّ‬
‫الش‬ ‫و ُم الَّ ِذي يَتَ َخبَّطُ‬ ‫ا يَقُ‬ ‫ورهم " ِإاَّل َك َم‬ ‫‪.‬بعثهم ونش‬
‫‪ " .‬وذل ك عقوب ة‪ ,‬وخ زي وفض يحة لهم‪ ,‬وج زاء لهم على مراب اتهم ومج اهرتهم بق ولهم " ِإنَّ َم ا ْالبَ ْي ُع ِم ْث ُل الرِّ بَا‬
‫ذلك‪ ,‬الربا‬ ‫تباحوا ب‬ ‫رم هللا‪ ,‬واس‬ ‫اح‬ ‫ل هللا‪ ,‬وبين م‬ ‫ا أح‬ ‫راءتهم ‪ -‬بين م‬ ‫وا ‪ -‬بج‬ ‫‪.‬فجمع‬
‫‪.‬ثم ع رض تع الى‪ ,‬العقوب ة على الم رابين وغ يرهم فق ال‪ " :‬فَ َم ْن َج ا َءهُ َموْ ِعظَ ةٌ ِم ْن َربِّ ِه " بي ان مق رون ب ه الوع د والوعيد‬
‫"‬ ‫اب منه‬ ‫ه وت‬ ‫رأ علي‬ ‫ا تج‬ ‫لَفَ " مم‬ ‫ا َس‬ ‫هُ َم‬ ‫ا " فَلَ‬ ‫اه من الرب‬ ‫ان يتعاط‬ ‫اك‬ ‫ا ْنتَهَى " عم‬ ‫‪.‬فَ‬
‫"‬ ‫تقبل من زمانه‬ ‫ا يس‬ ‫ُرهُ ِإلَى هَّللا ِ " فيم‬ ‫‪َ .‬وَأ ْم‬
‫نين‬ ‫ر المحس‬ ‫يع أج‬ ‫ه‪ ,‬فاهلل ال يض‬ ‫تمر على توبت‬ ‫إن اس‬ ‫‪.‬ف‬
‫َو َم ْن عَا َد " بعد بيان هللا وتذكيره وتوعده ألكل الربا " فَُأولَِئ َ‬
‫ك َأصْ َحابُ النَّ ِ‬
‫ار هُ ْم فِيهَا خَالِ ُدونَ " في هذا أن الربا موجب لدخول "‬
‫ان‬ ‫انع اإليم‬ ‫ود م‬ ‫ع من الخل‬ ‫ا لم يمن‬ ‫ناعته‪ ,‬م‬ ‫ك لش‬ ‫ا‪ ,‬وذل‬ ‫ود فيه‬ ‫ار والخل‬ ‫‪.‬الن‬
‫اء موانعها‬ ‫روطها‪ ,‬وانتف‬ ‫ود ش‬ ‫ف على وج‬ ‫تي تتوق‬ ‫ام‪ ,‬ال‬ ‫ة األحك‬ ‫ذا من جمل‬ ‫‪.‬وه‬
‫ات الوعيد‬ ‫ا من آي‬ ‫وارج‪ ,‬كغيره‬ ‫ة للخ‬ ‫ا حج‬ ‫‪.‬وليس فيه‬
‫نة‬ ‫اب والس‬ ‫وص الكت‬ ‫ع نص‬ ‫دق جمي‬ ‫الواجب أن تص‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪.‬في ؤمن العب د‪ ,‬بم ا ت واترت ب ه النص وص‪ ,‬من خ روج من في قلب ه أدنى مثق ال حب ة خ ردل من اإليم ان‪ ,‬من الن ار‬
‫‪.‬ومن استحقاق هذه الموبقات لدخول النار‪ ,‬إن لم يتب منها‬
‫" يمحق هللا الربا ويربي الصدقات وهللا ال يحب كل كفار أثيم "‬
‫ثم أخبر تعالى‪ ,‬أنه يمحق مكاسب المرابين‪ ,‬ويربي صدقات المنفقين‪ ,‬عكس ما يتبادر ألذهان كثير من الخل ق‪ ,‬أن اإلنف اق ينقص‬
‫الى‬ ‫ه‪ ,‬من هللا تع‬ ‫ول ثمرات‬ ‫رزق وحص‬ ‫ادة ال‬ ‫إن م‬ ‫ده‪ ,‬ف‬ ‫ا يزي‬ ‫ال وأن الرب‬ ‫‪.‬الم‬
‫ره‬ ‫ال أم‬ ‫ه‪ ,‬وامتث‬ ‫ال إال بطاعت‬ ‫د هللا‪ ,‬ال ين‬ ‫ا عن‬ ‫‪.‬وم‬
‫دق من هللا قيال‬ ‫ة و " من أص‬ ‫اهد بالتجرب‬ ‫ذا مش‬ ‫وده‪ ,‬وه‬ ‫ه بنقيض مقص‬
‫‪ " .‬ف المتجرئ على الرب‬ ‫ا‪ ,‬يعاقب‬
‫ار َأثِ ٍيم " وه و ال ذي كف ر نعم ة هللا‪ ,‬وجح د من ة رب ه‪ ,‬وأثم بإص راره على معاص يه "‬
‫‪َ .‬وهَّللا ُ اَل يُ ِحبُّ ُك َّل َكفَّ ٍ‬
‫ومفهوم اآلية‪ ,‬أن هللا يحب من كان شكورا على النعماء‪ ,‬تائبا من المآثم والذنوب‬

‫إن الذين آمن وا وعمل وا الص الحات وأق اموا الص الة وآت وا "‬
‫الزكاة لهم أجرهم عن د ربهم وال خ وف عليهم وال هم يحزن ون‬
‫"‬
‫ت َوَأقَا ُموا ال َّ‬
‫صاَل ةَ َوآتَ ُوا ال َّز َكاةَ " اآلي ة‪ ,‬لبي ان أن‬ ‫ثم أدخل هذه اآلية بين آيات الربا‪ ,‬وهي قوله‪ِ " :‬إ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُوا َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ‬
‫ان وحقوقه‬ ‫ل اإليم‬ ‫ة‪ ,‬تكمي‬ ‫ب الربوي‬ ‫رم هللا من المكاس‬ ‫اح‬ ‫اب م‬ ‫باب الجتن‬ ‫بر األس‬ ‫‪.‬أك‬
‫اء والمنكر‬ ‫الة تنهى عن الفحش‬ ‫إن الص‬ ‫اة‪ ,‬ف‬ ‫اء الزك‬ ‫الة‪ ,‬وإيت‬ ‫ة الص‬ ‫ا‪ ,‬إقام‬ ‫‪.‬خصوص‬
‫‪.‬وإن الزكاة إحسان إلى الخلق‪ ,‬ينافي تعاطي الربا‪ ,‬الذي هو ظلم لهم‪ ,‬وإساءة عليهم‬

‫يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وذروا ما بقي من الرب ا إن كنتم "‬
‫" مؤمنين‬
‫وه‬ ‫رهم أن يتق‬ ‫نين‪ ,‬وأم‬ ‫اب للمؤم‬ ‫ه الخط‬ ‫‪.‬ثم وج‬
‫‪.‬وي ذروا م ا بقي من مع امالت الرب ا‪ ,‬ال تي ك انوا يتعاطونه ا قب ل ذل ك وأنهم إن لم يفعل وا ذل ك‪ ,‬ف إنهم مح اربون هلل ورس وله‬
‫‪.‬وهذا من أعظم ما يدل على شناعة الربا‪ ,‬حيث جعل المصر عليه‪ ,‬محاربا هلل ورسوله‬

‫ف إن لم تفعل وا ف أذنوا بح رب من هللا ورس وله وإن تبتم فلكم‬


‫" رءوس أموالكم ال تظلمون وال تظلمون‬
‫امالت الربوية‬ ‫ني من المع‬ ‫ال " َوِإ ْن تُ ْبتُ ْم " يع‬ ‫‪.‬ثم ق‬
‫"‬ ‫والكم‬ ‫كم رءوس أم‬ ‫ا " َواَل تُ ْ‬
‫ظلَ ُم ونَ " ببخس‬ ‫ذ الرب‬ ‫اس بأخ‬ ‫ونَ " الن‬ ‫َوالِ ُك ْم اَل ت ْ‬
‫َظلِ ُم‬ ‫‪.‬فَلَ ُك ْم رُ ُءوسُ َأ ْم‬
‫ور فيه‬ ‫ره منظ‬ ‫لف‪ ,‬وأم‬ ‫اس‬ ‫هم‬ ‫الفة‪ ,‬فل‬ ‫امالت س‬ ‫انت مع‬ ‫إن ك‬ ‫ا‪ ,‬ف‬ ‫اب من الرب‬ ‫ل من ت‬ ‫‪.‬فك‬
‫ر على رأس ماله‬ ‫ه أن يقتص‬ ‫ودة‪ ,‬وجب علي‬ ‫امالت موج‬ ‫انت مع‬ ‫‪.‬وإن ك‬
‫رأ على الربا‬ ‫د تج‬ ‫ادة‪ ,‬فق‬ ‫ذ زي‬ ‫إن أخ‬ ‫‪.‬ف‬
‫وفي هذه اآلية‪ ,‬بي ان لحكم ة تح ريم الرب ا‪ ,‬وأن ه يتض من الظلم للمحت اجين‪ ,‬بأخ ذ الزي ادة‪ ,‬وتض اعف الرب ا عليهم‪ ,‬وه و واجب‬
‫إنظارهم‬

‫وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خ ير لكم "‬
‫" إن كنتم تعلمون‬
‫َر ٍة‬ ‫َرةٌ ِإلَى َمي َْس‬ ‫َر ٍة فَنَ ِظ‬ ‫انَ ُذو ع ْ‬
‫ُس‬ ‫ال‪ " :‬وَِإ ْن َك‬ ‫ذا ق‬ ‫" وله‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬أي‪ :‬وإن ك ان ال ذي علي ه ال دين معس را‪ ,‬ال يق در على الوف اء‪ ,‬وجب على غريم ه‪ ,‬أن ينظ ره إلى ميس رة‬
‫ا عليه‬ ‫وفى م‬ ‫اح‪ ,‬أن ي‬ ‫ق مب‬ ‫أي طري‬ ‫اء ب‬ ‫ه وف‬ ‫لل‬ ‫ه إذا حص‬ ‫و يجب علي‬ ‫‪.‬وه‬
‫وإن تصدق عليه غريمه ‪ -‬بإسقاط الدين كل ه أو بعض ه ‪ -‬فه و خ ير ل ه‪ ,‬ويه ون على العب د‪ ,‬ال تزام األم ور الش رعية‪ ,‬واجتن اب‬
‫‪.‬المع امالت الربوي ة‪ ,‬واإلحس ان إلى المعس رين‪ ,‬علم ه ب أن ل ه يوم ا يرج ع في ه إلى هللا‪ ,‬ويوفي ه عمل ه‪ ,‬وال يظلم ه مثق ال ذرة‬
‫ت َوهُ ْم اَل ي ْ‬
‫ُظلَ ُمونَ‬ ‫‪ " .‬كما ختم هذه اآلية بقوله‪َ " :‬واتَّقُوا يَوْ ًما تُرْ َجعُونَ فِي ِه ِإلَى هَّللا ِ ثُ َّم تُ َوفَّى ُكلُّ نَ ْف ٍ‬
‫س َما َك َسبَ ْ‬

‫يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مس مى ف اكتبوه "‬
‫وليكتب بينكم كاتب بالعدل وال يأب كاتب أن يكتب كما علمه هللا‬
‫فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق هللا رب ه وال يبخس من ه‬
‫" شيئا‬
‫َدي ٍْن " اآلية‬ ‫دَايَ ْنتُ ْم بِ‬ ‫وا ِإ َذا تَ‬ ‫ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‬ ‫ا َأيُّهَ‬ ‫الى " يَ‬ ‫ال تع‬ ‫‪.‬ثم ق‬
‫احتوت هذه اآليات‪ ,‬على إرشاد الباري عب اده في مع امالتهم‪ ,‬إلى حف ظ حق وقهم ب الطرق النافع ة واإلص الحات ال تي ال تق ترح‬
‫يرة‬ ‫د كث‬ ‫ا فوائ‬ ‫إن فيه‬ ‫ا‪ ,‬ف‬ ‫ل منه‬ ‫‪.‬العقالء أعلى وال أكم‬
‫منها‪ :‬جواز المعامالت في الديون‪ ,‬سواء كانت ديون سلم أو شراء مؤجال ثمنه‪ ,‬فكله جائز‪ ,‬ألن هللا أخ بر ب ه عن المؤم نين‪ ,‬وم ا‬
‫‪.‬أخ بر ب ه عن المؤم نين‪ ,‬فإن ه من مقتض يات اإليم ان وق د أق رهم علي ه المل ك ال ديان‬
‫ارات‬ ‫ول اإلج‬ ‫داينات وحل‬ ‫ع الم‬ ‫ل في جمي‬ ‫مية األج‬ ‫وب تس‬ ‫ا‪ :‬وج‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫دخل في الميسر‬ ‫ر‪ ,‬في‬ ‫رر وخط‬ ‫هغ‬ ‫ل‪ ,‬ألن‬ ‫ه ال يح‬ ‫وال‪ ,‬فإن‬ ‫ل مجه‬ ‫ان األج‬ ‫ه إذا ك‬ ‫ا‪ :‬أن‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫ديون‬ ‫ة ال‬ ‫الى‪ ,‬بكتاب‬ ‫ره تع‬ ‫ا‪ :‬أم‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫‪.‬وه ذا األم ر ق د يجب‪ ,‬إذا وجب حف ظ الح ق‪ ,‬كال ذي للعب د علي ه والي ة‪ ,‬وك أموال اليت امى‪ ,‬واألوق اف‪ ,‬وال وكالء‪ ,‬واألمن اء‬
‫‪.‬وق د يق ارب الوج وب‪ ,‬كم ا إذا ك ان الح ق متمحض ا للعب د‪ ,‬فق د يق وى االس تحباب‪ ,‬بحس ب األح وال المقتض ية ل ذلك‬
‫وعلى كل حال‪ ,‬فالكتابة من أعظم ما تحفظ به هذه المعامالت المؤجلة‪ ,‬لكثرة النسيان‪ ,‬ولوقوع المغالطات‪ ,‬ولالحتراز من الخونة‬
‫الى‬ ‫ون هللا تع‬ ‫ذين ال يخش‬ ‫‪.‬ال‬
‫ومنها‪ :‬أمره تعالى للكاتب أن يكتب بين المتع املين بالع دل‪ ,‬فال يمي ل م ع أح دهما لقراب ة وال غيره ا‪ ,‬وال على أح دهما‪ ,‬لع داوة‬
‫‪.‬ونحوها‬
‫ان إليهما‬ ‫ال‪ ,‬ومن اإلحس‬ ‫ل األعم‬ ‫املين من أفض‬ ‫ة بين المتع‬ ‫ا‪ :‬أن الكتاب‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫ذلك‬ ‫ره هللا ب‬ ‫ا أم‬ ‫ا‪ ,‬كم‬ ‫راءة ذممه‬ ‫ا‪ ,‬وب‬ ‫ظ حقوقهم‬ ‫ا حف‬ ‫‪.‬وفيه‬
‫ور‪ ,‬ليحظى بثوابها‬ ‫ذه األم‬ ‫اس‪ ,‬ه‬ ‫اتب بين الن‬ ‫ب الك‬ ‫‪.‬فليحتس‬
‫دل‬ ‫ا بالع‬ ‫دل‪ ,‬معروف‬ ‫ا بالع‬ ‫ون عارف‬ ‫د أن يك‬ ‫اتب ال ب‬ ‫ا‪ :‬أن الك‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫دل‪ ,‬لم يتمكن منه‬ ‫ا بالع‬ ‫ه إذا لم يكن عارف‬ ‫‪.‬ألن‬
‫‪.‬وإذا لم يكن معت برا ع دال عن د الن اس رض يا‪ ,‬لم تكن كتابت ه معت برة‪ ,‬وال حاص ال به ا المقص ود‪ ,‬ال ذي ه و حف ظ الحق وق‬
‫‪.‬ومنه ا‪ :‬أن من تم ام الكتاب ة والع دل فيه ا‪ ,‬أن يحس ن الك اتب اإلنش اء‪ ,‬واأللف اظ المعت برة‪ ,‬في ك ل معامل ة بحس بها‬
‫ار عظيم‬ ‫ام‪ ,‬اعتب‬ ‫ذا المق‬ ‫رف في ه‬ ‫‪.‬وللع‬
‫ومنها‪ :‬أن الكتابة من نعم هللا على العباد‪ ,‬التي ال تستقيم أمورهم الدينية وال الدنيوية إال بها‪ ,‬وأن من علمه هللا الكتابة‪ ,‬فق د تفض ل‬
‫ل عظيم‬ ‫ه بفض‬ ‫‪.‬علي‬
‫ب َك َم ا‬ ‫فمن تمام شكره لنعمة هللا تعالى‪ ,‬أن يقضي بكتابته حاجات العباد‪ ,‬وال يمتنع من الكتابة ولهذا قال‪َ " :‬واَل يَْأ َ‬
‫ب َكاتِبٌ َأ ْن يَ ْكتُ َ‬
‫‪َ " .‬علَّ َمهُ هَّللا ُ‬

‫فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو ال يس تطيع أن "‬


‫يمل هو فليملل ولي ه بالع دل واستش هدوا ش هيدين من رج الكم‬
‫فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء‬
‫" أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما األخرى‬
‫‪.‬ومنه ا‪ :‬أن ال ذي يكتب ه الك اتب‪ ,‬ه و اع تراف من علي ه الح ق‪ ,‬إذا ك ان يحس ن التعب ير عن الح ق ال ذي عليه‬
‫‪.‬فإن كان ال يحسن ذلك ‪ -‬لصغره‪ ,‬أو سفهه‪ ,‬أو جنونه‪ ,‬أو خرسه‪ ,‬أو عدم استطاعته ‪ -‬أملى عنه ولي ه‪ ,‬وق ام ولي ه في ذل ك مقامه‬
‫ومنها‪ :‬أن االعتراف من أعظم الطرق‪ ,‬ال تي تثبت به ا الحق وق‪ ,‬حيث أم ر هللا تع الى أن يكتب الك اتب‪ ,‬م ا أملى علي ه من علي ه‬
‫‪.‬الحق‬
‫وهم‬ ‫فهاء ونح‬ ‫انين‪ ,‬والس‬ ‫غار‪ ,‬والمج‬ ‫رين‪ ,‬من الص‬ ‫ة على القاص‬ ‫وت الوالي‬ ‫ا‪ :‬ثب‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫ة بحقوقه‬ ‫ه المتعلق‬ ‫ع اعترافات‬ ‫ه‪ ,‬في جمي‬ ‫ام مولي‬ ‫وم مق‬ ‫ولي يق‬ ‫ا‪ :‬أن ال‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫ول‬ ‫ك مقب‬ ‫ه في ذل‬ ‫ا; فقول‬ ‫ته فيه‬ ‫ة; وفوض‬ ‫ه في معامل‬ ‫ا‪ :‬أن من أمنت‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫ابهم‬ ‫وب من‬ ‫رين; ين‬ ‫ولي على القاص‬ ‫ان ال‬ ‫ه إذا ك‬ ‫ك; ألن‬ ‫ائب مناب‬ ‫ون‬ ‫‪.‬وه‬
‫‪.‬فال ذي وليت ه باختي ارك; وفوض ت إلي ه األم ر‪ ,‬أولى ب القبول‪ ,‬واعتب ار قول ه وتقديم ه على قول ك; عن د االختالف‬
‫ومنها‪ :‬أنه يجب على الذي عليه الحق ‪ -‬إذا أملى على الكاتب ‪ -‬أن يتقي هللا; وال يبخس الح ق ال ذي علي ه; فال ينقص ه في ق دره;‬
‫وده‬ ‫د من قي‬ ‫روطه; أو قي‬ ‫رط من ش‬ ‫فه‪ ,‬وال في ش‬ ‫‪.‬وال في وص‬
‫‪.‬ب ل علي ه أن يع ترف بك ل م ا علي ه من متعلق ات الح ق; كم ا يجب ذل ك إذا ك ان الح ق على غ يره له‬
‫ين‬ ‫و من المطففين الباخس‬ ‫ك; فه‬ ‫ل ذل‬ ‫‪.‬فمن لم يفع‬
‫ومنها‪ :‬وجوب االعتراف بالحقوق الخفية; وأن ذلك من أعظم خصال التق وى; كم ا أن ت رك االع تراف به ا من ن واقض التق وى‬
‫ها‬ ‫‪.‬ونواقص‬
‫بيع‬ ‫هاد في ال‬ ‫اد إلى اإلش‬ ‫ا‪ :‬اإلرش‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫هادة‬ ‫ة الش‬ ‫ة هي كتاب‬ ‫دم; ألن الكتاب‬ ‫ا تق‬ ‫ة كم‬ ‫ا حكم الكتاب‬ ‫داينات; فحكمه‬ ‫انت في الم‬ ‫إن ك‬ ‫‪.‬ف‬
‫هاد فيه‬ ‫را; فينبغي اإلش‬ ‫ا حاض‬ ‫بيع بيع‬ ‫ان ال‬ ‫‪.‬وإن ك‬
‫قة فيه‬ ‫ول المش‬ ‫ه وحص‬ ‫ة; لكثرت‬ ‫ترك الكتاب‬ ‫هب‬ ‫رج في‬ ‫‪.‬وال ح‬
‫دلين‬ ‫هاد رجلين ع‬ ‫اد إلى إش‬ ‫ا‪ :‬اإلرش‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫ان‬ ‫ل وامرأت‬ ‫ر‪ ,‬فرج‬ ‫ذر‪ ,‬أو تعس‬ ‫إن لم يمكن‪ ,‬أو تع‬ ‫‪.‬ف‬
‫‪.‬وذل ك ش امل لجمي ع المع امالت‪ ,‬بي وع اإلدارة‪ ,‬وبي وع ال ديون وتوابعه ا من الش روط والوث ائق وغيرها‬
‫وإذا قيل‪ :‬قد ثبت أنه صلى هللا عليه وسلم قضى بالشاهد الواحد مع اليمين‪ ,‬واآلية الكريم ة ليس فيه ا إال ش هادة رجلين‪ ,‬أو رج ل‬
‫رأتين‬ ‫‪.‬وام‬
‫وقهم‬ ‫ظ حق‬ ‫اده إلى حف‬ ‫اري عب‬ ‫اد الب‬ ‫ا إرش‬ ‫ة‪ ,‬فيه‬ ‫ة الكريم‬ ‫ل‪ :‬اآلي‬ ‫‪.‬قي‬
‫رق‪ ,‬وأقواها‬ ‫ل الط‬ ‫ا بأكم‬ ‫ذا أتى فيه‬ ‫‪.‬وله‬
‫اهد واليمين‬ ‫لم من الحكم بالش‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫بي ص‬ ‫ره الن‬ ‫ا ذك‬ ‫افي م‬ ‫ا ين‬ ‫ا‪ ,‬م‬ ‫‪.‬وليس فيه‬
‫ام‬ ‫ظ الت‬ ‫تراز والتحف‬ ‫د إلى االح‬ ‫ه العب‬ ‫د في‬ ‫ر‪ ,‬يرش‬ ‫داء األم‬ ‫وق في ابت‬ ‫ظ الحق‬ ‫اب حف‬ ‫‪.‬فب‬
‫ب حالها‬ ‫ات‪ ,‬بحس‬ ‫ات والبين‬ ‫ه إلى المرجح‬ ‫ر في‬ ‫ازعين‪ ,‬ينظ‬ ‫اب الحكم بين المتن‬ ‫‪.‬وب‬
‫وق الدنيوية‬ ‫د‪ ,‬في الحق‬ ‫ل الواح‬ ‫ام الرج‬ ‫ة مق‬ ‫رأتين‪ ,‬قائم‬ ‫هادة الم‬ ‫ا‪ :‬أن ش‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫‪.‬وأم ا في األم ور الديني ة ‪ -‬كالرواي ة والفت وى ‪ -‬ف إن الم رأة في ه‪ ,‬تق وم مق ام الرج ل‪ ,‬والف رق ظ اهر بين الب ابين‬
‫‪.‬ومنها‪ :‬اإلرشاد إلى الحكمة في كون شهادة المرأتين عن شهادة الرجل‪ ,‬وأنه لض عف ذاك رة الم رأة غالب ا‪ ,‬وق وة حافظ ة الرجل‬
‫ومنها‪ :‬أن الشاهد لو نسى شهادته‪ ,‬فذكره الش اهد اآلخ ر‪ ,‬ف ذكر أن ه ال يض ر ذل ك النس يان‪ ,‬إذا زال بالت ذكير لقول ه‪َ " :‬أ ْن ت ِ‬
‫َض َّل‬
‫ِإحْ دَاهُ َما فَتُ َذ ِّك َر ِإحْ دَاهُ َما اُأْل ْخ َرى " وصن ب اب أولى‪ ,‬إذا نس ي الش اهد‪ ,‬ثم ذك ر من دون ت ذكير‪ ,‬ف إن الش هادة م دارها على العلم‬
‫‪.‬واليقين‬
‫ون عن علم ويقين‪ ,‬ال عن شك‬ ‫د أن تك‬ ‫هادة ال ب‬ ‫ا‪ :‬أن الش‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫‪.‬فمتى صار عند الشاهد‪ ,‬ريب في شهادته ‪ -‬ولو غلب على ظنه ‪ -‬لم يحل له أن يشهد إال بما يعلم‬

‫وال يأب الشهداء إذا ما دعوا وال تسأموا أن تكتب وه ص غيرا "‬
‫أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند هللا وأق وم للش هادة وأدنى أال‬
‫" ترتابوا‬
‫ل أو لألداء‬ ‫واء دعي للتحم‬ ‫هادة‪ ,‬س‬ ‫ع‪ ,‬إذا دعي للش‬ ‫ه أن يمتن‬ ‫اهد ليس ل‬ ‫ا‪ :‬أن الش‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫‪.‬وأن القي ام بالش هادة من أفض ل األعم ال الص الحة‪ ,‬كم ا أم ر هللا به ا‪ ,‬وأخ بر عن نفعه ا ومص الحها‬
‫رهما‬ ‫ة‪ ,‬تض‬ ‫دعيا في وقت أو حال‬ ‫أن ي‬ ‫هيد‪ ,‬ب‬ ‫اتب‪ ,‬وال بالش‬ ‫رار بالك‬ ‫ل اإلض‬ ‫ه ال يح‬ ‫ا‪ :‬أن‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫وكما أنه نهى ألهل الحقوق والمتعاملين‪ ,‬وأن يضاروا الشهود والكتاب‪ ,‬فإنه أيضا‪ ,‬نهى للكاتب والشهيد‪ ,‬أن يضار المتع املين أو‬
‫دها‬ ‫‪.‬أح‬
‫‪.‬وفي ه ذا أيض ا أن الش اهد والك اتب ‪ -‬إذا حص ل عليهم ا ض رر في الكتاب ة والش هادة ‪ -‬أن ه يس قط عنهم ا الوج وب‬
‫وفيها التنبيه على أن جميع المحسنين الفاعلين للمعروف‪ ,‬ال يحل إضرارهم‪ ,‬وتحميلهم ما ال يطيقون‪ ,‬فـ " هل جزاء اإلحسان إال‬
‫ان؟‬ ‫" اإلحس‬ ‫‪.‬‬
‫وكذلك على من أحسن وفعل معروفا‪ ,‬أن يتمم إحسانه بترك اإلضرار القولي والفعلي‪ ,‬بمن أوقع به المع روف‪ ,‬ف إن اإلحس ان‪ ,‬ال‬
‫ذلك‬ ‫‪.‬يتم إال ب‬
‫ومنها‪ :‬أنه ال يجوز أخذ األجرة على الكتابة والشهادة‪ ,‬حيث وجبت‪ ,‬ألنه حق أوجبه هللا على الكاتب والشهيد‪ ,‬وألن ه من مض ارة‬
‫املين‬ ‫‪.‬المتع‬
‫ومنها‪ :‬التنبيه على المصالح والفوائد المترتبة على العمل بهذه اإلرشادات الجليلة‪ ,‬وأن فيها حفظ الحقوق والعدل‪ ,‬وقط ع التن ازع‬
‫‪.‬والسالمة من النسيان والذهول ولهذا قال‪َ " :‬ذلِ ُك ْم َأ ْق َسطُ ِع ْن َد هَّللا ِ َوَأ ْق َو ُم لِل َّشهَا َد ِة َوَأ ْدنَى َأاَّل تَرْ تَابُوا " وهذه مصالح ضرورية للعباد‬

‫إال أن تك ون تج ارة حاض رة ت ديرونها بينكم فليس عليكم "‬


‫جناح أال تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم وال يضار كاتب وال شهيد‬
‫وإن تفعل وا فإن ه فس وق بكم واتق وا هللا ويعلمكم هللا وهللا بك ل‬
‫" شيء عليم‬
‫‪.‬ومنه ا‪ :‬أن تعلم الكتاب ة من األم ور الديني ة‪ ,‬ألنه ا وس يلة إلى حف ظ ال دين وال دنيا وس بب لإلحس ان‬
‫اس إليها‬ ‫اج الن‬ ‫ة من النعم‪ ,‬يحت‬ ‫ه هللا بنعم‬ ‫ا‪ :‬أن من خص‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫فمن تمام شكر هذه النعمة‪ ,‬أن يعود بها على عباد هللا‪ ,‬وأن يقضي بها حاجتهم‪ ,‬لتعليل هللا النهي عن االمتناع عن الكتاب ة‪ ,‬بت ذكير‬
‫هُ هَّللا ُ‬ ‫ا َعلَّ َم‬ ‫ه " َك َم‬ ‫اتب بقول‬ ‫" الك‬ ‫‪.‬‬
‫ان هللا في حاجته‬ ‫ه‪ ,‬ك‬ ‫ة أخي‬ ‫ان في حاج‬ ‫ذا " فمن ك‬ ‫عه‬ ‫" وم‬ ‫‪.‬‬
‫ان‬ ‫وق باإلنس‬ ‫اب‪ ,‬فس‬ ‫هود والكت‬ ‫رار بالش‬ ‫ا‪ :‬أن اإلض‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫د وينقص‪ ,‬ويتبعض‬ ‫و يزي‬ ‫يته‪ ,‬وه‬ ‫ة هللا إلى معص‬ ‫روج عن طاع‬ ‫و‪ :‬الخ‬ ‫وق ه‬ ‫إن الفس‬ ‫‪.‬ف‬
‫ق بِ ُك ْم‬
‫و ٌ‬ ‫ال " فَِإنَّهُ فُ ُس‬ ‫لق‬ ‫قون " ب‬ ‫اق " أو " فاس‬ ‫أنتم فس‬ ‫ل"ف‬ ‫ذا لم يق‬ ‫" وله‬ ‫‪.‬‬
‫ب ذلك‬ ‫وق‪ ,‬بحس‬ ‫ه من الفس‬ ‫لب‬ ‫ه يحص‬ ‫ه‪ ,‬فإن‬ ‫ة رب‬ ‫د عن طاع‬ ‫روج العب‬ ‫در خ‬ ‫‪.‬فبق‬
‫ول العلم‬ ‫يلة إلى حص‬ ‫وا هَّللا َ َويُ َعلِّ ُم ُك ُم هَّللا ُ " أن تق‬
‫وى هللا‪ ,‬وس‬ ‫الى " َواتَّقُ‬ ‫ه تع‬ ‫تدل بقول‬ ‫‪.‬واس‬
‫وأوضح من هذا قوله تع الى " يَ ا َأيُّهَ ا الَّ ِذينَ آ َمنُ وا ِإ ْن تَتَّقُ وا هَّللا َ يَجْ َع لْ لَ ُك ْم فُرْ قَانً ا " أي‪ :‬علم ا تفرق ون ب ه بين الحق ائق‪ ,‬والح ق‬
‫‪.‬والباطل‬
‫ومنها‪ :‬أنه كما أنه من العلم النافع‪ ,‬تعليم األمور الدينية المتعلقة بالعبادات‪ ,‬فمنه أيضا‪ ,‬تعليم األمور الدينوية المتعلقة بالمع امالت‪,‬‬
‫‪.‬ف إن هللا تع الى‪ ,‬حف ظ على العب اد أم ور دينهم ودني اهم‪ ,‬وكتاب ه العظيم في ه تبي ان ك ل ش يء‬
‫ض ُك ْم بَ ْعضًا فَ ْليَُؤ ِّد الَّ ِذي اْؤ تُ ِمنَ َأ َمانَتَهُ َو ْليَتَّ ِ‬
‫ق هَّللا َ َربَّهُ َواَل تَ ْكتُ ُم وا "‬ ‫ضةٌ فَِإ ْن َأ ِمنَ بَ ْع ُ‬
‫َان َم ْقبُو َ‬
‫َوِإ ْن ُك ْنتُ ْم َعلَى َسفَ ٍر َولَ ْم تَ ِجدُوا َكاتِبًا فَ ِره ٌ‬
‫ونَ َعلِي ٌم‬ ‫ا تَ ْع َملُ‬ ‫هُ َوهَّللا ُ بِ َم‬ ‫ا فَِإنَّهُ آثِ ٌم قَ ْلبُ‬ ‫هَا َدةَ َو َم ْن يَ ْكتُ ْمهَ‬ ‫" َّ‬
‫الش‬
‫ومنها‪ :‬مشروعية الوثيقة بالحقوق‪ ,‬وهي الرهون والضمانات‪ ,‬التي تكفل للعبد حصوله على حقه‪ ,‬سواء عامل برا أو فاجرا‪ ,‬أمينا‬
‫‪.‬خائنا‬
‫ات‬ ‫اع منازع‬ ‫وق‪ ,‬وانقط‬ ‫ظ حق‬ ‫ائق‪ ,‬من حف‬ ‫‪.‬فكم في الوث‬
‫ون مقبوضا‬ ‫رهن‪ ,‬أن يك‬ ‫ة في ال‬ ‫ام الوثيق‬ ‫ا‪ :‬أن تم‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫وال يدل ذلك‪ ,‬على أنه ال يصح الرهن إال بالقبض‪ ,‬بل التقييد بكون الرهن مقبوضا‪ ,‬يدل على أنه ق د يك ون مقبوض ا‪ ,‬تحص ل ب ه‬
‫ون ناقصا‬ ‫ا‪ ,‬فيك‬ ‫ون مقبوض‬ ‫د ال يك‬ ‫ة‪ ,‬وق‬ ‫ة التام‬ ‫‪.‬الثق‬
‫َان َم ْقبُو َ‬
‫ضةٌ " أنه إذا اختلف ال راهن والم رتهن في مق دار ال دين ال ذي ب ه ال رهن‪ ,‬أن الق ول ق ول‬ ‫ومنها‪ :‬أنه يستدل بقوله " فَ ِره ٌ‬
‫ة به‬ ‫رهن وثيق‬ ‫ل ال‬ ‫ق‪ ,‬ألن هللا جع‬ ‫احب الح‬ ‫رتهن‪ ,‬ص‬ ‫‪.‬الم‬
‫هود‬ ‫ة والش‬ ‫دم الكتاب‬ ‫ة لع‬ ‫ه الوثيق‬ ‫لب‬ ‫ك‪ ,‬لم تحص‬ ‫ه في ذل‬ ‫ل قول‬ ‫ه يقب‬ ‫وال أن‬ ‫‪.‬فل‬
‫ض ُك ْم بَ ْعضًا فَ ْليُ َؤ ِّد الَّ ِذي اْؤ تُ ِمنَ َأ َمانَتَ هُ " ولكن في ه ذه الح ال‬
‫ومنها‪ :‬أنه يجوز التعامل بغير وثيقة‪ ,‬وال شهود‪ ,‬لقوله " فَِإ ْن َأ ِمنَ بَ ْع ُ‬
‫يحتاج إلى التقوى والخوف من هللا‪ ,‬وإال فصاحب الحق مخاطر في حقه ولهذا أمر هللا في هذه الحال‪ ,‬من عليه الحق‪ ,‬أن يتقي هللا‬
‫ؤدي أمانته‬ ‫‪.‬وي‬
‫ه وأمانته‬ ‫ي بدين‬ ‫ا‪ ,‬ورض‬ ‫ا عظيم‬ ‫ه معروف‬ ‫ل مع‬ ‫د عم‬ ‫ه‪ ,‬فق‬ ‫ه معامل‬ ‫ا‪ :‬أن من ائتمن‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫فيتأكد على من عليه الحق‪ ,‬أداء األمانة من الجهتين‪ :‬أداء لحق هللا‪ ,‬وامتثاال ألم ره‪ ,‬ووف اء بح ق ص احبه‪ ,‬ال ذي رض ي بأمانت ه‪,‬‬
‫ق به‬ ‫‪.‬ووث‬
‫اء‬ ‫ك األعض‬ ‫و مل‬ ‫ذي ه‬ ‫ه‪ ,‬ال‬ ‫د أثم قلب‬ ‫اق‬ ‫هادة‪ ,‬وأن كاتمه‬ ‫ريم كتم الش‬ ‫ا‪ :‬تح‬ ‫‪.‬ومنه‬
‫وذلك ألن كتمها‪ ,‬كالشهادة بالباطل والزور‪ ,‬فيه ا ض ياع الحق وق‪ ,‬وفس اد المع امالت‪ ,‬واإلثم المتك رر في حق ه‪ ,‬وح ق من علي ه‬
‫‪.‬الحق‬
‫‪.‬وأم ا تقيي د ال رهن بالس فر ‪ -‬م ع أن ه يج وز حض را وس فرا ‪ -‬فللحاج ة إلي ه‪ ,‬لع دم الك اتب والش هيد‬
‫‪.‬وختم اآلية بأنه " عليم " بكل ما يعمله العباد‪ ,‬كالترغيب لهم في المعامالت الحسنة‪ ,‬والترهيب من المعامالت السيئة‬

‫هلل ما في السماوات وما في األرض وإن تبدوا ما في أنفسكم "‬


‫أو تخفوه يحاسبكم ب ه هللا فيغف ر لمن يش اء ويع ذب من يش اء‬
‫" وهللا على كل شيء قدير‬
‫يخبر تعالى‪ ,‬بعموم ملكه ألهل السماء واألرض‪ ,‬وإحاطة علمه بما أبداه العباد‪ ,‬وما أخفوه في أنفسهم‪ ,‬وأنه سيحاس بهم ب ه‪ ,‬فيغف ر‬
‫ورًا‬ ‫انَ لَِأْلوَّابِينَ َغفُ‬ ‫ه " فَِإنَّهُ َك‬ ‫ه‪ ,‬األواب إلي‬ ‫نيب إلى رب‬ ‫و الم‬ ‫اء‪ ,‬وه‬ ‫" لمن يش‬ ‫‪.‬‬
‫اهره‬ ‫ه وظ‬ ‫ي‪ ,‬في باطن‬ ‫ر على المعاص‬ ‫و المص‬ ‫اء‪ ,‬وه‬ ‫ذب من يش‬ ‫‪.‬ويع‬
‫‪.‬وه ذه اآلي ة‪ ,‬ال تن افي األح اديث ال واردة في العف و‪ ,‬عم ا ح دث ب ه العب د نفس ه‪ ,‬م ا لم يعم ل أو يتكلم‬
‫‪.‬فتل ك الخط رات هي ال تي تتح دث به ا النف وس‪ ,‬ال تي ال يتص ف به ا العب د وال يص مم عليها‬
‫وأما هنا فهي العزائم المصممة‪ ,‬واألوصاف الثابتة في النفوس‪ ,‬أوصاف الخير‪ ,‬وأوص اف الش ر‪ ,‬وله ذا ق ال " َم ا فِي َأ ْنفُ ِس ُك ْم "‬
‫اف‬ ‫زائم واألوص‬ ‫ا وثبت‪ ,‬من الع‬ ‫تقر فيه‬ ‫‪.‬أي‪ :‬اس‬
‫‪.‬وأخبر أنه " َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِدي ٌر " فمن تمام قدرته‪ ,‬محاسبة الخالئق‪ ,‬وإيصال ما يستحقونه‪ ,‬من الثواب والعقاب‬
‫آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ك ل آمن باهلل "‬
‫ومالئكت ه وكتب ه ورس له ال نف رق بين أح د من رس له وق الوا‬
‫" سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير‬
‫ثبت عنه صلى هللا عليه وسلم أن من قرأ هاتيمن اآليتين في ليلته كفتاه أي‪ :‬من جميع الشرور‪ ,‬وذلك لما احتوتا عليه من المع اني‬
‫‪.‬الجليلة‬
‫‪.‬ف إن هللا أم ر في أول ه ذه الس ورة‪ ,‬الن اس باإليم ان‪ ,‬بجمي ع أص وله في قول ه‪ " :‬قُولُ وا آ َمنَّا بِاهَّلل ِ َو َم ا ُأ ْن ِز َل ِإلَ ْينَ ا " اآلية‬
‫وأخبر في هذه اآلية‪ ,‬أن الرسول صلى هللا عليه وسلم ومن مع ه من المؤم نين‪ ,‬آمن وا به ذه األص ول العظيم ة‪ ,‬وبجمي ع الرس ل‪,‬‬
‫ع الكتب‬ ‫‪.‬وجمي‬
‫ان المنحرفة‬ ‫ل األدي‬ ‫رفين من أه‬ ‫ة المنح‬ ‫ر ببعض‪ ,‬كحال‬ ‫نيع من آمن ببعض‪ ,‬وكف‬ ‫نعوا ص‬ ‫‪.‬ولم يص‬
‫‪.‬وفي ق رن المؤم نين بالرس ول ص لى هللا علي ه وس لم‪ ,‬واإلخب ار عنهم جميع ا بخ بر واح د‪ ,‬ش رف عظيم للمؤم نين‬
‫وفيه أنه صلى هللا عليه وسلم مشارك لألمة في الخطاب الشرعي له‪ ,‬وقيامه التام به‪ ,‬وأنه فاق المؤمنين بل فاق جمي ع المرس لين‬
‫ان وحقوقه‬ ‫ام باإليم‬ ‫‪.‬في القي‬
‫وقوله " َوقَالُوا َس ِم ْعنَا َوَأ َ‬
‫ط ْعنَا " هذا التزام من المؤمنين‪ ,‬عام لجميع ما جاء ب ه الن بي ص لى هللا علي ه وس لم من الكت اب والس نة‪,‬‬
‫اد‬ ‫ان وانقي‬ ‫ول وإذع‬ ‫ماع قب‬ ‫معوه س‬ ‫‪.‬وأنهم س‬
‫ومضمون ذلك‪ ,‬تضرعهم إلى هللا في طلب اإلعانة على القيام به‪ ,‬وأن هللا يغفر لهم ما قصروا فيه من الواجبات‪ ,‬وما ارتكبوه من‬
‫ة النافعة‬ ‫ذه األدعي‬ ‫رعوا إلى هللا في ه‬ ‫ذلك تض‬ ‫ات‪ ,‬وك‬ ‫‪.‬المحرم‬
‫د فعلت‬ ‫ال " ق‬ ‫لم فق‬ ‫ه وس‬ ‫لى هللا علي‬ ‫هص‬ ‫ان نبي‬ ‫اءهم على لس‬ ‫اب دع‬ ‫د أج‬ ‫الى ق‬ ‫" وهللا تع‬ ‫‪.‬‬
‫‪.‬فه ذه ال دعوات‪ ,‬مقبول ة من مجم وع المؤم نين قطع ا‪ ,‬ومن أف رادهم‪ ,‬إذا لم يمن ع من ذل ك م انع في األف راد‬
‫هيل‬ ‫ة التس‬ ‫رعه غاي‬ ‫هل عليهم ش‬ ‫يان‪ ,‬وأن هللا س‬ ‫أ والنس‬ ‫ذة‪ ,‬في الخط‬ ‫ع عنهم المؤاخ‬ ‫ك أن هللا رف‬ ‫‪.‬وذل‬
‫ولم يحملهم من المشاق‪ ,‬واآلصار‪ ,‬واألغالل‪ ,‬ما حمله على من قبلهم‪ ,‬ولم يحملهم فوق طاقتهم‪ ,‬وقد غفر لهم ورحمهم‪ ,‬ونصرهم‬
‫افرين‬ ‫وم الك‬ ‫‪.‬على الق‬
‫فنسأل هللا تعالى‪ ,‬بأسمائه وصفاته‪ ,‬وبما من به علينا من التزام دينه‪ ,‬أن يحقق لنا ذلك‪ ,‬وأن ينجز لن ا م ا وع دنا على لس ان نبي ه‪,‬‬
‫نين‬ ‫وال المؤم‬ ‫لح أح‬ ‫‪.‬وأن يص‬
‫دين كلها‬ ‫ور ال‬ ‫رج في أم‬ ‫ير‪ ,‬ونفي الح‬ ‫دة التيس‬ ‫ا‪ ,‬قاع‬ ‫ذ من هن‬ ‫‪.‬ويؤخ‬
‫الى‬ ‫وق هللا تع‬ ‫ادات‪ ,‬وفي حق‬ ‫أ‪ ,‬في العب‬ ‫يان والخط‬ ‫و عن النس‬ ‫دة العف‬ ‫‪.‬وقاع‬
‫ذم‬ ‫ه ال‬ ‫أثم‪ ,‬وتوج‬ ‫ع الم‬ ‫ة رف‬ ‫ق من جه‬ ‫وق الخل‬ ‫ذلك في حق‬ ‫‪.‬وك‬
‫وأما وجوب ضمان المتلفات‪ ,‬خطأ أو نسيانا‪ ,‬في النفوس واألموال‪ ,‬فإنه مرتب على اإلتالف بغير حق‪ ,‬وذلك شامل لحالة الخط أ‬
‫‪.‬والنسيان‪ ,‬والعمد‬

You might also like