Professional Documents
Culture Documents
السنة الجامعية2017/2016:
شكُ َر نِعِمَتَكَ الَّتِي أَنِعَمِتَ
﴿رَبِّ َأ ِو ِزعِنِي أَنِ َأ ِ
ن صَاِلحّا َترِضَا ُه
ي وَأَنِ َأعِمَ َ
ي َوعَمَى وَاِلدَ َّ
عَمَ َّ
ك فِي عِبَا ِدكَ الصَّاِلحِنيَ﴾
وََأدِخِمِنِي بِرَحِمَتِ َ
سورة المنل ()19
شكـــــــــس وعسفـــــــاٌ
إن الثورة اؼبعرفية اليت حدثت على مستوى النقد األديب ومناىجو بعد التحول الذي حدث
داخل اغبقل اللغوي واللساين ،أفرزت رؤى مفاىيمية فيما ىبص االشتغال على اؼبناىج النقدية
وخباصة ما تعلق بطروحات ما بعد البنيوية.
وقد شكلت اؼبناىج النقدية اؼبعاصرة قفزة معرفية بعدما أحدثت قطيعة مع التصورات
التارىبية واالجتماعية يف عالقتها بالبٌت النصية ،وَف يكن النقد اعبزائري اؼبعاصر دبنأى عن ىذه
التحوالت الفكرية واؼبنهجية ،فقد استثمر اؼبفاىيم والنظريات الغربية يف تفعيل اػبطاب اإلبداعي
وبناء رؤية حداثية ؽبا آلياهتا وسياقاهتا الثقافية واعبمالية.
وتعترب النظرية السيميائية إحدى ىذه النظريات اليت استثمرىا النقد اعبزائري وتبٌت
مفاىيمها وأسسها الفلسفية والنقدية ،نذكر منها الناقد " :أضبد يوسف" الذي استثمر ما استجد
يف ساحة النقد العريب والغريب من مناىج ووظفها يف استنطاق النصوص وؿباورهتا ،وحاول وضعها
يف إطارىا اػباص بالدرس النقدي اعبزائري.
وسنحاول تقدًن رؤية وصفية ؼبشروعو النقدي من خالل ىذا البحث األكاديبي الذي
جعلنا عنوانو » :النظرية السيميائية يف اػبطاب النقدي اعبزائري اؼبعاصر"أضبد يوسف" أمبوذجا «.
وقد كان الدافع الختيار ىذا اؼبوضوع ىو ؿباولة فهم ربوالت اػبطاب النقدي اعبزائري،
ومعرفة التصورات اؼبفاىيمية اؼبشكلة لو ،وتشكيل صورة علمية حول اؼبشروع النقدي والفلسفي
احدا من الذين كانت ؽبم اإلضافة اؼبعرفية يف ؾبال التأسيسي ؼبنظومة النقد
ألضبد يوسف باعتباره و ً
اعبزائري اغبداثي تنظَتا وإجراءً من حيث كونو حفر يف اػبلفيات اإلبستيمية للنظرية السيميائية منذ
اإلغريق حىت الدرس النقدي اؼبعاصر.
وألجل فهم ىذا اؼبشروع كان ال بد من ـبطط حبثي فبنهج يرسم الرؤية اؼبعرفية العامة لو،
فقد مت تقسيم العمل إُف:
2
مقدمة
مدخل ،تناولنا فيو إرىاصات النقد اعبزائري اؼبعاصر ،وكيفية استثمارىا للنظريات الغربية
واشتغالو عليها واالستضاءة هبا لالستنطاق النصوص األدبية ،وقد حاولنا اإلحاطة – قدر اإلمكان
– جبل اؼبناىج اليت استفاد منها النقد اعبزائري.
مث أتبعنا اؼبدخل بفصلُت ،األول نظري اشتغلنا فيو على النظرية السيميائية دبحموالهتا
اؼبعرفية وخلفياهتا الفلسفية يف اػبطاب النقدي الغريب ،واررباؽبا إُف البيئة الثقافية العربية من خالل
عمليات اؼبثاقفة واغبوار اغبضاري والًتصبات ،والنقل ،وقد عرفنا هبذه النظرية من خالل تتبع
مساراهتا واذباىاهتا ومفاىيمها اؼبعرفية.
أما الثاين ،فهو تطبيقي مثل قراءة وصفية وؿباورة علمية ربليلية ألىم أعمال الناقد " أضبد
يوسف " واليت تعترب مشروعا خاصا – تقريبا – بالنظرية السيميائية ،والذي تتبع فيو اعبذور
واػبلفيات اؼبعرفية والفلسفية للسيمياء ،وخباصة عالقتها باؼبنطق ،وؽبذا وجدناه قد عاد إُف الًتاث
اإلغريقي لَتبط بُت ىذه النظرية والتصورات الفلسفية اليت صاغت مفاىيمها وأرست أسسها
ومبادئها.
وإلضاءة مفاصل ىذا البحث استعنا باؼبنهج الوصفي ،مستثمرينا آليات التحليل اؼبنهجي
لفهم التصور العام للمشروع السيميائي عند " أضبد يوسف" ،واستعنا يف اقباز ىذا العمل البحثي
على مراجع مركزية نذكر منها:
وكأي عمل أكاديبي فقد اعًتضننا صعوبات وخاصة فيما تعلق بعالقة النظرية صعوبات
وخاصة فيما تعلق بعالقة النظرية السيميائية باؼبنطق الرياضي.
3
مقدمة
ويف األخَت نتقدم بالشكر اعبزيل لألستاذ اؼبشرف " جويٍت عسال" الذي قدم لنا
التوجهات العلمية الالزمة إلسبام ىذا العمل.
4
مدخل
بدا أن يكون
إن االىتمام بالنقد األديب اعبزائري قد أصبح ضرورة ملحة ،وال يعقل أ ً
االىتمام بالنقد أقل من االىتمام باإلبداع ،فإن كان اإلبداع األديب ىو موضوع النقد ،فإن ىذا
األخَت ىو اؼبوجو واؼبرشد ،والنقد اعبزائري يف اغبقيقة ،جزء ال يتجزأ من النقد العريب يف بالد
ناضجا يف بداية نشأتو.
اؼبشرق واؼبغرب و أن النقد اعبزائري اغبديث متأخر نسبيًا ،فهو َف يكن ً
األدب والنقد صنوان يستند ويكمل أحدنبا اآلخر ،على حد قول ":أيب القاسم سعد
ا﵁" » وما دمنا نعًتف بوجود ؿباوالت يف األدب ،ضمن اغبقب ،أن نعًتف كذلك بوجود
ؿباوالت أخرى يف النقد « 1،ذلك أهنما يوجدان مع بعضهما.
ويف اغبديث عن النقد اعبزائري اغبديث ،فمن اؼبعلوم أنو بدأ بدايات متعثرة كانت ؽبا
ىفواهتا » ،فيكاد يقع إصباع على أننا ال نلفي نقداً منهجياً باعبزائر قبل سنة 1961م ،فما كان
قبل ىذه السنة ال يعد أن يكون ؿباوالت متناثرة يف الصحف واجملاالت اليت كان يبثلها بعض
الكتاب أمثال"(:رمضان ضبودة"" ،ؿبمد السعيد الزاىري"" ،ؿبمد البشَت اإلبراىيمي"" ،ابن
باديس"" ،ضبزة بركوشة""،أـحمد بن ذياب"" ،عبد الوىاب بن منصور") ،وغَتىم من األدباء
احدا منهم جعل النقد شغلو الشاغل «.2
واؼبشايخ الذين ال نعرف و ً
ولعل النهضة النقدية باعبزائر بدأت على كتاب "أيب القاسم سعد ا﵁" ،اؼبوسوم بــ( :
محمد آل خليفة) ،رائد الشعر اعبزائري يف العصر اغبديث ،ومنذ ذلك اغبُت باشرت اعبزائر
1أبو القاسم سعد ا﵁ ،دراسات يف األدب اعبزائري اغبديث ،دار الوافد للكاتب ،اعبزائر ،الطبعة ،2007 ،5 ،ص .80
2يوسف وغليسي ،النقد اعبزائري اؼبعاصر ،من " الالنسونية " إُف " األلسنية " ،رابطة اإلبداع الثقافية ،اعبزائر ،2002 ،ص
9.
6
اليقد اجلزائسي املعاصس وعالقته باليظسيات الغسبية مدخل
هنضتها النقدية ليصبح اعبو الفكري العام مهمتو النقد األديب ،كضرورة ملحة ؼبواكبة اغبركة األدبية
دافعا عجلة الصَتورة والتطور.
ً
كما أن ؽبذه العثرات تأثَتىا اإلهبايب على الفعل األديب ،وعلى تطور اػبطاب النقدي فيما
بعد ،لقد قيل الكثَت من اؽبفوات اليت طبعت اؼبسار النقدي اعبزائري اغبديث يف ـبتلف مراحل
تشكلو األساسية منها :سوء الفهم وضيق ؾبال التمثل ،عدم تبٍت منهج معُت يف كليتو ويف
مرجعياتو الفلسفية ،سوء استخدام وترصبة بعض اؼبفاىيم األساسية ،ارتباط النقد األديب يف ؾبملو
بدراسة واحدة ،غياب مراعاة خصوصية النص من ناحية وخصوصية النظرية أو اؼبنهج اؼبستورد
واؼبتبٌت ،ىيمنة التعقيد واؼبعيارية ،سلطة التطبيق الفج واالستالب اؼبنهجي ،ادعاء العلمية العمياء
الفعال بُت الرواية والنقد ،غياب اؼبناخ اؼبالئم والضروري إلنتاج اؼبفاىيم،
يف النقد ،غياب اغبوار ّ
وحضور االنتقائية ،غياب القراءة اؼبختصة ،وغَتىا من اؼبالحظات األخرى اليت ال تتوىف التقليل
من أنبية ما حققو اػبطاب النقدي األديب عندنا ،كما أهنا ال تبتغي التأثَت على الصَتورة النقدية
واألدبية اعبزائرية باػبصوص.1
إن اؼبتتبع غبركة النقد األديب ومالبساتو من قريب أو من بعيد ،وما تعج بو من دراسات
نقدية وذبليات نصية من ـبتلف األشكال واألجناس األدبية ،يتضح أن ىناك حركة نقدية تتماشى
مع التطور اإلبداعي ،الذي بلغ إليو النص األديب ،واؼبثقف اعبزائري يف ذات الوقت ،ونريد يف ىذه
السطور أن نتقرب من واقع النقد ملتمسُت مالؿبو وىذا بعد توافد اؼبناىج الغربية عليو ،وولوج
نظرياهتا ومفاىيمها اليت صبغت بصبغات متعددة ،اليت كانت دبثابة سد لثغرات النقد اغبديث
واؼبعاصر يف تاريخ النقد وذباوز مؤسس لألفكار النقدية القديبة.
انقسم النقد حسب ذلك إُف مرحلتُت نبا :مرحلة النقد السياقي ،وىذا ما مثلتو اؼبناىج
التارىبية ،والنفسية ،واالجتماعية ،اليت تتخذ من العوامل اػبارجية اليت ربيط بالنص ،مادة ؽبا
_1يوسف وغليسي ،النقد اعبزائري اؼبعاصر من " الالنسونية " إُف " األلسنية " ،ص.10
7
اليقد اجلزائسي املعاصس وعالقته باليظسيات الغسبية مدخل
وتفسره حسبها ،ومرحلة ثانية سبثل سيطرة اؼبناىج النسقية ،اليت تشتغل على بنية النص اإلبداعي،
كاللغة والبنية ،النظام ،العالمة ،الرمز ومن بينها :البنيوية ،واألسلوبية والسيمائية ،وىناك مرحلة
تلت النقد السياقي وحاولت ذباوزه وىي ما أطلق عليو دبا بعد البنيوية 1،فظهرت يف الساحة
النقدية وجوه رباول أن تتجاوز النقد التقليدي ،واالستفادة منو يف الوقت نفسو.
َف تكن اعبزائر دبنأى عن التطورات اليت حدثت يف ساحة النقد العريب والعاؼبي ،وىذا
يتجلى فيما قدمو بعض النقاد اعبزائريُت من دراسات تلج باب النقد النسقي ،أو ما بعد البنيوي
وىذا يرجع إُف صبلة من األسباب ساعدت النقد اعبزائري ،على تلقف ىذه اؼبناىج النقدية
اغبديثة ،حيث تعد دراسة النص بوصفو لغة خاصة -واللغة ىي القاسم اؼبشًتك بينهما ،-دراسة
هتتدي دبفاىيم اللسانيات ومصطلحاهتا وىو -بفعل ذلك -إحقاق النص ،النص اؼبسلوب نسبيًا
يف اؼبناىج السياقية ،وعودة إُف خصوصيتو اللغوية.2كما أن جل األعمال النقدية يف اعبزائري قد
بدأت بأسلوب أكاديبي كالسيكي كأعمال " ؿبمد مضياف" أو " عبد ا﵁ ركييب" ولكنها مرحلة
طبيعية ال يسعنا إال ان نقدر ؾبهودات الذين سانبوا فيها.3
ومن األسباب اليت دفعت النقاد اعبزائريُت إُف اعتناق ىذه اؼبناىج:
التفتح اللغوي ( تعليم اللغات األجنبية ) وىذا من خالل إنشاء معاىد العلوم اللسانية
والصوتية ،والبعثات العلمية ،اليت ساعدت على اتصال الباحثُت اعبزائريُت باعبامعات األجنبية
واطالعهم على اؼبناىج النقدية يف أصوؽبا واؼبلتقيات العلمية واجملاالت اؼبتخصصة يف اعبانب
( 1ينظر) ،حياة بن الشيح ،اعبهود النقدية عند أضبد يوسف ،مذكرة ماجستَت جامعة قاصدي مرباح،ورقلة2014،ـ-
،2015ص .08
2يوسف وغليسي ،النقد اعبزائري اؼبعاصر ،من " الالنسونية " إُف" األلسنية " ،ص .116
3بالوايف ؿبمد ،واقع النقد األديب يف اعبزائر مساره واشكاالتو ،ديوان العرب،2009 ،
www.diwanalarab.com.
8
اليقد اجلزائسي املعاصس وعالقته باليظسيات الغسبية مدخل
النقدي واألديب وأىم ىذه اجملالت ،ؾبلة ذبليات اغبداثة وؾبلة اللغة النقدية ،ؾبلة آداب .1فكل
ىذه األسباب دفعت النقد األديب اعبزائري إُف التعرف على ما جد يف ساحة النقد العريب والعاؼبي
اؼبعاصر ،وما يالحظ يف اغبركة النقدية يف اعبزائر تنوع اؼبناىج النقدية.
لقد ظهرت أصوات تسعى إُف تأسيس وتأصيل للمناىج ا﵀دثة وجعلها تتماش مع
العصر ،تعتمد اللغة كعنصر قار يف العلم واؼبعرفة ،وقد مكنهم ذلك» من إهباد الروافد اؼبخصبة
يف نظريات مثل :البنيوية والسيمائية كمناىج تدعوا إُف قراءة النص األديب بصفة متواصلة متجددة،
يولد خالؽبا النص مع كل قراءة وتتضاعف داللتو ،وىكذا ذبسد ىذا التحول ،من خالل تبٍت
القيم الفكرية اؼبعاصرة اليت تشكل جزءً ال يتجزأ من النموذج اغبضاري الغريب«.2ومن ىنا سنحاول
الوصول والكشف عن أىم التيارات اللسانية اؼبعاصرة وأىم اؼبنطلقات واألسس الفكرية اليت
استمد منها النقد اعبزائري اؼبعاصر أفكاره أو النقاد اعبزائريُت ،اليت تشكل اختصاصات حقول
النقد بوجو عام.
ومن أوُف اؼبناىج النقدية اليت تعرف إليها الناقد اعبزائري ،البنيوية ،اليت كانت أوُف بدايات
االنفتاح مع هناية السبعينيات ،3بفضل اإلسهامات البارزة اليت قدمها الدكتور "عبد اؼبالك
مرتاض" يف اػبطاب النقدي اعبزائري الذي تناول اؼبنهج يف أعمالو ،وىو» الناقد اعبزائري الذي
تبٌت صبلة من اؼبعارف اإلنسانية والعلمية واؼبتمثلة خصوصاً يف النظرية البنيوية « ،4كما عده الناقد
1يوسف وغليسي ،النقد اعبزائري اؼبعاصر ،من" الالنسونية " إُف "األلسنية " ،ص 40و 41
2موالي علي بوخامت ،الدرس السيميائي اؼبغاريب" ،دراسة وصفية نقدية إحصائية يف مبوذجي" (عبد اؼبالك مرتاض وؿبمد
مفتاح) ،ديوان اؼبطبوعات اعبامعية ،اعبزائر ،ط ،2005 ،1ص .11
3يوسف وغليسي ،النقد اعبزائري اؼبعاصر ،من" الالنسونية" إُف "األلسنية" ،ص .121
4موالي علي بوخامت ،الدرس السيميائي اؼبغاريب ،ص. 13
9
اليقد اجلزائسي املعاصس وعالقته باليظسيات الغسبية مدخل
"يوسف وغليسي" رائداً للبنيوية وما بعد البنيوية ،الذي قسم أعمالو إُف قسمُت ،مرحلة التأسيس
والتجريب ،واليت سبثلت يف ؾبموعة من اؼبؤلفات أنبها كتاب (النص األدبي من أين؟ وإلى
أين؟)1982م ،و(القصة الجزائرية المعاصرة)1990م.1اليت حاول من خالؽبا إرساء منهج
نقدي جديد ،وبتكم إُف التأويل ا﵀ايث للظاىرة النصية من سياقاهتا اػبارجية ،برؤية بنيوية ،وذلك
من خالل تشربو من التيارات اللسانية واستفادتو اؼببكرة من النقد اعبديد وتأييده ؼبواقف أعالم
ىذا التنظَت.
كما برز يف ساحة النقد اعبزائري ناقد آخر تبٌت البنيوية التكوينية باعتبارىا أكثر
انتشارا يف اؼبغرب العريب ،الناقد "عبد اغبميد بورايو" الذي اعتمد اؼبنهج البنيوي
ً االذباىات البنيوية
يف كتابو ):القصص الشعبي في منطقة بسكرة) الذي يبكن أن يكون أول ذبربة ( بنيوية
تكوينية) تطبيقية يف اػبطاب النقدي اعبزائري ،2إال أ ّن جهازه اإلجرائي يتكشف – يف مرحلة
الحقة من الكتاب – عن مصطلحات " غولدمانية" تفصح عن انتمائها اؼبنهجي مثل (
الشرح) ( ،البنية األكرب) و( رؤية العاَف) ،ويبدو أن الناقد تبٌت ما عهدنا عند "جولياكرستيفا"
( ( )Julia Kristevaوىي من أساطُت ىذا اؼبنهج) 3كما يفيد إفادة واضحة من
الطروحات اؼبنهجية واؼبصطلحية اليت قدمها" :روالن بارت" )،)Roland Barthes
و"جوليان غريباس"( ،)Algirdirdas Julien Greimasولكن مرجعيتو األساسية
يستمدىا من منهج الشكالين الروسي الشهَت "فالديبَت بروب"( )Vladimir. Proppكما
سعى إُف اختزال البنية الًتكيبية للنص إُف ما يسميو "بالوحدة الوظيفية" وىي نفسها ما يسميو
1يوسف وغليسي ،اػبطاب النقدي عند عبد اؼبالك مرتاض ( ،البحث يف اؼبنهج واشكاليتو) اصدارات رابطة الثقافة ،اعبزائر،
،2002ص.63
2يوسف وغليسي ،النقد اعبزائري اؼبعاصر من " الالنسونية" إُف " األلسنية " ،ص . 123
3اؼبرجع نفسو ،ص 124.
10
اليقد اجلزائسي املعاصس وعالقته باليظسيات الغسبية مدخل
اؼبنهج اؼبرفولوجي– لدى بروب– باؼبثال الوظائفي ،كما يستعَت من "غريباس" مفهوم االختبار
بأشكالو الثالثة ،1إال أن ىذه الدراسة بقيت على صعيد االستحياء واػبطوات األوُف للبنيوية.
وىناك من النقاد اعبزائريُت من اصطنع البنيوية التكوينية وىو الناقد " ؿبمد ساري" الذي
قدم دراسة بعنوان ( البحث عن النقد األدبي الجديد) سنة 1984م ،2وقد »خصص الكتاب
للنقد البنيوي التكويٍت وتطبيقاتو فجعل الباب األول لنظرية "لوكاتش" )" (Locatch
وغولدمان" ) (Goldmanوحاول اإلحاطة يف القسم التطبيقي هبذا اؼبنهج يف النقد اعبزائري
اعبديد ويف القصة القصَتة ،وقد سبيزت معاعبتو بالتقليدية ،إذ اكتفى بتلخيص مضمون القصة
فقط« 3وىناك أظباء نقدية أخرى حاولت أن تستفيد من البنيوية وأن تتخذىا منهجاً للتطبيق،
ومن ىؤالء قبد الناقد "إدريس بوديبة" ،والعديد من الباحثُت يف ىذا اجملال قدموا دراسات وأحباث
تنظَتاً وتطبيقاً ،كذلك نذكر كتاب (:مدخل إلى التحليل البنيوي للنصوص) الذي اشًتك يف
تأليفو طائفة من اؼبدرسات يف قسم اللغة الفرنسية جبامعة اعبزائر ( ،دليلة مرسلي ،كرستيان
عاشور ،زينب بن بوعلي ،نجاة خدة ،بوبة ثابتة) ،ويًتاوح الكتاب بُت البسط التأسيسي
لنظريات "رومان جاكبسون" ( )Jakobson. Romanو"بروب" و"بارت" و"غريباس"
و"ىامون") ... (Ph. Hamonوسحبها تطبيقياً على بعض النماذج األدبية ( حكايات
جزائرية ،نماذج "لمحمد ذيب" ) 4مع كثرة ا﵀اوالت ،إضافة إُف مباذج "رشيد بنمالك"
11
اليقد اجلزائسي املعاصس وعالقته باليظسيات الغسبية مدخل
و"شايف عكاشة" و"إبراىيم رماين" 1...مع أن ىذه ا﵀اوالت يتخللها نوع من القصر إال أهنا ال
تلغي أنبية ىذه األعمال يف التجربة اعبزائرية النقدية ،خاصة ما قدمو "عبد اؼبالك مرتاض".
بينما» ليس لألسلوبية يف اػبطاب النقدي اعبزائري مقام يستأىل البحث يف جوانبو
والتنقيب عن خصوصياتو ،وكل ما ىو كائن ال يعد وأن يكون ؾبرد ؿباوالت متواضعة يف كمها
وكيفها ،قدمت – أصال -حبوثاً أكاديبية يف نطاق جامعي ؿبدود ،فصار ؽبا الظفر بدرجة جامعية
ما ال أكثر «2ولذلك فيبدو حظ األسلوبية يف الدراسات النقدية اعبزائرية ضئيالً ،إال أنو ال يبنع
من وجود كتابات راقية سانبت يف إثراء اػبطاب النقدي اعبزائري.
مع ذلك فإن النماذج القليلة اليت كتبت فيها ،كانت مطية لنا يف ؿباولة الكشف عن
مالبسات تلقي اػبطاب النقدي اعبزائري ؼبفاىيمها ،واؼبالمح اليت حكمت تطبيقاهتا من لدن
النقاد اعبزائريُت ،وأول ما ذبدر اإلشارة إليو أن أغلب التطبيقات األسلوبية يف النقد اعبزائري كانت
موجهة إُف اػبطاب الشعري ،وذلك لتجانس أدواهتا اإلجرائية ،مع طبيعة النصوص الشعرية ،ومن
خصوصا على دراسة أسلوب الشعر بوصفو اكبرافات مربرة عن مألوف االستعمال
ً حيث قيامها
اللغوي ،أما النص السردي فإننا قبده يبتنع عن إعطائنا فرصة لدخول عاؼبو من خالل لغتو ،ألن
اللغة فيو عبارة عن كوكتيل من القيم الشعرية منها والبسيطة والنثرية البليغة منها والعادية [،]...
3
ومن مث يصبح مفتاح النص من الوجهة األسلوبية أقل اقتدار يف تشخيص البواعث الروائية...
1يوسف وغليسي ،النقد اعبزائري اؼبعاصر من " الالنسونية " إُف" األلسنية" ،ص .128
2ؿبمد مكاكي ،االسلوبية يف النقد اؼبعاصر ،ؾبلة التبُت ،العدد ،33اعبزائر ،ص .76
3اؼبرجع نفسو ،ص .76
12
اليقد اجلزائسي املعاصس وعالقته باليظسيات الغسبية مدخل
ولعل أول إشارة إُف اؼبفاىيم األسلوبية وإجراءاهتا باؼبنظور اؼبعاصر كانت من طرف الدكتور
" عبد اؼبالك مرتاض" يف كتابو ( األمثال الشعبية في الجزائر)1وذلك يف أحد فصولو ،أين درس
اسلوب األمثال الشعبية بعد أن قدم لذلك بتعريف لألسلوبية وتارىبها وأىم أعالمها الذي سانبوا
يف إخراج مفاىيمها إُف الوجود ،مث أرفقها جبانب تطبيقي ،2وتعد ىذه الدراسة من أوُف الدراسات
يف النقد اعبزائري لألسلوبية إضافة إُف ( الخصائص الشكلية للشعر الجزائري) ىذه الدراسة
اليت قال بشأهنا " ،عبد ا﵁ أوىيف" » إهنا مبوذج من االستخدام الًتاثي لعناصر األسلوبية اغبديثة،
يف سبكُت العمل األديب من دروب إيصالو إُف اؼبتلقي ،وإبالغو على وجو اػبصوص« وكما تأكدت
إفادتو من اغبركة األسلوبية يف مؤلفو ( بنية الخطاب الشعري) الذي أفصح عن اؼبنهج األسلويب
الذي استخدمو يف ىذه الدراسة.3
كما نورد دراسة أخرى من بواكَت الدراسات األسلوبية يف اعبزائر ،قدمها الدكتور " إبراىيم
رماين" عرب صفحات ؾبلة "أمال" ،ربت عنوان ( مدخل إلى األسلوبية) ،وىي عرض نظري
دبفهوم األسلوبية تناول فيو ( تاريخ اؼبصطلح – اذباىات األسلوبية – مستويات التحليل
األسلويب -األسلوبية والبالغة) ،من خالل اعتماده على ؾبموعة من اؼبؤلفات الغربية ألعالم
األسلوبية "ريفا تَت" ( )M.Rafatyrو"سبيتزر")(Leo.Spitzerو"شارل باِف" (Ch.
) Baliو "جون كوىن") (Jon. Cohenوبالرغم من ىذه البداية االسلوبية يف النقد
اعبزائري إال أننا ال نصادق أي تطور غبقها ،وكان على القارئ أن ينتظر ظهور دراسات الدكتور "
علي مالحي" و " نور الدين السد" واليت تعترب أكثر إؼباماً واسباماً باألسلوبية سواء كان على
مستوى االطروحات النظرية أو مستوى تطبيقاهتا على النصوص.4
1يوسف وغليسي ،النقد اعبزائري اؼبعاصر ،من الالنسونية إُف األلسنية ،ص .148
2اؼبرجع نفسو ،ص ن.
3موالي علي بوخامت ،الدارس السيميائي اؼبغاريب ،ص 21.
4ؿبمد مكاكي ،األسلوبية يف النقد اعبزائري اؼبعاصر ،ص .77
13
اليقد اجلزائسي املعاصس وعالقته باليظسيات الغسبية مدخل
وعلى الصعيد األكاديبي ،وإذا ما ذباوزت البحث النظري القيّم الذي قدمتو األستاذة
"آمنة علوش" يف خصوص اؼبقاربة بُت حاضر األسلوبية الغربية وغابرىا العريب(،البالغة القديمة/
عبد القاهر الجرجاني) 1وكما يبكن اإلشارة إُف كتاب ( بناء األسلوب في المقالة عند
اإلبراهيمي) ،لألستاذ " عبد اغبميد بوروينة" وىي دراسة تستأنس بتنظَتات " ليوسبتزر" و "
2
جون كوىن" و " مارسيل كريسو" و " جورج مونان"...
إُف جانب ما قدمو األستاذ " رابح بوحوش" ( ،البنية اللغوية لبردة البوصيري) ونضيف
إُف ىذه الدراسات ا﵀دودة كتاب ( البنية السردية في القصص القرآني) لألستاذ "طول ؿبمد"
الذي خص أسلوب السرد القرآين بدراسة أسلوبية مستفيضة ،ووثيقة الصلة بعلمي البالغة
والنحو ،3ومن ىنا نستطيع القول أن الدراسة األسلوبية ترتسي معاؼبها على خارطة النقد األديب
على يد الدكتور "عبد اؼبالك مرتاض" أما األعمال النقدية اليت قدمت امتزجت دبفاىيم البالغة
العربية القديبة.
ظهر التفكيك ليعيد السلطة للقارئ الذي كان أكرب اؼبهمشُت يف اػبطاب البنيوي بل ظل
مقصا ومغيباً ،كما يدعو التفكيك من خالل األسس اليت قام عليها إُف تعددية القراءة وتناسل
ً
اؼبعٌت ،وهبعل من كتابة االختالف سيمتو ،وفتح اؼبعٌت على األرجاء واالنتشار وفبارسة اؽبدم يف
أبشع صوره ال لتعيد البناء بل لتعيد اؽبدم ،وتطرح نفسها كذلك إُف ما ال هناية من القراءات» ،
فالقراءة التفكيكية ىي عملية حفر يف العمق اؼباورائي للنص« 4لذلك قبد يوسف وغليس ال
يًتدد يف اإلقرار بزيادة اػبطاب النقدي السعودي اؼبعاصر للتفكيكية "عبد ا﵁ الغذامي"
14
اليقد اجلزائسي املعاصس وعالقته باليظسيات الغسبية مدخل
يقول » :جعلنا نقر – باطمئنان ريادة اػبطاب النقدي السعودي اؼبعاصر -للتفكيكية على
مستوى العريب ،ألظباء نقدية ذات سيط عريب طيب ،عرفت بنظراهتا النقدية وإسهاماهتا اعبادة يف
نقد النقد خصوصاً ،أمثال" :عابد خرندار"" ،سعد البازغي"" ،ميجان الرويلي" ]...[ ،إضافة إُف
أظباء عربية قليلة أخرى نذكر منها" :علي حرب"" ،بسام قطوسا و"عبد اؼبالك مرتاض" « .1
أما يف اعبزائر فإن "عبد اؼبالك مرتاض" الذي عده "يوسف وغليسي" من ثلة النقاد الذين
تزعموا النقد التفكيكي دون منازع ،وقد امتد إُف التفكيكية يف هناية الثمانيات وكان كتابو ( ألف
ليلة وليلة) ربليل سيميائي فكيكي غبكاية "صبال بغداد" ،حيث ألفو سنة 1986م ،ونشره يف
العراق سنة 1989م ،مث أردفو بكتب الحقة تنهج هنجاً مركباً ( سيميائيا تفكيكيا) مثل( :
دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة "أين ليالي") "﵀مد العيد" الذي ألفو سنة 1987ونشره
سنة 1992م ،وكتاب ( تحليل الخطاب السردي ،معالجة تفكيكية سيميائية مركبة لرواية
"زقاق المدق") الذي ألفو سنة ،21989وإذا غضضنا الطرف عن " مرتاض" فإننا ال نكاد نعثر
على مبوذج تفكيكي يستحق الذكر ،الدراسة اليت قدمها األستاذ " الطاىر رواينية" بعنوان (
الكتابة وإشكالية المعنى -قراءة في بنية التفكك في رواية " تجربة في العشق للطاهر
وطار") ،وقد أفاد فيها بعض الشيء من بعض اؼبفاىيم التفكيكية ( الكتابة ،القراءة ،التصدر
السردي ،التناص )...اليت استقاىا من " ميشال فوكو") (Michel fokoو '' روالن بارت''
ومن كتاب " ويليم راي'') 3(Wilhelm Rayفضال عن ترصبة الشاعر " عمر أزراج" لثالثة
نصوص تفكيكية من النقد االقبليزي ،ودراسة الدكتور "سليمان عشرادي" النظرية حول (
التفكيكية وجذور الوعي التنظيري عند "جاك ديريدا") مثل ما يبت العثور على بعض اؼبفاىيم
1يوسف وغليسي ،مناىج النقد األديب ،دار اعبسور للنشر والتوزيع ،اعبزائر1428 ،ىـ2007 ،م ،ص .180 – 179
2يوسف وغليسي ،النقد اعبزائري اؼبعاصر ،من "الالنسونية "إُف "األلسنية" ،ص .163
3اؼبرجع نفسو ،ص ن.
15
اليقد اجلزائسي املعاصس وعالقته باليظسيات الغسبية مدخل
التفكيكية موزعة يف بعض كتابات الناقد الراحل " خبيت بن عودة" كمفهوم اؼبلحق يف دراستو (
1
انسحاب الكتابة)
ويبكن اإلشارة إُف أن "عبد اؼبالك مرتاض"" ،حسن طبري"" ،رشيد بن مالك" ،كان من
حسن طالع ىؤالء أن أشرف على طروحاهتم كبار النقد العاؼبي حيث» أشرفت الناقدة الكبَتة
جوليا كرستيفا على رسالة دكتورا اغبلقة الثالثة اليت قدمها "حسُت طبري" ،مثال« 2وقد سنحت
ؽبم فرصة حضور أشهر ؿباضرات "غريباس" و"كرستيفا" و"تودوروف" (Tzvetan
) Todorovىناك.
ومن بُت طرق التحديث والعصرنة اليت سلكها الناقد اعبزائري يف بلورة خطابو النقدي
اعبديد ىو إعالن افتتاحو – بداية من الثمانيات القرن العشرين -على النظريات السيميائية الغربية
وباألخص النظرية السيميائية الفرنسية ذات التوجو الغريباسي ،3فنجد صبلة من الدراسات
واؼبمارسات نذكر منهم " رشيد بن مالك" و"حسُت طبري" وعبد اؼبالك مرتاض" ،إضافة إُف
"عبد القادر فيدوح" ،]...[4فضالً عن ما قدمو الناقد "أضبد يوسف" الذي سيكون لنا اغبديث
عنو يف ؿبطة قادمة من البحث ،لكن قبل ذلك هبب أن نلما باىتمامات النقاد الذين ازبذوا من
ىذا اؼبنهج سبيالً يف التنظَت والتطبيق ،لعل اسم الناقد اعبزائري "عبد اؼبالك مرتاض" يأيت يف
طليعة النقاد اعبزائريُت من حيث استخدامو ؽبذا اؼبنهج وداعيا إُف إرساء قواعد ىذه النظرية ،ففي
16
اليقد اجلزائسي املعاصس وعالقته باليظسيات الغسبية مدخل
مؤلفو( الف ليلة وليلة) ربليل سيميائي تفكيكي ل ـ ":حكاية صبال بغداد" أفصح الباحث" عبد
اؼبالك مرتاض" عن تأثره بالدراسات الغربية قائال »:فلتكن ىذه ؿباولة منهجية لدراسة الًتاث
السردي ،ولتكن قبل كل شيء مدرجة إلثارة السؤال ومسلكو الستخدام اعبدال ،ولتكن أيضا
دعوة إُف التجديد ،أبلتنا ولكن بعيداً عن فخ التقليد الذي ابتلينا بو ،ىذه النظريات اليت تقرؤىا
يف لغاهتا اليت تتسرب يف أجسامنا « ،1وىنا يدعو إُف ذباوز اؼبناىج العتيقة والدعوة إُف اإلفادة
من ؾباالت ونظريات وللتأكيد أضاف قائالً » :أما ما نود كبن ،فهو أن نفيد من النظريات الغربية
القائم كثَت منها على عجن ىذه مع تلك عجينا متينا ،مث بعد ذلك كباول أن نتناول النص برؤية
مستقلة مستقبلية « 2ومن خالل ىذا القول فالناقد يدعوا إُف اإلفادة من النظريات الغربية يف
تأسيسو للنظرية قاصداً إفادة غَته هبا.
وكذلك يبكن الوقوف على ـبتلف التيارات اللسانية اليت تشرب منها الناقد ،ومن خالل
مؤلفاتو دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة " أين ليالي" "﵀مد العيد آل خليفة" 1992م ،كذلك
شعرية القصيدة ،ربليل مركب لقصيدة " اشجان يبانية" 1994م.3باإلضافة إُف ما قدمو "رشيد
بن مالك" ،فمن اعبهود النقدية اليت قدمها دراسات سيميائية عديدة يف الرواية اعبزائرية ،ولكن َف
ينظمها يف كتاب فهو منذ دراستو األوُف قد أفصح بدقة عن مرجعيتو وعن والئو اؼبنهجي اغبامل
ربديدا 4وتتميز الدراسة – عموما -بالتطبيق اعبربي،
ً للمجهود السيميائية الفرنسية والغريباسية
اآلِف ؼبقوالت السيميائية الفرنسية ،كما قدم يف ؾبال التاريخ للسميائية وثيقة ىامة ،ترصبها عن
5
"جان كلود كوكي" بعنوان ( وثيقة السيميائية مدرسة باريس)
17
اليقد اجلزائسي املعاصس وعالقته باليظسيات الغسبية مدخل
أما الدكتور "عبد القادر فيدوح" فقد بدأت جهوده السيميائية مع مطلع التسعينات وكتابو
األول ضبل عنوان (:دالئلية النص األدبي) دراسة سيميائية للشعر اعبزائري ،وقد ظهرت أظباء
نقدية أخرى جعلت من السيميائية السردية موضوعا ؽبا ومن ىؤالء النقاد " سعيد بوطاجُت"
الذي قدم دراسة موسومة (باالشتغال العاملي – دراسة سيميائية )-والذي يقارن بُت
شخصيات الرواية مقارنة سيميائية ،إضافة إُف "عبد اغبميد بورايو" وذلك من خالل كتابو(:
المسار السردي) ،وعلى هنج ىؤالء سار كل من "حسُت طبري" و"أضبد شريبط" و"بشَت
إبرير"[1،]...وما يبيز النقد السيميائي يف اعبزائر ىو أن معظم اؼبقاربات النقدية اقتفت أثر اؼبدرسة
الباريسية ،ورغم االستحضار اؼبكثف للنضاريات الغربية يف الساحة النقدية اعبزائرية إال أن اغبضور
األكثر كان للخطاب السيميائي وىذا ما سنحاول إبرازه يف ؿبطات قادمة يف البحث.
18
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
الفصل األول
19
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
توطئة
قبل الغوص يف ربديد السيمياء من حيث اؼبفهوم واألبعاد ،اعبذور والنشأة ،ال بد على أي
باحث أن ينوه بإشكالية ربديد اؼبصطلح ،الذي بدونو ال يبكن الولوج إُف أي علم من قريب أو
من بعيد ،كيف ذلك؟ وكل علم يتحدد دبصطلحاتو ،ىذا األخَت ،الذي يعد مفاتيح العلوم ،هبا
ندخل إُف كنهها ونكشف الستار عن اؼبعٌت الدفُت خلفها ،فهي ؾبمع اغبقائقها اؼبعرفية ،كما يرى
اؼبسدي" » :أن السجل االصطالحي ىو الكشف اؼبفهومي الذي يقيم للعلم سوره
"عبد السالم ّ
اعبامع ،وحصنو اؼبانع ،فهو لو كالسياج العقلي ،الذي يرسي حرماتو رادعا إياه أن يالبس غَته،
وحاضراً غَته أن يلتبس بو ،ومىت ربل الدال خبصليت اعبمع واؼبنع كان على صعيد اؼبعقوالت دبثابة
اغبد عند أىل النظر اؼبقولُت الذين ىم اؼبناطقة ،فيكون اؼبصطلح الفٍت يف أي شعبة من شعاب
شجرة اؼبعرفة اإلنسانية سلطة ذىنية ىي سلطة اؼبقوالت اجملردة يف علم اؼبنطق :فال شذوذ إذا
فسدت صورتو واختلت فسد ُاعتربنا اعبهاز اؼبصطلحي لكل علم صورة مطابقة لبنية قياساتو مىت ُ
فاؼبسدي من خالل قولو يؤكد على العالقة اؼبعقودة
ّ ،1
بنيتو فيتداعى مضمونو باِرتكاس مقوالتو «
بُت العلم وصبلة مصطلحاتو وضرورة اتسام ىذه العالقة بالتفاعل ألن التفاعل صَتورة كبو ما ال
يتغَت فيو كل من طريف الفعل واالنفعال والتحديد اؼبصطلحي ىو الذي وبول دون اختالف فإذا
فسد اؼبصطلح فسدت صورتو واختل علمو فهو الدرع الواقي لو من أي شائبة أو دخيل.
إن ربديد مصطلح السيمياء أو علم السيميائيات ليس باألمر السهل لكل باحث يروم
ذلك ،سواء دبعايشتو األوُف يف الثقافة الغربية أو بارربالو إُف الثقافة العربية عن طريق النقل والًتصبة
أو باألحرى عن طريق تبٍت النقاد العرب ؽبذه النظرية وتطبيقها على النصوص األدبية ،وذلك
حبكم أهنا حقل معريف يتميز باالتساع والشمولية » وأسباب استعصاء ربديد ىذا اغبقل اؼبعريف
متعددة ،فمنها ما يرتبط بالطابع اإلشكاِف اللصيق بالوضع االبستيمولوجي للسيمياء ،ومنها ما
1
اؼبسدي ،قاموس اللسانيات ،الدار العربية للكتاب ،د .ط ، .ص .11
عبد السالم ّ
20
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
ىو ناتج عن عالقتها اؼبلتبسة باللسانيات ،وآخر يتعلق بتنوع مناىجها وتعدد فروعها ومباحثها
1
وتباين ؾباالهتا «
واغبديث عن النظرية السيميائية سواء يف البيئة النقدية العربية أو يف البيئة النقدية الغربية،
هبعلنا نقف أمام إشكالية تلقي ىذه النظرية وتطبيقها ،فكيف تلقى النقد العريب اؼبعاصر النظرية
السيميائية؟ ،وكيف استثمرىا يف قراءة النصوص واالشتغال عليها؟ ،وقبل اػبوص يف التجربة
النقدية السيمائية ال بد من الوقف على خلفياهتا وروافدىا واالذباىات واؼبفهوم.
أ _ في المعاجم اللغوية
ورد يف ؾبمع " روبَت" ( ) Robertأن السيميائيات » نظرية عامة لألدلة ،وسَتىا
داخل الفكر[ ،]...كما أهنا نظرية لألدلة و اؼبعٌت ،و سَتىا يف اجملتمع[ ،]...ويف علم النفس
تظهر الوظيفة السيمائية يف القدرة على استعمال األدلة والرموز « ،2وىو تعريف لغوي يقًتب
كثَتا من اؼبفهوم االصطالحي للسيميائيات ،الذي ستكون معو وقفة يتضح من خالؽبا حقيقة
سَ ،وَ ،م) أن كلمة " سيمياء" عربية علم السيمياء .وقد جاء يف " لسان العرب" يف مادة ( َ
أصيلة مشتقة من الفعل ( َس َام) الذي ىو مقلوب ( َو َس َم) وأصلها ( َو ْظبَى) ووزهنا ( َع ْفلَى) وىي
يمى) ِ ِ
يف ىذه الصورة ( فَـ ْعلَى) ،ويدل على ذلك قوؽبم :ظبَة فإن أصلها ( َو ْظبَة) ،ويقلون ( س َ
بالقصر و( سيماء) باؼبد ،و ( سيمياء) بزيادة الياء وباؼبد ،ويقلون ( َس َوَم) إذا جعل ( ِظبَة) وكأهنم
1عبد الواحد مرابط ،السيمياء العامة وسيمياء واألدب ،الدار العربية للعلوم ناشرون ،بَتوت ،لبنان ،ط1431،ىـ 2010/م،
ص .19
2فيصل األضبر ،معجم السيميائيات ،الدار العربية للعلوم ناشرون ،منشورات االختالف ،ط ،1اعبزائر1431 ،ىـ /
2010م ،ص .13
21
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
يمة ،والسيماء،
ومة ،والس َ
إمبا قلبوا حروف الكلمة لقصد التواصل إُف التخفيف ؽبذه األوزان :الس َ
والسيمياء :العالمة ،وسوم الفرس :جعل عليو السمة ،وقال ابن األعرايب :السيَ ُم العالمات على
اؼبسومة
و ،ُة ي صوف الغَنَ ِم ،واؼبسومةٌ اؼبعلمةُ ،1وجاء يف " ـبتار الصحاح" :اػبيل ( اؼبسومةُ) اؼبر ِ
ع
َ َ َ َ َْ َ َ َُ َ
أيضا اؼب َعلَ َمةُ.2
ُ
بناء على ما جاء يف اؼبعاجم العربية ،فإن اللفظ ليس دخيالً على اللغة العربية ،كما أن
معناه يتفق وما تشَت إليو اؼبعاجم األجنبية ،فكلها تشَت إُف " العالمة" ،و يدعم ىذا ورود لفظ
"السيماء" يف القرآن الكرًن يف مواضع كثَتة دبعٌت "العالمة" سواء أكانت متصلة دبالمح الوجو أم
ِِ
اى ْم َال عز وجل_ يف ؿبكم تنزيلو ﴿:تَـ ْع ِرفُـ ُهم بس َ
يم ُ اؽبيئة أم األفعال واألخالق ،يقول اؼبوُف _ ّ
لقاء يسأَلُو َن إِ ْغبافًا وما تُ ِنف ُقوا ِمن خ ٍَت فَِإن اللـو بِِو علِيم﴿ٖ﴿،3﴾ٕ٧و إِذا ص ِرفَت أَبصارىم تِ
َ ُُ ُ َ َ َ ٌ ْ َْ َ ََ َْ
َصحاب اعبَن ِة َصحاب النّا ِر وبينَـهما ِحجاب وعلَى األَعر ِ
ِ
َ نادوا أ
سيماىم َو َجال يَع ِرفو َن ُك ًال بِ ُ
اف ِر ٌ ٌ ََ ََ ُ أ
اف ِر ً
جاال أَن سالم علَي ُكم ََف يدخلوىا وىم يطمعو َن﴿﴿،4﴾ٗ٤ونادى أَصحاب األَعر ِ
ُ َ َ ُ َُ َ َ َ ٌ َ
5 ِ يَع ِرفونَـ ُهم بِ ُ
سيماىم قالوا ما أَغٌت َعن ُكم َصبعُ ُكم َوما ُكنتُم تَستَكربو َن ﴿ُ ْ َ ﴾ٗ٤
اء ش
َ ن
َ وَلو ﴿،
اى ْم َألَريـنَا َكهم فَـلَعرفْـتَـهم بِ ِسيماىم ولَتَـع ِرفَـنـهم فِيلَح ِن الْ َقوِل واللـو يـعلَم أ َْعمالَ ُكم ﴿ٖٓ﴾ِ ﴿،6
يم ُ
َ س َ ُ ْ َ ْ ُ ْ ْ ْ َ ُ َْ ُ َ ْ َْ ُ ْ ََ ُ
ف الْمج ِرمو َن بِ ِسيماىم فَـيـ ْؤخ ُذ بِالنـو ِ
اصي ُ ر ع ـي ﴿،7
﴾ ٕ٢﴿ وى ِهم من أَثَِرالسج ِ
ود فِيوج ِ
َ َ ُ ْ ُ َ ُ ْ ُ َ ْ ُ ُ ْ ُُ
1ابن منظور ،لسان العرب ،دار صادر ،ط جديدة ،بَتوت ،لبنان ،د ت ،ؾبلد ،7مادة ( س و م)ن ص .309 ،308
2الرازي ـبتار الصحاح ،دار الكتاب اغبديث ،ط1414 ،2ىـ1993 /م ،الكويت ،ص .224
3سورة البقرة ،اآلية [ .]273
4سورة األعراف ،اآلية [.]46
5سورة األعراف ،اآلية [ .] 48
6سورة ؿبمد ،اآلية [ .] 30
7سورة الفتح ،اآلية [ .] 29
22
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
وإذا ما انتقلنا إُف اؼبفهوم االصطالحي للسيمائيات ،فإنو من الصعب جداً وضع مفهوم
ؿبدد ؽبا ،بيد أن اؼبتفق عليو عند علماء الغرب أهنا » العلم الذي يدرس العالمات« ،وهبذا عرفها
كل من " تدوروف" و" غريباس " ،و"جوليا كرستيفا" و"جون دوبوا'' )( Jean Dubois
وجوزيف راي دوبوف " ( ،3( Joseffe Rey _ Deboveويبكن القول أنو وعلى
اللغوية. اختالف التعاريف اليت طرحها العلماء ؽبذا اؼبصطلح ،فإهنا تدور يف فلك العالمة واألنظمة
وقد عرفها "بيَت جَتو" ) )Pierre Guiraudوبقولو :ىي العلم الذي » يهتم
بدراسة أنظمة العالمة :اللغات ،أنظمة اإلشارات ،التعليمات ،إٍف ...وىذا التحديد هبعل اللغة
جزءاً من السيمياء[ ،4 « ]...وىو ما ذىب إليو الباحث العريب " ؿبمد السرغيٍت" حينما
جعلها» علما يبحث يف أنظمة العالمات أياً كان مصدرىا لغوياً أو سننياً أو مؤشرياً « ،5كما
يعرفها الدكتور " صالح فضل" بأهنا دراسة» األنظمة الرمزية يف كل اإلشارات الدالة وكيفية ىذه
الداللية « ،6وورد التعريف يف موسوعة علم اإلنسان بأنو» علم العالمات ،أو السلوك اؼبستخدم
للعالمة ،وينطوي على دراسة كل من االتصال اللغوي وغَت اللغوي ،كما يدرس كيف زبلق عملية
تنميط السلوك الثقايف البشري صور الداللة اليت يتم تفسَتىا وفقاً ؼببادئ عامة مشًتكة ،وعادة ما
23
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
يتم ذلك دبناظرهتا بالسلوك اللغوي « ،1ومن خالل التعاريف السابقة يبدو أن صبيعها تتفق يف
أهنا علم يهتم بالعالمة وكيفية ذبلي الداللة يف اػبطاب.
-1الخلفيات الفلسفية:
إن اؼبتطلع لتاريخ السيميائيات هبد أهنا علم ضارب يف أغوار الًتاث الفلسفي واللغوي،
لكنو رغم ذلك يبقى مولوداً حديثاً وشبرة للقرن العشرين ،وىو يف سعي دائم لالرتقاء ولبص بالذكر
اليونان القدامى مع كل من "أفالطون" ) )Platonو"آرسطو")(Aristoeو"الرواقيون" ،اليت
شكلت اإلرىاصات األوُف لفلسفة أخذت على عاقها التأمل يف مسألة اللغة ،2وما يؤكد ذلك
ارتباط السيميائية دبفهوم العالمة يف اػبطاب الثقايف اليوناين.
لقد شغل اؼبعٌت من القدًن بال اإلنسان وفكره »،وال يبكن تقدًن تصور ؼباىية العالمة دون
الوقوف على عالقتها باؼبعٌت« ،3وردبا فهم اؼبعٌت من اؼبنظور السيميائي ال يبكن فصلو عن[]...
اؼبعرفة االنسانية ألن ىذه العالمات تنظم داخل قوانُت الوجود اليت جعلت " جون لوك" يهتدي
إُف السيميائيات اليت ترتبط ببقية عناصر ىذه اؼبعرفة ،4حيث أن " لوك" و " البينز" (
) Gottried .Wilhelm Leibnzخصص اعبزء األخَت من مؤلفيهما)ؿباولة يف ملكة
الفهم اإلنساين( لتصنيفات العلوم ،فأقرأ " السيميائيات" ( نظرية العالمات) ضمن أصناف
العلوم،5ومن مث كان السبق يف ميالد السيميائيات ،تصوراً ومصطلحاً ،من حظ" ،جون لوك" ،من
24
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
من خالل اقًتابو إلشكالية اللغة وفلسفتها النظرية ومن مث اإلشكالية السيميائية ،عن طريق ربطها
بنظرية اؼبعرفة.
وهبذا فقد طرح " لوك" التفكَت السيميائي على أساس قاعدة اللغة على عكس
سابقيو »،حيث تبلورت سيميئيات مثالية مع " بركلي" ) (Gearge Berkleyوقابلتها
سيميائيات ذبريبية مليئة بروح الشك مع " ىيوم" ) ( David Humeوسعت الكانطية (
نسبة إُف " كانط") ( Ismmanuel .Kantإُف التخفيف من غلو التبحرية اؽبيومية« ،1
وعموما قد اتسمت سيميائيات القرن الثامن عشر بالطابع اإليدولوجي ،وقد ظل سيميائيوىا
منشغلُت بالعالمة والداللة من أمثال '' جون لوك'' وال بينز'' و '' كوند ياك'' (Elienne
),Bonid deCondllicوحىت " ديدرو" ) ،2( Denis Diderotوىو نفسو طموح
السيميائيُت اؼبعاصريُت اليوم .إضافة إُف جهود الرواقيُت اؼبؤسسة للفكر السيميائي القدًن ،خاصة
القديس " ،أوغستُت" )،( saint Augustinويبدو أن الرواقيُت َف يربطوا بصفة جلية نظرية
اللغة بنظرية العالمات ،ويبدو أهنم نقلوا الثالثية اليت أوحى هبا " أفالطون" و أرسطو" »،3فكاموا
أول من ذباوز تلك اؼبركزية العرفية اللغوية اليت ضبلت أرسطو نفسو على تعريف اؼبقوالت اؼبنطقية
الكلي ة من خالل ألفاظ لغة معينة [ ]...أما اؼبضمون فلم يعد كما كان لدى اؼبفكرين السابقُت
حالة نفسية أو مبدأ أو تفكَت أو فكرة [ ]...على عكس ذلك يوحي الرواقيون بأن اؼبضمون ىو
شيء " غَت مادي " «.4
25
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
ويبكن اإلشارة يف ىذه السياق إُف أن الًتاث العريب َف يكن بعيداً عن مثل ىذه اؼبشاغل،
فقد شغل اؼبناطقة واألصوليون والبالغيون واؼبفسرون تراثاً وغنيا بالدروس واؼبباحث اعبليلة،
واؼبالحظات األصلية حول فكرة العالمة وقضايا الداللة واؼبعٌت ،ذبلى ذلك يف أطروحات الفالسفة
اإلسالميُت ،ىذا وقد ربدث "عز الدين مناصر" عن " العرب و السيمياء" حديث مطوالً ،أفصح
فيو عن اعبذور االوُف للسيميائية عند "ابن سينا" و"ابن خلدون" ،حيث أشار [ ]...إُف ـبطوطة
تنسب إُف " ابن سينا" ربت عنوان ( كتاب الدر النظم يف أحوال علوم التعليم) وورد يف ىذه
اؼبخطوطة فصل ربت عنوان ( علم السيمياء) [ ،]...و"ابن خلدون" ىو اآلخر كان قد خصص
فصال من مقدمتو لعلم أسرار اغبروف .فعلم أسرار اغبروف" ىو – كما يقول " اؼبسمى
بالسيمياء" نـَ ْق ٌل وضعو من الطلسمات ،وقد وجدت السيمياء يف علوم اؼبناظرة واألصول والتفسَت
والنقد .وىكذا قبد أن السيمياء قد عرفت ذبلياهتا األوُف يف كتابات الفالسفة الغربيُت والعرب
على حد سواء ،و ذلك يف سياق حديثهم عن العالمة والداللة اليت تلتصق عند العرب بالسحر
والطلسمات اليت تعتمد أسرار اغبروف والرموز ،وأحيانا تتصل بالكيمياء ،وأحيانا آخر باؼبنطق
وعلم التفسَت والتأويل وإن بدا ذلك ليس بعيداً عن حقوؽبا اؼبعاصرة ،فستبق بذور أوُف ترقى إُف
بناء تصور ونسيج نظري متكامل هبعل من السيميائيات علماً قائماً بذاتو.
-2الخلفيات اللسانية
ويف هناية القرن التاسع عشر ،وبداية القرن العشرين ارتبط ظهورىم علم العالمة بوجود
عاؼبُت يرجع الفضل إليهما يف ظهوره بالرغم من عدم معرفة كل منهما باآلخر 1نبا :العاَف اللساين
اللغوي السويسري" فرديناند دي سوسَت" ) ")1913 – 1875 ( (F de saussureو
الفيلسوف االمريكي " شارل ساندرس بَتس" ) 2 )1914-1839 ( ( C,S, peirceإذا
26
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
اختلفت اآلراء يف اي العاؼبُت أسبق إُف اكتشاف ىذا العلم ،حيث يرى بعض الدارسُت أن
السيميائية بدأت مع العاَف النمساوي "دي سوسَت" الذي تنبأ يف ؿباضراتو دبيالد علم جديد يعٍت
بدراسة العالمات من خالل قولو »:لذلك يبكن أن نؤسس علماً يدرس حياة العالمات يف صدر
اغبياة االجتماعية ،فهو يشكل جانب من علم النفس االجتماعي وبالتاِف جانبا من علم النفس
العام وسوف نطلق على ىذا العلم اسم " سيميولوجيا" ]...[ "Sémiologieوسوف يكون
علم اللغة ""Linguistiqueقسماً من السيميولوجيا « 1وهبذا كان الفضل "لسوسَت" الذي
رأت السميائيات النور على يده ،وقد أشار إُف أىم ما يقوم عليو الدرس السيميائي" ،العالمة"
وبالنسبة لو ،فالعالمة اللغوية ( الدليل اللغوي) تتشكل من دال ومدلول ذبمع بينهما عالقة
اعتباطية " ،فالعالمة إذا ليست ىي ( الدال) بذاتو وال ( اؼبدلول) بذاتو بل ىي بينهما أي ما
ينهض هبذه العالقة بينهما وهبذه العالقات بُت الناس وموجودات العاَف ،وقد بُت "دي سوسَت"
2
رسم العالمة كبنية هبذا الشكل:
Signfiéمدلول ( مفهــوم )
» والعالمة اللغوية ىي وحدة نفسية مزدوجة ،والعنصران ( مفهوم -صورة ظبعية) مرتبطان
معاً ارتباطاً وثيقاً ،ويتطلب وجود الواحد منهما ،وجود اآلخر « 3وأن صفة الدال خطية ،ذلك
أن» الدليل يفهم داخل تصور عام ،ىو النظام ،الذي يتضمن مفهوم الكل و العالقة « 4فال
1أن إينو وآخرون ،السيميائية األصول ،القواعد والتاريخ ،تر :رشيد بن مالك ،ص .33
2عاصم خلف كامل ،االذباه السيميولوجي ونقد الشعر ،ص .34
3آن إينو وآخرون ،السيميائية األصول ،القواعد والتاريخ ،تر :رشيد بن مالك ص .33
4اؼبرجع نفسو ،ص .34
27
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
تأخذ األجزاء وظيفتها إال يف عالقتها االختالفية فيما بينها و ىي عالقة تقوم بإنتاج اؼبعاين و
تداوؽبا وبفضلها مت ربديد موضوع السيميائية وىو الداللة.
إذا كان " دي سوسَت" أصالً لسانياً للسيميائية ،فإن "بَتس" )(CharlesPierce
( )1914 – 1838أصالً منطقيا ؽبا إذ أنو ربط بُت السيميوطيقا واؼبنطق حيث قبده
يقول» ليس اؼبنطق دبفهومو العام إال اظبا للسيميوطيقا ،والسيميوطيقا نظرية شبو ضرورية أو نظرية
شكلية للعالمات « .1
لقد تناول» بَتس العالمة يف سياق منطقي دقيق متشعب ،ما هبعل فهم مفهومو للعالمة
عبَتا ،وإذا كانت العالمة عند " دي سوسَت" ثنائية ،فإن بَتس" يرى أن عالمة ىي ثالثية العالقة،
وؽبا فبثل وموضوع ومؤول « .2
4رشيد بن مالك ،السيميائية أصوؽبا و قواعدىا ،منشورات االختالف ،اعبزائر ،د ط ،2002 ،ص .23 – 22
2جَتار دولودال ،السيميائيات أو نظرية العالمات ،تر :عبد الرضبان بوعلي ،دار اغبوار للنشر والتوزيع ،ط ،1الالذقية ،سوريا،
،2004ص .27
28
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
1
وفق اؼبخطط اآليت:
عالمة قانونية ( عرفية) عالمة عينية ( منفردة) عالمة كيفية ( نوعية)
Representamen
ومن خالل الشكل نالحظ أن " بَتس" أعترب العالماتية ( السيميوطيقا) إطار مرجعيا
يتضمن أي دراسة أخرى بقولو »:أنو َف يكن بإمكاين على اإلطالق أن أدرس أي شيء []...
إال بوصفو دراسة عالماتية « 2فالسيميائيات -تبعا لرؤياه– علم يضم صبيع العلوم على
اختالفها ،يف حُت " سوسَت" جعل السيميائيات جزء من علم النفس االجتماعي.
1يشَت تاوريرت ،اغبقيقة الشعرية على الضوء اؼبناىج النقدية اؼبعاصرة والنظريات الشعرية ،دراسة يف األصول و اؼبفاىيم ،عاَف
الكتب اغبديث ،ط ،1إبريد ،األردن 20101431،م ،ص .121
2منذر عياشي ،العالماتية وعلم النص ،اؼبركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،اؼبغرب ،ط ،2004 ،1ص .15
29
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
ما هبمع بينهما ىو االنطالق من النص دون غَته ،و النظرية السيميائية واحدة من ىذه
االذباىات اليت شقت طريقها النقدي بوضوح ،استناداً إُف أسس لسانية بنيوية،1فكانت بذلك
منهجا نقديا يستحق أن يتّبع و يتبٌت يف ربليل النصوص.
-1مبادئ السيميائية
تبحث السيميائية عن اؼبعٌت ،من خالل بنية االختالف و لغة الشكل ،والبٌت الدالة،
وىي لذلك ال هتتم بالنص وال دبن قالو ،وإمبا رباول اإلجابة عن تساؤل وحيد ىو ،كيف قال
النص ما قالو؟ من أجل ذلك يفكك النص ويعاد تركيبو من جديد لتحدد ثوابتو النبيوية وىذا
العمل يقوم على اؼببادئ التاِف:
أ -التحليل المحايث :الذي يبحث عما يُكون الداللة من شروط داخلية و أبعاد
كل من يعد خارجيا.
ب -التحليل البنيوي :إلدراك اؼبعٌت ال بد من وجو نظام من العالقات تربط بُت
عناصر النص ،ولذا فإن االىتمام هبب أن يوجو إُف ما كان داخالً يف نظام االختالف
الذي يسمى شكل اؼبضمون وىو التحليل البنيوي.
ج -تحليل الخطاب :يعد اػبطاب يف مقدمة اىتمامات التحليل السيميائي الذي
يهتم بالقدرة اػبطابية ،وىي القدرة على بناء نظام إلنتاج األقوال على عكس
اللسانيات النبوية اليت هتتم باعبملة.2
30
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
-2اتجاهات السيميائية
قد تنوعت االذباىات حسب اىتماماهتا باؼبظاىر اؼبختلفة للعالمة وسنختصر ىذه
االذباىات يف اؼبخطط اآليت:
اتجاهات السيميائية
-بوري لوسبان Yuri Lotman -روالن بارت Roland Barthess George Mouni -جورج مونان
-إفانوف Ivanov
-بربيطو Priéto luis
-أسبنانسكي Ouspenski
-بويسنس Eric Bayessens
-روسي الندي R.Landi
-مارتينيو André Martinet
-أمربتو إيكو Umberto Eco
-كرايس Grice
31
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
وقد » اعتربت النظرية السيميائية كما يقول " :حامت الصكر" '' األكثر إقًتابا يف ربليل
النصوص بقواعد واضحة ،ومفاىيم متشعبة[ ،]...فرؤية السيميائيُت للنص تنطلق من كونو عبارة
عن شبكة من الشفرات يقوم القارئ بفكها « .1فجاءت ؿباوالت " روالت بارت" لتواصل
اعبهود الفلسفية للسيميائية اليت بدأىا "شارل ساندرس بَتس" و اعبهود اللغوية اليت بدأىا " دي
سوسَت" ،فتجاوز البعدين الفلسفي واللغوي إُف البعد النقدي للسيميائيات ،فَتى "بارت" أن "
السيميولوجيا" ( السيميائية) ىي علم الدالئل استمدت مفاىيمها اإلجرائية من اللسانيات،
ونتيجة التفكيك الذي أصاب كل اللسانيات فقد قبم عنو ظهور علم السيميولوجيا ( السيمياء)
وتأيت السيميائية جزء من ىذا النظام الكلي.2
والنقد السيميائي يعترب نظاما للعالمات يستند إُف أنظمة اللغة ،ألن اللغة ىي الوعاء
الذي وبوي الرموز األدبية واؼبعايَت النقدية ،ومن مث يعد النقد السيميولوجي نظاما من أنظمة
العالمات ،وىذا ما حاول " بارت" أن يربزه 3ويذكر "ؿبمد البكري" يف مقدمة ترصبتو لكتاب
"بارت" " مبادئ علم الداللة" ؾباالت وموضوعات السيميولوجيا( :علم الداللة) ،على النحو
التاِف:
/1وسائل التواصل اغبيواين :/2 ،دالئلية التواصل اعبماىَتي /3 ،دالئلية السرد/4 ،
دالئلية األزياء /5 ،صنافة الثقافة .وإذا كان "بارت" يربط بُت اللسان واػبطاب فإن اػبطاب
النقدي السيميائي يعد جزءاً من اللسان عنده ،ىذا اعبزء يقوم بتطهَت اللسانيات وتنقية اػبطاب
فهو هبعل السيمياء تابعة للسانيات ال لشيء سوى ألن إحدى خصائصها لسان ما ،قدرتو على
32
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
ترصبة األلسنية األخرى وكل السيميائيات األخرى غَت اللفظية ،فقد رأى " أن التحليل السيميائي
لن يسمك دبوضوعاتو ،أي باألنساق الداللية اللغوية وغَت اللغوية إال من خالل ترصبتها إُف النسق
طوع اؼبفاىيم اللسانية ( اللسان – الكالم – الدال – اؼبدلول – التعيُت – اإلوباء
اللغوي ولذلك ّ
– ا﵀ور الًتكييب – ا﵀ور االستبداِف )...لدراسة أنساق اؼبوضة والغناء اؼبالبس ،واإلشهار،
واألسطورة وغَت ذلك".1ويكاد " بارت" أن وبول القارئ إُف كاتب ٍ
ثان ،ألن القراءة السيميولوجية
تعترب أن النص وبمل أسرار كثَتة والدال ىنا يستفز القارئ ويدعوه إُف البحث عنها وفك رموزىا
انطالقا من فهم العالقة اعبدلية اؼبوجودة بُت الدال واؼبدلول ،كما حددىا علماء اللسان ،أي
عالقة اغبضور والغياب ( الدال حضور واؼبدلول غياب) ،حول" بارت" ىذه العالقة إُف تبادل
اؼبتعة واللذة بُت النص والقارئ.2
أما "جورج مونان" إُف جانب ؾبموعة من ا﵀دثُت ،فقد ذىبوا صبيعا إُف أن السيميولوجيا
ربتم بدراسة صبيع السلوكات أو األنظمة التواصلية ،فالسيميائية عندىم ىي ذلك العلم الذي
يدرس سائر الظواىر الثقايف بوصفها أنظمة للعالمات قائمة على فرضية مؤداىا أن ظواىر الثقافة
صبيعها ما ىي يف الواقع سوى أنظمة عالمات ،وىذا يعٍت بال شك بأن الثقافة يف جوىرىا ىي
عملية اتصال ).3( communicationوقبد يف ىذا االذباه كل من "برييطو") ،( Pretoو
"بوسنس") (Buysseensوغَتىم ،ويذىب ىذا الفريق إُف أن السيمياء دراسة ألنظمة
االتصال عامة ،و ليست خاصة باألنظمة الدالة فحسب ،ويتضح أن السيمياء إمبا ىي أساس
للتواصل ،وبذلك تصبح اللغة أو الرموز اللغوية جزءاً من أنظمة التواصل مثلها مثل اإليباء
واإلشارة ،4أي أن ىذا الفريق اشتغل على السيميولوجيا التواصلية ،فقاموا بدراسة لألنساق
1فركوس حنيفة ،األصول الغربية للسيمياء وارىاصاهتا العربية ،ؾبلة االثر العدد ، 23سبتمرب 2015،م ،ص .78
2يوسف األطرش ،اؼبقاربة السيميائية يف قراءة النص ،اؼبلتقى والوطٍت األول ،السيمياء والنص األديب ،ص .147
3أمال كعواش ،السيميائية منهج ألسٍت نقدي ،كلية اآلداب واغبضارة اإلسالمية جامعة األمَت عبد القادر ،ص .10
4بومعزة رابح ،االذباىات السيميائية اؼبعاصرة ،اؼبلتقى الوطٍت الرابع ،السيمياء و النص األديب" ص .3
33
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
التواصلية اؼبختلفة ،من وجهة سيميائية " مارتينيو" مثال ،يرى أن الوظيفة الرئيسية لألداة اليت سبثلها
اللغة ىي وظيفة اإلبداع.1
أما االذباه الثالث فيتدرج ربتو أعمال كل من الباحث اإليطاِف " أمربتو إيكو" و " جوليا
كرستيفا" وغَتىا .وتذىب " كرستيفا" إُف عدم قبول حصر السيميولوجيا يف دراسة األنساق
التواصلية فحسب ،فالسيميولوجيا ،عندىا ىي غبظة التفكَت يف قوانُت التدليل ،دون أن تبقى
أسَتة اللغة التواصلية اليت زبلو من مكان الذات ،وأصبح مشروعها التحليلي يسمى ( علم الداللة
التحليلي) (.2)sémanalyse
كما أن السيمولوجيا حسب " كريستفا" كعلم نقدي و /أو كنقد للعلم ،النماذج اليت
صوغها السيميائية شبيهة بنماذج العلوم اغبقيقية ،إال أن السيميائية وىنا اختالفها مع العلوم ،ىي
أيضا إنتاج لنظرية النمذجة اليت تشكل ماىيتها ،فالسيميائية إذن مبط من التفكَت ،ويف كل غبظة
تنتج فيها نفسها نتأمل موضوعها وأدلتها والروابط اؼبوجودة بينهما ،إهنا سبارس للتفكَت يف ذاهتا،
وىذا يعٍت» أن السيميائية إعادة تقوًن مستمرة ؼبوضوعها أو مباذجها ،ونقد ؽبذه النماذج (أي ىي
نقد للعلوم اليت اقتبست منها تلك النماذج) ،ونقد لنفسها ( باعتبارىا نظاما للحقائق الثابتة).
ؽبذا فالسيميائية نقد مستمر لنفسها ،وباعتبارىا نظرية يف ذاهتا ،تكون السيميائية -والكالم
لكريستفا -ىي ذلك العلم لإليديولوجيات الذي روجت لو روسيا النووية ،ولكنو يف نفس الوقت
ايدولوجيا العلوم ،السيميولوجيا ىي موقف ومنهج أكثر منها علماً « .3
بينما السيميائيات السردية عند غريباس ،ىو بال شك حديث عن مبوذجو اؼبوسم ب:
(النموذج العاملي )Modeleactontiele ،الذي اقًتحو كتمحيص نقدي ؼبورفولوجية "
1بومعزة رابح ،االذباىات السيميائية اؼبعاصرة ،اؼبلتقى الوطٍت الرابع ،السيمياء و النص األديب ،ص .4
2أن إينو وآخرون ،السيميائية ،األصول القواعد ،التاريخ ،ص .50
3اؼبرجع نفسو ،ص .51
34
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
فالدمَت بروب " ويقدم تصور نظري الذباه معريف /مدرسة باريس السيميائية الذي اقًتن اظبو هبذا
الباحث ( غريباس) لقد اىتم "غريباس" أساسا بالشروط الداخلية للمعٌت يف النص 1فهو بدراستو
للبٌت السردية اكتشف بٌت سيميائية تشتمل على األشكال العامة لتنظيم اػبطاب ،ويبيز بُت مبطُت
من الوحدات الداللة انطالقا من اػبصائص الذرية ذات الطابع الكوين ،صعودا إُف الوحدات
األكثر تعقيدا ،وذلك اعتمادا على التقابالت اؼبوجودة بُت الوحدات اؼبدلولية ،وىذا ما يسمى (
المربع السيميائي ،(la carré samiote،يسعى إُف الكشف عن منظومة اؼبعٌت ،وىذا
ىو دور اؼبربع السيميائي 2ويبكن أن نبُت بنية ىذا النموذج بالشكل التاِف.3:
تضاد
استعباد
حرٌة
وال ننسى جهود بعض اؼبنظرين ؽبذا العلم أمثال أمربتو إيكو ،من خالل كتابو (درس
السيميولوجيا) وبفضل ىؤالء وغَتىم من النقاد استطاعت السيميائية دخول مرحلة تقعيد
اؼبفاىيم وإرساء الدعائم فبا أىلها يف الكثَت من األقطار خاصة يف العاَف العريب.
1سعيد بوعطية ،اؼبرجعية اؼبعرفية للسيمائيات السردية – غريباس مبوذجا -اؼبغرب ،ص .50
2آن اينو وآخرون ،السيميائية األصول ،القواعد ،والتاريخ ،ص .48
3يوسف األطرش ،اؼبكونات السيميائية والداللية للمعٌت ،اؼبلتقى الرابع ،السيمياء والنص األديب ،ص .11
35
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
ومن خالل ما سبق الحظنا نوعا من التأثَت والتأثر يف اعبهود بُت الغرب والعرب بغية
التأسيس ؼبنهج نقدي متكامل األدوات اإلجرائية مسلحا بوسائل جديدة يف فبارسة ؼبختلف
األعمال الفنية واألدبية.
لقد اعتنقت الساحة النقدية العربية السيميائيات -خاصة يف فًتة الثمانينات -وأولتها
اىتماما كبَتا ،فقد مت التأسيس ؽبا مع قلة من اإلعالم الذين ما فتئت ترتبط بأظبائهم ارتباط اعبنُت
بأمو ومع ىذا» َف يتم التعامل [ ]...إال بالقدر القليل الذي ال يسمح باإلحاطة الشاملة بتفاصيل
البحث السيميائي اؼبعاصر [ ]...من ىذه الزاوية ،جاءت االنتقادات اليت وجهها بعض النقاد
العرب للسيميائية ( وىي انتقادات أقرب إُف األحكام القيمية من النقد العلمي اؼبؤسس) مفتقدة
إُف قراءة واسعة ومتمثلة لألطر اؼبفهومية للنظرية السيميائية « ،1ولعل ىذه اؼبسألة تعود – يف
األساس -إُف كون السيميائيات وليدة العاَف الغريب ،والساحة النقدية العربية مستهلكة بالدرجة
األوُف ،لتظل القطيعة مًتسخة بُت القارئ العريب واػبطاب السيميائي اؼبتعدد واؼبختلف يف
مقاصده العلمية ،رغم ىذا» استطاعات بعض البحوث يف ـبتلف البلدان العربية[ ]...بناء
إسًتاتيجية حبثية تعمل على إفراز قيم علمية فاعلة « » .2ومن األظباء اليت أسست ؽبا بوجو
خاص نذكر ":ؿبمد مفتاح"" ،عبد الفتاح كليطو"" ،ؿبمد اؼباكري" يف اؼبغرب ...يضاف إُف
ذلك ؾبهودات "عبد ا﵁ الغذامي" يف السعودية و"عبد اؼبالك مرتاض" ،و"رشيد بن مالك" و"عبد
القادر فيدوح" و"حسُت طبري" يف اعبزائر ،و"قاسم مقداد" يف سوريا ...دون أن ننسى اؼبسانبة
القيمة اليت تقدم هبا الناقد اؼبصري صالح فضل يف كتابو(شفرات النص :دراسة ابستيمولوجية،
1رشيد بن مالك ،السيميائيات السردية ،دار ؾبدالوي للنشر والتوزيع ،ط ،1عمان ،األردن 1427 ،ىـ2006 /م ،ص
.09
2رشيد بن مالك ،السيميائيات السردية ،ص .24
36
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
شعرية القص والقصيدة) « .1وتنبغي اإلشارة – يف ىذا السياق -إُف الدراسة اؼبوسومة بـ
(:مدخل إلى الدراسات السيميائية بالمغرب /محاولة تركيبية) للباحث " ؿبسن عمار"،
وتكمن أنبيتها " يف توجيو القارئ إُف الدراسة السيميائية األساسية يف اؼبغرب وقواظبها اؼبشًتكة
اؼبتمثلة يف:
-ؿباولة زبليص اؼبسافة بُت مفاىيم ومصطلحات مستمدة من سياقات ثقافية مغايرة
للثقافة العربية ،وبُت معطيات النصوص األدبية حبمولتها اللغوية والثقافية.
-ضبط اؼبفاىيم ،وتدقيق اؼبصطلحات ،وطرح النظرية قبل وضعها على ؿبك التطبيق.
-نزوع الباحثُت إُف اختيارات منهجية وطروحات تضع القارئ أمام ترسانو ىائلة من
اؼبفاىيم واإلجراءات غَت متداولة يف لغتو ويف سياقو الثقايف ويبكن أن تسحب ىذه القواسم على
الدراسات السيميائية العربية عموما « ،2ويف الفقرات اآلتية ،سيجرى الًتكيز على أقطاب مثلوا
اذباه نقد النص الشعري يف الوطن العريب ،ربت ؾبسات السيميائيات ،وستكون الفاربة مع الناقد
اؼبغريب " /ؿبمد مفتاح" الذي نشر كتابو األول اؼبوسوم ( في سيمياء الشعر القديم) عام
1982م ،وىو عبارة عن دروس ىادفة إُف» زرع روح البحث اؼبتعمق يف طلبتو ،وسبكينهم من
االنفتاح على عواَف جديدة يف دراسة األدب « .3وقد وقع اشتغالو يف ىذا اؼبؤلف على قصيدة "
أيب البقاء الرندي" النونية" بوصفها مسرحا استعرض من خاللو أسلحتو اليت غنمها من اػبطاب
النقدي اغبديث ويف عام 1985م ،قدم " ؿبمد مفتاح " ( تحليل الخطاب الشعري_
إسًتاتيجية التناص _) وىو عبارة عن دراسة من قسمُت :أوؽبما فصول نظرية تدور يف
فلك» ربديد اؼبفاىيم ،وبُت القعدية يف األصوات واؼبعاجم والًتكيب النحوي ،وإبراز مقصدية
37
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
اإلقناع باألدوات البالغية والتناصية واألفعال الكالمية « .1و ثانيهما يف التطبيق ما جاء يف
الفصول النظرية على قصيدة " ابن عبدون "الراتبة" وقد طرح الناقد أنو رجع إُف خارج النص يف
حدود ضيقة يف مطاردتو للمعٌت إذا أن القصيدة يف» أغلبها عبارة عن نظم تارىبي ألحداث
ووقائع وأظباء وأشخاص وأماكن « .2ومن خالل عرض الناقد لوجهات النظر السيميائية ،خلص
3
إُف قواسم مشًتكة بُت اؼبنظرين السيميائيُت للشعر ،وأنبها:
يضع " مفتاح" بُت يدي القارئ العريب عام 1987م ،مواكبة للنظريات اليت مست
اؼبمارسة السيميائية للنص األديب – مقاربة جديدة للنص الشعري_ من خالل كتابو (دينامية
النص – تنظير وإنجاز ) -حيث استثمر مفهوما من خالل اغبقل الفيزيائي وىو " الدينامية" يف
اؼبقاربة السيميائية للنص الشعري العريب.
أما إذا انتقل الباحث إُف اؼبشرق العريب فإنو يلفي الناقد " ؿبمد السرغيٍت" قد ألف عام
،1987كتابو ( محاضرات في السيميولوجيا) ،حاول من خالل اعبزء النظري منو تقدًن مفهوم
متكامل عن السيميائيات ،ويف شطره التطبيقي قدم دراستو لقصيدة "اؼبواكب "للشاعر "جربان
خليل جربان" " ،وقد درس ثالثة مستويات:
1ؿبمد مفتاح ،ربليل اػبطاب الشعري( ،إسًتاتيجية التناص) ،اؼبركز الثقايف العريب ،ط ،4الدار البيضاء اؼبغرب2005 ،م،
ص .05
2ؿبمد مفتاح ،ربليل اػبطاب الشعري ،ص .06
3اؼبرجع نفسو ،ص .12
38
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
-1اؼبستوى الشعري :ووبلل فيو بنية النص اؼبنطقية وحضور الطبعة [ ]...وبنية الناي مع
1
ما ربملو لفظة " الناي" من دالالت رمزية على اؼبستوى األيديولوجي ،والروحي ،والنفسي
»-2اؼبستوى اغبسي :وهبلل من خاللو بنية الثنائية فهي أساس اؼبفارقة والتناقض داخل
النص [ ]...كما وبلل من خالل ىذا اؼبستوى بنية العالقة...فكل ثنائية من ثنائيات النص ؽبا
عالقة بشيء ما ،وىذا الشيء نفسو دبثابة عمود فقري ؽبا ،تقوم عليو [ ]...ىذه العالقة زبتلف
2
من ثنائية إُف أخرى «
وينطلق "السرغيٍت" '' من الثنائيات الداللية [ ]...ليخلص أخَتا إُف كشف ما ظباه»
الداللية اإليديولوجية العامة للنص « .3
-3اؼبستوى ا﵀ايث :وتعرض فيو إُف ربليل حاالت األفراد والًتكيب الشكلي []...فقد
حلل فيو اؼبكونات اؼبفردة ،واؼبكونات اؼبركبة ،وعناصر اإليقاعي وعناصر اعبماِف.4
ويقدم "صالح فضل» الناقد اؼبصري عام ،1995دراستو ( شفرات النص ،دراسة
سيميولوجية في تشريعية القص والقصيدة) ،وما يلفت االنتباه فيها أن الناقد ذباوز اؼبدخل
النظري مباشرة مستفيدا '' من كثافة االذباىات السيميولوجية عند " بروب" و"غريباس" و "بارت"
و "جاكيسون يف وظائف الكالم الست...ومن أبرزىا " الوظيفة الشعرية" اليت تتمثل يف الًتكيز
على رسالة اللغة يف حد ذاهتا « ،5وقد جاءت دراستو من قسمُت متمايزين :خصص أوؽبما
لشعرية القصد ،وثانيها لشعرية القص ،ومن خالل ؾبموعة القرارات اؼبتعددة اليت قدمها " صالح
فضل" وقع االختيار على النموذج لفك الشفرات [ ]...واستطاع الناقد من خالل تأمل ىذا
39
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
الديوان [ ]...أن يكشف مالمح الشعرية اػباصة عند "حسُت طالب"[ ]...وأبرز ىذه اؼبالمح
تتمثل يف( االختزال – حوار اإلشكال) [ ]...ىذا االختزال يتكئ على العنصر اللغوي اؼبتمثل يف
أفعال الكينونة كأن يذكر لوقة ربتك ،لوقة فوقك ـبتزال للفعل كان [ ]...وكذلك ىبتزل جواب
الشرط األخَت فتدخل» قد على الظرف فبا يكسر مبط التعبَت اللغوي اؼبألوف مع عدم إخاللو
بالداللة « ،1أما اؼبلمح الثاين فهو ( حوار األشكال) ،إذ " يبثل ( البنفسج) داال على
الديبقراطية ...ال يلبث أن يتشكل يف وجهُت يصل أحدنبا يف استطالتو ومشولو وإحاطتو بكل
شيء أن يكون مقابال خداعا للحقائق الدينية أو الذات اآلؽبة".2وال ىبفى أن أوِف النظر – ىا
ىنا -أن قراءة " صالح فضل " غَت واضحة اؼبعاَف ،فهو َف يشر يف دراستو إُف أنو سيتبُت اؼبنهج
السيميائي إال عرضا ،ومن مث يبكن القول أن ىذه الدراسة ىي عناق بُت قارئ ونص شعري فرض
نفسو على قارئو ليملي عليو خطوات يرقص هبا على شريان الداللة ىي ىالة من الشعرية ،إُف
جانب ىذا قدم " ؿبمد غرام" من سوريا عام ،1996دراسة سيميائية لقصيدة " شاىُت"
للشاعر السوري " ؿبمد عمران من ديوان ( أغان علي جدار جليدي) 1986م ،من خالل كتابو
النقد والداللة – كبو ربليل سيميائي لألدب – بدأ دراستو دبدخل تارىبي عن البحث السيميائي
معًتضا للمصطلح وتعريفو وصيلتو بالعلوم األخرى ،موضحا االذباىات السيميائية اؼبعاصرة ،وكافة
اؼبصطلحات السيميائية ،مث استعرض مناىج التحليل السيميائي لألدب يف الفصل الثاين ،وبدأ
الفصل الثالث يف كتابو باػبوض يف اؼبنهج السيميائي يف النقد العريب اؼبعاصر ،أما الفصل الرابع
فكان مقاربات سيميائية ،وقد مشل اذباىُت يف التحليل :ربليل األدب – وربليل مظاىر اغبياة
االجتماعية ،3فانطلق " ؿبمد عزام" يف ربليل القصيدة من " تقسيم النص إُف وحدات [ ]...و
40
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
يتجلى ذلك يف ربليل الفنية السطحية لقصيدة ( شاىُت) بالًتكيز على مكونات اػبطاب الشعري
اؼبتمثلة يف العناصر األساسية.
وإذا ما مت االنتقال إُف القطر السعود ،فإن قبم الناقد األلسٍت الكبَت " عبد ا﵁ ؿبمد
الغذامي" يلوح يف ظباء الدرس النقدي العريب اؼبعاصر ،ذلك أنو فارس اؼبناىج النقدية ومروضها،
وىو بكتابتو النقدية أخذ من كل منهج بطرف ،فاستثمر أدواتو اإلجرائية يف مقاربة النصوص
اإلبداعية من :البنيوية والسيميائيات واألسلوبية والتشريح ،ومن أىم كتبو الرائدة يف ىذا اجملال( :
الخطيئة والتفكير) و(تشريح النص).فقد تعرض يف كتابو األول إُف اؼبناىج النقدية اؼبعاصرة بدء
بالنبوية مرورا بالسميائيات وصوال إُف التشروبية ،وقد صبع يف ىذا الكتاب بُت التنظَت و اؼبمارسة،
حيث حظيت السيميائيات باىتمام بالغ من لدن الناقد ،فهي» ند نقدي يعضد البنيوية ويتضافر
معها يف مسعى استكشاف النص ودراستو « ،2أما الكتاب الثاين فما يهم منو القراءة السيميائية
لقصيدة " إرادة اغبياة " "أليب القاسم الشايب" »،حيث قام بعملية إحصائية ألزمنة أفعال القصيدة
[ ]...ليستخلص من خالل إحصاء كل اإلشارات الزمنية يف القصيدة أن ( اغباضر إلمكان لو
يف ىذا النص الشعري فالقصيدة سبسح اغباضر وتلغيو وتنفيو إُف الفناء ،ليحل مكانو اؼباضي يف
حاالت ،كأن تدخل أداة اعبزم ( َف ) على اؼبضارع ليتحول إُف ماض ،ويتعاُف اؼبستقبل يف
41
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
القصيدة ويسحق اغباضر سحقا كامال ويلغيو « ،1ويتجسد كل ىذا يف اغبركة والسكون_ »،
كمصطلح – إُف جانب مصطلح" اؼبد واعبر" الذي تناول فيو توازن القصيدة وانكساراهتا « .2
إن تشروبية " الغذامي" تعتمد على صبلة من اؼببادئ منها »:مبدأ االختالف أي اختالف
اغباضر عن الغائب مع االعتداد الكبَت دبقولة الغياب اليت تفيد يف ربويل القارئ إُف منتج للنص؟
أي إعادة إنتاج النص مع كل قراءة جديدة « .3ومن ىنا يبكن القول أن " الغذامي" قد خطا
خطوة ىامة يف ميدان السيميائيات والتشريح وىو كثَتا ما يؤكد على دور اؼبتلقي يف العملية
اإلبداعية أثناء القراءة ،إُف جانب ىذه الدراسات القيمة اكتفى باحثون آخرون بقراءات تطبيقية
عرفوىا على صفحات بعض اعبرائد واجملاالت ،قد يصعب استقصاؤىا ،لكن ىذا ال يبنع اإلشارة
إُف بعضها ،ومن ذلك ،الدراسة اليت قدمها " ضبيد ظبَت" من اؼبغرب ،اؼبوسومة بـ ( مقاربة
سيميائية حول رؤية الشعر الرؤية عند المتنبي) اليت نشرىا عام 1999م ،دبجلة " البيان"
الكويتية ،ويرى الباحث» أن خطاب الشعري يبكن التعامل معو من زاويتُت :األوُف تتمثل يف أنو
قيمة شعرية داخلية ،وعندىا يبكن اعتباره عاؼبا مغلقا [ ]...وىذا النوع يشكل مبطا خطابيا يبكن
أن نطلق عليو " :شعر اللذة" وىو الذي وبرص على القيمة والرسالة اعبمالية الثاين [ ]...أنو
يعكس [ ]...قيما موضوعية ذاتية أو صبالية ،أو حضارية ،ويسمى ىذا النوع " شعر الرؤية « ،4
ويرى الباحث أن ىذا النوع األخَت» يستطيع أن وبدد لنا اػبصائص األسلوبية للنص « ،5ومن
مث يبكن العثور على القيمة اؼبهيمنة يف اػبطاب الشعري ،ودبقابلتها مع مرادفتها وأضدادىا ،يصبح
اػبطاب حقال دالليا الفتا للنظر ،حيث يأخذ الصراع بُت التيمة والتيمات الضديدة ؽبا صورا
1قماري ديامنتة ،النقد الثقايف عند عبد ا﵁ الغامدي ،مذكر ماجسًت يف النقد العريب ومصطلحات ،قسم اللغة العربية وآداهبا
كلية اآلداب واللغات ،جامعة قاصدي مرباح ،ورقلة ،اعبزائر1434 ،1433 ،ىــ2012 ،م2013 ،م ،ص .52
2بشَت تاوريرت ،اغبقيقة الشعرية على ضوء اؼبناىج النقدية اؼبعاصرة ،ص .138
3قماري ديامنتة ،النقد الثقايف عند عبد ا﵁ الغامدي ،ص .54
4عصام خلف كامل ،االذباه السيميولوجي ونقد الشعر ،ص .107
5اؼبرجع نفسو ،ص .108
42
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
عديدة ،كما يلعب اؼبستوى الًتكييب دورا مهما يف توجيو الداللة وقد استخدم الباحث ( اؼبربع
السيميائي) لتحديد مسارهتا.1
-1إشكالية المصطلح
43
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
استعمال ىذه اؼبصطلحات مطردا أم أنو يشكل خرقا ؼبا ىو جار بو العمل يف البحوث،
السيميائية الراىنة ،ومع ىذا استطاعت بعض الدراسات أن تتعاُف بالنقد العريب من الرؤية اؼبعيارية
إُف الرؤية العلمية ،حيث حاول أصحاهبا تبسيط خطاباهتم النقدية ليتمثلوا ما فيها ،ويبلغوه إُف
القارئ أحسن التبليغ ،لذلك وجب» االىتمام بعملية التليُت واؽبضم من أجل التواصل مع القارئ
العريب « 1و بناءً على ىذا فإنو ال بد من» إدامة النظر يف اؼبصطلحية اؼبعتمدة يف اللغة األصل
الذي يعدد فبربه « ، 2إذا فاإلشكالية األوُف اليت تواجو الباحث يف السيميائيات ىي قضية
اؼبصطلح بدال من االسم العلمي ( :السيميائيات) وأربكت اػبطاب النقدي العريب بسبب تعدد
اآلراء ووجهات النظر والتضارب يف إصدار اؼبصطلحات الناتج عن الصراعات الفكرية ،الراجع إُف
غياب الوعي بقضية اؼبصطلح ،إن» اغبلقة الغائبة يف واقعنا العريب من الناحية الفكرية والثقافية
ليست مقصورة على احتجاب الوعي بدقائق اؼبعضلة اؼبصطلحية ،ولكنها متجسمة على
اػبصوص يف غياب الصرامة مع الذات عند تداول اؼبصطلح ،وقد فتح ىذا الغياب بابا واسع من
التسامح واجملاوزة ما لبث أن استحال معينا بفيض اإللتسابات الذىنية ويكاد ال ينضب « .3
إن االصطالح يعٍت» اتفاقا لغويا طارئا بُت طائفة ـبصوصة على أمر ـبصوص يف ميدان
خاص « ،4ويدل " اؼبصطلح" يف االستعمال األلسٍت »،على وحدة معجمية موظفة ضمن
إحدى الوظائف الًتكيبية األساسية ،ومزودة دبعٌت ؿبدد « .5ويعترب اغبديث عن واقع اؼبصطلح
النقدي العريب اؼبعاصر يف ىذه اؼبرحلة أمرا ضروريا ،بفعل أن ىذا اؼبصطلح ىو يف أصولو أجنيب
وجد سبيلو إُف خطابنا النقدي العريب عن طريق الًتصبة تارة أو عن طريق التعريب والوضع تارة
44
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
أخرى ،وقد بذلت جهود عربية فردية وصباعية لضبط اؼبصطلح النقدي ،فظهرت العديد من
اؼبعجمات االصطالحية اغبديثة ،وأقبزت اجملامع العربية خدمات كبَتة للمصطلح النقدي ،وفتح
اجملال أمام الباحثُت واؼبًتصبُت والنقاد لنشر أعماؽبم اػباصة باؼبصطلح وطرح إشكالية بأوجهها
اؼبختلفة وإهباد اغبلول ؽبا ،وتبقى اؼبصطلحات» دبا ربتويو من مفاىيم دقيقة ،ذبسد نتائج البحث
وتسمح بالتواصل بُت أىل العلم ،ألن داللة األلفاظ فيها مضبوطة ،ومىت وضعت ؽبا قوائم هبا
وحددت معاؼبها ومفاىيمهاّ ،فإن ترصبة النصوص اؼبتعلقة هبا تكون أيسر وأسهل « .1ومن مث فإن
النقل اؼبغلوط أو ا﵀رف عن األصل أو اؼبغاير لو يؤدي ال ؿبالة إُف اؼبغايرة للمفهوم األصلي
واكبرافو.
شهدت الساحة النقدية العربية رواج مصطلحُت يف الدرس السيميائي ،على البعدين
اإلجرائي والنظري " :السيميوطيقا" و " السيميولوجا" حيث يستخدم الناطقون باللغة االقبليزية
اؼبصطلح األول إتباعا للعاَف األمريكي " شارل ساندرس بَتس" يف حُت يستخدم الناطقون باللغة
الفرنسية اؼبصطلح الثاين اقتداءً برائد مدرسة " جنيف السويدي " فردينان دي سوسَت" ،ويفهم
من ىذا أن (السيميوطيقا)» معطى ثقايف أمريكي أساسا ،وبيل على مفاىيم فلسفة شاملة
وعالمات غَت لغوية ،بينما ( السيميولوجيا) معطى أورويب ىو أدىن إُف العالمات اللغوية ،واجملال
األلسٍت عموما ،منو إُف أي ؾبال آخر « 2وؽبذين اؼبصطلحُت أصل واحد ضارب يف القدًن ،يعود
إُف األصل اليوناين " " Sémeionالذي يعٍت» عالمة " و " "Logosالذي يعٍت " اػبطاب
" [ ]...وبامتداد وأكرب كلمة " "Logosتعٍت العلم « 3وبدمج الكلمتُت فالسيميائيات ىي"
1ؿبمد الديداوي ،الًتصبة والتعريب ( سنن اللغة البيانية واللغة اغباسوبية) ،الدار البيضاء ،اؼبركز الثقايف العريب للنشر ،د ،ط،
،2002ص .52
2يوسف وغليس ،اشكالية اؼبصطلح يف اػبطاب النقدي العريب اعبديد ،ص .228
3فيصل األضبر ،معجم السيميائيات ،ص .12 ،11
45
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
علم العالمات" ،وىو ما يتفق عليو كل الباحثُت يف مفهومها ،على أن كل واحد يطرح مفهوما
معينا ؽبا انطالقا من خلفية اؼبعرفية أو ثقافية أو فكرية ما.
ولعل أوسع التعاريف اليت حضي هبا مفهوم " السيميائيات ما جاء يف مقولة للباحث
الغريب " أمربتو إيكو"» تعٌت السيميائية بكل ما يبكن اعتباره إشارة « ،1فالكون دبا فيو يف حالة
بث غَت منقطع لإلشارات السيميائية ما هبعل الفعل السيميائي فعال قدريا خالدا لكل أنواع
العالمات ،لذلك» ال يدرس السيميائيون اؼبعاصرون اإلشارات مفردة ،لكن كجزء من اؼبنظومات
إشارات" [ ]...يدرسون كيفية صناعة اؼبعٌت وسبثيل الواقع « .2
1دانيال تشاندلر ،أسس السيميائية ،تر :طالل وىبة ،مر :ميشال زكرياء ،مركز دراسات الوحدة العربية اؼبنظمة العربية للًتصبة،
ط ،1بَتوت ،لبنان أكتوبر ،2008 ،ص .28
2اؼبرجع نفسو ،ص.28 .
3رشيد بن مالك ،إشكالية ترصبة مصطلح يف البحوث السيميائية العربية الراىنة ،ؾبلة عالمات ،ج ،53م 14رجب
1425ىـ ،اؼبغرب سبتمرب ،2004ص .323
46
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
1رشيد بن مالك ،إشكالية ترصبة مصطلح يف البحوث السيميائية العربية الراىنة ، ،ص .324
47
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
1يوسف وغليسي ،إشكالية اؼبصطلح يف اػبطاب النقدي اعبديد ،ص .230 ،229
48
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
معجم مصطلحات علم اللغة اغبديث.82 : علي القاظبي وآخرون علم الرموز
49
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
وبمل ىذا اعبدول ترصبات متعددة ؼبصطلح " ،"Sémiologieحيث يوحي ىذا
التعدد الدالِف ؼبصطلح واحد بعدم ثبوت معاؼبو ،على الساحة العربية وتباينو بُت صبلة النقاد الذين
تناولوه نظرا الفتقاد الناقد اعبزائري للخلفيات اؼبعرفية اليت تقف وراء بلورة ذلك اؼبصطلح ،فالًتصبة
تعرب عن رغبة فردية زبضع ؼبيول شخصية أكثر فبا زبضع لفعل معريف ذلك أن كل ناقد يًتجم وفق
لغتو اػباصة وحسب إيديولوجيات سابقة ربكمو وتؤثر فيو...ويذىب البعض إُف أن قضية
اؼبصطلح واػبطاب النقدي اعبزائري ال يلتفت إليها كقضية جوىرية يف النقد األديب تساىم يف
تطور الفكر النقدي والثقايف يف بالدنا ويقول أحد الدارسُت هبذا اػبصوص» اصطناع
اؼبصطلحات ،أو ربتها يف خطابنا النقدي ،يكاد ال ينظر إليو كحاجة نقدية ،بقدر ما ىو تأسيس
لشعرية االنفتاح ،وبدرجة قصوى على ما يسمى بالكتابة اؼبفككة « .1
ويعترب الباحث اعبزائري " عبد اؼبالك مرتاض" من أكثر النقاد اعبزائريُت اىتماما بقضية
اؼبصطلح ،فحاول دائما من خالل دراساتو اؼبختلفة وضع اؼبصطلحات يف إطارىا اؼبنهجي والوقف
على ضبطها ،نظر لغزارة علم وسعة اطالع ىذا الباحث.2
3
ب -مصطلح )( sémiotique
_1العبدي فتيحة ،إشكالية اؼبصطلح يف اػبطاب النقدي اعبزائري اؼبعاصر رسالة مقدمة لنيل شهادة اؼباجستَت ،كلية اآلداب
واللغات ،قم اللغة الغربية وآداهبا ،جامعة وىران ( )2014 – 2013ص .35
2يوسف وغليسي ،إشكالية اؼبصطلح ،ص .248
3يوسف وغليسي ،إشكالية اؼبصطلح يف اػبطاب النقدي العريب اعبديد ،ص .232 ،.231
50
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
51
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
ترصبة (عودة إُف خطاب اغبكاية /لـ جيزر حنُت: ؿبمد معتصم الدالئليات
231
اؼبعجم اؼبوحد129 : اغباج صاٌف ( وآخرون) علم األدلة
يف اػبطاب السردي21 : الناصر -1ؿبمد علم الداللة
يف دالية القصص68 ،17 ،75 ،11 :... العجمي
-2سامي سويدان
األسلوبية منهجا نقديا29 : ؿبمد غرام علم
الدالالت
اؼبعجم اؼبوحد129 : اغباج صاٌف ( وآخرون) علم الداللة
اللفظية
معجم الوالئلية( ،اللسان العريب) ،عدد 245 :25 التهامي الراحب اؽباشيم الدالئلي
بالغة اػبطاب وعلم النص22 : صالح فضل علم
السيميولوجيا
األسلوبية واألسلوب181 : اؼبسدي العالمية
معجم مصطلحات األدب507 : ؾبدي وىبة علم
العالمات
اؼبصطلحات األدبية اغبديثة153 : -1ؿبمد عناين السيميوطيقا
ربليل اػبطاب الشعري10 : -2ؿبمد مفتاح
اؼبرايا ا﵀دبة278 : -3عبد العزيز ضبودة
شعرية تودوروف69 : -4عثماين اؼبيلود
اشكاليات القراءة وآليات التأويل185 ،56،66 : -5نصر حامد أو زيد
الشكل واػبطاب39 : -6ؿبمد اؼباكري
(عاَف الفكر) ،الكويت ،م ،25ع ،03يناير ،مارس ،97 -7صبيل ضبداوي
ص .79
قاموس مصطلحات النقد األديب اؼبعاصر90 : ظبَت حجازي السيماطيقا
ترصبة (اؼبوسوعة الفلسفية) ،ص 335 ظبَت كرم نظرية اإلشارة
النص األديب من أين وإُف أين21 : عبد اؼبالك مرتاض اإلشارة
52
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
ويبكن القول يف األخَت أن الوعي بإشكالية اؼبصطلح يف اػبطاب النقدي اعبزائري َف
يعرف طريقو إُف نقادنا إال مع ظهور اؼبناىج اغبداثية الغربية يف نقدنا ( البنيوية ،السيميائية،
األسلوبية والتفكيكية) ،حيث بدأ معها تزايد االىتمام باؼبصطلح نظريا وتطبيقيا ،ويعد اغبديث
عن اؼبصطلح يف اػبطاب النقدي اعبزائري حديث العهد واألعمال اؼبنجزة يف ىذا اػبصوص،
ؿبدودة لذلك وجب أن» تتبُت الًتصبة على سبثل وفهم اؼبصطلح يف اللغة األصل وإدراك سياقاتو
والنظر يف النصوص النظرية اليت تغذيو وتضبطو دبا يتوافق واإلطار العام الذي يندرج ضمنو
البحث ،ويؤدي االعتقاد عن التوجهات األساسية يف العمل الًتصبي إُف اضطراب يف الفهم
ينعكس سلبا يف عملية تلقي الرسالة « .1ىكذا وتبقى إشكالية التبعية والًتصبة وفهم اؼبعٌت أمام
تعددية اؼبصطلح وتطوره والبحث عن توحيده ،من اؼبسائل اؽبامة يف إشكالية اؼبصطلح ،وىذا ما
قبده يف عمل " يوسف وغليسي) إشكالية اؼبصطلح يف اػبطاب النقدي العريب اعبديد ( وىذا
يعٍت أنو يوجد اىتمام باؼبصطلح النقدي يف اعبزائر إال أن الصورة العامة ؽبذا االىتمام َف تكتمل
بعد.
شهد اػبطاب النقدي يف اعبزائر يف العقدين األخَتين من القرن العشرين ،ربوالت كربى
عميقة ،وبوتَتة متسارعة متداخلة اؼبكونات والرؤى ،مست بنياتو ،وافًتاضاتو النظرية ،وطرائقو يف
التحليل واؼبقارنة يف بلورة قراءة ثانية للنصوص اإلبداعية .ومن اؼبؤكد أن اػبطاب السيميائي من
أىم وأعقد اؼبناىج اليت ولدهتا اغبداثة الغربية يف صورهتا العاصرة ،وبقي إُف حد الساعة صعب
االقتحام وحىت على أولئك الذين تلقوا ىذا اػبطاب مباشرة من مصدره األصل ،لذا نلفي بعض
اعبهود النقدية اليت تروم التأسيس ؼبثل ىذا اػبطاب ،حىت ال يعاين الغربة والضياع كما ىو حالو
53
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
اآلن يف معظم البلدان العربية ،وحىت يسهل على النقاد العرب مهمة امتالك أو التوسل هبذا اؼبنهج
يف ـبتلف دراساهتم »،واؼبقصود خبطاب التأسيس السيميائي اغبديث ،أي ىو خطاب وباول
الكشف عن اعبهاز اؼبفاىيمي اؼبتمثل يف اؼبقوالت الفلسفية واؼبعرفية اليت تقف وراء التنظَت اؼبتمثل
يف اؼبقوالت الفلسفية واؼبعرفية اليت تقف وراء التنظَت السيميائي اغبديث ،والقصد من ذلك ضمان
اؼبعرفة الصحيحة للخطاب السيميائي ،واؼبالحظ أن ىذا النوع من اػبطاب قليل إُف حد الندرة يف
اؼبشهد النقدي اعبزائري ،ويرجع ذلك إُف:
»إن النقد السيميائي كنشاط فكري خاص ،يسعى دوما إُف تعزيز أرضيتو تعزيزا
ألسانيا وذلك يهدف إنتاج معرفة صبالية عن طريق زبصيصها دبوضوعها الذي ىو نصوص
أدبية ،بيد أن ىذا التخصيص يبقى متحجما ومتقزما إن َف يتخذ من الدرس األلسٍت دعامة
لو ،نظريا وعمليا يف تأثر الدرس السيميائي بالنظرية اللغوية السيوسرية « ،2وىذا يعٍت أن
الدراسات السيميائية يف طبيعة ىذه اؼبناىج اؼبستثمرة ،وذلك يف تركيزىا على القطب الداخلي
للنص.
1وذناين بوداود ،خطاب التأسيس السيميائي يف النقد اعبزائري اؼبعاصر [ مقاربة يف بعض أعمال أضبد يوسف عدد خاص]
أشغال اؼبلتقى الدوِف الثالث يف ربليل اػبطاب ،جامعة األغواط ،اعبزائر ،ص .7 ،6
2بشَت تاوريرت ،اغبقيقة الشعرية ،ص .116
54
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
ومن ىنا أدرك الناقد اعبزائري أنبية اؼبنهج السيميائي ؼبا وبتويو من ليونة يف االستعمال
وقباعة إجراءاتو ،فقاموا بًتصبة أىم األعمال اليت تعرف بو وتؤسس لو ،أو بتلقينها للطالب يف
اؼبنظومة النقدية األكاديبية حىت اغتدت مقياسا مستقال ،ومن النقاد الذين مارسوا السيميائية
نذكر" :رشيد بن مالك" و"حسُت طبري" و"أضبد يوسف" و"عبد اغبميد بورايو" ...وإن رأى
يوسف وغليسي بأهنا ال تتخذ طابع اؼبنهج إال عند "عبد اؼبالك مرتاض" الذي استهل مشواره،
تفكيكي ،وواصل
ّ السيميائي بكتابو ( ألف ليلة وليلة) الصادر سنة ،1989دبنهج سيميائي
بكتب أخرى مثل ( أي) و ( تحليل الخطاب السردي) ( ،شعرية القصيدة قصيدة القراءة)،1
الذي حاول من خالؽبا نقل اؼبنهج السيميائي من مهاده النظري إُف عاَف اؼبمارسة واإلجراء
النقدي ،داعيا إُف ذباوز التقليد فبتطيا يف ذلك صهوة اغبداثة النقدية كأساس للتمييز »،ىذا وقد
أكد "عبد اؼبالك مرتاض" على ضرورة إلغاء السؤال التقليدي عن اتباع منهج من اؼبناىج
النقدية « ،2و ىذا ما ميز دراستو ،و ذلك عن مدى استيعابو و وعيو دبختلف النظريات النقدية
اغبديثة و إؼبامو بالًتاث العريب.
وقد ذبلى منهجو اؼبركب ىذا يف ؾبال الشعر من خالل دراستو اؼبوسومة بـ " دراسة
سيمائية تفكيكية لقصيدة (أين ليالي)" ﵀مد العيد آل خليفة" عام 3،1992فقد عمد اُف
ربليل بنية النص وزمنو الشعري وتركيبو االيقاعي وان كانت ىذه القصيدة تبدو قصيدة غزلية ،فقد
بُت "عبد اؼبالك مرتاض" كيف أن الشاعر ألف النص إوباءً وإشارة ساحبة يف فضاء دالِف مكثف
بألوان وطنية.
وبعد عشرة "عبد اؼبالك مرتاض" ؽبذا اؼبنهج اؼبركب (السيميائي ،التفكيكي) عرب ثالثة
دراسات رأي الناقد أن يكشف شبار تزاوج الدرس السيميائي مع الدرس األسلويب فكان من نتاج
1يوسف وغليسي ،النقد اعبزائري اؼبعاصر من "الالنسونية "إُف "األلسنية" ،ص .134
2بشَت توريرت ،اغبقيقة الشعرية ،ص .136
3اؼبرجع نفسو ،ص ن.
55
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
ذلك دراسة اؼبوسومة بـ (شعرية القصيدة قصيدة القراءة) ربليل مركب لقصيدة (أشجان
يمانية)"1لعبد العزيز اؼبقاٌف" ،مركزا فيها على» األدوات السيمائية ،فقرأ النص يف اؼبستوى األول
عرب قراءة تشاكلية انتقائية ،منطلقا من زاوية الًتاث ،واقفا على النص القرآين وراصدا مفهوم
2
» وعلى غرار ىذا تدرج الباحث يف "اؼبقابلة" ،وفق عدسة (التشاكل) كفرعية سيمائية أساسية
ؾبال إؼباماتو إُف قراءة القصيدة متناوال بالتطبيق فروع التشاكل والتباين ونياهتا مًتاصة ال ينفصم
بعضها عن بعض وعرب خطية اػبطاب أوجد ؾبموعة من التشاكالت و التباينات « ،3ويف
مستوى آخر عاًف الباحث (معالجة إنزياحية لنص ،أشجان يمانية) انصرفت قراءتو إُف آلية
(االنزياح) ويف ضوء ذلك استند إُف اآلية الكريبة من سورة الفاربة مصداقا لقولو تعاُف):إِي َ
اك نَـ ْعبُ ُد
اك نَ ْستَعُِت(
َوإِي َ
معتربا أن الكالم يف اآلية خرج عن مألوف االستعمال الذي ىو يف أصل النسج العادي
لالستعمال "نعبدك ،ونستعينك" ،منتقال فيما بعد اُف تناول آلية الفضاء دبا وبملو ىذا اؼبصطلح
من دالالت لغوية وفلسفية ومن تعريفات متقاربة متغايرة ،ذلك أن الفضاء يف القراءة السيمائية
لدى الباحث يف تفسَت األشكال واػبطوط واألبعاد وبتأويلها يف إطار علم السمة ،4وقد حلل
مرتاض ضروبا (إنزياحية) شىت بلغة إبداعية ثانية ،تتقصى اعبمالية التعبَتية بوصفها أساليب
منحرفة ،على النمط االستعماِف ،يف معاعبة النص على مستوى (اغبيز) ،وأخرى على مستوى
الرباعية السيميائية (االيقونة ،القرينة ،الرمز ،اإلشارة).5
1ـبتار مالس ،التجربة السيمائية العربية يف نقد الشعر ،قراءة يف اؼبنهج ،اؼبلتقى الدوِف السادس(،السيمياء و النص األديب)،
قسم اآلداب و اللغة العربية ،جامعة ؿبمد خيضر ،بسكرة ،اعبزائر2011،م ،ص.126
2موالي على بوخامت ،الدرس السيميائي اؼبغاريب ،ص.193
3اؼبرجع نفسو ،ص .194
4اؼبرجع نفسو ،ص.204 -203
5يوسف وغليسي ،اػبطاب النقدي عند عبد اؼبلك مرتاض ،ص .77
56
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
كما عاًف الناقد يف (تحليل الخطاب السردي) معاعبة تفكيكية سيميائية مركبة لرواية "
زقاق اؼبدق" "لنجيب ؿبفوظ" -والكتاب -على غرار سائر كتب مرتاض -موطأً دبدخل منهجي
مهم ،يوضح القصد اؼبنهجي الذي أثر أن يسلكو ،ابتغاء اغبيثيات السردية ؽبذا اػبطاب
الروائي ،. .ولعل فبا يشفع لو يف اللجوء اُف ىذا الًتكيب اؼبنهجي ىو أن السيميائية ذاهتا "تركيبية
الطبيعية" حيث تًتكب من (مفاىيم بيولوجية ومفاىيم فيزيائية ومفاىيم الذكاء
االصطناعي).وعموما فقد كان الكتاب على حد قول "يوسف وغليسي"» دراسة بنياوية اؼبنهج
أصال ،لكنها تتمفصل على إجراءات منهجية أخرى معلقة كانت (تفكيكية ،سيميائية ،إحصائية)
1
أو غَت(أسلوبية ،موضوعاتية) « .
كما قدم أيضا الناقد "عبد القادر فيدوح" من اعبزائر سنة 1993دراستو اؼبوسومة
(دالئلية النص االديب -دراسة سيميائية يف الشعر العريب اؼبعاصر) ،حيث تعرض فيها اُف مطاردة
النظرية السيميائية وكيفية تعاملها مع النص األديب ،واألبعاد التأويلية ؽبذه النظرية ،مطبقا منهجو
يف الدراسة على مبوذج من الشعر اعبزائري القدًن( ،2نونية بكر بن ضباد) على ؿبك ،القراءة
السيميائية اليت تثَت تساؤالت النص وال ذبيب عنها ،وينتقل بعدىا اُف مباذج من الشعر اعبزائري
3
اؼبعاصر أطلق عليها اسم (شعرية األقالم الغضة) ،حيث درس فيها قصائد لشعراء شباب،
ورغم ما أخذ على الناقد إال أن دراستو من اإلضافات النقدية اليت قدمها للتجربة النقدية اعبزائرية.
يضاف إليها ؿباوالت حسُت طبري الذي صدرت لو دراسات عدة يف الدوريات العربية
واعبزائرية ،تستقي اؼبفاىيم السيمائية ،من معنيها (السربوين) ومن صبلة ما قدم نذكر ،دراستو
الرائدة ( "ما تبقى لكم" العنوان والدالالت) اليت أسست لعلم العنوان يف اػبطاب النقدي
اعبزائري (وردبا العريب أيضا) ،مع سحلو على رواية "غسان كنفاين" ،من باب ذباوز الدراسة
1يوسف وغليسي ،اػبطاب النقدي عند عبد اؼبلك مرتاض ،ص.75 ،
2ـبتار مالس ،التجربة السيميائية العربية يف نقد الشعر ،ص .127
3يوسف وغليسي ،النقد اعبزائري اؼبعاصر من "الالنسونية" اُف "األلسنية" ،ص .135-134
57
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
السيميائية للنص إُف خارجيتو أو ؿبيطو (العنوان ،اإلىداء ،التوطئة ،اػبط ،عالمات الوقف)...
وكذلك دراستو اؼبطولة (سيميائية الخطاب ،الدوائي) ،1اليت تعرض لرواية "عبد اؼبالك مرتاض"
(صوت الكهف) برؤية سيميائية تتقصى سيمات :الصوت /الكهف ،العقد /حقد ،اؼبرأة /اػبنجر
يف إطار (نظام األشياء) ،إضافة إُف السرد والشخوص واألمكنة واألحداث (يف تدرجها على سلم
"بروب" يف إطار ،الوظائف اغبكائية الشعبية) ،مع تتبع ظبات (الرواية اعبديدة) يف (صوت
2
الكهف).
وكذلك ذبده يف كتابو اؼبوسوم بـ( :نظرية النص ،من بنية المعنى الى سيميائية الدال) أن
مصطلح النص "عالمة" ،ذلك أنو يرتبط باإلطار اؼبضموين العام الذي يشتعل عليو الناقد "حسُت
طبري" فيقرأ النص بوصفو عالمة تركب من عنصرين الدال واؼبدلول ،الدال الذي يبنحو الناقد بعدا
سيميائيًا واسع يف إطار اإليضاح على تعدد القراءات من جهة ،ومن جهة أخرى ما وبيل عليو
النص الدال على مداليل متعددة ذبد مربر إحالتها يف الثقافة وسياقاهتا الواسعة ،يقول "حسُت
طبري"» ونظرا لطبيعة النص اليت تتميز بعدم االستقرار وتعدد األبعاد ،فإن تالحم العالمات اليت
تكونو واليت تشكل يف منظومة سيميائية سبنح للقارئ إمكانية وضع النص يف سياق ثقايف أوسع،
ألن كل نص وبتوي على إشارات ،وعدد من الشفرات كما وبيل اُف طريقة تفكيكها وعالقتها
الًتاتبية ،وىوما يعٍت أن النص بوصفو عالمة فإنو يبنح للقارئ مستويُت من القراءة « 3ويضيف
الناقد أنو » :إذا أردنا أن نظهر خاصية النص باعتباره عالمة فإنو يتعُت فحص مكونات
1يوسف وغليسي ،النقد اعبزائري اؼبعاصر ،من "الالنسونية" ،إُف "األلسنية" ،ص.137
2اؼبرجع نفسو ،ص.138.
3حسُت طبري ،نظرية النص (من بنية اؼبعٌت اُف سيميائية الدال) ،منشورات االختالف ،ط1428 ،1ىـ2007/م ،اعبزائر
العاصمة ،اعبزائر ،ص.39
58
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
العالمات اللغوية اليت يتكون منها النص الذي ىو هبذا اؼبفهوم عالمة مركبة ،وىكذا تصبح كل
1
عالمة نصا ،وال يبكن أن يكون ىناك نص دون أن نقرأه كعالمة مركبة «
إُف جانب حسُت طبري نتذكر أيضا" ،رشيد بن مالك" ومؤلفاتو اليت خلدت اظبو يف
النقد اعبزائري ،دبحاولتو التأسيس والتأىيل ؽبذا اؼبنهج يف نقدنا واعبهود اليت بذؽبا يف اجملال
السيميائي يف اعبزائر ،فقد أسس السيميائيات السردية يف اعبزائر تنظَتا وفبارسة ومن مؤلفاتو
(السيميائية بين النظرية والتطبيق) وىو يف األصل أطروحة دكتورا ،تعرض فيو ؼبختلف التجليات
النظرية والتطبيقية للدرس السيميائي ،ىذا وقد ترجم جل األفكار النظرية للسيميائُت الغربيُت
واأللسنيُت من أمثال "دي سوسَت" ،و"بَتس" ،و"جوليا كريستسفا" ،وروالن بارت ،و"جَتار
جينات" ،ىذا ما قد تضمنو كتاب ( السيميائية أصولها ،قواعدها) جملموعة من اؼبؤلفُت كـ:
2
"ميشال أرفيو" ،و"جان كلود جَتو" ،وإن كان ىذا الكتاب وبوي جل أفكار أولئك السيميائُت،
كما ويعد كتاب (البنية السردية في النظرية السيميائية) من بُت أىم مؤلفات الباحث "رشيد
بن ملك" ،اليت يعمد فيها اُف التنظَت للنظرية السيميائية (نظرية غريباس) ،فهو إذا كان يف كتابو
األول (مقدمة في السيميائية السردية) ،قد حاول التأصيل ؽبذه النظرية بردىا اُف أصوؽبا وربطها
بأسقيتها اؼبنتجة ؽبا ،فإنو وباول من خالل ىذه الدراسة مواصلة بناء مشروعو النقدي والتأسيس
للنظرية سيميائية لقراءة وربليل النصوص السردية3.والذي تناول فيو بالدرس والتحليل قصتُت
قصَتتُت ،إحدانبا بعنوان "العروس" "لغسان كنفاين" ،والثانية بعنوان "عائشة" "ألضبد رضا
حوحو"4،وقد سبيزت دراستو عموما بالتطبيق اعبربي اآلِف والغريباسية خصوصا كما قدم "رشيد بن
59
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
مالك" -يف ؾبال التأريخ للسيميائية واإلحالة على مراجعها -وثيقة ىامة ،ترصبها عن "جان كلود
1
كوكي" ،بعنوان (وثيقة السيميائيات مدرسة باريس)
كما يستهل " عبد اغبميد بورايوا" مؤلفو ( التحليل السيميائي للخطاب السردي)،
بدراسة غبكايات من ( :ألف ليلة وليلة) و (كليلة ودمنة) دبقدمة يضبط فيها أوليات منهجيتو
التحليلية ،واليت تقوم يف أساسها على ما يقًتحو التحليل السيميائي للخطاب السردي يف إقامتو
بنماذج منطقية ربكم البناء الشكلي للمسار السردي واالنبثاق الداللة ،ينتقل بعدىا ربديد
النماذج اليت هتدف ربليالتو إُف مقاربة اغبكايات اؼبختارة وفقها وىي تتمثل يف:
كما قبد السعيد بوطاجُت يف مقاربة الرواية يف مؤلفو ( االشتغال العملي) تفكيك جزء
من البنية الرواية الكربى لرواية ( غدا يوم جديد) "لنب ىدوقة" ،وىو ال ىبرج يف ذلك كما أقرتو
البنية العاملية للنص ،راصد الذوات الكربى ،اؼبهيمنة نصيا ،رابطا إياىا بالربامج السردية ،مبنيا أىم
1يوسف وغليسي ،النقد اعبزائري اؼبعاصر ،من "الالنسونية "اُف "األلسنة" ص .139
2عقاق قادة ،تلقي اؼبعرفة السيميائية يف اػبطاب النقدي اؼبغريب اؼبلتقى الدوِف السادس (،السيمياء والنص األديب) ،ص .75
3يوسف وغليسي ،النقد اعبزائري من " الالنسونية إُف " األلسنية" ص 139
60
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
االتصاالت واالنفصاالت بُت الذوات وموضوعات قيمتها ،ىادفا إُف توضيح كيفية انتشار
1
ـبتلف ،اليت يتضمنها النص اؼبقارب
كما يبثل الناقد "أضبد يوسف" واحدا من األصوات النقدية اعبزائرية يف الدرس السيميائي
ويظهر ىذا التوجو النقدي جليا يف مؤلفاتو ،ولعل أىم ىذه الكتب اليت تربز ىذا اػبطاب
التأسيسي واليت سبكنا من االطالع عليها مؤلفو ( السيميائية الواصفة وجبر العالمات) والذي
يقدم فيو باغبفر والنبش يف الًتاث الغريب ،فيبدأ بالبحث يف الفكر اآلرسطي حىت الدراسة اللسانية
اغبديثة اليت لفظت ىذا اؼبولود ،2الذي يرى بأنو» ال يبكن ذبديد السيميائيات اؼبعاصرة من أصوؽبا
الفلسفية القديبة « ،3إُف أن أعمال الشكالنية الروسية استطاعت أن ترسي دعائم القراءة
النسقية اليت ذبلت يف اؼبقاربات النقدية اغبديثة ،ومنها سيميائيات ا﵀ايثة اليت يعترب "غريباس" أبرز
أعالمها ،4وأعمالو اليت قدمها جاءت لتؤسس ؼبشرع سيميائي يف النقد اعبزائري على أسس معرفية
وفلسفية متينة توزعت جهوده يف اجملاالت التاِف:
اقباز ؾبموعة من البحوث العلمية القصد منها تتبع أصول السيميائيات ( -
4كتب).
تكوين ؾبموعة من الباحثُت يف السيميائيات ( زبرج منها دفعات من طلبة -
اؼباجسًت)
إصدار ؾبلة متخصصة يف السيميائيات (صدر العدد األول يف خريف -
)2005
1عقاق قادة ،تلقي اؼبعرفة السيميائية يف اػبطاب النقدي اؼبغاريب ،اؼبلتقى الدوِف السادس( ،السيمياء والنص األديب) ،ص
.75
2وذناين بوداود ،اػبطاب التأسيسي ،السيميائي يف النقد اعبزائري اؼبعاصر ،ص .07
3اؼبرجع نفسو ،ص .8
4ؿبمد بوعزة ،اسًتاتيجية التأويل من النصية إُف التفكيكية ،منشورات االختالف ،ط ،1اعبزائر2011 ،م ،ص .83
61
النظرية السيميائية :الخلفيات المعرفية واللسانية الفصل األول:
كما أن السيمياء عنده ىي جهاز مفاىيمي معريف يبتد جبذوره يف اإلرث اؼبعريف اإلنساين
من أن بدأ اإلنسان يعي ويفكر ويضع األسس اؼبعرفية إُف اليوم ،1وىذا ما سنقوم بالتفصيل فيو يف
الفصل التطبيقي عن أعمال ىذا الناقد اليت قدمها يف السيميائيات وفيما سبثلت جهوده.
1وذناين بوداود ،اػبطاب التأسيسي السيميائي يف النقد اعبزائري اؼبعاصر ،ص .6
62
الفصل الثاني
ثالثا :التأسيس الفكري واللساني للنظرية السيميائية عند " أحمد يوسف "
لقد ؼبعت على الساحة النقدية اؼبعاصرة أظباء عديدة تكبدت عناء الغوص ،يف
مستجدات النقد العريب والغريب وجعلوا من استثمار اؼبناىج النقدية وما ضبلتو من مفاىيم وطرائق
يف ربليل النصوص األدبية ىدفا ؽبم ،ويطالعنا يف ىذا اجملال اسم الناقد " أضبد يوسف " الذي
قدم العديد من األعمال اليت تدخل يف باب النقد اغبداثي ،موزعة بُت كتب ومقاالت منشورة
وؾبالت علمية وملتقيات وطنية ودولية ،وىو من بُت النقاد الذين وعبوا ىذا الباب تنظَتا وتطبيقا،
وكان اختيارنا ؽبذه الشخصية العلمية يعو إُف ؾبموعة من الدوافع نذكر منها:
ما سبيزت بو كتبو النقدية من عمق يف التحليل وتتبع للجذور الفكرية واػبلفيات الفلسفية
ألىم اؼبناىج النقدية اؼبعاصرة ،فكيف استثمر الناقد " أضبد يوسف" ىذه اؼبرجعيات يف فبارستو؟
وإُف أي مدى شكلت تلك الرواسب الفكرية أصوال جذرية انطلق منها يف بناء رؤيتو النقدية؟
وؽبذا سنتحدث عن أصول ومرجعيات اػبطاب النقدي عند " أضبد يوسف" اليت تبدو
والشك ثروة غزيرة ،لذا ال نستطيع أن نلم بكل تلك اؼبرجعيات اؼبعرفية اليت استقى منها ىذا
اػبطاب النقدي ،سنحاول اغبديث عن أبرز تلك اؼبرجعيات .فاؼبتطلع ؽبا كتبو أضبد يوسف يدرك
بأن ىذا الناقد تنبو إُف أمر ىام يتعلق باػبطاب السيميائي يف النقد اعبزائري ،ألن جهوده أشبرت
بصفة ملموسة يف اؼبنهج السيميائي »،فاألعمال اليت قدمها جاءت لتؤسس ؽبذا اؼبشروع بأسس
معرفية وفلسفية متينة والتفت منذ البداية إُف األصول الفلسفية للمناىج النسقية ورأى بأن الفهم
اعبيد ؽبا يبدأ من معرفة أصولو « ،1وىذا ما يؤكد عليو " ؿبمد عابد اعبابري" الذي يرى
( 1ينظر(،وذناين بوداود ،خطاب التأسيس السيميائي يف النقد اعبزائري اؼبعاصر [ مقارنة يف بعض أعمال يوسف أضبد]
أشغال دبلتقى الدوِف الثالث يف ربليل اػبطاب ،ص .8
64
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
بأن» كل منهج يصدر وال بد :إما صراحة وإما ضمنا ،والوعي بأبعاد الرؤية شرط ضروري
الستعمال اؼبنهج استعماال سليما مثمرا [ ]...الرؤية تؤطر اؼبنهج ،ربدد لو أفقو وأبعاده ،واؼبنهج
بعي الرؤية ويصححها « .1ألن ذلك يف نظره يبكن الناقد من السيطرة على األدوات اإلجرائية
اليت تتحكم يف اؼبنهج وتعصمو من الوقوع يف مزالق التطبيق »،شرط أن يكون '' اؼبنهج''
مستخلصا من أفاق تلك الرؤية « .2ومن ىنا كان اػبطاب التأسيسي لدى " أضبد يوسف"
ينطلق من خالل فرضية مفادىا أن السيميائيات ىي جهاز مفاىيمي معريف يبتد جذوره يف اإلرث
اإلنساين منذ أن بدأ اإلنسان يعي ويفكر ويضع األسس اؼبعرفية إُف اليوم.
ىذا الطرح دفعو إُف القيام بعمل حفري يف الًتاث الثقايف اإلنساين ليتتبع من خاللو اؼبعرفة
السيميائية يف أصوؽبا األوُف والوقوف على أىم ا﵀طات اليت كان ؽبا التأثَت اؼبباشر يف السيميائيات
اغبديثة ،3وعلى رغم من حفر بعض اؼبتخصصُت يف السيميائيات يف القاع الفلسفي للمعرفة
السيميائية إال أن ؿباولة " أضبد يوسف" تبدو تأصيلية هنض هبا ،تصب يف ؾبال تشخيص القاع
الفلسفي ؽبذه اؼبعرفة باالنطالق من ذلك االرتباط اؼبتُت» حد التطابق بُت السيميائيات واؼبنطق
ونظرية اؼبعرفة « 4وىو االرتباط الذي ظل " أضبد يوسف " يتابع سبظهراتو يف اشتغاالت الفالسفة
والسيميائيُت على مدى العصور.
1ؿبمد عايد اعبابري ،غبن والًتاث ( قرارات معاصرة يف تراثنا الفلسفي) ،اؼبركز الثقايف العريب ،ط ،6بَتوت ،1993 ،ص
.26
2عبد ا﵁ إبراىي ،اؼبطابقة واالختالف لبحث يف نقد اؼبركزيات الثقافية ،اؼبؤسسة العربية للدراسات العربية للدراسات والنشر،
بَتوت ،لبنان ،ط ،2004 ، 1ص .50
3وذناين بوداود ،اػبطاب التأسيسي السيميائي يف النقد اعبزائري اؼبعاصر ،أشغال اؼبلتقى الدوِف الثالث ،األغواط ،اعبزائر ،ص
.9
4ؿبمد رسول ؿبمد ،سيميائيون وظبيائيات ،السنة السابعة العدد ،1685ؾبلة العاَف اػبميس 16مارس ،2017الزيارة
على الساعة .18:24
65
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
وقد جسد عملو ذلك من خالل اؼبؤلفات اليت قدمها واؼبقاالت اليت نشرىا لبص بالذكر
بداية مؤلفة ( السيميائيات الواصفة ،المنطق السيميائي ،وجبر العالمات) وقد اتبع يف عملو
منهجا يقوم على:
مناقضة اؼبقوالت الفلسفية اليت تناولت العالمة وفلسفة اللغة قديبا وحديثا. أ-
العمل على ربط السيميائيات اغبديثة بأصوؽبا الفلسفية والفكرية.1 ب-
ىذا الكتاب الذي امتاز حبدة الطرح وذباوز الكثَت من األعمال النظرية العربية خاصة،
وىو يقف على ظهور العالمة يف كتابات العلماء وامتدادىا يف تاريخ التفكَت الفلسفي ،وقوفا على
اؼبسار الذي قطعتو السيميائيات من اؼبقوالت الفلسفية اليونانية إُف اؼبقوالت الفلسفية اغبديثة.
أ-المنطق اإلغريقي:
إن " أضبد يوسف "يف كتابو ( السيميائيات الواصفة) قد كان واضحا فيما يريد قولو فيما
يتعلق باألصول اؼبعرفية والفلسفية للسيميائيات اغبديثة ،حيث أكد على أن أصول اػبطاب
السيميائي توجد يف تلك اؼبقوالت الفلسفية والفكرية اليت سبقت مقوالت " دي سوسَت" و" ش،
س ،بوريس" ،وأن عملها جاء نتيجة تراكمات معرفية سبتد من " ديبقريطس "اإلغريقي إُف "
كارناب " يف العصر اغبديث 2ومن ىنا يبكننا» فهم العالقة الوطيدة بُت السيميائيات
واؼبنطق « ،3فهناك الكثَت من الفالسفة الذين تكلموا عن العالمة وعن فلسفة اللغة وىؤالء ىم
الذين وضعوا البذرة األوُف للسيميائات ،إذا فهناك ارتباط وثيقا بُت السيميائيات واؼبنطق ،وىذا
يعٍت أن اؼبعرفة السيميائية انبثقت من رحم الفلسفة ،بل شربت من زالؽبا العذب ومازالت ،إذ
1وذناين بوداود ،اػبطاب التأسيسي السيميائي ،أشغال اؼبلتقى الدوِف الثالث ،ص .9
( 2ينظر) ،اؼبرجع نفسو ،ص 11
3أضبد يوسف ،السيميائيات الواصفة ،ص .17
66
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
وصف آثار أرسطو بالنسقية اؼبنطقية لكوهنا استطاعت أن تضفي نسقا فلسفيا ومنطقيا كامال
على ؾبمل اؼبسائل اليت كانت مطروحة ومطروقة قبلو حيث» استخلص أرسطو مبادئ العقل اليت
ربصر اغبقيقة يف ؾبال تطابق الفكر مع الواقع على كبو ـبالف لفكرة أن اغبقيقة متأتية من
انسجام الفكر مع نفسو ،وىكذا فإن النسقية السيمائية اآلرسطية ذات الطبيعة األنطلوجية تربط
العالمات بالعواَف العيانية الفعلية ،وذلك ألن ىذه العالمات تنتظم داخل قوانُت الوجود « ،1
وىذا يعٍت أن النفسية السيميائية اآلرسطية ذات صيغة أنطولوجية مرتبطة بالوجود على حساب
اؼبمارسة.
كما تطرق " أضبد يوسف" للحديث عن التعريف العام للسيميائيات وىي من اغبقول
اؼبعرفية ذات البعد الثقايف وفبتدة األصول ،تقوم على ضرورة وجود قاعدة يف اؼبنطق الرياضي
والفلسفي ليتم فهمها ،ألن اؼبنطق اإلغريقي اىتم بالعالمة اىتمامو باللغة وال غرو أن أرسطو الذي
يشيد بالقانون فحواه من الوجهة السيميائية » أن العالمة بوصفها وحدة بُت الدال واؼبدلول تصبح
من زاوية اؼبقاربة السيميائية للنسقية اآلرسطية خصيصة لغوية تًتتب عليها أحكاما ينظر إليها على
أهنا صبل شرطية تأخذ منحى افًتاضيا وعليو تغدو نظرية األشكال اللسانية خطابا يتضمن
خصيصتُت اإلثبات والنفي « ، 2ومن ىنا تأت وحدة العالقة بُت الفكر واللغة اؼببنية على مبدأ
التناظريُت دواؽبا ومدلوالهتا يف غياب وجود صورة حسية ،تغيب العالمة اغباملة للفكر.
ومن ىنا ذبد أن التصورات اليت قدمها اؼبنطق األرسطي تعد البوادر األوُف للسيميائيات
اغبسية» وبناء عليو فإن نظرية اغبكم اآلرسطية ببعديها النفسي واؼبنطقي وبطبيعتها اعبدلية العلمية
تتمثل يف وحدة الًتكيب والتحليل اللذين ال يكاد أن ينفصال يف أثناء عملهما وال سيما إذا كان
ؾبردين ،وترتبط باػبطابات اليت تتوفر على خرب « ،3وبذلك استطاع الناقد " أضبد يوسف" من
67
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
خالل حفره يف عمق مقوالت اؼبنطق األرسطي الوقوف على تلك العالقة اليت تربط من منطق "
أرسطو " والتنظَت السيميائي اغبديث ،والتوصل إُف ىذا العلم اغبديث ما ىو إال ىذا العلم
اغبديث ما ىو إال نتيجة لذلك ا﵀مول اؼبعريف الذي كان غائبا.
ب-المنطق الرواقي:
يبدو اؼبنطق الرواقي منذ الوىلة األوُف بأنو ذو مواصفات سيميائية كما أنو يستقي جدتو
إذ سلمنا سالفا بأنو لو بعض اعبدة من كونو ارتبط تصوره بالتصور الفلسفي العام ،فقد صبعت
الفلسفة الرواقية بُت اؼبنطق واألخالق وعلم الطب وتفردت يف ضم اؼبنطق إُف مباحث اللغة
والداللة ،وؽبذا كلو كانت ؽبا عقبات السبق يف أن تكون ؽبا قدم راسخة يف تاريخ التقييم
السيميائي القدًن ،1وعليو فقد سبيزت الفلسفة الرواقية بالطرح الغائب والعمق الفكري فيما ىبص
الربط بُت اؼبنطق واللغة ،لذلك استندت ؼبا يسمى بفلسفة اللغة ،كما ربط ميالد مصطلح
السيميائيات " جبون لوك"» الذي يبكن إرجاع بعض ينابيع تصوراتو الفكرية والفلسفية إُف
الرواقُت ،فمكننا أن نقول بأن أصول السيميائيات إذا توخينا التتبع التارىبي ،تعود إُف التفكَت
الرواقي ومنطقهم الذي َف يكن بعيدا عن التصورات األوُف كما يبكن أن نطلق عليو اليوم بفلسفة
اللغة « .2
فاؼبسألة اللغوية يف نظر الرواقيُت ىي مسألة معرفة فلق أرجع الرواقيون اؼبسألة اللغوية إُف
اؼبوضوعات اؼبعرفية ،وَف يكتفوا بإقحامها يف كمتصورات النظرية العلمية وحقائقها العامة .فحياة
اللغة ال زبرج عن دائرة مستعمليها» فالعالمة ال توجد سوى داخل اؼبؤسسة االجتماعية « 3ومن
مث» فإن طبيعتها االجتماعية فرضت على الفلسفة الرواقية أن تدؾبها يف القضايا اؼبنطقية ،وتضفي
68
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
عليها يعد سيميائيا حبكم وظيفتها التوصيلية اليت انتصرت ؽبا اللسانيات اغبديثة ،وَف يكتفوا بالنظر
إُف العالمات اللسانية ،وإمبا ركزوا أيضا على العالمات الغَت لسانية « 1ومن ىنا يبكن القول أن
اؼبنطق الرواقي فيما يتعلق بالعالمات اللسانية والعالمات الغَت لسانية يف اؼبشروع السيميائي يف
نظر للعالمة يف صورة وحدات ملموسة أي يتعلق بالشيء خارج النفس ،فَتتبط جوىر العالمة يف
ضوء ىذا التصور ،دبراتب الوجود »،ىذا التصور سيجد صداه يف حد العالمة لدى " بورس "،
وسًتجم إُف مفهوم الدالالت اؼبفتوحة اليت ال تؤمن بأن العالمة ىي ؿباكاة ومرآة ؼبا ربملو أو
تنقلو أو تتمثلو دبا يف ذلك العالمة األيقيونية « ،2فمن خالل الًتاتب تأسست ديناميكية
الدالالت اؼبفتوحة » ففكرة إقصاء "بورس لدور اإلنسان يف بلورة العالمة ،بدعوى أن اإلنسان ىو
بدوره عالمة [ ]...فإن اإلنسان ىو عالمة بإدراكاتو وليس بسلوكاتو « 3وىكذا نقف على
عالقة منطق " بورس" باؼبنطق الرواقي ،فقد استطاع الرواقيون من خالل مدارستهم للعالمات أن
يبنوا نظريتهم االستداللية ،فقد رأو بأن ىناك ارتباط وثيقا وضروريا بُت العالمات واألشياء اليت
تدل عليها.
فالناقد " أضبد يوسف " يرى بأن اؼبنطق الرواقي ذو اػبصيصة االظبية اؼبادية قد اختزل
مقوالت " آرسطو" العشر إُف مقوالت أربع -1 »:اعبوىر اعبسماين -2 ...الكيف أي اؼباىية
الفردية -3 ...اغبال أو اؼبادة الفردية اؼبلتبسة حبالة معينة-4 ...النسبة 4 « ...مبينا أن» خالفا
للمقولتُت األوليُت فإن اؼبقولتُت األخَتتُت سبثالن ما ليس جسمانيا يف '' الشيء'' وما ىو آت من
69
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
األشياء األخرى ،وما ال يظهر إال بالقول ،إهنا ؼبدلول(الليكتون) « 1وىذا ما جعلنا نقف على أن
اؼبنطق الرواقي ىو منطق العالمة يف الفكر اإلغريقي.
يرى الناقد " أضبد يوسف" أن» منطق'' بول رويال'' يعكس تأثرىم جبوىر فلسفة ديكارت
اليت كانت تنشد وضوح األفكار وبينها ،وتنبذ كل ما هبعلها غَت واضحة ،إن درجة بيان الفكرة
ووضوحها مرىونة دبدى تأثَتىا ،فينا تأثَتا قويا على العكس من األفكار اؼبلتبسة اليت تنزع إُف
الضبابية نظرا ألهنا تًتك انطباعات حسيبة ـبتلفة لدى األفراد حول معطيات العاَف العياين
اؼبباشر « 2وىنا قبد الناقد يبحث عن لغة يتكلمها العاَف ،قائمة على الوضوح وزبتلف عن منطق
اللغات الطبيعية »،ودبأن " ديكارت" سلم القيادة للعقل اإلنساين ،وجعلو أعدل قسمة بُت البشر،
فال غرو أن ما يقع فيو الناس من أخطاء استداللية تعود أسبابو يف نظر صباعة بول رويال إُف
اؼببادئ اؼبغلوطة اليت يستندون إليها يف توصلهم إُف صدق األفكار وصحة األحكام ،اليت ينتهون
إليها يف أثناء تدقيقهم للقضايا وتأملهم للموضوعات وا﵀موالت « 3وىنا يقوم الناقد " أضبد
يوسف" باستدعاء فكرة ثالثة إذ أن اغبكم الصادق أو الكاذب ال يتم إثباتو أو نفيو فقط بالتدقيق
4
بُت فكرتُت ،يكون وسيطا بُت موضوعات األحكام وؿبموالهتا ،وىي فكرة» قياس إضماري «
هبذا التصور ليكن أن يكون آية من آيات التحليل السيميائي حينما ربتاج إُف معمليات
االستدالل من أجل التعرف إُف العالمات الطبيعية والعقلية.
إن الالفت للنظر أن الفيلسوف " ىوبز" اؼبتأثر باؼبنطق الرواقي ،قد نظر إُف الفكر وضمنو
للغة على أهنا عملية حسابية أو جربية وىو ما دفع التوجو االظبي لفلسفتو» القائلة بعدم وجود
70
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
فكرة عامة بأن تقبل قبوال ال تردد فيو التسليم باعتباطية اللغة والفكر ،على سواء ،ألن الكلمة
وحدىا ىي لفظة عامة « 1إذن فالنزعة االظبية لـ " ىوبز" قد أثارت مسألة أن الفكر ىو عالمات
حساب أو لغة حساب ،وإذا كان " ىوبز" قد تقبل مقولة اعتباطية اللغة فإن " لوك " قد قدم
دعوى ( االعتباطية) تقديبا جزئيا ال لبس فيو ،بل تناولو يف صميم إشكاليتو ،وىذا كفيل بأن
يضعنا مرة أخرى أمام اؼبصادر اػبفية اليت امتحت منها فلسفة " دي سوسَت" اللسانية من "
ىوبز " إُف " كارناب " ومرورا بـ " المبَت " سعى جلهم سعيا ،فيو بعض اعبرب إُف بناء أنساق
منطقية تنطلق من التفكَت حول العالمة وفلسفة اؼبعٌت ،ولعل ذلك يرجع إُف إحساس متعاظم
بقصور اللغة الطبيعية.2
ويف نظر الناقد "أضبد يوسف"» فإن فلسفة ديكارت مهدت الطريق أمام التفكَت الفسلفي
بأخذ مسألة اللغة يف حسبانو ،وببدع أسئلة جديدة نتجاوز ما إنشغلت بو السيميائيات اؼبسيحية
واإلسالمية على سواء [ ]...اليت يف نظره لقيت ضباسا كبَتا الذي ال " بينتز " الذي عمل على
3
تطورىا ،و" ىوبز" الذي ينظر إُف اللفظ على أنو وعاء التصورات واألحكام واالستدالالت «
وىنا يتوضح لنا أن آليات التفكَت اإلنساين ال يبكن أن تتجسد دون العالمات اللسانية فال يوجد
نشاط فكري يف غياب رموز اللغة فهو يرى» أن '' كوند ياك '' مثلو مثل لوك يرى أن اللغة
األصيلة [ ]....واألنساق السيميائية غَت اللسانية كانت العمليات األوُف اليت اصطنعها اإلنسان
يف تبليغ أفكار « ،4وىكذا تنتهي الكوندياكية إُف اإلقرار بالسيميائيات ا﵀ايثة وبلغة اغبساب
[ ]....وعليو فإن السَتورات السيميائية للمعرفة سبكننا من خلق نسق من ألفاظ األجناس ذات
الرتب العليا أو السفلى ،5وخالل ىذا بٌت الناقد " أضبد يوسف " تصوراتو من خالل ما قدمو "
71
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
كوند ياك" عند تصور ذبرييب يف نظرتو للمعرفة ،ففي تشيده نسقا سيميائيا بناءً على متصورات
حسية للواقع ،فقد رأى " أضبد يوسف"» أن التفكَت الفسلفي يف القرنُت السابع عشر والثامن
عشر انكب باذباىو التجرييب والعقلي على مدارست إشكالية الفكر واللغة ومنزلتها اػباصة يف
نسقية " كوندياك" [ ]...وسم الًتعة التجريبية يف عصر التنوير وذبلت يف أدبيات " ديرو" و ''
داؼبر'' اليت كانت االذباه اغبس باديا عليها « ،1اليت كانت الًتكيز فيها على» نظرية اعتباطية
العالمات « ،2فيتأسس النسق السيميائي ،على منطق الًتاتبات واستثارة التضايفات اؼبًتاكمة
للتعبَت وا﵀توى ،ويف ىذا الصدد يقول " أضبد يوسف"» فتفسَتاتنا العلمية ليست واقعة وال اظبية
فهي ليست إشارات أو عالمات هتبها كبن لألشياء ،كما أهنا ليست معرفة دباىيتها الباطنة ،إهنا
تفسَت طبيعة الشيء كما نفهمها كبن ،ال باعتبارىا مطابقة ؼبا ىي عليو يف الواقع « 3أي أهنا
تتولون بأكثر من تعبَت ،وتضمر أكثر من ؿبتوى ،أي أننا نفسر األشياء كما نفهمها كبن ال كما
أوجدىا الواقع ،ولكن على حد رأي " أضبد يوسف" فالتفكَت السيميائي َف يعد ىبرج عن دائريت
االظبية والواقعية دبعٌت أن كل اسم مسمى يف واقعو.
72
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
أحدثت معاعبتو لعاَف الفكر ،ثورة كوبرنيكية إذ اىتدى إُف طرائق تفسَت ظاىرة الفكر من حيث
منشؤىا وتطورىا ،حيث قام مشروعو الفلسفي على نقد األفكار الفطرية وإيضاح طرائق بناء
األفكار والتأمل يف مسائل اللغة ،ومن مث الوقوف على رسم معاَف السيميائيات عن طريق ربطها
بنظرية اؼبعرفة ،1وقد اىتم بدراسة الطرق والوسائل اليت تؤدي إُف التعرف على نظام الفلسفة
واألخالق فقد مت التشكيك يف األشياء ،وليس العالمات كما يقول " جون لوك "» فاألفكار
ليست شيئا آخر سوى عالمات ـبتزلة نستعملها من أجل بلورة وتنظيم بعض فرضياتنا حول
األشياء اليت نسائلها « ،2فهو يعترب األفكار ذو طبيعة نفسية فليس ما نتلفظو أحاسيس ،إمبا
أيضا التجارب الذاتية ،ومن ىنا قبد أن الناقد "أضبد يوسف" اؼبتتبع للقاع الفلسفي واغبضر
للسيميائيات يرى أن "جون لوك" َف يشايع " آرسطو ديكارت" يف القول بوجود أفكار فطرية،
وإمبا دعى ضرورة تأمل ملكة الفهم لدى اإلنسان ،أن لوك حسب " اضبد يوسف "» يرتكز على
أحد ىذين اؼببدأين ( مبدأ اؽبوية ومبدأ التناقض) يف نقض التسليم بوجود األفكار الفطرية « .3
ومن ىنا فإن السيميائيات ارتبطت برغبة اإلنسان يف اإلمساك بوحدة التجربة ،لقد عد
لوك األفكار البسيطة بأهنا األفكار األولية اليت ال نتعلمها إال باػبربة ،وىي اليت تتألف منها
األفكار اؼبركبة وأن التفكَت وحده يستطيع أن يصل إال اإلرادة وغَتىا من العمليات الفكرية
وليست النفس ،وؽبذا يصنف لوك تبعا لذلك األفكار إُف ( ثالثة أنواع من األفكار ،األحوال،
األغراض) واعبواىر واالضافات ( العالقات) واألحوال ( األعراض) أفكار عن األشياء اليت سبتلك
وجودا مستقال ،4وؽبذا كانت الرياضيات األمبوذج األعلى '' لسيميائيات اؼبتعالية '' يف نظر " أضبد
يوسف " وأنو قد سنت " لديكارت" و " سبينوزا" أن وضعوا لبنات النسق السيميائي يف التأمل
73
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
الفلسفي من خالل ما أظباه باؼبنهج اؽبندسي عند "سبينوزا" وكذلك فلسفة ديكارت اليت أسهمت
يف تشيد صروح الفلسفة والعلم على مرتكزات اليقُت الذي ماثل اليقُت اؽبندسي .وعليو فإن
"لوك" يصنف اؼبعرفة إُف ثالثة أصناف :حدسية وبرىانية وحسية ،وقبد "أضبد يوسف" يتطرق
ؽبذه األصناف معرفا إياىا ومفصال فيها.
كما طرح "لوك" مسألة وظيفة العالمة ،الرواية اغبسية يف اؼبعرفة العلمية ومعاداهتا لألفكار
الفطرية ،فاإلنسان يولد صفحة بيضاء ويكتسب األشياء ومسمياهتا من الواقع ،إن ألفكار "لوك"
حضورا قويا يف فلسفة " ىيوم" اليت تقرر أن اؼبعرفة اإلنساين كلها تبدأ من االنطباعات ،1وطرق
الناقد إُف أيقونية " باركلي" والنزعة االظبية لفلسفتو اليت قادتو إُف تأمل اؼبعرفة تأمال سيميائيا
حسيا »،حيث َف يكن يؤمن بوجود عالمة الشيء خارج اإلدراك اغبسي « ،2فالنسبة "للوك"
وخالفا ؼبا يقولو "باركلي" و"ىيوم"» فإن الفكرة اجملردة اليت ىي اعبوىر االظباين َف تتخلص بعد
من عمق وظبك ذىنُت أكيدين إال أهنا تعد مع ذلك ،منتوجا سيميائيا « 3ىذا ما ساىم يف بناء
سيميائيات حسية يف اإلدراك اغبسي يرى " أضبد يوسف" أن السيميائيات اغبسية استندت إُف
الصورة البصرية واألصوات اؼبسموعة والروائح والطعوم واغبركة لبسط فكرة نفي وجود جواىر مادية
نقيا مطلقا» فالسلوك اإلنساين بدأ يف التبلور حُت أحس اإلنسان سبَته وانفصالو التدرهبي عن
الكائنات األخرى « ،4ومن خالل أفكار ىؤالء الفالسفة حاول "أضبد يوسف" ربديد العالقة
بُت الفلسفة التجريبية والسيميائيات ،إذ انقادت السيميائيات إُف توجهات النزعة التجريبية اليت
ركزت على الداخل بالعودة إُف األفكار ،إذا أنزلوا االنطباعات اغبسية منزلة عليا ،ونبذوا األفكار
الفطرية ،ويقول يف ىذا الصدد» فإنو بدل االلبراط من مناقشة األفكار ورفضها فقط الًتكيز على
74
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
العالمة بدل الفكرة ،وأن ىذا االختيار لو تبعات ابسمولوجية تستند إُف إسًتاتيجية جديدة تتعامل
مع اللغة تعامال سيميائيا غالبا ما يتلبس بلبوس التصورات االظبية « ،1وعلى ىذا األساس تعد
ىذه النظرية نظرية قد أثبت بشكل مدىش ،فاستطاع "لوك" أن يقدم نقدا كبَتا للعادات اػباصة
باإلفراط يف استعمال اللغة 2وفلسفتو لغوية ذات أبعاد سيميائية ،وحسب رأي " أضبد يوسف "»
فقد ورثت السيميائيات على يد "ىوبز" و"لوك" و"ىيوم" وأشياعهم عقيدة راسخة تسلم بأن
ماىر معقول ينحصر فقط يف ؾبال اغبس ،وأن ربليل األفكار ال يصبح عمليا ما َف تستند ىذه
األفكار على قاعة االنطباعات اغبسية « 3وىذا ما ساعد على إعادة صياغة مفهوم اإلدراك ذاتو
واغبسي فتأيت» اؼبعرفة اغبسية يف مرتبة ذبعل منها سيدة اؼبعارف يف طلب موضوع العاَف اػبارجي
[ ]...كما ىو اغبال بالنسبة لقدرة أي نسق سيميائي على التواصل « ،4إذا ىنا َف يعد اؼبطلوب
اؼبعرفة بل معرفة اؼبعرفة وكيفية إدراك العاَف من خالل أشيائو.
لقد أظهرت العالقات اؼبتباينة بُت الكانطية والسيميائيات التجريبية انطالقا من اؼبفهوم
الكانطي للتمثيل والنظريات الداللية فالفلسفة اؼبثالية التقليدية كانت ىي األخرى ميالة لتأسيس
نظرية عامة يف العالمات دبوجب نسق العلوم [ ]...فهي ؿباولة الختزال نظرية الشيء إُف نظرية
العالمة ،فالسيميائيات كانت على قطيعة بالفلسفة اؼبثالية إذا فهي مطالبة بالعودة إُف منطق
اغبسابية والتمثيل الواضع للعالمة ،فكان ال بد على أي باحث أن يسلط الضوء على تلك
القطيعة اليت تربط السيميائيات بأصوؽبا وىذا ما يؤكد عليو الناقد "أضبد يوسف" ىذا الربط الذي
يكشف عن السيميائيات الفلسفية اؼبثالية أو ما يعرف باؼبنطق اؼبتعاِف لدى '' كانط ''» الذي
75
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
يسعى إُف إعادة بناء الشروط اؼبتعالية للسان[ ]...ىذه الفلسفة اليت حاولت أن ذبدد اللسان
بوصفة جهازا ربليليا[ ]...وعنصرا متعاِف عن التجربة « 1بوصفو أداة للعلم واؼبعرفة وأداة يكون
ضامنا للعالقة بُت اللغة والعاَف .إن " كانط " صاحب الفلسفة اؼبثالية ذات النزعة اؼبتعالية عمل
على نطق اؼبناىج الرياضية على الفلسفة وتوقف عن مسألة نقد العقل اػبالص فالرياضيات ىي
عملية ارتقاء علمي للمنطق» ما وبكم النزعة الكانطية ىو ذبربة مفهوم جديد للشكل بوصفو
عنصرا متعاليا ،وإذن فهو غَت مشروط ،وىذا يعٍت بداىة بأنو ال يتعايش مع تصور اللغة بوصفها
اقباز التجربة أيقونية وسيميائية مشكلة ومتحولة « ،2فالكانطية حريصة على توكيد مسالة أن
اؼبعرفة تنبع من اغبدس ال من التصورات.
" كانط " الذي يشيد باؼبنطق اآلرسطي وىو الذي يطرح سؤال جوىري ،ىل
العالمات منقادة لألشياء انقياد تصليو ضروريات التجربة؟ وعليو فهل العالمة اليت تربط بُت
العالمة واليت تتمثل يف اغبدس أم يف الًتكيب ومبدأ عدم التناقض ىو الذي يبيز تلك العالقة،
يضيف " أضبد يوسف " قائال »:أن كل معارفنا عبارة عن أحكام واغبكم ىو إدراك وقوع النسبة
بُت أمرين أو إدراك وقوعها « 3ؿبددا مراتب األحكام عند كانط وإشارة كانط إُف ضرورة التمييز
بُت اغبسابية والفهم وفق منظور االستطيقا اؼبتعالية وربط الناقد ىذه اإلشكالية بنظرية اغبكم،
وخلص إُف انو ىناك إمكانات لألحكام الًتكيبية القبلية اليت تعد اإلشكاالت اعبوىري يف النسقية
الكانطية ،وأشار الناقد إُف أهنا ذات طبيعة سيكولوجية تتعلق بالواقع.
حاولت فلسفة كانط أن تؤسس نظرية ذبربة [ ]...وال سيما أن كانط يعًتف بأن ىيوم قد
أيقضو من سباتو العميق ،قبل مرحلة " النقد العقل اػبالص"» ويقًتن التصور اللساين اػبصيصة
السيميائية باػبضوع لنسق القيمة فتعرب أي تأويل تتوُف الرياضيات الواصفة ،بوصفها تصورا أوليا
76
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
لنظرية اؼبنطقية للعالمات « 1والناقد " أضبد يوسف" وباول رصد أفكار كانط الذي اؽبدف
األساسي من مشروعو الفلسفي ىو التوفيق بُت اؼبذىب العقلي والتجرييب ،وما عاعبو ،يف نقد
العقل اػبالص» وأن أىم ما ورد يف منطق كانط سبييزه بُت األحكام التحليلية واألحكام
الًتكيبة « 2حسب الناقد " أضبد يوسف" وأن يصبح اؼبنطق اؼبتعاِف فعاال ينبغي أن يتحول إُف
طريقة منهجية يف البحث كما سيحقق ذلك يف سيميائيات بورس ،فتحقق نسبة القيمة يف النسق
السيميائي ،عامة بتحديد أشكال العالمات يف صورة وحدات ملموسة ،3فكانط ينفي أن يكون
العقل قادر على إدراك ما يناظر ىذه التمثالت ،وبعد العالقة بُت الرياضيات واؼبنطق رسخ الوىم
باشًتاطو غبقيقة العلم أن تكون حاملة ؼبضمون رياضي »،فقد شككت الكانطية يف قدرة معرفتنا
على اإلحاطة بالواقع اؼبوضوعي « 4حسب " أضبد وسف" إال أن ما يعيو الناقد أن على -وجو
التحديد -بالتناص الفلسفي ما اتصل بتداخل األنساق السيميائية ذات الطبيعة الفكرية ،وهبذا
اقًتح كانط منطقا متعاليا ساىم يف نظرية معرفية ،والوقوف على رسم معاَف السيميائيات.
إذا كان فالسفة اليونان وفالسفة القرون الوسطى قد قدموا مقوالت فلسفية متعلقة بالكون
والوجود وباإلنسان واللغة ،فإن فالسفة العصر اغبديث قد حاولوا إرساء النظم الفكرية الكربى مع
األخذ دبا تركو األسالف ،كان ؽبم دبثابة الدافع لتطوير ذلك اؼبوروث الفسلفي ،وقد ذبسدت
رؤيتهم السيميائية انطالقا من تصورىم للوجود ونظريتهم إُف الفكر واللغة على أهنا عملية حسابية
أو جربية ،ولكن السؤال ىنا ما عالقة اعبرب بالسيميائيات؟ فالفكر إذا حسب " ىوبز" عالمات
حساب أو لغة حساب بناءً على أنساق منطقية تنطلق من التفكَت حول العالمة وفلسفة اؼبعٌت،
1عبد القادر فهيم الشيباين ،معاَف السيميائيات العامة ،ص.49 ،48 ،
2أضبد يوسف السيميائيات الواصفة ،ص .101
3عبد القادر فهيم الشيباين ،معاَف السيميائيات العامة ،ص .17
4أضبد يوسف ،السيميائيات الواصفة ،ص .106
77
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
فيتساءل الناقد اضبد يوسف " حول إذا ما كانت سيميائيات " ش ،س ،بورس" ؽبا تأثَت جامع يف
السيميائيات التواصلية؟ ىذا السؤال بُت من خاللو توجهو السيميائي وتأثره بالسيميائيات
األمريكية يف نسختها البورسية اليت ذباوزت البعد الثنائي إُف البعد الثالثي ،وبأهنا ال تستند إُف
اللسانيات فهي ذات منطلقات فلسفية ،ميينا أن بورس استند يف ذلك إُف ما اقًتحو "جَتار
دولودال" ،يف كتابو اؼبوسوم ( بالفلسفة األمريكية ) الذي خصصو لبورس وتاثره "بالنقد العقل
اػبالص" وربطها بنسقية " كانط" اليت جعلت بورس» يرسم معاَف نسقية سيميائية قوامها البحث
يف عالقة القضايا الكلية بعاَف اعبزئيات الفعلي « 1واؼبتشابو غبساب القضايا الذي يرادف اؼبنطق
الرياضي ،ففي نظر " أضبد يوسف"» ال يبكن ذبريد السيميائيات اؼبعاصرة من أصوؽبا الفلسفة
القديبة ونبذ كل مزية يف التفكَت اؼبنطق القدًن « .2
وذلك إلدراك أبعاد العالمة الثالثة وقوامها انطالقا من قاعها الفلسفي ومرجعها وىذه
التأمالت واؼبقوالت استثمرىا الناقد " أضبد يوسف" وعرف كيف يستفيد منها فنجده يلتقي مع "
بربس" يف تركيزه على الداللة من خالل حبث مسألة العالمة وتبٍت فكرة النسق اؼبفتوح ،وأصبح
انصهار األبعاد الثالثية للعالمة ( اؼبمثل ،اؼبوضوع ،اؼبؤول) يبثل سَتورة العالمة أو ما يعرف "
السيميوزيس" »،إن اؼبعٌت الذي يستخلصو السيميائي من علل الطبيعة ىو خالصة "
السيميوزيس" أو الدالالت الالمتناىية يف الكون على وجود ا﵁ وعظمتو [ ]...ذلكأن التفكَت
اؼبنطقي ال يتولد من التعريفات [ ]...إمبا يستند إُف صور السَتورات اليت تسهم يف بناء مقدمات
وضع النتائج ألن التعريفات والقضايا تتجلى فعاليتها يف النشاط االستدالِف « ،3فالسيميوزيس
نشاط نابع من فعل يقتضي بالضرورة حضور األبعاد الثالثية للعالمة ،وكذلك االستدالل
وتصنيفاتو الذي حظي بأولوية كبَتة يف منطق" بورس" ،على أنو مركز التفكَت اؼبنطقي،
78
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
فَتى " أضبد يوسف" يف ىذا الصدد أن سيميائيات "بورس" ترتكز على أبعاد عقلية
وتبولوجة» فاؼبنطق ال ينفصل عن الغايات األخالقية السامية « 1ومنتهيا يف ذلك إُف» أن اؼبعٌت
ليس نتاجا ذىٍت خالص بل ىو ذو عالقة بالواقع واألحداث « 2كما ذبدر اإلشارة إُف أن
الرياضيات كانت عامال حاظبا أثر يف منطق " بورس"» ألهنا أكثر اؼبعارف ذبريدا ،وىي سابقة عن
اؼبنطق حسب تصنيفها للعلوم ،كما أصبحت تعتمد على العبارات الرمزية ذات الصيغ اعبربية
بوصفها لغات اصطناعية تتجاوز عجز اللغات الطبيعية « ،3ومن خالل ىذا اتسم منطق " بورس
" يف ؾبال " جرب العالمات" الذي تأثر جبرب" "بول" الذي أضفى مقتضيات العدد على علم
اؼبنطق ولكن اختلف حسب " أضبد يوسف" عن قيم العالمات الذي سيشكل جوىر
سيميائيات " بورس" ومرتكزاهتا ،ومن ىنا يرتبط جوىر العالمات يف ضوء ىذا التصور دبراتب
»،فحيث ربدث النقلة الوجودية للفكرة وبصل التبلور واالكتمال داخل حدود الربوتوكول
الرياضي [ ]...والواقع أن أصل الًتاتب والتعالق ،ىي اليت تكفل إعادة إنتاج موضوع مرجعيتو يف
سوق تداول العالمات « ،4ىكذا يتوقف تفسَت اؼبعٌت ،عند "بورس" عن نتائج استعمال العالمة
فهو مرهتن بالعقل الذي يدركو وفق بروتوكول رياضي ثالثي واليت يدعمها " بورس" ( اؼباثول،
اؼبوضوع ،اؼبؤول)» ولعل السيميائيات تشكل واحد من أبرز اغبقول اليت تركز يف جانب منها،
على فكرة االىتمام باػبطابات يف أبعادىا التداولية « ،5وخارج إطار التجربة اليت ىي سبيل
الوحيد الذي نقل الواقع إُف الذات ال يبكن إدراك العالمات من اؼبنظور الربغمايت حسب الناقد "
اضبد يوسف" كما أنو أشار إُف أن التأويل يضفي على سَتورة الدالالت اؼبفتوحة خصيصة
الضرورة ،فقد كان من دعاة الًتاحم بُت السيميائيات والتأويليات وؽبذا خص الناقد سيميائية "
79
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
بَتس" اليت تضع الرياضيات على رأس قائمة العلوم ومن ىنا نقف على حقيقة مفادىا أن
السيميائيات سواء كانت ذات منطلق لساين أو منطلق فلسفي فإن جذورىا سبتد يف الًتاث اؼبعريف
والفكري للثقافة الغربية بل اإلنسانية ككل .وهبذا استطاع " أضبد يوسف" ربط الًتاث النقدي
العريب مع السيميائيات وأعالمها فاؼبنطق الواصف وجرب العالمات قوام السيميائيات وبناء صيغ
منطقية تعتمد يف مقاربة العالمة وسؤال اؼبعٌت.
يؤكد الناقد " أضبد يوسف" يف كتابو ( الدالالت اؼبفتوحة ) على ضرورة ربط السيمياء
بالًتاث الفلسفي القدًن إذ قبده يذكر أظباء العديد من الفالسفة و العلماء مثل ( أرسطو ،جون
لوك ،كانط ،ديكارت) فهو يرى» أن فهم اؼبعن من اؼبنظور السيميائي ال ينبغي فصلو عن النسق
الفلسلفي والعلمي العامُت أي اؼبعرفة اإلنسانية اليت جعلت " جون لوك " يهتدي إُف السيميائية
اليت ترتبط ببقية عناصر ىذه اؼبعرفة « ،1ىذا إلن " بربس" يعًتف بأن االستقرار على ىذه الصور
الثالثة للجملة كانت نتيجة قرارات ألعمال واذباىات فلسفية متعددة منها " أرسطو " ،والقديس
أو " أغستُت " ...
انطلقا من ذلك التوجو البَتسي الذي اختاره الناقد عنون الفصل األول ؼبؤلفو ( اآلرسطية
وامتداداتها في التفكير السيميائي) باعتبار أن " بربس" تأثر كثَتا بالطرح اآلرسطي ،خاصة يف
اؼبرحلة األوُف من مراحل تفكَته واليت ظباىا "جَتارد لودال" باؼبرحلة الكانطية ( 185م/
1870م) واليت قام فيها دبراجعة اؼبقوالت الكانطية يف سياق اؼبنطق األرسطي.2
1أضبد يوسف ،الدالالت اؼبفتوحة (مقاربة سيميائية يف فلسفة العالمة) منشورات االختالف ،اعبزائر ،اعبزائر العاصمة ،اؼبركز
الثقايف ،اؼبغرب ،الدار العربية للعلوم ،بيوت ،لبنان ،ط ،2005 ،1ص .19
(2ينظر) جَتارد دودال ،السيميائية أو نظرية العالمات ،ت ،عبد الرضبن بو عل ،ص 19
80
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
فتعترب الدالالت اؼبفتوحة حسب الناقد " أضبد يوسف" موضوع السيميائيات اؼبركزية يف
أحباث السيميائيات البورسية ىو وبقية الدراسات اليت استلهمت أفكاره يف ىذا الشأن "
فالسيميزيس" ىو العملية اليت يشتغل فيها الشيء بوصفو عالم ة، 1ويعترب " السيميوزيس
" »"sémiosisسَتورة ربدث تدرهبيا يف ذىن اؼبؤول بدء من إدراك العالمة ووصوال إُف حضور
موضوع العالمة يف الذىن ،إهنا سَتورة مرجعية ،وينتمي كل عنصر من ىذه العناصر اؼبشكلة ؽبذه
السَتورة إُف مبط معُت من أمباط الوجود « .2
لبلص إُف أن " أضبد يوسف" يركز يف ىذا اؼبؤلف على سيميائيات '' بَتس'' وىذا ما يربز
العنوان الفرعي للمؤلف ( مقاربة سيميائية يف فلسفة العالمة) الذي وبدد بدوره التوجو الفسلفي
للناقد وسبثل ىذه اؼبدونة الفصل الثاين من الباب األول لرسالة الناقد يف الفلسفة واليت ضبلت عنوان
( السيميائيات وفلسفة المعنى) ،3وىو الفصل الذي عنونو ( بالمنطق الواصف وجبر
العالمات) ،وؽبذا قبده تناول العالمة اعتمادا على الطرح الفلسفي ،وذلك ألن العالمة تضخمت
واجتاحت كل اغبقول وىي اآلن تتحول تدرهبيا إُف " متعال" جديد ينافس الكثَت من العلوم
والفلسفات يف االدعاء بإمكانية تقدًن ربليل مشوِف لكافة مظاىر اغبياة والكون والسلوك ،4ونظرا
ؽبذا الدور العظيم للعالمة يف السيميائيات العامة واليت تتضمن داخل إطار نظرية العالمة ،على
حقول نظرية قاعدية كتلك اليت ترتبط بأمبوذج العالمة اللسانية أو دبتصورات الدالالت اؼبفتوحة أو
بالنظرية السردية للخطاب 5فإن " أضبد يوسف" يركز على مفهوم العالمة يف ظل " الدالالت
81
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
اؼبفتوحة " ،وىذا ألن ؼبفهوم الدالالت اؼبفتوحة ( السيميوزيس ) أنبية ؿبورية داخل الصرح اؼبعريف
لنظرية " بَتس" السيميائية ،كون ىذه األخَتة قد انبنت على أسس مرجعية الفكروسكويية (
) phocerescopiyaesاليت تعٌت باؼبقوالت الثالثة ىي األوالنية ،والثانينية ،والثالثانية ،من
جهة وأفضت إُف تفعيلها تطبيقا من جهة أخرى ،بيد أن ضرورة الفعل اؼبنهجي بُت السيميائيات
والدالالت اؼبفتوحة تظل يف نظر أمربتو إكو ) (ECOأمرا ال مناص منو ،فعل يقوم يف أساسو
على سبييز اؼبعرفة عن موضوعها ،فاؼبعرفة السيميائية خطاب نظري وليست عالمة خطاب يتناول
بدراسة الطبيعة اعبوىرية لكل الدالالت اؼبفتوحة اؼبمكنة وربوالهتا1كما أن اغبرص على تناول
العالمة من جهة فلسفية يبكن يف أن " ما ىو أساس يف أي نظرية ليست التقنيات واألدوات
واؼبفاىيم اؼبعزولة إن ىذه األدوات أمر الحق ،وال تشكل يف هناية األمر سوى وجو مرئي ألساس
معريف ىو وحده الضامن ؽبويتو النظرية ووجودىا [ ]...إن ما هبمع بُت تصورات معرفية متعددة
وبُت نظرية " بَتس" ىو منطلقاهتا الفسلفية وليس ؾبموع اؼبصطلحات اليت جاء هبا.2
ويظهر من خالل العنوان الذي اختاره الناقد ذلك التوجو البَتسي الذي كباه " أضبد
يوسف" وىذا ألن السيميائيات عند " بَتس" ليست صنافة جامدة تدرج أنواع العالمات يف
خانات قارة بشكل هنائي إمبا على العكس من ذلك ترد كل أنساق إُف حركات الفعل اإلنساين،
إهنا ذبعل من اإلنسان عالمة وذبعل منو صانعا للعالمة ،وتقدمو كضحية ؽبا يف نفس اآلن.3
يف ىذا الفصل الثاين والذي عنونو ( مفهوم العالمة في الخطاب الفلسفي الحديث )
حاول فيو الناقد " أضبد يوسف" التأصيل ؼبفهوم العالمة يف الفكر الغريب والعريب ،حيث استفاد
(1ينظر) ،عبد القادر فهيم الشيباين ،معاَف السيميائيات العامة ،ص .83
2سعيد بن كراد ،السيميائيات والتأويل( ،مدخل لسيميائيات" ش س ،بَتس") مؤسسة ربديث الفكر العريب ،بَتوت ،لبنان،
اؼبركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،اؼبغرب ،ط2005 ،1م ،ص .
3اؼبرجع نفسو ،ص .28
82
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
الناقد من فالسفة ىذه الفًتة مثل البينتيز ،وكاسَتر ،حيث تناول ما جاءوا بو يف مؤلفاهتم
األصلية.
" البينتيز" الذي» قد أشار إُف اعتباطية العالمة اللسانية ،ونبو إُف أن اللغة ىي من أقدم
ربف الشعوب قبل ظهور الكتابة والفن وأنتصر لفكرة " اللغة العاؼبية" « ، 1فتصورات
السيميائيات ال ذبمع على أهنا علم لو موضوع ؿبدد يتمثل يف دراسة العالمات ،وإمبا تكتسب
الطابع الصارم للعلم ،ولكنها سبيل ألن تكون تأمال فلسفيا يضطلع إلبداع اؼبفاىيم وؿباولة فهم
عاَف العالمات ونشاطها الرمزي ،وتندرج فلسفة " كاسَتر" يف ىذا السياق اليت تبغي من وراءه
سد اعبيوب الفارغة يف فلسفة " كانط" اليت أنبلت اللغة وبقية األشكال الرمزية وؿباولة ربطها
باألنطولوجية الفلسفية " لكانط" واضفاء الصبغة الرمزية على طبيعة التفكَت اإلنساين ،وؽبذا فغنها
تنطلق يف تعريف اإلنسان من اؼبصادرة اآلتية» أنو حيوان رامز « ،2وىو الوحيد من الكائنات
الذي حيب باستعمال اللغة ،فأصبحت خصيصة نوعية تقرد هبا حسب " تشومسكي".
ينبثق مفهوم العالمة من منظور " بَتس" انطالقا من " السيميوزيس" ( العالمة أو اؼبمثل)
ىو األوالين ،الذي ينوب عن الثاين ،الذي يسمى " اؼبوضوع" واؼبمثل هبد الثالثاين الذي يدعى "
اؼبؤول" ،وىذه ىي العالقة الثالثية األصلية وأي شيء وبدد شيء آخر ىو ( مؤولو) ،حبيث أن "
اؼبؤول" وبيل على " موضوع" وىذا "اؼبوضوع" وبيل بدوره على " موضوع" آخر بنفس الطريقة،
أي أن اؼبؤول أصبح ىو نفسو عالمة ،وىكذا إُف ماال هناية.3إذن فهو نشاط نابع من فعل
يقتضي بالضرورة حضور األبعاد الثالثية للعالمة (.اؼبمثل ،اؼبوضوع ،اؼبؤول) " فالسيميوزيس" يف
تصور " بَتس" فعل العالمة وعملها وؽبذا ربظى الوظيفة الرمزية دبنزلة خاصة يف سيميائيات "
83
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
بَتس" ألهنا ربافظ على الطبيعة اؼبنطقية العليا للنشاط السيميائي وسَتورتو ،الذي يستدعي اؼبؤول
الضامن لربط اؼبوضوع بالعالمة.
ىو العنوان الذي وسم بو الناقد " أضبد يوسف" فصلو الثالث ،أين يظهر فيو التوجو
البَتسي الذي قسم العالمة إُف ثالثة أقسام ( قرائن ،أيقونات ،رموز) ولذلك قبد اعتماده على
الكتب الغربية الشارحة لسيميائيات "بَتس" كثَتا وأنبها كتاب أمربتو إيكو ،ىذا ألن "بَتس" أخذ
حصة األسد يف اؼبنظومة اؼبعرفية " اإلكاوية" ويرجع ذلك للطابع االنفتاحي الذي تتميز بو آراءه
اػباصة بالدليل من جهة ،ومن جهة أخرى ال تقتصر وجهتو السيميائية على الدليل اللساين بل
تطال األنساق األخرى لتشمل األيقونة والرمز واإلشارة.1
وقد ظهر تأثره بطرح أمربتو إيكو للعالمة خاصة يف كتابو ( السيميائية وفلسفة اللغة)
الذي يبثل عمال نظريا على غاية من التعمق والدقة ،وتعد نظرة "إيكو" ،للًتاث عملية تأصيلية
للعالمة فهي مبوذج نظري أراد أن يتبع فيو طريقة السجال ومناقشة كل اآلراء اليت يراىا من منظوره
متطرفة وراديكالية ،فبعد أن نبش يف أصول تسع مقوالت ،السميوزيس اؽبرموسية ،و ىي العالمة
النوعية ،Qusligmneواؼبتفردة ،Sinsigneوالعرفية ،Legisgneوالعالمة يوصفها
أيقونة ومؤشرات ورمزا والعالمة بوصفها تصورا Rhémeتصديق Dicisigneوحجة
Argennetيف ذبلياهتا التارىبية وراح يسلط الضوء على السيميوزيس اؼبعاصر ،2كما يربز تأثر "
أضبد يوسف" ''بإيكو'' يف تبنيو للسيميائيات الـتأويلية حيث يقول »:وكبن نتطلع إُف سيميائيات
نسقية تًتاحم فيها البنية بالذات ،والنقد بالتأويل ،والنسق بالسياق ،والعالمة باؼبعٌت ،وعلى الرغم
( 1ينظر) آراء عابد اعبرماين ،اذباىات النقد السيميائي للرواية العربية ،منشورات ،ضفاف ،بَتوت ،لبنان ،منشورات
االختالف ،اعبزائر العاصمة ،اعبزائر ،دار األمان ،الرباط ،اؼبغرب ،ط ، 2012 ،1ص .75
2وحيد بن بوعزيز ،فتنة السيميوزيس ،من انفتاح القراءة إُف حدود التأويل ،ؾبلة التبُت ( باب الدراسات) ،اعبزائر ،عدد ،29
،2008ص .77
84
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
من أن ىذه النسقية ال تتحمس كثَتا إُف نزعة ؿبايثة وأوىامها ،إال أننا كنا قد أكدنا سلفا ضرورة
حضورىا بل يشًتط ىذا اغبضور يف ىذه النسقية اليت مازلنا َف نرزق اغبكمة بعد « .1
كما يؤكد يف موضع آخر ضرورة الًتاحم بُت السيميائيات والتأويليات قصد الوقوف على
الدالالت اؼبفتوحة ( للسيميوزيس) وزبوم التأويل ، 2وىذا التأويل الذي دعا إليو إيكو
باعتباره» أحد أبرز من نبو صبهور الباحثُت إُف اؼبردودية التحليلية البالغة الغٌت اليت تشتمل عليها
نظرية بَتس « ،3وَف يتوقف يتأثر الناقد '' بإبكو'' على اعبوانب اؼبعرفية بل تعدى ذلك إُف تبنيو
نفس الطرح اؼبنهجي يف مدارستو العالمة حيث يدرس " إيكو" يف مؤلفو )العالمة ( طبسة مفاىيم
سيطرت على صبيع النقاشات السيميائية وىي) :العالمة ،واؼبدلول ،واالستعارة ،والزمن ،والسنن(،
وذلك من خالل إعادة النظر فيها من الزاوية التارىبية ،4فنجد " أضبد يوسف" قد تناول مفهوم
العالمة من وجهة تارىبية تنزع للتأصيل الغريب والعريب ،كما احتوى كتابو على نفس مباحث
"إيكو" ( العالمة ،الرمز ،االستعارة ،األسطورة )...بل وبنفس الطرح التارىبي الذي دعا لو "
إيكو" بقولو» لكي تفهم فهما أفضل اؼبسائل اليت ال تزال ذبَتنا ،هبب أن نعود إُف السياقات اليت
ظهرت فيها اؼبقولة ألول مرة « .5حيث تتخلص نظرة " إيكو" للسيميوزيس" باعتباره ال وبيل إُف
تصور يف التأويل وسَتورة ال تنتهي عند حد بعينو ،بل نظر "إيكو" إُف " السيميوز" ،وإُف كل
اؼبفاىيم اؼبرتبطة هبا باعتبارىا مبدأ للتعددية باعتبارىا تأوال بال هناية.
85
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
أما الفصل الرابع اؼبعنون بـ ( :صيغ تحقق العالمة) وىو عبارة عن نقل حريف ألحد
عناوين " أمربتو إيكو" يف كتابو ( السيميائية وفلسفة اللغة) ،1فقد اعتمد عليو الناقد اعتمادا
كبَتا كما أسلفنا الذكر وتبٌت تصنيفو للعالمة يف كتابو ( العالمة) ،ربليل اؼبفهوم وتارىبو " 2إذا
ربيلنا اإلجراءات السيميائية اليت نظر ؽبا "إيكو" إُف أن منطلق اىتمامو كامن يف قدرة العالمة
الدينامية وأصلها ،التأمل يف كل جوانب حياتنا ،الذي نتعرف إليو من خالل تتبع سنن العالمة
داخل االكسيولوجيا العامة ( )Laxiologscفبا جعلو يدخل السيميائية متلهفا للتعرف إليها
عن كثب فجاءت دراستو لتكثر من اغبفر يف الدالالت واؼبؤوالت 3حيث ذىب الناقد ليبحث يف
وظائف العالمة ،أصنافها ،ونشاطها ،إذ أخذ» أصناف العالمات اليت تستند على مبادئ
للتحليل مثل القرائن األيقونات وحىت الرموز فهي على الرغم من أهنا تقوم إما على مبدأ السببية
وإما على مبدأ اؼبشاهبة وإما على مبدأ التعليل ،فإن ذلك ال يشفع ؽبا أن تدعي عالمات تعليلية
مطلقة « ،4كما أن للسياق دور يف ربديد طبيعة العالمة فإذا قابلنا العالمات ذات الطبيعية
االعتباطية بالعالمات ذات الطبيعية التعليلية سيكون دور السياق حاظبا ،داخل العالمات
االعتباطية» إن تعدد دالالت العالمة الواحدة عائد إُف دور السياق االجتماعي والثقايف الذي
تنتمي إليو ىذه األنساق السيميائية ،حىت تصبح قادرة على الداللة « ،5مثال :فالنار بوصفها
ظاىرة طبيعية قد يكون ؽبا ما يعللها من الناحية الفيزيائية أو الكيميائية وقد يكون رمزا دينيا وإال
على العقائد الدينية كاجملوسية ،الذي يعبد أتباعها النار أو اؼبانوية ،وقد تكون إشارة داخل إطار
من أطر عالمات اؼبرور تدل على ربذير اؼبارة والسائقُت ،من رمي النار على حافة الطريق ،وىي
86
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
تدل يف موضع آخر على العقاب ( يف الثقافة اإلسالمية بالنسبة للكفار) ،ىذه اؼبدلوالت وغَتىا
وبددىا الواقع والثقافة واالجتماع وبعبارة أخرى وبددىا السياق إذ يرى " بورس" أن العالمات
بنوعيتها وكيفياهتا اؼبتغايرة ( كلمة ،قضية ،خطاب ،برىان ،إشارة ،قطعة موسيقية »،)...ال زبرج
عن حد العالمة البسيطة أو اؼبركبة وأيا كانت صورة التعالق اليت تنسجها العالمات البسيطة فيما
بينها بالغة التحقيق فإن النسق الذي تبلوره ال يغدو إال أن يكون عالمة « 1فإذا افًتضنا أن كل
فكرة ىي عالمة ،فينبغي على كل فكرة أن تقود بدورىا إُف فكرة أخرى ،و أن ربدد فكرة أخرى
طاؼبا أنو كذلك ىو جوىر العالمة ىذا ما يؤكد عليو " بورس" ،إن الدالالت اؼبفتوحة دبثابة
االنفجار الكبَت لذرة داللة أولية غامضة اعبوىر متخلقة من العدم ،حيث تدافع سيميائيات "
بورس" عن أوالنية العالمة بوصفها سابقة للوجود فهي هتب بوضعها الكارثي موضوعات الواقع
كينوناهتا وربمل يف طياهتا – على صعيد اللغة – خطر " التهديد الذي وبملو اؼبوجود
للموجود" ،2وذلك حُت يتحول الواقع بدوره إُف أمثول لواقع آخر.
وىو العنوان الذي ضبلو الفصل اػبامس واألخَت من مؤلفو – أضبد يوسف -الدالالت
اؼبفتوحة ،حيث تناول فيو سيميائية الصورة باعتبارىا جزءا من اغبقل البَتسي والذي تناول فيو
األيقونة» ومن ىذا استقرأ الصورة وبٌت سيميولوجية منتجة للمعٌت بدأت تغدو شكال
ابستيمولوجيا مستقال بذاتو وقادرا على التعبَت والتأثَت ،السيميولوجيا الغَت العقيمة اؼبنتجة للمعٌت
ىي اليت تدرج يف بٌت الصورة ،وطبقاهتا وتتجاوز مع السيكولوجيا من جهة وباستيطيقا التعبَت من
جهة « ،3حيث ركز يف ىذا الفصل على إظهار قيمة السيميائيات األيقونية أو سيميائيات
87
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
الصورة ،باعتبارىا أحد اغبقول السيميائية اعبديدة» غَت أن داللة الصورة ظلت تتجاذهبا اآلراء
والتوجهات ،وَف ذبد حىت اآلن اجملال الفعلي داخل السيميائيات العامة « 1حيث نالحظ أن
االىتمام كان منصب عن أثار اؼبعٌت الناذبة عن االستعمال واستقطاب ـبتلف األنساق الدالة
االجتماعية ،كما قبد الناقد يراىن على التحليل السيميائي يف إدراك وجود البنية الفنية اؼبشتغلة
وديناميتها عندما ترتبط باألسيقة الثقافية العامة اليت يتم يف ظلها تأمل نشأة اػبطابات الفنية
وأشكال تقبلها وتلقيها ،وؽبذا نلفيو يدرس وظائف خطاب اإلماءة عند شارِف شابلُت"
السيميائي.2
فالعالمة حقل واسع تتنازعو عدة علوم مثلما ىو الشأن بالنسبة إُف البنية والقيمة ،ومن
ىنا ال هبعل الفن يف حقل العالمة وحدىا وإمبا يرى "موكاروفسكي" بأن» العمل الفٍت عالمة
وبنية وقيمة يف نفس الوقت « ،3وإذ نظرنا أيضا إُف السيميائيات قبدىا تندمج يف عاَف
السيميائيات اػباصة اليت تتطلع ؼبدارسة اػبطابات اؼبتعددة السنن» إذنلفي اللغة اؼبسرحية
تستدعي أنساقا متباينة من العالمات اؼبتمثلة يف اللسان وا﵀كي واؼبكان واغبركات ،والضوء،
والديكور ،واعبمهور ،وال غرو أن تعد سيميائيات اؼبسرح ملتقى للعالمات « ،4حيث أصبحت
اؼبتصورات السيميائية للجماليات خاصة اؼبتعلقة جبماليات اػبطاب البصري سواء تعلق األمر
بالصور الفوتوغرافية أو بفنون العروض اؼبسرحية و إخراج الديكور وما إُف ذلك من ما ىبرج عن
فضاء العالمات اللسانية ،مثل السنيما والفنون التشكيلية والعمارة ،لتتخذ تعبَتا أيوقونيا تارة
ورمزيا تارة أخرى ،وىي بذلك تغدو سيميائيات مستقلة ألن موضوعاهتا يف ثقافتنا ؽبا وجود
ثابت ،وعلى الرغم من أن ىذه اؼبوضوعات تكون خطابات ،تستدعي عن طريق االستدالل أمباطا
88
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
عديدة من السيميائيات إال أن مكانتها صارت ؿبل اىتمام بالغ من قبل السيميائُت .إذا فدعوة "
أضبد يوسف" إُف االنفتاح على ـبتلف اؼبرجعيات اؼبعرفية تربز معاَف الوجهة النقدية اليت ازبذه
اػبطاب عنو ،مطية للبحث يف تاريخ األدب اعبزائري ،وحبث خفوت الساللة وضياع اعبنيالوجيا.
ثالثا :التأسيس الفكري و اللساني للنظرية السيميائية عند " أحمد يوسف"
إن مقاربتنا اليوم ىي مقاربة لباحث أكاديبي عريق ملم برصانة اغبداثة ىذا اؼبهتم دبجال
السيمياء وربليل اػبطاب ،واؼبهم يف ىذا اؼبقام اغبديث والتطرق ألىم اقبازاتو الفكرية واؼبعرفية اليت
سنحاول االشتغال على بعض أىم اؼبقاالت اليت تناول فيها الدرس السيميائي ،فمن أحباثو
اؼبنشورة يف اجملاالت العلمية ا﵀كمة مقالو اؼبعنون بـ ( السيميائيات التأويلية وفلسفة األسلوب)،
كذلك مقال بعنوان (السيميائيات و مرتكزاتها االبستمولوجية ) ،باإلضافة إُف مقال آخر
عنوانو ( تأثير الجلوسيمياتية في النظرية السيميمائية ،مدرسة باريس أنموذجا ) ،باإلضافة إُف
العديد من اؼبقاالت اليت كانت دبثابة التأسيس لتوجهو السيميائي.
تعد ىذه الدراسة تأمالً سيميائيًا لتهافت اؼبعٌت ،يسعى من خاللو الناقد " أضبد يوسف"
إُف فهم إشكاالت ىباء التأويل يف أدبيات البالغة السفسطائية وما تنشده اللغة العلمية الواصفة،
اليت ظهرت يف مطلع القرن اػبامس قبل اؼبيالد بعد أطول قبم حكم األقلية األوليجارشية وبروز
حكم " ديبقراطي" راشد يف القرن الثاين بعد اؼبيالد 1وىنا يبُت " أضبد يوسف" أن ىذا التأمل
يرسم لنفسو مسارا نقديا يتعامل مع البالغة على أهنا ثراء لغوي وفكري غَت منفصل عن نشاط
السلوك اإلنساين وضبوالتو الفلسفية واغبضارية ،مركزا على طبيعة الدوائر اليت ينفلت فيها اؼبعٌت من
1أضبد يوسف ،هتافت اؼبعٌت وىباء اغبقيقة ،مقال يف ؾبلة عاَف فكر ،العدد 1اجمللد ،38سبتمرب ،2009الكويت ،ص .7
89
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
هباء النسق ،وتنزلق فيها الدالالت إُف ىباء التأويل لدى السفسطائيُت األوائل حيث
يقول» فتصَت '' اغبقيقة'' إُف التيهاء :وال معلم ؽبا إال ىذا الذي تكنست قواريره ليصبح مقياسا
لكل األشياء « ،1وىذا ما جعلو يتساءل حول كيفية قراءة مدونة البالغة الفسفاطية ،وقد وصلنا
ارثها مكتوبا بأقالم خصومها ،واصفا ىذه القراءة بـ " اؼبناحرة" مشَتا إُف ضرورة أن على التأمل
النق-دي أن يستنفر احتياطاتو اؼبنهجية »،وؽبذا عميت على مؤرخي الفلسفة أنباء النصوص
السفسطائيُت ،ورمت هبم أسفار البحث أبعد مرامها « ،2وىذه دعوة من النقاد إُف إعادة قراءة
البالغة السفسطائية من حيث ىي وحدة فكرية بدل أن يعزؽبا تاريخ الفلسفة مبينا» أن البالغة
السفسطائية فجوة سحيقة يف تاريخ الفلسفة نظرا إُف ما تعرضت لو من ضروب الطمس والتدليس
[ ]...على الرغم من اعبهد الذي يبذلو "جرورج ببيكوكفريد" يف إعادة تأىيل تاريخ الًتاث
السفسطائي وإعادة قراءة تاريخ تأويالت التيار السفسطائي « ، 3منتقال يف طرحو أشهر
السفسطائيُت أمثال ،بروتاغوراس ،وغورغياس وىيبياس ،الذين يبثلون رصيد البالغة يف صورة
اػبطابة عند الغرب الذي ظل شفوي َف يدون »،تعد البالغة السفسطائية إحدى ضحايا الثقافة
الشفوية اليت َف ربفظها الكتابة من الضياع « 4حبكم أهنم معلمي اػبطابة وفن اإللقاء يعتمدون
على ما ىو منطوق.
فيشَت الناقد " أضبد يوسف" إُف أن الكتابة كوهنا نسقا سيميائيا دالو القدرة على مناقشة
اللسان مسألة يف غاية اغبساسية ،ودعا من خالل ىذا اغباجة إُف االستعانة بالسيميائيات
التأويلية يف البحث عن» أثر النصوص ) ) Tracedes Textesالسفسطائية يف
مسرحيات"بوربيدس" الكوميدية ويف ؿباولة أفالطون وكتابات آرسطو « ،5وقد حصر الناقد
90
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
قراءتو السيميائية ىذه ضمن دائرتُت يف السياسة واغبكمة ،فتحدث عن ىذه البالغة اغباملة لذلك
اغبيوان الذي يبتلك سلطة النطق ومهابة الكالم ،وتكون ىنا القوة والسلطة والسيادة ؼبن يبتلك
سحر البالغة ،مبينا أن العالمة كانت منضوية يف الذات الفردية ،دبعٌت ما كانت تقع خارجها
1
لدى الفالسفة الطبيعيُت ،وأن عالمة اإلنسان ذات معٌت ؾبرد ،وافًتاضي يكمن يف فرد اإلنسان
مبينا أيضا ارتباط نشأة البالغة دبمارسة اؼبواطنُت اللغوية وأن صراع الـتأويل حسب " أضبد يوسف
" بدأ عمليا مع السفسطائيُت »،حينما انتقل التفكَت الفلسفي من البحث يف األنطولوجيا إُف
البحث يف اإلنسان وحصر حاجاتو وربديد رغباتو « »،2فالعالمات تربز فقط عندما يبكن التعبَت
عنها بصفة عقلية من خالل عناصر اللغة واللغة تًتكب ألهنا تعرب عن أحداث ؿبملة دبعٌت « ،3
مبينا أن البالغة تعد جزءا ؿبركا يسهم يف بناء النسق السيميائي ،كما ؽبا من قدرة على خلق
عالقات جديدة بُت العالمات وفق ما تستند إليو من تناقض.
ومن خالل ما قدمو " أضبد يوسف" يف ىذه الدراسة فهو يصل إُف حقيقة مفادىا» أن
التباين يف اؼبقاصد واؼبصاٌف تكتسي صيغا خطابية تتجلى يف درجات اللغوس ،وبالتاِف ربمل أبعاد
السَتورة التأويلية – يف تصوره – طبيعة سيميائية يبٍت جرب عالماهتا على قانون تركييب داخلي
يستجيب ؼبقتضيات الدائرتُت السياسية والفلسفية معا « 4كما يرى» أن ىذا اؼبنطق يؤمن بأن
اللغة ضبالة عالمات ال ضبالة أشياء « 5أي أفكار ؾبردة باعتبارىا جواىر ظبيائية ،منتهيا إُف أن
البالغة السفسطائية قائمة على نزعة إنسانية ـبصوصة َف تتبلور يف التفكَت الفلسفي إال يف عصر
النهضة وأن انطالقات اؼبعٌت يف اػبطاب السفسطائي ذبلت ألسباب سياسية وأخالقية وعلمية
تتسم بالتحليل الشكالين مع " جور جياس " ،مسلما دبقولة "بَتس" أن اإلنسان عالمة فأفضى
( 1ينظر) ،أضبد يوسف ،هتافت اؼبعٌت و ىباء اغبقيقة ،ص .14
2أضبد يوسف ،هتافت اؼبعٌت وىباء اغبقيقة ،ص .19
3أمربتوإيكو ،السيميائيات وفلسفة اؼبعٌت ،ص .81
4أضبد يوسف ،هتافت اؼبعٌت وىباء اغبقيقة ،ص .21
5اؼبرجع نفسو ،ص .23
91
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
بو ىذا التسليم إُف أن العالمة ىي مقياس كل شيء »،ويًتتب على ىذا القياس أن العالمة ال
تتسم بالثبات على كبو ما كانت ربملو العالمات يف فلسفة الطبيعيُت ،ما قبل سقراط وأن
الدالالت اؼبفتوحة أو النشاط السيميائي وحيويتو وبيل إُف انزالقات اؼبعٌت وانعطافات ربوالتو،
1
وذلك عرب االستدالالت اليت كانت تثَت فقط فصدم السفسطائيُت بوصفها ضرب من التمويو «
فقد توصل الناقد " أضبد يوسف" إُف أن ىذه البالغة اختارت ىباء التأويل وتركت هباء النسق
آلرسطو ،واىتمت الحقا بالتقنيات اغبجاجية وفلسفة األسلوب وبنظرية الصور ،فسميت
باػبطاب ضد اؼبنهج لتصبح آلية من آليات ربليل اػبطاب ،وأصبحت اؼبغالط ضربا من ضروب
اغبجاج حسب الناقد " أضبد يوسف " إن مثل ىذه الدراسة اليت قدمها الناقد ذبعلنا كقراء
نتجاوز أي قراءة تقليدية ومسبقة ألي نص دبا دبأن اغبقيقة متعددة بتعدد اؼبالبسات ،و أن اؼبعٌت
ليس قاظبا مشًتكا يتقاظبو صبيع الناس ألنو مرتبط بتعدد الثقافات يف البيئة اليت يقرأ هبا النص،2
كل ىذا هبعلنا ال نقبل اغبقائق الناجزة ،بل وبفزنا إُف البحث عن عدة أنساق للحقيقة.
-2السميائيات والتواصل
ويف ىذه الدراسة ابتدأ الناقد " أضبد يوسف" بتمهيد بُت فيو الفروق اليت وضعها الباحثُت
بُت اللسان والكالم من جهة والكفاية اللغوية واألداء اللغوي من جهة أخرى ،واىتمام
السيميائيات بشكلي التعبَت وا﵀توى الذين بسطتهما اللسانيات النسقية " ليامسليف" مبينا أنو ال
يبكن تصور سيميائيات دون تواصل حسب " جورج مونان " ،3وتطرق إُف أىم الفروق اليت
أحصاىا " بنفنيست" بُت االتصال اغبيواين ولغة اإلنسان.
( 1ينظر( ،أضبد يوسف ،هتافت اؼبعٌت ،وىياء اغبقيقة ،ص .28
( 2ينظر( ،أضبد يوسف ،السميائيات والتواصل ،العاَف مبٍت وفق أمبوذج اللسان ،كلية األداب جبامعة وىران ،اعبزائر ،ؾبلة
عالمات العدد ،24ص .37 ،36
3أضبد يوسف ،السميائيات والتواصل ،العاَف مبٍت وفق أمبوذج اللسان،ص.37
92
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
يظهر فضل التواصل يف أنو مدين للتمدن البشري الذي تعد فعالية اغبوار من أظبى آياتو
وىنا يربط الناقد " أضبد يوسف" اغبوار باإلنسان ويالحظ تفاوت بُت اإلنسان واغبيوان يف ؾبال
االتصال واللغة ،وربدث عن طريقة استقبال العالمة لدى اإلنسان واغبيوان» فإهنا ال تكاد تعدو
دائرة اإلشارة لدى اغبيوان بينما تتحول العالمات إُف رموز « .1وىنا الناقد أبقى على التميز الذي
وضعو " دوسوسَت" بُت العالمات اليت تقوم على مبدأ اإلعتباطية والرموز اليت تستند إُف مبدأ
التحفَت أو التعليل.
كما يرى " أرنست كاسَتر"» أن يقيم فاصال الواقع اؼبمكن وبُت اغباِف اؼبثاِف ،إن الرموز
ىي تضفي الداللة على حياة اإلنسان ،وىذا ما نلمسو يف األسطورة والدين واللغة وكافة األشكال
الرمزية «. 1فسوسَت حصر كنو اإلنسان والكشف عن قوانينو» فاللسان ىو أداة الوصف
والتصنيف بل ىو األداة اغبالقة واؼبؤولة للمجتمع كلو [ ]...فهو أرقى وسيلة للتوصل وتبادل
اؼبعارف واػبربات اإلنسانية « 2فهو األداة الوحيدة لفهم وتأويل األنساق األخرى ،وىنا تقوم
إسًتاتيجية السيميائية السوسرية على دراسة اللسان بالتغاضي عن تلك اػبصائص اليت ال تعمل
إال على سبيزه عن باقي األنساق السيميائية ،3فيقر " سوسَت" بتمييز النسق اللساين ،إذ يرهتن
النشاط الرمزي لإلنسان بالنشاط التأويلي الذي ربركو دواليب اؼبؤوالت ( اعبمل ،اؼبقولة ،اغبجة)
وتنظمو الدالالت اؼبفتوحة ،ويوضح الناقد» أن االتصال اغبيواين يفتقر إُف فضيلة اػبيال الذي
يغذي النشاط " السيميوز" لدى اغبيوان ،وعليو فإن العالمات اللسانية ال تكتفي بتحقيق
93
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
مقاصدىا « 1طارحا ؾبموعة من األسئلة مبينا النتائج اليت انتمت إليها اللسانيات العامة» فإن
النظام البيولوجي وجهاز النطق ربديدا ال عالقة مباشرة لو بواقع اللسان [ ]...وأن ىذه األجهزة
ال تؤثر يف النسق العام للسان وال تغَت من بنيتو شيء « 2ففي عملية التواصل يتخلى اللسان عن
ىالة التعاِف ليلبس لباس السنن ،3ومن ىنا يتبلور القصد التواصلي من منظور السيميائيات،
وحاول الناقد تقدًن مقارنة بُت الغائية الطبيعية والقصدية اللغوية ،معرفا القصد» جوىر السَتورة
التواصلية وعماد اؼبعٌت [ ]...ذلك أن القصد توجو مباشر إُف اؼبوضوع ليتماىى مع فعل اإلدراك
من قبل الذات « . 4
ومن خالل ىذا يبُت الناقد أن السيميائيات استثمرت ىذه الوقائع اللغوية يف العمل على
توسيع مفهوم اللغة لتشمل أنساق العالمات الغَت اللسانية ،اليت تتضمن اػبصيصة الداللية،
ويقًتن التصور اللساين واػبصيصة السيميائية باػبضوع لنسق القيمة وكما هبد الناقد أن» اؼبعيار
الوظائفي يبقى األساس الذي يبيز اللسان من حيث ىو ظاىرة كونية تتصف بالتعدد وؽبا مزية يف
إضفاء صفة اإلنسانية على البشر من بُت الكائنات األخرى « 5وىنا إذا أردنا ربديد ؾبال
السيميائيات التواصلية أهنا ضمن األحداث اؼبدركة واؼبرتبطة حباالت الوعي ،ويصرح الناقد " أضبد
يوسف" أنو ال يبكن للسيميائيات التأويلية أن تتنكر للنتائج العلمية ا﵀مودة اليت حققتها
السيميائيات ا﵀ايثة وذلك من خالل» مشروعها يف علمنة دراسة اؼبعٌت ،ضمن الربنامج الطموح
لدالئليات غريباس البنيوية عام ]...[ 1996إذ أن اؼبشروع مؤمن باؼبنطلقات اللسانية لبناء
اؼبعرفة السيميائية بناءا علميا صارما « .6
94
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
وذلك من خالل بناءه لسانيات النص ،كما أشر الناقد يف مقالو إُف أن مفهوما االعتباطية
والتعليلية أصبحا يف الدراسات السيميائية مركزين يف سبثيل العالمة وسَتوهتا» ألن مفهوم اعتباطية
العالمات اللسانية ظبح بفهم حقيقة تعدد األلسن وتنوعها « 1ىذا ما قاد إُف استكشاف صور
اآلليات البسيطة للتواصل ،إُف فهم حقيقة التواصل اللساين.
كما يوضح الناقد أن رومان " جاكبسون" قد استطاع أن يستوضح خبطاطة التواصلية
عناصر الشبكة األمبوذجية للتواصل» الذي استثمر علوم عصره من رياضيات وىندسة وطب
وفيزياء وفلسفة وعلم النفس « 2وعلى هنج ىذه الشبكة طفقت سيميائيات التواصل تبلور
مفاىيمها ،لقد انكبت السيميائيات العامة على مدارسة أسسن األنساق الدالة وذباوز الوضع
اغبدسي ؼبستعمل السنن إُف إدراك اؼبعطيات الشكلية اؼبرسلة ،إذ يستطيع التحليل السيميائي
للتواصل ،على آلية الفعل السيمي أن يوضع العالمة داخل الفعل التواصلي بالنظر إُف مقتضيات
اؼبقصدية 3حيث يصف الناقد السيميولوجية بأهنا» العلم العام لكل أنساق التواصل اللسانية وغَت
اللسانية وأن النتيجة الضمنية اليت تنتهي إليها من ىذا اؼبتصور أن السيميائيات ىي علم
اؼبقاصد « 4مث يبُت أنو ال يبكن أن نفضل الصوت عن اؼبعٌت واستكشاف العالقات الوطيدة بُت
بُت األصوات واؼبعاين أثناء السَتورات التواصلية والتغلب على الصعوبات اؼبنهجية اليت تعًتض
سبيل التحليلي اللساين ،5إن األصوات اليت ىبرجها اإلنسان رموز غباالت نفسية ،واأللفاظ
اؼبكتوبة ىي رموز لأللفاظ اليت ينتجها الصوت [ ]...ولكن حاالت النفس اليت تعرب عنها ىذه
العالمات اؼبباشرة متطابقة عند اعبميع.6
95
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
كما تطرق الناقد إُف الكالم واؼبفهوم من منظور علم النفس اللغوي وكيف تتم العملية
التواصلية يف ضوء اؼبعجم الذىٍت ،متطرقا إُف خصائص الكالم البشري ،منتهيا إُف أن» الكالم ال
سباثلو يف سهولة االتصال إال الصورة « 1وأنو ال يبكن فصل اللغة عن اػبطاب »،إن الطبيعة
التواصلية لغالبية األنساق الدالة ،وضعت ثلة من السيميائُت إُف الربط بُت السيميائيات بوصفها
علما يدرس أنساق العالمات الدالة وبُت وظيفتها التواصلية مقتدين دبا قررتو اللسانية من أن
التواصل ىو عصب الوظيفة اللسانية ومن شبة فهو أساس اػبطاب « ،2ولعالمات حبث التواصل
ودبا وبدث اػبلق واالبتكار ،3إذن مادام ىناك تواصل فثمة حقيقة خطابية سبتلك وسائل التعبئة،
ومن ىنا أبا الناقد " أضبد يوسف" على مناقشة الوظائف التواصلية سعيا منو إُف تفعيل مبدأ
اغبوار يف سيميائيات التواصل.
من اؼبعلوم لدى اؼبتضلعُت للمعرفة اللسانية اؼبعاصرة أن ؿباضرات "سوسَت" بسطت بعض
األفكار األولية حول التحليل النسقي للخطاب بنيويا ،وحاولت أن تعمقو تاليا اللسانيات
اعبلوسيماتية ( النسقية) اليت طرحها " يامسليف" على أهنا استمرارية ؼبسعى" دي سوسَت" تارة
وربول عن مساره تارة أخرى» أما الذي يهمنا أكثر ىنا ىو العالقة بُت األسس النظرية والعملية
للدرس اللساين بوصفو إجراء يشتغل يف نظام اللغة ،واألسس النظرية واإلجرائية للدرس اللساين
السيميائي بوصفو تصورا منهجيا يتأمل األنظمة الدالة ،سواء كانت لسانية أو غَت لسانية « ،4
حيث يرى الناقد " أضبد يوسف " أن '' يامسليف '' رسم توجو جديد يف التحليل اللساين ولكنو
96
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
بقى ـبلصا ؼببدأ ا﵀ايثة ومهما يكن فإنو كان يشايع نسقية " دي سوسَت " اليت تؤكد أن اللسان
شكل وليس جوىر» بل إن " دي سوسَت" كان يعتقد يف دراستو للجناسات التصحيفية ( les
) Argrammesبأن التغيَتات البسيطة إما أن تكون جربية وإما ال تكون ،وىو ما حاولت
"جوليا كرستيفا" دراستو دراسة سيميائية « 1أين اقًتحت مفهوما جيدا لو صلة باالكبراف
اللغوي ،فأطلقت عليو مصطلح ) ( Proagnammaودبا ظباه " ميخائيل ريفاتَت باإلبوجرام
،Hypogrammaولو عالقة باالكبوية ،Agrammaticalitéكما هبد الناقد " أن
"ىاريس" َف ينخرط يف اغبديث عن موضوع اللسانيات كما ىو لدى" دي سوسَت" و أنو اكتف
فقط بوصف األطرحات اؼبميزة للكالم ،واؼبؤلفة ؼبخزون اؼبلفوظات أو اؼبدونة اليت يرتكز عليها
التحليل التوزيعي كما أشار الناقد " أضبد يوسف" يف مقالو ىذا إُف أن بعض االذباىات
السيميائية اغبديثة يف العقود األخَتة منالقرن العشرين بدأت هتتم " بروندال" أحد اللسانُت الذي
عده "كلود زيلربيرج ") (c.lelbat bergمرتكزا من مرتكزات السيميائيات السردية لدى
"غريباس"وخباصة مسألة استقاللية الًتكيب ،2غريباس الذي ال يفصل اللسانيات عن النظرية
السيميائية العامة ،حبيث يعتربىا جزءا منها ،بوصفها ( اللسانيات) دراسة علمية للسان (
)Langageواللغات الطبيعية ) ،( Langues naturelleدبعٌت التفكَت النظري حول
اللسان »،أي وصف اللغات الطبيعية من حيث طبيعتها واشتغاؽبا ،ويف الوقت نفسو تتعدى
الدراسة من النتائج التحليلية ذاهتا « .3
كما يرى " أضبد يوسف" أن بروندال حصر ؾبموعة من اؼبصطلحات اعبلوسيماتية يف
اثناء االنتقال من مستوى التجلي إُف مستوى ا﵀ايثة »]...[ ،فإن بروندال آمن بأن مفاىيم
1أضبد يوسف ،توزيعية ىاريس والتحليل النسقي للخطاب ،ؾبلة عاَف الفكر ،الكويت ،العدد ،1اجمللد ،33سبتمرب
،2004ص .108
2اؼبرجع نفسو ،ص ن.
3يوسف األاطرش ،العالقة بُت اللسانيات والسيمياء اؼبلتقى الدوِف اػبامس ،د،ص.
97
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
اؼبنطق قارة يف اللغة على كبو ما اعتقدتو الفلسفة منذ آرسطو حىت بالنسبة إُف بعض اؼبناطقة
اؼبعاصرين « ،1كما وضح أن توزيعية " ىاريس" ضبلت مشروعا متكامال قائما على أسس
ابستمولوجية ،حبيث ذباوزت ؿبدودية موضوع اللسانيات» فانتقلت من إطار اعبملة إُف إطار
اػبطاب « ،2كما تطرق إُف مفهوم التوزيع وأن بعض جوانبو تتضح يف عالقتو مع الًتكيب ،كما
قد بُت الناقد أن "ىاريس" يبثل يف بداية مسَتهتا الفكرية ،اؼبنطلقات العامة للسانيات الواصفة
اليت أرسى قواعدىا بلومفيلد ومن ىنا يف نظره ،فإن» ىناك قسم كبَت من الدراسات اللسانية
والسيميائية األمريكية وقعت ربت تأثَت اؼبدرسة السلوكية ،فألقت بظالؽبا على النزوع السيميائي
3
ونظرية القراءة «
يرى الناقد " أضبد يوسف" أن " ىاريس" يطبق معيار الداللة من جهة ومعيار التوزيع من
جهة أخرى ،وأن طريق التحليل التوزيعي ػبطاب يكون ؿبفوفا باؼبزالق إذا َف يراع الداللة وبنيتها
اللسانية وتلك كانت قاصمة الظهر لو ولغَته من اؼبدارس اللسانية اليت ذباىلت اؼبعٌت ،فبا جعل
التحليل السيميائي يوليها عناية خاصة ليحدث انعطافا حاظبا يف تاريخ الدرس النقدي – حسب
أضبد يوسف .إذن فإن ىاريس يف نظر " أضبد يوسف " كان من الصعب أن يتخلص من مسألة
اؼبعٌت اليت ربمس ؽبا " بلو مفيد" ،فقد» أكد ىاريس أن اللجوء إُف اؼبعٌت ليس لو مقصد سوى
ربديد التكرار « ،4وعليو يبُت الناقد أن» مرد اإلخفاق يف مشروع النظرية التوزيعية إُف أهنا َف
تعتقد بأهنا ؾبرد آلية من آليات التحليل اللساين اليت أسهمت يف تقدًن بعض اغبلول للمشكالت
اللغوية اليت كانت تعًتض سبيل علماء اللغة ،ولكن يف اؼبقابل كانت ىذه النظرية تتوافر على
98
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
حظوظ كبَتة يف أن تكون أداة اجرائية تتسم باألصالة والعمق لو ال " مًتاس اؼبعٌت " الذي أهنك
1
نسقية التحليل التوزيعي «
إضافة إُف ما ذكرناه قبد الناقد " أضبد يوسف" يف مقال آخر ( تحليل الخطاب من
اللسانيات إلى السيميائيات) قد ربط بُت اللسانيات والسيميائيات حث يدرج ذلك ربت عنوان
فرعي ( التحليل السيميائي للخطاب) ينطلق فبا انتهت إليو جهود اللسانيُت حول النظرية العامة
للغة ،ودبسائل التصورات اليت أحيطت باػبطاب ،وتقتضي أن يكون متجنسا مع» الثنائيات
األساسية ( اللغة الكالم) ( ،النسق /العملية) ( ،الكفاية /األداء الكالمي) ،كما أنو ال يغفل
العالمة اليت تربطو دبقولة التلفظ « ،2فاؼبعجم السيميائي " لغريباس " و " كورتيس" وىو يناقش
مصطلح الكفاية من وجهة نظر "تشومسكي" ينظر إليها على أهنا ؾبموعة من الشروط الضرورية
يف عملية التلفظ كما أنو يتوافر على صورتُت مستقلتُت ؽبذه الكفاية.
حيث قبد الناقد " أضبد يوسف" يعترب أن التحليل السيميائي ىو» ذاتو ربليل اػبطاب
ويبيز بُت " السيميوطيقا النصية" وبُت " اللسانيات البنيوية" ذلك أن ىذه األخَتة هتتم باعبملة
تركيبا إنتاجا وىو ما ظبي بالقدرة اعبميلة [ ،]...فإن السيميوطيقا هتتم ببناء نظام إنتاج األقوال
99
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
والنصوص وىو ما ظبي بالقدرة اػبطابية « 1ويف كل األحوال فإن اػبطاب يطرح مسألة عالقتو
بالتلفظ وبالتواصل ،ولكن اجملال السيميائي يهتم بأطره اؼبرجعية مثل :اإلهباد االجتماعي ونسبتو
للسياق الثقايف اؼبعفى اؼبستقل داخل ربليلو الًتكييب أو الدالِف ،حيث يرى " أضبد يوسف" بأن
سيميائيات التواصل عرفت تقدما فعليا يف ؾبال ربليل الرسالة ،وذلك بتحديد وظائفها الست»
وتأخذ العملية التوصلية صورهتا اؼببسطة ضمن التصور اآلِف الذي يستند إُف اؼبرجعية السلوكية "
بلومفيد" حيث تتحول العالمة إُف كيان سلوكي ذي وجهُت يستدعى أحدنبا اآلخر يف أثناء
عملية التواصل « 2فوصف الناقد اللغة بأهنا نظام للتواصل يتضمن قدرا كبَتا من االنسجام فبا
ظبح للدراسة اللسانية باالىتمام بالنموذج الذي رظبو " جاكبسون"» الباث ،الرسالة -اؼبتلقي-
سنن الرسالة -مرجعيتها ،ذلك أنو مكنها من ذباوز التطبيق اللساين ا﵀صور على صبلة ؿبدودة من
اػبصائص اليت ينشق على الظاىرة اللغوية إُف القراءة اللسانية للنصوص ومظاىر التعبَت
األخرى « ، 3ومن ىنا حاول الناقد " أضبد يوسف" انطالقا من ربطو بُت اللسانيات
والسيميائيات وتفعيلو ؼببدأ اغبوار يف سيميائيات التواصل ،تقدًن قراءة نقدية ؼبشروع ىذه اػبطاطة
ومن مث دأب على مناقشة الوظائف التواصلية بالنظر إُف أركاهنا.
وبذلك» تكاد تتفق اللسانيات والسيميائيات على تسمية األنساق التواصلية الدالة
باللغات علما بأهنا زبتلف عن وسائل االتصال اليت نلفيها لدى الكائنات اغبيوانية اليت تفتقر إُف
القدرة على إضفاء القصدية على أنساق التواصل وتكاد تشتمل على تلك األنواع من األفعال اليت
يبتكرىا اإلنسان ،عن طريق العلم والتقنيات اؼبعاصرة « ، 4وبذلك وما سبق يبكن اعتبار الدرس
السيميائي بوصفو علما يقارب األنساق العلمية يهدف إُف زبليص عقول اؼبعرفة اإلنسانية من
100
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
القيود اؼبيتافيزيقية اليت تكبلها ،و تعوق أحباثها من الوصول إُف نتائج ذبعل منها علوم ذات سلطان
ؽبا مكانتها اؼبرموقة يف وسط اؼبعرفة اإلنسانية اؼبعاصرة.
ولعل ما يساعد على مقاربة تلك اؼبسائل العويصة الفضاء العام للسيميائيات الذي يكاد
يتماىى مع» "علم العلم" واإلبستيمولوجة – علم اؼبعرفة – " ونظرية اػبطاب" و" فلسفة اؼبعٌت"
1سعيد بنكراد ،السيميائيات النشأة واؼبوضوع ،ؾبلة عاَف الفكر ،الكويت ،العدد ،3اجمللد ،35يناير ،مارس ،2007 ،ص
.7
2أضبد يوسف ،السيميائيات التأويلية وفلسفة األاسلوب ،ؾبلة عاَف الفكر الكويت ،العدد ،3اجمللد ،35يناير ،مارس
،2003ص .47
101
المشروع السيميائي عند أحمد يوسف الفصل الثاني
1
وسَتورة الدالالت اؼبفتوحة" ودراسة األنساق والداللة" و " اؼبنطق الواصف وجرب العالمات «
فإذا أردنا معرفة أوجو التقاطع بُت السيميائيات واألسلوبيات قبد أن ىذه األخَتة معنية دبدارسة
الوظيفة األسلوبية يف ربليل اػبطاب العلمي من حيث ظباتو الفردية والعاؼبية ،ومن حيث شكل
التعبَت وا﵀توى ،اللذان يتمثالن يف وظائفو السيميائية حيث» يؤكد بأن سيميائيات الفنون ما ىي
إال عملية حبث وتعرية " ؼبكننة األسلوب" ىذا من جهة ومن جهة أخرى فإن السيميائيات سبثل
2
الشكل األعلى لألسلوبيات وأمبوذج لكل ناقد فٍت «
لقد سعى الناقد من خالل ىذه الدراسة اليت قدمها إُف تبُت مقصد فلسفة األسلوب
وأعرضو حىت يتنقل من السيميائيات اللسانية إُف السيميائيات التأويلية ذات اػبصيصة النسقية
اؼبفتوحة ،وأنو ال حرج يف أن تقتحم األسلوبيات بياض العلم والفلسفة وىي ذبد فيالسيميائيات
سندا ؽبا وال ينبغي أن تكون دراسة علمية لألسلوب يف األعمال األدبية فقط ،وإمبا قراءة لشمول
اؼبعرفة اإلنسانية إن ىي توخت تلك الفضيلة اؼببتغاة ،وأن على األسلوبيات أن هترع إُف
السيميائيات لتصيب حظا وافرا يف إدراك وظائف األساليب غَت األدبية من حيث ىي أنساق
سيميائية دالة.
بناءً على ما سبق بسطو يبكن القول أن الناقد " أضبد يوسف " قبح يف رسم اؼبعاَف األوُف
ىم التأسيس
للمشروع السيميائي يف اػبطاب النقدي اعبزائري ،فلم ينفك عن ذلك اؼبسار ،وىو ّ
للسيميائية يف الساحة النقدية العربية ،حيث استطاع أن يستثمر ـبتلف اؼبفاىيم النقدية والبالغية
القديبة وربيينها ،ويطعم قراءتو تلك الروح العربية التقليدية وىي ميزة الناقد اؼبتمرس الذي هبمع بُت
اغبس الًتاثي اؼبتأصل والوعي النقدي اؼبعاصر.
102
خامتـــــة
خاتمة
يف ختام ىذا البحث ،وبعد مغامرة معرفية مع اؼبشروع السيميائي يف اػبطاب النقدي
اعبزائري ،وؿباولتنا لتقدًن قراءة علمية للنظرية السيميائية عند " أضبد يوسف " توصلنا إُف ؾبموعة
من النتائج نوجزىا فيما يلي:
عرف القدماء بعض مالمح النظرية السيميائية يف جانبها النظري ،لكنها بقيت مرتبطة -1
بشكل كبَت دبجاالت ـبتلفة كالسحر والشعوذة ،وإذا جئنا إُف جانبها واإلجرائي َف نلمس آليات
خاصة هبا.
َف ىبتلف مفهوم السميائيات يف نسختو العربية عن اؼبفهوم الغريب رغم بعض اجملهودات -2
يف ؾبال اؼبناىج النقدية ،حيث قبد التقاء معريف بُت أعمال الفالسفة اؼبسلمُت وبعض الفالسفة
والنقاد الغربيُت ولبص بالذكر " ابن سنا " مع " دي سوسَت " أثناء حديثهما عن العالمة.
انفتاح النقاد اعبزائريُت على الفكر الغريب عن طريق الًتصبة والتلمذة على أيدي أساتذة -3
غربيُت ،أدى هبم إُف النهل من آرائهم ونظرياهتم خاصة النظرية السيميائية.
بعد استعارة النظرية السيميائية من بيئتها األصل وإدخاؽبا إُف البيئة العربية وقع العديد من -4
النقاد العرب اغبداثيُت يف إشكالية مصطلحية مازالت إُف يومنا ىذا تؤرق نقدنا اغبديث.
تبٍت " أضبد يوسف" للمناىج النقدية اغبداثية ،منهم اؼبنهج البنيوي واؼبنهج السيميائي -5
وتفعيلو اؼبكثف خاصة للمقوالت السيميائية والتأويلية وحىت اللسانية وعرف كيف يستثمر ـبتلف
اآلليات واستنطاقها ،عن طريق الفهم والتأويل.
تأثره السيميائيات األمريكية اليت بشر هبا " بَتس" وؿبالتو لتأصيل بعض اؼبفاىيم -6
واؼبصطلحات السيميائية وربطها بالًتاث الغريب والعريب.
تبنيو الذباه جديد يف السيميائيات وىو سيميائيات الصورة ( السيميائيات األيقونية) -7
وذلك يف مؤلفو ( الدالالت اؼبفتوحة).
104
خاتمة
نزوعو الفلسفي يف الطرح النقدي السيميائي ،باعتبار طبيعة زبصصو ( الفلسفة ) ،وىذا -8
يدخل الناقد يف زمرة النقاد العرب الذين حاولوا أن يغوصوا يف الطروحات الفكرية واػبلفيات
الفلسفية للمناىج النقدية.
الربط بُت النظرية السيميائية والتأويل حيث استفاد من ما وفره التأويل من إنفتاح قرائي -9
وىذا وبيلنا إُف نتيجة أخرى سبثلت يف الـتأثر الكبَت للناقد " أضبد يوسف" دبا جاء بو " بَتس" و "
أمرب تو إيكو".
استطاع الناقد " أضبد يوسف" أن يؤسس لرؤية منهجية متميزة حيث طوع اؼبناىج -10
الغربية ومن بينها السيميائية ،للمنت الفكري اعبزائري.
105
قائمة المصادر والمراجع
106
قائمة المصادر والمراجع
المصادر والمراجع
القرآن الكرًن رواية ورش -
أوال :المصادر:
-يوسف ،أحمد:
-3القراءة النسقية ( ،سلطة البنية ووىم ا﵀ايثة) ،دار العربية للعلوم ،ناشرون ،بَتوت،
لبنان ،دار االختالف ،اعبزائر العاصمة ،اعبزائر ،الطبعة األوُف 2007م.
ثانيا :المراجع:
-4اؼبطابقة واالختالف ،يف نقد اؼبركزيات الثقافية ،اؼبؤسسة العربية للدراسة العربية
والنشر ،بَتوت ،لبنان الطبعة األوُف2004 ،م
-5معرفة اآلخر ،مدخل إُف اؼبناىج النقدية اغبديثة ،اؼبركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء،
الطبعة الثانية ،ص 1996م.
األحمر فيصل:
107
قائمة المصادر والمراجع
الديداوي ،محمد
-7الًتصبة والتعريب ( سنن اللغة البيانية واللغة اغباسوبية) الدار البيضاء ،اؼبركز الثقايف
العريب للنشر2002 ،م
-8األدب وخطاب النقد وخطاب النقد ،الدار العربية للعلوم ناشرون ،منشورات
االختالف ،الطبعة األوُف ،الطبعة الثانية ،لبنان2008 ،م.
-11السيميائيات والتأويل ( مدخل إُف سيميائيات ،ش ،س ،بَتس) مؤسسة ربديث
الفكر العريب ،بَتوت ،لبنان ،اؼبركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،اؼبغرب ،الطبعة األوُف،
2005م 12
-السيميائيات مفاىيمها وتطبيقاهتا ،دار اغبوار للنشر والتوزيع ،مكتبة األدب اؼبغريب،
الطبعة الثالثة ،سوريا ،الالذقية 2012م.
-14السيميائية السردية ،دار ؾبدالوي للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن ،الطبعة األوُف،
1427ىـ 2006 /م.
-بوعزة ،محمد
108
قائمة المصادر والمراجع
109
قائمة المصادر والمراجع
110
قائمة المصادر والمراجع
-30ربليل اػبطاب الشعري ( اسًتاتيجية التناص) اؼبركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء
اؼبغرب ،الطبعة الرابعة2005 ،م
-وغليسي يوسف
- 31إشكالية اؼبصطلح يف اػبطاب النقدي العريب اعبديد الدار العربية للعلوم ،ناشرون،
منشورات االختالف ،لبنان ،اعبزائر ،الطبعة الثانية 1429 ،ىـ 2008 /م
-2المراجع المترجمة:
-إيكو ،أمبرتو
-34 -السيميائيات وفلسفة اللغة ،ترصبة أضبد الصمعي ،توزيع مركز دراسات الوحدة
العربية ،اؼبنظمة العربية للًتصبة ،بَتوت ،لبنان ،الطبعة األوُف2005 ،م
-35العالمة ( ربليل اؼبفهوم وتارىبو) ،ترصبة ،سعيد بنكراد ،اؼبركز الثقايف العريب،
الدار البيضاء ،اؼبغرب ،الطبعة األوُف1427 ،ىـ 2008 /م.
111
قائمة المصادر والمراجع
-37 -السيميائيات أو نظرية العالمات ،ترصبة :عبد الرضبن بوعلي ،دار اغبوار للنشر
والتوزيع ،الالذقية ،سوريا ،الطبعة األوُف2004 ،م.
-روالن ،بارت:
-38 -درس السيميولوجيا ،ترصبة :عبد السالم بن عبد العاِف ،درار توقال للنشر،
الدار البيضاء ،اؼبغرب ،الطبعة الثانية1986 ،م ،الطبعة الثالثة 1993م.
-دانيال ،تشاندلر:
-39 -أسس السيميائية ،ترصبة ،طالل وىبة ،مراجعة :ميشال زكرياء ،مركز دراسات
الوحدة العربية ،اؼبنغامة العربية للًتصبة ،بَتوت ،لبنان ،الطبعة األوُف2008 ،م.
-ابن منظور:
– 40 -لسان العرب ،دار صادر ،بَتوت ،لبنان ،طبعة جديدة ،ؾبلد السابع.
-الرازي:
-41 -ـبتار الصحاح ،دار الكتاب ،اغبديث ،الكويت ،الطبعة الثانية1414 ،ىـ /
1993م.
-4المجاالت والدوريات:
-مجلة األثر:
-42فركوس حنيفة ،األول الغربية للسيمياء إرىاصاهتا العربية ،ؾبلة األاثر ،العدد -
،23سبتمرب2015 ،م.
-مجلة البين:
-43 -ؿبمد مكاكي ،األسلوبية يف النقد اؼبعاصر ،من انفتاح التبُت العدد ،33
اعبزائر.
- 44 -وحيد بن بوعزيز ،فتنة السيميوزيس ،من انفتاح القراءة إُف حدود التأويل،
ؾبلة التبُت عدد ،29باب الدراسات ،اعبزائر
-45 -ؿبمد رسول ؿبمد ،سيميائيون وسيميائيات ،السنة السابعة ،العدد ،1685
2017م
112
قائمة المصادر والمراجع
-46أضبد يوسف ،السيميائيات التأويلية وفلسفة األسلوب ،عاَف الفكر العدد ،3
اجمللد ،35الكويت ،مارس 2007م
-47أطبد يوسف ،توزيعية ىاريس ،التحليل النسقي للخطاب ،عاَف الفكر ،العدد1
ؾبلد ،33الكويت ،سبتمرب 2004م
-48أضبد يوسف ،هتافت اؼبعٌت وىباء اغبقيقة ،عاَف الفكر العدد ،1اجمللد 38
الكويت ،سبتمرب 2009م
-49سعيد بنكراد ،السيميائيات ،النشأة واؼبوضوع ،عاَف الفكر العدد ،3اجمللد ،35
الكويت ،مارس 2007م
-54 -اؼبقاربة السيميائية يف قراءة النص ،اؼبلتقى الوطٍت األول ،السيمياء والنص
األيب) اعبزائر
113
قائمة المصادر والمراجع
114
قائمة المصادر والمراجع
-5الرسائل واألطروحات:
115
قائمة المصادر والمراجع
-71السيميائيات وفلسفة اؼبعٌت ،رسالة دكتوراه ،ـبطوط جامعة وىران2003 ،م /
2004م.
-6المواقع االلكترونية:
116
فهرس الموضوعات
فهسس املوضوعات
فهرس الموضوعات
الصفحة الموضوع
المقدمة
[]81 –5 المدخل
8 -5 إرهاصات النقد الجزائري.....................................................
87 – 8 اإلستضاءة بالمناهج النقدٌة الغربٌة...........................................
81 – 8 البنٌوٌة فً الدرس النقدي الجزائري..........................................
83 – 81 األسلوبٌة فً الخطاب النقدي الجزائري......................................
85 – 83 التفكٌك فً الخطاب النقدي الجزائري :الحضور والغٌاب...................
87 – 85 السٌمٌائٌات غٌاب المنهج أم طالسم العالمات................................
الفصل األول :النظرية السيميائية الخلفيات المعرفية واللسانية []36 –81
13 – 18 أوال :مصطلح السٌمٌاء :الضبط المصطلحً................................
18 لداللة اللغوٌة واالصطالحٌة.................................................:
12 – 18 فً المعاجم اللغوٌة............................................................
13 – 12 الداللة االصطالحٌة............................................................
18– 13 ثانٌا :الخلفٌات الفلسفٌة واللسانٌة للسٌمٌائٌة...................................
15 – 13 الخلفٌات الفلسفٌة..............................................................
18 – 15 الخلفٌة اللسانٌة.................................................................
25 – 18 ثالثا :النظرٌة السٌمٌائٌة فً النقد الغربً.....................................
23 مبادئ السٌمٌائٌة................................................................
25 – 28 اتجاهات السٌمٌائٌة.............................................................
38 – 25 رابعا :السٌمٌائٌة فً التجربة النقدٌة العربٌة المعاصرة......................
52 – 38 خامسا :النظرٌة السٌمٌائٌة فً الخطاب النقدي الجزائري المعاصر.........
43 – 38 إشكالٌة المصطلح..............................................................
52 – 44 النظرٌة السٌمٌائٌة المفاهٌم المعرفٌة والنقدٌة.................................
[]806 –36 الفصل الثاني :المشروع السيميائي عند أحمد يوسف
78 – 54 أوال :الخلفٌة االبستٌمولوجٌة للنظرٌة السٌمٌائٌة..............................
78– 56 النسقٌة األرسطٌة وتمفصالتها ،جٌنٌالوجٌا المفهوم والمحمول المعرفً....
62 - 68 السٌمٌائٌات ولغة الحساب....................................................
فهرس الموضوعات
65 -62 رهان السٌمٌائٌات الحسٌة...............................................
الفلسفة التجرٌبٌة وعالقتها بالمشروع السٌمٌائً
67 - 65 سٌمٌائٌات التعالً :الفلسفة المثالٌة وعالقتها بالنظرٌة السٌمٌائٌة...........
78 – 67 جبر العالمات :التصور السٌمٌائً المعاصر.................................
83 – 78 ثانٌا :التفكٌر السٌمٌائً وفلسفة الحداثة ......................................
72 – 78 الفكر األرسطً والتصور السٌمٌائً المعاصر...............................
73 – 72 العالمة والتأصٌل الفلسفً.....................................................
75 – 74 أنماط العالمة ووظائفها.......................................................
77 – 75 تمظهرات العالمة والصٌغ تحققها.............................................
83 – 77 العالمة األٌقونٌة وإبعادها الجمالٌة.............................................
ثالثا :التأسٌس الفكري واللسانً للنظرٌة السٌمٌائٌة عند " أحمد ٌوسف "
832 – 83 [ دراسة وصفٌة ألبحاث أكادٌمٌة متنوعة ]..................................