You are on page 1of 18

Zarqa Journal for Research and Studies in Humanities Volume 15, No 2, 2015

Approach of Ibn Hijjah al Hamawi in Dealing with


Rhetorical Evidence in his Book: Khazanat al-Adab
wa Ghayat al-Arab
Dr. Ahmad Ghaleb Alkresheh
Department of Arabic Language - Faculty of Arts and Sciences
The World Islamic Science& Education University- Jordan.
ahmad10_5@yahoo.com

Received 18/7/2013 Accepted 2/12/2013

Abstract
This study aimed at exploring the approach followed by Ibn Hijjah al Hamawi in dealing with rhetorical
evidence in his book entitled: Khazanat al-Adab wa Ghayat al-Arab. This book is distinguished by spotting
Arabic rhetorical evidences in accordance with a systemetic approach through which he changed the stereotypes
about explaining the rhetorical evidence which prevailed in the margins and footnotes. The new style was
concerned with explaining the rhetorical evidence by analyzing its content to achieve its stylistic appreciation. This
approach is distinguished by showing the evidence's vatue & supporting it with other evidences in order to
compare them. The study concludes that Ibn Hijeh's approach must be revived by Critics in order to show the
stylistic effects of the evidences.

86
‫مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات اإلنسانية – المجلد الخامس عشر – العدد الثاني ‪1025‬‬

‫منهج التعامل مع الشاهد البالغي عند ابن حجة الحموي في كتابه‪:‬‬


‫"خزانة األدب وغاية األرب"‬
‫د‪ .‬أحمد غالب الخرشـة‬
‫قسم اللغة العربية‪-‬كلية اآلداب والعلوم‬
‫جامعة العلوم اإلسالمية العالمية ‪-‬االردن‬
‫‪ahmad10_5@yahoo.com‬‬
‫تاريخ قبول البحث ‪3182/83/3‬‬ ‫تاريخ استالم البحث ‪3182/7/81‬‬

‫ملخص‬
‫يحاول هذا البحث أن يستخلص المنهج الذي اتبعه ابن ِحجة الحموي في التعامل مع الشاهد البالغي في كتابه الموسوم بـ ِ‬
‫"خزانة األدب وغاية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األرب"‪ ،‬حيث تميز هذا الكتاب برصد الكثير من الشواهد األدبية لفنون البالغة العربية التي تضمنها‪ ،‬وذلك وفق منهج حاول المؤِّلف من خالله إخراج‬
‫الشاهد البالغي من طابع النمطية والجمود‪ ،‬الذي سيطر على البالغة العربية في عصور الشروح والحواشي والمختصرات‪ ،‬إلى الطابع األدبي الذي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التميز الذي حظي به ابن ِحجة في هذا الكتاب ال يعود‬
‫ّ‬ ‫أن‬ ‫البحث‬ ‫هذا‬ ‫خالل‬ ‫من‬ ‫اتضح‬ ‫وقد‬ ‫جماله‪.‬‬ ‫ار‬
‫ر‬ ‫أس‬ ‫ق‬‫وتذو‬
‫ّ‬ ‫وتحليله‬ ‫البالغي‬ ‫د‬ ‫اه‬‫الش‬ ‫ُيعنى بشرح‬
‫ّ‬
‫إلى الكم الهائل من الشواهد البالغية التي جمعها فحسب‪ ،‬بل يعود أيضاً إلى منهج التعامل مع هذه الشواهد‪ ،‬وطريقة عرضها ودراستها التي اعتمدت‬
‫على بيان قيمة الشاهد‪ ،‬ورفده بشواهد أخرى مماثلة‪ ،‬وعقد الموازنات بينها‪ ،‬إضافة إلى الوقوف على بعض القضايا النقدية خالل عرضها‪ .‬وخلصت‬
‫الدراسة إلى أننا بحاجة إلى تجديد منهج ابن ِحجة‪ ،‬من خالل التعامل مع الشواهد البالغية بروح ذوقية‪ ،‬تهتم بانتقاء الشاهد الجيد‪ ،‬وتحليله تحليالً أدبياً‬
‫ّ‬
‫ُيظهر مواطن جماله‪ ،‬لما لها من ٍ‬
‫أثر في نفس القارئ‪.‬‬

‫على مر العصور‪ ،‬فكان هذا الكتاب خير شاهد على ذلك‪ ،‬إذ ضم‬ ‫مقدمة‬
‫النقد حتى عصره‪ ،‬ليكون أجمع كتاب ّ‬
‫نقدي‬ ‫معظم ما أُّلف في البالغة و ّ‬ ‫الحمد هلل ِّ‬
‫رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على رسوله األمين‪،‬‬
‫النقد في عصره‪ ،‬وخالصة ذكية لدراسات البالغيين‬
‫ألصول البالغة و ّ‬ ‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫ثر لكل الدارسين والمتخصصين بالبحث‬ ‫النقاد السابقين‪ ،‬ومصد اًر ّاً‬
‫وّ‬ ‫فهذه دراسة تتناول منهج التعامل مع الشاهد البالغي في كتاب‬
‫ّ‬
‫قدي‪ ،‬وقد خرج بحّل ٍة جديدة لم يعهدها مؤلفو البالغة‪ ،‬حّلة‬
‫الن ّ‬
‫البالغي و ّ‬ ‫الحموي‪ ،‬أشهر أعالم األدب‬ ‫"خزانة األدب وغاية األرب" البن ِحجة‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جعلت من القديم منبعاً‪ ،‬وجددت حسبما اقتضت ظروف العصر‪،‬‬ ‫النقد في القرن التاسع الهجرّي‪ ،‬الذين أسهموا في المحافظة على تلك‬
‫وّ‬
‫الحموي شهد نشوء فن شعرّي كان الهدف منه تقعيد‬ ‫ّ‬ ‫فعصر ابن ِحجة‬ ‫النقد‪ ،‬وهذا‬
‫الثّروة األدبية التي ورثوها عن سابقيهم في مجال البالغة و ّ‬
‫قواعد البالغة بصورة عامة‪ ،‬وقواعد البديع وفنونه بصورة خاصة‪ ،‬ذاك‬ ‫القرن ـ كما هو معلوم ـ يعد من القرون التي ُوسمت بالجمود والخمول‬
‫الحموي‪ ،‬وشرحها‬
‫ّ‬ ‫الفن هو "فن البديعيات"‪ ،‬التي تعد بديعية ابن ِحجة‬ ‫في اإلنتاج األدبي‪ ،‬فالبالغة‪ ،‬حسبما شاهدناها في إطارها التاريخي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫"خزانة األدب وغاية األرب" من أشهر ما ُن ِظم وفقاً لقواعده‪.‬‬‫الموسوم بـ ِ‬ ‫النمو‪ ،‬فالوصول إلى قمة التّوهج‪ ،‬وبعد ذلك مرحلة‬
‫ّ‬ ‫ثم‬ ‫بدأت بالتّكوين‪،‬‬
‫وقد دفعني إلى اختيار هذا الموضوع أمران‪ ،‬أولهما‪ :‬حظوة هذا‬ ‫السمة التي ُوِسم بها‬
‫التّقعيد التي سادها الجمود‪ ،‬ولكنني أعارض هذه ّ‬
‫قدي‬
‫الن ّ‬
‫الكتاب ببعض الدراسات القائمة على إلقاء الضوء على الجانب ّ‬ ‫هذا القرن‪ ،‬جاعالً دليلي هذا الكتاب الذي يعد موسوعة أدبية وبالغية‬
‫النقد العربي القديم‪ ،‬دون االلتفات‬
‫فيه‪ ،‬بصفته حلقة من حلقات تاريخ ّ‬ ‫ِّ‬
‫المتنوعة التي أخذ منها ابن‬ ‫ونقدية‪ ،‬شملت الكثير من المنابع المعرفية‬
‫ّ‬
‫الدراسة المستقلة التي تتناوله‬
‫البالغي الذي ظل بمنأى عن ّ‬
‫ّ‬
‫إلى الشاهد‬ ‫ِحجة شواهده البالغية‪ ،‬وقدمها بثوب جديد استطاع أن يعكس من‬
‫تأملية تستجلي مصادره ومدى تحقيقه‬ ‫ّ‬ ‫على حدة‪ ،‬من خالل طريقة‬ ‫خالله ذوقه الخاص‪ ،‬إضافة إلى ال ّذوق العام الذي تمتّع به المجتمع‬
‫ألهداف استدعائه‪ ،‬وقدرته على الكشف عن شخصية صاحبه‪ ،‬وصوالً‬ ‫في عصره‪.‬‬
‫إلى المنهج الذي التزمه في عرضه‪ ،‬وثانيهما‪ :‬إن هذا العصر يعد من‬ ‫السكاكي والقزويني‪ ،‬ولم‬ ‫نعم‪ ،‬أقول إن البالغة ُق ِّعدت على يدي‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫أسوأ عصور األدب حظاً‪ ،‬وأقّلها عناية من حيث اهتمام الباحثين به‪،‬‬ ‫يعد المجال مفتوحاً أمام الحقيهم للتسابق باإلتيان بمصطلحات جديدة‬
‫ولهذا حاول الباحث المشاركة في لفت االنتباه إلى أحد أعالمه؛ لما‬ ‫كما كان الحال عند قدامة بن جعفر‪ ،‬وأبي هالل العسكرّي‪ ،‬وابن‬
‫وشراحها من اتجاه بالغي أدبي يميل إلى‬
‫يمثّله مع ناظمي البديعيات ّ‬ ‫رشيق القيرواني‪ ،‬وابن سنان الخفاجي‪ ،‬وعبد القاهر الجرجاني‪ ،‬وأسامة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدراسة الفنية التطبيقية‪.‬‬ ‫بن منقذ‪ ،‬ولكن البالغة من العلوم التي لن ُيغلق بابها أمام دارسيها‬
‫‪87‬‬
‫منهج التعامل مع الشاهد البالغي عند ابن حجة الحموي في كتابه‪" :‬خزانة األدب وغاية األرب"‬

‫ِ‬
‫لكل‬
‫عن غيره من الكتب األدبية‪ ،‬ولو لم يكن له فيه إال جودة الشواهد ّ‬ ‫الدراسة المنهج الوصفي التّحليلي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقد التزم الباحث في هذه ّ‬
‫نوع من األنواع‪ ،‬مع ما امتاز به من االستكثار من إيراد نوادر‬ ‫فوقف ـ بعد الحديث عن دوافع تأليف الكتاب ومنهجه ـ على المصادر‬
‫مصنفه مرتفع عن كلفة العارية‪ ،‬وهذا وحده مقصود‬ ‫ِّ‬ ‫العصرين‪ ،‬فإن‬ ‫الحموي‪ ،‬ثم تحدث عن الجدة‬
‫ّ‬ ‫المتنوعة للشاهد البالغي عند ابن ِحجة‬
‫ّ‬
‫ِّ‬
‫لكل حاذق"(‪ ،)1‬وال بد لنا ـ قبل أن نشرع في دراسة منهج ابن ِحجة في‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫واالختيار في هذه الشواهد‪ ،‬لينتقل بعد ذلك للحديث عن منهج التعامل‬
‫الشواهد ـ من تقديم نبذة موجزة عن هذا الكتاب نتحدث‬
‫التّعامل مع هذه ّ‬ ‫الشواهد‪ ،‬وهو منهج ارتكز على المحاور اآلتية‪ :‬بيان قيمة‬
‫مع هذه ّ‬
‫فيها عن دوافع تأليفه‪ ،‬ومنهجه‪.‬‬ ‫الشاهد البالغي‪ ،‬ورفد هذا الشاهد بشواهد أخرى مماثلة‪ ،‬وعقد‬
‫ّ‬
‫الموازنات بينها‪ ،‬وأخي اًر الوقوف على بعض القضايا واإلشارات النقدية‬
‫دوافع تأليف الكتاب ومنهجه‪:‬‬
‫تسجل‬
‫خالل عرضها‪ ،‬وفي الختام وقف على المآخذ والعيوب التي ّ‬
‫لقد نشطت حركة التأليف في البالغة وعلومها في عصر ابن‬
‫ِ‬ ‫الحموي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫على شواهد ابن ِحجة‬
‫كتب كثيرة في علوم المعاني والبيان والبديع‪ ،‬وعلى‬
‫فوضعت ٌ‬
‫حجة‪ُ ،‬‬
‫ومما هو جدير بالذكر أن هناك دراسات تناولت ابن ِحجة‬
‫الرغم من أنها لم تكن أكثر من شروحات أو مختصرات للكتب التي‬
‫ّ‬
‫ط سيرها‬‫الدراسة في خ ِّ‬
‫الحموي بشكل مباشر‪ ،‬ولكنها ال تلتقي مع هذه ّ‬
‫أُّلفت في القرون السابقة‪ ،‬إال أنها كانت تُعنى بالبديع عناية أكبر من‬
‫ِ‬ ‫الدراسات هي‪ :‬دراسة محمود رزق سليم بعنوان"‬ ‫وال في عمقها‪ ،‬وهذه ّ‬
‫المتقدمة‪ ،‬حتى أُفردت لفن‬
‫ّ‬ ‫تلك التي أولته إياها الكتب والمصنفات‬
‫تقي الدين بن ِحجة الحموي"‪ ،‬ودراسة محمود الربداوي بعنوان" ابن‬
‫البديع مؤلفات خاصة‪ ،‬وعرف الشعراء واألدباء لوناً جديداً من التاليف‬
‫ِحجة الحموي شاع اًر وناقداً"‪ ،‬ودراسة أحمد الخرشة بعنوان" المصطلح‬
‫الرسول ـ‬
‫في البالغة هو " البديعيات"‪ ،‬وهي قصائد مطولة في مدح ّ‬
‫البالغي والنقدي في كتاب خزانة األدب وغاية األرب البن ِحجة‬
‫كل بيت من‬‫ِ‬
‫ويذكر في ّ‬
‫صلى هللا عليه وسلم ـ وذكر شمائله‪ ،‬وصفاته‪ُ ،‬‬
‫لون من ألوان البديع‪ ،‬صراح ًة أو ضمناً‪ ،‬وتُنظم على وزن‬ ‫الحموي"‪ ،‬وقد أفاد الباحث من هذه ّ‬
‫الدراسات‪ ،‬كما أفاد من بعض‬
‫أبياتها ٌ‬
‫الدراسات األخرى التي أسهمت ‪ -‬بما فيها من شذرات واضاءات ‪-‬‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ميم مكسورة‪.‬‬
‫ورويها ٌ‬
‫البحر البسيط‪ّ ،‬‬
‫الد ارسات‪ :‬دراسة علي‬
‫طته‪ ،‬ومن هذه ّ‬
‫في بناء هذا البحث ووضع خ ّ‬
‫ومما ال شك فيه أن بديعية ابن ِحجة لم تكن طفرًة بنت ساعتها‪،‬‬
‫تطورها‪ ،‬أثرها"‪ ،‬ودراسة‬
‫بي‪ ،‬نشأتها‪ّ ،‬‬ ‫أبو زيد‪" :‬البديعيات في األدب العر‬
‫بل تضافرت حولها عوامل ودوافع عدة‪ ،‬تفاعلت وتكاملت‪ ،‬حتّى‬ ‫ّ‬
‫الشاهد البالغي بين‬‫عويض بن حمود العطوي‪" :‬منهج التعامل مع ّ‬
‫سوية‪ ،‬فقد فتح ابن ِحجة عينيه‪،‬‬
‫أخرجتها إلى النور مكتملة الخلق ّ‬ ‫ّ‬
‫وكل من السكاكي والخطيب القزويني"‪ ،‬عالوة على اإلفادة‬
‫عبد القاهر ّ‬
‫وعاش في قرٍن كانت فيه هذه البديعيات قد ُولدت‪ ،‬ونشأت‪ ،‬وتكاملت‬
‫من منهج هاتين الدراستين في التنظير والتطبيق أحياناً‪.‬‬
‫تميزت به عن غيرها من القصائد‪،‬‬
‫حتّى أخذت طابعها األخير‪ ،‬الذي ّ‬
‫وبعد‪ ،‬فهذا عملي‪ ،‬وهو جهد المقل‪ ،‬وال أّدعي ّأنني بلغت‬
‫الحموي‪ ،‬الحنفي‪،‬‬ ‫* هو أبو المحاسن‪ ،‬تقي الدين‪ ،‬أبو بكر بن علي بن عبدهللا‬ ‫الكمال أو قاربته‪ ،‬فالكمال لصاحب الكمال وحده‪ ،‬فإن أصبت فبمحض‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األزرارّي‪ ،‬المعروف بابن ِحجة (بالكسر) باسم الشهر‪ ،‬يعد من أشهر أعالم األدب في‬ ‫السداد والتوفيق‪ًّ ،‬إنه‬
‫فضله‪ ،‬وان أخطأت فتلك طبيعة البشر‪ ،‬وأسأل هللا ّ‬
‫العصر المملوكي‪ ،‬فقد كان شاع اًر على قدر كبير من المعرفة بألوان الشعر التي‬ ‫سميع مجيب‪.‬‬
‫سادت عصره‪ ،‬وكاتباً مجلالً‪ ،‬وناقداً بالغياً‪ ،‬ومؤِّلفاً مكث اًر في مختلف ضروب التأليف‪،‬‬
‫إذ بلغت تركته األدبية ما يزيد على ثالثين مصنفاً‪ ،‬بعضها من إنتاجه الشعرّي‬ ‫مدخل‬
‫والنثرّي‪ ،‬وبعضها اآلخر من مختاراته الشعرّية والنثرّية‪ ،‬وهي بين مفقود ومخطوط‬ ‫التعريف بكتاب " ِخزانة األدب وغاية األرب"‪.‬‬
‫ومطبوع‪ ،‬انظر ترجمته في‪ :‬الحنبلي‪ ،‬أبو الفالح عبد الحي بن العماد‪ :‬شذرات الذهب‬
‫يعد كتاب " ِخزانة األدب وغاية األرب" من أنفس المصنفات‬
‫في أخبار من ذهب‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪،‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪،212/7 ،‬‬
‫والسخاوي‪ ،‬شمس الدين محمد بن عبد الرحمن‪ :‬الضوء الالمع ألهل القرن التاسع‪،‬‬
‫لبديعيته‬
‫ّ‬ ‫الحموي (‪ 767‬ـ ‪ 737‬هـ)*‪ ،‬وهو شرح‬
‫ّ‬ ‫التي خلفها ابن ِحجة‬
‫دار الحياة‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،33/11 ،‬والشوكاني‪ ،‬محمد بن علي‪ :‬البدر‬ ‫الموسومة بـ" تقديم أبي بكر"‪ ،‬نسبة إلى اسمه‪ ،‬ومن ينعم النظر في‬
‫الطالع بمحاسن من بعد القرن التاسع‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪،‬‬ ‫هذا الشرح يجده أكثر أهمية من البديعية ذاتها‪ ،‬إذ جاء ـ كما يدل عليه‬
‫الحموي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫‪ ،161/1‬وسليم‪ ،‬محمود رزق‪ :‬تقي الدين بن ِحجة‬
‫ّ‬ ‫اسمه ـ ِخزانة لألدب أودعها ابن ِحجة حصيلة اطالعه الواسع‪ ،‬وثقافته‬
‫الحموي شاع اًر وناقداً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫(د‪.‬ط)‪1262 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 22‬ـ ‪ ،33‬والربداوي‪ ،‬محمود‪ :‬ابن ِحجة‬
‫الغزيرة في شتّى فنون المعرفة‪ ،‬فغدت بذلك موسوع ًة أدبي ًة تجمع بين‬
‫دار قتيبة‪ ،‬دمشق‪(،‬د‪.‬ط)‪1272 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 12‬ـ ‪ ،33‬والخرشة‪ ،‬أحمد‪ :‬المصطلح‬
‫البالغي والنقدي في كتاب "خزانة األدب وغاية األرب" البن ِحجة الحموي‪ ،‬رسالة‬ ‫األدب‪ ،‬واللغة‪ ،‬والبالغة‪ ،‬والنقد‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والتراجم‪ ،‬ومنظوم الكالم‬
‫ماجستير‪ ،‬جامعة مؤتة‪2221 ،‬م‪ ،‬ص‪.11 -6‬‬ ‫ومنثوره‪ ،‬والطرائف والنوادر‪ ،‬وأحياناً المساجالت األدبية التي ظهرت‬
‫في عصره‪ ،‬أي في القرن التاسع الهجرّي‪ ،‬ولعل أوجز كلمة في قيمة‬
‫‪1‬‬
‫‪ .‬خليفة‪ ،‬حاجي‪ :‬كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون‪ ،‬دار الفكر‪(،‬د‪.‬ط)‪1272 ،‬م‪،‬‬
‫‪.233/1‬‬
‫هذا الكتاب األدبية ما ذكره أحمد بن حجر العسقالني في وصفه له‪،‬‬
‫تطورها‪ ،‬أثرها )‪ ،‬عالم‬ ‫ّ‬
‫بي ( نشأتها‪ّ ،‬‬‫‪ .‬انظر‪ ،‬أبو زيد‪ ،‬علي‪ :‬البديعيات في األدب العر‬ ‫‪2‬‬
‫ّ‬ ‫إذ قال‪" :‬هو مجموع أدب قل أن يوجد في غيره‪ ،‬ولعل مقتنيه يستغني‬
‫الكتب‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1273 ،1‬م‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪88‬‬
‫مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات اإلنسانية – المجلد الخامس عشر – العدد الثاني ‪1025‬‬

‫في تأليف الشروح؛ لتكون مجاالً قاد اًر على استيعاب ما عجزت عنه‬ ‫ولكنها ظّلت ‪ -‬مع ذلك ‪-‬‬
‫وكان ذلك على يد من سبقه من نظامها‪ّ ،‬‬
‫ولما وقعت بين يديه مجموعة من‬ ‫البديعيات الملتزمة بالقافية والبحر‪ّ ،‬‬ ‫الشعراء‪ ،‬فيجدون فيه متنّفساً للتعبير عن حذقهم‪،‬‬
‫فناً جديداً يستهوي ّ‬
‫المؤلفات البالغية التي اُّلفت قبل عصره‪ ،‬وأُتيح له الوقوف على كنوزها‬ ‫وفنهم‪ ،‬ومهارتهم في النظم‪ ،‬ومجاالً لعرض مخزونهم الثقافي بعامة‬
‫ّ‬
‫الدفينة‪ ،‬أخذ على نفسه أن ينظم هذه البديعية ويعكف على شرحها‪ ،‬إال‬ ‫أسباب كثيرةٌ حدت به‬
‫ٌ‬ ‫واألدبي بخاصة‪ ،‬وقد كانت عند ابن ِحجة‬
‫ّ‬
‫أن الدافع األول‪ ،‬وهو رغبة ابن البارزّي‪ ،‬يبقى على رأس هذه الدوافع‪،‬‬ ‫ليكون واحداً من أصحاب البديعيات‪ ،‬حتّى بزهم وتفو عليهم‪ ،‬أبرزها‬
‫ق‬
‫وقد أشار ابن ِحجة إلى ذلك صراحة في خطبة خزانته(‪.)3‬‬ ‫شهوة التأليف لديه بصورة عامة‪ ،‬ورغبته في التأليف البالغي والبديعي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أما بالنسبة للمنهج الذي اتبعه ابن ِحجة في تأليف كتابه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بصورة خاصة‪ ،‬التي تعود ‪ -‬في تصوري ‪ -‬إلى مهنته كاتباً في ديوان‬
‫فيتمثل في أنه كان يعمد إلى نظم البيت البديعي أوالً‪ ،‬ثم إلى ذكر‬ ‫اإلنشاء‪ ،‬وما تتطلبه هذه المهنة من براعة في تمّلك ناصية اإلنشاء‬
‫ّ‬
‫فيعرفه تعريفاً بالغياً معتمداً على‬
‫ضمنه إياه‪ّ ،‬‬
‫البديعي الذي ّ‬ ‫النوع‬
‫ّ‬ ‫والتعبير باالطالع على البديع‪ ،‬ليتمكن الكاتب من حسن التّصرف‬
‫ّ‬
‫أحيان كثيرٍة على تعريف واحد‬
‫ٍ‬ ‫أمهات كتب البالغيين‪ ،‬وال يقتصر في‬ ‫باأللفاظ‪ ،‬إذ إن سمة العصر هي العناية باأللفاظ أكثر من العناية‬
‫للنوع‪ ،‬ولم يكن ابن ِحجة ـ في هذا‬‫بل يورد أكثر من تعريف توضيحاً ّ‬ ‫بالمعاني‪ ،‬فهدف أن يكون في كتابه هذا فائدة تفيد الكاتب والمنشىء‬
‫ِ‬
‫المتقدمون‪ ،‬إذ نجده غالباً ما يفرد‬ ‫الجانب ـ مقِّلداً او ِ‬
‫مردداً لما قاله‬ ‫في صنعته(‪.)3‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مساحات واسعة لمناقشة البالغيين في تعاريفهم وآرائهم ومقارنة هذه‬ ‫الشهرة‪ ،‬والرغبة في معارضة من‬
‫السعي إلى ّ‬
‫يضاف إلى ذلك ّ‬
‫التّعريفات بعضها ببعضها اآلخر‪ ،‬ثم يرجع الى ما ذكره أصحاب‬ ‫سبقه من أصحاب البديعيات‪ ،‬إذ ُسبقت بديعيته بثالث بديعيات‪:‬‬
‫البديعيات قبله‪ ،‬ويستخلص لنفسه رأياً في تعريف األنواع البديعية‪ ،‬كل‬ ‫الدين الموصلي‪ ،‬وبديعية ابن‬
‫بديعية صفي الدين الحّل ّي‪ ،‬وبديعية عز ّ‬
‫ّ‬
‫ويبين‬
‫وينشط األذهان‪ّ ،‬‬‫وجداني يثير االنفعاالت‪ّ ،‬‬ ‫هذا في أسلوب أدبي‬ ‫جابر األندلسي المعروفة ببديعية العميان‪ ،‬وقد نظر ابن ِحجة في هذه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مواطن الجمال في النص‪.‬‬ ‫البديعيات فلم ترق له‪ ،‬أو تعجبه‪ ،‬إذ قال في وصفها‪ ":‬بيد أني أقول‪،‬‬
‫ومن السبل التي اتبعها ابن ِحجة في كتابه أنه كان يورد أمثل ًة‬ ‫وباهلل المستعان‪ ،‬إن العميان اختصروا جانباً كبي اًر من البديع‪ ،‬وما‬
‫وشواهد مختلفة للنوع البديعي الذي هو بصدد الحديث عنه‪ ،‬فبعد أن‬ ‫الشيخ صفي الدين الحّلي أجاد‬
‫النظم فيما وقع اختيارهم عليه‪ ،‬و ّ‬
‫أجادوا ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يفرغ من تعريف هذا النوع ينتقل إلى الخطوة الثانية التي التزمها في‬ ‫في الغالب لخالصه من التورية في تسمية النوع‪ ،‬ولكنه قصر في‬
‫منهجه‪ ،‬وهي عرض األمثله والشواهد المختلفة لهذا النوع البديعي ـ وال‬ ‫الشيخ عز الدين الموصلي‪ ،‬رحمه‬ ‫هت عليها في مظانها‪ ،‬و ّ‬‫مواضع نب ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مجال هنا للبسط واالسترسال في هذا الجانب‪ ،‬إذ سيأتي الحديث عنه‬ ‫هللا‪ ،‬قصر في غالب بديعيته اللتزامه بتسمية النوع البديعي ومراعاة‬
‫ّ‬
‫الدراسة ـ ولهذا يمكن القول إن ابن ِحجة اتجه في‬ ‫كل و ٍ‬ ‫ِ‬
‫في مكانه من هذه ّ‬ ‫احد منهم في إجادته وتقصيره عند‬ ‫التورية‪ ،‬والبحث مقرر مع ّ‬
‫منهجه اتجاهين‪ :‬أولهما‪ ،‬االتجاه العلمي المنطقي الكالمي المتمِثّل في‬ ‫إيراد بيته على ذلك النوع الوارد"(‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تحديد األنواع البالغية والبديعية وتعريفها من غير مبالغة‪ ،‬وفرض‬ ‫طلع ابن ِحجة على هذه البديعيات الثالث وقرأها‪ ،‬حتّى‬ ‫وما إن ا ّ‬
‫األسئلة العقلية واستنتاج النتائج المنطقية‪ ،‬وثانيهما‪ :‬االتجاه األدبي‬ ‫أخذ على نفسه أن ُيظهر ما فيها من ثغرات ويبرز لمعارضتها‪ ،‬وينظم‬
‫ّ‬
‫الوجداني المتمِثّل في اإلكثار من األمثلة و ّ‬
‫الشواهد‪ ،‬ونقدها‪ ،‬وتحليلها‬
‫ّ‬
‫بديعية تفوق كل هذه البديعيات‪ ،‬إذ صرح في خطبة خزانته بأن غايته‬
‫وينمي عاطفته(‪ ،)6‬وقد كانت هذه‬‫ّ‬ ‫‪،‬‬‫ئ‬‫القار‬ ‫ذوق‬ ‫ب‬ ‫ذ‬‫يه‬
‫ً ّ‬ ‫ا‬‫قي‬‫تطبي‬ ‫تحليالً‬ ‫تتمثل في جمع محاسن بديعية صفي الدين الحّلي‪ ،‬وعز الدين‬
‫ّ‬
‫بالنوع البديعي مباشرًة‪ ،‬حتّى إذا أشبع القارىء‬
‫الشواهد تتبع التّعريف ّ‬
‫ّ‬ ‫وبناء‬
‫ً‬ ‫‪،‬‬‫بديعيته‬ ‫الموصلي ـ إضافة إلى محاسن بردة البوصيرّي ـ في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النوع‬
‫وبين هذا ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذهنه ونفسه عاد ابن حجة إلى بيته في بديعيته‪ّ ،‬‬ ‫على هذا‪ ،‬وضع ابن حجة نصب عينيه كالً من البديعيتين‪ ،‬محاوالً‬
‫البديعي فيه‪ ،‬مبر اًز مزاياه‪ ،‬وقدرته في نظمه وحسن سبكه‪ ،‬كما كان‬ ‫كل منهما‪ ،‬وقد دفعه إلى المضي‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫استبعاد كل المآخذ التي أُخذت على ّ‬
‫يمنح نفسه شيئاً من الثناء والتقريض؛ لينتقل بعد ذلك إلى البيتين‬ ‫قدماً في هذا الميدان صديقه ناصر الدين محمد بن البارزّي الذي وقف‬
‫المقابلين لبيته من بديعية صفي الدين الحلي وعز الدين الموصلي ـ‬ ‫في دمشق على بديعية عز الدين الموصلي‪ ،‬ورسم البن ِحجة مخطط‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بديعية ابن جابر ـ مبيناً اتضاعهما عن بلوغ منزلة بيته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وأحياناً من‬ ‫ٍ‬
‫تسابق‬ ‫معارضتها‪ ،‬هذا باإلضافة إلى أن عصر ابن ِحجة كان عصر‬

‫الحموي ‪ ،....‬ص‪ ،123‬والخرشة‪ ،‬أحمد‪:‬‬


‫ّ‬ ‫‪ .‬انظر‪ ،‬الربداوي‪ ،‬محمود‪ :‬ابن ِحجة‬ ‫‪3‬‬

‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪323/1 ،‬ـ ‪ ،326‬والربداوي‪ ،‬محمود‪ :‬ابن‬


‫ّ‬ ‫‪ .3‬انظر‪،‬‬ ‫المصطلح البالغي والنقدي‪ ،...‬ص‪.22‬‬
‫الحموي ‪ ،....‬ص ‪ 123‬ـ ‪ ،126‬والخرشة‪ ،‬أحمد‪ :‬المصطلح البالغي‬ ‫ّ‬ ‫ِحجة‬
‫والنقدي‪ ،....‬ص‪.22-21‬‬ ‫‪ .‬الحمو ّي‪ ،‬أبو بكر بن علي بن عبدهللا بن ِحجة‪ :‬خزانة األدب وغاية األرب‪ ،‬دراسة‬ ‫‪1‬‬

‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪.62/1 ،‬‬


‫ّ‬ ‫‪ .6‬انظر‪،‬‬ ‫وتحقيق‪ :‬د‪ .‬كوكب دياب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2221 ،1‬م‪.131/1 ،‬‬
‫‪89‬‬
‫منهج التعامل مع الشاهد البالغي عند ابن حجة الحموي في كتابه‪" :‬خزانة األدب وغاية األرب"‬

‫بعبد القاهر‪ ،‬إال أننا ال نوافقه في أن من جاء بعده لم يحيدوا عن‬


‫المبحث األول‪:‬‬
‫أمثلته وشواهده؛ ألننا نعلم أن الخطيب القزويني (ت‪732‬هـ) وهو‬
‫منهج ابن ِحجة في التعامل مع الشاهد البالغي‬
‫أشهر من أفاد من عبد القاهر قد حاد كثي اًر عن شواهده‪ ،‬وألننا سنعرف‬
‫بعد هذه الوقفة السريعة على دوافع تأليف الكتاب ومنهجه‪،‬‬
‫ـ بعد قليل ـ أن ابن ِحجة نوع في مصادره‪ ،‬وضمن خزانته كثي اًر من‬
‫يجدر بنا أن ننطلق لنلج أبواب هذا الكتاب‪ ،‬ونسير في مداخل أجزائه‪،‬‬
‫أمثلة معاصريه وشواهدهم‪ ،‬مستخدماً إياها أحسن استخدام‪.‬‬
‫متنوعة‬
‫طلع على مضمونها‪ ،‬ونكشف خباياها‪ ،‬ألن فيها مادة غنية ّ‬
‫فن ّ‬
‫ويشير شوقي ضيف إلى ما حل باألدب عموماً ـ وخاصة في‬
‫تستحق البحث والدراسة‪ ،‬وما أحسن حديث محمود رزق سليم عن هذا‬
‫القرن السادس الهجرّي وما بعده ـ من تعقيد وجمود ونضوب‪ ،‬فيقول‬
‫الكتاب! إذ يقول‪ ":‬وما عليك إال أن تجمع تعريفاته البالغية‪ ،‬ومعها‬
‫عن البالغة في خضم ذلك‪ ":‬وهذه الظاهرة نفسها من التكرار ومن‬
‫تنحيهما جانباً عن بقية الخزانة؛ لتبدو لك بقيتها‬
‫المثل أوالمثالن‪ ،‬ثم ّ‬
‫إجداب العقول ومن الجمود تسري بين أصحاب البالغة بعد عبد‬
‫مسرحاً وضيئاً متأِّلقاً مليئاً بجوالت األديب الذي فاضت صوره باألدب‬
‫القاهر والزمخشري‪ ،‬فإذا هم ال يأتون بجديد في مباحثهم البالغية‪،‬‬
‫اللباب‪ ،‬وسنح خاطره بالنقدات العذاب‪ ،‬وفيها ما فيها من حسن‬
‫واذا هم يقصرون عملهم فيها على تلخيص ما كتباه جميعاً‪ .....،‬فإذا‬
‫للمتفرِق المتقارب"(‪،)7‬‬
‫ّ‬ ‫اختيار‪ ،‬وسهولة عرض‪ ،‬ودقة تتابع‪ ،‬وجمع‬
‫الصرف‪،‬‬
‫النحو و ّ‬‫هي تصبح مجموعة من القواعد الجافة كقواعد ّ‬
‫ومثل هذا الحكم أطلقه زكي مبارك في حديثه عن شروح البديعيات‪،‬‬
‫يدرسونها لتالميذهم‪ ،‬وقد يؤّلفون فيها‪ ،‬دون عناية بالنصوص‬
‫فاألساتذه ّ‬ ‫وينطبق حكمه هذا ـ في رأيي ـ تمام االنطباق على شرح ابن ِحجة‬
‫إال ما يجلبونه من لدن عبد القاهر والزمخشري‪ ،‬وال تظن أنهم‬
‫لبديعيته‪ ،‬إذ يقول‪ ":‬وألكثر هذه البديعيات شروح فيها الوسيط والوجيز‬
‫النثر‪ ،‬وآي الذكر‬ ‫يحتفظون بتحليالتهما البديعة لنصوص ّ‬
‫الشعر و ّ‬
‫ِّ‬
‫المتفوقين في العلوم العربية‪ ،‬وفي‬ ‫والمبسوط‪ ،‬وأكثر هؤالء الشراح من‬
‫الحكيم‪ ،‬فقد كان ينقصهم ال ّذوق المرهف‪ ،‬والحس الحاد‪ ،‬كما كانت‬
‫الصرفية‪ ،‬والبالغية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬واألدبية‪،‬‬
‫النحوية‪ ،‬و ّ‬
‫شروحهم من الفوائد ّ‬
‫تنقصهم الملكة البصيرة التي تستطيع تحليل النماذح األدبية‪ ،‬وتبين‬
‫والتاريخية‪ ،‬فنون أكثرها من المستملح المستطاب"(‪.)7‬‬
‫‪ ،‬ورغم‬‫(‪)12‬‬
‫مواطن الجمال الخفية فيها‪ ،‬بل أيضاً المواطن الظاهرة"‬
‫ويتضح للقارئ من هذين القولين أن ابن ِحجة اتخذ من ألوان‬
‫مشاركتنا شوقي ضيف في ما ذكر في العموم‪ ،‬إال أننا ال نوافقه على‬
‫البديع مطي ًة توسل بها للسير في رحاب ما زخر به صدره‪ ،‬ووعاه عقله‬
‫الصرف‪ ،‬ألن هذه النظرة‬
‫النحو و ّ‬
‫تحول البالغة إلى قواعد جافة كقواعد ّ‬
‫ّ‬ ‫النثر أجمله وأطرفه‪،‬‬ ‫من فنون األدب والمعرفة‪ ،‬جامعاً من ّ‬
‫الشعر و ّ‬
‫ال يستقيم معها إبداع‪ ،‬وألن صفة الثبات والنمطية إذا كانت مقبولة في‬
‫وأكثره مناسب ًة لالستشهاد به‪ ،‬فقد عني بالشاهد البالغي عناية كبيرة‬
‫الصرف‪ ،‬فإنها ال يمكن أن تُقبل بحال في شواهد‬ ‫ّ‬
‫النحو و ّ‬
‫شواهد ّ‬
‫بوصفه مطلباً جمالياً‪ ،‬فجاءت شواهده من مختلف العصور األدبية‪،‬‬
‫البالغة‪ ،‬واذا كانت الشواهد األخرى يمكن أن ُيكتفى منها بتعيين‬
‫فحافظ بذلك على الوجه الجمالي للبالغة العربية‪ ،‬وابتعد بها عن تهمة‬
‫الشاهد ووجه االستشهاد‪ ،‬فإن شواهد البالغة تحتاج إلى نظر عميق‬ ‫ّ‬
‫الجمود والجفاف والنمطية المعروفة في كثير من الشواهد البالغية‪ ،‬إذ‬
‫في التحليل‪ ،‬وبيان أسرار الجمال دون تقيد بزمن أو نمط معين‪.‬‬
‫يتهم الشاهد البالغي أنه بعد عصر ازدهاره على يد عبد القاهر‬
‫كما أننا ال نوافقه في قوله‪ ":‬كان ينقصهم ال ّذوق المرهف والحس‬ ‫ّ‬
‫النمطية‬
‫ّ‬ ‫ليه‬ ‫إ‬ ‫لت‬ ‫ل‬
‫ّ‬‫وتس‬ ‫‪،‬‬‫الجمود‬ ‫صابه‬ ‫أ‬ ‫قد‬ ‫)‬‫ـ‬ ‫ه‬‫‪171‬‬ ‫(ت‬ ‫الجرجاني‬
‫هف‪ ،‬من‬ ‫حس مر ٍ‬
‫الحاد"؛ ألنه ال يمكن أن يخلو من ذوق‪ ،‬وال من ٍّ‬
‫المعروفة في كثير من شواهد العربية‪ ،‬فأصبح الدارسون يرددون شواهد‬
‫كشف عن ساعده‪ ،‬وعاد إلى تراث األجداد األدبي؛ ليجني ثمرة ما يزيد‬
‫ّ‬ ‫معينة محفوظة ال يحيدون عنها‪ ،‬وال يختلفون حتّى في طريقة تحليلها‬
‫على مئة مصنف تتراوح بين ديوان شعر‪ ،‬وكتاب بالغة ونقد‪ ،‬أو‬
‫وتذوقها‪ ،‬فقد ذكر الشيخ أحمد مصطفى المراغي ـ رحمه هللا ـ أن عبد‬
‫ّ‬
‫كتاب أدب وترجمة وتاريخ ولغة‪ ،‬ويضع هذه الثمرة بين دفتي كتاب‬
‫القاهر كان إماماً ألهل هذا الفن (البالغة) " يقتدون به في وضع هذه‬
‫استحق أن يحمل اسم " خزانة األدب وغاية األرب"‪ ،‬فابن ِحجة غزير‬
‫المباحث‪ ،‬وطريقة شرحها وبيانها‪ ،‬وأخذوا األمثلة والشواهد التي ذكرها‬
‫الثقافة‪ ،‬واسع االطالع‪ ،‬دقيق األخذ‪ ،‬وقد طبق هذه األمور مجتمعة‬
‫في كتبه ولم يحيدوا عنها‪ ،‬حتّى قيل وبحق ما قيل‪ :‬إن من جاء بعده‬
‫ليعطي للشاهد البالغي رونقاً خاصاً؛ ألنه كان يدرك أنه ال بد للشاهد‬
‫ّ‬ ‫الشيخ المراغي في اإلشادة‬
‫كنا نشارك ّ‬
‫عيال عليه ‪ ، "...‬ونحن وان ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الروعة وكثرة‬
‫ّ‬ ‫و‬ ‫الجمال‬ ‫أهمها‬ ‫من‬ ‫لعل‬ ‫لذلك‪،‬‬ ‫له‬ ‫تؤه‬ ‫البالغي من سمات‬
‫ّ‬
‫الرواء‪ ،‬والجزالة والقوة‪ ،‬والتجدد والحيوية‪" ،‬ذلك أن الشاهد‬‫الماء ّ‬
‫و‬
‫‪ .‬سليم‪ ،‬محمود رزق‪ :‬عصر سالطين المماليك ونتاجه العلمي واألدبي‪ ،‬مكتبة اآلداب‪،‬‬ ‫‪7‬‬
‫البالغي يتنامى مع تنامي الجمال‪ ،‬والجمال ال يتوقف وال ُيحد‪ ،‬لذا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫الجماميز‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪.163/6،‬‬
‫‪ .‬مبارك‪ ،‬زكي‪ :‬المدائح النبوية في األدب العربي‪ ،‬مطبعة مصطفى البابي الحلبي‬ ‫‪7‬‬
‫ّ‬
‫وأوالده‪ ،‬مصر‪( ،‬د‪.‬ط)‪1233 ،‬م‪ ،‬ص‪.172‬‬
‫تطور وتاريخ‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬ط‪1227 ،7‬م‪ ،‬ص ‪ 272‬ـ‬
‫‪ .‬ضيف‪ ،‬شوقي‪ :‬البالغة ّ‬
‫‪12‬‬
‫‪ .‬المراغي‪ ،‬أحمد مصطفى‪ :‬تأريخ علوم البالغة العربية والتعريف برجالها‪ ،‬مطبعة‬ ‫‪2‬‬

‫‪.273‬‬ ‫مصطفى البابي الحلبي وأوالده‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1232 ،1‬م‪ ،‬ص‪.37‬‬


‫‪90‬‬
‫مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات اإلنسانية – المجلد الخامس عشر – العدد الثاني ‪1025‬‬

‫أليماً)(‪ ،)13‬وشاهد المدح في معرض االستهزاء بلفظ المدح‪ ،‬قوله‬ ‫الدرس البالغي جمود الشاهد ونمطيته‬ ‫كان من أسوأ ما يؤثّر على ّ‬
‫ّ‬
‫السنة‬
‫التهكم في ّ‬
‫ّ‬ ‫تعالى‪ُ (:‬ذق إنك أنت العزيز الكريم)(‪ .....،)11‬ومن‬ ‫وضعف استكناه مواطن الجمال فيه"(‪.)11‬‬
‫بشر مال البخيل بحادث‬‫النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ " ّ‬
‫الشريفة قول ّ‬ ‫الحموي هو هذا الكم‬
‫ّ‬ ‫التميز عند ابن ِحجة‬‫ّ‬ ‫واذا كان محط‬
‫تقدم من قول‪ ،‬ولكنه ال يعني حتمية وقوعه‬
‫أو وارث" ‪ ،‬هذا مثال لما ّ‬
‫(‪)13‬‬
‫الهائل من الشواهد التي ضمنها كتابه‪ ،‬فإن منهجه في التّعامل مع هذه‬
‫على هذا النحو في األنواع البديعية جميعها التي ذكرها ابن ِحجة في‬ ‫سنركز عليه في‬
‫ّ‬ ‫تميز به أيضاً‪ ،‬وهذا ما‬
‫الشواهد‪ ،‬هو من أظهر ما ّ‬
‫النص‬
‫كتابه‪ ،‬إذ نجده ـ أحياناً ـ ال يتردد في إيراد غير شاهد من ّ‬ ‫بحثنا‪ ،‬وسنتاول هذا المنهج من خالل ما يأتي‪:‬‬
‫البديعي الواحد‪ ،‬وفي الوقت ذاته ال يورد ولو مثاالً واحداً‬
‫ّ‬
‫القرآني للنوع‬
‫ّ‬
‫أولا‪ :‬النوعية‪:‬‬
‫النبوية‪ ،‬كما هو الحال في حديثه عن "حسن البيان"‪ ،‬إذ‬‫ّ‬ ‫األحاديث‬ ‫من‬ ‫أشرت في موطن سابق إلى غ ازرة ثقافة ابن ِحجة‪ ،‬وسعة‬
‫ُ‬
‫يقول‪ ":‬والنور المبين في هذا الباب بيان القرآن الكريم‪ ،‬كقوله تعالى‪،‬‬ ‫المعرفية‪ ،‬فهل انعكس هذا كله على شواهده‬
‫ّ‬ ‫وتنوع مصادره‬
‫اطالعه‪ّ ،‬‬
‫وقد أراد أن يح ّذر من االغترار بالنعم‪ (:‬كم تركوا من جنات وعيون*‬ ‫البالغية؟ لعل كتاب "خزانة األدب" موضوع ِ‬
‫الدراسة يثبت انعكاس هذه‬
‫ّ‬
‫وزروع ومقام كريم* ونعمة كانوا فيها فاكهين)(‪ ،)16‬وكقوله ‪ -‬سبحانه‬ ‫ِ‬
‫الدعائم على الشاهد البالغي عند ابن ِحجة‪ ،‬الذي لم يكتف باألخذ من‬
‫ّ‬
‫يبين عن الوعد‪ (:‬إن المتقين في مقام‬‫وتعالى‪ -‬وقد أراد أن ّ‬ ‫منهل واحد‪ ،‬بل ترك لنفسه الحرية بتنويع أمثلته وشواهده من حديقة‬
‫يبين عن الوعيد‪(:‬إن يوم‬
‫أمين) ‪ ....،‬وكقوله تعالى‪ ،‬وقد أراد أن ّ‬ ‫معلوماته الخصبة؛ لتكون مرآة لثقافته‪ ،‬ويكفي أن ينظر ّ‬
‫الدارس في‬
‫(‪)17‬‬

‫‪ ،‬وكقوله في االحتجاج القاطع للخصم‪(:‬‬ ‫الفصل ميقاتهم أجمعين)‬ ‫محتوى الخزانة‪ ،‬ليلحظ ّ‬
‫تنوع هذه الشواهد‪ ،‬واختالف منابعها التي‬
‫(‪)17‬‬

‫وضرب لنا مثالً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم* قل‬ ‫تمّثلت في ما يأتي‪:‬‬
‫ِ‬
‫بكل خلق عليم)(‪ ،)12‬وكقوله تعالى‪،‬‬ ‫أ‪ .‬شواهد القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف‪:‬‬
‫مرة وهو ّ‬
‫يحييها الذي أنشأها أول ّ‬
‫لعادوا لما ُن ُهوا عنه) ‪،‬‬
‫(‪)22‬‬
‫يبين عن العدل‪ (:‬ولو ُردوا ُ‬
‫وقد أراد أن ّ‬ ‫ليس جديداً أن نقول إن الغاية التي قامت من أجلها معظم علوم‬
‫وأمثال هذا كثيرة لمن أراد أن يتتبعها في القرآن"(‪ ،)21‬وعلى النقيض‬ ‫النص القرآني‪ ،‬وبيان‬
‫العربية ـ ومنها علم البالغة ـ ّإنما هي تيسير فهم ّ‬
‫ّ‬
‫من ذلك نجده في بعض األحيان يعمد إلى االستشهاد بأمثلة من‬ ‫وتعرف دقائق أس ارره‪ ،‬ومن هنا كان ابن ِحجة ـ شأنه في‬
‫أوجه إعجازه‪ّ ،‬‬
‫األحاديث الشريفة‪ ،‬دون أن يذكر شيئاً من القرآن الكريم‪ ،‬وخذ مثاالً‬ ‫يؤكد هذه الناحية‪،‬‬
‫البالغية ـ ّ‬
‫ّ‬ ‫ذلك شأن الكثير من أصحاب المؤلفات‬
‫لذلك ما أورده في حديثه عن مفهوم "البسط"‪ ،‬إذ يقول‪ ":‬هذا النوع ـ‬ ‫ويصر على إدراك علوم البالغة لهذه الغاية ‪ ،‬وما استكثاره من‬
‫)‪(12‬‬

‫أعني البسط ـ من مستخرجات ابن أبي األصبع‪ ،‬والبسط بخالف‬ ‫االستشهاد بآيات القرآن الكريم إال دليل على ذلك‪ ،‬إذ بلغ عدد الشواهد‬
‫اإليجاز‪ ،‬لكونه عبارة عن بسط الكالم‪ ،‬لكن شرطه زيادة الفائده‪ ،‬كقول‬ ‫النبي ـ صلى هللا عليه‬
‫القرآنية (‪ )177‬شاهداً‪ ،‬يليها ـ غالب ًا ـ أحاديث ّ‬
‫الدين النصيحة‪ ،‬فقلنا‪ :‬لمن يا رسول‬
‫النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ " ّ‬ ‫وسلم ـ فكادت هذه الطريقة أن تكون ّ‬
‫سنة متبعة‪ ،‬إذ قّلما تجد نوع ًا‬
‫هللا؟ قال‪ :‬هلل‪ ،‬ولكتابه‪ ،‬ولرسوله‪ ،‬وألئمة المسلمين وعامتهم"(‪.)22‬‬ ‫بديعياً يستشهد له ابن ِحجة بآيات من الذكر الحكيم‪ ،‬إال ويستشهد‬
‫النبوي الشريف‪ ،‬ولكننا ال ننكر أن نسبة‬
‫ّ‬ ‫بعدها مباشرة بالحديث‬
‫االستشهاد بالحديث أقل كثي اًر منها باآليات القرآنية‪ ،‬إذ بلغ عدد‬
‫‪ .13‬سورة النساء‪.137:‬‬
‫األحاديث النبوية التي استشهد بها (‪ )77‬حديثاً‪.‬‬
‫‪ .11‬سورة الدخان‪.12:‬‬
‫الحموي‪،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪ ،122/2،‬ولم يرد حديث صحيح بهذا المعنى‪ ،‬واّنما‬ ‫‪.13‬‬ ‫ومن هنا يمكننا القول إن "خزانة األدب" حملت طائف ًة من‬
‫ّ‬
‫ذكره الخطيب البغدادي في كتابه البخالء‪ ،‬فقال‪ ":‬أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن‬ ‫الشريفة المناسبة لمواطن االستشهاد‪ ،‬ونجد‬
‫اآليات الكريمة‪ ،‬واألحاديث ّ‬
‫أبي الفوارس‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي‪ ،‬قال‪ :‬قال عبد هللا بن المعتز‪:‬‬
‫ّ‬ ‫"التهكم"‪ ،‬إذ يقول‪ ":‬هو‬
‫ّ‬ ‫مصداق ذلك في حديث ابن ِحجة عن مفهوم‬
‫بشر ما ل البخيل بحادث أو وارث"‪ ،‬الخطيب البغدادي‪ ،‬أبو بكر أحمد بن علي بن‬ ‫ِّ‬
‫عبارة عن اإلتيان بلفظ البشارة في موضع اإلنذار‪ ،‬والوعد في مكان‬
‫ثابت (ت ‪163‬هـ)‪ :‬كتاب البخالء‪ ،‬عناية‪ :‬بسام عبد الوهاب الجابي‪ ،‬دار ابن حزم‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2222 ،1‬م‪ ،‬ص‪.222‬‬ ‫الوعيد‪ ،‬والمدح في معرض االستهزاء‪ ،‬فشاهد البشارة في موضع‬
‫‪ .16‬سورة الدخان‪23:‬ـ‪.27‬‬ ‫بشر المنافقين بأن لهم عذاباً‬
‫اإلنذار من الكتاب العزيز‪ ،‬قوله تعالى‪ّ (:‬‬
‫‪ .‬سورة الدخان‪.31:‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪ .17‬سورة الدخان‪.12:‬‬
‫‪ .‬سورة يس‪77:‬ـ ‪.72‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪ . 22‬سورة األنعام‪.27 :‬‬ ‫‪ .11‬العطوي‪ ،‬عويض بن حمود‪ :‬منهج التعامل مع الشاهد البالغي بين عبد القاهر وكل‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪.112/1،‬‬
‫ّ‬ ‫‪. 21‬‬ ‫من السكاكي والخطيب القزويني‪ ،‬مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪ ،261/1 ،‬والمنذري‪ ،‬الحافظ زكي الدين عبد‬
‫ّ‬ ‫‪.22‬‬ ‫وآدابها‪ ،‬ج‪ ،17‬ع‪1123 ،32‬هـ‪ ،‬ص‪.321‬‬
‫وخرج أحاديثه‬
‫العظيم بن عبد القوي‪ :‬مختصر صحيح مسلم‪ ،‬حّققه وعّلق عليه ّ‬ ‫‪ .12‬انظر‪ ،‬أبو زيد‪،‬علي‪ :‬البديعيات ‪ ،....‬ص‪.222‬‬
‫‪91‬‬
‫منهج التعامل مع الشاهد البالغي عند ابن حجة الحموي في كتابه‪" :‬خزانة األدب وغاية األرب"‬

‫وهو علم المعاني‪ ،‬واما أن تبحث عن طرق داللة الكالم إيضاحاً‬ ‫الرسول ـ صّلى هللا‬
‫وهكذا نجد آيات الكتاب العزيز وأحاديث ّ‬
‫خفاء بحسب الداللة العقلية وهو علم البيان‪ ،‬وا ّما أن تبحث عن وجوه‬
‫و ً‬ ‫عليه وسّلم ـ تنتشر في خزانة ابن ِحجة بصفتها ذروة البالغة وعروتها‬
‫تحسين الكالم وهو علم البديع‪ .‬فالعلوم الثالثة األول ال ُيستشهد عليها‬ ‫الوثقى‪ ،‬وما على طالب االستزادة إال تقليب صفحاتها‪ ،‬ولكن هذا ال‬
‫إال بكالم العرب نظماً ونث اًر‪ ،‬ألن المعتبر فيها ضبط ألفاظهم‪ ،‬والعلوم‬ ‫طبع ـ أن ابن ِحجة كان يستدعي اآليات القرآنية واألحاديث‬
‫يعني ـ بال ّ‬
‫الثالثة األخيرة ُيستشهد عليها بكالم العرب وغيرهم ألنها راجعة إلى‬ ‫كل لون بديعي ّ‬
‫يتحدث عنه في كتابه‪ ،‬بل نجده في أحايين‬ ‫ِ‬
‫النبوية عند ّ‬
‫المعاني‪ ،‬وال فرق في ذلك بين العرب وغيرهم‪ ،‬إذا كان الرجوع الى‬ ‫كثيرٍة يقتصر على الشواهد الشعرية فقط‪ ،‬ونرى ذلك في حديثه عن "‬
‫العقل"(‪.)32‬‬ ‫و"المناقضة"(‪،)26‬‬ ‫و"االستتباع"(‪ ،)21‬و"التّوجيه"(‪،)23‬‬ ‫طف"(‪،)23‬‬
‫التّع ّ‬
‫الصواب إذا عزونا ضخامة "خزانة األدب"‬
‫ولعلنا ال نجانب ّ‬ ‫و"التّسهيل"(‪ ،)27‬وأمثال هذه كثيرة في "خزانة األدب"‪.‬‬
‫الشعرية التي أُودعت فيها‪ ،‬ألن ابن ِحجة أسرف إسرافاً‬
‫إلى الشواهد ّ‬ ‫ب‪ .‬الشواهد الشعرية‪:‬‬
‫النوع‬
‫كبي اًر في حشد هذه الشواهد‪ ،‬فهو عندما يعقد الحديث على شواهد ّ‬ ‫تميز بها هي‬
‫يدرك الناظر في كتاب "خزانة األدب" أن أهم ميزة ّ‬
‫البديعي ال يكتفي بإيراد البيت أو البيتين‪ّ ،‬إنما يتجاوز ذلك إلى ذكر‬ ‫عده كتاباً في شواهد البالغة‬
‫الشعرية‪ ،‬حتّى ليمكن ّ‬‫كثرة الشواهد ّ‬
‫ّ‬
‫طعات كاملة وقصائد طويلة في ذلك النوع‪ ،‬فكثي اًر ما تجده ال يكتفي‬
‫مق ّ‬ ‫الشعرية‪ ،‬ألنه لم يدع عص اًر إال وأخذ من شواهد شعره بقدر‪ ،‬بدءاً من‬
‫يعززه بذكر مناسبته وموضوعه‪ ،‬وربما‬ ‫بالبيت المطلوب شاهداً‪ ،‬بل ّ‬ ‫األموي‪ ،‬والعباسي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العصر الجاهلي‪ ،‬ومرو اًر بالعصر اإلسالمي‪ ،‬و‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ُيغرم بالقصيدة كّلِها لجمالها فال يتوانى عن إيرادها كاملة أو قريبة من‬ ‫واأليوبي‪ ،‬وانتهاء بالعصر المملوكي‪ ،‬وأّول ما يمكن أن نالحظه على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِّ‬
‫المتتبع يجد أمثلة كثيرة لهذا الجانب في خزانة ابن‬ ‫الكمال‪ ،‬ولعل‬ ‫ابن ِحجة في هذا الجانب أنه عرج على شعر المولدين‪ ،‬واستشهد به‪،‬‬
‫المطرف" يستشهد‬ ‫ِحجة‪ ،‬فهو ـ مثالً ـ عندما ّ‬
‫يتحدث عن "الجناس التام و ّ‬
‫ِّ‬
‫المتأخرين من معاصريه‪ ،‬وحشد لهم‬ ‫كما أنه أطال الوقوف عند شعر‬
‫بمطلع إحدى قصائده‪ ،‬وهو‪:‬‬ ‫النثر‪ ،‬ومما يالحظ ـ أيضاً ـ إكثاره من حشد‬
‫الشعر و ّ‬
‫نماذج كثيرة من ّ‬
‫يا من ِ‬ ‫ِ‬ ‫طلع على باب "‬ ‫النماذج ال ّشعرية والّنثرية من تأليفه‪ ،‬ويكفي أن ت ّ‬
‫(‪)31‬‬
‫كل َقْل ٍب قد َصَبا‬
‫إليه ُّ‬ ‫َْ‬ ‫ريح الصبا‬
‫األخبار يا َ‬ ‫يا طي َب‬
‫التورية" في كتابه‪ ،‬لتجد فيه من شعره وشعر أصدقائه ومعاصريه‬
‫غير أنه ال يكتفي بذكر هذا البيت‪ ،‬بل يأتي على المناسبة التي قيلت‬
‫الشيء الكثير(‪ .)27‬ولم يقف عند هذا الحد‪ ،‬بل تجاوز ذلك ليستشهد‬
‫فيها هذه القصيدة فيذكرها‪ ،‬ثم يذكر منها ثماني ًة وثالثين بيتاً‪ ،‬إذ‬
‫الزجل والدوبيت والمواليا(‪ ،)22‬وحتّى ال يلومه الئم على هذا‬
‫بالموشح و ّ‬
‫ّ‬
‫كتبت بها من القاهرة المحروسة‪ ،‬سنة اثنتين‬ ‫ُ‬ ‫يقول‪ ":‬وهذه القصيدة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مقدمة لخص‬‫المتأخرين ونثرهم‪ ،‬قدم بين يدي كتابه ّ‬
‫ّ‬ ‫االستشهاد بشعر‬
‫القاضوي الناصرّي محمد بن‬‫ّ‬ ‫المقر األشرف‬
‫ّ‬ ‫وثمانيمئة‪ ،‬إلى موالنا‬
‫فيها آراء سابقيه التي تبيح للبالغيين االستشهاد بأقوال المولدين‬
‫البارزّي الجهني الشافعي‪ ،‬صاحب ديوان اإلنشاء الشريف بالممالك‬ ‫المتأخرين على ٍ‬
‫و ِّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لطيف‪ ،‬وهو أن‬
‫ٌ‬ ‫بحث‬
‫حد سواء‪ ،‬فلهذا قال‪ ":‬وهنا ٌ‬ ‫ّ‬
‫تشوقاً إليه والى‬ ‫األدب‬ ‫جذع‬ ‫أهز‬ ‫شأنه‪،‬‬ ‫هللا‬ ‫م‬‫عظ‬ ‫المحروسة‪،‬‬ ‫اإلسالمية‬
‫ّ‬ ‫االستشهاد بكالم المولدين وغيرهم من المتأ ِّخرين ليس فيه نقض‪ ،‬ألن‬
‫وقلت بعد المطلع أخاطب النسيم بما هو أرق منه‪:‬‬
‫حماة‪ُ ،‬‬ ‫البديع أحد علوم األدب الستّة‪ ،‬وذلك أنك إذا نظرت في الكالم العربي‪،‬‬
‫ّ‬
‫األذيال كم لك ِم ْن َنَبا‬
‫ِ‬ ‫يا طاهَر‬ ‫ِ‬
‫األنفاس يا أهل الذكا‬ ‫صادق‬
‫َ‬ ‫يا‬ ‫إما أن تبحث عن المعنى الذي و ِ‬
‫ضع له اللفظ وهو علم اللغة‪ ،‬وا ّما أن‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫يا َر ْو َح نج ٍد مرحبا ِب َك مرحبا‬ ‫عباراة عن حاجـ ٍر‬
‫يا َم ْن نراه َ‬ ‫تبحث عن ذات اللفظ بحسب ما يعتريه من الحذف والقلب والبدل‬
‫ت َتَنشق األخبار عـن تلك‬ ‫ِ‬
‫طيبه‬ ‫الخير الذي من‬‫ِ‬ ‫يا نسم َة‬ ‫وغير ذلك وهو علم التّصريف‪ ،‬وا ّما أن تبحث عن المعنى الذي ُيفهم‬
‫(‪)32‬‬
‫الربا"‬
‫ُّ‬ ‫من الكالم المركب بحسب اختالف أواخر الكلم وهو علم العربية‪ ،‬واما‬
‫أن تبحث عن مطابقة الكالم لمقتضى الحال بحسب الوضع اللغوي‬
‫وعلى هذه الشاكلة يمضي ابن ِحجة في عرض كثير من‬
‫شواهده‪ ،‬فيذكر الشاهد الشعرّي‪ ،‬ثم يفيض في ذكر معظم أبيات‬
‫تذكره‬
‫القصيدة التي أُخذ منها هذا الشاهد‪ ،‬ليس هذا حسب‪ ،‬بل ّ‬ ‫ووضع فهارسه‪:‬د‪.‬مصطفى ديب البغا‪ ،‬اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫ط‪2222 ،3‬م‪ " ،‬حديث رقم ‪1222‬ضمن كتاب رقم ‪ :37‬كتاب اإلمارة"‪ ،‬ص‪.362‬‬
‫القصيدة أو المقطوعة ـ أحياناً ـ بقصيدة أو مقطوعة شعرية أخرى‪،‬‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪.233/1،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .‬انظر‪،‬‬ ‫‪23‬‬
‫عدة أبيات منها‪ ،‬وقد ال يشبع هذا نهمه‪ ،‬فيبدأ بذكر‬
‫فيذكرها أو يذكر ّ‬ ‫‪ .‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪.233/1،‬‬ ‫‪21‬‬

‫حسن لهذا الشاعر واستُجيد له‪ ،‬دون أن يشترط موافقة ذلك‬ ‫ما استُ ِ‬
‫‪ .‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪.332/2،‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪ .‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪.262/2،‬‬ ‫‪26‬‬

‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪311/1،‬ـ‪.313‬‬


‫ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪32‬‬
‫‪ .‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪122/1،‬ـ‪.127‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪ .‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪.123/1،‬‬ ‫‪31‬‬


‫‪ .‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪171/3،‬ـ‪.317‬‬ ‫‪27‬‬

‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪123/1،‬ـ‪.127‬‬


‫ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪32‬‬
‫‪ .‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪162/2،‬ـ‪132/1 ،161‬ـ‪.161/3 ،322/3 ،131‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪92‬‬
‫مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات اإلنسانية – المجلد الخامس عشر – العدد الثاني ‪1025‬‬

‫براعات النثر فإنها مثلها‪ ،‬إن لم تكن براعة الخطبة‪ ،‬أو ِّ‬
‫الرسالة‪ ،‬أو‬ ‫لموطن االستشهاد الذي هو فيه‪ ،‬وقد يخطر له أن يقرن بعض عثرات‬
‫صدر الكتاب المصنف داّلة على غرض المنشئ ‪ ،‬واال فليست براعة‬ ‫هذا الشاعر بما ذكره من المستجاد له‪ ،‬ففي حديثه في باب "حسن‬
‫استهالل" ‪ ،‬لتتوالى بعد ذلك الكثير من براعات االستهالل التي‬‫(‪)37‬‬
‫االبتداء وبراعة االستهالل" يستعرض الشواهد الجيدة على براعة‬
‫استحسنها ابن ِحجة‪ ،‬وحظيت بإعجابه‪.‬‬ ‫االستهالل‪ ،‬ويذكر من هذه الشواهد بيتاً ألبي الطيب المتنبي‪:‬‬
‫ويظهر جلياً حرص ابن ِحجة على استحضار ّ‬
‫الشواهد النثرية‪،‬‬
‫مع خلق اة في المآقي‬ ‫أتـراها لكثرِة العـش ِ‬
‫تحسب الد َ‬ ‫اق‬
‫(‪)33‬‬

‫أدل على‬‫والتمثيل بها في معرض حديثه عن األنواع البديعية‪ ،‬وليس ّ‬ ‫ولكنه لم يقف عند هذا البيت‪ ،‬بل تطرق لذكر ٍ‬
‫بيت آخر يعد‬
‫هذا الحرص ما نجده في باب "االنسجام" من تقديمه للشواهد النثرية ـ‬ ‫ّ‬
‫مما جعلها موطن‬
‫من براعات االستهالل التي أخفق المتنبي بها‪ّ ،‬‬
‫الشعرية(‪ ،)37‬وقد يسأل سائل فيقول‪:‬‬
‫على غير عادته ـ على الشواهد ّ‬
‫استهجان أهل الذوق واألدب‪ ،‬فقال‪ ":‬وعابوا على أبي الطيب المتنبي‬
‫هل سار ابن ِحجة في أخذه الشواهد النثرية على طريقته في أخذ‬
‫خطابه لممدوحه في ابتداء قصيدة حيث قال‪:‬‬
‫الشعرية؟ أي هل كان ابن ِحجة يورد نصوصاً نثرية كاملة‪ ،‬أو‬
‫الشواهد ّ‬
‫النصوص؟‬‫أنه كان يكتفي بإيراد مقتطفات أو أجزاء محددة من هذه ّ‬
‫(‪)34‬‬
‫وح ْسب المنايا أن َيكن أمانيا"‬
‫َ‬ ‫الموت شافي ا‬
‫َ‬ ‫داء أن ترى‬
‫كفى بك ا‬
‫والحقيقة أن ابن ِحجة قد سار في توظيف ّ‬
‫الشواهد النثرية على الطريق‬ ‫الشعرية ـ زر ٍ‬
‫افات ووحداناً ـ‬ ‫وهكذا تتوارد أمامك فرسان الشواهد ّ‬
‫الشواهد الشعرية‪ ،‬فقد يكون الشاهد النثرّي‬
‫ذاته الذي سلكه في توظيف ّ‬
‫دون أن تقتصر على شاعر أو عصر ّ‬
‫معين‪ ،‬ولهذا مزّيتان‪ :‬إحداهما‪:‬‬
‫نصاً نثرّياً‬
‫يتضمن ّ‬
‫ّ‬ ‫مثالً سائ اًر‪ ،‬أو بعض خطبة‪ ،‬وقد يطول حتّى‬ ‫أنها من أبيات االستشهاد ما لم تكن استطراداً‪ ،‬وثانيتهما‪ :‬أنها كانت‬
‫يتحدث عن "التغاير" يورد قوالً البن أبي‬
‫كامالً‪ ،‬فهو ـ مثالً ـ عندما ّ‬ ‫تُؤخذ من عصور مختلفة‪ ،‬تبدأ بالعصر الجاهلي وتنتهي بعصر‬
‫ّ‬
‫األصبع في بيت أبي تمام المشهور‪:‬‬ ‫المؤّلِف‪ ،‬ومما يزيد هذه الشواهد الشعرية أهمية أن ابن ِحجة عندما‬
‫جد وال ِ‬
‫لعب‬ ‫في حد ِه ُّ‬
‫الحد بين ال ِ‬ ‫أنباء من الكت ِب‬
‫السيف أصدق ا‬
‫يصل إلى زمنه‪ ،‬ويستشهد بشعر من يعرف من معاصريه وأصدقائه‪،‬‬

‫ِّ‬ ‫فإن ما يورده من أشعارهم ـ في معظم األحيان ـ نفتقر إليه‪ ،‬وقد ال‬
‫للمتأخرين في التقديم راية‪،‬‬ ‫ثم يقول‪ ":‬وقد عن لي هنا أن أرفع‬
‫نظفر به في غير "خزانة األدب"؛ إلغفاله من الذين صنفوا كتب‬
‫ليعلم المنكر الفرق بين البداية والنهاية‪ ،‬فإن الشيخ جمال الدين بن‬
‫الشعر واألدب في ذلك العصر(‪ .)33‬وعليه فخزانة األدب خير معين‬
‫السيف والقلم ما صدق به قول‬
‫ُنباتة‪ ،‬رحمه هللا‪ ،‬أظهر في المغايرة بين ّ‬
‫تصور الحياة األدبية في عصر ابن ِحجة‪ ،‬ولو استحضرنا أشعاره‬
‫على ّ‬
‫القائل‪:‬‬
‫وحدها في خزانته لكانت خير شاهد على ما ذهبنا إليه‪ ،‬وهذا ما يدفعنا‬
‫تستطعه األوائـل‬
‫ْ‬ ‫آلت بما لم‬
‫ٍ‬ ‫األخير زمانه‬
‫َ‬ ‫واني وا ْن كنت‬ ‫إلى العناية بشواهد هذا الكتاب ودراستها‪.‬‬
‫كل و ٍ‬
‫احد‬ ‫ِ‬ ‫ج‪ .‬الشواهد النثرية‪:‬‬
‫من ذلك قوله في رسالة "المفاخرة والمغايرة" في مدح ّ‬
‫القلم بإفصاحه‪ ،‬ونشط الرتياحه‪ ،‬ورقى من األنامل‬ ‫الشعر‬
‫لما كانت البالغة بفنونها المختلفة غير مقتصرة على ّ‬
‫وذمه‪ :‬فبرز ُ‬‫منهما ّ‬ ‫ّ‬
‫على أعواده‪ ،‬وقام خطيباً بمحاسنه في حّلة مداده‪ ،‬والتفت إلى السيف‪،‬‬ ‫النثر‪ ،‬أصبح من‬
‫ّ‬ ‫و‬ ‫عر‬‫الش‬
‫ّ‬ ‫باب‬
‫ر‬ ‫أ‬ ‫من‬ ‫ة‬ ‫ج‬ ‫ِ‬
‫ح‬ ‫ابن‬ ‫كان‬ ‫ا‬‫ولم‬ ‫ثر‪،‬‬ ‫دون ّ‬
‫الن‬
‫ّ‬
‫وتلمظ لسانه للقول‬ ‫الشعر وحده‪ ،‬بل إنه وجد في‬
‫الطبيعي أن ال تقتصر شواهده على ّ‬
‫فقال‪ ......:‬فعند ذلك نهض قائم السيف عجالً‪ّ ،‬‬
‫مرتجالً‪ ،‬وقال‪ ،)32("......:‬ويورد الرسالة كلها رغم طولها‪.‬‬ ‫مادة أخرى تكشف جانباً من جوانب ثقافته‪ ،‬وتنم عن طول باعه‬ ‫النثر ً‬
‫د‪ .‬بديعيات‪:‬‬ ‫في هذا المجال‪ ،‬فكادت أن تكون أمثلته النثرية بقدر أمثلته الشعرية أو‬
‫استشهد ابن ِحجة في معرض حديثه عن الفنون البالغية التي‬ ‫دونها بقليل‪ ،‬إذ اتخذ من رسائله وأقوال البلغاء‪ ،‬وخطب العلماء‪،‬‬
‫بديعيته‪ ،‬وهي‪ :‬بديعية‬ ‫حوتها خزانته بأبيات البديعيات التي سبقت‬ ‫مادة هام ًة في‬
‫ً‬ ‫وأمثال الفصحاء‪ ،‬ومناظرات األدباء ومقاماتهم‬
‫ّ‬
‫الدين الموصلي‪ ،‬وبديعية ابن جابر‬ ‫صفي ال ّدين الحّل ّي‪ ،‬وبديعية عز ّ‬ ‫الشعر)‪ ،(36‬ففي حديثه عن "براعة‬ ‫االستشهاد بها إلى جانب ّ‬
‫ّ‬
‫األندلسي‪ ،‬أو ما ُيعرف باسم "بديعية العميان" ـ أحياناً ـ ومثال ذلك ما‬ ‫الشواهد النثرية‪ ،‬ويفرد‬
‫االستهالل" يطنب ـ بعض الشيء ـ في إيراد ّ‬
‫ّ‬
‫الشيخ صفي الدين لم ِ‬
‫يأت‬ ‫ّ‬ ‫يقول‪":‬‬ ‫إذ‬ ‫باق"‪،‬‬‫ط‬‫ّ‬ ‫"ال‬ ‫باب‬ ‫في‬ ‫أورده‬ ‫مساح ًة واسع ًة لهذا الجانب تحت عنوان" براعة االستهالل في النثر"‪،‬‬
‫ّ‬
‫بالمطابقة في بديعيته إال مجردة‪ ،‬وبيته‪:‬‬ ‫يبدأها بقوله‪ ":‬انتهى ما أوردته هنا من البراعات البارعة نظماً‪ ،‬وأما‬

‫‪ .33‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪.322/1،‬‬


‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪.332/1،‬‬
‫ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪37‬‬
‫‪ .31‬المصدر نفسه‪.311/1،‬‬
‫‪ .‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪26/3،‬ـ‪.31‬‬ ‫‪37‬‬
‫‪ .33‬انظر‪ ،‬أبو زيد‪،‬علي‪ :‬البديعيات ‪ ،....‬ص‪.221‬‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪217/2،‬ـ‪.237‬‬
‫ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪32‬‬
‫‪ .‬أبو زيد‪ ،‬علي‪ :‬البديعيات ‪ ،....‬ص‪.226‬‬ ‫‪36‬‬

‫‪93‬‬
‫منهج التعامل مع الشاهد البالغي عند ابن حجة الحموي في كتابه‪" :‬خزانة األدب وغاية األرب"‬

‫أوردت هنا خمسة‬ ‫ويعّقب ابن ِحجة على ذلك‪ ،‬فيقول‪ ....":‬وقد‬ ‫صبح ولم أََنـمِ‬ ‫عـن ُّ ِ‬
‫ُ‬ ‫الرقاد فلم أ ْ‬ ‫طال ليلي وأجفاني به َقص َـر ْت‬
‫قـد َ‬
‫ِّ‬
‫المتأخرون‪ ،‬ولم‬ ‫عشر بح اًر؛ ولم أذكر المتدارك إذ هو ُمحد ٌث اخترعه‬
‫بالركة والعقادة‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫عامر ّ‬
‫وبيت العميان مثله‪ ،‬ولكنه ٌ‬
‫ِ‬
‫المتقدم‪ ،‬وهو خارج عن الخمسة عشر بح اًر‪،‬‬ ‫يعرفه العرب في الزمن‬
‫ّ‬
‫اسمح إذا شح نفس ا‪ ،‬و ِ‬
‫اسر إن َيق ِم‬ ‫و ْ‬ ‫سار‪ ،‬و ِ‬
‫امض حيث ونى‬ ‫نام ٍ‬
‫اسهر إذا َ‬
‫و ْ‬
‫وقال ابن الحاجب في عروضه‪:‬‬
‫الدين الموصلي ـ رحمه هللا تعالى ـ هو‪:‬‬ ‫الشيخ عز ّ‬ ‫وبيت ّ‬
‫(‪)45‬‬
‫وما عـده منها الخليل فعدل"‬ ‫وخمس َة عشر دون ما م َتَد َار ٍك‬ ‫ّ‬
‫مـنثور بـمنتظمِ‬
‫ٌ‬ ‫حتى تـشابه‬ ‫أبكي فتـضحك ِم ْـن د ٍر مطابق اة‬
‫فدعني أنظر واياك لهذا النموذج الذي اخترته؛ ليتضح لنا كيف‬
‫يلخص قواعد علم العروض ويضعها في متن‬ ‫استطاع ابن ِحجة أن ّ‬ ‫‪ ....‬وبيت بديعيتي هو‪:‬‬
‫كتابه؛ ألنه أراد له أن يكون خزان ًة لألدب‪ ،‬فهل استطاع فعل ذلك‬ ‫(‪)40‬‬
‫وزادوا عـلوا في طـباقـ ِهمِ"‬ ‫بوحش ٍة بدلوا أنسي وقد خفضوا قدري‬
‫ِ‬
‫يكتف بشواهد القرآن الكريم‪،‬‬ ‫حّقاً؟ أقول‪ :‬نعم‪ ،‬إذ إن ابن ِحجة لم‬
‫وتقدمه على أقرانه من‬
‫تفوقه ّ‬ ‫ِ‬
‫ينبه على ّ‬
‫فقد أراد ابن حجة أن ّ‬
‫بوي ّ‬
‫الشريف‪ ،‬واألدب على امتداد عصوره شع اًر ونث اًر‪ ،‬بل‬ ‫الن ّ‬
‫والحديث ّ‬
‫أصحاب البديعيات الذين سبقوه‪ ،‬ولكنه ـ ومن غير قصد ـ استشهد‬
‫جمع إلى جانب هذا كّله علوماً مختلف ًة‪ ،‬ويكفي أن تنظر ـ إضافة إلى‬
‫طباق"‪ ،‬وحفظ لنا مجموعة من البديعيات كادت أن‬ ‫بأبياتهم على فن "ال ّ‬
‫النموذج ـ إلى باب "التّشريع" لترى كيف أشبع ابن ِحجة ذهن‬ ‫هذا ّ‬
‫تُفقد لوال وجودها في خزانته‪ ،‬ولعل ابن ِحجة من أوائل العاملين على‬
‫القارئ بدقائق علم العروض(‪ ،)16‬ليس هذا حسب‪ ،‬بل إن من يطالع‬
‫حفظها عندما جمع هذه البديعيات الثالث إلى جانب بديعيته‪.‬‬
‫توسع في شواهد هذا الفن‬ ‫ِ‬
‫باب "االقتباس" يجد أن ابن حجة قد ّ‬ ‫ه‪ .‬فنون مختلفة‪:‬‬
‫البالغي‪ ،‬فجاء باقتباسات من مسائل الفقه‪ ،‬وعلم المنطق‪ ،‬وعلم‬
‫ّ‬ ‫تتسع دائرة الشواهد البالغية في "خزانة األدب"‪ ،‬وال تقف عند‬
‫الجدل‪ ،‬وعلم النحو(‪ ،)17‬وهكذا أصبحت "خزانة األدب" بشواهدها‬
‫يتجول في جنانها‪ ،‬ويبحث في رفوفها‪ ،‬ال بد‬
‫ما سبق ذكره‪ ،‬بل أن من ّ‬
‫المتنوعة معرضاً رائعاً لفنون وعلوم مختلفة‪ ،‬لهذا ترى نفسك ـ كما يقول‬
‫ّ‬
‫السفر القّيم "جواب أودية‪ ،‬وشهاد‬ ‫هذا‬ ‫ر‬
‫أ‬ ‫تق‬ ‫أنت‬
‫و‬ ‫ـ‬ ‫سليم‬ ‫ق‬‫رز‬ ‫محمود‬ ‫أن يجد فيها الكثير من اللفتات البديعة والفنون ّ‬
‫المنوعة‪ ،‬وال عجب في‬
‫ّ‬ ‫ذلك‪ ،‬إذا ما علمنا أن ابن ِحجة ـ كغيره من شراح البديعيات ـ كان‬
‫أندية‪ ،‬طابت مجانيها‪ ،‬وزهت معانيها‪ ،‬تدنو قطوفها وان اختلفت‬
‫متنوعة‪ ،‬فجاءت خزانته صورة عن هذه‬ ‫مثّقفاً ثقافة إسالمية عربية ّ‬
‫ثمراتها"(‪.)17‬‬
‫النحو‪ ،‬واللغة‪،‬‬
‫الثقافة التي تمّثلت بكثير من وجوه الفقه‪ ،‬والتّفسير‪ ،‬و ّ‬
‫ثاني ا ـ الجدة والختيار‬ ‫والعروض‪ ،‬والبالغة)‪(11‬؛ ألن شرح الفن البالغي يتطّلب معرفة بمثل‬
‫ّ‬
‫ال نستطيع الزعم أن ابن ِحجة قد ابتكر تلك الشواهد كلها‪،‬‬ ‫هذه العلوم‪ ،‬ودليل ذلك ما نجده في سياق حديثه في باب "االنسجام"‬
‫بمعنى أنه لم يستفد‪ ،‬أو يستند على من سبقه في بعضها‪ ،‬فهو ال ينكر‬ ‫بحر منها ٍ‬
‫ببيت‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫بي‪ ،‬ويمثّل على ّ‬
‫ّ‬
‫الشعر العر‬
‫يعرج على بحور ّ‬‫إذ ّ‬
‫إفادته في شواهده ممن جاء قبله من أعالم البالغة والنقد‪ ،‬فها هو عند‬ ‫الشعر ُيظهر وزنه‪ ،‬ويذكر ما وافق هذا الوزن من النص القرآني‬
‫من ّ‬
‫ّ‬
‫حديثه عن "التوليد" يقول‪ ":‬وقال الشيخ زكي الدين بن أبي األصبع في‬ ‫طويل الذي جاء على أصل الدائرة في‬ ‫دون قصد‪ ،‬فيقول‪ ":‬فمن ال ّ‬
‫سمعت في التوليد قول بعض العجم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫"تحرير التحبير"‪ :‬أغرب ما‬ ‫القرآن العظيم‪ ،‬قوله تعالى‪ ":‬فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"(‪،)12‬‬

‫العذب صاد‬ ‫ومبسمه الشهي‬ ‫لم‬ ‫ِ‬ ‫وتفعيله القياسي‪ :‬فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن‪ ،‬كقول الشاعر‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫عذاره في الخـد ٌ‬
‫كأن َ‬
‫عجب إذا سـ ِر َق الرماد"‬ ‫وطرَة َش ْعرِه ٌ‬ ‫هجت من َن ْج ِد‬
‫فال‬ ‫بهـيم‬ ‫فقد زادني مسر ِ‬ ‫أل يا صبا َنج ٍد متى ِ‬
‫لـيل ٌ‬
‫(‪)49‬‬
‫ٌ‬ ‫اك َو ْجدا على وجدي‬ ‫ْ‬

‫وفي حديثه عن اإلغراق يقول‪ ":‬ومما استشهدوا به على هذا النوع ‪....‬‬ ‫وجاء من المتقارب من العروض األولى الوافية‪ ،‬قوله تعالى‪":‬‬
‫قول امرئ القيس‪:‬‬ ‫وأُملي لهم إن كيدي متين"(‪ ،)13‬والتّفعيل‪":‬فعولن فعولن فعولن فعولن"‪،‬‬
‫كقول الشاعر‪:‬‬
‫(‪) 50‬‬
‫نظر عالي"‬
‫بيثرب أدنى دارها ٌ‬
‫َ‬ ‫تنورتها من أذرعات وأهلها‬
‫(‪)44‬‬
‫فألفاهـم القوم دوني نـياما"‬ ‫مـر‬
‫تميم تميم بن ٍ‬
‫فـأما ٌ‬

‫‪ .13‬المصدر نفسه‪.31/3،‬‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪273/2،‬ـ‪.223‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .16‬انظر‪،‬‬ ‫‪ .12‬المصدر نفسه‪26/2،‬ـ‪.27‬‬
‫‪ .17‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪322/1،‬ـ‪.121‬‬ ‫‪ .11‬انظر‪ ،‬أبو زيد‪،‬علي‪ :‬البديعيات ‪ ،....‬ص‪.208‬‬
‫‪ .17‬سليم‪ ،‬محمود رزق‪ :‬عصر سالطين المماليك‪.161/6،‬‬ ‫‪ .12‬سورة الكهف‪.22:‬‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪.21/1،‬‬
‫ّ‬ ‫‪.12‬‬ ‫‪ .13‬سورة األعراف‪ ،173:‬والقلم‪.13:‬‬
‫‪ .32‬المصدر نفسه‪.113/3،‬‬ ‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪26/3:‬ـ‪.31‬‬
‫ّ‬ ‫‪.11‬‬
‫‪94‬‬
‫مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات اإلنسانية – المجلد الخامس عشر – العدد الثاني ‪1025‬‬

‫الشخصية‪ ،‬فهو مهما حاول أن يخفي شخصيته الخاصة وراء‬ ‫ّ‬ ‫سماته‬ ‫ومعرفة هذه الشواهد ال تحتاج إلى كبير عناء لمن تصّفح "خزانة‬
‫المنهج الذي التزمه‪ ،‬إال أن هذه الشواهد تبقى دال ًة عليه‪ ،‬واشي ًة بما‬ ‫الدارس أن يلحظها بسهولة‪ ،‬ويعود لمصادرها‬ ‫األدب"‪ ،‬حيث يستطيع ّ‬
‫الشعرية والنثرية‪ ،‬فالمرء ُيعرف باختياره(‪:)31‬‬ ‫ِ‬
‫يفضل من النماذج ّ‬ ‫يسمي المؤلفات البالغية ـ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫حسبما أشار إليها ابن حجة‪ ،‬ذلك أنه كان ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويسمي مؤّلِفها حيناً‪ ،‬ويكتفي‬
‫ّ‬ ‫التي أفاد منها في تعريفاته وشواهده ـ‬
‫اللبيب اختيارْه‬ ‫َن دليالا على‬ ‫باختيار َك إذ كا‬ ‫عرفناك‬
‫َ‬ ‫َق ْد‬
‫باسمها أو باسم مؤّلِفها حيناً آخر‪ ،‬ففي حديثه عن "االشتقاق" مثالً‪،‬‬
‫أو كما قال ابن عبدربه (ت‪327‬هـ) في عقده الفريد‪ ":‬اختيار‬
‫قال‪":‬هذا النوع ‪ ....‬استخرجه اإلمام أبو هالل العسكري‪ ،‬وذكره في‬
‫دليل عليه؛ ألن‬
‫الرجل وافد عقله" ‪ ،‬أي صادر عنه‪ ،‬وهو من ثم ٌ‬
‫(‪)33‬‬
‫آخر أنواع البديع من كتابه المعروف بالصناعتين‪ .....،‬وهذا النوع ما‬
‫يشي ـ دون شك ـ‬ ‫الوقوف على نماذج معينة مع توافر غيرها‬
‫ذكره القاضي جالل الدين القزويني في "التلخيص" وال في "اإليضاح"‪،‬‬
‫بالمبدأ الذي ينطلق منه صاحبه‪ ،‬وبالغاية التي يرمي إليها‪.‬‬
‫التوسل"‪ ،)31(".....‬وفي حديثه عن‬
‫الشهاب محمود في "حسن ّ‬
‫وال ذكره ّ‬
‫ذواق يورد من القصيدة بيتاً هو بيت‬ ‫ِ‬
‫فابن حجة خبير ّ‬ ‫"الترتيب" قال‪ ":‬هذا النوع ‪ ....‬من استخراجات التيفاشي‪ ،‬ذكره في‬
‫ّ‬
‫تخيرته من هذه القصيدة كذا وكذا‪،‬‬ ‫ومما ّ‬‫االستشهاد‪ ،‬إال أنه يقول‪ّ :‬‬ ‫وسماه بهذا االسم"(‪.)32‬‬
‫كتابه‪ّ ،‬‬
‫عدة أبيات‪ ،‬أو يستكمل القصيدة‪ ،‬ويعتذر بعد إيرادها كامل ًة بأن‬
‫ويذكر ّ‬
‫ونرى حّقاً علينا ـ ونحن في هذا ّ‬
‫السياق ـ أن ننصف هذا الرجل‪،‬‬
‫السبك هو الذي جعله يورد ما أورد‪ ،‬فهو‬ ‫ما فيها من الطالوة وحسن ّ‬ ‫فنقول‪ :‬إن جهد ابن ِحجة في شواهده لم يكن مقتص اًر على جمعها من‬
‫يحسه فيه من فنية‪ ،‬أو يستجيده فيه من‬
‫يأخذ شع اًر أو يترك آخر؛ لما ّ‬ ‫بطون الكتب السابقة ـ كما يبدو للوهلة األولى ـ فمثل هذا العمل‬
‫يحبهم من‬
‫معنى اعتماداً على ال ّذوق‪ ،‬وقد سلك هذا المسلك مع من ّ‬ ‫نسجل له هنا‬
‫ّ‬ ‫يستطيع أي أديب النهوض به‪ ،‬وانما نستطيع أن‬
‫الشعراء كالمتنبي‪ ،‬وابن ُنباتة المصرّي‪ ،‬إذ يقول في باب "إرسال‬
‫ّ‬ ‫مزيتين‪ ،‬أوالهما‪ :‬عنايته البالغة بأدباء العصرين األيوبي والمملوكي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المثل"‪ ":‬وقد عن لي أن أجمع هنا ما حال بذوقي من أمثال أبي الطيب‬
‫كالقاضي الفاضل‪ ،‬وابن سناء الملك‪ ،‬وابن ُنباتة المصرّي‪ ،‬وبرهان‬
‫المتنبي ‪ ،)36("...‬وفي موضع آخر من باب "حسن االبتداء وبراعة‬
‫الدين القيراطي‪ .....،‬وغيرهم‪ ،‬فهؤالء أئمة األدب‪ ،‬ومن حّقهم على ابن‬
‫ّ‬
‫ومما يعذب في ال ّذوق‪....،‬قول ابن قاضي ميلة‪:‬‬
‫االستهالل" يقول‪ّ ":‬‬ ‫ِحجة ـ وهو من التابعين لهم‪ ،‬والمعتنقين لمذاهبهم ـ أن يكون لشعرهم‬
‫(‪)57‬‬
‫الو ْجد وهو المكلف"‬
‫ويحيي جفوني َ‬ ‫يزيد الهوى دمعي وقلبي المعنف‬ ‫كبير من خزانة أدبه‪ ،‬ويبدو أن هذا األمر‬
‫ونصيب ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وفير‪،‬‬
‫ط ٌ‬ ‫ونثرهم قس ٌ‬
‫وأمثال هذه األقوال التي تبرز ذوق ابن ِحجة كثيرة في خزانته‪،‬‬ ‫من الوضوح بحيث ال يحتاج إلى أدنى دليل‪ ،‬فقد خصهم بأوفى حظ‪،‬‬
‫ننبه هنا على أن ابن ِحجة لم يعّلل هذا ال ّذوق‬ ‫وأرحب نصيب‪ ،‬فأصبحت خزانته سجالً حافالً للخفي الطلي من‬
‫على أنه ينبغي لنا أن ّ‬
‫أمر طبيعي‪ ،‬ألنه ال يؤّلف‬ ‫أشعارهم‪ ،‬وللضال المنسي من أخبارهم‪ ،‬فضالً عن المغمورين منهم‪،‬‬
‫أحياناً‪ ،‬ولم يورد مقاييس الجودة فيه؛ وهذا ٌ‬
‫يتذوق الجمال‪ ،‬ويختار‬ ‫والمنكورين الذين أضفى عليهم شهرة ووجوداً‪.‬‬
‫كتاباً فكرّياً أو دراسة نقدية‪ ،‬بل هو شاعر فنان ّ‬
‫وثانيتهما‪ :‬شخصيته البارزة فيما يعرض من شواهد‪ ،‬وقد تجّلت‬
‫ما يستجيده بذوقه الراقي‪ ،‬دون أن ّ‬
‫يتبين عّل ًة لما يستحسنه على‬
‫كل من اختار معتمداً على ذوقه وطبعه؛‬ ‫ِ‬ ‫الشخصية في ثقته بنفسه‪ ،‬واكثاره من االستشهاد بأمثلة من‬
‫ّ‬ ‫معالم هذه‬
‫األغلب‪ ،‬وهذا هو أسلوب ّ‬
‫ألن "ما يختاره الناقد الحاذق قد يتفق فيه ما لو ُسِئل عن سبب اختياره‬ ‫أدبه‪ :‬شع اًر ونث اًر‪ ،‬هذا باإلضافة إلى شعر أصدقائه ومعاصريه‪" ،‬وهذا‬

‫الداللة عليه لم يمكنه في الجواب إال أن يقول‪ :‬هكذا قضية‬ ‫المنهج هو الذي ينبغي أن يسود في مؤلفات البالغة؛ ألن إيراد‬
‫إياه وعن ّ‬
‫الشواهد من إبداعات العصر أقرب إلى استبصار جوانب الجمال‪ ،‬من‬
‫الدربة والعلم بمثله‪ ،‬فإنه يحكم‬ ‫طبعي‪ ،‬أو ارجع إلى غيري ّ‬
‫ممن له ّ‬
‫بمثل حكمي"(‪ ،)37‬وقد أشار اآلمدي (ت‪372‬هـ) إلى مثل هذا الرأي‪،‬‬ ‫الزمن الذي يؤّلف فيه المؤّلِف كتابه‪ ،‬مع‬
‫شواهد بعيدة في صورها عن ّ‬
‫إذ رأى أن للجمال والقبح أسباباً وعلالً يمكن أحياناً ألهل العلم بالشعر‬ ‫بالسمات األصلية والمعالم العامة لجماليات القول العربي‪،‬‬
‫االحتفاظ ّ‬
‫ّ‬
‫الوقوف عليها‪ ،‬إال أنه أدرك أن بعض مواضع الجمال والقبح ال يمكن‬ ‫وهذا ما فقدته كثير من المؤلفات التي تلت عبد القاهر" ‪.‬‬
‫(‪)33‬‬

‫بيان عللها والكشف عن أسبابها‪ ،‬وانما يهتدي إليها صاحب ال ّذوق‬ ‫لشخصية ـ أيضاً ـ في قضية أخرى قد يكون‬
‫ّ‬ ‫وتتجّلى معالم هذه ا‬
‫ِ‬
‫كبير فيها‪ ،‬وهي قضية "االختيار" إذ‬
‫أثر ٌ‬‫لعامل ال ّذوق عند ابن حجة ٌ‬
‫تعهده بالعناية‬ ‫ِ‬
‫معوالً على ذوقه الذي ّ‬
‫اختار ابن حجة شواهده البالغية ّ‬
‫‪ .31‬انظر‪ ،‬األندلسي‪ ،‬أحمد بن محمد بن عبدربه‪ :‬العقد الفريد‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫ّ‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1272 ،1‬م‪.22/1،‬‬
‫بفنية عالية‪ ،‬أظهرت سم ًة من‬
‫والتدريب‪ ،‬فانتقى في ضوئه شواهده ّ‬
‫‪ .33‬المصدر نفسه‪.22/1،‬‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪.132/2،‬‬
‫ّ‬ ‫‪.36‬‬
‫‪ .37‬المصدر نفسه‪.312/1،‬‬ ‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪.63/1،‬‬
‫ّ‬ ‫‪.31‬‬
‫‪ .37‬المرزوقي‪ ،‬أبو علي أحمد بن محمد بن الحسن‪ :‬شرح ديوان الحماسة‪ ،‬نشره‪ :‬أحمد‬ ‫‪ .32‬المصدر نفسه‪.62/1،‬‬
‫أمين‪ ،‬وعبدالسالم هارون‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪.‬ط)‪1221 ،‬م‪.13/1،‬‬ ‫‪ .33‬العطوي‪ ،‬عويض بن حمود‪ :‬منهج التعامل مع الشاهد البالغي ‪ ،...‬ص‪327‬ـ‪.322‬‬
‫‪95‬‬
‫منهج التعامل مع الشاهد البالغي عند ابن حجة الحموي في كتابه‪" :‬خزانة األدب وغاية األرب"‬

‫تقدمتها‪ ،‬ولما راعنا منها ما راعنا‪ ،‬وحسبك ما فيها من شواهد‬


‫التي ّ‬ ‫يتمكن من االحتجاج لها(‪ ،)32‬وهذا هو منهج ابن ِحجة في‬
‫دون أن ّ‬
‫الصدق والتأكيد‪.‬‬
‫تقيد هذا الرأي بسالسل ّ‬
‫وأمثلة ّ‬ ‫أغلب شواهده‪ ،‬ال يعّلل سر الجمال فيها‪ ،‬ولكنه كان حريصاً ـ على‬
‫األقل ـ على أن ُيشعر القارئ به‪ ،‬ويدّله عليه بعبارات ولمحات تحيط‬
‫ثالثا ـ العرض األدبي للشواهد‬
‫ومما يرشف ال ّذوق حالوته في هذا‬
‫بالشاهد ـ تسبقه أو تلحقه ـ كقوله‪ّ ":‬‬
‫"خزانة األدب" يدرك أن ابن ِحجة قد سار‬
‫لعل المطالع لكتاب ِ‬
‫النوع قول‪ ،)62("......‬وقوله‪ ":‬ومن أحلى ما يستعذب في الذوق من‬
‫بالدقة والوضوح‪ ،‬ولعلي ال‬
‫في عرض شواهده البالغية وفق منهج يتسم ّ‬
‫هذا النوع قول‪ ،)61("....‬ومثل هذا المالحظات كثيرة في خزانة األدب‪،‬‬
‫أبالغ إذا قلت إنه طبق منهجه هذا على معظم شواهده‪ ،‬ويمكننا من‬
‫وهي مالحظات ّقيمة‪ ،‬تنبئ ـ بال شك ـ عن قدرة واضحة على معرفة‬
‫خالل النظر في هذا المنهج أن نتلمس أبرز سماته التي تمثلت فيما‬
‫ابن ِحجة مواطن الجمال واإلبداع في الشواهد‪ ،‬وما فيها من بالغة‬
‫يأتي‪:‬‬
‫دعته إلى االستشهاد بها‪ ،‬كما أنها تنبئ ـ في رأيي ـ عن اهتمام ابن‬
‫أ‪ .‬بيان قيمة الشاهد‪:‬‬
‫ِحجة بتربية ال ّذوق عند المتلقي‪ ،‬ودعوته إلى إعمال ذهنه الستكناه‬
‫لقد بان لنا في سياق ما سبق شيء من منهج ابن ِحجة في‬
‫أسرار الجمال ومواضع الحسن في شواهده البالغية‪ ،‬وذلك بعد أن‬
‫خزانته‪ ،‬وبعض من طريقته التي سلكها في عرض شواهده‪ ،‬التي‬
‫يفتح له الباب‪ ،‬ويخاطب وجدانه بمثل العبارات السابقة‪ ،‬أو بمثل‬
‫تتلخص في أنه يعرض أبيات بديعيته تباعاً‪ ،‬وكّلما عرض بيتاً منها‪،‬‬ ‫ّ‬
‫تعليقه في باب "مراعاة النظير" على قول األمير مجير الدين بن تميم‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بكثير من‬ ‫يتضمنه‪ ،‬وأورد له تعريفاً يتسم‬
‫ّ‬ ‫نبه على النوع البديعي الذي‬
‫ّ‬
‫الوضوح‪ ،‬ثم يعرض شواهد وأمثلة كثيرة لهذا النوع البديعي‪ ،‬ويمهد لكلِ‬ ‫ِ‬
‫بمعزل‬ ‫موقف ما الموت عنه‬
‫ٍ‬ ‫في‬ ‫كنت تشهدني وقد َح ِمي الوغى‬
‫لو َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ظل الق ِ‬
‫سطل‬ ‫تجري دم ا من تحت ِ‬ ‫ِ‬
‫أنابـيب القناة على يـدي‬ ‫لترى‬
‫وتبين‬
‫ّ‬ ‫اهد‪،‬‬ ‫الش‬ ‫شاهد ـ غالباً ـ أو يعّقب عليه بكلمة تدل على قيمة هذا‬ ‫َ‬
‫"خزانة األدب" يجد أن ابن ِحجة كان‬ ‫وجه حسنه أو قبحه‪ ،‬فالذي يق أر ِ‬ ‫تحمسه بين‬ ‫ِ‬
‫المتأمل‪ ،‬ما أحسن ما ناسب مع‬ ‫انظر ّأيها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يعتمد على الفنون البديعية في بادئ األمر؛ لينطلق منها جامعاً من‬ ‫"األنابيب" و"القناة"‪ ،‬و"الجريان" و"القسطل"‪. "......‬‬
‫(‪)62‬‬

‫النثر أجمله‪ ،‬وأطرفه‪ ،‬وأكثره مناسبة لالستشهاد به‪ ،‬رغم‬ ‫الشعر و ّ‬


‫ّ‬ ‫أليس هذا تدريباً عملياً على تربية ذوق المتلقي‪ ،‬ودعوته لمعرفة‬
‫التّعريج على المستقبح المرذول من الشواهد ـ كما سيأتي الحقاً ـ إال أن‬ ‫مواطن الجمال وأس ارره؟ لذا ال أظن أحداً ُيمعن النظر في شواهد ابن‬
‫النثر‬
‫الشعر و ّ‬ ‫استحضار هذه الشواهد‪ ،‬وجمعها‪ ،‬وانتقاءها من رياض ّ‬ ‫ِ‬
‫تحسس مواطن الجمال وكشف‬ ‫حجة‪ ،‬ثم ال تهتز نفسه وتتوق إلى ّ‬
‫هامة وبارزة‪ ،‬فالشواهد كثيرة وابن ِحجة " أمامها‬
‫خضع لعملية نقدية ّ‬ ‫الحجب عنها‪ ،‬وال غرابة في ذلك؛ ألن ابن ِحجة لم يجعل ال ّذوق أساساً‬
‫ُ‬
‫صياد بارع تمر الشواهد أمامه‪ ،‬أو يستعرضها‪ ،‬ثم يقتنص منها ما‬ ‫ّ‬ ‫في عملية اختيار الشواهد فحسب‪ ،‬بل جعله ـ كذلك ـ هدفاً لهذه‬
‫مما يناسب حديثه‪ ،‬سواء من حيث جودة‬ ‫يروق له‪ ،‬ويجد فيه بغيته ّ‬ ‫الشواهد‪ ،‬يرّبي بوساطتها ذوق المتلقي في عصره‪ ،‬ويحفزه لمزيد من‬
‫الشاهد‪ ،‬وجماله‪ ،‬واصابة صاحبه‪ ،‬أو من حيث رداءته وكبوة صاحبه‬ ‫التأمل ـ كما هو واضح في المثال السابق ـ فالقضية ليست‬
‫التفكير و ّ‬
‫به‪ ،‬ثم ال يكتفي الشارح ـ أي ابن ِحجة ـ بعرض صيده هذا‪ ،‬بل يقرنه‬ ‫العجلى لمواطن‬
‫جمعاً للشواهد‪ ،‬فضالً عن تكرارها‪ ،‬وليست هي النظرة ُ‬
‫بعبارات تدل على قيمة هذا الشاهد"(‪ ،)63‬فكثي اًر ما يتردد على لسانه‬ ‫الجمال‪ ،‬بل األمر أبعد من ذلك‪ ،‬فال بد للقارئ من إعمال الفكر‪ِ ،‬‬
‫وكد‬
‫ّ‬
‫مثل هذه األقوال‪ ":‬وأحسن ما وقع في هذا الباب‪ ،"....‬و"من محاسن‬ ‫الذهن؛ الكتشاف مواطن الجمال‪ ،‬ومحاولة تفسيره‪ ،‬ومن هنا استطاع‬
‫مما يؤخذ‬
‫هذا الفن‪ ،"....‬و"من براعاته‪ ،"....‬و"من لطائفه‪ ،"....‬و" ّ‬ ‫ابن ِحجة ـ بفضل منهجه هذا ـ أن يرد للبالغة نضارتها‪ ،‬وأن يجري‬
‫مما يستقبح‪ ،"....‬إلى آخر ما هنالك من العبارات‬ ‫عليه‪ ،"....‬و" ّ‬ ‫في أعوادها ماء األدب‪ ،‬وأن يعيدها مرة أخرى إلى زمان عبد القاهر‬
‫النقد بال شك‪.‬‬
‫الحكمية النقدية التي تستند إلى خلفية معينة هي من ّ‬ ‫ممن يفهمون البالغة فهماً أدبياً عماده‬
‫الجرجاني (ت‪171‬هـ) وغيره ّ‬
‫ويالحظ القارئ في مواضع مختلفة من ِ‬
‫"خزانة األدب" أن ابن‬ ‫ال ّذوق‪ ،‬ال فهماً ذهنياً عماده المنطق على نمط السكاكي (ت‪626‬هـ)‬
‫ِحجة كان يخرج بين الحين واآلخر ـ أثناء عرضه للشواهد وبيان قيمتها‬ ‫والقزويني (ت‪732‬هـ)‪ ،‬ولو فعل ابن ِحجة ذلك لضربنا صفحاً عن‬
‫التذوق المحضة والحكم بالجمال والحسن‪ ،‬أو القبح‬
‫ّ‬ ‫ـ عن طريقة‬ ‫جديدة من كتب البالغة‬
‫ً‬ ‫شواهده وعن كتابه هذا‪ ،‬ولكانت "خزانته" طبع ًة‬
‫والضعف‪ ،‬دون توضيح سبب ذلك كما أسلفنا‪ ،‬إلى تعليل هذا الحكم‬
‫واظهار دوافعه‪ ،‬واإلشارة إلى مواطن الجودة أو الرداءة فيه‪ ،‬ونحن ال‬
‫تعرض للحديث عن ابن ِحجة إال ويشيد بهذا الجانب‬ ‫نكاد نجد أحداً ّ‬ ‫‪.32‬انظر‪ ،‬اآلمدي‪ ،‬أبو القاسم الحسن بن بشر‪ :‬الموازنة بين أبي تمام والبحتري‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫الرائع عنده‪ ،‬فهو "ناقد ذو ذوق‪ ،‬يعرض النص ويسّلط عليه مجهر نقده‬ ‫السيد أحمد صقر‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1272 ،2‬م‪.111-112/1 ،‬‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪.317/2،‬‬
‫ّ‬ ‫‪.62‬‬
‫‪ .61‬المصدر نفسه‪.312/2،‬‬
‫‪ .63‬أبو زيد‪ ،‬علي‪ :‬البديعيات ‪ ،....‬ص‪.233‬‬ ‫‪ .62‬المصدر نفسه‪.311/2،‬‬
‫‪96‬‬
‫مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات اإلنسانية – المجلد الخامس عشر – العدد الثاني ‪1025‬‬

‫م َـزرَراة بالق َـب ْل‬ ‫ثياب العناق‬


‫لبسنا َ‬ ‫يعدها البعض مبالغة‪ ،‬وهو يتجه‬
‫وذوقه‪ ،‬ويدلي برأيه فيه في جرأة قد ّ‬
‫تارة إلى االستحسان‪ ،‬وآناً إلى االستقباح‪ ،‬وفي أكثر األحايين يكشف‬
‫ضمنته تضميناً لو سمعه ابن‬ ‫ومن شدة إعجابي بهذا البيت ّ‬
‫يهمه في ذلك‪ ،‬وال يضيره أن‬
‫عن أسباب استحسانه أو استقباحه‪ ،‬وال ّ‬
‫مطروح لطرح نفسه خاضعاً‪ ،‬وسلم إلي مفاتيح بيته طائعاً‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫ّ‬
‫يخالف المتقِّدمين أو المعاصرين"(‪.)61‬‬
‫الخجل‬ ‫ويق‬
‫فككنا ط َ‬ ‫العذار‬ ‫ولما خلعنا‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وهذه الميزة في تعامل ابن ِحجة مع الشاهد ال تخفى‪ ،‬فهي‬
‫(‪)67‬‬
‫م َـزرَراة بالق َـب ْل"‬ ‫ِ‬
‫العناق‬ ‫ثياب‬
‫لبسنا َ‬ ‫جلية في أغلب تحليالته؛ ألنها سمة من سمات أسلوبه‪ ،‬ولك أن تتأمل‬
‫ويتذوقه‪ ،‬ولكنه ال‬
‫ّ‬ ‫فابن ِحجة يتحسس الجمال في هذا البيت‬ ‫ـ على سبيل المثال ال الحصر ـ المناقشة الطويلة التي أوردها في باب‬
‫يكتفي بذلك‪ ،‬بل يعمد إلى تفسير اإلبداع بإبدا ٍع مثله‪ ،‬وال شك في أنه‬ ‫"التخيير"؛ لتتبين مصداق ذلك‪ ،‬إذ يقول‪ ":‬ومن هذا النوع في الكتاب‬
‫في صنيعه هذا يكشف عن القيمة الجمالية لشواهده البالغية‪ ،‬وهذه من‬ ‫ٍ‬
‫آليات للمؤمنين* وفي‬ ‫العزيز قوله تعالى‪(:‬إن في السماوات واألرض‬
‫يتنبه لها أرباب البالغة في تدريسهم‬
‫السمات التي يجب أن ّ‬ ‫أهم ّ‬ ‫آيات لقوم يوقنون* واختالف الليل والنهار‬
‫خلقكم وما يبث من دابة ٌ‬
‫ِّ‬
‫المتأخرين من أصحاب الحواشي‬ ‫وكتاباتهم‪ ،‬فما نقم الناس على‬ ‫وما أنزل هللا من السماء من رزق فأحيا به األرض بعد موتها‬
‫ِ‬
‫تعتن‬ ‫واالختصارات‪ ،‬إال بسبب أساليبهم الجافة العقيمة التي لم‬ ‫آيات لقوم يعقلون)(‪ ،)63‬فالبالغة تقتضي أن تكون‬
‫الرياح ٌ‬ ‫وتصريف ّ‬
‫بالجانب الجمالي العناية المتوقعة‪.‬‬ ‫فاصلة اآلية األولى "للمؤمنين"؛ ألنه سبحانه ذكر العالم بجملته حيث‬
‫ّ‬
‫ب‪ .‬رفد الشاهد بشواهد أخرى مماثلة‪:‬‬ ‫قال‪ (:‬السماوات واألرض)‪ ،‬ومعرفة ما في العالم من اآليات الدالة‬
‫وهذه ظاهرة واضحة في كتاب "خزانة األدب"‪ ،‬فابن ِحجة غالباً‬ ‫حكيم‪ ،‬فرعٌ على معرفة الصانع‪ ،‬وال بد من‬
‫ٌ‬ ‫عالم‬
‫قادر ٌ‬
‫على أن المخترع ٌ‬
‫ما يذكر‪ ،‬بعد الشاهد الذي يورده لما يريد‪ ،‬مجموعة من الشواهد قد ال‬ ‫التصديق أوالً بالصانع حتّى يصح أن يكون ما في المصنوع من‬
‫األول وتدعيمه‪ ،‬ففي‬
‫يحّللها وال يعّلق عليها‪ ،‬وانما يأتي بها لرفد الشاهد ّ‬ ‫اآليات دليالً على أنه موصوف بتلك الصفات‪ ،‬والتصديق هو اإليمان‪،‬‬
‫باب "التسهيل" ـ مثالً ـ نجده يورد شاهداً شعرياً للتّمثيل به على هذا‬ ‫وكذلك قوله في اآلية الثانية‪( :‬لقوم يوقنون)‪ ،‬فإن خلق اإلنسان وتدبير‬
‫الحد‪ ،‬بل نجده يورد ثمانية عشر‬ ‫الفن‪ ،‬غير أنه ال يقف عند هذا ِ‬ ‫وتفكره في ذلك مما يزيده يقيناً في معتقده األول‪ ،‬وكذلك‬
‫خلق الحيوان ّ‬
‫ّ‬
‫شاهداً متتالية‪ ،‬ال يفصل بينها إال بتعليق يسير ‪ ،‬وهذا ديدُنه في‬
‫(‪)67‬‬
‫معرفة جزئيات العالم من اختالف الليل والنهار‪ ،‬وانزال الرزق من‬
‫كثير من أبواب خزانته‪ ،‬وال سيما في "إرسال المثل"(‪،)62‬‬ ‫السماء‪ ،‬واحياء األرض بعد موتها‪ ،‬وتصريف الرياح‪ ،‬يقتضي رجاحة‬
‫و"االقتباس"(‪ ،)72‬و"اإللغاز"(‪.)71‬‬ ‫العقل؛ ليعلم أن من صنع هذه الجزئيات هو الذي صنع العالم الكّلي‪،‬‬
‫ّ‬
‫ففي هذه األبواب ـ وغيرها ـ ما ُيشعر بأن ابن ِحجة ما أتى بهذا‬ ‫بعد قيام البرهان على أن للعالم الكّلي صانعاً مختا اًر‪ ،‬فلذلك اقتضت‬
‫ّ‬
‫العدد من الشواهد إال وهو يقصد مزيداً من اإلقناع للقارئ بالفكرة التي‬ ‫البالغة أن تكون فاصلة اآلية الثالثة (لقوم يعقلون)‪ ،‬وان احتيج للعقل‬
‫يريد‪ ،‬وفي الوقت ذاته يوجد له مادة تطبيقية واسعة‪ ،‬ويترك له المجال‬ ‫األول"(‪ ،)66‬ومن هنا‬
‫في الجميع‪ ،‬إال أن ذكره هنا أمس بالمعنى من ّ‬
‫ـ وال شك ـ‬ ‫ليجول بفكره في أسرار الجمال فيها‪ ،‬وهذه‬ ‫يمكننا أن نخلص إلى القول إن ابن ِحجة استطاع بفضل منهجه هذا‬
‫طريقة ُفقدت في عصر التّقعيد والتّقنين‪ ،‬يقول أحمد مطلوب‪ ":‬ومع أن‬ ‫أن ينظر للبالغة كما ينبغي أن تكون‪ ،‬فأحال طرق كشف جمالياتها‬
‫كتب البالغة العربية يكاد يأخذ بعضها من بعض ‪ ،‬وتكاد مناهج‬ ‫القاعدي الجاف‪ ،‬أو التعليمي‬ ‫ِ‬
‫يكتف بغرضها‬ ‫إلى قط ٍع أدبية رائعة‪ ،‬ولم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بحثها تتفق إلى ٍ‬ ‫ذوق‬
‫حد ما‪ ،‬نرى اتجاهين واضحين في طريقة بحثها‪ ،‬فمن‬ ‫ّ‬ ‫البحت عن طريق تعزيز الشاهد للقاعدة‪ ،‬بل أراد أن يكون للشاهد ٌ‬
‫البالغيين من سيطرت على كتبهم النزعة األدبية‪ ،‬ومنهم من سيطرت‬ ‫خاص يبرز قيمته للقارئ‪ ،‬وقد دعاه إلى ذلك رغبته في أن ال‬ ‫ٌ‬ ‫نقدي‬
‫على كتبهم النزعة الفلسفية والعقلية‪ ،‬وكان نتيجة ذلك أن ظهرت‬ ‫يكون الشاهد في عصره امتداداً لعصور الجمود السابقة له‪ ،‬يضاف‬
‫مدرستان بالغيتان‪ ،‬هما‪ :‬المدرسة األدبية‪ ،‬والمدرسة الكالمية‪.....،‬‬ ‫تلمس‬
‫إلى ذلك ما حبي به من دّقة في التأمل‪ ،‬وحس مرهف في ّ‬
‫ِ‬
‫لكل من هاتين المدرستين أو الطريقتين خصائصها‪ ،‬ومميزاتها‪،‬‬
‫وكان ّ‬ ‫مواطن الجمال‪ ،‬وهذا واضح في كثير من شواهده‪ ،‬فهو إذا أُعجب‬
‫يعبر عن هذا اإلعجاب‪ ،‬ومثال ذلك ما أورده‬
‫بشاهد ال يتمالك إال أن ّ‬
‫في باب "مراعاة النظير" ‪ ،‬إذ يقول‪ ":‬ومن أحلى ما ُيستعذب في‬
‫النوع‪ ،‬قول ابن مطروح‪:‬‬
‫ال ّذوق‪ ،‬من هذا ّ‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب ‪.312/2،‬‬
‫ّ‬ ‫‪.67‬‬
‫‪ .67‬انظر‪،‬المصدر نفسه‪122/1،‬ـ‪.127‬‬
‫‪ .62‬انظر‪،‬المصدر نفسه‪123/2،‬ـ‪.122‬‬ ‫‪ .61‬سليم‪ ،‬محمود رزق‪ :‬عصر سالطين المماليك‪.136/6 ،‬‬
‫‪ .72‬انظر‪،‬المصدر نفسه‪337/1،‬ـ‪.121‬‬ ‫‪ .63‬سورة الجاثية‪3:‬ـ‪.3‬‬
‫‪ .‬انظر‪،‬المصدر نفسه‪166/1،‬ـ‪.222‬‬ ‫‪71‬‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪123/2،‬ـ‪.126‬‬
‫ّ‬ ‫‪.66‬‬
‫‪97‬‬
‫منهج التعامل مع الشاهد البالغي عند ابن حجة الحموي في كتابه‪" :‬خزانة األدب وغاية األرب"‬

‫كتابه(‪ ،)73‬فمن يطالع هذا الكتاب يجد فيه نزوع ابن ِحجة إلى تطبيق‬ ‫كل واحدة من‬‫ِ‬
‫ورجالها األعالم" ‪ ،‬ولسنا هنا بصدد الحديث عن نشأة ّ‬
‫(‪)72‬‬

‫الشيخين‪ ،‬فهو‬
‫هذه الموازنات تطبيقاً عملياً على شاهده وشاهدي هذين ّ‬ ‫هاتين المدرستين‪ ،‬وذكر أعالمها‪ ،‬وزمنها‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬وتكفي‬
‫للنوع البديعي الذي هو بصدده‪،‬‬
‫بعد أن يفرغ من إيراد الشواهد المختلفة ّ‬ ‫اإلشارة إلى أن المدرسة األدبية ـ التي تنتمي إليها خزانة ابن ِحجة ـ لم‬
‫ّ‬
‫الدين‬
‫الدين الحّل ّي وعز ّ‬
‫يعود إلى البيتين المذكورين في بديعتي صفي ّ‬ ‫تهتم بالتّحديد والتّقسيم لألنواع البديعية اهتماماً كبي اًر‪ ،‬كما أنها لم تعتمد‬
‫بديعيته‪ ،‬ومشي اًر إلى اتضاعهما عن‬
‫ّ‬ ‫الموصلي‪ ،‬موازناً بينهما وبين بيت‬ ‫على المنطق ومسائل الفلسفة‪ ،‬بل كانت تستعمل المقاييس الفنية في‬
‫ّ‬
‫وتفوقه هو في نظم بيته وحسن سبكه‪ ،‬ولتتضح لك‬ ‫ّ‬ ‫بيته‪،‬‬ ‫لة‬
‫ز‬ ‫بلوغ من‬ ‫الحكم على األدب‪ ،‬مع سهولة العبارة‪ ،‬وسالسة التّركيب‪ ،‬ووضوح‬
‫صورة هذه الموازنات التي ال يكاد يخلو منها باب من أبواب الخزانة‪،‬‬ ‫النثرية‪ ،‬وعلى العكس من ذلك‬
‫الشعرية و ّ‬
‫الداللة‪ ،‬واإلكثار من الشواهد ّ‬
‫ّ‬
‫يستحسن إيراد ما قاله ابن ِحجة في باب "االشتراك" ومناقشته له‪،‬‬ ‫كبير فيها‪،‬‬
‫أثر ٌ‬
‫كانت المدرسة الكالمية التي كان للفلسفة والمنطق ٌ‬
‫ليتبين لك جنوح فكره إلى الموازنة بين شواهده البالغية‪ ،‬حيث يقول‪":‬‬ ‫واعتمدت على تحديد األنواع البالغية وتقسيمها‪ ،‬يضاف إلى ذلك‬
‫النوع قوله‪:‬‬
‫بديعيته‪ ،‬على هذا ّ‬
‫ّ‬ ‫الشيخ صفي الدين الحّلي‪ ،‬في‬
‫وبيت ّ‬ ‫اإلقالل من الشواهد‪ ،‬وعدم البحث عن الشاهد الحسن المقبول‪ ،‬بل‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫الهند ل اللِ َم ِم‬ ‫ِ‬
‫بيض‬ ‫ِ‬
‫البيض‬ ‫ائب‬ ‫ِشيب المفار ِق يروي الضرب من ِ‬
‫دم ِه ْم‬ ‫يكفي أن يكون الشاهد داالً ـ وان كان خالياً من أي قيمة جمالية ـ‬
‫ذو َ‬ ‫ْ‬
‫ليكون محطاً لالستشهاد به(‪.)73‬‬
‫هذا البيت االشتراك فيه بين "البيض" و "بيض الهند" فلوال‬
‫وفي غمرة تنازع البالغة بين هاتين المدرستين‪ :‬مدرسة األدب‬
‫السيوف بذكر "الهند"‪ ،‬لسبق ذهن‬
‫"بيض الهند" التي ترشح بها جانب ّ‬ ‫ويمثلها ابن المعتز (ت‪ 226‬هـ) ومدرسة المنطق ويمثلها‬
‫الشيخ صفي الدين لم‬
‫السامع إلى أنه أراد الذوائب البيض‪ ،‬ولكن بيت ّ‬
‫السكاكي(ت‪626‬هـ) ظهرت بديعية ابن ِحجة إلى جانب أخواتها من‬
‫يخ ُل من بعض عقادة‪.....،‬‬ ‫البديعيات بثوب شعري طريف‪ ،‬وشرح و ٍ‬
‫اف‪ ،‬وشواهد ممتدة األطراف‪،‬‬ ‫ّ‬
‫النبي‪،‬‬
‫بديعيته يقول عن ّ‬
‫ّ‬ ‫الدين الموصلي في‬‫الشيخ عز ّ‬‫وبيت ّ‬
‫ّ‬ ‫تمسح اإلنتاج الشعرّي من منابعه األولى حتّى عصر المؤِّلف‪ ،‬وأحسب‬
‫صلى هللا عليه وآله وأصحابه وأزواجه وسلم‪:‬‬
‫لحموي في هذا الجانب‪ ،‬أعني‬
‫ّ‬ ‫أن أحداً لم يبلغ ما بلغه ابن ِحجة ا‬
‫نرجس الظلمِ‬ ‫مع التي هي ترعى‬ ‫اشـتركت‬ ‫الة تسليم ِ‬
‫به‬ ‫وللغـز ِ‬ ‫اإلكثار من الشواهد منظومها ومنثورها‪ ،‬ورفد الشاهد األول بشواهد‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫المعنوي‪،‬‬ ‫هذا البيت يصلح أن يعد من باب اإلشارة في الجناس‬ ‫توضح الفن البالغي المراد‪ ،‬وترّبي ذوق القارئ‪ ،‬وترتفع‬
‫وأمثلة كثيرة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الركنين وأظهر اآلخر‪ ،‬وهذا حد‬ ‫بمستواه كما ارتفعت بمستوى ذوق ابن ِحجة الخاص‪ ،‬وهكذا يكون ابن‬
‫الدين أضمر أحد ّ‬‫عز ّ‬
‫الشيخ ّ‬‫فإن ّ‬
‫المعنوي‪ ،‬فإنه ذكر "الغزالة" في أول البيت‪ ،‬وأضمر‬ ‫جناس اإلشارة من‬ ‫ِحجة ـ إلى جانب غيره من أصحاب البديعيات ـ قد عاد بالبالغة إلى‬
‫ّ‬
‫الشطر الثاني‪ ،‬وهذا النوع تقدم تقريره‪ ،‬ولو صرح‬ ‫رياض األدب وأحضان المدرسة األدبية‪ ،‬وخّلصها من قيود الفلسفة‬
‫"الغزالة الشمسية" في ّ‬
‫الشطر الثاني بلفظ "الغزالة"‪ ،‬وذكر معها‬ ‫والمنطق واألحكام العقلية الجافة التي سيطرت على البالغة‪ ،‬منذ بداية‬
‫الدين في ّ‬‫عز ّ‬ ‫الشيخ ّ‬
‫ّ‬
‫و"النور" بحيث يزيل وهم السامع أن المراد "الغزالة الوحشية"‪،‬‬ ‫القرن السادس الهجرّي‪ ،‬إلى زمن ظهور بديعيته بشكل خاص‬
‫"اإلشراق" ّ‬
‫وال يتحقق أن المراد "الغزالة الشمسية" وبالعكس‪ ،‬كان نوع االشتراك في‬ ‫والبديعيات األخرى بشكل عام‪ ،‬ونحن ـ أيضاً ـ ال نجانب الصواب‪ ،‬وال‬

‫بيته خالصاً مع ما فيه من النظر‪ ،‬وهو أن كالً من الغزالتين سلم على‬ ‫الحموي ـ بخزانته‬
‫ّ‬ ‫نذهب بعيداً إذا اتفقنا مع من يقول‪ ":‬إن ابن ِحجة‬

‫النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ ولكنه أضمر لفظ "الغزالة" الثانية‪ ،‬فتحتم‬ ‫هذه ـ يعد خاتمة األدباء الذين انتهى إليهم فن األدب والنقد إلى عصر‬

‫أنه صار جناساً معنوياً‪.....،‬‬ ‫النهضة األدبية الحديثة"(‪.)71‬‬

‫النبي ـ صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬ ‫ج‪ .‬عقد الموازنات بين الشواهد‪:‬‬
‫بديعيتي أقول فيه عن ّ‬
‫ّ‬ ‫وبيت‬
‫عناية بإجراء الموازنات بين‬ ‫قد نجد عند غير ابن ِحجة‬
‫اضح اللق ِم‬ ‫ِ‬
‫المبين الو ِ‬ ‫ِ‬
‫الكتاب‬ ‫ِح ْ‬
‫ـجَر‬ ‫ـج ِر س َاد فال ِن ٌّـد يشاركه‬ ‫ِ‬
‫بالح ْ‬
‫الرجل شيء آخر‪ ،‬إذ إن الموازنة‬
‫الشواهد‪ ،‬لكن الذي نجده عند هذا ّ‬
‫النوع‪ ،‬فإن بيت‬
‫هذا البيت يجب أن يعتمد عليه في نظم هذا ّ‬ ‫الشيخ صفي الدين الحّلي‬
‫ّ‬ ‫عنده ـ وال سيما الموازنة بين شاهده وشاهدي ّ‬
‫الدين الحّل ّي ال يخفى على أهل ال ّذوق ّ‬
‫السليم ما في‬ ‫الشيخ صفي ّ‬ ‫ّ‬ ‫حد ذاته صرح به في ِ‬
‫مقدمة‬
‫ّ‬
‫الشيخ عز الدين الموصلي ـ هدف في ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫و ّ‬
‫الدين الموصلي فقد تقرر أن‬
‫عز ّ‬
‫الشيخ ّ‬ ‫تركيبه من العقادة‪ .....،‬وبيت ّ‬
‫ّ‬
‫فإني قلت‬
‫"الحجر" ّ‬‫الجناس المعنوي أحق به‪ ،‬واشتراك بيتي في لفظة ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫‪ .72‬مطلوب‪ ،‬أحمد‪ :‬دراسات بالغية ونقدية‪ ،‬دار الرشيد للنشر‪( ،‬د‪.‬ط)‪1277 ،‬م‪،‬‬
‫في ّأول البيت " بالحجر ساد" وهذه اللفظة مشتركة بين "العقل" و"سورة‬
‫ص‪ ،11-13‬وانظر‪ ،‬أبو زيد‪،‬علي‪ :‬البديعيات ‪ ،....‬ص‪.232 -237‬‬
‫"حجر الكتاب المبين" زال‬ ‫الشطر الثاني ِ‬ ‫الحجر"‪ ،‬فلما قلت في ّ‬ ‫‪ .73‬انظر‪ ،‬مطلوب‪ ،‬أحمد‪ :‬دراسات بالغية ونقدية‪ ،‬ص‪13‬ـ‪ ،23‬وأبو زيد‪ ،‬علي‪:‬‬
‫البديعيات ‪ ،....‬ص‪.232‬‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪.323-321/1،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .‬انظر‪،‬‬ ‫‪73‬‬
‫‪ .71‬سليم‪ ،‬محمود رزق‪ :‬عصر سالطين المماليك‪.166/6،‬‬
‫‪98‬‬
‫مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات اإلنسانية – المجلد الخامس عشر – العدد الثاني ‪1025‬‬

‫(‪)78‬‬
‫وطيب نسيمِ"‬
‫َ‬ ‫أقوت‪،‬‬ ‫على ِ‬
‫طول ما ْ‬ ‫لِ َم ْن ِد َم ٌن تزداد ح ْس َن رسو ِم‬ ‫وعلِم المراد‪ّ ،‬‬
‫وترشح عنده جانب السورة المنزلة‬ ‫االلتباس عن السامع‪ُ ،‬‬
‫ثم انتقل بعد ذلك ليوازن بين براعات االستهالل في النثر‪،‬‬ ‫النص‬‫أوردت هذا ّ‬
‫ُ‬ ‫على الممدوح فيه‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم"(‪ ،)76‬ولقد‬

‫بالشروط المقررة للبراعة‪،‬‬ ‫فحمل على بعض االستهالالت؛ ألنها لم ِ‬ ‫تميز به ابن ِحجة من روح نقدية بديعية دفعته إلى‬‫كامالً؛ ألظهر ما ّ‬
‫تف ّ‬
‫أو ألنها لم تناسب المقام الذي أُلقيت فيه‪ ،‬ومن ذلك خطبة الخطيب‬ ‫تعسف‬
‫الموازنة بين الشواهد ومناقشتها مناقشة دقيقة‪ ،‬بين من خاللها ّ‬
‫المشهور أبي يحيى عبد الرحيم بن ُنباتة الفارقي في ذكرى وفاة النبي‬ ‫الحّلي في نظم بيته حتّى اضطر إلى العقادة والغموض‪ ،‬في حين أن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ممن‬ ‫المنتقم‬ ‫هلل‬ ‫الحمد‬ ‫‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬فإنه استهلها بقوله‪":‬‬ ‫بديعيته‪ ،‬ومن هنا ّيدعي‬
‫ّ‬ ‫بيت‬ ‫في‬ ‫المقصود‬ ‫الهدف‬ ‫يصب‬ ‫لم‬ ‫الموصلي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫خالفه‪ ،‬المهلك من آسفه"(‪ ،)72‬وقد عقب عليها ابن ِحجة‪ ،‬فقال‪ ":‬إنها‬ ‫ابن ِحجة األفضلية لبيته هو‪ ،‬ويتخذ من هذه الموازنة ـ كما ّنوهنا قبل‬
‫بديعيته في سبيلها‪ ،‬أال‬
‫ّ‬ ‫قليل ـ وسيل ًة لتحقيق غايته األولى التي نظم‬
‫شغلت أفكاري مدة ولم يسعني غير ّ‬
‫السكوت واإلحجام عنها‪ .....‬ولقد‬
‫اعتذر عنها جماعة من كبار العلماء"(‪ ،)72‬وفي الوقت ذاته نجده‬ ‫وهي معارضة الحّلي والموصلي‪ ،‬واظهار قصورهما عن بلوغ منزلته‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مقدمة للوصول إلى التّدليل على‬ ‫وذلك من خالل الموازنة التي اتخذها ِ‬
‫يستحسن بعض االستهالالت في هذه ال ّذكرى ويثني عليها‪ ،‬ومثال ذلك‬ ‫ّ‬
‫الدين أبو الفرج بن الجوزّي‬ ‫وتفوقه على عميدي فن البديعيات في عصره‪ ،‬ومثل‬ ‫حسن صنيعه‪ّ ،‬‬
‫الشيخ جمال ّ‬ ‫قوله‪ ":‬وما أحشم ما استهل ّ‬
‫بقوله‪:‬الحمد هلل الذي‬ ‫في خطبة وفاة النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ‬ ‫هذه الموازنات بين أبيات البديعيات الثالث مبثوثة في خزانته بكثرة‪،‬‬
‫ُ‬
‫كل ٍ‬
‫باب من أبواب الخزانة البالغة مئة‬ ‫ِ‬
‫وحق له أن يستأثر‪ ،‬وحكم بالفناء على سكان هذا‬ ‫استأثر بالبقاء‪ُ ،‬‬ ‫الرجوع إليها في آخر ّ‬ ‫ويمكن ّ‬
‫ِ‬
‫الفناء‪ ،‬فأذعنوا لحكمه القاهر"(‪ ،)71‬وهذه األمثلة قليل من كثير‪ ،‬وقد بدا‬ ‫واثنين وأربعين باباً‪.‬‬

‫لنا من خاللها ذوق ابن ِحجة في حسن اختيارها‪ ،‬ودقته في التعقيب‬ ‫وقد ظل هاجس الموازنة يراود ابن ِحجة‪ ،‬لهذا فإنها لم تقف عند‬

‫عليها‪ ،‬والموازنة بينها بأسلوب أدبي جميل‪ ،‬وال مبالغة إذن‪ ،‬إذا ّنوهنا‬ ‫الدين الموصلي فحسب‪ ،‬بل‬ ‫وعز ّ‬
‫الدين الحّل ّي ّ‬
‫شاهده وشاهدي صفي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بهذه الخطوة الهامة التي خطاها في سياق عرضه للشواهد‪ ،‬ثم إذا‬ ‫اتسعت دائرتها لتشمل الكثير من شواهده‪ ،‬وقد تكون الموازنة بين أبيات‬

‫متذوق له رأي‪ ،‬رد على البالغة رواءها‪،‬‬ ‫النثر‪ ،‬فكل ذلك وارد عند ابن ِحجة في‬ ‫الشعر‪ ،‬أو بين فقرات من ّ‬‫من ّ‬
‫بالغي ناقد ّ‬
‫ّ‬
‫عددناه آخر رجل‬
‫وعلى النقد نضارته حتّى عصرنا الحديث‪.‬‬ ‫النقد‪ ،‬فهو مثالً‬
‫خزانته‪ ،‬وال سيما في معرض تطبيقه آل ارئه النظرية في ّ‬
‫ِ‬
‫المتقدمون‬ ‫يؤكد‬
‫يؤكد في باب "حسن االبتداء وبراعة االستهالل" ـ كما ّ‬‫ّ‬
‫د‪ .‬لمحات نقدية‪:‬‬ ‫ّ‬
‫البن ِحجة في هذا الكتاب خصوصية ّقيمة ـ وهي مشتركة بين‬ ‫من أهل البالغة ـ على ضرورة مراعاة الحالة النفسية للمخاطب‪ ،‬إذ‬

‫بعض كتبه ـ تتمثل في اآلراء واللمحات النقدية التي لون بها صفحات‬ ‫ينبغي للمتكّلِم أن يراعي المقام الذي يلقي كالمه فيه‪ ،‬حتّى ال تند‬

‫خزانته أثناء عرضه لشواهده البالغية‪ ،‬ولهذا فإن األهمية األدبية لهذا‬ ‫عباراته عن مقتضياتها(‪ ،)77‬ورأيه هذا هو الذي دفعه لالستفاضة في‬

‫الكتاب ال تقتصر على هذا الكم الهائل من الشواهد التي تضمنها‪ ،‬بل‬ ‫الحديث عن براعات االستهالل‪ ،‬وعقد الموازنات بين الجيد والرديء‬

‫النقد بشكل خاص‪،‬‬ ‫منها شع اًر ونث اًر‪ ،‬فقد وازن بين بيتي إسحاق بن إبراهيم الموصلي وأبي‬
‫توضح منهجه في ّ‬ ‫كانت تمر إشارات نقدية كثيرة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫النقد وأسسه في عصره بشكل عام ‪ ،‬ولعل أشهر‬ ‫نواس‪ ،‬فقال‪ ":‬وأما قصة إسحاق بن إبراهيم الموصلي في هذا الباب‪،‬‬
‫وتشير إلى مالمح ّ‬
‫(‪)72‬‬
‫ّ‬
‫الشعرية"‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فإني أنفعل وأخجل عند سماعها‪ ،‬وما ذاك إال أنه دخل على المعتصم‬ ‫ّ‬
‫السرقات ّ‬‫القضايا النقدية التي نبه إليها ابن حجة "قضية ّ‬
‫حيث أشار في سياق عرضه لشواهد "التورية" إلى هذه القضية‪ ،‬وأطال‬ ‫وقد فرغ من بناء قصره بالميدان‪ ،‬فشرع في إنشاء قصيدة نزل بمطلعها‬
‫ِ‬ ‫إلى الحضيض‪ ،‬وكان هو وحكاية الحال في طرفي نقيض‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫المتقدمون ّ‬
‫ممن‬ ‫ّ‬ ‫الوقوف عليها‪ ،‬ولكنه في الواقع لم يزد على ما قاله‬
‫تعرضوا لهذه القضية‪ ،‬ولعل فضله يبدو في أنه تتبع سرقات معاصريه‬ ‫ليت شعري ما الذي أَب ِ‬
‫الك‬ ‫يا َ‬ ‫ِ‬
‫ومحاك‬ ‫يا دار غيَرِك ال ِبلى‬
‫ْ‬
‫وبينها‪ ،‬فهذا باب لم يقتحمه م ِ‬
‫قتح ٌم قبله‪ ،‬فنحن كثي اًر ما نجده يقف عند‬ ‫ُ‬ ‫فتطير المعتصم من قبح هذا االبتداء‪ ،‬وأمر بهدم القصر على‬
‫السرقات‪ ،‬ويشير إليها‪ ،‬مبرهناً بذلك على سعة اطالعه‪ ،‬وقدرته‬ ‫هذه ّ‬ ‫الفور‪ .....،‬فانظر إلى هذا األديب الحاذق المتيقظ‪ ،‬كيف استطردت‬
‫ياحين تشييده‬ ‫ٍ‬
‫قصر ر ُ‬ ‫به خيول السهو‪ ،‬إلى أن خاطب المعتصم في‬

‫‪ .77‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪312/1،‬ـ‪.313‬‬ ‫غضة بخطاب األطالل البالية‪ ،‬وانظر إلى حشمة أبي نواس كيف‬
‫‪ .72‬الجزائرّي‪ ،‬طاهر بن صالح‪ :‬شرح خطب ابن نباتة‪ ،‬قدم له واعتنى به‪ :‬أحمد فريد‬ ‫الدمن بخطاب تود القصور العوالي أن تتحّلى بشعاره‪ ،‬مع‬
‫خاطب ّ‬
‫الحموي‪ ،‬ابن‬
‫ّ‬ ‫المزيدي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2227 ،1‬م‪ ،‬ص ‪ ،122‬و‬ ‫بلوغه في تناسب القسمين الطرف األقصى‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫ِحجة‪ :‬خزانة األدب ‪.362/1،‬‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪.362/1،‬‬
‫ّ‬ ‫‪.72‬‬
‫‪ .71‬المصدر نفسه‪.362/1،‬‬ ‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪17/1،‬ـ‪.32‬‬
‫ّ‬ ‫‪.76‬‬
‫‪ .‬انظر‪ ،‬أبو زيد‪،‬علي‪ :‬البديعيات ‪ ،....‬ص‪.227-227‬‬ ‫‪72‬‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪.311/1،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .77‬انظر‪،‬‬
‫‪99‬‬
‫منهج التعامل مع الشاهد البالغي عند ابن حجة الحموي في كتابه‪" :‬خزانة األدب وغاية األرب"‬

‫على سنن المناسبة ‪ ،‬وخلص من النقد"(‪ .)76‬فهذا النموذج إلى جانب‬ ‫النقد‪ ،‬وهذا واضح في حديثه عن‬ ‫على كشف الحقائق والتّمحيص و ّ‬
‫غيره من النماذج المشابهة له ـ وهي كثيرة ـ يبرهن لنا بصورة واضحة‬ ‫الدين بن ُنباتة من عالء الدين الوداعي(‪ ،)73‬وحديثه عن‬
‫سرقات جمال ّ‬
‫ّ‬
‫أن منهج ابن ِحجة في التعامل مع الشاهد البالغي كان منهجاً أدبي ًا‬ ‫الدين بن ُنباتة‪ ،‬إذ يقول‪":‬‬
‫الصفدي من جمال ّ‬
‫ّ‬ ‫الدين‬
‫سرقات صالح ّ‬
‫ّ‬
‫بذوق ّ‬
‫نقدي‪ ،‬فشواهده ـ كما تالحظ ـ موضحة بتعليقات ونقدات "تشعرك‬ ‫الدين على‬
‫الشيخ جمال ّ‬ ‫لكن الجزاء من جنس العمل‪ ،‬كما أغار ّ‬
‫ذواقة ونّقادة‪ ،‬ال عالم مشغوف بالتّقليد واإلعادة"(‪،)77‬‬
‫أنك إزاء أديب ّ‬ ‫بنيات فكره‪ ،‬قيض هللا له‬‫الوداعي‪ ،‬ودخل إلى بيوته‪ ،‬وابتذل حجاب ّ‬
‫ّ‬
‫فهو يحاول‪ ،‬من خالل هذه الوقفات النقدية‪ ،‬أن يعالج وضعاً أدبياً رام‬ ‫الدين كان يخترع‬
‫ّ‬ ‫ل‬ ‫جما‬ ‫الشيخ‬ ‫فإن‬ ‫‪،‬‬‫الصفدي‬
‫ّ‬ ‫ين‬‫الد‬
‫ّ‬ ‫صالح‬ ‫الشيخ‬
‫ّ‬
‫السكاكي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كل من ّ‬ ‫تحنيط الشواهد البالغية في قوالب جاهزة على يد ّ‬ ‫ويسكُنه بيتاً من أبياته العامرة بالمحاسن‪،‬‬
‫المعنى الذي لم يسبق إليه‪ُ ،‬‬
‫والقزويني‪.‬‬ ‫يغير فيه غير‬
‫الصفدي بلفظه‪ ،‬ولم ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدين‬
‫فيأخذه الشيخ صالح ّ‬
‫النقدي الذي تمتع به ابن ِحجة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وانطالقاً من هذا الحس‬ ‫الشيخ‬
‫ثم يورد نماذج كثيرة من المعاني التي سرقها ّ‬
‫(‪،)71‬‬
‫البحر‪".....،‬‬
‫نحدد سبب االقتصاد في إيراد الشواهد البالغية في بعض‬
‫نستطيع أن ّ‬ ‫الدين من ابن ُنباتة‪ ،‬وكل ذلك في معرض إيراد شواهد التورية‪.‬‬
‫صالح ّ‬
‫مقتف لمن سبقه من البالغيين في‬‫ٍ‬ ‫األبواب‪ ،‬إذ إنه لم يكن مجرد‬ ‫وخزانة األدب في الحقيقة عامرة بمثل هذه اللقطات النقدية‬
‫البالغية‪ ،‬بل كانت له مواقف صريحة من بعض هذه‬
‫ّ‬ ‫عنايتهم باألنواع‬ ‫النظرية التي تتبعها الدارسون المحدثون(‪ ،)73‬وصفحاتها ـ في الغالب ـ‬
‫يصرح بجودة هذا النوع‪ ،‬واستحسانه له‪،‬‬
‫ّ‬ ‫األنواع‪ ،‬إذ كثي اًر ما كان‬ ‫يهمنا في هذا‬
‫النقد هو الذي ّ‬‫التطبيقي الصائب‪ ،‬وهذا ّ‬
‫ّ‬ ‫مع ِرض ّ‬
‫للنقد‬
‫واعجابه به‪ ،‬أو يشير إلى استهجانه لبعض األنواع‪ ،‬وأنه ما نظمها إال‬ ‫المجال‪ ،‬فابن ِحجة ال يورد شواهده مجردة من ّ‬
‫النقد والتعليق‪ ،‬بل يقف‬
‫من باب المعارضة‪ ،‬ولهذا جاءت شواهدها قليلة‪ ،‬ومن هذه األنواع التي‬ ‫تذوقه‬
‫على معظم هذه الشواهد وقفات نقدية فاحصة‪ ،‬تدل على مقدار ّ‬
‫أنف من االستفاضة فيها ‪ ،‬ولم يستطرد في ذكر شواهدها‪ :‬التّفصيل‪،‬‬ ‫لألدب‪ ،‬ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ ما أورده في باب "م ارعاة‬
‫وعتاب المرء نفسه‪ ،‬وتشابه األطراف‪ ،‬والمماثلة‪ ،‬والتفويف ‪ ،‬والقسم‪ ،‬إذ‬ ‫النوع قول بعضهم في غالم‬
‫النظير"‪ ،‬إذ يقول‪":‬فمن المستحسن في هذا ّ‬
‫ّ‬
‫قال في معرض حديثه عن التفصيل‪ ":‬التفصيل‪ ،‬بصاد مهملة‪ ،‬نوع‬ ‫معه خادم يحرسه‪:‬‬
‫رخيص بالنسبة إلى فن البديع والمغاالة في نظمه‪ ،‬وقد نبهت قبله على‬
‫وخدام هذا الحسن ِم ْن َ‬
‫ذاك أكثـر‬ ‫بخادم‬
‫ٍ‬ ‫وك‬
‫أن يحرس َ‬ ‫ومن َع َج ٍب ْ‬
‫عدة أنواع سافلة‪ ،‬ولكن المعارضة أوجبت الشروع في نظمه‬
‫عـنبر‬
‫ياقـوت وخـال َك َ‬
‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫وخـد َك‬ ‫جوهر‬
‫ٌ‬ ‫يحان وثغر َك‬
‫عذار َك َر ٌ‬
‫كالتصدير‪ ،‬وعتاب المرء نفسه‪ ،‬وتشابه األطراف‪ ،‬وما أشبه ذلك"(‪،)77‬‬
‫و"الخد"‬
‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫المتمكن ناسب بين "العذار" و"الثغر"‬ ‫هذا األديب‬
‫وأين هذه األنواع البالغية من براعة االستهالل وحسن االبتداء‪،‬‬
‫و"الخال"‪ ،‬إذ الوجه لمصابيح هذه المحاسن جامع‪ ،‬وبين "ريحان"‬
‫والجناس‪ ،‬واالستعارة‪ ،‬وارسال المثل‪ ،‬واالقتباس‪ ،‬والتشبيه‪ ،‬وغيرها من‬
‫الخدام‪ ،‬فلو ذكر‬
‫و"جوهر" و"ياقوت" و "عنبر"‪ ،‬لمالءمة في أسماء ّ‬
‫فنون البالغة التي أفاض ابن ِحجة في ذكر شواهدها‪ ،‬لما لها من أثر‬
‫شيئاً مع غير مناسب كان نقصاً وعيباً‪ ،‬وان كان جائ اًز فإنهم عابوا‬
‫واضح في أساليب المنشئين في عصره حسبما رأى في خزانته‪ ،‬وهكذا‬
‫على أبي نواس قوله‪:‬‬
‫فإن ابن ِحجة يستطرد في ذكر شواهد الفن البالغي‪ ،‬إذ كان ذا سيطرة‬
‫ّ‬
‫على أساليب عصره‪ ،‬في حين أنه يقتصد في هذه الشواهد إذا كان‬ ‫َم ْـبـروراة ل تـكذ ْب‬ ‫وقد حلـفت يمين ا‬
‫الفن البالغي قليل الظهور في أساليب معاصريه‪ ،‬ولهذا يمكن القول‬ ‫المحـص ْب‬
‫ض والصفا و َ‬ ‫زمزم والحو‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫برب َ‬
‫إن الشاهد البالغي عند ابن ِحجة يعكس الطابع الثّقافي لعصره‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فالحوض هنا أجنبي من المناسبة؛ ألنه ما يالئم "المحصب" و"‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬ ‫"الصراط" و"الميزان" وما هو منوط بيوم‬
‫الصفا" و"زمزم"‪ ،‬وانما يناسب ّ‬
‫المآخذ والعيوب‬ ‫القيامة‪.‬‬

‫الحموي جملةٌ‬ ‫وبعد هذا كّله يبقى للشاهد البالغي عند ابن ِحجة‬ ‫ومثله في عدم المناسبة قول كميت‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من المآخذ‪ ،‬ال بد من الوقوف عليها قبل أن نختم هذا البحث‪ ،‬و ّأول ما‬ ‫تكام َل فيها الد ُّل والشنب‬
‫َب ْي َضا َ‬ ‫وقد رأينا بها َح ْوَار منعمة‬
‫يمكن أن نالحظه من هذه المآخذ هو أن ابن ِحجة ما كان ليكتفي ـ‬
‫فإنهم قالوا‪ :‬إن "الدل" ال يناسب "الشنب"‪ ،‬وهو صحيح‪ ،‬فإن‬
‫في أغلب األحيان ـ بعرض الشواهد المستجادة المناسبة لما يريد‪ ،‬وانما‬
‫"الشنب" من لوازم "الثغر"‪ ،‬فلو ذكر معه "اللعس" وما يالئم ذلك‪ ،‬مشى‬

‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪337/2،‬ـ‪.332‬‬


‫ّ‬ ‫‪ .76‬انظر‪،‬‬ ‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪221/3،‬ـ‪.312‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .73‬انظر‪،‬‬
‫‪ .77‬سليم‪ ،‬محمود رزق‪ :‬عصر سالطين المماليك‪.163/6،‬‬ ‫‪ .71‬المصدر نفسه‪312/3،‬ـ‪.311‬‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪.122/3،‬‬
‫ّ‬ ‫‪.77‬‬ ‫الحموي ‪ ،....‬ص‪216‬ـ‪.222‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .73‬انظر‪ ،‬الربداوي‪ ،‬محمود‪ :‬ابن ِحجة‬
‫‪100‬‬
‫مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات اإلنسانية – المجلد الخامس عشر – العدد الثاني ‪1025‬‬

‫السكر النباتي"(‪ ،)23‬و" لوال‬


‫عمت األذواق من هذا ّ‬ ‫ولوال اإلطالة ألف ُ‬ ‫يتورع في‬
‫كان يبحث عن الشيء المستقبح من الشعر أيضاً‪ ،‬فهو لم ّ‬
‫ّ‬
‫لذكرت‪.)26("......‬‬
‫ُ‬ ‫خوف اإلطالة‬ ‫باب "سالمة االختراع" ـ مثالً ـ من إيراد بعض الشواهد الشعرية‬
‫وظاهرة أخرى نلحظها في شواهد ابن ِحجة هي ظاهرة "التّكرار"‪،‬‬ ‫الفاحشة(‪ ،)72‬التي يجدر بأرباب األدب أن يربأوا بأنفسهم عن ذكرها أو‬
‫يكرر البيت أو األبيات غير مرة‪ ،‬في غير موضع‪،‬‬‫فكثي اًر ما نجده ّ‬ ‫التلّفظ بها‪ ،‬وال سيما إذا عرفنا أن ابن ِحجة كان قاد اًر على أن يأتي‬
‫ولعل ذلك يعود – كما ترى كوكب دياب‪ -‬لما يقتضيه االستشهاد على‬ ‫ببديل عنها‪ ،‬ألنه إنما أوردها في مجال التمثيل على األنواع البديعية‪،‬‬
‫‪،‬‬ ‫النوع البديعي بأبيات يمكن االستشهاد بها على أنواع بديعية أخرى‬
‫(‪)27‬‬
‫وكيف له أن يستشهد بمثل تلك األشعار في كتابه‪ ،‬وهو الذي وضع‬
‫ّ‬
‫كما في شواهد "اللف والنشر" و"اإليضاح" إذ استشهد لهذين النوعين‬ ‫للبديعية شروطاً وقواعد في " األدب واالحتشام" لكونها مديحاً‬
‫البديعيين بالبيتين اآلتيين‪:‬‬ ‫صدر به المديح‬
‫نبوياً؟ ‪،‬إذ يقول‪ ":‬وهنا فائدة‪ ،‬وهي أن الغزل الذي ُي ّ‬
‫(‪)22‬‬
‫ّ‬
‫إبريق ِه‬
‫كأس ِه المألى وعن ِ‬ ‫عن ِ‬ ‫النديم بوج ِه ِه‬ ‫ط ٍق يغني‬
‫ومَقْر َ‬
‫يتعين على الناظم أن يحتشم فيه ويتأدب ويتضاءل ويتشبب‪،‬‬ ‫النبوي ّ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طرح ذكر محاسن‬
‫مطرباً بذكر‪ :‬سلع ورامة وسفح العقيق و‪ ......‬وي ّ‬
‫وريقه‬ ‫ووجنتيه‬ ‫مـن مـقلتيه‬ ‫فـعل المدامِ ولونها ومذاقها‬
‫(‪)98‬‬ ‫الردف‪ ،‬ورّقة الخصر‪ ،‬وبياض الساق‪ ،‬وحمرة‬
‫التغزل في ثقل ّ‬‫المرد و ّ‬
‫ُ‬
‫الخد‪ ،‬وخضرة العذار‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬وقل من سلك هذا الطريق من‬
‫ّ‬
‫ونحن إذا بحثنا في كتابه عن هذه الشواهد المكررة‪ ،‬وجدنا‬
‫أهل األدب" ‪ ،‬وهل يعني ذلك أن على الناظم أن يحسن أدبه في‬
‫(‪)21‬‬

‫معظمها فيما أورده ابن ِحجة من شعر جمال الدين بن ُنباتة الذي‬
‫نظم أبيات بديعيته‪ ،‬ويترك األدب واالحتشام والتعّفف في شرحه لها‪،‬‬
‫أخذه عن عالء الدين الوداعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تضمنتها هذه‬
‫ّ‬ ‫توضح األنواع البديعية التي‬
‫أو عند ذكر الشواهد التي ّ‬
‫يصرح ـ في كثير من‬ ‫ة‬ ‫ج‬ ‫ليس هذا فحسب‪ ،‬بل إن ابن ِ‬
‫ح‬
‫ّ‬ ‫األبيات‪.‬‬
‫ٍ‬
‫يفسر أو يعّلل سبب هذا‬‫األحيان ـ بإعجابه بشاهد ما دون أن ّ‬ ‫ومما يسترعي انتباه القارئ في "خزانة األدب" أيضاً ظاهرة‬
‫ّ‬
‫اإلعجاب‪ ،‬فهو في معرض تعليقه على براعة استهالل جمال الدين بن‬
‫الشعرية‪ ،‬التي قد تبلغ حد الملل‬
‫اإلطالة واالستطراد في ذكر الشواهد ّ‬
‫ُنباتة في قصيدته التي مطلعها‪:‬‬
‫أحياناً‪ ،‬فقد أورد ـ مثالً ـ في باب "إرسال المثل" كل ما استحسنه من‬
‫فما عبس المحزون حتى تبسما‬ ‫اء المقدما‬ ‫طيب المتنبي‪ ،‬فبلغت أكثر من ثالثمئة ٍ‬
‫ذاك العز َ‬
‫هناء محا َ‬
‫ٌ‬ ‫بيت(‪ ،)22‬ولم‬ ‫حكم وأمثال أبي ال ّ‬
‫يكتف بهذا بل أورد كتاباً كامالً له في االستشهاد على هذا النوع‬‫ِ‬
‫يقول‪ ":‬سبحان المانح! وهللا من ال يتعلم األدب من هنا‪ ،‬فهو‬
‫الصادح" الذي يشتمل على‬ ‫المسمى بـ "تغريد ّ‬
‫ّ‬ ‫البديعي‪ ،‬وهو كتابه‬
‫من المحجوبين عن إدراكه"(‪ ،)22‬وكذلك نراه يفعل عندما يعجب‬ ‫ّ‬
‫أرجوزة من الحكم واألمثال ‪ ،‬ونحن إذا علمنا ان شواهد باب "التورية"‬
‫( ‪)23‬‬
‫باستهالل آخر‪،‬إذ يقول‪ ":‬هللا أكبر! إن من البالغة لسح اًر‪ ،‬وهللا ما‬
‫استغرقت ثالثمئة وأربعاً وستين صفح ًة‪ ،‬أي ما يعادل ربع الكتاب‬
‫أظن أن هذا االتفاق الغريب اتفق لناثر‪ .....،‬وهذا المثال الشريف‬
‫تقريباً‪ ،‬عرفنا مدى ما وصلت إليه اإلطالة واالستطراد عند ابن ِحجة‬
‫ليس له مثال"(‪ ،)122‬أو نراه يقول‪ُ ":‬يستغنى بهذه البراعة عن‬
‫في شواهد خزانته‪ ،‬وال يفوتنا أن نشير في هذا السياق إلى أن ابن ِحجة‬
‫الرسالة"(‪ ،)121‬فلماذا هذا اإلعجاب واالستحسان؟ وما المعيار في ذلك؟‬
‫يبرر تطويله بين الحين‬ ‫أحس بهذه الظاهرة في شواهده‪ ،‬لذلك كان ّ‬
‫فابن ِحجة ال يفصح عن شيء من ذلك‪.‬‬
‫الشرح قد طال‪،‬‬‫واآلخر بمثل قوله‪ ":‬وقد آن أن أحبس عنان القلم‪ ،‬فإن ّ‬
‫الرغم من المالحظات السابقة ـ‬ ‫وأخي اًر‪ ،‬يبقى هذا الكتاب ـ على ّ‬
‫مكتبة أدبية وبالغية ونقدية ال يمكن لمن أراد أن ِّ‬ ‫ولم أطله إال ليزداد الطالب إيضاحاً‪ ،‬ويداوي علل فهمه بحكم‬
‫يكون موروثاً بالغي ًا‬
‫ويتنزه في رياض األدب على النبات الغض من نظم‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫المتقدمين‪،‬‬
‫ِ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫وثقافياً ضخماً أن يتناساه‪ ،‬فمصطلحاته وشواهده البالغية مؤثّرة في ّ‬
‫دارس‪ ،‬وصدق ابن ِحجة الحموي عندما قال فيه‪ ":‬إذا ملكه م ِ‬ ‫المتأخرين" ‪ ،‬وفي مواضع أخرى كان يتحاشى الوقوع فيها‪ ،‬فيقول‪":‬‬
‫(‪)21‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫تأد ٌب‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫تركت‬
‫ُ‬ ‫ما‬ ‫ي‬‫فإن‬
‫ّ‬ ‫اآلداب‪،‬‬ ‫تذاكر‬ ‫من‬ ‫النظر في غيره‬‫شرفت نفسه عن ّ‬

‫‪ .23‬المصدر نفسه‪.372/1،‬‬
‫‪ .26‬المصدر نفسه‪.31/3،‬‬ ‫‪ .72‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪211/1 ،‬ـ‪.213‬‬
‫‪ .27‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪ِ "،‬‬
‫مقدمة المحِّقق"‪ ، 227 -227/1،‬والخرشة‪ ،‬أحمد‪:‬‬ ‫‪ .22‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪ِ "،‬‬
‫مقدمة المحِّقق"‪ ،227/1،‬والخرشة‪ ،‬أحمد‪ :‬المصطلح البالغي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المصطلح البالغي والنقدي ‪ ،...‬ص ‪.32‬‬ ‫والنقدي ‪ ،...‬ص ‪.32‬‬
‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪.232/61،1/2،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .27‬انظر‪،‬‬ ‫الحموي‪ ،‬ابن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‪312/1 ،‬ـ‪.311‬‬
‫ّ‬ ‫‪.21‬‬
‫‪ .22‬المصدر نفسه‪.311/1،‬‬ ‫‪ .22‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪132/2،‬ـ‪.177‬‬
‫‪ .122‬المصدر نفسه‪.331/1،‬‬ ‫‪ .23‬انظر‪ ،‬المصدر نفسه‪172/2،‬ـ‪.172‬‬
‫‪ .‬المصدر نفسه‪.332/1،‬‬ ‫‪121‬‬
‫‪ .21‬المصدر نفسه‪.322/1 ،‬‬
‫‪101‬‬
‫منهج التعامل مع الشاهد البالغي عند ابن حجة الحموي في كتابه‪" :‬خزانة األدب وغاية األرب"‬

‫جلية فيما يورد من‬‫الحموي واضحة ّ‬


‫ّ‬ ‫‪ .1‬برزت شخصية ابن ِحجة‬ ‫طروس‪،‬‬‫أطلقت عنان القلم في ميادين ال ّ‬
‫ُ‬ ‫نوعاً من أنواع البديع إال‬
‫شواهد‪ ،‬وقد تجّلت معالم هذه الشخصية في جانبين‪ ،‬أولهما‪ :‬ثقته‬ ‫ونصبت فيه البحث‬
‫ُ‬ ‫مستطرداً إلى استيعاب ما وقع من جيده ورديئه‪،‬‬
‫بنفسه واكثاره من االستشهاد بأمثلة من شعره ونثره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫ِ‬
‫المقصرين والمجيدين"(‪.)122‬‬ ‫بين‬
‫ّ‬
‫شعر أصدقائه ومعاصريه‪ ،‬وثانيهما‪ :‬اعتماد "الذوق" أساساً الختيار‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫الشعرية‬
‫شواهده البالغية‪ ،‬فهو يستشهد بالبيت أو األبيات ّ‬ ‫وفي ختام هذا البحث‪ ،‬ال بد من إلقاء نظرة سريعة عليه‬
‫يحسه فيها من فنية عالية‪ ،‬أو يستجيده فيها‬
‫النصوص النثرية لما ّ‬‫وّ‬ ‫لت إليها من خالله‪:‬‬
‫توص ُ‬
‫الستعراض أهم النتائج التي ّ‬
‫تعهده بالعناية والتّدريب‪.‬‬
‫معوالً على ذوقه الذي ّ‬ ‫من ٍ‬
‫معان ّ‬ ‫الحموي مصد اًر‬
‫ّ‬ ‫كتاب"خزانة األدب وغاية األرب" البن ِحجة‬
‫ِ‬ ‫‪ .1‬يعد‬
‫الحموي أن يتعامل مع الشاهد البالغي في‬
‫ّ‬ ‫‪ .3‬استطاع ابن ِحجة‬
‫ّ‬ ‫أصيالً من مصادر معرفة فنون البالغة العربية‪ ،‬وتأتي قيمته من‬
‫خزانته وفق منهج يرتكز على المحاور اآلتية‪ :‬بيان قيمة الشاهد‬
‫هذه الوجهة من أنه لم يكن محض نظرٍّي‪ ،‬بل كان جامعاً للمطلبين‬
‫البالغي‪ ،‬ورفد هذا الشاهد بشواهد أخرى مماثلة‪ ،‬وعقد الموازنات‬
‫ّ‬ ‫معاً‪ ،‬فهو كتاب تعليمي من وجهة‪ ،‬وأدبي من وجهة أخرى‪ ،‬وبالغي‬
‫بينها‪ ،‬وأخي اًر الوقوف على بعض القضايا واإلشارات النقدية خالل‬
‫بديعي من وجهة ثالثة‪:‬‬
‫يقدم‬
‫عرضها‪ ،‬وغير ذلك من دعائم أسلوبه التي أتاحت له أن ّ‬ ‫يقدم شواهد بالغية كثيرة بعد شرح‬
‫أما كونه تعليمياً فألنه كان ّ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫للدارس أث اًر أدبياً‪ ،‬وفك اًر بالغياً‪ ،‬يعكس سمة القرن التاسع الهجرّي‪،‬‬
‫الفن (المصطلح) البالغي وتوضيح حدوده وتعريفاته‪.‬‬
‫فهو لم يقف مثلما وقف أصحاب مؤلفات البالغة في القرون‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬وأما كونه أدبياً فألن مؤِّلفه أودع بين دفتيه ثمرة ما يزيد على‬
‫السابقة ـ السادس والسابع ـ أمام المصطلحات البالغية‪ ،‬عارضين‬
‫مئة مصنف‪ ،‬تتراوح بين ديوان شعر‪ ،‬وكتاب بالغة ونقد‪ ،‬أو‬
‫شاهد‬ ‫حد قريب القاعدة النحوية‪ ،‬لها‬‫إياها قاعدة جامدة‪ ،‬تشبه إلى ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫كتاب أدب وترجمة وتاريخ ولغة‪ ،‬فهو لم يدع عص اًر لم يأخذ‬
‫يوضحها‪ ،‬فيحفظ الدارس هذه القاعدة ويتمّثلها بهذا الشاهد‪ ،‬واذا ما‬
‫ّ‬ ‫من نتاج أدبائه بقدر‪ ،‬وكان لشعراء العصرين األيوبي‬
‫افتقدته الذاكرة ذهب هذا المصطلح‪ ،‬وأصبح نسياً منسياً‪ ،‬واّنما أرى‬ ‫ّ‬
‫والمملوكي الحظ األوفر‪ ،‬حيث بلغت أشعارهم من الكثرة ما‬
‫ابن ِحجة في هذا الكتاب عالماً متعِّلماً‪ ،‬يعرض فنون البالغة‬ ‫ّ‬
‫يوازي نصف الكتاب‪ ،‬ونحن ال نكاد نجد لها ديواناً أو مصد اًر‬
‫المتنوعة التي‬
‫ّ‬ ‫بطريقة تثري معلومات القارئ بكم هائل من الشواهد‬
‫غيره‪.‬‬
‫ال يستطيع أن يتناساها‪.‬‬
‫ص ِه في هذه الوجهة واقتصاره‬ ‫‪ -‬وأما كونه بالغياً بديعياً فلتخص ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ .6‬ظهر لنا أن ِ‬
‫الدراسات التي تناولت الشاهد البالغي وقيمته ـ على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل بيت من‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫عليها‪ ،‬وفقاً لما يتطّلبه فن البديعيات من اشتمال ّ‬
‫النحوية‬
‫بالدراسات ّ‬
‫الرغم من أهميته ـ تبدو قليلة جداً إذا ما قيست ّ‬
‫ّ‬ ‫أبياتها على لون من ألوان البديع (البالغة)‪.‬‬
‫الصرفية واألدبية األخرى‪ ،‬ولهذا فإن الباحث يدعو إلى إيالء هذا‬
‫و ّ‬ ‫الحموي بالشاهد البالغي عناي ًة كبيرًة‪ ،‬إيماناً منه‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬عني ابن ِحجة‬
‫الموضوع ما يستحقه من عناية واهتمام من خالل العودة إلى‬ ‫ّ‬
‫بأهمية هذا الشاهد في تربية ذوق المتلقي‪ ،‬ودعوته لمعرفة أسرار‬
‫المصادر البالغية ودراسة شواهدها دراس ًة وافي ًة تعيد للبالغة‬
‫متنوعة من القرآن‬
‫الجمال في البالغة العربية‪ ،‬فجاءت شواهده ّ‬
‫رونقها‪ ،‬كما ظهر ـ أيضاً ـ أن البالغة العربية تحتاج اليوم من‬
‫النثر العربي من‬
‫ّ‬ ‫بي‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬
‫الشعر العر‬ ‫النبوي ّ‬
‫الشريف‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫الكريم‪ ،‬والحديث‬
‫دارسيها إلى اإلفادة من منهج ابن ِحجة في التعامل مع شواهدها؛‬
‫مختلف فنونه‪ ،‬كالرسائل‪ ،‬واألمثال‪ ،‬والخطب‪ ،‬والمناظرات‪،‬‬
‫ِ‬
‫لتكون سهلة التناول؛ ألن من ّ‬
‫أجل مقاصدها تفسير مواطن الجمال‬
‫والمقامات‪ ،‬فحافظ بذلك على الوجه الجمالي للبالغة العربية‪ ،‬وابتعد‬
‫واظهارها للمتلقي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫بها عن دائرة الثبات والنمطية التي سيطرت على البالغة منذ بداية‬
‫المصادر والمراجع‬ ‫القرن السادس الهجرّي وحتى ظهور البديعيات وشروحها‪.‬‬
‫‪ .1‬اآلمدي‪ ،‬أبو القاسم الحسن بن بشر‪ :‬الموازنة بين أبي تمام‬ ‫الحموي ضمن أتباع المدرسة‬
‫ّ‬ ‫يصنف ابن ِحجة‬ ‫‪ .3‬يستطيع الباحث أن ّ‬
‫السيد أحمد صقر‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫األدبية في تاريخ التأليف البالغي عند العرب؛ ألنه أكثر من إيراد‬
‫والبحتر ‪ ،‬تحقيق‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫ط‪2،1272‬م‪.‬‬ ‫الشواهد واألمثلة األدبية شع اًر ونث اًر‪ ،‬وكان ـ غالباً ـ ما يأتي بأمثلة‬
‫‪ .2‬األندلسي‪ ،‬أحمد بن محمد بن عبدربه‪ :‬العقد الفريد‪ ،‬دار إحياء‬ ‫الشعر‬
‫الصفحات‪ ،‬ولم تكن شواهده مقصورةً على بيت من ّ‬ ‫تتجاوز ّ‬
‫ّ‬
‫التّراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1272 ،1‬م‪.‬‬ ‫الشعرية‪ ،‬والى ِّ‬
‫الرسالة‬ ‫تعدتها إلى القصيدة ّ‬
‫النثر‪ ،‬واّنما ّ‬
‫أو جملة من ّ‬
‫ّ‬
‫‪ .3‬الجزائرّي‪ ،‬طاهر بن صالح‪ :‬شرح خطب ابن نباتة‪ ،‬قدم له‬ ‫أو المقامة األدبية‪.‬‬
‫واعتنى به‪ :‬أحمد فريد المزيدي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪2227 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .122‬المصدر نفسه‪.131-132/1،‬‬
‫‪102‬‬
‫مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات اإلنسانية – المجلد الخامس عشر – العدد الثاني ‪1025‬‬

‫الشوكاني‪ ،‬محمد بن علي‪ :‬البدر الطالع بمحاسن من بعد‬ ‫‪ّ .13‬‬ ‫الحموي‪ ،‬أبو بكر بن علي بن عبدهللا بن ِحجة‪ :‬خزانة األدب‬
‫ّ‬ ‫‪.1‬‬
‫القرن التاسع‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬ ‫وغاية األرب‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬كوكب دياب‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫‪ .11‬ضيف‪ ،‬شوقي‪ :‬البالغة تطور وتاريخ‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬ط‪،7‬‬ ‫بيروت‪ ،‬ط‪2221 ،1‬م‪.‬‬
‫‪1227‬م‪.‬‬ ‫‪ .3‬الحنبلي‪ ،‬أبو الفالح عبد الحي بن العماد‪ :‬شذرات الذهب في‬
‫‪ .13‬العطوي‪ ،‬عويض بن حمود‪ :‬منهج التعامل مع الشاهد البالغي‬ ‫أخبار من ذهب‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪،‬ط)‪،‬‬
‫بين عبد القاهر وكل من السكاكي والخطيب القزويني‪ ،‬مجلة‬ ‫(د‪.‬ت)‪.‬‬
‫جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها‪ ،‬ج‪،17‬‬ ‫‪ .6‬الخرشة‪ ،‬أحمد‪ :‬المصطلح البالغي والنقدي في كتاب "خزانة‬
‫ع‪1123 ،32‬هـ‪.‬‬ ‫األدب وغاية األرب" لبن ِحجة الحموي‪ ،‬رسالة ماجستير ‪،‬‬
‫‪ .16‬مبارك‪ ،‬زكي‪ :‬المدائح النبوية في األدب العربي‪ ،‬مطبعة‬ ‫جامعة مؤتة‪2221 ،‬م‪.‬‬
‫مصطفى البابي الحلبي وأوالده‪ ،‬مصر‪( ،‬د‪.‬ط)‪1233 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .7‬الخطيب البغدادي‪ ،‬أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت‪:‬كتاب‬
‫‪ .17‬المراغي‪ ،‬أحمد مصطفى‪ :‬تأريخ علوم البالغة العربية والتعريف‬ ‫البخالء‪ ،‬عناية‪ :‬بسام عبد الوهاب الجابي‪ ،‬دار ابن حزم‬
‫برجالها‪ ،‬مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأوالده‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2222 ،1‬م‪.‬‬
‫‪1232‬م‪.‬‬ ‫‪ .7‬خليفة‪ ،‬حاجي‪ :‬كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون‪ ،‬دار‬
‫‪ .17‬المرزوقي‪ ،‬أبو علي أحمد بن محمد بن الحسن‪ :‬شرح ديوان‬ ‫الفكر‪(،‬د‪.‬ط)‪1272 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫الحماسة‪ ،‬نشره‪ :‬أحمد أمين‪ ،‬وعبدالسالم هارون‪ ،‬دار الجيل‪،‬‬ ‫الربداوي‪ ،‬محمود‪ :‬ابن ِحجة الحموي شاع ار وناقدا‪ ،‬دار قتيبة‪،‬‬
‫‪ّ .2‬‬
‫بيروت‪( ،‬د‪.‬ط)‪1221 ،‬م‪.‬‬ ‫دمشق‪(،‬د‪.‬ط)‪1272 ،‬م‪.‬‬
‫الرشيد‬
‫‪ .12‬مطلوب‪ ،‬أحمد‪ :‬دراسات بالغية ونقدية‪ ،‬دار ّ‬ ‫‪ .12‬أبو زيد‪ ،‬علي‪ :‬البديعيات في األدب العربي (نشأتها‪ ،‬تطورها‪،‬‬
‫للنشر‪(،‬د‪.‬ط)‪1277 ،‬م‪.‬‬ ‫أثرها)‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1273 ،1‬م‪.‬‬
‫زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي‪:‬‬ ‫‪ .22‬المنذري‪ ،‬الحافظ‬ ‫السخاوي‪ ،‬شمس الدين محمد بن عبد الرحمن‪ :‬الضوء الالمع‬ ‫‪ّ .11‬‬
‫وخرج أحاديثه ووضع‬
‫مختصر صحيح مسلم‪ ،‬حّققه وعّلق عليه ّ‬ ‫ألهل القرن التاسع‪ ،‬دار الحياة‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫فهارسه‪ :‬د‪.‬مصطفى ديب البغا‪ ،‬اليمامة للطباعة والنشر‬ ‫‪ .12‬سليم‪ ،‬محمود رزق‪ :‬تقي الدين بن ِحجة الحموي‪ ،‬دار المعارف‪،‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪2222 ،3‬م‪.‬‬ ‫مصر‪( ،‬د‪.‬ط)‪1262 ،‬م‪.‬‬
‫ـ‪ :‬عصر سالطين المماليك ونتاجه العلمي واألدبي‪ ،‬مكتبة‬
‫اآلداب‪ ،‬الجماميز‪(،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬

‫‪103‬‬

You might also like