You are on page 1of 20

‫الزهراء‪ :‬مجلة تعنى بالبحوث والدراسات اإلسالمية والعربية‬

‫‪e-ISSN: 2502-8871‬‬
‫‪p-ISSN: 1412-226X‬‬
‫‪DOI: http://dx.doi.org/10.15408/zr.v19i2.24971‬‬
‫السنة التاسعة عشرة‪ ،‬العدد ‪1444 ،2 :‬ھ‪2022/‬م‬
‫هذا املنشور متاح مجانا بموجب ترخيص نسبة املصنف إلى مؤلفه ‪CC-BY-SA‬‬
‫‪https://creativecommons.org/licenses/by-sa/4.0/‬‬

‫موازنة بني املستصفى للغزالي وروضة الناظر البن قدامة يف املنهج‬


‫واالختيار‬

‫جامعة شريف هداية هللا اإلسالمية الحكومية جاكرتا ‪ -‬اندونيسيا‬ ‫مسطاري‬ ‫◊‬
‫البريد‪musthoryahmad@gmail.com :‬‬

‫امللخص‬
‫تاريخ إصداراملقال ‪:‬‬
‫يهدف هذا البحث إلى بيان منهج اإلمام الغزالي في تأليف كتابه املستصفى ومنهج اإلمام ابن‬
‫تاريخ االستالم‪ 20 :‬يونيو ‪2022‬‬
‫قدامة املقدس ي في تأليف كتابه روضة الناظر واملوازنة بينهما‪ ،‬كما يهدف هذا البحث إلى موازنة‬
‫تاريخ املراجعة‪ 24 :‬أغسطس‬
‫بين اإلمامين في ترجيح األقوال في املسائل األصولية املختلف فيها بين العلماء‪ .‬استخدم الباحث في‬ ‫‪2022‬‬
‫إعداد هذاالبحث املنهج االستقرائي واملنهج التحليلي‪ ،‬وذلك باستقراء وتتبع ودراسة آراء اإلمام‬ ‫تاريخ القبول‪ 25 :‬أغسطس‬
‫الغزالي األصولية في كتابه املستصفى ومقارنتها بآراء ابن قدامة األصولية في كتابه الروضة‪.‬‬ ‫‪2022‬‬
‫وبجانب ذلك املقارنة واملوازنة تكون أيضا في املنهج التي سار عليه اإلمامان في تأليف الكتاب‪.‬‬
‫ويسلك الباحث في إنجاز هذا البحث طريقة البحث املكتبي‪ ،‬ومن ثم فال يستخدم الباحث أداة‬ ‫الكلمات املفتاحية‪:‬‬
‫املقابلة‪ ،‬وإنما يعتمد على مصادر مكتبية من كتب أصول الفقه ومعاجم اللغة العربية وكتب‬ ‫املوازنة‪ ،‬املستصفي‪ ،‬الغزالي‪،‬‬
‫الحديث‪ .‬وكانت أداة جمع املعلومات والبيانات التي ال يستغني عنها الباحث هي مطالعة الكتب‬ ‫روضة الناظر‪ ،‬ابن قدامة‬
‫والرسائل العلمية املتعلقة باملوضوع واملقاالت مطالعة دقيقة من أجل معالجة محاور هذا‬ ‫املقدس ي‪ ،‬املنهج‪ ،‬االختيار‪.‬‬
‫البحث‪ .‬ومن أهم النتائج التي توصل إليها الباحث هو‪ :‬أن كتاب الروضة له ارتباط وثيق بكتاب‬
‫املستصفى‪ ،‬وأن ابن قدامة تأثر كثيرا بهذاالكتاب‪.‬‬

‫‪289‬‬
Al-Zahra: Journal for Islamic and Arabic Studies
e-ISSN: 2502-8871
p-ISSN: 1412-226X
DOI: http://dx.doi.org/10.15408/zr.v19i2.24971
Vol. 19, No. 02, 2022 M-1444 H
This is an open access article under CC-BY-SA license
(https://creativecommons.org/licenses/by-sa/4.0/)

Comparison between al-Mustashfa and Raudhah al-Nazir in the


Method and Thought

◊ Mustori UIN Syarif Hidayatullah Jakarta - Indonesia


Email: musthoryahmad@gmail.com

Article History Abstract


Received: June 20,
2022 This research aims to describe and compare the methods of Imam Ghazali in
Revised: August 24, writing his book al-Mustashfa and the methods of Imam Ibn Quddamah al-
2022 Maqdisi in writing his book Rawdah al-Nazir. In addition, this study aims to
Accepted: August 25, compare their thought, in expressing the opinions of scholars proposing
2022 jurisprudent in disputed issues. This research uses inductive and analytical
Keywords methods by analyzing the opinions of Imam Ghazali in his book al-Mustashfa
Comparison, al- and comparing it with the thoughts of Ibn Quddamah's jurisprudent in his al-
Mustashfa, Raudhah al- Rawdah, as well as comparisons of the methods of drafting the book. This
Nazir, Methods, research belongs to the research of literature, so that researchers did not use
Thought interview techniques, but relied on sources of literature including books of
jurisprudent proposals, dictionaries, and hadith books. Among the main
findings in the study are that Raudhah al-Nazir's book had a close relationship
with the book of al-Mustashfa and that Ibn Quddamah was deeply affected by
it.

290
‫مسطاري‪ ،‬موازنة بين املستصفي للغزالي وروضة الناظرالبن قدامة‬

‫املقدمة‬
‫الكتب ّ‬ ‫ُ‬
‫املهمة في أصول الفقه على مذهب اإلمام أحمد بن‬ ‫يعتبر كتاب روضة الناظر وجنة املناظر من‬
‫حنبل‪،‬تبوأ الكتاب مكانة عالية‪ ،‬فكان مرجعا رئيسا في أصول الفقه في الدرس والتأليف عند الحنابلة منذ تأليفه إلى‬
‫اليوم‪ ،‬فنجد فيه الشروحات واملختصرات حول هذا الكتاب مما يدل على أهميته‪ .‬فنجد ابن أبي الفتح البعلي (‪709‬‬
‫ه) يختصره‪ ،‬وكذلك الطوفي (‪ 716‬ه) يختصره ويشرح مختصره‪ ،‬ثم القاض ي عالءالدين الكناني (‪ 777‬ه) يشرح‬
‫مختصر الطوفي له‪ ،‬وهذهالعناية تدل على مكانته في املذهب‪ .‬وذكر الشيخ بكر أبو زيد أن ثالثة من تأليف الحنابلة‬
‫في أصول الفقه " قد نالت حظا وافرا من االشتغال باالختصار والشرح هي‪ :‬روضة الناظر البن قدامة‪ ،‬ومختصرها‬
‫للطوفي‪ ،‬والتحرير للعالء املرداوي"‪( .‬بكر‪)2008 ،‬‬
‫ويتمتع كتاب روضة الناظر بميزات َّ‬
‫عد ٍة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وهو من تأليف الحافظ موفق الدين ابن قدامة املقدس ي‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ممي ًزا عن غيره من الكتب‪ً ،‬‬
‫نافعا‬ ‫حرص اإلمام ابن قدامة الحنبلي على أن يكو َن كتابه روضة الناظر وجنة املناظر َّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫حسب املذهب الحنبل‪ .‬فاملؤلف ابن قدامة املقدس ي له مكانة‬ ‫مشتمال على كافة املسائل املتعلقة بأصول الفقه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫كبيرة‪ .‬ذكر العلماء أقواال في تصف فضل ومكانة اإلمام ابن قدامة املقدس ي‪ ،‬ومن هذه األقوال‪ :‬قال سبط ابن‬
‫سخيا‪ ،‬ومن رأى‬ ‫إمام في العلوم والفنون‪ ،‬ولم َي ُكن في زمانه من هو ُ‬
‫أكثر منه ً‬
‫ورعا‪ ،‬وقد كان ًّ‬ ‫الجوزي عنه‪ :‬ابن ُقدامة ٌ‬
‫إماما من أئمة‬‫أحدا من الصحابة رضوان هللا عليهم‪ .‬قال أبو شامة عنه‪ :‬لقد كان ابن ُقدامة ً‬ ‫كأنه رأى ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ابن قدامة‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫منارة في العلم والعمل‪ ،‬وقد ّ‬ ‫املسلمين‪َ ،‬‬
‫السبائك الثمينة في الفقه‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬ ‫صنف‬ ‫ِ‬ ‫وكان‬
‫ً‬
‫الي ‪-‬رحمه هللا‪ -‬وجعله أصال‬ ‫وقد اعتمد الحافظ ابن ُقدامة في كتابه على كتاب املستصفى لإلمام الغز ّ‬
‫لكتابه‪ .‬وملا تكلم الطوفي عن ترتيب أبواب كتاب الروضة‪ ،‬ذكر أن ابن قدامة في الترتيب "تابع في كتابه الشيخ أبا‬
‫حامد الغزالي في املستصفى‪ ،‬حتى في إثبات املقدمة املنطيقية في أوله‪( .‬سليمان‪ )2008 ،‬فمن العلماء من قال بأن‬
‫ابن قدامة اكتفى باختصار املستصفى ولم يزل على ذلك‪ ،‬ومنهم من قال إن ابن قدامة نقل عبارات الغزالي نفسه‪،‬‬
‫ولم يتصرف فيه سواه‪ ،‬وغير ذلك من األقوال‪ .‬فأريد أن أكشف ذلك األمر من خالل بحثي‪ ،‬بأن نوازن بين الكتابين‬
‫في منهجهما واختيار اإلمامين في كتابهما املستصفى والروضة‪ ،‬أهما متساويان في كل شيئ أو بينهما فروق‪ .‬وهل يقلد‬
‫ابن قدامة الغزالي أو يخالفه‪ ،‬سيتضح ذلك كله بعد بحثنا في املوضوع‪.‬‬
‫استخدم الباحث في إعداد هذاالبحث املنهج االستقرائي واملنهج التحليلي‪ ،‬وذلك باستقراء وتتبع ودراسة‬
‫آراء اإلمام الغزالي األصولية في كتابه املستصفى ومقارنتها بآراء ابن قدامة األصولية في كتابه الروضة‪ .‬وبجانب ذلك‬
‫املقارنة واملوازنة تكون أيضا في املنهج التي سار عليه اإلمامان في تأليف الكتاب‪.‬‬
‫ويسلك الباحث في إنجاز هذا البحث طريقة البحث املكتبي‪ ،‬ومن ثم فال يستخدم الباحث أداة املقابلة‪،‬‬
‫وإنما يعتمد على مصادر مكتبية من كتب أصول الفقه ومعاجم اللغة العربية وكتب الحديث‪ .‬وكانت أداة جمع‬
‫املعلومات والبيانات التي ال يستغني عنها الباحث هي مطالعة الكتب والرسائل العلمية املتعلقة باملوضوع واملقاالت‬
‫مطالعة دقيقة من أجل معالجة محاور هذا البحث‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫‪Mustori, Comparison between al-Mustashfa and Raudhah al-Nazir‬‬

‫مفهوم عبارة "املوازنة" و" املنهج" و"االختيار"‬


‫املوازنة من الوزن‪ ،‬يقال وزن الش يء يزن وزنا وزنة‪ :‬قدره بوساطة امليزان ورفعه بيده ليعرف ثقله وخفته‬
‫ْ‬
‫تعديل واستقامة‪ :‬وو َزن ُت‬
‫ٍ‬
‫بناء ُّ‬
‫يدل على‬ ‫وقدره‪ .‬قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة‪( :‬وزن) الواو والزاء والنون‪ٌ :‬‬
‫وازن ذلك‪ ،‬أي‬
‫ُ ُ‬ ‫النهار‪ ،‬إذا َ َ َّ‬ ‫الش يء؛ واألصل َو ْزَنة‪ .‬ويقال‪ :‬قام ميز ُ‬
‫ان َّ‬ ‫َّ‬ ‫الش َيء ْوز ًنا‪ُ َ َ ّ .‬‬
‫ّ‬
‫انتصف النهار‪ .‬وهذا ي ِ‬
‫ّْ‬
‫ِ‬ ‫وزن‬
‫والزنة قدر ِ‬
‫َ ُ َّ ْ‬ ‫ِ‬
‫الرأي وش َّدة ْ‬ ‫نس ُبوه إلى َر َجاحة‬‫الو ْزن‪ ،‬إذا َ‬
‫اجح َ‬‫الرأي‪ :‬معتد ُله‪ .‬وهو ر ُ‬
‫العقل‪( .‬أبو الحسين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هو ُم ِ‬
‫حاذيه‪ .‬وو ِزين‬
‫‪)1979‬وتطلق املوازنة أو امليزانية (سعر الصرف) في املصلحات اإلقتصادية بأنها‪ :‬عملية تقوم بها البنوك وهي شراء‬
‫األوراق األجنبية التي هي موضوع الصرف من الجهات التي هبطت فيها أثمانها لتبيعها في الجهات التي ارتفع فيها‬
‫السعر‪( .‬مجمع اللغة العربية‪)2011 ،‬‬
‫أما املنهج ففي اللغة هو من مادة (نهج ‪ ،‬ينهج‪ ،‬نهجا ونهوجا)‪ ،‬جاء في الصحاح للجوهري‪َ :‬‬
‫الن ْه ُج‪ :‬الطريق‬
‫َّ‬ ‫ً ً‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ْ ُ َْ‬
‫ّ‬
‫العبدي‪:‬‬ ‫استبان وصار ن ْهجا واضحا َب ِّينا‪ .‬قال يزيد بن الحذاق‬ ‫ُ‬
‫الطريق‪ ،‬أي‬ ‫هاج‪ .‬وأن َه َج‬ ‫الواضح‪ .‬وكذلك املنهج وا ِملن‬
‫ُ ُ‬
‫والهدى ت ْعدي‬
‫َ‬ ‫ُ َْ َ ْ ُ‬
‫سال ِك‬‫أضاء لك الطريق وأن َهجت س ُب ُل امل ِ‬ ‫ولقد َ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اع َم ْل على ما ن َه ْج ُت ُه لك‪ .‬ون َه ْج ُت الطريق أيضا‪ :‬إذا‬ ‫وتقوي‪َ .‬ون َه ْج ُت الطريق‪ ،‬إذا َأ َب ْن ُت ُه ْ‬
‫وأوضحته‪ .‬يقال‪ْ :‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫أي تعين ِ‬
‫سلكته‪( .‬الجوهري‪ )2009 ،‬ومعنى املنهج في االصطالح هو البرنامج الذي يحدد لنا السبيل للوصول إلى الحقيقة أو‬
‫الطريق املؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم‪( .‬العيسوي‪)1997 ،‬‬
‫وأما االختيار فهو مصدر اختار يختار‪ ،‬وهو فعل خماس ي متعد بحرف معناه االصطفاء واالنتقاء‪ .‬جاء في‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫التخ ُّي ُر‪ .‬وتصغير ُمختار‪ُ :‬مخ ِّي ٌر‪ ،‬خذفت منه التاء ألنها زائدة‪،‬‬ ‫يار‪ْ :‬‬
‫االص ِط ُ‬
‫فاء‪ .‬وكذلك‬ ‫الصحاح للجوهري‪ :‬االخ ِت ُ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫خار ُة‪ :‬الخ َي َر ُة‪ .‬يقال‪ْ :‬‬
‫اس َتخر َ‬
‫هللا َي ِخ ْر ل َك‪ .‬وخ َّي ْرت ُه بين‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ‬
‫وأبدلت من األلف الياء؛ ألنها أبدلت منها في حال التكبير‪ .‬واالس ِت َ ِ‬
‫َ ْ ُ‬
‫يار‪( .‬الجوهري‪)2009 ،‬‬ ‫شيئين‪ ،‬أي ف َّوضت إليه ِ‬
‫الخ ُ‬

‫ترمجة موجزة لإلمام الغزالي‬


‫هو أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوس ي الشافعي الغزالي الطوس ي نسبة إلى طوس‪،‬‬
‫إحدى مدن خراسان‪ ،‬والغزالي نسبة إلى غزال الصوف إذ هي صنعة أبيه‪ .‬ولد اإلمام الغزالي في طوس سنة ‪ 405‬ه‪،‬‬
‫تفقه ببلده أوال‪ ،‬ثم تحول إلى نيسابور في مرافقة جماعة من الطلبة‪ ،‬فالزم إمام الحرمين‪ ،‬فبرع في الفقه في مدة‬
‫قريبة‪ ،‬ومهر في الكالم والجدل‪ ،‬حتى صار عين املناظرين‪ ،‬وأعاد للطلبة‪ ،‬وشرع في التصنيف‪ ،‬فما أعجب ذلك‬
‫شيخه أبا املعالي‪ ،‬ولكنه مظهر للتبجح به‪ .‬ثم سار أبو حامد إلى املخيم السلطاني‪ ،‬فأقبل عليه نظام امللك الوزير‪،‬‬
‫وسر بوجوده‪ ،‬وناظر الكبار بحضرته‪ ،‬فانبهر له‪ ،‬وشاع أمره‪ ،‬فواله النظام تدريس نظامية بغداد‪ ،‬فقدمها بعد‬
‫الثمانين وأربع مائة‪ ،‬وسنه نحو الثالثين‪ ،‬وأخذ في تأليف األصول والفقه والكالم والحكمة‪ ،‬وأدخله سيالن ذهنه في‬
‫مضايق الكالم‪ ،‬ومزال األقدام‪ ،‬وهلل سر في خلقه‪ .‬وعظم جاه الرجل‪ ،‬وازدادت حشمته‪ ،‬بحيث إنه في دست أمير‪،‬‬
‫وفي رتبة رئيس كبير‪ ،‬فأداه نظره في العلوم‪ ،‬وممارسته ألفانين الزهديات إلى رفض الرئاسة‪ ،‬واإلنابة إلى دار الخلود‪،‬‬

‫‪292‬‬
‫مسطاري‪ ،‬موازنة بين املستصفي للغزالي وروضة الناظرالبن قدامة‬

‫والتأله‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬وإصالح النفس‪ ،‬فحج من وقته‪ ،‬وزار بيت املقدس‪ ،‬وصحب الفقيه نصر بن إبراهيم بدمشق‪،‬‬
‫وأقام مدة‪ ،‬وألف كتاب (اإلحياء)‪ ،‬وكتاب (األربعين)‪ ،‬وكتاب (القسطاس)‪ ،‬وكتاب (محك النظر)‪ .‬وراض نفسه‬
‫وجاهدها‪ ،‬وطرد شيطان الرعونة‪ ،‬ولبس زي األتقياء‪ ،‬ثم بعد سنوات سار إلى وطنه‪ ،‬الزما لسننه‪ ،‬حافظا لوقته‪،‬‬
‫مكبا على العلم‪ .‬توفي اإلمام الغزالي يوم االثنين وقت الصبح في شهر جمادى اآلخرة سنة ‪505‬ه رحمه هللا تعالى‪.‬‬
‫(الذهبي‪)1996 ،‬‬
‫ترمجة موجزة عن اإلمام ابن قدامة املقدسي‬
‫هو الشيخ اإلمام القدوة املجتهد شيخ اإلسالم موفق الدين أبو محمد عبد هللا بن أحمد بن محمد بن‬
‫قدامة بن مقدام بن نصر بن عبد هللا بن حذيفة بن محمد بن يعقوب بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى‬
‫بن محمد بن سالم املقدس ي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلى‪ .‬ولد ببلدة جماعيل سنة إحدى وأربعين‬
‫وخمسمائة ( ‪ 541‬ه)‪ ،‬في شعبان‪ .‬هاجر مع أهل بيته وأقاربه إلى دمشق حولي سنة (‪551‬ه) ونزلوا في مسجد أبي‬
‫صالح ظاهر الباب الشرقي‪ .‬ثم انتقلوا بعد سنتين إلى سفح قاسيون من صالحية دمشق‪ ،‬وله عشر سنين‪ ،‬فقرأ‬
‫القرآن وحفظ (مختصر الخرقي) واشتغل وسمع من والده‪ ،‬وأبي املكارم بن هالل‪ ،‬وأبي املعالي بن صابر وغيرهما‪،‬‬
‫وكتب الخط املليح‪ ،‬وكان من بحور العلم وأذكياء العلماء‪ .‬كانت وفاته يوم السبت‪ ،‬يوم الفطر‪ ،‬سنة عشرين‬
‫وستمائة‪ ،‬ودفن من الغد بجبل قسيون‪ ،‬خلف الجامع املظفري‪ ،‬في مقبرتهم املشهورة‪ .‬اشتملت مؤلفات اإلمام ابن‬
‫قدامة على عدة فنون‪ ،‬في الفقه وأصوله‪ ،‬وأصول الدين‪ ،‬والحديث‪ ،‬اللغة واألنساب‪ ،‬وفي الفضائل والزهد‬
‫والرقائق‪.‬‬
‫موازنة بني املستصفى وروضة الناظر يف املنهج‬
‫منهج الغزالي في تأليف املستصفى‬
‫لقد ذكر الغزالي منهجه في تأليف املستصفى على الوجه العام في مقدمة كتابه حيث قال‪ " :‬ثم ساقني قدر‬
‫هللا تعالى إلى معاودة التدريس واالفادة‪ ،‬فاقترح علي طائفة من محصلي علم الفقه تصنيفا في أصول الفقه‪ ،‬أصرف‬
‫العناية فيه إلى التلفيق‪ ،‬بين الترتيب والتحقيق‪ ،‬وإلى التوسط بين االخالل واالمالل‪ ،‬على وجه يقع في الفهم دون‬
‫كتاب تهذيب االصول مليله إلى االستقصاء واالستكثار‪ ،‬وفوق كتاب املنخول مليله إلى االيجاز واالختصار‪ ،‬فأجبتهم إلى‬
‫ذلك مستعينا باهلل‪ .‬وجمعت فيه بين الترتيب والتحقيق لفهم املعاني‪ ،‬فال مندوحة الحدهما على الثاني‪ .‬فصنفته‬
‫وأتيت فيه بترتيب لطيف عجيب يطلع الناظر في أول وهلة على جميع مقاصد هذا العلم‪ ،‬ويفيده االحتواء على‬
‫جميع مسارح النطر فيه"‪ .‬في هذه العبارة بين اإلمام الغزالي منهجه في تأليف املستصفى على الوجه العام‪ ،‬فهو رتبه‬
‫بحيث يسهل القارئ حفظ األبواب واملسائل‪ ،‬ثم بين أن من أراد تحقيق املسائل ومعرفة معانيها فليرجع إلى ما في‬
‫الكتاب من تحليل وتوضيح لتلك املسائل‪ .‬وبجانب ذلك‪ ،‬يمكن تصوير منهج الغزالي على وجه التفصيل فيما يلي‪:‬‬
‫(خير الدين‪)2013 ،‬‬

‫‪293‬‬
‫‪Mustori, Comparison between al-Mustashfa and Raudhah al-Nazir‬‬

‫‪ .1‬منهجه في تعريف املصطلحات‪.‬‬


‫قبل أن يفصل اإلمام الغزالي آراء العلماء في املسألة وذكر أدلتهم‪ ،‬عرف املصطلحات األصولية املتعلقة‬
‫باملوضوع‪ .‬ومنهجه في تعريف املصطلحات فهو تعريف بالحد‪( .‬الغزالي‪ )1997 ،‬مثال ذلك‪ ،‬تعريف اإلمام الغزالي‬
‫للقياس فقال‪ :‬وحده أنه حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما‪ ،‬بأمر جامع بينهما‪ ،‬من إثبات‬
‫حكم أو صفة لهما‪ ،‬أو نفيهما عنهما‪( .‬الغزالي‪)1997 ،‬‬
‫‪ .2‬منهجه في تحريرمحل النزاع‬
‫من املنهج الخاص الذي سلكه اإلمام الغزالي في تحرير محل النزاع ما يلي‪ :‬أ‪ -‬تحرير محل النزاع في آخر‬
‫املسألة‪ .‬مثال ذلك‪ :‬قول اإلمام الغزالي في مسألة تكرار مسح الرأس‪ ،‬فذكرت فيه مذاهب العلماء وآراءهم‪ ،‬ثم في‬
‫آخر املسألة ذكر تحرير محل النزاع؛ (الغزالي‪ )1997 ،‬ب‪ -‬أنه يحدده بدقة دون مجاراة أو ترديد ملقاالت األصوليين‪،‬‬
‫بل يقف على النقطة التي يجب أن يكون فيها الخالف؛ ج ‪ -‬إيضاح سبب الخالف ومثار النزاع‪ .‬فمن املنهج الذي سار‬
‫عليه اإلمام الغزالي في تحرير محل النزاع إيضاح سبب الخالف ومثار النزاع‪( .‬عبد الوهاب‪)2010 ،‬‬
‫‪ .3‬منهجه في عرض اآلراء‬
‫أما منهجه في عرض اآلراء فإننا نجد املؤلف ال يهتم بنسبة األقوال إلى أصحابها‪ ،‬ولذلك نجده كثيرا من‬
‫األحيان يستخدم عبارة " قال قوم" أو "قيل" دون أن يصرح القائال‪ .‬مثال ذلك‪ :‬مسألة القول في العموم إذا خصص‬
‫هل يصير مجازا في الباقي؟ وهل يبقى حجة؟ قال‪" :‬وهما نظران‪ :‬أما صيرورته مجازا في الباقي فقد اختلفوا فيه على‬
‫أربعة مذاهب‪ :‬فقال قوم‪ :‬يبقى حقيقة‪ .‬وقال قوم‪ :‬يصير مجازا‪ .‬وقال قوم‪ :‬هو حقيقة في تناوله‪ ،‬مجاز في االقتصار‬
‫عليه‪( .‬الغزالي‪)1997 ،‬‬
‫‪ .4‬منهجه في االستدالل على اآلراء‬
‫إن اإلمام الغزالي كغيره من العلماء‪ ،‬يستدل باألدلة الشرعية أو العقلية على آرائه وأقواله‪ .‬فيبدأ باألدلة‬
‫املتفق عليها ثم املختلف عليها‪ .‬استدل بالقرآن الكريم أوال‪ ،‬ثم السنة النبوية الشريفة ثم اإلجماع ثم القياس‪ .‬فقدم‬
‫القرآن الكريم على غيرها من األدلة‪ ،‬وجعل السنة النبوية رتبة ثانية‪ ،‬ثم يليها اإلجاع ثم غير ذلك من األدلة‪ ،‬إال إذا‬
‫لم يجد دليال من القرآن الكريم فإنه يبدأ في االستدالل بغير القرآن وهكذا بقية األدلة‪( .‬الغزالي‪)1997 ،‬‬
‫‪ .5‬منهجه في مناقشة اآلراء‬
‫أما منهج اإلمام الغزالى في مناقشة اآلراء يتمثل فيما يلي‪ :‬أ‪ -‬أن يرد اإلمام على مخالفيه عندما يناقشهم برد‬
‫لطيف لينة‪ ،‬يظهر فيه استخدامه ألدب الخالف وهو يستخدم عبارة "وهذا غير مرض ي"؛ (الغزالي‪ )1997 ،‬ب‪ -‬ومن‬
‫منهجه أيضا في مناقشة آراء املخالفين بضرب األمثلة‪ .‬مثال ذلك‪ ،‬قول اإلمام الغزالي‪ :‬يجوز نسخ القرآن بالسنة‬
‫والسنة بالقرآن؛ ألن الكل من عند هللا عز و جل‪ .‬فما املانع منه ولم يعتبر التجانس مع أن العقل ال يحيله كيف وقد‬
‫دل السمع على وقوعه‪ ،‬إذ التوجه إلى بيت املقدس ليس في القرآن وهو في السنة وناسخه في القرآن؛ ج‪ -‬تركيزه على‬

‫‪294‬‬
‫مسطاري‪ ،‬موازنة بين املستصفي للغزالي وروضة الناظرالبن قدامة‬

‫آراء القاض ي الباقالني؛ د‪ -‬تضييق دائرة الخالف بين الجمهور واملخالفين؛ ه‪ -‬إهماله نسبة األقوال إلى صاحبه؛ و‪-‬‬
‫إنصاف املخالفين في الرأي‪( .‬الغزالي‪)1997 ،‬‬
‫‪ .6‬منهجه في الترجيح بين اآلراء‬
‫أما منهجه في الترجيح بين اآلراء فيمكن لنا أن نحدد على النحو التالي‪ :‬أ ‪ -‬بمحوالة اإلمام الجمع بين اآلراء؛‬
‫ب‪ -‬ترجيحه بقوة الحجة وكثرة األدلة؛ ألن قوة الدليل يعطينا يقينا وبكثرة األدلة يعطينا مزيد الظن؛ ج‪ -‬ذكر‬
‫اختياره في املسألة وإعطاء رأيه فيها‪ .‬ومن منهجه في الترجيح هو أن يذكر اختياره بعد عرض مذاهب املخالفين‪ ،‬ثم‬
‫يأتي بأدلة مؤيدة رأيه‪ .‬وله طرق أخرى في الترجيح مثل‪ :‬الترجيح بداللة سياق الكالم‪ ،‬وبلسان العرب وأهل اللغغة‪،‬‬
‫والتسليم ألراء اآلخرين والتوقف فيه‪ ،‬وبمناقشة األدلة وبيان رأيه في ذلك‪( .‬الغزالي‪)1997 ،‬‬
‫‪ .7‬منهجه في ترتيب األبواب‬
‫أما منهجه في ترتيب األبواب فإنه قسمها على أربعة أقطاب‪ ،‬ولكل قطب مباحث‪ .‬وفيما يلى أذكر تلك‬
‫األقطاب األربعة‪ .‬قال اإلمام الغزالي‪ :‬فإذا جملة األصول تدور على أربعة أقطاب‪ :‬القطب األول‪ :‬في األحكام والبداءة‬
‫بها أولى ألنها الثمرة املطلوبة؛ القطب الثاني‪ :‬في األدلة وهي الكتاب والسنة واإلجماع وبها التثنية إذ بعد الفراغ من‬
‫معرفة الثمرة ال أهم من معرفة املثمر؛ القطب الثالث‪ :‬في طريق االستثمار وهو وجوه داللة األدلة وهي أربعة داللة‬
‫باملنظوم وداللة باملفهوم وداللة بالضرورة واالقتضاء وداللة باملعنى املعقول؛ القطب الرابع‪ :‬في املستثمر وهو‬
‫املجتهد الذي يحكم بظنه ويقابله املقلد الذي يلزمه اتباعه فيجب ذكر شروط املقلد واملجتهد وصفاتهما‪( .‬الغزالي‪،‬‬
‫‪)1997‬‬
‫منهج ابن قدامة في تأليف الروضة‪.‬‬
‫إن ابن قدامة حنبلي املذهب‪ ،‬والحنابلة على صفة عامة يسيرون على طريقة املتكلمين في تأليفهم لألصول‪،‬‬
‫وهي تأسيس القواعد وإقامة الدليل عليها‪ ،‬وقد سار املؤلف عليها‪ .‬فاملؤلف بين منهجه على صفة العام في مقدمة‬
‫كتابه فقال‪" :‬أما بعد فهذا كتاب نذكر فيه أصول الفقه واالختالف فيه ودليل كل قول على املختار ونبين من ذلك‬
‫ما نرتضيه ونجيب من خالفنا فيه"‪ .‬فبقوله هذا بين املؤلف أنه سيذكر في كتابه املسائل األصولية وآراء العلماء‬
‫فيه ثم يذكر أدلة كل مذهب ثم يرجح األقوال ويجيب أدلة املخالفين فيه ويناقشها‪ .‬وهذا منهج اإلمام ابن قدامة في‬
‫تأليفه لكتاب روضة الناظر على صفة عامة‪ ،‬أما منهجه على صفة خاصة فسأذكره فيما يلى‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫‪ )1‬منهجه في تعريف املصطلحات‬
‫من عادة املؤلف‪ ،‬قبل عرضه ملذاهب العلماء في مسألة وذكره أدلتهم تعريفه للمصطلحات املتعلقة‬
‫باملوضوع‪ .‬ومنهجه في التعريفات هو التعريف بالحد‪ .‬فيعرف املسألة من حيث اللغة ثم االصطالح‪ .‬مثال ذلك‪:‬‬
‫تعريفه للتكليف فقال‪ " :‬التكليف في اللغة إلزام ما فيه كلفة أي مشقة‪ ،‬قالت الخنساء في صخر‪:‬‬
‫يكلفه القوم ما نابهم وإن كان أصغرهم مولدا‬

‫‪295‬‬
‫‪Mustori, Comparison between al-Mustashfa and Raudhah al-Nazir‬‬

‫وهو في الشريعة الخطاب بأمر أو نهي‪( .‬املقدس ي‪ )2010 ،‬وغالبا ما يذكر ابن قدامة التعريفات أكثر من واحد‪ ،‬مثال‬
‫ذلك‪ :‬تعريفه للندب حيث قال‪ :‬والندب في اللغة الدعاء إلى الفعل كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ال يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا‬
‫وحده في الشرع مأمور ال يلحق بتركه ذم من حيث تركه من غير حاجة إلى بدل‪ .‬وقيل‪ :‬هو ما في فعله ثواب‬
‫وال عقاب في تركه‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫‪ )2‬منهجه في تحريرمحل النزاع‪.‬‬
‫أما منهجه في تحرير محل النزاع فأنا أجد ابن قدامة يحرر محل النزاع في صدر الكالم عن املسألة‪ ،‬ولكن‬
‫ليس كل مسألة أورد فيها تحرير محل النزاع‪ ،‬بل بدأ فيها بذكر أقوال العلماء فيها‪ ،‬أو بتعريف املصطلحات التي‬
‫تتعلق باملوضوع أو بتقسيم املسائل‪ .‬ومن منهجه أيضا في تحرير محل النزاع توضيح حقيقة الخالف‪ .‬مثال ذلك‪ ،‬ما‬
‫جاء في مسألة الفرض والواجب‪ ،‬وهل هما بمعنى واحد أم هما مختلفان؟‪ .‬ذكر ابن قدامة خالف العلماء فيه‪ ،‬وبين‬
‫في آخر كالمه حقيقة الخالف‪ ،‬أن الخالف مبني على االصطالح‪ ،‬وهو أمر ال مشاحة فيه‪ ،‬ولذلك قال في نهايتها‪ :‬وال‬
‫خالف في إنقسام الواجب إلى مقطوع ومظنون وال حجر في اإلصطالحات بعد فهم املعنى‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫‪ )3‬منهجه في عرض اآلراء‬
‫أما منهجه في عرض اآلراء فإن املؤلف يبدأ أوال بذكر املذهب الذي اختاره‪ ،‬ثم يذكر املذاهب املخالفة‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ ،‬في مسألة حجية القياس حيث قدم القول بحجية القياس وأن التعبد به جائز عقال وشرعا‪ ،‬ثم أعقبه‬
‫بذكر رأي املخالفين القائلين بعدم جواز التعبد بالقياس‪ ،‬وأن القياس ليس حجة‪ .‬وكما أن من منهجه أنه يذكر‬
‫روايات اإلمام أحمد ولم يقتصر بذلك ويذكر ما يوافق كل رواية من أقوال الحنفية أو الشافعية أو بعضهم‪.‬‬
‫(املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫‪ )4‬منهجه في االستدالل على اآلراء‬
‫أما منهج ابن قدامة في االستدالل فإنه استدل بأدلة شرعية وعقلية‪ ،‬فاستدل بأدلة شرعية أوال من‬
‫الكتاب والسنة واإلجماع والقياس على الترتيب‪ ،‬إال إذا كانت األدلة من الكتاب غير موجودة فبدأ باألدلة من السنة‬
‫وهكذا الباقي‪ ،‬ثم بعد ذكره لألدلة الشرعية ذكر األدلة العقلية‪ .‬وقدم ابن قدامة ذكر أدلة املخالفين على أدلة‬
‫املذهب املختار عنده‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫‪ )5‬منهجه في مناقشة اآلراء‬
‫إن منهج ابن قدامة في منا قشته لآلراء املخالفة وأدلتهم تتسم بدقة بصورة عامة‪ .‬فناقش األدلة التي أوردها‬
‫املخاف بصورة مرتبة‪ ،‬فيبدأ بالدليل األول ثم الثاني ثم الثالث إلى آخره‪ .‬وتكون مناقشة ابن قدامة ألدلة املخالفين‬
‫بعد ذكر أدلته‪ .‬وفي مناقشته أدلة املخالفين يستخدم ابن قدامة عبارة "أما قوله" ثم أجاب بقوله‪" :‬قلنا"‪ .‬أو بقوله‪:‬‬
‫"فممنوع" أو "ففاسد"‪ ،‬وغير ذلك من العبارت التي تدل على عدم موافقته‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬

‫‪296‬‬
‫مسطاري‪ ،‬موازنة بين املستصفي للغزالي وروضة الناظرالبن قدامة‬

‫‪ )6‬منهجه في الترجيح بين اآلراء‪.‬‬


‫عرفنا فيما سبق‪ ،‬أن من منهج ابن قدامة في عرض اآلراء فإنه يذكر املذهب الذي رآه راجحا‪ ،‬ثم يذكر‬
‫املذاهب املخالفة‪ ،‬فمن ثم ن عرف كيف يختار ابن قدامة الرأي الراجح بصورة عامة‪ .‬وفيما يلى سأذكر منهجه في‬
‫الترجيح بين اآلراء بصورة خاصة‪ :‬أ‪ -‬ترجيحه بقوة الحجة وكثرة األدلة‪ .‬ومما ال يخفى أن كل من يرجح بين اآلراء فإنه‬
‫ال يرجح رأيا إال لقوة دليله؛ ب‪ -‬بمحوالة اإلمام الجمع بين اآلراء‪ .‬ومن منهج ابن قدمة في ترجيح بين اآلراء‪ ،‬ترجيحه‬
‫بطريقة الجمع بين اآلراء؛ وله طرق أخرى في الترجيح مثل‪ :‬الترجيح بداللة سياق الكالم‪ ،‬وبلسان العرب وأهل اللغة‪،‬‬
‫والتسليم ألراء اآلخرين والتوقف فيه‪ ،‬وبمناقشة األدلة وبيان رأيه في ذلك‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫‪ )7‬منهجه في ترتيب األبواب‬
‫أ ما منهجه في ترتيب األبواب فإنه قسم الكتاب على ثمانية أبواب كما صرح بذلك في مقدمة كتابه‪ .‬فاملؤلف‬
‫بدأ كتابه بمقدمة منطقية ثم أتبعها بالفصول الثمانية من حقيقة الحكم وأقسامه ثم األدلة الشرعية ثم تقسيم‬
‫الكالم ويليه داللة األلفاظ وإلى آخره على ترتيب جميل يرتبط بعضه على بعض‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫‪ )8‬عدم تكرارالعبارات‬
‫فمن منهج ابن قدامة أنه ال يكرر العبارات واملباحث التي ذكرت في املوضوعات السابقة‪ ،‬فكثيرا ما أشار‬
‫ابن قدامة املسائل والعبارات بقوله " على ما ذكرناه" أو "ملا ذكرناه" أو بما ذكرنا" أو "كما ذكرنا" وغير ذلك من‬
‫العبارات‪ ،‬دون إشارة إلى الباب أو املبحث الذي وجدت فيه العبارات واملسائل‪ .‬مثال ذلك قول ابن قدامة في باب‬
‫األسئلة املوجهة إلى القياس‪ ،‬في طرق الجواب على سؤال املعارضة‪ :‬الطريق الثالث أن يبين أن العلة ثابتة بنص أو‬
‫تنبيه من الشارع على ما ذكرناه فيما تقدم‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫املوازنة بني منهج الغزالي وابن قدامة‪.‬‬
‫إن اإلمام الغزالي وابن قدامة يسيران على منهج املتكلمين الذي يعنون بتأسيس القواعد وإقامة األدلة‬
‫عليها‪ .‬فيذكران فيه مذاهب العلماء في املسألة مقرونا بأدلتها ويذكر ما يراه راجحا مؤيدا بألدلة‪ ،‬ثم يناقش أدلة‬
‫املخالفين ويبين وجه الخطأ فيما قالوه‪ .‬ولذلك بعد ما ذكرنا منهج اإلمام الغزالي وعقبه منهج اإلمام ابن قدامة‪،‬‬
‫وجدنا فيه وجوه االتفاق بينهما‪ .‬فابن قدامة تأثر كثيرا بالغزالي في تأليفه لكتاب األصول الذي هو كتاب روضة‬
‫الناظر‪ ،‬فهو سلك مسلك اإلمام الغزالي في املستصفى في الجملة‪ ،‬حتى إنه تبعه في إضافة املقدمة املنطيقية إلى‬
‫كتابه‪ .‬كما تبعه في ترتيب أدلة األحكام فجعلها على النحو التالي‪ :‬الكتاب‪ ،‬ثم سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫ثم اإلجماع‪ ،‬ثم دليل العقل املبقي على النفي األصل‪ ،‬ثم في األدلة املختلف فيها‪.‬‬
‫ومن وجوه االتفاق بينهما في املنهج وهو منهجهما في التعريف‪ ،‬فهما يعرفان بالحد‪ .‬والتعريف يكون قبل‬
‫عرضهما للمسألة من ذكر مذاهب العلماء وأدلتها‪ .‬وكثيرا ما يذكران أكثر من تعريف واحد للمسألة‪ ،‬قيذكران‬
‫تعريفات العلماء فيها‪ .‬ومنها اتفاقهما في منهجهما في االستدالل على اآلراء‪ ،‬حيث إنهما استدال باألدلة النقلية‬
‫والعقلية‪ ،‬وقدما االستدالل بألدلة املتفق عليا على األدلة املختلف فيها‪ .‬قدما القرآن على غيره من األدلة‪ ،‬وهكذا‬

‫‪297‬‬
‫‪Mustori, Comparison between al-Mustashfa and Raudhah al-Nazir‬‬

‫بقية األدلة‪ .‬ومنها اتفاقهما في منهجهما في الترجيح بين اآلراء‪ ،‬حيث رجحا األقوال ذات أدلة قوية وكثيرة؛ ألن قوة‬
‫األدلة يعطينا يقينا وبكثرته يزيدنا ظنا‪ .‬ومن طريقتهما في الترجيح هي محاولتهما الجمع بين األقوال‪ .‬وبصفة عامة أن‬
‫منهجهما لم يختلف كثيرا‪.‬‬
‫أما وجوه االختالف بينهما في املنهج هو ما يلي‪ )1 :‬اختالفهما في عرض اآلراء‪ ،‬حيث اختلفا في نسبة األقوال‬
‫إلى صاحبها‪ .‬فاإلمام الغزالي لم يهتم بنسبة األقوال إلى أصحابها‪ ،‬فكثيرا ما أجده أن اإلمام الغزالي يستخدم عبارة‬
‫"قال قوم" في عرض اآلراء‪ ،‬بينما ابن قدامة اهتم بنسبة األقوال‪ .‬واإلمام الغزالي حرص على ذكر رواية القاض ي‬
‫الباقالن‪ ،‬بينما ابن قدامة إهتم بذكر روايات اإلمام أحمد وأطال الكالم عنه؛ ‪ )2‬اختالفهما في تقسيم الكتاب‪،‬‬
‫فاإلمام الغزالي قسم الكتاب على أربعة أقطاب وفي كل قطب مسائل‪ ،‬وأما ابن قدامة فإنه قسم الكتاب على ثمانية‬
‫أبواب كما صرحا في مقدمة كتابهما املستصفى والروضة‪.‬‬
‫موزانة بني املستصفى وروضة الناظر يف االختيار‪.‬‬
‫‪ .1‬هل املندوب مأموربه؟‬
‫الندب في اللغة‪ :‬اسم مفعول من الندب بمعنى الدعاء‪ ،‬واملندوب معناه املدعو إليه‪ .‬قال ابن فارس‪ " :‬النون‬
‫خفة في ش يء"‪( .‬ابن فارس‪ )1979 ،‬وفي‬ ‫األثر‪ ،‬والثانية ْال َخ َطر‪ ،‬والثالثة ُّ‬
‫تدل على ّ‬ ‫َ‬
‫كلمات‪ :‬أحداها‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫والدال والباء ثالث‬
‫االصطالح هو ما طلب الشرع فعله طلبا غير جازم‪( .‬السلمي‪ ،‬د‪.‬ت)اختلف العلماء في مسألة "هل املندوب مأمور به‬
‫أم ال؟" على مذهبين‪ :‬األول إن املندوب مأمور به‪ ،‬وهذا مذهب الجمهور؛ والثاني املندوب غير مأمور به‪ ،‬ذهب إلى‬
‫ذلك اإلمام الرازي في املحصول وأبو حسن الكرخي‪ ،‬والجصاص في الفصول وعبد الرحمن الحلواني‪ ،‬وغيرهم من‬
‫األصوليين‪ ،‬ونقل عن معظم الشافعية وهو وجه عند املالكية‪( .‬النملة‪)2006 ،‬واستدلوا بقوله تعالى‪" :‬فليحذر‬
‫الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" (سورة الفرقان‪ .)63 :‬واملندوب ال يحذر فيه ذلك‪،‬‬
‫وألن النبي صلى هللا عليه و سلم قال‪" :‬لوال أن أشق على أمتي ألمرتهم بالسواك عند كل صالة"‪ ،‬وقد ندبهم إلى‬
‫السواك فعلم أن األمر ال يتناو املندوب؛ وألن األمر اقتضاء جازم ال تخيير معه وفي الندب تخيير ولم يسم تاركه‬
‫عاصيا"‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫في هذه املسألة ال فرق بين اختيار اإلمام الغزالي واإلمام ابن قدامة في املسألة‪ ،‬فهما يختاران القول بأن‬
‫املندوب داخل تحت األمر؛ ألن األمر ينقسم إلى قسمين‪ :‬أمر إيجاب وأمر استحباب‪ ،‬وقد تطلق صيغة األمر إلرادة‬
‫َ َ َ َُْ ْ َ ْ َ‬
‫اصط ُاد ْوا" (سورة املائدة‪ ،)2:‬وقوله تعالى‪" :‬فإذا قضيت الصالة فانتشروا في‬ ‫اإلباحة مثل قوله تعالى‪" :‬و ِإذا حللتم ف‬
‫األرض" (سورة الجمعة‪.)10 :‬‬
‫‪ .2‬حجية القراءة الشاذة‬
‫القراءة الشاذة وهي القراءة التي فقدت أحد األركان الثالثة لصحة القراءة ‪( .‬الدوسري‪ 1323 ،‬ه) وتلك‬
‫الشروط هي‪ )1 :‬أن تكون صحيحة السندبالقراءة إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم متواترة من أول السند إلى‬
‫آخره؛ ‪ )2‬أن توافق العربية ولو احنماال؛ ‪ )3‬أن توافق الرسم العثماني‪( .‬السيوطي‪ )2008 ،‬من األمثلة للقراءات‬

‫‪298‬‬
‫مسطاري‪ ،‬موازنة بين املستصفي للغزالي وروضة الناظرالبن قدامة‬

‫اآلحادية أو الشاذة هي قراءة عبد هللا بن مسعود رض ي هللا عنه في قوله تعالى‪" :‬فمن لم يجد فصيام ثالثة‬
‫أيام"(سورة املائدة‪ )89 :‬متتابعات‪ ،‬فلفظ متتابعات ليس في املصحف العثماني‪ .‬لقد اختلف العلماء في القراءة غير‬
‫املتواترة‪ -‬أو الشاذة‪ -‬هل هي حجة في األحكام الشرعية الفقهية أو ال؟ اختلف العلماء في ذلك على مذهبين‪ ،‬األول‪:‬‬
‫أن القراءة الشاذة ليست بحجة‪ ،‬أي ال تثبت بها األحكام الفقهية نفيا أو إثباتا‪ .‬وهذا مذهب بعض الشافعية‪،‬‬
‫وبعض املالكية ورواية عن اإلمام أحمد؛ والثاني‪ :‬أن القراءة الشاذة حجة‪ ،‬تؤثر في األحكام الفقهية إثباتا ونفيا‪ .‬وهذا‬
‫مذهب بعض الشافعية‪ ،‬وأحمد في رواية‪ ،‬وقول أبي حنيفة فقال‪" :‬يجب‪ ،‬ألنه وإن لم يثبت كونه قرآنا فال أقل من‬
‫كونه خبرا‪ ،‬والعمل يجب بخبر اآلحاد"‪( .‬النملة‪)2006 ،‬‬
‫اختار اإلمام الغزالي رأي من قال بعدم حجية القراءة الشاذة‪ .‬ومما يشير إلي اختياره‪ ،‬أنه ملا انتهى اإلمام‬
‫من ذكر أدلة هذا املذهب ذكر مذهبا آخر وذكر حجته وناقشها اإلمام بقوله‪ " :‬وهذا ضعيف‪( .‬الغزالي‪ )1997 ،‬أما‬
‫ابن قدامة فاختار في هذه املسألة املذهب الذي قال بأن القراءة الشاذه حجة‪ ،‬صرح بذلك في كتابه الروضة فقال‪:‬‬
‫"والصحيح أنه حجة"‪ ،‬وذلك بعد ذكر املذهب القائل بأن القراءة الشاذة ليست بحجة ومناقشة أدلتهم‪( .‬املقدس ي‪،‬‬
‫‪)2010‬‬
‫بعد ما عرضنا املسألة وأن فيها مذهبين‪ ،‬وذكرنا اختيار اإلمام الغزالي املذهب الراجح عنده‪ ،‬وذكرنا أدلته‪،‬‬
‫وكذلك ذكرنا اختيار ابن قدامة املذهب الراجح في املسألة ودليله‪ ،‬رأينا أنهما مختلفان‪ ،‬فاإلمام الغزالي اختار القول‬
‫بعدم حجية القراءة الشاذة وابن قدامة اختار القول بأن القراءة الشاذة حجة وتثبت بها األحكام الفقهية‪ ،‬وهما قد‬
‫استدال باألدلة العقلية على صحة مذهب كل منهما‪.‬‬
‫‪ .3‬حصول العلم بأخباراآلحاد‬
‫اآلحاد جمع أحد‪ ،‬قياسا على "أبطال" جمع بطل‪ ،‬وهمزة "أحد" أصلها واو حيث كانت "واحد" فأبدلت‬
‫بهمزة فصار "أحد" أي خبر الواحد‪ .‬أما تعريفه اصطالحا فقد قال اإلمام الغزالي في كتابه املستصفى معرفا للمراد‬
‫به‪ " :‬اعلم أنا نريد بخبر الواحد في هذا املقام ما ال ينتهي من األخبار إلى حد التواتر املفيد للعلم فما نقله جماعة من‬
‫خمسة أو ستة مثال فهو خبر الواحد وأما قول الرسول عليه السالم مما علم صحته فال يسمى خبر الواحد"‬
‫(الغزالي‪ .)1997 ،‬وقال ابن قدامة في خبر الآلحاد‪" :‬وهي ما عدا املتواتر" (املقدس ي‪ .)2010 ،‬فهذان تعريفان لخبر‬
‫اآلحاد‪ ،‬وهما متفقان على أن خبر األحاد هو ما ال يصل إلى درجة التواتر‪ ،‬مع اختالفهما في التعبير‪( .‬الشحود‪ ،‬د‪.‬ت)‬
‫رأى اإلمام الغزالي أن خبر اآلحاد ال يحصل العلم به‪ ،‬فقال‪":‬خبر الواحد ال يفيد العلم وهو معلوم‬
‫بالضرورة"‪ .‬واستدل اإلمام الغزالي على أن خبر اآلحاد اليفيد العلم بأنا ال نصدق بكل ما نسمع ولو صدقنا وقدرنا‬
‫تعارض خبرين فكيف نصدق بالضدين‪( .‬الغزالي‪ )1997 ،‬أما ابن قدامة فإنه لم يصرح بمذهب معين في املسألة‪،‬‬
‫وإنما ذكر الروايات املختلفة عن اإلمام أحمد رحمه هللا تعالى في املسألة وذكر وجهة نظر كل رواية‪.‬‬
‫فيما مض ى ذكرنا اختيار اإلمامين في املسألة‪ ،‬ونرى اإلمام الغزالي أنه صرح في املسألة بأن خبر اآلحاد ال‬
‫يحصل به العلم‪ ،‬وأن هذا معلوم بالضرورة‪ ،‬وذكر وجهة نظره بأننا ال نصدق بكل ما نسمعه‪ ،‬ولو صدقنا جميع ما‬
‫‪299‬‬
‫‪Mustori, Comparison between al-Mustashfa and Raudhah al-Nazir‬‬

‫نسمعه ألفض ى إلى التعارض‪ .‬أما ابن فدامة فإنه توقف في املسألة فال يصرح بمذهبه‪ ،‬بل ذكر الروايات عن اإلمام‬
‫أحمد رحمه هللا تعالى‪ ،‬وذكر مذاهب العلماء فيه‪ ،‬وذكر وجهة نظر كل مذهب‪ ،‬ومع ذلك لم يصرح باختياره‬
‫للمذهب الراجح عنده‪.‬‬
‫‪ .4‬حكم دخول العوام في اإلجماع‬
‫اإلحماع في اللغة مصدر أجمع يجمع وهو بمعنى االتفاق‪ .‬أما اإلجماع في االصطالح فقد عرف اإلمام الغزالي‬
‫بأنه اتفاق أمة محمد صلى هللا عليه و سلم خاصة على أمر من األمور الدينية"‪( .‬الغزالي‪ )1997 ،‬وعرف ابن قدامة‬
‫بأنه‪" :‬اتفاق علماء العصر من أمة محمد صلى هللا عليه و سلم على أمر من أمور الدين"‪( .‬املقدس ي‪ )2010 ،‬اختلف‬
‫العلماء في حكم دخول العوام في اإلجماع على مذهبين مشهورين‪ ،‬فذهب جمهور األصوليين إلى عدم االعتبار بقول‬
‫العوام في اإلجماع مطلقا‪ ،‬؛ وذه بعض األصوليين إلى اعتبار قولهم‪( .‬السديس‪)2005 ،‬‬
‫ذهب اإلمام الغزالي إلى تصور دخول العوام في اإلجماع‪ ،‬وأن قولهم يعتبر فيه‪ ،‬واستدل على صحة ما رآه‪،‬‬
‫أن الشريعة تنقسم إلى ما يشترك في دركه العوام والخواص كالصلوات الخمس ووجوب الصوم والزكاة والحج فهذا‬
‫مجمع عليه والعوام وافقوا الخواص في اإلجماع وإلى ما يختص بدركه الخواص كتفصيل أحكام الصالة والبيع‬
‫والتدبير‪ ،‬فما أجمع عليه الخواص فالعوام متفقون على أن الحق فيه"(الغزالي‪ .)1997 ،‬واختار اإلمام ابن قدامة‬
‫مذهب الجمهور وهو قولهم إن العوام غير معتبر في اإلجماع مطلقا‪ ،‬فقال في الروضة‪ .‬ثم استدل للقول األخير‪ ،‬وبين‬
‫ما يلزم عليه من إبطال اإلجماع‪ ،‬ثم ذكر الرد عليه واالحتجاج للقول األول‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫في هذه املسألة خالف اإلمام ابن قدامة اإلمام الغزالي‪ ،‬فابن قدامة اختار املذهب القائل بأن العوام غير‬
‫معتبرين في اإلجماع وهو مذهب الجمهور‪ ،‬بينما الغزالي يرى أن العوام معتبرون قولهم في اإلجماع‪ ،‬ألن العوام‬
‫داخلون في اسم "املؤمنين" ولفظ "األمة" فقد قال هللا تعال‪" :‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع‬
‫غير سبيل املؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا" (سورة النساء‪ )115 :‬واستدل ابن قدامة على أن‬
‫العوام ال يعتبرون في اإلجماع بأدلة منها‪ )1 :‬أن القول بدخول العوام في اإلجماع يؤدي إلى ابطال اإلجماع‪ ،‬ألنه ال‬
‫يتصور قول األمة في حادثة واحدة؛ ‪ )2‬أن العامي ليس له آلة في هذا الشأن؛ ‪ )3‬أن العامي إذا قال قوال فإنما يقوله‬
‫عن جهل‪ ،‬وليس يدري ما يقول؛ ‪ )4‬وألنه انعقد اإلجماع على أنه يعص ي بمخالفة العلماء ويحرم عليه ذلك ولذلك‬
‫ذم النبي صلى هللا عليه و سلم الرؤساء الجهال الذين أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا‪ ،‬وقد وردت أخبار كثيرة بإيجاب‬
‫املراجعة للعلماء وتحريم الفتوى بالجهل والهوى‪(.‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫‪ .5‬إنقراض العصرهل هو شرط لإلجماع؟‬
‫اختلف العلماء في هل يشترط النعقاد اإلجماع موت جميع أهل العصر أم ليس من شرطه؟ اختلف‬
‫العلماء على ثالثة مذاهب‪ ،‬فذهب الجمهور إلى أن انقراض العصر ليس شرطا في اإلجماع‪ ،‬وقال بعض الشافعية‪،‬‬
‫وبعض املتكلمين‪ :‬إن انقراض العصر شرط في اإلجماع‪ ،‬وقال بعض العلماء بالتفصيل في املسألة‪ ،‬فإن كان‬
‫املجمعون قد اتفقوا بأقوالهم أو أفعالهم فليس بشرط‪ ،‬وإن كان اإلجماع بذهاب واحد من أهل الحل والعقد إلى‬

‫‪300‬‬
‫مسطاري‪ ،‬موازنة بين املستصفي للغزالي وروضة الناظرالبن قدامة‬

‫حكم وسكت الباقون عن االنكار فهو شرط‪ .‬من هذه املذاهب الثالثة رأينا اإلمام الغزالي يختار ويرجح املذهب‬
‫القائل بأن انقراض العصر ليس شرطا النعقاد اإلجماع‪ ،‬بل إذا اتفق األمة ولو بلحظة انعقد وصح اإلجماع‪ .‬ألن‬
‫الحجة في اتفاقهم ال في موتهم وقد حصل قبل املوت فال يزيده املوت تأكيدا وحجة اإلجماع اآلية والخبر وذلك ال‬
‫يوجب اعتبار العصر"‪(.‬الغزالي‪ )1997 ،‬بينما ابن قدامة لم يصرح باختياره للمذهب الراجح‪ ،‬وإنما ذكر في كتابه‬
‫الروضة روايتين عن إمامه أحمد‪ ،‬وقدم اإلمام القول بأن انقراض العصر شرط لصحة اإلجماع‪ ،‬ومن عاداته قدم‬
‫القول املختار عنده‪ ،‬وألنه ظاهر مذهب إمامه أحمد‪ ،‬وأطال الكالم حول هذا املذهب"‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫لو نظرنا إلى هذه املسألة‪ ،‬لوجدنا فيها أن اإلمام الغزالي وابن قدامة قد اختلفا في التصريح باملذهب املختار‬
‫في املسألة‪ ،‬فاإلمام الغزالي صرح باملذهب املختار عنده‪ ،‬وأن انقضاء العصر ليس بشرط لصحة اإلجماع‪ ،‬بل لو‬
‫اتفقت كلمة األمة على مسألة ولو في لحظة انعقد اإلجماع‪ ،‬وناقش اإلمام املذهب املخالف وأدلته‪ ،‬بينما اإلمام ابن‬
‫قدامة لم يصرح بمذهبه‪ ،‬ولكنه أشار إلى اختياره للمذهب الراجح عنده‪ ،‬فقدم ذكر املذهب القائل بأن انقضاء‬
‫العصر شرط لصحة اإلجماع‪ ،‬وأن هذا ظاهر مذهب إمامه أحمد ‪،‬وأطال الكالم فيه مما يدل على أنه مال إلى هذا‬
‫املذهب‪.‬‬
‫‪ .6‬حجية االستصحاب ودليل العقل‬
‫االستصحاب في اللغة فهو مأخوذ من الصحبة‪ ،‬واالستصحاب استفعال من الصحبة‪ ،‬وهي املالزمة‬
‫واملقارنة وعدم املفارقة‪( .‬املصري‪1414 ،‬ه) وأما تعريف االستصحاب عند األصوليين فقد عرف عياض السلمي‬
‫بأنه الحكم بثبوت أمر في الزمان الثاني بناء على أنه كان ثابتا في الزمان األول‪ .‬قسم اإلمام الغزالي االستصحاب إلى‬
‫أربعة أقسام ‪ )1:‬استصحاب العدم األصلي‪،‬حتى يرد دليل ناقل عنه؛ ‪ )2‬استصحاب العموم إلى أن يرد تخصيص‪،‬‬
‫واستصحاب النص إلى أن يرد نسخ؛ ‪ )3‬استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه؛ ‪ )4‬استصحاب اإلجماع في‬
‫محل الخالف‪ .‬وقسم ابن قدامة االستصحاب في كتابه الروضة على ثالثة أقسام‪ ،‬وهي‪ )1 :‬استصحاب العدم‬
‫األصلي‪ ،‬حتى يرد دليل ناقل عنه؛ ‪ )2‬استصحاب دليل الشرع؛ ‪ )3‬استصحاب حال اإلجماع‪( .‬السلمي)(د‪.‬ت)‬
‫أما حجية االستصحاب فإن اإلمام الغزالي رأى بحجيته ماعدا القسم الرابع وهو استصحاب اإلجماع في‬
‫محل الخالف‪(.‬الغزالي‪ )1997 ،‬ومذهب ابن قدامة في حجية االستصحاب فإنه رأى بحجيته في قسمين وعدم‬
‫حجيته في قسم واحد‪ ،‬أما القسمين اللذين رأى بحجيتهما هما‪ :‬استصحاب العدم األصلي‪ ،‬حتى يرد دليل ناقل عنه‪،‬‬
‫واستصحاب دليل الشرع‪ .‬والقسم الذي رآه ليس بحجة فهو استصحاب حال اإلجماع‪ .‬رجح اإلمام القول بعدم‬
‫حجيته‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫اتفق اإلمامان في حجية االستصحاب‪ ،‬وأنه حجة‪ ،‬ما عدا استصحاب حال اإلجماع في محل الخالف‪،‬‬
‫فإنهما اتفقا على أنه ليس بحجة‪ .‬إال أنهما اخلفا في تقسيم االستصحاب‪ ،‬قسم اإلمام الغزالي االستصحاب إلى أربعة‬
‫أقسام وقسم ابن قدامة إلى ثالثة أقسام مع اتفاقهما في ذكر مضمون األقسام كلها‪ .‬فابن قدامة جعل قسما باسم‬
‫استصحاب دليل الشرع‪ ،‬ضمنه قسمين من األقسام التي ذكرها الغزالي هما‪ :‬استصحاب العموم إلى أن يرد‬

‫‪301‬‬
‫‪Mustori, Comparison between al-Mustashfa and Raudhah al-Nazir‬‬

‫تخصيص‪ ،‬واستصحاب النص إلى أن يرد نسخ‪ ،‬واستصحاب حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه‪ .‬وبهذا تبين لنا أن‬
‫اإلمامين قد اتفقا في حجية االستصحاب ما عدا استصحاب االجماع في محل الخالف‪ ،‬وأنهما انفقا في مضمون‬
‫أقسام االستصحاب مع اختالفهم في طريقة عرضها‪.‬‬
‫‪ .7‬حجية شرع من قبلنا‬
‫املراد من شريعة من قبلنا هو ما نقل إلينا من أحكام تلك الشرائع التي كانوا مكلفين بها على أنها شرع هللا‬
‫تعالى لهم‪ ،‬وما بين لهم رسلهم‪ ،‬فهذه األحكام التي نقلت إلينا من شرائعهم هل النبي بعد البعثة واألمة من بعده‬
‫مكلفون باتباعها ومتعبدون بها أم ال؟ اختلف العلماء فيما أورده هللا في كتابه‪ ،‬وأورده رسوله في سنته من القصص‬
‫وألخبار واألحكام التي وردت في الشرائع السابقة من غير إنكار ‪ ،‬ولم يدل دليل على أنها منسوخة في حقنا مثل قوله‬
‫تعالى‪ " :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين واألنف باألنف واألذن األذن والسن بالسن والجروح‬
‫قصاص"( املائدة ‪ )45:‬لألصوليين في هذه املسألة قوالن مشهوران هما‪ :‬القول األول‪ :‬أنه شرع لنا‪ ،‬وهو حجة معتبرة‪،‬‬
‫ويلزمنا العمل به‪ .‬القول الثاني‪ :‬أنه ليس شرعا لنا‪ ،‬فبيس حجة‪ ،‬وال يلزمنا العمل به‪.‬‬
‫شرع من قبلنا ليس بشرعنا عند اإلمام الغزالي‪ ،‬وأنه ليس من أصول األدلة‪ ،‬وليس من األدلة‪ .‬مما يدل على‬
‫أن اإلمام اختار هذا املذهب قوله قبل شروعه إلى بيان األدلة املختلف فيها‪ :‬بيان ما يظن أنه من أصول األدلة وليس‬
‫منها ‪ .‬وقوله بعد ذكر أقوال العلماء في املسألة ‪:‬واملختار أن جميع هذه األقسام جائز عقال لكن الواقع منه غير‬
‫معلوم بطريق قاطع ورجم الظن فيما ال يتعلق به اآلن تعبد عملي ال معنى له‪ ،‬وبعد ذكره أدلة مذهب املخالفين‪ ،‬ورد‬
‫على االعتراضات املوجهة إليه‪ ،‬صرح اإلمام باختياره للمذهب الراجح عنده فقال‪" :‬واملختار أنه صلى هللا عليه وسلم‬
‫لم يتعبد بشريعة من قبلنا (الغزالي‪ )1997 ،‬أما ابن قدامة فإنه لم يصرح باختياره في مسألة‪ ،‬بل ذكر الروايتين عن‬
‫اإلمام أحمد‪ ،‬وبدأ بذكر الرواية التي قال فيها اإلمام بأن شرع من قبلنا شرع لنا‪ ،‬ثم ذكر الرواية األخرى‪ .‬ومن عادة‬
‫اإلمام ابن قدامة ومنهجه في عرض اآلراء أنه ذكر املذهب الراجح عنده ثم ذكر املذهب املرجوح‪ ،‬وذكر أدلته‪ .‬وهذا‬
‫إشارة منه أنه اختار املذهب القائل بأن شرع من قبلنا شرع لنا‪.‬‬
‫مما تقدم‪ ،‬تبين لنا أن اإلمامين اختلفا في املسألة‪ ،‬فإلمام الغزالي صرح بمذهبه في املسألة‪ ،‬أن شرع من‬
‫قبلنا ليس بشرعنا‪ ،‬أما ابن قدامة فذهب إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا ولو لم يصرح باختياره للمذهب املعين‪،‬‬
‫ولكن القرائن تدل عليه‪.‬‬
‫‪ .8‬حجية قول الصحابي‬
‫اتفق العلماء على أن قول الصحابي في مسألة إجتهادية إذا خالف قول صحابي آخر فيها فليس بحجة‪.‬‬
‫واتفقوا على أن قول الصحابي ليس بحجة على صحابي آخر‪ .‬واتفقوا أيضا على أن قول الصحابي إذا ظهر رجوعه‬
‫عن هذا القول فليس بحجة‪ .‬وقول الصحابي إذا انتشر بين الصحابة فلم ينكره أحد منهم فهذا حجة باتفاق‬
‫العلماء‪ .‬واختلف العلماء في قول الصحابي إذا كان في مسألة اجتهادية تكليفية لم تحتمل االشتهار فيما بين‬

‫‪302‬‬
‫مسطاري‪ ،‬موازنة بين املستصفي للغزالي وروضة الناظرالبن قدامة‬

‫الصحابة‪ ،‬ثم ظهر نقل هذا القول في التابعين ومن بعدهم ولم يرد عن غيره من الصحابة خالف ذلك‪( .‬النملة‪،‬‬
‫‪)2006‬‬
‫اختلف العلماء في حجية قول الصحابي على مذاهب كثيرة ‪ ،‬واملشهور مذهبان‪ :‬املذهب األول‪ :‬أن قول‬
‫الصحابي ليس بحجة‪ ،‬وهو مذهب بعض الحنفية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬وأحمد؛املذهب الثاني‪ :‬أنه حجة‪ ،‬وهو مذهب‬
‫بعض الحنفية وبعض الشافعية‪ ،‬وأحمد‪ .‬فيكون بذلك حجة‪ .‬اختار اإلمام الغزالى املذهب القائل بأن قول‬
‫الصحابي ليس بحجة‪ ،‬وقد أدخله في ضمن األصول املوهومة‪ ،‬وصرح بأنه ليس حجة‪ .‬وابن قدامة لم يصرح‬
‫باختياره للمذهب الراجح عنده‪ ،‬وإنما ذكر روايتين عن اإلمام أحمد‪ ،‬وابتدأ بذكر الروية التي قال فيها إن قول‬
‫الصحابي حجة‪ .‬وكأن اإلمام ابن قدامة اختار هذه الرواية‪ ،‬ألنه ذكرها في صدر املسألة‪ ،‬ومن عادته أنه ذكر القول‬
‫املرض ي أوال ثم أعقبه بذكر القول املخالف‪( .‬الغزالي‪)1997 ،‬‬
‫لو نظرنا إلى ما سبق في ذكر مذهبي اإلمام الغزالي واإلمام ابن قدامة لوجدنا أنهما مختلفان في املسألة‪،‬‬
‫فالغزالي اختار في املسألة القول بأن قول الصحابي ليس بحجة‪ ،‬وابن قدامة اختار القول بأنه حجة ولو لم يصرح‬
‫في االختيار‪ .‬واستدل اإلمام الغزالي على أنه ليس بحجة بأدلة عقلية فقال‪ ":‬فإن من يجوز عليه الغلط والسهو ولم‬
‫تثبت عصمته عنه فال حجة في قوله فكيف يحتج بقولهم مع جواز الخطأ وكيف تدعى عصمتهم من غير حجة‬
‫متواترة وكيف يتصور عصمة قوم يجوز عليهم االختالف وكيف يختلف املعصومان كيف وقد اتفقت الصحابة‬
‫على جواز مخالفة الصحابة فلم ينكر أبو بكر وعمر على من خالفهما باالجتهاد بل أوجبوا في مسائل االجتهاد على كل‬
‫مجتهد أن يتبع اجتهاد نفسه فانتفاء الدليل على العصمة ووقوع اإلختالف بينهم وتصريحهم بجواز مخالفتهم فيه‬
‫ثالثة أدلة قاطعة"‪ .‬واستدل ابن قدامة بقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم‬
‫اهتديتم"‪(،‬البيهقي‪ )2017 ،‬وأن الصحابة أقرب إلى الصواب وأبعد من الخطأ ألنهم حضروا التنزيل وسمعوا كالم‬
‫الرسول منه فهم أعلم بالتأويل وأعرف باملقاصد فيكون قولهم أولى كالعلماء مع العامة‪( .‬الغزالي‪)1997 ،‬‬
‫‪ .9‬حكم تأخيرالبيان عن وقت الحاجة‬
‫ال خالف بين العلماء أنه ال يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة‪ ،‬واختلفوا في تأخير البيان إلى وقت الحاجة‬
‫إلى أقوال‪ ،‬ذكره الغزالى في املستصفى وهي‪ :‬األول أنه جائز‪ ،‬وهو الحق عنده؛ الثاني عكسه‪ ،‬وهو مذهب املعتزلة ؛‬
‫الثالث فرق بين العام واملجمل‪ ،‬يجوز في املجمل وال يجوز في العام؛ والرابع فرق بين األمر والنهي‪ ،‬وبين الوعد‬
‫والوعيد‪ ،‬فلم يجوزوا تأخير البيان في الوعد والوعيد‪ .‬ومن هذه األقوال اختار اإلمام الغزالي املذهب القائل بأن‬
‫تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز‪ .‬أما ابن قدامة فإنه رأى أن تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة‬
‫جائز‪ ،‬حيث صدر املسألة بذكر املذهب القائل بجوازه‪ ،‬فكما عرفنا أن منهج ابن قدامة في عرض اآلراء أنه ذكر أوال‬
‫املذهب الراجح عنده‪ ،‬ثم ذكر مذاهب املخالفين وذكر أدلتهم‪( .‬الغزالي‪)1997 ،‬‬
‫ال خالف بين اإلمام الغزالي وابن قدامة في اختيارهما للمذهب الراجح في املسألة‪ ،‬فإنهما اتفقا على أن تأخير‬
‫البيان إلى وقت الحاجة جائز‪ ،‬إال أنهما اختلف في عبارة املسألة‪ ،‬فالغزالي عبرها بقوله‪ :‬تأخير البيان إلى وقت‬

‫‪303‬‬
‫‪Mustori, Comparison between al-Mustashfa and Raudhah al-Nazir‬‬

‫الحاجة‪ ،‬وعبر ابن قدامة بقوله‪ :‬تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة‪ ،‬واملعنى واحد‪ .‬ثم استدل الغزالي‬
‫على رجحان مذهبه بأربعة مسالك‪ ،‬واستدل ابن قدامة بوقوعه في الكتاب والسنة‪ ،‬وهما اتفقا على االستدالل‬
‫بقوله تعالى‪" :‬فإذا قرأناه فاتبع قرآنه‪ .‬ثم علينا بيانه" (سورة القيامة‪ .)19-18 :‬ووجه االستدالل‪ :‬أن "ثم" للتراخي‪.‬‬
‫‪ .10‬إذا ورد األمرمتجردا عن القرائن هل يقتض ي فعل املاموربه على الفور؟‬
‫اتفق العلماء على أن األمر إن صرح اآلمر بالفعل في أي وقت شاء أو قال‪ :‬لك التأخير فهو للتراخي‪ .‬واتفقوا‬
‫على أن األمر إن صرح اآلمر للتعجيل فهو للفور‪ .‬واختلفوا في األمر املطلق‪ ،‬أي األمر الذي لم يصرح اآلمر فيه‬
‫بالتعجيل أو التأخير هل يقتض ي الفور أم ال؟‪ .‬اختلف العلماء في هذه املسألة على ثالثة مذاهب‪ :‬األول أن األمر‬
‫املطلق يقتض ي فعل املأمور به على الفور‪ ،‬ذهب إلى ذلك أكثر الحنابلة‪ ،‬وبعض الحنفية‪ ،‬وجمهور املالكية؛ والثاني‬
‫أن األمر املطلق ال يقتض ي الفور وإنما يقتض ي االمتثال سواء كان مقدما أو مؤخرا‪ ،‬وهذا مذهب الشافعية؛ والثالث‬
‫ذهب الواقفية إلى أنه على الوقف في الفور والتراخي‪.‬‬
‫إن اإلمام الغزالي رجح القول بأن األمر املطلق ال يقتض ي الفور‪ ،‬وإنما يقتض ي االمتثال‪ ،‬سواء ذلك بالفور‬
‫أو بالتراخي‪ ،‬فقال‪" :‬واملختار أنه ال يقتض ي إال االمتثال ويستوي فيه البدار والتأخير" وهذا مذهب الشافعية‪ .‬وفي‬
‫مناقشته للمتوقفين ذكر دليال على أن األمر ال يتعرض للزمان قياسا على املكان والشخص في القتل فقال‪" :‬ألن‬
‫قوله اغسل هذا الثوب مثال ال يقتض ي إال طلب الغسل والزمان من ضرورة الغسل كاملكان وكالشخص في القتل‬
‫والضرب والسوط والسيف في الضرب ثم ال يقتض ي األمر بالضرب مضروبا مخصوصا وال سوطا وال مكانا لألمر‬
‫فكذلك الزمان ألن الالفظ ساكت عن التعرض للزمان واملكان فهما سيان"‪ .‬ورد اإلمام الغزالي على املذهب القائل‬
‫بأن األمر املطلق يقتض ي الفعل املأمور به على الفور بقوله‪" :‬وتحقيقه أن مدعي الفور متحكم وهو محتاج إلى أن‬
‫ينقل عن أهل اللغة أن قولهم افعل للبدار وال سبيل إلى نقل ذلك ال تواترا وال آحادا"‪(.‬الغزالي‪)1997 ،‬‬
‫أما ابن قدامة فاختار القول بأن األمر املطلق يقتض ي فعل املأمور به على الفور حيث صدر املسألة بقوله‪:‬‬
‫"األمر يقتض ي فعل املأمور به على الفور"‪ ،‬ومن منهج ابن قدامة في عرض اآلراء هو ذكره للمذهب الذي اختاره أوال‬
‫ثم يذكر املذاهب املخالفة وأدلته‪ .‬واستدل بقوله تعالى‪ " :‬وسارعوا إلى مغفرة من ربكم" (سورة آل عمران‪)133 :‬‬
‫فاستبقوا الخيرات أمر باملسارعة وأمره يقتض ي الوجوب‪ .‬واستدل أيضا بالداللة اللغوية حيث إن مقتضاه في اللغة‬
‫الفور‪ ،‬فإن السيد لو قال لعبده اسقني فأخر‪ ،‬حسن لومه وتوبيخه وذمه ولو اعتذر عن تأديبه على ذلك بأنه‬
‫خالف أمري وعصاني لكان عذره مقبوال‪ ،‬األمر ال بد من زمان‪ ،‬وأولى األزمنة عقب األمر‪ ،‬وأن جواز التأخير غير‬
‫مؤقت ينافي الوجوب‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫في هذه املسألة اختلف اإلمام الغزالي وابن قدامة في اختيارهما للمذهب الراجح‪ ،‬فالغزالي رأى في املسألة أن‬
‫األمر املطلق ال يقتدي فعل املأمور به على الفور‪،‬وإنما رأى أن أنه يقتض ي االمتثال فقط‪ ،‬ويستوي فيه البدار‬
‫والتراخي‪ ،‬واستدل اإلمام على صحة مذهبه بقياس الزمان على املكان والشخص‪ ،‬حيث إن األمر ال يتعرض للمكان‬

‫‪304‬‬
‫مسطاري‪ ،‬موازنة بين املستصفي للغزالي وروضة الناظرالبن قدامة‬

‫والشخص‪ ،‬وكذلك الزمان‪ .‬وابن قدامة رأى أن األمر املطلق يقتض ي فعل املأمور به على الفور‪ ،‬واستدل باآليات التي‬
‫أمر هللا فيها باملسارعة إلى فعل الخير‪ ،‬واألمر يقتض ي الوجوب‪ ،‬فيجب اإلمتثال‪.‬‬
‫‪ .11‬حكم اإلجتهاد في زمن النبي‬
‫اختلف العلماء في حكم االجتهاد ي زمن النبي صلى هللا عليه وسلم على مذهبين‪ :‬ذهب قوم إلى أنه ال يجوز‬
‫اإلجتهاد في زمن النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وذهب اآلخرون إلى جواز االجتهاد فيه‪ .‬ثم اختلفوا على ثالثة أقوال‪ :‬األول‬
‫يجوز التعبد باالجتهاد في زمن النبي صلى هللا عليه وسلم للغائب مطلقا‪ ،‬وال يجوز االجتهاد في حضرته إال بعد إذنه؛‬
‫والثاني يجوز االجتهاد في زمن النبي مطلقا‪ ،‬سواء كان بحضرته أو بغيبته دون إذن منه‪ ،‬وهذا مذهب أكثر الشافعية‪،‬‬
‫منهم اآلمدي‪ ،‬والرازي‪ ،‬وقول القاض ي أبي بكر الباكالني؛ والثالث يجوز االجتهاد في عصره للغائب والحاضر بشرط‬
‫ُ‬
‫إذنه أو للضرورة القصوى‪( .‬االجتهاد لغة‪ :‬من الجهد‪ ،‬والجهد الطاقة‪ ،‬قال ابن فارس‪ " :‬الجيم والهاء والدال أصل ُه‬
‫َ َّ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫حمل عليه ما يقارُبه‪ .‬يقال َج َه ْد ُت نفس ي ْ‬
‫ين ال َي ِج ُدون إال‬ ‫وأج َهدت ُ‬
‫والج ْهد الطاقة‪ .‬قال هللا تعالى‪ { :‬وال ِذ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫املشقة‪ ،‬ثم ُي َ‬
‫جهدهم ‪ ، "..‬وأما االجتهاد فمعناه‪ :‬بذل الجهد واستفراغ الوسع في فعل وال يستعمل إال فيما فيه جهد يقال اجتهد في‬
‫حمل الرحى وال يقال اجتهد في حمل خردلة‪ .‬واالجتهاد اصطالحا‪ :‬بذل الوسع في إدراك حكم شرعي بطريقة االستنباط‬
‫ممن هو أهل له"‪ ،‬وفي عرف الفقهاء أن االجتهاد مخصوص ببذل املجهود في العلم بأحكام الشرع)‬
‫في هذه املسألة اختار اإلمام الغزالى القول بأن االجتهاد في زمان النبي جائز مطلقا بحضرته وبغيبته‪ ،‬بدون‬
‫اشتراط اإلذن منه‪ .‬واستدل اإلمام على صحة ما ذهب إليه فقال‪ :‬أنه ليس في التعبد به استحالة في ذاته وال يفض ي‬
‫إلى محال وال إلى مفسدة وإن أوجبنا الصالح فيجوز أن يعلم هللا لطفا يقتض ي ارتباط صالح العباد بتعبدهم‬
‫باالجتهاد لعلمه بأنه لو نص لهم على قاطع لبغوا وعصوا"‪ ،‬فهذا دليله العقلي على جواز االجتهاد في زمن النبي‬
‫مطلقا‪ ،‬وفي أثناء جوابه لالعتراضات املوجهة إليه ذكر األدله النقلية على وقوع االجتهاد في زمن النبي منها قصة معاذ‬
‫رض ي هللا عنه‪( .‬الغزالي‪)1997 ،‬‬
‫وابن قدامة اختار ورجح القول بأن االجتهاد يجوز في زمن النبي صلى هللا عليه وسلم للغائب مطلقا‪ ،‬ويجوز‬
‫للحاضر بإذن من النبي‪ .‬واستدل ابن قدامة بأدلة‪ ،‬منها‪ :‬قصة معاذ حين قال أجتهد رأيي فصوبه‪ ،‬وقال النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم لعمرو بن العاص احكم في بعض القضايا‪ ،‬فقال‪ :‬اجتهد وأنت حاضر‪ ،‬فقال‪ :‬نعم إن اصبت فلك‬
‫أجران وإن أخطأت فلك أجر‪ .‬وقال لعقبة بن عامر ولرجل من الصحابة اجتهدا فإن أصبتما فلكما عشر حسنات‬
‫وإن أخطأتما فلكما حسنة‪ ،‬وغير ذلك من األدلة على جواز االجتهاد وقوعه في زمن النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫(املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫بعد ما نظرنا إلى اختيار اإلمام أبي حامد الغزالي واختيار اإلمام ابن قدامة وجدنا أنهما اتفقا على أن االجتهاد‬
‫في زمان النبي صلى هللا عليه وسلم جائز وواقع‪ ،‬إال أنهما اختلفا في هل ال بد من إذن النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫بحضرته أم ال؟ فابن قدامة رأى أن االجتهاد جائز بحضرة النبي‪ ،‬ولكن بإذن منه صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬بينما الغزالي‬

‫‪305‬‬
‫‪Mustori, Comparison between al-Mustashfa and Raudhah al-Nazir‬‬

‫لم ير ذلك‪ ،‬بل رأى أنه لم يقع االجتهاد في حضرة النبي حيث قال‪" :‬وأما وقوعه‪ ،‬فالصحيح أنه قام الدليل على‬
‫وقوعه في غيبته‪ ،‬بدليل قصة معاذ‪ ،‬فأما في حضرته فلم يقم فيه دليل‪( .‬الغزالي‪)1997 ،‬‬
‫‪ .12‬هل الحق في قول واحد من املجتهدين أو كل مجتهد مصيب؟‬
‫اختلف العلماء في مسألة هل الحق في قول واحد من املجتهدين أو كل مجتهد مصيب؟ على خمسة مذاهب‪.‬‬
‫فذهب الجمهور إلى أن املصيب واحد وما عداه مخطئ‪ ،‬وذهب بعض املتكلمين إلى أن كل مجتهد مصيب‪ ،‬وليس على‬
‫الحق دليل مطلوب‪ ،‬وذهب أهل الظاهر وبعض املتكلمين إلى أن اإلثم غير محطوط في الفروع‪ ،‬بل فيها حق متعين‬
‫عليه دليل قاطع‪ ،‬وذهب الجاحظ مناملعتزلة إلى أن مخالف ملة اإلسالم إذا نظر فعجز عن درك الحق فهو معذور‬
‫غير آثم‪ ،‬وذهب عبيد هللا بن الحسن العنبر إلى أن كل مجتهد مصيب في األصول والفروع جميعا‪.‬‬
‫(املقدس ي‪()2010 ،‬الغزالي‪)1997 ،‬‬
‫في هذه املسألة اختار اإلمام الغزالي املذهب الثاني وهو القول بأن كل مجتهد مصيب‪ ،‬وقسم املسألة إلى‬
‫قسمين‪ )1 :‬مسألة فيها نص للشارع‪ ،‬وقد أخطأ مجتهد النص فينظر فإن كان النص مما هو مقدور على بلوغه لو‬
‫طلبه املجتهد بطريقه فقصر ولم يطلب فهو مخطىء وآثم بسبب تقصيره ألنه كلف الطلب املقدور عليه فتركه‬
‫فعص ى وأثم وأخطأ حكم هللا تعالى عليه‪ ،‬أما إذا لم يبلغه النص ال لتقصير من جهته لكن لعائق من جهة بعد‬
‫املسافة وتأخير املبلغ والنص قبل أن يبلغه ليس حكما في حقه فقد يسمى مخطئا مجازا على معنى أنه أخطأ بلوغ ما‬
‫لو بلغه لصار حكما في حقه ولكنه قبل البلوغ ليس حكما في حقه فليس مخطئا حقيقة؛ ‪ )2‬مسألة ليس فيها‬
‫النص‪ ،‬فال يقع فيها الخطأ من باب األولى‪( .‬الغزالي‪)1997 ،‬‬
‫أما ابن قدامة فاختار في هذه املسألة مذهب الجمهور وهو القول بأن الحق واحد وما عدا ذلك فهو‬
‫مخطئ‪ .‬واستدل الجمهور على صحة قولهم بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة واإلجماع ودليل العقل أوردها ابن قدامة‬
‫في كتابه روضة الناظر‪ ،‬وفيما يلي أذكر منها‪ )1 :‬قول هللا تعالى‪" :‬وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه‬
‫غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكال آتينا حكما وعلما" (األنبياء‪ ،)79-78 :‬فلو استويا في‬
‫إصابة الحكم لم يكن لتخصيص سليمان بالفهم معنى؛ ‪ )2‬إخباره صلى هللا عليه وسلم أنه لإلنسان بحق أخيه‪ ،‬ولو‬
‫كان يأثم بذلك لم يفعله النبي ولو كان ما قض ى به هو الحكم عند هللا تعالى ملا قال قضيت له بش يء من حق أخيه‬
‫وال قال إنما أقطع له قطعة من النار‪ ،‬والصحابة رضوان هللا عليهم قد اشتهر عنهم في وقائع ال تخفى‪ ،‬إطالق الخطأ‬
‫على املجتهدين‪ ،‬من ذلك قول أبي بكر رض ي هللا عنه في الكاللة‪ :‬أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن هللا وإن يكن‬
‫خطأ فمني ومن الشيطان وهللا ورسوله منه بريئان‪( .‬املقدس ي‪)2010 ،‬‬
‫لو نظرنا إلى هذه املسألة لنجد أن اإلمامين قد اختلفا في الترجيح بين أقوال العلماء‪ ،‬فاإلمام الغزالى اختار‬
‫القول بأن كل مجتهد مصيب‪ ،‬وفصل اإلمام القول في املجتهدين‪ ،‬فقسم املسألة في حق املجتهدين على قسمين كما‬
‫ذكرتهما في السابق عند الكالم عن اختيار الغزالي في املسألة‪ .‬بينما ابن قدامة اختار القول بأن الحق واحد وما عداه‬
‫مخطئ وهو مذهب الجمهور‪ ،‬واحتج على صحة قوله بأدلة نقلية وعقلية‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫مسطاري‪ ،‬موازنة بين املستصفي للغزالي وروضة الناظرالبن قدامة‬

‫اخلالصة‬
‫وفي الختام يود الباحث ذكر النتائج التي توصل إليها من خالل ما تقدم بيانه قائال‪ :‬إن اإلمام الغزالي وابن‬
‫قدامة يسيران على منهج املتكلمين الذي يعنون بتأسيس القواعد وإقامة األدلة عليها‪ .‬فيذكر فيه مذاهب العلماء في‬
‫املسألة مقرونا بأدلتها ويذكر ما يراه راجحا مؤيدا بألدلة‪ ،‬ثم يناقش أدلة املخالفين ويبين وجه الخطأ فيما قالوه‪.‬‬
‫ولذلك بعد ما ذكرنا منهج اإلمام الغزالي وعقبه منهج اإلمام ابن قدامة‪ ،‬وجدنا فيه وجوه االتفاق بينهما‪ .‬فابن قدامة‬
‫تأثر كثيرا بالغزالي في تأليفه لكتاب األصول الذي هو كتاب روضة الناظر‪ ،‬فهو سلك مسلك اإلمام الغزالي في‬
‫املستصفى في الجملة‪ ،‬حتى إنه تبعه في إضافة املقدمة املنطيقية إلى كتابه‪ .‬كما تبعه في ترتيب أدلة األحكام‪.‬‬
‫ومن وجوه االتفاق بينهما في املنهج وهو منهجهما في التعريف‪ ،‬وفي االستدالل على اآلراء‪ ،‬وفي الترجيح بين‬
‫اآلراء‪ ،‬وبصفة عامة أن منهجهما لم يختلف كثيرا‪ .‬أما وجوه االختالف بينهما في املنهج هو ما يلي‪ )1 :‬اختالفهما في‬
‫عرض اآلراء‪ ،‬حيث اختلفا في نسبة األقوال إلى صاحبها‪ .‬فاإلمام الغزالي لم يهتم بنسبة األقوال إلى أصحابها‪ ،‬فكثيرا‬
‫ما أجده أن اإلمام الغزالي يستخدم عبارة "قال قوم" في عرض اآلراء‪ ،‬بينما ابن قدامة اهتم بنسبة األقوال‪ .‬واإلمام‬
‫الغزالي حرص على ذكر رواية القاض ي الباقالن‪ ،‬بينما ابن قدامة إهتم بذكر روايات اإلمام أحمد وأطال الكالم عنه؛‬
‫‪ )2‬اختالفهما في تقسيم الكتاب‪ ،‬فاإلمام الغزالي قسم الكتاب على أربعة أقطاب وفي كل قطب مسائل‪ ،‬وأما ابن‬
‫قدامة فإنه قسم الكتاب على ثمانية أبواب كما صرحا في مقدمة كتابهما املستصفى والروضة‪.‬‬
‫وفي االختيار والترجيح بين أقوال العلماء‪ ،‬وجذنا فيه وجوه االتفاق واالختالف بينهما‪ .‬اتفقا في االختيار‬
‫والترجيح بين األقوال في بعض املسائل األصولية‪ ،‬واختلفا في بعض آخر‪ ،‬ويمكن بيانها في الجدول التالي‪:‬‬
‫مالحظة‬ ‫اختيار‬ ‫مسألة‬ ‫رقم‬
‫اتفقا‬ ‫‪ 1‬هل املندوب مأمور به؟‬
‫اختلفا‬ ‫‪ 2‬حجية القراءة الشاذة‬
‫اإلمام ابن قدامة لم يصرح باختياره‬ ‫اختلفا‬ ‫‪ 3‬حصول العلم بأخبار اآلحاد‬
‫اختلفا‬ ‫‪ 4‬حكم دخول العوام في اإلجماع‬
‫اإلمام ابن قدامة لم يصرح باختياره‪ ،‬ولكن أشار إلى اختياره‬ ‫اختلفا‬ ‫‪ 5‬إنقراض العصر هل هو شرط‬
‫لإلجماع؟‬
‫مع اختالفهما في التفصيل‬ ‫اتفقا‬ ‫‪ 6‬حجية االستصحاب ودليل العقل‬
‫اإلمام ابن قدامة لم يصرح باختياره‪ ،‬ولكن أشار إلى اختياره‬ ‫اختلفا‬ ‫‪ 7‬حجية شرع من قبلنا‬
‫اختلفا‬ ‫‪ 8‬حجية قول الصحابي‬
‫إال أنهما اختلف في عبارة املسألة‬ ‫اتفقا‬ ‫‪ 9‬حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة‬
‫اختلفا‬ ‫‪ 10‬إذا ورد األمر متجردا عن القرائن هل‬
‫يقتض ي فعل املامور به على الفور ؟‬
‫إال أنهما اختلفا في هل ال بد من إذن النبي صلى هللا عليه وسلم‬ ‫اتفقا‬ ‫‪ 11‬كم اإلجتهاد في زمن النبي‬
‫بحضرته أم ال؟‬
‫اختلفا‬ ‫‪ 12‬هل الحق في قول واحد من املجتهدين‬
‫أو كل مجتهد مصيب؟‬
‫‪307‬‬
‫‪Mustori, Comparison between al-Mustashfa and Raudhah al-Nazir‬‬

‫املصادر واملراجع‬
‫أبو الحسين‪ ،‬أحمد بن فارس بن زكريا‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪( ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط ‪1399‬‬
‫ه‪1979/‬م‪ ،‬م‪.)6‬‬
‫أبو سليمان‪ ،‬عبد الوهاب إبراهيم‪ ،‬الفكر األصولي دراسة تحليلية نقدية‪( ،‬الشروق‪2010 ،‬م)‪.‬‬
‫الجوهري‪ ،‬أبو نصر إسماعيل بن حماد‪ ،‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪( ،‬القاهرة ‪ :‬دار الحديث‪ ،‬طبع سنة‬
‫‪1430‬ه‪2009/‬م)‪.‬‬
‫الدوسري‪ ،‬إبراهيم بن سعيد‪ ،‬املنهاج في الحكم على القراءات‪( ،‬الرياض‪ :‬الحضارة‪ 1424 ،‬ه)‪.‬‬
‫الذهبي‪ ،‬محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز شمس الدين‪ ،‬سير أعالم النبالء‪( ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط ‪11‬‬
‫‪1417‬ه‪1996/‬م)‪.‬‬
‫السديس‪ ،‬عبدالرحمن بين عبد العزيز بن عبد هللا‪ ،‬املسائل األصوالية املتعلقة باألدلة الشرعية التي خالف فيها ابن‬
‫قدامة في الروضة الغزالي في املستصفى‪ :‬استقراء ودراسة مقارنة‪( ،‬الرياض‪ :‬مكتبة الرشد‪1426 ،‬ه‪2005/‬م)‪.‬‬
‫السلمي‪ ،‬عياض بن نامي‪ ،‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله‪( ،‬الرياض‪ :‬دار التدمرية)‪.‬‬
‫السيوطي‪ ،‬عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين جالل الدين‪ ،‬اإلتقان في علوم القرآن‪( ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1429 ،1.‬ه‪2008 /‬م)‪.‬‬
‫الشحود‪ ،‬علي بن نايف‪ ،‬املفصل في علوم الحديث‪( ،‬الهيئات العلمية والخيرية)‪.‬‬
‫العيسوي‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬مناهج البحث في الفكر اإلسالمي والفكر الحديث‪( ،‬دار الراتب الجامعية‪ ،‬ط‪1997‬م)‪.‬‬
‫الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد الطوس ي‪ ،‬املستصفى من علم األصول‪( ،‬الرياض‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪،1 .‬‬
‫‪1417‬ه‪1997 /‬م)‪.‬‬
‫مجمع اللغة العربية‪ ،‬معجم الوسيط‪( ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬ط‪ 5‬سنة ‪1432‬ه‪2011/‬م)‪.‬‬
‫املصري‪ ،‬أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور اإلفريقي‪ ،‬لسان العرب (بيروت – لبنان‪ :‬دار صادر‪،‬‬
‫‪1414‬ه)‪.‬‬
‫املقدس ي‪ ،‬موفق الدين عبد هللا بن أحمد بن محمد بن قدامة‪ ،‬روضة الناظر وجنة املناظر‪( .‬بيروت‪ -‬لبنان‪ :‬إحياء‬
‫التراث العربي‪ ،‬ط‪1431 ،1 .‬ه‪2010/‬م)‪.‬‬
‫النملة‪ ،‬عبد الكريم بن علي بن محمد‪ ،‬إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر في أصول الفقه على مذهب اإلمام‬
‫أحمد بن حنبل‪( ،‬الرياض‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬ط‪1427 ،3 .‬ه‪2006 /‬م)‪.‬‬

‫‪308‬‬

You might also like