You are on page 1of 13

‫مجلة " املرتقىي "‬ ‫املجلد‪ /5:‬العدد‪ / 1:‬مارس ‪2022‬‬

‫السردي والأثنوغرافي في الرواية العمانية‬


‫‪Narrative and Ethnography in the Omani novel‬‬
‫د‪.‬نوال بومعزة‬
‫جامعة الشهيد حمه لخضر الوادي‪/‬الجزائر‬
‫‪Nawalboumaza12@gmail.com‬‬

‫تاريخ القبول‪2622/60/10:‬‬ ‫تاريخ الاستلام‪2622/60/60:‬‬

‫ّ‬
‫امللخص‪:‬‬
‫تهدف هذه الدراسة إلى محاولة رصد مدى انفتاح عالم الرواية على خطابات غير أدبية من مثل‬
‫توظيف مظاهر ألاثنوغرافيا‪ ،‬وقد اكتسبت الرواية العمانية من الخصائص الفنية وألاسلوبية والداللية ما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التميز في البنية السردية التي‬ ‫مكنها من الانفتاح على عوالم الحضارات والتاريخ‪ ،‬فالقارئ ملتنها يلمح ذلك‬
‫تحتضن العديد من الخطابات‪ ،‬ولتأكيد هذه الخاصية تحاول هذه املقاربة مالمسة نصوص روائية عمانية‬
‫من مثل رواية القناص للكاتب زهران القاسمي ورواية الجاعد ألابيض للكاتب خالد الكندي ورواية الجوهرة‬
‫والقبطان للكاتبة زوينة الكلباني‪ ،‬والنصوص كثيرة في ألادب العماني‪ .‬ولتتبع تضافر السردي مع ألاثنوغرافي في‬
‫النصوص السابقة الذكر‪ ،‬اعتمدت آليات النقد الثقافي مع الاستعانة بمنجزات السرديات الحديثة خاصة ما‬
‫تعلق ألامر بذكر عالم ألاسماء املوظفة من شخصيات وقرى وبحار ومدن وتضاريس جغرافية‪ ،‬وعادات وتقاليد‪.‬‬
‫ومن خالل ما سبق حاولت الاشتغال على إلاشكاليات آلاتية‪:‬‬
‫كيف تتجلى املظاهر ألاثنوغرافية في الرواية العمانية؟ وكيف يخدم الخطابان بعضهما البعض؟‬
‫ماهي جماليات هذا التضافر؟ وماهي مضمراته؟‬

‫الكلمات املفتاحية‪ :‬السردي‪ ،‬ألاثنوغرافي‪ ،‬الرواية العمانية‪ ،‬تضافر‪.‬‬

‫‪ABSTRACT:‬‬
‫‪The Omani novel has acquired the technical, stylistic and semantic characteristics that‬‬
‫‪enabled it to open up to the worlds of civilizations and history, the reader of its hints that‬‬
‫‪excellence in the narrative structure that embraces many letters, and to confirm this characteristic‬‬
‫‪this approach tries to touch Omani novel texts such as the novel The Sniper by Zahran Al Qasimi,‬‬
‫‪the novel in Omani literature. In order to trace the alignment of narrative with etnography in the‬‬
‫‪above-mentioned texts, mechanisms of cultural criticism have been adopted with the help of the‬‬
‫‪achievements of modern narratives, especially with regard to the mention of the world of names‬‬
‫‪employed by personalities, villages, seas, cities, geographical topography, Customs and traditions.‬‬
‫‪Through the above I have tried to work on the following problems:‬‬

‫‪99‬‬
‫السردي وألاثنوغرافي في الرواية العمانية‬ ‫د‪.‬نوال بومعزة ‪-‬‬

‫‪How are the etnographic manifestations reflected in the Omani novel? And how do the‬‬
‫?‪two speeches serve each other? What are the aesthetics of this car is? And what are its implications‬‬
‫‪Keywords: Narrative, Ethnography, Omani narrative, Synergy‬‬
‫‪ 1‬ـ بورتريه عن ّ‬
‫تطور الرواية العمانية‪:‬‬
‫إذا ما تصفحنا ألادب العماني‪ ،‬وخاصة مجال الرواية نلحظ ذلك ّ‬
‫التنوع الهائل في النصوص رغم‬
‫حداثة التجربة الروائية العمانية‪ ،‬والجدير بالذكر ّأن هناك إجحاف كبير فيما يخص تناول هذه الظاهرة‬
‫إلابداعية في الدراسات النقدية العربية املعاصرة‪ ،‬ونكاد نجزم أن افتقار املكتبة العربية عامة والعمانية‬
‫خاصة إلى الدراسات ألاكاديمية حول الرواية في عمان يعود إلى ّأنها حديثة العهد‪ ،‬فعمرها ليس أكثر من عمر‬
‫النهضة العمانية الحديثة‪ ،‬التي أشرقت شمسها سنة ألف وتسع مائة وسبعين للميالد‪ ،‬وهي بذلك تلتقي مع‬
‫يعد عبد هللا الطائي ضمن قائمة‬‫القصة العمانية في تزامن كتابتها في التاريخ والحدث املشار إليهما آنفا‪ ،‬و ّ‬
‫أوائل العمانيين الذين كتبوا الرواية‪.‬‬

‫أصدر عبد هللا الطائي رائد الرواية العمانية روايتين ألاولى ‪ :‬مالئكة الجبل ألاخضر ‪ ،8591‬أما الرواية‬
‫التطورية للرواية العمانية يلحظ أن مشهدها‬ ‫ّ‬ ‫الثانية الشراع الكبير فنشرت عام ‪ ،8591‬و ّ‬
‫املتتبع للمسارات‬
‫لكتاب شباب يطمحون إلى مغامرة الكتابة‬ ‫املتنوعة ّ‬
‫ّ‬ ‫وتنوعا‪ ،‬حيث تتالت إلاصدارات‬‫اليوم أصبح أكثر وضوحا ّ‬
‫تقدما على مستوى البنيتين الشكلية واملوضوعاتية‪ّ ،‬‬
‫وتنوعت‬ ‫وتصوراتهم‪ ،‬فحققوا بذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫التي تعكس أفكارهم‬
‫وتعددت‪ ،‬فمنها من يكتب الرواية للمرة ألاولى‪ ،‬ومنها من قدم من منطقة القصة القصيرة‪ ،‬كما‬ ‫بذلك ألاسماء ّ‬
‫ّ‬
‫قدم آخرون من منطقة الشعر‪ ،‬وقد واكب مؤخرا الرواية جيل من الكتاب أوجدوا ألنفسهم مكانا في‬
‫مساحاتها السردية ألاوسع‪ ،‬وهو ما بدا ظاهرة عامة ّتوجه الشعراء إلى الكتابة سردا في حين استمر عدد قليل‬
‫من جيل الثمانينات والتسعينات في كتابة روايات جديدة‪ ،‬وغاب بعضهم آلاخر قسرا أو اختيارا ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وتصوراتها‬ ‫لقد سعت الرواية العمانية عبر مسيرة ارتحاالتها إلى نقل قضايا الذات العمانية وهمومها‬
‫ّ‬
‫من خالل طرح العديد من املواضيع التي تشكل بالدرجة ألاولى خصوصية املجتمع العماني‪ ،‬وقد شكل محور‬
‫سرد الصحراء ثيمة بارزة في الرواية العمانية منذ نشأنها إلى يومنا هذا‪ ،‬فال شك أن لكل مجتمع خصوصية‬
‫ّ‬
‫توجهات الكتابة الروائية العمانية‪ ،‬فكان‬ ‫ولعل الطبيعة الصحراوية للمجتمع العماني قد أثرت في‬ ‫ّ‬
‫تميزه‪ّ ،‬‬
‫التغني بها‪ ،‬وكان الحديث عن قسوتها وصعوبة مناخها‪ ،‬كما عكست ألاعمال الروائية الصراع بينها وبين محور‬
‫املدينة‪ ،‬لذلك سنحاول من خالل هذه الدراسة مالمسة هذه الظاهرة السردية امللفتة لالنتباه‪ ،‬والتي تشير من‬
‫فنية جمالية جديدة تنقل‬ ‫خالل تجلياتها إلى ميزات الكتابة الروائية العمانية التي تحاول البحث عن قوالب ّ‬
‫ذلك الزخم الهائل في املوضوعات املستقاة من طبيعة التركيبة العمانية‪.‬‬

‫‪2‬ـ مظاهر ألاثنوغرافيا في الرواية العمانية‪.‬‬


‫ّ‬
‫أثبت الدراسات النقدية واملعرفية املعاصرة الصلة القوية التي تربط ألادب بمختلف البنيات الاجتماعية‬
‫والثقافية ألاخرى‪ ،‬وخاصة في ميدان العلوم إلانسانية التي تشترك في تيمة واحدة‪ ،‬وهي الانسان‪ّ .‬‬
‫ولعل العالقة‬
‫بين الرواية والبحث ألاثنوغرافي تجسد هذا الطرح‪" ،‬فاألثنوغرافيا تعبر الحدود الفاصلة بين التخصصات‬

‫‪100‬‬
‫مجلة " املرتقىي "‬ ‫املجلد‪ /5:‬العدد‪ / 1:‬مارس ‪2022‬‬

‫املتنوعة‪ ،‬ملقية الضوء على كل ما يحيط باإلنسان من ظروف‪ ،‬وعلى‬ ‫ّ‬ ‫وتحشد الطاقات العلمية والبحثية‬
‫تفاعله مع هذه الظروف وما أحدثه من تغييرات مادية ملموسة أو معنوية وقيمية ّ‬
‫مجردة في بيئته‪ ،‬كما تدرس‬
‫ّ‬
‫املحلية والفلكلورية وألاساطير وألعاب ألاطفال‬ ‫البيئة الجغرافية والطقس ووسائل العيش والتكنولوجية‬
‫وعالقات القرابة‪1 ".‬‬
‫ولو عدنا إلى النصوص الروائية العمانية املختارة في هذه الدراسة لوجدناها تعج بمجاالت ومباحث‬
‫ّ‬
‫أثنوغرافية‪ ،‬فسواء قصد كتابها توظيف تلك املظاهر أم لم يقصدوا‪ ،‬فاألمر متروك للقراءة وتحليل البنى‬
‫الثقافية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬البحث عن الذات ورحلة القنص ألاثيرة في رواية القناص للكاتب زهران القاسمي‪.‬‬
‫ّ‬
‫املتميز في أسلوبه وتوجهه في الكتابة زهران‬ ‫تقودنا املغامرة القرائية في رواية القناص للكاتب العماني‬
‫القاسمي إلى إعالن عالقة حتمية وضرورية بين السرد والتخصص ألاثنوغرافي‪ ،‬فالرواية تعج باملظاهر‬
‫الجغرافية وإلانسانية والاجتماعية من عادات وتقاليد‪ ،‬ففي الصفحة ألاولى من الفصل ألاول من الرواية‬
‫نجد وصفا مكثفا لألمكنة ومظاهر الطبيعة‪ .‬تسرد الرواية رحلة قناص احترف مهنة مطاردة تيوس الوعل‪،‬‬
‫وازدادت هذه الرغبة مع ألايام والسنون لتنشأ عالقة وطيدة بينه وبين تيس الوعل الذي أصبح يجاريه في‬
‫املطاردة ولم يكن هدفا سهال له‪ .‬وأثناء هذه الرحلة يقودنا الكاتب من خالل السارد إلى عولم البيئة العمانية‬
‫املتميزة‪ ،‬فنقرأ‪ ":‬عند مدخل كهف كبير في قمة الجبل البعيد يربض تيس الوعل‪ ،‬منحنيا رأسه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الصحراوية‬
‫مغمضا عينيه‪ ،‬داخال في سبات عميق‪.‬‬

‫كانت شجرة ظفر تقف أسفل املدخل تحيط بها نباتات القضب ذات الزهور اللؤلؤية الصفر‪،‬‬
‫قناص قديم‪ ..‬يتنقل طائر أبو صريد‬ ‫بعيدانها الخضر الرقيقة‪ ،‬التي تتشعب ممتدة مثل سهام خارجة من كنانة ّ‬
‫الصغير من سفح إلى آخر‪ ،‬يقف على غصن الشوع ثم يفارقه إلى شجرة لقم كبيرة‪ ،‬ال يقف في مكان واحد‪،‬‬
‫إنه يقفز بين أغصان الشجرة‪ ،‬يطير إلى شجرة لقم أخرى نبتت في قلب حجارة الشرجة عند يمين الكهف‪.‬‬
‫يغرد أبو صريد وهو يمارس انتقاله الفوضوي مالئا املكان بصوت يشبه إلى حد ما رنين سلسلة معدنية‪،‬‬
‫تحول السرد في‬ ‫تأخذه السفوح بين جوانبها‪ ،‬سرعان ما يجيبه طائر أبو صريد آخر من إحدى القمم‪ 2"..‬لقد ّ‬
‫هذا املقطع إلى عرض وثائقي يصف البيئة العمانية وصفا دقيقا‪ ،‬وتنتشر مثل هذه املقاطع في املتن وبشكل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مكثف‪ ،‬وفي هذا السياق تؤكد الناقدة فاطمة محسن أنك حين " تدخل الرواية ( القناص) حافيا فتضطر‬
‫ّ‬
‫متخيال مليئا ب ـ‪:‬‬ ‫للعودة الرتداء أقوى ألاحذية ألنك ستتسلق الجبال وتطارد الوعول‪ 3".‬تستعرض الرواية فضاء‬

‫أ ـ أمور الفالحة‪ ":‬تعلمت أمور الفالحة وصعود النخيل‪ ،‬تعلمت كيف أقيس أثر الظل ومتى يكون موعد ماء‬
‫الفلج حاضرا‪ ،‬اقتربت أكثر من ألارض‪ ،‬من طينها وحشائشها وحشراتها‪ ،‬حرثتها وقلبت تربتها‪ ،‬مشيت في مائها‬
‫العكر‪ ،‬قطفت ثمارها وا ستظللت بظالله‪ ،‬ثم حفظت مطالع النجوم في ليلها واستمعت إلى همس الجنيات في‬
‫العتمة‪4".‬‬

‫ب ـ التأقلم مع الطبيعة‪ " :‬أن تذهب إلى الجبال‪ ،‬يعني أن تصير كائنا جبليا متوحشا‪ ،‬تفهم ما تعني لك‬
‫ألاصوات من حولك وما تعني حركة الحشرات والطيور‪ ،‬حتى حفيف الشجر‪ ،‬البد لك من قراءة ما يدور في‬
‫‪101‬‬
‫السردي وألاثنوغرافي في الرواية العمانية‬ ‫د‪.‬نوال بومعزة ‪-‬‬

‫املكان‪ ،‬فالظالل تقول لك شيئا وزعيق الريح على السفوح يخبرك بالحكاية وفي الليل تعوي الثعالب متنبئة‬
‫بما سيصير غدا أو أن تسهر على الصوت حتى تسكتها عن ذلك النعيب املتواصل الذي يقلق رقدتك وعليك‬
‫أن تفتح أذنيك وعينيك لترى الحياة من حولك مكتملة في كل ش يء"‪.5‬‬

‫عدة الصيد جاهزة‪ ،‬حقيبة ممتلئة بكل ألاشياء الهامة‪ ،‬دلة مع عبوة قهوة‪ ،‬علب‬‫ج ـ أمور الصيد وأدواته‪ّ " :‬‬
‫الكبريت‪ ،‬كيس تمر‪ ،‬خلطة بهارات‪ ،‬ما يكفي من الرز والسمك اململح‪ ،‬وقطع لحم املظبي املجفف‪ ،‬ملح‪،‬‬
‫الشاي والسكر‪ ،‬فناجين‪ ،‬خبز‪ ،‬حذاء‪ ،‬مخصص لطلوع الجبال‪ ،‬مصباح يدوي‪ ،‬بطاريات‪ ،‬سكين‪ ،‬قميص‪،‬‬
‫وإزار ومالبس داخلية‪ ،‬شرشف‪ ،‬ناموسية‪ ،‬منظار‪ ،‬قربة املاء وقبل كل ش يء البندقية وحزام الطلقات‪ 6".‬لقد‬
‫حمل السرد في املقاطع السردية السابقة الذكر شحنات معرفية أثنوجرافيا تبحث في كل ما يحيط بالقناص‬
‫العماني ذلك يبحث عن ذاته من خالل البحث عن ذلك الوعل الذي يتحداه في كل ّ‬
‫مرة‪.‬‬

‫د ـ أنسنة ألاشياء‪ :‬يحدث الكاتب زهران القاسمي عالقة أنسنة بين السارد البطل وبندقيته منطلقا من ّأن"‬
‫ّ‬
‫الفنان يؤسس تجليات العالم الخارجي ويدخلها إلى عمله الفني‪ ،‬ويدعها تقوم بدورها إلانساني الجديد‪ ،‬ليسهم في‬
‫خلق املناخ العام الذي يطمح أن يحققه وليجعلها تتجاور مع إلانسان ومشاعره وأفكاره‪ ،‬كي تشاركه املعاناة والقهر‬
‫وفنية‪ ،‬تسعى إلى تفسير ألاحداث تفسيرا دخيال ّ‬
‫متميزا‪،‬‬ ‫والفرح في الحياة‪ ،‬وتجيئ هذه املجاوزة نتيجة لحاجة ذاتية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتصوير الحياة تصويرا خالقا برؤية جديدة تتسم بالشمولية وإلانسانية املطلقة ‪ 7".‬تظهر هذه امليزة بشكل‬
‫أساس ي في العالقة التي أقامها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ثيمة البحر في رواية الجوهرة والقبطان للكاتبة زوينة الكلباني‪.‬‬


‫عرف املكان الروائي تنويعات مختلفة في مرافقته الرتحاالت الرواية‪ ،‬فالتصقت به صفات الواقعية‬
‫والوصف املادية زمن الروايات الكالسيكية والواقعية‪ ،‬وها هو ينتقل زمن الرواية الجديدة من تلك الصفات‬
‫ّ‬
‫إلى الالمكان‪ ،‬واملكان املظلم‪ ،‬واملجهول‪ ،‬وعوالم الخيال واستعادة الذاكرة باستخدام قراءة إحصائية لحجم‬
‫مثل حضورها جزءا ّ‬‫ّ‬
‫مهما في التشكيل الفني‬ ‫ظهور ألامكنة في رواية الجوهرة والقبطان نجد بروز أمكنة بعينها‪.‬‬
‫والجمالي للرواية ككل‪.‬‬

‫ينتشر في أنحاء الرواية عبق املكان الشاعري‪ ،‬الهيولي الذي يدعو القارئ إلى رحلة صيد ممتعة‪،‬‬
‫ّ‬
‫فالكتابة الجديدة التي تنشد التجريب الروائي‪ ،‬ما هي إال "رحلة صيد القتناص الروح الشعرية إن ُوجدت‪،‬في‬
‫املثل‪ ،‬في السيرة‪ ،‬في اليومي‪ ،‬في التاريخي‪ ،‬في إلاعالن‪ ،‬في املهمل‪ ،‬تعالج هذه املقاربات وغيرها الكثير بما تحمله‬
‫لتحولها إلى عالمات تنتج شعرية كي يصبح الشعر كائنا ال محددا وال نهائيا‪،‬‬‫من أضواء وألوان وسبل إخراج ّ‬
‫يهندس تناسقه من حساسية تناقضه الداخلي‪ ،‬ويبعث حركته الدائبة القلقة من سكونه الوهمي‪ ،‬وفيضا من‬
‫إشعاع يخلق نظاما في الفوض ى في النظام ويلفت انتباه النثر إلى قابلياته الشعرية "(‪ .)7‬هندست الكاتبة‬
‫العمانية زوينة الكلباني أنظمة أمكنة في رواية الجوهرة والقبطان‪ 8‬وفق ثيمة البحر‪ ،‬فكان املحور ألاساس ي في‬
‫ّ‬
‫تحرك ألاحداث إن لم نقل شكل البحر لوحده شكل شخصية البطل بكل تمظهراته املختلفة‪ .‬فقد ارتبط‬
‫ّ‬
‫فتحول البحر بهذا املعنى إلى مسار من‬ ‫ارتباطا بالبطل صالح‪ ،‬وقصة صموده وشجاعته وهو يقود سفينته‪،‬‬

‫‪102‬‬
‫مجلة " املرتقىي "‬ ‫املجلد‪ /5:‬العدد‪ / 1:‬مارس ‪2022‬‬

‫الارتقاء السحري العجيب‪ ،‬حيث أصبح مساويا لألسطورة وحامال معاني " الحياة‪ ،‬الكتابة‪ ،‬الحروب‪ ،‬وألاحزان‬
‫وهو أيضا عنصر مفاجأة للراوي ‪ /‬البطل في حمله أخبار من كان على متن السفينة‪.‬‬
‫ّ‬
‫املتخيلة التي جمعت‬ ‫وفي حقيقة ألامر فعوالم رواية الجوهرة والقبطان تقوم على القصة العاطفية‬
‫صالح بمنال وعالقته بزوجته سعاد‪ " ،‬فاملشاهد املتعددة التي حفلت بها الرواية عن مواجهة السفينة‬
‫الشراعية لإلعصار‪ ،‬ولتقلبات ألاجواء‪ ،‬وعواصف املحيط‪ ،‬وغضب الطبيعة العنيف‪ ،‬تذكرنا برواية املغامرات‬
‫ّ‬
‫التي ال يقبل فيها إال ش يء واحد‪ ،‬وهو انتصار البطل على كل ش يء ‪ 9"..‬فالرواية تالمس فن املالحة العربية‬
‫وبهذا فالجوانب ألاثنوغرافية ترصد خصائص هذا الفن في الخليج العربي وبحر العرب‪ ،‬واملحيطين الهندي‬
‫وألاطلس ي واملمرات البحرية واملضايق املائية التي تربط فيما بين دول العالم القديم والحديث‪ّ ،‬‬
‫فتكونت لوحة‬
‫ّ‬
‫متخيلة محورها ألاول البحر وخصائصها "ألاهمية الاقتصادية واملوقع الاستراتيجي للمضيق جعل منه‬ ‫سردية‬
‫منطقة مستهدفة لعمليات القرصنة التي تهدد أمن املالحة البحرية واستقرار التعامل الاقتصادي بين الدول‬
‫الثالث املطلة على املضيق( أندونيسيا‪ ،‬وماليزيا‪ ،‬وسنغافورة) مما حدا بهم إلى زيادة عمليات الحراسة‬
‫والتفتيش بواسطة البواخر الحربية‪ ،‬وذلك للحد من تنامي ظاهرة القرصنة"‪10.‬‬
‫تعكس رواية الجوهرة والقبطان العالقة الوطيدة بين الانسان والبحر‪ ،‬وخاصة العماني املشهور‬
‫بتقديس هذه العالقة‪ "،‬فالبحر يتهيأ لوداع الشمس في سكون مهيب‪ ،‬تبدو السفينة أكثر عزلة حينما ادلهم‬
‫الظالم‪ ،‬السماء مزخرفة بنجوم كثيرة‪ ،‬ال تستطيعون السير في البحر دون الاهتداء بالنجوم‪ ،‬ثمة تشابه كبير‬
‫بين املالحة البحرية والسفر في البيداء كالهما معتمد اعتمادا كبيرا على الاسترشاد بالنجوم‪ ،‬وال عجب أن‬
‫يسمى الجمل بسفينة الصحراء‪ ،‬كل ش يء له تفسير ومعنى في عرض البحر‪ :‬حركة الريح‪ ،‬واملوج‪ ،‬والهواء‪،‬‬
‫والنجم‪ ،‬والغيم‪ ،‬والسحب"‪11.‬‬
‫دمجت الكاتبة بين البنيتين السردية وألاثنوغرافية في محاولة إلنشاء فرجة معرفية وتاريخية تثبت‬
‫دور السرد في تقديم الواقعي والتاريخي‪.‬‬

‫‪ -1‬الخطاب السياحي في رواية ثالوث وتعويذة للكاتبة زوينة الكلباني ‪.‬‬


‫يتجه املنجز السردي ثالوث وتعويذة‪ 5‬للكاتبة العمانية زوينة الكلباني‪ 12‬إلى تحقيق ّ‬
‫تميز على مستوى‬
‫البنية الشكلية في اختيار العنوان فثالوث املوت‪ ،‬الخوف‪ ،‬الحب‪ ،‬يطارد بطلة الرواية نورة في رحلتها ما بين‬
‫ّ‬
‫يتجسد في‬ ‫لندن وسلطنة عمان‪ ،‬حيث حقق الترابط النسقي بين ألاحداث والشخصيات هدف الكاتبة الذي‬
‫ّ‬
‫جذب أكبر عدد من املقروئية على مستوى التلقي‪ ،‬فسرد ارتحاالت البطلة ما هو إال تفريغ لخفايا املرأة‬
‫العمانية‪ ،‬وعرض لقضاياها وتوجهاتها‪.‬‬

‫ّإن استثمار آليات البحثين السيميائي والتداولي يعمل على اكتشاف تجليات الخطاب السياحي في‬
‫رواية ثالوث وتعويذة‪ " ،‬فالسيميائية تبحث في العالمات وقوانين إنشاء الحكاية‪ ،‬وتنفتح على الوسط املادي‬
‫والتقني حتى تتجاوز ألانساق املغلقة لألثر وتنفتح على ألانساق ّ‬
‫املولدة له فتتجاوز وصفه إلى محاولة فهمه‬
‫وتأويله من منطلق عمليات استداللية يعمل على إعادة تشكيل العمليات إلابداعية غير الواعية مستعينة‬

‫‪103‬‬
‫السردي وألاثنوغرافي في الرواية العمانية‬ ‫د‪.‬نوال بومعزة ‪-‬‬

‫بمختلف العلوم إلانسانية استقصاء لالحتماالت املعني فيها"‪ 13‬فحين تعمل التداولية " على إعادة بناء‬
‫الحاالت الخارجية املؤثرة في تشكيل الخطاب والانتباه إلى سياقات نشأته جمالية كانت أو فكرية أو سياسية أو‬
‫اقتصادية لتستخرج مقاصده التداولية‪ ،‬ووجهات القول فيه ‪ .‬كما أنها تعمل على استخراج دور القارئ أو‬
‫املتفرج في تشكيل معنى النص بضبط ما يقترح عليها من مواقع لإلبصار أو إلادراك وما يفرض عليهما من‬
‫العمليات الاستداللية‪ ،‬ذلك أن النص آلة كسولة‪8.‬‬

‫عرف القارئ بسلطنة‬ ‫متنوعة لفضاءات ُت ّ‬


‫تكشف البنية السردية في رواية ثالوث وتعويذة تمظهرات ّ‬
‫عمان كمكان سياحي يستحق الزيارة‪ ،‬وذلك من خالل طريقتي العرض والوصف من منظور الكاتبة التي تمثلها‬
‫معرفة عن‬‫تخيليا البطلة نورة‪ ،‬وهي تسترجع ذكريات طفولتها في مدينة لندن‪ ،‬فتحضر مظاهر التراث العماني ّ‬
‫خصائصها في مدينة الضباب لندن‪ ،‬من تلك التجليات‪:‬‬

‫‪ ‬سباق الهجن‪.‬‬
‫قدم الكاتبة زوينة الكلباني عبر سرد بطلتها لألحداث املكان بكل حيثياته‪ ،‬بوصف دقيق يالمس‬ ‫تُـ ّ‬
‫الواقع ويتماهى معه‪ ،‬خاصة ما تعلق ألامر بسباق الهجن‪ ،‬نقرأ ‪ ":‬نوق ُ‬
‫تسابق الطير‪ ،‬وتطلق حفوفها للريح‬
‫سالكة بهم سبيل من ال أوبة له‪ ،‬وعلى ظهورها أجساد أكثر هشاشة من ورق الخريف ‪ ..‬أطفال متشبثون‬
‫بالخطام الذي يصلهم بالحياة أو املوت‪ ..‬كمن يمسك بقشة ‪..‬لم يكن سباق الهجن يشدني‪ ،‬ذهبت للمضمار ‪..‬‬
‫يومها غرضاء لجدتي فقط‪ ..‬انضممت لصفوف املتجمهرين الشاخصة أبصارهم واملشرئبة أعناقهم للميدان‬
‫وبقيت جامدة كأن على رأس ي الطير ‪14" ..‬‬
‫إذا كان سباق الهجن ال يستهوي بطلة الرواية‪ ،‬فهو بهذا الوصف يستهوي عشاق هذا السباق وهذه‬
‫التظاهرة التراثية‪ ،‬يعمل هذا املقطع السردي على التعريف بمهرجان من مهرجانات سلطنة عمان الكثيرة‪،‬‬
‫حيث ينتمي هذا النوع إلى التراث املادي الذي أولت له الجهات الحكومية املختصة في سلطنة عمان ألاهمية‬
‫الكبرى‪ ،‬كونه يمثل شغفا أصيال متجذرا في السلطنة وباقي دول الخليج العربية باعتبارها " أحد أهم املوروثات‬
‫الحضارية والثقافية التي ارتبطت تاريخيا بحياة أهل الخليج منذ القدم‪ ،‬وقد ّ‬
‫تطور الاهتمام الرسمي والشعبي‬
‫بها حتى أصبحت موردا اقتصاديا هاما لكثير من مربي إلابل "‪81.‬‬
‫تمثل عبارة " أطفال متشبثون بالخطام الذي يصلهم بالحياة أو املوت " التي ذكرت في املقطع السردي‬
‫شدة ارتباط العماني بتراثه ألاصيل‪ ،‬فقد لعبت إلابل دورا ّ‬
‫فعاال في حياة أجدادنا في عابر ألازمان حيث كانت‬ ‫ّ‬
‫وسيلتهم للسفر والذود عن الحمى‪ ،‬كما كانت جماال وراحة نفسية‪ ،‬حيث يرجعون وحين يسرحون‪ ،‬ولهذا‬
‫منحوها جل اهتمامهم وارتبطت ارتباطا وثيقا بحياتهم اليومية حتى غدت الناقة العمانية مضرب املثل في بالد‬
‫الخليج والجزيرة العربية في الجود والجودة والجمال املتميز‪ .‬وعرفت عمان باإلبل ذات السالالت ألاصيلة كما‬
‫برع العمانيون في اقتنائها واملحافظة عليها ورعايتها‪..‬‬
‫ّإن سباقات الهجن تعتبر حاليا مصدر رزق لشريحة كبيرة من املواطنين‪ ،‬خاصة وأن الهجن العمانية مشهود‬
‫ّ‬
‫ويتكبد أصحابها مبالغ كبيرة في تغذيتها ورعايتها وتدريبها وتطييعها ويبلغ مبيعاتها حاليا ما‬ ‫لها بالجودة والسبق‬
‫ال يقل عن مليوني ريال عماني في السنة‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫مجلة " املرتقىي "‬ ‫املجلد‪ /5:‬العدد‪ / 1:‬مارس ‪2022‬‬

‫ُ‬
‫ّإن حضور هذا الخطاب في الرواية دليل واضح على انتشار هذه الظاهرة وإعجاب الك ّتاب بتفاصيلها‬
‫وقدموها كشكل تراثي يجب تقديمه للقارئ‪ " ،‬فانفتحت بذلك الرواية على خطابات متباينة تعود‬ ‫فعرفوا بها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫إلى أجناس مختلفة‪ ،‬وهذا يعني أن الرواية العربية في ّ‬
‫تحوالتها وإنجازاتها الجديدة‪ ،‬لم تعد متقيدة بالبدء مما‬
‫ّ‬
‫يالئم املستوى املحلي‪ ،‬بل انفتحت على مغامرة الرواية في تجلياتها وأبعادها الكونية‪15"،‬وانفتحت بدورها‬
‫الرواية العمانية على التراث‪ ،‬فكان التوظيف ّ‬
‫فعاال في إبراز تاريخ البالد وفاعليته في بناء املستقبل واستقطاب‬
‫آلاخر‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬فرقة العيالة‪.‬‬
‫تعمل عالمات سيميائية منتشرة هنا وهناك في رواية ثالوث وتعويذة على إرشاد القارئ وتوجيهه‪،‬‬
‫يعرف بالتراث العماني‪ ،‬وقد أسهمت أنواع املناصصات في تحقيق هذا الهدف‪،‬‬ ‫فكانت املرشد السياحي الذي ّ‬
‫واملناصصات قسم من أنواع املتعاليات النصية في عالم الرواية وهو ما يسمى ‪ " paratexte‬ويشمل جميع‬
‫املكونات التي تهم عتبات النص نحو ‪ :‬العنوان والعنوان الفرعي والعنوان الداخلي والديباجات والحواش ي‬
‫والرسوم ثم نوع الغالف‪ ،‬إضافة إلى كل العمليات التي تتم قبل إنتاج النص من مسودات وتصاميم غيرها‬
‫"‪ 11‬ورد تعريف فرقة العيالة في حواش ي الرواية وبالضبط في شكل إحاالت في ألاسفل ‪ .‬اهتمت بتعريف هذا‬
‫الجانب التراثي نقرأ ‪ " :‬رقصة شعبية تشتهر بها محافظة الظاهرة عبارة عن صفين متقابلين من الرجال‬
‫يلوحون بعصيهم وهم يرددون ألاهازيج الشعرية في حركات متناسقة‪ ،‬يتوسطهم في الحلبة عدد من قارعي‬
‫الطبول‪ ،‬ويرقص بينهم حاملو السيوف والبنادق "‪81‬‬
‫مرة أخرى مدى اهتمام الكاتبة‬‫ّإن هذا الحرص الشديد في تقديم تعريف دقيق لهذه الرقصة يثبت ّ‬
‫ففن العيالة من أبرز فنون الرقص الشعبي في عمان‪ ،‬إلى جانب ّ‬
‫فن‬ ‫بالتراث والتسويق له عبر الكتابة الروائية‪ّ ،‬‬
‫الرزحة والعازي وهو من "الفنون الرجالية حيث يعتبر من فنون الشجاعة ويصطف فيه املشاركون صفين‬
‫متقابلين ويتبادلون الغناء بشلة بيت واحد يرددها الصفين على التوالي حتى تتم أبيات القصيدة‪ ،‬وتميل‬
‫الحركة في العيالة إلى البطء حيث يؤديه الرجال في شكل صفين متوازيين يقبض كل منهما بالصف بجاره‬
‫بينما يقبض باليد ألاخرى بالخيزران ويحركها على حسب إلايقاع من ألاعلى إلى ألاسفل‪ ،‬وإلايقاع املستخدم في‬
‫هذا الفن يكون ثالثيا باستخدام آالت إيقاعية مختلفة تختلف من منطقة إلى أخرى فيستخدم طبل الكاسر‬
‫والطبل الرحماني والدف والطاسة وكذلك طبل الرنة " ‪ّ 16‬إن استقطاب القارئ هو هدف هذه املقاطع‬
‫السردية املتتالية واملبنية على ذكر جوانب تفصيلية عن هذه الرقصة الشعبية‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬وصف البيوت العمانية‪.‬‬
‫يتصف البيت العماني بالعديد من الخصائص الشكلية التي تجعل منه فضاء تعرض من خالله عالقة‬ ‫ّ‬
‫العماني بعاداته وتقاليده و تجلياتها في الحياة اليومية‪ ،‬حيث يعمل أسلوب الوصف على تقديم البيت العماني‬
‫من الناحية السياحية للقارئ قصد زيارته واكتشاف تفاصيل بنائه‪ ،‬نقرأ ‪ " :‬اتخذت خالتي مريم من الصالة‬
‫النسائية ركنا خاصا بها له طابعة املميز الذي يدل على حسها املرهف ‪ ..‬تكسوه أوراق الجدران العنابية اللون‬
‫التي تتأثر فيها ألاشكال الهندسية الدقيقة املائلة للون الذهبي ‪ ..‬وثمة لوحتان معلقتان على الجدار ‪ .‬ساعدت‬
‫خالتي في اختيارهما من سوق مطرح عبارة عن حلي نسائية من الفضة الخالصة‪ ،‬ألاولى عبارة عن مرية ذات‬

‫‪105‬‬
‫السردي وألاثنوغرافي في الرواية العمانية‬ ‫د‪.‬نوال بومعزة ‪-‬‬

‫نقوش جميلة تتدلى منها السالسل املطعمة بالياقوت ألاحمر‪ ،‬والثانية عبارة عن خالخيل تستخدمها الفتيات‬
‫قديما في ألارجل‪ ،‬ثم تثبيت كل منهما على قماش من املخمل العنابي بدقة‪ ،‬وأحكم إغالقهما بزجاج مؤطر‬
‫ببرواز يجمع بين اللونين الذهبي والعنابي ‪ 81 " ..‬تحرص الكاتبة على تجميع القدر الكافي من املعلومات‬
‫والذكريات واملرجعيات الثقافية والتاريخية ‪ .‬ولعل هذه الطريقة في الوصف تعيدنا إلى عوالم املالحم إلاغريقية‬
‫التي تعتمد على الدقة في الوصف والترابط بين املقاطع السردية‪ ،‬على املنوال نفسه نقرأ ‪:‬‬
‫" وأسفلهما طاولة عتيقة مشغولة بالحديد أودع عليها بعناية راديو كالسيك بحجم كبير يعود إلى ألاربعينيات‬
‫من القرن العشرين ‪ ..‬تعتز به خالتي كثيرا‪ ،‬فقد أهداها إياه ناصر حينما عاد من املغرب منذ عشر سنوات" ‪17‬‬
‫تمتزج ألالوان العنابية والفضية مع الطابع الكالسيكي لصالة الجلوس‪ ،‬فتخصص الكاتبة الصفحة‬
‫آلاتية لوصفها‪ ،‬نقرأ ‪ " :‬املساند العنابية الجميلة التي تجلس عليها خالتي وهي تحوك التلي * وبجانبها مندوس**‬
‫صنع في نزوى‪ ،‬يضفي على املكان ملسة جمالية ساحرة‪ ،‬وعلى الجدار روزنة ***وضعت عليها صينية العطور‬
‫املذهبة‪ ،‬والتي تضم زجاجات العطر املرسومة بشفافية وتفوح منها روائح العود‪ ،‬واملخلط والورد‪ ،‬واملخمرية‬
‫**** وثالثة أنواع من البخور الظفاري وحطب العود املبخرة وماء الورد الجبلي‪ ،‬وبجانبها بروازان أحدهما‬
‫صورتها بيرقتها الجميل وهي تتوسط ابنتيهــا ( ميـرة‪ ،‬وميثـة ) وصــورة أخرى تجمـع ولديهــا ( ناصر وعبد العزيز) ‪.‬‬
‫كانت كعادتها كل ضحوة منشغلة بجدل ضفائر التلي هذه الضفائر التي ازدادت بها مالبسنا صباح العيد‪،‬‬
‫فزهونا بها صغارا ونحن نتمنطق ألاحزمة املصوغة من الذهب نتباهى بها بين أترابنا " ‪18‬‬
‫طل العادات والتقاليد التراثية العمانية من خالل هذا املقطع السردي‪ ،‬وقد ازدادت بأنواع مختلفة‬ ‫ُت ّ‬
‫من العالمات التي تجمع الحركة واللون والرائحة‪ ،‬فالحركة تمثلها عملية خياطة التلي‪ ،‬واللون تمثله الصينية‬
‫املذهبة‪ ،‬والرائحة يمثلها ذلك الخليط من العود والورد‪.‬‬
‫ّإن الوصول إلى القارئ والاستحواذ على اهتمامه هو هدف الكاتبة‪ ،‬فتعرض عليه ألوانا من التراث‬
‫العماني بأساليب سردية مغرية تعمل على استمالته‪ ،‬وبث عنصر التشويق بكل آليات السرد املقدمة‬
‫كاملناصصات املوجودة أسفل الصفحة التي تزود القارئ بمعلومات عن أغلب املصطلحات التراثية املوجودة‬
‫في املقطع السردي السابق‪ ،‬فنجد ‪:‬‬
‫* التلي ‪ :‬فن من فنون التطريز تمارسه النساء في محافظة الظاهرة وبعض املحافظات في عمان ودولة‬
‫إلامارات‪ ،‬ويستخدم في تزيين الجالبيات النسائية ‪.‬‬
‫** املندوس ‪ :‬وهو صندوق خشبي‪.‬‬
‫*** روزنة ‪ :‬رف محفور في الجدار‪.‬‬
‫**** املخمرية ‪ :‬خلطة من العطور العربية توضع على الجسم أو الشعر‪.‬‬
‫ُ‬
‫هذا وتظهر الكاتبة في رواية ثالوث وتعويذة مظهرا من مظاهر التقاسم الثقافي بين دول شبه الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬وخاصة ما تعلق ألامر بسلطنة عمان ودولة إلامارات العربية املتحدة‪ ،‬وهذا ما جسدته شخصية‬
‫سعود إلاماراتي‪ ،‬وكما استرجعت البطلة ذكريات طفولتها واستدعت سباقات الهجن في عمان‪ ،‬ها هو سعود‬
‫يقدم جانبا تراثيا في دولة إلامارات وهو تربية الصقور وصيدها‪ ،‬وهو مظهر ثقافي تراثي مشترك بين أغلب دول‬

‫‪106‬‬
‫مجلة " املرتقىي "‬ ‫املجلد‪ /5:‬العدد‪ / 1:‬مارس ‪2022‬‬

‫الخليج العربي‪ ،‬نقرأ ‪ " :‬أخذت عن والدي شغف الصيد بالصقور‪ ،‬لقد عرف عنه قدرته على تدريب إثنين من‬
‫الصقور في وقت واحد‪ ،‬واشتهر في أبوظبي بشاعر الطرائد‪ ،‬ومن طول مالزمتي له في رحالته اكتسبت منه مهارة‬
‫ترويض الصقور‪ ،‬واستئناس الطيور الجارحة‪ ،‬التي علمتني الصبر والجلد والقوة‪ ..‬لطاملا ردد أبي على مسامعنا‪:‬‬
‫القنص يربي الرجال ويجلو الهم ويذهب الحزن ‪ ..‬إن الحر أو الشاهين يحتاجان في تدريبهما إلى وقت يتراوح ما‬
‫بين ثالثين إلى أربعين يوما يستطيعان بعدها أن يتعرفا إلى صاحبهما وسماع نداءه وتلبية أوامره والذي يفضل‬
‫الصقر الحر‪ ،‬ألنه طائر قنوع وأكثر تهذيبا وهدوءا عن سائر الجوارح ‪ ..‬يسكن ألاغوار والكهوف وصدوع الجبال‬
‫وأنا يستهوني الصيد بالشاهين‪ ،‬فهو من أسرع الجوارح وأشدها ضراوة في مالحقة الطريدة‪ ،‬تدهشني مناوراته‬
‫واستعراضاته ألاخاذة في تعقيب فريسته قبل أن يحكم قبضته عليها‪ .‬أتعلمين يا نورة أن صقر الشاهين‬
‫حساس ورقيق‪ ،‬ولفرط هشاشته ُيشبه الزجاج ؟" ‪19‬‬
‫ّ‬
‫ال يشكل القنص بالصقور ملمحا ثقافيا فحسب‪ ،‬فأهل الخليج وخاصة في دولة إلامارات يعدونها‬
‫رياضة وهواية تناقلوها عن ألاجداد‪ ،‬فالصقر رمز القوة ودليل على عزة النفس‪ ،‬فبرع أهل أبو ظبي منذ قديم‬
‫الزمان وحتى آلان‪ ،‬في معرفة حسن آداب وتدريب وترويض الصقر ومعاملته وهذا ال يتجزأ من تراث عريق‪.‬‬
‫تمتلك الكاتبة دراية واسعة بهذا التراث في محاولة منها إلثبات ترابط العالقات بين سلطنة عمان‬
‫ودول الخليج العربي‪ ،‬فهو امتداد جغرافي واحد يضم أمة تشترك في العادات والتقاليد‪ ،‬فللكاتبة ثقافة واسعة‬
‫عن هواية صيد الصقور‪ ،‬تغوص في عواملها وتسبح في مسمياتها وخصائصها فتذكر الصقر الحر‪ ،‬والصقر‬
‫الشاهين وغيرهما‪.‬‬
‫ّإن عوالم رواية ثالوث وتعويذة ساحرة يفوح منها عبق التراث ومظاهره املتنوعة‪ ،‬رواية تقود القارئ‬
‫في رحلة سياحية مجانية التكاليف يتعرف من خالل بنيتها السردية على أهم مكونات البيت العماني وهندسته‬
‫املتميزة‪ ،‬كما يتعرف على أهم تظاهراته الثقافية كسباق الهجن وغيرها من تجليات التراث العماني العتيق‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التراث ووصف البيئة العمانية في أعمال الكاتب خالد الكندي‪.‬‬
‫ّ‬
‫املتميزة التي يمكن لقارئ السرد العماني أن يستننجها عالقة الكاتب‬ ‫من بين العالقات إلابداعية‬
‫العماني بتراثه‪ .‬إن قراءة عدد معين من منجزات السرد العماني سواء أكان قصة أو رواية أو مسرحية يؤكد‬
‫ّ‬
‫لصب قضايا‬ ‫التوجه ّ‬
‫القوي إلى التراث والتاريخ باعتبارهما مادة خام ينهل منهما الكاتب القوالب وألاشكال‬ ‫ّ‬
‫الكتاب العمانيين الذين جسدوا هذه العالقة بشكل مباشر وصريح الكتاب‬ ‫الوطن وألامة وإلانسانية‪ ،‬من ّ‬
‫العماني خالد بن سليمان الكندي من خالل العديد من منجزاته إلابداعية من مثل‪ :‬رسالة إلى قورش‪،‬‬
‫حكايات من نخل‪ ،‬الجاعد ألابيض‪ ،‬القافر‪ ،‬أم الدويس‪ ،‬مرارة الذئب‪.‬‬
‫يبدو أن الكاتب قد حدد ّتوجهه في الكتابة من خالل الاغتراف من منبعين أصيلين هما‪ :‬التراث و‬
‫التاريخ‪ ،‬ففي رواية القافر اتجه خالد إلى التراث‪ ،‬فأعلنها صراحة على الغالف‪ " :‬في سلسلتنا حكايات من‬
‫التراث العماني نجتهد في كل عدد في تحوير حكاية شعبية إلى قصة ذات صبغة فنية تتضمن مشاهد ّ‬
‫مشوقة‪،‬‬
‫تروى لجيلنا الحاضر الحياة التي عاشها أجدادنا وأباؤنا‪ .‬فتقرب إليهم صورة ذلك الزمان على خصوصية‬
‫أدواته‪ .‬و سمات شخوصه‪ .‬ووظروف بيئاته‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫السردي وألاثنوغرافي في الرواية العمانية‬ ‫د‪.‬نوال بومعزة ‪-‬‬

‫ّ‬
‫ويمحص الحكايات‬ ‫ّ‬
‫يتحول إلى قافر يبحث في التراث‪،‬‬ ‫مكنت فطنة الكاتب خالد الكندي من أن‬ ‫ّ‬
‫الشعب ية التي يمكن تحويلها إلى مادة سردية لها تشكيلها الخاص‪ ،‬وتسهم في تحويل النص إلى متعة وفائدة‪،‬‬
‫فاملتعة تكمن في جمالية الناحية الفنية كاستراتيجية اختيار الشخصيات وتحديد مساراتها السردية والعالقات‬
‫وألادوار التي تربط بينها‪ ،‬ورسم البنيتين املكانية والزمانية‪ ،‬وألن كل كاتب يبحث عن ّ‬
‫التميز‪ ،‬فقد ّ‬
‫تفرد خالد‬
‫الكندي بموضوع القفر‪ ،‬وهو مجال يكاد يجهله القارئ‪.‬‬
‫ترتكز البنية السردية في حكاية القافر على املسار السردي الذي اتخذته عصابة سالم الشاب الذكي‬
‫ّ‬
‫الذي امتهن القفر إال أنه استغل هذه املوهبة في أمور سلبية كخداع الناس والسرقة‪ .‬لقد أراد خالد الكندي‬
‫بقصد أو بغير قصد تحويل القارئ إلى قافر محلل يبحث عن نهاية لذلك الصراع الخفي بين الوالي وسالم‪،‬‬
‫فأثث الحكاية على مجموعة من العناوين الفرعية‪ :‬شهقة‪ ،‬نهاية املرس ى‪ ،‬الشبح‪ ،‬عودة املشوق‪ ،‬شفاعة‪،‬‬
‫اللصوص‪ ،‬ياسر نقمة‪ ،‬شيمة وكرم‪ ،‬شجار‪ ،‬مهنة جديدة‪ ،‬صراع الدخان‪ ،‬الاختبار‪ ،‬الغبن‪ ،‬مقارعة العقول‪،‬‬
‫لص الشياه‪ ،‬مجادلة‪ ،‬العملية الكبرى‪ ،‬الخطة‪ ،‬الوكر‪ ،‬ابتعاث‪ ،‬السيح‪ ،‬القزم‪ ،‬الخدعة‪ ،‬مسائل نحوية‪،‬‬
‫املطاردة‪ ،‬تقريع‪ ،‬مرس ى(بركاء)‪ ،‬هجوم‪ ،‬ضيافة‪ ،‬إقالع‪ ،‬املحاكمة‪.‬‬
‫تسهم هذه العناوين الفرعية في تتبع مسار السرد‪ ،‬وتساعد القارئ في فهم الحكاية‪ ،‬والتمتع ّ‬
‫بحسها‬
‫البوليس ي الذي يجذبه إلى سحر ألالغاز‪ ،‬ومقارعة العقول‪ ،‬نقرأ‪":‬بدأت تتبع الخيط من أشجار املوز‪..‬فعلى‬
‫الرغم من أن تراب(وقف الصاروج) كان مملوءا بآثار ألاقدام التي ال تنقطع عن مرورها عليه‪ ،‬فإن آلاثار التي‬
‫تكررت كثيرا تحت أشجار املوز املسروقات كانت آثار النعل وحذاءه‪ ،‬فأما النعل فهي نعل الوالي التي لطاملا‬
‫رأيت آثارها في أرض الحصن وخارج بوابته وفي السوق فحفظتها عن ظهر قلب‪ ،‬وأما الحذاء‪ ،‬فهو حذاء‬
‫ّ‬
‫العساكر‪ ،‬حذاء هم ليس له إال نقش موحد يعرفه الجميع‪20 "...‬‬
‫تخللت حكاية القافر العديد من آلاليات التجريبية في القص كتوظيف ألاسلوب البوليس ي في الحكي ـ ـ‬
‫كما قلنا سابقا ـ ومحاولة تلقين القواعد النحوية بواسطة السرد‪ ،‬وهو نوع من الجمع بين الثقافة السردية‬
‫وملكة النحو مثاما ورد في الجزء املعنون" مسائل نحوية"‪ ،‬فلم يكبح الكاتب حبه للنحو العربي‪ ،‬فراح يلقن‬
‫بعضا من قضاياه على لسان الوالي‪ ،‬وهو يجتمع بطالبه نقرأ‪ " :‬وخالصة القول يا أبنائي في مسألة مطابقة‬
‫تقدم على الفاعل فإنه يبقى مفردا حتى لوكان الفاعل مثنى أو جمعا‪،‬‬‫الفعل للفاعل في العدد أن الفعل إذا ّ‬
‫فانت تقول (حضر الرجل) و(حضر الرجالن) و(حضر الرجال)‪21 "..‬‬
‫يعد التاريخ املنبع ألاساس ي الثاني الذي يغترف منه الكاتب خالد الكندي‪ ،‬وقد سار بذلك على خطى‬
‫الجيل ألاول من كتاب الرواية العربية في العصر الحديث كجورجي زيدان وطه حسين‪ ،‬وتوفيق الحكيم‪،‬‬
‫ّ‬
‫التطور الذي‬ ‫ونجيب محفوظ وغيرهم‪ .‬ولعل رواية الجاعد ألابيض تعكس النفس الطويل في الكتابة‪ ،‬ومدى‬
‫يشهده السرد العماني في آلاونة ألاخيرة‪ ،‬والرواية منجز يؤكد تمسك الكاتب العماني بتاريخه وإعادة تمثله‬
‫ليسرد قضايا الراهن‪ .‬تحضر شخصية العالمة واملصلح أبي زيد عبد هللا بن محمد ّ‬
‫الريامي(‪8111‬ـ‪)8519‬‬
‫شخصية محورية في رواية الجاعد ألابيض‪ ،‬وقد استلها الكاتب من التاريخ العماني مركزا على ضرورة أخذ‬
‫العبر والدروس من أحداث املاض ي‪ ،‬فالتاريخ سجل ال يمكن تغييبه خاصة وأن شخصية إلامام العالمة‬

‫‪108‬‬
‫مجلة " املرتقىي "‬ ‫املجلد‪ /5:‬العدد‪ / 1:‬مارس ‪2022‬‬

‫شخصية فاعلة في النهوض بقرى ومدن عمان في الحربين العاملية ألاولى والثانية‪ ،‬وهي فترة صعبة ال تطاق‪.‬‬
‫قدمت الرواية املشروع إلاصالحي للعالمة‪ ،‬فكانت بهالء نموذجا اقتصاديا واجتماعيا ناجحا‪ّ .‬‬
‫مست زواياه‬
‫إلاصالحية ‪:‬‬
‫ـ الجانب الاقتصادي‪ ،‬حيث قام العالمة بإصالح ألافالج‪ ،‬واستغالل ألاراض ي‪ ،‬وتخزين الحبوب‪ ،‬فازداد بذلك‬
‫مخزون بيت املال‪.‬‬
‫ـ الجانب الاجتماعي‪ :‬أمر بتزويج العزاب‪ ،‬ومساعدة الفقراء‪.‬‬
‫ـ الجانب التعليمي‪ :‬التشجيع على التعلم‪ ،‬وحفظ القرآن الكريم‪.‬‬
‫ـ الجانب ألامني‪ّ :‬‬
‫عم ألامن‪ ،‬واختفى قطاع الطرق الذين كادوا له املكائد بمساعدة التجار الذين لم تعجبهم هذه‬
‫إلاصالحات‪.‬‬
‫لم ينس الكاتب تقديم الجوانب الشخصية للعالمة‪ ،‬فذكر أساليب تعامله مع أهل بيته‪ ،‬وكيف كان يحثهم‬
‫ّ‬
‫على الزهد والتقشف‪ ،‬حتى بعد وفاته لم يترك إال جاعدا أبيضا‪ ،‬ومن هذه التركة الزهيدة انتقى الكاتب خالد‬
‫الكندي عنوان الرواية‪.‬‬
‫وألن الكاتب يدرك جيدا ّأن املادة التاريخية تكون ـ ـ في أغلب ألاحيان ـ ـ ثقيلة على القارئ فقد ّ‬
‫طعمها‬ ‫ّ‬
‫باملتخيل السردي الذي يتحد مع الجانب التاريخي في إضاءة جوانب من الحياة الاجتماعية والثقافية‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫والسياسية في منطقة إزكي خاصة قصص ألاطفال ومرحهم وقصة سرقة ألامبا‪ ،‬وقصة الثور‪ّ ..‬إن محاولة بث‬
‫الحس الفكاهي للسرد التاريخي في بعض املقاطع السردية من الرواية لهي الطريقة املثلى لتكسير تتابع ألاحداث‬
‫التاريخية‪ ،‬نقرأ من رواية الجاعد ألابيض‪ ":‬ثم أردف مسلم يتابع حكايته‪:‬‬
‫ـ وأنتم تعرفون أن خميسان حاشكم يربي كلبا‪ ..‬ويربط هذا الكلب بسلسلة حديد‪ .‬ضغط على حروف‬
‫كلمة سلسلة حديد مفخما هالتها‪ ،‬فاهتزت رؤوس الحاضرين متفاعلة مع فخامة الحديد‪ ،‬قبل أن يواصل‬
‫مسلم فيهبط بنغمته قائال‪ :‬لكنها سلسلة حديد خفيفة جدا‪ .‬شعرت عقول الحاضرين أن مسلم يستهتر بها‪،‬‬
‫ّ‬
‫لكن قلوبهم لم تطاوع عقولهم‪ ،‬بل ظلت معلقة الصقة املثيرة وأسلوبه الجذاب‪22"..‬‬
‫يبدو أن الكاتب العماني خالد الكندي قد اختار الطريق ألاصعب الذي يتطلب دراية واسعة بالتاريخ‬
‫والتراث‪ ،‬وهو الطريق ذاته الذي سلكه رواد ألادب العربي ألاوائل‪ .‬منجزاته تستحق الدراسة واملتابعة‪ ،‬وهي‬
‫ّ‬
‫والتعرف على شخصياته التاريخية‪.‬‬ ‫منفذ أدبي لالطالع على التراث العماني‬
‫إذن‪ ،‬ومن خالل ما سبق تتضح للقارئ خصائص الرواية العمانية التي أثبتت انفتاحا واسعا على‬
‫فتحولت بذلك إلى وثيقة معرفية إثنوغرافية تحاكي قضايا املجتمع العماني وتختص بتقديم‬ ‫ّ‬ ‫عوالم املعرفة‪،‬‬
‫معلومات وأحداث عنه‪ ،‬فكان املتن الروائي العماني فسحة للقارئ عرف من خاللها طريقة تفكير العماني‬
‫وأهم عالقاته وأحواله النفسية والاجتماعية والثقافية والسياسية والتاريخية‪ ،‬دون إغفال ألانساق الثقافية‬
‫املضمرة التي تختفي وراء هذا الخطاب السياحي املمرر من خالل البنية السردية املوظفة‪ ،‬من مثل نقد‬
‫املؤسسات الثقافية والتاريخية والاجتماعية‪ .‬والجدير باملالحظة ّأن الرواية العمانية ال تخفي الكثير من‬

‫‪109‬‬
‫السردي وألاثنوغرافي في الرواية العمانية‬ ‫د‪.‬نوال بومعزة ‪-‬‬

‫املضمر مقارنة بنظيرتها في املشرق واملغرب‪ ،‬وهذا لطبيعة املجتمع العماني الذي لم يتعرض إلى هزات سياسية‬
‫واجتماعية عنيفة مثلما هو واقع في أغلب بلدان الشرق ألاوسط وبلدان املغرب العربي‪.‬‬
‫إلاحاالت‪:‬‬

‫‪1‬ـ هيلين توماس‪ ،‬ألاجساد الثقافية‪ ،‬إلاتنوغرافيا والنظرية‪ ،‬ت‪ :‬أسامة الغزولي‪ ،‬املركز القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬العدد‪، 8959‬‬
‫ط‪ ،1181، 8‬ص‪.81‬‬
‫ّ‬
‫‪2‬ـ زهران القاسمي‪ ،‬القناص‪ ،‬مسعى للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1181، 1‬ص‪.88‬‬
‫‪ 3‬ـ م ن‪ ،‬الغالف الخلفي للرواية‪.‬‬
‫‪4‬ـ م ن‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪5‬ـ م ن‪ ،‬ص‪.51 ،59‬‬
‫‪ 6‬ـ م ن‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫ّ‬
‫‪ -7‬محمد صابر عبيد‪ ،‬مرايا التخيل الشعري‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬ألاردن ‪ ،1111‬ص ‪.11‬‬

‫‪8‬ـ زوينة الكلباني‪ ،‬الجوهرة والقبطان‪ ،‬بيت الغشام للنشر والترجمة‪ ،‬سلطنة عمان‪ ،‬مسقط‪.1181،‬‬
‫‪9‬ـابراهيم خليل‪ ،‬البطل املثالي في رواية الجوهرة والقبطان لزوينة الكلباني‪ ،‬جريدة الوطن‪ ،‬ألاربعاء‪ 9‬يوليو ‪،1118‬‬
‫‪alwatan.com‬‬
‫‪10‬ـ الرواية‪ ،‬ص‪.811‬‬
‫‪11‬ـ م ن‪ ،‬ص‪.98‬‬
‫‪12‬ـ أحمد القاسمي‪ ،‬التقبل السينمائي للقص ألادبي‪ ،‬مقاربة سيميائية تداولية‪ ،‬مجمع ألاطرش للكتاب املختص‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪8‬‬
‫‪ ،1189‬ص‪.19‬‬
‫‪13‬ـ زوينة الكلباني‪ ،‬ثالوث وتعويذة‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪ ،1188 ،1‬ص‪.11‬‬
‫‪14‬ـ طارق أشقر‪ ،‬سباق الهجن في عمان‪ ..‬شغف أصيل‪ ،‬موقع الجزيرة ‪ 01‬أكتوبر ‪.1181‬‬
‫‪15‬ـ محمد برادة الرواية العربية‪ ،‬بين املحلية والعاملية‪ ،‬مجلة الرواية وممكنات السرد‪ ،‬أعمال الندوة الرئيسية ملهرجان القرين‬
‫الثقافي‪ 88 ،‬ديسمبر‪ ،1111‬الكويت‪ ،‬ج‪ ،1111 ، 8‬ص‪.88‬‬
‫‪16‬ـ عبد القادر بقش ي‪ ،‬التناص في الخطاب النقدي والبالغي بأفريقيا الشرق‪ ،1119 ،‬ص‪.11‬‬
‫‪17‬ـ الرواية‪ ،‬ص‪.801‬‬
‫‪ 18‬ـ الرواية‪ ،‬ص‪.818‬‬
‫‪ 19‬ـ الرواية ص‪.811‬‬
‫‪ 20‬ـ خالد الكندي‪ ،‬القافر‪ ،‬مؤسسة بيت الغشام للنشر والترجمة‪ ،‬مسقط سلطنة عمان‪ ،1180 ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 21‬ـ الرواية‪ ،‬ص‪.811‬‬
‫‪ 22‬ـ خالد الكندي‪ ،‬الجاعد ألابيض‪ ،‬مؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر وإلاعالن سلطنة عمان‪ ،‬مسقط‪ ،1185 ،‬ص‪،15‬‬
‫‪.01‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬
‫أـ املصادر‪:‬‬
‫‪ ‬خالد الكندي‪ ،‬الجاعد ألابيض‪ ،‬مؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر وإلاعالن سلطنة عمان‪،‬‬
‫مسقط‪1185 ،‬‬
‫‪ ‬خالد الكندي‪ ،‬القافر‪ ،‬مؤسسة بيت الغشام للنشر والترجمة‪ ،‬مسقط سلطنة عمان‪.1180 ،‬‬

‫‪110‬‬
‫مجلة " املرتقىي "‬ ‫املجلد‪ /5:‬العدد‪ / 1:‬مارس ‪2022‬‬

‫‪ ‬زهران القاسمي‪ّ ،‬‬


‫القناص‪ ،‬مسعى للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.1181، 1‬‬
‫‪ ‬زوينة الكلباني‪ ،‬الجوهرة والقبطان‪ ،‬بيت الغشام للنشر والترجمة‪ ،‬سلطنة عمان‪ ،‬مسقط‪.1181،‬‬
‫‪ ‬ـزوينة الكلباني‪ ،‬ثالوث وتعويذة‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪.1188 ،1‬‬
‫‪.‬ب ـ املراجع‪:‬‬
‫ـ ـ ابراهيم خليل‪ ،‬البطل املثالي في رواية الجوهرة والقبطان لزوينة الكلباني‪ ،‬جريدة الوطن‪ ،‬الاربعاء‪ 9‬يوليو‬
‫‪.1118‬‬
‫ـ ـ أحمد القاسمي‪ ،‬التقبل السينمائي للقص ألادبي‪ ،‬مقاربة سيميائية تداولية‪ ،‬مجمع ألاطرش للكتاب املختص‪،‬‬
‫تونس‪ ،‬ط‪.1189 ،8‬‬

‫ـ ـ طارق أشقر‪ ،‬سباق الهجن في عمان‪ ..‬شغف أصيل‪ ،‬موقع الجزيرة ‪ 01‬أكتوبر ‪.1181‬‬
‫ـ ـ عبد القادر بقش ي‪ ،‬التناص في الخطاب النقدي والبالغي بأفريقيا الشرق‪.1119 ،‬‬
‫ـ ـ محمد برادة الرواية العربية‪ ،‬بين املحلية والعاملية‪ ،‬مجلة الرواية وممكنات السرد‪ ،‬أعمال الندوة الرئيسية‬
‫ملهرجان القرين الثقافي‪ 88 ،‬ديسمبر‪ ،1111‬الكويت‪ ،‬ج‪.1111 ، 8‬‬
‫التخيل الشعري‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬ألاردن ‪.1111‬‬‫ّ‬ ‫‪ -‬محمد صابر عبيد‪ ،‬مرايا‬

‫ـ ـ هيلين توماس‪ ،‬ألاجساد الثقافية‪ ،‬ألاثنوغرافيا والنظرية‪ ،‬ت‪ :‬أسامة الغزولي‪ ،‬املركز القومي للترجمة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬العدد‪ ، 8959‬ط‪.1181، 8‬‬

‫‪111‬‬

You might also like