Professional Documents
Culture Documents
السردي والأثنوغرافي في الرواية العمانية
السردي والأثنوغرافي في الرواية العمانية
ّ
امللخص:
تهدف هذه الدراسة إلى محاولة رصد مدى انفتاح عالم الرواية على خطابات غير أدبية من مثل
توظيف مظاهر ألاثنوغرافيا ،وقد اكتسبت الرواية العمانية من الخصائص الفنية وألاسلوبية والداللية ما
ّ ّ
التميز في البنية السردية التي مكنها من الانفتاح على عوالم الحضارات والتاريخ ،فالقارئ ملتنها يلمح ذلك
تحتضن العديد من الخطابات ،ولتأكيد هذه الخاصية تحاول هذه املقاربة مالمسة نصوص روائية عمانية
من مثل رواية القناص للكاتب زهران القاسمي ورواية الجاعد ألابيض للكاتب خالد الكندي ورواية الجوهرة
والقبطان للكاتبة زوينة الكلباني ،والنصوص كثيرة في ألادب العماني .ولتتبع تضافر السردي مع ألاثنوغرافي في
النصوص السابقة الذكر ،اعتمدت آليات النقد الثقافي مع الاستعانة بمنجزات السرديات الحديثة خاصة ما
تعلق ألامر بذكر عالم ألاسماء املوظفة من شخصيات وقرى وبحار ومدن وتضاريس جغرافية ،وعادات وتقاليد.
ومن خالل ما سبق حاولت الاشتغال على إلاشكاليات آلاتية:
كيف تتجلى املظاهر ألاثنوغرافية في الرواية العمانية؟ وكيف يخدم الخطابان بعضهما البعض؟
ماهي جماليات هذا التضافر؟ وماهي مضمراته؟
ABSTRACT:
The Omani novel has acquired the technical, stylistic and semantic characteristics that
enabled it to open up to the worlds of civilizations and history, the reader of its hints that
excellence in the narrative structure that embraces many letters, and to confirm this characteristic
this approach tries to touch Omani novel texts such as the novel The Sniper by Zahran Al Qasimi,
the novel in Omani literature. In order to trace the alignment of narrative with etnography in the
above-mentioned texts, mechanisms of cultural criticism have been adopted with the help of the
achievements of modern narratives, especially with regard to the mention of the world of names
employed by personalities, villages, seas, cities, geographical topography, Customs and traditions.
Through the above I have tried to work on the following problems:
99
السردي وألاثنوغرافي في الرواية العمانية د.نوال بومعزة -
How are the etnographic manifestations reflected in the Omani novel? And how do the
?two speeches serve each other? What are the aesthetics of this car is? And what are its implications
Keywords: Narrative, Ethnography, Omani narrative, Synergy
1ـ بورتريه عن ّ
تطور الرواية العمانية:
إذا ما تصفحنا ألادب العماني ،وخاصة مجال الرواية نلحظ ذلك ّ
التنوع الهائل في النصوص رغم
حداثة التجربة الروائية العمانية ،والجدير بالذكر ّأن هناك إجحاف كبير فيما يخص تناول هذه الظاهرة
إلابداعية في الدراسات النقدية العربية املعاصرة ،ونكاد نجزم أن افتقار املكتبة العربية عامة والعمانية
خاصة إلى الدراسات ألاكاديمية حول الرواية في عمان يعود إلى ّأنها حديثة العهد ،فعمرها ليس أكثر من عمر
النهضة العمانية الحديثة ،التي أشرقت شمسها سنة ألف وتسع مائة وسبعين للميالد ،وهي بذلك تلتقي مع
يعد عبد هللا الطائي ضمن قائمةالقصة العمانية في تزامن كتابتها في التاريخ والحدث املشار إليهما آنفا ،و ّ
أوائل العمانيين الذين كتبوا الرواية.
أصدر عبد هللا الطائي رائد الرواية العمانية روايتين ألاولى :مالئكة الجبل ألاخضر ،8591أما الرواية
التطورية للرواية العمانية يلحظ أن مشهدها ّ الثانية الشراع الكبير فنشرت عام ،8591و ّ
املتتبع للمسارات
لكتاب شباب يطمحون إلى مغامرة الكتابة املتنوعة ّ
ّ وتنوعا ،حيث تتالت إلاصداراتاليوم أصبح أكثر وضوحا ّ
تقدما على مستوى البنيتين الشكلية واملوضوعاتيةّ ،
وتنوعت وتصوراتهم ،فحققوا بذلك ّ ّ التي تعكس أفكارهم
وتعددت ،فمنها من يكتب الرواية للمرة ألاولى ،ومنها من قدم من منطقة القصة القصيرة ،كما بذلك ألاسماء ّ
ّ
قدم آخرون من منطقة الشعر ،وقد واكب مؤخرا الرواية جيل من الكتاب أوجدوا ألنفسهم مكانا في
مساحاتها السردية ألاوسع ،وهو ما بدا ظاهرة عامة ّتوجه الشعراء إلى الكتابة سردا في حين استمر عدد قليل
من جيل الثمانينات والتسعينات في كتابة روايات جديدة ،وغاب بعضهم آلاخر قسرا أو اختيارا .
ّ
وتصوراتها لقد سعت الرواية العمانية عبر مسيرة ارتحاالتها إلى نقل قضايا الذات العمانية وهمومها
ّ
من خالل طرح العديد من املواضيع التي تشكل بالدرجة ألاولى خصوصية املجتمع العماني ،وقد شكل محور
سرد الصحراء ثيمة بارزة في الرواية العمانية منذ نشأنها إلى يومنا هذا ،فال شك أن لكل مجتمع خصوصية
ّ
توجهات الكتابة الروائية العمانية ،فكان ولعل الطبيعة الصحراوية للمجتمع العماني قد أثرت في ّ
تميزهّ ،
التغني بها ،وكان الحديث عن قسوتها وصعوبة مناخها ،كما عكست ألاعمال الروائية الصراع بينها وبين محور
املدينة ،لذلك سنحاول من خالل هذه الدراسة مالمسة هذه الظاهرة السردية امللفتة لالنتباه ،والتي تشير من
فنية جمالية جديدة تنقل خالل تجلياتها إلى ميزات الكتابة الروائية العمانية التي تحاول البحث عن قوالب ّ
ذلك الزخم الهائل في املوضوعات املستقاة من طبيعة التركيبة العمانية.
100
مجلة " املرتقىي " املجلد /5:العدد / 1:مارس 2022
املتنوعة ،ملقية الضوء على كل ما يحيط باإلنسان من ظروف ،وعلى ّ وتحشد الطاقات العلمية والبحثية
تفاعله مع هذه الظروف وما أحدثه من تغييرات مادية ملموسة أو معنوية وقيمية ّ
مجردة في بيئته ،كما تدرس
ّ
املحلية والفلكلورية وألاساطير وألعاب ألاطفال البيئة الجغرافية والطقس ووسائل العيش والتكنولوجية
وعالقات القرابة1 ".
ولو عدنا إلى النصوص الروائية العمانية املختارة في هذه الدراسة لوجدناها تعج بمجاالت ومباحث
ّ
أثنوغرافية ،فسواء قصد كتابها توظيف تلك املظاهر أم لم يقصدوا ،فاألمر متروك للقراءة وتحليل البنى
الثقافية.
أوال :البحث عن الذات ورحلة القنص ألاثيرة في رواية القناص للكاتب زهران القاسمي.
ّ
املتميز في أسلوبه وتوجهه في الكتابة زهران تقودنا املغامرة القرائية في رواية القناص للكاتب العماني
القاسمي إلى إعالن عالقة حتمية وضرورية بين السرد والتخصص ألاثنوغرافي ،فالرواية تعج باملظاهر
الجغرافية وإلانسانية والاجتماعية من عادات وتقاليد ،ففي الصفحة ألاولى من الفصل ألاول من الرواية
نجد وصفا مكثفا لألمكنة ومظاهر الطبيعة .تسرد الرواية رحلة قناص احترف مهنة مطاردة تيوس الوعل،
وازدادت هذه الرغبة مع ألايام والسنون لتنشأ عالقة وطيدة بينه وبين تيس الوعل الذي أصبح يجاريه في
املطاردة ولم يكن هدفا سهال له .وأثناء هذه الرحلة يقودنا الكاتب من خالل السارد إلى عولم البيئة العمانية
املتميزة ،فنقرأ ":عند مدخل كهف كبير في قمة الجبل البعيد يربض تيس الوعل ،منحنيا رأسه، ّ الصحراوية
مغمضا عينيه ،داخال في سبات عميق.
كانت شجرة ظفر تقف أسفل املدخل تحيط بها نباتات القضب ذات الزهور اللؤلؤية الصفر،
قناص قديم ..يتنقل طائر أبو صريد بعيدانها الخضر الرقيقة ،التي تتشعب ممتدة مثل سهام خارجة من كنانة ّ
الصغير من سفح إلى آخر ،يقف على غصن الشوع ثم يفارقه إلى شجرة لقم كبيرة ،ال يقف في مكان واحد،
إنه يقفز بين أغصان الشجرة ،يطير إلى شجرة لقم أخرى نبتت في قلب حجارة الشرجة عند يمين الكهف.
يغرد أبو صريد وهو يمارس انتقاله الفوضوي مالئا املكان بصوت يشبه إلى حد ما رنين سلسلة معدنية،
تحول السرد في تأخذه السفوح بين جوانبها ،سرعان ما يجيبه طائر أبو صريد آخر من إحدى القمم 2"..لقد ّ
هذا املقطع إلى عرض وثائقي يصف البيئة العمانية وصفا دقيقا ،وتنتشر مثل هذه املقاطع في املتن وبشكل
ّ ّ
مكثف ،وفي هذا السياق تؤكد الناقدة فاطمة محسن أنك حين " تدخل الرواية ( القناص) حافيا فتضطر
ّ
متخيال مليئا ب ـ: للعودة الرتداء أقوى ألاحذية ألنك ستتسلق الجبال وتطارد الوعول 3".تستعرض الرواية فضاء
أ ـ أمور الفالحة ":تعلمت أمور الفالحة وصعود النخيل ،تعلمت كيف أقيس أثر الظل ومتى يكون موعد ماء
الفلج حاضرا ،اقتربت أكثر من ألارض ،من طينها وحشائشها وحشراتها ،حرثتها وقلبت تربتها ،مشيت في مائها
العكر ،قطفت ثمارها وا ستظللت بظالله ،ثم حفظت مطالع النجوم في ليلها واستمعت إلى همس الجنيات في
العتمة4".
ب ـ التأقلم مع الطبيعة " :أن تذهب إلى الجبال ،يعني أن تصير كائنا جبليا متوحشا ،تفهم ما تعني لك
ألاصوات من حولك وما تعني حركة الحشرات والطيور ،حتى حفيف الشجر ،البد لك من قراءة ما يدور في
101
السردي وألاثنوغرافي في الرواية العمانية د.نوال بومعزة -
املكان ،فالظالل تقول لك شيئا وزعيق الريح على السفوح يخبرك بالحكاية وفي الليل تعوي الثعالب متنبئة
بما سيصير غدا أو أن تسهر على الصوت حتى تسكتها عن ذلك النعيب املتواصل الذي يقلق رقدتك وعليك
أن تفتح أذنيك وعينيك لترى الحياة من حولك مكتملة في كل ش يء".5
عدة الصيد جاهزة ،حقيبة ممتلئة بكل ألاشياء الهامة ،دلة مع عبوة قهوة ،علبج ـ أمور الصيد وأدواتهّ " :
الكبريت ،كيس تمر ،خلطة بهارات ،ما يكفي من الرز والسمك اململح ،وقطع لحم املظبي املجفف ،ملح،
الشاي والسكر ،فناجين ،خبز ،حذاء ،مخصص لطلوع الجبال ،مصباح يدوي ،بطاريات ،سكين ،قميص،
وإزار ومالبس داخلية ،شرشف ،ناموسية ،منظار ،قربة املاء وقبل كل ش يء البندقية وحزام الطلقات 6".لقد
حمل السرد في املقاطع السردية السابقة الذكر شحنات معرفية أثنوجرافيا تبحث في كل ما يحيط بالقناص
العماني ذلك يبحث عن ذاته من خالل البحث عن ذلك الوعل الذي يتحداه في كل ّ
مرة.
د ـ أنسنة ألاشياء :يحدث الكاتب زهران القاسمي عالقة أنسنة بين السارد البطل وبندقيته منطلقا من ّأن"
ّ
الفنان يؤسس تجليات العالم الخارجي ويدخلها إلى عمله الفني ،ويدعها تقوم بدورها إلانساني الجديد ،ليسهم في
خلق املناخ العام الذي يطمح أن يحققه وليجعلها تتجاور مع إلانسان ومشاعره وأفكاره ،كي تشاركه املعاناة والقهر
وفنية ،تسعى إلى تفسير ألاحداث تفسيرا دخيال ّ
متميزا، والفرح في الحياة ،وتجيئ هذه املجاوزة نتيجة لحاجة ذاتية ّ
ّ ّ
وتصوير الحياة تصويرا خالقا برؤية جديدة تتسم بالشمولية وإلانسانية املطلقة 7".تظهر هذه امليزة بشكل
أساس ي في العالقة التي أقامها.
ينتشر في أنحاء الرواية عبق املكان الشاعري ،الهيولي الذي يدعو القارئ إلى رحلة صيد ممتعة،
ّ
فالكتابة الجديدة التي تنشد التجريب الروائي ،ما هي إال "رحلة صيد القتناص الروح الشعرية إن ُوجدت،في
املثل ،في السيرة ،في اليومي ،في التاريخي ،في إلاعالن ،في املهمل ،تعالج هذه املقاربات وغيرها الكثير بما تحمله
لتحولها إلى عالمات تنتج شعرية كي يصبح الشعر كائنا ال محددا وال نهائيا،من أضواء وألوان وسبل إخراج ّ
يهندس تناسقه من حساسية تناقضه الداخلي ،ويبعث حركته الدائبة القلقة من سكونه الوهمي ،وفيضا من
إشعاع يخلق نظاما في الفوض ى في النظام ويلفت انتباه النثر إلى قابلياته الشعرية "( .)7هندست الكاتبة
العمانية زوينة الكلباني أنظمة أمكنة في رواية الجوهرة والقبطان 8وفق ثيمة البحر ،فكان املحور ألاساس ي في
ّ
تحرك ألاحداث إن لم نقل شكل البحر لوحده شكل شخصية البطل بكل تمظهراته املختلفة .فقد ارتبط
ّ
فتحول البحر بهذا املعنى إلى مسار من ارتباطا بالبطل صالح ،وقصة صموده وشجاعته وهو يقود سفينته،
102
مجلة " املرتقىي " املجلد /5:العدد / 1:مارس 2022
الارتقاء السحري العجيب ،حيث أصبح مساويا لألسطورة وحامال معاني " الحياة ،الكتابة ،الحروب ،وألاحزان
وهو أيضا عنصر مفاجأة للراوي /البطل في حمله أخبار من كان على متن السفينة.
ّ
املتخيلة التي جمعت وفي حقيقة ألامر فعوالم رواية الجوهرة والقبطان تقوم على القصة العاطفية
صالح بمنال وعالقته بزوجته سعاد " ،فاملشاهد املتعددة التي حفلت بها الرواية عن مواجهة السفينة
الشراعية لإلعصار ،ولتقلبات ألاجواء ،وعواصف املحيط ،وغضب الطبيعة العنيف ،تذكرنا برواية املغامرات
ّ
التي ال يقبل فيها إال ش يء واحد ،وهو انتصار البطل على كل ش يء 9"..فالرواية تالمس فن املالحة العربية
وبهذا فالجوانب ألاثنوغرافية ترصد خصائص هذا الفن في الخليج العربي وبحر العرب ،واملحيطين الهندي
وألاطلس ي واملمرات البحرية واملضايق املائية التي تربط فيما بين دول العالم القديم والحديثّ ،
فتكونت لوحة
ّ
متخيلة محورها ألاول البحر وخصائصها "ألاهمية الاقتصادية واملوقع الاستراتيجي للمضيق جعل منه سردية
منطقة مستهدفة لعمليات القرصنة التي تهدد أمن املالحة البحرية واستقرار التعامل الاقتصادي بين الدول
الثالث املطلة على املضيق( أندونيسيا ،وماليزيا ،وسنغافورة) مما حدا بهم إلى زيادة عمليات الحراسة
والتفتيش بواسطة البواخر الحربية ،وذلك للحد من تنامي ظاهرة القرصنة"10.
تعكس رواية الجوهرة والقبطان العالقة الوطيدة بين الانسان والبحر ،وخاصة العماني املشهور
بتقديس هذه العالقة "،فالبحر يتهيأ لوداع الشمس في سكون مهيب ،تبدو السفينة أكثر عزلة حينما ادلهم
الظالم ،السماء مزخرفة بنجوم كثيرة ،ال تستطيعون السير في البحر دون الاهتداء بالنجوم ،ثمة تشابه كبير
بين املالحة البحرية والسفر في البيداء كالهما معتمد اعتمادا كبيرا على الاسترشاد بالنجوم ،وال عجب أن
يسمى الجمل بسفينة الصحراء ،كل ش يء له تفسير ومعنى في عرض البحر :حركة الريح ،واملوج ،والهواء،
والنجم ،والغيم ،والسحب"11.
دمجت الكاتبة بين البنيتين السردية وألاثنوغرافية في محاولة إلنشاء فرجة معرفية وتاريخية تثبت
دور السرد في تقديم الواقعي والتاريخي.
ّإن استثمار آليات البحثين السيميائي والتداولي يعمل على اكتشاف تجليات الخطاب السياحي في
رواية ثالوث وتعويذة " ،فالسيميائية تبحث في العالمات وقوانين إنشاء الحكاية ،وتنفتح على الوسط املادي
والتقني حتى تتجاوز ألانساق املغلقة لألثر وتنفتح على ألانساق ّ
املولدة له فتتجاوز وصفه إلى محاولة فهمه
وتأويله من منطلق عمليات استداللية يعمل على إعادة تشكيل العمليات إلابداعية غير الواعية مستعينة
103
السردي وألاثنوغرافي في الرواية العمانية د.نوال بومعزة -
بمختلف العلوم إلانسانية استقصاء لالحتماالت املعني فيها" 13فحين تعمل التداولية " على إعادة بناء
الحاالت الخارجية املؤثرة في تشكيل الخطاب والانتباه إلى سياقات نشأته جمالية كانت أو فكرية أو سياسية أو
اقتصادية لتستخرج مقاصده التداولية ،ووجهات القول فيه .كما أنها تعمل على استخراج دور القارئ أو
املتفرج في تشكيل معنى النص بضبط ما يقترح عليها من مواقع لإلبصار أو إلادراك وما يفرض عليهما من
العمليات الاستداللية ،ذلك أن النص آلة كسولة8.
سباق الهجن.
قدم الكاتبة زوينة الكلباني عبر سرد بطلتها لألحداث املكان بكل حيثياته ،بوصف دقيق يالمس تُـ ّ
الواقع ويتماهى معه ،خاصة ما تعلق ألامر بسباق الهجن ،نقرأ ":نوق ُ
تسابق الطير ،وتطلق حفوفها للريح
سالكة بهم سبيل من ال أوبة له ،وعلى ظهورها أجساد أكثر هشاشة من ورق الخريف ..أطفال متشبثون
بالخطام الذي يصلهم بالحياة أو املوت ..كمن يمسك بقشة ..لم يكن سباق الهجن يشدني ،ذهبت للمضمار ..
يومها غرضاء لجدتي فقط ..انضممت لصفوف املتجمهرين الشاخصة أبصارهم واملشرئبة أعناقهم للميدان
وبقيت جامدة كأن على رأس ي الطير 14" ..
إذا كان سباق الهجن ال يستهوي بطلة الرواية ،فهو بهذا الوصف يستهوي عشاق هذا السباق وهذه
التظاهرة التراثية ،يعمل هذا املقطع السردي على التعريف بمهرجان من مهرجانات سلطنة عمان الكثيرة،
حيث ينتمي هذا النوع إلى التراث املادي الذي أولت له الجهات الحكومية املختصة في سلطنة عمان ألاهمية
الكبرى ،كونه يمثل شغفا أصيال متجذرا في السلطنة وباقي دول الخليج العربية باعتبارها " أحد أهم املوروثات
الحضارية والثقافية التي ارتبطت تاريخيا بحياة أهل الخليج منذ القدم ،وقد ّ
تطور الاهتمام الرسمي والشعبي
بها حتى أصبحت موردا اقتصاديا هاما لكثير من مربي إلابل "81.
تمثل عبارة " أطفال متشبثون بالخطام الذي يصلهم بالحياة أو املوت " التي ذكرت في املقطع السردي
شدة ارتباط العماني بتراثه ألاصيل ،فقد لعبت إلابل دورا ّ
فعاال في حياة أجدادنا في عابر ألازمان حيث كانت ّ
وسيلتهم للسفر والذود عن الحمى ،كما كانت جماال وراحة نفسية ،حيث يرجعون وحين يسرحون ،ولهذا
منحوها جل اهتمامهم وارتبطت ارتباطا وثيقا بحياتهم اليومية حتى غدت الناقة العمانية مضرب املثل في بالد
الخليج والجزيرة العربية في الجود والجودة والجمال املتميز .وعرفت عمان باإلبل ذات السالالت ألاصيلة كما
برع العمانيون في اقتنائها واملحافظة عليها ورعايتها..
ّإن سباقات الهجن تعتبر حاليا مصدر رزق لشريحة كبيرة من املواطنين ،خاصة وأن الهجن العمانية مشهود
ّ
ويتكبد أصحابها مبالغ كبيرة في تغذيتها ورعايتها وتدريبها وتطييعها ويبلغ مبيعاتها حاليا ما لها بالجودة والسبق
ال يقل عن مليوني ريال عماني في السنة.
104
مجلة " املرتقىي " املجلد /5:العدد / 1:مارس 2022
ُ
ّإن حضور هذا الخطاب في الرواية دليل واضح على انتشار هذه الظاهرة وإعجاب الك ّتاب بتفاصيلها
وقدموها كشكل تراثي يجب تقديمه للقارئ " ،فانفتحت بذلك الرواية على خطابات متباينة تعود فعرفوا بهاّ ،
ّ
إلى أجناس مختلفة ،وهذا يعني أن الرواية العربية في ّ
تحوالتها وإنجازاتها الجديدة ،لم تعد متقيدة بالبدء مما
ّ
يالئم املستوى املحلي ،بل انفتحت على مغامرة الرواية في تجلياتها وأبعادها الكونية15"،وانفتحت بدورها
الرواية العمانية على التراث ،فكان التوظيف ّ
فعاال في إبراز تاريخ البالد وفاعليته في بناء املستقبل واستقطاب
آلاخر.
ثانيا :فرقة العيالة.
تعمل عالمات سيميائية منتشرة هنا وهناك في رواية ثالوث وتعويذة على إرشاد القارئ وتوجيهه،
يعرف بالتراث العماني ،وقد أسهمت أنواع املناصصات في تحقيق هذا الهدف، فكانت املرشد السياحي الذي ّ
واملناصصات قسم من أنواع املتعاليات النصية في عالم الرواية وهو ما يسمى " paratexteويشمل جميع
املكونات التي تهم عتبات النص نحو :العنوان والعنوان الفرعي والعنوان الداخلي والديباجات والحواش ي
والرسوم ثم نوع الغالف ،إضافة إلى كل العمليات التي تتم قبل إنتاج النص من مسودات وتصاميم غيرها
" 11ورد تعريف فرقة العيالة في حواش ي الرواية وبالضبط في شكل إحاالت في ألاسفل .اهتمت بتعريف هذا
الجانب التراثي نقرأ " :رقصة شعبية تشتهر بها محافظة الظاهرة عبارة عن صفين متقابلين من الرجال
يلوحون بعصيهم وهم يرددون ألاهازيج الشعرية في حركات متناسقة ،يتوسطهم في الحلبة عدد من قارعي
الطبول ،ويرقص بينهم حاملو السيوف والبنادق "81
مرة أخرى مدى اهتمام الكاتبةّإن هذا الحرص الشديد في تقديم تعريف دقيق لهذه الرقصة يثبت ّ
ففن العيالة من أبرز فنون الرقص الشعبي في عمان ،إلى جانب ّ
فن بالتراث والتسويق له عبر الكتابة الروائيةّ ،
الرزحة والعازي وهو من "الفنون الرجالية حيث يعتبر من فنون الشجاعة ويصطف فيه املشاركون صفين
متقابلين ويتبادلون الغناء بشلة بيت واحد يرددها الصفين على التوالي حتى تتم أبيات القصيدة ،وتميل
الحركة في العيالة إلى البطء حيث يؤديه الرجال في شكل صفين متوازيين يقبض كل منهما بالصف بجاره
بينما يقبض باليد ألاخرى بالخيزران ويحركها على حسب إلايقاع من ألاعلى إلى ألاسفل ،وإلايقاع املستخدم في
هذا الفن يكون ثالثيا باستخدام آالت إيقاعية مختلفة تختلف من منطقة إلى أخرى فيستخدم طبل الكاسر
والطبل الرحماني والدف والطاسة وكذلك طبل الرنة " ّ 16إن استقطاب القارئ هو هدف هذه املقاطع
السردية املتتالية واملبنية على ذكر جوانب تفصيلية عن هذه الرقصة الشعبية.
ثالثا :وصف البيوت العمانية.
يتصف البيت العماني بالعديد من الخصائص الشكلية التي تجعل منه فضاء تعرض من خالله عالقة ّ
العماني بعاداته وتقاليده و تجلياتها في الحياة اليومية ،حيث يعمل أسلوب الوصف على تقديم البيت العماني
من الناحية السياحية للقارئ قصد زيارته واكتشاف تفاصيل بنائه ،نقرأ " :اتخذت خالتي مريم من الصالة
النسائية ركنا خاصا بها له طابعة املميز الذي يدل على حسها املرهف ..تكسوه أوراق الجدران العنابية اللون
التي تتأثر فيها ألاشكال الهندسية الدقيقة املائلة للون الذهبي ..وثمة لوحتان معلقتان على الجدار .ساعدت
خالتي في اختيارهما من سوق مطرح عبارة عن حلي نسائية من الفضة الخالصة ،ألاولى عبارة عن مرية ذات
105
السردي وألاثنوغرافي في الرواية العمانية د.نوال بومعزة -
نقوش جميلة تتدلى منها السالسل املطعمة بالياقوت ألاحمر ،والثانية عبارة عن خالخيل تستخدمها الفتيات
قديما في ألارجل ،ثم تثبيت كل منهما على قماش من املخمل العنابي بدقة ،وأحكم إغالقهما بزجاج مؤطر
ببرواز يجمع بين اللونين الذهبي والعنابي 81 " ..تحرص الكاتبة على تجميع القدر الكافي من املعلومات
والذكريات واملرجعيات الثقافية والتاريخية .ولعل هذه الطريقة في الوصف تعيدنا إلى عوالم املالحم إلاغريقية
التي تعتمد على الدقة في الوصف والترابط بين املقاطع السردية ،على املنوال نفسه نقرأ :
" وأسفلهما طاولة عتيقة مشغولة بالحديد أودع عليها بعناية راديو كالسيك بحجم كبير يعود إلى ألاربعينيات
من القرن العشرين ..تعتز به خالتي كثيرا ،فقد أهداها إياه ناصر حينما عاد من املغرب منذ عشر سنوات" 17
تمتزج ألالوان العنابية والفضية مع الطابع الكالسيكي لصالة الجلوس ،فتخصص الكاتبة الصفحة
آلاتية لوصفها ،نقرأ " :املساند العنابية الجميلة التي تجلس عليها خالتي وهي تحوك التلي * وبجانبها مندوس**
صنع في نزوى ،يضفي على املكان ملسة جمالية ساحرة ،وعلى الجدار روزنة ***وضعت عليها صينية العطور
املذهبة ،والتي تضم زجاجات العطر املرسومة بشفافية وتفوح منها روائح العود ،واملخلط والورد ،واملخمرية
**** وثالثة أنواع من البخور الظفاري وحطب العود املبخرة وماء الورد الجبلي ،وبجانبها بروازان أحدهما
صورتها بيرقتها الجميل وهي تتوسط ابنتيهــا ( ميـرة ،وميثـة ) وصــورة أخرى تجمـع ولديهــا ( ناصر وعبد العزيز) .
كانت كعادتها كل ضحوة منشغلة بجدل ضفائر التلي هذه الضفائر التي ازدادت بها مالبسنا صباح العيد،
فزهونا بها صغارا ونحن نتمنطق ألاحزمة املصوغة من الذهب نتباهى بها بين أترابنا " 18
طل العادات والتقاليد التراثية العمانية من خالل هذا املقطع السردي ،وقد ازدادت بأنواع مختلفة ُت ّ
من العالمات التي تجمع الحركة واللون والرائحة ،فالحركة تمثلها عملية خياطة التلي ،واللون تمثله الصينية
املذهبة ،والرائحة يمثلها ذلك الخليط من العود والورد.
ّإن الوصول إلى القارئ والاستحواذ على اهتمامه هو هدف الكاتبة ،فتعرض عليه ألوانا من التراث
العماني بأساليب سردية مغرية تعمل على استمالته ،وبث عنصر التشويق بكل آليات السرد املقدمة
كاملناصصات املوجودة أسفل الصفحة التي تزود القارئ بمعلومات عن أغلب املصطلحات التراثية املوجودة
في املقطع السردي السابق ،فنجد :
* التلي :فن من فنون التطريز تمارسه النساء في محافظة الظاهرة وبعض املحافظات في عمان ودولة
إلامارات ،ويستخدم في تزيين الجالبيات النسائية .
** املندوس :وهو صندوق خشبي.
*** روزنة :رف محفور في الجدار.
**** املخمرية :خلطة من العطور العربية توضع على الجسم أو الشعر.
ُ
هذا وتظهر الكاتبة في رواية ثالوث وتعويذة مظهرا من مظاهر التقاسم الثقافي بين دول شبه الجزيرة
العربية ،وخاصة ما تعلق ألامر بسلطنة عمان ودولة إلامارات العربية املتحدة ،وهذا ما جسدته شخصية
سعود إلاماراتي ،وكما استرجعت البطلة ذكريات طفولتها واستدعت سباقات الهجن في عمان ،ها هو سعود
يقدم جانبا تراثيا في دولة إلامارات وهو تربية الصقور وصيدها ،وهو مظهر ثقافي تراثي مشترك بين أغلب دول
106
مجلة " املرتقىي " املجلد /5:العدد / 1:مارس 2022
الخليج العربي ،نقرأ " :أخذت عن والدي شغف الصيد بالصقور ،لقد عرف عنه قدرته على تدريب إثنين من
الصقور في وقت واحد ،واشتهر في أبوظبي بشاعر الطرائد ،ومن طول مالزمتي له في رحالته اكتسبت منه مهارة
ترويض الصقور ،واستئناس الطيور الجارحة ،التي علمتني الصبر والجلد والقوة ..لطاملا ردد أبي على مسامعنا:
القنص يربي الرجال ويجلو الهم ويذهب الحزن ..إن الحر أو الشاهين يحتاجان في تدريبهما إلى وقت يتراوح ما
بين ثالثين إلى أربعين يوما يستطيعان بعدها أن يتعرفا إلى صاحبهما وسماع نداءه وتلبية أوامره والذي يفضل
الصقر الحر ،ألنه طائر قنوع وأكثر تهذيبا وهدوءا عن سائر الجوارح ..يسكن ألاغوار والكهوف وصدوع الجبال
وأنا يستهوني الصيد بالشاهين ،فهو من أسرع الجوارح وأشدها ضراوة في مالحقة الطريدة ،تدهشني مناوراته
واستعراضاته ألاخاذة في تعقيب فريسته قبل أن يحكم قبضته عليها .أتعلمين يا نورة أن صقر الشاهين
حساس ورقيق ،ولفرط هشاشته ُيشبه الزجاج ؟" 19
ّ
ال يشكل القنص بالصقور ملمحا ثقافيا فحسب ،فأهل الخليج وخاصة في دولة إلامارات يعدونها
رياضة وهواية تناقلوها عن ألاجداد ،فالصقر رمز القوة ودليل على عزة النفس ،فبرع أهل أبو ظبي منذ قديم
الزمان وحتى آلان ،في معرفة حسن آداب وتدريب وترويض الصقر ومعاملته وهذا ال يتجزأ من تراث عريق.
تمتلك الكاتبة دراية واسعة بهذا التراث في محاولة منها إلثبات ترابط العالقات بين سلطنة عمان
ودول الخليج العربي ،فهو امتداد جغرافي واحد يضم أمة تشترك في العادات والتقاليد ،فللكاتبة ثقافة واسعة
عن هواية صيد الصقور ،تغوص في عواملها وتسبح في مسمياتها وخصائصها فتذكر الصقر الحر ،والصقر
الشاهين وغيرهما.
ّإن عوالم رواية ثالوث وتعويذة ساحرة يفوح منها عبق التراث ومظاهره املتنوعة ،رواية تقود القارئ
في رحلة سياحية مجانية التكاليف يتعرف من خالل بنيتها السردية على أهم مكونات البيت العماني وهندسته
املتميزة ،كما يتعرف على أهم تظاهراته الثقافية كسباق الهجن وغيرها من تجليات التراث العماني العتيق.
ثالثا :التراث ووصف البيئة العمانية في أعمال الكاتب خالد الكندي.
ّ
املتميزة التي يمكن لقارئ السرد العماني أن يستننجها عالقة الكاتب من بين العالقات إلابداعية
العماني بتراثه .إن قراءة عدد معين من منجزات السرد العماني سواء أكان قصة أو رواية أو مسرحية يؤكد
ّ
لصب قضايا التوجه ّ
القوي إلى التراث والتاريخ باعتبارهما مادة خام ينهل منهما الكاتب القوالب وألاشكال ّ
الكتاب العمانيين الذين جسدوا هذه العالقة بشكل مباشر وصريح الكتاب الوطن وألامة وإلانسانية ،من ّ
العماني خالد بن سليمان الكندي من خالل العديد من منجزاته إلابداعية من مثل :رسالة إلى قورش،
حكايات من نخل ،الجاعد ألابيض ،القافر ،أم الدويس ،مرارة الذئب.
يبدو أن الكاتب قد حدد ّتوجهه في الكتابة من خالل الاغتراف من منبعين أصيلين هما :التراث و
التاريخ ،ففي رواية القافر اتجه خالد إلى التراث ،فأعلنها صراحة على الغالف " :في سلسلتنا حكايات من
التراث العماني نجتهد في كل عدد في تحوير حكاية شعبية إلى قصة ذات صبغة فنية تتضمن مشاهد ّ
مشوقة،
تروى لجيلنا الحاضر الحياة التي عاشها أجدادنا وأباؤنا .فتقرب إليهم صورة ذلك الزمان على خصوصية
أدواته .و سمات شخوصه .ووظروف بيئاته.
107
السردي وألاثنوغرافي في الرواية العمانية د.نوال بومعزة -
ّ
ويمحص الحكايات ّ
يتحول إلى قافر يبحث في التراث، مكنت فطنة الكاتب خالد الكندي من أن ّ
الشعب ية التي يمكن تحويلها إلى مادة سردية لها تشكيلها الخاص ،وتسهم في تحويل النص إلى متعة وفائدة،
فاملتعة تكمن في جمالية الناحية الفنية كاستراتيجية اختيار الشخصيات وتحديد مساراتها السردية والعالقات
وألادوار التي تربط بينها ،ورسم البنيتين املكانية والزمانية ،وألن كل كاتب يبحث عن ّ
التميز ،فقد ّ
تفرد خالد
الكندي بموضوع القفر ،وهو مجال يكاد يجهله القارئ.
ترتكز البنية السردية في حكاية القافر على املسار السردي الذي اتخذته عصابة سالم الشاب الذكي
ّ
الذي امتهن القفر إال أنه استغل هذه املوهبة في أمور سلبية كخداع الناس والسرقة .لقد أراد خالد الكندي
بقصد أو بغير قصد تحويل القارئ إلى قافر محلل يبحث عن نهاية لذلك الصراع الخفي بين الوالي وسالم،
فأثث الحكاية على مجموعة من العناوين الفرعية :شهقة ،نهاية املرس ى ،الشبح ،عودة املشوق ،شفاعة،
اللصوص ،ياسر نقمة ،شيمة وكرم ،شجار ،مهنة جديدة ،صراع الدخان ،الاختبار ،الغبن ،مقارعة العقول،
لص الشياه ،مجادلة ،العملية الكبرى ،الخطة ،الوكر ،ابتعاث ،السيح ،القزم ،الخدعة ،مسائل نحوية،
املطاردة ،تقريع ،مرس ى(بركاء) ،هجوم ،ضيافة ،إقالع ،املحاكمة.
تسهم هذه العناوين الفرعية في تتبع مسار السرد ،وتساعد القارئ في فهم الحكاية ،والتمتع ّ
بحسها
البوليس ي الذي يجذبه إلى سحر ألالغاز ،ومقارعة العقول ،نقرأ":بدأت تتبع الخيط من أشجار املوز..فعلى
الرغم من أن تراب(وقف الصاروج) كان مملوءا بآثار ألاقدام التي ال تنقطع عن مرورها عليه ،فإن آلاثار التي
تكررت كثيرا تحت أشجار املوز املسروقات كانت آثار النعل وحذاءه ،فأما النعل فهي نعل الوالي التي لطاملا
رأيت آثارها في أرض الحصن وخارج بوابته وفي السوق فحفظتها عن ظهر قلب ،وأما الحذاء ،فهو حذاء
ّ
العساكر ،حذاء هم ليس له إال نقش موحد يعرفه الجميع20 "...
تخللت حكاية القافر العديد من آلاليات التجريبية في القص كتوظيف ألاسلوب البوليس ي في الحكي ـ ـ
كما قلنا سابقا ـ ومحاولة تلقين القواعد النحوية بواسطة السرد ،وهو نوع من الجمع بين الثقافة السردية
وملكة النحو مثاما ورد في الجزء املعنون" مسائل نحوية" ،فلم يكبح الكاتب حبه للنحو العربي ،فراح يلقن
بعضا من قضاياه على لسان الوالي ،وهو يجتمع بطالبه نقرأ " :وخالصة القول يا أبنائي في مسألة مطابقة
تقدم على الفاعل فإنه يبقى مفردا حتى لوكان الفاعل مثنى أو جمعا،الفعل للفاعل في العدد أن الفعل إذا ّ
فانت تقول (حضر الرجل) و(حضر الرجالن) و(حضر الرجال)21 "..
يعد التاريخ املنبع ألاساس ي الثاني الذي يغترف منه الكاتب خالد الكندي ،وقد سار بذلك على خطى
الجيل ألاول من كتاب الرواية العربية في العصر الحديث كجورجي زيدان وطه حسين ،وتوفيق الحكيم،
ّ
التطور الذي ونجيب محفوظ وغيرهم .ولعل رواية الجاعد ألابيض تعكس النفس الطويل في الكتابة ،ومدى
يشهده السرد العماني في آلاونة ألاخيرة ،والرواية منجز يؤكد تمسك الكاتب العماني بتاريخه وإعادة تمثله
ليسرد قضايا الراهن .تحضر شخصية العالمة واملصلح أبي زيد عبد هللا بن محمد ّ
الريامي(8111ـ)8519
شخصية محورية في رواية الجاعد ألابيض ،وقد استلها الكاتب من التاريخ العماني مركزا على ضرورة أخذ
العبر والدروس من أحداث املاض ي ،فالتاريخ سجل ال يمكن تغييبه خاصة وأن شخصية إلامام العالمة
108
مجلة " املرتقىي " املجلد /5:العدد / 1:مارس 2022
شخصية فاعلة في النهوض بقرى ومدن عمان في الحربين العاملية ألاولى والثانية ،وهي فترة صعبة ال تطاق.
قدمت الرواية املشروع إلاصالحي للعالمة ،فكانت بهالء نموذجا اقتصاديا واجتماعيا ناجحاّ .
مست زواياه
إلاصالحية :
ـ الجانب الاقتصادي ،حيث قام العالمة بإصالح ألافالج ،واستغالل ألاراض ي ،وتخزين الحبوب ،فازداد بذلك
مخزون بيت املال.
ـ الجانب الاجتماعي :أمر بتزويج العزاب ،ومساعدة الفقراء.
ـ الجانب التعليمي :التشجيع على التعلم ،وحفظ القرآن الكريم.
ـ الجانب ألامنيّ :
عم ألامن ،واختفى قطاع الطرق الذين كادوا له املكائد بمساعدة التجار الذين لم تعجبهم هذه
إلاصالحات.
لم ينس الكاتب تقديم الجوانب الشخصية للعالمة ،فذكر أساليب تعامله مع أهل بيته ،وكيف كان يحثهم
ّ
على الزهد والتقشف ،حتى بعد وفاته لم يترك إال جاعدا أبيضا ،ومن هذه التركة الزهيدة انتقى الكاتب خالد
الكندي عنوان الرواية.
وألن الكاتب يدرك جيدا ّأن املادة التاريخية تكون ـ ـ في أغلب ألاحيان ـ ـ ثقيلة على القارئ فقد ّ
طعمها ّ
باملتخيل السردي الذي يتحد مع الجانب التاريخي في إضاءة جوانب من الحياة الاجتماعية والثقافية ّ
ّ
والسياسية في منطقة إزكي خاصة قصص ألاطفال ومرحهم وقصة سرقة ألامبا ،وقصة الثورّ ..إن محاولة بث
الحس الفكاهي للسرد التاريخي في بعض املقاطع السردية من الرواية لهي الطريقة املثلى لتكسير تتابع ألاحداث
التاريخية ،نقرأ من رواية الجاعد ألابيض ":ثم أردف مسلم يتابع حكايته:
ـ وأنتم تعرفون أن خميسان حاشكم يربي كلبا ..ويربط هذا الكلب بسلسلة حديد .ضغط على حروف
كلمة سلسلة حديد مفخما هالتها ،فاهتزت رؤوس الحاضرين متفاعلة مع فخامة الحديد ،قبل أن يواصل
مسلم فيهبط بنغمته قائال :لكنها سلسلة حديد خفيفة جدا .شعرت عقول الحاضرين أن مسلم يستهتر بها،
ّ
لكن قلوبهم لم تطاوع عقولهم ،بل ظلت معلقة الصقة املثيرة وأسلوبه الجذاب22"..
يبدو أن الكاتب العماني خالد الكندي قد اختار الطريق ألاصعب الذي يتطلب دراية واسعة بالتاريخ
والتراث ،وهو الطريق ذاته الذي سلكه رواد ألادب العربي ألاوائل .منجزاته تستحق الدراسة واملتابعة ،وهي
ّ
والتعرف على شخصياته التاريخية. منفذ أدبي لالطالع على التراث العماني
إذن ،ومن خالل ما سبق تتضح للقارئ خصائص الرواية العمانية التي أثبتت انفتاحا واسعا على
فتحولت بذلك إلى وثيقة معرفية إثنوغرافية تحاكي قضايا املجتمع العماني وتختص بتقديم ّ عوالم املعرفة،
معلومات وأحداث عنه ،فكان املتن الروائي العماني فسحة للقارئ عرف من خاللها طريقة تفكير العماني
وأهم عالقاته وأحواله النفسية والاجتماعية والثقافية والسياسية والتاريخية ،دون إغفال ألانساق الثقافية
املضمرة التي تختفي وراء هذا الخطاب السياحي املمرر من خالل البنية السردية املوظفة ،من مثل نقد
املؤسسات الثقافية والتاريخية والاجتماعية .والجدير باملالحظة ّأن الرواية العمانية ال تخفي الكثير من
109
السردي وألاثنوغرافي في الرواية العمانية د.نوال بومعزة -
املضمر مقارنة بنظيرتها في املشرق واملغرب ،وهذا لطبيعة املجتمع العماني الذي لم يتعرض إلى هزات سياسية
واجتماعية عنيفة مثلما هو واقع في أغلب بلدان الشرق ألاوسط وبلدان املغرب العربي.
إلاحاالت:
1ـ هيلين توماس ،ألاجساد الثقافية ،إلاتنوغرافيا والنظرية ،ت :أسامة الغزولي ،املركز القومي للترجمة ،القاهرة ،العدد، 8959
ط ،1181، 8ص.81
ّ
2ـ زهران القاسمي ،القناص ،مسعى للنشر والتوزيع ،ط ،1181، 1ص.88
3ـ م ن ،الغالف الخلفي للرواية.
4ـ م ن ،ص.51
5ـ م ن ،ص.51 ،59
6ـ م ن ،ص.89
ّ
-7محمد صابر عبيد ،مرايا التخيل الشعري ،عالم الكتب الحديث ،ألاردن ،1111ص .11
8ـ زوينة الكلباني ،الجوهرة والقبطان ،بيت الغشام للنشر والترجمة ،سلطنة عمان ،مسقط.1181،
9ـابراهيم خليل ،البطل املثالي في رواية الجوهرة والقبطان لزوينة الكلباني ،جريدة الوطن ،ألاربعاء 9يوليو ،1118
alwatan.com
10ـ الرواية ،ص.811
11ـ م ن ،ص.98
12ـ أحمد القاسمي ،التقبل السينمائي للقص ألادبي ،مقاربة سيميائية تداولية ،مجمع ألاطرش للكتاب املختص ،تونس ،ط8
،1189ص.19
13ـ زوينة الكلباني ،ثالوث وتعويذة ،املؤسسة العربية للدراسات والنشر ،ط ،1188 ،1ص.11
14ـ طارق أشقر ،سباق الهجن في عمان ..شغف أصيل ،موقع الجزيرة 01أكتوبر .1181
15ـ محمد برادة الرواية العربية ،بين املحلية والعاملية ،مجلة الرواية وممكنات السرد ،أعمال الندوة الرئيسية ملهرجان القرين
الثقافي 88 ،ديسمبر ،1111الكويت ،ج ،1111 ، 8ص.88
16ـ عبد القادر بقش ي ،التناص في الخطاب النقدي والبالغي بأفريقيا الشرق ،1119 ،ص.11
17ـ الرواية ،ص.801
18ـ الرواية ،ص.818
19ـ الرواية ص.811
20ـ خالد الكندي ،القافر ،مؤسسة بيت الغشام للنشر والترجمة ،مسقط سلطنة عمان ،1180 ،ص.11
21ـ الرواية ،ص.811
22ـ خالد الكندي ،الجاعد ألابيض ،مؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر وإلاعالن سلطنة عمان ،مسقط ،1185 ،ص،15
.01
قائمة املصادر واملراجع
أـ املصادر:
خالد الكندي ،الجاعد ألابيض ،مؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر وإلاعالن سلطنة عمان،
مسقط1185 ،
خالد الكندي ،القافر ،مؤسسة بيت الغشام للنشر والترجمة ،مسقط سلطنة عمان.1180 ،
110
مجلة " املرتقىي " املجلد /5:العدد / 1:مارس 2022
ـ ـ طارق أشقر ،سباق الهجن في عمان ..شغف أصيل ،موقع الجزيرة 01أكتوبر .1181
ـ ـ عبد القادر بقش ي ،التناص في الخطاب النقدي والبالغي بأفريقيا الشرق.1119 ،
ـ ـ محمد برادة الرواية العربية ،بين املحلية والعاملية ،مجلة الرواية وممكنات السرد ،أعمال الندوة الرئيسية
ملهرجان القرين الثقافي 88 ،ديسمبر ،1111الكويت ،ج.1111 ، 8
التخيل الشعري ،عالم الكتب الحديث ،ألاردن .1111ّ -محمد صابر عبيد ،مرايا
ـ ـ هيلين توماس ،ألاجساد الثقافية ،ألاثنوغرافيا والنظرية ،ت :أسامة الغزولي ،املركز القومي للترجمة،
القاهرة ،العدد ، 8959ط.1181، 8
111