Professional Documents
Culture Documents
كلية اآلدابوالعلوم
وزارة التعليم العالي والبحث
اإلنسانية
العلمي
قسـم الفلسفة
مذكرة بحث
األول"
"الجزء ّ
إشـــــــــــــــراف
األستـــــــــــــاذ :دّ .
معزالمديوني
الى روح أبي "حسين" الذي علّمني الحرف وعلّمني معه األدب.
الى أمي "عجمية" التي ليس لي غير دعائها في هذا الدرب المضني.
سامي...
الشكر
اتق;;دم بجزي;;ل الش;;كر للجن;;ة المحترم;;ة ال;;تي وافقت على مناقش;;ة ه;;ذا العم;;ل
المتواضع;.
كما أشكر أستاذي الفاضل د .معز المديوني الذي أشرف على بحثي وتكبّد عن;;اء
إصالح أخطاءه.
وتحية إكبار ألس;تاذي الفاض;ل د .ن;اجي الع;ونلّي على رحاب;ة ص;دره ولنص;حه
لي.
سامي...
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
المق ّدمة
يتعلّق غرضنا في هذا البحث بما عرضه "آدرنو" 1في كتابه األدب الصغير من تشخيص
تلمس ما تثيره هذه األفكار الملتقطة من الحياة
نقدي ،لما ال يمكن أن ُيخاض فيه إال على جهة ّ
نقدي أدركت معه الفلسفة والدة ونشوء ما
ّ توجه فلسفي
المشوهة ،من قضايا وإ شكاليات تنهل من ّ
ُأطل ق علي ه في الخمس ينيات من الق رن العش رين تس مية "مدرس ة فرانكف ورت" .2غ ير أن ظه ور
الرعي ل األول ونعني بذلك أرنست بلوخ وغيورغي
ه ذه الفلسفة يعود إلى بداية العشرينات م ع ّ
وأقط اب الفلس فة االجتماعي ة ال تي ض ّمت إلى ج انب "هوركه ايمر" لوك اتش
وإ ريك فروم وبنيامين ،ثيودور فيزنغروند آدرنو.
إشكالية بحثنا بالقسم األول من كتاب األدب الصغير ،متّخذة من " اإلتيقيا نقدا للحياة
ّ تتعلّق
تتقص د إلماما وإ حاطة بما
ّ المشوهة ،عنوانا لها ،حيث ينصرف البحث إلى بناء مقاربة فلسفية،
ّ
الفعلي ،ولحياة اإلنسان
ّ قد تطرحه علينا خطة البحث ،من مساءلة نقدية للحياة وللواقع اإلنساني
تصير األشياء وتسيير العالم.
جراء ّ
المشوهة ولهذا البؤس والمسخ الذي لحق الفلسفة ّ
ّ
-1
اسمه الكامل هو :ثيودور فيزنغروند آدرنو .ولد في فرانكفورت في عام 1903وتوفي في .1969نشأ في
يهتم باكرا بجماليات الموسيقى .كما اكتشف أيضا في وقت مب ّك ر فلسفة كانت في
عائلة موسيقيين وهو ما جعله ّ
س ياق اهتمام ه بسوس يولوجيا المعرف ة .في عام 1922التقى بم اكس هوركه ايمر ون اقش أطروحة دكت وراه حول
ثم أع ّد أطروح ة التأهي ل الج امعي ح ول
تع الي الموض وعاتي والنويم اتيقي في فنومينولوجيا هوس رل (ّ . )1924
كيركغارد وبناء اإلستيطيقا ( )1929اضطر في عام ( )1933إلى الهجرة إلى الواليات المتحدة األمريكية .بعد
الع ودة من المهج ر ش رع في عمل ه المش ترك م ع "هوركه ايمر" ونش را جديلــة العقــل التنــويري ( .)1947في (
ثم أصدر في ( )1966كتابه الرئيس الذي يمكن أن ُيعتبر
)1951أصدر كتاب األدب الصغير (مينيما موراليا) ّ
السلبية.
ّ الفلسفية :الجدلية
ّ وصيته
ّ
- 2تس مية لم ا ع رف الحق ا بمدرس ة فرنكف ورت وال تي ض ّمت مجموع ة من الب احثين األلم ان في الفلس فة وعلم
اإلجتم اع ال ذين عق دوا لق اء تأسيس يا س نة 1923بمعه د األبح اث االجتماعية ال ذي أسس ه هوركه ايمر بمدين ة
فرنكفورت .دأب المختصون في النظرية النقدية على تقسيم مراحل تطورها إلى ثالث مراحل أساسية :المرحلة
األولى وال تي ض ّمت الرعي ل األول في بداي ة العش رينات من الق رن الس ابق ونع ني ك ارل ك روش وآرنست بل وخ
وغي ورغي لوك اتش ثم ّ أقط اب الفلس فة االجتماعية النقدي ة ،نع ني بهم م اكس هوركه ايمر وثي ودور فيزنغورن د و
ضمت كلاّ من يورغن هابرماس وكارل أوتوآبل .أما المرحلة الثالثة فيمثلها
إيريك فروم .والمرحلة الثانية التي ّ
أساسي وهو رائد الرعيل الثالث ومدير معهد الدراسات االجتماعية بفرنكفورت.
ّ اليوم أكسيل هونيث بشكل
1
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
وحسبنا هنا ،أن نؤ ّكد ما لكتاب جدلية التنوير من أهمية في بلورة ما يشير إليه "آدرنو"
بالعمل المشترك الذي جمعه بصديقه "هوركهايمر" ،فكان اإلهداء من باب اإلثناء عن هذا العمل،
وتحديا لكل الظروف و"المالبسات الخارجية" التي أدت إلى انقطاعهما
ّ واإليفاء بالوعد ،مقاومة
عن الكتابة المشتركة.
وربما كان ذلك ما يدفعنا إلى التفكير في هذه اإلشكالية ،بوصفها إشكالية حارقة ،تفرض
ّ
وغدا ،أي من حيث هو ش أن
نفسها على الفكر المعاصر على نحو ما يبدوّ ،أنه شأن الفلسفة اليوم ً
والتو وأفق هذا المستقبل ،لذلك فمن كان مطلبه التفلسف ال يمكن أن يغفل عن مشكل
الراهن ّهذا ّ
تيقي ،فيغفل بذلك عن ّإنيته.
وتاريخي وإ ّ
ّ إنساني
ّ ينهض إلى التفكير في ما هو مطلب
الالإتيقي ة من استبداد
ّ ثمة إذا في ما يحصل للفرد اليوم في ظ ّل عصر تهيمن عليه " آيات
ّ
للص ورة ،ما
وتسيد ّ
ّ وتوغل للتقنية
ّ وتوحش للعلم
ّ سياسي لإلستعباد"3
ّ عملي للذاتي المفرط وطغيان
ّ
يتقص د نظ را نق ديا إتيقي ا في الحي اة المش وهة ،وال ذي يمكن أن
ّ ي ّبرر اهتمامن ا به ذا البحث ال ذي
المبررات ،من باب ٍ
بالبربرية" .وإ نه لتدفعنا هذه ّ
ّ إشكال يتعلّق بـ"اقتران العقل نعزو نقديته تلك إلى
2
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
المشوهة
ّ رد هذا الوضع المربك الذي تثيره الحياة
من أجل ذلك قامت فرضية بحثنا على ّ
"التشوة والمقاومة" ،التشوه من حيث هو دليل على عطوبية الذات وهشاشتها وعجزها
ّ جدلية
إلى ّ
والمسؤولية والحرية واإلقتدار .ومع ذلك تظل
ّ الصحة
ّ ومرضها ،والمقاومة بما هي شاهد على
إن ش أن
لبية .ل ذلك ف ّ
الجدلي ة الس ّ
ّ وفي ة للط ابع اإلش كالي للتفك ير الفلس في ول روح
الجدلي ة ّ
ّ ه ذه
حدا " يكاد السؤال [فيه] عن تحقّقية
المادي" ّ
ّ الخالص هنا هو شأن" الالهوت الس اّلب والالهوت
يكترث له".5
ُ الخالص أو عدم تحقّقيته أمرا ال
-هيجل ونهاية الميتافيزيقا ،فتحي المسكيني ،دار الجنوب للنشر ،1997ص .14 4
-5األدب الصغير ،آدرنو ،ترجمة وتقديم ناجي العونلي ،مؤسسة الشرق /غرب ديوان المس""ار للنشر ب""يروت 2011
ص .403
-6مجلّة الفكر العربي المعاصر عـدد ،102/103ص ،14مطاع الص"فدي ،الفكر وح"ده بما يرجع وح"ده س"ؤال
العتبات.
3
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
إن البحث في "التسيير" هو ما سيقودنا في لحظة ثانية إلى العنوان الثاني من هذا الفصل
ّ
والمعن ون "الح افز اإلتيقي" ال ذي س نعمل في س ياقه ،على بي ان م ا ه و محم ول على "العلم
الحزين"االشتغال عليه كشفا وتعرية لما أصبحت تشكو منه الفلسفة من مسخ بسبب ما صار إليه
اص ،وه و م ا يمثّ ل لحظ ة دقيق ة في س ياق ه ذا البحثال ذي س يم ّكننا من الكش ف عن
مجاله ا الخ ّ
ق" يس تهدف تعري ة جمي ع
الح افز اإلتيقي ال ذي يجع ل من العلم الح زين بم ا ه و "علم الحي اة الح ّ
الرأس مالي
ني من حيث إدراج ه ض من كلّي المنظوم ة ،ونم ط اإلنت اج ّ أش كال قم ع الف ردي العي ّ
راص دا ب ذلك م ا آلت إلي ه الموض وعية التاريخي ة من انحالل ال ّذات ومن أقنم ة للمجتم ع على
حساب التجربة الفردية.
وإ ّن ذلك هو الذي َن دبنا إلى االشتغال على الفصل الثاني الذي يحمل عنوان " اإلنسانية
عم ا آلت إلي ه اإلنس انية ج ّراء
المض طهدة" بغاي ة تفص يله على وجهين :وج ه نس تأنف في ه الق ول ّ
تشوه للحياة" فيقودنا ذلك إلى البحث فيما كشف عنه "آدرنو"التسيير من "مسخ للفلسفة" و "من ّ
في الش ذرة 45عن هذاالتص ّير المعت ّل لنكش ف أعراض ه الباثولوجي ة و المرض ية ،ونقاربه ا على
والعقلي ،وما
ّ مستوى ما يحصل للجدلية وللفكر الجدلي ،وما يمكن أن نرصده في مفهوم األنا،
أم ا الوجه الثاني لهذا الفصل فسنحاول أن نفرد الحديث فيه
الكلي المهيمنّ .
ّ يمكن أن يكشفه هذا
اإلنسانية المضطهدة ،للبحث في خصائص النقد اإلتيقي،
ّ عم ا تعاني منه
على جهة االستئنافّ ،
فنالمس معه عالقته باألدب الصغير ،و"باألخالق السلبية" وبما يجعل منه مسلكا ومنهجا إنسانيا
دغمائيا.
ّ ال إثباتيا وال
4
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
الصعوبات التي واجهتنا في هذا البحث ونحن نحاول أن نمسك داخل مغزى هذا البحث ،بجملة
فلسفية غير متقطعة ،و ال متناثرة ،وبخيط ناظم نستعيد فيه تنظيم هذه الكتابة المتش ّذرة ،تلك هي
العقبة الكؤود التي واجهتنا في تأمين قراءة يمكن ان تستجيب للتخطيط الذي ُرتّبت على أساسه
المشوهة".
ّ معالجتنا لعنوان البحث " في اإلتيقا نقدا للحياة
هك ذا إذا يش ّكل أس لوب الكتاب ة ال ذي اعتم ده "آدرن و" أح د ه ذه الص عوبات،نض يف
مم ا دفع مترجمه 7إلى
إليهاصعوبة أخرى تتعلّ ق بالغرض الذي يعالجه كتاب ّ Minima Moralia
ليتخي ر عنوان ا مثقال بك ّل ال دالالت ال تي
ّ التخلي عن تعريب ه ب"األخالق ال دنيا" أو "أدنى األخالق"
يمكن أن يعطيه ا اللّس ان الع ربي لعب ارة " " Minima Moraliaفك ّل ه ذه ال دالالت تجعلن ا
.ولم ا
نستحض ر كت اب عب د اهلل ابن المقف ع ال ذي يحم ل عن وان " األدب الص غير واألدب الكب ير" ّ
كن ا مل زمين
فإنن ا ّ
ك ان التع ريج على ه ذه الص عوبة ،يعنين ا في منط ق البحث عن إش كاليتناّ ،
حس ا
باإلنشداد إلى ما يحاول كتاب األدب الصغير التعبير عنه من خالل هذه الشذرات بوصفه ّ
إتيقي ا ،يكش ف من خالل ه "آدرن و" ،عن أفك اره الملتقط ة من الحي اة المش ّوهة .ولم ا ك ان من غ ير
يحملن ا مس ؤولية مض اعفة،
ال وارد عن دنا الع ودة إلى اللس ان األلم اني ،بس بب جهلن ا ب ه ،ف إن ذل ك ّ
-7المترجم :نـاجي العـونلي ،أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بالجامعة التونسية .يشتغل على الفلسفة األلمانية
الكالس يكية والمعاص رة ،متحص ل على ال دكتوراه في فلس فة هيج ل ،من مؤلفات ه :هيجــل األول وســؤال الفلســفة
(ت ونس )2007ومن ترجمات ه :فنومينولوجيا الـ ّـروح 2006وكت اب الف رق 2007واإليمــان والمعرفــة لهيجل
2008ونقد العقل العملي لكنط 2007
5
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
وه و م ا يوض ح ه ذه الص عوبة ،ال تي تع ترض ه ذا البحث ،فترب ك ب ذلك خيارات ه المنهجي ة
والمضمونية التي ال يمكن أن نزعم أنها جاءت خالية من كل ترمرم ولبس.
ّ
6
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
7
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
-1التسيير
إن إمكان التلفت نحو الحياة هو إمكان للنظر في ما يجعل من صورتها العطوب عنوانا
ّ
أن نقديته ستتخذ طابعا مغايرا لما هو
ألزمة الذات اإلنسانية ،وهو بهذا المعنى إمكان نقدي .غير ّ
دارج في الفلسفات الحديثة .ويحتاج األمر للولوج لهكذا إمكان نقدي أن يتسلح "المرء بالشضية
التي في عينه فهي خير عدسة مكبرة" ،8كما يشير إلى ذلك" آدرنو" إشارة واضحة لمسار نقدٍ ال
يمكن أن يكون منطلقا للتفكير من ٍ
عل ومن خالل منظومات فكرية مجردة وبالتماس "كل أشكال
التبرير أو التسويغ المتعالي عن الواقع الفعلي والموضوعية التاريخية لحياة اإلنسان المعاصر".9
هكذا اختار "آدرنو" أن يجد عند هذا الطابع المأساوي للحياة ما يكون استئنافا لما كشف
عن ه كت اب جدلية التنوير ال ذي ألف ه م ع ص ديقه "هوركه ايمر" من نق د لمش روع التن وير من حيث
ه و رم ز الحداث ة الغربي ة وم ا يفي د ذل ك من انغ راس للنق د في س ياقه الت اريخي وم ا يقتض يه من
انشغال على ما هو كائن.
لع ّل ما عاشته المجتمعات الغربية من صعود للنظم السياسية الشمولية كالنازية والفاشية
والستالينية ومناخات الحرب التي خيمت على أوروبا في هذه اللحظة التاريخية وما صاحبه من
انهيار مكانة الفرد ما يجعل" آدرنو" و"هوركهايمر" في مقدمة كتابهما جدلية التنوير يؤكدان على
المتنور ينطوي على بذرة التراجع الذي نعانيه في أيامنا في ك ّل مكان."11
ّ أن "مفهوم الفكر
ينبغي إذا الول وج إلى نق د الحي اة وم ا آلت إلي ه من مس خ وتش ويه من خالل نق د ه ذه
الواجه ة التنويري ة الفضفاض ة وم ا أفض ت إلي ه من "كس وف العق ل" وت دمير ل ه ،إن ه ولوج فاض ح
يتعل ق النق د في ه "بتس يير" الحي اة ف أي مع نى ك ارثي ،ذل ك ال ذي تتخ ذه "دالل ة التس يير" وهي ترس م
المسيرة؟ وأي منقلب يمكن أن ينتمي إليه تسيير الحياة ؟.
ّ المسير وهذه الحياة
ّ معالم هذا العالم
كما يبدو واضحا أيضا أن "آدرنو" يحرص منذ اإلهداء على إيالء التحوالت التي طرأت
على حياة اإلنسان ،العناية الالزمة والضرورية لتفسير الضرورة الفلسفية التي تقف شاهدا على
ش رعية العلم الح زين من حيث ه و كت اب يجع ل مم ا يح دث لإلنس انية في مرحل ة تاريخي ة دقيق ة
-11النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت من ماكس هوركهايمر الى اكسل هونيث ،د .كمال بومنير ،ص .12
- 12األدب الصغير ،ترجمة وتقديم ناجي العونلي ،ص .13
9
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
يع ثر "آدرنو" فيم ا يح دث للحي اة من تح والت عم ا يس تدعي "تفحص ش كلها المغ ترب
والق وى الموض وعية ال تي تعيّن الوج ود الف ردي ح تى في أدق م ا ه و مخفي" .14إن ه ذه المهم ة
تفس ر ض رورة االنتب اه إلى ه ذه العالق ة ال تي ترب ط الحي اة باإلنت اج من حيث هي عالق ة س لطوية
تؤمّن النظام وتملي على الجميع كيف يحيون تحت سلطته؟.
المعمم ة ال تي ت ؤدي
ّ إن التس يير ينش أ عن ه ذا المس عى ال ذي يس تهدف الس يطرة والهيمن ة
ّ
مسير .وهو ما كشف عنه "آدرنو" حينما تحدّث عن "مبدأ الهيمنة اإلنسانية الذي
إلى ظهور عالم ّ
تحوّل في انبساطه إلى مبدأ مطلق" ،15قد يصبح من الضروري أن نتتبع فعل هذا االنبساط الذي
ال يمكن أن نحدّ مداه والذي ُيعلن عن سقوط كل شيء في قبضة سلطة تنتهي إلى اإلجهاز على
الذات ذلك "أن الموضوعية الغالبة لحركة التاريخ في طورها الراهن تقوم رأسا وبشكل ال نظير
له على انحالل الذات".16
المعممة"ما
ّ من الواضح ّأن ه يوجد في هذا المشروع السلطوي القائم على مبدأ " الهيمنة
ألن بنيته األساسية هي التس لّط
يوجهه يجنح نحو التسلط والسيطرةّ ،
أن العقل الذي ّ
يكفي للتفطن ب ّ
وه و م ا ينتب ه إلي ه "آدرن و" من حيث ه و تس لّط ي دخل تحت طائل ة التسيير ال ذاتي للعقل .فق د آل
مش روع التن وير الواع د بالحري ة والتق دم والمبش ر باس تقاللية ال ذات إلى انبس اطٍ للهيمن ة يوازي ه
انبساط للدمار .إن وحدة العقل والهيمنة توجد في بنية العقل ذاته وتكشف عن تحول العقل إلى
أسطورة واألسطورة إلى عقل وهو تحوّل مفارق.
10
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
يرص فون ُدماهم بمحاك اة األهواء القديم ة ك أن بزين ة رخيص ة وي تركون الش خوص التي ال تعدو
ّ
كونها قطعا من المكنة تفعل كأنه ما زال بوسعها أن تفعل بعامة كذواتٍ وكأن شيئا مازال متعلقا
بفعلها."17
أن " آدرنو" يتصدّى لهذا المسلك ويقف على النقيض منه
وقد يصبح جليا ههنا أن نستنتج ّ
ليكش ف حجم المغالط ات واالدع اءات ال تي ق ام عليها ،ويح ّذر من أن وض ع ال ذوات في ه يماث ل
وأن المعيب له ذه ال ذوات ليس فق ط ع دم وعيه ا بأنه ا أص بحت مج رد قط ع من
وض ع الش خوص ّ
أن "شيئا ما زال متعلقا بفعلها".
توهُمِ ّ
المكنة بل ّ
إذ نرص د دالل ة التس يير ومآالت ه على الحي اة الح ق ال تي ص ارت حي اة مش ّوهة إنم ا
ّإنن ا ْ
يدفعنا في الواقع هاجس البحث ههنا إلى فعل تشخيصي نقدي ،يستهدف الكشف عما يق ّدر "آدرنو"
بأنه يمثل شاهدا على ظهور معقولية ظلماء تمثل باعثا على تورط الفكر في انجاز المثال التقني
واألداتي ال ذي يتخل ل ك ل منظم ات الجمعن ة ومراك ز النف وذ والتس يير وه و األم ر ال ذي يمكن أن
المزي ف غ ير "المس تنير" عنوان ا
ّ نستش ف من ه أن التس يير شكّل داخ ل ه ذه الحداث ة والتن وير
لالمعقولية العقالنية الحديثة.
إن سؤال التسيير ما هو؟ وكيف يعمل إلنتاج حياة ال تحيا؟ هو سؤال ينبني على أرضية
تتقص د الوقوف عند هذا "المستشكل تاريخيا" .ذلك أن النظرية التقليدية ،إما أنها عاجزة،
ّ فلسفية
أو أنه ا متواطئ ة م ع م ا يح دث للحي اة من تش وه ومسخ ،ل ذلك يكش ف ه ذا الس ؤال المس وخات
يحم ل الفلس فة النقدي ة ض رورة
والتش ويهات ال تي لحقت الحي اة والفلس فة على ح ّد الس واء ،وال ذي ّ
تنزيل النقد تاريخيا ،األمر الذي يقتضي التوقف عند المهمة التي يمكن أن تُوكل لهذا السؤال،
بما هي مهمة تعرية وفضحٍ للفلسفة من حيث هي تجريد نظري.
ولم ا ك ان من غ ير الممكن تعقب دالل ة" التس يير" من دون فحص لم ا ق امت علي ه الحي اة
عد نتاج
معمم يُ ّ
المسيرة من أفعال هيمنة شاملة وتشيئة ،ساهمت في انخراط الحياة في مسار تقني ّ
ّ
تحول نتيجة انحرافه عن مهمته الكونية إلى أداة وتقنية ،فإنه أصبح من الضرور ي االنتباه
عقل ّ
أدى إلى إدماج الحياة الخاصة في سياق المنفعة.إلى هذا المسار الذي ّ
11
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
المسير
ّ إن أمرا ما خطيرا وكارثيا ذلك الذي يرافق تسيير العالم ويفضح خطّ ة هذا العالم
ّ
وه و أم ر يتعلّ ق بتح ّول وانتق ال س لطوي ع نيف يُحم ل على فهم س يرورة الع الم بم ا ه و نت اج
س يرورة العقلن ة ال تي تُفهم هاهن ا على أنه ا "عقلن ة من أعلى" تس تهدف إع ادة إنت اج العلم والتقني ة
على نحو من "يأخذان أهمية إيديولوجية بديلة بالنسبة إلى اإلديولوجيات البرجوازية المنهارة في
هيئة وعي عام وضعي مشروخ بوصفه وعيا تكنوقراطيا".22
لقد استطاع "آدرنو "أن يكتفي بثنائية العقلنة ويفكك انعزالها ويقف عند ما آلت إليه من
المسير .فالحداثة نفسها تنبثق من خالل سيرورة العقلنة ،تلك التي
ّ هيمنة على محتوى هذا العالم
تنزع بعنف إلى مآلٍ يصبح فيه كل شيء أيديولوجيا حتى الحياة.
12
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
ّإن ه س ؤال ت اريخي يالمس مع ه "آدرنو" في الش ذرة 29م ا يمكن أن نس ّميه بم ا "قبلي"
توجه ه لكن ب النظر إلى
التس يير أي الخلفي ة األنثروبولوجي ة والس يكولوجية والسوس يولوجية ال تي ّ
الس يكولوجيا عبر العصور من بروتاغوراس إلى عصر النهضة ليكشفالتطور الذي شهدته ّ
ّ
تم إنزال اإلنسان بين األشياء".26
"آدرنو" بذلك كيف ّ
وقد يكون من الالفت ها هنا أن يدعونا هذا األمر إلى االنتباه إلى منزلة "األنا" داخل
هذه السيكولوجيا حيث يؤ ّكد "آدرنو" أن األنا الذي هو الفكرة الموجهّة للسيكولوجيا وموضوعها
27
أن " التسيير"
القبلي تحوّل تحت رايتها وباستمرار إلى شيء غير موجود .وليكن مناعلى بال ّ
هو وليد أزمة أنثروبولوجية وأنطولوجية وتاريخية وهو يش ّكل تراكما لهذا الفكر البشري الذي
تم منح" المجتمع
التطور والتقدم بالنسبة إليه إال عنوانا للسيطرة والهيمنة والتش يئة .فلقد ّ
ّ لم يكن
13
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
األسلحة التي بها يجعل فعال تلك الذات موضوعا ويظ ّل مسيطرا عليها " 28في الوقت نفسه الذي
بالتقدم.
ّ ويعد
بالحرية ُ
ّ كان فيه التنوير يب ّشر
ّبين إذا أن مفه وم التس يير يس تدعي من ا معالج ة إتيقي ة تتكثّ ف عن دها ك ل األس ئلة ال تي
تتعلّ ق بالحي اة واإلنس ان ،ل ذلك تُق ّد ك ّل المش كالت اإلتيقي ة منه ،لكي يس مح ذل ك للفيلس وف ب أنْ
تعرض ت ل ه الفلس فة والحي اة في مجم ل س ياقاته الفلس فية واالجتماعي ة
يع ّري حقيق ة المس خ الذي ّ
والسياسية والجمالي ة ...ل ذلك يمكن القول بأنن ا حينم ا نس أل عن " التسيير" فإنن ا نس أل عن الحي اة
ّ
وأي
وأي حياة تلك التي يحياها اإلنسان ؟ هل هي حياة جديرة بأن تحيا ؟ كما نسأل عن اإلنسان ّ
إنسان ذاك الذي يحيا هذه الحياة ؟ وما إذا كان باإلمكان التفكير فيه فعال بما هو إنسان ؟ بل إننا
خضم هذه األسئلة ،من األسئلة أصعبها وأكثرها تعقيدا ،حينما يرت ّد السؤال عن التسيير
ّ ندرك في
وأي فلس فة هي تلك ال تي يمكن له ا أن تجع ل من تفكيرها في "الع الم
ّ إلى الس ؤال عن الفلس فة :
ومادي ة
ّ المس ّير" إمكانا جريئ ا إلح داث نقلة نوعية في ت اريخ الفلس فة يجعل منه ا فلسفة اجتماعية
قادرة على الوقوف عند قوانين الواقع الفعلي فتتم ّكن بذلك من تنزيل الفكر تنزيال تاريخيا ؟.
ربم ا ك ان من األج در إذا أن نقلّب أم ر التس يير والع الم المس ّير من خالل ك ل ّ ه ذه
ّ
الواجه ات النقدي ة ال تي فتحت الفلس فة على ق ول آخ ر في اإلنس ان وفي الحي اة .ل ذلك ال يمكن أن
ننظر إلى كتاب األدب الصغير بمعزل عن المشروع الفلسفي الذي رفعت لواءه المدرسة النقدية.
ينس ل عن نفس المشروع الفلسفي النقدي
المسير ُ
ّ وهو ما يؤ ّك د أن البحث في التسيير وفي العالم
يوج ه الفلسفة للتفكير صوب هذا الذي
الذي يكون بذلك قد وضع إصبعه على موطن الداء ،لكي ّ
يعني اإلنسان في عالقته بذاته وفي عالقته بالحياة.
14
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
ال ن روم من خالل ط رح ه ذه األس ئلة أن نجيب عنه ا بق در م ا يس توقفنا في ه ذا المق ام
التفطّن إلى هذه العالقة بين ما آل إليه تسيير العالم من تشوه للحياة ومسخ لها ،و ما يقتضيه ذلك
نقدي ة
نوعي وجذري في الفلسفة فكرا وممارسة ،حتى تتأهل لكي تكون فلسفة ّ ّ تغي ر
من إحداث ّ
مادية مقاوِمة لك ّل أشكال الهيمنة والتشيئة واالضطهاد ،وهو ما يش ّكل شاهدا على أن أمرا ما قد
ّ
وأدى به ا إلى ه ذا المنقلب الخط ير من المواجه ة والمقاومة ،تع ود أس بابه
ط را على الفلس فةّ ،
الحد الذي تم فيه "ابتالع المجال
الحقيقية إلى ما رصده "آدرنو" من تسيير للحياة بلغ ذروته إلى ّ
اص برمت ه داخ ل مسعى ملغ ز يحم ل جمي ع مع الم النش اط التج اري دون أن يتعلّ ق األم ر في
الخ ّ
الواقع بالتجارة".29
وق د يك ون من الض روري والح ال تل ك من مالحق ٍة وس يطرةٍ على اإلنس ان أدت إلى
نبين أن
المسير ،ولمسار إنتاج حكم عليه بالوحدة واالنعزال ،أن ّ
ّ تحويله إلى امتداد لهذا العالم
التس يير ال ذي اقتحم "المج ال العم ومي لإلنس ان ومجال ه الخ اص يس تهدف تحوي ل الجمي ع إلى
نفوذا" 30لكي ُيظهر ذلك ما يستبطنه التسيير من تشيئة للعقل تصبح موضوعات بمن فيهم األكثر ُ
في ه العالق ات بين الن اس فاق دة للمع نى والقيمة ،لق د ُأذن له ذه الحي اة المس ّيرة ب أن تقوم بتص فية
الف ردي وأن تمعن" في انبس اط المب دأ االجتم اعي ح ّدا ال ي ترك مج اال كافي ا للفردن ة " 31وه و م ا
المسيرة.
ّ يسميه "آدرنو" "بعصر انحطاط الفردي" بالتزامن مع هذه الحياة
يفسر ظهور ما ّ
ّ
15
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
ولعلّنا نرصد بذلك صعودا للعقل األداتي بالموازاة مع هيمنة الحياة المسيرة وانبساطها
أن الحياة المسيرة ما
على المجال الخاص والمجال العمومي لإلنسان ،حتى ّأننا يمكن أن نقول ّ
كان لها أن توجد لوال هذا العقل األداتي الذي ألزم هذه الحياة بمسعى يقوم على "مبدأ إخضاع
33
إن ظهور "الحياة المنمط ة" هو
تحولت هي نفسها إلى مسار عقلنة" ّ .
ك ّل شيء إلى التقنية التي ّ
وليد عقل أداتي يقف شاهدا على هذه األزمة التي عرفتها الحضارة الغربية والتي أثبتت زيف
وعود التنوير،حيث يؤ ّكد "آدرنو" أنه قام على األساطير التي كان يريد القضاء عليها فغدا أسيرا
لها.
مضاد
ّ ال يمكن أن نفهم من هذا النقد الذي يوجهه "آدرنو" للعلم والعقل والتنوير بأنه نقد
موج ه أساسا لالنحراف الذي شهده مسار الحداثة والعقل والتنوير لذلك
"بالكلّية لها بل هو نقد ّ
ك ان الس ؤال ال ذي يق ود " آدرنو" :ه و :كي ف تح ّول العق ل إلى الالعق ل ؟ وكي ف اق ترن العق ل
بالبربرية؟
البربري ة ،لذلك
ّ إن التسيير يقوده عقل أداتي ساهم في إنتاج أساطير كانت سببا في ظهور
ّ
المهم ة ال تي أنيطت بعه دة ه ذه
ّ يك ون البحث في ه ذه العالق ات راف دا من رواف د الكش ف عن
نؤش ر م ع "آدرنو" له ذه
الحي اة المس ّيرة ،والنت ائج ال تي يمكن أن ت ؤول إليها .ههن ا أيض ا يمكن أن ّ
مرة أخرى
لكننا نعثر ّ حولت "األلم إلى الجحيم"ّ ،
الكارثة التي آل إليها الوضع اإلنساني والتي ّ
اإلنسانية المضطهدة
ّ يقدمه " آدرنو" بشأن الكارثة عن مقاومة عنيدة ترفض أن تستسلم
في ما ّ
بأن ه ما زال
ضد هذا المنطق االنهزامي واالستسالمي ّ
يقر "آدرنو" ّ
المسير ،لذلك ّ
ّ إلى هذا العالم
34
يهمن ا في ه ذا الموض ع من التحلي ل ه و البحث
يوج د في ه ذا الجحيم ه واء يتنفّس .ولع ّل م ا ّ
في بني ة ه ذه الحي اة المس يرة والوق وف عن د منط ق التس يير ال ذي ق ام كم ا أ ّك د على ذل ك
النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت من ماكس هوركايمر إلى أكسل هونيث ص .14
ّ - 32
16
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
"هوركه ايمر" و "آدرنو" في كتابهم ا جدلية التن ــوير على وض ع تك ون في ه "الس لطة والمعرف ة
مترادفتين".
المسيرة تفيد "الهوان" و"الاحتضار" كما تفيد أيضا ما هو " أسوأ من
ّ أن الحياة
ّبين إذا ّ
الم وت" ل ذلك يعم ل " آدرنو" من خالل النق د ال ذي يوجّه ه إلى الحي اة المس ّيرة ،إلى إيق اظ ه ذا
الحس النق دي واإلتيقي ال ذي يك ون محم وال علي ه أن يتح ّرر من غفلته ،وأن ي درك أن ه بوس ع
ّ
ضد الهيمنة والسيطرة.
الوعي أن يتغلّب على هذه الظلمة وأن يثور ّ
واآلن وقد أصبح واضحا ما لهذا اإلقبال اإلتيقي الذي يعالج من خالله "آدرنو" تشويهات
إن األدب الصــغير يض ع بين أي دينا
الحي اة ،من خط ورة وأهمي ة على الفك ر الفلس في يمكن الق ول ّ
ألن ذل ك من ص ميم انش غاالت
مش كال إتيقي ا بامتي از ،وه و ي دعونا إلى ض رورة الخ وض في ه ّ
اإلنسان تجاه ذاته وتجاه اآلخر والعالم واألشياء حتى يبلغ أفق ما هو إنساني .فلسنا نغالي إن قلنا
أن كتاب األدب الصغير هو كتاب في اإلنسان من ألفه إلى يائه.
ّ
17
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
أن انش غال الفلس فة م ع "آدرن و" "بالتس يير" و"بالع الم
رأس األم ر هاهن ا ،ه و التأكي د على ّ
المسير" هو من صميم انشغالها باإلنسان انشغاال يستهدف ما وقعت صياغته في هذا الفصل تحت
ّ
أهميته تنبثق عن وعي
فإن ما يطرحه "مشكل التسيير" وإ ن كانت ّ
عنوان "في اإلتيقا نقدا" .لذلك ّ
نقدي بضرورة أن ينخرط الفيلسوف في القضايا التاريخية الراهنة التي تشغل عالمه ،سواء ذاك
فإن استنطاق
الخاص للحياة أو ذاك الذي يتعلق بمجاله العموميّ ،
ّ الذي يمكن تنزيله في المجال
أهميته وخطورته تكمن أيضا في كيفية طرقه فلسفيا وفي األسئلة التي تش ّكل
أن ّهذا المشكل يبدو ّ
النقدية.
ّ طبيعته
المسير هو
ّ ٍ
اهتمام تحوم حوله ك ّل القضايا ذات الصلة بالتسيير وبالعالم إن ما يشكل مدار
ّ
السؤال عما إذا كانت الحياة قد فقدت بموجب هذا التسيير غير المباشر ك ّل الشروطوالخصائص
نتوغ ل بيسر في مقاصد هذا السؤال والوجهة التي يمكن أن
التي تجعل منها حياة تحيا ؟ وحتى ّ
التقدم
يحملنا إليها ينبغي أن نعيد طرحه من جديد ولكن بغاية البحث عن هذه العالقة التي تربط ّ
المسير .وهو ما من شأنه أن يقودنا إلى طرح
ّ ثمة بهذا العالم
الذي حقّقته البشرية بالتسيير ،ومن ّ
الس ؤال الت الي :م ا العالق ة بين التق ّدم العلمي والتق ني وع الم الحي اة؟ لعلّن ا بهك ذا س ؤال يمكن أن
أن "آدرن و" ي دفع به ا إلى المس اءلة والنق د
أن علّ ة التس يير تتّص ل به ذه العالق ة ال تي يب دو ّ
ن درك ّ
للتقدم.
ويطعن في ك ّل الدعاوى التي قامت عليها "فلسفة التنوير" من حيث هي فلسفة تنتصر ّ
إن م ا يمكن أن تخ رج ب ه األس ئلة من اس تنتاج ،ه و االنتب اه إلى ض رورة أن نض ع التق دم
ّ
بين هاللين ،وأن يكون التفكير فيه يجري مجرى مضادا لك ّل معرفة تشكو فسادا نظريا كان أو
يورطه ا في ت برير الوض ع الق ائم واالس تفادة من ه ،ولع ّل م ا ح اول تشخيص ه
عملي ا ،يمكن أن ّ
ّ
18
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
إن م ا نعني ه بالتق ّدم س واء ك ان العلمي أو التق ني ،ال يمكن أن يخ تزل في منجزات ه أو في
ّ
للبشرية ،بل يعني لنا ضرورة االنتباه إلى ما هو جوهري
ّ الكمية التي يمكن أن تحصل
الزيادة ّ
إنسانية إتيقية.
ّ التقدم ،هذا الذي ال يمكن أن يقاس إال بمعايير
في هذا ّ
سطحية ساذجة
ّ ها هنا يمكن أن نالحظ مع "آدرنو" أن النقد ال يمكن أن يظ ّل سجين نظرة
التقدم.
ذرائعي يقف عند ظاهر اإلنتاج وظاهر الحياة وبالتالي ظاهر ّ
ّ تصور دغمائي أو
أو ّ
مْأس َس ِة التق دم العلمي
النقدي ة إلى عقلن ة تعم ل على َ
ّ لق د ص ار التس يير ُيحي ل م ع النظري ة
والتق ني بقص د اخ تراق يس تهدف النف اذ إلى ك ّل مج االت الحي اة ال تي س تدخل ب دورها تحت طائل ة
هذه المأسسة.
38
يفس ر أن
"منمطة" تكون خاضعة لمس ارات العقلنة ،وهو م ا ّ
هك ذا إذا يفضي التسيير إلى حياة ّ
مسارات العقلنة هذه ،تدار وفق ما يشير إليه "آدرنو" تحت "هيمنة المؤسسة الرسمية ورقابتها"،
19
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
السياسية الثاوية
ّ أن العقلنة بالمعنى العميق للكلمة هي السيطرة
وهو ما يدعونا إلى الـتأكيد على ّ
في ك ّل أشكال و تمظهرات العقل التقني والعلمي .هكذا يمكن أن ننتهي إلى المعنى الذي يمكن أن
تشير إليه عبارة "التسيير غير المباشر" وعالقتها بالسيطرة البيروقراطية وبشكل نجاعة االقتصاد
تبني الفرضية التالية التي
الرأسمالي ،ولكن بشكل المجتمع البرجوازي أيضا .وهذا ما يقودنا إلى ّ
تقوم على إثبات أن قيام فلسفة نقدية اجتماعية مادية هو رهين اخترا ٍ
ق تنجزه الفلسفة بغية النفاذ
العقالني ة ،واس تبطانها
ّ إلى حقيق ة ه ذا ال ذي يج ري ص لب تناقض ات الواق ع إلثب ات زي ف ه ذه
للسيطرة والهيمنة.
التقدم
يتنزل من ّالمضي في تعري ف هذا العنصر ال بربري الذي ّ
ّ إن م ا ُيلزمن ا -بواجب
ّ
والمكون البنيوي -هو الوقوف عند خصائص "العالم المسير" الستنطاق
ّ منزلة األساس والجوهر
توجه ه ،والوس ائل ال تي توظفه ا ه ذه العقالني ة من أج ل إل زام البش رية بالخض وع
العقالني ة ال تي ّ
المسير ُيقاد بواسطة عقل
ّ أن العالم
يوضح ّ
ّ إلى"ال معقولية النسق" قبوال وامتثاال وهذا ما يمكن أن
ومتحيل.
ّ خبيث
من أج ل ذل ك ،تق وم وس ائل اإلعالم والثقاف ة وك ّل أش كال التق ّدم األخ رى االقتص ادية
والعلمي ة والتقني ة ،مق ام اآللي ات ال تي ته دف إلى إخض اع األف راد لكي ال تخ رج عن نط اق ه ذا
ّ
العالم .فحتّى العالقات أنشأت كما يشير إلى ذلك "آدرنو" في الشذرة 3بصفتها تابعة إلى دائرة
-األدب الصغير ،ترجمة وتقديم ناجي العونلي ،ص.88 39
20
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
إن ه نس ق إنس ان "اآلل ة أو الش يء" ال ذي يت وزع على ك ّل المج االت االقتص ادية والعلمي ة
والتقنية بما في ذلك المجاالت التي تتعلّق بالتواصل.
ربم ا ق د
واآلن ينبغي أن نؤ ّك د أن العالق ة بين الع الم المس ّير والقم ع هي عالق ة مر ّكب ة ّ
حد
يكون من الضروري االستعانة بالتحليل النفسي والسوسيولوجي للكشف عن طبيعتها المر ّكبة ّ
رعية الس يطرة
أن ش ّ
الق ول بأنن ا ال يمكن أن نج د أح دهما مس تقال عن اآلخ ر .وه و م ا يكش ف ّ
نسميها بالقمع الناعم أو السيطرة "الملساء" ،40وهو قمع
والقمع ،قد اتخذت طبيعة جديدة يمكن أن ّ
دمى خاضعة ومستسلمة
يحولهم إلى َ
يكاد يكون غير مرئي حتّى أنه يختفي من وعي الناس لكي ّ
لما هو قائم وسائد ،وهو أمر يحصل بدقة وتعقيد بالغين ويش ّكل جوهر هذا الوضع المفارق الذي
صار إليه هذا المجتمع.
بأن الكتابة الشذرية التي صاغ بفضلها "آدرنو" أفكاره الملتقطة من من ا على ٍ
بال ّ وليكن ّ
أن ما ُيلتقط من الحياة ال يمكن أن ُيكتب إال في
استمدت وجاهتها من كون ّ
ّ المشوهة والتي
ّ الحياة
َأم ر استكشافه ممتنعا
الشذرية إذا بوسعها أن تكتب في شأن يكون ْ
ّ شكل شذرات .وحدها الكتابة
ومستغلقا عن الكتابة وفق التقليد الفلسفي الذي اعتادت الكتابة فيه أنتأخذ مجرى "النثر المنظوم
في الفلسفة."41
المتأم ل في اس تعمال "آدرن و" له ذه " المفارق ات " ال تي بن ا عليه ا معالجت ه اإلتيقي ة
ّ ولع ّل
للحي اة بوس عه أن يالح ظ أن توظيفه ا ج اء ليحق ق مقص دا وغرض ا أساس يا ،تك ون في ه ه ذه
21
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
لق د اخت ار العق ل التن ويري مأسس ة القم ع وتحويل ه إلى واقع ة اجتماعي ة معقلن ة ،وه و م ا
كن ا قد
حد ذاته شاهدا على ما ّ
يجعل منه قمعا غير معروف بوصفه قمعا سياسيا ،وهذا يمثّ ل في ّ
22
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
الموجه ة إلى
ّ ولق د أ ّك د "آدرن و" في الش ذرة 1ال تي أراده ا أن تك ون بمثاب ة الرس الة
"مارس يل بروس ت" على جمل ة الض وابط والش روط ال تي ينبغي أن تتوفّر في المثقّ ف حتى يتن اغم
مع هذا النظام ،والتي تبرهن من جديد على أن منطق تسيير العالم هو منطق القمع والكذب الذي
اآلخر
َ يحول أعضاء المجتمع إلى " أعضاء مرغمين" على الكذب لذلك " ال يكذب المرء إالّ ُليف ِهم
ّ
45
سيان عنده ما يف ّكر فيه" .
وأنه ّ
وانه ال حاجة به إليه ّ
حد ذاته ّ
ّانه ال شيء في ّ
إن ما يستوقفنا في هذه العالقة بين الكذب والقمع ،هو ما يحاول "أدرنو" االشتغال عليه،
ّ
تقني ة من تقنيات "الوقاحة التي
عد من جهة أخرى ّ
لكن ه ُي ّ
المسيرّ ،
ّ بوصفه آلية اشتغال هذا العالم
يس تعين به ا ك ّل ف رد لنش ر ال برودة من حول ه ،ال برودة ال تي يحتمي به ا ح تى يتم ّكن من
46
أن التسيير غير المباشر للعالم وللحياة ،يش ّكل فضاء تحقق "الذاتية
االزدهار" ،وهذا ما يكشف ّ
المش وهة" ،وال ذي يم رر ع بر قن ٍ
وات ووس ائ َل اتص ٍ
ال " تلعب فيه ا الثقاف ة ووس ائل اإلعالم دورا ّ ّ
منتجا لك ّل الرداءات و"القاذورات التي خلّفتها الثقافة البربرية في الفرد من مثل ادعاء المعرفة
الفضة والوقاحة".47
ّ واإلهمال والمعاشرة
23
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
24
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
-2الحافــزاإلتيقـي
إذا كان ينبغي علينا أن نعاين في هذا المقام الحافز الذي دفع "آدرنو" إلى الكشف ع ّم ا
آل إليه تسيير الحياة من تشويهات ومسوخات فإنه يصبح من الضروري أن ندرك في ما يزيد
حولته
أن الحرب التي ّ
على ذلك المعاناة التي عاشها والتي تسببت في نفيه ،على أن نفهم أيضا ّ
50
التأمل.
ومالحق هي نفسها التي "وفّرت لديه شروط ّ
إلى مف ّكر مطارد ُ
ماهية وبنية هذا الحافز يتّصل باإلستهالل الذي استهلّه "آدرنو" بالحديث
التحري في ّ
ّ إن
ّ
عن "العلم الحزين" و قد يكون من الضروري أن نستقي من هذا العنوان ك ّل الدالالت والرموز
خفي ا ها هنا ما "لهذه
التي التقط منها "آدرنو" صفة الحزن لكي يطلقها على هذا العلم .وليس ّ
نص ص عليه ا " آدرنو" في العن وان الف رعي لكتاب ه
األفك ار الملتقط ة من الحي اة المش وهة" ال تي ّ
حج ة بالغ ة على المنقلب
نص االس تهالل .وفي ذل ك ّ
األدب الصــــغير من تص ادٍ بينه ا وبين ّ
بأن "العلم الحزين" يمثّ ل
ك ّ الس واء .وما من ش ّ
حد ّالمأساوي الذي آلت إليه الفلسفة والحياة على ّ
منسيا" .عند هذا
ّ الخاص للفلسفة" الذي صار "مجاال
ّ عند "آدرنو" باكورة انهمام وانشغال "بالمجال
الموضع بالذات يمكن التفكير مع "آدرنو" في هذا الحافز اإلتيقي الذي سيم ّكن من استعادة البحث
في وض ع الفلس فة وفي عالقته ا بالحي اة :هك ذا إذا اخت ار "آدرنو" أن يك ون " العلم الح زين" ال ذي
أهدى بعضه إلى صديقه "هوركهايمر" فاتحة الستئناف يراد له أن يكون عنوانا لفلسفة أخيرة "
الخاص.
ّ تكون بديال نقديا فاضحا لما آل إليه مجال الفلسفة
25
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
أن يك ون تح ذيرا للنق د إلى الح ّد ال ذي يمكن الق ول مع ه إّن ه "انهم ام إتيقي ص رف ب الواقع الم ادي
والفعلي لإلنسان".53
كثيرة هي األسئلة التي يمكن أن "تطرح ونحن بصدد الخوض في هذا الحافز اإلتيقي لع ّل
أهمه ا ذل ك الس ؤال عن مفهوم اإلتيقا .وق د ن دفع من أج ل الت دقيق وتعميق النظ ر إلى السؤال
من ّ
مهم ة توثيقية وال حتى
عن لماذا اإلتيقا وليس األخالق ؟ ال تكتسي مهمة تعريف "آدرنو" لإلتيقا ّ
فيلولوجي ة بحت ة ب ل هي تنبث ق من الح رص على ض رورة اس تدعاء ه ذا الح افز اإلتيقي ال ذي
تعينت فيه مقاربة "آدرنو" للحياة والفلسفة ،وما يستوجب ذلك من كشف عن األسباب التي تدفع ه
ّ
تكف عن أن
إلى هكذا انشغال وانهمام إتيقي بما آلت إليه الحياة من تسيير وتشويه .فالفلسفة ال ّ
تك ون راهن ة لكن راهنيّته ا ال تتحقّ ق إال من خالل ه ذا الم دخل اإلتيقي ،وه و أم ر الفت من
ثم ة استعادة
تأويلية ما يحدث ،ومن ّ
ّ شأنه ،أن ُيظهر وجاهة هذا اإلقبال اإلتيقي على الوقوف عند
تتقص ى البحث والتشخيص في وضعها كما في
ّ فلسفية مغايرة
ّ أرضية
ّ سؤال الفلسفة ولكن على
إن إرادة
ثم ة التلفّت لهذا الذي تحاول فلسفة التنوير طمسه وحجبه وتغييبهّ ،
وضع الحياة ،ومن ّ
ه ذا االنش غال واالنهم ام اإلتيقي تج د وجاهته ا في رف ع الحجب وك ل أش كال التض ليل والمغالطة،
التي تضمنها خطاب التنوير في الحياة وفي العقل وفي الذات.
26
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
إن اإلقب ال اإلتيقي من حيث هو انشغال بقضايا الحياة الراهنة ،هو إقبال من أجل إعادة
ّ
ٍ
عنيدة ٍ
مقاومة إنتاج سؤال الفلسفة عن ذاتها وسؤالها عن الحياة ال من أجل نفيها بل من أجل
لك ّل محاوالت إعدامها وإ بطالها ،فنحن إذ نسأل هنا عن اإلتيقا في فلسفة "آدرنو" ّإنما نسأل
عم ا يجع ل من س ؤالنا س ؤاال غ ير متع ال وال مج ّردا وال ه و س ؤال من أج ل اإلثب ات؟ إنما ه و
يحرر الفكر من ك ّل أشكال العمى والتضليل والخداع واإليهامّ ،إن ه سؤال ينتفض على كل
سؤال ّ
نحدد منزلة اإلتيقا في فلسفة "آدرنو" من حيث هي
مجردة ومتعالية ،ههنا إذا يمكن أن ّ
ّ أخالقية
ّ
"إتيقا حياة".55
ولع ّل ما يعيد استئناف التفكير في اإلتيقا هو الوضع البائس للحياة والفلسفة واليأس من
والفلسفية واالقتصادية التي أسقطت الوجود اإلنساني في
ّ العلمي ة
ّ الساسة ومن ك ّل دوائر القرار
إن السؤال عن اإلتيقا عند "آدرنو"،
اإلنسانيةّ .
ّ دائرة التالشي واالنحطاط ،وضاعفت من أزمات
ماهية هذا الذي يعود ؟ قد تحيلنا
مبررات العودة إلى اإلتيقا ؟ وعن ّ
وعن معناها وداللتها؟ وعن ّ
جوهري ة البحث في مفه وم اإلتيق ا عن د " آدرنو" من حيث ه و م ا يك ّون"
ّ ّأوال إلى التأكيد على
األهمية
ّ فرضية البحث التي تعرض على ضوئها فكر "آدرنو" .56وهو أمر على غاية من ّ جوهر
ك االرتباط بينه وبين منظومة األخالق"
من شأنه أن يقف بنا عند عرك هذا المفهوم بما يسمح بف ّ
األهمية من التمييز بين كلمة
ّ كما استقرت "عند كانط وفيشته األول" 57و ما يم ّكن بنفس القدر من
"إتيق ا" في االس تعمال اليون اني ( أيث وس ) ،وذاك ال ذي يح اول "آدرنو" بلورت ه في كتاب ه األدب
أن التلفّت ص وب اإلتيق ا عن د
الص ــغير من حيث ه و م ا يمثّ ل مش روعه الفلس في النق دي .غ ير ّ
"بتاريخي ة الممارس ة والفع ل
ّ عملي ا بم ا ه و ك ائن ،واش تغاال نق ديا
"آدرنو" يكشف ثانيا انهمام ا ّ
اإلنساني" 58وهذا ما يفتح سؤال اإلتيقا على الراهن والمستقبل ويفتح إمكانا لنقد ما يشهده الواقع
البشرية وحروب وبؤس شامل ال معنى له.59
ّ لقوة العمل والحياة
من إهدار ّ
27
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
وعموما تحمل كلمة ايتوس التي ينحدر منها مفهوم اإلتيقا في استعماله اليوناني" معنى
والكن والمق ام " حيث يش ير اللف ظ إلى الجه ة المفتوح ة أين يقيم
ّ اإلقام ة والمكثوموق ع الس كن
اإلنسان وانفتاح مقامه بين ما يتقدم باتجاه ماهية اإلنسان وفي هذا اإلقبال يقطن بجواره فمقام
اإلنسان يمثل ويحفظ ما ينتمي إليه اإلنسان ماهويا.61
ثم ة
أن تعريف اإلتيقا يتعلّ ق بالبحث في الشروط األفضل لقيام حياة ممكنة ومن ّ
ّبين إذا ّ
بتطور اإلنس ان وبموقف م ا من الوجود ولع ّل م ا يعنين ا من هذا التعري ف ّان ه يتعلّ ق
ّ فهو يرتبط
يخص
ّ بمع نى الحي اة وج دارتها ،وه و بمقتض ى ذل ك ال ينس ل من تص ّور أخالقي بق در م ا ه و
"الحي اة اإلتيقي ة الدال ة على جمل ة الس نن والقيم والع ادات واألفك ار والق وانين والممارس ات ال تي
التاريخي".62
ّ تطورها
تخص شعبا ما أو أ ّمة ما في واقعها الفعلي والموضوعي أي في ّ
ّ
28
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
29
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
ويص عب أن يك ون الفيلس وف متف ائال إزاءه وه و يع اين بجالء ووض وح تش ويهات الحي اة
حدة الفعل والتأثير "بؤس الفلسفة" ومسوخاتها .األمر الذي
ومسوخاتها التي يوازيها من حيث ّ
"األشد تشاؤما من بين المنظرين النقديين وبأنه ال يجد
ّ أدى إلى وصف "آدرنو" بأنه الفيلسوف
ّ
72
أي شيء ذو قيمة في العالم الحديث"
ّ
إن " الح زن" ال يق ُّدم في كت اب األدب الصــغير على أن ه تس ليم بوض ع وحال ة من الع وز
ّ
والي أس ال تي تص يب ال ذات ب الوهن وتفق دها ك ّل أس باب الق درة واإلرادة ،ل ذلك نالح ظ على
تحول إلى عالمة وأمارة قدرة واقتدار تكشف حرص "آدرنو"
بأن "الحزن" ّ
العكس من ذلك تماما ّ
30
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
اضطرته
ّ يسميه "العلم الحزين" رغم ما يورده من عوائق وعراقيل
على مواصلة الكتابة في ما ّ
74
خارجية.
ّ أن ينقطع عن العمل المشترك مع صديقه "هوركهايمر" " تحت وطأة مالبسات
وهو يعتبر المواصلة في الكتابة بهذا الشكل محاولة إلصالح بعض الظلم الذي يتمثّل كما
يستمر بمفرده في العمل على ما ال يمكن أن ننجزه إال
ّ أن " أحدنا قد
جاء على لسان "آدرنو" في ّ
75
ننوه ب أ ّن "العلم الحزين" أراد له
معا نحن اإلثنين" .ال ريب والحال تلك من الوفاء وااللتزام أن ّ
صاحبه أن يكون ترجمة لعمل نضالي ،مقاوم لك ّل أشكال التشوه والمسخ التي لحقت الفلسفة كما
الحياة.
إن "العلم الح زين" ه و العلم ال رافض للتش ّوه والع وز ال ذي يمكن أن يط ال ك ّل فك ر
ّ
إم ا بضرب من االستدالل واالستنباط والتسويغ واإلدراج أو بضرب
مقطوع ومتعال عن العالم ّ
من الس قوط في ت برير الس ائد وتزيي ف ال وعي .ل ذلك يق وم العلم الح زين من النظري ة النقدي ة التي
خاص ة ،مق ام الج وهر واألس اس ال ذي
ّ تبل ورت في المدرس ة النقدي ة عموم ا وم ع "آدرنو" بص فة
تعينه ا في ص لب
يعكس مش روعا فلس فيا يؤ ّك د على ض رورة "التوس يط" بم ا ه و مايحقّق للفلس فة ّ
مج رى الت اريخ ال خارجه ،ويجع ل منه ا فلس فة نقدي ة ب الجوهر .هك ذا يتبل ور "العلم الح زين" من
حيث هو المنقلب الذي ينبغي أن تنخرط فيه الفلسفة بما هو منقلب للمواجهة والصراع ،صراع
التناقضات الذي يتولد من ضمور هذه الحياة ومن مسوخاتها .لذلك يؤكد "آدرنو" أن العلم الحزين
هو علم من أجل إنسانية تواجه مصيرا تاريخيا ومأساويا ،ولكأنها تقف في انتظار الكارثة التي
توش ك أن تق ع ،إن العلم الح زين يمثّ ل إذا إيم ان "آدرنو" بح ق اإلنس انية في مواجه ة ك ّل أش كال
تحولت
الحس اإلتيقي الذي يسكن هذه الفلسفة النقدية التي ّ
ّ يعب ر عن هذا
تشويهات الحياة ،إنه ّ
اإلنساني".76
ّ إلى "رغبة في الممكن
31
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
قض اياها " 77إلى إهمال ه ونس يانه .به ذا المع نى تحدي دا ،يص بح من الض روري تعقّب ه ذا المس خ
التحول الذي انخرطت فيه ،إذ يوجد في ما اتخذت منه الفلسفة ّ الذي اعترى الفلسفة بموجب هذا
موض وعا رئيس يا له ا م ا ش كل س هم حجب وتعمي ة له ذا ال ذي يج در على الفلس فة أن تجع ل من ه
مهمتها.
غرضا أساسيا للتفلسف ،وموضع سؤال يم ّكنها من تحديد ّ
32
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
33
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
بأن ه
النقدي ة وه ذا التماس ف النظ ري ّ
ّ غ ير ّأن ه ال يمكن أن ُيس تنتج من ه ذه المح اورة
إعراض بالكلّية على ما أ ّكدته هاتان النزعتان ،بل هو يجري على جهة التحويل والتغيير ،حيث
النقدي ة التي تجعل منه عامال رئيسا لنشأة هذه الفلسفة االجتماعية
ّ يمكن القول بأهمية الماركسية
الماركسية النقدية هي من مهّدت لنشوء فكرة "هوركه ايمر"في
ّ بان
حدا يمكن اإلقرار معه ّ
الماديةّ ،
ّ
ذرات مف ردة ،ب ل من
مجرد ّ
نقدي ة تقوم على النظ ر إلى "البشر ال من حيث هم ّ
فلس فة اجتماعي ة ّ
عملي ا س هم كش ف ومكافح ة لم ا يش ّوه حي اة
حيث هم يكون ون جماع ة أو فئ ة أو طبق ة،وأن تك ون ّ
البشر ويحول دون تحقّق إنسانيتهم".85
34
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
لم يكن "آدرنو" لي ترك الكتاب ة في ه ذا "العلم الح زين"وه و ي رى ح ال اإلنس انية " وق د
حقيقي ة" .88لهذا
ّ البربري ة بدل أن تصل إلى حالة "إنسانية
ّ أصبحت تخوض في حالة جديدة من
دبر ه ذا الحص اد الك ارثي ال ذي جنت ه اإلنس انية من حقب ة
ك ان لزام ا على الفلس فة أن تت ّ
األربعينيات ،وليس من العسير والحال تلك أن نفهم ما حاول "آدرنو" تدشينه منذ فاتحة الكتاب
اإلنسانية آلت كما كشف عن ذلك
ّ تمر بها
ونص استهالله -بوصفه تقييما وتشخيصا لمرحلة ّ
ّ
نص اإلس تهالل
اص للفلس فة .هاهن ا يص بح ّ
"آدرنو" إلى اس تهداف ع نيف وبرب ري للمج ال الخ ّ
توج ه يعلن
وكأن ه بهك ذا ّ
بمثاب ة البي ان ال ذي يعلن بمناس بته "آدرنو" عن ظه ور "العلم الح زين" ّ
نص
ك في أن ّ
الح رب بال ه وادة على ك ل أش كال نفي الحي اة ومح اوالت مس خها .م ا من ش ّ
أن كتاب األدب الصغير يمثّل امتدادا طبيعيا للمشروع النقدي الذي انخرط
اإلستهالل جاء ليؤ ّكد ّ
يفس ر هذه العالقة التي ال تكاد
مزي ف هو األمر الذي ّ
فيه "آدرنو" تحريرا للفكر من ك ّل تنوير ّ
خي ر "آدرنو" أن تكون صفة هذا العلم وبين ما تعانيه الحياة
تخطئها عين بين صفة الحزن التي ّ
أن م ا يحم ل "آدرنو" على وص ف ه ذا "العلم
والفلس فة من مس خ وتش ّوه .وعلي ه يمكن الق ول ب ّ
بالحزين" هو ما عاينه من مسخ أصاب الحياة لكي تصير بمقتضى ذلك إلى دائرة الخصوصي
تجر
ثمة أيضا إلى دائرة االستهالك التي أضحت باعتبارها الحقة للسيرورة المادية لإلنتاج ّ
ومن ّ
خاص.89
ّ من دون استقاللية ومن دون جوهر
35
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
ال شيء إذا يجمع كما يؤ ّك د ذلك "آدرنو" بين ما كان يدعى حياة في نظر الفلسفة وما
إن األم ر يتعلّ ق بس لب ع نيف لج وهر الحي اة واس تفراغها من ك ل مع نى إنس اني،
آلت إلي ه الي ومّ .
اإلتيقي ة لكي تخ تزل في بع دها الم ادي
ّ َيج ري اآلن إذا تحوي ل الحي اة وس لبها من أبعاده ا
ثمة دائرة االستهالك وهذا ما يعني
واالستهالكي .فالحياة جُّيرت لصالح دائرة الخصوصي ومن ّ
أن اإلنت اج ران على حرك ة الت اريخ كم ا أرغمت ال ذات ال تي لم تع د ذاته ا على التخلّي عن
استقالليتها.
إن المس عى إلى التش خيص النق دي ال ذي أخذ ط ابع النق د الس الب ه و مس عى يري د "آدرنو"
ّ
أن المشكل الذي يطرحه العلم
الروائيين" ليؤ ّك د بذلك ّ
منه أن يكون مخالفا "لمسلك أولئك الكتاب ّ
وبكيفي ة التعاطي م ع
ّ المشوهة ومسوخاتها بل
ّ الحزين ال يتعلّ ق فقط بالتفطن إلى تصايير الحياة
هذه المسوخات أيضا .ألجل ذلك يخوض "آدرنو" بال هوادة في نقد هذه العالقة التي تربط الحياة
باإلنتاج نقدا هو في الجوهر إتيقي .ها هنا يظهر بوضوح هذا الحافز اإلتيقي الذي يفرض على
ثم ة مواجه ة ه ذا
وكما فيها ،ومن ّ
نوع ا ًّ
تغي ر ً
الفيلس وف اس تعادة س ؤال الحي اة باتج اه البحث عم ا ّ
أن الحياة انقلبت
التشوه والمسخ الذي أصابها .وليس صعبا أن نفهم من هذا التشخيص النقدي ّ
ك
مدمرة قائمة على الخداع .وما من ش ّ
تحولت إلى إيديولوجيا ّ
إنساني حينما ّ
ّ إلى منقلب غير
في أن اس تهداف الحي اة ه و اس تهداف لل ذوات ،وتفقير لها ،وتحوي ل للبش ر إلى قط ع من
بقوة معارضة اإلنتاج وحدها
ك أيضا أن إنقاذها يتعلّ ق كما يشير "آدرنو" ّ"المكنة" ،وما من ش ّ
ومن حيث ال يستغرقهم النظام" .90
إن م ا يج در اإلنتب اه إلي ه ه و ش كل الحي اة المغ ترب " وتحويله ا إلى ظ اهر" .
وإ جم اال ف ّ
هكذا إذا يراد لهذه الحياة أن تستبطن في ذاتها كل أشكال وأدوات نفيها .غير أن "آدرنو" ال يقف
أن ص فة
فق ط على ه ذا المس خ ال ذي ط ال الحي اة ب ل يؤ ّك د بواس طة اآللي ات النقدي ة ذاته ا على ّ
مجرد منهج ابستيمولوجي
بتحولها " إلى ّ
"الحزن" اقترنت أيضا بمسخ الفلسفة مادام األمر يتعلّق ّ
وتفحص قضاياها ".91
في دراسة المعرفة ّ
36
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
التعرف
ذلك ما يستدعي هذا التشخيص النقدي الراديكالي الذي سيم ّكن العلم الحزين من ّ
واستبد بأطروحاته .ههنا
ّ على علّ ة هذا المسخ الذي ران على طبيع ة الفكر الفلسفي المعاصر
يقف "آدرنو" على مفارقة عجيبة وغريبة تكشف هذا المآل الذي انتهت إليه "خطّ ة الفلسفة بشأن
الذات التي نظرت إليها على أنها " وعي ذاتي قائم برأسه" فإذا بها تعرف مصير االنحالل ،بل
إن حركة التاريخ في طورها الراهن قامت " رأسا وبشكل ال نظير له على انحالل الذات.92
ّ
37
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
اإلنسانيّة المضطهدة
38
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
وهك ذا تج د المساءلة النقدي ة م ع "آدرنو" نفس ها في مقاوم ة" ه ذه اإلنس انية المض طهدة" ،
التي يُظهر تجاهها سخطه وإ ن كان ال يخفي مع ذلك التزامه بمقاومة عتيدة لكل أشكال االغ تراب
تردت فيها.
التي ّ
39
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
فال من اص لفحص وتش خيص ه ذا ال ذي أص بح بحكم "المتص ّير المعت ّل" ،أن نرص د م ع
يتصير.
ّ التصير مقاما في هذا الك ّل الذي يعت ّل حالما
ّ "أدرنو" كيف يجد
حينما نجد في زمان "آرنو" ما يجعلنا نقف على مستوى الشذرة 33على مصطلح" ما بعد
فإننا نكون وال ريب وجها لوجه أمام مصطلح آخر هو
نهاية العالم" الذي جاء به سياق الحرب ّ
المشوه .وقد يكون من
ّ مصطلح "ما بعد اإلنساني" الذي يأخذ هنا معنى الالإنساني أو اإلنساني
الممكن آن ذاك تعق ل م ا انتبهت إلي ه الحداث ة من "ديك ارت" إلى "كن ط" وم ا بع د الحداث ة "م ع هيغ ل
ثم ة إع ادة إنتاجه ا بط رق وبأش كال
وشيلنغ" من اش تغال على خطّ ة ال ذات الفلس ّفية نفس ها ومن ّ
أخ رى .فم ازالت ال ذات التأسيس ّية ال تي تتمثّ ل ذاته ا على أنها ذات عارف ة أو مف ّك رة تح ّل
الذاتي ة حتى في
ّ األساسية التي يقع فيها "تصريف
ّ المادة
محاللمركز وتحت ّل من هذه الفلسفة محل ّ
97
يهمنا أمر ضبطه وإ حضاره في هذا الس ياق ،ليس محاولة تنسيق
أن ما ّ
التأمل الذاتي" .إالّ ّ
شكل ّ
المف اهيم " :م ا بع د نهاي ة الع الم" " م ا بع د اإلنس اني" " م ا بع د الحداث ة" ،على ه ذه
ردها إلى فلسفة "آدرنو" وإ ثبات أنها تنحدر من صميم مقاربة اتيقية للحياة بقدر
أهميتها ومحاولة ّ
تصيرا شكلت
"التصير المعت ّل " الذي آل إليه العالم واإلنسانية بل والفلسفة أيضاّ ،
ّ ما يشغلنا هذا
مادت ه األساس ية ففي ك ّل ش ذرة نج د أن "آدرنو" يتعقّب على س بيل ال ذكر ال الحص ر
الش ذرات ّ
التشرد بل يغوص "آدرنو" في
ّ الخاص والمجال العمومي أو ظاهرة الجنون أو
ّ ظواهر كالمجال
التقليدية.
ّ الناس
أدق من ذلك مثاال وهو ما صارت إليه مساكن ّ
ّ
إن م ا ه و مش ترك بين جمي ع ه ذه الموض وعات ه و تص ّيرها المعت ّل ولعلّن ا نالح ظ في
ّ
التصير منزلة المشكل ال الح ّل.
ّ نفس الوقت الذي يقع فيه تنزيل
قررته
التصير وهو األمر الذي ّ
ّ اإلنسانية المضطهدة تمثّل عنوانا فاضحا وبارزا لهذا
ّ إن
ّ
بد أن يقترن التفكير النقدي فيه
النظرية النقدية عموما من خالل اشتغالها على التجربة اشتغاال ال ّ
ّ
-96األدب الصغير ،ترجمة وتقديم ناجي العونلي ،ص( .100عنوان الشذرة )26
-97األدب الصغير ،ترجمة وتقديم ناجي العونلي ،ص .29
40
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
بالتجربة .98وقد يكون من أوكد ما يلقى على مسؤولية التفكير النقدي في هذا المقام الذي يفصح
عن بني ان اجتم اعي متص ّدع ه و "االنخ راط في التط ّور الت اريخي للص راعات والتناقض ات
االجتماعية".99
رأس األم ر هن ا ّأنن ا أم ام "ك ّل اجتم اعي "يش كو انفص اما ش امال وه ذا م ا يوض ح ه ذا
ببية
أن العالق ة بين الع الم والتص ّير هي عالق ة س ّ
االعتالل ال ذي ص ارت إلي ه اإلنس انية .وحيث ّ
التصير " ليس صفة تطرأ من الخارج على العالم بل
ّ أن
فإن ه يصبح التأكيد مع ذلك ّ
وتشارطية ّ
ّ
بنيوي ة
التصير المعت ّل هو ظاهرة ّ ّ وتتكون به .وهذا أمر يجعلنا نكتشف أن
ّ تكون العالم
هي صفة ّ
وأن "التحوي ل" و"التغي ير" هم ا آليت ان تكش فان م ا له ذا
وتاريخي ة ّ
ّ وعية
بق در م ا ه و ظ اهرة موض ّ
المضي بعيدا في مسخ وتشويه كلّ من الحياة والفلسفة.
ّ التصير من قدرة على
ّ
وأي م آل
ديا ينبغي أن يب ذل لفهم :كي ف يش تغل التص ّير؟ وأين يتح ّرك؟ ّ
إن مجه ودا نق ّ
ّ
انية؟ وح دها األس ئلة إذًا م ا تُش ّكل الم داخل
يمكن أن ي ؤول إلي ه في عالقت ه بالع الم وباإلنس ّ
وان "آدرن و" ال يص ِرفُ فك ره بعي دا
خاص ة ّ
ّ الض رورية لتعقّب "التص ّير" وه و بص دد اإلش تغال ،
تمد منهم ا وجاه ة ه ذا االنهم ام بالمقب ل ال ذي يج د في " التص ّير"
عن الممارس ة والفع ل ب ل يس ّ
موضوعا له.
توج ه فلسفي
التأملي الذي يعمل على عرقلة ك ّل ّ
ضد النظر ّ
التصير" ّ
ّ يقوم التفكير في "
"التصير
ّ نقدي يخوض في تصايير العالم واألشياء ،وفي ذلك إشارة بليغة إلى أن ما يكتب بشأن
هو شأن يجري مجرى مكافحة ومضادة لك ّل المنظومات الفلسفية التي ندبت للتفكير من َع ٍل في
41
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
ك ّل أش كال التسويغ المتعالي عن الواق ع الموض وعي وانتهت إلى تأسيس معرفة تس تجيب لخدمة
مسبقا".101
واقع معطى ّ
"تصير"
ّ أن صفة االعتالل التي ينسبها "أدرنو" لك ّل
وهو ذات األمر الذي يجعلنا ننتبه إلى ّ
النقدية تكمن في مقاومة ك ّل نزعة امتثالية وتبريرية تقودها
ّ النظرية
ّ مهمة
أن ّتمثّل شاهدا على ّ
جدلي ة تنتهي إلى حاص ل إيج ابي ه و عب ارة عن ش ميلة أو
الس ائد وإ رس اء ّ
رغب ة االنتص ار إلى ّ
ف
"وح دة ص ّماء" .ولع ّل م ا يس تهدفه "آدرنو" من وراء الخ وض بال ه وادة في "التص ّير " ه و الك ّ
واإلنسانية بواسطة فكر جدلي ال تستنفره تصايير العالم واألشياء بل يكون
ّ عن النظر إلى العالم
س جينا لفك ر لي برالي ولنظري ة اقتص ادية ت نزع إلى تفق ير ال ذات وتش يئتها ،وق د ُيمثّ ل ه ذا المس لك
يوض ح ذل ك "أدرنو" إنهمام ا "إتيقي ا" بك ل م ا يرب ط مس ألة "
النق دي المس ار ال ذي سيكش ف كما س ّ
التصير "بامتداداتها االجتماعية واألنتروبولوجية بل والسيكولوجية أيضا.
ّ
وههن ا يص بح التص ّير "فك را" ذهاني ا يش تري الحكم المطل ق على حس اب تجرب ة الش يء
فتتعلق به معتقدات وهمية يفقد معها القدرة على االتصال بالواقع فيرى ماال يراه غيره ،ويسمع
التحص ن بالمرض مالذا لهذا الفكر الذي ُيبقي على البؤس جاعال
ّ ما ال يسمعه غيره لكي يصبح
102
وهو "المزية الوحيدة" لفكر أقصى ما يمكن أن يفعله هو "ت ْب ِرير ما هو قائم منه "غير مرئي"
أن نق د " آدرنو" "للتص ّير" ليس نق دا للص يرورة والتن اقض والجدلي ة ال تي
هك ذا إذا نت ّبين ّ
لتصير
ّ تحتل داخل مشروعه الفلسفي ،األرضية النقدية التي تنبني عليها فلسفته النقدية بل هو نقد"
والداء " الذي أصاب اإلنسانيةـ وهو بهذه المساءلة
تصيرا يحمل على معنى وداللة "اآلفة ّ
معت ّل"ّ ،
حوله التنوير غير المستنير إلى "أقنوم" فانبرى إلى تقويض ذاته حتى يصوب سهام نقده إلى عقل ّّ
أض حى راعي ا لمش اريع المجتم ع ال برجوازي القائم ة على ت برير الهيمن ة والس يطرة .ولع ّل م ا
يح ّرك حفيظ ة "آدرنو" ض ّد ه ذا الفك ر ال ذهاني وه ذا "العق ل األقن وم" ال يمكن أن يفهم على ّأن ه
42
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
طعن وإ بطال للعقل بل هو دعوة لتنزيل العقل تنزيال تاريخيا" ،لكي يتسنى له تجاوز كل أشكال
التفك ير ال تي س اقها جنوحه ا إلى التجري د والت بريرإ لى تص وير التش ويهات على أنه ا "بهج ة وتفتح
التصير المعتل عند هذه الطغمة البورجوازية وأدواتها سهم
ّ للفكر ومؤانسة" .104هكذا أصبح هذا
خالص مس موم إلنس انية مش ّوهة ،م ا ك ان "آدرنو" لكي ي ترك دعاويه ا المض للة دون نق د وفض ح
وأن ُيشكل ذلك عنده عامال رئيسا لمقاومته ومعارضته.
التصير المعتل يكشف تشويهات هذه اإلنسانية التي يرصدها "آدرنو" من موقع المحلّ ل
ّ إن
ّ
النفسي على أنها تحدث في األطوار الباكرة لنمو الطفل بما هي مصدر العصابات النفسية ،هي
إذا لحظ ة فارق ة ُيكثّ ف "آدرنو" حوله ا األم راض الناش ئة عن ه ذا التص ّير من حيث هي أم راض
الحض ارة المعاص رة وق د يحت اج تأوي ل ه ذه العص ابات على "األنا" وعلى "اإلنس انية " بش كل ع ام
إلى التوقف عند أثرها الذي يبدو في شكل "بثور" و"طفح"يصيب جلد اإلنسانية ،وقد يكون محزنا
فعال أن ن رى اإلنس انية جميع ا أس وياء وغ ير أس وياء يتقاس مون كارث ة يتق اطع فيه ا ال ذاتي
بالموضوعي.
إن م ا ي دعونا إلى تقص ي ه ذا " التص ّير المعت ل "ه و ذات األم ر ال ذي أدرك "أدرنو" من
ّ
خالل ه أهمي ة تعقب م ا يكتب ه فروي د كخب ير بالس يكولوجيا عن التع ارض الحاص ل بين االجتم اعي
واإلنساني" لكن دون قدرة على تحليل وتأويل "فعل المجتمع القمعي" الذي يضع أهداف المجتمع
في مرتبة أعلى من األهداف الجنسية التي تظ ل في األساس أنانية" .105ويكشف "آدرنو" على أن
غياب هذه القدرة وإ حجام فرويد عن الخوض في أصل هذا التعارض هو ناشئ عن الوقوع في
عب ر بوض وح عن التن اقض ال ذي ت ؤول إلي ه س يكولوجيا
ردد ال يجادل ه ق درة على تج اوزه ألن ه ُي ّ
ت ّ
"فروي د" :فه ل ي رفض إذ ُيع دم نظري ة محكم ة [في ه ذا الغ رض] ويواف ق االبتس ارات الدارج ة،
يتوجب عليه أن يثني عليه باعتباره إعالءٌ
ّ التنازل عن الغريزة باعتبارها كبتا مضادا للواقع أو
تعجل الثقافة به"
ّ
43
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
إن المشكل يكمن في أن "فرويد" يظل ههنا رافدا من روافد التفكير غير المستنير [الذي]
يعطي "األس بقية للجنس ية البرجوازي ة" .106إن ه تمظه ر لعق ل ماكر يس تحوذ على الل ّذة وه و م ا ال
يعكس بني ة المجتم ع القمعي وحس ب ،ب ل أيض ا بني ة العق ل القمعي ال ذي يؤ ّك د "آدرن و" على أن
مجرد بنية فوقية".107
"فرويد" جعل منه ّ
فس ر من خالله ا "آدرنو" معاض دة
إن م ا ه و الفت فعال ب ل وم اكر أيض ا الق درة ال تي ّ
السيكولوجيا لمبدأ الهيمنة اإلنسانية الذي يستبطن تحقيق غرضين :صعود الفرد البرجوازي من
جه ة وتحوي ل ال ذات إلى موض وع في مجتم ع التب ادل من جه ة أخ رى .فال ذات لم تع د ذات ا في
مجتم ع التب ادل" .108وه ذا األم ر ت ّم بفض ل الس يكولوجيا ال تي تلتقي تمام ا م ع أه داف الس يكولوجيا
يؤسس ان
التقنية .ل ذلك ال ي رى "آدرن و" تعارض ا بين الس يكولوجيا التقني ة والس يكولوجيا .فكالهم ا ّ
مزيفة تقوم على القمع والسيطرة والهيمنة.
لحداثة ّ
إن ارتياب "آدرنو" من علم النفس التحليلي هو ارتياب من استدالالته التي يقول عنها إنها
ّ
ضد التحليل الفرويدي الذي يمارس سلطة
"تثبت لإلنسان عدمه" .فهو بذلك يظهر نقده وغضبه ّ
على األف راد وينتص ب م دافعا عن الطبق ة البرجوازي ة وعن رهاناته ا ال تي تق وم على إخض اع
اإلنسان آللية العقلنة وحثّه على "مجاراة ما هو قائم".
44
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
من هن ا يمكن أن نفهم ص راع "آدرنو" ض ّد "هيغ ل" ال ذي يمكن الوق وف على داللت ه
ضد مقولة "هيغل" التي تقول "رأيت نابليون
ومعانيه في الشعار المضاد له "ألن الك ّل هو الالحق" ّ
على الحصان" ورأيت العقل على حصان.
هك ذا إذا ي ؤول األم ر إلى بس ط الكلّي "المهيمن" والكلّي "غ ير الحقيقي" تناس باته على
"تصير" أصاب أطرافه "بالذهان"
ّ العقل ،وتتأكد الحاجة إلى تعميق النظر في ما يشهده الفكر من
"واإلسقاط المرضي".
45
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
ولع ّل النفاذ إلى حقيقية ما يجري للعقل والفكر من أوضاع مرضية من شأنه أن يفضح
حقيقة هذا العقل الذي ال يمكن أن يتعافى من علله وأمراضه إالّ إذا ما عمل صاحب الجدلية على
اص" .113ذل ك وض ع وإ ن ب دا
معاضدة "حقيق ة المجن ون تل ك ح تى تخلص إلى ال وعي بعقله ا الخ ّ
س رياليا إالّ ّأن ه يكش ف من خالله "آدرنو" انقالب ا م دويا لمف اهيم الم رض والص ّحة والمجن ون
مما يدفع باإلنسانية إلى االنصياع " المحتوم للهاوية".
والعاقل ّ
يفس ر هذا المنقلب الكارثي الذي آلت إليه الحياة ،أبلغ وأعمق
ما من شيء من شأنه أن ّ
التص ير من أثر في اإلنسانية التي أضحت إنسانية مريضة ومعتلّ ة ،والواقع
ّ من معاينة ما يتركه
أن اس تجالء ه ذا التص ّير فك را وواقع ا وتاريخ ا يس توجب على س بيل الفهم واإلحاط ة بالعالق ة
ّ
ال تي تجمع ه بظ اهرة نفي الحي اة ،الكش ف عن جمل ة التقاطع ات ال تي يلتقي فيه ا " التص ّير" م ع
مفاهيم من مثل المرض والجنون والهيستيريا والذهان والالعقل.
46
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
إن م ا ه و الفت في ه ذه الجدلي ة النقدي ة الس لبية أنه ا ج اءت لتح ذر من أن يص بح الفك ر
التصير المعت ّل" تنحدر من
ّ أن واقعة "
خادما "لسوق النظريات" .لذلك كان لزاما أن يؤ ّكد "آدرنو" ّ
ك ل الج دليات ال تي انخ رطت في ه ذا ال وعي الس ّيء وعملت على ت برير الس ائد ووض عت نفس ها
أن
ضروري التأكيد عليه في هذا السياق ّ
ّ في خدمة الفكر الليبرالي والبرجوازي ولع ّل ما هو
الطعن في مثل هذه الجدليات هو طعن على الفلسفة التي يؤ ّك د "آدرنو" الحقا بأنها "نكثت الوعد"
وادعت بأنه بإمكانها إدراج الجزئي أيا كان ضمن كلّ ّي عقلي تنسله الفلسفة من صلبها.
-115جدلية سلبية ،أصدره "آدرنو" سنة 1966وهو يمثل كتابه الرئيس الذي يمكن أن يعتبر وصيته الفلسفية.
47
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
إن ما يعمل "آدرنو" على توضحه وبيانه في الشذرة 45هو التأكيد على ضرورة تحرير
ّ
مجرد منظور
الجدلية من سجن النظريات والرؤى ومن سطوة المنهج ومن النظر إليه بوصفها ّ
أو منظورية.
ّإن ه يمث ل جه دا نق ديا ال نظ ير ل ه يض ع الفك ر الج دلي موض ع تش خيص ونق د ج ذري
وراديك الي يمكّن فتح ثقب في ه ذا الفك ر ال ذي لطالم ا ادعى أنه ا يحم ل لواء التن وير ويحق ق
والتطور.
ّ التقدم
لإلنسانية أملها في تحقيق ّ
أن ما يبقى موضوع متابعة للتفكير في نفس الشذرة 45هو الوقوف عند "اإلعتالل
غير ّ
النوعي ة ال تي يلحِقه ا "آدرنو" بك ل
ّ من حيث ه و مظه ر من مظ اهر ه ذا التص ّير أو ه و الص فة
ثم ة إذا م ا يمكن مالحظت ه باعتب اره ظ اهرة خط يرة يمكن أن تح ّل بالع الم وه و تأكي د
متص ّيرّ .
الكم والنوع مداه.
"آدرنو" على أننا في الدرجة القصوى من االعتالل ،فاالعتالل يبلغ من حيث ّ
نص ت الش ذرة 45على عب ارة إلى ح ّد بعي د " ال تي تكش ف من جه ة أنن ا أم ام واقع ة
ل ذلك ّ
أي ش يء .فالتص ّير المعت ّل يس ود الع الم و يهيمن
ومتفش ية ال يك اد يفلت من قبض تها ّ
ّ مس تفحلة
على ه ذا "الك ّل المتص ّير" ،ههن ا يب دو من الض روري أن نبحث في ه ذه العالق ة ال تي ترب ط
التص ّير ب اإلغتراب وبالتش يئة بقص د فهم كي ف يظه ر التص ّير ؟ وم ا هي النتيج ة التييمكن أن
أشدها؟
يؤول إليها على مستوى عالقة اإلنسان بتصايير العالم واألشياء التي بلغت مناالعتالل ّ
48
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
االغ تراب يمكن من خالله متابع ة ك ل الظواهر المعتل ة التي ش كلت ناف ذة جدي دة لتش خيص نقدي
كان هوركاهايمر و"آدرنو" قد اتخذا منه قاعدة للتفكير في مشكل االغتراب ولكن من جهة عالقته
بع ّدة مفهوميّ ة من مثل :أف ول العق ل ،تق ويض العق ل لذات ه ،الموض وعية الظلم اء ،ص ناعة
ُ
الثقافة ،ثقافة الجماهير أو خداع الثقافة.
إن قرارا فلسفيا قد أتُخذ يتعلق بفحص شكل الحياة المغترب للكشف عن حقيقة ما يحدث
في هذه الحياة وهو ما يدعو إلى البحث في ما إذا كان بمقدور الفرد تأمين حاجياته من دون أن
مجرد عنصر أو جزء ضئيل من جهاز اإلنتاج ؟
حريته ومن دون أن يتحول إلى ّ
يخسر ّ
يس توقفنا مث ل ه ذا الس ؤال وغيره ا من األس ئلة ال تي يمكن أن تض عنا أم ام ص ورة م ا
يحص ل فعال من "تص ّير" تك اد تك ون في ه ال ّذوات أش به بـ"ال دمى" ج ّراء م ا يص يبها من تش يء
النظر
وسلعنة ،إلى إعادة طرح السؤال عن الفرد وعن المجتمع وما يقتضيه ذلك من ضرورة ّ
موحد بل بما هي كيان ينجم إلى الذوات في هذه المكنة وهذا النظام اإلنتاجي ال على أنها كيان ّ
النظام االجتم اعي ،وهو وض ع مثير ك ان "آدرنو" ق د لفت إليه اإلنتب اه في عب ارة "
ض رورة عن ّ
الحياة ال تحيا".
49
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
هك ذا إذا يحملن ا "آدرن و" إلى التع ّرف على االغ تراب والتش يئة ك آليتين تتموض عان داخ ل
ه ذا النظ ام اإلنت اجي اللي برالي والرأس مالي ليجع ل من اإلنس ان غريب ا عن ذات ه وعن المجتم ع
تعب ر عن ذاته ،ولكي تجعل منه مغتربا عن ذاته وعن المنتوج الذي ينتجه
وليجعل من أفعاله ال ّ
لكن م ا ه و الفت في ه ذا التش خيص ال ذي يض ع في ه "آدرن و" "
وعن الع الم ال ذي يعيش في هّ .
االغ تراب والتش يئة" موض ع نق د ومس اءلة ه و م ا ص ارت الرأس مالية إلي ه بع د أن ق امت بتقس يم
التوس ع الذي
ّ العم ل وتفتيت ه وإ عادة إنتاجه على ش اكلة العم ل اإلنس اني المغترب ،حيث م ّكن هذا
آلت إلي ه الرأس مالية في المجتمع ات الحديث ة والمعاص رة إلى الكش ف عن حقيق ة ه ذا المجتم ع
تتربص بها الباليا" .118ويمضي "آدرنو"
البرجوازي الذي بات فيه" البرجوازيون مثل أشباح ّ
في تفص يل ذل ك في الش ذرة 14ال تي يخت ار له ا "عن وان ال برجوازي العائ د" مس لطا الض وء على
تتعين داللتها في العالقة التي تربط البرجوازي بالنظام من جهة
أشكال الوجود البرجوازي التي ّ
وبمص لحته الشخص ية من جه ة أخ رى ذاك ال ذي يس ميه "آدرن و" بأناني ة المص لحة .ض من ه ذا
50
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
ثم ة إذا م ا ينبغي للنق د أن يالمس ه ،وه و يع اين م ا أص بحت علي ه الحي اة من اعتالل ال
ّ
يمكن تفسيره إال من جهة كونه شاهدا على هذا اإلغتراب والتشيئة .ولع ّل ما صار إليه المرء،
119
نتيج ة اخ تراق أجه زة الدول ة ال ذي لم يع د بإمكان ه أن يتّخ ذ س كنا ب المعنى ال دقيق للكلم ة
ومؤسس اتها للحي اة الخاص ة ُيلزمن ا بض رورة الوق وف عن د عالق ة وس ائل اإلعالم بالدول ة ،وه ذا
ّ
ٍ
ومغترب وأن يحيا في ظل ٍ
ومتلف يتحول اإلنسان إلى كائن مفّ ٍ
قر المجهود الذي يبذل من أجل أن ّ
التش يئة .فالحداث ة ال تي رفعت ش عار التن وير والتق دم إنم ا تكمن في مكنن ة العم ل والمجتم ع
يكيف وا أنفس هم م ع
معمم ة يس عى الن اس في ظله ا ،إلى أن ّ
وإ خض اعهما ألنظم ة بيروقراطي ة ّ
إكراهاته ا ومطالبه ا ب ل ويض طرون من أج ل ذل ك إلى قم ع ط بيعتهم من دون أن يش عروا ب القمع
الذي يمارس عليهم.
"التصير المعتل"
ّ لقد بدا واضحا "آلدرنو" أن نقد اإلغتراب والتشيئة الذي شكل حقيقة هذا
الفوقي ة" .فلقد بات واضحا،
ّ الماركسية بـ"البنية
ّ النظري ة
ّ يسمى في
ومادته ،ينبغي أن يستهدف ما ّ
ّ
الحتمي بس بب م ا تق وم ب ه
ّ أن وس ائل اإلعالم الجماهيري ة ق د ح الت دون أن يتّخ ذ الت اريخ مج راه
ّ
الس وق " وبرعاي ة "رأس الم ال االحتكاري ،" 120وبتعزيز من إفساد عقول الجم اهير في "مجتم ع ّ
تمتد قبضتها إلى الجميع ،فال أحد يمكن أن يفلت من سيطرتها حتى
دور "هذه الثقافة القامعة التي ّ
يتحولون بسهولة إلى أنصارها األكثر
"أولئك الذين لم تتركهم الثقافة القامعة يقتربون منها [ ف] ّ
51
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
فيتحولون إلى بضاعة ويظلون كما يشير إلى ذلك "آدرنو" "غرباء عن
ّ تعص با 121.أما المشاهير
ّ
حيةً ألنفسهم كاألموات".122
أنفسهم ال يفهمون عنها شيئا ويظلون باعتبارهم صورا ّ
52
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
ب على الحاض ر في ك ل ج وانب نقص ه يقدم ه "آدرن و" يحت وي على ج انبين ّ :أولهم ا نق د ينص ّ
-النق د ال ذي ّ
123
تأم ل ذاتي للفكر أو عودة الفكر إلى ذاته .فما يريده "آدرنو" في كتابه األدب
وتقدمه ،وثانيهما نقد هو بالضرورة ّ
ّ
التشيء والقمع – هو محاولة إنقاذ الحقائق النسبية من تحت
ّ يشخص فيه كل أشكال
– الذي ّ الصغير
أنقاض الغايات الزائفة ،والكتاب بهذا المعنى هو عامل تصحيح للتاريخ فهو ليس علما أساسيا بقدر ما هو مقاوم ة
الخضوع واإلستسالم.
-األدب الصغير ،ترجمة وتقديم ناجي العونلي ،ص.21 124
53
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
يعم ل "آدرن و" من ذ نص االس تهالل على بل ورة مع الم ه ذا النق د االتيقي ال ذي يب دو أن
وضد ك ّل أشكال العدمي ة التي لحقت الوضع التاريخي
ّ بوصلته قد صُ ّوبت تجاه الحياة والذوات
لل ذات وم ا آل إلي ه مص يرها نتيج ة جمعن ة المجتم ع ،و"أقنمت ه" على حس اب التجرب ة الفردي ة
وتضييق الخناق على "الفردنة".
يقرر "آدرنو"
إ ّن مقام الذات هو المقام الذي سيكثّف حوله أدرنو هذا النقد االتيقي والذي ّ
وأن يع اين مح اوالت تص فية
التوغ ل في "المض مون المح ايث لألم ر" ّ
ّ يتقص د
ّ ّأن ه ينبغي أن
الفردي .لهذا السبب ال يمكن فهم النقد إال باستدعاء كل أشكال التحليل االجتماعي والسيكولوجي
واالستطيقي التي تعتمد كسهام كشف وتعرية لعصر يشار إليه بوص فه عصر انحط اط الفرد،
إن
بمجرد معاينة الوضع الذي أصبح عليه المثقف في المهجرّ ،
ّ ويمكن تعقب أثر هذا االنحطاط
جدا" يكشف بوضوح معاناة
بأن ه "مجال خاص ّ
هذا المجال الذي يشير إليه "آدرنو" منذ اإلهداء ّ
المهج ر ال تي ستش كل موض وعا للبحث في اس تقاللية المثق ف وخاص ة عالقت ه بالس لطة
ّ المثق ف
أن الم ال
القائمة .لق د "ك ان آدرن و" واض حا من ذ "الش ذرة "1ال تي خصّص ها "لمارس ال بروست" ّ
ك هذا الدور المشبوه الذي يمكن
يعري بال ش ّ
والتورط في عالقة مشبوهة ومريبة بالسلطة القائمة ّ
ّ
أن يضطلع به هؤالء المثقف ون من أجل كسب المال .لكن هذا المال الذي صار إليه هذا المثقف
مادي ا ومن
الذي يطلق عليه "آدرنو" نعت "المحترف" ال يمكن أن يحجب وضعية من هو مستقل ّ
آث ر أن يك ون في منزل ة اله اوي على أن يك ون مثقّف ا وظيفي ا ،مرن ا،مطيع ا و خادم ا لك ّل أش كال
تقسيم العمل.
هكذا يتبلور النقد االتيقي بما هو انخراط داخل الحياة التي يحياها اإلنسان وقد حرم من
أن األمر
ك ّل ما يمكنه من أن يكون مثقفا مستقال وملتزما بقضايا الحياة الحقيقية ال الزائفة ،ويبدو ّ
إم ا ب إلزام
يتعلّ ق بم داورة تص نعها حلق ات النظ ام وه و إخض اع الجم ع لمص لحة "النظ ام الق ائم" ّ
بأن يلعبوا "اللعبة" أو بإلقاء البعض خارج "اللعبة".
بعضهم طوعا أو كرها ّ
إن النق د االتيقي يكش ف عن نفس ه في كت اب األدب الص غير ،بم ا ه و رص د ومعاين ة
ّ
وتش خيص وتعقّب له ذا المج ال الخ اص ال ذي يمكن أن تَروي ه وض عية المثق ف من جه ة ،وه و
بأن ه "انفت اح على
يعب ر عنه "آدرنو" ّ
فض ال عن ذل ك رص د وتش خيص لمج ال ع ام "تتجلى في ه ما ّ
54
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
125
هك ذا هي إذا معماري ة ه ذا الكت اب في نق دها للحي اة امت داد اجتم اعي وان تروبولوجي أوس ع"
المش ّوهة ال تي اخت ار "آدرن و" أن تع دل فيه ا الكتاب ة "العدس ة" فتفض ح ب ذلك تش ويهات الحي اة لكي
تخلُص من حيث "الغرض إلى الفلسفة".126
حد عبارة "فرديناند كورنبرغر" التي
الرحال إلى هذه الحياة التي "ال تحيا" على ّ
شد ّإن ّ
ّ
اختارها "آدرنو" لكي تكون عنوانا للجزء األول من كتابه األدب الصغير ترسم لنا خارج الكتابة
الفلس فية التقليدي ة والنمطي ة المش هدية الحي اة اليومي ة وعالقته ا بال ذات ال تي س تُجلي حقيق ة ه ذه
المزّي ف غ ير المس تنير ،ب ل وحقيق ة عقلن ة حديث ة تق وم على
"الموض وعية الظلم اء" وه ذا التن وير ّ
السيطرة والهيمنة وتبحث عن شرعية فعالية االستحواذ على المجتمع بواسطة تقنية متطورة تقوم
على تقسيم العمل.
ولعلنا ال نجانب الحقيقة إذا ما قلنا أن األمر يقع كما وصف ذلك فيبر على "اتجاهين
عقلن ة من أس فل وعقلن ة من أعلى" .127غ ير ّأنن ا ال نتع ّرض ه ا هن ا إلى ه ذا الت دقيق في الفع ل
ال ذي تمارس ه العقلن ة بغاي ة االنتب اه إلى التط ّورات ال تي لحقت المجتم ع في عص ر تغ ّولت في ه
الدافع الذي يجعل من هذا النقد اتيقيا بالمعنى الذي يقطع
التقنية ،بل بغرض االنكباب على هذا ّ
ورط فعال في اإلنس انية المض طهدة وفي
في ه م ع أي ش كل من أش كال األخالقي ة المتعالي ة ،ب ل ويت ّ
مسير.
بأنه عالم ّ
األول ّ
كنا قد أشرنا في الفصل ّ
عالم ّ
رب تركيب وتعقيد وتلبيس للحياة يمثل عند "آدرنو" نكتة النقد االتيقي عنده لذلك يمكن
ّ
"وي ؤثّر عن قناع ٍة وعن ال تزام بقض ايا
أن نؤ ّك د أن "آدرن و" ق د حس م في ك ّل نق د ي أتي من ع ٍل ُ
اإلنسانية الحقيقية ،أن يكون النقد محايثا للحياة وأن يكون غرضه القبض على هذا التشويه ،وهو
بص دد الفع ل والممارس ة ،فال يك ون ب ذلك من ب ّد إزاء م ا يج ري س وى "الث ورة ض ّد" ه ذا العمى
يجمد القلوب".
وضد التأمل الذي ّ
ّ والظلمة والتعتيم
ليس من مهم ة له ذا النق د االتيقي غ ير الول وج في خض ّم ه ذه الحي اة لفض ح تش ويهاتها
والمجرد بل على سبيل النقد العملي الذي يجعل
ّ ومسوخاتها ال على سبيل النقد النظري المتعالي
من الفلس فة ،كم ا يش ير إلى ذل ك "آدرن و" ،فلس فةً "أخ يرةً" "لعلّه ا تك ون ب ذلك "فلس فة المجتم ع" كم ا
55
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
ن ادت ب ذلك المدرس ة النقدي ة ال تي اتخ ذت لنق دها إط ارا مرجعي ا اق ترن بكت اب النظريــة التقليديــة
سيما مقالت ه التي اتخ ذت عنوان "في النظري ة
والنظرية النقدية لهوركه ايمر بمقاالت ه الخمس وال ّ
لتوج ه فكري حادث لم يعد
التقليدية والنظرية النقدية" والتي كانت بمثابة البيان الفلسفي والعلمي ّ
النظ ري في العلم ب ل أخ ذ يض ع
نن"الدوكس ية" الدارج ة في الفك ر وال بعمى التخص ص ّ
ّ يس لم بالس
حد ذاتها ومن حيث صلتها بالممارسة االجتماعية ،موضع سؤال".128
فكرة الفلسفة في ّ
تعين موقعه من
والخاصية الجوهرية التي ّ
ّ السمة
تعد االتيقا في سياقه ّ
ّإنه نقد مغاير إذاّ ،
المهم ة التي ُأنيطت بعهدته والمسلك والمنهج الذي سيتّخذه ،بل وتكشف عالقته
ّ الحياة ،وتضبط
أن معاين ة ه ذا النق د
اص .ويب دو مم ا أس لفنا ذك ره ّ
ب الفكر النق دي عموم ا وبالماركس ية بش كل خ ّ
النظرية
توجها جديدا في الفلسفة هو معاينة للفلسفة ذاتها ،وقد خلعت عنها مظلة ّ
االتيقي بوصفه ّ
المزيفة والمظلّلة .وقد اختار كتاب األدب الصغير أن يخترق بواسطة هذا النقد
ّ التقليدية وعناوينها
االتيقي أزم ة "كري زيس" هي من االتس اع واالمت داد م ا يجع ل منه ا عنوان ا فاض حا لبربري ة ،هي
مشوهة.
فتحولها إلى إنسانية مضطهدة وإ لى حياة ّ
األشد ظلمة ،تط ّل على اإلنسانية وعلى الحياة ّ
ّ
هكذا هو حال الحياة في هذه الموضوعية الظلماء وهو األمر الذي يجعل من كتاب األدب الصغير
تشخيصا فلسفيا نقديا "لما هو كائن بالفعل بكل تشويهاته ومسوخاته ومعاودة إنتاجه التاريخي".129
ّإنه امتحان وتمرين نقدي للوقوف على جهوزية الفكر واقتداراته على"مواجهة ما هو قائم وتعرية
130
أشكال تأييد سلطته"".
إن النقد االتيقي هو من صميم الفعل والممارسة وهذا األمر يرفع عن صاحبه شبهة ّأن ه
ّ
يعيش في "برجه العاجي" بل ويرفع عن النقد ذاته شبهة التعالي والتجريد ويجعل النقد يجري في
عب رت عنه ا
ف عن أن تك ون عاكس ة لمعان اة ه ذه اإلنس انية ال تي ّ
ص يرورات الحي اة ال تي ال تك ّ
المنافي والمعتقالت .ولقد عاين "آدرنو" هذه المعاناة في الشذرة 33التي تمكنت من الوقوف عند
وتم اختزاله ا في دائ رة "كس ب األم وال"
أه وال الح رب ال تي تح ّولت إلى مس ألة "أم وال وأعم ال" ّ
أن النقد عن د
إن ما ينبغي االنتباه إليه ّ
"ثمة تدميرها"ّ .
والترويج آلليات االستحواذ على الحياة ومن ّ
56
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
ولعلّنا نالحظ أيضا كيف اختار "آدرنو" أن يذيل هذه الشذرة وأن يربطها بزمن كتابتها،
وهو خريف ،1944بطريقة تذ ّكرنا بكتابة الم ّذكرات ،حيث تحتاج الكتابة في الحرب ،توثيقا يجد
فيه الفيلسوف مدخال لس ردية فلسفية نقدية ،تواجه س رديات الخطاب اإلشهاري ووسائل اإلعالم
الجماهيري التي تلتقي أهدافها مع "لعبة الغباء المبرمج" .ساعتها يمكن أن ندرك أن خريف وسنة
يعب ر عن وضع إنساني صعب يقع اختباره على
التواريخ المثقلة بالرموز ،إذ ّ
1944هوأحد أهمّ ّ
تقد
قاعدة "الحياة التحيا" لذلك تش ّكل إحداثية "1944و إحداثية "الحياة ال تحيا" معا استنباتا إلتيقا ّ
من الحياة الراهنة وتحدث على وقع آلة الحرب العمياء بواسطة" طائرات نادرا ما ال تذكر أسماء
131
وهي تمثّ ل في نفس ال وقت "آلي ات مع اودة إنت اج الحي اة واالس تحواذ عليه ا مص انعها"
وتدميرها هي هي".132
ها هنا يجد النقد تعبيراته القصوى ،فال وجود لما هو أقسى على الفكر النقدي من معالجة
ماشوهته مكنة الحرب ،وماأصبح البحث فيه يعادل هذا الذي هو " فوق التجربة مثلما تسير اآللة
ّ
فوق حركات الجسم الذي ال يشبهها إال حين يصاب بالمرض" .133إن نقدا يالمس مأساة اإلنسانية
ب،ويع اين في فلكه ا
ُ المض طهدة ال تي تع اني ك ل أش كال القت ل والتهجير والنفي،وك ل ج رائم الح ر
57
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
مايحدث في "أوشفيتز" من إبادة عرقيه ،بوسعه أن يستوعب ماهو ليس واردا التفكير فيه من قبل
هذه العقالنية الغربية التي تدفع اإلنسانية إلى العدمية والبربرية .اليمكن إذا فهم هذا النقد إاّل على
ض وء م ايمكن أن يقدّم ه األدب الص غير من حيث ه و علم ح زين فيك ون ب ذلك نق دا س لبيا غرض ا
ومسلكا ومنهجا.
أن م ا يروي ه من أه وال الح رب يوش ك أن يك ون من ص ميم النق د ب ل
ي درك إذا "آدرن و" ّ
ومن أنبل مهامه إذ ال يمكن أن يتعاطى الفيلسوف مع الحرب على جهة الالمباالة أو على سبيل
تزيي ف الحقائق واالنخ راط في مغالط ة اإلنس انية والترويج للح رب على أنها إعادة إعم ار العالم
ألن الواقع الفعلي ال يترك للنقد
واإلنسانية .وقد يكون من الصعب الكتابة في هذا الغرض نظرا ّ
فرص ة اس تجالء األم ر وفهم ه ،ونظ را لع دم وج ود س ابقة زمني ة تفص ل الكتاب ة عن زمن وق وع
الح رب لكن "آدرن و" يخت ار أن يرص د وق ع ه ذه الح رب على الحي اة وهي بص دد االش تغال .فلق د
تحولت الحياة إلى "سلسلة غير زمنية من الصدمات تتخللها فجوات متسعة وفواصل شاسعة".134
ّ
لذلك يعتبر "آدرنو" أن اإلنسانية تُقبِ ل على مستقبل هو من الهول ما يجعل منه يتصادى
مع ما كتبه "كارل كراوس" بعنوان "األيام األخيرة لإلنسانية" .135تلك هي مسحة أخرى من هذا
المقبل ،إلى شيء ما
يتوغ ل في حاضر اإلنسانية فاتحا المجال للنظر إلى هذا ُ
النقد االتيقي الذي ّ
مس تقبلي ،تس قط في ه ك ل ش عارات اإلنس انية لفائدة "مكن ة الت دمير والتض ليل والخ داع"ّ .بين إذا أن
النق د االتيقي ه و نق د تق دمي لكنبش رط أن نفهم التق ّدم ال ذي تعيش ه اإلنس انية في عص ر انحط اط
تتهدد في كل لحظ عين بأن تحدث"،
تقدم إلى االنحطاط والتالشي والكارثة التي " ّ
الفرد على ّأنه ّ
تتفع ل في مج رى
والتي ُتستوعب داخل ما تشير إليه الفلسفة النقدية بوصفه "موضوعية ظلماء"ّ ،
التاريخ فتك ون ب ذلك فاع ل تش ويه ومس خ للحي اة .فالكارثي إذا ،ينتمي إلى واق ع ح ال ه و واق ع
الموضوعية الظلماء.
وليكن من على بال ما لهذا النقد االتيقي من طرافة وف رادة تجعل منه س ردية نقدية لهذه
الموض وعية الظلم اء ،ال تي تُ درك على أنها الج انب المظلم في اإلنس انية ،ال ذي تع ّد البربري ة
خاص يته األساس ية ،الكامن ة في م اتزعم معقولي ة التقدّم واألن وار ،بأن ه إنس اني وحق وقي ل ذلك
58
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
يس تهدف النق د االتيقي بم ا ه و أدب ص غير ه ذا العق ل الحام ل للكارث ة مس تهدفا ب ذلك أقنعت ه ،فق د
أن الكارثي عند " آدرنو"
تحول إلى فاعل تشويه وتصفية للحياة .لذلك يمكن أن نذهب إلى اعتبار ّ
إن النقد
هو من قبيل تلك الموضوعية الظلماء التي تجعل من التشاؤم سمة هذا التفكير النقديّ .
إذا يفض ح ه ذا المص ير ال ذي ال يبعث على التف اؤل ب ل يف رض على الفكر أن يكون متشائما إلى
الحد الذي يمكن أن نرصد معه ال فقط ما حدث للعالم بل هذا الذي يحدث اآلن ّإن ه "ما بعد نهاية
ّ
العالم".136
59
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
مجرد "دعاية"
بوق دعاية للفاشية" التي تح اول إنك ار واق ع الجرائم المرتكبة واص فة ّإياها بأنه ا ّ
أي معارضة".139
تهدف إلى القيام بتلك ال ّشناعات من دون ّ
ورط في ش بهة
إن النق د االتيقي ه و إذا نق د ت اريخي وليس تأريخاني ا .فه و نق د ال يت ّ
ّ
البلي ة" وليس ل ه أن يص ّور ه ذه الح رب على أنه ا تحم ل تن ويرا مقبال وتع د
المس اهمة في "وق وع ّ
يفن د" آدرن و" فلس فة "هيغ ل" وعبارت ه الش هيرة ال تي قاله ا في
بانتص ار العق ل اإلنس اني ل ذلك ّ
"بون ابرت" في معارض ة بليغ ة وعميق ة "لق د رأيت روح الع الم ال على ج واد ب ل على أجنح ة
الصواريخ ومن دون رأس".140
هكذا هو األمر حينما يتعلّ ق بنقد الحرب ونقد خلفياتها الفكرية والفلسفية الفاشيستية .فال
تربوا في مدارس فلسفية تقوم على تبرير ما هو قائم وعقلنة ما
يمكن أن يقوى على هذا النقد من ّ
إن ك ّل األسئلة التي تلقى على هذه الحرب حتى تلك
ألن ه يمثّ ل الإلنسانيّ .
هو ممتنع عن العقلنة ّ
أن "ما بعد الحرب " لن يكون لصالح الثقافة وال لبنائهاّ ،إن ه
التي تبحث في مستقبل الثقافة تكشف ّ
تحوال بخطى حثيثة إلى البربرية".
يمثّل ّ
تحول إلى كارثة تكون فيها جميع األمم " ذاتا بال ذاتية" 141.ها هنا يؤ ّك د "آدرنو" ّإنه المقبل وقد ّ
مدم ِرين".142
مدمر بقدر ما يكون الناس الذين ينضجونه ّ
أن "منطق التاريخ ّ
إن النقد االتيقي يش ّكل إذا عند" آدرنو" ،تجربة في هذا الذي حطّمته الحرب وهو محاولة
ّ
143
يعد ه ذا السؤال ش اهدا على هذا
اإلجاب ة عن سؤال ماذا ينبغي أن تفع ل بألماني ا المهزومة ؟ ّ .
النقد االتيقي الذي ال يجري خارج نطاق صاحبه ،إن النقد وصاحبه واقعة واحدة لذلك نقف عند
إن معرك ة النق د
هم وم" آدرن و" النقدي ة في بع دها الشخص ي والمحلي (ألماني ا) والك وني (الع الم) ّ
ليست إذا على شاكلة المعارك التي تثار من أجل الترف الفكري بل هي معركة وجود ومصير
وهي معرك ة ال ذات ال تي لم تع د "ذات ا" و"الحي اة ال تي ال تحي ا" .فهي ب ذلك معرك ة يق ع عركه ا من
تجربة ذاتية منفتحة على العالم بأسره ،فهي تجربة يتضايف فيها المجال الخاص بالمجال العام،
143
60
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
61
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
62
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
من ا على ب ال أن كت اب األدب الصــغير من حيث ّأن ه كت اب في النق د ،ال يمكن أن
وليكن ّ
تنس ل من
يك ون إالّ فع ل مواجه ة ومقارع ة لك ّل مح اوالت تحوي ل الحي اة إلى إي ديولوجياُ ،
والمتجرد
ّ المجرد
ّ المحاوالت التي تعمل على تحقيق مؤالفة بين الكلّي والجزئي لصالح المفهوم
150
ثم ة ي أتي تأكي د "آدرن و" على "التوس يط" وعلى إيالء األهمي ة ال تي تجع ل من ه
من الف رد" .ومن ّ
الزمة من لوازم التفكير الرافض للتعامل مع العالم واألشياء بشكل أرعن ومباشر.151
ويب دو والح ال تل ك من امتن اع للتفك ير في الحي اة دون التس لّح بنق د يق ع تفعيل ه من خالل
أن "آدرن و" ي دفع بالنق د إلى أقص اه الس تجالء ج دليات التن اقض
"والتوس ط" "والعق ل"ّ ،
ّ "الس البية"
ّ
تتفعل في صلب مجرى الحياة".152
المفتوح التي ّ
ذل ك أم ر م ا ك ان ل ه أن يتحقّ ق من دون نق د للفك ر وفض ح "وهم المثالي ة" ال تي "ت ؤقنم
المفاهيم" ،153التي تتمادى في اإلقرار بأولوية الكلي بالنسبة إلى الجزئي وهو في حقيقة األمر نقد
يضع في صلب مهامه البحث في عالقة الفردي بالكلي لكن ال على سبيل اإلدراج.
األول ال ذي اخت ار ل ه "آدرن و" عب ارة
إن التص ادي ال ذي نع اين أث ره بين عن وان الج زء ّ
ّ
"الحياة ال تحيا" وبين شذراته الخمسين ،تقف بنا عند حقيقة هذه الفلسفة النقدية الني جاءت على
تشوه وعوز، شكل شذرات من األلم والغضب والعلم الحزين :ألما يعكس ما آلت إليه الحياة من ّ
وغض با من أج ل ه ذه ال ذات "ال تي لم تع د ذات ا" وعلم ا حزين ا يح اول "آدرن و" بفض له التلفّت له ذا
كارثي صار إليه "مجالها الخاص".
ّ أي منقلب
الذي على الفلسفة أن تقوم به وهي تالحظ ّ
وإ ن ك ان مق ام النظ ر في النق د االتيقي ،مقام ا ينش أ عن ض رورة فلس فية وأنثروبولوجي ة
تصير مجنون هو
تتعلق باألولي فيه بالسؤال عما يمكن أن تحتفظ به الفلسفة لنفسها ولذاتها ،في ّ
في الحقيق ة تص ّير الفلس فة ذاته ا ،حينم ا يص ير ك ل ش يء معتالّ .في حين تنش أ الثاني ة عن تص ّير
يجري في صلب التاريخ مجرى الطامة التي يرفع القلم فيها عن الكتابة ،فيغدو الباحث في هذا
يتلمس إقباال فلسفيا داخل هذا الحطام الذي صار إليه اإلنسان والحياة والفلسفة.
الباب كمن ّ
63
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
ربم ا ك ان اإلقب ال على عالم ات اإلن ذار -تل ك ال تي تق ع من الفك ر موق ع الموض وعية
التصير من باب اإلمعان في تعطيل قدرة الذات على التفكير وان بلغة
ّ الظلماء التي يكون فيها
154
-ما يدفع كتاب األدب الصغير متلعثمة ،وتقع من الحياة موقع "العذاب الالمتناهي لالحتضار"
من أن يكون" نقدا اتيقيا".
إن النقد االتيقي يالمس إذا ما لم يتجرأ عليه التفكير ،من حيث هو تفكير يقع وفق التقليد
ّ
الدارجة ويرسم أفقا للكتابة من أجل قول نقدي إتيقي يتعلم في سياقه الفكر كيف
والسنن ّ
الفلسفي ّ
تجتث عالقته بالحياة ؟
ّ يقرأ ؟ وكيف ينصت لما تحاول المعرفة التقليدية أن تخرس صوته وأن
وكيف تكون المقاومة نقدا إتيقيا ؟
إن هذا الضرب من اإلبصار خارج سياقات النظر التقليدي ال يتحقّ ق إال بخرق واختراق
ّ
"التأملي هو نفسه الوجه األصيل
ّ التأمل الفلسفي حيث يصير
"األخالقية الحاقّة" على نحو من ّ
ّ هذه
الميتافيزيقي".155
ّ من
64
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
وإ ن ك ان رأس األم ر في ه ذا اإلبص ار ،ه و اس تعادة م ا تدرك ه الفلس فة باعتب اره مس خا
وتش ويها وع وزا ونقص ا ،أي البحث عن ه ذا ال ذي يك ون في ه أم ر الع ودة إلي ه ،من خص ائص
سلبية ؟ وكيف يتش ّكل هذا النقد
النقدية :فما الذي نعود إليه حينما نريد للنقد أن يكون إتيقا ّ
ّ الفلسفة
بض رب من المن اظرة والمعارض ة ،رفع ا وتغي يرا لم ا ه و س ائد في م دارس النق د الحديث ة
والمعاصرة ؟
هك ذا إذا تك ون خط ة البحث في النق د اإلتيقي ،ال ذي انص رف إلى تفص يله كت اب األدب
الصــغير ،ه و من ب اب الع زم على م ا يجع ل من النق د اإلتيقي ذا طبيع ة مر ّكب ة ،تق وم على ع رك
نظراني ة ودغمائية مطلقة ،بل ومن أجل اختراق ماكر
ّ المفاهيم من أجل تحريرها من كل وثوقية
التقليدي ة وفي حدود ما يقتضيه
ّ يعي ُن مسلكه النقدي ،في سياق ما تفضي إليه نقد النظرية
ومارق ّ
التماسف النقدي.
وأن ه ب ذلك ال
يجب م ا قبل هّ ،
أن النق د اإلتيقي ال ّ
إن م ا ينبغي إدراك ه من ه ذا اإلق رارّ ،
ّ
التقليدي ة وه و األم ر ال ذي يجعلن ا يعي د النظ ر في م ا يطل ق
ّ يس تهدف تحطيم ا وتقويض ا للنظري ة
البعديُّ" ،156أو ما
القبلي و َ
ّ عليه "كنط" صفة النقد ،من حيث هو ما يضطلع "بتصريف الفرق بين
دلي
يس ّميه "هيغ ل" " بالنق د األص يل" ومن حيث ه و من ص ميم المطل ق وبم ا ه و " التحري ر الج ّ
لمض امين الميتافيزيق ا " ،157أو م ا خاض ت في ه الماركس ّية النقدي ة به دف إيالء النق د م ا يجعل ه
يتعين في
ماس ة ّ
ماديا .وهذا ما يدعونا إلى اإلقرار بأنه توجد حاجة ّ
جديرا بأن يكون نقدا جدليا ّ
س ياقها النق د اإلي تيقي بوص فه المس ار والمس لك ال ذي علين ا أن نس لكه وذاك م ا يجع ل من ه س هم
تاريخي يستهدف "إرساء وضع عادل بين البشر".158
ّ خالص وتغيير
يختار النقد اإليتيقي إذا مسلكه ومنهجه في سياق هذا الجهد الذي يكون االنخراط فيه من
زم ام االنخ راط النظ ري والعملي " نهج فك ري إنس اني" .159إن غاي ة البحث في ه ذه المس ألة أن
نكشف هذا الذي يعود إليه النقد اإليتيقي جاعال منه نقدا وجيها ومقبوال وحاسما يتولّ د من خالله
65
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
الخاتمة
إن ما ُنريد أن نظفر به من هذا العلم الحزين ،من باب التشديد على هذا الحافز اإلتيقي
يسوغ ظهورالذي دفع "آدرنو" إلى اإليغال بعي دا في علة تس يير العالم ومآالته .وفي هذا الذي ّ
معقولي ة ظلم اء ،ال يمكن أن يك ون اإلقب ال علي ه ،س جين م ا ص اغه "آدرن و" في كتاب ه "األدب
الص غير" من حيث ه و س هم كش ف وتعري ة لـ"آي ات الالإيتيقي ة" ال تي ص ار إليه ا الع الم ،ب ل ينبغي
تقليب األسئلة فيه على وجه يأخذ تغلغل تصادي العلم الحزين في الفكر الفلسفي مأخذا نستعيد فيه
ممتد من القدامى إلى
ّ ٍ
لعصر مؤرخا
جوابا لآلفاقّ ،
قراءته على سبيل العلّ ة التي تجعل منه كتابا ّ
وربما كان ذلك ما "حمل بتر سلوتردايك" على البحث في كتاب العلم الحزين عند"المعاصرينّ ،
"أو ال ُيوجد وابل من أوجه
هيدغر" وعند "ديوجين" ،فيتساءل فيما يخص عالقة "آدرنو" بـ"هيدغر" َ
الشبه والتماثل بين "آدرنو" و"هيدغر" ؟ ما هي العلل التي تطغى اآلن على بعض التواصل بينهم ا
ومن الذي سيجرؤ على قول " أيهما قد صاغ العلم الحزين؟".161
66
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
بل وكيف يصبح استدعاء "هيدغر " شبيها بهذا النزاع الذي يمكن أن يحصل بينه وبين "آدرنو"
أحقية هذا العلم " العلم الحزين".
على ّ
أعجب م ا يمكن أن يتع رض ل ه الب احث في فك ر "آدرن و"النق دي ،وفي المش كل
َ أن
غ ير ّ
والحض ر من
ْ قاب ل به ذا التص ّدي واإلع راض
رض إلي ه في ه ذا البحث ،ه و أن ُي َ
اإلتيقي ال ذي نع ُ
تم طردهم من
الفرنسي رغم أن ج ّل أعالم المدرسة النقدية قد عمل في باريس بعد أن ّ
ّ قبل الفكر
مرتين لفرنسا سنة 1958إللقاء
أن "آدرنو" نفسه ُدعي ّ
األلمانية من قبل النازية ورغم ّ
ّ الجامعات
محاض رة في جامع ة الس وربون ،وم ّرة ثاني ة ليحاض ر في الك وليج دي ف رانس س نة 1961وق د
ترجمت له بعض كتبه بالفرنسية من قبيل كتاب ه الموسيقى الجديدة ومقال ه عن "ف اغنر" في الف ترة
لكن فكره لم يبدأ في الظهور إال بعد موته سنة ، 1969وتحديدا
الممتدة من 1960إلى ّ ،1962
الص يت الذي لقيه كتاب جدلية التنوير الذي ألفه صحبة صديقه "ماكس
سنة 1973خاصة بعد ّ
هوركهايمر" ،ولكي يكون موضوع احتفاء من قبل "ميشال فوكو" و"جاك داريدا".
ولعلنا ال نفهم إلى اآلن على وجه الدقة الالزمة والضرورية ،لماذا ُيكتشف"آدرنو" وكل
طى أس وار" الماركس ية
وأن مروق ه تخ ّ
من انتمى إلى مدرس ة فرانكف ورت بأن ه ش خص م ارق ّ
ولربم ا تخطى أيض ا أس وار اللياق ة األكاديمي ة ال تي تنض بط له ا أدبي ات "الفلس فة
األلتوس يرية" ّ
الفرنسية"؟
-163أورده خلدون النبواني في مقالة له بعنوان " فكر ثيودور آدرنو" عن "Gerard Roulet
La philosophie Allemande Depuis 1945 , Armand colin 2006, paris,295.
67
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
ٍ
اعتراف بهذا الموقف الالعقالني واألرعن، وبعض شيء من الجواب عن هذا السؤال،
ُ
الذي قوبل به هذا الفكر النقدي ،يعلن عنه "فوكو" و إن كان بصفة الحقة ومحتشمة ،وهذا جوهر
تم
ان العديد من ممثليها [ مدرسة فرانكفورت ] كانوا قد عملوا في باريس بعد أن ّ
المشكل" ،رغم ّ
تم تجاهلها في فرنسا
أن مدرسة فرانكفورت قد ّ
طردهم من الجامعات األلمانية من قبل النازية إال ّ
وقتا طويال".164
لس نا نح اول به ذا الس ؤال أن نقيم الحج ة على فالس فة فرنس ا وخاص ة األلمعين منهم مث ل
يلوح به للتفكير -ليس إال -علّنا نجد في سياقه تعليال لهذا الذي
"فوكو" و"داريدا" ،ولكنه سؤال ّ
-164أورده خل دون النب واني في مقال ة ل ه بعن وان " فك ر ثي ودور آدرن و" عنMichel Foucault Dits et
.Ecrits , IV 1980-1 1988 , Gallimard,1994, page 72
68
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
ي دعو "فوك و" و"داري دا" إلى اإلدالء به ش هادة للت اريخ في ح ق ه ذه المدرس ة ورواده ا ،بأس لوب
يش به االع تراف الحس ير ال ذي يوش ك أن يك ون اع تراف الم ذنب بذنب ه حيث يص ّرح" فوك و" على
جهة الفيلسوف الناظر نقديا في فلسفته ،القائم على نقدها ،المتأمل في ما يمكن أو ما ال يمكن أن
عرفت جدارة فالسفة
ُ تؤول إليه لو أخذت بالحسبان ما كتبته مدرسة فرانكفورت ،يقول" :عندما
مدرس ة فرانكف ورت كنت ق د فعلت ه ذا ب ذلك ال وعي ِ
التعس ال ذي ك ان علي ه أن يق رأهم قب ل ذل ك
كمي ة كب يرة من
بكث ير ،وأن يفهم بش كل أبك ر،ل و ان ه كنت ق د ق رأت ه ذه األعم ال لك انت هن اك ّ
ربم ا ل و
أتجنب األخط اءّ ،
األش ياء ال تي يمكن أال أك ون بحاج ة إلى قوله ا ،وك ان يمكن لي أن ّ
عرفت فالسفة تلك المدرسة عندما كنت شابا لكنت مفتونا بهم تماما ،ولما كنت فعلت شيئا آخر
سوى التعليق عليهم".165
ولعل ه اع تراف تم تزج في ه الح يرة بالحس رة على م ا يك ون ق د أض اعه الفك ر ،بس بب ال
نقدر أنه يعودفحسب إلى التجاهل،خاصة ونحن بإزاء معاينة هذا التصادي
يمكن إلى اآلن ،أن ّ
ان ما خاض فيه باعتباره
يقر "فوكو" ّ
بين ما كتبه "آدرنو" وبين ما كتبه "فوكو و داريدا" حيث ّ
شأنا نقديا أركيولوجيا يتنزل في ذات النهج النقدي الذي مارسه "آدرنو" ،بل وبنفس التمشي الذي
والفني.
كان سببا في اعتماده على التحليل النفسي واالجتماعي واألدبي ّ
إن أعجب ما يمكن إذا أن يعاينه الباحث في فكر "آدرنو" هو التناقض المبهم الذي يجعل
ّ
اد" للفلس فة الفرنس ية وط ورا بوص فه ملهم ا لفكره ا،
من العلم الح زين ت ارة ينظ ر إلي ه بأن ه "مض ّ
-165أورده خل دون النب واني في مقال ة ل ه بعن وان " فك ر ثي ودور آدرن و" عن Michel Foucault,Dits et
Ecrits , IV .1980-1 1988 , Gallimard,1994, page 74
-166أورده خلدون النبوي في نفس المقالة عن Jacque –Darrida ,Fichus, Gallilé, 2002-17p13-14
69
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
يحص ل ك ّل ذل ك ،والفلس فة م ا زالت إلى اآلن تبحث عن الحلم الح زين ،عن د فيلس وف
يوص ى به في سفر هذا "الالهوت السالب
َ يخرج كـ"المهدي" أو كـ"عيسى" على نهج ما يمكن أن
الكلبي ة في بورصات
ّ تتجول فيه
كلبي ّ
ّ والمادي" ليكتب علما حزينا بشأن حياة مشوهة في عصر
البيولوجية.
ّ أمريكا وفي أفق العولمة والحروب
نقر بان الخاتمة ليست إالّ ابتداء واستئنافا ،وهذا اقصى ما
لعلّنا ال نجانب الصواب حينما ّ
التشوه والمسخ الذي يستعاد هوله
ّ يمكن أن يصل إليه الفكر الفلسفي ولعله يكون أقساه في زمن
في ك ّل حين.
70
في الإتيقا نقدا للحياة المشوّهة
71
الفهرست
اإلهداء
الشكر
الخاتمة 64...........................................................................................................................
بيبليوغرافيا
بيبليوغرافيا
المصادر
المصادر بالعربية
محم د الهاللي ،دار توبق ال للنش ر ال ّدار
وبربريتها ،ترجم ة ّ
ّ )1إدغ ار م وران ،ثقافــة أوروبــا
البيضاء ،الطبعة األولى .2007
العي ادي ومن ير كشوـ
)2ب ول ريك ور ،العــــادل ،الج زء الث اني ،تع ريب عب د العزي ز ّ
المجم ع التونس ي للعل وم واآلداب والفن ون " بيت الحكم ة"
ّ تنس يق فتحي ال تريكي،
.2003
)3جورج لوكاش ،تحطيم العقل ،ترجمة إلياس مرقص ،دار الحقيقة للنشر سنة .1980
)4بتر سلوتردايك ،نقد العقل الكلبي ،منشورات" الجمل ،عام .2020
)5فري ديريك هيغ ل ،موسوعة العلـوم الفلسـفية ،المجل د االول ،ترجم ة د .ام ام عب د الفت اح،
دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت.2005 ،
)6ك ارل م اركس ،رأس الم ــال ،1867 ،ترجم ة ال دكتور راش د ال براوي ،مكتب ة النهض ة
المصرية للنشر سنة .1974
)7م اكس هوركه ايمر ،النظريــة التقليديــة والنظريــة النقدية ،ترجم ة وتق ديم ن اجي الع ونلي،
منشورات الجمل ،بغداد بيروت ،الطبعة األولى .2015
)8ماكس هوركهايمر ،كسوف العقل ،دار النشر جامعة اكسفورد.1947 ،
محم د س بيال وعب د اله ادي مفت اح،
)9م ارتن هاي دغر ،التقنيــة – الحقيقــة – الوجـود ،ترجم ة ّ
المركز الثقافي العربي ،بيروت – لبنان.1995 ،
)10هربرت ماركوز ،الماركسية السوفياتية.1958 ،
)11هربرت ماركوز ،اإلنسان ذو البعد الواحد ،ترجمة جورج طرابيشي.1964 ،
)12وال تر بني امين ،أطروح ــات ح ــول فلس ــفة الت ــاريخ ،وتس ّمى أيض ا على فلس فة الت اريخ،
(باريس في عام .)1940
)13والتر بنيامين ،شارع ذو اتجاه واحد ،ترجمة ناجي العونلي ،مؤسسة شرق غرب ديوان
المنار للنشر والتوزيع ،بيروت – لبنان.2012 ،
)14يورغن هابرماس ،المعرفة والمصلحة ،ترجمة حسن صقر ،مراجعة ابراهيم الحيدري،
منش ورات الجم ل ،الطبع ة األولى ،كولوني ا – ألماني ا ، 2001نش ر بالتع اون م ع
المجلس األعلى للثقافة – مصر.
)15ي ورغن هابرم اس ،العلم والتقنيـ ــة كإيـ ــديولوجيا ،منش ورات الجم ل ،الطبع ة األولى
كولونيا المانيا.2003 ،
المصادر بالفرنسية
المراجع بالعربية
)1آلن ه او ،النظريـــــة النقديـــــة مدرســـــة فرانكفـــــورت ،ترجم ة ث ائر ديب ،1984
المركز القومي للترجمة2010 ،
الجامعي ة
ّ )2ب ول ل وران آس ون ،مدرس ــة فرانكف ــورت ،ترجم ة س عاد ح رب ،المؤسس ة
للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت.1990 ،
)3د.كم ال من ير " ،النظرية النقدية لمدرسة فرنكفــورت من مــاكس هوركهــايمر إلى أكســل
هونيث ،منشورات اإلختالف الدار العربية للعلوم ناشرون ،الطبعة األولى .2010
العي ادي ،إتيقــا المــوت والســعادة ،ص امد للنش ر والتوزي ع ،الطبع ة األولى،
)4عب د العزي ز ّ
أفريل .2005
)5فتحي المسكيني ،هيغل ونهاية الميتافيزيقا ،دار الجنوب للنشر -تونس.1997
)6ن اجي الع ونلي ،هيغــل األول في ســياقه،في تــاريخ نشــوء المشــكل الهيغلي وتطـ ّـوره من
نص ت ــوبنغن إلى كت ــاب الفـــرق ،ج داول للنش ر والترجم ة والتوزي ع ،الطبع ة األولى
ّ
أيار/مايو.2012
المراجع بالفرنسية
Adorno et l’école de Francfort colloque 5-6 Décembre 2003 )1
.sous la direction de Malika Ouelbani imprimé en Tunisie 2004