Professional Documents
Culture Documents
إن جوهر ما جاء به صمؤيل هنتنغتون هو إن " الصراع في العالم الجديد لن يكون إيديولوجيا أو
اقتصاديا بل سيكون ثقافيا أو حضاريا باملعنى األدق" .والحضارة هي الكيان الثقافي األوسع الذي
يعرف الناسيضم الجماعات الثقافية مثل القبائل والجماعات العرقية والدينية واألمم وفيها ّ
أنفسهم بالنسب ،الدين ،اللغة ،التاريخ ،القيم ،العادات ،واملؤسسات االجتماعية.
حادثتان أثارتا اهتمام الكاتب ،األولى وقعت أثناء اجتماع بين باحثين روس وأمريكيين في العام 1992
في قاعة احد املباني الحكومية في موسكو بعد أسبوعين من اختفاء االتحاد السوفيتي من الوجود
ليصبح االتحاد الروس ي دولة مستقلة ليختفي تمثال لينين الذي كان يزين منصة القاعة وليحل
محله العلم الروس ي الجديد الذي كان يرفرف على السور الخارجي للبناية واملشكلة الوحيدة هنا
كانت مالحظة احد األمريكيين بان العلم الجديد كان معلقا باملقلوب!!!! وأوضح ذلك للمضيفين
الذين بادروا على الفور لتصحيح وضع العلم.
أما الثانية ففي الثامن عشر من ابريل عام 1994تجمع ألفا مواطن في سراييفو وهم يلوحون بعلمي
اململكة العربية السعودية وتركيا بدال من أعالم األمم املتحدة أو الناتو وبهذا فهم كانوا يعلنون
توحدهم مع رفاقهم املسلمين ويقولون للعالم من هم أصدقاؤهم الحقيقيون وأصدقائهم غير
الحقيقيين.
األعالم املقلوبة واألعالم اإلسالمية التي رفعت في قلب أوربا أشارتا إلى تشكيل جديد لعالم بدأ
يتقسم وفق خطوط ثقافية.
في عالم ما بعد الحرب الباردة أصبحت لألعالم دورا في االعتبار وكذلك الرموز الدينية مثل الصليب
والهالل .فالثقافة لها أهميتها الن الهوية الثقافية هي األكثر أهمية بالنسبة ملعظم الناس.
بعد قرن من النفاق العاطفي نكتشف اليوم بأننا إذا لم نكره بقوة لن نحب بقوة .نكره ما ليس نحن
1
ونحب ما نحن.
الصراعات الثقافية تتزايد وهي اآلن أخطر مما كانت عليه في أي وقت سابق في التاريخ .يقول جاك
ديلوز الصراعات املستقبلية سوف تشعلها عوامل ثقافية أكثر منها اقتصادية أو إيديولوجية.
واخطر تلك الصراعات تلك التي تقع على طول خطوط التقسيم الحضاري.
الشعوب التي تفصل بينها االيدولوجيا تجمعها الثقافة وتقرب بينها كما فعلت األملانيتان والكوريتان
وكما بدأ يحدث بين أكثر من صين.
املجتمعات التي اتحدت عن طريق االيدولوجيا أو الظروف التاريخية ولكنها منقسمة بسبب
الحضارات ،أما تفتت كما حدث لالتحاد السوفيتي ويوغسالفيا والبوسنة أو تتعرض لتوتر شديد
كما هو الحال في أوكرانيا ونيجيريا والهند وسريالنكا وغيرها .الستار الحديدي الذي كان يفصل
أوروبا هو نفسه اليوم الذي الخط الفاصل بين شعوب املسيحية الغربية من ناحية والشعوب
اإلسالمية واالرثوذكسية من ناحية أخرى .عمليات إحياء الدين تقوي من الفروق الثقافية بين
الشعوب املنتمية إلى حضارات مختلفة.
النجاح االقتصادي في شرق آسيا له جذوره الثقافية وكذلك الصعاب التي واجهتها املجتمعات هناك
إلقامة أنظمة سياسية وديمقراطية.
الثقافية اإلسالمية تفسر إلى حد كبير فشل قيام الديمقراطية في اماكن كثيرة من العالم اإلسالمي.
التطورات في مجتمعات ما بعد الشيوعية في أوروبا الشرقية واالتحاد السوفيتي السابق تتشكل
طبقا لهوياتها الحضارية.
أفق النجاح في املجتمعات اإلسالمية كئيبة .أفق النجاح في املجتمعات األرثوذكسية غير مؤكدة.
الغرب حاليا أقوى الحضارات وسيظل لسنوات قادمة إال أن قوته تتدهور بالنسبة إلى الحضارات
األخرى.
عالم ما بعد الحرب الباردة هو عالم مكون من سبع حضارات ،العوامل الثقافية املشتركة
واالختالفات هي التي تشكل املصالح والخصومات وتقاربات الدول.
القوة تنتقل من الغرب الذي كانت له السيطرة طويال إلى الحضارات غير الغربية .السياسة الكونية
أصبحت متعددة األقطاب ومتعددة الحضارات.
احد النماذج املغرقة في التفاصيل كان يقوم على افتراض إن انتهاء الحرب الباردة يعني انتهاء
2
الصراع الكبير في السياسة الكونية وظهور عالم منسجم نسبيا .يقول فرانسيس فوكوياما " ربما كنا
نشهد نهاية التاريخ بما هو نقطة النهاية للتطور اإليديولوجي للبشرية وتعميم الليبرالية الديمقراطية
الغربية على مستوى العالم كشكل نهائي للحكومة اإلنساني ،فقد تحدث بعض الصراعات في
أماكن من العالم الثالث ولكن الصراع الكبير قد انتهى وليس في أوروبا فقط وبالتحديد في العالم
غير األوربي حيث حدثت التغيرات الكبرى خاصة في الصين واالتحاد السوفيتي .وقد يظل املؤمنون
باملا ركسية اللينينية موجودين في أماكن مثل مانجوا ،بيونجيانج ،كمبردج ،ماساشوستس ولكن
الديمقراطية الليبرالية قد انتصرت وسوف يكون املستقبل مكرسا ليس من اجل الصراعات الكبرى
الحامية حول األفكار بل باألحرى حول املشكالت االقتصادية والفنية املعاشة ثم ينهي كالمه بأسف
قائال إن ذلك سيكون مضجرا.
في السنوات الخمس التي تلت سقوط حائط برلين كانت كلمة " املذبحة الجماعية " تتردد أكثر مما
سبق على مدى أي خمس سنوات من الحرب الباردة ومن الواضح إن نموذج عالم واحد منسجم
بعيد جدا ومنفصل عن الواقع لكي يكون دليال مفيدا لعالم ما بعد الحرب الباردة.
في الوقت الذي تظهر فيه توقعات بعالم واحد في نهاية الصراعات الرئيسية إال إن امليل للتفكير
بعاملين كان يتردد دائما عبر التاريخ اإلنساني .فالناس لديهم دائما ما يغريهم بتقسيم بعضهم إلى "
نحن" و " هم" الجماعة التفضيلية والجماعة األخرى.
في عالم اليوم نالحظ اختفاء حروب التحرير وظهور الصراعات بين الشعوب املحررة.
إن العالم لعلى درجة كبيرة من التعقيد بحيث ال يمكن أن نقسمه ببساطة اقتصاديا إلى شمال
وجنوب وثقافيا إلى شرق وغرب.
في عالم ما بعد الحرب الباردة الدول تحدد مصالحها على أسس حضارية تتعاون وتتحالف مع دول
ذات ثقافات مشتركة وغالبا ما تكون في حالة صراع مع دول تنتمي لثقافات مختلفة .الدول تحدد
األخطار والتهديدات على اساس نوايا الدول األخرى ،هذه النوايا وكيفية إدراكها تشكلها االعتبارات
الثقافية على نحو جلي .التهديد عادة تأتي من دول مختلفة عنا ثقافيا.
في عالم اليوم الدول تجد نفسها ناقصة السيادة بفعل شكل وأسلوب النظام العاملي ودور املنظمات
الدولية ،وبسبب العوملة أصبحت حدود الدول مخترقة أمام تدفق رأس املال واألشخاص
والتكنولوجيا.
3
اقل قليال من نصف عدد الصراعات العرقية الثمانية واألربعين التي شهدها العالم في سنة 1993
كان بين جماعات من حضارات مختلفة.
استطاع الغرب أن يكسب العالم ليس فقط بسبب تفوق أفكاره أو قيمه أو دينه وإنما بسبب
تفوقه في تطبيق العنف املنظم .ففي العام 1910كان العالم قد أصبح وحدة سياسية واقتصادية
أكثر من أي وقت آخر في التاريخ اإلنساني.
اإليديولوجيات السياسية الكبرى في القرن العشرين تتضمن الليبرالية ،االشتراكية ،الفوضوية،
االتحادية ،املاركسية ،القومية ،الفاشية ،الديمقراطية املسيحية ،كلها تشترك في ش يء واحد أنها
جميعا من إنتاج الحضارة الغربية ،ولم يتولد عن أي حضارة أخرى هذا الكم الكبير من
اإليديولوجيات السياسية.
لكن املالحظ في عالم اليوم إن صدام األفكار السياسية بين الحضارات الذي أفرخه الغرب يحل
محله اليوم صدام الثقافات واألديان بين الحضارات.
كل حضارة ترى نفسها مركزا للعالم وتكتب تاريخها وكأنه الدراما الرئيسية في التاريخ اإلنساني.
التحديث والتغريب
إن الزعم بان انتشار ثقافة البوب والبضائع االستهالكية في أرجاء العالم يمثل انتصارا للحضارة
الغربية يجعل الثقافة الغربية تبدو تافهة إن جوهر الحضارة الغربية هي في " أملاجنا كارتا " وليس في
"أملاجنا ماك"
استجابة القادة واملفكرون السياسيون في املجتمعات املختلفة للتحديث والتغريب كانت واحدة من
بين ثالث استجابات إما رفض التحديث والتغريب أو تبنيهما معا أو تبني األول ورفض الثاني .وعلى
العموم فان الرفض العام للتحديث والتغريب صعب جدا في عالم يتجه بشدة نحو التحديث وعلى
مستوى عال من االتصال املتبادل .وحدهم األصوليون املتشددون الذين يرفضون التحديث
والتغريب ويلقون بأجهزة التليفزيون في األنهار ويحرمون ساعات املعصم ويرفضون ماكينة االحتراق
الداخلي .التعصب ليس خيارا قابال للتطبيق لذلك دائما نرى اختفاء مثل هذه الحركات وترك اثر
قليل مما يلخص مصير السياسات الشديدة التطرف.
االستجابة الثانية هي قبول التحديث والتغريب ألنه أمر ضروري ومرغوب وان املجتمع البد له من
أن يتغرب لكي ينجح تحديثه مما يعني التخلص من الثقافة املحلية التي تتعارض مع ذلك.
4
العلم الحديث والتكنولوجيا يتطلبان استيعابا للعمليات الفكرية التي تصاحبهما ونفس الش يء
بالنسبة إلى املؤسسات الفكرية الن املضمون يجب أن يحاكي الشكل فالبد من االعتراف بهيمنة
الحضارة الغربية حتى يمكن التعلم منها.
عندما يقبل املسلمون بالنموذج الغربي صراحة سيكونون في وضع يمكنهم من استخدام التقنية
ومن ثم أن يتقدموا ...منطلقين من مبدأ رحم هللا امرءا عرف قدر نفسه.
ه ذا الفهم دفع بمصطفى كمال إلى محاولة خلق تركيا جديدة من بين أنقاض اإلمبراطورية
العثمانية رافضا كل املاض ي اإلسالمي لهذا البلد من خالل عملية تغريب وتحديث بواسطة نخبة
حاكمة.
الخيار الثالث هو الجمع بين التحديث واملحافظة على القيم األساسية واملمارسات واملؤسسات
ا لثقافية املوجودة في املجتمع .هذا الخيار هو املتبع في الصين تحت شعار " املعرفة الصينية من
اجل املبادئ األساسية ،املعرفة الغربية من أجل االستخدام العلمي ".
أما اليابان فقد رفع الشعار " الروح اليابانية ....التكنيك الغربي ".
الحظ " لي كوان يو " في 1994إن حجم اإلزاحة الذي أحدثته الصين في العالم يصل إلى درجة يكون
على العالم أن يجد توازنا جديدا وفي خالل 30أو 40سنة ال يمكن أن ندعي إنها مجرد العب كبير
آخر انه اكبر العب في تاريخ اإلنسانية.
الهيمنة الصينية سوف تقلل من عدم االستقرار والصراع في شرق آسيا كما ستقلل من النفوذ
األمريكي والغربي هناك وتجبر الواليات املتحدة على قبول ما كانت تحاول أن تمنعه على مر التاريخ،
سيطرة قوة أخرى على منطقة مهمة من العالم .مدى تهديد هذه الهيمنة ملصالح الدول األسيوية
األخرى أو الواليات املتحدة األمريكية يتوقف في جزء منه على أية حال على ما يحدث في الصين.
ربما يكون ماض ي أوروبا هو مستقبل آسيا .كما يقول فرايد بيرج الخيار أمام آسيا هو بين قوة
متوازنة على حساب الصراع أو سالم مضمون على حساب الهيمنة .املجتمعات الغربية قد تختار
الصراع والتوازن ،التاريخ والثقافة وحقائق القوة توحي بان أسيا سوف تختار السالم والهيمنة.
الصين تستأنف مكانها كمهيمن إقليمي والشرق يعود إلى نفسه.
أوروبا وروسيا مجتمعات ناضجة ديموغرافيا وذات معدالت مواليد منخفضة وسكان طويلة العمر،
5
مجتمعات كتلك ليس لها حمية الشباب لتكون ذات توجهات توسعية وعدوانية.
التحدي الحضاري
العودة إلى األصول وأحياء الدين ظاهرة عاملية ،وقد تبدت في أوضح صورها في التوكيد الثقافي
وتحديات الغرب التي جاءت من آسيا ومن اإلسالم ،وهي الحضارات الديناميكية في الربع األخير من
القرن العشرين.
ويتجلى التحدي اإلسالمي في الصحوة الثقافية واالجتماعية والسياسية العامة لإلسالم في العالم
اإلسالمي ،وما يصاحبه من رفض لقيم الغرب ومؤسساته االجتماعية .كما يتجلى التحدي اآلسيوي
في كل الحضارات الشرق آسيوية ـ الصينية ،اليابانية ،البوذية ،اإلسالمية ـ ويؤكد على االختالفات
الثقافية بينها وبين الغرب ،وأحيانا على ما هو مشترك فيما بينها هي والذي يتحدد غالبا
بالكونفوشية .كل من اآلسيويين واملسلمين يؤكد على تفوق ثقافته على الثقافة الغربية .الناس في
الحضارات غير الغربية األخرى ـ الهندوسية ،األمريكية الالتينية ،اإلفريقية ـ قد يؤكدون على
الشخصية املتميزة لثقافتهم ولكنهم منذ منتصف التسعينات أصبحوا يترددون في إعالن تفوقهم عل
ثقافة الغرب .الحضارتان اآلسيوية واإلسالمية تقف كل منهما منفردة في ثقتها املتزايدة وتأكيد نفسها
بالنسبة إلى الغرب .وأحيانا تقفان معا.
التوكيد اآلسيوي جذوره في التفوق االقتصادي أما التوكيد اإلسالمي فهو نابع إلى حد كبير من
التعبئة االجتماعية والنمو السكاني.
كل من هذه التحديات له وستبقى له آثاره على عدم استقرار السياسية العاملية في القرن الواحد
والعشرين ولكن طبيعة تلك اآلثار تختلف فيما بينها.
التنمية الناجحة تولد ثقة بالنفس ملن يحققونها وملن يستفيدون منها والثروة مثل القوة يفترض أنها
دليل على األفضلية واستعراض للتفوق األخالقي والثقافي.
يالحظ اليوم بان املجتمعات اآلسيوية واثقة من نفسها فأصبحت اقل استجابة لطلبات الغرب
واملجتمعات األخرى وأكثر قدرة على مقاومة تلك الطلبات والضغوط.
في نهاية السبعينات كان فشل الشيوعية في إحداث تقدم اقتصادي ونجاح الرأسمالية في اليابان
ومجتمعات آسيوية أخرى قد أدى بالقيادة الصينية الجديدة إلى أن تبتعد عن النموذج السوفيتي.
انهيار االتحاد السوفيتي بعد عقد من الزمان زاد من تأكيد فشل تلك الواردات وهكذا واجه
6
الصينيون قضية الخيار بين التوجه غربا أو التوجه داخليا.
اختارت القيادة الصينية شكال جديدا للقيادة تتضمن الرأسمالية واالشتراك في االقتصاد العاملي
من جانب مع سلطوية سياسية وإعادة التزام بالثقافة الصينية التقليدية من جانب آخر وبدال من
الشرعية الثورية في املاركسية اللينينية جاء النظام بشرعية األداء الناتجة عن النمو االقتصادي
والشرعية القومية الناتجة عن توسل السمات املميزة للثقافة الصينية .لذلك فقد صرح احد قادة
الصين في العام " 1994نحن الصينيين نشعر بالقومية كما لم نشعر بها من قبل ونشعر بالفخر
لذلك" .هذه العودة الحماسية إلى القيم الصينية تجعل من الديمقراطية سيئة السمعة تماما مثل
اللينينية .ففي بداية القرن العشرين كان املثقفون الصينيون يعتبرون الكونفوشية مصدر التخلف
الصيني ،في أواخر القرن العشرين القادة السياسيون بالتوازي مع علماء االجتماع الغربيين يحتفون
بالكونفوشية كمصدر للنهضة الصينية .في الثمانينات بدأت الحكومة الصينية تنمي االهتمام
بالكونفوشية وكان قادة األحزاب يعلنون إنها "االتجاه الرئيس ي" للثقافة الصينية.
النمو االقتصادي الناجح في اليابان يتناقض مع الفشل والتدهور امللحوظ في االقتصاد والنظام
االجتماعي األمريكيين وأدى ذلك باليابانيين وبشكل متزايد إلى أن يصبحوا اقل انبهارا بالنماذج
الغربية ويزداد اقتناعهم بان مصادر نجاحهم البد أن تكون موجودة في ثقافاتهم .الثقافة اليابانية
التي أدت إلى كارثة عسكرية في العام 1945وبالتالي كان البد من رفضها هي التي أنتجت انتصارا
اقتصاديا بحلول عام 1985وبالتالي كان البد من تبنيها.
النمو االقتصادي يثير بين املجتمعات اآلسيوية شعورا بالقوة وتأكيدا لقدرتها على التصدي للغرب،
ففي سنة 1993صرح صحفي ياباني بارز " لقد ولت األيام عندما كانت الواليات املتحدة تعطس
فتصاب آسيا بالزكام " ،ويضيف مسؤول ماليزي إلى هذا املجاز الطبي " حتى الحمى الشديدة في
أمريكا لن تجعل آسيا تسعل" ..ويقول زعيم آسيوي آخر " اآلن اآلسيويين في نهاية حقبة الرهبة
وبداية حقبة الرد بقوة".
املقارنة الواضحة بين القيم اآلسيوية والقيم الغربية تشير بوضوح إلى اختالفات كبيرة فنجد في
ثقافة املجتمع اآلسيوي تفش ي قيم النظام ،االنضباط ،مسؤولية األسرة ،العمل الجاد ،الجماعية،
االعتدال أما في الغرب فنجد قيم االنغماس الذاتي ،الكسل ،الفردانية ،الجريمة ،التعليم
الهابط،عدم احترام السلطة ،التحجر العقلي .هذه القيم تعد هي املسؤولة عن انهيار املجتمع
7
الغربي .فإذا كانت الواليات املتحدة تريد أن تنافس الشرق فعليها أن تعيد النظر في نظمها
االجتماعية والسياسية وأثناء ذلك عليها أن تتعلم شيئا من الشرق اآلسيوي .هذا النجاح وكما
يعتقد اآلسيويون يأتي نتيجة لتأكيد الشرق اآلسيوي الجماعية بدال من الفردية.
يقول رئيس وزراء ماليزيا إن أخالقيات العمل السائدة في الشرق اآلسيوي تتكون في األساس من
االنضباط واإلخالص والعمل الجاد وهي تمثل القوة الدافعة للنمو االقتصادي واالجتماعي وهي
نابعة أصال من الفلسفة التي تعلن إن الجماعة والدولة أهم من الفرد.
إن الرخاء االقتصادي الذي تشهده دول شرق آسيا دليل على التفوق األخالقي .فالتوكيد الثقافي
يتبع النجاح املادي .القوة الصلبة تولد القوة اللينة.
الصحوة اإلسالمية
املسلمون بأعدادهم الغفيرة يتوجهون إلى اإلسالم كمصدر للهوية واملعنى واالستقرار والشرعية
واألمل ،ذلك األمل الذي يعبر عنه شعار" :اإلسالم هو الحل" .هذه الصحوة اإلسالمية باتساعها
وعمقها هي أحدث مرحلة في تكيف الحضارة اإلسالمية مع الغرب ،وسعي إليجاد حل ليس في
اإليديولوجيات الغربية وإنما في اإلسالم وهي تجسد قبول الحداثة ورفض الثقافة الغربية والعودة
إلى االلتزام باإلسالم كدليل حياة في العالم الحديث .األصولية اإلسالمية التي ينظر إليها على إنها
اإلسالم السياس ي ليست سوى إحدى املكونات في عملية اإلحياء الواسعة لألفكار واملعتقدات
والدعوة وإعادة اإلخالص لإلسالم الذي تمارسه جماهير املسلمين .أما مؤشرات الصحوة اإلسالمية
فهي كثيرة ويمكن مالحظتها من خالل االهتمام املتزايد بالطقوس الدينية ( الذهاب إلى املسجد،
الصالة ،ا لصوم) ،نشر البرامج واملطبوعات الدينية ،تركيز كبير على امللبس والقيم اإلسالمية،
إعادة الحياة للصوفية ،هذا التجديد بقاعدته العريضة يصاحبه تأكيد لحضور اإلسالم في الحياة
العامة ،زيادة في عدد الحكومات واملؤسسات والقوانين والبنوك والخدمات االجتماعية واملؤسسات
التعليمية ذات التوجه اإلسالمي .الحكومات والحركات املعارضة اتجهت إلى اإلسالم لتقوية سلطتها
وحشد الدعم الجماهيري ....معظم الحكام والحكومات بما فيها الدول األكثر علمانية مثل تركيا
وتونس أصبحت على دراية بالقوة املحتملة لإلسالم وأظهرت حساسية وقلقا بخصوص القضايا
اإلسالمية.
التعميمات املطلقة خطرة وخاطئة غالبا .إال أن إحداها له ما يبرره ،في سنة 1995كانت كل دولة
8
ذات أغلبية مسلمة ما عدا إيران قد أصبحت أكثر إسالميا وتأسلما ثقافيا ،اجتماعيا ،وسياسيا
عما كانت عليه قبل ذلك بخمسين عاما.
يقول فؤاد عجمي " في املجتمعات اإلسالمية تعد الكتابة عن الليبرالية أو عن تقاليد برجوازية
وطنية يعني انك تكتب شهادة وفاة أناس اختاروا املستحيل وفشلوا" .الفشل العام للديمقراطية
والليبرالية في أن تترسخ في املجتمعات اإلسالمية ظاهرة متكررة ومستمرة على مدى قرن كامل .هذا
الفشل له مصدره في جزء منه على األقل في طبيعة الثقافة اإلسالمية واملجتمع اإلسالمي الرافضين
للقيم الغربية الليبرالية.
في أوقات الحرب الباردة كانت حكومات كثيرة بما فيها تلك في الجزائر وتركيا وأردن ومصر وإسرائيل
تشجع وتدعم املتأسلمين كإجراء مضاد للحركات الشيوعية أو الحركات الوطنية املعارضة .لهذا
فقد نمت قدرة الجماعات املتأسلمة في السيطرة على املعارضة وكان يذكي ذلك اغلب األوقات قمع
الحكومات للمعارضة العلمانية .وبصورة عامة كانت املعارضة العلمانية في الدول اإلسالمية أكثر
عرضة للقمع من املعارضة الدينية.
إن اإلحياء اإلسالمي هو نتيجة انهيار قوة وهيبة الغرب ...فمع فقدانه لسطوته فقدت مثله
ومؤسساته بريقها .وبتحديد أوضح فان الطفرة النفطية التي حدثت في السبعينيات حفزت على
الصحوة اإلسالمية وزودتها بالوقود هذه الطفرة زادت لدرجة كبيرة من ثروة وقوة كثير من الدول
اإلسالمية ومكنتها من أن تعكس اتجاه عالقة السيطرة والتبعية التي كانت بينها وبين الغرب .الثروة
املتحققة من مبيعات النفط استخدمت في عملية األحياء اإلسالمي والثروة اإلسالمية أدت
باملسلمين إلى أن يتحولوا بسرعة عن االفتنان بالثقافة الغربية إلى االنغماس العميق في ثقافتهم
واالستعداد لتوكيد مكانة وأهمية اإلسالم في الدول غير اإلسالمية .ومثلما كان ينظر في السابق إلى
الثروة الغربية كدليل على تفوق ثقافة الغرب أصبح ينظر إلى الثروة النفطية كدليل على تفوق
اإلسالم .واليوم يمثل النمو السكاني املتزايد في املجتمعات اإلسالمية قوة دافعة باستمرار لقوة
اإلسالم.
الكثرة السكانية تحتاج إلى موارد أكثر ومن هنا فان الناس الذين ينتمون إلى مجتمعات تتزايد
أعدادها بكثافة و /أو بسرعة يميلون إلى االندفاع نحو الخارج ،يحتلون أرضا ،يبسطون ضغوطهم
على املجتمعات األخرى األقل نموا من الناحية الديموغرافية .وهكذا يكون النمو السكاني اإلسالمي
9
عامال مساعدا ومهما في الصراعات على طول حدود العالم اإلسالمي بين املسلمين والشعوب
األخرى.
الضغط السكاني املصحوب بالركود االقتصادي يؤدي إلى هجرة املسلمين إلى املجتمعات الغربية
ومجتمعات أخرى غير إسالمية ويجعل من الهجرة قضية في تلك املجتمعات.
سياسة الهوية
ا لسياسة الكونية يعاد تشكيلها اآلن على امتداد الخطوط الثقافية مدفوعة بالتحديث .الشعوب
ذات الثقافات املتشابهة تتقارب ،والشعوب والدول ذات الثقافات املختلفة تتباعد .االنحيازات التي
تعتمد على اإليديولوجية والعالقات مع القوى الكبرى تفسح الطريق لتلك التي تعتمد على
اإليديولوجية والعالقات مع القوى الكبرى تفسح الطريق لتلك التي تعتمد على الثقافة والحضارة.
الحدود السياسية يعاد رسمها لكي تتوافق مع الحدود الثقافية ،العرقية ،الدينية ،والحضارية.
املجتمعات الثقافية تحل محل تكتالت الحرب الباردة ،وخطوط التقسيم الحضاري بين الحضارات
تصبح هي خطوط الصراع الرئيسية في السياسة العاملية.
أثناء الحرب الباردة كان يمكن أن تكون هناك دولة غير منحازة كما كان عدد كبير بالفعل أو كان
بإمكانها كما فعل كثيرون أن تغير انحيازها من جانب إلى آخر .كان يمكن لقادة تلك الدول أن
يختاروا على ضوء إدراكهم ملصالحهم األمنية وحساباتهم ملوازين القوى وخياراتهم اإليديولوجية.
ففي العالم الجديد أصبحت الهوية الثقافية هي العامل الرئيس ي في تحديد صداقات دولة ما
وعداواتها .فبينما كانت دولة ما تستطيع أن تتجنب االنحياز أثناء الحرب الباردة إال إنها ال يمكن لها
أن تفقد هويتها.
في عالم ما بعد الحرب الباردة يمكن أن يكون الخيار أكثر صعوبة بين طاغية صديق وديمقراطية
غير صديق .االفتراض الغربي السهل بان الحكومات املنتخبة ديمقراطيا سوف تكون متعاونة
وموالية للغرب ..ال نحتاج الن نعتبره صحيحا في املجتمعات غير الغربية حيث يمكن أن تأتي
االنتخابات إلى السلطة بقوميين وأصوليين معاديين للغرب.
االنتخابات التنافسية في دول عربية كثيرة بما في ذلك السعودية ومصر من املؤكد إنها ستفرز
حكومات اقل تعاطفا بكثير مع املصالح الغربية عن الحكومات غير الديمقراطية السابقة عليها.
قادة الغرب يدركون إن العمليات الديمقراطية في املجتمعات غير الغربية غالبا ما تأتي بحكومات
10
غير صديقة فهم يحاولون التأثير على تلك االنتخابات كما يفقدون حماسهم كذلك لتنمية
الديمقراطية في تلك املجتمعات.
اإلسالم والغرب
يقول بعض الغربيين بما فيهم الرئيس كلنتون إن الغرب ليس بينه وبين اإلسالم أي مشكلة وإنما
املشكالت موجودة فقط مع بعض املتطرفين اإلسالميين .أربعة عشر قرنا من التاريخ تقول عكس
ذلك .العالقات بين اإلسالم واملسيحية سواء األرثوذوكسية أو الغربية كانت عاصفة غالبا .كالهما
كان "اآلخر" بالنسبة إلى لآلخر .صراع القرن العشرين بين الديمقراطية الليبرالية واملاركسية
اللينينية ليس سوى ظاهرة سطحية وزائلة إذا ما قورن بعالقة الصراع املستمر بين اإلسالم
واملسيحية .أحيانا كان التعايش السلمي يسود ،غالبا كانت العالقة عالقة تنافس واسع مع درجات
مختلفة من الحرب الباردة .عبر القرون كانت خطوط العقيدتين تصعد وتهبط في تتابع من نوبات
انبعاث مهمة ،فوقفات ،وانتكاسات .االكتساح العربي اإلسالمي في اتجاه الخارج من بداية القرن
السابع إلى منتصف القرن الثامن أقام حكما إسالميا في شمال إفريقيا وايبريا والشرق األوسط
وفارس وشمال الهند ،وملدة قرنين تقريبا كانت خطوط التقسيم بين اإلسالم واملسيحية مستقرة.
بعد ذلك في أواخر القرن الحادي عشر أكد املسيحيون سيطرتهم على البحر املتوسط الغربي ،غزوا
صقلية واستولوا على طليطلة ،بدأت املسيحية الحمالت الصليبية وملدة قرن ونصف القرن حاول
الحكام املسيحيون مع نجاح متناقص أن يقيموا حكما مسيحيا في األرض املقدسة واملناطق
املجاورة في الشرق األدنى ،وخسروا آخر موضع لقدم هناك في عام 1291في نفس الوقت كان
األتراك العثمانيون قد ظهروا على املسرح .اضعفوا بيزنطة في البداية ثم غزوا معظم البلقان
باإلضافة إلى شمال إفريقيا واستولوا على القسطنطينية في عام 1453وحاصروا فيينا في . 1529
ويالحظ"برنارد لويس" ملدة ما يقرب من ألف سنة منذ أول رسو موريسكي في اسبانيا وحتى الحصار
التركي الثاني لـ "فيينا" كانت أوروبا تحت تهديد مستمر من اإلسالم" .اإلسالم هو الحضارة الوحيدة
التي جعلت بقاء الغرب موضع شك وقد فعل ذلك مرتين على األقل.
وبحلول القرن الخامس عشر بدأ املد ينقلب املسيحيون بالتدريج استعادوا أيبريا مكملين املهمة
حتى غرناطة في عام 1492في نفس الوقت مكنت االبتكارات األوروبية في املالحة البحرية البرتغاليين
ثم غيرهم من تطويق األراض ي اإلسالمية وشق طريقهم في املحيط الهندي وما وراءه وفي نفس الوقت
11
كان الروس قد انهوا قرنين من حكم التتار .العثمانيون وبالتالي قاموا باندفاعة أخيرة إلى األمام
ليحاصروا فيينا مرة ثانية في عام .1683
فشلهم هناك كان بداية تراجع طويل متضمنا كفاح الشعوب األرثوذوكسية في البلقان لتحرير
أنفسهم من الحكم العثماني ،وتوسع إمبراطورية هابسبورج والتقدم الدرامي للروس نحو البلقان
والقوقاز.
بانتهاء الحرب العاملية األولى أطلقت بريطانيا وفرنسا وايطاليا رصاصة الرحمة وأقاموا حكمهم
املباشر أو غير املباشر على األراض ي العثمانية الباقية ما عدا مساحة الجمهورية التركية .وبحلول
سنة 1920لم يكن هناك سوى أربعة دول مستقلة على نحو ما عن الحكم غير اإلسالمي وهي تركيا،
السعودية ،إيران ،وأفغانستان.
أسباب الصراع بين املسيحية واإلسالم ال تكمن في ظاهرة انتقالية مثل العاطفة املسيحية في القرن
الثاني عشر أو األصولية اإلسالمية في القرن العشرين أنها تتدفق من طبيعة الديانتين والحضارتين
املؤسستين عليهما .الصراع كان من ناحية نتيجة االختالف خاصة مفهوم املسلمين لإلسالم كأسلوب
حياة متجاوز ويربط بين الدين والسياسة ،ضد املفهوم املسيحي الغربي الذي يفصل بين مملكة
الرب ومملكة قيصر .كما كان الصراع نابعا من أوجه التشابه بينهما .كالهما دين توحيد ويختلف
عن الديانات التي تقول بتعدد اآللهة وال يستطيع أن يستوعب آلهة آخرين بسهولة .وكالهما ينظر
إلى العالم نظرة ثنائية "نحن" و "هم" .كالهما يدعو انه العقيدة الصحيحة الوحيدة التي يجب أن
يتبعها الجميع .كالهما دين تبشيري يعتقد إن متبعيه عليهم التزام بهداية غير املؤمنين وتحويلهم إلى
ذلك اإليمان الصحيح.
اإلسالم منذ البداية انتشر بالفتح واملسيحية كانت تفعل نفس الش يء عند توفر الفرصة مفهوما
"الجهاد" و "الصليب" املتوازيان ال يشبهان بعضهما اآلخر فقط وإنما يميزان العقيدتين عن األديان
العاملية األخرى.
مستوى الصراع بين اإلسالم واملسيحية عبر الزمن كان يتأثر دائما بالنمو الديموغرافي وهبوطه
وكذلك بالتطورات االقتصادية والتحول التكنولوجي وشدة االلتزام الديني .انتشار اإلسالم في القرن
السابع كان مصحوبا بهجرات كثيفة من الشعوب العربية لم يسبق لها مثيل من ناحية الحجم
والسرعة إلى أراض ي االمبراطوريتين البيزنطية والساساني .بعد ذلك بقرون قليلة كان الصليبيون إلى
12
حد كبير نتاجا للنمو االقتصادي والتوسع السكاني في أوروبا القرن الحادي عشر والتي جعلت من
املمكن تعبئة أعداد كبيرة من الفرسان والفالحين من اجل املسيرة نحو األرض املقدسة مما حدا
بأحد البيزنطيين أن يقول " يبدو األمر كأن الغرب بأكمله بما فيه من قبائل البربر الذين يعيشون في
ما وراء البحر االدرياتيكي حتى أعمدة هرقل قد بدأوا هجرة جماعية وحثوا الخطى مسرعين
متدفقين باتجاه آسيا في كتلة متراصة وبكل أمتعتهم ".
في القرن التاسع عشر أدى النمو السكاني الهائل إلى انفجار أوروبي مرة أخرى وأخذت اكبر عملية
هجرة في التاريخ تدفقت في أراض ي املسلمين وفي أراض ي أخرى.
مجموعة من العوامل زادت من الصراع بين اإلسالم والغرب
. 1خلف النمو السكاني اإلسالمي أعدادا كبيرة من الشبان العاطلين والساخطين الذين أصبحوا
مجندين للقضايا اإلسالمية ويشكلون ضغطا على املجتمعات املجاورة ويهاجرون إلى الغرب.
.2أعطت الصحوة اإلسالمية ثقة متجددة للمسلمين في طبيعة وقدرة حضارتهم وقيمهم املتميزة
مقارنة بتلك التي لدى الغرب.
.3جهود الغرب املستمرة لتعميم قيمه ومؤسساته من اجل الحفاظ على تفوقه العسكري
واالقتصادي والتدخل في الصراعات في العالم اإلسالمي تولد استياء شديدا بين املسلمين.
.4سقوط الشيوعية أزال عدوا مشتركا للغرب واإلسالم وترك كال منهما لكي يصبح الخطر املتصور
على اآلخر.
.5االحتكاك واالمتزاج املتزايد بين املسلمين والغربيين يثير في كل من الجانبين إحساسا بهويته
الخاصة وكيف أنها مختلفة عن هوية اآلخر.
انتهاء االستعمار الغربي لألراض ي وغياب التوسع اإلسالمي احدثا نوعا من العزلة الجغرافية لدرجة
إن التجاور املباشر بين مجتمعات غربية وإسالمية ال يوجد إال في مناطق قليلة في البلقان .وهكذا
فان تركيز الصراع بين الغرب واإلسالم على األراض ي اقل مما هو على قضايا التداخل الحضاري
األوسع مثل نشر األسلحة وحقوق اإلنسان والتحكم في النفط والهجرة وإرهاب اإلسالميين
والتدخل الغربي .شدة هذا العداء التاريخي املتزايد كانت أمرا معترفا به قبل أبناء املجتمعين في
أعقاب الحرب الباردة.
تأكيد اإلسالم مهما كان شكله املذهبي يعني رفض املؤثرات األوربية واألمريكية على املجتمع املحلي
13
وعلى السياسة واألخالق.
كان زعماء املسلمين في املاض ي يقولون لشعوبهم أحيانا " البد أن نتغرب" ولو قال ذلك أي قائد في
الربع األخير من القرن العشرين البد أن يكون حالة فردية .والحقيقة من الصعب أن تجد عبارات
مديح للقيم واملؤسسات الغربية على لسان أي مسلم سواء من السياسيين أو الرسميين أو
األكاديميين أو رجال األعمال .إنهم بدال من ذلك يؤكدون على االختالفات بين حضارتهم والحضارة
الغربية وعلى تفوق ثقافتهم والحاجة إلى الحفاظ على ثبات تلك القيم ضد الهجوم الغربي.
املسلمون يخشون ويمتعضون من القوة الغربية وما يمثله ذلك من خطر بالنسبة ملجتمعاتهم
ومعتقداتهم.
وهم يرون الثقافة الغربية ثقافة مادية فاسدة متفسخة وال أخالقية كما يرونها مغوية ،ومن هنا
يؤكدون أكثر فأكثر على الحاجة ملقاومة تأثيرها على أسلوب حياتهم .ويهاجم املسلمون الغرب بدرجة
متزايدة ال الن الغرب يتبع دينا غير كامل أو خاطئ رغم انه دين كتاب بل يهاجمونه ألنه ال يتبع أي
دين باملرة.
في كتابها اإلسالم والديمقراطية تقول فاطمة املرنيس ي " الغرب مادي امبريالي والحق أذى باألمم
األخرى من خالل الرعب الكولونيالي ،الفردانية ،السمة الدامغة للثقافة الغربية هي مصدر كل
املتاعب .القوة الغربية مخيفة .الغرب منفردا هو الذي يقرر إذا كانت األقمار الصناعية سوف
تستخدم لتعليم العرب أو إللقاء القنابل عليهم انه يسحق إمكانياتنا ويغزو حياتنا بمنتجاته
املستوردة وأفالمه املتلفزة التي تغرق موجات األثير الغرب قوة تسحقنا تحاصر أسواقنا وتتحكم في
اقل مواردنا ومبادرتنا وقدراتنا هكذا كنا نتخيل موقعنا ثم جاءت حرب الخليج لتحول هذا التخيل
إلى يقين.
الغرب يصنع قوته من خالل البحث العسكري ثم يبيع منتجات هذا البحث إلى الدول املتخلفة" ،
املستهلك السلبي" لها .ولكي يحرر نفسه من هذا الخنوع البد أن يقوم اإلسالم بتخريج مهندسيه
وعلمائه وصنع أسلحته (سواء النووية أو التقليدية ) وتحرير نفسه من االعتماد العسكري على
الغرب.
الحكومات التي جاءت بعد االحتالل مباشرة كانت غربية عموما في إيديولوجيتها وسياستها وموالية
للغرب في سياستها الخارجية مع استثناءات جذرية مثل الجزائر واندونيسيا ،حيث كان االستقالل
14
نتيجة ثورات وطنية .إال إن الحكومات املوالية للغرب راحت واحد تلو األخرى تخلي الطريق
لحكومات اقل توحدا مع الغرب أو معادية له ،في العراق ،ليبيا ،اليمن ،سوريا ،إيران ،السودان
وأفغانستان.
الحليفان الرئيسيان للواليات املتحدة في سنوات الحرب الباردة هما تركيا وباكستان ،واقعتان تحت
ضغط سياس ي إسالمي في الداخل وروابطهما مع الغرب عرضة لتوتر متزايد .أصدقاء الغرب
املقربون اآلن هم إما إنهم مثل الكويت والسعودية ومشيخات الخليج املعتمدة على القوة العسكرية
الغربية ،أو مثل مصر والجزائر يعتمدون عليها اقتصاديا .في أواخر الثمانينات انهارت األنظمة
الشيوعية في أوروبا الشرقية عندما أصبح واضحا إن االتحاد السوفيتي لم يعد قادرا أو لن يكون
قادرا على تقديم العون االقتصادي والعسكري لهم .وإذا اتضح إن الغرب لن يكون قادرا على
املحافظة على توابعه من األنظمة اإلسالمية فاملرجح أنهم سيلقون نفس املصير.
العداء اإلسالمي املتزايد للغرب يمكن مقارنته بالقلق الغربي املتزايد من "الخطر اإلسالمي" املتمثل في
التطرف .إنهم ينظرون إلى اإلسالم كمصدر لالنتشار النووي واإلرهاب ،والى املسلمين كمهاجرين غير
مرغوب فيهم في أوروبا .هذه املخاوف تشترك فيها الجماهير والقادة.
يزعم القادة األمريكيون إن املسلمين املتورطين في عمليات إرهابية ضد الغرب قلة صغيرة ترفض
أكثرية املسلمين املعتدلين سلوكها وقد يكون ذلك صحيحا ولكن ال يوجد دليل يؤيده .االحتجاجات
ضد العنف املعادي للغرب غائبة تماما في الدول اإلسالمية .الحكومات اإلسالمية حتى الحكومات
املحصنة الصديقة للغرب واملعتمدة عليه تصمت لدرجة مثيرة عندما يكون عليها أن تدين األعمال
اإلرهابية ضد الغرب .من الناحية األخرى نجد إن الحكومات والشعوب األوربية كثيرا ما أيدت ونادرا
ما انتقدت اإلجراءات التي تتخذها الواليات املتحدة ضد خصومها املسلمين بشكل يتناقض مع
املعارضة الشديدة التي كانوا يبدونها بالنسبة لإلجراءات األمريكية ضد االتحاد السوفيتي أثناء
الحرب الباردة .في الصراعات بين الحضارات على خالف الصراعات اإليديولوجية األقارب يقفون
إلى جانب بعضهم البعض.
املشكلة املهمة بالنسبة للغرب ليست األصولية اإلسالمية بل اإلسالم فهو حضارة مختلفة شعبها
مقتنع بتفوق ثقافته وهاجسه ضآلة قوته.
املشكلة املهمة بالنسبة لإلسالم ليست املخابرات املركزية األمريكية وال وزارة الدفاع املشكلة هي
15
الغرب حضارة مختلفة شعبها مقتنع بعاملية ثقافته ويعتقد إن قوته املتفوقة تفرض عليه التزاما
بنشر هذه الثقافة في العالم .هذه هي املكونات األساسية التي تغذي الصراع بين اإلسالم والغريب.
يظل السؤال ملاذا والقرن العشرون يوشك على االنتهاء نجد املسلمين هم األكثر تورطا في مزيد من
العنف بين الجماعات من شعوب الحضارات األخرى .وهل كانت تلك هي الحال دائما؟.
يمكن تفسيرذلك بأسباب القرن العشرين التي لم تكن موجودة في القرون السابقة.
.1هناك محاجة إن اإلسالم كان دينا للسيف منذ البداية ،و انه يمجد فضائله
القتالية .اإلسالم نشأ بين "قبائل بدوية رحل متناحرة" هذه النشأة مطبوعة في أساس
اإلسالم .يذكرعن محمد (ص) انه كان مقاتال عنيفا وقائدا عسكريا ماهرا .ال احد
يستطيع أن يقول ذلك عن املسيح أو عن بوذا .تعاليم اإلسالم تنادي بقتال غير
املؤمنين به .وعندما تراجع التوسع األول لإلسالم كانت الجماعات اإلسالمية على
عكس ما تقول به التعاليم تحارب بعضها البعض .القران وغيره من اإلفادات في
املعتقدات اإلسالمية يحوي القليل مما يحض على تحريم العنف ،كما إن مفهوم
الالعنف غائب الفكرواملمارسة اإلسالميين.
.2منذ نشأته في الجزيرة العربية فان انتشاراإلسالم عبرشمال إفريقيا ومعظم الشرق
األوسط وفيما بعد إلى آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية والبلقان ،وضع املسلمين في
احتكاك مباشرمع شعوب مختلفة شتى هزمت وتحولت ويظل ميراث هذه العملية
موجودا بها .في أعقاب الفتوحات اإلسالمية في البلقان تحول السالفيون الشماليون
املدنيون غالبا إلى اإلسالم بينما لم يتحول فالحو الريف وهكذا ولد التمييزبين مسلمي
البوسنة والصرب االرثوذوكس وبالعكس فان توسيع اإلمبراطورية الروسية إلى البحر
األسود والقوقازوآسيا الوسطى وضعها في صراع مستمرالعداء مع شعوب إسالمية
مختلفة .رعاية الغرب في قمة قوته في مواجهة اإلسالم لوطن يهودي في الشرق األوسط
وضعت األساس لعداء عربي إسرائيلي مستمر .التوسع اإلسالمي وغيراإلسالمي عن
16
طريق البرنتج عنه معيشة املسلمين وغيراملسلمين في تقارب فيزيائي وثيق في اوراسيا.
على العكس من ذلك توسع الغرب عن طريق البحرلم يؤد إلى معيشة الشعوب
الغربية في تقارب مكاني مع شعوب غيرغربية.
.3مصدرثالث ممكن للصراع بين املسلمين وغيراملسلمين يتضمن ما يقوله رجل دولة
باإلشارة إلى بالده ويسميه "عدم القابلية للهضم لدى املسلمين" .الدول اإلسالمية لها
مشكالت مع األقليات غيراإلسالمية تشبه تلك التي عند غيراإلسالمية بالنسبة
لألقليات املسلمة" .اإلسالم عقيدة استبدادية أكثرمن املسيحية".
.4النزعة القتالية ،عدم القابلية للهضم ولفكرة القرب من جماعات غيرإسالمية كل
ذلك مالمح مستمرة لإلسالم ويمكن أن تفسرامليل اإلسالمي للصراع عبر التاريخ.
.5غياب دولة مركزفي اإلسالم يجعل صعوبة السيطرة على الصراعات داخل وخارج
املجتمع اإلسالمي .اإلسالم مصدرعدم استقرارألنه ينقصه وجود مركز مسيطر.
.6االنفجارالديموغرافي في املجتمعات اإلسالمية ووجود أعداد كبيرة من الشباب
الذكوربين 15ـ 30سنة والعاطلين غالبا عن العمل .هذه البطالة مصدر طبيعي لعدم
االستقراروالعنف سواء داخل اإلسالم أو ضد غيراملسلمين.
17