You are on page 1of 33

‫العدد ‪03‬‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية – المركز الجامعي تندوف – الجزائر‬

‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة على االستقرار االقتصادي من‬


‫منظور االقتصاد اإلسالمي‬
‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫جامعة نجران‪ -‬السعودية‬
‫الملخص‬

‫تهدف الدراسة إلى بيان أثر الغرر في المعامالت المالية المعاصرة على االستقرار‬
‫االقتصادي‪ ،‬وتحدثت فيها عن التأمين التجاري‪ ،‬وعقود الخيارات المالية‪ ،‬والتسويق الشبكي‪،‬‬
‫والمسابقات التجارية‪ ،‬وكلها تحتوي على الغرر الكثير المؤثر في هذه العقود‪ ،‬والذي يؤثر‬
‫تأثي اًر سلبياً على االستقرار االقتصادي‪ ،‬ومن أهم اآلثار السلبية في ذلك تفشي البطالة‪،‬‬
‫والغش والتحايل التجاري‪ ،‬وخسارة أكثر من يشاركون في هذه المعامالت‪ ،‬ويجب على األفراد‬
‫والمؤسسات والدول مكافحتها واالستعانة بالمتخصصين للبحث عن بدائلها الشرعية حتى‬
‫تتخلص من اآلثار السلبية على االقتصاد بشكل عام‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬الغرر ـ المعامالت المالية المعاصرة ـ االستقرار االقتصادي‬

‫‪Abstract‬‬
‫‪The study aims at explaining the effect of deceiving of contemporary‬‬
‫‪financial transactions on economic stability.‬‬
‫‪I discussed the commercial insurance, contracts of financial options,‬‬
‫‪network marketing, and commercial competitions.‬‬
‫‪All these transactions contain the deceiving actions in these contracts,‬‬
‫‪which negatively affects economic stability‬‬
‫‪The most significant negative effects are the widespread of unemployment,‬‬
‫‪trade fraud, and the loss of the most participants who participate in these‬‬
‫‪affairs.‬‬
‫‪Individuals, institutions and countries must fight them and use‬‬
‫‪specialists to search for their legitimate alternatives so as to eliminate the‬‬
‫‪negative effects on the economy in general.‬‬
‫‪Keywords: Deceiving, Contemporary financial Transactions, Economic‬‬
‫‪Stability.‬‬

‫‪74‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫المقدمة‪:‬‬
‫يشهد العالم تطورات كبيرة في شتى جوانب الحياة‪ ،‬ومن الجوانب التي شهدت تطو اًر‬
‫كبي اًر الجانب االقتصادي والمعامالت المالية المعاصرة‪ ،‬وهي من أهم األمور التي ال تستغني‬
‫كثير من أدوات وأساليب العقود‬ ‫ِ‬
‫عنها المجتمعات لمالمستها لحياتهم المعيشية‪ ،‬وقد اُبتكر ٌ‬
‫المالية والتي لم تكن معروفة من قبل‪ ،‬إال أنها تحتوي على بعض المحظورات الشرعية التي‬
‫تحول مسارها من الحالل إلى الحرام وتفسد التعامل بها‪ ،‬فبينت الشريعة اإلسالمية ما هو‬
‫الحالل منها وما هو المحرم‪ ،‬ومن المحظورات الشرعية التي تدخل على المعامالت المالية‬
‫المعاصرة فتفسد التعامل به الغرر الكثير المؤثر في هذه العقود‪ ،‬فيكون سبباً في التأثير على‬
‫األفراد الذين يتعاملون به اقتصادياً ونفسياً‪ ،‬ويكون له تأثير سلبي على االقتصاد بشكل عام‬
‫لكثرة الناس الذين يتعاملون بهذه المعامالت‪ ،‬ففي هذا البحث قد بينت المعامالت المالية‬
‫المعاصرة ذات األهمية لدى المجتمع وبينت أثر الغرر فيها على االقتصاد بشكل عام وأسأل‬
‫هللا التوفيق والسداد في ذلك‪.‬‬
‫مشكلة البحث‪ :‬وهنا يحاول الباحث اإلجابة على سؤال في غاية األهمية وهو كاآلتي‪:‬‬
‫هل هناك آثار سلبية للغرر في المعامالت المالية المعاصرة على االستقرار االقتصادي؟‬
‫أهمية البحث‪ :‬توضيح الغرر في المعامالت المالية المعاصرة وآثاره السلبية على االقتصاد‬
‫من المسائل المهمة والتي تحتاجها األمة‪ ،‬حيث يمكن لألفراد والمؤسسات والدول مراجعة هذه‬
‫المعامالت المحتوية على المحظور الشرعي والبحث عن البدائل المناسبة الخالية من‬
‫المحظورات الشرعية والتي تتناسب مع أحكام الشريعة اإلسالمية ومفردات االقتصاد‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫أهداف البحث‪ :‬ويهدف البحث إلى عدة أمور منها‪1 :‬ـ معرفة المعامالت المالية المعاصرة‬
‫التي تحتوي على الغرر الكثير المؤثر في صحة العقود وصالحيتها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ بيان تطبيق الغرر على هذه المعامالت‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ توضيح اآلثار السلبية التي يسببها وجود الغرر في المعامالت المالية المعاصرة على‬
‫االستقرار االقتصادي‪.‬‬
‫أسباب اختيار البحث‪ :‬وكان من أهم أسباب اختيار هذا البحث ما يلي‪:‬‬

‫‪75‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫‪ 1‬ـ في حدود علم الباحث لم يتطرق أحد لجمع المعامالت المالية المعاصرة ذات الغرر‬
‫الكثير الذي له آثار سلبية على االستقرار االقتصادي‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إضافة هذه الدراسة إلى دراسات االقتصاد اإلسالمي والمعامالت المالية المعاصرة‪.‬‬
‫فرضيات البحث‪ :‬تفترض الدراسة اآلتي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ البطالة من أهم آثار الغرر في المعامالت المالية المعاصرة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الخسارة االقتصادية لبعض أطراف عقود المعامالت المالية من سمات هذه العقود‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ النمو الكبير لثروات المنظمين للمعامالت المالية المعاصرة المحتوية على الغرر الكثير‪،‬‬
‫وذلك على حساب غيرهم ممن يتعاملون معهم‪ ،‬وذلك لوجود الجهالة والقمار والميسر في هذه‬
‫المعامالت‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ التأمين التجاري وعقود الخيارات والتسويق الشبكي كلها تحتوي على الغرر الكثير المؤثر‬
‫فيها‪ ،‬والتعامل بها له تأثير سلبي على االستقرار االقتصادي‪.‬‬
‫منهجية البحث‪ 1 :‬ـ اعتمدت في بحثي هذا على المنهج االستقرائي واالستنباطي‪ ،‬حيث قمت‬
‫باستقراء المعامالت المالية المعاصرة‪ ،‬والبحث عما تحتوي منها على الغرر الكثير المؤثر‬
‫من عدمه‪ ،‬ومن ثم استنباط ما يمكن استنباطه من اآلثار السلبية للغر على االستقرار‬
‫االقتصادي مستعينا بذلك بالمراجع العلمية التي لها عالقة بهذه الموضوعات‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اكتفيت في البحث بذكر التعريفات الالزمة للمعامالت المالية المعاصرة التي ذكرتها في‬
‫البحث‪ ،‬ومن ثم توضيح الغرر فيها‪ ،‬وأخي اًر ذكر اآلثار االقتصادية التي يمكن أن يسببها‬
‫الغرر في هذه المعامالت‪ ،‬ولكل معاملة على حدة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ لم أتطرق لذكر البدائل الشرعية واالقتصادية للمعامالت التي تحتوي على الغرر المؤثر‬
‫إال ما ندر‪ ،‬ألنها تحتاج إلى بحث مستقل وقد ذكر بعض الباحثين بعض البدائل لذلك كما‬
‫فعل ذلك الباحث تريحان ترميجان في بحثه الغرر وتطبيقاته في المعامالت المالية‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪ :‬هناك العديد من الدراسات التي تكلمت عن المعامالت المالية المعاصرة‬
‫وبينت أحكامها الشرعية وآراء العلماء والمجامع الفقهية وكتبت في ذلك بحوثاً كثيرة منها‬
‫المتوسعة ومنها المختصرة ومن هذه المؤلفات على سبيل المثال ال الحصر‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة‪ ،‬تأليف‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬علي بن أحمد السالوس‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ المعامالت المالية المعاصرة تأليف‪ /‬أ‪.‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪.‬‬

‫‪76‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫‪ 3‬ـ المعامالت المالية المعاصرة في الفقه اإلسالمي تأليف‪ /‬د‪ .‬محمد عثمان شبير‪ ،‬وغيرهم‬
‫ممن كتب في المعامالت المالية المعاصرة‪ ،‬وكلها تناولت أحكامها الشرعية ولم تتطرق إلى‬
‫آثارها االقتصادية إال ما ندر‪.‬‬
‫وهناك العديد من الدراسات التي تحدثت عن الغرر في المعامالت المالية المعاصرة منها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الغرر وتطبيقاته في المعامالت المالية المعاصرة‪ ،‬تأليف‪ /‬تريحان ترميجان‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستير ـ جامعة سو ار كرتا المحمدية ـ ‪2015 / 1437‬م‪ ،‬ذكر فيها المعامالت المالية‬
‫المعاصرة وتطبيق الغرر فيها ولم يتطرق إلى ذكر أي آثار اقتصادية لذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أثر الغرر في المعامالت المالية المعاصرة‪ ،‬تأليف‪ /‬مالك يوسف القضاة‪ ،‬وقد ذكر فيها‬
‫مجموعة من المعامالت وخاصة التي تتعامل بها المصارف اإلسالمية مثل المرابحة لآلمر‬
‫بالشراء والمضاربة والمشاركة واإلجارة المنتهية بالتمليك وخلص إلى أنها تحتوي على الغرر‬
‫القليل الذي ال يؤثر في العقود‪ ،‬علما أنني لم أذكر شيئا من هذه المعامالت التي ذكرت في‬
‫هذه الرسالة عدا التأمين‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أثر عقود الغرر في تدهور االقتصاد‪ ،‬تأليف‪ /‬نياز نوري أحمد عبدهللا‪ ،‬وهي رسالة‬
‫ماجستير قدمها الباحث في جامعة بغداد‪ ،‬وليست مطبوعة أو موجودة على الشبكة‬
‫العنكبوتية وإنما الموجود منها مقدمة الباحث وخطة البحث والنتائج والتوصيات التي توصل‬
‫إليها الباحث‪ ،‬وحسب ما ذكره الباحث في خطة البحث فلم يتطرق للمعامالت المالية‬
‫المعاصرة وإنما اقتصر على المسائل الفقهية المبثوثة في كتب الفقه والمحتوية على الغرر‪،‬‬
‫وتحدث عن نوعين من العقود وهي عقود المعاوضات المالية وتحديدا البيع والشراء‪ ،‬والعقود‬
‫المالية التي تحمل معنى المعاوضة مثل عقود الشركات والرهون والوكاالت والضمانات‪ ،‬ثم‬
‫بين آثار هذه العقود على تدهور االقتصاد‪.‬‬
‫خطة البحث‪ :‬ويحتوي البحث على مقدمة وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة‪:‬‬
‫المقدمة وتحتوي على مشكلة البحث وأهميته وأهدافه وفرضيات البحث ومنهجية البحث‬
‫والدراسات السابقة‪.‬‬
‫التمهيد ويحتوي على التعريف اللغوي واالصطالحي لمفردات عنوان البحث‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الغرر في التأمين التجاري وأثره على االستقرار االقتصادي‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الغرر في عقود الخيارات وأثره على االستقرار االقتصادي‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الغرر في المسابقات التجارية وأثره على االستقرار االقتصادي‪.‬‬

‫‪77‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫المبحث الرابع‪ :‬الغرر في التسويق الشبكي وأثره على االستقرار االقتصادي‬


‫الخاتمة وتحتوي على أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬
‫التمهيد ويشتمل على‪ :‬أوالً‪ :‬تعريف الغرر لغة واصطالحاً‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ تعريف الغرر لغة‪ :‬الخطر(‪ ،)1‬والغ اررة أي الخديعة( )‪ ،‬والغرة بالكسر أي الغفل‪ ،‬أي جاهل‬
‫‪2‬‬

‫باألمور غافل عنها(‪ ،)3‬والغرور‪ :‬مكاسر الجلد‪ ،‬والواحدة غر بالفتح‪ ،‬فيقال‪ :‬طويت الثوب‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫على غرة‪ ،‬أي على كسرة‬
‫‪ 2‬ـ الغرر اصطالحاً‪ :‬اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الغرر‪ ،‬فعرفه الكاساني من الحنفية‬
‫بقوله‪( :‬الغرر هو الخطر الذي استوى فيه طرف الوجود والعدم بمنزلة الشك) (‪ ،) 5‬وعند‬
‫الشافعية‪( :‬الغرر هو ما انطوت عنا عاقبته‪ ،‬أو ما تردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما‪ ،‬ومنه‬
‫المجهول والمبهم ومالم ُي َر قبل العقد)(‪.)6‬‬
‫ويقول ابن رشد من المالكية‪( :‬الغرر ينفي عن الشك أن يكون معلوم الوجود‪ ،‬معلوم القدر‪،‬‬
‫مقدو ار على تسليمه)(‪ ،)7‬وعرفه العنقري من الحنابلة بأنه‪( :‬ما انطوت عنا عاقبته‪ ،‬أو ما تردد‬
‫بين أمرين أغلبهما أجرمهما)(‪ ،)8‬وعرفه ابن القيم بأنه‪( :‬ماال يقدر على تسليمه‪ ،‬سواء كان‬
‫موجوداً أو معدوماً)(‪.)9‬‬
‫وإن اختلفت ألفاظ الفقهاء في تعريف الغرر إال أنها متقاربة المعنى‪ ،‬حيث تبين أن الغرر‬
‫عقد يشتمل على الخطر‪ ،‬وتعريف ابن رشد من أوضح التعريفات في الغرر حيث شمل‬
‫تعريفه الجهل بالمعقود عليه‪ ،‬وبصفته ومقداره‪ ،‬وعدم القدرة على تسليمه‪ ،‬وهذا يشمل جميع‬
‫فروع الغرر‪ .‬وهللا أعلم‬
‫ثانياً‪ :‬تعريف العقد‪ :‬وهو لغة الشد‪ ،‬والضمان‪ ،‬والعهد‪ ،‬والتوثيق‪ ،‬والوالية‪ ،‬والعزم‪.‬‬
‫الشد يقال‪ :‬عقد الحبل والبيع والعهد بعقدة‪ :‬شده وعنقه إليه‪ ،‬والعقد‪:‬‬ ‫(‪) 10‬‬
‫يقول الجوهري‪:‬‬
‫الضمان والعهد‪ ،‬والجمل الموثق الظهر‪ ،‬والعقدة قالدة‪ ،‬والعقد الخيط ينظم فيه الخرز‪،‬‬
‫وجمعه عقود‪ ،‬وقد اعتقد الدر والخرز وغيره إذا اتخذ منه عقداً‪.‬‬
‫وما حسينة إذ قامت تودعنا ‪ ....‬للبين واعتقدت شذ ار وحرمان‪.‬‬
‫وأما العقد اصطالحاً‪ :‬فله معنيان عند الفقهاء‪ :‬أحدهما عام واآلخر خاص‪ .‬أما المعنى العام‪:‬‬
‫هو كل التزام تعهد به اإلنسان على نفسه سواء كان يقابله التزام آخر أم ال‪ ،‬وسواء كان‬
‫(‪)11‬‬
‫التزاماً دينياً كالنذر أو دنيوياً كالبيع ونحوه‪.‬‬
‫أما المعنى الخاص فقد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريفه‪:‬‬

‫‪78‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫فعند الشافعية‪ :‬وهو ربط أجزاء التصرف‪ ،‬أي اإليجاب والقبول شرعاً( )‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫وعند الحنابلة‪ :‬كل اتفاق بين إرادتين أو أكثر على إنشاء التزام أو نقله‪ ،‬فهو ال يتفق إال من‬
‫طرفين أو أكثر( )‪ ،‬ولكن كل عباراتهم تدور حول التحقق من وجود إرادتي العاقدين وتوافقهما‬
‫‪13‬‬

‫واإليجاب والقبول‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬تعريف المعامالت المعاصرة‪ :‬ولتعريف المصطلح فالبد أوال من تعريف المعامالت‪ ،‬ثم‬
‫المعاصرة ليتم تعريف المصطلح كامالً‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ تعريف المعامالت لغة‪ :‬هي جمع معاملة‪ ،‬وهي مأخوذة من عاملت الرجل أعامله‪،‬‬
‫الع َملة‪ :‬القوم يعملون‬
‫والمعاملة في كالم أهل العراق هي المساقاة في كالم الحجازيين‪ ،‬و َ‬
‫بأيديهم ضروريا من العمل(‪.)14‬‬
‫‪ 2‬ـ المعاملة في االصطالح‪ :‬تطلق على األحكام الشرعية التي تنظم تعامل الناس سواء في‬
‫المال أو النساء‪ ،‬وخصها بعض العلماء بتنظيم األمور المالية وهو األقرب‪ ،‬وعرفها محمد‬
‫عثمان شبير على أنها‪( :‬األحكام الشرعية المنظمة لتعامل الناس في األموال)(‪.)15‬‬
‫‪ 3‬ـ المعاصرة‪ :‬هي في اللغة مأخوذة من العصر وهو الزمن الذي ينسب لشخص كعصر‬
‫النبي أو لدولة كالدولة األموية أو إلى وقت كالعصر الحديث(‪.)16‬‬
‫والمقصود به هنا هو العصر الحاضر أو الوقت الحاضر حيث اشتهرت فيه كثير من‬
‫المعامالت الحديثة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تعريف المعامالت المعاصرة‪( :‬وهي القضايا المالية المستحدثة في عصرنا الحاضر‬
‫والتي تحتاج إلى اجتهاد فردي أو جماعي إلصدار أحكام شرعية مناسبة لها)‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬مفهوم االستقرار االقتصادي‪ :‬االستقرار في اللغة معناه التمكن (‪ ،) 17‬قال تعالى‪:‬‬
‫ع) األنعام ‪ ،98‬وحالة عدم االستقرار هي الفوضى والبلبلة والصخب‬ ‫( َف ُم ْس َتَقر َو ُم ْس َت ْوَد ٌ‬
‫والجلبة (‪ ،) 18‬واالستقرار الثبات‪ ،‬ومنه االستقرار في المكان‪ :‬الثبات فيه‪ ،‬واستقرار المهر‪:‬‬
‫ثبوته(‪.)19‬‬
‫واالستقرار االقتصادي معناه بقاء الوضع االقتصادي في وضع ثابت ومتوازن بين الدخل‬
‫واإلنتاج ليحافظ على المستوى العام لألسعار‪ ،‬ويبقي على قيمة النقود مستقرة وثابتة‪ ،‬ولذلك‬
‫عرف االستقرار االقتصادي بأنه‪( :‬تحقيق التشغيل الكامل للموارد االقتصادية المتاحة‬ ‫ُي َ‬
‫وتفادي التغيرات الكبيرة في المستوى العام لألسعار مع االحتفاظ بمعدل نمو حقيقي مناسب‬
‫في الناتج القومي)(‪.)20‬‬

‫‪79‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫وألن المعامالت المالية المعاصرة لها دور كبير في تحقيق النمو االقتصادي‪ ،‬وفي إيجاد‬
‫البيئة االقتصادية المستقرة‪ ،‬كان البد من دراستها والبحث عن المشكالت التي تجعلها تحيد‬
‫عن هدفها ومسارها وعدم تحقيقها لالستقرار االقتصادي الكامل‪ ،‬ومن أهم هذه المشكالت‬
‫مشكلة الغرر‪ ،‬وقد تناول علماء الشريعة اإلسالمية هذه المشكلة بالبيان والتوضيح ألنواعه‬
‫وأحكامه وبينوا آثاره السلبية على المعامالت المالية‪.‬‬
‫وكما أن للغرر عالقة بالفقه واالقتصاد اإلسالمي‪ ،‬فله أيضاً عالقة باالقتصاد بشكل عام‪،‬‬
‫بل نجده في األنظمة االقتصادية األخرى بشكل أوسع وبصورة أعقد‪ ،‬كما في بعض العقود‬
‫المالية في األسواق المالية (البورصات)‪ ،‬وشركات التأمين‪ ،‬وبعض معامالت المصارف أو‬
‫المؤسسات التجارية‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬حكم بيع الغرر‪ :‬والغرر منه الكثير ومنه اليسير‪ ،‬أما اليسير فمعفو عنه في الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وأما الكثير فقد ثبتت حرمته بالكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫أما من الكتاب فقد قال تعالى‪( :‬والَ َتأ ُْكُلوْا أَمواَل ُكم بيَن ُكم ِباْلب ِ‬
‫اط ِل َوُت ْدُلوْا ِب َها ِإَلى اْل ُح َّكا ِم‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫َنت ْم َت ْعَل ُمو َ ) البقرة ‪ ،188‬وبيع الغرر فيه أخذ مال‬ ‫ن‬ ‫اس ِباإل ْثمِ َوأ ُ‬
‫ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫لِ َتأ ُْكُلوْا َف ِريقاً ِم ْن أَم َو ِ‬
‫ال َّ‬ ‫ْ‬
‫الغير ظلماً‪ ،‬وأخذ المال ظلماً من أكله بالباطل وقد نهى هللا عنه‪.‬‬
‫أما من السنة حديث أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪( :‬نهى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫عن بيع الغرر)(‪ ،)21‬وأما اإلجماع فقد أجمعت األمة على حرمة بيع الغرر‪.‬‬
‫وهذا الحكم في بيع الغرر حكماً مجمالً وهو ينطبق على الغرر الكثير الذي يؤثر في العقد‪،‬‬
‫وفي مسائله الفرعية يوجد خالفاً كبي اًر بين الفقهاء مكانها كتب الفقه‪.‬‬
‫والعلة من تحريم الغرر أنه أكل ألموال الناس بالباطل‪ ،‬وما يؤدي إليه من النزاع وعدم القدرة‬
‫على التسليم(‪.)22‬‬
‫أما الغرر اليسير فإن العلماء متفقون على جوازه إذا وقع‪ ،‬وذلك ألنه معفو عنه‪ ،‬قال القرافي‬
‫في حكم أنواع الغرر‪( :‬وقليله جائز إجماعاً‪ ،‬كأساس الدار‪ ،‬وقطن الجبة)(‪ ،)23‬وقال اإلمام‬
‫النووي‪( :‬فأما ما تدعو إليه الحاجة‪ ،‬وال يمكن االحتراز عنه‪ ،‬كأساس الدار‪ ،‬وشراء الحامل‬
‫مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر‪ ،‬وذكر أو أنثى وكامل األعضاء أو ناقصها‪ ،‬وكشراء‬
‫الشاة في ضرعها لبن ونحو ذلك‪ ،‬فهذا يصح بيعه باإلجماع)‪ ،‬ثم قال‪( :‬وقد نقل العلماء‬
‫أيضا أشياء غررها حقير‪ ،‬منها أن األمة أجمعت على صحة بيع الجبة المحشوة وإن لم ير‬
‫حشوها‪ ،‬ولو باع حشوها منفردا لم يصح)(‪.)24‬‬

‫‪80‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫المبحث األول‪ :‬الغرر في التأمين التجاري وأثره على االستقرار االقتصادي ويحتوي على‬
‫ثالثة مطالب‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف التأمين لغة واصطالحاً‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تعريف التأمين لغ ًة واصطالحاً‪ :‬أما لغة فهو مشتق من األمن‪ ،‬وهو طمأنينة النفس‬
‫وزوال الخوف(‪ ،)25‬ويقال‪ :‬أمن فالناً على كذا وثق فيه واطمأن عليه‪ ،‬وأمنه على الشيء‬
‫تأميناً جعله في ضمانه(‪.)26‬‬
‫ثانياً‪ :‬تعريف التأمين اصطالح ًا‪ :‬التأمين إما نظاماً أو عقداً‪ ،‬وهما يختلفان عن بعضهما‪،‬‬
‫فالتأمين كنظام يقصد به‪( :‬تعاون منظم تنظيماً دقيقاً بين عدد كبير من الناس معرضين‬
‫لخطر واحد‪ ،‬حتى إذا تحقق الخطر بالنسبة إلى بعضهم تعاون الجميع في مواجهته‪،‬‬
‫بتضحية قليلة يبذلها كل منهم‪ ،‬يتالفون بها أض ار اًر جسيمة تحيق بمن نزل الخطر به‬
‫الت ْق َوى‬
‫بر َو َّ‬
‫(وَت َع َاوُنوْا َعَلى اْل ِ‬
‫منهم) ‪ ،‬وهذا من التعاون الذي أمر هللا به الناس حيث قال‪َ :‬‬
‫(‪)27‬‬

‫َوالَ َت َع َاوُنوْا َعَلى ِ‬


‫اإل ْثمِ َواْل ُع ْد َوان) المائدة‪ ،2‬ويجب أن يكون هذا التعاون على أساس التبرع‬
‫والتضحية بين المتعاونين لتغ طية أخطار بعضهم‪ ،‬فإذا دخل التأمين في المعاوضات المالية‬
‫فيختلف األمر عند ذلك وهذا ما سنتحدث عنه في هذا المبحث‪.‬‬
‫وهذا النظام عمل سامي‪ ،‬حيث يحقق المحبة واألخوة ويؤدي إلى تماسك المجتمع‪ ،‬ويحافظ‬
‫على المجتمع من التحوالت الكارثية التي تصيبه‪ ،‬فإذا أصيب أحد أفراد المجتمع أو بعضهم‬
‫بكارثة هب الناس لنجدته ومعاونته وإنقاذه وتحقيق االطمئنان النفسي له‪.‬‬
‫إال أن شركات التأمين حولت التأمين من هذه األهداف السامية والفوائد العظيمة إلى تجارة‬
‫واسترباح وبيع األمن‪ ،‬فدخله كثير من المحاذير الشرعية التي لها أكبر األثر على اقتصاد‬
‫الفرد والمجتمع فنشأ التأمين التجاري‪.‬‬
‫وأما عقدا فيمكن تعريفه أنه (عقد يلتزم فيه المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو‬
‫المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال أو إيرادا مرتباً أو أي عوض مالي‬
‫آخر في حالة وقوع الحادث‪ ،‬أو تحقق الخطر المبين بالعقد‪ ،‬وذلك في نظير قسط أو أية‬
‫دفعة مالية يؤديها له المؤمن‪ ،‬ويتحمل بمقتضاه المؤمن تبعة مجموعة من المخاطر بإجراء‬
‫المقاصة بينهما وفقا لقوانين اإلحصاء)(‪ ،)28‬وهذا هو التأمين التجاري‪.‬‬
‫ومن خالل التعريف يتضح أن عقد التأمين يتم بالتراضي بين الطرفين‪ ،‬وال يوجد فيه أي‬
‫إكراه ألحدهما‪ ،‬كما أنه عقد ملزم لهما‪ ،‬وال يحق ألحدهما الفسخ مهما كانت الظروف‪ ،‬وهو‬

‫‪81‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫عقد متضمن للمعاوضة المالية‪ ،‬حيث يدفع المستأمن أقساط التأمين ويدفع المؤمن مبلغ‬
‫التأمين عند حصول الخطر للمستأمن‪ ،‬فهو عقد معاوضة مالية‪ ،‬وهو عقد احتمالي ألن كل‬
‫ما يدفعه المؤمن والمستأمن مجهوال بالنسبة لهما‪ ،‬فقد يدفع المستأمن قسط أو قسطين‬
‫ويحصل على مبلغ التأمين كامالً‪ ،‬وقد يدفع جميع األقساط وال يحصل على شيء‪ ،‬كذلك‬
‫فهو عقد إذعان حيث يخضع المستأمن لجميع الشروط التي يفرضها المؤمن مطبوعة‪ ،‬وتكاد‬
‫(‪)29‬‬
‫تكون هذه الشروط متساوية في جميع شركات التأمين التجاري‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الغرر في عقد التأمين التجاري‪ :‬المتأمل في واقع الحياة يجد اإلنسان‬
‫محاطاً بالمخاطر التي ال حصر لها‪ ،‬والتي تؤثر عليه مادياً ومعنوياً‪ ،‬بل قد تؤثر على‬
‫المجتمع ككل‪ ،‬وهذه المخاطر قد تؤدي إلى خسارة الثروات واألموال‪ ،‬وهذا يؤدي إلى إحجام‬
‫األفراد والمجتمع عن االستثمار وإنعاش االقتصاد‪ ،‬مما يؤدي إلى الركود االقتصادي‪،‬‬
‫وضعف اإلنتاج‪ ،‬وألن اإلنسان يريد تحقيق المكاسب فيبحث عما يحافظ على ثروته ومكاسبه‬
‫واستثماراته‪ ،‬فيلجأ إلى شراء األمن من شركات التأمين‪ ،‬وهي مصلحة عظيمة في ظاهرها‪،‬‬
‫ولكنها في حقيقتها مفسدة شرعية ظاهرة الحتوائها على المحاذير الشرعية من الغرر والربا‬
‫وأكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬وهذه إذا اجتمعت في عقد من عقود المعامالت المالية جعلته‬
‫ممنوعاً شرعاً‪ ،‬ولست بصدد ذكر األدلة على حرمتها‪ ،‬وتوضيح هذه األدلة‪ ،‬فقد بينها العلماء‬
‫المعاصرون‪ ،‬وبينتها المجامع الفقهية‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وما سأذكره هنا هو الغرر الكثير الفاحش‬
‫الموجود في عقد التأمين التجاري وأثره على االقتصاد وهو كالتالي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الغرر يوجد في عقد التأمين التجاري ويؤثر عليه تأثي ار كبي اًر‪ ،‬وقد نهى النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم عن بيع الغرر ففي حديث أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪( :‬نهى رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم عن بيع الحصاة وبيع الغرر)(‪ ،)30‬وعن ابن عمر رضي هللا عنهما‪( :‬أن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم نهى عن بيع الغرر)(‪ ،)31‬وال يكون الغرر محرماً ومنهي عنه‬
‫إلى إذا كان في عقود المعاوضات المالية‪ ،‬والتأمين عقد معاوضة يشتمل على الغرر الكثير‬
‫الفاحش‪ ،‬إذ يشترط في عقد المعاوضة المالية العلم التام بمقدار ما يحصل عليه كمتعاقد‪،‬‬
‫مع أن عقد التأمين عقد احتمالي‪ ،‬ألن كال من العاقدين ال يعرف عند إبرام العقد مجموع ما‬
‫سيأخذ من المال‪ ،‬وال مقدار ما سيدفع‪ ،‬ألن ذلك متوقف على وقوع الخطر أو عدم وقوعه‪،‬‬
‫وبذلك يكون الغرر واضحاً في عقد التأمين التجاري‪ ،‬كما أن التأمين التجاري يتضمن الغرر‬
‫في األجل كما في التأمين العمري حيث تلتزم شركة التأمين بدفع مبلغ التأمين عند وفاة‬

‫‪82‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫المستأمن وهو أجل مجهول(‪ ،)32‬ولذا فإن عقد التأمين يحتوي على الغرر الكثير المؤثر في‬
‫العقد‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ عقد التأمين التجاري يتضمن القمار والميسر‪ :‬والقمار والميسر هي من الغرر‪ ،‬والميسر‬
‫هو قمار الجاهلية باألزالم‪ ،‬فقد قال ابن عباس‪( :‬كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل‪،‬‬
‫على أهله وماله‪ ،‬فأيهما قمر صاحبه ذهب بماله وأهله)(‪.)33‬‬
‫والقمار والمراهنة في القانون‪( :‬عقد بين شخصين أو أكثر اختلفوا على أمر بمقتضاه يتفقون‬
‫على أن من يظهر صواب رأيه منهم يتسلم من اآلخر مبلغ ًا من المال أو أي شيء‬
‫ِ‬
‫آمُنوْا ِإَّن َما اْل َخ ْمُر‬ ‫(يا أَُّي َها َّالذ َ‬
‫ين َ‬ ‫آخر) ‪ ،‬واإلسالم حرم الميسر كما في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫(‪) 34‬‬

‫وه َل َعَّل ُك ْم ُتْفِل ُحو َن) المائدة‪،90‬‬ ‫ان َف ِ‬ ‫س ِم ْن َع َم ِل َّ‬ ‫ِ‬


‫طِ ْ‬
‫اج َتنُب ُ‬ ‫الشْي َ‬ ‫اب َواأل َْزالَ ُم ِر ْج ٌ‬
‫َنص ُ‬
‫َواْل َمْيسُر َواأل َ‬
‫وبيع الغرر نوع من أنواع الميسر الذي حرمه هللا‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪( :‬إن عامة ما‬
‫نهى هللا عنه في الكتاب والسنة من المعامالت يعود إلى تحقيق العدل والنهي عن الظلم دقه‬
‫وجله مثل أكل المال بالباطل وجنسه من الربا والميسر‪ ،‬وأنواع الربا والميسر التي نهى النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم عنها مثل بيع الغرر وبيع حبل الحبلة وبيع الطير في الهواء)(‪ ،)35‬فبيع‬
‫الغرر من الميسر‪ ،‬والتأمين التجاري متضمن للميسر واالحتمال والغرر الذي هو علة فساد‬
‫المعامالت المالية‪ ،‬فكل من المقامرين أو المتراهنين ال يستطيع أن يحدد هل سيحصل له‬
‫العوض أم ال‪ ،‬ألن تحصيل العوض يتوقف على كسب اللعب وهو احتمالي‪ ،‬وهذه العلة‬
‫متحققة في عقد التأمين التجاري‪ ،‬فالمستأمن ال يعرف إن كان سيحصل على العوض أم ال‪،‬‬
‫ألن حصوله عليه متوقف على حدوث الخطر كما في القمار متوقف على كسب اللعب(‪.)36‬‬
‫يقول الشيخ محمد بخيت المطيعي‪( :‬عقد التأمين عقد فاسد شرعاً‪ ،‬وذلك ألنه معلق على‬
‫الخطر‪ ،‬تارة يقع وتارة ال يقع فهو قمار)(‪.)37‬‬
‫‪ 3‬ـ التأمين التجاري عقد يتضمن بيع الدين بالدين (الكالئ بالكالئ)‪ ،‬وبيع الدين بالدين محرم‬
‫في الشريعة‪( ،‬وقد نهى النبي صلى هللا عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ)(‪ ،)38‬وهذا النوع‬
‫من البيوع يعتبر من بيوع الغرر الكتنافه الجهالة في حصول الثمن والمثمن‪ ،‬وألنه بيع شيء‬
‫في ذمة بشيء في ذمة أخرى‪ ،‬يقول ابن تيمية‪( :‬وإنما ورد النهي عن بيع الكالئ بالكالئ وهو‬
‫المؤخر الذي لم يقبض‪ ،‬وهذا كما لو أسلم شيئاً في شيء في الذمة وكالهما مؤخر فهذا ال‬
‫يجوز باالتفاق‪ ،‬وهو بيع الكالئ بالكالئ) (‪ ،) 39‬وهذا البيع ال فائدة مشاهدة منه للطرفين‪،‬‬
‫فكالهما ال يستطيع االستفادة من السلعة أو القيمة‪ ،‬ألن كال منهما في الذمة‪ ،‬فتنتفي الفائدة‬

‫‪83‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫من البيع‪ ،‬ق ال ابن القيم‪( :‬فإن المنهي عنه قد اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة‪ ،‬فإنه لم يتعجل‬
‫أحدهما ما يأخذه فينتفع بتعجيله‪ ،‬وينتفع صاحب المؤخر بربحه‪ ،‬بل كالهما اشتغلت ذمته‬
‫بال فائدة)(‪.)40‬‬
‫ولو تأملنا كثي اًر في عقد التأمين لوجدناه كذلك‪ ،‬فهو يتضمن بيع الدين بالدين‪ ،‬فالمستأمن‬
‫يدفع أقساطاً هي دين في ذمته‪ ،‬وشركة التأمين تدفع مبلغ التأمين عند حصول الخطر وهو‬
‫دين في ذمتها‪ ،‬فهو دين بدين‪.‬‬
‫ولهذا فإن عقد التأمين التجاري عقد متضمن للغرر الكثير والشتماله على أنواع الغرر‪ ،‬وهي‬
‫غرر الحصول‪ ،‬وغرر المقدار‪ ،‬وغرر األجل‪ ،‬وكونه قد يؤدي إلى النزاع‪ ،‬ويكون الغرر في‬
‫المعقود عليه أصالة‪ ،‬وهو قسط التأمين‪ ،‬ومبلغ التأمين وهما معلق حصولهما ومقدارهما على‬
‫حصول الخطر‪ ،‬وهو احتمال قد يقع وقد ال يقع‪.‬‬
‫والتأمين التجاري بهذه الصورة له مضار اقتصادية كبيرة‪ ،‬وإن كان في ظاهرة له فوائد‪ ،‬إال‬
‫أنه لو تأملنا في خباياه لوجدنا ضرره أكبر من نفعه‪ ،‬وهو يؤثر تأثي ار سلبيا على الفرد‬
‫والمجتمع‪ ،‬والشريعة اإلسالمية لم تحرم شيئا وتجعل فيه النفع للناس‪ ،‬وإنما التحريم جاء لدفع‬
‫الضرر عن الفرد والجماعة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أثر الغرر في التأمين التجاري على االستقرار االقتصادي‪ :‬ومما ال شك فيه‬
‫أن التأمين عملية اقتصادية تعمل على جمع المدخرات وتغطي المخاطر‪ ،‬ولكن المحرم شرعاً‬
‫ال يستفيد منه المجتمع ويجب تجنبه إلى البدائل الشرعية‪ ،‬وقد ابتكر العلماء المعاصرون في‬
‫االقتصاد اإلسالمي بالتعاون مع االقتصاديين والفقهاء بديال جيدا للتأمين التجاري وهو‬
‫التأمين التعاوني القائم على التعاون والتبرع‪ ،‬والغرر ال يؤثر على عقود التبرع حتى ولو كان‬
‫غر اًر كثي اًر‪.‬‬
‫وكما ذكرت آنفا أن الشريعة عندما تحرم شيئا فهي تدفع عن األمة مضرة هذا الشيء كما‬
‫يهما ِإ ْثم َكِبير ومَن ِ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اف ُع‬ ‫قال تعالى في الخمر والميسر‪َ( :‬ي ْسأَُلوَن َك َعن اْل َخ ْم ِر َواْل َمْيس ِر ُق ْل ف َ ٌ ٌ َ َ‬
‫اس َوِإ ْث ُم ُه َما أَ ْكَبُر ِمن َّن ْف ِع ِه َما ‪ )...‬البقرة ‪ ،219‬ففيهما نفع إال أن ضررهما أكبر‪ ،‬ولذلك‬ ‫لِ َّلن ِ‬
‫ان‬‫طِ‬ ‫س ِم ْن َع َم ِل َّ‬
‫الشْي َ‬ ‫اب َواأل َْزالَ ُم ِر ْج ٌ‬
‫َنص ُ‬
‫ِ‬
‫حرمها هللا عز وجل فقال‪ِ( :‬إَّن َما اْل َخ ْمُر َواْل َمْيسُر َواأل َ‬
‫وه ‪ )....‬المائدة‪ ،90‬وكذلك التأمين وإن كان فيه بعض الفوائد االقتصادية سواء‬ ‫َف ِ‬
‫اج َتنُب ُ‬
‫ْ‬
‫لشركات التأمين‪ ،‬أو للمستأمنين إال أنها تضر كثي ار بالناس‪ ،‬فالربا والغرر والميسر وأكل‬
‫أموال الناس بالباطل كلها تجتمع في هذا العقد‪ ،‬ولو وجدت واحدة منها في عقد لجعلته‬

‫‪84‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬

‫محرما فكيف بهذا العقد وقد اجتمعت فيه هذا المحرمات‪ ،‬فحاشا وكال أن تبيح الشريعة عقداً‬
‫يحتوي على الربا والغرر والقمار وأكل المال بالباطل‪ ،‬ولذا فإن من أعظم مساوئ التأمين هو‬
‫مخالفته للشريعة والخروج من الحدود الشرعية‪ ،‬بحيث لو تجاوزنا هذه الحدود اختلت الحياة‬
‫االقتصادية واختل التوازن االقتصادي‪ ،‬والوقوع فيما حرمه هللا عز وجل هو أسوأ ما يقع‬
‫اإلنسان فيه‪ ،‬ومن السوء أن يقع اإلنسان في الربا والميسر والغرر وأكل أموال الناس‬
‫بالباطل‪ ،‬فينزع هللا البركة من المال وتوجب لمن يستحلها عذاب هللا وسخطه ومقته في‬
‫اآلخرة‪.‬‬
‫وهناك مساوئ اقتصادية كثيرة للتأمين التجاري وهي كالتالي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ تربح شركات التأمين من عملية التأمين أرباحاً طائلة‪ ،‬ولكن أكثر من يؤمن لدى‬
‫الشركات ويدفع األقساط التأمينية يخسرون أموالهم بال فائدة‪ ،‬وال يحصل على التعويض إلى‬
‫القليل‪ ،‬وهذه الشركات ال تحتفظ باألموال في بلدها ليتم استثمارها واالستفادة منها‪ ،‬وإنما‬
‫تضعها في شركات التأمين الكبرى (إعادة التأمين) لتتضاعف أرباح تلك الشركات حتى أن‬
‫ميزانية إحدى هذه الشركات أكثر من ميزانية دول‪ ،‬ولو حصلت عواصف وأزمات اقتصادية‬
‫فإن هذه الشركات تخسر كل ما لديها كما حصل في أزمة الرهن العقاري في نهاية ‪2008‬م‪.‬‬
‫وإن الكثرة الكاثرة في التأمين هي الجماعة الخاسرة في عملية التأمين‪ ،‬والقلة النادرة هي الفئة‬
‫الرابحة‪ ،‬فإن قد اًر ال يستهان به من أموال األفراد والجماعات والجهات والدول يرمى به في‬
‫صناديق التأمين في العالم دون سبب حقيقي لهذا التصرف‪ ،‬والجميع خاسرون لهذه األموال‬
‫دون فائدة ظاهرة وملموسة‪ ،‬وال يستثنى من هؤالء سوى قلة نادرة ال تعد شيئاً إلى جانب‬
‫األعداد الهائلة المؤمن لهم‪ ،‬هذه القلة النادرة هم أولئك الذين يقع لديهم الحادث المؤمن‬
‫ضده‪ ،‬وال يدفع لهم تعويضاً عن ذلك إال إذا جاوزت تكاليف الحادث ما دفعوه من أقساط مع‬
‫اعتبار زمن استثمار هذه األقساط لو لم يدفعوها واستثمروها بأنفسهم حتى ذلك الحين‪.‬‬
‫والذين يقع لهم الحادث هم من الندرة‪ ،‬بحيث ال يكادون يذكرون بالنسبة لمجموع المؤمن لهم‪،‬‬
‫فالرابحون الحقيقيون من وراء خسارة المجموع في عملية التأمين‪ ،‬هم قادة التأمين في العالم‪،‬‬
‫لذا فخسارة األمة في التأمين باهظة‪ ،‬وهي عامة شاملة‪ ،‬بل إنها من أشد الخسائر‬
‫(‪)41‬‬
‫االقتصادية التي منيت بها الشعوب في العصور المتأخرة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ال يستطيع الكثير من الناس في بعض البلدان تأسيس مشاريع استثمارية رغم توفر‬
‫رؤوس األموال لديهم‪ ،‬سواء كانت مشاريع استثمارية كبيرة أو متوسطة أو صغيرة‪ ،‬ألن‬

‫‪85‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫قوانين هذه البلدان ال تصرح لقيام أي مشروع إال إذا كان مؤمناً عليها في شركة التأمين‪،‬‬
‫وشركات التأمين تفرض رسوماً كبيرة فتزيد من كلفة هذه المشاريع فيحجم أصحابها عن‬
‫تأسيسها‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ األصل أن شركات التأمين تعمل على تحقيق ادخارات كبيرة تدعم العملية االستثمارية‬
‫وتسهم في توفير التمويل الالزم لها عن طريق توظيف هذه المدخرات في صور متعددة‬
‫(أسهم ـ سندات ـ عقارات)‪ ،‬وبذلك يحقق عملية ضخ مستمرة في مختلف الفروع االستثمارية‬
‫مما يساعد في إقامة مشاريع جديدة وتشغيل األيدي العاملة‪ ،‬إال أن هذا ال يتم لألسف في‬
‫شركات التأمين التجاري‪ ،‬بل تقوم الشركات بإيداع األموال في البنوك الربوية‪ ،‬وجزء من هذه‬
‫األموال يتم إيداعها في شركات التأمين العالمية إلعادة التأمين‪ ،‬فيتم تصدير المدخرات لخارج‬
‫البلد فيكون المستفيد هي الدولة المصدرة للتأمين والخاسر هم المساهمون في التأمين الذين‬
‫ال يحصل لهم الخطر وال يتلقون أي تعويضات‪ ،‬وهم األكثرية في العملية التأمينية‪ ،‬وهذا‬
‫أيضاً يربك ميزانية مدفوعات الدول المستوردة‪ ،‬وال يعوض هذه الخسارة ما قد ترده هذه‬
‫الشركات األجنبية من تعويضات عند تحقق الحادث‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ التعمد إلتالف المال للحصول على مبالغ التأمين‪ ،‬كأن يتسبب في سرقة المال أو حرقه‬
‫أو إتالفه‪ ،‬خاصة إذا كان المال قد كسد أو فسد‪ ،‬أو أنه ستحصل له خسارة في تجارته‬
‫فيعمد إلى إتالفها حتى يحصل على مبلغ التأمين ويعوض خسارته‪ ،‬وهذا يسبب خسارة على‬
‫األفراد وعلى شركات التأمين وعلى اقتصاد البلد التي يوجد بها التأمين‪( ،‬وبسبب إغراء المال‬
‫والطمع في الحصول على مبالغ التأمين‪ ،‬أقدم عدد من الموصى لهم بهذه المبالغ‪ ،‬أو‬
‫المستفيدين لها بعد أصحابها على ارتكاب جرائم شنيعة مروعة من اإلحراق والقتل‪ ،‬فهذا‬
‫يفجر الطائرة بمن فيها بالجو لكي يحصل على تأمينها‪ ،‬وهذا يغرق الباخرة بمن فيها ليحصل‬
‫على التأمين)(‪.)42‬‬
‫‪ 5‬ـ من رواسب االقتصاد الرأسمالي تكدس األموال بأيدي قلة من الناس‪ ،‬والبقية فقراء أو‬
‫متوسطي الدخل‪ ،‬وال شيء أسوأ على األمة من تكديس الثروة بيد مجموعة من الناس‪،‬‬
‫والتأمين مما يساعد في تكديس األموال بيد القلة بل يصبح لألغنياء دون الفقراء‪ ،‬فالفقراء ال‬
‫يستطيعون دفع الكلفة التأمينية لكثير من حوائجهم التي ال يحصلون عليها من غير تأمين‬
‫إال مع العنت الشديد‪ ،‬بل إن الكثير يتركون حاجاتهم الضرورية بسبب عجزهم عن دفع‬
‫(‪)43‬‬
‫تأمينها‪.‬‬

‫‪86‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫‪ 6‬ـ إبطال حقوق اآلخرين وضياع المحافظة الفردية على الممتلكات‪ ،‬فتستخدم شركات‬
‫التأمين أعداداً كبيرة من أشهر المحامين في العالم‪ ،‬ليتولوا الدفاع عنها بالحق أو بالباطل‪،‬‬
‫إلبطال حجج خصومها من المؤمن لهم‪ ،‬وهي ال تقف عند هذا الحد‪ ،‬ولكنها تستميل كل من‬
‫تستطيع ممن له أثر في تقرير الحوادث‪ ،‬وهي تفعل ذلك إليجاد أي ثغرة تخرج بها من‬
‫المسؤولية‪ ،‬فتتحلل من دفع مبالغ التأمين المستحقة‪.‬‬
‫(‪)44‬‬

‫كما يتسبب التأمين في وقوع كثير من اإلهمال لدى المؤمن لهم‪ ،‬الذين ال يعتنون وال‬
‫يحافظون على أموالهم وممتلكاتهم المؤمن عليها‪ ،‬كمحافظتهم على غير المؤمن عليها‪ ،‬بل‬
‫قد يصل األمر بهم إلى حد الرغبة في تلف بعض األعيان المؤمن عليها‪ ،‬طمعاً في مبلغ‬
‫(‪)45‬‬
‫تأمينها الذي قد يفوق قيمتها‪.‬‬
‫وكذلك إخافة الناس وإرعابهم حتى يسعى الناس لطلب التأمين من هذه الشركات‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من أنها تسمى شركات التأمين إال أنها تزرع الخوف في نفوس األفراد وذلك لتدفعهم‬
‫للجوء إلى طلب التأمين‪ ،‬والناس قد يخشون على استثماراتهم من حوادث المستقبل‪ ،‬ويخافون‬
‫عليها الهالك‪ ،‬ولكن األصل في المسلم عدم الخضوع لما هو محرم شرعاً‪ ،‬واإلسالم يراعي‬
‫مصلحة الفرد والمجتمع‪ ،‬وال أشك في ذلك أنه يدعو إلى حماية الممتلكات‪ ،‬وقد شرع لنا من‬
‫األحكام ما يحافظ على حقوقنا‪ ،‬مثل قطع يد السارق وقتل قاطع الطريق وناهب المال‬
‫وغيرها من األحكام‪ ،‬فهو يدعو إلى حماية األموال‪ ،‬ويحث على التعاون والتكافل‪ ،‬ولذا ينبغي‬
‫أن نعود إلى شركات التأمين التعاوني القائمة على التكافل والتعاون والتبرع‪ ،‬بل إن أرباب‬
‫التأمين التجاري بدأوا بمنحى التأمين اإلسالمي التعاوني خاصة بعد األزمة المالية‪ ،‬ولكن‬
‫بشكل محدود‪ ،‬ولكنهم بدأوا بالتفكير في العمل به‪ ،‬خاصة وأن المصارف اإلسالمية نجحت‬
‫في تجاوز األزمة االقتصادية ولم تتأثر بها كثي اًر لعدم ارتباطها بالجهاز المصرفي الربوي‪،‬‬
‫وليست هذه الفكرة بجديدة‪ ،‬بل ظهرت نتيجة تطور األعمال االقتصادية وقيام مجموعة من‬
‫المصارف اإلسالمية في العالم في سبعينيات القرن الماضي‪ ،‬فكانت الحاجة للحماية التأمينية‬
‫لممتلكات وعمليات هذه المصارف‪ ،‬فبادر بنك فيصل اإلسالمي السوداني بإنشاء أول شركة‬
‫للتأمين التكافلي في العالم عام (‪1979‬م) وهي شركة التأمين اإلسالمية ـ السودان‪ ،‬تالها‬
‫قيام الشركة اإلسالمية العربية للتأمين بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬وبعد ذلك شركة البركة‬
‫للتأمين اإلسالمي ثم انزاحت التجربة إلى دول العالم اإلسالمي وغير اإلسالمي فقامت‬
‫شركات كثيرة وأيضاً نوافذ إسالمية في شركات تأمين تجارية‪.‬‬
‫(‪)46‬‬

‫‪87‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الغرر في عقود الخيارات وأثرها على االستقرار االقتصادي‪ :‬تعتبر عقود‬
‫الخيارات من المعامالت المالية المعاصرة التي يتم التعامل بها في األسواق المالية‪ ،‬وهي من‬
‫العقود المستقبلية‪ ،‬وصورة من صورها‪ ،‬وهي من األوراق المالية التي ليس لها قيمة ذاتية‪،‬‬
‫وإنما تستمد قيمتها من األوراق المالية التي يجري عليها االختيار‪ ،‬فما هي عقود الخيارات؟‬
‫وهل يؤثر فيها الغرر؟ وهل لها أثر على االستقرار االقتصادي؟ ويحتوي هذا المبحث على‬
‫ثالثة مطالب‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف وحكم عقود الخيارات‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تعريف عقود الخيارات‪ :‬ويقصد بالخيارات األحقية التي تمنح لصاحب الخيار بأن ينفذ‬
‫عقد شراء أو بيع عدد محدد من األوراق المالية بسعر محدد خالل مدة محددة‪ ،‬أو أن يمتنع‬
‫(‪)47‬‬
‫عن ذلك مقابل دفع غرامة محددة‪.‬‬
‫وعقد الخيار‪ :‬هو عقد بين طرفين يعطي لمشتريه الحق ـ ـ ال االلتزام ـ ـ أن يشتري أو يبيع‬
‫كمية معينة من األسهم أو من سلعة معينة بسعر تنفيذ معين‪ ،‬خالل فترة سريان العقد‪ ،‬ويدفع‬
‫مشتري الخيار لقاء تلقيه هذا الحق مبلغاً معيناً يسمى (ثمن الخيار)‪ ،‬وهو مبلغ بسيط من‬
‫وعرف بأنه‪( :‬عقد يمثل حقاً يتمتع به المشتري‪ ،‬والتزاماً‬ ‫سعر السهم أو من سعر السلعة‪.‬‬
‫(‪)48‬‬

‫يقدمه البائع‪ ،‬فيدفع األول ثمناً مقابل تمتعه بذلك الحق‪ ،‬ويقبض اآلخر هذا الثمن مقابل‬
‫تعهده والتزامه‪ ،‬وينتج عنه أداة قابلة للبيع والتداول)(‪.)49‬‬
‫وثمن االختيار ليس جزءاً من ثمن األسهم أو السلع التي يقع عليها االختيار فهو ال يمثل‬
‫دفعة مقدمة على ثمن األسهم أو السلع‪.‬‬
‫(‪)50‬‬

‫ولضمان تنفيذ عقود االختيارات البد من وجود طرف ثالث يكون ضامناً لوفاء كال الطرفين‬
‫بالتزامهم‪ ،‬يقول الدكتور عبد الستار أبو غدة‪( :‬االختيارات تمارس فقط في أسواق المستقبليات‬
‫باألسهم‪ ،‬والسلع‪ ،‬والعمالت‪ ،‬والمؤشرات‪ ،‬وهي تقترن دائماً بكفالة جهة ثالثة تضمن وفاء‬
‫الطرفين بالتزاماتها‪ ،‬فهي كفالة مزدوجة األثر مع وحدة الكفيل‪ ،‬إذا تكفل البائع لصالح‬
‫المشتري فيما يترتب في ذمته من التزامات‪ ،‬وتكفل المشتري لصالح البائع فيما يترتب في‬
‫ذمته من التزامات أيضاً‪ ،‬وهذه الجهة هي غرفة المقاصة أو السمسار)(‪.)51‬‬
‫وتتنوع عقود الخيارات المالية المعاصرة إلى عدة أنواع‪ ،‬منها أن يشتري أو يمتنع‪ ،‬وأن يبيع أم‬
‫ال‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫‪88‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫أ ـ ـ ـ خيار الطلب أو الشراء‪ :‬وهذا النوع من الخيار حق للمشتري بأن يتسلم األوراق المالية‬
‫التي تم العقد عليها‪ ،‬أو يمتنع عن ذلك مقابل دفع مبلغ معين لمالك األسهم لقاء منحه إياه‬
‫هذا الحق‪ ،‬وفي الغالب فإن قيمة الغرامة يعتمد على العرض والطلب لألوراق المالية‪،‬‬
‫(‪)52‬‬
‫وبالنظر إلى معنى خيار الشراء يتضح اآلتي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ال يتضمن هذا العقد التزام مشتري حق الخيار لتنفيذ الشراء‪ ،‬وإنما يتضمن حصوله على‬
‫حق الشراء الذي له أن يمارسه في أي لحظة يريدها خالل الفترة المحددة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يتضمن العقد التزام البائع لحق الخيار بتنفيذ الصفقة عند الطلب بالثمن المحدد في‬
‫العقد‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ثمن الخيار الذي يدفعه مشتري الخيار ال يحتسب كعربون من قيمة السهم المتفق عليه‬
‫عند العقد‪ ،‬كونه ال يسترد بأي حال‪.‬‬
‫ب ـ ـ ـ خيار البيع ويسمى خيار الدفع أو خيار العرض‪ ،‬ويعرف على أنه‪( :‬عقد بين طرفين‪،‬‬
‫يخول أحدهما حق بيع أوراق مالية معينة‪ ،‬أو سلع موصوفة في الذمة‪ ،‬أو عمالت‪ ،‬أو غيرها‬
‫للطرف اآلخر‪ ،‬بسعر معلوم‪ ،‬في تاريخ معلوم‪ ،‬أو خالل مدة معلومة‪ ،‬مقابل عوض‬
‫معلوم)(‪ ،)53‬فهو عقد لبيع عدد من األسهم واألوراق المالية بسعر محدد خالل فترة محددة‪،‬‬
‫وال يجبر على البيع‪ ،‬إنما هو الخيار‪ ،‬ألن قابض ثمن الخيار هو الملزم بالشراء في هذه‬
‫الحالة أو التنفيذ بشكل عام‪ ،‬إذا ما قرر مشتري حق البيع التنفيذ وبالسعر المتفق عليه خالل‬
‫المدة المحددة‪ ،‬وهنا كذلك ما يدفعه مقابل تمتعه بحق خيار البيع‪ ،‬غير مسترد بأي حال(‪،)54‬‬
‫ولذلك فإن هذا النوع بعكس النوع األول (خيار الشراء) فالمشتري هنا لهذا الخيار هو صاحب‬
‫األوراق المالية الذي عرضها للبيع‪ ،‬كما أن هذا العقد يلزم بائع حق الخيار بالشراء‪ ،‬إذا قرر‬
‫مالك األوراق المالية بيعها‪ ،‬والذي دفع بائع األوراق المالية لشراء الخيار هو الخشية من‬
‫هبوط أسعارها‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬حكم عقود الخيارات‪ :‬من خالل ما ذكرناه في تعريف عقود الخيارات وأنواعها‬
‫وماهيتها‪ ،‬يتبين أن عقود الخيارات ليست عقوداً على سلع أو أسهم أو غيره مما يمكن أن‬
‫يباع‪ ،‬ولكنه مجرد بيع أو شراء الحق في التصرف في المبيع‪ ،‬فالمبيع هو االختيار نفسه‪،‬‬
‫وهو ملزم ألحد الطرفين إما بائع االختيار أو مشتريه‪ ،‬ولذا فإن هذا العقد بصورته الراهنة قد‬
‫صدرت ق اررات وفتاوى كثيرة بتحريم بيعه وتداوله وذلك لما تضمنه من الغرر والقمار‬
‫والميسر‪ ،‬حيث جاء في قرار مجمع الفقه اإلسالمي رقم ‪ )7/1( 63‬ما يلي‪:‬‬

‫‪89‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫(إن عقود االختيارات‪ ،‬كما تجري اليوم في األسواق المالية العالمية‪ ،‬هي عقود مستحدثة ال‬
‫تنضوي تحت أي عقد من العقود الشرعية المسماة‪ ،‬وبما أن المعقود عليه ليس ماالً وال‬
‫منفع ًة وال حقاً مالياً يجوز االعتياض عنه‪ ،‬فإنه عقد غير جائز شرعاً‪ ،‬وبما أن هذه العقود ال‬
‫تجوز ابتداء فال يجوز تداولها)(‪ ، )55‬وجاء في منتدى الندوة السادسة لمجموعة البركة‪( :‬تداول‬
‫المشاركون الرأي حول بيوع الخيار وشراء حق االختيار‪ ،‬و أروا أنه غير جائز‪ ،‬ألن هذا الحق‬
‫ليس مما يصح في البيع)(‪ ،)56‬وجاء في فتاوى وتوصيات الندوة السابعة عشر للمجموعة‬
‫المذكورة‪( :‬حيث أن محل االختيارات هو حق اختيار الشراء أو البيع لسلعة ما بشروط‬
‫محددة لقاء عوض عن ذلك الحق‪ ،‬وتقوم إدارة المتعاقدين على توقعات متضادة لتقلبات‬
‫األسعار‪ ،‬فإن الندوة انطالقاً من إرادة المتعاقد ومشيئته ليست محالً للعقد وال العوض عنها‪،‬‬
‫تؤكد على قرار مجمع الفقه اإلسالمي رقم ‪.)7/1( 63‬‬
‫(‪)57‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الغرر في عقود الخيارات‪ :‬وهذه العقود التي يتم تداولها في األسواق المالية‬
‫العالمية بأنواعها من عقود الغرر المنهي عنه شرعاً ويمكن توضيحه كما يلي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الغرر كما عرفناه سابقاً هو ما خفيت عاقبته وكان مجهوالً‪ ،‬ووجه الغرر في عقود‬
‫الخيارات هو عدم معرفة حصول العقد من عدمه‪ ،‬وإن حدث فال يدري متى يحدث‪،‬‬
‫والمشتري والبائع في هذا سواء‪ ،‬فمشتري الخيار ال يستخدمه وال يقدم على ممارسته إال في‬
‫حالة واحدة وهو ارتفاع األسعار بالنسبة لمشتري حق الشراء‪ ،‬أو تنخفض بالنسبة لمشتري‬
‫حق البيع‪ ،‬وتغير األسعار في صالحه أمر مجهول له‪ ،‬وقد يحصل فيمارس حقه في الشراء‬
‫أو البيع‪ ،‬وقد ال يحصل فتذهب عليه فائدة المعقود عليه (حق الخيار)‪ ،‬ألنه ال يستعمله‬
‫حينئذ‪ ،‬والمعقود عليه إذا خال من الفائدة كان كالمعدوم‪ ،‬وهذا عين الغرر‪.‬‬
‫وبالنسبة لمحرر الخيار فهو يقدم على إبرام عقد الخيار سواء أكان خيار بيع أم خيار شراء‪،‬‬
‫أمالً في أن تكون األسعار خالل فترة الخيار في غير صالح المشتري‪ ،‬بحيث ال يمارس‬
‫المشتري حقه في الشراء أو في البيع‪ ،‬ليربح ـ أي المحررـ حينئذ ثمن الخيار‪ ،‬إذ لو تغيرت‬
‫األسعار في صالح المشتري‪ ،‬فإنه سيمارس حقه في الشراء أو في البيع‪ ،‬وسيضطر المحرر‬
‫في حالة خيار الشراء إذا لم يكن مالكاً لألسهم مثالً إلى شراءها من السوق بالسعر المرتفع‪،‬‬
‫ليسلمها إلى المشتري‪ ،‬كما سيضطر في حالة البيع إذا لم يمكن له غرض في األسهم إلى‬
‫بيعها في السوق بالسعر المنخفض متكبداً في كال الحالتين خسارة تذهب بثمن الخيار الذي‬
‫قبضه من المشتري‪ ،‬وهذا األمر أي إقدام المشتري على ممارسة حقه في الشراء أو البيع أمر‬

‫‪90‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫مجهول للمحرر مبني على أمر مجهول‪ ،‬وهو تغير األسعار‪ ،‬قد يقدم المشتري على ممارسة‬
‫الخيار‪ ،‬فال يحصل للمحرر مقصوده من العقد‪ ،‬وقد ال يقدم على ممارسة الخيار‪ ،‬فيحصل‬
‫للبائع مقصوده‪ ،‬وكل ذلك غرر بالنسبة له(‪.)58‬‬
‫فالغرر موجود في الحصول‪ ،‬أي حصول الربح بسبب ارتفاع السعر وانخفاضه‪ ،‬فقد يضارب‬
‫حامل الخيار على صعود السعر‪ ،‬فيهبط السعر خالفاً لتوقعه ويخسر‪ ،‬وقد يضارب على‬
‫انخفاض السعر فيرتفع السعر خالفاً لتوقعه فيخسر ايضاً‪ ،‬وغرر في المقدار‪ ،‬أي مقدار‬
‫الربح بسبب صدق توقعه‪ ،‬وذلك بسبب عدم معرفة مقدار الفرق بين سعر األصل في تاريخ‬
‫التنفيذ‪ ،‬وبين سعر التنفيذ‪ ،‬فكلما ازداد الفرق بينهما كلما ازداد ربح أحد الطرفين وازدادت‬
‫خسارة الطرفين‪.‬‬
‫وغرر في األجل‪ ،‬أي في أجل حدوث الربح‪ ،‬وذلك يتوقف على تاريخ تنفيذ العقد‪ ،‬فقد ينفذ‬
‫العقد‪ ،‬وقد ال ينفذ‪ ،‬وإذا نفذ العقد فال يعلم متى ينفذ‪ ،‬إذ يتوقف ذلك على رغبة حامل الخيار‬
‫تبعاً للحالة السوقية لألصل محل العقد‪.‬‬
‫كما أن الغرر يقع على مقصود العقد‪ ،‬وليس على أمر تابع له‪ ،‬وعالوة على الغرر الفاحش‬
‫‪59‬‬
‫الذي يحيط بعقود الخيارات‪ ،‬فعقود الخيارات غير المغطاة تتضمن بيع ما ليس عند البائع‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬تحتوي عقود الخيارات على القمار‪ ،‬والقمار من الغرر كما قرر ذلك ابن عبد البر‬
‫فقال‪( :‬بيع الغرر يجمع وجوهاً كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬المجهول كله في الثمن والمثمن‪ ،‬إذا لم يوقف‬
‫على حقيقة جملته‪ ...‬ومن بيوع الغرر بيع اآلبق والجمل الشارد‪ ،‬واإلبل الصعاب في‬
‫المرعى‪ ،‬وكذلك الرمك (الفرس) والبقر الصغار ‪...‬إلخ)(‪ ،)60‬وخالف في ذلك شيخ اإلسالم‬
‫بن تيمية حيث يرى أن الغرر من القمار(‪.)61‬‬
‫والغرر أعم وأشمل من القمار‪ ،‬فهو مطلق التردد وعدم التأكد من حصول المعقود عليه من‬
‫عدمه‪ ،‬بينما القمار هو التردد بين حصول الغنم والغرم‪ ،‬والقمار في عقود الخيار يكمن في‬
‫المعقود عليه‪ ،‬وهو حق المشتري في الممارسة ليكسب‪ ،‬ويقابله خسارة الملتزم أو حق‬
‫المشتري في عدم الممارسة ليخسر‪ ،‬ويقابله كسب الملتزم (محرر االختيار)(‪ ،)62‬والتعامل في‬
‫عقود الخيارات قائم على القمار والميسر على بائع الخيار وعلى مشتريه في الحاالت التي‬
‫تنتهي بالتسوية المالية وهي الغالبة في عقود الخيارات‪ ،‬أما الحاالت التي تنتهي بتسلم وتسليم‬
‫السلعة والثمن فهي نادرة وال يجري فيها القمار‪ ،‬والقمار الذي هو تردد بين الغرم والغنم‬
‫موجود في عقود الخيارات بهذا المعنى‪ ،‬سواء تحققت توقعات محرر االختيار بانخفاض‬

‫‪91‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫األسعار في حالة الشراء أو بارتفاعها في حالة اختيار البيع‪ ،‬ولذا في هذه الحالة فإن مشتري‬
‫الخيار سيخسر ثمن االختيار الذي هو في نفس الوقت ربح لمحرر االختيار‪ ،‬أو تحققت‬
‫توقعات مشتري الخيار وذلك بارتفاع األسعار في حالة اختيار الشراء‪ ،‬أو بانخفاضها في‬
‫حالة اختيار البيع‪ ،‬وفي هذه الحالة فإن مشتري الخيار سيمارس حقه في الشراء كما‬
‫سيمارس مشتري االختيار حقه في البيع‪ ،‬وحينئذ فإن مشتري الخيار سيقبض من المحرر في‬
‫كال نوعي االختيار الفرق بين سعر التنفيذ وسعر السوق الذي سيكون أكثر من المبلغ الذي‬
‫دفعه ثمناً لالختيار‪ ،‬وهذا يمثل ربحاً لمشتري االختيار وخسارة لمحرره(‪.)63‬‬
‫فكل واحد منهما متردد بين الغنم والغرم ألن البائع يضارب على الهبوط‪ ،‬والمشتري يضارب‬
‫على الصعود‪ ،‬فإذا جاء يوم التصفية يتقاضى البائع الفرق من المشتري إذا هبط السعر‪ ،‬أو‬
‫يدفع للمشتري الفرق إذا ارتفع السعر وهذا هو القمار الممنوع‪.‬‬
‫وعقود الخيارات إلى جانب وجود الغرر والقمار فإنهما يحتويان على بيع اإلنسان ماال يملك‪،‬‬
‫وبيع الكالئ بالكالئ وكالهما محرم في الشريعة وقد بينت ذلك عند الحديث عن الغرر في‬
‫التأمين التجاري‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أثر الغرر في عقود االختيارات على االستقرار االقتصادي‪ :‬لم تحرم الشريعة‬
‫اإلسالمية شيئاً إال وضرره أكثر من نفعه‪ ،‬وعقود االختيارات من العقود المحرمة كما بينت‬
‫ذلك سابقاً‪ ،‬الشتمالها على الغرر والقمار والميسر وأكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬وهي وإن‬
‫سميت بيوعاً إال أنها ال تتضمن حكمة مشروعية التبادل‪ ،‬وال تحقق منفعة التبادل التي‬
‫قصدها الشارع من إباحة البيع‪ ،‬وال تحقق مصلحة المتعاقدين في البيع والشراء‪ ،‬بل هي‬
‫تحتوي على مفاسد اقتصادية يتأثر بها المتعاملون بها‪ ،‬وال تحقق الهدف من البيع والشراء‬
‫ألطراف العقد‪ ،‬وهي من أدوات المجازفة على األسعار‪ ،‬وهي من العقود التي تجعل أحد‬
‫أطراف العق د في خسارة‪ ،‬وهذا بالضبط ما يحصل في عقود االختيارات في األسواق المالية‬
‫الدولية‪.‬‬
‫وإن كان هناك بعض الفوائد التي يذكرها الباحثون لعقود الخيارات وهي تلك التي تؤمن‬
‫المستثمرين في السوق المالية‪ ،‬وذلك بحمايتها للمستثمرين من خسارتهم المحتملة ألوراقهم‬
‫المالية‪ ،‬وتساعدهم في جني األرباح سريعاً‪ ،‬ولذلك فإن المستثمرين في عقود الخيارات ال‬
‫يستثمرون استثما اًر حقيقياً فيها‪ ،‬وإنما يستفيدون من تقلبات األسعار فيربحون فارق السعر‬
‫معتمدين على توقعاتهم في االرتفاع واالنخفاض في قيمتها‪.‬‬

‫‪92‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫إال أن سوءها وضررها أكثر من منفعتها‪ ،‬ولم أتطرق هنا لذكر الفوائد واإليجابيات التي‬
‫يستفيد منها بعض أطراف العقد وليس الكل‪ ،‬حيث والبحث يهدف إلى إظهار آثار الغرر‬
‫على هذا العقد‪ ،‬فسأذكر مفاسده وآثاره السلبية على السوق المالية واالقتصاد بشكل عام‪،‬‬
‫ومن آثارها السلبية ما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أنها وسيلة كبيرة للتالعب في أسعار األوراق المالية‪ ،‬ألن الخيارات قائمة على‬
‫المضاربة‪ ،‬والمضاربة فيها طرفان‪ ،‬طرف يتوقع انخفاض سعر األوراق المالية‪ ،‬وطرف آخر‬
‫يتوقع ارتفاعها‪ ،‬فإذا لجأ أحد كبار التجار على البيع على المكشوف وهو يتوقع انخفاض‬
‫السعر‪ ،‬فإن غيره من التجار غالباً ما يحاكونه في هذه السلوك باعتباره قائداً‪ ،‬األمر الذي‬
‫يترتب عليه اتجاه السعر إلى الهبوط‪ ،‬وبالرغم من ذلك وألن التاجر يتوجس خيفة من تقلبات‬
‫السوق وتغير اتجاهات األسعار‪ ،‬فإنه يلجأ إلى بيع عقود الخيارات‪ ،‬وبأسعار زهيدة يغري‬
‫المشترين على الشراء رغم أنه غير راغب في تسليم األوراق المالية في مثل هذه الظروف‪،‬‬
‫كونه لن يطالب أحد بتسليم األوراق مالم يرتفع سعرها‪ ،‬وهكذا يتالعب محرر الخيار‬
‫(‪)64‬‬
‫باألسعار حسب مصلحته‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أن هذه العقود ال تحقق مصلحة طرفي العقد واألصل في العقود أن يستفيد‬
‫منها الطرفان البائع والمشتري‪ ،‬أما هذه فإن ربح طرف يعني خسارة الطرف اآلخر‪ ،‬والعكس‬
‫بالعكس‪ ،‬وهذا يخالف كافة العقود المتعارف عليها شرعاً وقانوناً والتي تحقق مصلحة أطراف‬
‫العقد‪ ،‬وهذه العملية التي تساعد في تحقيق ربح طرف وخسارة آخر تؤثر سلباً على توزيع‬
‫الثروات‪ ،‬ولذا نجد أنها تتركز في أيدي فئة معينة وهي الفئة الرابحة‪ ،‬وهؤالء في الغالب هم‬
‫المتمرسون في السوق وكبار المستثمرين والمضاربين الذي قد خبروا السوق وعرفوا متى‬
‫ارتفاع األسعار ومتى انخفاضها‪( ،‬ولذلك فهم يستطيعون تدوير هذه األموال لصالحهم من‬
‫خالل تأثيرهم على األسعار وتالعبهم بها‪ ،‬وبهذا التدوير لألموال الضخمة من قبل كبار‬
‫المتعاملين سيؤدي إلى إفالس اآلخرين وهم القاعدة األكثر اتساعاً)(‪.)65‬‬
‫‪ 2‬ـ من اآلثار السلبية لعقود الخيارات التي يشوبها الغرر والقمار والميسر‪ ،‬تفشي البطالة في‬
‫المجتمع‪ ،‬وتأثر اإلنتاج االقتصادي‪ ،‬وذلك ألن عقود الخيارات في األسواق المالية تؤمن‬
‫أصحاب رؤوس األموال وتحميهم من مخاطر تقلبات األسعار‪ ،‬ولذا فإن هذه العقود تصبح‬
‫محفزة ألصحاب رؤوس األموال بدفع أموالهم لالستثمار في البورصة‪ ،‬وتوفر لهم األرباح‬
‫الكبيرة عندما تصدق توقعاتهم‪ ،‬وهذا يؤدي إلى عزف كبير عن توجيه هذه الثروات في‬

‫‪93‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫االستثمار الحقيقي واستخدامها في اإلنتاج‪ ،‬وتشغيل اليد العاملة‪ ،‬وأما إذا ازداد ربحاً ازداد‬
‫تعلقاً بالمضاربة في عقود الخيارات‪ ،‬فتصير األموال دولة بينهم دون توجيهها لالستثمار‬
‫الحقيقي واإلنتاج االقتصادي‪.‬‬
‫(وهذه العقود هي من أكبر أسباب األزمة المالية التي حصلت في عام ‪ 2008‬ـ ‪2009‬م‪،‬‬
‫كيف ال وهي عقود وهمية ال ينفذ منها إال نسبة ضئيلة وهذا ما أثبته واقع التعامل بها في‬
‫األسواق المالية‪ ،‬فقد ثبت أن ما نسبته ‪ %98‬من هذه العقود ال يجري تنفيذه‪ ،‬حتى تلك‬
‫النسبة لو تم االتفاق على تنفيذها فإنما يكون ذلك بالتصفية على فروق األسعار دون أن‬
‫يحصل تبادل حقيقي بين الطرفين‪ ،‬فال البائع يقبض الثمن‪ ،‬وال المشتري يقبض السلعة‪ ،‬إنما‬
‫يكتفي أن يأخذ كل واحد منها فرق السعر من اآلخر وبالتالي البد أن يكون واحدا منهما‬
‫خاس ار واآلخر رابحاً‪ ،‬ومن هنا وصف بعض االقتصاديين أن هذه العقود ليست ذات قيمة‬
‫اقتصادية واضحة )(‪.)66‬‬
‫ولو تأملنا في هذه اآلثار السلبية التي يسببها التعامل بعقود الخيارات المالية التضح لنا أن‬
‫أكبر المسببات لها هي المضاربات الوهمية على فروق األسعار التي يسودها الغرر الفاحش‬
‫الذي نهى عنه النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫واإلسالم ال يرغب في هذه االستثمارات القائمة على الغرر والقمار والميسر والربا وأكل أموال‬
‫الناس بالباطل ويحث على االستثمار الحقيقي الذي ينتفع به كل األطراف‪ ،‬ويرغب في‬
‫المشاركة الحقيقية في الربح والخسارة بين أطراف العقد‪ ،‬ليحقق العدالة في المجتمع‬
‫اإلنساني‪ ،‬ويمنع الربا الذي يهدم اقتصاديات البلدان‪ ،‬ويلتهم الثروات‪ ،‬ويحرم نظام المشتقات‬
‫المالية التي يسودها الغرر والجهالة‪ ،‬ويمنع اإلسالم كل ما فيه هالك للمال أو ضياعه‬
‫ويحث على ما يحقق للناس الرفاه االقتصادي ويعمل على التوزيع العادل ألموال وثروات‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الغرر في المسابقات التجارية وأثره على االستقرار االقتصادي ويحتوي‬
‫على ثالثة مطالب‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف المسابقات التجارية وأنواعها‪ :‬وهي مما اُ ِ‬
‫ستحدث من المعامالت‪،‬‬
‫وهي معاوضات مالية تجري بين األفراد‪ ،‬كأوراق اليانصيب والمسابقات بواسطة االتصاالت‬
‫الحديثة‪ ،‬والمسابقة معاملة تقوم على المنافسة بين شخصين فأكثر في تحقيق أمر أو القيام‬
‫به بعوض أو بغير عوض‪.‬‬

‫‪94‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫أوالً‪ :‬تعريف المسابقات التجارية‪ :‬هي المغالبات التي يقيمها أصحاب السلع والخدمات‪،‬‬
‫لجذب المشترين إلى أسواق أو متاجر معينة‪ ،‬أو الترويج لسلع أو خدمات معينة‪ ،‬أو تنشيط‬
‫(‪)67‬‬
‫المبيعات‪.‬‬
‫والمسابقات التجارية منها ما هو جائز ومنها ما هو غير جائز شرعاً‪ ،‬وسأكتفي هنا ببيان‬
‫المسابقات الغير مشروعة التي تحتوي على الغرر الفاحش والتي لها أثر سلبي على‬
‫االقتصاد‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬أنواع المسابقات التجارية‪:‬‬
‫أ ـ أوراق اليانصيب‪ :‬وأوراق اليانصيب كما عرفها بعضهم أنها لعبة يساهم فيها عدد كبير‬
‫من الناس‪ ،‬كل يدفع مبلغاً صغي ار ابتغاء كسب النصيب‪ ،‬والنصيب مبلغ أو عدة مبالغ وقد‬
‫يكون شيئا أو عدة أشياء توضع تحت السحب‪ ،‬فيكون لكل مساهم رقم معين ويسحب من‬
‫بين هذه األرقام عن طريق الحظ المحض الرقم أو األرقام الفائزة ويصرف الباقي للجهة‬
‫(‪)68‬‬
‫المنظمة‪.‬‬
‫ويتضح من خالل التعريف السابق ألوراق اليانصيب بأنها مسابقة تعتمد على الحظ بشكل‬
‫مطلق‪ ،‬فالذي يشتري ورقة اليانصيب تكاد تكون فرصته للفوز بالجائزة معدومة‪ ،‬فهي تعتمد‬
‫على محض الصدفة ال غير‪ ،‬وهذه صورة مشابهة لما كانت عليه الجاهلية األولى من ضرب‬
‫القداح على أجزاء الجزور قما اًر‪.‬‬
‫وعملية اليانصيب تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اليانصيب الخيري‪ :‬هو الذي تقوم الجهات المنظمة له بعد إعطاء الفائز جائزة اليانصيب‬
‫بصرف المبالغ المتبقية في مشاريع الخير المختلفة‪.‬‬
‫(‪)69‬‬

‫‪ 2‬ـ اليانصيب التجاري‪ :‬هو الذي تقوم فيه الجهات المنظمة للسباق بعد إعطاء الفائز جائزة‬
‫النصيب‪ ،‬بصرف ما تبقى من أموال للجهة المنظمة التي يكون لها حرية التصرف‬
‫‪70‬‬
‫باألموال‪.‬‬
‫ب ـ المسابقات بواسطة االتصاالت الحديثة‪ :‬وهذه المسابقات ال يكاد يخلو بيت من بيوت‬
‫المسلمين منها‪ ،‬وهي تنشط في بعض المواسم مثل رمضان واألعياد‪ ،‬فتقوم الجهات برصد‬
‫عدد من الجوائز يستبق عليها من يجد في نفسه الكفاءة واالهتمام‪ ،‬وتتوزع موضوعات‬
‫المسابقة في الفكر والتاريخ والعلوم و ‪....‬وال يعرف المتسابقون بعضهم بعضاً‪ ،‬وغالباً ما‬
‫يكون االشتراك في هذا النوع من المسابقات مفتوحاً للجميع‪ ،‬ويشترط في المشارك أن يتحمل‬

‫‪95‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫سعر المكالمة التي يراد فيها نتيجة اتصاله ويكون هذا المبلغ للجهات المنظمة‪ ،‬وأما جوائزها‬
‫فهي من مجموع االشتراكات التي تدفع على المكالمات(‪.)71‬‬
‫ولذلك فإن الذي يتصل يغرم قيمة االتصال‪ ،‬وهو في الغالب يكون ذا سعر مضاعف عن‬
‫السعر االعتيادي‪ ،‬والمتصلون كثر فتربح الجهة المنظمة مبالغ كبيرة والجائزة تكون لعدد‬
‫محدد‪ ،‬وتجعل الناس يتوهمون بأنهم سيربحون فيعتمدون على هذه المعامالت التي تعتمد‬
‫على الجهالة والحظ وتدعو إلى الكسل وإهمال العقل في التفكير اإلنتاجي واالستثماري‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الغرر في المسابقات التجارية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الغرر في أوراق اليانصيب‪ :‬واليانصيب بنوعيه الخيري والتجاري يعتبر نوعاً من أنواع‬
‫الغرر والقمار وهو محرم شرعاً‪ ،‬والغرر ال يجعل العقد محرماً إال إذا كان غر اًر فاحشاً‪ ،‬وال‬
‫شك أن الغرر في أوراق اليانصيب كثي اًر‪ ،‬وهو في المعقود عليه أصالة‪ ،‬وهو الجائزة أو‬
‫العوض عن الثمن المدفوعة من جهة المشاركين‪ ،‬إذ أن المشارك يدفع قيمة االشتراك وقد‬
‫يربح الجائزة فيكون غانماً‪ ،‬وقد ال يربح شيئاً فيكون غارماً‪ ،‬وعين القمار والقمار من الغرر‪،‬‬
‫إضافة إلى ذلك فاليانصيب من أكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬وتضييع ألوقات الناس وبعثرت‬
‫جهودهم وتعطيل لروح البناء واإلنتاج في األمة‪.‬‬
‫والقائمون على اليانصيب يفترضون موت نوازع الخير وبواعث الرحمة ومعاني البر في‬
‫المجتمع‪ ،‬وال سبيل إلى جمع األموال إال بالقمار واللهو المحظور‪ ،‬فالذي يستبيحون‬
‫(‪)72‬‬
‫اليانصيب كالذين يجمعون التبرعات بفعل المحرمات‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬الغرر في المسابقات بواسطة االتصاالت الحديثة‪ :‬وهذه المسابقات من عقود‬
‫المعاوضات المالية‪ ،‬وهي تحتوي على الغرر الكثير الذي يجعلها محرمة شرعاً وذلك ألن‬
‫المتسابق يدفع قيمة االتصال‪ ،‬ويدفعها مثله آالف المتصلين‪ ،‬وكل واحد منهم ال يدري هل‬
‫سيحصل على الجائزة أم ال‪ ،‬ولذلك قد يكون في هذه المسابقة غارماً وغانماً‪ ،‬بل واألكثر‬
‫يغرمون وال يفوز إال القلة‪ ،‬فالذي يغرم ال يحصل على شيء مما دفع‪ ،‬والذي يغنم يحصل‬
‫على شيء أكثر مما دفعه بكثير‪ ،‬وهذا هو عين القمار والغرر‪ ،‬والجوائز التي يحصل عليها‬
‫المتسابقون هي األصل الذي يؤثر فيه الغرر‪ ،‬ألنها المعقود عليه أصالة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أثر الغرر في المسابقات التجارية على االستقرار االقتصادي‪ :‬ذكرت آنف ًا‬
‫أن المسابقات التجارية مثل أوراق اليانصيب والمسابقات عن طريق االتصاالت الحديثة هي‬
‫من القمار والغرر والميسر‪ ،‬ولهما آثار سلبية على االستقرار االقتصادي منها‪:‬‬

‫‪96‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫‪ 1‬ـ أن األغلبية من الناس الذين يشاركون في مسابقات أوراق اليانصيب والمسابقات التجارية‬
‫عن طريق االتصاالت يخسرون أموالهم‪ ،‬والرابحون هم القلة القليلة وبنسبة ضئيلة جداً‪ ،‬وهذا‬
‫يعتبر من إهدار األموال فيما ال ينفع وال يفيد‪ ،‬ولو تم توجيه هذا األموال في االستثمار لكان‬
‫أنفع لألفراد والمجتمع‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تؤدي هذه المسابقات إلى النمو السريع لثروات المنظمين لها‪ ،‬فيصبحون أثرياء في وقت‬
‫وجيز مما يدفع بهم إلى أعمال غير مشروعة مثل غسيل األموال وذلك لتبرير هذه المكاسب‪،‬‬
‫وإظهارها بمظهر المكاسب الحالل الناتجة عن استثمارات حقيقية‪ ،‬مع أنها أموال مشبوهة‬
‫محرمة تضر بالمجتمع بأكمله‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ المسابقات التجارية من أكبر عوامل انتشار البطالة‪ ،‬حيث يتفرغ كثير من الشباب لهذه‬
‫المسابقات لهثاً وراء المكاسب والجوائز التي ال يعرف هل سيحصلون عليها أم ال‪ ،‬ونسبة‬
‫عدم الحصول عليها ‪ ،%99‬واألصل أن الحكومات والدول الناصحة لرعاياها توفر فرص‬
‫العمل الحقيقية لمواطنيها‪ ،‬وذلك بإنشاء المصانع والمزارع‪ ،‬والتشجيع عليها‪ ،‬فتستفيد من هذا‬
‫الكادر البشري‪ ،‬وذلك لتنمية المجتمع وزيادة اإلنتاج وتوجيه المال إلى المسار الصحيح‪،‬‬
‫والمقصد الشرعي من األموال كلها خمسة أمور‪ :‬رواجها‪ ،‬ووضوحها‪ ،‬وحفظها‪ ،‬وثباتها‪،‬‬
‫والعدل فيها‪ ،‬فالرواج دوران وتداول المال بين أيدي أكثر من يمكن من الناس بوجه حق‪ ،‬قال‬
‫ض يب َت ُغو َن ِمن َف ْض ِل َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا) المزمل‪ ،20‬وقال النبي صلى‬ ‫(وآ َخُرو َن َي ْض ِرُبو َن في ْاألَْر ِ َ ْ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫عليه وسلم‪( :‬ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً فيأكل منه أو إنسان أو بهيمة إال‬
‫كان له به صدقة)(‪ ،)74()73‬والقمار والميسر ال تمت إلى هذه المقاصد بصلة‪ ،‬وهي بعيدة‬
‫عنها كل البعد‪ ،‬بل إن شيوعه وانتشاره يعطل األنشطة االقتصادية المختلفة‪ ،‬وتنتشر البطالة‬
‫بين الناس‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الغرر في التسويق الشبكي وأثره على االستقرار االقتصادي ويحتوي على‬
‫ثالثة مطالب‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف التسويق الشبكي وتكييفه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تعريف التسويق الشبكي‪ :‬وهو عبارة عن برنامج تسويقي يمنح المشاركين فيه شراء‬
‫حق التوظيف‪ ،‬لمزيد من المشاركين وبيع المنتجات أو الخدمات‪ ،‬والتعويض عن المبيعات‬
‫عن طريق األشخاص الذين قاموا بتجنيدهم‪ ،‬فضالً عن المبيعات الخاصة بهم(‪.)75‬‬

‫‪97‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫وقد يختلط مفهوم التسويق الشبكي والتسويق الهرمي‪ ،‬فالتسويق الهرمي هو نموذج يقوم على‬
‫ما يجمع من المشتركين فيها بدفعه على نقد أو خدمة أو معلومة‪ ،‬مقابل جلب مشتركين‬
‫آخرين لالنضمام في المنطقة‪ ،‬أو تدريبهم لجلب أعضاء آخرين‪ ،‬والتركيز الرئيسي في هذه‬
‫العملية هو جلب مشتركين جدد‪ ،‬ولذلك سمي هذا النظام بالهرم‪ ،‬ألن المشتركين الجدد‬
‫ُيضافون تحت من سبقهم من المشتركين مما يكون هرماً‪ ،‬أعاله مؤسس المنظمة أو مندوبه‬
‫(‪)76‬‬
‫وأدناه آخر المشتركين انضماماً‪.‬‬
‫والتسويق الهرمي ال يقوم على بيع وشراء السلع بيعاً حقيقياً‪ ،‬وإذا دخلت السلعة فإنه يتم بيعها‬
‫للمشتركين فقط‪ ،‬أو لمن أراد االشتراك‪ ،‬وغالبها قائم على االشتراكات المالية المجردة بين‬
‫األعضاء‪ ،‬وقد قامت القوانين العربية بحظر التسويق الهرمي‪ ،‬وتصنيفها ضمن معامالت‬
‫الغش التجاري‪ ،‬وهو ممنوع ومحارب في أمريكا ومعظم دول أوروبا وآسيا وجنوب أفريقيا‬
‫وغيرها‪ ،‬وقد تم التحذير منه من مثل هذا النوع من التعامل‪ ،‬وقد حذر الكثير من‬
‫االقتصاديين الغربيين من خطورة هذا النوع على االقتصاد الوطني واإلضرار بمصالح‬
‫المتعاملين‪ ،‬كما حذرت أمريكا من هذا النوع من التسويق الهرمي على الموقع الرسمي على‬
‫(‪)77‬‬
‫االنترنت‪.‬‬
‫ولذلك فالتسويق الهرمي يشترك مع التسويق الشبكي في أنهما يقومان على وعود للمستهلكين‬
‫والمستثمرين على جني أرباح كبيرة تستند على تجنيد آخرين لالنضمام لبرنامجهم‪ ،‬وليس‬
‫على أساس استثمار حقيقي أو بيع حقيقي لمنتجاتهم‪ ،‬فال يوجد مبيعات تجزئة في األسواق‬
‫أو للمستهلكين‪ ،‬بل تقتصر المبيعات على المجندين داخل الهرم‪.‬‬
‫وتشترط شركات التسويق الشبكي على من سيدخل معهم في هذه الشبكة أن يشتري هو أو ً‬
‫ال‬
‫من هذا المنتج‪ ،‬وذلك مقابل حصوله على فرصة للتسويق لمنتجات الشركة‪ ،‬وحصوله على‬
‫العمولة المخصصة مقابل كل شخص يقنعه بالشراء من منتجات الشركة‪ ،‬والشخص الذي تم‬
‫إقناعه بالشراء يحصل على نفس المميزات التي حصل عليها من أقنعه بذلك إن أقنع غيره‬
‫بالشراء وهكذا‪ ،‬وبهذا تتكون شبكة كبيرة من المسوقين كلهم يشترون وكلهم يبحثون عن‬
‫العمولة مقابل إقناعهم للمستهلكين وترويجيهم للسلعة‪.‬‬
‫(‪)78‬‬
‫ثانياً‪ :‬تكييف التسويق الشبكي حسب صوره وأنواعه ينقسم إلى أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬تكييف ما تتفق عليه أغلب شركات التسويق الشبكي الهرمي هو اشتراط شراء‬
‫منتج للشركة للحصول على حق التسويق والحصول من ثم على العموالت‪ ،‬وتنظيم المشترين‬

‫‪98‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫المسوقين في شبكة وهرم المستويات وطبقات بعضها فوق بعض‪ ،‬يحصل األعلى درجة‬
‫واألقدم عمولة عن شراء وانضمام من تحته ومن تحت تحته وهكذا‪ ،‬األعلى يحصل على‬
‫عمولة عن بيع األقل درجة‪.‬‬
‫فالمشترون هم المسوقون‪ ،‬وشراء السلعة غير مقصود بعينه وإنما هو وسيلة لالنضمام إلى‬
‫قائمة المسوقين للحصول على الغرض الرئيسي وهو العموالت‪ ،‬فشراء السلعة في العقد هو‬
‫وسيلة وليس غاية‪.‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬تكييف ما تدعيه بعض شركات التسويق الشبكي من أنها ال تشترط شراء‬
‫المنتج لالنضمام إلى طبقات المسوقين وشبكاتهم وإنما تشترط دفع رسم مالي فقط‪ ،‬وإنشاء‬
‫مركز مالي يتضمن دفع مبلغ مالي للحصول على حق التسويق‪ ،‬والحصول على العموالت‬
‫االحتمالية المعلن عنها مقابل إغراء مجموعة من الناس لشراء المنتج واالنضمام إلى الشبكة‬
‫التسويقية‪ ،‬فاإلعفاء من الشراء هو عن المشتري األول وليس عمن جاء من طريقه‪.‬‬
‫والقسم الثالث‪ :‬تكييف التسويق الشبكي إذا كانت األموال الموعود بها المشتري المسوق‬
‫قائمة على الوعد والهبة االحتمالية وليست قائمة ومرتبطة بالتسويق‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الغرر في التسويق الشبكي‪ :‬وبناء على ما سبق من ذكر تكييف التسويق‬
‫الشبكي فهو يحتوي على اآلتي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الغرر الكثير ألن المشتري ال يقدم على شراء السلعة إال أمالً في الحصول على‬
‫العموالت مستقبالً‪ ،‬واألرباح االحتمالية المجهولة التحقق‪ ،‬فهو غرر وتغرير‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يحتوي هذا العقد على القمار والميسر وذلك أن المشتري يبحث عن العموالت االحتمالية‬
‫المجهولة وهذه العموالت ممكن أن تزيد فيغنم‪ ،‬وممكن انخفاضها عما دفعه في الشراء أو‬
‫تنعدم فيغرم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬وهذه العلة تتحقق في جوهر نظام التسويق القائم على ربط‬
‫الناس ونظمهم في طبقات يأكل بعضهم من جهد بعض‪ ،‬والشركة تأكل من جهد الجميع دون‬
‫وجه حق‪ ،‬فهو أكل لألموال بالباطل‪ ،‬وشراء المنتج فيه يكون صورياً للوصول إلى العموالت‬
‫‪79‬‬
‫واألموال الموعودة االحتمالية‪ ،‬وهذا من الحيل المذمومة الستبانة القمار والميسر‪.‬‬
‫وبناء عليه فإن التسويق الشبكي يحتوي على الغرر الكثير حيث يشتري السلعة للحصول‬
‫على عمولة غير متحققة الحصول‪ ،‬فقد يحصل عليها وقد ال يحصل‪ ،‬فيخسر ذلك‪ ،‬فوجوده‬

‫‪99‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫مجهول‪ ،‬وهذا عين الغرر‪ ،‬ولذلك فإن التسويق الشبكي محرم شرعاً وقد ذهب إلى ذلك‬
‫جمهور العلماء المعاصرين‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أثر الغرر في التسويق الشبكي على االستقرار االقتصادي‪ :‬وبسبب‬
‫المحظورات الشرعية على التسويق الشبكي وأبرزها الغرر‪ ،‬فإن هناك آثا اًر سلبية للتسويق‬
‫الشبكي على االستقرار االقتصادي من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ عدم تحقيق الكفاءة االقتصادية لمفهوم التسويق‪ ،‬ومن المعلوم أن مفهوم التسويق الكفء‬
‫يجب أن يختصر التكاليف والوقت ويستجيب مع التطور التكنلوجي‪ ،‬وقد ظهر التسويق‬
‫الشبكي وانتشر في الواليات المتحدة األمريكية في الفترة التي سبقت عصر اإلنترنت‬
‫واالتصاالت السريعة‪ ،‬وكانت الحاجة له مدفوعة من التكلفة العالية للتوزيع والشحن والتخزين‬
‫التي تتكبدها الشركات المصنعة لمنتجات عدد مستهلكيها قليل‪ ،‬وتوزيعهم على مستوى‬
‫جغرافي كبير‪ ،‬وقد قام التسويق الشبكي بحل هذه اإلشكالية عن طريق خفض التكاليف‬
‫والمصاريف المتعلقة باستئجار معارض ومستودعات وتوظيف مندوبين مبيعات وفنيي‬
‫صيانة‪ ،‬واالنتشار الجغرافي عن طريق نظام شبكة الموزعين‪.‬‬
‫(‪)80‬‬

‫فمما يثير التساؤالت حول الشركات التي تستخدم هذا النظام في الوقت الحالي‪ ،‬أن هذا‬
‫النظام أساساً نشأ وازدهر في بيئة كانت تحتاج لهذا النوع من التسويق‪ ،‬ففي الفترة قبل‬
‫اإلنترنت وقبل االتصاالت السريعة‪ ،‬كان من الصعب إن لم يكن مستحيالً إيصال رسالة أو‬
‫إقناع مزارع أو فالح في قرية نائية بأهمية منتج قد يسهل حياته‪ ،‬أو يزيد من إنتاجيته‪ ،‬وأما‬
‫اآلن فمع وجود التقنية أصبح بإمكان المشتري في قرية صغيرة من أقاصي البالد طلب منتج‬
‫من الطرف اآلخر من العالم بضغطة زر خالل عشر دقائق ويصله إلى أقرب مدينة كبيرة‬
‫إن لم يكن إلى باب بيته خالل أسابيع قليلة‪ ،‬وبالتالي اختفى الداعي لوجود نظام تسويق‬
‫(‪)81‬‬
‫شبكي بالكثافة المرجوة حالياً‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التسويق الشبكي ليس له من مسمى التسويق الحقيقي نصيب‪ ،‬حيث يفقد موضوع‬
‫الترويج للسلع والخدمات التي يمكن أن تقدمها الشركات والمؤسسات اإلنتاجية‪ ،‬ولذلك من‬
‫المعلوم عند خبراء التسويق أن شركات التسويق الشبكي تكون مبيعاتها لغير ممثلي الشركة‬
‫أو الراغبين في الدخول في هذه الشبكة ال يتجاوز إال نسبة ضئيلة جداً‪ ،‬ولذلك يقول‬
‫فيتزباتريك‪( :‬أن أضخم شركات التسويق الشبكي تعترف بأن حجم مبيعاتها لغير ممثلي‬
‫الشركة والراغبين في إنشاء شبكة تسويقية ال يتجاوز ‪ %18‬فقط)(‪.)82‬‬

‫‪100‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫‪ 3‬ـ شركات التسويق الشبكي بيئة خصبة لالحتيال والنصب‪ ،‬يقول فيتزباتريك‪( :‬أن الخداع‬
‫هو من السمات المميزة والمتأصلة في جميع أنظمة التسويق الشبكي وهو ضروري وال يمكن‬
‫االستغناء عنه لتسويق تلك األنظمة‪ ،‬فغالبية من يستثمر في التسويق الشبكي يكتشف في‬
‫النهاية أنه صفقة خاسرة‪ ،‬وهذه حقيقة تاريخية مؤكدة‪ ،‬ويضيف بأننا إذا ما قمنا بإزالة بريق‬
‫المشروع التجاري وفرصة تحقيق األرباح الكبيرة من عملية بيع السلعة بالتسويق الشبكي تجد‬
‫أنك أمام نموذج غير عملي أو إنتاجي من أساليب البيع‪ ،‬فالتسويق من فرد لفرد هو نموذج‬
‫من الماضي السحيق وليس المستقبل‪ ،‬والتسويق مباشرة من الفرد ألقربائه أو أصدقائه يتطلب‬
‫منهم تغيير عاداتهم الشرائية‪ ،‬ففي هذا النموذج تكون اختياراتهم للسلع محدودة وال تمثل‬
‫التنوع الكبير الموجود في الموالت مثالً‪ ،‬وغالبية األحيان تكون المنتجات ـ وإن كانت عالية‬
‫الجودة ـ منتجات غالية الثمن عن وضعها الطبيعي)(‪.)83‬‬
‫وهذه األسباب التي توضح عدم جدوى أو كفاءة التسويق من فرد لفرد والتي هي مسؤولة عن‬
‫الوضع الحقيقي لشركات التسويق الشبكي التي هي بيع الفرصة الوهمية لتحقيق أرباح كبيرة‬
‫للعديد من الراغبين في االستثمار وليس البيع الفعلي للمنتجات‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ التسويق الشبكي يدفع كثير من الناس إلى الشراء من السلع التي تروجها هذه الشركات‬
‫طمعاً في الحصول على العموالت التي سيحصلون عليها بتسويقهم لهذه السلع فيما بعد‪،‬‬
‫وهذا يهدر ثروات المجتمع وينهك اقتصادهم‪ ،‬ويأخذ وقتهم وجهدهم‪ ،‬والتي كان في األصل‬
‫أن تستخدم هذه األموال وهذه الطاقات وهذه األوقات في التنمية الحقيقية‪ ،‬وفي االستثمار‬
‫الحقيقي الذي يدفع بعجلة التنمية إلى األمام‪.‬‬
‫يقول الدكتور رضا عبد السالم‪( :‬التسويق الشبكي يعتبر استنزافا ألموال المنتج لصالح‬
‫شركات التسويق الشبكي‪ ،‬عن طريق بيع منتجات بأضعاف ما تستحقه‪ ،‬وإشغال كثير من‬
‫الشباب عن التركيز في األعمال التي تعود عليهم وعلى مجتمعهم بالتنمية والتطوير إلى‬
‫(‪)84‬‬
‫أعمال تستنزف أموال المجتمع وتضيع أوقات الشباب الطامحين)‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ التسويق الشبكي يعد صورة من صور الغش التجاري‪ ،‬وهو ال يختلف كثي اًر عن التسويق‬
‫الهرمي كما ذكرت سابقاً‪ ،‬والذي منعت منه القوانين واألنظمة‪ ،‬فالتسويق الشبكي كالهرمي‬
‫يجعل أتباعه يحلمون بالثراء السريع‪ ،‬لكنهم في الواقع ال يحصلون على شيء‪ ،‬ألنهم‬
‫يقصدون سراباً‪ ،‬بينما تذهب معظم المبالغ التي يتم جمعها من خاللهم إلى أصحاب الشركة‬
‫والمستويات العليا في الشبكة‪.‬‬

‫‪101‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫وأخي اًر فإن التسويق الشبكي بيع للوهم والنصب واالحتيال على الشعوب المهضومة‪ ،‬وقد‬
‫قامت إحدى الدوريات المتخصصة وهي دورية (بورصات وأسواق) إحصاء تناول الموضوع‬
‫من جهة أخرى على أساس الرابحين والخاسرين فكان النتيجة كاآلتي‪:‬‬
‫(‪)85‬‬

‫‪ %75‬من المشتركين ال يربحون شيئاً وهم طبعاً المستويات األخيرة الرابع والخامس‪.‬‬
‫‪ %12.5‬من المشتركين يحصلون على ‪ $250‬وبالتالي يخسرون ‪ $350‬وهم المستوى‬
‫الثالث‪.‬‬
‫‪ %6.25‬من المشتركين يحصلون على ‪ $500‬وبالتالي يخسرون ‪ $100‬وهم المستوى‬
‫الثاني‪.‬‬
‫أما المستوى األول فهم الرابحون ونسبتهم هي ‪ %6.25‬ولكن أرباحهم تتفاوت من أرباح‬
‫بسيطة في المستويات المتأخرة إلى أرباح خيالية عند المستويات األولى‪.‬‬
‫ولذا فإن التسويق الشبكي كارثة اقتصادية تستهدف الضعفاء والبسطاء والفقراء وتجعلهم‬
‫الوهم‪ ،‬فال هم من حافظ على أمواله ويستثمرها استثما اًر صحيحاً‪ ،‬والهم الذين‬ ‫يعيشون‬
‫األموال التي يحلمون بها‪ ،‬وهؤالء تذهب أموالهم وممتلكاتهم إلى هذه الشركات‬ ‫يربحون‬
‫فتتضاعف أرباحها وتنمو ثرواتها‪ ،‬فنحن أمام نازلة اقتصادية يجب أن يقف المجتمع وتقف‬
‫الدولة لها بالمرصاد وتمنع كل من يفكر في عمل مثل هذه الشركات‪.‬‬
‫الخاتمة وتحتوي على أهم النتائج والتوصيات وهي كاآلتي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ مع أن المعامالت المعاصرة لم تكن موجودة في عهد التشريع اإلسالمي‪ ،‬إال أن الشريعة‬
‫اإلسالمية قادرة على معالجة هذه القضايا وتوضيح أحكامها الشرعية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الغرر الذي يؤثر في المعامالت المالية المعاصرة هو الغرر الكثير الفاحش‪ ،‬وهو موجود‬
‫في التأمين التجاري وعقود الخيارات والتسويق الشبكي والمسابقات التجارية وكلها محرمة‬
‫شرعاً بسبب احتوائها عليه‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ األغلبية من الناس الذين يدخلون في هذه المعامالت المالية يخسرون أموالهم‪ ،‬وال يجني‬
‫األرباح منهم إال القلة‪ ،‬وذلك بسبب الجهالة والقمار والميسر المفضية إلى أكل أموال الناس‬
‫بالباطل‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تكدس األموال بأيدي قلة من الناس وتعطيلها عن اإلنتاج‪ ،‬وإبطال حقوق اآلخرين‪ ،‬ودفع‬
‫الناس إلى إهالك أموالهم ألجل الحصول على مبالغ التأمين‪ ،‬من أهم اآلثار السلبية لعقد‬
‫التأمين التجاري‪.‬‬

‫‪102‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬
‫‪ 5‬ـ التالعب في أسعار األوراق المالية‪ ،‬وتفشي البطالة في المجتمع‪ ،‬وتأثر اإلنتاج التي‬
‫تسببها المضاربات الوهمية والمحتوية على الجهالة والقمار هي من أهم آثار الغرر المؤثر‬
‫على االستقرار االقتصادي‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ من أهم اآلثار السلبية لالقتصاد من الغرر في التسويق الشبكي هي عدم تحقق الكفاءة‬
‫االقتصادية لمفهوم التسويق‪ ،‬حيث ينحصر التسويق في شبكة محددة هم المسوقين وهم‬
‫المستهلكين في نفس الوقت‪ ،‬وكذلك تعتبر صورة من صور الغش التجاري الذي يؤثر على‬
‫استقرار االقتصاد‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ يوصي الباحث المراكز البحثية المتخصصة في االقتصاد اإلسالمي والمعامالت المالية‬
‫أن يكثفوا من أبحاث المعامالت المالية إليجاد البدائل المناسبة والخالية من المحظورات‬
‫الشرعية المؤثرة تأثي ار سلبياً‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ أوصي الجهات المنظمة لهذه المعامالت سواء جهات حكومية أو خاصة‪ ،‬جماعية أو‬
‫فردية التخلي عن هذه المعامالت والعدول عنها إلى البدائل الشرعية‪ ،‬وعدم التقليد األعمى‬
‫لكل ما يأتي لنا من الخارج‪ ،‬ففي ديننا ما يغنينا عن هذه التعامالت‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫‪ 1‬الفيومي‪ ،‬المصباح المنير ‪ 545/2‬مادة غرر‪ ،‬ط‪ .‬دار المعارف ـ القاهرة‪.‬‬


‫‪ 2‬القرافي‪ ،‬الفروق ‪ ،266/3‬ط‪ .‬عالم الكتب‪.‬‬
‫‪ 3‬الفيومي‪ ،‬المصباح المنير ‪.545/2‬‬
‫‪ 4‬الركبي‪ ،‬ابن بطال‪ ،‬النظم المستعذب في شرح غريب المهذب ‪ 262/1‬ط‪ .‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ 5‬الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع ‪ ،163/5‬دار الكتاب العربي ـ لبنان ط‪ .‬الثانية ‪1402‬ه ‪1982 /‬م‪.‬‬
‫‪ 6‬الباجوري‪ ،‬حاشية الباجوري على شرح ابن القاسم ‪ ،346/1‬دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫‪ 7‬محمد بن رشد‪ ،‬ابن رشد‪ ،‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد ‪ ،479/3‬دار الحديث ـ القاهرة ط‪ .‬بدون ‪ 1425‬ـ‬
‫‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ 8‬العنقري‪ ،‬حاشية العنقري على الروض المربع ‪ 36/2‬مطبعة السعادة‪ ،‬القاهرة ‪ 1397‬ـ ‪1977‬م‪ ،‬مكتبة‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫‪ 9‬ابن القيم‪ ،‬إعالم الموقعين عن رب العالمين ‪ ،28/2‬مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬مطابع السالم‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1388‬هـ ـ ‪1968‬م‬
‫‪ 10‬الجوهري‪ ،‬إسماعيل بن حماد تاج اللغة وصحاح العربية ‪ ،72/3‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬ط‪.‬‬
‫الرابعة‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 11‬العجوري‪ ،‬سامي‪ ،‬نظرية العقد لدى الشيخ مصطفى الزرقا دراسة فقهية مقارنة‪ ،‬ص‪ ،14‬سامي العجوري‪،‬‬
‫رسالة ماجستير ـ غزة ‪ 1434‬ـ ‪.2013‬‬
‫‪ 12‬الزركشي‪ ،‬المنثور في القواعد الفقهية ‪ ،379/2‬دار الكويت للصحافة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1405‬هـ ـ ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ 13‬ابن رجب‪ ،‬القواعد‪ ،‬القاعدة الثانية والخمسون ص‪ ،78‬دار الكتب العلمية ـ بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬

‫‪103‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫‪ 14‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،476/11‬دار صادر ـ بيروت‪ ،‬ط‪1414 ،3.‬هـ‪.‬‬


‫‪ 15‬شبير‪ ،‬محمد عثمان‪ ،‬المعامالت المالية المعاصرة ص‪ ،12‬ط‪ 6.‬دار النفائس‪1427 ،‬هـ ـ ‪2007‬م‪.‬‬
‫‪ 16‬قلعجي‪ ،‬قتيبي‪ ،‬محمد رواس وحامد قنيبي‪ ،‬معجم لغة الفقهاء ص‪ ،314‬دار النفائس ـ بيروت ط‪،10.‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ 17‬الحميري‪ ،‬نشوان‪ ،‬شمس العلوم ودواء كالم العرب من الكلوم ‪ ،5337/8‬تحقيق‪/‬د‪ .‬حسين العمري‬
‫وآخرون‪ ،‬ط‪1420 .‬هـ ـ ‪1999‬م‪ .‬دار الفكر (دمشق ـ سورية)‪ ،‬دار الفكر المعاصر (بيروت ـ لبنان)‪.‬‬
‫‪ 18‬عمر‪ ،‬أحمد مختار عبد الحميد‪ ،‬معجم اللغة العربية المعاصرة ‪ ،1354/2‬ط‪ 1429 ،10.‬ـ ‪2008‬م‪ ،‬عالم‬
‫الكتب‪.‬‬
‫‪ 19‬معجم لغة الفقهاء ص‪.64‬‬
‫‪ . 20‬الجبوري‪ ،‬الزاملي‪ ،‬دعاء محمد وبتول‪ ،‬دور اإلنفاق الحكومي في تحقيق االستقرار االقتصادي في‬
‫العراق‪ ،‬بحث منشور في مجلة القادسية للعلوم اإلدارية واالقتصادية المجلد ‪ 16‬العدد ‪ 1‬لسنة ‪ ،2014‬ص‬
‫‪2014، 192‬م‪.‬‬
‫‪ 21‬أخرجه مالك في الموطأ ‪ 464 /2‬برقم ‪ ،75‬وأحمد في مسنده ‪ 480 /4‬برقم ‪ ،2752‬ومسلم في صحيحه‬
‫‪ 1153/3‬برقم ‪.1513‬‬
‫‪ 22‬العدوي‪ ،‬أبو الحسن علي بن أحمد الصعيدي‪ ،‬حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني ‪ ،152/2‬دار الفكر‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ .‬بدون ‪1414‬هـ ـ ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ 23‬القرافي‪ ،‬الفروق ‪ ،266/3‬عالم الكتب‪ ،‬بدون طبعة أو تاريخ‪.‬‬
‫‪ 24‬النووي‪ ،‬يحي بن شرف‪ ،‬المجموع شرح الهذب ‪ ،258/9‬دار الفكر‪ ،‬طبعة كاملة معها تكملة السبكي‬
‫والمطيعي‪.‬‬
‫‪ 25‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة (‪ )133/1‬دار الجيل‪ ،‬بيروت ط‪1977 1.‬م‪.‬‬
‫‪ 26‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪.107/1‬‬
‫‪ 27‬السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون ‪.1080/7‬‬
‫‪ 28‬حكيم‪ ،‬جمال حكيم‪ ،‬عقود التأمين من الناحيتين التأمينية والقانونية ‪ 33/1‬دار المعارف ـ القاهرة ‪1965‬م‪.‬‬
‫‪ 29‬انظر‪ :‬شبير‪ ،‬المعامالت المالية المعاصرة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص‪ 93‬ط‪ 6.‬دار النفائس ‪2007/1427‬م‪،‬‬
‫وغريب الجمال‪ ،‬التأمين والبديل اإلسالمي ص‪ ،22‬دار االعتصام ـ القاهرة‪ ،‬سامي حاتم‪ ،‬التأمين الدولي‬
‫ص‪ ،77‬ط‪ 2.‬الدار المصرية اللبنانية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ 30‬أخرجه مسلم في صحيحه ‪ 1153/3‬برقم ‪.1513‬‬
‫‪ 31‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ 32‬انظر‪ :‬تريحان مريجان‪ ،‬الغرر وتطبيقاته في المعامالت المعاصرة ص‪ ، ،26‬جامعة سوراكارتا المحمدية‬
‫‪ 1437‬ـ ‪2015‬م‪ ،‬وهذا البحث خالصة للنشر‪ ،‬استخلصها من رسالة الماجستير‪.‬‬
‫‪ 33‬القرطبي‪ ،‬أبو عبدهللا محمد بن أحمد الجامع ألحكام القرآن ‪ ،53/3‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‬
‫‪1965‬م‪.‬‬
‫‪ 34‬السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬الوسيط في القانون ‪ ،985/7‬دار إحياء التراث العربي ـ بيروت‬
‫‪ 35‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم‪ ،‬مجموع الفتاوى ‪ ،385/28‬دار العربية ـ بيروت‪.‬‬
‫‪ 36‬شبير‪ ،‬محمد عثمان‪ ،‬المعامالت المالية المعاصرة ص‪.102‬‬
‫‪ 37‬المطيعي‪ ،‬محمد بخيت‪ ،‬رسالة السوكرتاه ص‪ ،103‬نقال عن المعامالت المعاصرة لشبير‪.‬‬
‫‪ 38‬أخرجه البيهقي في السنن ‪ 474/5‬برقم ‪ ،10537‬وضعفه األلباني في ضعيف الجامع الصغير ‪ 873‬برقم‬
‫‪.6061‬‬
‫‪ 39‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم‪ ،‬القياس في الشرع اإلسالمي ص‪ ،11‬المطبعة السلفية القاهرة‪.‬‬
‫‪ 40‬ابن القيم‪ ،‬أبو عبد هللا محمد‪ ،‬إعالم الموقعين عن رب العالمين ‪ ،9/2‬دار الجيل ـ بيروت ‪1973‬م‪.‬‬
‫‪ 41‬خليل‪ ،‬أيمن‪ ،‬آثار التأمين اإليجابية والسلبية‪ ،‬في مجلة الهدي النبوي‪ ،‬باب الفقه‪ ،‬العدد ‪ ،46‬الموافق‬
‫‪ 2011/1/5‬من إصدارات جماعة دعوة الحق ـ جمهورية مصر العربية بتصرف‪.‬‬

‫‪104‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬
‫أثر الغرر في عقود المعامالت المعاصرة‪...‬‬ ‫د‪.‬هاني بن عبد هللا العزي‬

‫‪ 42‬خليل‪ ،‬أيمن‪ ،‬آثار التأ مين اإليجابية والسلبية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬وينظر أيضا الزحيلي‪ ،‬وهبة‪ ،‬الفقه اإلسالمي‬
‫وأدلته (‪ 109/5‬ـ ‪ ،)111‬ط‪ 2.‬دار الفكر‪ ،‬دمشق ـ سورية ‪ 1405‬ـ ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ 43‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ 44‬السويلم‪ ،‬سامي‪ ،‬وقفات في قضية التأمين‪( ،‬من إصدارات شركة الراجحي المصرفية لالستثمار ـ مركز‬
‫البحث والتطوير ـ عمان األردن ‪ 1423‬ـ ‪2002‬م‪ ،).‬وخليل‪ ،‬أيمن‪ ،‬آثار التأمين اإليجابية والسلبية‪.‬‬
‫‪ 45‬نفس المرجع‪.‬‬
‫‪ 46‬إبراهيم‪ ،‬عثمان الهادي‪ ،‬التكافل وإعادة التكافل‪ ،‬ماهيته وتطوراته ومتطلبات نجاحه‪ ،‬المدير العام لشركة‬
‫شيكان للتأمين وإعادة التأمين المحدودة السودان (من منشورات شركة شيكان للتأمين وإعادة التأمين المحدودة‬
‫ع‪2001 ،70‬م)‪ ،‬وينظر أيضا عبد الرزاق‪ ،‬إسماعيل‪ ،‬التأمين في ضوء الفقه اإلسالمي‪( ،‬مكتبة كلية العلوم‬
‫اإلسالمية ـ ج بغداد ص‪ 400‬وما بعدها‪).‬‬
‫‪ 47‬انظر أحمد‪ ،‬أحمد محي الدين‪ ،‬أسواق األوراق المالية وآثارها اإلنمائية ص‪ ،438‬ط‪ 1415 ،1.‬ـ ‪1995‬م‪،‬‬
‫سلسلة صالح كامل للرسائل الجامعية‪.‬‬
‫‪ 48‬حمامي‪ ،‬عبد الكريم قاسم‪ ،‬سلسلة االستثمارات الحديثة في خيارات األسهم وخيارات مؤشرات األسهم‬
‫ص‪ ،9‬مطابع الفرزدق التجارية ـ الرياض‪.‬‬
‫‪ 49‬القري‪ ،‬محمد علي‪ ،‬األسهم واالختيارات المستقبليات أنواعها والمعامالت التي تجري فيها‪ ،‬مجلة مجمع‬
‫الفقه اإلسالمي‪ ،‬العدد السابع ‪211/1‬‬
‫‪ 50‬نفس المرجع ‪.211/1‬‬
‫‪ 51‬غدة‪ ،‬عبد الستار‪ ،‬االختيارات في األسواق المالية في ضوء مقررات الشريعة اإلسالمية‪ ،‬مجلة مجمع الفقه‬
‫اإلسالمي المجلد السابع ‪.331/1‬‬
‫‪ 52‬انظر مهيدات‪ ،‬محمد فهد‪ ،‬عقود الخيارات المالية المعاصرة بين المجيزين والمانعين‪ ،‬من ضمن أدبيات‬
‫دائرة اإلفتاء العام ـ األردن‪.‬‬
‫‪ 53‬العمران‪ ،‬عبد هللا محمد‪ ،‬العقود المالية المركبة‪ ،‬دراسة فقهية تأصيلية وتطبيقية ص‪ ،325‬دار كنوز إشبيليا‬
‫ط‪1431 ،2.‬هـ ـ ‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ 54‬انظر‪ :‬جابر‪ ،‬محمد صالح‪ ،‬أسواق األوراق المالية وآثارها اإلنمائية ص‪ ،439‬االستثمار باألسهم والسندات‬
‫وتحليل األوراق ص‪ ،255‬دار الرشيد للنشر‪ ،‬بغداد ‪1982‬م‪ ،‬ط‪ ،1.‬ونحو سوق مالية إسالمية ص‪ ،4‬بحث‬
‫مقدم إلى المؤتمر العالمي لالقتصاد اإلسالمي‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬كلية الشريعة‬
‫والدراسات اإلسالمية‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 55‬قرارات وتوصيات مجمع الفقه اإلسالمي الدولي‪ ،‬للدورات من ‪ 2‬ـ ‪ ،19‬ص ‪ ،225‬راجعه د‪ .‬أحمد عبد‬
‫العليم‪ ،‬الطبعة األولى‪1432 ،‬هـ ـ ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪ 56‬فتاوى ندوات البركة ص‪1403 ،110‬هـ ـ ‪1417‬هـ‪ 1981 ،‬ـ ‪1997‬م‪ /‬جمع د‪ .‬عبد الستار أبو غدة‪ ،‬وعز‬
‫الدين خوجة‪ ،‬منشورات مجموعة البركة‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪ 57‬حولية البركة‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬رمضان ‪1421‬هـ‪ ،‬ص‪.273،274‬‬
‫‪ 58‬أحكام التعامل في األسواق المالية المعاصرة ص ‪ 1053‬ـ ‪.1054‬‬
‫‪ 59‬الجرف‪ ،‬محمد سعدو‪ ،‬عقود الخيارات المالية في الفقه اإلسالمي ص‪ ،41‬ضمن أبحاث الندوة العلمية‬
‫(التحوط في المعامالت المالية الضوابط واألحكام) مجمع الفقه اإلسالمي ‪ 26‬ـ ‪ 27‬ابريل ‪.2016‬‬
‫‪ 60‬ابن عبد البر‪ ،‬التمهيد ‪ 467/8‬ـ ‪.468‬‬
‫‪ 61‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم‪ ،‬مجموع الفتاوى ‪.385/28‬‬
‫‪ 62‬اإلسالمبولي‪ ،‬أحمد محمد‪ ،‬العقود المستقبلية ورأي الشريعة اإلسالمية فيها ص‪.277‬‬
‫‪ 63‬انظر أحكام التعامل في األسواق المالية المعاصرة ص‪.1057‬‬
‫‪ 64‬رضوان‪ ،‬سمير عبد الحميد‪ ،‬أسواق األوراق المالية ودورها في تمويل التنمية ص‪ ،321‬المعهد العالمي‬
‫للفكر اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪1996 ،1." ،‬م‪.‬‬
‫‪ 65‬مهيدات‪ ،‬محمد فهد‪ ،‬المضاربات الوهمية (السوقية) ودورها في األزمة المالية ص‪ ،16‬من أبحاث المؤتمر‬
‫العلمي الدولي حول‪( :‬األزمة المالية واالقتصادية العالمية المعاصرة من منظور اقتصادي إسالمي‪ ،‬عمان ـ‬
‫األردن ‪ 1‬ـ ‪ 2‬ديسمبر ‪2010‬م‪).‬‬

‫‪105‬‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬


‫المركز الجامعي تندوف‪ -‬الجزائر‬ ‫مجلة العلوم اإلنسانية‬

‫‪ 66‬اإلسالمبولي‪ ،‬أحمد محمد‪ ،‬العقود المستقبلية ورأي الشريعة اإلسالمية ص‪ ،78‬الجامعة األمريكية ‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ 67‬با زرعة‪ ،‬محمود صادق‪ ،‬إدارة التسويق ص‪ ،487‬المكتبة األكاديمية ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ 68‬الطحان‪ ،‬زكريا محمد‪ ،‬المسابقات والجوائز وحكمها في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص‪( 170‬رسالة ماجستير)‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ 69‬المسابقات والجوائز وحكمها في الشريعة اإلسالمية ص‪170‬‬
‫‪ 70‬نفس المرجع‪.‬‬
‫‪ 71‬سانو‪ ،‬قطب‪ ،‬بطاقات المسابقات ص‪ ،26‬مجمع الفقه اإلسالمي الدورة الرابعة عشر (‪ 2003/1/11‬ـ‬
‫‪ )2003/1/16‬الدوحة ـ قطر‪.‬‬
‫‪ 72‬المسابقات التجارية في الفقه اإلسالمي ص‪.65‬‬
‫‪ 73‬رواه البخاري ك‪ /‬المزارعة (‪ )34/6‬برقم ‪ 2320‬ومسلم ب‪ /‬فضل غرس والزرع (‪ )28/5‬برقم ‪.4055‬‬
‫‪ 74‬ابن عاشور‪ ،‬محمد الطاهر‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ص‪ ،464‬دار النفائس للنشر والتوزيع ـ األردن‬
‫‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ 75‬المسابقات التجارية في الفقه اإلسالمي ص‪.75‬‬
‫‪ 76‬انظر عدنان‪ ،‬حمزة‪ ،‬شركات االحتيال ـ النموذج الهرمي (عن طريق بحث التسويق الشبكي ـ رؤية‬
‫اقتصادية إسالية بحث منشور في مجلة االقتصاد اإلسالمي العالمية على موقعها اإللكتروني)‪.‬‬
‫‪ 77‬نفس المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ 78‬ترميجان‪ ،‬تريحان‪ ،‬الغرر وتطبيقاته في المعامالت المالية المعاصرة ص‪.22‬‬
‫‪ 79‬نفس المرجع ص‪24‬‬
‫‪ 80‬عدنان‪ ،‬حمزة التسويق الشبكي (رؤية اقتصادية إسالمية)‬
‫‪ 81‬انظر هارون‪ ،‬جاسم‪ ،‬شركات االحتيال ـ التسويق الشبكي على الموقع اإللكتروني‬
‫(‪)http://goog.l//ZqpDbx‬‬
‫‪ 82‬انظر التسويق الشبكي (رؤية اقتصادية إسالمية) منقول منه‪.‬‬
‫‪ 83‬نفس المرجع السابق‬
‫‪ 84‬رمضان‪ ،‬وائل‪ ،‬التسويق الشبكي كسب حال أم بيع للوهم ونصب واحتيال‪ ،‬موقع مجلة الفرقان‬
‫(‪)http://goog.l//Zmala3‬‬
‫‪ 85‬نفس المرجع السابق‪.‬‬

‫‪106‬‬ ‫ديسمبر‪2017‬‬

You might also like