You are on page 1of 16

‫العربية‬

‫ّ‬ ‫التجربة القاموسية‬


‫د‪.‬عبد اللطيف عبيد‬
‫أستاذ املعجمية والقاموسية واملصطلحية ‪ -‬املعهد العالي للغات بتونس‬

‫‪ .1‬املعجم واملعجم ّية والقاموس والقاموس ّية‬


‫يسمي املفهومني التاليني ‪:‬‬‫(لغوي) ّ‬ ‫ّ‬ ‫«املعجم» في اللغة العربية مصطلح لساني‬
‫‪ )1‬مجموع ألفاظ اللغة مفردة كانت أو ّ‬
‫مركبة ؛‬
‫‪ )2‬الكتاب (املؤلّف‪/‬املص ّنف) الذي جتمع فيه ألفاظ اللغة ج ّلها أو بعضها‪ ،‬وترتّب ترتيبا ألفبائيا‬
‫أخصها الشرح أو التعريف‪.‬‬
‫تسمى بيانات قاموس ّية ـ ّ‬ ‫أو غير ألفبائي‪ ،‬وتكون مصحوبة ببيانات ـ ّ‬
‫وقد درج عدد من الدارسني‪ ،‬في السنوات األخيرة‪ ،‬على تسمية هذا املفهوم الثاني‬
‫بـ«القاموس»‪ ،‬تخ ّلصا من االشتراك احلاصل من استعمال لفظ «املعجم» للداللة على كال‬
‫املفهومني‪ .‬وفي ورقتنا هذه نتب ّنى هذا االختيار‪ ،‬ومن ّيز بني «املعجم» و«القاموس» تبعا ملا بني‬
‫املفهومني املذكورين آنفا من اختالف‪.‬‬
‫ويطلق على العلم اللغوي الذي يدرس ألفاظ اللغة (أي معجمها) من حيث تاريخها‬
‫وحركيتها واشتقاقها وصيغها وأنواع العالقات بني اللفظ واملعنى داخل الكلمة‪« :‬املعجم ّية»‬
‫دال على العلم املومأ إليه‪ ،‬قد يكون األنسب‬ ‫صناعي ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ .Lexicology‬وهذا املصطلح‪،‬الذي هو مصدر‬
‫واألصلح من بني مرادفاته العديدة األخرى التي منها ‪ :‬علم املفردات‪ ،‬دراسة املفردات‪ ،‬علم منت‬
‫اللغة‪ ،‬علم املعاجم النظري‪ ،‬علم املعجم‪ ،‬علم دراسة األلفاظ‪ ،‬املفردات ّية‪...‬إلخ‪.‬‬
‫يهتم بالقواميس من حيث تألي ُفها (صناعتها)‬ ‫الفن ‪ /‬التقنية ـ الذي ّ‬
‫أ ّما العلم ـ أو باألحرى ّ‬
‫عا ّمة واختيار ألفاظها (مداخلها) وترتيب تلك األلفاظ وحترير مختلف البيانات املتصلة بها‬
‫خاصة‪ ،‬فقد أصبح العديد من الدارسني في أقطارنا العربية يتجهون أكثر فأكثر إلى تسميته‬ ‫ّ‬
‫بـ «القاموس ّية» ‪ ، Lexicography‬متخلينّ شيئا فشيئا عن مرادفات أخرى عديدة منها‪ :‬صناعة‬
‫فن صناعة‬ ‫املعاجم‪ ،‬املعجم ّية‪ ،‬املعاجمية‪ ،‬املعجم ّيات‪ ،‬علم املعاجم‪ ،‬علم املعاجم التطبيقي‪ّ ،‬‬
‫األصح بني‬
‫ّ‬ ‫العلمي‪ ،‬أو على‬
‫نْ‬ ‫وإن العالقة بني هذين‬ ‫املعاجم‪ ،‬علم الصناعة القاموس ّية‪...‬إلخ(‪ّ .)1‬‬
‫‪ ) 1‬انظر بعض التفاصيل حول هذه املسألة املصطلحية في ‪:‬‬
‫أ‪ .‬الدكتور أحمد مختار عمر‪ :‬صناعة املعجم احلديث‪ ،‬ط‪ ،1‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة ‪ 213( 1998‬ص)‪ ،‬ص ‪.22-20‬‬
‫ب‪ .‬األستاذ الدكتور محمود إسماعيل صالح ‪ :‬دراسات املعجمية واملصطلحية ـ « قائمة ببليوجراف ّية» ‪ ،‬مكتبة امللك فهد الوطنية‪،‬‬
‫الرياض ‪ 1420‬هـ‪1999/‬م ( ‪ 207‬ص) ‪ ،‬ص ‪.15-11‬‬
‫ج‪.‬د‪ .‬سعيد جبر أبو خضير ‪ « :‬في إشكال ّية تعريف مصطلح املعجم ّيات «‪ ،‬املجلة األردن ّية في اللغة العربية وآدابها‪ ،‬م‪ ،3‬ع‪ ،1‬ذو احلجة‬
‫‪ 1427‬هـ‪ /‬كانون الثاني ‪ 2007‬م‪ ،‬ص ‪.71-55‬‬

‫‪371‬‬
‫الفن العملي‪ :‬القاموس ّية ‪ ،Lexicograhy‬هي عالقة النظري‬ ‫ذاك العلم ‪ :‬املعجم ّية ‪ Lexicolgy‬وهذا ّ‬
‫بالتطبيقي‪ .‬فاملعجمية أساس للقاموسية‪ ،‬ومعرفة قضايا املفردات من تأصيل (تأثيل) واشتقاق‬
‫وترادف واشتراك وجتانس وتضا ّد وحقيقة ومجاز‪ ،‬إضافة إلى قضايا التغ ّير والتط ّور اللغويني‪،‬‬
‫واملسائل املتصلة بالفصحى والعامية والعالقات بينهما زمان ّيا وآنيا‪ ،‬وقضايا املع ّرب والدخيل‬
‫واملولّد‪ ،‬ومستويات اللغة واملعيار اللغوي‪ ...‬الخ‪ ،‬هي من مسائل املعجمية التي ال يستغني‬
‫وإن تأليف أي قاموس لغوي‪ ،‬مهما كان حجمه ومهما كان جمهوره‬ ‫عنها إطالقا القاموس ّيون‪ّ .‬‬
‫املستهدف‪ ،‬يعدّ تأليفا ناقصا أو ضعيفا إن لم يكن م ْبن ّيا على دراية كافية ومعرفة ضافية بهذه‬
‫املسائل املعجمية اجلوهرية التي جتد في القاموس تطبيقا عمل ّيا لها‪.‬‬
‫‪ .2‬القاموسية العربية ‪ :‬اإلجناز والريادة‬
‫خاصة تاريخٌ طويل ساير تاريخ العرب منذ أن نشطت‬ ‫للقاموس العربي عا ّمة واللغوي منه ّ‬
‫حركة التدوين لديهم على أثر نزول القرآن الكرمي الذي أقبلوا على حفظه وشرح غامضه وتفسير‬
‫مبهمه مستعينني بس ّنة نب ّيه األمني ورصيدهم اللغوي وتراثهم األدبي‪ .‬وال تزال جهود وضع القاموس‬
‫العربي املثالي أو األقرب إلى املثالية جهودا حثيثة متواصلة إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫لقد أحصى الباحث املغربي األستاذ أحمد الشرقاوي إقبال في كتابه الق ّيم ‪« :‬معجم‬
‫املهمة هذه « على املعاجم‬
‫املعاجم»(‪ )1‬ألفا وأربعمائة وسبعة قواميس‪ .‬وقد قصر ببليوغرافيته ّ‬
‫مسته احلداثة بأثر قليل أو كثير »(‪ .)2‬وي ّتصف هذا التراث القاموسي بتعدّ د‬
‫التراثية دون سواها مما ّ‬
‫موضوعاته‪ ،‬وغزارة مادته‪ ،‬وتن ّوع أساليب عرضها‪ ،‬وسعيه املتواصل إلى االستقصاء واالستيعاب‪،‬‬
‫وهو ما دعا املستشرق األملاني الشهير أوغست فيشر صاحب مشروع « املعجم اللغوي التاريخي»‬
‫يحق له الفخار بوفرة كتب علوم لغته‪،‬‬
‫إلى القول بأنه « إذا ما استثنينا الصني‪ ،‬فال يوجد شعب آخر ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫املبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها‪ ،‬بحسب أصول وقواعد‪ ،‬غير العرب‪ . »...‬كما‬ ‫وبشعوره ّ‬
‫شهد للعرب بالسبق والتم ّيز في وضع القواميس اللغوية وغير اللغوية جون أ‪.‬هيوود ‪.Haywood‬‬

‫‪ ) 1‬أحمد الشرقاوي إقبال ‪ :‬معجم املعاجم ـ تعريف بنحو ألف ونصف ألف من املعاجم العربية التراثية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‬
‫‪391 ،1987‬ص‪.‬‬
‫واملتخصصة‪ ،‬التراثية منها واحلديثة‪ ،‬نذكر ما يلي ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ومن أهم الببليوغرافيات القاموسية العربية التي اهتمت بالقواميس العربية اللغوية‬
‫أ‪ .‬سمير عبد الرحيم اجللبي ‪ :‬ببليوغرافيا الترجمة واملعاجم للوطن العربي‪ ،‬دار اجلاحظ‪ ،‬بغداد ‪130 ،1977‬ص‪.‬‬
‫ب‪.‬مسفر سعيد الثبيتي ود‪ .‬محمود اسماعيل صيني ( صالح) ‪ :‬املراجع املعجمية العربية ـ أحادية اللغة وثنائية اللغة ومتعدّ دة اللغات‪،‬‬
‫مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت ‪ 332 ،1989‬ص‪.‬‬
‫ج‪ .‬وجدي رزق غالي ‪ :‬معجم املعجمات العربية ـ رصد حصري شارح للمعجم العربي املطبوع‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت ‪،1993‬‬
‫‪285‬ص‪.‬‬
‫‪ )2‬أحمد الشرقاوي إقبال ‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬املقدمة‪ ،‬ص ‪ :‬ي‪.‬‬
‫‪ ) 3‬أ‪.‬فيشر ‪ :‬املعجم اللغوي التاريخي‪ ،‬القسم األ ّول‪ ،‬من أ ّول «حرف الهمزة» إلى « أبد»‪ ،‬ط‪ ،1‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬القاهرة ‪( 1967‬‬
‫‪53‬ص)‪ ،‬ص‪.4‬‬

‫‪372‬‬
‫‪ John A‬في كتابه « القاموس ّية العرب ّية» ‪ ،‬فهو يرى « ّأن العرب في مجال املعجم يحتلون مكان‬
‫املركز‪ ،‬سواء في الزمان أو املكان‪ ،‬بالنسبة إلى العالم القدمي أو احلديث‪ ،‬وبالنسبة إلى الشرق أو‬
‫الغرب»(‪ .)1‬ويضيف هيوود أنه « كان للعرب معجم شامل هو « لسان العرب» كانت دونه د ّقة‬
‫وشموال معاجم سائر اللغات قبل القرن التاسع عشر» (‪. )2‬‬
‫متكن القاموسيون العرب‪ ،‬من خالل اإلنتاج الغزير الذي ساعد على تراكم التجربة‬ ‫وقد ّ‬
‫فن‬
‫فن وضع القواميس أو ما سميناه بـ»القاموس ّية»‪ ،‬وهو ّ‬ ‫القاموس ّية‪ ،‬من أن يط ّوروا شيئا فشيئا ّ‬
‫يدل إطالقا على أنّهم استقوه من أمم أو لغات أخرى‪ .‬ونحن ال نغالي عندما‬ ‫استحدثوه وال شيء ّ‬
‫نقول ّإن العرب هم ر ّواد «القاموس ّية» العامل ّية‪ّ ،‬‬
‫وإن إجنازهم في ّ‬
‫الش ّق املنهجي والنظري للقاموس‬
‫عما أجنزوه في الشق العملي التطبيقي‪.‬‬ ‫يقل أهمية ّ‬ ‫ال ّ‬
‫توصل‬ ‫أهم مبادئ القاموسية في التراث العربي مبدآ « اجلمع» و«الوضع»‪ ،‬وهما مبدآن ّ‬ ‫ومن ّ‬
‫إليهما ابن منظور (ت ‪ 711‬هـ‪ 1311 /‬م) وح ّللهما في مقدّ مة قاموسه الشهير ‪« :‬لسان العرب»‪،‬‬
‫واعتمدهما في نقد قواميس السابقني وفي تأليف قاموسه اجلامع الذي ال يزال‪ ،‬إلى يومنا هذا‪،‬‬
‫أحد املصادر األساسية للقاموس العربي‪ .‬يقول ابن منظور في سياق حديثة عن القواميس التي‬
‫رجلي‪ :‬أ ّما من أحسن جمعه فإنه لم يحسن وضعه‪ ،‬وأ ّما‬ ‫نْ‬ ‫ألّفت قبله إنه رأى « علماءها بني‬
‫من أجاد وضعه فإنه لم يجد جمعه‪ ،‬فلم يفد حسن اجلمع مع إساءة الوضع‪ ،‬وال نفعت إجادة‬
‫الوضع مع رداءة اجلمع»(‪ .)3‬وواضح من كالم مؤلّف « لسان العرب» ّأن القاموس يقوم على‬
‫ركنني ‪ :‬ركن أ ّول هو األلفاظ التي ينبغي أن تستقى من مصادرها وتختار بناء على مبادئ‬
‫أو معايير تكون واضحة‪ ،‬في ذهن القاموسي‪ ،‬وذاك هو اجلمع ؛ وركن ثان يتمثل في معاجلة‬
‫املوا ّد اللغوية ترتيبا وشرحا واستشهادا ومتثيال وإيرادا ملختلف البيانات التي ينتظرها املستعمل‬
‫أو املستفيد‪ ،‬وهذا هو الوضع‪ .‬وتك ّون مختلف جوانب اجلمع والوضع ما يعرف في القاموسية‬
‫احلديثة بـ»عناصر القاموس» اللغوي(‪.)4‬‬
‫‪ ) 1‬نقال عن د‪ .‬أحمد مختار عمر ‪ :‬املرجع املذكور سابقا ( الهامش ‪-1‬أ) ‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ ) 2‬نقال عن د‪ .‬عدنان اخلطيب ‪ :‬املعجم العربي بني املاضي واحلاضر‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت ‪ 92( 1994‬ص) ‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫وعنوان كتاب هيوود هو ‪:‬‬
‫‪Arabic lexicographye : It’s History, and  It’s Place in the General History of Lexicography, Leiden, E.J.Brill,19665.‬‬
‫ويبدو ّأن للكتاب ترجمة عربية طبقا ملا ورد في بحث د‪ .‬سعيد جبر أبو خضير( املرجع املذكور سابقا احلاشية ‪.1‬ج) هي التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬جون أ‪ .‬هيوود ‪ :‬املعجمية العربية ‪ :‬نشأتها ومكانتها في تاريخ املعجميات العا ّم‪ ،‬املجمع العلمي‪ ،‬بغداد ‪.2004‬‬
‫‪ )3‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب احمليط‪ ،‬إعداد وتصيف يوسف خ ّياط‪ ،‬دار لسان العرب‪ ،‬بيروت (د‪.‬ت)‪ ،‬ج‪ ،1‬املقدّ مة‪ ،‬ص ‪:‬خ‪.‬‬
‫‪ )4‬انظر حول عناصر القاموس اللغوي ما يلي على سبيل املثال ‪:‬‬
‫‪.p 278 ,1968 Paris ,Larousse,français dictionnaires des Histoire : Matoré Georges‬‬
‫محمد رشاد احلمزاوي ‪ :‬املعجم العربي ـ إشكاالت ومقاربات‪ ،‬بيت احلكمة‪ ،‬تونس ‪442 ،1991‬ص‪.‬‬
‫د‪ّ .‬‬
‫د‪.‬علي القاسمي ‪ :‬علم اللغة وصناعة املعجم‪ ،‬ط‪ ،3‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت ‪223 ،2004‬ص‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫وبإمكاننا استخدام هذين املبدأين القاموسيني األساسيني ـ اجلمع والوضع ـ لدراسة التجربة‬
‫القاموسية العربية في ماضيها وحاضرها‪ ،‬واستخالص عدد من العبر والدروس التي قد تساعد في‬
‫تأليف القاموس العربي اللغوي احلاسوبي الذي نأمله‪.‬‬
‫كل منهما مراحل فرعية ‪،‬‬ ‫تضمنت ّ‬ ‫لقد م ّرت التجربة القاموسية العربية مبرحلتني كبيرتني ّ‬
‫وهاتان املرحلتان هما املرحلة القدمية التي تبدأ بنشأة القاموس العربي في النصف الثاني من القرن‬
‫الثاني والنصف األ ّول من القرن الثالث للهجرة (إلى أواسط القرن ‪ 9‬م)‪ ،‬وتنتهي مع «تاج العروس»‬
‫للزبيدي في نهاية القرن الثاني عشر للهجرة (أواخر القرن ‪ 18‬م)‪.‬‬
‫ أ ّما املرحلة الثانية فهي التي نعيشها إلى يومنا هذا مع تن ّوع كبير في مراحلها الفرع ّية‪،‬‬
‫وتبدأ بظهور املطبعة ونشر املعاجم التراثية ثم تأليف املعاجم احلديثة في لبنان ومصر وغيرهما‬
‫وذلك سواء على أيدي اللغو ّيني العرب أو من قبل املستشرقني الهولنديني واإلجنليز والفرنسيني‬
‫واألملان وغيرهم‪.‬‬
‫‪.3‬التجربة القاموسية العربية القدمية‬
‫‪ 1.3‬مرحلة النشأة والتأسيس‪ :‬الرسائل اللغوية‪ ،‬وكتاب العني‬
‫‪ 1.1.3‬الرسائل اللغوية‬
‫كان لظهور الدين اإلسالمي احلنيف واهتمام املسلمني منذ وقت ّ‬
‫مبكر بجمع القرآن‬
‫وتفسيره وتوضيح غامضه دور أساسي في نشأة الدراسات اللغوية مبختلف أنواعها ومنها‬
‫تدوين اللغة‪ .‬وخالل فترة قد تزيد قليال على قرن من الزمان ( أواسط القرن الثاني ـ أواسط‬
‫أن «العربية الفصحى‪ ،‬هي العربية النقية من‬‫القرن الثالث للهجرة) ظهر لغو ّيون كبار رأوا ّ‬
‫الشوائب‪ ،‬التي لم تخالطها لغة أخرى»(‪ )1‬و»أن أفصح اللغات هي لغات البدو‪ ،‬البعيدين عن‬
‫االختالط في أواسط البيداء‪ ،‬وإذن فالطريق إلى احلكم على سالمة اللغة وفصاحتها ونقائها هو‬
‫قياسها على لغة هؤالء البدو‪ ،‬والطريق إلى تع ّلم الفصحى هو معاشرتهم‪ ،‬وهذا هو ما حدث‬
‫فعال»(‪ .)2‬وقد كان للغة هؤالء البدو دور أساسي في تفسير ما عرف باسم «غريب القرآن» و‬
‫«غريب احلديث»‪ ،‬إضافة إلى أنها كانت ضرورية لفهم أشعار العرب مثلما ّإن أشعار العرب قد‬
‫ساعدت على شرحها وفهمها‪.‬‬

‫نصار ‪ :‬املعجم العربي ـ نشأته وتط ّوره‪ ( ،‬جزآن)‪ ،‬ج‪، 1‬ط‪ ،2‬دار مصر للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة ‪ ،1968‬ص ‪.27‬‬
‫‪ ) 1‬د‪ .‬حسني ّ‬
‫‪ ) 2‬املوضع نفسه‪.‬‬
‫وانظر أيضا ‪:‬‬
‫د‪ .‬عبداحلميد الشلقاني ‪ :‬رواية اللغة‪ ،‬داراملعارف‪ ،‬القاهرة ‪399 ،1975‬ص‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫بحق حركة تأسيس ّية ـ تأليف عشرات بل‬ ‫وكانت نتيجة هذه احلركة اللغوية العظيمة ـ وهي ّ‬
‫وتسمى «الرسائل اللغو ّية» أو « الكتب املفردة» ـ في مختلف‬
‫ّ‬ ‫مئات من الكتب اللغوية الصغيرة ـ‬
‫املوضوعات ذات الصلة ببيئة اإلنسان العربي الطبيعية والثقافية والروحية‪ .‬وقد قسم الدكتور حسني‬
‫نصار هذه « الرسائل اللغوية على املوضوعات « إلى تسعة أبواب هي «كتب الغريبني والفقه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وكتب اللغات والعامي واملع ّرب‪ ،‬وكتب الهمز‪ ،‬وكتب احليوان‪ ،‬وكتب النوادر‪ ،‬وكتب البلدان‬
‫واملواضع‪ ،‬وكتب اإلفراد والتثنية واجلمع‪ ،‬وكتب األبنية‪ ،‬وكتب الصفات‪ .‬وتعدّ الرسائل املندرجة‬
‫ضمن هذه األبواب أو املجموعات ما قد يزيد على تسعمائة رسالة (كتاب) طبقا لإلحصاء الذي‬
‫أجراه األستاذ أحمد الشرقاوي إقبال(‪.)1‬‬
‫وقد ارحتل هؤالء اللغويون إلى البادية‪ ،‬وأخذوا اللغة مشافهة عن العرب الفصحاء األقحاح‪،‬‬
‫واشترطوا في من أخذوا عنهم شروطا عديدة حفلت بها كتب اللغة‪ ،‬وتق ّيدوا في جمعهم للغة‬
‫بقيود زمانية ومكانية‪ .‬وفي اجلملة فإنهم لم يأخذوا عن احلضر‪،‬وجعلوا القبائل درجات في‬
‫الفصاحة‪ ،‬واعتبروا أن عصر االحتجاج بلغة هؤالء الذين رووا عنهم ينتهي إجماال بنهاية القرن‬
‫(‪)2‬‬
‫يعم اللحن ويفشو اخلطأ لفساد السليقة مبخالطة األعاجم وسكنى احلواضر‪.‬‬ ‫الثالث قبل أن ّ‬
‫ولم يتق ّيد مؤلفو هذه الرسائل مبنهج دقيق في ترتيب األلفاظ التي جمعوها‪ ،‬وإن كانوا‬
‫قسموها عموما إلى موضوعات جزئية تتف ّرع من املوضوع العا ّم‪ .‬ومن أشهر مؤلفي هذه‬ ‫قد ّ‬
‫الرسائل اللغوية علي بن حمزة الكسائي (ت ‪189‬هـ‪805/‬م) الذي ينسب إليه «معاني القرآن»‬
‫و«املصادر» و«احلروف» و«ما تلحن فيه العا ّمة»‪ ،‬وأبو عمرو الشيباني ( ت‪206‬هـ‪821/‬م) الذي‬
‫ينسب إليه «احلروف» و«غريب احلديث» و«النحلة»‪ ،‬و«اإلبل» و«اخليل» و«النوادر» و«خلق‬
‫اإلنسان»‪ ،‬وأبو عبيدة معمر بن املث ّنى ( ت ‪209‬هـ‪ 824/‬م) الذي ينسب إليه «ما تلحن فيه العا ّمة»‬
‫و«اإلنسان» و«الزرع» و«الشوارد» و«معاني القرآن» و«غريب احلديث»‪ ،‬واألصمعي (ت ‪216‬هـ‬
‫‪831‬م) الذي ينسب إليه «غريب احلديث» و«اإلبل « و«األضداد» و«النحل» و«اإلنسان»‬
‫و«املترادف» و«النبات» و«اخليل»‪...‬الخ‪.‬‬
‫مهدت لظهور‬ ‫وإن أهمية الرسائل اللغوية تتمثل أساسا في أنها كانت اخلطوة األولى التي ّ‬‫ّ‬
‫القواميس بل كانت املادة األساسية التي اعتمدها القاموسيون العرب الكبار في القرن الرابع‬
‫الهجري وما بعده‪ .‬وإذا عرفنا ّأن القواميس اللغوية العربية احلديثة التي بدأ تأليفها في النصف‬
‫الثاني من القرن التاسع عشر وتواصل إلى ستينات القرن العشرين مع «املعجم الوسيط» ملجمع‬
‫‪ ) 1‬أحمد الشرقاوي إقبال ‪ :‬املرجع املذكور سابقا‪،‬املقدّ مة‪ ،‬ص ‪ :‬ز‪ -‬ح‪.‬‬
‫‪ ) 2‬انظر مثال ‪:‬‬
‫كامل محمد أبو سنينة‪« :‬لغة االحتجاج» ‪ ،‬أطلس للدراسات اللغوية (مج ّلة )‪ ،‬مركز أطلس العاملي للدراسات واألبحاث ّ‬
‫بعمان (األردن)‪،‬‬
‫املجلد الثاني‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬حزيران ‪ ،2001‬ص‪.44‬‬

‫‪375‬‬
‫اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬بل إنه ال يزال متواصال إلى يومنا هذا‪ ،‬قد اعتمدت اعتمادا يكاد يكون‬
‫كليا على معاجمنا التراثية ـ مثل لسان العرب البن منظور والقاموس احمليط للفيروزآبادي ( ت‬
‫‪ 817‬هـ‪ 1415 /‬م) ـ أدركنا س ّر غلبة نزعة البداوة واحملافظة والتقليد على قاموسنا اللغوي العربي‬
‫احلديث والتاريخ ّيته‪ ،‬ممّا جعل تأليف قاموس عربي عصري جمعا (مادة) ووضعا (عرضا)‬
‫ملحا‪.‬‬
‫مطلبا قوم ّيا ّ‬
‫‪.2.1.3‬كتاب العني للخليل بن أحمد‬
‫لئن كان اخلليل بن أحمد الفراهيدي (ت‪170‬هـ‪ 786 /‬م) قد ألّف قاموسه املشهور «كتاب‬
‫العني» أثناء مرحلة تأليف الرسائل اللغوية‪ ،‬فإن قاموسه هذا قد جاء متم ّيزا عن تلك الرسائل‬
‫حجما ووضعا‪ .‬وقد كان اخلليل ـ ويصفه البعض بـ «أذكى العرب» ـ رياضيا وعروض ّيا وموسيقيا‬
‫ونحو ّيا وقاموس ّيا في آن واحد‪ ،‬وقد أوتي من النباهة والذكاء ما جعل إجنازه القاموسي إجنازا‬
‫عظيما فريدا غير مسبوق‪ .‬وقد أعمل اخلليل فكره «في جمع ألفاظ اللغة بطريقة حاصرة‪،‬‬
‫ّ‬
‫التشذ عنه كلمة‪ ،‬أو تندّ عنه لفظة ‪ ،‬فضال على درء مظ ّنة‬ ‫تقوم على احلساب العقلي‪ ،‬حتى‬
‫ثم فقد ابتكر نظام‬
‫تس ّرب لفظة غير عربية إلى األلفاظ العربية التي أنشأ كتابه من أجلها‪ ،‬ومن ّ‬
‫التقليبات»(‪ .)1‬كما عمد اخلليل إلى التزام نظام آخر محكم ال يتس ّرب من خالله خطأ‪ ،‬وال‬
‫يقع معه سهو أو تكرار‪ ،‬وهو تقسيم الكتاب إلى أبواب بحسب كمية اللفظة من احلروف‪ ،‬فبدأ‬
‫ثم اخلماسي‪.‬‬‫ثم الثالثي‪ ،‬ثم الرباعي‪ّ ،‬‬‫بالثنائي في األلفاظ‪ّ ،‬‬
‫واملقصود بـ «التقليب» عند اخلليل هو تقدمي احلرف في الكلمة مرة وتأخيره أخرى بحيث‬
‫يحصل من الثنائي على صورتني‪ ،‬ومن الثالثي على ست‪ ،‬ومن الرباعي على أربع وعشرين‬
‫صورة أو تقليبا‪ ،‬ومن اخلماسي على مائة وعشرين صورة حاصلة من تقاليبه‪ .‬وقد ذكر اخلليل‬
‫أن مبلغ عدد األبنية في كالم العرب «اثنا عشر ألفا وثالثمائة ألف وخمسة آالف وأربعمائة‬
‫واثنا عشر» أي ما يزيد على اثني عشر مليون لفظ‪ ،‬على ّأن هذه األلفاظ ج ّلها «مهمل» وقليلها‬
‫«مستعمل»‪.‬‬
‫ّإن اخلليل بن أحمد هو رائد التأليف القاموسي العربي بال منازع‪ ،‬وهو «لم يسبق إلى هذا‬
‫النوع من التأليف وإمنا كان هو الفارس املع ّلى في هذا املضمار‪ ،‬واللغويون ك ّلهم له تبع»(‪ .)2‬وال‬
‫ريب أن منهج اخلليل قد كان مبثابة «برمجية حاسوبية» عصرية قادرة على اإلحاطة ّ‬
‫بكل ألفاظ‬
‫اللغة‪ ،‬املوجود منها بالفعل (املستعمل واملوجود بالقوة (املهمل)‪.‬‬

‫‪ )1‬د‪ .‬صالح راوي ‪ :‬املدارس املعجم ّية العربية ‪ :‬نشأتها ـ تط ّورها ـ مناهجها‪ ،‬دار الثقافة العربية‪ ،‬القاهرة ‪ 279( ،1990‬ص) ‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪ ) 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.90‬‬

‫‪376‬‬
‫واخلالصة بالنسبة إلى هذه املرحلة األولى ـ مرحلة الرسائل اللغوية وكتاب العني ـ أنّها كانت‬
‫مرحلة التأسيس الفعلي للقاموس العربي‪ .‬ومن الصعب فهم معضالت القاموس اللغوي العربي ْإن‬
‫لم ندرك حقيقة هذه املرحلة التي انبنت عليها املراحل الالحقة مبا فيها املرحلة احلالية‪.‬‬
‫‪ 2.3‬املدارس القاموسية العربية القدمية‬
‫حاول الدارسون إدراج القواميس اللغوية العربية الكثيرة التي ألفها اللغويون العرب‬
‫واملستعربون منذ «كتاب العني» للخليل في مجموعات رئيسية متشابهة اعتبروها متثّل «مدارس‬
‫وإن ما يجمع بني القواميس املنتمية إلى «املدرسة» الواحدة هو‪ ،‬أساسا‪ ،‬ما بينها من‬ ‫قاموس ّية»‪ّ .‬‬
‫نصار مي ّيز بني‬
‫متاثل أو تشابه في «الوضع» ـ حسب مفهوم ابن منظور ـ ال «اجلمع» ‪ .‬فحسني ّ‬
‫خاصة من «العني»‬ ‫أربع مدارس أوالها املدرسة التي يسم ّيها غيره «مدرسة التقليبات»‪ ،‬وتتألف ّ‬
‫للخليل و«البارع» ألبي علي القالي (ت ‪ 356‬هـ‪ )967/‬و«احملكم» البن سيده (ت ‪458/1066‬م)؛‬
‫وثانيتها املدرسة التي متسكت بالترتيب األلفبائي وأهملت ترتيب احلروف على املخارج لكنها‬
‫وتضم «اجلمهرة» البن دريد ( ت ‪321‬هـ‪933 /‬م) و«مقاييس‬ ‫ّ‬ ‫متسكت بنظام األبنية اخلليلي ‪،‬‬
‫اللغة» و«املجمل» البن فارس (ت ‪395‬هـ‪1004/‬م) ؛ وثالثتها املدرسة التي يسميها غيره «مدرسة‬
‫وتضم «كتاب الصحاح» للجوهري ( ت ‪393‬‬ ‫ّ‬ ‫القافية» ألنها ترتب املداخل بحسب احلرف األخير‪،‬‬
‫هـ ‪1003 /‬م) و«العباب» للصاغاني (ت ‪650/1252‬م) و«لسان العرب» البن منظور و«القاموس‬
‫سماها غيره «مدرسة األبجدية العربية»‪،‬وميثلها‬ ‫احمليط» للفيروزآبادي؛ واملدرسة الرابعة هي التي ّ‬
‫«أساس البالغة» للزمخشري (ت ‪ 538‬هـ‪1144/‬م)‪ ،‬وقد اعتمدت ترتيب حروف املعجم تبعا‬
‫حلرف الكلمة األ ّول مع طرح نظام األبنية واملقلوبات‪.‬‬
‫وقسم الدكتور عدنان اخلطيب املدارس القاموس ّية إلى خمس‪ ،‬إذ أضاف مدرسة اعتمدت‬ ‫ّ‬
‫املوضوعات ومعاني الكلمات دون االلتفات إلى حروفها‪ ،‬وميثلها «الغريب املص ّنف»‪ ،‬البن‬
‫الم (ت ‪224‬هـ‪838 /‬م) و«األلفاظ» البن السكيت (ت ‪244‬هـ ‪858 /‬م) و»املخصص» البن‬ ‫س ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫تضمها هذه املدارس األربع أو اخلمس‬
‫سيده ‪ .‬ويالحظ من استعراض القواميس الكثيرة التي ّ‬
‫أن تأليفها ـ وخاصة في القرن الرابع الذي هو بحق ق ْرن القواميس الكبيرة اجلامعة ـ قد كان الغرض‬
‫أساسي هما «التزام الصحيح من األلفاظ‪ ،‬وتيسير البحث عن املوا ّد»(‪ .)2‬وهذه‬ ‫نْ‬ ‫منه حتقيق أمرين‬
‫األلفاظ الصحيحة هي األلفاظ البدوية األعرابية في املقام األ ّول والتي كان رواة اللغة قد جمعوها‬
‫في القرنني الثاني والثالث كما م ّر‪ ،‬ورحلوا إلى البادية بحثا عنها لفصاحتها وبعد متكلميها عن‬
‫وإن ما أضافه الالحقون إلى ما د ّونه السابقون من القاموسيني يعدّ ‪ ،‬في الغالب‪،‬‬ ‫العجمة واللحن‪ّ .‬‬
‫‪ )1‬د‪ .‬عدنان اخلطيب ‪ :‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫نصار ‪ :‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص ‪.486‬‬
‫‪ )2‬د‪.‬حسني ّ‬

‫‪377‬‬
‫محدودا ؛ لذلك غلبت على املعاجم التقليدية التراثية ظاهرة التقليد والتكرار‪ ،‬وهي ظاهرة‬
‫تواصلت في قواميس القرنني التاسع عشر والعشرين ‪.‬وبناء على ذلك ّ‬
‫فإن قواميسنا اللغوية‬
‫تتضمن من األلفاظ احلضارية التي عرفها العصر العباسي وغيره من عصور احلضارة‬ ‫ّ‬ ‫التراث ّية لم‬
‫العربية اإلسالمية مشرقا ومغربا وزخرت بها كتب األدب والتاريخ واجلغرافيا واحلسبة والفقه‬
‫وضحت مقدّ مة «لسان العرب» البن منظور منهج‬ ‫والفلسفة والعلوم املادية إ ّال القليل النادر‪ .‬وقد ّ‬
‫القاموسية العربية القدمية القائم على النقل عن السابقني من القاموسيني (‪)1‬واالقتصار على مد ّونة‬
‫محدودة من حيث املصادر واملوضوعات واملكان والزمان‪ ،‬ممّا حرم القاموس العربي من ثروة لفظية‬
‫واقعية ح ّية دالّة على حيوية اللغة العربية وتفاعلها مع الواقع احلضاري املتغ ّير‪.‬‬
‫وقد انبرى الدارسون‪ ،‬منذ القدمي‪ ،‬لنقد القواميس اللغوية العربية وتت ّبع سقطاتها‬
‫واالستدراك عليها‪ ،‬ومن أشهر هؤالء في عصر النهضة احلديثة أحمد فارس الشدياق مؤلّف‬
‫خاصة والقاموس‬‫« اجلاسوس على القاموس» الذي نقد فيه « القاموس احمليط» للفيروزآبادي ّ‬
‫العربي عا ّمة‪ .‬وقد تناول هذا النقد ركني القاموس وهما اجلمع والوضع كما سبق أن ب ّينا‪.‬‬
‫نصار ّأن « عيوب املعاجم القدمية»(‪ )2‬تتمثل خاصة في كثرة التصحيف‬ ‫ويرى الدكتور حسني ّ‬
‫وما يتصل به من وضع وانتحال‪ ،‬وعدم متثل املؤلّفني للغرض من القاموس إذ أرادوا أن يجمعوا‬
‫اللغة بواضحها وغريبها ونادرها ولغاتها (لهجاتها) وأن يجمعوا معها معارف العرب وجوانب‬
‫مختلفة من الثقافة العربية « حتى أصبحت معاجمنا كبرج بابل» حسب عبارته‪ .‬كما تتمثل‬
‫هذه العيوب في القصور‪ ،‬إذ رغم ما في القواميس من حشو فإنه ليس منها ما هو جامع ّ‬
‫لكل‬
‫كالم العرب‪ ،‬وأغلبها يرجع إلى لهجات ويهمل أخرى كما يهمل املولّد‪ .‬وتتمثل العيوب أيضا‬
‫في اضطراب الترتيب وتعقدّ ه غالبا‪ ،‬وكذلك في قصور العرض وإبهامه وسوء التفسير وتقليد‬
‫الالحقني لشروح السابقني وأمثلتهم وشواهدهم‪...‬‬

‫‪ )1‬يقول ابن منظور ‪« :‬فجمعت منها ( أي األصول اخلمسة) في هذاالكتاب ما تف ّرق‪ ،‬وقرنت بني ماغ ّرب منها وبني ما ش ّرق‪ ،‬فانتظم شمل‬
‫تلك األصول ك ّلها في هذا املجموع‪ ،‬وصار هذا مبنزلة األصل وأوالئك مبنزلة الفروع (‪ )...‬وأنا مع ذلك ال أ ّدعي فيه دعوى فأقول شافهت‬
‫أو سمعت‪ ،‬أو فعلت أو صنعت‪ ،‬أو شددت أو رحلت‪ ،‬أو نقلت عن العرب العرباء أو حملت (‪ )...‬وليس لي في هذا الكتاب فضيلة‬
‫أمت بها‪ ،‬وال وسيلة أمتسك بسببها‪ ،‬سوى أني جمعت فيه ما تف ّرق في تلك الكتب من العلوم ‪،‬وبسطت القول ولم أشبع باليسير ‪.»...‬‬ ‫ّ‬
‫أما الكتب اخلمسة التي جمع منها ابن منظور مادة قاموسه فهي تهذيب اللغة لألزهري واحملكم البن سيده والصحاح لللجوهري وحواشي‬
‫ابن ب ّري والنهاية البن األثير‪.‬‬
‫نصار ‪ :‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص ‪.759-747‬‬
‫‪ )2‬د‪.‬حسني ّ‬
‫وخاصة على مستوى مادتها املصطلح ّية ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وانظر حول عيوب القواميس العربية‬
‫مصطفى الشهابي ‪ :‬املصطلحات العلمية في اللغة العرب ّية في القدمي واحلديث‪ ،‬مجمع اللغة العرب ّية‪ ،‬دمشق‪218(1988 ،‬ص)‪ ،‬ص ‪.40-33‬‬

‫‪378‬‬
‫‪.4‬التجربة القاموسية العربية احلديثة‬
‫‪ 1.4‬الطباعة وإحياء القاموس العربي في القرن التاسع عشر‬
‫كانت الطباعة في البلدان العربية من آثار االتصال باملدنية الغربية‪ .‬وقد أ ّدت الطباعة‬
‫دورا تنويريا عظيما وأسهمت إسهاما كبيرا في جتديد الثقافة العربية وإحياء تراثها الزاخر ومنه‬
‫التراث القاموسي‪ .‬وقد احتاجت النهضة اللغوية واألدبية إلى االستعانة بالقواميس للتمكن من‬
‫إحياء اللغة وآدابها‪ ،‬فـ «اعتمد الناس في بادئ األمر على املعجمات القدمية‪ ،‬وقام البعض بإعادة‬
‫طبع املعروف منها وبطبع ما كان مخطوطا‪ ،‬لتسيهل تداولها بني الناس»(‪ .)1‬وهكذا طبع خالل‬
‫مهم من القواميس العربية الكبيرة منها «تاج اللغة‬ ‫الثلث األخير من القرن التاسع عشر عدد ّ‬
‫الصحاح» لل ّرازي (‪ )1870‬و«القاموس احمليط»‬ ‫وصحاح العربية» للجوهري (‪1865‬م) و«مختار ّ‬
‫للفيروزآبادي ( ‪ 1872‬م) و«املصباح املنير» للف ّيومي (‪ )1876‬و«لسان العرب» البن منظور‬
‫و«أساس البالغة» للزمخشري (‪ )1882‬و«تاج العروس» للزبيدي (‪ )1889‬إلخ‪...‬‬
‫وقام بعض اللغويني بإعادة ترتيب بعض القواميس القدمية على حروف هجاء أوائل‬
‫الكلمات بقصد تسهيل الرجوع إليها‪ ،‬وتشجيع طالب املدارس على استعمالها‪ .‬وقد ساعد‬
‫نشر هذه القواميس على قيام حركة نقد نشيطة للقاموس العربي القدمي كان من أعالمها أحمد‬
‫فارس الشدياق كما أشرنا‪ ،‬وكذلك العالمة أحمد تيمور الذي تتبع أوهام وأغالط لسان العرب‬
‫والقاموس احمليط(‪.)2‬‬
‫‪ 2.4‬االستشراق األوربي والقاموس العربي‬
‫اهتمت احلركة االستشراق ّية األوربية في القرن التاسع عشر بالقاموس العربي اهتماما كبيرا‪،‬‬
‫وكان ذلك على مستوى الكشف والتحقيق والنشر والدراسة والتأليف‪ .‬وعلى سبيل املثال‪،‬‬
‫نشر ماتيو ملسدن (ت ‪ )1835‬اإلجنليزي «القاموس احمليط» بكلكتا سنة ‪ 1817‬م في جزئني مع‬
‫مقدّ مة باإلجنليزية وترجمة لصاحبه بالعربية‪ ،‬وألّف اإلجنليزي إدوار وليام لني (ت ‪ )1876‬قاموسا‬
‫كبيرا عربيا ـ اجنليزيا هو «مدّ القاموس» في ثمانية أجزاء‪ ،‬وألف رينهارت دوزي (ت ‪)1883‬‬
‫سماه «تكملة القواميس العربية»‪ ،‬وقد طبع في ليدن‬ ‫الهولندي قاموسا ملا فات القواميس العربية ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫أهم فوائد االستشراق القاموسي الكشف عن كلمات عربية كثيرة أهملتها‬ ‫سنة ‪ . 1881‬ومن ّ‬
‫بحجة عدم تو ّفر معايير الفصاحة فيها‪.‬‬ ‫قواميسنا القدمية ّ‬
‫‪ )1‬د‪.‬عدنان اخلطيب ‪ :‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪ ) 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ ) 3‬انظر مثال ‪ :‬أحمد الشرقاوي إقبال ‪ :‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬املقدّ مة‪ ،‬ص‪:‬ب ـد‪.‬‬

‫‪379‬‬
‫‪ 3.4‬املدرسة القاموسية اللبنانية إلى مطلع القرن العشرين‬
‫كان من نتائج النهضة التي عرفها لبنان في القرن التاسع عشر نشوء « حركة لغوية‬
‫واسعة‪ ،‬شارك فيها عدد من اللبنانيني فأسهموا إلى حدّ كبير في بعث اللغة العربية وإحيائها‬
‫(‪)1‬‬
‫اهتم ر ّواد النهضة اللغوية بجوانب ثالثة رئيسية هي إحياء اللغة والتراث‬
‫من جديد» ‪ .‬وقد ّ‬
‫العربيني‪ ،‬ونقد القواميس القدمية‪ ،‬وتأليف القواميس احلديثة‪.‬‬
‫وفي مجال التأليف‪ ،‬أخرجت املطبعة العربية سنة ‪ 1869‬قاموسا جديدا في جزئني وضعه املع ّلم‬
‫بطرس البستاني وأسماه «محيط احمليط»‪ ،‬التزم فيه عبارة القاموس احمليط» مع شيء من التص ّرف‬
‫والتهذيب‪ ،‬ورتبه على حروف الهجاء بحسب أوائل الكلمات‪ ،‬وملا وجد قاموسه هذا مط ّوال بالنسبة‬
‫الب املدارس عمد إلى اختصاره في جزء واحد وأطلق على املختصر اسم « قطر احمليط»(‪.)2‬‬ ‫إلى ط ّ‬
‫ وفي سنة ‪ 1889‬ألف سعيد اخلوري الشرتوني للطالب أيضا قاموسه املشهور «أقرب املوارد‬
‫في فصيح العربية والشوارد»‪ ،‬اعتمد فيه على أمهات القواميس وإن كانت عبارة القاموس احمليط‬
‫فيه أغلب(‪ .)3‬ويعدّ قاموس الشرتوني أكثر انتظاما من محيط البستاني وأجود وضعا‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1908‬أخرج األب لويس املعلوف قاموسه «املنجد»‪ ،‬وقد اختصر فيه «محيط‬
‫احمليط» للبستاني الذي هو نفسه تهذيب لـ «القاموس احمليط»‪ .‬ويرى بعض الباحثني ّأن «املنجد»‬
‫يعتبر‪ ،‬إلى اليوم‪ ،‬خير معجم مدرسي للعربية في ترتيبه وإخراجه» (‪.)4‬‬
‫ وقد تتالى صدور القواميس التي ألفها اللبنانيون في النصف األ ّول من القرن العشرين‪،‬‬
‫ومن أشهرها «البستان» لعبد اهلل البستاني (‪ 1930‬م) و«منت اللغة» ألحمد رضا (‪)1958‬‬
‫وغيرهما‪ ...‬ومن أبرز اخلصائص التي تشترك فيها قواميس اللبنانيني في القرن التاسع عشر‬
‫ومطلع القرن العشرين ّأن مؤلّفيها قد وضعوها للتالميذ والطلبة في املقام األول‪ ،‬في حني أن‬
‫القواميس قبلهم كانت تؤلّف للعلماء واملتبحرين في اللغة والعلم‪ .‬ومن تلك اخلصائص االنتظام‬
‫الواضح في ترتيبها‪ ،‬وتخ ّلصها من كثير من املعلومات غير اللغوية التي كانت تثقل القاموس‬
‫العربي‪ ،‬واغتناؤها باملصطلحات العلمية‪ ...‬الخ‪ ،‬إ ّال أن هذا التطوير محدود وخاصة على مستوى‬
‫اجلمع‪ّ ،‬‬
‫ألن ما ّدتها ال تزيد كثيرا على ما في « القاموس احمليط» باخلصوص‪.‬‬
‫‪ ) 1‬حكمت كشلي ‪ :‬املعجم العربي في لبنان‪ ،‬دار ابن خلدون‪ ،‬بيروت ‪344( 1982‬ص)‪ ،‬ص‪.36-35‬‬
‫‪ ) 2‬انظر حول بطرس البستاني وجهوده اللغوية والقاموس ّية ‪:‬‬
‫أ‪-.‬حكمت كشلي ‪ :‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص ‪.123-114‬‬
‫نصار ‪ :‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص ‪.716-711‬‬ ‫ب‪.‬د‪.‬حسني ّ‬
‫ج‪.‬جمع ّية املعجم ّية العرب ّية بتونس‪ :‬في العجم ّية العرب ّية املعاصرة‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت ‪669( ،1987‬ص)‪ ،‬ص ‪.357-305‬‬
‫‪ ) 3‬انظر حول قاموس الشرتوني ‪:‬‬
‫أ‪ -.‬حكمت كشلي ‪ :‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص ‪.137-130‬‬
‫نصار املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص ‪.722-716‬‬ ‫ب‪-.‬د‪.‬حسني ّ‬
‫ج‪.‬ـأحمد طه حسانني سلطان ‪ :‬نظرات نقدية في محيط احمليط للبستاني‪ ،‬القاهرة ‪119 ،1998‬ص‪.‬‬
‫‪ ) 4‬د‪.‬عدنان اخلطيب ‪ :‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص ‪.53‬‬

‫‪380‬‬
‫‪ 4.4‬املعجم الوسيط ملجمع اللغة العربية بالقاهرة‬
‫كان من األغراض التي أنشىء من أجلها مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة ‪« 1932‬أن يحافظ‬
‫على سالمة اللغة العربية‪ ،‬وأن يجعلها وافية مبطالب العلوم والفنون في تقدّ مها‪ ،‬مالئمة على‬
‫العموم حلاجات احلياة في العصر احلاضر‪ ،‬وذلك بأن يحدّ د في معاجم أو تفاسير ّ‬
‫خاصة أو بغير‬
‫ذلك من الطرق ما ينبغي استعماله أو جت ّنبه من األلفاظ والتراكيب»(‪ .)1‬وقد ح ّقق املجمع‬
‫إجنازات مصطلحية وقاموسية عديدة منها «املعجم الوسيط» الذي أصدره في جزئني سنتي‬
‫ويتضمن أن‬
‫ّ‬ ‫‪ 1960‬و ‪ 1961‬بناء على طلب تقدّ مت به وزارة املعارف املصرية في سنة ‪1936‬‬

‫يقل في نظامه عن‬ ‫«يسعف (املجمع ) العالم العربي مبعجم على خير منط حديث‪ ،‬بحيث ال ّ‬
‫أحدث املعجمات األجنبية‪ ،‬فيجيء محكم الترتيب‪ ،‬واضح األسلوب‪ ،‬سهل التناول‪ ،‬مشتمال‬
‫على صور لكل ما يحتاج شرحه إلى تصوير‪ ،‬وعلى مصطلحات العلوم والفنون‪ ،‬وبذا ينتفع به‬
‫وييسر عليهم حتصيل اللغة‪ ،‬وشاءت الوزارة أيضا أن يضاف إليه ملحق باملشهور‬ ‫الب العلم‪ّ ،‬‬ ‫ط ّ‬
‫من أعالم األشخاص واألماكن‪ ،‬وكأنها كانت تص ّوب إلى شيء شبيه باملعجم الفرنسي املعروف‬
‫باسم «الروس الصغير» (‪ .)2‬وقد أصدر املجمع في دورته الثالثة قراره بـ «وضع معجم لغوي‬
‫وسيط» هو التالي‪« :‬نظرا إلى حاجة طالب التعليم الثانوي‪ ،‬ومن في مرتبتهم‪ ،‬وجمهرة املثقفني‬
‫ميسر الترتيب‪ ،‬مص ّور‪ ،‬بحيث يتناول‬ ‫من أبناء اللغة العربية إلى معجم وسيط‪ ،‬سهل التناول‪ّ ،‬‬
‫من املصطلحات العلمية الصحيحة ما يتعلق باألسباب الدائرة بني الناس‪ ،‬يق ّرر املجمع الشروع‬
‫في اتخاذ األسباب للقيام بهذا العمل‪.)3(»...‬‬
‫وهكذا فإننا نالحظ أن املجمع‪ ،‬منذ البداية‪ ،‬لم يتق ّيد بالهدف الذي حدّ دته وزارة املعارف‬
‫الب التعليم الثانوي ومن‬‫في طلبها املذكور سابقا‪ ،‬إذ أراد «أال يقصر املعجم الوسيط على ط ّ‬
‫في مرتبتهم من املثقفني فرأى أن يسمو به حتى يجعله «مرجعا وافيا للكاتب والدارس املث ّقف»‬
‫فيكون املجمع «قد خرج على هدفه األول املؤلّف له» حسب تعبير حسني ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫نصار‪ ،‬إذ الوسيط‬
‫معجم كبير قد يفوق القاموس احمليط للفيروزآبادي‪ ،‬وهو من أشمل معاجمنا فليس هو إذن‬
‫للطلبة أو من في مستواهم»(‪ .)5‬وقد نال «املعجم الوسيط» من الشهرة واالنتشار ما لم تنله‬
‫مؤسسة لغوية‬ ‫القواميس األخرى باستثناء «املنجد» للويس املعلوف‪ .‬والشك ّأن لصدوره عن ّ‬
‫‪ ) 1‬مجمع اللغة العرب ّية ‪ « :‬مرسوم بإنشاء مجمع ملكي للغة العرب ّية»‪ ،‬مج ّلة املجمع‪ ،‬ج‪ ،1‬أكتوبر ‪ ،1934‬ص‪.6‬‬
‫‪ ) 2‬مجمع اللغة العرب ّية ‪ :‬املعجم الوسيط‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة ‪ ،1985‬تصدير الطبعة األولى‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ ) 3‬مجمع اللغة العرب ّية ‪ :‬مجموعة القرارات العلم ّية في خمسني عاما‪ ،‬القاهرة ‪326 ( ،1984‬ص)‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫نصار ‪ :‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص ‪.742‬‬‫‪ ) 4‬د‪.‬حسني ّ‬
‫‪ ) 5‬املوضع نفسه‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫وعلمية ذات بعد وإشعاع عربيني دورا كبيرا في ذلك‪ .‬أما عن هذا القاموس في حد ذاته فإنّه‪،‬‬
‫على مستوى الوضع وبالذات الترتيب‪ ،‬قد جاء» على قسط كبير من التنظيم والتيسير يفوق‬
‫فإن مالحظاتنا على‬‫فيهما مدرسة اليسوع ّيني التي تأ ّثر مبنهجها»(‪ .)1‬وأ ّما على مستوى اجلمع ّ‬
‫هذا القاموس كثيرة جدّ ا‪ ،‬ونوجزها في نقطتني اثنتني هما ‪ :‬اإلفراط في تضمني القاموس األلفاظ‬
‫العربية التراثية البدوية األعرابية‪ ،‬من النوع الذي جنده في الرسائل اللغوية في القرنني الثاني‬
‫والثالث للهجرة وفي القواميس القدمية‪ ،‬وكذلك اإلفراط في إيراد البدائل الصرفية واللهجية‬
‫للصيغة الواحدة دومنا سعي إلى التنميط والتقييس والتفريط في الكثير من األلفاظ واملعاني‬
‫املستحدثة التي ظهرت في القرن العشرين وحتى قبله سواء في عصر نهضتنا العربية احلديثة في‬
‫القرن التاسع عشر أو إ ّبان عصور ازدهار احلضارة العرب ّية اإلسالمية في املشرق واملغرب‪ّ .‬‬
‫وإن كثيرا‬
‫مما كتب عن «املعجم الوسيط» متجيدا له وإشادة مبا فيه من جتديد وما ي ّتصف به من حداثة‪ ،‬لم‬
‫يعتمد منت هذا القاموس ولم ينقده من داخله‪ ،‬وإنمّ ا صدّ ق ـ عن حسن ن ّية ـ ما حفلت به مقدّ ماته‬
‫ورضى عن الذات قد يكون ضرره أكبر من نفعه‪ .‬ويكفي أن نعود‬ ‫العديدة من إطراء مبالغ فيه ً‬
‫إلى أي صفحة من صفحات هذا القاموس لنتبني مدى ما حشي به من ألفاظ حوشية بدوية غريبة‬
‫متروكة(‪ )2‬وخل ّوه من ألفاظ حديثة ومعان جديدة استق ّرت في االستعمال الصحيح واملكتوب‬
‫منذ عقود وأصبحت جزءا ال يتجزأ من لغتنا الضادية(‪ ،)3‬ممّا يقتضي تضمينها القاموس ليعكس‬
‫تط ّور اللغة وحيويتها‪.‬‬
‫ واخلالصة ّأن «املعجم الوسيط» على الرغم من بعض التجديد الذي ي ّتصف به على‬
‫مستويي اجلمع والوضع‪ ،‬ينطبق عليه ما قاله األمير مصطفى الشهابي من ّ‬
‫«أن املعاجم العربية‬
‫احلديثة (كمحيط احمليط وأقرب املوارد والبستان واملنجد وغيرها) ليست إال صورة صغيرة ّ‬
‫مشذبة‬
‫أهم ما لها من فائدة»(‪.)4‬‬
‫للمعاجم القدمية (‪ )...‬وتكاد سهولة املراجعة فيها تك ّون ّ‬
‫نصار ‪ :‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص ‪.741‬‬ ‫‪ ) 1‬د‪.‬حسني ّ‬
‫‪ ) 2‬نقترح استعراض محتوى الصفحة ‪ 44‬من اجلزء األول من الطبعة الثالثة (القاهرة ‪ ،)1985‬وفي هذه الصفحة جند مداخل أصلية وفرعية‬
‫تهم إ ّال بعض األدباء والباحثني‪ .‬ومثال ذلك‪َ :‬بدَ َح ‪َ ،‬بدَّ ‪ ،‬أ َبدَّ ‪ ،‬با َّد‪ ،‬ابتدَّ ‪ ،‬تبا َّد ‪،‬األبدُّ ـ‬ ‫كثيرة حوش ّية غريبة ال عالقة لها بلغة العصر وقد ال ّ‬
‫َب ِ‬
‫داد‪ ،‬البِدا ُد‪ ،‬ال ُبداد‪ ،‬البدُّ ‪ ،‬البِدُّ ‪ ،‬ال َبدَّ ة‪ ،‬ال ُبدَّ ة‪ ،‬البِدَّ ة‪ ،‬ال َبديد‪ ،‬البدَ رى‪ ،‬ال َبدْ َرة‪ ،‬ال ُبد َرة‪...‬‬
‫‪ ) 3‬من البحوث اجل ّيدة التي أبرزت خل ّو «املعجم الوسيط» وغيره من قواميسنا احلديثة من األلفاظ العصر ّية واملعاني املستحدثة نشير إلى ما‬
‫يلي على سبيل املثال ‪:‬‬
‫أ‪ .‬أحمد شفيق اخلطيب ‪« :‬من قضايا املعجم ّية العرب ّية املعاصرة»‪ ،‬في ‪ :‬جمعية املعجم ّية العرب ّية بتونس ‪ :‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص‬
‫‪.636-597‬‬
‫واملختصة (‬
‫ّ‬ ‫ب ‪-.‬د‪.‬وفاء فايد كامل ‪« :‬بعض مظاهر تغ ّير الصيغ الصرف ّية في العربية املعاصرة»‪ ،‬في بحوث الندوة الدولية للمعاجم اللغوية‬
‫الكويت ‪ 17-14‬مارس ‪ ،)1999‬الكويت ‪250(2000‬ص‪95+‬ص) ص‪.235-181‬‬
‫‪ ) 4‬مصطفى الشهابي ‪ :‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص ‪.40‬‬

‫‪382‬‬
‫‪ 5.4‬القاموس اللغوي العربي ما بعد الوسيط‬
‫صدرت من «املعجم الوسيط»‪ ،‬خالل حوالي نصف قرن‪ ،‬أربع طبعات جاءت الطبعة األخيرة‬
‫منها (عام ‪ )2003‬دون تنقيح أو إضافة‪ ،‬إذ « هي نفسها الطبعة الثالثة للمعجم في ثوبها اجلديد‪،‬‬
‫وبدون ريب ز ّودته جلانه في الطبعات الثالث السابقة بزاد لغوي وافر‪ ،‬مما جعله يخطو إلى الكمال‬
‫وإن صدور‬ ‫مهمة»!! على حدّ تعبير املرحوم الدكتور شوقي ضيف رئيس املجمع(‪ّ .)1‬‬ ‫خطوات ّ‬
‫طبعة جديدة بعد حوالي العشرين سنة من سابقتها دون أي جتديد يدخل عليها‪ ،‬دليل على ما‬
‫تعانيه القاموسية العربية احلديثة من تقليد وجمود‪ .‬وعلى الرغم من املآخذ العديدة التي وجهت‬
‫وخاصة على مستوى اجلمع(‪ ،)2‬فإنّه ال مناص من اإلقرار مبا حظي به من‬ ‫ّ‬ ‫إلى «املعجم الوسيط»‬
‫جل القواميس التي ألّفت بعده مشرقا ومغربا‪ ،‬بل‬ ‫استحسان وترحيب من املثقفني وبأثره الكبير في ّ‬
‫ّإن هذه القواميس اجلديدة تكاد تكون ك ّلها عالة عليه وصورة منه‪ ،‬وهو ما تثبته املقارنة الدقيقة‪.‬‬
‫أهم القواميس اللغوية التي ظهرت بالوطن العربي بعد «املعجم الوسيط» القاموس‬ ‫ومن ّ‬
‫الذي أصدرته املنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم سنة ‪ 1989‬وعنوانه «املعجم العربي‬
‫األساسي»(‪ .)3‬ومن مم ّيزاته عنايته باأللفاظ واملعاني املستحدثة والتعابير االصطالحية وألفاظ‬
‫احلضارة واملصطلحات العلمية‪.‬‬
‫أهمها إلى حد اآلن‪« ،‬املنجد في اللغة العربية‬ ‫ومن أهم هذه القواميس أيضا‪ ،‬بل لع ّله ّ‬
‫املعاصرة»(‪ )4‬الذي صدر عن دار املشرق سنة ‪ .2000‬ويعدّ هذا القاموس تطويرا لـ «املنجد» الذي‬
‫ألّفه األب لويس معلوف اليسوعي منذ قرن والذي نال من الشهرة ما جعل اسمه مرادفا ملصطلح‬
‫«معجم» أو «قاموس»‪ .‬ومن أهم مم ّيزات هذا القاموس تفتحه على اللغة العربية احل ّية املعاصرة‪،‬‬
‫وشرحه ملداخله شرحا عصر ّيا كمثل الذي جنده في القواميس الفرنسية واالجنليزية‪.‬‬
‫ومن اجلهود اجلديرة بالتنويه والتقدير ما ألّفه األشقاء السعوديون وفي مقدّ متهم األستاذ‬
‫الدكتور محمود إسماعيل صالح وزمالؤه‪ .‬ونشير هنا إلى «معجم الطالب ـ معجم سياقي‬
‫للكلمات الشائعة» حملمود إسماعيل صيني وحيمور حسن يوسف‪ ،‬وهو أ ّول قاموس يعتمد‬
‫السياق في حتديد معاني األلفاظ‪ ،‬ويتد ّرح في عرضه لتلك املعاني من احملسوس إلى املج ّرد‪ ،‬كما أنّه‬
‫‪ ) 1‬مجمع اللغة العرب ّية ‪ :‬املعجم الوسيط‪ ،‬ط‪ ،4‬مكتبة الشروق الدول ّية‪ ،‬القاهرة ‪1067(2003‬ص)‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ ) 2‬انظر مثال ‪ :‬د‪.‬عدنان اخلطيب‪ ،‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫العربي األساسي‪ ،‬تأليف وإعداد جماعة من كبار اللغويني العربي‪ ،‬الروس‪ ،‬باريس ‪،1989‬‬
‫ّ‬ ‫املنظمة العرب ّية للتربية والثقافة والعلوم ‪ :‬املعجم‬
‫ّ‬ ‫‪)3‬‬
‫‪1347‬ص‪.‬‬
‫وانظر حول ما كتب عنه في ‪:‬‬
‫أ‪– .‬د‪.‬عبد العزيز مطر‪ :‬في نقد املعاجم واملوسوعات‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة ‪141( 1992‬ص)‪ ،‬ص‪.90-51‬‬
‫ب‪ – .‬د‪.‬مصطفى الغماري ‪ :‬مالحظات على املعجم العربي األساسي‪ ،‬اجلزائر ‪176 ،2000‬ص‪.‬‬
‫‪ )4‬أنطوان نعمه وآخرون (مح ّررون) ‪ :‬املنجد في اللغة العربية املعاصرة‪ ،‬ط‪ ،2‬دار املشرق‪ ،‬بيروت ‪1641 ،2001‬ص‪.‬‬

‫‪383‬‬
‫يعدّ أ ّول محاولة قاموسية تهدف إلى خدمة دارسي العربية من غير العرب‪ .‬وقد ّمت اختيار مفرداته‬
‫بناء على دراسات إحصائية(‪.)1‬‬
‫أهم اإلجنازات القاموسية العربية في الفترة املدروسة « الرصيد اللغوي الوظيفي‬ ‫ومن ّ‬
‫للمرحلة األولى من التعليم االبتدائي»(‪ )2‬الذي ألّفته «اللجنة الدائمة للرصيد اللغوي» لدول‬
‫املغرب العربي ونشرته سنة ‪ .1976‬وهذا العمل القاموسي قد انبنى على بحوث لغوية ميدانية‪،‬‬
‫احلي‪.‬‬
‫وتضمن األلفاظ املستعملة املتواترة املك ّونة للرصيد املعجمي ّ‬
‫ّ‬
‫مهم في تطوير القاموسية العربية والقاموسية الثنائية‬‫وقد كان ملستعربي القرن العشرين إسهام ّ‬
‫اللغة‪ :‬العربية ـ األجنبية‪ ،‬وذلك بفضل اعتمادهم في بعض ما ألفوه من قواميس على مد ّونات نص ّية‬
‫حديثة‪ ،‬وبذلك ساروا في النهج الذي كان قد اختطه مستشرقو القرن التاسع عشر مثل لني مؤلّف‬
‫«مدّ القاموس» ودوزي مؤلّف «تكملة القواميس»‪ .‬وفي هذا السياق أشير بالذات إلى «معجم اللغة‬
‫العربية املعاصرة» العربي ـ االجنليزي لهانزفير(‪.)3‬‬
‫متوسطة ووجيزة وأخرى لألطفال في‬ ‫وفي العقود الثالثة األخيرة صدرت قواميس عديدة ّ‬
‫مختلف البلدان العربية‪ ،‬وأصبح القاموس من االهتمامات الكبيرة لدور النشر‪ ،‬إ ّال ّأن اجل ّيد من هذه‬
‫كل سطر أحيانا على تصحيف أو‬ ‫القواميس قليل نادر‪ ،‬وال يندر أن نعثر في كل صفحة منها بل في ّ‬
‫خطأ لغوي فادح أو قصور في الشرح والتعريف واالستشهاد(‪ ،)4‬إضافة إلى أنّها غالبا ما تكون صورا‬
‫مستنسخة مصغرة من «املعجم الوسيط»‪.‬‬
‫‪ 6.4‬القاموس اللغوي العربي واملعلوماتية‬
‫كان من نتائج ازدهار اللسانيات وظهور املعلوماتية في العقود األخيرة وحصول التفاعل‬
‫خاصة‪ .‬وقد‬ ‫بني هذين العلمني أن نشط االهتمام بحثا وإجنازا باملعاجلة اآللية للغة عا ّمة وملعجمها ّ‬
‫أثمر هذا التفاعل في الغرب قواميس لغوية عديدة اعتمد مؤلّفوها مد ّونة نص ّية واسعة تقدّ ر‬
‫مباليني الصفحات أحيانا‪ ،‬مثلما يتضح من التجربة الفرنسية والتجربة االجنليزية‪ .‬وهذه املد ّونة‬
‫تختار بناء على معايير تأخذ في االعتبار األبعاد الزمانية واملكانية واملوضوعاتية وغيرها لتكون‬
‫ممثلة للغة املعن ّية‪.‬‬
‫‪ )1‬محمود إسماعيل صيني وحيمور حسن يوسف ‪ :‬معجم الطالب ـ معجم سياقي للكلمات الشائعة‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت ‪،1991‬‬
‫‪280‬ص‪.‬‬
‫‪ )2‬اللجنة الدائمة لل ّرصيد اللغوي ‪ :‬الرصيد اللغوي الوظيفي للمرحلة األولى من التعليم االبتدائي‪ ،‬تونس ‪1976،171+167‬ص‪.‬‬
‫‪ )3‬هانز فير ‪ :‬معجم اللغة العربية املعاصرة‪ ،‬عربي ـ أنكليزي‪ ،‬وضع ج‪ ،‬ميلتون كوان‪ ،‬ط‪ ،3‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت ‪1110 ،1980‬ص‬
‫وكانت الطبعة األولى لهذا القاموس قد صدرت بأملانيا سنة ‪.1961‬‬
‫‪ )4‬من القواميس العرب ّية الرائحة في بعض أقطار املغرب العربي باخلصوص واحملش ّوة أخطاء من جميع األصناف القاموس التالي ‪:‬‬
‫اجليالني بن احلاج يحيى وزمياله ‪ :‬القاموس اجلديد األلفبائي‪ ،‬الطبعة العاشرة‪ ،‬األطلس ّية للنشر بتونس واألهل ّية للنشر والتوزيع ببيروت‪،‬‬
‫‪1062 ،1977‬ص ‪32+‬ص‪.‬‬
‫كل أصناف األخطاء‪.‬‬ ‫وانظر في هذا القاموس الصفحة ‪ 17‬على سبيل املثال حيث تعترض املراجع ّ‬

‫‪384‬‬
‫ وفي الوطن العربي ال تزال املنجزات قليلة وإن كان االهتمام باملوضوع قد بدأ منذ مطلع‬
‫املتخصصة في إطار معهد الدراسات واألبحاث‬ ‫ّ‬ ‫وخاصة في مجال القواميس‬
‫ّ‬ ‫سبعينات القرن املاضي‬
‫للتعريب بالرباط (املغربي) ومدينة امللك عبد العزيز بالرياض ( باسم)‪...‬‬
‫وقد حملت لنا السنة املاضية (‪ )2007‬بشائر مشروع جدي عملي لقاموسني لغويني‬
‫حاسوبيني شرعت مدينة امللك عبد العزيز للعلوم والتقنية في وضعهما بالتعاون مع بعض دور‬
‫النشر العربية ذات اخلبرة العالية‪ .‬والقاموس األ ّول هو «املعجم اللغوي للمرحلة االبتدائية»‪،‬‬
‫ويتم تأليف هذين القاموسني انطالقا‬ ‫أما الثاني فهو» املعجم اللغوي للمرحلة الثانوية» ‪ّ .‬‬
‫كل الكتب املدرسية املستخدمة في املرحلة الدراسية‬ ‫من مد ّونة نص ّية تتمثل‪ ،‬أساسا‪ ،‬في ّ‬
‫كل الكتب‬ ‫املعنية ( االبتدائية‪ ،‬والثانوية)‪ .‬وبالنسبة إلى قاموس املرحلة الثانوية‪ ،‬أظهر جرد ّ‬
‫كل األلفاظ املستخدمة فيها والتي ستكون مداخل‬ ‫ومركبا هي ّ‬‫ّ‬ ‫املدرسية ‪ 21868‬لفظا مفردا‬
‫لهذا القاموس بعد إضافة ما يراه املؤلّفون من ألفاظ أساسية لم ترد في الع ّينة‪ .‬وستشرح‬
‫املداخل بحسب معانيها في املد ّونة وليس بنقل الشروح من املعاجم السابقة نقال حرفيا‪ ،‬كما‬
‫أن هذا القاموس سيكون‬ ‫أن األمثلة والشواهد ستكون مستقاة من املد ّونة نفسها‪ .‬وال ّ‬
‫شك ّ‬
‫‪ ،‬عند صدوره‪ ،‬قاموسا للغة العربية املعاصرة كما يتعلمها التالميذ ويتعلمون بها األدب‬
‫والعلوم اإلنسانية واالجتماعية والعلوم املادية‪ ،‬ولن يكون استنساخا للقواميس السابقة مبا‬
‫فيها «املنجد» و«املعجم الوسيط» وغيرهما‪.‬‬
‫وإذا كان القاموسان السعوديان اللذان تنهض بهما مدينة امللك عبد العزيز للعلوم والتقنية‬
‫ليسا قاموسني حاسوبني وإمنا هما قاموسان ورق ّيان ـ على ّ‬
‫األقل في املرحلة األولى ـ ألّفا باالستعانة‬
‫فإن «القاموس احلاسوبي للغة العربية» الذي‬ ‫باحلاسوب ـ وهذا في حدّ ذاته إجناز عظيم ـ‪ّ ،‬‬
‫نأمله هو القاموس الذي يستعني مؤلفوه باحلاسوب لبنائه‪ ،‬لك ّنهم ال يقتصرون على ذلك وإمنا‬
‫يبنون برمجيات مساعدة لبناء املعجم ولتمكني املستفيد من استعماله بسهولة وكفاءة وألغراض‬
‫متعدّ دة تتجاوز أغراض القاموس املدرسي التعليمي‪ .‬وفي هذا الصدد أكتفي باإلشارة إلى الدراسة‬
‫املتم ّيزة التي صدرت لألستاذ مروان الب ّواب في العدد ‪ 33‬من مج ّلة «التعريب» الصادرة بدمشق‬
‫سنة ‪ ،2007‬بعنوان « نحو معجم حاسوبي للغة العربية»‪ ،‬ففيها من الفهم الصحيح ملوضوع‬
‫القاموس احلاسوبي التفاعلي للغة العربية ومن األسس العلمية اللسانية واحلاسوبية والتفاصيل‬
‫اإلجرائية ما يصلح قاعدة سليمة بل ممتازة لوضع القاموس املأمول‪.‬‬

‫‪385‬‬
‫اخلاتـمـة‬
‫يعدّ اإلجناز القاموسي العربي القدمي إجنازا عظيما رائدا على مستويي الكم والكيف معا‪.‬‬
‫وقد جعل اللغويون األوائل من القاموس العربي قاموسا وصف ّيا َع َك َس واقع اللغة العربية وإن كانوا‬
‫قد تق ّيدوا في هذا الوصف بقيود زمانية ومكانية اقتضاها حرصهم على الفصاحة وسعيهم إلى‬
‫تنقية اللغة من الدخيل‪ .‬إ ّال ّأن القاموسية العربية في عصور ما بعد عصر االحتجاج سرعان ما‬
‫جل ما لم يرد في الرسائل اللغوية من مولّدات‬ ‫أصبحت نقال عن السابقني إال في ما ندر‪ ،‬وأهملت ّ‬
‫ثم جاء عصر‬ ‫أنتجها تفاعل اللغة مع املتغ ّيرات احلضارية‪ ،‬فأصابها اجلمود وأصبحت التاريخية‪ّ ،‬‬
‫النهضة احلديثة فأعطى للقاموسية دفعا قو ّيا بإحياء القواميس التراثية وتأليف قواميس جديدة‬
‫في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لم تكن‪ ،‬في األغلب‪ ،‬سوى تشذيب لـ «القاموس‬
‫احمليط» و»لسان العرب»‪ .‬ولم يط ّور القاموسيون احملدثون نظرتهم إلى الفصاحة‪ ،‬لذلك أحجموا‬
‫مثل السابقني عن لغة املعاصرين‪ ،‬فلم تواكب قواميسنا التط ّور اللغوي الكبير الذي عرفته العربية‬
‫في القرنني التاسع عشر والعشرين‪.‬‬
‫ّإن معجم اللغة العربية احلديثة واملعاصرة ـ أي مجموع ألفاظها أو متنها اللغوي ـ معجم‬
‫حي متجدّ د متط ّور مواكب للحراك الذي يعرفه املجتمع العربي منذ مطلع القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫وذلك على الرغم ممّا تتعرض له اللغة العرب ّية من مزاحمة العام ّيات وهيمنة اللغات األجنبية‪.‬‬
‫ويفترض أن يعكس القاموس العربي احلديث تط ّور اللغة العرب ّية وجتدّ د معجمها‪ ،‬وأن يكون‬
‫كل أنحاء‬‫كل املجاالت وفي ّ‬ ‫مرآة صادقة لنهضتها وحيويتها ومواكبتها للحضارة املعاصرة في ّ‬
‫الوطن العربي‪.‬‬
‫ومن املفترض أن تتصف مادة القاموس العربي بالغزارة والشمول‪ ،‬والدقة والوثوقية‪ ،‬وجودة‬
‫العرض والترتيب‪ ،‬فيو ّدي وظيفته األساسية أداة تربوية وعلمية وثقافية ال غنى عنها للمتعلم‬
‫والباحث واملثقف‪ .‬إال ّ ّأن واقع القاموس العربي احلديث مخالف ملا نفترضه‪ ،‬وذلك بسبب غلبة‬
‫نزعة التقليد كما أشرنا‪ ،‬وبسبب نظرتنا إلى اللغة نظرة التاريخية‪.‬‬
‫ وإذا كانت االستعانة باملعلوماتية في العمل القاموسي وفي استرجاع مختلف البيانات‬
‫فإن محتوى القاموس اللغوي العربي نفسه‬ ‫القاموس ّية بطرق تفاعلية أمرا متح ّتما اليوم‪ّ ،‬‬
‫يبقى أساس هذا القاموس التفاعلي‪ ،‬وبالتالي ينبغي إيالؤه كامل العناية واستخالصه من‬
‫واقع اللغة العربية الفصيحة املعاصرة ليكون القاموس‪ ،‬عندئذ‪ ،‬آنيا ال زمانيا (تاريخيا)‪،‬‬
‫وليصبح للعرب وللمتعاملني مع العرب ّية من غير أهلها قاموس عصري ال في شكله فقط وإمنا‬
‫في محتواه أيضا وأساسا‪.‬‬

‫‪386‬‬

You might also like