Professional Documents
Culture Documents
371
الفن العملي :القاموس ّية ،Lexicograhyهي عالقة النظري ذاك العلم :املعجم ّية Lexicolgyوهذا ّ
بالتطبيقي .فاملعجمية أساس للقاموسية ،ومعرفة قضايا املفردات من تأصيل (تأثيل) واشتقاق
وترادف واشتراك وجتانس وتضا ّد وحقيقة ومجاز ،إضافة إلى قضايا التغ ّير والتط ّور اللغويني،
واملسائل املتصلة بالفصحى والعامية والعالقات بينهما زمان ّيا وآنيا ،وقضايا املع ّرب والدخيل
واملولّد ،ومستويات اللغة واملعيار اللغوي ...الخ ،هي من مسائل املعجمية التي ال يستغني
وإن تأليف أي قاموس لغوي ،مهما كان حجمه ومهما كان جمهوره عنها إطالقا القاموس ّيونّ .
املستهدف ،يعدّ تأليفا ناقصا أو ضعيفا إن لم يكن م ْبن ّيا على دراية كافية ومعرفة ضافية بهذه
املسائل املعجمية اجلوهرية التي جتد في القاموس تطبيقا عمل ّيا لها.
.2القاموسية العربية :اإلجناز والريادة
خاصة تاريخٌ طويل ساير تاريخ العرب منذ أن نشطت للقاموس العربي عا ّمة واللغوي منه ّ
حركة التدوين لديهم على أثر نزول القرآن الكرمي الذي أقبلوا على حفظه وشرح غامضه وتفسير
مبهمه مستعينني بس ّنة نب ّيه األمني ورصيدهم اللغوي وتراثهم األدبي .وال تزال جهود وضع القاموس
العربي املثالي أو األقرب إلى املثالية جهودا حثيثة متواصلة إلى يومنا هذا.
لقد أحصى الباحث املغربي األستاذ أحمد الشرقاوي إقبال في كتابه الق ّيم « :معجم
املهمة هذه « على املعاجم
املعاجم»( )1ألفا وأربعمائة وسبعة قواميس .وقد قصر ببليوغرافيته ّ
مسته احلداثة بأثر قليل أو كثير »( .)2وي ّتصف هذا التراث القاموسي بتعدّ د
التراثية دون سواها مما ّ
موضوعاته ،وغزارة مادته ،وتن ّوع أساليب عرضها ،وسعيه املتواصل إلى االستقصاء واالستيعاب،
وهو ما دعا املستشرق األملاني الشهير أوغست فيشر صاحب مشروع « املعجم اللغوي التاريخي»
يحق له الفخار بوفرة كتب علوم لغته،
إلى القول بأنه « إذا ما استثنينا الصني ،فال يوجد شعب آخر ّ
()3
املبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها ،بحسب أصول وقواعد ،غير العرب . »...كما وبشعوره ّ
شهد للعرب بالسبق والتم ّيز في وضع القواميس اللغوية وغير اللغوية جون أ.هيوود .Haywood
) 1أحمد الشرقاوي إقبال :معجم املعاجم ـ تعريف بنحو ألف ونصف ألف من املعاجم العربية التراثية ،ط ،1دار الغرب اإلسالمي ،بيروت
391 ،1987ص.
واملتخصصة ،التراثية منها واحلديثة ،نذكر ما يلي :
ّ ومن أهم الببليوغرافيات القاموسية العربية التي اهتمت بالقواميس العربية اللغوية
أ .سمير عبد الرحيم اجللبي :ببليوغرافيا الترجمة واملعاجم للوطن العربي ،دار اجلاحظ ،بغداد 130 ،1977ص.
ب.مسفر سعيد الثبيتي ود .محمود اسماعيل صيني ( صالح) :املراجع املعجمية العربية ـ أحادية اللغة وثنائية اللغة ومتعدّ دة اللغات،
مكتبة لبنان ،بيروت 332 ،1989ص.
ج .وجدي رزق غالي :معجم املعجمات العربية ـ رصد حصري شارح للمعجم العربي املطبوع ،مكتبة لبنان ناشرون ،بيروت ،1993
285ص.
)2أحمد الشرقاوي إقبال :املرجع نفسه ،املقدمة ،ص :ي.
) 3أ.فيشر :املعجم اللغوي التاريخي ،القسم األ ّول ،من أ ّول «حرف الهمزة» إلى « أبد» ،ط ،1مجمع اللغة العربية ،القاهرة ( 1967
53ص) ،ص.4
372
John Aفي كتابه « القاموس ّية العرب ّية» ،فهو يرى « ّأن العرب في مجال املعجم يحتلون مكان
املركز ،سواء في الزمان أو املكان ،بالنسبة إلى العالم القدمي أو احلديث ،وبالنسبة إلى الشرق أو
الغرب»( .)1ويضيف هيوود أنه « كان للعرب معجم شامل هو « لسان العرب» كانت دونه د ّقة
وشموال معاجم سائر اللغات قبل القرن التاسع عشر» (. )2
متكن القاموسيون العرب ،من خالل اإلنتاج الغزير الذي ساعد على تراكم التجربة وقد ّ
فن
فن وضع القواميس أو ما سميناه بـ»القاموس ّية» ،وهو ّ القاموس ّية ،من أن يط ّوروا شيئا فشيئا ّ
يدل إطالقا على أنّهم استقوه من أمم أو لغات أخرى .ونحن ال نغالي عندما استحدثوه وال شيء ّ
نقول ّإن العرب هم ر ّواد «القاموس ّية» العامل ّيةّ ،
وإن إجنازهم في ّ
الش ّق املنهجي والنظري للقاموس
عما أجنزوه في الشق العملي التطبيقي. يقل أهمية ّ ال ّ
توصل أهم مبادئ القاموسية في التراث العربي مبدآ « اجلمع» و«الوضع» ،وهما مبدآن ّ ومن ّ
إليهما ابن منظور (ت 711هـ 1311 /م) وح ّللهما في مقدّ مة قاموسه الشهير « :لسان العرب»،
واعتمدهما في نقد قواميس السابقني وفي تأليف قاموسه اجلامع الذي ال يزال ،إلى يومنا هذا،
أحد املصادر األساسية للقاموس العربي .يقول ابن منظور في سياق حديثة عن القواميس التي
رجلي :أ ّما من أحسن جمعه فإنه لم يحسن وضعه ،وأ ّما نْ ألّفت قبله إنه رأى « علماءها بني
من أجاد وضعه فإنه لم يجد جمعه ،فلم يفد حسن اجلمع مع إساءة الوضع ،وال نفعت إجادة
الوضع مع رداءة اجلمع»( .)3وواضح من كالم مؤلّف « لسان العرب» ّأن القاموس يقوم على
ركنني :ركن أ ّول هو األلفاظ التي ينبغي أن تستقى من مصادرها وتختار بناء على مبادئ
أو معايير تكون واضحة ،في ذهن القاموسي ،وذاك هو اجلمع ؛ وركن ثان يتمثل في معاجلة
املوا ّد اللغوية ترتيبا وشرحا واستشهادا ومتثيال وإيرادا ملختلف البيانات التي ينتظرها املستعمل
أو املستفيد ،وهذا هو الوضع .وتك ّون مختلف جوانب اجلمع والوضع ما يعرف في القاموسية
احلديثة بـ»عناصر القاموس» اللغوي(.)4
) 1نقال عن د .أحمد مختار عمر :املرجع املذكور سابقا ( الهامش -1أ) ،ص .27
) 2نقال عن د .عدنان اخلطيب :املعجم العربي بني املاضي واحلاضر ،ط ،1مكتبة لبنان ناشرون ،بيروت 92( 1994ص) ،ص .5
وعنوان كتاب هيوود هو :
Arabic lexicographye : It’s History, and It’s Place in the General History of Lexicography, Leiden, E.J.Brill,19665.
ويبدو ّأن للكتاب ترجمة عربية طبقا ملا ورد في بحث د .سعيد جبر أبو خضير( املرجع املذكور سابقا احلاشية .1ج) هي التالية :
-جون أ .هيوود :املعجمية العربية :نشأتها ومكانتها في تاريخ املعجميات العا ّم ،املجمع العلمي ،بغداد .2004
)3ابن منظور :لسان العرب احمليط ،إعداد وتصيف يوسف خ ّياط ،دار لسان العرب ،بيروت (د.ت) ،ج ،1املقدّ مة ،ص :خ.
)4انظر حول عناصر القاموس اللغوي ما يلي على سبيل املثال :
.p 278 ,1968 Paris ,Larousse,français dictionnaires des Histoire : Matoré Georges
محمد رشاد احلمزاوي :املعجم العربي ـ إشكاالت ومقاربات ،بيت احلكمة ،تونس 442 ،1991ص.
دّ .
د.علي القاسمي :علم اللغة وصناعة املعجم ،ط ،3مكتبة لبنان ناشرون ،بيروت 223 ،2004ص.
373
وبإمكاننا استخدام هذين املبدأين القاموسيني األساسيني ـ اجلمع والوضع ـ لدراسة التجربة
القاموسية العربية في ماضيها وحاضرها ،واستخالص عدد من العبر والدروس التي قد تساعد في
تأليف القاموس العربي اللغوي احلاسوبي الذي نأمله.
كل منهما مراحل فرعية ، تضمنت ّ لقد م ّرت التجربة القاموسية العربية مبرحلتني كبيرتني ّ
وهاتان املرحلتان هما املرحلة القدمية التي تبدأ بنشأة القاموس العربي في النصف الثاني من القرن
الثاني والنصف األ ّول من القرن الثالث للهجرة (إلى أواسط القرن 9م) ،وتنتهي مع «تاج العروس»
للزبيدي في نهاية القرن الثاني عشر للهجرة (أواخر القرن 18م).
أ ّما املرحلة الثانية فهي التي نعيشها إلى يومنا هذا مع تن ّوع كبير في مراحلها الفرع ّية،
وتبدأ بظهور املطبعة ونشر املعاجم التراثية ثم تأليف املعاجم احلديثة في لبنان ومصر وغيرهما
وذلك سواء على أيدي اللغو ّيني العرب أو من قبل املستشرقني الهولنديني واإلجنليز والفرنسيني
واألملان وغيرهم.
.3التجربة القاموسية العربية القدمية
1.3مرحلة النشأة والتأسيس :الرسائل اللغوية ،وكتاب العني
1.1.3الرسائل اللغوية
كان لظهور الدين اإلسالمي احلنيف واهتمام املسلمني منذ وقت ّ
مبكر بجمع القرآن
وتفسيره وتوضيح غامضه دور أساسي في نشأة الدراسات اللغوية مبختلف أنواعها ومنها
تدوين اللغة .وخالل فترة قد تزيد قليال على قرن من الزمان ( أواسط القرن الثاني ـ أواسط
أن «العربية الفصحى ،هي العربية النقية منالقرن الثالث للهجرة) ظهر لغو ّيون كبار رأوا ّ
الشوائب ،التي لم تخالطها لغة أخرى»( )1و»أن أفصح اللغات هي لغات البدو ،البعيدين عن
االختالط في أواسط البيداء ،وإذن فالطريق إلى احلكم على سالمة اللغة وفصاحتها ونقائها هو
قياسها على لغة هؤالء البدو ،والطريق إلى تع ّلم الفصحى هو معاشرتهم ،وهذا هو ما حدث
فعال»( .)2وقد كان للغة هؤالء البدو دور أساسي في تفسير ما عرف باسم «غريب القرآن» و
«غريب احلديث» ،إضافة إلى أنها كانت ضرورية لفهم أشعار العرب مثلما ّإن أشعار العرب قد
ساعدت على شرحها وفهمها.
نصار :املعجم العربي ـ نشأته وتط ّوره ( ،جزآن) ،ج، 1ط ،2دار مصر للطباعة والنشر ،القاهرة ،1968ص .27
) 1د .حسني ّ
) 2املوضع نفسه.
وانظر أيضا :
د .عبداحلميد الشلقاني :رواية اللغة ،داراملعارف ،القاهرة 399 ،1975ص.
374
بحق حركة تأسيس ّية ـ تأليف عشرات بل وكانت نتيجة هذه احلركة اللغوية العظيمة ـ وهي ّ
وتسمى «الرسائل اللغو ّية» أو « الكتب املفردة» ـ في مختلف
ّ مئات من الكتب اللغوية الصغيرة ـ
املوضوعات ذات الصلة ببيئة اإلنسان العربي الطبيعية والثقافية والروحية .وقد قسم الدكتور حسني
نصار هذه « الرسائل اللغوية على املوضوعات « إلى تسعة أبواب هي «كتب الغريبني والفقه، ّ
وكتب اللغات والعامي واملع ّرب ،وكتب الهمز ،وكتب احليوان ،وكتب النوادر ،وكتب البلدان
واملواضع ،وكتب اإلفراد والتثنية واجلمع ،وكتب األبنية ،وكتب الصفات .وتعدّ الرسائل املندرجة
ضمن هذه األبواب أو املجموعات ما قد يزيد على تسعمائة رسالة (كتاب) طبقا لإلحصاء الذي
أجراه األستاذ أحمد الشرقاوي إقبال(.)1
وقد ارحتل هؤالء اللغويون إلى البادية ،وأخذوا اللغة مشافهة عن العرب الفصحاء األقحاح،
واشترطوا في من أخذوا عنهم شروطا عديدة حفلت بها كتب اللغة ،وتق ّيدوا في جمعهم للغة
بقيود زمانية ومكانية .وفي اجلملة فإنهم لم يأخذوا عن احلضر،وجعلوا القبائل درجات في
الفصاحة ،واعتبروا أن عصر االحتجاج بلغة هؤالء الذين رووا عنهم ينتهي إجماال بنهاية القرن
()2
يعم اللحن ويفشو اخلطأ لفساد السليقة مبخالطة األعاجم وسكنى احلواضر. الثالث قبل أن ّ
ولم يتق ّيد مؤلفو هذه الرسائل مبنهج دقيق في ترتيب األلفاظ التي جمعوها ،وإن كانوا
قسموها عموما إلى موضوعات جزئية تتف ّرع من املوضوع العا ّم .ومن أشهر مؤلفي هذه قد ّ
الرسائل اللغوية علي بن حمزة الكسائي (ت 189هـ805/م) الذي ينسب إليه «معاني القرآن»
و«املصادر» و«احلروف» و«ما تلحن فيه العا ّمة» ،وأبو عمرو الشيباني ( ت206هـ821/م) الذي
ينسب إليه «احلروف» و«غريب احلديث» و«النحلة» ،و«اإلبل» و«اخليل» و«النوادر» و«خلق
اإلنسان» ،وأبو عبيدة معمر بن املث ّنى ( ت 209هـ 824/م) الذي ينسب إليه «ما تلحن فيه العا ّمة»
و«اإلنسان» و«الزرع» و«الشوارد» و«معاني القرآن» و«غريب احلديث» ،واألصمعي (ت 216هـ
831م) الذي ينسب إليه «غريب احلديث» و«اإلبل « و«األضداد» و«النحل» و«اإلنسان»
و«املترادف» و«النبات» و«اخليل»...الخ.
مهدت لظهور وإن أهمية الرسائل اللغوية تتمثل أساسا في أنها كانت اخلطوة األولى التي ّّ
القواميس بل كانت املادة األساسية التي اعتمدها القاموسيون العرب الكبار في القرن الرابع
الهجري وما بعده .وإذا عرفنا ّأن القواميس اللغوية العربية احلديثة التي بدأ تأليفها في النصف
الثاني من القرن التاسع عشر وتواصل إلى ستينات القرن العشرين مع «املعجم الوسيط» ملجمع
) 1أحمد الشرقاوي إقبال :املرجع املذكور سابقا،املقدّ مة ،ص :ز -ح.
) 2انظر مثال :
كامل محمد أبو سنينة« :لغة االحتجاج» ،أطلس للدراسات اللغوية (مج ّلة ) ،مركز أطلس العاملي للدراسات واألبحاث ّ
بعمان (األردن)،
املجلد الثاني ،العدد الثاني ،حزيران ،2001ص.44
375
اللغة العربية بالقاهرة ،بل إنه ال يزال متواصال إلى يومنا هذا ،قد اعتمدت اعتمادا يكاد يكون
كليا على معاجمنا التراثية ـ مثل لسان العرب البن منظور والقاموس احمليط للفيروزآبادي ( ت
817هـ 1415 /م) ـ أدركنا س ّر غلبة نزعة البداوة واحملافظة والتقليد على قاموسنا اللغوي العربي
احلديث والتاريخ ّيته ،ممّا جعل تأليف قاموس عربي عصري جمعا (مادة) ووضعا (عرضا)
ملحا.
مطلبا قوم ّيا ّ
.2.1.3كتاب العني للخليل بن أحمد
لئن كان اخلليل بن أحمد الفراهيدي (ت170هـ 786 /م) قد ألّف قاموسه املشهور «كتاب
العني» أثناء مرحلة تأليف الرسائل اللغوية ،فإن قاموسه هذا قد جاء متم ّيزا عن تلك الرسائل
حجما ووضعا .وقد كان اخلليل ـ ويصفه البعض بـ «أذكى العرب» ـ رياضيا وعروض ّيا وموسيقيا
ونحو ّيا وقاموس ّيا في آن واحد ،وقد أوتي من النباهة والذكاء ما جعل إجنازه القاموسي إجنازا
عظيما فريدا غير مسبوق .وقد أعمل اخلليل فكره «في جمع ألفاظ اللغة بطريقة حاصرة،
ّ
التشذ عنه كلمة ،أو تندّ عنه لفظة ،فضال على درء مظ ّنة تقوم على احلساب العقلي ،حتى
ثم فقد ابتكر نظام
تس ّرب لفظة غير عربية إلى األلفاظ العربية التي أنشأ كتابه من أجلها ،ومن ّ
التقليبات»( .)1كما عمد اخلليل إلى التزام نظام آخر محكم ال يتس ّرب من خالله خطأ ،وال
يقع معه سهو أو تكرار ،وهو تقسيم الكتاب إلى أبواب بحسب كمية اللفظة من احلروف ،فبدأ
ثم اخلماسي.ثم الثالثي ،ثم الرباعيّ ،بالثنائي في األلفاظّ ،
واملقصود بـ «التقليب» عند اخلليل هو تقدمي احلرف في الكلمة مرة وتأخيره أخرى بحيث
يحصل من الثنائي على صورتني ،ومن الثالثي على ست ،ومن الرباعي على أربع وعشرين
صورة أو تقليبا ،ومن اخلماسي على مائة وعشرين صورة حاصلة من تقاليبه .وقد ذكر اخلليل
أن مبلغ عدد األبنية في كالم العرب «اثنا عشر ألفا وثالثمائة ألف وخمسة آالف وأربعمائة
واثنا عشر» أي ما يزيد على اثني عشر مليون لفظ ،على ّأن هذه األلفاظ ج ّلها «مهمل» وقليلها
«مستعمل».
ّإن اخلليل بن أحمد هو رائد التأليف القاموسي العربي بال منازع ،وهو «لم يسبق إلى هذا
النوع من التأليف وإمنا كان هو الفارس املع ّلى في هذا املضمار ،واللغويون ك ّلهم له تبع»( .)2وال
ريب أن منهج اخلليل قد كان مبثابة «برمجية حاسوبية» عصرية قادرة على اإلحاطة ّ
بكل ألفاظ
اللغة ،املوجود منها بالفعل (املستعمل واملوجود بالقوة (املهمل).
)1د .صالح راوي :املدارس املعجم ّية العربية :نشأتها ـ تط ّورها ـ مناهجها ،دار الثقافة العربية ،القاهرة 279( ،1990ص) ،ص .72
) 2املرجع نفسه ،ص .90
376
واخلالصة بالنسبة إلى هذه املرحلة األولى ـ مرحلة الرسائل اللغوية وكتاب العني ـ أنّها كانت
مرحلة التأسيس الفعلي للقاموس العربي .ومن الصعب فهم معضالت القاموس اللغوي العربي ْإن
لم ندرك حقيقة هذه املرحلة التي انبنت عليها املراحل الالحقة مبا فيها املرحلة احلالية.
2.3املدارس القاموسية العربية القدمية
حاول الدارسون إدراج القواميس اللغوية العربية الكثيرة التي ألفها اللغويون العرب
واملستعربون منذ «كتاب العني» للخليل في مجموعات رئيسية متشابهة اعتبروها متثّل «مدارس
وإن ما يجمع بني القواميس املنتمية إلى «املدرسة» الواحدة هو ،أساسا ،ما بينها من قاموس ّية»ّ .
نصار مي ّيز بني
متاثل أو تشابه في «الوضع» ـ حسب مفهوم ابن منظور ـ ال «اجلمع» .فحسني ّ
خاصة من «العني» أربع مدارس أوالها املدرسة التي يسم ّيها غيره «مدرسة التقليبات» ،وتتألف ّ
للخليل و«البارع» ألبي علي القالي (ت 356هـ )967/و«احملكم» البن سيده (ت 458/1066م)؛
وثانيتها املدرسة التي متسكت بالترتيب األلفبائي وأهملت ترتيب احلروف على املخارج لكنها
وتضم «اجلمهرة» البن دريد ( ت 321هـ933 /م) و«مقاييس ّ متسكت بنظام األبنية اخلليلي ،
اللغة» و«املجمل» البن فارس (ت 395هـ1004/م) ؛ وثالثتها املدرسة التي يسميها غيره «مدرسة
وتضم «كتاب الصحاح» للجوهري ( ت 393 ّ القافية» ألنها ترتب املداخل بحسب احلرف األخير،
هـ 1003 /م) و«العباب» للصاغاني (ت 650/1252م) و«لسان العرب» البن منظور و«القاموس
سماها غيره «مدرسة األبجدية العربية»،وميثلها احمليط» للفيروزآبادي؛ واملدرسة الرابعة هي التي ّ
«أساس البالغة» للزمخشري (ت 538هـ1144/م) ،وقد اعتمدت ترتيب حروف املعجم تبعا
حلرف الكلمة األ ّول مع طرح نظام األبنية واملقلوبات.
وقسم الدكتور عدنان اخلطيب املدارس القاموس ّية إلى خمس ،إذ أضاف مدرسة اعتمدت ّ
املوضوعات ومعاني الكلمات دون االلتفات إلى حروفها ،وميثلها «الغريب املص ّنف» ،البن
الم (ت 224هـ838 /م) و«األلفاظ» البن السكيت (ت 244هـ 858 /م) و»املخصص» البن س ّ
()1
تضمها هذه املدارس األربع أو اخلمس
سيده .ويالحظ من استعراض القواميس الكثيرة التي ّ
أن تأليفها ـ وخاصة في القرن الرابع الذي هو بحق ق ْرن القواميس الكبيرة اجلامعة ـ قد كان الغرض
أساسي هما «التزام الصحيح من األلفاظ ،وتيسير البحث عن املوا ّد»( .)2وهذه نْ منه حتقيق أمرين
األلفاظ الصحيحة هي األلفاظ البدوية األعرابية في املقام األ ّول والتي كان رواة اللغة قد جمعوها
في القرنني الثاني والثالث كما م ّر ،ورحلوا إلى البادية بحثا عنها لفصاحتها وبعد متكلميها عن
وإن ما أضافه الالحقون إلى ما د ّونه السابقون من القاموسيني يعدّ ،في الغالب، العجمة واللحنّ .
)1د .عدنان اخلطيب :املرجع املذكور سابقا ،ص .45
نصار :املرجع املذكور سابقا ،ص .486
)2د.حسني ّ
377
محدودا ؛ لذلك غلبت على املعاجم التقليدية التراثية ظاهرة التقليد والتكرار ،وهي ظاهرة
تواصلت في قواميس القرنني التاسع عشر والعشرين .وبناء على ذلك ّ
فإن قواميسنا اللغوية
تتضمن من األلفاظ احلضارية التي عرفها العصر العباسي وغيره من عصور احلضارة ّ التراث ّية لم
العربية اإلسالمية مشرقا ومغربا وزخرت بها كتب األدب والتاريخ واجلغرافيا واحلسبة والفقه
وضحت مقدّ مة «لسان العرب» البن منظور منهج والفلسفة والعلوم املادية إ ّال القليل النادر .وقد ّ
القاموسية العربية القدمية القائم على النقل عن السابقني من القاموسيني ()1واالقتصار على مد ّونة
محدودة من حيث املصادر واملوضوعات واملكان والزمان ،ممّا حرم القاموس العربي من ثروة لفظية
واقعية ح ّية دالّة على حيوية اللغة العربية وتفاعلها مع الواقع احلضاري املتغ ّير.
وقد انبرى الدارسون ،منذ القدمي ،لنقد القواميس اللغوية العربية وتت ّبع سقطاتها
واالستدراك عليها ،ومن أشهر هؤالء في عصر النهضة احلديثة أحمد فارس الشدياق مؤلّف
خاصة والقاموس« اجلاسوس على القاموس» الذي نقد فيه « القاموس احمليط» للفيروزآبادي ّ
العربي عا ّمة .وقد تناول هذا النقد ركني القاموس وهما اجلمع والوضع كما سبق أن ب ّينا.
نصار ّأن « عيوب املعاجم القدمية»( )2تتمثل خاصة في كثرة التصحيف ويرى الدكتور حسني ّ
وما يتصل به من وضع وانتحال ،وعدم متثل املؤلّفني للغرض من القاموس إذ أرادوا أن يجمعوا
اللغة بواضحها وغريبها ونادرها ولغاتها (لهجاتها) وأن يجمعوا معها معارف العرب وجوانب
مختلفة من الثقافة العربية « حتى أصبحت معاجمنا كبرج بابل» حسب عبارته .كما تتمثل
هذه العيوب في القصور ،إذ رغم ما في القواميس من حشو فإنه ليس منها ما هو جامع ّ
لكل
كالم العرب ،وأغلبها يرجع إلى لهجات ويهمل أخرى كما يهمل املولّد .وتتمثل العيوب أيضا
في اضطراب الترتيب وتعقدّ ه غالبا ،وكذلك في قصور العرض وإبهامه وسوء التفسير وتقليد
الالحقني لشروح السابقني وأمثلتهم وشواهدهم...
)1يقول ابن منظور « :فجمعت منها ( أي األصول اخلمسة) في هذاالكتاب ما تف ّرق ،وقرنت بني ماغ ّرب منها وبني ما ش ّرق ،فانتظم شمل
تلك األصول ك ّلها في هذا املجموع ،وصار هذا مبنزلة األصل وأوالئك مبنزلة الفروع ( )...وأنا مع ذلك ال أ ّدعي فيه دعوى فأقول شافهت
أو سمعت ،أو فعلت أو صنعت ،أو شددت أو رحلت ،أو نقلت عن العرب العرباء أو حملت ( )...وليس لي في هذا الكتاب فضيلة
أمت بها ،وال وسيلة أمتسك بسببها ،سوى أني جمعت فيه ما تف ّرق في تلك الكتب من العلوم ،وبسطت القول ولم أشبع باليسير .»... ّ
أما الكتب اخلمسة التي جمع منها ابن منظور مادة قاموسه فهي تهذيب اللغة لألزهري واحملكم البن سيده والصحاح لللجوهري وحواشي
ابن ب ّري والنهاية البن األثير.
نصار :املرجع املذكور سابقا ،ص .759-747
)2د.حسني ّ
وخاصة على مستوى مادتها املصطلح ّية :
ّ وانظر حول عيوب القواميس العربية
مصطفى الشهابي :املصطلحات العلمية في اللغة العرب ّية في القدمي واحلديث ،مجمع اللغة العرب ّية ،دمشق218(1988 ،ص) ،ص .40-33
378
.4التجربة القاموسية العربية احلديثة
1.4الطباعة وإحياء القاموس العربي في القرن التاسع عشر
كانت الطباعة في البلدان العربية من آثار االتصال باملدنية الغربية .وقد أ ّدت الطباعة
دورا تنويريا عظيما وأسهمت إسهاما كبيرا في جتديد الثقافة العربية وإحياء تراثها الزاخر ومنه
التراث القاموسي .وقد احتاجت النهضة اللغوية واألدبية إلى االستعانة بالقواميس للتمكن من
إحياء اللغة وآدابها ،فـ «اعتمد الناس في بادئ األمر على املعجمات القدمية ،وقام البعض بإعادة
طبع املعروف منها وبطبع ما كان مخطوطا ،لتسيهل تداولها بني الناس»( .)1وهكذا طبع خالل
مهم من القواميس العربية الكبيرة منها «تاج اللغة الثلث األخير من القرن التاسع عشر عدد ّ
الصحاح» لل ّرازي ( )1870و«القاموس احمليط» وصحاح العربية» للجوهري (1865م) و«مختار ّ
للفيروزآبادي ( 1872م) و«املصباح املنير» للف ّيومي ( )1876و«لسان العرب» البن منظور
و«أساس البالغة» للزمخشري ( )1882و«تاج العروس» للزبيدي ( )1889إلخ...
وقام بعض اللغويني بإعادة ترتيب بعض القواميس القدمية على حروف هجاء أوائل
الكلمات بقصد تسهيل الرجوع إليها ،وتشجيع طالب املدارس على استعمالها .وقد ساعد
نشر هذه القواميس على قيام حركة نقد نشيطة للقاموس العربي القدمي كان من أعالمها أحمد
فارس الشدياق كما أشرنا ،وكذلك العالمة أحمد تيمور الذي تتبع أوهام وأغالط لسان العرب
والقاموس احمليط(.)2
2.4االستشراق األوربي والقاموس العربي
اهتمت احلركة االستشراق ّية األوربية في القرن التاسع عشر بالقاموس العربي اهتماما كبيرا،
وكان ذلك على مستوى الكشف والتحقيق والنشر والدراسة والتأليف .وعلى سبيل املثال،
نشر ماتيو ملسدن (ت )1835اإلجنليزي «القاموس احمليط» بكلكتا سنة 1817م في جزئني مع
مقدّ مة باإلجنليزية وترجمة لصاحبه بالعربية ،وألّف اإلجنليزي إدوار وليام لني (ت )1876قاموسا
كبيرا عربيا ـ اجنليزيا هو «مدّ القاموس» في ثمانية أجزاء ،وألف رينهارت دوزي (ت )1883
سماه «تكملة القواميس العربية» ،وقد طبع في ليدن الهولندي قاموسا ملا فات القواميس العربية ّ
()3
أهم فوائد االستشراق القاموسي الكشف عن كلمات عربية كثيرة أهملتها سنة . 1881ومن ّ
بحجة عدم تو ّفر معايير الفصاحة فيها. قواميسنا القدمية ّ
)1د.عدنان اخلطيب :املرجع املذكور سابقا ،ص .47
) 2املرجع نفسه ،ص.51
) 3انظر مثال :أحمد الشرقاوي إقبال :املرجع املذكور سابقا ،املقدّ مة ،ص:ب ـد.
379
3.4املدرسة القاموسية اللبنانية إلى مطلع القرن العشرين
كان من نتائج النهضة التي عرفها لبنان في القرن التاسع عشر نشوء « حركة لغوية
واسعة ،شارك فيها عدد من اللبنانيني فأسهموا إلى حدّ كبير في بعث اللغة العربية وإحيائها
()1
اهتم ر ّواد النهضة اللغوية بجوانب ثالثة رئيسية هي إحياء اللغة والتراث
من جديد» .وقد ّ
العربيني ،ونقد القواميس القدمية ،وتأليف القواميس احلديثة.
وفي مجال التأليف ،أخرجت املطبعة العربية سنة 1869قاموسا جديدا في جزئني وضعه املع ّلم
بطرس البستاني وأسماه «محيط احمليط» ،التزم فيه عبارة القاموس احمليط» مع شيء من التص ّرف
والتهذيب ،ورتبه على حروف الهجاء بحسب أوائل الكلمات ،وملا وجد قاموسه هذا مط ّوال بالنسبة
الب املدارس عمد إلى اختصاره في جزء واحد وأطلق على املختصر اسم « قطر احمليط»(.)2 إلى ط ّ
وفي سنة 1889ألف سعيد اخلوري الشرتوني للطالب أيضا قاموسه املشهور «أقرب املوارد
في فصيح العربية والشوارد» ،اعتمد فيه على أمهات القواميس وإن كانت عبارة القاموس احمليط
فيه أغلب( .)3ويعدّ قاموس الشرتوني أكثر انتظاما من محيط البستاني وأجود وضعا.
وفي سنة 1908أخرج األب لويس املعلوف قاموسه «املنجد» ،وقد اختصر فيه «محيط
احمليط» للبستاني الذي هو نفسه تهذيب لـ «القاموس احمليط» .ويرى بعض الباحثني ّأن «املنجد»
يعتبر ،إلى اليوم ،خير معجم مدرسي للعربية في ترتيبه وإخراجه» (.)4
وقد تتالى صدور القواميس التي ألفها اللبنانيون في النصف األ ّول من القرن العشرين،
ومن أشهرها «البستان» لعبد اهلل البستاني ( 1930م) و«منت اللغة» ألحمد رضا ()1958
وغيرهما ...ومن أبرز اخلصائص التي تشترك فيها قواميس اللبنانيني في القرن التاسع عشر
ومطلع القرن العشرين ّأن مؤلّفيها قد وضعوها للتالميذ والطلبة في املقام األول ،في حني أن
القواميس قبلهم كانت تؤلّف للعلماء واملتبحرين في اللغة والعلم .ومن تلك اخلصائص االنتظام
الواضح في ترتيبها ،وتخ ّلصها من كثير من املعلومات غير اللغوية التي كانت تثقل القاموس
العربي ،واغتناؤها باملصطلحات العلمية ...الخ ،إ ّال أن هذا التطوير محدود وخاصة على مستوى
اجلمعّ ،
ألن ما ّدتها ال تزيد كثيرا على ما في « القاموس احمليط» باخلصوص.
) 1حكمت كشلي :املعجم العربي في لبنان ،دار ابن خلدون ،بيروت 344( 1982ص) ،ص.36-35
) 2انظر حول بطرس البستاني وجهوده اللغوية والقاموس ّية :
أ-.حكمت كشلي :املرجع املذكور سابقا ،ص .123-114
نصار :املرجع املذكور سابقا ،ص .716-711 ب.د.حسني ّ
ج.جمع ّية املعجم ّية العرب ّية بتونس :في العجم ّية العرب ّية املعاصرة ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت 669( ،1987ص) ،ص .357-305
) 3انظر حول قاموس الشرتوني :
أ -.حكمت كشلي :املرجع املذكور سابقا ،ص .137-130
نصار املرجع املذكور سابقا ،ص .722-716 ب-.د.حسني ّ
ج.ـأحمد طه حسانني سلطان :نظرات نقدية في محيط احمليط للبستاني ،القاهرة 119 ،1998ص.
) 4د.عدنان اخلطيب :املرجع املذكور سابقا ،ص .53
380
4.4املعجم الوسيط ملجمع اللغة العربية بالقاهرة
كان من األغراض التي أنشىء من أجلها مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة « 1932أن يحافظ
على سالمة اللغة العربية ،وأن يجعلها وافية مبطالب العلوم والفنون في تقدّ مها ،مالئمة على
العموم حلاجات احلياة في العصر احلاضر ،وذلك بأن يحدّ د في معاجم أو تفاسير ّ
خاصة أو بغير
ذلك من الطرق ما ينبغي استعماله أو جت ّنبه من األلفاظ والتراكيب»( .)1وقد ح ّقق املجمع
إجنازات مصطلحية وقاموسية عديدة منها «املعجم الوسيط» الذي أصدره في جزئني سنتي
ويتضمن أن
ّ 1960و 1961بناء على طلب تقدّ مت به وزارة املعارف املصرية في سنة 1936
يقل في نظامه عن «يسعف (املجمع ) العالم العربي مبعجم على خير منط حديث ،بحيث ال ّ
أحدث املعجمات األجنبية ،فيجيء محكم الترتيب ،واضح األسلوب ،سهل التناول ،مشتمال
على صور لكل ما يحتاج شرحه إلى تصوير ،وعلى مصطلحات العلوم والفنون ،وبذا ينتفع به
وييسر عليهم حتصيل اللغة ،وشاءت الوزارة أيضا أن يضاف إليه ملحق باملشهور الب العلمّ ، ط ّ
من أعالم األشخاص واألماكن ،وكأنها كانت تص ّوب إلى شيء شبيه باملعجم الفرنسي املعروف
باسم «الروس الصغير» ( .)2وقد أصدر املجمع في دورته الثالثة قراره بـ «وضع معجم لغوي
وسيط» هو التالي« :نظرا إلى حاجة طالب التعليم الثانوي ،ومن في مرتبتهم ،وجمهرة املثقفني
ميسر الترتيب ،مص ّور ،بحيث يتناول من أبناء اللغة العربية إلى معجم وسيط ،سهل التناولّ ،
من املصطلحات العلمية الصحيحة ما يتعلق باألسباب الدائرة بني الناس ،يق ّرر املجمع الشروع
في اتخاذ األسباب للقيام بهذا العمل.)3(»...
وهكذا فإننا نالحظ أن املجمع ،منذ البداية ،لم يتق ّيد بالهدف الذي حدّ دته وزارة املعارف
الب التعليم الثانوي ومنفي طلبها املذكور سابقا ،إذ أراد «أال يقصر املعجم الوسيط على ط ّ
في مرتبتهم من املثقفني فرأى أن يسمو به حتى يجعله «مرجعا وافيا للكاتب والدارس املث ّقف»
فيكون املجمع «قد خرج على هدفه األول املؤلّف له» حسب تعبير حسني ّ
()4
نصار ،إذ الوسيط
معجم كبير قد يفوق القاموس احمليط للفيروزآبادي ،وهو من أشمل معاجمنا فليس هو إذن
للطلبة أو من في مستواهم»( .)5وقد نال «املعجم الوسيط» من الشهرة واالنتشار ما لم تنله
مؤسسة لغوية القواميس األخرى باستثناء «املنجد» للويس املعلوف .والشك ّأن لصدوره عن ّ
) 1مجمع اللغة العرب ّية « :مرسوم بإنشاء مجمع ملكي للغة العرب ّية» ،مج ّلة املجمع ،ج ،1أكتوبر ،1934ص.6
) 2مجمع اللغة العرب ّية :املعجم الوسيط ،ط ،3القاهرة ،1985تصدير الطبعة األولى ،ص .10
) 3مجمع اللغة العرب ّية :مجموعة القرارات العلم ّية في خمسني عاما ،القاهرة 326 ( ،1984ص) ،ص .222
نصار :املرجع املذكور سابقا ،ص .742 ) 4د.حسني ّ
) 5املوضع نفسه.
381
وعلمية ذات بعد وإشعاع عربيني دورا كبيرا في ذلك .أما عن هذا القاموس في حد ذاته فإنّه،
على مستوى الوضع وبالذات الترتيب ،قد جاء» على قسط كبير من التنظيم والتيسير يفوق
فإن مالحظاتنا علىفيهما مدرسة اليسوع ّيني التي تأ ّثر مبنهجها»( .)1وأ ّما على مستوى اجلمع ّ
هذا القاموس كثيرة جدّ ا ،ونوجزها في نقطتني اثنتني هما :اإلفراط في تضمني القاموس األلفاظ
العربية التراثية البدوية األعرابية ،من النوع الذي جنده في الرسائل اللغوية في القرنني الثاني
والثالث للهجرة وفي القواميس القدمية ،وكذلك اإلفراط في إيراد البدائل الصرفية واللهجية
للصيغة الواحدة دومنا سعي إلى التنميط والتقييس والتفريط في الكثير من األلفاظ واملعاني
املستحدثة التي ظهرت في القرن العشرين وحتى قبله سواء في عصر نهضتنا العربية احلديثة في
القرن التاسع عشر أو إ ّبان عصور ازدهار احلضارة العرب ّية اإلسالمية في املشرق واملغربّ .
وإن كثيرا
مما كتب عن «املعجم الوسيط» متجيدا له وإشادة مبا فيه من جتديد وما ي ّتصف به من حداثة ،لم
يعتمد منت هذا القاموس ولم ينقده من داخله ،وإنمّ ا صدّ ق ـ عن حسن ن ّية ـ ما حفلت به مقدّ ماته
ورضى عن الذات قد يكون ضرره أكبر من نفعه .ويكفي أن نعود العديدة من إطراء مبالغ فيه ً
إلى أي صفحة من صفحات هذا القاموس لنتبني مدى ما حشي به من ألفاظ حوشية بدوية غريبة
متروكة( )2وخل ّوه من ألفاظ حديثة ومعان جديدة استق ّرت في االستعمال الصحيح واملكتوب
منذ عقود وأصبحت جزءا ال يتجزأ من لغتنا الضادية( ،)3ممّا يقتضي تضمينها القاموس ليعكس
تط ّور اللغة وحيويتها.
واخلالصة ّأن «املعجم الوسيط» على الرغم من بعض التجديد الذي ي ّتصف به على
مستويي اجلمع والوضع ،ينطبق عليه ما قاله األمير مصطفى الشهابي من ّ
«أن املعاجم العربية
احلديثة (كمحيط احمليط وأقرب املوارد والبستان واملنجد وغيرها) ليست إال صورة صغيرة ّ
مشذبة
أهم ما لها من فائدة»(.)4
للمعاجم القدمية ( )...وتكاد سهولة املراجعة فيها تك ّون ّ
نصار :املرجع املذكور سابقا ،ص .741 ) 1د.حسني ّ
) 2نقترح استعراض محتوى الصفحة 44من اجلزء األول من الطبعة الثالثة (القاهرة ،)1985وفي هذه الصفحة جند مداخل أصلية وفرعية
تهم إ ّال بعض األدباء والباحثني .ومثال ذلكَ :بدَ َح َ ،بدَّ ،أ َبدَّ ،با َّد ،ابتدَّ ،تبا َّد ،األبدُّ ـ كثيرة حوش ّية غريبة ال عالقة لها بلغة العصر وقد ال ّ
َب ِ
داد ،البِدا ُد ،ال ُبداد ،البدُّ ،البِدُّ ،ال َبدَّ ة ،ال ُبدَّ ة ،البِدَّ ة ،ال َبديد ،البدَ رى ،ال َبدْ َرة ،ال ُبد َرة...
) 3من البحوث اجل ّيدة التي أبرزت خل ّو «املعجم الوسيط» وغيره من قواميسنا احلديثة من األلفاظ العصر ّية واملعاني املستحدثة نشير إلى ما
يلي على سبيل املثال :
أ .أحمد شفيق اخلطيب « :من قضايا املعجم ّية العرب ّية املعاصرة» ،في :جمعية املعجم ّية العرب ّية بتونس :املرجع املذكور سابقا ،ص
.636-597
واملختصة (
ّ ب -.د.وفاء فايد كامل « :بعض مظاهر تغ ّير الصيغ الصرف ّية في العربية املعاصرة» ،في بحوث الندوة الدولية للمعاجم اللغوية
الكويت 17-14مارس ،)1999الكويت 250(2000ص95+ص) ص.235-181
) 4مصطفى الشهابي :املرجع املذكور سابقا ،ص .40
382
5.4القاموس اللغوي العربي ما بعد الوسيط
صدرت من «املعجم الوسيط» ،خالل حوالي نصف قرن ،أربع طبعات جاءت الطبعة األخيرة
منها (عام )2003دون تنقيح أو إضافة ،إذ « هي نفسها الطبعة الثالثة للمعجم في ثوبها اجلديد،
وبدون ريب ز ّودته جلانه في الطبعات الثالث السابقة بزاد لغوي وافر ،مما جعله يخطو إلى الكمال
وإن صدور مهمة»!! على حدّ تعبير املرحوم الدكتور شوقي ضيف رئيس املجمع(ّ .)1 خطوات ّ
طبعة جديدة بعد حوالي العشرين سنة من سابقتها دون أي جتديد يدخل عليها ،دليل على ما
تعانيه القاموسية العربية احلديثة من تقليد وجمود .وعلى الرغم من املآخذ العديدة التي وجهت
وخاصة على مستوى اجلمع( ،)2فإنّه ال مناص من اإلقرار مبا حظي به من ّ إلى «املعجم الوسيط»
جل القواميس التي ألّفت بعده مشرقا ومغربا ،بل استحسان وترحيب من املثقفني وبأثره الكبير في ّ
ّإن هذه القواميس اجلديدة تكاد تكون ك ّلها عالة عليه وصورة منه ،وهو ما تثبته املقارنة الدقيقة.
أهم القواميس اللغوية التي ظهرت بالوطن العربي بعد «املعجم الوسيط» القاموس ومن ّ
الذي أصدرته املنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم سنة 1989وعنوانه «املعجم العربي
األساسي»( .)3ومن مم ّيزاته عنايته باأللفاظ واملعاني املستحدثة والتعابير االصطالحية وألفاظ
احلضارة واملصطلحات العلمية.
أهمها إلى حد اآلن« ،املنجد في اللغة العربية ومن أهم هذه القواميس أيضا ،بل لع ّله ّ
املعاصرة»( )4الذي صدر عن دار املشرق سنة .2000ويعدّ هذا القاموس تطويرا لـ «املنجد» الذي
ألّفه األب لويس معلوف اليسوعي منذ قرن والذي نال من الشهرة ما جعل اسمه مرادفا ملصطلح
«معجم» أو «قاموس» .ومن أهم مم ّيزات هذا القاموس تفتحه على اللغة العربية احل ّية املعاصرة،
وشرحه ملداخله شرحا عصر ّيا كمثل الذي جنده في القواميس الفرنسية واالجنليزية.
ومن اجلهود اجلديرة بالتنويه والتقدير ما ألّفه األشقاء السعوديون وفي مقدّ متهم األستاذ
الدكتور محمود إسماعيل صالح وزمالؤه .ونشير هنا إلى «معجم الطالب ـ معجم سياقي
للكلمات الشائعة» حملمود إسماعيل صيني وحيمور حسن يوسف ،وهو أ ّول قاموس يعتمد
السياق في حتديد معاني األلفاظ ،ويتد ّرح في عرضه لتلك املعاني من احملسوس إلى املج ّرد ،كما أنّه
) 1مجمع اللغة العرب ّية :املعجم الوسيط ،ط ،4مكتبة الشروق الدول ّية ،القاهرة 1067(2003ص) ،ص.8
) 2انظر مثال :د.عدنان اخلطيب ،املرجع املذكور سابقا ،ص .56
العربي األساسي ،تأليف وإعداد جماعة من كبار اللغويني العربي ،الروس ،باريس ،1989
ّ املنظمة العرب ّية للتربية والثقافة والعلوم :املعجم
ّ )3
1347ص.
وانظر حول ما كتب عنه في :
أ– .د.عبد العزيز مطر :في نقد املعاجم واملوسوعات ،دار املعارف ،القاهرة 141( 1992ص) ،ص.90-51
ب – .د.مصطفى الغماري :مالحظات على املعجم العربي األساسي ،اجلزائر 176 ،2000ص.
)4أنطوان نعمه وآخرون (مح ّررون) :املنجد في اللغة العربية املعاصرة ،ط ،2دار املشرق ،بيروت 1641 ،2001ص.
383
يعدّ أ ّول محاولة قاموسية تهدف إلى خدمة دارسي العربية من غير العرب .وقد ّمت اختيار مفرداته
بناء على دراسات إحصائية(.)1
أهم اإلجنازات القاموسية العربية في الفترة املدروسة « الرصيد اللغوي الوظيفي ومن ّ
للمرحلة األولى من التعليم االبتدائي»( )2الذي ألّفته «اللجنة الدائمة للرصيد اللغوي» لدول
املغرب العربي ونشرته سنة .1976وهذا العمل القاموسي قد انبنى على بحوث لغوية ميدانية،
احلي.
وتضمن األلفاظ املستعملة املتواترة املك ّونة للرصيد املعجمي ّ
ّ
مهم في تطوير القاموسية العربية والقاموسية الثنائيةوقد كان ملستعربي القرن العشرين إسهام ّ
اللغة :العربية ـ األجنبية ،وذلك بفضل اعتمادهم في بعض ما ألفوه من قواميس على مد ّونات نص ّية
حديثة ،وبذلك ساروا في النهج الذي كان قد اختطه مستشرقو القرن التاسع عشر مثل لني مؤلّف
«مدّ القاموس» ودوزي مؤلّف «تكملة القواميس» .وفي هذا السياق أشير بالذات إلى «معجم اللغة
العربية املعاصرة» العربي ـ االجنليزي لهانزفير(.)3
متوسطة ووجيزة وأخرى لألطفال في وفي العقود الثالثة األخيرة صدرت قواميس عديدة ّ
مختلف البلدان العربية ،وأصبح القاموس من االهتمامات الكبيرة لدور النشر ،إ ّال ّأن اجل ّيد من هذه
كل سطر أحيانا على تصحيف أو القواميس قليل نادر ،وال يندر أن نعثر في كل صفحة منها بل في ّ
خطأ لغوي فادح أو قصور في الشرح والتعريف واالستشهاد( ،)4إضافة إلى أنّها غالبا ما تكون صورا
مستنسخة مصغرة من «املعجم الوسيط».
6.4القاموس اللغوي العربي واملعلوماتية
كان من نتائج ازدهار اللسانيات وظهور املعلوماتية في العقود األخيرة وحصول التفاعل
خاصة .وقد بني هذين العلمني أن نشط االهتمام بحثا وإجنازا باملعاجلة اآللية للغة عا ّمة وملعجمها ّ
أثمر هذا التفاعل في الغرب قواميس لغوية عديدة اعتمد مؤلّفوها مد ّونة نص ّية واسعة تقدّ ر
مباليني الصفحات أحيانا ،مثلما يتضح من التجربة الفرنسية والتجربة االجنليزية .وهذه املد ّونة
تختار بناء على معايير تأخذ في االعتبار األبعاد الزمانية واملكانية واملوضوعاتية وغيرها لتكون
ممثلة للغة املعن ّية.
)1محمود إسماعيل صيني وحيمور حسن يوسف :معجم الطالب ـ معجم سياقي للكلمات الشائعة ،مكتبة لبنان ،بيروت ،1991
280ص.
)2اللجنة الدائمة لل ّرصيد اللغوي :الرصيد اللغوي الوظيفي للمرحلة األولى من التعليم االبتدائي ،تونس 1976،171+167ص.
)3هانز فير :معجم اللغة العربية املعاصرة ،عربي ـ أنكليزي ،وضع ج ،ميلتون كوان ،ط ،3مكتبة لبنان ،بيروت 1110 ،1980ص
وكانت الطبعة األولى لهذا القاموس قد صدرت بأملانيا سنة .1961
)4من القواميس العرب ّية الرائحة في بعض أقطار املغرب العربي باخلصوص واحملش ّوة أخطاء من جميع األصناف القاموس التالي :
اجليالني بن احلاج يحيى وزمياله :القاموس اجلديد األلفبائي ،الطبعة العاشرة ،األطلس ّية للنشر بتونس واألهل ّية للنشر والتوزيع ببيروت،
1062 ،1977ص 32+ص.
كل أصناف األخطاء. وانظر في هذا القاموس الصفحة 17على سبيل املثال حيث تعترض املراجع ّ
384
وفي الوطن العربي ال تزال املنجزات قليلة وإن كان االهتمام باملوضوع قد بدأ منذ مطلع
املتخصصة في إطار معهد الدراسات واألبحاث ّ وخاصة في مجال القواميس
ّ سبعينات القرن املاضي
للتعريب بالرباط (املغربي) ومدينة امللك عبد العزيز بالرياض ( باسم)...
وقد حملت لنا السنة املاضية ( )2007بشائر مشروع جدي عملي لقاموسني لغويني
حاسوبيني شرعت مدينة امللك عبد العزيز للعلوم والتقنية في وضعهما بالتعاون مع بعض دور
النشر العربية ذات اخلبرة العالية .والقاموس األ ّول هو «املعجم اللغوي للمرحلة االبتدائية»،
ويتم تأليف هذين القاموسني انطالقا أما الثاني فهو» املعجم اللغوي للمرحلة الثانوية» ّ .
كل الكتب املدرسية املستخدمة في املرحلة الدراسية من مد ّونة نص ّية تتمثل ،أساسا ،في ّ
كل الكتب املعنية ( االبتدائية ،والثانوية) .وبالنسبة إلى قاموس املرحلة الثانوية ،أظهر جرد ّ
كل األلفاظ املستخدمة فيها والتي ستكون مداخل ومركبا هي ّّ املدرسية 21868لفظا مفردا
لهذا القاموس بعد إضافة ما يراه املؤلّفون من ألفاظ أساسية لم ترد في الع ّينة .وستشرح
املداخل بحسب معانيها في املد ّونة وليس بنقل الشروح من املعاجم السابقة نقال حرفيا ،كما
أن هذا القاموس سيكون أن األمثلة والشواهد ستكون مستقاة من املد ّونة نفسها .وال ّ
شك ّ
،عند صدوره ،قاموسا للغة العربية املعاصرة كما يتعلمها التالميذ ويتعلمون بها األدب
والعلوم اإلنسانية واالجتماعية والعلوم املادية ،ولن يكون استنساخا للقواميس السابقة مبا
فيها «املنجد» و«املعجم الوسيط» وغيرهما.
وإذا كان القاموسان السعوديان اللذان تنهض بهما مدينة امللك عبد العزيز للعلوم والتقنية
ليسا قاموسني حاسوبني وإمنا هما قاموسان ورق ّيان ـ على ّ
األقل في املرحلة األولى ـ ألّفا باالستعانة
فإن «القاموس احلاسوبي للغة العربية» الذي باحلاسوب ـ وهذا في حدّ ذاته إجناز عظيم ـّ ،
نأمله هو القاموس الذي يستعني مؤلفوه باحلاسوب لبنائه ،لك ّنهم ال يقتصرون على ذلك وإمنا
يبنون برمجيات مساعدة لبناء املعجم ولتمكني املستفيد من استعماله بسهولة وكفاءة وألغراض
متعدّ دة تتجاوز أغراض القاموس املدرسي التعليمي .وفي هذا الصدد أكتفي باإلشارة إلى الدراسة
املتم ّيزة التي صدرت لألستاذ مروان الب ّواب في العدد 33من مج ّلة «التعريب» الصادرة بدمشق
سنة ،2007بعنوان « نحو معجم حاسوبي للغة العربية» ،ففيها من الفهم الصحيح ملوضوع
القاموس احلاسوبي التفاعلي للغة العربية ومن األسس العلمية اللسانية واحلاسوبية والتفاصيل
اإلجرائية ما يصلح قاعدة سليمة بل ممتازة لوضع القاموس املأمول.
385
اخلاتـمـة
يعدّ اإلجناز القاموسي العربي القدمي إجنازا عظيما رائدا على مستويي الكم والكيف معا.
وقد جعل اللغويون األوائل من القاموس العربي قاموسا وصف ّيا َع َك َس واقع اللغة العربية وإن كانوا
قد تق ّيدوا في هذا الوصف بقيود زمانية ومكانية اقتضاها حرصهم على الفصاحة وسعيهم إلى
تنقية اللغة من الدخيل .إ ّال ّأن القاموسية العربية في عصور ما بعد عصر االحتجاج سرعان ما
جل ما لم يرد في الرسائل اللغوية من مولّدات أصبحت نقال عن السابقني إال في ما ندر ،وأهملت ّ
ثم جاء عصر أنتجها تفاعل اللغة مع املتغ ّيرات احلضارية ،فأصابها اجلمود وأصبحت التاريخيةّ ،
النهضة احلديثة فأعطى للقاموسية دفعا قو ّيا بإحياء القواميس التراثية وتأليف قواميس جديدة
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لم تكن ،في األغلب ،سوى تشذيب لـ «القاموس
احمليط» و»لسان العرب» .ولم يط ّور القاموسيون احملدثون نظرتهم إلى الفصاحة ،لذلك أحجموا
مثل السابقني عن لغة املعاصرين ،فلم تواكب قواميسنا التط ّور اللغوي الكبير الذي عرفته العربية
في القرنني التاسع عشر والعشرين.
ّإن معجم اللغة العربية احلديثة واملعاصرة ـ أي مجموع ألفاظها أو متنها اللغوي ـ معجم
حي متجدّ د متط ّور مواكب للحراك الذي يعرفه املجتمع العربي منذ مطلع القرن التاسع عشر،
وذلك على الرغم ممّا تتعرض له اللغة العرب ّية من مزاحمة العام ّيات وهيمنة اللغات األجنبية.
ويفترض أن يعكس القاموس العربي احلديث تط ّور اللغة العرب ّية وجتدّ د معجمها ،وأن يكون
كل أنحاءكل املجاالت وفي ّ مرآة صادقة لنهضتها وحيويتها ومواكبتها للحضارة املعاصرة في ّ
الوطن العربي.
ومن املفترض أن تتصف مادة القاموس العربي بالغزارة والشمول ،والدقة والوثوقية ،وجودة
العرض والترتيب ،فيو ّدي وظيفته األساسية أداة تربوية وعلمية وثقافية ال غنى عنها للمتعلم
والباحث واملثقف .إال ّ ّأن واقع القاموس العربي احلديث مخالف ملا نفترضه ،وذلك بسبب غلبة
نزعة التقليد كما أشرنا ،وبسبب نظرتنا إلى اللغة نظرة التاريخية.
وإذا كانت االستعانة باملعلوماتية في العمل القاموسي وفي استرجاع مختلف البيانات
فإن محتوى القاموس اللغوي العربي نفسه القاموس ّية بطرق تفاعلية أمرا متح ّتما اليومّ ،
يبقى أساس هذا القاموس التفاعلي ،وبالتالي ينبغي إيالؤه كامل العناية واستخالصه من
واقع اللغة العربية الفصيحة املعاصرة ليكون القاموس ،عندئذ ،آنيا ال زمانيا (تاريخيا)،
وليصبح للعرب وللمتعاملني مع العرب ّية من غير أهلها قاموس عصري ال في شكله فقط وإمنا
في محتواه أيضا وأساسا.
386