Professional Documents
Culture Documents
الشـافـي ال ُق ِ
ـوصـي محمـد عبد َّ
منشورات املنظمة اإلسالمية للرتبية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ 1437ه 2016 /م
الرب واحد ،واألب واحد،
إن َّ(أيها الناس؛ َّ
وليست العربية بأحدكم من أب وال أم،
وإنما هي اللسان ،فمن تكلم العربية فهو عربي).
حديث شريف
-4-
املحتويات
إهــداء 4 ....................................................................
تقديــم 7 ....................................................................
مقدمــة 9 ...................................................................
ِّ
ملــاذا العربيــة؟ 13 ............................................................
أي اللغــات أوىل باحلاميــة؟ 16 ................................................
ّ
تاريــخ العربيــة وتطورهــا 22 ................................................
أم لغة قريــش؟ 29 .................................
«الفصحــى» لغة العرب ْ
أم لغة الظاء؟ 32 ..................................................
لغــة الضاد ْ
اللهجات العربية 39 .........................................................
الشــعرية 42 ........................................................
األسواق ِّ
اخلط العريب 45 .............................................................
خريطة العربية 53 ..........................................................
مزايا لغة الضــاد 59 ..........................................................
خصائص العربية 73 ........................................................
ثورات النحــو العريب 79 ....................................................
عىل مائدة ســيبويه 86 .......................................................
عجائــب الفصحى وغرائبهــا 93 ............................................
معارك العربيــة 106 ..........................................................
حتديــات يف طريق الفصحــى 116 ...........................................
فضــل القرآن عىل العربية 121 ...............................................
-5-
النبأ العظيم 127 ...............................................................
دالئل اإلعجــاز 132 ...........................................................
عالقة العربية باإلسالم 135 ..................................................
تأثري العربيــة يف اللغات الرشقية 139 ........................................
أثر العربية يف اللغات األجنبيــة 146 ..........................................
وشهد شــاهد من أهلها 153 ..................................................
أم اصطــاح؟ 161 .............................................
اللغة :توقيف ْ
وظائف اللغــة 167 ............................................................
املجامع اللغوية 170 ..........................................................
قضية التعريب 175 ..........................................................
من أخبار العربيــة 181 .......................................................
علامء العربية ومؤلفاهتــم 186 ...............................................
رســالة إىل األمــة 223 ..........................................................
فـي عا َلـم اجلامل 226 .........................................................
-6-
تقديم
روح األمــة ،وعنــوان هويتهــا ،ووعــاء ثقافتهــا ،ورمــز وجودهــا،اللغــة هــي ُ
ومصــدر إشــعاعها .إذا تعهدهــا أهلهــا بالحفــاظ عليهــا وبصونهــا وبالنهوض بهــا ،أوفوا
بحقهــا عليهــم ،وقامــوا بواجبهــم نحوهــا ،فظفــروا بشــرف الــذود عنهــا ونالــوا فضــل
البنــاة لنهضتهــا والرافعيــن ألعالمهــا بيــن
حمايتهــا ،واســتحقوا أن يكونــوا مــن ُ
لغــات األمــم والشــعوب ،فيعلــو شــأنها وتســمو منزلتهــا وينتشــر إشــعاعها ،فتكــون
لغــة حيــة نابضــة بالحيــاة ،ومزدهــرة بازدهــار الحضــارة التــي تنتمــي إليهــا ،لمــا
تمتلكــه مــن مق ّومــات النمـ ّو ،وشــروط التطــور ،وموجبــات إثبــات الحضــور النافــذ
والمشــع ،وبمــا لهــا مــن القــدرات الذاتيــة لإلبــداع فــي شــتى حقــول المعرفــة
يؤســس للمســتقبل. اإلنســانية ،بحيــث تســاير العصــر فتكــون لغــة الحاضــر الــذي ّ
فالنهــوض باللغــة مــن نهضــة األمــة الناطقــة بهــا .وقابليــ ُة اللغــة للتطــور
ولمواكبــة التقــدم الــذي تعرفــه اإلنســانية فــي جميــع حقــول العلــوم والمعــارف
والفنــون واآلداب ،مــن خصائصهــا التــي تنطــوي عليهــا ،ومــن مق ّوماتهــا التــي
تســتند إليهــا .فليســت كل لغــة بقــادرة علــى النمـ ّو المواكــب للتقــدم اإلنســاني،
وإنمــا اللغــات مقامــات ،لــكل منهــا مقــام خــاص بهــا ،وطبيعــة تنفــرد بهــا وتميزها
إن صعــوداً أو هبوط ـاً ،قــو ًة أو ضعف ـاً ،قــدر ًة أو عجــزاً.
عــن غيرهــا مــن اللغــاتْ ،
وهــذا التفــاوت فــي الدرجــات بيــن اللغــات ،هــو المعيــار الــذي يحكــم بالتف ـ ّوق
وبالتميــز وبالســبق ،أو بالنقيــض مــن ذلــك كلــه.
ّ
ـرف اللــه ،تبــارك وتعالــى ،اللغــة العربيــة تشــريفاً لــم تنلــه لغــة أخرى،
لقــد شـ َّ
ونبيــه محمــد بــن ـل وعــا ،كتابــه العزيــز علــى قلــب رســوله ّ حيــن أنــزل ،جـ َّ
ـي مصــدر الحفــظ عبــد اللــه ،صلــى اللــه عليــه وســلم ،فــكان هــذا التشــريف اإللهـ ّ
والمناعــة والمتانــة والقــوة للغــة العربيــة الــذي رفــع قدرهــا وأكســبها مــن عناصــر
متميـــزة ،ألنهــا لغــة الوحــي
القــدرة علــى النمــو الــذي ال يتوقــف ،مــا جعلهــا ّ
الربانــي والرســول الخاتــم ،بهــا تقــام الصــاة ركــن الديــن المتيــن التــي يؤ ّديهــا
المســلمون مــن شــتى األجنــاس فــي جميــع أقطــار األرض علــى مــدار الليــل
والنهــار ،فأصبحــت لغــة إنســانية ولســاناً عالميــاً منــذ ظهــور اإلســام ،أبدعــت
حضــارة راقيــة أشــعلت األنــوار التــي بــددت ظلمــات العصــور الوســطى فــي العالــم
-7-
حتــى انبثــق فجــر النهضــة وعصــر التنويــر فــي أوروبــا الــذي قــام علــى أســاس
مــن التــراث العربــي اإلســامي المــدون باللغــة العربيــة ،ســواء بطريقــة مباشــرة
ا عــن المؤلفــات العربيــة ،أو اعتمــاداً علــى الترجمــة العبريــة لكتــب ابــن رشــد
نقـ ً
شــارح أرســطوطاليس التــي أبدعهــا باللغــة العربيــة وضاعــت أصولهــا.
هــذه الخصائــص المتميــزة والفريــدة التــي تجعــل مــن اللغــة العربيــة لغــة
الحيــاة فــي كل العصــور ،وترتقــي بهــا إلــى الــذروة مــن القــدرة علــى اإلبــداع فــي
التعبيــر عــن اإلنتــاج العقلــي الراقــي ،هــي التــي قصــد إليهــا الباحــث المدقــق
ـدال الجامــع الــذي اختاره األســتاذ محمــد عبــد الشــافي القوصــي ،بهــذا العنــوان الــ َّ
لكتابــه (عبقريــة اللغــة العربيــة) ،والــذي تنشــره المنظمــة اإلســامية للتربيــة والعلوم
والثقافــة ،ليكــون مــن ضمــن مصــادر المعرفــة اللغويــة الجديــدة التــي تنفتــح علــى
التــراث األدبــي الغنــي للغــة العربيــة ،وتقــرب القــارئ مــن ينابيــع الغنــى التــي
تمتــاز بــه هــذه اللغــة ،حيــث يأخــذه فــي جولــة منعشــة للعقــل ممتعــة للنفــس،
عبــر حدائــق اللغــة والمياديــن التــي يُـــبدع فيهــا األقطــاب ذوو القامــات الشــامخة
المؤسســون لعلــوم اللغــة ،الذيــن هــم رموزهــا مــن مختلــف العصــور ،ويقــدم لــه ّ
جيــد الشــعر أحســن اختيارهــا مــن بيــن بدائــع ديــوان العــرب. ـات مــن ّ باقـ ٍ
يتنــاول هــذا الكتــاب ،بأســلوب مبتكــر وبلغــة مشــرقة ،موضوعــات لغويــة ذات
قيمــة علميــة عاليــة تؤكــد جمي ُعهــا مظاهــر النبــوغ وتجليــات العبقريــة للغــة العربيــة،
علــى النحــو الــذي يظهــر جمــال اللغــة وبهاءهــا ،ويجلــي حســنها ورواءهــا ،ممــا
يحمــد للمؤلــف الفاضــل ،ويكتــب لــه فــي ســجل الخدمــات التــي قدمهــا لهــذه اللغــة
ـوض بهــا مســؤوليتنا المشــتركة والمهمة العبقريــة التــي هــي أمانــة فــي أعناقنــا ،والنهـ ُ
يتوجــب علينــا االضطــاع بهــا .فهــو كتــاب ذو ميــزة مزدوجــة؛ يجــد الحضاريــة التــي ّ
فيــه القــارئ المتخصــص مــا ينشــده مــن التوســع فــي ثقافتــه اللغويــة ،ويســتفيد منه
القــارئ العــام الــذي يلقــى فيــه مــا يحببــه فــي لغتــه ويشــده إليهــا .وبذلــك يحقــق
المؤلــف غايــة ســامية مــن غايــات التأليــف بهــذا النمــط الجامــع بيــن الحســنيين.
وتلــك فضيلــة مــن فضائــل البحــث الرصيــن الــذي يجلــي الحقائــق ويبســطها أمــام
القــارئ ،لتكــون مصــدراً للمعرفــة الموثقــة ومرجعـاً للعلــم النافــع.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
-8-
املقدمة
قد أفلح المؤمنون بالقرآن المجيد ،الذي أعجز الفصحاء والبلغاءَّ ،
وظل معجز ًة
تتأبَّى على اإلتيان بمثلها ،ومفخر ًة تتضاءل أمامها مفاخر ُ
األ َمم والحضارات.
قد أفلح العالِمون بلغة التنزيل الحكيم؛ الذي بلغ غاية الفصاحة ونهاية البالغة،
أن يستعينوا بمن أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه ،وأباح لهم ْ وتحدى األولين واآلخرين َّْ
عضعض ُه ْم ِل َب ٍَان بَ ُ ْ
ثم رماهم والعالَم كله بالعجز ،فقال... ﴿ :ال َ يَأت َ
ُون ِب ِمث ِْل ِه َو َل ْو ك َ شاءواَّ ،
بالحكم القاطع المؤبد ،فقالَ ﴿ :ف ِإن َّل ْم تَف َْع ُلوا َو َلن تَف َْع ُلوا.﴾... ظَ ِه ي�اً ﴾ .وأجه َز عليهم ُ
قد أفلح العاشقون للغـة الضـاد ،المتدلّهون بمناقبها ،المغرمون بعجائبها ،المولعون
بغرائبها ،المرابطون على ثغورها ،الذائدون عن حياضها ،المقاتلون في سبيلها.
هـذا الكتـاب محاولة السترداد الذات ،وحمايتها من الذوبان ،ونفخ الروح فيها،
واستعادة مالمحها الحضارية ،وإعادة بناء مرجعيتها اإليمانية ،بعدما أصابتها معاول
الهدم إصابات بالغة ،وتبصيرها بمقومات الشهود الحضاري ،وتذكيرها بشرف االنتساب
ألمة «سيد العالمين» ،وتنبيهها للقيام بدورها نحو أم اللغات ،والتفاخر بعبقريتها، َّ
ومحاسنها ،وعالميتها التي تتطلب اليوم ،الصحوة الصادقة ،والتأليف المثمر ،في
المجال العلمي ،والمعرفي ،واإلنساني ،وتبسيط وسائل تعلّمها ،حتى يصبح المرء
قادراً على شحذ فاعليته ،واستثمار طاقاته ،فيستأنف دوره في حمل األمانة ،استجابة
لتكليف الله سبحانهَ ﴿ :وك ََذ ِلكَ َج َع ْل َناك ُْم أُ َّم ًة َو َسطاً ِّل َتكُونُوا شُ َه َدا َء َع َل ال َّن ِاس .﴾..فال
شهادة ،وال شهود ،بعيداً عن التنزيل ،ولغة التنزيل.
هـذا الكتـاب؛ مساهمة في تحقيق الوعي الحضاري ،والتحصين الثقافي،
واسترداد الروح المسلوبة ،وتشكيل مركز الرؤية ،في ضوء هداية الوحي ،ومكتسبات
العقل ،وتخليصه من االرتهان الحضاري ،والضالل الثقافي ،واألزمات الفكرية ،التي
جراء المفاهيم
يعاني منها ،بسبب اضطراب المفاهيم ،والتباس المصطلحات؛ من َّ
المغلوطة التي تُفرض علينا ،وتُقذف بها ساحتنا العلمية والثقافية ،وتُصبح لها السيادة
في حياتنا الفكرية ،حتى صارت من المسلَّمات ،التي نفهم من خاللها ثقافتنا ،ونقيس
بها حضارتنا ،ونُق َّوم بها واقعنا ،وننظر من خاللها إلى مستقبلنا ،والتي تنتهي بإضعاف
-9-
وصب قيمها الفكرية
األمة ،وتوهين أفكارها ،وه ّز قيمها ،وتغييب قسماتها الحضاريةّ ،
أن حفظ البيان -الذي ال يتحقق َّ
إال في أوعية غريبة عنها ،ناسين ،أ ْو متناسين َّ
بوضوح مصطلحاته ،ودالالت ألفاظه ،وإدراك معهود اللغة التي نزل بها الخطاب -هو
أي تفريط في المدلوالت أ ْو في المفاهيم ،يعني العبث وأن ّ
قسيم حفظ القرآن ذاتهَّ ،
ألن حفظ البيان،
والضالل الثقافي ،الذي يؤدي إلى االنتحال الباطل ،والتأويل الفاسدَّ ،
ال يقل من حيث المردود ،عن حفظ القرآن.
هـذا الكتـاب؛ صيحة تحذير من خطورة التالعب بالمصطلحات ،السيما فيما يتعلق
ألن ذلك لون من الضالل الثقافي ،واالنتقاص لعملية البالغ الرباني.
بالمعاني القرآنيةَّ ،
فخاتمية الرسالة؛ تقتضي حفظ النص اإللهي ،سليماً من ّ
أي تحريف ،أ ْو انتقاص،
حتى يكون التكليف صحيحاً ،يترتب عليه الثواب والعقاب ،وفقاً لمقتضيات العدل
خاطب ال ّناس ،بنصوص محرفة ،أ ْو منحولة ،فحفظ أن يُ َ
اإللهي المطلق ،فال يمكن ْ
يعد أيضاً من لوازم الخاتمية ،إ ْذ ال قيمة لحفظ
المصطلحات والدالالت القرآنية؛ ّ
النص ،وغياب بيانه ،واالنحراف بمدلوالته.
هـذا الكتـاب؛ رحلة ممتعة ،وزيارة جديدة؛ إلى ما قبل التاريخ ،وأقاصي الجغرافيا،
وفي بطون المراجع والمخطوطات ،بصحبة اللغويين والنحاة والبالغيين واألدباء.
هـذا الكتـاب؛ جولة في أرجاء جزيرة العرب؛ حيث منطلق دعوة أنبياء العرب
المكرمين(هود ،وصالح ،وشعيب ،وإسماعيل ،وسيد ولد عدنان).
هـذا الكتـاب؛ أشبه بعملية حفر وتنقيب؛ الستخراج الخرائط والوثائق واآلثار،
وبقايا أطالل قوم عاد األولى ،ومدائن صالح ،وأصحاب األيكة ،وقوم ت َُّبع ،والذين جاءوا
من بعدهم.
هـذا الكتـاب؛ عصارة قرون ،وخالصة عقول ،وشهادة شهود ،وقضية وجود ،ومرآة
أن يتم نوره ،ول ْو كره الكارهون. حضارة ،ولسان دين يأبى الله َّ
إال ْ
هـذا الكتـاب؛ دفاع عن أُم اللُّغات ،وسيدة اللغات ،وأعرقها وأشرفها ،وأقدسها،
وأطولها عمراً ،وأخلدها ذِكراً ،وأوفرها حظاً ،وأقومها قي ً
ال.
هـذا الكتـاب؛ حكايات عن قريش ،وأمسيات عكاظ ،ومجالس بكر وربيعة،
وفصاحة تغلِب ،وموسيقى الفراهيدي ،ومعارك الكوفيين والبصريين ،ومناورات
البحتري وأبي تمام.
- 10 -
هـذا الكتـاب؛ موسوعة شاملة ألسماء األعالم ،والمعاجم ،واللهجات ،واألرقام،
والخطوط ،واألمكنة واألزمنة ،والمعارك التي خاضتها لغة الضـاد.
هـذا الكتـاب؛ ردود ومناقشات ،وأسئلة وأجوبة ،وحوارات ومجادالت بين أحبار
اللغة وعباقرة البيان وسدنة البالغة؛ الذين زيَّنهم الله بالفصاحة ،واصطفاهم على العالمين.
هـذا الكتـاب؛ أشبه بخيمة ثقافية جمعت :األخفش ،واألصمعي ،والجاحظ،
والزمخشري ،والرازي ،والباقالني ،والجرجاني ،واألصفهاني ،والبغدادي ،واأللوسي،
برد ،وابن العميد ،وابن األعرابي ،وابن مسكويه ،وغيرهم ممن والز َّجاج ،وال َف َّراءُ ،
والم ِّ َّ
نضر الله وجوههم. َّ
هـذا الكتـاب؛ أعياد وأفراح وأعراس؛ لتوزيع األوسمة والنياشين على صناديد
اللغة وسدنتها؛ كالخليل ،والكسائي ،وسيبويه ،وابن فارس ،وابن ِج ِّني ،والثعالبي،
رضي الله عنهم ،ورضوا عنه.والجوهري ،وابن منظور ،والفيروز أبادي ،وغيرهم ممن َ
إن كان ينقصها
هـذا الكتـاب؛ شهادة تاريخية ،ورؤية تحليلية ،وقصيدة وجدانية؛ ْ
الوزن والقافية ،فال ينقصها اإلحساس والشعورِ .
وأبصـر فسـوف يبصـرون.
- 11 -
ملاذا العربية؟
وفصله ،وجعله آي ًة دونها كل آية ،ومعجز ًة دونها كل
سبحان الذي أبدع كتابه َّ
وكر َر اإلشارة والتنبيه
معجزة ،واصطفى (اللسان العربي) وكرمه بنزول الوحي بهَّ ،
تسع سو ٍر محكمات من سور القرآن المجيد. والتذكير بمنزلة ذلك اللسان المبين في ِ
امتن على العرب بهذا الشرف الخالد ،فقالَ ﴿ :و ِإنَّهُ َل ِذك ٌْر َّلكَ َو ِلق َْو ِمكَ ﴾
وقد َّ
[الزخرف .]44 :
وأن "العربية" من خصائص منهاج الله، وأخبر الدنيا كلها بمزايا هذا اللسانَّ ،
فقالِ ﴿ :إنَّا أَن َز ْل َنا ُه ُق ْرآناً َع َر ِبياًّ َّل َع َّلك ُْم ت َْع ِق ُلونَ ﴾ [يوسف .]2 :
� ﴾ [النحل: ان َع َ ِرب ي ٌّ� ُّم ِب ي ن ٌ
يذكر بهذه النعمة مرات عديدة ،فقال تعالى﴿ :وَهَ َذا ِل َس ٌ وظل ِّ َّ
جل جاللهَ ﴿ :وك ََذ ِلكَ .]103وقال سبحانه ِ ﴿ :ب ِل َس ٍان َع َ ِرب ي ٍّ� ُّم ِب ي ٍن� ﴾ [الشعراء .]195:وقال َّ
جل شأنهِ ﴿ :إنَّا َج َع ْل َنا ُه ُق ْرآناً َع َر ِبياًّ ﴾ أَ ْو َح ْي َنا ِإ َل ْيكَ ُق ْرآناً َع َر ِبياًّ ﴾ [الشورى .]7 :وقال َّ
اب ُّم َص ِّد ٌق ِّل َساناً َع َر ِبياًّ ﴾ [األحقاف .]12 : عز من قائلَ ﴿ :وهَ َذا ِك َت ٌ [الزخرف .]3 :وقال َّ
ظل ممتد مع التشريع ظل جديد؛ ففي سورة الرعد؛ يأتي ٌّ ومع كل تأكيد ،يتجلَّى ٌّ
اتبعت أهواءهم بعدما َ والحكم الذي تتسع له العربيةَ ﴿ :وك ََذ ِلكَ أَن َز ْل َنا ُه ُحكْماً َعربياًّ ئ ن
ول� َِ
ول وال واق ﴾ [الرعد .]37 :ويرتبط التفصيل في جاءكَ من العلم ما لك من الله من ي ٍّ
اب ُف ِّص َل ْت آيَاتُهُ ُق ْرآناً سورة ُف ّصلت ،باللغة العربية التي تتسع لهذا التفصيل وبيانه ِ ﴿ :ك َت ٌ
َع َر ِبياًَّ لقوم يعلمون ﴾ [فصلت .]3 :ويرتبط معنى الوضوح واستقامة المعنى والبيان
َ� ِذي والتشريع والعلم باللغة العربية التي تو ّفر هذا كله في سورة الزمرُ ﴿ :ق ْرآناً َع َر ِبياًّ غ ي ْ َ
ِع َو ٍج لع َّلهم يتقون ﴾ [الزمر .]28 :
وسراً موصوالً بسر ،مؤكداً
ظال ممتداً إلى ظلِ ،
ول ْو تابعنا جميع اآليات؛ لوجدنا ًّ
أهمية اللسان العربي في فهم الخطاب القرآني ،والنور المنبعث عن شمس العِلم اإللهي.
إن في اختيار اللسان العربي((( ليكون أداة التوصيل ،ووسيلة اإلبانة ،ووعاء التفكير
َّ
للرسالة الخاتمة الخالدة ـ التي تنتظم جميع شؤون الحياة ،وتستجيب لمشكالتها ـ
- 13 -
قضية ذات أبعاد لغوية ،وثقافية ،وعلمية ،وحضارية؛ حيث لم يعد ينكر اليوم ،عالقة
التعبير بالتفكير ،ودور التعبير في التفكير واإلبداع األدبي والعلمي ،والمحاكمات
العقلية .لذلك فمجرد اختيار (العربية) لتكون لغة الله ـ سبحانه ـ في مخاطبة البشر
في النبوة الخاتمة ،التي انتهت إليها أصول الرساالت السماوية كافة ،والتي تحددت
مهمة الرسول الكريمﷺ فيها ،بالبالغ المبين ،يعني امتالكها هذه األبعاد جميعاً.
ول ِإال َّ ال َبال ُغ قال تعالى﴿ :فإنما عليك البالغ ي ن
﴿و َما َع َل َّ
الر ُس ِ المب� ﴾ [آل عمرانَ .]20 :
الم ِب ي ن� ﴾ [النور .]54 :
ُ
أجـل .فاختيار (العربيـة) لتكون لغة التنزيل للخطاب السماوي ،أ ْو لتكون لغة
أن من مقتضى (الخاتمية) خطاب الله األخير إلى البشر ،له دالالت كثيرة ،فإذا سلَّمنا َّ
أ ْو من لوازمها (الخلود) ـ والخلود يعني التجرد عن قيود الزمان والمكان ،والقدرة على
العطاء واإلنتاج العلمي والمعرفي ،في كل زمان ومكان ـ أدركنا خلود اللغة العربية،
وسعتها ،ومرونتها ،وغِنى مفرداتها ،وكثرة مترادفاتها ،التي تمتلك التعبير عن كل حالة
أي معنى ،وال يضيق سلُّمها الصوتي عن النطق شعورية ،وال يضيق لفظها عن استيعاب ّ
ال عن قدرتها على تقديم األوعية بأي حرف ،مهما كان معقداً في اللغات األخرى .فض ً ّ
التعبيرية ،واالستجابة لكل الظروف واألحوال ،التي يكون عليها الناس ،واالستجابة
لإلنتاج الحضاري ،في سائر العلوم والفنون ،حتى يرث الله األرض ،ومن عليها.
إن التنزيل الخالد ،الممتد إلى نهاية الزمان ،والذي وصف الله وحسبنا أن نقولَّ :
ات َرب ي ِّ� َل َن ِف َد ال َب ْح ُر َق ْب َل أَن تَنف ََد ك َِل َم ُ
ات أبعاده ومداه ،بقولهُ ﴿ :قل َّل ْو ك َ
َان ال َب ْح ُر ِم َداداً ِّلك َِل َم ِ
أ ف
﴿و َل ْو أَن ََّما ِ ي� ال َ ْر ِض ِمن شَ َج َر ٍة أَ ْق ٌ
الم َرب ي ِّ� َو َل ْو ِج ْئ َنا ِب ِمث ِْل ِه َم َدداً ﴾ [الكهف .]109 :وقولهَ :
ات ال َّل ِه ﴾ [لقمان .]27:والذي كانت َوا ْل َب ْح ُر يَ ُم ُّد ُه ِم ْن بَ ْع ِد ِه َس ْب َع ُة أَبْ ُح ٍر َّما ن َِف َد ْت ك َِل َم ُ
(العربية) وعاءه الخالد ،هو الذي يجعلنا ندرك الطاقة التي تمتلكها العربية ،والشرف
الكبير ،بجعلها لغة التنزيل.
ويجعلنا ندرك ـ أيضاً ـ التخاذل اللغوي والثقافي ،الذي يعاني منه العرب والمسلمون
أن المشكلة ليست في قدرة اللغة ،وإنما في تخلف أهلها وعجزهم. اليوم ،وكيف َّ
- 14 -
وعلى الرغم من أن اإلسالم لم يُقم وزناً لهذه الفوارق القسرية كلها ،إ َّال أنه لم يتنازل
والبد منها لصيانة األمة الواحدة،
ألن اللغات مكتسبة ،وتعليميةَّ ، عن قضية (العربية)َّ ،
وتعبر عن إرادتها. وتشكيل أوعية متجانسة للعقيدة الواحدة ،التي تحفظ روح األمةِّ ،
وقد بدا التطبيق العملي لهذا في حياة المسلمين (من غير العرب) فلم يعتبر
أحدهم أن بإمكانه االستغناء عن العربية ،واالقتصار على ما يفهم من اإلسالم بلغته
بل كانت (العربية) غاية مناه ،ووسيلة فهمه إلسالمه وعقيدته؛ فظهر منهم اإلقليميةْ ،
ومفسرون ،ونحويون ،ومؤرخون ،أدركوا من مدلوالت الخطاب ِّ مؤلِّفون ،وعلماء،
ما أدركه العرب أنفسهمْ ،
بل وصلوا إلى مرتبة اإلمامة في اللغة ،والفقه ،والتفسير،
والحديث ،وما إلى ذلك من العلوم ،التي ال تتوفر َّ
إال لمن أتقن العربية وعلومها .وهذا
ما سنعرفه عند الحديث عن "علمـاء اللغة ومؤلفاتهم".
لم يتنازل اإلسالم عن أمر (اللغة) ألنها الميثاق الجامع ،والصعيد المشترك، نعـمْ .
الترقي والنهوض .. والقاعدة الثقافية والفكرية ،والحصن العقلي لألمة ،ووسيلتها إلى ِّ
فالله ـ سبحانه ـ خلق أول ما خلق (القلم) .وجاء في اإلنجيل( :في البدء كان الكلمة).
وكانت أولى التعاليم السماوية ،بعد الخلق األول :تعليم األسماء (وعلَّم آد َم األسما َء كلها).
وبدأت الرسالة الخاتمة بكلمة (اقـرأ) .والعربية اللسان ،وليست الجنس وال الجغرافيا.
بل هي المقوم األساس،أن (اللغة العربية) أحد مقومات األمةْ ،من هنـا نعلـم؛ َّ
ألنها سبيل توصيل العقيدة ،واالنفعال بها ،وصياغة األمة ،وتنظيم نمط تفكيرها،
وإعادة بناء نسيجها ،وحماية ذاكرتها ،وبناء سياجها الثقافي ،والحيلولة دون اختراقه.
إن حماية (العربية) والدفاع عنها؛ حماية للعالَم كله ،ودفاع عن إحدى أدوات ْ
بل َّ
العقـاد« :من واجب القارئ العربي إلى جانب غيرتهتفكيره ـ أ ْو على حد قول عبـاس َّ
أن يذكر أنه ال يُطالِب بحماية لسانه فحسب ،ولكنه يطالِب بحماية العالمعلى لغتهْ ،
من خسارة فادحة تصيبه ،بما يصيب هذه األداة العالمية من أدوات المنطق اإلنساني،
وإن بيت القصيد هنا أعظم من بعد أن بلغت مبلغها الرفيع من التطور والكمالَّ .
يسدد إلى القلب وال يقف عند الفم واللسان،
ألن السهم في هذه الرمية َّ القصيد كلهَّ ،
وما ينطق به في كالم منظوم أو منثور».
- 15 -
ي اللُّغات أوىل باحلامية؟
أ ّ
أن دراس َة لغ ٍة َما وممارستها ،تعني دراسة ثقافة أهلها يرى علماء االجتماعَّ ،
ألن (اللغة) ليست مجرد ألفاظ للتفاهم بين األفراد ،وإنما هي وعاء يحوي وأفكارهم؛ َّ
أي لغة ال ينفك عن تعلُّم ثقافة أهلها وأفكارهم مكونات وجدانية ،ومعتقدات .فتعلُّم ِّ
بأي ثقافة يستلزم اإللمام باللغة التي تمثّل تلك الثقافة. ومعتقداتهم ،وكذا اإللمام ّ
أي لغة يمكن أن تسيطر على فكر دارسها وروحه ،وتؤثر على لغته األم.
إن دراسة ّ ْ
بل َّ
إن "المتخصصين الذين ينهمكون في التدريس وفي ذلك يقول د .زغلول النجارَّ :
تدريجيا عن مجتمعاتهم ،حتى
ًّ أجنبية ،ينعزلون
َّ والبحث والتأليف والنشر بلغات
يصبحوا غرباء بين أهليهم وعشائرهم ـ على غير قصد أ ْو تخطيط منهم ـ مما يؤدي
يتم تحلّلها".
إلى تفكيك روابط المجتمعات وحجبها عن أصحاب الفكر والرأي حتى ّ
تنبه المسلمون ـ منذ وقت مبكر ـ إلى هذه الحقيقة؛ حقيقة تأثير اللغة وقد َّ
بل دعوا إلى تغيير االسمبألفاظها .لذا؛ حرصوا على تسمية المواليد باألسماء الحسنةْ ،
غير الحسن إلى اسم حسن ،حتى ول ْو كان صاحبه قد ُع ِر َف به ونشأ عليه فيما ذهب
أن األسماء ليست مجرد كلمات جوفاء ،فاللغة عموماً وعاء القيم من حياته .والسبب؛ َّ
الثقافية التي تعيشها األمة.
وفي هذا الصدد؛ يقول شاعر َص َقلية «أجنازيا بوتينا» في قصيدة له بعنوان «لغة
وحوار» :
ِ
السالسل ُ ..س َّد أفوا َههم ضع شعباً في
وجوازات سف ِرهم جردهم من َمالبِسهم َ .. ِّ
لكنهم ما زالوا أحراراً َّ
والموائد التي يأ ُكلون عليها
واألَ ِس َّرة التي يَنا ُمون عليها
لكنهم ما زالوا أغنياء َّ
ستعبد
إن الشعب يفتقر ويُ َ َّ
- 16 -
عندما يُسلَب اللسان الذي َ
تر َكه له األجداد
وعندئ ٍذ يضيع لألبد.
أن هذه «القصيدة» أيقظت األوربيين ،وألهبت حماستهم؛ فاتفقوا على أن يبدو َّ
يجعلوا يوم «السادس والعشرين من سبتمبر» من كل عام؛ يوماً قومياً أوربياً خاصاً
(((
بحماية اللغات األوربية ،من المهاجرين الوافدين من دول العالم الثالث.
European day وقالت «المفوضية األوربية» التي أطلقت على هذا اليوم اسم
of languageإنه من الواجب الوطني على األوربيين حماية لغاتهم من الجيل األول
والثاني من المهاجرين الذين ال ينطقونها بشكل سليم؛ ما يش ّوه اللغات األوربية ،حيث
لعب الهنود والباكستانيون والبنغاليون والصينيون والفلبينيون واإليرانيون وغيرهم
دوراً في تشويه اللغات األوربية ،ألنهم ال ينطقون حروفها بدقة ،ما يؤثر على سالمة
اللغات األوربية مع مرور الزمن.
إن هناك اتجاهاً لدى األوربيين أن ال يسمحوا ّ
ألي وتقول مجلة َّ The Monitor
أجنبي أن يأخذ (تأشيرة) لبالدهم َّ
إال بعد أن يجتاز امتحان اللغة من المعاهد
البريطانية واأللمانية والفرنسية المنتشرة في معظم أنحاء العالم.
إن الشعوب هذا؛ ويقول المشرفون على المركز األوربي لحماية اللغات األوربية َّ :
األوربية بدأت تتخوف على لغاتها من المهاجرين إليها ،حيث ينقل هؤالء المهاجرون
إلى أوربا ثقافتهم ولغاتهم ،ومع مرور الوقت يؤثر ذلك سلباً على األجيال المقبلة،
أن % 92من اللواتي يعملن في مجال حضانة األطفال وخادمات ومربيات خصوصاً َّ
وألن هذه الشريحةمن الهند وباكستان والفلبين وغيرها من دول جنوب شرقي آسياَّ .
من المجتمع ال تنطق اللغات األوربية بطريقة جيدة ،فإن األطفال األوربيين سيتأثرون
ال من األطفال األوربيين الذين يخلطون سلباً بالعامالت في هذا المجال ،ما سيخلق جي ً
المربية القادمة من جنوب شرقي آسيا.َّ بين لغتهم وثقافتهم األوربية ولغة وثقافة
إن الهدف من تخصيص يوم لحماية اللغات األوربية؛ هو تذكير ويقولون ـ أيضاً ـ َّ :
بأن لغاتهم مهددة بالخطر ،وعليهم الحذر من المربيات القادمات من آسيا. األوربيين َّ
أن لديهم الكثير من األفكار والطرق التي سيحمون بها لغاتهم ،وإنهم
ويؤكدون َّ
لن يسمحوا باستخدام خادمة أ ْو مربية أطفال أ ْو حتى حرفيين منمن عام 2015م ْ
- 17 -
إال بعد خضوعهم المتحان لغة ،فالذي يريد أن يعمل في بريطانيا الدول األجنبيةَّ ،
عليه إتقان اللغة اإلنجليزية كما ينطقها اإلنجليز ،وليس كما ينطقونها هم .وكذلك من
يريد أن يعمل في فرنسا أ ْو إسبانيا أ ْو ألمانيا ،أ ْو غيرها من الدول.
أي شعب الحفاظ على لغته دون
أن من حق ّمن جانبها؛ ذكرت (األمم المتحدة) َّ
وأن األوربيين لديهم الحق في البحث عن وسائل يحمون
المساس بها من اآلخرينَّ ،
بل حق مشروعيشكل نظرة عنصريةْ ،
بها لغاتهم من الوافدين إلى بالدهم ،وأن هذا ال ِّ
ألي دولة.
ّ
وأن
إن العالم اليوم به أكثر من ( )6000ستة آالف لغةَّ ،
وقال بيان األمم المتحدةَّ :
وألن العالم
% 95من هذه اللغات ال ينطقها وال يستخدمها سوى % 6من الناسَّ .
فإن اللغات الضعيفة،
أصبح يتقارب اآلن بشكل كبير ،وزالت الحواجز بين القاراتَّ ،
ولن يبقى حتى نهاية القرن الحادي والعشرين سوى اللغات القومية، سوف تندثرْ ،
والتي لن يتجاوز عددها 8-6لغات.
من هنا؛ بدأت الدول األوربية تبحث عن طرق حديثة للحفاظ على لغاتها ،ولهذا
حددت يوم "السادس والعشرين" من شهر سبتمبر من كل عام؛ يوماً خاصاً بحماية
اللغات األوربية.
أهمية «اللغة» في المحافظة جانب آخر؛ هناك تجا ِرب لدول ِ
معاصرة ،أدركت َّ على ٍ
إيجابية في سبيل المحا َفظة على لغتها ،أ ْو إحيائها
َّ شخصيتها ،فاتَّخذت خطوات
َّ على
األمة والمحافظة شخصية َّ
َّ مما ترتَّب عليه إحياء
وتوظيفها في الحياة العلمية والعملية؛ َّ
قوتها.
على َّ
أن ن ِ
ُشير إلى تجرب َت ْين مرتبط َت ْين بإحياء اللغة المرتَبِطة بإحياء الهويَّة أ ْو بحسب ْ
الفرانكفونيـة.
َّ القوة؛ وهما :التجربة العِبريَّـة ،والتجربة
المحافظة على َّ
التجربـة ِ
العربيـة
بدأَ ْت (التجربة العبرية) في أواسط القرن التاسع عشر ،حين كان اليهود ُم َو َّزعين
كل جماع ٍة منهم لغة البلد الذي تَعِيش وتتحدث ُّ
َّ على أكثر من مائة دولة في العالم،
ُ
التخاطب إال في بيوت العِبادة ،وفي بعض عِباراتُوجد اللغة العِبريَّة َّ
فيه ،وال ت َ
وطن لليهود ر َفع َ
والمجا َملة ،وكانت تُع َت َبر لغة دينية ميتة ،وعندما بدأ ْت فكرة إقامة ٍ
وقرر
ألمة بدون لغة»َّ . أحد ُم َف ِّك ِريهم؛ وهو «إليعازر بن يهوذا» ِش ً
عارا هو« :ال حياة َّ
- 18 -
حية على مستوى الكتابة وتدوين المعرفة لكي يجعل من العِبريَّة لغة َّ أن يسعى ْ
إن لم يكن اليومية ،وبدا هذا الهدف عند اليهود أنفسهم صعباً ْ َّ ُ
والتخاطب في الحياة
وقرر الهجرة إلى فلسطين تمسك بفكرته رغم سخ ِريَة أصدقائه منهَّ ، لكنه َّ ُمس َت ِحي ً
الَّ ،
سنة 1881م مع أسرته ،وأنشأ أول بيت يهودي تُفرض فيه «العِبرية» لغ ًة للتخاطب
ال على إنجاحه أربعين سنة متمس ًكا برأيه عا ِم ً
ِّ كل شؤون الحياةَّ ،
وظل والحديث في ِّ
أسس رابطة للمتكلِّمين بالعِبرية في فلسطين ،وصارت داره منتدى يتم متصلة؛ فقد َّ
خصصا لألطفال، الحديث فيه بالعِبرية ،وأصدر صحيفة بالعِبرية ،وجعل جز ًءا منها ُم ً
سمي أبطال قصصهم بأسماء عِبرية ،وعكف على تأليف قاموس كبير وحرص على أن يُ ِّ
للغة العِبرية ،باالستعانة بالتراث اليهودي واللغات السامية ،وابتكار مصطلحات جديدة
في كل مجاالت المعرفة ،فاستطاع أن ينجز منه تسعة أجزاء ،وأكمله تالميذه إلى ستة
وامتد التعلُّم
َّ مجلدا ،وأثمرت دعوته؛ فانتشرت المدارس العبرية في فلسطين، ً عشر
ُدرس كل موادها بما امتد إلى الجامعات التي ت ِّ والتأليف بالعِبرية إلى كل المناهج ،ثم َّ
في ذلك الطب والهندسة والعلوم بمختلف ألوانها بالعِبرية ،وتُعقد فيها المؤتمرات على
أعلى مستوى بهذه اللغة ،مع االستفادة من تعلُّم اللغات األخرى؛ ألنهم يُدركون ً
جيدا
وتقدم -وبين لكل حضارة ُّ الفرق بين تعلُّم اللغات األجنبية ـ وهو أمر مطلوب وضروري ِّ
التعلُّم باللغات األجنبية ـ وهو أمر ي َق ِضي على الشخصية واللغة القومية على المدى
البعيد -وال يُساعد كما يقول الباحثون على توطِين المعرفة لدى األمة.
امتدت تج ِربة اللغة العِبرية إلى كل مناحي الحياة؛ االقتصادية واالجتماعية،
وقد َّ
تاجر واألماكن والفنية والسياسية ،فأصبحت المؤتمرات تُع َقد بها ،وتكتب الفِتات َ
الم ِ
العامة والمنتديات بها ،والمسئولون يُل ُقون كلماتهم في ِّ
أي دولة أجنبية بها ،وبهذا
الجهد الخارق اس َتطاع اليهود أن يحيوا لغتهم من العدم ،وأن يحيوا هم بهذه اللغة،
ويتشكل لهم كِيان وإن كان مزيفاً وهوية مصطنعة.
- 19 -
المكتسبة ،وتعقد المؤتمرات التعليمية والثقافية والعلمية بالفرنسية في مختلف البلدان،
َ
لتقدم التوصيات بعدم شيوع األخطاء في اللغة.
ِّ لها، اإلعالم وسائل استخدام وترصد
من الرؤساء وكبار المسئولين كثيرا
وتضم مؤسسة الفرانكفونية في عضويتها ًّ
ِم تنسيق جهودهم جمي ًعا يت ّ ِ
والوزراء في الدول الناطقة بالفرنسية ،ومن خاللها
والصحة والحيوية لها. لحماية الفرنسية ،والعمل على المزيد من االنتشار
فـي المقابـل؛ هل فكرت (الدول العربية) في الحفاظ على كيانها من سطوة اللغات
أي إجراءات لوقف زحف اللهجات األجنبية على أراضيها؟.
اتخذت ّ
ْ األجنبية الوافدة؟ هل
- 20 -
ليس هذا فحسب؛ ْ
بل إذا أضفنا ( 4000000أربعمائة ألف) عاملة ومربية فلبينية
وإثيوبية وإندونيسية وسيرالنكية في بلد عربي ما ،ونصف مليون في لبنان ،وما يزيد
على مليون من تلك الجنسيات في مصر ،وماليين أخرى في منطقة الخليج العربي،
إضافة إلى ماليين الهنود والباكستانيين والصينيين وجنسيات أخرى ،يجوبون البالد
العربية ليل نهار؛ سنعرف مدى الخطر الذي يهدد لغة الضاد.
بل صدر ـ أخيراً ـ تقرير “منظمة العمل الدولية" التابعة لألمم
ليس هذا فحسب؛ ْ
أن الدول العربية فيها نحو 24مليون عامل ومربية وموظف في سوق المتحدة؛ وذكر َّ
العمل من الهنود والباكستانيين والفلبينيين والصينيين واإلثيوبيين ،وطالب التقرير
كي تحافظ على بفتح مدارس لهذه الجاليات في البالد العربية التي تستضيفهم؛ ْ
لغاتها ولهجاتها ،وثقافاتها.
ِـي لهـا.
هكذا يبكون ،ويتباكون على لغاتهم ،والعربيـة ال بواك َ
- 21 -
تاريخ العربية وتطورها
انشغل العلماء والفالسفة والمؤرخون والباحثون في استقصاء جذور اللغات
أن (العربيـة) هي
وتاريخها؛ وذهبوا في ذلك مذاهب شتى ،فريق منهم ذهب إلى َّ
أصل اللغات ،وبقية اللغات انبثقت منها في صور لهجات؛ تحولت بعد ذلك إلى لغات
مستقلة ،تقترب من بعضها في الكتابة أ ْو في النطق.
وقد القت هذه الرؤية قبوالً في بعض األوساط المتديِّنة؛ استناداً لآلية الكريمة:
أ
أن األسماء في هذه اآلية تعبير ﴿ َو َع َّل َم آ َد َم ال َ ْس َما َء ُك َّل َها [ ﴾ ....البقرة .]31:باعتبار َّ
عن المقدرة اللغوية عبر العصور ،غير أن العلماء الذين يعتمدون البحث العلمي
ينقبون عن الحقيقة بين أطالل الحضارات ومجاهيلها حتى عثروا على أبجدية مازالوا ِّ
"أوغاريت" على الساحل السوري ،وشهدوا بأقدميتها على ما سبقها من كشوفات.
ثم وقفوا على كتابات أثرية في مملكة (ايبال) شمال سورية ،مكتوبة بحروف َّ
عربية ،ثبت أنها أقدم من الكشوفات الهيروغليفية والفينيقية.
ومن النقوش العربية القديمة :ن ْقش «عجل بن هفعم» الذي ُعثِر عليه في الفاو
ِب بالخط المسند ،ويعود إلى (قرب السليل) في المملكة العربية السعودية ،وقد ُكت َ
القرن األول قبل الميالد.
وكذلك ن ْقش «عين عبدات» في صحراء النقب ،ويعود تاريخه إلى القرن األول
الميالدي ،وقد ُكت َ
ِب بالحرف النبطي القريب من الخط العربي الحالي.
ومن النقوش العربية ،نقش «النمارة» الذي اكتشف في الصحراء السورية ،وهو
نص مؤرخ بتاريخ 328م ،ومكتوب بنوع من الخط النبطي ،وهو عبارة عن رسم
وص َف فيه بأنه «ملِك العرب».
لضريح ملِك الحيرة «امرئ القيس بن عمرو» ِ
ومن النصوص األثرية التي ورد فيه اسم العرب (اللوح املسامري) المنسوب للملك
شلمنص الثالث» في القرن التاسع قبل الميالد ،ذكر فيه انتصاره على تحالف
َّ اآلشوري «
ِم ألف جمل من جنديبو من بالد العرب. ملوك آرام ضده بزعامة ملك دمشق ،وأنه َغن َ
- 22 -
أن كلمة (عرب) موجودة في القصص واألوصاف اليونانية وأكد علماء اللغاتَّ :
َّ
والفارسية ،وكان يقصد بها أعراب الجزيرة العربية ،ولم يكن هناك لغة عربية معينة ،لكن
سميت لغات عربية ،نسبة إلى الجزيرة العربية.
مجموع اللهجات التي تكلمت بها القبائل ِّ
وقد وجد في أحد متاحف باريس لوحة منقوشة بالعربية ،اكتشفت في قرية
أي قبل العصر الذي يسمونه بالعصر
(جلوزل) الفرنسية ،تعود إلى عشرة آالف سنة؛ ْ
الحجري الحديث.
إن المستقبل سيكشف عن أبجديات أكثر إغراقاً وليس رجماً بالغيب إذا قلنا َّ :
في القِدم بعد أن تأكد وجود آثار حضارية في أعماق المحيط األطلسي؛ مما يثبت
أن تلك األعماق كانت في سالف العصور ،قارة آهلة بالناس والحضارة ،قبل أن تصير
تلك المعالم قاعاً للمحيط.
وضع طارئ
على جانب آخر؛ يرى المتخصصون في اللسانيات؛ أن تعدد اللغات ٌ
إن التطور البشري اقتضى تطور اللسان ،وتداخل اللغات أدى إلى هذه عرضي ،إ ْذ َّ
الكثرة؛ إ ْذ تتالقح لغتان أ ْو أكثر فتنتج من هذا التالقح لغة ثالثة ،ومنها ومن غيرها
لغة رابعة ،وهكذا.
أكدوا أقدمية العربية على غيرها ،مستدلِّين بالحديث
«المعجميون» فقد ُّ
ُّ َّأما
الشريف ،الذي رواه أبو ذر عن رسول الله ﷺ (خمسة أنبياء من العرب :مح َّمد
(((
حبان في صحيحه.
(( ( رواه ابن َّ
((( روح املعاين لأللوسي ،جزء ،12صفحة .172
- 23 -
النبي ﷺ ( :أح ُّبوا العرب لثالث :ألنَّني
يدل على أقدميتها المطلقة قول ّ ومما ُّ
عريب ،والقرآن عريب ،ولغة أهل الج َّنـة عربية) (((.
إن العربية هي (اللغة األم) وهي
وعلى رأي جمهور العلماء العرب والمسلمين؛ َّ
يتنزل الوحي على أصحاب الرساالت ،فيترجم كل رسول لسان أهل السماء ،وبها كان َّ
رسول إال َّ
ٍ أوحي إليه إلى لغة قومه ،مستدلِّين باآلية الكريمة ﴿ :وما أرسلنا من
َ ما
ن
ليب� لهم ﴾.
بلسان قومه ي ِّ
أن الله ألهم العباد االهتداء إلى اللغة ،فهي توقيف
وفي رسائل إخوان الصفاَّ :
مباشر ،وربطوا قضيتها بالبرهان على وجود الله بوصفه معلم كل شيء ،واإلنسان عند
هؤالء كائن متميز بالنطق ،وعالقته بالكالم عالقة طبع واقتضاء؛ بمعنى أن الكالم
ألست
ُ مالزم لوجوده منذ كان في عالم األرواح َّلما أشهد الله الذرية على أنفسهم ﴿
بربكم؟ قالوا بىل.﴾...
أن «العربية» هي (أم اللغـات) التي تعرف
هذا؛ وقد أثبتت دراسات علمية حديثة َّ
حميرية وبابلية وآرامية
(أي التي نشأت في شبه جزيرة العربْ : باللغات األعرابية ْ
وعبرية وحبشية) ،اختارها الله لتكون لسان دينه ورساالته ،وقد تميزت بنموها
السريع وتطورها العجيب ،وحملت معها بركة النبع األول لإلنسان ،برعاية ربانية حتى
وكأن الوحي الكريم
النبي العربي الخاتمَّ ،
بلغت ذروة كمالها بنزول الوحي بها على ّ
يشير إلى بركة التاريخ وبركة المصدر ،وبركة النبع األول ،ليرتبط ذلك كله ارتباطاً
ال وشاهداً على عظمة هذه اللغة وقداستها.
يقف دلي ً
- 24 -
وقد كان المستشرق «شلوتسر» هو أول من تزعم ذاك الرأي ،مستنداً إلى جدول
لم
أن أسفار «العهد القديم» ْنسي َّ
تقسيم الشعوب الموجودة في «التوراة» .لكنه َ
تتحدث عن الحضارات التي نشأت بأرض العرب بعد «الطوفان»؛ كعاد ،وثمود ،ومديَن.
أن «التوراة» لم
لذلك أنكر اليهود أنبياء العرب؛ كـ(هود ،وصالح ،وشعيب) بحجة َّ
تتحدث عنهم.
أن (العربية) فرع من «لغـة املسند» ،انتشرت فيهذا؛ وقد أثبتت دراسات أخرى؛ َّ
شمال الجزيرة العربية وجنوبها ،فـ «لغـة مثـود» فرع من العربية ،وكذلك «لغة عـاد»،
و«لغـة مديَـن» .وقد امتدت هذه اللغة إلى بالد الشام مع القبائل العربية المهاجرة،
وإلى العراق.
وفي دراسة علمية ،بعنوان «اللغة العربية في عصور ما قبل اإلسالم» للباحث
إن أبجدية «اللهجة الثمودية» ،وأبجدية «اللهجة
أحمد حسين شرف الدين ،يقول((( َّ :
موطن واحد ،هو موطن شعوب الجزيرة
ٍ الفينيقية» متشابهتان ،مما يشير إلى أنهما من
ثم يعود أصل جميع اللغاتالعربية ،وأن اللغة الفينيقية هي أم اللغات الالتينية ،ومن َّ
إلى جذور اللغة العربية.
وهذا يؤكد ما أثبتته بعثة فرنسية عام 1951م في شمال الجزيرة العربية ،وهي
المنطقة التي تعرف بـ(مدائن صالح ﷺ)؛ حيث اكتشفت نقوشاً حجرية وبقايا مساكن
صخرية مهدومة مكتوبة بالحروف العربية؛ مما يدل على أن لغة قوم ثمود هي العربية.
وفي عام 1962م عثرت بعثة ألمانية على نقوش عربية بجبال(األحقاف) باليمن،
منطلق دعوة سيدنا (هـودﷺ) ،وهم قوم عاد األولى ،الذين ذكرهم القرآن في مواضع
(((
كثيرة.
ومعروف أن قوم (عـاد) هم أول من سكنوا األرض بعد الطوفان ،فآباؤهم
وأجدادهم ممن كانوا مع نوح في السفينة .وسيدنا (نـوح ﷺ) قريب العهد بأبي
البشر(آدم) سالم الله عليه.
بأن اللغات كلها نشأت من أصل واحد ،تلكيعضد مذهب القائلينَّ : َّ
لعل هذا األمر؛ ِّ
ثم توارثت في ذريته.
حدث بها زوجه وأوالدهَّ ،
اللغة التي كان (أبو البشر) يُ ِّ
((( اللغة العربية يف عصور ما قبل اإلسالم ،أحمد حسين شرف الدين.
(( ( جريدة الزمان ،ميشال أمين ،لندن 2008/3/1 ،م.
- 25 -
أن أصل اللغة «اإلنجليزية» هو العربية؛ لوجود مفرداتوقد اتجه البعض ليثبت َّ
تحية عبد العزيز إسماعيل -في كتابها « :العرب ّية
كثيرة لها أصول عربية ...فالدكتورة ّ
الفصحى أ ّم اللغات الهندية واألوروبية وأصل الكالم» الذي نشرته باللغة اإلنجليزية،
أن % 80من وأكدت َّ
ْ قالت :إن بحثها هذا هو خالصة جهد استغرق عشر سنوات.
عربية
وأن % 75من أفعال اللغة الالتينية ّ أفعال اللغة السكسونية عربية األصلَّ ،
(((
األصل أيضا ً.
أن البحث والتنقيب عن تاريخ «اللغة العربية» لم يبدأ َّ
إال منذ عهد قريب ال جرم َّ
العربية المستشرق
ّ نسبياً ،ربما مع بداية موجة االستشراق .فقد زار جنوب الجزيرة
الدنماركي «كارستن نيبور» سنة 1761م ،وجاء المستشرق الفرنسي «جوزيف توماس
ثم
آرنود» سنة 1843م ،وبعده المستشرق الفرنسي «جوزيف هاليفي» سنة 1869مَّ ،
المستشرق النمساوي «إدوارد جالزر» سنة 1882م .كما زار شمال الجزيرة العربية
المستشرق البريطاني «تشارلز دوتي» سنة 1877م ،وتاله المستشرق الفرنسي
ثم الفرنسيان «جوسن» و«سافيناك» سنة 1907م، «تشارلز هوبر» سنة 1884مَّ ،
وبعدهما اإلنجليزي «أويس موسل» سنة 1910م.
وكان القنصل األلماني في سورية «ج .ويتزتن» أول من اكتشف نقوش اللغة
ثم درسهاالصفائية (النسبة إلى الصفائيين العرب) سنة 1858م جنوب شرقي دمشقَّ ،
وكتب عنها العالم البلجيكي «ريني دوزود» في كتابه« :العرب يف سوريا قبل اإلسالم».
هكذا توالت وفود المستشرقين نحو جزيرة العرب ،تحت أهداف مختلفة،
ونشطت الجامعات الغربية في القرن العشرين ،مثل :جامعة «هوبكنز» األمريكية،
ومعهد «سميشونيان» بواشنطن ،وجامعة تورنتو ،وجامعة لندن ،ومتحف «آرهاس»
الدنماركي ،وغير ذلك.
تمتد ،والحفريات عن التاريخ
ثم أخذت األبحاث االستشراقية تتوالى ،والدراسات َّّ
كتاب سنة
ٌ غويدي» «إغناطيوس اإليطالي للمستشرق فصدر العرب، أرض في تزداد
حمي».
1934م ،بعنوان« :املخترص يف لغة َ
والسبئية.
َّ المعينية
َّ وقد أصدرت جامعة القاهرة عدداً من النشرات عن النقوش
((( العربية بني مكر األعداء ،وجفاء األبناء ،عدنان النحوي ،الرياض2008 ،م.
- 26 -
ثم
وصدر ألحمد حسين شرف الدين كتاب عن «لغة المسند» سنة 1968مَّ ،
صدرت له كتب أخرى حول هذه الموضوعات مثل كتاب« :اللغة العربية يف عصور ما
قبل اإلسالم».
يقول أحمد شرف الدين :تعد جذور اللغة العربية هي جذور (اللغات السامية)
ـ السامية هي اللغة األصلية في الجزيرة العربية ـ وهي كذلك جذور (لغة المسند)
وهي إحدى اللغات السامية .علماً َّ
بأن اللغات السامية ،هي« :الكنعانية واآلرامية
واألثيوبية والكوشية واألكادية» .فالفصحى فرع من لغة المسند .وقد ازدهر هذا
الفرع ،وترعرع خالل القرون الثالثة قبل البعثة النبوية الشريفة.
أن (لغة المسند) في الجزيرة العربية ،لها عدة لهجات ،كاآلتي:
جدير بالذكر؛ َّ
1.1لهجات جنوب الجزيرة العربية :
.ألهجة المعينية :لهجة منطقة الجوف باليمن قبل القرن الخامس عشر ق .م.
(5 .باللهجة السبئية :لهجة شرق اليمن ما بين (القرن )15ق .م حتى
بعد الميالد).
الحضرمية :لهجة جنوب شرقي الجزيرة العربية ،وما زال السكان
َّ .جاللهجة
هناك ينطقونها.
القتبانية :لهجة قبيلة القتباني التي كانت تسكن منطقة شرق
َّ .داللهجة
اليمن ،التي تعرف اليوم بـ «بيحان».
2.2لهجات شامل الجزيرة العربية:
المعينية الشمالية :لهجة القبائل التي نزحت من جنوب اليمن في
ّ .أ
تسمى حالياً «العالء».
عصور مبكرة ،واستوطنت واحة الدادان التي ّ
الدادانية :لهجة مملكة عربية قديمة قامت بالعالء ،شمال غربي الجزيرة
ّ .ب
العربية ،وقد نشأت قبل القرن السادس.
اللحيانية :لهجة شعب اللحياني الذي كان يسيطر على األرض الممتدة
ّ .ج
غربي النفود ،من شمال يثرب إلى ما يحاذي خليج العقبة ،من القرن
الرابع ق .م حتى القرن الثاني بعد الميالد.
.دالثمودية :لهجة قبيلة ثمود التي عاشت شمال الجزيرة العربية،
من الجوف شماالً إلى الطائف جنوباً ،ومن اإلحساء شرقاً إلى يثرب
- 27 -
وأرض مديَن غرباً ،وفي المسالك المؤدية إلى العقبة واألردن وسورية،
وحتى أرض حضرموت من جنوب الجزيرة العربية .ومن المحتمل أن
يكون (الثموديون) يمثلون السكان األصليين لشمال الجزيرة العربية.
خصهم بالذكر لهذا السبب ،دون ذكر اللحيايين َّ
ولعل القرآن الكريم َّ
والدادانيين واألنباط وغيرهم.
.هالصفائية :نسبة إلى «الصفائيين» العرب الذين أقاموا بجبل الصفا جنوب
شرق دمشق ،منذ القرن الثاني والثالث ق .م .وكان القنصل األلماني أول
من اكتشف نقوشها سنة 1858م.
ومن الطبيعي أن يطرأ على لغة «المسند» من التطور ما يمكن أن يطرأ على
سائر اللغات ،السيما بعد انتشارها في شعوب مختلفة كاألنباط العرب واآلراميين.
وكان نتيجة نم ّو نفوذ األنباط وامتداده إلى مسالك التجارة في الشمال ،أن قويت
لغة «المسند» ،وامتدت إلى سورية ولبنان وفلسطين واألردن والعراق ،وازداد نموها
وتطورها مع امتدادها ما بين القرن الثالث ق .م إلى القرن السادس بعد الميالد ،حتى
بلغت العربية الفصحى أعلى مراحل نضجها ..فاختارها الله –سبحانه -آلخر رساالته،
ووحيه للعالمين.
أجل .لقد بلغت (العربيــة) ذروة نضجها وتطورها في عصر نزول الوحي ،بعد أن
غنية وشعراً ،حتى َّ
تظل -لغة التنزيل -ثابتة القواعد والبيانَّ ، استقرت بياناً وقواعد ،نثراً ِ
َّ
مفص ً
ال ّبينا للعالمين. يسراً ِّ
للذكرَّ ، كل ال ِغ َنىَّ ،
ليظل القرآن الكريم ُم َّ
بأن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين.
ُلح َّ
ولذلك توالت اآليات الكريمة التي ت ُّ
تيسر القرآن على هذا النحو البديع.
ولوال استقرار «العربيـة» بقواعدها؛ لما كان َّ
وبالفعل؛ فمازالت قواعد البيان القرآني ،ثابتة مألوفة في شتى أنحاء األرض ،على
تميزت (العربية) بخصائص االستقرار والصفاء ،حتى ّ
يظل «القرآن» بل ّ مدى العصورْ .
حجته.
يحمل خصائص إعجازه ،وخصائص بالغته ،وق ّوة ّ
كما عرفت قواعدها صافية منذ بكور نشأتها ،وعرفت نحوها وصرفها -كذلك -في
أجوائها النقية ،فعرفت المفرد والمثنى والجمع ،والمذكر والمؤنث ،وضمائر الغائب
المعرف باأللف والالم،
والمتكلم والمخاطب ،واسم اإلشارة واالسم الموصول ،واالسم َّ
والضمير المتصل والضمير المنفصل وأنواعهما ،واسم الزمان واسم المكان ،والنعت،
والمجرد من األفعال والمزيد ،إلى غير ذلك ،وأبصرهـم فسوف يبصـرون.
ّ واألعداد،
- 28 -
أم لغة قريش؟
"الفصحى" لغة العرب ْ
أن اللغات القديمة كانت متشابهة إلى حد إمكانيةيعتقد علماء األنثربولوجيا َّ
التفاهم بها ،فاإلسرائيليون الذين عاشوا في التيه أربعين عاماً ،تفاهموا مع جيرانهم
إلى حد ما.
النبي سليمان بن داود (ع) ،والمكاتبات بينهما تمت وزيارة الملكة بلقيس إلى ّ
دون ترجمة .ومثل هذا ،يمكن أن يقال عن رحالت إبراهيم الخليل (ع) المتعددة
أن إمكانية التفاهم في ومكـة ،مما يؤكد َّإلى عدد من البالد كالشام والعراق ومصر َّ
العالم القديم لم تكن مستحيلة .باإلضافة إلى رحالت العرب التجارية إلى جيرانهم،
وإلى الهجرة األولى لبعض المسلمين إلى الحبشة .فاللغات كلها ترجع إلى أصل واحد
ثم توزعوا في األرض،-كما ذكرنا آنفاً -فـ"العربية" كاألم التي أنجبت كثيراً من األبناءَّ ،
واختلفت لهجاتهم تباعاً .والرأي السائد أنه كانت هناك جاهلية أولى وجاهلية ثانية،
فاألولى تبدأ بابتداء البشرية حتى القرن الخامس الميالدي ،والثانية تمتد من القرن
الشعر القديم،
الخامس الميالدي إلى ظهور اإلسالم ،وهي الفترة التي أوصلت لنا ِّ
والتي يصل بها الجاحظ إلى مائة وخمسين عاماً ،أ ْو مائتين عام قبل اإلسالمْ .
وإن كان
عبر عنه أبو عمرو بن العالء بقوله“ :ما انتهى إليكم مما قالته الذي وصل لنا قليلَّ ،
وشعر كثير".إال أقله ،ول ْو جاءكم وافراً لجاءكم عِلم ِ
العرب َّ
- 29 -
َّ
ولعل المراد بـ"قرشية اللغة" ،ليس إلغا ًء لدور القبائل العربية األخرى ،فالمصطلح
إسالمي وعاطفي –كما ذهب ابن فارس في كتابه (الصاحبي يف فقه اللغة) ،فقال :
"كانت قريش مع فصاحتها ،وحسن لغتها ،ورقة ألسنتها ،إذا أتتهم الوفود من العرب
تخيروا من كالمهم وأشعارهم أحسن لغاتهم ،وأصفى كالمهم ،فاجتمع مما تخيروا
من تلك اللغات إلى نحائزهم وسالئقهم ،التي ُطبِعوا عليها ،فصاروا بذلك أفصح العرب،
أالَ ترى أنك ال تجد في كالمهم عنعنة تميم ،وال عجرفية قيس ،وال كشكشة أسد ،وال
(((
كسكسة ربيعة ،وال الكسر الذي تسمعه من أسد وقيس ،مثل :تِعلمون بكسر التاء".
إن عملية التنقية واالختيار من لغات العرب ،لم تكن فقط في موسم الحج، ثم َّ
َّ
الشعر والنثر،
وفي أسواق العرب؛ التي كان العرب يتوافدون عليها للتسوق ولسماع ِّ
والحكم عليهما ،فما تزال هذه األسواق باللغة نخ ً
ال واصطفا ًء ،حتى يتبقى األنسب
األرشق ،ويطرح المجف ّو الثقيل.
إال أنها لم يكن لها دور أن قريشاً مع عل ّو شأنها في الفصاحةَّ ،
ومن المعروف؛ َّ
كبير في “اإلبداع" ،فالنصوص األدبية الرفيعة لغير قريش ،وقد علَّ َل "ابن َّ
سالم" هذا،
ولم يحاربوا ،كان هذا في الوقت الذي تعالت فيه أصوات بأنه لم يكن بينهم ثائرة ْ
إن النحاة إمارتي :المنذرة والغساسنةْ ،
بل َّ ْ المبدعين في أكثر من مكان ،وبخاصة في
جعلوا للفصاحة حدوداً وأقواماً ،ولم يقصروا األمر على قريش ،فالتركيز كان على
(قيس ،وتميم ،وأسد ،وطي ،ثم هذيل) فهؤالء هم معظم من نقل عنه لسان العرب.
َّأما عن ِس ّر فصاحة الرسول ﷺ وبالغته؛ فقد أرجعها العلماء إلى أنه ولَِد في بني
رض َع في بني سعد ،وتزوج من بني أسد ،وهاجر إلى بني هاشم ،ونشأ في قريش ،واس ُت ِ
عمرو ،وهم األوس والخزرج.
حدد أبو حاتم السجستاني القبائل التي نزل القرآن بلغتها ،وهي( :قريش،
وقد َّ
وتميم الرباب ،واألزد ،وربيعة ،وهوازن ،وسعد بن بكر).
علي بن أبي طالب أنه قال" :نزل القرآن بلسان قريش ،وليس
وي عن اإلمام ّ وقد ُر َ
النبي ما أهمزنا".
بأصحاب نرب ،ولوال أنَّ جربيل نزل بالهمز عىل ّ
((( أهمية تعلّم اللغة العربية ،د.عبده بدوي ،حوليات كلية اآلداب ،الكويت ،الحولية السادسة عشرة 1416 ،هـ.
- 30 -
يفرق بين القرآن المنزل على األلسنة والقرآن المنزل على
لكن "ابن عربـي" ِّ
وإن
"إن الذي ينزل القرآن على قلبه ،ينزل بالفهم ،فيعرف ما يقرأْ ،
األفئدة ،فيقولَّ :
وإن كانت تلك األلفاظ ال يعرف معانيها في
كان بغير لسانه ،ويعرف معاني ما يقرأْ ،
غير القرآن ،ألنها ليست بلغته ،ويعرفها في تالوته ،إذا كان ممن ينزل القرآن على
قلبه عند التالوة".
- 31 -
أم لغة الظاء؟
لغة الضاد ْ
(لغـة الضـاد) هو االسم الدارج ،والموصوفة به اللغة العربية .وقد اتفق طائف ٌة
المتقدمين؛ بخصوصية حرف (الضـاد) بالعرب ،دون سائر األمم .وقد أطلقوه على ِّ من
أن هناك لغات أخرى بها حرف (الضاد). لغتهم ،فيما نَ َف ْت طائفة أخرى ذلكَّ ،
بحجة َّ
الرأيين،
أن العربية لغة (الظـاء) .وقد ذهبت طائفة ثالثة إلى التوفيق بين ْ والصواب َّ
أن وجود (الضاد) في لغات متعددة ،ال ينفي تميز (العربية) به ،ألسباب واعتبرت َّ
كثيرة وموضوعية.
وهنا نبسط القضية للنقاش ،ونعرض مختلف اآلراء ،لنقف على الحقيقة :
الفريـق األول :
بأن (الضاد) من خصوصية العربية وحدها ،أ ْو كما قال صاحب «القاموس
الفريق القائل َّ
المحيط»« :الضاد حرف هجاء للعرب خاصة ،وال توجد في كالم العجم إ َّال في القليل».
المتنبي؛ بأنها للعرب خاصة:
ِّ ويستشهدون بما جاء في قول أَبي الطيب
فخرت ال بجـدودي
ُ رشفت ْبل رشفـوا يب وبنفيس
ُ ال بقومـي
وبهم فخر كل من نطق الضــا َد وعوذ الجاين وغـوث الطريـد
تبناه البعض الرأي َّوذهبوا إلى أنها -الضاد -من خصائص اللهجة ال ُق َر ِش َّية .وهذا َّ
وسلِمت والر َّقةَ ،
تميزت عن سائر اللهجات العربية بالوضوح ِّ أن لغة قريش َّ من ُم َ
نطلَق َّ
من الْتباس مخارج الحروف ،واختالط بعضها ببعض؛ فليس فيها شي ٌء من تلك الحروف
حرفين من الحروف ستقبح ٌة ،وال الحروف التي مخرجها بين ْ التي ذكر اللُّغويُّون أنها ُم َ
ولعل سبب فتتميز بالخشونة و َمزج الحروف ببعضهاَّ ، َّ الفصيحةَّ .أما اللّهجات األخرى،
روي من ِسمات الحضارة ،وال َع َفويَّة والت ِّ
ذلك طبيعة الحياة الحضرية المكية ،فالتأنُّق َّ
والسرعة من َخالئق البادية. ُّ
الساميات :صوتغير في عد ٍد من َّ إن من بين األصوات التي كانت عرض ًة َّ
للت ُّ ويقولون َّ :
الضاد؛ فهي تقاب ُ
ِل« :العين في اآلرامية» ،و«تُقابل :الصاد في اللغات األكادية واألوجاريتية
- 32 -
والعبرية؛ فكلمة« :أرض» في العربية تُقابل :كلم َة « »ersetuفي األكادية ،وكلمة»ars« :
في األوجاريتية ،وكلمة « »eresفي العبرية ،كما تُقابل الضا ُد َغي ًنا في ُّ
السريانية ،مثل:
تبق ضا ًدا إ َّال في العربية الشمالية والعربية الجنوبية
ولم َ
« »araبمعنى «أرض» كذلكْ ،
والح َبشية ،مثل كلمة »rd« :في العربية الجنوبية بمعنى «أرض» «السبئِية وال َمعِينية» َ
َّ
تحولت َّ
الضاد كذلك ،وكلمة « »dahnyبمعنى« :الشمس ،الضحى» في الحبشية» ،وهكذا َّ
وإما إلى عين.
وإما إلى غينَّ ،
في غير العربية؛ َّإما إلى صادَّ ،
تفسيرا.
ً الصوتية
غير األخير في صوت الضاد من أصعب التحوالت َّ الت ُّ
عد هذا َّ ويُ ُّ
أساسا إلى خصائص تميزه ،جعلت نُط َقه ترجع ً
ُ وت الضاد
لحقت َص َ التغيرات التي ِ تلك ُّ
ِرة على ال عن غيرها .لذا؛ بدت األفوا ُه المقتد َ عسيرا على عامة األلسن السامية ،فض ً ً
ُ ُ ِ
األلسن القليلة التي تنطقه؛ صار وصف (لغة ِّ
ميزةً ،ولكون اللسان العربي من ُ صناعته ُم َّ
غدا يُن َع ُت أهلُها. ُ
العربيةِ ،فإذا أطلق لم يَنص ِرف َّ
إال إليها ،وبه َ الضاد) َعلَ ًما على
َّ
إن العرب ال يجدون صعوبة في نطق صوت الضاد ،مقارنة بغيرهم وقالوا أيضاًَّ :
والمحدثين؛ يقول
َ الدارسين من القدامى
التعليل ذهب أكثر َّ من الشعوب ،وإلى هذا َّ
غير موجود -حسبما جداُ ، (برجشتراسر " :)Bergsträsserالضاد العتيقة ٌ
حرف غريب ًّ
أعرف -في لُغ ٍة من اللغات َّ
إال العربية؛ ولذلك كانوا يكنون عن العرب بالناطقين الضاد".
عصي َة
ويؤيِّده في ذلك إبراهيم أنيس ،بقوله" :يظهر أن الضاد القديمة كانت َّ
النطق على أهالي األقطار التي فتحها العرب ،أو حتى على بعض القبائل العربية في ُّ
والمراد بالضاد القديمة
يفسر تلك التسمية القديمة لغة الضاد"ُ . شبه الجزيرة ،مما ِّ
المتدا َولَة اليوم ،والَّتي تُنطق
هنا :تلك الموصوفة في كتب القدامى ،في ُمقابل الحديثة ُ
بكيفيات تختلف باختالف البيئات.
ِسب مصادر الكلمات وقد انتهى حسن عباس ـ بعد بحث استقرائي طويل في ن َ
أن" :صوت الضاد بفخامته ونضارته و ُغ َّنته ،إنما هو أوحى الضادية ودالالتها ـ إلى َّ
أن
أدل على ذلك من َّ والشمم ،وال َّ الشهامة والمروءة َّ أصوات الحروف قاطب ًة بمشاعر َّ
أش ُّد أصوات َّ
الط َرب التجويف األنفي ،إنما هي َ األصوات الغنائية التي تعتمد في ُغ َّنتها َّ
ِ
تستح ُّق النبيلة
ِثل هذه المشاعر َّ ومية ..وم ُ
والرجولة والعواطف ال َق َّ النخ َوة ُّ
إثار ًة لمشاعر َّ
(((
بصوت يح ِملُها" .
ٍ النطق حم ُل لِسانُه َم َّ
شقة ُّ في نظر العربي أن يُ َّ
- 33 -
تفر َد العرب بصوت الضاد ،إنما هو بكثرة أن ُّوترى طائفة من أنصار هذا الفريق؛ َّ
“ستة أحرف انفردت بكثرة مكي بن أبي طالبَّ : االستعمال ال بمطلَق االستعمال .يقول ُّ
العرب ،وهي قليلة في لغات العجم ،وال توجد ألبتة في لغات كثير منهم، ُ استعمالِها
الستة يكثُر دورانُها وهي( :العين ،والصاد ،والضاد والقاف ،والظاء ،والثَّاء) فهذه األصوات َّ
األلسن البشريَّة ،ال أنها مفقود ٌة منها بالكلِّ َّية.
في اللسان العربي ُمقارن ًة بغيره من ُ
الفريـق الثانـي :
بل تشاركها فيه لغاتبأن (الضاد) ليست ِحكراً على العربيةْ ،
يرى هذا الفريق َّ
وأن مما اختصت به لغة العرب من الحروف وليس هو في غيرها؛ حرف (الظـاء).
عديدةَّ ،
من هذا الفريق “ابن ُد َريد" الذي يقول“ :ستة أحرف للعرب ،ولقليل من العجم؛
وهي( :العين ،والصاد ،والضاد ،والقاف ،والطاء ،والثاء).
أن الضاد قليلة في لسان العجم ال معدوم ٌة ،وقد َّ
تبنى رأيَه هذا يقرر َّ
فابن ُد َريد ِّ
الرأي األخير
يده ،وابن منظور) .ولهذا َّ جمع ،منهم( :ابن ِج ِّني ،وابن فارس ،وابن ِس َ ٌ
وعز الدين ابن جماعة، النحويِّ ، حيان َّالم َح ِّققين؛ من أمثال :أبي َّ انتصر طائف ٌة من ُ
المشتغِلون بعلم توص َل إليه ُوعلي بن محمد الصفاقسي .وهذا المذهب يتوافق مع ما َّ ِّ
أن مقولة“ :العربية لغة الضاد" ليست اللغات المقارن؛ فإنهم يكادون يُج ِم ُعون على َّ
َ
بعضهم إلى تأكيد ُوجو ِد صوت الضاد أ ْو أثَ ٍر منه في اللُّغات دقيقة تما ًما .وقد مال ُ
تقدمت بهاالرائدة في هذا المجال :الدراسة التي َّ السامية األخرى ،ومن البحوث َّ َّ
والستين،
ِّ "سلوى ناظم" إلى مؤتمر َمجمع اللغة العربية بالقاهرة في دورته الخامسة
ُقرر" :أن الضاد التي وصفها القدامى لها بعنوان" :العربية لغة الضاد أ ْم الظاء؟ ،".وفيها ت ِّ
الساميات.
وجو ٌد في اللغات الحبشية" ،وهي من ُجملة َّ
على جانب آخر؛ يقول الدكتور عبد الرحمن السليمان ،الباحث في اللغات
إن "حرف الضاد كان موجوداً في كل اللغات الساميةَّ ،
إال أنها كلها أهملته، الساميةَّ :
بل دمجته بالدال تارة ،والظاء تارة أخرىَّ ،
إال العربية الشمالية والعربية الجنوبية ْ
(الحميرية والحضرمية والقتبانية والسبئية) والعربية الوسطى (اللحيانية والثمودية)،
باإلضافة إلى األوغاريتية والحبشية.
وأما في العبرية فاندمج هو والظاء مع حرف الصاد .وأصوات العربية هي األصل في َّ
(((
الدراسات السامية ،وهنالك إجماع تام بشأن ذلك بين المشتغلين باللغات السامية.
((( الثبات اللغوي ومعضلة املصطلحات ،محمد مختار ،دار المعرفة2003 ،م.
- 34 -
وقد أشار الفقيه التونسي ابن عزوز ،في مقطوعة له يصف لفظ الضاد :
الضاد مخرجه بحافـــة ِمقول ُينى أو اليرسى بغري عنـــاء
التفش دقــــة البصـــراء
ّ الضاد مضبوط متني ما رأت فيه
ثم امتياز الضـاد سـهل عند مـن عانـاه بالتلقن واإللقــــاء
ومن الخطأ يف الضاد يُلفظ حرفه داالً مفخــم ًة مع استعالء
العربية،
الصوتية للغة ََّّ الخصوصي َة
َّ المتقدمين الحظوا هذه
ِّ أن
وذهب هذا الفريق؛ إلى َّ
ص بأن صوت (الظاء) ُمخ َت ٌّ صرحوا َّ
وكان الخليل بن أحمد الفراهيدي من األوائل الذين َّ
ال" :وليس في شي ٍء من األلسن قتص ٌر عليها؛ فقد َص َّرح في مقدمة "العين" قائ ً
بالعربية ُم ِ
وكرر هذا المعنى في موضع آخر من الكتاب عينِه بقوله" :والظاء عربية ظا ٌء غير العربية"َّ ،
يصر ُح مكي بن أحدا من العجم ،وسائر الحروف اشتركوا فيها" .وبمثل قول الخليل ِّ لم ت َ
ُعط ً
بل قد نقل أبو عم ٍرو وغير وا ِحدٍْ ، َ َ حيان النحويُ ، َ
ابن أبي األح َوصُ ،وشيخه ُ أبي طالب ،وأبو َّ
أن العرب ُخ َّصت بحرف الداني اإلجما َع في هذه المسألة؛ فقال" :أجمع علماء اللُّغة على َّ
الضاد. الظاء دون سائر األمم ،لم يتكلَّم بها غيرهم" .فعلى هذا تكون العربية لغ َة َّ
الظاء ال َّ
ص بهما العرب دون ويُضيف ابن ُد َريد الحا َء إلى الظاء؛ فيقول" :حرفان ُمخ َت ٌّ
ِره ابن فارس ،وال َقل َقشندي ،دون أن يُشيرا إلى نزاع َمنالخلْق ،وهما الحاء والظاء" ،ويُق ُّ
َ
نفسه الذي أع َقب مقالته السابقة بقوله:خصوصية الحاء ،كما فعل ابن ُدريد ُ َّ نازع في
وحدها
الظاء َ وأن َّ
والحبشية كثيرةٌَّ ، السريانية والعِبرانية َ
أن الحاء في ُّ "وزعم آخرون َّ
َمقصور ٌة على العرب".
السريانية ،وفيواب؛ فالحاء موجود ٌة في األبجدية األوغاريتية ،وفي ُّ
الص ُ
وهذا هو َّ
واآلرامية واآلشورية ،ولغات جنوب الجزيرة ،والحبشة.
َّ العبرية
نعت اللغة العربية بأنها لغة الظا ُء أَولى من
إن َ تقدم ،يُمكن ُ
القولَّ : فمن مجموع ما َّ
نعتِها بكونها لغ َة الضاد .يقول كمال بشر" :هناك إشارات متناثرة في أعمال السابقين
أن صوت الظاء "ال الضاد" هو الخاص بالعربية".
ُؤكد َّ والخالفين ،تشير ْ
بل ت ِّ
الفريـق الثالـث:
بأن (الضاد) المقصودة؛
السابقين؛ ويقولونَّ :
ْ الرأيين
هذا الفريق يحاول التوفيق بين ْ
المتنبـي في ِشعره؛
ِّ التي تفاخرت بها العرب ،واعتبروها ِحكراً عليهم ،والتي افتخر بها
ليست الضاد التي تستخدم اليوم في الفصحى التي هي عبارة عن دال مفخمة.
- 35 -
فالضاد العربية القديمة؛ كانت صوتاً آخر مزيجاً بين الظاء والالم ،واندمج هذا
أي أنها حرف ما وألن الظاء هي ذال مفخمةْ ،
الصوت مع الظاء في الجزيرة العربيةَّ .
بين األسنان ،فقد تحولت بدورها في الحواضر إلى دال مفخمة كتحول الثاء إلى تاء،
والذال إلى دال ،وصارت هذه الدال المفخمة هي الضاد الفصيحة الحديثة.
إذن؛ فالدال المفخمة ليست خاصة بالعربيةْ ،
بل هي موجودة في لغات كثيرة.
المتنبي ،وابن منظور صاحب لسان
ِّ وهي ليست الضاد األصلية التي كان يعنيها
العرب ،وغيرهم.
ونحن اليوم ننطق الضاد (داالً مفخمة) وتشاركنا في هذا الصوت لغات أخرى.
وهناك طريقتان للفظ الضاد :قديمة ومعاصرة .وقد وصف سيبوي ِه اللفظ القديم ،فقال:
حافــة اللسان وما يليه من األضراس مخرج الضاد».
َ «أول
احتكاكيـا رخ ًوا ،بينما هو اليوم في لفظنا
ً وهذا الحرف كما نفهم أ ْو نتخيل ،كان
انفجاري شديد ومخرجه اللسان واللثة.
ويعلِّل تمام حسان في كتابه «اللغة العربية ـ معناها ومبناها» ،فيقول« :الضاد
الفصيحة كانت تُنطق بواسطة احتكاك هواء الزفير المجهور بجانب اللسان واألضراس
ثم يكون صوت الضاد الفصيحة من بين أصوات الرخاوة المقابلة لهذا الجانب ،ومن َّ
مثله في ذلك مثل الثاء».
وهناك من المعلومات التي تشير إلى الطريقة في ذلك اللفظ ،فكان ثمة خلط
بين الضاد والظاء (شأن كثير من العراقيين والمغاربة في لهجاتهم اليوم) ومن ذلك ما
أورده الجاحظ في (البيان والتبيني).
ومما قيل في ذلك من باب الطرائف" :كان رجل بالبصرة له جارية تسمى
َّ
المقفع" :قل يا ظمياء"، "ظمـياء" ،فكان إذا دعاها قال :يا ضميـاء ،فقال له ابن
غير عليه ابن المقفع مرتين أو ثالثاً ،قال له" :هي جاريتي
فناداها" :يا ضميـاء" فلما ّ
أ ْم جاريتك"؟.
إن الضاد القديمة هي في كتابه "األصوات اللغوية" يؤكد الدكتور إبراهيم أنيسَّ -
ميزت لغتنا ،فيقول" :ويظهر أن الضاد القديمة مقصورة على اللغة العربية" .فهو التي ّ
قدر أنه قد طرأ على لفظ الضاد أ ْو صوتها تطور .ولكن الدكتور رمضان عبد التواب، يُ ّ
في كتابه (املدخل إىل علم اللغة) يؤكد هذا التباين بما ال يدعو إلى الشك.
- 36 -
إن تعريف العربية بأنها (لغة الضاد) فقد ورد بعد عصر االحتجاج ويقولون أيضاًَّ :
والرواية ،ومع ذلك فلم يذكر "الثعالبي" هذا التركيب "لغة الضاد" في كتابه "مثار
أي :لم يكن التعبير شائ ًعا وذائ ًعا
القلوب يف املضاف واملنسوب" ،مع أنه أدرك المتنبيْ .
في اللغة.
ثم ورد بعد ذلك على لسان «الفيروز أبادي» في صورة النسبة ،وذلك في قوله :
َّ
النبي الهادي ُمفــحمـ ًـا باللسان الضادي.
يا باعث ّ
مفاخرا :
ً وفي ِشعرنا المعاصر ،يقول «شوقـي»
جعل الجامل ورسه يف الضَّ ـاد. إنَّ الذي مأل اللغات محاس ًنا
يسمي العرب «بني الضـاد»:
وخليل «مطران» ِّ
وجـــب
ْ وأثنـت عليـك مبــا وفود بني الضـاد جاءت إليــك
ويقول «إسماعيل صبري»:
منهل صفــا ألهل الضـاد أيها الناطقون بالضـاد هذا
الشاعر اللبناني حليم دموس:
ويقول َّ
كانت لنا بر ًدا عىل األكباد لغة إذا وقعت عىل أكبـادنا
الرجــاء لناطــق بالضـــاد وتظل رابطـــة تؤلِّـف بيننــا
الشاعر «علي الجارم» بالكناية ،قائ ً
ال: ويتحدث عنها َّ
ويف الشِّ عر وارث البحرتي وارث األصمعي يف لغة الضـاد
فإن
ويرى هذا الفريق؛ أننا إذا درسنا «العربية» كنظام اتصال لغوي وصوتي؛ َّ
قدرة الكلمة (كقناة اتصال) في نقل المعنى في اتجاهين متضادين في ذات القناة،
فإن
هو دليل قاطع على تفوق ذلك النظام اللغوي وقدرته (االتصالية) العالية ،ولذلك َّ
العقل اللغوي العربي الذي يستطيع التمييز بين اتجاه المعاني المضادة ،هو أيضاً
أي نظام لغوي بشري آخر ،وهذا يجعل معاني يمتاز بقدرة اتصالية عالية ال يجاريها ّ
مفردات اللغة تتدفق بشكل ال نهائي في كل اتجاه.
- 37 -
بأن صوت الضاد يخرج من التقاء إحدى حافتي اللسان مع ما ويعلِّلون رأيهم؛ َّ
مخرجين متضاديْن؛ فهو
ْ أن لصوت حرف الضاد يقابلها من األضراس العليا ،بمعنى َّ
يخرج تارة من الحافة اليمنى ،ويخرج تارة أخرى من الحافة التي تقابلها وتضادها في
وكأن هذا الحرف قد أخذ اسمه من هذه الظاهرة التي هي ظاهرة التضاد. االتجاهَّ ،
فبذلك –حسب قولهم -تكون تسمية «العربية» بلغة الضـاد ،من ظاهرة (التضـاد).
لم
بمعنى قدرتها على أداء معان متضادة كثيرة في نظامها الصوتي ،وهي ظاهرة ْ
يتميز بها سوى اللسان العربي المبين .وإلى هذا الرأي نذهب ،وإليه نستريح.
- 38 -
اللهجات العربيـة
الدين الطاهر ،واألدب الباهر ،وديوان الفضائل والمفاخر ،ووعاء الفكر (العربية) لغة ِّ
اإلسالمي ،والشريان الذي يربط بين أواصر األمة ،وأحد أسس الوحدة العربية ودعامتها،
واألداة الحية لألدب والثقافة العربية ،وعامل من أكبر العوامل على تجميع المسلمين ،وقيام
الروابط القوية بينهم ،حسبها أنها َش ُر َف ْت بحمل آخِر ِرساالت السماء بلسان عربي ُمبِين.
نجحت في ماضيها في القيام بدورها الحضاري المنوط بها ،وارتَ َق ْت َّ
بأمة وقد َ
من مجتمع الصحراء المتوا ِري؛ لتكون هي ولغتها قائدة الحضارة على مستوى العالم
قرونًا عديدة.
يعبر كل منها عن لفظة مختلفة، وقد اشتملت «العربية» على 28حرفاً ثابتاًِّ ،
إضافة إلى الهمزة التي تتخذ ستة أشكال في الكتابة ،هي ( :ء أ إ ئ ؤ ئـ).
يعبر عن لفظة معينة ،إنما حركة يعدون األلف مع الحروف؛ ألنه ال ِّعلماء اللغة ال ُّ
أن يشكال لفظة أ ْو حركة طويلة.طويلة (حرف علة)َّ .أما الواو والياء ،فيمكن ْ
بهذه الحروف؛ ُكت ْ
ِبت اللغة العربية ،ومرت بأطوا ٍر كثيرة عبر مئات السنين .فقد كانت
قبيل اإلسالم ـ تسمى (لغـة مضـر) ،وكانت تستخدم في شمال الجزيرة ،وقد قضت على ـ ْ
اللهجة العربية الشمالية القديمة وحلَّت محلها ،بينما كانت تسمى اللهجة العربية الجنوبية
القديمة (لغـة ِح ْميـر) نسبة إلى أعظم ممالك اليمن آنذاك ،وما كاد النصف األول لأللفية
األولى للميالد ينقضي حتى كانت هناك :لغة لقريش ،ولغة لهذيل ،ولغة لربيعة ،ولغة لقضاعة.
وهذه تسمى (لغات) ،مع أنها لهجات متقاربة ،بدليل أن كل قبيلة كانت تفهم غيرها بسهولة.
أن تعدد اللهجات؛ كان موجوداً عند العرب من عصر الجاهلية ،حيث
هذا بدوره يؤكد َّ
كانت هناك لهجة لكل قبيلة من القبائل .وقد استمر الوضع هكذا بعد مجيء اإلسالم.
باإلضافة إلى هذه اللهجات؛ فقد كانت هناك لغة واحدة مشتركة تك ّونت من مزيج
من لهجات وسط وشرق شبه الجزيرة العربية بتأثير التجارة والحج ،وغيرها.
وقد كان التواصل بين أفراد القبيلة الواحدة يَتم بواسطة لهجتها الخاصةَّ ،أما عندما
يَخطب شخص ما ،أ ْو يَتحدث مع قبائل أخرى ،فقد كان يستعمل حينها اللغة المشتركة.
- 39 -
أن العامية الحديثة بدأت منذ الفتوحات اإلسالمية ،إ ْذ إن المسلمينويُرجح َّ
الجدد في بالد األعاجم (والتي أصبح العديد منها اليوم من البلدان العربية) بدءوا
بتعلم العربية ،لكنهم -وبشكل طبيعي -لم يَستطيعوا التحدث بها كما يتحدثها العرب
حرفت قلي ً
ال. بالضبط ،وبالتالي فقد ِّ
وفي ذلك الوقت لم يَكن الفرق واضحاً كثيراً ،لكن بالتدريج ُح ِّرفت العربية ،وتغيرت
مخارجها الصوتية ،وتركيب الجمل فيها ،حتى تح ّولت إلى اللهجات العامية الحديثة.
- 40 -
لكن؛ دول "اإلتحاد األوروبي" منذ فتح الحدود فيما بينها ،أخذت في اإلمعان
في قضية اختالف اللهجات ،وإشكالية التعددية اللغوية بين الجاليات التي تقطن في
قطر واحد .وقد مثلت مدينة "بولزانو" التي أُقيم فيها مؤتمر "تعددية لغات أوروبا"،
نموذجاً لعدد من المدن األوروبية ،التي تفرض فيها رسمياً (الثنائية اللغوية) حيث
اللغتين" :اإليطالية" ،و"األلمانية" بدرجة متساوية .كما
ْ يتحدث سكان تلك المدينة
باللغتين كلتيهما .كذلك؛ التوظيف
ْ تكتب جميع اللوحات وأسماء الشوارع والمعامالت
اللغتين.
ْ متحدثي
ِّ الحكومي يأخذ بمناصفة شغل الوظائف بين
َّأما (العربية) فقد حافظت إلى يومنا هذا على شكلها "الفصيح" بين حدود الدول
العربية اإلثنتين والعشرين ،حيث تصدر الصحف والمطبوعات ،وتطبع الكتب من
المحيط غرباً إلى الخليج شرقاً ،بالعربية "الفصحى" .ويستطيع المغربي أن يُحاور
الكويتي ويفهم حديثه بسهولة ،وكذلك الحال بين السوداني والعراقي.
جانب آخر؛ اختلف الباحثون حول مستقبل «الثنائية اللغوية» في الوطن ٍ على
العربي؛ فبعضهم يرى أن اللغة الفصحى سوف تغلب العامية ،وسوف تُستخدم بشكل
عام حتى خارج المعامالت الرسمية ،وذلك بزيادة المادة الصوتية الفصيحة التي يتم
االستماع إليها يومياً .باإلضافة إلى الرسوم المتحركة التي سوف تساعد األطفال على
تعلم الفصحى قبل دخول المدرسة .وهناك اقتراحات بتبسيط قواعد الفصحى قلي ً
ال
لتسهيل تعلمها.
بينما يرى آخرون أن اللهجات العامية؛ سوف تتطور ،أ ْو ستندمج في لهجة عربية
واحدة ،وبهذا تُشكل معاً لغة عربية واحدة كالفصحى.
وقد دعا البعض إلى دمج العامية والفصحى معاً بحيث تتك ّون لغة جديدة بين
االثنتين ،لكن هذا االقتراح ال يحظى بالكثير من التأييد؛ نظراً َّ
ألن الفصحى هي لغة
القرآن ،واألدب ،والتراث بأكمله.
َّ
منحطة إذن؛ فال جدوى من اإللحاح على استعمال اللهجات المتنافرة؛ فهي
النحطاط الناطقين بها .أ ْو على حد قول الدكتور طه حسين« :ال أدب َّ
إال أدب اللغة
الفصحى ،والذين يستخدمون العامية ليسوا واقعيين ،وإنما هم عاجزون».
- 41 -
األسواق ال ِّشعرية
الشعرية" مكانة عظيمة في نفوس العرب، في العصر الجاهلي ،تب ّوأت "األسواق ِّ
للملِك واألمير ،وكانت القبيلة ت ِ
ُفاخر كل الفخر بميالد الشاعر نظرتهم َ
حتى نظروا إلى َّ
المقاتِل ،وذلك بل َّ
احتل الشاعر منزلة أرفع من منزلة ُ شاعرها ،وتزهو به على المألْ .
للدفاع عنها ضد أعدائها بشعره .وكانت القبيلة إذا نبغ فيها شاعر احتفلت به احتفاالً
عظيماً؛ فأخذوا يُهنئون بعضهم بعضاً ،ويقيمون الحفالت الغنائيةُّ ،
ويعدون الوالئم؛
الشاعر حماية ألعراضهم ،وذبّا عن أحسابهم ،وتخليداً لمآثرهم، ألن في نبوغ ذلك َّ
َّ
الشعر وإنشاده ،وتُقام األسواق من
وإشادة بذِكرهم .وكانت تُعقد المجالس لسماع ِّ
إن القبائل التي ال الشعر ْ ..
بل َّ أجل المفاخرة والمباراة بين القبائل عن طريق سالح ِّ
والضعة ،وخمول ِّ
الذكر والهوان ،كما يقول ابن ينبغ فيها الشعراء ،كانت تشعر بالنقص َّ
رشيق في كتابه "العمدة".
الشعرية
إن األسواق ِّ
هذا؛ ويقول الدكتور حسين نصار في كتابه (يف الشِّ عر العريب)َّ :
كانت كثيرة؛ فمنها سوق (عكاظ) التي كانت تعقد في وا ٍد بين مكة والطائف ،في شهر
ثم توارت أهمية عكاظ في اإلسالم ،وبرز سوق (المربد) في البصرة ،وسوق ذي القعدةَّ .
الشعرية
(الكناسة) في الكوفة ،يُضاف إليهما المساجد التي كانت فيها المجالس ِّ
حسان بن ثابت ،واقتدى به أيضاً ،فقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ّ
المسلمون بعد ذلك ،كما تذكر أخبار جرير والفرزدق.
الشعرية ،التي أقيمت في األسواق العربية ،آثارها الخطيرة في
وكان لالحتفاالت ِّ
الشعر العربيْ ،
بل في اللغة العربية كلها؛ فقد كان سوق عكاظ البقعة التي تتالقى فيها ِّ
توجد لها
القبائل من شتى األرجاء ،ومع اختالف اللهجات ،وكانت القبائل تحاول أن ِ
وحد
لغة أدبية رسمية؛ فاختارت لغة الحجاز (قريش) ،فكانت عكاظ الموطن الذي ّ
اللهجات العربية ،وم ّهد لتوحيد العرب أنفسهم في أمة واحدة.
الشعرية رسومها وطقوسها وآدابها ،فقد روى الرواة أن "عمرو بن
كان لتلك األسواق ِّ
كلثوم" عندما نظم معلَّقته الشهيرة ،وأراد إشاعتها بين العرب ،ذهب إلى سوق عكاظ،
وأنشدها هناك ،فنالت إعجاب السامعين واعترافهم بجودتها؛ فطار صيتها بين الناس.
- 42 -
المحلَّق الكالبي ،وأثنى على بناته؛ ليجد ّ
لهن أن "األعشى" عندما مدح ُ وروي ََّ
ْ
األزواج األكفاء ،فعل ذلك في عكاظ ،وكان يُنشد الناس تحت َسرحة (شجرة عظيمة ذات
ظل) وقد ح ّققت قصيدته غرضها سريعاً ،فتهافت األشراف على بنات الرجل طلباً للزواج.
كما ذكرت كتب األدب ،أن بعض الشعراء الذين اعترف لهم أهل عكاظ بميزة أو
فيعلِّمون أنفسهم بعالماتفضل ،كانوا يهتمون بهذا االعتراف ،ويُبرزونه إبرازاً واضحاً؛ ُ
يحل لغيرهم استخدامها ،فكان "النابغـة الذبياني" الذي اتخذ منه أهل خاصة ،ال ُّ
عكاظ َح َكماً يفصل بين الشعراء ،ويبين منزلتهم ،يضرب لنفسه ُق ّبة حمراء من ِ
الجلد.
ولما أصيبت "الخنساء" بأبيها عمرو بن الشريد ،وأخ َويْها :صخر ومعاوية؛ رثتهم ّ
َ
بالقصائد التي شاعت في األرجاء العربية ،واعترف لها الناس بعِظم مصيبتها ،وكانت
"لما كانت
تشهد عكاظ ،وقد أعلمت هودجها براية .قال أبو الفرج في "األغاني" عنهاَّ :
وقعة بدرُ ،قتِل عتبة بن ربيعة ،وشيبة بن ربيعة ،والوليد بن عتبة ،فأقبلت "هند بنت
عتبة" ترثيهم ،وبلغها تسويم (اتخاذ عالمة) الخنساء هودجها في الموسم ،ومعاظمتها
فلما أصيبت هند بما أُصيبت به، وأن العرب قد عرفت لها ذلكّ . العرب بمصيبتهاَّ ،
فس ِّوم براية ،وشهدت الموسم قالت :إني أعظم من الخنساء مصيب ًة ،وأمرت بهودجها ُ
فلما أن دنت منها ،قالت لها بعكاظ؛ فقالت :اقرنوا َج َملي بجمل الخنساء ،ففعلواَّ ،
أنت يا أُ َخ َّية؟ .قالت :أنا هند بنت عتبة ،أعظم العرب مصيب ًة ،وقد بلغني
الخنساء :من ِ
فبم تعاظمينهم؟ .قالت الخنساء :بعمرو بن الشريد، أنك تُعاظمين العرب بمصيبتكَ ، ِ
أنت؟ .قالت هند :بأبي عتبة بن ربيعة، وبم تعاظمينهم ِ وصخر ،ومعاوية اب َني عمروَ .
ِ
عندك؟ .ثم أنشدت تقول: وعمي شيبة بن ربيعة ،وأخي الوليد .قالت الخنساء :أو سوا ٌء
ِّ
يل ُهجـو ُدهـــــا قليلٍ إذا نام الخ ُّ ُأ َبكِّـي أبـي عمراً بعـ ٍني غـزير ٍة
له من رساة ال َح َّرتَ ِني ُوفو ُدهـــــا ِ
وصن َو َي ال أنسـى معـاوي َة الـذي
بساهمـ ِة اآلطال ٌق َّبـاً يقودهــــا وصخراً ،ومن ذا مثل صخ ٍر إذا غدا
شب َوقودهــــا حرب حني َّ ٍ ونريانُ فـذلك يا هنـدُ الـرزي ُة ،فاعلمـي
وحاميـها من كـل باغٍ يـريدهــــا ُأبَ ِّك عمـيد األب َطـ َحني كليـهمـــا
وشيبة والحامـي الذما َر وليـدهـــا ِ
ويحك فاعلمـــي أيب عتب ُة الخري ِ
ات،
ويف ال ِع ِّز منها حني ينمى عديدهـــا غالب
ٍ أولئـك آل املـجد مـن آل
- 43 -
الت َزيُّن .وكان التزين
للشعر ،هو َّ
ليعد نفسه ِّ
الشاعر؛ َّ
إن أول ما كان يلجأ إليه َّ
قيلَّ :
أمراً جوهرياً وضرورياً ،يفعله كل شاعر ،وال سيما الفحول؛ فقيل :إن "الفرزدق" حين
أراد أن ينشد في المدينة قصيدته :
تعرف
ُ كنت
وأنكرت من حورا َء ما َ
َ تعزف
ُ كنت
بأعشاش ،وما َ
ٍ عزفت
َ
طلع الفرزدق على القوم في ُحلَّة يماني ٍة ّ
موشاة ،وقد أرخى غديرته .كما كان
بصفرة.
مصبوغين ُ
ْ خصمه الذي تحداه يلبس ثوبين
ميري وقومه،
الن ْ
وحينما أراد "جرير" أن ينشد قصيدته ،التي هجا فيها الراعي ُّ
وقال فيها :
بلغــت وال كالبـــا
َ فال كعباً فغ َُّض الطـرف إنـك من نُ يـ ٍر
وضم أطرافه. يُقال :إنه َّادهن بدهن ،وجمع َشعره -وكان َح َسن َّ
الشعر َّ -
الشاعر َج َمله الذي يركبه؛ فيضع عليه أجمل وكان من تمام االحتفال ،أن يُ َزيِّن َّ
تجم ٍل ،حين هاجى ج ّواساألردية .وقد وصف واصف ،ما لجأ إليه "جميل بثينـة" من ُّ
"قدمت من عند عبد الملك بن مروان ،وقد أجازني ،وكساني بُرداً، ُ بن قطبة ،فقال :
فنزلت وادي القِرى ،فلقيني جميل ،وكان صديقاً لي، ُ البرد أفضل جائزتي؛ وكان ذلك ُ
البرد الذي أمسيت إذا هو قد أتاني في رحلي ،فقال ُ :
ُ فسلَّم بعضنا على بعض َّ ..
فلما
بل هو قلت :الْ ،
فإن بيني وبين ج ّواس مراجزةُ ، أتجمل بهَّ ، رأيته عليك تُعيرنيه حتى َّ
لك كسوةً؛ فكسوته إياه ،فلما أصبحنا جعل األعاريب يأتون أرساالً ،حتى اجتمع منهم
رأيت مثلهما قط،وحضرت وأصحابي؛ فإذا بجميل قد جاء وعليه ُحلّتان ،ما ُ ُ بشر كثير.
ٌ
ال لجمله ،فتراجزا ."..وكانت النتيجة أن كسب وإذا بُردي الذي كسوته إياه قد جعله ُج ً
راجزة ،وارتفعت مكانته بين الناس. الم َ
جميل ُ
وأغرب من ذلك وأعجب ،ما كان يفعله "حسان بن ثابت" وهو يستعد إلنشاد
قصائده الحماسية؛ فقد كان يُ َخ ِّضب شاربه والشعرات التي بين الشفة السفلى والذقن
بالح ّناء ،وال يُ َخ ِضب سائر اللحية؛ ليكون كاألسد الوالغ في الدماء ،كما َّ
فسر هو نفسه ِ
ثم ينشد حماسيته ،ويتغ ّنى بشجاعته وغنائه في الحروب. هيئتهَّ .
الناس مباريات ِشعرية بعد وهل سمع ُفهل رأت الدنيا شعراء كشعراء عكاظ؟ْ . ْ
قت أُ َّمـة
المجنة؟ .وهل علَّ ْ
َّ وهل شهدت الدنيا أسواقاً كأسواق عكاظ ،وذي عكاظ؟ْ .
القصائد على معابدها ومقدساتها غير أُ َّمـة العرب .فما لكم كيف تحكمـون؟.
- 44 -
اخلط العربـي
"الخط العربي" هو فن وتصميم الكتابة بالحروف العربية ،إ ْذ تتميز الكتابة العربية
بكونها متصلة ،مما يجعلها قابلة الكتساب أشكال هندسية مختلفة من خالل المد
والرجع واالستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب .كما يقترن فن الخط
بالزخرفة العربية "أرابيسك" حيث يستعمل لتزيين المساجد والقصور ،كما أنه
يستعمل في تجميل المخطوطات والكتب ،خاصة عند نسخ القرآن الكريم .وقد
شهد هذا المجال إقباالً من الفنانين المسلمين؛ بسبب نهي الشريعة عن رسم البشر
والحيوان ،خاصة فيما يتصل باألماكن المقدسة والمصاحف.
ويعتمد الخط العربي جمالياً على قواعد خاصة تنطلق من التناسب بين الخط
والنقطة والدائرة ،وتستخدم في أدائه فنياً العناصر ذاتها التي تعتمدها الفنون
التشكيلية األخرى ،كالخط والكتلة ،ليس بمعناها المتحرك مادياً فحسبْ ،
بل بمعناها
الجمالي الذي ينتج حركة ذاتية تجعل الخط يتهادى في رونق جمالي مستقل عن
مضامينه ،ومرتبط معها في آن واحد.
يقول القلقشندي " :الخط العربي هو ما يسمى اآلن بالكوفي ،ومنه تطورت باقي
الخطوط".
إال أن موريتز في "موسوعة اإلسالم" يوضح أن "الخط العربي" الذي عرف الحقاً َّ
بالخط الكوفي ،ترجع أصوله إلى ما قبل بناء الكوفة بقرن من الزمان .إ ْذ َّ
إن العربية
قبل اإلسالم كانت تكتب بأربعة خطوط :الحيري (نسبة إلى الحيرة) والذي منه
اشتق الخط الكوفي ،األنباري (نسبة إلى األنبار) ،المكي (نسبة إلى مكة المكرمة)،
المدني (نسبة إلى المدينة المنورة) .وأول تسمية لهذا الخط بالكوفي؛ كان في كتاب
(الفهرست) البن النديم عام 999م.
وقال ابن عباس" :أول من كتب بالعربية رجال من بوالن ،وهي قبيلة سكنت
األنبار .ووضعوا حروفاً مقطعة وموصولة .وهم مرار بن مرة ،وأسلم بن سدرة ،وعامر
وأما "عامر" فوضع
وأما "أسلم" ففصل ووصلَّ ،
فأما "مرامر" فوضع الصورَّ ،
بن جدرةَّ .
الشاعر :
اإلعجام .وفي ذلك يقول َّ
- 45 -
ولست بكاتب
ُ وس ّودت رسبايل كتبت أبا جاد و ُحطِّي مرامر
- 46 -
أنـواع اخلـط العربـي
فسميت بعضها نسبة إلى أخذت الخطوط العربية مناهج عدة في التسميةِّ ،
أسماء المدن :كالنبطي والكوفي والحجازي والفارسي .أ ْو بأسماء مبدعيها :كالياقوتي
(المستعصمي) ،والريحاني ،والرياسي ،والغزالني .كما سميت -أيضاً -نسبة مقادير
ال عن تسميته نسبة إلى األداة التي الخط :كخط الثلث ثلث والنصف والثلثين .فض ً
تسطره :كخط الغبار .وكذلك نسبة إلى هيئة الخط :كخط المسلسل .ومن أشهر أنواع
(((
الخطوط العربية المتداولة :
الخـط الكوفــي
أقدم الخطوط العربية وأعرقها على اإلطالق ،نشأ واع ُتمِد في عصر النبوة لحاجة
المسلمين لتدوين القرآن الكريم .والزال يعرف حتى يومنا هذا بالكوفي المصحف،
وهو خط يابس هندسي زخرفي يحتاج إلى دقة ودراية .ومن حظ هذا الخط؛ أنه
يحمل صبغة تاريخية حيث ينسب إلى دول وبلدان وممالك وحقب تاريخية مهمة
في األمة مثل( :الكوفي المملوكي) و(الكوفي األيوبي) و(الكوفي الفاطمي) و(الكوفي
األندلسي) .كما ينسب إلى إقليم مثل (الكوفي النيسابوري) و(الكوفي القيرواني)
وغيرها من الكوفي المتعارف عليه ،مثل( :الكوفي المورق) و(الكوفي الشطرنجي)
و(الكوفي المضفور).
ومن أعالم ومؤرخي هذا الخط الجليل :عالم المشهور يوسف أحمد؛ حيث اهتم
به اهتماماً خاص ُاَّ ،
وفرغ نفسه لخدمته والتعريف به بعد أن كان على وشك االضمحالل.
وقد اهتم نخبة من تالميذه بهذا الخط ،كان آخرهم الخطاط محمد عبد القادر.
خـط النسـخ
أوضح الخطوط العربية على اإلطالق ،يتميز بوضوح صور حروفه واكتمال تشكيله،
يسهل عملية القراءة ،ويضمن سالمة النطق ،وقد درجت كتابة المصاحف بهذا الخط
مما ِّ
في عهد الخطاطين العثمانيين .يكتب خط النسخ شأنه شأن الخطوط المشرقية األخرى،
تقليدياً بقلم مصنوع من القصب والحبر ،ولصور حروفه قواعد خطية وأشكال محددة
(أي تقاس هندسياً بالنقطة كما هو متبع في دراسة الخط) .وعادة ما يكتب
ومنسوبة ْ
((( حوار أجريناه مع الخطاط األديب محمد عبده أبو قمر -منشور بمجلة (الوعي اإلسالمي) ،الكويت.
- 47 -
بمقاس صغير (ال يتعدى عرض القلم 2ملم) مما يتناسب مع كتابة النصوص الطويلة
في اللوحات الخطية والكتب (كالمصاحف ،وكتب األذكار واألوراد ،والمراجع الدينية) إلخ.
وقد استحدث "خط النسخ" على األغلب في حدود عام 800م في العراق ،وأخذ
يتطور شأنه شأن األقالم الستة على يد ابن مقلة (940-886م) وياقوت المستعصمي
خص خط النسخ ثم الشيخ حمد الله األماسي (1520-1429م) والذي َّ (1298م)َّ ،
بكتابة المصاحف ،أيضاً تطور خط النسخ في حدود عام 1678م على يد الخطاط
الحافظ عثمان (1698-1642م) والذي استحدث أسلوباً جديداً خاصاً به في خط
النسخ يختلف عن طريقة الشيخ حمد الله ،وقد وصل خط النسخ إلى قمته بظهور
مستقلتين :مدرسة القاضي عسكر مصطفى عزت (1876-1801م) ْ مدرستين
ْ
والخطاط محمد شوقي أفندي ( 1887-1829م) حيث قام األخير بتطوير طريقة في
خط النسخ تميز بها عن سابقيه من الخطاطين.
وقد انتشر "خط النسخ" بقواعده للعالم اإلسالمي والعربي ،واشتهر العديد من
الخطاطين العثمانيين بإجادتهم له ،أمثال :حسن رضا ( )1920-1849والحاج عارف
البقال ( )1909-1836والشيخ عبد العزيز الرفاعي ( )1934-1871ومن المعاصرين:
محمد أوزجاي.
خـط الثلـث
من أروع الخطوط العربية منظراً وجماالً ،وأصعبها كتابة وإتقاناً ،سواء من حيث
الحرف أ ْو من حيث التركيب ،كما أنه أصل الخطوط العربية ،والميزان الذي يوزن
لم يتقن خط الثلث ،فمن أتقنه أتقن به إبداع الخطاط .وال يعتبر الخطاط فناناً ما ْ
غيره بسهولة ويسر ،ومن لم يتقنه ال يعد بغيره خطاطاً ،مهما أجاد .ويمتاز عن غيره
بكثرة المرونة؛ إ ْذ تتعدد أشكال معظم الحروف فيه .لذلك يمكن كتابة جملة واحدة
عدة مرات بأشكال مختلفة ،ويطمس أحياناً شكل الميم للتجميل ،ويقل استعمال
هذا النوع في كتابة المصاحف ،ويقتصر على العناوين وبعض اآليات والجمل لصعوبة
كتابته ،وألنه يأخذ وقتاً طوي ً
ال في الكتابة.
يعتبر "ابن مقلة" المتوفى 328هـ ،واضع قواعد هذا الخط من نقط ومقاييس وأبعاد،
وله فضل السبق عن غيره ،ومن جاءوا بعده أصبحوا عياالً عليه؛ فقد جاء "ابن البواب علي
وهذبه ،وأجاد فيبن هالل البغدادي" المتوفى سنة 413هـ ،فأرسى قواعد هذا الخط َّ
تراكيبه ،لكنه لم يتدخل في القواعد التي ذكرها ابن مقلة ،فبقيت ثابتة إلى اليوم.
- 48 -
ومن أشهر الخطاطين المعاصرين الذين أبدعوا في خط الثلث :هاشم محمد
البغدادي ،مصطفى راقم ،حمد الله األماسي ،سامي أفندي ،حامد األمدي ،الشيخ
محمد عبد العزيز الرفاعي ،محمد حسني ،وسيد إبراهيم ،ومحمد إبراهيم ،سعد
حداد ،ومسعد خضير البورسعيدى ،وحسن جلبي ،محمد أوزجاي ،داود بكتاش،
وعثمان أوزجاي .ومحمد شوقي أفندي.
عائلة خط الثلث( :خط التوقيع ،خط اإلجازة ،خط الرقاع ،خط المسلسل ،خط
المحقق ،خط الريحان،خط التاج .شجرة خط القلقشندي ،خط الرقعة والسياقة ،خط
التعليق ،خط نسخ تعليق ،خط ديواني ،خط ديواني جلي ،خط الشكستة ،الخطوط
التفننية :الخط المثنى ،خط المعمى).
خـط الرقعـة
سم َي بذلك؛ نسبة إلى "الرقاع" وهو جلد الغزال ،وضع قواعده الخطاط العثماني:
ِّ
ممتاز بك ،وأنشئ في دواوين الخالفة العثمانية لتوحيد خط الكتابة بين موظفي الدولة،
ويعتبر "الرقعة" خط الكتابة اليومية ،كما أن له أساليب متعارف عليها ،منها :أسلوب
تركي ومصري أو تجارى .كما أنه يعتبر عند معلمي الخط ،هو الخط األول للمتعلم.
- 49 -
1.1الخط الديواين املرسل :وله عدة مدارس ،هي( :البغدادية ـ المصرية ـ التركية)،
وكل من هذه المدارس لها قواعدها الخاصة بها .ويمتاز بإمكانية كتابة الحرف
الواحد على عدة أشكال مختلفة ،لكن على قواعد محددة.
2.2الخط الديواين الجيل :يمتاز بالليونة وسهولة المد والشد ،ويكثر فيه الزخارف،
معين ،فل ُِيونَة الخط
شكل ٍلذا يستخدم حين يريد الخطاط عمل لوحة على ٍ
تساعد على ملء الشكل المحدد ،والزخارف تعمل على ملء الفراغات
الصغيرة لتحديد الشكل بطريقة أدق.
الخـط املغربـي
هو نوع من خطوط األبجدية العربية ،ينتشر استخدامه في بلدان شمال إفريقيا
وغيرها ،وموطنه عموم بالد المغرب العربي والسودان الغربي (غرب إفريقيا وجنوب
الصحراء الكبرى) ،كما استخدم سابقاً في األندلس.
الخـط الفارسـي
ظهر هذا الخط في بالد فارس في القرن السابع الهجري ،ويسمى (خط التعليق)
وهو خط جميل تمتاز حروفه بالدقة واالمتداد .كما يمتاز بسهولته ووضوحه وانعدام
التعقيد فيه .وال يتحمل التشكيل ،رغم اختالفه مع خط الرقعة.
كما يعد من أجمل الخطوط التي لها طابع خاص ،إ ْذ يتميز بالرشاقة في حروفه،
فتبدو وكأنها تنحدر في اتجاه واحد ،وتزيد من جماله الخطوط اللينة والمدورة فيه،
ألنها أطوع في الرسم وأكثر مرونة ،السيما إذا رسمت بدقة وأناقة وحسن توزيع،
الخطاط في استعماله إلى الزخرفة للوصول إلى القوة في التعبير باإلفادةوقد يعمد َّ
ال عن رشاقة الرسم ،فقد يربط الفنان بين حروف الكلمة من التقويسات والدوائر ،فض ً
الواحدة والكلمتين ليصل إلى تأليف إطار أو خطوط منحنية وملتفة يظهر فيها
عبقريته في الخيال واإلبداع.
كان اإليرانيون قبل اإلسالم يكتبون بالخط (البهلوي) فلما اعتنقوا اإلسالم،
أهملوه ،وكتبوا بالخط العربي ،وقد طور اإليرانيون هذا الخط ،فاقتبسوا له من
جماليات خط النسخ ما جعله سلس القياد ،جميل المنظر ،لم يسبقهم إلى رسم
حروفه أحد ،وقد وضع أصوله وأبعاده الخطاط البارع مير علي الهراوي التبريزي
المتوفى سنة 919هـ.
- 50 -
ونتيجة النهماك اإليرانيين في فن الخط الفارسي الذي احتضنوه واختصوا به،
مر بأطوار مختلفة ،ازداد تجذراً وأصالة ،واخترعوا منه خطوطاً أخرى مأخوذة
فقد َّ
عنه ،مثل :
1.1خط الشكستة :اخترعوه من خطي التعليق والديواني .وفي هذا الخط شيء
من صعوبة القراءة ،لذلك بقي محصوراً في إيران ،ولم يكتب به أحد من
خطاطي العرب أو ينتشر بينهم.
2.2الخط الفارسي المتناظر :كتبوا به اآليات واألشعار ِ
والحكم ،بحيث ينطبق
آخر حرف في الكلمة األولى مع آخر حرف في الكلمة األخيرة ،وكأنهم
يطوون الصفحة من الوسط ويطبعونها على يسارها .ويسمى (خط المرآة
الفارسي).
3.3الخط الفارسي المختزل :كتب به الخطاطون اإليرانيون اللوحات التي تتشابه
حروف كلماتها بحيث يقرأ الحرف الواحد بأكثر من كلمة ،ويقوم بأكثر من
دوره في كتابة الحروف األخرى ،ويكتب عوضاً عنها .وفي هذا الخط صعوبة
كبيرة للخطاط والقارئ على السواء.
4.4ومن وجوه تطور الخط الفارسي (التعليق) مع خط النسخ ،أن ابتدعوا منهما
خط التعليق وهو فارسي أيضا .وقد برع الخطاط عماد الدين الشيرازي
الحسني في هذا الخط وفاق به غيره ،ووضع له قاعدة جميلة ،تعرف عند
الخطاطين باسمه ،وهي (قاعدة عماد).
وكان أشهر من كان يكتبه بعد الخطاطين اإليرانيين :محمد هاشم الخطاط
البغدادي ،ومحمد بدوي الديراني بدمشق ،ولكن يبقي السبق للخطاطين اإليرانيين
بال منازع.
خـط الطغـرى
"الطغرة" أو الطغراء" أو الطغرى ،هو شكل جميل يكتب بخط الثلث على شكل
مخصوص .وأصلها عالمة سلطانية تكتب في األوامر السلطانية ،أو على النقود اإلسالمية
أو غيرها ،ويذكر فيها اسم السلطان أو لقبه .قال طه البستاني" :واتخذه السالطين
والوالة من الترك والعجم والتتر ،حفاظاً ألختامهم ،وقد يستعيض السالطين عن الختم
برسم الطغراء السلطانية على البراءات والمنشورات ،ولها دواوين مخصوصة ،على أن
- 51 -
الطغراء في الغالب ال تطبع طبعاًْ ،
بل ترسم وتكتب ،وطبعها على المصكوكات كان
يقوم مقام رسم الملوك عند اإلفرنج".
وقيل :إن أصل كلمة "طغراء" كلمة تترية ،تحتوى على اسم السلطان الحاكم
ولقبه ،وإن أول من استعملها السلطان العثماني مراد األول .ويروى في أصل الطغراء
قصة مفادها أنها شعار قديم لطائر أسطوري مقدس كان يقدسه سالطين األوغور
الترك ،وأن كتابة طغراء جاءت بمعني ظل جناح ذلك الطائر.
وقد اختلطت بهذه الرواية قصة طريفة للطغراء ونشوئها عند العثمانيين ،وهي
أنه َّلما توترت العالقات بين السلطان المغولي "تيمور لنك" حفيد "جنكيزخان" ،وبين
السلطان "با يزيد" ابن مراد األول العثماني ،أرسل تيمور لنك إنذاراً للسلطان بايزيد
يهدده بإعالن الحرب ،ووقع ذلك اإلنذار ببصمة كفه ملطخة بالدم .وقد طورت هذه
البصمة فيما بعد واتخذت لكتابة الطغروات بالشكل البدائي الذي كتبه العثمانيون.
وأقدم ما وصل إلينا من نماذج شبيهة بالطغروات ،ما كان ليستعمل في المكاتبات
باسم السلطان المملوكي الناصر حسن بن السلطان محمد بن قالوون 752هـ ..وقد
أدى كتابة االسم على شكل الطغراء إلى التصرف في قواعد الخط .ويكون "الطغراء"
في الغالب مزيجاً من خط الديواني وخط الثلث.
دونت معارف العربية المشهورة ،والتي هي اثنا
بهذه الخطوط (الخطوط العربية) ِّ
عشر علماً ،على النحو التالي :
( )1النحو )2( .الصرف )3( .العروض )4( .القافية )5( .اللغة )6( .القرض)7( .
اإلنشاء )8( .الخط )9( .البيان )10( .المعاني )11( .المحاضرة )12( .االشتقاق.
( )13اآلداب.
وقد جمعها الناظم في بيتين ،فقال :
وبعدها لغـة قـرض وإنشــــاء نحو ورصف عروض ثم قافيــــة
واالشتقاق لهــا اآلداب أسمــــاء خط بيان معانٍ مع محاضـــرة
- 52 -
خريطـة العربيـة
ُعد (العربيـة) أكثر اللغات السامية انتشاراً في العالم .وبالنسبة للمسلمين هي
ت ُّ
ُعد أيضاً لغة الشعائر لعدد كبير من الكنائس المسيحية
مصدر التشريع في اإلسالم ،وت ُّ
في الوطن العربي ،مثل كنائس الروم األرثوذكس ،والروم الكاثوليك ،والسريان ،وبعض
الكنائس البروتستانتية ،كما ُكتِبت بها الكثير من األعمال الدينية والفكرية اليهودية
في العصور الوسطى .وقد بلغ عدد الذين يتحدثون العربية حوالي 700مليون نسمة،
يتوزعون في الوطن العربي ،باإلضافة إلى العديد من المناطق األخرى المجاورة؛
كاألهواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإريتريا ،فض ً
ال عن الجاليات العربية في أوربا
وأميركا(((.
بل فتح الباب واسعاً أماموقد ساعد (القرآن) على حفظ هذه اللغة واالرتقاء بهاْ .
كل األجناس واألعراق ،لتحمل شرف االنتِماء إلى هذا اللسان المبين ،فتسابَق أبناء ِّ
ممن عاشوا في كنف اإلمبراطورية اإلسالمية ،إلى إجادة الشعوب والحضارات األخرى َّ
وضع أسس قواعد مختلف العلوم العربية وشار ُكوا في ْ
العربية ،والتسابُق في اإلبداع بهاَ ،
واإلسالمية بها ،وأصبحت أسماؤهم رمو ًزا با ِرزة في مختلف فروع المعرفة ،أمثال:
(سيبويه) في النحو ،و(الجرجاني) في البالغة ،و(البخاري) في الحديث ،و(الزمخشري)
لكي تتجا َوز الجنس العربي إلىفي التفسير ،وهكذا اتَّسع مفهوم (العربية) وثقافتهاْ ،
ثقافة اإلمبراطورية اإلسالمية التي لم تق َت ِصر فقط على علوم اللغة ِّ
والدين؛ وإنما
العلمية اإلنسانية في الطب والجراحة ،والرياضيات َّ امتد ْت من خالل اللغة إلى الثقافة
َّ
والجبر ،والفلك والصيدلة ،وظلَّت ترجمات الكتب العربية لألعالم مثل :ابن سينا،
حيان ،وابن الهيثم ،وابن النفيس ،وغيرهم؛ تُشا ِرك في تمثيل والزهراوي ،وجابر بن َّ
انطال ًقا من
العلمية في الجامعات األوروبية حتى وقت ليس بالبعيدِ ، َّ كتب المعرفة
الحية للعلوم.
اتِّساع المفهوم ،وثراء العربية ،واستخدامها في المجاالت َّ
ُمثِّل نموذج اللغة التي
وتوسعها أن ت َ وقد استطاعت «العربية» في ف ْترة ِ
انطالقِها ُّ
استعار ْت حرو َفها
َ المثقفون من غير أبنائها ،على أن يتحلَّوا بمعرفتهاْ ،
بل يح ِرص َّ
((( العربية لغة الوحي والوحدة ،محمد عبد الشافي القوصي ،وزارة اإلعالم ،الرياض2001 ،م.
- 53 -
لكي تكتب بها كلماتها ،ومن خاصة اللغات اإلسالميةْ ، كثير من اللغات األخرىَّ ،ٌ
بينها :الفارسية في إيران وأفغانستان ،واألوردية في الهند وباكستان ،اللتان كانتا -وما
إسالمية أخرى كانت تكتب بالحرف َّ العربية ،لكن لغات
َّ تزاالن -تُك َتبان بالحروف
المح َكم ُلم َ
حاربة العربية في القرن العربي وتخلَّت عن ذلك الحرف؛ نتيج ًة للتخطيط ُ
غيرت حروفها إلى الالتينية بعد مقدمة هذه اللغات :التركية التي َّ
العشرين ،وفي ِّ
سقوط الخالفة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية األولى ،وتب َع ْتها في ذلك اللغات
َقاسم النفوذ عليها
اإلسالمية في منطقة تركستان ،والتي ت َ
َّ المن َت ِشرة في سهول آسيا
الصين واالتِّحاد السوفيتي السابق بعد الحرب العالمية ،وعملوا على إزالة الحرف
اإلفريقية التي كانت
َّ العربي وتحريم الكتابة به ،كما حدث الشيء ذاته في اللغات
تُك َتب بالحروف العربية ،وعلى رأسها :اللغة السواحلية في شرق إفريقيا ،والتي ظلَّت
تُك َتب بحروف عربية حتى عام 1964م ،حينما صدر قرار بإزالة الحروف العربية ووضع
وحدث ذلك في اللغات اإلسالمية في غرب إفريقيا. الالتينية مكانهاَ .
فظهرت َص ْيحات
ْ تمتد إلى ِ
داخل اللغة العربية ذاتها؛ ولقد حا َولت تلك الحرب أن َّ
منذ أوائل القرن العشرين ،تدعونا إلى أن نكتب -نحن ً
أيضا -لغتنا العربية بحروف
زحف الحروف الالتينية على المؤسسات والشوارع في كثي ٍر من
التينية .وما زلنا نرى ْ
المدن العربية.
ُ
وإن منزلتها بين اللغات صور ٌة
«إن غلبة اللغة بغلبة أهلهاَّ ،
يقول ابن خلدونَّ :
لمنزلة دولتها بين األمم» .فاللغة تحيا وتنتعش بانتعاش الذهنية التي تصدر عنها،
–أي
أن يعرف حالة األمة ّ وتمرض وتموت بموت الكيان الصادرة عنه» .ومن يريد ْ
أمة -فلينظر إلى حالة لغتها من القوة والضعف ،واالنتشار والخمول .لذا؛ فالعربية في
حالة (مد وجزر) مستمرة.
ال؛ قبل نزول (القرآن) كانت العربية حبيسة جزيرة العرب ،لكن نزول الوحي فمث ً
بها؛ منحها أهمية كبرى ،وأكسبها أرضاً جديدة ،وصارت لغ ًة لبال ٍد وممالك وأقوام جدد.
وأثرت فيها تأثيراً قوياً ،ولم
ْ فاختلطت في (األندلس) باللهجات اإلسبانية،
شكلت أيضاً بعض (المدن تكن إسبانيا المنفذ الوحيد لولوج العربية إلى أوروباْ ،
بل َّ
اإليطالية) قنطر ًة أ ْو وسيطاً من خالل عربية صقلية والبندقية وجنوا.
كما توغلت حتى (الصحراء الكبرى وشرق إفريقيا) مخلِّفة تراثاً كبيراً هناك.
فقد قام التوسع اإلسالمي بمد نفوذه بمحاذاة (السافانا) وقد أطلق العرب على هذه
- 54 -
المنطقة ،اسم «بالد السودان» .وكانت هذه الشعوب تتكلم لغة (الهوسا) المتضمنة
لمجموعة من الكلمات المقترضة من العربية .كما أقام العرب على (الساحل الشرقي
للقارة اإلفريقية) عالقات تجارية مع سكان هذه الشعوب المتجمعين في منطقة
الصومال والموزمبيق ،والمتكلمين لغات البانتو.
أيضاً ،انبثق تراث ساحلي في (زنزيبار) نتيجة التالقح الثقافي بين كل من
العربية والسواحلية في القرن الثاني عشر الميالدي ،ليحل محلها التأثير اإلنجليزي
ٳبان فترة االستعمار.
لكن سرعان ما عادت «العربية» لغة رسمية بعد استقالل المنطقة عام 1964م.
في حين ظلت «العربية» في كل من (كينيا ،وتنزانيا) مرتبطة بالتعليم القرآني .وقد
شهدت السنوات األخيرة نزوعاً قوياً نحو العربية لدى سكان هذه المناطق؛ بغية ٳحاللها
محل اإلنجليزية ،ترتب على ذلك عملية دمج عالية ،صاحبها اقتراض لغوي من العربية.
َّأما في (ٳيـران) فقد ارتبطت العربية بنزعة سياسية ،ٳ ْذ احتلت مكانة رفيعة بعد
ثم انحسرت لظروف سياسية ،وصار دورها محصوراً في كونها لغة القرآن.الفتح اإلسالميَّ ،
بأن «الفارسية» تقترب كثيراً من «العربية»؛ ألنها تكتب بالخط العربي ،وتتضمنعِلماً َّ
وإن كانت الفارسية قد طورت نظامها ال من الكلمات المقترضة من العربيةْ .عدداً هائ ً
الخاص بها؛ مثل اندماج مجموعة من األصوات في صوت واحد (الثاء والشين والسين)
باتت تنطق (سينا) .كما تستخدم توليفات مصحوبة بضمائر المفعول في التركيب
الصوتي للفعل العربي مع احتوائها للفعل الفارسي (كردن).
وفي (تركيـا) تعاقب كل من (العربية ،والفارسية ،والتركية) وذلك ابتدا ًء من الفتح
اإلسالمي مروراً بالخالفة العثمانية وانتها ًء بالجمهورية التركية .لكن «العربية» احتفظت
الدين والقرآن الكريم ،حتى بعدما أصبح موقفها ضعيفاً. بميزتها األساس في كونها لغة ِّ
أن اقترضت كل من العثمانية والتركية عدداً كبيراً من الكلمات العربية٬ وقد سبق ْ
تجلى في استخدام صيغ الجمع ،والتغييرات المركبة من كلمات عربية األصل.
وفي (شبه القارة الهنديـة) ساعدت تجارة المسلمين على نسج عالقات بين الهند
والعالم اإلسالمي ،ٳ ْذ كانت لغة األوردو –المتضمنة للعديد من الكلمات الفارسية–
هي لغة التواصل بين المسلمين والهندوس تحت حكم «الغزنويين» .لكن االحتالل
اإلنجليزي أحدث اضطراباً أسفر عن استخدام «األوردو» للحروف العربية–الفارسية
باعتبارها لغة رسمية في باكستان.
- 55 -
وبعد انفصال باكستان؛ استخدمت الهند اللغة بأسلوب مغاير؛ الهندي بخط
(ديفاناجارى).
وعندما بدأت الصالت بين شرق آسيا والعالم اإلسالمي في القرن التاسع عشر
الميالدي كانت اللغة «المالوية» لغة كل من (شبه جزيرة الماليو وإندونيسيا) .فلم
ٳال أنها استطاعت أن تؤثر في تستطع العربية احتالل مكانة رفيعة بهذه المناطقَّ ،
الوضع اللغوي لكونها لغة القرآن .السيما أن «إندونيسيا» أكبر معاقل المسلمين
خارج العالم العربي ،فاحتلت العربية مكانة رفيعة باعتبارها لغة الدين اإلسالمي .لذا؛
ال من الكلمات العربية.تضم اإلندونيسية عدداً هائ ً
ُعد الجيوب اللغوية عنصراً مهماً في دراسة االتصال اللغوي ،لكونها لم تتعرض
وت ُّ
لضغوط العربية الفصحى رغم وجودها بالعالم العربي ،باستثناء «المالطية»؛ التي تضم
مزيجاً من اللغات ،وذلك ابتداء من الفتح اإلسالمي عام 256هـ مروراً بغزو النرميين
سنة 445هـ ،انتهاء بحلول اإلنجليزية محل اإليطالية سنة 1814م.
وقد أدى الكم المتدفق من الكلمات على المالطية إلى تغيير في البنية الصرفية
لهذه اللغة .كذلك هناك اندماج عدد من الصوامت من أصل عربي ٬حيث حلَّت القاف
محل الهمزة ،واختفى كل من العين والغين والهاء.
ٳلى جانب المالطية؛ نجد عربية (موارنة قبرص) ،وهم أقلية في قرية «كورماكيتي»
شمال غرب قبرص .ويرجع تاريخ دخول العرب لها في القرنين التاسع والعاشر الميالديين.
الحضريتين
ْ اللهجتين
ْ وتتضمن عربية قبرص ،سمات كثيرة مشتركة مع كل من
السورية والعراقية .كما تتميز هذه اللغة ببعض الخصوصيات ،مثل :
أوالً :تطوير األصوات االنفجارية العربية ،ويرجع ذلك ٳلى تأثير اليونانية.
ثانيا :تخفيض عدد الصيغ الصرفية :عدد صيغ جمع االسم.
ثالثا :وجود كلمات يونانية مقترضة تمتد إلى المجاالت الرسمية.
كذلك؛ ظلت العربية في (األناضـول) ـ تركيا ـ حاضرة رغم تعاقب كل من السالجقة
والعثمانيين.
وتقسم اللهجات العربية هناك ٳلى خمس مجموعات :مجموعة ديار بكر ،ومجموعة
َّ
مردين ،ومجموعة سيرت ،ومجموعة كوزلوك ،ومجموعة ساسون.
- 56 -
وتوجد بين هذه المجموعات تباينات عدة ،تخص النواحي الصرفية والصوتية
مع وجود تجديدات لغوية مهمة .كما تتضمن لهجات األناضول العربية عدة كلمات
مقترضة من التركية والكردية بشكل يجعلها مميزة لهذه اللهجات.
َّأما في (أوزبكستان وأفغانستان) ففيهما عربية قريبة من اللهجات العراقية
للعربيتين؛ ٳلى غزوات «تيمور لنك» في
ْ الحضرية ،ويرجع العلماء األصول العرقية
القرن الثامن الهجري .فقد جلبها معه من قبيلة قريش .لذا نرى تلك الجماعات تفتخر
بأصلها العرقي.
وتختلف اللغتان في احتفاظ األفغانية بصوتي (الحاء والعين) اللذيْن اختفيا من
ولما كانت هذه األخيرة ذات جذور متفرعة من اللهجة العراقية الحضرية، األوزبكيةَّ .
فقد عكست الكثير من سماتها ،رغم أنها قد طورت نظامها الخاص بها مثل مخالفة
ترتيب الجملة العربية ،إ ْذ نجد (مفعول -فاعل -فعل) مع اختفاء أداة التعريف الموجودة
بالعربية الفصحى.
وهناك كذلك اسم (كريول) الذي يطلق على اللهجة التي خضعت لعملية تهجين
-يوظف في التواصل -نحو لغة ثانية لغوي ٬عبر االنتقال من نمط لغوي مبسط َّ
عد «الكريول»
مساعدة على التواصل اكتسبت صفة اللغة األم بفعل تعاقب األجيال .ويُ ُّ
المستخدم حالياً في كل من (جنوب السودان ،وكينيا ،وأوغندا) ،عربية مهجنة
اكتسبت في معسكرات الجيش المصري بالسودان .وقد انبثقت منها لغة ستحتل
قريباً مرتبة اللغة األم ،هي (عربية جوبا) التي قلَّصت من نظامها الصوتي باختفاء
مجموعة من األصوات مثل الحاء والعين مع دمج األصوات المفخمة في نظيرتها غير
تفرق بين صيغ المفرد والجمع ،كما اقترضت كلمات أجنبية المفخمة .غير أنها ال ِّ
من اإلنجليزية والبانتو من الناحية المعجمية.
وال ننسى الهجرات العربية باتجاه (أوروبا وأميركا) وما صاحب ذلك من تحوالت
لغوية لدى المهاجرين .ويمكن التمييز بين نوعين من الهجرة إلى الغرب:
األوىل :هجرات اللبنانيين نحو أميركا في بداية القرن التاسع عشر الميالدي؛
اللذين ينتمون لطبقات متعلِّمة ،ومنهم أدباء وشعراء َّ
وكتاب.
الثانية :هجرات المغاربة (من دول المغرب العربي) من أصول بربرية باتجاه
أوروبا ،ومعظمهم عمال ،وحرفيين.
- 57 -
وقد تركت «اللغة الثانية» إشكالية ،اصطدم به المهاجرون ،أدت ٳلى تحول لغوي
مس األبناء .وقد تمثل هذا التحول في تغيير على مستوى النظام الصوتي ،مع تغييرَّ
أ ْو خلط شفرة الخطاب ،أ ْو فقدان اللغة األصلية في بعض األحيان.
أن حكومات (المهجر) قد منحت أهمية لهذه األقليات ،بنهج وجدير بالذكر؛ َّ
أن سياسة تعليمية تراعي خصوصية لغتهم األصلية في كل من السويد وهولنداَّ ،
ٳال َّ
هذه السياسات وجدت صعوبات ٬لكون المتعلمين المنحدرين من أصول مغاربية
كثير منهم من «البربر» ،يصعب معهم تحديد النوع المستخدم في عملية التعليم.
تقصي مسار العربية في المهجر لتداخل مجموعة من العوامل ،منها
كما يصعب ّ
ما هو ديني ،وما هو ثقافي ،وما هو سياسي أيديولوجي.
الخالصـة؛ (العربية) ذات تأثير ملحوظ في كل األزمنة واألمكنة التي ّ
تحل بها،
و(العرب) لهم بصمة واضحة عند اتصالهم بالشعوب األخرى ،وقد أدى هذا االحتكاك
بل أيضاً في بنيتها الصرفية
ٳلى التأثير القوي ،ليس فقط في مفردات تلك اللغاتْ ،
النحوية.
المرجح أن
َّ ألن كثيراً من اللغات المعاصرة آيلة للسقوط واالندثار؛ فمن
ونظراً َّ
تحل (العربية) محلها ،وترث عروشها ،وتبسط لسانها الطاهر مكانها.
أن تستجمع «العربية» ُقواها لمواجهة متطلَّبات الحاضر والمستقبل لكن بشرط ْ
وأن تقوم بدورها الحقيقي في المحافظة على ال ُهويَّة،
في المجال المعرفي والحضاريْ ،
المهددة َّ
بالض َياع في ظل تصارع الحضارات .فهل أنتم فاعلون؟. َّ واستِعادة مالمِحها
- 58 -
مزايا لغة الضاد
إذا كانت اللهجات واللغات تحتاج إلى ذِكر مناقبها ،واإلشادة بمكانتها ،والترويج
فإن (العربيـة) ال تحتاج إلى شيء من ذلك ،بعدما َّ
تخط ْت اليابس والماء، لمكاسبهاَّ ،
وشهد لها األكابر من غير أهلها ،وقد خصصنا لتلك الشهادات مبحثاً مستق ً
ال في أواخر
هذا الكتاب.
حسب العربية؛ أنها نزلت بها آخر رساالت السماء وأكملها ،فضمن لها الحفظ
والخلود األبدي﴿ ِإنَّا ن َْح ُن نَ َّز ْل َنا ِّ
الذك َْر َو ِإنَّا َلهُ َل َح ِافظُ َ
ون ﴾ [الحجر.]9 :
أن (القرآن) رسالة عالمية؛ فمن المنتظر في هذه الرسالة أن تحملوكما هو معلومَّ ،
وأن يحتاج غيرها إليها وال تحتاج
أسمى المعاني في أوجز الكلمات وأوضح وأدق المعانيْ ،
ألن هذه الرسالة باقية إلى آخر الدهر. وأن تكون صالحة ِّ
لكل زمان ومكان؛ َّ إلى غيرهاْ ،
علمية أثب َتتها ُ
األ َمم هذه ميزات ال تتوفر في أيَّة لغ ٍة أخرى ،وهذه حقيقة َّ
أصدرت بيانًا بعدد اللغات التي ماتت خالل القرن العشرين ،واللغات
ْ المتحدة؛ حيث
المتوقع موتها في القرن الحادي والعشرين ،ومن بينها :العربية .لكن الله –سبحانه-
قيض جامعة «برمنجهام »Bermenghamالبريطانية؛ ل ُتثبِت خطأ هذا ُّ
التوقع؛ حيث َّ
أن «العربيـة» لغة خالدة.
أثب َتت َّ
بعده تنقرض حددت -تلك الجامعة -للُّغات الكبرى في العالَم ً
عمرا محد ًدا َ ْ
بل َّ
هذه اللغات ،فكان من بينها «اللغة اإلنجليزية» التي ستموت في خالل قرن ونصف
(((
من الزمان ،و«اللغة الفرنسية» التي ستموت خالل ثالثة أرباع قرن.
لذلك؛ سارعت بعض الدول الكبرى؛ تُ َقيد تاريخها باللغة العربية ،ومنها الواليات
يدل على ثَبات (العربية) وتماسكها وتفكك اللغات المتحدة األمريكية ،وروسيا؛ وهذا ُّ
جميع اللغات تحوي أسباب فنائها َّ
إال العربية؛ َ أن
األخرى .فقد أثبتت ذات الجامعة َّ
تؤدي إلى اندثار اللغات وزوالها. فإنها خالية من ِّ
كل اآلفات التي ِّ
((( فضائل لغة القرآن ،حسن محمد فؤاد ،بحث غير منشور.
- 59 -
مميزات (لغة الضـاد) ،مع مقارنة هذه الميزات مع
في هذا الصدد؛ سنعرض ِّ
أي اللغات حاز من أسباب التفاضل والتكامل
بعض اللغات العالمية الشهيرة ،لنرى ّ
على األخرى.
(التـرادف)
ُ امليزة الثانيـة:
وهذه ميزة ُمترتِّبة على سابقتها ونتيجة لها ،فما هو الترادف؟
«الترادف» هو التتابُع .أ ْو داللة عدد من الكلمات المختلفة على معنى واحد؛ مثل:
- 60 -
(الحزن) :الغم ،الغمة ،األسى ،والشجن ،الترح ،ال َو ْجد ،الكآبة ،الجزع ،األسف،
اللهفة ،الحسرة ،الجوى ،الحرقة ،واللوعة.
تام ،إنما المترادفات تش َت ِرك في معنى عام ،ثم
وليس في اللغة العربية ترادف ٌّ
كل مفردة عن األخرى بزيادة معنى ليس في غيرها. تختص ُّ
ُّ
وهنا تظهر بالغة العربية؛ فهي لُغة دقيقة في تعبيراتها ،ال ِّ
تعبر بمعنى فضفاض
كلمات كثيرة إليصال المعنى؛ ْ
بل الكلمة الواحدة تحمل ٍ ثم هي ال تحتاج إلىالداللةَّ ،
معاني كثيرة.
- 61 -
ابن خالويه كتابًا في «أسماء األسد» ،وكتابًا في «أسماء الحية» ،ذكر أمثلة من ذلك
سماه« :ترقيق
أور َدها صاحب «القاموس» في كتابه الذي َّ
اسماَ ،
«العسل» له ثمانون ً
األسل لتصفيق العسل».
البتة أوصاف السيف واألسد والرمح وغير«ومما ال يُمكِن نقلهَّ ،
يقول ابن فارسَّ :
فأما
أن العجم ال تَع ِرف لألسد أسماء غير واحدَّ ، ٌ
ومعروف َّ ذلك من األسماء المترادفة،
(((
نحن فنخرج له خمسين ومائة اسم».
ويقول ً
أيضا« :حدثني أحمد بن بندار قال :سمعت أبا عبد الله بن خالويه
وللحية مائتين».
َّ جمعت لألسد خمسمائة اسم،
ُ الهمذاني ،يقول:
ِ
المعاصرين .قال الدكتور قرره جميع علماء اللغة
صرح به ابن فارس؛ يُ ِّ
وهذا الذي َّ
جمع المفردات العربية
«إن البروفيسور دو هامر َ De Hammer علي عبد الواحد وافي َّ :
فتجاوزت أكثر من خمسة آالف وستمائة وأربع وأربعين».
ْ المت ِصلة بالجمل وشؤونه،
َّ
العربية أنها أوسع أخواتها السامية
َّ أهم ما تَمتاز به
أن من ِّ
ويقرر «علـي وافـي» َّ
ِّ
ثرو ًة في أصول الكلمات والمفردات؛ فهي تش َتمِل على جميع األصول التي تش َتمِل
بأصول كثيرة اح َت َ
فظ ْت بها من ٍ عليها أخواتها السامية أو على معظمها ،وتزيد عليها
اللسان السامي األول ،وأنَّه تجمع فيها من المفردات في مختلف أنواع الكلمة؛ اسمها
وفعلها وحرفها ،ومن المترادفات؛ في األسماء والصفات واألفعال .ما لم يجتمع مثله
(((
بل يندر وجود مثله في لُغة من لغات العالم».
للغة سامية أخرى؛ ْ
- 62 -
امليزة اخلامسة ِ :
(علـم العـروض)
الشعر العربي .يقول ابن فارس« :ثم للعرب
ُعرف أوزان ِّوهو العلم الذي به ت َ
عرف صحيحه من سقيمه». الشعر ،وبه يُ َ
ال َع ُروض الذي هو ميزان ِّ
وقد أشار كثير من المستشرقين إلى اختِصاص العربية بعلم ال َع ُروض ،فقال
المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون في ٍ
بحث له بعنوان «مقام الثقافة العربية
فإن الفكر السامي لَم يَ ِصل إلى
«وأما في علوم اللغة؛ َّ
بالنسبة إلى المدنية العالمية»َّ :
علم العروض َّ
إال عند العرب».
الموسيقية للغة العربية» في
َّ وقد أفاض «عباس العقاد» في بحث «الخاصية
الشعر في الشاعرة؛ اللغة التي بُنِيت على نسق ِّ كتابه «اللغة الشاعرة» ،وهو يَعنِي باللغة َّ
فن منظوم ُم َن َّسق األوزان واألصوات ،ال أصوله الفنية والموسيقية؛ فهي في جملتها ٌّ
لم يكن من كالم الشعراء .وهذه الخاصية الشعر في كال ٍم تألَّفت منه ،ول ْو ْ
تنفصل عن ِّ
تركيب حروفها على ِح َدةٍ ،إلى تركيب مفرداتها على ِح َدةٍ، العربية ظاهر ٌة من ْ
في اللغة َّ
إلى تركيب قواعدها وعباراتها «إلى تركيب أعاريضها وتفعيالتها في بنية القصيد».
- 63 -
وسعي فيٍ التحدي ،بفضل ما بثَّه اإلسالم في العرب من رغب ٍة في المعرفة، ِّ لهذا
طلبها ،وطموح وع ْزم ،وتخطيط وتنفيذ ،وتعاون مع غير العرب من أبناء الشعوب
طويل حتى نقلت العربية َّ
كل ٍ وقت
مض ٌ العا ِر َفة باللغات األجنبية واللغة العربيةْ ،
فلم يَ ِ
يمضولم ِ فهماْ ،
بعد أن يتمثَّلوها ً ما وجدت عند هذه ُ
األ َمم إليها ،فاس َتطاع أبناؤها ُ
المفكرون وال ُعلَماء
شاركوا في اإلنتاج واالبتِكار ،فصار ما ك َت َبه هؤالء ِّ
وقت طويل حتى َ
ِر نبراسا اس َتضاءت به شعوب العالم ،ال يس َت ِطيع أن يُنكِر ذلك َّ
إال ُمنك ٌ منذ القرن الثالث ً
(((
وتطوره الحضاري».
ِر لتاريخ اإلنسان ُّ لعقلهُ ،منك ٌ
بل ظلَّتتنخ ِرط اللغة في غيرها من اللغات؛ ْ
فلم َ
التحدي الكبيرْ ،
ِّ ومع هذا
متماسكة ال تذوب في غيرها من اللغاتْ ،
بل يذوب غيرها فيها. ِ محافِظة على ُهويَّتها،
أجل .تميزت العربية بالثبات ،وهذا الثبات ال يَعنِي الجمود وعدم التطور ،فهي
لكل عصر ومصر ،من خالل لكل زمان ومكانِّ ،طيعة صالحة ِّ متطورة في إطا ٍر ثابتِّ ،
أُ ُطر وقواعد تحفظ عليها رونقها وأصولها .لذلك لم يطلها ما طال اللغات األخرى من
تطو ًرا نشأ عنه مراحل من اللغة ال يف َهم
تطو ِرها ُّ
تطور أدى في النهاية إلى اندِثارها ،أو ُّ
المتعددة،
ِّ اندثَرت اللغة الالتينية ،ونشأ عنها اللغات األوربية
الالحق منها السابق ،فقد َ
وتطورت اللغة اإلنجليزية ،فصار َمن يدرس اإلنجليزية الحديثة ال يف َهم اإلنجليزية َّ
الوسيطة ،فاحتاج دا ِرس اإلنجليزية إلى ترجمة روايات شكسبير َليف َهمهاَّ ،أما العرب
بل يشعرون به ويعيشون مشاعر ِب منذ عشرات القرون ويفهمونهْ ، فهم يقرؤون ما ُكت َ
قائِلِه َّ
األول.
وتغي؟.
لكن؛ ملاذا لَم تتبدَّ ل العربية ،يف حني تبدَّ ل غريها َّ
تؤدي إلى
كل اللغات تَح ِوي صفات ذاتية فيهاِّ ، أن َّأثب َت ْت جامعة «برمنجهام» َّ
عمرا كعمر اإلنسان من الطفولة أن ِّ
لكل لغ ٍة ً ير ْون َّ
تطورها وتغيرها عبر األزمان؛ ألنهم َ
أن «العربية» خالية من هذه األسباب؛ ألنها تحوي أثبتوا َّ
إلى الكهولة ثم الموت ،وقد َ
نفسها من داخلها ل ُت ِ
ناسب العصر والتجديد. ُجدد َ ِسمات تجعلها ت ِّ
اآلليات التي
هذه المميزات ،هي :االشتِقاق والترا ُدف والتعريب .وغيرها من َّ
حدثات ،مع احتفاظها
والم َ
ُناسب العصر ُجدد َخالياها حتى ت ِ تستخدمها العربية ل ُت ِّ
ُبأ ُصولها وألفاظها وقواعدها ،فهي لُغة األدب والعلم والحضارة.
((( من كلمته التي ألقاها بمناسبة حصوله على جائزة فيصل العالمية ،في الرياض ،ذو الحجة 1425هـ.
- 64 -
حرة َم ِرنَ ٌه .يقول «عباس العقاد» في مقدمة كتاب ومع هذا الثبات ،فهي لغة َّ
إن اللغة العربية بقيت ألنها لغة القرآن، كثيراَّ :
«الصحاح»؛ لألستاذ العطار« :ولقد قيل ً
ألن اإلسالم دين
وهو قول صحيح ال ريب فيه ،ولكن القرآن الكريم إنما أبقى اللغة؛ َّ
اإلنسانية قاطبة ،وليس بالدين المقصور على شعب أو قبيل ،وقد ماتت العبرية وهي لغة
دينية أو لغة كتاب يَدِين به قومه ،ولم تمت العبرية إ َّال ألنها فقدت المرونة التي تجعلها
الضيقة بحيث وضعها أبناؤها منذ قرون». العصبية ِّ
َّ لغة إنسانية ،وتُخ ِرجها من حظيرة
- 65 -
األملانيـة الفرنسيـة اإلنجليزيـة العربيـة
Die unterhaltung Les divertissement entertainment تسلية
Der vater Le pere Father أب
Die mutter La mere Mother أم
Der Gross vater Le grand-pere Grand-father جد
Die Gross mutter La grand-mere Grand-mother جدة
Der Bruder Le frère brother أخ
Die schwester La soeur Sister أخت
- 66 -
المراد».
والمقصود باإليجاز هنا ،أنه« :ما يستغني عن زوائد الكالم ،ويحتفظ بالمعنى ُ
تتحمل
وحساسة ،ال َّ
حد هذه اللغة رقيقة َّ تبين لنا بجال ٍء إلى ِّ
أي ٍّ وهذه القاعدة ِّ
وسنقسم
ِّ غير المعنى.
العربية يُ ِّ
َّ المفِيدة ،وال تقبل حش ًوا ،فالحرف في
الزيادات غير ُ
اإليجاز إلى ثالثة أقسام :
والجمل).
(إيجاز في الحروف -إيجاز في الكلمات -إيجاز في التراكيب ُ
أوالً :اإليجـاز يف الحـروف :
حي ًزا في الكتابة،
.أتُك َتب الحركات في العربية فوق الحرف أ ْو تحته ،فال تأخذ ِّ
بينما في اللغات األجنبية تأخذ حج ًما يُسا ِوي حجم الحرف أ ْو يَ ِزيد عليه ،وقد
نحتاج في اللغة األجنبية إلى حرفين مقابل حرف واحد في العربية ألداء صوت
ُم َع َّين؛ كالخاء ( )KHمث ً
ال ،وال نكتب من الحروف العربية إ َّال ما نحتاج إليه.
ُسميها (الشدة)، العربية إشارات وعالمات تُ َع ِّزز هذا اإليجاز؛ منها :إشارة ن ِّ .بوفي َّ
أي :إنَّه في النطق مشدد؛ ْ مكرر أ ْو َّ
أن الحرف َّ لندل على َّ نضعها فوق الحرف َّ
المكرر في
َّ أن الحرف مكر ًرا ،في حين َّ حرفان ،وبذلك نس َتغنِي عن كتابته َّ
أيضا في الكتابة ،مثل )flapper( (:و(�recom مكرر ًالنطق في اللغة األجنبية َّ ُّ
العربية قد نس َتغنِي باإل ْدغام عن كتابة حروف بكاملها، َّ ،)mendationوفي
وقد نلجأ إلى حذف حروف ،فنقول ونكتبَ ( :ع َّم) ِع َو ًضا عن (عن ما) ،و(م َّ
ِم)
ِم) ِع َو ًضا عن (لِما).ِم) ِع َو ًضا عن (بما) ،ومثلها (ل َ ِع َو ًضا عن (من ما) ،و(ب َ
مت ِصلة بالكلمة ،واالتِّصال في .جأداة التعريف التي نس َتعمِلها هي (أل) ،وتكتب َّ
الكتابة أسهل وأ ْوفر وق ًتاَّ ،أما التنكير فيكون بعدم وجود (أل) ،وفيه مزيد
فالعربية تس َتثمِر انعِدام األداة كما تس َتثمِر وجودها. َّ اختصار،
ثان ًيا :اإليجـاز يف الكلامت :
نتوسل بها إلقامة المعاني ،فنقول( :أنا ٌ
أفعال ُمساعِدة َّ .أليس في العربية
سعيد ،وهو يكتب) مباشرة ،والفعل قد يس َتتِر فاعله فال يُك َتب ،وقد َّيت ِصل
ضميرا.
ً بالفعل نفسه فيكون
شكل ُجمل ًة واحدةً ،نف َهم منها الفعل .بالحرف الواحد في بعض األحيان يُ ِّ
فإن هذا الحرف إنما هو ُجملة، (ف)َّ ، والفاعل والمفعول؛ مثال ذلك قولناِ :
خاطب وهو الفاعل هنا ،ليفعل هذا العمل وهو الوفاء. للم َ
وجه ُأمر ُم َّ
فيها ٌ
- 67 -
نوع من أنواع اإليجاز؛ فبالحركة نس َت ِطيع التفريق بين أيضا هي ٌ .جالحركات ً
كـ«فرح» االسم ،و« َف ِر َح» الفعل ،وبين نوعين من أنواعَ الكلمات المختلفة؛
فعل معلوم الفاعل االسم؛ كـ«ف ِرح» صيغة المبالغة ،و« َف َرح» المصدر ،وبين ٍ
وآخر مجهول الفاعل « ُكتِب» ،وإذا ترجمنا هذه الكلمات إلى أيَّة لغ ٍة
« َك َتب» َ
من لغات العالَم؛ سنجد أنَّنا نحتاج إلى أكثر من كلم ٍة ال كلمة واحدة ،أو إلى
عطي نفس المعنى الذي أفا َدتْه الكلمة العربية كلم ٍة وبها لواحق أو سوابق ل ُت ِ
الواحدة التي ال تحتاج إضافة كلمات ،إنما هي الحركة على الحرف ،وحسب.
.دفي العربية قد نس َتغنِي بحر َف ْين عن كلمات كاملة؛ ففي حالة (التثنية)،
فالعربية ليست كاللغات التي تُهمِل حالة التثنية لتنتقل من المفرد إلى
الجمع ،وتكون التثنية بإضافة حر َف ْين إلى المفرد ليصبح مثنى (الباب -
البد في الفرنسية واإلنجليزية من ذِكر
البابان -البابين) ،على حين أنه َّ
العدد مع ذكر الكلمة وذِكر عالمة الجمع بعد الكلمة ،فنقول في الفرنسية:
( ،)Les deux portesونقول في اإلنجليزية (.)the tow doors
وفي (إضافة الضمائر) نكتفي في العربية بإضافة الضمير إلى الكلمة،
وكأنه جزء منها ،فنقول ( :كتابه) و(منزلهم) ،على حين تقول في الفرنسية:
( )son livreو(.)leur maison
نضيف حركة فيكفِي في العربية أن ِ
َّأما في (إضافة الشيء إلى غيره)َ ،
آخر المضاف إليه ،فنقول( :كتاب التلميذِ)، ً
بسيطا إلى ِ أي :صوتًا
إعرابية؛ ْ
خاصة لذلك،
و(مدرسة التالميذِ) ،على حين تستعمل في الفرنسية أدوات َّ
فنقول )le livre de eleve( :و(.)lecole des eleves
وفي (اإلسناد) يكفي في العربية أن تذكر المسند والمسند إليه ،وتترك
تصل بينهما بال رابطة ملفوظة أولعالقة اإلسناد العقلية والمنطقية أن َ
أن ذلك ال َّ
يتحقق في الفرنسية سعيد) ،على حين ٌَّ مكتوبة ،فتقول مث ً
ال ( :أنا
مما يُساعِد على الربط ،فتقول )je sui heureux( :
والبد لك فيهما َّ
واإلنجليزيةَّ ،
و( ،)I am happyوتستعمل هاتان اللغتان لذلك طائفة من األفعال المساعدة؛
مثل etre( :ـ )avoirفي الفرنسية ،و( to haveو )to beفي اإلنجليزية.
.هالفعل في العربية يمتاز باستِتار الفاعل فيه حي ًنا ،وكونه جز ًءا منه حي ًنا
مقد ًرا الفاعل المستتر ،وتقول ( :كتبت، آخر؛ تقول ( :أكتب ،وتكتب) ِّ َ
حرف من حروفه ،فال نحتاج وكتبنا ،وكتبوا) ،ف َت ِصل الفاعل بالفعل وكأنَّه ٌ
- 68 -
(nous - البدء به منفص ً
ال مقد ًما على الفعل كما هو األمر في الفرنسية: إلى ْ
،)tu - il- jeوفي اإلنجليزية (.)I - you - they
ُغير حركة بعضالعربية أن ت ِّ
َّ وكذلك عند (البناء للمجهول) يكفي في
ِبُ ،ق ِر َئ) ،في حين تقول في الفرنسية مث ً
الa ete( : حروفه ،فتقولُ ( :كت َ
،)ecritوفي اإلنجليزية (.)it was read
وفي العربية كلمات يصعب ترجمتها أ ْو التعبير عن معناها إ َّال في ُج َمل
كاملة؛ مثل :
اإلنجليزية العربية
- 70 -
عدة ميزات ،نذ ُكر منها على
الالتينية من أسباب صعوبتهاَّ ،أما هو في العربية فله َّ
سبيل اإليجاز :
1.1اإلعراب دليل التخفيف واإلبانة عن المعاني بسهولة ويُسر.
2.2اإلعراب وسيل ٌة من وسائل اإلبداع والبالغة؛ فبه نس َت ِطيع التقديم والتأخير
أن هذا
يختل المعنى أو يل َتبِس طالما َُّّ بالمتقدم وإبرا ًزا له ،وال
ِّ اهتما ًما
خاضع لقواعد النحو. التقديم ِ
ضرب من ضروب اإليجاز في اللغة؛ ألنَّنا بالحركات نك َت ِسب
ٌ 3.3اإلعراب هو
نضطر لزيادة حجم الكلمة أو رفدها بمقاطع أخرى َّ معاني جديدة دون أن
أو بأفعال مساعدة.
والتفنن في
ُّ للعربية قدر ًة هائلة في التعبير عن المعاني
َّ 4.4اإلعراب يُتِيح
وتصر ًفا في بناء التراكيب.
ُّ األساليب ،وتجعلها أكثر مرون ًة
الج َمل في العربية ال يبين معناها َّ
إال باإلعراب. وكثير من ُ
ٌ 5.5اإلبانة عن المعاني،
ومحمد؟
ٌ كيف أنت
ومحمدا؟
ً كيف أنت
الص َّحة ،وتكون اإلجابة مث ً
ال :أنا ِر ْفع محمد معناها السؤال عن الحال أ ْو ِّفب َ
إن عالقتنا جيدة.ومحمد بخيرَّ ،أما بالنصب فالسؤال عن العالقة ،وتكون اإلجابةَّ :
مثـال ثان :
كم رج ًَ
ال عندك قال الحق؟
رجل عندك قال الحق.
كم ٍ
رجل عندك حق؟ كم ٌ
الحق.
معين َّ
فاألولى للسؤال ،والثانية لإلخبار بالكثرة ،والثالثة تعني :كم قال رجل َّ
تاما :
تغييرا ًّ
ً يبين َ
خطر اإلعراب في تغْيير المعنى مثـال ثالـث ِّ :
الله َو َر ُسو ِل ِه ِإ َل ال َّن ِاس سمع أحد األعراب قارئًا يقرأ قول الله تعالىَ ﴿ :وأَ َذ ٌ
ان ِم َن ِ
أ
� ِك ي ن َ
� َو َر ُسو ُلهُ ﴾ [التوبة .]3 : ش
يَ ْو َم ا ْل َح ِّج ْالَك ب َ ِْ� أَ َّن اللهَ بَ ِري ٌء ِم َن ا ْل ُم ْ ِ
فقرأها بكسر كلمة ﴿ رسولِه ﴾ ،والصحيح أنها مرفوع ٌة ،فقال األعرابي :أبَ ِرأَ الله
من رسوله؟.
- 71 -
«إن من العلوم
الخاصية الخصيصة في لغة العرب ،فقالَّ :
َّ وقد َّبين ابن فارس هذه
اإلعراب؛ الذي هو الفارق بين المعاني المتكافئة
َ اختصت بها العرب
َّ الجليلة التي
تعجب منفاعل من مفعول ،وال مضاف من منصوب ،وال ُّ في اللفظ ،ولواله ما ميز ٌ
(((
استفهام ،وال صدر من مصدر ،وال نعت من توكيد».
رجل رأيت) ،في الخبر يُراد به وتقول ( :كم رج ً
ال رأيت؟) في االستخبار ،و(كم ٍ
التكثير.
مهمة إلى دور الحركات عمو ًما في التمييز
وفي هذا الكالم من ابن فارس؛ إشارة َّ
أيضا على مستوى بين المعاني المختلفة ،ليس فقط على مستوى اإلعراب ،ولكن ً
البنية المفردة.
اإلعرابية ،وما ُّ
تدل َّ أن اإلعراب ُّ
يدل على المعاني بقرينة الحركة سبق؛ َّ
يتضح مما َ
عليه هذه الحركة وما تفيده.
ليست هذه فقط مزايا «لغة الضاد»؛ فهذا قليل من كثير؛ مما ذكره علماء اللغة
ترك كله).
درك كله ،ال يُ َ
وفقهاؤها .ولكن حسبنا القاعدة التي تقول( :ما ال يُ َ
- 72 -
خصائص العربية
خص (أبو حيان التوحيدي) العرب بالثناء ،وتكلمفي كتابه "اإلمتاع واملؤانسة" َّ
أي منها "نصوععن اللغة العربية ،فقال :إنه استعرض غيرها من اللغات فلم يجد في ّ
العربية ،أعني الفرج التي في كلماتها ،والفضاء الذي نجده بين حروفها ،والمسافة التي
بين مخارجها ."...
أن تدريس "العربية" لغير الناطقين بها أيسر من تدريس وقد الحظ التربويون؛ َّ
أن كل"اإلنجليزية" كلغة ثانية ،وتتمثل هذه السهولة بالنسبة للعربية في حقيقة َّ
وألن القراءة والكتابة هما أهم ما يميز
حرف يُنطق يُكتب ،وكل حرف يُكتب يُنطقَّ ،
فإن إتقان غير العربي لهذه اللغة الجديدة -والتي تختلف تماماً عن
المتعلم عن األميَّ ،
اللغات الالتينية المنتشرة ـ ربما يكون أسهل وأكثر منطقية للمتعلم الذي يستطيع
إجادة هاتين المهارتين في وقت قصير قياساً بغيرها من اللغات .ونظراً لكثرة خصائص
(العربية)؛ فسنكتفي باإلشارة إلى بعضها :
لغـة فخيمـة
فيها من الحروف الفخيمة ما ال يوجد في غيرها ،وكل حروفها وأصواتها واضحة
صريحة ،فال تسمع كلمة إ َّال سمعت كل حروفها ،وتبينت كل أصواتها ،لكن كثيراً من
حروف اللغات األوروبية صامتة أو خفية ،والحركات عديدة منها خالصة ومنها بين وبين.
أيضاً؛ نجد في العربية حروفاً حلقية ،ال تجدها في غيرها من اللغات ،فما السر
في ذلك؟.
السر؛ أنه َّلما كانت األمة العربية عريقة في البداوة وحياة الصحاري؛ كانت حلوقها
بل إن األصوات التي تخرج من أعماق الحلق؛ قوية تقدر على إخراج تلك األصواتْ ،
تدل على أن األمة التي تنطق بها شديدة التأثر ،حادة الطبع ،ال تطيق الهمس
بل تميل إلى الصراحة والوضوح ،وال تتكلم َّ
إال عن تأثر ،وأنها تعني ما تقول. والغمغمةْ ،
وقد كان في بعض اللغات األوروبية مثل هذه األصوات ،ولكنها لم تلبث أن ماتت فيها،
وربما ماتت بعض الحروف األخرى ،فال يتكلم الناس بها إال همساًْ .
بل إن العرب أنفسهم
- 73 -
في دور انحطاطهم هذاَّ ،لينوا القاف فجعلوها همزة ،وحذفوا العين من بعض كلماتهم ،مثل
ألن حلوقهم ضعفت بسبب تمدنهم ،فصارت «إسا» – هذه الساعة ،و«لِسا» – لهذه الساعةَّ ،
بل استبدلوا بالحركات القصيرة في بعض الكلمات حركات طويلة تستثقل هذه األصواتْ .
الرتخاء في نفوسهمَ « ،ف ُق ْم» يلفظونها« :أوم»ْ ،
و«قل» يلفظونها «أول» ..الخ.
لغـة إجيـاز
يتضح ذلك في إعرابها ،وغِنى حروفها ،وغِنى أفعالها ،وحركاتها ،على النحو التالي:
أوالً :لغة إعرابية ،فتغيير حركة آخر الكلمة يغني عن تغيير ترتيب الجملة أو
زيادة بعض حروف أو كلمات ،ويؤدي المعنى المراد على أوضح صورة ...الخ.
بل هي أرقى اللغات في االشتقاق ،فنقل الكلمة من وزن إلى وزن ثانياً :لغة اشتقاقيةْ ،
آخر يفيد معنى جديداً ،قد ال يؤدى في لغة أخرى إ َّال بعدة كلمات مساعدة.
ثالثاً :لغة غنية في أفعالها؛ فلكل معنى لفظ خاص حتى أشباه المعاني أ ْو فروعها
وجزيئاتها ،على حين نجد اللغات األخرى قليلة األفعال ،فبدالً من أن
بلفظتين أ ْو أكثر ،وال سيما اللغة
ْ تؤدي المعنى بلفظ واحد خاص به ،تؤديه
اإلنجليزية؛ فهي تلجأ في كثير من المعاني إلى استعمال الصفة مع فعل
«صار» أو «حصل» أو «أحس» .ثم َّلما كان لكل شخص عالمة خصوصية
تدخل على الفعل أو تلحق به مثل التاء في «ضربت» ،والهمزة في
«أضرب» ،فكيفما استعملت الفعل فال يقع التباس .لكن اللغات األوروبية
تضطر لدفع هذه االلتباس؛ بتغيير التركيب ،واستعمال كلمات أخرى ،مما
ال يتسع المجال هنا لبيانه.
رابعاً :لغة غنية في حروفها؛ ففيها من حروف الجر والنفي والنداء واالستفهام
على كثرة ما تتضمنه من المعاني واالعتبارات ما ال تضاهيها فيه لغة أخرى.
خامساً :أنها تحتمل اإلضمار والتقدير والتقديم والتأخير والحذف أكثر من غيرها.
لهذه األسباب وغيرها؛ امتازت «العربية» بإيجازها ،وال يظهر فقط في ألفاظها
بل في خطها بل في قراءتها ،إ ْذ تتصل الكلمات ويأخذ بعضها برقاب بعضْ ،وتراكيبهاْ ،
وألن العرب
ألن الحروف االبتدائية والوسطى صغيرة الحجم دقيقة الشكلَّ .
وكتابتها ،وذلك؛ َّ
يلغون الحركات القصيرة؛ ألنها في اعتبارهم مفهومة ال حاجة إلى كتابتها ..لذلك يظهر
اإليجاز في أمثالهم وأشعارهم وخطبهم وسائر أدبياتهم ،فهم يكرهون التطويل الممل.
- 74 -
لغـة شاعـرة
أوالً :لكثرة استعمال المجاز والكناية واالستعارات واإلشارات والتشبيه ،وهذا
مألوف فيها ـ حتى في اللغة العامية ـ مثل قولهم فالن «مبسوط اليد»
أي مضياف ..الخ.
أي بخيل ،و«كثير الرماد» ْأي كريم ،و«مقبوض اليد» ْ ْ
الشاعر بها ذرعاً.
ثانياً :ألنها كثيرة المترادفات ،فال يضيق َّ
ثالثاً :ألنها كثيرة التراكيب اإلعرابية ،فإذا تعذر اإلتيان بهذا التركيب جيء بغيره،
فموقع الكلمة في الجملة يظهر َّإما بعالمات اإلعراب ،أو الترتيب ،أو القرينة
على خالف اللغات األخرى ،إ ْذ تعتمد على بيان موقع الكلمة في الجملة
على الترتيب فقط.
رابعاً :ألن ألفاظها تختلف بين الفخامة والرقة ،بحيث يستطيع العربي أن يختار
لكل مقام من األلفاظ ما يناسبه ..الخ.
خامساً :لو قابلنا كثيراً من مفرداتها بمثلها في لغات أخرى؛ لظهر أنها أنسب
للمعنى ،وأوضح للفكر ،وأطوع إلظهار أعمق التأثرات.
أي لغة كانت ،إ ْذ يسهل
فلفظة «ال» النافية أنسب من كل أدوات النفي في ّ
مد الصوت ،والصفات فيها التي تجيء على وزن فاعل ،مثل( :واسع ،وغافر، معها ّ
طاهر ،كامل) أ ْو على وزن فعيل أ ْو فعول ،مثل( :كبير ،عظيم ،عليم ،سميع ،أ ْو
صبور ،غفور ،شكور) أطوع للتعبير عن أعمق التأثرات لِما فيها من الحركات
الطويلة ،الخ.
المشددة العميقة ال تعادلها كلمة أخرى
ّ فمث ً
ال؛ كلمة (حـق) بحائها وقافها
والبد أن الناطق بهذه اللفظة يشعر بالحق
أي لغة في الداللة على معناهاَّ ، من ّ
بل لها تأثير في السامع ،بحيث تصل إلى أعماقأكثر من غيره ،ليس ذلك فقطْ ،
قلبه ،وتحدث في نفسه هزة.
إن هذه اللفظة وكلمة (حـب) ال تعادلها كلمة أخرى في جمالها وقوتهاْ ،
بل َّ
تكاد تشم منها رائحة الحب؛ ألنها تخرج من أعماق القلب مصحوبة بنفس
الحب ،وحق العرب أن يفاخروا بهذه الكلمة؛ ألنها تدل على أن الحب عندهم
من القلب وليس من الشفاه .وليس أجمل من ضم هذه الحاء وإطباق الشفتين
المشددة مما يستشف منه الحزم والثبات.
ّ على بائها
- 75 -
وكلمة (مرحبـاً) هذه اللفظة الجميلة بميمها ورائها وحائها وبائها وتنوينها
وحركات الفتح فيها؛ كأنها قطعة موسيقية يتبادلها الناس.
سادساً :إذا نظرنا في اللغة العربية من جهة الحركات؛ لرأينا لها مزية على غيرها؛
فحركاتها ثالث( :الضم والفتح والخفض) ومعلوم أن الضم أفخم الحركات،
والفتح أخفها ،والخفض أثقلها ،فاللغة التي يكثر فيها صوت الكسر ثقيلة
مستكرهة.
وإذا استقرينا ألفاظ العربية ،ومواطن الضم والفتح والخفض اإلعرابية فيها،
لرأينا الخفض أقلها ،والفتح أكثرها؛ وهذا مما يكسبها جماالً ورشاقة ،ويصدق
معه القول« :إنها لغة شـاعرة».
لغـة ِ
معجـزة :
يتبين مدى إعجازها في أنه يتعذر نقل الكثير من ألفاظها؛ السيما التي وردت
(الدين ،أُمة ،الساعة ،الوالء،في القرآن وتعبيراته إلى اللغات األخرى ،فكلمات مثلِّ :
ض هذا األدنىَ ،ق َد َم
آية ،اإلحسان ،التقوى ،إمامَّ ،أواب ،عاكفين ،سنستدرجهمَ ،ع َر َ
أن َّ
تقطع قلوبهم ،التي جعل الله لكم قياماً ،قوالً ِصدق ،وأُملي لهمَ ،
أنزل سكينتهَّ ،
إال ْ
معروفاً .)....كل هذه األلفاظ وغيرها ،أعجزت العرب أن يأتوا بمثلها ،فأنَّى للغات غير
أن تأتي بمثلها؟.
العربية ْ
ُترجم في االنجليزية بـ signوشتان بين معنى هذه وتلك، فمث ً
ال لفظة (آيـة) ت َ
ظاللها.إن لفظة (آيـة) لفظة معجزة بنفسها ،توحي باإلعجاز ،والسم ّو الذي ال
َّ وبين
يُبلَغ.
معاني وظالالً ممتدة غنية نديَّة ،تعجز عنها الترجمة
َ وكلمة (من أنفسكم) تحمل
اإلنجليزية ( .)From you
و(أزواجاً لتسكنوا إليها) مليئة بالظالل التي ال تبلغها الترجمة اإلنجليزية ( Mates
.)dwell in tranquility with them
كذلك؛ كلمة (السكن) ومشتقاتها ،غنية المعاني والظالل .وكلمة (الرحمة) نجدها
تترجم حيناً ( )Mercyوحيناً آخر ( ،)Kindnessولكن كلمة (الرحمة) تظل أغنى
معنى ،وأوقع جرساً.
- 76 -
َّأما كلمة (التقوى) وما يشتق منها ،مثل :المتقون ،اتقوا؛ فإنها تحمل من المعاني
والظالل ما ال يمكن حصره بجمل وشروح في اللغات األخرى.
لذلك؛ لجأ بعض المترجمين الستخدام الكلمة العربية ذاتها عند الترجمة ،أ ْو
وضع شرح لمعنى الكلمة العربية ،بدل استخدام لفظة محددة.
لغـة مع ِّبـرة
تظهر قدرتها على التعبير عن الشيء في أكمل صوره وأدقها ،بما تعجز عنه سائر
آن واحد.
اللغات األخرى ،لدرجة أننا نرى تطابق المبنى والمعنى في ٍ
يص َّعد ف ي� السماء).
انظر لكلمات مثل( :فك ُِبكبوا فيها هم والغاوون) أ ْو (كأنَّما َّ
أي
فالكلمات طابقت المعنى ،أ ْو الحالة المراد التعبير عنها .وهذا ما ليس له نظير في ّ
لغة أخرى.
في مقال بعنوان "العيد يف الدِّ ين ويف اللغة" ،لعباس العقاد ـ قال فيه" :في سياق
هذا المقال ،نُتابِع النظر في مزايا العربية ،يتفق لنا أن نذكر مزيَّ ًة لهذه اللغة في كلمة
بأخص معانيه ،وهي ِّ فإن تسمي َة العيد بهذا االسم تدل
(العيـد) بلفظها ومعناها؛ َّ
فيد في أسماء العيد بأكثر اللغات، ٌ
مدلول ُم ٌ والتعييد ،وليس لهذه الخاصية اإلعادة َّ
فبعض أسمائه باللغات األوربية تدل على معنى الوليمة ،ووفرة الطعام ،وبعض أسمائه
خواص العيد ،التيِّ تدل على اليوم الديني ،أو يوم البِطالة (ال ُعطلة) ،وليست هذه من
ينفرد بها بين سائر األيام .وبعض أسمائه الحديثة تُقابل كلمة (السنوية) ،أ ْو (المئوية)،
احتفال بعينه ،يجوز أن يكون يوماً واحداً ال يُعا ُد إليه ،ويجوز أن يكونٍ وتصدق على
الحدادَّ .أما كلمة العيد بصيغتها من غير األعياد ،ألنه من ذِكرى الكوارث ،أ ْو ذكرى ِ
أدل من تلك األسماء جميعاً على خاصته ومعناه". في العربية ،فهي ُّ
- 77 -
ولكن ما هي "الوقفة"
الوقوف على عرفات ومناسك الحج فريضة من فرائض هذا العيدْ ،
ٍ
منسك من ُس ِّمي آخر رمضان يوم وقفة ،وال وقوف فيه على
قبل عيد الفِطر؟ .ولماذا ن َ
مناسك الصيام أو اإلفطار؟».
درس مفيد
«إن وقفة رمضان هنا ُمستعارة من وقفة ذي الحجة ،وفيها لنا ٌ َّ
من دروس اللغة ،نتعلم منه الشيء الكثير عن أسرار وضع الكلمات ،أ ْو نتعلم منه
صطلح عليه ،ثم َّ
يتكفل الم َ
كفاية القليل من المناسبات إلطالق الكلمة على المعنى ُ
المستعار ،بغير سؤال».
االصطالح بالبقية ،ف ُتصبح الكلمة مفهومة متدا َولة على معناها ُ
"العقـاد" تأثُّر المسيحيين بالمسلمين فيما يتعلق باألعياد والمصطلحات
ويلحظ َّ
المتعلقة بها ،فيقول" :إننا سمعنا من بعض إخواننا المسيحيين من يُطلق اسم (الوقفة)
اكتسبت معنى اليوم الذي يسبق العيد ،حيث
ْ على اليوم السابق لعيد القيامة؛ ألنها
(((
وانفصلت عن معناها األصلي كل االنفصال".
ْ كان،
أجل ،إنها (لغة الضاد) التي تميزت بالجمال ،والوضوح ،والدقة في التعبير عن
المعاني .ولقد تحددت مصطلحاتها اللغوية؛ حتى ال يختلط الكالم ،واستقرت أحكام
اإلسالم وتشريعاته على قواعد راسخة .حتى يتمايز كالم الله ،وحتى تستقيم دالالته.
ومما يؤكد هذه الحقيقة المهمة؛ أنه عندما يُنقل القرآن إلى لغة أخرى غير
فإن المعاني ال تُستو َفى كما هي مستوفاة باللغة العربيةَّ ،
وإن َ البيان المعجز، العربيةَّ ،
الذي تحدى به اإلنس والجن؛ قد يفقد كثيراً من خصائصه عن الترجمة .وال ينبغي
لبعض ظهيرا.
ٍ أن تأتي بمثله ،ول ْو كان بعضها
لسائر اللغات ْ
(( ( جريدة (األخبار) القاهرية ،اليوميات ،عباس محمود العقاد1961 ،م .وجمعت هذه المقاالت في كتاب من ثالثة
أجزاء بعنوان (اليوميات) نشرت بعد وفاة الكاتب .وللعقاد كتاب بعنوان (اللغة الشاعرة).
- 78 -
ثورات النحو العريب
معان وظالل وجرس ٍ امتازت (لغة الضاد) بألفاظها وكلماتها وما تحمل من
ينضم معنى إلى معنىٍّ ،
وظل إلى ظل، ُّ موسيقي ،وامتازت ببنائها وصياغتها ،حين
وجرس إلى جرس .لتبلغ الصياغة أعلى درجاتها من الجمال الفني َّ
األخاذ ،وامتازت ٍ
ـ أيضاً ـ بقواعدها ،بنحوها وصرفها ،تميزاً ظاهراً ،تبدو فيه دقة المنطق والتناسق
والترابط ،ال تختلف عن دقة علوم الرياضيات.
أي لغة مجال لالشتقاق كما يوجد في العربية ..فالفعل الثالثي يأخذ
فال يوجد في ّ
حوالي عشرة أشكال بالمزيدات الرباعية والخماسية والسداسية ،هذا بخالف اشتقاق
المصدر ،واسم الفاعل ،واسم المفعول ،والصفة المشبهة ،وصيغة المبالغة ،وغير ذلك.
أن وضع علم النحو والصرف ،وتقعيد القواعد ،إنما كان في الحقيقة، جدير ِّ
بالذكر؛ َّ
ال إلى حماية األلفاظ والدالالت القرآنية ،وضبطها بمعهود العرب في الخطاب، سبي ً
حيث نزل بلسان عربي مبين ،حتى ال يكون إسالم أصحاب اللغات األخرى سبي ً
ال
إلى التيه الداللي واالصطالحي ،حتى إِ َّن كثيراً من علماء اللغة ،كـ«ابن هشام»
عندما ُطلب إليه أن يضع لتالمذته كتاباً في تفسير القرآن ،وضع لهم كتاب« :مغني
اللبيب عن كتب األعاريب» لضبط دالالت األلفاظ ،واألدوات ،ومعانيها ،حتى يدرك
المصطلح القرآني ،بكل احتماالته ،وكانت معظم شواهده ،واستدالالته من النص
القرآني ،والبيان النبوي ،وكالم العرب من حقبة السالمة اللغوية.
المجددين على مدار تاريخ لغة الضاد ما تقدمِّ لكن ،ال ننسى أنه لوال جهود
النحو العربي خطوة إلى األمام ،وال امتازت المدارس النحوية العربية على الصعيد
العلمي العالمي في ارتقائها واستيعابها لمظاهر القوة والضعف فيما حولها من لغات،
ولما اعترف أساتذة الدرس اللغوي المقارن في الجامعات الغربية بمواءمة النحو العربي
للتجديد والتطور والنمو والقابلية للتفاعل مع مستجدات الحياة والتاريخ كافة.
وقد تحدث الباحث عبد الله جاد الكريم((( عن مدى تغلغل ثورات التحديث في
«يعد كتاب «سيبويه» أول وأهم
النحو العربي منذ ماقبل اإلسالم وإلى اآلن ،فقال ُّ :
عمل حداثي بالنسبة للدرس النحوي ،ألنه عمل غير مسبوق في منهجه».
((( الدرس النحوي يف القرن العرشين ،عبد الله جاد الكريم ،مكتبة اآلداب ،القاهرة.
- 79 -
فشخصية «سيبويه» كانت مبدعة في تأطيرها للنحو على منهجية جديدة،
ظهرت في ابتداع بعض القواعد ،وفي ترتيب الكتاب حاوياً عناصر الفن كلها ،وتبويبه،
وحسن التعليل للقواعد ،وجودة الترجيح عند االختالف ،واستخراج الفروع من القياس
الذي امتأل به الكتاب .فكتاب سيبويه -على حد وصف بعض النحاة القدماء ـ «أصبح
النحو منطق العربية بمجيء سيبويه».
وتأتي المحطة الثانية المكملة لسيبويه ،وهي ثورة األندلسي ابن مضاء القرطبي
(ت 592هـ) في كتابه (الرد عىل النحاة) الذين وصفهم بالتقليديين ،فقد رفض أن
يستمر الدرس النحوي لثالثة قرون مرتكزاً على مجموعة من القواعد التي نالت درجة
التقديس عند كثير منهم ،وكانت ثورة ابن مضاء دعوة باكرة إلعادة النظر في منهج
النحو العربي ،وقد استوحى آراءه النحوية الجديدة من المذهب الظاهري في الفقه.
بل يطالب بتجريد النحو من الشوائب، وهو ال يدعو إلى هدم النحو ونسف الماضيْ ،
رأيت النحويين -رحمة الله عليهم -قد وتخليصه من صناعة النحاة ،فيقول« :إني ُ
وضعوا صناعة النحو لحفظ الكالم من اللحن ،وصيانته من التغيير فبلغوا الغاية التي
أ ّموا ،وانتهوا إلى المطلوب الذي ابتغوا».
لكن معاصري ابن مضاء ومن جاءوا بعدهم؛ لم يكترثوا بآرائه التجديدية ،فقد
استمر الغالة في الصناعة النحوية القديمة؛ إلى أن قام الدكتور شوقي ضيف بتحقيق
هذا الكتاب عام 1947م ،وأصدر من بعده كتابه (تجديد النحو).
ومن سمات النحو العربي قدرته على اإلفادة من اللغات األخرى ،واألخذ بما
يرفده بالحيوية والتطور والنمو ،في تفاعل حضاري بين الشرق والغرب منذ القديم.
ويرى الدكتور إبراهيم مدكور أنه :من الثابت أن كتب أرسطو المنطقية كانت
معروفة لدى السريان ،وقد تُرجمت إلى لغتهم قبل اإلسالم .والمهم أنها تُرجمت
إلى اللغة العربية منذ النصف األول من القرن الثاني الهجري .فهي إذن ثروة جديدة
نُقلت إلى العالم العربي .ومن أقدم األمثلة على تأثير السريانية على العربية ،األبجدية
النبطية ،نشأة الحركات اإلعرابية في فجر اإلسالم ،والتي يُنسب وضعها إلى أبي
األسود الدؤلي ،وهي في الحقيقة مأخوذة عن السريان؛ ألن طريقة الشكل بالنقط
إحدى طرق الشكل السرياني ،وهي الطريقة التي اتبعها النساطرة.
وقد أثّرت العربية بدورها في غيرها من اللغات نحوياً ،حيث تعترف دائرة المعارف
قوي بعامل
بأن «الحافز لدراسة الفلوجي العبري قد َ اليهودية في مادة (َّ )GRAMAR
- 80 -
خارجي ،وبالتحديد بالمثال الذي قدمته اللغة العربية .وقد استمرت العربية تؤثر على
علم اللغة العبري ،وكان النموذج العربي هو الذي احتذاه العبرانيون ،ثم ُطور».
وذكر المستشرق لويس ماسينيون مدى تأثير النحو العربي في اللغات األوربية،
خاصة في المجاالت العلمية ،فقال« :والعربية من أنقى اللغات؛ فقد تفردت بتميزها
ال في في طرق التعبير العلمي والفني والصوفي ،فالتعبير العلمي الذي كان مستعم ً
القرون الوسطى لم يتناوله القدم؛ ولكنه وقف أمام تقدم القوى المادية فلم يتطورَّ .أما
المعبرة عن المعاني الجدلية والنفسانية والصوفية؛ فإنها لم تحتفظ بقيمتهااأللفاظ ِّ
ُنشطه؛ بفضل مرونة النحو العربي بل تستطيع أن تؤثر في الفكر الغربي وت ّ فحسبْ ،
وإدهاشه اإلبداعي المتواصل ،أخذاً وعطا ًء ،على طريق التحديث في بنيتها القادرة
على التعاطي مع اللسانيات الغربية والشرقية».
كما أثّر النحو العربي في أكبر عقلية لغوية غربية في الربع األخير من القرن
العشرين ،وفي أبرز مدرسة لغوية حداثية؛ عقلية العالِم األمريكي اليهودي نعوم
أقر بالحق العربي وبمكانة العربية ،وقد تزعم الدراسات اللغويةتشومسكي حيث َّ
وكو َن نظرية جديدة قلبت الفكر اللغوي رأساً على عقب ،وقد ن ّوه تشومسكي
المعاصرةَّ ،
-في معرض رده على سؤال ُو ّجه إليه عام1989م ـ بأن تأثيرات النحو العربي كبيرة
على نظريته في دراسة اللغة ،وأنه قرأ كتاب سيبويه كمرجع له.
«النحـو القرآنـي» هو الحـل
هناك رأي يقول :إن علماء اللغة؛ منذ أن قاموا بالتنظير والتقعيد ،لم يستطيعوا
«الشعر الجاهلي» ،متجاهلين
الشعرية ،السيما الموروثة من ِّ الخروج من دائرة الشواهد ِّ
أساس ،ومصدر رئيس في التقعيد ألصول العربية .إ ْذ حصروا ٍ «القرآن الكريم» كرافد
أن «كتاب الله» هو الذي ارتقىجهودهم في تتبع لهجات القبائل العربيةُ ،متناسين َّ
وأمدها بشرايين النمو والتجدد
ِن لها الخلود والبقاءّ ، فضم َ بالعربية إلى العالميةَ ،
والحياة ،حتى أصبحت أُم اللغات ،ومعجزة الزمان.
لقد شعر الدكتور طه حسين بعجز النحو عن استيعاب كثير من القضايا اللغوية،
عند مقارنته بما يتضمنه القرآن الكريم من قواعد وأصول ،يخالف فيها ما ق ّعده النحاة
أن ما ظ ّنه النحاةاألمريْن؛ إلى أن قادته سليقته اللغوية إلى َّ
األوائل ،فقارن بين َ
والمستشرقون من قبيل االختالف مع القاعدة النحوية ،هو من باب رد األمور إلى
نِصابها ،والعودة من جديد للتقعيد للنحو باالعتماد على القرآن الكريم كمصدر أساس،
- 81 -
ألن هذا يحل كثيراً من مغاليق النحو ،ويفتح شرايينه المسدودة.
َق ْبل الشعر الجاهليَّ ،
بأن في القرآن أخطا ًء نحوية ،وهو غير
وهو يرد -كذلك -على ادعاءات المستشرقينَّ ،
صحيح ،بسبب تجاهل النحاة العرب للقرآن عند التنظير والتقعيد للنحو.
لقد ألَّف "طه حسين" بحثاً مهماً ،بعنوان" ضمري الغائب ،واستعامله اسم إشارة يف
القرآن الكريم" ،كان قد ألقاه أمام مؤتمر المستشرقين السابع عشر بجامعة أكسفورد
أن" :علم النحو العربي -كما هو اآلن -ال يكفي لتفسير
عام 1928م ،انتهى فيه إلى َّ
القرآن ،وتخريجه من الوجهة النحوية الصرفة؛ مطالباً بضرورة وضع نح ٍو ٍ
خاص للقرآن؛
يُزيل ما يعلق بنفوس بعض المستشرقين من الشك ،حين يقرأون القرآنُ ،معتمدين
على النحو القديم ،فيرون بينه وبين هذا النحو ضروباً من الخالف؛ فيظنون َّ
أن
قصر النحويون حين وضعوا لم يُ ِ
خطئ ،وإنما َّ بالقرآن خطأ نحوياً .والواقع ّ
أن القرآن ْ
قواعد النحو؛ لم يستوعبوا القرآن والشعر ،ولم يستقصوهما".
نص
بعدما درس "طه حسين" ضمائر الغائب في القرآن الكريم ،وجدها تخالف ما َّ
"إن ضمير الغائبعليه النحاة في ُك ُتبهم ،في القاعدة النحوية الشهيرة ،التي تقولَّ :
يجب أن يعود إلى مذكور يتقدمه لفظاً ُ
ورتب ًة ،وأن يطابق هذا المذكور في التذكير
أن هذا الكالم يُخالف كثيراً من اآليات
والتأنيث ،وفي اإلفراد والتثنية والجمع" .فرأى ّ
القرآنية ،التي وردت خالف ذلك.
فإن
"إن هذه القاعدة شاملة ال يقبل النحويون فيها استثنا ًء؛ ْ يقول طه حسينَّ :
أن هذا التأخر اللفظي تأخر المرجع عن الضمير تأ ّولوا وتكلّفوا إلثبات ّ عرض ما يُوهِم ُ
حال ،ال يقبلون استثنا ًء في قاعدة المطابقة بين الرتبة .وهم ،على كل ٍ ال يستلزم تأخر ُّ
الشعر والنثر؛ فهي ال ردت في ِّ اط ْ إن َّ
-بج ْز َءيهاْ -
ولكن هذه القاعدة ُ
الضمير ومرجعهَّ ،
يتقدمها لفظاً
أن في القرآن ضمائر ال تعود إلى مذكو ٍر َّ تط ِرد في القرآن الكريم؛ ذلك ّ َّ
ورتب ًة .بل فيه ضمائر يظهر أنها تعود إلى مذكو ٍر ،ولكنها ال تُطابِقه تذكيراً وتأنيثاً ،أو ُ
إفراداً وتثني ًة وجمعاً".
وقد حصر طه حسين الضمائر في تسعة أنوا ٍع ،على النحو التالي :
محمد ﷺ ،و ُمجادلته ،واستفتاءه
النبي َّ
تعودوا حوار ّ
األول :ضمائر يُراد بها الذين َّ
في مكة والمدينة ،من المسلمين وغير المسلمين .ومن هذا النوع ،كل
والج َمل ،التي تبتدئ بقوله تعالى ﴿ :يسألونك ﴾ .وكذلك قوله
اآليات ُ
تعالى" :أ ْم يقولون افتراه" فالواو راجعة إلى المشركين من أهل مكة،
- 82 -
النبي ﷺ ،وهو لم يُ ْذ َكر، ّ راج ٌع إلى وهم لم يُ ْذ َكروا ،وفاعل افترى ِ
ومفعوله راجع إلى القرآن ،وهو لم يُ ْذ َكر".
الثانـي :الضمائر التي يُراد بها القرآن ،ومنها قوله تعالى ﴿ :إنّا أنزلناه ف ي� ليلة القدر ﴾.
النبي ﷺ نفسه ،ومنها قوله سبحانه ﴿ :عبس ّ
وتول ﴾. الثالـث :الضمائر التي يُراد بها ّ
الرابـع :الضمائر التي تعود إلى األفعال ،وذلك حين يأمر الله بأم ٍر ،أو ين َهى عنه،
أو تأكيد األمر والنهي ،ومثال ذلك قوله تعالى ،في سورة البقرة ﴿ :ومن
للحق من ربك ﴾. فول وجهك شطر المسجد الحرام ،وإنه ُّ خرجتِّ ،
َ حيث
عز من قائل ،في سورة المائدة ﴿ :اعدلوا هو أقرب للتقوى ﴾ .وقوله وقوله َّ
عز وجل في سورة األنفال ،بعد أن َّبين أحكام المواالة بين المسلمين َّ
أ ف والكافرين ﴿ :إال ّ تفعلوه تكن ٌ
فتنة ي� الرض ﴾.
قدم ،ولكنهالم ْب َهمة ،وهي على قس َمين ،أحدهما يعود إلى ُم َت ِّ الخـامس :الضمائر ُ
صدقاتهن ِن ً
حلة، َّ ال يُطابقه كقوله تعالى ،في سورة النساء ﴿ :وآتوا النساء
� منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً ﴾ فالهاء في "منه" ظاهرة � لكم عن ش ئ فإن ِط ب ْ ن َ
الرجوع إلى الصدقات ،ولكنها ال تطابق الصدقات في الجنس ،وال في
"إن هذه الهاء بمعنى اسم الكشافّ :
العدد .ولهذا قال الزمخشري في ّ
فإن طِبن لكم عن شئ من ذلك نفساً". اإلشارة؛ كأنه قالْ :
تأخر لفظاً
فسرها ُم ِّ
والقسم الثاني :ضمائر ال ترجع إلى متقدم ،ولكن يُ ِّ
"إن هي إ ّال حياتنا الدنيا". ورتب ًة ،كقوله تعالىْ :
ُ
السـادس :الضمائر التي تقع في آيات التشريع ،كقوله تعالى ،في سورة البقرة :
ترسيح بإحسان ،وال يحل لكم أن ٌ بمعروف أو
ٍ مرتان ،فإمساكٌ
﴿ الطالق ّ
آتيتموهن شيئاً إال ّ أن يخافا أال ّ يُقيما حدود الله ﴾ فاأللف في
َّ مما
تأخذوا ّ
الزوج ْين اللذين لم يُ ْذ َكرا.
(يخافا) راجعة إلى َ
وأوضح مثال لهذا النوع -أيضاً" :-آية الميراث في سورة النساء؛ فالضمائر
التي تعود فيها إلى غير المذكور كثيرة".
النص ،كقوله سبحانه ،في سورة النحل: السابـع :الضمائر التي يُ ْف َهم مرجعها من َّ
﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ﴾ فالهاء راجعة إلى
ُذ َكر .وقوله تعالى إلبليس ﴿ :اخرج منها فإنك رجيم ﴾. األرض ،التي لم ت ْ
ُذ َكر".
الج َّنة ،التي لم ت ْ
فالهاء راجعة إلى َ
- 83 -
الثامـن :الضمائر التي تعود إلى( َم ْن) دون أن تُطابقها جنساً أ ْو عدداً .والنحويون
في ْف َرد ،ويُ َذ َّكر ،وباعتبار
إن الضمير يرجع إلى"من" باعتبار لفظها؛ ُ يقولونَّ :
ولكن رجوع الضمائر إلى األلفاظ فيطابق هذا المعنى جنساً وعدداًَّ ، معناها؛ ُ
أقبلتُ ،مراعا ًة
ْ مرة ،وإلى المعاني مرةً ،ال معنى له ،فأنت ال تقول :حمزة ّ
لتأنيث اللفظ ،وإنما تقول :حمزة أقبل ،مراعا ًة لتذكير المعنى ،ولو جاز
إرجاع الضمائر إلى األلفاظ مرةً ،وإلى المعاني مر ًة أخرى؛ ألصبحت اللغة
والنحو ضرباً من اللَّعِب .والواقع أن الضمائر ترجع إلى ( َمن) في القرآن
الكريم ُمفرد ًة في أكثر األحيان ،كقوله تعالى َ ﴿ :م ْن جاء بالحسنة فله
وم ْن جاء بالسيئة فال يُ ْج َزى إال ّ مثلها ﴾ ولكنها ترجع إلى ( َم ْن)ع� أمثالهاَ ،ش
ُمطابق ًة في الصلة ،وغير ُمطابقة في الصفة أو الخبر ،كقوله سبحانه ،في
خوف عليهم وال هم يحزنون ﴾. هداي فال ٌ
َ سورة البقرة ﴿ :فمن ت َِب َع
قاعـدة ذهبيــة
أن" ضمير الصلة ُمفرد في القرآن الكريم دائماًتوصل طه حسين ،إلى َّوقد َّ
اثنتين ،في قوله تعالى ﴿ :ومنهم من يستمعون إليك ﴾ ،وقوله مرتين ْ إ ّال في ْ
ين
الشياط� من يغوصون له ،ويعملون عمال ً دون ذلك ﴾ .فأ ّما ما سبحانه ﴿ :ومن
عدا الصلة فال تتحقق فيه المطابقة .غير أنّا نجد أحيانا الضمير ـ كما رأينا في
المثال السابق ـ وأحياناً اسم اإلشارة كقوله تعالى ،في سورة البقرة ﴿ :بىل من
سيئة ،وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾.كسب ً
وأكثر من هذا؛ أن عدم المطابقة ليس مقصوراً على ( َمن) فقط ،بل
أن (الذي) مفرد قطعاً؛ فال يصح أن يرجع الضمير يتجاوزها إلى (الذي) ،مع َّ
إلى لفظه مرةً ،وإلى معناه أخرى .فمن ذلك قوله تعالى في سورة الزمر ﴿ :والذي
وصدق به ،أولئك هم المتقون ﴾ .وقوله سبحانه في سورة البقرة : جاء بالصدق َّ
صفوان آ
﴿ كالذي يُنفق ماله رئا َء الناس ،وال يؤمن بالله ،واليوم ال ِخر ،فمثله كمثل
ٍ
بل ال يقتصر � مما كسبوا ﴾ْ . وابل تف�كه صلداً ،ال يقدرون عىل ش ٍ ئ
عليه تراب فأصابه ٌ
عدم المطابقة على (من ،والذي) وإنما يتجاوزهما إلى أسماء ُم ْظ َه َرة ،منها العام،
النسانووصينا إ
ومنها الخاص .فمن األول :قوله تعالى في سورة األحقاف ّ ﴿ :
بوالديه إحساناً ﴾ إلى قوله ﴿ :أولئك الذين نتق ّبل منهم أحسن ما عملوا ﴾ .ومن
رب شا�ح يلالثاني :قوله في سورة طه ﴿ :اذهب إىل فرعون إنه طغى ،قال ِّ
ن
قول ﴾.
لسا� يفقهوا يويس يل أمري ،واحلل عقد ًة من ي صدريْ ِّ ،
- 84 -
فعدم المطابقة -إذن -ليس من خصائص الضمير ،وال من خصائص األسماء
الموصولة ،وإنما هو أسلوب من أساليب القرآن الكريم ،إذا أمكن ضبطه وتحديده؛
مرجع لها".
َ فقد أمكن حل مسألة الضمائر غير المطابقة ،أو التي ال
ويرى "طه حسين" أن القرآن الكريم يستعمل أحياناً أسما ًء عامة ،أو خاصة،
جماعات أخرى ثاني ًةْ .
أي ٍ أن هذه األسماء تدل على أصحابها أوالً ،وتُ َمثِّل
وهو يريد َّ
أن هؤالء األشخاص ممتازون ،لهم من المكانة في حياتهم االجتماعية ما يجعلهم َّ
عنوانا لقومهم؛ فالضمائر التي تعود إلى أسماء مفردة مطابقة هي الضمائر التي تحدد ً
تم هذا التحديد والتمييز ،لم تعد الضمائر إلى هؤالء أشخاصهم وتميزها ،حتى إذا َّ
ال -يعود إليهاألشخاص ،وإنما عادت إلى الجماعات التي يُمثِّلونها؛ ففرعون -مث ً
الضمير مفرداً ،في قوله تعالى" :إنه طغى" .ومِن حيث إنه يمثل المصريين؛ فالضمير
في (يفقهوا قولي) ال يعود إلى فرعون وحده ،وإنما يعود إليه وإلى المصريين.
واإلنسان ،في آية األحقاف السالفة ،يراد به أبو بك ٍر الصديق ،كما قال
ولكن أبا بك ٍر عنوان لطائفة من المسلمين أخلصوا في إيمانهم،
َّ المفسرون،
ِّ
ً
وب ِِّرهم وخضوعهم لله؛ فيرجع الضمير أول األمر إلى أبي بكر مفردا ليحدده
ويميزه ،ثم يرجع الضمير بعد ذلك جمعاً إلى أبي بكر ون َ
ُظرائه".
التاسـع :ضمير الشأن ،الذي يرى طه حسين أنه فقد معناه ،وأصبح أدا ًة لفظي ًة،
لتقوية الجملة في القصص القرآني ،وفي الوعد والوعيد.
واضح في نفسه ،وهو مفهوم من النحو المنطقي الصرف ،ومن ٌ هذا الحل
أن اآليات القرآن الكريم نفسه ،الذي يحل هذه المشكلة ح ً
ال ال شك فيه ،ذلك َّ
التي لم تتحقق فيها المطابقة ،والتي تبلغ نحو المائة ،قد ورد فيها اسم اإلشارة
سبعاً وأربعين مرةً ،وورد فيها الضمير ثالثاً وأربعين مرة.
إذن؛ فالقرآن الكريم يستعمل في هذه اآليات الضمير واسم اإلشارة على
السواء .فالضمير في هذه اآليات بمعنى اسم اإلشارة .ونحن نعلم أن اسم اإلشارة ال
يلزم أن يرجع إلى مذكور يتقدمه لفظاً ورتب ًة ،وإنما يجب أن يرجع إلى المشار إليه،
وأن يطابقه عدداً وجنساً ،سواء ُذكِر هذا المشار إليه أ ْو لم يُ ْذ َكر.
وقد طالب طه حسين النحاة واللغويين العرب بضرورة "تطبيق هذه القاعدة التي
توصل إليها ،على كل الضمائر التي ال مرجع لها ،أو التي ال تُطابق مرجعها ،بحيث ّ
ً
تؤخذ هذه الضمائر على أنها أسماء إشارات" بدال من اللهاث وراء ألغاز وأحاجي
وتخريجات؛ أوقعت اللغويين أنفسهم في مآزق محرجة ،ومواقف ال يحسدون عليها.
- 85 -
عىل مائدة سيبويه
حافظت (العربيـة) على أرستقراطيتها قروناً طويلة ،وأزاحت مئات اللغات واللهجات
وصنعت أمجاداً ال تزال
ْ وتبخترت فوق الحضارات،
ْ وتخطت اليابس والماء،
ْ من طريقها،
النهار إلى دليل.
ُ دليل ،إ َّال إذا احتاج
شواهدها قائمة ،ال تحتاج إلى ٍ
تغنى الشيخ قسطاكي الحمصي ـ بجمال العربية في قصيدته ،التي أسماها
لذا؛ َّ
(ليىل) :
ـن شــكالً ما لــه ثانِ ِصيغـ ْ
ـت مــن ال ُحسـ ِ فــإنَّ ليــى فتــا ٌة ال مثيــل لهــا
منيــت فهــل فخــ ٌر كعدنــان؟ ْ وإنْ منســوب منابتهــا
ٌ إىل البــداو ِة
آياتهـــا غُــر ٌر ،فـــي كـــل قــرآن ألفاظهــا ُدر ٌر ،تركيبهـــا صـــو ٌر
«الشاعر القـروي» بضرورة تعليم األبناء القرآن الكريم والحديث
وقد نصح َّ
النبوي ،فقال« :علِّموا القرآن والحديث ونهج البالغة في مدارسكم وجامعاتكمَّ ،
لتقوم
بالفصحى ألسنتكم ،وتتقوى ملكاتكم ،ويعلو نفسكم ،وتزخر صدوركم بالحكمة،
وتشرق طروسكم بسحر البيان».
لكن؛ على الرغم من الكمال الذي بلغته «العربية» ،وعلى الرغم من الثبات الذي
إال أنه كثيراً ما تشتعل المعارك بين (األدباء) و(علماء
امتازت به عن سائر اللغات؛ َّ
ولعل أعنفها ما كان في الماضي البعيد بين «الكوفيين» و»البصريين».النحو)َّ .
- 86 -
بالهروب باألوزان المغشوشة ،وال بالخروج سوى من بوابة «الخليل» و«الكسائي»
ويحرمون عليهم ترك النوافل اللغويةِّ ،
ويذكرونهم بالمعلوم من النحو بل ِّ و«سيبويه»ْ .
بالضرورة ،ويطالبونهم بفقه اللغة ،ويمنعونهم من تجاوز اإلشارات النحوية الحمراء.
ولم ُ
يخل عصر من العصور من تلك المنازعات اللغوية العنيفة ،والمعارك النحوية ْ
وتتأجج العداوات ،وربما
َّ الحامية الوطيس .وقد ترتفع األصوات ،وتحتدم المناقشات،
يسقط إزاءها من القتلى والجرحى ،كتلك التي مات على إثرها «سيبويه» كمداً.
(حتاك صدرها َّ
«العقـاد» في هجومه على «طه حسين» بمقالة عنوانهاَّ : أ ْو كالتي َّ
أن يمسك لسانه ،ويغلِق عليه داره ،ويبكي على خطيئته.
فاضطر األخير ْ
َّ يا طه).
أ ْو كقول َّ
العقـاد للرافعي( :إيه يا خفافيش األدب؛ أغثيتم نفوسنا ،أغثى الله
لم تُخلَق َّ
إال لهذا السوط، نفوسكم ،ال هوادة بعد اليوم ،السوط في أيدينا ،وظهوركم ْ
ثم موته البائس ..
تسبب في مرض الرافعي المفاجئَّ ، ُ
وسنفرغ لكم أيها الثقالن) .مما َّ
كي يستريح من سياط َّ
العقـاد. ْ
وكثيراً ما تحدث «وساطات» بين المتخاصمين ،ويتدخل «أهل الحل والعقد»
البين؛ كالصلح بين «حافظ» و«المازني» ،أ ْو بين «زكي
لفض النزاع ،وإصالح ذات ْ
مبارك» و«أحمد أمين».
وأحياناً يكون النقد هادئاً ،أ ْو موارباً ،أ ْو محتشماً ،أ ْو من وراء حجاب ،تأسياً
ينبه ضيفه إلى
فالشعبي –رحمه اللهِّ -
ّ بالخطاب القرآني ﴿ وقولوا لل َّناس حسناً ﴾.
االهتمام بالنحو ،دون أن يح ِرجه ،فيقول :النحو في الكالم كالملح في الطعام.
يحذر مريديه من عاقبة اللحن –الخطأ -فيقول« :أخوف ما أخاف واألصمعي ِّ
النبيﷺَ :من َك َذ َب
على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول ّ
رويت عنه ولحنت؛علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" .ألنه لم يكن يلحن ،فمهما َ
َّ
فقد كذبت.
دعوت فلحنت ،فأخاف َّ
أال ُ وقد استدرك أحدهم على أبيه –بالتلميح -قائ ً
ال :ربما
يستجاب لي.
وتطبيقاً للقول األخير؛ نجد "األصمعـي" وقد سمع رج ً
ال يدعو( :يا ذو الجالل
البد أن يكون منصوباً .فقال له
ألن "المنا َدى المضاف" َّ
واإلكرام) .وهذا خطأ نحوي؛ َّ
- 87 -
كم تدعو؟ قال :منذ سبع سنين دأباًْ ،
فلم َأر إجابة .فقال األصمعي :ما اسمك؟. :منذ ْ
قال :ليث .فأنشأ األصمعي ،يقول:
لــذاك إذا دعـــاه فــا يجيــب. ٌ
ليــث ينــادي ر َّبـــه باللحــن
صحح له خطأه ،فقال« :قل يا ذا الجالل واإلكرام».
ثم َّ
َّ
إن "أبا األسود الدؤلي" يعجب من أن يربح من يخطئ ،فعندما دخل السوق؛ ْ
بل َّ
رأى أعداالً للتجار مكتوباً عليها :ألبو فالن ـ والصحيح ألبي فالن ـ فقال :سبحان الله.
يلحنون ويربحون.
وال يخفى أثر البيئة على اللغة ،من ذلك؛ قصة أبي عمرو ابن العالء مع (أبي
خيرة) األعرابي حين سأله عن ضبط جمع مؤنث سالم في حالة النصب ،فنطق به أبو
َ
جلدك يا أخيرة ،لقد أصبح أبو خيرة خيرة مفتوحاً ،فقال أبو عمرو " :هيهات ،قد َ
الن
من الحضر أهل السواد ،أكلة الكواميخ والشواريز ،بعد أن كان من أهل البداوة ،حرشة
الضباب ،وأكلة اليرابيع".
- 88 -
لكن األب أنستانس ماري الكرملي نقل هذا الكالم في مجلة "لغة العرب" ورفض
ندخل في لغتنا مثل البقروت ،بحجة أن جمال كالم األفغاني ،قائ ً
ال .." :وال نقبل أن ِ
الدين نطق بها؛ فلقد يكون المرء حسن الرأي والقول في أمور ،وال يصلح رأيه في
أمور أخرى".
أن َّ
العالمة البستاني يقبل البقروت ،بمعنى البقر ،ويُفتي ويظهر من سياق الكالم َّ
بجواز استعمالها ،على العكس من الكرملي ،الذي عابها ،وأقام النكير على األفغاني
من أجلها:
أن كثيراً من المفردات قد يفرضها كثرة ورودها على ألسنة الناس،
لكن؛ ال ننسى َّ
وعلى أقالم ال ُك ّتاب والصحفيين ،من غير المتخصصين في المجال اللغوي ،وبرغم هذا
فقد نشأت في العربية قديماً االتجاهات نفسها التي تأخذ باستعماالت الناس.
أن "المتنبي" قال قصيدة
ومما يروى في ذلك مما ذكره صاحب تاج العروس من َّ
جاء فيها هذا البيت المشهور:
ـتصحب اإلنســان مــن ال يالمئــه
ُ ويسـ وقــد يتزيَّــا بالهــوى غــرُ أهلــ ِه
أي كان
فاعترض عليه تلميذه ابن ِج ِّني ،في استعماله للفعل (يتزيَّا) بالياءْ ،
الصواب أن يكون بالواو .وقال له :هل تعرفه في ِشعر أ ْو كتاب في اللغة؟ .فقال المتنبي
أقدمت عليه؟ .قال :ألنه جرى في االستعمال .فقال ابن جني :أرى َ :ال .فقال :فكيف
ذهبت.
ُ لي األرض .وإلى هذا(يتزوى) من ُزويَ ْت َ
َّ الصواب
لم ي ِرد في االستعمال َّ
إال (تزيَّا). فقال المتنبي ْ :
ُس َب ـ أيضاً ـ إلى الشاعر عمارة بن عقيل ،عندما جمع (ريح) على وهناك ما ن ِ
(أرياح) في بعض شعره .فاعترضه اللغوي أبو حاتم السجستاني قائ ً
ال :هذا ال يجوز ،إنما
هو (األرواح) بالواو .فقال عمارة معتذراً :لقد جذبني إليها طبعي ،أ َما تسمعهم يقولون:
(رياح) بالياء أيضاً؟.
وهكذا انتصر رأي المتنبي ،وعمارة بن عقيل؛ المعتمد على االستعمال ،ال
أن بوسعهما
المسموع ،واندثر رأي اللغويين ،أمثال :ابن ِج ِّني وأبي حاتم ،اللذيْن ظنا َّ
تحجير اللغة في قوالب ال تسمح لها بالتنفس والحركة.
(يتزوى) مطلقاً.
َّ ولم ت ِرد
فلقد شاع في االستعمال (يتزيَّا) بال جدالْ ،
- 89 -
اكتفت الفصحى
ْ وأما (أرياح) فقد استعملتها بعض اللهجات العربية ،على حين َّ
لم ت ِرد مطلقاً في االستعمال إ َّال جمعاً للفظة (روح).
ْ (أرواح) ولكن (رياح). القرآني بالجمع
وبعض الشعراء واألدباء –السيما في هذا العصر -يضيقون ذرعاً بالتقعر النحوي،
ال" :كفاني من النحوال؛ نجد "أمين الريحانـي" يتألَّم ويصرخ ،قائ ً
والتعقيد اللغوي ،فمث ً
قت أحشائي بين الكسائي ،وسيبويه ،وابن ٍ
مالك، وتمز ْ
قوايَّ ،
مشقة وعذاب ،لقد أنهكت َ
برد ،ونِفطويه
والم ِّ
ُ
وقعت كما تعلم بين
ُ أود أن أكتب كل أسبوع ،غير أني ويقول لنعوم مكرزلُّ :
فإن كانت اإلنجليزية في دمي ،فلغة سيبويه في عظامي ،واالثنتان تين؛ ْبلي ْ
بل ّلغتينْ ،
ْ
والحيرة .والبلية الكبرى هي
الهم َ
أليف ِّ تتجاوبان في فؤادي؛ ولذلك أحيا ُم َ
نهك ال ُق َوىَ ،
حفظت لفظ ًة جديدة عربية ،أنسى من اإلنجليزية اثنتين وثالثاًْ ،
فإن طال ُ أنني كلما
قصر في هذه.
باعي في تلكَّ ،
ذات مرة؛ كتب (جبـران خليل جبران) للنحاة المتنطعين ،في مقال بعنوان (لكم
لغتكم ولي لغتي)" :لكم من لغتكم البديع والبيان والمنطق ،ولي من لغتي نظرة في
عين المغلوب ،ودمعة في جفن المشتاق ،وابتسامة على ثغر المؤمن ،وإشارة في يد
السموح الحكيم .لكم منها الفصيح دون الركيك ،والبليغ دون المبتذل ،ولي منها ما
يتمتمه المستوحش ،وما يغص به المتوجع ،وما يلثغ به المأخوذ ،وكله فصيح بليغ".
وقال أيضاً ،مهاجماً علماء النحو" :لكم منها ما قاله سيبويه واألسود وابن عقيل،
ومن جاء قبلهم وبعدهم من المضجرين المملِّين ،ولي منها ما تقوله األم لطفلها،
والمتعبد لسكينة ليله"..
ِّ والمحب لرفيقته،
رأي آخر في هذه القضية، الشاعر واألديب اللبناني "مـارون عبـود" له ٌ لكن َّ
إن لغة العربوالمتقعرين ،فقالَّ :
ِّ فقال في كتابه "نقدات عابر" منتقداً ِّ
المنفرين
تبل بالذين ينقبون أبداً في لم َ ال تحتاج إلى تعديل خطير في نحوها األدبي ،ل ْو ْ
أقبيتها وسراديبها عن كلمات نافرة ،ليفتحوا بها في األدب فتحاً مبيناً ،فمصطفى
و"بنيت به" عدا أنها غلط،
ُ (بنيت بها) ويقبر تزوجتها،
ُ صادق الرافعي يريد أن يبعث
فهي جدة الشنفرة وتأبط شراً ،ناهيك عن عهد البناء على النساء قد انقضى ،فنحن
سكان مدر ال وبر .و"محمد كرد علي" عضو المجمع الملكي المصري ورئيس المجمع
بالقذة) في تلخيص كتاب فرنسي حديث ،فيزيدنا القذة ّ
الدمشقي ،يقول لنا( :حذو ّ
عمى قلب .و"أحمد حسن الزيات" يحاول أن يزيد في ثروتنا اللغوية ـ زاده الله فصاحة
- 90 -
اللهم
ـ فيقول ( :كنا نسمر ليلة النيروز المسيحي) ثم شرحها لنا نحن الشرقيينَّ .
أنزلت به كتابك.
َ رحماك ،ورفقاً بهذا اللسان الذي
الشاعر المهجري نعمـة قـازان -يرتجل قائ ً
ال : وربما هذا الذي دعا َّ
الخبــب
ْ همــزت جــوادي ،يســر
ُ لــ ْن عــاق دريب إىل اللــه لفــظ
وأوجبــت يف النحــو مــا ال يجِ ْ
ــب ُ ِ
الــرف مــا ال يجــوز وجــوزت يف
ُ
بل بلغ به الغضب مبلغه ،فصاح قائ ً
ال : ْ
وليــس عــى الدهــر مــن ُحجــ ِة. قــولٌ وقلــت ،وللدهــ ِر
ُ لــت
ُ
ويــا لــكَ ،وبــاأل ِّم مــن ِحلفــ ِة حلفــــت بأُ ِّمــي ال ناكثـــــاً
ُ
(رفعــت) البنــا َء عــى الكــر ِة
ُ علـــــي
ِّ إذا فتــح اللــهُ يومــاً
ومرمــى خيــايل وعقل َّيتــــــي أقــاس النحــا ُة حــدو َد الزمــانِ
َ
ــت عــى فكــريت. فضاقــت وز َّم ْ
ْ لقــد حددوهــا ألفكارهــــــم
عانت (نبويـة موسى) من طريقة تدريس حروف المعاني العقيمة في النحو،
وقد ْ
فنظمت أبياتاً كلها تذمر وشكوى ،تقول :
ْ
ـت بقلبــي مــن تكرارهــا ال ِعلـ ُـل
حلَّـ ْ أشــكو إليــكَ حروفــاً يف تعلمهــا
ـدت أدمعــي كالســيل تنهمـ ُـل إالَّ بـ ْ (إذنْ وإ ْذ مــا) فــا كررتهــا أبــداً
األمــل
ُ إالَّ وخــاب لــدى تذكارهــا جلل)
والكاف ثــم ُ
َ ـرت (بــى
وال ذكـ ُ
امللل
حتــى ثنــا همتــي عن حفظهــا ُ ـت أقرأها(جــرى وحتى وحاشــا) ِبـ ُّ
عــن ســاحة الكــرم املأمــولِ أنتقـ ُـل عــي بذلــك ال ألقــى العقــاب وال ِّ
فأعطاها المعلّم «صفراً» تشجيعاً لها على قرض ِّ
الشعر المتذمر من طريقته
السقيمة في التعليم.
وقالت (نبوية موسى) أيضاً ،اعتراضاً على دروس النحو والصرف العقيمة :
ـت رصفــه وال خــر يف فعــلٍ إذا ُرمـ َ دهتنــي رصوف الـ ِ
ـرف ،ال د َّر د ّره
ـدي ورصفــهأرى الفعــل موهوب ـاً لـ َّ كــا أنــه يُخــى الزمــان ورصفــه
ـرت ذرا َع الفعــلِ عمــداً وأنفــه
كـ ُ فــإنْ تكــروا للفعــل عين ـاً فإننــي
دعــو ُه دعــوه علَّــه يلقــى حتفــه. فلســت طبيبــ ًة
ُ وإنْ كان معتــاً
- 91 -
تأج َج النزاع بين المدرستين،
الفريقين ،ومهما َّ
ْ أخيـراً؛ مهما نشب الصراع بين
ومهما احتدم الجدال بين المعسكرين ،فجميعهم أبناء هذه اللغة الشاعرة ،وثمرة
لم يصبهم منها ٌ
وابل فطل. خلودها وتألّقها؛ ْ
إن ْ
بل إنهم جميعاً أغنوا (العربية) بمعاركهم ،ونافحوا عنها بإبداعاتهم ،بعدما أدركوا
ْ
خلبت ألبابهم ،وفاضت بجمالها قرائحهمّ ،
لتظل ْ عظمتها ،وانبهروا بخصائصها ،وبعدما
فسبح باسم ربِّك العظيم.
(العربيـة) أم اللغات ،ولسان التنزيل ،ولغة الوحي والوحدةِّ ،
- 92 -
عجائب "الفصحى" وغرائبها
يقول َّ
العالمة الطاهر بن عاشور" :اللغة العربية أوفر اللغات مادة ،وأقلها حرو ًفا،
وأفصحها لهجة ،وأكثرها تصرفاً في الداللة على أغراض المتكلم ،وأوفرها ألفاظاً ،وفيها
لفظا ومعنى ما يفي بأقصى ما يراد من وجوه البالغة". من الدقائق واللطائف ً
تصور
عزام« :العربية لغة كاملة محببة عجيبة ،تكاد ِّ
ويقول الدكتور عبد الوهاب َّ
ألفاظها مشاهد الطبيعة ،وتمثل كلماتها خطرات النفوس ،وتكاد تتجلى معانيها في
أجراس األلفاظ ،كأنما كلماتها خطرات الضمير ونبضات القلوب ونبرات الحياة».
وقد كشف الفيلسوف زكي األرسوزي عن خصائص امتازت بها العربية ،مقارنة مع
اللغات العالمية التي كان يجيدها ،فرأى أن العربية ذات جذور في األصوات والصور
الطبيعية مثل (نية ونواة .وذكاء وذكاء) ،لذلك تبقى على ما هي عليه ال يؤثر فيها
إال ما أهمل من الكلمات المعبرة عن أوضاع مهملة ،أو ما أنشئ منها اشتقاقاً
الزمانَّ ،
في حدود نظام اللغة مما هو تعبير عن حاجات المرحلة التاريخية المعاصرة.
أن كل كلمة ال يمكن إرجاعها إلى صورة صوتية مقتبسة عن ورأى ـ أيضاً ـ َّ
الطبيعة ،وفي إطار الصناعة اللغوية؛ هي كلمة دخيلة على العربية ،في حين أن
العالقة بين الصوت والمعنى في اللغات غير العربية تقوم على العرف واالصطالح،
وليس على رابطة طبيعية ،ولهذا تتطور فيها الكلمة من جيل إلى آخر حتى تصبح
مختلفة المعالم عن نشأتها .وهذا ما دعا إلى تسمية اللغات الحديثة باللغات التاريخية.
وهذه جاءت بدورها من تطور (الهندية ـ األوروبية) .لذلك فالفرنسيون المعاصرون ال
يعرفون شيئاً عن أدبهم القديم الذي يعود إلى ما قبل عشرة قرون َّ
إال من كان منهم
متخصصاً في اللغة الالتينية ،بينما ال يتعذر علينا فهم األدب العربي القديم الذي يعود
إلى أبعد من ذلك بقرون.
إن من يقف على خواص (العربية) يرى فيها ما ال يحصى من العجائب والغرائب، نعم؛ َّ
وبخاصة من كان ضليعاً من فقه اللغة ،وعلم االشتقاق ،فالكلمة عند أرباب هذا العلم :
نم).
(من َّ ،
‐إذا كانت مؤلفة من حرفين؛ يمكن أن تأتي على صيغتين مثل َّ ‐
- 93 -
‐وإذا كانت ثالثية؛ يمكن أن تأتي على ست صيغ نحو (ملك ،مكل ،لكم ،لمك، ‐
كمل ،كلم).
‐ َّأما إذا كانت رباعية الحروف؛ فتكون قابلة ألربع وعشرين صيغة (*2 *1 ‐
.)24 = 4 *3
‐وعلى هذا القانون؛ فالكلمة الخماسية تكون قابلة إلى مائة وعشرين صيغة ‐
اشتقاقية ،إلمكان جعل كل واحد من حروفها ابتداء لصيغة جديدة ،وإمكان
تركيب كل حرف من الحروف األربعة الباقية على أربعة وعشرين وجهاً (*1
.)120 =5 *4 *3 *2فتأمل عبقرية هذه اللغة وخصائصها المدهشة ،ومزاياها
التي تنفرد بها عن سواها ،والتي وصفتها «دائرة المعارف الفرنسية» بقولها
(إن اللغة العربية هي اللغة الجميلة بصورة متفوقة ال تضاهى).
َّ :
ومن كان على معرفة أكاديمية بالفرنسية ،وله صلة بأصحاب هذا اللسان ـ وهم
على ما هم عليه من االعتزاز بلغتهم ـ أدرك أهمية هذا االعتراف من دائرة معارفهم.
تماماً كذلك من كان من جهابذة العربية؛ يدرك أنها لغة إبداعية تنتمي كلماتها إلى
أصول ثابتة ،وفيها تبدو سمات القرابة بين الحرف وأشقائه ،وبين الكلمة وأخواتها،
يفسر لنا سر اإلعجاز البالغي في لغة القرآن ،كما يعلِّل
وبين الكلمة ومعناها ،وهذا ِّ
فارق التأثير ِشعراً أ ْو نثراً ،بين عبارة تتأذى بها األسماع وتنفر منها النفوس ،وبين
عبارة ترتشفها اآلذان ،وتدخل القلوب بال استئذان.
وفي هذا الصدد؛ نعرض جانباً من عجائب العربية وغرائبها؛ التي يستحيل أن
يكون لها نظير في مختلف اللغات قديمها وحديثها :
فمن عجائب لغة الضـاد :أنها مملوءة باأللغاز والنكات الطريفة؛ التي تجعل من
السهل التالعب بمعاني الكلمات .ومن عجائبها :دقتها في إيراد الكلمات للتعبير عن
األحوال والصفات .ومن عجائبها :المترادفات الكثيرة واألسماء العديدة للشيء الواحد.
حمالة
من عجائبها :أن تجد الكلمة تعطي معنى ،وتعطى المعنى المضاد لها ،وأنها َّ
ويقبح .ومن
يحسن ِّوأن ِّ
وأن يجانس ويطابقْ ، أوجه؛ بحيث تسمح للمضطر أن يُ َع ِّرضْ ،
بل الجملة تقرأ من عجائبها :كلمات تقرأ من اليمين واليسار؛ وتؤدي ذات المعنىْ .
قرئت من اليمين صار مدحاً ،وإذا
بمعنى آخر .وأحياناً؛ إذا ْ
ً اليمين بمعنى ،ومن اليسار
قرئت من اليسار صار ذماً .ومن عجائبها :أن تجد صوت الحرف له داللة على معناه، ْ
كما تجد األسماء تحمل مسمياتها في الشدة واللين ،والبشارة والنذارة ،والحب والكره،
- 94 -
–أي تطابق المبنى والمعنى .ومن عجائبها :تجد «المث ّنى» الدال
والسعادة والشقاوة ْ
متشابهين .ومن عجائبها :أن تجد كلمات تأتي (اسماً ،وفع ً
ال ،وحرفا). ْ شيئين غير
على ْ
لم يخطر على قلب بشر. ُ ْ
بل هناك من عجائبها ما ال عين رأت ،وال أذن سمعت ،وما ْ
األسامء الكثرية لليشء الواحد :
مكنت الشعراء من أن الذاتية؛ كثر َة مترادفاتها ،التي َّ
مِن أسرار قوة اللغة العربية َّ
الروي والقافية ،كما أنها أداة جيدة لبالغة
يَنظموا عليها قصائدهم الطويلة ،مع التزام ِّ
ال ُك َّتاب ،وفصاحة الفصحاء؛ فقد استطاعوا أن َّ
يتخيروا من األلفاظ المرادفة ما يناسب
السجع أحيانًا ،والترصيع أحيانًا ،الذي يُعرف عند البالغيين بتوازن األلفاظ مع توافق َّ
األَعجاز أو تقاربها.
إذن؛ ال عجب في قول «ابن خالويه»« :أحفظ للسيف خمسين اسماً»ْ .
بل إنه
صنف كتاباً في أسماء (األسد) يحتوي على خمسمائة اسم .وزاد عليه من جاء بعده َّ
صنف ابن خالويه كتاباً في أسماء (الحية) أوصلها لمائتي
حتى أوصلوها إلى األلف .أيضاً؛ َّ
اسم .و(العسل) له ثمانون اسما أفردها الفيروزآبادي بمصنف .و(العادة) لها أكثر من مائة
بمصنف .وكذلك أفردها الفيروزآبادي بمصنف .وأسماء (الخمر) َّ اسم أفردها الصغاني
أفردها كثيرون بالمصنفات .وذكر أبو العالء المعري أن (الكلب) له سبعون اسماً ،حاول
السيوطي جمعها في مصنف ،فلم يدرك سوى ما يربو على الستين .والبن خالويه أيضاً
رسالة في أسماء الريح .وقال الزبيدي :لألسد 400اسم ،وللسيف ،300وللناقة ،255
وللماء ،170وللمطر 70لكل واحد منها استعماله الخاص في حالة معينة.
ومن عجائب لغة الضـاد التي ال يشاركها فيها غيرها من اللغات؛ أنها تحتوي على
ألفاظ كثيــرة ،تستوي في المعنى ،حتى ولو مع التصحيف بالنقط إعجاماً وإهماالً،
من ذلك :
‐ َز َك َب َ ،ز َك َت :بمعنى مأل. ‐
البكع :بمعنى الضرب بالقدم على الدبر.
النكع ُ ، ‐ ُ ‐
‐دبّح ،دبّخ :بمعنى لزم بيته. ‐
أي الجماع.
الذحوْ :الدحو ّ ، ‐ ّ ‐
أي سلّه.
حط سيفه وام َت َخطهْ : ‐ام َت َ ‐
ضب :الغالم النشيــط. صب ،ال َع ُ
‐ال َع ُ ‐
- 95 -
فإذا نظرنا إلى كتاب (مقاييس اللغة) البن فارس؛ نجده يحاول أن يجد أص ً
ال
ومعنى عاماً يرد إليه جميع كلمات المادة ْ
إن أمكنه السبيل إلى ذلكَّ ،
وإال فإنه يجعلها
معنيين أو أكثر.
ْ
جني في مقدمة (الخصائص) فقد أطال النفس في بيان أن بعض الكلم
َّأما ابن ِّ
في العربية يرجع إلى معنى واحد ،مهما قلبت الحروف وغيرت في الترتيب.
والمثال الذي ضربه هو ( ق و ل) وتقليباتها ستة :
قول/قلو/وقل/ولق/لقو/لوق
ثم راح يتكلم على كل منها ،ضارباً األمثلة ،وشارحاً االشتقاق ،وراجعاً ك ً
ال منها
إلى المعنى الذي يريد أن يثبته.
ومن عجائبهـا :كلمات تقرأ من اليمين واليسار
دام عــال العمــاد رس فال كبا بك الفرس
وهناك كلمات مفردة كثيرة ،مثل ( :سوس ،توت ،كعك ،خوخ ،دود ....إلخ).
أن صوت الحرف له داللة على معناه ،مثل :نضخ ونضح -قضمومن عجائبهـا َّ :
وخضم -لطم ولكم ...إلخ.
ومن عجائبهـا :أن األسماء على مسمياتها في الشدة واللين ،وغير ذلك ،مثل
أن إنساناً قال
إن بعض العلماء قال :لو َّ
"الح َجـر" سميت حجر لصالبتها وشدتها ،حتى ََّ
تر الحجر ،فإنه سيتبادر إلى ذهنك؛ أنها صلبة وشديدة. لكَ :ح َجر ،وأنت لم َ
بمعنى آخر ،وقد جاءت
ً أن الجملة تقرأ من اليمين بمعنى ،ومن اليسار ومن عجائبهـا َّ :
في قصة رجل أسره الروم ،فلما طلبوا منه إرسال رسالة إلى قائد المسلمين ليشجعه على
القدوم إليهم ..وكان الروم قد نصبوا للمسلمين كميناً؛ فكانت الرسالة ،جملة واحدة فقط ،إذا
قرئت من اليمين كانت كما أراد الروم ،وإذا قرئت من الشمال كانت تحذيراً للمسلمين ،وهي :
فتحصن).
(نصحت فدع يبك ودع مهلك) فإذا عكست كانت (كلهم عدو كبري عد َّ
حمالة أوجه؛ بحيث تسمح للمضطر أن يُ َع ِّرض ،وللشاعر أن
ومن عجائبهـا :أنها َّ
ويقبح ،وخير مثال على ذلك كتاب أبي منصوريحسن ِّ
يجانس ويطابق ،وللمتكلم أن ِّ
(تحسني القبيح وتقبيح الحسن).
- 96 -
سئل ابن الجوزي أيام ظهور الشيعة :أيما أفضل أبو بكر أ ْم علي؟ .فقال :
أفضلهما الذي بن ُته تح َته ،وهذه العبارة تحتمل االثنين ،وفيها عبقرية فذة.
فعد على أصابعه :التوراة والزبور
وسئل أحد السلف في فتنة خلق القرآنَّ ،
أن هذه األربعة مخلوقة. واإلنجيل والقرآن ،ثم أشار إلى أصابعه وقال :أشهد َّ
قال أبو الفتح البستي :
عــن الجا ِهلــ ْنِ أ ِمــ ْر َت وأَعــر ِْض خُــ ِذ ال َعفْــ َو وأ ُمــ ْر ب ُعــ ْر ٍف كــا
فُمس َت ْح َســ ٌن ِمــن َذوي الجــا ِه لِــ ْن األنــام
ِ َالم لِــك ِّْل
ولِــ ْن يف الــك ِ
فدعه فدولته ذاهبة. وقال أيضا :إذا ملك لم يكن ذا هبة
ال يســاوي ن َْملَـة َم لَ ْه فإنــه
وقال بعضهم :ن ْ
ومن غرائبهـا :أن البيض يكتب وينطق مع جميع الحيوانات التي تبيض بالضاد،
وأن كلمة فيض مع جميع ما يفيض ماعدا النمل يكتب وينطق "بيظ النمل" بالظاءَّ .
تكتب وتنطق بالضاد ،ماعدا الماء يكتب وينطق فيظ الماء بالظاء.
ومن العجائب اللغوية يف القرآن ،قوله تعالى( :كل في فلك) .فلو قرأتها بالعكس؛
فسيكون المعنى واحد.
ومن عجائبهـا :دقتها في إيراد الكلمات للتعبير عن األحوال والصفات .وهذه
الظاهرة واضحة جداً في القرآن الكريم ،والتي ُّ
تعد من جماليات لغة القرآن ودقتها؛
ال ـ عندما يستخدم القرآن كلمة (زوجة) وعندما يستخدم كلمة (امرأة). فانظر ـ مث ً
يعبر بكلمة
أن تكونِّ ،
قالوا :عندما تكون العالقة الزوجية جيدة ،أ ْو كما ينبغي ْ
(زوجة) ومشتقاتها .كقوله تعالى (قل ألزواجك)َّ .أما عندما تمر العالقة الزوجية بأزمة،
أ ْو تشوبها شائبة؛ كأن يكون أحدهما مؤمن ،واآلخر كافراً ،يستخدم كلمة (امرأة)؛
كقوله سبحانه( :امرأة نوح وامرأة لوط) ،و(امرأة فرعون) أ ْو االثنان كافران (وامرأته
حمالة الحطب) .أ ْو في حالة فقد الزوج (امرأة عمران).
َّ
أيضـاً؛ يستخدم القرآن كلمة (الرياح) للحياة والبشرى والسرور (وأرسلنا الرياح
مبشرات بين يدي رحمته) .لكنه يستخدم كلمة (الريح) للعذاب لواقح)( ،الرياح ِّ
والهالك ،كقوله (ريح صرصر عاتية) و(الريح العقيم).
- 97 -
يفرق بين كلمة (مدينة) وكلمة (قرية) .المدينة ترمز لإليمان والحياة أيضـاً؛ ِّ
لم ينزل بها العذاب (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة َّ .)...أما القرية المستقرة ،والتي ْ
(وإن من قري ٍة َّ
إال سيحل بها العذاب ّْ فهي التي ترمز للكفر والمعاصي ،أ ْو التي َّ
حل أ ْو
معذبوها( ،)...وتلك القرى أهلكناهم َّلما ظلموا)( ،وكم من قري ٍة هي نحن مهلكوها أ ْو ِّ
أشد قو ًة من قريتك.)..
ّ
يفرق بين كلمة (عام) وكلمة (سنة) فاألولى ترمز للنعماء والسعادة أيضـاً؛ ِّ
واإليمان ،كقوله (عا ٌم فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) .والثانية ترمز للقحط والعناء
والظلم والكفر (أخذناهم بالسنين )..ويتضح هذا المعنى بشكل جيد ،في قوله تعالى
إال خمسين عامًا) .وهذه إشارة إلى معاناة سيدنا نوح مع قومه
(فلبث فيهم ألف سن ٍة َّ
طوال تسعة قرون ونصف القرن.
كذلك؛ حافظ العرب في كالمهم على دقة استخدام الكلمات والمصطلحات عند
التعبير عن مختلف األحوال والصفات .من ذلك :
تفرق في الشهوات؛ فيقولون :فالن جائع إلى الخبزَ ،ق ِرم إلى اللحم، ‐العرب ِّ ‐
َع ْطشان إلى الماءَ ،ع ْيمان إلى اللّبن ،بَ ِرد إلى التمرَ ،جعِم إلى الفاكهةَ ،شبِق
إلى النكاح.
‐يفرقون في المساكن؛ فيقولون :بيت اإلنسان ،عرين األسد ،عش الطائر ،عطن ‐
البعير ،كناس الظبي ،قرية النمل ،كور الزنابير ،نافقاء اليربوع ،وجار الذئب والضبع.
يفرقون في اسم الشيء اللين ،فيقولون :ثوب لين ،ورمح لدن ،ولحم رخص،
‐ ِّ ‐
وريح رخاء ،وفراش وثير ،وأرض دمثة.
يفرقون في االمتالء ،فيقولون :بحر طام ،ونهر طافح ،وعين ثرة ،وإناء مفعم،
‐ ِّ ‐
ومجلس غاص بأهله.
يفرقون في تغير الطعام وغيره ،فيقولون :أروح اللحم ،وأسن الماء ،وخنز
‐ ِّ ‐
الطعام ،وسنخ السمن ،وزنخ الدهن،وقنم الجوز ،ودخن الشراب ،وصدئ
الحديد ،ونغل األديم.
يفرقون في الكشف عن الشيء من البدن ،فيقولون :حسر عن رأسه ،وسفر ‐ ِّ ‐
وكشر عن أسنانه ،وأبدى عن ذراعيه ،وكشف عن
عن وجهه ،وأفتر عن نابهَّ ،
ساقيه ،وهتك عن عورته.
ْ
- 98 -
وإن كان من وبر ،قالوا:فإن كان من مدر ،قالوا :بيتْ ،
يفرقون في المنازل ْ :
‐ ِّ ‐
الشعر ،قالوا :فسطاط.وإن كان من َّوإن كان من صوف ،قالوا :خباءْ .
بجادْ .
وإن كان من جلود ،قالوا :قشع.وإن كان من غزل ،قالوا :خيمةْ .
ْ
يفرقون في الضرب ،فيقولون :للضرب على مقدم الرأس :صقع ،وعلى القفا:‐ ِّ ‐
صفع ،وعلى الوجه :صك ،وعلى الخد ببسط الكف :لطم ،وبقبضها :لكم،
وبكلتا اليدين :لدم ،وعلى الذقن والحنك :وهز ،وعلى الجنب :وخز ،وعلى
الصدر والبطن بالكف :وكز ،وبالركبة :زبن ،وبالرجل :ركل،وكل ضارب بمؤخره
من الحشرات كلها كالعقارب :تلسع ،وكل ضارب منها بفيه :يلدغ.
يفرقون في أسماء األوالد ،فيقولون :لولد كل سبع :جرو .ولولد كل ذي ‐ ِّ ‐
ريش :فرخ .ولولد الفرس :مهر وفلو .ولولد الحمار :جحش وعفو .ولولد البقرة:
عجل .ولولد األسد :شبل .ولولد الظبية :خشف .ولولد الفيل :دغفل .ولولد
الناقة :حوار .ولولد الثعلب :هجرس .ولولد الضب :حسل .ولولد األرنب :
خرنق .ولولد النعام :رأل .ولولد الدب :ديسم .ولولد الخنزير :خنوص .ولولد
اليربوع والفأرة :درص .ولولد الحية :حريش.
يفرقون في الجماعات ،فيقولون :موكب من الفرسان ،وكبكبة من الرجال،‐ ِّ ‐
وجوقة من الغلمان ،ولمة من النساء ،ورعيل من الخيل ،وصرمة من اإلبل،
وقطيع من الغنم ،وسرب من الظباء ،وعرجلة من السباع ،وعصابة من الطير،
ورجل من الجراد ،وخشرم من النحل.
يفرقون في الوسخ؛ فإذا كان في العين قالوا :رمص ،فإذا َّ
جف قالوا :غمص، ‐ ِّ ‐
فإذا كان في األسنان قالوا :حفر ،فإذا كان في األذن فهو :أف ،وإذا كان في
األظفار فهو :تف ،وإذا كان في الرأس قالوا :حزاز ،وهو في باقي البدن :درن.
ريحين فهي :نكباء ،فإذا وقعت بين
يفرقون في الرياح؛ فإذا وقعت الريح بين ْ ‐ ِّ ‐
الجنوب والصبا فهي :الجريباء ،فإذا هبت من جهات مختلفة فهي :المتناوحة،
فإذا جاءت بنفس ضعيف فهي :النسيم ،فإذا كانت شديدة فهي :العاصف ،فإذا
قويت حتى قلعت الخيام فهي :الهجوم ،فإذا حركت األشجار تحريكاً شديداً
وقلعتها فهي :الزعزع ،فإذا جاءت بالحصباء فهي :الحاصب ،فإذا هبت من
األرض كالعمود نحو السماء فهي :اإلعصار ،فإذا جاءت بالغبرة فهي :الهبوة ،فإذا
كانت باردة فهي :الحرجف والصرصر ،فإذا كان مع بردها ندى فهي :البليل ،فإذا
كانت حارة فهي السموم ،فإذا لم تلقح ولم تحمل مطراً فهي :العقيم.
- 99 -
يفرقون في المطر؛ فأوله رش ،ثمطش ،ثم طل ،ورذاذ ،ثم نضخ ،ثم هضل ،وتهتان، ‐ ِّ ‐
ثم وابل وجود ،فإذا أحيا األرض بعد موتها فهي :الحياء ،فإذا جاء عقيب المحل أو
عند الحاجة فهو :الغيث ،وإن كان صغار القطر فهو :القطقط ،فإذا دام مع سكون
فهو :الديمة ،فإذا كان عاماً فهو :الجداء ،وإذا روى كل شيء فهو :الجود ،فإذا كان
كثير القطر فهو :الهطل والتهتان ،فإذا كان ضخم القطر شديد الوقع فهو :الوبل.
يفرقون في األصوات؛ فيقولون :رغا البعير ،وجرجر ،وهدر وقبقب .وأطت ‐ ِّ ‐
الناقة .وصهل الفرس ،وحمحم .ونهم الفيل .ونهق الحمار ،وسحل .وشحج
البغل .وخارت البقرة وجأرت .وثاجت النعجة .وثغت الشاة ويعرت .وبغم
الظبي ونزب .ووعوع الذئب .وضبح الثعلب .وضغت األرنب .وعوى الكلب
ونبح .وصأت السنونو .وضأت الفأرة .وفحت األفعى .ونعق الغراب ونعب .وزقا
الديك وسقع .وصفر النسر .وهدر الحمام وهدل .وغرد المكاء .وقبع الخنزير.
ونقت العقرب .وأنقضت الضفادع ون ّقت أيضا .وعزفت الجن.
فإن كان على جبل أو جدار
‐يقولون لِما يضعه الطائر على الشجر :وكرْ ، ‐
فهو :وكن ،وإذا كان في كن فهو :عش ،وإذا كان على األرض فهو :أفحوص،
واألدحى للنعام خاصة.
‐يقولون في تقسيم الصدور :صدر اإلنسان ،ويسمونه من البعير الكركرة ،ومن األسد ‐
الزور ،ومن الشاة القص ،ومن الطائر :الجؤجؤ ،ومن الجرادة :الجوشن ،ومن الفرس لبان.
‐يقولون في مراتب الضحك :التبسم أول مراتب الضحك ثم اإلهالس ،وهو ‐
إخفاؤه ،ثم االفترار واالنكالل ،وهما :الضحك الحسن ،ثم الكتكتة أشد منهما،
ثم القهقهة ،ثم القرقرة ،ثم الكركرة ،ثم االستغراب ،ثم الطخطخة ،ثم اإلهزاق
والزهزقة ،وهي أن يذهب الضحك به كل مذهب.
‐يقولون :يدي من اللحم غمرة ،ومن الشحم زهمة ،ومن البيض زهكة ،ومن ‐
الحديد سهكة ،ومن السمك صمرة ،ومن اللبن والزبد شترة ،ومن الثريد مرة،
ومن الزيت قنمة ،ومن الدهن زنخة ،ومن الخل خمطة ،ومن العمل لزقة،
ومن الفاكهة لزجة ،ومن الزعفران ردغة ،ومن الطين ودغة ،ومن العجين
ودخة ،ومن الطيب عبقة ،ومن الدم ضرجة وسطلة وسلطة ،ومن الوحل لثقة،
ومن الماء بللة ،ومن الحمأة ثئطة ،ومن البرد صردة ،ومن األسنان قضضة،
ومن المداد وجدة ،ومن البزر والنفط نمشة ونثمة ،ومن البول قتمة ،ومن
العذرة طفسة ،ومن الوسخ درنة ،ومن العمل مجلة.
من غرائـب لغـة الضـاد؛ أن تجد كلمة تعطي معنى ،وتعطى المعنى المضاد لها ،وقد
ألَّف أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار األنباري النحوي ،المولود ببغداد عام ( 271هــ)
كتاباً بعنوان (األضداد) قال في مقدمته( :هذا كتاب ذِكر الحروف التي توقعها العرب على
المعاني المتضادة .)...وقد ضرب كثيراً من األمثلة ،مثل كلمة (جلل) في قول الشاعر :
كل يشء ما خال املوت جلل والفتى يسعى ويلهيه األمل
فكلمة (جلل) تعني الشيء القليل اليسير ،وتعني أيضاً الشيء العظيم ،وهذا ضد ذاك.
وهناك أمثلة ،ال حرص لها من هذا اللون العجيب ،من ذلك :
فسروا ﴿ :وكان وراءهم ِملك يأخذ كل سفينة غصبا ﴾ ْ
أي وراء :خلف أ ْو قدام ،وبه َّ
أمامهم.
عسعس الليل :إذا أقبل بظالمه أ ْو أدبر ،ولذا قالوا في تفسير قوله تعالى ﴿ والليل
إذا عسعس ﴾ إذا أقبل بظالمه أو إذا أدبر ،روي القوالن عن ابن عباس رضي الله عنهما.
فتوالت الحمالت
ْ وقد تعهد االستعمار بدعم أوليائه وربائبه ،إلنجاز تلك المهمة؛
الجائرة ،لتشويه العربية واالفتراء عليها ،ورميها بالقصور وعدم الكفاية العلمية ،واتهام
حروفها ونطقها بالصعوبة والتعقيد ...إلخ.
أجل ،لقد حوربت (الفصحى) من مختلف الجهات ،وباألسلحة كافة؛ فقد حاربها
(األتـراك) على امتداد خمسة قرون ،وحاولوا اغتيالها عن طريق تتريكها ،ولم يفلحوا
في مهمتهم هذه ،لكن محاولتهم تركت الكثير من الخدوش والتشوهات التي مازالت
آثارها بارزة.
وحاربها (األوربيـون) بغية إحالل لغاتهم محلها ،وال زالت محاوالتهم الجائرة
مستمرة ،حتى بعد انسحاب جيوشهم ،وأساطيلهم الحربية.
كما حاربها (دعاة العاميـة) بضراوة ،وحاولوا إزاحتها؛ ليخلو الميدان للهجاتهم
تفشى في العصر
المنحطة .وقد تصدى الدكتور "طه حسني" لتيار اللهجة العامية الذي ََّّ
مقوم من مقومات الحياة ،وأنها ترفع مكانة األدب
فأكد على أن "الفصحى" ِّ الحديثَّ ،
العربي في العالم ،فقال" :إنه في يو ٍم غير بعيد ،ستعود الحياة القومية إلى هذه اللغة،
وستصبح ـ ليست لغة المثقفين فحسب ،وال لغة األدب فحسب ،لكنها لغة المثقفين
ولغة األدب التي يفهما الشعب كله".
((( الصفحات السود ملدرسة التغريب والحداثة والتنوير ،محمد عبد الشافي القوصي ،مكتبة مدبولي الصغير ،القاهرة.
وكان هناك ثالثة ميادين واجهت فيها أوروبا اللغة العربية في العصر الحديث ،هي:
‐(لبنان وديار الشـام) حيث كانت مسرحاً لنشاط استعماري تنصيري هائل ‐
ضد الفصحى من ق َِبل فرنسا.
والحقيقة أن االتجاه المناهض للغة الفصحى في لبنان ظهر منذ وقت مبكر،
وحمل لواء العداء نحوها الدكتور أنيس فريحة ،وسعيد عقل ،وأساتذتهما من
نصرين الغربيين الذين كانوا يعملون في حقول التدريس والم ّ
المستشرقين ُ
في الجامعة األمريكية ببيروت ،وفى المدارس اليسوعية ذات الطابع التنصيري.
((( أوروبا يف مواجهة اإلسالم ،د .عبد العظيم المطعني ،مكتبة وهبة ،القاهرة.
((( سالمة موىس :اجتهاد خاطئ أ ْم عاملة حضارية؟ د .محمد عمارة ،دار الصحوة1995،م ،القاهرة.
(( ( السابق.
(( ( السابق.
((( فيض الخاطر ،الجزء العاشر ،أحمد أمين ،مكتبة النهضة المصرية ،القاهرة.
(( ( من تقديمه لكتاب «أثر القرآن يف اللغة العربية» للشيخ أحمد حسن الباقوري.
((( أثر القرآن يف اللغة العربية ،أحمد حسن الباقوري ،دار المعارف ،القاهرة.
((( مح َّمد مشت َهى األممو محمد عبد الشافي القوصي ،مكتبة مدبولي ،القاهرة.
وقد ارتبطت اللغة العربية بشرائع اإلسالم ارتباطاً وثيقاً .ومن هذه الشريعة :
(الصـــاة) فمِن ُشروط صحة الصالة قراءة الفاتحة قراءة صحيحة ـ فالفاتحة
ركن مِن أركان الصالة ـ واألذكار؛ بلغ ٍة عربية صحيحة ،وهو قول جمهور العلماء،
ٌ
بوجوب تعلُّم األعجمي ما يُقِيم به صالته ،وال ُّ
تصح الصالة بغير ذلك.
القولية المطلوب
َّ (الحـج) ركن اإلسالم األعظم ،وفيه من التلْبية والشعائر
كل المسلمين ،ومن ِّ
كل اللغات. العربية على ِّ
َّ أداؤها باللغة
جل جالله ـ ُّ
كل هذا وغير ذلك من الشعائر؛ مثل :قراءة القرآن ،و ِذ ْكر الله ـ َّ
وتصح عباداته.
َّ ليصح إسالم العبد،َّ يحتاج إلى تعلُّم شي ٍء من العربية؛
«إن ُّ
تمكن لغة األمة وفي هذا المعنى ،يقول الفارايب ـ في كتاب (الحروف) َّ :
ألن أصول
بالعادة واالستعمال» ،لذلك كثر الربط في التراث بين العربية والشريعة؛ َّ
اللغة محمولة على الشريعة.
امتد تأثير اإلسالم في عهد "هارون الرشيد" منذ القرن الثاني الهجري ـ «لقد َّ
الثامن الميالدي؛ ليصبح مصدراً لالزدهار األدبي والعلمي والتقني ،دون أن يكون
له نظير في الغرب .وفي هذا العصر كان الملوك الميروفنجيون يربطون نساءهم إلى
ذيول أفراسهم ،وكانت بيزنطة فريسة التمزق والهرطقة والمجامع الكنسيةَّ ،أما العرب
فقد أخذوا تراث اإلغريق ،فأنشأ العرب عالقات مع فارس والهند ومصر في الشرق،
وبدأوا منذ عام 773م يترجمون النصوص العلمية األولى عن الهندية ،فلقد أصبح
أعظم األسماء في ميادين األدب والفلسفة والعلم عرباً مسلمين؛ كابن سينا ،وابن
رشد ،والخوارزمي ،والخيام ،والب ّتاني .والكيميائيين :خالد بن يزيد ،وجابر بن حيان،
والرازي».
«لقد كان العرب أصل العلم الحديث ،وبخاصة في علوم الطب والكيمياء
والرياضيات والفلك ،وكانوا هم همزة الوصل مع الشرق ،بوساطة فارس والروم .وكانوا
أن ثقافتهم الخاصة قد قدمت موضوعات نقلة علوم المالحة والتجارة إلى الغرب .كما َّ
ونظماً في مجال الفن العسكري ،والعمارة والنسيج ..وهذه التأثيرات بارزة فيما نجد
في لغاتنا من ألفاظ مقترضة».
((( أثر املعجم العريب يف لغات الشعوب اإلسالمية ،د .حسين مجيب المصري.
وإذا تتبعنا العربية من ناحية نحوها وصرفها وقواعدها وكلماتها؛ نجد أنها لم تتغير
على مر آالف السنين .وكل ما حدث أنها اتسعت ،ولكن لم تحرف مثل باقي اللغات.
ففي "اللغة األلمانية القديمة" نجد لغة فصحى خاصة بالشمال تختلف عن التي في الجنوب،
ونجد أيضاً أجرومية مختلفة في اللغتين ،ونجد التطور يؤدي إلى الدمج واالختصار.
وذات الشيء مع الالتينية وأنواعها ،وفي اليونانية وفي األنجلو ساكسونية.
وحدث وال حرج عن غِنى العربية بمترادفاتها ،فاألسد له العديد من األسماء،
والضيغم ،وغيره من
ْ فهو :الليث ،والسبع ،والقسورة ،والغضنفر ،والرئبال ،والضرغام،
األسماء .ولكل اسم داللة معينة ،ويعكس صفة بعينها .ومن الطبيعي؛ أن يأخذ الفقير
من الغني ،وليس العكس.
وهذا الجدول يوضح مدى تأثر اللغة اإلنجليزية بالعربية ،واقتباسها من ألفاظها :
ولم تكن اللغتان ( :الفرنسية) و(اإليطالية) في غِنى عن «لغة الضاد» وتأثرهما بها،
قدم (بيري جريو) في كتابه (الكلامت األجنبية )Les mots etrangersقائمة من مائتين
فقد َّ
وثمانين كلمة من العربية دخلت إلى الفرنسية في العصور المختلفة ،وقد وزعها بعناية
على تواريخ اقتراضها ،ومن بينها الكلمات اآلتية ،التي يظهر أصلها العربي من أول وهلة :
إيطايل عربـي فرنيس عربـي
Giraffe زرافة Vapeur بخار
Zukora سكر Serpon ثعبان
Goetta قطة Chagrin شجن
وهناك أمثلة أخرى ال حصر لها ،أوردتها كتب كثيرة ،مثل كتاب «العربية لغة
العلوم والتقنية» للدكتور عبد الصبور شاهني ،وكتاب «لغة آدم عطاء أبدي لبني آدم»،
(((
وغيرها.
إن الحديث في هذا الموضوع قد يحتاج إلى مؤلفات مستقلة ،وقد الحـق أقـول َّ :
َّ
اكتسبت اإلنجليزية من
ْ تناوله عشرات الباحثين ،أمثال Walt taiyllr :في كتابه "ما
العربية" ،واألب المنسي ،في كتابه "عالقة العربية بالفرنسية" .و Douzyفي كتابه "عالقة
ال عن قاموس أكسفورد ،وقاموس وبستر ،ومعجم العربية باإلسبانية والربتغالية" .فض ً
األلفاظ الفلكية ألمين المعلوف ،ومعجم ألفاظ النبات للدكتور أحمد عيسى ،ومعجم
األلفاظ الزراعية لمصطفى الشهابي ،ومعجم العلوم الطبيعية والطبية للدكتورمحمد
شرف .وهناك أمثلة كثيرة جداً ،ربما تفوق الحصر؛ من مختلف اللغات األخرى،
كاليونانية ،واألنجلو ساكسونية ،حتى الهيروغليفية ،واآلرامية ،تثبت مدى تطابقها مع
مدكِـر؟.
أصلها العربي .فهـل من َّ
"أن اللغة العربية ليست أغنىبينما المستشرق األلماني فريتاغ ((( Freitagbيرى َّ
وإن
بل إن الذين نبغوا في التأليف بها ال يكاد يأتي عليهم العدّ ، لغات العالم فحسبْ ،
اختالفنا عنهم في الزمان والسجايا واألخالق ،أقام بيننا وبين العربية وبين ما ألَّفوه
حجاباً ال يتبين ما وراءه َّ
إال بصعوبة".
كما شهد العالِم اللغوي «ماريو ب ِْل» مؤلف كتاب (قصة اللغات The Story of
بأن العربية هي اللغة العالمية في حضارات العصور الوسطى ،وكانت رافداً
َّ )Language
عظيماً لإلنجليزية في نهضتها ،وقد أورد قاموس Littreقوائم بما اقتبسته هذه اللغات
ٍ
مفردات عربيةٍ ،وكانت أولها اإلسبانية ثم الفرنسية واإليطالية واليونانية والمجرية، من
(((
وكذلك األرمينية والروسية وغيرها ،ومجموعها 27لغة ،وتقدر المفردات باآلالف».
تبويب ٍ
واف ألجزاء الكالم في لغتهم.
لقد تباينت آراء العلماء والفالسفة حول نشأة اللغة وتطورها ،وهل هي توقيف
وإلهام ،أ ْم مواضعة واصطالح؟.
الرأيين؛ الفريق القائل :بأنها توقيف،
ْ حول هذه القضية المتجددة؛ نبسط كال
الفريقين أبلغ حجة ،وأقوم قيال؟.
ْ أي
والفريق القائل :بأنها اصطالح ،لنرى ّ
(الفريـق األول) يجزم بأن اللغة توقيفية ،وال داعي للبحث أ ْو المناقشة في ذلك،
ويقولون :ال حجة برأي القائلين بغير ذلك ،مهما كانت عدتهم وعتادهم.
املرصيون القدماء؛ اعتبروا اللغة منحة من السماء من اإلله (توت) إله الحكمة .وأن
اإلنسان كان مجرد مستقبِل لهذه المنحة.
أن "اللغة إلها ٌم هابط من السماء أيضاً ،وعِلم األسماء
وعند اليوناين هرقليطس؛ َّ
يؤدي إلى علم األشياء؛ ألننا حين نعرف حقيقة االسم ،نعرف بالضرورة حقيقة
المسمى".
َّ
الرأيين ،ففي الوقت الذي يرفض أن تكون األسماء
رأي أفالطون بين ْ لكن تراوح ْ
"إن األمر إذا كان أمر توقيف من قوة عليا ،فكيف يكون هناك
وليدة االصطالح ،يقولَّ :
تفسير للخطأ ،فبعض األسماء يشير إلى الضديْن ،فهل من المعقول أن ننسب الخطأ
إلى هذه القوة؟.
وفي املسيحية وقف رجال الكنيسة إلى جانب التوقيف ،فالقديس يوحنا افتتح
إنجيله بعبارة "في البدء كان الكلمة".
الوظيفة االجتامعيـة
وتتمثل في الفهم واإلفهام ـ التفاهم ـ وأبرز مظاهرها :
‐التعبير عن اآلراء المختلفة :السياسية ،الدينية ،االجتماعية ...الخ. ‐
‐التعبير عن األحاسيس والمشاعر تجاه اآلخرين. ‐
‐المجامالت االجتماعية في المواقف المختلفة. ‐
‐التعبير عن الحاجات التي يحتاجها اإلنسان في حياته االجتماعية. ‐
‐التأثير في عواطف وعقول الجماهير في المواقف واألغراض المختلفة. ‐
الوظيفة الثقافيـة
‐وتتمثل في حفظ التراث األدبي والديني والعلمي لألمة ،ونقله من جيل إلى ‐
آخر لتتصل حلقاته وتتم معايشة أبناء األمة له ،واإلفادة منه.
‐نقل أفكار وتجارب األمم األخرى ،واالطالع على آثارهم المختلفة وأنماط ‐
تفكيرهم؛ قصد االستفادة منها.
‐كون اللغة وسيلة تعلم وتعليم ،يتمكن الدارس عن طريقها من تعلم مواد ‐
الدراسة المختلفة ،وبها يستطيع المدرسون تعليم الطلبة هذه المواد في
مختلف مراحل الدراسة.
مر
‐تمرين المرء على أن يتعلم كل جديد لم يخطر في مراحل الدراسة التي َّ ‐
بها ،وأن يتزود بمنابع الثقافة والمعرفة ويتصل بالعالم من حوله.
الوظيفة الفكريـة
وتتمثل في الصلة الوثيقة بين اللغة والتفكير ،ومن أمثلة ذلك :
‐قدرة المرء على تعليل أمر يطرح عليه ،ومكونات التعليل صورة ذهنية ترتب ‐
على شكل ألفاظ وتراكيب تبدو مقنعة.
الوظيفة النفسية
تعد اللغة وسيلة من وسائل تصوير المشاعر اإلنسانية والعواطف البشرية التيّ
ال تتغير بتغير األزمان؛ فالحب والسرور ونشوة النصر والحزن والشعور بالظلم؛ مشاعر
تالزم اإلنسان منذ بدء الخليقة ،وهي مستمرة ما استمرت حياة على األرض.
وعن طريق اللغة استطاعت اآلثار األدبية اإلنسانية أن تنتقل من جيل إلى
آخر ،وأن تنمو نمواً مستمراً بما يضيفه األدباء إليها في العصور الالحقة من لوحات
إنسانية خالدة .وهذه اآلثار تمثل صوامع شعور وهياكل تطهير يلجأ إليها كل ذوي
اإلحساس والشعور ،وفي أفنائها وأروقتها يطلقون العنان لهذه المشاعر المشابهة
عبر بها
يعبروا عنها بالطريقة التي َّ
فيفرغون شحناتهم السالبة ،حيث عجزوا عن أن ِّ
هؤالء األدباء –إ ْذ ال يعقل أن يكون كل إنسان أديباً– مما يشعرهم بالعزاء والسلوان.
وهكذا تتمثل الوظيفة النفسية للغة؛ في قدرتها على الوفاء بالتعبير الدقيق
والحي عن الحاجات النفسية والشعورية ،فتسعف من يقدر على التعبير عنها بالصور
والتراكيب ،بحيث يضيف إلى هذه اآلثار الجميلة آثاراً ال تقل عنها روعة في دقة
تصويرها وصدقها وتأثيرها ،فتظل اللغة نبعاً ثراً لعرض العواطف واألحاسيس اإلنسانية
وتفريغها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في جميع العصور.
َواصل ،وطريقة تفكير ،ورم ُز عزةٍ ،وكل ألي َّأمة هي أداة ت ُ
وإن كانت اللغة بالنسبة ّ
ْ
كل هذا ،وتَ ِزيد عليه أنها لغ ُة ٍ
دين (العربيـة) هي بالنسبة للعرب ُّ
َّ ما ذكرناه آنفاً؛ فإن
مأجور َمن يتعلَّمها،
ٌ وكتاب ُموحى به ،وهي لغة عِبادات وشعائر ،فهي لغ ٌة ُم َّ
قد َسة،
فإن
وذكر َّثاب َمن يعلِّمها ،ثم هي لغ ٌة محفوظ ٌة بحفظ الله للكتاب الذي نزل بهاِّ . ُم ٌ
الذكرى تنفع المؤمنين.
((( تعريب التعليم الجامعي رضورة ،السيد أحمد فرج ،رابطة الجامعات اإلسالمية1993 ،م.
(حكاية) "العربية إحدى اللغات التي علَّمها آدم ،وكان يتكلم بها وبغيرها.
وإن كل لغة سواها حدثت بعدها إن العربية هي أولى اللغات التي علَّمها آدم َّ وقيلَّ :
(((
َّإما توفيقاً أ ْو اصطالحاً .وقيل :نزل القرآن الكريم بالعربية ،وهو كالم الله َّ
عز وجل".
(حكاية) "كان لسان جميع من ركب السفينة مع نوح سريانياً (وهو منسوب
إال رجل واحد هو إلى أرض سورية ،وهي أرض الجزيرة) يشاكل اللسان العربي َّ
(((
(جرهم) فإنه كان لسانه العربي األول".
(حكاية) "كان اللسان العربي في إرم بن سام ـ الذي تزوج من بنات جرهم ـ
وصار بعد ذلك في ولده عوص أبي عاد وعبيل وجائر أبي ثمود وجديس" (((.و"العربي"
منسوب إلى عربة ،وهي ناحية دار إسماعيل" .
(حكاية) قال ابن دحية :العرب ثالثة أقسام(((:
األول :عاربة وعرباء وهم الخلص وهم تسع قبائل من ولد إرم بن سام بن نوح،
وهي عاد وثمود وأميم وعبيل وطسم وجديس وعمليق وجرهم ووبار
ومنهم تعلم "إسماعيل " العربية.
الثاين :المتعربة ،قال في الصحاح :وهم الذين ليسوا بخلص ،وهم بنو قحطان.
الثالث :المستعربة وهم الذين ليسوا بخلص أيضاً ،وهم بنو إسماعيل وهم
ولد معد.
(حكاية) قال المطران أبو داود ـ المتخصص في العربية والسوريانية ـ " :إذا
وخس ْت ،وإذا نُقل الكالم المختار من
حت ّقب ْنُقلت األلفاظ الحسنة إلى السوريانية ُ
وحسناً ،وهذا ما يخبر به أهل كل لغة عن لغتهم
السوريانية إلى العربية ،ازداد طالو ًة ُ
حال مقارنتها مع العربية".
(حكاية) كان أبو اسحق الصابي ـ وهو غير مسلم ـ يقرأ سورة من القرآن الكريم
قبل أن يأخذ نفسه بالنظم واإلنشاء.
إلي من أن أُمدح باألعجمية".
أحب َّ "ألن أُ َ
هجى بالعربيةّ ، (حكاية) قال البيروني ْ :
(حكاية) قال القاضي أبو بكر العربي " :علوم القرآن خمسون وأربعمائة وسبعة
ألن لكل
آالف وسبعون ألف عِلم ( )77450على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعةَّ ،
كلمة ظهراً وبطناً ،وحداً ومطلعاً ،وهذا في المفرداتَّ .أما إذا اعتبرنا التراكيب وما بينها
(((
من روابط ،فإنه يكون ما ال يحصى من العلوم".
ِرت عنده اللغة العربية ،وما تمتاز به منأن يهودياً ُذك ْ
(حكاية) روى ابن األثير؛ َّ
وأحسنهن وضعاً ،فقال" :وكيف ال
َّ أشرفهن مكاناً،
َّ جمال ،وأنها سيدة اللغات ،وأنها
فنفت القبيح من اللغات التي قبلها ،وأخذت الحسن، تكون كذلك ،وقد جاءت آخراًْ ،
ثم إن واضعها تصرف في جميع اللغات السالفة ،فاختصر ما اختصر ،وخفف ما خفف،
فمن ذلك اسم "الجمل" فإنه عندنا في اللسان العبراني " ُكوميل" مماالً على وزن
ُفوعيل ،فجاء واضع اللغة العربية ،وحذف منها الثقيل المستبشع ،وقال بدالً منها
"جمل" فصار خفيفاً حسناً".
الخاصة التي تقو ُم بكفاية العامة فيما يحتاجون
َّ إن على الشافعي ّ :
ّ قال اإلمام
التوصل إلى
ُّ إليه لدينهم ،االجتهاد في تعلّم لسان العرب ولغاتها ،التي بها تمام
المفسرين من الصحابة والتابعين ،من
ّ والسنن واآلثار ،وأقاويل
معرفة ما في الكتاب ُّ
كتـاب سيبويـه
أعرف كتاباً
ذكر صاعد بن أحمد الجياني ـ من أهل األندلس ـ في كتابه قال :ال ُ
ألِّ َف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم ،وأحاط بأجزاء
ذلك الفن ،غير ثالثة كتب ،أحدها :المجسطي لبطليموس في علم هيئة األفالك،
والثاني :كتاب أرسطاطليس في علم المنطق ،والثالث :كتاب سيبويه البصري النحوي؛
فإن كل واحد من هذه لم يشذ عنه من أصول فنه شيء َّ
إال ما ال خطر له .فقد كان َّ
بمثابة خزانة للكتب ،وأصبح المصدر الفريد لعلمي النحو والصرف وعلم األصوات.
وإن العجب ال يكمن فقط في أنه ـ كما قال الجاحظ ـ كتاب لم يكتب الناس َّ
إن العجب في اسمه ورسمه؛ ْ
في النحو مثله ،وجميع كتب الناس عليه عيال ،بل َّ
فقد درج كل العلماء والمؤلفين على أن يضعوا أسماء لمؤلفاتهم ومصنفاتهمَّ ،
إال أن
لم يضع اسما ،بل ْ
شذ عن تلك القاعدة ،ولم يضع لكتابه ً سيبويه في كتابه هذا قد َّ
حتى مقدمة أ ْو خاتمة ،فأطلق عليه العلماء اسم (الكتـاب) حتى صار لشهرته وفضله
أي وصف ،فيعلم أنه علماً عند النحويين ،فكان يقال :قرأ فالن الكتاب مجر ًدا من ّ
وقرأت نصف الكتاب وال يشك في أنه كتاب سيبويه.
ُ كتاب سيبويه،
كي يخرج الكتاب في شكله المتعارف
أن القدر لم يمهل سيبويه ْ
وأغلب الظن َّ
عليه إلى أيامنا هذه؛ حيث توفي -رحمه الله -في ريعان شبابه ،قبل أن يخرج
الكتاب إلى النور ،فأخرجه تلميذه أبو الحسن األخفش ،دون وضع اسم له.
عالِم القراءات والنحو ،اإلمام :أبو الحسن علي بن حمزة بن فيروز ،الكوفي،
(الكسايئ) ُس ِّم َي بذلك؛ لكساء كان يلتف فيه أيام تالوته على حمزة.
بالري ،عن
ولد في الكوفة ،وتعلم بها ،وتنقل في البادية ،وسكن بغداد ،وتوفي ّ
سبعين عاماً.
قال الجاحظ :كان أثيراً عند الرشيد ،حتى أخرجه من طبقة المؤدبين إلى
طبقة الجلساء والمؤانسين .أصله من أوالد الفرس .وأخباره مع علماء األدب في
عصره كثيرة.
له تصانيف كثيرة ،منها «معاين القرآن» ،و«املصادر» ،و«الحروف» ،و«القرآت»،
و«النوادر» ،و«املتشابه يف القرآن» ،و«ما يلحن فيه العوام» ،و«ما تشبه من ألفاظ القرآن»،
و"مخترص يف النحو» ،وغيرها.
وقد جاء في (مراتب النحويني) « :حمل الكسائي إلى أبي الحسن األخفش
سرا».
خمسين دينارا ،وقرأ عليه كتاب سيبويه ً
حدث عن جعفر الصادق ،واألعمش ،وسليمان بن أرقم .واختار قراءة اشتهرت، وقد َّ
وجالَ َ
س في النحو الخليل ،وسافر في بادية الحجاز مد ًة للعربية. وصارت إحدى السبعَ .
قال الشافعي :من أراد أن يتبحر في النحو ،فهو عيال على الكسائي.
قال ابن األنباري :اجتمع فيه أنه كان أعلم الناس بالنحو ،ووأحدهم في الغريب،
وأوحد في علم القرآن ،كان يجمع الناس ،ويتلُو َو ُهم يضبطون عنه حتى الوقوف.
كنت أحضر بين يدي الكسائي وهو يتلو ،وينقطون على قراءته
وعن خلف ،قالُ :
مصاحفهم.
تال عليه :أبو عمر الدوري ،وأبو الحارث الليث ،ونصير الرازي ،وقتيبة األصبهاني ،وأحمد
بن أبي سريج ،وأحمد بن جبير األنطاكي ،ويحيى الفراء ،وأبو عبيد ،وخلف البزار ،وآخرون.
(*) شاعر النيل ،وشاعر الوطنية األشهر ،صاحب الروائع الشعرية الخالدة ،والمراثي الباكية.
(*) شاعر لبناني (1882-1845م) عاش في لبنان واستانبول ،وسردينيا وباريس ،درس الفلسفة وكثيراً من اللغات،
وعمل معلِّماً للبيان والفصاحة في مدرسة الحكمة المارونية ،تولى رئاسة تحرير جريدة "املستقبل" ،باإلضافة إلى
تحرير جريدة "البصري" في باريس.
فخـــر العــــرب
(*)
للشَّ اعر مصطفى صادق الرافعي
النســـب
ُ وال نقيصـــ ُة إال مـــا جنـــى أ ٌّم يكيـــد لهـــا مـــن نسلهـــا العقـــب
وهــم لنكبتهـــا مـــن دهرهـــا سبـــب كانــت لهــم سببـــاً فـــي كـــل مكرمـــة
بيـــن األعاجـــم إال أنهـــم عــــرب ال عيــب يف العــرب العربــاء إنْ نطقــوا
عنــد الغــراب يــزىك البلبـــل الطـــرب والطــر تصــدح شتـــى كاألنـــام ومـــا
كطلعــة الشــمس مل تعلــق بهـــا الريـــب أىت عليهــا طـــوال الدهـــر ناصعـــة
كالبــدر قــد طمســت مــن نــوره السحـــب ثــم اســتفاضت ديـــاج فـــي جوانبهـــا
صبــح فــكان ولكـــن فجرهـــا كـــذب ثــم اســتضاءت فقالـــوا الفجـــر يعقبـــه
كأنهـــا جمـــرة فـــي الجـــو تلتهـــب ثــم اختفــت وعليهــا الشمـــس شاهـــدة
ات هـــذه الشهـــب ولـــم تـــزل ن ّيـــر ٍ ســلوا الكواكـــب كـــم جيـــل تداولهـــا
قدميــة جــددت مـــن زهوهـــا الحقـــب وســائلوا النــاس كــم يف األرض مــن لغــة
نعتــر ولبئـــس الشيمـــة العجـــب ونحــن يف عجــب يلهــو الزمـــان بنـــا مل
فكيـــف تبقـــى إذا طالبهـــا ذهبـــوا إن األمــور ملـــن قـــد بـــات يطلبهـــا
فقـــد غدونـــا لـــه واألمـــر ينقلـــب كان الزمــان لهـــا واللســـ ُن جامعـــة
فاليــوم لــو نظــروا مــن بعدهـــم ندبـــوا وكان مـــن قبلنـــا يرجوننـــا خلفـــاً
مــرق الشمـــس يبكينـــا وينتحـــب أنتـــرك الغـــرب يلهينـــا بزخرفـــه
فكيــف نرتكــه فـــي البحـــر ينســـرب وعندنـــا نهـــر عــــذب لشـاربـــه
(*) أحد أدباء القرن العشرين المشاهير ،وواحد من أصحاب األساليب ،من أشهر مؤلفاته النثرية «أوراق الورد» و"وحي القلم".
ِ
العــرب ابنـــة
(*)
للشَّ اعر علـي الجـارم
هَــاّ شَ ــدَ ْو َت ِبأَ ْمــدَ احِ ابْ َنــ ِة ال َعــ َر ِب؟ َمــا َذا طَ َحــا بِــكَ يَــا َص ّنا َجــ َة األَد َِب
ــم َوالْ َو َص ِ
ــب ــن ال َه ّ ِــت تَ ْنفُــخُ بَ ْ َ فب َّ ــت لَ َهــا اث َو َج ْم َ أَطَــا َر نَ ْو َمــكَ أ ْحــدَ ٌ
شَ ـ ْج ًوا ِم ـ َن الْ ُح ـ ْزنِ أَ ْو شَ ــدْ ًوا ِم ـ َن الطّ ـ َر ِب ْــت بــ ِه َوالْ َي ْع ُر ِب َّيــ ُة أَنْــدَ ى َمَــا َب َعث َ
َســقى ال ُع ُهــو َد الْخَــ َو ِال ك ُُّل ُم ْنســ ِك ِب يَــا جِ ــرَ َة الْ َحــ َر ِم امل َ ْزهُــ ِّو َســا ِك ُنهُ
ألَنّ َهــــــا ِصلَــــــ ُة القُــرآنِ َوال ّن َس ِ
ـــــب اصهَــا ُــم ِصلَــ ٌة َعــ ّز ْت أ َو ِ ُ ِل بَ ْينك ْ
ـــــف الــــــدَّ ر ِِب ــن القائِ ِ وِلل ّت َخ ُّيــلِ َع ْ ُ ُــــــــم
ْ ــال َجا ِهل َّي َتك ــن َخ َي ِ أ َر َى ِب َع ْ ِ
ــب َــر ال َوخْــ ِد والْ َخ َب َِــم نَــدْ ِر غ ْ َ َونَ ْحــ ُن ل ْ َ
ــر ُع َواأليّــا ُم ُم ْعجِ لَــــــــ ٌة الدّ هْــ ُر يُ ْ
َــب ــم َوالَ لَق ِ َــم تَفُــ ْز ِب َخ َيــالِ ْاس ٍ َول ْ ــات ت َُســدُّ الشَّ ــ ْم َس ك ْ ََثتُ َهـــــــــا َوالُ ْمحدَ ثَ ُ
ــى الفَصيــحِ َف َيــا لِلْ َويْــلِ والْ َحــ َر ِب َع َ ــا ُت تَشُ ــ ُّن الْ َحــ ْر َب الَ ِق َحــــــ ًة الت َج ََو ّ ْ
َــــــب
ِ ــى كَث َ
نَــا ٍء َوأ ْمثالُــهُ م ّنـــــــا َع َ ْــظ ن َْســ َت ْج ِدي ِه ِمــ ْن بَلَـــــــ ٍد ن َِطــرُ للَّف ِ
لِ َع ْي ِنــ ِه َبــار ٌِق ِمــــــ ْن َعــار ٍِض كَـــــــ ِذ ِب كَ ُم ْهــرقِ املَــا ِء ِف ال َّص ْحــ َرا ِء ِحــ َن َبــدَ ا
ــن ال ّن ْبــعِ َوالغَــ َر ِب َمــ ْن الَ يُفَــ ّر ُق بَ ْ َ ــم َحاربَ َهــا ــش ثُ ّ ــت ُق َريْ ٍ أَ ْز َرى ِب ِب ْن ِ
ــنِ :الْ َج ْهــلِ والشَّ ــغ َِب ــول بِالْخَائِ َب ْ
يَ ُص ُ اح ِف َح ْملَــ ٍة َر ْع َنــا َء طَائِشَ ــ ٍة َو َر َ
ْــر ِِب؟َــاظ ُمغ َ َإل َد ِخيــلٍ ِمــ َن األَلْف ِ الســ ْم َح َم ْن ِط ُقــهُ ّ َــركُ ال َعــ َر ِ َّب أن ْ ُ
والســخ ُِب ُّ ــن الــدُّ ِّر لِ َمــ ْن ُيَ ّيــ ُز بَ ْ َ ــم كَ ْنــ ٌز الَ نَفَــا َد لَــهُ َو ِف امل َ َعاجِ ِ
(*) شاعر مصري كبير ،من رواد كلية دار العلوم ،هذه القصيدة ألقاها عند إنشاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
ُ
الشبيبـة واللغـــــــة
(*)
للشَّ اعر يوسف فضل الله سالمة
ـرب
ـت الضّ ــاد أو هانــت بهـــا العــ ُ إنْ هانـ ِ الـــتفرنج لألوطــــان مفخــر ًةُ لـــيس
غتصــب؟ وحقّنــا فـــي يــد األغيـــار ُي َ حــق يؤ ّيــده ٍّ أنعضــد الغـــر فــــــي
وقـــد تـوالـــت عـــى إهاملنـــا الحقــب ـاألخالق قـــد فسدتُ ذي شـــيم ُة الــ ّ
ـذل فــ
أعـــراب يجتاحهـــا اإلهــال وال ُّنــوب وإنَّ أعـــظم عـــا ٍر أن نــرى لغــة الْـــــ
الســخط والغضــــــب ويســتف ّز حمـانـــا ّ وال نقـيـــم لهـــا الـدنيـــا ونُقعـدهــــا
ألنهــا فـــي عالهـــا امللجــأ ال ّرحـــــــب ـب تضيــق فـــي وسعهـــا الدنيــا عــى رحــ ٍ
ونبذهـــا شـــ ُّر عـــا ٍر مـــا بــه ِريَـــــــب فدرسهـــا مفخــ ٌر ال يُستهـــان بــــه ُ
بفضلهـــا وعالهـــا يـزدهـــــــي األدب ِ
أ ُّم اللغــات وأعـالهـــا وأفضلهـــــــــا
ُجـــب َخ َبــب
را ولبنـــانَ والفيحـــا ت ْ مـــ ً وســل
ْ ســلِ الجزيــر َة عـنهـــا والعــر َاق
منكـــم للحــق يـــطّلب
ُ ولـــيس مـــن ــم
حــق الضـــاد مهتضَ ٌ يعـــرب َُّ أبنـــا َء
ـم األمثــال قـــد رضبـــوا فـــي صــون حقّهـ ُ ألستـــم ال ُعــ ْرب أمجـــادًا غطـــارف ًة ُ
أالَ اربــؤوا إنَّ ِعــرض الضــاد يُســتلَب صــونُ اللغــات ِصيـــان العــرض نحسبـــه
اإلثــم ُيرتكَــب
ُ أعاجـــم اللفـــظ بئــس ُ ف ْهــي البتـــول التــي فَضَّ ــت بكـارتَهـــا
متـــوت قـــوم ّي ُة األعـــراب والحســب ـب ذنــب ِطــاب العلــم حيــث بهـــم الذنـ ُ
ومـــا ألجدادهـــم عـــابوا ومــا دأبـــوا بـاهـــوا بـــدرس لُغــى األغيــار واجتهــدوا
ونحــن نهــدم مـــا أجدادنــا نصبـــوا فـــالغريُ يبنــي عـــى أنقـــاض دولتــه
ونحــن نســعى ملـــا مــن شــأنه العطــب والغـــرُ يســعى ل ُيعلـــي شــأنَ أمتــه
يـــدكّ مـــن حصنهـــا العالـــي فينقلــب فـــالضا ُد تــرأ ممـــن تحــت رايتهـــــــا
مــا تســتح ّبون يف «بـــونجو َر» مــن لغــ ٍة ــع دونــه الـبهتــــان والكـــــــذب تَط ّب ٌ
ـأس مـــن درس مـــا للغـــر مــن لغ ـ ٍة ال بـ َ ره ضـــاقت بـــه الكتــــــب؟ كال ِمكــم حـ ُ
فإنهــا اللغــة الفصحــى فــا شقيـــت ُبعـــ ْيدَ أنْ لغــ َة األعـــراب تكتســبوا
«أ ُّم اللغــات» وال هـــانت بهـــا العـــــرب «أ ُّم اللغــات» وال هـــانت بـهـــا العــرب
(*) شاعر من بعلبك (شرقي لبنان) أصدر جريدة «العرص» توفي عام 1951م.
(*) شاعر جزائري ،من مدينة «البليدة ،توفي عام 1947م ،نشر أغلب قصائده في مجلة «البصائر» الجزائرية.
الشعر وهو في العاشرة ،ومن أعماله« :ديوانُ حليم» ،ومجموعة شعرية مصورة
(*) شاعر لبناني (1957-1888م) نظم ِّ
ضمنها بطوالت العرب .وله مؤلفات أخرى مثل« :قاموس
«املثالث واملثاين» ،ومجموعة «صدى الجنان» .وملحمة ّ
ُ بعنوان
األعالم» .وديوان (يقظة الروح) أهم دواوينه؛ فقد كتب قصائده متضمنة جميع سور القرآن الكريم.
(*) شاعر تونسي( 1987 - 1918م) ولد بمدينة صفاقس ،التحق بجامع الزيتونة ونال شهادة التحصيل في العلوم ،كما
ال لجريدة "األخبار" بصفاقس .،كان عضواً نشطاً بعدد من الجمعيات زاول التعليم العالي ،واشتغل بالصحافة مراس ً
الثقافية .كتب لإلذاعة التونسية الكثير من األعمال الدرامية التاريخية.
لغــــة الفرقـــان
(*)
للشَّ اعر إبراهيـم العالف
إليــك أجــوس العمـــ َر ،ظآمنــا ِ شــوقًا ِ
أحيـــاك إنسانـــا ِ
أهـــواك يـــا لغتـــي،
حــس ســح َر ِك يســـري ِفَّ طوفانــــا أُ ّ منســجم
ً ِ
أهـــواك مـــنذ الصبـــا ،ألتــ ّذ
الليــل سهرانــــا
َ بيـــن الدواويــنِ أطــوي نعمــت بـدنيـــا الشعـــ ِر مندمـــ ًجا ُ فكــم
ـــــــدت حرمانـــــــا
ُ ٍ
ّقــــــــات ،مـ ّج محل سعـــــدت بـــــــآرا ٍء ،وأخــــيل ٍة
ُ وكـــــم
ـت عـرفانــــــــا وفلسفــ ٍ
ـات ،وكـــــم أثريــ ُ بـــومضات مشعـــشع ٍة ٍ حظيــت
ُ وكــم
ولألساليـــــــب قـــد أعجــزنَ تِبيـانــــــــا رصعــــــ ٍة ٍ
أللفــــاظ ُم ّ هفـــــوت
ُ وكــم
كالهمـــا خلّـــــدا للشعـــــــر بُنيـانـــــــا عـــــت مـــن وزنٍ وقـافــيــــ ٍة ُ وكــم مت ّت
وأنجبــت مـــن حصيــف الفكــ ِر ألـــوانا ْ ثقافــات ُمرتجمــ ٍة
ٍ صاهـــرت مـــن
ْ كــم
(*) شاعر سعودي (1991 - 1931م) درس في كلية دار العلوم بالقاهرة ،وشغل وظائف مختلفة بالمملكة العربية
السعودية ،له خمسة دواوين ،منها « :أشواق وآهات» ،و«وهج الشباب»« ،آفاق وأعامق» ،وغيرها.
اللغــة والبلبـل
(*)
للدكتور عبــده بدوي
حولــك يف صمتــي وإنشــادي ِ ُرت
ود ُ عطــرك يف صحــراء أجــدادي ِ تابعــت
ُ
مــن الجِ نــانِ ،ومــن تفاحهــا النــادي مازلــت أذكــ ُر حرفــاً فيــه وسوســ ٌة ُ
دارت بكلمــ ِة «بســتانِ » عــى الــوادي مســاحات ُمهدَّلــ ٍةٍ وفرحــ ًة مــن
وكيــف أضحــى «نخيـ ٌـل» غُنــو َة الحــادي؟ هطلــت
ْ وكيــف صــارت «غيــو ُم» ِكلْمــ ًة
الخيــام التــي شُ ــدَّ ْت بأوتــادي ِ ُــرب
ق َ أنبتــت َر َجــزاً
ْ كنــت دوحــ َة بــالٍ ِ قــد
ائــح غـــــــاديالتــأس ر ٌ
ِّ فالحــب رغــم ُّ هــودج عشــق ،فيــه زلزلــ ٌة َ ِ
وكنــت
وأصبحــوا ،واألمــاين عنــد ميعـــــــــا ِد وكنــت قصــة فرســانٍ قــد انهمــروا ِ
–كل الكــونِ -يف الضــاد فأصبــح الكــون ُّ الوحــي مبتهِجــاً ُ ِ
فيــك َّــق
حتــى تدف َ
بالنــو ِر يف «كعب ـ ٍة» بالشِّ ــعر يف «النــادي» فاضــت قداســته ْ اللــهَ ! يــا فجرهــا،
رق شــادي عــى «القباطــي» بركــنٍ ُمــ ِ ْــت لــ ْو كانــت ٌُمعلَّقتــي لكــم متن ّي ُ ْ
«قريــش» فــوق آبــــــــا ِد ٌ قــد علَّقتهــا كنــت لؤلــــــــؤ ًة ِ كل مكــــــــانٍ ففــوق ِّ
وطــارق ُمب ِحــ ٌر يف ُبعــد أبعـــــــــا ِد ٌ ٍ
أناقــــــــات وزركشـــــــ ًة ِ
غــدوت وقــد
والشــوكُ غطــى مــع البغضــاء أمجــادي ر عابثـــــــــ ًة رأيتــك بــن العــ ِ ِ ..ملَّــا
الشــمس عــن ور ٍد وأحفــادي َ ويجــذب
ُ ــل يف أعــاق عاملِنــا والصمــت يُو ِغ ُ ُ
واضــح بــــــــادي
ٌ وللفجاجــ ِة ُع ٌ
قــم ــــل ـرس صاخــــــب مثِ ٌ وللركاكــــــ ِة ُعـــــ ٌ
الخصــب يف خــويف وأورادي َ يُجــدِّ ُد دم قالــت حروفــك :لــ ْن أبقــى بغــر ٍ
َّــت كأعــوا ِد
عــى الفــروعِ التـــــي جف ْ ـت كـــــ ُّـل أيامــي بــــــا جـــــــزعٍ فه َّومـ ْ
أنــت عــى وعــ ٍد مبيــــــــا ِد ِ ِ
وكنــت يبســم قلبــي وهـــــــو يف أ ٍمل ُ قــد كان
ر وارتـــــــادي وغــ ِّردي لألمــانِ الخُــ ِ فهلِّــي مــل َء هــذا الكــونِ ،وابتهجــي
(*) شاعر مصري ،أستاذ األدب والنقد في بعض الجامعات العربية واإلسالمية (1927-2007م) ومؤسس مجلة «الشِّ عر»
المصرية ورئيس تحريرها.
لغــة الضــاد
()1
للشَّ اعر عثامن قدري مكانيس
يحــوي مــن األُكُل الف ّيــاض ألوانــا صادفــت بســتانا
َ ُــل يل بربــك :هــل ق ْ
أو الثمـــــــار تـــــدىل فيــه أفنانـــــــا فيــه الفواكــــه ممــــا طــاب ُمغرســـــها
كدفقــة الـــروح تزجــي الخــر ر ّيانــــــا جــل اللـــــه باجســــــها
أو الينابيـــــعَّ ،
فيــه ،يراقــص غصــ َن الحــور هيامنــا ـال األنــس مائســــ ًة
يهــوى النســيم ظــــ َ
بعطــر أنسامهــــــا ينســــــاح نشوانـــــــا أو العصاف ـ ُر ســكرى تنثنـــــي طربــــــ ـاً
ِ
آيــات د ٍّر ،بهـــــا قــد جـــــدت فنانــــــا تبــارك اللــه ،هــذا الفضــــــل ألهمنـــــي
قلب ـاً تف ّجــر حبـــــ ـاً ،فــــــاض تحنانــــــا أُس ِّبـــــح اللـــــه ،يحــــــدوين لحرضتـــــــه
قاضيا بمحكمة
(*) شاعر سعودي ،ولد في جيزان(1994-1940م) درس بكلية الشريعة بجامعة اإلمام بالرياض ،عمل ً
«صبيا» ،ثم انتقل إلى حقل التعليم ،وكان عض ًوا بنادي جيزان األدبي.
( )1شاعر سوري ،من مواليد حلب 1947م .دكتوراه في اللغة العربية من معهد االستشراق في باكو ،له عديد من
الدراسات اإلسالمية ،واألدبية ،وعدة دواوين ،منها( :نبضات قلب ،وميض قلب ،دفقة قلب).
دمــع عبقــــــر
(*)
للشَّ اعر مح َّمــد حافـظ
ـرف دائــــــــم الحســــ ـر ِ
ات تأســــــى لحــــ ٍ مــن دمــع عبقــر أســتقي عــرايت
ِ
الصفحـــــات فبكـــــى وأبكـــــى أســطــــر أوقفتــــــه بــن السطـــــــور محدثــــــا
ِ
الطعنـــــات حتــــ��ى يصــــاب بأشـــــــرس مــا إن يــدا ِو الدهــر موضــع طعنــ ٍة
ِ
كاآليــــــات وعىل اللســــــان الحـــــر ناديــت :إنـــــكَ يف الفــؤاد متـــــــوج
ُ
ِ
للغـــــات رى القــــــوم حـــــول رياد ٍة وبقيــت فخــرا للغــات إذا تبـــــــا
أو مــا تــــــرى فــوق الســطور بنـــــايت فــإذا النحيــب ينــوب عــن مــردوده:
(*) شاعر مصري معاصر ،عضو رابطة األدب اإلسالمي العالمية .يعمل في حقل التعليم.
ِ
ــــــات َحس
أزمــن ن َ
ٍ تحســـــراً يف
ر ُّ يــا أحرفــاً ســالت عــى خــد الســطو
عهــد التقدم فـــــوق مـتـــن ُهــــــدا ِة ســيجيء دورك يف الحيــاة لتبـــــديئ
أسمـى اللغـات
شمس ((((·
للشَّ اعر جاك صربي َّ
أســمى اللغـ ِ
ـات ربيبـــــــة القــــــــرآن ِ
بروضــك الريَّـــــــــان هــا َم الفــؤا ُد
أ ْو أستعيـــــــر مرتجمـــــــاً لبيـــــــاين خاطــب بالرطانــة يعربــــــاً
َ أنــا لــ ْن أُ
ـت أُمـــــــي والـــــــدي وكيـــــــاين
وألنـ ِ أودعــت فيــك حشاشــتي ومشــاعري ُ
(( ( (*) شاعر سوري معاصر ،عضو اتحاد الكتّاب العرب ،ومن أكثر الشعراء المسيحيين كتاب ًة في «اإلسالميات» ،له
كثير من المدائح النبوية ،كما كتب قصائد عن «الحج» و«زمزم» و«رمضان» و«القرآن الكريم».
‐إبراهيم السامرائي ،يف رشف العربية ،كتاب “األمة" الثاني واألربعون ،قطر. ‐
‐أحمد حسين شرف الدين ،اللغة العربية يف عصور ما قبل اإلسالم. ‐
‐السيد أحمد فرج ،تعريب التعليم الجامعي رضورة ،رابطة الجامعات اإلسالمية. ‐
‐حسين مجيب المصري ،أثر املعجم العريب يف لغات الشعوب اإلسالمية . ‐
‐جالل الدين السيوطي ،اإلتقان يف علوم القرآن ،مكتبة مصر ،القاهرة. ‐
‐زيجريد هونكه ،شمس الله تسطع عىل الغرب ،دار الشروق ،القاهرة. ‐
‐عبد الصبور شاهين ،العربية لغة العلوم والتقنية ،دار االعتصام ،القاهرة. ‐
‐عدنان النحوي ،دار النحوي ،العربية بني مكر األعداء وجفاء األبناء. ‐
‐سليمان أبو غوش ،عرشة آالف كلمة إنجليزية من أصل عريب. ‐
‐ماريو ب ْ
ِل ،تاريخ اللغات ،ترجمة سامي خليل ،دار المعرفة ،دمشق. ‐
‐محمد عبد الشافي القوصي ،العربية لغة الوحي والوحدة ،الرياض. ‐
‐محمد عبد الشافي القوصي ،مح َّمد ُمشت َهى األمم ،مكتبة مدبولي ،القاهرة. ‐
‐محمود األلوسي أبو الفضل ،روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين. ‐