Professional Documents
Culture Documents
Pubdoc 4 22689 1230
Pubdoc 4 22689 1230
عب د العظيم
رهيف السلطاني
الموازنة لآلمدي
أبو القاسم الحسن بن بش ر اآلم دي ( 370هـ ) كتب كتاب ا ُع رف اختص ارا بـ
((الموازنة)) ،وعنوانه التام ((الموازنة بين أبي تمام حبيب بن أوس الطائي المتوفى
سنة 231هـ وأبي عبادة الوليد بن عبيد البحتري الطائي المتوفى سنة 370هـ)).
فاآلمدي اتخذ من مبدأ الموازنة طريقا للبحث ،ومعلوم أن الموازن ة فك رة س ابقة في
وجودها لآلمدي وكتابه .فهي موج ودة في ال تراث النق دي الع ربي من ذ المالحظ ات
النقدية التي وصلتنا من عصر ما قبل اإلسالم مرورا بعصر صدر اإلس الم وص وال
إلى العصر العباسي.
فأم جندب كما تبيّن المرويات اعتمدت مبدأ الموازنة حين ح ّكمت بين زوجه ا ام رئ
القيس وعلقم ة ،فهي وازنت بين ش عرهما في موض وع واح د معيّن .ولإلم ام علي
(عليه السالم) موازنة نقدية محكمة .فهو بيّن أن الحكم بين ش اعرين الب ّد من ت وافر
شروط االنتماء فيه ،إلى زمان واحد ومكان واحد ،وأن يكون شعرهما في موض وع
واحد وعلى مذهب شعري واحد.
وللنق اد في الموازن ة بين الش عراء أه داف مختلف ة ،فمنهم من يبغي تق ويم الش عر
ومنهم من يبغي تقويم الشاعر...الخ ،ومنهم من وازن بين ش اعرين ومنهم من وازن
بين أكثر من شاعرين..
اآلمدي والموازنة:
موازنة اآلمدي فيها شمول ألنواع من الموازنات الممكنة بين الش عراء ،وأيض ا
بين طبيعة أشعارهم من نواح ع ّدة .واآلمدي يشير إلى كل شيء في موازنته وطبيعة
منهجه .بدأ من دواعي كتابة كتاب في موضوع الموازنة النقدي ة ،وه و ك ثرة الكالم
السائر بين الرواة والمشتغلين باألدب حول الشاعرين ،وفي هذا الكالم مبالغة أحيان ا
في كال االتجاهين المؤيِّد والمعارض .فالناس اختلفوا في تفضيل أحدهم على اآلخر،
مثلما اختلفوا في تفضيل أشعار أحدهما على اآلخر.
وقد اعتمد اآلمدي على وسائل ع ّدة لتحقيق عدالة الموازنة ،منها أ ّن ه س رد م ا
قاله أنص ار ه ذا الش اعر وم ا قال ه أنص ار الش اعر اآلخ ر ،مبيّن ا اختالف الطريق ة
الشعرية لكل منهما ،فأبو تمام شاعر صنعة يغوص وراء المعاني والبحتري ش اعر
طبع سهل المأخ ذ يس ير على نهج الش عر الع ربي الق ديم .وراح اآلم دي ين اقش ك ل
حجّ ة مبيّن ا قوته ا أو ض عفها ،لي ترك الحكم في النهاي ة للق ارئ بع د أن أرش ده إلى
مواضع الض عف ومك امن الق وة فيه ا .مثلم ا اعتم د على فحص مواض ع كث يرة من
شعر الشاعرين ،لتبيُّن مدى إبداعهم أو إخفاقهم .وهو في حراك مناقشاته ك ان ينظ ر
في أشعارهم ويحلل ويغوص وراء المعاني ويفتش في طريق ة االس تعارات وطبيع ة
التشبيهات وصياغة المعاني ...فهو ناقد يعتمد كثيرا على البعد التط بيقي وال يقتص ر
على الجانب النظري وحده.
لق د ن اقش حجّ ة أص حاب أبي تم ام ب أن البح تري تلمي ذ أبي تم ام ،وبعض ش عر
األخير قد يعلق في ذهن البحتري .وبأن البحتري اعترف بلسانه بأنّ جيّد أش عار أبي
تمام والمتميّز فيها خير من جيّد شعره ،ولكن رديء شعري خ ير من رديء ش عره.
ون اقش ادع اء أص حاب أبي تم ام ب أن بعض من ع ابوا ش عر أبي تم ام إ ّنم ا ع ابوه
ويفص ل الق ول فيه ا .ثم
ّ لقصور في فهمهم ...وهكذا ي ورد اآلم دي الحجج ويناقش ها
يورد حجج أصحاب البحتري ويفصل القول فيها ويناقشها...الخ .فهو يس رد م ا قي ل
من حسنات كال الشاعرين ،مثلما يسرد ما قيل من سيئات لكال الشاعرين.
ومن بين ما تناوله اآلمدي مسألة السرقات الش عرية ،فق د أورد في كتاب ه فص ال
عن هذا الموضوع ،وفصّل فيه ما قيل عن سرقات أبي تمام وك ذلك البح تري .وه و
ال يع ّد أغلبها سرقات ،حتى أ ّنه لم يع ّد السرقة عيبا من عيوب الشعر حين ناقش ه ذه
المسألة في موضوع مستقل رئيس .واآلمدي تحت مسمّى ((فض ل اإلج ادة)) أخ رج
كثيرا مما يع ّده البعض سرقة ،فهو يع ّدها تجويدا في الشعر .ولديه اإلجادة تتحق ق في
أكثر من حالة ،منها أخذ معنى وإحسان اللف ظ في ص ياغته ،ومنه ا أخ ذ المع نى م ع
إحداث زيادة في وضوحه في الصياغة ،ومنه ا إض افة ش يء إلى المع نى ق د يتمّم ه
ويرتقي به ،ومنها عكس المعنى وتحويله ليب دو وكأن ه مع نى جدي د ،ومنه ا المع اني
المشتركة بين الناس وكذلك األلفاظ المتداولة بين الن اس ال تي هي ليس ت ملك ا ألح د
وليست حكرا على أحد...
وإجم اال يبقى موق ف اآلم دي -على ال رغم من ك ل محددات ه المنهجي ة وقول ه
بالموضوعية -سائرا في اتجاه تفضيل مذهب البحتري في الشعر وهو مذهب الطبع
على مذهب أبي تمام وهو مذهب الصنعة .لكن نقد اآلمدي لم يكن متعص با ض د أبي
تمام أو مفتريا عليه أو مبتعدا عن أسس الموض وعية في التن اول النق دي والمناقش ة.
ويمكن القول:إ ّنه الموقف النقدي المتعلق بالذائقة الذي يفرض حضوره على الناقد.
مالحظة :هنالك تفاصيل كثيرة ومهمة في موضوع المحاض رة في الكت اب المنهجي
وكذلك في المصادر األخرى.