You are on page 1of 2

‫قسم اللغة العربية‪ /‬المرحلة الثانية‪ /‬المادة‪ :‬النقد القديم‪ /‬أس تاذ الم ادة‪ :‬أ‪.‬د‪ .

‬عب د العظيم‬
‫رهيف السلطاني‬
‫الموازنة لآلمدي‬
‫أبو القاسم الحسن بن بش ر اآلم دي (‪ 370‬هـ ) كتب كتاب ا ُع رف اختص ارا بـ‬
‫((الموازنة))‪ ،‬وعنوانه التام ((الموازنة بين أبي تمام حبيب بن أوس الطائي المتوفى‬
‫سنة ‪231‬هـ وأبي عبادة الوليد بن عبيد البحتري الطائي المتوفى سنة ‪ 370‬هـ))‪.‬‬
‫فاآلمدي اتخذ من مبدأ الموازنة طريقا للبحث‪ ،‬ومعلوم أن الموازن ة فك رة س ابقة في‬
‫وجودها لآلمدي وكتابه‪ .‬فهي موج ودة في ال تراث النق دي الع ربي من ذ المالحظ ات‬
‫النقدية التي وصلتنا من عصر ما قبل اإلسالم مرورا بعصر صدر اإلس الم وص وال‬
‫إلى العصر العباسي‪.‬‬
‫فأم جندب كما تبيّن المرويات اعتمدت مبدأ الموازنة حين ح ّكمت بين زوجه ا ام رئ‬
‫القيس وعلقم ة‪ ،‬فهي وازنت بين ش عرهما في موض وع واح د معيّن‪ .‬ولإلم ام علي‬
‫(عليه السالم) موازنة نقدية محكمة‪ .‬فهو بيّن أن الحكم بين ش اعرين الب ّد من ت وافر‬
‫شروط االنتماء فيه‪ ،‬إلى زمان واحد ومكان واحد‪ ،‬وأن يكون شعرهما في موض وع‬
‫واحد وعلى مذهب شعري واحد‪.‬‬
‫وللنق اد في الموازن ة بين الش عراء أه داف مختلف ة‪ ،‬فمنهم من يبغي تق ويم الش عر‬
‫ومنهم من يبغي تقويم الشاعر‪...‬الخ‪ ،‬ومنهم من وازن بين ش اعرين ومنهم من وازن‬
‫بين أكثر من شاعرين‪..‬‬
‫اآلمدي والموازنة‪:‬‬
‫موازنة اآلمدي فيها شمول ألنواع من الموازنات الممكنة بين الش عراء‪ ،‬وأيض ا‬
‫بين طبيعة أشعارهم من نواح ع ّدة‪ .‬واآلمدي يشير إلى كل شيء في موازنته وطبيعة‬
‫منهجه‪ .‬بدأ من دواعي كتابة كتاب في موضوع الموازنة النقدي ة‪ ،‬وه و ك ثرة الكالم‬
‫السائر بين الرواة والمشتغلين باألدب حول الشاعرين‪ ،‬وفي هذا الكالم مبالغة أحيان ا‬
‫في كال االتجاهين المؤيِّد والمعارض‪ .‬فالناس اختلفوا في تفضيل أحدهم على اآلخر‪،‬‬
‫مثلما اختلفوا في تفضيل أشعار أحدهما على اآلخر‪.‬‬
‫وقد اعتمد اآلمدي على وسائل ع ّدة لتحقيق عدالة الموازنة‪ ،‬منها أ ّن ه س رد م ا‬
‫قاله أنص ار ه ذا الش اعر وم ا قال ه أنص ار الش اعر اآلخ ر‪ ،‬مبيّن ا اختالف الطريق ة‬
‫الشعرية لكل منهما ‪ ،‬فأبو تمام شاعر صنعة يغوص وراء المعاني والبحتري ش اعر‬
‫طبع سهل المأخ ذ يس ير على نهج الش عر الع ربي الق ديم‪ .‬وراح اآلم دي ين اقش ك ل‬
‫حجّ ة مبيّن ا قوته ا أو ض عفها‪ ،‬لي ترك الحكم في النهاي ة للق ارئ بع د أن أرش ده إلى‬
‫مواضع الض عف ومك امن الق وة فيه ا‪ .‬مثلم ا اعتم د على فحص مواض ع كث يرة من‬
‫شعر الشاعرين‪ ،‬لتبيُّن مدى إبداعهم أو إخفاقهم‪ .‬وهو في حراك مناقشاته ك ان ينظ ر‬
‫في أشعارهم ويحلل ويغوص وراء المعاني ويفتش في طريق ة االس تعارات وطبيع ة‬
‫التشبيهات وصياغة المعاني‪ ...‬فهو ناقد يعتمد كثيرا على البعد التط بيقي وال يقتص ر‬
‫على الجانب النظري وحده‪.‬‬
‫لق د ن اقش حجّ ة أص حاب أبي تم ام ب أن البح تري تلمي ذ أبي تم ام‪ ،‬وبعض ش عر‬
‫األخير قد يعلق في ذهن البحتري‪ .‬وبأن البحتري اعترف بلسانه بأنّ جيّد أش عار أبي‬
‫تمام والمتميّز فيها خير من جيّد شعره‪ ،‬ولكن رديء شعري خ ير من رديء ش عره‪.‬‬
‫ون اقش ادع اء أص حاب أبي تم ام ب أن بعض من ع ابوا ش عر أبي تم ام إ ّنم ا ع ابوه‬
‫ويفص ل الق ول فيه ا‪ .‬ثم‬
‫ّ‬ ‫لقصور في فهمهم‪ ...‬وهكذا ي ورد اآلم دي الحجج ويناقش ها‬
‫يورد حجج أصحاب البحتري ويفصل القول فيها ويناقشها‪...‬الخ‪ .‬فهو يس رد م ا قي ل‬
‫من حسنات كال الشاعرين‪ ،‬مثلما يسرد ما قيل من سيئات لكال الشاعرين‪.‬‬
‫ومن بين ما تناوله اآلمدي مسألة السرقات الش عرية‪ ،‬فق د أورد في كتاب ه فص ال‬
‫عن هذا الموضوع‪ ،‬وفصّل فيه ما قيل عن سرقات أبي تمام وك ذلك البح تري‪ .‬وه و‬
‫ال يع ّد أغلبها سرقات‪ ،‬حتى أ ّنه لم يع ّد السرقة عيبا من عيوب الشعر حين ناقش ه ذه‬
‫المسألة في موضوع مستقل رئيس‪ .‬واآلمدي تحت مسمّى ((فض ل اإلج ادة)) أخ رج‬
‫كثيرا مما يع ّده البعض سرقة‪ ،‬فهو يع ّدها تجويدا في الشعر‪ .‬ولديه اإلجادة تتحق ق في‬
‫أكثر من حالة‪ ،‬منها أخذ معنى وإحسان اللف ظ في ص ياغته‪ ،‬ومنه ا أخ ذ المع نى م ع‬
‫إحداث زيادة في وضوحه في الصياغة‪ ،‬ومنه ا إض افة ش يء إلى المع نى ق د يتمّم ه‬
‫ويرتقي به‪ ،‬ومنها عكس المعنى وتحويله ليب دو وكأن ه مع نى جدي د‪ ،‬ومنه ا المع اني‬
‫المشتركة بين الناس وكذلك األلفاظ المتداولة بين الن اس ال تي هي ليس ت ملك ا ألح د‬
‫وليست حكرا على أحد‪...‬‬
‫وإجم اال يبقى موق ف اآلم دي ‪ -‬على ال رغم من ك ل محددات ه المنهجي ة وقول ه‬
‫بالموضوعية ‪ -‬سائرا في اتجاه تفضيل مذهب البحتري في الشعر وهو مذهب الطبع‬
‫على مذهب أبي تمام وهو مذهب الصنعة‪ .‬لكن نقد اآلمدي لم يكن متعص با ض د أبي‬
‫تمام أو مفتريا عليه أو مبتعدا عن أسس الموض وعية في التن اول النق دي والمناقش ة‪.‬‬
‫ويمكن القول‪:‬إ ّنه الموقف النقدي المتعلق بالذائقة الذي يفرض حضوره على الناقد‪.‬‬
‫مالحظة‪ :‬هنالك تفاصيل كثيرة ومهمة في موضوع المحاض رة في الكت اب المنهجي‬
‫وكذلك في المصادر األخرى‪.‬‬

You might also like