Professional Documents
Culture Documents
أساتذة التعليم
العالي مساعدين
مشاركات -مداخالت
في
ملتقيات وندوات دولية و
وطنية
مقاالت
إدريس الزكراوي
ملف لمباريات
أساتذة التعليم
العالي مساعدين
مشاركات -مداخالت
في
ملتقيات وندوات دولية و
وطنية
مقاالت
إدريس الزكراوي
1
بسم الله
الرحمن
2
المشاركة األولى مداخلة بعنوان :مميزات بالغية
في كتاب (الروض األنف ) لإلمام السهيلي.
في إطار الندوة العلمية الجهوية التي نظمها المجلس العلمي المحلي لمراكش
حول :اإلمام أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد اهلل السهيلي في موضوع:
3
يشكل تراث الس4هيلي ،ص4ورة متكامل4ة للحي4اة العلمي4ة في عص4ره ،حيث ن4ال من عل4وم اآلل4ة
واللسان حظا وافرا ،فأصبح من الوجوه المتألقة في األن44دلس وفي حض44رة م44راكش ،ويلقب:
بالفقيه – األديب – السيري – المحدث – النحوي – األصولي – البالغي.
وبخص44وص النقط44ة األخ44يرة (مم44يزات بالغي44ة) موض44وع م44داخلتي في ه44ذه الن44دوة المبارك44ة
أقول على بركة اهلل:
إن دراس44ة الس44يرة النبوي44ة ألس44باب بالغي44ة ،أم44ر ال نك44اد نج44د ل44ه أث44را في دراس44ة الس44ابقين
للس 44يرة النبوي 44ة ،وه 44ذا الحكم ال يك 44اد يس 44تثنى من 44ه أح 44د ،اللهم م 44ا ك 44ان من أبي القاس 44م عب 44د
ال 44رحمن أبي الحس 44ن الخثعمي ،الس 44هيلي ،في كتاب 44ه ال 44روض األن 44ف ،ف 44إن كتاب 44ه ق 44د احت 44وى
على نكت بالغية ،وهي جديرة بالدرس واالهتمام لألسباب اآلتية:
إن الس44 4هيلي من علم44 4اء األن444دلس ،والمغارب444ة عموم 44ا ،لهم منهجهم ،وم44 4ذاقهم األدبي )1
والبالغي الخاص.
في الكت44اب م44ادة لغوي44ة وبالغي44ة ال يس44تهان به44ا ،تش44مل اآلي44ات القرآني44ة ،واألح44اديث )2
النبوي44ة واألش44عار الجاهلي44ة واإلس44المية ،واألمث44ال ،والقص44ص ،واللغ44ة ،والع44روض،
وغير ذلك.
يعتبر السهيلي صاحب حاسة فنية رفيعة ،جعلته يتبوأ مكانة علمية متميزة. )3
أما بخصوص المنهج العلمي للسهيلي ،فقد وضح سبب تصنيفه لكتاب الروض األنف،
ومنهج 44 4ه في 44 4ه ،فق44 4ال" :وبع 44 4د فق 44 4د انتحيت في ه 44 4ذا اإلمالء ،بع 44 4د اس 44 4تخارة ذي الط 44 4ول،
واالس44تعانة بمن ل44ه الق44درة والح44ول إلى إيض44اح م44ا وق44ع في س44يرة رس44ول اهلل ص44لى اهلل
علي 44ه وس 44لم ال 44تي س 44بق إلى تأليفه 44ا أب 44و بك 44ر محم 44د بن اس 44حاق المطل 44بي ،ولخص 44ها عب 44د
المال 44ك بن هش 44ام ،المع 44افري المص 44ري ،النس 44ابة النح 44وي مم 44ا بلغ 44ني علم 44ه ،ويس 44ر لي
4
فهمه ،من لفظ غريب ،أو إعراب غامض ،أو موضع ينبغي التنبيه عليه أو خبر ن44اقص
يوجد السبيل إلى تتمته.1
فتبين من خالل منهج السهيلي عدم اهتمامه بالبالغة ,غير أنه خالل شرحه ع44ول عليه44ا
كثيرا ،بل استدرك بواسطتها على النحاة في بعض األمور ،مما جعلنا نجزم ونقول:
إن البالغ44ة إح44دى مزاي44ا ش44رحه ،وإ ن لم يش44ر إليه44ا ص44راحة في ض44بطه كتاب44ه( ال44روض
األن44ف) وخالل تناول44ه علم البالغ44ة ،أش44ار إلى أبوابه44ا وفروعه44ا الثالث44ة – علم البي44ان –
علم المع44اني – علم الب44ديع .وعن44د تناول44ه علم البي44ان تع44رض للك44اف من أدوات التش44بيه،
وبين أنها تقحم لتأكيد التشبيه ،وربما كان إقحاما معيبا كما في قول الراجز:
2
فصيروا مثل كعصف مأكول
ق44ال الس44هيلي" :إن الك44اف تك44ون ح44رف ج44ر ،وتك44ون اس44ما بمع44نى مث44ل ،وي44دلك على أنه44ا
ح4رف وقوعه4ا ص4لة لل4ذي ،ألن4ك تق4ول :رأيت ال4ذي كزي4د ،ول4و قلت ال4ذي مث4ل زي4د ،لم
3
يحس 44ن وب 44ذلك تك 44ون اس 44ما ....وإ ذا دخلت على مث44ل كقول44ه تع44الى" :ليس كمثل 44ه ش44يء"
فهي إذا ح4رف ،إذ ال يس4تقيم أن يق4ال مث4ل مثل4ه ،وك4ذلك هي ح4رف في بيت رؤب4ة "مث4ل
كعصف" لكنها مقحمة ،لتأكيد التشبيه ،كما أقحم4وا الالم من قول4ه" :ي4ا ب4ؤس للع4رب" وال
يج 44وز أن يقحم ح 44رف من ح 44روف الج 44ر س 44وى الالم ،والك 44اف ،أم 44ا الالم فألنه 44ا تعطي
بنفس44ها مع44نى اإلض44افة فلم تغ44ير معناه44ا ،وك44ذلك الك44اف تعطى مع44نى التش44بيه ،ف44أقحمت
لتأكيد معنى المماثلة غ44ير أن دخ44ول مث44ل عليه44ا كم44ا في بيت رؤب44ة ق44بيح ،ودخوله44ا على
مثل كما في القرآن أحسن شيء ألنها حرف جر تعم4ل في االس4م واالس4م ال يعم4ل فيه4ا،
4
فال يتقدم عليها ،إال أن يقتحمها كما أقحمت الالم"
1
الروض األنف ،ج 1ص33-32
2
البيت لرؤبة يصف قوما استؤصلوا فشبههم بالعصف الذي أكل حبه ,والعصف :التبن ,والشاهد فيه إدخال مثل على الكاف .
3
سورة الشورى ،اآلية 11
4
الروض األنف ،ج ،1ص 276
5
وأثن 44اء كالم الس 44هيلي على المج 44از تع 44رض لحجيت 44ه في اللغ 44ة عن 44د قول 44ه تع 44الى" :وبلغت
القلوب الحناجر".
يق44 4ول" :والقلب ال ينتق44 4ل من موض44 4عه ،ول44 4و انتق44 4ل إلى الحنج44 4رة لم44 4ات ص44 4احبه ،واهلل
سبحانه ال يقول إال الحق ،ففي هذا دليل على أن التكلم بالمجاز على جهة المبالغة ،فهو
حق إذا فهم المخاطب عنك".1
وإ ذا ك44ان الس44هيلي أثبت المج44از في ه44ذه اآلي44ة ،فق44د أنك44ره في آي44ة أخ44رى مش44ابهة ،ألنه44ا
وصف ألهوال القيامة ،والقيامة لها أهوالها الخاصة بها على كل حال يقول" :وأما قوله
"إذا القل444وب ل444ذى الحن444اجر" 2فال مع444نى لحمل444ه على المج 44از ألن 44ه في ص 44فة ه 44ول ي 44وم
القيام44ة ،واألم44ر في44ه أش44د مم44ا تق44دم ،وق44د ق44ال في أخ44رى" :ال يرت44د إليهم ط44رفهم وأفئ44دتهم
4
هواء" .3أي فارق القلب الفؤاد ويبقى فارغا هواء
وه44ذه إض44افة نوعي44ة تحس44ب لإلم44ام الس44هيلي ،حيث إن الق44رآن ج44اء على لس44ان الع44رب،
وه44ذا ص44حيح لكن هن44اك أم44ور تناوله44ا في ع44الم الغيب ،له44ا س44ماتها الخاص44ة ،فال ينبغي
أن تخضع لمنطق اللغة دائما ،ألن اللغة محكومة دائما في دالالتها الحس44ية والبيئي44ة عن44د
من نطقوا بها ،وما وراء الغيب يتجاوز معطيات هذه ال44دالالت ،ول44ذلك ق44ال ابن عب44اس:
"ال يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إال في األسماء".5
وفي ب44اب الكناي44ة ال44تي أش4ار إليه44ا الس4هيلي عن4د ق44ول ال44براء من مع44رور للن44بي ص44لى اهلل
علي44ه وس44لم "نبايع44ك على أن نمنع44ك مم44ا نمن44ع من44ه أزرن44ا" أراد نس44اءنا ،وق44ال :والع44رب
تك44نى عن الم44رآة ب44اإلزار ،وتك44نى أيض44ا ب44اإلزار عن النفس ،وتجع44ل الث44وب عب44ارة عن
البسه،
6
كما قال:
رموها بأثواب خفاف فال ترى لها شبها إال النعام المنفرا.
أي بأبدان خفاف ،فقوله مما نمنع منه أزرنا يحتمل الوجهين جميعا.
وفي الس44ياق ذات44ه ينق44ل الس44هيلي ق44وال آخ44ر وق44ع علي44ه لف44ظ اإلزار كناي44ة عن األه44ل عن44د
أبي علي الفارسي ،بينما ذهب ابن قتيبة إال أنه كناية عن النفس.
وي44رجح الس44هيلي م44ا ذهب إلي44ه ابن قتيب44ة ،معتم44دا على التحلي44ل النح44وي للس44ياق ،وعلى
ال44بيت ال44ذي يلي الش44اهد الم44ذكور ،يق44ول" :وق44د ق44ال الفارس44ي في ق44ول الرج44ل ال44ذي كتب
إلى عمر من الغزو يذكره بأهله.
أال أبلغ أبا حفص رسوال ...فدى لكل من أخي ثقة إزاري
قال :اإلزار كناية عن األهل ،وهو موضع نصب باإلغراء ،أي إحفظ إزاري.
وق44ال ابن قتيب44ة :اإلزار في ه44ذا ال44بيت كناي44ة عن نفس44ه ،ومعن44اه :ف44دى لك44ل نفس44ي ،وه44ذا
الق44ول ه44و المرض44ي في العربي44ة ،وال44ذي قال44ه الفارس44ي بعي44د عن الص44واب ،ألن44ه أض44مر
المبت44دأ وأض44مر الفع44ل الناص44ب لإلزار ،وال دلي44ل علي44ه لبع44ده عن44ه ،وبع44د ال44بيت م44ا ي44دل
على صحة القول المختار وهو:
وفي علم المع44اني :تع44رض الس44هيلي إلى التق44ديم والت44أخير في مواض44ع متع44ددة منه44ا قول44ه
تعالى" :وليس الذكر كاألنثى" 2حيث بيد أن الترتيب بحس44ب األفض4ل في نظ44ر اهلل للعب44د،
1
الروض األنف ،ج ،4ص 119
2
سورة آل عمران اآلية 36
7
فق44ال" :ف44إن قي44ل :ك44ان القي44اس في الكالم أن يق44ال :وليس األن44ثى كال44ذكر ألنه44ا دون44ه ،فم44ا
بال44ه ،ب44دأ بال44ذكر ،والج44واب :أن األن44ثى إنم44ا هي دون ال44ذكر في نظ44ر العب44د لنفس44ه ،ألن44ه
يهوى ذكران الب4نين وه4و م4ع األم4وال زين4ة الحي4اة ال4دنيا ،وأق4رب إلى فتن4ة العب4د ،ونظ4ر
الرب للعب4د خ44ير من نظ4ره لنفس44ه ،فليس ال44ذكر ك4األنثى على ه4ذا ،ب44ل األن44ثى أفض44ل في
الموهب44ة ،أال ت44راه يق44ول س44بحانه "يهب لمن يش44اء إناث44ا" 1فب44دأ ب44ذكرهن قب44ل ال44ذكور ،وفي
الح44ديث "إب44دءوا باإلن44اث" 2يع44ني في الرحم44ة وإ دخ44ال الس44رور على الب44نين ،وفي الح44ديث
أيضا" :من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة كه44اتين" 3ف44تركب الكالم في التنزي44ل على
األفصل في نظر اهلل للعبد ،واهلل أعلم بما أراد.4
مرة أطلق عليها مص44طلح المج44از يق44ول :وفي التنزي44ل خ4برا عن ن44وح" :إن تس44خروا من44ا
فإن44ا نس44خر منكم" 5ولم يق44ل نس44تهزئ بكم كم44ا تس44تهزؤون ،ألن االس44تهزاء ليس من فع44ل
األنبياء وإ نما هومن فعل الجاهلين.
فالنبي يسخر :أي يعجب من كفر من يسخر به ،ومن س4خر عق4ولهم ،ف4إن قلت :فق4د ق4ال
اهلل تعالى" :اهلل يستهزئ بهم" 6قلنا العرب تسمي الجزاء على الفعل باس4م الفع4ل كم4ا ق4ال
اهلل تع44 4الى" :نس44 4وا اهلل فنس44 4يهم" 7ف44 4ذلك مج44 4از حس44 4ن ..ويحس44 4ن في حكم البالغ44 4ة وض44 4ع
واحدة مكان أخرى.8.
ويض 44يف الس 44هيلي في موض 44ع آخ 44ر مص 44طلح المش 44اكلة كم 44ا فع 44ل عن 44د ق 44ول رس 44ول اهلل
ص44 4 4لى اهلل علي 44 4ه وس44 4 4لم " :أم 44 4رت أن أبش44 4 4ر خديج 44 4ة ب 44 4بيت من قص44 4 4ب الص44 4 4حب في 44 4ه
1
سورة الشورى ،اآلية 49
2
لم أعثر عليه بلفظه ,وفي مشكاة المصابيح الحديث رقم 4979ج 3ص 1389قريب منه
3
في شرح النووي على صحيح مسلم "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه "ج 8ص 229رقم الحديث 6638
4
الروض األنف ،ج ،5ص 37-36
5
سورة هود اآلية .38
6
سورة البقرة ،اآلية 15
7
سورة التوبة ،اآلية 63
8
الروض األنف ،ج ،3ص411
8
وألنص 44ب" 1حيث فس 44ر ه 44ذا الح 44ديث بن 44اء عن المش 44اكلة تفس 44يرا ب 44ديعا ،يط 44ابق في 44ه بين
الج44زاء في اآلخ44رة الم44ترتب عن العم44ل الص44الح في ال44دنيا حيث يك44ون الج44زاء من جنس
العم 44ل ،يق 44ول :ل 44ذكر ال 44بيت ههن 44ا به 44ذا اللف 44ظ ولقول 44ه بيت ولم يق 44ل بقص 44ر مع 44نى الئ 44ق
بصورة الحال ،وذلك أنها كانت ربة بيت إس44الم ،لم يكن على ظه44ر األرض بيت إس44الم
إال بيتهم44ا حيث آمنت ،وأيض44ا فإنه44ا أول من ب44نى بيت44ا في اإلس44الم بتزويجه44ا رس44ول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم ورغبتها فيه ،وجاء الفعل يذكر بلفظ الفعل ،وإ ن كان أشرف منه.
ويض44يف موض44حا للمش44اكلة في بقي44ة ألف44اظ الح44ديث النب44وي فيق44ول :أم44ا قول44ه" :ال ص44خب
فيه وال نصب" فإنه أيضا من باب ما كنا بس4بيله ،ألن4ه علي4ه الص4الة والس4الم دعاه4ا إلى
اإليم 44ان فأجابت 44ه عف 44وا لم تحوج 44ه إلى أن يص 44خب كم 44ا يص 44خب البع 44ل إذا تعص 44ت علي 44ه
حليلت 44ه ،وال أن ينص 44ب ،ب 44ل أزالت عن 44ه ك 44ل نص 44ب ،وآنس 44ته من ك 44ل وحش 44ة ،وه 44ونت
علي44ه ك4ل مك44روه ،وأراحت44ه بماله4ا من ك44ل ك44د ونص4ب ،فوص4ف منزله4ا ال44ذي بش4رت ب4ه
بالصفة المقابلة لفاعلها وصورته.
وي44بين الس44هيلي س44بب اس44تخدام كلم44ة قص44ب في وص44ف بيت خديج44ة بالجن44ة دون غيره44ا
من الوص44اف ك44اللؤلؤ مثال ،وذل44ك مراع44اة للمماثل44ة في نيله44ا قص44ب الس44بق إلى اإليم44ان،
فيق 44ول :وأم 44ا قول 44ه " :من قص 44ب" ولم يق 44ل من لؤل 44ؤ وإ ن ك 44ان المع 44نى واح 44دا ،ولكن في
اختصاص44ه ه44ذا اللف44ظ من المش44اكلة الم44ذكورة والمقابل44ة بلف44ظ الج44زاء للف44ظ العم44ل ،أنه44ا
رض44ي اهلل عنه44ا ك44انت ق44د أح44رزت قص44ب الس44بق إلى اإليم44ان دون غيره44ا من الرج44ال
والنس44وان ....ح44تى ق4ال" :فاقتض44ت البالغ44ة أن يع44بر بالعب44ارة المش44اكلة لعمله44ا في جمي44ع
ألف44اظ الح44ديث فتأمل44ه ،ويالح44ظ هن44ا أن الس44هيلي اس44تخدم مص44طلح المش44اكلة ،وب44رع في
بيان تأثيرها في الكالم.
1
فتح الباري شرح صحيح البخاري ,كتاب التوحيد ,باب قول هللا تعالى " يريدون أن يبدلوا كالم هللا " رقم الحديث 7497ج 13ص575
9
ه44 4ذه بعض المم44 4يزات البالغي44 4ة لإلم44 4ام الس44 4هيلي ،موض44 4وع مش44 4اركتي في هات44 4ه الن44 4دوة
العلمي44ة المبارك44ة من خالل كتاب44ه "ال44روض األن44ف" ال44ذي ألف44ه وه44و يع44تز ب44ه متمثال ق44ول
الشاعر.
الس44هيلي ال44ذي اخت44ار أن يعيش أواخ44ر حيات44ه بم44راكش وأن ي44ترك األن44دلس كم44ا وص44فها
ابن خفاجة.
السهيلي الذي اختار أن يكتب في السيرة وأن يساهم ولو بالقليل متمثال قول القائل:
10
بسم الله الرحمن الرحيم
11
أحكام السهو في الصالة
السهو لغة :الذهول عن الشيء.
واصطالحا :سجدتان بعدهما تشهد على الشهور دون صالة على النddبي صddلى هللا
عليه وسلم ودون دعاء وبينهما جلسة ،فإن سجدهما قبل السالم سمي قبليا ،وإن سجدهما
بعد السالم سمي بعديا وذلك بحسب سببه.
حكمــــــه: )1
-سنة بالنسبة لإلمام والفذ والمأموم dولو حكمddا كالمسddبوق إذا سddها في قضddائه
بعد سالم إمامه.
-الوجوب لبطالن صالة تاركه أو مؤخره بعد السالم كثيرا.
صلَّىسو ُل هَّللا ِ َ ي قَا َل قَا َل َر ُ س ِعي ٍد ا ْل ُخ ْد ِر ِّ )2دليلـــــه " :عَنْ أَبِي َ
صـلَّى صـاَل تِ ِه فَلَ ْم يَـ ْد ِر َك ْم َ شـ َّك أَ َحـ ُد ُك ْم فِي َ سـلَّ َم إِ َذا َ هَّللا ُ َعلَ ْيـ ِه َو َ
اس ـتَ ْيقَ َن ثُ َّم يَ ْ
س ـ ُج ُد ش َّك َو ْليَ ْب ِن َعلَى َمــا ْ ثَاَل ثًا أَ ْم أَ ْربَ ًعا فَ ْليَ ْط َر ْح ال َّ
شفَ ْع َن لَ ـهُ َ
ص ـاَل تَهُ سا َ صلَّى َخ ْم ً ان َ سلِّ َم فَإِنْ َك َس ْج َدتَ ْي ِن قَ ْب َل أَنْ يُ َ َ
ان " ش ْيطَ ِ صلَّى إِ ْت َما ًما أِل َ ْربَ ٍع َكانَتَا ت َْر ِغي ًما لِل َّ ان َ َوإِنْ َك َ
قال ابن عاشر رحمه هللا:
سنَــنْ
س ْج َدتان أو ُ
الم َ
س ِسنّ *** قبل ال ّ سنَّ ِة ِ َ
س ْه َوا يُ َ ص ُفَصــل لِنَ ْق ِ
س َجـ ْد *** بَ ْعد َكذا والنَّ ْقص َغلِّ ْ
ـب إن َو َر ْد س ْه َوا َإنْ أُ ِّك َدتْ َو َمنْ يَ ِز ْد َ
***واستَ ْد ِر ِك ا ْلبَ ْع ِدي ولو من بعد عاَم
َ سال ْمب ال َّ ستَ ْد ِر ِك ا ْلقَ ْبل َّي مع قُ ْر ِ
َوا ْ
عن ُم ْقتَ ِد ِ يَ ْح ِم ُل َه َذ ْي ِن اإلمــا ْم
أسباب سجود السهو في الصالة: )3
أسباب سجود dالسهو في الصالة تنقسم إلى قسمين:
-أسباب سجود السهو القبلي ثالثة:
-1نقص سنة مؤكدة داخلة في الصddالة سddهوا ،والسddنن المؤكddدة dكمddا هddو معلddوم
ثمانية وهي :السر ،والسورة d،والتشهد األول والثاني ،والجهر ،والجلddوس للتشddهد األولd
والثاني ،والتكبير ،والتحميد ,،ونظمها أحد الفقهاء فقال:
سينان شينان كذا جمان *** تاءان عدد السنن الثمان
12
ويقول ابن عاشر رحمه هللا:
يام أ َّوالً و الثَّانِيَ ْه
سو َرةُ بَ ْع َد ا ْلواقِيَ ْه *** َمـــــ َع ا ْلقِ ِ
سننـــها ال ُّ
إلى أن قال :والباقي كما لمندوب في الحكم بدا.
-2نقص سddنتين غddير مؤكddدتين فddأكثر داخلddتين في الصddالة إن كddان ذلddك عمddدا
فصالته باطلة وإن كان سهوا فسجود dالسهو واجب لجبرها.
-3اجتماع نقص أكثر من سنة ولو غير مؤكدة مع زيادة في الصddالة يسddجد لهمddا
سجودا dقبليا ترجيحا لجانب النقص كمن ترك أكثر من تكبرة وقddام لركعddة خامسddة ،قddال
ابن عاشر رحمه هللا:
س َج ْد *** بَ ْع ُد َكـ َذا َوالنَّ ْق َ
ص َغـلِّ ْ
ـب إِنْ َو َر ْد إِنْ أُ ِّك َدتْ َو َمـنْ يَـ ِز ْد َ
س ْهـواً َ
-أسباب سجود السهو البعدي:
أسباب السجود dالبعدي أمران:
-1الزيادة التي ليست من جنس الصالة وهي:
إما أقوال dوأفعال dكااللتفات في الصالة أو حك الجسد أو المشي نحddو صddفين لسddد
الفرجة أو حمد عاطس كما وقع ألحد الصحابة خلف النبي صلى هللا عليه وسلم ،فأجابddه
عليه الصالة والسالم" :إن هذه الصالة ال يصلح فيها شيء من كالم الناس" ولم يddأمره
بالسجود ،أو إدارة اإلمام المؤتم به من يسddاره إلى يمينddه .كddل هddذه األقddوال واألفعddال ال
تحتاج إلى جبرها بالسجود.
-2الزيادة التي من جنس الصالة ومنها:
-الزيddادة في األقddوال المسddنونة كقddراءة السddورة في الركعddتين األخddيرتين أو
الخروج من سورة إلى سddورة في كddل من السddورة األولى والثانيddة ،هddذه الزيddادة ليسddت
بحاجة إلى جبرها بالسجود dسواء زيدت عمدا أو سهوا.
-الزيادة في األفعال كزيادة ركن فعلي أو زيادة ركعة أو ركعتين سddهوا ،هddذه
الزيادة تجبر بسجود السهو.
ومن أمثلة ذلك:
من شك في عدد الركعات بنى على اليقين وسجد بعد السالم.
من شك في عدد السجدات dيأتي بما شك ويسجد بعد السالم.
13
من كثر شكه أعرض عنه وال يلتفت إليه.
فائدة :السهو في النافلة كالسهو في الفريضة إال في خمس مسائل:
( -)1قراءة السورة dفي النافلة انهdا سdنة وتركهdا ال سdجود فيdه بخالف الفريضdة
على التفصيل.
( -)2الجهر فيما يجهر فيddه والسddر فيمddا يسddر فيddه إذا تركddه في النافلddة ال سddجودd
عليه.
( -)3عقد الثالثة في النافلة أقامها أربعا.
( -)4إذا نسي ركنا من أركان النافلة وطال فال شيء عليه بخالف الفريضة الddتي
يعيدها.
وقد جمعها بعضهم في هاذين البيتين:
وسهو بنفل ،مثل سهو فريضـة *** سوى خمسة ،س ّر وجهر ،وسورة
وعقد ركوع جا بثالثة ،ومــن *** عن الركن قد يسهـو وطال ،تثبت
يسجد الساهي سجدتين ولو تكررت السورة المتروكة وال فddرق بين كddون النقص
محققا أو مشكوكا فيه.
من سها بزيادة مع نقصان سجد قبل السالم ولو اجتمعت مع الزيادة سنة خفيفة.
من سها ونسي هل زاد أو نقص سجد قبل السالم تغليبا لحكم النقص.
من لم يدر أهو في الوتر أو في الشفع فإنه يجعل الركعة التي هو فيها ثانية الشddفع
ويسجد بعد السالم كما قال مالك رحمه هللا في المدونة:
الخروج من السجد ال يعد طوال عند مالك رحمه هللا.
قال صلى هللا عليه وسلم" d:إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائمــا فليجلس،
وإن استتم قائما فال يجلس ويسجد سجدتي السهو" رواه أحمد وابن ماجة وأبو داوود.
وحاصddل الكالم أن من نسddي ركنddا من أركddان الصddالة أو فرضddا من فرائضddها
كالركوع dوالسجود ثم تذكره بالقرب فإنه يستدركه ،فإن لم يتذكر حتى حال الركوع بينddه
وبين تداركه فإنه يلغي الركعة صاحبة السهو ،وإن كان السهو في الركعة األخddيرة فإنddه
يتداركه قبل السالم فإذا سلم أحرم لما بقي من صالته ويكون إحرامه بالقرب وإال بطلت
صالته لطول الزمن ،وهذا معنى البيتين:
14
س ْهـ ِو َوالبِنَـا يَطُـو ْع الـر ْك َن فَإِنْ َحـا َل ُر ُكو ْع *** فَأ َ ْل ِ
ـغ َذاتَ ال َّ ستَ ْد ِر ِك ُّ
َوا ْ
سـا َد ُم ْلـ ِز ُم
طـو ُل ا ْلفَ َ ـحـ ِر ُم *** لِ ْلبَاقِـي َوال ُّ
سلَّـ َم لَ ِكـنْ يُ ْ َكفِ ْع ِ
ـل َمنْ َ
المواضع الخمس التي سها فيها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:
-عند نيسان التشهد األول d،ونسيان سddنة من سddنن الصddالة لمddا رواه الجماعddة
عن ابن بحينة أنه صلى هللا عليه وسلم صلى فقام في الركعتين فسبحوا به فمضى فلمــا
فرغ من صالته سجد سجدتين ثم سلم.
-أنه صلى هللا عليه وسلم dسلم قبل إتمddام الصddالة لحddديث ابن سddيرين عن أبي
هريرة رضي هللا عنه أنه قال :صلى بنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إحــدى صــالتي
العشي (الظهر أو العصر) فصلى ركعتين ثم ســلم فســبح القــوم فصــلى مــا بقي وســجد
سجدتين.
-عن ابن مسعود رضي هللا عنه أنه صلى هللا عليه وسلم صلى خمسـا فقيـل
له :أزيد في الصالة ؟ فقال :ومـا ذاك ؟ فقـالوا :صـليت خمسـا .فسـجد سـجدتين بعـدما
سلم.
-أنddه صddلى هللا عليddه وسddلم dسddلم من ثالث على مddا في حddديث عمddران بن
الحصين رضddي هللا عنddه سddلم رسddول هللا صddلى هللا عليddه و سddلم من ثالث ركعddات من
العصر فدخل فقام إليه رجل يقال له الخرباق فقال الصالة يdا رسdول هللا فخddرج مغضdبا
يجر رداءه فقال أصدق قالوا نعم فقام فصلى تلك الركعة ثم سلم ثم سجد سddجدتها ثم سddلم
" سنن النسائي الكبرى
-السجود من الشك على ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضddي هللا عنddه
قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :إذا شك أحدكم في صالته ،فلم يــد ِر كم صــلى
ثالثًا أم أرب ًعا؟ فليطرح الشك ،وليبن على ما استيقن ،ثم ليسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم،
سا شفعن له صالته ،وإن كان صلى تما ًما كانتا ترغي ًمــا للشــيطان ".
فإن كان صلى خم ً
رواه مسلم وأحمد .وفي هذا الحديث دليل على أن من شddك في عddدد الركعddات بddنى على
األقل dثم يسجد للسهو.
15
المشاركة الثالثة عرض بعنوان :البعد الديني
والوطني للتشبث بالمذهب المالكي بالمغرب
القي مسجد الشيخ بأبي الجعد بتاريخ 2006 – 9 – 12م
16
البعد الديني والوطني للتشبث بالمذهب المالكي بالمغرب
لق 44د اخت 44ار المغارب 44ة الم 44ذهب الم 44الكي في الفق 44ه والعقي 44دة األش 44عرية في العقي 44دة والتص 44وف
السني في السلوك وذلك راجع إلى أبعاد ديني4ة وأخ4رى وطني4ة س4نتعرض له4ا من خالل ه4ذا
العرض بإذن اهلل غير أن المنهجية تفرض علينا اإلشارة إلى النقط التالية:
-1نشأة الفقه
- 2تعريف المذهب
-5محاربة المذهب
-6األبعاد الدينية
-7األبعاد الوطنية
-8خاتمة الموضوع
نشأة الفقه:
نش44أ الفق44ه م44ع نش44أة األحك44ام في عه44ده ص44لى اهلل علي44ه وس44لم ,وهي إم44ا فت44وى في واقع44ة ,أو
قضاء في خصومة ,أو جوابا عن سؤال ,ومصدرها القرآن والسنة.
وأول من قام بهذا المنصب هو سيد المرسلين سيدنا محمد صلى اهلل عليه وسلم .
وبع44د موت44ه ق44ام ب44الفتوى من بع44ده الص44حابة الك44رام ألين األم44ة قلوب44ا ,وأعمقه44ا علم44ا ,وأقله44ا
تكلفا ,فكانت األحكام عندهم مكونة من القرآن والسنة وفتاوى الصحابة ,ومن أمثلة ذلك :
17
-الج44دة من قب44ل األم وفت44وى أبي بك44ر :ق44ال له44ا :مال44ك في كت44اب اهلل ش44يء ,وم44ا علمت ل44ك
في سنة رسول اهلل شيئا فارجعي ح4تى أس4أل الن4اس ,فق4ال المغ4يرة بن ش4عبة رض4ي اهلل عن4ه
حض44رت رس44ول اهلل ص44لى اهلل علي44ه وس44لم فأعطاه44ا الس44دس فق44ال ل44ه ه44ل مع44ك غ44يرك فش44هد
محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه أبو بكر.
وفي خالف4ة عم44ر ج4اءت الج4دة األخ44رى من قب4ل األب تس4أل ميراثه4ا .فق44ال له44ا عم4ر :مال44ك
في كتاب اهلل ش44يء وم4ا ك4ان القض44اء ال4ذي قض4ي ب44ه إال لغ4يرك وم44ا أن4ا بزائ4د في الف44رائض
شيء ولكنه ذلك السدس فإن اجتمعتما فهو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها.
تعريف المذهب:
الم 44ذهب لغ 44ة الطري 44ق ومك 44ان ال 44ذهاب .يق 44ال ذهب الق 44وم م 44ذاهب ش 44تى أي س 44لكوا طرائ 44ق
مختلف44ة ثم ص44ارهذا عن44د الفقه44اء حقيق44ة عرفي44ة فيم44ا ذهب إلي44ه إم44ام من األئم44ة في األحك44ام
االجتهادية .
والم44ذهب به44ذا المع44نى لم يكن معروف44ا بين المس44لمين فمال44ك رحم44ه اهلل ك44ان يش44ير إلى الس44نة
وفق 44ه الص 44حابة والت 44ابعين فم44ا ك 44ان مال 44ك والغ 44يره ي 44دعو إلى التمس 44ك بمنهج 44ه في االجته 44اد
وإ نم 44ا ك 44انوا يتبع 44ون من س 44بقهم من علم 44اء الت 44ابعين وه 44ؤالء عن الص 44حابة عن رس 44ول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم.
ولم يح444دث ه444ذا إال في الق444رن الراب444ع الهج444ري عن444دما دعت الظ 44روف إلى ه 44ذا الن 44وع من
االلتزام ,غ4ير أنن4ا ال ننك4ر أن ب44ذرة الم44ذاهب ق4د ب44دأت قب4ل ه4ذا العص44ر إذ ك4ان أه4ل المدين44ة
يعتمدون على فتاوى ابن عمر وأه44ل مك4ة على فت44اوى ابن عب4اس وأه4ل الكوف44ة على فت4اوى
ابن مسعود فكان هذا أول غرس ألصل التمذهب بالمذهب.
18
مال 44ك رحم 44ه اهلل ول 44د بالمدين 44ة م 44وطن رس 44ول اهلل ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم ومجم 44ع الص 44حابة
والت44ابعين فت44أثر ب44آرائهم وأفك44ارهم فأنش44أ مدرس44ته العظيم44ة وأل44ف أول مؤل44ف ص44حت نس44بته
إليه ،جمع فيمة الفقه والحديث
من الطبيعي أن ينتشر المذهب المالكي في المشرق ألن4ه من44ه نب4ع وفي4ه تفج44ر وحمل44ه تالمي4ذ
اإلمام مالك فبعد المدينة المنورة انتقل المذهب المالكي إلى مصر على يد عبد ال4رحمن بن
القاسم ثم اليمن ثم العراق ثم افرقية أي تونس وما وراء بالد المغرب واألندلس.
أما بالنسبة للمغرب فيظهر أن دخول هذا المذهب إليه من األندلس أيام األدارسة وكان قبل44ه
المذهب السائد هو مذهب األوزاعي.
شخص 44ية مال 44ك لم 44ا ع 44رف عن 44ه من تمس 44ك بالس 44نة ومحارب 44ة للبدع 44ة ,فم 44ا من مس 44ألة )1
عرضت عليه إال التمس له4ا دليال من كت4اب أو س4نة ف4إن لم يج4د ذهب إلى القي4اس الص4حيح
فإن لم يجد اعتذر عن االفتاء واكتفى بجملته المحببة لديه ''ال أدري''.
-2اآلث44ار ال44واردة في ش44أن ع44الم المدين44ة ومنه44ا قول44ه ص44لى اهلل علي44ه وس44لم '' :يوش44ك
1
أن يضرب الناس أكباد اإلبل في طلب العلم فال يجدون عالما أعلم من عالم المدينة''
ق44ال س44فيان بن عيين44ة كن44ا نس44مع أه44ل المدين44ة يقول44ون أن44ه مال44ك بن أنس ,وبع44د ه44ذا أن
أح44د األدارس44ة األول أو الث44اني على اختالف بين الم44ؤرخين أن44ه حم44ل الن44اس على األخ44ذ ب44ه
واتباع منهجه وجعله مذهبا رسميا للدولة معززا ذلك بقوله :نحن أحق الن4اس باتب4اع م4ذهب
مالك وقراءة كتابه الموطأ.2
1شرح الزرقاني dعلى الموطأ ج ص
2غاية األماني في الرد على النبهاني ألبي المعالي محمود dشكري بن عبد هللا بن محمد بن أبي الثناء
األلوسي dتحقيق أبو عبد هللا الداني بن منير آل زهوي dالناشر :مكتبة الرشد ،الرياض ،المملكة العربية
19
ومنهم من ي44رد ذل44ك إلى مالءم44ة مذهب44ه لطبيع44ة المغارب44ة ألن44ه م44ذهب عملي يعت44د -3
ب44الواقع ويأخ44ذ ب44أعراف الن44اس وع44اداتهم فه44و عملي أك44ثر من44ه نظ44ري يتماش44ى م44ع
طبيعة الفطرة وأهل المغرب يميلون إلى البس4اطة والوض44وح ال إلى التأوي4ل البعي44د
عن اإلس44 4الم ,والفقه44 4اء رحمهم اهلل يقول44 4ون األس44 4ئلة ال44 4تي ال ي44 4ترتب عليه44 4ا عم44 4ل
الخض فيها التكلف
فاختي44ار المغارب44ة إذن الم44ذهب الم44الكي ه44و اختي44ار م44ذهب أه44ل الس44نة وفق44ه الص44حابة
والت44ابعين وه44ذه االعتب44ارات ك44ان له44ا أث44ر خ44اص في نف44وس المغارب44ة عموم44ا وفقه44ائهم
على الخصوص فكانوا يبايعون األمراء على كتاب اهلل وسنة رسوله ومذهب مالك.
وي44رى فري44ق ث44الث إن الس44بب ه44و مناهض44ة فقه44اء المالكي44ة لفقه44اء األحن44اف ك44انوا )2
يأخذون عليهم تواطؤهم مع األمراء األغالبة وتساهلهم في إصدار األحكام كق44ولهم
بتحلي44ل النبي44ذ مم44ا دف44ع محم44د بن س44حنون أن يؤل44ف كتاب44ا في تحريم44ه اض44افة إلى
امتحان سحنون في مسألة خلق القرآن في المغ4رب كم4ا امتحن أحم4د بن حنب4ل في
المش44 4رق حيث ق44 4ال أحم44 4د األغلب ومع44 4ه ابن أبي الج44 4واد وداود بن حم44 4زة وك44 4ان
جواب 44ه الق 44رآن كالم اهلل غ 44ير مخل 44وق فق 44ال ابن أبي الج 44واد كف 44ر فاقتل 44ه ودم 44ه في
عنقي وقال داود قتله بالسيف راحة ولكن اقتله قتل الحياة فأخذ عليه 10حمالء.
ه 44ذا الموق 44ف من األحن 44اف جع 44ل المغارب 44ة يتش 44بتون بالم 44ذهب الم 44الكي وينف 44رون من
األحناف,
ظهر هذا بوضوح في عصر الموحدين الذين ضيقوا على فقه4اء المالكي4ة وعارض44وا
م 44ذهبهم معارض 44ة ص 44ريحة واحرق 44وا كتبهم منه 44ا :مدون 44ة س 44حنون و الواض 44حة البن
حبيب والنواذر البن أبي زيد القيرواني.
وهكذا يتضح أن المغاربة اختاروا المذهب المالكي منذ 12قرنا وما يزيد لكونه
20
أقرب المذاهب لحياة الناس -1
مالءمته لطبائع الناس وفطرتهم -2
اقتناع ارتكز عليه سلف األمة وخلفها من أهل المغرب في هذا االختيار. -3
وأعضد رأيي بقول ابن تيمية رحمه اهلل حيث ق4ال '' :إن من ت44دبر أص44ول الس44الم -4
وقواعد الشريعة وجد أصول مالك وأهل المدينة أصح األصول والقواعد صحة''
وذك4ر بعض الم4ؤرخين أن مال4ك رحم4ه اهلل س4أل بعض األندلس4يين عن س4يرة مل4ك -5
األندلس فوصفوا له سيرته أنه يأكل الشعير ويلبس الص44وف ويجاه44د في س44بيل اهلل
فقال مالك ليت اهلل زين حرمنا بمثله ،فوصل الخبر إلى ملك األندلس فحمل الناس
على مذهبه وترك مذهب األوزاعي
كما روي أن مالكا رحمه اهلل ك4ان ش44ديد المي44ل إلى الطلب44ة المغارب44ة لم44ا لمس44ه فيهم -6
من استعداد جاد .والحمد هلل رب العالمين .
21
المشاركة الرابعة محاضرة في موضوع
التحسيس بأخطار التدخين والمخدرات
ألقيت بدار األطفال
22
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الحضور ،اتقوا هللا واشddكروه أن أغنdاكم بحاللdه عن حرامddه ،وأبdاح لكم من
الطيبات ما يصلح دينكم وأبدانكم ،وحرم عليكم الخبائث ألنها تضركم وال تنفعكم.
عباد هللا ،إن التغذي بالطيبات يكون لddه أثddر حميddد على صddحة اإلنسddان وسddلوكه
ألنه تغذى بطيب .والتغذي dبالخبيث يكون له أثر خبيث في األبدان والسلوك dألنه يتغddذى
بالخبيث.
والتدخين من الخبائث التي ابتلي بها المجتمddع اإلسddالمي ،حيث فشddا في الصddغار
والكبار وأصبح دخانه يؤذي األبرياء.
الكبير :عذره أنه ال حيلة له ،والصغير يعتبره مكمال للرجولة .والمثل يقول :أوله
دصارة وآخره خسارة .وأحسن من هddذا كلddه قddول النddبي صddلى هللا عليddه وسddلم" :إذا لم
تستح فاصنع ما شئت".
إن شرب الدخان ضار بالبدن والمddال والمجتمddع ،و معلddوم dأن واحddدا منهddا كddاف
لالبتعاد منه والهروب dمن ساحته.
الــدخان ضــار بالبــدن :يضddعف القلب ،وهوالسddبب في مddرض سddرطان الرئddة
ومرض السل كما أنه يقلل شهوة الطعام ،ويفسد الذوق ،وغيرها من األمراض.
وقddد ذكddر األطبddاء السddبب في إحداثddه هddذه األمddراض هddو اشddتماله على مddادة
النيكوتين.
ضرر المال :المدخن يقدم شراء التddدخين على شddراء غddيره من الضddرورات لddو
صرف ماله هذا على الفقراء لكسب أجرا ومغفرة.
ضــرر المجتمــع :المddدخن يسddيء إلى مجتمعddه :األسddرة الصddغيرة والكبddيرة على
السواء.
23
الكبيرة :مقهى – سيارة – أماكن عمومية.
الصddغيرة األسddرة :تنddاول الddدخان بحضddرتهم مddع أنddك قddدوة ألوالدك dفي الخddير
ولتالميذك إن كنت مدرسا.
والغاية :أن تكddون قddدوة في الخddير ال قddدوة في الشdر ،وأحسdن dمنdه الرجddوع إلى
الحق خير من التمادي في الباطل.
إذاية المالئكة :قال الرسول dصلى هللا عليه وسلم dكمddا في الصddحيحين عن جddابر:
"إن المالئكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم"
أسبابـــــــــه :من أسبابه
ش ْيطَانُ أَنْ يُوقِ ـ َع بَ ْينَ ُك ُم ا ْل َعـ َد َ
اوةَ -وسوسة dالشيطان :قال تعالى((" :إِنَّ َما يُ ِري ُد ال َّ
الصـاَل ِة))" ،وقddال عddز من صـ َّد ُك ْم عَنْ ِذ ْكـ ِر هَّللا ِ َو َع ِن َّ
سـ ِر َويَ ُ ضا َء فِي ا ْل َخ ْم ِر َوا ْل َم ْي ِ
َوا ْلبَ ْغ َ
ان لَ ُك ْم َعد ٌُّو فَاتَّ ِخ ُذوهُ َع ُد ًّوا))". ش ْيطَ َ قائل((" :إِنَّ ال َّ
-رفاق السوء d:كحامل مسك ونافخ كيركما في الحديث.
-اآلباء المربون :األبناء يقلدون آبddائهم في :قddراءة القddرآن – في الddذكر – في
التصدق – في الكلمة الطيبة.
أيها الحضور الكddرام اتقdوا هللا وانظdروا في العddواقب d،فddإن في الحالل غنيdة عن
وعي أنّ نَ ْفسا ً لنْ تَ ُموتَ َحتّى ث في ُر ِ س نَفَ َ
وح القُ ُد ِ
الحرام d،وقد جاء في الحديث" :إنّ ُر َ
أحـ َد ُك ُم
ب ،وال يَ ْح ِملنَّ َ وأج ِملُــوا في الطَّل ِ
ب ِر ْزقَهــا ،فــاتّقُوا هللا ْ َسـت َْو ِع َأجلَهــا َوت ْ َسـتَ ْك ِم َل َ
ت ْ
ق أنْ يَ ْطلُبَهُ بِ َم ْع ِ
صيَ ِة هللا ،فإنّ هللا تعالى ال يُنا ُل ما ِع ْن َدهُ إالّ بِطا َعتِ ِه". ستِ ْبطا ُء ال ِّر ْز ِ ا ْ
كما أن المخدرات :هي كل ما يخدر العقل ،وفيه معنى الستر والتغطية ،كاألفيون
ومشتقاته والكوكايين والحشيش وغيرهم .والعقل نعمة من هللا.
وفي الحديث" :ال تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع".
المال :من أين اكتسبته وفيما أنفقته.
الجسم" :فيما أباله" ،بتناولك سيجارة تقتل جزءا من حياتك.
العالج :تشخيص الحال وعالجه قدر المستطاع .نحن دعاة ال قضاة.
-)1حسن التخلص من هذه اآلفddة :التقليdل من تناولdه في شdهر شddعبان والتخلص
منه في رمضان ،ألنه يسلب منك مالك وعمddرك .وهللا يقddولَ ((" :واَل تُ ْلقُــوا بِأ َ ْيـ ِدي ُك ْم إِلَى
التَّ ْهلُ َك ِة))" ،ويقول في آية أخرىَ ((" :واَل تَ ْقتُلُوا أَ ْنفُ َ
س ُك ْم))".
24
-)2الدعاء d:ابك على هللا وبعزيمة.
-)3التوبة النصوح :قصتان:
-1هارون الرشيد :عند االحتضار قال بعد البكاء :يا من ال يزول ملكddه ارحم من
زال ملكه.
-2الحسن البصري لما سمع الرجل يقول :إنا هلل وإنا إليه راجعddون d،قddال لddه هddل
عرفت dمعناها .قال :نعم ،أنا هلل عبد وأنا إليه راجع .قال الفضيل :من عdرف هdذا عdرف
أنه موقوف dبين يدي هللا وأنه مسؤول فليعد للسؤال جوابا.
فقال الرجل :وما الحيلة يا فضيل ؟ قال :سهلة .قال :ما هي يرحمddك هللا .قddال :أن
تتقي فيما بقي من عمرك يغفر لك هللا ما قد مضى وما قد بقي من عمرك.
وفي ختام هذه الكلمة أطلبه سبحانه أن يقينا شر أنفسنا وأن يلهمنا رشدنا إنه ولي
ذلك والقادر عليه ,سبحان ربك رب العزة ...
25
المشاركة الخامسة مداخلة بعنوان :المثل
األعلى في حياة الشباب
في سياق :األسبوع 4العلمي السنوي الثاني حول السيرة النبوية
الذي نظمه المجلس العلمي المحلي إلقليم خريبكة بتنسيق 4مع النيابة اإلقليمية لوزارة التربية الوطنية
والتكوين المهني بخريبكة
بتاريخ24أفريل 2015
26
27
بسم اهلل الرحمن الرحيم
التربية :وهي الجهد الذي يبذله المربي في كل مجتمع من المجتمعات سواء كان أب44ا أو أم44ا
أو معلما.....إلى آخره.
الم44ربي ال ب44د من أن يك44ون ق44دوة ص44الحة ح44تى تتأس44ى ب44ه البش44رية في الس44لوك والعم44ل ألن44ه
قدوة.
والق44دوة ن44براس ين44ير الطري44ق لآلخ44رين لألب44اء الص44الحين والمدرس44ين المس44تقيمين وال44دعاة
والصالحين
القرآن :من الق6رآن :القص66ص الق6رآني :قص44ص األنبي44اء -الس44ير على ه44ديهم -االقت44داء
بهم -التذكير باألخالق الرفيعة – التنفير من األخالق الذميمة
1
النصوص القرآنية منها" :أفال يتدبرون القرآن"
2
"لقد كان في قصصهم عبرة لألولي اال لباب"
3
''أولئك الذين هدى اهلل فبهداهم اقتده''
28
1
وفي مقدمتهم سيد الخلق " :فبما رحمة من اهلل لنت لهم "
2
وأحيانا يخاطب المؤمنين '' يا أيها الذين آمنوا اتقوا اهلل وكونوا مع الصادقين''
3
"األخالء يومئذ بعضهم لبعض عدو اال المتقين"
يوسف عليه السالم :ظلم إخوته له – ظلم امرأة العزيز _ كونه في السجن
رس44ول اهلل ص44لى اهلل علي4ه وس44لم :اله44دي النب4وي في ال4بيت النب44وي حيث اعت44بر التربي44ة خ4ير
من الص44دقة فق44ال" لئن ي44ؤدب الرج44ل ول44ده خ44ير ل44ه من أن يتص44دق بص44اع " 4كم44ا أرش44د إلى
تعليم الولد الخلق الحسن وه4و أفض4ل من ك44ل عط4اء ,ق4ال ص44لى اهلل غلي4ه وس4لم« :م44ا نح44ل
والد ولدا أفضل من أدب حسن " 5كما قال علي44ه الص44الة والس44الم " :الم44رء على دين خليل44ه
فلينظ44ر أح44دكم من يخال44ل" 6كم44ا اعت44بر تربي44ة البن44ات حجاب44ا من الن44ار ق44ال ص44لى اهلل علي44ه
7
وسلم '' من ابتلى من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار''
أيه 44ا الحض 44ور الك 44رام المث 44ل األعلى ال ي 44رى من 44ه م 44ا يش 44ين وال يس 44مع من 44ه م 44ا يع 44اب ,ول 44ه
شروط .
العلم بالكتاب والسنة أي االطالع على ما ورد في الكتاب والسنة بخصوص التربية -1
سورة آل عمران اآلية 159 1
سنن الترمذي تحقيق :بشار عواد معروف الناشر :دار الغرب اإلسالمي – بيروت سنة النشر 1998 :م 4
المعجم الكبير للطبراني تحقيق :حمدي بن عبد المجيد السلفي دار النشر :مكتبة ابن تيمية -القاهرة 5
1410ه ج 7ص55
المصدر نفسه ج 7ص467 7
29
الع44 4دل :ع44 4اتب الن44 4بي ص44 4لى اهلل علي44 4ه وس44 4لم رجال أخ44 4ذ ابن44 4ه وقبل44 4ه وأجلس44 4ه في -2
حجره ،ولما جاء ت ابنته أجلسها إلى جنبه فقال له صلى اهلل عليه وسلم فما ع4دلت
1
بينهما''
العدل مطلوب في القدوة :مطلوب في النفقة – في المعاملة – الهبة – في المالعبة -3
الح44 4زم :والح44 4ازم ه44 4و ال44 4ذي يض44 4ع األم44 4ور في مواض44 4عها فال يتس44 4اهل الق44 4دوة في -4
موضع يستوجب الشدة أويتشدد في موضع يستوجب الرفق.
ص 4لَّى اهللُ َعلَْي4ِ 4ه ِ اهلل ْب ِن ِ 4 - 5الص44دق ق 44وال وفعال :فعن عب4ِ 4د ِ
اء َر ُس 4و ُل اهلل َ ع4ام ٍر ,قَ44ا َلَ :جَ 4 َ َ ْ َْ
ُع ِطي َ 4 ُمي :ي44ا عب4َ 4د ِ َّ
ك, 4ال أ ْ
اهلل ,تَ َعَ 4 ت ِلي أ ِّ َ َ ْ ب فَقَ44الَ ْ ص ِ 4غ ٌير ,فَ َ 4ذ َه ْب ُ
ت أَْل َع ُ ص 4بِ ٌّي َ َو َس 4ل َم َب ْيتََن44ا َوأََن44ا َ
ُع ِطَيهُ تَ ْم ًرا َن تُ ْع ِطَيهُ "؟ قَالَ ْ َّ اهلل َّ ال رسو ُل ِ
َن أ ْ ت أْ ت :أ ََر ْد ُ صلى اهللُ َعلَْي ِه َو َسل َمَ " :ما أ ََر ْد ِت أ ْ َ فَقَ َ َ ُ
2
ت َعلَْي ِك ِك ْذَبةً " َما ِإَّن ِك لَ ْو لَ ْم تَ ْف َعِلي لَ ُكتَِب ْ
,قَا َل " :أ َ
وهذاعبد الملك بن مروان الخليفة األموي :ينص44ح م44ؤدب ول44ده بقول44ه'' :علمهم الص44دق كم44ا
تعلمهم القرآن واحملهم على األخالق الجميلة وجالس بهم أش44راف الرج44ال وأه44ل العلم منهم
واضربهم على الكذب ,فالكذب يهدي إلى الفجور وأن الفجور يدعوا إلى النار''.
الم44ربي الن44اجح ه44و س44يد الخل44ق يص44ف ص44حابته ص44لى اهلل غلي44ه وس44لم بقول44ه ":أرأف أم44تي
ب44 4أمتي أب44 4و بك44 4ر ,وأش44 4دهم في أم44 4ر اهلل عم44 4ر ,وأص44 4دقهم حي44 4اء عثم44 4ان ,وأعلمهم ب44 4الحالل
والحرام مع44اذ بن جب44ل ,وأفرض44هم زي44د بن ث4ابت ,وأق44رؤهم أبي ,ولك44ل أم44ة أمين وأمين ه44ذه
األمة أبو عبيدة بن الجراح'' .3
المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي لنور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي تحقيق :سيد كسروي 3
30
وليس هذا فحسب فقد قال صلى اهلل عليه وس44لم في أبي هري44رة لم44ا س44أله عن الش44فاعة '' لق44د
ظننت ي44ا أب44ا هري44رة أن ال يس44ألني عن ه44ذا الح44ديث أح44د أول من44ك لم44ا رأيت من حرص44ك
على الحديث''.
كما يتميزعليه الصالة والسالم بالتنويع في عرض المادة من ذلك
-ما الغيبة
-ما المفلس
-إن من الشجر شجرة ال يسقط ورقها وأنها مثل المسلم فحدثوني ما هي ؟
وأحيانا تحمرعيناه كما هو الحال في شهادة الزور
-أال وشهادة الزور
وأحيانا يستعمل الوسائل :أنا وكافل اليتيم هكذا وأ شار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما
ومنها الثناء على الطالب :نعم الرجل عبد اهلل لو كان يصلي من اللي44ل فم44ا ت44رك ابن عم44ر
قيام الليل حتى مات.
فربى صلى اهلل عليه وسلم شبابا منهم :
-جعف 44ر بن أبي ط 44الب :قات 44ل ال 44روم فأخ 44ذ الراي 44ة ب 44اليمنى ح 44تى قطعت وباليس 44رى ح 44تى
قطعت وبجناحيه حتى قتل وهو يردد :
وفي ختام هذه الكلمة أوصي نفسي وإ ياكم بثالث وصايا :
31
طلب العلم :العلم الش 44رعي ال 44ذي ينفع 44ك في عقي 44دتك ,وفي ص 44التك ,وفي حج 44ك , )1
وفي صيامك ...,وفي كل أمورك.
االقالع عن المعاص44ي ق44ال تع44الى " إن الس44مع والبص44ر والف44ؤاد ك44ل أولئ44ك ك44ان عن44ه )2
1
مسؤوال "
( مث ــل الجليس الص ــالح ) 3اختي44 4ار الجليس الص44 4الح :ق44 4ال ص44 4لى اهلل علي44 4ه وس44 4لم "
والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإمــا أن
تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحـا طيبــة ونـافخ الكــير إمــا أن يحــرق ثيابـك وإمــا
2
أن تجد ريحا خبيثة )
والحمد هلل رب العالمين.
الجامع الصحيح المختصر لمحمد بن إسماعيل أبو عبداهلل البخاري الجعفيـ تحقيق :د .مصطفى ديب البغا أستاذ 2
الحديث وعلومهـ في كلية الشريعة -جامعةـ دمشق الناشر :دار ابن كثير ،اليمامة – بيروت الطبعة الثالثة – 1407 ،
1987ج 5ص2104
32
بسم اهلل الرحمن الرحيم
33
بسم اهلل الرحمن الرحيم وصلى اهلل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
المس44جد :المس44جد أفض44ل بقع44ة على األرض لقول44ه ص44لى اهلل علي44ه وس44لم ''أحب البالد
1
إلى اهلل مساجدها ,وأبغض البالد إلى اهلل أسواقها''
وق44ال ابن عب44اس '' :المساجد بيــوت اهلل في األرض ،وهي تضـيء ألهــل الســماء
''.2 كما تضيء النجوم ألهل األرض
وهو أول مدرسة تخرج منها جيل سيدنا محمد صلى اهلل عليه وسلم ف44أدوا األمان44ة ونص44حوا
األم44ة وجاه44دوا في اهلل ح44تى أت44اهم اليقين ،وفيهم ق44ال س44بحانه وتع44الى بمعيت44ه علي44ه الص44الة
والسالم '' :محمد رسول اهلل والذين معه أشد على الكفار رحماء بينهم تراهم
3
ركعا سجدا يبتغون فضال من اهلل ورضوانا''
وحتى نتربى نحن في مدرسة رسول اهلل صلى عليه وسلم كما تربى هؤالء وحتى ننال من
األجر مثل ما نال ه44ؤالء أو نق44ترب منهم ق44ال تع44الى ''إنما يعمر مســاجد اهلل من آمن
باهلل واليوم واألخر وأقام الصالة وأتى الزكاة ولم يخش إال اهلل فعسى أولئك
أن يكونوا من المهتدين ''
صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان لمحمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي تحقيق :شعيب 1
د .عبد العزيز بن عبد اهلل بن إبراهيم الزير آل حمد الناشر :دار العاصمة للنشر والتوزيع ،الرياض
الطبعة :األولى 1423 ،هـ 2002 -م ص796
34
وح44تى ت44ؤدي المس44اجد رس44التها في ص44قل القل44وب وته44ذيب النف44وس هي44أ اهلل ثل44ة من المؤم44نين
لخدمة بيوت اهلل هم القيمون الدينيون ونعني بالقيم الديني الخطيب والواعظ واإلم44ام ال44راتب
والمؤذن والمنظف جميعا يتع44اونون وأح4دهما يكم44ل األخ4ر من أج4ل تحقي4ق الرس44الة الك4برى
أال وهي طاع444ة اهلل وحس444ن عبادت444ه مص444دقا لق444ول اهلل ع444ز وج444ل ''وتع ــاونوا على ال ــبر
والتقوى وال تعاونوا على االثم والعدوان''
:إن رس44 4الة الخطيب في المج44 4الين ال44 4ديني وال44 4دنيوي جس44 4يمة نظ44 4را لل44 4دور دورالخطيب
ال44ذي يق44وم ب44ه في ه44ذين المج44الين فه44و ينب44ه الض44ال عن طري44ق اهلل ،وي44ذكر الغاف44ل عن اهلل،
ويفتح باب األمل أمام التائب والمقبل على التصالح مع اهلل رب العالمين.
ومن تم يشترط في الخطيب أن يكون على مستوى من المعرف44ة إلنش44اء خطب44ة مبس44طة ذات
الموضوع الواحد وإ لقائها مع مركزا فيها على أمرين :
أولهم 44ا :أن يك 44ون واعي 44ا فيه 44ا بالحكم 44ة وثانهم 44ا أن يع 44زز كالم 44ه باألدل 44ة من كت 44اب وس 44نة
مص44 4 4داقا لق44 4 4ول الرس44 4 4ول ص44 4 4لى اهلل '' «كلّم ـ ــوا الن ـ ــاس بم ـ ــا يعرف ـ ــون ودع ـ ــوا م ـ ــا
1
والم 44 4راد بمخاطب 44 4ة الن 44 4اس بم 44 4ا ينكـ ــرون ..أتريـ ــدون أن يكـ ــذ ب اهلل ورسـ ــوله؟»
يعرفون ،أي بما تبلغه مدركاتهم ،ويقع منه4ا موق4ع الفهم ..والم4راد بتك4ذيب اهلل ،ه4و اختالط
األمر على الناس ،حين يتحدث إليهم علم44اؤهم بأح4اديث ال يفهمونه44ا على وجهه44ا الص44حيح،
فيتلقون منهم وجوه4ا من الكالم ،فيتص4ورونها تص4ورا خاطئ4ا ،وإ ذا ك4ل وج4ه يب4دو لهم منه4ا
م44اينكر وج44ه ص44احبه ،فيق44ع التض44ارب واالختالف ،وتنش44أ من ه44ذا مف44اهيم خاطئ44ة ،ين44اقض
بعض44ها بعض44ا ،وكله44ا تح44دث عن اهلل ،فيق44ع ل44ذلك الش44ك ،واالرتي44اب ثم التك44ذيب ،والكف44ر!!
ومن تم 44ام البي 44ان في الرس 44الة اإلس 44المية أن ص 44رف اهلل الرس 44ول عن ق 44ول الش 44عر وعن أن
ش ـ ْع َر َومــا َي ْنبَ ِغي لَــهُ إِ ْن ُهـ َـو إِاَّل ِذ ْـك ٌـر
«ومــا َعلَّ ْمنــاهُ ال ِّ
يك 44ون ش 44اعرا ..فق 44ال تع 44الىَ :
التفسير القرآني للقرآن لعبد الكريم يونس الخطيب دار الفكر العربي – القاهرة ج 6ص1232 1
35
ُمبِ ٌ
ين» 2وذل44ك أن الش44عر يحم44ل في أس44لوبه مض44امين كث44يرة ،لم44ا يعتم44د علي44ه من َو ُقـ ْـرآ ٌن
تص44ورات وتخيالت ،ولم44ا يق44وم علي44ه نظم44ه من ص44ور الكناي44ات والرم44ز ،واإليم44اء ،وغ44ير
ذل 44ك ،مم 44ا تتول444د من الص 44ورة 4الواح444دة من444ه ..ص 44ور ..األم 44ر ال 44ذي ال يس 44تقيم م 44ع رس 44الة
سماوية ،غايتها إقامة الناس على طريق واحد مستقيم ال عوج فيه ،وال خالف عليه ..وهذا
«ومــا َعلَّ ْمنــاهُ ال ِّ
شـ ْع َر م44ا يش44ير إلي44ه ويؤك44ده قول44ه تع44الى فى التعقيب على قول44ه س44بحانهَ :
َوما َي ْنبَ ِغي لَهُ» .
إذن فالخطيب مرشد للضال ومعلم وموجه للغافل والمقبل على اهلل
أما الواعظ فهو كالخطيب غير أنه له بعض الخصوصيات منها: د ور الواعظ
-إعداد درس في موضوع واحد ومبسط داعيا فيه بالحكمة ومعززا باألدلة
-االل44تزام بوح44دة الم44ذهب خوف44ا من إث44ارة الفتن44ة اقت44داء بق44ول أح44د الص44حابة ''تعلمن44ا اإليم44ان
وتعلمنا القرآن وكنا نأخذ من العالم سمته وأدبه''.
-ال44دعوة بالحكم44ة ه44ذا الحس4ن والحس44ين رأي4ا ش44يخا يتوض44أ ولم يحس4ن وض44وءه فتوج44ه إلي44ه
أحدهما قائال له :إن صاحبي ه4ذا ي44زعم أن44ني ال أحس44ن الوض4وء ف4انظر إلي أتوض4أ ف44أدرك
الشيخ أنه هو الذي ال يحسن الوضوء
:أم44ا اإلم44ام فه44و م44أخوذ من قول44ه تع44الى :واجعلن44ا للمتقين إمام44ا'' وهي عب44ارة عن اإلم44ام
ربط صالة المقتدى بصالة اإلمام
وقال النفراوي في شرح الرسالة :واعلم أن اإلمامة لها شروط صحة وش44روط كم44ال وك44ل
مشار إليه في منظومة ابن عاشر رحمه اهلل حيث قال
36
في جمعة حر مقيم عددا وغير ذي فسق ولحن واقتداء
اهلل ،فَـ ـِإ ْن َكــانُوا فِي ـاب ِ «ي ـ ُـؤ ُّم الْ َقـ ْـو َم أَ ْقــر ُؤ ُه ْم لِ ِكتَ ـ ِ
وق44 4ال ص44 4لى اهلل علي44 4ه وس44 4لم َ
َ
ج َـر ًة، اء ،فَأَقْـ َد ُم ُه ْم ِه ْـ السن َِّة ،فَِإ ْن َكــانُوا فِي ال ُّ ِ
سـنَّة َسـ َو ً اء ،فَأَ ْعلَ ُم ُه ْم بِ ُّ ال ِْقر ِ
اءة َس َو ً َ َ
ـل فِي ـ
ج الر
َّ ـل ـج الر
َّ ن
َّ م
َّ ـؤ
ُ ـي اَل و ا، ْملـ س جـر ِة س ـواء ،فَأَقْ ـ َدمهم ِ ـ فَ ـِإ ْن َكــانُوا فِي الْ ِ
ه
َ ُ ُ ُ َ َ ً ْ ُ ُ ً َ َ َ ْ
ـال اأْل َ َش ـ ُّج فِي ِر َوايَتِ ـ ِـه: ُس ـ ْلطَانِِهَ ،واَل َي ْقعُ ـ ْد فِي َب ْيتِ ـ ِـه َعلَى تَ ْك ِر َمتِ ـ ِـه إِاَّل بِِإ ْذنِ ـ ِـه» قَ ـ َ
1
ن ِسلْم '' َم َكا َ
والح44ديث في44ه دلي44ل على تق44ديم األق44رأ على الفقي44ه غ44ير أن مالك44ا رحم44ه اهلل ي44رى تق44ديم الفقي44ه
على األق44رأ ألن الن44بي ص44لى اهلل علي44ه وس44لم ق44دم أب44ا بك44ر على بقي44ة الص44حابة م44ع وج44ود من
هو أقرأ منه وكذا األورع.
إذن فمنص44ب اإلمام44ة منص44ب عظيم ،ومتقل44ده يجب أن يك44ون أفض44ل الن44اس ألن44ه ن44ائب عن
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم.
صحيح مسلم تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي الناشر :دار إحياء التراث العربي – بيروت ج 1ص 1
465
37
ومن أج 44ل تحس 44ين الق 44راءة للن 44اس ق 44ال ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم :الم 44اهر ب 44القرآن م 44ع الس 44فرة
2
الكرام البررة ،والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران''
والحديث يشير إلى منزلة ومكانة الماهر بالقرآن وأنه مع الرسل عليهم السالم .
وه44ذا رس44ول اهلل ص44لى اهلل علي44ه وس44لم ق44ال ألبي رض44ي اهلل عن44ه '' :إن اهلل أم44رني أن أق44رأ
عليك'' قال آهلل سماني لك قال له صلى اهلل عليه وسلم اهلل سماك لي " 2فجعل أبي يبكي.
استحباب قراءة القرآن على الحاذق وإ ن كان القارئ أفضل المقروء عليه.
فضيلة االستماع إلى الرسول صلى اهلل عليه وسلم وهو يقرأ
3
والسورة التي قرأها لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هي ''لم يكن الذين كفروا''....
قال العلماء ألنها سورة وجيزة وجامعة لقواعد كثيرة من أصول الدين.
أما شعيرة األذان فهي عظيمة القدر جليلة المنفعة لقوله صلى اهلل عليه وس44لم دورالمؤذن4
''ال يسمع المؤذن إنسان وال جن وال شجر وال حجر وال مدر إال شهد له يوم القيامة.
ومن تم ال ب 44د من اختي 44ار م 44ؤذن ص 44احب ص 44وت ن 44دي والص 44وت الن 44دي تتغ 44ذى ب 44ه القل 44وب
وينش44رح ص44در الم44ؤمن ل44ه عن44د س44ماعه بالموعظ44ة والت44ذكير فرس44ول اهلل ص44لى علي44ه وس44لم
سنن ابن ماجه تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي الناشر :دار إحياء الكتب العربية ج 2ص 1242 2
38
عندما جاء عبد اهلل بن زيد يقص عليه رؤية األذان قال له قم مع بالل والق علي44ه م44ا رأيت
فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك
ه44ذه بعض اإلش44ارات معش44ر القيمين ال44دينيين -إلى األمان44ة الملق44اة على عاتقن44ا جميع44ا ،فعلى
الجمي 44ع أن يك 44ون خادم 44ا ل 44بيت اهلل غ 44ير ن 44اس ق 44ول اهلل ع 44ز وج 44ل '' :وه 44دوا إلى الطيب من
2
القول '' 1و قوله تعالى'' لقد كان لكم في رسول اهلل اسوة حسنة "
-دع44اء الرس44ول ص44لى اهلل علي44ه وس44لم "اإلم44ام ض44امن والم44ؤذن م44ؤتمن اللهم ارش44د األئم44ة
3
واغفر للمؤذنين''
-بشرى الرسول صلى اهلل عليه وسلم'' :ثالثة على كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم األولون
واآلخرون رجل ينادي بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة ،ورجل يؤم قوما وهم به راضون وعبد
4
أدى حق اهلل وحق مواليه''
فطوبى 4لمن يسره اهلل لهذه األعمال الدينية واهلل ال يضيع أجر من أحسن عمال.
39
بسم الله الرحمن الرحيم
40
بمناسبة انعقاد الموسم الddديني والثقddافي للddولي الصddالح سddيدي أو عبيddد هللا محمddد
الشرقي d،يسdرني أن أشdارك بمحاضdرة دينيdة ثقافيddة في موضddوع :الزاويdة الشddرقاوية
ودورها اإلشعاعي والعلمي والثقافي.
فتجند لذلك رجال من مشايخ الزوايا ومريدين وصالح وعلماء dعاملين مخلصين.
في هذا الظرف ولد ونشddأ وترعddرع الشddيخ محمddد الشddرقي dمؤسddس الزاويddة الشddرقاوية
بهدف الحفاظ على الدين ونشر روح الجهاد في صفوف المسلمين.
أبوه أبو القاسم محمد بن الزعري كان مقيمddا بddوادي زم ،ومddا لبث أن تddرك مالddه
وأسرته آخذا معه فقط زوجته رحمة التي اشتهرت هي األخرى بالصddالح ،ذاهبddا يبحث
عن شيخ يأخذ بيده إلى ربه ويبصره بأمور دينه.
وتذكر المصادر التاريخية أنه اتصل بالشddيخ عبddد العزيddز التبddاع بمddراكش أكddبر
شيوخ الطريقة الجزولية الشاذلية في عصره والمتوفى سنة 914 :هـ.
وولد الشيخ محمد الشرقي بعد رجوع أبيه إلى ناحية تادلddة قddرب وادي أم الربيddع
في الفترة ما بين 926 :هـ و 928هـ.
41
وانتقال أبو القاسم محمد بن الزعري إلى هذه المنطقة جاء وليddد ظddروف سياسddية
واجتماعية.
أمddا السياسddية فقddد أصddبح وادي أم الربيddع حddدا فاصddال بين اإلمddارة السddعدية في
الجنوب واإلمارة dالوطاسية في الشمال.
نشأ أبو عبيد هللا محمد الشرقي في بيئة دينية وتلقى تعليمddه األولي dعلى يddد والddده
ثم أرسل إلى زواية الصومعة فأخذ مجموعة من العلوم الشddرعية الظddاهرة والباطنddة .ثم
أمره بعض أشياخه أن يؤسس زاوية لمواصلة نشر تعاليم اإلسالم d،غير أن شيوخ بعض
الزوايا أصبحوا يغارون منه حتى قال أحدهم :إذا كان يخدم الزاوية حقا ويقيمها صــدقا
يقيمها في بلد القفار والصحاري ال في بلد السواقي والماء الجاري.
وترجح بعض المصادر أن األمر يتعلق بأبي بكddر الddدالئي وأحمddد بن أبي القاسddم
الصومعي رغم قراءته معه لكنهما كانا على طرفي نقيض.
يقول بعض المdؤرخين أن تdادال بالد الصdالحين واألوليdاء إلى درجdة أنهم كdانوا
يقولون :إن أكثر بالد هللا أولياء تادلة ،والغالب أن األولياء يفرون إليها كمــا تفــر اإلبــل
إلى بالد الرعي.
غير أن الشيخ محمد الشرقي كان له فيها رأي آخر قائال :هذه البالد ال يسوغ لنــا
فيها مقام وحال أهلها الفاس في الطين ...إلى أن قال ...فمن نظر إليها يقــول أمورهــا
ميسرة ومن نظر إلى أرزاقها يجدها معســرة وإني راحــل إن شــاء هللا إلى بلــد أمورهــا
في الظاهر معسرة وأرزاقها ميسرة.
ولما تأسست الزاوية بمكان يعرف اآلن برجال الميعاد وبدأت الزاوية في نشاطها
العلمي تعليما وتعلما .ثم أضيف إليها مع مطلع القرن 13الهجري جامع موالي سddليمان
42
والتي اقترن نشاطها بحياة الشيخ محمد العddربي بن المعطي ،وبddدأ الddزوار وطالب العلم
يتوافدون dوينهلون من معينها.
كان أبناء الشيخ أو عبيد هللا محمد الشرقي وخاصddة الغddزواني ومحمddد المكناسddي
على حظ وافر من العلم والمعرفة.
ومن ثم فالزاوية قامت بدور تعليم العلوم الشرعية إلى جانب الزاويddة الصddومعية
والدالئية ،وهوالمقصد األصلي الذي من أجله تأسست الزوايا.
وبهذا شهدت الزاوية فترة علم في حياة الشيخ محمد الشرقي واستمدت قوتهddا من
قوته بعد قوة هللا تعالى ،ويشهد لهذا أمور ثالثة:
-أن أحمد المنصور بعث إليه بوفد لزيارته واختبار أمره .مراكش.
-أبو المحاسن dالفاسي رغم غيرته منه كتب إليه قائال :إنddه ال زال يddرد علينddا
خير ما بسط هللا من النعم عليكم وما جد من كثرة المنح حولكم ،وال يخفى عليكم أعddزكم
هللا أن هللا تعالى وتقدس أجرى ببديع حكمته أن يحddيى الddدنيا ويddدفعها عمن اسddتخلفه من
عباده .ويستفاد منه -1 :كثرة الخيرات -2 .وصdولها خdارج البالد -3 .الشdهادة بالواليdة
وكثرة التقوى.
-أحد علماء العصر وفقهائها وهو اإلمام أحمد المنصور لم يجد حرجا في أن
يخاطب الشيخ في كتاب أرسله إليه قائال :الحمد هلل عالم الوقت dاحتاج إلى ولي الوقت.
وتوفي رحمة هللا عليه حddوالي 1008هـ متddأثرا بعddوارض الشddيخوخة من جهddة
وبالوباء الذي لم يقدر على مقاومته من جهة ثانية.
وكان رحمه هللا يقddول في حياتddه :ال يdزال اثنddان من أوالدي في داري داعين إلى
هللا دالين عليه إلى أن تقوم الساعة.
43
ولمdddا تdddوفي احتdddدم الصdddراع بين اثdddنين من أبنائdddه وهمdddا الشdddيخ الغdddزواني
و ..............غير أن األمر حسم لصالح الشيخ الغزواني بعد أن تدخل أحد األتبddاع من
الصوفية.
وتسddتمد أصddولها من مدرسddة أبي القاسddم الجنيddد المتddوفى 277هـ ،أحddد أعالم
التصوف اإلسالمي السني والذي dكان يقول :الطــرق كلهــا مســدودة على الخلــق إال من
اقتفى أثر الرسول عليه الصالة والسالم.
لقد كddان للجdزولي dفضddل في إحيddاء الطريقdة الجزوليdة الشdادلية بdالمغرب خالل
القddرن 9الهجddري إلى جddانب المddذهب المddالكي في الفقهيddات والمddذهب األشddعري في
المعتقدات.
اللي بغى يتبعنا وكون منا *** يتبع طريق السن يا بابا
سأل العبدوني الشيخ محمد الصالح عن ورد الشيخ محمد الشرقي فقال:
ما ترك لنا إال حزب الفالح ،وهو عبارة عن آيات قرآنية وأدعيddة نبويddة وأخddرىd
مأثورة.
فالرجل كان يحمل عقيدة صحيحة ويدل لهذا األبيات الشعرية التي يقول فيها:
يا رب مس الضر قلبي وانكسر *** فاجبر لي كسري فأنت أرحم من جبر
وأغث فقد أصبحت منقطع الرجى *** فما سواك وما بغيرك ينتصر
ناداك في الظلمات يونس ضارعا *** وكذلك أيوب وقد عظم الضرر
44
ويقول في أبيات أخرىd:
وقد dأسdس زاويتdه ألمdرين اثdنين وكأنdه يطبdق اآليdة الكريمdة فيهمdا وهي قولdه
ــو َن َع ِن ا ْل ُم ْن َكــ ِر س تَــأْ ُم ُر َ
ون بِــا ْل َم ْع ُر ِ
وف َوتَ ْن َه ْ تعddالىُ ((" :ك ْنتُ ْم َخ ْيــ َر أُ َّم ٍة أُ ْخــ ِر َجتْ لِلنَّا ِ
ون بِاهَّلل ِ))".
َوتُ ْؤ ِمنُ َ
واألمران dأولهمddا :األمddر بddالمعروف ،وانطالقddا من مقولddة :من لم يكن لddه أسddتاذ
ض لَـهُ ش عَنْ ِذ ْكـ ِر الـ َّر ْح َم ِن نُقَيِّ ْفأستاذه الشddيطان .مصddداقا لآليddة الكريمddةَ ((" :و َمنْ يَ ْع ُ
ون أَنَّ ُه ْم ُم ْهتَـد َ
ُون َحتَّى إِ َذا سـبُ َ ش ْيطَانًا فَ ُه َو لَهُ قَ ِرينٌ َوإِنَّ ُه ْم لَيَ ُ
صـدُّونَ ُه ْم َع ِن َّ
السـبِي ِل َويَ ْح َ َ
ش ِرقَ ْي ِن فَبِئ َ
ْس ا ْلقَ ِرينُ ))". َجا َءنَا قَا َل يَالَ ْيتَ بَ ْينِي َوبَ ْينَ َك بُ ْع َد ا ْل َم ْ
األمر الثاني :النهي عن المنكر ،وكأنه يطبق اآليddة الكريمddةِ ((" :ر َجـ ا ٌل اَل تُ ْل ِهي ِه ْم
تِ َجا َرةٌ َواَل بَ ْي ٌع عَنْ ِذ ْك ِر هَّللا ِ))".
-)1األمddر بddالمعروف ،وتddدخل تحتddه تعلم العلم النddافع باعتبddاره وسddيلة لمعرفddة
طريق هللا ،يشهد لهذا قول الشيخ محمد الصالح :فقر بال علم فضيحة ومنكر وخديعة.
وتذكر المصادر أن الشيخ محمد الصالح كان شغوفا بالعلم والتعلم إلى درجddة أنddه
كان ال يرى إال والكتاب بين يديه والطلبة من حوله.
45
وكان رحمه هللا يقول :قد جعل هللا لكل ولي جنة يتستر بها في وقته ،وأنا جنــتي
هي العلم ومرافقة العلماء واالشتغال ببث العلم.
وكانت المواد التي تدرس هي الفقه والحديث والتفسير إضافة إلى اللغة باعتبارها
وسيلة وأداة لمعرفة أحكام الشريعة.
هذه الحركة الثقافية العلمية التي شهدتها الزاوية خالل هddذه الحقبddة التاريخيddة نتج
عنها أمران اثنان:
-)1تخرج عدد كبير من العلماء من الزاوية مثل :عبddد الكddريم العبddدوني وأحمddد
بن عبد القادر التستاوي ومحمد الصdغير اإلفdراني وعبdد القdادر بن شdقرون المكناسdي.
وأحيانا تقام ندوات علمية الغاية منها معرفة القddدرات العلميddة لمن حضddرها من العلمddاء
في الفقه والنوازل واألحكام.
-)2خلفت الزاوية تراثا ثقافيا هاما يتمثل في كتب التراجم وأسفار الدخيرة.
-1المرقي في مناقب الشيخ سيدي محمد الشرقي .هذا اسddم كتddاب لعبddد الخddالق
بن محمد لعروسي الشرقاوي الذي قسمه إلى 5أبوابd:
-فضل النبي صلى هللا عليه وسلم - .التعريف بالشيخ محمddد الشddرقي- .
طريقة الشيخ ولسلسة أشياخه - .الكرامات - .ذكر بعض صلحاء الوقت.
-2الروض اليانع الفائح في مناقب الشيخ أبي عبد هللا المدعو بالصالح .للحسن
بن محمد الهداجي المعداني بإشارة من شيخه أبي عبد هللا محمddد المعطى ،وجعلddه في 3
فصول - :فضل األولياء - .التعريف بالشيخ الصالح - .ذكر أشياخه ومحبيه.
46
-4الذخيرة .وهي عبارة عن مجموعة مخطوطات في الصالة على النddبي صddلى
هللا عليه وسلم ،أولها :سفر ذخيرة المحتاج في الصالة على صاحب اللواء والتاج.
من قرأ الذخيرة يدرك تمام اإلدراك أن الشddيخ المعطى كddان عالمddا جليال متبحddرا
في جميع العلوم.
وقد شهد له أحد معاصريه بعظيم علمه وثاقب فكره فقال فيه:
وحتى نحكم على ثقافة الرجل وواسddع علمddه وثddاقب فكddره رحمddة هللا عليddه جئت
بأمثلة من كالمه من سفر العقبات .قال رحمه هللا:
سقَا ِء
ستِ ْب اال ْش َرعْتُ فَي طَلَ ِ ي َوال َم َد َد ال َو ْهبِ َّي النَّبَ ِو َّ
ي َ طأْتُ ال َغ ْي َ
ث ال َم ْعنَ ِو َّ ستَ ْب َ
لما َ ا َ
ـرى ،فَلَقِيَنِيس َّر ال ِوالَيَ ـ ِة ال ُع ْظ َمى َوال َّد َر َجـ ِة ال ُك ْبـ َضلِ ِه أَنْ يمنحني ِ سأ َ ْلتُ هللاَ تَ َعالَى ِمنْ فَ ْ
َو َ
ش َرى ،الدَّا ُّل َعلَى َما يَ ْنفَ ُع ال ُم ِري َد ُد ْنيَا َوأُ ْخ َرى فَقَا َل إِلَى أَ ْي َن تُ ِريـ ُد يَــا َمنْ َوا ِر ُد اليُ ْم ِن َوالبُ ْ
ح ال َّربَّانِ ِّي، سـ َرى ،فَقُ ْلتُ لَـهُ َخـ َر ْجتُ أَ ْطلُ ُ
ب َم ْن َح الفَ ْت ِ سـ ُرهُ لِ ْليُ ْ سلَ َك هللاُ بِ ِه ُ
سـبُ َل النَّ َجـ ا ِة َويَ َّ َ
ـر ْأتَ فِي َكالَ ِم هللاِ ال َكـ ِر ِ
يمَ ،و ُم ْح َك ِم ف الـ ِّـذ ْك َرى ،فَقَــا َل أَ َمــا قَـ َ
وم اللَّ ُدنِيَّ ِة َولَطَائِ َ
ب ال ُعلُ َِو َم َوا ِه َ
اآلخـ َر ِة ،نَـ ِز ْد لَـهُ فِي َح ْرثِـ ِه() ،قَـ ْد َعلِ َم ُكـ ُّل أُنَــا ٍ
س ث ِ ـان يُ ِريـ ُد َحـ ْر َ
يمَ ) :منْ َكـ َ ِكتَابِـ ِه ال َع ِظ ِ
ث ِمنْ بَ ْع ِد َما ش َرب ُه ْم(ُ ) ،كالًّ نَ ُم ُّد َه ُؤالَ ِء َو َه ُؤ ِال ِء ِمنْ َعطَا ِء َربِّكَ(َ ،
)و ُه َو الَّ ِذي يُنَ ِّز ُل ال َغ ْي َ َم ْ
ش ُر َر ْح َمتَهُ َو ُه َو ال َولِ ُّي َ
الح ِميدُ(، قَنَطُوا َويَ ْن ُ
صـ ْلتُ
الخبِــي ِرَ ،حتَّى َو َ ـف َسي ِرَ ،وطَلَ ْبتُ ال َع ْو َن ِم َن ال َم ْولَى اللَّ ِطيـ ِ ثُ َّم ش ََرعْتُ ِفي ال َم ِ
إِلَى ال َعقَبَ ِة األُولَى َو ِه َي َعقَبَةُ التَّ ْوبَ ِة ِمنْ ُك ِّل َخ ِطيئَ ٍة َو َح ْوبَ ٍة ،فَلَ َّما َو َ
ص ْلتُ َها نَا َدانِي ُمنَا ِدي
ـوع فِييح ِةَ ،و َحـ َّذ َرنِي ِم َن ال ُوقُ ِ يح ِةَ ،و ُملَقِّنُ ال ِح َك ِم َوالفَ َوائِـ ِد َواآلثَـا ِر َّ
الصـ ِح َ صـ َ الج ِّد َوالنَّ ِ
ِ
احةُ إلى أن قال :ا ْعلَ ْم أَنَّكَ الَ ت ِ
َص ـ ُل يح ِةَ ،وقَا َل لِي َه ْي َهاتَ الَ تُنَا ُل ال َّر َ
ض َ َم َها ِوي ال َّر َدا َوالفَ ِ
ت َحتَّى تَ ْقطَ َع ِ
ستَّ َعقَبَا ٍ
ت. إِلَى َمنَا ِز ِل تِ ْلكَ القُ ُربَا ِ
47
ح َع ِن ال ُم َخالَفَ ِة الش َّْر ِعيَّ ِة. ال َعقَبَةُ األُولَى :فَ ْط ُم َ
الج َوا ِر ِ
س َع ِن ال َمأْلُوفَا ِ
ت ال َعا ِديَ ِة. الثَّانِيَةُ :فَ ْط ُم النَّ ْف ِ
من خالل هddذا يتddبين لنddا أن الزاويddة الشddرقاوية لعبت دورا كبddيرا سddواء على
المستوى الثقافي والفكري d،أو على المستوى السياسي واالقتصادي dواالجتماعي.
48
بسم الله الرحمن الرحيم
49
بسم اهلل الرحمن الرحيم وصلى اهلل على سيدنا محمد وآله
وصحبه وسلم تسليما .
والمال في الحقيقة مال اهلل ،ونحن خلفاء في هذا المال ،مصداقا لقوله تع44الى " :وانفق44وا مم44ا
2
جعلكم مستخلفين فيه"
وبناء على هذا االستخالف ،فالمال إما أن يك4ون س4ببا من أس4باب دخ4ول الجن4ة ،أو س4ببا في
دخول النار.
ومن النص44وص ال44تي تح44ذر الم44ومن من االنف44اق في الش44ر قول44ه تع44الى" :وال ت44أكلوا أم44والكم
5
بينكم بالباطل"
إذا ف 44 4الغنى س 44 4الح ذو ح 44 4دين ،ف 44 4الكريم الج 44 4واد ح44 4 4بيب اهلل ورس44 4 4وله ومالئكت 44 4ه وص 44 4الحي
المؤم44نين ،أم44ا الغ44ني إذا أمس44ك االنف44اق ك44ان مال44ه ويال علي44ه لقول44ه تع44الى" :وال44ذين يك44ثرون
1
سورة الكهف اآلية 45
2
سورة الحديد اآلية 7
3
سورة الذاريات اآلية 19
4
السلسلة الضعيفة لمحمد نار الدين األلباني مكتبة المعارف الرباط ج 5ص16
5
سورة البقرة اآلية 187
50
الذهب والفضة وال ينفقونها في سبيل اهلل فبشرهم لعذاب أليم يوم يحيى عليها في ن44ار جهنم
1
فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم ألنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون"
أخ 44بر س 44بحانه وتع 44الى بح 44الهم ألنهم اس 44تحوذ عليهم الش 44يطان فأنس 44اهم م 44ا أوجب اهلل عليهم
لقوله تعالى " :استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر اهلل".2
ويق44ول علي44ه الص44الة والس44الم " :لن ت44زول ق44دما عب44د ي44وم القيام44ة ح44تى يس44أل عن أرب44ع عن
عمره فيما أفناه ،وعن ش44بابه فيم4ا أباله ،وعن مال4ه من أين اكتس44به وفيم4ا أنفق4ه ،وعن علم4ه
ماذا عمل به ".3
ولو علم المؤمن أن دعوة المالئكة مستجابة ،وأن ما يعطيه مخل44وف ومض44اعف في الث44واب
وأنه سبب لمغفرة الذنوب وعدم اتالف المال لسارع إلى تطبيق ق44ول اهلل تع44الى" :وم44ا أنفقتم
من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين .4وقوله تعلى" :مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل
اهلل كمثل حب4ة أنبتت س4بع س4نابل في ك4ل س4نبلة مائ4ة حب4ة واهلل يض4اعف لمن يش4اء" .5وقول4ه
علي44ه الص4الة والس44الم" :م4ا من ي4وم يص44بح في44ه العب4اد إال ملك4ان ي44نزالن فيق44ول أح44دهما اللهم
اعط منفقا خلفا ،ويقول اآلخر اللهم اعط ممسكا تلفا" .6وقال علي44ه الص44الة الس44الم" :م44ا تل44ف
م44ال في ب44ر وال بح44ر إال بحبس الزك44اة" .7وقول44ه علي44ه الس44الم" :الص44دقة تطفئ الخطيئ44ة كم44ا
يطفئ الماء النار" .8وكلنا نتذكر قص4ة ثعلب4ة ون4زول قول4ه تع4الى " :ومنهم من عاه4د اهلل لئن
أتان44ا من فض44له لنص44د قن ولنكنن من الص44الحين فلم44ا آت44اهم من فض44له بخل44وا ب44ه وتول44وا وهم
معرضون" .9وسبب نزول هذه اآلية أن ثعلبة قال لرسول اهلل ص4لى اهلل علي4ه وس4لم ادع اهلل
أن يرزق44ني م44اال فق44ال :ويح44ك ي44ا ثعلب44ة قلي44ل ت44ؤدي ش44كره خ44ير من كث44ير ال تطيق44ه ،فق44ال:
"وال44ذي بعث44ك ب44الحق لئن دع44وت اهلل أن يرزق44ني م44اال ألعطيت ك44ل ذي ح44ق حق44ه ،فلم ي44زل
يراجع44ه ح44تى دع44ا إلي44ه ,فاتخ44ذ غنم44ا فنمت كم44ا ينم44و ال44دود ،فض44اقت علي44ه المدين44ة فتنحى
1سورة التوبة اآليات 34:و 35
2سورة المجادلة اآلية 19
3تعظيم قدر الصالة ألبي عبد هللا محمد بن نصر بن الحجاج المروزي تحقيق عبد الرحمن بن الجبار الفريوائي مكتبة الدار المدينة المنورة الطبعة
األولى 1406ه ج 2ص839
4سورة سبأ اآلية39
5سورة البقرة اآلية 260
6مسند اإلمام أحمد بن حنبل تحقيق dشعيب األرنؤوط – عادل مرشد وآخرون إشراف عبد هللا بن عبد المحسن التركي مؤسسة السالة الطبعة
األولى 2001م ج 13ص420
7الدعاء للطبراني تحقيق مصطفى عبد القادر عطا دار الكتب العلمية بيروت الطبعة األولى 1413ص31
8سنن ابن ماجه تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار الفكر بيروت dج 2ص1408
9سورة التوبة اآلية 76
51
عنه 44ا ف 44نزل وادي 44ا من أوديته 44ا ح 44تى جع 44ل يص 44لي الظه 44ر والعص 44ر في جماع 44ة ،وي 44ترك م 44ا
سواهما ثم نمت وكثرت حتى ترك الجمعة والجماعة فس4أل رس4ول اهلل عن4ه ف4أخبروه بخ4بره
فقال :يا ويح ثعلبة ثالثا فأنزل اهلل اآلية.1
ولهذا السبب وغيره شرع اإلسالم التكافل االجتماعي وجعله يعالج عضوا في جسد وج44زءا
من ك 44ل ,فه 44و ن 44وع من القواع 44د النظري 44ة الص 44الحة لقي 44ام المجتم 44ع البش 44ري المتماس 44ك ،ومن
األصول لهذه القواعد ما فعله األنصار مع إخوانهم المه44اجرين عن44دما ش44اركوهم في دورهم
وأحوالهم.
إن التكاف44ل االجتم44اعي يع44ني تض44امن أبن44اء المجتم44ع س44واء ك44انوا أف44رادا أم جماع44ات وذل44ك
ب 44 4دوافع إيماني 44 4ة نبيل 44 4ة ته 44 4دف إلى غاي 44 4ات كريم 44 4ة تنتهي إلى تحقي 44 4ق الرعاي 44 4ة االقتص 44 4ادية
واالجتماعية واألخالقية لجميع أبناء المجتمع.
ه44ذا الن44وع من التكاف44ل االجتم44اعي تحقق44ه اآلي44ات القرآني44ة مث44ل قول44ه تع44الى" :وتع44اونوا على
البر والتقوى وال تعاونوا على اإلثم والعدوان".2
وقوله صلى اهلل عليه وسلم" :المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا".3
وهذا أبو سعيد الخ44دري رض4ي اهلل عن44ه ق4ال" :كن4ا في س44فر فق4ال رس4ول اهلل ص4لى اهلل علي44ه
وس 44لم من ك 44ان مع 44ه فض 44ل زاد فليع 44ذ ب 44ه على من ال زاد ل 44ه ،ومن ك 44ان مع 44ه فض 44ل ظه 44ر
فليعذبه على من ال ظهر له ،وأخد يعدد أصناف األموال ح44تى ظنن44ا أن44ه ليس في أموالن44ا إال
ما يكفينا".4
وق44د اس44تغل كث44ير من المخ44الفين تحت طائ44ل اإلغ44راءات المادي44ة كث44يرا من الفق44راء والش44باب
ال 44ذين به 44رتهم م 44ادة الحي 44اة الفردي 44ة لالبتع 44اد عن اإلس 44الم ومنهج اإلس 44الم في االنف 44اق وك 44ل
مقومات44 4ه األخالقي44 4ة واالقتص44 4ادية والسياس44 4ية كالرأس44 4مالية ال44 4تي تم44 4يزت باحتك44 4ار األغني44 4اء
لل44 4 4ثروات وقه44 4 4ر اإلنس44 4 4ان من أجله44 4 4ا باس44 4 4تغالله دون ش44 4 4فقة أو رحم44 4 4ة ثم ظه44 4 4رت بع44 4 4دها
1تفسير القرآن العظيم البن كثير تحقيق محمد حسين شمس الدين دار الكتب العلمية منشورات محمد علي بيضون بيروت الطبعة األولى 1419ج4
ص 162
2سورة المائدة اآلية 3
3تفسير القرآن البن كثير ج 4ص 153وقال أخرجه البخاري في الصالة باب 88
4سنن البيهقي تحقيق محمد عبد القادر عطا مكتبة دار الباز مكة المكرمة 1994ج 4ص182
52
الماركس 44ية كم 44ذهب جدي 44د اعتق 44د في 44ه الوض 44عيون أن 44ه المنق 44ذ لإلنس 44انية من ويالته 44ا المادي 44ة
والمعنوية ،غير أن النتائج كانت أك44ثر خس44ارة من األولى حيث قتلت روح اإلنس44ان وجعلت44ه
مستعبدا للمادة حتى جرت به إلى العلمانية التي اعتبرت أن الدين أفين الشعوب.
واإلس4الم دين الوس4طية ودين االعت4دال ،حقيق4ة أن اهلل تع4الى ق4ال" :واهلل فض4ل بعض4كم عن
بعض في الرزق".1
إن التف 44اوت في الغ 44نى والفق 44ر بين الن 44اس أم 44ر مش 44اهد ،وفط 44ري فكي 44ف نس 44اوي بين الع 44الم
والجاهل – بين الخبير والمبتدئ – بين النشيط والكسول ..والمثل يقول" :ال يزال الناس ما
تب44اينوا ف44إذا تس44اووا هلك44وا" واهلل تع44الى يق44ول " :نحن قس44منا بينهم معيش44تهم في الحي44اة ال44دنيا
ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا". 2
فاإلس44الم ي44دعوا إلى األخ44وة الديني44ة وأنن44ا أس44رة واح44دة ،يف44رح الم44ؤمن لف44رح أخي44ه ويح44زن
لحزنه ،قال صلى اهلل عليه وسلم" :المسلم أخو المسلم ال يظلم4ه وال يخذل4ه وال يس4لمه ،ومن
كان في حاجة أخيه كان اهلل في حاجته ،ومن ف44رج عن مس44لم كرب44ة ف44رج اهلل عن44ه كرب44ة من
ك44رب ي44وم القيام44ة ،ومن س44تر مس44لما س44تره اهلل ي44وم القيام44ة" .3ص44دق رس44ول اهلل ص44لى اهلل
عليه وسلم
1
سورة النحل اآلية 71
2
سورة الزخرف اآلية 31
3
53
و 29من 28 المشاركة التاسعة:درس شرح اآليتين
سورة الحديد
54
بسم الله الرحمن الرحيم
55
وقد يكون االستعمال استعماال لقبيا فيأخذ منه أهل الملة اإلسالمية بشارة وهي أن
أجرهم ال يقل عن أجر مؤمني أهل الكتاب ألنهم لما آمنوا بالرسل السddابقين أعطddاهم هللا
أجر مؤمني أهل مللهم .ويشهد لهذا حديث أبي موسى األشعري dأنه صلى هللا عليه وسلم
ِ ِِ
صـ َارى َك َمثَـ ِـل َر ُجـ ٍـل ا ْسـتَأ َ
ْج َر َق ْو ًمــا َي ْع َملُــو َن ين َوالَْي ُهود َوالنَّ َ
قالَ " :مثَ ُل ال ُْم ْسلم َ
ٍ
َّهــا ِر َف َقــالُوا
ف الن َ صـ َِج ٍر َم ْعلُوم َ ،ف َع ِملُوا لَــهُ إِلَى نِ ْلَهُ َع َمالً َي ْو ًما إِلَى اللَّْي ِل َعلَى أ ْ
ـال لَ ُه ْم الَ ـل َ ،ف َقـ َ ـْت لَنَــا ،ومــا َع ِملْنَــا ب ِ
اط َ ط ر ـ ش
َ ى ذالَ حاجـ ةَ لَنَــا إِلَى أَجـ ِر َك الَّ ِ
ٌ َ َ َ َ ْ َ َ
ـامالً ،فَـ ـ ـأ ََب ْوا َوَت َر ُكـ ــوا ، َت ْفعلُ ـ ــوا أَ ْك ِملُ ـ ــوا ب ِقيَّةَ عملِ ُكم ،و ُخـ ـ ـ ُذوا أَجـ ــر ُكم َكـ ـ ِ
ْ َ ْ َ ََ ْ َ َ
ـال لَ ُه َمــا أَ ْك ِمالَ بَِقيَّةَ َي ْو ِم ُك َمــا َهـ َذا َ ،ولَ ُك َمــا الَّ ِذى ْج َر أ ِـ
َج َيريْ ِن َب ْعـ َد ُه ْم َف َقـ َ َوا ْسـتَأ َ
ـك َمــا صـ ِر قَـاالَ لَ َ ِ ْت لَهم ِمن األَج ِر َ .فع ِملُوا حتَّى إِذَا َكا َن ِ
صـالَة ال َْع ْ ين َ ُ ح َ َ َش َرط ُ ُ ْ َ ْ
ـال لَ ُه َمـ ــا أَ ْك ِمالَ بَِقيَّةَْت لَنَـ ــا فِيـ ـ ِـه َ .ف َقـ ـ َ
ـك األَ ْـجـ ُـر الَّ ِذى َج َعل َ ـل َ ،ولَـ ـ َ ِ ِ
َعملْنَـ ــا بَاطـ ـ ٌ
ِ ِ ِ ِ
َّهــا ِر َشـ ـ ْىءٌ يَسـ ـ ٌير .فَأ ََبيَ ــا َ ،وا ْسـ ـتَأ َ
ْج َر َق ْو ًمــا أَ ْن َع َمل ُك َمــا ،فَـ ـِإ َّن َمــا بَق َى م َن الن َ
استَ ْك َملُوا س َ ،و ْ م َّ
الش تي ْعملُوا لَهُ ب ِقيَّةَ يو ِم ِهم َ ،ف َع ِملُوا ب ِقيَّةَ يو ِم ِهم حتَّى غَاب ِ
ُ ْ َ َ َْ ْ َ َ َْ ْ َ َ
1
ك َم َثلُ ُه ْم َو َمثَ ُل َما قَبِلُوا ِم ْن َه َذا النُّو ِر" َج َر الْ َف ِري َق ْي ِن كِلَْي ِه َما ،فَ َذلِ َ أْ
((" يُ ْؤتِ ُك ْم ِك ْفلَ ْي ِن))" :والكفل بكسر الكاف وسكون dالفاء النصيب ،وأصله األجر
المضddاعف ،وهddو في األصddل كسddاء يكتفddل بdه الddراكب فيحفظdه من السddقوط .قالddه ابن
جريج.
وقال أبو موسى األشعري :كفلين ضعفين بلسان الحبشة .وقddد اسddتدل بهddذه اآليddة
من اعتبر أن الحسنة لها من األجر مثل واحد فجعل هللا لمن اتقى وآمن برسوله نصيبين
نصيبا لتقوى هللا ونصيبا إليمانه برسوله .ومعناه أن الحسنة التي جعل هللا لها عشddر هي
التي جمعت عشرة أنddواع من الحسddنات وهdو اإليمddان الdذي dجمdع هللا في صdفته عشdرة
ت .2 "))... ين َوا ْل ُم ْ
سلِ َما ِ أنواع كما جاء في قوله تعالى((" :إِنَّ ا ْل ُم ْ
سلِ ِم َ
1فتح الباري شرح صحيح البخاري البن حجر ج 4ص 565رقم dالحديث 2271
2سورة األحزاب اآلية 35
56
قال صاحب التحرير والتنوير :هذا تأويل فاسد لظddاهر قولddه تعddالىَ ((" :منْ َجـ ا َء
ش ُر أَ ْمثَالِ َها))". سنَ ِة فَلَهُ َع ْ
بِا ْل َح َ
ون بِـ ِه))" :والنور قيddل المقصddود بddه البيddان ،قالddه َ ((" ويَ ْج َع ْل لَ ُك ْم نُــو ًرا تَ ْم ُ
شـ َ
مجاهد ،وقيل القddرآن ،قالddه ابن عبddاس .وأيddا كddان فهddو هبddة من هللا يجعلهddا في قلب من
يستشعر بتقواه ،والمعنى ييسر لكم داللة تهتddدون dبهddا إلى الحddق .وقdد dعddرف أن القddرآن
يشبه الهدى بالنور والضالل بالظلمة والبرهان بالطريق.
َ ((" ويَ ْغفِ ْر لَ ُك ْم))" :والمغفرة جزاء على امتثالهم ما أمروا به.
((" لِئَاَّل يَ ْعلَ َم أَ ْه ُل ا ْل ِكتَا ِ
ب))" :وأهل الكتاب لقب في القddرآن لليهddود والنصddارى
الذين لم يتدينوا باإلسالم d،لدى المراد بالكتاب التوراة واإلنجيل إذا أضيف إليه أهل.
وال يطلق على المسلمين :أهل الكتاب ،وإن كان لهم كتاب ،فمن صار مسddلما من
اليهود والنصارى ال يوصف بأنه من أهل الكتاب في اصطالح القرآن .ولهذا لما وصف
عبد هللا بن سالم في القرآن وصف بقولهَ ((" :و َمنْ ِع ْن َدهُ ِع ْل ُم ا ْل ِكتَا ِ
ب))".
أهل الكتاب كانوا يقولون :الوحي والرسالة فينا والكتاب والشرع dليس إال لنا وهللا
خصنا بهذه الفضيلة العظيمة من بين جميع العالمين.
كما زعموا أنهم شعب هللا المختار وأنهم أبنddاء هللا وأحبddاؤه ،وقddالوا كمddا قddال هللا:
"(( َوقَالُوا ُكونُوا هُو ًدا أَ ْو نَ َ
صا َرى تَ ْهتَدُوا))" ،1وقالوا كمddا قddال هللا((" :لَنْ يَ ـد ُْخ َل ا ْل َجنَّةَ
صا َرى))" ،2فرد هللا عليهم أن أمddر النبddوة والهدايddة واإليمddان dبيddد ان هُو ًدا أَ ْو نَ َ
إِاَّل َمنْ َك َ
الرحمن يعطيه لمن يشاء من عباده ،وحتى يعلم أهل الكتاب أنهم ال يقدرون على شddيء،
وأن الفضل بيد هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم .وأن فضله غير مقصور على
قوم dوال محجوز لطائفة ،وال محدود على قليل.
والسورة بأكملها ،سورة الحديد ،درس رباني من صانع القلddوب ومddنزل القddرآن،
وخالق هذا الكون ،وأن كل شيء فيه يسير بقدر.
1
سورة
2
سورة
57
بسم اهلل الرحمن الرحيم
58
بسم اهلل الرحمن الرحيم
ه44 4ذا الكت44 4اب عب44 4ارة عن دلي44 4ل عملي للش44 4أن ال44 4ديني في المملك44 4ة في المغربي44 4ة تحت القي44 4ادة
الرشيدة ألمير المؤمنين.
والكت 44اب يش 44تمل على مقدم 44ة وهي عب 44ارة عن خصوص 44ية مغربي 44ة في الش 44أن ال 44ديني وس 44تة
مح44اور باإلض44افة إلى خاتم44ة وهي عب44ارة على مجم44ل ض44وابط ينبغي أن يل44تزم به44ا القيم44ون
الدينيون
فالخصوص 44 4ية المغربي 44 4ة تتجلى في الض 44 4وابط 4المنهجي 44 4ة األربع 44 4ة المس 44 4طرة في الكت 44 4اب في
الصفحة 18وهي :
الضابط األول :بخصوص هذا الضابط اختار المغاربة مذهب األش44اعرة لم44ا لمس44وه في44ه من
حف44اظ عن ج44وهر العقي44دة ل44درء التش44بيه والتعطي44ل فق44راءة األش44اعرة ق44راءة وس44طية لتج44اوز
القراءة الحرفية للنصوص كما تتجاوز التأويل الفاسد .ومن أمثلة ذلك
59
-1كالم اهلل :بعض44هم ق44ال ق44ديم ح44تى حروف44ه وأص44واته ,والمعتزل44ة ق44الوا مخل44وق وتوس44ط
األشاعرة ففرقوا بين الكالم النفسي الذي رآه قديما دون غيره .
)2حري 44ة العب 44د :الجبري 44ة نف 44وا ق 44درة العب 44د في حين أن المعتزل 44ة أثبت 44وا الق 44درة ل 44ه وتوس 44ط
األشاعرة فقالوا بنظرية الكسب وخلق القدرة عند الكسب .
)3رؤي 44ة اهلل :المش 44بهة ق 44الوا برؤي 44ة اهلل باألبص 44ار في اآلخ 44رة ،ونفته 44ا المعتزل 44ة ,وم 44ذهب
األشاعرة توسط فقالوا بالرؤية ،لكن من غير تحديد.
الض 44ابط الث 44اني :الم 44ذهب الم 44الكي :ترس 44خ الم 44ذهب الم 44الكي عن 44د المغارب 44ة من 44ذ أم 44د بعي 44د
ويمكن أن نرجع ذلك إلى أمرين:
ح44ديث رس44ول اهلل ص44لى علي44ه وس44لم ال44ذي ق44ال في44ه " يض44رب الن44اس أكب44اد اإلب44ل في -1
1
طلب العلم فال يجدون عالما أعلم من عالم المدينة "
طبيعة المغاربة في األندلس تشبه طبيعة أهل الحجاز -2
- 3أصول مالك :أصول مالك التي اعتمدها في االستدالل فبعد القرآن والسنة
عم 44ل أه 44ل المدينة ه 44و أص 44ل من أص 44ول االس 44تدالل عن 44د مال 44ك غ 44ير أن 44ه أح 44دث م 44ع م 44رور
الزمن نوعا من الخصوصية النفس44ية واالجتماعي44ة فط44وره المغارب44ة على المس44توى المنهجي
فأحدثوا ما يسمى بالفقه المالكي بالمغرب واألن44دلس وم44ا ج44رى ب44ه العم44ل كالعم44ل الغرن44اطي
والعمل الفاسي والعمل السوسي وهلم جرا....
- 4قاع44 4دة مراع44 4اة الخالف :وهي قاع44 4دة عن44 4د مال44 4ك ترج44 4ع إلى العم44 4ل ب44 4دليل المخ44 4الف
وغايته رفع ضرر ما بعد وقوع نازلة معينة ال قبلها .
صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان لمحمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي تحقيق شعيب 1
60
وبن44اء على ذل44ك فمال44ك رحم44ه اهلل يج44يز للمس44بوق في الص44الة إذا أدرك الرك44وع م44ع اإلم44ام
وخاف ف44وات الركع44ة أن يجع44ل تكب44يرة اإلح44رام نفس تكب44يرة الرك44وع رغم أن44ه ال يج44يز ذل44ك
في األوقات العادية .وكذا زواج المرأة بغير ولي.
- 5قاع 44دة المص 44الح المرس 44لة وهي قاع 44دة تحتكم إلى جلب المص 44الح ودرء الفاس 44د فيم 44ا ال
نص فيه عمال بمقاصد الشريعة
- 6قاعدة مراع44اة الم44آل :وهي من أعظم القواع44د المم44يزة للم44ذهب الم44الكي ,وهي راجع44ة
إلى اعتب 44 4ار الم 44 4آالت المتوقع 44 4ة عن 44 4د تنزي 44 4ل األحك 44 4ام الش 44 4رعية أي فيم 44 4ا ي 44 4ؤول إلي 44 4ه الحكم
الشرعي بعد النطق به أو بعد تنفيذه.
الض 44ابط الث 44الث التص 44وف :التص 44وف تربي 44ة على المحب 44ة ,ك 44ان للتص 44وف وال ي 44زال -3
األث44ر الب44الغ في تم44تين الرواب44ط الروحي44ة ,والتص44وف معن44اه أن العب44د ينتق44ل من مق44ام
إلى مقام ,من مقام التوبة إلى الورع إلى الزهد إلى التوكل...الخ
وال يزال العبد يسلك هذا الطريق حتى تصفو روحه تماما هلل.
وسئل أحد الصالحين عن التوبة فقال للسائل سألتني عن توبة اإلنابة أم توبة االس44تجابة ق44ال
ما توبة اإلنابة قال أن تخاف اهلل من أجل قدرته عليك
وفي توب 44ة اإلناب 44ة يق 44ول تع 44الى '' :ي 44ا أيه 44ا ال 44ذين آمن 44وا توب 44وا إلى توب 44ة نص 44وحا'' 1ويق 44ول
2
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم '' قل أمنت باهلل ثم استقم''
شعب اإليمان للبيهقي تحقيق :محمد السعيد بسيوني زغلول الناشر :دار الكتب العلمية -بيروت 2
61
ام ُ4دون ال َّس 4ائِحون َّ ِ ِ ِ
4ون
الراك ُعَ 4 ُ َ ون اْل َعابِ4ُ 4د َ
ون اْل َح َ 4 وفي توب44ة االس44تجابة يق44ول اهلل تع44الى " :التَّائُب َ
ِ َّ ِ اهون ع ِن اْلم ْن َك ِر واْلح ِافظُ ِ َّاج ُدون اآْل ِمرون بِاْلمعر ِ
ون ل ُح ُدو ِد الله َوَب ِّش ِر اْل ُم4ْ 4ؤ ِمن َ
ين َ َ َ الن ُ َ َ ُ وف َو َّ ُ َ َ ُْ الس ِ َ
1
"
وفي كل يقول اهلل تعالى '' :واصبر نفس4ك م44ع ال4ذين ي44دعون ربهم بالغ44داة والعش44ي يري4دون
وجه44ه" .2وق44ال تع44الى ''وعص44ى آدم رب44ه فغ44وى ثم اجتب44اه رب44ه فت44اب علي44ه وه44دى" 3وق44ال
4
تعالى " فتلقى آم من ربه كلمات فتاب عليه "
الض44ابط الراب44ع :ام44ارة المؤم44نين البيع44ة الش44رعية في اإلس44الم من أهم الخص44ائص المكون44ة
للهوي44 4ة المغربي44 4ة فمن44 4ذ أن ت44 4زوج الم44 4ولى إدريس األول ك44 4نزة األمازيغي44 4ة في س44 4ياق بن44 4اء
المجتم44 4ع المغ444ربي تحت بيعت444ه الديني44 4ة ومن ثم فالوف444اء لعق44 4د البيع 44ة من حيث هي ح 44ق من
حقوق اهلل يجب أن يكون نصب عين اإلمام أو الخطيب .
ج 44اء في ص 38من الكت 44اب أن كال من اإلم 44ام والخطيب ين 44وب عن اإلم 44ام األعظم ال 44ذي
هو أمير المؤمنين ,وهذه هي توجيهاته في الشأن ال44ديني والس44اهر على ه44ذه التوجيه44ات هي
وزارة األوقاف والشؤون اإلس44المية م44ع المجلس العلمي األعلى ومن خاللهم44ا م44ع المج44الس
المحلية عبر الصعيد الوطني .
هذه العوامل كله4ا س4اهمت في االس4تقرار السياس4ي وال4ديني ب4المغرب مص4داقا لقول4ه تع4الى "
5
واعتصموا 4بحبل اهلل جميعا وال تفرقوا "
62
المحور األول :النظرية االندماجي44ة في الش44أن ال44ديني :سياس44ة ال44دين وال44دنيا ق4د ارتبطت في
تاريخ األمة اإلسالمية برعاية مصالح العباد والبالد منذ نشأة اإلس44الم وب44الرجوع إلى قول44ه
تع44 4الى "وأطيع44 4وا اهلل ورس44 4وله وال تن44 4ازعوا فتفش44 4لوا وت44 4ذهب ريحكم واص44 4بروا 4إن اهلل م44 4ع
نج 44د أن أم 44ير المؤم 44نين ومقام 44ه ه 44و مق 44ام اإلم 44ام األعظم يس 44توجب طاعت 44ه 1
الص 44ابرين "
ومتابعت44ه ,وأولى الن44اس بالطاع44ة الراتب44ون في المس44اجد ,ألنهم ن44ائبون عن اإلم44ام األعظم
كما هو مبين في الصفحة 49
2
إذن وحدة األمة أصل شرعي لقوله تعالى " واعتصموا 4بحبل اهلل وال تفرقوا "
وكل خالف شر ,فهذا ابن مسعود رضي اهلل عنه كان ي4رى القص44ر والجم44ع بم4نى وهي من
مكة ,وكان عثمان إمام المسلمين يرى إتمام الصالة مع الجمع ألنه كان يرى نفسه من أهل
مكة وله بها أهل ,وقد صلى ابن مسعود وراء عثمان وأتم الصالة خالفا لما يراه في
وبناء على هذه النصوص فاإلمام مطالب بأن يدعو بالموعظة الحس44نة وبالحكم44ة وأن يس44لك
الرفق والتدرج .قال ابن عطاء اهلل السكندري رحمه اهلل " لم يبق من الجه44ل ش44يئا من أراد
أن يظه44ر في ال44وقت م44ا لم يظه44ره اهلل في44ه'' 3وق44ال س44فيان الث44وري ''وال يح44ل ألح44د أن يق44دم
على األمر بالمعروف والنهي على المنكر إال بشروط ثالثة أن يكون عالما بم4ا ي44أمر عالم44ا
بما ينهى رفيقا فيما يأمر رفيقا فيما ينهى عدال فيما يأمر عدال فيما ينهى" .4
دليل اإلمام والخطيب والواعظ منشورات وزارة األوقافـ المملكعة المغربية 2006م ص 56 3
63
الوع44ظ واإلرش44اد :الوع44ظ واإلرش44اد تنمي44ة روحي44ة ومرحل44ة انتقالي44ة -2المحور الثاني
إلى التنمية الوطنية لقوله تعالى '' :فلوال نفر من ك4ل فرق4ة منهم طائف4ة ليتفقه4وا في ال4دين "
وقوله تعالى :ي44ا أيه44ا الن4اس إن4ا خلقن4اكم من ذك44ر وأن4ثى وجعن44اكم ش4عوبا وقبائ4ل لتع44ارفوا 1
-االق 44 4تراب من المواط 44 4نين وخاص 44 4ة الش 44 4باب منهم م 44 4ع اإلنص 44 4ات إليهم وتلبي 44 4ة حاجي 44 4اتهم
العلمية والتعبدية.
القيم ال44ديني الب44د من أن ي44راعي المحي44ط ال44دولي أثن44اء قيام44ه بمهام44ه ألن اإلس44الم أم44ر بحف44ظ
األنفس وحسن الج4وار ورعاي4ة العه4ود والمواثي4ق م4ع المس4لمين وغ4ير المس4لمين ألن مفه4وم
اإلنسان في ظل الشريعة يشمل المسلم وغيره وغير المسلم له حقوق منها:
3
-1حق التدين قال تعالى '' :ال إكراه في الدين''
64
-2حق اللج44وء السياس4ي ق4ال تع4الى '' :وإ ن أح44د من المش44ركين اس44تجار ف4أجره ح44تى يس4مع
4
كالم اهلل''
-3ح 44ق العب 44ادة كم 44ا ج 44اء في ص 99أن 44ه ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم ك 44ان عن 44ده غالم يه 44ودي
يخدم44ه فم44رض الغالم ف44ذهب الن44بي ص44لى اهلل علي44ه وس44لم فق44ال ص44لى اهلل علي44ه وس44لم أس44لم
فنظر الغالم إلى أبيه ليعطيه الجواب فق44ال ل44ه األب أط44ع أب44ا القاس44م فأس44لم الغالم فق44ال ص44لى
2
اهلل عليه وسلم الحمد هلل الذي أنقده من النار"
- 2البداوة وطبائع المغاربة في األندلس أشبه ببداوة وطبائع أهل الحج4از ومراع44اة م44ذهب
مالك عندنا يملي علينا أن نراعي بعض الضروريات 4منها :
-الض44 4رورة االجتماعي44 4ة أي إتب44 4اع الم44 4ذهب الواح44 4د في الص44 4الة والزك44 4اة والحج والص44 4يام
والزواج والطالق وإ ال تفرقنا وسط المذاهب.
-الض44رورة 4التعليمي44ة والتربوي44ة فتفرقن44ا بين الم44ذاهب في المدرس44ة والمس44جد ه44و االختالف
بعينه .ونفس الشيء قله في القضاء والسياسة .....الخ
واتب44اع ال44ذهب الواح44د ه44و أداة لتحقي44ق األمن ال44روحي وجع44ل األم44ة الواح44دة تعيش في أمن
وأمان فيما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم .
فتح الباري شرح صحيح البخاري البن حجر العسقالني تحقيق :أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل 2
65
:نماذج من الشعائر الدينية : )5المحور الخامس
-ق44راءة الح44زب جماع44ة واألص44ل في44ه قول44ه ص44لى اهلل علي44ه وس44لم "م44ا اجتَ 4م4ع َق44وم في ب ٍ
يت َ َ َ ٌ
وغ ِش َ4 4 4يتهُم
4اب اهلل ويتدار ُس 4 4 4ونه بينهم ،إال ن44 4 4زلت عليهم ال َّس ِ 4 4 4كينة َ
4ون كتَ 4 4 4
ِ
من ُبي44 4 4وت اهلل يتلَ 4 4 4
فيمن عن4َ 4ده" وقول44ه ص44لى اهلل علي44ه وس44لم '' ا ْق4َ 4ر ُءوا
4ره ُم اهللُ َ حم 4ةُ ،وحفَّتهم المالئك4ةُ ،و َذ َكُ 4 الر َ َّ
1
خطبت44 4ه :على الخطيب أن ي44 4راعي أثن44 4اء إلق 44اء خطب44 4ة الجمعة -6المح 44ور الس 44ادس4
أس 44اليب التق 44ريب والتنص 44يب , 4رجال خطب الق 44وم في زمن الرس 44ول ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم
فقال من يطيع اهلل ورسوله فقد رشد ,ومن يعصيهما فقد غوى فقال له صلى اهلل عليه وس4لم
'' بئس الخطيب أنت قل '' من يعصي اهلل ورسوله فقد غ44وى '' 3وق44ال ص44لى اهلل علي44ه وس44لم
4
" يسروا وال تعسروا وبشروا وال تنفروا "
ج 4ص2053
صحيح مسلم تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي الناشر :دار إحياء التراث العربي – بيروت 3
ج 2ص594
الرجع نفسه ج 3ص 1359 4
66
تجنب الخطيب األحكام الجاهزة فوق المنبر
مراع44اة الخطيب مس44تويات المخ44اطبين م44ع االختص44ار والترك44يز فعن ج44ابر رض44ي اهلل عن44ه
قال كان صلى اهلل عليه وسلم "ال يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات" .1
الخاتمة مجمل ضوابط ينبغي االلتزام بها من طرف القيم الديني :
اإلمام 44ة :مق 44ام اإلمام 44ة عظيم عن 44د اهلل ع 44ز وج 44ل ق 44ال تع 44الى '' :ربن 44ا هب لن 44ا من أزواجن 44ا
وذريتنا قرة أعين واجعلن44ا للمتقين إمام44ا'' 2وقول44ه تع44الى '' :وإ ذا ابتلى إب44راهيم رب44ه بكلم44ات
ف 44أتمهن " 3ومن ه 44ذا المنطل 44ق ينص 44ح أم 44ير المؤم 44نين ك 44ل إم 44ام ن 44ائب عن 44ه أن يجع 44ل العم 44ل
االجتماعي من أولوياته جاء هذا في ص 152حيث قال حفظه اهلل ''فإننا قد وضعنا طابعنا
الش44ريف على ظه44ائر تع44يين أعض44اء المج44الس العلمي44ة في تركيبته44ا الجدي44دة مكلفين وزيرن44ا
في األوق44اف والش 44ؤون الس44المية بتنص 44يبها لتق 44وم من خالل انتش44ارها ع44بر ال 44تراب الوط44ني
بت44دبير الش44أن ال44ديني عن ق44رب ،وذل44ك بتش44كيلها من علم44اء مش44هود لهم ب44اإلخالص لث44وابت
األم 44ة ومقدس44اتها ،والجم44ع بين فق 44ه ال44دين واالنفت 44اح على قض 44ايا العص 44ر ح44اثين إي44اهم على
اإلص 44غاء إلى الموط 44نين والس 44يما الش 44باب منهم بم 44ا يحمي عقي 44دتهم وعق 44ولهم من الض 44الين
المضلين.4'' 4
ومعناه أن اإلمام النائب عن اإلمام األعظم الذي هو أمير المؤمنين مطالب ب:
-من خطاب جاللة الملك غداة تنصيب المجلس العلمي األعلى والجالس العلمية 4
67
وبه44 4ذا ينتهي الع44 4رض ال44 4ذي ه44 4و ق44 4راءة في كت44 4اب دلي44 4ل اإلم44 4ام والخطيب والواع44 4ظ وباهلل
التوفيق.
68
بسم اهلل الرحمن الرحيم
69
بسم اهلل الرحمن الرحيم
وب44الرجوع إلى كت44اب اهلل ع44ز وج44ل بخص44وص الهج44رة النبوي44ة والس44نة المطه44رة نج44د ع44دة
آيات قرائية وأحاديث نبوية تؤصل للهجرة النبوية
من اآلي 66ات القرآني 66ة قول 66ه تع 66الى '' :وال44 4ذين تب44 4وء وال44 4دار وااليم44 4ان من قبلهم يحب44 4ون من
يهاجر إليهم وال يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا وي44وثرون على أنفس44هم ول44و ك44ان بهم
خصاص444ة ومن ي444وق ش 44ج نفس 44ه فأولئ 44ك هم المفلح444ون'' ,1فاآلي 44ة الكريم 44ة تش 44ير إلى إيم 44ان
األنص 44ار قب 44ل هج 44رة الرس 44ول ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم إلى المدين 44ة وحبهم في 44ه علي 44ه الص 44الة
والسالم .
وك 44ذا قول 44ه ع 44ز وج 44ل '' :والس 44ابقون األول 44ون من المه 44اجرين واألنص 44ار وال 44ذين اتبع 44وهم
بإحسان رضي اهلل عنهم ورضوا عنه''.2
70
ه44ذه اآلي44ة الكريم44ة تن44وه بص44حابة رس44ول اهلل ص44لى علي44ه وس44لم من مه44اجرين وأنص44ار كم44ا
بالت44ابعين ومن س4ار على نهجهم إلى ي44وم القيام4ة ،فوع44دهم س4بحانه بالرض4ى والغف4ران وهي
أرقى المراتب ،وغير هذا من اآليات كثير.
أم44ا من الس44نة فق44د ق44ال ص44لى اهلل علي44ه وس44لم '' :إنم44ا األعم44ال بالني44ات وإ نم44ا لك44ل ام44رئ م44ا
نوى ،فمن ك44انت هجرت44ه إلى اهلل ورس4وله فهجرت44ه إلى اهلل ورس44وله ومن ك44انت هجرت44ه إلى
1
دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه''
وقول 44ه ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم ألم قيس لم 44ا ق 44الت ل 44ه أن يوص 44يها فق 44ال'' :اهج 44ري المعاص 44ي
فإنها أفضل الهجرة وحافظي على الفرائض فإنها أفضل الجهاد ،وأكثري من ذكر اهلل ''.2
فقد أوصاها علي4ه الص4الة والس4الم بهج4ران المعاص44ي وهي أفض44ل الهج44رة والمحافظ4ة على
الفرائض وهي أفضل الجهاد مع اإلكثار من ذكر اهلل مص44داقا لقول44ه تع44الى '' :أال ب44ذكر اهلل
تطمئن القلوب''.3
هذه الوصايا منه عليه الصالة والسالم لها ولمن باقي بعدها إلى يوم القيامة.
إن ح44ادث الهج44رة النبوي44ة الش44ريفة من أخط44ر األح44داث في مس44ار بن44اء الدول44ة اإلس44المية ب44ل
من أعظمه44 4ا ش44 4أنا ،وأعاله44 4ا ق44 4درا باعتباره44 4ا نقط44 4ة تح44 4ول في بن44 4اء المجتم44 4ع اإلس44 4المي،
وتغييره وظهوره في هذا الوجود.
وك 44ان من توفي 44ق اهلل ع 44ز وج 44ل أن ي 44ؤرخ في الس 44الم به 44ذا الح 44ادث الخط 44ير العظيم ،ي 44ذكر
المسلمين دائما ،أن العقيدة وحدها تصنع المعجزات.
1المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لمسلم بن الحجاج
أبو الحسن القشيري النيسابوري تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي الناشر :دار إحياء التراث العربي –
بيروت ج 3ص1515
- 2الدر المنثور لعبد الرحمن بن أبي بكر ،جالل الدين السيوطي الناشر :دار الفكر – بيروت ج 6ص620
3سورة الرعد اآلية 29
71
ك44انت هج44رة الرس44ول ص44لى اهلل علي44ه وس44لم من مك44ة إلى المدين44ة ,مك44ة :ال44تي ق44ال فيه4ا علي44ه
الصالة والسالم'' :ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ،ول4وال أن ق44ومي أخرج4وني من44ك م4ا س44كنت
غيرك ''.1
خ44رج إلى المدين44ة ال44تي ق44ال فيه44ا ص44لى اهلل عليم وس44لم :إن االيم44ان ل44يزأر إلى المدين44ة كم44ا
تزأر الحية إلى جحرها''.2
ه44اجر ص44لى اهلل علي44ه وس44لم وغايت44ه تعليم أمت44ه ،أن التواك44ل ،وإ هم44ال األخ44ذ باألس44باب أم44ور
ليست من اإلسالم ،وأن معونة اهلل مرهونة باألخذ باألسباب.
والرسول صلى اهلل عليه وسلم خير قدوة في العمل بالعلم والتخطيط ،وكثيرا م4ا ك44ان يتع44وذ
برب44 4 4ه فيق 44 4ول'' :اللهم إني أع 44 4وذ ب 44 4ك من علم ال ينف 44 4ع ،ومن قلب ال يخش 44 4ع ومن دع44 4 4وة ال
يستجاب لها''.3
خ 44رج رس 44ول اهلل ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم من مك 44ة إلى المدين 44ة ولكن 44ه بع 44دما أحكم التخطي 44ط،
ومن ذلك :
مرافقة أبي بكر رضي اهلل عنه في هذه الرحلة دون غيره من الصحابة
خروجه ليال ال نهارا.
عدم توجهه في سيره شماال ،وهو االتجاه الطبيعي ،بل اتجه جنوبا.
ع 44دم اس 44تمراره في الس 44ير ط 44ويال ب 44ل لج 44أ إلى غ 44ار ث 44ور ،ليحق 44ق مزي 44دا من تض 44ليل
قريش
الناشر :دار إحياء التراث 1سنن الترمذي لمحمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي تحقيق :أحمد محمد شاكر وآخرون
العربي – بيروت ج 5ص723
2المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم dلمسلم بن الحجاج
أبو الحسن القشيري النيسابوري تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي الناشر :دار إحياء التراث العربي – بيروتd
ج 1ص 131
3المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم dلمسلم بن الحجاج
أبو الحسن القشيري النيسابوري تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي الناشر :دار إحياء التراث العربي – بيروتd
ج 4ص2088
72
إختي4اره لرج4ل االس4تخبارات عب4د اهلل بن أبي بك4ر يس4مع م4ا تقول4ه ق4ريش في مك4ة ثم
يذهب ليال إلى غار ثور ليخبر النبي صلى اهلل عليه وسلم بذلك
البق44 4اء في الغ44 4ار 3أي44 4ام أو لي44 4ال .والغاي44 4ة مض44 4اعفة الض44 4غط النفس44 4ي على األع44 4داء
وإ حداث خلل في توازنهم ،ليدب اليأس إلى قلوبهم.
معي 44 4ة اهلل فنس 44 4يج العنكب 44 4وت ان ص 44 4ح على فم الغ 44 4ار وبيض الحمام 44 4ة ،وإ نص 44 4راف4
المش 44ركين خ 44ائبين ،وتحوي 44ل س 44راقة من ع 44دو أول النه 44ار إلى ح 44ارس لهم 44ا آخ 44ره،
لدليل على عناية اهلل ,وصدق اهلل إذ يقول '' :إال تنصروه فقد نصره اهلل إذ أخرجه
ال 44ذين كف 44روا ث 44اني اث 44نين إذ هم 44ا في الغ 44ار إذ يق 44ول لص 44احبه ال تح 44زن إن اهلل معن 44ا
فانزل اهلل سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة
اهلل هي العليا واهلل عزيز حكيم''.1
ومن ثم لم تكن هج44 4رة الن44 4بي ص44 4لى اهلل علي44 4ه وس44 4لم ف44 4رارا بدين44 4ه كم44 4ا يظن البعض
وإ نم 44ا ك 44انت انتق 44اال من أرض استعص 44ت على قب 44ول الح 44ق إلى أرض جدي 44دة اش 44تاق
أهلها إلى استقبال دعوة اإلسالم ،وقبول الهدى الذي جاء به.
هذه الهجرة سبقتها أس4باب و دواف4ع جعلت الرس4ول ص4لى اهلل علي4ه وس4لم يه4اجر من
مكة إلى المدينة ويمكن حصرها في سببين:
السبب األول إلحاق األذى بش44خص رس44ول اهلل ص44لى اهلل علي44ه وس44لم وبص44حابته مم44ا -1
جعل 44ه ي 44أمرهم ب 44أول هج 44رة في اإلس 44الم إلى أرض الحبش 44ة ق 44ائال لهم علي 44ه الص 44الة
والسالم '' :لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا ال يظلم عنده أحد''.2
ولما اشتد أذى قريش في شخصه كما ورد في كتب السيرة :بينما هو يصلي في حج44ر
الكعبة إذ أقب4ل عقب4ة بن أبي معي4ط ،فوض4ع ثوب4ه في عنق4ه فخنق4ه خنق4ا ش4ديدا ،وج4اء أب4و
بكر ودفعه عنه صلى اهلل عليه وسلم وقال " :أتقتلون رجال أن يقول ربي اهلل''.3
73
قلت لح44ق األذى برس44ول اهلل و بص44حابته ،مم44ا جعل44ه يه44اجر م44رة أخ44رى تحت الحص44ار
االقتص 44ادي إلى الط 44ائف ملتمس 44ا النص 44رة من أهل 44ه ثقي 44ف لكنهم ردوا علي 44ه ردا منك 44را،
وجعل44وا يرمون44ه بالحج44ارة ح44تى أن رجلي رس44ول اهلل ص44لى اهلل علي44ه وس44لم لت44ذميان مم44ا
جعله صلى اهلل عليه وسلم يذهب إلى بس44تان عتب44ة بن ربي44ع وق44د أنهك44ه التعب والج44راح
وي 44دعوا بدعائ 44ه المش 44هور ''اللهم إلي 44ك أش 44كو ض 44عف ق 44وتي ،وقل 44ة حيل 44تي ،وه 44واني على
الناس ....الخ'' 1ثم رجع إلى مكة ليعرض نفسه على القبائ44ل في العقب44ة األولى والثاني4ة،
كل ذلك وهم يعذبونه أشد العذاب من قبل رءوس الشكر مثل أمية بن خل44ف وعم44رو بن
هشام وعتبة بن أبي معيط والعاص بن وائل وغيرهم من صناديد قريش وهم كثير.
وي 44رى ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم ص 44حابته وهم يع 44ذبون فيق 44ول '' ص 44برا آل ياس 44ر ف 44إن -2
موع 44دكم الجن 44ة''2وذل 44ك مص 44داقا لقول 44ه تع 44الى'' :إنم 44ا ي 44وفي الص 44ابرون أج 44رهم بغ 44ير
حساب''.3
ك44ان ص44لى اهلل علي44ه وس44لم ينتظ44ر اإلذن من اهلل في الهج44رة بع44د م44ا ه44اجر ع44دد من
الصحابة إلى المدينة المنورة.
وج 44اء في كتب الس 44يرة أن أب 44ا بك 44ر رض 44ي اهلل عن 44ه لم 44ا وج 44د المس 44لمين ق 44د تت 44ابعوا
مه 44اجرين إلى المدين 44ة ج 44اء يس 44تأذن الرس 44ول ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم ه 44و األخ 44ر في
الهج 44رة فق 44ال ل 44ه علي 44ه الص 44الة والس 44الم '' :على رس 44لك ف 44إني أرج 44وا أن ي 44ؤذن لي''
4
فقال أبو بكر :هل ترجو ذلك بأبي أنت وأمي ،قال '' :نعم''
ولم 44ا ج 44اء اإلذن من الس 44ماء خ 44رج رس 44ول اهلل ص 44لى علي 44ه وس 44لم في ح 44ر الظه 44يرة
مخبرا أبا بكر رضي اهلل عنه وهو السبب الثاني من أسباب الهجرة.
ودخل رسول اهلل صلى عليه وسلم المدينة فاصال بين عهدين
1تفسير القرآن العظيم البن كثير تحقيق :محمد حسين شمس الدين الناشر :دار الكتب العلمية ،منشورات محمد علي بيضون –
بيروت الطبعة :األولى 1419 -هـ ج 7ص267
- 2التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج لوهبة بن مصطفى الزحيلي الناشر :دار الفكر المعاصر – دمشق الطبعة الثانية ،
1418هـ ج 2ص265
- 3سورة الزمر اآلية 11
4
:الدر المنثور لعبد الرحمن بن الكمال جالل الدين السيوطي الناشر :دار الفكر -بيروت 1993 ،ج 4ص203
74
)1عهد المجاهدة والصبر على إيذاء مشركي قريش في مكة
)2عه 44د المنع44ة باهلل وإ عالن دين 44ه ،ق44ال تع44الى '' :وال44ذين تب44وءوا ال44دار وااليم44ان من
قبلهم يحب44ون من ه44اجر إليهم وال يج44دون في ص44دورهم حاج44ة مم44ا أوت44وا وي44وثرون
على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة''.1
والهجرة هجرتان:
هجرة حسية مادية تتابع فيها المهاجرون ،وفيها قال عليه الصالة والسالم: )1
" ال هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية''.2
هج44رة معنوي44ة ب44الروح ،وفي معانيه44ا الس44امية من كراهي44ة المعاص44ي وهجرانه44ا )2
وكراهية الناس وقطيعة الدين
فعلى المسلمين أن يهاجروا إلى ربهم وإ لى كتاب ن4بيهم كي تعي4د أمتن4ا أمجاده4ا ،وتس4ترد م4ا
اغتص44 4ب من أراض44 4ها ،وتقيم حكم ربه44 4ا على أرض44 4ها ق 44ال تع44 4الى '' :وهلل الع44 4زة ولرس44 4وله
وللمؤمنين''.3
وعموما :
- 1فعلى الس44لم أن يق44ف وقف44ة م44ع النفس ،لتجدي44د العه44د م44ع اهلل وفتح ص44فحة بيض44اء نقي44ة،
لتحديد المسار ،وتصحيح األهداف لتدارك ما فات.
- 2أن يتذكر المسلم أن الهجرة كانت حدا فاصال بن الحق والباطل وبين القوة والضعف،
وبين العزة والذلة.
إن الهجرة أسست لنا دولة اإلس44الم وإ قام4ة أم44ة وكي4ان ق4ال تع4الى '' :ولينص44رن )3
اهلل من ينصره " .
2المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لمسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري
النيسابوري تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي الناشر :دار إحياء التراث العربي – بيروت ج 3ص 1487
- 3سورة المنافقون اآلية 8
75
التوك 44ل من ص 44فات المتقين لقول 44ه تع 44الى ":وعلى ربهم يتوكل 44ون'' 1فه 44ذا س 44يد المؤم 44نين )4
وإ مام المتقين ورغم أنه مرسل من قبل رب4ه ،وأن اهلل وع4ده بالنص4ر والتمكين اتخ4ذ من
األسباب المادية ما جعله يعلم أمة أن اتخاذ األسباب غير مناف للتوكل.
إذا كانت الهجرة النبوية قد فاز بها الصحابة الك4رام ف4إن الهج4رة الروحي4ة باقي44ة في ك44ل ي44وم
من هذه األيام لقوله صلى اهلل عليه وس44لم '' ال تنقط4ع الهج44رة ح4تى تنقط44ع التوب4ة وال تنقط44ع
التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها''.2
فه 44ذه أم أنس ج 44اء ت عن 44د رس 44ول اهلل ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم تس 44أله الوص 44ية فق 44ال اهج 44ري
المعاصي فإنها أفضل الهجرة وحافظي على الفرائض فإنها أفضل الجهاد وأكثري من ذكر
اهلل''.3
وهذا خباب بن األرث قال خرجن44ا أو هاجرن44ا نبتغي وج44ه اهلل فوق44ع أجرن44ا على اهلل مص44داقا
لقوله عزل وجل '' ومن يخ44رج من بيت4ه مه4اجرا إلى اهلل ورس44وله ثم يدرك4ه الم44وت ف44د وق44ع
أجره على اهلل''.4
وه44ذا ص44هيب ال44رومي ال44ذي خ44رج من مك44ة تارك44ا ك44ل مال44ه حب44ا في رس44ول اهلل
لخير دليل على الهجرة في اهلل والذي قال فيه رسول اهلل ''ربح ال44بيع أب44ا يح44يى''
وفي44ه ن44زل ق44ول اهلل ع44ز وج44ل ''ومن الن44اس من يش44ري نفس44ه ابتغ44اء مرض44اة اهلل
واهلل رء وف بالعباد''
معية اهلل :فهذا أبو بكر لما قال للرسول صلى اهلل عليه وسلم :ل44و نظ4ر أح44دهم )5
إلى األسفل لرءانا قال عيه الصالة والس4الم كم44ا ق4ال اهلل '' إذ يق4ول لص44احبه ال
76
تحزن إن اهلل معنا'' 1وقاله4ا من قبل4ه إب44راهيم علي44ه الس44الم لم4ا القي ب44ه في الن44ار
فق44 4ال ''حس44 4بنا اهلل ونعم الوكي44 4ل'' 2فق44 4ال اهلل'' ي44 4ا ن44 4ار ك44 4وني ب44 4ردا وس44 4الما على
إبراهيم'' 3وقالها موسى لما قال له قومه كما قال اهلل '' :إن44ا لم44دركون ق44ال كال
إن معي ربي سيهدين'' 4وقالها نبي اهلل يعقوب لم44ا ض44اع من44ه يوس44ف ق44ال لبني44ه
كما قال اهلل '' يا بني اذهبوا فتحسس44وا من يوس44ف وأخي44ه وال تيأس44وا من روح
اهلل''.5
قيمة الوقت من ال44دالالت للهج44رة النبوي44ة قيم44ة ال44وقت عن44د المس44لم فوداع44ه لس44نة )6
واس44تقباله ألخ44رى يجع44ل المس44لم يس44أل م44اذا ق44دم في ه44ذه الس44نة لنفس44ه وألس44رته
وأهل44ه ولبل44ده وملك44ه ولنبي44ه ولرب44ه خوف44ا من ي44وم ال ينف44ع الن44دم مع44ه ،وفي ه44ذا
الص44دد يق44ول عل44ه الص44الة والس44الم ''اغتنم خمس44ا قب44ل خمس ش44بابك قب44ل هرم44ك
وص44 4حتك قب44 4ل س44 4قمك وفراغ44 4ك قب44 4ل ش44 4غلك وغن44 4اك قب44 4ل فق44 4رك وحيات44 4ك قب44 4ل
موتك''.6
في هذا الح4ديث إش4عار ق4وي بقيم4ة ال4وقت في ك4ل س4نة ب4ل في ك4ل ش4هر ب4ل ك4ل ي4وم
حتى يدرك المؤمن ما فات ويستغل الوقت القادم قبل الفوات واهلل المستعان.
6شرح السنة للبغوي تحقيق :شعيب األرنؤوط-محمد زهير الشاويش الناشر :المكتب اإلسالمي -دمشق ،بيروت الطبعة :الثانية1403 ،هـ -
1983م ج 14ص224
77
بسم اهلل الرحمن الرحيم
فضائل القرآن
78
الحمد هلل الذي أنزل القرآن على عبده ليكddون للعddالمين نddذيرا ،والصddالة والسddالم على
سيد األنبياء والمرسلين d،أرسله هللا رحمddة للعddالمين ،وبشddرى للمتقين ،فصddلوات هللا وسddالمه
عليه وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وبعد،
ففضائل القرآن كثيرة من أن تعد وتحصى ،وقد ألddف فيهddا العلمddاء قddديما وحddديثا ،وال
زالوا يستنبطون فضائل أخddرى من كتddاب ربنddا المddنزل على قلب رسddول هللا صddلى هللا عليddه
وسلم المعجز المتعبد بتالوته ،المبدوء بسورة الفاتحة ،المختوم بسورة الناس.
هذا الكتاب الذي هو النور ،والشفاء لمddا في الصddدور ،قddال تعddالى في سddورة المائddدة،
ض َوانَهُ ُ
سبُ َل اآلية(" d:16 d– 15 :قَ ْد َجاء ُكم ِّمنَ هّللا ِ نُو ٌر َو ِكت ٌ
َاب ُّمبِينٌ يَ ْه ِدي بِ ِه هّللا ُ َم ِن اتَّبَ َع ِر ْ
سالَ ِم)" .
ال َّ
هذا القرآن الذي سمعه المشركون فتأثروا به حتى قال قddائلهم" :إن لهddذا الكالم لحالوة
وإن عليه لطالوة وإن أعاله لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلddو وال يعلى عليddه وإنddه ليس من
كالم الجن وال من كالم البشر".
وسمعه النصارى فدمعت عيونهم وخشعت قلوبهم لمddا عرفddوا من الحddق ،قddال تعddالى:
يض ِمنَ الـ َّد ْم ِع ِم َّما َع َرفُــو ْا ِمنَ ا ْل َحـ ِّ
ق)" س ِم ُعو ْا َما أُن ِز َل إِلَى ال َّر ُ
سـو ِل تَـ َرى أَ ْعيُنَ ُه ْم تَفِ ُ "( َوإِ َذا َ
سورة المائدة ،اآلية.83 :
شـ ِد س ِم ْعنَا قُ ْرآنا ً ع ََجبا ً يَ ْهـ ِدي إِلَى ُّ
الر ْ وسمعه الجن فتأثروا به وآمنوا ،قال تعالى(" :إِنَّا َ
ش ِر َك بِ َربِّنَا أَ َحداً)" سورة الجن ،اآلية.2 – 1 :
فَآ َمنَّا بِ ِه َولَن نُّ ْ
هذا التأثير هو الذي جعل العلماء يستخرجون فضائل القرآن ،ومنها:
)1إنــزال الســكينة:ـ فقddد ثبت علميddا وطبيddا أن القddرآن كddان سddببا في عالج كثddير من
األمراض بشهادة علماء وأطباء مسلمين وغربيين ،والحق ما شهدت به األعداء ،قddال تعddالى:
ب ا ْل ُمـ ْ
ـؤ ِمنِينَ لِيَـ ْـزدَادُوا إِي َمانـا ً َّم َع إِي َمــانِ ِه ْم)" سdورة الفتح، "(ه َُو الَّ ِذي أَنــزَ َل َّ
السـ ِكينَةَ فِي قُلُــو ِ
اآلية.4 :
هذا من القرآن ،أما من السنة فقد قال صلى هللا عليه وسddلم» :مــا اجتمــع قــوم في بيت
من بيوت هللا يتلون كتاب هللا ويتدارســونهـ بينهم إال حفتهم المالئكـة ونـزلت عليهم السـكينةـ
وغشيتهم الرحمة وذكرهم هللا فيمن عنده « .القرطبي .مج .1ص.24 :
ومن ثم فمن أراد أن تنزل عليه السكينة وتغشddاه الرحمddة وتحفddه المالئكddة ويddذكره هللا
فيمن عنده عليه أن يقرأ القرآن.
79
وهذا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول ألبي موسى األشعري رضي هللا عنه» :لــو
رأيتنيـ وأنــا أســمع قرأتــك البارحــه لقــد أوتيت مزمــارا من مزامــير آل داود فقــال لــو علمت
لحبرته لك تحبيرا« سنن البيهقي .كتاب الصالة.4484 .
وإذا كان الرسول صلى هللا عليه وسلم استمع إلى قراءة أبي موسddى األشddعري صddدفة
فإنه طلب من عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه أن يقddرأ عليddه القddرآن حddتى وصddل إلى قولddه
تعالى(" :فَ َكيْفَ إِ َذا ِج ْئنَا ِمن ُك ِّل أ َّم ٍة بِ َ
ش ِهي ٍـد َو ِج ْئنَــا بِــكَ َعلَى هَــؤُالء َ
شـ ِهيداً)" قddال صddلى هللا
عليه وسلم :حسبك .فإذا عيناه تدرفان .ابن كثير .مج .4 :ص.628 :
أما الشاب زيد بن ثابت رضي هللا عنه فقد دعا له صلى هللا عليdه وسdلم عنdدما جdاءت
به أمه إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وتخبره أنه حفظ 17سورة من القddرآن ،فكddان أحddد
الذين جمعوا القرآن ،وهو القائل :لو كلفوني نقل جبل لكان أهون علي من جمع القرآن.
)2الخيرية والبركة :وفي هذا الباب يقول الرسول صلى هللا عليه وسلم» :خــيركم من
تعلم القــرآن وعلمــه . « القرطddبي .مج .1 :ص .23 :ومعddنى الخيريddة :أفضddلكم وأحسddنكم
وأكثركم أجرا وأعالكم مرتبة من علم القرآن وتعلمه ،فجعل فيه فضيلتين :التعليم والتعلم ،هذا
التعليم سينفعك في الدنيا واآلخرة.
وكلنا يحفظ قول الرسول صلى هللا عليه وسلم» :إذا مات ابن آدم انقطع عنه عملــه إالَّ
صالح يدعو له أو علم يبثهـ في صدور الرجــال) . الddدرامي.ٍ من ثالث :صدق ٍة جاري ٍة ،أو ول ٍد
.559ومما ال شك فيه أن حفظ القddرآن وفهم القddرآن وتالوة القddرآن وتجويddد القddرآن من العلم
النافع والصالح.
)3أجر وثواب اآلخرة :عن عائشة رضي هللا عنهddا قddالت قddال رسddول هللا صddلى هللا
عليه وسلــــم » :الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة .والذي يقرؤه ويتتعتعـ فيــه ،وهــو
عليه شاق ،له أجران « ابن ماجة .كتاب األدب.3779 .
وعن عبد هللا بن مسعود قال ،قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم» :من قرأ حرفــا من
كتاب هللا فله بـه حسـنة والحسـنة بعشـر أمثالهـا ال أقـول آلم حـرف ،ولكن ألـف حـرف والم
حرف وميم حرف « الترمdذي ،3075 :وكلنdا يعلم أن أعضdاء الجسdم تتغdذى بقdراءة القdرآن
واالستماع إلى القرآن.
الرسول صلى هللا عليه وسddلم يحث الصddحابة ويddبين لهم فضddائل النظddر في كتddاب هللا
عندما قال» :أعطوا أعينكم حظها من العبادة ،قالوا وما حظها يا رسddول هللا من العبddادة ،قddال
النظر في المصحف والتفكر فيه واالعتبار عند عجائبه « القرطبي .مج .1 :ص.45 :
80
وقد تعرض اإلمام القرطبي رحمه هللا إلى شرح هذا الحديث فقال :بين النفس والصدر
حجاب ،والقرآن يكون في الصدور ،والذي يقرأ عن ظهر قلب ينقل إلى النفس عن طريق في
حين أن الذي يقرأ القرآن من المصحف يصل إلى النفس من طريق األذن والعين.
)4فضل تعليمه وتعلمه :وفي هذا الصدد يقول صلى هللا عليه وسddلم معلمddا أبddا ذر» :
يا أبا ذر! ألن تغدو وتتعلم آية من كتاب هللا ،خير لddك من أن تصddلي مائddة ركعddة .وألن تغddدو
فتعلم بابا من العلم ،عمل به أو لم يعمل ،خير من أن تصلي ألف ركعة « ابن ماجddة .المقدمddة.
.219وقوله صلى هللا عليه وسلـــم » :من استمع إلى آية من كتاب هللا تعالى كتب له حســنة
مضاعفة ومن تالها كانت له نورا يوم القيامة « ابن كثير .مج .4 :ص.634 :
ففي هذا الحديث أعطى وبين أن للسامع حظه من الفضل في كونه يسمع إلى كتاب هللا
يقرأ ،إذن فقارئ القرآن يكون له نور يوم القيامة ،وسامعه يأخذ األجر مضاعفا.
وفي بddاب التعليم قddال رسddول هللا صddلى هللا عليddه وسddلم» :أدبــوا أوالدكم على ثالث
خصال :حب نبيكم وحب آل بيته وتالوة القرآن فإن حملة القرآن في ظل عرشــه يــوم ال ظــل
إال ظله مع أنبيائه وأصفيائه. «
وفي باب التعليم أيضا قال صلى هللا عليه وسلم» :من دخل مسـجدنا هـذا ليتعلم خـيرا
أو يعلمه كان كالمجاهد في سبيل هللا ومن دخلــه بغــير ذلـك كـان كالنـاظر إلى مــا ليس له.«
مستدرك الحاكم .كتاب العلم.310 .
وفي فضيلة اإلمامة وشرفها قال صلى هللا عليه وسلم» :يؤمكم أقــرؤكم لكتــاب هللا. «
.1191فأمهم طفل يوم الفتح عمره 6ســنوات فكــان إذا ســجد تظهــر عورتــه ،فاشــتروا لــه
ثوبا فكان فرحه به أشد من فرحه باإلمامة وقراءة القرآن إكراما له.
)5أجر وثواب اآلخــرة :فنكتفي فيهddا بحddديثين عن رسddول هللا صddلى هللا عليddه وسddلم،
أولهما قوله صلى هللا عليه وسلم» :اقرؤوا القرآن .فإنه يــأتي يــوم القيامــة شــفيعا ألصــحابه.
اقرؤوا الزهراوين :البقرة وسورة آل عمران .فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان .أو
كأنهما غيايتان .أو كأنهما فرقان من طير صــواف .تحاجــان عن أصــحابهما .اقــرؤوا ســورة
البقــرة .فــإن أخــذها بركــة .وتركهــا حســرة .وال يســتطيعها البطلة « مسddلم .كتddاب صddالة
المسافرين وقصرها.804 .
والثاني قوله صلى هللا عليه وسلم» :يقال لصاحب القرآن :اقرأ وارتق ورتل كمــا كنت
ترتلـ في الدنيا؛ فإِنَّ منزلك عند آخر آية تقرؤها « أبو داوود .كتاب الصالة.1464 .
وهذا الشاطبي رحمه هللا في منظومته التي مطلعها في(سراج القارئ ،ص.)9 :
بدأت باسم هللا في النظم أوال *** تبارك رحمانا رحيما وموئال
81
حتى قال:
فأما الكريم السر في الطيب نافع *** فذاك الذي اختار المدينة منزال
فأشار وهو يشرح البذور السبعة ومنهم نافع رضي هللا عنه إمddام دار الهجddرة ،وأشddار
بقوله :الكريم السر إلى ما روى عن اإلمام نافع أنه كان إذا تكلم تشم من فيه رائحــة المســك
فقيل له أتتطيب كلما قعدت تقرئ الناس ،قال :مــا أمس طيبــا ولكــني رأيت رســول هللا صــلى
هللا عليه وسلم في المنام يقرأ في في ،فمن ذلك الوقت توجد هذه الرائحة .هذه فضيلة أيضddا
تضاف إلى بقية الفضائل التي ذكرنا ،وهي غيض من فيض أو قليل من كثير يشفع لنا في هذا
مdا قالdه صdاحب النجdوم الطوالdع على الdدرر اللوامdع في أصdل مقdرأ اإلمdام نdافع البdراهيم
المارغني في بداية نظمه:
وقد أتت في فضله آثار *** ليست تفي بحملها أسفـــار
فلنكتفي منها بما ذكرنا *** ولنصرف القول لما قصدنا
النجوم الطوالع .ص.10 :
82
بسم اهلل الرحمن الرحيم
83
بسم الله الرحمن الرحيمـ
بسم هللا الرحمان الرحيم ،وصلى هللا على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
السيد رئيس المجلس العلمي لجهة الشاوية ورديغة المحترم،
السيد المندوب الجهوي dلجهة الشاوية ورديغة المحترم،
السيد المندوب اإلقليمي لوزارة األوقاف dوالشؤون dاإلسالمية المحترم،
السادة األعضاء والعلماء وحملة كتاب هللا المحترمون،
أيها الحضور الكريم.
نلتقي في هذا اليوم األغر ،ونحن نترحم على أخينا وحبيبنا الحاج مصطفى غاني
رحمه هللا.
وبهذه المناسبة أتقدم باسمي الخاص وباسم خريج دار الحديث الحسنية والمرحومd
من أحد األفواج التي تخرجت سنة.1985 :
هاته الدار التي كانت وال تزال تؤتي أكلها بإذن ربها تحت القيادة الرشddيدة ألمddير
المؤمنين.
ومنذ أن تخرج الفقيد رحمه هللا وهو يعمل على شاكلتين:
كأستاذ في التربية والتعليم ،وكإمام وخطيب وواعظ في اإلقليم.
ومن ثم تربت على يديه أجيال ،وتفقه عليه كثير من الرجال.
وبهذه المناسبة األليمة أتقدم بخالص العزاء إلى :أبنائddه الصddغار ومعهم أسddرتهم،
ونحن أيضا معهم تحت مشيئة هللا الواحد dالقهار.
84
كما أتقدم بخالص العزاء إلى :
-األب الروحي للفقيد ،فضيلة العالمة الحاج الحبيب الناصddري الشddرقاوي dالddذي
كان يحبddه في هللا ،وعنddده من المقddربين ،ونحن على ذلddك من الشddاهدين ،بحيث في كddل
اجتماع يجعله بجانبه ،وعن اليمين ،وما مرافقته لجثمانه إلى مداغ ليوارى الddثرى لخddير
مبين.
-إلى صديقه وأخيه ومعينه في تنوير هذا البلد األمين سي إبراهيم أمونان.
فإليهم جميعا وإليكم أيها الحضddور الكddريم أتقddدم بخddالص العddزاء ،وأتمddنى للفقيddد
موتة الشهداء ،ومرافقة السعداء في جنة الخلد ،وإنا هلل وإنا إليه راجعون.
85
بسم اهلل الرحمن الرحيم
86
بسم الله الرحمن الرحيمـ
اختَdا َرت َسْ dبعًاَ ،و ْ السَ dما َوا ِ ق َّ قال صلى هللا عليdه وسdلم عن اختيdاره " :إِ َّن هللاَ تَ َعdالَى َخلََ d
اختَddا َراختَddا َر ِم ْن َخ ْلقِ ِ dه بَنِي آ َد َمَ ،و ْ
ق فَ ْق ْال َخ ْل َْال ُعلَى ِم ْنهَا فَأ َ ْس َكنَهَا َم ْن َشا َء ِم ْن َخ ْلقِ ِه ،ثُ َّم َخلَ َ
dار ِم ْن
اختََ dض َ dر قُ َري ًْش dاَ ،و ْ dار ِم ْن ُم َ ض َ dرَ ،و ْ
اختََ d ب ُم َ اختَا َر ِم َن ْال َع َر ِ بَ ،و ْ ِم ْن بَنِي آ َد َم ْال َع َر َ
ب dار ،فَ َم ْن أَ َحبَّ ْال َعَ d
dر َ dار إِلَى ِخيٍَ d اختَا َرنِي ِم ْن بَنِي هَا ِش ٍم ،فَأَنَا ِم ْن ِخيٍَ d ش بَنِي هَا ِش ٍمَ ،و ْ قُ َر ْي ٍ
ضهُ ْم " .
1
ضي أَ ْب َغ َ ب فَبِبُ ْغ ِ ض ْال َع َر َ
فَبِ ُحبِّي أَ َحبَّهُ ْمَ ،و َم ْن أَ ْب َغ َ
وقد ولد صلى هللا عليه وسddلم عdام الفيdل 570م ،بعdد مddوت أبيdه وأمdه حبلى بdه
لشهرين ،وبعد والدته من آمنة أرضعته حليمة السعدية.
وبإجماع رواة السيرة أن بني سعد كانت تعاني مجاعة جddف فيهddا الضddرع ويبس
فيها الزرع ،فما هو إال أن صار محمد صلى هللا عليه وسلم في منزل حليمة حتى عادت
منازل بني سعد مخضرة بأمر هللا.
ومن األمور التي وقعتd:
حادثة شق الصدر التي وقعت له في بني سعد ،والddتي رواهddا مسddلم في صddحيحه
أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم dأتاه جبريل عليه السالم وهو يلعب مddع الغلمddان فشddق
عن قلبه واستخرج منه علقddة ،وقddال d:هــذا حــظ الشــيطان منك .ثم غسddله في طسddت من
ذهب بماء زمزم .وجاء الغلمان ينادون dأمه أن محمدا قد قتل ،فاستقبلته أمه وهddو ممتقddع
اللون d،وعمره إذ ذاك 5سنوات.
شعب اإليمان للبيهقي تحقيق :محمد السعيد بسيوني زغلول الناشر :دار الكتب العلمية -بيروت 1
87
ـان فَأَ َخـ َذهُوفي مسلم أنه صلى هللا عليه وسلم ": dأَتَــاهُ ِج ْب ِريــل و ُهــو يلْعب مــع ال ِْغلْمـ ِ
َُ َ ََ ُ ََ َ
ظ ال َه َذا َح ُّ استَ ْخ َر َج ِم ْنهُ َعلَ َقةً َ 1ف َق َ ْب فَ ْاستَ ْخ َر َج الْ َقل َ
ِ
ش َّق َع ْن َق ْلبِه فَ ْ ص َر َعهُ فَ َفَ َ
ت ِمن َذه ٍ ِ
ـادهُ
َعـ َب بِ َمــاء َز ْمـ َـز َم ثُ َّم ألَ َمــهُ ثُ َّم أ َ
2
سـلَهُ في طَ ْسـ ٍ ْ َ
ـك .ثُ َّم غَ ِ
َ ان ِم ْنـ َ
الش ْيطَ َِّ
اء ال ِْغل َْما ُن يَ ْسـ َع ْو َن إِلَى أ ُِّم ِه َ -ي ْعنِى ِظ ْـئ َـرهُ َ - 3ف َقــالُوا إِ َّن ُم َح َّم ًدا ِِ
فى َم َكانه َو َج َ
ِ
الظئر المرضعة غير ولدها ,ويقع على الرجل والمرأة . 3
المخيط:االبرة 5
:صحيح مسلم ج 1ص 101الناشر :دار الجيل بيروت +دار األفاق الجديدة ـ بيروتـ 6
88
ـاب يَ ْع ِرفُونَـهُ َك َمــا
ين آتَ ْينَــا ُه ُم ا ْل ِكتَـ َ
وروى القرطبي أنه لما نزل قوله تعالى((" :الَّ ِذ َ
ـون))" .1سddأل عمddر بن ق َو ُه ْم يَ ْعلَ ُمـ َ ـون أَ ْبنَــا َء ُه ْم َوإِنَّ فَ ِريقًــا ِم ْن ُه ْم لَيَ ْكتُ ُمـ َ
ـون ا ْل َحـ َّ يَ ْع ِرفُـ َ
الخطاب رضي هللا عنه عبد هللا بن سالم وكان كتابيا :أتعرف محمدا كمddا تعddرف ابنddك.
قال :نعم وأكثر ،أما ابني فال أعرف ما الذي كان من أمه.
وكانت خديجة تاجرة ذات شرف ومال ،تستأجر الرجال في مالها .فلما بلغهddا عن
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم dصدق الحديث وعظيم األمانة وكرم الخلق ،أرسلت إليddه
ليخرج في مالها إلى الشام تاجرا وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره .فddأعجبت خديجddة
بعظيم أمانته فعرضت نفسها عليddه زوجddة بواسddطة صddديقتها نفيسddة بنت أمينddة ،فوافdقd
صلى هللا عليه وسلم.
وعن زواجه صلى هللا عليه وسلم بها قال " :خير نسائها مريم بنت عمران وخير
نسائها خديجة بنت خويلد" .2
وتحكي عائشة رضي هللا عنها قالت :ال يكاد يخرج من البيت حتى يــذكر خديجــة
فيحسن الثناء عليها .فــذكرها يومــا فأخــذتني الغــيرة ،فقلت :هــل كــانت إال عجــوزا قــد
أبدلك هللا خيرا منهــا .فغضــب ثم قــال" :وهللا مــا أبــدلني هللا خــيرا منهــا ،آمنت إذ كفــر
الناس ،وصدقتني إذ كذب الناس وواستني إذ حرمــني النــاس ورزقــني هللا منهــا الولــد
.
دون غيرها من النساء"
ولقد ظل هذا الزواج قائما حتى توفيت خديجة عن سن ينddاهز 65وعمddره صddلى
هللا عليه وسلم قد ناهز الخمسين دون أن يفكر في زواج آخر.
ولقد شاع في الناس أن الرسول صلى هللا عليه وسلم رجال شهوانيا ،وهذا تddرويج
الغرب بصفة عامة والمستشرقون dبصفة خاصة .ونحن نرد على هذا االدعاء dبأنddه غddير
صحيح ألمرين اثنين:
أوال :نحن نعلم أن مddا بين 25إلى 50سddنة هي الفddترة الddتي تddدعو اإلنسddان أن
يتزوج أكثر من امرأة.
ثانيا :الرجل الشهواني ال يقبل أن يتزوج من امرأة لها مddا يقddارب ضddعف عمddره
دون dأن يتزوج عليها حتى ماتت ،أما زواجه بعائشة وغيرها فكان لحكمddة وسddبب ،وأيddا
كانت هذه الحكمة وهذا السddبب فإنddه ال يمكن أن يكddون مجddرد قضddاء الddوطر واسddتجابة
للرغبة الجنسية.
صحيح مسلم ج 4ص 1886تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي :دار إحياء التراث العربي -بيروت 2
89
ولقد كان لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم األثر الكبير في حل المشكلة التي نشبت
عن اختالف القبائل حول من يسddتحق أن ينddال شddرف وضddع الحجddر األسddود في مكانddه
علما منهم بأنه األمين.
ولقddد ظddل رسddول هللا صddلى هللا عليddه وسddلم dيتعبddد بغddار حddيراء وقddد حبب إليddه
الخالء ,ولهذه الخلوة dداللة عظيمة وفوائد dجليلة منها:
أن المسلم ال يكمل إسالمه مهما كان متحليا بالفضائل حتى يجمع إلى ذلك ساعات
من الخلوة يحاسب فيها نفسه .
وشيء آخر له بالغ األهمية في حياة كل مسلم عامة وأصحاب الدعوة dخاصة هddو
تربية محبة هللا عز وجل في القلب ألنه منبع التضحية.
ومحبة هللا ال تأتي عفوية والوسdيلة هي كdثرة التفكdير في خلdق هللا وليس التفكdير
في ذاته.
ان ِمنْ ق اإْل ِ ْن َ
سـ َ وبدأ الوحي ونزل قوله تعالى((" :ا ْقـ َر ْأ بِ ْ
اسـ ِم َربِّ َك الَّ ِذي َخلَـ َ
ق َخلَـ َ
ق))" ،1ويرجع صلى هللا عليه وسلم dيرجف فؤاده ،وقال لها" :دثروني" ،ثم قال لهddا: َعلَ ٍ
"لقد خشيت على نفسي" .فقالت له" :كاَّل ! وهللا ما يخزيك هللا أب ـ ًدا؛ إنــك لتصــل الــرحم،
ب المعدو َم ،وتَقــري الضــيف ،وتعين على نــوائب َكس ُ َ
الحديث ،وتَح ِمل ال َك َّل ،وت ِ قوتص ُد ُ
الحق" . 2وانطلقت به إلى ورقة بن نوفل ابن عم خديجة كان قد تنصر في الجاهلية وكان
شيخا كبيرا قد عمي .فقالت له :يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره وقال dله :هذا الناموس الذي
نزل على موسى ،يا ليتني فيها جdذعا إذ يخرجdوك قومdك .فقdال صdلى هللا عليdه وسdلمd:
"أومخرجي dهم " ؟ قال :نعم .لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إال عودي.
وهكذا بدأ صلى هللا عليه وسلم dيدعو إلى هللا سرا ،وكان ال يدعو إال من لddه صddلة
به كأهله وأحبابه وأخواله ,وكان ممن دخل اإلسالم إذ ذاك خديجddة وعلي بن أبي طddالب
وزيد بن حارثة والزبير بن العوام dوسعد بن أبي وقاص رضي هللا عنهم أجمعين.
ولما وصل العddدد 30أو 40اختddار لهم دار األرقم بن أبي األرقم للتشddاور حddول
اإلسالم dوالمسلمين.
ولما أمره هللا تعالى بجهر الدعوة " dوأنذر عشيرتك األقربين "ناداهم بقوله:
يا بني كعب
سورة اقرأ اآليتين 1و2 1
نهاية األرب في فنون األدب ـ موافق للمطبوع لشهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري دار النشر 2
:دار الكتب العلمية -بيروت /لبنان 1424 -هـ 2004 -م الطبعة :األولى ج 16ص123
90
يا بني مرة
يا فاطمة
يا بني عبد المطلب فإني ال أملك لكم من هللا شيئا.
ومما ابتلي به صلى هللا عليه وسلم في هذه الفترة:
األذى :من أبي لهب وامرأته وغيرهما من كفار قريش.
عام الحزن - :موت خديجة رضي هللا عنها
-موت عمه أبو طالب.
اإلسراء والمعراج( :البراق فوق الحمار ودون البغل).
وقد اختلف في وقت هذه الرحلة وممddا جddاء في طبقddات بن سddعد أنهddا كddانت قبddل
البعثة بسنة ونصف ،وأحذر أخي السامع ما جاء في كتاب ابن عباس ،فإنddه كتddاب ملفddق
وليس له أساس من الصحة.
ولكثرة األذى على رسول هللا صddلى هللا عليddه وسddلم هddاجر من مكddة إلى المدينddة
وهاجر معه أبو بكر رضي هللا عنddه وفتح لddه دين محمddد صddلى هللا عليddه وسddلم بقدومddه
المدينة.
ونحن نشهد أنه قد بلغ الرسالة ،وأدى األمانة ،ونصح األمddة وجاهddد في هللا حddتى
أتاه اليقين فصلوات dهللا وسالمه عليه وعلى آله وصحبه وسلم dتسليما .
وفي الختام أقول d:سبحان ربك رب العddزة عمddا يصddفون ،وسddالم dعلى المرسddلين
والحمد dهلل رب العالمين.
91
بسم اهلل الرحمن الرحيم
92
بسم اهلل الرحمن الرحيم
الحد هلل القائل في محكم كتابه '':يا أيها الذين آمن44وا ال ت44أكلوا أم44والكم بينكم بالباط44ل''1وأش44هد
أن ال إله إال اهلل وح4ده ال ش4ريك ل4ه ,ال4ذي أح4ل الحالل وح4رم الح4رام وأمرن4ا بل4زوم طاعت4ه
في ك 44ل ح 44ال من األح 44وال .وأش 44هد أن س 44يدنا محم 44دا عب 44ده ورس 44وله ومجتب 44اه وخليل 44ه ال 44ذي
السَ 6ن ِةَ ،و َم66ا الرب6ا ،إِاَّل أ ِ
ُخُ 6ذوا ِب َّ ِ ِ
حذرنا من مغبة الرشوة في قولهَ '' :ما م ْن قَ ْوٍم َي ْظ َه ُر في ِه ُم ِّ َ
2
الر ْع ِب شا ،إِاَّل أ ِ
ُخ ُذوا ِب ُّ ِم ْن قَ ْوٍم َي ْظ َه ُر ِفي ِه ُم ُّ
الر َ
اللهم ص 44ل على س 44يدنا محم 44د وعلى آل 44ه وص 44حابته أجمعين ،والت 44ابعين ومن تبعهم بإحس 44ان
إلى يوم الدين
أم44ا بع44د :أيه44ا الحض44ور الك44رام إن الرش44وة من أخبث األم44راض االجتماعي44ة وأخطره44ا على
وحدة األمة ,ألنها داء إن تفشت في المجتمع زعزعت أركان44ه وه44دمت بنيان44ه ,وألنه44ا تجع44ل
اإلنسان يعيش في األوهام وفي واد من االحالم .
وق44د ج44اء على لس44ان رس44ول اهلل ص44لى اهلل علي44ه وس44لم أن ص44احبها ملع44ون حيث ق44ال " :لعن
اهلل الراشي والمرتشي" وفي رواية وال4رائش وه44و الوس4يط ال4ذي يس44عى في إيص4ال الرش44وة
إلى المرتشي .فهو شخص يسعى إلى إفساد الناس
93
.ال ج44 4رم على المس44 4لم أن يجم44 4ع الم44 4ال وم44 4ا دام يجمع44 4ه يجمع44 4ه من الحالل ال من ط44 4رق
الباط44ل لقول44ه تع44الى '' :يأيه44ا ال44ذين آمن44وا ال ت44أكلوا أم44والكم بينكم بالباط44ل " 1والرش44وة ب44اب
من أبواب أكل أموال الناس بالباطل
وفي تعريفها هي ما يدفع من مال مقابل تغيير حكم أو إنجاز عمل أو تأخيره أو.....الخ
قلت إنجاز حكم بغير حق أو امتناع عن حكم ب44الحق أو تق44ديم من يس44تحق الت44أخير أو ت44أخير
من يستحق التقديم.
اإلس44الم يح44رم الرش44وة 2تحت أي ص44ورة ك44انت وتحت أي اس44م س44ميتها ب44ه.فه44ذا عب44د اهلل بن
رواحة لما بعثه رسول اهلل صلى عليه وسلم إلى اليهود ليقدر لهم ما يجب عليهم من خراج
فعرضوا عليه شيئا من المال فقال لهم رضي اهلل عنه :فأما ما عرض44تم من الرش44وة فإنه4ا
سحت وأنا ال آكلها
وهذا عمر بن عبد العزيز أهديت له هدية فردها فقيل له لم رددتها وقد كان صلى اهلل عليه
وسلم يقبل الهدية فقال :كان ذلك له هدي44ة وه4و لن44ا رش4وة ,ه44ذا خل4ق الس4لف الص4الح فال ب44د
من أن نقتدي بهم وأن نسير على نهجهم
وإ ذا ك44ان الم44ال في الحقيق44ة م44ال اهلل كم44ا ق44ال اهلل ''وأت44وهم من م44ال اهلل ال44ذي أت44اكم'' 3فنحن
خلفاء في هذا المال فال بد من أن نأخذه من حله ونضعه في حله ،وإ ال س4ألنا عن4ه ربن4ا ي4وم
القيامة مرتين كما جاء في الحديث الصحيح من أين اكتسبته وفيم أنفقته''
2قال ابن حجر العسقالني :الرشوة :بضم الراء وكسرها ويجوز الفتح وهي ما يؤخذ بغير عوض ويعاب أخذه وقال ابن العربي " :الرشوة كل
مال دفع ليبتاع به من ذي جاه عونا على ما ال يحل والمرتشي قابضه والراشي معطيه والرائش الواسطة " ا هـ من فتح الباري .قال األمير
الصنعاني :والراشي هو الذي يبذل المال ليتوصل به إلى الباطل مأخوذ من الرشا وهو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء في البئر .وقال أيضا :وفي
النهاية البن األثير قال :الراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل والمرتشي اآلخذ والرائش هو الذي يمشي بينهما dوهو السفير بين الدافع واآلخذ .
وإن لم يأخذ على سفارته أجرا فإن أخذ فهو أبلغ (أي باإلثم والحرمة) ينظر سبل السالم ج 4ص . 124
3
سورة النور اآلية 33
94
إن دين اإلسالم دين الوسط واالعتدال وأمة محمد صلى اهلل عليه وسلم أم44ة وس44ط والم44ؤمن
عدل في أموره كلها لهذه األسباب وغيرها نهى اإلسالم المؤمن عن اإلسراف والتبذير كما
نهاه عن الشح والتقتير قال تعالى '' يا بني أدم خذوا زينتكم عن4د ك4ل مس4جد وكل4وا واش4ربوا
1
وال تسرفوا إنه ال يحب المسرفون''
وه 44ا ه 44و الق 44رآن يس 44تمر في توجي 44ه الم 44ؤمن المال 44ك للم 44ال أن يتخ 44ير من كس 44به ومن عمل 44ه
أطيب اإلنتاج لمساعدة اآلخرين وذلك قوله تعالى '' :يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما
كسبتم ومما أخرجنا لكم من األرض" 2كما أمر القرآن الم4ؤمن في حال4ة اإلنف4اق على ال4ذات
أن يك 44ون معت 44دال كم 44ا ق 44ال في أوص 44اف عب 44اد ال 44رحمن ' وال 44ذين إذا أنفق 44وا لم يس 44رفوا ولم
يق 44تروا وك 44ان بين ذل 44ك قوام 44ا '' 3وق 44ال ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم ":نعم الم 44ال الص 44الح للرج 44ل
4
الصالح "
عرفن44ا أن الرش44وة هي م44ا ي44دفع من م44ال إلبط44ال الح44ق وإ حق44اق الباط44ل أم44ا األغ44راض ال44تي
تدفع من أجله4ا الرش44وة هي إم44ا قض44اء حاج4ة أو ت4أخير عم44ل يفي4د ه44ذا ويض4ر به4ذا أو س44لب
حق من صاحبه ظلما وعدوانا .
إذن فالرش44وة هي مع44ول ه44دم وتخ44ريب لألم44ة ولحض44ارتها وألخالقه44ا واقتص44ادها إذن فهي
خيانة عظمى هلل ولرسول وللوطن
جاء في الح44ديث على رس44ول اهلل ص44لى اهلل علي4ه وس44لم ''وإ ن العب44د ليق4ذف اللقم4ة الح44رام في
جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوما ،وأيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به''.5
1
سورة األعراف اآلية 29
سورة البقرة اآلية 266 2
األدب المفرد لمحمد بن إسماعيل أبو عبداهلل البخاري الجعفي تحقيق :محمد فؤاد عبدااللناشر : 4
دار البشائر اإلسالمية – بيروت الطبعة الثالثة 1989 – 1409 ،ص 112
شعب اإليمان ألبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي تحقيق :محمد السعيد بسيوني زغلول 5
95
وحسب المرتشي أن يبوء ب44الطرد من رحم44ة اهلل إلى ج44انب م44ا يص44يبه من مح44ق للبرك44ة في
الدنيا وفي اآلخرة بالحساب العسير والعذاب األليم
ف 44اتقوا اهلل عب 44اد اهلل في أنفس 44كم وفي أم 44وال الن 44اس وال تم 44دوا أي 44دكم إلى م 44ا ح 44رم اهلل فإن 44ه
طري 44ق للهالك وطري 44ق للفس 44اد ،ويكفي الم 44ؤمن وعظ 44ا وإ رش 44ادا أن يس 44مع قول 44ه تع 44الى '' :
1
ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا''
اللهم إنا نسألك أن تغنين44ا بطاعت4ك عن معص44يتك وبحالل عن حرام44ك وبفض44لك عمن س4واك
واجلن44 4ا من ال44 4ذين يس44 4تمعون الق44 4ول فيتبع44 4ون أحس44 4نه أمين وآخ44 4ر دعوان44 4ا أن الحم44 4د هلل رب
العالمين ./.
الناشر :دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة األولى 1410 ،ج 5ص 56
96
بسم اهلل الرحمن الرحيم
97
بسم اهلل الرحمن الرحيم
الحمد هلل والصالة على رسول اهلل وآله وصحبه وسلم تسليما,
حياكم اهلل جميعا أيها اإلخوة واألخوات الفضليات طاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلة
أسأل اهلل عز وجل الذي جمعنا في هذا المكان المبارك على طاعت44ه ,أن يجمعن44ا في اآلخ44رة
مع سيد األنبياء في جنته ,إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحب 44تي في اهلل :إذا ك 44ان آباؤن 44ا وش 44يوخنا عق 44ول األم 44ة ال 44تي تخط 44ط وتفك 44ر ف44إن ش 44بابنا ه 44و
سواعد األمة التي تبني وتعمر.
فاألمة ال يمكن أن تستغني عن شبابها وكل أمة استغنت عنه أمة خاسرة
فرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أوحي إليه في سن األربعين في سن اكتمال الشباب
وأول سفير يتحدث باسم اإلسالم خارج اإلسالم ك4ان ش4ابا في ريع4ان ش4بابه في العش4رينيات
من عم 44ره :إن 44ه جعف 44ر بن أبي ط 44الب رض 44ي اهلل ال 44ذي يتح 44دث بين ي 44دي النجاش 44ي في بالده
الحبشة .
وأول داعي4ة يتح4رك لل4دعوة خ4ارج أرض اإلس4الم ك4ان ش4ابا ه4و مص4عب الخ4ير أو مص4عب
بن عمير
98
أسامة بن زيد بن عين أميرا على الحبشة المعد لغزو الروم وعمره 18أو عشرين سنة
ه44ؤالء من الص44حابة وغ44يرهم ك44انوا ش44بابا في ريع44ان الش44باب عرف44وا الغاي44ة ال44تي من أجله44ا
خلقوا والوظيفة التي من أجلها وجدوا
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان شديد الحفاوة بالشباب – الحب -العناية بالشباب
مرحلة الشباب :مرحلة الطاقة – مرحلة الفتوة – مرحلة القوة – مرحلة اإلرادة
الشباب يتعلم العلم النافع ألن العلم سالح وإ ال انصرف عن الفهم الصحيح
وح 44 4ذاري أن يبتع44 4د الش44 4باب عن ال 44 4دين واإلغ44 4راق في بح44 4ر الش 44 4هوات والس 44 4قط في ش44 4باك
الش44بهات والقاع44دة تق44ول :من س44لك طريق44ا بغ44ير دلي44ل ض44ل ومن تمس44ك بغ44ير
األصول زل
ألن 44ه ب 44دون علم تض 44ر وتري 44د النف 44ع وتفس 44د وتري 44د اإلص 44الح ومن ثم قي 44ل :ال تتكلم قب 44ل أن
1
تتعلم قال تعالى " :فاعلم أنه ال إله إال اهلل واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات "
قال ابن حجر :أمر اهلل نبيه في هذه اآلية بأمرين :بدأ بالعلم وثنى بالعمل
99
وفي ه44ذا الب44اب أورد ح44ديث ( من ي44رد اهلل ب44ه خ44يرا يفقه44ه مثال44ه :ب44اب الفهم في العلم
1
في الدين )
س44 4 4وء الفهم عن اهلل وعن رس44 4 4ول اهلل أص44 4 4ل ك44 4 4ل بدع44 4 4ة وأص44 4 4ل ك44 4 4ل خالف في األص44 4 4ول
والفروع .
حذيفة بن اليمان وأبي حسيل منعهما من الخروج إلى بدر عه44دهما إلى المش44ركين وع44رض
ذلك على النبي صلى اهلل عليه وسلم فقال لهما :نفي لهم بعهدهم ونستعين اهلل عليهم.
2
قال صلى اهلل عليه وسلم "من رأى منكم منكرا "....
3
وقال تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير"...
ابن تيمي 44ة رحم 44ه اهلل :يجب على من ي 44أمر ب 44المعروف وينهى عن المنك 44ر أن يك 44ون فقيه 44ا
فيما يأمر به فقيها قيما ينهى عنه رفيقا فيما يأمر به وفيما ينهى عنه.
سيدنا علي كرم اهلل وجهه في صلح الحديبية عن4د كتاب4ة العق4د كتب بس4م اهلل ال4رحمن ال4رحيم
فقال سهل بن عمرو :أما الرحمن فواهلل ما أدري ما هو؟ ولكن أكتب باسمك اللهم
أيها الحضور الكرام نهضة األمة ال تتحقق ب ـ 5أفراد أو 10أفراد ولكن باألمة كلها
:شعب اإليمان للبيهقي تحقيق :محمد السعيد بسيوني زغلول الناشر :دار الكتب العلمية -بيروت 1
100
1
نهضة األمة تتحقق بالعلم" :اقرأ باسم ربك "
2
-قال صلى اهلل عليه وسلم " :مــن رأى منكم منكرا...الحديث "
3
قال تعالى " هل يستوي الذين يعلمون والذين ال يعلمون " -
4
-قال تعالى " فلوال نفرمن كل فرقة منهم طائفة "...
نهضة األمة باإليمان الحقيقي والصادق _ نهضة األمة بالرجوع إلى الكتاب والسنة
5
قال اهلل تعالى " :وكان حقا عينا نصر المؤمنين "
6
وقال صلى اهلل عليه وسلم " عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية "
الضبي المعروف بابن البيع تحقيق :مصطفى عبد القادر عطا الناشر :دار الكتب العلمية – بيروتـ
الطبعة :األولى 1990 – 1411 ،ج 1ص330
101
ه 44ارون الرش44يد عن44ده وزي 44ر وحض44ر لي44دلي بش44هادة أم44ام القاض 44ي أبى يوس 44ف ف44رد ش 44هادته
فعاتبه الخليفة ه4ارون الرش4يد :ي4ا أب4ا يوس4ف لم رددت ش4هادة ال4وزير ق4ال ي4ا أم4ير المؤم4نين
سمعته يقول لك أنا عبدك
وإ ن كان كاذبا فال شهادة للكذاب فإن كان صادقا فال شهادة للعبد
ال يعرف44 4ون عن اإلس44 4الم ش44 4يئا :همهم ال44 4ذهاب واألي44 4اب – تحس44 4ين الهن44 4دام – العيش على
هامش األحداث
ش4ددوا على أنفس4هم وخط4أوا غ4يرهم يظه4رون بمظه4ر التقش4ف عائش4ة رأت ش4بابا يتم4اوتون
فسألت فقيل عباد نساك فأمرت فحض44روا ق44الت ك4ذبتم واهلل لق4د ك44ان عم4ر أعب44د منكم وأنس4ك
منكم وكان إذا تكلم أسمع وإ ذا مشى أسرع وإ ذا ضرب أوجع.
معركة أحد :النبي صلى اهلل عليه وسلم رد مجموعة من الشباب منهم رافع وسمرة
ولكن لشوقهما للجهاد لم يستسلما ,فقام كال منهما يستعرض ما لديه من قوة
102
فقيل لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن رافعا رام الخمسة عشر فأجازه
فجاء سمرة وقال لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أجزت4ه ورددت4ني ول4و ص4ارعته لص4رعته
فتصارعا فصرعه فأجازه هو األخر
نري 44د ش 44ابا قوي 44ا في عزيمت 44ه ,محب 44ا لوطن 44ه ,أمين 44ا في بيع 44ه وش 44رائه ,مخلص 44ا في عمل 44ه ,إذا
وجدت هذا فاعلم أن األمة في تقدم وإ ال كان عكس ذلك .
أردنا شبابا واع بما يقول – بما يفعل بما يعمل– واع بالمصير
ابراهيم :واجنبني وبني أن نعبد األصنام _ لقمان :وإ ذ قال لقمان البنه وهو يعظه
من الشباب يكون العلماء العاملون _ من الشباب يكون الجنود المجاهدين -
من الشباب يكون الصناع المحترفين -
لقد رس4م ص4لى اهلل علي4ه وس4لم الطري4ق لك4ل ش4اب من خالل نص4حه البن عم4ه عب4د اهلل بن
عب44اس "ي44ا غالم إني أعلم44ك كلم44ات احف44ظ اهلل يحفظ44ك احف44ظ اهلل تج44ده اتجاه44ك إذا س44ألت
فاسأل اهلل وإ ذا استعنت فاستعين باهلل واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بش44يء لن
1
ينفعوك إال بشيء قد كتبه اهلل عليك "....
مسند اإلمام أحمد بن حنبل ألبي عبد اهلل أحمد بن محمد بن حنبل بن هالل بن أسد الشيباني تحقيق: 1
شعيب األرنؤوط -عادل مرشد ،وآخرون إشراف :د عبد اهلل بن عبد المحسن التركي
الناشر :مؤسسة الرسالة الطبعة :األولى 2001 ،م ج 4ص 487
103
المصير كلنا يتذكر قول الصادق المصدوق "ال تزول ق44دم عب44د ي44وم القيام44ة ح44تى يس44أل عن
أربع 2".....عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أباله عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه
وعن علمه ماذا عمل به
انتهى.
سنن الترمذي تحقيق :بشار عواد معروف الناشر :دار الغرب اإلسالمي -بيروت 2
104
بسم اهلل الرحمن الرحيم
105
بسم هللا الرحمن الرحيم
خطبة حول صالة االستسقاء
أستغفر هللا،
الحمد هلل غافر الذنب ،وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ،ال إلddه إال هddو ،إليddه
المصير.
وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ،خالق الخلق ورازقهم d،ومddنزل الغيث،
ومحيي األرض بعد موتها ،من استطعمه أطعمه ،ومن استسقاه سقاه.
وأشهد أن سdيدنا محمddد عبddده ورسddوله d،وصddفيه من خلقddه وحبيبddه ،علمنddا كيddف
ـوةَ يب َد ْعـ َ يب أُ ِج ُسـأَلَكَ ِعبَــا ِدي َعنِّي فَـإِنِّي قَـ ِر ٌ نتضرع إليddه بال واسddطة ،فقddالَ ((" :وإِ َذا َ
ُون))". شد َ ست َِجيبُوا لِي َو ْليُ ْؤ ِمنُوا بِي لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْر ُ َّاع إِ َذا َد َعا ِن فَ ْليَ ْ
الد ِ
اللهم صل وسddلم وبddارك على سddيدنا محمddد وعلى آلddه وأصddحابه ومن سddار على
نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد،
أيها األخوة المؤمنون ،الماء أصل الحياة لقوله تعddالىَ ((" :و َج َع ْلنَــا ِم َن ا ْل َمــا ِء ُكـ َّل
ون))". ش َْي ٍء َح ٍّي أَفَاَل يُ ْؤ ِمنُ َ
الماء نعمة عظيمة أنعم هللا بها على عباده ،يرسلها عنddد طاعتنddا لربنddا ،ويمسddكها
عند الغفلة والقسوة dمن قلوبنddا ،وإذا أمسddكها ال يسddتطيع أحddد أن يddأتي بهddا ،قddال تعddالى:
ين))" .وقdال تعddالى في آيddة ـو ًرا فَ َمنْ يَــأْتِي ُك ْم بِ َمــا ٍء َم ِع ٍ صـبَ َح َمــا ُؤ ُك ْم َغـ ْ "((قُ ْل أَ َرأَ ْيتُ ْم إِنْ أَ ْ
س ِه ْم))" .وكل ذلك فيddه حكم ،قddال أخرى((" :إِنَّ هَّللا َ اَل يُ َغيِّ ُر َما بِقَ ْو ٍم َحتَّى يُ َغيِّ ُروا َما بِأ َ ْنفُ ِ
ش ـا ُء إِنَّهُ ـز ُل بِقَـ َد ٍر َمــا يَ َض َولَ ِكنْ يُنَـ ِّ ق لِ ِعبَا ِد ِه لَبَ َغ ْوا فِي اأْل َ ْر ِ سطَ هَّللا ُ ال ِّر ْز َ تعالىَ ((" :ولَ ْو بَ َ
صي ٌر))". بِ ِعبَا ِد ِه َخبِي ٌر بَ ِ
أستغفر هللا ،أستغفر هللا ،أستغفر هللا ،أستغفر هللا ،أستغفر هللا.
عباد هللا ،إن هللا عز وجddل يعطي نعمddه إلى عبddاده لتكddون لهم عونddا على طاعتddه
والتقرب إليه ،فإذا استعانوا بنعمه على معصيته وضيعوا أوامره واستهانوا بنواهيه غير
ـــو ٍم َحتَّى يُ َغيِّ ُروا َمـــا هللا عليهم حdddالهم من حdddال إلى حdddال((" ،إِنَّ هَّللا َ اَل يُ َغيِّ ُر َمـــا بِقَ ْ
س ِه ْم))". بِأ َ ْنفُ ِ
عباد هللا ،ما نزل بالء وال انحبس مطddر إال بddذنوب العبddاد وإعراضddهم عن ربهم
سـبَ ْـت أَ ْيـ ِدي سـا ُد فِي ا ْلبَـ ِّر َوا ْلبَ ْحـ ِر بِ َمــا َك َ وإقبالهم dعلى شهواتهم ،قال تعالى((" :ظَ َه َر ا ْلفَ َ
صـابَ ُك ْم ِمنْون))" ،وقال أيضddاَ ((" :و َمــا أَ َ ض الَّ ِذي َع ِملُوا لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْر ِج ُع َ س لِيُ ِذيقَ ُه ْم بَ ْع َ النَّا ِ
سبَ ْـت أَ ْي ِدي ُك ْم َويَ ْعفُو عَنْ َكثِي ٍر))". صيبَ ٍة فَبِ َما َك َ ُم ِ
عباد هللا من أسباب منع القطر من السماء:
غفلة العباد عن طاعة ربهم ،وقسوة قلوبهم ،وتقصيرهم في أداء الصddالة ،وإيتddاء
ــر ِمنْالزكاة .يقول النبي صلى هللا عليه وسلمَ " d:ولَ ْم يَ ْمنَ ُعوا َز َكاةَ أَ ْم َوالِ ِه ْم إِاَّل ُمنِ ُعوا ا ْلقَ ْط َ
س َما ِء َولَ ْواَل ا ْلبَ َهائِ ُم لَ ْم يُ ْمطَ ُروا". ال َّ
106
ومن أسباب منع القطر إعراض كثير من الناس عن التوبة إلى ربهم من ذنddوبهم،
الddذنوب مddا حلت في ديddار إال أهلكتهddا ،وال في قلddوب dإال أعمتهddا ،وال في أجسddاد إال
عذبتها ،وال في أمة إال أذلتها ،وال في نفوس إال أفسدتها .قال تعالى((" :قَ ْريَةً َكانَتْ آ ِمنَةً
ـاس ا ْل ُجـ ِ
وع ُم ْط َمئِنَّةً يَأْتِي َها ِر ْزقُ َها َر َغـ ًدا ِمنْ ُكـ ِّل َم َكـ ٍ
ـان فَ َكفَـ َرتْ بِــأ َ ْن ُع ِم هَّللا ِ فَأ َ َذاقَ َهــا هَّللا ُ لِبَـ َ
ون))". صنَ ُع َ ف بِ َما َكانُوا يَ ْ َوا ْل َخ ْو ِ
الحسن البصري رحمه هللا جاءه رجddل يشddكو إليddه الجddذب فقddال لddه :اسddتغفر هللا.
وجاءه آخر يشكو إليه الفقر ،فقال له :استغفر هللا .وجاءه ثالث يطلب النسل والولد فأمره
ســ ِل ــان َغفَّا ًرا يُ ْر ِ
اســتَ ْغفِ ُروا َربَّ ُك ْم إِنَّهُ َك َ باالسddتغفار ،ثم تلى قddول هللا تعddالى((" :فَقُ ْلتُ ْ
ت َويَ ْج َع ْل لَ ُك ْم أَ ْن َها ًرا))". ين َويَ ْج َع ْل لَ ُك ْم َجنَّا ٍ س َما َء َعلَ ْي ُك ْم ِم ْد َرا ًرا َويُ ْم ِد ْد ُك ْم بِأ َ ْم َوا ٍل َوبَنِ َال َّ
أستغفر هللا ،أستغفر هللا ،أستغفر هللا ،أستغفر هللا ،أستغفر هللا.
عبddاد هللا ،االسddتغفار إذا صddدر من قلddوب خاشddعة ،من قلddوب dمنيبddة ،من قلddوب
منكسرة دفع هللا عنها البالء والمحن.
وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قddال :كــان فيهم أمانــان :نــبي هللا واالســتغفار.
قال :فذهب النبي صلى هللا عليه وسلم وبقي االستغفار.
ويؤيد هذا المعنى قوله صلى هللا عليه وسلم" d:من لزم االستغفار جعــل هللا لــه من
كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث ال يحتسب".
عباد هللا ،اعلموا أن لكل عمل صالح ثواب عند هللا ،كمddا أن لكddل معصddية عقddاب
عند البارئ جل وعال .قال تعالى((" :فَ َمنْ يَ ْع َم ْل ِم ْثقَا َل َذ َّر ٍة َخ ْي ًرا يَ َرهُ َو َمنْ يَ ْع َمـ ْل ِم ْثقَــا َل
ش ًّرا يَ َرهُ))". َذ َّر ٍة َ
فعلينا معشر المسلمين أن نتمسك بهذا الدين ،ونجعل قائدنا حبل هللا المتين ،وسddنة
نبينا الكريم صلى هللا عليه وسلم ،فنحdيى حيdاة طيبdة في الdدنيا ونفdوز فddوزا غظيمddا في
صالِ ًحا ِمنْ َذ َك ٍر أَ ْو أُ ْنثَى َو ُه َو ُم ْؤ ِمنٌ فَلَنُ ْحيِيَنَّهُ اآلخرة ،مصداقا لقوله تعالىَ ((" :منْ َع ِم َل َ
ون))". س ِن َما َكانُوا يَ ْع َملُ َ َحيَاةً طَيِّبَةً َولَنَ ْج ِزيَنَّ ُه ْم أَ ْج َر ُه ْم بِأ َ ْح َ
نفعddني هللا وإيddاكم بddالقرآن المddبين ،وبحddديث سddيد األولين واآلخddرين d،وأجddارني
وإياكم من عذابه المهين ،وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين.
107
الخطبة الثانية:
أستغفر هللا ،أستغفر هللا ،أستغفر هللا ،أستغفر هللا ،أستغفر هللا.
الحمد هلل رب العالمين ،مغيث المستغيثين ومجيب المضطرين ،ومسبغ النعم على
عباده أجمعين ،وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ،وأشهد dأن سيدنا محمddدا عبddده
ورسوله d،وعلى آله وصحابته أجمعين.
عباد هللا ،اعلموا رحمكم هللا أنه ما ضddاق أمddر إال فرجddه هللا ،وال عظم خطب إال
هونه هللا.
عبddاد هللا ردوا المظddالم إلى أهلهddا ،وجddردوا dالقلddوب من أمراضddها ،من الحقddد
والحسد dوالبغض والكذب وغيرها ،وصونوا ألسنتكم من الغيبة والنميمة وقول dالزور.
وأدوا زكاة أموالكم طيبة بهddا نفوسdكم ،فdإن من أسddباب منdع القطddر عddدم إخdراج
الزكاة.
صلوا األرحام وكونوا بارين بآبائكم وأمهاتكم ،وأحسddنوا إلى الفقddراء والمسddاكين
واألرامل dواأليتdام والمحتdاجين ،وكونdوا dاخdوة متحdابين ،على الخdير متعdاونين .تحلdوا
باألخالق الكريمة ،وتخلوا عن األخالق الرذيلة.
وتأسوا بالحبيب المصطفى صلى هللا عليه وسلم عند االستسقاء ،متضddرعين إليddه
سـدُوا ِفي اأْل َ ْر ِ
ض َضـ ُّر ًعا َو ُخ ْفيَـةً إِنَّهُ اَل يُ ِح ُّب ا ْل ُم ْعتَـ ِد َ
ين َواَل تُ ْف ِ بالدعاء((" :ا ْد ُعــوا َربَّ ُك ْم ت َ
ين))". يب ِم َن ا ْل ُم ْح ِ
سنِ َ صاَل ِح َها َوا ْدعُوهُ َخ ْوفًا َوطَ َم ًعا إِنَّ َر ْح َمتَ هَّللا ِ قَ ِر ٌ بَ ْع َد إِ ْ
واعلموا dرحمكم هللا أنه يسن في مثل هذا المddوطن أن تقلبddوا أرديتكم اقتddداء بسddنة
نddبيكم صddلى هللا عليddه وسddلم ،رافعين أكddف الضddراعة إلى ربكم :اللهم اسddقنا الغيث وال
تجعلنا من القانطنين ،اللهم يا كاشف كddرب المكddروبين ،ويddا مجيب عبddاده في كddل وقت
وحين ،ها نحن قد بررنا إليك ،وآمالنا محققة فيما لddديك ،وكلنddا مثقddل بالddذنوب ،وحامddل
أحمال الخطايا والعيوب d،وأنت الموصوف بالكرم الكامل ،والمعروف بالفضل الشامل.
اللهم اسقنا غيثا نافعا ،اللهم اسقنا غيثddا تغيث بddه العبddاد ،وتجعلddه بالغddا للحاضddر
والباد ،اللهم سقيا رحمة ال سقيا عذاب.
اللهم اسقنا الغيث وال تجعلنا من القانطين.
اللهم أنبت لنا الزرع ،وأدر لنا الضرع ،واسddقنا من بركdات السdماء ،وأخdرج لنddا
من بركات األرض.
اللهم اسق عبادك وبهيمتك ،وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت.
اللهم أمنddا في أوطاننddا ،واحفddظ اللهم ملكنddا أمddير المؤمddنين جاللddة الملddك محمddد
السادس بما حفظت به الذكر الحكيم ،اللهم اجddزه على إحيddاء هddذه السddنة بمddا جddزيت بddه
أولياءك وأصفياءك ،واحفظه اللهم في ولي عهده وسائر أسرته يا رب العالمين.
كما نسألك يا رب أن تمطر شآبيب الرحمة والرضوان على المغفور لهمddا محمddد
الخامس والحسن الثاني ،اللهم طيب ثراهما واجعلهما مع الذين أنعمت عليهم من النبيئين
والصديقين والشهداء dوالصالحين.
108
ربنا ال تؤاخذنا إن نسينا أو أحطأنا ،ربنا وال تحمل علينا إصddرا كمddا حملتddه على
اللذين من قبلنا ،ربنا وال تحملنا ما ال طاقة لنا به ،واعف عنddا واغفddر لنddا وارحمنddا أنت
موالنا فانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم أغث قلوبنا باإليمان وبالدنا بالخيرات واألمطار.
اللهم اعطنdddا سdddؤلنا وحقdddق لنdddا آمالنdddا ،اللهم ال تردنdddا خdddائبين ،وال عن بابdddك
مطرودين.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ،وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبddراهيم
وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما بddاركت على
سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك سميع مجيب.
سddبحان ربddك رب العddزة عمddا يصddفون وسddالم على المرسddلين والحمddد هلل رب
العالمين.
بقلم الدكتور :إدريس الزكراوي
مدير ثانوية ابن رشد
بأبي الجعد
109
بسم هللا الرحمن الرحيم
110
:تجديد الدرس السيري في المغرب مداخلة بعنوان
أيها الحضور الكريم تش4كل الس4يرة النبوي4ة العط4رة مج4اال خص4با لل4درس ,واس4تنباط األحك4ام
التشريعية ,التي ال تستقيم حياة الناس إال بها من أجل ذلك اهتم بها العلماء األوائ44ل ،لم44ا له44ا
من أهمية عظمى في حياة المس4لمين ،وألنه4ا ج44زء من مص44ادر التش44ريع اإلس4المي إذ تك4ون
س44 4 4جال متألق44 4 4ا ,متك44 4 4امال ,يجس44 4 4د الص44 4 4ورة 4المثالي44 4 4ة للرس44 4 4ول ص44 4 4لى اهلل علي44 4 4ه وس44 4 4لم في
4اتم األنبي 44اء والرس 44ل عليهم
خصوص 44ياتها اإلنس 44انية المهيب 44ة واص 44طفائه المتف 44رد باعتب 44اره خ َ 4
الصالة والسالم ،كما أنها مصدر من مص44ادر تفس44ير األحك44ام ،وبي44ان أس44باب ن44زول اآلي44ات،
وورود األحاديث ،وقد أدرك الص44حابة والت44ابعون أهمي44ة علم الس44يرة النبوي44ة ،فأولوه44ا عناي44ة
كبرى ،ال تقل عن عن44ايتهم بحف4ظ ح4ديث رس44ول اهلل ص44لى اهلل علي4ه وس44لم ،وك4انوا يعلمونه4ا
ألبنائهم ،كما يعلمونهم السورة من الق4رآن ،يق4ول علي بن الحس44ن" :كن4ا ُنعلَّم مغ4ازي رس44ول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم كما ُنعلَّم السورة من القرآن"(.)1
111
وق 44د اهتم بروايته 44ا طائف 44ة من علم 44اء الص 44حابة :كس 44عيد بن س 44عد بن عب 44ادة األنص 44اري(،)1
وغيرهما ،يقول الزهري" :أربعة من ق44ريش وج44دتهم بح44ورا :س44عيد
ُ وعبد اهلل بن عباس(،)2
بن المس44يب وع44روة بن الزب44ير وأب44و س 4لَمة بن عب44د ال44رحمن وعبي44د اهلل بن عب44د اهلل"( ،)3ثم
تالهم علم44اء الت44ابعين ،ف44أولوا الس44يرة النبوي44ة أك44بر عناي44ة ،من44ذ الص44در األول ،وق44د ظه44رت
ه 44ذه العناي 44ة واض 44حة عن 44د أبن 44اء الص 44حابة الك 44رام ،وهم يس 44ألون آب 44اءهم عن مش 44اهدهم م 44ع
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وذكرياتهم عنها.
ولع 44ل أول من اهتم بكتاب 44ة الس 44يرة النبوي 44ة منهم عموم 44ا :ع 44روة بن الزب 44ير(" )4ت 92هـ"،
وه 44 4و من رج 44 4ال الطبق 44 4ة األولى من كت 44 4اب المغ 44 4ازي والس 44 4ير ،ثم أب 44 4ان بن عثم 44 4ان(" )5ت
105هـ "،وه44 4 4و من أعالم الس44 4 4يرة النبوي44 4 4ة ،ورواي44 4 4ة الح44 4 4ديث الش44 4 4ريف ، ،ثم ابن ش44 4 4هاب
الزه44ري(" )6ت124هـ "،وه44و من كت44اب الت44ابعين وأعالمهم ،ويعت44بره المؤرخ44ون من أعظم
مؤرخي المغازي والسير.
ه44ذا وق44د ك44ان ال44رواد األوائ44ل في ت44دوين الس44يرة النبوي44ة وروايته44ا ،جلهم من المح44دثين ،ولم
تنفص44ل كعلم مس44تقل من الح44ديث النب44وي ،إال في منتص44ف الق44رن الث44اني الهج44ري ،على ي44د
محم44د ابن إس44حاق(" )7ت 152 :هـ" ،ال44ذي ك44ان كتاب44ه في المغ44ازي أول ت44دوين كام44ل منظِّم
للس44يرة النبوي44ة ،بل44غ ب44ه الغاي44ة في الجم44ع والتقص44ي ،والدق44ة في الت44أليف ،بحيث ص44ار ال44ذين
أت 44وا من بع 44ده ،ينس 44جون على منوال 44ه ،ح 44تى ق 44ال اإلم 44ام الش 44افعي" :من أراد أن يتبح 44ر في
- 1سعيد بن سعد بن عبادة األنصاري :قال أبو عمر :روى عن سعيد هذا ابنه شرحبيل بن سعيد ،وصحبته صحيحة ،وكان واليا لعلي
بن أبي طالب رضي هللا عنه على اليمن .ينظر :االستيعاب .ج .1 :ص.187 :
- 2عبد هللا بن عباس :بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ،ابن عم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،كني بابنه العباس ،وهــو أكــبر
أوالده .ويسمى ـ عبد هللا بن عباس ـ حبر األمة .ينظر :أسد الغابة .ج .1 :ص630 :
- 3ينظر تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي مج 20 :ص.18 :
- 4عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي األسدي ينظر تهذيب التهذيب البن حجر ج 7 :ص.163 :
- 5أبان بن عثمان بن عفان األموي القرشي أول من كتب في السيرة النبويّة وهو ابن الخليفة عثمان .مولده ووفاته في المدينة .شــارك
في وقعة الجمل مع عائشة .وتقدم عند خلفاء بني أمية فولي إمارة المدينة سنة 76إلى 83وكان من رواة الحديث الثقات ،ومن فقهــاءـ
المدينة أهل الفتوى .ودوّ ن ما سمع من أخبار السيرة النبويّة والمغازي ،وسلمها إلى سـليمان بن عبـد الملـك في حجـة سـنة 82فأتلفهـا
سليمان .وكانت فيه دعابة أورد صاحبـ األغاني حكايــات منهــا .وأصــيب بالفــالج مــع شــئ من الصــمم ،فكــان يــؤتى بــه إلى المســجد،
محموال في محفة ،األعالم للزركلي .ج 1 :ص.27 :
- 6محمد بن مسلم بن عبد هللا بن عبيد هللا بن مهاجر بن الحارث بن شهاب الزهري ،ينظر صفوة الصفوة مج 1 :ج 2 :ص95 :
-7هو :محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار اإلخباري وقيل :ابن كوثان ،العالمــة ،الحافــظ ،اإلخبــاري ،أبــو بكــر وقيــل :أبــو عبــد هللا -
القرشي ،المطلبي موالهم ،المدني ،صاحب (السيرة النبوية) سير أعالم النبالء ج 13 :ص.44 :
112
المغ 44ازي فه 44و عي 44ال على محم 44د بن إس 44حاق"( ،)1ثم ج 44اء من بع 44ده أب 44و محم 44د عب 44د المل 44ك
المعروف بابن هشام( ،)2فروى لنا كتابه ه4ذا مه4ذبا ،منقح4ا ،ولم يكن ق44د مض44ى على ت4أليف
ابن إسحاق له أكثر من خمسين سنة.
يقول ابن خلكان" :وابن هشام هذا هو الذي جمع سيرة رسول اهلل ص44لى اهلل علي44ه وس44لم من
المغ44ازي والس44ير البن إس44حاق ،وه44ذبها ولخص44ها ،وهي الس44يرة الموج44ودة بين أي44دي الن44اس،
والمعروفة بسيرة ابن هشام"(.)3
ثم توالى التأليف في سيرة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بعد ابن هشام ،حتى استقر الفتح
العربي واإلسالمي في األندلس ،حينها ع44رفت الس4يرة النبوي4ة في ه44ذه البالد حي4اة زاه4رة لم
تعرفه 44ا من قب 44ل .وبع 44د أن بلغت اْل ُع 4ْ 4د َوةُ ذروته 44ا في المج 44د ،حض 44اريا ،وفكري 44ا ،وسياس 44يا،
ومعماريا ،حتى قال ابن خفاجة:
َختَ ُار()4
ت أْ
ت َه َذا ُك ْن ُ َما َجَّنةُ اْل ُخْل ِد ِإاَّل ِفي ِدَي ِار ُك ُم **** َولَ ْو ّ
تخي ْر ُ
ولق 44د ن 44الت الس 44يرة النبوي 44ة البن هش 44ام -ال 44تي هي في األص 44ل كت 44اب المغ 44ازي البن إس 44حاق
-عناية بعض العلماء ،فتناولوها بالشرح والتعليق منهم أحد أب44رز الوج44وه األندلس44ية المتألق44ة
ال44تي تمث44ل الشخص4ية العربي44ة اإلس44المية في ش4فافية روحه4ا ,وعم44ق نظرته44ا ,وق4درتها على
تحقيق تلك المزاوجة المتف44ردة بين الحض44ور العقلي ال44رزين المعط44اء ,والحض44ور اإلب44داعي
الش 44فاف شخص 44ية الفقي 44ه ,واألديب ,والس 44يري ,والمح 44دث األص 44ولي أبي القاس 44م الس 44هيلي
عب 44دالرحمن بن عبداهلل( ،ت581هـ) ال 44ذي نش 44أ في األن 44دلس ،ورح 44ل إلى م 44راكش»( )2أح 44د
- 1ينظر الروض األنف ج 1 :ص 40 :وسير أعالم النبالء للذهبي .ج .7 :ص.36 :
- 2عبد الملك بن هشام بن أيوب أبو محمد الذهلي العالمـة ،النحـوي ،األخبـاري ،أبـو محمـد الـذهلي ،السدوسـي -وقيـل :الحمـيري -
المعافري ،البصري ،نزيل مصر.هذب السيرة النبوية ،وسمعهاـ من زياد البكــائي صــاحبـ ابن إســحاق .ســير أعالم النبالء للــذهبي ج:
19ص.419 :
- 3وفيات األعيان البن خلكان .ج .3 :ص.177 :
- 4نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب ألحمد بن محمد المقري التلمساني ج 1 :ص.116 :
113
ألم44ع ش44راح س44يرة ابن هش44ام ,وأح44د ألم44ع المجته44دين األندلس44يين النح44اة ,وأح44د أب44رز ش44عراء
ومب 44 4دعي عص 44 4ره ,وأح 44 4د فقه 44 4اء " الف 44 4رائض " الالمعين كم 44 4ا أن 44 4ه واح 44 4د ممن احتض 44 4نتهم
مراكش ,فانتظم في عقد رجالها السبعة.
وينتسب السهيلي إلى "سهيل " قرية أو حصن باألندلس ,ذكر الحميري سبب تسميتها ب44ذلك
بقوله ":هناك جبل منيف عال ي44زعم أه44ل تل44ك الناحي44ة أن النجم المس44مى " س44هيال "ي44رى من
1
أعاله ,وبذلك سمي أبو القاسم الحافظ مؤلف "الروض األنف"
وق 44د نص الس 44هيلي في مقدم 44ة كتاب 44ه "ال 44روض" أن 44ه لم يس 44بقه إلى ش 44رح الس 44يرة متق 44دم ق 44ال:
"كنت حين ش 44رعت في إمالء ه 44ذا الكت 44اب خي 44ل إلي أن الم 44رام عس 44ير فجعلت أخط 44و خط 44و
الحس 44ير ،وأنهض نهض ال 44برق الكس 44ير ،وقلت :كي 44ف أرد مش 44رعا لم يس 44بقني إلي 44ه ف 44ارط،
وأسلك سبيال لم توطأ قبلي بخف وال حافر"(.)2
نفهم من كالم الس 44هيلي ه 44ذا أن 44ه لم يس 44بقه إلى ش 44رح الس 44يرة متق 44دم ،في حين أن أب 44ا ذر بن
مس44عود الخش44ني( " )3ت 604هـ " أق44دم على ش44رح الس44يرة النبوي44ة ،مم44ا جع44ل إب44راهيم البن44ا
يتساءل في كتابه" :السهيلي ومذهبه النحوي"( ،)4أيهما أسبق إلى التأليف فأفاد ق44ائال" :اعتق44د
أن الس44هيلي ك44ان أس4بق إلى ش44رح الس4يرة معتم4دا على الس4بق الزم44ني ،وعلى م4ا ص4رح ب4ه،
ولم تفدني المقارنة بين العملين شيئا في تحديد الس44ابق منهم4ا لكن أف44ادت في بي44ان منهج أبي
ذر الذي ال يعدو أن يكون شرحا لغويا للسيرة مع تعريف ببعض أعالمها"()5
وق44 4د أجم44 4ع ك444ل من ت44 4رجم للس44 4هيلي على أن444ه ك44 4ان يتوق44 4د ذك 44اء ،مق 44دما في الفهم والفطن44 4ة،
صاحب اختراعات واستنباطات ،دلت على براعة فكره ،ونباهة علمه ،وسعة حفظه(.)6كما
1الروض المعطار في خبر األقطار ألبي عبد هللا محمد بن عبد هللا بن عبد المنعم الحِميرى تحقيق إحسان عباس
مؤسسة ناصر للثقافة -بيروت -طبع على مطابع دار السراج الطبعة :الثانية 1980 ،م ص 534
- 2الروض االنف .ج .1:ص.03 :
- 3تنظر :بغية الوعاة .ج .2 :ص.288-287 :
- 4أبو القاسم السهيلي ومذهبه النحوي ص 182 :ـ .183
- 5أبو القاسم السهيلي ومذهبه النحوي .ص.183 :
- 6تنظر :إشــارة التعييــن البن عبد المجيد اليمانـــي .ص.182 :
114
دل على عمق معارفه ما زخرت كتابات السهيلي بعبارات اإلعجاب بعلمه ،واإلشادة بعمق
معارفه وقدرته على تجلية ما استغلق من دق44ائق العلم ونكت44ه ،وه44و ي44رى أن بعض م44ا عن44ده
من العلم تعج44ز عن44ه همم أه44ل ه44ذا العص44ر( ،)1وأن بعض تعليقات44ه عجب عج44اب .وأن م44ا
انتهى إلي44ه كم44ا ق44ال" :مس44ألة ع44ذراء لم تفترعه44ا أي44دي النح44اة ،أو لم يش44ف منه44ا متق44دم منهم
وال متأخر"( ،)2وأن له في مسألة العين والي44د إمالء كم44ا ق44ال " :فق44د أملين44ا فيه44ا ،وفي مس44ألة
اليد مسألتين ال يعدل بقيمتهما الدنيا بحذافيرها "( ،)3وقد يعمل عقله في مبحث ،فيهتدي إلى
س44ر من أس44رار التش44ريع في44ه ،فتحرك44ه نش44وة الظف44ر ب44ه ،فيق44ول" :فتأم44ل ه44ذا األص44ل فق44ل من
يفطن ل444ه ،وإ نم444ا المس444ألة عن444د الن444اس تقليدي444ة ال برهاني 44ة وق 44د أوض 44حناها برهاني 44ا والحم 44د
هلل"(.)4
ومع اإلعجاب بما عنده من العلم ،ومن التحقيق الواسع العميق ،وهي خصال ليست بغريب4ة
على نابغة مثله ،فه44و ال يغل44و ب44ذلك غل4وا بنس4بة طبيعت44ه البش4رية ،ب4ل يتواض44ع للعلم44اء ال4ذين
ي44دركون أن العل44وم -مهم44ا ت44أتت لطالبه44ا والمع44ارف وإ ن ازدحمت بص44در ص44احبها -تظ44ل
مح 44دودة متناهي 44ة ـ وق 44د وق 44ع ل 44ه ـ وه 44و بص 44دد تفس 44ير آي 44ة أن أدرك أن 44ه لم يهت 44د إلى س 44ر
تأويلها ،فاعترف بذلك بقوله" :وقد بقي في نفسي من تأويل ه44ذه اآلي44ة ش44يء ح44تى يكم44ل اهلل
نعمته بفهمها إن شاء اهلل تعالى"(.)5
من خالل كل الذي مضى معن44ا من كالم الس44هيلي المقتبس من كتاب44ه ال44روض األن44ف يتض44ح
وبجالء أن اإلمام أضفى على السيرة حلة جديدة لم ُيسبق إليها ،الشيء الذي يجعلنا نتس44اءل
عن التجديد تعريفا وتنزيال.
المحور الثاني :تعريف كلمة تجديد وأثرها على السيرة النبوية" 6الروض األنف نموذجا".
115
إن الح4ديث عن التجدي4د في الس4يرة النبوي4ة على ص4احبها أفض4ل الص4الة وأتم التس4ليم يجرن4ا
الجدة مصدر الجديد ،والجم44ع أَ ِ4
ج ّدة ،وفي لس44ان الع44رب" : للكالم عن لفظة "تجديد" فهي من َّ
الج4ّ 4دة هي نقيض البِلى ،ويق44ال ش44يء جدي44د ،وتج44دد الش44يء ص44ار جدي44داً ...والجدي44د م44ا ال
عهد لك به"(.)1
وبه44ذا المع44نى ف44إن التجدي44د في مج44ال الفك44ر أو في مج44ال األش44ياء على الس44واء كم44ا يق44ول:
برهان غليون هو أن تعيد الفك4رة أو الش4يء ال4ذي بلي أو ق ُ4دم أو ت4راكمت علي4ه من الس4مات
والمظ44اهر م44ا طمس ج44وهره ،وأن تعي44ده إلى حالت44ه األولى ي44وم ك44ان أول م44رة ( .)2ف44إن م44ا
أورده برهان غليون ح4ول مفه4وم التجدي4د يتف4ق م4ع م4ا نه4دف إلي4ه في تفس4ير حرك4ة التجدي4د
عند اإلمام السهيلي.
فمن خالل قراءتنا "للروض األنف" نالحظ أنه حافل بالوقفات اللغوية ،والنحوي44ة والبالغي44ة،
المهم44 4ة ،فال تك44 4اد تتأم44 4ل حادث44 4ة س44 4يرية إال وتلقى تعقيب44 4ا لغوي44 4ا ،أو نحوي44 4ا ،أو بالغي44 4ا ،أو
استنباطا تفسيريا ،أو فضيلة أخالقية ،وهو التجديد الذي لم يسبق إليه.
فالس44هيلي وه44و يحل44ل نص44وص الس44يرة في كتاب44ه ال44روض ن44راه يض44في عليه44ا ط44ابع التأص44يل
للمع44اني اللغوي44ة من خالل مظانه44ا األص44لية ،ش44عرا ون44ثرا وم44أثورات ،غ44ير أن44ه خص اللغ44ة
القرآني44ة بم44يزات متف44ردة ال تخرجه44ا عن أص44ولها العربي44ة ،ولكنه44ا تحي44ل على خصوص44ياتها
البياني 44ة اإلعجازي 44ة ( ،)3وب 44ذلك يتج 44اوز بلغ 44ة الق 44رآن مس 44توى االس 44تدالل واالستش 44هاد ،إلى
4تهاره باالستش44هاد الح44ديثي في القواع44د اللغوي44ة والعل44ل
مس44توى التخص44يص .ونظ44ير ذل44ك اشُ 4
النحوية ،ووقوفُه على بعض خصائصه البالغية والجمالية للحديث النبوي .وقد أفصح فعال
على مع44 4اني كث 44 4ير من األلف 44 4اظ الغريب 44 4ة ،رجوع 44 4ا إلى الح 44 4ديث النب 44 4وي الش 44 4ريف ،اعتب 44 4ارا
لفصاحة الرسول صلى اهلل عليه وسلم وتخصيصه بجوامع الكلم(.)4
- 1ابن منظور ـ لسان العرب ،طبعة دار المعارف ،مصر ،ج ،1ص 562ـ .563
- 2برهان غليون ،االجتهاد والتجديد في الفكر اإلسالمي المعاصر ،مركز دراسات العالم اإلسالمي ،مالطا ،ط ،1991 ،1ص .72
- 3أنظر على سبيل المثال :تفريقه بين "لعل" و"عسى" و"ليت" في االستعمال اللغوي القرآني .الروض األنف .ج .6 :ص.328 :
- 4ينظر الروض األنف .ج .3 :ص ،87 :حيث وظف فقرة من حديث أم زرع لالستشهاد اللغوي.
116
فمن األمثل 44 4 4ة ال 44 4 4تي تع 44 4 4رض الس 44 4 4هيلي له 44 4 4ا في تأليف 44 4 4ه التجدي 44 4 4دي للس 44 4 4يرة النبوي 44 4 4ة قول 44 4 4ه
تع44الى":إليالف ق44ريش" حيث ق44ال( :ومع44نى يؤال44ف( :)1يعاه44د ويص44الح ،ونح44و ه44ذا ،فيك44ون
الفعل منه أيض44ا آل44ف على وزن فاع44ل ،والمص44در إالف4ا بغ44ير ي44اء ،مث44ل قت44اال ،ويك44ون الفع44ل
من44ه أيض44ا آل44ف على وزن أفع44ل ،مث44ل آمن ،ويك44ون المص44در إيالف44ا بالي44اء مث44ل إيمان44ا ،وق44د
ت إذا ألفت 44ه لم ل
ْ
َ ُ عفْ أ وزن على 4يء4 ش ال آلفت من 4ان4 ك 4و4 لو )،2
ق 44رئ إلالف ق 44ريش بغ 44ير ي 44اء(
تكن ه 44ذه الق 44راءة ص 44حيحة ،وق 44د قرأه 44ا( )3ابن ع 44امر( ،)4ف 44دل ه 44ذا على ص 44حة م 44ا قال 44ه()5
اله44 4روي( ،)6وحك444اه عمن تقدم44 4ه ،وظ444اهر كالم ابن إس44 4حاق( :)7أن الالم من قول44 4ه تع 44الى:
"إِلِ ِ
يالف قَُر ْي ٍ
ش"()8متعلقة()9بقوله سبحانه((" :فجعلهم كعصف م44اكول))"( ،)10وق44د قال44ه غ44يره.
- 1ألفت الشيء وألفت فالنا إذا أنست به وألفت بينهم تأليفا إذا جمعت بينهم بعـد تفـرق وألفت الشـيء تأليفـا إذا وصـلت بعضـه ببعض
ومنه تأليف الكتب وألفت الشيء أي وصلته وآلفت فالنا الشيء إذا ألزمته إياه أولفه إيالفا .لسان العرب مج 1 :ص.133 :
- 2يقول ابن الجزري في كتابه النشر في القراءات العشر ج 2 :ص :403 :واختلفوا في (لئالف قريش) فقرأ ابن عامر بغير ياء بعد
الهمزة مثل لعالف مصدر ألف ثالثيا ً يقال ألف الرجل ألفا ً وإالفا وقرأ أبو جعفر بياء ساكنة من غير همز وقيل أنه لما أبدل الثانية يــاء
حذف األولى حذفا ً على غير قياس ويحتمل أن يكون األصل عنده ثالثيا ً كقراءة ابن عــامر ثم خفــف كإبــل ثم أبــدل على أصــله ،ويــدل
على ذلك قراءته الحرف الثاني كذلك وهللا أعلم .وقرأ الباقون بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة .
- 3وقرأ السـبعة إال ابن عـامر :إِل ِيالفِ بيـاء سـاكنة بعـد الهمـزة ،وقـرأ ابن عـامر بحـذف هـذه اليـاء .الـوافي في شـرح الشـاطبية في
القراءات السبع لعبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي ص.381 :
- 4ابن عامر (ت 118هـ) :عبد هللا بن عامر بن يزيد أبو عمران اليحصبي الشامي ،أحد القراء السبعة .تنظر :األعالم .ج .4 :ص:
.95
- 5وقال الهروي في الغريبين :اإليالف عهود بينهم وبين الملوك فكان هاشم يؤالف ملك الشــام والمطلب كســرى وعبــد شــمس ونوفـل
يؤالفان ملك مصر والحبشة .قال :ومعنى يؤالف يعاهد ويصالح .روح المعاني لأللوسي ج 30 :ص238 :
- 6أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الباشاني ،صاحب الغريبين أبو عبيد الهروي ،مات في شهر رجب سنة إحــدى وأربعمائــة .ينظــر:
بغية الوعاة .ج .1 :ص.371 :
- 7سبق التعريف به.
- 8سورة قريش .اآلية.1 :
- 9قوله "إليالف" وهو مصدر ألف يألف على غير المصدر ،وقيل :آلف يؤالف ،قاله الخليل ،وإيالفهم هذا يدل من األول على معــنى
البيان .وهو متعلق بما قبله وال يجوز أن يكون متعلقا بما بعده ،وهو قوله تعالى" :فليعبدوا رب هذا البيت" .أحكام القرآن البن العــربي
مج 4 :ص1981 :
- 10سورة الفيل .اآلية.5 :
117
وم44ذهب الخلي44ل( )1وس44يبويه( )2أنه44ا متعلق44ة بقول44ه ((" :فليعب44دوا رب ه44ذا ال44بيت))" ( ،)3أي
فليعبدوه من أجل ما فعل بهم(.)4
وقال قوم( :)5هي الم التعجب ،وهي متعلقة بمضمر ،كأنه قال :إعجب إليالف قريش ،كما
قال صلى اهلل عليه وسلم في س44عد بن مع44اذ( )6رض44ي اهلل عن44ه حين دفن(( :س44بحان اهلل له44ذا
العب44د الص44الح ض44م في ق44بره ح44تى ف44رج اهلل عن44ه))( ،)7وق44ال في عب44د حبش44ي م44ات بالمدين44ة:
((لهذا العبد الحبش44ي ج4اء من أرضه وس44مائه إلى األرض ال44تي خلق منه44ا))( ،)8أي إعجب44وا
لهذا العبد الصالح})( .)9وغ44ير ه4ذا كث44ير في كتاب4ه الم4اتع لكن44ني اكتفي في ه44ذا المق4ام بمث44ال
واحد خشية الطول
من خالل ما سبقت اإلشارة إليه يتبين أن السهيلي حظي بالحظ األوف4ر في الج4انب اللغ44وي،
وق 44 4د طغى ه 44 4ذا الج 44 4انب على ثقافت 44 4ه ح 44 4تى ص 44 4ارت ل 44 4ه في 44 4ه أق 44 4وال تناقلته 44 4ا بعض مع 44 4اجم
اللغ44ة( ،)10كم4ا ش4ذت طائف4ة من الب44احثين فأوس44عوا له44ا في أبح4اثهم ودراس44اتهم( ،)11وأش44ادوا
- 1الخليل اإلمام ،صاحب العربية ،ومنشئ علم العروض ،أبو عبد الرحمن ،الخليل بن أحمد الفراهيدي ،البصري ،أحد االعالم .مــات
سنة بضع وستين ومئة ،وقيل :بقي إلى سنة سبعين ومئة .ينظر :سير أعالم النبالء .ج .7 :ص.429 :
" - 2سيبويه عمرو بن عثمان بن قنبر ،يُكنى أبا بشر ،مولى لبني الحارث .ولد بقرية من قرى شيراز ،يقال لها البيضاء .وفــد البصــرة
يكتب الحديث ،فلزم حلقة حماد بن سلمة ،فاستملى منه يوما قول النــبي صــلى هللا عليــه وســلم" :ليس أحــد من أصــحابي إال لــو شــئت
أخذت عليه ،ليس أبا الدرداء" ،فقال سيبويه :ليس أبو الدرداء .فقال له أبــو حمــاد :لحنت يــا ســيبويه ،ليس هــذا حيث ذهبت " ،ليس "
ـدثك هشــام عن استثناء .فقال :سأطلب علما ال تلحنني فيه .فلزم الخليل .وروى عبيد هللا بن معاذ ،قال :جاء سيبويه إلى حماد فقــال :أحـ َّ
أبيه ،في رجل رعُف في الصالة فانصرف .فقال له :أخطأت ،إنما هو " َر َعف " .فانصرف إلى الخليل ،فســأله ،فقــال :صــدق حمــاد.
بزائـر ال ُي َمـ لُّ .إال لسـيبويه" .تـاريخ العلمـاء النحـويين ألبيٍ قال المخزومي ،وكان كثـير المجالسـة للخليـل :مـا سـمعته يقـول :مرحبـا ً
المحاسن التنوخي ,ص.94 :
- 3سورة قريش .اآلية.3 :
َ ً ُ ُ
-وسألت الخليل عن قوله جل ذكرهَ " :وإِنَّ َه ِذ ِه أ َّم ُت ُك ْم أمَّة َواحِدَ ًة َوأ َنــا َر ُّب ُك ْم َفــا َّتقُ ِ
ون " ،فقــال :إ َّنمــا هــو على حــذف الالم ،كأنــه قــال: 4
قريش " ألنه إنما هو :لذلك " فليعبدوا" .الكتاب لسيبويه ج3 : ٍ أمة واحد ًة وأنا ربُّكم فاتقون .وقال :ونظيرها " :إليالف وألن هذه أمتكم ً
ص.127:
- 5وقيل :إنها للتعجب ،أي اعجبوا إليالف قريش ،حكاه القرطبي عن الكسائي واألخفش .أضواء البيان للشنقيطي ج 9 :ص.109 :
- 6سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد األشهل بن جشم بن الحــارث بن الخــزرج بن النــبيت بن مالك بن األوس
األنصاري األشهلي سيد األوس ،وأمه كبشة بنت رافع لها صحبة ويكنى أبا عمرو شهد بدرا باتفــاق ورمي بســهم يــوم الخنــدق فعــاشـ
بعد ذلك شهرا حتى حكم في بـني قريظـة وأجيبت دعوتـه في ذلـك ثم انتقض جرحـه فمـات .اإلصـابة في تميـيز الصـحابة ج 3 :ص:
.84
- 7ورد في جامع األحاديث للسيوطي ج 34 :ص 98 :عن جابر بلفظ "لهذا العبد الصالح الـذى اهـتز لـه العـرش وفتحت لـه أبـواب
السماء شدد عليه ثم فرج عنه".
- 8ورد في عمدة القاري .ج .13 :ص . 155 :بلفظ" :فقال ال إله إال هللا سيق من أرضه وسمائه إلى تربته التي منها خلق".
- 9الروض األنف .ج .1 :ص.285 :
-10أكثر الزبيدي من إيراد هذه النقول واالتكاء عليها في االحتجاج لكثير من المفردات .ينظر :تاج العــــروس .مــــج .1 :ج .1 :ص:
– 120مج .1 :ج .1 :ص – 154 :مج .1 :ج .2 :ص – 56 :مج .1 :ج .2 :ص – 67 :مج .1 :ج .2 :ص – 257 :وكـــــذا:
لسان العرب .مج .5 :ص – 85 :مج .2 :ص – 24 :مج .3 :ص.99 :
-11عقد محمد إبراهيم البنا فصال للفكر اللغوي عند السهيلي في دراسته لمذهبه النحوي من كتابه الموسوم "أبو القاسم السهيلي ومذهبه
النحوي ص.228 – 202 :
118
بفك4ر ص4احبها ونوه4وا بجه4ده ،وأق4روا بي4ده الط4ولى في إث4راء الحرك4ة اللغوي4ة في األن4دلس.
نستنتج من هذا أن السهيلي لم يكن مجرد رمز من رموز الموسوعة اللغوية في زمان44ه ،ب44ل
بوأ نفسه مقعد اللغ44وي الناق44د ال44ذي ال ي4زن رج44ال اللغ44ة بم44ا اش44تهر عنهم وذاع ،ولكن ي4زنهم
بمعايير دقيقة ،ولعله كان كذلك في أعين بعض معاصريه حكما مرموقا(.)1
وهك 44ذا اع44ترف ألبي عبي44دة بأن44ه" :عالم44ة بكالم الع 44رب"( ،)2والبن ف44ارس بأن 44ه" :عم44دة في
اللغة" ،والبن إسحاق بالفصاحة( ،)3رغم شهرته كسيري وم44ؤرخ ،كم44ا احتج بلغ44ة أبي تم4ام
الش 44عرية ،رغم كون 44ه مول 44دا ألن 44ه لم يلحن ق 44ط( ... )4وفي المقاب 44ل ع 44رض بلغ 44ويين كب 44ار،
كابن ج4ني ال44ذي ق4ال في4ه" :لم يص4ب المفص4ل في مس44ألة لغوي4ة"( ،)5وغ44يره من األعالم .إال
أنه كان أكثر تعريضا ب4ابن س4يده الغرن44اطي ،ص44احب "المحكم" ،ال44ذي وص4ف إح4دى هفوات4ه
اللغوية بأنها" :هفوة ال تقال ،وعثرة ال لع44ا له44ا" ،وزاد" :وكم ل44ه من ه44ذا إذا تكلم في النس44ب
وغيره"(.)6
وإ ذا ك4ان الس44هيلي ق44د ع44رف بمش4اركته في العل44وم اللغوي44ة واألدبي44ة ،ف4إن علم النح44و ق44د ح44از
من ه44ذه الحص44يلة المعرفي44ة ش44أوا بعي44دا ،ولن أك44ون مغالي44ا إذا قلت ب44أن ه44ذا العلم ك44ان دي44دن
الس44هيلي وهج44يراه( ،)7فال يك44اد يخل44و مبحث من كتب44ه وأمالي44ه من اعتم44اد علي44ه ،ولق44د ك44ان
شغوفا بالتنقير عن علله ،إلى درجة لفتت نظر معاصريه ،وهكذا مضى الس44هيلي على آث44ار
الس444لف من أه444ل ه444ذا الفنُ ،ي ْع ِمُ 44ل نظ444ره الث444اقب في المس 44ائل النحوي 44ة ،فيس 44تدرك على من
- 1من هؤالء الفقيه أبو إســحاق بن قرقــول الـذي استفسـره عن عـدد من اإلشـكاالتـ النحويــة واللغويــة ،تنظـر مسائلـــه اللغويــــة في
أمالـــي السهيلــي :المسألة .11ص .60 :والمسألة .35ص .89 :والمسألة .63ص.115 :
- 2الروض األنف .ج .6 :ص.567 :
- 3المصدر نفسه .ج .5 :ص . 69 :يقول( :وإنما أعجبتني فصاحة ابن إسحاق في قوله" :بقية شهر كذا وشهر كذا ،وجمادين ،ورجبا
وشعبان ،ونزل األلفاظ منازلها عند أرباب اللغة الفاهمين لحقائقها).
- 4الروض األنف .ج .2 :ص.103 :
- 5المصدر نفسه .ج .4 :ص.391 :
- 6المصدر نفسه .ج .5 :ص.357 :
دأبه وشأْنه وعادتــه لســان العــرب .مج:ُور َت ُه و َد ْأ َبه و َد ْي َد َن ُه أَي ْ
- 7هِجِّ يراه وإِجْ ِريَّاه وإِهْ ِجيراهُ وإِهْ ِجيرا َءه بالمد والقصر وهِجِّ يره وأُهْ ج َ
15ص.25 :
119
س 44بقه ،ك 44ابن قتيب 44ة( ،)1وابن ج 44ني( ،)2وغيرهم 44ا ،ويس 44تحدث علال جدي 44دة ،يس 44اعده في ذل 44ك
طاقة عقلية جبارة ،وتمكن من اللغة واسع ،واقتناع بأهمية هذه الدراسة ،فأهله كل ذل44ك إلى
أن يعتمد هذا النهج أساسا في أبحاثه ،ويجاهر به في مواطن من تآليف44ه( ،)3ولق44د ش44غله ذل44ك
واستأثر باهتمامه ولم يكن كتابه الروض بمعزل عن ه44ذا يش44هد له44ذا ق44ول الس44هيلي في قول44ه
6ير ))"( )5ارتف66ع ربي6ون على تفس66ير()6 مع ُه ِر ِّبي َ ِ تع44الىَ ((" ( :و َكأ َِّي ْن ِم ْن َن ِب ٍّي َقاتَ َل
ُّون َكثٌ 6
()4
ََ
ابن إس666حاق باالبت666داء ،والجمل666ة في موض666ع الح666ال من الض666مير في قت666ل ،وه 66ذا أص 66ح
َص َاب ُه ْم" ،ولو كانوا هم المقت66ولين م66ا ق66ال فيهم: ِ
التفسيرين( ) ،ألنه قال " :فَ َما َو َه ُنوا ل َما أ َ
7
ما وهنوا لم6ا أص6ابهم ،أي م6ا ض6عفوا ،وق6د يخ6رج أيض6ا ق6ول من ق6ال :ربي6ون مفع6ول لم
يسم فاعله( )8بقتل ،على أن يكون معنى قوله :فم6ا وهن6وا أي م6ا وهن الب6اقون منهم لم6ا
أصيبوا به من قتل إخوانهم ،وهذا وجه ،ولكن سبب نزول اآلية ي66دل على ص66حة التفس66ير
األول.
وقول66ه" :ربي66ون" وهم الجماع66ات في ق66ول أه66ل اللغ66ة( ،)9وقــال ابن مس66عود( )10ربي66ون:
ألوف ،وقال( )11أبان( )12بن تغلب :الربي :عشرة آالف.)13()}.
ِّك لَ َنحْ ُ
شـ َر َّن ُه ْم - 1يقــول الســهيلي في :الــروض .ج 7 :ص :297 :قــال الخطــابي :هــذه غفلــة من ابن قتيبة ،فــإن في أول اآليــة " َف َو َرب َ
ار ُد َها "سورة :مريم .اآلية .71 :داخل تحت القسم المتقدم. ين" .سورة :مريم .اآلية ،68 :وقولهَ " :وإِنْ ِم ْن ُك ْم إِاَّل َو ِ َوال َّشيَاطِ َ
- 2تعقب السهيلي ابن جني بقوله :برفع البر على االبتداء ،وأول خبر له ،وقد يحتمل في الظــاهر أن يكــون ظرفــا في موضــع الخــبر،
ولكن ال يجوز ذلك في هذه الظـروف المبنيــة على الضـم أن تكـون خـبر المبتــدإ ،ال تقـول :الصـالة ،قبــل إال أن تقـول :قبــل كــذا ،وال
الخروج بعد إال أن تقول :بعد كذا ،وذلك لسر دقيق قد حوم عليهما ابن جني فلم يصب المفصل .المصدر نفسه .ج .4 :ص.391 :
- 3أنظر تنصيصا على ذلك في مقدمة الروض األنف .ج .1 :ص .4 :ونتائج الفكر .ص.35 :
- 4وفي سراج القارئ ألبي القاسم علي بن عثمان بن محمد الفاصح العذري ـ بتصرف ـ .ص 184 :قــال :أخبرــ يعــني الشــاطبي ــ
أن المشار إليهم بالذال من قوله( :ذو وال) وهم الكوفيون ،وابن عامر ،قرءوا(( :قاتل معـه ربيـون)) بالمـد ،أي بـألف قبــل التـاء وبعـد
القاف ،وفتح ضم القاف ،وفتح كسر التاء ،فتعين للباقين القراءة بالقصر ،أي بحذف األلف وضم القاف وكسر التاء..
وهو ما أشار إليه صاحبـ الشاطبية بقوله:
ض ِّم َو ْال َكسْ ِر ُذو ِوالَ
َوالَ َيا َء َم ْكسُوراً َو َقا َت َل َبعْ دَ هُ **** ُي َم ُّد َو َف ْت ُح ال َّ
- 5سورة آل عمران .اآلية.146 :
- 6السيرة النبوية البن هشام .ج .3 :ص.59 :
- 7ويؤيد هذا ما سطره الفخر الرازي في تفسيره بقوله " :وقوله( :معه ربيون) حال بمعنى قتل حـال مـا كـان معـه ربيـون ،أو يكـون
على معنى التقديم والتأخير ،أي وكأين من نبي معه ربيون كثير قتل فما وهن الربيون على كثرتهم" .مفاتيح الغيب ج 9 :ص.380 :
- 8من القائلين بهذا القول اإلمام ابن جزي في تفسيره :التسهيل لعلوم التنزيل ج 1 :ص.166 :
- 9تاج العروس مج 1ج 2ص 294.وينظر لسان العرب مج 6ص .93
- 10الدر المنثور للسيوطي ج 2 :ص.340 :
- 11اللباب في علوم الكتاب ج 5 :ص.587 :
- 12أبان بن تغلب الكوفي الشيعي ،لكنه صدوق وعليه بدعته ،وقد وثقه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم .ينظر :ميزان االعتــدال.
ج .1 :ص.5 :
- 13الروض األنف .ج .6 :ص.85 :
120
وإ ذا تح 44دثنا عن الس44هيلي وعمل44ه في كتاب 44ه الفري 44د "ال 44روض األن44ف" نك44اد نج44زم أن معالج 44ة
السيرة النبوية ودراستها ألسباب بالغية أمر ال نكاد نجد له أث4را في دراس4ة الس4ابقين ,وه4ذا
الحكم ال يك44اد يس44تثنى من44ه أح44د اللهم م44ا ك44ان من الس44هيلي ف44إن كتاب44ه ق44د احت44وى على نكت
بالغية.
ففي تحليل44ه للص44ورة البياني 44ة ،يغ44وص في أس44رار جماله 44ا ،وه 44و ط44ابع "المدرس44ة األندلس44ية"
التي تعنى بالقواعد البالغية ،السيما علم المعاني ،حيث نرى اإلم4ام ي4ذكر أق4وال البالغ4يين،
وينق 44ل عنهم ،كالجرج 44اني في كتابي 44ه :أس 44رار البالغ 44ة ،ودالئ 44ل اإلعج 44از ,يش 44هد لم 44ا ذكرن 44ا
قول44 4ه«( :فص44 4ل لرب44 4ك وانح44 4ر إن ش44 4انئك ه44 4و األب44 4تر» ولم يق44 4ل :إن ش44 4انئك أب44 4تر يتض44 4من
اختصاصه بهذا الوصف ،ألن هو في مثل هذا الموض44ع تعطي االختص44اص ،مث44ل أن يق44ول
قائل :إن زيدا فاسق ،فال يكون مخصوصا بهذا الوصف دون غيره ،فإذا قلت :إن زيدا ه44و
الفاس 44ق ،فمعن 44اه :ه 44و الفاس 44ق ال 44ذي زعمت ،ف 44دل على أن بالحض 44رة من ي 44زعم غ 44ير ذل 44ك،
وهكذا قال الجرجاني وغيره في تفسير هذه اآلية أن هو تعطي االختصاص.)1( )،
والس44هيلي وه44و يتح44دث عن المج44از ،تع44رض لحجيت44ه في اللغ44ة ،عن44د قول44ه تع44الىَ " :وَبلَ َغ ِت
4وب اْل َحن ِ 4 4
4اج َر " ،والقلب ال ينتق 44 4ل من ِ 4وب اْل َحن ِ 4 4
4اج َر "( ) ،ق 44 4ال الس 44 4هيليَ " :وَبلَ َغت اْل ُقلُ ُ 4 4
2
اْل ُقلُ ُ 4 4
موض44عه ،ول44و انتق44ل إلى الحنج44رة لم44ات ص44احبه ،واهلل س44بحانه ال يق44ول إال الح44ق ،ففي ه44ذا
دلي 44ل على أن التكلم بالمج 44از على جه 44ة المبالغ 44ة فه 44و ح 44ق إذا فهم المخ 44اطب عن 44ك ،وه 44ذا
امهُ "( ،)3أي مثله كمثل من يريد أن يفعل الفعل ويهم به، َن َي ْنقَ َّ
ض َفأَقَ َ كقوله تعالىُ " :ي ِر ُ
يد أ ْ
فهو من مجاز التش4بيه ،وك44ذلك ه44ؤالء مثلهم فيم4ا بلغهم من الخ44وف والوه4ل وض4يق الص4در
كمثل المنخلع قلبه من موضعه ،وقي4ل ه44و على ح4ذف المض4اف .تق4ديره بل4غ وجي44ف القل4وب
وب لَ َدى اْل َحَن ِ ِ
اج ِر "( ،)4فال معنى لحمله على المج44از ،ألن44ه في الحناجر ،وأما قولهِ " :إذ اْل ُقلُ ُ
121
صفة هول القيام44ة ،واألم4ر في4ه أش4د مم44ا تق44دم ،ال س4يما وق4د ق4ال في أخ44رى " :اَل َي ْرتَ4ُّ 4د ِإلَْي ِه ْم
اء "( ،)1أي ق44د ف44ارق القلب الف44ؤاد وبقي فارغ44ا ه44واء ،وفي ه44ذا دلي44ل ِ
ط4ْ 4رفُهُ ْم َوأَ ْفئ4َ 4دتُهُ ْم َه4َ 4و ٌ
َ
على أن القلب غ4ير الف4ؤاد ،ك4أن الف4ؤاد ه4و غالف القلب ،ويؤي4ده ق4ول الن4بي ص4لى اهلل علي4ه
4وبهُ ْم ِ ِ ِ
وسلم في أهل اليمن(( :ألين قلوب44ا ،وأرق أفئ44دة))( ) ،م44ع قول44ه تع44الى ":فَ َوْيٌ 4ل لْلقاسَ4ية ُقلُُ 4
2
وفي موض44ع آخ44ر ،نج44د الس44هيلي يطل44ق مص44طلح المش44اكلة عن44د ق44ول رس44ول اهلل ص44لى اهلل
علي4ه وس4لم" :أم4رت أن أبش4ر خديج4ة ب4بيت من قص4ب ،ال ص4خب في4ه وال نص4ب"( ،)6حيث
فس44ر ه44ذا الح44ديث بن44اء على المش44اكلة تفس44يرا ب44ديعا ،يح44اول أن يط44ابق في44ه بين الج44زاء في
اآلخ44رة الم4ترتب على العم44ل الص4الح في ال4دنيا ،حيث يك44ون الج4زاء من جنس العم44ل .يق44ول
الس44 4هيلي{( :ولقول44 4ه" :ب44 4بيت" ،ولم يق44 4ل :بقص44 4ر ،مع44 4نى الئ44 4ق بص44 4ورة الح44 4ال ،وذل44 4ك أنه44 4ا
ك 44انت( )7رب 44ة بيت إس 44الم ،لم يكن على األرض بيت إس 44الم إال بيته 44ا حين آمنت ،وأيض 44ا،
فإنها أول من بنى بيتا في اإلسالم بتزويجها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،ورغبتها فيه،
وجزاء الفعل يذكر بلفظ الفعل ،وإ ن كان أشرف منه ،لما ج4اء" :من كس4ا مس4لما على ع4ري
كس44اه اهلل من حل44ل الجن44ة ،ومن س44قى مس44لما على ظم44إ س44قاه اهلل من الرحي44ق ( ،)8ومن ه44ذا
الب44اب قول44ه علي44ه الس44الم" :من ب44نى هلل مس44جدا ب44نى اهلل ل44ه مثل44ه في الجن44ة"( .....،)9فق44دقابل
البني44ان بالبني44ان ،أي كم44ا ب44نى يب44نى ل44ه ،كم44ا قاب44ل الكس44وة بالكس44وة ،والس44قيا بالس44قيا ،فه44ا هن44ا
- 1سورة إبراهيم .اآلية.45 :
- 2صحيح مسلم .كتاب اإليمان .باب تفاضل أهل اإليمان فيه .رقم .188 :مج .2 :ص.113 :
- 3سورة الزمر .اآلية.21 :
- 4لسان العرب مج 8:ص.264:
- 5الروض األنف .ج .6 :ص.339 – 338 :
هَّللا اَل ُ َ
ُون أنْ ُي َبـ ِّدلوا َك َم ِ " .رقم الحــديث 7497 :ج:
- 6فتح الباري شرح صحيح البخاري .كتاب التوحيد .باب قول هللا تعــالى " :ي ُِريـد َ
.13ص.575 :
- 7يعني خديجة وهي ":خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية األسدية ،زوج النبي صلى هللا عليه و سلم ،وأول
من صدقت ببعثته مطلقا.... ،وكان سبب رغبتها فيه ما حكاه لها غالمها ميسرة مما شاهده من عالمات النبوة قبل البعثة ،ومما سمعته
من بحيرا الراهب في حقــه لمــا ســافر معــه ميســرة في تجــارة خديجــة ،وولــدت من رسـول هللا صــلى هللا عليــه و ســلم أوالده كلهم إال
إبراهيم" .اإلصابة في تمييز الصحابة ألحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالني ,ج 7 :ص.600 :
122
وقت المماثلة ،ال في ذات المب44ني أو المكس44و ،وإ ذا ثبت ه44ذا ،فمن ه4ا هن4ا اقتض4ت الفص4احة
أن يعبر لها عما بشرت به بلفظ البيت ،وإ ن كان فيه ما ال عين رأت44ه ،وال أذن س44معته ،وال
خط 44ر على قلب بش 44ر ،ومن تس 44مية الج 44زاء على الفع 44ل بالفع 44ل في عكس م 44ا ذكرن 44اه ،قول 44ه
تعالىَ " :ن ُسوا اللَّهَ فََن ِسَيهُ ْم "( ،)1و " َو َم َك ُروا َو َم َك َر اللَّهُ " (.)3())2
ويت44ابع الس44هيلي كالم44ه في توض44يح المش44اكلة في بقي44ة ألف44اظ الح44ديث النب44وي ،فيق44ول{( :وأم44ا
قوله" :ال صخب فيه وال نصب" ،فإنه أيضا من باب ما كنا بسبيله ،ألنه عليه السالم دعاها
إلى اإليم44ان فأجابت44ه عف44وا ،لم تحوج44ه إلى أن يص44خب كم44ا يص44خب البع44ل إذا تعص44ت علي44ه
حليلته ،وال أن ينصب ،بل أزالت عنه كل نصب ،وآنسته من كل وحشة ،وهونت عليه كل
مكروه ،وأراحته بمالها من كل كد ونصب ،فوصف منزلها الذي بشرت به بالصفة المقابلة
لفعالها وصورته}((.)4
ونافلة الق66ول :إن الس44هيلي ب44ذل جه44دا لغوي44ا ونحوي44ا وبالغي44ا خالل ش44رحه لنص44وص س44يرة
ابن هش44ام وه44و الش44يء الجدي44د ال44ذي جع44ل جمل44ة من العلم44اء ينوه44ون ب44ه وبكتاب44ه "ال44روض
األن44 4ف" فال غ44 4رو إذن أن يص44 4فه ابن دحي44 4ة "بالمذهبي44 4ة " وأن يص44 4فه القفطي بأن44 4ه دال على
(فضل السهيلي ونبله وعظمته وسعة علمه)وأن ينعته الذهبي بأن4ه في روض4ه "أج4اد وأف4اد "
ويشهد ابن كثير بأنه ذكر في "الروض"" نكتا حسنة على السيرة لم يسبق إلى شيء منها أو
إلى أكثرها " وأن ينعت الصفدي "الروض " بأنه (كتاب جليل جود فيه السهيلي ما شاء ".
وعموما :
- 1ففي "ال44روض" ذخ44يرة علمي44ة ،وأدبي44ة ،وبالغي44ة ،ال يس44تهان به44ا ،فهي ك44نز من كن44وز
ال 44 4تراث الع 44 4ربي اإلس 44 4المي ،أب 44 4ان في 44 4ه ص 44 4احبه عن م 44 4دى قدرت 44 4ه على اس 44 4تخراج اللفت 44 4ات
123
الجمالية ،واالستمتاع بها بعد تأملها ،مما يسهم في تربية الحاسة الفني44ة عن44د الب4احث ،نتلمس
هذا من خالل ما عرضه السهيلي في سورة المسد ،حيث فرق فيه44ا بين الجي44د والعن44ق ،ألن
األول للحلي ،والث 44 4اني لألغالل ،ق 44 4ال{( :في جي 44 4دها ،ولم يق 44 4ل :في عنقه 44 4ا ،والمع 44 4روف أن
َغالاًل "(،)1 َعن ِ
4اق ِه ْم أ ْ صْ 4فع ،كم4ا ق4ال تع4الىِ " :إَّنا َج َعْلن4ا ِفي أ ْ
الغ4ل ،أو ال َّ
ُي4ذكر العن4ق إذا ُذك4ر ُ
ويذكر الجيد إذا ُذكر الحلي أو الحسن ،فإنما َح ُسن هاهنا ذكر الجيد في حكم البالغ44ة ،ألنه44ا
ام44رأة ،والنس44اء تحلي أجي44ادهن ،وأم جمي44ل ال حلي له44ا في اآلخ44رة إال الحب44ل المجع44ول في
عنقها ،فلما أقيم لها ذلك مقام الحلي ذكر الجيد معه ،فتأمله؛ فإنه معنى لطيف.)2()}.
- 3السهيلي من المتش44وفين المتش44وقين إلى البحث عن األس44رار الكامن44ة وراء األلف44اظ ،فعن44د
قول44 4ه تع44 4الى " :ي44 4ا أَُّيهَ44 4ا اْل ُم4َّ 4 4دثُِّر "( ،)3يق44 4ول في كتاب44 4ه ال44 4روض" :ق44 4ال بعض أه44 4ل العلم في
تسميته إياه بالمدثر ،في هذا المقام مالطفة وتأنيس ،ومن عادة الع44رب إذا قص44دت المالطف44ة
أن تسمي المخاطب باسم مشتق من الحالة التي هو فيها ،كقول44ه علي44ه الس44الم لحذيف44ة" :قم ي44ا
نوم44ان" ،وقول44ه لعلي بن أبي ط44الب -وق44د ت44رب جنب44ه" :-قم أب44ا ت44راب" ،فل44و ن44اداه س44بحانه،
وهو في تلك الحال من الكرب باسمه أو باألمر المجرد من هذه المالطف44ة لهال44ه ذل44ك ،ولكن
لما بدئ بـ " يا أَُّيهَا اْل ُم َّدثُِّر " أنس وعلم أن ربه راض عنه.)4("...
124
نصوصه .تصورا هاما عما قد يك44ون ض44ائعا من س44يرة ابن إس44حاق .كم44ا أثبت " ال44روض
عملي4ا الص4لة المسيس4ة بين العل4وم اإلنس4انية والعل4وم الديني4ة ،واس4تحالة تهميش وش4ائجهما ،
وتلك خاصية بارزة في المنظومة الفكرية التراثية اإلسالمية
والواق 44ع أن ه 44ذه الخص 44ائص الفري 44دة هي ال 44تي ب 44وأت "ال 44روض" مكان 44ة فري 44دة بين األص 44ول
الس44يرية إذ ال يك44اد يخل44و مص44در أو مرج44ع أعقب44ه في موض44عه من اعتم44اده واإلحال44ة علي44ه
,وقد عاش مؤلفه نشوة هذا االرتقاء ,إذ كان "الروض" أح4َ 4د مس44موعا ت44ه المتم44يزة في مالق44ة
ثم مراكش.
ورغم أن محققي س 44 4 4 4 4 4يرة ابن هش44 4 4 4 4 4ام لم يقف 44 4 4 4 4 4وا للس44 4 4 4 4 4هيلي إال على" ال44 4 4 4 4 4روض "ف44 4 4 4 4 4إنهم
يقول44ون ":بحس44ب الس44هيلي ه44ذا الكت44اب فق44د دل في44ه على إلم44ام واس44ع ,واطالع غزي44ر بمن44اح
مختلف 44ة وتمكن من أل 44وان كث 44يرة من العل 44وم فك 44ان في 44ه الم 44ؤرخ واللغ 44وي واألديب والنح 44وي
واإلخباري والعالم بالقراءات "
وق44د عل44ق ال44دكتور محم44د يس44ف حفظ44ه اهلل على ال44روض بتعلي44ق طري44ف ودقي44ق فق44ال ":لع44ل
"ال 44روض األن 44ف "ه 44و ال 44ذي من خالل 44ه تع 44رف جمه 44ور علم 44اء المش 44رق على رس 44وخ اإلم 44ام
الس44هيلي وإ مامت44ه في العل44وم اإلس44المية عام44ة فأحلّـوه المكان44ة الالئق44ة ب44ه من العناي44ة والتق44دير
بما وضعوه عليه من حواش ومختصرات وتعليقات ومناقشات فكان له ذلك الموقع الممت44از
بين الدواوين الكبرى التي إليها في هذا الشأن المآل وعليها فيه المدار واالتكال ".1
فق 44د ح 44ول الم 44ادة الس 44يرية إلى حق 44ل غ 44ني بالمع 44ارف التاريخي 44ة ,واألدبي 44ة,والفقهي 44ة ,يحكمه 44ا
اإليج444از العلمي ,ويطبعه444ا االجته 44اد الطري444ف ,وبعب444ارة الس 44هيلي يق 44ول ":تحص 44ل في ه 44ذا
الكت 44اب من فوائ 44د العل 44وم واآلداب ،وأس 44ماء الرج 44ال واألنس 44اب ،ومن الفق 44ه الب 44اطن اللب 44اب،
وتعلي44ل النح44و ،وص44نعة اإلع44راب ،م44ا ه44و مس44تخرج من ني44ف على مائ44ة وعش44رين ديوان44ا ،
س 44وى م 44ا أنتج 44ه ص 44دري ،ونفح 44ه فك 44ري .ونتج 44ه نظ 44ري ،ولُقنت 44ه عن مش 44يختي ،من نكت
1المصنفا ت المغربية في السيرة المغربية محمد يسف ج 1ص230
125
علمي44 4ة لم أس44 4بق إليه44 4ا ،ولم أزحم عليه44 4ا ،ك44 4ل ذل44 4ك بيمن اهلل ،وبرك44 4ة ه44 4ذا األم44 4ر المح44 4يي
لخ44واطر الط44البين والموق44ظ لهمم المسترش44دين ،والمح44رك للقل44وب الغافل44ة إلى االطالع على
1
معالم الدين "
126
بسم اهلل الرحمن الرحيم
127
بسم هللا الرحمن الرحيم
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تس ليما ً
كثيراً إلى يوم الدين.
مقاصد الشريعة وسؤال التجديد
أما بعد:
فإن علم المقاصد الشرعية من أجل العلوم وأنفعها ،إذ به يتضح عدل الش ريعة وس ماحتها
وحكمته ا في تش ريعها الع ام والخ اص ،وأنه ا من عن د هللا العليم الخب ير خ الق اإلنس ان،
وضع فيها من المصالح والفوائد ما يصلح أحوال الناس في ك ل زم ان ومك ان ،مم ا جع ل
هذه الشريعة راسخة صامدة ثابتة شامخة على مر العصور ,بما حوت ه من الخ ير واله دى
والنور والبيان.
ولقد كانت مقاصد الشريعة وال تزال فنا من فنون الشريعة اإلس المية ,وعلم ا من علومه ا
التي حظيت باهتمام بالغ وعناية فائقة ,سواء على مس توى الت أليف والت دوين والتأص يل,
أو على مستوى التطبيق ,والسيما في العصور الفقهية المتأخرة.
وقد نشأت المقاصد الشرعية مع نشأة األحكام الشرعية ,أي أن المقاصد كانت ب دايتها م ع
بداية نزول ال وحي الك ريم على رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم ,فق د ك انت مبثوث ة في
نصوص الكتاب والسنة.
ومن أوضح األدلة على أن المقاصد الشرعية بدأت مع نزول الوحي الكريم ما يلي:
-البعثة النبوية نفسها والتي عللت بكونها رحم ًة وخ يرا وص الحا للن اس أجمعين, )1
فقد قال هللا تعالى في بعثة الرسول صلى هللا عليه وس لم( :وم ا أرس لناك إال رحم ة
1
للعالمين )
-القرآن الكريم ذاته ,والذي كان مقصده الشرعي يتمثل في هداي ة الن اس أجمعين، )2
2
قال تعالى ( :إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)
-الوحي كله من كتاب وس نة وال ذي ك ان مقص ده إحي اء النف وس في ال دنيا ب أداء )3
واجب االمتثال ,وإحياؤها في اآلخ رة ب الفوز بالجن ة ،ق ال تع الى (:ي ا أيه ا ال ذين
3
آمنوا استجيبوا هلل وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)
128
وفي عه د الص حابة والت ابعين ك انوا يس تعملون القي اس وال رأي كم ا ق ال اإلم ام أحم د:
"الصحابة كانوا يحتجون في عام ة مس ائلهم بالنص وص كم ا ه و مش هور عنهم ,وك انوا
يجته دون رأيهم ويتكلم ون ب الرأي ويحتج ون بالقي اس " 1ويستش هد اإلم ام أحم د بجم ع
القرآن ,وبتقسيم الغنائم ,والطالق بالثالث ,وتضمين الصناع ,واالجتماع لص الة ال تراويح,
وعدم إقامة حد السرقة عام المجاعة ,وقتل الجماعة بالواح د ,وت دوين ال دواوين ,ووض ع
السجالت ,وغير ذلك.
وهكذا تتابع االهتمام بفن المقاصد في عهد التابعين وفي كل عصر وحين ،والغاية هي فهم
الدين كما جاء عن رب العالمين ،ويوضح لن ا الط اهر بن عاش ور أن أفع ال الش ارع ال ذي
هو هللا سبحانه وتع الى منزه ة عن العبث ،دل على ذل ك ص نعه في ه ذا الك ون مستش هدا
ت َواأْل َ ْر َ
ض َو َم ا َب ْي َن ُه َم ا اَل ع ِِبينَ َم ا َخ َل ْق َنا ُه َم ا إِاَّل (و َم ا َخ َل ْق َن ا َّ
الس َم َاوا ِ بقول ه ع ز وج لَ :
ِبا ْل َح ِّق) .2وقوله تعالى( :أَ َف َحسِ ْب ُت ْم أَ َّن َما َخ َل ْق َنا ُك ْم َع َب ًثا وأنكم إلينا ال ترجعون ) ،3كم ا بين أن
الفقيه في حاجة إلى معرفة مقاصد الشريعة في خمسة أنحاء:
-1النظر في أقوال الشريعة ونصوصها.
- 2ت ْبيين وجوه التعارض الظاهري بين نصوص الشريعة.
- 3البحث عن علل األحكام.
- 4إيجاد الحكم غير المنصوص عليه.
4
- 5التقليل من األحكام التع ّبدية .
مقرا في الوقت ذاته أن العلماء متفاوتون في فهم مقاصد الشريعة بق در ازدي اد حظهم من
العلوم الشرعية ،فمن حق الفقيه أن يجتهد في النص إن ظهر له وهم عسى أن يظف ر بم ا
يزيل ذلك الوهم ،ومثل له بـ" :النهي عن غسل الش هيد في الجه اد" ,5وق ول رس ول هللا -
صلى هللا عليه وسلم -في الشهيد" :إنه ُيبعث يوم القيام ة ودم ه يثعب ،6الل ون ل ون ال دم
وال ريح ريح المس ك" 7فيت وهّم كث ير من الن اس أن ع ّل ة ت رك غس له هي بق اء دم ه في
جروحه يبعث بها يوم القيامة .وليس كذلك ،ألن ه ل و غس ل جهالً أو نس يانا ً أو عم داً لم ا
1أبحاث في مقاصد الشريعة لنور الدين مختارالخادمي .مؤسسة المعارف للطباعة والنشر ص21
2سورة الدخان اآلية 38و39
3سورة المومنون اآلية115
4مقاصد الشريعة للطاهر بن عاشور تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة .الناشر وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية قطر سنة 2004م .ج 2 :ص:
152
5مقاصد الشريعة ج 3ص 173وينظر شرح الزرقاني على الموطأ باب العمل في غسل الشهيد مج 3ص35
6ثعب الماء والدم ونحوهما يثعبه ثعبا :فجره ،فانثعب كما ينثعب الدم من األنف .قال الليث :ومنه اشتق مثعب المطر .وفي الحديث:
يجيء الشهيد يوم القيامة ،وجرحه يثعبـ دما أي يجري .ومنه حديث عمر ،رضي هللا عنه :صلى وجرحه يثعبـ دما لسان العرب ج1 :ص236 :
دار صادر – بيروت الطبعة :الثالثة 1414 -هـ.
7تحفة األحوذي بشرح جامع الترميذي دار الحديث القاهرة .الطبعة األولى سنة 2001مجلد 5ص 44رقم الحديث 1657
129
ب ش هادة ل ه بين أه ل المحش ر .ولكن بطلت تلك المزية ،ولجعل هللا له في جرح ه دم ا ً َي ْث َع ُ
ع ّلة النهي هي أن الناس في ش غل عن التف ّرغ إلى غس ل م وتى الجه اد .فل ّم ا علم هللا م ا
الصف -حين إص ابتهم ب الجراح من بق اء ج راحتهم ،ومن ّ يحصل من انكسار خواطر أهل
عوض هم هللا تل ك المزي ة دفنهم على تل ك الحال ة ،وعلم انكس ار خ واطر أهليهم وذويهم ّ -
الجليلة .فالسبب في الحقيقة معكوس ،أي السبب هو المس ّبب والمس ّبب هو السبب.
كما تعرض ابن عاشور ألسباب انحطاط الفقه وتخلف ه فع د منه ا إهم ال النظ ر في مقاص د
ير للفقه اء ومع واًل لنقض أحك ام
الشريعة ،قال" :كان إهمال المقاص د س ب ًبا في جم و ٍد كب ٍ
1
نافعة"
كما اعتبره ابن القيم رحمه هللا بأن ه الفق ه الحي ال ذي ي دخل على القل وب بغ ير اس تئذان،
ففي فصل له في كاتبه الماتع" :إعالم الموقعين عن رب الع المين" بعن وان :اعتب ار الني ة
ض ى فِي ا ْم َرأَ ٍة َق ا َل ْت ب َق َ ِيع أَنَّ ُع َم َر ْبنَ ا ْل َخ َّطا ِ ف َوك ٍ ص َّن ِ "وفِي ُم َ واأللفاظ في الطالق يقولَ :
س ِّمنِي س ِّم َيك؟ َق ا َل ْتَ : س َّماهَا ال َّط ِّي َب َةَ ،ف َقا َل ْت :اَل َ ،ف َقال َ َل َهاَ :م ا ُت ِري دِينَ أَنْ أ ُ َ س ِّمنِي َف َل َِز ْو ِج َها َ
ت َخلِ َّي ُة َط ال ٍِق َف أ َ َت ْت ُع َم َر ْبنَ ا ْل َخ َّطابَِ ،ف َق ا َل ْت :إنَّ َز ْو ِجي َطلَّ َقنِي، َخلِ َّي َة َطال ٍِق َف َقال َ َل َهاَ :فأ َ ْن ِ
س َهاَ ،و َق ال َ ل َِز ْو ِج َه ا ُخ ْذ ِب َي ِدهَا َوأَ ْو ِج ْع ِص َةَ ،ف أ َ ْو َج َع ُع َم ُر َر ْأ َ
ص َع َل ْي ِه ا ْلق َّ اء َز ْو ُج َها َف َق َّ
َف َج َ
ان".2 اس ِت ْئ َذ ٍ س َهاَ ،و َه َذا ه َُو ا ْلفِ ْق ُه ا ْل َح ُّي الَّذِي َيدْ ُخل ُ َع َلى ا ْلقُلُو ِ
ب ِب َغ ْي ِر ْ َر ْأ َ
ومن هنا فإن إحياء فقه المقاصد هو عمل ضروري لتجدي د الفق ه وتقوي ة دوره ومكانت ه،
يق ول عالل الفاس ي" :وإن في ثل ة الفقه اء المج ددين على قلتهم ض ما ًنا للس ير بالفق ه
اإلس المي إلى ش اطئ النج اة ح تى يص بح مرتب ًط ا بمقاص د الش ريعة وأدلته ا ،ومتمتع ا
3
بالتطبيق في محاكم المسلمين وبلدانهم"
ولقد استشعر المسلمون منذ وقت مبكر أهمية العلم بمقاصد الشريعة فوجهوا إليه ا عناي ة
علمية فائقة واهتموا بها أيما اهتمام وإننا لنحسب أن اهتمامهم ب ذلك لم يكن ل ه نظ ير في
أي قانون وضعي أو شريعة إسالمية ،علما أن الشريعة كم ا يق ول العالم ة الش يخ يوس ف
القرضاوي "إنما جاءت برعاية مص الح البش ر المادي ة والمعنوي ة والفردي ة واالجتماعي ة
رعاية قائمة على العدل والتوازن بال طغيان وال إخسار وهذه الرعاية تشمل المصالح.4
4االجتهاد في الشريعة اإلسالمية مع نظرات تحليلية في االجتهاد المعاصر للشيخ يوسف القرضاوي ص 43 :دار القلم الكويت
الطبعة الثانية .1989
130
يقول ابن القيم رحمه هللا تعالى" :إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العب اد
في المعاش والمعاد ،وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكم ة كله ا فك ل مس ألة
خرجت عن العدل إلى الج ور وعن الرحم ة إلى ض دها وعن المص لحة إلى المفس دة وعن
الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن دخلت بالتأويل".1
وبناء على هذا فإننا بحاجة ماسة إلى ط رق ب اب التجدي د في مقاص د الش ريعة اإلس المية
إليجاد الحلول للمشكالت القائمة في إطار مراعاة المصالح العامة لألم ة وفي دائ رة التقي د
بالضوابط الفقهية المعتبرة التي تحدد في مجال المصلحة يق ول اإلم ام الش اطبي في كتاب ه
ِيث َو ِع ْل ًما َما َت َكلَّ َم فِي َها َواَل َح َّد َث ِب َه ا، الموافقاتَ ":و َقدْ أَ ْخ َب َر َمالِ ٌك َعنْ َن ْفسِ ِه أَنَّ عِ ْندَ هُ أَ َحاد َ
س َت ْح َت ُه َع َملٌَ ،وأ ُ ْخ ِب َر َع َّمنْ َت َق َّد َم ُه أَ َّن ُه ْم َكا ُنوا َي ْك َر ُه ونَ َذلِ َكَ ،ف َت َن َّب ْه
َو َكانَ َي ْك َرهُ ا ْل َكاَل َم فِي َما َل ْي َ
ض ِاب ُط ُه أنك تعرض مسألتك على الشريعة ،ف إن ص حت في ميزانه ا ،ف انظر لِ َه َذا ا ْل َم ْع َنىَ .و َ
في مآلها بالنسبة إلى حال الزم ان وأهل ه ،ف إن لم ي ؤد ذكره ا إلى مفس دة ،فاعرض ها في
ذهنك على العقول ،ف إن قبلته ا ،فل ك أن تتكلم فيه ا إم ا على العم وم إن ك انت مم ا تقبله ا
العق ول على العم وم ،وإم ا على الخص وص إن ك انت غ ير الئق ة ب العموم ،وإن لم يكن
2.
لمسألتك هذا المساغ ،فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية
التجديد في الفكر اإلسالمي قديم جديد
هذا العمل قديم ألنه عمل ق ام ب ه الق دامى من العلم اء والمفك رين في حي اتهم ,وجدي د ألن
أرباب القلم والثقافة قد تصدوا له تحقيقا للمسايرة والمواكب ة ,وتفعيال ألفك ارهم ومن اهج
ثقافتهم.
وبما أن التجديد أمر واقع في مجاالت الحي اة المختلف ة ,س واء م ا ك ان متص ال بالمج االت
العامة لعموم الناس, ,أو ما كان متصال ببعض المجاالت الخاصة التي ال يباشرها إال بعض
األفراد أو بعض الفئات .
فإذا كان األمر كذلك ف إن التجدي د ينبغي أن يك ون مدروس ا في ض وء المقاص د الش رعية,
عامة كانت أو خاصة ,كلية كانت أو جزئية.
وعليه ف إن مع اني التجدي د تتعل ق بالتح ديث واالجته اد في األم ور العظيم ة ال تي ال عه د
لإلنسان بها.
1إعالم الموقعين عن رب العالمين البن القيم ج3 :ص 3 :مطبعة النهضة الجديدة القاهرة.
: 2الموافقات :للشاطبي تحقيق :أبو عبيدة مشهورـ بن حسن آل سلمان الناشر :دار ابن عفان الطبعة :الطبعة األولى 1997م ج 5ص-171 :
.172
131
ويمكن أن نعتبر أن المجدد محظوظ بشرف التصدي إليجاد الحلول للنوازل والحوادث ،قال
تعالى ":وما يلقاها إال الذين صبروا وما يلقاها إال ذو حظ عظيم ".1
والمراد بتجديد الدين :تقديم ال دين اإلس المي كم ا أنزل ه هللا ,وإرج اع الفهم والتط بيق إلى
األصول والمصادر الشرعية المعت برة .وال ينبغي أن نفهم أن تجدي د ال دين اس تبدال ال دين
بدين آخر أو تغيير بعض األحكام القطعية الثابتة.
فالتجديد أمر علمي وشرعي له مدلوله ومضمونه وضوابطه ومجاالته ورجاالته .وقد دلت
عليه جملة من النصوص منها :
قوله صلى هللا عليه وسلم ":إن هللا يبعث لهذه األمة على رأس كل مائ ة س نة -1
من يجدد لها دينها " 2وق د ت والى العلم اء والش راح على بي ان الم راد بتجدي د
الدين ,قال ابن كثير" :قد ادعى ك ل ق وم في إم امهم أن ه الم راد به ذا الح ديث
والظاهر أنه يعم جملة من العلماء من كل طائفة وكل صنف من مفسر ومح دث
3
وفقيه ونحوي ولغوي وغيرهم "
قوله صلى هللا عليه وسلم ":جددوا إيم انكم ,قي ل :ي ا رس ول هللا :وكي ف نج دد -2
إيماننا :قال أكثروا من ق ول ال إل ه إال هللا " 4ق ال المن اوي في فيض الق دير ":
فإن المداومة عليها تجدد اإليمان في القلب وتمأله نورا وتزيده يقين ا وتفتح ل ه
5
أسرارا يدركها أهل البصائر وال ينكرها إال كل ملحد جائر"
لقد كان قول الن بي ص لى هللا علي ه وس لم "يبعث هللا له ذه األم ة ".....إي ذانا ب أن مقص د
التجديد في الفكر اإلسالمي حاجة تحتمها طبيعة هذا الدين وتفرضها الخصائص التي خص
هللا بها هذه الشريعة.
فالتجديد يعني إعادة الدين بنصوصه وقواع ده ومن اهج الفهم واالس تنباط في ه إلى حالت ه
األولى التي أنزله هللا عليها وإزالة كل ما تراكم عليه من سمات ومظ اهر طمس ت ج وهره
وشوهت حقيقته .
2سنن أبي داود ألبي داود سليمان بن األشعثـ بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو األزدي ال ِّس ِجسْ تاني تحقيقَ :
شعيب األرنؤوط -
محمَّد كا ِمل قره بللي دار الرسالة العالمية الطبعة :األولى 1430 ،هـ 2009 -م ج 6 :ص349 :
َ
3فيض القدير شرح الجامع الصغير لزين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم
المناوي القاهري الناشر :المكتبة التجارية الكبرى – مصر الطبعة :األولى1356 ،هـ ج 2ص281
4المستدرك على الصحيحين للحاكم تحقيق :مصطفى عبد القادر عطا الناشر :دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة :األولى1990 ،م
ج 4ص285
132
ومن أجل هذا قام علماء اإلسالم بتقعيد القواع د وتأص يل األص ول ووض ع الض وابط ال تي
تعصم المسلمين من الزلل واالنحراف سواء في فهم هذا الدين أم في تطبيقه
إذن فالتجديد في الفكر المقاصدي ليس إلغاء أو تحريف ا أو تب ديال ألحك ام الش ريعة ,وإنم ا
هو منهج ونظر منضبط يسعى بموجب ه المجته د لتحري ك النص وص الش رعية بم ا يواف ق
العصور واألمص ار ,وبم ا يواف ق قص د الش ارع فيم ش رع للدالل ة على مرون ة وص الحية
الرسالة الخاتمة لكل زمان ومكان .
فإذا عرفنا من أين ينطلق التجديد وأين يقف ال يمكن لمن ش اء أن يق ول م ا ش اء ب دعوى
التجديد الذي ال يمكن تناوله بمعزل عن الفكر المقاصدي والعلل التي جاءت رسالة اإلسالم
بها وألجلها .
وختاما فإننا نعتمد في دعوتنا إلى التجديد في مقاصد الشريعة اإلسالمية ,المنهج الوس طي
الذي يجمع بين التمسك بالثوابت واالنفتاح على العصر وفهم متغيراته والسعي نحو إيج اد
حلول حكيمة ومعالجات رشيدة للقضايا والمشاكل ال تي تع اني منه ا األم ة اإلس المية دون
إفراط أو تفريط ,هذه الوسطية تعد كفيلة بتحقيق خلود هذه الش ريعة ودوامه ا ,وص الحها
لكل زمان ومكان ,ولكل جيل ورعيل ,ق ال تع الى ":وك ذلك جعلن اكم أم ة وس طا لتكون وا
1
شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا "
أقول ق ولي ه ذا وأس تغفر هللا لي ولكم ولس ائر المس لمين وآخ ر دعوان ا أن الحم د هلل رب
العالمين.
133
-2أبحاث في مقاصد الشريعة لنور الدين مختار الخادمي .مؤسسة المعارف للطباع ة
والنشر
-3مقاصد الش ريعة للط اهر بن عاش ور تحقي ق محم د الح بيب بن الخوج ة .الناش ر
وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية قطر سنة 2004م
-4لسان العرب :دار صادر – بيروت الطبعة :الثالثة 1414 -هـ.
-5تحفة األحوذي بش رح ج امع الترم ذي دار الح ديث الق اهرة .الطبع ة األولى س نة
2001
-6إعالم الموقعين عن رب العالمين لمحمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين
ابن قيم الجوزية تحقيق :محمد عبد السالم إبراهيم ،دار الكتب العلمي ة – ي يروت الطبع ة:
األولى1411 ،هـ 1991 -م
-7نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي ألحم د الريس وني الناش ر :ال دار العالمي ة للكت اب
اإلسالمي الطبعة :الثانية – 1412هـ 1992 -م
-8االجتهاد في الشريعة اإلسالمية مع نظ رات تحليلي ة في االجته اد المعاص ر للش يخ
يوسف القرضاوي:دار القلم الكويت الطبعة الثانية 1989
-9الموافقات :للشاطبي تحقيق :أبو عبيدة مش هور بن حس ن آل س لمان الناش ر :دار ابن
عفان :الطبعة األولى 1997م
10ـ س نن أبي داود ألبي داود س ليمان بن األش عث بن إس حاق بن بش ير بن ش داد بن
مح َّمد كا ِم ل ق ره بللي دار الرس الة
الس ِج ْستاني تحقي ق :ش َعيب األرن ؤوط َ -
عمرو األزدي ِّ
العالمية الطبعة :األولى 1430 ،هـ 2009 -م
-11فيض القدير شرح الجامع الصغير لزين ال دين محم د الم دعو بعب د ال رؤوف بن ت اج
العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري الناشر :المكتب ة التجاري ة
الكبرى – مصر الطبعة :األولى 1356هـ
-12المستدرك على الصحيحين للحاكم تحقيق :مصطفى عبد القادر عطا الناشر :دار
الكتب العلمية – بيروت الطبعة :األولى1990 ،م
134
بسم اهلل الرحمن الرحيم
135
بسم اهلل الرحمن الرحيم
ال يخفى على الدارس المستنير ما للسنة النبوية من أهمية في بلورة ش44ريعة اإلس44الم
ح44تى إن الح44ق س44بحانه جع44ل االس44تجابة له44ا ومعه44ا الق44رآن س44بب للحي44اة الحق44ة لعام44ة
َ
جيبُواـ لِل َّ ِ
ه ســت َ ِ من ُــوا ٱ ْ ين ءَا َ
ذ َ هــا ٱل َّ ِ المس44 4 4 4 4لمين .ق44 4 4 4 4ال تع44 4 4 4 4الى(" :يَٰٓأي ُّ َ
َ
ُ
ــول ح ن ٱ لل َّ َ
ه يَ ُ وا أ َّ وٱعْل َ ُ
م ٓ مۖ َحيِيك ُ ْـ ما ي ُ ْ م لِ َ ول إِذَا دَعَاك ُ ْ س ِ لر ُول ِ َّ َ
ون)"( .)1كم44 4ا أن الرس44 4ول ص44 4لى قلْبهۦ َ
ش ُر َ ح َ ه تُ ْ هۥٓ إِلَي ْ ِوأن َّ ُ و َ ِ ِ َ ء َ م ْر ِن ٱل ْ َ بَي ْ َ
اهلل عليه وسلم جعل التمسك بالسنة سببا للهداية الدائمة حين قال" :تركت فيكم م66ا إن
تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب اهلل وسنتي"( .)2وال44ذي جع44ل الس44نة تتب44وأ ه44ذه
المكان 44ة ه 44و أنه 44ا تش 44ترك م 44ع الق 44رآن الك 44ريم في كونه 44ا وحي 44ا من عن 44د اهلل إلى نبي 44ه
صلى اهلل عليه وسلم.
الس66نة لغ66ة :الس44نة لغ44ة هي الطريق44ة المعت44ادة ،محم44ودة ك44انت أو مذموم44ة ،يش44هد له44ذا قول44ه
ص444لى اهلل علي444ه وس444لم" :من س66ن س 66نة حس 66نة فل 66ه أجره66ا وأج 66ر من عم 66ل به 66ا إلى ي 66وم
136
القيام66ة ،ومن س66ن س66نة 6س66يئة 6فل66ه وزره66ا ووزر من عم66ل به66ا إلى ي66وم القيامة"( .)1وفي
لسان العرب( :السنة :السيرة حسنة كانت أو قبيحة)(.)2
في االصطالح :فقد اختلفت آراء الفقه4اء والمح4دثين واألص4وليين 4في تع4ريفهم للس4نة .فالس4نة
عن444د الفقه444اء هي( :م 66ا يث 66اب على فعل 66ه وال يع66اقب على تركه)( .)3كص 44الة الفج 44ر والش 44فع
والوثر والصوم التطوعي.
والس44 4نة به44 4ذا المع44 4نى هي حكم من األحك44 4ام الش44 4رعية التكليفي44 4ة الخمس44 4ة ،ويقابله44 4ا ال44 4واجب
والمباح والحرام والمكروه.
وعند المح44دثين تع44ني( :ما أثر عن النبي صلى اهلل علي66ه وس6لم من ق66ول أو فع6ل أو تقري6ر
أو صفة خلقية أو خلقية أو سيرة قبل البعثة أو بعدها) (.)4
وعن44د علم44اء أص44ول الفق44ه :م44ا ص44در عن الن44بي ص44لى اهلل علي44ه وس44لم من ق44ول أو فع44ل أو
تقرير.
وأق 44وال الن 44بي ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم هي م 44ا تح 44دث ب 44ه في مختل 44ف المناس 44بات ،مم 44ا يتعل 44ق
بتش44ريع األحك44ام ،لقول44ه ص44لى اهلل علي44ه وس44لم" :إنمــا األعمــال بالنيات وإ نما لك66ل ام66رئ م66ا
ن 66وى .)5("...وقول44 4ه ص444لى اهلل علي44 4ه وس444لم" :إن اهلل أعطى ك 66ل ذي ح 66ق حق 66ه فال وص 66ية6
لوارث"(.)6
137
وأفعاله صلى اهلل علي4ه وس4لم هي م4ا نقل4ه الص4حابة رض4وان اهلل عنهم من أفعال4ه في ش4ؤون
العب44 4ادة وغيره44 4ا ،كأدائ44 4ه لمختل44 4ف أن44 4واع العب44 4ادات من ص44 4الة وص44 4يام وحج ...بكيفياته44 4ا
الخاص44 4ة ،كم44 4ا ثبت عن44 4ه ص44 4لى اهلل علي44 4ه وس44 4لم أن44 4ه ص44 4لى بأص44 4حابه وق44 4ال" :ص 66لوا كم 66ا
رأيتموني أصلي"( .)1وأدى مناسك الحج وقال لهم" :خذوا عني مناسككم"(.)2
وإ قرارات 44ه ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم هي م 44ا واف 44ق علي 44ه ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم من تص 44رفات
صدرت عن الصحابة الكرام بحضرته مع رؤيته وسماعه ،أو بلوغ ذل44ك لعلم44ه ،ومن أمثل44ة
ذلك أنه عليه الصالة والسالم أكل الضب على مائدته ،فلم يأكل منه فسأله بعض الص4حابة:
أيحرم أكله يا رسول اهلل ؟ فقال" :ال ولكنه لم يكن بأرضي فأجدني أعافه"(.)3
ومن أمثلت44ه أيض44ا م44ا رواه البخ44اري عن ابن عم44ر أن44ه ص44لى اهلل علي44ه وس44لم ق44ال للص44حابة
ي44وم األح44زاب" :ال يص66لين أح66دكم العص66ر إال في ب66ني قريظة" ،ف44أدرك بعض44هم العص44ر في
الطري 44 4ق فق 44 4ال بعض 44 4هم :ال نص 44 4لين ح 44 4تى نأتيه 44 4ا .حيث فهم أن النهي على حقيقت 44 4ه ،ف 44 4أخر
الص44 4الة إلى م44 4ا بع44 4د المغ44 4رب .وق44 4ال بعض44 4هم ب44 4ل نص44 4لي لم ي44 4رد من44 4ا ذل44 4ك ،حيث فهم أن
المقص44ود ب44النهي ه44و الحث على اإلس44راع ،فص44لى العص44ر في وقت44ه .فلم44ا ذك44ر للن44بي ص44لى
اهلل عليه وسلم ما فعله الفريقان أقرهما معا ولم ينكر عليهما تصرفهما وفهمهما.
الس 44نة النبوي 44ة تنقس 44م باعتب 44ار الص 44فة ال 44تي تص 44در به 44ا عن الن 44بي ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم إلى
ثالثة أقسام:
-السنة الصادرة عنه بوصفه فردا من األمة :ويقصد بها ما صدر عنه صلى اهلل عليه
وس44لم بص44فته إنس44انا يعيش وس44ط بيئ44ة يتفاع44ل معه44ا بمواهب44ه وقدرات44ه الخاص44ة ،ويؤي44د ه44ذا
138
6ه َٰو ِحٌ 6د))"( .)1وقول44ه تع44الى: ٰ ٰ
6وح ٰىٓ إِلَ َّى أ ََّن َم ٓا إِلَ ُه ُك ْم إِلٌَ 6 قول44ه تع44الىُ ((" :ق ْل إِ َّن َم ٓا أََنا۠ َب َ
شٌ6ر ِّمثْلُ ُك ْم ُيَ 6
سواًل ))"(.)2 ش ًرا َّر ُ نت إِاَّل َب َ
ان َر ِّبى َه ْل ُك ُ س ْب َح َ
"(( ُق ْل ُ
-السنة الصادرة عنه صلى اهلل عليه وسلم بوصفه 6مشرعا :لما هو خاص به كتهج44ده
ووصاله في الصوم ونكاحه أكثر من أربع ،وهذا القسم من السنة أيض44ا ق44د ثبت اختصاص44ه
به ،فال تكليف فيه على األمة.
ـ أم44ا م44ا ص44در عن44ه بص44فته مش44رعا لألم44ة ك44أن ي44بين مجمال أو يخص44ص عام44ا أو يقي44د
مطلق44ا من الق44رآن الك44ريم أو يش44رع ش44يئا من العب44ادات أو المع44امالت أو يوض44ح اعتق44ادا من
االعتق44ادات ونح44و ذل44ك فه44ذا كل44ه يعت44بر وحي44ا من اهلل تع44الى وتش44ريعا عام44ا لألم44ة إلى ي44وم
القيام44ة .وله44ذا فق44د ك44انت مهم44ة الرس44ول ص44لى اهلل علي44ه وس44لم باإلض44افة إلى تبلي44غ الق44رآن
الك44ريم تبيين44ه وش44رحه وتفس44يره بجمل44ة أقوال44ه وأفعال44ه وتقريرات44ه تنفي44ذا لم44ا أم44ر ب44ه مص44ادقا
ون))"( .)3وقول 44ه ٱلذ ْك َر ِلتَُب ِّي َن ِل َّلن ِ
اس َما ُنِّز َل إِلَ ْي ِه ْم َولَ َعلَّ ُه ْم َيتَفَ َّك ُر َ َنز ْل َنآ إِلَ ْي َك ِّ
لقوله تعالىَ ((" :وأ َ
ٱختَلَفُ 66وا ِفي 6ِ 6ه َو ُه 6ً 6دى َو َر ْح َمً 66ة لِّقَ 6ْ 6وٍمۢ 6ك ٱ ْل ِك ٰتَ َب إِاَّل ِلتَُب ِّي َن لَ ُه ُم ٱلَّ ِذى ْ
َنز ْل َن 66ا َعلَ ْيَ 6
تع44 4الىَ ((" :و َمآ أ َ
ون))"(.)4 ُي ْؤ ِم ُن َ
ك44ل ه44ذا ي44بين أن مهم44ة الرس44ول ص44لى اهلل علي44ه وس44لم مزدوج44ة تجم44ع بين التبلي44غ واإلبان44ة.
قال الط44بري رحم44ه اهلل( :أن مما أنزل اهلل من القرآن على نبيه ص66لى اهلل علي66ه وس66لم م66ا
ال يتوصل إلى علم تأويله إال ببي66ان الرس66ول ص66لى اهلل علي66ه وس66لم وذل66ك تأوي66ل جمي66ع م6ا
فيه من وجوه أمره :وواجبه وندبه 6،وإ رشاده ،وصنوف نهي66ه ،ووظ66ائف حقوق66ه وح66دوده
بعض خلقه لبعض وما أشبه ذل66ك من أحك66ام آي66ه ال66تي لم
ومبالغ فرائضه ،ومقادير الالزم َ
ي66درك علمه6ا إال بي66ان رس66ول اهلل ص6لى اهلل علي66ه وس66لم ألمت66ه 6،وه66ذا وج66ه ال يج66وز ألح66د
القول فيه إال ببيان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بتأويله بنص منه عليه ،أو بداللة ق66د
- 1سورة الكهف .اآلية.110 :
- 2سورة اإلسراء .اآلية.93 :
- 3سورة النحل .اآلية.44 :
- 4سورة النحل .اآلية.64 :
139
نص66بها دال66ة أمتَ66ه على تأويله)( .)1وه44و م44ا أش44ار إلي44ه الش44افعي بقول44ه( :وس66نن رس66ول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم وجهان:
واآلخ6ر :جمل6ة بين رس6ول اهلل في6ه عن اهلل مع6نى م6ا أراد بالجمل6ة وأوض6ح كي6ف فرض6ها
عاما أو خاصا وكيف أراد أن يأتي به العباد وكالهما اتبع فيه كتاب اهلل)(.)2
ضرورة شرح السنة للقرآن واالهتداء بها في فهم تعاليم اإلسالم:
إن مهم44 4ة الرس44 4ول ص44 4لى اهلل علي44 4ه وس44 4لم باإلض44 4افة إلى تبلي44 4غ الق44 4رآن الك44 4ريم هي تبيين44 4ه
وش44رحه وتفس4يره له44ذا الكت44اب من خالل أقوال44ه وأفعال44ه وتقريرات44ه وس4يرته تنيف44ذا ألم4ر رب44ه
ون))"( .)3وقول 44ه 6ك ٱل6ِّ 6ذ ْك َر ِلتَُب ِّي َن ِل َّلن ِ
اس َم66ا ُن6ِّ 6ز َل إِلَ ْي ِه ْم َولَ َعلَّ ُه ْم َيتَفَ َّك ُر َ َنز ْل َنآ إِلَ ْيَ 6
في قول 44هَ ((" :وأ َ
ٱختَلَفُ 66وا ِفي 6ِ 6ه َو ُه 6ً 6دى َو َر ْح َمً 66ة لِّقَ 6ْ 6وٍمۢ 6ك ٱ ْل ِك ٰتَ َب إِاَّل ِلتَُب ِّي َن لَ ُه ُم ٱلَّ ِذى ْ َنز ْل َن 66ا َعلَ ْيَ 6
تع44 4الىَ ((" :و َمآ أ َ
6ون))"( .)4فت 44بين من خالل اآلي 44تين أن مهم 44ة الرس 44ول ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم مزدوج 44ة ُي ْؤ ِم ُنَ 6
تجمع بين التبليغ واإلبانة باعتبار أن القرآن هو ال44وحي المتل44و المتعب44د بتالوت44ه والس44نة وحي
غير متلو وال متعبد بتالوتها.
ق 44ال ابن ح 44زم( :لم66ا بين66ا أن الق66رآن ه66و األص66ل المرج66وع إلي66ه في الش66رائع نظرن66ا في66ه،
فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،ووجدناه عز وج66ل
ق َع ِن ٱ ْل َه6َ 6و ٰىٓ﴿ يقول فيه واصفا لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :قال تعالى((" :وما ي ِ
نط ُ ََ َ
﴾٣إِ ْن ُه َو إِاَّل َو ْح ٌى ُيَ 6
6وح ٰى))"( .)5فص66ح لن66ا ب66ذلك أن ال66وحي ينقس66م من اهلل ع66ز وج66ل إلى
قسمين:
140
أحدهما وحي متلو مؤلف تأليفا معجم النظام وهو القرآن.
والث66اني وحي م66روي منق66ول غ66ير مؤل66ف وال معج66ز النظ66ام وال متل66و لكن66ه مق66روء ،وه66و
الخبر الوارد عن رس66ول اهلل ص66لى اهلل علي66ه وس66لم وه66و الم66بين عن اهلل ع6ز وج6ل م66راده
تعالى"((لتَُب ِّي َن ِل َّلن ِ
اس َما ُنِّز َل إِلَ ْي ِه ْم))"( .)1ووجدناه قد أوجب طاعة ه66ذا القس66م ِ منا ،قال اهلل
الث 66اني ،كم 66ا أوجب طاع 66ة القس 66م األول ال 66ذي ه 66و الق 66رآن وال ف 66رق .ف 66القرآن والس 66نة
مصدران للتشريع متالزمان ،ال يمكن ألي مسلم ط66الب علم أو مجته66د االس66تغناء بأح66دهما
عن اآلخر)(.)2
اس 44تقرأ علم 44اء اإلس 44الم األحك 44ام ال 44واردة في الس 44نة النبوي 44ة ومقارنته 44ا بم 44ا ورد في الق 44رآن
الكريم فوجدوها ثالثة أنواع:
-سنة مؤكدة لما ورد في القرآن الكريم :كأحاديث إقام44ة الص44الة وإ يت4اء الزك44اة وص4وم
رمض44 4ان وحج ال44 4بيت وغيره44 4ا من األحك44 4ام ال44 4واردة في النهي عن اإلش44 4راك باهلل وش44 4هادة
ال44زور وعق44وق الوال44دين وقت44ل النفس ال44تي ح44رم اهلل إال ب44الحق وغ44ير ذل44ك كقول44ه ص44لى اهلل
علي 44ه وس44لم فيم 44ا أخرج 44ه اإلم44ام أحم44د في مس44نده" :ال يح66ل م66ال ام66رئ مس66لم إال بطيب من
ام ُن 66وا اَل تَ66أْ ُكلُ ٓوا أ َْم6َٰ 6ولَ ُكم َب ْي َن ُكم
ين َء َ ُّه66ا ٱلَّ ِذ َ ٰ
نفسه" .فإن44 4ه يعت44 4بر تأكي44 4دا لقول44 4ه تع44 4الىَ ((" :يٓأَي َ
()3
6ان ِب ُك ْمس ُ 6 6 6ك ْم ۚ إِ َّن ٱللَّ َه َكَ 6 6 6 6ون ِت َٰجَ 6 6 6رةً َعن تَ6َ 6 6 6ر ٍ
اضۢ ِّمن ُك ْم ۚ َواَل تَ ْقتُلُوٓا أَنفُ َ ِبٱ ْل َٰب ِطِ 6 6 6ل إِاَّل ٓ أَن تَ ُكَ 6 6 6
يما))"(.)4 ِ
َرح ً
141
-س66نة مبين66ة لم66ا ورد في الق66رآن الك66ريم :ومن أمثلته 44ا قول 44ه ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم:
يم66وا ِ
"صلوا كما رأيتموني 6أصلي" .فق44د بين علي44ه الص44الة والس44الم ق44ول اهلل تع44الىَ ((" :وأَق ُ
()1
()3
ٱلز َك6ٰ 6وةَ))"( .)2والحج ،ق44ال ص44لى اهلل علي44ه وس44لم" :خ6ذوا ع6ني مناس6ككم" ٱلص6لَ ٰوةَ َو َءاتُ66وا َّ
َّ
ط َ ِ ِ ٱلن ِ ِ
تبيانا لقوله تعالىَ ((" :وِللَّ ِه َعلَى َّ
اع إِلَ ْيه َ
س ِبياًل ))"(.)4 اس ح ُّج ٱ ْل َب ْيت َم ِن ْ
ٱستَ َ
-س66نة مؤسس66ة لحكم زائ66د على م66ا في الق66رآن الك66ريم :على م44ذهب الق44ائلين باس44تقالل
َنَه ِ6ل ا ْل ِع ْلِم أ َّ
َعلَ ُم ِخاَل فًا بين أ ْ الر َس 4الَ ِة( :اَل أ ْ الس44نة بالتش44ريع ،ومنهم الش44افعي ال44ذي يق44ول في ِّ
ِ ِ ِ
َحُ 6د َها م66ا أَْن6َ 6ز َل اللَّ ُه في66ه ْسٍ 6ام أ َسَ 6ن َن رس66ول اللَّه ص66لى اللَّ ُه علي66ه وس66لم تَْنقَسُ 6م إلَى ثَاَل ثَ66ة أَق َ ُ
6اب َوالثَّ ِاني م66ا أَْن6َ 6ز َل اللَّ ُه ص ا ْل ِكتَِ 6َّن رسول اللَّ ِه صلى اللَّ ُه علي66ه وس66لم ِمثَْ 6ل َن ِّ ص ِكتَ ٍ
اب فَ َبي َ َن َّ
سَّ 6نث م6ا َ 6ان لم َي ْختَِلفُ6وا ِفي ِه َم6ا َوالثَّ ِال ُ ان ا ْل َو ْج َه َِّن عن اللَّ ِه م6ا أ ََر َاد َو َهَ 6ذ ِ فيه ُج ْملَ َة ِكتَ ٍ
اب فَ َبي َ
اختَلَفُ66وا في66ه فَ ِم ْن ُه ْم من ق66ال َج َعَ 6
6ل 6اب َو ْ ص ِكتٍَ 6 س في66ه َن ُّ س6و ُل ص66لى اللَّ ُه علي66ه وس66لم َولَ ْي َ الر ُ
َّ
يم66ا ليس في66ه ِ يق6ِ 6ه ِل ِر َ
ق في ِع ْل ِم ِه من تَو ِف ِ ط ِِ اللَّ ُه له ِب َما فََر َ
سَّ 6ن ف ََن َي ُ ض6اهُ أ ْ ْ س َب َاعته َو َ ض من َ َ
ص ِكتَ ٍ
اب)(.)5 َن ُّ
من خالل هذا يتبين أن لتفسير السنة للقرآن وجوه كثيرة أهمها:
-)1تفسير 6مجمل القرآن :وذلك ببيان معنى لفظ ورد في القرآن الكريم أو شرح كلية من
كلياته أو قاعدة من قواعده أو بتوضيح مغيب من مغيباته.
جماع العلم .ألبي عبد هللا محمد بن إدريس القرشي المطلبي .دار اآلثار .ص .41 :ط :األولى.2002 .
- 6سورة األنعام .اآلية.82 :
142
مس44عود رض44ي اهلل عن44ه ق44ال :لما ن66زلت ه66ذه اآلي66ة ش66ق ذل6ك على الن6اس فق66الوا :وأين66ا ال
يظلم نفسه ،فقال صلى اهلل عليه وس66لم" :ليس م66ا تعن66ون ،ألم تس66معوا ق66ول العب66د الص66الح
يم))"( )1إنم66ا ه66و الش66رك"( .)2ومن أمثلت44ه أيض44ا قول44ه تع44الى: ِ لقم66ان((" :إِ َّن ِّ
ٱلشْ 6ر َك َلظُ ْل ٌم َعظ ٌ
طعتُم ِّمن قَُّو ٍةۢ و ِمن ِّرب ِ
اط ٱ ْل َخ ْيل))"( ،)3بم44ا أخرج44ه مس44لم عن عقب44ة بن ِ
َ َ ٱستَ َ ْ
"(( َوأَعدُّوا لَ ُهم َّما ْ
عامر قال :سمعت رس44ول اهلل ص44لى اهلل علي44ه وس44لم يق44ول وه44و على المن44بر" :أال وإ ن القوة
الرمي"( .)4ومن األمثل44ة أيض44ا بي44ان المقص44ود بالص44الة الوس44طى في قول44ه تع44الىَٰ ((" :ح ِفظُ6وا
ٰ
ين))"( .)5بم 44ا أخرج 44ه الترم 44ذي عن ابن وم66وا ِللَّ ِه قَ ِن ِت َ
ط ٰى َوقُ ُ
سَ 66 ٱلص66لَ َٰو ِت َو َّ
ٱلص66لَ ٰو ِة ٱ ْل ُو ْ َعلَى َّ
مسعود رضي اهلل عنه قال :ق44ال رس44ول اهلل ص44لى اهلل علي44ه وس44لم" :الصالة الوسطى صالة
العصر"(.)6
ومن أمثل 44ة ش 44رح كلي 44ة من كلي 44ات الق 44رآن بالس 44نة النبوي 44ة بي 44ان الن 44بي ص 44لى اهلل علي 44ه وس 44لم
لمواقيت الصلوات 4الخمس وعدد ركعاتها وكيفية أدائها وبيان مقادير الزكاة وأنواعها وبيان
مناس44 4ك الحج بقول44 4ه وفعل44 4ه وإ ق44 4راره .ق44 4ال ص44 4لى اهلل علي44 4ه وس44 4لم" :ص 66لوا كم 66ا رأيتم 66وني
أصلي"( .)7وقال صلى اهلل علي44ه وس44لم" :خذوا عني مناسككم"( .)8ومن أمثل44ة بي44ان قاع44دة من
قواع 44ده في الس 44نة قول 44ه تع 44الىَ ((" :واَل تَ 6أْ ُكلُوٓا أ َْم6َٰ 6ولَ ُكم َب ْي َن ُكم ِبٱ ْل َٰب ِطل))"( .)9فح 44رم أك 44ل أم 44وال
الن44اس بالباط44ل كقاع44دة عام44ة فج4اءت الس44نة مبين44ة ألن44واع ه44ذا الباط44ل كرب44ا الفض44ل والنس44يئة
والغش وتلقي الركبان ونحو ذلك مما يبين تلك القاعدة العامة.
أم44ا أمثل44ة توض44يح الس44نة النبوي44ة لمغيب من مغيب44ات الق44رآن الك44ريم م44ا أخرج44ه البخ44اري عن
أبي هري44رة رض44ي اهلل عن44ه ق44ال :ق44ال رس44ول اهلل ص44لى اهلل علي44ه وس44لمَ " :م ْن آتَاهُ اللَّ ُه َم 6ااًل
- 1سورة لقمان .اآلية.13 :
- 2عمدة القارئ شرح صحيح البخاري .ج .16 :ص.19 :
- 3سورة األنفال .اآلية.61 :
- 4عمدة القارئ شرح صحيح البخاري .ج .14 :ص.145 :
- 5سورة البقرة .اآلية.236 :
- 6عمدة القارئ شرح صحيح البخاري .ج .18 :ص.124 :
- 7عمدة القارئ شرح صحيح البخاري .ج .5 :ص.143 :
- 8عمدة القارئ شرح صحيح البخاري .ج .18 :ص.162 :
- 9سورة البقرة .اآلية.187 :
143
ط َّوقُ6ُ 6ه ي66وم ا ْل ِقيامِ 6 6ه مالُ6ُ 6ه ي66وم ا ْل ِقيامِ 6 ِّ
6ة ثُ َّم َْ َ َ َ 6ان ُي َ 6ه َز ِب َ
يبتَِ 6 ع لَُ 6
اعا أَ ْق6َ 6ر َ
شَ 6ج ً
6ة ُ َفلَ ْم ُي َؤ ِّد َز َكاتَ ُه ُمث َل لََ َ َ ْ َ َ ُ 6
َيأْ ُخ ُذ ِبِل ْه ِز َمتَ ْي ِ6ه َي ْع ِني ِب ِش ْدقَ ْي ِه ثُ َّم َيقُو ُل أََنا َمالُ َك أََن66ا َك ْن6ُ 6ز َك ثُ َّم تَاَل رس66ول اهلل ص66لى اهلل علي66ه
ضِ 6ل ِه ُه6َ 6و َخ ْي6ً 6را لَّ ُهم َب6ْ 6ل
6اه ُم اللَّ ُه ِمن فَ ْ
ونِ ب َما آتَُ 6
ينَ ي ْب َخلُ َ س َب َّن الَّ ِذ َ
"((واَل َ ي ْح َ
وسلم هذه اآليةَ :
ام ِة))"(.)2( ")1 ِ ِ ِ
ون َما َبخلُوا ِبه َي ْو َم ا ْلق َي َ ط َّوقُ َ شٌّر لَّ ُه ْم َ
س ُي َ ُه َو َ
-)2تخصيص عام القرآن الك66ريم :عن44دما ي44رد لف44ظ في الق44رآن الك44ريم في44أتي في الس44نة م44ا
يدل على أن ذلك اللفظ ليس على عمومه وإ نما يتناول بعض أفراده فقط ،ومن أمثلة ذلك:
-تخصيص عموم المباحات من النساء المستفاذ من اآلي44ة بع4د أن ذك44ر المحرم4ات منهن
6ل َل ُكم َّما َو َرآ َء َٰذِل ُك ْم))"( .)3يق44ول الن44بي ص44لى اهلل علي44ه وس44لم" :وال تنكح ق44ال تع44الى((" :وأ ِ
ُحَّ 6 َ
المرأة على عمتها وال على خالتها"(.)4
َّم
-تخصيص عموم الميتة والدم المحرمين في قوله تعالىُ ((" :حِّر َم ْت َعلَ ْي ُك ُم ٱ ْل َم ْيتَ ُة َوٱلد ُ
ير))"( .)8يق44ول الرس44ول ص44لى اهلل علي44ه وس44لم" :أحلت لن66ا ميتت66ان ودم66ان ،فأم66ا َولَ ْح ُم ٱ ْل ِخِ 6
6نز ِ
الميتتان فالجراد والحوت ،وأما الدمان فالكبد والطحال"(.)9
144
-)3تقييد مطلق القرآن الكريم :وذلك عندما يرد لفظ مطلق في القرآن الكريم فتأتي السنة
لتدل على ذلك اللفظ ليس على إطالقه ،وإ نما هو مقيد بقيد يحد من انتشاره ومن أمثلته:
صي ٍ6
َّة -تقيي44د الوص44ية ال44تي تنف44ذ قب44ل قس44مة الترك44ة ال44واردة في قول44ه تع44الىِ ((" :منۢ بع ِد و ِ
َْ َ
ي ِ
وص 6ي ِب َه ٓا أ َْو َد ْي ٍنۢ))"( )3بأنه 44ا في ح 44دود الثلث اس 44تنادا إلى م 44ا ثبت في الص 44حيح أن س 44عدا ُ
ق44ال :ي44ا رس44ول اهلل إن لي م44اال وال ترث44ني إال ابن44ة ،افأوص44ي بثل44ثي م44الي ؟ ق44ال" :ال" ،ق44ال:
فالش44طر ؟ ق44ال" :ال" ،ق44ال :ف44الثلث ؟ ق44ال" :الثلث والثلث كثير ،إن66ك إن ت66دع ورثت66ك أغني66اء
خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس"(.)4
-بيان السنة لنس4خ م4ا ورد في الق4رآن الك4ريم ،حيث ي4بين ص4لى اهلل علي4ه وس4لم ب4أن آي4ة
كذا نسخت بكذا ،ومن ذلك قوله ص44لى اهلل علي44ه وس44لم" :إن اهلل قد أعطى كل ذي حق حق66ه
فال وصية 6لوارث"( .)7فه44ذا بي44ان س44نته ص44لى اهلل علي44ه وس44لم لقول44ه تع44الىُ ((" :ك ِت َب َعلَ ْي ُك ْم إِ َذا
145
ين ِب 66ٱ ْلمعر ِ
وف ۖ َحقًّا َعلَى صَّ 6 6ي ُ6ة ِل ْل َٰو ِل 6َ 6د ْي ِن َوٱأْل َ ْق 6َ 6ر ِب َ
ت إِن تَ 66ر َك َخ ْي66را ٱ ْلو ِ
َحَ 6 6د ُك ُم ٱ ْل َم6ْ 6و ُ
َ ُْ ً َ َ ضَ 6 6ر أ َ
َح َ
ين))"(.)1 ٱ ْل ُمتَّ ِق َ
لقد جاءت السنة النبوية بأحكام سكت عنها القرآن ،كاألحاديث التي أثبتت حرمة الجمع بين
الم44رأة وعمته44ا أو خالته44ا ،وأحك44ام الش44فعة ،ورجم ال44زاني المحص44ن وتغ44ريب ال44زاني البك44ر
وص 44دقة الفط 44ر والحكم بش 44اهد ويمين وتح 44ريم ال 44ذهب والحري 44ر على الرج 44ال وإ رث الج 44دة
وغ 44ير ذل 44ك من األحك 44ام ال 44تي لم ت 44رد في الق 44رآن الك 44ريم وإ نم 44ا ج 44اءت به 44ا الس 44نة أو نص 44ت
عليها السنة النبوية .فهل وروود مثل هذه األحكام في الس44نة ي44دل على أنه44ا تس44تقل بالتش44ريع
أم أن تل 44 4ك األحك 44 4ام ت 44 4دخل فيم 44 4ا نص علي 44 4ه الق 44 4رآن بن 44 4وع من التأوي 44 4ل فال تس 44 4تقل الس 44 4نة
بالتشريع؟
المذهب األول :وهو مذهب الجمهور ،فقد استذل على أن السنة تستقل بالتشريع بأدلة منها:
-أن44ه ال م44انع عقال من اس 44تقالل الس44نة بالتش 44ريع م44ا دام الرس44ول ص44لى اهلل علي 44ه وس44لم
معصوما من الخطأ وهلل سبحانه أن يأمر رسوله ص4لى اهلل علي4ه وس4لم بتبلي4غ أحكام4ه للن4اس
من أي طريق سواء من الكتاب أو السنة ،وقد وقع ذلك بالفعل والوقوع دليل الجواز.
-اآليات القرآنية الدالة على استقالل الرسول صلى اهلل عليه وسلم بالتشريع ،من ذلك:
146
س6و َل َوأُوِلى ٱأْل َْم6ِ 6ر ِمن ُك ْم ۖٱلر ُ
يع66وا َّ ِ
يع66وا ٱللَّ َه َوأَط ُ
ِ
ام ُنوٓا أَط ُ ُّها ٱلَّ ِذ َ
ين َء َ
ٰ
-)1قول44ه تع44الىَٓ ((" :يأَي َ
ٱلء ِ
اخ6ِ 6ر ۚ ِ
6ون ِبٱللَّه َوٱ ْل َي6ْ 6وِم ْ َ سِ 6
ول إِن ُكنتُ ْم تُ ْؤ ِم ُنَ 6 ٱلر ُ فَ ِ6إن تَ َٰن6َ 6ز ْعتُ ْم ِفى َ
ش ْ 6ى ٍءۢ فَ6ُ 6ردُّوهُ إِلَى ٱللَّ ِه َو َّ
ٰ
س ُن تَأ ِْوياًل ))"(.)1 َذ ِل َك َخ ْيٌر َوأ ْ
َح َ
ِ ِ ِ ينُ ي َخ ِالفُ َ
-)2وقوله تعالىَ ((" :ف ْل َي ْح َذ ِر الَّ ِذ َ
اب
يب ُه ْم َعَ 6ذ ٌ ون َع ْن أ َْم ِر ِه أَن تُص َ
يب ُه ْم فتْ َن ٌة أ َْو ُيص َ 6
يم))"(.)2 ِ
أَل ٌ
سو ُل فَ ُخ ُذوهُ َو َما َن َه ٰى ُك ْم َع ْن ُه فَٱنتَ ُهوا))"(.)3 -)3وقوله تعالىَ ((" :و َم ٓا َءاتَ ٰى ُك ُم َّ
ٱلر ُ
ش َج َر َب ْي َن ُه ْم ثُ َّم اَل َي ِجُ 6دوا ِفى ِ -)4وقوله تعالى((" :فَاَل َو َر ِّب َك اَل ُي ْؤ ِم ُن َ
ون َحتَّ ٰى ُي َح ِّك ُمو َك ف َ
يما َ
ض ْي َت ويسلِّموا تَ ِ ِ
يما))"(.)4 سل ً
ْ أَنفُس ِه ْم َح َر ًجا ِّم َّما قَ َ َ ُ َ ُ
6ون
س6ولُ ُهٓۥ أ َْم6ً 6را أَن َي ُكَ 6 6ان ِل ُم6ْ 6ؤ ِم ٍنۢ َواَل ُم ْؤ ِم َن66ٍ 6ة إِ َذا قَ َ
ض6ى ٱللَّ ُه َو َر ُ -)5وقول44ه تع44الىَ ((" :و َما َكَ 6
ض ٰلَاًل ُّم ِبي ًنا))"(.)5
ض َّل َ
سولَ ُهۥ فَقَ ْد َ ص ٱللَّ َه َو َر ُ لَ ُه ُم ٱ ْل ِخ َي َرةُ ِم ْن أ َْم ِر ِه ْم ۗ َو َمن َي ْع ِ
-األح44اديث الدال44ة على أن الش44ريعة تتك44ون من الق44رآن الك44ريم والس44نة النبوي44ة ،وأن في
السنة ما ليس في الق44رآن ،وأن4ه يجب األخ44ذ بم44ا ورد في الس44نة كم4ا يؤخ44ذ بم44ا ورد منه4ا في
القرآن ،ومن ذلك:
-)1قول44ه ص44لى اهلل علي44ه وس44لم" :يوش6ك أح6دكم أن يق6ول ه6ذا كت6اب اهلل ،م6ا ك6ان في6ه من
حالل أحللناه وما كان فيه من حرام حرمان66ه أال من بلغ66ه ع66ني ح66ديث فك66ذب ب66ه فق66د ك6ذب
اهلل ورسوله والذي حدثه"(.)6
147
-)2وقوله صلى اهلل عليه وسلم" :أال إني أوتيت القرآن ومثله معه أال يوش44ك رج44ل ش44بعان
على أريكت44ه يق44ول عليكم به44ذا الق44رآن فم44ا وج44دتم في44ه من حالل ف44أحلوه وم44ا وج44دتم في44ه من
حرام فحرموه .وإ ن مما حرم رسول اهلل كما حرم اهلل"(.)1
أم44ا الم44ذهب الث44اني القائ44ل بع44دم اس44تقالل الس44نة بالتش44ريع فه44و يعت44بر ك44ل م44ا ورد في الس44نة
يجب أن يك44ون راجع44ا في معن44اه إلى الق44رآن الك44ريم ،وك44ل حكم س44كت عن44ه الق44رآن فه44و في
الواقع داخل فيه بنوع من التأويل يجعل السنة غير مستقلة بالتشريع ،ومن أدلة هؤالء:
-)2قول44 4ه تع44 4الىَّ ((" :ما فََّر ْط َن 66ا ِفى ٱ ْل ِك ٰتَ ِب ِمن َ
شْ 6 6ى ٍءۢ))"( .)3مم44 4ا يقتض44 4ي أن تك44 4ون الس44 4نة
مضمنة في القرآن الكريم على سبيل اإلجمال.
والذي يظهر ،واهلل أعلم ،أن السنة متظافرة م4ع الق44رآن على بل44ورة التع44اليم اإلس4المية وذل4ك
ألن ك 44ل م 44ا ورد في الس 44نة النبوي 44ة يمكن اعتب 44اره تفس 44يرا وبيان 44ا للق 44رآن الك 44ريم بوج 44ه من
وجوه البيان والتفسير والتأويل ،مصداقا لقوله تعالى مخاطبا نبيه الكريم:
- 1االعتصام للشاطبي .ج .1 :ص.146 :تحقيق :سليم بن عيد الهاللي .دار ابن عفان السعودية .الطبعة األولى.1992 .
- 2سورة النحل .اآلية.44 :
- 3سورة النحل .اآلية.44 :
- 4سورة النحل اآلية.44 :
148
149
المراجــــــع المعتمــــــدة:
لس66ان الع66رب .لمحم 44د بن مك 44رم بن منظ 44ور اإلف 44ريقي المص 44ري .دار ص 44ادر .ب 44يروت. .2
الطبعة األولى.
التفسير القرآني للقرآن .لعبد الكريم يونس الخطيب .دار الفكر العربي .القاهرة. .3
ص 66حيح مس 66لم .البي الحس44 4ين مس44 4لم بن الحج44 4اج بن مس44 4لم القش44 4يري النيس44 4ابوري .دار .4
الجيل .بيروت .ودار األفاق الجديدة.
سنن ابن ماجة( .أو ماجة اسم أبيه يزيد) أب44و عب4د اهلل محم4د بن يزي4د القزوي44ني .تحقي4ق .5
ش44عيب األرن44ؤوط – ع44ادل مرش44د – محم44د كام44ل – عب44د اهلل ح44رز اهلل .الطبع44ة األولى.
.2009
عمد القارئ شرح صحيح البخاري .للعيني .دار إحياء التراث العربي .بيروت. .6
دلي66ل الف66الحين لط66رق ري66اض الص66الحين .لمحم 44د علي بن محم 44د بن عالل بن إب 44راهيم .7
البكري الشافعي .دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع .بيروت .لبنان .ط.4 :
سنن أبي داود .تحقيق شعيب األرنؤوط .الطبعة األولى.2009 . .8
ج66امع البي66ان في تأوي66ل الق66رآن .للط44بري .تحقي44ق :أحم44د محم44د ش44اكر .الطبع44ة األولى. .9
.2000
خبر الواحد وحجيته .6ألحم44د بن محم44ود بن عب44د الوه44اب الش44نقيطي .الطبع44ة .1 :س44نة: .10
.2002
150
البحر المحيط في أصول الفقه لبدر الدين محمد بن بهادر بن عب44د اهلل الزركش44ي تحقي44ق .11
ض44بط نصوص44ه وخ44رج أحاديث44ه وعل44ق علي44ه :د .محم44د محم44د ت44امر .دار الكتب العلمي44ة
1421هـ 2000 -م لبنان /بيروت.
س66نن الترم66ذي .لمحم44د بن عيس44ى .دار إحي44اء ال44تراث الع44ربي .ب44يروت .تحقي44ق :أحم44د .12
محمد شاكر وآخرون.
الفتح الرب 66اني ل 66ترتيب مس 66ند اإلم 66ام أحمد .ألحم44 4د بن عب44 4د الرحم44 4ان بن محم44 4د البن44 4ا .13
الساعتي .دار إحياء التراث العربي .الطبعة الثانية.
االعتص66ام للش66اطبي .تحقي 44ق :س 44ليم بن عي 44د الهاللي .دار ابن عف 44ان الس 44عودية .الطبع 44ة .14
األولى.1992 .
التمهيد لما في الموطأ من المع66اني واألس66انيد ألبي عم44ر يوس44ف بن عب44د اهلل بن محم44د .15
بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي تحقيق :مصطفى بن أحمد العلوي ,محمد عب44د
الكبير البكري وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية – المغرب 1387 .هـ.
الس66666نة ومكانته66666ا في التش66666ريع اإلس66666المي لمص44 4 4 4طفى بن حس44 4 4 4ني الس44 4 4 4باعي المكتب .16
اإلس 44المي :دمش 44ق -س 44وريا ،ب 44يروت – لبن 44ان الطبع 44ة :الثالث 44ة 1402 ،هـ 1982 -م
(بيروت)
151
بسم اهلل الرحمن الرحيم
الصيام وفوائده
152
الحمد هلل والصالة والسالمـ على رسول هللا وآله وصحبه
وبعد
فإن من تيسير هللا لعباده أنه لم يفرض الصيام إال على من يطيقه ،وأباح الفطر لمن لم يستطع الصومـ
لعذر شرعي ،واألعذار الشرعية الموبحة لإلفطارـ على النحو التالي :
:ال َم َرضُ ه َُو ُ :ك ُّل َما َخ َر َج ِب ِه اإْل ِ ْن َسانُ َعنْ َح ِّد الصِّحَّ ِة مِنْ عِ لَّ ٍة .
ْ -1ال َم َرضُ ْ
يض فِي ْال ُج ْملَ ِة َواأْل َصْ ُل فِي ِه َق ْو ُل هَّللا ِ َت َعالَى َ :و َمنْ اح ِة ْالف ِْط ِر ل ِْل َم ِر ِ َقا َل ابْنُ قُدَا َم َة :أَجْ َم َع أَهْ ُل ْالع ِْل ِم َعلَى إ َب َ
ْن اأْل َ ْك َو ِع رضي هللا تعالى عنه َقا َل " :لَمَّا ضاـ أَ ْو َعلَى َس َفر َف ِع َّدةٌ مِنْ أَي ُ
َّام أ َخ َرَ . و َعنْ َسلَ َم َة ب ِ ٍ ٍ ان َم ِري ً َك َ
ان َمنْ أَ َرادَ أَنْ ُي ْفطِ َر ُ ,ي ْفطِ ُر َو َي ْف َتدِي َ ,ح َّتى ِين يُطِ يقُو َن ُه ف ِْد َي ٌة َط َعا ُم مِسْ ك ٍ
ِينَ ك َ ت َه ِذ ِه اآْل َي ُة َ :و َعلَى الَّذ َ َن َزلَ ْ
ُ أ ُ ْن ِزلَ ْ
تاس َ ,و َب ِّي َنا ٍ ان الَّذِي أ ْن ِز َل فِي ِه ْالقُرْ آنُ ,ه ًُدى لِل َّن ِ ض َت اآْل َي ُة الَّتِي َبعْ َد َها َيعْ نِي قوله تعالى َ :ش ْه ُر َر َم َ
َ َ ان َ ,ف َمنْ َش ِه َد ِم ْن ُك ْم ال َّشه َْر َف ْل َي ُ مِنْ ْال ُهدَى َو ْالفُرْ َق ِ
ان َم ِريضً اـ أ ْو َعلَى َس َف ٍر َف ِع َّدةٌ مِنْ أي ٍ
َّام ص ْم ُه َ ,و َمنْ َك َ
أ ُ َخ َرَ ف َن َس َخ ْت َها َ .ف ْال َم ِريضُ الَّذِي َي َخافُ ِز َيا َد َة َم َرضِ ِه ِبالص َّْو ِم أَ ْو إ ْب َطا َء ْالبُرْ ِء أَ ْو َف َسادَ عُضْ ٍو ,لَ ُه أَنْ ُي ْفطِ َر
ض َ ,ب ْل ُي َسنُّ ف ِْط ُرهُ َ ,وي ُْك َرهُ إ ْت َما ُم ُه ,أِل َ َّن ُه َق ْد ُي ْفضِ ي إلَى ْال َهاَل كِ َ ,ف َي ِجبُ ااِل حْ ت َِرا ُـز َع ْن ُه ُ .ث َّم إنَّ شِ َّد َة ْال َم َر ِ
ص َل ب َ ,فإِ َّن ُه ال َيجُو ُز لَ ُه ْالف ِْط ُر ,حتى إ َذا َح َ اف ال ِّش َّد َة أَ ْو ال َّت َع َ صحِي ُح َإذا َخ َ يض .أَمَّا ال َّ ُت ِجي ُز ْالف ِْط َر ل ِْل َم ِر ِ
ب. لَ ُه ِبالص َّْو ِم م َُجرَّ ُد شِ َّد ِة َت َع ٍ
ص فِي ْالف ِْط ِر َما َيلِي : -2ال َّس َف ُر ُ :ي ْش َت َر ُـ
ط فِي ال َّس َف ِر ْالم َُر ِّخ ِ
أ -أَنْ َي ُك َ
ون ال َّس َف ُر َط ِويال ِممَّا ُت ْق َ
ص ُر فِي ِه الصَّالةُ .
ب -أَنْ اَل َيعْ ِز َم ْالم َُسا ِف ُـر اإْل ِ َقا َم َة ِخاَل َل َس َف ِر ِه .
ص ٌةُور َ ,و َذل َِك :أِل َنَّ ْالف ِْط َر ر ُْخ َِيح عِ ْندَ ْالجُمْ ه ِ
صح ٍ ض َ ون َس َف ُرهُ فِي َمعْ صِ َي ٍة َ ,ب ْل فِي َغ َر ٍ ج -أَنْ اَل َي ُك َ
ان َم ْب َنى َس َف ِر ِه َعلَى ْال َمعْ صِ َي ِة َ ,ك َما لَ ْو َسا َف َـر لِ َق ْط ِع َط ِر ٍ
يق اص ِب َس َف ِر ِه ِ ,بأَنْ َك َ
َو َت ْخ ِفيفٌ َ ,فاَل َيسْ َت ِح ُّق َها َع ٍ
َمثَاًل .
َ : -1إذا َعا َد ْال ُم َسافِ ُر إلَى َبلَ ِد ِه َ ,ود ََخ َل َو َط َن ُه َ ,وه َُو َم َح ُّل إ َقا َم ِت ِه .
صالِحً ا لِإْل ِ َقا َم ِة ، ان ْال َم َكانُ َ : - 2إ َذا َن َوى ْال ُم َسافِ ُر اإْل ِ َقا َم َة م ُْط َل ًقا ,أَ ْو ُم َّد َة اإْل ِ َقا َم ِة فِي َم َكان َوا ِح ٍد َ ,و َك َ
اع ح ُْك ِم ال َّس َف ِر . َ َفإِ َّن ُه يَصِ ي ُر ُمقِيمًا ِب َذل َِك َ ,ف ُي ِت ُّم ال َّ
ان ,اِل ْنقِط ِ ض َصاَل َة َ ,و َيصُو ُم َواَل ُي ْفطِ ُر فِي َر َم َ
153
ان ِ ,ب َشرْ طِ ون َعلَى أَنَّ ْال َحا ِم َل َو ْالمُرْ ضِ َـع لَ ُه َما أَنْ ُت ْفطِ َرا فِي َر َم َ
ض َ ضا ُع ْ :الفُ َق َها ُء ُم َّتفِقُ َ
ْ : - 3ال َحمْ ُل َوالرَّ َ
ِيص ْالف ِْط ِر ض أَ ْو ِز َيا َد َت ُه ,أَ ْو الض ََّر َر أَ ْو ْال َهاَل َ
ك َ .ودَ لِي ُل َترْ خ ِ أَنْ َت َخا َفا َعلَى أَ ْنفُسِ ِه َما أَ ْو َعلَى َولَ ِد ِه َما ْال َم َر َ
ُور َت ُه ,
ضص َ َّام أ ُ َخ َرَ " ولَي َ
ْس ْالم َُرا ُد مِنْ ْال َم َر ِ َ ان َمري ً َ
ضا أ ْو َعلَى َس َف ٍر َف ِع َّدةٌ مِنْ أي ٍ لَ ُه َما قوله تعالى"َ و َمنْ َك َ ِ
ض ِك َنا َي ًة َعنْ ْس لَ ُه أَنْ ُي ْفطِ َر َ ,ف َك َ
ان ذ ِْك ُر ْال َم َر ِ أَ ْو َعي َْن ْال َم َر ِ
ض َ ,فإِنَّ ْال َم ِر َ
يض الَّذِي اَل َيضُرُّ هُ الص َّْو ُم لَي َ
ار ,ومِنْ أَ ِدلَّ ِة
ص ِة اإْل ِ ْف َط ِ
ت ر ُْخ َ أَم ٍْر َيضُرُّ الص َّْو ُم َم َع ُه َ ,وه َُو َمعْ َنى ْال َم َر ِ
ض َ ,و َقْـد وُ ِج َد َها ُه َنا َ ,ف َي ْدخُاَل ِن َتحْ َ
ْن َمالِكٍ ْال َكعْ ِبيِّ رضي هللا تعالى عنه أَنَّ َرسُو َـل هَّللا ِ -صلى هللا عليه ِيص ْالف ِْط ِر لَ ُه َما َ ,حد ُ
ِيث أَ َن ِ
سب ِ َترْ خ ِ
ض َع َعنْ ْالم َُساف ِِر الص َّْو َـم َو َش ْط َر ال َّ
صاَل ِة َ ,و َعنْ ْال َحام ِِل أَ ْو ْالمُرْ ضِ ِع الص َّْو َـم أَ ْو وسلم َ -قا َل :إنَّ هَّللا َ َو َ
ص َيا َمَ وفِيـ لَ ْفظِ َبعْ ضِ ِه ْم َ :عنْ ْال ُح ْبلَى َو ْالمُرْ ضِ ِع.
ال ِّ
ان ُمح ً
ف الضَّعْ فِ َعنْ لِ َقا ِء ْال َع ُدوِّ ْال ُم َت َو َّق ِع أَ ْو ْال ُم َت َي َّق ِن َكأَنْ َك َ َ وأَ ْل َحقُوا ِبإِرْ َه ِ ْ
ِيطا : ش َخ ْو َ ُوع َو ْال َع َط ِ اق الج ِ
ف َعنْ ْالقِ َت ِ
ب وُ جُو ِد ِه ِب ُم َقا َبلَ ِة ْال َع ُدوِّ َ ,و َي َخافُ الضَّعْ َ ان َيعْ لَ ُم َيقِي ًنا أَ ْو ِب َغلَ َب ِة َّ
الظنِّ ْالقِ َتا َل ِب َس َب ِ
ال ازي إ َذا َك َ َف ْال َغ ِ
ب. ْس ُم َسافِرً اـ ,لَ ُه ْالف ِْط ُر َق ْب َل ْال َحرْ ِ ِبالص َّْو ِـم َ ,ولَي َ
وقدـ أثبتت العديد من الدراسات أن هناك الكثير من فوائدـ الصيام الصحية فضالً عن الفوائد النفسية
والعقلية والروحية التي يعيشها المسلم خالل الشهر الكريم،
فالصيام:
- 1يساعد على فقدان الوزن الزائد بطريقة آمنة ،حيث أثبتت الدراسات أن الصيامـ يسمح بحرق الدهون
بشكل أكثر فاعلية من التغذية المعتادة.
154
- 2يزيد من حساسية الجسم لألنسولين ،حيث أثبتت الدراسات أنه بعد فترات الصومـ يصبح األنسولين
أكثر فاعلية في استثارة الخاليا للحصول على الجلوكوز من الدم.
- 3يساعد على راحة الجهاز الهضمي وبالتالي اإلسراع في حرق السعرات الحرارية ،وبشكل أفضل
كما يساعد على تحسين وظائفـ األمعاء بشكل كبير.
- 5يقلل من حدوث حب الشباب ،حيث يركز الدم على الجلد واألجهزة األخرىـ ً
بعيدا عن الجهاز
الهضمي مما يساعد على تنشيط وتجديدـ طاقة األعضاء األخرى كالكبد والكلى.
و لم يفرض هللا ع ّز وج ّل الصيام على المسلمين عبثاً ،حيث جعله أحد أركان اإلسالم وواجباًـ على ك ّل
ذكر أو أنثى في شهر رمضان وفيـ صيام النذر ،والقضاء ،والكفارة ،كما أ ّنه مستحبٌّ في
بالغ من ٍ
ٍ
مواضع أخرى كصيامـ التطوّ عـ االختياري والذي حث عليه النبي عليه الصالة والسالم كصيام االثنين
والخميس من ك ّل أسبوع وصيامـ األيام البيض وغيرها ،إذ إن للصيامـ مناف ٌع كثيرةٌ لصحّ ة البدن الجسديّة،
والنفسيّة ،واالجتماعيّة يحصدها عندما يؤ ّدي هذه العبادة العظيمة بني ٍة صادق ٍة لوجه هللا تعالى.
- 2يعوّ د النفس على الصبر ،وتحمّل الصعاب ،واإلجهادـ في الحياة ،كما يساعد على ضبطـ السلوك
والتح ّكمـ فيه ويبعده عن التسرّ ع في التصرّفات.ـ
- 3يقوّ ي عالقة اإلنسان بخالقه ،ويعمق التقوى في النفس ويزيدـ مخافة هللا في الس ّر والعلن ويجعل
اإلنسان دائم االستعدادـ للقاء هللا.
- 5يع ّزز من إحساس اإلنسان بحاجة الفقراء ويدركـ ما يعانونه من أجل تأمين لقمة العيش له
ولعائالتهم ،فتزيد من رغبته في مساعدة المحتاج والفقير ،ويسعى إلى عمل الخير مقتنعا ً به وراغبا ً في
تخفيف آالم ومتاعب الفقراء من أقاربه ،وأصدقائه ،وجيرانه ،فيتضاعف حنانه ،وعطفه ،ويلين قلبه،
ويجعله سخيا ً كريماً.
155
والحمد هلل رب العالمين .
156
بسم اهلل الرحمن الرحيم
157
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على أشرف األنبياء والمرسلين ،وعلى آله الطيبين الطاهرين،
وأزواجه أمهات المؤمنين ،وعلى صحابته الكرام الذين اهتدوا بهديه ،واقتدوا dبسنته ،ومن تبعهم بإحسان
إلى يوم الدين.
أما بعد :فمن الصفحات العطرة في سيرة أم المؤمنين عائشة -رضي هللا عنها -صفحةٌ ج ُّد مشرقة في
حياتها ،صفحة ترسم لنا كيف كانت المرأة ،وكيف dكان دورها dوعطاؤها؛ صفحة تستحق أن نقف معها
طويالً.
ق أن عائشة ذات السن الفت ِّي التي لم تتجاوز dالثامنة عشر ،تُعد من أكثر النساء عل ًما ،بل
ص ِّد ُ
ف َمن يُ َ
وأوسعهم فقهاً ،وأحدهم ذهنًا وذكا ًء ،فقد أحاطت بعلم الكثير مما يتصل بالدين ،من قرآن وحديث وتفسير
وفقه ،وكان إليها المنتهى في األمور البيتية الخاصة التي ال يطلع عليها غالبًا إال أهل الرجل وزوجه؛ وال
عجب ،فهي خريجة مدرسة النبوة ،وألصق الناس برسول dهللا ،وأحبهم dوأقربهم dإليه.
ولذا اتفق كل من يُعتد بقوله من أهل السير والتاريخ أن عائشة كانت امرأة موسوعية ليس لها نظير dفي
النساء ،فلها نصيب وافر في كل فن من الفنون وقد كان ذلك ألسباب نذكر منها :
- 1ما وهبها هللا من حدة ذهنها ،وقوة حافظتها ،واحتوائها dللعلم بهذه السرعة المذهلة ،فكانت تحفظ العلم
لسماعه ولو لمرة واحدة.
- 2المكانة االجتماعية المرموقة التي كانت احتلتها عائشة ،باعتبارها أ ّمًا للمؤمنين ،وزوجة للنبي الكريم
صلى هللا عليه وسلم ،فكان بيتها وحجرتها مقصدًا للوفود dوالوجهاء وأهل العلم من شتى أصقاع األرض،
وكانت تستفيد منهم في التخصصات المتصلة بالتاريخ واللغة والفصاحة والبالغة والشعر واألدب والطب.
- 3زواجها المبارك بالنبي الكريم ،عليه أفضل الصالة وأتم التسليم؛ وقد مكثت معه تنهل من معين النبوة
أكثر من ثماني سنوات ونصف سنة ،وكأن هللا أراد أن تكون هذه المرأة المباركة بوابة لعلم النبي صلى هللا
عليه وسلم ,فقد استثمر النبي صلى هللا عليه وسلم شباب عائشة وفطنتها dوحفظها فأعدها لتكون خيرمصدر
يرجع إليه المسلمون من بعده.
ولقد كان في نزول الوحي على النبي صلى هللا عليه وسلم وهو في لحاف عائشة دون غيرها من نسائه،
إشارة لها بأن تتجه بكل كيانها إلى تفهم رسالة زوجها dالعظيمة ،لتؤدي دورها في إرشاد المسلمين لكل ما
يُتلى في بيتها من آيات هللا والحكمة ،ولعل هذا من الحكمة في الزواج المبكر منها ،فقد كان لصغر سنها،
وصفاء ذهنها ،أكبر األثر في شخصيتها العلمية ،وإثراء معارفها ،وتنوع dثقافتها؛ وما من شك أن العلم في
الصغر كالنقش في الحجر كما يقال.
وقد dكان حبيبها صلى هللا عليه وسلم مهتما بها يُعلمها ،ويربيها ،ويخرج بها في مغازيه وأسفاره ،حتى
صارت أخبر الناس بتاريخ الرسول صلى هللا عليه وسلم خصوصًا ،وتاريخ المسلمين عمو ًما آنذاك ،ولم
ينتقل الرسول dصلى هللا عليه وسلم إلى جوار ربه حتى خلفها مرجعًا وحجةً يلجأ إليها الكبار والصغار
158
متعلمين مستفتين ،فقد أخذ عنها المسلمون في عهد أبي بكر ،واستشارها العلماء والفقهاء في عهد عمر
وعثمان وعلي ومعاوية ،إلى أن توفيت رضي هللا عنها .
- 4كونها ابنة أبي بكر ،رضي هللا عنه ,حيث تربت في بيت علم ومجد وفضل وأدب وقراءة ،وأبوهاd
من ُكتَّاب الوحي البارزين ،وهو ثاني رجل في األمة ،وهو نسَّابةُ العرب ،وصاحب أخبارهم وأيامهم d،وال
شك أن هذا أثَّر كثيراً في شخصية عائشة ،فعائشة -وإن ولدت في اإلسالم -إال أنها كانت مطلعة على
أخبار الجاهلية ،ومضطلعة بأيامها وعاداتها وثقافاتها ،كل ذلك قبل أن تدخل بيت النبي صلى هللا عليه
وسلم" ،و ال يعرف اإلسالم حق المعرفة من ال يعرف dالجاهلية" ،وكما قال عمر بن الخطاب رضي هللا
عنه" :إنما تنقض عُرى اإلسالم عروةً عروةً إذا نشأ في اإلسالم من ال يعرف الجاهلية " ،وهكذا فعائشة،
كانت تحكي عادات الجاهليين ثم تقارنها بنعمة اإلسالم.
هكذا كانت أ ُّم المؤمنين عائشةُ فريدةً في علمها ،و َموسُو ِعيَّةً في معلوماتها ،حريصة على النَّهْل من َم ِعين
النبوة ،و ُمطَّلِعة على عادات الجاهلية؛ إضافةً إلى أنها ألمـــ َّ ْ
ت إلمامةً جميلةً بعُلوم أخرى ،كاللغة ،واألدب
والشعر ،والفصاحة والبالغة؛ حتى أصب َح ْ
ت أستاذةَ عصرها بعد النبي صلى هللا عليه وسلمفي المدينة،
راجع ،وتُسأل عن الغوامض من المسائل؛ حتى الخلفاء واألمراء يرجعون إليها،
يُشار إليها بالبنان ،وتُ َ
فضالً عن العلماء وطالب العلم.
فقد كانت مكانتها في المدينة مع الفقهاء الكبار ،كعبد هللا بن عمر ،وأبي هريرة ،وابن عباس ،في مقام
األستاذ من تالميذه ،تُ َو ِّجهُهُم dوترشدهم ،وتحل لهم ما يشكل عليهم .بل كان عمر بن الخطاب وهو المحدث
الملهم يحيل عليها كل ما تعلق بأحكام النساء ،أو بأحوال النبي البيتية ،ال يضارعها في هذا االختصاص
أحد من النساء على اإلطالق .إلى درجة قال الحاكم في مستدركه :إنه قد نقل عنها وحدها ربع الشريعة.
وإذا أردنا معرفة مبلغ علم عائشة وتمكنها من دقائقه وغوامض مسائله فاستمعوا وأصغوا dألبي موسى
وسلمحديث ُّ
قط فسألنا عائشةَ ٌ أصحاب ُم َح َّم ٍد صلى هللا عليه
َ األشعري dحيث يصفها بقوله" :ما أشكل علينا
إال وجدنا dعندها منه عل ًما" أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب.
وكذلك قول الزهري" :لو جُمع علم الناس كلهم وأمهات المؤمنين لكانت عائشة أوسعهم عل ًما" .وقول
مسروق" :وهللا لقد رأيت أصحاب محمد صلى هللا عليه وسلم األكابر يسألونها dعن الفرائض" .وقول
عر من عائشة" .وقول أبي ال ِّزناد" :ما كان ينزل بها شي ٌء
عروة" :ما رأيت أحدًا أعلم بفق ٍه وال طبٍّ وال ِش ٍ
إال أنشدت فيه شعرًا" .وقول dمعاوية" :وهللا ما سمعت قط أبلغ من عائشة ،ليس إال رسول dهللا".
وفي dالطبقات الكبرى البن سعد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ،قال" :ما رأيت أحداً أعلم بسنن رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم ،وال أفقه في رأي إن احتيج إلى رأيه ،وال أعلم بآية فيما نزلت ،وال فريضة ،من
عائشة".
159
هكذا أصبحت عائشة بحرًا ال ساحل له في العلم ،وجبالً أش َّم في كل فن من فنونه ،واألعجب أن كل هذا
حصل وهي لم تتجاوز dالثامنة عشرة من عمرها! فاسمعوا معاش َر الشباب واسمعن معاشر الفتيات ،فَلَ ُك َّن
في عائشة وتجربتها dقدوة وأسوة ،فقفوا مع سيرتها ،وانظروا dفي تفاصيل مسيرتها d،ففيها كنوز dودروس
وعبر ،لكنها عبر للجادين من أصحاب الهمم والعزائم.
وقد dألّف بدر الدين الزركشي كتابًا قصره على موضوع dواحد هو استدراكات dعائشة على الصحابة،
أسماه" :اإلجابة ..إليراد ما استدركته عائشة على الصحابة" ،وهو مطبوع متداول ،قال المؤلف في
مقدمته" :هذا كتاب أجمع فيه ما تفردت به الصدِّيقة ،أو خالفت فيه سواها برأي منها ،أو كان عندها سنة
بينة ،أو زيادة علم متقنة ،أو ما أنكرت فيه على علماء زمانها ،أو رجع فيه إليها أجلة من أعيان أوانها ،أو
حررته من فتوى ،أو اجتهدت فيه من رأي رأته أقوى."..
وأورد dالزركشي dاستدراكها على ثالثة وعشرين من أعالم الصحابة ،مثل عمر وعلي وعبد هللا بن عباس
رضي dهللا عنهم .وبلغ عدد استدراكاتها dتلك تسعة وخمسين .فيا لها من عالمة فقيهة! ففي طبقات ابن سعد
عن القاسم بن محمد بن أبي بكر ،قال عن عمته عائشة" :كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خالفة أبي
بكر وعمر وعثمان وهلم جراً ،إلى أن ماتت يرحمها هللا."..
وأما االجتهاد والرأي فهي من القالئل المبرزين في هذا الباب ،بل كانت لديها جرأة أدبية في إبراز رأيها
ونقدها لآلراء مهما كان مخالفها ،بل تنتقد بعض النصوص التي ترى أنها تعارض القواعد الثابتة في
وهم من الراوي ،أو عدم فهمه النصوص على الوجه الصحيح ،فقد روى أبو داود بإسناد
ب ٍ الدين ،إما بسب ِ
ح َس ٍن عن الزهري أنه قال" :إنها كان رجلة الرأي" ،يعني أنها رجلة في العلم والرأي ،وهذا محمود ال
مذمومd.
ثم هي في علم التفسير وأسباب النزول صاحبة رايته ،وإليها المنتهى والقبول ،وقد استعرض أحد الباحثين
ما ورد عنها من مرويات تفسيرية في سورتي dالفاتحة والبقرة ومن خالل كتاب واحد فقط وهو(الدرd
المنثور) فوجد dفيهما ما يزيد على مائتي حديث عن أم المؤمنين ،فكم تكون إ ًذا مروياتها في جميع السور؟d.
وأما الحديث فهي البارعة المتقنة فيه وفي dفهمه ،يقول البيهقي" :عائشة أول من كشف العمى عن الناس،
وبيَّنَت لهم السنة" ،فهي تعتبر dمن الم ْكثِرين في الحديث ،وقد عدها ابن حزم في المرتبة الرابعة من بين
الصحابة المكثرين للرواية؛ ومن تأمل كتب السنة والمسانيد علم صدق ذلك .يقول الحافظ الذهبي" :مسند
عائشة يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث ،اتفق البخاري ومسلم لها على مائة وأربعة وسبعين حديثًا،
وانفرد البخاري dبأربعة وخمسين ،وانفرد مسلم بتسعة وستين.
أيها المؤمنون والمؤمنات! هذه هي عائشة ،وهكذا كان علمها وسعة فقهها وثقافتها ،فأين نحن من االقتداء
بها وبعلمها؟ بل أين الكثير من األمهات والبنات ولو من القليل من العلم؟ فلن يصلح حالنا أبدًا إذا كانت
األمهات جاهالت ،والبنات غافالت ،ليس لهن نصيب في العلم.
160
فمن دعائم ريادتنا dوقيادتنا dفي صدر dاإلسالم مشاركة النساء والرجال معًا ،كلٌّ بما يستطيع ،وفي المجال
الذي يُبدع ،فلم يبنوا مجدهم على عواتق الرجال وأسود dالمعارك واألبطال فقط ،بل كانت وراء كل بطل
و َشهٍْdم امرأة صابرة محتسبة بذلت الغالي والنفيس ،حتى وصل إلى ما وصل هذا العالم أو ذاك البطل.
ومن قرأ سيرة أمهات المؤمنين والصحابيات ،وأم الشافعي ،وأم أحمد بن حنبل ،وغيرهن من النساء
المسلمات الرائدات ،عرف صدق ما أقول.
أقول ما تسمعون ،وأستغفر هللا لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ،فاستغفروه ،إنه هو الغفور الرحيم .
161
المشاركة الثالثة والعشرون :أم المؤمنين
خديجة رضي الله عنها
ألقي هذا العرض بمقر مركز التربية والتكوين .
النهضة بأبي الجعد بتاريخ 2008 – 03 – 14م
162
أرسلته قريش إلى اليمن لتهنئة سيف بن ذي يزن عندما انتصر على األحباش وطردهم من اليمن بعد عام
الفيل بسنتين.
أُمها :فاطمة بنت زائدة بن األصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر
بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن
ولدت خديجة بنت خويلد في مكة قبل والدة الرسول محمد بخمسة عشر عامًا ،أي على وجه التقريب
ولدت في عام 556م،و ونشأت وترعرعت في بيت َجا ٍه ووجاهة وإيمان وطهارة سلوك ،حتى سميت
بالطاهرة وعرفت بهذا اللقب قبل اإلسالم ،وكانت كثيرً ا ما تتردد على ابن عمها ورقة بن نوفل تعرض
عليه مناماتها ،وكل ما يمر بها من إحساس ورؤيا تراها ،أو هاجس تحس به.
زواجها :ما إن بلغت خديجة سن الزواج حتى أصبحت محط أنظار شباب قريش وأشرافـ العرب ،فقد
كانت فتاة راجحة العقل كريمة األصل ومن أعرق بيوت قريش نسبًا ،فتزوجها أبو هالة بن زرارة بن
النباش التميمي ،وعاشت معه مدة ليست بالطويلة ،ورزقتـ منه بولدين هما :هند وهالة ،ثم ُتوفي تار ًكا
لها ثروة ضخمة ،ثم تزوجت من بعده بعتيق بن عائذ المخزومي،ـ ثم طلقها وقيل :بل ُتو ِّفيـ عنها بعد أن
رزقت منه ببنت اسمها هند ،قال اإلمام الذهبي« :كانت خديجة أواًل تحت أبي هالة بن ُزرارة التميمي ،ثم
خلف عليها بعده عتيق بن عابد بن عبد هللا ابن عمر بن مخزوم ،ثم بعده النبي ،فبنى بها وله خمس
وعشرون سنة ،وكانت أسنّ منه بخمس عشرة سنة» ،
عاشت خديجة مع الرسولـ صلى هللا عليه وسلم خمسة عشر عامًا قبل بعثته ،أحاطته بكل رعاية وعناية
واهتمام ،وكانت هذه السنوات هي السنوات التي شغلت فيها خديجة بإنجاب أوالدها باستثناء عبد هللا الذي
ولد بعد البعثة ،فقد رزقتـ بأبنائها زينب ورقية وأم كلثوم ،والقاسم الذي كان يكنى به الرسولـ عليه
الصالة والسالمـ ،وفاطمة الزهراء ،ثم عبد هللا الذي عرف بالطيب الطاهر ،كانت خديجة منشغلة بتربية
أوالدها ،ثم شاء هللا أن يتوفىـ القاسم ،وفي هذه الفترة طلب الرسول عليه الصالة والسالم من عمه أبو
طالب وقد الحظ كثرة األوالد عنده أن يعطيه عليًا ليربيه ،أراد التخفيف عليه ،وقامت خديجة برعايته أتم
رعاية ،وعندما مات العوام بن خويلد خلّف ورائه الزبير وهو ابن سنتين ،فقررت خديجة أن تكفله
وترعاه ،فنشأ الزبير بين بيت عمّته خديجة وبين بيت أمه صفية بنت عبد المطلب عمّة الرسول ،ثم لما
قدم حكيم بن حزام بن خويلد من الشام برقيقـ فيهم زيد بن حارثة وصيف،ـ دخلت عليه عمته خديجة،
وهي يومئذ عند رسول هللا ،فقال لها :اختاري يا عمة أي هؤالء الغلمان شئت فهو لك ،فاختارت زيداً
فأخذته ،فرآه رسول هللا عندها ،فاستوهبه منها ،فوهبته له ،فاعتقه رسول هللا وتبناه ،وذلك قبل أن يوحى
163
إليه ،فكان بمثابة االبن من خديجة ،ورعته خير رعاية ،وكانت لهذه التربية الصالحة األثر العظيم في
اتباع هؤالء األشخاص لنور اإلسالم ،فـ"علي" أول من أسلم من الصبيان ،و"الزبير" من أوائل من دخل
في اإلسالم .وزيد بن حارثة ثاني من أسلم من الرجال بعد علي.
كان الرسول عليه الصالة والسالم يواصل مسيرته باالختالء بنفسه ،وبتعبده في غار حراءً
بعيدا عن
الناس ،وكانت خديجة مشغولة باألسرة وتوفيرـ ما يلزمها ،في الوقت الذي كانت تشتغل فيه بتجارتها التي
تنفق منها على األسرة ،ومع ذلك كانت تذهب إليه في غار حراء لتوفرـ له األكل والشرب ،قال ابن حجر
العسقالني« :كانت حريصة على رضاه بكل ممكن ،ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع
لغيرها» ،روى الفاكهاني عن أنس بن مالك قال« :أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان عند أبي طالب،
فاستأذنه أن يتوجه إلى خديجة فأذن له ،وبعث بعده جارية له يقال لها نبعة فقال لها :انظري ما تقول له
خديجة ،قالت نبعة :فرأيت عجبًا ،ما هو إال أن سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيده فضمتها
إلى صدرها ونحرها ثم قالت :بأبي وأمي ،وهللا ما أفعل هذا لشيء ،ولكني أرجو أن تكون أنت النبي
الذي ستبعث ،فإن تكن هو فاعرفـ حقي ومنزلتي وادع اإلله الذي يبعثك لي ،قالت :فقال لها :وهللا لئن
كنت أنا هو قد اصطنعت عندي ما ال أضيعه أب ًدا ،وإن يكن غيري فإن اإلله الذي تصنعين هذا ألجله ال
يضيعك أب ًدا»
الوحي :عندما حُبب إلى الرسول الخلوة ،صار يتجه لغار حراء يعتكفـ متأماًل ويتعبدـ متبتاًل ،وكان
موقفـ خديجة موقفـ المعين الداعم ،فكانت تعد له ما يحتاجه في خلوته من طعام وشراب ومهادُ ،تجهزه
قبل خروجه ،وتحمل إليه إن طالت غيبته ما يكفيه من مؤونه ،وفي بعض األحيان تصحبه في خلوته،
تخدمه وتؤنسه وتسقيه وتطعمه ،ولما أصبح في عقده الرابع بدأت تظهر له المبشرات ،يسمعها أو يراها،
ً
يقظة أو منام ًنا ،مثل سماعه نداء يأمره بستر عورته حين كان يحمل الحجارة من أجياد لبناء الكعبة،
ومثل تسليم الحجر والشجر عليه ،ومن ذلك ما رواه عمرو بن شرحبيل أن الرسول قال لخديجة« :إني
إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد وهللا خشيت أن يكون هذا أمرً ا ،فقالت : معاذ هللا ما كان هللا ليفعل بك،
فوهللا إنك لتؤديـ األمانة ،وتصل الرحم ،وتصدقـ الحديث» ،وعن عبد هللا بن أبي بكر بن عمرو بن حزم
قال« :كان من بدء أمر رسول هللا أنه رأى في المنام فشقـ ذلك عليه ،فذكر ذلك لصاحبته خديجة بنت
خويلد فقالت :أبشر فإن هللا ال يصنع بك إال خيرً ا»،وكان الرسول كلما رأى رؤيا قصهاـ على خديجة ،فقد
روىـ محمد بن يوسفـ الصالحيـ الشامي« :رأى رسول هللا مر ًة في منامه أن سقف بيته نزعت منه
ضة ،ثم نزل إليه رجالن ،فأرادـ أن يستغيث فمُنع من الكالم ،فقعد أحدهما
خشبة ،وأدخل فيه سل ٌم من ف َّ
إليه واآلخر إلى جنبه ،فأدخل أحدهما يده في جنبه فنزع ضلعين منه ،فأدخل يده في جوفه ،ورسول هللا
رجل صالح ،فطهر قلبه
ٍ يجد بردهما ،فأخرج قلبه فوضعه على كفه ،فقال لصاحبه :نعم القلب قلب
164
وغسله ،ثم أدخل القلب مكانه ،ور َّد الضلعين ثم ارتفعا ،ورفع سلّمها ،فإذا السقف كما هو ،فذكرـ ذلك
لخديجة فقالت له :أبشر فإن هللا ال يصنع بك إال خيرً ا ،هذا خير فأبشر».ـ
وروى البخاريـ في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت« :أول ما بدئ به رسول هللا من الوحي
الرؤياـ الصادقة في النوم ،فكان ال يرى رؤيا إال جاءت مثل فلق الصبح ث ّم حُبب إليه الخالء ،وكان يخلو
بغار حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد -الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى
خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال :اقرأ ،قال :ما أنا بقارئ،
قال :فأخذني فغطنيـ حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال :اقرأ ،قلت :ما أنا بقارئ ،فأخذني فغطنيـ الثانية
حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلنيـ فقال :اقرأ ،فقلت :ما أنا بقارئ ،فأخذنيـ فغطني الثالثة ثم أرسلنيـ
ان مِنْ َعلَ ٍق ا ْق َر ْأ َو َرب َ
ُّك اأْل َ ْك َر ُم الَّذِي َعلَّ َم ِب ْال َقلَ ِمَ علَّ َم فقال " :ا ْق َر ْأ ِباسْ ِم َر ِّب َ
ك الَّذِي َخلَ َقَ خلَ َق اإْل ِ ْن َس َ
ان َما لَ ْم َيعْ لَ ْم " فرجع بها رسول هللا يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال :زملوني، اإْل ِ ْن َس َ
زملوني،ـ فزملوه حتى ذهب عنه الروع ،فقال لخديجة وأخبرهاـ الخبر :لقد خشيت على نفسي ،فقالت
خديجة :كال وهللا ما يخزيك هللا أب ًدا ،إنك لتصل الرحم وتحمل ال َكل وتكسب المعدومـ و ُتقري الضيف
و ُتعين على نوائب الحق ،فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفلـ بن أسد بن عبد العزى ابن عم
خديجة ،وكان امرءاً قد تنصرـ في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني ،فيكتب من اإلنجيل بالعبرانية ما
شاء هللا أن يكتب ،وكان ً
شيخا كبيراً قد عمى ،فقالت له خديجة :يا ابن عم ،اسمع من ابن أخيك ،فقال له
ورقة :يا ابن أخي ،ماذا ترى؟ فأخبره رسول هللا ما رأى ،فقال له ورقة :هذا الناموس الذي َّ
نزل هللا على
موسى ،يا ليتني فيها جذعا ً ليتني أكون حيا ً إذ يخرجك قومك ،فقال رسول هللا :أو م ِ
ُخر ِجيَّ هم؟ قال :نعم،
لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إال عُودي ،وإن يدركنيـ يومك أنصرك نصرً ا مؤزرً ا ث ّم لم ينشب ورقة
أن توفي و فتر الوحي. ».
وبهذا كانت خديجة أول من آمن ،وأول من ثبت ،وأول من توضأ وأول من صلى،
وفاتها :توفيت خديجة بنت خويلد بعد وفاة عم النبي أبو طالب بن عبد المطلب بثالثة أيام وقيل بأكثر من
ذلك ،في شهر رمضان قبل الهجرة بثالث سنين عام 620م ،ولها من العمر خمس وستون سنة ،وكان
مقامها مع رسول هللا بعدما تزوجها أربعً ا وعشرين سنة وستة أشهر ،ودفنها رسول هللا بالحجون ولم تكن
الصالة على الجنائز يومئذ ،وحزن عليها النبي ونزل في حفرتها ،وتتابعت على رسول هللا بموت أبي
طالب وخديجة المصائب ألنهما كانا من أشد المعضدين له المدافعين عنه ،فاشتدـ أذى قريش عليه حتى
نثر بعضهم التراب على رأسه وطرح بعضهم عليه سلى الشاة وهو يصلي ،وسُمي العام الذي مات فيه
ينس رسولـ هللا محبته لخديجة بعد وفاتهاـ وكان دائما يثني عليها ولم
أبو طالب وخديجة بعام الحزن ،ولم َ
165
يتزوج عليها حتى ماتت إكراما لها ،وقد كانت مثال الزوجة الصالحة الوفية ،فبذلت نفسها ومالها لرسول
هللا وصدقته حين نزل عليه الوحي.
فقه خديجة :كان َيظه ُر على خديجة رجاحة الرأي وحسن التدبير وصواب المشورة في حياتها قبل
زواجهاـ من الرسول ،وفي اختيارهاـ للرسولـ زوجً ا لها ،ثم في حياتها معه حتى وفاتها ،وكان الرسول
يأنس بمشورتهاـ ويحرص على عرض األمور عليها واالستئناسـ برأيها ،ومن تتبع بعض الحوادث التي
عرضت عليها وأبدت فيها رأيًا أو أشارت به ،وُ جد في ذلك فقهًا وفكرً ا وحصافة تميزت به في
فترة البعثة النبوية ،ومن نماذج فقهها:
من فقه خديجة وحصافتها أنها ما إن سمعت بالرسول وسيرته اقتربت منه ،وحرصت على أن
تربطهاـ معه عالقة عمل ،وكان بعدها زواجهاـ منه.
أجمع أهل السير والمؤرخون أن أول من آمن بالرسولـ هي خديجة ،ولم يكن إيمانها إيمان عاطفة،
بل كان إيمان بصيرة ويقين وتصديق،ـ ومنه موقفها من الوحي :لما رجع الرسولـ من غار حراء
ترجف بوادره ،دخل على خديجة فقال :زملوني ،زملوني،ـ فزملوه حتى ذهب عنه الروع ،فقال
لخديجة :أي خديجة ما لي لقد خشيت على نفسي ،فأخبرها الخبر ،قالت خديجة :كال أبشر فوهللا ال
يخزيك هللا أبدا ،فوهللا إنك لتصل الرحم وتصدقـ الحديث وتحمل الك َّل وتكسب المعدوم وتقري
الضيف وتعين على نوائب الحق.
ومن مظاهرـ فقه خديجة ،أنها ذهبت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وهي تعرف ما لديه من العلم وما
له من دين ،وطلبت منه أن يسمع الرسول ويقص عليه ما رأى وما سمع ،وكان جواب ورقة :قدوس
قدوسـ إنه الناموس الذي نزل على موسى ،وإنك يا محمد نبي هذه األمة ،وكانت هذه الكلمات تأكي ًدا
وتوثي ًقاـ لشعورها وحدسهاـ بأن محمد رسول هللا.
ذهبت خديجة ذات مرة للرسول في غار حراء تحمل معها الماء والزاد ،فأتى رسول هللا جبريل
فقال« : يا محمد ،هذه خديجة تحمل حيسا في حالب ،وقدـ أرسلني هللا إليها بالسالم ،فجاءت خديجة
فقال لها الرسول :معك حيس ،قالت :نعم يا رسول هللا ،قال :إن جبريل أخبرني ذاك وأخبرنيـ أن هللا
أرسله إليك بالسالم ،فقالت خديجة :يا رسول هللا ،هللا السالم ومنه السالم وعلى جبريل
السالم» ،يظهر فقه خديجة في تأدبهاـ مع هللا ،فلم تقل على هللا السالم ،وإنما قالت هللا السالم وعلى
جبريل السالم .
166
قال ابن حجر العسقالني« :قال العلماء في هذه القصة دليل على وفور فقهها ألنها لم تقل وعليه
السالم كما وقع لبعض الصحابة حيث كانوا يقولون في التشهد السالم على هللا ،فنهاهم النبي وقال:
إنّ هللا هو السالم فقولوا التحيات هلل ،فعرفتـ خديجة لصحة فهمها أنّ هللا ال يُرد عليه السالم كما يُرد
على المخلوقين ألنّ السالم اسم من أسماء هللا ،وهو أيضا ً دعاء بالسالمة وكالها ال يصلح أن يرد به
على هللا ،فكأنها قالت :كيف أقول عليه السالم ،والسالمـ اسمه ومنه يطلب ومنه يحصل ،فيستفاد منه
أنه ال يليق باهلل ،إال الثناء عليه ،فجعلت مكان رد السالم عليه الثناء عليه ثم غايرت بين ما يليق باهلل
وما يليق بغيره ،فقالت :وعلى جبريل السالم ثم قالت :وعليك السالم ،ويستفاد منه رد السالم على من
أرسل السالم وعلى من بلغه ،والذي يظهر أنّ جبريل كان حاضراً عند جوابها فر ّدت عليه وعلى
النبي مرتين ،مرة بالتخصيص ومرة بالتعميمـ ثم أخرجت الشيطان ممن سمع ألنه ال يستحقـ الدعاء
بذلك».
فضلهاـ :لخديجة بنت خويلد مكانة كبيرة وفضلـ عظيم عند المسلمين ،فهي أول الناس إيما ًنا بالرسول ،ولم
يتزوج عليها في حياتها ّ
قط ،وال تسرّى بامرأة حتى فارقتـ الدنيا ،وهي خير نساء األمة مطلقاً ،فقد روى
البخاريـ في صحيحه عن علي بن أبي طالب قال قال رسول هللا« :خير نسائها مريم ،وخيرـ نسائها
خديجة».
167
ألقيت هذه الندوة بمسجد التقوى بأبي الجعد
بتاريخ 2015 – 10 – 15م
168
تعريفـ الوالية :الوالية لغة :يقال وليه يليه بكسر الالم فيهما ،وأوليته الشيء فوليه وكذلك ولِـى الـوالي
ً
والية فيهما ..ووالَّه األمير عم َل كذا ،وواله بيع الشيء ،وتولَّىـ العم َل أي تقلَّد . البلد ،وولِىـ الرج ُل البيع
والوالية بالكسرـ االسم ،مثل اإلمارة والنقابة ،ألنه اسم لمـا توليته وقمت به.
والوالية بالفتح المصدرِ ،
واصطالحاً :لقد اختلفت عبارات العلماء من حيث اللفظ ال المعنى في تحديد مفهوم الوالية ،سواء كانت
الوالية عامة أو خاصة .فقال الماوردي(:إن اإلمامة موضوعة لخالفة النبوة في حراسة الـدين وسيا سة
الدنيا ,قال ابن خلدون( :هي حمل الكا َّفة على مقتضى النظر الشرعي في مـصالحهمـ األخروية والدنيوية
الراجعة إليها ..فهي في الحقيقة خالفة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به) .وقال
عضد الدين اإليجي(:وهىـ خالفة الرسـول صلى هللا عليه وسـلم في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة ،بحيث
يجب إتباعه على كافة األمة) .وقال المناوي( :والوالية في الشرع هي تنفيذ القول على الغير ،شـاء
الغيـر أم أبى) .ويمكن القول أن الوالية هي "كل من ولِي أو ملَك أمور العامة ،سواء كانت والية عامة
أو خاصة" .ومن خالل النظر في هذه التعاريفـ يتبين لنا عدة أمور:
1-أن مفهوم الخالفة يمتزج بمفهوم اإلمامة والوالية ،ولذا فإن العلمـاء حينمـا يتحدثون عن اإلمامة فإنما
يقصدون بها الخالفة ،وعندما يتحدثون عـن الخالفـة فإنهم يعنون بها اإلمامة.
2-أن الوالية سميت بهذا االسم نسبة ألن الوالي تحصل عليها إما بتوليـة مـن الوالي األكبر أو بتولية من
أهل الح ِّل والعقد أومن عامة الناس ،أو تحصل عليها عن طريقـ الغلَبة ،وهذه هي طرقـ تولِّي الوالية.
وألن الوالي يلي أمـور النـاس ويرعاها.
3-أنه يجب على من ولِي أمراً من أمور المسلمين أن يعمل على حماية الـدين والدفاع عنه ،وأن
يرعى مصالح الناس الدنيوية ،ويسعى إلـى تطويرهـا إلـى األفضل.
4-أنه يجب على الناس طاعة ولي األمر والتزام قوله في غير معصية ،ألن له القول النافذ والسيطرة
التامة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به.
حكم الوالية :لقد تحدث العلماء عن حكم تنصيب ولي األمر ،سواء كان صاحب والية عامة أو خاصة،
واستقر رأيهم على أن ذلك واجب على األمة ،فال يحل لها أن تتوانى عن تحقيق هذا الواجب في حياتها،
وهي آثمة إذا لم تقم به .وإذا خال عصر من العصور أو فترة من فترات حياتها من وجودـ الوالية
واإلمامة ،فإن جميع أفراد األمة آثمون ،وال يخرجون من هذا اإلثم إال بالعمل الجاد على تحقيق الوالية
في حياة األمة .وهذا الحكم مستنبط من الكتاب والسنة وإجماع علماء األمة
169
َ ُ َ َ
.أوالً :من الكتاب العزيز " :يا أيها الذين آم ُنوا أطيعواـ هللاَ وأطيعوا الرسـو َل وأولـىـ األ ِ
مـرمنكم" وجه
االستدالل في هذه اآلية :أن هلل سبحانه وتعالىـ أوجب على المـسلمين طاعـة أولي األمر منهم ،وهذا
الواجب ال يتحقق إال بتنصيب أمير عام ،وهو بدوره يقـوم باختيار من يساعده في إدارة البالد وتدبيرـ
شئون الحياة
ثانياً :من السنة المشرفة- ١ :أخرج أبو داود في سننه من حديث أبي سعيد ال ُخدري رضـيـ اهلل عنـه أن
سفر َف ْليؤمروا أحدهم" .فالحديث يدل على ٌ
ثالثة في ٍ رسو َل هللا صلَّى هللاُ عليه وسلم قال "إذا خرج
وجوب تأمير أمير على جماعة قليلة كالثالثة في الـسفر ،فمن باب أولى أن يتأكد الوجوب في حق
الجماعة الكبيرة
إن الوالية أواإلمامة لها أهمية كبرى في اإلسالم ،وتظهر هذه أهمية الوالية وأهدافها :
األهمية من خـالل مـا يلي:
1-أن اإلسالم نظام شامل ومتكامل ،جاء ليحكم كا َّفة أنواع السلوك اإلنساني ،الفردي والجماعي ،وقد
اهتم بتنظيم عالقة الدولة باألفراد وبالدول،ـ وعالقة الحـاكم الـسياسيـ والمسؤول اإلداريـ بالرعية ،لهذا
فاإلسالمـ ال يفصل بين الدين والدولـة ،بـل يمـزج بينهما.
2-أن الوالية هي رئاسة شاملة ألمورـ الدين والدنيا ،نيابة عن رسولـ هللا صـلى هللا عليه وسلم في
حراسة الدين وسياسة الدنيا به.
3-أن النصوص تظافرتـ على وجوب أن يكون للمسلمين إمام يرعى حقوقهمـ ويدبر أمورهم ،ويقيم
شرع هللا في الناس .قال الجرجاني:ـ (إن نصب اإلمام من أتم مـصالح الناس وأعظم مقاصد الدين
- 4أن الوالية واإلمامة فيها كرامة الناس جميعاً ،وعزة اإلنسان وحريته مهمـا كـان معتقده أو رأيه ،
تنمي فيهم اإلحساس بقدسية إنسانيتهم ،وتأخذ بأيـدهم نحـو العـزة والكرامة
5-أن الوالية واإلمامة هي ثمرة رسالة اإلسالم وأولى عراه ،ضامنة العدل والكرامة ،وألننا في ظ ِّل
غيرها عشنا وسنعيش الضنك والجور والمذلة ،وقـد تح َّكـم وسـيتح َّكمـ أعداؤناـ في مقدراتنا ،وسنظل
َّ
تتعطل طاقاتنا وتتبدد ثرواتناـ ويـصيبناـ الـشقاق وسوء األخالق. ضعفاء
6-أن الوالية واإلمامة هي نداء هللا الخالد آلدم عليه السالم وذريته من بعده ،عنـدما قال" :إ ِّني جاع ٌل في
رض خليفة "األَ ِ
170
7-أن الوالية واإلمامة سبب في لم شمل األمة ووحدتها ،وبدونهاـ تعيش األمة ممزقة األهواء واألجواء
،تفصل بينها حدود جغرافية ونعرات قومية ،وتصبح كاأليتام علـى مأدبة اللئام ،بل كالغنم الشاردة في
الليلة الشاتية .وأكبر دليل على ذلك ما حدث للمسلمين بعد سقوط الخالفة العثمانيـة فـي عـام 1343هـ.
وإن كنا نعترف بكثرة مساوئهاـ إال أنه يجب االعتراف بأنها استطاعت أن تحمي ديار المسلمين وتذودـ
عن مقدساتهمـ وتحـارب االسـتعمار.
الخالفة :لقد بدأ بعض الصحابة ي َّتجهون بقلوبهم وعقولهم وأفكارهمـ إلى موضوعـ خالفة النبي نشأة
صلى هللا عليه وسلم ،في تولِّي أمر المسلمين أثناء مرضه الذي انتقـل فيـه إلـى الرفيق األعلى .فطابع
المرض وما يمليه من احتمال الفراق هو الذي أوحـى بهـذا التفكير .وهذا تصرفـ طبيعي ال غبار عليه،
وبخاصـة إذا كـان المـريض مـن الشخصيات التي لها أثر في الجماعة ،فما بالك بالرجل األول فيها
صلى هللا عليـه وسلم ,والدليل على نشوء فكرة الخالفة أثناء مرض النبي صلى هللا عليه وسلم أمران:
1-ما نراه من إسراع أحد الفريقين الرئيسين في الجماعة المسلمة-وهـم طائفـة األنصار-إلى عقد اجتماع
لبحث هذا األمر ،بينما ال يزال الجسد الشريف الطـاهر مسجى في فراشه .إن هذه المبادرة تشعر بأن
هذه الفكرة ليست وليدة الساعة ،بل كانت ْ
تخ َتمـر فـي أذهانهم ،إن لم نقل كانت مجال أحاديثهمـ قبل وفاة
رسول هللا صلى هللا عليه وسـلم على وجه التأكيد .ولعل طموح سيد الخزرج سعد بن عبادة رضي هللا
عنه في الخالفة ،والذي كان عالقا ً في نفسه قبل اإلسالم ،هو الذي دفعه إلى استعجال قومه ومشايعيهمـ
للمبايعة له ،أثناء انشغال الناس بوفاة رسولـ هللا ،حتى يظفر بتأييدهم ،فيضعـ بقي َة المسلمين أمام األمر
الواقع.
2-ما روي عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن علي بن أبي طالب رضي هللا عنه خرج من عند رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم في وجعه الذي ُتو ِّفي فيه ،فقال الناس :يا أبا حسن ،كيف أصبح رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم؟ فقال :أصـبح بحمـد هللا بارئاً ،فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له :أنت وهلِلا بعد
ثالث عبـد العـصا ،وإ ِّني وهللا ألرى رسو َل هللا صلى هللا عليه وسلم سوف يتو َّفىـ من وجعه هذا إ ِّنـي
ألعرفُ وجوه بني عبد المطلب عند الموت ،اذهب بنا إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ْفل ْ
نسأله فيمن
هللا لئن سألناها رسو َل هللا صلى هللاهذا األمر ،إن كان فينا علمنا ذلك ،وإن كان في غيرنا علمنـاه :إ َّنا و ِ
عليه وسلمـ فم َنع َناها فأوصىـ بنا ،فقال علي ال يعطيناها الناس بعده ،وإ ِّني وهللا ال أسأَلُها رسو َـل هللا صلى
هللا عليه وسلمـ .وهذا يبين لنا أن فكرة الخالفة كانت ْ
تخ َتلج في صدر العباس رضي هللا عنه وغيره من
الصحابة ،أثناء مرض رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وما كـاد رسـول هللا صلى هللا عليه وسلمـ ينتقل
إلى الرفيق األعلى حتى وجد المـسلمون أنفـسهم أمـام مسئولية جسيمة ،بدأت بالرغبة في تعيين خلف له
171
يتولَّى أمر المسلمين .ونظراًـ لعدم وجودـ معيار محدد لهذا الشأن ،فإن بعض النفوس كانت تواقة إليـه ,
وبما أن اإلسالم يحترم العقل ويطبعـ أفراده على إجالل حرية التفكير ،ويطلب منهم المشاركة في مختلف
شئون الحياة ،فإن وجهات النظر قد تعـددت منـذ اللحظـات األولى التي اجتمع فيها ممثلو طوائفـ
المسلمين في سقيفة بني ساعدة ،و رغم غياب بعض كبار الصحابة عن االجتماع النشغالهمـ بوفاة رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم ،إال أن االجتماع قد نجح بصورة منقطعة النظير ،ودار فيه حوار ب َّناء بين
أصحاب اآلراء المتباينة ،حول أهم موضوعـ يشغل بال األمة ،مما جعـل االجتمـاع أشـبه بجمعية تأسيسية
تبحث عن مستقبل أمة اإلسالم .وقدـ ظهرت في هذا االجتماع اتجاهات ثالثة ،على الوجه التالي:
االتجاه األول :أحقي ُة المهاجرين في الخالفة ،وذلك ألنهم أول من آمن برسـول هللا صلى هللا عليه وسلم،
وهم آله وعشيرته ،والصابرونـ معه في البأساء والـضراء ،وألنهمـ ينتمون إلى قريش ذات المكانة العالية
بين مختلف القبائل العربية .ولهذا قال أبو بكر رضي هللا عنه لألنصار( :نحن األمراء وأنتم الـوزراء،
أوسط العرب داراً وأعبهم أحساباً)) أخرجه البخاري في صحيحه -كتاب المغازي -باب مرض ُ فـنحن
النبي صلى هللا عليه وسـلم ووفاتـه ٢٣٧٤.
االتجاه الثاني :أحقي ُة األنصارـ في الخالفة ،وذلك ألنهم أصحاب دار الهجرة ،التـي لجأ إليها رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم ،ومن معه من المـؤمنين ،وألنهـم آزروا ونصروا ودافعوا عن اإلسالم .ولهذا قال
أحدهم( :نحن أنصارـ هللا وكتيبة اإلسـالم أنتم معشر المهاجرين رهط منا ،وقد دفت دافة من قومكم ،فـإذا
هـم يريـدون أن يختزلوناـ من أصلنا ،وأن يحضونا من األمر.
.االتجاه الثالث :المشاركة بين المهاجرين واألنصار في الخالفة ،وذلك بأن يعين من كل فريقـ أمير.
وهو االتجاه الذي نادى به بعض األنصارـ وعلى رأسهم الحباب بن المنذر ،لكن المجتمعين رفضواـ مبدأ
تعدد اإلمارة ،واقتنعوا بالحجج التي ساقها المهـاجرون وعلى رأسهم أبي بكر وعمر -رضي هللا عن
الصحابة أجمعين .-وبعدهاـ سـلكوا طريقـ االختيار الحر للخليفة بواسطة البيعة ،والتي من خاللها أقدمـ
المسلمون علـى مبايعة أبي بكر رضي هللا عنه .وفيـ اليوم التالي تمت البيعة العامة في المسجد ،ولم
يتخلَّف عنها سوى بضع ُة أفرادـ بايعوه بعد ذلك .إذاً نستطيع القول :أنه بمجرد اختيار أبي بكر رضي هللا
ً
خليفة للمسلمين ،هدأت نفوس المسلمين المتنازعين على الخالفة ،وعادوا إلى وحـدتهم وعاد الود عنه
ً
متراصة كالجسد الواحد ،ولم يبق لما حدث أثر على العالقات الوطيدة بين ً
إيمانية واستأنفواـ حياتهمً ،
كتلة
المهاجرين واألنصار،ـ وانصرفـ الجميع إلى الهدف األسمى ،وهو إعالء كلمة هللا في األرض ،ونشر
هذا الدين ،والدفاعـ عنه
ٌ
كلمة عربي ُة األصل ،والمادة اللغوية األساسية للبيعـة هـي( :ب ي ع )، أوالً :تعريف البيعة لغة :البيع ُة
172
واصطالحاً :لقد عرف العلماء البيعة بتعريفات عدة :قال ابن خلدون( :البيعة هي العهد على الطاعة،
وكأن المبايع يعاهد أميره على أن يسلِّم له النظر في نفسه ،فيما يكلفُه به من األمر على المنشط والمكره
واألصل فيها ما أخرجه مسلم في صحيحه من طريقـ َنافع قال :جاء عبد هللا بن عمر إلى عبد هللا بن
اطرحوا ألبي عبد الرحمن وسادة، مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان ،زمن يزيد بن معاوي َة ،فقالْ :
ِ
ُ
سمعت ُ
سمعت رسو َـل هللا صلى هللا عليه وسلم يقوله، فقال :إ ِّني لَم آتيك ألجلس ،أَ َتي ُتـك ألحـدثك حديثا ً
رسو َل هللا صلى هللا عليه وسلم يقول( :من َخلَع يداً من َطاعة ،لَقي هللا يوم القيامة ال حج َة له ،ومن َ
مات
جاهلية (صحيح مسلم -كتاب اإلمارة -باب وجوب مالزمة جماعة ً وليس في ع ُنقه ٌ
بيعة ما َت ً
ميتة
المسلمين .
والحديث فيه دليل على وجوب البيعة على المسلمين المكلفين ،إلمـامهم وولـي أمرهم .كما أن فيه تشبيه
عقد البيعة بالعقد والقالدة التي تحيط بـالعنق ،فكأنهـا تقيده ،وهو دليل واضح على أهمية البيعة.
لهذا من نقض البيعة أو خلعهـا مـن عنقه كان كمن خلع القالدة من عنقه ،وهي قالدة اإلسالم .وفيه إشـارة
إلـى أن البيعة تؤدي إلى وحدة الصف التي هي أسمى مقاصد هذا الدين ،وتركها يـؤدي إلى الفرقة التي
هي من خصال الجاهلية ،فمن لم يبايع إمامه ولـم ينخـرط فـي صفوف المسلمين ،كان عرضة للشيطان
بأن يس َتحوذـ عليـه ويبعـده عـن حيـاة المسلمين ،ويجعله يعيش حياة الجاهلية ويموت عليها ،ألنه أصبح
كالشاة القاصية التي ينفرد بها الذئب ويفترسها.ومن هنا جاء التأكيد والتركيزـ على هذه القضية ،وهي
قوله (مات ميتة جاهلية) في جميع ألفاظ روايات الحديث.
البيعة إن البيعة قد تقع كالما ً مصحوباًـ بالمصافحة ،وقد تقع مشافهة دون مصافحة ،وقد تكون كيفية
باإلشارة باليد دون كالم أو مصحوبة به .وقدـ تكون البيعة بأن يصعد اإلمام على المنبر والناس مجتمعون
حوله فيبايعونه ،وهذه تسمى بيعة العامة .وقدـ تكون البيعة كتابة ومراسلة ،خاصة لمن بعدت وتناءت به
الديار وتعذرتـ له مقابلة اإلمام .يشهد لهذا بعض النصوص من قرآن وسنة منها " " :إِن الَّذين
وق أَ ِ
يديهم" .فهذه اآلية القرآنية الكريمة تبين لنا أن البيعة بين رسول يبايعو َنكـ إِ َّنما يبايعون هَّللا يد ِ
هللا َف َـ
هللا صلى هللا عليه وسلم وبين الصحابة الكرام كانت مصافحة باليد ،لهذا قال( :فوق أيديهم ) وفيـ النسائي
ابسط يدك حتى أُبايعك وا ْش َت ْـ
رط ْ هللا، قال :أَ َت ُ
يت ال َّنبي صلى هللا عليه وسلم وهو يبايع َ ،فقُ ْل ُ
ت :يا رسو َل ِ
ُ
ت أَعلَم؛ قال( :أبايعك على أن َتعبد َ
هللا (و ُتقيم الصال َة و ُت ْؤتيـ الز َكا َة و ُت َناصح المسلمين و ُت َف ِ
ار َق عليَ ،فأ َ ْن َ
الم ْش ِركين ( .والحديث فيه إشارة واضحة إلى أن البيعة كانت تتم بين اإلمام والرعية من الرجل
بالمصافحة باليد وبسطها،ـ وكأن البيعة ال تتم إال ببسط اليد )١( .سنن النسائي -كتاب البيعة -باب البيعة
على فراق المشرك
173
ثانياً :البيعة بالكالم واإلشارة :إن األصل في البيعة أن تكون مصافحة باليد ،ولكن يستثنى من ذلك بيعة
النساء ،فإنها تكون بالكالم أو باإلشارة أو بهما معاً .ويلحق بالنساء في هذه البيعة المجذومـ وصاحب
العذر ،فإنه يكتفى في بيعته بالكالم واإلشارة باليد .والناظر والمتأمل في السنة النبوية وفيـ كيفية مبايعة
النبي صلى هللا عليه وسلم للنساء وألصحاب األعذار يدرك هذا القول جيداً.
المطلب األول :كيفية تولية الخلفاء الراشدين إن اإلمامة والخالفة ال تنعقد إال باإليجاب والقبول :اإليجاب
من أولي الرأي والشورى في األمة وهم أهل الحل والعقد .والقبو ُل من جانب الخليفة المرشح لمنصب
الخالفة ،والذي تم ترشيحه من قبل أهل الحل والعقد .وعلى هذا جرى األمر بعد وفاة رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم ،وبهذه الطريقة والكيفية بويع الخلفاء الراشدونـ جميعاً ،ونستطيعـ أن نتبين ذلك إذا رجعنا
إلى الوقائع واألحداث التي قامت عليها بيعة كل واحد منهم ،والظروف التي تمت فيها بيعتهم .وفيماـ يلي
قراءة سريعة لبيعتهم وتوليتهمـ وكيف تمت
:أوالً :تولية أبي بكر الصديق رضي هللا عنه لما ُتوفي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم والتحق بالرفيق
األعلى ،اجتمع األنصارـ في سقيفة بني ساعدة ،وتشاوروا فيما بينهم على اختيار خليفة منهم لرسول هللا
صلى هللا عليه وسلم .واتجهت أنظارهم إلى سعد بن عبادة ،ولما سمع أبو بكر وعمر وأبي عبيدة بخبر
السقيفة أسرعوا إليها ،واجتمعوا باألنصارـ وبمن حضر من المسلمين بين المهاجرين واألنصارـ .وذلك
قبل أن يدفن في مؤتمرـ سياسي جرى فيه نقاشٌ حاد ،وكان الهدف من هذا النقاش هو تحقيق المصلحة
لإلسالم وأهله .وكان عمر رضيـ هللا عنه هو أول من ر َّشح أبا بكر رضي هللا عنه للخالفة ،ووافقه أهل
الحل والعقد ،ثم بايعه المسلمون عامة ،المهاجرون واألنصارـ وغيرهم .واختيار أبي بكر رضي هللا عنه
على هذا الوجه يتفق مع قول هللا تعالى" :وأَمرهم ُ
شورىـ بي َنهم" ,فمن أهم أمور المسلمين وأحقها
بالشورى ،هو أمر الحكم والخالفة .
ثانياً :تولية عمر بن الخطاب رضيـ هللا عنه :كان اختيار عمر رضيـ هللا عنه بترشيح من أبي بكر
الصديقـ رضي هللا عنه في صورة عهد إلى المسلمين ،بعد استشارة أهل الحل والعقد منهم .ثم بايعه
المسلمون عامة ورضوا به .فأبو بكر رضيـ هللا عنه لما أحس بدنو أجله طلب من الناس أن يؤمرواـ
واحداً عليهم في حال حياته ،حتى ال يختلفوا بعده فردواـ األمر إليه في أن يختار لهم من يراه مناسباًـ
لدينهم ودنياهم،ـ فاستشارـ أهل الحل والعقد من الصحابة في عمر بن الخطاب ،فأثنوا عليه خيراً ،وتخوف
بعضهمـ من غلظة عمررضي هللا عنه وشدته ،لكن أبا بكر أقنعهم بأن عمر سيترك كثيراً مما هو عليه،
إذا وسدـ األمر إليه .ألن مقام اإلمامة يتطلب من اإلمام أن يكون لينا ً من غير ضعف وقويا ً من غير
عنف .وبعد أن أتم أبو بكر رضيـ هللا عنه مشاوراته أملى على عثمان عهده إلى المسلمين ،ثم خرج إليهم
174
عامة وأوصاهمـ بالسمع والطاعة له ،فأقرواـ على ذلك .وقالوا :سمعنا وأطعنا .إذاً فاختيار أبا بكر لعمر
وترشيحه لمنصب اإلمامة كان استخالفا ً
ثالثاً :تولية عثمان بن عفان رضيـ هللا عنه إن في اختيار عثمان رضيـ هللا عنه لمنصب الخالفة أكبر
دليل على أهمية الشورىـ في اإلسالم وعلى تجسيد المسلمين األوائل لهذا المبدأ القرآني .وذلك أن عمر
رضيـ هللا عنه لما طعن ،طلب الصحابة الكرام منه أن يستخلف لهم من يراه مناسباًـ لدينهم ودنياهم كما
فعل أبو بكر ،ولكن عمر رضي هللا عنه حدد لجنة الشورى في ستة وهم :علي بن أبي طالب والزبير بن
العوام وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد هللا وسعد بن أبي وقاص ،عليهم جميعا ً
من هللا سحائب الرحمة والرضوان ،وحدد لهم مدة ثالثة أيام لالختيارـ ورسم لهم خطة التشاور .وقام أهل
الشورىـ هؤالء بمشاوراتـ طوال األيام الثالثة ليالً ونهاراًـ ،وفي نهاية األيـام الثالثة وقع االختيار على
عثمان رضي هللا عنه ،بعد ترشيح من عبـد الـرحمن بـن عوف.
رابعاً :تولية علي بن أبي طالب رضي هللا عنه لقد ترتب على الفتنة الكبرى بمقتل عثمان بن عفان
رضيـ هللا عنه ووقوعـ الفوضىـ بالمدينة ،وقوع أحداث خطيرة في تاريخ اإلسالم ،أثرت في خالفة علي
بن أبي طالب رضي هللا عنه تأثيراً بالغاً ،منذ بداية عهده بها ،فلم يتحقق له اإلتفاق واإلجماع الشامل
الذي حظي به الخلفاء الراشدون الثالثة السابقون ،فبايعه كبار الصحابة من المهاجرين واألنصار بعد
إلحاح شديد منهم ،ومعارضة شديدة منه على توليته منصب الخالفة ،ولم يبايعه أهل الشام وبنوـ أمية
بزعامة معاوية بن أبي سفيان رضي هللا عنهما .ونقل عن بعض الصحابة كطلحة والزبيرـ أنهما بايعاه
مكرهين .ولكن رغم ذلك فإن إمامته وخالفته انعقدت بالبيعة الصحيحة الملزمة ،من قبل أهل الحل
والعقد ،ومن قبل كبار الصحابة وأكثرـ المسلمين ،فال يضير هذه البيعة إذاً تخلف البعض عنها ،إذ العبرة
في هذه الحالة باألغلبية واألكثرية والسوادـ األعظم من المسلمين
.الخالصة :مما سبق يتبين لنا بعد النظر والتأمل في كيفية بيعة الخلفاء الراشدين وتوليتهمـ إمامة
المسلمين ،أن مبايعة اإلمام وتوليته لرئاسة الدولة اإلسالمية لها صور متعددة .ومن رحمة اإلسالم أنه
لم يلتزم طريقة أو صورة محددة يلزم أتباعه العمل بها ،وترك ما سواها .بل جعل األمر فيه مرونة
تناسب كل زمان ومكان .وهذا إن دل فإنما يدل على عظمة هذا اإلسالم الذي يواكب العصور
والقرون ،دون أن يقف جامداً أمام الحوادث والمستجدات .والحمد هلل رب العالمين
175
بسم هللا الرحمن الرحيم
176
القراءة الجماعية للقرآن الكريم
القراءة الجماعية :قال النووي في المجموع ( ":)2/189ال كراهة في قراءة الجماعة مجتمعين بل هي
مستحبة ،وكذا اإلدارة وهي أن يقرأ بعضهم جزءا أو سورة مثال ويسكت بعضهم ،ثم يقرأ الساكتون
ويسكت القارئون"،
وقدـ ثبت في الصحاح أن قراءة القرآن من أج ّل العبادات وأعظمها ،ألنه كالم هللا وكل حرف يؤجرـ عليه
القارئ بعشر حسنات ،وثبت عنه صلى هللا عليه وسلم أنه قال ":خيركمـ من تعلم القرآن وعلمه » ،كما
قال صلى هللا عليه وسلم أيضا« :إني امرؤ مقبوض فتعلموا القرآن وعلموه الناس" ،وقال أيضا ":ا ْق َرءُوا
آن َفإِ َّن ُه َيأْتِي َي ْو َم ْالقِ َيا َم ِة َشفِيعً ا أِل َصْ َح ِابهِ"،
ْالقُرْ َ
صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّم" الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي
والبن ماجهَ ":قا َل َرسُو ُل هَّللا ِ َ
يتعتع فيه له أجران"،
" واستدل األكثرون على استحباب االجتماع لمدارسة القرآن في الجُملة باألحاديث الدالة على
استحباب االجتماع ِّ
للذكر ،والقرآن أفض ُل أنواع الذكر "...
فعن أبي سعيد الخدري قال :اعتكف النبي صلى هللا عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة
فكشفـ الستور وقال :أال إن كلكم مناج ربه فال يؤذين بعضكمـ بعضا وال يرفعن بعضكم على بعض
القراءة "،
وعليه فإن كانت الدراسة الجماعية في المدارس القرآنية المتخصصة لتعليم القرآن ،فال تشويشـ فيها
على المصلين .
وخرج البيهقي عن جابر بن عبد هللا أن رجالً كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل :لو أن هذا خفض
من صوته فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلّم" :دعه فإنه أواه"،
وعن عقبة بن عامر :أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلّم قال لرجل يقال له ذو البجادين ،إنه أواه
وذلك أنه كان يذكر هللا"،
وأما فضيلة من يجمعهم على القراءة ففيها نصوص كثيرة كقوله صلى هللا عليه وسلم ":الدال على
الخير كفاعله" ،وقوله صلى هللا عليه وسلم ":ألن يهدي هللا بك رجال واحدا خير لك من حمر النعم"،
واألحاديثـ فيه كثيرة مشهورة ،وقد قال هللا تعالى (وتعاونواـ على البر والتقوى) وال شك في عظم
177
أجر الساعي في ذلك"،
وهذه نصوص أخرى نعضد بها مشروعية الدراسة الجماعية للقرآن:
الدليل األول :خرجه مسلم في صحيحه من حديث األعمش عن أبي صالح عن بي هريرة رضيـ هللا
صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قال ":ما اجتمع قوم في بيت من بيوت هللا يتلون كتاب
عنه عن النبي َ
هللا ويتدارسونه بينهم .إال نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم المالئكة وذكرهمـ هللا فيمن
عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" ،وقد استدل به النووي وابن رجب واألكثرون على
مشروعية الدراسة الجماعية ،وقد ذكر علماء اللغة أن معنى التدارس هو القراءة ،ومعنى يدرسون
القرآن أي يقرؤونه.
الدليل الثاني :خرجه البيهقي في الشعب( )448\1من خبر ابن عباس رضي هللا عنه قال" :ما جلس
قومـ في بيت من بيوت هللا يدرسون كتاب هللا يتعاطونه بينهم إال كانوا أضياف هللا وأظلت عليه
المالئكة بأجنحتهاـ ما داموا فيه حتى يخوضوا في حديث غيره ."...
مسلم السابق ":وروى عطية عن أبي سعيد
ٍ الدليل الثالث :قال ابن رجب في جامعه من شرحه لحديث
قوم صلَّوا صال َة الغداةِ ،ثم قع ُدواـ في مُصالَّهمـ
الخدري عن ال َّنبيِّ صلى هللا عليه وسلم قال :ما مِنْ ٍـ
ث ً
مالئكة يستغفرُون لهم ح ّتى يخوضوا في حدي ٍ كتاب هللا ويتدارسونه ،إالَّ و َّك َل هللا بهم
َ ون َ
يتعاط َ
غيره" ،قال ابن رجب ":وهذا يد ُّل على استحباب االجتماع بعد صالة الغداة لمدارسة القرآن ،ولكن
عطية فيه ضعف ،"..ويتقوىـ بما سبق.
ان َعنْ َب ْك ِر ب ِ
ْن ُخ َني ٍ
ْس اف َث َنا دَاوُ ُد بْنُ ِّ
الزب ِْر َق ِ الدليل الرابع :قال ابن ماجة َح َّد َث َنا ِب ْش ُر بْنُ ِهاَل ٍل الص ََّّو ُـ
صلَّى"خ َر َج َرسُو ُل هَّللا ِ َ
مْرو َقا َلَ : ْن َع ٍ ْن َي ِزي َد َعنْ َع ْب ِد هَّللا ِ ب ِ
ْن ِز َيا ٍد َعنْ َع ْب ِد هَّللا ِ ب ِ
َعنْ َع ْب ِد الرَّ حْ َم ِن ب ِ
ْن إِحْ دَا ُه َماَ ي ْق َرء َ
ُون ض ح َُج ِر ِه َفد ََخ َل ْال َمسْ ِج َد َفإِ َذا ه َُو ِب َح ْل َق َتي ِ ات َي ْو ٍم مِنْ َبعْ ِهَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َـم َذ َ
صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ُك ٌّل َعلَى َخي ٍْرَ هؤُ اَل ِء ُون َف َقا َل ال َّن ِبيُّ َ ُون َو ُي َعلِّم َُون هَّللا ََ ،واأْل ُ ْخ َرىـ َي َت َعلَّم َ
آنَ و َي ْدع َ ْالقُرْ َ
ُون َوإِ َّن َما ُبع ِْث ُ
ت م َُعلِّمًا ُون هَّللا َ َفإِنْ َشا َء أَعْ َطا ُه ْم َوإِنْ َشا َء َم َن َع ُه ْم َو َهؤُ اَل ِء َي َت َعلَّم َ آنَ و َي ْدع َ ُون ْالقُرْ ََي ْق َرء َ
َف َجلَ َ
س َم َع ُه ْم" ،وله شواهد:
/12وجاء مثله عن أبي هريرة رضي هللا عنه :قال الطبرانيـ في األوسط 1429حدثنا أحمد ثنا
علي بن محمد بن أبي المضاء قال كتبت من كتاب خلف بن تميم عن علي بن مسعدة ثنا عبد هللا
الروميـ عن أبي هريرة أنه مر بسوق المدينة فوقف عليها فقال :يا أهل السوق ما أعجزكم قالوا وما
ذاك يا أبا هريرة؟ قال :ذاك ميراث رسول هللا يقسم وأنتم ها هنا ال تذهبون فتأخذون نصيبكم منه،
قالوا :وأين هو؟ قال :في المسجد ،فخرجوا سراعا إلى المسجد ووقفـ أبو هريرة لهم حتى رجعواـ
فقال لهم ..أبو هريرة :أما رأيتم في المسجد أحدا؟ قالوا :بلى :رأينا قوما يصلون وقوماـ يقرأون
178
حسن
َ القرآن وقوما يتذاكرون الحالل والحرام ،فقال لهم أبو هريرة :ويحكم فذاك ميراث محمد" ،وقدـ
َ
الحديث المنذريُّ في الترغيب ،وكذلك حسنه األلباني وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين
179
الوسطية في اإلسالم
الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
السالم عليكم ورحمة هللا تعلى وبركاته
( الوسيطة في اإلسالم). عنوان الكلمة :
ـون الرَّ ُسـو ُـل اس َو َي ُكـ َ
شـ َهدَا َء َعلَى ال َّن ِ ك َج َع ْل َنا ُك ْم أُم ًَّة َو َسطا ً لِ َت ُكو ُنواـ ُ (و َك َذلِ َالوسطية مأخوذة من قوله تعالىَ :
َعلَ ْي ُك ْم َش ِهيداً) قال المفسرون الوسط هو العدل الخيار وهذه األمة وهلل الحمد عدول وخيارـ كما شهد هللا لها
بذلك ألن هذه األمة ستشهد على األمم يوم القيامة والشاهد يشترطـ فيه أن يكــون عــدالً فهــذه األمــة تحملت
هذه الشهادة لما من هللا عليها به من بعثة هذا الرسولـ الكريم الــذي زكــاهم وعلمهم الكتــاب والحكمــة وإن
ـاب َو ْالح ِْك َمـ َة َوإِنْ
يه ْم َو ُي َعلِّ ُم ُه ْـم ْال ِك َت َ كانوا من قبل لفي ضالل مبين كما قال تعالىَ ( :ي ْتلُــو َعلَي ِْه ْم آ َيا ِتـ ِه َوي َ
ُـز ِّك ِ
ين) فهي تشهد على األمم يوم القيامــة إذا جــاء هللا جــل وعال بــاألمم وأنبيائهـاـ الل م ُِب ٍ
ض ٍ َكا ُنوا مِنْ َق ْب ُل لَفِي َ
يوم القيامة فإنه يسأل األنبياء هل بلغتم فيقولون يا ربنا بلغنا ما أرسلتنا به إليهم ثم يسأل األمم هل بلغــوكمـ
ِين) فينكرون فيقول هللا جل وعال ِين أُرْ سِ َل إِلَي ِْه ْم َولَ َنسْ أَلَنَّ ْالمُرْ َسل َ فيقولون ال وذلك قوله تعالىَ ( :فلَ َنسْ أَلَنَّ الَّذ َ
للرسل من يشهد لكم أنكم بلغتم فيقولن يشهد لنا محمد صلى هللا عليه وسلم وأمته فيسألـ هللا جل وعال أمــة
محمد صلى هللا عليه وسلم فيشــهدون أن الرســل بلغــوا أممهم ،وكيــف عرفــوا ذلــك عرفــوه ممــا أنــزل هللا
عليهم في الكتاب من قصص األنبيــاء من نــوح إلى محمــد صــلى هللا عليـه وســلم هــذا موجــودـ في القــرآن
ومدون كل ما جرى بين األنبياء وأممهم كأنك تشاهد وكأنك حاضرـ فيشهدون بما علمهم هللا يشــهدون عن
ـون) فيشــهدون عن علم ـال َح ِّق َو ُه ْم َيعْ لَ ُمـ َ علم ألن الشهادة إنما تكون عن علم كما قال تعالى( :إِالَّ َمنْ َش ِهدَ ِبـ ْ
أورثهمـ هللا إياه في هــذا القــرآن العظيم الــذي ال يأتيــه الباطــل من بين يديــه وال من خلفــه تنزيــل من حكيم
حميد فهذه األمة وسط وتستشهد على األمم والرسول صلى هللا عليه وسلم يشــهد لهــذه األمم ويزكيهـاـ كمــا
ك َعلَى َهــؤُ ال ِء َشـ ِهيداً) فهــذه األمــة وســط والوســطية ْف إِ َذا ِج ْئ َنا مِنْ ُك ِّل أ ُ َّم ٍة ِب َش ِهي ٍد َو ِج ْئ َنا ِب َ
قال تعالىَ (:ف َكي َ
مأخوذة من الوسط وهو ما كان بين طرفين كما قال الشاعر:
كانت هي الوسط المحمي فاكتفت *** بها الحوادث حتى أصبحت طرفا
فهذه األمة بين طرفين من األمم طرفـ الغلو الذي في النصارى وطرفـ التساهل الذي كــان بــاليهودـ فهــذه
األمة وسط غلو النصارىـ وتساهل وانفالت اليهود.
وهذه األمة بمجموعها وسط معتدلة بين اإلفراطـ والتفريط فكـل فـرد من هـذه األمـة كـذلك وهلل الحمـد هـو
وسطـ بين الغلو وبين التساهل وبين اإلفــراط والتفريـطـ في دينـه فال يغلـو غلــو المتطــرفين والخــوارج وال
يتساهل تساهل المرجئة والمنحلين والمضيعين.
(وأَنَّ َه َذا صِ َراطِ ي مُسْ َتقِيما ً َفا َّت ِبعُوهُ َوال َت َّت ِبعُوا ال ُّس ُب َل َف َت َفرَّ َق ِب ُك ْم َعنْ َس ـ ِبيلِهِ) فصــراطـ هللا واحــد
قال تعالىَ
وطريقه واحد وأما ما عداه من المذاهب والنحل فهي متعددة وكثيرة وال تحصى وهي تكون في إفراطـ أو
في تفريط فاإلفراط يكون في الغلو والتفريط يكون في التساهل وهذه السبل الــتي حــذرناـ هللا منهــا هي من
الجانبين سبل الغلو والتطرف والزيادة وسبل التساهل والضياع وهللا جل وعال قــال لنبيــه صــلى هللا عليــه
ك َوال َت ْط َغـ ْـوا) أمــره باالســتقامة ونهــاه عن الغلــو وقــال وال تطغــواـ وسلمَ ( فاسْ َتقِ ْم َك َما أُمِرْ َ
ت َو َمنْ َت َ
اب َم َع َ
اسـ َتقِيمُوا إِلَ ْيـ ِه َو ْ
اسـ َت ْغفِرُوه) والطغيان هو الخروج عن الحد من جانب الزيــادة وقــال في اآليــة األخــرى ( َف ْ
استغفروه عن أي شيء عن التقصير استقم واحــذرـ من التقصــير وإذا حصــل تقصــير فــاجبره باالســتغفار
180
فدل على أنــه يحصــل من اإلنســان تقصــير باالســتقامة فيجــبره باالســتغفار والنــبي صــلى هللا عليــه وســلم
قــال اســتقيموا ولن تحصــواـ أي تحصــوا كــل مــا أمــر هللا بــه بــل يحصــل تقصــير فتجــبره باالســتغفار,
وقال سددواـ وقاربواـ سددوا التسديد معناه إصابة الحق والمقاربة أن تكون مقاربا ً للتسديد فــإذا كــان الخطــأ
يسيراً فهذه مقاربة تجبر باالستغفار والتوبة إلى هللا عز وجل ودينناـ دين السماحة ورفع الحرج َ
(و َما
ين مِنْ َح َر ٍج) فاهلل جل وعال جعل هذا الدين سمحا ً ولم يجعل فيه حرجا ولم يكلفنا ما ال َج َع َل َع َل ْي ُك ْم فِي ال ِّد ِ
نطيق ولذلك فإن من يخرج عن هــذه الجــادة جــادة الوسـطـ فإنــه يقــع في أحــد الجــانبين إمــا اإلفــراطـ وإمــا
التفريط وكالهما مذمومـ وال يسلم إال من كان على طريقـ الوسط الــذي أمــر هللا بــه وكمــا في أخــر ســورة
اط الَّذ َ
ِين (صـ َر َالصـ َرا َـط ْالم ُْسـ َتقِي َم) أي المعتـدل الوسـطِ الفاتحة هللا أمرنا أن نقرأها في كـل ركعـة( إهْـ ِد َنا ِّ
ِين أَ ْن َع َم هَّللا ُ َعلَي ِْه ْم مِنْ
ـع الَّذ َ (و َمنْ يُطِ عْ هَّللا َ َوالرَّ سُو َل َفأ ُ ْولَئ َـ
ِك َمـ َ ت َعلَي ِْه ْم) وهم الذين ذكرهم هللا في قولهَ أَ ْن َعمْ َ
ك َرفِيقــا) أمرنــا هللا أن نكــون معهم وأن نســير معهم ِين َو َحس َُن أ ُ ْولَ ِئـ َ
ِين َوال ُّش َهدَا ِء َوالصَّالِح َص ِّديق َ
ِّين َوال ِّ ال َّن ِبي َ
وإذا كنت معهم فلن تستوحش أبدا وحسن أولئك رفيقا إنما يستوحش من لم تكون معهم إما جانب اإلفــراطـ
مع المغالين وإما في جانب التفريط مع المتساهلين .ونحن نسمع اآلن كثيراً التسامح والحث على التســامح
والترغيب في التسامح فهذا فيه إجمال ألن التسامح إن كان يعني أنــك تتســامح في حقوقــك بــأن تعفــو عن
من ظلمك وتحسـن إلى من أسـاء إليـك فهـو التسـامح المحمـود والمطلـوب.ـ أمـا أن تتسـامح في شـيء من
حقوق هللا فهذا ال يجوز .والنبي صلى هللا عليه وسلم كان يؤذى في حقه صلى هللا عليه وسلم وكــان يعفــو
ويسمح لكن إذا انتهكت حرمات هللا فإنه يغضب هلل عز وجل وال يتسامح في شــيء من ذلــك ألن التســامح
ال يكون في حقوق هللا جل وعال وإنما يكون في حق المخلوق.
كثير منهم اآلن على العكس يريد منــك أن تتســامح في حقــوق هللا وهــذا خالف مــا أمــر هللا جــل وعال بــه
(و ُّدوافحقوقـ هللا ال يتسامح عن شيء منها مع أحد كائنا من كان ألن هذا هو المداهنة قــد قــال جــل وعالَ
وك َخلِيالً ـرهُ َوإِذاً ال َّت َخـ ُذ َـ ـري َعلَ ْي َنــا َغ ْيـ َ ـك َعنْ الَّذِي أَ ْو َح ْي َنـ اـ إِلَ ْيـ َ
ـك لِ َت ْف َتـ ِ (وإِنْ َكا ُدوا لَ َي ْف ِت ُنو َنـ َون) َ لَ ْو ُت ْدهِنُ َفي ُْد ِه ُن َ
ك ت ُث َّم ال َت ِجـ ُد لَـ َف ْال َم َمــا ِ ضـعْ َ ف ْال َح َيـا ِة َو ِ ك ضِ عْ َ ت َترْ َكنُ إِلَي ِْه ْم َشيْئا ً َقلِيالً إِذاً ألَ َذ ْق َنا َـ ك لَ َق ْد ك ِْد ََولَ ْوال أَنْ َث َّب ْت َنا َ
َعلَ ْي َنا َنصِ يراً) نهى هللا ورسوله وتوعده أن يتنازل عن شيء من هذا الدين ألجل إرضــاء النــاس ألنــك لــو
تنازلت عن شيء من دينك رضوا عنك لكن يسخط هللا عليك والنبي صــلى هللا عليــه وســلم يقــول كمــا في
حديث عائشة من التمس رضا هللا بسخط النـاس رضـيـ هللا عنـه وأرضـى عنـه النـاس ومن التمس رضـا
الناس بسخط هللا سخط هللا عليه وأسخطـ عليه الناس فال يتنازل المسلم عن شيء من حقــوق هللا جــل وعال
ولذلك شرع هللا الجهاد في سبيله وشرعـ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشرعـ الحدود على الجــرائم
ولم يأمر بالتسامح فيها والنبيـ صلى هللا عليه وسلمـ قــال إنمــا أهلــك من كــان من قبلكم أنهم إذا ســرق فيهمـ
الشريفـ تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقامواـ عليــه الحــد ثم قــال صــلى هللا عليــه وســلم :وأيم هللا لــو أن
فاطمة بنت محمد سرقة لقطعت يدها فال تسامح في حــدود هللا فالتســامح المطلــوب هــو التســامح فيمــا بين
الناس في حقوقهمـ هللا جل وعال شرع لنا أحسن الشرائع وأكملها ولم يجعل فيهــا حرجـا ً علينــا وشــرعـ لنــا
الرخص عند الحاجة شرع لنا اإلفطارـ في رمضان في السفر شرع لنا اإلفطار في رمضان للمرض الذي
يستدعي اإلفطارـ بشرط أن نقضيه من أيام أخر شرع لنا قصــر الصــالة الرباعيــة إلى ركعــتين في الســفر
هذه هي السهولة والــرخص الشــرعية أمــا الــرخص الــتي يريــدها كثــير من الجهــال أو المغرضــين اليــوم
فمعناهاـ أنك تترك أوامر هللا ونواهيه وتأخذـ هواك وتتبع شهواتكـ أو تجاري الناس لئال تغضب الناس فهذا
يجب التنبه له فيجب أن تنتبه لهذا فنقول ال.
نحن لسنا مع المتشددين ولسنا مع المتساهلين وإنما نحن مع المتوسطين مع الصراطـ المستقيم مــع الســبيل
المستقيم فهذا طريقنا وهذا منهجنا نعم والفتن على قسمين فتن الشــبهات وهــذه في العقيــدة وفتن الشــهوات
181
وهذه في األخالق والسـلوك والشـيطانـ وأعوانـه من شـياطين اإلنس والجن يروجــون هـذه الشـبهات على
الناس إما في عقيدتهم في الشبهات والتشكيكـ واإللحاد وإما في أخالقهمـ وفيـ ســلوكهمـ في إتبــاع الشــهوات
ت أَنْ َتمِيلُوا َم ْيالً عَظِ يماً) هذا من باب التحذير من
ُون ال َّش َه َوا ِ
ِين َي َّت ِبع َ (وهَّللا ُ ي ُِري ُد أَنْ َي ُت َ
وب َعلَ ْي ُك ْم َوي ُِري ُد الَّذ َ َ
أصحاب الشهوات وأصحاب الشبهات يجب أن نكــون على حــذر جــاء ثالثــة نفــر من صــحابة رســول هللا
صــلى هللا عليــه وســلم تحــركت فيهم الديانــة وحب الخــير فجــاءوا إلى نســاء النــبي صــلى هللا عليــه وســلم
يسألونهن عن عبادة الرسول صلى هللا عليه وسلم فأخبرنهم بذلك وكأنهمـ تقالوا عبــادة الرســول صــلى هللا
عليه وسلمـ ثم قالوا أين نحن من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وقد غفر له مــا تقــدم من ذنبــه ومــا تــأخر
فقال أحدهم أما أنا فأصلي وال أنام وقال األخر أما أنا فأصــومـ وال أفطــر وقــال الثـالث أمــا أنــا فال أتــزوج
النساء يريد التبتل عبادة يرد التعبــد هلل وقـال رابــع أنــا ال أكـل اللحم يريـد أن يضـيق على نفسـه فلمــا بلـغ
الرسول صلى هللا عليه وسلم خبرهم غضب صلى هللا عليه وسلم ألن هذا طريق انحراف بحيث أنهم
يضنون أنه طريق صواب فخطب صلى هللا عليه وسلمـ فقال عليه الصالة والسالم :مــا بــال أقــوام يقولــون
كذا وكذا أما أنا فأصلي وأنامـ وأصـوم وأفطــر وأتـزوج النسـاء ،وفي روايـة :وأكـل اللحم فمن رغب عن
سنتي فليس مني هذا جــانب الغلــو وزيــادة عن مــا كــان عليــه الرســول صــلى هللا عليــه وســلمـ وفي جــانب
التساهل الرسول صلى هللا عليه وسلم كان يقطـع يــد الســارق ويـرجم الـزاني ويجلــد شـارب الخمـر ويقيم
الحدود والتعزيرات على العصاة منعا ً للتساهل وكان يــأمر بــالمعروف وينهى عن المنكــر منعــا للتســاهل
فهذا يجب أن نعرفه وأن نحافظـ عليه وأن نسير عليه وأن نبينه للناس ألن حاجة الناس اليوم لهذا أشد ألن
الناس يتنــازعهم تيــاران تيــار الغلــو والتشــددـ وتيــار التســاهل والضــياع فيجب أن نعــرف هــذا األمــر وأن
نوضحه للناس وأن نتمثله ألنفسنا أوالً حتى نكون من أمة الوسط نكون على الوسطية التي هي ديننا.
وفق هللا الجميع لما يحب ويرضىـ وصلى هللا وسلم على نبينا محمد.
182
بسم اهلل الرحمن الرحيم
183
التحسيس بحماية الطفولة
بحقوق الطفل قبل والدته ،وبعد والدته ولهذا السبب حضَّ اإلسالم على الزواج ِ اهت َّم اإلسالم
حتى ينشأ الطفل من خالله على الطهارة والعفة واالستقامة ،كما حرَّ م اإلسالم الزنا بك ِّل
صوره.ـ
من حقوق الطفل قبل الوالدة
اختيار الوالدين فقد قال النبي صلى هللا عليه وسلم في اختيار الزوجة" :تنكح المرأة -
ت يداك " كما قال النبي - ت ال ِّدين َت ِر َب ْ
ألربع :لمالها ،ولحسبها ،ولجمالها ،ولدينها؛ فاظفرْ بذا ِ
ضون دي َنه و ُخلُقه فزوِّ جوه ،إال صلى هللا عليه وسلم -في اختيار الزوج(( :إذا جاءكم َمن َتر َ
ٌ
فتنة في األرض وفسا ٌد كبير فعلُوا تكنْ
" َت َ
أنبتت نبا ًتا حس ًنا
ْ ْ
كانت صالحة . فالزوجة بمنزلة ال ُّترْ بة التي تلقى فيها البذور ،فإن
. فيجب البحث عن الزوجة الطيبة الصالحة
قدر من الجمال الذي يرضى عنه الزوج؛ ليكون غير أننا ال ننسى أن تكون الزوج ُة على ٍ
نفسه؛ لذا وجَّ ه النبي صلى هللا عليه وسلم
بصره ويحصِّن َ َ رضاه ُمعِي ًنا له على أنْ يغضَّ
زواجها ،فقال صلى هللا عليه وسلم " انظر اليها
َ النظر لوج ِه َمن ي ُِريد
ِ الصحابيَّ الجليل إلى
" فإنه أحرى أن يُؤدَ م بينكما
فاإلسالم حريصٌ كل الحرص على أن يو ِّفر لألوالد الظروف األسرية المناسبة ،التي تساعد
االختيار بنا ًء على
َ حسن اختيار الزوجين
ِ على تنشئة صالحة طيبة؛ ولذا يجعل من أسس
اتصاف الطرفين بال َق ْدر الذي يرضى به اآلخر من المالحة والجمال ،لكي يساعد هذا على
استقرار األسرة ،بدالً من البحث الدائم من الزوجين عن إشباع الرغبات خارج األسرة ،مما
.يزعزع األسرة ،وينال من أمانها االجتماعي
بالحرص على التوا ِّد وحسن ال ُخلق؛ فإنهما يعمالن على إحسان ال ِع ْشرة
ِ فالزوجان إذا ا َّت َ
صفا
صخابًا وال ش َّتامًا ،بل يعرف ك ٌّل منهما َّ
حق اآلخر عليه َّ .بالمعروف ،فال يكون أح ُدهما
واإلسالم حينما يجعل الو َّد ،وإحسان العشرة ،وإحسان ال ُخلق أسا ًسا الختيار الزوجين؛ فهو
توفير الحياة المستقرَّ ة الخالية من التنازع واالختالف والفُرقة في األسرة؛ وذلك
َ بذلك ي ُِريد
ً
تنشئة سليمة صالحة، صا منه على توفير الظروف االجتماعية المناسبة لتنشئة األوالد حر ً
.خالية من الظروف المساعدة على االنحراف والجنوح ً
184
:التسمية
اختيار اسمِه
َ حقوق الطفل على والديه أن يُحسِ نا
ِ ت الشريعة اإلسالمية أن من ضمن قرَّ ر ِ
الذي سيُد َعى به بين الناس مستقبالً ،ولقد جاء توجي ُه رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم في
. قوله(( :إنكم ُتد َعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم؛ فأَحسِ نوا أسماءكم
وقال -عليه الصالة والسالم(( :-تسمُّوا بأسماء األنبياء ،وأحبُّ األسماء إليَّ عب ُدهللا
.وعب ُدالرحمن ،وأصدقها حارث وهمام ،وأقبحها حرب ومُرَّ ة
اختيار اسم طفلهما اسمًا حس ًنا في لفظه
َ الوالدان
ِ فهذا دلي ٌل واضح على ضرورة أن يُحسِ ن
ومعناه في حدود الشريعة؛ حتى يكون االس ُم سهالً واضحً ا ،وخفي ًفا على اللسانْ ،
وعذبًا في
ُّ
الحق وحسن المعنى ،وجميالً في المحتوى ،وإن كان االسم يحمل معنى سي ًئا؛ فللفرد
َ األذن،
في تغيير اسمِه ،وقد ثبت عن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم أنه غيَّر اسم عاصية؛ فعن
لعمر كان يقال لها عاصية ،فسمَّاها رسول هللا صلى هللا عليه وسلمَ ابن عمر" :أن ً
ابنة
جميلة
حق الرعاية واالعتناء
ومن األمور التي أعطاها اإلسالم للطفل عقب والدته من الرعاية واالعتناء به ُّ
حق التحنيك،
والرضاعة ،وحلق الرأس ،والختان؛ وتفصيلها كما في التالي
التحنيك 1 -
أجل العناية بالمولود وتكريمه :تحني ُكه عقب الوالدة، ومن الحقوق التي َش َرعها اإلسالم من ِ
الممضوغ ودَلك َح َنك المولود به ،وذلك بوضع جز ٍء من التمرالتمر ْ
ِ والتحنيك هو" :وضع
ِ
على اإلصبع ،وإدخاله في فم المولود ،ثم القيام بتحريكه يمنة ويسرة بحركة لطيفة؛ تطبي ًقا
للسنة المطهرة ،واقتدا ًء بفعل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .ولع َّل الحكمة من ذلك تقوي ُة
الفم بحركة اللسان مع الحنك مع الفكين؛ حتى يتهيَّأ المولود لعملي ِة الرضاعة عضالت ِ
.وامتصاص اللبن بك ِّل قوة ،وبحالة طبيعية
ومن األفضل أن يقو َم بعملية التحنيكِ َمن ي َّتصِ ف بالتقوى والورع والصالح؛ تبر ًكا وتفاؤالً
بصالح المولود وتقواه ،وكان صلى هللا عليه وسلم يح ِّنك ك َّل َمن أتى عنده من األطفال، ِ
كما جاء في حديث عائشة رضي هللا عنها أنها قالت" :إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
صبْيان في َبرِّ ك عليهم ويح ِّنكهم
. كان يؤتى بال ِّ
:الرضاعة 2 -
185
عملية جسمية ونفسية ،لها أثرها البعيد في التكوين الجسدي واالنفعالي ٌ عملية الرضاعة
ت الشريعة اإلسالمية ما لعملي ِة واالجتماعي في حياة اإلنسان -ولي ًدا ثم طفالً -ولقد أدرك ِ
الرضاعة من أهمي ٍة للطفل؛ حيث يكون ب َمأْ َمن من األمراض الجسمية ،والجدب النفسي
أرادت ،وجعله ح ًّقا ْ كاملين إن
ِ حولين
ِ يتغذى بجرعات من الحليب الصناعي .وجعل ح َّدها َّ
ْن لِ َمنْ أَ َرا َد ِدَات يُرْ ضِ عْ َن أَ ْواَل َدهُنَّ َح ْو َلي ِ
ْن َكا ِم َلي ِ من حقوق الطفل ،يقول عز وجل أنَ ﴿ :و ْال َوال ُ
ضا َع َة
" ُي ِت َّم الرَّ َ
ٌ
ضرورية لنموِّ عامين
ِ ت الحاضر أن فتر َة ُ
البحوث الصحية والنفسية في الوق ِ ولقد أَ ْث َب َت ِ
ت
نموا سليمًا من الوجهتين الصحية والنفسية؛ فالطف ُل في أيامِه األُو َلى وبعد خروجه منالطفل ًّ
َمحْ ضنِه الدافئ الذي اعتاد عليه فترة طويلة يحتا ُج إلى التغذية الجسمية والنفسية؛ ليعوِّ ض
.ما اعتاده وأَلِفه وهو في وعاء أمه
الوضع هو ممارس ُة عملي ِة التغذية عن طريق
ِ ولذلك نجد أن أوَّ ل ما تبدأ به األم بعد
الرضاعة؛ أي :إرضاع الطفل من ثديهاَ ،تهدِيها لذلك فطر ُتها التي فطرها الباري عليها؛ لما
يتميَّز به لب ُنها من تكامل عناصره ،وخلوه من الميكروبات ،ومناعة ضد األمراض ،ولما
يحتويه على نسبة من البروتينات المساعدة في عملية الهضم السريع ،وكمية المعادن
واألمالح؛ كالبوتاسيوم ،والصوديوم ،ونسبتها بعضها لبعض المساعدة على إراحة ال ُك ْل َيتين،
"باإلضافة إلى تواجد فيتامين "ث" وفيتامين "أ
شعوره بالدفء
ِ أما الفوائد النفسية واالجتماعية من هذه العملية ،فتنعكس على الوليد في
والحنان واألمان ،وهو ملتصق بوالدته ،يحس نبضات قلبها ،ولقد أ َّكد علماء النفس أن
"ليست مجرد إشباع حاجة عضوية ،إنما هو موقف نفسي اجتماعي شامل ،يشمل ْ الرضاعة
.الرضيع واألم ،وهو أول فرصة للتفاعل االجتماعي
:حلق الرأس 3 -
ومن حقوق الطفل في اإلسالم أن يُح َلق رأسُه يوم السابع من والدته ،والتصدق بوزن شعره
إن أمكن ذهبًا أو فِضَّة؛ امتثاالً لفعل الرسول -صلى هللا عليه وسلم كما جاء في حديث
َّ
"عق رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم عن الح َسن بشاةٍ، عن علي رضي هللا عنه قال:
شعره فِضَّة
ِ ".فقال" :يا فاطم ُة ،احلِقِي رأ َسه ،وتص َّدقي بزنة
وفي حلق رأس المولود ع َّدة ِح َكم؛ منها إماطة األذى عنه ،قال رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم" :مع الغالم عقيقة ،فأهريقوا عنه دمًا ،وأميطوا عنه األذى" ،وقد ُسئِل الحسن عن
"بحلق الرأس
ِ ِيطوا عنه األذى" ،فقال: ". قولِه" :أَم ُ
186
للشعر الخفيف الضعيف ،ليخلفه شعر
ِ ٌ
إزالة وحلق شعر رأس المولود أنف ُع لرأسه؛ ففيه
.أقوى ،وفيه فت ٌح لمسا ِّم الرأس وتقوية لحاسَّة البصر والشم والسمع
الختان 4 -
الذ َكر ،وهو رأس الف ِْطرة؛ كما جاء فيالختان هو قطع القُ ْل َفة؛ أي :الجلدة التي على رأس َّ
حديث أبي هريرة -رضي هللا عنه -قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :الفطرةُ
".خمسٌ :الختان ،واالستحداد ،وقصُّ الشارب ،وتقليم األظفار ،و َن ْتف اإلبط
والختان هو شعار اإلسالم لعبادِه؛ مما يميِّز المسل َم عن غيره من أتباع الديانات األخرى،
ثابت من فعل الرسول -صلى هللا عليه وسلم كما جاء ٌ وهو واجبٌ في حق الرجال؛ ألنه
"عق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن الحسن َّ في حديث جابر رضي هللا عنه قال:
أيام
".والحسين ،وختنهما لسبع ِة ٍ
وقد ش َّدد اإلمام مالك في أمر الختان حتى قالَ " :من لم َي ْخ َتتِن لم َتج ُْز إمام ُته ،ولم ُت ْق َبل
ُ
أسلمت: شهادته .ور ُِوي عن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -أنه قال للرجل الذي قال :قد
شعر الكفر واخ َت ِتنْ
َ ""أَ ْل ِق عنك
وللختان فوائد كثيرة؛ منها
أنه يجلب الطهارة ،والنظافة ،والتزيين ،وتحسين الخلقة ،وتعديل الشهوة؛ كما يقول 1 -
الدكتور صبري القباني" :يتخلَّص ال َمرْ ُء بقطع القُ ْل َفة من المفرزات الدهنية ،والسيالن
المقزز للنفس ،ويُحول دون إمكان التفسخ واإلنتان ،كما يتخلَّص المر ُء من خطر ِّ الشحمي
الح َشفة أثناء التم ُّدد"انحباس َ
تراكم اإلفرازات بعضو ُّ
الذكور ،وهذا راج ٌع إلى ورم سرطاني َ
ِ ِ حدوث ٍ ومنها :أنه يمنع
والموا ِّد التي يُمكِن أن يُحدِث احتكا ُكها أورامًا سرطانية
187
بسم اهلل الرحمن الرحيم
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
بسم اهلل الرحمن الرحيم
198
199
200
201
بسم اهلل الرحمن الرحيم
202
203
204
205
فهرس البحوث العلمية
المشاركة األولى :مداخلة بعنوان :مميزات بالغية في كتاب (الروض األنف ) لإلمام
السهيلي3............................................................................................................................... .
المشاركة الثانية :عرض بعنوان أحكام السهو في الصالة 11...............................................
المشاركة الثالثة :عرض بعنوان :البعد الديني والوطني للتشبث بالمذهب المالكي
بالمغرب 16................................................................................................................................
المشاركة الرابعة :محاضرة في موضوع التحسيس بأخطارـ التدخين والمخدرات22..........
المشاركة الخامسة :مداخلة بعنوان :المثل األعلى في حياة الشباب 26.............................
المشاركة السادسة :عرض بعنوان :القيم الديني ودورهـ في تفقيه الناس في أمور
دينهم ودنياهم 32...................................................................................................................
المشاركة السابعة :الزاوية الشرقاوية ودورها اإلشعاعي والعلمي والثقافي 39..............
المشاركة الثامنة :الزكاة :ودورهاـ في التكافل االجتماعي 48..............................................
المشاركة التاسعة:درس شرح اآليتين 28و 29من سورة الحديد 53...................................
المشاركة العاشرة :عرض حول كتاب دليل اإلمام والخطيب والواعظ57...........................
المشاركةالحاديةعشر عنوان المحاضرة :الهجرة النبوية :األسباب – النتائج 67.................
المشاركة الثانية عشر :فضائل القرآن 76............................................................................
المشاركة الثالثة عشر :كلمة الحفل الديني الترحمي في حق الحاج مصطفى غانــــي. .
81
المشاركة الراعة عشر :سيدنا محمـــد رســـول الله صلـــى الله عليـــه وسلـــم84.......
المشاركةالخامسة عشر موضوع الندوة :داء الرشوة :الوقاية والعالج 90..........................
المشاركة السادسة عشر :مكانة الشباب في نهضة األمة – 95...........................................
المشاركة السابعة عشر:خطبة حول صالة االستسقاء 103...................................................
المشاركة الثامنة عشر :تجديد الدرس السيري في المغرب مداخلة بعنوان الروض
األنف لإلمام السهيلي نموذجا 108..........................................................................................
المشاركة التاسعة عشر :مقاصد الشريعة وسؤال التجديد 125............................................
المشاركة العشرون :أهمية السنة في التشريع اإلسالمي 133............................................
المشاركة الحادية والعشرون :الصيام
وفوائده150.................................................................................................................................... .
206
المشاركة السادسة والعشرون :الوسطية في
االسالم 177............................................................................................................................
المشاركة الثامنة والعشرون :المولد النبوي الشريف واهتمام ملوك الدولة العلوية
باالحتفال به 186.......................................................................................................................
المشاركةالتاسعة والعشرون :األدلة الواعدة بصحة التسليمة الواحدة195...................... :
المشاركة الثالثون :صالة عيد األضحى المبارك200......................................................... :
فهرس البحوث العلمية 205.....................................................................................................
207