You are on page 1of 208

‫ملف لمباريات‬

‫أساتذة التعليم‬
‫العالي مساعدين‬

‫مشاركات ‪ -‬مداخالت‬
‫في‬
‫ملتقيات وندوات دولية و‬
‫وطنية‬
‫مقاالت‬

‫إدريس الزكراوي‬
‫ملف لمباريات‬
‫أساتذة التعليم‬
‫العالي مساعدين‬
‫مشاركات ‪ -‬مداخالت‬
‫في‬
‫ملتقيات وندوات دولية و‬
‫وطنية‬
‫مقاالت‬

‫إدريس الزكراوي‬

‫‪1‬‬
‫بسم الله‬
‫الرحمن‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫‪2‬‬
‫المشاركة األولى مداخلة بعنوان‪ :‬مميزات بالغية‬
‫في كتاب (الروض األنف ) لإلمام السهيلي‪.‬‬
‫في إطار الندوة العلمية الجهوية التي نظمها المجلس العلمي المحلي لمراكش‬

‫حول‪ :‬اإلمام أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد اهلل السهيلي في موضوع‪:‬‬

‫(اإلمام السهيلي عطاء وإ شعاع)‬

‫بكلية اللغة العربية بمراكش‬

‫يومي‪ 25_ 24‬دجنبر‪2011‬‬

‫‪3‬‬
‫يشكل تراث الس‪4‬هيلي‪ ،‬ص‪4‬ورة متكامل‪4‬ة للحي‪4‬اة العلمي‪4‬ة في عص‪4‬ره‪ ،‬حيث ن‪4‬ال من عل‪4‬وم اآلل‪4‬ة‬
‫واللسان حظا وافرا‪ ،‬فأصبح من الوجوه المتألقة في األن‪44‬دلس وفي حض‪44‬رة م‪44‬راكش‪ ،‬ويلقب‪:‬‬
‫بالفقيه – األديب – السيري – المحدث – النحوي – األصولي – البالغي‪.‬‬

‫وبخص‪44‬وص النقط‪44‬ة األخ‪44‬يرة (مم‪44‬يزات بالغي‪44‬ة) موض‪44‬وع م‪44‬داخلتي في ه‪44‬ذه الن‪44‬دوة المبارك‪44‬ة‬
‫أقول على بركة اهلل‪:‬‬

‫إن دراس‪44‬ة الس‪44‬يرة النبوي‪44‬ة ألس‪44‬باب بالغي‪44‬ة‪ ،‬أم‪44‬ر ال نك‪44‬اد نج‪44‬د ل‪44‬ه أث‪44‬را في دراس‪44‬ة الس‪44‬ابقين‬
‫للس ‪44‬يرة النبوي ‪44‬ة‪ ،‬وه ‪44‬ذا الحكم ال يك ‪44‬اد يس ‪44‬تثنى من ‪44‬ه أح ‪44‬د‪ ،‬اللهم م ‪44‬ا ك ‪44‬ان من أبي القاس ‪44‬م عب ‪44‬د‬
‫ال ‪44‬رحمن أبي الحس ‪44‬ن الخثعمي‪ ،‬الس ‪44‬هيلي‪ ،‬في كتاب ‪44‬ه ال ‪44‬روض األن ‪44‬ف‪ ،‬ف ‪44‬إن كتاب ‪44‬ه ق ‪44‬د احت ‪44‬وى‬
‫على نكت بالغية‪ ،‬وهي جديرة بالدرس واالهتمام لألسباب اآلتية‪:‬‬

‫إن الس‪44 4‬هيلي من علم‪44 4‬اء األن‪444‬دلس‪ ،‬والمغارب‪444‬ة عموم ‪44‬ا‪ ،‬لهم منهجهم‪ ،‬وم‪44 4‬ذاقهم األدبي‬ ‫‪)1‬‬
‫والبالغي الخاص‪.‬‬
‫في الكت‪44‬اب م‪44‬ادة لغوي‪44‬ة وبالغي‪44‬ة ال يس‪44‬تهان به‪44‬ا‪ ،‬تش‪44‬مل اآلي‪44‬ات القرآني‪44‬ة‪ ،‬واألح‪44‬اديث‬ ‫‪)2‬‬
‫النبوي‪44‬ة واألش‪44‬عار الجاهلي‪44‬ة واإلس‪44‬المية‪ ،‬واألمث‪44‬ال‪ ،‬والقص‪44‬ص‪ ،‬واللغ‪44‬ة‪ ،‬والع‪44‬روض‪،‬‬
‫وغير ذلك‪.‬‬
‫يعتبر السهيلي صاحب حاسة فنية رفيعة‪ ،‬جعلته يتبوأ مكانة علمية متميزة‪.‬‬ ‫‪)3‬‬
‫أما بخصوص المنهج العلمي للسهيلي‪ ،‬فقد وضح سبب تصنيفه لكتاب الروض األنف‪،‬‬
‫ومنهج ‪44 4‬ه في ‪44 4‬ه‪ ،‬فق‪44 4‬ال‪" :‬وبع ‪44 4‬د فق ‪44 4‬د انتحيت في ه ‪44 4‬ذا اإلمالء‪ ،‬بع ‪44 4‬د اس ‪44 4‬تخارة ذي الط ‪44 4‬ول‪،‬‬
‫واالس‪44‬تعانة بمن ل‪44‬ه الق‪44‬درة والح‪44‬ول إلى إيض‪44‬اح م‪44‬ا وق‪44‬ع في س‪44‬يرة رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى اهلل‬
‫علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم ال ‪44‬تي س ‪44‬بق إلى تأليفه ‪44‬ا أب ‪44‬و بك ‪44‬ر محم ‪44‬د بن اس ‪44‬حاق المطل ‪44‬بي‪ ،‬ولخص ‪44‬ها عب ‪44‬د‬
‫المال ‪44‬ك بن هش ‪44‬ام‪ ،‬المع ‪44‬افري المص ‪44‬ري‪ ،‬النس ‪44‬ابة النح ‪44‬وي مم ‪44‬ا بلغ ‪44‬ني علم ‪44‬ه‪ ،‬ويس ‪44‬ر لي‬

‫‪4‬‬
‫فهمه‪ ،‬من لفظ غريب‪ ،‬أو إعراب غامض‪ ،‬أو موضع ينبغي التنبيه عليه أو خبر ن‪44‬اقص‬
‫يوجد السبيل إلى تتمته‪.1‬‬

‫فتبين من خالل منهج السهيلي عدم اهتمامه بالبالغة ‪,‬غير أنه خالل شرحه ع‪44‬ول عليه‪44‬ا‬
‫كثيرا‪ ،‬بل استدرك بواسطتها على النحاة في بعض األمور‪ ،‬مما جعلنا نجزم ونقول‪:‬‬

‫إن البالغ‪44‬ة إح‪44‬دى مزاي‪44‬ا ش‪44‬رحه‪ ،‬وإ ن لم يش‪44‬ر إليه‪44‬ا ص‪44‬راحة في ض‪44‬بطه كتاب‪44‬ه( ال‪44‬روض‬
‫األن‪44‬ف) وخالل تناول‪44‬ه علم البالغ‪44‬ة‪ ،‬أش‪44‬ار إلى أبوابه‪44‬ا وفروعه‪44‬ا الثالث‪44‬ة – علم البي‪44‬ان –‬
‫علم المع‪44‬اني – علم الب‪44‬ديع‪ .‬وعن‪44‬د تناول‪44‬ه علم البي‪44‬ان تع‪44‬رض للك‪44‬اف من أدوات التش‪44‬بيه‪،‬‬
‫وبين أنها تقحم لتأكيد التشبيه‪ ،‬وربما كان إقحاما معيبا كما في قول الراجز‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫فصيروا مثل كعصف مأكول‬

‫ق‪44‬ال الس‪44‬هيلي‪" :‬إن الك‪44‬اف تك‪44‬ون ح‪44‬رف ج‪44‬ر‪ ،‬وتك‪44‬ون اس‪44‬ما بمع‪44‬نى مث‪44‬ل‪ ،‬وي‪44‬دلك على أنه‪44‬ا‬
‫ح‪4‬رف وقوعه‪4‬ا ص‪4‬لة لل‪4‬ذي‪ ،‬ألن‪4‬ك تق‪4‬ول‪ :‬رأيت ال‪4‬ذي كزي‪4‬د‪ ،‬ول‪4‬و قلت ال‪4‬ذي مث‪4‬ل زي‪4‬د‪ ،‬لم‬
‫‪3‬‬
‫يحس ‪44‬ن وب ‪44‬ذلك تك ‪44‬ون اس ‪44‬ما‪ ....‬وإ ذا دخلت على مث‪44‬ل كقول‪44‬ه تع‪44‬الى‪" :‬ليس كمثل ‪44‬ه ش‪44‬يء"‬
‫فهي إذا ح‪4‬رف‪ ،‬إذ ال يس‪4‬تقيم أن يق‪4‬ال مث‪4‬ل مثل‪4‬ه‪ ،‬وك‪4‬ذلك هي ح‪4‬رف في بيت رؤب‪4‬ة "مث‪4‬ل‬
‫كعصف" لكنها مقحمة‪ ،‬لتأكيد التشبيه‪ ،‬كما أقحم‪4‬وا الالم من قول‪4‬ه‪" :‬ي‪4‬ا ب‪4‬ؤس للع‪4‬رب" وال‬
‫يج ‪44‬وز أن يقحم ح ‪44‬رف من ح ‪44‬روف الج ‪44‬ر س ‪44‬وى الالم‪ ،‬والك ‪44‬اف‪ ،‬أم ‪44‬ا الالم فألنه ‪44‬ا تعطي‬
‫بنفس‪44‬ها مع‪44‬نى اإلض‪44‬افة فلم تغ‪44‬ير معناه‪44‬ا‪ ،‬وك‪44‬ذلك الك‪44‬اف تعطى مع‪44‬نى التش‪44‬بيه‪ ،‬ف‪44‬أقحمت‬
‫لتأكيد معنى المماثلة غ‪44‬ير أن دخ‪44‬ول مث‪44‬ل عليه‪44‬ا كم‪44‬ا في بيت رؤب‪44‬ة ق‪44‬بيح‪ ،‬ودخوله‪44‬ا على‬
‫مثل كما في القرآن أحسن شيء ألنها حرف جر تعم‪4‬ل في االس‪4‬م واالس‪4‬م ال يعم‪4‬ل فيه‪4‬ا‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫فال يتقدم عليها‪ ،‬إال أن يقتحمها كما أقحمت الالم"‬

‫‪1‬‬
‫الروض األنف‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪33-32‬‬
‫‪2‬‬
‫البيت لرؤبة يصف قوما استؤصلوا فشبههم بالعصف الذي أكل حبه ‪,‬والعصف ‪:‬التبن ‪,‬والشاهد فيه إدخال مثل على الكاف ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪11‬‬
‫‪4‬‬
‫الروض األنف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪276‬‬

‫‪5‬‬
‫وأثن ‪44‬اء كالم الس ‪44‬هيلي على المج ‪44‬از تع ‪44‬رض لحجيت ‪44‬ه في اللغ ‪44‬ة عن ‪44‬د قول ‪44‬ه تع ‪44‬الى‪" :‬وبلغت‬
‫القلوب الحناجر"‪.‬‬

‫يق‪44 4‬ول‪" :‬والقلب ال ينتق‪44 4‬ل من موض‪44 4‬عه ‪ ،‬ول‪44 4‬و انتق‪44 4‬ل إلى الحنج‪44 4‬رة لم‪44 4‬ات ص‪44 4‬احبه‪ ،‬واهلل‬
‫سبحانه ال يقول إال الحق‪ ،‬ففي هذا دليل على أن التكلم بالمجاز على جهة المبالغة‪ ،‬فهو‬
‫حق إذا فهم المخاطب عنك"‪.1‬‬

‫وإ ذا ك‪44‬ان الس‪44‬هيلي أثبت المج‪44‬از في ه‪44‬ذه اآلي‪44‬ة‪ ،‬فق‪44‬د أنك‪44‬ره في آي‪44‬ة أخ‪44‬رى مش‪44‬ابهة‪ ،‬ألنه‪44‬ا‬
‫وصف ألهوال القيامة‪ ،‬والقيامة لها أهوالها الخاصة بها على كل حال يقول‪" :‬وأما قوله‬
‫"إذا القل‪444‬وب ل‪444‬ذى الحن‪444‬اجر"‪ 2‬فال مع‪444‬نى لحمل‪444‬ه على المج ‪44‬از ألن ‪44‬ه في ص ‪44‬فة ه ‪44‬ول ي ‪44‬وم‬
‫القيام‪44‬ة‪ ،‬واألم‪44‬ر في‪44‬ه أش‪44‬د مم‪44‬ا تق‪44‬دم‪ ،‬وق‪44‬د ق‪44‬ال في أخ‪44‬رى‪" :‬ال يرت‪44‬د إليهم ط‪44‬رفهم وأفئ‪44‬دتهم‬
‫‪4‬‬
‫هواء"‪ .3‬أي فارق القلب الفؤاد ويبقى فارغا هواء‬

‫وه‪44‬ذه إض‪44‬افة نوعي‪44‬ة تحس‪44‬ب لإلم‪44‬ام الس‪44‬هيلي‪ ،‬حيث إن الق‪44‬رآن ج‪44‬اء على لس‪44‬ان الع‪44‬رب‪،‬‬
‫وه‪44‬ذا ص‪44‬حيح لكن هن‪44‬اك أم‪44‬ور تناوله‪44‬ا في ع‪44‬الم الغيب‪ ،‬له‪44‬ا س‪44‬ماتها الخاص‪44‬ة‪ ،‬فال ينبغي‬
‫أن تخضع لمنطق اللغة دائما‪ ،‬ألن اللغة محكومة دائما في دالالتها الحس‪44‬ية والبيئي‪44‬ة عن‪44‬د‬
‫من نطقوا بها‪ ،‬وما وراء الغيب يتجاوز معطيات هذه ال‪44‬دالالت‪ ،‬ول‪44‬ذلك ق‪44‬ال ابن عب‪44‬اس‪:‬‬
‫"ال يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إال في األسماء"‪.5‬‬

‫وفي ب‪44‬اب الكناي‪44‬ة ال‪44‬تي أش‪4‬ار إليه‪44‬ا الس‪4‬هيلي عن‪4‬د ق‪44‬ول ال‪44‬براء من مع‪44‬رور للن‪44‬بي ص‪44‬لى اهلل‬
‫علي‪44‬ه وس‪44‬لم "نبايع‪44‬ك على أن نمنع‪44‬ك مم‪44‬ا نمن‪44‬ع من‪44‬ه أزرن‪44‬ا" أراد نس‪44‬اءنا‪ ،‬وق‪44‬ال‪ :‬والع‪44‬رب‬
‫تك‪44‬نى عن الم‪44‬رآة ب‪44‬اإلزار‪ ،‬وتك‪44‬نى أيض‪44‬ا ب‪44‬اإلزار عن النفس‪ ،‬وتجع‪44‬ل الث‪44‬وب عب‪44‬ارة عن‬
‫البسه‪،‬‬

‫‪ 1‬الروض األنف ج ‪ ،6‬ص‪338‬‬


‫‪ 2‬سورة غافر اآلية ‪12‬‬
‫‪ 3‬سورة إبراهيم اآلية ‪43‬‬
‫‪ 4‬الروض األنف ج ‪ 6‬ص ‪338‬‬
‫‪ 5‬تفسير ابن كثير مج ‪ ،1‬ص‬

‫‪6‬‬
‫كما قال‪:‬‬

‫رموها بأثواب خفاف فال ترى لها شبها إال النعام المنفرا‪.‬‬

‫أي بأبدان خفاف‪ ،‬فقوله مما نمنع منه أزرنا يحتمل الوجهين جميعا‪.‬‬

‫وفي الس‪44‬ياق ذات‪44‬ه ينق‪44‬ل الس‪44‬هيلي ق‪44‬وال آخ‪44‬ر وق‪44‬ع علي‪44‬ه لف‪44‬ظ اإلزار كناي‪44‬ة عن األه‪44‬ل عن‪44‬د‬
‫أبي علي الفارسي‪ ،‬بينما ذهب ابن قتيبة إال أنه كناية عن النفس‪.‬‬

‫وي‪44‬رجح الس‪44‬هيلي م‪44‬ا ذهب إلي‪44‬ه ابن قتيب‪44‬ة‪ ،‬معتم‪44‬دا على التحلي‪44‬ل النح‪44‬وي للس‪44‬ياق‪ ،‬وعلى‬
‫ال‪44‬بيت ال‪44‬ذي يلي الش‪44‬اهد الم‪44‬ذكور‪ ،‬يق‪44‬ول‪" :‬وق‪44‬د ق‪44‬ال الفارس‪44‬ي في ق‪44‬ول الرج‪44‬ل ال‪44‬ذي كتب‬
‫إلى عمر من الغزو يذكره بأهله‪.‬‬

‫أال أبلغ أبا حفص رسوال ‪...‬فدى لكل من أخي ثقة إزاري‬

‫قال‪ :‬اإلزار كناية عن األهل‪ ،‬وهو موضع نصب باإلغراء‪ ،‬أي إحفظ إزاري‪.‬‬

‫وق‪44‬ال ابن قتيب‪44‬ة‪ :‬اإلزار في ه‪44‬ذا ال‪44‬بيت كناي‪44‬ة عن نفس‪44‬ه‪ ،‬ومعن‪44‬اه‪ :‬ف‪44‬دى لك‪44‬ل نفس‪44‬ي‪ ،‬وه‪44‬ذا‬
‫الق‪44‬ول ه‪44‬و المرض‪44‬ي في العربي‪44‬ة‪ ،‬وال‪44‬ذي قال‪44‬ه الفارس‪44‬ي بعي‪44‬د عن الص‪44‬واب‪ ،‬ألن‪44‬ه أض‪44‬مر‬
‫المبت‪44‬دأ وأض‪44‬مر الفع‪44‬ل الناص‪44‬ب لإلزار‪ ،‬وال دلي‪44‬ل علي‪44‬ه لبع‪44‬ده عن‪44‬ه‪ ،‬وبع‪44‬د ال‪44‬بيت م‪44‬ا ي‪44‬دل‬
‫على صحة القول المختار وهو‪:‬‬

‫قالئصنا هداك اهلل مهال *** شغلنا عنكم زمن الحصار‬

‫فنصب قالئصنا باإلضمار الذي جعله الفارسي ناصبا باإلزار‪.1‬‬

‫وفي علم المع‪44‬اني‪ :‬تع‪44‬رض الس‪44‬هيلي إلى التق‪44‬ديم والت‪44‬أخير في مواض‪44‬ع متع‪44‬ددة منه‪44‬ا قول‪44‬ه‬
‫تعالى‪" :‬وليس الذكر كاألنثى"‪ 2‬حيث بيد أن الترتيب بحس‪44‬ب األفض‪4‬ل في نظ‪44‬ر اهلل للعب‪44‬د‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫الروض األنف‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪119‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة آل عمران اآلية ‪36‬‬

‫‪7‬‬
‫فق‪44‬ال‪" :‬ف‪44‬إن قي‪44‬ل‪ :‬ك‪44‬ان القي‪44‬اس في الكالم أن يق‪44‬ال‪ :‬وليس األن‪44‬ثى كال‪44‬ذكر ألنه‪44‬ا دون‪44‬ه‪ ،‬فم‪44‬ا‬
‫بال‪44‬ه‪ ،‬ب‪44‬دأ بال‪44‬ذكر‪ ،‬والج‪44‬واب‪ :‬أن األن‪44‬ثى إنم‪44‬ا هي دون ال‪44‬ذكر في نظ‪44‬ر العب‪44‬د لنفس‪44‬ه‪ ،‬ألن‪44‬ه‬
‫يهوى ذكران الب‪4‬نين وه‪4‬و م‪4‬ع األم‪4‬وال زين‪4‬ة الحي‪4‬اة ال‪4‬دنيا‪ ،‬وأق‪4‬رب إلى فتن‪4‬ة العب‪4‬د‪ ،‬ونظ‪4‬ر‬
‫الرب للعب‪4‬د خ‪44‬ير من نظ‪4‬ره لنفس‪44‬ه‪ ،‬فليس ال‪44‬ذكر ك‪4‬األنثى على ه‪4‬ذا‪ ،‬ب‪44‬ل األن‪44‬ثى أفض‪44‬ل في‬
‫الموهب‪44‬ة‪ ،‬أال ت‪44‬راه يق‪44‬ول س‪44‬بحانه "يهب لمن يش‪44‬اء إناث‪44‬ا"‪ 1‬فب‪44‬دأ ب‪44‬ذكرهن قب‪44‬ل ال‪44‬ذكور‪ ،‬وفي‬
‫الح‪44‬ديث "إب‪44‬دءوا باإلن‪44‬اث"‪ 2‬يع‪44‬ني في الرحم‪44‬ة وإ دخ‪44‬ال الس‪44‬رور على الب‪44‬نين‪ ،‬وفي الح‪44‬ديث‬
‫أيضا‪" :‬من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة كه‪44‬اتين"‪ 3‬ف‪44‬تركب الكالم في التنزي‪44‬ل على‬
‫األفصل في نظر اهلل للعبد‪ ،‬واهلل أعلم بما أراد‪.4‬‬

‫أما علم البديع فقد تعرض السهيلي فيه للمشاكلة مرتين‪:‬‬

‫مرة أطلق عليها مص‪44‬طلح المج‪44‬از يق‪44‬ول‪ :‬وفي التنزي‪44‬ل خ‪4‬برا عن ن‪44‬وح‪" :‬إن تس‪44‬خروا من‪44‬ا‬
‫فإن‪44‬ا نس‪44‬خر منكم"‪ 5‬ولم يق‪44‬ل نس‪44‬تهزئ بكم كم‪44‬ا تس‪44‬تهزؤون‪ ،‬ألن االس‪44‬تهزاء ليس من فع‪44‬ل‬
‫األنبياء وإ نما هومن فعل الجاهلين‪.‬‬

‫فالنبي يسخر‪ :‬أي يعجب من كفر من يسخر به‪ ،‬ومن س‪4‬خر عق‪4‬ولهم‪ ،‬ف‪4‬إن قلت‪ :‬فق‪4‬د ق‪4‬ال‬
‫اهلل تعالى‪" :‬اهلل يستهزئ بهم"‪ 6‬قلنا العرب تسمي الجزاء على الفعل باس‪4‬م الفع‪4‬ل كم‪4‬ا ق‪4‬ال‬
‫اهلل تع‪44 4‬الى‪" :‬نس‪44 4‬وا اهلل فنس‪44 4‬يهم"‪ 7‬ف‪44 4‬ذلك مج‪44 4‬از حس‪44 4‬ن ‪..‬ويحس‪44 4‬ن في حكم البالغ‪44 4‬ة وض‪44 4‬ع‬
‫واحدة مكان أخرى‪.8.‬‬

‫ويض ‪44‬يف الس ‪44‬هيلي في موض ‪44‬ع آخ ‪44‬ر مص ‪44‬طلح المش ‪44‬اكلة كم ‪44‬ا فع ‪44‬ل عن ‪44‬د ق ‪44‬ول رس ‪44‬ول اهلل‬
‫ص‪44 4 4‬لى اهلل علي ‪44 4‬ه وس‪44 4 4‬لم ‪" :‬أم ‪44 4‬رت أن أبش‪44 4 4‬ر خديج ‪44 4‬ة ب ‪44 4‬بيت من قص‪44 4 4‬ب الص‪44 4 4‬حب في ‪44 4‬ه‬

‫‪1‬‬
‫سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪49‬‬
‫‪2‬‬
‫لم أعثر عليه بلفظه ‪,‬وفي مشكاة المصابيح الحديث رقم ‪ 4979‬ج‪ 3‬ص ‪ 1389‬قريب منه‬
‫‪3‬‬
‫في شرح النووي على صحيح مسلم "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه "ج‪ 8‬ص‪ 229‬رقم الحديث ‪6638‬‬
‫‪4‬‬
‫الروض األنف‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪37-36‬‬
‫‪5‬‬
‫سورة هود اآلية ‪.38‬‬
‫‪6‬‬
‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪15‬‬
‫‪7‬‬
‫سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪63‬‬
‫‪8‬‬
‫الروض األنف‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص‪411‬‬

‫‪8‬‬
‫وألنص ‪44‬ب"‪ 1‬حيث فس ‪44‬ر ه ‪44‬ذا الح ‪44‬ديث بن ‪44‬اء عن المش ‪44‬اكلة تفس ‪44‬يرا ب ‪44‬ديعا‪ ،‬يط ‪44‬ابق في ‪44‬ه بين‬
‫الج‪44‬زاء في اآلخ‪44‬رة الم‪44‬ترتب عن العم‪44‬ل الص‪44‬الح في ال‪44‬دنيا حيث يك‪44‬ون الج‪44‬زاء من جنس‬
‫العم ‪44‬ل‪ ،‬يق ‪44‬ول‪ :‬ل ‪44‬ذكر ال ‪44‬بيت ههن ‪44‬ا به ‪44‬ذا اللف ‪44‬ظ ولقول ‪44‬ه بيت ولم يق ‪44‬ل بقص ‪44‬ر مع ‪44‬نى الئ ‪44‬ق‬
‫بصورة الحال‪ ،‬وذلك أنها كانت ربة بيت إس‪44‬الم‪ ،‬لم يكن على ظه‪44‬ر األرض بيت إس‪44‬الم‬
‫إال بيتهم‪44‬ا حيث آمنت‪ ،‬وأيض‪44‬ا فإنه‪44‬ا أول من ب‪44‬نى بيت‪44‬ا في اإلس‪44‬الم بتزويجه‪44‬ا رس‪44‬ول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ورغبتها فيه‪ ،‬وجاء الفعل يذكر بلفظ الفعل‪ ،‬وإ ن كان أشرف منه‪.‬‬

‫ويض‪44‬يف موض‪44‬حا للمش‪44‬اكلة في بقي‪44‬ة ألف‪44‬اظ الح‪44‬ديث النب‪44‬وي فيق‪44‬ول‪ :‬أم‪44‬ا قول‪44‬ه‪" :‬ال ص‪44‬خب‬
‫فيه وال نصب" فإنه أيضا من باب ما كنا بس‪4‬بيله‪ ،‬ألن‪4‬ه علي‪4‬ه الص‪4‬الة والس‪4‬الم دعاه‪4‬ا إلى‬
‫اإليم ‪44‬ان فأجابت ‪44‬ه عف ‪44‬وا لم تحوج ‪44‬ه إلى أن يص ‪44‬خب كم ‪44‬ا يص ‪44‬خب البع ‪44‬ل إذا تعص ‪44‬ت علي ‪44‬ه‬
‫حليلت ‪44‬ه‪ ،‬وال أن ينص ‪44‬ب‪ ،‬ب ‪44‬ل أزالت عن ‪44‬ه ك ‪44‬ل نص ‪44‬ب‪ ،‬وآنس ‪44‬ته من ك ‪44‬ل وحش ‪44‬ة ‪ ،‬وه ‪44‬ونت‬
‫علي‪44‬ه ك‪4‬ل مك‪44‬روه‪ ،‬وأراحت‪44‬ه بماله‪4‬ا من ك‪44‬ل ك‪44‬د ونص‪4‬ب‪ ،‬فوص‪4‬ف منزله‪4‬ا ال‪44‬ذي بش‪4‬رت ب‪4‬ه‬
‫بالصفة المقابلة لفاعلها وصورته‪.‬‬

‫وي‪44‬بين الس‪44‬هيلي س‪44‬بب اس‪44‬تخدام كلم‪44‬ة قص‪44‬ب في وص‪44‬ف بيت خديج‪44‬ة بالجن‪44‬ة دون غيره‪44‬ا‬
‫من الوص‪44‬اف ك‪44‬اللؤلؤ مثال‪ ،‬وذل‪44‬ك مراع‪44‬اة للمماثل‪44‬ة في نيله‪44‬ا قص‪44‬ب الس‪44‬بق إلى اإليم‪44‬ان‪،‬‬
‫فيق ‪44‬ول‪ :‬وأم ‪44‬ا قول ‪44‬ه ‪" :‬من قص ‪44‬ب" ولم يق ‪44‬ل من لؤل ‪44‬ؤ وإ ن ك ‪44‬ان المع ‪44‬نى واح ‪44‬دا‪ ،‬ولكن في‬
‫اختصاص‪44‬ه ه‪44‬ذا اللف‪44‬ظ من المش‪44‬اكلة الم‪44‬ذكورة والمقابل‪44‬ة بلف‪44‬ظ الج‪44‬زاء للف‪44‬ظ العم‪44‬ل‪ ،‬أنه‪44‬ا‬
‫رض‪44‬ي اهلل عنه‪44‬ا ك‪44‬انت ق‪44‬د أح‪44‬رزت قص‪44‬ب الس‪44‬بق إلى اإليم‪44‬ان دون غيره‪44‬ا من الرج‪44‬ال‬
‫والنس‪44‬وان‪ ....‬ح‪44‬تى ق‪4‬ال‪" :‬فاقتض‪44‬ت البالغ‪44‬ة أن يع‪44‬بر بالعب‪44‬ارة المش‪44‬اكلة لعمله‪44‬ا في جمي‪44‬ع‬
‫ألف‪44‬اظ الح‪44‬ديث فتأمل‪44‬ه‪ ،‬ويالح‪44‬ظ هن‪44‬ا أن الس‪44‬هيلي اس‪44‬تخدم مص‪44‬طلح المش‪44‬اكلة‪ ،‬وب‪44‬رع في‬
‫بيان تأثيرها في الكالم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪,‬كتاب التوحيد ‪,‬باب قول هللا تعالى " يريدون أن يبدلوا كالم هللا " رقم الحديث ‪ 7497‬ج ‪ 13‬ص‪575‬‬

‫‪9‬‬
‫ه‪44 4‬ذه بعض المم‪44 4‬يزات البالغي‪44 4‬ة لإلم‪44 4‬ام الس‪44 4‬هيلي‪ ،‬موض‪44 4‬وع مش‪44 4‬اركتي في هات‪44 4‬ه الن‪44 4‬دوة‬
‫العلمي‪44‬ة المبارك‪44‬ة من خالل كتاب‪44‬ه "ال‪44‬روض األن‪44‬ف" ال‪44‬ذي ألف‪44‬ه وه‪44‬و يع‪44‬تز ب‪44‬ه متمثال ق‪44‬ول‬
‫الشاعر‪.‬‬

‫إذا‪ 4‬ما اعتز ذو علم بعلمه***فعلم السيرة أولى باعتزاز‬

‫فكم عطر يفوح وال كمسك***وكم طير يطير وال كباز‬

‫الس‪44‬هيلي ال‪44‬ذي اخت‪44‬ار أن يعيش أواخ‪44‬ر حيات‪44‬ه بم‪44‬راكش وأن ي‪44‬ترك األن‪44‬دلس كم‪44‬ا وص‪44‬فها‬
‫ابن خفاجة‪.‬‬

‫يا أهل أندلس‪ 4‬اهلل دركم***ماء وظل وأنهار وأشجار‪.‬‬

‫ما جنة الخلد إال في دياركم***ولو تخيرت هذا كنت أختار‪.‬‬

‫السهيلي الذي اختار أن يكتب في السيرة وأن يساهم ولو بالقليل متمثال قول القائل‪:‬‬

‫افعل الخير ما استطعت وأن كا***ن قليال فلن تحيط بكله‪.‬‬

‫ومتى تبلغ الكثير من الفض***ل إذا‪ 4‬كنت تاركا ألقله‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة الثانية عرض بعنوان أحكام السهو‬


‫في الصالة‬
‫بجامع الشيخ بأبي الجعد‬
‫بتاريخ‪ 2005 _ 7 _ 26 :‬م‬
‫عدد الحاضرين من حملة‬
‫كتاب الله‪190 :‬‬

‫‪11‬‬
‫أحكام السهو في الصالة‬
‫السهو لغة‪ :‬الذهول عن الشيء‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬سجدتان بعدهما تشهد على الشهور دون صالة على الن‪dd‬بي ص‪dd‬لى هللا‬
‫عليه وسلم ودون دعاء وبينهما جلسة‪ ،‬فإن سجدهما قبل السالم سمي قبليا‪ ،‬وإن سجدهما‬
‫بعد السالم سمي بعديا وذلك بحسب سببه‪.‬‬
‫حكمــــــه‪:‬‬ ‫‪)1‬‬
‫‪ -‬سنة بالنسبة لإلمام والفذ والمأموم‪ d‬ولو حكم‪dd‬ا كالمس‪dd‬بوق إذا س‪dd‬ها في قض‪dd‬ائه‬
‫بعد سالم إمامه‪.‬‬
‫‪ -‬الوجوب لبطالن صالة تاركه أو مؤخره بعد السالم كثيرا‪.‬‬
‫صلَّى‬‫سو ُل هَّللا ِ َ‬ ‫ي قَا َل قَا َل َر ُ‬ ‫س ِعي ٍد ا ْل ُخ ْد ِر ِّ‬ ‫‪ )2‬دليلـــــه‪ " :‬عَنْ أَبِي َ‬
‫صـلَّى‬ ‫صـاَل تِ ِه فَلَ ْم يَـ ْد ِر َك ْم َ‬ ‫شـ َّك أَ َحـ ُد ُك ْم فِي َ‬ ‫سـلَّ َم إِ َذا َ‬ ‫هَّللا ُ َعلَ ْيـ ِه َو َ‬
‫اس ـتَ ْيقَ َن ثُ َّم يَ ْ‬
‫س ـ ُج ُد‬ ‫ش َّك َو ْليَ ْب ِن َعلَى َمــا ْ‬ ‫ثَاَل ثًا أَ ْم أَ ْربَ ًعا فَ ْليَ ْط َر ْح ال َّ‬
‫شفَ ْع َن لَ ـهُ َ‬
‫ص ـاَل تَهُ‬ ‫سا َ‬ ‫صلَّى َخ ْم ً‬ ‫ان َ‬ ‫سلِّ َم فَإِنْ َك َ‬‫س ْج َدتَ ْي ِن قَ ْب َل أَنْ يُ َ‬ ‫َ‬
‫ان "‬ ‫ش ْيطَ ِ‬ ‫صلَّى إِ ْت َما ًما أِل َ ْربَ ٍع َكانَتَا ت َْر ِغي ًما لِل َّ‬ ‫ان َ‬ ‫َوإِنْ َك َ‬
‫قال ابن عاشر رحمه هللا‪:‬‬
‫سنَــنْ‬
‫س ْج َدتان أو ُ‬
‫الم َ‬
‫س ِ‬‫سنّ *** قبل ال ّ‬ ‫سنَّ ِة ِ َ‬
‫س ْه َوا يُ َ‬ ‫ص ُ‬‫فَصــل لِنَ ْق ِ‬
‫س َجـ ْد *** بَ ْعد َكذا والنَّ ْقص َغلِّ ْ‬
‫ـب إن َو َر ْد‬ ‫س ْه َوا َ‬‫إنْ أُ ِّك َدتْ َو َمنْ يَ ِز ْد َ‬
‫***واستَ ْد ِر ِك ا ْلبَ ْع ِدي ولو من بعد عاَم‬
‫َ‬ ‫سال ْم‬‫ب ال َّ‬ ‫ستَ ْد ِر ِك ا ْلقَ ْبل َّي مع قُ ْر ِ‬
‫َوا ْ‬
‫عن ُم ْقتَ ِد ِ يَ ْح ِم ُل َه َذ ْي ِن اإلمــا ْم‬
‫أسباب سجود السهو في الصالة‪:‬‬ ‫‪)3‬‬
‫أسباب سجود‪ d‬السهو في الصالة تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ -‬أسباب سجود السهو القبلي ثالثة‪:‬‬
‫‪ -1‬نقص سنة مؤكدة داخلة في الص‪dd‬الة س‪dd‬هوا‪ ،‬والس‪dd‬نن المؤك‪dd‬دة‪ d‬كم‪dd‬ا ه‪dd‬و معل‪dd‬وم‬
‫ثمانية وهي‪ :‬السر‪ ،‬والسورة‪ d،‬والتشهد األول والثاني‪ ،‬والجهر‪ ،‬والجل‪dd‬وس للتش‪dd‬هد األول‪d‬‬
‫والثاني‪ ،‬والتكبير‪ ،‬والتحميد‪ ,،‬ونظمها أحد الفقهاء فقال‪:‬‬
‫سينان شينان كذا جمان *** تاءان عدد السنن الثمان‬

‫‪12‬‬
‫ويقول ابن عاشر رحمه هللا‪:‬‬
‫يام أ َّوالً و الثَّانِيَ ْه‬
‫سو َرةُ بَ ْع َد ا ْلواقِيَ ْه *** َمـــــ َع ا ْلقِ ِ‬
‫سننـــها ال ُّ‬
‫إلى أن قال‪ :‬والباقي كما لمندوب في الحكم بدا‪.‬‬
‫‪ -2‬نقص س‪dd‬نتين غ‪dd‬ير مؤك‪dd‬دتين ف‪dd‬أكثر داخل‪dd‬تين في الص‪dd‬الة إن ك‪dd‬ان ذل‪dd‬ك عم‪dd‬دا‬
‫فصالته باطلة وإن كان سهوا فسجود‪ d‬السهو واجب لجبرها‪.‬‬
‫‪ -3‬اجتماع نقص أكثر من سنة ولو غير مؤكدة مع زيادة في الص‪dd‬الة يس‪dd‬جد لهم‪dd‬ا‬
‫سجودا‪ d‬قبليا ترجيحا لجانب النقص كمن ترك أكثر من تكبرة وق‪dd‬ام لركع‪dd‬ة خامس‪dd‬ة‪ ،‬ق‪dd‬ال‬
‫ابن عاشر رحمه هللا‪:‬‬
‫س َج ْد *** بَ ْع ُد َكـ َذا َوالنَّ ْق َ‬
‫ص َغـلِّ ْ‬
‫ـب إِنْ َو َر ْد‬ ‫إِنْ أُ ِّك َدتْ َو َمـنْ يَـ ِز ْد َ‬
‫س ْهـواً َ‬
‫‪ -‬أسباب سجود السهو البعدي‪:‬‬
‫أسباب السجود‪ d‬البعدي أمران‪:‬‬
‫‪ -1‬الزيادة التي ليست من جنس الصالة وهي‪:‬‬
‫إما أقوال‪ d‬وأفعال‪ d‬كااللتفات في الصالة أو حك الجسد أو المشي نح‪dd‬و ص‪dd‬فين لس‪dd‬د‬
‫الفرجة أو حمد عاطس كما وقع ألحد الصحابة خلف النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فأجاب‪dd‬ه‬
‫عليه الصالة والسالم‪" :‬إن هذه الصالة ال يصلح فيها شيء من كالم الناس" ولم ي‪dd‬أمره‬
‫بالسجود‪ ،‬أو إدارة اإلمام المؤتم به من يس‪dd‬اره إلى يمين‪dd‬ه‪ .‬ك‪dd‬ل ه‪dd‬ذه األق‪dd‬وال واألفع‪dd‬ال ال‬
‫تحتاج إلى جبرها بالسجود‪.‬‬
‫‪ -2‬الزيادة التي من جنس الصالة ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬الزي‪dd‬ادة في األق‪dd‬وال المس‪dd‬نونة كق‪dd‬راءة الس‪dd‬ورة في الركع‪dd‬تين األخ‪dd‬يرتين أو‬
‫الخروج من سورة إلى س‪dd‬ورة في ك‪dd‬ل من الس‪dd‬ورة األولى والثاني‪dd‬ة‪ ،‬ه‪dd‬ذه الزي‪dd‬ادة ليس‪dd‬ت‬
‫بحاجة إلى جبرها بالسجود‪ d‬سواء زيدت عمدا أو سهوا‪.‬‬
‫‪ -‬الزيادة في األفعال كزيادة ركن فعلي أو زيادة ركعة أو ركعتين س‪dd‬هوا‪ ،‬ه‪dd‬ذه‬
‫الزيادة تجبر بسجود السهو‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫من شك في عدد الركعات بنى على اليقين وسجد بعد السالم‪.‬‬
‫من شك في عدد السجدات‪ d‬يأتي بما شك ويسجد بعد السالم‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫من كثر شكه أعرض عنه وال يلتفت إليه‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬السهو في النافلة كالسهو في الفريضة إال في خمس مسائل‪:‬‬
‫(‪ -)1‬قراءة السورة‪ d‬في النافلة انه‪d‬ا س‪d‬نة وتركه‪d‬ا ال س‪d‬جود في‪d‬ه بخالف الفريض‪d‬ة‬
‫على التفصيل‪.‬‬
‫(‪ -)2‬الجهر فيما يجهر في‪dd‬ه والس‪dd‬ر فيم‪dd‬ا يس‪dd‬ر في‪dd‬ه إذا ترك‪dd‬ه في النافل‪dd‬ة ال س‪dd‬جود‪d‬‬
‫عليه‪.‬‬
‫(‪ -)3‬عقد الثالثة في النافلة أقامها أربعا‪.‬‬
‫(‪ -)4‬إذا نسي ركنا من أركان النافلة وطال فال شيء عليه بخالف الفريضة ال‪dd‬تي‬
‫يعيدها‪.‬‬
‫وقد جمعها بعضهم في هاذين البيتين‪:‬‬
‫وسهو بنفل‪ ،‬مثل سهو فريضـة *** سوى خمسة‪ ،‬س ّر وجهر‪ ،‬وسورة‬
‫وعقد ركوع جا بثالثة‪ ،‬ومــن *** عن الركن قد يسهـو وطال‪ ،‬تثبت‬
‫يسجد الساهي سجدتين ولو تكررت السورة المتروكة وال ف‪dd‬رق بين ك‪dd‬ون النقص‬
‫محققا أو مشكوكا فيه‪.‬‬
‫من سها بزيادة مع نقصان سجد قبل السالم ولو اجتمعت مع الزيادة سنة خفيفة‪.‬‬
‫من سها ونسي هل زاد أو نقص سجد قبل السالم تغليبا لحكم النقص‪.‬‬
‫من لم يدر أهو في الوتر أو في الشفع فإنه يجعل الركعة التي هو فيها ثانية الش‪dd‬فع‬
‫ويسجد بعد السالم كما قال مالك رحمه هللا في المدونة‪:‬‬
‫الخروج من السجد ال يعد طوال عند مالك رحمه هللا‪.‬‬
‫قال صلى هللا عليه وسلم‪" d:‬إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائمــا فليجلس‪،‬‬
‫وإن استتم قائما فال يجلس ويسجد سجدتي السهو" رواه أحمد وابن ماجة وأبو داوود‪.‬‬
‫وحاص‪dd‬ل الكالم أن من نس‪dd‬ي ركن‪dd‬ا من أرك‪dd‬ان الص‪dd‬الة أو فرض‪dd‬ا من فرائض‪dd‬ها‬
‫كالركوع‪ d‬والسجود ثم تذكره بالقرب فإنه يستدركه‪ ،‬فإن لم يتذكر حتى حال الركوع بين‪dd‬ه‬
‫وبين تداركه فإنه يلغي الركعة صاحبة السهو‪ ،‬وإن كان السهو في الركعة األخ‪dd‬يرة فإن‪dd‬ه‬
‫يتداركه قبل السالم فإذا سلم أحرم لما بقي من صالته ويكون إحرامه بالقرب وإال بطلت‬
‫صالته لطول الزمن‪ ،‬وهذا معنى البيتين‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫س ْهـ ِو َوالبِنَـا يَطُـو ْع‬ ‫الـر ْك َن فَإِنْ َحـا َل ُر ُكو ْع *** فَأ َ ْل ِ‬
‫ـغ َذاتَ ال َّ‬ ‫ستَ ْد ِر ِك ُّ‬
‫َوا ْ‬
‫سـا َد ُم ْلـ ِز ُم‬
‫طـو ُل ا ْلفَ َ‬ ‫ـحـ ِر ُم *** لِ ْلبَاقِـي َوال ُّ‬
‫سلَّـ َم لَ ِكـنْ يُ ْ‬ ‫َكفِ ْع ِ‬
‫ـل َمنْ َ‬
‫المواضع الخمس التي سها فيها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ -‬عند نيسان التشهد األول‪ d،‬ونسيان س‪dd‬نة من س‪dd‬نن الص‪dd‬الة لم‪dd‬ا رواه الجماع‪dd‬ة‬
‫عن ابن بحينة أنه صلى هللا عليه وسلم صلى فقام في الركعتين فسبحوا به فمضى فلمــا‬
‫فرغ من صالته سجد سجدتين ثم سلم‪.‬‬
‫‪ -‬أنه صلى هللا عليه وسلم‪ d‬سلم قبل إتم‪dd‬ام الص‪dd‬الة لح‪dd‬ديث ابن س‪dd‬يرين عن أبي‬
‫هريرة رضي هللا عنه أنه قال‪ :‬صلى بنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إحــدى صــالتي‬
‫العشي (الظهر أو العصر) فصلى ركعتين ثم ســلم فســبح القــوم فصــلى مــا بقي وســجد‬
‫سجدتين‪.‬‬
‫‪ -‬عن ابن مسعود رضي هللا عنه أنه صلى هللا عليه وسلم صلى خمسـا فقيـل‬
‫له‪ :‬أزيد في الصالة ؟ فقال‪ :‬ومـا ذاك ؟ فقـالوا‪ :‬صـليت خمسـا‪ .‬فسـجد سـجدتين بعـدما‬
‫سلم‪.‬‬
‫‪ -‬أن‪dd‬ه ص‪dd‬لى هللا علي‪dd‬ه وس‪dd‬لم‪ d‬س‪dd‬لم من ثالث على م‪dd‬ا في ح‪dd‬ديث عم‪dd‬ران بن‬
‫الحصين رض‪dd‬ي هللا عن‪dd‬ه س‪dd‬لم رس‪dd‬ول هللا ص‪dd‬لى هللا علي‪dd‬ه و س‪dd‬لم من ثالث ركع‪dd‬ات من‬
‫العصر فدخل فقام إليه رجل يقال له الخرباق فقال الصالة ي‪d‬ا رس‪d‬ول هللا فخ‪dd‬رج مغض‪d‬با‬
‫يجر رداءه فقال أصدق قالوا نعم فقام فصلى تلك الركعة ثم سلم ثم سجد س‪dd‬جدتها ثم س‪dd‬لم‬
‫" سنن النسائي الكبرى‬
‫‪ -‬السجود من الشك على ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رض‪dd‬ي هللا عن‪dd‬ه‬
‫قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إذا شك أحدكم في صالته‪ ،‬فلم يــد ِر كم صــلى‬
‫ثالثًا أم أرب ًعا؟ فليطرح الشك‪ ،‬وليبن على ما استيقن‪ ،‬ثم ليسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم‪،‬‬
‫سا شفعن له صالته‪ ،‬وإن كان صلى تما ًما كانتا ترغي ًمــا للشــيطان "‪.‬‬
‫فإن كان صلى خم ً‬
‫رواه مسلم وأحمد‪ .‬وفي هذا الحديث دليل على أن من ش‪dd‬ك في ع‪dd‬دد الركع‪dd‬ات ب‪dd‬نى على‬
‫األقل‪ d‬ثم يسجد للسهو‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫المشاركة الثالثة عرض بعنوان‪ :‬البعد الديني‬
‫والوطني للتشبث بالمذهب المالكي بالمغرب‬
‫القي مسجد الشيخ بأبي الجعد بتاريخ ‪ 2006 – 9 – 12‬م‬

‫لفائدة القيمين الدينيين ‪:‬أئمة المساجد بأبي الجعد والدائرة‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫‪16‬‬
‫البعد الديني والوطني للتشبث بالمذهب المالكي بالمغرب‬

‫لق ‪44‬د اخت ‪44‬ار المغارب ‪44‬ة الم ‪44‬ذهب الم ‪44‬الكي في الفق ‪44‬ه والعقي ‪44‬دة األش ‪44‬عرية في العقي ‪44‬دة والتص ‪44‬وف‬
‫السني في السلوك وذلك راجع إلى أبعاد ديني‪4‬ة وأخ‪4‬رى وطني‪4‬ة س‪4‬نتعرض له‪4‬ا من خالل ه‪4‬ذا‬
‫العرض بإذن اهلل غير أن المنهجية تفرض علينا اإلشارة إلى النقط التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬نشأة الفقه‬

‫‪ - 2‬تعريف المذهب‬

‫‪ -3‬انتشار المذهب في المشرق‬

‫‪ -4‬انتشار المذهب في المغرب‬

‫‪ -5‬محاربة المذهب‬

‫‪ -6‬األبعاد الدينية‬

‫‪ -7‬األبعاد الوطنية‬

‫‪ -8‬خاتمة الموضوع‬

‫نشأة الفقه‪:‬‬

‫نش‪44‬أ الفق‪44‬ه م‪44‬ع نش‪44‬أة األحك‪44‬ام في عه‪44‬ده ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم ‪ ,‬وهي إم‪44‬ا فت‪44‬وى في واقع‪44‬ة‪ ,‬أو‬
‫قضاء في خصومة‪ ,‬أو جوابا عن سؤال‪ ,‬ومصدرها القرآن والسنة‪.‬‬

‫وأول من قام بهذا المنصب هو سيد المرسلين سيدنا محمد صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫وبع‪44‬د موت‪44‬ه ق‪44‬ام ب‪44‬الفتوى من بع‪44‬ده الص‪44‬حابة الك‪44‬رام ألين األم‪44‬ة قلوب‪44‬ا ‪,‬وأعمقه‪44‬ا علم‪44‬ا‪ ,‬وأقله‪44‬ا‬
‫تكلفا‪ ,‬فكانت األحكام عندهم مكونة من القرآن والسنة وفتاوى الصحابة ‪,‬ومن أمثلة ذلك ‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -‬الج‪44‬دة من قب‪44‬ل األم وفت‪44‬وى أبي بك‪44‬ر‪ :‬ق‪44‬ال له‪44‬ا ‪:‬مال‪44‬ك في كت‪44‬اب اهلل ش‪44‬يء‪ ,‬وم‪44‬ا علمت ل‪44‬ك‬
‫في سنة رسول اهلل شيئا فارجعي ح‪4‬تى أس‪4‬أل الن‪4‬اس‪ ,‬فق‪4‬ال المغ‪4‬يرة بن ش‪4‬عبة رض‪4‬ي اهلل عن‪4‬ه‬
‫حض‪44‬رت رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم فأعطاه‪44‬ا الس‪44‬دس فق‪44‬ال ل‪44‬ه ه‪44‬ل مع‪44‬ك غ‪44‬يرك فش‪44‬هد‬
‫محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه أبو بكر‪.‬‬

‫وفي خالف‪4‬ة عم‪44‬ر ج‪4‬اءت الج‪4‬دة األخ‪44‬رى من قب‪4‬ل األب تس‪4‬أل ميراثه‪4‬ا‪ .‬فق‪44‬ال له‪44‬ا عم‪4‬ر ‪:‬مال‪44‬ك‬
‫في كتاب اهلل ش‪44‬يء وم‪4‬ا ك‪4‬ان القض‪44‬اء ال‪4‬ذي قض‪4‬ي ب‪44‬ه إال لغ‪4‬يرك وم‪44‬ا أن‪4‬ا بزائ‪4‬د في الف‪44‬رائض‬
‫شيء ولكنه ذلك السدس فإن اجتمعتما فهو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها‪.‬‬

‫تعريف المذهب‪:‬‬

‫الم ‪44‬ذهب لغ ‪44‬ة الطري ‪44‬ق ومك ‪44‬ان ال ‪44‬ذهاب‪ .‬يق ‪44‬ال ذهب الق ‪44‬وم م ‪44‬ذاهب ش ‪44‬تى أي س ‪44‬لكوا طرائ ‪44‬ق‬
‫مختلف‪44‬ة ثم ص‪44‬ارهذا عن‪44‬د الفقه‪44‬اء حقيق‪44‬ة عرفي‪44‬ة فيم‪44‬ا ذهب إلي‪44‬ه إم‪44‬ام من األئم‪44‬ة في األحك‪44‬ام‬
‫االجتهادية ‪.‬‬

‫والم‪44‬ذهب به‪44‬ذا المع‪44‬نى لم يكن معروف‪44‬ا بين المس‪44‬لمين فمال‪44‬ك رحم‪44‬ه اهلل ك‪44‬ان يش‪44‬ير إلى الس‪44‬نة‬
‫وفق ‪44‬ه الص ‪44‬حابة والت ‪44‬ابعين فم‪44‬ا ك ‪44‬ان مال ‪44‬ك والغ ‪44‬يره ي ‪44‬دعو إلى التمس ‪44‬ك بمنهج ‪44‬ه في االجته ‪44‬اد‬
‫وإ نم ‪44‬ا ك ‪44‬انوا يتبع ‪44‬ون من س ‪44‬بقهم من علم ‪44‬اء الت ‪44‬ابعين وه ‪44‬ؤالء عن الص ‪44‬حابة عن رس ‪44‬ول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫ولم يح‪444‬دث ه‪444‬ذا إال في الق‪444‬رن الراب‪444‬ع الهج‪444‬ري عن‪444‬دما دعت الظ ‪44‬روف إلى ه ‪44‬ذا الن ‪44‬وع من‬
‫االلتزام ‪,‬غ‪4‬ير أنن‪4‬ا ال ننك‪4‬ر أن ب‪44‬ذرة الم‪44‬ذاهب ق‪4‬د ب‪44‬دأت قب‪4‬ل ه‪4‬ذا العص‪44‬ر إذ ك‪4‬ان أه‪4‬ل المدين‪44‬ة‬
‫يعتمدون على فتاوى ابن عمر‪ ‬وأه‪44‬ل مك‪4‬ة على فت‪44‬اوى ابن عب‪4‬اس وأه‪4‬ل الكوف‪44‬ة على فت‪4‬اوى‬
‫ابن مسعود فكان هذا أول غرس ألصل التمذهب بالمذهب‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫مال ‪44‬ك رحم ‪44‬ه اهلل ول ‪44‬د بالمدين ‪44‬ة م ‪44‬وطن رس ‪44‬ول اهلل ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم ومجم ‪44‬ع الص ‪44‬حابة‬
‫والت‪44‬ابعين فت‪44‬أثر ب‪44‬آرائهم وأفك‪44‬ارهم فأنش‪44‬أ مدرس‪44‬ته العظيم‪44‬ة وأل‪44‬ف أول مؤل‪44‬ف ص‪44‬حت نس‪44‬بته‬
‫إليه‪ ،‬جمع فيمة الفقه والحديث‬

‫انتشار المذهب المالكي في المشرق والمغرب‬

‫من الطبيعي أن ينتشر المذهب المالكي في المشرق ألن‪4‬ه من‪44‬ه نب‪4‬ع وفي‪4‬ه تفج‪44‬ر وحمل‪44‬ه تالمي‪4‬ذ‬
‫اإلمام مالك فبعد المدينة المنورة انتقل المذهب المالكي إلى مصر على يد عبد ال‪4‬رحمن بن‬
‫القاسم ثم اليمن ثم العراق ثم افرقية أي تونس وما وراء بالد المغرب واألندلس‪.‬‬

‫أما بالنسبة للمغرب فيظهر أن دخول هذا المذهب إليه من األندلس أيام األدارسة وكان قبل‪44‬ه‬
‫المذهب السائد هو مذهب األوزاعي‪.‬‬

‫‪ ‬ومن األسباب أو الدواعي التي جعلت المغاربة يتشبتون بالمذهب المالكي‪:‬‬

‫شخص ‪44‬ية مال ‪44‬ك لم ‪44‬ا ع ‪44‬رف عن ‪44‬ه من تمس ‪44‬ك بالس ‪44‬نة ومحارب ‪44‬ة للبدع ‪44‬ة ‪,‬فم ‪44‬ا من مس ‪44‬ألة‬ ‫‪)1‬‬
‫عرضت عليه إال التمس له‪4‬ا دليال من كت‪4‬اب أو س‪4‬نة ف‪4‬إن لم يج‪4‬د ذهب إلى القي‪4‬اس الص‪4‬حيح‬
‫فإن لم يجد اعتذر عن االفتاء واكتفى بجملته المحببة لديه ''ال أدري''‪.‬‬

‫‪ -2‬اآلث‪44‬ار ال‪44‬واردة في ش‪44‬أن ع‪44‬الم المدين‪44‬ة ومنه‪44‬ا قول‪44‬ه ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم‪ '' :‬يوش‪44‬ك‬
‫‪1‬‬
‫أن يضرب الناس أكباد اإلبل في طلب العلم فال يجدون عالما أعلم من عالم المدينة''‬

‫ق‪44‬ال س‪44‬فيان بن عيين‪44‬ة كن‪44‬ا نس‪44‬مع أه‪44‬ل المدين‪44‬ة يقول‪44‬ون أن‪44‬ه مال‪44‬ك بن أنس ‪,‬وبع‪44‬د ه‪44‬ذا أن‬
‫أح‪44‬د األدارس‪44‬ة األول أو الث‪44‬اني على اختالف بين الم‪44‬ؤرخين أن‪44‬ه حم‪44‬ل الن‪44‬اس على األخ‪44‬ذ ب‪44‬ه‬
‫واتباع منهجه وجعله مذهبا رسميا للدولة معززا ذلك بقوله‪ :‬نحن أحق الن‪4‬اس باتب‪4‬اع م‪4‬ذهب‬
‫مالك وقراءة كتابه الموطأ‪.2‬‬
‫‪ 1‬شرح الزرقاني‪ d‬على الموطأ ج ص‬
‫‪ 2‬غاية األماني في الرد على النبهاني ألبي المعالي محمود‪ d‬شكري بن عبد هللا بن محمد بن أبي الثناء‬
‫األلوسي‪ d‬تحقيق أبو عبد هللا الداني بن منير آل زهوي‪ d‬الناشر‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملكة العربية‬

‫‪19‬‬
‫ومنهم من ي‪44‬رد ذل‪44‬ك إلى مالءم‪44‬ة مذهب‪44‬ه لطبيع‪44‬ة المغارب‪44‬ة ألن‪44‬ه م‪44‬ذهب عملي يعت‪44‬د‬ ‫‪-3‬‬
‫ب‪44‬الواقع ويأخ‪44‬ذ ب‪44‬أعراف الن‪44‬اس وع‪44‬اداتهم فه‪44‬و عملي أك‪44‬ثر من‪44‬ه نظ‪44‬ري يتماش‪44‬ى م‪44‬ع‬
‫طبيعة الفطرة وأهل المغرب يميلون إلى البس‪4‬اطة والوض‪44‬وح ال إلى التأوي‪4‬ل البعي‪44‬د‬
‫عن اإلس‪44 4‬الم ‪,‬والفقه‪44 4‬اء رحمهم اهلل يقول‪44 4‬ون األس‪44 4‬ئلة ال‪44 4‬تي ال ي‪44 4‬ترتب عليه‪44 4‬ا عم‪44 4‬ل‬
‫الخض فيها التكلف‬
‫فاختي‪44‬ار المغارب‪44‬ة إذن الم‪44‬ذهب الم‪44‬الكي ه‪44‬و اختي‪44‬ار م‪44‬ذهب أه‪44‬ل الس‪44‬نة وفق‪44‬ه الص‪44‬حابة‬
‫والت‪44‬ابعين وه‪44‬ذه االعتب‪44‬ارات ك‪44‬ان له‪44‬ا أث‪44‬ر خ‪44‬اص في نف‪44‬وس المغارب‪44‬ة عموم‪44‬ا وفقه‪44‬ائهم‬
‫على الخصوص فكانوا يبايعون األمراء على كتاب اهلل وسنة رسوله ومذهب مالك‪.‬‬
‫وي‪44‬رى فري‪44‬ق ث‪44‬الث إن الس‪44‬بب ه‪44‬و مناهض‪44‬ة فقه‪44‬اء المالكي‪44‬ة لفقه‪44‬اء األحن‪44‬اف ك‪44‬انوا‬ ‫‪)2‬‬
‫يأخذون عليهم تواطؤهم مع األمراء األغالبة وتساهلهم في إصدار األحكام كق‪44‬ولهم‬
‫بتحلي‪44‬ل النبي‪44‬ذ مم‪44‬ا دف‪44‬ع محم‪44‬د بن س‪44‬حنون أن يؤل‪44‬ف كتاب‪44‬ا في تحريم‪44‬ه اض‪44‬افة إلى‬
‫امتحان سحنون في مسألة خلق القرآن في المغ‪4‬رب كم‪4‬ا امتحن أحم‪4‬د بن حنب‪4‬ل في‬
‫المش‪44 4‬رق حيث ق‪44 4‬ال أحم‪44 4‬د األغلب ومع‪44 4‬ه ابن أبي الج‪44 4‬واد وداود بن حم‪44 4‬زة وك‪44 4‬ان‬
‫جواب ‪44‬ه الق ‪44‬رآن كالم اهلل غ ‪44‬ير مخل ‪44‬وق فق ‪44‬ال ابن أبي الج ‪44‬واد كف ‪44‬ر فاقتل ‪44‬ه ودم ‪44‬ه في‬
‫عنقي وقال داود قتله بالسيف راحة ولكن اقتله قتل الحياة فأخذ عليه ‪ 10‬حمالء‪.‬‬
‫ه ‪44‬ذا الموق ‪44‬ف من األحن ‪44‬اف جع ‪44‬ل المغارب ‪44‬ة يتش ‪44‬بتون بالم ‪44‬ذهب الم ‪44‬الكي وينف ‪44‬رون من‬
‫األحناف‪,‬‬
‫ظهر هذا بوضوح في عصر الموحدين الذين ضيقوا على فقه‪4‬اء المالكي‪4‬ة وعارض‪44‬وا‬
‫م ‪44‬ذهبهم معارض ‪44‬ة ص ‪44‬ريحة واحرق ‪44‬وا كتبهم منه ‪44‬ا ‪:‬مدون ‪44‬ة س ‪44‬حنون و الواض ‪44‬حة البن‬
‫حبيب والنواذر البن أبي زيد القيرواني‪.‬‬
‫وهكذا يتضح أن المغاربة اختاروا المذهب المالكي منذ ‪ 12‬قرنا وما يزيد لكونه‬

‫السعودية الطبعة‪ :‬األولى‪1422 ،‬هـ‪2001 -‬م ج‪ 1‬ص‪323‬‬

‫‪20‬‬
‫أقرب المذاهب لحياة الناس‬ ‫‪-1‬‬
‫مالءمته لطبائع الناس وفطرتهم‬ ‫‪-2‬‬
‫اقتناع ارتكز عليه سلف األمة وخلفها من أهل المغرب في هذا االختيار‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وأعضد رأيي بقول ابن تيمية رحمه اهلل حيث ق‪4‬ال ‪'' :‬إن من ت‪44‬دبر أص‪44‬ول الس‪44‬الم‬ ‫‪-4‬‬
‫وقواعد الشريعة وجد أصول مالك وأهل المدينة أصح األصول والقواعد صحة''‬
‫وذك‪4‬ر بعض الم‪4‬ؤرخين أن مال‪4‬ك رحم‪4‬ه اهلل س‪4‬أل بعض األندلس‪4‬يين عن س‪4‬يرة مل‪4‬ك‬ ‫‪-5‬‬
‫األندلس فوصفوا له سيرته أنه يأكل الشعير ويلبس الص‪44‬وف ويجاه‪44‬د في س‪44‬بيل اهلل‬
‫فقال مالك ليت اهلل زين حرمنا بمثله‪ ،‬فوصل الخبر إلى ملك األندلس فحمل الناس‬
‫على مذهبه وترك مذهب األوزاعي‬
‫كما روي أن مالكا رحمه اهلل ك‪4‬ان ش‪44‬ديد المي‪44‬ل إلى الطلب‪44‬ة المغارب‪44‬ة لم‪44‬ا لمس‪44‬ه فيهم‬ ‫‪-6‬‬
‫من استعداد جاد ‪ .‬والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫المشاركة الرابعة محاضرة في موضوع‬
‫التحسيس بأخطار التدخين والمخدرات‬
‫ألقيت بدار األطفال‬

‫بأبي الجعد بتاريخ ‪2007- 6- 26‬‬

‫‪22‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫التحسيس بأخطار التدخين والمخدرات‬


‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وآله وصحبه وسلم تسليما‬

‫أما بعد ‪:‬‬

‫أيها الحضور‪ ،‬اتقوا هللا واش‪dd‬كروه أن أغن‪d‬اكم بحالل‪d‬ه عن حرام‪dd‬ه‪ ،‬وأب‪d‬اح لكم من‬
‫الطيبات ما يصلح دينكم وأبدانكم‪ ،‬وحرم عليكم الخبائث ألنها تضركم وال تنفعكم‪.‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬إن التغذي بالطيبات يكون ل‪dd‬ه أث‪dd‬ر حمي‪dd‬د على ص‪dd‬حة اإلنس‪dd‬ان وس‪dd‬لوكه‬
‫ألنه تغذى بطيب‪ .‬والتغذي‪ d‬بالخبيث يكون له أثر خبيث في األبدان والسلوك‪ d‬ألنه يتغ‪dd‬ذى‬
‫بالخبيث‪.‬‬
‫والتدخين من الخبائث التي ابتلي بها المجتم‪dd‬ع اإلس‪dd‬المي‪ ،‬حيث فش‪dd‬ا في الص‪dd‬غار‬
‫والكبار وأصبح دخانه يؤذي األبرياء‪.‬‬
‫الكبير‪ :‬عذره أنه ال حيلة له‪ ،‬والصغير يعتبره مكمال للرجولة‪ .‬والمثل يقول‪ :‬أوله‬
‫دصارة وآخره خسارة‪ .‬وأحسن من ه‪dd‬ذا كل‪dd‬ه ق‪dd‬ول الن‪dd‬بي ص‪dd‬لى هللا علي‪dd‬ه وس‪dd‬لم‪" :‬إذا لم‬
‫تستح فاصنع ما شئت"‪.‬‬
‫إن شرب الدخان ضار بالبدن والم‪dd‬ال والمجتم‪dd‬ع‪ ،‬و معل‪dd‬وم‪ d‬أن واح‪dd‬دا منه‪dd‬ا ك‪dd‬اف‬
‫لالبتعاد منه والهروب‪ d‬من ساحته‪.‬‬
‫الــدخان ضــار بالبــدن‪ :‬يض‪dd‬عف القلب‪ ،‬وهوالس‪dd‬بب في م‪dd‬رض س‪dd‬رطان الرئ‪dd‬ة‬
‫ومرض السل كما أنه يقلل شهوة الطعام‪ ،‬ويفسد الذوق‪ ،‬وغيرها من األمراض‪.‬‬
‫وق‪dd‬د ذك‪dd‬ر األطب‪dd‬اء الس‪dd‬بب في إحداث‪dd‬ه ه‪dd‬ذه األم‪dd‬راض ه‪dd‬و اش‪dd‬تماله على م‪dd‬ادة‬
‫النيكوتين‪.‬‬
‫ضرر المال‪ :‬المدخن يقدم شراء الت‪dd‬دخين على ش‪dd‬راء غ‪dd‬يره من الض‪dd‬رورات ل‪dd‬و‬
‫صرف ماله هذا على الفقراء لكسب أجرا ومغفرة‪.‬‬
‫ضــرر المجتمــع‪ :‬الم‪dd‬دخن يس‪dd‬يء إلى مجتمع‪dd‬ه ‪:‬األس‪dd‬رة الص‪dd‬غيرة والكب‪dd‬يرة على‬
‫السواء‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫الكبيرة‪ :‬مقهى – سيارة – أماكن عمومية‪.‬‬
‫الص‪dd‬غيرة األس‪dd‬رة‪ :‬تن‪dd‬اول ال‪dd‬دخان بحض‪dd‬رتهم م‪dd‬ع أن‪dd‬ك ق‪dd‬دوة ألوالدك‪ d‬في الخ‪dd‬ير‬
‫ولتالميذك إن كنت مدرسا‪.‬‬
‫والغاية‪ :‬أن تك‪dd‬ون ق‪dd‬دوة في الخ‪dd‬ير ال ق‪dd‬دوة في الش‪d‬ر‪ ،‬وأحس‪d‬ن‪ d‬من‪d‬ه الرج‪dd‬وع إلى‬
‫الحق خير من التمادي في الباطل‪.‬‬
‫إذاية المالئكة‪ :‬قال الرسول‪ d‬صلى هللا عليه وسلم‪ d‬كم‪dd‬ا في الص‪dd‬حيحين عن ج‪dd‬ابر‪:‬‬
‫"إن المالئكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم"‬
‫أسبابـــــــــه‪ :‬من أسبابه‬
‫ش ْيطَانُ أَنْ يُوقِ ـ َع بَ ْينَ ُك ُم ا ْل َعـ َد َ‬
‫اوةَ‬ ‫‪ -‬وسوسة‪ d‬الشيطان‪ :‬قال تعالى‪((" :‬إِنَّ َما يُ ِري ُد ال َّ‬
‫الصـاَل ِة))"‪ ،‬وق‪dd‬ال ع‪dd‬ز من‬ ‫صـ َّد ُك ْم عَنْ ِذ ْكـ ِر هَّللا ِ َو َع ِن َّ‬
‫سـ ِر َويَ ُ‬ ‫ضا َء فِي ا ْل َخ ْم ِر َوا ْل َم ْي ِ‬
‫َوا ْلبَ ْغ َ‬
‫ان لَ ُك ْم َعد ٌُّو فَاتَّ ِخ ُذوهُ َع ُد ًّوا))"‪.‬‬ ‫ش ْيطَ َ‬ ‫قائل‪((" :‬إِنَّ ال َّ‬
‫‪ -‬رفاق السوء‪ d:‬كحامل مسك ونافخ كيركما في الحديث‪.‬‬
‫‪ -‬اآلباء المربون‪ :‬األبناء يقلدون آب‪dd‬ائهم في ‪ :‬ق‪dd‬راءة الق‪dd‬رآن – في ال‪dd‬ذكر – في‬
‫التصدق – في الكلمة الطيبة‪.‬‬
‫أيها الحضور الك‪dd‬رام اتق‪d‬وا هللا وانظ‪d‬روا في الع‪dd‬واقب‪ d،‬ف‪dd‬إن في الحالل غني‪d‬ة عن‬
‫وعي أنّ نَ ْفسا ً لنْ تَ ُموتَ َحتّى‬ ‫ث في ُر ِ‬ ‫س نَفَ َ‬
‫وح القُ ُد ِ‬
‫الحرام‪ d،‬وقد جاء في الحديث‪" :‬إنّ ُر َ‬
‫أحـ َد ُك ُم‬
‫ب‪ ،‬وال يَ ْح ِملنَّ َ‬ ‫وأج ِملُــوا في الطَّل ِ‬
‫ب ِر ْزقَهــا‪ ،‬فــاتّقُوا هللا ْ‬ ‫َسـت َْو ِع َ‬‫أجلَهــا َوت ْ‬ ‫َسـتَ ْك ِم َل َ‬
‫ت ْ‬
‫ق أنْ يَ ْطلُبَهُ بِ َم ْع ِ‬
‫صيَ ِة هللا‪ ،‬فإنّ هللا تعالى ال يُنا ُل ما ِع ْن َدهُ إالّ بِطا َعتِ ِه"‪.‬‬ ‫ستِ ْبطا ُء ال ِّر ْز ِ‬ ‫ا ْ‬
‫كما أن المخدرات‪ :‬هي كل ما يخدر العقل‪ ،‬وفيه معنى الستر والتغطية‪ ،‬كاألفيون‬
‫ومشتقاته والكوكايين والحشيش وغيرهم‪ .‬والعقل نعمة من هللا‪.‬‬
‫وفي الحديث‪" :‬ال تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع"‪.‬‬
‫المال‪ :‬من أين اكتسبته وفيما أنفقته‪.‬‬
‫الجسم‪" :‬فيما أباله"‪ ،‬بتناولك سيجارة تقتل جزءا من حياتك‪.‬‬
‫العالج‪ :‬تشخيص الحال وعالجه قدر المستطاع‪ .‬نحن دعاة ال قضاة‪.‬‬
‫‪ -)1‬حسن التخلص من هذه اآلف‪dd‬ة‪ :‬التقلي‪d‬ل من تناول‪d‬ه في ش‪d‬هر ش‪dd‬عبان والتخلص‬
‫منه في رمضان‪ ،‬ألنه يسلب منك مالك وعم‪dd‬رك‪ .‬وهللا يق‪dd‬ول‪َ ((" :‬واَل تُ ْلقُــوا بِأ َ ْيـ ِدي ُك ْم إِلَى‬
‫التَّ ْهلُ َك ِة))"‪ ،‬ويقول في آية أخرى‪َ ((" :‬واَل تَ ْقتُلُوا أَ ْنفُ َ‬
‫س ُك ْم))"‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ -)2‬الدعاء‪ d:‬ابك على هللا وبعزيمة‪.‬‬
‫‪ -)3‬التوبة النصوح‪ :‬قصتان‪:‬‬
‫‪ -1‬هارون الرشيد‪ :‬عند االحتضار قال بعد البكاء‪ :‬يا من ال يزول ملك‪dd‬ه ارحم من‬
‫زال ملكه‪.‬‬
‫‪ -2‬الحسن البصري لما سمع الرجل يقول‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجع‪dd‬ون‪ d،‬ق‪dd‬ال ل‪dd‬ه ه‪dd‬ل‬
‫عرفت‪ d‬معناها‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬أنا هلل عبد وأنا إليه راجع‪ .‬قال الفضيل‪ :‬من ع‪d‬رف ه‪d‬ذا ع‪d‬رف‬
‫أنه موقوف‪ d‬بين يدي هللا وأنه مسؤول فليعد للسؤال جوابا‪.‬‬
‫فقال الرجل‪ :‬وما الحيلة يا فضيل ؟ قال‪ :‬سهلة‪ .‬قال‪ :‬ما هي يرحم‪dd‬ك هللا‪ .‬ق‪dd‬ال‪ :‬أن‬
‫تتقي فيما بقي من عمرك يغفر لك هللا ما قد مضى وما قد بقي من عمرك‪.‬‬
‫وفي ختام هذه الكلمة أطلبه سبحانه أن يقينا شر أنفسنا وأن يلهمنا رشدنا إنه ولي‬
‫ذلك والقادر عليه ‪,‬سبحان ربك رب العزة ‪...‬‬

‫‪25‬‬
‫المشاركة الخامسة مداخلة بعنوان‪ :‬المثل‬
‫األعلى في حياة الشباب‬
‫في سياق ‪:‬األسبوع‪ 4‬العلمي السنوي الثاني حول السيرة النبوية‬

‫الذي نظمه المجلس العلمي المحلي إلقليم خريبكة بتنسيق‪ 4‬مع النيابة اإلقليمية لوزارة التربية الوطنية‬
‫والتكوين المهني بخريبكة‬

‫‪:‬‬ ‫تحت شعار‬

‫" السيرة النبوية تجسيد للقيم البانية والمبادئ السامية "‬

‫بتاريخ‪24‬أفريل ‪2015‬‬

‫‪26‬‬
27
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المثل األعلى في حياة الشباب‬

‫التربية ‪ :‬وهي الجهد الذي يبذله المربي في كل مجتمع من المجتمعات سواء كان أب‪44‬ا أو أم‪44‬ا‬
‫أو معلما‪.....‬إلى آخره‪.‬‬

‫الم‪44‬ربي ال ب‪44‬د من أن يك‪44‬ون ق‪44‬دوة ص‪44‬الحة ح‪44‬تى تتأس‪44‬ى ب‪44‬ه البش‪44‬رية في الس‪44‬لوك والعم‪44‬ل ألن‪44‬ه‬
‫قدوة‪.‬‬

‫والق‪44‬دوة ن‪44‬براس ين‪44‬ير الطري‪44‬ق لآلخ‪44‬رين لألب‪44‬اء الص‪44‬الحين والمدرس‪44‬ين المس‪44‬تقيمين وال‪44‬دعاة‬
‫والصالحين‬

‫ضرورة رجوع المربي إلى األصول‪ :‬القرآن والسنة‬

‫القرآن ‪:‬من الق‪6‬رآن ‪ :‬القص‪66‬ص الق‪6‬رآني ‪ :‬قص‪44‬ص األنبي‪44‬اء ‪ -‬الس‪44‬ير على ه‪44‬ديهم‪ -‬االقت‪44‬داء‬
‫بهم ‪ -‬التذكير باألخالق الرفيعة – التنفير من األخالق الذميمة‬

‫‪1‬‬
‫النصوص القرآنية منها‪" :‬أفال يتدبرون القرآن"‬

‫‪2‬‬
‫"لقد كان في قصصهم عبرة لألولي اال لباب"‬

‫‪3‬‬
‫''أولئك الذين هدى اهلل فبهداهم اقتده''‬

‫سورة النساء اآلية ‪81‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة يوسف اآلية ‪111‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة االنعام اآلية ‪91‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪28‬‬
‫‪1‬‬
‫وفي مقدمتهم سيد الخلق ‪ " :‬فبما رحمة من اهلل لنت لهم "‬

‫‪2‬‬
‫وأحيانا يخاطب المؤمنين '' يا أيها الذين آمنوا اتقوا اهلل وكونوا مع الصادقين''‬

‫‪3‬‬
‫"األخالء يومئذ بعضهم لبعض عدو اال المتقين"‬

‫يوسف عليه السالم ‪ :‬ظلم إخوته له – ظلم امرأة العزيز _ كونه في السجن‬

‫رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى اهلل علي‪4‬ه وس‪44‬لم ‪:‬اله‪44‬دي النب‪4‬وي في ال‪4‬بيت النب‪44‬وي حيث اعت‪44‬بر التربي‪44‬ة خ‪4‬ير‬
‫من الص‪44‬دقة فق‪44‬ال" لئن ي‪44‬ؤدب الرج‪44‬ل ول‪44‬ده خ‪44‬ير ل‪44‬ه من أن يتص‪44‬دق بص‪44‬اع " ‪4‬كم‪44‬ا أرش‪44‬د إلى‬
‫تعليم الولد الخلق الحسن وه‪4‬و أفض‪4‬ل من ك‪44‬ل عط‪4‬اء ‪ ,‬ق‪4‬ال ص‪44‬لى اهلل غلي‪4‬ه وس‪4‬لم‪« :‬م‪44‬ا نح‪44‬ل‬
‫والد ولدا أفضل من أدب حسن "‪ 5‬كما قال علي‪44‬ه الص‪44‬الة والس‪44‬الم‪ " :‬الم‪44‬رء على دين خليل‪44‬ه‬
‫فلينظ‪44‬ر أح‪44‬دكم من يخال‪44‬ل"‪ 6‬كم‪44‬ا اعت‪44‬بر تربي‪44‬ة البن‪44‬ات حجاب‪44‬ا من الن‪44‬ار ق‪44‬ال ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه‬
‫‪7‬‬
‫وسلم '' من ابتلى من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار''‬

‫أيه ‪44‬ا الحض ‪44‬ور الك ‪44‬رام المث ‪44‬ل األعلى ال ي ‪44‬رى من ‪44‬ه م ‪44‬ا يش ‪44‬ين وال يس ‪44‬مع من ‪44‬ه م ‪44‬ا يع ‪44‬اب‪ ,‬ول ‪44‬ه‬
‫شروط ‪.‬‬

‫شروط المربي الناجح‪:‬‬

‫العلم بالكتاب والسنة أي االطالع على ما ورد في الكتاب والسنة بخصوص التربية‬ ‫‪-1‬‬
‫سورة آل عمران اآلية ‪159‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة التوبة اآلية ‪120‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الزخرف اآلية ‪67‬‬ ‫‪3‬‬

‫سنن الترمذي تحقيق‪ :‬بشار عواد معروف الناشر‪ :‬دار الغرب اإلسالمي – بيروت سنة النشر‪ 1998 :‬م‬ ‫‪4‬‬

‫المعجم الكبير للطبراني تحقيق‪ :‬حمدي بن عبد المجيد السلفي دار النشر‪ :‬مكتبة ابن تيمية ‪ -‬القاهرة‬ ‫‪5‬‬

‫الطبعة‪ :‬الثانية ج‪ 12‬ص‪320‬‬


‫شعب اإليمان للبيهقي تحقيق ‪ :‬محمد السعيد بسيوني زغلول الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة األولى ‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪1410‬ه ج‪ 7‬ص‪55‬‬
‫المصدر نفسه ج ‪ 7‬ص‪467‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪29‬‬
‫الع‪44 4‬دل ‪ :‬ع‪44 4‬اتب الن‪44 4‬بي ص‪44 4‬لى اهلل علي‪44 4‬ه وس‪44 4‬لم رجال أخ‪44 4‬ذ ابن‪44 4‬ه وقبل‪44 4‬ه وأجلس‪44 4‬ه في‬ ‫‪-2‬‬
‫حجره‪ ،‬ولما جاء ت ابنته أجلسها إلى جنبه فقال له صلى اهلل عليه وسلم فما ع‪4‬دلت‬
‫‪1‬‬
‫بينهما''‬
‫العدل مطلوب في القدوة ‪ :‬مطلوب في النفقة – في المعاملة – الهبة – في المالعبة‬ ‫‪-3‬‬
‫الح‪44 4‬زم ‪ :‬والح‪44 4‬ازم ه‪44 4‬و ال‪44 4‬ذي يض‪44 4‬ع األم‪44 4‬ور في مواض‪44 4‬عها فال يتس‪44 4‬اهل الق‪44 4‬دوة في‬ ‫‪-4‬‬
‫موضع يستوجب الشدة أويتشدد في موضع يستوجب الرفق‪.‬‬

‫ص ‪4‬لَّى اهللُ َعلَْي‪4ِ 4‬ه‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ْب ِن ‪ِ 4‬‬ ‫‪ - 5‬الص‪44‬دق ق ‪44‬وال وفعال ‪ :‬فعن عب‪4ِ 4‬د ِ‬
‫اء َر ُس ‪4‬و ُل اهلل َ‬ ‫ع‪4‬ام ٍر ‪ ,‬قَ‪44‬ا َل‪َ :‬ج‪َ 4‬‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫ُع ِطي ‪َ 4‬‬ ‫ُمي‪ :‬ي‪44‬ا عب‪4َ 4‬د ِ‬ ‫َّ‬
‫ك‪,‬‬ ‫‪4‬ال أ ْ‬
‫اهلل ‪ ,‬تَ َع‪َ 4‬‬ ‫ت ِلي أ ِّ َ َ ْ‬ ‫ب فَقَ‪44‬الَ ْ‬ ‫ص ‪ِ 4‬غ ٌير ‪ ,‬فَ ‪َ 4‬ذ َه ْب ُ‬
‫ت أَْل َع ُ‬ ‫ص ‪4‬بِ ٌّي َ‬ ‫َو َس ‪4‬ل َم َب ْيتََن‪44‬ا َوأََن‪44‬ا َ‬
‫ُع ِطَيهُ تَ ْم ًرا‬ ‫َن تُ ْع ِطَيهُ "؟ قَالَ ْ‬ ‫َّ‬ ‫اهلل َّ‬ ‫ال رسو ُل ِ‬
‫َن أ ْ‬ ‫ت أْ‬ ‫ت‪ :‬أ ََر ْد ُ‬ ‫صلى اهللُ َعلَْي ِه َو َسل َم‪َ " :‬ما أ ََر ْد ِت أ ْ‬ ‫َ‬ ‫فَقَ َ َ ُ‬
‫‪2‬‬
‫ت َعلَْي ِك ِك ْذَبةً "‬ ‫َما ِإَّن ِك لَ ْو لَ ْم تَ ْف َعِلي لَ ُكتَِب ْ‬
‫‪ ,‬قَا َل‪ " :‬أ َ‬
‫وهذاعبد الملك بن مروان الخليفة األموي ‪ :‬ينص‪44‬ح م‪44‬ؤدب ول‪44‬ده بقول‪44‬ه‪'' :‬علمهم الص‪44‬دق كم‪44‬ا‬
‫تعلمهم القرآن واحملهم على األخالق الجميلة وجالس بهم أش‪44‬راف الرج‪44‬ال وأه‪44‬ل العلم منهم‬
‫واضربهم على الكذب‪ ,‬فالكذب يهدي إلى الفجور وأن الفجور يدعوا إلى النار''‪.‬‬

‫الم‪44‬ربي الن‪44‬اجح ه‪44‬و س‪44‬يد الخل‪44‬ق يص‪44‬ف ص‪44‬حابته ص‪44‬لى اهلل غلي‪44‬ه وس‪44‬لم بقول‪44‬ه ‪ ":‬أرأف أم‪44‬تي‬
‫ب‪44 4‬أمتي أب‪44 4‬و بك‪44 4‬ر‪ ,‬وأش‪44 4‬دهم في أم‪44 4‬ر اهلل عم‪44 4‬ر‪ ,‬وأص‪44 4‬دقهم حي‪44 4‬اء عثم‪44 4‬ان ‪,‬وأعلمهم ب‪44 4‬الحالل‬
‫والحرام مع‪44‬اذ بن جب‪44‬ل‪ ,‬وأفرض‪44‬هم زي‪44‬د بن ث‪4‬ابت ‪,‬وأق‪44‬رؤهم أبي‪ ,‬ولك‪44‬ل أم‪44‬ة أمين وأمين ه‪44‬ذه‬
‫األمة أبو عبيدة بن الجراح'' ‪.3‬‬

‫‪ 1‬المصدر نفسه ج‪ 6‬ص‪410‬‬


‫السنن الكبرى للبيهقي تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنات الطبعة‪ :‬الثالثة‪ 1424 ،‬هـ‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 2003 -‬م ج‪ 10‬ص‪335‬‬

‫المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي لنور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي تحقيق‪ :‬سيد كسروي‬ ‫‪3‬‬

‫حسن الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬ـ بيروت – لبنان ج‪ 3‬ص‪195‬‬

‫‪30‬‬
‫وليس هذا فحسب فقد قال صلى اهلل عليه وس‪44‬لم في أبي هري‪44‬رة لم‪44‬ا س‪44‬أله عن الش‪44‬فاعة '' لق‪44‬د‬
‫ظننت ي‪44‬ا أب‪44‬ا هري‪44‬رة أن ال يس‪44‬ألني عن ه‪44‬ذا الح‪44‬ديث أح‪44‬د أول من‪44‬ك لم‪44‬ا رأيت من حرص‪44‬ك‬
‫على الحديث''‪.‬‬
‫كما يتميزعليه الصالة والسالم بالتنويع في عرض المادة من ذلك‬
‫‪ -‬ما الغيبة‬
‫‪ -‬ما المفلس‬
‫‪ -‬إن من الشجر شجرة ال يسقط ورقها وأنها مثل المسلم فحدثوني ما هي ؟‬
‫وأحيانا تحمرعيناه كما هو الحال في شهادة الزور‬
‫‪ -‬أال وشهادة الزور‬
‫وأحيانا يستعمل الوسائل ‪ :‬أنا وكافل اليتيم هكذا وأ شار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما‬
‫ومنها الثناء على الطالب ‪ :‬نعم الرجل عبد اهلل لو كان يصلي من اللي‪44‬ل فم‪44‬ا ت‪44‬رك ابن عم‪44‬ر‬
‫قيام الليل حتى مات‪.‬‬
‫فربى صلى اهلل عليه وسلم شبابا منهم ‪:‬‬
‫‪ -‬جعف ‪44‬ر بن أبي ط ‪44‬الب ‪ :‬قات ‪44‬ل ال ‪44‬روم فأخ ‪44‬ذ الراي ‪44‬ة ب ‪44‬اليمنى ح ‪44‬تى قطعت وباليس ‪44‬رى ح ‪44‬تى‬
‫قطعت وبجناحيه حتى قتل وهو يردد ‪:‬‬

‫طيبة وبارد شرابها‬ ‫يا حبذا الجنة واقترابها‬


‫والروم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها‬
‫‪ -‬ابن رواح‪44 4‬ة ك‪44 4‬ان ش‪44 4‬ابا في الثالثين من عم‪44 4‬ره حم‪44 4‬ل س‪44 4‬يفه وذهب إلى معرك‪44 4‬ة مؤت‪44 4‬ة في‬
‫أرض األردن فلبس أكفانه ورفع سيفه وقال‬
‫هذا حمام الموت قد صليت‬ ‫يا نفس إال تقتلي تموتي‬
‫إن تفعلي فعلهما هديت‬ ‫ما تمنيت فقد أعطيت‬

‫وفي ختام هذه الكلمة أوصي نفسي وإ ياكم بثالث وصايا ‪:‬‬

‫‪31‬‬
‫طلب العلم ‪ :‬العلم الش ‪44‬رعي ال ‪44‬ذي ينفع ‪44‬ك في عقي ‪44‬دتك‪ ,‬وفي ص ‪44‬التك ‪ ,‬وفي حج ‪44‬ك ‪,‬‬ ‫‪)1‬‬
‫وفي صيامك ‪ ...,‬وفي كل أمورك‪.‬‬
‫االقالع عن المعاص‪44‬ي ق‪44‬ال تع‪44‬الى " إن الس‪44‬مع والبص‪44‬ر والف‪44‬ؤاد ك‪44‬ل أولئ‪44‬ك ك‪44‬ان عن‪44‬ه‬ ‫‪)2‬‬
‫‪1‬‬
‫مسؤوال "‬

‫( مث ــل الجليس الص ــالح‬ ‫‪ ) 3‬اختي‪44 4‬ار الجليس الص‪44 4‬الح ‪ :‬ق‪44 4‬ال ص‪44 4‬لى اهلل علي‪44 4‬ه وس‪44 4‬لم "‬

‫والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإمــا أن‬
‫تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحـا طيبــة ونـافخ الكــير إمــا أن يحــرق ثيابـك وإمــا‬
‫‪2‬‬
‫أن تجد ريحا خبيثة )‬
‫والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫سورة اإلسراء اآلية ‪36‬‬ ‫‪1‬‬

‫الجامع الصحيح المختصر لمحمد بن إسماعيل أبو عبداهلل البخاري الجعفيـ تحقيق ‪ :‬د‪ .‬مصطفى ديب البغا أستاذ‬ ‫‪2‬‬

‫الحديث وعلومهـ في كلية الشريعة ‪ -‬جامعةـ دمشق الناشر ‪ :‬دار ابن كثير ‪ ،‬اليمامة – بيروت الطبعة الثالثة ‪– 1407 ،‬‬
‫‪1987‬ج ‪ 5‬ص‪2104‬‬

‫‪32‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة السادسة عرض بعنوان‪ :‬القيم الديني‬


‫ودوره في تفقيه الناس في أمور دينهم‬
‫ودنياهم‬
‫ألقي بمسجد موالي سليمان في الدورة التدريبية لفائدة‬

‫القيمين الدينيين وذلك يوم االثنين ‪ 18‬ربيع األول ‪1427‬‬

‫موافق لــ ‪17/04/2006‬‬

‫‪33‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم وصلى اهلل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما‬

‫أيها الحضور الكرام‬

‫المس‪44‬جد ‪ :‬المس‪44‬جد أفض‪44‬ل بقع‪44‬ة على األرض لقول‪44‬ه ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم ''أحب البالد‬
‫‪1‬‬
‫إلى اهلل مساجدها ‪,‬وأبغض البالد إلى اهلل أسواقها''‬

‫وق‪44‬ال ابن عب‪44‬اس ‪ '' :‬المساجد بيــوت اهلل في األرض‪ ،‬وهي تضـيء ألهــل الســماء‬
‫''‪.2‬‬ ‫كما تضيء النجوم ألهل األرض‬
‫وهو أول مدرسة تخرج منها جيل سيدنا محمد صلى اهلل عليه وسلم ف‪44‬أدوا األمان‪44‬ة ونص‪44‬حوا‬
‫األم‪44‬ة وجاه‪44‬دوا في اهلل ح‪44‬تى أت‪44‬اهم اليقين‪ ،‬وفيهم ق‪44‬ال س‪44‬بحانه وتع‪44‬الى بمعيت‪44‬ه علي‪44‬ه الص‪44‬الة‬

‫والسالم‪ '' :‬محمد رسول اهلل والذين معه أشد على الكفار رحماء بينهم تراهم‬
‫‪3‬‬
‫ركعا سجدا يبتغون فضال من اهلل ورضوانا''‬

‫وحتى نتربى نحن في مدرسة رسول اهلل صلى عليه وسلم كما تربى هؤالء وحتى ننال من‬

‫األجر مثل ما نال ه‪44‬ؤالء أو نق‪44‬ترب منهم ق‪44‬ال تع‪44‬الى ''إنما يعمر مســاجد اهلل من آمن‬
‫باهلل واليوم واألخر وأقام الصالة وأتى الزكاة ولم يخش إال اهلل فعسى أولئك‬
‫أن يكونوا من المهتدين ''‬
‫صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان لمحمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي تحقيق ‪:‬شعيب‬ ‫‪1‬‬

‫األرنؤط الناشر ‪ :‬مؤسسة الرسالة – بيروت الطبعة الثانية ‪1993‬م ج‪ 4‬ص‪477‬‬


‫تطريز رياض الصالحين لفيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي تحقيق‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عبد اهلل بن إبراهيم الزير آل حمد الناشر‪ :‬دار العاصمة للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ 1423 ،‬هـ ‪ 2002 -‬م ص‪796‬‬

‫سورة الفتح اآلية ‪29‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪34‬‬
‫وح‪44‬تى ت‪44‬ؤدي المس‪44‬اجد رس‪44‬التها في ص‪44‬قل القل‪44‬وب وته‪44‬ذيب النف‪44‬وس هي‪44‬أ اهلل ثل‪44‬ة من المؤم‪44‬نين‬
‫لخدمة بيوت اهلل هم القيمون الدينيون ونعني بالقيم الديني الخطيب والواعظ واإلم‪44‬ام ال‪44‬راتب‬
‫والمؤذن والمنظف جميعا يتع‪44‬اونون وأح‪4‬دهما يكم‪44‬ل األخ‪4‬ر من أج‪4‬ل تحقي‪4‬ق الرس‪44‬الة الك‪4‬برى‬

‫أال وهي طاع‪444‬ة اهلل وحس‪444‬ن عبادت‪444‬ه مص‪444‬دقا لق‪444‬ول اهلل ع‪444‬ز وج‪444‬ل ''وتع ــاونوا على ال ــبر‬
‫والتقوى وال تعاونوا على االثم والعدوان''‬

‫‪ :‬إن رس‪44 4‬الة الخطيب في المج‪44 4‬الين ال‪44 4‬ديني وال‪44 4‬دنيوي جس‪44 4‬يمة نظ‪44 4‬را لل‪44 4‬دور‬ ‫دورالخطيب‬
‫ال‪44‬ذي يق‪44‬وم ب‪44‬ه في ه‪44‬ذين المج‪44‬الين فه‪44‬و ينب‪44‬ه الض‪44‬ال عن طري‪44‬ق اهلل‪ ،‬وي‪44‬ذكر الغاف‪44‬ل عن اهلل‪،‬‬
‫ويفتح باب األمل أمام التائب والمقبل على التصالح مع اهلل رب العالمين‪.‬‬

‫ومن تم يشترط في الخطيب أن يكون على مستوى من المعرف‪44‬ة إلنش‪44‬اء خطب‪44‬ة مبس‪44‬طة ذات‬
‫الموضوع الواحد وإ لقائها مع مركزا فيها على أمرين ‪:‬‬

‫أولهم ‪44‬ا ‪:‬أن يك ‪44‬ون واعي ‪44‬ا فيه ‪44‬ا بالحكم ‪44‬ة وثانهم ‪44‬ا أن يع ‪44‬زز كالم ‪44‬ه باألدل ‪44‬ة من كت ‪44‬اب وس ‪44‬نة‬
‫مص‪44 4 4‬داقا لق‪44 4 4‬ول الرس‪44 4 4‬ول ص‪44 4 4‬لى اهلل '' «كلّم ـ ــوا الن ـ ــاس بم ـ ــا يعرف ـ ــون ودع ـ ــوا م ـ ــا‬
‫‪1‬‬
‫والم ‪44 4‬راد بمخاطب ‪44 4‬ة الن ‪44 4‬اس بم ‪44 4‬ا‬ ‫ينكـ ــرون‪ ..‬أتريـ ــدون أن يكـ ــذ ب اهلل ورسـ ــوله؟»‬
‫يعرفون‪ ،‬أي بما تبلغه مدركاتهم‪ ،‬ويقع منه‪4‬ا موق‪4‬ع الفهم‪ ..‬والم‪4‬راد بتك‪4‬ذيب اهلل‪ ،‬ه‪4‬و اختالط‬
‫األمر على الناس‪ ،‬حين يتحدث إليهم علم‪44‬اؤهم بأح‪4‬اديث ال يفهمونه‪44‬ا على وجهه‪44‬ا الص‪44‬حيح‪،‬‬
‫فيتلقون منهم وجوه‪4‬ا من الكالم‪ ،‬فيتص‪4‬ورونها تص‪4‬ورا خاطئ‪4‬ا‪ ،‬وإ ذا ك‪4‬ل وج‪4‬ه يب‪4‬دو لهم منه‪4‬ا‬
‫م‪44‬اينكر وج‪44‬ه ص‪44‬احبه‪ ،‬فيق‪44‬ع التض‪44‬ارب واالختالف‪ ،‬وتنش‪44‬أ من ه‪44‬ذا مف‪44‬اهيم خاطئ‪44‬ة‪ ،‬ين‪44‬اقض‬
‫بعض‪44‬ها بعض‪44‬ا‪ ،‬وكله‪44‬ا تح‪44‬دث عن اهلل‪ ،‬فيق‪44‬ع ل‪44‬ذلك الش‪44‬ك‪ ،‬واالرتي‪44‬اب ثم التك‪44‬ذيب‪ ،‬والكف‪44‬ر!!‬
‫ومن تم ‪44‬ام البي ‪44‬ان في الرس ‪44‬الة اإلس ‪44‬المية أن ص ‪44‬رف اهلل الرس ‪44‬ول عن ق ‪44‬ول الش ‪44‬عر وعن أن‬
‫ش ـ ْع َر َومــا َي ْنبَ ِغي لَــهُ إِ ْن ُهـ َـو إِاَّل ِذ ْـك ٌـر‬
‫«ومــا َعلَّ ْمنــاهُ ال ِّ‬
‫يك ‪44‬ون ش ‪44‬اعرا‪ ..‬فق ‪44‬ال تع ‪44‬الى‪َ :‬‬

‫التفسير القرآني للقرآن لعبد الكريم يونس الخطيب دار الفكر العربي – القاهرة ج ‪ 6‬ص‪1232‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪35‬‬
‫ُمبِ ٌ‬
‫ين» ‪2‬وذل‪44‬ك أن الش‪44‬عر يحم‪44‬ل في أس‪44‬لوبه مض‪44‬امين كث‪44‬يرة‪ ،‬لم‪44‬ا يعتم‪44‬د علي‪44‬ه من‬ ‫َو ُقـ ْـرآ ٌن‬
‫تص‪44‬ورات وتخيالت‪ ،‬ولم‪44‬ا يق‪44‬وم علي‪44‬ه نظم‪44‬ه من ص‪44‬ور الكناي‪44‬ات والرم‪44‬ز‪ ،‬واإليم‪44‬اء‪ ،‬وغ‪44‬ير‬
‫ذل ‪44‬ك‪ ،‬مم ‪44‬ا تتول‪444‬د من الص ‪44‬ورة‪ 4‬الواح‪444‬دة من‪444‬ه‪ ..‬ص ‪44‬ور‪ ..‬األم ‪44‬ر ال ‪44‬ذي ال يس ‪44‬تقيم م ‪44‬ع رس ‪44‬الة‬
‫سماوية‪ ،‬غايتها إقامة الناس على طريق واحد مستقيم ال عوج فيه‪ ،‬وال خالف عليه‪ ..‬وهذا‬
‫«ومــا َعلَّ ْمنــاهُ ال ِّ‬
‫شـ ْع َر‬ ‫م‪44‬ا يش‪44‬ير إلي‪44‬ه ويؤك‪44‬ده قول‪44‬ه تع‪44‬الى فى التعقيب على قول‪44‬ه س‪44‬بحانه‪َ :‬‬
‫َوما َي ْنبَ ِغي لَهُ» ‪.‬‬
‫إذن فالخطيب مرشد للضال ومعلم وموجه للغافل والمقبل على اهلل‬

‫أما الواعظ فهو كالخطيب غير أنه له بعض الخصوصيات منها‪:‬‬ ‫د ور الواعظ‬

‫‪ -‬إعداد درس في موضوع واحد ومبسط داعيا فيه بالحكمة ومعززا باألدلة‬

‫‪ -‬االل‪44‬تزام بوح‪44‬دة الم‪44‬ذهب خوف‪44‬ا من إث‪44‬ارة الفتن‪44‬ة اقت‪44‬داء بق‪44‬ول أح‪44‬د الص‪44‬حابة ''تعلمن‪44‬ا اإليم‪44‬ان‬
‫وتعلمنا القرآن وكنا نأخذ من العالم سمته وأدبه''‪.‬‬

‫‪ -‬ال‪44‬دعوة بالحكم‪44‬ة ه‪44‬ذا الحس‪4‬ن والحس‪44‬ين رأي‪4‬ا ش‪44‬يخا يتوض‪44‬أ ولم يحس‪4‬ن وض‪44‬وءه فتوج‪44‬ه إلي‪44‬ه‬
‫أحدهما قائال له ‪ :‬إن صاحبي ه‪4‬ذا ي‪44‬زعم أن‪44‬ني ال أحس‪44‬ن الوض‪4‬وء ف‪4‬انظر إلي أتوض‪4‬أ ف‪44‬أدرك‬
‫الشيخ أنه هو الذي ال يحسن الوضوء‬

‫‪:‬أم‪44‬ا اإلم‪44‬ام فه‪44‬و م‪44‬أخوذ من قول‪44‬ه تع‪44‬الى ‪ :‬واجعلن‪44‬ا للمتقين إمام‪44‬ا'' وهي عب‪44‬ارة عن‬ ‫اإلم‪44‬ام‬
‫ربط صالة المقتدى بصالة اإلمام‬

‫وقال النفراوي في شرح الرسالة ‪ :‬واعلم أن اإلمامة لها شروط صحة وش‪44‬روط كم‪44‬ال وك‪44‬ل‬
‫مشار إليه في منظومة ابن عاشر رحمه اهلل حيث قال‬

‫آت باألركان وحكما يعرف‬ ‫شرط اإلمام ذكر مكلف‬

‫سورة يس اآلية ‪68‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪36‬‬
‫في جمعة حر مقيم عددا‬ ‫وغير ذي فسق ولحن واقتداء‬

‫باد لغيرهم ومن يكره دع‬ ‫ويكره السلس والقروح مع‬

‫ردا بمسجد صلة تجتال‬ ‫وكاألشل وإ مامة بال‬

‫جماعة بعد صالة ذي التزام‬ ‫وبين األساطين وقداح اإلمام‬

‫وأغلف عبد خصي ابن زنى‬ ‫وراتب مجهول أو من أبنا‬

‫مجذم خف وهذا الممكن‬ ‫وجاز عنين وأعمى ألكن‬

‫اهلل‪ ،‬فَـ ـِإ ْن َكــانُوا فِي‬ ‫ـاب ِ‬ ‫«ي ـ ُـؤ ُّم الْ َقـ ْـو َم أَ ْقــر ُؤ ُه ْم لِ ِكتَ ـ ِ‬
‫وق‪44 4‬ال ص‪44 4‬لى اهلل علي‪44 4‬ه وس‪44 4‬لم َ‬
‫َ‬
‫ج َـر ًة‪،‬‬ ‫اء‪ ،‬فَأَقْـ َد ُم ُه ْم ِه ْـ‬ ‫السن َِّة‪ ،‬فَِإ ْن َكــانُوا فِي ال ُّ ِ‬
‫سـنَّة َسـ َو ً‬ ‫اء‪ ،‬فَأَ ْعلَ ُم ُه ْم بِ ُّ‬ ‫ال ِْقر ِ‬
‫اءة َس َو ً‬ ‫َ َ‬
‫ـل فِي‬ ‫ـ‬
‫ج‬ ‫الر‬
‫َّ‬ ‫ـل‬ ‫ـ‬‫ج‬ ‫الر‬
‫َّ‬ ‫ن‬
‫َّ‬ ‫م‬
‫َّ‬ ‫ـؤ‬
‫ُ‬ ‫ـ‬‫ي‬ ‫اَل‬ ‫و‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ْم‬‫ل‬‫ـ‬ ‫س‬ ‫جـر ِة س ـواء‪ ،‬فَأَقْ ـ َدمهم ِ‬ ‫ـ‬ ‫فَ ـِإ ْن َكــانُوا فِي الْ ِ‬
‫ه‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ـال اأْل َ َش ـ ُّج فِي ِر َوايَتِ ـ ِـه‪:‬‬ ‫ُس ـ ْلطَانِِه‪َ ،‬واَل َي ْقعُ ـ ْد فِي َب ْيتِ ـ ِـه َعلَى تَ ْك ِر َمتِ ـ ِـه إِاَّل بِِإ ْذنِ ـ ِـه» قَ ـ َ‬
‫‪1‬‬
‫ن ِسلْم ''‬ ‫َم َكا َ‬
‫والح‪44‬ديث في‪44‬ه دلي‪44‬ل على تق‪44‬ديم األق‪44‬رأ على الفقي‪44‬ه غ‪44‬ير أن مالك‪44‬ا رحم‪44‬ه اهلل ي‪44‬رى تق‪44‬ديم الفقي‪44‬ه‬
‫على األق‪44‬رأ ألن الن‪44‬بي ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم ق‪44‬دم أب‪44‬ا بك‪44‬ر على بقي‪44‬ة الص‪44‬حابة م‪44‬ع وج‪44‬ود من‬
‫هو أقرأ منه وكذا األورع‪.‬‬

‫إذن فمنص‪44‬ب اإلمام‪44‬ة منص‪44‬ب عظيم‪ ،‬ومتقل‪44‬ده يجب أن يك‪44‬ون أفض‪44‬ل الن‪44‬اس ألن‪44‬ه ن‪44‬ائب عن‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫صحيح مسلم تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي – بيروت ج ‪ 1‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪465‬‬

‫‪37‬‬
‫ومن أج ‪44‬ل تحس ‪44‬ين الق ‪44‬راءة للن ‪44‬اس ق ‪44‬ال ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم‪ :‬الم ‪44‬اهر ب ‪44‬القرآن م ‪44‬ع الس ‪44‬فرة‬
‫‪2‬‬
‫الكرام البررة‪ ،‬والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران''‬

‫والحديث يشير إلى منزلة ومكانة الماهر بالقرآن وأنه مع الرسل عليهم السالم ‪.‬‬

‫وه‪44‬ذا رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم ق‪44‬ال ألبي رض‪44‬ي اهلل عن‪44‬ه ‪'' :‬إن اهلل أم‪44‬رني أن أق‪44‬رأ‬
‫عليك'' قال آهلل سماني لك قال له صلى اهلل عليه وسلم اهلل سماك لي "‪ 2‬فجعل أبي يبكي‪.‬‬

‫يستفاد من الحديث مناقب منها ‪:‬‬

‫استحباب قراءة القرآن على الحاذق وإ ن كان القارئ أفضل المقروء عليه‪.‬‬

‫استحباب البكاء عندالفرح والسرور‬

‫فضيلة االستماع إلى الرسول صلى اهلل عليه وسلم وهو يقرأ‬

‫ذكر اهلل ألبي من فوق سبع سموات‬

‫‪3‬‬
‫والسورة التي قرأها لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هي ''لم يكن الذين كفروا‪''....‬‬

‫قال العلماء ألنها سورة وجيزة وجامعة لقواعد كثيرة من أصول الدين‪.‬‬

‫أما شعيرة األذان فهي عظيمة القدر جليلة المنفعة لقوله صلى اهلل عليه وس‪44‬لم‬ ‫دورالمؤذن‪4‬‬
‫''ال يسمع المؤذن إنسان وال جن وال شجر وال حجر وال مدر إال شهد له يوم القيامة‪.‬‬

‫ومن تم ال ب ‪44‬د من اختي ‪44‬ار م ‪44‬ؤذن ص ‪44‬احب ص ‪44‬وت ن ‪44‬دي والص ‪44‬وت الن ‪44‬دي تتغ ‪44‬ذى ب ‪44‬ه القل ‪44‬وب‬
‫وينش‪44‬رح ص‪44‬در الم‪44‬ؤمن ل‪44‬ه عن‪44‬د س‪44‬ماعه بالموعظ‪44‬ة والت‪44‬ذكير فرس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى علي‪44‬ه وس‪44‬لم‬

‫سنن ابن ماجه تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي الناشر‪ :‬دار إحياء الكتب العربية ج‪ 2‬ص ‪1242‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح مسلم ج‪ 1‬ص‪550‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة البينة بتمامها‬ ‫‪3‬‬

‫‪38‬‬
‫عندما جاء عبد اهلل بن زيد يقص عليه رؤية األذان قال له قم مع بالل والق علي‪44‬ه م‪44‬ا رأيت‬
‫فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك‬

‫ه‪44‬ذه بعض اإلش‪44‬ارات معش‪44‬ر القيمين ال‪44‬دينيين‪ -‬إلى األمان‪44‬ة الملق‪44‬اة على عاتقن‪44‬ا جميع‪44‬ا‪ ،‬فعلى‬
‫الجمي ‪44‬ع أن يك ‪44‬ون خادم ‪44‬ا ل ‪44‬بيت اهلل غ ‪44‬ير ن ‪44‬اس ق ‪44‬ول اهلل ع ‪44‬ز وج ‪44‬ل ‪'' :‬وه ‪44‬دوا إلى الطيب من‬
‫‪2‬‬
‫القول ''‪ 1‬و قوله تعالى'' لقد كان لكم في رسول اهلل اسوة حسنة "‬

‫أما الجائزة التي أختم بها هذا الموضع هي‬

‫‪ -‬دع‪44‬اء الرس‪44‬ول ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم "اإلم‪44‬ام ض‪44‬امن والم‪44‬ؤذن م‪44‬ؤتمن اللهم ارش‪44‬د األئم‪44‬ة‬
‫‪3‬‬
‫واغفر للمؤذنين''‬

‫‪ -‬بشرى الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪'' :‬ثالثة على كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم األولون‬
‫واآلخرون رجل ينادي بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة‪ ،‬ورجل يؤم قوما وهم به راضون وعبد‬
‫‪4‬‬
‫أدى حق اهلل وحق مواليه''‬

‫فطوبى‪ 4‬لمن يسره اهلل لهذه األعمال الدينية واهلل ال يضيع أجر من أحسن عمال‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫سورة الحج اآلية ‪22‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة االحزاب اآلية ‪21‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح ابن ُخزَيمة َحققهُ و َعلّق َعلَيه َو َخ ّر َج َ‬


‫أحاديثه َوقدَّم له‪ :‬الدكتور محمد مصطفى األعظمي الناشر‪ :‬المكتب اإلسالمي‬ ‫ُ‬ ‫‪3‬‬

‫الطبعة‪ :‬الثالثة‪ 1424 ،‬هـ ‪ 2003 -‬م‬


‫‪ 4‬سنن الترمذي المحقق‪ :‬بشار عواد معروف لناشر‪:‬ـ دار الغرب اإلسالمي – بيروت سنة النشر‪ 1998 :‬م‬

‫‪39‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة السابعة الزاوية الشرقاوية ودورها‬


‫اإلشعاعي والعلمي والثقافي‬
‫ألقيت هذه المحاضرة بدار الثقافة بأبي الجعد بتاريخ ‪ 2005 – 9 – 01‬م‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫الزاوية الشرقاوية ودورها اإلشعاعي والعلمي والثقافي‬

‫‪40‬‬
‫بمناسبة انعقاد الموسم ال‪dd‬ديني والثق‪dd‬افي لل‪dd‬ولي الص‪dd‬الح س‪dd‬يدي أو عبي‪dd‬د هللا محم‪dd‬د‬
‫الشرقي‪ d،‬يس‪d‬رني أن أش‪d‬ارك بمحاض‪d‬رة ديني‪d‬ة ثقافي‪dd‬ة في موض‪dd‬وع‪ :‬الزاوي‪d‬ة الش‪dd‬رقاوية‬
‫ودورها اإلشعاعي والعلمي والثقافي‪.‬‬

‫وسنتناول الموضوع‪ d‬من زاويتين‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الزاوية الشرقاوي‪:‬‬

‫ثانيا‪ :‬دورها اإلشعاعي والعلمي والثقافي‪:‬‬

‫الزاوية الشرقاوية‪:‬‬ ‫‪)1‬‬

‫تأسست الزاوية الشرقاوية في فترة حاسمة من تاريخ التصوف المغ‪dd‬ربي وت‪dd‬اريخ‬


‫المغ‪dd‬رب بص‪dd‬فة عام‪dd‬ة‪ ،‬حيث ع‪dd‬رف هجوم‪dd‬ا اس‪dd‬تعماريا الغاي‪dd‬ة من‪dd‬ه طمس مع‪dd‬الم البالد‬
‫ودوس مقدساتها‪ ،‬وتهديد كيانها‪.‬‬

‫فتجند لذلك رجال من مشايخ الزوايا ومريدين وصالح وعلماء‪ d‬عاملين مخلصين‪.‬‬
‫في هذا الظرف ولد ونش‪dd‬أ وترع‪dd‬رع الش‪dd‬يخ محم‪dd‬د الش‪dd‬رقي‪ d‬مؤس‪dd‬س الزاوي‪dd‬ة الش‪dd‬رقاوية‬
‫بهدف الحفاظ على الدين ونشر روح الجهاد في صفوف المسلمين‪.‬‬

‫ولد في بيت عرف أهله بالصالح والنفوذ الروحي‪.‬‬

‫أبوه أبو القاسم محمد بن الزعري كان مقيم‪dd‬ا ب‪dd‬وادي زم‪ ،‬وم‪dd‬ا لبث أن ت‪dd‬رك مال‪dd‬ه‬
‫وأسرته آخذا معه فقط زوجته رحمة التي اشتهرت هي األخرى بالص‪dd‬الح‪ ،‬ذاهب‪dd‬ا يبحث‬
‫عن شيخ يأخذ بيده إلى ربه ويبصره بأمور دينه‪.‬‬

‫وتذكر المصادر التاريخية أنه اتصل بالش‪dd‬يخ عب‪dd‬د العزي‪dd‬ز التب‪dd‬اع بم‪dd‬راكش أك‪dd‬بر‬
‫شيوخ الطريقة الجزولية الشاذلية في عصره والمتوفى سنة‪ 914 :‬هـ‪.‬‬

‫وولد الشيخ محمد الشرقي بعد رجوع أبيه إلى ناحية تادل‪dd‬ة ق‪dd‬رب وادي أم الربي‪dd‬ع‬
‫في الفترة ما بين‪ 926 :‬هـ و ‪ 928‬هـ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫وانتقال أبو القاسم محمد بن الزعري إلى هذه المنطقة جاء ولي‪dd‬د ظ‪dd‬روف سياس‪dd‬ية‬
‫واجتماعية‪.‬‬

‫فاالجتماعية تتمثل في الوباء الذي ضرب المنطقة ودام ‪ 3‬سنوات‪.‬‬

‫أم‪dd‬ا السياس‪dd‬ية فق‪dd‬د أص‪dd‬بح وادي أم الربي‪dd‬ع ح‪dd‬دا فاص‪dd‬ال بين اإلم‪dd‬ارة الس‪dd‬عدية في‬
‫الجنوب واإلمارة‪ d‬الوطاسية في الشمال‪.‬‬

‫نشأ أبو عبيد هللا محمد الشرقي في بيئة دينية وتلقى تعليم‪dd‬ه األولي‪ d‬على ي‪dd‬د وال‪dd‬ده‬
‫ثم أرسل إلى زواية الصومعة فأخذ مجموعة من العلوم الش‪dd‬رعية الظ‪dd‬اهرة والباطن‪dd‬ة‪ .‬ثم‬
‫أمره بعض أشياخه أن يؤسس زاوية لمواصلة نشر تعاليم اإلسالم‪ d،‬غير أن شيوخ بعض‬
‫الزوايا أصبحوا يغارون منه حتى قال أحدهم‪ :‬إذا كان يخدم الزاوية حقا ويقيمها صــدقا‬
‫يقيمها في بلد القفار والصحاري ال في بلد السواقي والماء الجاري‪.‬‬

‫وترجح بعض المصادر أن األمر يتعلق بأبي بك‪dd‬ر ال‪dd‬دالئي وأحم‪dd‬د بن أبي القاس‪dd‬م‬
‫الصومعي رغم قراءته معه لكنهما كانا على طرفي نقيض‪.‬‬

‫يقول بعض الم‪d‬ؤرخين أن ت‪d‬ادال بالد الص‪d‬الحين واألولي‪d‬اء إلى درج‪d‬ة أنهم ك‪d‬انوا‬
‫يقولون‪ :‬إن أكثر بالد هللا أولياء تادلة‪ ،‬والغالب أن األولياء يفرون إليها كمــا تفــر اإلبــل‬
‫إلى بالد الرعي‪.‬‬

‫غير أن الشيخ محمد الشرقي كان له فيها رأي آخر قائال‪ :‬هذه البالد ال يسوغ لنــا‬
‫فيها مقام وحال أهلها الفاس في الطين ‪ ...‬إلى أن قال ‪ ...‬فمن نظر إليها يقــول أمورهــا‬
‫ميسرة ومن نظر إلى أرزاقها يجدها معســرة وإني راحــل إن شــاء هللا إلى بلــد أمورهــا‬
‫في الظاهر معسرة وأرزاقها ميسرة‪.‬‬

‫ولما تأسست الزاوية بمكان يعرف اآلن برجال الميعاد وبدأت الزاوية في نشاطها‬
‫العلمي تعليما وتعلما‪ .‬ثم أضيف إليها مع مطلع القرن ‪ 13‬الهجري جامع موالي س‪dd‬ليمان‬

‫‪42‬‬
‫والتي اقترن نشاطها بحياة الشيخ محمد الع‪dd‬ربي بن المعطي‪ ،‬وب‪dd‬دأ ال‪dd‬زوار وطالب العلم‬
‫يتوافدون‪ d‬وينهلون من معينها‪.‬‬

‫كان أبناء الشيخ أو عبيد هللا محمد الشرقي وخاص‪dd‬ة الغ‪dd‬زواني ومحم‪dd‬د المكناس‪dd‬ي‬
‫على حظ وافر من العلم والمعرفة‪.‬‬

‫ومن ثم فالزاوية قامت بدور تعليم العلوم الشرعية إلى جانب الزاوي‪dd‬ة الص‪dd‬ومعية‬
‫والدالئية‪ ،‬وهوالمقصد األصلي الذي من أجله تأسست الزوايا‪.‬‬

‫وبهذا شهدت الزاوية فترة علم في حياة الشيخ محمد الشرقي واستمدت قوته‪dd‬ا من‬
‫قوته بعد قوة هللا تعالى‪ ،‬ويشهد لهذا أمور ثالثة‪:‬‬

‫‪ -‬أن أحمد المنصور بعث إليه بوفد لزيارته واختبار أمره‪ .‬مراكش‪.‬‬

‫‪ -‬أبو المحاسن‪ d‬الفاسي رغم غيرته منه كتب إليه قائال‪ :‬إن‪dd‬ه ال زال ي‪dd‬رد علين‪dd‬ا‬
‫خير ما بسط هللا من النعم عليكم وما جد من كثرة المنح حولكم‪ ،‬وال يخفى عليكم أع‪dd‬زكم‬
‫هللا أن هللا تعالى وتقدس أجرى ببديع حكمته أن يح‪dd‬يى ال‪dd‬دنيا وي‪dd‬دفعها عمن اس‪dd‬تخلفه من‬
‫عباده‪ .‬ويستفاد منه‪ -1 :‬كثرة الخيرات‪ -2 .‬وص‪d‬ولها خ‪d‬ارج البالد‪ -3 .‬الش‪d‬هادة بالوالي‪d‬ة‬
‫وكثرة التقوى‪.‬‬

‫‪ -‬أحد علماء العصر وفقهائها وهو اإلمام أحمد المنصور لم يجد حرجا في أن‬
‫يخاطب الشيخ في كتاب أرسله إليه قائال‪ :‬الحمد هلل عالم الوقت‪ d‬احتاج إلى ولي الوقت‪.‬‬

‫وتوفي رحمة هللا عليه ح‪dd‬والي ‪ 1008‬هـ مت‪dd‬أثرا بع‪dd‬وارض الش‪dd‬يخوخة من جه‪dd‬ة‬
‫وبالوباء الذي لم يقدر على مقاومته من جهة ثانية‪.‬‬

‫وهنا طرحت مسألة من يخلفه في الزاوية من أبنائه‪:‬‬

‫وكان رحمه هللا يق‪dd‬ول في حيات‪dd‬ه‪ :‬ال ي‪d‬زال اثن‪dd‬ان من أوالدي في داري داعين إلى‬
‫هللا دالين عليه إلى أن تقوم الساعة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ولم‪ddd‬ا ت‪ddd‬وفي احت‪ddd‬دم الص‪ddd‬راع بين اث‪ddd‬نين من أبنائ‪ddd‬ه وهم‪ddd‬ا الش‪ddd‬يخ الغ‪ddd‬زواني‬
‫و ‪ ..............‬غير أن األمر حسم لصالح الشيخ الغزواني بعد أن تدخل أحد األتب‪dd‬اع من‬
‫الصوفية‪.‬‬

‫طريقة الشيخ طريقة جازولية‪:‬‬

‫والطريقة الجازولية هي األكثر رسوخا في المجتم‪dd‬ع المغ‪dd‬ربي لكونه‪dd‬ا قريب‪dd‬ة من‬


‫الكتاب والسنة‪.‬‬

‫وتس‪dd‬تمد أص‪dd‬ولها من مدرس‪dd‬ة أبي القاس‪dd‬م الجني‪dd‬د المت‪dd‬وفى ‪ 277‬هـ‪ ،‬أح‪dd‬د أعالم‬
‫التصوف اإلسالمي السني والذي‪ d‬كان يقول‪ :‬الطــرق كلهــا مســدودة على الخلــق إال من‬
‫اقتفى أثر الرسول عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫لقد ك‪dd‬ان للج‪d‬زولي‪ d‬فض‪dd‬ل في إحي‪dd‬اء الطريق‪d‬ة الجزولي‪d‬ة الش‪d‬ادلية ب‪d‬المغرب خالل‬
‫الق‪dd‬رن ‪ 9‬الهج‪dd‬ري إلى ج‪dd‬انب الم‪dd‬ذهب الم‪dd‬الكي في الفقهي‪dd‬ات والم‪dd‬ذهب األش‪dd‬عري في‬
‫المعتقدات‪.‬‬

‫ويفتخر الشيخ محمد الشرقي فيقول‪:‬‬

‫اللي بغى يتبعنا وكون منا *** يتبع طريق السن يا بابا‬

‫سأل العبدوني الشيخ محمد الصالح عن ورد الشيخ محمد الشرقي فقال‪:‬‬

‫ما ترك لنا إال حزب الفالح‪ ،‬وهو عبارة عن آيات قرآنية وأدعي‪dd‬ة نبوي‪dd‬ة وأخ‪dd‬رى‪d‬‬
‫مأثورة‪.‬‬

‫فالرجل كان يحمل عقيدة صحيحة ويدل لهذا األبيات الشعرية التي يقول فيها‪:‬‬

‫يا رب مس الضر قلبي وانكسر *** فاجبر لي كسري فأنت أرحم من جبر‬

‫وأغث فقد أصبحت منقطع الرجى *** فما سواك وما بغيرك ينتصر‬

‫ناداك في الظلمات يونس ضارعا *** وكذلك أيوب وقد عظم الضرر‬

‫‪44‬‬
‫ويقول في أبيات أخرى‪d:‬‬

‫يا رب هب لي توبة تمحو بها *** عني الذنوب فأنت ذو غفـــران‬

‫يا رب ثبت قلبنا أبدا على*** الطاعة والتوحيد واإليمـــــــــــان‬

‫وقد‪ d‬أس‪d‬س زاويت‪d‬ه ألم‪d‬رين اث‪d‬نين وكأن‪d‬ه يطب‪d‬ق اآلي‪d‬ة الكريم‪d‬ة فيهم‪d‬ا وهي قول‪d‬ه‬
‫ــو َن َع ِن ا ْل ُم ْن َكــ ِر‬ ‫س تَــأْ ُم ُر َ‬
‫ون بِــا ْل َم ْع ُر ِ‬
‫وف َوتَ ْن َه ْ‬ ‫تع‪dd‬الى‪ُ ((" :‬ك ْنتُ ْم َخ ْيــ َر أُ َّم ٍة أُ ْخــ ِر َجتْ لِلنَّا ِ‬
‫ون بِاهَّلل ِ))"‪.‬‬
‫َوتُ ْؤ ِمنُ َ‬

‫واألمران‪ d‬أولهم‪dd‬ا‪ :‬األم‪dd‬ر ب‪dd‬المعروف‪ ،‬وانطالق‪dd‬ا من مقول‪dd‬ة‪ :‬من لم يكن ل‪dd‬ه أس‪dd‬تاذ‬
‫ض لَـهُ‬ ‫ش عَنْ ِذ ْكـ ِر الـ َّر ْح َم ِن نُقَيِّ ْ‬‫فأستاذه الش‪dd‬يطان‪ .‬مص‪dd‬داقا لآلي‪dd‬ة الكريم‪dd‬ة‪َ ((" :‬و َمنْ يَ ْع ُ‬
‫ون أَنَّ ُه ْم ُم ْهتَـد َ‬
‫ُون َحتَّى إِ َذا‬ ‫سـبُ َ‬ ‫ش ْيطَانًا فَ ُه َو لَهُ قَ ِرينٌ َوإِنَّ ُه ْم لَيَ ُ‬
‫صـدُّونَ ُه ْم َع ِن َّ‬
‫السـبِي ِل َويَ ْح َ‬ ‫َ‬
‫ش ِرقَ ْي ِن فَبِئ َ‬
‫ْس ا ْلقَ ِرينُ ))"‪.‬‬ ‫َجا َءنَا قَا َل يَالَ ْيتَ بَ ْينِي َوبَ ْينَ َك بُ ْع َد ا ْل َم ْ‬

‫األمر الثاني‪ :‬النهي عن المنكر‪ ،‬وكأنه يطبق اآلي‪dd‬ة الكريم‪dd‬ة‪ِ ((" :‬ر َجـ ا ٌل اَل تُ ْل ِهي ِه ْم‬
‫تِ َجا َرةٌ َواَل بَ ْي ٌع عَنْ ِذ ْك ِر هَّللا ِ))"‪.‬‬

‫فلنستمع إليه وهو يخاطب التجار بقوله‪:‬‬

‫تجلس ال تبال باألذان *** للبيع والشراء في الدكان‬

‫تظهر أنك من أهل الدين *** ولست منهم على اليقين‬

‫قلنا الزاوية قامت على أمرين اثنين‪:‬‬

‫‪ -)1‬األم‪dd‬ر ب‪dd‬المعروف‪ ،‬وت‪dd‬دخل تحت‪dd‬ه تعلم العلم الن‪dd‬افع باعتب‪dd‬اره وس‪dd‬يلة لمعرف‪dd‬ة‬
‫طريق هللا‪ ،‬يشهد لهذا قول الشيخ محمد الصالح‪ :‬فقر بال علم فضيحة ومنكر وخديعة‪.‬‬

‫وتذكر المصادر أن الشيخ محمد الصالح كان شغوفا بالعلم والتعلم إلى درج‪dd‬ة أن‪dd‬ه‬
‫كان ال يرى إال والكتاب بين يديه والطلبة من حوله‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫وكان رحمه هللا يقول‪ :‬قد جعل هللا لكل ولي جنة يتستر بها في وقته‪ ،‬وأنا جنــتي‬
‫هي العلم ومرافقة العلماء واالشتغال ببث العلم‪.‬‬

‫وكانت المواد التي تدرس هي الفقه والحديث والتفسير إضافة إلى اللغة باعتبارها‬
‫وسيلة وأداة لمعرفة أحكام الشريعة‪.‬‬

‫هذه الحركة الثقافية العلمية التي شهدتها الزاوية خالل ه‪dd‬ذه الحقب‪dd‬ة التاريخي‪dd‬ة نتج‬
‫عنها أمران اثنان‪:‬‬

‫‪ -)1‬تخرج عدد كبير من العلماء من الزاوية مثل‪ :‬عب‪dd‬د الك‪dd‬ريم العب‪dd‬دوني وأحم‪dd‬د‬
‫بن عبد القادر التستاوي ومحمد الص‪d‬غير اإلف‪d‬راني وعب‪d‬د الق‪d‬ادر بن ش‪d‬قرون المكناس‪d‬ي‪.‬‬
‫وأحيانا تقام ندوات علمية الغاية منها معرفة الق‪dd‬درات العلمي‪dd‬ة لمن حض‪dd‬رها من العلم‪dd‬اء‬
‫في الفقه والنوازل واألحكام‪.‬‬

‫‪ -)2‬خلفت الزاوية تراثا ثقافيا هاما يتمثل في كتب التراجم وأسفار الدخيرة‪.‬‬

‫كتب التراجم منها‪:‬‬

‫‪ -1‬المرقي في مناقب الشيخ سيدي محمد الشرقي‪ .‬هذا اس‪dd‬م كت‪dd‬اب لعب‪dd‬د الخ‪dd‬الق‬
‫بن محمد لعروسي الشرقاوي الذي قسمه إلى ‪ 5‬أبواب‪d:‬‬

‫‪ -‬فضل النبي صلى هللا عليه وسلم‪ - .‬التعريف بالشيخ محم‪dd‬د الش‪dd‬رقي‪- .‬‬
‫طريقة الشيخ ولسلسة أشياخه‪ - .‬الكرامات‪ - .‬ذكر بعض صلحاء الوقت‪.‬‬

‫ويعتبر المرقي أول مؤلف في تاريخ الزاوية الشرقاوية‪.‬‬

‫‪ -2‬الروض اليانع الفائح في مناقب الشيخ أبي عبد هللا المدعو بالصالح‪ .‬للحسن‬
‫بن محمد الهداجي المعداني بإشارة من شيخه أبي عبد هللا محم‪dd‬د المعطى‪ ،‬وجعل‪dd‬ه في ‪3‬‬
‫فصول‪ - :‬فضل األولياء‪ - .‬التعريف بالشيخ الصالح‪ - .‬ذكر أشياخه ومحبيه‪.‬‬

‫‪ -3‬يتيمة العقود الوسطى في مناقب الشيخ المعطى‪ .‬لعبد الكريم العبدوني‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ -4‬الذخيرة‪ .‬وهي عبارة عن مجموعة مخطوطات في الصالة على الن‪dd‬بي ص‪dd‬لى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬أولها‪ :‬سفر ذخيرة المحتاج في الصالة على صاحب اللواء والتاج‪.‬‬

‫من قرأ الذخيرة يدرك تمام اإلدراك أن الش‪dd‬يخ المعطى ك‪dd‬ان عالم‪dd‬ا جليال متبح‪dd‬را‬
‫في جميع العلوم‪.‬‬

‫وقد شهد له أحد معاصريه بعظيم علمه وثاقب فكره فقال فيه‪:‬‬

‫الغرب شيء نفيس ‪ ....... .......‬ولي عليه أدلة‬

‫‪ .......‬ومنه تبدو األهلة‬ ‫الشمس تغرب منه‪.......‬‬

‫وحتى نحكم على ثقافة الرجل وواس‪dd‬ع علم‪dd‬ه وث‪dd‬اقب فك‪dd‬ره رحم‪dd‬ة هللا علي‪dd‬ه جئت‬
‫بأمثلة من كالمه من سفر العقبات‪ .‬قال رحمه هللا‪:‬‬

‫سقَا ِء‬
‫ستِ ْ‬‫ب اال ْ‬‫ش َرعْتُ فَي طَلَ ِ‬ ‫ي َوال َم َد َد ال َو ْهبِ َّي النَّبَ ِو َّ‬
‫ي َ‬ ‫طأْتُ ال َغ ْي َ‬
‫ث ال َم ْعنَ ِو َّ‬ ‫ستَ ْب َ‬
‫لما َ ا َ‬
‫ـرى‪ ،‬فَلَقِيَنِي‬‫س َّر ال ِوالَيَ ـ ِة ال ُع ْظ َمى َوال َّد َر َجـ ِة ال ُك ْبـ َ‬‫ضلِ ِه أَنْ يمنحني ِ‬ ‫سأ َ ْلتُ هللاَ تَ َعالَى ِمنْ فَ ْ‬
‫َو َ‬
‫ش َرى‪ ،‬الدَّا ُّل َعلَى َما يَ ْنفَ ُع ال ُم ِري َد ُد ْنيَا َوأُ ْخ َرى فَقَا َل إِلَى أَ ْي َن تُ ِريـ ُد يَــا َمنْ‬ ‫َوا ِر ُد اليُ ْم ِن َوالبُ ْ‬
‫ح ال َّربَّانِ ِّي‪،‬‬ ‫سـ َرى‪ ،‬فَقُ ْلتُ لَـهُ َخـ َر ْجتُ أَ ْطلُ ُ‬
‫ب َم ْن َح الفَ ْت ِ‬ ‫سـ ُرهُ لِ ْليُ ْ‬ ‫سلَ َك هللاُ بِ ِه ُ‬
‫سـبُ َل النَّ َجـ ا ِة َويَ َّ‬ ‫َ‬
‫ـر ْأتَ فِي َكالَ ِم هللاِ ال َكـ ِر ِ‬
‫يم‪َ ،‬و ُم ْح َك ِم‬ ‫ف الـ ِّـذ ْك َرى‪ ،‬فَقَــا َل أَ َمــا قَـ َ‬
‫وم اللَّ ُدنِيَّ ِة َولَطَائِ َ‬
‫ب ال ُعلُ ِ‬‫َو َم َوا ِه َ‬
‫اآلخـ َر ِة‪ ،‬نَـ ِز ْد لَـهُ فِي َح ْرثِـ ِه(‪) ،‬قَـ ْد َعلِ َم ُكـ ُّل أُنَــا ٍ‬
‫س‬ ‫ث ِ‬ ‫ـان يُ ِريـ ُد َحـ ْر َ‬
‫يم‪َ ) :‬منْ َكـ َ‬ ‫ِكتَابِـ ِه ال َع ِظ ِ‬
‫ث ِمنْ بَ ْع ِد َما‬ ‫ش َرب ُه ْم(‪ُ ) ،‬كالًّ نَ ُم ُّد َه ُؤالَ ِء َو َه ُؤ ِال ِء ِمنْ َعطَا ِء َربِّكَ(‪َ ،‬‬
‫)و ُه َو الَّ ِذي يُنَ ِّز ُل ال َغ ْي َ‬ ‫َم ْ‬
‫ش ُر َر ْح َمتَهُ َو ُه َو ال َولِ ُّي َ‬
‫الح ِميدُ(‪،‬‬ ‫قَنَطُوا َويَ ْن ُ‬

‫صـ ْلتُ‬
‫الخبِــي ِر‪َ ،‬حتَّى َو َ‬ ‫ـف َ‬‫سي ِر‪َ ،‬وطَلَ ْبتُ ال َع ْو َن ِم َن ال َم ْولَى اللَّ ِطيـ ِ‬ ‫ثُ َّم ش ََرعْتُ ِفي ال َم ِ‬
‫إِلَى ال َعقَبَ ِة األُولَى َو ِه َي َعقَبَةُ التَّ ْوبَ ِة ِمنْ ُك ِّل َخ ِطيئَ ٍة َو َح ْوبَ ٍة‪ ،‬فَلَ َّما َو َ‬
‫ص ْلتُ َها نَا َدانِي ُمنَا ِدي‬
‫ـوع فِي‬‫يح ِة‪َ ،‬و َحـ َّذ َرنِي ِم َن ال ُوقُ ِ‬ ‫يح ِة‪َ ،‬و ُملَقِّنُ ال ِح َك ِم َوالفَ َوائِـ ِد َواآلثَـا ِر َّ‬
‫الصـ ِح َ‬ ‫صـ َ‬ ‫الج ِّد َوالنَّ ِ‬
‫ِ‬
‫احةُ إلى أن قال‪ :‬ا ْعلَ ْم أَنَّكَ الَ ت ِ‬
‫َص ـ ُل‬ ‫يح ِة‪َ ،‬وقَا َل لِي َه ْي َهاتَ الَ تُنَا ُل ال َّر َ‬
‫ض َ‬ ‫َم َها ِوي ال َّر َدا َوالفَ ِ‬
‫ت َحتَّى تَ ْقطَ َع ِ‬
‫ستَّ َعقَبَا ٍ‬
‫ت‪.‬‬ ‫إِلَى َمنَا ِز ِل تِ ْلكَ القُ ُربَا ِ‬

‫‪47‬‬
‫ح َع ِن ال ُم َخالَفَ ِة الش َّْر ِعيَّ ِة‪.‬‬ ‫ال َعقَبَةُ األُولَى‪ :‬فَ ْط ُم َ‬
‫الج َوا ِر ِ‬

‫س َع ِن ال َمأْلُوفَا ِ‬
‫ت ال َعا ِديَ ِة‪.‬‬ ‫الثَّانِيَةُ‪ :‬فَ ْط ُم النَّ ْف ِ‬

‫ش ِريَّ ِة‪.‬‬ ‫الرعُونَا ِ‬


‫ت البَ َ‬ ‫الثَّالِثَةُ‪ :‬فَ ْط ُم القَ ْل ِ‬
‫ب عَنْ ُّ‬

‫ت الطَّبِي ِعيَّ ِة‪.‬‬ ‫ال َّرابِ َعةُ‪ :‬فَ ْط ُم ال ِّ‬


‫س ِّر عَنْ ال ُك ُد َرا ِ‬

‫سيَ ِة‪.‬‬ ‫وح عَنْ البُ ُخو َرا ِ‬


‫ت ال ِح ِّ‬ ‫سةُ‪ :‬فَ ْط ُم ُّ‬
‫الر ِ‬ ‫َ‬
‫الخا ِم َ‬

‫ت ال َو ْه ِميَّ ِة‪.‬‬ ‫سةُ‪ :‬فَ ْط ُم ال َع ْق ِل عَنْ َ‬


‫الخيَاالَ ِ‬ ‫سا ِد َ‬
‫ال َّ‬

‫من خالل ه‪dd‬ذا يت‪dd‬بين لن‪dd‬ا أن الزاوي‪dd‬ة الش‪dd‬رقاوية لعبت دورا كب‪dd‬يرا س‪dd‬واء على‬
‫المستوى الثقافي والفكري‪ d،‬أو على المستوى السياسي واالقتصادي‪ d‬واالجتماعي‪.‬‬

‫وها هي تواصل عملها بإذن ربها ‪.‬‬

‫وبهذا أكون قد وقفت‪ .‬وهللا المستعان‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة الثامنة الزكاة‪ :‬ودورها في التكافل‬


‫االجتماعي‬
‫ألقي هذا العرض في الدورة التدريبية بمس جد م والي س ليمان لفائ دة‬
‫القيمين الدينيين بتاريخ ‪ 2005 – 2- 18‬تحت عنوان ‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم وصلى اهلل على سيدنا محمد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما ‪.‬‬

‫الزكاة‪ :‬ودورها في التكافل االجتماعي‬


‫المال ضرورة من ضرورات الحياة‪ ،‬فهو وسيلة من وسائل العيش األساس‪44‬ية‪ ،‬وله‪44‬ذا الس‪44‬بب‬
‫‪1‬‬
‫جعله القرآن زينة من زينة الحياة الدنيا‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬المال والبنون زينة الحياة الدنيا"‬

‫والمال في الحقيقة مال اهلل‪ ،‬ونحن خلفاء في هذا المال‪ ،‬مصداقا لقوله تع‪44‬الى‪ " :‬وانفق‪44‬وا مم‪44‬ا‬
‫‪2‬‬
‫جعلكم مستخلفين فيه"‬

‫وبناء على هذا االستخالف‪ ،‬فالمال إما أن يك‪4‬ون س‪4‬ببا من أس‪4‬باب دخ‪4‬ول الجن‪4‬ة‪ ،‬أو س‪4‬ببا في‬
‫دخول النار‪.‬‬

‫وقول‪44‬ه علي‪44‬ه‬ ‫‪3‬‬


‫فأص‪44‬ل االنف‪44‬اق في الخ‪44‬ير قول‪44‬ه تع‪44‬الى‪" :‬وفي أم‪44‬والهم ح‪44‬ق الس‪44‬ائل والمح‪44‬روم"‬
‫الص‪44 4‬الة والس‪44 4‬الم‪" :‬نعم الم‪44 4‬ال الص‪44 4‬الح للعب‪44 4‬د الص‪44 4‬الح"‪ 4‬وغيرهم‪44 4‬ا من اآلي‪44 4‬ات واألح‪44 4‬اديث‬
‫النبوية‪.‬‬

‫ومن النص‪44‬وص ال‪44‬تي تح‪44‬ذر الم‪44‬ومن من االنف‪44‬اق في الش‪44‬ر قول‪44‬ه تع‪44‬الى‪" :‬وال ت‪44‬أكلوا أم‪44‬والكم‬
‫‪5‬‬
‫بينكم بالباطل"‬

‫إذا ف ‪44 4‬الغنى س ‪44 4‬الح ذو ح ‪44 4‬دين‪ ،‬ف ‪44 4‬الكريم الج ‪44 4‬واد ح‪44 4 4‬بيب اهلل ورس‪44 4 4‬وله ومالئكت ‪44 4‬ه وص ‪44 4‬الحي‬
‫المؤم‪44‬نين‪ ،‬أم‪44‬ا الغ‪44‬ني إذا أمس‪44‬ك االنف‪44‬اق ك‪44‬ان مال‪44‬ه ويال علي‪44‬ه لقول‪44‬ه تع‪44‬الى‪" :‬وال‪44‬ذين يك‪44‬ثرون‬

‫‪1‬‬
‫سورة الكهف اآلية ‪45‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة الحديد اآلية ‪7‬‬
‫‪3‬‬
‫سورة الذاريات اآلية ‪19‬‬
‫‪4‬‬
‫السلسلة الضعيفة لمحمد نار الدين األلباني مكتبة المعارف الرباط ج‪ 5‬ص‪16‬‬
‫‪5‬‬
‫سورة البقرة اآلية ‪187‬‬

‫‪50‬‬
‫الذهب والفضة وال ينفقونها في سبيل اهلل فبشرهم لعذاب أليم يوم يحيى عليها في ن‪44‬ار جهنم‬
‫‪1‬‬
‫فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم ألنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون"‬

‫أخ ‪44‬بر س ‪44‬بحانه وتع ‪44‬الى بح ‪44‬الهم ألنهم اس ‪44‬تحوذ عليهم الش ‪44‬يطان فأنس ‪44‬اهم م ‪44‬ا أوجب اهلل عليهم‬
‫لقوله تعالى ‪" :‬استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر اهلل"‪.2‬‬

‫ويق‪44‬ول علي‪44‬ه الص‪44‬الة والس‪44‬الم‪ " :‬لن ت‪44‬زول ق‪44‬دما عب‪44‬د ي‪44‬وم القيام‪44‬ة ح‪44‬تى يس‪44‬أل عن أرب‪44‬ع عن‬
‫عمره فيما أفناه‪ ،‬وعن ش‪44‬بابه فيم‪4‬ا أباله‪ ،‬وعن مال‪4‬ه من أين اكتس‪44‬به وفيم‪4‬ا أنفق‪4‬ه‪ ،‬وعن علم‪4‬ه‬
‫ماذا عمل به "‪.3‬‬

‫ولو علم المؤمن أن دعوة المالئكة مستجابة‪ ،‬وأن ما يعطيه مخل‪44‬وف ومض‪44‬اعف في الث‪44‬واب‬
‫وأنه سبب لمغفرة الذنوب وعدم اتالف المال لسارع إلى تطبيق ق‪44‬ول اهلل تع‪44‬الى‪" :‬وم‪44‬ا أنفقتم‬
‫من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين‪ .4‬وقوله تعلى‪" :‬مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل‬
‫اهلل كمثل حب‪4‬ة أنبتت س‪4‬بع س‪4‬نابل في ك‪4‬ل س‪4‬نبلة مائ‪4‬ة حب‪4‬ة واهلل يض‪4‬اعف لمن يش‪4‬اء"‪ .5‬وقول‪4‬ه‬
‫علي‪44‬ه الص‪4‬الة والس‪44‬الم‪" :‬م‪4‬ا من ي‪4‬وم يص‪44‬بح في‪44‬ه العب‪4‬اد إال ملك‪4‬ان ي‪44‬نزالن فيق‪44‬ول أح‪44‬دهما اللهم‬
‫اعط منفقا خلفا‪ ،‬ويقول اآلخر اللهم اعط ممسكا تلفا"‪ .6‬وقال علي‪44‬ه الص‪44‬الة الس‪44‬الم‪" :‬م‪44‬ا تل‪44‬ف‬
‫م‪44‬ال في ب‪44‬ر وال بح‪44‬ر إال بحبس الزك‪44‬اة"‪ .7‬وقول‪44‬ه علي‪44‬ه الس‪44‬الم‪" :‬الص‪44‬دقة تطفئ الخطيئ‪44‬ة كم‪44‬ا‬
‫يطفئ الماء النار"‪ .8‬وكلنا نتذكر قص‪4‬ة ثعلب‪4‬ة ون‪4‬زول قول‪4‬ه تع‪4‬الى‪ " :‬ومنهم من عاه‪4‬د اهلل لئن‬
‫أتان‪44‬ا من فض‪44‬له لنص‪44‬د قن ولنكنن من الص‪44‬الحين فلم‪44‬ا آت‪44‬اهم من فض‪44‬له بخل‪44‬وا ب‪44‬ه وتول‪44‬وا وهم‬
‫معرضون"‪ .9‬وسبب نزول هذه اآلية أن ثعلبة قال لرسول اهلل ص‪4‬لى اهلل علي‪4‬ه وس‪4‬لم ادع اهلل‬
‫أن يرزق‪44‬ني م‪44‬اال فق‪44‬ال‪ :‬ويح‪44‬ك ي‪44‬ا ثعلب‪44‬ة قلي‪44‬ل ت‪44‬ؤدي ش‪44‬كره خ‪44‬ير من كث‪44‬ير ال تطيق‪44‬ه‪ ،‬فق‪44‬ال‪:‬‬
‫"وال‪44‬ذي بعث‪44‬ك ب‪44‬الحق لئن دع‪44‬وت اهلل أن يرزق‪44‬ني م‪44‬اال ألعطيت ك‪44‬ل ذي ح‪44‬ق حق‪44‬ه‪ ،‬فلم ي‪44‬زل‬
‫يراجع‪44‬ه ح‪44‬تى دع‪44‬ا إلي‪44‬ه ‪ ,‬فاتخ‪44‬ذ غنم‪44‬ا فنمت كم‪44‬ا ينم‪44‬و ال‪44‬دود‪ ،‬فض‪44‬اقت علي‪44‬ه المدين‪44‬ة فتنحى‬
‫‪ 1‬سورة التوبة اآليات ‪ 34:‬و ‪35‬‬
‫‪ 2‬سورة المجادلة اآلية ‪19‬‬
‫‪ 3‬تعظيم قدر الصالة ألبي عبد هللا محمد بن نصر بن الحجاج المروزي تحقيق عبد الرحمن بن الجبار الفريوائي مكتبة الدار المدينة المنورة الطبعة‬
‫األولى ‪ 1406‬ه ج‪ 2‬ص‪839‬‬
‫‪ 4‬سورة سبأ اآلية‪39‬‬
‫‪ 5‬سورة البقرة اآلية ‪260‬‬
‫‪ 6‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل تحقيق‪ d‬شعيب األرنؤوط – عادل مرشد وآخرون إشراف عبد هللا بن عبد المحسن التركي مؤسسة السالة الطبعة‬
‫األولى ‪ 2001‬م ج‪ 13‬ص‪420‬‬
‫‪ 7‬الدعاء للطبراني تحقيق مصطفى عبد القادر عطا دار الكتب العلمية بيروت الطبعة األولى ‪ 1413‬ص‪31‬‬
‫‪ 8‬سنن ابن ماجه تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار الفكر بيروت‪ d‬ج‪ 2‬ص‪1408‬‬
‫‪ 9‬سورة التوبة اآلية ‪76‬‬

‫‪51‬‬
‫عنه ‪44‬ا ف ‪44‬نزل وادي ‪44‬ا من أوديته ‪44‬ا ح ‪44‬تى جع ‪44‬ل يص ‪44‬لي الظه ‪44‬ر والعص ‪44‬ر في جماع ‪44‬ة‪ ،‬وي ‪44‬ترك م ‪44‬ا‬
‫سواهما ثم نمت وكثرت حتى ترك الجمعة والجماعة فس‪4‬أل رس‪4‬ول اهلل عن‪4‬ه ف‪4‬أخبروه بخ‪4‬بره‬
‫فقال‪ :‬يا ويح ثعلبة ثالثا فأنزل اهلل اآلية‪.1‬‬

‫ولهذا السبب وغيره شرع اإلسالم التكافل االجتماعي وجعله يعالج عضوا في جسد وج‪44‬زءا‬
‫من ك ‪44‬ل‪ ,‬فه ‪44‬و ن ‪44‬وع من القواع ‪44‬د النظري ‪44‬ة الص ‪44‬الحة لقي ‪44‬ام المجتم ‪44‬ع البش ‪44‬ري المتماس ‪44‬ك‪ ،‬ومن‬
‫األصول لهذه القواعد ما فعله األنصار مع إخوانهم المه‪44‬اجرين عن‪44‬دما ش‪44‬اركوهم في دورهم‬
‫وأحوالهم‪.‬‬

‫إن التكاف‪44‬ل االجتم‪44‬اعي يع‪44‬ني تض‪44‬امن أبن‪44‬اء المجتم‪44‬ع س‪44‬واء ك‪44‬انوا أف‪44‬رادا أم جماع‪44‬ات وذل‪44‬ك‬
‫ب ‪44 4‬دوافع إيماني ‪44 4‬ة نبيل ‪44 4‬ة ته ‪44 4‬دف إلى غاي ‪44 4‬ات كريم ‪44 4‬ة تنتهي إلى تحقي ‪44 4‬ق الرعاي ‪44 4‬ة االقتص ‪44 4‬ادية‬
‫واالجتماعية واألخالقية لجميع أبناء المجتمع‪.‬‬

‫ه‪44‬ذا الن‪44‬وع من التكاف‪44‬ل االجتم‪44‬اعي تحقق‪44‬ه اآلي‪44‬ات القرآني‪44‬ة مث‪44‬ل قول‪44‬ه تع‪44‬الى‪" :‬وتع‪44‬اونوا على‬
‫البر والتقوى وال تعاونوا على اإلثم والعدوان"‪.2‬‬

‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"‪.3‬‬

‫وهذا أبو سعيد الخ‪44‬دري رض‪4‬ي اهلل عن‪44‬ه ق‪4‬ال‪" :‬كن‪4‬ا في س‪44‬فر فق‪4‬ال رس‪4‬ول اهلل ص‪4‬لى اهلل علي‪44‬ه‬
‫وس ‪44‬لم من ك ‪44‬ان مع ‪44‬ه فض ‪44‬ل زاد فليع ‪44‬ذ ب ‪44‬ه على من ال زاد ل ‪44‬ه‪ ،‬ومن ك ‪44‬ان مع ‪44‬ه فض ‪44‬ل ظه ‪44‬ر‬
‫فليعذبه على من ال ظهر له‪ ،‬وأخد يعدد أصناف األموال ح‪44‬تى ظنن‪44‬ا أن‪44‬ه ليس في أموالن‪44‬ا إال‬
‫ما يكفينا"‪.4‬‬

‫وق‪44‬د اس‪44‬تغل كث‪44‬ير من المخ‪44‬الفين تحت طائ‪44‬ل اإلغ‪44‬راءات المادي‪44‬ة كث‪44‬يرا من الفق‪44‬راء والش‪44‬باب‬
‫ال ‪44‬ذين به ‪44‬رتهم م ‪44‬ادة الحي ‪44‬اة الفردي ‪44‬ة لالبتع ‪44‬اد عن اإلس ‪44‬الم ومنهج اإلس ‪44‬الم في االنف ‪44‬اق وك ‪44‬ل‬
‫مقومات‪44 4‬ه األخالقي‪44 4‬ة واالقتص‪44 4‬ادية والسياس‪44 4‬ية كالرأس‪44 4‬مالية ال‪44 4‬تي تم‪44 4‬يزت باحتك‪44 4‬ار األغني‪44 4‬اء‬
‫لل‪44 4 4‬ثروات وقه‪44 4 4‬ر اإلنس‪44 4 4‬ان من أجله‪44 4 4‬ا باس‪44 4 4‬تغالله دون ش‪44 4 4‬فقة أو رحم‪44 4 4‬ة ثم ظه‪44 4 4‬رت بع‪44 4 4‬دها‬
‫‪ 1‬تفسير القرآن العظيم البن كثير تحقيق محمد حسين شمس الدين دار الكتب العلمية منشورات محمد علي بيضون بيروت الطبعة األولى ‪ 1419‬ج‪4‬‬
‫ص ‪162‬‬
‫‪ 2‬سورة المائدة اآلية ‪3‬‬
‫‪ 3‬تفسير القرآن البن كثير ج‪ 4‬ص‪ 153‬وقال أخرجه البخاري في الصالة باب ‪88‬‬
‫‪ 4‬سنن البيهقي تحقيق محمد عبد القادر عطا مكتبة دار الباز مكة المكرمة ‪ 1994‬ج‪ 4‬ص‪182‬‬

‫‪52‬‬
‫الماركس ‪44‬ية كم ‪44‬ذهب جدي ‪44‬د اعتق ‪44‬د في ‪44‬ه الوض ‪44‬عيون أن ‪44‬ه المنق ‪44‬ذ لإلنس ‪44‬انية من ويالته ‪44‬ا المادي ‪44‬ة‬
‫والمعنوية‪ ،‬غير أن النتائج كانت أك‪44‬ثر خس‪44‬ارة من األولى حيث قتلت روح اإلنس‪44‬ان وجعلت‪44‬ه‬
‫مستعبدا للمادة حتى جرت به إلى العلمانية التي اعتبرت أن الدين أفين الشعوب‪.‬‬

‫واإلس‪4‬الم دين الوس‪4‬طية ودين االعت‪4‬دال‪ ،‬حقيق‪4‬ة أن اهلل تع‪4‬الى ق‪4‬ال‪" :‬واهلل فض‪4‬ل بعض‪4‬كم عن‬
‫بعض في الرزق"‪.1‬‬

‫إن التف ‪44‬اوت في الغ ‪44‬نى والفق ‪44‬ر بين الن ‪44‬اس أم ‪44‬ر مش ‪44‬اهد‪ ،‬وفط ‪44‬ري فكي ‪44‬ف نس ‪44‬اوي بين الع ‪44‬الم‬
‫والجاهل – بين الخبير والمبتدئ – بين النشيط والكسول‪ ..‬والمثل يقول‪" :‬ال يزال الناس ما‬
‫تب‪44‬اينوا ف‪44‬إذا تس‪44‬اووا هلك‪44‬وا" واهلل تع‪44‬الى يق‪44‬ول‪ " :‬نحن قس‪44‬منا بينهم معيش‪44‬تهم في الحي‪44‬اة ال‪44‬دنيا‬
‫ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا"‪. 2‬‬

‫فاإلس‪44‬الم ي‪44‬دعوا إلى األخ‪44‬وة الديني‪44‬ة وأنن‪44‬ا أس‪44‬رة واح‪44‬دة‪ ،‬يف‪44‬رح الم‪44‬ؤمن لف‪44‬رح أخي‪44‬ه ويح‪44‬زن‬
‫لحزنه‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬المسلم أخو المسلم ال يظلم‪4‬ه وال يخذل‪4‬ه وال يس‪4‬لمه‪ ،‬ومن‬
‫كان في حاجة أخيه كان اهلل في حاجته‪ ،‬ومن ف‪44‬رج عن مس‪44‬لم كرب‪44‬ة ف‪44‬رج اهلل عن‪44‬ه كرب‪44‬ة من‬
‫ك‪44‬رب ي‪44‬وم القيام‪44‬ة‪ ،‬ومن س‪44‬تر مس‪44‬لما س‪44‬تره اهلل ي‪44‬وم القيام‪44‬ة"‪ .3‬ص‪44‬دق رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم‬

‫والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫‪1‬‬
‫سورة النحل اآلية ‪71‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة الزخرف اآلية ‪31‬‬
‫‪3‬‬

‫‪53‬‬
‫و ‪29‬من‬ ‫‪28‬‬ ‫المشاركة التاسعة‪:‬درس شرح اآليتين‬
‫سورة الحديد‬

‫درس مسجل بإذاعة محمد السادس للقرآن‬


‫الكريم‬

‫‪54‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫درس شرح اآليتين ‪ 28‬و ‪29‬‬


‫من سورة الحديد‬
‫ـؤتِ ُك ْم ِك ْفلَ ْي ِن ِمنْ‬ ‫سـولِ ِه يُـ ْ‬ ‫ين آ َمنُــوا اتَّقُــوا هَّللا َ َوآ ِمنُــوا بِ َر ُ‬ ‫ق‪dd‬ال تع‪dd‬الى‪((" :‬يَاأَ ُّي َهــا الَّ ِذ َ‬
‫ب أَاَّل‬
‫ُون بِ ِه َويَ ْغفِ ْر لَ ُك ْم َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم لِئَاَّل يَ ْعلَ َم أَ ْه ُل ا ْل ِكتَا ِ‬‫َر ْح َمتِ ِه َويَ ْج َع ْل لَ ُك ْم نُو ًرا تَ ْمش َ‬
‫ضـ ِل‬ ‫شـا ُء َوهَّللا ُ ُذو ا ْلفَ ْ‬ ‫ضـ َل بِيَـ ِد هَّللا ِ يُ ْؤتِيـ ِه َمنْ يَ َ‬ ‫ض ِل هَّللا ِ َوأَنَّ ا ْلفَ ْ‬ ‫ون َعلَى ش َْي ٍء ِمنْ فَ ْ‬ ‫يَ ْق ِد ُر َ‬
‫يم))"‪.‬‬ ‫ا ْل َع ِظ ِ‬
‫سبب نزول اآلية‪:‬‬
‫قال مجاهد‪ :‬قالت اليهود‪ :‬يوشك أن يخرج منا نبي يقط‪dd‬ع األي‪dd‬دي واألرج‪dd‬ل‪ .‬فلم‪dd‬ا‬
‫خرج من العرب كفروا‪ ،‬فنزلت اآلية‪.‬‬
‫‪((" ‬يَاأَيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا))"‪ :‬النداء خاص بالمؤمنين والغالب‪ d‬في القرآن أن الذين‬
‫أمنوا لقب للمؤمنين بمحمد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪((" ‬اتَّقُوا هَّللا َ))"‪ :‬وتقوى هللا أن تخاف من موالك وأن تعمل بكتابه وأن تقنع بما‬
‫رزقك هللا وأن تستعد ليوم الرحي‪dd‬ل‪ .‬ق‪dd‬ال علي ك‪dd‬رم هللا وجه‪dd‬ه‪ :‬التقــوى هي الخــوف من‬
‫الجليل‪ ،‬والعمل بالتنزيل‪،‬والقناعة بالقليل‪ ,‬واالستعداد ليوم الرحيل‪.‬‬
‫وهي لمسة خاصة لقلوبهم واستحياء لمعنى اإليمان‪.‬‬
‫سولِ ِه))"‪ :‬معناه أنه صلى هللا عليه وسلم مبعوث من قبل هللا ع‪dd‬ز‬ ‫‪َ ((" ‬وآ ِمنُوا بِ َر ُ‬
‫وجل إلى كافة الناس‪ ،‬أحمرهم وأبيضهم‪ .‬وأنه خ‪dd‬اتم األنبي‪dd‬اء ال ن‪dd‬بي بع‪dd‬ده‪ ،‬وأن رس‪dd‬الته‬
‫خاتمة الرساالت‪ d،‬وأنه صلى هللا عليه وسلم صاحب الوس‪dd‬يلة والك‪dd‬وثر والح‪dd‬وض المق‪dd‬ام‬
‫ون ِل ْل َعــالَ ِم َ‬
‫ين نَ ـ ِذي ًرا))"‪.‬‬ ‫ان َعلَى َع ْب ِد ِه لِيَ ُك َ‬ ‫المحمود‪ .‬قال تعالى‪((" :‬تَبَا َركَ الَّ ِذي نَ َّز َل ا ْلفُ ْرقَ َ‬
‫سى أَنْ يَ ْب َعثَ َك َربُّ َك َمقَا ًما َم ْح ُمو ًدا))"‪.‬‬ ‫وقوله‪ d‬تعالى‪َ ((" :‬ع َ‬
‫وقال بعض المفسرين أنه لما وقع يأيها الذين آمن‪d‬وا عقب فأتبن‪d‬ا ال‪d‬ذين آمن‪d‬وا منهم‬
‫أجرهم‪ ،‬تبين أن المقصود أتباع عيسى عليه السالم‪ ،‬وهذه دعوة لهم أن يتركوا المعصية‬
‫والحسد‪ d‬وسوء‪ d‬النظر ويؤمنوا بمحمد صلى هللا عليه وسلم‪ .‬وهذا استعمال لغوي‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫وقد يكون االستعمال استعماال لقبيا فيأخذ منه أهل الملة اإلسالمية بشارة وهي أن‬
‫أجرهم ال يقل عن أجر مؤمني أهل الكتاب ألنهم لما آمنوا بالرسل الس‪dd‬ابقين أعط‪dd‬اهم هللا‬
‫أجر مؤمني أهل مللهم‪ .‬ويشهد لهذا حديث أبي موسى األشعري‪ d‬أنه صلى هللا عليه وسلم‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫صـ َارى َك َمثَـ ِـل َر ُجـ ٍـل ا ْسـتَأ َ‬
‫ْج َر َق ْو ًمــا َي ْع َملُــو َن‬ ‫ين َوالَْي ُهود َوالنَّ َ‬
‫قال‪َ " :‬مثَ ُل ال ُْم ْسلم َ‬
‫ٍ‬
‫َّهــا ِر َف َقــالُوا‬
‫ف الن َ‬ ‫صـ ِ‬‫َج ٍر َم ْعلُوم ‪َ ،‬ف َع ِملُوا لَــهُ إِلَى نِ ْ‬‫لَهُ َع َمالً َي ْو ًما إِلَى اللَّْي ِل َعلَى أ ْ‬
‫ـال لَ ُه ْم الَ‬ ‫ـل ‪َ ،‬ف َقـ َ‬ ‫ـ‬‫ْت لَنَــا ‪ ،‬ومــا َع ِملْنَــا ب ِ‬
‫اط‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ر‬ ‫ـ‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫ى‬ ‫ذ‬‫الَ حاجـ ةَ لَنَــا إِلَى أَجـ ِر َك الَّ ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ـامالً ‪ ،‬فَـ ـ ـأ ََب ْوا َوَت َر ُكـ ــوا ‪،‬‬ ‫َت ْفعلُ ـ ــوا أَ ْك ِملُ ـ ــوا ب ِقيَّةَ عملِ ُكم ‪ ،‬و ُخـ ـ ـ ُذوا أَجـ ــر ُكم َكـ ـ ِ‬
‫ْ َ ْ‬ ‫َ ََ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ـال لَ ُه َمــا أَ ْك ِمالَ بَِقيَّةَ َي ْو ِم ُك َمــا َهـ َذا ‪َ ،‬ولَ ُك َمــا الَّ ِذى‬ ‫ْج َر أ ِـ‬
‫َج َيريْ ِن َب ْعـ َد ُه ْم َف َقـ َ‬ ‫َوا ْسـتَأ َ‬
‫ـك َمــا‬ ‫صـ ِر قَـاالَ لَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْت لَهم ِمن األَج ِر ‪َ .‬فع ِملُوا حتَّى إِذَا َكا َن ِ‬
‫صـالَة ال َْع ْ‬ ‫ين َ‬ ‫ُ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َش َرط ُ ُ ْ َ ْ‬
‫ـال لَ ُه َمـ ــا أَ ْك ِمالَ بَِقيَّةَ‬‫ْت لَنَـ ــا فِيـ ـ ِـه ‪َ .‬ف َقـ ـ َ‬
‫ـك األَ ْـجـ ُـر الَّ ِذى َج َعل َ‬ ‫ـل ‪َ ،‬ولَـ ـ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعملْنَـ ــا بَاطـ ـ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّهــا ِر َشـ ـ ْىءٌ يَسـ ـ ٌير ‪ .‬فَأ ََبيَ ــا ‪َ ،‬وا ْسـ ـتَأ َ‬
‫ْج َر َق ْو ًمــا أَ ْن‬ ‫َع َمل ُك َمــا ‪ ،‬فَـ ـِإ َّن َمــا بَق َى م َن الن َ‬
‫استَ ْك َملُوا‬ ‫س ‪َ ،‬و ْ‬ ‫م‬ ‫َّ‬
‫الش‬ ‫ت‬‫ي ْعملُوا لَهُ ب ِقيَّةَ يو ِم ِهم ‪َ ،‬ف َع ِملُوا ب ِقيَّةَ يو ِم ِهم حتَّى غَاب ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ْ َ‬ ‫َ َْ ْ‬ ‫َ َ‬
‫‪1‬‬
‫ك َم َثلُ ُه ْم َو َمثَ ُل َما قَبِلُوا ِم ْن َه َذا النُّو ِر"‬ ‫َج َر الْ َف ِري َق ْي ِن كِلَْي ِه َما ‪ ،‬فَ َذلِ َ‬ ‫أْ‬
‫‪((" ‬يُ ْؤتِ ُك ْم ِك ْفلَ ْي ِن))"‪ :‬والكفل بكسر الكاف وسكون‪ d‬الفاء النصيب‪ ،‬وأصله األجر‬
‫المض‪dd‬اعف‪ ،‬وه‪dd‬و في األص‪dd‬ل كس‪dd‬اء يكتف‪dd‬ل ب‪d‬ه ال‪dd‬راكب فيحفظ‪d‬ه من الس‪dd‬قوط‪ .‬قال‪dd‬ه ابن‬
‫جريج‪.‬‬
‫وقال أبو موسى األشعري‪ :‬كفلين ضعفين بلسان الحبشة‪ .‬وق‪dd‬د اس‪dd‬تدل به‪dd‬ذه اآلي‪dd‬ة‬
‫من اعتبر أن الحسنة لها من األجر مثل واحد فجعل هللا لمن اتقى وآمن برسوله نصيبين‬
‫نصيبا لتقوى هللا ونصيبا إليمانه برسوله‪ .‬ومعناه أن الحسنة التي جعل هللا لها عش‪dd‬ر هي‬
‫التي جمعت عشرة أن‪dd‬واع من الحس‪dd‬نات وه‪d‬و اإليم‪dd‬ان ال‪d‬ذي‪ d‬جم‪d‬ع هللا في ص‪d‬فته عش‪d‬رة‬
‫ت ‪.2 "))...‬‬ ‫ين َوا ْل ُم ْ‬
‫سلِ َما ِ‬ ‫أنواع كما جاء في قوله تعالى‪((" :‬إِنَّ ا ْل ُم ْ‬
‫سلِ ِم َ‬

‫‪ 1‬فتح الباري شرح صحيح البخاري البن حجر ج ‪ 4‬ص‪ 565‬رقم‪ d‬الحديث ‪2271‬‬
‫‪ 2‬سورة األحزاب اآلية ‪35‬‬

‫‪56‬‬
‫قال صاحب التحرير والتنوير‪ :‬هذا تأويل فاسد لظ‪dd‬اهر قول‪dd‬ه تع‪dd‬الى‪َ ((" :‬منْ َجـ ا َء‬
‫ش ُر أَ ْمثَالِ َها))"‪.‬‬ ‫سنَ ِة فَلَهُ َع ْ‬
‫بِا ْل َح َ‬
‫ون بِـ ِه))"‪ :‬والنور قي‪dd‬ل المقص‪dd‬ود ب‪dd‬ه البي‪dd‬ان‪ ،‬قال‪dd‬ه‬ ‫‪َ ((" ‬ويَ ْج َع ْل لَ ُك ْم نُــو ًرا تَ ْم ُ‬
‫شـ َ‬
‫مجاهد‪ ،‬وقيل الق‪dd‬رآن‪ ،‬قال‪dd‬ه ابن عب‪dd‬اس‪ .‬وأي‪dd‬ا ك‪dd‬ان فه‪dd‬و هب‪dd‬ة من هللا يجعله‪dd‬ا في قلب من‬
‫يستشعر بتقواه‪ ،‬والمعنى ييسر لكم داللة تهت‪dd‬دون‪ d‬به‪dd‬ا إلى الح‪dd‬ق‪ .‬وق‪d‬د‪ d‬ع‪dd‬رف أن الق‪dd‬رآن‬
‫يشبه الهدى بالنور والضالل بالظلمة والبرهان بالطريق‪.‬‬
‫‪َ ((" ‬ويَ ْغفِ ْر لَ ُك ْم))"‪ :‬والمغفرة جزاء على امتثالهم ما أمروا به‪.‬‬
‫‪((" ‬لِئَاَّل يَ ْعلَ َم أَ ْه ُل ا ْل ِكتَا ِ‬
‫ب))"‪ :‬وأهل الكتاب لقب في الق‪dd‬رآن لليه‪dd‬ود والنص‪dd‬ارى‬
‫الذين لم يتدينوا باإلسالم‪ d،‬لدى المراد بالكتاب التوراة واإلنجيل إذا أضيف إليه أهل‪.‬‬
‫وال يطلق على المسلمين‪ :‬أهل الكتاب‪ ،‬وإن كان لهم كتاب‪ ،‬فمن صار مس‪dd‬لما من‬
‫اليهود والنصارى ال يوصف بأنه من أهل الكتاب في اصطالح القرآن‪ .‬ولهذا لما وصف‬
‫عبد هللا بن سالم في القرآن وصف بقوله‪َ ((" :‬و َمنْ ِع ْن َدهُ ِع ْل ُم ا ْل ِكتَا ِ‬
‫ب))"‪.‬‬
‫أهل الكتاب كانوا يقولون‪ :‬الوحي والرسالة فينا والكتاب والشرع‪ d‬ليس إال لنا وهللا‬
‫خصنا بهذه الفضيلة العظيمة من بين جميع العالمين‪.‬‬
‫كما زعموا أنهم شعب هللا المختار وأنهم أبن‪dd‬اء هللا وأحب‪dd‬اؤه‪ ،‬وق‪dd‬الوا كم‪dd‬ا ق‪dd‬ال هللا‪:‬‬
‫"(( َوقَالُوا ُكونُوا هُو ًدا أَ ْو نَ َ‬
‫صا َرى تَ ْهتَدُوا))"‪ ،1‬وقالوا كم‪dd‬ا ق‪dd‬ال هللا‪((" :‬لَنْ يَ ـد ُْخ َل ا ْل َجنَّةَ‬
‫صا َرى))" ‪ ،2‬فرد هللا عليهم أن أم‪dd‬ر النب‪dd‬وة والهداي‪dd‬ة واإليم‪dd‬ان‪ d‬بي‪dd‬د‬ ‫ان هُو ًدا أَ ْو نَ َ‬
‫إِاَّل َمنْ َك َ‬
‫الرحمن يعطيه لمن يشاء من عباده‪ ،‬وحتى يعلم أهل الكتاب أنهم ال يقدرون على ش‪dd‬يء‪،‬‬
‫وأن الفضل بيد هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم‪ .‬وأن فضله غير مقصور على‬
‫قوم‪ d‬وال محجوز لطائفة‪ ،‬وال محدود على قليل‪.‬‬
‫والسورة بأكملها‪ ،‬سورة الحديد‪ ،‬درس رباني من صانع القل‪dd‬وب وم‪dd‬نزل الق‪dd‬رآن‪،‬‬
‫وخالق هذا الكون‪ ،‬وأن كل شيء فيه يسير بقدر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سورة‬
‫‪2‬‬
‫سورة‬

‫‪57‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة العاشرة‪ :‬عرض حول كتاب دليل‬


‫اإلمام والخطيب والواعظ‬
‫ألقي هذا العرض لفائدة القيمين الدينيين في الدورة التدريبية‬

‫بمسجد موالي سليمان بتاريخ‪2007 -2 - 19‬‬

‫‪58‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫ألقي هذا العرض لفائدة القيمين الدينيين في الدورة التدريبية‬

‫بمسجد موالي سليمان بتاريخ‪2007 -2 - 19‬‬


‫عرض حول كتاب‬

‫دليل اإلمام والخطيب والواعظ‬

‫ه‪44 4‬ذا الكت‪44 4‬اب عب‪44 4‬ارة عن دلي‪44 4‬ل عملي للش‪44 4‬أن ال‪44 4‬ديني في المملك‪44 4‬ة في المغربي‪44 4‬ة تحت القي‪44 4‬ادة‬
‫الرشيدة ألمير المؤمنين‪.‬‬

‫والكت ‪44‬اب يش ‪44‬تمل على مقدم ‪44‬ة وهي عب ‪44‬ارة عن خصوص ‪44‬ية مغربي ‪44‬ة في الش ‪44‬أن ال ‪44‬ديني وس ‪44‬تة‬
‫مح‪44‬اور باإلض‪44‬افة إلى خاتم‪44‬ة وهي عب‪44‬ارة على مجم‪44‬ل ض‪44‬وابط ينبغي أن يل‪44‬تزم به‪44‬ا القيم‪44‬ون‬
‫الدينيون‬

‫فالخصوص ‪44 4‬ية المغربي ‪44 4‬ة تتجلى في الض ‪44 4‬وابط‪ 4‬المنهجي ‪44 4‬ة األربع ‪44 4‬ة المس ‪44 4‬طرة في الكت ‪44 4‬اب في‬
‫الصفحة ‪ 18‬وهي ‪:‬‬

‫الضابط األول ‪ :‬العقيدة األشعرية توحيد في الصفات واألفعال ‪.‬‬

‫الضابط الثاني ‪ :‬المذهب المالكي ثقافة اجتماعية ونفسية‬

‫الضابط الثالث‪ :‬التصوف تربية على المحبة‬

‫الضابط الرابع ‪ :‬إمارة المؤمنين دعامة لألمن الروحي‬

‫الضابط األول‪ :‬بخصوص هذا الضابط اختار المغاربة مذهب األش‪44‬اعرة لم‪44‬ا لمس‪44‬وه في‪44‬ه من‬
‫حف‪44‬اظ عن ج‪44‬وهر العقي‪44‬دة ل‪44‬درء التش‪44‬بيه والتعطي‪44‬ل فق‪44‬راءة األش‪44‬اعرة ق‪44‬راءة وس‪44‬طية لتج‪44‬اوز‬
‫القراءة الحرفية للنصوص كما تتجاوز التأويل الفاسد‪ .‬ومن أمثلة ذلك‬

‫‪59‬‬
‫‪ -1‬كالم اهلل ‪ :‬بعض‪44‬هم ق‪44‬ال ق‪44‬ديم ح‪44‬تى حروف‪44‬ه وأص‪44‬واته‪ ,‬والمعتزل‪44‬ة ق‪44‬الوا مخل‪44‬وق وتوس‪44‬ط‬
‫األشاعرة ففرقوا بين الكالم النفسي الذي رآه قديما دون غيره ‪.‬‬

‫‪ )2‬حري ‪44‬ة العب ‪44‬د ‪:‬الجبري ‪44‬ة نف ‪44‬وا ق ‪44‬درة العب ‪44‬د في حين أن المعتزل ‪44‬ة أثبت ‪44‬وا الق ‪44‬درة ل ‪44‬ه وتوس ‪44‬ط‬
‫األشاعرة فقالوا بنظرية الكسب وخلق القدرة عند الكسب ‪.‬‬

‫‪ )3‬رؤي ‪44‬ة اهلل‪ :‬المش ‪44‬بهة ق ‪44‬الوا برؤي ‪44‬ة اهلل باألبص ‪44‬ار في اآلخ ‪44‬رة‪ ،‬ونفته ‪44‬ا المعتزل ‪44‬ة ‪ ,‬وم ‪44‬ذهب‬
‫األشاعرة توسط فقالوا بالرؤية‪ ،‬لكن من غير تحديد‪.‬‬

‫الض ‪44‬ابط الث ‪44‬اني ‪ :‬الم ‪44‬ذهب الم ‪44‬الكي‪ :‬ترس ‪44‬خ الم ‪44‬ذهب الم ‪44‬الكي عن ‪44‬د المغارب ‪44‬ة من ‪44‬ذ أم ‪44‬د بعي ‪44‬د‬
‫ويمكن أن نرجع ذلك إلى أمرين‪:‬‬

‫ح‪44‬ديث رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى علي‪44‬ه وس‪44‬لم ال‪44‬ذي ق‪44‬ال في‪44‬ه " يض‪44‬رب الن‪44‬اس أكب‪44‬اد اإلب‪44‬ل في‬ ‫‪-1‬‬
‫‪1‬‬
‫طلب العلم فال يجدون عالما أعلم من عالم المدينة "‬
‫طبيعة المغاربة في األندلس تشبه طبيعة أهل الحجاز‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ - 3‬أصول مالك ‪ :‬أصول مالك التي اعتمدها في االستدالل فبعد القرآن والسنة‬
‫عم ‪44‬ل أه ‪44‬ل المدينة ه ‪44‬و أص ‪44‬ل من أص ‪44‬ول االس ‪44‬تدالل عن ‪44‬د مال ‪44‬ك غ ‪44‬ير أن ‪44‬ه أح ‪44‬دث م ‪44‬ع م ‪44‬رور‬
‫الزمن نوعا من الخصوصية النفس‪44‬ية واالجتماعي‪44‬ة فط‪44‬وره المغارب‪44‬ة على المس‪44‬توى المنهجي‬
‫فأحدثوا ما يسمى بالفقه المالكي بالمغرب واألن‪44‬دلس وم‪44‬ا ج‪44‬رى ب‪44‬ه العم‪44‬ل كالعم‪44‬ل الغرن‪44‬اطي‬
‫والعمل الفاسي والعمل السوسي وهلم جرا‪....‬‬
‫‪ - 4‬قاع‪44 4‬دة مراع‪44 4‬اة الخالف ‪ :‬وهي قاع‪44 4‬دة عن‪44 4‬د مال‪44 4‬ك ترج‪44 4‬ع إلى العم‪44 4‬ل ب‪44 4‬دليل المخ‪44 4‬الف‬
‫وغايته رفع ضرر ما بعد وقوع نازلة معينة ال قبلها ‪.‬‬

‫صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان لمحمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي تحقيق شعيب‬ ‫‪1‬‬

‫األرنؤوط الناشر ‪ :‬مؤسسة الرسالة – بيروت الطبعة الثانية ‪ 1993‬ج‪ 9‬ص‪52‬‬

‫‪60‬‬
‫وبن‪44‬اء على ذل‪44‬ك فمال‪44‬ك رحم‪44‬ه اهلل يج‪44‬يز للمس‪44‬بوق في الص‪44‬الة إذا أدرك الرك‪44‬وع م‪44‬ع اإلم‪44‬ام‬
‫وخاف ف‪44‬وات الركع‪44‬ة أن يجع‪44‬ل تكب‪44‬يرة اإلح‪44‬رام نفس تكب‪44‬يرة الرك‪44‬وع رغم أن‪44‬ه ال يج‪44‬يز ذل‪44‬ك‬
‫في األوقات العادية‪ .‬وكذا زواج المرأة بغير ولي‪.‬‬
‫‪ - 5‬قاع ‪44‬دة المص ‪44‬الح المرس ‪44‬لة وهي قاع ‪44‬دة تحتكم إلى جلب المص ‪44‬الح ودرء الفاس ‪44‬د فيم ‪44‬ا ال‬
‫نص فيه عمال بمقاصد الشريعة‬
‫‪ - 6‬قاعدة مراع‪44‬اة الم‪44‬آل‪ :‬وهي من أعظم القواع‪44‬د المم‪44‬يزة للم‪44‬ذهب الم‪44‬الكي ‪ ,‬وهي راجع‪44‬ة‬
‫إلى اعتب ‪44 4‬ار الم ‪44 4‬آالت المتوقع ‪44 4‬ة عن ‪44 4‬د تنزي ‪44 4‬ل األحك ‪44 4‬ام الش ‪44 4‬رعية أي فيم ‪44 4‬ا ي ‪44 4‬ؤول إلي ‪44 4‬ه الحكم‬
‫الشرعي بعد النطق به أو بعد تنفيذه‪.‬‬
‫الض ‪44‬ابط الث ‪44‬الث التص ‪44‬وف‪ :‬التص ‪44‬وف تربي ‪44‬ة على المحب ‪44‬ة ‪ ,‬ك ‪44‬ان للتص ‪44‬وف وال ي ‪44‬زال‬ ‫‪-3‬‬
‫األث‪44‬ر الب‪44‬الغ في تم‪44‬تين الرواب‪44‬ط الروحي‪44‬ة‪ ,‬والتص‪44‬وف معن‪44‬اه أن العب‪44‬د ينتق‪44‬ل من مق‪44‬ام‬
‫إلى مقام‪ ,‬من مقام التوبة إلى الورع إلى الزهد إلى التوكل‪...‬الخ‬

‫وال يزال العبد يسلك هذا الطريق حتى تصفو روحه تماما هلل‪.‬‬

‫وسئل أحد الصالحين عن التوبة فقال للسائل سألتني عن توبة اإلنابة أم توبة االس‪44‬تجابة ق‪44‬ال‬
‫ما توبة اإلنابة قال أن تخاف اهلل من أجل قدرته عليك‬

‫قال و ما توبة االستجابة قال‪ :‬أن تستحي من اهلل لقربه منك‬

‫وفي توب ‪44‬ة اإلناب ‪44‬ة يق ‪44‬ول تع ‪44‬الى ‪ '' :‬ي ‪44‬ا أيه ‪44‬ا ال ‪44‬ذين آمن ‪44‬وا توب ‪44‬وا إلى توب ‪44‬ة نص ‪44‬وحا''‪ 1‬ويق ‪44‬ول‬
‫‪2‬‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم '' قل أمنت باهلل ثم استقم''‬

‫سورة التحريم اآلية ‪8‬‬ ‫‪1‬‬

‫شعب اإليمان للبيهقي تحقيق ‪ :‬محمد السعيد بسيوني زغلول الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‬ ‫‪2‬‬

‫الطبعة األولى ‪ 1410 ،‬ج‪ 4‬ص‪236‬‬

‫‪61‬‬
‫ام ُ‪4‬دون ال َّس ‪4‬ائِحون َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪4‬ون‬
‫الراك ُع‪َ 4‬‬ ‫ُ َ‬ ‫ون اْل َعابِ‪4ُ 4‬د َ‬
‫ون اْل َح ‪َ 4‬‬ ‫وفي توب‪44‬ة االس‪44‬تجابة يق‪44‬ول اهلل تع‪44‬الى ‪ " :‬التَّائُب َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اهون ع ِن اْلم ْن َك ِر واْلح ِافظُ ِ‬ ‫َّاج ُدون اآْل ِمرون بِاْلمعر ِ‬
‫ون ل ُح ُدو ِد الله َوَب ِّش ِر اْل ُم‪4ْ 4‬ؤ ِمن َ‬
‫ين‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫الن ُ َ َ ُ‬ ‫وف َو َّ‬ ‫ُ َ َ ُْ‬ ‫الس ِ َ‬
‫‪1‬‬
‫"‬

‫وفي كل يقول اهلل تعالى ‪ '' :‬واصبر نفس‪4‬ك م‪44‬ع ال‪4‬ذين ي‪44‬دعون ربهم بالغ‪44‬داة والعش‪44‬ي يري‪4‬دون‬
‫وجه‪44‬ه" ‪ .2‬وق‪44‬ال تع‪44‬الى ''وعص‪44‬ى آدم رب‪44‬ه فغ‪44‬وى ثم اجتب‪44‬اه رب‪44‬ه فت‪44‬اب علي‪44‬ه وه‪44‬دى" ‪ 3‬وق‪44‬ال‬
‫‪4‬‬
‫تعالى " فتلقى آم من ربه كلمات فتاب عليه "‬

‫الض‪44‬ابط الراب‪44‬ع ‪ :‬ام‪44‬ارة المؤم‪44‬نين البيع‪44‬ة الش‪44‬رعية في اإلس‪44‬الم من أهم الخص‪44‬ائص المكون‪44‬ة‬
‫للهوي‪44 4‬ة المغربي‪44 4‬ة فمن‪44 4‬ذ أن ت‪44 4‬زوج الم‪44 4‬ولى إدريس األول ك‪44 4‬نزة األمازيغي‪44 4‬ة في س‪44 4‬ياق بن‪44 4‬اء‬
‫المجتم‪44 4‬ع المغ‪444‬ربي تحت بيعت‪444‬ه الديني‪44 4‬ة ومن ثم فالوف‪444‬اء لعق‪44 4‬د البيع ‪44‬ة من حيث هي ح ‪44‬ق من‬
‫حقوق اهلل يجب أن يكون نصب عين اإلمام أو الخطيب ‪.‬‬

‫ج ‪44‬اء في ص ‪ 38‬من الكت ‪44‬اب أن كال من اإلم ‪44‬ام والخطيب ين ‪44‬وب عن اإلم ‪44‬ام األعظم ال ‪44‬ذي‬
‫هو أمير المؤمنين ‪,‬وهذه هي توجيهاته في الشأن ال‪44‬ديني والس‪44‬اهر على ه‪44‬ذه التوجيه‪44‬ات هي‬
‫وزارة األوقاف والشؤون اإلس‪44‬المية م‪44‬ع المجلس العلمي األعلى ومن خاللهم‪44‬ا م‪44‬ع المج‪44‬الس‬
‫المحلية عبر الصعيد الوطني ‪.‬‬

‫هذه العوامل كله‪4‬ا س‪4‬اهمت في االس‪4‬تقرار السياس‪4‬ي وال‪4‬ديني ب‪4‬المغرب مص‪4‬داقا لقول‪4‬ه تع‪4‬الى "‬
‫‪5‬‬
‫واعتصموا‪ 4‬بحبل اهلل جميعا وال تفرقوا "‬

‫هذه هي المقدمة ‪,‬أما المحاور هي كالتالي ‪:‬‬

‫سورة التوبة اآلية ‪113‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الكهف اآلية ‪28‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة طه اآلية ‪119‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة البقرة اآلية ‪36‬‬ ‫‪4‬‬

‫سورة آل عمران اآلية ‪103‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪62‬‬
‫المحور األول ‪:‬النظرية االندماجي‪44‬ة في الش‪44‬أن ال‪44‬ديني ‪ :‬سياس‪44‬ة ال‪44‬دين وال‪44‬دنيا ق‪4‬د ارتبطت في‬
‫تاريخ األمة اإلسالمية برعاية مصالح العباد والبالد منذ نشأة اإلس‪44‬الم وب‪44‬الرجوع إلى قول‪44‬ه‬
‫تع‪44 4‬الى "وأطيع‪44 4‬وا اهلل ورس‪44 4‬وله وال تن‪44 4‬ازعوا فتفش‪44 4‬لوا وت‪44 4‬ذهب ريحكم واص‪44 4‬بروا‪ 4‬إن اهلل م‪44 4‬ع‬
‫نج ‪44‬د أن أم ‪44‬ير المؤم ‪44‬نين ومقام ‪44‬ه ه ‪44‬و مق ‪44‬ام اإلم ‪44‬ام األعظم يس ‪44‬توجب طاعت ‪44‬ه‬ ‫‪1‬‬
‫الص ‪44‬ابرين "‬
‫ومتابعت‪44‬ه ‪ ,‬وأولى الن‪44‬اس بالطاع‪44‬ة الراتب‪44‬ون في المس‪44‬اجد ‪ ,‬ألنهم ن‪44‬ائبون عن اإلم‪44‬ام األعظم‬
‫كما هو مبين في الصفحة ‪49‬‬

‫‪2‬‬
‫إذن وحدة األمة أصل شرعي لقوله تعالى " واعتصموا‪ 4‬بحبل اهلل وال تفرقوا "‬

‫وكل خالف شر‪ ,‬فهذا ابن مسعود رضي اهلل عنه كان ي‪4‬رى القص‪44‬ر والجم‪44‬ع بم‪4‬نى وهي من‬
‫مكة ‪,‬وكان عثمان إمام المسلمين يرى إتمام الصالة مع الجمع ألنه كان يرى نفسه من أهل‬
‫مكة وله بها أهل ‪,‬وقد صلى ابن مسعود وراء عثمان وأتم الصالة خالفا لما يراه في‬

‫خاصة نفسه فلما سئل عن ذلك قال " الخالف شر "‬

‫وبناء على هذه النصوص فاإلمام مطالب بأن يدعو بالموعظة الحس‪44‬نة وبالحكم‪44‬ة وأن يس‪44‬لك‬
‫الرفق والتدرج‪ .‬قال ابن عطاء اهلل السكندري رحمه اهلل " لم يبق من الجه‪44‬ل ش‪44‬يئا من أراد‬
‫أن يظه‪44‬ر في ال‪44‬وقت م‪44‬ا لم يظه‪44‬ره اهلل في‪44‬ه''‪ 3‬وق‪44‬ال س‪44‬فيان الث‪44‬وري ''وال يح‪44‬ل ألح‪44‬د أن يق‪44‬دم‬
‫على األمر بالمعروف والنهي على المنكر إال بشروط ثالثة أن يكون عالما بم‪4‬ا ي‪44‬أمر عالم‪44‬ا‬
‫بما ينهى رفيقا فيما يأمر رفيقا فيما ينهى عدال فيما يأمر عدال فيما ينهى" ‪.4‬‬

‫سورة االنفال اآلية ‪47‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة آل عمران اآلية ‪103‬‬ ‫‪2‬‬

‫دليل اإلمام والخطيب والواعظ منشورات وزارة األوقافـ المملكعة المغربية ‪ 2006‬م ص ‪56‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع نفسه ص‪57‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪63‬‬
‫الوع‪44‬ظ واإلرش‪44‬اد ‪ :‬الوع‪44‬ظ واإلرش‪44‬اد تنمي‪44‬ة روحي‪44‬ة ومرحل‪44‬ة انتقالي‪44‬ة‬ ‫‪ -2‬المحور الثاني‬
‫إلى التنمية الوطنية لقوله تعالى ‪ '' :‬فلوال نفر من ك‪4‬ل فرق‪4‬ة منهم طائف‪4‬ة ليتفقه‪4‬وا في ال‪4‬دين "‬
‫وقوله تعالى ‪ :‬ي‪44‬ا أيه‪44‬ا الن‪4‬اس إن‪4‬ا خلقن‪4‬اكم من ذك‪44‬ر وأن‪4‬ثى وجعن‪44‬اكم ش‪4‬عوبا وقبائ‪4‬ل لتع‪44‬ارفوا‬ ‫‪1‬‬

‫إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم إن اهلل عليم خبير'' ‪.2‬‬

‫فاآلية تدعوا إلى اإلخالص إلى األسرة الوطنية الكبرى‬

‫ومن هنا نخلص إلى النقط التالية كما هو في ‪ 77‬من الكتاب‬

‫‪ -‬مراعاة التوجيهات السامية ألمير المؤمنين في الشأن الديني‬

‫‪ -‬التواصل الدائم مع وزارة األوقاف‪.‬‬

‫‪ -‬االق ‪44 4‬تراب من المواط ‪44 4‬نين وخاص ‪44 4‬ة الش ‪44 4‬باب منهم م ‪44 4‬ع اإلنص ‪44 4‬ات إليهم وتلبي ‪44 4‬ة حاجي ‪44 4‬اتهم‬
‫العلمية والتعبدية‪.‬‬

‫المحور الثالث ‪ -‬مراعاة المحيط الدولي و تدبير الشأن الديني‬

‫القيم ال‪44‬ديني الب‪44‬د من أن ي‪44‬راعي المحي‪44‬ط ال‪44‬دولي أثن‪44‬اء قيام‪44‬ه بمهام‪44‬ه ألن اإلس‪44‬الم أم‪44‬ر بحف‪44‬ظ‬
‫األنفس وحسن الج‪4‬وار ورعاي‪4‬ة العه‪4‬ود والمواثي‪4‬ق م‪4‬ع المس‪4‬لمين وغ‪4‬ير المس‪4‬لمين ألن مفه‪4‬وم‬
‫اإلنسان في ظل الشريعة يشمل المسلم وغيره وغير المسلم له حقوق منها‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫‪-1‬حق التدين قال تعالى ‪'' :‬ال إكراه في الدين''‬

‫سورة التوبة اآلية ‪122‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الحجرات اآلية ‪13‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة البقرة اآلية ‪255‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪64‬‬
‫‪-2‬حق اللج‪44‬وء السياس‪4‬ي ق‪4‬ال تع‪4‬الى ‪ '' :‬وإ ن أح‪44‬د من المش‪44‬ركين اس‪44‬تجار ف‪4‬أجره ح‪44‬تى يس‪4‬مع‬
‫‪4‬‬
‫كالم اهلل''‬

‫‪-3‬ح ‪44‬ق العب ‪44‬ادة كم ‪44‬ا ج ‪44‬اء في ص ‪ 99‬أن ‪44‬ه ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم ك ‪44‬ان عن ‪44‬ده غالم يه ‪44‬ودي‬
‫يخدم‪44‬ه فم‪44‬رض الغالم ف‪44‬ذهب الن‪44‬بي ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم فق‪44‬ال ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم أس‪44‬لم‬
‫فنظر الغالم إلى أبيه ليعطيه الجواب فق‪44‬ال ل‪44‬ه األب أط‪44‬ع أب‪44‬ا القاس‪44‬م فأس‪44‬لم الغالم فق‪44‬ال ص‪44‬لى‬
‫‪2‬‬
‫اهلل عليه وسلم الحمد هلل الذي أنقده من النار"‬

‫مراعاة المذهب في العبادات واألحكام‬ ‫المحور الرابع‬

‫من األسباب التي جعلت المغاربة يتشبثون بالمذهب المالكي‬

‫‪ -1‬رحلة المغاربة إلى الحجاز‬

‫‪ - 2‬البداوة وطبائع المغاربة في األندلس أشبه ببداوة وطبائع أهل الحج‪4‬از ومراع‪44‬اة م‪44‬ذهب‬
‫مالك عندنا يملي علينا أن نراعي بعض الضروريات‪ 4‬منها ‪:‬‬

‫‪ -‬الض‪44 4‬رورة االجتماعي‪44 4‬ة أي إتب‪44 4‬اع الم‪44 4‬ذهب الواح‪44 4‬د في الص‪44 4‬الة والزك‪44 4‬اة والحج والص‪44 4‬يام‬
‫والزواج والطالق وإ ال تفرقنا وسط المذاهب‪.‬‬

‫‪ -‬الض‪44‬رورة‪ 4‬التعليمي‪44‬ة والتربوي‪44‬ة فتفرقن‪44‬ا بين الم‪44‬ذاهب في المدرس‪44‬ة والمس‪44‬جد ه‪44‬و االختالف‬
‫بعينه‪ .‬ونفس الشيء قله في القضاء والسياسة ‪.....‬الخ‬

‫واتب‪44‬اع ال‪44‬ذهب الواح‪44‬د ه‪44‬و أداة لتحقي‪44‬ق األمن ال‪44‬روحي وجع‪44‬ل األم‪44‬ة الواح‪44‬دة تعيش في أمن‬
‫وأمان فيما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم ‪.‬‬

‫سورة التوبة اآلية ‪6‬‬ ‫‪4‬‬

‫فتح الباري شرح صحيح البخاري البن حجر العسقالني تحقيق ‪ :‬أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل‬ ‫‪2‬‬

‫العسقالني دار المعرفة ‪ -‬بيروت ‪ 1379 ،‬ج ‪ 1‬ص ‪271‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ :‬نماذج من الشعائر الدينية ‪:‬‬ ‫‪)5‬المحور الخامس‬

‫من هذه الشعائر‪:‬‬

‫‪ -‬ق‪44‬راءة الح‪44‬زب جماع‪44‬ة واألص‪44‬ل في‪44‬ه قول‪44‬ه ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم "م‪44‬ا اجتَ ‪4‬م‪4‬ع َق‪44‬وم في ب ٍ‬
‫يت‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٌ‬
‫وغ ِش ‪َ4 4 4‬يتهُم‬
‫‪4‬اب اهلل ويتدار ُس ‪4 4 4‬ونه بينهم‪ ،‬إال ن‪44 4 4‬زلت عليهم ال َّس ‪ِ 4 4 4‬كينة َ‬
‫‪4‬ون كت‪َ 4 4 4‬‬
‫ِ‬
‫من ُبي‪44 4 4‬وت اهلل يتل‪َ 4 4 4‬‬
‫فيمن عن‪4َ 4‬ده" وقول‪44‬ه ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم '' ا ْق‪4َ 4‬ر ُءوا‬
‫‪4‬ره ُم اهللُ َ‬ ‫حم‪ 4‬ةُ‪ ،‬وحفَّتهم المالئك‪4‬ةُ‪ ،‬و َذ َك‪ُ 4‬‬ ‫الر َ‬ ‫َّ‬
‫‪1‬‬

‫وموا" ‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫وب ُك ْم‪ ،‬فَِإ َذا ْ‬ ‫ِ‬


‫اختَلَ ْفتُ ْم فيه فَقُ ُ‬ ‫ت َعلَْيه ُقلُ ُ‬
‫آن َما ا ْئتَلَفَ ْ‬
‫اْلقُ ْر َ‬
‫‪2‬‬

‫‪ -‬اآلذان بالصيغة المغربية العادية‬

‫‪ -‬الخروج من الصالة بتسلية واحدة ‪.‬‬

‫خطبت‪44 4‬ه‬ ‫‪:‬على الخطيب أن ي‪44 4‬راعي أثن‪44 4‬اء إلق ‪44‬اء‬ ‫خطب‪44 4‬ة الجمعة‬ ‫‪ -6‬المح ‪44‬ور الس ‪44‬ادس‪4‬‬
‫أس ‪44‬اليب التق ‪44‬ريب والتنص ‪44‬يب‪ , 4‬رجال خطب الق ‪44‬وم في زمن الرس ‪44‬ول ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم‬
‫فقال من يطيع اهلل ورسوله فقد رشد‪ ,‬ومن يعصيهما فقد غوى فقال له صلى اهلل عليه وس‪4‬لم‬
‫'' بئس الخطيب أنت قل '' من يعصي اهلل ورسوله فقد غ‪44‬وى '' ‪3‬وق‪44‬ال ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم‬
‫‪4‬‬
‫" يسروا وال تعسروا وبشروا وال تنفروا "‬

‫تجنب الخطيب المعارك السياسية‬

‫سنن أبي داود تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط ‪ -‬مح َّمد ِ‬


‫كامل قره بللي الناشر‪ :‬دار الرسالة‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬

‫العالمية الطبعة‪ :‬األولى‪ 2009‬م‬


‫صحيح مسلم تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‬ ‫‪2‬‬

‫ج‪ 4‬ص‪2053‬‬

‫صحيح مسلم تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‬ ‫‪3‬‬

‫ج‪ 2‬ص‪594‬‬
‫الرجع نفسه ج‪ 3‬ص ‪1359‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪66‬‬
‫تجنب الخطيب األحكام الجاهزة فوق المنبر‬

‫مراع‪44‬اة الخطيب مس‪44‬تويات المخ‪44‬اطبين م‪44‬ع االختص‪44‬ار والترك‪44‬يز فعن ج‪44‬ابر رض‪44‬ي اهلل عن‪44‬ه‬
‫قال كان صلى اهلل عليه وسلم "ال يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات" ‪.1‬‬

‫الخاتمة مجمل ضوابط ينبغي االلتزام بها من طرف القيم الديني ‪:‬‬

‫اإلمام ‪44‬ة‪ :‬مق ‪44‬ام اإلمام ‪44‬ة عظيم عن ‪44‬د اهلل ع ‪44‬ز وج ‪44‬ل ق ‪44‬ال تع ‪44‬الى ‪'' :‬ربن ‪44‬ا هب لن ‪44‬ا من أزواجن ‪44‬ا‬
‫وذريتنا قرة أعين واجعلن‪44‬ا للمتقين إمام‪44‬ا''‪ 2‬وقول‪44‬ه تع‪44‬الى ‪ '' :‬وإ ذا ابتلى إب‪44‬راهيم رب‪44‬ه بكلم‪44‬ات‬
‫ف ‪44‬أتمهن " ‪3‬ومن ه ‪44‬ذا المنطل ‪44‬ق ينص ‪44‬ح أم ‪44‬ير المؤم ‪44‬نين ك ‪44‬ل إم ‪44‬ام ن ‪44‬ائب عن ‪44‬ه أن يجع ‪44‬ل العم ‪44‬ل‬
‫االجتماعي من أولوياته جاء هذا في ص ‪ 152‬حيث قال حفظه اهلل ''فإننا قد وضعنا طابعنا‬
‫الش‪44‬ريف على ظه‪44‬ائر تع‪44‬يين أعض‪44‬اء المج‪44‬الس العلمي‪44‬ة في تركيبته‪44‬ا الجدي‪44‬دة مكلفين وزيرن‪44‬ا‬
‫في األوق‪44‬اف والش ‪44‬ؤون الس‪44‬المية بتنص ‪44‬يبها لتق ‪44‬وم من خالل انتش‪44‬ارها ع‪44‬بر ال ‪44‬تراب الوط‪44‬ني‬
‫بت‪44‬دبير الش‪44‬أن ال‪44‬ديني عن ق‪44‬رب‪ ،‬وذل‪44‬ك بتش‪44‬كيلها من علم‪44‬اء مش‪44‬هود لهم ب‪44‬اإلخالص لث‪44‬وابت‬
‫األم ‪44‬ة ومقدس‪44‬اتها‪ ،‬والجم‪44‬ع بين فق ‪44‬ه ال‪44‬دين واالنفت ‪44‬اح على قض ‪44‬ايا العص ‪44‬ر ح‪44‬اثين إي‪44‬اهم على‬
‫اإلص ‪44‬غاء إلى الموط ‪44‬نين والس ‪44‬يما الش ‪44‬باب منهم بم ‪44‬ا يحمي عقي ‪44‬دتهم وعق ‪44‬ولهم من الض ‪44‬الين‬
‫المضلين‪.4'' 4‬‬

‫ومعناه أن اإلمام النائب عن اإلمام األعظم الذي هو أمير المؤمنين مطالب ب‪:‬‬

‫إصالح المتخاطبين والعمل على نشر المحبة بينهم‬ ‫‪.1‬‬


‫تمتين العالقات االجتماعية بين الناس‬ ‫‪.2‬‬
‫المساهمة في النشاط الثقافي والتعليمي‬ ‫‪.3‬‬

‫سنن أبو داود‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الفرقان اآلية ‪74‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة البقرة اآلية ‪124‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬من خطاب جاللة الملك غداة تنصيب المجلس العلمي األعلى والجالس العلمية‬ ‫‪4‬‬

‫اإلقليمية يوم الجمعة ‪ 30‬أبريل ‪2004‬‬

‫‪67‬‬
‫وبه‪44 4‬ذا ينتهي الع‪44 4‬رض ال‪44 4‬ذي ه‪44 4‬و ق‪44 4‬راءة في كت‪44 4‬اب دلي‪44 4‬ل اإلم‪44 4‬ام والخطيب والواع‪44 4‬ظ وباهلل‬
‫التوفيق‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة الحادية عشر عنوان المحاضرة‬


‫الهجرة النبوية‪ :‬األسباب – النتائج‬
‫ألقيت هذه المحاضرة بمناسبة السنة الهجرية الجديدة‪1426‬ه‬

‫بدار الشباب بتاريخ ‪ 5‬محرم الحرام ‪ 1426‬هـ‬

‫‪69‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫ألقيت هذه المحاضرة بمناسبة السنة الهجرية الجديدة‪1426‬ه‬

‫بدار الشباب بتاريخ ‪ 5‬محرم الحرام ‪ 1426‬هـ‬

‫عنوان المحاضرة‪ :‬الهجرة‪ 6‬النبوية‪ :‬األسباب – النتائج‬


‫إن هجرة الرسول صلى اهلل عليه وسلم من مك‪4‬ة إلى المدين‪4‬ة تعت‪4‬بر أم‪4‬را فاص‪4‬ال بين عه‪4‬دين‬
‫هما‪:‬‬

‫‪ -‬هدم قيم الجاهلية‬

‫‪ -‬بناء قيم اإلسالم‬

‫وب‪44‬الرجوع إلى كت‪44‬اب اهلل ع‪44‬ز وج‪44‬ل بخص‪44‬وص الهج‪44‬رة النبوي‪44‬ة والس‪44‬نة المطه‪44‬رة نج‪44‬د ع‪44‬دة‬
‫آيات قرائية وأحاديث نبوية تؤصل للهجرة النبوية‬

‫من اآلي ‪66‬ات القرآني ‪66‬ة قول ‪66‬ه تع ‪66‬الى ‪'' :‬وال‪44 4‬ذين تب‪44 4‬وء وال‪44 4‬دار وااليم‪44 4‬ان من قبلهم يحب‪44 4‬ون من‬
‫يهاجر إليهم وال يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا وي‪44‬وثرون على أنفس‪44‬هم ول‪44‬و ك‪44‬ان بهم‬
‫خصاص‪444‬ة ومن ي‪444‬وق ش ‪44‬ج نفس ‪44‬ه فأولئ ‪44‬ك هم المفلح‪444‬ون''‪ ,1‬فاآلي ‪44‬ة الكريم ‪44‬ة تش ‪44‬ير إلى إيم ‪44‬ان‬
‫األنص ‪44‬ار قب ‪44‬ل هج ‪44‬رة الرس ‪44‬ول ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم إلى المدين ‪44‬ة وحبهم في ‪44‬ه علي ‪44‬ه الص ‪44‬الة‬
‫والسالم ‪.‬‬

‫وك ‪44‬ذا قول ‪44‬ه ع ‪44‬ز وج ‪44‬ل ‪ '' :‬والس ‪44‬ابقون األول ‪44‬ون من المه ‪44‬اجرين واألنص ‪44‬ار وال ‪44‬ذين اتبع ‪44‬وهم‬
‫بإحسان رضي اهلل عنهم ورضوا عنه''‪.2‬‬

‫‪ 1‬سورة الحشر اآلية ‪9‬‬


‫‪ 2‬سورة التوبة اآلية ‪101‬‬

‫‪70‬‬
‫ه‪44‬ذه اآلي‪44‬ة الكريم‪44‬ة تن‪44‬وه بص‪44‬حابة رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى علي‪44‬ه وس‪44‬لم من مه‪44‬اجرين وأنص‪44‬ار كم‪44‬ا‬
‫بالت‪44‬ابعين ومن س‪4‬ار على نهجهم إلى ي‪44‬وم القيام‪4‬ة‪ ،‬فوع‪44‬دهم س‪4‬بحانه بالرض‪4‬ى والغف‪4‬ران وهي‬
‫أرقى المراتب‪ ،‬وغير هذا من اآليات كثير‪.‬‬

‫أم‪44‬ا من الس‪44‬نة فق‪44‬د ق‪44‬ال ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم ‪'' :‬إنم‪44‬ا األعم‪44‬ال بالني‪44‬ات وإ نم‪44‬ا لك‪44‬ل ام‪44‬رئ م‪44‬ا‬
‫نوى‪ ،‬فمن ك‪44‬انت هجرت‪44‬ه إلى اهلل ورس‪4‬وله فهجرت‪44‬ه إلى اهلل ورس‪44‬وله ومن ك‪44‬انت هجرت‪44‬ه إلى‬
‫‪1‬‬
‫دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه''‬

‫وقول ‪44‬ه ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم ألم قيس لم ‪44‬ا ق ‪44‬الت ل ‪44‬ه أن يوص ‪44‬يها فق ‪44‬ال‪'' :‬اهج ‪44‬ري المعاص ‪44‬ي‬
‫فإنها أفضل الهجرة وحافظي على الفرائض فإنها أفضل الجهاد‪ ،‬وأكثري من ذكر اهلل ''‪.2‬‬

‫فقد أوصاها علي‪4‬ه الص‪4‬الة والس‪4‬الم بهج‪4‬ران المعاص‪44‬ي وهي أفض‪44‬ل الهج‪44‬رة والمحافظ‪4‬ة على‬
‫الفرائض وهي أفضل الجهاد مع اإلكثار من ذكر اهلل مص‪44‬داقا لقول‪44‬ه تع‪44‬الى ‪ '' :‬أال ب‪44‬ذكر اهلل‬
‫تطمئن القلوب''‪.3‬‬

‫هذه الوصايا منه عليه الصالة والسالم لها ولمن باقي بعدها إلى يوم القيامة‪.‬‬

‫إن ح‪44‬ادث الهج‪44‬رة النبوي‪44‬ة الش‪44‬ريفة من أخط‪44‬ر األح‪44‬داث في مس‪44‬ار بن‪44‬اء الدول‪44‬ة اإلس‪44‬المية ب‪44‬ل‬
‫من أعظمه‪44 4‬ا ش‪44 4‬أنا‪ ،‬وأعاله‪44 4‬ا ق‪44 4‬درا باعتباره‪44 4‬ا نقط‪44 4‬ة تح‪44 4‬ول في بن‪44 4‬اء المجتم‪44 4‬ع اإلس‪44 4‬المي‪،‬‬
‫وتغييره وظهوره في هذا الوجود‪.‬‬

‫وك ‪44‬ان من توفي ‪44‬ق اهلل ع ‪44‬ز وج ‪44‬ل أن ي ‪44‬ؤرخ في الس ‪44‬الم به ‪44‬ذا الح ‪44‬ادث الخط ‪44‬ير العظيم‪ ،‬ي ‪44‬ذكر‬
‫المسلمين دائما‪ ،‬أن العقيدة وحدها تصنع المعجزات‪.‬‬

‫‪ 1‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لمسلم بن الحجاج‬
‫أبو الحسن القشيري النيسابوري تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي –‬
‫بيروت ج‪ 3‬ص‪1515‬‬
‫‪ - 2‬الدر المنثور لعبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي الناشر‪ :‬دار الفكر – بيروت ج‪ 6‬ص‪620‬‬
‫‪ 3‬سورة الرعد اآلية ‪29‬‬

‫‪71‬‬
‫ك‪44‬انت هج‪44‬رة الرس‪44‬ول ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم من مك‪44‬ة إلى المدين‪44‬ة ‪,‬مك‪44‬ة‪ :‬ال‪44‬تي ق‪44‬ال فيه‪4‬ا علي‪44‬ه‬
‫الصالة والسالم‪'' :‬ما أطيبك من بلد وأحبك إلي‪ ،‬ول‪4‬وال أن ق‪44‬ومي أخرج‪4‬وني من‪44‬ك م‪4‬ا س‪44‬كنت‬
‫غيرك ''‪.1‬‬

‫خ‪44‬رج إلى المدين‪44‬ة ال‪44‬تي ق‪44‬ال فيه‪44‬ا ص‪44‬لى اهلل عليم وس‪44‬لم ‪ :‬إن االيم‪44‬ان ل‪44‬يزأر إلى المدين‪44‬ة كم‪44‬ا‬
‫تزأر الحية إلى جحرها''‪.2‬‬

‫ه‪44‬اجر ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم وغايت‪44‬ه تعليم أمت‪44‬ه‪ ،‬أن التواك‪44‬ل‪ ،‬وإ هم‪44‬ال األخ‪44‬ذ باألس‪44‬باب أم‪44‬ور‬
‫ليست من اإلسالم‪ ،‬وأن معونة اهلل مرهونة باألخذ باألسباب‪.‬‬

‫والرسول صلى اهلل عليه وسلم خير قدوة في العمل بالعلم والتخطيط‪ ،‬وكثيرا م‪4‬ا ك‪44‬ان يتع‪44‬وذ‬
‫برب‪44 4 4‬ه فيق ‪44 4‬ول‪'' :‬اللهم إني أع ‪44 4‬وذ ب ‪44 4‬ك من علم ال ينف ‪44 4‬ع‪ ،‬ومن قلب ال يخش ‪44 4‬ع ومن دع‪44 4 4‬وة ال‬
‫يستجاب لها''‪.3‬‬

‫خ ‪44‬رج رس ‪44‬ول اهلل ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم من مك ‪44‬ة إلى المدين ‪44‬ة ولكن ‪44‬ه بع ‪44‬دما أحكم التخطي ‪44‬ط‪،‬‬
‫ومن ذلك ‪:‬‬

‫مرافقة أبي بكر رضي اهلل عنه في هذه الرحلة دون غيره من الصحابة‬ ‫‪‬‬
‫خروجه ليال ال نهارا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عدم توجهه في سيره شماال‪ ،‬وهو االتجاه الطبيعي‪ ،‬بل اتجه جنوبا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ع ‪44‬دم اس ‪44‬تمراره في الس ‪44‬ير ط ‪44‬ويال ب ‪44‬ل لج ‪44‬أ إلى غ ‪44‬ار ث ‪44‬ور‪ ،‬ليحق ‪44‬ق مزي ‪44‬دا من تض ‪44‬ليل‬ ‫‪‬‬
‫قريش‬
‫الناشر ‪ :‬دار إحياء التراث‬ ‫‪ 1‬سنن الترمذي لمحمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي تحقيق ‪ :‬أحمد محمد شاكر وآخرون‬
‫العربي – بيروت ج‪ 5‬ص‪723‬‬
‫‪ 2‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ d‬لمسلم بن الحجاج‬
‫أبو الحسن القشيري النيسابوري تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪d‬‬
‫ج‪ 1‬ص ‪131‬‬
‫‪ 3‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ d‬لمسلم بن الحجاج‬
‫أبو الحسن القشيري النيسابوري تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪d‬‬
‫ج‪ 4‬ص‪2088‬‬

‫‪72‬‬
‫إختي‪4‬اره لرج‪4‬ل االس‪4‬تخبارات عب‪4‬د اهلل بن أبي بك‪4‬ر يس‪4‬مع م‪4‬ا تقول‪4‬ه ق‪4‬ريش في مك‪4‬ة ثم‬ ‫‪‬‬
‫يذهب ليال إلى غار ثور ليخبر النبي صلى اهلل عليه وسلم بذلك‬
‫البق‪44 4‬اء في الغ‪44 4‬ار ‪ 3‬أي‪44 4‬ام أو لي‪44 4‬ال‪ .‬والغاي‪44 4‬ة مض‪44 4‬اعفة الض‪44 4‬غط النفس‪44 4‬ي على األع‪44 4‬داء‬ ‫‪‬‬
‫وإ حداث خلل في توازنهم‪ ،‬ليدب اليأس إلى قلوبهم‪.‬‬
‫معي ‪44 4‬ة اهلل فنس ‪44 4‬يج العنكب ‪44 4‬وت ان ص ‪44 4‬ح على فم الغ ‪44 4‬ار وبيض الحمام ‪44 4‬ة‪ ،‬وإ نص ‪44 4‬راف‪4‬‬ ‫‪‬‬
‫المش ‪44‬ركين خ ‪44‬ائبين‪ ،‬وتحوي ‪44‬ل س ‪44‬راقة من ع ‪44‬دو أول النه ‪44‬ار إلى ح ‪44‬ارس لهم ‪44‬ا آخ ‪44‬ره‪،‬‬
‫لدليل على عناية اهلل ‪ ,‬وصدق اهلل إذ يقول ‪ '' :‬إال تنصروه فقد نصره اهلل إذ أخرجه‬
‫ال ‪44‬ذين كف ‪44‬روا ث ‪44‬اني اث ‪44‬نين إذ هم ‪44‬ا في الغ ‪44‬ار إذ يق ‪44‬ول لص ‪44‬احبه ال تح ‪44‬زن إن اهلل معن ‪44‬ا‬
‫فانزل اهلل سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة‬
‫اهلل هي العليا واهلل عزيز حكيم''‪.1‬‬
‫ومن ثم لم تكن هج‪44 4‬رة الن‪44 4‬بي ص‪44 4‬لى اهلل علي‪44 4‬ه وس‪44 4‬لم ف‪44 4‬رارا بدين‪44 4‬ه كم‪44 4‬ا يظن البعض‬ ‫‪‬‬
‫وإ نم ‪44‬ا ك ‪44‬انت انتق ‪44‬اال من أرض استعص ‪44‬ت على قب ‪44‬ول الح ‪44‬ق إلى أرض جدي ‪44‬دة اش ‪44‬تاق‬
‫أهلها إلى استقبال دعوة اإلسالم‪ ،‬وقبول الهدى الذي جاء به‪.‬‬
‫هذه الهجرة سبقتها أس‪4‬باب و دواف‪4‬ع جعلت الرس‪4‬ول ص‪4‬لى اهلل علي‪4‬ه وس‪4‬لم يه‪4‬اجر من‬ ‫‪‬‬
‫مكة إلى المدينة ويمكن حصرها في سببين‪:‬‬
‫السبب األول إلحاق األذى بش‪44‬خص رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم وبص‪44‬حابته مم‪44‬ا‬ ‫‪-1‬‬
‫جعل ‪44‬ه ي ‪44‬أمرهم ب ‪44‬أول هج ‪44‬رة في اإلس ‪44‬الم إلى أرض الحبش ‪44‬ة ق ‪44‬ائال لهم علي ‪44‬ه الص ‪44‬الة‬
‫والسالم ‪ '' :‬لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا ال يظلم عنده أحد''‪.2‬‬
‫ولما اشتد أذى قريش في شخصه كما ورد في كتب السيرة ‪ :‬بينما هو يصلي في حج‪44‬ر‬
‫الكعبة إذ أقب‪4‬ل عقب‪4‬ة بن أبي معي‪4‬ط‪ ،‬فوض‪4‬ع ثوب‪4‬ه في عنق‪4‬ه فخنق‪4‬ه خنق‪4‬ا ش‪4‬ديدا‪ ،‬وج‪4‬اء أب‪4‬و‬
‫بكر ودفعه عنه صلى اهلل عليه وسلم وقال ‪ " :‬أتقتلون رجال أن يقول ربي اهلل''‪.3‬‬

‫‪ - 1‬سورة التوبة اآلية ‪40‬‬


‫التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور الطبعة التونسية دار النشر ‪ :‬دار سحنون للنشر والتوزيع ‪ -‬تونس ‪ 1997‬م ج‪ 14‬ص‪299‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ - 3‬سورة غافر اآلية ‪28‬‬

‫‪73‬‬
‫قلت لح‪44‬ق األذى برس‪44‬ول اهلل و بص‪44‬حابته‪ ،‬مم‪44‬ا جعل‪44‬ه يه‪44‬اجر م‪44‬رة أخ‪44‬رى تحت الحص‪44‬ار‬
‫االقتص ‪44‬ادي إلى الط ‪44‬ائف ملتمس ‪44‬ا النص ‪44‬رة من أهل ‪44‬ه ثقي ‪44‬ف لكنهم ردوا علي ‪44‬ه ردا منك ‪44‬را‪،‬‬
‫وجعل‪44‬وا يرمون‪44‬ه بالحج‪44‬ارة ح‪44‬تى أن رجلي رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم لت‪44‬ذميان مم‪44‬ا‬
‫جعله صلى اهلل عليه وسلم يذهب إلى بس‪44‬تان عتب‪44‬ة بن ربي‪44‬ع وق‪44‬د أنهك‪44‬ه التعب والج‪44‬راح‬
‫وي ‪44‬دعوا بدعائ ‪44‬ه المش ‪44‬هور ''اللهم إلي ‪44‬ك أش ‪44‬كو ض ‪44‬عف ق ‪44‬وتي‪ ،‬وقل ‪44‬ة حيل ‪44‬تي‪ ،‬وه ‪44‬واني على‬
‫الناس ‪....‬الخ''‪ 1‬ثم رجع إلى مكة ليعرض نفسه على القبائ‪44‬ل في العقب‪44‬ة األولى والثاني‪4‬ة‪،‬‬
‫كل ذلك وهم يعذبونه أشد العذاب من قبل رءوس الشكر مثل أمية بن خل‪44‬ف وعم‪44‬رو بن‬
‫هشام وعتبة بن أبي معيط والعاص بن وائل وغيرهم من صناديد قريش وهم كثير‪.‬‬
‫وي ‪44‬رى ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم ص ‪44‬حابته وهم يع ‪44‬ذبون فيق ‪44‬ول '' ص ‪44‬برا آل ياس ‪44‬ر ف ‪44‬إن‬ ‫‪-2‬‬
‫موع ‪44‬دكم الجن ‪44‬ة''‪2‬وذل ‪44‬ك مص ‪44‬داقا لقول ‪44‬ه تع ‪44‬الى‪'' :‬إنم ‪44‬ا ي ‪44‬وفي الص ‪44‬ابرون أج ‪44‬رهم بغ ‪44‬ير‬
‫حساب''‪.3‬‬
‫ك‪44‬ان ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم ينتظ‪44‬ر اإلذن من اهلل في الهج‪44‬رة بع‪44‬د م‪44‬ا ه‪44‬اجر ع‪44‬دد من‬
‫الصحابة إلى المدينة المنورة‪.‬‬
‫وج ‪44‬اء في كتب الس ‪44‬يرة أن أب ‪44‬ا بك ‪44‬ر رض ‪44‬ي اهلل عن ‪44‬ه لم ‪44‬ا وج ‪44‬د المس ‪44‬لمين ق ‪44‬د تت ‪44‬ابعوا‬
‫مه ‪44‬اجرين إلى المدين ‪44‬ة ج ‪44‬اء يس ‪44‬تأذن الرس ‪44‬ول ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم ه ‪44‬و األخ ‪44‬ر في‬
‫الهج ‪44‬رة فق ‪44‬ال ل ‪44‬ه علي ‪44‬ه الص ‪44‬الة والس ‪44‬الم ‪ '' :‬على رس ‪44‬لك ف ‪44‬إني أرج ‪44‬وا أن ي ‪44‬ؤذن لي''‬
‫‪4‬‬
‫فقال أبو بكر ‪ :‬هل ترجو ذلك بأبي أنت وأمي‪ ،‬قال ‪'' :‬نعم''‬
‫ولم ‪44‬ا ج ‪44‬اء اإلذن من الس ‪44‬ماء خ ‪44‬رج رس ‪44‬ول اهلل ص ‪44‬لى علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم في ح ‪44‬ر الظه ‪44‬يرة‬
‫مخبرا أبا بكر رضي اهلل عنه وهو السبب الثاني من أسباب الهجرة‪.‬‬
‫ودخل رسول اهلل صلى عليه وسلم المدينة فاصال بين عهدين‬
‫‪ 1‬تفسير القرآن العظيم البن كثير تحقيق‪ :‬محمد حسين شمس الدين الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬منشورات محمد علي بيضون –‬
‫بيروت الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1419 -‬هـ ج‪ 7‬ص‪267‬‬
‫‪ - 2‬التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج لوهبة بن مصطفى الزحيلي الناشر ‪ :‬دار الفكر المعاصر – دمشق الطبعة الثانية ‪،‬‬
‫‪ 1418‬هـ ج‪ 2‬ص‪265‬‬
‫‪ - 3‬سورة الزمر اآلية ‪11‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ :‬الدر المنثور لعبد الرحمن بن الكمال جالل الدين السيوطي الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بيروت ‪ 1993 ،‬ج ‪ 4‬ص‪203‬‬

‫‪74‬‬
‫‪)1‬عهد المجاهدة والصبر على إيذاء مشركي قريش في مكة‬
‫‪)2‬عه ‪44‬د المنع‪44‬ة باهلل وإ عالن دين ‪44‬ه‪ ،‬ق‪44‬ال تع‪44‬الى ‪'' :‬وال‪44‬ذين تب‪44‬وءوا ال‪44‬دار وااليم‪44‬ان من‬
‫قبلهم يحب‪44‬ون من ه‪44‬اجر إليهم وال يج‪44‬دون في ص‪44‬دورهم حاج‪44‬ة مم‪44‬ا أوت‪44‬وا وي‪44‬وثرون‬
‫على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة''‪.1‬‬
‫والهجرة هجرتان‪:‬‬
‫هجرة حسية مادية تتابع فيها المهاجرون‪ ،‬وفيها قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬ ‫‪)1‬‬
‫" ال هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية''‪.2‬‬
‫هج‪44‬رة معنوي‪44‬ة ب‪44‬الروح‪ ،‬وفي معانيه‪44‬ا الس‪44‬امية من كراهي‪44‬ة المعاص‪44‬ي وهجرانه‪44‬ا‬ ‫‪)2‬‬
‫وكراهية الناس وقطيعة الدين‬

‫فعلى المسلمين أن يهاجروا إلى ربهم وإ لى كتاب ن‪4‬بيهم كي تعي‪4‬د أمتن‪4‬ا أمجاده‪4‬ا‪ ،‬وتس‪4‬ترد م‪4‬ا‬
‫اغتص‪44 4‬ب من أراض‪44 4‬ها‪ ،‬وتقيم حكم ربه‪44 4‬ا على أرض‪44 4‬ها ق ‪44‬ال تع‪44 4‬الى ‪'' :‬وهلل الع‪44 4‬زة ولرس‪44 4‬وله‬
‫وللمؤمنين''‪.3‬‬

‫وعموما ‪:‬‬

‫‪ - 1‬فعلى الس‪44‬لم أن يق‪44‬ف وقف‪44‬ة م‪44‬ع النفس‪ ،‬لتجدي‪44‬د العه‪44‬د م‪44‬ع اهلل وفتح ص‪44‬فحة بيض‪44‬اء نقي‪44‬ة‪،‬‬
‫لتحديد المسار‪ ،‬وتصحيح األهداف لتدارك ما فات‪.‬‬

‫‪ - 2‬أن يتذكر المسلم أن الهجرة كانت حدا فاصال بن الحق والباطل وبين القوة والضعف‪،‬‬
‫وبين العزة والذلة‪.‬‬

‫إن الهجرة أسست لنا دولة اإلس‪44‬الم وإ قام‪4‬ة أم‪44‬ة وكي‪4‬ان ق‪4‬ال تع‪4‬الى ‪'' :‬ولينص‪44‬رن‬ ‫‪)3‬‬
‫اهلل من ينصره " ‪.‬‬

‫‪ -‬سورة الحشر اآلية ‪9‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لمسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري‬
‫النيسابوري تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي – بيروت ج‪ 3‬ص ‪1487‬‬
‫‪ - 3‬سورة المنافقون اآلية ‪8‬‬

‫‪75‬‬
‫التوك ‪44‬ل من ص ‪44‬فات المتقين لقول ‪44‬ه تع ‪44‬الى ‪ ":‬وعلى ربهم يتوكل ‪44‬ون''‪ 1‬فه ‪44‬ذا س ‪44‬يد المؤم ‪44‬نين‬ ‫‪)4‬‬
‫وإ مام المتقين ورغم أنه مرسل من قبل رب‪4‬ه‪ ،‬وأن اهلل وع‪4‬ده بالنص‪4‬ر والتمكين اتخ‪4‬ذ من‬
‫األسباب المادية ما جعله يعلم أمة أن اتخاذ األسباب غير مناف للتوكل‪.‬‬

‫إذا كانت الهجرة النبوية قد فاز بها الصحابة الك‪4‬رام ف‪4‬إن الهج‪4‬رة الروحي‪4‬ة باقي‪44‬ة في ك‪44‬ل ي‪44‬وم‬
‫من هذه األيام لقوله صلى اهلل عليه وس‪44‬لم '' ال تنقط‪4‬ع الهج‪44‬رة ح‪4‬تى تنقط‪44‬ع التوب‪4‬ة وال تنقط‪44‬ع‬
‫التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها''‪.2‬‬

‫فه ‪44‬ذه أم أنس ج ‪44‬اء ت عن ‪44‬د رس ‪44‬ول اهلل ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم تس ‪44‬أله الوص ‪44‬ية فق ‪44‬ال اهج ‪44‬ري‬
‫المعاصي فإنها أفضل الهجرة وحافظي على الفرائض فإنها أفضل الجهاد وأكثري من ذكر‬
‫اهلل''‪.3‬‬

‫وهذا خباب بن األرث قال خرجن‪44‬ا أو هاجرن‪44‬ا نبتغي وج‪44‬ه اهلل فوق‪44‬ع أجرن‪44‬ا على اهلل مص‪44‬داقا‬
‫لقوله عزل وجل '' ومن يخ‪44‬رج من بيت‪4‬ه مه‪4‬اجرا إلى اهلل ورس‪44‬وله ثم يدرك‪4‬ه الم‪44‬وت ف‪44‬د وق‪44‬ع‬
‫أجره على اهلل''‪.4‬‬

‫وه‪44‬ذا ص‪44‬هيب ال‪44‬رومي ال‪44‬ذي خ‪44‬رج من مك‪44‬ة تارك‪44‬ا ك‪44‬ل مال‪44‬ه حب‪44‬ا في رس‪44‬ول اهلل‬
‫لخير دليل على الهجرة في اهلل والذي قال فيه رسول اهلل ''ربح ال‪44‬بيع أب‪44‬ا يح‪44‬يى''‬
‫وفي‪44‬ه ن‪44‬زل ق‪44‬ول اهلل ع‪44‬ز وج‪44‬ل ''ومن الن‪44‬اس من يش‪44‬ري نفس‪44‬ه ابتغ‪44‬اء مرض‪44‬اة اهلل‬
‫واهلل رء وف بالعباد''‬
‫معية اهلل‪ :‬فهذا أبو بكر لما قال للرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬ل‪44‬و نظ‪4‬ر أح‪44‬دهم‬ ‫‪)5‬‬
‫إلى األسفل لرءانا قال عيه الصالة والس‪4‬الم كم‪44‬ا ق‪4‬ال اهلل '' إذ يق‪4‬ول لص‪44‬احبه ال‬

‫‪ 1‬سورة األنفال اآلية ‪2‬‬


‫‪2‬الدر المنثور لعبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي الناشر‪ :‬دار الفكر – بيروت ج‪ 3‬ص‪393‬‬
‫‪ - 3‬الدر المنثور لعبد الرحمن بن الكمال جالل الدين السيوطي الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بيروت ‪ 1993 ،‬ج ‪ 6‬ص‪620‬‬

‫سورة النساء اآلية ‪99‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪76‬‬
‫تحزن إن اهلل معنا''‪ 1‬وقاله‪4‬ا من قبل‪4‬ه إب‪44‬راهيم علي‪44‬ه الس‪44‬الم لم‪4‬ا القي ب‪44‬ه في الن‪44‬ار‬
‫فق‪44 4‬ال ''حس‪44 4‬بنا اهلل ونعم الوكي‪44 4‬ل''‪ 2‬فق‪44 4‬ال اهلل'' ي‪44 4‬ا ن‪44 4‬ار ك‪44 4‬وني ب‪44 4‬ردا وس‪44 4‬الما على‬
‫إبراهيم''‪ 3‬وقالها موسى لما قال له قومه كما قال اهلل ‪ '' :‬إن‪44‬ا لم‪44‬دركون ق‪44‬ال كال‬
‫إن معي ربي سيهدين''‪ 4‬وقالها نبي اهلل يعقوب لم‪44‬ا ض‪44‬اع من‪44‬ه يوس‪44‬ف ق‪44‬ال لبني‪44‬ه‬
‫كما قال اهلل '' يا بني اذهبوا فتحسس‪44‬وا من يوس‪44‬ف وأخي‪44‬ه وال تيأس‪44‬وا من روح‬
‫اهلل''‪.5‬‬
‫قيمة الوقت من ال‪44‬دالالت للهج‪44‬رة النبوي‪44‬ة قيم‪44‬ة ال‪44‬وقت عن‪44‬د المس‪44‬لم فوداع‪44‬ه لس‪44‬نة‬ ‫‪)6‬‬
‫واس‪44‬تقباله ألخ‪44‬رى يجع‪44‬ل المس‪44‬لم يس‪44‬أل م‪44‬اذا ق‪44‬دم في ه‪44‬ذه الس‪44‬نة لنفس‪44‬ه وألس‪44‬رته‬
‫وأهل‪44‬ه ولبل‪44‬ده وملك‪44‬ه ولنبي‪44‬ه ولرب‪44‬ه خوف‪44‬ا من ي‪44‬وم ال ينف‪44‬ع الن‪44‬دم مع‪44‬ه‪ ،‬وفي ه‪44‬ذا‬
‫الص‪44‬دد يق‪44‬ول عل‪44‬ه الص‪44‬الة والس‪44‬الم ''اغتنم خمس‪44‬ا قب‪44‬ل خمس ش‪44‬بابك قب‪44‬ل هرم‪44‬ك‬
‫وص‪44 4‬حتك قب‪44 4‬ل س‪44 4‬قمك وفراغ‪44 4‬ك قب‪44 4‬ل ش‪44 4‬غلك وغن‪44 4‬اك قب‪44 4‬ل فق‪44 4‬رك وحيات‪44 4‬ك قب‪44 4‬ل‬
‫موتك''‪.6‬‬

‫في هذا الح‪4‬ديث إش‪4‬عار ق‪4‬وي بقيم‪4‬ة ال‪4‬وقت في ك‪4‬ل س‪4‬نة ب‪4‬ل في ك‪4‬ل ش‪4‬هر ب‪4‬ل ك‪4‬ل ي‪4‬وم‬
‫حتى يدرك المؤمن ما فات ويستغل الوقت القادم قبل الفوات واهلل المستعان‪.‬‬

‫سورة التوبة اآلية ‪40‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة آل عمران اآلية ‪173‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة األنبياء اآلية ‪68‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬سورة الشعراء اآلية ‪62‬‬ ‫‪4‬‬

‫سورة يوسف االية ‪87‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 6‬شرح السنة للبغوي تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪-‬محمد زهير الشاويش الناشر‪ :‬المكتب اإلسالمي ‪ -‬دمشق‪ ،‬بيروت الطبعة‪ :‬الثانية‪1403 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1983‬م ج‪ 14‬ص‪224‬‬

‫‪77‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة الثانية عشر فضائل القرآن‬


‫القي هذا العرض بالمركب الثقافي‬
‫خريبكة يوم االربعاء ‪ 3‬رجب ‪ 1431‬ه‬
‫موافق ‪ 2010 -6- 16‬م‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫فضائل القرآن‬

‫‪78‬‬
‫الحمد هلل الذي أنزل القرآن على عبده ليك‪dd‬ون للع‪dd‬المين ن‪dd‬ذيرا‪ ،‬والص‪dd‬الة والس‪dd‬الم على‬
‫سيد األنبياء والمرسلين‪ d،‬أرسله هللا رحم‪dd‬ة للع‪dd‬المين‪ ،‬وبش‪dd‬رى للمتقين‪ ،‬فص‪dd‬لوات هللا وس‪dd‬المه‬
‫عليه وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين‪.‬‬
‫وبعد‪،‬‬
‫ففضائل القرآن كثيرة من أن تعد وتحصى‪ ،‬وقد أل‪dd‬ف فيه‪dd‬ا العلم‪dd‬اء ق‪dd‬ديما وح‪dd‬ديثا‪ ،‬وال‬
‫زالوا يستنبطون فضائل أخ‪dd‬رى من كت‪dd‬اب ربن‪dd‬ا الم‪dd‬نزل على قلب رس‪dd‬ول هللا ص‪dd‬لى هللا علي‪dd‬ه‬
‫وسلم المعجز المتعبد بتالوته‪ ،‬المبدوء بسورة الفاتحة‪ ،‬المختوم بسورة الناس‪.‬‬
‫هذا الكتاب الذي هو النور‪ ،‬والشفاء لم‪dd‬ا في الص‪dd‬دور‪ ،‬ق‪dd‬ال تع‪dd‬الى في س‪dd‬ورة المائ‪dd‬دة‪،‬‬
‫ض َوانَهُ ُ‬
‫سبُ َل‬ ‫اآلية‪(" d:16 d– 15 :‬قَ ْد َجاء ُكم ِّمنَ هّللا ِ نُو ٌر َو ِكت ٌ‬
‫َاب ُّمبِينٌ يَ ْه ِدي بِ ِه هّللا ُ َم ِن اتَّبَ َع ِر ْ‬
‫سالَ ِم)" ‪.‬‬
‫ال َّ‬
‫هذا القرآن الذي سمعه المشركون فتأثروا به حتى قال ق‪dd‬ائلهم‪" :‬إن له‪dd‬ذا الكالم لحالوة‬
‫وإن عليه لطالوة وإن أعاله لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعل‪dd‬و وال يعلى علي‪dd‬ه وإن‪dd‬ه ليس من‬
‫كالم الجن وال من كالم البشر"‪.‬‬
‫وسمعه النصارى فدمعت عيونهم وخشعت قلوبهم لم‪dd‬ا عرف‪dd‬وا من الح‪dd‬ق‪ ،‬ق‪dd‬ال تع‪dd‬الى‪:‬‬
‫يض ِمنَ الـ َّد ْم ِع ِم َّما َع َرفُــو ْا ِمنَ ا ْل َحـ ِّ‬
‫ق)"‬ ‫س ِم ُعو ْا َما أُن ِز َل إِلَى ال َّر ُ‬
‫سـو ِل تَـ َرى أَ ْعيُنَ ُه ْم تَفِ ُ‬ ‫"( َوإِ َذا َ‬
‫سورة المائدة‪ ،‬اآلية‪.83 :‬‬
‫شـ ِد‬ ‫س ِم ْعنَا قُ ْرآنا ً ع ََجبا ً يَ ْهـ ِدي إِلَى ُّ‬
‫الر ْ‬ ‫وسمعه الجن فتأثروا به وآمنوا‪ ،‬قال تعالى‪(" :‬إِنَّا َ‬
‫ش ِر َك بِ َربِّنَا أَ َحداً)" سورة الجن‪ ،‬اآلية‪.2 – 1 :‬‬
‫فَآ َمنَّا بِ ِه َولَن نُّ ْ‬
‫هذا التأثير هو الذي جعل العلماء يستخرجون فضائل القرآن‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ )1‬إنــزال الســكينة‪:‬ـ فق‪dd‬د ثبت علمي‪dd‬ا وطبي‪dd‬ا أن الق‪dd‬رآن ك‪dd‬ان س‪dd‬ببا في عالج كث‪dd‬ير من‬
‫األمراض بشهادة علماء وأطباء مسلمين وغربيين‪ ،‬والحق ما شهدت به األعداء‪ ،‬ق‪dd‬ال تع‪dd‬الى‪:‬‬
‫ب ا ْل ُمـ ْ‬
‫ـؤ ِمنِينَ لِيَـ ْـزدَادُوا إِي َمانـا ً َّم َع إِي َمــانِ ِه ْم)" س‪d‬ورة الفتح‪،‬‬ ‫"(ه َُو الَّ ِذي أَنــزَ َل َّ‬
‫السـ ِكينَةَ فِي قُلُــو ِ‬
‫اآلية‪.4 :‬‬
‫هذا من القرآن‪ ،‬أما من السنة فقد قال صلى هللا عليه وس‪dd‬لم‪» :‬مــا اجتمــع قــوم في بيت‬
‫من بيوت هللا يتلون كتاب هللا ويتدارســونهـ بينهم إال حفتهم المالئكـة ونـزلت عليهم السـكينةـ‬
‫وغشيتهم الرحمة وذكرهم هللا فيمن عنده‪ « .‬القرطبي‪ .‬مج ‪ .1‬ص‪.24 :‬‬
‫ومن ثم فمن أراد أن تنزل عليه السكينة وتغش‪dd‬اه الرحم‪dd‬ة وتحف‪dd‬ه المالئك‪dd‬ة وي‪dd‬ذكره هللا‬
‫فيمن عنده عليه أن يقرأ القرآن‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫وهذا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول ألبي موسى األشعري رضي هللا عنه‪» :‬لــو‬
‫رأيتنيـ وأنــا أســمع قرأتــك البارحــه لقــد أوتيت مزمــارا من مزامــير آل داود فقــال لــو علمت‬
‫لحبرته لك تحبيرا«‪  ‬سنن البيهقي‪ .‬كتاب الصالة‪.4484 .‬‬
‫وإذا كان الرسول صلى هللا عليه وسلم استمع إلى قراءة أبي موس‪dd‬ى األش‪dd‬عري ص‪dd‬دفة‬
‫فإنه طلب من عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه أن يق‪dd‬رأ علي‪dd‬ه الق‪dd‬رآن ح‪dd‬تى وص‪dd‬ل إلى قول‪dd‬ه‬
‫تعالى‪(" :‬فَ َكيْفَ إِ َذا ِج ْئنَا ِمن ُك ِّل أ َّم ٍة بِ َ‬
‫ش ِهي ٍـد َو ِج ْئنَــا بِــكَ َعلَى هَــؤُالء َ‬
‫شـ ِهيداً)" ق‪dd‬ال ص‪dd‬لى هللا‬
‫عليه وسلم‪ :‬حسبك‪ .‬فإذا عيناه تدرفان‪ .‬ابن كثير‪ .‬مج‪ .4 :‬ص‪.628 :‬‬
‫أما الشاب زيد بن ثابت رضي هللا عنه فقد دعا له صلى هللا علي‪d‬ه وس‪d‬لم عن‪d‬دما ج‪d‬اءت‬
‫به أمه إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وتخبره أنه حفظ ‪ 17‬سورة من الق‪dd‬رآن‪ ،‬فك‪dd‬ان أح‪dd‬د‬
‫الذين جمعوا القرآن‪ ،‬وهو القائل‪ :‬لو كلفوني نقل جبل لكان أهون علي من جمع القرآن‪.‬‬
‫‪ )2‬الخيرية والبركة‪ :‬وفي هذا الباب يقول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪» :‬خــيركم من‬
‫تعلم القــرآن وعلمــه‪ . « ‬القرط‪dd‬بي‪ .‬مج‪ .1 :‬ص‪ .23 :‬ومع‪dd‬نى الخيري‪dd‬ة‪ :‬أفض‪dd‬لكم وأحس‪dd‬نكم‬
‫وأكثركم أجرا وأعالكم مرتبة من علم القرآن وتعلمه‪ ،‬فجعل فيه فضيلتين‪ :‬التعليم والتعلم‪ ،‬هذا‬
‫التعليم سينفعك في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫وكلنا يحفظ قول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪» :‬إذا مات ابن آدم انقطع عنه عملــه إالَّ‬
‫صالح يدعو له‪ ‬أو علم يبثهـ في صدور الرجــال)‪ . ‬ال‪dd‬درامي‪.‬‬‫ٍ‬ ‫من ثالث‪ :‬صدق ٍة جاري ٍة‪ ،‬أو ول ٍد‬
‫‪ .559‬ومما ال شك فيه أن حفظ الق‪dd‬رآن وفهم الق‪dd‬رآن وتالوة الق‪dd‬رآن وتجوي‪dd‬د الق‪dd‬رآن من العلم‬
‫النافع والصالح‪.‬‬
‫‪ )3‬أجر وثواب اآلخرة‪ :‬عن عائشة رضي هللا عنه‪dd‬ا ق‪dd‬الت ق‪dd‬ال رس‪dd‬ول هللا ص‪dd‬لى هللا‬
‫عليه وسلــــم‪ » :‬الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة‪ .‬والذي يقرؤه ويتتعتعـ فيــه‪ ،‬وهــو‬
‫عليه شاق‪ ،‬له أجران‪  « ‬ابن ماجة‪ .‬كتاب األدب‪.3779 .‬‬
‫وعن عبد هللا بن مسعود قال‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪» :‬من قرأ حرفــا من‬
‫كتاب هللا فله بـه حسـنة والحسـنة بعشـر أمثالهـا ال أقـول آلم حـرف‪ ،‬ولكن ألـف حـرف والم‬
‫حرف وميم حرف‪ « ‬الترم‪d‬ذي‪ ،3075 :‬وكلن‪d‬ا يعلم أن أعض‪d‬اء الجس‪d‬م تتغ‪d‬ذى بق‪d‬راءة الق‪d‬رآن‬
‫واالستماع إلى القرآن‪.‬‬
‫الرسول صلى هللا عليه وس‪dd‬لم يحث الص‪dd‬حابة وي‪dd‬بين لهم فض‪dd‬ائل النظ‪dd‬ر في كت‪dd‬اب هللا‬
‫عندما قال‪» :‬أعطوا أعينكم حظها من العبادة‪ ،‬قالوا وما حظها يا رس‪dd‬ول هللا من العب‪dd‬ادة‪ ،‬ق‪dd‬ال‬
‫النظر في المصحف والتفكر فيه واالعتبار عند عجائبه‪  « ‬القرطبي‪ .‬مج‪ .1 :‬ص‪.45 :‬‬

‫‪80‬‬
‫وقد تعرض اإلمام القرطبي رحمه هللا إلى شرح هذا الحديث فقال‪ :‬بين النفس والصدر‬
‫حجاب‪ ،‬والقرآن يكون في الصدور‪ ،‬والذي يقرأ عن ظهر قلب ينقل إلى النفس عن طريق في‬
‫حين أن الذي يقرأ القرآن من المصحف يصل إلى النفس من طريق األذن والعين‪.‬‬
‫‪ )4‬فضل تعليمه وتعلمه‪ :‬وفي هذا الصدد يقول صلى هللا عليه وس‪dd‬لم معلم‪dd‬ا أب‪dd‬ا ذر‪» :‬‬
‫يا أبا ذر! ألن تغدو وتتعلم آية من كتاب هللا‪ ،‬خير ل‪dd‬ك من أن تص‪dd‬لي مائ‪dd‬ة ركع‪dd‬ة‪ .‬وألن تغ‪dd‬دو‬
‫فتعلم بابا من العلم‪ ،‬عمل به أو لم يعمل‪ ،‬خير من أن تصلي ألف ركعة‪ « ‬ابن ماج‪dd‬ة‪ .‬المقدم‪dd‬ة‪.‬‬
‫‪ .219‬وقوله صلى هللا عليه وسلـــم‪ » :‬من استمع إلى آية من كتاب هللا تعالى كتب له حســنة‬
‫مضاعفة ومن تالها كانت له نورا يوم القيامة‪ « ‬ابن كثير‪ .‬مج‪ .4 :‬ص‪.634 :‬‬
‫ففي هذا الحديث أعطى وبين أن للسامع حظه من الفضل في كونه يسمع إلى كتاب هللا‬
‫يقرأ‪ ،‬إذن فقارئ القرآن يكون له نور يوم القيامة‪ ،‬وسامعه يأخذ األجر مضاعفا‪.‬‬
‫وفي ب‪dd‬اب التعليم ق‪dd‬ال رس‪dd‬ول هللا ص‪dd‬لى هللا علي‪dd‬ه وس‪dd‬لم‪» :‬أدبــوا أوالدكم على ثالث‬
‫خصال‪ :‬حب نبيكم وحب آل بيته وتالوة القرآن فإن حملة القرآن في ظل عرشــه يــوم ال ظــل‬
‫إال ظله مع أنبيائه وأصفيائه‪. « ‬‬
‫وفي باب التعليم أيضا قال صلى هللا عليه وسلم‪» :‬من دخل مسـجدنا هـذا ليتعلم خـيرا‬
‫أو يعلمه كان كالمجاهد في سبيل هللا ومن دخلــه بغــير ذلـك كـان كالنـاظر إلى مــا ليس له‪.« ‬‬
‫مستدرك الحاكم‪ .‬كتاب العلم‪.310 .‬‬
‫وفي فضيلة اإلمامة وشرفها قال صلى هللا عليه وسلم‪» :‬يؤمكم أقــرؤكم لكتــاب هللا‪. « ‬‬
‫‪ .1191‬فأمهم طفل يوم الفتح عمره ‪ 6‬ســنوات فكــان إذا ســجد تظهــر عورتــه‪ ،‬فاشــتروا لــه‬
‫ثوبا فكان فرحه به أشد من فرحه باإلمامة وقراءة القرآن إكراما له‪.‬‬
‫‪ )5‬أجر وثواب اآلخــرة‪ :‬فنكتفي فيه‪dd‬ا بح‪dd‬ديثين عن رس‪dd‬ول هللا ص‪dd‬لى هللا علي‪dd‬ه وس‪dd‬لم‪،‬‬
‫أولهما قوله صلى هللا عليه وسلم‪» :‬اقرؤوا القرآن‪ .‬فإنه يــأتي يــوم القيامــة شــفيعا ألصــحابه‪.‬‬
‫اقرؤوا الزهراوين‪ :‬البقرة وسورة آل عمران‪ .‬فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان‪ .‬أو‬
‫كأنهما غيايتان‪ .‬أو كأنهما فرقان من طير صــواف‪ .‬تحاجــان عن أصــحابهما‪ .‬اقــرؤوا ســورة‬
‫البقــرة‪ .‬فــإن أخــذها بركــة‪ .‬وتركهــا حســرة‪ .‬وال يســتطيعها البطلة‪ « ‬مس‪dd‬لم‪ .‬كت‪dd‬اب ص‪dd‬الة‬
‫المسافرين وقصرها‪.804 .‬‬
‫والثاني قوله صلى هللا عليه وسلم‪» :‬يقال لصاحب القرآن‪ :‬اقرأ وارتق ورتل كمــا كنت‬
‫ترتلـ في الدنيا؛ فإِنَّ منزلك عند آخر آية تقرؤها‪ « ‬أبو داوود‪ .‬كتاب الصالة‪.1464 .‬‬
‫وهذا الشاطبي رحمه هللا في منظومته التي مطلعها في(سراج القارئ‪ ،‬ص‪.)9 :‬‬
‫بدأت باسم هللا في النظم أوال *** تبارك رحمانا رحيما وموئال‬

‫‪81‬‬
‫حتى قال‪:‬‬
‫فأما الكريم السر في الطيب نافع *** فذاك الذي اختار المدينة منزال‬
‫فأشار وهو يشرح البذور السبعة ومنهم نافع رضي هللا عنه إم‪dd‬ام دار الهج‪dd‬رة‪ ،‬وأش‪dd‬ار‬
‫بقوله‪ :‬الكريم السر إلى ما روى عن اإلمام نافع أنه كان إذا تكلم تشم من فيه رائحــة المســك‬
‫فقيل له أتتطيب كلما قعدت تقرئ الناس‪ ،‬قال‪ :‬مــا أمس طيبــا ولكــني رأيت رســول هللا صــلى‬
‫هللا عليه وسلم في المنام يقرأ في في‪ ،‬فمن ذلك الوقت توجد هذه الرائحة‪ .‬هذه فضيلة أيض‪dd‬ا‬
‫تضاف إلى بقية الفضائل التي ذكرنا‪ ،‬وهي غيض من فيض أو قليل من كثير يشفع لنا في هذا‬
‫م‪d‬ا قال‪d‬ه ص‪d‬احب النج‪d‬وم الطوال‪d‬ع على ال‪d‬درر اللوام‪d‬ع في أص‪d‬ل مق‪d‬رأ اإلم‪d‬ام ن‪d‬افع الب‪d‬راهيم‬
‫المارغني في بداية نظمه‪:‬‬
‫وقد أتت في فضله آثار *** ليست تفي بحملها أسفـــار‬
‫فلنكتفي منها بما ذكرنا *** ولنصرف القول لما قصدنا‬
‫النجوم الطوالع‪ .‬ص‪.10 :‬‬

‫‪82‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة الثالثة عشر كلمة الحفل الديني‬


‫الترحمي في حق الحاج مصطفى غانــــي‬

‫بدار الشباب وادي زم‬


‫السبت ‪ 24‬صفر الخير ‪1427‬‬
‫موافق‪2006 -3- 25d‬‬

‫‪83‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيمـ‬

‫كلمة الحفل الديني الترحمي‬


‫في حق الحاج مصطفى غانــــي‬
‫بدار الشباب وادي زم‬
‫السبت ‪ 24‬صفر الخير ‪1427‬‬
‫موافق‪2006 -3- 25d‬‬

‫بسم هللا الرحمان الرحيم‪ ،‬وصلى هللا على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما‪.‬‬
‫السيد رئيس المجلس العلمي لجهة الشاوية ورديغة المحترم‪،‬‬
‫السيد المندوب الجهوي‪ d‬لجهة الشاوية ورديغة المحترم‪،‬‬
‫السيد المندوب اإلقليمي لوزارة األوقاف‪ d‬والشؤون‪ d‬اإلسالمية المحترم‪،‬‬
‫السادة األعضاء والعلماء وحملة كتاب هللا المحترمون‪،‬‬
‫أيها الحضور الكريم‪.‬‬
‫نلتقي في هذا اليوم األغر‪ ،‬ونحن نترحم على أخينا وحبيبنا الحاج مصطفى غاني‬
‫رحمه هللا‪.‬‬
‫وبهذه المناسبة أتقدم باسمي الخاص وباسم خريج دار الحديث الحسنية والمرحوم‪d‬‬
‫من أحد األفواج التي تخرجت سنة‪.1985 :‬‬
‫هاته الدار التي كانت وال تزال تؤتي أكلها بإذن ربها تحت القيادة الرش‪dd‬يدة ألم‪dd‬ير‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫ومنذ أن تخرج الفقيد رحمه هللا وهو يعمل على شاكلتين‪:‬‬
‫كأستاذ في التربية والتعليم‪ ،‬وكإمام وخطيب وواعظ في اإلقليم‪.‬‬
‫ومن ثم تربت على يديه أجيال‪ ،‬وتفقه عليه كثير من الرجال‪.‬‬
‫وبهذه المناسبة األليمة أتقدم بخالص العزاء إلى‪ :‬أبنائ‪dd‬ه الص‪dd‬غار ومعهم أس‪dd‬رتهم‪،‬‬
‫ونحن أيضا معهم تحت مشيئة هللا الواحد‪ d‬القهار‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫كما أتقدم بخالص العزاء إلى ‪:‬‬
‫‪ -‬األب الروحي للفقيد‪ ،‬فضيلة العالمة الحاج الحبيب الناص‪dd‬ري الش‪dd‬رقاوي‪ d‬ال‪dd‬ذي‬
‫كان يحب‪dd‬ه في هللا‪ ،‬وعن‪dd‬ده من المق‪dd‬ربين‪ ،‬ونحن على ذل‪dd‬ك من الش‪dd‬اهدين‪ ،‬بحيث في ك‪dd‬ل‬
‫اجتماع يجعله بجانبه‪ ،‬وعن اليمين‪ ،‬وما مرافقته لجثمانه إلى مداغ ليوارى ال‪dd‬ثرى لخ‪dd‬ير‬
‫مبين‪.‬‬
‫‪ -‬إلى صديقه وأخيه ومعينه في تنوير هذا البلد األمين سي إبراهيم أمونان‪.‬‬
‫فإليهم جميعا وإليكم أيها الحض‪dd‬ور الك‪dd‬ريم أتق‪dd‬دم بخ‪dd‬الص الع‪dd‬زاء‪ ،‬وأتم‪dd‬نى للفقي‪dd‬د‬
‫موتة الشهداء‪ ،‬ومرافقة السعداء في جنة الخلد‪ ،‬وإنا هلل وإنا إليه راجعون‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة الرابعة عشر سيدنا محمـــد رســـول‬


‫الله صلـــى الله عليـــه وسلـــم‬
‫بمناسبة المولد النبوي‪ d‬الشريف‬
‫القيت هذه المحاضرة بدار الشباب بتاريخ ‪ 3‬ربيع االول ‪1428‬‬

‫‪86‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيمـ‬

‫سيدنا محمـــد رســـول هللا‬


‫صلـــى هللا عليـــه وسلـــم‬
‫بمناسبة المولد النبوي‪ d‬الشريف‬
‫القيت هذه المحاضرة بدار الشباب بتاريخ ‪ 3‬ربيع االول ‪1428‬‬

‫اختَ‪d‬ا َر‬‫ت َس‪ْ d‬بعًا‪َ ،‬و ْ‬ ‫الس‪َ d‬ما َوا ِ‬ ‫ق َّ‬ ‫قال صلى هللا علي‪d‬ه وس‪d‬لم عن اختي‪d‬اره‪ " :‬إِ َّن هللاَ تَ َع‪d‬الَى َخلَ‪َ d‬‬
‫اختَ‪dd‬ا َر‬‫اختَ‪dd‬ا َر ِم ْن َخ ْلقِ ‪ِ d‬ه بَنِي آ َد َم‪َ ،‬و ْ‬
‫ق فَ ْ‬‫ق ْال َخ ْل َ‬‫ْال ُعلَى ِم ْنهَا فَأ َ ْس َكنَهَا َم ْن َشا َء ِم ْن َخ ْلقِ ِه‪ ،‬ثُ َّم َخلَ َ‬
‫‪d‬ار ِم ْن‬
‫اختَ‪َ d‬‬‫ض ‪َ d‬ر قُ َري ًْش ‪d‬ا‪َ ،‬و ْ‬ ‫‪d‬ار ِم ْن ُم َ‬ ‫ض ‪َ d‬ر‪َ ،‬و ْ‬
‫اختَ‪َ d‬‬ ‫ب ُم َ‬ ‫اختَا َر ِم َن ْال َع َر ِ‬ ‫ب‪َ ،‬و ْ‬ ‫ِم ْن بَنِي آ َد َم ْال َع َر َ‬
‫ب‬ ‫‪d‬ار‪ ،‬فَ َم ْن أَ َحبَّ ْال َع‪َ d‬‬
‫‪d‬ر َ‬ ‫‪d‬ار إِلَى ِخيَ‪ٍ d‬‬ ‫اختَا َرنِي ِم ْن بَنِي هَا ِش ٍم‪ ،‬فَأَنَا ِم ْن ِخيَ‪ٍ d‬‬ ‫ش بَنِي هَا ِش ٍم‪َ ،‬و ْ‬ ‫قُ َر ْي ٍ‬
‫ضهُ ْم " ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ضي أَ ْب َغ َ‬ ‫ب فَبِبُ ْغ ِ‬ ‫ض ْال َع َر َ‬
‫فَبِ ُحبِّي أَ َحبَّهُ ْم‪َ ،‬و َم ْن أَ ْب َغ َ‬
‫وقد ولد صلى هللا عليه وس‪dd‬لم ع‪d‬ام الفي‪d‬ل ‪ 570‬م‪ ،‬بع‪d‬د م‪dd‬وت أبي‪d‬ه وأم‪d‬ه حبلى ب‪d‬ه‬
‫لشهرين‪ ،‬وبعد والدته من آمنة أرضعته حليمة السعدية‪.‬‬
‫وبإجماع رواة السيرة أن بني سعد كانت تعاني مجاعة ج‪dd‬ف فيه‪dd‬ا الض‪dd‬رع ويبس‬
‫فيها الزرع‪ ،‬فما هو إال أن صار محمد صلى هللا عليه وسلم في منزل حليمة حتى عادت‬
‫منازل بني سعد مخضرة بأمر هللا‪.‬‬
‫ومن األمور التي وقعت‪d:‬‬
‫حادثة شق الصدر التي وقعت له في بني سعد‪ ،‬وال‪dd‬تي رواه‪dd‬ا مس‪dd‬لم في ص‪dd‬حيحه‬
‫أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ d‬أتاه جبريل عليه السالم وهو يلعب م‪dd‬ع الغلم‪dd‬ان فش‪dd‬ق‬
‫عن قلبه واستخرج منه علق‪dd‬ة‪ ،‬وق‪dd‬ال‪ d:‬هــذا حــظ الشــيطان منك‪ .‬ثم غس‪dd‬له في طس‪dd‬ت من‬
‫ذهب بماء زمزم‪ .‬وجاء الغلمان ينادون‪ d‬أمه أن محمدا قد قتل‪ ،‬فاستقبلته أمه وه‪dd‬و ممتق‪dd‬ع‬
‫اللون‪ d،‬وعمره إذ ذاك ‪ 5‬سنوات‪.‬‬

‫شعب اإليمان للبيهقي تحقيق ‪ :‬محمد السعيد بسيوني زغلول الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‬ ‫‪1‬‬

‫الطبعة األولى ‪ 1410 ،‬ج‪ 2‬ص‪139‬‬

‫‪87‬‬
‫ـان فَأَ َخـ َذهُ‬‫وفي مسلم أنه صلى هللا عليه وسلم‪ ": d‬أَتَــاهُ ِج ْب ِريــل و ُهــو يلْعب مــع ال ِْغلْمـ ِ‬
‫َُ َ ََ ُ ََ َ‬
‫ظ‬ ‫ال َه َذا َح ُّ‬ ‫استَ ْخ َر َج ِم ْنهُ َعلَ َقةً ‪َ 1‬ف َق َ‬ ‫ْب فَ ْ‬‫استَ ْخ َر َج الْ َقل َ‬
‫ِ‬
‫ش َّق َع ْن َق ْلبِه فَ ْ‬ ‫ص َر َعهُ فَ َ‬‫فَ َ‬
‫ت ِمن َذه ٍ ِ‬
‫ـادهُ‬
‫َعـ َ‬‫ب بِ َمــاء َز ْمـ َـز َم ثُ َّم ألَ َمــهُ ثُ َّم أ َ‬
‫‪2‬‬
‫سـلَهُ في طَ ْسـ ٍ ْ َ‬
‫ـك‪ .‬ثُ َّم غَ ِ‬
‫َ‬ ‫ان ِم ْنـ َ‬
‫الش ْيطَ ِ‬‫َّ‬
‫اء ال ِْغل َْما ُن يَ ْسـ َع ْو َن إِلَى أ ُِّم ِه ‪َ -‬ي ْعنِى ِظ ْـئ َـرهُ ‪َ - 3‬ف َقــالُوا إِ َّن ُم َح َّم ًدا‬ ‫ِِ‬
‫فى َم َكانه َو َج َ‬
‫ِ‬

‫ـك‬ ‫ـ‬‫ِ‬‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬‫ث‬ ‫َ‬


‫أ‬ ‫ى‬ ‫َر‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ك‬ ‫د‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ن‬‫َ‬
‫أ‬ ‫ـال‬‫ـ‬ ‫ق‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫و‬‫َّ‬ ‫قَـ ْد قُتِ‬
‫ـع ْ‬
‫ل‬ ‫ال‬ ‫‪4‬‬
‫َ‬
‫ْ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ـل‪ .‬فَا ْسـَت ْقَبلُوهُ َو ُهـ َـو ُم ْنَت َقـ ُ‬
‫َ‬ ‫ـ‬
‫ِِ ‪6‬‬
‫ص ْدره"‬ ‫ي‬ ‫ال ِْم ْخي ِط‪ 5‬فِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وحدث أيضا أن ماتت أمه وله ست س‪dd‬نوات‪ ،‬وم‪dd‬ات ج‪dd‬ده ول‪dd‬ه ‪ 8‬س‪dd‬نوات‪ ،‬فكفل‪dd‬ه‬
‫عمه أبو طالب‪ .‬ولما وصل سنه الثانية عشر من عم‪dd‬ره س‪dd‬افر م‪dd‬ع عم‪dd‬ه أب‪dd‬و ط‪dd‬الب إلى‬
‫الشام‪ ،‬ومروا على البصرة التي يوجد بها بحيرة ال‪dd‬راهب ف‪dd‬رأى‪ d‬الن‪dd‬بي ص‪dd‬لى هللا علي‪dd‬ه‬
‫وسلم‪ d‬فجعل يتأمله ويكلم عمه‪ ،‬ولما أخبره أبو طالب أنه ابنه قال له‪ :‬ما ه‪dd‬و بابن‪dd‬ك‪ ،‬وم‪dd‬ا‬
‫ينبغي أن يكون أب هذا الغالم حيا‪ .‬قال‪ :‬بن أخي‪ .‬قال‪ :‬وما فع‪dd‬ل أب‪dd‬وه‪ .‬ق‪dd‬ال‪ :‬م‪dd‬ات وأم‪dd‬ه‬
‫حبلى به‪ .‬قال‪ :‬ارجع به فإنه كائن البن أخيك هذا شأن عظيم‪ .‬وبدأ صلى هللا علي‪dd‬ه وس‪dd‬لم‪d‬‬
‫يشتغل برعي الغنم لكسب رزقه‪ .‬ونستفيد من هذا أن أخبار محمد ص‪dd‬لى هللا علي‪dd‬ه وس‪dd‬لم‬
‫كانت في كتب اليهود والنصارى‪ ،‬والدالئل مستفيضة من ذلك مثال‪:‬‬
‫‪ -‬أن اليهود كانوا يستفتحون على األوس والخزرج ويقول‪dd‬ون‪ d‬لهم إن نبي‪dd‬ا س‪dd‬يبعث‬
‫قريبا ستتبعونه فنقتلكم معه قتل عاد وإرام ولما نكت‪dd‬وا عه‪dd‬دهم أن‪dd‬زل هللا تع‪dd‬الى‪َ ((" :‬ولَ َّما‬
‫ين َكفَ ُروا‬ ‫ستَ ْفتِ ُح َ‬
‫ون َعلَى الَّ ِذ َ‬ ‫ق لِ َما َم َع ُه ْم َو َكانُوا ِمنْ قَ ْب ُل يَ ْ‬ ‫َاب ِمنْ ِع ْن ِد هَّللا ِ ُم َ‬
‫ص ِّد ٌ‬ ‫َجا َء ُه ْم ِكت ٌ‬
‫‪7‬‬
‫ين))" ‪.‬‬ ‫فَلَ َّما َجا َء ُه ْم َما َع َرفُوا َكفَ ُروا بِ ِه فَلَ ْعنَةُ هَّللا ِ َعلَى ا ْل َكافِ ِر َ‬

‫العلقة ‪:‬الدم الغليظ المنعقد‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ألمه ‪:‬ضم بعضه إلى بعض‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الظئر المرضعة غير ولدها ‪ ,‬ويقع على الرجل والمرأة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫المنتقع ‪:‬المتغير اللون‬ ‫‪4‬‬

‫المخيط‪:‬االبرة‬ ‫‪5‬‬

‫‪ :‬صحيح مسلم ج‪ 1‬ص‪ 101‬الناشر ‪ :‬دار الجيل بيروت ‪ +‬دار األفاق الجديدة ـ بيروتـ‬ ‫‪6‬‬

‫سورة البقرة اآلية ‪88‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪88‬‬
‫ـاب يَ ْع ِرفُونَـهُ َك َمــا‬
‫ين آتَ ْينَــا ُه ُم ا ْل ِكتَـ َ‬
‫وروى القرطبي أنه لما نزل قوله تعالى‪((" :‬الَّ ِذ َ‬
‫ـون))"‪ .1‬س‪dd‬أل عم‪dd‬ر بن‬ ‫ق َو ُه ْم يَ ْعلَ ُمـ َ‬ ‫ـون أَ ْبنَــا َء ُه ْم َوإِنَّ فَ ِريقًــا ِم ْن ُه ْم لَيَ ْكتُ ُمـ َ‬
‫ـون ا ْل َحـ َّ‬ ‫يَ ْع ِرفُـ َ‬
‫الخطاب رضي هللا عنه عبد هللا بن سالم وكان كتابيا‪ :‬أتعرف محمدا كم‪dd‬ا تع‪dd‬رف ابن‪dd‬ك‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم وأكثر‪ ،‬أما ابني فال أعرف ما الذي كان من أمه‪.‬‬
‫وكانت خديجة تاجرة ذات شرف ومال‪ ،‬تستأجر الرجال في مالها‪ .‬فلما بلغه‪dd‬ا عن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ d‬صدق الحديث وعظيم األمانة وكرم الخلق‪ ،‬أرسلت إلي‪dd‬ه‬
‫ليخرج في مالها إلى الشام تاجرا وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره‪ .‬ف‪dd‬أعجبت خديج‪dd‬ة‬
‫بعظيم أمانته فعرضت نفسها علي‪dd‬ه زوج‪dd‬ة بواس‪dd‬طة ص‪dd‬ديقتها نفيس‪dd‬ة بنت أمين‪dd‬ة‪ ،‬فواف‪d‬ق‪d‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫وعن زواجه صلى هللا عليه وسلم بها قال‪ " :‬خير نسائها مريم بنت عمران وخير‬
‫نسائها خديجة بنت خويلد" ‪.2‬‬
‫وتحكي عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬ال يكاد يخرج من البيت حتى يــذكر خديجــة‬
‫فيحسن الثناء عليها‪ .‬فــذكرها يومــا فأخــذتني الغــيرة‪ ،‬فقلت‪ :‬هــل كــانت إال عجــوزا قــد‬
‫أبدلك هللا خيرا منهــا‪ .‬فغضــب ثم قــال‪" :‬وهللا مــا أبــدلني هللا خــيرا منهــا‪ ،‬آمنت إذ كفــر‬
‫الناس‪ ،‬وصدقتني إذ كذب الناس وواستني إذ حرمــني النــاس ورزقــني هللا منهــا الولــد‬
‫‪.‬‬
‫دون غيرها من النساء"‬
‫ولقد ظل هذا الزواج قائما حتى توفيت خديجة عن سن ين‪dd‬اهز ‪ 65‬وعم‪dd‬ره ص‪dd‬لى‬
‫هللا عليه وسلم قد ناهز الخمسين دون أن يفكر في زواج آخر‪.‬‬
‫ولقد شاع في الناس أن الرسول صلى هللا عليه وسلم رجال شهوانيا‪ ،‬وهذا ت‪dd‬رويج‬
‫الغرب بصفة عامة والمستشرقون‪ d‬بصفة خاصة‪ .‬ونحن نرد على هذا االدعاء‪ d‬بأن‪dd‬ه غ‪dd‬ير‬
‫صحيح ألمرين اثنين‪:‬‬
‫أوال‪ :‬نحن نعلم أن م‪dd‬ا بين ‪ 25‬إلى ‪ 50‬س‪dd‬نة هي الف‪dd‬ترة ال‪dd‬تي ت‪dd‬دعو اإلنس‪dd‬ان أن‬
‫يتزوج أكثر من امرأة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الرجل الشهواني ال يقبل أن يتزوج من امرأة لها م‪dd‬ا يق‪dd‬ارب ض‪dd‬عف عم‪dd‬ره‬
‫دون‪ d‬أن يتزوج عليها حتى ماتت‪ ،‬أما زواجه بعائشة وغيرها فكان لحكم‪dd‬ة وس‪dd‬بب‪ ،‬وأي‪dd‬ا‬
‫كانت هذه الحكمة وهذا الس‪dd‬بب فإن‪dd‬ه ال يمكن أن يك‪dd‬ون مج‪dd‬رد قض‪dd‬اء ال‪dd‬وطر واس‪dd‬تجابة‬
‫للرغبة الجنسية‪.‬‬

‫سورة البقرة اآلية‪145‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح مسلم ج‪ 4‬ص‪ 1886‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ :‬دار إحياء التراث العربي ‪ -‬بيروت‬ ‫‪2‬‬

‫‪89‬‬
‫ولقد كان لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم األثر الكبير في حل المشكلة التي نشبت‬
‫عن اختالف القبائل حول من يس‪dd‬تحق أن ين‪dd‬ال ش‪dd‬رف وض‪dd‬ع الحج‪dd‬ر األس‪dd‬ود في مكان‪dd‬ه‬
‫علما منهم بأنه األمين‪.‬‬
‫ولق‪dd‬د ظ‪dd‬ل رس‪dd‬ول هللا ص‪dd‬لى هللا علي‪dd‬ه وس‪dd‬لم‪ d‬يتعب‪dd‬د بغ‪dd‬ار ح‪dd‬يراء وق‪dd‬د حبب إلي‪dd‬ه‬
‫الخالء ‪,‬ولهذه الخلوة‪ d‬داللة عظيمة وفوائد‪ d‬جليلة منها‪:‬‬
‫أن المسلم ال يكمل إسالمه مهما كان متحليا بالفضائل حتى يجمع إلى ذلك ساعات‬
‫من الخلوة يحاسب فيها نفسه ‪.‬‬
‫وشيء آخر له بالغ األهمية في حياة كل مسلم عامة وأصحاب الدعوة‪ d‬خاصة ه‪dd‬و‬
‫تربية محبة هللا عز وجل في القلب ألنه منبع التضحية‪.‬‬
‫ومحبة هللا ال تأتي عفوية والوس‪d‬يلة هي ك‪d‬ثرة التفك‪d‬ير في خل‪d‬ق هللا وليس التفك‪d‬ير‬
‫في ذاته‪.‬‬
‫ان ِمنْ‬ ‫ق اإْل ِ ْن َ‬
‫سـ َ‬ ‫وبدأ الوحي ونزل قوله تعالى‪((" :‬ا ْقـ َر ْأ بِ ْ‬
‫اسـ ِم َربِّ َك الَّ ِذي َخلَـ َ‬
‫ق َخلَـ َ‬
‫ق))"‪ ،1‬ويرجع صلى هللا عليه وسلم‪ d‬يرجف فؤاده‪ ،‬وقال لها‪" :‬دثروني"‪ ،‬ثم قال له‪dd‬ا‪:‬‬ ‫َعلَ ٍ‬
‫"لقد خشيت على نفسي"‪ .‬فقالت له‪" :‬كاَّل ! وهللا ما يخزيك هللا أب ـ ًدا؛ إنــك لتصــل الــرحم‪،‬‬
‫ب المعدو َم‪ ،‬وتَقــري الضــيف‪ ،‬وتعين على نــوائب‬ ‫َكس ُ‬ ‫َ‬
‫الحديث‪ ،‬وتَح ِمل ال َك َّل‪ ،‬وت ِ‬ ‫ق‬‫وتص ُد ُ‬
‫الحق"‪ . 2‬وانطلقت به إلى ورقة بن نوفل ابن عم خديجة كان قد تنصر في الجاهلية وكان‬
‫شيخا كبيرا قد عمي‪ .‬فقالت له‪ :‬يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره وقال‪ d‬له‪ :‬هذا الناموس الذي‬
‫نزل على موسى‪ ،‬يا ليتني فيها ج‪d‬ذعا إذ يخرج‪d‬وك قوم‪d‬ك‪ .‬فق‪d‬ال ص‪d‬لى هللا علي‪d‬ه وس‪d‬لم‪d:‬‬
‫"أومخرجي‪ d‬هم " ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إال عودي‪.‬‬
‫وهكذا بدأ صلى هللا عليه وسلم‪ d‬يدعو إلى هللا سرا‪ ،‬وكان ال يدعو إال من ل‪dd‬ه ص‪dd‬لة‬
‫به كأهله وأحبابه وأخواله‪ ,‬وكان ممن دخل اإلسالم إذ ذاك خديج‪dd‬ة وعلي بن أبي ط‪dd‬الب‬
‫وزيد بن حارثة والزبير بن العوام‪ d‬وسعد بن أبي وقاص رضي هللا عنهم أجمعين‪.‬‬
‫ولما وصل الع‪dd‬دد ‪ 30‬أو ‪ 40‬اخت‪dd‬ار لهم دار األرقم بن أبي األرقم للتش‪dd‬اور ح‪dd‬ول‬
‫اإلسالم‪ d‬والمسلمين‪.‬‬
‫ولما أمره هللا تعالى بجهر الدعوة‪ " d‬وأنذر عشيرتك األقربين "ناداهم بقوله‪:‬‬
‫يا بني كعب‬
‫سورة اقرأ اآليتين ‪1‬و‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫نهاية األرب في فنون األدب ـ موافق للمطبوع لشهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري دار النشر‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ /‬لبنان ‪ 1424 -‬هـ ‪ 2004 -‬م الطبعة ‪ :‬األولى ج ‪ 16‬ص‪123‬‬

‫‪90‬‬
‫يا بني مرة‬
‫يا فاطمة‬
‫يا بني عبد المطلب فإني ال أملك لكم من هللا شيئا‪.‬‬
‫ومما ابتلي به صلى هللا عليه وسلم في هذه الفترة‪:‬‬
‫األذى‪ :‬من أبي لهب وامرأته وغيرهما من كفار قريش‪.‬‬
‫عام الحزن‪ - :‬موت خديجة رضي هللا عنها‬
‫‪ -‬موت عمه أبو طالب‪.‬‬
‫اإلسراء والمعراج‪( :‬البراق فوق الحمار ودون البغل)‪.‬‬
‫وقد اختلف في وقت هذه الرحلة ومم‪dd‬ا ج‪dd‬اء في طبق‪dd‬ات بن س‪dd‬عد أنه‪dd‬ا ك‪dd‬انت قب‪dd‬ل‬
‫البعثة بسنة ونصف‪ ،‬وأحذر أخي السامع ما جاء في كتاب ابن عباس‪ ،‬فإن‪dd‬ه كت‪dd‬اب ملف‪dd‬ق‬
‫وليس له أساس من الصحة‪.‬‬
‫ولكثرة األذى على رسول هللا ص‪dd‬لى هللا علي‪dd‬ه وس‪dd‬لم ه‪dd‬اجر من مك‪dd‬ة إلى المدين‪dd‬ة‬
‫وهاجر معه أبو بكر رضي هللا عن‪dd‬ه وفتح ل‪dd‬ه دين محم‪dd‬د ص‪dd‬لى هللا علي‪dd‬ه وس‪dd‬لم بقدوم‪dd‬ه‬
‫المدينة‪.‬‬
‫ونحن نشهد أنه قد بلغ الرسالة‪ ،‬وأدى األمانة‪ ،‬ونصح األم‪dd‬ة وجاه‪dd‬د في هللا ح‪dd‬تى‬
‫أتاه اليقين فصلوات‪ d‬هللا وسالمه عليه وعلى آله وصحبه وسلم‪ d‬تسليما ‪.‬‬
‫وفي الختام أقول‪ d:‬سبحان ربك رب الع‪dd‬زة عم‪dd‬ا يص‪dd‬فون‪ ،‬وس‪dd‬الم‪ d‬على المرس‪dd‬لين‬
‫والحمد‪ d‬هلل رب العالمين‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة الخامسة عشر موضوع الندوة ‪ :‬داء‬


‫الرشوة ‪:‬الوقاية والعالج‬
‫ألقيت هذه المحاضرة بدار الشباب بأبي الجعد بتاريخ ‪2007 – 6- 26‬‬

‫‪92‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫موضوع الندوة ‪ :‬داء الرشوة ‪:‬الوقاية والعالج‬

‫الحد هلل القائل في محكم كتابه‪ '':‬يا أيها الذين آمن‪44‬وا ال ت‪44‬أكلوا أم‪44‬والكم بينكم بالباط‪44‬ل''‪1‬وأش‪44‬هد‬
‫أن ال إله إال اهلل وح‪4‬ده ال ش‪4‬ريك ل‪4‬ه ‪,‬ال‪4‬ذي أح‪4‬ل الحالل وح‪4‬رم الح‪4‬رام وأمرن‪4‬ا بل‪4‬زوم طاعت‪4‬ه‬
‫في ك ‪44‬ل ح ‪44‬ال من األح ‪44‬وال‪ .‬وأش ‪44‬هد أن س ‪44‬يدنا محم ‪44‬دا عب ‪44‬ده ورس ‪44‬وله ومجتب ‪44‬اه وخليل ‪44‬ه ال ‪44‬ذي‬
‫الس‪َ 6‬ن ِة‪َ ،‬و َم‪66‬ا‬ ‫الرب‪6‬ا‪ ،‬إِاَّل أ ِ‬
‫ُخ‪ُ 6‬ذوا ِب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حذرنا من مغبة الرشوة في قوله‪َ '' :‬ما م ْن قَ ْوٍم َي ْظ َه ُر في ِه ُم ِّ َ‬
‫‪2‬‬
‫الر ْع ِب‬ ‫شا‪ ،‬إِاَّل أ ِ‬
‫ُخ ُذوا ِب ُّ‬ ‫ِم ْن قَ ْوٍم َي ْظ َه ُر ِفي ِه ُم ُّ‬
‫الر َ‬

‫اللهم ص ‪44‬ل على س ‪44‬يدنا محم ‪44‬د وعلى آل ‪44‬ه وص ‪44‬حابته أجمعين‪ ،‬والت ‪44‬ابعين ومن تبعهم بإحس ‪44‬ان‬
‫إلى يوم الدين‬

‫أم‪44‬ا بع‪44‬د‪ :‬أيه‪44‬ا الحض‪44‬ور الك‪44‬رام إن الرش‪44‬وة من أخبث األم‪44‬راض االجتماعي‪44‬ة وأخطره‪44‬ا على‬
‫وحدة األمة‪ ,‬ألنها داء إن تفشت في المجتمع زعزعت أركان‪44‬ه وه‪44‬دمت بنيان‪44‬ه‪ ,‬وألنه‪44‬ا تجع‪44‬ل‬
‫اإلنسان يعيش في األوهام وفي واد من االحالم ‪.‬‬

‫وق‪44‬د ج‪44‬اء على لس‪44‬ان رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم أن ص‪44‬احبها ملع‪44‬ون حيث ق‪44‬ال ‪" :‬لعن‬
‫اهلل الراشي والمرتشي" وفي رواية وال‪4‬رائش وه‪44‬و الوس‪4‬يط ال‪4‬ذي يس‪44‬عى في إيص‪4‬ال الرش‪44‬وة‬
‫إلى المرتشي‪ .‬فهو شخص يسعى إلى إفساد الناس‬

‫‪ 1‬سورة البقرة اآلية ‪187‬‬


‫‪ 2‬إسناده ضعيف جداً‪ ،‬عبد هللا بن لهيعة سيئ الحفظ‪ ،‬ومحمد بن راشد المرادي مجهول غير معروف‪ ،‬ويبدو أنه سقط‬
‫بن راشد المرادي‪ ،‬روى عن رجل عن عبد هللا‬ ‫وعمرو‪ ،‬فقد ذكر ابن يونس في المصريين محم َد َ‬
‫ٍ‬ ‫رجل بين محمد بن راشد‬
‫بن عمرو‪ .‬انظر "تعجيل المنفعة" (‪. )933‬ينظر‪ :‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل ألبي عبد هللا أحمد بن محمد بن حنبل بن‬
‫هالل بن أسد الشيباني تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط ‪ -‬عادل مرشد‪ ،‬وآخرون بإشراف‪ :‬د عبد هللا بن عبد المحسن التركي‬
‫مؤسسة الرسالة الطبعة‪ :‬األولى‪ 1421 ،‬هـ ‪ 2001 -‬م‬

‫‪93‬‬
‫‪ .‬ال ج‪44 4‬رم على المس‪44 4‬لم أن يجم‪44 4‬ع الم‪44 4‬ال وم‪44 4‬ا دام يجمع‪44 4‬ه يجمع‪44 4‬ه من الحالل ال من ط‪44 4‬رق‬
‫الباط‪44‬ل لقول‪44‬ه تع‪44‬الى ‪ '' :‬يأيه‪44‬ا ال‪44‬ذين آمن‪44‬وا ال ت‪44‬أكلوا أم‪44‬والكم بينكم بالباط‪44‬ل "‪ 1‬والرش‪44‬وة ب‪44‬اب‬
‫من أبواب أكل أموال الناس بالباطل‬

‫وفي تعريفها هي ما يدفع من مال مقابل تغيير حكم أو إنجاز عمل أو تأخيره أو‪.....‬الخ‬

‫قلت إنجاز حكم بغير حق أو امتناع عن حكم ب‪44‬الحق أو تق‪44‬ديم من يس‪44‬تحق الت‪44‬أخير أو ت‪44‬أخير‬
‫من يستحق التقديم‪.‬‬

‫اإلس‪44‬الم يح‪44‬رم الرش‪44‬وة‪ 2‬تحت أي ص‪44‬ورة ك‪44‬انت وتحت أي اس‪44‬م س‪44‬ميتها ب‪44‬ه‪.‬فه‪44‬ذا عب‪44‬د اهلل بن‬
‫رواحة لما بعثه رسول اهلل صلى عليه وسلم إلى اليهود ليقدر لهم ما يجب عليهم من خراج‬
‫فعرضوا عليه شيئا من المال فقال لهم رضي اهلل عنه ‪ :‬فأما ما عرض‪44‬تم من الرش‪44‬وة فإنه‪4‬ا‬
‫سحت وأنا ال آكلها‬

‫وهذا عمر بن عبد العزيز أهديت له هدية فردها فقيل له لم رددتها وقد كان صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يقبل الهدية فقال ‪ :‬كان ذلك له هدي‪44‬ة وه‪4‬و لن‪44‬ا رش‪4‬وة‪ ,‬ه‪44‬ذا خل‪4‬ق الس‪4‬لف الص‪4‬الح فال ب‪44‬د‬
‫من أن نقتدي بهم وأن نسير على نهجهم‬

‫وإ ذا ك‪44‬ان الم‪44‬ال في الحقيق‪44‬ة م‪44‬ال اهلل كم‪44‬ا ق‪44‬ال اهلل ''وأت‪44‬وهم من م‪44‬ال اهلل ال‪44‬ذي أت‪44‬اكم''‪ 3‬فنحن‬
‫خلفاء في هذا المال فال بد من أن نأخذه من حله ونضعه في حله‪ ،‬وإ ال س‪4‬ألنا عن‪4‬ه ربن‪4‬ا ي‪4‬وم‬
‫القيامة مرتين كما جاء في الحديث الصحيح من أين اكتسبته وفيم أنفقته''‬

‫سورة النساء اآلية ‪29‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬قال ابن حجر العسقالني ‪ :‬الرشوة ‪ :‬بضم الراء وكسرها ويجوز الفتح وهي ما يؤخذ بغير عوض ويعاب أخذه وقال ابن العربي ‪ " :‬الرشوة كل‬
‫مال دفع ليبتاع به من ذي جاه عونا على ما ال يحل والمرتشي قابضه والراشي معطيه والرائش الواسطة " ا هـ من فتح الباري ‪ .‬قال األمير‬
‫الصنعاني ‪ :‬والراشي هو الذي يبذل المال ليتوصل به إلى الباطل مأخوذ من الرشا وهو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء في البئر ‪ .‬وقال أيضا ‪ :‬وفي‬
‫النهاية البن األثير قال ‪ :‬الراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل والمرتشي اآلخذ والرائش هو الذي يمشي بينهما‪ d‬وهو السفير بين الدافع واآلخذ ‪.‬‬
‫وإن لم يأخذ على سفارته أجرا فإن أخذ فهو أبلغ (أي باإلثم والحرمة) ينظر سبل السالم ج ‪ 4‬ص ‪. 124‬‬
‫‪3‬‬
‫سورة النور اآلية ‪33‬‬

‫‪94‬‬
‫إن دين اإلسالم دين الوسط واالعتدال وأمة محمد صلى اهلل عليه وسلم أم‪44‬ة وس‪44‬ط والم‪44‬ؤمن‬
‫عدل في أموره كلها لهذه األسباب وغيرها نهى اإلسالم المؤمن عن اإلسراف والتبذير كما‬
‫نهاه عن الشح والتقتير قال تعالى '' يا بني أدم خذوا زينتكم عن‪4‬د ك‪4‬ل مس‪4‬جد وكل‪4‬وا واش‪4‬ربوا‬
‫‪1‬‬
‫وال تسرفوا إنه ال يحب المسرفون''‬

‫وه ‪44‬ا ه ‪44‬و الق ‪44‬رآن يس ‪44‬تمر في توجي ‪44‬ه الم ‪44‬ؤمن المال ‪44‬ك للم ‪44‬ال أن يتخ ‪44‬ير من كس ‪44‬به ومن عمل ‪44‬ه‬
‫أطيب اإلنتاج لمساعدة اآلخرين وذلك قوله تعالى ‪ '' :‬يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما‬
‫كسبتم ومما أخرجنا لكم من األرض"‪ 2‬كما أمر القرآن الم‪4‬ؤمن في حال‪4‬ة اإلنف‪4‬اق على ال‪4‬ذات‬
‫أن يك ‪44‬ون معت ‪44‬دال كم ‪44‬ا ق ‪44‬ال في أوص ‪44‬اف عب ‪44‬اد ال ‪44‬رحمن ' وال ‪44‬ذين إذا أنفق ‪44‬وا لم يس ‪44‬رفوا ولم‬
‫يق ‪44‬تروا وك ‪44‬ان بين ذل ‪44‬ك قوام ‪44‬ا ''‪ 3‬وق ‪44‬ال ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم ‪ ":‬نعم الم ‪44‬ال الص ‪44‬الح للرج ‪44‬ل‬
‫‪4‬‬
‫الصالح "‬

‫عرفن‪44‬ا أن الرش‪44‬وة هي م‪44‬ا ي‪44‬دفع من م‪44‬ال إلبط‪44‬ال الح‪44‬ق وإ حق‪44‬اق الباط‪44‬ل أم‪44‬ا األغ‪44‬راض ال‪44‬تي‬
‫تدفع من أجله‪4‬ا الرش‪44‬وة هي إم‪44‬ا قض‪44‬اء حاج‪4‬ة أو ت‪4‬أخير عم‪44‬ل يفي‪4‬د ه‪44‬ذا ويض‪4‬ر به‪4‬ذا أو س‪44‬لب‬
‫حق من صاحبه ظلما وعدوانا ‪.‬‬

‫إذن فالرش‪44‬وة هي مع‪44‬ول ه‪44‬دم وتخ‪44‬ريب لألم‪44‬ة ولحض‪44‬ارتها وألخالقه‪44‬ا واقتص‪44‬ادها إذن فهي‬
‫خيانة عظمى هلل ولرسول وللوطن‬

‫جاء في الح‪44‬ديث على رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى اهلل علي‪4‬ه وس‪44‬لم ''وإ ن العب‪44‬د ليق‪4‬ذف اللقم‪4‬ة الح‪44‬رام في‬
‫جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوما‪ ،‬وأيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به''‪.5‬‬
‫‪1‬‬
‫سورة األعراف اآلية ‪29‬‬
‫سورة البقرة اآلية ‪266‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الفرقان اآلية ‪67‬‬ ‫‪3‬‬

‫األدب المفرد لمحمد بن إسماعيل أبو عبداهلل البخاري الجعفي تحقيق ‪ :‬محمد فؤاد عبدااللناشر ‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫دار البشائر اإلسالمية – بيروت الطبعة الثالثة ‪ 1989 – 1409 ،‬ص ‪112‬‬
‫شعب اإليمان ألبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي تحقيق ‪ :‬محمد السعيد بسيوني زغلول‬ ‫‪5‬‬

‫‪95‬‬
‫وحسب المرتشي أن يبوء ب‪44‬الطرد من رحم‪44‬ة اهلل إلى ج‪44‬انب م‪44‬ا يص‪44‬يبه من مح‪44‬ق للبرك‪44‬ة في‬
‫الدنيا وفي اآلخرة بالحساب العسير والعذاب األليم‬

‫ف ‪44‬اتقوا اهلل عب ‪44‬اد اهلل في أنفس ‪44‬كم وفي أم ‪44‬وال الن ‪44‬اس وال تم ‪44‬دوا أي ‪44‬دكم إلى م ‪44‬ا ح ‪44‬رم اهلل فإن ‪44‬ه‬
‫طري ‪44‬ق للهالك وطري ‪44‬ق للفس ‪44‬اد‪ ،‬ويكفي الم ‪44‬ؤمن وعظ ‪44‬ا وإ رش ‪44‬ادا أن يس ‪44‬مع قول ‪44‬ه تع ‪44‬الى ‪'' :‬‬
‫‪1‬‬
‫ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا''‬

‫اللهم إنا نسألك أن تغنين‪44‬ا بطاعت‪4‬ك عن معص‪44‬يتك وبحالل عن حرام‪44‬ك وبفض‪44‬لك عمن س‪4‬واك‬
‫واجلن‪44 4‬ا من ال‪44 4‬ذين يس‪44 4‬تمعون الق‪44 4‬ول فيتبع‪44 4‬ون أحس‪44 4‬نه أمين وآخ‪44 4‬ر دعوان‪44 4‬ا أن الحم‪44 4‬د هلل رب‬
‫العالمين ‪./.‬‬

‫الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة األولى ‪ 1410 ،‬ج ‪ 5‬ص ‪56‬‬

‫سورة النساء اآلية‪30‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪96‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة السادسة عشر‪ :‬مكانة الشباب في‬


‫نهضة األمة –‬
‫ألقيت هذه المحضرة ‪:‬‬

‫بدار الشباب بأبي الجعد بتاريخ‪2010-7- 30 6‬‬

‫‪97‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫‪ -‬مكانة الشباب في نهضة األمة –‬

‫الحمد هلل والصالة على رسول اهلل وآله وصحبه وسلم تسليما‪,‬‬

‫أيها الحضور الكريم‪:‬‬

‫حياكم اهلل جميعا أيها اإلخوة واألخوات الفضليات طاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلة‬

‫أسأل اهلل عز وجل الذي جمعنا في هذا المكان المبارك على طاعت‪44‬ه‪ ,‬أن يجمعن‪44‬ا في اآلخ‪44‬رة‬
‫مع سيد األنبياء في جنته ‪ ,‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫مكانة الشباب في نهضة األمة‬

‫أحب ‪44‬تي في اهلل ‪:‬إذا ك ‪44‬ان آباؤن ‪44‬ا وش ‪44‬يوخنا عق ‪44‬ول األم ‪44‬ة ال ‪44‬تي تخط ‪44‬ط وتفك ‪44‬ر ف‪44‬إن ش ‪44‬بابنا ه ‪44‬و‬
‫سواعد األمة التي تبني وتعمر‪.‬‬

‫فاألمة ال يمكن أن تستغني عن شبابها وكل أمة استغنت عنه أمة خاسرة‬

‫فرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أوحي إليه في سن األربعين في سن اكتمال الشباب‬

‫وكان أبو بكر في سن الثامنة والثالثين من عمره في ريعان الشباب‪.‬‬

‫وأول سفير يتحدث باسم اإلسالم خارج اإلسالم ك‪4‬ان ش‪4‬ابا في ريع‪4‬ان ش‪4‬بابه في العش‪4‬رينيات‬
‫من عم ‪44‬ره‪ :‬إن ‪44‬ه جعف ‪44‬ر بن أبي ط ‪44‬الب رض ‪44‬ي اهلل ال ‪44‬ذي يتح ‪44‬دث بين ي ‪44‬دي النجاش ‪44‬ي في بالده‬
‫الحبشة ‪.‬‬

‫وأول داعي‪4‬ة يتح‪4‬رك لل‪4‬دعوة خ‪4‬ارج أرض اإلس‪4‬الم ك‪4‬ان ش‪4‬ابا ه‪4‬و مص‪4‬عب الخ‪4‬ير أو مص‪4‬عب‬
‫بن عمير‬

‫‪98‬‬
‫أسامة بن زيد بن عين أميرا على الحبشة المعد لغزو الروم وعمره ‪ 18‬أو عشرين سنة‬

‫ه‪44‬ؤالء من الص‪44‬حابة وغ‪44‬يرهم ك‪44‬انوا ش‪44‬بابا في ريع‪44‬ان الش‪44‬باب عرف‪44‬وا الغاي‪44‬ة ال‪44‬تي من أجله‪44‬ا‬
‫خلقوا والوظيفة التي من أجلها وجدوا‬

‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان شديد الحفاوة بالشباب – الحب‪ -‬العناية بالشباب‬

‫فالشباب بال منازع هم مستقبل األمة – وأصل األمة‪.‬‬

‫مرحلة الشباب ‪ :‬مرحلة الطاقة – مرحلة الفتوة – مرحلة القوة – مرحلة اإلرادة‬

‫الشباب يتعلم العلم النافع ألن العلم سالح وإ ال انصرف عن الفهم الصحيح‬

‫وح ‪44 4‬ذاري أن يبتع‪44 4‬د الش‪44 4‬باب عن ال ‪44 4‬دين واإلغ‪44 4‬راق في بح‪44 4‬ر الش ‪44 4‬هوات والس ‪44 4‬قط في ش‪44 4‬باك‬

‫الش‪44‬بهات والقاع‪44‬دة تق‪44‬ول ‪ :‬من س‪44‬لك طريق‪44‬ا بغ‪44‬ير دلي‪44‬ل ض‪44‬ل ومن تمس‪44‬ك بغ‪44‬ير‬
‫األصول زل‬

‫البخاري عقد كتابا في صحيحه ‪ :‬باب العلم قبل القول والعمل‬

‫ألن ‪44‬ه ب ‪44‬دون علم تض ‪44‬ر وتري ‪44‬د النف ‪44‬ع وتفس ‪44‬د وتري ‪44‬د اإلص ‪44‬الح ومن ثم قي ‪44‬ل ‪ :‬ال تتكلم قب ‪44‬ل أن‬
‫‪1‬‬
‫تتعلم قال تعالى ‪ " :‬فاعلم أنه ال إله إال اهلل واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات "‬

‫قال ابن حجر ‪ :‬أمر اهلل نبيه في هذه اآلية بأمرين ‪ :‬بدأ بالعلم وثنى بالعمل‬

‫رحم اهلل من قال‪ :‬فقه البخاري في تراجمه‬

‫فترجمة اإلمام البخاري تحمل فقها غزيرا قبل أن تقرأ ما دونه‪.‬‬

‫سورة محمد اآلية ‪20‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪99‬‬
‫وفي ه‪44‬ذا الب‪44‬اب أورد ح‪44‬ديث ( من ي‪44‬رد اهلل ب‪44‬ه خ‪44‬يرا يفقه‪44‬ه‬ ‫مثال‪44‬ه ‪ :‬ب‪44‬اب الفهم في العلم‬
‫‪1‬‬
‫في الدين )‬

‫ما ضل من ضل والزل من زل إال بسوء الفهم‬

‫س‪44 4 4‬وء الفهم عن اهلل وعن رس‪44 4 4‬ول اهلل أص‪44 4 4‬ل ك‪44 4 4‬ل بدع‪44 4 4‬ة وأص‪44 4 4‬ل ك‪44 4 4‬ل خالف في األص‪44 4 4‬ول‬
‫والفروع ‪.‬‬

‫حذيفة بن اليمان وأبي حسيل منعهما من الخروج إلى بدر عه‪44‬دهما إلى المش‪44‬ركين وع‪44‬رض‬
‫ذلك على النبي صلى اهلل عليه وسلم فقال لهما ‪ :‬نفي لهم بعهدهم ونستعين اهلل عليهم‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم "من رأى منكم منكرا ‪"....‬‬

‫‪3‬‬
‫وقال تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير‪"...‬‬

‫ابن تيمي ‪44‬ة رحم ‪44‬ه اهلل ‪ :‬يجب على من ي ‪44‬أمر ب ‪44‬المعروف وينهى عن المنك ‪44‬ر أن يك ‪44‬ون فقيه ‪44‬ا‬
‫فيما يأمر به فقيها قيما ينهى عنه رفيقا فيما يأمر به وفيما ينهى عنه‪.‬‬

‫سيدنا علي كرم اهلل وجهه في صلح الحديبية عن‪4‬د كتاب‪4‬ة العق‪4‬د كتب بس‪4‬م اهلل ال‪4‬رحمن ال‪4‬رحيم‬
‫فقال سهل بن عمرو ‪ :‬أما الرحمن فواهلل ما أدري ما هو؟ ولكن أكتب باسمك اللهم‬

‫فقال الصحابة‪ :‬واهلل ال نكتبها إال بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫فقال صلى اهلل عليه وسلم اكتب يا علي باسمك اللهم‬

‫أيها الحضور الكرام نهضة األمة ال تتحقق ب ـ ‪ 5‬أفراد أو ‪ 10‬أفراد ولكن باألمة كلها‬

‫‪ :‬شعب اإليمان للبيهقي تحقيق ‪ :‬محمد السعيد بسيوني زغلول الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‬ ‫‪1‬‬

‫الطبعة األولى ‪ 1410 ،‬ج‪ 4‬ص‪226‬‬


‫المصدر نفسه ج‪ 6‬ص ‪85‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة آل عمران اآلية ‪104‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪100‬‬
‫‪1‬‬
‫نهضة األمة تتحقق بالعلم‪" :‬اقرأ باسم ربك "‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬مــن رأى منكم منكرا‪...‬الحديث "‬
‫‪3‬‬
‫قال تعالى " هل يستوي الذين يعلمون والذين ال يعلمون "‬ ‫‪-‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬قال تعالى " فلوال نفرمن كل فرقة منهم طائفة ‪"...‬‬

‫نهضه األمة بتعليم الرجل – نفسه – بلده – مجتمعه‬

‫نهضة األمة بتعليم المرأة_ نفسها _ بلدها _ مجتمعها‬

‫نهضة األمة باإليمان الحقيقي والصادق _ نهضة األمة بالرجوع إلى الكتاب والسنة‬

‫‪5‬‬
‫قال اهلل تعالى ‪ " :‬وكان حقا عينا نصر المؤمنين "‬

‫‪6‬‬
‫وقال صلى اهلل عليه وسلم " عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية "‬

‫ويتوقف عز األمة أو هوانها على طبيعة الفهم الصحيح أو العكس‬

‫_ إتباع السنة مصدر عز األمة‬ ‫القوة سر عز األمة‬ ‫‪-‬‬


‫_التمسك بالنصيحة عز لألمة‬ ‫هجر المعاصي عز األمة‬ ‫‪-‬‬
‫_ التمسك بالدين مصدر عز األمة‬

‫سورة العلق اآلية اآلية ‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫سبق تخريجه‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الزمر اآلية ‪10‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة التوبة اآلية ‪123‬‬ ‫‪4‬‬

‫سورة الروم اآلية ‪46‬‬ ‫‪5‬‬

‫المستدرك على الصحيحين‬ ‫‪6‬‬

‫الضبي المعروف بابن البيع تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروتـ‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ 1990 – 1411 ،‬ج‪ 1‬ص‪330‬‬

‫‪101‬‬
‫ه ‪44‬ارون الرش‪44‬يد عن‪44‬ده وزي ‪44‬ر وحض‪44‬ر لي‪44‬دلي بش‪44‬هادة أم‪44‬ام القاض ‪44‬ي أبى يوس ‪44‬ف ف‪44‬رد ش ‪44‬هادته‬
‫فعاتبه الخليفة ه‪4‬ارون الرش‪4‬يد‪ :‬ي‪4‬ا أب‪4‬ا يوس‪4‬ف لم رددت ش‪4‬هادة ال‪4‬وزير ق‪4‬ال ي‪4‬ا أم‪4‬ير المؤم‪4‬نين‬
‫سمعته يقول لك أنا عبدك‬

‫وإ ن كان كاذبا فال شهادة للكذاب‬ ‫فإن كان صادقا فال شهادة للعبد‬

‫اإلجازة فرصة للتزود بالتقوى والعمل الصالح ‪:‬‬

‫_ أي عمل‬ ‫‪ -‬السنة‬ ‫– القرآن‬ ‫بالمشاريع العلمية‬

‫شباب األمة ضاع أمام عالم المخدرات‬

‫شباب األمة ضاع أمام الصور الفاتنة واألغنية الماجنة‬

‫الشاب الذي أراد أن يأذن له صلى اهلل عليه وسلم بالزنى‬

‫الشباب اليوم أنواع ثالثة‬

‫ال يعرف‪44 4‬ون عن اإلس‪44 4‬الم ش‪44 4‬يئا ‪ :‬همهم ال‪44 4‬ذهاب واألي‪44 4‬اب – تحس‪44 4‬ين الهن‪44 4‬دام – العيش على‬
‫هامش األحداث‬

‫ش‪4‬ددوا على أنفس‪4‬هم وخط‪4‬أوا غ‪4‬يرهم يظه‪4‬رون بمظه‪4‬ر التقش‪4‬ف عائش‪4‬ة رأت ش‪4‬بابا يتم‪4‬اوتون‬
‫فسألت فقيل عباد نساك فأمرت فحض‪44‬روا ق‪44‬الت ك‪4‬ذبتم واهلل لق‪4‬د ك‪44‬ان عم‪4‬ر أعب‪44‬د منكم وأنس‪4‬ك‬
‫منكم وكان إذا تكلم أسمع وإ ذا مشى أسرع وإ ذا ضرب أوجع‪.‬‬

‫أهل التوسط ‪ :‬نحسبهم هؤالء الحضور يتفقهون من الكتاب والسنة‬

‫معركة أحد ‪ :‬النبي صلى اهلل عليه وسلم رد مجموعة من الشباب منهم رافع وسمرة‬

‫ولكن لشوقهما للجهاد لم يستسلما‪ ,‬فقام كال منهما يستعرض ما لديه من قوة‬

‫‪102‬‬
‫فقيل لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن رافعا رام الخمسة عشر فأجازه‬

‫فجاء سمرة وقال لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أجزت‪4‬ه ورددت‪4‬ني ول‪4‬و ص‪4‬ارعته لص‪4‬رعته‬
‫فتصارعا فصرعه فأجازه هو األخر‬

‫نري ‪44‬د ش ‪44‬ابا قوي ‪44‬ا في عزيمت ‪44‬ه‪ ,‬محب ‪44‬ا لوطن ‪44‬ه‪ ,‬أمين ‪44‬ا في بيع ‪44‬ه وش ‪44‬رائه‪ ,‬مخلص ‪44‬ا في عمل ‪44‬ه ‪,‬إذا‬
‫وجدت هذا فاعلم أن األمة في تقدم وإ ال كان عكس ذلك ‪.‬‬

‫أردنا شبابا واع بما يقول – بما يفعل بما يعمل– واع بالمصير‬

‫زكرياء ‪ :‬رب هب لي من لندك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء‬

‫ابراهيم ‪ :‬واجنبني وبني أن نعبد األصنام _ لقمان ‪ :‬وإ ذ قال لقمان البنه وهو يعظه‬

‫يوسف ‪:‬قال رب السجن أحب إلي مما تدعونني إليه‬

‫من الشباب يكون العلماء العاملون _ من الشباب يكون الجنود المجاهدين‬ ‫‪-‬‬
‫من الشباب يكون الصناع المحترفين‬ ‫‪-‬‬

‫إذا نجحوا أسعدت األمة بهم وامتد خيرهم إلى غيرهم‬

‫لقد رس‪4‬م ص‪4‬لى اهلل علي‪4‬ه وس‪4‬لم الطري‪4‬ق لك‪4‬ل ش‪4‬اب من خالل نص‪4‬حه البن عم‪4‬ه عب‪4‬د اهلل بن‬
‫عب‪44‬اس "ي‪44‬ا غالم إني أعلم‪44‬ك كلم‪44‬ات احف‪44‬ظ اهلل يحفظ‪44‬ك احف‪44‬ظ اهلل تج‪44‬ده اتجاه‪44‬ك إذا س‪44‬ألت‬
‫فاسأل اهلل وإ ذا استعنت فاستعين باهلل واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بش‪44‬يء لن‬
‫‪1‬‬
‫ينفعوك إال بشيء قد كتبه اهلل عليك ‪"....‬‬

‫مسند اإلمام أحمد بن حنبل ألبي عبد اهلل أحمد بن محمد بن حنبل بن هالل بن أسد الشيباني تحقيق‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫شعيب األرنؤوط ‪ -‬عادل مرشد‪ ،‬وآخرون إشراف‪ :‬د عبد اهلل بن عبد المحسن التركي‬
‫الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة الطبعة‪ :‬األولى‪ 2001 ،‬م ج ‪ 4‬ص ‪487‬‬

‫‪103‬‬
‫المصير كلنا يتذكر قول الصادق المصدوق "ال تزول ق‪44‬دم عب‪44‬د ي‪44‬وم القيام‪44‬ة ح‪44‬تى يس‪44‬أل عن‬
‫أربع‪ 2".....‬عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أباله عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه‬
‫وعن علمه ماذا عمل به‬

‫ما األسباب التي وصلت المجتمع إلى هذا الحال ‪:‬‬

‫_ سوء التربية ‪ :‬األب – األم يهودانه‬ ‫_ ضعف مراقبة الحي القيوم‬

‫الفراغ ‪ :‬الفراغ الروحي بدل محبة اهلل – محبة الشيطان‬

‫قرناء السوء بائع المسك ونافخ الكير‬

‫انتهى‪.‬‬

‫سنن الترمذي تحقيق‪ :‬بشار عواد معروف الناشر‪ :‬دار الغرب اإلسالمي ‪ -‬بيروت‬ ‫‪2‬‬

‫سنة النشر‪ 1998 :‬م ج‪ 4‬ص‪190‬‬

‫‪104‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة السابعة عشر خطبة حول صالة‬


‫االستسقاء‬
‫التي ألقيت بتاريخ‪ :‬الجمعة ‪ 29‬صفر الخير ‪ 1437‬هـ‪ ،‬الموافق‪11/12/2015 :‬‬
‫(أعيدت بتاريخ‪ 6 :‬ربيع األول ‪ 1439‬الموافق‪)24/11/2017 :‬‬

‫‪105‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫خطبة حول صالة االستسقاء‬
‫أستغفر هللا‪،‬‬
‫الحمد هلل غافر الذنب‪ ،‬وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول‪ ،‬ال إل‪dd‬ه إال ه‪dd‬و‪ ،‬إلي‪dd‬ه‬
‫المصير‪.‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬خالق الخلق ورازقهم‪ d،‬وم‪dd‬نزل الغيث‪،‬‬
‫ومحيي األرض بعد موتها‪ ،‬من استطعمه أطعمه‪ ،‬ومن استسقاه سقاه‪.‬‬
‫وأشهد أن س‪d‬يدنا محم‪dd‬د عب‪dd‬ده ورس‪dd‬وله‪ d،‬وص‪dd‬فيه من خلق‪dd‬ه وحبيب‪dd‬ه‪ ،‬علمن‪dd‬ا كي‪dd‬ف‬
‫ـوةَ‬ ‫يب َد ْعـ َ‬ ‫يب أُ ِج ُ‬‫سـأَلَكَ ِعبَــا ِدي َعنِّي فَـإِنِّي قَـ ِر ٌ‬ ‫نتضرع إلي‪dd‬ه بال واس‪dd‬طة‪ ،‬فق‪dd‬ال‪َ ((" :‬وإِ َذا َ‬
‫ُون))"‪.‬‬ ‫شد َ‬ ‫ست َِجيبُوا لِي َو ْليُ ْؤ ِمنُوا بِي لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْر ُ‬ ‫َّاع إِ َذا َد َعا ِن فَ ْليَ ْ‬
‫الد ِ‬
‫اللهم صل وس‪dd‬لم وب‪dd‬ارك على س‪dd‬يدنا محم‪dd‬د وعلى آل‪dd‬ه وأص‪dd‬حابه ومن س‪dd‬ار على‬
‫نهجه إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪،‬‬
‫أيها األخوة المؤمنون‪ ،‬الماء أصل الحياة لقوله تع‪dd‬الى‪َ ((" :‬و َج َع ْلنَــا ِم َن ا ْل َمــا ِء ُكـ َّل‬
‫ون))"‪.‬‬ ‫ش َْي ٍء َح ٍّي أَفَاَل يُ ْؤ ِمنُ َ‬
‫الماء نعمة عظيمة أنعم هللا بها على عباده‪ ،‬يرسلها عن‪dd‬د طاعتن‪dd‬ا لربن‪dd‬ا‪ ،‬ويمس‪dd‬كها‬
‫عند الغفلة والقسوة‪ d‬من قلوبن‪dd‬ا‪ ،‬وإذا أمس‪dd‬كها ال يس‪dd‬تطيع أح‪dd‬د أن ي‪dd‬أتي به‪dd‬ا‪ ،‬ق‪dd‬ال تع‪dd‬الى‪:‬‬
‫ين))"‪ .‬وق‪d‬ال تع‪dd‬الى في آي‪dd‬ة‬ ‫ـو ًرا فَ َمنْ يَــأْتِي ُك ْم بِ َمــا ٍء َم ِع ٍ‬ ‫صـبَ َح َمــا ُؤ ُك ْم َغـ ْ‬ ‫"((قُ ْل أَ َرأَ ْيتُ ْم إِنْ أَ ْ‬
‫س ِه ْم))"‪ .‬وكل ذلك في‪dd‬ه حكم‪ ،‬ق‪dd‬ال‬ ‫أخرى‪((" :‬إِنَّ هَّللا َ اَل يُ َغيِّ ُر َما بِقَ ْو ٍم َحتَّى يُ َغيِّ ُروا َما بِأ َ ْنفُ ِ‬
‫ش ـا ُء إِنَّهُ‬ ‫ـز ُل بِقَـ َد ٍر َمــا يَ َ‬‫ض َولَ ِكنْ يُنَـ ِّ‬ ‫ق لِ ِعبَا ِد ِه لَبَ َغ ْوا فِي اأْل َ ْر ِ‬ ‫سطَ هَّللا ُ ال ِّر ْز َ‬ ‫تعالى‪َ ((" :‬ولَ ْو بَ َ‬
‫صي ٌر))"‪.‬‬ ‫بِ ِعبَا ِد ِه َخبِي ٌر بَ ِ‬
‫أستغفر هللا‪ ،‬أستغفر هللا‪ ،‬أستغفر هللا‪ ،‬أستغفر هللا‪ ،‬أستغفر هللا‪.‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬إن هللا عز وج‪dd‬ل يعطي نعم‪dd‬ه إلى عب‪dd‬اده لتك‪dd‬ون لهم عون‪dd‬ا على طاعت‪dd‬ه‬
‫والتقرب إليه‪ ،‬فإذا استعانوا بنعمه على معصيته وضيعوا أوامره واستهانوا بنواهيه غير‬
‫ـــو ٍم َحتَّى يُ َغيِّ ُروا َمـــا‬ ‫هللا عليهم ح‪ddd‬الهم من ح‪ddd‬ال إلى ح‪ddd‬ال‪((" ،‬إِنَّ هَّللا َ اَل يُ َغيِّ ُر َمـــا بِقَ ْ‬
‫س ِه ْم))"‪.‬‬ ‫بِأ َ ْنفُ ِ‬
‫عباد هللا‪ ،‬ما نزل بالء وال انحبس مط‪dd‬ر إال ب‪dd‬ذنوب العب‪dd‬اد وإعراض‪dd‬هم عن ربهم‬
‫سـبَ ْـت أَ ْيـ ِدي‬ ‫سـا ُد فِي ا ْلبَـ ِّر َوا ْلبَ ْحـ ِر بِ َمــا َك َ‬ ‫وإقبالهم‪ d‬على شهواتهم‪ ،‬قال تعالى‪((" :‬ظَ َه َر ا ْلفَ َ‬
‫صـابَ ُك ْم ِمنْ‬‫ون))"‪ ،‬وقال أيض‪dd‬ا‪َ ((" :‬و َمــا أَ َ‬ ‫ض الَّ ِذي َع ِملُوا لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْر ِج ُع َ‬ ‫س لِيُ ِذيقَ ُه ْم بَ ْع َ‬ ‫النَّا ِ‬
‫سبَ ْـت أَ ْي ِدي ُك ْم َويَ ْعفُو عَنْ َكثِي ٍر))"‪.‬‬ ‫صيبَ ٍة فَبِ َما َك َ‬ ‫ُم ِ‬
‫عباد هللا من أسباب منع القطر من السماء‪:‬‬
‫غفلة العباد عن طاعة ربهم‪ ،‬وقسوة قلوبهم‪ ،‬وتقصيرهم في أداء الص‪dd‬الة‪ ،‬وإيت‪dd‬اء‬
‫ــر ِمنْ‬‫الزكاة‪ .‬يقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪َ " d:‬ولَ ْم يَ ْمنَ ُعوا َز َكاةَ أَ ْم َوالِ ِه ْم إِاَّل ُمنِ ُعوا ا ْلقَ ْط َ‬
‫س َما ِء َولَ ْواَل ا ْلبَ َهائِ ُم لَ ْم يُ ْمطَ ُروا"‪.‬‬ ‫ال َّ‬

‫‪106‬‬
‫ومن أسباب منع القطر إعراض كثير من الناس عن التوبة إلى ربهم من ذن‪dd‬وبهم‪،‬‬
‫ال‪dd‬ذنوب م‪dd‬ا حلت في دي‪dd‬ار إال أهلكته‪dd‬ا‪ ،‬وال في قل‪dd‬وب‪ d‬إال أعمته‪dd‬ا‪ ،‬وال في أجس‪dd‬اد إال‬
‫عذبتها‪ ،‬وال في أمة إال أذلتها‪ ،‬وال في نفوس إال أفسدتها‪ .‬قال تعالى‪((" :‬قَ ْريَةً َكانَتْ آ ِمنَةً‬
‫ـاس ا ْل ُجـ ِ‬
‫وع‬ ‫ُم ْط َمئِنَّةً يَأْتِي َها ِر ْزقُ َها َر َغـ ًدا ِمنْ ُكـ ِّل َم َكـ ٍ‬
‫ـان فَ َكفَـ َرتْ بِــأ َ ْن ُع ِم هَّللا ِ فَأ َ َذاقَ َهــا هَّللا ُ لِبَـ َ‬
‫ون))"‪.‬‬ ‫صنَ ُع َ‬ ‫ف بِ َما َكانُوا يَ ْ‬ ‫َوا ْل َخ ْو ِ‬
‫الحسن البصري رحمه هللا جاءه رج‪dd‬ل يش‪dd‬كو إلي‪dd‬ه الج‪dd‬ذب فق‪dd‬ال ل‪dd‬ه‪ :‬اس‪dd‬تغفر هللا‪.‬‬
‫وجاءه آخر يشكو إليه الفقر‪ ،‬فقال له‪ :‬استغفر هللا‪ .‬وجاءه ثالث يطلب النسل والولد فأمره‬
‫ســ ِل‬ ‫ــان َغفَّا ًرا يُ ْر ِ‬
‫اســتَ ْغفِ ُروا َربَّ ُك ْم إِنَّهُ َك َ‬ ‫باالس‪dd‬تغفار‪ ،‬ثم تلى ق‪dd‬ول هللا تع‪dd‬الى‪((" :‬فَقُ ْلتُ ْ‬
‫ت َويَ ْج َع ْل لَ ُك ْم أَ ْن َها ًرا))"‪.‬‬ ‫ين َويَ ْج َع ْل لَ ُك ْم َجنَّا ٍ‬ ‫س َما َء َعلَ ْي ُك ْم ِم ْد َرا ًرا َويُ ْم ِد ْد ُك ْم بِأ َ ْم َوا ٍل َوبَنِ َ‬‫ال َّ‬
‫أستغفر هللا‪ ،‬أستغفر هللا‪ ،‬أستغفر هللا‪ ،‬أستغفر هللا‪ ،‬أستغفر هللا‪.‬‬
‫عب‪dd‬اد هللا‪ ،‬االس‪dd‬تغفار إذا ص‪dd‬در من قل‪dd‬وب خاش‪dd‬عة‪ ،‬من قل‪dd‬وب‪ d‬منيب‪dd‬ة‪ ،‬من قل‪dd‬وب‬
‫منكسرة دفع هللا عنها البالء والمحن‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما ق‪dd‬ال‪ :‬كــان فيهم أمانــان‪ :‬نــبي هللا واالســتغفار‪.‬‬
‫قال‪ :‬فذهب النبي صلى هللا عليه وسلم وبقي االستغفار‪.‬‬
‫ويؤيد هذا المعنى قوله صلى هللا عليه وسلم‪" d:‬من لزم االستغفار جعــل هللا لــه من‬
‫كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث ال يحتسب"‪.‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬اعلموا أن لكل عمل صالح ثواب عند هللا‪ ،‬كم‪dd‬ا أن لك‪dd‬ل معص‪dd‬ية عق‪dd‬اب‬
‫عند البارئ جل وعال‪ .‬قال تعالى‪((" :‬فَ َمنْ يَ ْع َم ْل ِم ْثقَا َل َذ َّر ٍة َخ ْي ًرا يَ َرهُ َو َمنْ يَ ْع َمـ ْل ِم ْثقَــا َل‬
‫ش ًّرا يَ َرهُ))"‪.‬‬ ‫َذ َّر ٍة َ‬
‫فعلينا معشر المسلمين أن نتمسك بهذا الدين‪ ،‬ونجعل قائدنا حبل هللا المتين‪ ،‬وس‪dd‬نة‬
‫نبينا الكريم صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فنح‪d‬يى حي‪d‬اة طيب‪d‬ة في ال‪d‬دنيا ونف‪d‬وز ف‪dd‬وزا غظيم‪dd‬ا في‬
‫صالِ ًحا ِمنْ َذ َك ٍر أَ ْو أُ ْنثَى َو ُه َو ُم ْؤ ِمنٌ فَلَنُ ْحيِيَنَّهُ‬ ‫اآلخرة‪ ،‬مصداقا لقوله تعالى‪َ ((" :‬منْ َع ِم َل َ‬
‫ون))"‪.‬‬ ‫س ِن َما َكانُوا يَ ْع َملُ َ‬ ‫َحيَاةً طَيِّبَةً َولَنَ ْج ِزيَنَّ ُه ْم أَ ْج َر ُه ْم بِأ َ ْح َ‬
‫نفع‪dd‬ني هللا وإي‪dd‬اكم ب‪dd‬القرآن الم‪dd‬بين‪ ،‬وبح‪dd‬ديث س‪dd‬يد األولين واآلخ‪dd‬رين‪ d،‬وأج‪dd‬ارني‬
‫وإياكم من عذابه المهين‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫أستغفر هللا‪ ،‬أستغفر هللا‪ ،‬أستغفر هللا‪ ،‬أستغفر هللا‪ ،‬أستغفر هللا‪.‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬مغيث المستغيثين ومجيب المضطرين‪ ،‬ومسبغ النعم على‬
‫عباده أجمعين‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد‪ d‬أن سيدنا محم‪dd‬دا عب‪dd‬ده‬
‫ورسوله‪ d،‬وعلى آله وصحابته أجمعين‪.‬‬
‫عباد هللا‪ ،‬اعلموا رحمكم هللا أنه ما ض‪dd‬اق أم‪dd‬ر إال فرج‪dd‬ه هللا‪ ،‬وال عظم خطب إال‬
‫هونه هللا‪.‬‬
‫عب‪dd‬اد هللا ردوا المظ‪dd‬الم إلى أهله‪dd‬ا‪ ،‬وج‪dd‬ردوا‪ d‬القل‪dd‬وب من أمراض‪dd‬ها‪ ،‬من الحق‪dd‬د‬
‫والحسد‪ d‬والبغض والكذب وغيرها‪ ،‬وصونوا ألسنتكم من الغيبة والنميمة وقول‪ d‬الزور‪.‬‬
‫وأدوا زكاة أموالكم طيبة به‪dd‬ا نفوس‪d‬كم‪ ،‬ف‪d‬إن من أس‪dd‬باب من‪d‬ع القط‪dd‬ر ع‪dd‬دم إخ‪d‬راج‬
‫الزكاة‪.‬‬
‫صلوا األرحام وكونوا بارين بآبائكم وأمهاتكم‪ ،‬وأحس‪dd‬نوا إلى الفق‪dd‬راء والمس‪dd‬اكين‬
‫واألرامل‪ d‬واأليت‪d‬ام والمحت‪d‬اجين‪ ،‬وكون‪d‬وا‪ d‬اخ‪d‬وة متح‪d‬ابين‪ ،‬على الخ‪d‬ير متع‪d‬اونين‪ .‬تحل‪d‬وا‬
‫باألخالق الكريمة‪ ،‬وتخلوا عن األخالق الرذيلة‪.‬‬
‫وتأسوا بالحبيب المصطفى صلى هللا عليه وسلم عند االستسقاء‪ ،‬متض‪dd‬رعين إلي‪dd‬ه‬
‫سـدُوا ِفي اأْل َ ْر ِ‬
‫ض‬ ‫َضـ ُّر ًعا َو ُخ ْفيَـةً إِنَّهُ اَل يُ ِح ُّب ا ْل ُم ْعتَـ ِد َ‬
‫ين َواَل تُ ْف ِ‬ ‫بالدعاء‪((" :‬ا ْد ُعــوا َربَّ ُك ْم ت َ‬
‫ين))"‪.‬‬ ‫يب ِم َن ا ْل ُم ْح ِ‬
‫سنِ َ‬ ‫صاَل ِح َها َوا ْدعُوهُ َخ ْوفًا َوطَ َم ًعا إِنَّ َر ْح َمتَ هَّللا ِ قَ ِر ٌ‬ ‫بَ ْع َد إِ ْ‬
‫واعلموا‪ d‬رحمكم هللا أنه يسن في مثل هذا الم‪dd‬وطن أن تقلب‪dd‬وا أرديتكم اقت‪dd‬داء بس‪dd‬نة‬
‫ن‪dd‬بيكم ص‪dd‬لى هللا علي‪dd‬ه وس‪dd‬لم‪ ،‬رافعين أك‪dd‬ف الض‪dd‬راعة إلى ربكم‪ :‬اللهم اس‪dd‬قنا الغيث وال‬
‫تجعلنا من القانطنين‪ ،‬اللهم يا كاشف ك‪dd‬رب المك‪dd‬روبين‪ ،‬وي‪dd‬ا مجيب عب‪dd‬اده في ك‪dd‬ل وقت‬
‫وحين‪ ،‬ها نحن قد بررنا إليك‪ ،‬وآمالنا محققة فيما ل‪dd‬ديك‪ ،‬وكلن‪dd‬ا مثق‪dd‬ل بال‪dd‬ذنوب‪ ،‬وحام‪dd‬ل‬
‫أحمال الخطايا والعيوب‪ d،‬وأنت الموصوف بالكرم الكامل‪ ،‬والمعروف بالفضل الشامل‪.‬‬
‫اللهم اسقنا غيثا نافعا‪ ،‬اللهم اسقنا غيث‪dd‬ا تغيث ب‪dd‬ه العب‪dd‬اد‪ ،‬وتجعل‪dd‬ه بالغ‪dd‬ا للحاض‪dd‬ر‬
‫والباد‪ ،‬اللهم سقيا رحمة ال سقيا عذاب‪.‬‬
‫اللهم اسقنا الغيث وال تجعلنا من القانطين‪.‬‬
‫اللهم أنبت لنا الزرع‪ ،‬وأدر لنا الضرع‪ ،‬واس‪dd‬قنا من برك‪d‬ات الس‪d‬ماء‪ ،‬وأخ‪d‬رج لن‪dd‬ا‬
‫من بركات األرض‪.‬‬
‫اللهم اسق عبادك وبهيمتك‪ ،‬وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت‪.‬‬
‫اللهم أمن‪dd‬ا في أوطانن‪dd‬ا‪ ،‬واحف‪dd‬ظ اللهم ملكن‪dd‬ا أم‪dd‬ير المؤم‪dd‬نين جالل‪dd‬ة المل‪dd‬ك محم‪dd‬د‬
‫السادس بما حفظت به الذكر الحكيم‪ ،‬اللهم اج‪dd‬زه على إحي‪dd‬اء ه‪dd‬ذه الس‪dd‬نة بم‪dd‬ا ج‪dd‬زيت ب‪dd‬ه‬
‫أولياءك وأصفياءك‪ ،‬واحفظه اللهم في ولي عهده وسائر أسرته يا رب العالمين‪.‬‬
‫كما نسألك يا رب أن تمطر شآبيب الرحمة والرضوان على المغفور لهم‪dd‬ا محم‪dd‬د‬
‫الخامس والحسن الثاني‪ ،‬اللهم طيب ثراهما واجعلهما مع الذين أنعمت عليهم من النبيئين‬
‫والصديقين والشهداء‪ d‬والصالحين‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫ربنا ال تؤاخذنا إن نسينا أو أحطأنا‪ ،‬ربنا وال تحمل علينا إص‪dd‬را كم‪dd‬ا حملت‪dd‬ه على‬
‫اللذين من قبلنا‪ ،‬ربنا وال تحملنا ما ال طاقة لنا به‪ ،‬واعف عن‪dd‬ا واغف‪dd‬ر لن‪dd‬ا وارحمن‪dd‬ا أنت‬
‫موالنا فانصرنا على القوم الكافرين‪.‬‬
‫اللهم أغث قلوبنا باإليمان وبالدنا بالخيرات واألمطار‪.‬‬
‫اللهم اعطن‪ddd‬ا س‪ddd‬ؤلنا وحق‪ddd‬ق لن‪ddd‬ا آمالن‪ddd‬ا‪ ،‬اللهم ال تردن‪ddd‬ا خ‪ddd‬ائبين‪ ،‬وال عن باب‪ddd‬ك‬
‫مطرودين‪.‬‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬‬
‫اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إب‪dd‬راهيم‬
‫وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما ب‪dd‬اركت على‬
‫سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك سميع مجيب‪.‬‬
‫س‪dd‬بحان رب‪dd‬ك رب الع‪dd‬زة عم‪dd‬ا يص‪dd‬فون وس‪dd‬الم على المرس‪dd‬لين والحم‪dd‬د هلل رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫بقلم الدكتور‪ :‬إدريس الزكراوي‬
‫مدير ثانوية ابن رشد‬
‫بأبي الجعد‬

‫‪109‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة الثامنة عشر‪ :‬تجديد الدرس السيري‬


‫في المغرب مداخلة بعنوان الروض األنف لإلمام‬
‫السهيلي نموذجا‬
‫ألقي هذا العرض بكلية اآلداب ببني مالل بتاريخ ‪2019 - 05 – 04‬‬

‫‪110‬‬
‫‪ :‬تجديد الدرس السيري في المغرب مداخلة بعنوان‬

‫الروض األنف" لإلمام السهيلي نموذجا"‬


‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً‬
‫كثيراً إلى يوم الدين‪.‬‬

‫أما بعد فعنوان المداخلة‪:‬‬

‫تجديد درس السيرة النبوية في المغرب األقصى‬

‫الروض األنف لألمام السهيلي (نموذجا)‬

‫المحور األول‪ :‬مدخل إلى السيرة النبوية مع لمحة عن اإلمام السهيلي‪.‬‬

‫أيها الحضور الكريم تش‪4‬كل الس‪4‬يرة النبوي‪4‬ة العط‪4‬رة مج‪4‬اال خص‪4‬با لل‪4‬درس‪ ,‬واس‪4‬تنباط األحك‪4‬ام‬
‫التشريعية‪ ,‬التي ال تستقيم حياة الناس إال بها من أجل ذلك اهتم بها العلماء األوائ‪44‬ل‪ ،‬لم‪44‬ا له‪44‬ا‬
‫من أهمية عظمى في حياة المس‪4‬لمين‪ ،‬وألنه‪4‬ا ج‪44‬زء من مص‪44‬ادر التش‪44‬ريع اإلس‪4‬المي إذ تك‪4‬ون‬
‫س‪44 4 4‬جال متألق‪44 4 4‬ا‪ ,‬متك‪44 4 4‬امال‪ ,‬يجس‪44 4 4‬د الص‪44 4 4‬ورة‪ 4‬المثالي‪44 4 4‬ة للرس‪44 4 4‬ول ص‪44 4 4‬لى اهلل علي‪44 4 4‬ه وس‪44 4 4‬لم في‬
‫‪4‬اتم األنبي ‪44‬اء والرس ‪44‬ل عليهم‬
‫خصوص ‪44‬ياتها اإلنس ‪44‬انية المهيب ‪44‬ة واص ‪44‬طفائه المتف ‪44‬رد باعتب ‪44‬اره خ ‪َ 4‬‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬كما أنها مصدر من مص‪44‬ادر تفس‪44‬ير األحك‪44‬ام‪ ،‬وبي‪44‬ان أس‪44‬باب ن‪44‬زول اآلي‪44‬ات‪،‬‬
‫وورود األحاديث‪ ،‬وقد أدرك الص‪44‬حابة والت‪44‬ابعون أهمي‪44‬ة علم الس‪44‬يرة النبوي‪44‬ة‪ ،‬فأولوه‪44‬ا عناي‪44‬ة‬
‫كبرى‪ ،‬ال تقل عن عن‪44‬ايتهم بحف‪4‬ظ ح‪4‬ديث رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى اهلل علي‪4‬ه وس‪44‬لم‪ ،‬وك‪4‬انوا يعلمونه‪4‬ا‬
‫ألبنائهم‪ ،‬كما يعلمونهم السورة من الق‪4‬رآن‪ ،‬يق‪4‬ول علي بن الحس‪44‬ن‪" :‬كن‪4‬ا ُنعلَّم مغ‪4‬ازي رس‪44‬ول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم كما ُنعلَّم السورة من القرآن"(‪.)1‬‬

‫‪ -‬السيرة النبوية البن كثير‪ .‬ج‪ 2 :‬ص‪.355 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪111‬‬
‫وق ‪44‬د اهتم بروايته ‪44‬ا طائف ‪44‬ة من علم ‪44‬اء الص ‪44‬حابة‪ :‬كس ‪44‬عيد بن س ‪44‬عد بن عب ‪44‬ادة األنص ‪44‬اري(‪،)1‬‬
‫وغيرهما‪ ،‬يقول الزهري‪" :‬أربعة من ق‪44‬ريش وج‪44‬دتهم بح‪44‬ورا‪ :‬س‪44‬عيد‬
‫ُ‬ ‫وعبد اهلل بن عباس(‪،)2‬‬
‫بن المس‪44‬يب وع‪44‬روة بن الزب‪44‬ير وأب‪44‬و س ‪4‬لَمة بن عب‪44‬د ال‪44‬رحمن وعبي‪44‬د اهلل بن عب‪44‬د اهلل"(‪ ،)3‬ثم‬
‫تالهم علم‪44‬اء الت‪44‬ابعين‪ ،‬ف‪44‬أولوا الس‪44‬يرة النبوي‪44‬ة أك‪44‬بر عناي‪44‬ة‪ ،‬من‪44‬ذ الص‪44‬در األول‪ ،‬وق‪44‬د ظه‪44‬رت‬
‫ه ‪44‬ذه العناي ‪44‬ة واض ‪44‬حة عن ‪44‬د أبن ‪44‬اء الص ‪44‬حابة الك ‪44‬رام‪ ،‬وهم يس ‪44‬ألون آب ‪44‬اءهم عن مش ‪44‬اهدهم م ‪44‬ع‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وذكرياتهم عنها‪.‬‬

‫ولع ‪44‬ل أول من اهتم بكتاب ‪44‬ة الس ‪44‬يرة النبوي ‪44‬ة منهم عموم ‪44‬ا‪ :‬ع ‪44‬روة بن الزب ‪44‬ير(‪" )4‬ت ‪92‬هـ"‪،‬‬
‫وه ‪44 4‬و من رج ‪44 4‬ال الطبق ‪44 4‬ة األولى من كت ‪44 4‬اب المغ ‪44 4‬ازي والس ‪44 4‬ير‪ ،‬ثم أب ‪44 4‬ان بن عثم ‪44 4‬ان(‪" )5‬ت‬
‫‪105‬هـ‪ "،‬وه‪44 4 4‬و من أعالم الس‪44 4 4‬يرة النبوي‪44 4 4‬ة‪ ،‬ورواي‪44 4 4‬ة الح‪44 4 4‬ديث الش‪44 4 4‬ريف‪ ، ،‬ثم ابن ش‪44 4 4‬هاب‬
‫الزه‪44‬ري(‪" )6‬ت‪124‬هـ‪ "،‬وه‪44‬و من كت‪44‬اب الت‪44‬ابعين وأعالمهم‪ ،‬ويعت‪44‬بره المؤرخ‪44‬ون من أعظم‬
‫مؤرخي المغازي والسير‪.‬‬

‫ه‪44‬ذا وق‪44‬د ك‪44‬ان ال‪44‬رواد األوائ‪44‬ل في ت‪44‬دوين الس‪44‬يرة النبوي‪44‬ة وروايته‪44‬ا‪ ،‬جلهم من المح‪44‬دثين‪ ،‬ولم‬
‫تنفص‪44‬ل كعلم مس‪44‬تقل من الح‪44‬ديث النب‪44‬وي‪ ،‬إال في منتص‪44‬ف الق‪44‬رن الث‪44‬اني الهج‪44‬ري‪ ،‬على ي‪44‬د‬
‫محم‪44‬د ابن إس‪44‬حاق(‪" )7‬ت‪ 152 :‬هـ"‪ ،‬ال‪44‬ذي ك‪44‬ان كتاب‪44‬ه في المغ‪44‬ازي أول ت‪44‬دوين كام‪44‬ل منظِّم‬
‫للس‪44‬يرة النبوي‪44‬ة‪ ،‬بل‪44‬غ ب‪44‬ه الغاي‪44‬ة في الجم‪44‬ع والتقص‪44‬ي‪ ،‬والدق‪44‬ة في الت‪44‬أليف‪ ،‬بحيث ص‪44‬ار ال‪44‬ذين‬
‫أت ‪44‬وا من بع ‪44‬ده‪ ،‬ينس ‪44‬جون على منوال ‪44‬ه‪ ،‬ح ‪44‬تى ق ‪44‬ال اإلم ‪44‬ام الش ‪44‬افعي‪" :‬من أراد أن يتبح ‪44‬ر في‬

‫‪ - 1‬سعيد بن سعد بن عبادة األنصاري‪ :‬قال أبو عمر‪ :‬روى عن سعيد هذا ابنه شرحبيل بن سعيد ‪،‬وصحبته صحيحة‪ ،‬وكان واليا لعلي‬
‫بن أبي طالب رضي هللا عنه على اليمن‪ .‬ينظر‪ :‬االستيعاب‪ .‬ج‪ .1 :‬ص‪.187 :‬‬
‫‪ - 2‬عبد هللا بن عباس‪ :‬بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف‪ ،‬ابن عم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬كني بابنه العباس‪ ،‬وهــو أكــبر‬
‫أوالده‪ .‬ويسمى ـ عبد هللا بن عباس ـ حبر األمة‪ .‬ينظر‪ :‬أسد الغابة‪ .‬ج‪ .1 :‬ص‪630 :‬‬
‫‪ - 3‬ينظر تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي مج‪ 20 :‬ص‪.18 :‬‬
‫‪ - 4‬عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي األسدي ينظر تهذيب التهذيب البن حجر ج‪ 7 :‬ص‪.163 :‬‬
‫‪ - 5‬أبان بن عثمان بن عفان األموي القرشي أول من كتب في السيرة النبويّة وهو ابن الخليفة عثمان‪ .‬مولده ووفاته في المدينة‪ .‬شــارك‬
‫في وقعة الجمل مع عائشة‪ .‬وتقدم عند خلفاء بني أمية فولي إمارة المدينة سنة ‪ 76‬إلى ‪ 83‬وكان من رواة الحديث الثقات‪ ،‬ومن فقهــاءـ‬
‫المدينة أهل الفتوى‪ .‬ودوّ ن ما سمع من أخبار السيرة النبويّة والمغازي‪ ،‬وسلمها إلى سـليمان بن عبـد الملـك في حجـة سـنة ‪ 82‬فأتلفهـا‬
‫سليمان‪ .‬وكانت فيه دعابة أورد صاحبـ األغاني حكايــات منهــا‪ .‬وأصــيب بالفــالج مــع شــئ من الصــمم‪ ،‬فكــان يــؤتى بــه إلى المســجد‪،‬‬
‫محموال في محفة ‪ ،‬األعالم للزركلي‪ .‬ج‪ 1 :‬ص‪.27 :‬‬
‫‪ - 6‬محمد بن مسلم بن عبد هللا بن عبيد هللا بن مهاجر بن الحارث بن شهاب الزهري‪ ،‬ينظر صفوة الصفوة مج‪ 1 :‬ج‪ 2 :‬ص‪95 :‬‬
‫‪ -7‬هو‪ :‬محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار اإلخباري وقيل‪ :‬ابن كوثان‪ ،‬العالمــة‪ ،‬الحافــظ‪ ،‬اإلخبــاري‪ ،‬أبــو بكــر وقيــل‪ :‬أبــو عبــد هللا ‪-‬‬
‫القرشي‪ ،‬المطلبي موالهم‪ ،‬المدني‪ ،‬صاحب (السيرة النبوية) سير أعالم النبالء ج‪ 13 :‬ص‪.44 :‬‬

‫‪112‬‬
‫المغ ‪44‬ازي فه ‪44‬و عي ‪44‬ال على محم ‪44‬د بن إس ‪44‬حاق"(‪ ،)1‬ثم ج ‪44‬اء من بع ‪44‬ده أب ‪44‬و محم ‪44‬د عب ‪44‬د المل ‪44‬ك‬
‫المعروف بابن هشام(‪ ،)2‬فروى لنا كتابه ه‪4‬ذا مه‪4‬ذبا‪ ،‬منقح‪4‬ا‪ ،‬ولم يكن ق‪44‬د مض‪44‬ى على ت‪4‬أليف‬
‫ابن إسحاق له أكثر من خمسين سنة‪.‬‬

‫يقول ابن خلكان‪" :‬وابن هشام هذا هو الذي جمع سيرة رسول اهلل ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم من‬
‫المغ‪44‬ازي والس‪44‬ير البن إس‪44‬حاق‪ ،‬وه‪44‬ذبها ولخص‪44‬ها‪ ،‬وهي الس‪44‬يرة الموج‪44‬ودة بين أي‪44‬دي الن‪44‬اس‪،‬‬
‫والمعروفة بسيرة ابن هشام"(‪.)3‬‬

‫ثم توالى التأليف في سيرة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بعد ابن هشام‪ ،‬حتى استقر الفتح‬
‫العربي واإلسالمي في األندلس‪ ،‬حينها ع‪44‬رفت الس‪4‬يرة النبوي‪4‬ة في ه‪44‬ذه البالد حي‪4‬اة زاه‪4‬رة لم‬
‫تعرفه ‪44‬ا من قب ‪44‬ل‪ .‬وبع ‪44‬د أن بلغت اْل ُع ‪4ْ 4‬د َوةُ ذروته ‪44‬ا في المج ‪44‬د‪ ،‬حض ‪44‬اريا‪ ،‬وفكري ‪44‬ا‪ ،‬وسياس ‪44‬يا‪،‬‬
‫ومعماريا‪ ،‬حتى قال ابن خفاجة‪:‬‬

‫ـار‬ ‫ِ‬ ‫َه َل أ َْن َدلُ ِ ِ‬


‫اء َوظ ّل َوأ َْنهَ ٌار َوأَ ْش َج ـ ُ‬
‫س هلل َد ّر ُكـ ُـم **** َم ٌ‬ ‫َيا أ ْ‬

‫َختَ ُار(‪)4‬‬
‫ت أْ‬
‫ت َه َذا ُك ْن ُ‬ ‫َما َجَّنةُ اْل ُخْل ِد ِإاَّل ِفي ِدَي ِار ُك ُم **** َولَ ْو ّ‬
‫تخي ْر ُ‬

‫ولق ‪44‬د ن ‪44‬الت الس ‪44‬يرة النبوي ‪44‬ة البن هش ‪44‬ام ‪-‬ال ‪44‬تي هي في األص ‪44‬ل كت ‪44‬اب المغ ‪44‬ازي البن إس ‪44‬حاق‬
‫‪-‬عناية بعض العلماء‪ ،‬فتناولوها بالشرح والتعليق منهم أحد أب‪44‬رز الوج‪44‬وه األندلس‪44‬ية المتألق‪44‬ة‬
‫ال‪44‬تي تمث‪44‬ل الشخص‪4‬ية العربي‪44‬ة اإلس‪44‬المية في ش‪4‬فافية روحه‪4‬ا ‪ ,‬وعم‪44‬ق نظرته‪44‬ا ‪,‬وق‪4‬درتها على‬
‫تحقيق تلك المزاوجة المتف‪44‬ردة بين الحض‪44‬ور العقلي ال‪44‬رزين المعط‪44‬اء ‪ ,‬والحض‪44‬ور اإلب‪44‬داعي‬
‫الش ‪44‬فاف شخص ‪44‬ية الفقي ‪44‬ه ‪ ,‬واألديب ‪ ,‬والس ‪44‬يري ‪ ,‬والمح ‪44‬دث األص ‪44‬ولي أبي القاس ‪44‬م الس ‪44‬هيلي‬
‫عب ‪44‬دالرحمن بن عبداهلل‪( ،‬ت‪581‬هـ) ال ‪44‬ذي نش ‪44‬أ في األن ‪44‬دلس‪ ،‬ورح ‪44‬ل إلى م ‪44‬راكش»( ‪)2‬أح ‪44‬د‬

‫‪ - 1‬ينظر الروض األنف ج‪ 1 :‬ص‪ 40 :‬وسير أعالم النبالء للذهبي‪ .‬ج‪ .7 :‬ص‪.36 :‬‬
‫‪ - 2‬عبد الملك بن هشام بن أيوب أبو محمد الذهلي العالمـة‪ ،‬النحـوي‪ ،‬األخبـاري‪ ،‬أبـو محمـد الـذهلي‪ ،‬السدوسـي ‪ -‬وقيـل‪ :‬الحمـيري ‪-‬‬
‫المعافري‪ ،‬البصري‪ ،‬نزيل مصر‪.‬هذب السيرة النبوية‪ ،‬وسمعهاـ من زياد البكــائي صــاحبـ ابن إســحاق‪ .‬ســير أعالم النبالء للــذهبي ج‪:‬‬
‫‪ 19‬ص‪.419 :‬‬
‫‪ - 3‬وفيات األعيان البن خلكان‪ .‬ج‪ .3 :‬ص‪.177 :‬‬
‫‪ - 4‬نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب ألحمد بن محمد المقري التلمساني ج‪ 1 :‬ص‪.116 :‬‬

‫‪113‬‬
‫ألم‪44‬ع ش‪44‬راح س‪44‬يرة ابن هش‪44‬ام‪ ,‬وأح‪44‬د ألم‪44‬ع المجته‪44‬دين األندلس‪44‬يين النح‪44‬اة ‪ ,‬وأح‪44‬د أب‪44‬رز ش‪44‬عراء‬
‫ومب ‪44 4‬دعي عص ‪44 4‬ره ‪,‬وأح ‪44 4‬د فقه ‪44 4‬اء " الف ‪44 4‬رائض " الالمعين كم ‪44 4‬ا أن ‪44 4‬ه واح ‪44 4‬د ممن احتض ‪44 4‬نتهم‬
‫مراكش ‪,‬فانتظم في عقد رجالها السبعة‪.‬‬

‫وينتسب السهيلي إلى "سهيل " قرية أو حصن باألندلس ‪ ,‬ذكر الحميري سبب تسميتها ب‪44‬ذلك‬
‫بقوله ‪ ":‬هناك جبل منيف عال ي‪44‬زعم أه‪44‬ل تل‪44‬ك الناحي‪44‬ة أن النجم المس‪44‬مى " س‪44‬هيال "ي‪44‬رى من‬
‫‪1‬‬
‫أعاله ‪ ,‬وبذلك سمي أبو القاسم الحافظ مؤلف "الروض األنف"‬

‫وق ‪44‬د نص الس ‪44‬هيلي في مقدم ‪44‬ة كتاب ‪44‬ه "ال ‪44‬روض" أن ‪44‬ه لم يس ‪44‬بقه إلى ش ‪44‬رح الس ‪44‬يرة متق ‪44‬دم ق ‪44‬ال‪:‬‬
‫"كنت حين ش ‪44‬رعت في إمالء ه ‪44‬ذا الكت ‪44‬اب خي ‪44‬ل إلي أن الم ‪44‬رام عس ‪44‬ير فجعلت أخط ‪44‬و خط ‪44‬و‬
‫الحس ‪44‬ير‪ ،‬وأنهض نهض ال ‪44‬برق الكس ‪44‬ير‪ ،‬وقلت‪ :‬كي ‪44‬ف أرد مش ‪44‬رعا لم يس ‪44‬بقني إلي ‪44‬ه ف ‪44‬ارط‪،‬‬
‫وأسلك سبيال لم توطأ قبلي بخف وال حافر"(‪.)2‬‬

‫نفهم من كالم الس ‪44‬هيلي ه ‪44‬ذا أن ‪44‬ه لم يس ‪44‬بقه إلى ش ‪44‬رح الس ‪44‬يرة متق ‪44‬دم‪ ،‬في حين أن أب ‪44‬ا ذر بن‬
‫مس‪44‬عود الخش‪44‬ني(‪ " )3‬ت ‪604‬هـ " أق‪44‬دم على ش‪44‬رح الس‪44‬يرة النبوي‪44‬ة‪ ،‬مم‪44‬ا جع‪44‬ل إب‪44‬راهيم البن‪44‬ا‬
‫يتساءل في كتابه‪" :‬السهيلي ومذهبه النحوي"(‪ ،)4‬أيهما أسبق إلى التأليف فأفاد ق‪44‬ائال‪" :‬اعتق‪44‬د‬
‫أن الس‪44‬هيلي ك‪44‬ان أس‪4‬بق إلى ش‪44‬رح الس‪4‬يرة معتم‪4‬دا على الس‪4‬بق الزم‪44‬ني‪ ،‬وعلى م‪4‬ا ص‪4‬رح ب‪4‬ه‪،‬‬
‫ولم تفدني المقارنة بين العملين شيئا في تحديد الس‪44‬ابق منهم‪4‬ا لكن أف‪44‬ادت في بي‪44‬ان منهج أبي‬
‫ذر الذي ال يعدو أن يكون شرحا لغويا للسيرة مع تعريف ببعض أعالمها"(‪)5‬‬

‫وق‪44 4‬د أجم‪44 4‬ع ك‪444‬ل من ت‪44 4‬رجم للس‪44 4‬هيلي على أن‪444‬ه ك‪44 4‬ان يتوق‪44 4‬د ذك ‪44‬اء‪ ،‬مق ‪44‬دما في الفهم والفطن‪44 4‬ة‪،‬‬
‫صاحب اختراعات واستنباطات‪ ،‬دلت على براعة فكره‪ ،‬ونباهة علمه‪ ،‬وسعة حفظه(‪.)6‬كما‬

‫‪ 1‬الروض المعطار في خبر األقطار ألبي عبد هللا محمد بن عبد هللا بن عبد المنعم الحِميرى تحقيق إحسان عباس‬
‫مؤسسة ناصر للثقافة ‪ -‬بيروت ‪ -‬طبع على مطابع دار السراج الطبعة‪ :‬الثانية‪ 1980 ،‬م ص ‪534‬‬
‫‪ - 2‬الروض االنف‪ .‬ج‪ .1:‬ص‪.03 :‬‬
‫‪ - 3‬تنظر‪ :‬بغية الوعاة‪ .‬ج‪ .2 :‬ص‪.288-287 :‬‬
‫‪ - 4‬أبو القاسم السهيلي ومذهبه النحوي ص‪ 182 :‬ـ ‪.183‬‬
‫‪ - 5‬أبو القاسم السهيلي ومذهبه النحوي‪ .‬ص‪.183 :‬‬
‫‪ - 6‬تنظر‪ :‬إشــارة التعييــن البن عبد المجيد اليمانـــي‪ .‬ص‪.182 :‬‬

‫‪114‬‬
‫دل على عمق معارفه ما زخرت كتابات السهيلي بعبارات اإلعجاب بعلمه‪ ،‬واإلشادة بعمق‬
‫معارفه وقدرته على تجلية ما استغلق من دق‪44‬ائق العلم ونكت‪44‬ه‪ ،‬وه‪44‬و ي‪44‬رى أن بعض م‪44‬ا عن‪44‬ده‬
‫من العلم تعج‪44‬ز عن‪44‬ه همم أه‪44‬ل ه‪44‬ذا العص‪44‬ر(‪ ،)1‬وأن بعض تعليقات‪44‬ه عجب عج‪44‬اب‪ .‬وأن م‪44‬ا‬
‫انتهى إلي‪44‬ه كم‪44‬ا ق‪44‬ال‪" :‬مس‪44‬ألة ع‪44‬ذراء لم تفترعه‪44‬ا أي‪44‬دي النح‪44‬اة‪ ،‬أو لم يش‪44‬ف منه‪44‬ا متق‪44‬دم منهم‬
‫وال متأخر"(‪ ،)2‬وأن له في مسألة العين والي‪44‬د إمالء كم‪44‬ا ق‪44‬ال‪ " :‬فق‪44‬د أملين‪44‬ا فيه‪44‬ا‪ ،‬وفي مس‪44‬ألة‬
‫اليد مسألتين ال يعدل بقيمتهما الدنيا بحذافيرها "(‪ ،)3‬وقد يعمل عقله في مبحث‪ ،‬فيهتدي إلى‬
‫س‪44‬ر من أس‪44‬رار التش‪44‬ريع في‪44‬ه‪ ،‬فتحرك‪44‬ه نش‪44‬وة الظف‪44‬ر ب‪44‬ه‪ ،‬فيق‪44‬ول‪" :‬فتأم‪44‬ل ه‪44‬ذا األص‪44‬ل فق‪44‬ل من‬
‫يفطن ل‪444‬ه‪ ،‬وإ نم‪444‬ا المس‪444‬ألة عن‪444‬د الن‪444‬اس تقليدي‪444‬ة ال برهاني ‪44‬ة وق ‪44‬د أوض ‪44‬حناها برهاني ‪44‬ا والحم ‪44‬د‬
‫هلل"(‪.)4‬‬

‫ومع اإلعجاب بما عنده من العلم‪ ،‬ومن التحقيق الواسع العميق‪ ،‬وهي خصال ليست بغريب‪4‬ة‬
‫على نابغة مثله‪ ،‬فه‪44‬و ال يغل‪44‬و ب‪44‬ذلك غل‪4‬وا بنس‪4‬بة طبيعت‪44‬ه البش‪4‬رية‪ ،‬ب‪4‬ل يتواض‪44‬ع للعلم‪44‬اء ال‪4‬ذين‬
‫ي‪44‬دركون أن العل‪44‬وم ‪ -‬مهم‪44‬ا ت‪44‬أتت لطالبه‪44‬ا والمع‪44‬ارف وإ ن ازدحمت بص‪44‬در ص‪44‬احبها‪ -‬تظ‪44‬ل‬
‫مح ‪44‬دودة متناهي ‪44‬ة ـ وق ‪44‬د وق ‪44‬ع ل ‪44‬ه ـ وه ‪44‬و بص ‪44‬دد تفس ‪44‬ير آي ‪44‬ة أن أدرك أن ‪44‬ه لم يهت ‪44‬د إلى س ‪44‬ر‬
‫تأويلها‪ ،‬فاعترف بذلك بقوله‪" :‬وقد بقي في نفسي من تأويل ه‪44‬ذه اآلي‪44‬ة ش‪44‬يء ح‪44‬تى يكم‪44‬ل اهلل‬
‫نعمته بفهمها إن شاء اهلل تعالى"(‪.)5‬‬

‫من خالل كل الذي مضى معن‪44‬ا من كالم الس‪44‬هيلي المقتبس من كتاب‪44‬ه ال‪44‬روض األن‪44‬ف يتض‪44‬ح‬
‫وبجالء أن اإلمام أضفى على السيرة حلة جديدة لم ُيسبق إليها‪ ،‬الشيء الذي يجعلنا نتس‪44‬اءل‬
‫عن التجديد تعريفا وتنزيال‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬تعريف كلمة تجديد وأثرها على السيرة النبوية‪" 6‬الروض األنف نموذجا"‪.‬‬

‫‪ - 1‬المصدر نفسه‪ .‬ج‪ .2 :‬ص‪. .421 :‬‬


‫‪ - 2‬المصدر نفسه‪ .‬ج‪ .3 :‬ص‪.438 :‬‬
‫‪ - 3‬المصدر نفسه‪ .‬ج‪ .6 :‬ص‪.556 :‬‬
‫‪ - 4‬كتاب الفرائـض وشرح آيات الوصية للسهيلي تحقيق إبراهيم البنا ‪ .‬ص‪.60 :‬‬
‫‪ - 5‬الروض األنف‪ .‬ج‪ .3 :‬ص‪..217 :‬‬

‫‪115‬‬
‫إن الح‪4‬ديث عن التجدي‪4‬د في الس‪4‬يرة النبوي‪4‬ة على ص‪4‬احبها أفض‪4‬ل الص‪4‬الة وأتم التس‪4‬ليم يجرن‪4‬ا‬
‫الجدة مصدر الجديد‪ ،‬والجم‪44‬ع أَ ِ‪4‬‬
‫ج ّدة‪ ،‬وفي لس‪44‬ان الع‪44‬رب‪" :‬‬ ‫للكالم عن لفظة "تجديد" فهي من َّ‬
‫الج‪4ّ 4‬دة هي نقيض البِلى‪ ،‬ويق‪44‬ال ش‪44‬يء جدي‪44‬د‪ ،‬وتج‪44‬دد الش‪44‬يء ص‪44‬ار جدي‪44‬داً ‪ ...‬والجدي‪44‬د م‪44‬ا ال‬
‫عهد لك به"(‪.)1‬‬

‫وبه‪44‬ذا المع‪44‬نى ف‪44‬إن التجدي‪44‬د في مج‪44‬ال الفك‪44‬ر أو في مج‪44‬ال األش‪44‬ياء على الس‪44‬واء كم‪44‬ا يق‪44‬ول‪:‬‬
‫برهان غليون هو أن تعيد الفك‪4‬رة أو الش‪4‬يء ال‪4‬ذي بلي أو ق ُ‪4‬دم أو ت‪4‬راكمت علي‪4‬ه من الس‪4‬مات‬
‫والمظ‪44‬اهر م‪44‬ا طمس ج‪44‬وهره‪ ،‬وأن تعي‪44‬ده إلى حالت‪44‬ه األولى ي‪44‬وم ك‪44‬ان أول م‪44‬رة (‪ .)2‬ف‪44‬إن م‪44‬ا‬
‫أورده برهان غليون ح‪4‬ول مفه‪4‬وم التجدي‪4‬د يتف‪4‬ق م‪4‬ع م‪4‬ا نه‪4‬دف إلي‪4‬ه في تفس‪4‬ير حرك‪4‬ة التجدي‪4‬د‬
‫عند اإلمام السهيلي‪.‬‬

‫فمن خالل قراءتنا "للروض األنف" نالحظ أنه حافل بالوقفات اللغوية‪ ،‬والنحوي‪44‬ة والبالغي‪44‬ة‪،‬‬
‫المهم‪44 4‬ة‪ ،‬فال تك‪44 4‬اد تتأم‪44 4‬ل حادث‪44 4‬ة س‪44 4‬يرية إال وتلقى تعقيب‪44 4‬ا لغوي‪44 4‬ا‪ ،‬أو نحوي‪44 4‬ا‪ ،‬أو بالغي‪44 4‬ا‪ ،‬أو‬
‫استنباطا تفسيريا‪ ،‬أو فضيلة أخالقية‪ ،‬وهو التجديد الذي لم يسبق إليه‪.‬‬

‫فالس‪44‬هيلي وه‪44‬و يحل‪44‬ل نص‪44‬وص الس‪44‬يرة في كتاب‪44‬ه ال‪44‬روض ن‪44‬راه يض‪44‬في عليه‪44‬ا ط‪44‬ابع التأص‪44‬يل‬
‫للمع‪44‬اني اللغوي‪44‬ة من خالل مظانه‪44‬ا األص‪44‬لية‪ ،‬ش‪44‬عرا ون‪44‬ثرا وم‪44‬أثورات‪ ،‬غ‪44‬ير أن‪44‬ه خص اللغ‪44‬ة‬
‫القرآني‪44‬ة بم‪44‬يزات متف‪44‬ردة ال تخرجه‪44‬ا عن أص‪44‬ولها العربي‪44‬ة‪ ،‬ولكنه‪44‬ا تحي‪44‬ل على خصوص‪44‬ياتها‬
‫البياني ‪44‬ة اإلعجازي ‪44‬ة (‪ ،)3‬وب ‪44‬ذلك يتج ‪44‬اوز بلغ ‪44‬ة الق ‪44‬رآن مس ‪44‬توى االس ‪44‬تدالل واالستش ‪44‬هاد‪ ،‬إلى‬
‫‪4‬تهاره باالستش‪44‬هاد الح‪44‬ديثي في القواع‪44‬د اللغوي‪44‬ة والعل‪44‬ل‬
‫مس‪44‬توى التخص‪44‬يص‪ .‬ونظ‪44‬ير ذل‪44‬ك اش‪ُ 4‬‬
‫النحوية‪ ،‬ووقوفُه على بعض خصائصه البالغية والجمالية للحديث النبوي‪ .‬وقد أفصح فعال‬
‫على مع‪44 4‬اني كث ‪44 4‬ير من األلف ‪44 4‬اظ الغريب ‪44 4‬ة‪ ،‬رجوع ‪44 4‬ا إلى الح ‪44 4‬ديث النب ‪44 4‬وي الش ‪44 4‬ريف‪ ،‬اعتب ‪44 4‬ارا‬
‫لفصاحة الرسول صلى اهلل عليه وسلم وتخصيصه بجوامع الكلم(‪.)4‬‬
‫‪  - 1‬ابن منظور ـ لسان العرب‪ ،‬طبعة دار المعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 562‬ـ ‪ .563‬‬
‫‪ - 2‬برهان غليون‪ ،‬االجتهاد والتجديد في الفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬مركز دراسات العالم اإلسالمي‪ ،‬مالطا‪ ،‬ط‪ ،1991 ،1‬ص‪ .72‬‬
‫‪ - 3‬أنظر على سبيل المثال‪ :‬تفريقه بين "لعل" و"عسى" و"ليت" في االستعمال اللغوي القرآني‪ .‬الروض األنف‪ .‬ج‪ .6 :‬ص‪.328 :‬‬
‫‪ - 4‬ينظر الروض األنف‪ .‬ج‪ .3 :‬ص‪ ،87 :‬حيث وظف فقرة من حديث أم زرع لالستشهاد اللغوي‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫فمن األمثل ‪44 4 4‬ة ال ‪44 4 4‬تي تع ‪44 4 4‬رض الس ‪44 4 4‬هيلي له ‪44 4 4‬ا في تأليف ‪44 4 4‬ه التجدي ‪44 4 4‬دي للس ‪44 4 4‬يرة النبوي ‪44 4 4‬ة قول ‪44 4 4‬ه‬
‫تع‪44‬الى‪":‬إليالف ق‪44‬ريش" حيث ق‪44‬ال‪( :‬ومع‪44‬نى يؤال‪44‬ف(‪ :)1‬يعاه‪44‬د ويص‪44‬الح‪ ،‬ونح‪44‬و ه‪44‬ذا‪ ،‬فيك‪44‬ون‬
‫الفعل منه أيض‪44‬ا آل‪44‬ف على وزن فاع‪44‬ل‪ ،‬والمص‪44‬در إالف‪4‬ا بغ‪44‬ير ي‪44‬اء‪ ،‬مث‪44‬ل قت‪44‬اال‪ ،‬ويك‪44‬ون الفع‪44‬ل‬
‫من‪44‬ه أيض‪44‬ا آل‪44‬ف على وزن أفع‪44‬ل‪ ،‬مث‪44‬ل آمن‪ ،‬ويك‪44‬ون المص‪44‬در إيالف‪44‬ا بالي‪44‬اء مث‪44‬ل إيمان‪44‬ا‪ ،‬وق‪44‬د‬
‫ت إذا ألفت ‪44‬ه لم‬ ‫ل‬
‫ْ‬
‫َ ُ‬ ‫ع‬‫ف‬‫ْ‬ ‫أ‬ ‫وزن‬ ‫على‬ ‫‪4‬يء‬‫‪4‬‬ ‫ش‬ ‫ال‬ ‫آلفت‬ ‫من‬ ‫‪4‬ان‬‫‪4‬‬ ‫ك‬ ‫‪4‬و‬‫‪4‬‬ ‫ل‬‫و‬ ‫)‪،‬‬‫‪2‬‬
‫ق ‪44‬رئ إلالف ق ‪44‬ريش بغ ‪44‬ير ي ‪44‬اء(‬
‫تكن ه ‪44‬ذه الق ‪44‬راءة ص ‪44‬حيحة‪ ،‬وق ‪44‬د قرأه ‪44‬ا(‪ )3‬ابن ع ‪44‬امر(‪ ،)4‬ف ‪44‬دل ه ‪44‬ذا على ص ‪44‬حة م ‪44‬ا قال ‪44‬ه(‪)5‬‬
‫اله‪44 4‬روي(‪ ،)6‬وحك‪444‬اه عمن تقدم‪44 4‬ه‪ ،‬وظ‪444‬اهر كالم ابن إس‪44 4‬حاق(‪ :)7‬أن الالم من قول‪44 4‬ه تع ‪44‬الى‪:‬‬
‫"إِلِ ِ‬
‫يالف قَُر ْي ٍ‬
‫ش"(‪)8‬متعلقة(‪)9‬بقوله سبحانه‪((" :‬فجعلهم كعصف م‪44‬اكول))"(‪ ،)10‬وق‪44‬د قال‪44‬ه غ‪44‬يره‪.‬‬

‫‪ - 1‬ألفت الشيء وألفت فالنا إذا أنست به وألفت بينهم تأليفا إذا جمعت بينهم بعـد تفـرق وألفت الشـيء تأليفـا إذا وصـلت بعضـه ببعض‬
‫ومنه تأليف الكتب وألفت الشيء أي وصلته وآلفت فالنا الشيء إذا ألزمته إياه أولفه إيالفا‪ .‬لسان العرب مج‪ 1 :‬ص‪.133 :‬‬
‫‪ - 2‬يقول ابن الجزري في كتابه النشر في القراءات العشر ج‪ 2 :‬ص‪ :403 :‬واختلفوا في (لئالف قريش) فقرأ ابن عامر بغير ياء بعد‬
‫الهمزة مثل لعالف مصدر ألف ثالثيا ً يقال ألف الرجل ألفا ً وإالفا وقرأ أبو جعفر بياء ساكنة من غير همز وقيل أنه لما أبدل الثانية يــاء‬
‫حذف األولى حذفا ً على غير قياس ويحتمل أن يكون األصل عنده ثالثيا ً كقراءة ابن عــامر ثم خفــف كإبــل ثم أبــدل على أصــله‪ ،‬ويــدل‬
‫على ذلك قراءته الحرف الثاني كذلك وهللا أعلم‪ .‬وقرأ الباقون بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة ‪.‬‬
‫‪ - 3‬وقرأ السـبعة إال ابن عـامر‪ :‬إِل ِيالفِ بيـاء سـاكنة بعـد الهمـزة‪ ،‬وقـرأ ابن عـامر بحـذف هـذه اليـاء‪ .‬الـوافي في شـرح الشـاطبية في‬
‫القراءات السبع لعبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي ص‪.381 :‬‬
‫‪ - 4‬ابن عامر (ت ‪ 118‬هـ)‪ :‬عبد هللا بن عامر بن يزيد أبو عمران اليحصبي الشامي‪ ،‬أحد القراء السبعة‪ .‬تنظر‪ :‬األعالم‪ .‬ج‪ .4 :‬ص‪:‬‬
‫‪.95‬‬
‫‪ - 5‬وقال الهروي في الغريبين‪ :‬اإليالف عهود بينهم وبين الملوك فكان هاشم يؤالف ملك الشــام والمطلب كســرى وعبــد شــمس ونوفـل‬
‫يؤالفان ملك مصر والحبشة‪ .‬قال‪ :‬ومعنى يؤالف يعاهد ويصالح‪ .‬روح المعاني لأللوسي ج‪ 30 :‬ص‪238 :‬‬
‫‪ - 6‬أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الباشاني‪ ،‬صاحب الغريبين أبو عبيد الهروي‪ ،‬مات في شهر رجب سنة إحــدى وأربعمائــة‪ .‬ينظــر‪:‬‬
‫بغية الوعاة‪ .‬ج‪ .1 :‬ص‪.371 :‬‬
‫‪ - 7‬سبق التعريف به‪.‬‬
‫‪ - 8‬سورة قريش‪ .‬اآلية‪.1 :‬‬
‫‪ - 9‬قوله "إليالف" وهو مصدر ألف يألف على غير المصدر‪ ،‬وقيل‪ :‬آلف يؤالف‪ ،‬قاله الخليل‪ ،‬وإيالفهم هذا يدل من األول على معــنى‬
‫البيان‪ .‬وهو متعلق بما قبله وال يجوز أن يكون متعلقا بما بعده‪ ،‬وهو قوله تعالى‪" :‬فليعبدوا رب هذا البيت"‪ .‬أحكام القرآن البن العــربي‬
‫مج‪ 4 :‬ص‪1981 :‬‬
‫‪ - 10‬سورة الفيل‪ .‬اآلية‪.5 :‬‬

‫‪117‬‬
‫وم‪44‬ذهب الخلي‪44‬ل(‪ )1‬وس‪44‬يبويه(‪ )2‬أنه‪44‬ا متعلق‪44‬ة بقول‪44‬ه‪ ((" :‬فليعب‪44‬دوا رب ه‪44‬ذا ال‪44‬بيت))" (‪ ،)3‬أي‬
‫فليعبدوه من أجل ما فعل بهم(‪.)4‬‬

‫وقال قوم(‪ :)5‬هي الم التعجب‪ ،‬وهي متعلقة بمضمر‪ ،‬كأنه قال‪ :‬إعجب إليالف قريش‪ ،‬كما‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم في س‪44‬عد بن مع‪44‬اذ(‪ )6‬رض‪44‬ي اهلل عن‪44‬ه حين دفن‪(( :‬س‪44‬بحان اهلل له‪44‬ذا‬
‫العب‪44‬د الص‪44‬الح ض‪44‬م في ق‪44‬بره ح‪44‬تى ف‪44‬رج اهلل عن‪44‬ه))(‪ ،)7‬وق‪44‬ال في عب‪44‬د حبش‪44‬ي م‪44‬ات بالمدين‪44‬ة‪:‬‬
‫((لهذا العبد الحبش‪44‬ي ج‪4‬اء من أرضه وس‪44‬مائه إلى األرض ال‪44‬تي خلق منه‪44‬ا))(‪ ،)8‬أي إعجب‪44‬وا‬
‫لهذا العبد الصالح})(‪ .)9‬وغ‪44‬ير ه‪4‬ذا كث‪44‬ير في كتاب‪4‬ه الم‪4‬اتع لكن‪44‬ني اكتفي في ه‪44‬ذا المق‪4‬ام بمث‪44‬ال‬
‫واحد خشية الطول‬

‫من خالل ما سبقت اإلشارة إليه يتبين أن السهيلي حظي بالحظ األوف‪4‬ر في الج‪4‬انب اللغ‪44‬وي‪،‬‬
‫وق ‪44 4‬د طغى ه ‪44 4‬ذا الج ‪44 4‬انب على ثقافت ‪44 4‬ه ح ‪44 4‬تى ص ‪44 4‬ارت ل ‪44 4‬ه في ‪44 4‬ه أق ‪44 4‬وال تناقلته ‪44 4‬ا بعض مع ‪44 4‬اجم‬
‫اللغ‪44‬ة(‪ ،)10‬كم‪4‬ا ش‪4‬ذت طائف‪4‬ة من الب‪44‬احثين فأوس‪44‬عوا له‪44‬ا في أبح‪4‬اثهم ودراس‪44‬اتهم(‪ ،)11‬وأش‪44‬ادوا‬
‫‪ - 1‬الخليل اإلمام‪ ،‬صاحب العربية‪ ،‬ومنشئ علم العروض‪ ،‬أبو عبد الرحمن‪ ،‬الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬البصري‪ ،‬أحد االعالم‪ .‬مــات‬
‫سنة بضع وستين ومئة‪ ،‬وقيل‪ :‬بقي إلى سنة سبعين ومئة‪ .‬ينظر‪ :‬سير أعالم النبالء‪ .‬ج‪ .7 :‬ص‪.429 :‬‬
‫‪" - 2‬سيبويه عمرو بن عثمان بن قنبر‪ ،‬يُكنى أبا بشر‪ ،‬مولى لبني الحارث‪ .‬ولد بقرية من قرى شيراز‪ ،‬يقال لها البيضاء‪ .‬وفــد البصــرة‬
‫يكتب الحديث‪ ،‬فلزم حلقة حماد بن سلمة‪ ،‬فاستملى منه يوما قول النــبي صــلى هللا عليــه وســلم‪" :‬ليس أحــد من أصــحابي إال لــو شــئت‬
‫أخذت عليه‪ ،‬ليس أبا الدرداء" ‪ ،‬فقال سيبويه‪ :‬ليس أبو الدرداء‪ .‬فقال له أبــو حمــاد‪ :‬لحنت يــا ســيبويه‪ ،‬ليس هــذا حيث ذهبت‪ " ،‬ليس "‬
‫ـدثك هشــام عن‬ ‫استثناء‪ .‬فقال‪ :‬سأطلب علما ال تلحنني فيه‪ .‬فلزم الخليل‪ .‬وروى عبيد هللا بن معاذ‪ ،‬قال‪ :‬جاء سيبويه إلى حماد فقــال‪ :‬أحـ َّ‬
‫أبيه‪ ،‬في رجل رعُف في الصالة فانصرف‪ .‬فقال له‪ :‬أخطأت‪ ،‬إنما هو " َر َعف " ‪ .‬فانصرف إلى الخليل‪ ،‬فســأله‪ ،‬فقــال‪ :‬صــدق حمــاد‪.‬‬
‫بزائـر ال ُي َمـ لُّ‪ .‬إال لسـيبويه"‪ .‬تـاريخ العلمـاء النحـويين ألبي‬‫ٍ‬ ‫قال المخزومي‪ ،‬وكان كثـير المجالسـة للخليـل‪ :‬مـا سـمعته يقـول‪ :‬مرحبـا ً‬
‫المحاسن التنوخي‪ ,‬ص‪.94 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة قريش‪ .‬اآلية‪.3 :‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬وسألت الخليل عن قوله جل ذكره‪َ " :‬وإِنَّ َه ِذ ِه أ َّم ُت ُك ْم أمَّة َواحِدَ ًة َوأ َنــا َر ُّب ُك ْم َفــا َّتقُ ِ‬
‫ون "‪ ،‬فقــال‪ :‬إ َّنمــا هــو على حــذف الالم‪ ،‬كأنــه قــال‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫قريش " ألنه إنما هو‪ :‬لذلك " فليعبدوا"‪ .‬الكتاب لسيبويه ج‪3 :‬‬ ‫ٍ‬ ‫أمة واحد ًة وأنا ربُّكم فاتقون‪ .‬وقال‪ :‬ونظيرها‪ " :‬إليالف‬ ‫وألن هذه أمتكم ً‬
‫ص‪.127:‬‬
‫‪ - 5‬وقيل‪ :‬إنها للتعجب‪ ،‬أي اعجبوا إليالف قريش‪ ،‬حكاه القرطبي عن الكسائي واألخفش‪ .‬أضواء البيان للشنقيطي ج‪ 9 :‬ص‪.109 :‬‬
‫‪ - 6‬سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد األشهل بن جشم بن الحــارث بن الخــزرج بن النــبيت بن مالك بن األوس‬
‫األنصاري األشهلي سيد األوس‪ ،‬وأمه كبشة بنت رافع لها صحبة ويكنى أبا عمرو شهد بدرا باتفــاق ورمي بســهم يــوم الخنــدق فعــاشـ‬
‫بعد ذلك شهرا حتى حكم في بـني قريظـة وأجيبت دعوتـه في ذلـك ثم انتقض جرحـه فمـات‪ .‬اإلصـابة في تميـيز الصـحابة ج‪ 3 :‬ص‪:‬‬
‫‪.84‬‬
‫‪ - 7‬ورد في جامع األحاديث للسيوطي ج‪ 34 :‬ص‪ 98 :‬عن جابر بلفظ "لهذا العبد الصالح الـذى اهـتز لـه العـرش وفتحت لـه أبـواب‬
‫السماء شدد عليه ثم فرج عنه"‪.‬‬
‫‪ - 8‬ورد في عمدة القاري‪ .‬ج‪ .13 :‬ص‪ . 155 :‬بلفظ‪" :‬فقال ال إله إال هللا سيق من أرضه وسمائه إلى تربته التي منها خلق"‪.‬‬
‫‪ - 9‬الروض األنف‪ .‬ج‪ .1 :‬ص‪.285 :‬‬
‫‪ -10‬أكثر الزبيدي من إيراد هذه النقول واالتكاء عليها في االحتجاج لكثير من المفردات‪ .‬ينظر‪ :‬تاج العــــروس‪ .‬مــــج‪ .1 :‬ج‪ .1 :‬ص‪:‬‬
‫‪ – 120‬مج‪ .1 :‬ج‪ .1 :‬ص‪ – 154 :‬مج‪ .1 :‬ج‪ .2 :‬ص‪ – 56 :‬مج‪ .1 :‬ج‪ .2 :‬ص‪ – 67 :‬مج‪ .1 :‬ج‪ .2 :‬ص‪ – 257 :‬وكـــــذا‪:‬‬
‫لسان العرب‪ .‬مج‪ .5 :‬ص‪ – 85 :‬مج‪ .2 :‬ص‪ – 24 :‬مج‪ .3 :‬ص‪.99 :‬‬
‫‪ -11‬عقد محمد إبراهيم البنا فصال للفكر اللغوي عند السهيلي في دراسته لمذهبه النحوي من كتابه الموسوم "أبو القاسم السهيلي ومذهبه‬
‫النحوي ص‪.228 – 202 :‬‬

‫‪118‬‬
‫بفك‪4‬ر ص‪4‬احبها ونوه‪4‬وا بجه‪4‬ده‪ ،‬وأق‪4‬روا بي‪4‬ده الط‪4‬ولى في إث‪4‬راء الحرك‪4‬ة اللغوي‪4‬ة في األن‪4‬دلس‪.‬‬
‫نستنتج من هذا أن السهيلي لم يكن مجرد رمز من رموز الموسوعة اللغوية في زمان‪44‬ه‪ ،‬ب‪44‬ل‬
‫بوأ نفسه مقعد اللغ‪44‬وي الناق‪44‬د ال‪44‬ذي ال ي‪4‬زن رج‪44‬ال اللغ‪44‬ة بم‪44‬ا اش‪44‬تهر عنهم وذاع‪ ،‬ولكن ي‪4‬زنهم‬
‫بمعايير دقيقة‪ ،‬ولعله كان كذلك في أعين بعض معاصريه حكما مرموقا(‪.)1‬‬

‫وهك ‪44‬ذا اع‪44‬ترف ألبي عبي‪44‬دة بأن‪44‬ه‪" :‬عالم‪44‬ة بكالم الع ‪44‬رب"(‪ ،)2‬والبن ف‪44‬ارس بأن ‪44‬ه‪" :‬عم‪44‬دة في‬
‫اللغة"‪ ،‬والبن إسحاق بالفصاحة(‪ ،)3‬رغم شهرته كسيري وم‪44‬ؤرخ‪ ،‬كم‪44‬ا احتج بلغ‪44‬ة أبي تم‪4‬ام‬
‫الش ‪44‬عرية‪ ،‬رغم كون ‪44‬ه مول ‪44‬دا ألن ‪44‬ه لم يلحن ق ‪44‬ط(‪ ... )4‬وفي المقاب ‪44‬ل ع ‪44‬رض بلغ ‪44‬ويين كب ‪44‬ار‪،‬‬
‫كابن ج‪4‬ني ال‪44‬ذي ق‪4‬ال في‪4‬ه‪" :‬لم يص‪4‬ب المفص‪4‬ل في مس‪44‬ألة لغوي‪4‬ة"(‪ ،)5‬وغ‪44‬يره من األعالم‪ .‬إال‬
‫أنه كان أكثر تعريضا ب‪4‬ابن س‪4‬يده الغرن‪44‬اطي‪ ،‬ص‪44‬احب "المحكم"‪ ،‬ال‪44‬ذي وص‪4‬ف إح‪4‬دى هفوات‪4‬ه‬
‫اللغوية بأنها‪" :‬هفوة ال تقال‪ ،‬وعثرة ال لع‪44‬ا له‪44‬ا"‪ ،‬وزاد‪" :‬وكم ل‪44‬ه من ه‪44‬ذا إذا تكلم في النس‪44‬ب‬
‫وغيره"(‪.)6‬‬

‫وإ ذا ك‪4‬ان الس‪44‬هيلي ق‪44‬د ع‪44‬رف بمش‪4‬اركته في العل‪44‬وم اللغوي‪44‬ة واألدبي‪44‬ة‪ ،‬ف‪4‬إن علم النح‪44‬و ق‪44‬د ح‪44‬از‬
‫من ه‪44‬ذه الحص‪44‬يلة المعرفي‪44‬ة ش‪44‬أوا بعي‪44‬دا‪ ،‬ولن أك‪44‬ون مغالي‪44‬ا إذا قلت ب‪44‬أن ه‪44‬ذا العلم ك‪44‬ان دي‪44‬دن‬
‫الس‪44‬هيلي وهج‪44‬يراه(‪ ،)7‬فال يك‪44‬اد يخل‪44‬و مبحث من كتب‪44‬ه وأمالي‪44‬ه من اعتم‪44‬اد علي‪44‬ه‪ ،‬ولق‪44‬د ك‪44‬ان‬
‫شغوفا بالتنقير عن علله‪ ،‬إلى درجة لفتت نظر معاصريه‪ ،‬وهكذا مضى الس‪44‬هيلي على آث‪44‬ار‬
‫الس‪444‬لف من أه‪444‬ل ه‪444‬ذا الفن‪ُ ،‬ي ْع ِم‪ُ 44‬ل نظ‪444‬ره الث‪444‬اقب في المس ‪44‬ائل النحوي ‪44‬ة‪ ،‬فيس ‪44‬تدرك على من‬

‫‪ - 1‬من هؤالء الفقيه أبو إســحاق بن قرقــول الـذي استفسـره عن عـدد من اإلشـكاالتـ النحويــة واللغويــة‪ ،‬تنظـر مسائلـــه اللغويــــة في‬
‫أمالـــي السهيلــي‪ :‬المسألة ‪ .11‬ص‪ .60 :‬والمسألة ‪ .35‬ص‪ .89 :‬والمسألة ‪ .63‬ص‪.115 :‬‬
‫‪ - 2‬الروض األنف‪ .‬ج‪ .6 :‬ص‪.567 :‬‬
‫‪ - 3‬المصدر نفسه‪ .‬ج‪ .5 :‬ص‪ . 69 :‬يقول‪( :‬وإنما أعجبتني فصاحة ابن إسحاق في قوله‪" :‬بقية شهر كذا وشهر كذا‪ ،‬وجمادين‪ ،‬ورجبا‬
‫وشعبان‪ ،‬ونزل األلفاظ منازلها عند أرباب اللغة الفاهمين لحقائقها)‪.‬‬
‫‪ - 4‬الروض األنف‪ .‬ج‪ .2 :‬ص‪.103 :‬‬
‫‪ - 5‬المصدر نفسه‪ .‬ج‪ .4 :‬ص‪.391 :‬‬
‫‪ - 6‬المصدر نفسه‪ .‬ج‪ .5 :‬ص‪.357 :‬‬
‫دأبه وشأْنه وعادتــه لســان العــرب‪ .‬مج‪:‬‬‫ُور َت ُه و َد ْأ َبه و َد ْي َد َن ُه أَي ْ‬
‫‪ - 7‬هِجِّ يراه وإِجْ ِريَّاه وإِهْ ِجيراهُ وإِهْ ِجيرا َءه بالمد والقصر وهِجِّ يره وأُهْ ج َ‬
‫‪ 15‬ص‪.25 :‬‬

‫‪119‬‬
‫س ‪44‬بقه‪ ،‬ك ‪44‬ابن قتيب ‪44‬ة(‪ ،)1‬وابن ج ‪44‬ني(‪ ،)2‬وغيرهم ‪44‬ا‪ ،‬ويس ‪44‬تحدث علال جدي ‪44‬دة‪ ،‬يس ‪44‬اعده في ذل ‪44‬ك‬
‫طاقة عقلية جبارة‪ ،‬وتمكن من اللغة واسع‪ ،‬واقتناع بأهمية هذه الدراسة‪ ،‬فأهله كل ذل‪44‬ك إلى‬
‫أن يعتمد هذا النهج أساسا في أبحاثه‪ ،‬ويجاهر به في مواطن من تآليف‪44‬ه(‪ ،)3‬ولق‪44‬د ش‪44‬غله ذل‪44‬ك‬
‫واستأثر باهتمامه ولم يكن كتابه الروض بمعزل عن ه‪44‬ذا يش‪44‬هد له‪44‬ذا ق‪44‬ول الس‪44‬هيلي في قول‪44‬ه‬
‫‪6‬ير ))"(‪ )5‬ارتف‪66‬ع ربي‪6‬ون على تفس‪66‬ير(‪)6‬‬ ‫مع ُه ِر ِّبي َ ِ‬ ‫تع‪44‬الى‪َ ((" ( :‬و َكأ َِّي ْن ِم ْن َن ِب ٍّي َقاتَ َل‬
‫ُّون َكث‪ٌ 6‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ََ‬
‫ابن إس‪666‬حاق باالبت‪666‬داء‪ ،‬والجمل‪666‬ة في موض‪666‬ع الح‪666‬ال من الض‪666‬مير في قت‪666‬ل‪ ،‬وه ‪66‬ذا أص ‪66‬ح‬
‫َص َاب ُه ْم"‪ ،‬ولو كانوا هم المقت‪66‬ولين م‪66‬ا ق‪66‬ال فيهم‪:‬‬ ‫ِ‬
‫التفسيرين( )‪ ،‬ألنه قال‪ " :‬فَ َما َو َه ُنوا ل َما أ َ‬
‫‪7‬‬

‫ما وهنوا لم‪6‬ا أص‪6‬ابهم‪ ،‬أي م‪6‬ا ض‪6‬عفوا‪ ،‬وق‪6‬د يخ‪6‬رج أيض‪6‬ا ق‪6‬ول من ق‪6‬ال‪ :‬ربي‪6‬ون مفع‪6‬ول لم‬
‫يسم فاعله(‪ )8‬بقتل‪ ،‬على أن يكون معنى قوله‪ :‬فم‪6‬ا وهن‪6‬وا أي م‪6‬ا وهن الب‪6‬اقون منهم لم‪6‬ا‬
‫أصيبوا به من قتل إخوانهم‪ ،‬وهذا وجه‪ ،‬ولكن سبب نزول اآلية ي‪66‬دل على ص‪66‬حة التفس‪66‬ير‬
‫األول‪.‬‬

‫وقول‪66‬ه‪" :‬ربي‪66‬ون" وهم الجماع‪66‬ات في ق‪66‬ول أه‪66‬ل اللغ‪66‬ة(‪ ،)9‬وقــال ابن مس‪66‬عود(‪ )10‬ربي‪66‬ون‪:‬‬
‫ألوف‪ ،‬وقال(‪ )11‬أبان(‪ )12‬بن تغلب‪ :‬الربي‪ :‬عشرة آالف‪.)13()}.‬‬

‫ِّك لَ َنحْ ُ‬
‫شـ َر َّن ُه ْم‬ ‫‪ - 1‬يقــول الســهيلي في‪ :‬الــروض‪ .‬ج‪ 7 :‬ص‪ :297 :‬قــال الخطــابي‪ :‬هــذه غفلــة من ابن قتيبة‪ ،‬فــإن في أول اآليــة " َف َو َرب َ‬
‫ار ُد َها "سورة‪ :‬مريم‪ .‬اآلية‪ .71 :‬داخل تحت القسم المتقدم‪.‬‬ ‫ين"‪ .‬سورة‪ :‬مريم‪ .‬اآلية‪ ،68 :‬وقوله‪َ " :‬وإِنْ ِم ْن ُك ْم إِاَّل َو ِ‬ ‫َوال َّشيَاطِ َ‬
‫‪ - 2‬تعقب السهيلي ابن جني بقوله‪ :‬برفع البر على االبتداء‪ ،‬وأول خبر له‪ ،‬وقد يحتمل في الظــاهر أن يكــون ظرفــا في موضــع الخــبر‪،‬‬
‫ولكن ال يجوز ذلك في هذه الظـروف المبنيــة على الضـم أن تكـون خـبر المبتــدإ‪ ،‬ال تقـول‪ :‬الصـالة‪ ،‬قبــل إال أن تقـول‪ :‬قبــل كــذا‪ ،‬وال‬
‫الخروج بعد إال أن تقول‪ :‬بعد كذا‪ ،‬وذلك لسر دقيق قد حوم عليهما ابن جني فلم يصب المفصل‪ .‬المصدر نفسه‪ .‬ج‪ .4 :‬ص‪.391 :‬‬
‫‪ - 3‬أنظر تنصيصا على ذلك في مقدمة الروض األنف‪ .‬ج‪ .1 :‬ص‪ .4 :‬ونتائج الفكر‪ .‬ص‪.35 :‬‬
‫‪ - 4‬وفي سراج القارئ ألبي القاسم علي بن عثمان بن محمد الفاصح العذري ـ بتصرف ـ‪ .‬ص‪ 184 :‬قــال‪ :‬أخبرــ يعــني الشــاطبي ــ‬
‫أن المشار إليهم بالذال من قوله‪( :‬ذو وال) وهم الكوفيون‪ ،‬وابن عامر‪ ،‬قرءوا‪(( :‬قاتل معـه ربيـون)) بالمـد‪ ،‬أي بـألف قبــل التـاء وبعـد‬
‫القاف‪ ،‬وفتح ضم القاف‪ ،‬وفتح كسر التاء‪ ،‬فتعين للباقين القراءة بالقصر‪ ،‬أي بحذف األلف وضم القاف وكسر التاء‪..‬‬
‫وهو ما أشار إليه صاحبـ الشاطبية بقوله‪:‬‬
‫ض ِّم َو ْال َكسْ ِر ُذو ِوالَ‬
‫َوالَ َيا َء َم ْكسُوراً َو َقا َت َل َبعْ دَ هُ **** ُي َم ُّد َو َف ْت ُح ال َّ‬
‫‪ - 5‬سورة آل عمران‪ .‬اآلية‪.146 :‬‬
‫‪ - 6‬السيرة النبوية البن هشام‪ .‬ج‪ .3 :‬ص‪.59 :‬‬
‫‪ - 7‬ويؤيد هذا ما سطره الفخر الرازي في تفسيره بقوله‪ " :‬وقوله‪( :‬معه ربيون) حال بمعنى قتل حـال مـا كـان معـه ربيـون‪ ،‬أو يكـون‬
‫على معنى التقديم والتأخير‪ ،‬أي وكأين من نبي معه ربيون كثير قتل فما وهن الربيون على كثرتهم"‪ .‬مفاتيح الغيب ج‪ 9 :‬ص‪.380 :‬‬
‫‪ - 8‬من القائلين بهذا القول اإلمام ابن جزي في تفسيره‪ :‬التسهيل لعلوم التنزيل ج‪ 1 :‬ص‪.166 :‬‬
‫‪ - 9‬تاج العروس مج ‪ 1‬ج ‪ 2‬ص‪ 294.‬وينظر لسان العرب مج ‪ 6‬ص ‪.93‬‬
‫‪ - 10‬الدر المنثور للسيوطي ج‪ 2 :‬ص‪.340 :‬‬
‫‪ - 11‬اللباب في علوم الكتاب ج‪ 5 :‬ص‪.587 :‬‬
‫‪ - 12‬أبان بن تغلب الكوفي الشيعي‪ ،‬لكنه صدوق وعليه بدعته‪ ،‬وقد وثقه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم‪ .‬ينظر‪ :‬ميزان االعتــدال‪.‬‬
‫ج‪ .1 :‬ص‪.5 :‬‬
‫‪ - 13‬الروض األنف‪ .‬ج‪ .6 :‬ص‪.85 :‬‬

‫‪120‬‬
‫وإ ذا تح ‪44‬دثنا عن الس‪44‬هيلي وعمل‪44‬ه في كتاب ‪44‬ه الفري ‪44‬د "ال ‪44‬روض األن‪44‬ف" نك‪44‬اد نج‪44‬زم أن معالج ‪44‬ة‬
‫السيرة النبوية ودراستها ألسباب بالغية أمر ال نكاد نجد له أث‪4‬را في دراس‪4‬ة الس‪4‬ابقين‪ ,‬وه‪4‬ذا‬
‫الحكم ال يك‪44‬اد يس‪44‬تثنى من‪44‬ه أح‪44‬د اللهم م‪44‬ا ك‪44‬ان من الس‪44‬هيلي ف‪44‬إن كتاب‪44‬ه ق‪44‬د احت‪44‬وى على نكت‬
‫بالغية‪.‬‬

‫ففي تحليل‪44‬ه للص‪44‬ورة البياني ‪44‬ة‪ ،‬يغ‪44‬وص في أس‪44‬رار جماله ‪44‬ا‪ ،‬وه ‪44‬و ط‪44‬ابع "المدرس‪44‬ة األندلس‪44‬ية"‬
‫التي تعنى بالقواعد البالغية‪ ،‬السيما علم المعاني‪ ،‬حيث نرى اإلم‪4‬ام ي‪4‬ذكر أق‪4‬وال البالغ‪4‬يين‪،‬‬
‫وينق ‪44‬ل عنهم‪ ،‬كالجرج ‪44‬اني في كتابي ‪44‬ه‪ :‬أس ‪44‬رار البالغ ‪44‬ة‪ ،‬ودالئ ‪44‬ل اإلعج ‪44‬از‪ ,‬يش ‪44‬هد لم ‪44‬ا ذكرن ‪44‬ا‬
‫قول‪44 4‬ه‪«( :‬فص‪44 4‬ل لرب‪44 4‬ك وانح‪44 4‬ر إن ش‪44 4‬انئك ه‪44 4‬و األب‪44 4‬تر» ولم يق‪44 4‬ل‪ :‬إن ش‪44 4‬انئك أب‪44 4‬تر يتض‪44 4‬من‬
‫اختصاصه بهذا الوصف‪ ،‬ألن هو في مثل هذا الموض‪44‬ع تعطي االختص‪44‬اص‪ ،‬مث‪44‬ل أن يق‪44‬ول‬
‫قائل‪ :‬إن زيدا فاسق‪ ،‬فال يكون مخصوصا بهذا الوصف دون غيره‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬إن زيدا ه‪44‬و‬
‫الفاس ‪44‬ق‪ ،‬فمعن ‪44‬اه‪ :‬ه ‪44‬و الفاس ‪44‬ق ال ‪44‬ذي زعمت‪ ،‬ف ‪44‬دل على أن بالحض ‪44‬رة من ي ‪44‬زعم غ ‪44‬ير ذل ‪44‬ك‪،‬‬
‫وهكذا قال الجرجاني وغيره في تفسير هذه اآلية أن هو تعطي االختصاص‪.)1( )،‬‬

‫والس‪44‬هيلي وه‪44‬و يتح‪44‬دث عن المج‪44‬از‪ ،‬تع‪44‬رض لحجيت‪44‬ه في اللغ‪44‬ة‪ ،‬عن‪44‬د قول‪44‬ه تع‪44‬الى‪َ " :‬وَبلَ َغ ِت‬
‫‪4‬وب اْل َحن ‪ِ 4 4‬‬
‫‪4‬اج َر "‪ ،‬والقلب ال ينتق ‪44 4‬ل من‬ ‫ِ‬ ‫‪4‬وب اْل َحن ‪ِ 4 4‬‬
‫‪4‬اج َر "( )‪ ،‬ق ‪44 4‬ال الس ‪44 4‬هيلي‪َ " :‬وَبلَ َغت اْل ُقلُ ‪ُ 4 4‬‬
‫‪2‬‬
‫اْل ُقلُ ‪ُ 4 4‬‬
‫موض‪44‬عه‪ ،‬ول‪44‬و انتق‪44‬ل إلى الحنج‪44‬رة لم‪44‬ات ص‪44‬احبه‪ ،‬واهلل س‪44‬بحانه ال يق‪44‬ول إال الح‪44‬ق‪ ،‬ففي ه‪44‬ذا‬
‫دلي ‪44‬ل على أن التكلم بالمج ‪44‬از على جه ‪44‬ة المبالغ ‪44‬ة فه ‪44‬و ح ‪44‬ق إذا فهم المخ ‪44‬اطب عن ‪44‬ك‪ ،‬وه ‪44‬ذا‬
‫امهُ "(‪ ،)3‬أي مثله كمثل من يريد أن يفعل الفعل ويهم به‪،‬‬ ‫َن َي ْنقَ َّ‬
‫ض َفأَقَ َ‬ ‫كقوله تعالى‪ُ " :‬ي ِر ُ‬
‫يد أ ْ‬
‫فهو من مجاز التش‪4‬بيه‪ ،‬وك‪44‬ذلك ه‪44‬ؤالء مثلهم فيم‪4‬ا بلغهم من الخ‪44‬وف والوه‪4‬ل وض‪4‬يق الص‪4‬در‬
‫كمثل المنخلع قلبه من موضعه‪ ،‬وقي‪4‬ل ه‪44‬و على ح‪4‬ذف المض‪4‬اف‪ .‬تق‪4‬ديره بل‪4‬غ وجي‪44‬ف القل‪4‬وب‬
‫وب لَ َدى اْل َحَن ِ‬ ‫ِ‬
‫اج ِر "(‪ ،)4‬فال معنى لحمله على المج‪44‬از‪ ،‬ألن‪44‬ه في‬ ‫الحناجر‪ ،‬وأما قوله‪ِ " :‬إذ اْل ُقلُ ُ‬

‫‪ - 1‬الروض األنف‪ .‬ج‪ .3 :‬ص‪.403 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة األحزاب‪ .‬اآلية‪.10 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة الكهف‪ .‬اآلية‪.76 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة غافر‪ .‬اآلية‪.17 :‬‬

‫‪121‬‬
‫صفة هول القيام‪44‬ة‪ ،‬واألم‪4‬ر في‪4‬ه أش‪4‬د مم‪44‬ا تق‪44‬دم‪ ،‬ال س‪4‬يما وق‪4‬د ق‪4‬ال في أخ‪44‬رى‪ " :‬اَل َي ْرتَ‪4ُّ 4‬د ِإلَْي ِه ْم‬
‫اء "(‪ ،)1‬أي ق‪44‬د ف‪44‬ارق القلب الف‪44‬ؤاد وبقي فارغ‪44‬ا ه‪44‬واء‪ ،‬وفي ه‪44‬ذا دلي‪44‬ل‬ ‫ِ‬
‫ط‪4ْ 4‬رفُهُ ْم َوأَ ْفئ‪4َ 4‬دتُهُ ْم َه‪4َ 4‬و ٌ‬
‫َ‬
‫على أن القلب غ‪4‬ير الف‪4‬ؤاد‪ ،‬ك‪4‬أن الف‪4‬ؤاد ه‪4‬و غالف القلب‪ ،‬ويؤي‪4‬ده ق‪4‬ول الن‪4‬بي ص‪4‬لى اهلل علي‪4‬ه‬
‫‪4‬وبهُ ْم‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وسلم في أهل اليمن‪(( :‬ألين قلوب‪44‬ا‪ ،‬وأرق أفئ‪44‬دة))( )‪ ،‬م‪44‬ع قول‪44‬ه تع‪44‬الى‪ ":‬فَ َوْي‪ٌ 4‬ل لْلقاس‪َ4‬ية ُقلُ‪ُ 4‬‬
‫‪2‬‬

‫"(‪ .)3‬ولم يقل‪ :‬للقاسية أفئدتهم‪ ،‬والقسوة(‪ )4‬ضد اللين‪ ،‬فتأمله})(‪.)5‬‬

‫وفي موض‪44‬ع آخ‪44‬ر‪ ،‬نج‪44‬د الس‪44‬هيلي يطل‪44‬ق مص‪44‬طلح المش‪44‬اكلة عن‪44‬د ق‪44‬ول رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى اهلل‬
‫علي‪4‬ه وس‪4‬لم‪" :‬أم‪4‬رت أن أبش‪4‬ر خديج‪4‬ة ب‪4‬بيت من قص‪4‬ب‪ ،‬ال ص‪4‬خب في‪4‬ه وال نص‪4‬ب"(‪ ،)6‬حيث‬
‫فس‪44‬ر ه‪44‬ذا الح‪44‬ديث بن‪44‬اء على المش‪44‬اكلة تفس‪44‬يرا ب‪44‬ديعا‪ ،‬يح‪44‬اول أن يط‪44‬ابق في‪44‬ه بين الج‪44‬زاء في‬
‫اآلخ‪44‬رة الم‪4‬ترتب على العم‪44‬ل الص‪4‬الح في ال‪4‬دنيا‪ ،‬حيث يك‪44‬ون الج‪4‬زاء من جنس العم‪44‬ل‪ .‬يق‪44‬ول‬
‫الس‪44 4‬هيلي‪{( :‬ولقول‪44 4‬ه‪" :‬ب‪44 4‬بيت"‪ ،‬ولم يق‪44 4‬ل‪ :‬بقص‪44 4‬ر‪ ،‬مع‪44 4‬نى الئ‪44 4‬ق بص‪44 4‬ورة الح‪44 4‬ال‪ ،‬وذل‪44 4‬ك أنه‪44 4‬ا‬
‫ك ‪44‬انت(‪ )7‬رب ‪44‬ة بيت إس ‪44‬الم‪ ،‬لم يكن على األرض بيت إس ‪44‬الم إال بيته ‪44‬ا حين آمنت‪ ،‬وأيض ‪44‬ا‪،‬‬
‫فإنها أول من بنى بيتا في اإلسالم بتزويجها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ورغبتها فيه‪،‬‬
‫وجزاء الفعل يذكر بلفظ الفعل‪ ،‬وإ ن كان أشرف منه‪ ،‬لما ج‪4‬اء‪" :‬من كس‪4‬ا مس‪4‬لما على ع‪4‬ري‬
‫كس‪44‬اه اهلل من حل‪44‬ل الجن‪44‬ة‪ ،‬ومن س‪44‬قى مس‪44‬لما على ظم‪44‬إ س‪44‬قاه اهلل من الرحي‪44‬ق (‪ ،)8‬ومن ه‪44‬ذا‬
‫الب‪44‬اب قول‪44‬ه علي‪44‬ه الس‪44‬الم‪" :‬من ب‪44‬نى هلل مس‪44‬جدا ب‪44‬نى اهلل ل‪44‬ه مثل‪44‬ه في الجن‪44‬ة"(‪ .....،)9‬فق‪44‬دقابل‬
‫البني‪44‬ان بالبني‪44‬ان‪ ،‬أي كم‪44‬ا ب‪44‬نى يب‪44‬نى ل‪44‬ه‪ ،‬كم‪44‬ا قاب‪44‬ل الكس‪44‬وة بالكس‪44‬وة‪ ،‬والس‪44‬قيا بالس‪44‬قيا‪ ،‬فه‪44‬ا هن‪44‬ا‬
‫‪ - 1‬سورة إبراهيم‪ .‬اآلية‪.45 :‬‬
‫‪ - 2‬صحيح مسلم‪ .‬كتاب اإليمان‪ .‬باب تفاضل أهل اإليمان فيه‪ .‬رقم‪ .188 :‬مج‪ .2 :‬ص‪.113 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة الزمر‪ .‬اآلية‪.21 :‬‬
‫‪ - 4‬لسان العرب مج‪ 8:‬ص‪.264:‬‬
‫‪ - 5‬الروض األنف‪ .‬ج‪ .6 :‬ص‪.339 – 338 :‬‬
‫هَّللا‬ ‫اَل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُون أنْ ُي َبـ ِّدلوا َك َم ِ "‪ .‬رقم الحــديث‪ 7497 :‬ج‪:‬‬
‫‪ - 6‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ .‬كتاب التوحيد‪ .‬باب قول هللا تعــالى‪ " :‬ي ُِريـد َ‬
‫‪ .13‬ص‪.575 :‬‬

‫‪ - 7‬يعني خديجة وهي‪ ":‬خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية األسدية‪ ،‬زوج النبي صلى هللا عليه و سلم‪ ،‬وأول‬
‫من صدقت ببعثته مطلقا‪.... ،‬وكان سبب رغبتها فيه ما حكاه لها غالمها ميسرة مما شاهده من عالمات النبوة قبل البعثة‪ ،‬ومما سمعته‬
‫من بحيرا الراهب في حقــه لمــا ســافر معــه ميســرة في تجــارة خديجــة‪ ،‬وولــدت من رسـول هللا صــلى هللا عليــه و ســلم أوالده كلهم إال‬
‫إبراهيم"‪ .‬اإلصابة في تمييز الصحابة ألحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالني‪ ,‬ج‪ 7 :‬ص‪.600 :‬‬

‫‪ - 8‬فيض القدير‪ .‬ج‪ .4 :‬ص‪.654 :‬‬


‫‪ - 9‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ .‬كتاب المساجد والجماعات‪ .‬رقم الحديث‪ .736 :‬ج‪ .1 :‬ص‪.301 :‬‬

‫‪122‬‬
‫وقت المماثلة‪ ،‬ال في ذات المب‪44‬ني أو المكس‪44‬و‪ ،‬وإ ذا ثبت ه‪44‬ذا‪ ،‬فمن ه‪4‬ا هن‪4‬ا اقتض‪4‬ت الفص‪4‬احة‬
‫أن يعبر لها عما بشرت به بلفظ البيت‪ ،‬وإ ن كان فيه ما ال عين رأت‪44‬ه‪ ،‬وال أذن س‪44‬معته‪ ،‬وال‬
‫خط ‪44‬ر على قلب بش ‪44‬ر‪ ،‬ومن تس ‪44‬مية الج ‪44‬زاء على الفع ‪44‬ل بالفع ‪44‬ل في عكس م ‪44‬ا ذكرن ‪44‬اه‪ ،‬قول ‪44‬ه‬
‫تعالى‪َ " :‬ن ُسوا اللَّهَ فََن ِسَيهُ ْم "(‪ ،)1‬و " َو َم َك ُروا َو َم َك َر اللَّهُ " (‪.)3())2‬‬

‫ويت‪44‬ابع الس‪44‬هيلي كالم‪44‬ه في توض‪44‬يح المش‪44‬اكلة في بقي‪44‬ة ألف‪44‬اظ الح‪44‬ديث النب‪44‬وي‪ ،‬فيق‪44‬ول‪{( :‬وأم‪44‬ا‬
‫قوله‪" :‬ال صخب فيه وال نصب"‪ ،‬فإنه أيضا من باب ما كنا بسبيله‪ ،‬ألنه عليه السالم دعاها‬
‫إلى اإليم‪44‬ان فأجابت‪44‬ه عف‪44‬وا‪ ،‬لم تحوج‪44‬ه إلى أن يص‪44‬خب كم‪44‬ا يص‪44‬خب البع‪44‬ل إذا تعص‪44‬ت علي‪44‬ه‬
‫حليلته‪ ،‬وال أن ينصب‪ ،‬بل أزالت عنه كل نصب‪ ،‬وآنسته من كل وحشة‪ ،‬وهونت عليه كل‬
‫مكروه‪ ،‬وأراحته بمالها من كل كد ونصب‪ ،‬فوصف منزلها الذي بشرت به بالصفة المقابلة‬
‫لفعالها وصورته}((‪.)4‬‬

‫ونافلة الق‪66‬ول‪ :‬إن الس‪44‬هيلي ب‪44‬ذل جه‪44‬دا لغوي‪44‬ا ونحوي‪44‬ا وبالغي‪44‬ا خالل ش‪44‬رحه لنص‪44‬وص س‪44‬يرة‬
‫ابن هش‪44‬ام وه‪44‬و الش‪44‬يء الجدي‪44‬د ال‪44‬ذي جع‪44‬ل جمل‪44‬ة من العلم‪44‬اء ينوه‪44‬ون ب‪44‬ه وبكتاب‪44‬ه "ال‪44‬روض‬
‫األن‪44 4‬ف" فال غ‪44 4‬رو إذن أن يص‪44 4‬فه ابن دحي‪44 4‬ة "بالمذهبي‪44 4‬ة " وأن يص‪44 4‬فه القفطي بأن‪44 4‬ه دال على‬
‫(فضل السهيلي ونبله وعظمته وسعة علمه)وأن ينعته الذهبي بأن‪4‬ه في روض‪4‬ه "أج‪4‬اد وأف‪4‬اد "‬
‫ويشهد ابن كثير بأنه ذكر في "الروض"" نكتا حسنة على السيرة لم يسبق إلى شيء منها أو‬
‫إلى أكثرها " وأن ينعت الصفدي "الروض " بأنه (كتاب جليل جود فيه السهيلي ما شاء "‪.‬‬

‫وعموما ‪:‬‬

‫‪ - 1‬ففي "ال‪44‬روض" ذخ‪44‬يرة علمي‪44‬ة‪ ،‬وأدبي‪44‬ة‪ ،‬وبالغي‪44‬ة‪ ،‬ال يس‪44‬تهان به‪44‬ا‪ ،‬فهي ك‪44‬نز من كن‪44‬وز‬
‫ال ‪44 4‬تراث الع ‪44 4‬ربي اإلس ‪44 4‬المي‪ ،‬أب ‪44 4‬ان في ‪44 4‬ه ص ‪44 4‬احبه عن م ‪44 4‬دى قدرت ‪44 4‬ه على اس ‪44 4‬تخراج اللفت ‪44 4‬ات‬

‫‪ - 1‬سورة التوبة اآلية‪.67 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة آل عمران اآلية‪.53 :‬‬
‫‪ - 3‬الروض األنف‪ .‬ج‪ .2 :‬ص‪.427-426 :‬‬
‫‪ - 4‬الروض األنف‪ .‬ج‪ .2 :‬ص‪.429-428 :‬‬

‫‪123‬‬
‫الجمالية‪ ،‬واالستمتاع بها بعد تأملها‪ ،‬مما يسهم في تربية الحاسة الفني‪44‬ة عن‪44‬د الب‪4‬احث‪ ،‬نتلمس‬
‫هذا من خالل ما عرضه السهيلي في سورة المسد‪ ،‬حيث فرق فيه‪44‬ا بين الجي‪44‬د والعن‪44‬ق‪ ،‬ألن‬
‫األول للحلي‪ ،‬والث ‪44 4‬اني لألغالل‪ ،‬ق ‪44 4‬ال‪{( :‬في جي ‪44 4‬دها‪ ،‬ولم يق ‪44 4‬ل‪ :‬في عنقه ‪44 4‬ا‪ ،‬والمع ‪44 4‬روف أن‬
‫َغالاًل "(‪،)1‬‬ ‫َعن ِ‬
‫‪4‬اق ِه ْم أ ْ‬ ‫ص‪ْ 4‬فع‪ ،‬كم‪4‬ا ق‪4‬ال تع‪4‬الى‪ِ " :‬إَّنا َج َعْلن‪4‬ا ِفي أ ْ‬
‫الغ‪4‬ل‪ ،‬أو ال َّ‬
‫ُي‪4‬ذكر العن‪4‬ق إذا ُذك‪4‬ر ُ‬
‫ويذكر الجيد إذا ُذكر الحلي أو الحسن‪ ،‬فإنما َح ُسن هاهنا ذكر الجيد في حكم البالغ‪44‬ة‪ ،‬ألنه‪44‬ا‬
‫ام‪44‬رأة‪ ،‬والنس‪44‬اء تحلي أجي‪44‬ادهن‪ ،‬وأم جمي‪44‬ل ال حلي له‪44‬ا في اآلخ‪44‬رة إال الحب‪44‬ل المجع‪44‬ول في‬
‫عنقها‪ ،‬فلما أقيم لها ذلك مقام الحلي ذكر الجيد معه‪ ،‬فتأمله؛ فإنه معنى لطيف‪.)2()}.‬‬

‫‪- 3‬السهيلي من المتش‪44‬وفين المتش‪44‬وقين إلى البحث عن األس‪44‬رار الكامن‪44‬ة وراء األلف‪44‬اظ‪ ،‬فعن‪44‬د‬
‫قول‪44 4‬ه تع‪44 4‬الى‪ " :‬ي‪44 4‬ا أَُّيهَ‪44 4‬ا اْل ُم‪4َّ 4 4‬دثُِّر "(‪ ،)3‬يق‪44 4‬ول في كتاب‪44 4‬ه ال‪44 4‬روض‪" :‬ق‪44 4‬ال بعض أه‪44 4‬ل العلم في‬
‫تسميته إياه بالمدثر‪ ،‬في هذا المقام مالطفة وتأنيس‪ ،‬ومن عادة الع‪44‬رب إذا قص‪44‬دت المالطف‪44‬ة‬
‫أن تسمي المخاطب باسم مشتق من الحالة التي هو فيها‪ ،‬كقول‪44‬ه علي‪44‬ه الس‪44‬الم لحذيف‪44‬ة‪" :‬قم ي‪44‬ا‬
‫نوم‪44‬ان"‪ ،‬وقول‪44‬ه لعلي بن أبي ط‪44‬الب ‪ -‬وق‪44‬د ت‪44‬رب جنب‪44‬ه‪" :-‬قم أب‪44‬ا ت‪44‬راب"‪ ،‬فل‪44‬و ن‪44‬اداه س‪44‬بحانه‪،‬‬
‫وهو في تلك الحال من الكرب باسمه أو باألمر المجرد من هذه المالطف‪44‬ة لهال‪44‬ه ذل‪44‬ك‪ ،‬ولكن‬
‫لما بدئ بـ " يا أَُّيهَا اْل ُم َّدثُِّر " أنس وعلم أن ربه راض عنه‪.)4("...‬‬

‫امن‪4‬ا كفاءت‪4‬ه الرتي‪4‬اد ه‪44‬ذا‬


‫إم ُ‬
‫يعتبر الروض في طليعة شروح سيرة ابن هشام حيث أظهر في‪44‬ه َ‬
‫المي ‪44 4‬دان المتش ‪44 4‬عب‪ ،‬ذل ‪44 4‬ك أن ‪44 4‬ه ح ‪44 4‬ول الم ‪44 4‬ادة الس ‪44 4‬يرية إلى حق ‪44 4‬ل مع ‪44 4‬رفي رحيب ‪ ،‬تتنازع ‪44 4‬ه‬
‫التساؤالت الفقهي‪44‬ة ‪ ،‬والتفس‪4‬يرية ‪ ،‬والحديثي‪4‬ة ‪ ،‬والتاريخي‪44‬ة واللغوي‪4‬ة ‪ ،‬والنحوي‪4‬ة ‪ ،‬والنقدي‪4‬ة ‪.‬‬
‫فأثبتت التطبيقات المقدمة ضالعته في إيضاح الغريب اللغوي ‪ ،‬وتقويم األنس‪44‬اب ‪ ،‬وتقص‪44‬ي‬
‫األخبار ‪ ،‬واالجتهاد في تأمل األحكام ‪ ،‬عالوة على مناقشته ابن هشام ‪ .‬مرارا ‪ .‬من خالل‬
‫االحتك‪44‬ام إلى أص‪44‬ل ابن إس‪44‬حاق ‪ ،‬مم‪44‬ا ق‪44‬د يفي‪44‬د أن ال‪44‬روض األن‪44‬ف ق‪44‬دم من خالل جمل‪44‬ة من‬

‫‪ - 1‬سورة يس اآلية‪.7 :‬‬


‫‪ - 2‬الروض األنف‪ .‬ج‪ .3 :‬ص‪.309 – 308 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة المذثر‪ .‬اآلية‪.1 :‬‬
‫‪ - 4‬الروض األنف‪ .‬ج‪ 3. :‬ص‪ 145 :‬ـ ‪146‬‬

‫‪124‬‬
‫نصوصه ‪ .‬تصورا هاما عما قد يك‪44‬ون ض‪44‬ائعا من س‪44‬يرة ابن إس‪44‬حاق ‪ .‬كم‪44‬ا أثبت " ال‪44‬روض‬
‫عملي‪4‬ا الص‪4‬لة المسيس‪4‬ة بين العل‪4‬وم اإلنس‪4‬انية والعل‪4‬وم الديني‪4‬ة ‪ ،‬واس‪4‬تحالة تهميش وش‪4‬ائجهما ‪،‬‬
‫وتلك خاصية بارزة في المنظومة الفكرية التراثية اإلسالمية‬

‫والواق ‪44‬ع أن ه ‪44‬ذه الخص ‪44‬ائص الفري ‪44‬دة هي ال ‪44‬تي ب ‪44‬وأت "ال ‪44‬روض" مكان ‪44‬ة فري ‪44‬دة بين األص ‪44‬ول‬
‫الس‪44‬يرية إذ ال يك‪44‬اد يخل‪44‬و مص‪44‬در أو مرج‪44‬ع أعقب‪44‬ه في موض‪44‬عه من اعتم‪44‬اده واإلحال‪44‬ة علي‪44‬ه‬
‫‪,‬وقد عاش مؤلفه نشوة هذا االرتقاء ‪ ,‬إذ كان "الروض" أح‪4َ 4‬د مس‪44‬موعا ت‪44‬ه المتم‪44‬يزة في مالق‪44‬ة‬
‫ثم مراكش‪.‬‬

‫ورغم أن محققي س ‪44 4 4 4 4 4‬يرة ابن هش‪44 4 4 4 4 4‬ام لم يقف ‪44 4 4 4 4 4‬وا للس‪44 4 4 4 4 4‬هيلي إال على" ال‪44 4 4 4 4 4‬روض "ف‪44 4 4 4 4 4‬إنهم‬
‫يقول‪44‬ون ‪":‬بحس‪44‬ب الس‪44‬هيلي ه‪44‬ذا الكت‪44‬اب فق‪44‬د دل في‪44‬ه على إلم‪44‬ام واس‪44‬ع ‪ ,‬واطالع غزي‪44‬ر بمن‪44‬اح‬
‫مختلف ‪44‬ة وتمكن من أل ‪44‬وان كث ‪44‬يرة من العل ‪44‬وم فك ‪44‬ان في ‪44‬ه الم ‪44‬ؤرخ واللغ ‪44‬وي واألديب والنح ‪44‬وي‬
‫واإلخباري والعالم بالقراءات "‬

‫وق‪44‬د عل‪44‬ق ال‪44‬دكتور محم‪44‬د يس‪44‬ف حفظ‪44‬ه اهلل على ال‪44‬روض بتعلي‪44‬ق طري‪44‬ف ودقي‪44‬ق فق‪44‬ال ‪ ":‬لع‪44‬ل‬
‫"ال ‪44‬روض األن ‪44‬ف "ه ‪44‬و ال ‪44‬ذي من خالل ‪44‬ه تع ‪44‬رف جمه ‪44‬ور علم ‪44‬اء المش ‪44‬رق على رس ‪44‬وخ اإلم ‪44‬ام‬
‫الس‪44‬هيلي وإ مامت‪44‬ه في العل‪44‬وم اإلس‪44‬المية عام‪44‬ة فأحلّـوه المكان‪44‬ة الالئق‪44‬ة ب‪44‬ه من العناي‪44‬ة والتق‪44‬دير‬
‫بما وضعوه عليه من حواش ومختصرات وتعليقات ومناقشات فكان له ذلك الموقع الممت‪44‬از‬
‫بين الدواوين الكبرى التي إليها في هذا الشأن المآل وعليها فيه المدار واالتكال "‪.1‬‬

‫فق ‪44‬د ح ‪44‬ول الم ‪44‬ادة الس ‪44‬يرية إلى حق ‪44‬ل غ ‪44‬ني بالمع ‪44‬ارف التاريخي ‪44‬ة ‪,‬واألدبي ‪44‬ة‪,‬والفقهي ‪44‬ة ‪,‬يحكمه ‪44‬ا‬
‫اإليج‪444‬از العلمي ‪,‬ويطبعه‪444‬ا االجته ‪44‬اد الطري‪444‬ف ‪,‬وبعب‪444‬ارة الس ‪44‬هيلي يق ‪44‬ول ‪ ":‬تحص ‪44‬ل في ه ‪44‬ذا‬
‫الكت ‪44‬اب من فوائ ‪44‬د العل ‪44‬وم واآلداب‪ ،‬وأس ‪44‬ماء الرج ‪44‬ال واألنس ‪44‬اب‪ ،‬ومن الفق ‪44‬ه الب ‪44‬اطن اللب ‪44‬اب‪،‬‬
‫وتعلي‪44‬ل النح‪44‬و‪ ،‬وص‪44‬نعة اإلع‪44‬راب‪ ،‬م‪44‬ا ه‪44‬و مس‪44‬تخرج من ني‪44‬ف على مائ‪44‬ة وعش‪44‬رين ديوان‪44‬ا ‪،‬‬
‫س ‪44‬وى م ‪44‬ا أنتج ‪44‬ه ص ‪44‬دري‪ ،‬ونفح ‪44‬ه فك ‪44‬ري‪ .‬ونتج ‪44‬ه نظ ‪44‬ري‪ ،‬ولُقنت ‪44‬ه عن مش ‪44‬يختي ‪ ،‬من نكت‬
‫‪ 1‬المصنفا ت المغربية في السيرة المغربية محمد يسف ج‪ 1‬ص‪230‬‬

‫‪125‬‬
‫علمي‪44 4‬ة لم أس‪44 4‬بق إليه‪44 4‬ا‪ ،‬ولم أزحم عليه‪44 4‬ا‪ ،‬ك‪44 4‬ل ذل‪44 4‬ك بيمن اهلل‪ ،‬وبرك‪44 4‬ة ه‪44 4‬ذا األم‪44 4‬ر المح‪44 4‬يي‬
‫لخ‪44‬واطر الط‪44‬البين والموق‪44‬ظ لهمم المسترش‪44‬دين‪ ،‬والمح‪44‬رك للقل‪44‬وب الغافل‪44‬ة إلى االطالع على‬
‫‪1‬‬
‫معالم الدين "‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪ 1‬الروض األنف للسهيلي ج ‪ 1‬ص‪ 35‬تحقيق‪ d‬عبد الرحمن الوكيل ط‬

‫‪126‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة التاسة عشر‪ :‬مقاصد الشريعة وسؤال‬


‫التجديد‬
‫أيام ‪ 2018 – 28 – 27 – 26‬م بكلية اآلداب ببني مالل‬

‫‪127‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تس ليما ً‬
‫كثيراً إلى يوم الدين‪.‬‬
‫مقاصد الشريعة وسؤال التجديد‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن علم المقاصد الشرعية من أجل العلوم وأنفعها‪ ،‬إذ به يتضح عدل الش ريعة وس ماحتها‬
‫وحكمته ا في تش ريعها الع ام والخ اص‪ ،‬وأنه ا من عن د هللا العليم الخب ير خ الق اإلنس ان‪،‬‬
‫وضع فيها من المصالح والفوائد ما يصلح أحوال الناس في ك ل زم ان ومك ان‪ ،‬مم ا جع ل‬
‫هذه الشريعة راسخة صامدة ثابتة شامخة على مر العصور‪ ,‬بما حوت ه من الخ ير واله دى‬
‫والنور والبيان‪.‬‬
‫ولقد كانت مقاصد الشريعة وال تزال فنا من فنون الشريعة اإلس المية‪ ,‬وعلم ا من علومه ا‬
‫التي حظيت باهتمام بالغ وعناية فائقة‪ ,‬سواء على مس توى الت أليف والت دوين والتأص يل‪,‬‬
‫أو على مستوى التطبيق‪ ,‬والسيما في العصور الفقهية المتأخرة‪.‬‬
‫وقد نشأت المقاصد الشرعية مع نشأة األحكام الشرعية‪ ,‬أي أن المقاصد كانت ب دايتها م ع‬
‫بداية نزول ال وحي الك ريم على رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم ‪ ,‬فق د ك انت مبثوث ة في‬
‫نصوص الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ومن أوضح األدلة على أن المقاصد الشرعية بدأت مع نزول الوحي الكريم ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬البعثة النبوية نفسها والتي عللت بكونها رحم ًة وخ يرا وص الحا للن اس أجمعين‪,‬‬ ‫‪)1‬‬
‫فقد قال هللا تعالى في بعثة الرسول صلى هللا عليه وس لم‪( :‬وم ا أرس لناك إال رحم ة‬
‫‪1‬‬
‫للعالمين )‬
‫‪ -‬القرآن الكريم ذاته‪ ,‬والذي كان مقصده الشرعي يتمثل في هداي ة الن اس أجمعين‪،‬‬ ‫‪)2‬‬
‫‪2‬‬
‫قال تعالى‪ ( :‬إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)‬
‫‪ -‬الوحي كله من كتاب وس نة وال ذي ك ان مقص ده إحي اء النف وس في ال دنيا ب أداء‬ ‫‪)3‬‬
‫واجب االمتثال‪ ,‬وإحياؤها في اآلخ رة ب الفوز بالجن ة‪ ،‬ق ال تع الى ‪(:‬ي ا أيه ا ال ذين‬
‫‪3‬‬
‫آمنوا استجيبوا هلل وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)‬

‫‪ 1‬سورة األنبياء اآلية ‪106‬‬


‫‪ 2‬سورة اإلسراء اآلية ‪9‬‬
‫‪ 3‬سورة األنفال اآلية‪24‬‬

‫‪128‬‬
‫وفي عه د الص حابة والت ابعين ك انوا يس تعملون القي اس وال رأي كم ا ق ال اإلم ام أحم د‪:‬‬
‫"الصحابة كانوا يحتجون في عام ة مس ائلهم بالنص وص كم ا ه و مش هور عنهم‪ ,‬وك انوا‬
‫يجته دون رأيهم ويتكلم ون ب الرأي ويحتج ون بالقي اس "‪ 1‬ويستش هد اإلم ام أحم د بجم ع‬
‫القرآن‪ ,‬وبتقسيم الغنائم‪ ,‬والطالق بالثالث‪ ,‬وتضمين الصناع‪ ,‬واالجتماع لص الة ال تراويح‪,‬‬
‫وعدم إقامة حد السرقة عام المجاعة‪ ,‬وقتل الجماعة بالواح د‪ ,‬وت دوين ال دواوين‪ ,‬ووض ع‬
‫السجالت‪ ,‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وهكذا تتابع االهتمام بفن المقاصد في عهد التابعين وفي كل عصر وحين‪ ،‬والغاية هي فهم‬
‫الدين كما جاء عن رب العالمين‪ ،‬ويوضح لن ا الط اهر بن عاش ور أن أفع ال الش ارع ال ذي‬
‫هو هللا سبحانه وتع الى منزه ة عن العبث‪ ،‬دل على ذل ك ص نعه في ه ذا الك ون مستش هدا‬
‫ت َواأْل َ ْر َ‬
‫ض َو َم ا َب ْي َن ُه َم ا اَل ع ِِبينَ َم ا َخ َل ْق َنا ُه َم ا إِاَّل‬ ‫(و َم ا َخ َل ْق َن ا َّ‬
‫الس َم َاوا ِ‬ ‫بقول ه ع ز وج ل‪َ :‬‬
‫ِبا ْل َح ِّق)‪ .2‬وقوله تعالى‪( :‬أَ َف َحسِ ْب ُت ْم أَ َّن َما َخ َل ْق َنا ُك ْم َع َب ًثا وأنكم إلينا ال ترجعون )‪ ،3‬كم ا بين أن‬
‫الفقيه في حاجة إلى معرفة مقاصد الشريعة في خمسة أنحاء‪:‬‬
‫‪ -1‬النظر في أقوال الشريعة ونصوصها‪.‬‬
‫‪ - 2‬ت ْبيين وجوه التعارض الظاهري بين نصوص الشريعة‪.‬‬
‫‪ - 3‬البحث عن علل األحكام‪.‬‬
‫‪ - 4‬إيجاد الحكم غير المنصوص عليه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ - 5‬التقليل من األحكام التع ّبدية ‪.‬‬
‫مقرا في الوقت ذاته أن العلماء متفاوتون في فهم مقاصد الشريعة بق در ازدي اد حظهم من‬
‫العلوم الشرعية‪ ،‬فمن حق الفقيه أن يجتهد في النص إن ظهر له وهم عسى أن يظف ر بم ا‬
‫يزيل ذلك الوهم‪ ،‬ومثل له بـ‪" :‬النهي عن غسل الش هيد في الجه اد"‪ ,5‬وق ول رس ول هللا ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬في الشهيد‪" :‬إنه ُيبعث يوم القيام ة ودم ه يثعب‪ ،6‬الل ون ل ون ال دم‬
‫وال ريح ريح المس ك"‪ 7‬فيت وهّم كث ير من الن اس أن ع ّل ة ت رك غس له هي بق اء دم ه في‬
‫جروحه يبعث بها يوم القيامة‪ .‬وليس كذلك‪ ،‬ألن ه ل و غس ل جهالً أو نس يانا ً أو عم داً لم ا‬
‫‪ 1‬أبحاث في مقاصد الشريعة لنور الدين مختارالخادمي ‪.‬مؤسسة المعارف للطباعة والنشر ص‪21‬‬
‫‪ 2‬سورة الدخان اآلية ‪ 38‬و‪39‬‬
‫‪ 3‬سورة المومنون اآلية‪115‬‬
‫‪ 4‬مقاصد الشريعة للطاهر بن عاشور تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة‪ .‬الناشر وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية قطر سنة ‪ 2004‬م‪ .‬ج‪ 2 :‬ص‪:‬‬
‫‪152‬‬
‫‪ 5‬مقاصد الشريعة ج‪ 3‬ص‪ 173‬وينظر شرح الزرقاني على الموطأ باب العمل في غسل الشهيد مج ‪ 3‬ص‪35‬‬
‫‪ 6‬ثعب الماء والدم ونحوهما يثعبه ثعبا‪ :‬فجره‪ ،‬فانثعب كما ينثعب الدم من األنف‪ .‬قال الليث‪ :‬ومنه اشتق مثعب المطر‪ .‬وفي الحديث‪:‬‬
‫يجيء الشهيد يوم القيامة‪ ،‬وجرحه يثعبـ دما أي يجري‪ .‬ومنه حديث عمر‪ ،‬رضي هللا عنه‪ :‬صلى وجرحه يثعبـ دما لسان العرب ج‪1 :‬ص‪236 :‬‬
‫دار صادر – بيروت الطبعة‪ :‬الثالثة ‪ 1414 -‬هـ‪.‬‬

‫‪ 7‬تحفة األحوذي بشرح جامع الترميذي دار الحديث القاهرة ‪.‬الطبعة األولى سنة ‪ 2001‬مجلد ‪ 5‬ص‪ 44‬رقم الحديث ‪1657‬‬

‫‪129‬‬
‫ب ش هادة ل ه بين أه ل المحش ر‪ .‬ولكن‬ ‫بطلت تلك المزية‪ ،‬ولجعل هللا له في جرح ه دم ا ً َي ْث َع ُ‬
‫ع ّلة النهي هي أن الناس في ش غل عن التف ّرغ إلى غس ل م وتى الجه اد‪ .‬فل ّم ا علم هللا م ا‬
‫الصف ‪ -‬حين إص ابتهم ب الجراح من بق اء ج راحتهم‪ ،‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫يحصل من انكسار خواطر أهل‬
‫عوض هم هللا تل ك المزي ة‬ ‫دفنهم على تل ك الحال ة‪ ،‬وعلم انكس ار خ واطر أهليهم وذويهم ‪ّ -‬‬
‫الجليلة‪ .‬فالسبب في الحقيقة معكوس‪ ،‬أي السبب هو المس ّبب والمس ّبب هو السبب‪.‬‬
‫كما تعرض ابن عاشور ألسباب انحطاط الفقه وتخلف ه فع د منه ا إهم ال النظ ر في مقاص د‬
‫ير للفقه اء ومع واًل لنقض أحك ام‬
‫الشريعة‪ ،‬قال‪" :‬كان إهمال المقاص د س ب ًبا في جم و ٍد كب ٍ‬
‫‪1‬‬
‫نافعة"‬
‫كما اعتبره ابن القيم رحمه هللا بأن ه الفق ه الحي ال ذي ي دخل على القل وب بغ ير اس تئذان‪،‬‬
‫ففي فصل له في كاتبه الماتع‪" :‬إعالم الموقعين عن رب الع المين" بعن وان‪ :‬اعتب ار الني ة‬
‫ض ى فِي ا ْم َرأَ ٍة َق ا َل ْت‬ ‫ب َق َ‬ ‫ِيع أَنَّ ُع َم َر ْبنَ ا ْل َخ َّطا ِ‬ ‫ف َوك ٍ‬ ‫ص َّن ِ‬ ‫"وفِي ُم َ‬ ‫واأللفاظ في الطالق يقول‪َ :‬‬
‫س ِّمنِي‬ ‫س ِّم َيك؟ َق ا َل ْت‪َ :‬‬ ‫س َّماهَا ال َّط ِّي َب َة‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪ :‬اَل ‪َ ،‬ف َقال َ َل َها‪َ :‬م ا ُت ِري دِينَ أَنْ أ ُ َ‬ ‫س ِّمنِي َف َ‬‫ل َِز ْو ِج َها َ‬
‫ت َخلِ َّي ُة َط ال ٍِق َف أ َ َت ْت ُع َم َر ْبنَ ا ْل َخ َّطابِ‪َ ،‬ف َق ا َل ْت‪ :‬إنَّ َز ْو ِجي َطلَّ َقنِي‪،‬‬ ‫َخلِ َّي َة َطال ٍِق َف َقال َ َل َها‪َ :‬فأ َ ْن ِ‬
‫س َها‪َ ،‬و َق ال َ ل َِز ْو ِج َه ا ُخ ْذ ِب َي ِدهَا َوأَ ْو ِج ْع‬ ‫ِص َة‪َ ،‬ف أ َ ْو َج َع ُع َم ُر َر ْأ َ‬
‫ص َع َل ْي ِه ا ْلق َّ‬ ‫اء َز ْو ُج َها َف َق َّ‬
‫َف َج َ‬
‫ان"‪.2‬‬ ‫اس ِت ْئ َذ ٍ‬ ‫س َها‪َ ،‬و َه َذا ه َُو ا ْلفِ ْق ُه ا ْل َح ُّي الَّذِي َيدْ ُخل ُ َع َلى ا ْلقُلُو ِ‬
‫ب ِب َغ ْي ِر ْ‬ ‫َر ْأ َ‬
‫ومن هنا فإن إحياء فقه المقاصد هو عمل ضروري لتجدي د الفق ه وتقوي ة دوره ومكانت ه‪،‬‬
‫يق ول عالل الفاس ي‪" :‬وإن في ثل ة الفقه اء المج ددين على قلتهم ض ما ًنا للس ير بالفق ه‬
‫اإلس المي إلى ش اطئ النج اة ح تى يص بح مرتب ًط ا بمقاص د الش ريعة وأدلته ا‪ ،‬ومتمتع ا‬
‫‪3‬‬
‫بالتطبيق في محاكم المسلمين وبلدانهم"‬
‫ولقد استشعر المسلمون منذ وقت مبكر أهمية العلم بمقاصد الشريعة فوجهوا إليه ا عناي ة‬
‫علمية فائقة واهتموا بها أيما اهتمام وإننا لنحسب أن اهتمامهم ب ذلك لم يكن ل ه نظ ير في‬
‫أي قانون وضعي أو شريعة إسالمية‪ ،‬علما أن الشريعة كم ا يق ول العالم ة الش يخ يوس ف‬
‫القرضاوي "إنما جاءت برعاية مص الح البش ر المادي ة والمعنوي ة والفردي ة واالجتماعي ة‬
‫رعاية قائمة على العدل والتوازن بال طغيان وال إخسار وهذه الرعاية تشمل المصالح‪.4‬‬

‫‪ 1‬أبحاث في مقاصد الشريعة ص‪190‬‬


‫‪ 2‬إعالم الموقعين عن رب العالمين لمحمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى‪751 :‬هـ) تحقيق‪ :‬محمد عبد السالم‬
‫إبراهيم‪ ،‬دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة‪ :‬األولى‪1411 ،‬هـ ‪1991 -‬م ج‪ 3 :‬ص‪.55 :‬‬
‫‪ 3‬نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي ألحمد الريسوني الناشر‪ :‬الدار العالمية للكتاب اإلسالمي الطبعة‪ :‬الثانية ‪ 1412 -‬هـ ‪1992 -‬م ص‪6‬‬

‫‪ 4‬االجتهاد في الشريعة اإلسالمية مع نظرات تحليلية في االجتهاد المعاصر للشيخ يوسف القرضاوي ص‪ 43 :‬دار القلم الكويت‬
‫الطبعة الثانية ‪.1989‬‬

‫‪130‬‬
‫يقول ابن القيم رحمه هللا تعالى‪" :‬إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العب اد‬
‫في المعاش والمعاد‪ ،‬وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكم ة كله ا فك ل مس ألة‬
‫خرجت عن العدل إلى الج ور وعن الرحم ة إلى ض دها وعن المص لحة إلى المفس دة وعن‬
‫الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن دخلت بالتأويل"‪.1‬‬
‫وبناء على هذا فإننا بحاجة ماسة إلى ط رق ب اب التجدي د في مقاص د الش ريعة اإلس المية‬
‫إليجاد الحلول للمشكالت القائمة في إطار مراعاة المصالح العامة لألم ة وفي دائ رة التقي د‬
‫بالضوابط الفقهية المعتبرة التي تحدد في مجال المصلحة يق ول اإلم ام الش اطبي في كتاب ه‬
‫ِيث َو ِع ْل ًما َما َت َكلَّ َم فِي َها َواَل َح َّد َث ِب َه ا‪،‬‬ ‫الموافقات‪َ ":‬و َقدْ أَ ْخ َب َر َمالِ ٌك َعنْ َن ْفسِ ِه أَنَّ عِ ْندَ هُ أَ َحاد َ‬
‫س َت ْح َت ُه َع َملٌ‪َ ،‬وأ ُ ْخ ِب َر َع َّمنْ َت َق َّد َم ُه أَ َّن ُه ْم َكا ُنوا َي ْك َر ُه ونَ َذلِ َك‪َ ،‬ف َت َن َّب ْه‬
‫َو َكانَ َي ْك َرهُ ا ْل َكاَل َم فِي َما َل ْي َ‬
‫ض ِاب ُط ُه أنك تعرض مسألتك على الشريعة‪ ،‬ف إن ص حت في ميزانه ا‪ ،‬ف انظر‬ ‫لِ َه َذا ا ْل َم ْع َنى‪َ .‬و َ‬
‫في مآلها بالنسبة إلى حال الزم ان وأهل ه‪ ،‬ف إن لم ي ؤد ذكره ا إلى مفس دة‪ ،‬فاعرض ها في‬
‫ذهنك على العقول‪ ،‬ف إن قبلته ا‪ ،‬فل ك أن تتكلم فيه ا إم ا على العم وم إن ك انت مم ا تقبله ا‬
‫العق ول على العم وم‪ ،‬وإم ا على الخص وص إن ك انت غ ير الئق ة ب العموم‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫‪2.‬‬
‫لمسألتك هذا المساغ‪ ،‬فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية‬
‫التجديد في الفكر اإلسالمي قديم جديد‬
‫هذا العمل قديم ألنه عمل ق ام ب ه الق دامى من العلم اء والمفك رين في حي اتهم‪ ,‬وجدي د ألن‬
‫أرباب القلم والثقافة قد تصدوا له تحقيقا للمسايرة والمواكب ة ‪ ,‬وتفعيال ألفك ارهم ومن اهج‬
‫ثقافتهم‪.‬‬
‫وبما أن التجديد أمر واقع في مجاالت الحي اة المختلف ة ‪,‬س واء م ا ك ان متص ال بالمج االت‬
‫العامة لعموم الناس‪, ,‬أو ما كان متصال ببعض المجاالت الخاصة التي ال يباشرها إال بعض‬
‫األفراد أو بعض الفئات ‪.‬‬
‫فإذا كان األمر كذلك ف إن التجدي د ينبغي أن يك ون مدروس ا في ض وء المقاص د الش رعية‪,‬‬
‫عامة كانت أو خاصة‪ ,‬كلية كانت أو جزئية‪.‬‬
‫وعليه ف إن مع اني التجدي د تتعل ق بالتح ديث واالجته اد في األم ور العظيم ة ال تي ال عه د‬
‫لإلنسان بها‪.‬‬

‫‪ 1‬إعالم الموقعين عن رب العالمين البن القيم ج‪3 :‬ص‪ 3 :‬مطبعة النهضة الجديدة القاهرة‪.‬‬

‫‪ : 2‬الموافقات‪ :‬للشاطبي تحقيق ‪ :‬أبو عبيدة مشهورـ بن حسن آل سلمان الناشر ‪ :‬دار ابن عفان الطبعة ‪ :‬الطبعة األولى ‪1997‬م ج‪ 5‬ص‪-171 :‬‬
‫‪.172‬‬

‫‪131‬‬
‫ويمكن أن نعتبر أن المجدد محظوظ بشرف التصدي إليجاد الحلول للنوازل والحوادث‪ ،‬قال‬
‫تعالى ‪":‬وما يلقاها إال الذين صبروا وما يلقاها إال ذو حظ عظيم "‪.1‬‬
‫والمراد بتجديد الدين‪ :‬تقديم ال دين اإلس المي كم ا أنزل ه هللا‪ ,‬وإرج اع الفهم والتط بيق إلى‬
‫األصول والمصادر الشرعية المعت برة‪ .‬وال ينبغي أن نفهم أن تجدي د ال دين اس تبدال ال دين‬
‫بدين آخر أو تغيير بعض األحكام القطعية الثابتة‪.‬‬
‫فالتجديد أمر علمي وشرعي له مدلوله ومضمونه وضوابطه ومجاالته ورجاالته‪ .‬وقد دلت‬
‫عليه جملة من النصوص منها ‪:‬‬
‫قوله صلى هللا عليه وسلم ‪ ":‬إن هللا يبعث لهذه األمة على رأس كل مائ ة س نة‬ ‫‪-1‬‬
‫من يجدد لها دينها "‪ 2‬وق د ت والى العلم اء والش راح على بي ان الم راد بتجدي د‬
‫الدين ‪ ,‬قال ابن كثير‪" :‬قد ادعى ك ل ق وم في إم امهم أن ه الم راد به ذا الح ديث‬
‫والظاهر أنه يعم جملة من العلماء من كل طائفة وكل صنف من مفسر ومح دث‬
‫‪3‬‬
‫وفقيه ونحوي ولغوي وغيرهم "‬
‫قوله صلى هللا عليه وسلم ‪":‬جددوا إيم انكم ‪,‬قي ل ‪:‬ي ا رس ول هللا ‪:‬وكي ف نج دد‬ ‫‪-2‬‬
‫إيماننا ‪:‬قال أكثروا من ق ول ال إل ه إال هللا "‪ 4‬ق ال المن اوي في فيض الق دير ‪":‬‬
‫فإن المداومة عليها تجدد اإليمان في القلب وتمأله نورا وتزيده يقين ا وتفتح ل ه‬
‫‪5‬‬
‫أسرارا يدركها أهل البصائر وال ينكرها إال كل ملحد جائر"‬
‫لقد كان قول الن بي ص لى هللا علي ه وس لم "يبعث هللا له ذه األم ة ‪ ".....‬إي ذانا ب أن مقص د‬
‫التجديد في الفكر اإلسالمي حاجة تحتمها طبيعة هذا الدين وتفرضها الخصائص التي خص‬
‫هللا بها هذه الشريعة‪.‬‬
‫فالتجديد يعني إعادة الدين بنصوصه وقواع ده ومن اهج الفهم واالس تنباط في ه إلى حالت ه‬
‫األولى التي أنزله هللا عليها وإزالة كل ما تراكم عليه من سمات ومظ اهر طمس ت ج وهره‬
‫وشوهت حقيقته ‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة فصلت اآلية ‪34‬‬

‫‪ 2‬سنن أبي داود ألبي داود سليمان بن األشعثـ بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو األزدي ال ِّس ِجسْ تاني تحقيق‪َ :‬‬
‫شعيب األرنؤوط ‪-‬‬
‫محمَّد كا ِمل قره بللي دار الرسالة العالمية الطبعة‪ :‬األولى‪ 1430 ،‬هـ ‪ 2009 -‬م ج‪ 6 :‬ص‪349 :‬‬
‫َ‬

‫‪ 3‬فيض القدير شرح الجامع الصغير لزين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم‬
‫المناوي القاهري الناشر‪ :‬المكتبة التجارية الكبرى – مصر الطبعة‪ :‬األولى‪1356 ،‬هـ ج ‪ 2‬ص‪281‬‬

‫‪ 4‬المستدرك على الصحيحين للحاكم تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة‪ :‬األولى‪1990 ،‬م‬
‫ج‪ 4‬ص‪285‬‬

‫‪ 5‬فيض القدير ج‪ 3‬ص‪345‬‬

‫‪132‬‬
‫ومن أجل هذا قام علماء اإلسالم بتقعيد القواع د وتأص يل األص ول ووض ع الض وابط ال تي‬
‫تعصم المسلمين من الزلل واالنحراف سواء في فهم هذا الدين أم في تطبيقه‬
‫إذن فالتجديد في الفكر المقاصدي ليس إلغاء أو تحريف ا أو تب ديال ألحك ام الش ريعة ‪,‬وإنم ا‬
‫هو منهج ونظر منضبط يسعى بموجب ه المجته د لتحري ك النص وص الش رعية بم ا يواف ق‬
‫العصور واألمص ار‪ ,‬وبم ا يواف ق قص د الش ارع فيم ش رع للدالل ة على مرون ة وص الحية‬
‫الرسالة الخاتمة لكل زمان ومكان ‪.‬‬
‫فإذا عرفنا من أين ينطلق التجديد وأين يقف ال يمكن لمن ش اء أن يق ول م ا ش اء ب دعوى‬
‫التجديد الذي ال يمكن تناوله بمعزل عن الفكر المقاصدي والعلل التي جاءت رسالة اإلسالم‬
‫بها وألجلها ‪.‬‬
‫وختاما فإننا نعتمد في دعوتنا إلى التجديد في مقاصد الشريعة اإلسالمية ‪,‬المنهج الوس طي‬
‫الذي يجمع بين التمسك بالثوابت واالنفتاح على العصر وفهم متغيراته والسعي نحو إيج اد‬
‫حلول حكيمة ومعالجات رشيدة للقضايا والمشاكل ال تي تع اني منه ا األم ة اإلس المية دون‬
‫إفراط أو تفريط ‪,‬هذه الوسطية تعد كفيلة بتحقيق خلود هذه الش ريعة ودوامه ا‪ ,‬وص الحها‬
‫لكل زمان ومكان‪ ,‬ولكل جيل ورعيل ‪ ,‬ق ال تع الى ‪ ":‬وك ذلك جعلن اكم أم ة وس طا لتكون وا‬
‫‪1‬‬
‫شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا "‬
‫أقول ق ولي ه ذا وأس تغفر هللا لي ولكم ولس ائر المس لمين وآخ ر دعوان ا أن الحم د هلل رب‬
‫العالمين‪.‬‬

‫الئحة المصادر والمراجع‬


‫‪ -1‬القرآن الكريم برواية ورش‬

‫‪ 1‬سورة البقرة اآلية‪.142 :‬‬

‫‪133‬‬
‫‪ -2‬أبحاث في مقاصد الشريعة لنور الدين مختار الخادمي‪ .‬مؤسسة المعارف للطباع ة‬
‫والنشر‬
‫‪ -3‬مقاصد الش ريعة للط اهر بن عاش ور تحقي ق محم د الح بيب بن الخوج ة‪ .‬الناش ر‬
‫وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية قطر سنة ‪2004‬م‬
‫‪ -4‬لسان العرب‪ :‬دار صادر – بيروت الطبعة‪ :‬الثالثة ‪ 1414 -‬هـ‪.‬‬
‫‪ -5‬تحفة األحوذي بش رح ج امع الترم ذي دار الح ديث الق اهرة ‪.‬الطبع ة األولى س نة‬
‫‪2001‬‬
‫‪ -6‬إعالم الموقعين عن رب العالمين لمحمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين‬
‫ابن قيم الجوزية تحقيق‪ :‬محمد عبد السالم إبراهيم‪ ،‬دار الكتب العلمي ة – ي يروت الطبع ة‪:‬‬
‫األولى‪1411 ،‬هـ ‪1991 -‬م‬
‫‪ -7‬نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي ألحم د الريس وني الناش ر‪ :‬ال دار العالمي ة للكت اب‬
‫اإلسالمي الطبعة‪ :‬الثانية – ‪ 1412‬هـ ‪ 1992 -‬م‬
‫‪ -8‬االجتهاد في الشريعة اإلسالمية مع نظ رات تحليلي ة في االجته اد المعاص ر للش يخ‬
‫يوسف القرضاوي‪:‬دار القلم الكويت الطبعة الثانية ‪1989‬‬
‫‪ -9‬الموافقات‪ :‬للشاطبي تحقيق‪ :‬أبو عبيدة مش هور بن حس ن آل س لمان الناش ر‪ :‬دار ابن‬
‫عفان‪ :‬الطبعة األولى ‪1997‬م‬
‫‪ 10‬ـ س نن أبي داود ألبي داود س ليمان بن األش عث بن إس حاق بن بش ير بن ش داد بن‬
‫مح َّمد كا ِم ل ق ره بللي دار الرس الة‬
‫الس ِج ْستاني تحقي ق‪ :‬ش َعيب األرن ؤوط ‪َ -‬‬
‫عمرو األزدي ِّ‬
‫العالمية الطبعة‪ :‬األولى‪ 1430 ،‬هـ ‪ 2009 -‬م‬
‫‪ -11‬فيض القدير شرح الجامع الصغير لزين ال دين محم د الم دعو بعب د ال رؤوف بن ت اج‬
‫العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري الناشر‪ :‬المكتب ة التجاري ة‬
‫الكبرى – مصر الطبعة‪ :‬األولى ‪1356‬هـ‬
‫‪-12‬المستدرك على الصحيحين للحاكم تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا الناشر‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية – بيروت الطبعة‪ :‬األولى‪1990 ،‬م‬

‫‪134‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة العشرون‪ :‬أهمية السنة في التشريع‬


‫اإلسالمي‬
‫هذا العرض موضوع للنشر بمجلة كلية اآلداب ببني مالل الحقا إن شاء هللا‬

‫‪135‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫أهمية‪ 6‬السنة في التشريع اإلسالمي‬

‫ال يخفى على الدارس المستنير ما للسنة النبوية من أهمية في بلورة ش‪44‬ريعة اإلس‪44‬الم‬
‫ح‪44‬تى إن الح‪44‬ق س‪44‬بحانه جع‪44‬ل االس‪44‬تجابة له‪44‬ا ومعه‪44‬ا الق‪44‬رآن س‪44‬بب للحي‪44‬اة الحق‪44‬ة لعام‪44‬ة‬
‫َ‬
‫جيبُواـ لِل َّ ِ‬
‫ه‬ ‫ســت َ ِ‬ ‫من ُــوا ٱ ْ‬ ‫ين ءَا َ‬
‫ذ َ‬ ‫هــا ٱل َّ ِ‬ ‫المس‪44 4 4 4 4‬لمين‪ .‬ق‪44 4 4 4 4‬ال تع‪44 4 4 4 4‬الى‪(" :‬يَٰٓأي ُّ َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ــول‬ ‫ح‬ ‫ن ٱ لل َّ َ‬
‫ه يَ ُ‬ ‫وا أ َّ‬ ‫وٱعْل َ ُ‬
‫م ٓ‬ ‫مۖ َ‬‫حيِيك ُ ْـ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫م لِ َ‬ ‫ول إِذَا دَعَاك ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫لر ُ‬‫ول ِ َّ‬ ‫َ‬
‫ون)"(‪ .)1‬كم‪44 4‬ا أن الرس‪44 4‬ول ص‪44 4‬لى‬ ‫قلْبهۦ َ‬
‫ش ُر َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه تُ ْ‬ ‫هۥٓ إِلَي ْ ِ‬‫وأن َّ ُ‬ ‫و َ ِ ِ َ‬ ‫ء َ‬ ‫م ْر ِ‬‫ن ٱل ْ َ‬ ‫بَي ْ َ‬
‫اهلل عليه وسلم جعل التمسك بالسنة سببا للهداية الدائمة حين قال‪" :‬تركت فيكم م‪66‬ا إن‬
‫تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب اهلل وسنتي"(‪ .)2‬وال‪44‬ذي جع‪44‬ل الس‪44‬نة تتب‪44‬وأ ه‪44‬ذه‬
‫المكان ‪44‬ة ه ‪44‬و أنه ‪44‬ا تش ‪44‬ترك م ‪44‬ع الق ‪44‬رآن الك ‪44‬ريم في كونه ‪44‬ا وحي ‪44‬ا من عن ‪44‬د اهلل إلى نبي ‪44‬ه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫ولدراسة هذا الموضوع ال بد من تناول النقط التالية‪:‬‬

‫تعريف السنة لغة واصطالحا‪.‬‬ ‫‪)1‬‬

‫أنواع السنة بالنسبة لما ورد في القرآن‪.‬‬ ‫‪)2‬‬

‫استقالل السنة النبوية بتشريع األحكام الشرعية‪.‬‬ ‫‪)3‬‬

‫ما يترتب على الخالف باستقالل السنة بالتشريع‪.‬‬ ‫‪)4‬‬

‫تعريف السنة لغة واصطالحا‪.‬‬ ‫‪)1‬‬

‫الس‪66‬نة لغ‪66‬ة‪ :‬الس‪44‬نة لغ‪44‬ة هي الطريق‪44‬ة المعت‪44‬ادة‪ ،‬محم‪44‬ودة ك‪44‬انت أو مذموم‪44‬ة‪ ،‬يش‪44‬هد له‪44‬ذا قول‪44‬ه‬
‫ص‪444‬لى اهلل علي‪444‬ه وس‪444‬لم‪" :‬من س‪66‬ن س ‪66‬نة حس ‪66‬نة فل ‪66‬ه أجره‪66‬ا وأج ‪66‬ر من عم ‪66‬ل به ‪66‬ا إلى ي ‪66‬وم‬

‫‪ - 1‬سورة األنفال‪ .‬اآلية‪.24 :‬‬


‫‪ - 2‬التفسير القرآني للقرآن‪ .‬لعبد الكريم الخطيب‪ .‬ج‪ .8 :‬ص‪.568 :‬‬

‫‪136‬‬
‫القيام‪66‬ة‪ ،‬ومن س‪66‬ن س‪66‬نة‪ 6‬س‪66‬يئة‪ 6‬فل‪66‬ه وزره‪66‬ا ووزر من عم‪66‬ل به‪66‬ا إلى ي‪66‬وم القيامة"(‪ .)1‬وفي‬
‫لسان العرب‪( :‬السنة‪ :‬السيرة حسنة كانت أو قبيحة)(‪.)2‬‬

‫في االصطالح‪ :‬فقد اختلفت آراء الفقه‪4‬اء والمح‪4‬دثين واألص‪4‬وليين‪ 4‬في تع‪4‬ريفهم للس‪4‬نة‪ .‬فالس‪4‬نة‬
‫عن‪444‬د الفقه‪444‬اء هي‪( :‬م ‪66‬ا يث ‪66‬اب على فعل ‪66‬ه وال يع‪66‬اقب على تركه)(‪ .)3‬كص ‪44‬الة الفج ‪44‬ر والش ‪44‬فع‬
‫والوثر والصوم التطوعي‪.‬‬

‫والس‪44 4‬نة به‪44 4‬ذا المع‪44 4‬نى هي حكم من األحك‪44 4‬ام الش‪44 4‬رعية التكليفي‪44 4‬ة الخمس‪44 4‬ة‪ ،‬ويقابله‪44 4‬ا ال‪44 4‬واجب‬
‫والمباح والحرام والمكروه‪.‬‬

‫وعند المح‪44‬دثين تع‪44‬ني‪( :‬ما أثر عن النبي صلى اهلل علي‪66‬ه وس‪6‬لم من ق‪66‬ول أو فع‪6‬ل أو تقري‪6‬ر‬
‫أو صفة خلقية أو خلقية أو سيرة قبل البعثة أو بعدها) (‪.)4‬‬

‫وعن‪44‬د علم‪44‬اء أص‪44‬ول الفق‪44‬ه‪ :‬م‪44‬ا ص‪44‬در عن الن‪44‬بي ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم من ق‪44‬ول أو فع‪44‬ل أو‬
‫تقرير‪.‬‬

‫فهي هنا مصدر من مصادر التشريع كالقرآن الكريم‪.‬‬

‫وأق ‪44‬وال الن ‪44‬بي ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم هي م ‪44‬ا تح ‪44‬دث ب ‪44‬ه في مختل ‪44‬ف المناس ‪44‬بات‪ ،‬مم ‪44‬ا يتعل ‪44‬ق‬
‫بتش‪44‬ريع األحك‪44‬ام‪ ،‬لقول‪44‬ه ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم‪" :‬إنمــا األعمــال بالنيات وإ نما لك‪66‬ل ام‪66‬رئ م‪66‬ا‬
‫ن ‪66‬وى ‪ .)5("...‬وقول‪44 4‬ه ص‪444‬لى اهلل علي‪44 4‬ه وس‪444‬لم‪" :‬إن اهلل أعطى ك ‪66‬ل ذي ح ‪66‬ق حق ‪66‬ه فال وص ‪66‬ية‪6‬‬
‫لوارث"(‪.)6‬‬

‫‪ - 1‬صحيح مسلم‪ .‬ج‪ .3 :‬ص‪.86 :‬‬


‫‪ - 2‬لسان العرب‪ .‬ج‪ .13 :‬ص‪.220 :‬‬
‫‪ - 3‬دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين‪ .‬لمحمد علي بن محمد بن عالل بن إبراهيم البكري الصديقي‪ .‬ج‪ .3 :‬ص‪.261 :‬‬
‫‪ - 4‬السنة ومكانتها في التشريع اإلسالمي للسباعي‪ .‬ص‪.47 :‬‬
‫‪ - 5‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .1 :‬ص‪.16 :‬‬
‫‪ .‬ص‪.492 :‬‬ ‫‪ - 6‬سنن ابن داود‪ .‬ج‪:‬‬

‫‪137‬‬
‫وأفعاله صلى اهلل علي‪4‬ه وس‪4‬لم هي م‪4‬ا نقل‪4‬ه الص‪4‬حابة رض‪4‬وان اهلل عنهم من أفعال‪4‬ه في ش‪4‬ؤون‬
‫العب‪44 4‬ادة وغيره‪44 4‬ا‪ ،‬كأدائ‪44 4‬ه لمختل‪44 4‬ف أن‪44 4‬واع العب‪44 4‬ادات من ص‪44 4‬الة وص‪44 4‬يام وحج ‪ ...‬بكيفياته‪44 4‬ا‬
‫الخاص‪44 4‬ة‪ ،‬كم‪44 4‬ا ثبت عن‪44 4‬ه ص‪44 4‬لى اهلل علي‪44 4‬ه وس‪44 4‬لم أن‪44 4‬ه ص‪44 4‬لى بأص‪44 4‬حابه وق‪44 4‬ال‪" :‬ص ‪66‬لوا كم ‪66‬ا‬
‫رأيتموني أصلي"(‪ .)1‬وأدى مناسك الحج وقال لهم‪" :‬خذوا عني مناسككم"(‪.)2‬‬

‫وإ قرارات ‪44‬ه ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم هي م ‪44‬ا واف ‪44‬ق علي ‪44‬ه ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم من تص ‪44‬رفات‬
‫صدرت عن الصحابة الكرام بحضرته مع رؤيته وسماعه‪ ،‬أو بلوغ ذل‪44‬ك لعلم‪44‬ه‪ ،‬ومن أمثل‪44‬ة‬
‫ذلك أنه عليه الصالة والسالم أكل الضب على مائدته‪ ،‬فلم يأكل منه فسأله بعض الص‪4‬حابة‪:‬‬
‫أيحرم أكله يا رسول اهلل ؟ فقال‪" :‬ال ولكنه لم يكن بأرضي فأجدني أعافه"(‪.)3‬‬

‫ومن أمثلت‪44‬ه أيض‪44‬ا م‪44‬ا رواه البخ‪44‬اري عن ابن عم‪44‬ر أن‪44‬ه ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم ق‪44‬ال للص‪44‬حابة‬
‫ي‪44‬وم األح‪44‬زاب‪" :‬ال يص‪66‬لين أح‪66‬دكم العص‪66‬ر إال في ب‪66‬ني قريظة"‪ ،‬ف‪44‬أدرك بعض‪44‬هم العص‪44‬ر في‬
‫الطري ‪44 4‬ق فق ‪44 4‬ال بعض ‪44 4‬هم‪ :‬ال نص ‪44 4‬لين ح ‪44 4‬تى نأتيه ‪44 4‬ا‪ .‬حيث فهم أن النهي على حقيقت ‪44 4‬ه‪ ،‬ف ‪44 4‬أخر‬
‫الص‪44 4‬الة إلى م‪44 4‬ا بع‪44 4‬د المغ‪44 4‬رب‪ .‬وق‪44 4‬ال بعض‪44 4‬هم ب‪44 4‬ل نص‪44 4‬لي لم ي‪44 4‬رد من‪44 4‬ا ذل‪44 4‬ك‪ ،‬حيث فهم أن‬
‫المقص‪44‬ود ب‪44‬النهي ه‪44‬و الحث على اإلس‪44‬راع‪ ،‬فص‪44‬لى العص‪44‬ر في وقت‪44‬ه‪ .‬فلم‪44‬ا ذك‪44‬ر للن‪44‬بي ص‪44‬لى‬
‫اهلل عليه وسلم ما فعله الفريقان أقرهما معا ولم ينكر عليهما تصرفهما وفهمهما‪.‬‬

‫صفات صدور السنة عن النبي صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫الس ‪44‬نة النبوي ‪44‬ة تنقس ‪44‬م باعتب ‪44‬ار الص ‪44‬فة ال ‪44‬تي تص ‪44‬در به ‪44‬ا عن الن ‪44‬بي ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم إلى‬
‫ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ -‬السنة الصادرة عنه بوصفه فردا من األمة‪ :‬ويقصد بها ما صدر عنه صلى اهلل عليه‬
‫وس‪44‬لم بص‪44‬فته إنس‪44‬انا يعيش وس‪44‬ط بيئ‪44‬ة يتفاع‪44‬ل معه‪44‬ا بمواهب‪44‬ه وقدرات‪44‬ه الخاص‪44‬ة‪ ،‬ويؤي‪44‬د ه‪44‬ذا‬

‫‪ - 1‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .5 :‬ص‪.143 :‬‬


‫‪ - 2‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .18 :‬ص‪.162 :‬‬
‫‪ - 3‬سنن ابن ماجة‪ .‬ج‪ .4 :‬ص‪.389 :‬‬

‫‪138‬‬
‫‪6‬ه َٰو ِح‪ٌ 6‬د))"(‪ .)1‬وقول‪44‬ه تع‪44‬الى‪:‬‬ ‫ٰ‬ ‫ٰ‬
‫‪6‬وح ٰىٓ إِلَ َّى أ ََّن َم ٓا إِلَ ُه ُك ْم إِلَ‪ٌ 6‬‬ ‫قول‪44‬ه تع‪44‬الى‪ُ ((" :‬ق ْل إِ َّن َم ٓا أََنا۠ َب َ‬
‫ش‪ٌ6‬ر ِّمثْلُ ُك ْم ُي‪َ 6‬‬
‫سواًل ))"(‪.)2‬‬ ‫ش ًرا َّر ُ‬ ‫نت إِاَّل َب َ‬
‫ان َر ِّبى َه ْل ُك ُ‬ ‫س ْب َح َ‬
‫"(( ُق ْل ُ‬

‫‪ -‬السنة الصادرة عنه صلى اهلل عليه وسلم بوصفه‪ 6‬مشرعا‪ :‬لما هو خاص به كتهج‪44‬ده‬
‫ووصاله في الصوم ونكاحه أكثر من أربع‪ ،‬وهذا القسم من السنة أيض‪44‬ا ق‪44‬د ثبت اختصاص‪44‬ه‬
‫به‪ ،‬فال تكليف فيه على األمة‪.‬‬

‫‪ ‬ـ أم‪44‬ا م‪44‬ا ص‪44‬در عن‪44‬ه بص‪44‬فته مش‪44‬رعا لألم‪44‬ة ك‪44‬أن ي‪44‬بين مجمال أو يخص‪44‬ص عام‪44‬ا أو يقي‪44‬د‬
‫مطلق‪44‬ا من الق‪44‬رآن الك‪44‬ريم أو يش‪44‬رع ش‪44‬يئا من العب‪44‬ادات أو المع‪44‬امالت أو يوض‪44‬ح اعتق‪44‬ادا من‬
‫االعتق‪44‬ادات ونح‪44‬و ذل‪44‬ك فه‪44‬ذا كل‪44‬ه يعت‪44‬بر وحي‪44‬ا من اهلل تع‪44‬الى وتش‪44‬ريعا عام‪44‬ا لألم‪44‬ة إلى ي‪44‬وم‬
‫القيام‪44‬ة‪ .‬وله‪44‬ذا فق‪44‬د ك‪44‬انت مهم‪44‬ة الرس‪44‬ول ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم باإلض‪44‬افة إلى تبلي‪44‬غ الق‪44‬رآن‬
‫الك‪44‬ريم تبيين‪44‬ه وش‪44‬رحه وتفس‪44‬يره بجمل‪44‬ة أقوال‪44‬ه وأفعال‪44‬ه وتقريرات‪44‬ه تنفي‪44‬ذا لم‪44‬ا أم‪44‬ر ب‪44‬ه مص‪44‬ادقا‬
‫ون))"(‪ .)3‬وقول ‪44‬ه‬ ‫ٱلذ ْك َر ِلتَُب ِّي َن ِل َّلن ِ‬
‫اس َما ُنِّز َل إِلَ ْي ِه ْم َولَ َعلَّ ُه ْم َيتَفَ َّك ُر َ‬ ‫َنز ْل َنآ إِلَ ْي َك ِّ‬
‫لقوله تعالى‪َ ((" :‬وأ َ‬
‫ٱختَلَفُ ‪66‬وا ِفي ‪6ِ 6‬ه َو ُه ‪6ً 6‬دى َو َر ْح َم‪ً 66‬ة لِّقَ ‪6ْ 6‬وٍمۢ‬ ‫‪6‬ك ٱ ْل ِك ٰتَ َب إِاَّل ِلتَُب ِّي َن لَ ُه ُم ٱلَّ ِذى ْ‬
‫َنز ْل َن ‪66‬ا َعلَ ْي‪َ 6‬‬
‫تع‪44 4‬الى‪َ ((" :‬و َمآ أ َ‬
‫ون))"(‪.)4‬‬ ‫ُي ْؤ ِم ُن َ‬

‫ك‪44‬ل ه‪44‬ذا ي‪44‬بين أن مهم‪44‬ة الرس‪44‬ول ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم مزدوج‪44‬ة تجم‪44‬ع بين التبلي‪44‬غ واإلبان‪44‬ة‪.‬‬
‫قال الط‪44‬بري رحم‪44‬ه اهلل‪( :‬أن مما أنزل اهلل من القرآن على نبيه ص‪66‬لى اهلل علي‪66‬ه وس‪66‬لم م‪66‬ا‬
‫ال يتوصل إلى علم تأويله إال ببي‪66‬ان الرس‪66‬ول ص‪66‬لى اهلل علي‪66‬ه وس‪66‬لم وذل‪66‬ك تأوي‪66‬ل جمي‪66‬ع م‪6‬ا‬
‫فيه من وجوه أمره‪ :‬وواجبه وندبه‪ 6،‬وإ رشاده‪ ،‬وصنوف نهي‪66‬ه‪ ،‬ووظ‪66‬ائف حقوق‪66‬ه وح‪66‬دوده‬
‫بعض خلقه لبعض وما أشبه ذل‪66‬ك من أحك‪66‬ام آي‪66‬ه ال‪66‬تي لم‬
‫ومبالغ فرائضه‪ ،‬ومقادير الالزم َ‬
‫ي‪66‬درك علمه‪6‬ا إال بي‪66‬ان رس‪66‬ول اهلل ص‪6‬لى اهلل علي‪66‬ه وس‪66‬لم ألمت‪66‬ه‪ 6،‬وه‪66‬ذا وج‪66‬ه ال يج‪66‬وز ألح‪66‬د‬
‫القول فيه إال ببيان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بتأويله بنص منه عليه‪ ،‬أو بداللة ق‪66‬د‬
‫‪ - 1‬سورة الكهف‪ .‬اآلية‪.110 :‬‬
‫‪ - 2‬سورة اإلسراء‪ .‬اآلية‪.93 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة النحل‪ .‬اآلية‪.44 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة النحل‪ .‬اآلية‪.64 :‬‬

‫‪139‬‬
‫نص‪66‬بها دال‪66‬ة أمتَ‪66‬ه على تأويله)(‪ .)1‬وه‪44‬و م‪44‬ا أش‪44‬ار إلي‪44‬ه الش‪44‬افعي بقول‪44‬ه‪( :‬وس‪66‬نن رس‪66‬ول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم وجهان‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬نص كتاب فاتبعه رسول اهلل كما أنزل اهلل‪.‬‬

‫واآلخ‪6‬ر‪ :‬جمل‪6‬ة بين رس‪6‬ول اهلل في‪6‬ه عن اهلل مع‪6‬نى م‪6‬ا أراد بالجمل‪6‬ة وأوض‪6‬ح كي‪6‬ف فرض‪6‬ها‬
‫عاما أو خاصا وكيف أراد أن يأتي به العباد وكالهما اتبع فيه كتاب اهلل)(‪.)2‬‬

‫ضرورة شرح السنة للقرآن واالهتداء بها في فهم تعاليم اإلسالم‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫إن مهم‪44 4‬ة الرس‪44 4‬ول ص‪44 4‬لى اهلل علي‪44 4‬ه وس‪44 4‬لم باإلض‪44 4‬افة إلى تبلي‪44 4‬غ الق‪44 4‬رآن الك‪44 4‬ريم هي تبيين‪44 4‬ه‬
‫وش‪44‬رحه وتفس‪4‬يره له‪44‬ذا الكت‪44‬اب من خالل أقوال‪44‬ه وأفعال‪44‬ه وتقريرات‪44‬ه وس‪4‬يرته تنيف‪44‬ذا ألم‪4‬ر رب‪44‬ه‬
‫ون))"(‪ .)3‬وقول ‪44‬ه‬ ‫‪6‬ك ٱل‪6ِّ 6‬ذ ْك َر ِلتَُب ِّي َن ِل َّلن ِ‬
‫اس َم‪66‬ا ُن‪6ِّ 6‬ز َل إِلَ ْي ِه ْم َولَ َعلَّ ُه ْم َيتَفَ َّك ُر َ‬ ‫َنز ْل َنآ إِلَ ْي‪َ 6‬‬
‫في قول ‪44‬ه‪َ ((" :‬وأ َ‬
‫ٱختَلَفُ ‪66‬وا ِفي ‪6ِ 6‬ه َو ُه ‪6ً 6‬دى َو َر ْح َم‪ً 66‬ة لِّقَ ‪6ْ 6‬وٍمۢ‬ ‫‪6‬ك ٱ ْل ِك ٰتَ َب إِاَّل ِلتَُب ِّي َن لَ ُه ُم ٱلَّ ِذى ْ‬ ‫َنز ْل َن ‪66‬ا َعلَ ْي‪َ 6‬‬
‫تع‪44 4‬الى‪َ ((" :‬و َمآ أ َ‬
‫‪6‬ون))"(‪ .)4‬فت ‪44‬بين من خالل اآلي ‪44‬تين أن مهم ‪44‬ة الرس ‪44‬ول ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم مزدوج ‪44‬ة‬ ‫ُي ْؤ ِم ُن‪َ 6‬‬
‫تجمع بين التبليغ واإلبانة باعتبار أن القرآن هو ال‪44‬وحي المتل‪44‬و المتعب‪44‬د بتالوت‪44‬ه والس‪44‬نة وحي‬
‫غير متلو وال متعبد بتالوتها‪.‬‬

‫ق ‪44‬ال ابن ح ‪44‬زم‪( :‬لم‪66‬ا بين‪66‬ا أن الق‪66‬رآن ه‪66‬و األص‪66‬ل المرج‪66‬وع إلي‪66‬ه في الش‪66‬رائع نظرن‪66‬ا في‪66‬ه‪،‬‬
‫فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ووجدناه عز وج‪66‬ل‬
‫ق َع ِن ٱ ْل َه‪6َ 6‬و ٰىٓ﴿‬ ‫يقول فيه واصفا لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬قال تعالى‪((" :‬وما ي ِ‬
‫نط ُ‬ ‫ََ َ‬
‫‪ ﴾٣‬إِ ْن ُه َو إِاَّل َو ْح ٌى ُي‪َ 6‬‬
‫‪6‬وح ٰى))"(‪ .)5‬فص‪66‬ح لن‪66‬ا ب‪66‬ذلك أن ال‪66‬وحي ينقس‪66‬م من اهلل ع‪66‬ز وج‪66‬ل إلى‬
‫قسمين‪:‬‬

‫‪ - 1‬تفسير الطبري‪ .‬ج‪ .1 :‬ص‪.74 :‬‬


‫‪ - 2‬السنة ومكانتها في التشريع اإلسالمي ص‪.27 :‬لعبد الحليم محمود المكتبة العصرية صيدا بيروت‪.‬‬
‫‪ - 3‬سورة النحل‪ .‬اآلية‪.44 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة النحل‪ .‬اآلية‪.64 :‬‬
‫‪ - 5‬سورة النجم‪ .‬اآلية‪.4 – 3 :‬‬

‫‪140‬‬
‫أحدهما وحي متلو مؤلف تأليفا معجم النظام وهو القرآن‪.‬‬

‫والث‪66‬اني وحي م‪66‬روي منق‪66‬ول غ‪66‬ير مؤل‪66‬ف وال معج‪66‬ز النظ‪66‬ام وال متل‪66‬و لكن‪66‬ه مق‪66‬روء‪ ،‬وه‪66‬و‬
‫الخبر الوارد عن رس‪66‬ول اهلل ص‪66‬لى اهلل علي‪66‬ه وس‪66‬لم وه‪66‬و الم‪66‬بين عن اهلل ع‪6‬ز وج‪6‬ل م‪66‬راده‬
‫تعالى"((لتَُب ِّي َن ِل َّلن ِ‬
‫اس َما ُنِّز َل إِلَ ْي ِه ْم))"(‪ .)1‬ووجدناه قد أوجب طاعة ه‪66‬ذا القس‪66‬م‬ ‫ِ‬ ‫منا‪ ،‬قال اهلل‬
‫الث ‪66‬اني‪ ،‬كم ‪66‬ا أوجب طاع ‪66‬ة القس ‪66‬م األول ال ‪66‬ذي ه ‪66‬و الق ‪66‬رآن وال ف ‪66‬رق‪ .‬ف ‪66‬القرآن والس ‪66‬نة‬
‫مصدران للتشريع متالزمان‪ ،‬ال يمكن ألي مسلم ط‪66‬الب علم أو مجته‪66‬د االس‪66‬تغناء بأح‪66‬دهما‬
‫عن اآلخر)(‪.)2‬‬

‫أنواع السنة بالنسبة‪ 6‬لما ورد في القرآن‪.‬‬ ‫‪)2‬‬

‫اس ‪44‬تقرأ علم ‪44‬اء اإلس ‪44‬الم األحك ‪44‬ام ال ‪44‬واردة في الس ‪44‬نة النبوي ‪44‬ة ومقارنته ‪44‬ا بم ‪44‬ا ورد في الق ‪44‬رآن‬
‫الكريم فوجدوها ثالثة أنواع‪:‬‬

‫‪ -‬سنة مؤكدة لما ورد في القرآن الكريم‪ :‬كأحاديث إقام‪44‬ة الص‪44‬الة وإ يت‪4‬اء الزك‪44‬اة وص‪4‬وم‬
‫رمض‪44 4‬ان وحج ال‪44 4‬بيت وغيره‪44 4‬ا من األحك‪44 4‬ام ال‪44 4‬واردة في النهي عن اإلش‪44 4‬راك باهلل وش‪44 4‬هادة‬
‫ال‪44‬زور وعق‪44‬وق الوال‪44‬دين وقت‪44‬ل النفس ال‪44‬تي ح‪44‬رم اهلل إال ب‪44‬الحق وغ‪44‬ير ذل‪44‬ك كقول‪44‬ه ص‪44‬لى اهلل‬
‫علي ‪44‬ه وس‪44‬لم فيم ‪44‬ا أخرج ‪44‬ه اإلم‪44‬ام أحم‪44‬د في مس‪44‬نده‪" :‬ال يح‪66‬ل م‪66‬ال ام‪66‬رئ مس‪66‬لم إال بطيب من‬
‫ام ُن ‪66‬وا اَل تَ‪66‬أْ ُكلُ ٓوا أ َْم‪6َٰ 6‬ولَ ُكم َب ْي َن ُكم‬
‫ين َء َ‬ ‫ُّه‪66‬ا ٱلَّ ِذ َ‬ ‫ٰ‬
‫نفسه" ‪ .‬فإن‪44 4‬ه يعت‪44 4‬بر تأكي‪44 4‬دا لقول‪44 4‬ه تع‪44 4‬الى‪َ ((" :‬يٓأَي َ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪6‬ان ِب ُك ْم‬‫س ‪ُ 6 6 6‬ك ْم ۚ إِ َّن ٱللَّ َه َك‪َ 6 6 6‬‬ ‫‪6‬ون ِت َٰج‪َ 6 6 6‬رةً َعن تَ‪6َ 6 6 6‬ر ٍ‬
‫اضۢ ِّمن ُك ْم ۚ َواَل تَ ْقتُلُوٓا أَنفُ َ‬ ‫ِبٱ ْل َٰب ِط‪ِ 6 6 6‬ل إِاَّل ٓ أَن تَ ُك‪َ 6 6 6‬‬
‫يما))"(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫َرح ً‬

‫‪ - 1‬سورة النحل‪ .‬اآلية‪.44 :‬‬


‫‪ - 2‬خبر الواحد وحجيته‪ .‬ألحمد بن محمود بن عبد الوهاب الشنقيطي‪ .‬ص‪ .63 :‬الطبعة‪ .1 :‬سنة‪.2002 :‬‬
‫‪ - 3‬تفسير ابن كثير‪ .‬ج‪ .9 :‬ص‪.140 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪.29 :‬‬

‫‪141‬‬
‫‪ -‬س‪66‬نة مبين‪66‬ة لم‪66‬ا ورد في الق‪66‬رآن الك‪66‬ريم‪ :‬ومن أمثلته ‪44‬ا قول ‪44‬ه ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم‪:‬‬
‫يم‪66‬وا‬ ‫ِ‬
‫"صلوا كما رأيتموني‪ 6‬أصلي" ‪ .‬فق‪44‬د بين علي‪44‬ه الص‪44‬الة والس‪44‬الم ق‪44‬ول اهلل تع‪44‬الى‪َ ((" :‬وأَق ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫(‪)3‬‬
‫ٱلز َك‪6ٰ 6‬وةَ))"(‪ .)2‬والحج‪ ،‬ق‪44‬ال ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم‪" :‬خ‪6‬ذوا ع‪6‬ني مناس‪6‬ككم"‬ ‫ٱلص‪6‬لَ ٰوةَ َو َءاتُ‪66‬وا َّ‬
‫َّ‬
‫ط َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٱلن ِ ِ‬
‫تبيانا لقوله تعالى‪َ ((" :‬وِللَّ ِه َعلَى َّ‬
‫اع إِلَ ْيه َ‬
‫س ِبياًل ))"(‪.)4‬‬ ‫اس ح ُّج ٱ ْل َب ْيت َم ِن ْ‬
‫ٱستَ َ‬

‫‪ -‬س‪66‬نة مؤسس‪66‬ة لحكم زائ‪66‬د على م‪66‬ا في الق‪66‬رآن الك‪66‬ريم‪ :‬على م‪44‬ذهب الق‪44‬ائلين باس‪44‬تقالل‬
‫َن‬‫َه ِ‪6‬ل ا ْل ِع ْلِم أ َّ‬
‫َعلَ ُم ِخاَل فًا بين أ ْ‬ ‫الر َس ‪4‬الَ ِة‪( :‬اَل أ ْ‬ ‫الس‪44‬نة بالتش‪44‬ريع‪ ،‬ومنهم الش‪44‬افعي ال‪44‬ذي يق‪44‬ول في ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح‪ُ 6‬د َها م‪66‬ا أَْن‪6َ 6‬ز َل اللَّ ُه في‪66‬ه‬ ‫ْس‪ٍ 6‬ام أ َ‬‫س‪َ 6‬ن َن رس‪66‬ول اللَّه ص‪66‬لى اللَّ ُه علي‪66‬ه وس‪66‬لم تَْنقَس‪ُ 6‬م إلَى ثَاَل ثَ‪66‬ة أَق َ‬ ‫ُ‬
‫‪6‬اب َوالثَّ ِاني م‪66‬ا أَْن‪6َ 6‬ز َل اللَّ ُه‬ ‫ص ا ْل ِكتَ‪ِ 6‬‬‫َّن رسول اللَّ ِه صلى اللَّ ُه علي‪66‬ه وس‪66‬لم ِمثْ‪َ 6‬ل َن ِّ‬ ‫ص ِكتَ ٍ‬
‫اب فَ َبي َ‬ ‫َن َّ‬
‫س‪َّ 6‬ن‬‫ث م‪6‬ا َ‬ ‫‪6‬ان لم َي ْختَِلفُ‪6‬وا ِفي ِه َم‪6‬ا َوالثَّ ِال ُ‬ ‫ان ا ْل َو ْج َه ِ‬‫َّن عن اللَّ ِه م‪6‬ا أ ََر َاد َو َه‪َ 6‬ذ ِ‬ ‫فيه ُج ْملَ َة ِكتَ ٍ‬
‫اب فَ َبي َ‬
‫اختَلَفُ‪66‬وا في‪66‬ه فَ ِم ْن ُه ْم من ق‪66‬ال َج َع‪َ 6‬‬
‫‪6‬ل‬ ‫‪6‬اب َو ْ‬ ‫ص ِكتَ‪ٍ 6‬‬ ‫س في‪66‬ه َن ُّ‬ ‫س‪6‬و ُل ص‪66‬لى اللَّ ُه علي‪66‬ه وس‪66‬لم َولَ ْي َ‬ ‫الر ُ‬
‫َّ‬
‫يم‪66‬ا ليس في‪66‬ه‬ ‫ِ‬ ‫يق‪6ِ 6‬ه ِل ِر َ‬
‫ق في ِع ْل ِم ِه من تَو ِف ِ‬ ‫ط ِِ‬ ‫اللَّ ُه له ِب َما فََر َ‬
‫س‪َّ 6‬ن ف َ‬‫َن َي ُ‬ ‫ض‪6‬اهُ أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫س َب َ‬‫اعته َو َ‬ ‫ض من َ َ‬
‫ص ِكتَ ٍ‬
‫اب)(‪.)5‬‬ ‫َن ُّ‬

‫من خالل هذا يتبين أن لتفسير السنة للقرآن وجوه كثيرة أهمها‪:‬‬

‫‪ -)1‬تفسير‪ 6‬مجمل القرآن‪ :‬وذلك ببيان معنى لفظ ورد في القرآن الكريم أو شرح كلية من‬
‫كلياته أو قاعدة من قواعده أو بتوضيح مغيب من مغيباته‪.‬‬

‫ام ُن ‪66‬وا َولَ ْم َي ْل ِب ُ‬


‫س‪66‬وٓا‬ ‫وفي تب‪44 4‬يين مع‪444‬نى لف‪444‬ظ ورد في الق‪444‬رآن بالس‪44 4‬نة قول‪444‬ه تع‪44 4‬الى‪((" :‬ٱلَّ ِذ َ‬
‫ين َء َ‬
‫ٰ‬
‫ون))"(‪ )6‬بم‪44‬ا رواه البخ‪44‬اري ومس‪44‬لم عن عب‪44‬د اهلل بن‬ ‫يم َن ُهم ِبظُ ْلٍم أُولَٓ ِئ َك َل ُه ُم ٱأْل َْم ُن َو ُهم ُّم ْهتَ ُد َ‬ ‫ِ‬
‫إ َٰ‬

‫‪ - 1‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .5 :‬ص‪.143 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة البقرة‪ .‬اآلية‪.42 :‬‬
‫‪ - 3‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .18 :‬ص‪.162 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة آل عمران‪ .‬اآلية‪.97 :‬‬
‫‪ - 5‬البحر المحيط في أصول الفقه ج‪ 3 :‬ص‪ 238 :‬لبدر الدين محمد بن بهادر بن عبد هللا الزركشي تحقيق ضبط نصوصه وخرج‬
‫أحاديثه وعلق عليه‪ :‬د‪ .‬محمد محمد تامر‪ .‬دار الكتب العلمية ‪1421‬هـ ‪2000 -‬م لبنان‪ /‬بيروت‬

‫جماع العلم‪ .‬ألبي عبد هللا محمد بن إدريس القرشي المطلبي‪ .‬دار اآلثار‪ .‬ص‪ .41 :‬ط‪ :‬األولى‪.2002 .‬‬
‫‪ - 6‬سورة األنعام‪ .‬اآلية‪.82 :‬‬

‫‪142‬‬
‫مس‪44‬عود رض‪44‬ي اهلل عن‪44‬ه ق‪44‬ال‪ :‬لما ن‪66‬زلت ه‪66‬ذه اآلي‪66‬ة ش‪66‬ق ذل‪6‬ك على الن‪6‬اس فق‪66‬الوا‪ :‬وأين‪66‬ا ال‬
‫يظلم نفسه‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه وس‪66‬لم‪" :‬ليس م‪66‬ا تعن‪66‬ون‪ ،‬ألم تس‪66‬معوا ق‪66‬ول العب‪66‬د الص‪66‬الح‬
‫يم))"(‪ )1‬إنم‪66‬ا ه‪66‬و الش‪66‬رك"(‪ .)2‬ومن أمثلت‪44‬ه أيض‪44‬ا قول‪44‬ه تع‪44‬الى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫لقم‪66‬ان‪((" :‬إِ َّن ِّ‬
‫ٱلش‪ْ 6‬ر َك َلظُ ْل ٌم َعظ ٌ‬
‫طعتُم ِّمن قَُّو ٍةۢ و ِمن ِّرب ِ‬
‫اط ٱ ْل َخ ْيل))"(‪ ،)3‬بم‪44‬ا أخرج‪44‬ه مس‪44‬لم عن عقب‪44‬ة بن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٱستَ َ ْ‬
‫"(( َوأَعدُّوا لَ ُهم َّما ْ‬
‫عامر قال‪ :‬سمعت رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم يق‪44‬ول وه‪44‬و على المن‪44‬بر‪" :‬أال وإ ن القوة‬
‫الرمي"(‪ .)4‬ومن األمثل‪44‬ة أيض‪44‬ا بي‪44‬ان المقص‪44‬ود بالص‪44‬الة الوس‪44‬طى في قول‪44‬ه تع‪44‬الى‪َٰ ((" :‬ح ِفظُ‪6‬وا‬
‫ٰ‬
‫ين))"(‪ .)5‬بم ‪44‬ا أخرج ‪44‬ه الترم ‪44‬ذي عن ابن‬ ‫وم‪66‬وا ِللَّ ِه قَ ِن ِت َ‬
‫ط ٰى َوقُ ُ‬
‫س‪َ 66‬‬ ‫ٱلص‪66‬لَ َٰو ِت َو َّ‬
‫ٱلص‪66‬لَ ٰو ِة ٱ ْل ُو ْ‬ ‫َعلَى َّ‬
‫مسعود رضي اهلل عنه قال‪ :‬ق‪44‬ال رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم‪" :‬الصالة الوسطى صالة‬
‫العصر"(‪.)6‬‬

‫ومن أمثل ‪44‬ة ش ‪44‬رح كلي ‪44‬ة من كلي ‪44‬ات الق ‪44‬رآن بالس ‪44‬نة النبوي ‪44‬ة بي ‪44‬ان الن ‪44‬بي ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم‬
‫لمواقيت الصلوات‪ 4‬الخمس وعدد ركعاتها وكيفية أدائها وبيان مقادير الزكاة وأنواعها وبيان‬
‫مناس‪44 4‬ك الحج بقول‪44 4‬ه وفعل‪44 4‬ه وإ ق‪44 4‬راره‪ .‬ق‪44 4‬ال ص‪44 4‬لى اهلل علي‪44 4‬ه وس‪44 4‬لم‪" :‬ص ‪66‬لوا كم ‪66‬ا رأيتم ‪66‬وني‬
‫أصلي"(‪ .)7‬وقال صلى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم‪" :‬خذوا عني مناسككم"(‪ .)8‬ومن أمثل‪44‬ة بي‪44‬ان قاع‪44‬دة من‬
‫قواع ‪44‬ده في الس ‪44‬نة قول ‪44‬ه تع ‪44‬الى‪َ ((" :‬واَل تَ ‪6‬أْ ُكلُوٓا أ َْم‪6َٰ 6‬ولَ ُكم َب ْي َن ُكم ِبٱ ْل َٰب ِطل))"(‪ .)9‬فح ‪44‬رم أك ‪44‬ل أم ‪44‬وال‬
‫الن‪44‬اس بالباط‪44‬ل كقاع‪44‬دة عام‪44‬ة فج‪4‬اءت الس‪44‬نة مبين‪44‬ة ألن‪44‬واع ه‪44‬ذا الباط‪44‬ل كرب‪44‬ا الفض‪44‬ل والنس‪44‬يئة‬
‫والغش وتلقي الركبان ونحو ذلك مما يبين تلك القاعدة العامة‪.‬‬

‫أم‪44‬ا أمثل‪44‬ة توض‪44‬يح الس‪44‬نة النبوي‪44‬ة لمغيب من مغيب‪44‬ات الق‪44‬رآن الك‪44‬ريم م‪44‬ا أخرج‪44‬ه البخ‪44‬اري عن‬

‫أبي هري‪44‬رة رض‪44‬ي اهلل عن‪44‬ه ق‪44‬ال‪ :‬ق‪44‬ال رس‪44‬ول اهلل ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم‪َ " :‬م ْن آتَاهُ اللَّ ُه َم‪ 6‬ااًل‬
‫‪ - 1‬سورة لقمان‪ .‬اآلية‪.13 :‬‬
‫‪ - 2‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .16 :‬ص‪.19 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة األنفال‪ .‬اآلية‪.61 :‬‬
‫‪ - 4‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .14 :‬ص‪.145 :‬‬
‫‪ - 5‬سورة البقرة‪ .‬اآلية‪.236 :‬‬
‫‪ - 6‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .18 :‬ص‪.124 :‬‬
‫‪ - 7‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .5 :‬ص‪.143 :‬‬
‫‪ - 8‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .18 :‬ص‪.162 :‬‬
‫‪ - 9‬سورة البقرة‪ .‬اآلية‪.187 :‬‬

‫‪143‬‬
‫ط َّوقُ‪6ُ 6‬ه ي‪66‬وم ا ْل ِقيام‪ِ 6‬‬ ‫‪6‬ه مالُ‪6ُ 6‬ه ي‪66‬وم ا ْل ِقيام‪ِ 6‬‬ ‫ِّ‬
‫‪6‬ة ثُ َّم‬ ‫َْ َ َ َ‬ ‫‪6‬ان ُي َ‬ ‫‪6‬ه َز ِب َ‬
‫يبتَ‪ِ 6‬‬ ‫ع لَ‪ُ 6‬‬
‫اعا أَ ْق‪6َ 6‬ر َ‬
‫ش‪َ 6‬ج ً‬
‫‪6‬ة ُ‬ ‫َفلَ ْم ُي َؤ ِّد َز َكاتَ ُه ُمث َل لَ‪َ َ َ ْ َ َ ُ 6‬‬
‫َيأْ ُخ ُذ ِبِل ْه ِز َمتَ ْي ِ‪6‬ه َي ْع ِني ِب ِش ْدقَ ْي ِه ثُ َّم َيقُو ُل أََنا َمالُ َك أََن‪66‬ا َك ْن‪6ُ 6‬ز َك ثُ َّم تَاَل رس‪66‬ول اهلل ص‪66‬لى اهلل علي‪66‬ه‬
‫ض‪ِ 6‬ل ِه ُه‪6َ 6‬و َخ ْي‪6ً 6‬را لَّ ُهم َب‪6ْ 6‬ل‬
‫‪6‬اه ُم اللَّ ُه ِمن فَ ْ‬
‫ون‪ِ  ‬ب َما آتَ‪ُ 6‬‬
‫ين‪َ  ‬ي ْب َخلُ َ‬ ‫س َب َّن‪ ‬الَّ ِذ َ‬
‫"((واَل ‪َ  ‬ي ْح َ‬
‫وسلم هذه اآلية‪َ :‬‬
‫ام ِة))"(‪.)2( ")1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َما َبخلُوا ِبه َي ْو َم ا ْلق َي َ‬ ‫ط َّوقُ َ‬ ‫شٌّر لَّ ُه ْم َ‬
‫س ُي َ‬ ‫ُه َو َ‬

‫‪ -)2‬تخصيص عام القرآن الك‪66‬ريم‪ :‬عن‪44‬دما ي‪44‬رد لف‪44‬ظ في الق‪44‬رآن الك‪44‬ريم في‪44‬أتي في الس‪44‬نة م‪44‬ا‬
‫يدل على أن ذلك اللفظ ليس على عمومه وإ نما يتناول بعض أفراده فقط‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬تخصيص عموم المباحات من النساء المستفاذ من اآلي‪44‬ة بع‪4‬د أن ذك‪44‬ر المحرم‪4‬ات منهن‬
‫‪6‬ل َل ُكم َّما َو َرآ َء َٰذِل ُك ْم))"(‪ .)3‬يق‪44‬ول الن‪44‬بي ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم‪" :‬وال تنكح‬ ‫ق‪44‬ال تع‪44‬الى‪((" :‬وأ ِ‬
‫ُح‪َّ 6‬‬ ‫َ‬
‫المرأة على عمتها وال على خالتها"(‪.)4‬‬

‫وصي ُكم ٱللَّ ُه ِفىٓ أَو ٰلَ ِد ُكم ۖ ِل َّ‬


‫لذ َك ِر ِم ْث ُل‬ ‫‪ -‬تخصيص عموم الولد الوارث في قوله تعالى‪((" :‬ي ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َح‪ 6‬ظِّ ٱأْل ُنثََي ْي ِن))"(‪ .)5‬يق ‪44‬ول الن ‪44‬بي ص ‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس ‪44‬لم‪" :‬نحن معش‪66‬ر األنبي‪66‬اء ال ن‪66‬ورث م‪66‬ا‬
‫تركن‪66 6‬اه ص‪66 6‬دقة"(‪ ،)6‬وقول‪44 4 4‬ه ص‪44 4 4‬لى اهلل علي‪44 4 4‬ه وس‪44 4 4‬لم‪" :‬ال ي‪66 6‬رث المس‪66 6‬لم الك‪66 6‬افر وال الك‪66 6‬افر‬
‫المسلم"(‪.)7‬‬

‫َّم‬
‫‪ -‬تخصيص عموم الميتة والدم المحرمين في قوله تعالى‪ُ ((" :‬حِّر َم ْت َعلَ ْي ُك ُم ٱ ْل َم ْيتَ ُة َوٱلد ُ‬
‫ير))"(‪ .)8‬يق‪44‬ول الرس‪44‬ول ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم‪" :‬أحلت لن‪66‬ا ميتت‪66‬ان ودم‪66‬ان‪ ،‬فأم‪66‬ا‬ ‫َولَ ْح ُم ٱ ْل ِخ‪ِ 6‬‬
‫‪6‬نز ِ‬
‫الميتتان فالجراد والحوت‪ ،‬وأما الدمان فالكبد والطحال"(‪.)9‬‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران‪ .‬اآلية‪.180 :‬‬


‫‪ - 2‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .10 :‬ص‪.63 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪.24 :‬‬
‫‪ - 4‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .20 :‬ص‪.106 :‬‬
‫‪ - 5‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪.11 :‬‬
‫‪ - 6‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .14 :‬ص‪.25 :‬‬
‫‪ - 7‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .23 :‬ص‪.260 :‬‬
‫‪ - 8‬سورة المائدة‪ .‬اآلية‪.4 :‬‬
‫‪ - 9‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .10 :‬ص‪.163 :‬‬

‫‪144‬‬
‫‪ -)3‬تقييد مطلق القرآن الكريم‪ :‬وذلك عندما يرد لفظ مطلق في القرآن الكريم فتأتي السنة‬
‫لتدل على ذلك اللفظ ليس على إطالقه‪ ،‬وإ نما هو مقيد بقيد يحد من انتشاره ومن أمثلته‪:‬‬

‫ُم َٰهتُ ُك ُم ٱ ٰلَِّتى‬


‫‪ -‬تقيي ‪44 4‬د الرض ‪44 4‬اع المح ‪44 4‬رم لل ‪44 4‬زواج وال ‪44 4‬وارد مطلق ‪44 4‬ا في قول ‪44 4‬ه تع ‪44 4‬الى‪َ ((" :‬وأ َّ‬
‫ض‪َ 6‬ع ِة))"(‪ )1‬بثالث رض‪44‬عات عمال بمفه‪44‬وم الح‪44‬ديث‪" :‬ال يح‪66‬رم من‬ ‫ٱلر َٰ‬‫َخ‪6َٰ 6‬وتُ ُكم ِّم َن َّ‬
‫ض ْع َن ُك ْم َوأ َ‬
‫أ َْر َ‬
‫الرضاع المصة والمصتان"(‪.)2‬‬

‫صي ٍ‪6‬‬
‫َّة‬ ‫‪ -‬تقيي‪44‬د الوص‪44‬ية ال‪44‬تي تنف‪44‬ذ قب‪44‬ل قس‪44‬مة الترك‪44‬ة ال‪44‬واردة في قول‪44‬ه تع‪44‬الى‪ِ ((" :‬منۢ بع ِد و ِ‬
‫َْ َ‬
‫ي ِ‬
‫وص ‪6‬ي ِب َه ٓا أ َْو َد ْي ٍنۢ))"(‪ )3‬بأنه ‪44‬ا في ح ‪44‬دود الثلث اس ‪44‬تنادا إلى م ‪44‬ا ثبت في الص ‪44‬حيح أن س ‪44‬عدا‬ ‫ُ‬
‫ق‪44‬ال‪ :‬ي‪44‬ا رس‪44‬ول اهلل إن لي م‪44‬اال وال ترث‪44‬ني إال ابن‪44‬ة‪ ،‬افأوص‪44‬ي بثل‪44‬ثي م‪44‬الي ؟ ق‪44‬ال‪" :‬ال"‪ ،‬ق‪44‬ال‪:‬‬
‫فالش‪44‬طر ؟ ق‪44‬ال‪" :‬ال"‪ ،‬ق‪44‬ال‪ :‬ف‪44‬الثلث ؟ ق‪44‬ال‪" :‬الثلث والثلث كثير‪ ،‬إن‪66‬ك إن ت‪66‬دع ورثت‪66‬ك أغني‪66‬اء‬
‫خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس"(‪.)4‬‬

‫ق‬ ‫س‪ِ 66‬‬


‫ار ُ‬ ‫‪ -‬تقيي‪44 4‬د الي‪44 4‬د المطل‪44 4‬وب قطعه‪44 4‬ا في ح‪44 4‬د الس‪44 4‬رقة ال‪44 4‬واردة في قول‪44 4‬ه تع‪44 4‬الى‪َ ((" :‬وٱل َّ‬
‫ط ُعوٓا أ َْي ِد َي ُه َما))"(‪ ،)5‬بأنها اليمنى استنادا إلى ما ورد في السنة أن امرأة سرقت‬ ‫ارقَ ُة َفٱ ْق َ‬‫ٱلس ِ‬
‫َو َّ‬
‫على عه‪44‬ده ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم فق‪44‬ال قومه‪44‬ا‪ :‬نحن نف‪44‬ديها بخمس‪44‬مائة دين‪44‬ار‪ ،‬فق‪44‬ال ص‪44‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم‪" :‬اقطعوا يدها"(‪ ،)6‬فقطعت يدها اليمنى‪.‬‬

‫‪ -‬بيان السنة لنس‪4‬خ م‪4‬ا ورد في الق‪4‬رآن الك‪4‬ريم‪ ،‬حيث ي‪4‬بين ص‪4‬لى اهلل علي‪4‬ه وس‪4‬لم ب‪4‬أن آي‪4‬ة‬
‫كذا نسخت بكذا‪ ،‬ومن ذلك قوله ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم‪" :‬إن اهلل قد أعطى كل ذي حق حق‪66‬ه‬
‫فال وصية‪ 6‬لوارث"(‪ .)7‬فه‪44‬ذا بي‪44‬ان س‪44‬نته ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم لقول‪44‬ه تع‪44‬الى‪ُ ((" :‬ك ِت َب َعلَ ْي ُك ْم إِ َذا‬

‫‪ - 1‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪.23 :‬‬


‫‪ - 2‬سنن الترمذي‪ .‬لمحمد بن عيسى الترم‪dd‬ذي‪ .‬ج‪ .3 :‬ص‪ .455 :‬تحقي‪dd‬ق‪ :‬أحم‪dd‬د محم‪dd‬د ش‪dd‬اكر وآخ‪dd‬رون‪ .‬دار إحي‪dd‬اء ال‪dd‬تراث‬
‫العربي‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫‪ - 3‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪.12 :‬‬
‫‪ - 4‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .8 :‬ص‪.88 :‬‬
‫‪ - 5‬سورة المائدة‪ .‬اآلية‪.40 :‬‬
‫‪ - 6‬الفتح الرباني لترتيب مسند اإلمام أحمد‪ .‬ألحمد بن عبد الرحمان بن محم‪d‬د البن‪d‬ا الس‪d‬اعاتي‪ .‬ج‪ .16 :‬ص‪ .64 :‬دار إحي‪d‬اء‬
‫التراث‪ .‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ - 7‬عمدة القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬ج‪ .14 :‬ص‪.26 :‬‬

‫‪145‬‬
‫ين ِب ‪66‬ٱ ْلمعر ِ‬
‫وف ۖ َحقًّا َعلَى‬ ‫ص‪َّ 6 6‬ي ُ‪6‬ة ِل ْل َٰو ِل ‪6َ 6‬د ْي ِن َوٱأْل َ ْق ‪6َ 6‬ر ِب َ‬
‫ت إِن تَ ‪66‬ر َك َخ ْي‪66‬را ٱ ْلو ِ‬
‫َح‪َ 6 6‬د ُك ُم ٱ ْل َم‪6ْ 6‬و ُ‬
‫َ ُْ‬ ‫ً َ‬ ‫َ‬ ‫ض‪َ 6 6‬ر أ َ‬
‫َح َ‬
‫ين))"(‪.)1‬‬ ‫ٱ ْل ُمتَّ ِق َ‬

‫استقالل السنة بالتشريع‪:‬‬ ‫‪)3‬‬

‫لقد جاءت السنة النبوية بأحكام سكت عنها القرآن‪ ،‬كاألحاديث التي أثبتت حرمة الجمع بين‬
‫الم‪44‬رأة وعمته‪44‬ا أو خالته‪44‬ا‪ ،‬وأحك‪44‬ام الش‪44‬فعة‪ ،‬ورجم ال‪44‬زاني المحص‪44‬ن وتغ‪44‬ريب ال‪44‬زاني البك‪44‬ر‬
‫وص ‪44‬دقة الفط ‪44‬ر والحكم بش ‪44‬اهد ويمين وتح ‪44‬ريم ال ‪44‬ذهب والحري ‪44‬ر على الرج ‪44‬ال وإ رث الج ‪44‬دة‬
‫وغ ‪44‬ير ذل ‪44‬ك من األحك ‪44‬ام ال ‪44‬تي لم ت ‪44‬رد في الق ‪44‬رآن الك ‪44‬ريم وإ نم ‪44‬ا ج ‪44‬اءت به ‪44‬ا الس ‪44‬نة أو نص ‪44‬ت‬
‫عليها السنة النبوية‪ .‬فهل وروود مثل هذه األحكام في الس‪44‬نة ي‪44‬دل على أنه‪44‬ا تس‪44‬تقل بالتش‪44‬ريع‬
‫أم أن تل ‪44 4‬ك األحك ‪44 4‬ام ت ‪44 4‬دخل فيم ‪44 4‬ا نص علي ‪44 4‬ه الق ‪44 4‬رآن بن ‪44 4‬وع من التأوي ‪44 4‬ل فال تس ‪44 4‬تقل الس ‪44 4‬نة‬
‫بالتشريع؟‬

‫ما يترتب على الخالف باستقالل السنة بالتشريع‪6:‬‬ ‫‪)4‬‬

‫اختلف العلماء في ذلك على مذهبين‪:‬‬

‫المذهب األول‪ :‬وهو مذهب الجمهور‪ ،‬فقد استذل على أن السنة تستقل بالتشريع بأدلة منها‪:‬‬

‫‪ -‬أن‪44‬ه ال م‪44‬انع عقال من اس ‪44‬تقالل الس‪44‬نة بالتش ‪44‬ريع م‪44‬ا دام الرس‪44‬ول ص‪44‬لى اهلل علي ‪44‬ه وس‪44‬لم‬
‫معصوما من الخطأ وهلل سبحانه أن يأمر رسوله ص‪4‬لى اهلل علي‪4‬ه وس‪4‬لم بتبلي‪4‬غ أحكام‪4‬ه للن‪4‬اس‬
‫من أي طريق سواء من الكتاب أو السنة‪ ،‬وقد وقع ذلك بالفعل والوقوع دليل الجواز‪.‬‬

‫‪ -‬اآليات القرآنية الدالة على استقالل الرسول صلى اهلل عليه وسلم بالتشريع‪ ،‬من ذلك‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة‪ .‬اآلية‪.179 :‬‬

‫‪146‬‬
‫س‪6‬و َل َوأُوِلى ٱأْل َْم‪6ِ 6‬ر ِمن ُك ْم ۖ‬‫ٱلر ُ‬
‫يع‪66‬وا َّ‬ ‫ِ‬
‫يع‪66‬وا ٱللَّ َه َوأَط ُ‬
‫ِ‬
‫ام ُنوٓا أَط ُ‬ ‫ُّها ٱلَّ ِذ َ‬
‫ين َء َ‬
‫ٰ‬
‫‪ -)1‬قول‪44‬ه تع‪44‬الى‪َٓ ((" :‬يأَي َ‬
‫ٱلء ِ‬
‫اخ‪6ِ 6‬ر ۚ‬ ‫ِ‬
‫‪6‬ون ِبٱللَّه َوٱ ْل َي‪6ْ 6‬وِم ْ َ‬ ‫س‪ِ 6‬‬
‫ول إِن ُكنتُ ْم تُ ْؤ ِم ُن‪َ 6‬‬ ‫ٱلر ُ‬ ‫فَ ‪ِ6‬إن تَ َٰن‪6َ 6‬ز ْعتُ ْم ِفى َ‬
‫ش ‪ْ 6‬ى ٍءۢ فَ‪6ُ 6‬ردُّوهُ إِلَى ٱللَّ ِه َو َّ‬
‫ٰ‬
‫س ُن تَأ ِْوياًل ))"(‪.)1‬‬ ‫َذ ِل َك َخ ْيٌر َوأ ْ‬
‫َح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين‪ُ  ‬ي َخ ِالفُ َ‬
‫‪ -)2‬وقوله تعالى‪َ ((" :‬ف ْل َي ْح َذ ِر‪ ‬الَّ ِذ َ‬
‫اب‬
‫يب ُه ْم َع‪َ 6‬ذ ٌ‬ ‫ون َع ْن أ َْم ِر ِه أَن تُص َ‬
‫يب ُه ْم فتْ َن ٌة أ َْو ُيص ‪َ 6‬‬
‫يم))"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫أَل ٌ‬

‫سو ُل فَ ُخ ُذوهُ َو َما َن َه ٰى ُك ْم َع ْن ُه فَٱنتَ ُهوا))"(‪.)3‬‬ ‫‪ -)3‬وقوله تعالى‪َ ((" :‬و َم ٓا َءاتَ ٰى ُك ُم َّ‬
‫ٱلر ُ‬

‫ش َج َر َب ْي َن ُه ْم ثُ َّم اَل َي ِج‪ُ 6‬دوا ِفى‬ ‫ِ‬ ‫‪ -)4‬وقوله تعالى‪((" :‬فَاَل َو َر ِّب َك اَل ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون َحتَّ ٰى ُي َح ِّك ُمو َك ف َ‬
‫يما َ‬
‫ض ْي َت ويسلِّموا تَ ِ‬ ‫ِ‬
‫يما))"(‪.)4‬‬ ‫سل ً‬
‫ْ‬ ‫أَنفُس ِه ْم َح َر ًجا ِّم َّما قَ َ َ ُ َ ُ‬

‫‪6‬ون‬
‫س‪6‬ولُ ُهٓۥ أ َْم‪6ً 6‬را أَن َي ُك‪َ 6‬‬ ‫‪6‬ان ِل ُم‪6ْ 6‬ؤ ِم ٍنۢ َواَل ُم ْؤ ِم َن‪66ٍ 6‬ة إِ َذا قَ َ‬
‫ض‪6‬ى ٱللَّ ُه َو َر ُ‬ ‫‪ -)5‬وقول‪44‬ه تع‪44‬الى‪َ ((" :‬و َما َك‪َ 6‬‬
‫ض ٰلَاًل ُّم ِبي ًنا))"(‪.)5‬‬
‫ض َّل َ‬
‫سولَ ُهۥ فَقَ ْد َ‬ ‫ص ٱللَّ َه َو َر ُ‬ ‫لَ ُه ُم ٱ ْل ِخ َي َرةُ ِم ْن أ َْم ِر ِه ْم ۗ َو َمن َي ْع ِ‬

‫‪ -‬األح‪44‬اديث الدال‪44‬ة على أن الش‪44‬ريعة تتك‪44‬ون من الق‪44‬رآن الك‪44‬ريم والس‪44‬نة النبوي‪44‬ة‪ ،‬وأن في‬
‫السنة ما ليس في الق‪44‬رآن‪ ،‬وأن‪4‬ه يجب األخ‪44‬ذ بم‪44‬ا ورد في الس‪44‬نة كم‪4‬ا يؤخ‪44‬ذ بم‪44‬ا ورد منه‪4‬ا في‬
‫القرآن‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫‪ -)1‬قول‪44‬ه ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم‪" :‬يوش‪6‬ك أح‪6‬دكم أن يق‪6‬ول ه‪6‬ذا كت‪6‬اب اهلل‪ ،‬م‪6‬ا ك‪6‬ان في‪6‬ه من‬
‫حالل أحللناه وما كان فيه من حرام حرمان‪66‬ه أال من بلغ‪66‬ه ع‪66‬ني ح‪66‬ديث فك‪66‬ذب ب‪66‬ه فق‪66‬د ك‪6‬ذب‬
‫اهلل ورسوله والذي حدثه"(‪.)6‬‬

‫‪ - 1‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪.58 :‬‬


‫‪ - 2‬سورة النور‪ .‬اآلية‪.63 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة الحشر‪ .‬اآلية‪.7 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪.64 :‬‬
‫‪ - 5‬سورة األحزاب‪ .‬اآلية‪.36 :‬‬
‫‪ - 6‬مسند الشاميين‪ .‬ج‪ .2 :‬ص‪.137 :‬‬

‫‪147‬‬
‫‪ -)2‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬أال إني أوتيت القرآن ومثله معه‪ ‬أال يوش‪44‬ك رج‪44‬ل ش‪44‬بعان‬
‫على أريكت‪44‬ه يق‪44‬ول عليكم به‪44‬ذا الق‪44‬رآن فم‪44‬ا وج‪44‬دتم في‪44‬ه من حالل ف‪44‬أحلوه وم‪44‬ا وج‪44‬دتم في‪44‬ه من‬
‫حرام فحرموه‪ .‬وإ ن مما حرم رسول اهلل كما حرم اهلل"(‪.)1‬‬

‫أم‪44‬ا الم‪44‬ذهب الث‪44‬اني القائ‪44‬ل بع‪44‬دم اس‪44‬تقالل الس‪44‬نة بالتش‪44‬ريع فه‪44‬و يعت‪44‬بر ك‪44‬ل م‪44‬ا ورد في الس‪44‬نة‬
‫يجب أن يك‪44‬ون راجع‪44‬ا في معن‪44‬اه إلى الق‪44‬رآن الك‪44‬ريم‪ ،‬وك‪44‬ل حكم س‪44‬كت عن‪44‬ه الق‪44‬رآن فه‪44‬و في‬
‫الواقع داخل فيه بنوع من التأويل يجعل السنة غير مستقلة بالتشريع‪ ،‬ومن أدلة هؤالء‪:‬‬

‫ٱل‪66‬ذ ْك َر ِلتَُب ِّي َن ِل َّلن ِ‬


‫اس َم‪66‬ا ُن ِّ‪66‬ز َل إِلَ ْي ِه ْم))"(‪ .)2‬في ه ‪44‬ذا النص‬ ‫‪66‬ك ِّ‬‫َنز ْل َنآ إِلَ ْي َ‬
‫‪ -)1‬قول‪444‬ه تع‪444‬الى‪َ ((" :‬وأ َ‬
‫حص‪44‬ر اهلل تع‪44‬الى مهم‪44‬ة الرس‪44‬ول ص‪44‬لى اهلل علي‪44‬ه وس‪44‬لم في البي‪44‬ان ومن تم ال تج‪44‬د في الس‪44‬نة‬
‫أمرا إال والقرآن قد دل على معناه داللة إجمالية أو تفصيلية‪.‬‬

‫‪ -)2‬قول‪44 4‬ه تع‪44 4‬الى‪َّ ((" :‬ما فََّر ْط َن ‪66‬ا ِفى ٱ ْل ِك ٰتَ ِب ِمن َ‬
‫ش‪ْ 6 6‬ى ٍءۢ))"(‪ .)3‬مم‪44 4‬ا يقتض‪44 4‬ي أن تك‪44 4‬ون الس‪44 4‬نة‬
‫مضمنة في القرآن الكريم على سبيل اإلجمال‪.‬‬

‫والذي يظهر‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬أن السنة متظافرة م‪4‬ع الق‪44‬رآن على بل‪44‬ورة التع‪44‬اليم اإلس‪4‬المية وذل‪4‬ك‬
‫ألن ك ‪44‬ل م ‪44‬ا ورد في الس ‪44‬نة النبوي ‪44‬ة يمكن اعتب ‪44‬اره تفس ‪44‬يرا وبيان ‪44‬ا للق ‪44‬رآن الك ‪44‬ريم بوج ‪44‬ه من‬
‫وجوه البيان والتفسير والتأويل‪ ،‬مصداقا لقوله تعالى مخاطبا نبيه الكريم‪:‬‬

‫ٱلذ ْك َر ِلتَُب ِّي َن ِل َّلن ِ‬


‫اس َما ُنِّز َل إِلَ ْي ِه ْم َولَ َعلَّ ُه ْم َيتَفَ َّك ُر َ‬
‫ون))"(‪.)4‬‬ ‫َنز ْل َن ٓا إِلَ ْي َك ِّ‬
‫"(( َوأ َ‬

‫بقلم الدكتور إدريس الزكراوي‬

‫أستاذ مساعد بكلية اآلداب ببني‪ 6‬مالل‬

‫‪ - 1‬االعتصام للشاطبي‪ .‬ج‪ .1 :‬ص‪.146 :‬تحقيق‪ :‬سليم بن عيد الهاللي‪ .‬دار ابن عفان السعودية‪ .‬الطبعة األولى‪.1992 .‬‬
‫‪ - 2‬سورة النحل‪ .‬اآلية‪.44 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة النحل‪ .‬اآلية‪.44 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة النحل اآلية‪.44 :‬‬

‫‪148‬‬
149
‫المراجــــــع المعتمــــــدة‪:‬‬

‫القرآن الكريم‪ .‬برواية ورش‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫لس‪66‬ان الع‪66‬رب‪ .‬لمحم ‪44‬د بن مك ‪44‬رم بن منظ ‪44‬ور اإلف ‪44‬ريقي المص ‪44‬ري‪ .‬دار ص ‪44‬ادر‪ .‬ب ‪44‬يروت‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الطبعة األولى‪.‬‬

‫التفسير القرآني للقرآن‪ .‬لعبد الكريم يونس الخطيب‪ .‬دار الفكر العربي‪ .‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫ص ‪66‬حيح مس ‪66‬لم‪ .‬البي الحس‪44 4‬ين مس‪44 4‬لم بن الحج‪44 4‬اج بن مس‪44 4‬لم القش‪44 4‬يري النيس‪44 4‬ابوري‪ .‬دار‬ ‫‪.4‬‬
‫الجيل‪ .‬بيروت‪ .‬ودار األفاق الجديدة‪.‬‬

‫سنن ابن ماجة‪( .‬أو ماجة اسم أبيه يزيد) أب‪44‬و عب‪4‬د اهلل محم‪4‬د بن يزي‪4‬د القزوي‪44‬ني‪ .‬تحقي‪4‬ق‬ ‫‪.5‬‬
‫ش‪44‬عيب األرن‪44‬ؤوط – ع‪44‬ادل مرش‪44‬د – محم‪44‬د كام‪44‬ل – عب‪44‬د اهلل ح‪44‬رز اهلل‪ .‬الطبع‪44‬ة األولى‪.‬‬
‫‪.2009‬‬

‫عمد القارئ شرح صحيح البخاري‪ .‬للعيني‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ .‬بيروت‪.‬‬ ‫‪.6‬‬

‫دلي‪66‬ل الف‪66‬الحين لط‪66‬رق ري‪66‬اض الص‪66‬الحين‪ .‬لمحم ‪44‬د علي بن محم ‪44‬د بن عالل بن إب ‪44‬راهيم‬ ‫‪.7‬‬
‫البكري الشافعي‪ .‬دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع‪ .‬بيروت‪ .‬لبنان‪ .‬ط‪.4 :‬‬

‫سنن أبي داود‪ .‬تحقيق شعيب األرنؤوط‪ .‬الطبعة األولى‪.2009 .‬‬ ‫‪.8‬‬

‫ج‪66‬امع البي‪66‬ان في تأوي‪66‬ل الق‪66‬رآن‪ .‬للط‪44‬بري‪ .‬تحقي‪44‬ق‪ :‬أحم‪44‬د محم‪44‬د ش‪44‬اكر‪ .‬الطبع‪44‬ة األولى‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫‪.2000‬‬

‫خبر الواحد وحجيته‪ .6‬ألحم‪44‬د بن محم‪44‬ود بن عب‪44‬د الوه‪44‬اب الش‪44‬نقيطي‪ .‬الطبع‪44‬ة‪ .1 :‬س‪44‬نة‪:‬‬ ‫‪.10‬‬
‫‪.2002‬‬

‫‪150‬‬
‫البحر المحيط في أصول الفقه لبدر الدين محمد بن بهادر بن عب‪44‬د اهلل الزركش‪44‬ي تحقي‪44‬ق‬ ‫‪.11‬‬
‫ض‪44‬بط نصوص‪44‬ه وخ‪44‬رج أحاديث‪44‬ه وعل‪44‬ق علي‪44‬ه‪ :‬د‪ .‬محم‪44‬د محم‪44‬د ت‪44‬امر‪ .‬دار الكتب العلمي‪44‬ة‬
‫‪1421‬هـ ‪2000 -‬م لبنان‪ /‬بيروت‪.‬‬

‫س‪66‬نن الترم‪66‬ذي‪ .‬لمحم‪44‬د بن عيس‪44‬ى‪ .‬دار إحي‪44‬اء ال‪44‬تراث الع‪44‬ربي‪ .‬ب‪44‬يروت‪ .‬تحقي‪44‬ق‪ :‬أحم‪44‬د‬ ‫‪.12‬‬
‫محمد شاكر وآخرون‪.‬‬

‫الفتح الرب ‪66‬اني ل ‪66‬ترتيب مس ‪66‬ند اإلم ‪66‬ام أحمد‪ .‬ألحم‪44 4‬د بن عب‪44 4‬د الرحم‪44 4‬ان بن محم‪44 4‬د البن‪44 4‬ا‬ ‫‪.13‬‬
‫الساعتي‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ .‬الطبعة الثانية‪.‬‬

‫االعتص‪66‬ام للش‪66‬اطبي‪ .‬تحقي ‪44‬ق‪ :‬س ‪44‬ليم بن عي ‪44‬د الهاللي‪ .‬دار ابن عف ‪44‬ان الس ‪44‬عودية‪ .‬الطبع ‪44‬ة‬ ‫‪.14‬‬
‫األولى‪.1992 .‬‬

‫التمهيد لما في الموطأ من المع‪66‬اني واألس‪66‬انيد ألبي عم‪44‬ر يوس‪44‬ف بن عب‪44‬د اهلل بن محم‪44‬د‬ ‫‪.15‬‬
‫بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي تحقيق‪ :‬مصطفى بن أحمد العلوي ‪ ,‬محمد عب‪44‬د‬
‫الكبير البكري وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية – المغرب‪ 1387 .‬هـ‪.‬‬

‫الس‪66666‬نة ومكانته‪66666‬ا في التش‪66666‬ريع اإلس‪66666‬المي لمص‪44 4 4 4‬طفى بن حس‪44 4 4 4‬ني الس‪44 4 4 4‬باعي المكتب‬ ‫‪.16‬‬
‫اإلس ‪44‬المي‪ :‬دمش ‪44‬ق ‪ -‬س ‪44‬وريا‪ ،‬ب ‪44‬يروت – لبن ‪44‬ان الطبع ‪44‬ة‪ :‬الثالث ‪44‬ة‪ 1402 ،‬هـ ‪1982 -‬م‬
‫(بيروت)‬

‫‪151‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة الحادية والعشرون ‪:‬الصيام وفوائده‬

‫ألقي هذا العرض بدار الشباب بتاريخ ‪ 2018 05 -06‬م‬

‫الصيام وفوائده‬
‫‪152‬‬
‫الحمد هلل والصالة والسالمـ على رسول هللا وآله وصحبه‬

‫وبعد‬

‫فإن من تيسير هللا لعباده أنه لم يفرض الصيام إال على من يطيقه ‪ ،‬وأباح الفطر لمن لم يستطع الصومـ‬
‫لعذر شرعي ‪ ،‬واألعذار الشرعية الموبحة لإلفطارـ على النحو التالي ‪:‬‬

‫‪:‬ال َم َرضُ ه َُو ‪ُ :‬ك ُّل َما َخ َر َج ِب ِه اإْل ِ ْن َسانُ َعنْ َح ِّد الصِّحَّ ِة مِنْ عِ لَّ ٍة ‪.‬‬
‫‪ْ -1‬ال َم َرضُ ْ‬

‫يض فِي ْال ُج ْملَ ِة َواأْل َصْ ُل فِي ِه َق ْو ُل هَّللا ِ َت َعالَى ‪َ   :‬و َمنْ‬ ‫اح ِة ْالف ِْط ِر ل ِْل َم ِر ِ‬ ‫َقا َل ابْنُ قُدَا َم َة ‪ :‬أَجْ َم َع أَهْ ُل ْالع ِْل ِم َعلَى إ َب َ‬
‫ْن اأْل َ ْك َو ِع رضي هللا تعالى عنه َقا َل ‪ " :‬لَمَّا‬ ‫ضاـ أَ ْو َعلَى َس َفر َف ِع َّدةٌ مِنْ أَي ُ‬
‫َّام أ َخ َر‪َ .  ‬و َعنْ َسلَ َم َة ب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ان َم ِري ً‬ ‫َك َ‬
‫ان َمنْ أَ َرادَ أَنْ ُي ْفطِ َر ‪ُ ,‬ي ْفطِ ُر َو َي ْف َتدِي ‪َ ,‬ح َّتى‬ ‫ِين يُطِ يقُو َن ُه ف ِْد َي ٌة َط َعا ُم مِسْ ك ٍ‬
‫ِين‪َ   ‬ك َ‬ ‫ت َه ِذ ِه اآْل َي ُة ‪َ   :‬و َعلَى الَّذ َ‬ ‫َن َزلَ ْ‬
‫ُ‬ ‫أ ُ ْن ِزلَ ْ‬
‫ت‬‫اس ‪َ ,‬و َب ِّي َنا ٍ‬ ‫ان الَّذِي أ ْن ِز َل فِي ِه ْالقُرْ آنُ ‪ ,‬ه ًُدى لِل َّن ِ‬ ‫ض َ‬‫ت اآْل َي ُة الَّتِي َبعْ َد َها َيعْ نِي قوله تعالى ‪َ   :‬ش ْه ُر َر َم َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ان ‪َ ,‬ف َمنْ َش ِه َد ِم ْن ُك ْم ال َّشه َْر َف ْل َي ُ‬ ‫مِنْ ْال ُهدَى َو ْالفُرْ َق ِ‬
‫ان َم ِريضً اـ أ ْو َعلَى َس َف ٍر َف ِع َّدةٌ مِنْ أي ٍ‬
‫َّام‬ ‫ص ْم ُه ‪َ ,‬و َمنْ َك َ‬
‫أ ُ َخ َر‪َ   ‬ف َن َس َخ ْت َها ‪َ .‬ف ْال َم ِريضُ الَّذِي َي َخافُ ِز َيا َد َة َم َرضِ ِه ِبالص َّْو ِم أَ ْو إ ْب َطا َء ْالبُرْ ِء أَ ْو َف َسادَ عُضْ ٍو ‪ ,‬لَ ُه أَنْ ُي ْفطِ َر‬
‫ض‬ ‫‪َ ,‬ب ْل ُي َسنُّ ف ِْط ُرهُ ‪َ ,‬وي ُْك َرهُ إ ْت َما ُم ُه ‪ ,‬أِل َ َّن ُه َق ْد ُي ْفضِ ي إلَى ْال َهاَل كِ ‪َ ,‬ف َي ِجبُ ااِل حْ ت َِرا ُـز َع ْن ُه ‪ُ .‬ث َّم إنَّ شِ َّد َة ْال َم َر ِ‬
‫ص َل‬ ‫ب ‪َ ,‬فإِ َّن ُه ال َيجُو ُز لَ ُه ْالف ِْط ُر ‪ ,‬حتى إ َذا َح َ‬ ‫اف ال ِّش َّد َة أَ ْو ال َّت َع َ‬ ‫صحِي ُح َإذا َخ َ‬ ‫يض ‪ .‬أَمَّا ال َّ‬ ‫ُت ِجي ُز ْالف ِْط َر ل ِْل َم ِر ِ‬
‫ب‪.‬‬ ‫لَ ُه ِبالص َّْو ِم م َُجرَّ ُد شِ َّد ِة َت َع ٍ‬

‫ص فِي ْالف ِْط ِر َما َيلِي ‪:‬‬ ‫‪ -2‬ال َّس َف ُر ‪ُ :‬ي ْش َت َر ُـ‬
‫ط فِي ال َّس َف ِر ْالم َُر ِّخ ِ‬

‫أ ‪ -‬أَنْ َي ُك َ‬
‫ون ال َّس َف ُر َط ِويال ِممَّا ُت ْق َ‬
‫ص ُر فِي ِه الصَّالةُ ‪.‬‬

‫‪ ‬ب ‪ -‬أَنْ اَل َيعْ ِز َم ْالم َُسا ِف ُـر اإْل ِ َقا َم َة ِخاَل َل َس َف ِر ِه ‪.‬‬

‫ص ٌة‬‫ُور ‪َ ,‬و َذل َِك ‪ :‬أِل َنَّ ْالف ِْط َر ر ُْخ َ‬‫ِيح عِ ْندَ ْالجُمْ ه ِ‬
‫صح ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫ون َس َف ُرهُ فِي َمعْ صِ َي ٍة ‪َ ,‬ب ْل فِي َغ َر ٍ‬ ‫‪ ‬ج ‪ -‬أَنْ اَل َي ُك َ‬
‫ان َم ْب َنى َس َف ِر ِه َعلَى ْال َمعْ صِ َي ِة ‪َ ,‬ك َما لَ ْو َسا َف َـر لِ َق ْط ِع َط ِر ٍ‬
‫يق‬ ‫اص ِب َس َف ِر ِه ‪ِ ,‬بأَنْ َك َ‬
‫َو َت ْخ ِفيفٌ ‪َ ,‬فاَل َيسْ َت ِح ُّق َها َع ٍ‬
‫َمثَاًل ‪.‬‬

‫ص ُة ال َّس َف ِر ِبأَم َْري ِ‬


‫ْن ا ِّت َفا ًقا ‪:‬‬ ‫ص ِة ال َّس َفر ‪َ  :‬تسْ قُ ُ‬
‫ط ر ُْخ َ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْنق َِطا ُع ر ُْخ َ‬

‫‪َ : -1‬إذا َعا َد ْال ُم َسافِ ُر إلَى َبلَ ِد ِه ‪َ ,‬ود ََخ َل َو َط َن ُه ‪َ ,‬وه َُو َم َح ُّل إ َقا َم ِت ِه ‪.‬‬

‫صالِحً ا لِإْل ِ َقا َم ِة ‪،‬‬ ‫ان ْال َم َكانُ َ‬ ‫‪ : - 2‬إ َذا َن َوى ْال ُم َسافِ ُر اإْل ِ َقا َم َة م ُْط َل ًقا ‪ ,‬أَ ْو ُم َّد َة اإْل ِ َقا َم ِة فِي َم َكان َوا ِح ٍد ‪َ ,‬و َك َ‬
‫اع ح ُْك ِم ال َّس َف ِر ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َفإِ َّن ُه يَصِ ي ُر ُمقِيمًا ِب َذل َِك ‪َ ,‬ف ُي ِت ُّم ال َّ‬
‫ان ‪ ,‬اِل ْنقِط ِ‬ ‫ض َ‬‫صاَل َة ‪َ ,‬و َيصُو ُم َواَل ُي ْفطِ ُر فِي َر َم َ‬

‫‪153‬‬
‫ان ‪ِ ,‬ب َشرْ طِ‬ ‫ون َعلَى أَنَّ ْال َحا ِم َل َو ْالمُرْ ضِ َـع لَ ُه َما أَنْ ُت ْفطِ َرا فِي َر َم َ‬
‫ض َ‬ ‫ضا ُع ‪ْ :‬الفُ َق َها ُء ُم َّتفِقُ َ‬
‫‪ْ : - 3‬ال َحمْ ُل َوالرَّ َ‬
‫ِيص ْالف ِْط ِر‬ ‫ض أَ ْو ِز َيا َد َت ُه ‪ ,‬أَ ْو الض ََّر َر أَ ْو ْال َهاَل َ‬
‫ك ‪َ .‬ودَ لِي ُل َترْ خ ِ‬ ‫أَنْ َت َخا َفا َعلَى أَ ْنفُسِ ِه َما أَ ْو َعلَى َولَ ِد ِه َما ْال َم َر َ‬
‫ُور َت ُه ‪,‬‬
‫ضص َ‬ ‫َّام أ ُ َخ َر‪َ  " ‬ولَي َ‬
‫ْس ْالم َُرا ُد مِنْ ْال َم َر ِ‬ ‫َ‬ ‫ان َمري ً َ‬
‫ضا أ ْو َعلَى َس َف ٍر َف ِع َّدةٌ مِنْ أي ٍ‬ ‫لَ ُه َما قوله تعالى"‪َ   ‬و َمنْ َك َ ِ‬
‫ض ِك َنا َي ًة َعنْ‬ ‫ْس لَ ُه أَنْ ُي ْفطِ َر ‪َ ,‬ف َك َ‬
‫ان ذ ِْك ُر ْال َم َر ِ‬ ‫أَ ْو َعي َْن ْال َم َر ِ‬
‫ض ‪َ ,‬فإِنَّ ْال َم ِر َ‬
‫يض الَّذِي اَل َيضُرُّ هُ الص َّْو ُم لَي َ‬
‫ار‪ ,‬ومِنْ أَ ِدلَّ ِة‬
‫ص ِة اإْل ِ ْف َط ِ‬
‫ت ر ُْخ َ‬ ‫أَم ٍْر َيضُرُّ الص َّْو ُم َم َع ُه ‪َ ,‬وه َُو َمعْ َنى ْال َم َر ِ‬
‫ض ‪َ ,‬و َقْـد وُ ِج َد َها ُه َنا ‪َ ,‬ف َي ْدخُاَل ِن َتحْ َ‬
‫ْن َمالِكٍ ْال َكعْ ِبيِّ رضي هللا تعالى عنه أَنَّ َرسُو َـل هَّللا ِ ‪ -‬صلى هللا عليه‬ ‫ِيص ْالف ِْط ِر لَ ُه َما ‪َ ,‬حد ُ‬
‫ِيث أَ َن ِ‬
‫سب ِ‬ ‫َترْ خ ِ‬
‫ض َع َعنْ ْالم َُساف ِِر الص َّْو َـم َو َش ْط َر ال َّ‬
‫صاَل ِة ‪َ ,‬و َعنْ ْال َحام ِِل أَ ْو ْالمُرْ ضِ ِع الص َّْو َـم أَ ْو‬ ‫وسلم ‪َ -‬قا َل ‪  :‬إنَّ هَّللا َ َو َ‬
‫ص َيا َم‪َ   ‬وفِيـ لَ ْفظِ َبعْ ضِ ِه ْم ‪َ   :‬عنْ ْال ُح ْبلَى َو ْالمُرْ ضِ ِع‪.  ‬‬
‫ال ِّ‬

‫ت قُوَّ ُت ُه ‪ ,‬أَ ْو‬


‫وخ ُة َو ْال َه َر ُم َما َيلِي ‪ :‬ال َّش ْي َخ ْال َفان َِي ‪َ ,‬وه َُو الَّذِي َف ِن َي ْ‬ ‫وخ ُة َو ْال َه َر ُـم ‪َ :‬و َت ْش َم ُل ال َّش ْي ُخ َ‬
‫‪ - 4‬ال َّش ْي ُخ َ‬
‫يض الَّذِي اَل يُرْ َجى بُرْ ؤُ هُ ‪َ ,‬و َت َح َّق َق‬ ‫وال َم ِر َ‬ ‫ُوت ‪ْ .‬‬ ‫ص إلَى أَنْ َيم َ‬ ‫ف َعلَى ْال َف َنا ِء ‪َ ,‬وأَصْ َب َح ُك َّل َي ْو ٍم فِي َن ْق ٍ‬ ‫أَ ْش َر َ‬
‫ار َمنْ ُذك َِر‪ ،‬قوله‬ ‫َ‬
‫ِي ْال َمرْ أةُ ْالمُسِ َّن ُة ‪ .‬والدليل فِي َشرْ عِ َّي ِة إ ْف َط ِ‬ ‫ُوز ‪َ ,‬وه َ‬ ‫ْال َيأْسُ مِنْ صِ حَّ ِت ِه ‪ْ .‬‬
‫وال َعج َ‬
‫َّاس رضي هللا تعالى عنهما ‪ :‬اآْل َي ُة لَ ْي َس ْ‬
‫ت‬ ‫ِين‪َ . ‬و َقا َل ابْنُ َعب ٍ‬ ‫ِين يُطِ يقُو َن ُه ف ِْد َي ٌة َط َعا ُـم مِسْ ك ٍ‬‫تعالى‪َ  :‬و َعلَى الَّذ َ‬
‫ان ُك ِّل َي ْو ٍم‬ ‫ان أَنْ َيصُو َما ‪َ ,‬في ُْط ِع َم ِ‬
‫ان َم َك َ‬ ‫ير ‪َ ,‬و ْال َمرْ أَ ِة ْال َك ِب َ‬
‫ير ِة ‪ ,‬اَل َيسْ َتطِ ي َع ِ‬ ‫ْخ ْال َك ِب ِ‬
‫ِي لِل َّشي ِ‬
‫ُوخ ٍة ‪َ ,‬وه َ‬‫ِب َم ْنس َ‬
‫مِسْ كِي ًنا‬

‫ش ‪َ :‬منْ أَرْ َه َق ُه جُو ٌع ُم ْفر ٌ‬


‫ط ‪ ,‬أَ ْو َع َطشٌ َشدِي ٌد ‪َ ,‬فإِ َّن ُه ُي ْفطِ ُر ويأكل بقدر ما تندفع‬ ‫ِ‬ ‫ُوع َو ْال َع َط ِ‬ ‫‪ - 5‬إرْ َه ُ ْ‬
‫اق الج ِ‬
‫به ضرورته ويمسكـ بقية اليوم َو َي ْقضِ ي ‪.‬‬

‫ان ُمح ً‬
‫ف الضَّعْ فِ َعنْ لِ َقا ِء ْال َع ُدوِّ ْال ُم َت َو َّق ِع أَ ْو ْال ُم َت َي َّق ِن َكأَنْ َك َ‬ ‫‪َ  ‬وأَ ْل َحقُوا ِبإِرْ َه ِ ْ‬
‫ِيطا ‪:‬‬ ‫ش َخ ْو َ‬ ‫ُوع َو ْال َع َط ِ‬ ‫اق الج ِ‬
‫ف َعنْ ْالقِ َت ِ‬
‫ب وُ جُو ِد ِه ِب ُم َقا َبلَ ِة ْال َع ُدوِّ ‪َ ,‬و َي َخافُ الضَّعْ َ‬ ‫ان َيعْ لَ ُم َيقِي ًنا أَ ْو ِب َغلَ َب ِة َّ‬
‫الظنِّ ْالقِ َتا َل ِب َس َب ِ‬
‫ال‬ ‫ازي إ َذا َك َ‬ ‫َف ْال َغ ِ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ْس ُم َسافِرً اـ ‪ ,‬لَ ُه ْالف ِْط ُر َق ْب َل ْال َحرْ ِ‬ ‫ِبالص َّْو ِـم ‪َ ,‬ولَي َ‬

‫ان َغي َْرهُ ‪َ ,‬علَى فِعْ ِل أَ ْو َترْ كِ َما ال َيرْ َ‬


‫ضاهُ ِب ْال َوعِ ي ِد ‪"  .‬‬ ‫‪ - 6‬اإْل ِ ْك َراهُ ‪ :‬اإلكراه ‪ :‬هو َح ْم ُل اإْل ِ ْن َس ِ‬

‫وقدـ أثبتت العديد من الدراسات أن هناك الكثير من فوائدـ الصيام الصحية فضالً عن الفوائد النفسية‬
‫والعقلية والروحية التي يعيشها المسلم خالل الشهر الكريم‪،‬‬

‫فالصيام‪:‬‬

‫‪ - 1‬يساعد على فقدان‪ ‬الوزن الزائد بطريقة آمنة‪ ،‬حيث أثبتت الدراسات أن الصيامـ يسمح بحرق الدهون‬
‫بشكل أكثر فاعلية من التغذية المعتادة‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫‪ - 2‬يزيد من حساسية الجسم لألنسولين‪ ،‬حيث أثبتت الدراسات أنه بعد فترات الصومـ يصبح األنسولين‬
‫أكثر فاعلية في استثارة الخاليا للحصول على الجلوكوز من الدم‪.‬‬

‫‪ - 3‬يساعد على راحة الجهاز الهضمي وبالتالي اإلسراع في حرق السعرات الحرارية‪ ،‬وبشكل أفضل‬
‫كما يساعد على تحسين وظائفـ األمعاء بشكل كبير‪.‬‬

‫‪ - 4‬يقلل من فرصة حدوث السرطان‪ ,‬كما يساعد على نظافة الجلد‬

‫‪ - 5‬يقلل من حدوث حب الشباب‪ ،‬حيث يركز الدم على الجلد واألجهزة األخرىـ ً‬
‫بعيدا عن الجهاز‬
‫الهضمي مما يساعد على تنشيط وتجديدـ طاقة األعضاء األخرى كالكبد والكلى‪.‬‬
‫و لم يفرض هللا ع ّز وج ّل الصيام على المسلمين عبثاً‪ ،‬حيث جعله أحد أركان اإلسالم وواجباًـ على ك ّل‬
‫ذكر أو أنثى في شهر رمضان وفيـ صيام النذر‪ ،‬والقضاء‪ ،‬والكفارة‪ ،‬كما أ ّنه مستحبٌّ في‬
‫بالغ من ٍ‬
‫ٍ‬
‫مواضع أخرى كصيامـ التطوّ عـ االختياري والذي حث عليه النبي عليه الصالة والسالم كصيام االثنين‬
‫والخميس من ك ّل أسبوع وصيامـ األيام البيض وغيرها‪ ،‬إذ إن للصيامـ مناف ٌع كثيرةٌ لصحّ ة البدن الجسديّة‪،‬‬
‫والنفسيّة‪ ،‬واالجتماعيّة يحصدها عندما يؤ ّدي هذه العبادة العظيمة بني ٍة صادق ٍة لوجه هللا تعالى‪.‬‬

‫النفسيّة ‪:‬من فوائدـ الصيام النفسية أنه ‪:‬‬ ‫فوائد الصيام‬


‫‪ - 1‬يساعد على تهذيب النفس وتهدئتها‪ ،‬حيث ثبت أ ّنه يخ ّفف من مشاعر االكتئاب‪ ،‬والقلق‪ ،‬واألرق‪،‬‬
‫والعصبيّة المفرطة وحاالت التوتر المتك ّررة لدى بعض الناس‪.‬‬

‫‪ - 2‬يعوّ د النفس على الصبر‪ ،‬وتحمّل الصعاب‪ ،‬واإلجهادـ في الحياة‪ ،‬كما يساعد على ضبطـ السلوك‬
‫والتح ّكمـ فيه ويبعده عن التسرّ ع في التصرّفات‪.‬ـ‬

‫‪ - 3‬يقوّ ي عالقة اإلنسان بخالقه‪ ،‬ويعمق التقوى في النفس ويزيدـ مخافة هللا في الس ّر والعلن ويجعل‬
‫اإلنسان دائم االستعدادـ للقاء هللا‪.‬‬

‫شاق طمعا ً في كسب رضاـ هللا ومحبته‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫بعمل‬
‫ٍ‬ ‫‪ - 4‬يشعر اإلنسان بالراحة والسعادة؛ أل ّنه يحسّ بأن ّه يقوم‬

‫‪ - 5‬يع ّزز من إحساس اإلنسان بحاجة الفقراء ويدركـ ما يعانونه من أجل تأمين لقمة العيش له‬
‫ولعائالتهم‪ ،‬فتزيد من رغبته في مساعدة المحتاج والفقير‪ ،‬ويسعى إلى عمل الخير مقتنعا ً به وراغبا ً في‬
‫تخفيف آالم ومتاعب الفقراء من أقاربه‪ ،‬وأصدقائه‪ ،‬وجيرانه‪ ،‬فيتضاعف حنانه‪ ،‬وعطفه‪ ،‬ويلين قلبه‪،‬‬
‫ويجعله سخيا ً كريماً‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة الثانية والعشرون ‪:‬أم المؤمنين‬


‫عائشة رضي الله عنها‬

‫ألقي هذا العرض بمركز التربية والتوين ‪.‬‬


‫النهضة بأبي الجعد بتاريخ ‪ 2007 – 03 – 08‬م‬

‫أم المؤمنين عائشة رضي هللا عنها‬

‫‪157‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء والمرسلين‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين‪،‬‬
‫وأزواجه أمهات المؤمنين‪ ،‬وعلى صحابته الكرام الذين اهتدوا بهديه‪ ،‬واقتدوا‪ d‬بسنته‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان‬
‫إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فمن الصفحات العطرة في سيرة أم المؤمنين عائشة ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬صفحةٌ ج ُّد مشرقة في‬
‫حياتها‪ ،‬صفحة ترسم لنا كيف كانت المرأة‪ ،‬وكيف‪ d‬كان دورها‪ d‬وعطاؤها؛ صفحة تستحق أن نقف معها‬
‫طويالً‪.‬‬
‫ق أن عائشة ذات السن الفت ِّي التي لم تتجاوز‪ d‬الثامنة عشر‪ ،‬تُعد من أكثر النساء عل ًما‪ ،‬بل‬
‫ص ِّد ُ‬
‫ف َمن يُ َ‬
‫وأوسعهم فقهاً‪ ،‬وأحدهم ذهنًا وذكا ًء‪ ،‬فقد أحاطت بعلم الكثير مما يتصل بالدين‪ ،‬من قرآن وحديث وتفسير‬
‫وفقه‪ ،‬وكان إليها المنتهى في األمور البيتية الخاصة التي ال يطلع عليها غالبًا إال أهل الرجل وزوجه؛ وال‬
‫عجب‪ ،‬فهي خريجة مدرسة النبوة‪ ،‬وألصق الناس برسول‪ d‬هللا‪ ،‬وأحبهم‪ d‬وأقربهم‪ d‬إليه‪.‬‬
‫ولذا اتفق كل من يُعتد بقوله من أهل السير والتاريخ أن عائشة كانت امرأة موسوعية ليس لها نظير‪ d‬في‬
‫النساء‪ ،‬فلها نصيب وافر في كل فن من الفنون وقد كان ذلك ألسباب نذكر منها ‪:‬‬
‫‪ - 1‬ما وهبها هللا من حدة ذهنها‪ ،‬وقوة حافظتها‪ ،‬واحتوائها‪ d‬للعلم بهذه السرعة المذهلة‪ ،‬فكانت تحفظ العلم‬
‫لسماعه ولو لمرة واحدة‪.‬‬
‫‪ - 2‬المكانة االجتماعية المرموقة التي كانت احتلتها عائشة‪ ،‬باعتبارها أ ّمًا للمؤمنين‪ ،‬وزوجة للنبي الكريم‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فكان بيتها وحجرتها مقصدًا للوفود‪ d‬والوجهاء وأهل العلم من شتى أصقاع األرض‪،‬‬
‫وكانت تستفيد منهم في التخصصات المتصلة بالتاريخ واللغة والفصاحة والبالغة والشعر واألدب والطب‪.‬‬
‫‪ - 3‬زواجها المبارك بالنبي الكريم‪ ،‬عليه أفضل الصالة وأتم التسليم؛ وقد مكثت معه تنهل من معين النبوة‬
‫أكثر من ثماني سنوات ونصف سنة‪ ،‬وكأن هللا أراد أن تكون هذه المرأة المباركة بوابة لعلم النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فقد استثمر النبي صلى هللا عليه وسلم شباب عائشة وفطنتها‪ d‬وحفظها فأعدها لتكون خيرمصدر‬
‫يرجع إليه المسلمون من بعده‪.‬‬
‫ولقد كان في نزول الوحي على النبي صلى هللا عليه وسلم وهو في لحاف عائشة دون غيرها من نسائه‪،‬‬
‫إشارة لها بأن تتجه بكل كيانها إلى تفهم رسالة زوجها‪ d‬العظيمة‪ ،‬لتؤدي دورها في إرشاد المسلمين لكل ما‬
‫يُتلى في بيتها من آيات هللا والحكمة‪ ،‬ولعل هذا من الحكمة في الزواج المبكر منها‪ ،‬فقد كان لصغر سنها‪،‬‬
‫وصفاء ذهنها‪ ،‬أكبر األثر في شخصيتها العلمية‪ ،‬وإثراء معارفها‪ ،‬وتنوع‪ d‬ثقافتها؛ وما من شك أن العلم في‬
‫الصغر كالنقش في الحجر كما يقال‪.‬‬
‫وقد‪ d‬كان حبيبها صلى هللا عليه وسلم مهتما بها يُعلمها‪ ،‬ويربيها‪ ،‬ويخرج بها في مغازيه وأسفاره‪ ،‬حتى‬
‫صارت أخبر الناس بتاريخ الرسول صلى هللا عليه وسلم خصوصًا‪ ،‬وتاريخ المسلمين عمو ًما آنذاك‪ ،‬ولم‬
‫ينتقل الرسول‪ d‬صلى هللا عليه وسلم إلى جوار ربه حتى خلفها مرجعًا وحجةً يلجأ إليها الكبار والصغار‬

‫‪158‬‬
‫متعلمين مستفتين ‪ ،‬فقد أخذ عنها المسلمون في عهد أبي بكر‪ ،‬واستشارها العلماء والفقهاء في عهد عمر‬
‫وعثمان وعلي ومعاوية‪ ،‬إلى أن توفيت رضي هللا عنها ‪.‬‬
‫‪ - 4‬كونها ابنة أبي بكر‪ ،‬رضي هللا عنه ‪ ,‬حيث تربت في بيت علم ومجد وفضل وأدب وقراءة‪ ،‬وأبوها‪d‬‬
‫من ُكتَّاب الوحي البارزين‪ ،‬وهو ثاني رجل في األمة‪ ،‬وهو نسَّابةُ العرب‪ ،‬وصاحب أخبارهم وأيامهم‪ d،‬وال‬
‫شك أن هذا أثَّر كثيراً في شخصية عائشة‪ ،‬فعائشة ‪ -‬وإن ولدت في اإلسالم‪ -‬إال أنها كانت مطلعة على‬
‫أخبار الجاهلية‪ ،‬ومضطلعة بأيامها وعاداتها وثقافاتها‪ ،‬كل ذلك قبل أن تدخل بيت النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪" ،‬و ال يعرف اإلسالم حق المعرفة من ال يعرف‪ d‬الجاهلية"‪ ،‬وكما قال عمر بن الخطاب رضي هللا‬
‫عنه‪" :‬إنما تنقض عُرى اإلسالم عروةً عروةً إذا نشأ في اإلسالم من ال يعرف الجاهلية "‪ ،‬وهكذا فعائشة‪،‬‬
‫كانت تحكي عادات الجاهليين ثم تقارنها بنعمة اإلسالم‪.‬‬
‫هكذا كانت أ ُّم المؤمنين عائشةُ فريدةً في علمها‪ ،‬و َموسُو ِعيَّةً في معلوماتها‪ ،‬حريصة على النَّهْل من َم ِعين‬
‫النبوة‪ ،‬و ُمطَّلِعة على عادات الجاهلية؛ إضافةً إلى أنها ألمـــ َّ ْ‬
‫ت إلمامةً جميلةً بعُلوم أخرى‪ ،‬كاللغة‪ ،‬واألدب‬
‫والشعر‪ ،‬والفصاحة والبالغة؛ حتى أصب َح ْ‬
‫ت أستاذةَ عصرها بعد النبي صلى هللا عليه وسلمفي المدينة‪،‬‬
‫راجع‪ ،‬وتُسأل عن الغوامض من المسائل؛ حتى الخلفاء واألمراء يرجعون إليها‪،‬‬
‫يُشار إليها بالبنان‪ ،‬وتُ َ‬
‫فضالً عن العلماء وطالب العلم‪.‬‬
‫فقد كانت مكانتها في المدينة مع الفقهاء الكبار‪ ،‬كعبد هللا بن عمر‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬في مقام‬
‫األستاذ من تالميذه‪ ،‬تُ َو ِّجهُهُم‪ d‬وترشدهم‪ ،‬وتحل لهم ما يشكل عليهم‪ .‬بل كان عمر بن الخطاب وهو المحدث‬
‫الملهم يحيل عليها كل ما تعلق بأحكام النساء‪ ،‬أو بأحوال النبي البيتية‪ ،‬ال يضارعها في هذا االختصاص‬
‫أحد من النساء على اإلطالق‪ .‬إلى درجة قال الحاكم في مستدركه‪ :‬إنه قد نقل عنها وحدها ربع الشريعة‪.‬‬
‫وإذا أردنا معرفة مبلغ علم عائشة وتمكنها من دقائقه وغوامض مسائله فاستمعوا وأصغوا‪ d‬ألبي موسى‬
‫وسلمحديث ُّ‬
‫قط فسألنا عائشةَ‬ ‫ٌ‬ ‫أصحاب ُم َح َّم ٍد صلى هللا عليه‬
‫َ‬ ‫األشعري‪ d‬حيث يصفها بقوله‪" :‬ما أشكل علينا‬
‫إال وجدنا‪ d‬عندها منه عل ًما"‪ ‬أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫وكذلك قول الزهري‪" :‬لو جُمع علم الناس كلهم وأمهات المؤمنين لكانت عائشة أوسعهم عل ًما"‪ .‬وقول‬
‫مسروق‪" :‬وهللا لقد رأيت أصحاب محمد صلى هللا عليه وسلم األكابر يسألونها‪ d‬عن الفرائض"‪ .‬وقول‬
‫عر من عائشة"‪ .‬وقول أبي ال ِّزناد‪" :‬ما كان ينزل بها شي ٌء‬
‫عروة‪" :‬ما رأيت أحدًا أعلم بفق ٍه وال طبٍّ وال ِش ٍ‬
‫إال أنشدت فيه شعرًا"‪ .‬وقول‪ d‬معاوية‪" :‬وهللا ما سمعت قط أبلغ من عائشة‪ ،‬ليس إال رسول‪ d‬هللا"‪.‬‬
‫وفي‪ d‬الطبقات الكبرى البن سعد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن‪ ،‬قال‪" :‬ما رأيت أحداً أعلم بسنن رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وال أفقه في رأي إن احتيج إلى رأيه‪ ،‬وال أعلم بآية فيما نزلت‪ ،‬وال فريضة‪ ،‬من‬
‫عائشة"‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫هكذا أصبحت عائشة بحرًا ال ساحل له في العلم‪ ،‬وجبالً أش َّم في كل فن من فنونه‪ ،‬واألعجب أن كل هذا‬
‫حصل وهي لم تتجاوز‪ d‬الثامنة عشرة من عمرها! فاسمعوا معاش َر الشباب واسمعن معاشر الفتيات‪ ،‬فَلَ ُك َّن‬
‫في عائشة وتجربتها‪ d‬قدوة وأسوة‪ ،‬فقفوا مع سيرتها‪ ،‬وانظروا‪ d‬في تفاصيل مسيرتها‪ d،‬ففيها كنوز‪ d‬ودروس‬
‫وعبر‪ ،‬لكنها عبر للجادين من أصحاب الهمم والعزائم‪.‬‬
‫وقد‪ d‬ألّف بدر الدين الزركشي كتابًا قصره على موضوع‪ d‬واحد هو استدراكات‪ d‬عائشة على الصحابة‪،‬‬
‫أسماه‪" :‬اإلجابة‪ ..‬إليراد ما استدركته عائشة على الصحابة"‪ ،‬وهو مطبوع متداول‪ ،‬قال المؤلف في‬
‫مقدمته‪" :‬هذا كتاب أجمع فيه ما تفردت به الصدِّيقة‪ ،‬أو خالفت فيه سواها برأي منها‪ ،‬أو كان عندها سنة‬
‫بينة‪ ،‬أو زيادة علم متقنة‪ ،‬أو ما أنكرت فيه على علماء زمانها‪ ،‬أو رجع فيه إليها أجلة من أعيان أوانها‪ ،‬أو‬
‫حررته من فتوى‪ ،‬أو اجتهدت فيه من رأي رأته أقوى‪."..‬‬
‫وأورد‪ d‬الزركشي‪ d‬استدراكها على ثالثة وعشرين من أعالم الصحابة‪ ،‬مثل عمر وعلي وعبد هللا بن عباس‬
‫رضي‪ d‬هللا عنهم‪ .‬وبلغ عدد استدراكاتها‪ d‬تلك تسعة وخمسين‪ .‬فيا لها من عالمة فقيهة! ففي طبقات ابن سعد‬
‫عن القاسم بن محمد بن أبي بكر‪ ،‬قال عن عمته عائشة‪" :‬كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خالفة أبي‬
‫بكر وعمر وعثمان وهلم جراً‪ ،‬إلى أن ماتت يرحمها هللا‪."..‬‬
‫وأما االجتهاد والرأي فهي من القالئل المبرزين في هذا الباب‪ ،‬بل كانت لديها جرأة أدبية في إبراز رأيها‬
‫ونقدها لآلراء مهما كان مخالفها‪ ،‬بل تنتقد بعض النصوص التي ترى أنها تعارض القواعد الثابتة في‬
‫وهم من الراوي‪ ،‬أو عدم فهمه النصوص على الوجه الصحيح‪ ،‬فقد روى أبو داود بإسناد‬
‫ب ٍ‬ ‫الدين‪ ،‬إما بسب ِ‬
‫ح َس ٍن عن الزهري أنه قال‪" :‬إنها كان رجلة الرأي"‪ ،‬يعني أنها رجلة في العلم والرأي‪ ،‬وهذا محمود ال‬
‫مذموم‪d.‬‬
‫ثم هي في علم التفسير وأسباب النزول صاحبة رايته‪ ،‬وإليها المنتهى والقبول‪ ،‬وقد استعرض أحد الباحثين‬
‫ما ورد عنها من مرويات تفسيرية في سورتي‪ d‬الفاتحة والبقرة ومن خالل كتاب واحد فقط وهو(الدر‪d‬‬
‫المنثور) فوجد‪ d‬فيهما ما يزيد على مائتي حديث عن أم المؤمنين‪ ،‬فكم تكون إ ًذا مروياتها في جميع السور؟‪d.‬‬
‫وأما الحديث فهي البارعة المتقنة فيه وفي‪ d‬فهمه‪ ،‬يقول البيهقي‪" :‬عائشة أول من كشف العمى عن الناس‪،‬‬
‫وبيَّنَت لهم السنة"‪ ،‬فهي تعتبر‪ d‬من الم ْكثِرين في الحديث‪ ،‬وقد عدها ابن حزم في المرتبة الرابعة من بين‬
‫الصحابة المكثرين للرواية؛ ومن تأمل كتب السنة والمسانيد علم صدق ذلك‪ .‬يقول الحافظ الذهبي‪" :‬مسند‬
‫عائشة يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث‪ ،‬اتفق البخاري ومسلم لها على مائة وأربعة وسبعين حديثًا‪،‬‬
‫وانفرد البخاري‪ d‬بأربعة وخمسين‪ ،‬وانفرد مسلم بتسعة وستين‪.‬‬
‫أيها المؤمنون والمؤمنات! هذه هي عائشة‪ ،‬وهكذا كان علمها وسعة فقهها وثقافتها‪ ،‬فأين نحن من االقتداء‬
‫بها وبعلمها؟ بل أين الكثير من األمهات والبنات ولو من القليل من العلم؟ فلن يصلح حالنا أبدًا إذا كانت‬
‫األمهات جاهالت‪ ،‬والبنات غافالت‪ ،‬ليس لهن نصيب في العلم‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫فمن دعائم ريادتنا‪ d‬وقيادتنا‪ d‬في صدر‪ d‬اإلسالم مشاركة النساء والرجال معًا‪ ،‬كلٌّ بما يستطيع‪ ،‬وفي المجال‬
‫الذي يُبدع‪ ،‬فلم يبنوا مجدهم على عواتق الرجال وأسود‪ d‬المعارك واألبطال فقط‪ ،‬بل كانت وراء كل بطل‬
‫و َشهٍ‪ْd‬م امرأة صابرة محتسبة بذلت الغالي والنفيس‪ ،‬حتى وصل إلى ما وصل هذا العالم أو ذاك البطل‪.‬‬
‫ومن قرأ سيرة أمهات المؤمنين والصحابيات‪ ،‬وأم الشافعي‪ ،‬وأم أحمد بن حنبل‪ ،‬وغيرهن من النساء‬
‫المسلمات الرائدات‪ ،‬عرف صدق ما أقول‪.‬‬
‫أقول ما تسمعون‪ ،‬وأستغفر هللا لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب‪ ،‬فاستغفروه‪ ،‬إنه هو الغفور الرحيم ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫‪161‬‬
‫المشاركة الثالثة والعشرون ‪ :‬أم المؤمنين‬
‫خديجة رضي الله عنها‬
‫ألقي هذا العرض بمقر مركز التربية والتكوين ‪.‬‬
‫النهضة بأبي الجعد بتاريخ ‪ 2008 – 03 – 14‬م‬

‫أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي هللا عنه‬


‫نسبها ‪ :‬هي خديجة بنت خويلد‪ .‬أبوها‪ ‬خويلد بن أسد‪ ،‬كان سي ًدا من سادات‪ ‬قريش‪ ،‬يروى أنه وقف وواجه‬
‫آخر التبابعة ملوك اليمن‪ ،‬وحال بينه وبين أخذه‪ ‬للحجر األسود‪ ،‬كما كان ضمن الوفد الذي‬

‫‪162‬‬
‫أرسلته‪ ‬قريش‪ ‬إلى‪ ‬اليمن‪ ‬لتهنئة‪ ‬سيف بن ذي يزن‪ ‬عندما انتصر على األحباش وطردهم من اليمن بعد‪ ‬عام‬
‫الفيل‪ ‬بسنتين‪.‬‬

‫أُمها ‪:‬فاطمة بنت زائدة بن األصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر‬
‫بن‪ ‬لؤي‪ ‬بن‪ ‬غالب‪ ‬بن‪ ‬فهر‪ ‬بن‪ ‬مالك‪ ‬بن‪ ‬النضر‪ ‬وهو‪ ‬قريش‪ ‬بن‪ ‬كنانة‪ ‬بن‪ ‬خزيمة‪ ‬بن‪ ‬مدركة‪ ‬بن‪ ‬‬

‫إلياس‪ ‬بن‪ ‬مضر‪ ‬بن‪ ‬نزار‪ ‬بن‪ ‬معد‪ ‬بن‪ ‬عدنان‪ ،‬وجدتها هالة بنت عبد مناف بن قصيـ بن كالب‪.‬‬

‫ولدت خديجة بنت خويلد في‪ ‬مكة‪ ‬قبل والدة‪ ‬الرسول محمد‪ ‬بخمسة عشر عامًا‪ ،‬أي على وجه التقريب‬
‫ولدت في عام ‪556‬م‪،‬و‪ ‬ونشأت وترعرعت في بيت َجا ٍه ووجاهة وإيمان وطهارة سلوك‪ ،‬حتى سميت‬
‫بالطاهرة وعرفت بهذا اللقب قبل‪ ‬اإلسالم‪ ،‬وكانت كثيرً ا ما تتردد على ابن عمها‪ ‬ورقة بن نوفل‪ ‬تعرض‬
‫عليه مناماتها‪ ،‬وكل ما يمر بها من إحساس ورؤيا تراها‪ ،‬أو هاجس تحس به‪.‬‬

‫زواجها ‪ :‬ما إن بلغت خديجة سن الزواج حتى أصبحت محط أنظار شباب قريش وأشرافـ العرب‪ ،‬فقد‬
‫كانت فتاة راجحة العقل كريمة األصل ومن أعرق بيوت‪ ‬قريش‪ ‬نسبًا‪ ،‬فتزوجها أبو هالة بن زرارة بن‬
‫النباش التميمي‪ ،‬وعاشت معه مدة ليست بالطويلة‪ ،‬ورزقتـ منه بولدين هما‪ :‬هند وهالة‪ ،‬ثم ُتوفي تار ًكا‬
‫لها ثروة ضخمة‪ ،‬ثم تزوجت من بعده بعتيق بن عائذ المخزومي‪،‬ـ ثم طلقها وقيل‪ :‬بل ُتو ِّفيـ عنها بعد أن‬
‫رزقت منه ببنت اسمها هند‪ ،‬قال اإلمام‪ ‬الذهبي‪« :‬كانت خديجة أواًل تحت أبي هالة بن ُزرارة التميمي‪ ،‬ثم‬
‫خلف عليها بعده عتيق بن عابد بن عبد هللا ابن عمر بن مخزوم‪ ،‬ثم بعده النبي‪ ،‬فبنى بها وله خمس‬
‫وعشرون سنة‪ ،‬وكانت أسنّ منه بخمس عشرة سنة»‪ ،‬‬

‫عاشت خديجة مع الرسولـ صلى هللا عليه وسلم خمسة عشر عامًا قبل بعثته‪ ،‬أحاطته بكل رعاية وعناية‬
‫واهتمام‪ ،‬وكانت هذه السنوات هي السنوات التي شغلت فيها خديجة بإنجاب أوالدها باستثناء عبد هللا الذي‬
‫ولد بعد البعثة‪ ،‬فقد رزقتـ بأبنائها‪ ‬زينب‪ ‬ورقية‪ ‬وأم كلثوم‪ ،‬والقاسم‪ ‬الذي كان يكنى به الرسولـ عليه‬
‫الصالة والسالمـ ‪ ،‬وفاطمة الزهراء‪ ،‬ثم‪ ‬عبد هللا‪ ‬الذي عرف بالطيب الطاهر‪ ،‬كانت خديجة منشغلة بتربية‬
‫أوالدها‪ ،‬ثم شاء هللا أن يتوفىـ‪ ‬القاسم‪ ،‬وفي هذه الفترة طلب الرسول عليه الصالة والسالم من عمه‪ ‬أبو‬
‫طالب‪ ‬وقد الحظ كثرة األوالد عنده أن يعطيه‪ ‬عليًا‪ ‬ليربيه‪ ،‬أراد التخفيف عليه‪ ،‬وقامت خديجة برعايته أتم‬
‫رعاية‪ ،‬وعندما مات‪ ‬العوام بن خويلد‪ ‬خلّف ورائه‪ ‬الزبير‪ ‬وهو ابن سنتين‪ ،‬فقررت خديجة أن تكفله‬
‫وترعاه‪ ،‬فنشأ الزبير بين بيت عمّته خديجة وبين بيت أمه‪ ‬صفية بنت عبد المطلب‪ ‬عمّة الرسول‪ ،‬ثم لما‬
‫قدم‪ ‬حكيم بن حزام بن خويلد‪ ‬من‪ ‬الشام‪ ‬برقيقـ فيهم‪ ‬زيد بن حارثة‪ ‬وصيف‪،‬ـ دخلت عليه عمته خديجة‪،‬‬
‫وهي يومئذ عند رسول هللا‪ ،‬فقال لها‪ :‬اختاري يا عمة أي هؤالء الغلمان شئت فهو لك‪ ،‬فاختارت زيداً‬
‫فأخذته‪ ،‬فرآه رسول هللا عندها‪ ،‬فاستوهبه منها‪ ،‬فوهبته له‪ ،‬فاعتقه رسول هللا وتبناه‪ ،‬وذلك قبل أن يوحى‬

‫‪163‬‬
‫إليه‪ ،‬فكان بمثابة االبن من خديجة‪ ،‬ورعته خير رعاية‪ ،‬وكانت لهذه التربية الصالحة األثر العظيم في‬
‫اتباع هؤالء األشخاص لنور اإلسالم‪ ،‬فـ"علي" أول من أسلم من الصبيان‪ ،‬و"الزبير" من أوائل من دخل‬
‫في اإلسالم‪ .‬وزيد بن حارثة‪ ‬ثاني من أسلم من الرجال بعد علي‪.‬‬

‫كان‪ ‬الرسول عليه الصالة والسالم‪ ‬يواصل مسيرته باالختالء بنفسه‪ ،‬وبتعبده في‪ ‬غار حراء‪ً  ‬‬
‫بعيدا عن‬
‫الناس‪ ،‬وكانت خديجة مشغولة باألسرة وتوفيرـ ما يلزمها‪ ،‬في الوقت الذي كانت تشتغل فيه بتجارتها التي‬
‫تنفق منها على األسرة‪ ،‬ومع ذلك كانت تذهب إليه في غار حراء لتوفرـ له األكل والشرب‪ ،‬قال‪ ‬ابن حجر‬
‫العسقالني‪« :‬كانت حريصة على رضاه بكل ممكن‪ ،‬ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع‬
‫لغيرها»‪ ،‬روى الفاكهاني عن‪ ‬أنس بن مالك‪ ‬قال‪« :‬أن النبي‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪ ‬كان عند أبي طالب‪،‬‬
‫فاستأذنه أن يتوجه إلى خديجة فأذن له‪ ،‬وبعث بعده جارية له يقال لها نبعة فقال لها‪ :‬انظري ما تقول له‬
‫خديجة‪ ،‬قالت نبعة‪ :‬فرأيت عجبًا‪ ،‬ما هو إال أن سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيده فضمتها‬
‫إلى صدرها ونحرها ثم قالت‪ :‬بأبي وأمي‪ ،‬وهللا ما أفعل هذا لشيء‪ ،‬ولكني أرجو أن تكون أنت النبي‬
‫الذي ستبعث‪ ،‬فإن تكن هو فاعرفـ حقي ومنزلتي وادع اإلله الذي يبعثك لي‪ ،‬قالت‪ :‬فقال لها‪ :‬وهللا لئن‬
‫كنت أنا هو قد اصطنعت عندي ما ال أضيعه أب ًدا‪ ،‬وإن يكن غيري فإن اإلله الذي تصنعين هذا ألجله ال‬
‫يضيعك أب ًدا»‬

‫الوحي ‪  :‬عندما حُبب إلى الرسول الخلوة‪ ،‬صار يتجه لغار حراء يعتكفـ متأماًل ويتعبدـ متبتاًل ‪ ،‬وكان‬
‫موقفـ خديجة موقفـ المعين الداعم‪ ،‬فكانت تعد له ما يحتاجه في خلوته من طعام وشراب ومهاد‪ُ ،‬تجهزه‬
‫قبل خروجه‪ ،‬وتحمل إليه إن طالت غيبته ما يكفيه من مؤونه‪ ،‬وفي بعض األحيان تصحبه في خلوته‪،‬‬
‫تخدمه وتؤنسه وتسقيه وتطعمه‪ ،‬ولما أصبح في عقده الرابع بدأت تظهر له المبشرات‪ ،‬يسمعها أو يراها‪،‬‬
‫ً‬
‫يقظة أو منام ًنا‪ ،‬مثل سماعه نداء يأمره بستر عورته حين كان يحمل الحجارة من‪ ‬أجياد‪ ‬لبناء‪ ‬الكعبة‪،‬‬
‫ومثل تسليم الحجر والشجر عليه‪ ،‬ومن ذلك ما رواه عمرو بن شرحبيل أن الرسول قال لخديجة‪« :‬إني‬
‫إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد وهللا خشيت أن يكون هذا أمرً ا‪ ،‬فقالت‪ : ‬معاذ هللا ما كان هللا ليفعل بك‪،‬‬
‫فوهللا إنك لتؤديـ األمانة‪ ،‬وتصل الرحم‪ ،‬وتصدقـ الحديث»‪ ،‬وعن عبد هللا بن أبي بكر بن عمرو بن حزم‬
‫قال‪« :‬كان من بدء أمر رسول هللا أنه رأى في المنام فشقـ ذلك عليه‪ ،‬فذكر ذلك لصاحبته خديجة بنت‬
‫خويلد فقالت‪ :‬أبشر فإن هللا ال يصنع بك إال خيرً ا»‪،‬وكان الرسول كلما رأى رؤيا قصهاـ على خديجة‪ ،‬فقد‬
‫روىـ‪ ‬محمد بن يوسفـ الصالحيـ الشامي‪« :‬رأى رسول هللا مر ًة في منامه أن سقف بيته نزعت منه‬
‫ضة‪ ،‬ثم نزل إليه رجالن‪ ،‬فأرادـ أن يستغيث فمُنع من الكالم‪ ،‬فقعد أحدهما‬
‫خشبة‪ ،‬وأدخل فيه سل ٌم من ف َّ‬
‫إليه واآلخر إلى جنبه‪ ،‬فأدخل أحدهما يده في جنبه فنزع ضلعين منه‪ ،‬فأدخل يده في جوفه‪ ،‬ورسول هللا‬
‫رجل صالح‪ ،‬فطهر قلبه‬
‫ٍ‬ ‫يجد بردهما‪ ،‬فأخرج قلبه فوضعه على كفه‪ ،‬فقال لصاحبه‪ :‬نعم القلب قلب‬

‫‪164‬‬
‫وغسله‪ ،‬ثم أدخل القلب مكانه‪ ،‬ور َّد الضلعين ثم ارتفعا‪ ،‬ورفع سلّمها‪ ،‬فإذا السقف كما هو‪ ،‬فذكرـ ذلك‬
‫لخديجة فقالت له‪ :‬أبشر فإن هللا ال يصنع بك إال خيرً ا‪ ،‬هذا خير فأبشر»‪.‬ـ‬

‫وروى‪ ‬البخاريـ‪ ‬في صحيحه عن‪ ‬عائشة‪ ‬أم المؤمنين أنها قالت‪« :‬أول ما بدئ به رسول هللا من الوحي‬
‫الرؤياـ الصادقة في النوم‪ ،‬فكان ال يرى رؤيا إال جاءت مثل فلق الصبح ث ّم حُبب إليه الخالء‪ ،‬وكان يخلو‬
‫بغار حراء فيتحنث فيه‪ -‬وهو التعبد ‪-‬الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى‬
‫خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬قال‪ :‬ما أنا بقارئ‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأخذني فغطنيـ حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬قلت‪ :‬ما أنا بقارئ‪ ،‬فأخذني فغطنيـ الثانية‬
‫حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلنيـ فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أنا بقارئ‪ ،‬فأخذنيـ فغطني الثالثة ثم أرسلنيـ‬
‫ان مِنْ َعلَ ٍق‪  ‬ا ْق َر ْأ َو َرب َ‬
‫ُّك اأْل َ ْك َر ُم‪  ‬الَّذِي َعلَّ َم ِب ْال َقلَ ِم‪َ   ‬علَّ َم‬ ‫فقال‪ " :‬ا ْق َر ْأ ِباسْ ِم َر ِّب َ‬
‫ك الَّذِي َخلَ َق‪َ   ‬خلَ َق اإْل ِ ْن َس َ‬
‫ان َما لَ ْم َيعْ لَ ْم‪ "  ‬فرجع بها رسول هللا يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال‪ :‬زملوني‪،‬‬ ‫اإْل ِ ْن َس َ‬
‫زملوني‪،‬ـ فزملوه حتى ذهب عنه الروع‪ ،‬فقال لخديجة وأخبرهاـ الخبر‪ :‬لقد خشيت على نفسي‪ ،‬فقالت‬
‫خديجة‪ :‬كال وهللا ما يخزيك هللا أب ًدا‪ ،‬إنك لتصل الرحم وتحمل ال َكل وتكسب المعدومـ و ُتقري الضيف‬
‫و ُتعين على نوائب الحق‪ ،‬فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفلـ بن أسد بن عبد العزى ابن عم‬
‫خديجة‪ ،‬وكان امرءاً قد تنصرـ في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني‪ ،‬فيكتب من اإلنجيل بالعبرانية ما‬
‫شاء هللا أن يكتب‪ ،‬وكان ً‬
‫شيخا كبيراً قد عمى‪ ،‬فقالت له خديجة‪ :‬يا ابن عم‪ ،‬اسمع من ابن أخيك‪ ،‬فقال له‬
‫ورقة‪ :‬يا ابن أخي‪ ،‬ماذا ترى؟ فأخبره رسول هللا ما رأى‪ ،‬فقال له ورقة‪ :‬هذا الناموس الذي َّ‬
‫نزل هللا على‬
‫موسى‪ ،‬يا ليتني فيها جذعا ً ليتني أكون حيا ً إذ يخرجك قومك‪ ،‬فقال رسول هللا‪ :‬أو م ِ‬
‫ُخر ِجيَّ هم؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إال عُودي‪ ،‬وإن يدركنيـ يومك أنصرك نصرً ا مؤزرً ا ث ّم لم ينشب ورقة‬
‫أن توفي و فتر الوحي‪. ».‬‬

‫وبهذا كانت خديجة أول من آمن‪ ،‬وأول من ثبت‪ ،‬وأول من توضأ وأول من صلى‪،‬‬

‫وفاتها‪ :‬توفيت خديجة بنت خويلد بعد وفاة عم النبي‪ ‬أبو طالب بن عبد المطلب‪ ‬بثالثة أيام وقيل بأكثر من‬
‫ذلك‪ ،‬في شهر رمضان قبل الهجرة بثالث سنين عام ‪620‬م‪ ،‬ولها من العمر خمس وستون سنة‪ ،‬وكان‬
‫مقامها مع رسول هللا بعدما تزوجها أربعً ا وعشرين سنة وستة أشهر‪ ،‬ودفنها رسول هللا بالحجون ولم تكن‬
‫الصالة على الجنائز يومئذ‪ ،‬وحزن عليها النبي ونزل في حفرتها‪ ،‬وتتابعت على رسول هللا بموت أبي‬
‫طالب وخديجة المصائب ألنهما كانا من أشد المعضدين له المدافعين عنه‪ ،‬فاشتدـ أذى‪ ‬قريش‪ ‬عليه حتى‬
‫نثر بعضهم التراب على رأسه وطرح بعضهم عليه سلى الشاة وهو يصلي‪ ،‬وسُمي العام الذي مات فيه‬
‫ينس رسولـ هللا محبته لخديجة بعد وفاتهاـ وكان دائما يثني عليها ولم‬
‫أبو طالب وخديجة بعام الحزن‪ ،‬ولم َ‬

‫‪165‬‬
‫يتزوج عليها حتى ماتت إكراما لها‪ ،‬وقد كانت مثال الزوجة الصالحة الوفية‪ ،‬فبذلت نفسها ومالها لرسول‬
‫هللا وصدقته حين نزل عليه الوحي‪.‬‬

‫فقه خديجة ‪ :‬كان َيظه ُر على خديجة رجاحة الرأي وحسن التدبير وصواب المشورة في حياتها قبل‬
‫زواجهاـ من الرسول‪ ،‬وفي اختيارهاـ للرسولـ زوجً ا لها‪ ،‬ثم في حياتها معه حتى وفاتها‪ ،‬وكان الرسول‬
‫يأنس بمشورتهاـ ويحرص على عرض األمور عليها واالستئناسـ برأيها‪ ،‬ومن تتبع بعض الحوادث التي‬
‫عرضت عليها وأبدت فيها رأيًا أو أشارت به‪ ،‬وُ جد في ذلك فقهًا وفكرً ا وحصافة تميزت به في‬
‫فترة‪ ‬البعثة النبوية‪ ،‬ومن نماذج فقهها‪:‬‬

‫من فقه خديجة وحصافتها أنها ما إن سمعت بالرسول وسيرته اقتربت منه‪ ،‬وحرصت على أن‬
‫تربطهاـ معه عالقة عمل‪ ،‬وكان بعدها زواجهاـ منه‪.‬‬

‫أجمع أهل السير والمؤرخون أن أول من آمن بالرسولـ هي خديجة‪ ،‬ولم يكن إيمانها إيمان عاطفة‪،‬‬
‫بل كان إيمان بصيرة ويقين وتصديق‪،‬ـ ومنه موقفها من‪ ‬الوحي‪ :‬لما رجع الرسولـ من غار حراء‬
‫ترجف بوادره‪ ،‬دخل على خديجة فقال‪ :‬زملوني‪ ،‬زملوني‪،‬ـ فزملوه حتى ذهب عنه الروع‪ ،‬فقال‬
‫لخديجة‪ :‬أي خديجة ما لي لقد خشيت على نفسي‪ ،‬فأخبرها الخبر‪ ،‬قالت خديجة‪ :‬كال أبشر فوهللا ال‬
‫يخزيك هللا أبدا‪ ،‬فوهللا إنك لتصل الرحم وتصدقـ الحديث وتحمل الك َّل وتكسب المعدوم وتقري‬
‫الضيف وتعين على نوائب الحق‪.‬‬

‫ومن مظاهرـ فقه خديجة‪ ،‬أنها ذهبت إلى ابن عمها‪ ‬ورقة بن نوفل‪ ‬وهي تعرف ما لديه من العلم وما‬
‫له من دين‪ ،‬وطلبت منه أن يسمع الرسول ويقص عليه ما رأى وما سمع‪ ،‬وكان جواب ورقة‪ :‬قدوس‬
‫قدوسـ إنه الناموس الذي نزل على موسى‪ ،‬وإنك يا محمد نبي هذه األمة‪ ،‬وكانت هذه الكلمات تأكي ًدا‬
‫وتوثي ًقاـ لشعورها وحدسهاـ بأن محمد رسول هللا‪.‬‬

‫ذهبت خديجة ذات مرة للرسول في‪ ‬غار حراء‪ ‬تحمل معها الماء والزاد‪ ،‬فأتى رسول هللا جبريل‬
‫فقال‪« : ‬يا محمد‪ ،‬هذه خديجة تحمل حيسا في حالب‪ ،‬وقدـ أرسلني هللا إليها بالسالم‪ ،‬فجاءت خديجة‬
‫فقال لها الرسول‪ :‬معك حيس‪ ،‬قالت‪ :‬نعم يا رسول هللا‪ ،‬قال‪ :‬إن جبريل أخبرني ذاك وأخبرنيـ أن هللا‬
‫أرسله إليك بالسالم‪ ،‬فقالت خديجة‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬هللا السالم ومنه السالم وعلى جبريل‬
‫السالم»‪ ،‬يظهر فقه خديجة في تأدبهاـ مع هللا‪ ،‬فلم تقل على هللا السالم‪ ،‬وإنما قالت هللا السالم وعلى‬
‫جبريل السالم ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫قال‪ ‬ابن حجر العسقالني‪« :‬قال العلماء في هذه القصة دليل على وفور فقهها ألنها لم تقل وعليه‬
‫السالم كما وقع لبعض الصحابة حيث كانوا يقولون في التشهد السالم على هللا‪ ،‬فنهاهم النبي وقال‪:‬‬
‫إنّ هللا هو السالم فقولوا التحيات هلل‪ ،‬فعرفتـ خديجة لصحة فهمها أنّ هللا ال يُرد عليه السالم كما يُرد‬
‫على المخلوقين ألنّ السالم اسم من أسماء هللا‪ ،‬وهو أيضا ً دعاء بالسالمة وكالها ال يصلح أن يرد به‬
‫على هللا‪ ،‬فكأنها قالت‪ :‬كيف أقول عليه السالم‪ ،‬والسالمـ اسمه ومنه يطلب ومنه يحصل‪ ،‬فيستفاد منه‬
‫أنه ال يليق باهلل‪ ،‬إال الثناء عليه‪ ،‬فجعلت مكان رد السالم عليه الثناء عليه ثم غايرت بين ما يليق باهلل‬
‫وما يليق بغيره‪ ،‬فقالت‪ :‬وعلى جبريل السالم ثم قالت‪ :‬وعليك السالم‪ ،‬ويستفاد منه رد السالم على من‬
‫أرسل السالم وعلى من بلغه‪ ،‬والذي يظهر أنّ جبريل كان حاضراً عند جوابها فر ّدت عليه وعلى‬
‫النبي مرتين‪ ،‬مرة بالتخصيص ومرة بالتعميمـ ثم أخرجت الشيطان ممن سمع ألنه ال يستحقـ الدعاء‬
‫بذلك»‪.‬‬

‫فضلهاـ ‪:‬لخديجة بنت خويلد مكانة كبيرة وفضلـ عظيم عند المسلمين‪ ،‬فهي أول الناس إيما ًنا بالرسول‪ ،‬ولم‬
‫يتزوج عليها في حياتها ّ‬
‫قط‪ ،‬وال تسرّى بامرأة حتى فارقتـ الدنيا‪ ،‬وهي خير نساء األمة مطلقاً‪ ،‬فقد روى‬
‫البخاريـ في صحيحه عن‪ ‬علي بن أبي طالب‪ ‬قال قال رسول هللا‪« :‬خير نسائها مريم‪ ،‬وخيرـ نسائها‬
‫خديجة»‪.‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة الرابعة والعشرون‪ :‬الوالية من‬


‫منظور شرعي‬

‫‪167‬‬
‫ألقيت هذه الندوة بمسجد التقوى بأبي الجعد‬
‫بتاريخ ‪ 2015 – 10 – 15‬م‬

‫الوالية من منظور شرعي‬

‫‪168‬‬
‫تعريفـ الوالية‪ :‬الوالية لغة‪ :‬يقال وليه يليه بكسر الالم فيهما‪ ،‬وأوليته الشيء فوليه وكذلك ولِـى الـوالي‬
‫ً‬
‫والية فيهما‪ ..‬ووالَّه األمير عم َل كذا‪ ،‬وواله بيع الشيء‪ ،‬وتولَّىـ العم َل أي تقلَّد ‪.‬‬ ‫البلد ‪ ،‬وولِىـ الرج ُل البيع‬
‫والوالية بالكسرـ االسم‪ ،‬مثل اإلمارة والنقابة‪ ،‬ألنه اسم لمـا توليته وقمت به‪.‬‬
‫والوالية بالفتح المصدر‪ِ ،‬‬

‫واصطالحاً‪ :‬لقد اختلفت عبارات العلماء من حيث اللفظ ال المعنى في تحديد مفهوم الوالية‪ ،‬سواء كانت‬
‫الوالية عامة أو خاصة‪ .‬فقال الماوردي‪(:‬إن اإلمامة موضوعة لخالفة النبوة في حراسة الـدين وسيا سة‬
‫الدنيا‪ ,‬قال ابن خلدون‪( :‬هي حمل الكا َّفة على مقتضى النظر الشرعي في مـصالحهمـ األخروية والدنيوية‬
‫الراجعة إليها‪ ..‬فهي في الحقيقة خالفة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به) ‪ .‬وقال‬
‫عضد الدين اإليجي‪(:‬وهىـ خالفة الرسـول صلى هللا عليه وسـلم في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة‪ ،‬بحيث‬
‫يجب إتباعه على كافة األمة) ‪ .‬وقال المناوي‪( :‬والوالية في الشرع هي تنفيذ القول على الغير‪ ،‬شـاء‬
‫الغيـر أم أبى) ‪ .‬ويمكن القول أن الوالية هي "كل من ولِي أو ملَك أمور العامة ‪،‬سواء كانت والية عامة‬
‫أو خاصة"‪ .‬ومن خالل النظر في هذه التعاريفـ يتبين لنا عدة أمور‪:‬‬

‫‪1-‬أن مفهوم الخالفة يمتزج بمفهوم اإلمامة والوالية‪ ،‬ولذا فإن العلمـاء حينمـا يتحدثون عن اإلمامة فإنما‬
‫يقصدون بها الخالفة‪ ،‬وعندما يتحدثون عـن الخالفـة فإنهم يعنون بها اإلمامة‪.‬‬

‫‪2-‬أن الوالية سميت بهذا االسم نسبة ألن الوالي تحصل عليها إما بتوليـة مـن الوالي األكبر أو بتولية من‬
‫أهل الح ِّل والعقد أومن عامة الناس ‪ ،‬أو تحصل عليها عن طريقـ الغلَبة‪ ،‬وهذه هي طرقـ تولِّي الوالية‪.‬‬
‫وألن الوالي يلي أمـور النـاس ويرعاها‪.‬‬

‫‪ 3-‬أنه يجب على من ولِي أمراً من أمور المسلمين أن يعمل على حماية الـدين والدفاع عنه‪ ،‬وأن‬
‫يرعى مصالح الناس الدنيوية‪ ،‬ويسعى إلـى تطويرهـا إلـى األفضل‪.‬‬

‫‪4-‬أنه يجب على الناس طاعة ولي األمر والتزام قوله في غير معصية‪ ،‬ألن له القول النافذ والسيطرة‬
‫التامة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به‪.‬‬

‫حكم الوالية‪ :‬لقد تحدث العلماء عن حكم تنصيب ولي األمر‪ ،‬سواء كان صاحب والية عامة أو خاصة‪،‬‬
‫واستقر رأيهم على أن ذلك واجب على األمة ‪ ،‬فال يحل لها أن تتوانى عن تحقيق هذا الواجب في حياتها‪،‬‬
‫وهي آثمة إذا لم تقم به‪ .‬وإذا خال عصر من العصور أو فترة من فترات حياتها من وجودـ الوالية‬
‫واإلمامة ‪ ،‬فإن جميع أفراد األمة آثمون‪ ،‬وال يخرجون من هذا اإلثم إال بالعمل الجاد على تحقيق الوالية‬
‫في حياة األمة‪ .‬وهذا الحكم مستنبط من الكتاب والسنة وإجماع علماء األمة‬

‫‪169‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ .‬أوالً‪ :‬من الكتاب العزيز "‪ :‬يا أيها الذين آم ُنوا أطيعواـ هللاَ وأطيعوا الرسـو َل وأولـىـ األ ِ‬
‫مـرمنكم" وجه‬
‫االستدالل في هذه اآلية‪ :‬أن هلل سبحانه وتعالىـ أوجب على المـسلمين طاعـة أولي األمر منهم‪ ،‬وهذا‬
‫الواجب ال يتحقق إال بتنصيب أمير عام‪ ،‬وهو بدوره يقـوم باختيار من يساعده في إدارة البالد وتدبيرـ‬
‫شئون الحياة‬

‫ثانياً‪ :‬من السنة المشرفة‪- ١ :‬أخرج أبو داود في سننه من حديث أبي سعيد ال ُخدري رضـيـ اهلل عنـه أن‬
‫سفر َف ْليؤمروا أحدهم" ‪ .‬فالحديث يدل على‬ ‫ٌ‬
‫ثالثة في ٍ‬ ‫رسو َل هللا صلَّى هللاُ عليه وسلم قال "إذا خرج‬
‫وجوب تأمير أمير على جماعة قليلة كالثالثة في الـسفر‪ ،‬فمن باب أولى أن يتأكد الوجوب في حق‬
‫الجماعة الكبيرة‬

‫إن الوالية أواإلمامة لها أهمية كبرى في اإلسالم‪ ،‬وتظهر هذه‬ ‫أهمية الوالية وأهدافها ‪:‬‬
‫األهمية من خـالل مـا يلي‪:‬‬

‫‪1-‬أن اإلسالم نظام شامل ومتكامل‪ ،‬جاء ليحكم كا َّفة أنواع السلوك اإلنساني‪ ،‬الفردي والجماعي‪ ،‬وقد‬
‫اهتم بتنظيم عالقة الدولة باألفراد وبالدول‪،‬ـ وعالقة الحـاكم الـسياسيـ والمسؤول اإلداريـ بالرعية‪ ،‬لهذا‬
‫فاإلسالمـ ال يفصل بين الدين والدولـة‪ ،‬بـل يمـزج بينهما‪.‬‬

‫‪2-‬أن الوالية هي رئاسة شاملة ألمورـ الدين والدنيا‪ ،‬نيابة عن رسولـ هللا صـلى هللا عليه وسلم في‬
‫حراسة الدين وسياسة الدنيا به‪.‬‬

‫‪3-‬أن النصوص تظافرتـ على وجوب أن يكون للمسلمين إمام يرعى حقوقهمـ ويدبر أمورهم‪ ،‬ويقيم‬
‫شرع هللا في الناس‪ .‬قال الجرجاني‪:‬ـ (إن نصب اإلمام من أتم مـصالح الناس وأعظم مقاصد الدين‬

‫‪ - 4‬أن الوالية واإلمامة فيها كرامة الناس جميعاً‪ ،‬وعزة اإلنسان وحريته مهمـا كـان معتقده أو رأيه ‪،‬‬
‫تنمي فيهم اإلحساس بقدسية إنسانيتهم‪ ،‬وتأخذ بأيـدهم نحـو العـزة والكرامة‬

‫‪5-‬أن الوالية واإلمامة هي ثمرة رسالة اإلسالم وأولى عراه‪ ،‬ضامنة العدل والكرامة‪ ،‬وألننا في ظ ِّل‬
‫غيرها عشنا وسنعيش الضنك والجور والمذلة‪ ،‬وقـد تح َّكـم وسـيتح َّكمـ أعداؤناـ في مقدراتنا‪ ،‬وسنظل‬
‫َّ‬
‫تتعطل طاقاتنا وتتبدد ثرواتناـ ويـصيبناـ الـشقاق وسوء األخالق‪.‬‬ ‫ضعفاء‬

‫‪6-‬أن الوالية واإلمامة هي نداء هللا الخالد آلدم عليه السالم وذريته من بعده‪ ،‬عنـدما قال‪" :‬إ ِّني جاع ٌل في‬
‫رض خليفة "‬‫األَ ِ‬

‫‪170‬‬
‫‪ 7-‬أن الوالية واإلمامة سبب في لم شمل األمة ووحدتها ‪ ،‬وبدونهاـ تعيش األمة ممزقة األهواء واألجواء‬
‫‪ ،‬تفصل بينها حدود جغرافية ونعرات قومية‪ ،‬وتصبح كاأليتام علـى مأدبة اللئام‪ ،‬بل كالغنم الشاردة في‬
‫الليلة الشاتية‪ .‬وأكبر دليل على ذلك ما حدث للمسلمين بعد سقوط الخالفة العثمانيـة فـي عـام ‪1343‬هـ‪.‬‬
‫وإن كنا نعترف بكثرة مساوئهاـ إال أنه يجب االعتراف بأنها استطاعت أن تحمي ديار المسلمين وتذودـ‬
‫عن مقدساتهمـ وتحـارب االسـتعمار‪.‬‬

‫الخالفة‪ :‬لقد بدأ بعض الصحابة ي َّتجهون بقلوبهم وعقولهم وأفكارهمـ إلى موضوعـ خالفة النبي‬ ‫نشأة‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬في تولِّي أمر المسلمين أثناء مرضه الذي انتقـل فيـه إلـى الرفيق األعلى‪ .‬فطابع‬
‫المرض وما يمليه من احتمال الفراق هو الذي أوحـى بهـذا التفكير‪ .‬وهذا تصرفـ طبيعي ال غبار عليه‪،‬‬
‫وبخاصـة إذا كـان المـريض مـن الشخصيات التي لها أثر في الجماعة‪ ،‬فما بالك بالرجل األول فيها‬
‫صلى هللا عليـه وسلم ‪ ,‬والدليل على نشوء فكرة الخالفة أثناء مرض النبي صلى هللا عليه وسلم أمران‪:‬‬

‫‪1-‬ما نراه من إسراع أحد الفريقين الرئيسين في الجماعة المسلمة‪-‬وهـم طائفـة األنصار‪-‬إلى عقد اجتماع‬
‫لبحث هذا األمر ‪ ،‬بينما ال يزال الجسد الشريف الطـاهر مسجى في فراشه‪ .‬إن هذه المبادرة تشعر بأن‬
‫هذه الفكرة ليست وليدة الساعة‪ ،‬بل كانت ْ‬
‫تخ َتمـر فـي أذهانهم‪ ،‬إن لم نقل كانت مجال أحاديثهمـ قبل وفاة‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسـلم على وجه التأكيد‪ .‬ولعل طموح سيد الخزرج سعد بن عبادة رضي هللا‬
‫عنه في الخالفة‪ ،‬والذي كان عالقا ً في نفسه قبل اإلسالم‪ ،‬هو الذي دفعه إلى استعجال قومه ومشايعيهمـ‬
‫للمبايعة له‪ ،‬أثناء انشغال الناس بوفاة رسولـ هللا‪ ،‬حتى يظفر بتأييدهم‪ ،‬فيضعـ بقي َة المسلمين أمام األمر‬
‫الواقع‪.‬‬

‫‪2-‬ما روي عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن علي بن أبي طالب رضي هللا عنه خرج من عند رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم في وجعه الذي ُتو ِّفي فيه‪ ،‬فقال الناس‪ :‬يا أبا حسن‪ ،‬كيف أصبح رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم؟ فقال‪ :‬أصـبح بحمـد هللا بارئاً‪ ،‬فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له‪ :‬أنت وهلِلا بعد‬
‫ثالث عبـد العـصا‪ ،‬وإ ِّني وهللا ألرى رسو َل هللا صلى هللا عليه وسلم سوف يتو َّفىـ من وجعه هذا إ ِّنـي‬
‫ألعرفُ وجوه بني عبد المطلب عند الموت‪ ،‬اذهب بنا إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ْفل ْ‬
‫نسأله فيمن‬
‫هللا لئن سألناها رسو َل هللا صلى هللا‬‫هذا األمر ‪،‬إن كان فينا علمنا ذلك‪ ،‬وإن كان في غيرنا علمنـاه ‪ :‬إ َّنا و ِ‬
‫عليه وسلمـ فم َنع َناها فأوصىـ بنا‪ ،‬فقال علي ال يعطيناها الناس بعده‪ ،‬وإ ِّني وهللا ال أسأَلُها رسو َـل هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلمـ ‪ .‬وهذا يبين لنا أن فكرة الخالفة كانت ْ‬
‫تخ َتلج في صدر العباس رضي هللا عنه وغيره من‬
‫الصحابة‪ ،‬أثناء مرض رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وما كـاد رسـول هللا صلى هللا عليه وسلمـ ينتقل‬
‫إلى الرفيق األعلى حتى وجد المـسلمون أنفـسهم أمـام مسئولية جسيمة ‪،‬بدأت بالرغبة في تعيين خلف له‬

‫‪171‬‬
‫يتولَّى أمر المسلمين‪ .‬ونظراًـ لعدم وجودـ معيار محدد لهذا الشأن‪ ،‬فإن بعض النفوس كانت تواقة إليـه ‪,‬‬
‫وبما أن اإلسالم يحترم العقل ويطبعـ أفراده على إجالل حرية التفكير‪ ،‬ويطلب منهم المشاركة في مختلف‬
‫شئون الحياة‪ ،‬فإن وجهات النظر قد تعـددت منـذ اللحظـات األولى التي اجتمع فيها ممثلو طوائفـ‬
‫المسلمين في سقيفة بني ساعدة‪ ،‬و رغم غياب بعض كبار الصحابة عن االجتماع النشغالهمـ بوفاة رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬إال أن االجتماع قد نجح بصورة منقطعة النظير‪ ،‬ودار فيه حوار ب َّناء بين‬
‫أصحاب اآلراء المتباينة‪ ،‬حول أهم موضوعـ يشغل بال األمة‪ ،‬مما جعـل االجتمـاع أشـبه بجمعية تأسيسية‬
‫تبحث عن مستقبل أمة اإلسالم‪ .‬وقدـ ظهرت في هذا االجتماع اتجاهات ثالثة‪ ،‬على الوجه التالي‪:‬‬

‫االتجاه األول‪ :‬أحقي ُة المهاجرين في الخالفة‪ ،‬وذلك ألنهم أول من آمن برسـول هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫وهم آله وعشيرته‪ ،‬والصابرونـ معه في البأساء والـضراء‪ ،‬وألنهمـ ينتمون إلى قريش ذات المكانة العالية‬
‫بين مختلف القبائل العربية‪ .‬ولهذا قال أبو بكر رضي هللا عنه لألنصار‪( :‬نحن األمراء وأنتم الـوزراء‪،‬‬
‫أوسط العرب داراً وأعبهم أحساباً)) أخرجه البخاري في صحيحه‪ -‬كتاب المغازي‪ -‬باب مرض‬ ‫ُ‬ ‫فـنحن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسـلم ووفاتـه ‪٢٣٧٤.‬‬

‫االتجاه الثاني‪ :‬أحقي ُة األنصارـ في الخالفة‪ ،‬وذلك ألنهم أصحاب دار الهجرة‪ ،‬التـي لجأ إليها رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومن معه من المـؤمنين‪ ،‬وألنهـم آزروا ونصروا ودافعوا عن اإلسالم‪ .‬ولهذا قال‬
‫أحدهم‪( :‬نحن أنصارـ هللا وكتيبة اإلسـالم أنتم معشر المهاجرين رهط منا‪ ،‬وقد دفت دافة من قومكم‪ ،‬فـإذا‬
‫هـم يريـدون أن يختزلوناـ من أصلنا‪ ،‬وأن يحضونا من األمر‪.‬‬

‫‪ .‬االتجاه الثالث‪ :‬المشاركة بين المهاجرين واألنصار في الخالفة‪ ،‬وذلك بأن يعين من كل فريقـ أمير‪.‬‬
‫وهو االتجاه الذي نادى به بعض األنصارـ وعلى رأسهم الحباب بن المنذر‪ ،‬لكن المجتمعين رفضواـ مبدأ‬
‫تعدد اإلمارة‪ ،‬واقتنعوا بالحجج التي ساقها المهـاجرون وعلى رأسهم أبي بكر وعمر‪ -‬رضي هللا عن‬
‫الصحابة أجمعين‪ .-‬وبعدهاـ سـلكوا طريقـ االختيار الحر للخليفة بواسطة البيعة‪ ،‬والتي من خاللها أقدمـ‬
‫المسلمون علـى مبايعة أبي بكر رضي هللا عنه‪ .‬وفيـ اليوم التالي تمت البيعة العامة في المسجد‪ ،‬ولم‬
‫يتخلَّف عنها سوى بضع ُة أفرادـ بايعوه بعد ذلك ‪ .‬إذاً نستطيع القول‪ :‬أنه بمجرد اختيار أبي بكر رضي هللا‬
‫ً‬
‫خليفة للمسلمين‪ ،‬هدأت نفوس المسلمين المتنازعين على الخالفة‪ ،‬وعادوا إلى وحـدتهم وعاد الود‬ ‫عنه‬
‫ً‬
‫متراصة كالجسد الواحد‪ ،‬ولم يبق لما حدث أثر على العالقات الوطيدة بين‬ ‫ً‬
‫إيمانية‬ ‫واستأنفواـ حياتهم‪ً ،‬‬
‫كتلة‬
‫المهاجرين واألنصار‪،‬ـ وانصرفـ الجميع إلى الهدف األسمى‪ ،‬وهو إعالء كلمة هللا في األرض‪ ،‬ونشر‬
‫هذا الدين‪ ،‬والدفاعـ عنه‬

‫ٌ‬
‫كلمة عربي ُة األصل‪ ،‬والمادة اللغوية األساسية للبيعـة هـي‪( :‬ب ي ع )‪،‬‬ ‫أوالً‪ :‬تعريف البيعة لغة‪ :‬البيع ُة‬

‫‪172‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬لقد عرف العلماء البيعة بتعريفات عدة‪ :‬قال ابن خلدون‪( :‬البيعة هي العهد على الطاعة‪،‬‬
‫وكأن المبايع يعاهد أميره على أن يسلِّم له النظر في نفسه‪ ،‬فيما يكلفُه به من األمر على المنشط والمكره‬
‫واألصل فيها ما أخرجه مسلم في صحيحه من طريقـ َنافع قال‪ :‬جاء عبد هللا بن عمر إلى عبد هللا بن‬
‫اطرحوا ألبي عبد الرحمن وسادة‪،‬‬ ‫مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان‪ ،‬زمن يزيد بن معاوي َة‪ ،‬فقال‪ْ :‬‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫سمعت‬ ‫ُ‬
‫سمعت رسو َـل هللا صلى هللا عليه وسلم يقوله‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬إ ِّني لَم آتيك ألجلس ‪،‬أَ َتي ُتـك ألحـدثك حديثا ً‬
‫رسو َل هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪( :‬من َخلَع يداً من َطاعة ‪،‬لَقي هللا يوم القيامة ال حج َة له‪ ،‬ومن َ‬
‫مات‬
‫جاهلية (صحيح مسلم‪ -‬كتاب اإلمارة‪ -‬باب وجوب مالزمة جماعة‬ ‫ً‬ ‫وليس في ع ُنقه ٌ‬
‫بيعة ما َت ً‬
‫ميتة‬
‫المسلمين ‪.‬‬

‫والحديث فيه دليل على وجوب البيعة على المسلمين المكلفين‪ ،‬إلمـامهم وولـي أمرهم‪ .‬كما أن فيه تشبيه‬
‫عقد البيعة بالعقد والقالدة التي تحيط بـالعنق‪ ،‬فكأنهـا تقيده‪ ،‬وهو دليل واضح على أهمية البيعة‪.‬‬

‫لهذا من نقض البيعة أو خلعهـا مـن عنقه كان كمن خلع القالدة من عنقه‪ ،‬وهي قالدة اإلسالم‪ .‬وفيه إشـارة‬
‫إلـى أن البيعة تؤدي إلى وحدة الصف التي هي أسمى مقاصد هذا الدين‪ ،‬وتركها يـؤدي إلى الفرقة التي‬
‫هي من خصال الجاهلية‪ ،‬فمن لم يبايع إمامه ولـم ينخـرط فـي صفوف المسلمين ‪،‬كان عرضة للشيطان‬
‫بأن يس َتحوذـ عليـه ويبعـده عـن حيـاة المسلمين‪ ،‬ويجعله يعيش حياة الجاهلية ويموت عليها‪ ،‬ألنه أصبح‬
‫كالشاة القاصية التي ينفرد بها الذئب ويفترسها‪.‬ومن هنا جاء التأكيد والتركيزـ على هذه القضية‪ ،‬وهي‬
‫قوله (مات ميتة جاهلية) في جميع ألفاظ روايات الحديث‪.‬‬

‫البيعة إن البيعة قد تقع كالما ً مصحوباًـ بالمصافحة‪ ،‬وقد تقع مشافهة دون مصافحة‪ ،‬وقد تكون‬ ‫كيفية‬
‫باإلشارة باليد دون كالم أو مصحوبة به‪ .‬وقدـ تكون البيعة بأن يصعد اإلمام على المنبر والناس مجتمعون‬
‫حوله فيبايعونه‪ ،‬وهذه تسمى بيعة العامة‪ .‬وقدـ تكون البيعة كتابة ومراسلة ‪ ،‬خاصة لمن بعدت وتناءت به‬
‫الديار وتعذرتـ له مقابلة اإلمام‪ .‬يشهد لهذا بعض النصوص من قرآن وسنة منها ‪" " :‬إِن الَّذين‬
‫وق أَ ِ‬
‫يديهم" ‪ .‬فهذه اآلية القرآنية الكريمة تبين لنا أن البيعة بين رسول‬ ‫يبايعو َنكـ إِ َّنما يبايعون هَّللا يد ِ‬
‫هللا َف َـ‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم وبين الصحابة الكرام كانت مصافحة باليد‪ ،‬لهذا قال‪( :‬فوق أيديهم ) وفيـ النسائي‬
‫ابسط يدك حتى أُبايعك وا ْش َت ْـ‬
‫رط‬ ‫ْ‬ ‫هللا‪،‬‬ ‫قال‪ :‬أَ َت ُ‬
‫يت ال َّنبي صلى هللا عليه وسلم وهو يبايع ‪َ ،‬فقُ ْل ُ‬
‫ت‪ :‬يا رسو َل ِ‬
‫ُ‬
‫ت أَعلَم؛ قال‪( :‬أبايعك على أن َتعبد َ‬
‫هللا (و ُتقيم الصال َة و ُت ْؤتيـ الز َكا َة و ُت َناصح المسلمين و ُت َف ِ‬
‫ار َق‬ ‫علي‪َ ،‬فأ َ ْن َ‬
‫الم ْش ِركين ( ‪ .‬والحديث فيه إشارة واضحة إلى أن البيعة كانت تتم بين اإلمام والرعية من الرجل‬
‫بالمصافحة باليد وبسطها‪،‬ـ وكأن البيعة ال تتم إال ببسط اليد‪ )١( .‬سنن النسائي‪ -‬كتاب البيعة‪ -‬باب البيعة‬
‫على فراق المشرك‬

‫‪173‬‬
‫ثانياً‪ :‬البيعة بالكالم واإلشارة‪ :‬إن األصل في البيعة أن تكون مصافحة باليد‪ ،‬ولكن يستثنى من ذلك بيعة‬
‫النساء‪ ،‬فإنها تكون بالكالم أو باإلشارة أو بهما معاً‪ .‬ويلحق بالنساء في هذه البيعة المجذومـ وصاحب‬
‫العذر‪ ،‬فإنه يكتفى في بيعته بالكالم واإلشارة باليد‪ .‬والناظر والمتأمل في السنة النبوية وفيـ كيفية مبايعة‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم للنساء وألصحاب األعذار يدرك هذا القول جيداً‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬كيفية تولية الخلفاء الراشدين إن اإلمامة والخالفة ال تنعقد إال باإليجاب والقبول‪ :‬اإليجاب‬
‫من أولي الرأي والشورى في األمة وهم أهل الحل والعقد‪ .‬والقبو ُل من جانب الخليفة المرشح لمنصب‬
‫الخالفة‪ ،‬والذي تم ترشيحه من قبل أهل الحل والعقد‪ .‬وعلى هذا جرى األمر بعد وفاة رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬وبهذه الطريقة والكيفية بويع الخلفاء الراشدونـ جميعاً‪ ،‬ونستطيعـ أن نتبين ذلك إذا رجعنا‬
‫إلى الوقائع واألحداث التي قامت عليها بيعة كل واحد منهم‪ ،‬والظروف التي تمت فيها بيعتهم‪ .‬وفيماـ يلي‬
‫قراءة سريعة لبيعتهم وتوليتهمـ وكيف تمت‬

‫‪ :‬أوالً‪ :‬تولية أبي بكر الصديق رضي هللا عنه لما ُتوفي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم والتحق بالرفيق‬
‫األعلى‪ ،‬اجتمع األنصارـ في سقيفة بني ساعدة‪ ،‬وتشاوروا فيما بينهم على اختيار خليفة منهم لرسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ .‬واتجهت أنظارهم إلى سعد بن عبادة‪ ،‬ولما سمع أبو بكر وعمر وأبي عبيدة بخبر‬
‫السقيفة أسرعوا إليها‪ ،‬واجتمعوا باألنصارـ وبمن حضر من المسلمين بين المهاجرين واألنصارـ ‪ .‬وذلك‬
‫قبل أن يدفن في مؤتمرـ سياسي جرى فيه نقاشٌ حاد ‪ ،‬وكان الهدف من هذا النقاش هو تحقيق المصلحة‬
‫لإلسالم وأهله‪ .‬وكان عمر رضيـ هللا عنه هو أول من ر َّشح أبا بكر رضي هللا عنه للخالفة‪ ،‬ووافقه أهل‬
‫الحل والعقد‪ ،‬ثم بايعه المسلمون عامة‪ ،‬المهاجرون واألنصارـ وغيرهم‪ .‬واختيار أبي بكر رضي هللا عنه‬
‫على هذا الوجه يتفق مع قول هللا تعالى‪" :‬وأَمرهم ُ‬
‫شورىـ بي َنهم" ‪ ,‬فمن أهم أمور المسلمين وأحقها‬
‫بالشورى‪ ،‬هو أمر الحكم والخالفة ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬تولية عمر بن الخطاب رضيـ هللا عنه‪ :‬كان اختيار عمر رضيـ هللا عنه بترشيح من أبي بكر‬
‫الصديقـ رضي هللا عنه في صورة عهد إلى المسلمين‪ ،‬بعد استشارة أهل الحل والعقد منهم ‪ .‬ثم بايعه‬
‫المسلمون عامة ورضوا به ‪ .‬فأبو بكر رضيـ هللا عنه لما أحس بدنو أجله طلب من الناس أن يؤمرواـ‬
‫واحداً عليهم في حال حياته‪ ،‬حتى ال يختلفوا بعده فردواـ األمر إليه في أن يختار لهم من يراه مناسباًـ‬
‫لدينهم ودنياهم‪،‬ـ فاستشارـ أهل الحل والعقد من الصحابة في عمر بن الخطاب‪ ،‬فأثنوا عليه خيراً‪ ،‬وتخوف‬
‫بعضهمـ من غلظة عمررضي هللا عنه وشدته‪ ،‬لكن أبا بكر أقنعهم بأن عمر سيترك كثيراً مما هو عليه‪،‬‬
‫إذا وسدـ األمر إليه ‪ .‬ألن مقام اإلمامة يتطلب من اإلمام أن يكون لينا ً من غير ضعف وقويا ً من غير‬
‫عنف‪ .‬وبعد أن أتم أبو بكر رضيـ هللا عنه مشاوراته أملى على عثمان عهده إلى المسلمين‪ ،‬ثم خرج إليهم‬

‫‪174‬‬
‫عامة وأوصاهمـ بالسمع والطاعة له‪ ،‬فأقرواـ على ذلك‪ .‬وقالوا‪ :‬سمعنا وأطعنا‪ .‬إذاً فاختيار أبا بكر لعمر‬
‫وترشيحه لمنصب اإلمامة كان استخالفا ً‬

‫ثالثاً‪ :‬تولية عثمان بن عفان رضيـ هللا عنه إن في اختيار عثمان رضيـ هللا عنه لمنصب الخالفة أكبر‬
‫دليل على أهمية الشورىـ في اإلسالم وعلى تجسيد المسلمين األوائل لهذا المبدأ القرآني‪ .‬وذلك أن عمر‬
‫رضيـ هللا عنه لما طعن‪ ،‬طلب الصحابة الكرام منه أن يستخلف لهم من يراه مناسباًـ لدينهم ودنياهم كما‬
‫فعل أبو بكر‪ ،‬ولكن عمر رضي هللا عنه حدد لجنة الشورى في ستة وهم‪ :‬علي بن أبي طالب والزبير بن‬
‫العوام وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد هللا وسعد بن أبي وقاص‪ ،‬عليهم جميعا ً‬
‫من هللا سحائب الرحمة والرضوان‪ ،‬وحدد لهم مدة ثالثة أيام لالختيارـ ورسم لهم خطة التشاور‪ .‬وقام أهل‬
‫الشورىـ هؤالء بمشاوراتـ طوال األيام الثالثة ليالً ونهاراًـ ‪،‬وفي نهاية األيـام الثالثة وقع االختيار على‬
‫عثمان رضي هللا عنه‪ ،‬بعد ترشيح من عبـد الـرحمن بـن عوف‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬تولية علي بن أبي طالب رضي هللا عنه لقد ترتب على الفتنة الكبرى بمقتل عثمان بن عفان‬
‫رضيـ هللا عنه ووقوعـ الفوضىـ بالمدينة‪ ،‬وقوع أحداث خطيرة في تاريخ اإلسالم‪ ،‬أثرت في خالفة علي‬
‫بن أبي طالب رضي هللا عنه تأثيراً بالغاً‪ ،‬منذ بداية عهده بها‪ ،‬فلم يتحقق له اإلتفاق واإلجماع الشامل‬
‫الذي حظي به الخلفاء الراشدون الثالثة السابقون‪ ،‬فبايعه كبار الصحابة من المهاجرين واألنصار بعد‬
‫إلحاح شديد منهم‪ ،‬ومعارضة شديدة منه على توليته منصب الخالفة‪ ،‬ولم يبايعه أهل الشام وبنوـ أمية‬
‫بزعامة معاوية بن أبي سفيان رضي هللا عنهما‪ .‬ونقل عن بعض الصحابة كطلحة والزبيرـ أنهما بايعاه‬
‫مكرهين‪ .‬ولكن رغم ذلك فإن إمامته وخالفته انعقدت بالبيعة الصحيحة الملزمة‪ ،‬من قبل أهل الحل‬
‫والعقد‪ ،‬ومن قبل كبار الصحابة وأكثرـ المسلمين‪ ،‬فال يضير هذه البيعة إذاً تخلف البعض عنها‪ ،‬إذ العبرة‬
‫في هذه الحالة باألغلبية واألكثرية والسوادـ األعظم من المسلمين‬

‫‪ .‬الخالصة‪ :‬مما سبق يتبين لنا بعد النظر والتأمل في كيفية بيعة الخلفاء الراشدين وتوليتهمـ إمامة‬
‫المسلمين ‪ ،‬أن مبايعة اإلمام وتوليته لرئاسة الدولة اإلسالمية لها صور متعددة ‪ .‬ومن رحمة اإلسالم أنه‬
‫لم يلتزم طريقة أو صورة محددة يلزم أتباعه العمل بها ‪ ،‬وترك ما سواها ‪ .‬بل جعل األمر فيه مرونة‬
‫تناسب كل زمان ومكان ‪ .‬وهذا إن دل فإنما يدل على عظمة هذا اإلسالم الذي يواكب العصور‬
‫والقرون ‪ ،‬دون أن يقف جامداً أمام الحوادث والمستجدات‪ .‬والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪175‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة الخامسة والعشرون ‪:‬القراءة‬


‫الجماعية للقرآن الكريم‬

‫ألقي هذا العرض بمسجد الشيخ لفائدة القيمين‬


‫الدينيين بتاريخ ‪ 2008 08 – 11‬م‬

‫‪176‬‬
‫القراءة الجماعية للقرآن الكريم‬

‫القراءة الجماعية ‪ :‬قال النووي في المجموع (‪ ":)2/189‬ال كراهة في قراءة الجماعة مجتمعين بل هي‬
‫مستحبة‪ ،‬وكذا اإلدارة وهي أن يقرأ بعضهم جزءا أو سورة مثال ويسكت بعضهم ‪ ،‬ثم يقرأ الساكتون‬
‫ويسكت القارئون"‪،‬‬
‫وقدـ ثبت في الصحاح أن قراءة القرآن من أج ّل العبادات وأعظمها‪ ،‬ألنه كالم هللا وكل حرف يؤجرـ عليه‬
‫القارئ بعشر حسنات‪ ،‬وثبت عنه صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ ":‬خيركمـ من تعلم القرآن وعلمه »‪ ،‬كما‬
‫قال صلى هللا عليه وسلم أيضا‪« :‬إني امرؤ مقبوض فتعلموا القرآن وعلموه الناس"‪ ،‬وقال أيضا‪ ":‬ا ْق َرءُوا‬
‫آن َفإِ َّن ُه َيأْتِي َي ْو َم ْالقِ َيا َم ِة َشفِيعً ا أِل َصْ َح ِابهِ"‪،‬‬
‫ْالقُرْ َ‬

‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّم" الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي‬
‫والبن ماجه‪َ ":‬قا َل َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬
‫يتعتع فيه له أجران"‪،‬‬

‫" واستدل األكثرون على استحباب االجتماع لمدارسة القرآن في الجُملة باألحاديث الدالة على‬
‫استحباب االجتماع ِّ‬
‫للذكر ‪ ،‬والقرآن أفض ُل أنواع الذكر ‪"...‬‬
‫فعن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬اعتكف النبي صلى هللا عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة‬
‫فكشفـ الستور وقال‪ :‬أال إن كلكم مناج ربه فال يؤذين بعضكمـ بعضا وال يرفعن بعضكم على بعض‬
‫القراءة "‪،‬‬
‫وعليه فإن كانت الدراسة الجماعية في المدارس القرآنية المتخصصة لتعليم القرآن‪ ،‬فال تشويشـ فيها‬
‫على المصلين ‪.‬‬
‫وخرج البيهقي عن جابر بن عبد هللا أن رجالً كان يرفع‪ ‬صوته بالذكر‪ ‬فقال رجل‪ :‬لو أن هذا خفض‬
‫من صوته فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلّم‪" :‬دعه فإنه أواه"‪،‬‬
‫وعن عقبة بن عامر‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلّم قال لرجل يقال له ذو البجادين‪ ،‬إنه أواه‬
‫وذلك أنه كان يذكر هللا"‪،‬‬

‫وأما فضيلة من يجمعهم على القراءة ففيها نصوص كثيرة كقوله صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬الدال على‬
‫الخير كفاعله"‪ ،‬وقوله صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬ألن يهدي هللا بك رجال واحدا خير لك من حمر النعم"‪،‬‬
‫واألحاديثـ فيه كثيرة مشهورة‪ ،‬وقد قال هللا تعالى (وتعاونواـ على البر والتقوى) وال شك في عظم‬

‫‪177‬‬
‫أجر الساعي في ذلك"‪،‬‬
‫وهذه نصوص أخرى نعضد بها مشروعية الدراسة الجماعية للقرآن‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬خرجه مسلم في صحيحه من حديث األعمش عن أبي صالح عن بي هريرة رضيـ هللا‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم قال‪ ":‬ما اجتمع قوم في بيت من بيوت هللا يتلون كتاب‬
‫عنه عن النبي َ‬
‫هللا‪ ‬ويتدارسونه بينهم‪ .‬إال نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم المالئكة وذكرهمـ هللا فيمن‬
‫عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه"‪ ،‬وقد استدل به النووي وابن رجب واألكثرون على‬
‫مشروعية الدراسة الجماعية‪ ،‬وقد ذكر علماء اللغة أن معنى التدارس هو القراءة‪ ،‬ومعنى يدرسون‬
‫القرآن أي يقرؤونه‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪ :‬خرجه البيهقي في الشعب(‪ )448\1‬من خبر ابن عباس رضي هللا عنه قال‪" :‬ما جلس‬
‫قومـ في بيت من بيوت هللا يدرسون كتاب هللا يتعاطونه بينهم إال كانوا أضياف هللا وأظلت عليه‬
‫المالئكة بأجنحتهاـ ما داموا فيه حتى يخوضوا في حديث غيره ‪."...‬‬
‫مسلم السابق‪ ":‬وروى عطية عن أبي سعيد‬
‫ٍ‬ ‫الدليل الثالث‪ :‬قال ابن رجب في جامعه من شرحه لحديث‬
‫قوم صلَّوا صال َة الغداةِ‪ ،‬ثم قع ُدواـ في مُصالَّهمـ‬
‫الخدري عن ال َّنبيِّ صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬ما مِنْ ٍـ‬
‫ث‬ ‫ً‬
‫مالئكة يستغفرُون لهم ح ّتى يخوضوا في حدي ٍ‬ ‫كتاب هللا ويتدارسونه‪ ،‬إالَّ و َّك َل هللا بهم‬
‫َ‬ ‫ون‬ ‫َ‬
‫يتعاط َ‬
‫غيره"‪ ،‬قال ابن رجب‪ ":‬وهذا يد ُّل على استحباب االجتماع بعد صالة الغداة لمدارسة القرآن‪ ،‬ولكن‬
‫عطية فيه ضعف‪ ،"..‬ويتقوىـ بما سبق‪.‬‬
‫ان َعنْ َب ْك ِر ب ِ‬
‫ْن ُخ َني ٍ‬
‫ْس‬ ‫اف َث َنا دَاوُ ُد بْنُ ِّ‬
‫الزب ِْر َق ِ‬ ‫الدليل الرابع‪ :‬قال ابن ماجة َح َّد َث َنا ِب ْش ُر بْنُ ِهاَل ٍل الص ََّّو ُـ‬
‫صلَّى‬‫"خ َر َج َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬
‫مْرو َقا َل‪َ :‬‬ ‫ْن َع ٍ‬ ‫ْن َي ِزي َد َعنْ َع ْب ِد هَّللا ِ ب ِ‬
‫ْن ِز َيا ٍد َعنْ َع ْب ِد هَّللا ِ ب ِ‬
‫َعنْ َع ْب ِد الرَّ حْ َم ِن ب ِ‬
‫ْن إِحْ دَا ُه َما‪َ  ‬ي ْق َرء َ‬
‫ُون‬ ‫ض ح َُج ِر ِه َفد ََخ َل ْال َمسْ ِج َد َفإِ َذا ه َُو ِب َح ْل َق َتي ِ‬ ‫ات َي ْو ٍم مِنْ َبعْ ِ‬‫هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َـم َذ َ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ُك ٌّل َعلَى َخي ٍْر‪َ  ‬هؤُ اَل ِء‬ ‫ُون َف َقا َل ال َّن ِبيُّ َ‬ ‫ُون َو ُي َعلِّم َ‬‫ُون هَّللا َ‪َ ،‬واأْل ُ ْخ َرىـ َي َت َعلَّم َ‬
‫آن‪َ  ‬و َي ْدع َ‬ ‫ْالقُرْ َ‬
‫ُون َوإِ َّن َما ُبع ِْث ُ‬
‫ت م َُعلِّمًا‬ ‫ُون هَّللا َ َفإِنْ َشا َء أَعْ َطا ُه ْم َوإِنْ َشا َء َم َن َع ُه ْم َو َهؤُ اَل ِء َي َت َعلَّم َ‬ ‫آن‪َ  ‬و َي ْدع َ‬ ‫ُون ْالقُرْ َ‬‫َي ْق َرء َ‬
‫َف َجلَ َ‬
‫س َم َع ُه ْم"‪ ،‬وله شواهد‪:‬‬
‫‪ /12‬وجاء مثله عن أبي هريرة رضي هللا عنه‪ :‬قال الطبرانيـ في األوسط ‪ 1429‬حدثنا أحمد ثنا‬
‫علي بن محمد بن أبي المضاء قال كتبت من كتاب خلف بن تميم عن علي بن مسعدة ثنا عبد هللا‬
‫الروميـ عن أبي هريرة أنه مر بسوق المدينة فوقف عليها فقال‪ :‬يا أهل السوق ما أعجزكم قالوا وما‬
‫ذاك يا أبا هريرة؟ قال‪ :‬ذاك ميراث رسول هللا يقسم وأنتم ها هنا ال تذهبون فتأخذون نصيبكم منه‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وأين هو؟ قال‪ :‬في المسجد‪ ،‬فخرجوا سراعا إلى المسجد ووقفـ أبو هريرة لهم حتى رجعواـ‬
‫فقال لهم ‪ ..‬أبو هريرة‪ :‬أما رأيتم في المسجد أحدا؟ قالوا‪ :‬بلى‪ :‬رأينا قوما يصلون‪ ‬وقوماـ يقرأون‬

‫‪178‬‬
‫حسن‬
‫َ‬ ‫القرآن‪ ‬وقوما يتذاكرون الحالل والحرام‪ ،‬فقال لهم أبو هريرة‪ :‬ويحكم فذاك ميراث محمد"‪ ،‬وقدـ‬
‫َ‬
‫الحديث المنذريُّ في الترغيب‪ ،‬وكذلك حسنه األلباني وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫المشاركة السادسة والعشرون ‪:‬الوسطية في‬
‫االسالم‬
‫ألقيت هاته الندوة بدار الشباب بتاريخ ‪06 – 09‬‬
‫– ‪ 2007‬م‬

‫‪179‬‬
‫الوسطية في اإلسالم‬
‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫السالم عليكم ورحمة هللا تعلى وبركاته‬
‫( الوسيطة في اإلسالم)‪.‬‬ ‫عنوان الكلمة ‪:‬‬
‫ـون الرَّ ُسـو ُـل‬ ‫اس َو َي ُكـ َ‬
‫شـ َهدَا َء َعلَى ال َّن ِ‬ ‫ك َج َع ْل َنا ُك ْم أُم ًَّة َو َسطا ً لِ َت ُكو ُنواـ ُ‬ ‫(و َك َذلِ َ‬‫الوسطية مأخوذة من قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َعلَ ْي ُك ْم َش ِهيداً) قال المفسرون الوسط هو العدل الخيار وهذه األمة وهلل الحمد عدول وخيارـ كما شهد هللا لها‬
‫بذلك ألن هذه األمة ستشهد على األمم يوم القيامة والشاهد يشترطـ فيه أن يكــون عــدالً فهــذه األمــة تحملت‬
‫هذه الشهادة لما من هللا عليها به من بعثة هذا الرسولـ الكريم الــذي زكــاهم وعلمهم الكتــاب والحكمــة وإن‬
‫ـاب َو ْالح ِْك َمـ َة َوإِنْ‬
‫يه ْم َو ُي َعلِّ ُم ُه ْـم ْال ِك َت َ‬ ‫كانوا من قبل لفي ضالل مبين كما قال تعالى‪َ ( :‬ي ْتلُــو َعلَي ِْه ْم آ َيا ِتـ ِه َوي َ‬
‫ُـز ِّك ِ‬
‫ين) فهي تشهد على األمم يوم القيامــة إذا جــاء هللا جــل وعال بــاألمم وأنبيائهـاـ‬ ‫الل م ُِب ٍ‬
‫ض ٍ‬ ‫َكا ُنوا مِنْ َق ْب ُل لَفِي َ‬
‫يوم القيامة فإنه يسأل األنبياء هل بلغتم فيقولون يا ربنا بلغنا ما أرسلتنا به إليهم ثم يسأل األمم هل بلغــوكمـ‬
‫ِين)‪ ‬فينكرون فيقول هللا جل وعال‬ ‫ِين أُرْ سِ َل إِلَي ِْه ْم َولَ َنسْ أَلَنَّ ْالمُرْ َسل َ‬ ‫فيقولون ال وذلك قوله تعالى‪َ ( :‬فلَ َنسْ أَلَنَّ الَّذ َ‬
‫للرسل من يشهد لكم أنكم بلغتم فيقولن يشهد لنا محمد صلى هللا عليه وسلم وأمته فيسألـ هللا جل وعال أمــة‬
‫محمد صلى هللا عليه وسلم فيشــهدون أن الرســل بلغــوا أممهم‪ ،‬وكيــف عرفــوا ذلــك عرفــوه ممــا أنــزل هللا‬
‫عليهم في الكتاب من قصص األنبيــاء من نــوح إلى محمــد صــلى هللا عليـه وســلم هــذا موجــودـ في القــرآن‬
‫ومدون كل ما جرى بين األنبياء وأممهم كأنك تشاهد وكأنك حاضرـ فيشهدون بما علمهم هللا يشــهدون عن‬
‫ـون) فيشــهدون عن علم‬ ‫ـال َح ِّق َو ُه ْم َيعْ لَ ُمـ َ‬ ‫علم ألن الشهادة إنما تكون عن علم كما قال تعالى‪( :‬إِالَّ َمنْ َش ِهدَ ِبـ ْ‬
‫أورثهمـ هللا إياه في هــذا القــرآن العظيم الــذي ال يأتيــه الباطــل من بين يديــه وال من خلفــه تنزيــل من حكيم‬
‫حميد فهذه األمة وسط وتستشهد على األمم والرسول صلى هللا عليه وسلم يشــهد لهــذه األمم ويزكيهـاـ كمــا‬
‫ك َعلَى َهــؤُ ال ِء َشـ ِهيداً)‪ ‬فهــذه األمــة وســط والوســطية‬ ‫ْف إِ َذا ِج ْئ َنا مِنْ ُك ِّل أ ُ َّم ٍة ِب َش ِهي ٍد َو ِج ْئ َنا ِب َ‬
‫قال تعالى‪َ (:‬ف َكي َ‬
‫مأخوذة من الوسط وهو ما كان بين طرفين كما قال الشاعر‪:‬‬
‫كانت هي الوسط المحمي فاكتفت *** بها الحوادث حتى أصبحت طرفا‬
‫فهذه األمة بين طرفين من األمم طرفـ الغلو الذي في النصارى وطرفـ التساهل الذي كــان بــاليهودـ فهــذه‬
‫األمة وسط غلو النصارىـ وتساهل وانفالت اليهود‪.‬‬
‫وهذه األمة بمجموعها وسط معتدلة بين اإلفراطـ والتفريط فكـل فـرد من هـذه األمـة كـذلك وهلل الحمـد هـو‬
‫وسطـ بين الغلو وبين التساهل وبين اإلفــراط والتفريـطـ في دينـه فال يغلـو غلــو المتطــرفين والخــوارج وال‬
‫يتساهل تساهل المرجئة والمنحلين والمضيعين‪.‬‬
‫(وأَنَّ َه َذا صِ َراطِ ي مُسْ َتقِيما ً َفا َّت ِبعُوهُ َوال َت َّت ِبعُوا ال ُّس ُب َل َف َت َفرَّ َق ِب ُك ْم َعنْ َس ـ ِبيلِهِ)‪ ‬فصــراطـ هللا واحــد‬
‫قال تعالى‪َ  ‬‬
‫وطريقه واحد وأما ما عداه من المذاهب والنحل فهي متعددة وكثيرة وال تحصى وهي تكون في إفراطـ أو‬
‫في تفريط فاإلفراط يكون في الغلو والتفريط يكون في التساهل وهذه السبل الــتي حــذرناـ هللا منهــا هي من‬
‫الجانبين سبل الغلو والتطرف والزيادة وسبل التساهل والضياع وهللا جل وعال قــال لنبيــه صــلى هللا عليــه‬
‫ك َوال َت ْط َغـ ْـوا)‪ ‬أمــره باالســتقامة ونهــاه عن الغلــو وقــال وال تطغــواـ‬ ‫وسلم‪َ ( ‬فاسْ َتقِ ْم َك َما أُمِرْ َ‬
‫ت َو َمنْ َت َ‬
‫اب َم َع َ‬
‫اسـ َتقِيمُوا إِلَ ْيـ ِه َو ْ‬
‫اسـ َت ْغفِرُوه)‬ ‫والطغيان هو الخروج عن الحد من جانب الزيــادة وقــال في اآليــة األخــرى ( َف ْ‬
‫استغفروه عن أي شيء عن التقصير استقم واحــذرـ من التقصــير وإذا حصــل تقصــير فــاجبره باالســتغفار‬

‫‪180‬‬
‫فدل على أنــه يحصــل من اإلنســان تقصــير باالســتقامة فيجــبره باالســتغفار والنــبي صــلى هللا عليــه وســلم‬
‫قــال‪ ‬اســتقيموا ولن تحصــواـ‪ ‬أي تحصــوا كــل مــا أمــر هللا بــه بــل يحصــل تقصــير فتجــبره باالســتغفار‪,‬‬
‫وقال‪ ‬سددواـ وقاربواـ‪ ‬سددوا التسديد معناه إصابة الحق والمقاربة أن تكون مقاربا ً للتسديد فــإذا كــان الخطــأ‬
‫يسيراً‪ ‬فهذه مقاربة تجبر باالستغفار والتوبة إلى هللا عز وجل ودينناـ دين السماحة ورفع الحرج َ‬
‫(و َما‬
‫ين مِنْ َح َر ٍج) فاهلل جل وعال جعل هذا الدين سمحا ً ولم يجعل فيه حرجا ولم يكلفنا ما ال‬ ‫َج َع َل َع َل ْي ُك ْم فِي ال ِّد ِ‬
‫نطيق ولذلك فإن من يخرج عن هــذه الجــادة جــادة الوسـطـ فإنــه يقــع في أحــد الجــانبين إمــا اإلفــراطـ وإمــا‬
‫التفريط وكالهما مذمومـ وال يسلم إال من كان على طريقـ الوسط الــذي أمــر هللا بــه وكمــا في أخــر ســورة‬
‫اط الَّذ َ‬
‫ِين‬ ‫(صـ َر َ‬‫الصـ َرا َـط ْالم ُْسـ َتقِي َم)‪ ‬أي المعتـدل الوسـط‪ِ  ‬‬ ‫الفاتحة هللا أمرنا أن نقرأها في كـل ركعـة‪( ‬إهْـ ِد َنا ِّ‬
‫ِين أَ ْن َع َم هَّللا ُ َعلَي ِْه ْم مِنْ‬
‫ـع الَّذ َ‬ ‫(و َمنْ يُطِ عْ هَّللا َ َوالرَّ سُو َل َفأ ُ ْولَئ َـ‬
‫ِك َمـ َ‬ ‫ت َعلَي ِْه ْم)‪ ‬وهم الذين ذكرهم هللا في قوله‪َ  ‬‬ ‫أَ ْن َعمْ َ‬
‫ك َرفِيقــا)‪ ‬أمرنــا هللا أن نكــون معهم وأن نســير معهم‬ ‫ِين َو َحس َُن أ ُ ْولَ ِئـ َ‬
‫ِين َوال ُّش َهدَا ِء َوالصَّالِح َ‬‫ص ِّديق َ‬
‫ِّين َوال ِّ‬ ‫ال َّن ِبي َ‬
‫وإذا كنت معهم فلن تستوحش أبدا وحسن أولئك رفيقا إنما يستوحش من لم تكون معهم إما جانب اإلفــراطـ‬
‫مع المغالين وإما في جانب التفريط مع المتساهلين‪ .‬ونحن نسمع اآلن كثيراً التسامح والحث على التســامح‬
‫والترغيب في التسامح فهذا فيه إجمال ألن التسامح إن كان يعني أنــك تتســامح في حقوقــك بــأن تعفــو عن‬
‫من ظلمك وتحسـن إلى من أسـاء إليـك فهـو التسـامح المحمـود والمطلـوب‪.‬ـ أمـا أن تتسـامح في شـيء من‬
‫حقوق هللا فهذا ال يجوز‪ .‬والنبي صلى هللا عليه وسلم كان يؤذى في حقه صلى هللا عليه وسلم وكــان يعفــو‬
‫ويسمح لكن إذا انتهكت حرمات هللا فإنه يغضب هلل عز وجل وال يتسامح في شــيء من ذلــك ألن التســامح‬
‫ال يكون في حقوق هللا جل وعال وإنما يكون في حق المخلوق‪.‬‬
‫كثير منهم اآلن على العكس يريد منــك أن تتســامح في حقــوق هللا وهــذا خالف مــا أمــر هللا جــل وعال بــه‬
‫(و ُّدوا‬‫فحقوقـ هللا ال يتسامح عن شيء منها مع أحد كائنا من كان ألن هذا هو المداهنة قــد قــال جــل وعال‪َ  ‬‬
‫وك َخلِيالً‬ ‫ـرهُ َوإِذاً ال َّت َخـ ُذ َـ‬ ‫ـري َعلَ ْي َنــا َغ ْيـ َ‬ ‫ـك َعنْ الَّذِي أَ ْو َح ْي َنـ اـ إِلَ ْيـ َ‬
‫ـك لِ َت ْف َتـ ِ‬ ‫(وإِنْ َكا ُدوا لَ َي ْف ِت ُنو َنـ َ‬‫ون) َ‬ ‫لَ ْو ُت ْدهِنُ َفي ُْد ِه ُن َ‬
‫ك‬ ‫ت ُث َّم ال َت ِجـ ُد لَـ َ‬‫ف ْال َم َمــا ِ‬ ‫ضـعْ َ‬ ‫ف ْال َح َيـا ِة َو ِ‬ ‫ك ضِ عْ َ‬ ‫ت َترْ َكنُ إِلَي ِْه ْم َشيْئا ً َقلِيالً إِذاً ألَ َذ ْق َنا َـ‬ ‫ك لَ َق ْد ك ِْد َ‬‫َولَ ْوال أَنْ َث َّب ْت َنا َ‬
‫َعلَ ْي َنا َنصِ يراً)‪ ‬نهى هللا ورسوله وتوعده أن يتنازل عن شيء من هذا الدين ألجل إرضــاء النــاس ألنــك لــو‬
‫تنازلت عن شيء من دينك رضوا عنك لكن يسخط هللا عليك والنبي صــلى هللا عليــه وســلم يقــول كمــا في‬
‫حديث عائشة‪ ‬من التمس رضا هللا بسخط النـاس رضـيـ هللا عنـه وأرضـى عنـه النـاس ومن التمس رضـا‬
‫الناس بسخط هللا سخط هللا عليه وأسخطـ عليه الناس‪ ‬فال يتنازل المسلم عن شيء من حقــوق هللا جــل وعال‬
‫ولذلك شرع هللا الجهاد في سبيله وشرعـ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشرعـ الحدود على الجــرائم‬
‫ولم يأمر بالتسامح فيها والنبيـ صلى هللا عليه وسلمـ قــال‪ ‬إنمــا أهلــك من كــان من قبلكم أنهم إذا ســرق فيهمـ‬
‫الشريفـ تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقامواـ عليــه الحــد‪ ‬ثم قــال صــلى هللا عليــه وســلم‪ :‬وأيم هللا لــو أن‬
‫فاطمة بنت محمد سرقة لقطعت يدها‪ ‬فال تسامح في حــدود هللا فالتســامح المطلــوب هــو التســامح فيمــا بين‬
‫الناس في حقوقهمـ هللا جل وعال شرع لنا أحسن الشرائع وأكملها ولم يجعل فيهــا حرجـا ً علينــا وشــرعـ لنــا‬
‫الرخص عند الحاجة شرع لنا اإلفطارـ في رمضان في السفر شرع لنا اإلفطار في رمضان للمرض الذي‬
‫يستدعي اإلفطارـ بشرط أن نقضيه من أيام أخر شرع لنا قصــر الصــالة الرباعيــة إلى ركعــتين في الســفر‬
‫هذه هي السهولة والــرخص الشــرعية أمــا الــرخص الــتي يريــدها كثــير من الجهــال أو المغرضــين اليــوم‬
‫فمعناهاـ أنك تترك أوامر هللا ونواهيه وتأخذـ هواك وتتبع شهواتكـ أو تجاري الناس لئال تغضب الناس فهذا‬
‫يجب التنبه له فيجب أن تنتبه لهذا فنقول ال‪.‬‬
‫نحن لسنا مع المتشددين ولسنا مع المتساهلين وإنما نحن مع المتوسطين مع الصراطـ المستقيم مــع الســبيل‬
‫المستقيم فهذا طريقنا وهذا منهجنا نعم والفتن على قسمين فتن الشــبهات وهــذه في العقيــدة وفتن الشــهوات‬

‫‪181‬‬
‫وهذه في األخالق والسـلوك والشـيطانـ وأعوانـه من شـياطين اإلنس والجن يروجــون هـذه الشـبهات على‬
‫الناس إما في عقيدتهم في الشبهات والتشكيكـ واإللحاد وإما في أخالقهمـ وفيـ ســلوكهمـ في إتبــاع الشــهوات‬
‫ت أَنْ َتمِيلُوا َم ْيالً عَظِ يماً) هذا من باب التحذير من‬
‫ُون ال َّش َه َوا ِ‬
‫ِين َي َّت ِبع َ‬ ‫(وهَّللا ُ ي ُِري ُد أَنْ َي ُت َ‬
‫وب َعلَ ْي ُك ْم َوي ُِري ُد الَّذ َ‬ ‫َ‬
‫أصحاب الشهوات وأصحاب الشبهات يجب أن نكــون على حــذر جــاء ثالثــة نفــر من صــحابة رســول هللا‬
‫صــلى هللا عليــه وســلم تحــركت فيهم الديانــة وحب الخــير فجــاءوا إلى نســاء النــبي صــلى هللا عليــه وســلم‬
‫يسألونهن عن عبادة الرسول صلى هللا عليه وسلم فأخبرنهم بذلك وكأنهمـ تقالوا عبــادة الرســول صــلى هللا‬
‫عليه وسلمـ ثم قالوا أين نحن من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وقد غفر له مــا تقــدم من ذنبــه ومــا تــأخر‬
‫فقال أحدهم أما أنا فأصلي وال أنام وقال األخر أما أنا فأصــومـ وال أفطــر وقــال الثـالث أمــا أنــا فال أتــزوج‬
‫النساء يريد التبتل عبادة يرد التعبــد هلل وقـال رابــع أنــا ال أكـل اللحم يريـد أن يضـيق على نفسـه فلمــا بلـغ‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم خبرهم غضب صلى هللا عليه وسلم ألن هذا طريق انحراف بحيث أنهم‬
‫يضنون أنه طريق صواب فخطب صلى هللا عليه وسلمـ فقال عليه الصالة والسالم‪ :‬مــا بــال أقــوام يقولــون‬
‫كذا وكذا أما أنا فأصلي وأنامـ وأصـوم وأفطــر وأتـزوج النسـاء ‪ ،‬وفي روايـة‪ :‬وأكـل اللحم فمن رغب عن‬
‫سنتي فليس مني‪ ‬هذا جــانب الغلــو وزيــادة عن مــا كــان عليــه الرســول صــلى هللا عليــه وســلمـ وفي جــانب‬
‫التساهل الرسول صلى هللا عليه وسلم كان يقطـع يــد الســارق ويـرجم الـزاني ويجلــد شـارب الخمـر ويقيم‬
‫الحدود والتعزيرات على العصاة منعا ً للتساهل وكان يــأمر بــالمعروف وينهى عن المنكــر منعــا للتســاهل‬
‫فهذا يجب أن نعرفه وأن نحافظـ عليه وأن نسير عليه وأن نبينه للناس ألن حاجة الناس اليوم لهذا أشد ألن‬
‫الناس يتنــازعهم تيــاران تيــار الغلــو والتشــددـ وتيــار التســاهل والضــياع فيجب أن نعــرف هــذا األمــر وأن‬
‫نوضحه للناس وأن نتمثله ألنفسنا أوالً حتى نكون من أمة الوسط نكون على الوسطية التي هي ديننا‪.‬‬
‫وفق هللا الجميع لما يحب ويرضىـ وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة السابعة والعشرون ‪ :‬التحسيس بحماية‬


‫الطفولة‬
‫ألقيت هذه الندوة بمسجد بدر بتاريخ ‪ 2017 – 02 – 15‬م‬

‫‪183‬‬
‫التحسيس بحماية الطفولة‬
‫بحقوق الطفل قبل والدته‪ ،‬وبعد والدته ولهذا السبب حضَّ اإلسالم على الزواج‬ ‫ِ‬ ‫اهت َّم اإلسالم‬
‫حتى ينشأ الطفل من خالله على الطهارة والعفة واالستقامة‪ ،‬كما حرَّ م اإلسالم الزنا بك ِّل‬
‫صوره‪.‬ـ‬
‫من حقوق الطفل قبل الوالدة‬
‫اختيار الوالدين فقد قال النبي صلى هللا عليه وسلم في اختيار الزوجة‪" :‬تنكح المرأة ‪-‬‬
‫ت يداك " كما قال النبي ‪-‬‬ ‫ت ال ِّدين َت ِر َب ْ‬
‫ألربع‪ :‬لمالها‪ ،‬ولحسبها‪ ،‬ولجمالها‪ ،‬ولدينها؛ فاظفرْ بذا ِ‬
‫ضون دي َنه و ُخلُقه فزوِّ جوه‪ ،‬إال‬ ‫صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬في اختيار الزوج‪(( :‬إذا جاءكم َمن َتر َ‬
‫ٌ‬
‫فتنة في األرض وفسا ٌد كبير‬ ‫فعلُوا تكنْ‬
‫" َت َ‬
‫أنبتت نبا ًتا حس ًنا‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫كانت صالحة‬ ‫‪. ‬فالزوجة بمنزلة ال ُّترْ بة التي تلقى فيها البذور‪ ،‬فإن‬
‫‪. ‬فيجب البحث عن الزوجة الطيبة الصالحة‬
‫قدر من الجمال الذي يرضى عنه الزوج؛ ليكون‬ ‫غير أننا ال ننسى أن تكون الزوج ُة على ٍ‬
‫نفسه؛ لذا وجَّ ه النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫بصره ويحصِّن َ‬ ‫َ‬ ‫رضاه ُمعِي ًنا له على أنْ يغضَّ‬
‫زواجها‪ ،‬فقال صلى هللا عليه وسلم " انظر اليها‬
‫َ‬ ‫النظر لوج ِه َمن ي ُِريد‬
‫ِ‬ ‫الصحابيَّ الجليل إلى‬
‫‪ " ‬فإنه أحرى أن يُؤدَ م بينكما‬
‫فاإلسالم حريصٌ كل الحرص على أن يو ِّفر لألوالد الظروف األسرية المناسبة‪ ،‬التي تساعد‬
‫االختيار بنا ًء على‬
‫َ‬ ‫حسن اختيار الزوجين‬
‫ِ‬ ‫على تنشئة صالحة طيبة؛ ولذا يجعل من أسس‬
‫اتصاف الطرفين بال َق ْدر الذي يرضى به اآلخر من المالحة والجمال‪ ،‬لكي يساعد هذا على‬
‫استقرار األسرة‪ ،‬بدالً من البحث الدائم من الزوجين عن إشباع الرغبات خارج األسرة‪ ،‬مما‬
‫‪.‬يزعزع األسرة‪ ،‬وينال من أمانها االجتماعي‬
‫بالحرص على التوا ِّد وحسن ال ُخلق؛ فإنهما يعمالن على إحسان ال ِع ْشرة‬
‫ِ‬ ‫فالزوجان إذا ا َّت َ‬
‫صفا‬
‫صخابًا وال ش َّتامًا‪ ،‬بل يعرف ك ٌّل منهما َّ‬
‫حق اآلخر عليه‬ ‫َّ‬ ‫‪.‬بالمعروف‪ ،‬فال يكون أح ُدهما‬
‫واإلسالم حينما يجعل الو َّد‪ ،‬وإحسان العشرة‪ ،‬وإحسان ال ُخلق أسا ًسا الختيار الزوجين؛ فهو‬
‫توفير الحياة المستقرَّ ة الخالية من التنازع واالختالف والفُرقة في األسرة؛ وذلك‬
‫َ‬ ‫بذلك ي ُِريد‬
‫ً‬
‫تنشئة سليمة صالحة‪،‬‬ ‫صا منه على توفير الظروف االجتماعية المناسبة لتنشئة األوالد‬ ‫حر ً‬
‫‪.‬خالية من الظروف المساعدة على االنحراف والجنوح‬ ‫ً‬

‫حقوق الطفل بعد الوالدة‪ :‬من حقوق الطفل بعد الوالدة‬

‫‪184‬‬
‫‪:‬التسمية‬
‫اختيار اسمِه‬
‫َ‬ ‫حقوق الطفل على والديه أن يُحسِ نا‬
‫ِ‬ ‫ت الشريعة اإلسالمية أن من ضمن‬ ‫قرَّ ر ِ‬
‫الذي سيُد َعى به بين الناس مستقبالً‪ ،‬ولقد جاء توجي ُه رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم في‬
‫‪. ‬قوله‪(( :‬إنكم ُتد َعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم؛ فأَحسِ نوا أسماءكم‬
‫وقال ‪ -‬عليه الصالة والسالم‪(( :-‬تسمُّوا بأسماء األنبياء‪ ،‬وأحبُّ األسماء إليَّ عب ُدهللا‬
‫‪.‬وعب ُدالرحمن‪ ،‬وأصدقها حارث وهمام‪ ،‬وأقبحها حرب ومُرَّ ة‬
‫اختيار اسم طفلهما اسمًا حس ًنا في لفظه‬
‫َ‬ ‫الوالدان‬
‫ِ‬ ‫فهذا دلي ٌل واضح على ضرورة أن يُحسِ ن‬
‫ومعناه في حدود الشريعة؛ حتى يكون االس ُم سهالً واضحً ا‪ ،‬وخفي ًفا على اللسان‪ْ ،‬‬
‫وعذبًا في‬
‫ُّ‬
‫الحق‬ ‫وحسن المعنى‪ ،‬وجميالً في المحتوى‪ ،‬وإن كان االسم يحمل معنى سي ًئا؛ فللفرد‬
‫َ‬ ‫األذن‪،‬‬
‫في تغيير اسمِه‪ ،‬وقد ثبت عن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم أنه غيَّر اسم عاصية؛ فعن‬
‫لعمر كان يقال لها عاصية‪ ،‬فسمَّاها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬‫َ‬ ‫ابن عمر‪" :‬أن ً‬
‫ابنة‬
‫جميلة‬
‫حق الرعاية واالعتناء‬
‫ومن األمور التي أعطاها اإلسالم للطفل عقب والدته من الرعاية واالعتناء به ُّ‬
‫حق التحنيك‪،‬‬
‫والرضاعة‪ ،‬وحلق الرأس‪ ،‬والختان؛ وتفصيلها كما في التالي‬
‫التحنيك ‪1 -‬‬
‫أجل العناية بالمولود وتكريمه‪ :‬تحني ُكه عقب الوالدة‪،‬‬ ‫ومن الحقوق التي َش َرعها اإلسالم من ِ‬
‫الممضوغ‬ ‫ودَلك َح َنك المولود به‪ ،‬وذلك بوضع جز ٍء من التمر‬‫التمر ْ‬
‫ِ‬ ‫والتحنيك هو‪" :‬وضع‬
‫ِ‬
‫على اإلصبع‪ ،‬وإدخاله في فم المولود‪ ،‬ثم القيام بتحريكه يمنة ويسرة بحركة لطيفة؛ تطبي ًقا‬
‫للسنة المطهرة‪ ،‬واقتدا ًء بفعل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ .‬ولع َّل الحكمة من ذلك تقوي ُة‬
‫الفم بحركة اللسان مع الحنك مع الفكين؛ حتى يتهيَّأ المولود لعملي ِة الرضاعة‬ ‫عضالت ِ‬
‫‪.‬وامتصاص اللبن بك ِّل قوة‪ ،‬وبحالة طبيعية‬
‫ومن األفضل أن يقو َم بعملية التحنيكِ َمن ي َّتصِ ف بالتقوى والورع والصالح؛ تبر ًكا وتفاؤالً‬
‫بصالح المولود وتقواه‪ ،‬وكان صلى هللا عليه وسلم يح ِّنك ك َّل َمن أتى عنده من األطفال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫كما جاء في حديث عائشة رضي هللا عنها أنها قالت‪" :‬إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫صبْيان في َبرِّ ك عليهم ويح ِّنكهم‬
‫‪.  ‬كان يؤتى بال ِّ‬
‫‪:‬الرضاعة ‪2 -‬‬

‫‪185‬‬
‫عملية جسمية ونفسية‪ ،‬لها أثرها البعيد في التكوين الجسدي واالنفعالي‬ ‫ٌ‬ ‫عملية الرضاعة‬
‫ت الشريعة اإلسالمية ما لعملي ِة‬ ‫واالجتماعي في حياة اإلنسان ‪ -‬ولي ًدا ثم طفالً ‪ -‬ولقد أدرك ِ‬
‫الرضاعة من أهمي ٍة للطفل؛ حيث يكون ب َمأْ َمن من األمراض الجسمية‪ ،‬والجدب النفسي‬
‫أرادت‪ ،‬وجعله ح ًّقا‬ ‫ْ‬ ‫كاملين إن‬
‫ِ‬ ‫حولين‬
‫ِ‬ ‫يتغذى بجرعات من الحليب الصناعي‪ .‬وجعل ح َّدها‬ ‫َّ‬
‫ْن لِ َمنْ أَ َرا َد‬ ‫ِدَات يُرْ ضِ عْ َن أَ ْواَل َدهُنَّ َح ْو َلي ِ‬
‫ْن َكا ِم َلي ِ‬ ‫من حقوق الطفل‪ ،‬يقول عز وجل أن‪َ  ﴿ :‬و ْال َوال ُ‬
‫ضا َع َة‬
‫" ُي ِت َّم الرَّ َ‬
‫ٌ‬
‫ضرورية لنموِّ‬ ‫عامين‬
‫ِ‬ ‫ت الحاضر أن فتر َة‬ ‫ُ‬
‫البحوث الصحية والنفسية في الوق ِ‬ ‫ولقد أَ ْث َب َت ِ‬
‫ت‬
‫نموا سليمًا من الوجهتين الصحية والنفسية؛ فالطف ُل في أيامِه األُو َلى وبعد خروجه من‬‫الطفل ًّ‬
‫َمحْ ضنِه الدافئ الذي اعتاد عليه فترة طويلة يحتا ُج إلى التغذية الجسمية والنفسية؛ ليعوِّ ض‬
‫‪.‬ما اعتاده وأَلِفه وهو في وعاء أمه‬
‫الوضع هو ممارس ُة عملي ِة التغذية عن طريق‬
‫ِ‬ ‫ولذلك نجد أن أوَّ ل ما تبدأ به األم بعد‬
‫الرضاعة؛ أي‪ :‬إرضاع الطفل من ثديها‪َ ،‬تهدِيها لذلك فطر ُتها التي فطرها الباري عليها؛ لما‬
‫يتميَّز به لب ُنها من تكامل عناصره‪ ،‬وخلوه من الميكروبات‪ ،‬ومناعة ضد األمراض‪ ،‬ولما‬
‫يحتويه على نسبة من البروتينات المساعدة في عملية الهضم السريع‪ ،‬وكمية المعادن‬
‫واألمالح؛ كالبوتاسيوم‪ ،‬والصوديوم‪ ،‬ونسبتها بعضها لبعض المساعدة على إراحة ال ُك ْل َيتين‪،‬‬
‫"باإلضافة إلى تواجد فيتامين "ث" وفيتامين "أ‬
‫شعوره بالدفء‬
‫ِ‬ ‫أما الفوائد النفسية واالجتماعية من هذه العملية‪ ،‬فتنعكس على الوليد في‬
‫والحنان واألمان‪ ،‬وهو ملتصق بوالدته‪ ،‬يحس نبضات قلبها‪ ،‬ولقد أ َّكد علماء النفس أن‬
‫"ليست مجرد إشباع حاجة عضوية‪ ،‬إنما هو موقف نفسي اجتماعي شامل‪ ،‬يشمل‬ ‫ْ‬ ‫الرضاعة‬
‫‪.‬الرضيع واألم‪ ،‬وهو أول فرصة للتفاعل االجتماعي‬
‫‪:‬حلق الرأس ‪3 -‬‬
‫ومن حقوق الطفل في اإلسالم أن يُح َلق رأسُه يوم السابع من والدته‪ ،‬والتصدق بوزن شعره‬
‫إن أمكن ذهبًا أو فِضَّة؛ امتثاالً لفعل الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم كما جاء في حديث‬
‫َّ‬
‫"عق رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم عن الح َسن بشاةٍ‪،‬‬ ‫عن علي رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫شعره فِضَّة‬
‫ِ‬ ‫‪".‬فقال‪" :‬يا فاطم ُة‪ ،‬احلِقِي رأ َسه‪ ،‬وتص َّدقي بزنة‬
‫وفي حلق رأس المولود ع َّدة ِح َكم؛ منها إماطة األذى عنه‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪" :‬مع الغالم عقيقة‪ ،‬فأهريقوا عنه دمًا‪ ،‬وأميطوا عنه األذى"‪ ،‬وقد ُسئِل الحسن عن‬
‫"بحلق الرأس‬
‫ِ‬ ‫ِيطوا عنه األذى"‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫‪". ‬قولِه‪" :‬أَم ُ‬

‫‪186‬‬
‫للشعر الخفيف الضعيف‪ ،‬ليخلفه شعر‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫إزالة‬ ‫وحلق شعر رأس المولود أنف ُع لرأسه؛ ففيه‬
‫‪.‬أقوى‪ ،‬وفيه فت ٌح لمسا ِّم الرأس وتقوية لحاسَّة البصر والشم والسمع‬
‫الختان ‪4 -‬‬
‫الذ َكر‪ ،‬وهو رأس الف ِْطرة؛ كما جاء في‬‫الختان هو قطع القُ ْل َفة؛ أي‪ :‬الجلدة التي على رأس َّ‬
‫حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬الفطرةُ‬
‫‪".‬خمسٌ ‪ :‬الختان‪ ،‬واالستحداد‪ ،‬وقصُّ الشارب‪ ،‬وتقليم األظفار‪ ،‬و َن ْتف اإلبط‬
‫والختان هو شعار اإلسالم لعبادِه؛‪ ‬مما يميِّز المسل َم عن غيره من أتباع الديانات األخرى‪،‬‬
‫ثابت من فعل الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم كما جاء‬ ‫ٌ‬ ‫وهو واجبٌ في حق الرجال؛ ألنه‬
‫"عق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن الحسن‬ ‫َّ‬ ‫في حديث جابر رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫أيام‬
‫‪".‬والحسين‪ ،‬وختنهما لسبع ِة ٍ‬
‫وقد ش َّدد اإلمام مالك في أمر الختان حتى قال‪َ " :‬من لم َي ْخ َتتِن لم َتج ُْز إمام ُته‪ ،‬ولم ُت ْق َبل‬
‫ُ‬
‫أسلمت‪:‬‬ ‫شهادته‪ .‬ور ُِوي عن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أنه قال للرجل الذي قال‪ :‬قد‬
‫شعر الكفر واخ َت ِتنْ‬
‫َ‬ ‫""أَ ْل ِق عنك‬
‫وللختان فوائد كثيرة؛ منها‬
‫أنه يجلب الطهارة‪ ،‬والنظافة‪ ،‬والتزيين‪ ،‬وتحسين الخلقة‪ ،‬وتعديل الشهوة؛ كما يقول ‪1 -‬‬
‫الدكتور صبري القباني‪" :‬يتخلَّص ال َمرْ ُء بقطع القُ ْل َفة من المفرزات الدهنية‪ ،‬والسيالن‬
‫المقزز للنفس‪ ،‬ويُحول دون إمكان التفسخ واإلنتان‪ ،‬كما يتخلَّص المر ُء من خطر‬ ‫ِّ‬ ‫الشحمي‬
‫الح َشفة أثناء التم ُّدد‬‫"انحباس َ‬
‫تراكم اإلفرازات‬ ‫بعضو ُّ‬
‫الذكور‪ ،‬وهذا راج ٌع إلى‬ ‫ورم سرطاني‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حدوث ٍ‬ ‫ومنها‪ :‬أنه يمنع‬
‫والموا ِّد التي يُمكِن أن يُحدِث احتكا ُكها أورامًا سرطانية‬

‫‪187‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة الثامنة والعشرون‪ :‬المولد النبوي‬


‫الشريف واهتمام ملوك الدولة العلوية‬
‫باالحتفال به‬
‫ألقيت هاته المحاضرة بدار الشباب بتاريخ ‪– 26‬‬
‫‪ 2007 – 03‬م‬

‫‪188‬‬
189
190
191
192
193
194
195
196
197
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة التاسعة والعشرون‪ :‬األدلة الواعدة‬


‫بصحة التسليمة الواحدة‪:‬‬
‫ألقي هذا العرض بمسجد موالي سليمان بأبي‬
‫الجعد لفائد ة القيمين الدينيين بتاريخ ‪07 – 03‬‬
‫– ‪ 2007‬م‬

‫‪198‬‬
199
200
201
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المشاركة الثالثون‪ :‬صالة عيد األضحى المبارك‪:‬‬


‫لعام ‪ 1429‬ه – ‪ 2018‬م‬

‫‪202‬‬
203
204
205
‫فهرس البحوث العلمية‬
‫المشاركة األولى‪ :‬مداخلة بعنوان‪ :‬مميزات بالغية في كتاب (الروض األنف ) لإلمام‬
‫السهيلي‪3............................................................................................................................... .‬‬
‫المشاركة الثانية‪ :‬عرض بعنوان أحكام السهو في الصالة ‪11...............................................‬‬
‫المشاركة الثالثة‪ :‬عرض بعنوان‪ :‬البعد الديني والوطني للتشبث بالمذهب المالكي‬
‫بالمغرب ‪16................................................................................................................................‬‬
‫المشاركة الرابعة‪ :‬محاضرة في موضوع التحسيس بأخطارـ التدخين والمخدرات‪22..........‬‬
‫المشاركة الخامسة‪ :‬مداخلة بعنوان‪ :‬المثل األعلى في حياة الشباب ‪26.............................‬‬
‫المشاركة السادسة‪ :‬عرض بعنوان‪ :‬القيم الديني ودورهـ في تفقيه الناس في أمور‬
‫دينهم ودنياهم ‪32...................................................................................................................‬‬
‫المشاركة السابعة‪ :‬الزاوية الشرقاوية ودورها اإلشعاعي والعلمي والثقافي ‪39..............‬‬
‫المشاركة الثامنة‪ :‬الزكاة‪ :‬ودورهاـ في التكافل االجتماعي ‪48..............................................‬‬
‫المشاركة التاسعة‪:‬درس شرح اآليتين ‪ 28‬و ‪29‬من سورة الحديد ‪53...................................‬‬
‫المشاركة العاشرة‪ :‬عرض حول كتاب دليل اإلمام والخطيب والواعظ‪57...........................‬‬
‫المشاركةالحاديةعشر عنوان المحاضرة‪ :‬الهجرة النبوية‪ :‬األسباب – النتائج ‪67.................‬‬
‫المشاركة الثانية عشر ‪ :‬فضائل القرآن ‪76............................................................................‬‬
‫المشاركة الثالثة عشر‪ :‬كلمة الحفل الديني الترحمي في حق الحاج مصطفى غانــــي‪. .‬‬
‫‪81‬‬
‫المشاركة الراعة عشر‪ :‬سيدنا محمـــد رســـول الله صلـــى الله عليـــه وسلـــم‪84.......‬‬
‫المشاركةالخامسة عشر موضوع الندوة ‪ :‬داء الرشوة ‪:‬الوقاية والعالج ‪90..........................‬‬
‫المشاركة السادسة عشر ‪ :‬مكانة الشباب في نهضة األمة – ‪95...........................................‬‬
‫المشاركة السابعة عشر‪:‬خطبة حول صالة االستسقاء ‪103...................................................‬‬
‫المشاركة الثامنة عشر‪ :‬تجديد الدرس السيري في المغرب مداخلة بعنوان الروض‬
‫األنف لإلمام السهيلي نموذجا ‪108..........................................................................................‬‬
‫المشاركة التاسعة عشر‪ :‬مقاصد الشريعة وسؤال التجديد ‪125............................................‬‬
‫المشاركة العشرون‪ :‬أهمية السنة في التشريع اإلسالمي ‪133............................................‬‬
‫المشاركة الحادية والعشرون ‪ :‬الصيام‬
‫وفوائده‪150.................................................................................................................................... .‬‬

‫المشاركة الثانية والعشرون ‪:‬أم المؤمنين عائشة رضي الله‬


‫عنها ‪155..............................................................................................................‬‬

‫المشاركة الرابعة والعشرون ‪:‬الوالية من منظور‬


‫شرعي ‪166..........................................................................................................................‬‬

‫المشاركة الخامسة والعشرون ‪:‬القراءة الجماعية للقرآن‬


‫الكريم ‪174...................................................................................................................‬‬

‫‪206‬‬
‫المشاركة السادسة والعشرون ‪:‬الوسطية في‬
‫االسالم ‪177............................................................................................................................‬‬

‫المشاركة السابعة والعشرون ‪:‬التحسيس بحماية الطفولة‬


‫‪181.......................................................................................................................‬‬

‫المشاركة الثامنة والعشرون ‪ :‬المولد النبوي الشريف واهتمام ملوك الدولة العلوية‬
‫باالحتفال به ‪186.......................................................................................................................‬‬
‫المشاركةالتاسعة والعشرون ‪ :‬األدلة الواعدة بصحة التسليمة الواحدة‪195...................... :‬‬
‫المشاركة الثالثون ‪ :‬صالة عيد األضحى المبارك‪200......................................................... :‬‬
‫فهرس البحوث العلمية ‪205.....................................................................................................‬‬

‫‪207‬‬

You might also like