You are on page 1of 19

‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫مصادر املعرفة يف القرآن الكرمي‬

‫د‪ .‬بليل عبد الكرمي‬

‫‪ 2009/11/15‬ميالدي ‪ 1430/11/27 -‬هجري‬

‫مُيثِّل موضوع املصادر أمهية َّ‬


‫خاصة يف النظريَّة املعرفية ِّ‬
‫ألي نسق معريف‪ ،‬فهو حجر البناء ألي نسق؛‬

‫إذ من املصادر املعرفية تمسقى املعارف واألدلة‪.‬‬

‫واملوض و وووع يَّص و وول يف فكر املس و وولوت ببناء فكر األمة وتو لجهها اة و وواري؛ من أجل إعاد البناء ملا‬
‫ِّ‬
‫مهدم‪ ،‬وترميم ما ْاه مُِّتئ‪ ،‬وإبداع ما يمساير العصر‪ ،‬انطالقًا من األصول اإلسالميَّة‪ ،‬اليت زها هبا ال ار م‬
‫يخ العلوي‬

‫وسريا حنو الرايد َوفْق منهج رابين‪.‬‬


‫للوسلوت‪ً ،‬‬

‫بعض الغووض يف حتديده‪ ،‬وحوله آراء عد وتصورات مُم لفة‪.‬‬ ‫َغ ْ َري َّ‬
‫أن مفهوم املصدر يشوبه م‬

‫مفهوم املصدر املعريف‪:‬‬

‫إذا ت بَّعنا طر َح مص و و و و ووطلع فمص و و و و ووادر املعرفةف يف الكثري من البم مطوًب‪ ،‬يفد اخ الفًا بل اض و و و و ووطر ًااب يف‬

‫للودقق‪ ،‬وتص و و و ووورات خاط ة‬


‫اس و و و و عواله اللغوي‪ ،‬وتداخالً مأ مفاهيم أخرق؛ يفا يموقأ يف إ و و و ووكاات فكرية م‬
‫فنظرا لعدم حتديد بعض‬
‫للوطالأ‪ ،‬ف كس و و وول تلث البطوًب ص و و ووبغة أدبية قص و و وص و و ووية ألثر منها و ًع علوية؛ ً‬
‫الباحثت ملصو و ووطلطات دراسو و و ِّ‬
‫واعم‪ ،‬فقد وقأ بع م و و وهم فيوا يعد خلطًا أدق إا ال با بت املصو و ووادر وامليادين‬

‫مثالً‪ ...‬ومنهم من َُييل إا اإلمجال؛ فيجعل هللا تعاا مصدر املعرفة والوحي أدا ف[‪.]1‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪1‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫ولذا نف ِّ‬
‫صو ول يف البط بت األص وول واملص وودر‪ ،‬فاألص و مول هو ا الق دا وألس ووباهبا‪ ،‬واملص وودر هو علة‬

‫ألن من يقينيَّات املسولم َّ‬


‫أن هللا هو‬ ‫القول حول املصودر ننه هللا تعاا ابإلمجال ضور م من ال ع يم؛ َّ‬
‫حدوثها‪ ،‬و م‬

‫لل‬
‫ناسق ا يكون دون ثبات‪ ،‬والثَّبات ل‬
‫مسبل األسبا ‪َ ،‬غ ْ َري أنه تعاا أبدع الكون على نظام مم ناسق‪ ،‬وال م‬
‫القانون‪ ،‬والقوانت يفا يسو وور هللا ل نسو ووان إدرالها؛ بل أر و ووده للبط عنها‪ ،‬وهي من العا‪ ،‬املبا و وور الظاهر‪،‬‬

‫قطعا هي األسو و ووبا م املشو و ووهود من العا‪،‬‬


‫ً‬ ‫والشو و وورع بََا األحكام بت النا على الظاهر‪ ،‬فال طلرب لطسو و ووبا‬

‫نوعا من ال سووطيع بطرح أصووول الق ووااي‪ ،‬وعلل‬


‫املدرك؛ ا األسووبا املغيبة اليت تلي عا َ‪ َ،‬الشووهاد ؛ لذا يفد ً‬
‫الكون‪ ،‬ممبا و وور إا الباري‪ ،‬فهذا من املعلوم من الدين ابل و وورور ‪ ،‬بل هو عنوان ههل القا ل به ابألس و ووبا‬

‫الدلنيوية‪ ،‬فيقفز إا مسووبل األسووبا دفعة واحد ‪ ،‬والنِّزاع قا م حول السووبل الدلنيوي يف عا‪ ،‬الشووهاد ‪ ،‬لفقه‬

‫نواميس الكون ونظامه‪ ،‬ليوا نعي قوانت ااس خالف الدنيوية‪.‬‬

‫َّأما جر األنظار إا ما غا فآمنا ابهلل‪ ،‬لكن نل وس مرؤية سنة هللا يف خلقه‪ ،‬وا تبديل لسن ه تعاا‬

‫عباده آايته يف اآلفاب ويف أنفس ووهم‪ ،‬إاَّ وقد مكنهم من‬
‫يف اآلفاب وا األنفس‪ ،‬فوا وعد جل وعال نن يمري َ‬
‫مرؤي ها‪ ،‬واللرؤية ا تس قيم دون فهم للعلل واألسبا ‪ ،‬وللٌّ يدرك يًا من ذلث بقدر ما أويت من علم وقدر‬

‫وإراد ‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬املفهوم الداليل‬

‫صوة ابلنسوبة إا الُتبية ااملعرفية اإلسوالمية؛ ألنَّه ي صول ببناء فكر‬


‫يمشوكل موضووع املصوادر أمهيةً خا َّ‬

‫األمة‪ ،‬وتوجهها اة وواري من أجل إعاد بنا ها أفر ًادا ومجاعات؛ انطالقها من اهذور األصوولية وااتاهات‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪2‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫والقيم‪ ،‬اليت لووان دووا ألث األثر يف ار نووا[‪ ،]2‬غري أن لكثري من البوواحثت يف هووذا املوضو و و و و و وووع آراء عوود ‪،‬‬

‫وتص لورات مُم لفة حول املصادر وتقسيواعا‪.‬‬

‫فالبعض ََيعل طرب املعرفة مصووادر دا وحو وسووا لها‪ ،‬وهذا يعارض بنية املصووطلع ودااته اللغوية‪،‬‬
‫م‬
‫فاملصدر لغة من الصدر‪ ،‬وهو مقدمة لل يء؛ أي‪ :‬أصله الذي عنه يصدر‪.‬‬

‫عا هبا طرب املعرفة أو وسووا لها‪ ،‬ولكن‬


‫أحد الباحثت‪ :‬تس و عول الفلسووفة امصووادر املعرفة ‪ ،‬وتم َ‬
‫يقول م‬

‫مصطلع مصادر املعرفة يف املفهوم الفلسفي ليس هو املراد بطممرقها عندان يف تصوران الدقيق‪ ،‬ذلث أن مصدر‬

‫[العلق‪ ،]5 :‬وحو اسو و و و عوالنا‬ ‫َعلَّم ِّْ‬


‫اإلنْ َسو و و وا َن َما َ‪ ْ،‬يوَ ْعلَ ْم‬ ‫الش و و وويء أص و و ووله‪ ،‬وأص و و وول املعرفة عندان رابين؛‬
‫َ‬
‫وجل ‪ -‬ومتكينه الفلس و ووفي‪ ،‬ومن فطرب املعرفة عندان‬ ‫ألدوات املعرفة من عقل وحس َّإَّنا هو نقدار هللا َّ‬
‫عز َّ‬

‫معا[‪.]3‬‬
‫مصادرها ومنابعها ً‬

‫لكن إذا ت بعنا طرح مص ووطلع فمص وودر املعرفةف يف الكثري من البطوًب يفد اخ الفًا‪ ،‬بل اض ووطر ًااب يف‬

‫اسو و و عواله‪ ،‬وتَداخالً مأ مص و ووطلطات أخرق؛ يفا يموقأ يف إ و ووكاات فكرية‪ ،‬فهي ت عامل مأ املص و ووطلطات‬

‫أحد الباحثت لل نبيه له[‪.]4‬‬ ‫ِّ‬


‫بسياقاعا اللغوية دون ضبط اصطالحي أو حتديد دايل؛ يفا دفأ َ‬

‫َّأما املص و و و و و وودر فالبعض ََيعله هو وس و و و و و وويلة الوص و و و و و ووول إا املعرفة‪ ،‬وقد تبت أ َّ ا األدا ‪ ،‬وهي اةوا‬

‫منبأ املعرفة‪ ،‬وأ َّ ا مثر من أصل‪ ،‬وهذا ََيري على الطرب؛ أي‪ :‬القو اإلدرالية‪.‬‬
‫والقلل‪ ،‬وآخرون جعلوه َ‬

‫تكون" مص و ووطلطات وهي‪ :‬فأدا املعرفةف؛‬


‫يفا س و ووبق معنا يف ض و ووبط مص و ووطلع القو اإلدراليَّة‪ ،‬فقد َّ‬

‫وهي اهوارح من حوا وقلول‪ ،‬وفلول اإلدراكف وهو القلول‪ ،‬وفلول اإلحس و و و و و و ووا ف‪ ،‬وهو اةوا ‪ ،‬وفالقو‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪3‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫املدرلةف الكامنة ابحملل‪ ،‬وففعل القو املدرلةف وهو نشو و و و و و وواطها وعلوياعا اإلدرالية‪ ،‬وفادي ةف وهي حصو و و و و و ووول‬

‫داخل النفس املدرلة‪.‬‬


‫اإلدراك حسل مراتبه َ‬

‫مدرك‪.‬‬ ‫فهنا عندان ِّ‬


‫موجه حنو موضوع َ‬
‫مدرك‪ ،‬وأدوات اإلدراك‪ ،‬وفعل اإلدراك‪ ،‬مأ القو ‪ ،‬هذا لله َّ‬ ‫م‬

‫السؤال‪ :‬ما مصدر املعرفة؟ النشاط اإلدرالي‪ ،‬أم اإلدراك‪ ،‬أم املوضوع املدرك؟‬

‫ألن الكثري ‪ ،‬ين به دذا ال فصو وويل‪ ،‬لوا َّ‬


‫أن‬ ‫فإن الفصو وول يف هذا صو ووعل؛ َّ‬
‫إذا رجعنا لبعض البطوًب‪َّ ،‬‬

‫من تنبه ي عامل مأ العقل مبعانيه على أ نَّه لل وقو وفعل وهي ة‪ ،‬فيطلق على املعلومات الكامنة يف النفس‬

‫االُتالم املعريف ‪ :‬عقالً‪ ،‬وعلى عولية اسُتجاعها وااس نباط منها‪ :‬عقالً‪ ،‬وعولية حتصيلها أواً‪ :‬عقالً‪.‬‬

‫صل منه؟‬ ‫فاإل كال هل املصدر هو املط ِّ‬


‫صل للوعرفة‪ ،‬أو عولية ال طصيل‪ ،‬أو امل َط َّ‬
‫م‬ ‫مَ‬

‫سووبق معنا َّ‬


‫أن اإلنسووان خلق خاليًا من املعلومات‪ ،‬ومنع ال مقدر على حتصويلها بعد خروجه من بطن‬

‫وانية ملا لان" يف أول ا لقة‪ ،‬لان"‬


‫أمه‪ ،‬ومنع اهوارح وهو داخل بطن أمه؛ قال الرازي‪ :‬فالنفس اإلنس و و و و و و و َّ‬

‫خوواليووة عن املعووارف والعلوم ابهلل‪ ،‬فوواهلل أعطوواهووا هووذه اةوا َّ ؛ ل س و و و و و و و فيو َود ِّهبوَا املعووارف والعلومف‪ ،‬بعوود أن َّبت‬

‫إ و ووكاليةَ‪ :‬هل العلوم لسو ووبيَّة أو بَ ِّ‬


‫ديهيَّة يف أصو وولها؟ قال‪ :‬فإ َّ ا َّإَّنا حدث" يف نفوسو وونا بعد عدمها‪ ،‬بواسو ووطة‬

‫إعانة اةوا ِّ اليت هي ال َّسو و و ووأ والبص و و وور‪ ،‬وتقريره َّ‬


‫أن النَّفس لان" يف مبدأ ا لقة خالية عن مجيأ العلوم؛ إاَّ‬

‫الطفل وويًا مر بعد أخرق‪ ،‬ارتس ووم يف مسعه وخياله ماهية‬


‫م‬ ‫أنَّه – تعاا ‪ -‬خلق الس وووأ والبص وور‪ ،‬فإذا أبص وور‬

‫ذلث املس ووووع‪ ،‬ولذا القول يف س ووا ر اةوا ‪ ،‬فيص ووري حص ووول اةوا س ووببًا ة ووور ماهيات احملس وووس ووة يف‬
‫النفس والعقل‪ ،‬تلث املاهيات على قسوووت‪ :‬أحد القسوووت ما يكون ح وووره موجبا ا اما يف جزم ِّ‬
‫الذهن‪،‬‬ ‫ً‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪4‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫امة نن الواحد لكوم عليه ننه‬


‫إبسووناد بع ووها إا بعض ابلنَّفي أو اإلثبات‪ ،‬مثل إذا ح وور يف الذهن علة َّ‬

‫نصف ااثنت‪ ،‬وهذا القسم هو عت البَ َد ِّهي‪ ،‬والقسم الثاين‪ :‬ما ا يكون لذلث وهو العلوم النظريةف[‪.]5‬‬

‫العلوم تك س و وول بواس و ووطة العلوم البديهيَّة‪ ،‬وحدوًب البديهيَّات ب ص و ووور موض و وووعاعا‬
‫أن َ‬ ‫واةاص و وول‪َّ :‬‬

‫ولوواعا‪ ،‬وال ص و و و و و و لورات لان" إبعانة اةوا على جز ِّ‬


‫ياعا‪ ،‬فظهر أن السو و و و و ووبل األول ةدوًب املعارف يف‬ ‫ِّ‬

‫العقل هو هذه اةوا ‪.‬‬

‫ات هي انقوول للوعووارف‪ ،‬فعوليَّوة النقوول ت م بت‬


‫فوواةوواص و و و و و و وول لوودينووا‪ :‬نفس خوواليووة من املعووارف‪ ،‬وأدو م‬

‫وس و و ووطت‪ ،‬مها العا‪ ،‬الدَّاخلي االنفس املدرلة ‪ ،‬والعا‪ ،‬ا ارجي‪ ،‬وهو لل ما خرج عن لل اإلدراك االقلل ‪،‬‬

‫فااتِّصووال ابلعا‪ ،‬ا ارجي ا يكون إا ابةوا ‪ ،‬اليت تنقل ما يصووبع بَ َدهياا إذا َّ‬
‫تكرر؛ ألن صووورته وماهي ه ‪،‬‬

‫ت غري‪ ،‬فيجزم الووذهن بثبوواتووه أو نفيووه‪ ،‬وهووذا اهزم يصو و و و و و وونأ القووانون اقووانون العقوول ‪ ،‬وترالم القوانت تب لنووا‬

‫البديهيَّات واملسلوات؛ وهي العلم ال َّروري الذي منه نك سل العلوم النظرية الكسبية واةاصلة اح ًقا‪.‬‬

‫ي بت أنه لو فمقد اةس أواً‪ ،‬ملا لان عملِّم قَ ل‬


‫ط ابلعقل االنفس املدرلة ‪ ،‬فهل اةوا مصو و و وودر للعلم؟‬ ‫َ‬
‫‪ ،‬يقل أحد من العلواء هبا‪ ،‬إاَّ يف حالة عدم ضبط املصطلع‪ ،‬فالكل على أ َّ ا نواقل م أثر ا مؤثر ‪.‬‬

‫واملصدر ا بم َّد أن يصدر عنه يء حنو مم لق‪ ،‬فإذا قلنا‪ :‬مصدر العلم‪ ،‬فسيصدر عنه امعلوم ‪ ،‬حنو‬

‫م لق له القابليَّة على اس قباله‪ ،‬وهو لل العلم اامل علم ‪ ،‬وحال َمت لكنه منه يكون اعاملا به ‪ ،‬فهنا اةوا انقلة‬
‫ً‬
‫مصدرا للوعارف؛ أل َّ ا خالية أصالةً منها‪.‬‬
‫ً‬ ‫بنص القرآن وإمجاع العقالء؛ فال تكون‬

‫ن ساءل بعد ذلث‪ :‬اةوا ل من أين تنقل املعارف؟ وإا أين؟‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪5‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫لكن املبدأ ‪ ،‬يعت‪ ،‬ا بم َّد أن نصو و و و ووطلع عليه‬ ‫علم املن هى وهو القلل‪ ،‬أو العقل‪ ،‬أو النفس ِّ‬
‫املدرلة‪َّ ،‬‬

‫املدرلات‪ ،‬وتس قبلها اةوا ل ؛ ل فاعلها مأ املؤثر‬


‫املدرك الذي تصدر منه َ‬
‫ب و و و و و و ووفمصدر املعرفةف؛ أي‪ :‬املوضوع َ‬
‫ا ارجي‪ ،‬ف نقل صو و و و و و ووورته أو حقيق ه أو ماهي ه أو مثاله حنو العقل ليدرله‪ ،‬فالعت ا تملقي ال و و و و و و وووء على‬

‫األجس و و و ووام لُتاها‪ ،‬بل األجس و و و ووام ينبع منها ال و و و وووء حنو العت املقابلة واملبا و و و وور دا‪ ،‬ف نقل تلث ال أثريات‬

‫ال و ية حملل اإلدراك‪.‬‬

‫ص و و و وور واألص و و و ووات واملؤثرات اليت ت لقاها‬


‫فاملص و و وودر هو العا‪ ،‬ا ارجي‪ ،‬وهو املنبه واملؤثر والباع لل ل‬

‫وتس و و و و و و و قبلهوا اةوا ‪ ،‬تص و و و و و و وول هبوا إا مرلز اإلدراك‪ ،‬ويودخول املثوال اخوا ًموا مواد أوليوة إا القلول فلول‬

‫اإلدراكف‪ ،‬وهو لوص و و وونأ به نش و و وواطات إدرالية عد ‪ ،‬ت ص و و وواعد وت فاوت من فرد آلخر‪ ،‬فكل عقل رج من‬

‫معارف ِّع َّد حسل قدراته ومؤهالته‪.‬‬


‫َ‬ ‫تلث املعرفة األولية‬

‫فيكون املصو و و و و و وودر األصو و و و و و وولي االعا‪ ،‬ا ارجي ‪ ،‬واملصو و و و و و وودر ال ابأ هو ااةافظة أو الذالر ‪ ،‬فالعقل‬

‫يسو ط وور ما ترالم يف َّ‬


‫الذالر من معارف ومعلومات‪ ،‬ويب عليها؛ لينشووأ معلومات ومعارف أخرق‪ ،‬بعدها‬

‫ختزن هذه املعارف؛ ل كون اماد أولية ملعارف وعلوم أخرق بعدها‪ ،‬ومن معاين العقل أنَّه قو ال وييز‪ ،‬وأنه‬

‫املعلومات املخزنة؛ لذا َيفد البعض لأيب حامد الغزايل يقول‪ :‬فالعقل منبأ العلم ومطلعه وأساسهف [‪ ،]6‬فهذا‬

‫على اع باره مرادفًا للقلل‪ ،‬و َّ‬


‫أن ما يف القلل من علوم تسوى عقالً؛ حي قال يف معاين العقل األربعة‪ :‬فقد‬

‫املدرك االعلوم ف [‪.]7‬‬


‫يمطلق ويراد ما مبطل اإلدراك؛ أي‪َ :‬‬

‫أما غالل ما جرق عليه العقل‪ ،‬فهو فقو إدراليةف‪ ،‬فال يكون لالا بنص القرآن؛ حي م لان صو و ووفة‬

‫مصدر‪ ،‬لكان‬
‫م‬ ‫لعت قا وة بنفسها وهي االقلل ‪ ،‬فالعقل قو القلل‪ ،‬فلو فرضنا ‪ -‬تنزيالً ‪ -‬أن لل اإلدراك‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪6‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫األوا أن يكون القلل هو مص و و و و و وودر املعرفة ا العقل؛ ألنَّه ص و و و و و ووفة للقلل‪ ،‬والفاعل هو القلل‪ ،‬لكن غلل‬

‫إطالب املعرفة القلبية على العاطفة والوجدان واملواعظ يف ااصطالح اةادًب‪.‬‬

‫وتفصو و و و و و وويل ذلث قول أيب حامد الغزايل‪ :‬اعلم َّ‬


‫أن لل العلم هو القلل‪ ،‬أع اللطيفة املدبر هويأ‬

‫اهوارح‪ ،‬وهي املطاعة املخدومة من مجيأ األع و و و و و و وواء‪ ...‬فالعا‪ ،‬عبار عن القلل الذي فيه ل مثال حقا ق‬

‫األ ووياء‪ ،‬واملعلوم عبار عن حقا ق األ ووياء‪ ،‬والعلم عبار عن حص ووول املثال يف املرآ ‪ ،‬فوص ووول مثال املعلوم‬

‫موجودا‪ ،‬و‪ ،‬يكن العلم حاصو و و و والً؛ ألن العلم‬


‫ً‬ ‫علوا‪ ،‬وقد لان" اةقيقة موجود ‪ ،‬والقلل‬
‫إا القلل يس و و و وووى ً‬
‫عبار عن وصول اةقيقة إا القللف[‪.]8‬‬

‫فاةقيقة دا مثال‪ ،‬واةقيقة هي ااملعلوم الكامن خار َج النفس العاملة‪ ،‬واةقيقة تن قل إا االعا‪،‬‬

‫اعلوا ‪ ،‬وان قادا ي م َع ْ َث نواقل تربط القلل الل العلم ابلعا‪،‬‬


‫وهو القلل‪ ،‬وصو و و و و و ووودا إا احملل يسو و و و و و وووى ً‬
‫ا ارجي عنه‪ ،‬وهي ااةوا ‪.‬‬

‫لوا َّبت الغزايل أن املعلوم هو فحقا ق األ و و ووياءف‪ ،‬واملعلوم هو املعارف واملعلومات واملدرلات‪ ،‬وإذا‬

‫قلنا مصو و وودر املعرفة؛ أي‪ :‬مصو و وودر املعلومات واملعارف‪ ،‬فوصو و وودر املعلوم هو مصو و وودر حقا ق األ و و ووياء‪ ،‬وهي‬
‫ِّ‬
‫الشيء‪ :‬الشيءم نفسه؛ فعنه تصدر حقيق ه ومثاله وصورته وماهي ه‪ ،‬وهو املؤثر‬ ‫األ ياء؛ أي‪ :‬مصدر حقيقة‬

‫واملنبه للطوا ‪.‬‬

‫فاةوا نواقل للوعارف‪ ،‬لوا َّبت الرازي وغريه‪ ،‬واملس و و و قبل ا بم َّد له من انقل ومصو و وودر‪ ،‬والناقل ا‬

‫بوود أن يكون بت أمرين‪ :‬من وإا‪ ،‬فووإذا لووان امل لقي هو القلوول الوول العلم أو العقوول‪ ،‬واالنوواقوول إا لوول‬

‫العلم هو اةوا ‪ ،‬فاهانل اآلخر الذي تَّصل به اةوا لز ًاما هو ااملصدر امل لَقَّى عنه عثها‪.‬‬
‫م‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪7‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫واةوا ا ت لقى إاَّ من االعا‪ ،‬ا ارجي ‪ ،‬فكان ااملصوودر األصوولي والر يس هو االعا‪ ،‬ا ارجي ‪،‬‬

‫وااملصوودر ال ابأ هو النفس املدرلة‪ ،‬وبصوويغة َّ‬


‫أدب ااملعرفة املُتالوة من بديهيَّات ولفوربات وخثات ُمزنة‬

‫ممُتالوة‪ ،‬ابلعقل َّ‬


‫ابلذالر ‪ ،‬يس و و و ووُتجعها العقل‪ ،‬ويطورها‪ ،‬ويسو و و و و نبط منها معارف أخرق‪ ،‬وهذه تكون عولية‬

‫ان قال املعلوم حنو لل العلم‪ ،‬ووصول املثال؛ أي‪ :‬حصول العلم‪.‬‬

‫أن أصو و و وولها األ ََّوِّ َّ‬


‫يل العا َ‪،‬م ا ارجي‪ ،‬ومصو و و وودرها الثاين‬ ‫وللها داخليَّة ا عالقةَ للعا‪ ،‬ا ارجي هبا‪َ ،‬غ ْ َري َّ‬

‫ااملعرفة املُتالوة داخل اةافظة أو الذالر ‪ ،‬فإذا اع ثان العقل هو القلل املدرك؛ أي‪َّ :‬‬
‫إن الذالر واةافظة‬

‫ابعا ‪ ،‬وإن اع ثان العقل قو إدرالية من قوق القلل اإلدرالية العد ؛‬


‫ودرا ً‬
‫من قوق العقل‪ ،‬لان العقل امص و و و و ً‬
‫مثله مثل اةافظة والذالر ‪ ،‬فاةافظة والذالر هي مص و و و وودر املعرفة ال ابأ‪ ،‬والقلل ا ُيلث معلومات أص و و و وولية‬

‫غري ما يف هذين املصدرين‪.‬‬

‫خالصة ما سبق‪ :‬امصدر املعرفة هو اةاوي ةقيقة األ ياء أو ماهي ها أو مثادا؛ أي‪ :‬هو األ ياء‬

‫مدرك‪،‬‬
‫املدرك ‪ ،‬فعندان نفس مدرلة‪ ،‬وعولية إدرالية‪ ،‬وموض و و وووع َ‬
‫عينها؛ أي‪ :‬مص و و وودر املعرفة هو ااملوض و و وووع َ‬
‫النفس املدرلة هي فلل العلمف القلل‪ ،‬والعلوية اإلدرالية هي فالعقلف‪ ،‬واإلدراك حص و و ووول العلم‪ ،‬واملوض و و وووع‬

‫وتطور ونش و ووأت عنه‬


‫املدرك هو العا‪ ،‬ا ارجي‪ ،‬أو ما يف اةافظة والذالر يفا نقل عن العا‪ ،‬ا ارجي أصو و والً‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫معارف وصور‪ ،‬قد ا يكون دا وجود ابلعا‪ ،‬ا ارجي‪.‬‬

‫هذه اإلطالةم يف بيان معا مص و ووطلع فمص و وودرف اق و وواها ما ص و ووادفنا وص و وودمنا من خلط بينه وبت‬

‫يقول البعض‪ :‬أن من مص ووادر املعرفة اةس‪ ،‬وهذا أمر عمجا ‪ ،‬ومن املص ووادر العقل‪،‬‬
‫الطرب والوس ووا ل‪ ،‬لأ ْن َ‬

‫فأين األدا والوسيلة وطريقة الوصول؟ وإن لان‪ ،‬فأين تفصيلهم وبيا م لذلث؟‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪8‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫َّأما إذا حاججنا نرفأ من ذلث‪ ،‬فاألمة قاطبة تم ِّ‬


‫قرر َّ‬
‫أن مصادر ال شريأ فالك ا والسنةف‪ ،‬هنا ننظر‬

‫بوجهة فإبسو و و وولوجيةف للوص و ووطلع‪ ،‬فقودم مص و ووادر يع أ َّ ا يمؤخذ العلم واملعرفة منها بواس و ووطة ال َّسو و وواع أو‬

‫القراء ؛ أي‪ :‬الس و و و وووأ أو البص و و و وور‪ ،‬والعقل دوره ال دبر وال ف لكر وال وييز لفهم املراد‪ ،‬وفهم ليفية تطبيقه؛ أي‪:‬‬

‫إ َّ م قسووووا العولية إا مصوودر‪ ،‬وعنه تصوودر املعارف والعلوم‪ ،‬وهو موضوووع العلم وحقيقة العلم‪ ،‬وانقل للعلم‬

‫القلل أو العقل‪ ،‬وهي ة حصووول املعلوم إا احملل‪ ،‬وهي العلم الذي‬


‫ومسو قبل وهو َلل اإلدراك م‬
‫وهي اةوا ‪ ،‬م‬
‫به يصبع الفرد مدرًلا‪.‬‬

‫فكيف يثر قودم‪ :‬مصدر عقلي‪ ،‬ومصدر حسي؟ وإن لان البعض اس دل ِّ‬
‫بكالم َمن سبق لعملواء‬

‫فورادهم اةافظة‬
‫العقل مصو و و و وودر للوعرفة‪ ،‬م‬
‫الكالم وغريهم لأيب حامد الغزايل وابن تيوية‪ ،‬فهؤاء إذا قالوا‪ :‬إن َ‬
‫ِّ‬
‫تعامالعم مأ هذه املص و ووطلطات‪ ،‬وهم ‪،‬‬ ‫الذالر ؛ أي‪ :‬املعلومات ااملص و وودر الثانوي ‪ ،‬وذلث ِّبت ملن ت بَّأ‬
‫أو َّ‬

‫علوا دون أن‬ ‫َّ‬


‫َ وض و و و و و ووا يف فنظرية املعرفةف لعلم ممس و و و و و و قل‪ ،‬فاةجة ا تقوم عليهم إَّنا على من أراد أن يقيم ً‬
‫وعدم ضبط لغة الفن َه ْد مم له‪.‬‬
‫ي بط مصطلطاته‪ ،‬م‬

‫عامل مأ مصووطلع فمصوودرف بنفس الدالة‬


‫وإذا رجعنا لك ل ال فسووري واألصووول والفقه واللغة َيفد ال َ‬
‫حال تصوونيفهم للعقل أنَّه من مصووادر املعرفة‪ ،‬وإيرادهم ملصووطلع فاملعرفة‬
‫اليت بوَيَّناها‪ ،‬حو عند علواء الكالم َ‬

‫ابعا؛ أي‪ :‬الُتالم املعريف ابةافظة‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬


‫مصدرا ً‬
‫ً‬ ‫العقليةف لوصدر‪ ،‬يريدون‬

‫الفرع الثاين‪ :‬تصنيف املصادر‬

‫مصادر املعرفة يف النِّظام املعريف القرآين مصدران م كامالن م آزران مها‪:‬‬

‫‪ - 1‬الوحي‪ :‬ااآلايت امل لو ‪ ،‬وسنة األنبياء‪ ،‬واللرؤاي‪ ،‬واإلدام‪ ،‬واةد ‪.‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪9‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫‪ - 2‬الكون‪ :‬ااآلايت املخلوقة‪ ،‬اآلفاب‪ ،‬األنفس‪ ،‬قصص األولت‪ ،‬أخبار ال اريخ واةاضر ‪.‬‬

‫وبيل بغريمها؛ قال بعض الباحثت‪:‬‬


‫وطرب ال س و و ووا املعرفة من لليهوا هي العقل واإلحس و و ووا ا س و و و َ‬
‫ودرا للوعرفة جنبًا‬
‫فومن هنا فإنَّنا مُنالف ما و وواع يف ل اابت عدد من علواء املس و وولوت من اع بار العقل مص و و ً‬
‫أن معارف الوحي ومعارف الكون ا يم وصل إليها إا بفعل ال ف لكر وال دبر وال عقل‪،‬‬
‫إا جنل الوحي‪ ،‬ذلث َّ‬

‫والعقل ليس ع و و وووا يف اإلنسو و ووان‪ ،‬بل هو طاقة وقدر وعول‪ ،‬و‪ ،‬يرد يف القرآن إا بصو و وويغة الفعل ا صو و و ِّ‬
‫ويغة‬ ‫ً‬
‫ااسمف‪.‬‬

‫ودرا للعلم‪ ،‬فوا الوسوويلةم اليت يس و خرج أو ي وصوول هبا إا العلم من هذا املصوودر؟‬
‫فلو لان العقل مصو ً‬
‫العقل ا و و ووث طاقة فعل اقو إدراليَّة ‪ ،‬ي وص و و وول هبا للوعرفة والعلم من مص و و وودريها األس و و وواس و و وويت‪ :‬الوحي‬

‫والكون‪ ،‬والوحي مُيثوول دا ر املعووارف اإلسو و و و و و ووالميووة‪ ،‬أ َّموا الكون فووإنووه ُيثوول املعجم واملخ ث الووذي وي على‬

‫مفردات هذه الدا ر ‪ ،‬فيقوم الباح امل علم ابلنظر يف مفردات هذا املعجم‪ ،‬مسو و و و و و ووُت و و و و و و و ًودا مبا جاء يف دا ر‬

‫املعارف‪ ،‬لوا أنَّه يس عت مبا يك شفه يف هذا املخ ث؛ على فهم ما يقرؤه يف دا ر املعارف‪ ،‬فالكون يف النظام‬

‫املعريف القرآين هو اهامعة املف وحة‪ ،‬وفيها أنواع من املخ ثات وال جار واملشاهدات ا حتصى[‪.]9‬‬

‫وهللا أمر ابلقراء ‪ ،‬وجعوول ال كليف ممنوواطًوا بوجود العقوول‪ ،‬وبلوغووه مرحلووة ال وييز‪ ،‬وتعقوول ا طووا ‪،‬‬

‫لل ما يقدر عليه اإلنسو و و و و و ووان‪ ،‬مأ ال زام املنهج الرابين يف توجيه ما يقرؤه‪ ،‬فكان له‬
‫وول َّ‬ ‫ِّ‬
‫واملقروء ‪ ،‬يمعْنه ليشو و و و و و و َ‬
‫لالم يطول‪ ،‬وأدلووة ا حتصو و و و و و وور‪،‬‬
‫الك ووا املسو و و و و و ووطور االوحي ‪ ،‬والك ووا املنظور االكون ‪ ،‬ويف بيووان ذلووث م‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اةَ لق‬ ‫َسنم ِّر ِّيه ْم آَ َايتنَا ِّيف ْاآلَفَاب َوِّيف أَنْو مفس ِّه ْم َح َّو يوََوبَ َّ َ‬
‫ت َدمْم أَنَّهم ْ‬ ‫فسنق صر على آية املة‪ ،‬وهي قوله تعاا‪:‬‬

‫[فصل"‪.]53 :‬‬ ‫ث أَنَّهم َعلَى مل ِّل َ ْيء َ ِّهي مد‬ ‫أَوَ‪ ،‬يك ِّ‬
‫ْف بَِّربِّ َ‬ ‫ََْ‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪10‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫عندان هنا مص و و ووطلطات معرفيَّة هي‪ :‬اللرؤية فس و و وونريهمف‪ ،‬فآايتناف العالمات املوض و و وووعة لالس و و و و دال‬

‫لووضو و وووع للوعرفة والعلم‪ ،‬فاآلفاب واألنفسف ميدان تواجد اآلايت؛ أي‪َ :‬لل املعلومات واملعارف امصو و وودر‬

‫املعرفة ‪ ،‬في َّبتف حصول العلم ابلنَّفس املدرلة‪ ،‬فاةقف بلوغ اليقت من حصول العلم‪.‬‬

‫قال الس ووعدي يف تفس ووري اآلية‪ :‬ففإ ْن قمل م أو ووكك م بص ووط ه وحقيق ه‪ ،‬فس وويقيم هللا لكم‪ ،‬ويريكم‬

‫من آايته يف اآلفاب‪ ،‬لاآلايت اليت يف الس و و و و ووواء ويف األرض‪ ،‬وما م دثه هللا تعاا من اةوادًب العظيوة الدالَّة‬

‫للوس و و بصو وور للطق‪ ،‬فويف أنفسو ووهمف يفا ا و و ول" عليه أبدا م م من بديأ آايت هللا‪ ،‬وعجا ل صو وونع ه‪ ،‬وابهر‬

‫[فص و وول"‪ ،]53 :‬أو‪ ،‬يكفهم أن القرآن حق ومن‬ ‫ث أَنَّهم َعلَى مل ِّل َ و و و ْيء َ و و و ِّهي مد‬ ‫أَوَ‪ ،‬يك ِّ‬
‫ْف بَِّربِّ َ‬ ‫قدرته؛‬
‫ََْ‬
‫جاء به صادبف[‪.]10‬‬

‫فاللرؤية هنا رؤية قلبية؛ أي‪ :‬عولية إدراليَّة‪ ،‬واآلايت لمغَةً‪ :‬هي العالمات الدالة الواضو و ووطة؛ أي‪ :‬هي‬

‫حقيقة األ و و و و و ووياء‪ ،‬واأل و و و و و ووياء هنا هي فاآلفاب واألنفسف‪ ،‬فعالمات اآلفاب واألنفس آاي معا وحقا قها؛ وهي‬

‫املعلومات املأخوذ منها‪ ،‬وفال لبتف هو حصووول العلم ابلنَّفس‪ ،‬بوصووول العلم إا لله القلل‪ ،‬والعلم هنا بل‬

‫وما ا ري والصووالح والصوودب‪ ،‬فوصوودر اةق أو مصوودر‬


‫درجةَ اليقت‪ ،‬فاةقف وهو أعلى من اةقيقة؛ لكونه د ً‬
‫بيان اةق هو آايت اآلفاب واألنفس‪ ،‬االكون ؛ أي‪ :‬العلم النابأ من الكون‪ ،‬فالكون مص و وودر للوعرفة والعلم‬

‫الذي اجج هللا تعاا به عباده‪ ،‬واةوا ت صو و و و و و وول اهة واحد ‪ ،‬وهي الكون‪ ،‬وتنقل ما ت لقاه إا العقل؛‬

‫لي بت ويس و و و و و وعل فيويز اةق من الباطل‪ ،‬وفاآلايتف هنا هي العالمات األوضو و و و ووع يف الدالة‪ ،‬فهي املعلوم‬

‫ا ايل من اللبس واإل كال وحقا ق األ ياء‪.‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪11‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫فالكون بذلث مص و و و وودر للعلم واملعرفة؛ ليوا يؤمن النا ابهلل وأنبيا ه ول به ويل زموا‪ ،‬وهؤاء درج هم‬

‫ث أَنَّهم َعلَى مل ِّل‬ ‫أَوَ‪ ،‬يك ِّ‬


‫ْف بَِّربِّ َ‬ ‫ودرا آخر هو االوحي ؛ لوا قال تعاا‪:‬‬
‫ََْ‬ ‫يف اإلُيان أدىن من الذين زادوا مصو و و و ً‬
‫[فصوول"‪]53 :‬؛ أي‪ :‬أو‪ ،‬يكفهم القرآن دليالً على وحدانية هللا وصوودب نبيه؟و والوحي هنا‬ ‫َ و ْيء َ و ِّهي مد‬

‫مص وودر ا طاقةَ ل نس ووان للوص ووول له ابةوا أو العقل؛ أي‪ :‬حتص وويله فوب قدر اإلنس ووان‪ ،‬فكان ا بم َّد من‬

‫واسطة تبلغه ابلوحي وهم األنبياء‪.‬‬

‫فاإلنسان لعاقل ليوا يؤمن ابهلل تعاا عمرض على عقله آايت َم لمَّو وآايت لونية‪ ،‬فكاان قسوت‪:‬‬

‫حال ورود ا طا اإلدي مبا يمطابق فطرته‪ ،‬وتدبَّر آايتِّه‪ ،‬ف بت له‬
‫األول‪ :‬آمن مبا فهوه من الوحي‪َ ،‬‬

‫اةق مبا فيه من حجج عقلية‪ ،‬واع ث مبا نبَّه عليه من موجودات يف عا‪ ،‬الشهاد ؛ ليقيسها على عا‪ ،‬الغيل‪،‬‬

‫الدليل‪ ،‬وأوجه ااس و و و و و و دال‪ ،‬ويص و و و و و وول مبا ربهر إا فهم ما خفي‪،‬‬
‫َ‬ ‫مَّ عوم األحكام‪ ،‬فقو عقله جعل ه يفهم‬

‫ويفقه دقا ق الكالم‪ ،‬فطصل عنده إعجاز فكري؛ أي‪َّ :‬‬


‫إن املعجز خاطب" قدرته العقلية‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬اح اج زايد ً على اةجج العقليَّة إا أمثلة مادية معاينة مشوواهد ‪ ،‬ومعجزات لسوووسووة؛ َّ‬
‫ألن‬

‫عقله ا يقدر على القيا وال عويم‪ ،‬واس و و و و و و و يعا ا طا وااع بار‪ ،‬فكان ا بم َّد أن يعاين األدلة؛ ليق نأ‬

‫بصدب ا طا أواً‪ ،‬يؤمن‪ ،‬ي بأ ويل زم‪.‬‬

‫وَيري العولية ذهنياا‪ ،‬أما‬


‫األعداد م‬
‫َ‬ ‫يعرض عليهوا عولية حس و و و و و ووابية‪ ،‬فاألول ي ص و و و و و ووور‬
‫ومثَولمهوا لون م‬
‫َ‬
‫الثوواين فيمعطَى قط ًعوا س و و و و و و ووووة لي صو و و و و و ووور األعوداد‪ ،‬لوأن يعطى ف‪5‬ف قِّطَأ؛ ف‪7‬ف قطأ‪ ،‬ويمطلوول منووه العوود‪،‬‬

‫معا‪ ،‬يعدها؛ ليسو و و و وعل أن ووعها ف‪12‬ف‪ ،‬وهذا ما يفعل مأ األطفال أول تعليوهم‬
‫فيجوعها ب و و وووها ً‬
‫اةسا ‪ ،‬تنوو قدراعم حي م يصبع العدد ي صور ذهنياا‪ ،‬دون اةاجة إا مثاله املادي‪.‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪12‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫حو النووا ت فوواوت عقودم يف فهم اةجووة‪ ،‬فهنوواك من يعي وجووهَ ااس و و و و و و و وودال من رد ذلر‬
‫بوول َّ‬

‫الدليل‪ ،‬ومنهم من َ اج إا ضر مثال واقأ فعالً؛ ليوا يعي الدليل‪ ،‬ف الً عن وجه ااس دال‪.‬‬

‫فالوحي خطا إدي لقوانت العقل وبديهيَّاته املفطور عليها‪ ،‬وعلومه النظرية ا تصادمه‪ ،‬فإن عجز‬

‫عن فهم حجية الوحي‪ ،‬أحيل إا مرحلة ما قبل البديهي وهي اإلحسو ووا ‪ ،‬والثاب" َّ‬
‫أن العلم النظري أ و وورف‬

‫من البديهي؛ لكون البديهي مشو و و و ووُتًلا بت العقول‪ ،‬وا ف و و و و وول ألحد على اآلخر فيه‪ ،‬بينوا النظري تثز فيه‬

‫القوودرات العقليووة‪ ،‬من حوود ذلوواء وقو حووافظووة ودقووة فهم‪ ،‬فك ووان خطووا الوحي للعلم النظري أرفأ من‬

‫الكون للعلم ال َّ و و و و و و وروري‪ ،‬فيكون املؤمن ابلوحي ب وودايو وةً أعلى درج ووة ايف قو العق وول من املؤمن‬ ‫خط ووا‬

‫ابملعجزات الكونيَّة أواً‪.‬‬

‫فالكون والوحي مُيثالن مص و و ودرين أصو و ووليَّت للوعرفة‪ ،‬يليهوا مصو و ووادر ابعة هي انتة عنهوا‪ ،‬مثل‬

‫وإما ا ارجي االعلوم املدونة واألخبار امل ناقلة ‪.‬‬


‫فالُتالم املعريفف إما الداخلي ابلذالر ‪َّ ،‬‬

‫فاألول‪ :‬يكون ابل ذ للر‪ ،‬والثاين‪ :‬ابل لقت‪َّ ،‬إما ابلقراء أو السواع‪ ،‬وأصلهوا املصدر األصلي‪.‬‬

‫واإلدوام وال طوديو واللرؤاي حو اةود إََّّنوا هي من ا طوا اإلدي؛ حيو إ َّ وا خوارجوة عن طواقوة‬

‫ااس و قبال؛ أي‪ :‬وسووا مل تَولَ ِّقي املعرفة ا تصو مول إليها‪ ،‬ولذا الوسوووسووة‪ ،‬وللها تدخل يف املعا اللغوي للوحي‪،‬‬

‫فهو يشول اإلدي واملال كي والشيطاين والنفسي‪ ،‬الذي ا يدري اإلنسان مصدره‪ ،‬وا يثب" عنده مبقدماته‪،‬‬

‫َّإَّنا َيده يف نفسه فقط‪.‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪13‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫وال صوونيف الثنا ي ينسوول إا بعض رموز مدرسووة اإسو ِّ‬


‫والميَّة املعرفة ؛ حي يصوورح رواد هذا ااتاه‬

‫نن الوحي والكون مها مصو و و و و و وودرا املعرفة اإلنسو و و و و و ووانية على حنو م كامل‪ ،‬وذلث منبثق من خالل منهجهم يف‬

‫اهوأ بت القراءتت‪ :‬قراء الوحي‪ ،‬وقراء الكون‪]11[.‬‬

‫صو و وة حالة عدم رجوعهم إا‬ ‫ِّ‬


‫دااعم ابلقرآن فيها نوع من ال طكم يف املعا‪ ،‬خا َّ‬ ‫َغ ْ َري َّ‬
‫أن بعض اسو و و‬

‫نن العقل والوحي مها مصدرا‬ ‫ِّ‬


‫عوااعم صل نوع من ااضطرا ‪ ،‬لأن يقال َّ‬ ‫أهل ال فسري‪ ،‬بل يف بعض اس‬

‫املعرفة امل كاملة وا تصادم بينهوا[‪.]12‬‬

‫إِّ َّن ِّيف َذلِّ ِّ ِّ‬ ‫فبع م و و وهم اس و و و َّ‬


‫دل على َّ‬
‫ث لَذ ْلَرق ل َو ْن َلا َن لَهم‬
‫َ‬ ‫ودر للوعرفة َايت منها‪:‬‬
‫أن النقل مص و و و م‬
‫السعِّ ِّري‬
‫َص َطا ِّ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الس ْو َأ َومه َو َ ِّهي مد‬
‫َوقَالموا لَ ْو ملنَّا نَ ْس َو مأ أ َْو نوَ ْعق مل َما ملنَّا ِّيف أ ْ‬ ‫[ب‪،]37 :‬‬ ‫ل أ َْو أَلْ َقى َّ‬
‫قَو ْل م‬
‫[امللث‪ ،]10 :‬ومحل السوووأ هنا على أنَّه االنقل ؛ أي‪ :‬الوحي[‪ ،]13‬ومعلوم َّ‬
‫أن اصووطالح االسوووأ أو‬

‫ااألدلة السوعيَّة على أ َّ ا النقل أو الوحي َّإَّنا هو اصطالح حادًب وليس ب مقرآين‪ ،‬والسوأ ليس إدرا ًلا‪َّ ،‬إَّنا‬

‫قودم األدلة الس و وووعية؛ أي‪ :‬الوارد عث الس و وووأ؛ أي‪ :‬ا طا اإلدي لالم ر العاملت‪ ،‬والكالم ا ينقل إا‬

‫العقل إا عث السوأ‪ ،‬وقودم ابلعقل لوقابل للسوأ؛ أي‪ :‬للوبادئ والعلوم احملصلة من غري الوحي‪ ،‬فالسوأ‬

‫طسة لطصوات أو األذن أو فهم األصوات؛ لذا يفد الزُمشري يعقل على من اس دل‬ ‫يف القرآن هو القو امل َّ‬
‫م‬
‫ب لث الطريقة يف زمانه‪ :‬وقيل‪َّ :‬إَّنا مجأ بت الس وووأ والعقل؛ ألن مدار ال كليف على أدلة الس وووأ والعقل‪...‬‬

‫أن املراد لان على مذهل أصووطا اةدي ‪ ،‬أو على مذهل أصووطا الرأي‪َّ ،‬‬
‫لأن هذه‬ ‫ومن بدع ال فاسووري َّ‬

‫لأن س ووا ر أص ووطا املذاهل وا هدين قد أنزل هللا وعيدهم‪ ،‬و َّ‬
‫لأن‬ ‫اآلية نزل" بعد ربهور هذين املذهبت‪ ،‬و َّ‬

‫من لان من هؤاء‪ ،‬فهو من الناجت ا لالة‪ ،‬وعد املبشو و و ورين من الص و و ووطابة عش و و وور ‪ ،‬ي و و ووم إليهم حادي‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪14‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫ووأ ابس و ووم هذين الفريقت[‪ ،]14‬فكثري من النا إذا أراد‬ ‫عش و وور‪َّ ،‬‬
‫لأن من ََيوز على الص و وراط ألثرهم ‪ ،‬يس و و ْ‬
‫نصو و و و و و وور فكرته أو مذهبه‪َ ،‬ح َّول مصو و و و و و ووطلطاته إا منطوقة م داولة قرآنياا‪ ،‬لكن بفهوه ا اص دا‪ ،‬ا ابلفهم‬

‫امل بووادر من القرآن منهووا‪ ،‬في عوواموول مأ املصو و و و و و ووطلع اةووادًب على أنووه اةقيقووة اللغويووة للفظ‪ ،‬واملراد من اللفظ‬

‫ابلقرآن يفهم بسياقه وةاقه‪ ،‬وأسبا نزوله وتفسري النيب ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬للقرآن له ولالم الصطابة‬

‫وال ابعت‪ ،‬وبلسان من أنزل عليهم القرآن‪ ،‬وا يفهم ابملصطلطات اةادثة‪.‬‬

‫بارا للق و و ووااي الرايض و و ويَّة اليت ا تدخل يف‬


‫ال صو و وونيف الثنا ي للوصو و ووادر رده البعض ننَّه ا يمعطي اع ً‬
‫الوحي‪ ،‬وا توودخوول يف نطوواب املوجودات يف ا ووارج‪ ،‬ولووذلووث ق و و و و و و ووااي اهوووال واألخالب‬
‫نطوواب ق و و و و و و ووااي َ‬
‫والقانون[‪ ،]15‬ففيه نظر‪ ،‬وذلث من أوجه‪:‬‬

‫‪ – 1‬هذه الق و و و و و ووااي بع و و و و و ووها من مص و و و و و ووادر ابعة‪ ،‬وهي اليت ِّترد عنها البديهيَّات وقوانت العقل‪،‬‬

‫فال قسيم الثنا ي يس وعبها يف مصادره ال ابعة‪.‬‬

‫‪َّ - 2‬أما اس دادم نن الرايضيات واألخالب والقانون ا تدخل يف لال املصدرين‪ ،‬ففيه خطأ ابل ‪.‬‬

‫فالرايض وويات مبنية على البديهيَّات والقوانت األولية‪ ،‬وهذه البديهيات ا تقوم دون اتص ووال ابلكون‪،‬‬

‫لوا بينَّا يف تفس و و ووري آية [النطل‪ ،]78 :‬فاإلنس و و ووان خلق خاليًا منها‪ ،‬وابتِّص و و وواله ابلكون عث اةوا نمقل له‬

‫ماهية الواحد وابقي األعداد‪ ،‬ونقل له العالقةم بينها‪ ،‬لأ ْن ينقل َّ‬
‫أن ف‪1‬فوف‪1‬ف يشووكالن ف‪2‬ف‪ ،‬فيجزم أن ف‪1‬ف‬

‫نصف ف‪2‬ف‪ ،‬وف‪2‬ف ضعف ف‪1‬ف‪ ،‬وهبذا ت شكل معارف تصبع بديهيات ب كرارها‪ ،‬قوانت بعد ال نظري دا؛‬

‫أل َّ ا عب ة ا ت غري‪ ،‬بعدها تنشأ منها معارف وقوانت منطقيَّة رايضية أخرق‪ ،‬لكن لو ‪ ،‬ي صل الطفل ابلكون‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪15‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫أواً‪ ،‬ن ْن فَو َق َد اةوا َّ ‪ ،‬هل لان ي ش و و و و و و وكل يف ذهنه القوانت واملبادئ األولية؟ هل لان يعرف َّ‬
‫أن الواحد مأ‬

‫مثله يمساوي اثنت؟ ابلطبأ ا‪ ،‬وهذا م وأ عليه‪.‬‬

‫اوُمالف لطد ؟‬ ‫األخالب فهذا و و ووطط من الباح ‪ ،‬فون أين تعلونا َّ‬
‫أن هذا الفعل اعيل م‬ ‫م‬ ‫َّأما‬

‫أليس من ااح كوواك ابلنوَّا ‪ ،‬وبووداي وةً من الوالوودين؟ وهووذا هو العووا‪ ،‬ا ووارجي فاألنفسف‪ ،‬ونع ثه جزءًا من‬

‫الكون‪ ،‬لوا َّ‬


‫أن هنالث مخلمًقا ا يكون له مصدره إا الوحي‪ ،‬فاإلسالم ومجيأ الرساات الرَّابنية جاءت لُتبية‬

‫النا ‪ ،‬وتص ووويل أفعادم‪ ،‬وتعليوهم األخالب اةس وونة‪ ،‬وبعض األخالب والقيم هي فِّطر يف األنفس‪ ،‬والعقل‬

‫يس و و وووى عقالً؛ ألنَّه غريز َمتنأ عن القبيع من األفعال وتلزم ابةس و و وون‪ ،‬وهذا عا‪ ،‬األنفس اجزء من الكون ‪،‬‬

‫ومذموما عند آخرين‪،‬‬


‫ً‬ ‫لبواب عند قوم‬
‫واهوال من الطبا أ وهي صو و و و و و ووفات لطنفس‪ ،‬ومن األخالب ما يكون ً‬
‫وفصل ا طا يف معيار ذلث هو الوحي‪.‬‬

‫ف طصل عندان ما جعل خار َج املصدرين هو منهوا أصالة‪ ،‬واملصادر ال ابعة مُيكن د ها ضون عا‪،‬‬

‫أجود يف بيان الوسا ل والطلرب واملصادر؛ حي األمر ابلنَّظر إا األنفس هو‬ ‫األنفس‪َ ،‬غ ْ َري َّ‬
‫أن الفصل يكون َ‬
‫من جهة دال ها املعرفية والعلوية لوصدر؛ أي‪ :‬موضوع ِّ‬
‫للدراسة وال أ لمل‪ ،‬واملصادر ال ابعة فيها هي حصيلة‬

‫وجود دا ابملصودرين األسواسويَّت بصوورعا ابملصودر ال ابأ‪ ،‬فون‬


‫معرفية ممُتالوة من املصوادر األصولية‪ ،‬لكن ا َ‬
‫األمور الناتة يف ِّ‬
‫الذهن ما ا وجود له ابألنفس وا ابآلفاب‪ ،‬لوا ا وجود دا ابلوحي‪ ،‬وهنا األنفس مبفهوم‬

‫اهسم والروح‪.‬‬

‫أما إذا أخذان معا النفس املدرلة‪ ،‬فالعقل والنفس ممشُتلان يف الدالة على يء واحد هو اللطيفة‬

‫املدرلة ابإلنسان‪ ،‬فريجأ بذلث املصدر العقلي إا مصدر األنفس؛ أي‪ :‬الكون‪.‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪16‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫ويمعرف العقل عند الكثري أ نَّه‪ :‬قو للنفس‪ ،‬هبا تس و و و و و و و عد للعلوم واإلدرالات‪ ،‬وأنه نور روحاين‪ ،‬به‬

‫العلوم ال و و و و و و وورورية والنظرية‪ ،‬واب داء وجوده عند اج نان الولد‪ ،‬ا يزال ينوو‪ ،‬وإا أن يكول‬
‫تدرك النفس َ‬
‫عند البلوغ[‪.]16‬‬

‫نفسا‬ ‫ِّ‬
‫فالنفس هي اليت هبا العقل وال وييز‪ ،‬فقيل‪ :‬العقل والنفس والذهن واحد‪ ،‬إا أن النفس مسي" ً‬
‫لكو ا م صرفة‪ ،‬وذهنًا لكو ا مس عد ل دراك‪ ،‬وعقالً لكو ا مدرلة‪.‬‬

‫ِّ‬
‫[البقر ‪ ،]235 :‬فاهلل هو العا‪،،‬‬ ‫اَّللَ يوَ ْعلَ مم َما ِّيف أَنْو مفس و و و و و مك ْم فَ ْ‬
‫اح َذ مروهم‬ ‫َن َّ‬‫َو ْاعلَ مووا أ َّ‬ ‫فقوله تعاا‪:‬‬

‫واملعلوم هو ما يف األنفس من اع قادات وإرادات؛ أي‪ :‬من إدرالات‪ ،‬فكان" النفس هي املوضو و و و و و وووع الذي‬

‫أخذ منه العلم؛ أي‪ :‬هي مص و و و وودر العلم الذي يعلوه هللا تعاا و الم به النا ‪ ،‬وهذا يف اآلية حتذير نن هللا‬

‫يعلم لوا نعلم حنن ما ننفسنا‪.‬‬

‫[فصل"‪ ]53 :‬قد يكون‬ ‫اب َوِّيف أَنْو مف ِّس ِّه ْم‬
‫سنم ِّر ِّيهم آَايتِّنَا ِّيف ْاآلَفَ ِّ‬
‫َ ْ َ‬ ‫وقوله تعاا يف اآلية السابقة‪:‬‬

‫داخل النفس‪ ،‬وهي القوانت العقلية واملبادئ األولية الفطرية‪ ،‬وهي بذلث حجة على من‬
‫ما ص وول من علوم َ‬
‫وقع" يف نفسو و ووه بعد ترالم املعرفة به‪ ،‬فعلوه ابلدَّليل‪ ،‬وفهوه لوجه ااس و و و دال آيةم بينة‪ ،‬ممبيِّنة له َّ‬
‫أن ما جاء‬

‫وذرا؛ فكووان العلم ل ال يكون للنووا حجووة‬


‫حق‪ ،‬فيكون ذلووث حجووة عليووه‪ ،‬واههوول قوود يكون عو ً‬
‫من عنوود هللا ٌّ‬

‫إرغاما‬
‫على هللا‪ ،‬فاملصودر املعريف الذي سوريق فيه اإلنسوان آايت هللا هو املعارف الكامنة فيه‪ ،‬واليت َيد منها ً‬
‫على اإلقرار بوحدانية هللا إا أن يد‪.‬‬

‫قطعا‪،‬‬ ‫من ذلث مُيكن القول‪َّ :‬‬


‫إن املصووادر ال ابعة عند من اصووطلع عليها مُيكن ضوووها إا األصوولية ً‬
‫داول‪ ،‬فالبعض ََيعل املصووادر ال ابعة أصوولية‪ ،‬فيزيد‬
‫وتقسوويونا للوصووادر إا أصوولية وابعة هو ممسوواير لكثر ال م‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪17‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫على املصو و و و وودرين ألثر‪ ،‬لكن ما خلصو و و و وونا له أ َّ ا قسو و و و ووم من املصو و و و وودرين ا قس و و و و ويم دوا‪ ،‬وذلث بدالة اللغة‬

‫واس عواات العلواء دا‪ ،‬وورودها يف القرآن هبذا املعا‪ ،‬فكان املصدران األصليان الوحي والكون‪ ،‬مصادر‬

‫هي ابعة دوا ضونياا‪ ،‬وسنفصل ذلث إن اء هللا‪.‬‬

‫املراجع‪:‬‬

‫[‪ ]1‬فنظرية املعرفةف‪ ،‬أمحد الدغشي‪ ،‬ص‪.197‬‬

‫[‪ ]2‬فالرؤية اإلس و و ووالمية ملص و و ووادر املعرفةف‪ ،‬رايض جنزريل‪ ،‬دار البش و و ووا ر‪ ،‬بريوت‪ ،‬طا‪،1994 ، 1‬‬

‫ص‪.7‬‬

‫[‪ ]3‬فنظرية املعرفة بت القرآن والفلسفةف‪ ،‬راجع الكردي‪ ،‬ص‪.520‬‬

‫[‪ ]4‬فنظرية املعرفة يف القرآن الكرميف‪ ،‬أمحد الدغشي‪ ،‬ص‪.197‬‬

‫أن الدل ور أمحد الدغشووي هو نفسووه ‪ ،‬ي ووبط املصووطلع؛ حي م مجأ املصووادر مأ الطلرب‪ ،‬فقال‬
‫غري َّ‬

‫هي‪ :‬فاألصووول اليت يس و قي منها الباح املسوولم معرف ه‪ ،‬واألدوات اليت ي عامل هبا مأ الظَّواهر املخ لفة فيوا‬

‫ص الوحي واةس والعقلف‪ ،‬فهو جعل األدوات من املص و ووادر‪ ،‬واملص و ووادر طرقًا‪ ،‬بل حال عرض و ووه ل ص و وونيف‬

‫األول‪ :‬مصو ووادر‪ ،‬والثاين‪ :‬طرب حتصو وويل املعرفة؛ أي‪ :‬أدواعا‪ ،‬والثال ‪ :‬ليفية ال سو ووا املعرفة؛‬
‫املصو ووادر لان َّ‬

‫أي‪ :‬مراتل وأصول العلم للنفس‪ ،‬مأ تبنِّيه لل صنيف الثاين‪.‬‬

‫[‪ ]5‬فمفاتيع الغيلف‪ ،‬الرازي‪ ،‬ج‪ ،12‬ص ا‪. 93 - 92‬‬

‫[‪ ]6‬فإحياء علوم الدينف‪ ،‬أبو حامد الغزايل‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.99‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪18‬‬


‫مصادر المعرفة في القرآن الكريم‬

‫[‪ ]7‬املرجأ نفسه‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.6‬‬

‫[‪ ]8‬املرجأ السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.13‬‬

‫[‪ ]9‬ف لة إسو ِّ‬


‫والميَّة املعرفة‪ :‬حول النظام املعريفف‪ ،‬لوود الر وودان‪ ،‬املعهد العايل للفكر اإلسووالمي‪،‬‬

‫وا نطن‪ ،‬العدد ا‪ ،1997 ، 10‬ص ا‪. 40 - 39‬‬

‫[‪ ]10‬فتيسري الكرمي الرمحنف‪ ،‬السعدي‪ ،‬ص‪.719‬‬

‫[‪ ]11‬فاهوأ بت القراءتتف‪ ،‬طه جابر العلواين‪ ،‬ص ‪.54‬‬

‫[‪ ]12‬فإسوالمية املعرفةف‪ ،‬املعهد العايل للفكر اإلسوالمي‪ ،‬م ع للفكر اإلسوالمي‪ ،‬فرجينيا‪ ،‬طا‪، 1‬‬

‫‪ ،1987‬ص ‪.110‬‬

‫[‪ ]13‬فنظرية املعرفة يف القرآن الكرميف‪ ،‬أمحد الدغشو و و و ووي‪ ،‬ص ‪ - 199‬نقالً عن‪ :‬مقالة يف املعرفة‪،‬‬

‫عدانن زرزور‪ ،‬ص ا‪. 93 - 93‬‬

‫[‪ ]14‬فالكشافف‪ ،‬الزُمشري‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.122‬‬

‫[‪ ]15‬فاإلس و و ووالم والعلم ال جرييبف‪ ،‬عبد هللا زروب‪ ،‬املرلز العاملي أل اًب اإلُيان‪ ،‬ا رطوم‪ ،‬طا‪، 1‬‬

‫‪ ،1992‬ص ا‪. 45 - 42‬‬

‫[‪ ]16‬فالكلياتف‪ ،‬الكفوي‪ ،‬ص ‪.617‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪19‬‬

You might also like