You are on page 1of 15

‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫املفاضلة بني السمع والبصر‬

‫د‪ .‬بليل عبدالكرمي‬

‫‪ 2012/4/11‬ميالدي ‪ 1433/5/19 -‬هجري‬

‫التفاضل بني السمع والبصر عند العلماء‪:‬‬


‫ُ‬ ‫أ‪-‬‬

‫السمع والبصر‪ ،‬أيهما أفضل‪ ،‬ففضَّل ابن‬


‫اختَ لَف ابن قُتَيبة[‪ ،]1‬وابن األنباري[‪ ]2‬يف َّ‬

‫احتج بقوله ‪ -‬تعاىل ‪َ ﴿ :-‬وِمْن ُه ْم َم ْن يَ ْستَ ِمعُو َن إِلَْي َ‬


‫ك‬ ‫السمع‪ ،‬ووافَ َقه طائفةٌ من العلماء‪ ،‬و َّ‬
‫َ‬ ‫قتيبة‬

‫ت ََتْ ِدي الْعُ ْم َي َولَ ْو َكانُوا‬


‫ك أَفَأَنْ َ‬
‫ِ‬
‫الص َّم َولَ ْو َكانُوا ََل يَ ْعقلُو َن * َوِمْن ُه ْم َم ْن يَْنظُُر إِلَْي َ‬
‫ت تُ ْس ِم ُع ُّ‬
‫أَفَأَنْ َ‬
‫هاب العقل‪ ،‬ومل يقر ْن‬ ‫ِ‬ ‫ََل ي ب ِ‬
‫فلما َقر َن ب َذهاب السمع َذ َ‬
‫ص ُرو َن ﴾ [يونس‪ ،]43 ،42 :‬قال‪َّ :‬‬ ‫ُْ‬
‫ذهاب البصر ‪ -‬كان دليالً على َّ‬
‫أن السمع أفضل‪.‬‬ ‫بذهاب النظَر إَل َ‬

‫اإلقبال واإلدابر؟‬
‫ُ‬ ‫وقال األنباري‪ :‬هبذا غلط‪ ،‬وكيف يكو ُن السمع أفضل‪ ،‬وابلبصر يكو ُن‬

‫عما ذكره ابن قُتَيبة‬


‫أجاب َّ‬
‫مجال الوجه‪ ،‬وبذهابه شينُه‪ ،‬و َ‬
‫وال ُقرب والنجاة‪ ،‬والبُعد من اهلالك‪ ،‬وبه ُ‬

‫إبصار‬ ‫َّ‬
‫أبن الذي نَفاه هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬مع السمع مبنزلة الذي نفاهُ عن البصر؛ إذ كأنَّه أراد َ‬
‫القلوب‪ ،‬ومل يرد إبصار العيون‪ ،‬والذي يبصره القلب هو الذي يعقله؛ ألهنا نزلت يف ٍ‬
‫قوم من‬ ‫ْ‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪1‬‬


‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫صحته مث يُك يِذبونه‪،‬‬


‫النب ‪ -‬صلَّى هللا عليه وسلَّم ‪ -‬فيَ ِقفون على َّ‬
‫كالم ِي‬
‫ِ‬
‫اليهود كانوا يستَمعون َ‬

‫ت تُ ْس ِم ُع ُّ‬
‫الص َّم ﴾؛ أي‪ :‬املعرضني ولو كانوا َل يعقلون‪ ،‬ومنهم من ينظر‬ ‫فأنزَل هللا فيهم‪ ﴿ :‬أَفَأَنْ َ‬
‫َ‬
‫البصر هنا؛ فقد أخرب يف قوله ‪ -‬تعاىل ‪﴿ :-‬‬
‫حجة يف تقدمي السمع على َ‬ ‫إليك بعني ٍ‬
‫نقص‪ ،‬وَل َّ‬

‫الس ِمي ِع ﴾ [هود‪.]3[]24 :‬‬ ‫ني َك ْاأل َْعمى و ْاألَص ِم والْب ِ‬


‫ص ِري َو َّ‬ ‫َ َ َي َ َ‬ ‫َمثَل الْ َف ِري َق ْ ِ‬
‫ُ‬

‫ال غاية السعادة ِمن مسع كالم هللا ومسع كالم رسوله‪،‬‬ ‫احتج ُم ِي‬
‫فضلو السمع َّ‬
‫أبن به ين ُ‬ ‫و َّ‬

‫يدرك احلاضر والغائب‪ ،‬واحملسوس واملعقول‪ ،‬فال نسبةَ‬ ‫فقالوا‪ :‬وبه حص ِ‬


‫لت العلوم النافعة‪ ،‬وبه ُ‬ ‫َ‬
‫علما من فاقد البصر‪ ،‬بل قد يكون فاقد‬
‫أقل ً‬
‫فاقده َّ‬
‫ملدرك البصر إىل مدرك السمع؛ وهلذا يكون ُ‬
‫فاقد السمع‪ ،‬فإنَّه مل يعهد من هذا اجلنس ِ‬
‫عاملٌ ألبتَّةَ‪.‬‬ ‫أحد العلماء الكبار‪ ،‬خبالف ِ‬
‫َُ‬ ‫البصر َ‬

‫لكن قال ُم ِي‬


‫فضلو البصر‪ :‬أفضل النَّعيم النظر إىل هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬وهذا يكون ابلبصر‪ ،‬كما‬

‫سمع؛ فإنَّه يقع فيه الغلط والكذب والوهم‪ ،‬فمدرك‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫يقبل الغلط‪ ،‬خبالف ما يُ َ‬
‫أن ما يراه البصر َل ُ‬
‫لشرفِه‬ ‫عجائب من ِي‬
‫حمل السمع؛ وذلك َ‬ ‫َ‬ ‫أن حملَّه أحسن‪ ،‬وأكمل‪ ،‬وأعظم‬
‫البصر َأَتُّ وأكمل‪ ،‬كما َّ‬

‫وفضله‪.‬‬

‫حيس األصوات‪،‬‬
‫ئي‪ ،‬والسمع َل‪ ،‬وإ ْن كان ُّ‬
‫قال ابن تيميَّة[‪ :]4‬البصر َيرى من ُمباشرة املر ِي‬
‫فاملقصود األعظم به معرفة الكالم‪ ،‬وما خيربُ به من العلم‪.‬‬
‫ُ‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪2‬‬


‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫أكمل‪ ،‬قال األكثرون‪" :‬فليس املخرب كاملعاين"*‪ .‬لكن السمع‬ ‫والتحقيق َّ‬
‫أن إدراك البصر ُ‬
‫أعم وأمشل‪ ،‬وهااتن‬
‫حيصل به من العلم أكثر ممَّا حيصل ابلبصر‪ ،‬فالبصر أقوى وأكمل‪ ،‬والسمع ُّ‬

‫ميتاز هبا اإلنسان عن البهائم؛ وهلذا يقر ُن هللا بينهما‬


‫احلاستان مها األصل يف العلم ابملعلومات اليت ُ‬
‫َّ‬

‫وبني الفؤاد‪.‬‬

‫ب‪ -‬اجلمع بني السمع والبصر يف ال ُقرآن الكرمي‪:‬‬

‫موضعا؛ منها‪ ﴿ :‬قُ ْل َم ْن يَ ْرُزقُ ُك ْم‬


‫ومجعا يف "‪ً "36‬‬
‫َورَد السمع والبصر يف ال ُقرآن ُمنفردين ً‬
‫الس ْم َع‬
‫ص َار ﴾ [يونس‪َ ﴿ ،]31 :‬و َج َع َل لَ ُك ُم َّ‬
‫الس ْم َع َو ْاألَبْ َ‬
‫ك َّ‬ ‫ِ‬ ‫الس َم ِاء َو ْاأل َْر ِ‬
‫ض أ ََّم ْن ميَْل ُ‬ ‫ِم َن َّ‬
‫اس كأدو ٍ‬ ‫ِ‬
‫ات للمعرفة‬ ‫ص َار َو ْاألَفْئ َد َة لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن ﴾ [النحل‪ ،]78 :‬فاحلديث عن احلو ِي‬
‫َو ْاألَبْ َ‬
‫ٍ‬
‫أسباب‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫جمموع ْني؛ وذاك لعدَّة‬
‫َ‬ ‫كان غالبًا على السمع والبصر‬

‫ِ‬
‫أهم أدوات اإلدراك اليت يرتتَّب عليها معرفة هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬كأعلى‬
‫‪ -1‬أهنما أدااتن من ي‬
‫أنواع املعرفة وموضوعاَتا[‪ ،]5‬وإدراك دَلئل اَلعتقاد َل يكون إَل هبما[‪.]6‬‬

‫يعرف بل َل‬
‫‪ -2‬أهنما الطريقان الرئيسان بني املعرفة والعقل‪ ،‬فهما الواسطة‪ ،‬ودوهنما َل ُ‬

‫يدرك اإلنسان شيئًا‪ ،‬وقد يستغين عن غريمها من احلواس؛ لذا قال ‪ -‬تعاىل ‪َ ﴿ :-‬وُه َو الَّ ِذي‬

‫ص َار َو ْاألَفْئِ َد َة ﴾ [املؤمنون‪ ،]78 :‬فهذه الثالث هي طرق العلم الرئيسة‪،‬‬ ‫أَنْ َشأَ لَ ُك ُم َّ‬
‫الس ْم َع َو ْاألَبْ َ‬
‫وأدواَتا األذن والعني والقلب‪.‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪3‬‬


‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫ِ‬
‫‪ -3‬فقدان احلاستني يُفقد العلم كلَّه؛ ً‬
‫كالما ولغة وقراءة‪ ،‬فال ُقدرة على الكالم وفهم اللغة‬

‫حيتاج إىل السمع؛ ليَعِي الدَلَلت الصوتية‪ ،‬بل قد يتعطَّل حىت عن تدبري حياته العضويَّة‪ ،‬فهما‬
‫ُ‬
‫َمدار احلياة احليوانيَّة‪ ،‬وكمال البشريَّة‪ ،‬وحتصيل العلوم األوليَّة هبما[‪.]7‬‬

‫مجعا إَل يف‬


‫مفردا‪ ،‬خالف البصر فقد ورد ً‬
‫‪ -4‬ورد السمع حال اقرتانه ابلبصر ً‬
‫ٌّ‬
‫ألن السمع مصدر‪ ،‬فهو دال على اجلنس املوجود يف مجيع حو ِي‬
‫اس الناس‪،‬‬ ‫(اإلسراء‪)36/‬؛ وذلك َّ‬

‫ٍ‬
‫خمصوص‪،‬‬ ‫توهم بص ٍر‬
‫نصا يف العموم؛ َلحتمال ُّ‬
‫مجعا ألنَّه اسم‪ ،‬فليس ًّ‬ ‫ِ‬
‫و َّأما األبصار فجيءَ به ً‬
‫أدل على قصد العموم‪ ،‬وأنفى َلحتمال العهد وحنوه[‪ ،]8‬خبالف قوله‪ ﴿ :‬إِ َّن‬
‫فكان اجلمع َّ‬

‫ألن املراد الواحد ِي‬


‫لكل‬ ‫صَر َوالْ ُف َؤ َاد ُك ُّل أُولَئِ َ‬
‫ك َكا َن َعْنهُ َم ْسئُ ًوَل ﴾ [اإلسراء‪]36 :‬؛ َّ‬ ‫الس ْم َع َوالْبَ َ‬
‫َّ‬

‫ك بِِه ِع ْل ٌم ﴾ [اإلسراء‪ ،]36 :‬وحيتمل أ ْن يكون ذلك َّ‬


‫ألن‬ ‫س لَ َ‬
‫ف َما لَْي َ‬
‫خماطب بقوله‪َ ﴿ :‬وََل تَ ْق ُ‬
‫توجه العني‬
‫يستقبل دون ُّ‬
‫ُ‬ ‫السمع يستقبل مجيع األصوات ابختالف جهاَتا‪ ،‬يف حني البصر َل‬

‫املوجه حنوها‪ ،‬على غري السمع؛ فيلتقط يف‬


‫حنو املبصر املراد[‪ ،]9‬فالبصر َل يدرك إَل الزاويةَ َّ‬

‫الزوااي كلِيها‪.‬‬

‫يدرك ِخالل الضوء والظُّلمة‪ ،‬ومع ُوجود احلواجز الفاصلة بني السامع وغريه‪،‬‬
‫‪ -5‬السمع ُ‬
‫إَل أ ْن تكون كامتةً‪ ،‬على عكس البصر َل يبصر إَل بوجود ٍ‬
‫ضوء ينعكس يف العني‪.‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪4‬‬


‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫ظ منه املنبه السمعي ويَلِيه البصري‪ ،‬فكان َّأول احلواس اشتغاَلً‬ ‫كما َّ‬
‫أن النائم َّأول ما يستيق ُ‬

‫وآخرها قبل النوم‪ ،‬وتر ُادفهما ُحي ِيق ُق أعلى مستوايت اَلستيعاب والتحصيل‪.‬‬
‫بعد النوم‪ِ ،‬‬
‫َ‬

‫ج‪ -‬أسباب تقدمي السمع على البصر يف ال ُقرآن الكرمي‪:‬‬

‫مقدما على البصر يف ال يِذكر كلَّما اقرتان‪،‬‬


‫دائما ً‬ ‫الحظ يف ال ُقرآن الكرمي َّ‬
‫أن السمع كان ً‬ ‫ما يُ َ‬
‫وهذا الرتتيب كان يف كتاب اإلعجاز اللغوي والبالغي؛ وهو ال ُقرآن‪ ،‬فال يكون إَل عن ِسيٍر‪ ،‬وهو‬

‫اجتم َع يف‬
‫كل املواضع اليت َ‬
‫أن هذا التقدمي مشل َّ‬ ‫قاعدة أفضليَّة املتق يِدم على الالحق‪َّ ،‬‬
‫خاصة َّ‬

‫السمع مع البصر‪ ،‬وهذه املالحظة هي إحدى أدلَّة القائلني أبفضليَّة َّ‬


‫السمع على البصر من‬

‫يستند إىل َدَلئل أخرى يف ال ُقرآن الكرمي والواقع؛ وهي‪:‬‬


‫الناحية املعرفيَّة‪ ،‬وهذا ُ‬

‫‪ -1‬اقرتن السمع ابلعقل يف غري ما آية‪ُ ،‬دون ِ‬


‫اقرتان البصر ابلعقل؛ مثل‪َ ﴿ :‬وقَالُوا لَ ْو ُكنَّا‬

‫السعِ ِري ﴾ [امللك‪َ ﴿ ،]10 :‬ونَطْبَ ُع َعلَى قُلُوهبِِ ْم فَ ُه ْم ََل‬ ‫َصح ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َّ‬ ‫نَ ْس َم ُع أ َْو نَ ْعق ُل َما ُكنَّا ِيف أ ْ َ‬
‫يَ ْس َمعُو َن ﴾ [األعراف‪.]100 :‬‬

‫اقرتن لفظ السميع ابلعليم‪ ،‬بينما اقرتن البصري ابخلبري ‪ -‬ليجتمعا يف العليم ‪ ﴿ :-‬إِنَّهُ‬
‫‪ََ -2‬‬
‫َكا َن بِعِب ِادهِ خبِريا ب ِ‬
‫ص ًريا ﴾ [اإلسراء‪َّ ،]30 :‬أما السمع والعلم‪َ ﴿ :‬ربَّنَا تَ َقبَّ ْل ِمنَّا إِن َ‬
‫َّك أَنْ َ‬
‫ت‬ ‫َ َ ًَ‬
‫الس ِميع الْعلِيم ﴾ [البقرة‪ ،]127 :‬يف حوايل "‪ "32‬آية‪ ،‬وهذا أكثر من ِ‬
‫اقرتان السمع مع البصر‬ ‫َّ ُ َ ُ‬
‫يف القرآن؛ فكان السمع أقرب للعلم معىن و َأَتَّ‪.‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪5‬‬


‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫‪ -3‬حاسة السمع دائمة العمل ُدون توقُّف‪ِ ،‬خبالف البصر فتتوقَّف إبغماض العني‪ ،‬وإن‬

‫كان املغمض مستيقظًا‪.‬‬

‫ضرب على آذاهنم‪ ،‬فكان ذلك َّ‬


‫أشد دَللةً على‬ ‫هلذا ذ َكر هللا عن أصحاب الكهف أنَّه َ‬
‫ني َع َد ًدا ﴾‬‫اَلستغراق يف النوم لتوقُّف أش يِد املنبِهات؛ ﴿ فَضرب نَا علَى آ َذاهنِِم ِيف الْ َكه ِ ِ ِ‬
‫ف سن َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ي‬
‫[الكهف‪.]10[]11 :‬‬

‫َّأما من ز ٍ‬
‫اوية معرفيَّة خالصة فاألفضليَّة كانت ألموٍر؛ منها‪:‬‬

‫احلجة على اخللق‪ ،‬فالبصر َل يكو ُن إَل حال عرض ِ‬


‫املعجزة ُدون‬ ‫أهم يف إقامة َّ‬
‫‪ -1‬السمع ُّ‬

‫أعم وأمشل للزمان واملكان‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫زمان من سيأيت‪َّ ،‬أما السمع فطري ُقه ُّ‬

‫سبب َلستِكمال العقل ابملعارف‪ ،‬والبصر َل يُوقفك إَل على‬


‫‪ -2‬قال الرازي‪ :‬السمع ٌ‬
‫احملسوسات[‪.]11‬‬

‫ينقل املعارف املاضية واألخبار اآلتية‪َّ ،‬أما البصر فينقل احلاضر املعاين؛ ﴿ أ ََوَملْ‬
‫‪ -3‬السمع ُ‬
‫ك َآلاي ٍ‬‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت أَفَ َال يَ ْس َمعُو َن *‬ ‫يَ ْهد َهلُْم َك ْم أ َْهلَكْنَا م ْن قَ ْبل ِه ْم م َن الْ ُق ُرون ميَْ ُشو َن ِيف َم َساكن ِه ْم إ َّن ِيف َذل َ َ‬
‫ِج بِِه َزْر ًعا ََتْ ُك ُل ِمْنهُ أَنْ َع ُام ُه ْم َوأَنْ ُف ُس ُه ْم أَفَ َال‬
‫اجلُُرِز فَنُ ْخر ُ‬
‫ض ْ‬ ‫وق الْ َماءَ إِ َىل ْاأل َْر ِ‬
‫أ ََوَملْ يََرْوا أ ََّان نَ ُس ُ‬
‫يب ِ‬
‫ص ُرو َن ﴾ [السجدة‪.]12[]27 ،26 :‬‬ ‫ُْ‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪6‬‬


‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫جيع ُل البصر انقالً للمعارف السابقة وغريها أكثر من‬ ‫ِ‬ ‫غري َّ‬
‫أن انتشار الكتابة والقراءة قد َ‬
‫مساعا‬
‫مساعا بل قراءة‪ ،‬ومع ذلك فأكثر األخبار واملعلومات تتناقل ً‬
‫ؤخذ ً‬‫السمع‪ ،‬فالتاريخ مل يع ْد يُ َ‬
‫بني الناس‪.‬‬

‫جهات استِقبالِه ُمتع يِددة‪ ،‬عكس البصر َل يكون إَل ابملقابلة‪.‬‬


‫ُ‬ ‫‪ -4‬السمع‬

‫وهنارا‪ ،‬ويف الظالم والنور‪ ،‬يف حني َّ‬


‫أن البصر َل يعمل إَل‬ ‫تشتغل ليالً ً‬
‫ُ‬ ‫‪ -5‬حاسة السمع‬

‫يف النهار والنور‪ ،‬ويف هذه امليزة قال ‪ -‬تعاىل ‪ ﴿ :-‬قُ ْل أ ََرأَيْتُ ْم إِ ْن َج َع َل َّ‬
‫اَّللُ َعلَْي ُك ُم اللَّْي َل َس ْرَم ًدا‬

‫ضيَ ٍاء أَفَ َال تَ ْس َمعُو َن * قُ ْل أ ََرأَيْتُ ْم إِ ْن َج َع َل َّ‬


‫اَّللُ َعلَْي ُك ُم‬ ‫اَّللِ َيْتِي ُكم بِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫إ َىل يَ ْوم الْقيَ َامة َم ْن إلَهٌ َغ ْريُ َّ َ ْ‬
‫اَّللِ َيْتِي ُكم بِلَي ٍل تَس ُكنُو َن فِ ِيه أَفَ َال تُب ِ‬
‫ص ُرو َن ﴾‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َّه َار َس ْرَم ًدا إ َىل يَ ْوم الْقيَ َامة َم ْن إلَهٌ َغ ْريُ َّ َ ْ ْ ْ‬
‫الن َ‬
‫[القصص‪ ،]72 ،71 :‬يف ذَهاب الضوء نُبِيهَ للسمع‪ ،‬وحال وجوده نُبِيهَ للبصر‪ ،‬والسمع ضمنًا‬

‫هو يشتغل ومتنبَّه معه‪.‬‬

‫مغمض العينني‪.‬‬
‫َ‬ ‫تستجيب من النائم حاسة السمع‪ ،‬وإن كان‬
‫ُ‬ ‫‪َّ -6‬أول حاسة‬

‫يفقد النطق؛ لعدم ال ُقدرة على التلقني‪ ،‬وإدراك املخارج والصفات‪ ،‬فيفقد‬
‫‪ -7‬فاقد السمع ُ‬

‫خاصيَّة املخاطبة‪.‬‬

‫د‪ -‬أسباب تقدمي البصر على السمع يف ال ُقرآن الكرمي‪:‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪7‬‬


‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫ورد البصر ُمتق يِد ًما على السمع يف مواضع‪ ،‬كان الغالب فيها الذم والتعطيل والعقاب؛ ففي‬

‫حاَلت املدح واملنَّة ‪ -‬كما سبق ‪ -‬قدم السمع‪َّ ،‬أما يف ما عاكسها فقدم البصر‪ ،‬وهذا َل ينفي‬

‫أفضليَّة السمع بل يُثبِتها‪.‬‬

‫واملواضع اليت قدم فيها البصر على السمع هي‪:‬‬

‫ص ُرو َن ِهبَا َوَهلُْم آ َذا ٌن ََل يَ ْس َمعُو َن ِهبَا ﴾‬


‫ني ََل ي ب ِ‬
‫‪ -1‬يف قوله ‪ -‬تعاىل ‪َ ﴿ :-‬وَهلُْم أ َْع ُ ٌ ُْ‬
‫مقام حتقري هلم؛ كما يف قوله ‪ -‬تعاىل ‪َ ﴿ :-‬ولََق ْد َذ َرأْ َان ِجلَ َهن ََّم‬
‫[األعراف‪ ،]179 :‬هنا كان املقام َ‬
‫ص ُرو َن ِهبَا َوَهلُْم آذَا ٌن ََل يَ ْس َمعُو َن‬
‫ني ََل ي ب ِ‬ ‫ِ‬
‫وب ََل يَ ْف َق ُهو َن هبَا َوَهلُْم أ َْع ُ ٌ ُْ‬ ‫اجلِ يِن و ِْ‬
‫اإلنْ ِ‬
‫س َهلُْم قُلُ ٌ‬
‫ِ ِ‬
‫َكث ًريا م َن ْ َ‬
‫ك ُه ُم الْغَافِلُو َن ﴾ [األعراف‪.]179 :‬‬
‫َض ُّل أُولَئِ َ‬ ‫ِهبَا أُولَئِ َ‬
‫ك َك ْاألَنْ َع ِام بَ ْل ُه ْم أ َ‬

‫ِ‬
‫ؤدي‬
‫أهم للحيواانت من السمع؛ ألنه َل يعدو أن يكون وسيلةً حلفظ احلياة‪ ،‬وَل يُ ي‬
‫والبصر ُّ‬

‫الكالم فيها عن ِ‬
‫تعطيل احلواس؛ لذا‬ ‫ُ‬ ‫ينتج عنه اهلدى‪ ،‬مث هذه اآلية‬
‫كلٌّ منهما الدور املعريف الذي ُ‬
‫كان تقدمي البصر‪.‬‬

‫الس ِمي ِع ﴾‬ ‫ني َك ْاأل َْعمى و ْاألَص ِم والْب ِ‬


‫ص ِري َو َّ‬ ‫َ َ َي َ َ‬ ‫جند يف قوله ‪ -‬تعاىل ‪َ ﴿ :-‬مثَل الْ َف ِري َق ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫‪ -2‬مثلها ُ‬

‫[هود‪ ،]24 :‬ف ُق يِدمت حاسة البصر املعطَّلة على حاسة السمع املعطَّلة‪.‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪8‬‬


‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫ص ًّما ﴾‬
‫ْما َو ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪ -3‬ويف موقف تعذيبهم‪َ ﴿ :‬وَْحن ُش ُرُه ْم يَ ْوَم الْقيَ َامة َعلَى ُو ُجوهه ْم عُ ْميًا َوبُك ً‬
‫حال‬ ‫أكرَم موض ٍع يف الوجه العينان‪ ،‬و َّ‬
‫أشد اإلهانة إبفقاد حاسة البصر َ‬ ‫أن َ‬‫[اإلسراء‪]97 :‬؛ ذاك َّ‬

‫احملاسبة‪.‬‬

‫‪ -4‬ويف قوله ‪ -‬تعاىل ‪ -‬عن ندم الكفار‪ ﴿ :‬أَبصرَان و َِمسعنا فَارِجعنا نَعمل ص ِ‬
‫احلًا إِ َّان‬ ‫ْ َ ْ َ َْ ْ َْ ْ َ ْ َ‬
‫ُموقِنُو َن ﴾ [السجدة‪]12 :‬؛ فاملعاينة ابلبصر أقوى من اخلرب املنقول‪ ،‬واملشاهدة آ َك ُد حجيَّةً‪.‬‬

‫ويبقى موضعان يف (األعراف‪ )195/‬و(املائدة‪ )71 /‬يدَلن نفس الدَللة‪ ،‬وهي التعطيل؛‬

‫َّإما بفقدان احلاسة أصالً لآلهلة‪ ،‬كما يف األعراف‪ ،‬فهي َل تبصر التعبُّد هلا‪ ،‬وَل عبادها أصالً‪.‬‬

‫قبل مساع الوحي‪ ،‬مث‬


‫شاه ُدوا املعجزات َ‬
‫لصدود بين إسرائيل كما يف املائدة‪ ،‬وذلك أبهنم َ‬
‫أو ُ‬
‫ُّ‬
‫صدوا كأ ْن مل يبصروا شيئًا‪.‬‬

‫أمهيَّة السمع والبصر معرفيًّا يف ال ُقرآن الكرمي‪:‬‬

‫ائد؛ منها‪:‬‬
‫نستخلص منه فو َ‬
‫ُ‬ ‫من تدبُّر مواضع ذكر احلواس يف ال ُقرآن الكرمي‬

‫تستحق الشُّكر‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫عربُ عن احلواس على أهنا من نِ َع ِم هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬اليت‬
‫‪ -1‬ال ُقرآن الكرمي يُ ِي‬
‫ِ‬
‫والعمل هبا إلدراك الغاية املرجوة هلا لآلخرة‪ ،‬وتعطيلها عن فهم الغاية من اخللق واَلستجابة ِي‬
‫للحق‬

‫جيعل صاحبَها يف مقام البهيمة؛ حواسها حلياَتا البيولوجيَّة وبقائها حيَّةً فقط‪.‬‬
‫ُ‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪9‬‬


‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫اقرت َن القلب‬
‫حدود فاصلة بني احلواس وغريها من وسائل املعرفة‪ ،‬فلقد َ‬
‫وض ْع ٌ‬
‫‪ -2‬مل تُ َ‬
‫ص ًارا‬
‫وطرق لتحصيل العلم؛ ﴿ َو َج َع ْلنَا َهلُْم مسَْ ًعا َوأَبْ َ‬
‫والفؤاد هبا على أهنا كلها وسائل للمعرفة ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َوأَفْئ َد ًة ﴾ [األحقاف‪ ،]26 :‬فلقد كمل ال ُقرآن اإلدراك احلسي إبدراك َ‬
‫آخر هو إدراك القلب‬

‫والفؤاد[‪.]13‬‬

‫‪ُ -3‬منِحت احلواس ثقةً يف ال ُقرآن الكرمي ينبغي لإلنسان أ ْن يوليها هلا[‪]14‬؛ حبيث تكون‬

‫َتمل املخلوقات من مساوات‪ ،‬وجنوم‪،‬‬


‫منطلق التفكري والتدبُّر‪ ،‬فالدعوة املستفيضة إىل ُّ‬
‫َ‬ ‫معطياَتا‬

‫دليل دامغ على الوثُوق‬


‫وهبَها هللا‪ ،‬إمنا هو ٌ‬
‫وكواكب‪ ،‬وأرض جبباهلا وحبارها‪ ،‬وخرياَتا‪ ،‬واألنفس مبا َ‬
‫التأمل حكمة منه‪.‬‬
‫للمتَأمل إىل مركز ُّ‬
‫التأمل؛ والناقل ُ‬
‫بوسيلة ُّ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض الفلسفات‬
‫لت ُ‬ ‫فال ُقرآن مل يُهم ِل احلواس اإلنسانيَّة‪ ،‬ومل يُش يكك فيها؛ مثلما َ‬
‫فع ْ‬
‫فع َل التجريبيُّون احلسيُّون‪.‬‬
‫فوق الوسائل األخرى؛ مثلما َ‬
‫العقليَّة‪ ،‬وكذلك مل يرفَ ِع ال ُقرآن احلواس َ‬

‫ِ‬
‫احلس يف‬ ‫ٍ‬
‫ملشكلة حقيقيَّة‪ ،‬ذلك َّ‬
‫أن معطيات ي‬ ‫يدع جماَلً‬
‫فاَلعتدال يف ال ُقرآن حنو احلواس مل ْ‬

‫وسائل اإلدراك األخرى‪ ،‬أو بعضها على األقل‪ ،‬وَل‬


‫ُ‬ ‫تعمل عليها‬
‫املادة األوىل اليت ُ‬
‫ال ُقرآن‪ ،‬هي َّ‬

‫علما ابلصراع‬
‫يدرك روعةَ وقيمةَ هذا احلل ال ُقرآين الواضح اليسري ملشكلة احلس إَل َمن أحا َط ً‬
‫أج َجه الفالسفة‪ ،‬من أنصار ومن ُمعانِدي أمهيَّة احلواس على السواء‪.‬‬
‫الذي َّ‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪10‬‬


‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫أصل املعرفة العقليَّة‬


‫أحد الطرق الثالثة لتحصيل املعرفة اإلنسانيَّة‪ ،‬بل هو ُ‬
‫فاحلس هو ُ‬

‫واخلربيَّة؛ فالعقل خاصيَّته اَلعتبار والقياس والتعميم؛ لذا َل بُ َّد أ ْن َ‬


‫يعتمد على املبادئ احلسيَّة‪،‬‬

‫ِ‬
‫ابحلس‪ ،‬فال‬ ‫وكذا اخلرب َل بُ َّد أ ْن يكون يف أصله ً‬
‫إخبارا عن قضااي حسيَّة‪ ،‬وما َل ميكن معرفته‬
‫ي‬
‫ٍ‬
‫وحمسوسة غري صحيح‪.‬‬ ‫وجود له ابخلارج‪ ،‬وتقسيم األمور اخلارجيَّة إىل معقو ٍلة‬

‫وجد إَل‬
‫يتصور وجوده يف احلس‪ ،‬هو ما َل يُ َ‬ ‫قال ابن تيميَّة‪َّ :‬‬
‫"إن املعقول الصرف الذي َل َّ‬

‫وجد إَل يف العقل‪ ،‬مل يكن يف اخلارج عن العقل"[‪.]15‬‬


‫يف العقل‪ ،‬وما َل يُ َ‬

‫جيوز إدراكها‪ ،‬حىت‬


‫أمور حسيَّةٌ‪ُ ،‬‬
‫وعذاب القرب ونعيمه بيَّنت الرسل أهنا ٌ‬
‫فأمور اجلنَّة والنار َ‬
‫ت "غيبًا"‬ ‫ِ‬
‫الروح وذات هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬ميكن رؤيتها ابألبصار‪ ،‬لكن لَ َّما كانت غائبة عنَّا ُمسييَ ْ‬

‫سم معقولةً مقابل احملسوسة[‪.]16‬‬


‫مقابل "الشهادة"‪ ،‬ومل تُ َّ‬

‫قسم املعلوم إىل عالَمني‪ :‬مشهود وغيب‪ ،‬واملشهود يف عا َمل الشهادة‪ ،‬كذلك‬
‫فال ُقرآن الكرمي َّ‬

‫مشهود وغيب نسب‪ ،‬هذه هي مصطلحات ال ُقرآن‪ ،‬ومل يَِرْد َّ‬


‫أن املعجزات‪ ،‬وعامل اجلنة‪ ،‬واجلان‪،‬‬

‫مغرض‪ ،‬وأصحابه سحبوا ذلك على‬ ‫ٍ‬


‫حمسوسة‪ ،‬بل هذا التقسيم‬ ‫واملالئكة؛ أهنا معقولةٌ غري‬
‫ٌ‬
‫ومعلوم بطال ُن‬
‫ٌ‬ ‫اقعا؛ لريهبوا ويرغبوا الناس‪،‬‬
‫تصوير اخليال و ً‬
‫َ‬ ‫حاولُوا‬ ‫النظرايت القائلة َّ‬
‫أبن األنبياء َ‬
‫هذا‪.‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪11‬‬


‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫ِ‬
‫فالعلم مبطابقة املقدَّر املوجود يف اخلارج‪ ،‬والعلم ابحلقائق اخلارجيَّة َل بُ َّد له من ي‬
‫احلس‬ ‫ُ‬
‫التعامل مع املعلومات‬
‫الباطن والظاهر‪ ،‬ورغم القول ابلتمايُز والفصل بني احلواس من حيث ُ‬
‫اآلخر يف املعرفة‬
‫يستقل عن َ‬
‫ُّ‬ ‫وتوظيفها‪ ،‬فإنَّه من الناحية املعرفيَّة هنالك تكامل؛ َّ‬
‫ألن أحدمها َل‬

‫وتلقي املعلومات‪.‬‬

‫حيتاج إىل املعلومات األوليَّة اليت يتلقَّاها عن احلس‪ ،‬واحلس يكتسبها من الواقع‪ ،‬وَل‬
‫فالعقل ُ‬
‫حيمل َل العقل وَل احلواس معلومات قبليَّة‪ ،‬فاحلواس هي وسائل العقل لالتيِصال اخلارجي‪ ،‬يقول‬

‫العامة اليت أفرادها موجودةٌ يف اخلارج‪ ،‬حيصل‬ ‫"فأما َّ‬


‫أن العقل الذي هو عقل األمور َّ‬ ‫ابن تيميَّة‪َّ :‬‬

‫رجع اإلنسان إىل نفسه يف مثل‪ :‬الواحد واَلثنني‪ ،‬واملستقيم‬ ‫بغ ِري احلس‪ ،‬فهذا َل َّ‬
‫يتصور‪ ،‬وإذا َ‬
‫فأما العلم‬
‫واملنحىن‪ ،‬والواجب واملمكن واملمتنع‪ ،‬وحنو ذلك ممَّا يفرضه هو ويقدره‪ ...‬لوجد ذلك‪َّ ،‬‬

‫مبطابقة ذلك املقدر للموجود يف اخلارج‪ ،‬والعلم ابحلقائق اخلارجيَّة‪ ،‬فال بُ َّد فيه من احلس الباطن‬

‫اجتم َع احلس مع العقل كاجتماع البصر والعقل أمكن أ ْن يُدرك احلقائق املوجودة‬
‫أو الظاهر‪ ،‬فإذا َ‬
‫املعينة‪ ،‬ويَعقل حكمها العام الذي يندر ُج فيها أمثاهلا َل أضدادها‪ ،‬ويعلم اجلمع والفرق‪ ،‬وهذا هو‬

‫بار العقل وقياسه"[‪.]17‬‬‫ِ‬


‫اعت ُ‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪12‬‬


‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫املراجع‪:‬‬

‫أئمة األدب‪ ،‬ولد ببغداد‬


‫[‪ ]1‬هو عبدهللا بن مسلم بن قتيبة الدينوري‪ ،‬أبو حممد‪ ،‬من َّ‬

‫‪213‬ه ‪ ،‬وتُ ِي‬


‫ويف ‪276‬ه ‪ ،‬من كتبه‪َ" :‬تويل خمتلف احلديث"‪" ،‬الشعر والشعراء"‪.‬‬

‫"األعالم"؛ الزركلي‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.137‬‬

‫[‪ ]2‬هو عبدالرمحن بن حممد بن عبيدهللا األنصاري‪ ،‬أبو الربكات كمال الدين األنباري‪،‬‬

‫من علماء األدب والتاريخ والرجال‪ ،‬ولد ببغداد ‪513‬ه ‪ ،‬وتُ ِي‬
‫ويف هبا ‪577‬ه ‪ ،‬له "نزهة األلباء يف‬

‫طبقات األدابء"‪" ،‬أسرار العربية"‪.‬‬

‫"األعالم"؛ الزركلي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص‪.32‬‬

‫[‪" ]3‬بدائع الفوائد"؛ ابن القيم‪ ،‬مج‪ ،2‬ج‪ ،3‬ص ‪.142‬‬

‫[‪" ]4‬الرد على املنطقيني"؛ ابن تيميَّة‪ ،‬ص ‪.81‬‬

‫ينقل مشافهةً‪،‬‬
‫وصف املرئيَّات‪ ،‬فالعلم غالبه قد ُ‬
‫َ‬ ‫مساعا‪ ،‬إذا استثنَ ْينا‬
‫* املعاينة قد حتصل ً‬
‫لكن فاقد السمع َل ميكنه معرفة اللغة‪ ،‬وَل فهم الكالم‪،‬‬ ‫وفاقد البصر قد يُ يِ‬
‫عوضه مسعه يف التلقني‪َّ ،‬‬

‫ابلسماع‪،‬‬ ‫عسريا‪ ،‬لكن نضيف لغة اإلشارة‪ ،‬فهذا يُ يِ‬


‫عوض عن التَّلقني َّ‬ ‫فكان هبذا حتصيله للعلوم ً‬
‫وجيتمع مع مت يكن األصم املبصر من ِ‬
‫القراءة‪ ،‬لكن أقل من السامع األعمى‪.‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪13‬‬


‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫[‪" ]5‬نظرية املعرفة بني القرآن والفلسفة"؛ راجح الكردي‪ ،‬ص ‪.552‬‬

‫[‪" ]6‬التحرير والتنوير"؛ ابن عاشور‪ ،‬ج‪ ،13‬ص ‪.232‬‬

‫[‪" ]7‬تفسري املنار"؛ رشيد رضا‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪.355‬‬

‫[‪ ]8‬املرجع نفسه‪ :‬ج‪ ،10‬ص ‪.156‬‬

‫[‪" ]9‬نظرية املعرفة يف القرآن الكرمي"؛ أمحد الدغشي‪ ،‬ص ‪.226‬‬

‫[‪" ]10‬القرآن وعلم النفس"؛ حممد عثمان خبايت‪ ،‬دار الشروق‪ :‬بريوت‪ .‬ط(‪،1993 ،)5‬‬

‫ص (‪.)127-126‬‬

‫[‪" ]11‬التفسري الكبري"؛ الرازي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.186‬‬

‫[‪" ]12‬نظرية املعرفة بني القراءة والفلسفة"؛ راجح الكردي‪ ،‬ص‪.554‬‬

‫[‪" ]13‬جتديد التفكري الديين يف اإلسالم"؛ حممد إقبال‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممود عباس‪ ،‬دار الرتمجة‪:‬‬

‫القاهرة‪ ،‬ط(‪ ،)2‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪.146‬‬

‫[‪َ" ]14‬تمالت حول وسائل اإلدراك يف القرآن الكرمي"؛ حممد الشرقاوي‪ ،‬ص ‪.12‬‬

‫[‪" ]15‬درء تعارض العقل والنقل"؛ ابن تيمية‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.134‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪14‬‬


‫المفاضلة بين السمع والبصر‬

‫[‪" ]16‬تكامل املنهج املعريف عند ابن تيمية"؛ إبراهيم عقيلي‪ ،‬املعهد العاملي للفكر‬

‫اإلسالمي‪ ،‬فرجينيا‪ ،‬ط(‪ ،1994 ،)1‬ص ‪.367‬‬

‫[‪" ]17‬نقض املنطق"؛ ابن تيمية‪ ،‬ص (‪.)203 -202‬‬

‫بليل عبد الكريم‬ ‫‪15‬‬

You might also like