Professional Documents
Culture Documents
-2-
بسم اهلل الرحمن الرحيم
للسالكي َن الطالبي َن كال َمرجع األساس ،ويَنهل منه أه ُل السلوك فينف ُع الن َ
اس
بإذن رب الناس.
-3-
الراوي حفظه اهلل ورعاه ،بــ« :أمْ لمْ
السيد مح َّمد وائل َّ وقد أسماها شي ُ
خنا َّ
ي ْع ِرفوا رسوله ْم» اقتباساً من اآلية الكريمة()1؛ فإنه سبحانه ما ذم مَن َجه َل
رسول َه ..إال ألن معرفتَه صلى اهللُ علَيه َ
وسل َم واجبة ،وكيف ال تكون كذلك؛
بالرسول ..جه ٌل بالم ِ
رسل ج َّل وع َّز؛ فإن الخل َق ما عرفوه سبحانه.. والجهل َّ
صلوات اهلل وسَّل ُمه عليهم أجمعين ،سواء بإخبارهم أو
ُ إال من باب ُر ُسله
أفعالهم أو أحوالهم.
َۡ َۡ َ ۡ ُ ْ َ ُ َُ ۡ َ ُ ۡ َُ ُ ُ َ
ﵝالم ۡؤمِنُون :ﵙﵖﵜ .
ونﵢ ُ ( )1قوله تعالى :ﵣأم لم يع ِرفوا رسولهم فهم لهۥ منكِر
-4-
شه ٗدا َو ُمبَ َِشراٗ َ ٓ َ ۡ َ ۡ َ َٰ َ
ك َ َِٰ وبجلوه بما َعلموه وشهدوه ،قال سبحانه :ﵣإِنا أرسلن
ْ َ َ
َونَذ ِٗيرا ٨ل ُِت ۡؤمِنُوا بِٱّللِ َو َر ُسولِهِۦ َو ُت َع َ ِز ُر ُوه َوتُ َوقَ ُِر ُوهﵢ َﵝالفتۡح :ﵘ -ﵙﵜ e
-5-
• لتعل َم قب َل قراءة أي كَّلم يَختص بالعارفي َن رضي اهلل عنهم أجمعين؛ بأن
لهم اصطَّلحاً مَنصوصاً ،وإدراكاً مَخصوصاً؛ فَّل يجوز ألحد اقتحامَ كلماتهم
بفهمه وال بإدراكه ..مالم يَعرف أصول َهم ال ُمح َك َمة ،ويَسلُك طري َقهم ويُحك َمه؛
ذلك ألن كلماتهم أذواق وإ ْن كتبوا بعضها في األوراق ،وليس من قوة األوراق
َ
تعطي إدرا َك األذواق ،إال بصحبتهم والتبرك بمحبتهم.
َ أ ْن
• قد علمَ الن ُ
اس من أهل الحق -قاصيهم ودانيهم -أن طري َق السادة
الصوفية ..محرر على الكتاب والسنة ،وأن كَّلمَهم وإن احتوى على الحقائق
خرج في ن ْفسه عن ُمعت َمد
العالية واألسرار الغالية ..نور في نور على نور ،ال يَ ُ
الشرع كما هو مَسطور.
-6-
أ َّما أهل التَّخليط الذين يتشبهون باألولياء ..فإنهم يحفظون ُجمَّلً من
كَّلمهم ،ويف َهمونها على حسب مَرامهم مُمتزجةً بأهوائهم ،ويَخلطونها
اس إلى الضَّلل ،ويَ ُمدو َن
بتعقَّلتهم و َسراب أفكارهم؛ فإنهم يَ ْد ُعو َن الن َ
أتباعَهم بالظَّلم َ
وشنيع الخصال.
واعلم أن لكَّلم أهل اهلل نوراً يُرش ُد الصادقين ،ويهدي ال ُمتَحيرين ،ويزي ُد
ال ُموقنين.
فَّل يكون الرج ُل ُمرشداً للسالكين من غير إذن ولو كان صالحاً في
نفسه؛ وإال فسيُضلهم من أقرب الطرق ،ويُغويهم بأيسر الكلمات.
-7-
قال سيدي اب ُن عطاء اهلل السكندري رضي اهلل عنه( :من أ ِذن له في التَّعبير..
ت في مسامع الخلق عبارته ،وجلِّي ْ
ت إليهم إشارته)(.)1 ف ِهم ْ
فكيف بغيرهم
َ قلت :وهذا الكَّل ُم في َمن هو من الذائقين غير ال َمأذوني َن،
ممن هو ليس بذائق أصَّل وم َع ذلك يتصد ُر لإلرشاد؟!
-8-
الفصل األ َّول:
ُ
والبحث في شؤونه صلى اهلل عليه وآله وسل َم؟! ل َم تتعي ُن معرفتُه
الوجه األول:
إن معرفةَ صفاته السنية ون ُعوته البهية السمية ..وسيلة إلى امتَّلء القلب
بتعظيم شريعته؛ ألن ُحرمةَ الكَّلم على ق ْدر ُحرمة ال ُمتكلم به ،وتعظي َم الشريعة
واحترا َمها ..وسيلة إلى العمل بها والوقوف عند حدودها ،واالرتباط ألمرها
ون َهيها ،وإيثارها على مألوفات النفس وعوائدها وشهواتها الشاغلة لها عن
مالكها وخالقها ،وذلك هو معنى االنقطاع إلى اهلل؛ الذي ألجله ُخلق األنسا ُن:
َ
ونﵞ نس إلَا ل َِي ۡعبُ ُ
د ت ٱلۡج َن َوٱلۡإ َ
ﵟو َما َخلَ ۡق ُ
َ
ﵝالذ ِاريَات :ﵖﵕﵜ. ِ ِ ِ ِ
وهو وسيلة إلى السعادة األبدية والسيادة السرمدية ،والفوز برضوان اهلل
تعالى؛ الذي هو غايةُ َرغبة الراغبين ،ونهايةُ آمال المؤملين وطلب الطالبين،
«اليوم أ ِح ُّل عليْك ْم ِر ْ
ضواني ،فال أ ْسخط عليْكم بعْده أبدا»(.)1
-9-
وهذا من فوائد تنويه اهلل تعالى بق ْدره وتعظيم شأنه وأمرهe؛ في غير ما
َ َ َ ۡ َ َ َ َ ُ َ َٰ َ َ
آية من كتابه العزيز ،قال موالنا جل شأن ُه :ﵟوِإذ أخذ ٱّلل مِيثق ٱلنبِيِـۧنﵞ ﵝال
ٓ
الوجه الثَّاني:
إن معرفتَها تتضمن معرفةَ ُحسنه وإحسانه صلى اهلل عليه وسلم ،وذلك
سباب ال َمحبة وإن تكاثرت ..فمدا ُرها على أمرين:
َ وسيلة إلى مَحبته؛ ألن أ
ح ْسن؛ كما إنها مجبولة
فوس مجبولة على ُحب ال ُ
َ ح ْسن واإلحسان؛ فإن الن
ال ُ
على ُحب ال ُمحسن إليها ،وال ُح ْس َن يُماث ُل حسنَه ،كما ال إحسا َن يُماثل إحسانه
ت.e صلَ ْ
ت ،وبطلعته َظ َه َر ْ إلينا؛ إذ كل خير وبركة -قلت أو جلت ..-منهُ َح َ
- 10 -
وصحبته؛ لحديث« :أنْت مع م ْن أ ْحببْت» و« :الم ْرء مع م ْن أح َّ
ب»( )2وقد ()1
ُ
ب أحد فأحبَّنِ ْي إِ َّال ح َّرم اهلل جسده على النَّا ِر»(.)3
قال« :ما ا ْختلط حبِّ ْي بِقلْ ِ
الوجه الثالث:
عي في معرفتها ..خدمة لجنابه صلى اهلل عليه وآله وسل َم ،وثناء
إن الس َ
عليه ،وتعلق به ،وتعظيم ل َق ْدره ،وتقرب وتودد ،واستعطاف وانتساب ،وتعرض
لسحائب إحسانه ،واستنزال لغزير بره
لنفحات فضل ال َممدوح ،واستمطار َ
وامتنانه ،ومد ليَد الفاقة واالضطرار ،وب َسط لبساط اإللحاح واإلكثار ،وفتح
المواهب
َ ألبواب خزائن ما يأتي من قبَله؛ فإن الكرامَ إذا مُدحوا ..أجزلوا
العباس ب َن مرداس لما مد َحهُ صلى اهلل عليه وسلم مائةً
َ والعطايا ،وقد أعطى
من اإلبل ،وخلَع ُحلتهُ على كعب بن زهير ل َما مدحهُ بقصيدته التي يقول فيها:
ِ
سيوف اهلل مسلول مهنَّ ٌد ِمن لسيف يستضاء به
ٌ إ َّن َّ
الرسول
وفي ذلك أيضا :تعرض لنفحات الرحمة اإللهية؛ ألنه إذا كانت رحمتُه
تعالى تتنزل عند ذكر الصالحي َن ..فما بالك بسيدهم وسندهم و ُممدهم صلى
اهلل عليه وآله وسلم؟!
- 11 -
وبالجمل ِة :فبأدنى انتساب إليه صلى اهلل عليه وآله وسلم ..يحصل غايةَ
النفع والشرف؛ إذ لم يخلق اهللُ تعالى خلقاً أكرمَ عليه من موالنا محمد صلى
اهلل عليه وآله وسلم ،ولم يَخلُق جاهاً أعظ َم من جاهه صلى اهلل عليه وسلم.
النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم ،ف َمن خ َدمَهُ على الصدق وال َمحبة والوفاء..
رقاب الجبابرة ،وأكرمه جمي ُع المؤمني َن؛ كما ترى ذلك في َمن كان
ُ دانت له
مُقرباً عند ملوك الدنيا ،وكما أن غَّلمَ الوالي ال يُتعرضُ له إكراماً للوالي..
فكذلك خدام النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم ال ت َتَعرضُ له ُم الزبانيَ ُة يو َم
()1
القيامة؛ إكراماً لرسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم.
( )1باختصار من «لواقح األنوار القدسية في بيان العهود المحمدية» (ج )438-437/1لسيدي الشعراني رضي اهلل
عنه.
( )2هو أبو عبد اهلل محمد بن عبد الرحمن بن ز ْكري :اإلمام العَّلمة الفقيه النبيه الفهامة المتفنن في العلوم الحامل
لواء المنثور والمنظوم .أخذ عن الشيخ عبد القادر الفاسي وانتفع به ،وأحمد بن العربي ابن الحاج ،وأبي عبد اهلل
←
- 12 -
مااااا َّد ِمناااااه لخا ِد ِم ْيااااا ِه ِلاااااواء وإذا ماااا الجنااااب كاااان عظيماااا
الوجه الرابع:
إن معرفةَ صفاته ..مُعينة على شهود ذاكره ل َذاته ،وفي ُرؤيته صلى اهلل عليه
وانظر إلى قوله
ْ وآله وسلم يَ َقظةً أو نوماً ..فوائ ُد عظيمة و َمزايا كثيرة ف َخيمة،
صلى اهلل عليه وآله وسلم« :إ َّن هلل عبادا م ْن نظر فِ ْي و ْج ِه أح ِد ِه ْم ن ْظرة س ِعد
سعادة ال ي ْشقى ب ْعدها أبدا»( ،)3وقوله« :هم القوم ال ي ْشق ْى جلِيْسه ْم»()4مع أنهم
ما نالوا ذلك ..إال بنوره ال ُمشرق عليهم ،ومدده الساري فيهم.e
محمد المسناوي ،وميارة الصغير ،وغيرهم .وعنه الشيخ محمد ُج ُسوس وغيره .له مؤلفات مفيدة وأجوبة عتيدة،
وكلها غاية في التحقيق .توفي سنة ( 1144هـ) [1731م] .انظر «شجرة النور الزكية في طبقات المالكية»
لمحمد مخلوف.
( )1أخرجه الطبراني في «األوسط» ( ) 235وغيره من حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما.
( )2لم أقف على هذه الرواية فيما بين يدي من كتب الحديث.
( )3لم أقف على هذا الحديث فيما بين يدي من كتب الحديث ،غير أن معناه صحيح تدل عليه عمومات األحاديث
الصحيحة ،كما في الحديث القدسي الصحيح الذي سيذكره« :هم القوم ال ي ْشق ْى جلِيْسه ْم».
( )4متفق عليه :البخاري ( ،)6408ومسلم ( )2689كَّلهما من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه.
- 13 -
الوجه الخامس:
إن في ذكرها وسماعها ..ت َنَعماً وت َلذذاً بحبيب القلوب وقُرة العيون صلى
ضرب م َن الوصال به ،وو ْجه من وجوه ال ُقرب منه
اهلل عليه وآله وسلم ،وهو ْ
واالجتماع به؛ لما فيه من إمتاع حاسة السمع واللسان بأوصاف المحبوب؛
ظر إليه بالبصر ..لم ي ُفت
فات الن ُ
الذي هو وسيلة إلى حضوره بالقلب ،فاذا َ
ظر إليه بالبَصيرة؛ كما قال بعضهم:
التمت ُع به بالسمع والن ُ
عن جيرتي شنِّ ِ
ف األسماع بالخب ِر الحي يخبرني
ِّ يا واردا ِم ْن أهيل
حدِّث فقد ناب سمعي اليوم عن بصري حديثهم راوي يا اهلل ناشدتك
ِ
الغوث سيدي أبي مدين نفعنا اهلل به: وللشيخ
ِ
ينْ ِع ْشنا األ ِحبَّ ِة ت ْذكار ِإ َّن أال حيا بِ ِذ ْكراكمْ إِذا لمْ نراكم
ون ْ
حن أيْق ٌ
اظ وفِ ْي النَّ ْو ِم إِ ْن ِغبْنا إِذا ن ْ قلوبنا تراها معانِيْك ْم فل ْوال
و ِ
لك َّن فِ ْي الم ْعن ْى معانِيْكم م ْعنا لمتْنا أسى ِم ْن ب ْع ِدكمْ وصبابة
- 14 -
ولذا قيل:
واألذْن تعشق قبل العي ِن أحيانا الحي عاشقةٌ
ِّ لبعض
ِ ذني
يا قوم أ ْ
الوجه السادس:
كر َمحاسنه صلى اهلل عليه وآله وسلم ..يُحر ُك ما في القلوب م َن
إن ذ َ
حب الساكن والشوق الكامن ،ويحصل من انشراح الصدر وتفريج القلب ما
ال ُ
يغيب ال ُمحب عند ذكر أوصاف المحبوب
ُ يناسب إجَّلءَ َ
تلك ال َمحاسن ،وقد
()1
انتهى النقل
( )1هذه األوجه الست من «الفوائد الجليلة البهية على الشمائل المح َّمدية» للعَّلمة المحقق المحدث الصوفي سيدي
محمد بن قاسم ج ُُسوس رضي اهلل عنه (ت 1182 :هـ) ،بتصرف يسير.
- 15 -
الفصل الثاني:
قال سيِّدنا العباس بن عبد الم َّطلب رضي اهلل عنه ،عم رسول اهلل صلى اهللُ
وسل َم ،وهو يمتدح رسو َل اهلل صلى اهللُ علَيْه َ
وسل َم ،مشيراً إلى النور علَيْه َ
حمدي األولي قب َل خلق جسده الشريف الزكي صلى اهللُ علَيْه َ
وسل َم: ال ُم َ
الورق ي ْ
خصف حيْث م ْست ْودع ِم ْن قبْلِها ِطبْت في ال ِّظ ِ
الل وفي
علق وال ضغةٌ
م ْ وال أنت بش ٌر ال ال ِبالد هب ْطت ث َّم
الغرق وأهْله ن ْسرا ألْجم وق ْد الس ِفيْن
َّ ت ْركب ن ْطفةٌ ب ْل
فِ ْي صلْ ِب ِه أنت ،كيْف ي ْ
حت ِرق؟! م ْكتتما الخلِ ِ
يل نار وردْت
طبق بدا عال ٌم مض ْى إِذا ر ِحم إلى صالِب ِم ْن تنْقل
النُّطق حتها
ت ْ علْياء ِخنْ ِدف ى بيْتك المهيْ ِمن ِم ْن
حتَّى ا ْحتو ْ
األفق بِنو ِرك ت
وضاء ْ اأ ْرض الا ت ْ
أشرق ِ ولِدْت ل َّما وأن ْت
()1 ن ْ
خت ِرق الرشا ِد
َّ وسبْل انو ِر، الضيا ِء وفِ ْي النْا
ِّ حن فِ ْي ذل ِك
فن ْ
- 16 -
أهل اهلل رضي اهلل عنهم على أن حقيقتَهُ صلى اهللُ علَيْه َ
وسلمَ.. أطبق ذوق ِ
مُبتَدأ الوجود ،وأن السيادةَ له على كل موجود ،وأنه خليفةُ اهلل على التحقيق؛
إذ هو البرز ُخ الجام ُع ل َط َرف َي الوجود وال َعدم ،والحدوث والقدم.
الغالب منها
ُ واستدلوا بالنصوص على هذا الش َرف ال َمخصوص ،لكن
ليس صريحاً في الداللة؛ إال ألهل األذواق أهل القلوب الصحيحة ،أو لذوي
العقول من أهل صفاء القريحة.
َ
استنبط م َن فهذا قاضي القضاة اإلما ُم تقي الدين السبكي رضي اهلل عنه..
النصوص -بقريحته الوقادة -أسبقيةَ حقيقته eوأن لهُ عز السيادة ،وذلك في
رسالته «التَّعظيم وال ِمنَّة» في شرح قول اهلل تعالى﴿ :لت ْؤ ِمن َّن بِ ِه ولتنْصرنَّه﴾()1؛
إذ قال فيها رحمه اهلل تعالى:
اس من
ختَص به الن ُ ويَ ُكو ُن قَولُهُ ﷺ« :ب ِعثْت إلى النَّ ِ
اس كافَّة»( ..)2ال يَ ْ
َز َمانه إلَى يوم القيامة؛ بل يتناو ُل َمن قبْل ُهم أيضاً.
- 17 -
وح
الر ِ
وسلمَ« :كنت نبِيًّا وآدم بين ُّ ك مَعنَى قَوله صلى اهللُ علَيه َ َويَتَبَي ُن ب َذل َ
ير نَبيًّا ..لم يَصل إلَى َه َذا المعنَى؛ َ
والجس ِد» َ ،وإن مَن فَس َرهُ بعلم اهلل بأنهُ َسيَص ُ
()1
ك ال َوقت ..ينبغي أَن يُف َه َم صف النبي صلى اهللُ علَيه َ
وسل َم بالنبُوة في ذَل َ َو َو ُ
قت؛ ولهذا َرأَى اس َمهُ آدمُ مَكتُوباً علَى العَرش:
ت له فِي ذلِك الو ِ منهُ أَنهُ أ ٌ
مر ثابِ ٌ
ك ال َوقت. حمد َر ُسو ُل اهلل)؛ ف َ ََّل بُد أَن يَ ُكو َن ذَل َ
ك َمعنًى ثَابتاً في ذَل َ ( ُم َ
( )1رواه أحمد ،والبخاري في «تاريخه» ،وأبو نُعيم في «الحلية» وصححه الحاكم .وأما ما اشتهر على األلسن بلفظ:
(كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين ) ..فقال شيخنا الحافظ أبو الخير السخاوي في كتابه «المقاصد الحسنة» :لم
نقف عليه بهذا اللفظ .انتهى من «المواهب اللدنية» (ص.)41-40
- 18 -
ك ال َق ْد َر الزائ َد؛ فَإن النبُوةَ َوصف َال بُد أَن يَ ُكو َن
فإن قلت :أُري ُد أَن أَف َهمَ ذَل َ
ف
وص ُ وصوفُ به مَو ُجوداًَ ،وإنما يَ ُكو ُن بَع َد بُلُوغ أَربَعي َن َسنَةً أَيضاً ،ف َ َك َ
يف يُ َ الم ُ
يرهُ َك َذل َ
ك! صح ذَل َ
ك ف َ َغ ُ إرساله؟ فَإ ْن َ
به قَب َل ُو ُجوده َوقَب َل َ
ح َقائ َق ..يُؤتي اهللُ ُكل َحقي َقة من َها َما يَ َشاءُ في ال َوقت الذي ثُم إن ت َ
لك ال َ
وسل َم قَد ت َ ُكو ُن من قَبْل َخلق آدَمَ آتَاهَا اهللُحقي َقةُ النبي صلى اهللُ علَيه َ يَ َشاءُ ،ف َ َ
ك ال َوقت صف؛ بأَن يَ ُكو َن َخلَ َق َها ُمتَ َهيئَةً ل َذل َ
كَ ،وأَف َ َ
اضهُ عَلَي َها من ذَل َ ك ال َو َ ذَل َ
َب اس َمهُ عَلَى العَرش َوأَخبَ َر عَنهُ بالر َسالَة؛ ليُعلمَ مَ ََّلئ َكتَهُ صا َر نَبيًّاَ ،و َكت َ فَ َ
ك ال َوقت ،فَإن تَأَخ َر َج َسده حقي َقتُهُ َمو ُجودَة من ذَل َيرهُمَ ..ك َرا َمتَهُ عن َدهُ ،ف َ ََو َغ َ
اضة عَلَيه من صافَ َحقي َقته باألوصاف الشري َفة الم َف َ الشريف المتصف ب َهاَ ،وات َ
()2 ضرة اإللهيةَ ..حاصل من ذَل َ
ك ال َوقت .انتهى ح َال َ
( )1الحديث فيه مقال ،وقال عنه العجلوني في «كشف الخفا» (ج( :)112/1ضعيف جد ًا) ،وقال ابن عبد البر في
«االستذكار»(ج )388/8في قوله تعالىَ { :وإذْ أ َ َخ َذ َرب َ
ك م ْن بَني آدَمَ م ْن ُظهُوره ْم ذُريتَ ُه ْم} :قال إسحاق [بن
راهويه]" :أجمع أه ُل العلم أنها األرواح قبل األجساد" اهـ.
(« )2التعظيم والمنة» (ص )88-85لإلمام تقي الدين السبكي رحمه اهلل.
- 19 -
وقال فيها أيضا رضي اهلل عنه:
قال :فَنُبُوت ُ ُه عَلَيهم َور َسالَتُ ُه إلَيهمَ ..معنًى َحاصل ل َ ُه صلى اهللُ علَيه َ
وسل َم.
وسل َم« :ب ِعثت إلى النَّاس كافَّة» ُكنا ن َ ُظن أَنهُ
أحدهما :قَولُهُ صلى اهللُ علَيه َ
من َزمَانه إلَى يَوم القيَامَة؛ فَبَا َن أَنهُ َجمي ُع الناس أَول ُ ُهم َوآخ ُرهُم.
وح
الر ِ
وسلمَ« :كنت نبِيًّا وآدم بين ُّ والثَّانِي :قَولُهُ صلى اهلل علَيه َ
والجس ِد»(ُ )1كنا ن َ ُظن أَنهُ بالعلم؛ فَبَا َن أَن ُه َزائد عَلَى ذَل َ
ك عَلَى َما
()2
َش َرحنَاهُ .انتهى باختصار
- 20 -
قلت :وإنما نقلنا هذا الكَّلمَ تأنيساً للضعفاء؛ فإن غالب النفوس ..ال تُسلم
لكَّلم العارفي َن مال َم تن ُظر في الدليل ،والحق أن إنشاء هذه الرسالة ..ليس لسرد
األدلة؛ وإنما -كما قدمنا -لنقل ما يقول ُه عرفاءُ هذه الملة لمن يبحث عن معاني
كلماتهم ،ويُ َسل ُم ألذواقهم وتحقيقاتهم؛ لك ْن قد يَعرض لنا في الكَّلم ما ليس
من أصل ال َمرام ،واهلل الموفق للتمام.
- 21 -
الفصل الثَّالث:
ومجمل ذلك :أن هيئتَهُ الصوريةَ الظاهرةَ الهيكليةَ ..أم لصور الكماالت
الحسية الوجودية العلوية والسفلية .وهيئتَ ُه المعنويةَ الباطنةَ -التي هي عبارة
عن أخَّلقه ..-هي أم لمعاني الكماالت المعنوية الوجودية العلوية والسفلية.
فكل كمال ت َشه ُدهُ بالمحسوسات ..فهو من فيض صورته الظاهرة ،وكل
كمال ت َعقلُهُ من المعنويات ..فهو من ف َيض معانيه الباطنة.
محسوسات
ُ فهو في المث ِلَ :معد ُن كماالت العال َم -باطنها وظاهرها-؛ ف
عقوالت العال َم ..تستمد من باطنه ،فهو َهيول َى
ُ العال َم ..تستَمد من ظاهره ،ومَ
فيض
ُ فيض ظاهره ،وعال َ ُم ال َغيب
ُ المعاني والصور الوجودية .فعال َ ُم الشهادة
()1
وغيب ال َغيب عبارة عن حقيقته صلى اهلل عليه وسلم .انتهى
ُ باطنه،
- 22 -
قلت :وسيأتي في أواخر هذه الرسالة عند الكَّلم عن صورته الحسية
وطينته القدسية eشرح وبَسط لهذا الكَّلم إن شاء اهلل تعالى(.)1
قال اإلمام العارف الكبير أبو عبد اهلل محمد الحكيم الترمذي رضي اهلل عنه
في «نوادر األصول»:
َوإن َما نَا َل ال ْ ُمؤْمنُو َن من معرفَة ُمحمد صلى اهلل عليه َوسلم ..على ق ْدر
معرفتهم باهلل وعلْمهم به؛ ف َ َمن صدق مُحمداً صلى اهلل عليه وسلم في
حبته على ق ْدر َمعْرفَته إياه َوعلْمه به.
ص ْ حبَةَ ..كا َن ص ْد ُ
ق ُ الص ْ
أوفرهم علماً بمحمد ،eوقَ ْدره، ُ قال :فأوفرهم ح َّظا ِمن نو ِر اهلل:
وجَّلل َته ،و َخطير منزل َته ،فأوفرهم علما به :أسر ُع ُهم إجاب َةً ل َدعوته ،وأب َذل ُ ُهم ل َهُ
()2
ن َ ْف َساً و َماالً .انتهى
- 23 -
خص عال َماً دو َن عال َم ،وال زماناً دون زمان ،فدل بهذا
فاهللُ سبحانه ل َم ي ُ
الفاتح
ُ َّلث جامعة للعوالم؛ إذ هو صلى اهللُ علَيه َ
وسل َم شآت الث ُ
فهذه الن ُ
ستفيض القاسم ،صلى اهلل على حقيقته العلية ،وروحه السنية
ُ الخاتم ،وال ُم
وصورته البهية ،وعلى آله وأصحابه ووارثيه وأتباعهم ب ُكرةً وعشية ،آمين.
قال اإلمام أبو عبد اهلل الحكيم الترمذي رضي اهلل عنه :الرسو ُل صلى اهلل
خلق؛ بمنزل َة األمير ال ُم َؤمر ،يُعطي اإلمارةَ والواليةَ
عليه وسلم ..مَبعوث إلى ال َ
( )1قال الهيثمي في«مجمع الزوائد»(ج : ) 257/8رواه البزار ،والطبراني في «الصغير» و«األوسط» ورجال البزار
رجال الصحيح .اهـ.
( )2أي الليل.
- 24 -
جبُ ُر ح ْو ُطها عن الش ُذوذ ،ويَلْ َ
ح ُق ُشذاذَها ،ويَ ْ ويحر ُسها من السباع ،ويَ ُ
ُ ال َوبيئةَ،
سيرها ،ويُداوي مَريضها ،ويَجم ُع ر ْسلَها م َن األلبان والصوف ل َرب ال َغنَم.َك َ
قال :فكل َراع مَؤنتُهُ على قَ ْدر َغنَمه ،وكل أمير مَؤنتُهُ على قَ ْدر َرعيته.
( )1أخرجه اإلمام أحمد ( )14485من حديث جابر رضي اهلل عنه.
- 25 -
ثم قال رضي اهلل عنه :ول َما أ ُعط َي الرسالةَ إلى الكافة ..أ ُعط َي م َن ال ُكنوز
تي م َن الحك َمة وجواهرها ُكلها. ُ
مقدا َر الكفايَة للجميع ،وأ ْو َ
إلى أن قال :ف َمن َعم َي قلبُهُ عن اهلل ول َ ْم يَ ُك ْن في قلبه ن ُو ُر الهدايَة ..ل َ ْم يُبْص ْر
شخص ُه و ُجثتَ ُه!
َ آثا َر النبوة على محمد صلى اهلل عليه وسلم؛ وإنما يُبْص ُر من ُه
َ ُ َ َ َ ُ َ َ
قال تعالى :ﵟت َرى َٰ ُه ۡم يَنظ ُرون إِل ۡيك َوه ۡم لا ُي ۡب ِ
ص ُرون ١٩٨ﵞ ﵝالأَ ۡع َراف :ﵘﵙﵑﵜ.
ومَ ْن هداهُ اهللُ تعالى لنُوره فان َفتَ َح عي ُن قلبه بذلك واستقرت المعرف َةُ في
()1
ص النبوة بارزاً .انتهى أبص َر منه َش ْ
خ َ قلبهَ ..
(« )1نوادر األصول» ( )149-146/2للحكيم الترمذي رضي اهلل عنه ،وقد نقلته ملخصاً.
(« )2الشفا بتعريف حقوق المصطفى» (ص.)16
- 26 -
وقال َّ
الشيخ سيِّدي أبو العباس المرسي رضي اهلل عنه :جمي ُع األنبياء ُخلقوا
وقال بعض العارفين رضي اهلل عنهم :ل َما كان ُخلُ ُقهُ أعظمَ ُخلُق ..ب َعثَهُ اهللُ
إلى جميع العال َمين ،و ُخلُ ُقهُ صلى اهللُ علَيه َ
وسل َم ..لم يكن باكتساب؛ وإنما
في فنون ،عمل «تفسير القرآن» ،وكتاب «شعب اإليمان» ،وكتاب «المسائل واألجوبة» وأشياء ،كان صاحب زهد
وتبتل .انظر «سير أعَّلم النبَّلء» (ج.)420/21
(« )3شعب اإليمان» (ص )487للعارف عبد الجليل القصري رضي اهلل عنه.
- 27 -
كان في أصل خلقته بالجود اإللهي واإلمداد الرحماني الذي لم تزل ت ُشر ُ
ق
()1
أنوا ُره في قلبه إلى أ ْن وص َل ألعظم غاية وأتم نهاية .انتهى
(« )1األنوار القدسية في شرح القصيدة الهمزية» (ص )140-141لسيدي ابن عجيبة رضي اهلل عنه.
- 28 -
الرابع:
الفصل َّ
( )1محمد عثمان بن محمد بن أبي بكر بن عبد اهلل الميرغني المحجوب الحنفي الحسيني (ت1268 :هـ) :مفسر،
ولد بالطائف ،وتعلم بمكة ،وتصوف ونشر الطريقة الميرغنية في الحجاز .وانتقل إلى مصر فدخل منفلوط
وأسيوط ،ثم قصد السودان فأكرمه أهلها وأخذوا عنه الطريقة الميرغنية .وتوفي بالطائف .من آثاره «تاج التفاسير
لكَّلم الملك الكبير» .انظر «معجم المفسرين من صدر اإلسَّلم وحتى العصر الحاضر» (ج )574/2لعادل
نويهض.
- 29 -
فوصف العج ِز
ْ أ ْن تكو َن إال من وراء ما هنالك؛ ذلك ،وجل ْت أوصاف ُهe
والتَّقصير ..ع َّم الجليل والحقير ،وهو حقيقةُ اإلدراك والعرفان عند العارفين
ذوي الشأن؛ ولذا قال أفضلُهم على التحقيق سي ُدنا أبو بكر الصديق به" :العجز
()1
اإلدراك ..إدرا ٌك" .انتهى
ِ عن د ْر ِك
هيكلُه الظ ُ
اهر لنا أصل كل كمال حس ٍّي ظاهر ،ومعناهُ الباط ُن أصل كل كمال
الظاهر من ف َيض صورته الظاهرة ،والباط ُن عن فيض
ُ غيبي باطن ،وكان الكما ُل
ٍّ
معانيه الباطنة ..عجز الواصفو َن عن وصف صفة من صفاته على الكمال،
وأقروا بعدم ال َمعرفة له من مَعرفته بما هو عليه من الجَّلل والجمال.
ُّ
وألنه جامع لمحاسن األخَّلق -ال على وصف التقاييد؛ بل على وصف
اإلطَّلق ،ولم تكن أخَّلقُه كسبيةً؛ بل جبليةً ضروريةً ..-فما ات َ
صف متصف
- 30 -
بصفة كمال على الكمال كاتصافه ،وال اغترفَ مُغترف من بحر المعرفة
كاغترافه ،فكل صفة من صفاته ..خصها اإللهُ بالوسع اإللهي؛ فَّل تدخ ُل تحت
قيد حصر وال ت َناهي.
ول َما تخل َق باسمه تعالى الواسع ..وس َع العال َمين كله ذاتاً و ُخلُقاً ،وأد َرك
أسرا َر الكائنات على التفصيل حقاً وطبْقاً.
قال سيِّدي مح َّمد البكري قدس اهلل سره( ،)1في «صلواته النبوية»:
( )1هو :سيدي العارف محمد بن أبي الحسن محمد بن محمد بن عبد الرحمن البَ ْكري الصدّيقي(ت 994 :هـ) ،أبو
المكارم شمس الدين ،ينتهي نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي اهلل عنه ،قال سيدي عبد الوهاب الشعراني في
«طبقاته الصغرى» (ص( :) 105فهو بكري بيقين ،وأبو بكر ال يفارق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كما ال
ص ،ومن كان من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من منزلة ..ال تحصى مناقبه) انتهى
يفارق الظل الشاخ َ
( )2في النسخة المطبوعة من «الصلوات البكرية»( :ال ُمجيد) بدل( :الجاد).
- 31 -
وأنشد البوصيري في «البردة» قوله:
وأن َّاه خ ايْ ار خ الْ ا ِق اهللِ ك الِّ ا ِه ا ِم الاعالام ِفايْا ِه أن َّاه بشااا ٌر
فاما ْبالاغ ِ
أي :غايةُ علم الخَّلئق فيه ما ذُك َر ،وث َم ما التص ُل إليه أفها ُمهم ،وال تتعل ُق
السيد مح َّمد جعفر الكتاني رضي اهلل عنه في كتابه «جالء القلوب»:
وقال َّ
والمعبِّرون عنها -وإ ْن عبروا وأطنَبوا ..-فما أعربوا عنها وال قاربوا؛
لقصور العبارات ُكلها في جميع اللغات عن الوفاء بما هنالك.
( )1انتهى كَّلم سيدي مصطفى البكري رضي اهلل عنه من «الروضات العرشية في الكَّلم على الصلوات المشيشية»
كما نقله بطوله العَّلمة محمد جعفر الكتاني في «جَّلء القلوب» (ج )159-157/2رضي اهلل عنهما.
- 32 -
والمعدِّودون لكماالت ِه وصفات ِه ..ل َمْ يبلُغوا ُع ْش َر المعشار من ُع ْشرها؛ لعدم
إحاطتهم بها ،وعدم انتهائها حقيقةً.
وغاية ما حصل للك ِّل :كغاية ما يحصل ل َمن ينظر إلى النجوم في السماء،
أو يراها في الماء ،فإن ُه إنما يدر ُك شيئاً من ص َورها الحاكية لمباديها دون
حقائقها ،ودون ما هي عليه من الكبَر واالتساع ،ودون ما فيها من الضوء ال َمالِئ
لألصقاع!
()1
انتهى كَّلمُ سيدي محمد بن جعفر الكتاني رضي اهلل عنه
- 33 -
()1
في حاشيته على الشفا «المنهل وقال اب ُن التلمساني رضي اهلل عنه
س الحاجة إليه ِمن ألفاظ ِّ
الشفا»: األصفى في شرح ما تم ُّ
لم يقدر أحد على وصفه حقيقةً ،وما َو َردَ في وصف ابن أبي هالةَ له ..إنما
هو على جهة التمثيل تقريباً للسامع ،وإال ف َ ُكل وصف يُعَب ُر به الواص ُ
ف في حقه
وسل َم ..فهو خارج عن ص َفته ،وال يَعل ُم حسنَه وجمالَه إال خال َقهُ
صلى اهللُ علَيه َ
()2
تعالى .انتهى
( )1هو محمد بن علي بن أبي الشرف الحسيني التلمساني(ت921:هـ) ،قال عنه صاحب «شجرة النور الزكية في
طبقات المالكية»( :اإلمام المتفنن العَّلمة العمدة المحقق الفهّامة).
(« )2جَّلء القلوب» (ج.)156/2
- 34 -
الفصل الخامس:
- 35 -
وليست تُنال ال َعي ُن في غير مَظهر
()1 َ
هلك اإلنسان من شدة الحرص ولو
وال يو َجد محل جامع لظهور األسماء والصفات ..أرف َع وأجل من حقيقة
وعز توقيفيّاً ،أي :ال يصح إال بتوقيف من الشارع صلى اهللُ علَيه َ
وسل َم.
ومعنى مشاهدة الح ِّق في ِمرآته صلَّى اهلل علي ِه وسلَّم :هو ما ذكرناه من
أنهﷺ ال َمحل األوح ُد الذي تخلق بسائر األسماء والصفات؛ وهو معنى
كونهﷺ َمظهراً للذات ،أو ما يُطلَق عليه بـ :نور ال َّذات .هذا معنى الخَّلفة،
- 36 -
خليفة بصورة مَن استخل َفه ،ونعني أنه يكون متحققاً ومتخلقاً
حيث إنها ظهو ُر ال َ
بأسماء وصفات اهلل جل وعز.
وص ٌل:
( )1حكمة عطائية انظر شرحها عند سيدي ابن عباد في «التنبيه» (ص.)587
- 37 -
َ َ ۡ َ َ ۡ ﵣو َما َخلَ ۡق ُ
ت ٱل ِجن وٱل ِإنس إِلا َظ َهر بها الحق لخلقه حتى عرفوهَ :
َ َ
ُُۡ
ل َِيعبد ِ
ون ٥٦ﵢ
َ
ﵝالذ ِاريَات :ﵖﵕﵜ أي :يَعرفون.
َ َ َ َ َََ ُ ُ
وسلمَ :ﵣوِإنك لعل َٰى خل ٍق ع ِظ ٖ
يم ٤ﵢ قال اهللُ سبحانه لنبيه صلى اهللُ علَيه َ
ﵝالقلَم :ﵔﵜ.
َ
قال سيِّدي العارف المح ِّقق عبد الكريم الجيلي رضي اهلل عنه :والخلق:
وسئلت عائشة
الوصف .واألوصاف العظيمة :هي أوصافُ اهلل تعالىُ .
ُ هو
رضى اهلل عنها عن أخَّلقه صلى اهلل عليه وسلم فقالت« :كان خلقه القرآن»(.)1
إشارةً إلى حقيقة التحقق بالكماالت اإللهية؛ ألن القرآ َن إنما هو عبارة عن
كماالت اهلل تعالى ،وألن القرآ َن كَّلمُ اهلل ،والكَّلمُ صفةُ ال ُمتكلم ،وهو ُخلُق
( )1أخرجه اإلمام أحمد في «المسند» ( ) 24601من حديث السيدة عائشة عليها السَّلم.
(« )2الكماالت اإللهية» (ص.)228
- 38 -
إلى أن قال رضي اهلل عنه:
وال يب ُع ُد -واهلل أعلم -أن قو َل عائشةَ رضى اهلل عنها« :كان خلقه القرآن»..
ت من الحضرة فيه رمز غامض وإيماء َخفي إلى األخَّلق الربانية؛ فا ْح َ
تش َم ْ
اإللهية أن تقول( :كان ُمتخلقاً بأخَّلق اهلل تعالى)؛ فعبرت عن المعنى بقولها:
وستراً للحال بلُطف ال َمقال؛
«كان خلقه القرآن» استحياءً من ُسبُحات الجَّللَ ،
()1
وهذا من وفور عقلها وكمال أدبها وفضلها .انتهى
- 39 -
فكل مَن كان اهللُ ربه ..فمحمد صلى اهلل عليه وسلم رسول ُه ،وكما أن
خلُ ُق ال ُمحمدي يَشم ُل جمي َع العال َمين .انتهى
الربوبيةَ تعم العال َمين ..فال ُ
وظاهره محمد؛ قالت عائشةُ رضي اهلل عنها« :كان خلقه ُ القرآ ُن باطن،
َََ
ظاهره ﵣنزل
ُ القرآن»؛ فمحمد صورةُ باطن صورة القرآن؛ فالقرآن باطنُه وهو
َ َ َٰ َ ۡ َ ُ ُ ُ َۡ
بهِ َ
ٱلروح ٱلأمِين ١٩٣على قلبِكﵢ ﵝالشعراء :ﵓﵙﵑ -ﵔﵙﵑﵜ .انتهى
َُ
ِ
()1 َ َ
وقال اإلمام ابن حجر الهيتمي رضي اهلل عنه ،في «أشرف الوسائل إلى فهم
َّ
الشمائل»:
معاني
َ فأوصاف ُخلُقه العظيم صلى اهلل عليه وسلم ..ال ت َتناهى ،كما أن
القرآن ال ت َتناهى ،وهذا غاية في االتساع ال ينتهي النتهائها ،ومن ثمة َوس َعت
ق هذا العالم؛ فلهذا أرسلَه اهللُ إلى الثقلَين اإلنس والجن ،وكذا
أخَّلقُه أخَّل َ
()2
خلْق .انتهى
ال َمَّلئكة؛ بل وإلى كافة ال َ
- 40 -
سره في «كشف
وقال سيِّدي أبو الفيض مح َّمد بن عبد الكبير الكتَّاني ق ِّدس ُّ
البراقع بشرح أبيات :توضأ بماء الغيب»:
يصير ذلك
ُ وسل َم نسخةُ الوجود ال ُم ْطلَق ،أعني بحيث
إذ هو صلى اهللُ علَيه َ
ُخلُقاً له على سبيل السرمدية.
- 41 -
السادس:
الفصل َّ
وليُعلَم بأن الحق سبحانه وتعالى سمى النبي صلى اهللُ علَيه َ
وسل َم بأسمائه
( )1متفق عليه :البخاري ( ،)3114مسلم ( )2133من حديث سيدنا جابر رضي اهلل عنه.
(« )2صحيح البخاري» باب قوله تعالى{ :فَأَن هلل ُخ ُم َسهُ َوللر ُسول} [األنفال.]41 :
(« )3المستدرك» ( )4187وقال( :هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه) وسكت عنه الذهبي.
- 42 -
فالحق سبحانه جع َل في األرض خليفةً عنه ،وذ َك َر أه ُل اهلل أنه :ال معنى
استخلفه ،يعني تخلُّقهم ِ
وصفات من ْ للخالف ِة َّإال أ ْن يحمل الخليفة أسماء
والصفات ،وظهورهم بآثا ِرها ،ومعلوم عند أهل اهلل ما
ِّ وتح ُّققهم بهذه األسما ِء
وشرح هذا من
ُ يذكرونه من أن ال ُمطلَ َق إذا تجلى في ال ُمقيد ..فال ُ
حكم لل ُمقيد.
ت علوم ال ُم َ
كاشفة كما ذكروا ،وال تحتمله هذه ال ُعجالة ،ولكنا أشرنا لها؛ لنلف َ
نظر ال ُمطلع إلى علوم القوم رضي اهلل عنهم.
إليها َ
تنبيهٌ:
- 43 -
السابع:
الفصل َّ
(« )1زاد المسافر» (ص )12للشيخ عبد الحكيم عبد الباسط رحمه اهلل.
- 44 -
أص ُل كل نور ،وبه با َن من األسماء اإللهية والصفات الذاتية كل بطون و ُظهور؛
فكان واسطةً بين الوجود الحقيقي وال َع َدم ،ورابطةَ تَعَلق ال ُ
حدوث
()1
بالقدم .انتهى
قوله« :وبه بان» :أي َظ َه َر من األسماء والصفات «ك ُّل بطون وظهور»؛ ألنه
ففي األنوار الحسية ..تنكشف ُظل َمةُ األفياء ،وفي المعنوية ..ت ُعرف معاني
األشياء بعد الخفاء ،وعندما اشتركا في حقيقة الكشف عن أمر ماُ ..سميا بالنور.
- 45 -
مراتب كثيرة جداً ،بعضها فوق بعض ،فنور الحس
ُ فالنور على هذا النحو..
قص ُر عن نور الشرع في ن َقله ،قال قص ُر عن نور العقل في كشفه ،ونو ُر العقل يَ ُ يَ ُ
َ ٓ َ َۡ َ َُ ْ َ َ
َ
ٱلنورِ ٱلذِي أنزلناﵢ ﵝالتغابن :ﵘﵜ ،وقال سبحانه:
ُ ََ
تعالى :ﵣف َـامِنُوا بِٱّللِ َو َر ُسولِهِۦ و
ٗ َ ۡ َ ٓ َ ُ ُ ۡ َ َٰ َُ ٗ ُ ۡ ُ ۡ َ ٓ َ ۡ َ َ َ ۡ ُ َ َ َ ٞ
ﵣقد جاءكم برهن مِن ربِكم وأنزلنا إِليكم نورا مبِيناﵢ ﵝالنِساء :ﵔﵗﵑﵜ.
َ َ
ونو ُر الشرع إنما هو من النور األول جل وعز؛ الذي استمدت منه جمي ُع
األنوار.
فهم نور إذاً ،وأولهم حقيقةُ رسو ُل اهلل صلى اهللُ علَيه َ
وسل َم ،التي بواسطتها
ظهرت ال َمعارفُ اإللهيةُ واألسرا ُر القدسية.
ولو لم يكن أوالً ..ل َ َما تمت الخَّلفةُ؛ ألن معناها كما ذكرنا :الظهو ُر
بصو َرة ال ُمستَخلف؛ تخلقاً وتحققاً باألسماء والصفات؛ ليفيض معانيها لمعرفة
مبدع البريات في كل الحاالت وجميع األوقات.
- 46 -
ٓ ُ َ
وسل َم بالنور :ﵣق ۡد َجا َءكم َم َِن
قال تعالى في وصف حبيبه صلى اهللُ علَيه َ
ب َُمب ٞ
ين ١٥ﵢ َ
َ
ٱّللِ نُورَ ٞوك َِتَٰ ٞ
ﵝالماـئ َِدة :ﵕﵑﵜ. ِ
هو أص ُل األسباب وأول ُها ،وأعَّلها جنساً وأكملُها ،وليس له هو سبب إال
مَحض التخصيص اإللهي واالختراع األزلي ،وهذا من أكبر خصوصياته صلى
اهللُ علَيه َ
وسل َم؛ وهو أنه ُخلق عن اهلل بَّل واسطة شيء ،و ُخلق كل شيء
بواسطته ،واستمد عن اهلل بَّل واسطة شيء ،واستمد كل شيء دون َه بواسطته،
()1
و ُخل َقت األشياءُ كلها من أجله ،و ُخلق هو من أجل مواله .انتهى
- 47 -
الفصل الثَّامن:
قال سيدي أحمد بن عجيبة الحسني قدس سره في تفسيره «البحر المديد»
َ َٰ َََۡ ََُ َََ۠ ٞ َ َ َ ُۡ
عند قوله تعالى :ﵣقل إِن كان ل ِلرِنَٰمۡح ولد فأنا أول ٱلعبِدِينﵢ ﵝالزخرف:ﵑﵘﵜ:
ُ َُ ۡ
وإشارةُ أوليتهﷺ في عبودية اهلل ..إشارة إلى بدو وجوده في إتيانه من
()1
ال َع َدم بنور الق َدم ،وانقياده في أول ت َجلي جَّلله .انتهى
قلت :فالحقيقة المح َّمدية منب ُع ب ُروز هذه األسرار ،ومعد ُن ظهور هذه
ﵣوِإن َمِن َش ۡي ٍء إلَا ي ُ َس َبحُ األنوار ،فما من ذرة إال وهي ت ُسب ُح بحمد ربها َ
ِ ِ
ب ْ ل س : ه
ُ نزي والت ، نزيهَ ت .. سبيحالت إذ ؛ عرفة م لبا ن ؤذم سبيحوالت ده ِۦﵢﵝالإ ۡس َ
ِ ِبحَ ۡ
م
ُ َ َ ُ ﵔﵔﵜ:اءر ِ
- 48 -
الجامعةُ لمعاني هذه األسماء والصفات؛ فما عرف أحد معنى من معانيها ..إال
حمدية الجامعة لهذه المعاني.
بوساطة هذه الحقيقة ال ُم َ
- 49 -
وسلمَ« :إن اهلل خلق الخلْق في ظلمة ،ثمَّ رشَّ عليهم
قال صلى اهللُ علَيه َ
ِمن نوره؛ فمن أصابه ذلك النُّور اهتدى ،ومن أخطأه ض َّل»(.)1
تعالى إضافةَ تشريف؛ فإن نو َر اهلل -الذي هو صفته -ال ينفصل وال يتصل،
وليس مُبعضاً وال مُجزءاً؛ فالنور المذكو ُر في الحديث ..نور مخلوق كما قُلنا،
وكنى عن ظهوره بالرش ،بينما ذكر أه ُل المعرفة بأن الظلمةَ المذكورةَ ..هي
ُظلمةُ العدم ،فيكون المعنى:
إن اهلل خل َق الخل َق في ُظل َمة؛ أي :قدرهم و ُهم في ُظلمة ال َعدم ،ث ُم رش
عليهم من نور سيد األ ُ َمم؛ فأوجدَهم ،حيث ظهرت أنوا ُر األسماء الصفات؛
انشرح صد ُره وهو من ال ُمهتدين ،ومَن أخطأه فجهلَه..
َ ف َمن أصابه فأبصره..
ضا َ
ق صد ُره وهو من الجاهلين ال ُمبعَدين.
قال سيِّدي وموالي أحمد الكبير الرفاعي رضي اهلل عنه ،في «البرهان
خل َق في ُظلمة ،وتجلى وجودُ المحدث لَهُ فيه ..بإيجاده ل َ ُه
المؤيَّد»َ :خلَ َق ال َ
( )1قال في «الجامع الصغير» ( :)2645رواه الترمذي والحاكم وأحمد من حديث ابن عمرو رضي اهلل عنه.
- 50 -
نوراً؛ فلوال سريا ُن نو ُر وجوده في العَال َم بأسره ..لم يَظ َهر منه ظاهر ،وذلك
()1
الذي َظ َه َر من نُوره بمنزل َة الرش .انتهى
ف َمن أراد الحق هدايتَهُ ..بصره بنور رسول اهلل صلى اهللُ علَيه َ
وسل َم فاتبعه،
ح َدهُ.
ج َ جبَ ُه عن نور رسول اهلل صلى اهللُ علَيه َ
وسل َم ف َ و َمن أراد غوايتَهَ ..ح َ
عمي قلبُه عَن اهلل َولم يكن في قلبه نو ُر الهدَايَة ..ل َ ْم يُبْص ْر آثَا َر النبُوة
َ فَمن
شخصهُ و ُجثتَهُ ،قال تعالى:
َ حمد صلى اهلل عليه وسلم؛ َوإن َما يبصر منْهُ على مُ َ
َ َ َ َٰ ُ ۡ َ ُ ُ َ َ ۡ َ َ ُ ۡ َ ُ ۡ ُ َ
صرون ١٩٨ﵞ ﵝالأعراف :ﵘﵙﵑﵜ. ﵟوترىهم ينظرون إِليك وهم لا يب ِ
َ َۡ
- 51 -
َُ َ َۡ َُ َۡ َ ۡ َ ۡ َُ ۡ ۡ َ َ
، َۡ
ﵝالأن َعام :ﵕﵒﵑﵜ قال تعالى :ﵟف َمن يُ ِر ِد ٱّلل أن يهدِيهۥ يشرح صدرهۥ لِل ِإسل ِمﵞ
َٰ
هو الذي قال صلى اهلل عليه وسلم فيه« :إ َّن اهلل تعالى خلق الخلْق في ظلْمة
ذلك النور ينبغي أ ْن يُطلَب ال َك ُ
شف. ثمَّ رشَّ عليهم ِمن نو ِرهِ» فمن َ
شيري رضي اهلل عنه في «لطائف اإلشارات» عند قوله تعالى ُّ وقال اإلمام الق
ٗ َٰٓ َ َُ َ َ َُ َ ٓ َ ۡ َ ۡ َ َٰ َ َ َٰ ٗ َ ُ َ َ ٗ َ َ
من (سورة األحزاب) :ﵟيأيها ٱلن ِبي إِنا أرسلنك ش ِهدا ومب ِشرا ونذِيرا ٤٥
َ َ َ ُۡ ۡ َ َ َ َُ َ َ َ َ ۡ ٗ ََ ً َ َ
ٱّللِ بإ ۡذنِهِۦ َوس َر ٗ
اجا َُمن ٗ
ِيرا ٤٦وب ِش ِر ٱلمؤ ِمنِين بِأن لهم مِن ٱّللِ فضلا ِ ِِ وداعِيا إِلي
( )1رواه الحاكم في «المستدرك» ( )7863من حديث ابن مسعود رضي اهلل عنه.
(« )2المنقذ من الضَّلل» (ص.)55
- 52 -
َ
َٰ ۡ َ َٰ َ َ ۡ ُ َ َٰ َ َ َ ۡ َ َ َٰ ُ ۡ َ َ َ َ ۡ َ َ َ َ َ َ ََ ُ َكب ٗ
يرا ٤٧ولا ت ِطعِ ٱلكفِ ِرين وٱلمنفِقِين ودع أذىهم وتوكل على ٱّللِۚ وكفى بِٱّللِ ِ
ٗ
َوك ِيلاﵞ ﵝالأَ ۡح َزاب :ﵕﵔ -ﵘﵔﵜ :
(يا أيُّها) ال ُم َشرفُ من قبَلنا( ..إن َّا أرسلناك شاهدا) بوحدانيتنا( ،وم ِّ
بشرا)
تُبشر عبادَنا بنا[ ،ونذيرا] تحذ ُرهم ُمخال َ َفةَ أَمرنا ،وتُعلمهم مواض َع الخوف منا،
بك ،وشمساً ينبسط شعا ُعك
(وداعيا) الخل َق إلينا بنا (وسراجا منيرا) يستضيئون َ
بعك و َخ َدمَك وقَدمك صدقَك وآمَ َن َ
بك وال يصل إلينا إال مَن ات َ على جميع مَن َ
(وب ِّشر المؤمنين) بفضلنا عليهم ،ونَيلهم َطولَنا عليهم ،وإحساننا إليهم ،ومَن ل َمْ
ْ
أعرضنا عنه بك ..فَّل قَ ْد َر لهم عن َدنا (وال ت ِط ْع) مَن
تُؤثر فيهم بركةُ إيمانهم َ
وأضلَلناه من أهل ال ُكفر والنفاق ،وأهل البدع والشقاق (وتو َّكل على اهلل) بدوام
()1
االنقطاع إليه (وكفى باهلل وكيال) .انتهى
( )1كَّلم اإلمام القشيري كما نقله سيدي ابن عجيبة في «البحر المديد» وفيه بعض اختَّلف في بعض الكلمات في
المطبوع من «لطائف اإلشارات».
- 53 -
الفصل التَّاسع:
عس ا ا ا ا ااااك تجِ ْد عند الفن اااا ِء به المعنى فال تشغل ْن هااااااااااااذا الفااااااؤاد بغي ِره
حيث إن البقاءَ باهلل ..هو الغاية العظمى وال َمقص ُد األرف ُع األ َسمى ،من
حيث تحق ُق العبد بالعبودية التي هي غايةُ الدين.
- 54 -
والفناء به صلَّى اهلل علي ِه وسلَّم ..ال يتأتى طري ُقه إال :باالنقطاع إليه،
واالحتكام في كل األمور ل َديه ،واالستهتار بمحبته ،والتعظيم لجنابه ولزوم
مودته ،والتوله بذكره ،والخضوع لنَهيه وأ َمره .فكل هذه أبواب توصل العب َد
قال سيِّدي أحمد بن عجيبة رضي اهلل عنه ،في تفسيره «البحر المديد»:
ََ
حكم رسوله؛ فقال :ﵟفلا أقسم بربوبيته على نفي إيمان مَن لم يرضَ ب ُ
َ ُ َ َ َُ َ
َٰ َََ َ َ ُۡ ُ َ
وربِك لا يؤمِنون﴾ إيمانا حقيقيا ﴿حتي يحكِموك﴾ أي :يترافعوا إليك راضي َن
َ ً ً
َُ َ َ ْ ِيما َش َ
ج َر بَيۡنَ ُه ۡم﴾ أي :اختلط بينهم واختلفوا فيه ﴿ثم لا ي ِج ُدوا ف ِ ٓي بحكمك ﴿ف َ
َ ۡ ً َ ً ََ َ َ ٗ َ َ ۡ َ ُ
تنشرح صدو ُرهم ُ س ِهم حرجا﴾ أي :ضيقا وشكا ﴿مِما قضيت﴾؛ بل أنف ِ
ِيما﴾؛ أي :ينقادوا ك؛ ألنه حق من عند اهلل ﴿ َويُ َسلَ ُِموا ْ﴾ أل َمر َك ﴿ت َ ۡسل ٗ حكم َل ُ
ألمر َك ظاهراً وباطناً .انتهى
- 55 -
َ َۡ ََ ُ ۡ َ َ ُ ْ َ ُ َ ُ َ
وقال رضي اهلل عنه في تفسير قوله تعالى :ﵟولو أنهم فعلوا ما يوعظون
ٗ َ ۡ ٗ َۡ َ ُ َ َُ َٓ َ ٗ ۡ َ َ َ َ َ َ َ ۡ َُ ۡ َ
ً
نهم مِن لدنا أجرا ع ِظيما ٦٧ بِهِۦ لكان خي ٗرا لهم َوأشد تثبِيتا ٦٦وِإذا ٓأَّلتي َٰ
َ
َ َۡ ََ ُ ۡ َ َ ُ ْ َ ُ َ ُ َ
حكمه.. ﴿ولو أنهم فعلوا ما يوعظون بِهِۦ﴾ من طاعة الرسول والرضى ب ُ
ٗ ََ َ َ َۡ ۡ ُ َ َ َ َ ۡٗ َ
﴿لكان خيرا لهم﴾ في آجلهم وعاجلهم ﴿وأشد تثبِيتا﴾ في دينهم وقوةً في
َۡ َ ُ َ َُ َٓ َ ٗ
نهم مِن لدناِإذا﴾ لو فعلوا ذلكٓ ﴿ ..أَّلتي َٰ إيمانهم ،أو تثبيتاً لثواب أعمالهم ﴿و
ٗ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َ َٰ ُ ۡ َ َٰ ٗ َُ ٗ َ ۡ َ
صرطا مستقِيما﴾ يَصلون بسلوكه إلى حضرة
َ أجرا ع ِظيما ٦٧ولهدينهم ِ ً
ال ُقدس ،ودوام األ ُنس ،ويَفتح لهم أسرا َر العلوم ،ومَخاز َن ال ُفهوم .انتهى
َ ۡ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ
امنُوا بِٱّللِ َو َر ُسولِهِۦ َوِإذَا كانُوا َم َع ُهۥ عَل َ َٰٓى أ ۡم ٖر َجام ِٖع ل ۡم يَذ َهبُوا َح َتيَٰٱلذِين ء
- 56 -
ﵝالنور :ﵒﵖﵜ؛ فجع َل كما َل ابتداء اإليمان الذي ما سواه تبع له :اإليما َن
َُ ي َ ۡستَ ۡـذِنُ ُ
وهﵞ
()1
باهلل ورسوله .انتهى
السلمي رحمه اهلل تعالى «حقائق التفسير» في قوله وجاء في تفسير اإلمام ُّ
ٱستَ ۡغ َف َر ل َ ُهمُ ٱستَ ۡغ َف ُروا ْ َ َ
ٱّلل َو ۡ َ َ ُ ْٓ َ ُ
نف َس ُه ۡم َجا ٓ ُء َ
وك فَ ۡ ۡ ُ َ َۡ ََ
تعالى :ﵟولو أنهم إِذ ظلموا أ
ٗ َ ُ ُ ََ َ ُ ْ ََ ََ ٗ َ
ٱلرسول لوجدوا ٱّلل توابا رحِيما ٦٤ﵞ ﵝالنِساء :ﵔﵖﵜ:
َ َ
ُۡ ُ َ َ َ َُ َ
ك ُِم َ َ َ ََ
وك يؤمِنون حت َٰي يح وقال أيضا في اآلية التي بعدها :ﵟفلا َو َربَِك لا
َ َ َ َ ۡ َ َُ َ َُ ْ سه ۡم َح َرجاٗ َ َ َ َ ََُۡ ۡ ُ َ َ َ ُ ْ ٓ َ ُ
مِما قضيت ويسلِموا فِيما شجر بينهم ثم لا ي ِجدوا فِي أنف ِ ِ
ت َ ۡسل ٗ
ِيما ٦٥ﵞ ﵝالنَ َِساء :ﵕﵖﵜ:
(« )1الرسالة»(ص.)73
- 57 -
عنه اسمَ الواسطة؛ ألنه متصف بأوصاف الحق عز وجل ،مُتخلق بأخَّلقه ،أال
()1
العرش محمودٌ وهذا مح َّمد" .انتهى
ِ ترى كيف قال حسا ُن بن ثابت" :فذوا
قال العارف روزبهان الب ْقلي قدس اهلل سره في تفسيره «عرائس البيان» عند
َ َ ُ ُ َََ ُ ۡ ََُۡ َ
قوله تعالى :ﵟوٱتبِعوه لعلكم تهتدونﵞ ﵝالأعراف :ﵘﵕﵑﵜ:
َ َۡ
( )1مخطوط «حقائق التفسير» لوحة 43ب ،وفي المطبوع تصحيف (.)154/1
(« )2عرائس البيان» (ج.)484/1
- 58 -
الفصل العاشر:
واألسرار :هي أسرار الذات اإللهية ،وأما األنوار :فأنوار الصفات السنية.
وفي هذا قال العارف المح ِّقق سيِّدي عبد الكريم الجِ ُّ
يلي رضي اهلل عنه:
- 59 -
وسلمَ ول َمْ يصرفْ كلمةَ
حض ُر بين يدَي رسول اهلل صلى اهللُ علَيه َ
ولي يَ ُ
كل ٍّ
الحضرة الكمالية إلى رسول اهلل صلى اهللُ علَيه َ
وسلم ..فإنه ال يبل ُغ مرتبةَ
()1
الكمال .انتهى
يخ األكبر محيي الدِّين رضي اهلل عنه: و ِمن قبله قول َّ
الش ِ
قَب َل هو مث َل هذه الرسالة ..إال لكونه على مزاج عا ٍّم يحوي على مزاج كل ٍّ
نبي
و َرسول؛ فهو أعد ُل األمزجة وأكملُها وأقومُ النشآت .فإذا علمت هذا وأردت
أكمل ما ينبغي أن يظهر به لهذه النَّشأة اإلنسانية ..فاعلم أنك
ِ أن ترى الح َّق على
- 60 -
حمد صلى اهللُ علَيه َ
وسلمَ، ليس َ
لك ،وال أنت على مثل هذا المزاج الذي ل ُم َ
حمد صلى اهللُ علَيه َ
وسلم في ت نزول َ َ
ك عن الدرجة التي صحت ل ُم َ وقد علم َ
العلم بربه في نشأته؛ فالز ِم اإليمان واالت ِّباع ،واجعله أمامك ِمثل المرآةِ التي
تنظر فيها صورتك وصورة غيرك.
ونسو ُ
ق كَّل َم سيدي أحمد الكبير الرفاعي قدس اهلل روحه ،الذي بسطنا
شذرةً منه فأسكرتنا ،ولمعةً فأدهشتنا ،وقطرةً فأغرقتنا؛ إذ كان كَّلمه الشريف
- 61 -
على طراز رفيع لطيف ،حوى من المعاني من غير مرا ..ما يقال فيه :كل الصيد
في جوف الفرا.
ُ
حفوظ من سيرته ،وخصاله وأحكام لفظي :وهو ال َمنقو ُل ال َم طري ٌق
ٌّ
شريعته ،وجليل شأنه.
والوقوفُ على حقيقة نوره ،واالطَّل ُع على ال َمقام الجامع بين مَب َطنه
و ُظهوره ..هو عندي العل ُم ال ُمو َر ُ
ث اللدني الذي انطوت به جمي ُع ال ُعلوم،
- 62 -
ت بد ْرکه ال ُفهوم ،وهو ال َمقصود من قوله عليه الصَّلة والسَّلم« :من
وحا َر ْ
ع ِمل بما يعلم و َّرثه اهلل ِعلم ما لم يعلم»(.)1
سرائر الخفايا
َ َويْه على ال َمحجوبين الذين وقَفوا مع الظواهر وما أدركوا
ال َمطوية في ال َمظاهر! هو يقول« :كنت نبيّا وآدم بين الماء وال ِّطين»()2؛ دَ ْر ُك هذه
الكينونة ،وفه ُم مزية النبوة ،واالطَّل ُع على نسج الصورة اآلدمية ..قائم
سر جامع ،وإال فهو ال ينط ُق عن الهوى!
بحقيقته ،و ُمعرب عن ٍّ
تلك إشارات خاصة قامت مع البَّلغ العام ،أين أهل الصوامع؟ أين أهل
وانفصمت مَحجتُهم.
َ البيَع؟ أين سكان القفار؟ انقطعت ُحجتُهم،
( )1قال الحافظ السيوطي في «الدرر المنتثرة» (ص[ :)192أخرجه] أبو نعيم في الحلية من حديث أنس بهذا اللفظ،
اهلل أ ْن يعلِّمه ما ل ْم يك ْن يعْل ْم»
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس مرفوعاً« :م ْن تعلم ِعلْما فع ِمل بِ ِه كان ح ّقا على َّ ِ
وفي كتاب «رواية الكبار عن الصغار» ألبي يعقوب البغدادي عن سفيان( :مَ ْن عَم َل ب َما يَعْلَمُ ُوف َق ل َما ال يَعْلَمُ).
انتهى كَّلم السيوطي رحمه اهلل.
وح والجس ِد» رواه أحمد ،والبخاري في «تاريخه» ،وأبو نُعيم في «الحلية» وصححه
(« )2كنت نبِيًّا وآدم بين ال ُّر ِ
الحاكم .وأما ما اشتهر على األلسن بلفظ( :كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين ) ..فقال شيخنا الحافظ أبو الخير
السخاوي في كتابه «المقاصد الحسنة» :لم نقف عليه بهذا اللفظ .انتهى من «المواهب اللدنية» (ص.)41-40
- 63 -
وتي جوام َع ال َكلم ،واستَود َع س َ
لك اإلرشاد عقودَ هذا النظام المنتظم، ُ
الذي أ َ
وهو ُسل ُم الدنو الرفيع الناهض بالضعفاء واألقوياء إلى الحضرة القدوسية،
َ َ ٓ َ ۡ َ ۡ َ َٰ َ َ َ ۡ َ ٗ
وهناك ال بد منه ،وال غنى عنه ،كيف وقد قال له ربه :ﵟوما أرسلنك إِلا رحمة
ينﵞ؟! لَِلۡ َعَٰلَم َ
ِ
وكل ما نوه به الصالحون؛ من التخلي والتجرد ..فهو فيما يؤو ُل إلى ُحكم
َ َ
ﵟوٱتبِ ۡع تقديم ال ُعبودية ال َمحضة هلل ،ال فيما يؤول للتوسط والتوسل ،قال تعالى:
َُ ْ ََ َ َۡ ُ ْٓ َۡ َۡ ََ
وسِيلةﵞ َ َ َ َ َ ۡ ََ
ﵝالماـئِدةَ سبِيل من أنابﵞ ﵝلقمان :ﵕﵑﵜ ،وقال تعالى :ﵟٱتقوا ٱّلل وٱبتغوا إِليهِ ٱل
َ ُۡ
:ﵕﵓﵜ ،وهذا السيد العظيم ..وسيلةُ الوسائل ،آمنا باهلل وبرسوله ،وكفى باهلل وليا.
انتهى النقل عن سيدي أحمد الرفاعي رضي اهلل عنه(.)1
فانظر أيها السالك ال ُمريد ،لكَّلم هذا العارف ال َفريد ،فقد حوى جملةَ
(وكل ما نوه به الصالحون من التخلي والتجرد ..فهو فيما يؤو ُل إلى ُحكم
تقديم العُبودية ال َمحضة هلل ،ال فيما يؤول للتوسط والتوسل) ..تجد معنى ما
- 64 -
ذكرناه آنفا عن اإلمامَين -الشيخ عبد الكريم الجيلي والشيخ محيي الدين-
فسيدي عبد الكريم الجيلي قال:
الكمال .انتهى
وسيدي الش ُ
يخ األكبر قال:
َ
ولك التحق َق بهذه فراجع كَّلمهم وتحقق من مَرامهم ،وسل اهللَ لي
األذواق ،فهي -واهللُ -سل ُم كمال النجاة في الدنيا ويو َم التَّلق.
- 65 -
الفصل الحادي عشر:
سر الوالي ِة :مرقاة يصل به الولي إلى ف ْهم شأن النبوة ،فيعرفُ عظي َم ق ْدر
ُّ
ويقف ذليَّلً منكسراً مُتحيراً.
ُ النبي؛ وبهذا يُعظم شأ َن ربه ،ويخش ُع لعزة سلطانه،
الوس ُ
ط َ أي سادة؛ عَظموا شأ َن نبيكم صلى اهللُ علَيه َ
وسلم ،هو البرز ُخ
حبيب اهلل ،رسو ُل اهلل ،أكم ُل خلق اهلل،
ُ الفارق بين الخلق والحق :عب ُد اهلل،
رسل اهلل ،الداعي إلى اهلل ،ال ُمخبر عن اهلل ،اآلخ ُذ من اهللُ ،
باب الكل إلى أفض ُل ُ
الحظيرة الرحمانية ،وسيلةُ الكل إلى الحظيرة الصمدانية ،ومَن اتصل به اتصل،
( )1انظر «لباب المعاني» (ص )112للسيد محمد العبدلي البحريني الرفاعي رحمه اهلل.
- 66 -
ومَن انفصل عنه انفصل ،قال صلوات اهلل وتسليماته عليه« :ال ي ْؤ ِمن أحدكمْ
حتَّى يكون هواه تبعا لِما جِ ئْت بِ ِه»(.)1
أي سادة؛ مَن َرد أخبا َره الصادقةَ ..ك َمن رد كَّلمَ اهلل تعالى ،آمنا باهلل،
حمد رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسل َم ،قال وبكتاب اهلل ،وبكل ما جاء به ن َبينا ُم َ
َ َ ۡ َ ُ َ ۢ َ ۡ َ َ َ َ َ َ ُ ۡ ُ َ َٰ َ َ َ ۡ َ ََ َُ
يل
ِ ِ بس ر ي غ ع ِ بتي و ى د ه ٱل ه ل ن ي بت ا م د
ِ ع ب ن م
ِ ول س ٱلر ِق
ِ قاش تعالى :ﵟومن ي
ص ً ت َ َ َََ ََ َٓ ۡ ۡ ۡ ُ ۡ َ ُ َ َ َ َ َ َ َٰ َ ُ
()2
يرا ١١٥ﵞ ﵝالنَ َِساء :ﵕﵑﵑﵜ .انتهى ِ م ء اس و ۖ م ن ه ج ِۦ هٱلمؤ ِمنِين نولِهِۦ ما تولي ون ِ
لص
( )1أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» ( )15من حديث عبد اهلل ابن عمرو رضي اهلل عنهما مرفوعاً ،وقال النووي في
«األربعين»( :حديث صحيح) انظر الحديث رقم (.)41
(« )2البرهان المؤيد» (ص.)22
- 67 -
قلت :ومَن استقرأ َ كَّلمَ العارفين في شأن سيد ال ُمرسلين صلى اهللُ علَيه
وسلم ..يجد أن ال َمعنى ال َمطلوب والغرضَ ال َمرغوب :هو الوصول األتم
َ
لحضرة الحبيب المحبوب صلى اهللُ علَيه َ
وسلم.
ويَعلم عندها :أن كل إشارة منهم إلى الحضرة ال ُقدسية ،ظاهرة أو َمطوية،
حمدية ،وما ل َ َم َع نو ُر أي
صريحة أو مَخفية ..فإنما طريقها من ُكوة الحقيقة ال ُم َ
طريق ،وال بر َز سر أي تحقيق ..إال بعد انعكاس مرآته الزكية في قلوبهم الطاهرة
النقية.
قال َّ
الشيخ األكبر محيي الدِّين رضي اهلل عنه في «الفتوحات المكيَّة»:
- 68 -
فهذا مما يدلك على أن علومَهم ..كانت أنواراً لم تتمكن لشبهة أن تتعرضَ
إليهم جملةً واحدةً؛ فقد علم َ
ت أن النو َر إنما ا ْختُص بأهل النور ،وهم األنبياء
سلك على ما شرعوه ،ول ْم يَتعد حدودَ ما قرروه ،وات َقوا اهللَ َ والرسل و َمن
ََ َُ َ َ َٰ ُ
ﵟول ۡو َُ
ﵝالنور :ﵕﵓﵜ ، ورﵞ
األدب مع اهلل؛ فهم على نور من ربهم ﵟنور على ن ٖ َ ولزموا
يراﵞ ﵝالنَ َِساء :ﵒﵘﵜ يعني :في نعتٱختِ َلَٰ ٗفا َكثِ ٗ
ۡ ْ َ َ َ َ َ
كان م ِۡن عِن ِد غيۡ ِر ٱّللِ ل َو َج ُدوا فِيهِ
اظر بفكره في معتقده ..ال يَبقى على حال َة واحدة
جب له؛ فإن الن َ
الحق وما يَ ُ
فيخر ُج
ُ دائماً؛ بل هو في كل وقت بحسب ما يعطيه دليلُهُ في زعمه في وقته،
()1
من أمر إلى نقيضه .انتهى
- 69 -
الفصل الثاني عشر:
قال َّ
الشيخ األكبر في «الفتوحات المكية»:
ي ..من جملة ال ُممكنات. وهذا تصريح أيضاً بأن هذا النو َر ال ُم َ
حمد َ
- 70 -
ما نقلناه من قبل عن سيدي أحمد الرفاعي رضي اهلل عنه بقوله( :هو البرزخ
السيد َّ
الشريف الجرجاني قدس اهلل روحه ،في «التعريفات»: وقال َّ
الجوهر
ُ األكبر ،وهو
ُ خلي َفةُ وهو أو ُل َموجود َخلَ َقهُ اهللُ على ُ
صو َرته ،وهو ال َ
()2
النوراني .انتهى
- 71 -
لمعاني األسماء والصفات ،وهذا هو معنى قول سيدي أحمد الرفاعي آنفاً عن
حمدية:
الحقيقة ال ُم َ
«دَر ُك هذه ال َكينونة ،وف ْه ُم مَزية النبوة ،واالطَّل ُع على نسج الصورة
اآلدمية ..قائم بحقيقته ،ومعرب عن ِسر جامع».
فهذا هو السر الجام ُع ،اس ُم الذات «اهلل» ،جامع لسائر األسماء والصفات،
- 72 -
الفصل الثَّالث عشر:
يكشف لك
ُ ذكرنا فيما سبق أنه لكي تعرفَ الحق سبحانه ..فَّلبد من دليل
غير ممكنة أبداً؛
عن أسمائه وصفاته؛ فإن معرفة الذات من حيث حقيقتُهاُ ..
وإنما المعرفةُ تكون من خَّلل أنوار وأثار األسماء والصفات ،وليس هناك َمن
تحق َق كما َل التحقق والتخلق باألسماء والصفات ..أرفع وأعلى وأكمل من
وسل َم ..فقد تخلق بأخَّلق اهلل ،وهذا ف َمن تخلق بأخَّلقه صلى اهللُ علَيه َ
َ َ َ َ َُ ُ َ َ ََ َُ ُ َ َ
من معاني قول الحق سبحانه :ﵟإِن ٱلذِين يبايِعونك إِنما يبايِعون ٱّللﵞﵝالفتح :ﵐﵑﵜ،
ۡ َ
ت َو َلَٰك َِن َ َ
ٱّلل َر َم َٰىﵞ ﵝالأَ َنفال :ﵗﵑﵜ. ت إ ۡذ َر َم ۡي َ
وقوله تعالىَ ۡ َ َ َ َ :
ﵟوما رمي ِ
( )1متفق عليه :البخاري ( ،)6101ومسلم ( )127من حديث السيدة عائشة رضي اهلل عنها.
- 73 -
هذا وقد يأتي معنى النُّور ال َّذ ِّ
اتي صلى اهلل عليه وسلم ..نسبةً إلى الذات
اإللهية؛ لشرف حقيقته وعظيم أمرها.
وقال العَّلمة اب ُن حجر الهيتمي رضي اهلل عنه في «ال ِمنح المكيَّة شرح
الهمزيَّة» ،عند قول الناظم رضي اهلل عنه:
ما نَصهُ:
- 74 -
حضرة اإللهية ،وال ُم ْستَمد منها بَّل واس َطة ألنه ال ُممد ل َ ُهم؛ إذْ هو الوار ُ
ث لل َ
دُون غيره؛ فإنه ال يَستمد منها إال بواس َطته ،فَّل يَص ُل لكامل منها شيء ..إال
()1
وهو من ف َيض َم َدده وعلى يَ َديْه .انتهى
كذلك هو معنى ما ذكره السي ُد المحقق عب ُد الكريم الجيلي رضي اهلل عنه،
من أنه صلى اهلل عليه وسلم مَخلوق من نور التجلي الذاتي ،وما سواه فمخلوق
سره:
من تجليات أنوار األسماء والصفات ،فقال ق َّدس اهلل َّ
اعلم أن َرسو َل اهلل eكان أكم َل الوجود ،وأفض َل العال َم وأشرفَ الخلق
باإلجماع؛ لكونه مخلوقاً م ْن نور الذات اإللهية ،و َما سواهُ فإنما هو َمخلوق م ْن
فقال« :أ َّول م ْا خلق اهلل ر ْوح نبِيِّك يا جابِر ،ثمَّ خلق الع ْرش ِمنْه ،ثمَّ خلق
()2
العالم ب ْعد ذل ِك ِمنْه» .انتهى
- 75 -
ومعنى آخر للنُّور ال َّذ ِّ
اتي؛ هو كونه صلى اهلل عليه وآله وسلم ..قد وس َع
المعرفةَ الذاتية دون غيره؛ لكونه األكم َل دون الكل صلى اهلل عليه وآله وسلم،
قال تعالى في الحديث القدسي« :ما و ِسعنِ ْي أ ْر ِض ْي والْ سم ْائِ ْي وو ِسعنِ ْي قلْب
عبْ ِدي الم ْؤ ِمن»( )1في إشارة إلى قلبه الشريف صلى اهلل عليه وآله وسلم.
ل َيس عندهم ْ
وس ُع ال َمعرف َة الذاتية ،ومحمد صلى اهلل عليه وسلم -الذي هو
قَلْ ُ
ب الوجود ..-هو الذي عندهُ ال ُو ْس ُع الذاتي لل َمعرفة الذاتية ،وإلى ذلك أشا َر
ب والْ ن ِب ٌّي م ْرس ٌل«(.)2 ت مع اهللِ الْ يسعنِ ْي فِيْ ِه مل ٌ
ك مق َّر ٌ بقوله« :ل ِ ْي وق ْ ٌ
إلى أن قال رضي اهلل عنه :فوس َع النبي صلى اهلل عليه وسل َم ت َجليه الذاتي
الموجودات عن ذلك...ول َما كان رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم
ُ الذي ضاقت
- 76 -
ذاتياً متسعاً للتجلي الذاتي ..كان مُتصفاً مُتحققاً بسائر األسماء والصفات،
()1
ومُستوعباً لسائر الكماالت من جميع الوجوه .انتهى
ومعنى آخر :هو أن نو َرهُ صلى اهلل عليه وسلم ذاتي؛ أي :ينبث ُق م ْن ذاته
الشريفة ،فالنسبةُ هنا راجعة إلى ذاته صلى اهلل عليه وسلم.
قال العالمة ابن حجر الهيتمي رضي اهلل عنه في «شرحه اله ْمزيَّة»:
نبي إنما ه َي ُمقتَبَ َسة م ْن نوره صلى اهلل عليه وسلم؛ ألن ُه صلى
فآيات كل ٍّ
ُ
اهلل عليه وسلم كالشمسَ ،و ُه ْم عليه ُم الصَّلةُ والسَّلمُ كالكواكب ،فهي ُ
غير
غابت ..أ ْظ َه َر ْ
ت أنوا َرها، ْ ُمضيئة بذاتها؛ وإنما هي ُم ْستَمدة من نور الشمس ،فإذا
ف ُهم قبْ َل وجوده صلى اهلل عليه وسلم ..إنما كانوا يُظهرو َن فضلَه ،وأنوا ُرهم
ُم ْستَمدة من نوره الفائض و َم َدده الواسع ،أال ترى أن ُظهو َر خَّلفة آد َم وإحاطتَهُ
باألسماء كلها ..إنما هو مُ ْستَ َمد من جوامع ال َكلم ال َمخصوص به نبينا صلى اهلل
الخَّلئف( )2إلى ز َمن ب ُروز جسمه الشريف ،ف َلَما ب َ َر َز
ُ عليه وسلم؟ ث ُم ت َوال َت
كان كالشمس؛ ان ْ َد َر َج في ن ُوره کل نور ،وان ْ َطوى تحت مَنشور آياته كل آية.
- 77 -
يرهُ من األنبياء عليهم الصَّلة والسَّلم ..فلَمْ يُ ْع َ
ط أحد منهم كرامةً أو أما َغ ُ
فضيلةً ..إال وقد أ ْعطي مثلَها أو ما هو أعظ َم منها كما سبَ َرهُ األئمةُ
()1
ووضحوهُ .انتهى
ونختم هذا الفص َل بفيوضات من شعر سيدي محمد بهاء الدين الرواس
قدس اهلل سره ،وهو يمتدح الحقيقةَ المحمدية:
ِمن ُّ
الشؤ ْو ِن شم ْو ٌ
س ما لها حجب ك قبَّتِ ِهِطراْز ِسر له فِ ْي س ْم ِ
حر منْسجِ ٌر والم ْوج م ْ
ضط ِرب والب ْ اح ِب ِهفِيْ ِه النَّ ِبيُّ ْون ت ْرج ْو فيْض ص ِ
والعا ِرف ْون ِرجال اهللِ والقطب طاف المالئِك فِ ْي أعْتابِ ِه زمرا
الس ْو ِء م ْ
حتجِ ب ب ع ْن عي ْو ِن ُّ
ج ٌ
مح ّ تبارك اهلل ن ْو ٌر الْ ان ْ ِحجاب له
ى ِم ْن د ْو ِرها العجب
خي ْوله وير ْ ان الك ْو ِن صائِلة تد ْور فِ ْي ملو ِ
السم ِ
اوات ِمنْها ع ْسك ٌر لجب وفِ ْي َّ تط ْوف دائِرة ال ُّدنْيا مع ْس ِكرة
تر ْوح فِ ْي العال ِم األعْل ْى وتنْقلِب مطلْسمة آثار مظا ِهر له
السبب
ى َّ بِم ْظهر هو فِ ْي ك ْو ِن الور ْ ت بِكعْبتِ ِه األلْباْب فانْبهر ْ
ت طاف ْ
صد وال َّطلب
عنْها إِليْ ِه وهذا الق ْ د ْع عنْك جلْجلة اآلثا ِر ملْت ِفتا
بِن ْظرة د ْونها األعْراض والنُّشب وق ْل :أ ِغثْنِ ْي رس ْول اهللِ م ْرحمة
السحب ناْ ِديْك ينْد ْ
ى بِسح د ْونه ُّ تر ال ِغياث ِمن األف ْ ِق َّ
السنِ ِّي عل ْى
- 78 -
الرابع عشر:
الفصل َّ
أص ُل الحقائق ،ورو َح ُه eأص ُل األرواح ..فإن مادةَ كما أن حقيقتَ ُهe
طينته الشريفة كذلك أص ُل األجسام.
ماحا َّما ٌد لامْ ياز ْل نورا ِمن ال ْ ِقد ِم ات بِاالانُّاو ِر ِطينته
ماحا َّما ٌد جابِال ْ
فقد ُجبلَت -أي :مُزجت -طينَتُهُ الحسية الظاهرةُ؛ بنور حقيقته األصلية
خلْق ن ُوراً في ن ُور ،صلى اهللُ على ذاته وصفاته وأفعاله.
الطاهرة؛ ف َ َظ َه َر لل َ
ذكر أه ُل اهلل في هذا المبحث أموراً نافعةً تتعلق بمعرفة سيد الخلق
وقد َ
صلى اهلل عليه وسلم ،منها ما فصله السي ُد محمد ابن جعفر ال َكتاني رضي اهلل
عنه فقال:
ولما تعلقت إرادت ُه تعالى بخلق مادة جسمه عليه الصَّلة السَّلم ..أوج َد
اهللُ عز وجل طينَتهُ eالتي هي أص ُل جميع األجسام.
- 79 -
ثم قال رحمه اهلل:
ويَ ْظ َه ُر أنه كان له عليه السَّلم طينتان؛ طينة عتيقة لطيفة نورانية؛ تركبت
أول ما خلق اهلل تعالى من العناصر الكلية الجامعة -كما قال ابن وهب
رحمه اهلل تعالى -جوهرةَ خاتم األنبياء وعنصر سيد األصفياء؛ سيدنا محمد
()2
صلى اهلل عليه وسلم ،كفضة خاتم ...انتهى
- 80 -
وقال أيضا رضي اهلل عنه في نفس الكتاب:
وقال سيِّدي أبو العباس أحمد التِّيجاني قدس اهلل روحه عن هذه الطينة
النورانية الشريفة:
وأما طينته التي هي جس ُده الشريف ..فكو َن اهللُ منها أجسادَ المَّلئكة
واألنبياء واألقطاب ،وخم َر طينَته الشريفة عليها من اهلل الصَّلة والسَّلم بماء
()2
البقاء .انتهى
- 81 -
الس ِّر
ابلسي قدس اهلل سره في «كشف ُِّّ الغني النَّ
ِّ و ِمن كالم سيدي عبد
الغامض في شرح ديوان ابن الفارض» عن هذه الطينة الشريفة أيضاً عند قول
الناظم رضي اهلل عنه:
ض ِطيْنتِ ْي
ترى حسنا فِ ْي الك ْو ِن ِم ْن فيْ ِ اح ر ْو ٌح وكلَّما
ور ْو ِحي ل ِ ْل ْرو ِ
قوله:
والطينة -بالطاء المهملة -واحدة الطين؛ وهو تراب معجون بماء ،كناية
األرواح كلها من ُروحه صلى اهلل
َ عن الجسد الشريف ال ُمحمدي؛ فإنه كما أن
عليه وسلم منفو َخة في أجسادها؛ ألنه صلى اهلل عليه وسلم ُروح اهلل -الذي هو
أول مخلوق ،واإلضافة للتشريف ،مثل :ناقة اهلل ،وأرضُ اهلل ،وعبد اهلل..-
ح ْس ُن بالن َظر
ح َسنَة (فِ ْي الك ْو ِن) يعني التي يظهر عليها ال ُ
كذلك جمي ُع األجساد ال َ
ذكر ( ِم ْن فيْ ِ
ض) جسده صلى اهلل عليه وسلم. إلى خالقها كما َ
وال يكون نبياً إال وهو روح وجسد؛ فرو ُحه أص ُل األرواح ،وجس ُدهُ أص ُل
األجساد صلى اهلل عليه وسلم.
- 82 -
ثمَّ قال رضي اهلل عنه:
فهو صلى اهلل عليه وسلم أبو األرواح وأبو األجساد ،واهلل لطيف
()1
بالعباد .انتهى
ُ
الغوث الكبير ولعل هذه الطينة الشريفة هي التي أشار لها أيضاً سيدي
إبراهيم الدسوقي قُدس سره في صَّلته الذاتية ،بقوله رضي اهلل عنه عند
افتتاحها( :الله َّم ص ِّل على ال َّذات المح َّمديَّ ِة ،ال َّل ِطيْف ِة األحديَّة) واهلل أعلم
بأسرار كَّلم أوليائه.
- 83 -
وال ِّطينة الثَّانية :طينة أرضية ت ُرابية ،وذلك أنهُ تعال َى لما أرادَ أ ْن يخل َقها..
أمر جبري َل عليه السَّلم أ ْن ينز َل إلى األرض وأ ْن يأتيَهُ بالطينَة التي هي ُ
قلب َ
األرض وبهاؤها ونورها ،وهي طينَةُ موضع الكعبة ،التي جاءَ عن أبي هريرة
رضي اهلل عنه أنها ُخل َقت قب َل األرض بأل َفي سنَة .ثم ذَ َك َر بقيةَ الحديث.
ردي رضي اهلل عنه في (البابلسهرو ِّ وفي «عوارف المعارف» للعارف ا ُّ
ۡ
األ َّول) منها ما نصه :وقيل :لما خل َق اهللُ السماوات واألرضَ بقوله :ﵟٱئتِيَا
َ َ ۡ ً َۡ َ ۡ ٗ َ ََٓ َََۡ َ ٓ
وأجاب مَوض ُع
َ طوعا أو كرها قالتا أتينا طائِعِينﵞ ﵝف ِصلت :ﵑﵑﵜ ..نط َق م َن األرض
َ ُ َ َ
- 84 -
وقد قال عبد اهلل ب ُن عباس رضي اهلل عنهما :أص ُل طينَة رسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم ..م ْن ُسرة األرض بمكةَ.
صلَّى اهلل عليه وسلَّم هو األصل في التَّكوي ِن ،والكائنات تب ٌع له ،وإلى هذا
اإلشارةُ بقوله صلى اهلل عليه وسلم« :كنْت ن ِبيَّا وآدم بيْن الما ِء وال ِّطيْ ِن» وفي
الر ْو ِح والجس ِد»(.)2
رواية« :بيْن ُّ
ُ
حيث كانت تربتُهُ وتربةُ الشخص مَدفنُه؛ فكان يقتضي أ ْن يكو َن مدفنُهُ بمكةَ
منها! ولكن قيل :إن الماءَ -أي الذي كان عليه العرشُ -ل َما تمو َجَ ..ر َمى الزب َ َد
إلى النواحي؛ فوقَ َع ْ
ت جوهرةُ النبي صلى اهلل عليه وسلمَ إلى ما يُحاذي ت ُرب َتَهُ
- 85 -
بالمدينة؛ فكان رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم مَكياً مَدنياً ،حقي َقتُهُ إلى مكةَ،
()1
وت ُرب َتُهُ بالمدينَة .انتهى
قال السيِّد محمد جعفر الكتَّاني رضي اهلل عنه ،بعدما أفاض في الكَّلم عن
النشأة الطينية له صلى اهلل عليه وسلم ،وقد أطال فيها:
ن َشأةُ حقيقته ال ُمحمدية ،ون َشأةُ روحه السمية ،ون َشأةُ طينَته الزكية؛ وكلها
أص ُل جميع أصول لغيرها ،فحقيقتُه eأص ُل جميع الحقائق ،ورو ُحهُe
األرواح ،وطينَتُهُ eأص ُل جميع األجسام ،وأ َكم ُل األولياءَ ..من كا َن على قلبه
()2
صلى اهلل عليه وسلم في هذه النشآت كلها .انتهى
- 86 -
الفصل الخامس عشر:
قال َّ
الشيخ األكبر رضي اهلل عنه في «الفتوحات المكية» في (الباب الثاني
عشر ،في معرفة دورة فلَك سيدنا محمد صلى اهلل عليه وسلم ،وهي دَورةُ
وآدم بيْن الما ِء وال ِّطيْ ِن واقِف أالْ بِأبِ ْي م ْن كان ملْكا وسيِّدا
ج ٌد تلِيْ ٌد وطا ِرف
له فِ ْي العل ْى م ْ الرس ْول األب ْط ِح ُّي مح َّم ٌد
فذاك َّ
صر مواقِف
ت له فِ ْي ك ِّل ع ْ
وكان ْ الس ْع ِد فِ ْي آ ِخ ِر المد ْ
ى أت ْى بِزم ِ
ان َّ
ت عليْ ِه أل ْس ٌن وعوا ِرف فأث ْن ْ جبر ص ْدعه أت ْى ِال ِ
نكسا ِر ال َّد ْه ِر ي ْ
وليْس لِذاك األمْ ِر فِ ْي الك ْو ِن صا ِرف إِذا رام أمْرا الْ يك ْون ِخالفه
ثم قال رضي اهلل عنه بعدما ذكر أن ُر ْو َح سيدنا محمد صلى اهلل عليه وسلم
أو ُل األرواح ،وأن اهللَ أعل َمه بنُبوته وبشرهُ بها وسيدنا آد ُم ل ْم يكن إال كما قا َل:
«بيْن الما ِء وال ِّطي ِن» وأنه عندما:
أوالً في جميع ما َظ َه َر من الشرائع على أيدي األ َنبياء والر ُسل سَّلم اهلل عليهم
- 87 -
أجمعين ،ث ُم صا َر الحكمُ له ظاهراً ف َنَ َس َخ ُكل شرع أ َبر َزهُ ْ
االسمُ الباط ُن بحكم
االس َميْن وإ ْن كان ال ُم َشر ُع واحداً وهو
ْ االسم الظاهر؛ لبيان اختَّلف ُح ْكم
ْ
()1
صاحب الشرع .انتهى
ُ
وإنما ُوج َد آخراً؛ ليكو َن إماماً بالفعل َحقيقةً ،ال بالصَّلحية وال ُق ّوة ،فعند
ما ُوج َد َعيْنُهُ ..ل َ ْم يُو َجد إال واليَاً ُسلطاناً مَلحوظاً ،ث ُم َج َع َل ل َهُ ن ُواباً حين تأخ َر ْ
ت
ن َشأةُ َج َسده؛ فأو ُل نائب كان ل ُه وخليفة؛ آد ُم عليه السَّل ُم ،ث ُم َول َ َد وات َ
ص َل الن ْس ُل
ص َل زما ُن ن َشأة الج ْسم الطاهر محمد صلى
وعَي َن في كل َزمان ُخلفاءَ ،إلى أ ْن َو َ
- 88 -
ٱلظَٰه ُر َوٱل ۡ َباطِنُۖ
ُ َ َ َ َُ ََُۡ
ب اإللهي من قوله تعالى عن ن ْفسه :ﵟهو ٱلأول وٱٓأۡلخِر و ِ والن َس ُ
َو ُه َو بكُ َل َش ۡي َ
ء عل ِيمﵞ َ
()1
ﵝالحدِيد :ﵓﵜ .انتهى ٍ ِ ِ
- 89 -
حجاب ،فقر َر م ْن شرعهم ما شاءَهُ بإذن سيده ومُرسله ،ورف َ َع من شرعهم ما
ال ُ
()1
أُم َر برفعه ون َسخه .انتهى
تنبيه :وردَ في أخبار وآثار أنه صلى اهلل عليه وسلم ..ال ظل لجسده
الشريف؛ قلت :وهذا للطافة جسده ونورانية حقيقته e؛ فإن جس َده الشريف
الياقوت
َ ال كاألجساد كما أن حقيقتَه ال كالحقائق ،فهو ب َشر ال كالبشر؛ كما أن
(.)2
حجر
جر ال كال َ
َح َ
وأيضاً وردَ في أخبار صحيحة :أنه صلى اهلل عليه وسلم ..كان يُرى له ظل!
- 90 -
حقيقة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ..كيف يشه ُد ظَّلً مُغايراً لذاته الشريفة
أصَّلً؟!
(الله َّم ص ِّل على روح سيِّدنا مح َّمد في األرواح ،وعلى جس ِدهِ في
األجساد ،وعلى قبره في القبور).
- 91 -
قال اإلمام الشعراني رضي اهلل عنه :كان صلى اهلل عليه وسلم يقول« :م ْن
قال هذهِ الكيْ ِفيَّة ..رآنِ ْي فِ ْي منا ِم ِه ،وم ْن رآنِي فِ ْي منا ِم ِه ..رآني ي ْوم ال ِقيام ِة ،وم ْن
رآني ي ْوم ال ِقيام ِة ..شف ْعت له ،وم ْن شف ْعت له ..ش ِرب ِم ْن ح ْو ِض ْي وح َّرم اهلل
جسده على النَّا ِر»(.)1
وفي صَّلة سيدي أحمد البدوي رضي اهلل عنه خصه أيضاً بالصَّلة على
صورته الجسمانية eفي قوله:
( )1قال الحافظ السخاوي في «القول البديع في الصَّلة على الحبيب الشفيع( »eص :)117-116ويروى عنه صلى
اهلل عليه وسلم أنه قال ...ثم ذكر الحديث ،ثم قال -السخاوي :-ذَ َك َره أبو القاسم السبتي (ت677 :هـ) في كتابه
«الدر المنظم في المولد المعظم» له ،لكني لم أقف على أصله إلى اآلن .انتهى
(« )2أفضل الصلوات على سيد السادات »eالصَّلة السادسة.
- 92 -
(اللَّهمَّ ص ِّل وسلِّمْ وبا ِر ْك على سيِّدنا وم ْوالنا مح َّمد شجرةِ األ ْ
ص ِل النُّورانِيَّ ِة
الصورةِ
ُّ الر ْحمانِيَّ ِة وأفْض ِل الْخلِيق ِة ا ِ
إلنْسانِيَّ ِة وأ ْش ِر ِ
ف ول ْمع ِة الْقبْض ِة َّ
الْجِ ْسمانِيَّ ِة).
- 93 -
السادس عشر:
الفصل َّ
إن مفارقةَ روحه لجسده صلى اهلل عليه وسلم ..أمر قد حص َل وتحق َق في
هذ الحياة الدنيوية ،وهو يوم أظلمت فيه األرضُ كما وصفه سيدنا أنس رضي
اهلل عنه(.)1
لكن روحه eبعد مفارقتها للبدن لحظةَ وفاتهُ ..ردت إليه صلى اهلل عليه
وسلم.
( )1وهو ما رواه الترمذي ( ) 3618عن سيدنا أنس رضي اهلل عنه أنه قال( :ل َّما كان الي ْوم ال َّ ِذي دخل فِي ِه رسول َّ
اهللِ
اهلل عليْ ِه وسلَّم الم ِدينة أضاء ِمنْها ك ُّل ش ْيء ،فل َّما كان الي ْوم ال َّ ِذي مات فِي ِه أ ْظلم ِمنْها ك ُّل ش ْيء).
صلَّى َّ
- 94 -
مَعروضة عليه وأن سَّلمَنا يَبلُ ُغهُ ،وأن اهللَ حرمَ على األرض أ ْن تأك َل أجسادَ
()1
األنبياء .انتهى
وقد أخبرنا النبي صلى اهلل عليه وسلم بما يقتضي أن اهلل تبارك وتعالى يَرد
يحص ُل
ُ عليه رو َح ُه؛ حتى يرد السَّل َم على كل َمن يُسل ُم عليه ،إلى غير ذلك مما
موت األنبياء ..إنما هو راجع إلى أ ْن ُغيبوا عنا بحيث ال
َ من ُجملته ال َقط ُع بأن
ن ُدر ُكهم وإ ْن كانوا موجودي َن أحياء؛ وذلك كالحال في المَّلئكة فإنهم
موجودو َن أحياء وال يراهم أحد من نوعنا إال مَن َخصه اهللُ بكرامة من
()2
أوليائه .انتهى
موسى -عليه السَّلم -في قبره؛ فإن الصَّلةَ تستدعي جسداً حيّاً ،وكذلك
صفات األجسام ،وال يلز ُم
ُ الصفات المذكورةُ في األنبياء ليلةَ اإلسراء ..كلها
(« )1االعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث» (ص )305للحافظ أبي بكر البيهقي
رحمه اهلل.
(« )2التذكرة بأحوال الموتى وأمور اآلخرة» (ص )460لإلمام القرطبي رحمه اهلل.
- 95 -
من كونها حياةً حقيقيةً أ ْن تكو َن األبدا ُن معها كما كانت في الدنيا من االحتياج
اإلدراكات كالعلم والسماع ..فَّل شك أن ذلك
ُ إلى الطعام والشراب ،وأما
()1
ثابت ل َهم ولسائر ال َموتى .انتهى
السيوطي رحمه اهلل :حياة النبي صلى اهلل عليه وسلم في قبره
وقال الحافظ ُّ
هو وسائر األنبياء ..معلومة عندنا علماً قطعياً؛ لما قام عندنا من األدلة في ذلك
()2
وتواترت األخبا ُر .انتهى
( )1نقله الحافظ السيوطي رحمه اهلل في «إنباء األذكياء في حياة األنبياء» انظر «الحاوي للفتاوي» (.)152/2
( )2انظر «إنباء األذكياء في حياة األنبياء» من مجموع «الحاوي للفتاوي» ( )147/2للحافظ السيوطي رحمه اهلل.
( )3أخرجه أبو داود ( )2041وغيره من حديث سيدنا أبي هريرة رضي اهلل عنه.
- 96 -
إن قوله« :ردَّ اهلل» ُجملة حالية ،وقاعدةُ العربية :إن جملةَ الحال إذا وقعت
ۡ َۡ َ ُٓ ُ ۡ َ َ ۡ ُ ُ ُ ُ
صرت صدورهمﵞ ت فيها (ق ْد) كقوله تعالى :ﵟأو جاءوكم ح ِ فعَّلً ماضي ًا ..قُد َر ْ
َ
أي :قد حصرت. ﵝالن َِساء :ﵐﵙﵜ
وكذا ت ُقد ُر هنا ،والجملةُ ماضية سابقة على السَّلم الواقع من كل أحد،
تقدير
ُ ليست للتعليل؛ بل مجرد حرف عطف بمعنى الواو ،فصا َر
ْ و«حتى»
وحي قب َل َ
ذلك فأردَّ الحديث( :ما من أحد يسلمُ علي ..إال ق ْد رد اهللُ علي ُر َ
عليه).
أحدهما :تألي ُم الجسد الشريف بتكرار خروج الروح من ُه ،أو نوع ما من
مُخالفة التكريم إ ْن ل َ ْم يكن تأليم!
- 97 -
واآلخر :مُخال َفةُ سائر الناس ،الشهداء وغيرهم؛ فإنه ل َم يَثبت ألحد منهم
أ ْن يتكر َر له مُفا َرقةُ الروح و َعودُها في البرزخ ،والنبي صلى اهلل عليه وسلم..
أولى باالستمرار الذي هو أعلى رتبةً.
ومحذو ٌر راب ٌع :وهو مُخال َفة األحاديث ال ُمتواترة السابقة ،وما خال َ َ
ف
وجب تأويلُ ُه ،وإ ْن ل َ ْم يَقبل التأوي َل ..كان باطَّلً؛
َ القرآ َن وال ُمتوات َر من السنة..
()1
وجب حم ُل الحديث على ما ذكرناه .انتهى
َ فلهذا
و ِمن جملة ما ذكره العلماء ِمن وجوه لبيان معنى هذا الحديث قولهم:
إن الزمان ال يخلو من مُص ٍّل ومُسلم عليه في أقطار األرض -من اإلنس
أي ممن خل َق اهللُ من عوال َم-؛ فَّل يخلو من كون الروح
أو المَّلئكة أو الجن أو ٍّ
في بدنه الشريف صلى اهلل عليه وسلم؛ ليرد على ك ٍّل منهم؛ فروحهُ بعـ َد
مفارقتهـا التـي حصلت لحظـة َ الموتُ ..ردت إليه صلى اهلل عليه وسلم.
( )1انظر «إنباء األذكياء في حياة األنبياء» من مجموع «الحاوي للفتاوي» ( )150/2للحافظ السيوطي رحمه اهلل.
- 98 -
ذكر اإلمام ال ِّطيبي رحمه اهلل تعالى معنى جليال آخر ،فقال:
لعل معناه :تكون رو ُح ُه ال ُقدسيةُ في شأن ما في الحضرة اإللهية؛ فإذا ب َلَ َغ ُه
سَّلمُ أحد من األ ُمةَ ..رد اهللُ رو َحه من تلك الحالة إلى َرد سَّلم مَن سلم عليه،
فيض على أ ُمته م ْن ُسبُحات الوحي اإللهي ما
وكذا شأن ُه وعادت ُه في الدنيا ،يُ ُ
أفاضهُ اهللُ عليه ،وال يَشغلُهُ هذا الشأ ُن -وهو شأ ُن إفاضة األنوار ال ُقدسية على
َ
أ ُمته -ع ْن ُشغله بالحضرة ،كما كا َن في عال َم الشهادة ال يَشغلُ ُه شأن عن
()1
شأن .انتهى
قلت :إن رو َحهُ صلى اهلل عليه وآله وسلم مُتصلة بعمود نور إيمانه eمن
جسده الشريف في قبره ال ُمنيف؛ إلى قُبة البَرزخ؛ فَّل يشغلُه شأن ُه في قبره صلى
اهلل عليه وسلم -من رد السَّلم والقيام في صلواته وغير ذلك -عن شأنه في
البرزخ األعلى في الحضرة ال ُقدسية.
ولي اهلل سيدي الغوث عبد العزيز ال َّدباغ قدس اهلل سره:
فائدة :قال ُّ
فعمودُ نور إيمانه صلى اهلل عليه وسلمُ ..ممتَد من القبر الشريف إلى قُبة
البَرزخ التي فيها روحه الطاهرة ،وتأتي المَّلئكةُ ُزمَراً ُزمَراً وتطوفُ بذلك النور
( )1نقله اإلمام المناوي في «فيض القدير شرح الجامع الصغير» (.)467/5
- 99 -
الشريف ال ُممتَد ،وت َتَ َمس ُح به ،وت َتَطا َر ُح عليه ت َطا ُر َح النحلة على يَعسوبها؛ فكل
حمل أمر ،أو حص َل له َكلَل ،أو وقوف في مَقام.. مَلَك َع َ
ج َز عن س ٍّر أو عن ت َ َ
ب قوةً كاملَةً
فإنه يجيءُ إلى النور الشريف ويطوفُ به؛ فإذا طافَ به ..اكتَ َس َ
و ُجهداً عظيماً من ن ُوره صلى اهلل عليه وسلم؛ فيرج ُع إلى مَوضعه وقد قَو َ
ي
أَ ُ
()1
مرهُ .انتهى
سيدي هل استحضا ُر صورة النبي صلى اهلل عليه وسلم في ذهن ال ُمؤمن
وت َشخصه إياها ..هو من عال َم الروح ،أو من عال َم المثال ،أو من عال َم الخيال؟
بأن ذلك االستحضا َر ..من ُروح الشخص وعقله؛ ف َمن توجهَ بفكره إليه
صلى اهلل عليه وسلم ..وقعت صورت ُه في ذهنه:
والحاض ُر في الفكر ..هو صورةُ ذاته صلى اهلل عليه وسلم ال صورةَ روحه
وأخبر عنه
َ عليه الصَّلة والسَّلم؛ فإ ًّن الذي شاه َدهُ الصحابةُ رضي اهلل عنهم
خص
ُ الفكر إال فيما يعل ُمهُ الش
ُ ات ال الروح الشريفة ،وال يجو ُل
العلماءُ ..هو الذ ُ
ويَعرف ُه.
ثم قال تلميذه سيدي أحمد ابن المبارك رضي اهلل عنه:
فقلت للشيخ رضي اهلل عنه :هل هذه ال ُمشاهدةُ التي وقعت لهذا الرجل
مشاهدةُ فتح أو مشاهدةُ فكر؟!
فقال :مشاهدةُ فكر ،ال مشاهدة فتح ،و ُمشاهدةُ الفكر وإن كانت دون
مشاهدة ال َفتح إال أنها ال تق ُع إال ألهل اإليمان الخالص ،وال َمحبة الصافية،
والنية الصادقة.
وبالجملة :فهي ال تق ُع إال ل َمن ك ُم َل تعل ُق ُه بالنبي ،eو َكم من واحد تق ُع
له هذه ال ُمشاهدةُ ..فيظنها مشاهدةَ فتح ،وإنما هي مشاهدةُ فكر!
الشيخ عبد العزيز رضي اهلل عنه :ينبغي أ ْن تكون هذه المحبةُ بين
قال َّ
ال ُمريد والشيخ؛ فإنها نافعة جداً.
َ
ذلك من أهل قال :إن أه َل هذه المحبة ..يضرو َن وينفعو َن كما يقع
()1
التصرف .ويقول :أن نا َر ال َمحبة إذا َش َعلَ ْ
ت ..ال يردها شيء .انتهى
َ
وافيك في هذا الفصل -الذي هو من أنفع الفصول إن شاء اهلل-قلت :سأ ُ
بأقوال أهل المعرفة في شأن استحضار صورة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم،
وأنها من أهم ال ُمهمات للسائرين وأوكدها ،وأعظم الوسائل للسالكين
وأسعدها.
ت مع
حمدية مع ُه من كل جهاته ،وال يَثبُ ُ
ويَجته ُد في استحضار الهمة ال ُم َ
وى وال َغير ،وال أكدار وال أغيار ،وال َسَّلطات
همته -صلى اهلل تعالى عليه -س ً
القلب بمثابة السماء ،وق ْد كان عال َ ُم
َ ُظلمانية( ،)2وال ت َ َسورات َرجيمية؛ ألن
غير مَصون من النفوذ األفَّلك -قب َل قدومه صلى اهلل تعالى عليه لعال َم الشهادةَ -
َََ ََ ۡ َ َ
ٱلس َما ٓ َء فَ َو َج ۡد َنَٰ َها ُملِئَتۡ الشيطاني؛ فلما بعثَهُ سبحانه ..قالوا :ﵟوأنا لمسنا
َ َ َ َ َ َ ُ َ َ ۡ ُ ُ ۡ َ َ َ َٰ َ َ ۡ َ َ ٗ ُ
َح َر ٗسا شدِيدا َوش ُه ٗبا ٨وأنا كنا نقعد مِنها مقعِد ل ِلسمعِۖ فمن يست ِمعِ ٱٓأۡلن
ۡ َ
َ ۡ َُ َ ٗ َ ٗ
ابا ر َصدا ٩ﵞ ﵝال ِجن :ﵘ -ﵙﵜ. ي ِجد لهۥ شِه
( )1كذا في المطبوع ،ولعلها( :مُكتنفاً له) بدل( :ومكثفا له) واهلل أعلم.
( )2أي شدائد قهرية ُظلمانية.
َ
حفظ ُ
حفظ صورته الكريمة في مرآة القلب ..يَتضم ُن ف ِمن هناك :كان
الباطن من األغيار؛ ألن اإلنسا َن الكام َل ..هو الجام ُع لجميع العوالم اإللهية
والكونية ،ال ُكلية وال ُ
جزئية ،وهو كتاب جامع للكتب اإللهية والكونية.
ول ا ْم أ ْظ اف ا ْر بِ ام ا ْط ال ا ْوبِ ا ْي ل اديْ اه اا إِذاْ م اا ال ْ َّشاااا ْوق أق ْال اق انِ ا ْي إِل ايْ اه اا
صاااارا عالايْاهاا وقالْ ات ل ِان ااْ ِظا ِر ْ
يق ْ ف نا ْقشااااا
ناق ْشاااات ِماث االاه اا فِاي الاكا ِّ
وأ ْرت ااح إِذْ يابْاد ْو خاي اال اك فاِ ْي فاِ ْكا ِر ْ
ي ى الافا ْكار الامار َّوع ِفا ْي َّ
الاناو ْ ماثال اك ِ
يا ِّ
جَّلل َةَ النبوة في هذه اآلية الكري َمة ،وهذا التوع َد العظي َم على اإلعراض عن
حمدية.
السنة ال ُم َ
الساحلي
وقال اإلمام العارف أبو عبد اهلل محمد بن محمد بن أحمد َّ
األنصاري المال ِقي األندلسي رضي اهلل عنه (ت753 :هـ) في كتابه العظيم «بغية
السالك في أشرف المسالك»:
َّ
ومن الزم الصَّلة على النبي ..eت َجلي صورته الكريمة في باطن
ال ُمصلي عليه(.)2
وقال فيه أيضا رضي اهلل عنه :اعلم أن ثمرةَ َمقصد الصَّلة على النبي..e
َ
وذلك أن انطبا ُع صورته الكريمة في الن ْفس انطباعاً ثابتاً مُتأصَّلً مُتصَّلً؛
بإخَّلص القصد ،وتحصيل الشروط ال ُمداومَةَ على الصَّلة على النبيe
صر ربما دا َخلَتها األوهامُ ،ورؤيةُ البَصيرة الصافية ..ال و ْه َم فيها وال خيال،
البَ َ
فأفهم هذه اإلشارةَ ،وأعل ْم حقيقةَ هذه العبارة.
فمنهم مَن ال تثبت الصورة الكريمة في نفسه إال ب َعد تأمل وت َثبت وإعمال
خاصة بهذا ال َمنزل بالن ْفس،
أضعف القوم؛ لتعلق بعض البَقايا ال َ
ُ فكر ،وهذا
وهذا قلي ُل الرؤية إياهُ في النوم ،وإ ْن رآهُ ..فإنما يراهُ على غير كمال الرؤية.
ومنهم مَن إذا َسد َعينَيه بالنوم وغاب قليَّلً عن الحس ..رآه في أغلب
أحواله.
وهو أن يراهُ ب َعين رأسه عياناً في عال َم الحس ،وال ت ُنك ْر هذا ،فقد يُكرم اهللُ
مَن يشاء من عباده بإقامة صورته الكريمة لهُ حتى يشاه َدها ،وهذا من جائز
تحف اهلل بها أوليــاءَه.
الكرامات التي يُ ُ
ومما نقله اإلمام أبو عبد اهلل الساحلي رضي اهلل عنه في كتابه هذا؛ طريقة
الجمع بين الحقيقة َّ
والشريعة ،فقال:
ب
والجم ُع بين الحقيقة والشريعة ..من األمور التي يدق معناها ويَص ُع ُ
َمرامها ،والعثو ُر على ذلك بسرعة وسهولة ..إنما يكو ُن باإلدمان على ذكر
تفيض أنوا ُر الهداية على البصائر؛ فتنجلي مرآةُ الباطن ويَتَ َشح ُر
ُ النبي ،eفبه
إبري ُز الذكر ،وتصحي سماءُ اإلدراك ،فيس ُه ُل ال َ
جم ُع بي َن الحقيقة والشريعة؛
()1
ف َيُقي ُم العد َل في ذلك بتوفية وظائف الحقيقة ،والقيام برسوم الشريعة .انتهى
إدما ُن النظر وجوال ُن الفكر في محاسن خلقته الشريفة صلى اهلل عليه
وسلم ،وتصو ُرها بين ال َعينين ،ومَّلحظتُها في كل وقت وحين؛ حتى يتمكن
العب ُد المنو ُر من دوام استحضارها ..يُلح ُق العب َد -كما قال العارفُ الجيلي-
بدرجة ال ُمشاهدين لهe؛ فيفوز بالسعادة الكبرى ،وإن لم يستطع على
االستحضار على الدوام ..فَّل أقل من أن يستحضر هذه الصورة الشريفة بما
لها من الكمال عند الصَّلة عليه.e
قال الشيخ عبد الكريم الجيلي رضي اهلل عنه في كتابه «قاب قوسين وملتقى
النَّاموسين»:
قلت:
في كيفية التعلق بجنابه والعكوف على بابه صلى اهلل عليه وسلم:
لما كان صلى اهلل عليه وسلم واسطةَ الجميع في البداية ألجل الظهور..
كان واسطتهم في النهاية ألجل النعيم ال ُمقيم ،فما ثَم وسيلة وال واسطة وال
علة لوجودك ووجود كل خير َ
لك ولكل موجود ..إال هو صلى اهلل عليه وسلم،
وتعتكف على بابه صلى اهلل عليه وسلم.
َ فمن األَولى أ ْن تتعلق بجنابه
فإن قلت :ال أدري كيف هذا التعلق والمَّلزمة بهذا الجناب العظيم والنبي
الكريمe؟َ!
ومن كمال هذا القسم :اعتماد العزائم وعدم الركون إلى الرخص وذلك
بواسطة شيخ من أهل اهلل يدلك على ذلك ويُعرفك ما هو الَّلئق بك في كل
زمان من األعمال واألحوال.
القسم الثاني :اتباعهُ صلى اهلل عليه وسلم بشدة المحبة والتعظيم لهe
تك له في جميع وجود َك ،وتول ْع بدوام ذكر النبي صلى اهلل
ق محب َ
حتى تجد ذو َ
عليه وسلم والتأدب معه والقيام بما أمر واجتناب ما ن َهى.
القسم األ َّول :دوا ُم استحضار صورته eفي الذهن كما هو موصوف في
ب لها حالةَ االستحضار باإلجَّلل والتعظيم وال َهيبة.
األحاديث ،والتأد ُ
رت يوماً ما َ
قبره وكنت قد ُز َ
َ فإن ل ْم تستطع أ ْن تكو َن بين ي َديه بهذا الوصف
ورأيت روضتَه الشريفةَ ،وقُبتَهُ العاليةَ ال ُمني َفةَ ..فاستحضر في
َ ريف،e
الش َ
وتلك الحضرةَ السنيةَ كلما ذكرت َه eأو صل َ
يت عليه ،وك ْن َ ريف
قبره الش َ َ
ذهنك َ
مع اإلجَّلل والتعظيم على أ ْن تشه َد كأن َك واقف عند قبره الشريفe
روحانيتهُ ظاهرةً َ
لك.
ولو ُك َ
نت متكلفاً فأوصيك يا أخي بدوام مَّلحظة ُصورته ومَعناهe
َ
عياناً تجده وتحدثه لكe
ُمستحضراً ،فعن قليل تتألف رو ُحك به فيحضر َ
ويخاطبك.e
َ فيجيبك ويحد َ
ثك َ وتخاطبهُ؛
أما ثمرةُ مَّلزمة تلك الحضرة الشريفة والدوام على مشاهده تلك الصورة
اللطيفة بمعانيها العزيزة ال ُمنيفة ،وثمرةُ مَّلحظتها كما تقدم ولو بالتصور
والتخيل والتفكر:
( )1قلت :وهذا القسم هو الذي بسطناه في متن هذه الرسالة من الفصل الخامس وإلى العاشر.
ويكون عنده ومعه« :eأ ْكثرك ْم عل َّي صالة أق ْربك ْم ِمنِّ ْي ي ْوم ال ِقيام ِة»(.)1
فإذا كان هذا نتيجة الصَّلة باللسان ..فما تكون نتيجةُ الصَّلة بالقلب
والروح والسر؟!
فإذا حصل هذا؛ فهل يكون إال معه عند اهلل؟ ألن نتيجة العمل الظاهر-
وهو الصَّلة عليه -eالقرب بالمكان وهو في الجنة ،ونتيجة العمل الباطن -
القرب بالمكانة؛
ُ ومعناه- وهو التعلق واإلقبال ودوام استحضار صورتهe
وهو عند اهلل في مقعد صدق حيث ال أين وال كيف ،فافهم.
واعلم أن الولي الكام َل كلما ازدادَت معرفته بالنبي صلى اهلل عليه وسلم..
كان أكم َل من غيره وأمك َن في الحضرة اإللهية وأدخ َل في معرفة اهلل تعالى على
()2
اإلطَّلق .انتهى
( )1أخرج البيهقي في «شعب اإليمان» ( )2773من حديث أنس رضي اهلل عنه مرفوعاً« :إِ َّن أقْربك ْم ِمنِّي ي ْوم ال ْ ِقيام ِة
فِي ك ِّل م ْو ِطن أ ْكثرك ْم عل َّي صالة فِي ال ُّدنْيا» الحديث.
اموسين». ( )2ملخصاً الباب السادس والسابع من كَّلم العارف عبد الكريم الجيلي في رسالته «قاب َ
قوسين وملتقى الن َ
تمت هذه الرسالة «أم لم يعرفوا رسولهم» بفضل اهلل ومدد رسوله صلى
اهلل عليه وسلم ،في يوم السبت ،في الثامن والعشرين من شهر شعبان المكرم،
من عام 1445للهجرة النبوية الشريفة على صاحب الذكرى أفضل الصَّلة
والسَّلم .الموافق للتاسع من شهر آذار لعام 2024م.
اإلبريز من كَّلم سيدي عبد العزيز ،أحمد ابن المبارك الشيخ (ت
1156هـ) ،بدون دار النشر ،بدون بلد النشر ،ط (.)1
أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل ،ابن حجر الهيتمي المكي (ت 974هـ)،
تحقيق :احمد المزيدي ،الكتب العلمية ،بيروت.
أفضل الصلوات على سيد السادات صلى اهلل عليه وسلم ،يوسف بن
اسماعيل النبهاني (ت 1350هـ) ،تحقيق :عبد الوارث محمد علي ،دار الكتب
العلمية ،بيروت.
األنوار القدسية في شرح القصيدة الهمزية ،أحمد ابن محمد ابن عجيبة
أبو العباس (ت 1224هـ) ،تحقيق :عبد السَّلم العمراني الخالدي ،الكتب
العلمية ،بيروت ،ط (.2019 ،)1
البحر المديد تفسير القرآن المجيد ،أحمد ابن محمد ابن عجيبة أبو
العباس (ت 1224هـ) ،تحقيق :أحمد عبد اهلل القرشي رسَّلن ،الدكتور حسن
عباس زكي ،القاهرة ،ط (.)1
بغية السالك في أشرف المسالك ،محمد الساحلي المالقي أبو عبد اهلل
(ت 753هـ) ،تحقيق :أحمد التوفيق ،وزارة األوقاف والشؤون اإلسَّلمية
بالمغرب ،المغرب.
التنبيه شرح الحكم العطائية ،محمد ابن عباد النفري أبو عبد اهلل (ت
792هـ) ،تحقيق :أنس الشرفاوي ،دار التقوى ،سوريا ،ط (.2021 ،)1
جَّلء القلوب من األصداء الغينية ببيان إحاطته صلى اهلل عليه وسلم
بالعلوم الكونية ،محمد بن جعفر الكتاني السيد (ت 1345هـ) ،تحقيق :حسن
عباس زكي ،ط (2004 ،)1م.
جواهر المعاني وبلوغ األماني ،علي حرازم الفاسي ،دار الكتاب العربي،
بيروت ،ط (1973 ،)2م.
الرسالة ،محمد ابن ادريس الشافعي أبو عبد اهلل (ت 204هـ) ،تحقيق:
أحمد شاكر ،مكتبه الحلبي ،مصر ،ط (.1940 ،)1
الفرق بين الواردات الرحمانية وال َملَكية والنفسانية والشيطانية ،محمد بن
عبد الكبير الكتاني أبو الفيض (ت 1327هـ).
القول البديع في الصَّلة على الحبيب الشفيع صلى اهلل عليه وسلم ،محمد
بن عبد الرحمن السخاوي شمس الدين (ت 902هـ) ،تحقيق :محمد عوامة،
مؤسسة الريان ،المملكة السعودية ،ط (2002 ،)1م.
كشف البراقع بشرح أبيات :توضأ بماء الغيب ،محمد بن عبد الكبير
الكتاني أبو الفيض (ت 1290هـ).
كشف الخفاء ومزيل اإللباس عما اشتهر من األحاديث على ألسنة الناس،
اسماعيل العجلوني خاتمة المحدثين (ت 1162هـ) ،تحقيق :حسام الدين
القدسي ،مكتبة القدسي ،مصر 1351 ،هـ.
كشف السر الغامض شرح ديوان ابن الفارض ،عبد الغني النابلسي األستاذ
(ت 1143هـ) ،تحقيق :خالد الزرعي ،نينوى ،دمشق ،ط (2017 ،)1م.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان
الهيثمي أبو الحسن (ت 807هـ) ،تحقيق :حسام الدين القدسي ،مكتبة
القدسي ،القاهرة.1994 ،
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية ،أحمد ابن حجر العسقَّلني أبو
الفضل (ت 852هـ) ،تحقيق :رسالة علمية قدمت لجامعة اإلمام محمد بن
سعود ،دار العاصمة -دار الغيث ،السعودية ،ط (1419 ،)1هـ.
تمهيدات)8-6(...................................................... :
والبحث في شؤونهe؟!)15-9(......
ُ الفصل األول :ل َم تتعي ُن معرفتُه
الفصل الثالث :أوفر الناس معرفةً باهلل سبحانه وتعالى ..أوفرهم حظاً من
معرفة رسول اهلل)28-22(............................................... e
الفصل الثامنَ :من أراد الحق هدايتَ ُه ..بصره بنور رسول )53-48(..e