You are on page 1of 52

‫ضوء الللي‬

‫شرح‬
‫بدء المالي‬

‫تأليف‬
‫إسماعيل بن عبد الباقي اليازجي‬
‫الشهير بابن كاتب الينكجرية‬
‫ت ‪ 1121‬هـ‬

‫تحقيق‬
‫الدكتور‬
‫جميل عبد ال عويضة‬

‫‪1432‬هـ ‪2011/‬م‬

‫الناظم والشارح والكتاب‬

‫‪1‬‬
‫الناظم‪: 1‬‬
‫علي بن عثمان بن محمد بن سليمان‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬سراج الدين التيمي الوشي‬
‫الفرغاني الحنفي ‪.‬‬
‫والوشي ‪ :‬نسبة إلى ُأوش‪ ،‬بضم الهمزة‪ ،‬من بلد فرغانة الوشي‬
‫وهو ناظم قصيدة ‪ :‬بدء المالي ـ في العقائد ‪ ،‬ومن مؤلفاته ‪ :‬نصاب الخبار لتذكرة‬
‫الخيار ‪ ،‬اختصر به كتابه )غرر الخبار ودرر الشعار ( ـ في ألفاظ الحديث النبوي ‪ ،‬وله‬
‫الفتاوى السراجية ‪ ،‬فرغ من تأليفه سنة ‪569‬هـ ‪.‬‬
‫ب ـ الشارح‪: 2‬‬
‫إسماعيل بن عبد الباقي بن إسماعيل اليازجي ‪ ،‬الحنفي ‪ ،‬الدمشقي ‪ ،‬اشتهر بابن‬
‫كاتب الينكجرية ‪ ،‬كان من العلماء الجلء البارعين في الفنون ‪ ،‬ولد بعد الخمسين وألف‬
‫تقريبا ‪ ،‬ونشاء بدمشق ‪ ،‬واشتغل بطلب العلم على جماعة من الشيوخ ‪ ،‬منهم ‪ :‬الشيخ علء‬
‫الدين الحصكفي المفتي ‪ ،‬والشيخ إسماعيل الحايك ‪ ،‬والشيخ إبراهيم الفتال ‪ ،‬وأخذ عن‬
‫الشيخ يحيى الشوي المغربي ‪ ،‬وأخذ عن السيد عبد الرحيم المقدسي ابن أبي اللطف ‪،‬‬
‫واشتهر بالفضل ‪ ،‬ودرس وأفاد بالجامع الموي ‪ ،‬ووعظ به ‪.‬‬
‫كان أبوه كاتب أوجاق الينكرجية بدمشق ‪ ،‬ولفظة يازيجي بالتركية بمعنى كاتب ‪،‬‬
‫وقد قتل بأمر سلطاني ‪ ،‬هو ورئيس الجند بدمشق عبد السلم أغا ؛ لفتن ظهرت منهما ‪،‬‬
‫وكان قتلهما في زمن الوزير عبد القادر باشا ‪ ،‬والي دمشق ‪ ،‬في سنة تسع وستين بعد‬
‫اللف ‪.‬‬
‫ومن مؤلفاته ‪:‬‬
‫ضوء الللي شرح بدء المالي ‪ ،‬ومختصره نور المعالي لشرح بدء المالي ‪ ،‬ورسالة قطر‬
‫الغيث ‪ ،‬شرح مقدمة أبي الليث ‪ ،‬والتعليقة الوفية لشرح المنفرجة الجيمية ‪ ،‬و المتناع ‪،‬‬
‫في تحريم الملهي والسماع ‪ ،‬وله شرح على الهداية ـ في الفقه ‪ ،‬وصل فيه إلى ُربع‬
‫العبادات ‪ ،‬و له شرح على الجللين ـ في التفسير ‪ ،‬لم يكمله ‪ ،‬ومطالع النوار ولواقح‬
‫الفكار وجواهر السرار لشرح تنوير البصار‪ ،‬ومنه نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق‬
‫رقمها ) ‪. ( 8131‬‬

‫‪ 1‬العلم ـ الزركلي ‪4/310‬‬


‫‪ 2‬لم يرد اسم الكتاب ‪ ،‬ول اسم الشارح في المخطوطتين اللتين اعتمدتهما في تحقيق هذا الكتاب ‪ ،‬وقد تمكنت‬
‫من معرفة اسم الكتاب ‪ ،‬واسم الشارح من خلل ما ورد في مخطوطة نور المعالي لشرح بدء المالي ‪ ،‬وهو‬
‫للشارح نفسه ‪ ،‬وفي هذا الكتاب نقول ُذكرت في نور المعالي ‪ ،‬وفيه تصريح باسم هذا الكتاب ‪.‬‬
‫انظر ترجمة الشارح في ‪ :‬العلم ‪ ، 1/317 :‬سلك الدرر ‪160 /1‬‬

‫‪2‬‬
‫وكأنت وفاته بدمشق ‪ ،‬في يوم الربعاء عاشر جمادي الولى سنة احدى وعشرين‬
‫ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير عند والده ‪.‬‬

‫ج ـ النسخ المعتمدة ‪:‬‬

‫اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على نسختين هما ‪:‬‬


‫النسخة الولى ‪ :‬نسخة مصورة من مكتبة جامعة الملك سعود ـ قسم المخطوطات ‪ ،‬رقمها‬
‫)‪ ، (6858‬وتاريخ نسخها سنة ‪1143‬هـ ‪ ،‬وعدد أوراقها ) ‪ (35‬ورقة ‪،‬‬
‫وفي كل ورقة صفحتان ‪ ،‬وفي كل صفحة )‪ (21‬سطرا ‪ ،‬ومسطرتها ‪×21‬‬
‫‪15‬سم ‪ ،‬وهي نسخة جيدة ‪ ،‬خطها نسخ حسن ‪ .‬وأبيات المتن كتبت‬
‫بالحمرة ‪ ،‬وهذه النسخة عليها الكثير من التعليقات والشروح والضافات في‬
‫الحواشي ‪ ،‬وقد رمزنا لها بالرمز ) أ ( واتخذناها أصل ‪.‬‬
‫النسخة الثانية ‪ :‬وهي نسخة مصورة من مكتبة جامعة الملك سعود ـ قسم المخطوطات ‪،‬‬
‫أيضا ‪ ،‬رقمها )‪ ، (7594‬وتاريخ نسخها سنة ‪1084‬هـ ‪ ،‬وعـدد أوراقها‬
‫) ‪ (32‬ورقة ‪ ،‬وفي كل ورقة صفحتان ‪ ،‬وفي كل صفحة )‪ (19‬سطرا ‪،‬‬
‫ومسطرتها ‪16×21‬سم‪ ،‬وهي نسخة حسنة ‪ ،‬وأبيات المتن كتبت بالحمرة ‪،‬‬
‫وخطها نسخ معتاد ‪ .‬وقد رمزنا لها بالرمز )ب ( ‪.‬‬
‫ول بّد من الشارة هنا إلى أننا اعتمدنا في توثيق اسم الكتاب ‪ ،‬واسم مؤلفه على‬
‫مخطوطة كتاب ) نور المعالي لشرح بدء المالي ( لسماعيل بن عبد الباقي اليازجي وهي‬
‫نسخة مصورة ‪ ،‬من معهد الثقافة والدراسات الشرقية ‪ ،‬جامعة طوكيو ـ اليابان ‪ ،‬ورقمها ]‬
‫‪. [2101‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫ي المدّبر ‪ ،‬الُمقّدر ‪ ،‬ذي‬


‫الحمد للمولى القديم ‪ ،‬الموصوف بأوصاف الكمال ‪ ،‬الح ّ‬
‫ضل على زمرة النبوة ‪ ،‬والرسال ‪ ،‬محمد وآله ‪،‬‬
‫الجلل والجمال‪ ،‬والصلة على رسوله الُمف ّ‬
‫الذين نالوا به جميع أصناف المنال ‪ ،‬وبعد ‪،،،‬‬
‫فقد قال القاضي سراج الدين الوشي ‪ ،‬أسعده ال بحسن المآل ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ظٍم َكاّللِلي‬
‫حيٍد ِبَن ْ‬
‫ِلَتْو ِ‬ ‫ي(‬
‫َيُقوُل اْلَعْبُد في )َبْدِء اْلَأَمال ِ‬
‫يقول ِمن‪ 1‬القول ‪ ،‬وهو التكّلم بكلم صادق أو كاذب ‪ ،‬والعبد إنسان يملكه َمن ل ُيمَلك ‪،‬‬
‫وأراد المؤلف به نفسه ؛ اعترافا بعبوديته ‪ ،‬التي هي نهاية الخضوع والتواضع ‪ ،‬واللف‬
‫واللم فيه عوض عن المضاف إليه ‪ ،‬تقديره عبد المعبود بالحق ‪ ،‬والبدء بمعنى البتداء ‪،‬‬
‫والمالي اسم كتابه هذا ‪ ،‬وفي الصل جمع إملء ‪ ،‬وهو الَكْتب عن ظهر القلب ‪ ،‬من غير‬
‫نظر إلى المكتوب ‪ ،‬وهو ظرف ليقول ‪ ،‬ولتوحيد غاية له ‪ ،‬أي لجل توحيد المعبود بالحق ‪،‬‬
‫ن المعبوَد واحٌد ل شريك له ‪ ،‬مع القرار باللسان ‪ ،‬واليمان لزمه ‪،‬‬
‫وهو اعتقاد العبد أ ّ‬
‫وهو التصديق بالجنان ‪ ،‬والقرار باللسان ‪ ،‬وبنظم متعلق بالبدء لقربه ‪ ،‬وهو الجمع‬
‫والترتيب بين الشياء‪ ،‬والمراد به هاهنا ضد النثر ‪ ،‬وكالللي يتعلق بمحذوف ‪ ،‬وهو صفة ‪،‬‬
‫ن كالللي ‪ ،‬والكاف بمعنى الِمْثل ‪ ،‬فل حذف للمتعلق ‪ ،‬وهي جمع اللؤلؤ ‪ ،‬وهو‬
‫أي بنظم كائ ٍ‬
‫صغار المرجان ‪ ،‬والمعنى ‪ :‬يتكلم عبد ال في ابتداء ‪ /‬كتابه المسمى ‪ 2‬ب‬
‫ِكبار الّدر ‪ ،‬و ِ‬
‫سن الترتيب ‪ ،‬متناسب الكلمات ‪ ،‬مثل نظم‬
‫ح َ‬
‫بالمالي ؛ لبيان توحيده تعالى ‪ ،‬بنظم كلم َ‬
‫الللئ المنتظمة في سلك واحد ‪ ،‬لميل الطبع إليها ‪ ،‬واستحسانه ترتيبها ‪ ،‬فالغرض من‬
‫تأليف هذا الكتاب تمهيد أصول الدين ‪ ،‬وإقامة دعائم التوحيد ‪ ،‬الذي هو علم الكلم ؛ لرشاد‬
‫أمة محمد عليه السلم إلى تصحيح العقائد‪ 2‬اليمانية ‪ ،‬وهو فرض عين عند الشافعي ؛ دفعا‬
‫للضطراب في التوحيد ‪ ،‬وفرض كفاية عند غيره ؛ دفعا لتكليف ما ليس في الوسع عند‬
‫طرق هذا العلم ‪ ،‬فل يهتدي كل أحٍد إليها ‪ ،‬فإذا‪ 3‬عرفت هذا ‪ ،‬فنقول‪ : 4‬صانع‬
‫العامة ‪ ،‬لدقة ُ‬
‫ن يكون بينهما توافق في‬
‫العاَلم واحد ‪ ،‬ل شريك له فيه‪ ، 5‬إذ لو كان له صانعان ‪ ،‬فإّمـا أ ْ‬
‫‪6‬‬
‫ن اختار الكمال ل يوافق إّل عن‬
‫ن َم ْ‬
‫التخليق ‪ ،‬فهو دليل عجزهما ‪ ،‬أو عجز أحدهما ‪ ،‬ل ّ‬
‫الضطرار ‪ ،‬وهو‪ُ 7‬محال على ال تعالى ‪ ،‬أو يكون بيهما تخالف ‪ ،‬أي تمانع في التخليق ‪،‬‬
‫ن يحصل‬
‫ن ُيريد أحدهما خلق شخص في وقت ‪ ،‬والخر موته في ذلك الوقت ‪ ،‬فإّمـا أ ْ‬
‫بأ ْ‬
‫مرادهما ‪ ،‬فهو ُمحال ؛ لمتناع الجمع بين الضدين ‪ ،‬أو ل يحصل مرادهما معا ‪ ،‬فهو‬
‫عجزهما ‪ ،‬ويلزم خلق المحل عن الضدين أيضا ‪ ،‬فهو محال ‪ ،‬أو يحصل مراد أحدهما ‪ ،‬دون‬
‫ن العجز من إمارات الحدوث ‪،‬‬
‫للوهية ‪ ،‬ل ّ‬
‫الخر ‪ ،‬فيلزم عجز الخر ‪ ،‬والعاجز ل يصُلح ل ُ‬

‫كتب ‪ :‬عن ‪ ،‬وما أثبتناه من ب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫كتب ‪ :‬العتقاد ‪ ،‬وما أثبتناه من ب ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫كتب ‪ :‬وإذا ‪ ,‬وما أثبتناه من ب ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫في ب ‪ :‬قال ‪.‬‬
‫فيه ‪ :‬ساقطة من ب ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫في ب ‪ :‬على ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫كتب ‪ :‬فهو ‪ ،‬وما أثبتناه من ب ‪ .‬وسنتجاوز عن بعض هذه الختلفات التي ل تودي إلى تغيير المعنى فيما‬ ‫‪7‬‬

‫يأتي ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وإذا لم يكن إثبات صاِنَعْين ‪ ،‬كان صانعا واحدا بالضرورة ‪ ،‬فيكون صانع العاَلم واحدا‬
‫بالضرورة ‪.‬‬
‫ف اْلكماِل‬
‫صا ِ‬
‫ف ِبَأْو َ‬
‫صو ٌ‬
‫َوَمْو ُ‬ ‫ق َمْوَلَنا َقِديٌم‬
‫خْل ِ‬
‫ِإلُه ال َ‬
‫‪ /‬الله اسم غير صفة ‪ ،‬لنه ل يوصف ‪ ،‬ل ُيقال ‪ :‬شيء إله‪ ،‬كما ل ُيقال ‪ :‬شيء رجل ‪ 3‬أ ‪،‬‬
‫عَبَد ‪ ،‬فمعناه المعبود ‪ ،‬فهو اسم جنس ‪،‬‬
‫وهو إّمـا مأخوذ من َأِلَه إذا تحّير ‪ ،‬أو من َأَلَه إذا َ‬
‫عَلم ‪ ،‬ل يمكن‬
‫يمكن إطلقه على غير ال بحسب الوضع ‪ ،‬ل بحسب الستعمال ‪ ،‬وال اسم َ‬
‫ي أصل ‪ ،‬وجاز‬
‫سِم ّ‬
‫سِمّيا ﴾‪ ، 1‬أي ليس ل َ‬
‫الشتراك فيه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ﴿ :‬هْل َتْعَلُم َلُه َ‬
‫حٌد ﴾‪ ، 2‬ومنه ‪ :‬إله الخلق ‪ ،‬أي‬
‫إضافة الله دون ال ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ﴿ :‬وِإَلُهَنا َوِإَلُهُكْم َوا ِ‬
‫معبود كل مخلوق بالحق ‪ ،‬وإضافته معنوية ‪ ،‬بمعنى اللم ‪ ،‬أي للخلق ‪ ،‬وهو مصدر بمعنى‬
‫المفعول ‪ ،‬واللم فيه للستغراق ‪ ،‬أي جميع المخلوقات ‪ ،‬وفائدة هذه الضافة نفي الشتراك‬
‫ي ‪ ،‬وهو الحكم ‪ ،‬والنصرة ‪،‬‬
‫بال في التخليق ‪ ،‬وقد مّر بيانه بالبرهان ‪ ،‬ومولنا من الول ّ‬
‫ن القديم موجود ‪،‬‬
‫والقرب ‪ ،‬والمحبة‪ ،‬والمراد هنا الحاكم والناصر ‪ ،‬والقديم ضد الحادث ‪ ،‬ل ّ‬
‫لم يسبقه العدم ‪ ،‬والحادث موجود ‪ ،‬سبقه العدم‪ ،‬وإله الخلق مبتدأ‪ ،‬ومولنا عطف بيان له ‪،‬‬
‫وقديم خبر المبتدأ ‪ ،‬وموصوف بأوصاف الكمال ‪ ،‬وهو الخروج من القوة إلى الفعل ‪ ،‬بحيث‬
‫ل يبقى لموصوفه حالة منتظرة ‪ ،‬وفيه مسألتان ‪:‬‬
‫ي ‪ ،‬واجب الوجود بالذات ‪ ،‬واجب البقاء ‪ ،‬لنه لو لم يكن‬
‫الولى ؛ إنه قديم ‪ ،‬بمعنى أنه أزل ّ‬
‫قديما ‪ ،‬لكان حادثا ‪ ،‬فيحتاج إلى ُمحِدث ‪ ،‬فيكون ممكنا ‪ ،‬فيلزم منه إّمـا الدور ‪ ،‬أو‬
‫التسلسل ‪ ،‬وكلهما باطلن ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬إنه تعالى موصوف بالصفات‪ 3‬الكمالية ‪ ،‬التي هي الِعلم ‪ ،‬والقدرة ‪ ،‬والكلم ‪،‬‬
‫والتكوين ‪ ،‬والسمع ‪ ،‬والبصر ‪ ،‬إلى ما ل يتناهى من صفاته اللئقة ‪ /‬به تعالى ‪ 3‬ب‬
‫لنه لو لم يكن موصوفا بها ‪ ،‬لكان موصوفا بنقائضها ‪ ،‬كالجهل ‪ ،‬والعجز ‪،‬‬
‫والخرس ‪ ،‬وأمثالها ‪ ،‬التي هي إمارة الحدوث ‪ ،‬فيلزم أن يكون ذاته محل الحوادث ‪،‬‬
‫ن ما يخلق من الحوادث ‪ ،‬فهو حادث ‪ ،‬وقد ثبت أنه قديم ‪ ،‬هذا‬
‫فيكون حادثا ‪ ،‬ل ّ‬
‫خلق‪. 4‬‬
‫لِل‬
‫جَ‬
‫ق الُمَقّدُر ُذو ال َ‬
‫ح ّ‬
‫ُهَو ال َ‬ ‫ي الُمَدّبُر ُكّل َأْمٍر‬
‫حّ‬
‫ُهَو ال َ‬
‫أي ‪ :‬إله الخلق ‪ ،‬الحي الكامل ‪ ،‬الذي ل تزول الحياة عنه ‪ ،‬وهي عبارة عن وصف الموجود‬
‫ي قائم بذاته تعالى ‪ ،‬إذ لو لم يكن قائما‬
‫ن ُيَقدر ‪ ،‬ويعَلم ‪ ،‬وُيريد ‪ ،‬وهو أزل ّ‬
‫الذي به يصلح أ ْ‬
‫مريم ‪65‬‬ ‫‪1‬‬

‫العنكبوت ‪46‬‬ ‫‪2‬‬

‫كتب ‪ :‬بأوصاف ‪ ،‬وما أثبتناه من ب‬ ‫‪3‬‬

‫تكرر قوله ‪ :‬هذا خلق ‪ ،‬ول أدري ما الذي يعنيه بهذا القول ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫به ‪ ،‬لزم أن ل يكون قادرا عالما ُمريدا ‪ ،‬فثبت نقائضها ‪ ،‬التي هي النقائض ‪ ،‬وذات ال‬
‫ن يكون حّيـا‬
‫تعالى منزٌه عن جميعها ‪ ،‬وإّل لزم حدوثه تعالى ‪ ،‬وقد بّينا أنه قديم ‪ ،‬فيلزم أ ْ‬
‫بالضرورة ‪ ،‬وإله الخلق هو المدبر ‪ ،‬أي الذي يقضي كل أمر في القضاء كما شاء ‪ ،‬وينزل‬
‫من السماء إلى الرض ‪ ،‬وُيصلحه بعلمه الزلي في موضعه من السعادة ‪ ،‬والشقاوة ‪،‬‬
‫سفه ‪ ،‬وهو‬
‫والجل ‪ ،‬والرزق ‪ ،‬والثواب ‪ ،‬والعقاب ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬وإّل لكان فعله وإيجاده بال ّ‬
‫للوهية من غير شركة ‪ ،‬الذي‬
‫محال ‪ ،‬وإله الخلق هو الحق الُمقّدر ‪ ،‬أي هو المستحق ل ُ‬
‫خَلْقَناُه ِبَقَدٍر ﴾‪ ، 1‬أي ُمقّدرا‬
‫يٍء َ‬
‫ش ْ‬
‫يخلق كل شيء بقدر ‪ ،‬كما أخبر في كتابه القديم ﴿ ِإّنا ُكّل َ‬
‫بشكل ووصف يوافق ما في اللوح المحفوظ ‪ ،‬فمفعول المقّدر محذوف بدللة ِذكر كّل أمٍر‬
‫قبله ‪ ،‬فجميع الخلق حادث بقضائه وقدرته ‪ ،‬كما ذهب إليه المحققون ‪ ،‬وإله الخلق ذو‬
‫الجلل ‪ ،‬أي موصوف بالصفات السلبية أيضا ‪ ،‬ككونه ليس بجوهر‪ ،‬ول عرض ‪ ،‬ول جسم ‪،‬‬
‫ن يكون ‪ /‬موصوفا بنقائضها ‪ ،‬التي هي ‪ 4‬أ‬
‫ول لون ‪ ،‬ول كيف ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬ول يلزم أ ْ‬
‫إمارات الحدوث ‪ ،‬فيكون ذاته حادثا ‪ ،‬وقد ثبت أنه قديم ‪ ،‬هذا خلق ‪.‬‬
‫حاِل‬
‫ن ِلْيسَ َيْرضى ِباْلُم َ‬
‫َولِك ْ‬ ‫شّر اْلَقِبي ِ‬
‫ح‬ ‫خْيِر َوال ّ‬
‫ُمِريُد اْل ُ‬
‫أي ‪ :‬إله الخلق ُمريد في صنعه خيرا كان أو شرا قبيحا ‪ ،‬كاليمان والكفر ‪ ،‬والطاعة‬
‫والمعصية ‪ ،‬بإرادة قديمة قائمة بذاته تعالى ‪ ،‬وهي حالة َمَيلنّية ‪ ،‬تظهر في نفس الفاعل‬
‫لترجيح أحد المرين من فعل أو ترك ‪ ،‬لنه لولها لزم الترجيح بل مرجح ‪ ،‬لستواء الوقات‬
‫والكيفيات والكمّيـات ‪ ،‬بالنسبة إلى القدرة ‪ ،‬التي تأثيرها في اليجاد الذي ل يختلف‬
‫باختلفها ‪ ،‬فتقديم بعض أفعاله على بعض ‪ ،‬مع جواز تأخيره وتخصيصه بوقت دون وقت ‪،‬‬
‫ووجه دون وجه ‪ ،‬يحتاج إلى مخصص هو الرادة ‪ ،‬لئل ُينسب إلى التسّفه ‪ ،‬وليس ذلك‬
‫ن يقع كل‬
‫ن نسبتها إلى جميع الخلق سواء ‪ ،‬ول الِعْلم بالوقوع ‪ ،‬وإّل لزم أ ْ‬
‫نفس القدرة ‪ ،‬ل ّ‬
‫شيء بعلمه بالوقوع دفعة ‪ ،‬ل في وقت دون وقت ‪ ،‬ول الحياة ؛ لنها كالقدرة في نسبة‬
‫الستواء إلى الوقات ‪ ،‬فلم يبق إّل الرادة ‪ ،‬التي توجب تخصيص المفعولت بوجه ووقت‬
‫مخصوصين ‪ ،‬هذا هو الدليل العقلي ‪ ،‬وأّمـا الدليل النقلي فقوله تعالى ‪ُ﴿ :‬يِريُد الّلُه ِبُكُم‬
‫شاُء﴾‪. 3‬‬
‫سَر ﴾‪ ، 2‬وقوله تعالى ‪َ﴿ :‬وَيْفَعُل الّلُه َما َي َ‬
‫سَر َوَلا ُيِريُد ِبُكُم اْلُع ْ‬
‫اْلُي ْ‬
‫حاِل ‪ ،‬استدراك مما قال إنه مريد الشر بالوقوع ‪ ،‬ولكنه ل‬
‫س َيْرضى ِباْلُم َ‬
‫ن ِلْي َ‬
‫وقوله ‪َ :‬ولِك ْ‬
‫يرضى بالُمحال ‪ ،‬وهـو المحال الشرعي ‪ ،‬وفسره بما يوجب ارتكابه العقاب ‪ ،‬سواء كان‬
‫كفرا ‪ ،‬أو معصية ‪ ،‬ل الُمحال العقلي ‪ ،‬وهو ‪ /‬ما يمنع العقل وجوده في الخارج ‪ 4 ،‬ب‬

‫القمر ‪49‬‬ ‫‪1‬‬

‫البقرة ‪185‬‬ ‫‪2‬‬

‫إبراهيم ‪27‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪6‬‬
‫ن الرادة‬
‫كاجتماع النقيضين في محل واحد ‪ ،‬إذ ليس محل للرضى وعدمه ‪ ،‬فُعِلم من ذلك أ ّ‬
‫عْنِد الّلِه ﴾‪ ، 1‬ول‬
‫ن ِ‬
‫ن ال تعالى أراد كفر الكافر ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ُ﴿ :‬كّل ِم ْ‬
‫غير الرضى ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن النسان ربما يفعل شيئا‬
‫ضى ِلِعَباِدِه اْلُكْفَر﴾‪ ، 2‬ول ّ‬
‫يرضى بكفره ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ﴿ :‬وَلا َيْر َ‬
‫ن التفرقة حاصلة بينهما بحسب المفهوم ‪ ،‬إذ الرادة‬
‫بإرادته واختياره ‪ ،‬ول يرضى به ‪ ،‬ول ّ‬
‫ميل إلى فعل ‪ ،‬أو ترك ‪ ،‬والرضى إعطاء الثواب على حصول شيء موافق ‪ ،‬أو ترك‬
‫ن ال تعالى‬
‫العتراض على فاعله ‪ ،‬فعلى التفسيرين يثبت بينهما المخالفة ‪ ،‬فيثبت من ذلك أ ّ‬
‫جد للكائنات كّلها على سبيل الختيار ‪ ،‬لنه فاعل مختار ‪ ،‬فيكون مريدا لها ‪ ،‬لكن لّمـا‬
‫ُمو ِ‬
‫كان بعضها قبيحا ‪ ،‬لم يتعلق به رضاه ومحبته ‪ ،‬بل تعلق به سخطه وكراهته ‪.‬‬
‫صاِل‬
‫سَواُه َذا اْنِف َ‬
‫غْيًرا ِ‬
‫َوَل َ‬ ‫ن َذا ٍ‬
‫ت‬ ‫عْي َ‬
‫ت َ‬
‫س ْ‬
‫ل َلْي َ‬
‫تا ِ‬
‫صَفا ُ‬
‫ِ‬
‫قال أهـل الحق ‪ :‬مفهومات صفات ال تعالى ليست عين ذاته ؛ خلفا للمعتزلة‪ ، 3‬ول غير‬
‫ن لم تكن ثابتة لذاته تعالى ‪ ،‬كان‬
‫ن مفهوماتها إ ْ‬
‫ذاته ؛ خلفا للكرامية‪ ، 4‬أّمـا الول فل ّ‬
‫ن كانت‬
‫نقصا فيه ؛ لنها صفات الكمال ‪ ،‬كما مر ‪ ،‬ونقائضها نقائض وإمارات الحدوث ‪ ،‬وإ ْ‬
‫ن صفات الشيء يمتنع قيامها‬
‫ثابتة لذاته تعالى ‪ ،‬كانت زائدة عليه ‪ ،‬قائمة به بالضرورة ‪ ،‬ل ّ‬
‫بذواتها ‪ ،‬وبذات غيره ‪ ،‬فلو كانت عين ذاته ‪ ،‬يلزم الترادف بين اسم الذات ووصفه ‪ ،‬وهو‬
‫محال ‪.‬‬
‫ن الغيرين هما اللـذان يمكن انفصال‬
‫وأّمـا الثاني وهو أنها ليست غير ذاته تعـالى ‪ ،‬فل ّ‬
‫‪ /‬أحدهما عن الخر ‪ ،‬فلو كانت غير ذاته لّتصف غير ذاته تعالى بها ‪ ،‬وهو محال لنه ‪ 5‬أ‬
‫يلزم أن توجد صفاته الكاملة في غيره‪ ،‬فيكون ناقصا في ذاته‪ ،‬مستكمل بغيره ‪ ،‬وهو باطل ‪،‬‬
‫صاِل إشارة إلى تفسير الغير ‪ ،‬أي ‪ :‬المراد من غير الشيء ‪ ،‬ما ينفصل عنه‬
‫قوله ‪َ :‬ذا اْنِف َ‬
‫ن ما ُيفهم من الصفات بالجماع ‪ ،‬فأحدهما‬
‫بحسب الوجود ‪ ،‬ل ما ُيغايره بحسب المفهوم ‪ ،‬ل ّ‬
‫النساء ‪78‬‬ ‫‪1‬‬

‫الزمر ‪7‬‬ ‫‪2‬‬

‫المعتزلة فرقة إسلمية نشأت في أواخر العصر الموي وازدهرت في العصر العباسي‪ ،‬وقد اعتمدت على‬ ‫‪3‬‬

‫العقل المجرد في فهم العقيدة السلمية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة‬
‫أهل السنة والجماعة‪ .‬وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها‪ :‬المعتزلة والقدرية والعدلية وأهل العدل‬
‫والتوحيد والمقتصدة والوعيدية‪ .‬وقد جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعتين‪:‬‬
‫ـ الولى‪ :‬القول بأن النسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل‪ ،‬فهو يخلق أفعاله بنفسه‪.‬‬
‫ـــ الثانية‪ :‬القول بأن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنا ً ول كافراً ولكنه فاسق فهو بمنزلة بين المنزلتين‪ ،‬هذه حاله‬
‫في الدنيا أما في الخرة فهو ل يدخل الجنة لنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد مخلد في النار‪ ،‬ول مانع‬
‫عندهم من تسميته مسلما ً باعتباره يظهر السلم وينطق بالشهادتين ولكنه ل يسمى مؤمنًا‪ .‬ثم حرر المعتزلة‬
‫مذهبهم في خمسة أصول‪:‬‬
‫التوحيد ـ العدل ـ الوعد والوعيد ـ المنزلة بين المنزلتين ‪.‬ـ المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪.‬‬
‫الكرامية هم أتباع محمد بن كرام السجستاني‪ ،‬والكرامية فرقة من فرق المرجئة الذين خالفوا أهل السنة‬ ‫‪4‬‬

‫والجماعة في حقيقة اليمان‪ ،‬وقد ظهرت هذه الفرقة في القرن الثاني الهجري‪ ،‬ومن آرائهم تجسيم المعبود‬
‫وزعموا أنه جسم له حد ونهاية‪ ،‬وقالوا ان له وجها ً ويدين‪ ،‬يد ل كاليدي ووجه ل كالوجوه واثبتوا جواز‬
‫رؤيته‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن ا ل يقدر على اعادة الجسام والجواهر إنما يقدر على ابتدائها ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ن صفات‬
‫ن كانت غير منفصلة عن ذاته تعالى في الوجود ‪ ،‬فثبت أ ّ‬
‫غير الخر بالضرورة ‪ ،‬وإ ْ‬
‫ال تعالى ل هو ‪ ،‬ول غيره ‪ ،‬كالواحد مع العشرة ‪ ،‬فإنه ليس عين العشرة ‪ ،‬ول منفصل‬
‫عنها ‪.‬‬
‫صوَناتُ الّزَواِل‬
‫َقِديمَاتٌ َم ُ‬ ‫طّرا‬
‫ت َواْلَأْفَعاِل ُ‬
‫ت الّذا ِ‬
‫صَفا ُ‬
‫ِ‬
‫صفاته تعالى سواء كانت صفات الذات ‪ ،‬وهي التي ليس فيها معنى إحداث الشيء ‪ ،‬أو‬
‫ت‪،‬‬
‫ت ‪ ،‬قائمات بذاته تعالى ‪ ،‬لزمات له ‪ ،‬مصونا ٌ‬
‫صفات الفعل ‪ ،‬وهي التي بخلفها ‪ ،‬قديما ٌ‬
‫ن تنفصل عن ذاته تعالى ‪ ،‬لستحالة التغّير فيه ؛ خلفا‬
‫أي محفوظات عن الزوال ‪ ،‬أي عن أ ْ‬
‫لبي حسن الشعري‪ 1‬من المتكلمين ‪ ،‬فإنه قال ‪ :‬صفات الذات قائمة بذاته ‪ ،‬وأراد بها ما‬
‫يلزم من سلبها عنه نقيضه له ‪ ،‬كالعلم والقدرة والحياة ‪ ،‬وصفات الفعل حادثة غير قائمة‬
‫بذاته ‪ ،‬وأراد بها ما ل يلزم من نفيها نقيصه له ‪ ،‬كالتكوين والحياء والماتة والخلق ‪ ،‬قلنا‬
‫لو كانت صفات الفعل حادثة في ذاته لزم خلو ذاته في الزل عنها ‪ ،‬ثم اتصف بها ‪ ،‬فيلزم‬
‫حينئذ تغيير ذاته عما كان عليه ‪ ،‬وهو من إمارات الحدوث ‪ ،‬فيكون ذاته محل للحوادث ‪،‬‬
‫‪5‬ب‬ ‫وما ل يخلوعن اللحوادث فهو‪ 2‬حادث ‪ ،‬وقد ثبت ‪/‬أنه قديم بالذات ‪ ،‬هذا خلف ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬طرا بمعنى جميعا ‪ ،‬حال من ضمير المستكن ‪ ،‬وقديمات ‪.‬‬
‫ستّ خاِلي‬
‫جَهاتِ ال ّ‬
‫ن ِ‬
‫عْ‬
‫َوَذاًتا َ‬ ‫شْيَئا َل َكاَلاشْيا‬
‫ل َ‬
‫سّمى ا َ‬
‫ُن َ‬
‫أي نحن نصف ال تعالى بأنه شيء ‪ ،‬بمعنى أنه موجود ثابت ‪ ،‬وليس فيه نقص له ‪ ،‬ول ّ‬
‫ن‬
‫شَهاَدًة ُقِل الّلُه ﴾‪ ، 3‬فإنه أطلق‬
‫يٍء َأْكَبُر َ‬
‫ش ْ‬
‫ي َ‬
‫الشرع أِذن بإطلقه عليه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ُ﴿ :‬قْل َأ ّ‬
‫عليه ما أطلق على غيره ‪ ،‬وقال الجهمية‪ : 4‬ل يجوز إطلقه على ال تعالى ‪ ،‬لنه ُيفضي‬
‫إلى المشابهة بينه وبين خلقه ‪ ،‬ومنع المصنف ذلك ‪ ،‬ل كالشياء ‪ ،‬أي أنه شيء ل كسائر‬
‫ن ذاته تقتضي دوام وجوده ‪ ،‬وتقتضي إحاطة علمه‬
‫الشياء بحسب الحقيقة والصفة ‪ ،‬ل ّ‬
‫بجميع الشياء ‪ ،‬وتقتضي القدرة على كل الممكنات ‪ ،‬ول شيء من الشياء كذلك ‪ ،‬وأيضا‬
‫صفاته قديمة ‪ ،‬وصفات غيره حادثة ‪ ،‬والكل يدل على نفي المشابهة ‪ ،‬وكذا ُنسّمي ال تعالى‬

‫هو أبو الحسن علي بن إسماعيل يرجع نسبه إلى أبي موسى الشعري‪ .‬ولد سنة ستين ومائتين بالبصرة‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وقيل‪ :‬غير ذلك‪ ،‬وتوفي ببغداد‪ .‬كان أبو الحسن الشعري سّنيـا من بيت سّنة ثم درس العتزال على أبي‬
‫علي الجّبائي وتبعه في العتزال‪ ،‬ثم تاب وَرقَِي كرسّيا في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة ونادى بأعلى‬
‫صوته‪ :‬من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فإني أعّرفه بنفسي‪ ،‬أنا فلن بن فلن كنت أقول‬
‫بخلق القرآن وان ا ل تراه البصار وان أفعال الشر أنا أفعلها وأنا تائب مقلع‪ ،‬معتقد للرد على المعتزلة‬
‫مخرج لفضائحهم ومعايبهم‪.‬‬
‫فهو ‪ :‬زيادة من ب ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫النعام ‪19‬‬ ‫‪3‬‬

‫الجهمية تطلق َعَلى جميع نفاة الصفات اللهية؛ تنتسب إلى الجهم بن صفوان‪ ،‬ومن عقائدهم‪ :‬إنكار جميع‬ ‫‪4‬‬

‫السماء والصفات‪ ،‬والقول بالرجاء في فعل النسان‪ ،‬والقول بأن القرآن مخلوق‪ ،‬وغيرها‪ .‬وفرقة الجهمية‬
‫من الفرق التي تنتسب للسلم‪ ،‬وقد خالفت أصول العقيدة السلمية في كثير معتقداتها‪ ،‬لذا يعتبرها الكثير‬
‫من المذاهب السلمية كالسنةوالشيعة بأنها ليست فرقة إسلمية ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ذاتا ل كسائر الذوات ‪ ،‬أي ذاتا هو خال عن الجهات الست ‪ ،‬أعني ‪:‬الفوق ‪ ،‬والتحت ‪،‬‬
‫واليمين ‪ ،‬واليسار ‪ ،‬والمام ‪ ،‬والخلف ‪ ،‬وذات غيره ل تخلو عن هذه الجهات ‪ ،‬لّنه إّمـا‬
‫ُمتحّيزا ‪ ،‬أو حاّل في المتحّيز ‪ ،‬والتحّيز يقتضي الجهة ‪ ،‬وال تعالى ُمنّزه عن كونه ُمتحّيزا ‪،‬‬
‫ن ال تعالى في‬
‫أو حاّل فيه ‪ ،‬فل يكون في جهة ما أصل ؛ خلفا للمجسمة‪ ، 1‬فإنهم قالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫سَتَوى﴾‪ ، 2‬بمعنى استقّر عليه ‪،‬‬
‫شا ْ‬
‫عَلى اْلَعْر ِ‬
‫ن َ‬
‫حَم ُ‬
‫سكوا بقوله تعالى ‪﴿ :‬الّر ْ‬
‫جهة ‪ ،‬وتم ّ‬
‫سْوق الكلم للمدح ‪ ،‬وهو ل‬
‫ن َ‬
‫ن المراد بالستواء الستيلء ‪ ،‬ل الستقرار ‪ ،‬ل ّ‬
‫والجواب أ ّ‬
‫يليق بالستقرار ‪ ،‬فمعنى الية الرحمن استوى وحكم على العرش ‪ ،‬وما حواه ‪ ،‬وهذا ل يدل‬
‫على كونه في جهة‪. 3‬‬
‫‪6‬أ‬ ‫خْيَر آِل‬
‫صيَرِة َ‬
‫َلَدى َأْهِل الْب ِ‬ ‫سّمى‬
‫غْيًرا ِلْلُم َ‬
‫سُم َ‬
‫س اْلِإ ْ‬
‫َوَلْي َ‬ ‫‪/‬‬
‫قال بعض العلماء من أهل الحق ‪ :‬اسم ال تعالى عين ذاته ‪ ،‬الذي هو ُمسمى ‪ ،‬بمعنى أ ّ‬
‫ن‬
‫ك﴾‪، 4‬‬
‫سُم َرّب َ‬
‫كا ْ‬
‫الحكم الوارد على السم حكم على المسمى ‪ ،‬واحتجوا بقوله تعالى ‪َ﴿ :‬تَباَر َ‬
‫ن تبارك بمعنى تعالى ‪ ،‬والمتعالي هو ال تعالى ‪ ،‬المنّزه عن كل ما ل يليق به تعالى ‪،‬‬
‫فإ ّ‬
‫ن محمدا رسول ال ‪ ،‬فإنه لو لم يكن السم عين المسمى لكان‬
‫ويقول المسلم ‪ :‬أشهد أ ّ‬
‫الشهادة بالرسالة على غير رسول ال ‪ ،‬فيكفر القائل ‪ ،‬وتمسكوا بالحكم الشرعي وهو أنه‬
‫لو قال رجل‪ :‬زينب طالق ‪ ،‬وقع الطلق عليها ‪ ،‬والطلق يقع على المسمى ‪ ،‬ل على اللفظ ‪،‬‬
‫وكذا لو قال ‪ :‬عبدي حّر ومدبر ‪ ،‬هذا مذهب الكثرين من أهل السنة والجماعة ‪ ،‬وقال‬
‫القلون منهم ‪ ،‬والمعتزلة ‪ :‬السم غير المسمى بالنقل والعقل ‪ ،‬أّمـا النقل فقوله تعالى ‪﴿ :‬‬
‫صاَها‬
‫ن َأحْ َ‬
‫سًما ‪َ ،‬م ْ‬
‫نا ْ‬
‫سِعي َ‬
‫سَعًة َوِت ْ‬
‫ن ِلّلِه ِت ْ‬
‫سَنى﴾‪ ، 5‬وقوله عليه السلم ‪ِ] :‬إ ّ‬
‫ح ْ‬
‫سَماُء اْل ُ‬
‫َوِلّلِه اْلَأ ْ‬
‫ن ذلك يدل على تعدد السم ‪ ،‬وتعدد السم في المسمى ُمحال ‪ ،‬وأّمـا‬
‫جّنَة [ ‪ ، 6‬فإ ّ‬
‫خَل اْل َ‬
‫َد َ‬
‫ن يكون الداّل والمدلول‬
‫ن السم داّل على المسمى ‪ ،‬فلو كان السم عينه ‪ ،‬لزم أ ْ‬
‫العقل ‪ ،‬فل ّ‬
‫ن ُيقال ‪ :‬عبدت اسم ال تعالى ‪،‬‬
‫شيئا واحدا ‪ ،‬وهو ممتنع‪ ،‬ولنه لو كان عين المسمى لجاز أ ْ‬
‫وأكلت اسم الخبز ‪ ،‬وضربت اسم زيد ‪ ،‬وقعدت في اسم البيت ‪ ،‬لكنه ُنسب قائله إلى الجنون‬
‫ن ُيحترق لسانه ‪ ،‬فُعِلم من ذلك أ ّ‬
‫ن‬ ‫والحماقة عند العقلء ‪ ،‬وكذا لو تكّلم رجل بالنار ‪ ،‬ينبغي أ ْ‬

‫المجسمة فرقة في السلم قديما ً كانت تقول أن ا جسم ‪ ،‬ومن أبرز المجسمة عبر التاريخ السلمي ابن‬ ‫‪1‬‬

‫كرام زعيم الفرقة الكرامية‪ .‬و هو لقب أطلقه الذين يقولون‪ :‬إن إثبات الصفات الذاتية ل مستلزم للتجسيم ‪،‬‬
‫لنهم بحسب القائلين بهذا الحكم يثبتون الجسم ل من حيث إثباتهم أن ا يحده العرش وأنه موجود في جهة‬
‫طه ‪5‬‬ ‫‪2‬‬

‫كتب ‪ :‬على كونه فحسب جهة ‪ ،‬وما أثبتناه من ب ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫الرحمن ‪78‬‬ ‫‪4‬‬

‫العراف ‪180‬‬ ‫‪5‬‬

‫صحيح البخاري ‪ ، 3/259‬وصحيح مسلم ‪8/63‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪9‬‬
‫ن المراد مما ذكرتم ‪ ،‬وهو التسمية ل السم‪ ،‬وهي ما قام‬
‫السم غير المسمى ‪ ،‬والجواب أ ّ‬
‫ك أنها غير المسمى بالتفاق ‪ ،‬فمعناها ‪ /‬التسّمي ‪ ،‬فمعنى قولك ‪:‬مـا ‪6‬ب‬
‫بالمسمى ‪ ،‬ول ش ّ‬
‫اسمك ؟ ما تسميتك‪ ، 1‬لنك تريد السؤال عن التسمي ‪ ،‬بدليل ذكر لفظ‪ 2‬ما ‪ ،‬وأنه لغير‬
‫العقلء ‪ ،‬فلو استعمل بكلمة َمن ‪ ،‬فيقال ‪َ :‬من محمد ؟ فالجواب أنا بالضافة إلى الذات ‪ ،‬ل‬
‫ن مفهوم اسم الشيء عين ذلك الشيء شرعا ‪،‬‬
‫ن المراد مما ذكرنا هو أ ّ‬
‫ن محمدا اسمي ‪ ،‬وأ ّ‬
‫أّ‬
‫أو لغة ‪ ،‬إذا ُأسند إليه الفعل ‪ ،‬أو تعلق به ‪ ،‬نحو ‪ :‬جاءني زيٌد ‪ ،‬وضربت عمرا ‪ ،‬ونحو ‪:‬‬
‫ن السناد والتعليق ليس إلى اللفظ ؛ لستحالة ذلك ‪،‬‬
‫زينب طالق ‪ ،‬والمبارك حر أو مدبر ‪ ،‬وأ ّ‬
‫نعم ‪ ،‬قد ُيطلق السم على مجرد اللفظ من غير اعتبار مفهومه ومسماه ‪ ،‬كما في قولك ‪ :‬ما‬
‫اسمك ؟ فيقال ‪ :‬زيد ‪ ،‬وُيطلق وُيراد به الصفة كما في الية والحديث ‪ ،‬وقد ُيطلق وُيراد به‬
‫التسمية ‪ ،‬كما سمعت تحقيقه ‪ ،‬ول نزاع في ذلك كله ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬لدى أهل البصيرة ‪ ،‬أراد به أهل الحق ‪ ،‬وهم أهل السنة والجماعة ‪ ،‬والبصيرة نور‬
‫ن البصارة نور في البصر ‪ ،‬يدرك به المحسوسات ‪،‬‬
‫في القلب ‪ ،‬يدرك به الشياء ‪ ،‬كما أ ّ‬
‫والل بمعنى الهل ‪ ،‬لكنه ُيستعمل في الشراف ‪ ،‬والهل اهم منه استعمال ‪ ،‬وذكر خير آل‬
‫للمدح ‪.‬‬

‫شِتماِل‬
‫ض ُذو ا ْ‬
‫َوَل ُكّل َوَبْع ٌ‬ ‫سٌم‬
‫ج ْ‬
‫جْوَهٌر َرّبى َو ِ‬
‫ن َ‬
‫َوَما ِإ ْ‬
‫ن الزائدة ‪ ،‬فأبطلت عملها ‪ ،‬فربي مبتدأ ‪ ،‬وجوهر خبره ‪،‬‬
‫ما بمعنى ليس ‪ ،‬وقعت بعدها إ ْ‬
‫ُقّدم عليه ‪ ،‬وجسم عطف عليه ‪ ،‬ول كل وبعض ‪ ،‬أيضا عطف عليه ‪ ،‬ول زائدة للتأكيد بعد‬
‫النفي ‪ ،‬وذو اشتمال صفة كّل ‪ ،‬وفيه أربع مسائل ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬أنه تعالى ليس بجوهر‪ ،‬لنه عبارة عن الجزء المتحّيز ‪ ،‬الذي ل ينقسم عند‬
‫البعض ‪ ،‬وال تعالى منّزه عن التناهي والتحّيز ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو الموجود الغني عن‬
‫ن يصلح اطلقه على ال تعالى ‪ ،‬لكنه يتوقف على إذن الشرع ‪7‬أ‬
‫الموضوع ‪ /‬وهو أ ْ‬
‫والثانية ‪ :‬أنه تعالى ليس بجسم ‪ ،‬وهو مركب من الجوهرين عندنا‪ ، 3‬والجوهر الذي له أبعاد‬
‫ن يكون مركبا ‪ ،‬فيحتاج‬
‫عمق عند المعتزلة ‪ ،‬لنه يلزم أ ْ‬
‫ثلثة ‪ :‬طول ‪ ،‬وعرض ‪ ،‬و ُ‬
‫ن ل يكون واجبا قديما ‪ ،‬هذا خلف ‪.‬‬
‫إلى الجزء ‪ ،‬والمحتاج ممكن ‪ ،‬فيلزم أ ْ‬
‫والثالثة ‪ :‬أنه تعالى ليس بكل ‪ ،‬وإّل لكان له جزء ‪ ،‬فيلزم التركيب ‪ ،‬وهو على ال تعالى‬
‫ُمحال ‪.‬‬

‫في ب ‪ :‬ما سميتك ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫لفظ ‪ :‬زيادة من ب ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫كتب ‪ :‬وهو تركب الجوهرين عندنا ‪ ،‬وما أثبتناه من ب ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪10‬‬
‫والرابعة ‪ :‬أنه تعالى ليس ببعض‪ ،‬إذ لو كان بعضا لكان جزًء للغير ‪ ،‬وهو إّمـا صفة كمال ‪،‬‬
‫ن يكون الواجب مستكمل بغيره ‪ ،‬أو ل صفة كمال ‪ ،‬فيجب نفيه لنقصانه‪،‬‬
‫فيلزم أ ْ‬
‫وكماله تعالى بالذات ‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ :‬ذو اشتمال ‪ ،‬إنما جاء به لرعاية الوزن ‪ ،‬وليس مسألة أخرى ‪ ،‬كما قيل‪ :‬إنه‬
‫ن ال تعالى ليس بمشتمل على المكان والزمان ‪ ،‬وإّل لكان محدودا ‪ ،‬وهو ُمحال‬
‫بمعنى أ ّ‬
‫لعدم العطف فيه ‪.‬‬
‫ن خاِلي‬
‫جّزى َيا اْب َ‬
‫ف الّت َ‬
‫ل َوصْ ِ‬
‫ِب َ‬ ‫جْزِء‬
‫ن ُ‬
‫ق َكْو ُ‬
‫حّ‬‫ن َ‬
‫َوفي اْلَأْذَها ِ‬
‫أي في العقول ثابت وجود الجزء الذي ل يتجزأ ‪ ،‬وهو الجوهر الفرد ‪.‬‬
‫ن الجزء الذي ل يتجزأ موجود ؛ خلفا للمعتزلة والفلسفة ‪،‬‬
‫ن المتكلمين ذهبوا إلى أ ّ‬
‫اعلم أ ّ‬
‫ن كانت مستقلة بذاتها كالجوهر ‪،‬‬
‫وعّبروا عنه بالنقطة‪ ،‬وهي شيء ذو وضع غير منقسم‪ ،‬فإ ْ‬
‫ن لم تستقل بذاتها بل بالمحل كالعرض‪ 1‬كان محلها غير منقسم ‪ ،‬وإلّ‬
‫فهي الجزء ‪ ،‬وإ ْ‬
‫ن الغرض إمكان‬
‫لنقسم الحاّل بانقسام المحل ‪ ،‬فيلزم عدم تناهي الجزاء في جسم معّين ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن تكون أجزاء الخردلة‪ 3‬ـ على تقدير‬
‫انقسام كل جزء‪ ، 2‬وهو باطل ‪ ،‬لنه يؤدي إلى أ ْ‬
‫ن كل واحد منهما ل يتناهى ‪ ،‬ول ّ‬
‫ن‬ ‫انقسام كل جزء منها‪ 4‬ـ مساوية لجزاء الجبل ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن ال تعالى لم يقدر على‬
‫ن قالوا إ ّ‬
‫الجتماع بين الجزاء في الجسم الذي خلقه ال تعالى ‪ ،‬إ ْ‬
‫ن قالوا إنه يقدر ‪7‬ب‬
‫خلق ‪ /‬الفتراق بينها ‪ ،‬بدل عن الجتماع ‪ ،‬فقد وصفوه بالعجز ‪ ،‬وإ ْ‬
‫على ذلك ‪ ،‬فقد ثبت الجزء الذي ل يتجزأ ‪ ،‬وهو المطلوب ‪.‬‬
‫س الَمَقاِل‬
‫جْن ِ‬
‫ن ِ‬
‫عْ‬
‫لُم الّربّ َ‬
‫َك َ‬ ‫خُلوَقا َتَعاَلى‬
‫ن َم ْ‬
‫َوَما اْلُقْرآ ُ‬
‫أي ليس كلم ال تعالى حادثا ‪ ،‬أحدثه ال تعالى باللفظ المركب من الحروف والصوات ‪،‬‬
‫تنّزه كلم رب العالمين عن جنس ما يقوله الناس ‪ ،‬وهو المسموع بالحروف والصوات ‪،‬‬
‫ن ال تعالى ُمتكّلم ‪ ،‬والقرآن كلمه ‪ ،‬واختلفوا في معنى كلمه ‪ ،‬قال‬
‫اّتفق المتكلمون على أ ّ‬
‫أهل السنة والجماعة ‪ :‬كلم ال تعالى هو الكلم النفسي ‪ ،‬ل اللفظ المسموع من الحروف‬
‫ن الكلم صفة كمال للحي ‪ ،‬وعدمه نقص ‪ ،‬فيجب اّتصافه به ‪،‬‬
‫والصوات ‪ ،‬والدليل عليه أ ّ‬
‫ن جميع‬
‫ح اّتصافه به ‪ ،‬وإّل لتصف بضده ‪ ،‬وهو نقص على ال تعالى ‪ ،‬ول ّ‬
‫ي ‪ ،‬يص ّ‬
‫لنه ح ّ‬
‫ن ُيراد به الكلم النفسي ‪ ،‬أو‬
‫النبياء عليهم السلم اّتفقوا على أنه متكلم ‪ ،‬فل يخلو ِمن أ ْ‬
‫ن كان الول ‪ ،‬يلزم قيام الكلم النفسي بذاته تعالى ‪ ،‬وهو المطلوب ؛ لئل يلزم‬
‫الحسي ‪ ،‬فإ ْ‬
‫ن حدوث اللفظ‬
‫ن كان الثاني ‪ ،‬يلزم حدوثه تعالى ‪ ،‬وهو محال ‪ ،‬ل ّ‬
‫النقص عليه تعالى ‪ ،‬وإ ْ‬
‫بل بالمحل كالعرض ‪ :‬زيادة من ب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫لّن الغرض إمكان انقسام كل جزء ‪ :‬زيادة من ب ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الخردلة واحدة الخردل ‪ ،‬وهو حب شجر معروف ‪ ،‬يضرب به المثل في خفة الوزن ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫على تقدير انقسام كل جزء منها ‪ :‬زيادة من ب ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪11‬‬
‫‪1‬‬
‫ن يكون قائما بذاته تعالى ‪] ،‬سواء[‬
‫المركب من الحروف والصوات عرض ‪ ،‬فهو إّمـا أ ْ‬
‫كان ذاته محل للحوادث ‪ ،‬أو بذات غيره ‪ ،‬فيلزم قيام وصف الشيء بغيره ‪ ،‬أو يكون قائما‬
‫بنفسه ‪ ،‬فيلزم قيام العرض بنفسه‪ ،‬والكّل ُمحال ‪.‬‬
‫سَمَع َكَلاَم﴾‪ ،2‬والمسموع هو ألفاظ المركب من‬
‫حّتى َي ْ‬
‫وتمسك المعتزلة بقوله تعالى‪َ ﴿:‬‬
‫جدا لهذه الحروف ‪،‬‬
‫الحروف المسموعة ‪ ،‬فيكون مخلوقا ‪ ،‬ومعنى كونه متكلما ‪ ،‬كونه ُمو ِ‬
‫ي ‪8‬أ‬
‫ت الدالة على المعاني المقصودة في أجسام ‪ /‬مخصوصة من َمَلك ‪ ،‬أو نب ّ‬
‫والصوا ُ‬
‫أو حجر ‪ ،‬أو شجر ‪.‬‬
‫قلنا ‪ :‬معناه حتى يسمع ما يدل على كلم ال ‪ ،‬الذي هو المعنى النفسي ‪ ،‬كما ُيقال ‪ :‬سمعت‬
‫على فلن‪ ، 3‬أي ما يدل على علمه ‪ ،‬واستدلوا بقولـه تعالى أيضا ‪ِ ﴿ :‬إّنا َأْنَزْلَناُه ُقْرآًنا‬
‫عَرِبّيا ﴾‪ ، 4‬وصف القرآن بكونه عربيا ‪ ،‬والعربي ل يكون إّل باللفظ ‪ ،‬وهو حادث ‪ ،‬وجوابه‬
‫َ‬
‫ن معناه ‪ :‬أنزلنا القرآن معبرا بالعربي للفهم ‪ ،‬والمراد من القرآن المقروء ‪،‬‬
‫ن ُيقال ‪ :‬إ ّ‬
‫أْ‬
‫ن يكون من‬
‫بقرينة قوله ‪ :‬كلم الّرب ‪ ،‬وهو فاعل ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬أي ارتفع وعل كلم ال تعالى أ ْ‬
‫جنس مقال الناس ‪ ،‬وهو القول بمعنى الّتكّلم بكلم مركب من الحروف والصوات ‪.‬‬
‫صاِل‬
‫ن َواّت َ‬
‫ف الّتَمُك ِ‬
‫ص ِ‬
‫ِبلَ َو ْ‬ ‫ش لِك ْ‬
‫ن‬ ‫ق اْلَعْر ِ‬
‫ش َفْو َ‬
‫ب اْلَعْر ِ‬
‫َوَر ّ‬
‫قالت الكرامية والمشبهة ‪ :‬إنه تعالى متمّكن على العرش ؛ لنه جسم متصف بالصورة ‪،‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬إنه على العرش ‪ ،‬ل بمعنى التمّكن والتصال ‪ ،‬ولكن بالتصال بجهة ‪،‬‬
‫سَتَوى﴾‪،5‬‬
‫شا ْ‬
‫عَلى اْلَعْر ِ‬
‫ن َ‬
‫حَم ُ‬
‫وغرضهم إثبات الجهة له تعالى ‪ ،‬وتمسكوا بقوله تعالى ‪﴿ :‬الّر ْ‬
‫ن الستواء بمعنى الستقرار‪ : 6‬كما في قوله تعالى ُمخبرا‬
‫فإنه يدل على أنه مستقر عليه ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي﴾‪ ، 8‬وهو اسم جبل في جزيرة ‪ ،‬بمعنى استقّرت ‪،‬‬
‫جوِد ّ‬
‫عَلى اْل ُ‬
‫ت َ‬
‫سَتَو ْ‬
‫عن السفينة‪َ﴿ : 7‬وا ْ‬
‫وتمكنت ‪ ،‬وأجاب المصنف وغيره من أهل الحق بأن الستواء كما يجيء بمعنى الستقرار ‪،‬‬
‫ن العقل يمنع‬
‫يجيء بمعنى الستيلء والقتدار والتمام ‪ ،‬فل يكون حجة ‪ ،‬مع الحتمال على أ ّ‬
‫أن يكون هنا بمعنى الستقرار على المكان ‪ ،‬بأنه لو كان على مكان العرش ‪ ،‬فل يخلو ِمن‬
‫ن يكون بمْقداره ‪ ،‬أو أزيد ‪ ،‬أو أنقص ‪ ،‬والولن ُمحالن للزوم التجزؤ والتبّعض في ذاته‬
‫أْ‬
‫ن يكون ‪ 8‬ب‬
‫تعالى ‪ ،‬وقد بّينا استحالتة ‪ /‬وكذلك الثالث ‪ ،‬لنه لو كان أصغر منه فإّمـا أ ْ‬

‫ما بين الحاصرتين زيادة يقتضيها السياق ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫التوبة ‪6‬‬ ‫‪2‬‬

‫كتب ‪ :‬علم الفلن ‪ :‬وما أثبتناه من ب ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫يوسف ‪2‬‬ ‫‪4‬‬

‫طه ‪5‬‬ ‫‪5‬‬

‫في أ ‪ ،‬ب ‪ :‬الستقراء ‪ ،‬وهو خطأ ‪ ،‬والصواب ما أثبتناه ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫كتب ‪ :‬عن نفسه ‪ ،‬وما أثبتناه من ب ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫هود ‪44‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪12‬‬
‫بمقداٍر من الجزء الذي ل يتجزأ ‪ ،‬وهو حقارة ونقص له ‪ ،‬تعالى علوا كبيرا ‪ ،‬أو يكون أكبر‬
‫ن الّتعّري عن المكان والجهة ثابت له في الزل‬
‫منه ‪ ،‬فيلزم التجزؤ أيضا ‪ ،‬فهو محال ‪ ،‬ول ّ‬
‫إجماعا ‪ ،‬فلو ثبت له التمكن والجهة بعد ذلك ‪ ،‬يلزم التغيير في ذاته تعالى ‪ ،‬فيصير ذاته‬
‫تعالى محل للحوادث ‪ ،‬وأنه محال ‪ ،‬فقول المصنف ‪ :‬ورب العرش ‪ ،‬جواب للخصم عن‬
‫ن فوقية ال تعالى على العرش ثابتة ‪ ،‬لكن بوصف العلو والتوّلي عليه ‪،‬‬
‫استدلله بالية ‪ ،‬بأ ّ‬
‫‪1‬‬
‫ل بوصف التمّكن فوقه ‪ ،‬ووصف التصال به ‪ ،‬وإّل لزم التجزؤ والحتياج إليه المستلزمان‬
‫ن المقام مقام المدح ‪ ،‬فلو كان المراد به ما‬
‫للحدوث في ذاته تعالى ‪ ،‬وقد بّينا استحالته ‪ ،‬ول ّ‬
‫ذكره الخصم ‪ ،‬يلزم انتفاء التمّدح ‪ ،‬وثبوت التذمم ‪ ،‬وهو ل يليق به تعالى ‪.‬‬
‫ف اْلَأَهاِلي‬
‫صَنا َ‬
‫ك َأ ْ‬
‫ن َذا َ‬
‫عْ‬
‫ن َ‬
‫صْ‬‫َف ُ‬ ‫جًها‬
‫ن َو ْ‬
‫حم ِ‬
‫شِبيُه ِللّر ْ‬
‫َوَما الّت ْ‬
‫قال أهل السنة والجماعة ‪ :‬إنه ل يشبه أحدا من الخلق ذاتا ‪ ،‬واستدلوا بالنقل والعقل ‪ ،‬أّمـا‬
‫يٌء﴾‪ ، 2‬فإنه نفى مماثلته مطلقا ‪ ،‬وبالغ فيه ‪ ،‬بإيقاع النكرة‬
‫ش ْ‬
‫س َكِمْثِلِه َ‬
‫النقل فقوله ‪َ﴿ :‬لْي َ‬
‫ن ل يكون شيء مثله ‪،‬‬
‫في سياق النفي‪ ،‬وهو يفيد العموم ‪ ،‬ونفي المماثلة المطلقة تقتضي أ ْ‬
‫ل بحسب الذات ‪ ،‬ول بحسب الصفات ‪ ،‬ل ُيقال الية دّلت على نفي مثل المثل ‪ ،‬ونفي مثل‬
‫ن يثبت المثل على ذلك التقدير ‪ ،‬لّنـا نقول ‪ :‬نفي مثل‬
‫المثل ل يقتضي نفي المثل ‪ ،‬فيجوز أ ْ‬
‫مثله يستلزم نفي مثله ؛ لسبب انتفاء المماثلة ‪ ،‬لكون المماثلة من الجانبين ‪ ،‬فإذا انتفى أحد‬
‫الِمْثَلْين انتفى الخر ‪ ،‬فيبقى ال تعالى بل مثل بالضرورة ‪ ،‬وهو المطلوب ‪ ،‬وإذا قيل‬
‫بزيادة ‪ /‬الكاف الذي بمعنى المثل ‪ ،‬فل إشكال ‪.‬‬
‫‪9‬أ وأّمـا العقل فلنه يحكم بأن المماثلة لو ثبتت بينه وبين غيره لكان تمّيزه عن غيره‬
‫ن كان ذاته لزم الترجيح بل مرجح ‪ ،‬إذ التقدير استواء ذاته تعالى مع سائر‬
‫بمميز ‪ ،‬وهو إ ْ‬
‫ن كان غير ذاته فإّمـا أن يكون أمرا ُملقيا لذاته ‪ ،‬أي صفة له ‪ ،‬عاد الكلم إلى‬
‫الذوات ‪ ،‬وإ ْ‬
‫ن كان غيره‬
‫ن كان ذاته تعالى لزم الترجيح بل مرجح ‪ ،‬وإ ْ‬
‫ن موجب تمّيزه إ ْ‬
‫ذلك الملقي بأ ّ‬
‫فينتقل الكلم إليه مرة بعد أخرى ‪ ،‬ويلزم التسلسل ‪ ،‬أو كان الموجب أمرا مباينا عن ذاته‬
‫تعالى ‪ ،‬كان ال تعالى محتاجا في هويته وامتيازه إلى سبب منفصل عنه ‪ ،‬فيكون ممكنا ‪،‬‬
‫ن المماثلة بين ال تعالى وغيره‬
‫فقد ثبت أنه واجب الوجود بالذات ‪ ،‬فعلم من هذا الدليل أ ّ‬
‫منتفية بالضرورة ‪ ،‬فأشار المصنف بقوله ‪ :‬وما التشبيه ‪ ،‬أي ليس التمثيل للرحمن ‪ ،‬أي‬
‫الرزاق لكافة الخلق برحمته ‪ ،‬وجها ‪ ،‬أي طريقا عند العقل ‪ ،‬وهو خبر ما بمعنى ليس ‪،‬‬
‫والفاء في فصن فاء الجزاء ‪ ،‬والشرط محذوف ‪ ،‬أي ‪ :‬إذا لم يكن له وجه ‪ ،‬فصن ‪ ،‬أي‬
‫احفظ ‪ ،‬من الصون ‪ ،‬وهو الحفظ ‪ ،‬عن ذاك ‪ ،‬أي التشبيه ‪ ،‬أصناف الهالي ‪ ،‬أي أنواع‬

‫كتب ‪ :‬المستلزمتين ‪ ،‬وما أثبتناه من ب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى ‪11‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪13‬‬
‫القوام ‪ ،‬بالدليل العقلي والنقلي ‪ ،‬كما ذكرناهما ‪ ،‬وهي جمع صنف ‪ ،‬والصنف نوع مقّيد‬
‫بصفة كالزنجي ‪ ،‬والتركي ‪ ،‬والهالي جمع أهـل ‪ ،‬كالراضي جمع أرض ‪ ،‬واللم فيه‬
‫عوض عن المضاف إليه ‪ ،‬أي أهالي السلم ‪.‬‬
‫حاِل‬
‫ن ِب َ‬
‫حَواٌل َوَأْزَما ٌ‬
‫َوَأ ْ‬ ‫ن َوْق ٌ‬
‫ت‬ ‫عَلى الّدّيا ِ‬
‫ضي َ‬
‫َوَل َيْم ِ‬
‫أي ل يمر على ال تعالى الُمجازي كل إنسان بعمله خيرا كان أو شرا وقت ‪ ،‬أي جزء من‬
‫الزمان ‪ ،‬وهو مقدار حركة الفلك ‪ ،‬والحوال ‪ /‬وهي الصفات الغير الراسخة في ‪ 9‬ب‬
‫الموصوف ‪ ،‬والزمان ‪ ،‬أي دهر ‪ ،‬والزمان الطويل بحال ‪ ،‬أي ل بحال الحدوث ‪ ،‬ول بحال‬
‫ن الزمان والحال‬
‫ن ال تعالى منّزه عن تعاقب الزمان والحوال عليه ‪ ،‬ل ّ‬
‫القديم ‪ ،‬بمعنى أ ّ‬
‫جدا لهما بعد خلقهما‬
‫ق الّلْيَل َوالّنَهاَر ﴾‪ ، 1‬فلو كان ُمو ِ‬
‫خَل َ‬
‫ليسا بقديمين ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬‬
‫ن قلت ‪ :‬ل يجوز أ ْ‬
‫ن‬ ‫لتغّير ذاته عما كان عليه ‪ ،‬وكل متغّير حادث ‪ ،‬وقد ثبت أنه قديم ‪ ،‬فإ ْ‬
‫يكون له تعالى زمان ‪ ،‬ل كزمان المخلوقين ‪ ،‬فل يلزم التغيير في ذاته ‪ ،‬قلت ‪ :‬لو كان له‬
‫ن يكون ذلك الزمان قائما بذاته تعالى ‪ ،‬لكونه عرضا ‪ ،‬فيلزم أ ْ‬
‫ن‬ ‫زمان ‪ ،‬فل يخلو إّمـا أ ْ‬
‫يكون ذاته محل للعرض ‪ ،‬وهو محال بالتفاق ‪ ،‬أو كان قائما لغيره ‪ ،‬فل يخلو إّمـا أ ْ‬
‫ن‬
‫ن يكون له‬
‫ن كان حادثا ‪ ،‬فيلزم أ ْ‬
‫يكون قديما ‪ ،‬فيلزم تعدد القديم ‪ ،‬وهو محال بالتفاق ‪ ،‬وإ ْ‬
‫زمان كزمان المخلوقات ‪ ،‬وهو محال ‪ ،‬وقد ثبت أنه تعـالى كان في الزل ‪ ،‬ولم يكن له‬
‫زمان ‪ ،‬وهو المطلوب ‪.‬‬
‫جاِل‬
‫وََأْوَلاٍد ِإَناثٍ َأْو ِر َ‬ ‫ساٍء‬
‫ن ِن َ‬
‫عْ‬
‫سَتْغن ِإِلهي َ‬
‫َوُم ْ‬
‫قالت اليهود ‪ :‬عزير ابن ال ‪ ،‬وقالت النصارى ‪ :‬عيسى ابن ال ‪ ،‬وقال بنو مليح‪ : 2‬الملئكة‬
‫بنات ال ‪ ،‬وهذه القوال كلها باطلة بالنقل والعقل ‪ ،‬أّمـا بطلنها بالنقل فقـوله تعالى ‪﴿ :‬‬
‫ك َقْوُلُهْم ِبَأْفَواِهِهْم﴾‪، 3‬‬
‫ن الّلِه َذِل َ‬
‫ح اْب ُ‬
‫سي ُ‬
‫صاَرى اْلَم ِ‬
‫ت الّن َ‬
‫ن الّلِه َوَقاَل ِ‬
‫عَزْيٌر اْب ُ‬
‫ت اْلَيُهوُد ُ‬
‫َوَقاَل ِ‬
‫ن ﴾‪ ، 4‬وقوله تعالى ‪َ﴿ :‬وَقاُلوا‬
‫شَتُهو َ‬
‫حاَنُه َوَلُهْم َما َي ْ‬
‫سْب َ‬
‫ت ُ‬
‫ن ِلّلِه اْلَبَنا ِ‬
‫جَعُلو َ‬
‫وقوله تعالى ‪َ﴿ :‬وَي ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ن‬ ‫حَم ِ‬
‫ن﴾‪ ، 5‬وقوله تعالى ‪َ﴿ :‬وَما َيْنَبِغي ِللّر ْ‬
‫عَباٌد ُمْكَرُمو َ‬
‫حاَنُه َبْل ِ‬
‫سْب َ‬
‫ن َوَلًدا ُ‬
‫حَم ُ‬
‫خَذ الّر ْ‬
‫اّت َ‬
‫ن ﴾‪ 7‬أي النفين‬
‫ن َوَلٌد َفَأَنا َأّوُل اْلَعاِبِدي َ‬
‫حَم ِ‬
‫ن ِللّر ْ‬
‫ن َكا َ‬
‫خَذ َوَلًدا﴾‪ ،6‬وقوله تعالى‪ُ ﴿:‬قْل ِإ ْ‬
‫َيّت ِ‬
‫عّما‬
‫ش َ‬
‫ب ‪10‬أ اْلَعْر ِ‬
‫ض َر ّ‬
‫ت َواْلَأْر ِ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ب ‪ /‬ال ّ‬
‫ن َر ّ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫والجاحدين‪ ،‬بدليل قولـه تعـالى ‪ُ ﴿:‬‬
‫النبياء ‪33‬‬ ‫‪1‬‬

‫جاء في تفسير القرطبي ‪ :‬وفي التفاسير ‪ :‬أن حيا يقال لهم بنو مليح من خزاعة كانوا يعبدون الجن ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ويزعمون أن الجن تتراءى لهم ‪ ،‬وأنهم ملئكة ‪ ،‬وأنهم بنات ا ; وهو قوله ‪ :‬وجعلوا بينه وبين الجنة‬
‫نسبا ‪.‬‬
‫التوبة ‪. 30‬‬ ‫‪3‬‬

‫الحل ‪. 57‬‬ ‫‪4‬‬

‫النبياء ‪. 26‬‬ ‫‪5‬‬

‫مريم ‪. 92‬‬ ‫‪6‬‬

‫الزخرف ‪. 81‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪14‬‬
‫حٌد ﴾‪ ، 2‬فهذه كلها أدلة‬
‫ن َلُه ُكُفًوا َأ َ‬
‫ن ﴾‪ ، 1‬وقوله تعالى ‪َ﴿ :‬لْم َيِلْد َوَلْم ُيوَلْد * َوَلْم َيُك ْ‬
‫صُفو َ‬
‫َي ِ‬
‫على استحالة الولد له تعالى ‪ ،‬وأّمـا بطلنها بالعقل ‪ ،‬فلنه لو كان له ولد ‪ ،‬لكان له جزء ‪،‬‬
‫إذ الولد جزء من الب ‪ ،‬والتجزئة على ال تعالى محال ‪ ،‬كما مّر ‪ ،‬ولنه تعالى ل يحتاج إلى‬
‫النساء بالشهوة ‪ ،‬إذ الشتهاء إليهن ُمحال على ال تعالى ‪ ،‬لنه من إمارات الحدوث ‪،‬‬
‫قوله ‪ُ :‬مستغن ‪ ،‬خبر المبتدأ ‪ ،‬وهو إلهي ‪ ،‬قوله ‪ :‬إناث ‪ ،‬بدل من أولد ‪ ،‬وأو في ‪ :‬أو‬
‫طْع ِمْنُهْم آِثًما َأْو َكُفوًرا﴾‪. 3‬‬
‫رجال بمعنى الواو ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪َ﴿ :‬وَلا ُت ِ‬
‫لِل َوُذو الَمَعاِلي‬
‫جَ‬‫َتَفّرَد ُذو ال َ‬ ‫صٍر‬
‫ن َوَن ْ‬
‫عْو ٍ‬
‫ن ُكّل ِذي َ‬
‫عْ‬
‫َكَذا َ‬
‫أي أنه تعالى كما يستغني عن النساء والولد ‪ ،‬يستغني عن الُمعين في اللوهية ‪ ،‬والناصر؛‬
‫لدفع أعدائه ‪ ،‬وليس له شريك في خلقه ‪ ،‬بل هو متفرد بالخلق بل شركة أحد فيه ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن‬
‫قدرته فوق كل قدرة ‪ ،‬لنها نشأت من قدرته ‪ ،‬فل يحتاج إلى قدرة أحد في فعله ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬كذا ‪ ،‬يتعلق بُمستغن المحذوف بعده ‪ ،‬وقوله ‪ :‬تفّرد ‪ ،‬من قولهم ‪ :‬تفّرد بالمر ‪ :‬إذا‬
‫أصلحه من غير معاونة ‪ ،‬وذو الجلل ‪ ،‬بمعنى صاحب الصفات السلبية ‪ ،‬وذو المعالي ‪،‬‬
‫ن َمن كان صاحب هذه الصفات ‪ ،‬ل يحتاج إلى معين ‪.‬‬
‫صاحب الصفات الثبوتية ‪ ،‬فإ ّ‬
‫صاِل‬
‫خ َ‬
‫ق اْل ِ‬
‫عَلى َوْف ِ‬
‫جِزيِهْم َ‬
‫َفَي ْ‬ ‫حِيي‬
‫ق َقْهّرا ُثّم ُي ْ‬
‫خْل َ‬
‫ت ال َ‬
‫ُيمي ُ‬
‫يميت الخلئق كلها على سبيل القهر والغلبة كالنس والجن والملئكة والوحوش والطيور ‪،‬‬
‫وغير ذلك من الحيوانات ‪ ،‬ثم يحيى الموات كلها للجزاء يوم القيامة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪10:‬ب‬
‫حِييُكْم﴾‪ 4‬ثم إليه ترجعون‪ ، 5‬وقوله تعالى ‪﴿ :‬الّلُه َلا‬
‫خَلَقُكْم ُثّم َرَزَقُكْم ُثّم ُيِميُتُكْم ُثّم ُي ْ‬
‫﴿اّلِذي َ‬
‫ن ِفي‬
‫ث مَ ْ‬
‫ن الّلَه َيْبَع ُ‬
‫ب ِفيِه﴾ ‪ ،‬وقوله تعالى ‪َ﴿ :‬وَأ ّ‬
‫جَمَعّنُكْم ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة َلا َرْي َ‬
‫ِإَلَه ِإّلا ُهَو َلَي ْ‬
‫ت ﴾‪ ، 7‬والمراد من البعث بعث الجساد مع‬
‫شَر ْ‬
‫ح ِ‬
‫ش ُ‬
‫حو ُ‬
‫اْلُقُبوِر﴾‪ ،6‬وقوله تعالى ‪َ﴿ :‬وِإَذا اْلُو ُ‬
‫خصالهم من‬
‫ق ُنِعيُدُه﴾‪ ، 8‬فيجزيهم على وفق ِ‬
‫خْل ٍ‬
‫أرواحها ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ﴿ :‬كَما َبَدْأَنا َأّوَل َ‬
‫ن َيْعَمْل ِمْثَقاَل َذّرٍة‬
‫خْيًرا َيَرُه * َوَم ْ‬
‫ن َيْعَمْل ِمْثَقاَل ذَّرٍة َ‬
‫الحسنات والسيئات ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ﴿ :‬فَم ْ‬
‫شّرا َيَرُه ﴾‪ ، 9‬يقال ‪ :‬لفلن خصلة حسنة ‪ ،‬أو سيئة ‪ ،‬إذا كان حسن الخلق ‪ ،‬أو سيئه ‪ ،‬فهي‬
‫َ‬
‫مستعملة في الفعال الغريزية ‪.‬‬

‫الزخرف ‪82‬‬ ‫‪1‬‬

‫الخلص ‪ 3‬ـ ‪4‬‬ ‫‪2‬‬

‫النسان ‪. 24‬‬ ‫‪3‬‬

‫الروم ‪40‬‬ ‫‪4‬‬

‫جعل الشارح ) ثم إليه ترجعون ( من جملة الية ‪ ،‬وليس المر كذلك ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫الحج ‪7‬‬ ‫‪6‬‬

‫التكوير ‪5‬‬ ‫‪7‬‬

‫النبياء ‪104‬‬ ‫‪8‬‬

‫الزلزلة ‪7‬ـ ‪. 8‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪15‬‬
‫ويمكن أن ُيستدل على البعث والجزاء بالعقل أيضا ‪ ،‬لنّ المعاد ممكن في نفسه كالمبدأ ‪،‬‬
‫ن الظلم يقع في الدنيا كثيرا ‪ ،‬ويموت‬
‫والصادق أخبر عن وقوعه ‪ ،‬فوجب القول به ‪ ،‬ول ّ‬
‫المظلوم مظلوما ‪ ،‬فلو لم يكن البعث والجزاء لوصف ال تعالى بالظلم ‪ ،‬وهو محال ‪ ،‬وهذا‬
‫يدل قطعا على قيام الساعة ‪.‬‬
‫ك الّنكال‬
‫َوِلْلُكّفاِر َأْدَرا ُ‬ ‫ت َوُنْعمى‬
‫جّنا ٌ‬
‫خْيِر َ‬
‫ِلَأْهِل اْل َ‬
‫خصال ‪ ،‬أي ال تعالى‬
‫هذا تفصيل لما أجمله المصنف في البيت السابق بقوله ‪ :‬على وفق ال ِ‬
‫ُيثيب أهل الخير يوم القيامة ‪ ،‬وهم المؤمنون ‪ ،‬الذين فعلوا الخيرات في الدنيا ‪ ،‬من الصلة ‪،‬‬
‫والزكاة ‪ ،‬والصوم ‪ ،‬والحج ‪ ،‬وغير ذلك من العمال الصالحة جنات ونعمة كثيرة ‪ ،‬لقوله‬
‫حِتَها اْلَأْنَهاُر‬
‫ن َت ْ‬
‫جِري ِم ْ‬
‫ت َت ْ‬
‫جّنا ٍ‬
‫ت َ‬
‫حا ِ‬
‫صاِل َ‬
‫عِمُلوا ال ّ‬
‫ن آَمُنوا َو َ‬
‫خُل اّلِذي َ‬
‫ن الّلَه ُيْد ِ‬
‫تعالى ‪ِ﴿ :‬إ ّ‬
‫ن ِفيَها﴾ الية‪ ، 1‬ويعطي الكفار أيضا على وفق عملهم من السيئات في الدنيا دركات‬
‫حّلْو َ‬
‫ُي َ‬
‫ن َكَفُروا َوَكّذُبوا ِبآَياِتَنا ‪11‬أ‬
‫العقبات‪ 2‬في النار يوم القيامة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ﴿ / :‬واّلِذي َ‬
‫ن ِفي الّدرْ ِ‬
‫ك‬ ‫ن اْلُمَناِفِقي َ‬
‫صيُر﴾‪ ، 3‬وقوله ‪ِ ﴿ :‬إ ّ‬
‫س اْلَم ِ‬
‫ن ِفيَها َوِبْئ َ‬
‫خاِلِدي َ‬
‫ب الّناِر َ‬
‫حا ُ‬
‫صَ‬
‫ك َأ ْ‬
‫ُأوَلِئ َ‬
‫ن الّناِر﴾‪ ،4‬وإذا دخل أهل الجنة الجنة ‪ ،‬وأهل النار النار ‪ُ ،‬ينادي مناٍد ‪ :‬يا أهل‬
‫سَفِل ِم َ‬
‫اْلَأ ْ‬
‫الجنة ! خلود ول موت ‪ ،‬ويا أهل النار ! خلود ول موت ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬لهل الخير ‪ ،‬خبر المبتدأ ‪ ،‬وهو جنات نعمى ‪ ،‬عطف عليه ‪ ،‬وهو مصدر بمعنى‬
‫التنعم ‪ ،‬كالُبشرى والّرجعى ‪ ،‬بمعنى الِبشارة والرجوع ‪ ،‬وكذا العراب في المصراع الثاني ‪،‬‬
‫حفر النيران ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أخفض مكان منها ‪،‬‬
‫والدراك بالفتح جمع َدرك ‪ ،5‬وهو حفرة من ُ‬
‫ويجوز في الراء الفتح والسكون ‪ ،‬والنكال مصدر بمعنى العقوبة‪ ،‬والضافة بمعنى اللم‪،‬‬
‫وُيروى الدراك بكسر الهمزة مصدر ‪ ،‬وهو خطأ ؛ لقوله جنات ‪.‬‬
‫َوَما َأْهُلوُهما َأْهَل اْنِتَقاِل‬ ‫جَنا ُ‬
‫ن‬ ‫حيُم َوَل اْل ِ‬
‫جِ‬‫َول َيْفنى ال َ‬

‫ت تَْجِري ِمْن تَْحتَِها اْلَْنَهاُر‬‫ت َجّنا ٍ‬


‫صالَِحا ِ‬‫اَ يُْدِخُل الِّذيَن آَمُنوا َوَعِمُلوا ال ّ‬‫الحج ‪ ، 23‬والية بتمامها ‪] :‬إِّن ّ‬ ‫‪1‬‬

‫ب َولُْؤلُ َ ِ َ ُ‬
‫سُهْم ِفيَها َحِريٌر [ ‪.‬‬ ‫با‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ً‬
‫ؤا‬ ‫يَُحلّْوَن ِفيَها ِمْن أَ َ‬
‫ساِوَر ِمْن َذَه ٍ‬
‫في ب ‪ :‬العقوبة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫التغابن ‪10‬‬ ‫‪3‬‬

‫النساء ‪145‬‬ ‫‪4‬‬

‫جاء في لسان العرب ) درك ( ‪ :‬الّدْرُك والّدَرُك‪َ :‬أقصى قَْعر الشيء‪ ،‬زاد التهذيب‪ :‬كالبحر ونحوه‪ .‬شمر‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫الّدَرُك َأسفل كل شيء ذي ُعْمق كالّرِكّية ونحوها‪ .‬وقال َأبو عدنان‪ :‬يقال أَْدَركوا ماء الّركّية ِإدراكًا‪ ،‬وَدَرك‬
‫الّرِكّية قعرها الذي ُأدِرَك فيه الماء‪ ،‬والّدَرُك اَلسفل في جهنم‪ ،‬نعوذ بال منها‪َ:‬أقصى قعرها‪ ،‬والجمع أَْدَراك‪.‬‬
‫ت الناِر‪ :‬منازل َأهلها‪ ،‬والنار َدَركاتوالجنة درجات‪ ،‬والقعر الخر َدْرك وَدَرك‪ ،‬والّدَرك إلى َأسفل والّدَرُج‬ ‫وَدَركا ُ‬
‫إلى فوق‪ ،‬وفي الحديث ذكر الّدَرك السفل من النار‪ ،‬بالتحريك والتسكين‪ ،‬وهو واحد الَْدراك وهي منازل في‬
‫النار‪ ،‬نعوذ بال منها‪ .‬التهذيب‪:‬والّدَرُك واحد من أَْدَراك جهنم من السبع‪ ،‬والّدْرُك لغة في الّدَرك‪ .‬الفراء في‬
‫ق من‬ ‫ج النار‪ .‬ابن اَلعرابي‪ :‬الّدْرك الطّبَ ُ‬ ‫قوله تعالى‪ :‬إن المنافقين في الّدْرك اَلسفل من النار‪ ،‬يقال‪َ :‬أسفل َدَر ِ‬
‫صفُّد علهيم في َأسفل النار؛‬ ‫ت من حديد ت َ‬ ‫َأطباق جهنم‪ ،‬وروي عن ابن مسعود َأنه قال‪ :‬الّدْرُك اَلسفل تواِبي ُ‬
‫ق بعضها فوق بعض‪،‬‬ ‫ت َأيمنازل وَأطباق‪ ،‬وقال غيره‪ :‬الّدَرجات منازل وَمَرا ٍ‬ ‫قال َأبو عبيدة‪ :‬جهنم َدَركا ٌ‬
‫فالّدَركات ضد الّدَرجات‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫قال أهل السنة والجماعة ‪ :‬ل فناء لجهنم ونارها ‪ ،‬ول للجنة ونعيمها ؛ خلفا للجهم بن‬
‫صفوان‪ 1‬ومن تابعه ‪ ،‬فإنهم يقولون بفنائهما ‪ ،‬وكذا ل يفنى أهل جهنم ‪ ،‬ول ُينقلون عنها‬
‫إلى مكان آخر‪ ،‬وكذا ل يفنى أهل الجنة ‪ ،‬ول ُينقلون عنها إلى مكان آخر بعد الدخول فيها ‪،‬‬
‫خلفا للجهمية ‪.‬‬
‫خاِلِدي َ‬
‫ن‬ ‫جَهّنَم َ‬
‫ن ِفي َناِر َ‬
‫شِرِكي َ‬
‫ب َواْلُم ْ‬
‫ن َأْهِل اْلِكَتا ِ‬
‫ن َكَفُروا ِم ْ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫قلنا ‪ :‬قوله تعـالى ‪ِ ﴿ :‬إ ّ‬
‫س ُنُزًلا‬
‫ت اْلِفْرَدْو ِ‬
‫جّنا ُ‬
‫ت َلُهْم َ‬
‫ت َكاَن ْ‬
‫حا ِ‬
‫صالِ َ‬
‫عِمُلوا ال ّ‬
‫ن آَمُنوا َو َ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫ِفيَها ﴾‪ ، 2‬وقوله تعالى ‪ِ﴿ :‬إ ّ‬
‫حَوًلا ﴾‪ ، 3‬أي ل يطلبون تحويل عن الجنة ‪ ،‬لنهم ل يرون‬
‫عْنَها ِ‬
‫ن َ‬
‫ن ِفيَها َلا َيْبُغو َ‬
‫خاِلِدي َ‬
‫* َ‬
‫فيها إّل ما يرغبهم في سكناها ‪ ،‬فل ينتقلون ‪ ،‬وهـذا يدل على التخليد فيهـا ‪ ،‬وكـذا ل‬
‫يدل على عدم ‪ /‬فنائهما ‪ ،‬وفناء أهلهما قول رسول ال عليه الصلة والسلم في ‪ 11‬ب‬
‫ت َو َيا َأْهَل الّناِر‬
‫خُلوٌد َل َمْو َ‬
‫جّنِة ُ‬
‫الخبر المشهور ‪ ] :‬نادى مناٍد بين الجنة والنار يا أْهِل الْ َ‬
‫ت [‪ . 4‬و)ما( في ‪ ،‬ما أهلوهما بمعنى ليس ‪ ،‬وأهل منصوب على أنه خبرها ‪.‬‬
‫خُلوٌد َل َمْو َ‬
‫ُ‬
‫ن ِمَثاِل‬
‫ضْربٍ ِم ْ‬
‫ك َو َ‬
‫َوِإدَْرا ٍ‬ ‫ن ِبَغْيِر َكْي ٍ‬
‫ف‬ ‫َيَراُه الُمْؤِمُنو َ‬
‫ن يكون مرئيا للمؤمنين في الخرة ‪،‬‬
‫ن ال تعالى يصح عقل أ ْ‬
‫قال أهل السنة والجماعة ‪ :‬إ ّ‬
‫بغير كيف ‪ ،‬أي من غير اتصال إشعاع خارج عن عين الرائي إلى المرئي ‪ ،‬ول ثبوت مسافة‬
‫بين الرائي والمرئي ‪ ،‬ول في جهة ‪ ،‬ول في مكان ‪ ،‬ول في غيره من إمارات الحدوث ‪،‬‬
‫كحصول مواجهة وارتسام صورة المرئي في العين ‪ ،‬خلفا للمعتزلة في نفس الرؤية ‪،‬‬
‫وخلفا للمشبهة‪ ، 5‬والكرامية في لواحقها ‪ ،‬فإنهم جّوزوا رؤية ال تعالى ] لعتقادهم كونه‬
‫قال الذهبي في سير أعلم النبلء ‪6/26‬ـ ‪ : 27‬هو الجهم بن صفوان السمرقندي‪.‬الكاتب المتكلم‪ ,‬رأس‬ ‫‪1‬‬

‫الضللة‪ ,‬ورأس الجهمية‪,‬كان صاحب ذكاء وجدال‪,‬كتب للميرحارث بن شريح التميمي‪ ,‬وكان ينكر الصفات‬
‫وينزه الباري عنها بزعمه‪ ,‬ويقول بخلق القرأن‪.‬‬
‫وجاء في شرح الطحاوية لبن أبي العز ‪ ،‬ص ‪ : 523‬وكان الجهم هذاقد ترك الصلة أربعين يوما" شكا"‬
‫في ربه‪,‬وكان ذالك لمناظرته قوما" من المشركين‪,‬يقال لهم السمنية من فلسفة الهند الذين ينكرون من العلم‬
‫ما سوى الحسيات‪ .‬فقد قالوا له‪ :‬يا جهم هذا ربك الذي تعبده هل ُيرى او يشم او يذاق او يلمس؟‬
‫فقال‪:‬ل‪..‬فقالوا هو معدوم‪ .‬فبقي أربعين يوما" ل يعبد شيئا" ‪,‬ثم لما خل قلبه من معبود يؤلهه نقش الشيطان‬
‫اعتقادا" نحته‪...‬فقال‪ :‬انه الوجود المطلق ونفى جميع الصفات ‪.‬‬
‫ويقول ابن كثير في البداية والنهاية ‪ :10/643 ، 9/351‬ثم ما لبث جهم حتى قتله سلم بن أحوذ أمير‬
‫خرسان بمقالته هذة سنة ثمان وعشرين ومائة‪.‬وقد أخذ مقالته هذة عنة بشر بن غياث المريسي ابو عبد‬
‫الرحمن شيخ المعتزلة ‪ ،‬وهو أحد من أضل المأمون ‪ ،‬واليه تنسب المريسية من المرجئة‪.‬‬
‫البينة ‪ . 6‬جعل الشارح في آخر الية لفظ ‪ :‬أبدا ‪ ،‬وليس كذلك ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الكهف ‪ 107‬ـ ‪108‬‬ ‫‪3‬‬

‫جاء في البخاري ‪ 8/141‬بلفظ ‪َ :‬قاَل النّبِّي صلى ا عليه وسلم يَُقاُل لَْهِل اْلَجنِّة ُخُلوٌد لَ َمْوَت َولَْهِل الّناِر‬ ‫‪4‬‬

‫َيا أَْهَل الّناِر ُخُلوٌد لَ َمْوَت‪.‬‬


‫المشبهة ‪ :‬هي طائفة من الطوائف السلمية التي شبهت ا بخلقه‪ ،‬ووصفته بأنه يشبه المخلوقات‪ ،‬وأنه‬ ‫‪5‬‬

‫جثة وزعم بعضهم أن صورته على صورة خلق النسان‪،،‬له شعر ولحم ودم وجوارح‪ .‬أول من قال بالتشبيه‬
‫هم البيانية‪ ،‬وهي فرقةمن غلة الروافض‪ ،‬وأول من نشر التشبيه في المة هو هشام بن الحكم الشيعي‬
‫والمشبهة فريقان‪ :‬فريق يشبه ذات ا بذات المخلوقين؛ كالهشامية والسبئية‪ ،‬وفريق يشبه صفات ا‬
‫بصفات المخلوقين‪ . ،‬مثل معتزلة البصرة‪ ،‬بل كل المؤولة أو المعطلة هم في الصل مشبهة‪ .‬ومن فرق‬
‫المشبهة‪ :‬المغيرية‪ ،‬والكرامية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ب من‬
‫في جهة وفي مكان وصورة ‪ ،‬وأشار إلى مذهب المشبهة والكرامية بقوله ‪ :‬وضر ٍ‬
‫مثال ‪ ،‬أي ول نوع من الصورة ‪ ،‬وجه تمسك المعتزلة في نفس الرؤية بقوله تعالى ‪َ﴿ :‬لا‬
‫ن الدراك بالبصر هو‬
‫صاُر﴾‪ 1‬هو أنه يدل على عدم جواز رؤية ال تعالى [‪ 2‬ل ّ‬
‫ُتْدِرُكُه اْلَأْب َ‬
‫الرؤية ‪ ،‬والمقام مقام تمّدح بانتفاء الرؤية عن ذاته ‪ ،‬وكل ما كان انتفاؤه مدحا ‪ ،‬كان‬
‫ت على‬
‫ن الية دل ْ‬
‫ن ُيقال ‪ :‬إ ّ‬
‫ن يكون غير مرئي ‪ ،‬وتقرير الجواب أ ْ‬
‫وجوده نقصا ‪ ،‬فوجب أ ْ‬
‫نفي الدراك ‪ ،‬ونفي الدراك ل يستلزم نفي الرؤية ‪ ،‬يعني نفي الدراك الذي بمعنى رؤية‬
‫ن الدراك مشروط بارتسام‬
‫الشيء من جميع الجوانب ‪ ،‬ل يستلزم نفي الرؤية مطلقا ‪ ،‬ل ّ‬
‫المرئي في العين ‪ ،‬وخروج الشعاع عنها إلى المرئي ‪ ،‬وليس هذا شرطا في الرؤية ‪ ،‬ول ّ‬
‫ن‬
‫ن كّل ما ل ُيرى ل ُيدرك ‪،‬‬
‫نفي إدراك ما يستحيل رؤيته ‪ ،‬ل تمّدح فيه ‪ ،‬إذ كل عاقل يعلم أ ّ‬
‫ن انتفاء الدراك مع ثبوت الرؤية دليل‬
‫وإنما التمّدح بنفي الدراك مع ثبوت الرؤية ‪ ،‬ل ّ‬
‫ارتفاع نقيصة التناهي والحدود اللزمين للدراك ‪ /‬عن ذات ال تعالى ‪ ،‬فبذلك ثبت ‪ 12‬أ‬
‫التمّدح ‪ ،‬وتمسك أهل السنة والجماعة بالنقل والعقل ‪.‬‬
‫ظَرٌة﴾‪ ، 3‬والنظر إّمـا عبارة‬
‫ضَرٌة * ِإَلى َرّبَها َنا ِ‬
‫جوٌه َيْوَمِئٍذ َنا ِ‬
‫أّمـا النقل فقوله تعالى ‪ُ﴿ :‬و ُ‬
‫عن الرؤية ‪ ،‬فهو المطلوب ‪ ،‬أو عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي ‪ ،‬طلب الرؤية ‪،‬‬
‫فيتعذر حمله على ظاهره ؛ لستحالة المقابلة بين الرائي وبينه تعالى ‪ ،‬فُيحمل على الرؤية‬
‫التي هي كسب النظر بالمعنى الثاني ‪ ،‬وإطلق السبب ‪ ،‬وإرادة المسبب من أحسن وجوه‬
‫ن ُيحمل إّل على واحد اللء‪ ، 4‬والنظر على النتظار ‪ ،‬فيكون المعنى‬
‫المجاز ‪ ،‬ول يجوز أ ْ‬
‫ن النتظار سبب النعم ‪ ،‬وسيقت الية لبيان النعم في دار السرور ‪،‬‬
‫نعمة ربها منتظرة ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن الَقَمَر َلْيَلَة اْلَبْدِر[ ‪ 5‬أي كما ل‬
‫ن َرّبُكْم َيْوَم اْلِقَياَمِة َكَما َتَرْو َ‬
‫سَتَرْو َ‬
‫وقوله عليه السلم ‪َ ] :‬‬
‫تشّكون في رؤية القمر ليلة البدر ‪ ،‬ول تشّكون في رؤية ال تعالى عيانا في الخرة ‪ ،‬وقول‬
‫ك﴾‪ ، 6‬مع أنه عرف ال‬
‫ظْر ِإَلْي َ‬
‫ب َأِرِني َأْن ُ‬
‫موسى عليه السلم ‪ ،‬حين سأل رّبه الرؤية ﴿َر ّ‬
‫تعالى حق معرفته ؛ منزها عن الشبيه والجهة والمقابلة ‪ ،‬واعتقد مع ذلك أنه ُيرى ‪ ،‬حتى‬
‫ن يريه‪ ، 7‬فمن زعم استحالة رؤية ال تعالى ‪ ،‬فقد اّدعى معرفة ما جهله موسى عليه‬
‫سأله أ ْ‬
‫ن ال تعالى عّلق رؤيته باستقرار الجبل ‪،‬‬
‫السلم من صفات ال تعالى ‪ ،‬وهذا باطل ‪ ،‬ول ّ‬

‫النعام ‪103‬‬ ‫‪1‬‬

‫ما بين الحاصرتين زيادة من ب ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫القيامة ‪ 22‬ـ ‪23‬‬ ‫‪3‬‬

‫اللء ‪ :‬النَّعم ‪ ،‬ومفردها ألى ‪ ،‬أو إلى ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫سوُل اِ صلى ا عليه‬ ‫ورد هذا الحديث في صحيح البخاري ‪9‬أ‪ 156‬بلفظ ‪ :‬عن َجِريٌر َقاَل َخَرَج َعلَْيَنا َر ُ‬ ‫‪5‬‬

‫ضاّموَن ِفي ُرْؤيَتِِه‪.‬‬ ‫ستََرْوَن َربُّكْم يَْوَم اْلقَِياَمِة َكَما تََرْوَن َهَذا لَ تُ َ‬
‫وسلم لَْيلَةَ اْلبَْدِر فََقاَل إِنُّكْم َ‬
‫العراف ‪143‬‬ ‫‪6‬‬

‫في ب ‪ :‬يراه ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪18‬‬
‫وهو ممكن عقل ‪ ،‬والتعليق بالممكن دال على إمكانه ‪ ،‬وأخبر أيضا أنه تجّلى للجبل ‪ ،‬وهو‬
‫عبارة عن خلق الحياة والِعلم ‪ ،‬والرؤية في الجبل نص عليه الشيخ المام أبو منصور‪، 1‬‬
‫فيدل على جواز الرؤية ‪ ،‬ول ُينافيها قوله تعالى ‪َ﴿ :‬لنْ َتَراِني ﴾‪ 2‬بأنه يقتضي النفي على‬
‫ن َتَراِني ﴾ يقتضي نفي الوجوب‪ ، 3‬ل نفي الجواز ‪ ،‬بدليل الستدراك بعده ‪،‬‬
‫ن ﴿َل ْ‬
‫التأبيد ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن كلمة لن ليست للتأبيد ‪ ،‬بل هي للتأكيد فحسب ‪ 12 ،‬ب‬
‫فل ‪ /‬يقع التعارض ‪ ،‬أو نقول ‪ :‬ل ّ‬
‫سّيا﴾‪ 4‬قرنها باليوم ‪ ،‬والتأبيد مع‬
‫ن ُأَكّلَم اْلَيْوَم ِإْن ِ‬
‫بدليل قوله تعالى خبرا عن مريم ‪َ﴿ :‬فَل ْ‬
‫التوقيت يتنافيان ‪ ،‬ولئن سّلمنا أنها للتأبيد لكن المراد منها النفي في دار الدنيا ‪ ،‬ل في دار‬
‫ن السؤال في الدنيا ‪ ،‬فينصرف النفي إليها ‪.‬‬
‫الخرة ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن يكون في الغائب‬
‫ن الوجود في الشاهد علة لصحة الرؤية ‪ ،‬فيجب أ ْ‬
‫وأّمـا العقل ‪ ،‬فهو أ ّ‬
‫ن الرؤية تتعلق بالجسم والجوهر والعرض ‪ ،‬يعني يكون كّل منها مرئيا ‪ ،‬فتكون‬
‫كذلك ‪ ،‬ل ّ‬
‫الرؤية بينها مشتركة ‪ ،‬والحكم المشترك يقتضي علة مشتركة ‪ ،‬وإّل لزم توارد العلل على‬
‫معلول واحد ‪ ،‬وهو ممتنع ‪ ،‬والعلة المشتركة بين الجسم والجوهر والعرض إّمـا الوجود‪،‬‬
‫أوالحدوث ‪ ،‬والحدوث ساقط عن العلّية ‪ ،‬لنه عبارة عن وجود لحق ‪ ،‬وعدم سابق ‪ ،‬والعدم‬
‫ن يكون علة ‪ ،‬ول شرطا لعلة ‪ ،‬فلم يبق للعلّية بالشتراك إّل الوجود ‪ ،‬وهو‬
‫ل يصلح أ ْ‬
‫مشترك بين ال وغيره ‪ ،‬فيصح رؤيته ‪ ،‬وهو المطلوب ‪ ،‬وما ل ُيرى من الموجودات كالَمَلك‬
‫والجن والروح ‪ ،‬ولعدم أجراء ال تعالى العادة في رؤيتنا إياها ‪ ،‬ل لستحالة الرؤية ‪ ،‬وإّل‬
‫ن يرى النبي جبريل ‪،‬والمكاشف الروح أو الَمَلك ‪ ،‬ول المصروع الجن ‪ ،‬فثبت أ ّ‬
‫ن‬ ‫لما جاز أ ْ‬
‫الوجود علة ُمجّوزة للرؤية‪ 5‬ل موجبة لها ‪ ،‬فحينئذ يجوز أن تكون علة في الغائب بالقياس‬
‫على الشاهد ‪ ،‬فيكون ال تعالى الذي هو الغائب جائز الرؤية في الخرة ‪ ،‬وهو المطلوب ‪.‬‬
‫عِتَزاِل‬
‫ن َأْهِل اْلِإ ْ‬
‫سَرا َ‬
‫خ ْ‬
‫َفَيا ُ‬ ‫ن الّنِعيَم ِإَذا َرَأْوُه‬
‫سْو َ‬
‫َفَيْن َ‬
‫‪ /‬قوله ‪ :‬فينسون ‪ ،‬عطف على قوله ‪ :‬يراه المؤمنون ‪ ،‬أي عقيب رؤيتهم ال تعالى ‪ 13‬أ‬
‫في الجنة ‪ ،‬فينسون النعيم ‪ ،‬أي التنعم ‪ ،‬الذي رزقهم ال تعالى إياه فيها من أنواع النعم ‪،‬‬
‫ن النظر إلى لقائه الكريم أعظم من كل نعمة فيها ‪ ،‬ويجوز المراد منه الجنة المخصوصة‬
‫لّ‬
‫أبو منصور الماتريدي من علماء أهل السنة والجماعة‪ ،‬وإمام المدرسة الماتردية ‪ ،‬التي يتبعها غالبية‬ ‫‪1‬‬

‫أتباع المذهب الحنفي في العقيدة ‪ ،‬اشتهر الماتريدي بهذا السم نسبة إلى قرية ماتريد التابعة لسمرقند‪ ،‬ببلد‬
‫ماوراء النهر ‪ ،‬وهو أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي‪ ،‬وكان المام الماتريدي‬
‫والمام أبو الحسن الشعري المامين الجليلين الذين حررا عقيدة الشاعرة والماتريدية بالدلة النقلية‬
‫والعقلية‪ ،‬وقد لقب الماتريدي بـ"إمام الهدى" و"إمام المتكلمين" وغيره من اللقاب وهي ألقاب تظهر‬
‫مكانته في نفوس مسلمي عصره ومؤرخيه‪ .‬ورغم ذيوع اسمه واشتهاره واشتهار فرقة الماتريدية‬
‫المنسوبة إليه فقد كان المؤرخون الذين كتبوا عنه قلة ‪.‬‬
‫العراف ‪143‬‬ ‫‪2‬‬

‫أي ‪ :‬ل يجب الرؤيا في الدنيا ‪ /‬الحاشية ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫مريم ‪26‬‬ ‫‪4‬‬

‫للرؤية ‪ :‬زيادة من ب ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪19‬‬
‫لكل مؤمن ‪ ،‬قوله ‪ :‬فيا خسران أهل العتزال ‪ ،‬بالنصب والضافة إلى أهل الُمنادى ‪ ،‬أي يا‬
‫خسرانهم على انفسهم ‪ ،‬احضري فهذا وقتك ‪ ،‬أو المنادى محذوف ‪ ،‬وينصب خسران على‬
‫ن ُيقرأ ‪ :‬فيا خسران‬
‫ضروا خسرانهم ‪ ،‬ول يجوز أ ْ‬
‫أنه مفعول فعل محذوف ‪ ،‬أي يا قوم أح ِ‬
‫لهل العتزال بالرفع ‪ ،‬ول بالجر ؛ لفساد النظم ‪ ،‬وإنما ُدعي الخسران ‪ ،‬وهو المصدر ؛‬
‫ن لهل العتزال خسرانا عظيما لصيرورتهم‬
‫تنبيها للسامعين من معتقدي الرؤية ‪ ،‬أ ّ‬
‫محرومين ؛ لفساد عقيدتهم عن أعظم ما أنعم ال تعالى بفضله على أهل الجنة ‪ ،‬نعوذ بال‬
‫من حرمان ذلك ‪ ،‬وال أعلم بالصواب ‪.‬‬

‫عَلى اْلَهاِدي الُمَقّدسِ ِذي الّتَعاِلي‬


‫َ‬ ‫ح ُذو اْفِتَرا ٍ‬
‫ض‬ ‫صَل ُ‬
‫ن ِفْعُل َأ ْ‬
‫َوَما ِإ ْ‬
‫ن الفعل الصلح ل يجب على ال تعالى ؛ رعايًة لعباده ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن‬ ‫قال أهل السنة والجماعة ‪ :‬إ ّ‬
‫ص المؤمنين بلطف ‪،‬‬
‫اللوهية تنافي الوجوب عليه‪ ،‬بل له أن يفعل لعبيده ما شاء ‪ ،‬إّل أنه خ ّ‬
‫ن ِفي اْلَأْر ِ‬
‫ض‬ ‫ن َم ْ‬
‫ك َلآَم َ‬
‫شاَء َرّب َ‬
‫لو فعل ذلك مع جميع الكفار لمنوا ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ ﴿ :‬وَلْو َ‬
‫عَلى اْلُهَدى﴾‪ ، 2‬فلو منع لطفه عن بعض‬
‫جَمَعُهْم َ‬
‫شاَء الّلُه َل َ‬
‫جِميًعا﴾‪ ، 1‬وقال ‪َ ﴿ :‬وَلْو َ‬
‫ُكّلُهْم َ‬
‫عباده كان ذلك عدل منه ‪ ،‬وقهرا ‪ ،‬فهو محمود في عدله وقهره ‪ ،‬كما هو محمود في فضله‬
‫ن الوجوب عليه حكم من ‪13‬ب‬
‫ن الوجوب عليه ُينافي اللوهية ‪ /‬ل ّ‬
‫وكرمه ‪ ،‬وإنما قلنا إ ّ‬
‫الحكام ‪ ،‬ول يثبت الحكم بدون الحاكم ‪ ،‬ول حاكم عليه تعالى ‪ ،‬فل وجوب عليه أيضا ‪،‬‬
‫ن القول بوجوب الصلح عليه ‪ ،‬يوجب إبطال ِمّنته على عباده في الهداية لهم ‪ ،‬في‬
‫ول ّ‬
‫ن أّدى حقا واجبا عليه ل ِمّنة له على المؤدى عليه ‪ ،‬وهو باطل‬
‫ن َم ْ‬
‫الصحة والرزق ‪ ،‬ل ّ‬
‫سِهْم﴾ الية‪، 3‬‬
‫ن َأْنُف ِ‬
‫سوًلا ِم ْ‬
‫ث ِفيِهْم َر ُ‬
‫ن ِإْذ َبَع َ‬
‫عَلى اْلُمْؤِمِني َ‬
‫ن الّلُه َ‬
‫لقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬لَقْد َم ّ‬
‫ن﴾‪. 4‬‬
‫ن َهَداُكْم ِلْلِإيَما ِ‬
‫عَلْيُكْم َأ ْ‬
‫ن َ‬
‫سَلاَمُكْم َبِل الّلُه َيُم ّ‬
‫ي ِإ ْ‬
‫عَل ّ‬
‫وقولـه ‪ُ ﴿ :‬قْل َلا َتُمّنوا َ‬
‫وقالت المعتزلة ‪ :‬رعاية الصلح لعباده واجبة عليه تعالى‪ ،‬وإّل لثبت منه الظلم على العباد ‪،‬‬
‫ظّلاٍم ِلْلَعِبيِد﴾‪ ، 5‬وقد سمعت ما قلنا في‬
‫ك ِب َ‬
‫وهو منزه عن ذلك ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬وَما َرّب َ‬
‫جوابهم ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬وما ‪ ،‬نفي ‪ ،‬وإن زائدة بعدها للتأكيد ‪ ،‬وفعل أصلح ‪ :‬صفة وموصوف مبتدأ ‪ ،‬وذو‬
‫افتراض خبره ‪ ،‬بمعنى صاحب فرض ‪ ،‬وهو الوجوب ‪ ،‬والهادي ‪ ،‬وصف ال ‪ ،‬أي الراشد‬
‫يونس ‪99‬‬ ‫‪1‬‬

‫النعام ‪35‬‬ ‫‪2‬‬

‫آل عمران ‪ ، 164‬وقد وضع الشارح بدل من قوله تعالى ‪ ) :‬من أنفسهم ( كلمة منهم ‪ ،‬والية بتمامها ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫سوًل ِمْن أَْنفُ ِ‬


‫سِهْم يَْتُلو َعلَْيِهْم آَياتِِه َويَُزّكيِهْم َويَُعلُّمُهُم اْلِكَتاَب‬ ‫اُ َعَلى اْلُمْؤِمِنيَن إِْذ بََعَث ِفيِهْم َر ُ‬ ‫]لَقَْد َمّن ّ‬
‫ضَلٍل ُمِبيٍن [ ‪.‬‬ ‫في‬ ‫َ‬
‫ِ ْ ُ ِ َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫َواْلِحْكَمةَ َ ِ‬
‫إ‬ ‫و‬
‫الحجرات ‪17‬‬ ‫‪4‬‬

‫فصلت ‪46‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪20‬‬
‫إلى طريق الحق ‪ ،‬والمقدس بمعنى المنزه عما ل يليق به ‪ ،‬وذي التعالي وصف آخر بمعنى‬
‫المتعالي ‪ ،‬وهو البليغ في مرتبة العلو بالذات ‪.‬‬
‫ك ِكَراٍم ِبالّتَواِلي‬
‫لٍ‬‫وََأْم َ‬ ‫سٍل‬
‫ق ُر ْ‬
‫صِدي ُ‬
‫ض َلِزٌم َت ْ‬
‫َوَفْر ٌ‬
‫قال أهل الحق ‪ :‬إرسال الرسل من ال تعالى ممكن ‪ ،‬لنّ صدور المر والنهي منه تعالى‬
‫على عباده ‪ ،‬والخبار لهم عما فيه صلح داريهم ‪ :‬الدنيا والخرة ‪ ،‬مما قصرت عقولهم عن‬
‫ن يخص ال بعض عباده بعلم ذلك‬
‫معرفته ‪ ،‬غير مستحيل ‪ ،‬وإنه حكمة وحسن‪ ، 1‬ول يبعد أ ْ‬
‫بإلهام صحيح ‪ ،‬أو بوحي صريح ‪ ،‬فيخبر عباده بأمره تعالى ‪ ،‬وحينئذ يجعل له علمة‪14/‬أ‬
‫تدل على صدق أخبار ذلك البعض ‪ ،‬وهي المعجزة ‪ ،‬وإذا كان الشأن كذلك ‪ ،‬يجب تصديق‬
‫ذلك الرسول ‪ ،‬وإّل لكفروا به تعالى ‪ ،‬وقال الخوارج‪ : 2‬يجب قبول قول مّدعي الرسالة بدون‬
‫‪3‬‬
‫إقامة المعجزة ‪ ،‬وهو باطل ؛ لنه يلزم الشتباه بين النبي والمتنبي ‪ ،‬وقالت السمنية‬
‫ن الرسول لو أتى بما يقتضيه العقل ‪ ،‬ففي العقل غنية‬
‫والبراهمة‪ : 4‬إرسال الرسل محال ‪ ،‬ل ّ‬
‫عنه ‪ ،‬ولو أتى بخلف مقتضى العقل ‪ ،‬فالعقل يرده ويحيله ‪ ،‬قلنا ‪ :‬يأتي الرسول بما يقصر‬
‫العقل عن دركه ‪ ،‬إذ قضايا العقل ثلثة أقسام ‪ :‬واجب ‪ ،‬وممتنع ‪ ،‬وجائز ‪ ،‬والعقل يحكم‬
‫بالواجب والممتنع ‪ ،‬ولكن يتوقف في الجائز‪ ،‬ل يحكم فيه بالنفي أوالثبات ‪ ،‬ول ُيحّل ‪ ،‬ول‬
‫ن ذلك الجائز مما يتعلق به عاقبة‬
‫ن يقف على أ ّ‬
‫ُيحّرم ‪ ،‬ول يوجب ‪ ،‬ول يستكره ‪ ،‬إّل بعد أ ْ‬
‫حميدة أو ذميمة ‪ ،‬وذلك ل يحصل إّل ببيان الرسول ‪ ،‬لنه الواقف من ال تعالى على عواقب‬
‫ن يكون‪ 5‬إتيانه‬
‫ن في العقل غنية عن إتيان الرسول ‪ ،‬ويجوز أ ْ‬
‫المور ‪ ،‬فل نسّلم حينئذ أ ّ‬
‫تيسيرا للمر على العاقل‪ ، 6‬كما قيل ‪ ،‬لئل يتعطل أكثر مصالحه بملزمة التفكر والبحث‬

‫في ب ‪ :‬وإنه حكم حسن ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وهم الذين خرجوا على المام علي عليه السلم في معركة صفين بعد قبول التحكيم ‪ ،‬واشتهروا بتكفيره ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وتكفير كل من معاوية والحكمين عمرو بن العاص وأبي موسىالشعري وكل من رضي بالتحكيم ‪ ،‬وكذلك‬
‫يكفرون أصحاب الجمل وعائشة وطلحة والزبير ‪ ،‬بالضافة إلى تكفيرهم لكل مسلم يرتكب كبيرة ‪ ،‬وحكمهم‬
‫عليه بالخلود في النار ‪.‬‬
‫فرقة بالهند دهرية تقول بالتناسخ و تنكر وقوع العلم بالخبار زاعمين أن ل طريق للعلم سوى الحس قيل‬ ‫‪3‬‬

‫هي نسبة إلى )سومنات( بلدة بالهند ‪.‬‬


‫البراهمة ‪:‬هم فئة من الهنود ينكرون النبوات اصل ‪ ،‬ويقولون بحدوث العالم ‪,‬وتوحيد الصانع‪,‬وجعلو للعقل‬ ‫‪4‬‬

‫المكان الول الذي من خلله يعرف ا ويعبد ل عن طريق رسول ‪ ،‬وقد افترقو ا طرقا شتى منهم ‪:‬اصحاب‬
‫البدوه‪ /‬اصحاب الفكر ‪ /‬اصحاب التناسخ‪ ،‬ويقولون مافي الوجود شيئ ال هو مخلوق ل كما ان لهم كتب‬
‫مقدسه )) الفيدا (( )) اليورانا (( الذي يمثل الديانه مختلطه بالتثليث براهما ‪ :‬الله الخالق‪ ،‬فيشنو ‪ :‬و هو‬
‫الله الحافظ‪ ، ،‬سيفا ‪ :‬وهو الله الملشي او المدمر ‪ ،‬ويقوم هذا الدين على اصلين رئيسين هما وحدة‬
‫الوجود و التناسخ الذي يقوم على انتقال النفس من جسد الى آخر في هذا العالم ويكون النتقال خير او‬
‫شرير حسب العمال السابقه ان خير فخير وان شر فشر‪.‬‬
‫أن يكون ‪ :‬زيادة من ب ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫في ب ‪ :‬العقل‬ ‫‪6‬‬

‫‪21‬‬
‫الكامل ‪ ،‬في إدراك المقصود من ال تعالى ‪ ،‬فيكون التنبيه منه على ذلك بواسطة الرسول ؛‬
‫ن ﴾‪. 1‬‬
‫حَمًة ِلْلَعاَلِمي َ‬
‫ك ِإّلا رَ ْ‬
‫سْلَنا َ‬
‫فضل ورحمة ‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪َ ﴿ :‬وَما َأْر َ‬
‫ن المراد بالفرض فرض عين ‪ ،‬ل فرض‬
‫قوله ‪ :‬لزم ‪ ،‬صفة فرض ‪ ،‬قّيده به ؛ ليدل على أ ّ‬
‫كفاية ‪ ،‬والصفة والموصوف مبتدأ ‪ ،‬خبره تصديق رسل ‪ ،‬والمراد بها جميع الرسل من غير‬
‫ن تصديق البعض دون البعض تكذيب للجميع ‪ ،‬وكفر بهم ‪ ،‬لقوله تعالى في‬
‫تعيين العدد ‪ ،‬ل ّ‬
‫خُذوا ‪ 14‬ب‬
‫ن َيّت ِ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ض َوُيِريُدو َ‬
‫ض َوَنْكُفُر ‪ِ /‬بَبْع ٍ‬
‫ن ِبَبْع ٍ‬
‫ن ُنْؤِم ُ‬
‫مقام الذم والتوبيخ ‪َ ﴿:‬وَيُقوُلو َ‬
‫حّقا ﴾‪ ، 2‬وأملك بالجر ‪ ،‬عطف على رسل ‪ ،‬أي واجب‬
‫ن َ‬
‫ك ُهُم اْلَكاِفُرو َ‬
‫سِبيًلا ُأوَلِئ َ‬
‫ك َ‬
‫ن َذِل َ‬
‫َبْي َ‬
‫تصديق الملئكة ‪ ،‬وهم الكرام الكاتبون ‪ ،‬وُيسّمون حفظة ؛ لنهم يحفظون أعمال العباد‬
‫ن ﴾‪، 3‬‬
‫ن َما َتْفَعُلو َ‬
‫ن * َيْعَلُمو َ‬
‫ن * ِكَراًما َكاِتِبي َ‬
‫ظي َ‬
‫حاِف ِ‬
‫عَلْيُكْم َل َ‬
‫ن َ‬
‫بالكتابة ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ ﴿ :‬وِإ ّ‬
‫قيل ‪ :‬لكل إنسان ملكان بالليل ‪ ،‬وملكان بالنهار ‪ ،‬يكتب أحدهما الخير‪ ،‬والخر الشر ‪ ،‬قوله ‪:‬‬
‫بالتوالي ‪ ،‬إشار إليه وهو في موضع النصب على الحال منهم ‪ ،‬جائين بالتعاقب ‪ ،‬وليس‬
‫متعلقا بالتصديق ؛ لفساد المعنى ‪ ،‬إذ التصديق يكفي مرة واحدة ‪.‬‬
‫جَماِل‬
‫ي ُذو َ‬
‫شِم ّ‬
‫ي َها ِ‬
‫نَِب ٌ‬ ‫صْدِر الُمَعّلى‬
‫سِل ِبال ّ‬
‫خْتُم الّر ْ‬
‫َو َ‬
‫ضل‬
‫أي ال تعالى ختم النبياء بمحمد صلى ال تعالى عليه وسلم ‪ ،‬الذي هو المختار المف ّ‬
‫ي بدل من‬
‫على جميعهم ‪ ،‬وختم الرسل مبتدأ ‪ ،‬وبالصدر خبره ‪ ،‬وصدر الشيء خياره ‪ ،‬ونب ّ‬
‫ي في اللغة الطريق ‪ ،‬ومنه ُيقال‬
‫الصدر ‪ ،‬وليس عطف بيان ‪ ،‬لعدم اليضاح في نفسه ‪ ،‬والنب ّ‬
‫للرسل عن ال تعالى أنبياء ‪ ،‬لكونهم طرق الهداية إليه تعالى ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو فعيل بمعنى‬
‫ن كان من الَنْبَوة ‪ ،‬وهي ما ارتفع من الرض ‪ ،‬وحينئذ يكون معناه ‪ :‬الذي شُرف‬
‫مفعول ‪ ،‬إ ْ‬
‫ن كان من النبأ‪ ، 4‬الذي هو‬
‫على سائر الخلئق ‪ ،‬فأصله غير الهمزة ‪ ،‬أو بمعنى فاعل ‪ ،‬إ ْ‬
‫الخبر ‪ ،‬فأصله همزة ‪ ،‬إّل أنهم تركوها في النبي ‪ ،‬كما تركوها في في الذرّية ‪ ،‬فجمعه على‬
‫الول أنبياء ‪ ،‬وعلى الثاني ُنَباُء ‪ ،‬يقال ‪ :‬يا خاتم الّنباء ‪ ،‬على وزن الُفعال ‪ ،‬وهاشمي ‪،‬‬
‫صفة نبي منسوب إلى قبيلة هاشم بن عبد مناف‪ ، 5‬من آل عدنان ‪ ،‬وذي جمال ‪ ،‬صفة بعد‬
‫صفة ‪ ،‬والمراد به صاحب الخلق الجميلة الكاملة ‪.‬‬

‫النبياء ‪107‬‬ ‫‪1‬‬

‫النساء ‪150‬‬ ‫‪2‬‬

‫النفطار ‪ 10‬ـ ‪12‬‬ ‫‪3‬‬

‫جاء في معجم الصحاح ) نبا ( ‪ :‬النّبَُأ‪ :‬الخبر‪ ،‬تقول نََبأ ونَّبأ‪ ،‬أي أخبر‪ ،‬ومنه أخذ الّنبيُء لنه أْنبَأ َ عن ا‬ ‫‪4‬‬

‫تعالى‪ ،‬وهو َفعيٌل‪ ،‬بمعنى فاعٍل‪ .‬وتصغير الَنبيِء نُبَيٌّئ مثل نُبَيٍّع‪ ،‬وتصغير النُُبوَءِة نُبَيّئٌَة‪ .‬وجمع النبّي نَُبآُء‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫سبيِل ُهداكا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫هدى‬ ‫ل‬
‫ّ ُ‬ ‫ك‬ ‫بالخير‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬
‫ُْ َ ٌ‬‫م‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ء‬ ‫بآ‬‫ُ‬
‫َ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫م‬‫خات‬ ‫يا‬
‫ويجمع أيضا ً على أْنبياَء‪.‬‬
‫كتب ‪ :‬هاشم بن عبد ا بن مناف ‪ :‬وما أثبتناه من ب ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪22‬‬
‫س ‪ 15‬أ‬
‫ن َنْف ٍ‬
‫خَلَقُكْم ‪ِ /‬م ْ‬
‫ن أول النبياء آدم عليه السلم ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ ﴿ :‬اّلِذي َ‬
‫واعلم أ ّ‬
‫جَتَباُه َرّبُه َفَتا َ‬
‫ب‬ ‫حَدٍة﴾‪ ، 1‬وهي آدم عليه السلم ‪ ،‬ويدل على نبوته قوله تعالى ‪ُ ﴿ :‬ثّم ا ْ‬
‫َوا ِ‬
‫سوَل‬
‫ن َر ُ‬
‫عَلْيِه َوَهَدى﴾‪ ، 2‬أي جعله نبيا ‪ ،‬وآخرهم محمد عليه السلم ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ﴿ :‬وَلِك ْ‬
‫َ‬
‫ي َبْعِدي [‪ ، 4‬ول يمكن الستدلل بالعقل‬
‫ن ﴾‪ ، 3‬وقوله عليه السلم ‪َ] :‬ل َنِب ّ‬
‫خاَتَم الّنِبّيي َ‬
‫الّلِه َو َ‬
‫على أنه خاتم النبياء ‪ ،‬لتجويز العقل إرسال ال رسول آخر بعده ‪ ،‬مع الكتاب المنزل من‬
‫عنده سوى القرآن ‪ ،‬وإّل لكان محل بعجز ال عن ذلك ‪ ،‬وهو محال ‪ ،‬فالدليل عليه سمعي ‪،‬‬
‫ل عقلي ‪ ،‬فمن استدل عليه بعقله ‪ ،‬فقد أسند العجز إليه ‪ ،‬تعالى عنه علوا كبيرا ‪ ،‬ولم يعّين‬
‫عدد النبياء ‪ ،‬لعدم ورود النص الصريح ‪ ،‬والخبر الصحيح في تعيينه ‪ ،‬ول مدخل للعقل فيه‬
‫لٍل‬
‫خِت َ‬
‫لاْ‬
‫صِفَياِء ِب َ‬
‫ج اْلَأ ْ‬
‫َوَتا ِ‬ ‫ل ٍ‬
‫ف‬ ‫خِت َ‬
‫لاْ‬
‫ِإَماِم اْلَأْنبَياِء ِب َ‬
‫ن نبينا مقتدى جميع النبياء ‪،‬‬
‫قوله ‪ :‬إمام النبياء بالجر ‪ ،‬صفة أخرى للنبي ‪ ،‬إشارة إلى أ ّ‬
‫إّمـا باعتبار الخرة ‪ ،‬أو باعتبار إمامته لهم ليلة المعراج ‪ ،‬حين أحياهم ال تعالى ؛ لقامة‬
‫الصلة خلفه ركعتين في بيت المقدس ‪ ،‬قبل عروجه إلى السماء ‪ ،‬أو المعنى أفضلهم‬
‫بتفضيل ال ‪ ،‬ل بتفضيل العمال ‪ ،‬كما هو مذهب المعتزلة ‪ ،‬حتى قالوا بتفضيل الَمَلك على‬
‫ض الّنِبّيي َ‬
‫ن‬ ‫ضْلَنا َبْع َ‬
‫النس مطلقا بأعمالهم ‪ ،‬وليس المر كذلك ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬وَلَقْد َف ّ‬
‫ن إضافة التفضيل‬
‫ض﴾‪ ، 6‬فإ ّ‬
‫عَلى َبْع ٍ‬
‫ضُهْم َ‬
‫ضْلَنا َبْع َ‬
‫سُل َف ّ‬
‫ك الّر ُ‬
‫ض﴾‪ ، 5‬وقوله ‪ِ ﴿ :‬تْل َ‬
‫عَلى َبْع ٍ‬
‫َ‬
‫ج ْ‬
‫ت‬ ‫خِر َ‬
‫خْيَر ُأّمٍة ُأ ْ‬
‫ن ال تعالى قال في ُأمته ‪ُ ﴿ :‬كْنُتْم َ‬
‫إلى ذاته تعالى ‪ ،‬ل إلى نفس العمل ‪ ،‬ول ّ‬
‫س﴾‪ ، 7‬فلّمـا كانت ُأمته خير المم ‪ ،‬دّل ذلك على أنه خير النبياء ‪ ،‬إذ شرف كل ُأمة‬
‫ِللّنا ِ‬
‫بشرف نبيهم ‪ ،‬ول يمكن الستدلل هنا أيضا بالعقل ‪ِ ،‬لما ذكرنا ‪.‬‬
‫ن ‪ 15‬ب‬
‫قوله ‪ :‬وتاج الصفياء ‪ ،‬أي ورئيس الولياء أيضا ‪ ،‬لنّ كل ولي ‪ /‬دون النبي ‪ ،‬ل ّ‬
‫بناء النبوة على الولية ‪ ،‬فهي جزء النبوة ‪ ،‬والجزء دون الكل ‪ ،‬والصفياء جمع صفي ‪،‬‬
‫وهو الُمتزكي عن الصفات الذميمة ‪ ،‬والُمنزه عن الكدرات النفسانية ‪.‬‬
‫حاِل‬
‫ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة َواْرِت َ‬ ‫عُه ِفي ُكّل َوْق ٍ‬
‫ت‬ ‫شْر ُ‬
‫ق َ‬
‫َوَبا ٍ‬
‫ن شريعة محمد عليه السلم ل ُتنسخ ‪ ،‬كما ُنسخت شرائع جميع النبياء‬
‫هذه إشارة إلى أ ّ‬
‫ق إلى يوم القيامة ‪ ،‬لثبوت كونه خاتم النبيين بالنص الصريح ‪ ،‬ولنه‬
‫بشرعه ‪ ،‬بل هو با ٍ‬
‫ضبط أحوال الخلق وأحكامهم بالوحي واللهام ‪ ،‬على سبيل الجمال والتفصيل ‪ ،‬بحيث يكتفي‬

‫النساء ‪ ، 1‬والعراف ‪189‬‬ ‫‪1‬‬

‫طه ‪122‬‬ ‫‪2‬‬

‫الحزاب ‪40‬‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح البخاري ‪ ، 4/206‬وصحيح مسلم ‪7/119‬‬ ‫‪4‬‬

‫السراء ‪55‬‬ ‫‪5‬‬

‫البقرة ‪253‬‬ ‫‪6‬‬

‫آل عمران ‪110‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪23‬‬
‫علماء أمته في بيان الحكام المبهمة بالصول الربعة ‪ :‬الكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬والجماع ‪،‬‬
‫والقياس ‪ ،‬لنهم أعلُم وأعقل من علماء سائر المم ‪ ،‬ولذا قال في مدحهم ‪ ] :‬علماء أمتي‬
‫ق ‪ :‬خبر المبتدأ ‪ ،‬وهو شرعه ‪ ،‬وارتحال ‪ :‬عطف على‬
‫كأنبياء بني إسرائيل [ ‪ ، 1‬قوله ‪ :‬با ٍ‬
‫يوم ‪ ،‬عطف تفسير ‪ ،‬أي إلى ارتحال جميع الخلق عن الدنيا إلى الخرة ‪ ،‬وهو أول القيامة ‪،‬‬
‫خَرِة [‪. 2‬‬
‫ن َمَناِزِل ال ِ‬
‫لقوله عليه السلم ‪] :‬اْلَقْبَر َأّوُل َمْنِزٍل ِم ْ‬
‫عَواِل‬
‫خَباٍر َ‬
‫ص َأ ْ‬
‫َفِفيِه َن ّ‬ ‫صْد ٌ‬
‫ق‬ ‫ج َو ِ‬
‫ق َأْمُر ِمْعَرا ٍ‬
‫حٌ‬‫َو َ‬
‫ص أخبار عالية‬
‫ن فيه ن ّ‬
‫أي ثابت محقق خبر معراج النبي عليه السلم ‪ ،‬ومطابق للواقع ‪ ،‬ل ّ‬
‫من التواتر والمشهور ‪ ،‬والنص بمعنى التصريح ‪ ،‬والفاء في قوله ‪ :‬ففيه للسبب ‪،‬‬
‫وضميرها يرجع إلى ألمر ‪ ،‬والعوال جمع عالية ‪ ،‬أي منزهة من الرد والطعن ‪.‬‬
‫ن المعراج في المنام ‪ ،‬أو في اليقظة ‪ ،‬وقبل الوحي أو بعده ‪،‬‬
‫ن العلماء اختلفوا في أ ّ‬
‫واعلم أ ّ‬
‫ن هذا كان رؤيا قبل الوحي في المنان ‪ ،‬ثم عرج به‬
‫وبالجسم أم بالروح ‪ ،‬وقال المحققون ‪ :‬إ ّ‬
‫بالجسد في اليقضة في رجب ‪ ،‬بعد الوحي قبل الهجرة بسنة تحقيقا لروياه من قبل ‪ 16 /‬أ‬
‫ن اّلِذي‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫ق﴾‪ ، 3‬وقوله تعالى ‪ُ ﴿ :‬‬
‫ح ّ‬
‫سوَلُه الّرْؤَيا ِباْل َ‬
‫ق الّلُه َر ُ‬
‫صَد َ‬
‫لقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬لَقْد َ‬
‫ن‬
‫حْوَلُه ِلُنِرَيُه ِم ْ‬
‫صى اّلِذي َباَرْكَنا َ‬
‫جِد اْلَأْق َ‬
‫سِ‬
‫حَراِم ِإَلى اْلَم ْ‬
‫جِد اْل َ‬
‫سِ‬
‫ن اْلَم ْ‬
‫سَرى ِبَعْبِدِه َلْيًلا ِم َ‬
‫َأ ْ‬
‫آَياِتَنا﴾‪ ، 4‬وهي التي رآها ليلة السراء من العجائب ‪ ،‬ولقاء النبياء ‪ ،‬روي أنه أسرى من‬
‫بيت أم هاني من الحرام إلى المسجد القصى ‪ ،‬وهو بيت المقدس ـ وبينهما مسيرة أربعين‬
‫ليلة ـ في بعض ليلة ‪ ،‬فأحيى ال تلك الليلة جميع النبياء ‪ ،‬من عهد آدم عليه السلم ‪،‬‬
‫وأّذن جبريل ‪ ،‬وصلوا خلفه ركعتين ‪ ،‬وبعد الفراغ من الصلة جاءوا ‪ ،‬وسلموا عليه ‪،‬‬
‫عرج به إلى السماء‪ ، 5‬إلى سدرة المنتهى ‪،‬‬
‫وأخبروه عن أحوال أممهم بأمر ال تعالى ‪ ،‬ثم ُ‬
‫إلى الكرسي ‪ ،‬إلى العرش ‪ ،‬فأوحى ال إلى عبده محمد عليه السلم ما أوحى ‪.‬‬
‫حجر ‪ ،‬بين النائم‬
‫وروي عن النبي عليه السلم ‪ ] :‬بينا أنا نائم في المسجد الحرام في ال ِ‬
‫واليقظان ‪ ،‬إذ أتاني جبريل بالبراق [ فذكر حديث السراء ‪ ، 6‬فالخبار الصحيحة في أمر‬

‫لم أر نصا لهذا الحديث منسوبا إلى النبى صلى ا عليه وسلم بسند صحيح ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫سنن ابن ماجة ‪ ، 5/333‬والحديث بلفظه ‪ ،‬وبتمامه ‪) :‬إِّن اْلقَْبَر أَّوُل َمَناِزِل الِخَرِة ‪ ،‬فإ ِْن نََجا ِمنهُ ‪ ،‬فَما‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫‪2‬‬

‫ت‬‫سلَّم ‪َ :‬ما َرأَْي ُ‬


‫صّلى ا َعلْيِه و َ‬ ‫سوُل اِ َ‬ ‫شّد ِمْنهُ َقاَل ‪َ :‬وَقاَل َر ُ‬ ‫سُر ِمْنهُ ‪َ ،‬وإِْن لَْم يَْنُج ِمْنهُ ‪ ،‬فََما بَْعَدهُ أَ َ‬‫بَْعَدهُ أَْي َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫َمْنظًَرا قَط إِل َوالقْبُر أفظُع ِمنهُ (‪.‬‬
‫اُ آِمِنيَن‬ ‫شاَء ّ‬‫سِجَد اْلَحَراَم إِْن َ‬
‫ق لَتَْدُخلُّن اْلَم ْ‬‫سولَهُ الّرْؤَيا ِباْلَح ّ‬‫اُ َر ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫صَد َ‬‫الفتح ‪ 27‬ن والية بتمامها ‪] :‬لَقَْد َ‬ ‫‪3‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫صِريَن َل تََخاُفوَن فَعلَِم َما لْم تْعلُموا فَجَعَل ِمْن ُدوِن ذلَِك فتًحا قِريًبا [ ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُمَحلِّقيَن ُرُءو َ‬
‫سُكْم َوُمقَ ّ‬
‫السراء ‪1‬‬ ‫‪4‬‬

‫كتب ‪ ... :‬بأمر ا تعالى ثم يخرج به عليه السلم ‪ ،‬وعرج إلى السماء ‪ ،‬وإلى سدرة المنتهى ‪ ، ...‬وما‬ ‫‪5‬‬

‫أثبتناه من ب ‪.‬‬
‫انظر صحيح مسلم ‪ ، 1/99‬ومسند أحمد ‪3/148‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪24‬‬
‫المعراج كثيرة ‪ ،‬ل يمكن إنكارها ‪ ،‬فمن أنكر المعراج‪ 1‬من مكة إلى المسجد القصى ‪ ،‬فقد‬
‫ضً‬
‫ل‬ ‫كفر ‪ ،‬ومن أنكر ما سوى ذلك ‪ ،‬فقد صار مبتدعا ضال ‪ ،‬وُم ِ‬
‫عْمًدا َواْنِعَزاِل‬
‫ن َ‬
‫صَيا ِ‬
‫ن اْلِع ْ‬
‫عْ‬
‫َ‬ ‫ن اْلَأْنِبَياَء َلِفي َأَما ٍ‬
‫ن‬ ‫وِإ ّ‬
‫أي جميع النبياء معصومون‪2‬عن الكفر ‪ ،‬وعن المعاصي بعد الوحي ؛ خلفا للخوارج فيها ‪،‬‬
‫ن يتعمدوا الكبائر ‪ ،‬وجوزوا أ ْ‬
‫ن‬ ‫وخلفا للحشوية‪ 3‬في المعاصي دون الكفر ‪ ،‬وقوم منعوا أ ْ‬
‫ُتعّمد الصغائر ‪ ،‬وأكثر أهل الحق منعوا الكبائر ‪ ،‬عمدا كانت أو سهوا ‪ ،‬وجّوزوا الصغائر‬
‫سهوا ‪ ،‬قلنا ‪ :‬إنه لو صدر عنهم كفر‪ ،‬أوذنب عمدا ‪ ،‬لوجب على المة اتباعهم بقولـه‬
‫ن﴾‪ ، 4‬فيفضي إلى الجمع بين الوجوب والحرمة ‪ 16 /‬ب‬
‫تعـالى ‪َ ﴿ :‬واّتِبُعوُه َلَعّلُكْم َتْهَتُدو َ‬
‫ن درجتهم في غاية‬
‫ولكان النبياء معذبين ؛ بسبب صدور الكفر والذنب بأشد العذاب ‪ ،‬ل ّ‬
‫الشرف ‪ ،‬وكل ّمن كان كذلك ‪ ،‬كان صدور الذنب عنه أفحش ‪ ،‬فكان عذابه أشد ‪ ،‬كما أوعد‬
‫ف َلَها‬
‫ع ْ‬
‫ضا َ‬
‫شٍة ُمَبّيَنٍة ُي َ‬
‫ح َ‬
‫ن ِبَفا ِ‬
‫ت ِمْنُك ّ‬
‫ن َيْأ ِ‬
‫ي َم ْ‬
‫ساَء الّنِب ّ‬
‫نساء النبي عليه السلم بقوله ‪َ﴿ :‬يا ِن َ‬
‫ن ﴾‪ ، 5‬ولنه لو صدر الذنب منهم لكانوا من حزب الشيطان ؛ لنهم فعلوا ما‬
‫ضْعَفْي ِ‬
‫ب ِ‬
‫اْلَعَذا ُ‬
‫أراده الشيطان ‪ ،‬واللزم باطل ‪ ،‬لنهم حينئذ استوجبوا الذم واليذاء ‪ ،‬وقد قال ال تعالى ‪﴿ :‬‬
‫ن اْلَأْنِبَياَء‬
‫خَرِة ﴾‪ ، 6‬ولذا قال الشيخ ‪ِ :‬إ ّ‬
‫سوَلُه َلَعَنُهُم الّلُه ِفي الّدْنَيا َواْلآ ِ‬
‫ن الّلَه َوَر ُ‬
‫ن ُيْؤُذو َ‬
‫اّلِذي َ‬
‫ن‬
‫ن ‪ ،‬ولنه لو صدر عنهم الذنب لنعزلوا عن درجة النبوة ‪ ،‬ل ّ‬
‫صَيا ِ‬
‫ن اْلِع ْ‬
‫عْ‬‫ن َ‬
‫َلِفي َأَما ٍ‬
‫ن ﴾‪، 7‬‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫عْهِدي ال ّ‬
‫المذنب ظالم ‪ ،‬والظالم ل ينال عهد النبوة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬لا َيَناُل َ‬
‫ولذا قال الشيخ ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬وانعزال ‪ ،‬أي ‪ :‬في المان عن النعزال عن النبوة ‪ ،‬وأّمـا ما‬
‫ُنقل عنهم من الذنوب جميعا ‪ ،‬فبعضه افتراء عليهم ‪ ،‬وبعضه ُمأّول بتأويل يليق بحالهم ‪،‬‬
‫وأّمـا صدور الصغائر عنهم ‪ ،‬فهو إّمـا سهو أو نسيان ‪ ،‬أو محمول على الولى ‪ ،‬أو‬
‫اشتباه المنهي‪ 8‬بالمباح ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫يلحظ أن الشارح ل يفرق بين السراء والمعراج ‪ ،‬فالسراء هو السير ليل من المسجد الحرام إلى المسجد‬ ‫‪1‬‬

‫القصى ‪ ،‬والمعراج هو الصعود من بيت المقدس إلى السموات العلى ‪.‬‬


‫كتب معصوم ‪ ،‬وفي ب ‪ :‬معصومين ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫أهل السنة يتبرأون من الحشوية وينسبونهم للمشركين تارة ولليهودية تارة أخرى ومنهم من يقول أنهم‬ ‫‪3‬‬

‫أخطر من اليهود ‪ ،‬فقد أظهروا ببغداد من البدع الفظيعة والمخازي الشنيعة ما لم يسمح به ملحد فضلً عن‬
‫موّحد ‪ ،‬ول تجّوز به قادح في أصل الشريعة ول مع ّ‬
‫طل ‪ ،‬ونسبوا كّل من ينـزهُ الباري تعالى وجل عن‬
‫ب‬
‫النقائص والفات وينفي عنه الحلول والتشبيهات ‪ ...‬إلى الكفر والطغيان ‪،‬و منافاة أهل الحق واليمان وثل ِ‬
‫أهل الحق وعصابة الدين ‪ ،‬ولعِنهم في الجوامع والمشاهد والمحافل والمساجد والسواق والطرقات ؛ ثم‬
‫غّرهم الطمع والهمال ومّدهم في طغيانهم الغّي والضلل انظر ‪) :‬تبيين كذب المفتري( لبن عساكر ص‬
‫‪. 310‬‬
‫العراف ‪158‬‬ ‫‪4‬‬

‫الحزاب ‪30‬‬ ‫‪5‬‬

‫الحزاب ‪57‬‬ ‫‪6‬‬

‫البقرة ‪124‬‬ ‫‪7‬‬

‫أي ‪ :‬المنهي عنه ‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪25‬‬
‫ص ُذو اْفِتَعاِل‬
‫خ ٌ‬
‫شْ‬‫َوَل عَْبٌد َو َ‬ ‫ط ُأْنثى‬
‫ت َنِبّيا َق ّ‬
‫َوَما َكان ْ‬
‫ن يكون النبي ُأنثى ‪ ،‬لنها واجبة الستر‪ ،‬والقرار في بيتها ‪ ،‬لقـوله تعالى ‪:‬‬
‫أي ل يجوز أ ْ‬
‫جاِهِلّيِة اْلُأوَلى ﴾‪ ، 1‬أي ل تظهرن زينتكن كإظهار‬
‫ج اْل َ‬
‫ن َتَبّر َ‬
‫جَ‬‫ن َوَلا َتَبّر ْ‬
‫ن ِفي ُبُيوِتُك ّ‬
‫﴿ َوَقْر َ‬
‫النساء زينتهن في الجاهلية ‪ ،‬التي كانت بين آدم ونوح ‪ ،‬والجاهلية الخرى جاهلية قوم في‬
‫ن بالقرار في البيوت ‪ ،‬والنبوة تقتضي‬
‫آخر الزمان ‪ ،‬يفعلون مثل فعلهم ‪ ،‬فالنساء ُأِمْر َ‬
‫الشتهار بالدعوة إلى الحق ‪ ،‬وإظهار المعجزات ‪ /‬والنوثة تنافي ذلك ‪ ،‬فبالضرورة ‪ 17‬أ‬
‫جاًلا‬
‫ك ِإّلا رِ َ‬
‫سْلَنا َقْبَل َ‬
‫ن يكون َذَكرا ‪ ،‬كما أخبر ال تعالى في كلمه القديم ‪َ ﴿ :‬وَما َأْر َ‬
‫ينبغي أ ْ‬
‫ن ﴾‪ ، 2‬أي اسألوا أهل التوراة والنجيل‬
‫ن ُكْنُتْم َلا َتْعَلُمو َ‬
‫سَأُلوا َأْهَل الّذْكِر ِإ ْ‬
‫حي ِإَلْيِهْم َفا ْ‬
‫ُنو ِ‬
‫ن ارتبتم فيما قلنا ‪ ،‬وما روي عن النبي عليه السلم ‪:‬‬
‫ن النبياء رجال أم إناث؟ إ ْ‬
‫والزابور‪ ،‬أ ّ‬
‫] جاءت قبلي أربع نبّيات ‪ :‬كأّم موسى ‪ ،‬ومريم عيسى ‪ ،‬وآسيه زوجة فرعون ‪ ،‬وحواء[‬
‫سّلم أنه صحيح ‪ ،‬فُمأّول بأنهن‪ 3‬مرفوعات في الدرجة على نساء‬
‫فغير صحيح ‪ ،‬وإن ُ‬
‫العالمين من الَنْبَوة ‪ ،‬وهي الرفعة ‪.‬‬
‫حّرا ‪ ،‬ل عبدا مملوكا لشخص ‪ ،‬لنه يعجز عن الشتغال بالدعوة إلى‬
‫ن يكون النبي ُ‬
‫وينبغي أ ْ‬
‫ن الناس يستنكفون عن القتداء به ‪.‬‬
‫الحق ‪ ،‬بسبب اشتغاله في خدمة موله ‪ ،‬ول ّ‬
‫وينبغي أيضا أن يكـون النبي تابعـا للوحي الظـاهر ‪ ،‬أو الوحي الباطن ‪ ،‬لقـوله تعالى ‪:‬‬
‫ك ﴾‪ ، 4‬ل شخصا يفعل فعل برأيه ‪ ،‬يختلق كلمات ] من [‬
‫ن َرّب َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫حى ِإَلْي َ‬
‫﴿ َواّتِبْع َما ُيو َ‬
‫عنده ؛ ليدعو الناس إليه بالفتراء‪ ،‬وهو معنى قوله ‪ :‬ذو افتعال ‪ ،‬أي ذو فعل قبيح مختلق ‪،‬‬
‫ن النبي ل يجوز أن يكون‬
‫كاتصافه بالسحر ‪ ،‬والشعوذة ‪ ،‬والخداع‪ ، 5‬ونحو ذلك ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن النبياء‬
‫موصوفا به ‪ ،‬لنه مخل بانبوة ‪ ] ،‬فإن [ قيل ‪ :‬قد مّر ما يغني عنه من قوله ‪ :‬وإ ّ‬
‫ن يكون ذكره للتوضيح هاهنا ؛ لشدة قبحه بالنسبة‬
‫لفي أمان عن العصيان ‪ ،‬قلت ‪ :‬يجوز أ ْ‬
‫إلى غيره ‪ ،‬قوله ‪ :‬انثى ‪ ،‬في تقدير الرفع ‪ ،‬على أنه اسم كانت ‪ ،‬وخبره نبيا ‪ ،‬أي شخصا‬
‫نبيا ‪ُ ،‬قّدم عليه للوزن ‪ ،‬وقط بالضم من الظروف الزمانية ‪ ،‬كقبل وبعد ‪ ،‬وهو للماضي‬
‫المنفي ‪ ،‬تقول ‪ :‬ما فعلته قط ‪ ،‬أي في الزمان السابق ‪ ،‬فل يقال ‪ :‬ما أفعله قط ‪.‬‬
‫جَداِل‬
‫ن ِ‬
‫عْ‬
‫حَذْر َ‬
‫ن َفأ ْ‬
‫َكَذا لُقَما ُ‬ ‫ف َنِبّيا‬
‫ن َلْم ُيْعَر ْ‬
‫َوُذو اْلَقْرَنْي ِ‬ ‫‪/‬‬
‫‪17‬ب‬

‫الحزاب ‪33‬‬ ‫‪1‬‬

‫النبياء ‪7‬‬ ‫‪2‬‬

‫في أ ‪ ،‬ب ‪ :‬بأنها ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫الحزاب ‪2‬‬ ‫‪4‬‬

‫كتب ‪ :‬بالسحر والشعر والجزاع ‪ :‬وما أثبتناه من ب ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪26‬‬
‫اختلف العلماء في نبوة ذي القرنين‪ ، 1‬اسمه عبد ال ‪ ،‬وقيل ‪ :‬اسكندر فيلقوس الرومي ‪،‬‬
‫من ولد يونان بن يافث بن نوح ‪ ،‬وإنما لقب بذي القرنين ؛ لنه بلغ قرني الشمس ‪:‬‬
‫مشرقها ومغربها ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لنه ملك الروم والفرس ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لنه دخل النور والظلمة ‪،‬‬
‫وقيل ‪ :‬رأى في المنام كأنه أخذ بقرني الشمس‪ ،‬وقيل‪ :‬لنه كان له قرنان تواريهما العمامة ‪،‬‬
‫روي أنه أمر قومه بتقوى ال تعالى ‪ ،‬فضربوه على قرنه اليمن فمات ‪ ،‬فبعثه ال ‪ ،‬ثم‬
‫أمرهم ثانيا بتقوى ال تعالى ‪ ،‬فضربوه على قرنه اليسر ‪ ،‬فمات ‪ ،‬فأحياه ال ‪ ،‬وعاش بعد‬
‫سئل عنه‪ ،‬فقال‪: 2‬‬
‫ن الرسول عليه السلم ُ‬
‫ذلك ألفا وستمائة سنة‪ ،‬والحق أنه لم يكن نبيا‪ ،‬ل ّ‬
‫] لم يكن نبيا ‪ ،‬ول ملكا ‪ ،‬ولكن كان عبدا أحب ال فأحبه ال ‪ ،‬فناصح ال فناصحه ال [‪، 3‬‬
‫وروي عن عكرمة أنه كان نبيا ‪ ،‬وروي عن وهب أنه كان ملكا‪. 4‬‬
‫وكذلك اختلفوا في نبوة لقمان ‪ ،‬وأكثرهم على أنه لم يكن نبيا ‪ ،‬وإنما كان حكيما ‪ ،‬وروي‬
‫خّير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة ‪ ،‬فسئل عن ذلك فقال ‪ :‬خّيرني ربي ‪ ،‬فقبلت‬
‫أّنه ُ‬
‫العافية ‪ ،‬ولم أقبل البلء ‪ ،‬وروي عن عكرمة أنه كان نبيا ‪ ،‬وقيل ‪ :‬كان قاضيا في بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬أو عبدا حبشيا ‪ ،‬وكان خياطا ‪ ،‬أو نجارا ‪ ،‬أو راعي غنم ‪ ،‬عاش ألف سنة ‪،‬‬
‫فلّمـا لم تتحقق نبوتهما أمر الشيخ بترك الجدال في المشكوك ‪ ،‬لنه ل ينفع سوى الثم ‪.‬‬
‫خَباِل‬
‫ي ِذي َ‬
‫شِق ّ‬
‫جاٍل َ‬
‫ِلَد ّ‬ ‫ف َيْأِتي ُثّم َيْتِوى‬
‫سْو َ‬
‫عيسى َ‬
‫َو ِ‬
‫أي سينزل عيسى عليه السلم من السماء الرابعة إلى الرض ؛ لقتل أعداء ال تعالى ‪،‬‬
‫ونصر دينه ‪ ،‬وتنفيذ شريعة نبينا محمد عليه السلم ‪ ،‬ونشر أحكامها ‪ ،‬ثم يهلك الدجال‬
‫الكافر الشقي ‪ /‬صاحب الخبال ‪ ،‬وهو الفساد ؛ لنه يّدعي اللوهية ‪ ،‬وُيظهر المعجزات‬
‫‪18‬أ ‪ ،‬ويدعو الناس إلى عبادته ‪ ،‬ويتبعه سبعون ألفا من أمة محمد عليه السلم ‪ ،‬ويمكث‬
‫في الرض أربعين يوما ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أربعين سنة ‪ ،‬قال عليه السلم ‪ ] :‬ينزل عيسى ابن‬
‫ح ‪ ،‬فيقتل الدجال ‪ ،‬ويتفرق عنه اليهود لعنهم ال‬
‫ب اْلِمْل ُ‬
‫مريم ‪ ،‬فإذا رآه الدجال ذاب َكَما َيُذو ُ‬
‫ن الحجر يقول للمؤمن ‪ :‬يا عبد ال المسلم ‪ ،‬هذا يهودي ‪ ،‬تعال‬
‫‪ ،‬فُيقتلون ‪ ،‬حتى إ ّ‬
‫شْرِق ّ‬
‫ى‬ ‫ضاِء َ‬
‫عْنَد اْلَمَناَرِة اْلَبْي َ‬
‫فاقتله [ ‪ ،‬وقال عليه السلم أيضا ‪َ ] :‬يْنِزُل عيسى بن مريم ِ‬
‫حّدَر‬
‫طَر َوِإَذا َرَفَعُه َت َ‬
‫سُه َق َ‬
‫طَأ َرَأ َ‬
‫طْأ َ‬
‫ن ِإَذا َ‬
‫حِة َمَلَكْي ِ‬
‫جِن َ‬
‫عَلى َأ ْ‬
‫ضًعا َكّفْيِه َ‬
‫ن َوا ِ‬
‫ن َمْهُروَدَتْي ِ‬
‫ق َبْي َ‬
‫ش َ‬
‫ِدَم ْ‬
‫طْرُفُه‬
‫ث َيْنَتِهى َ‬
‫حْي ُ‬
‫سُه َيْنَتِهى َ‬
‫ت َوَنَف ُ‬
‫سِه ِإّل َما َ‬
‫ح َنَف ِ‬
‫جُد ِري َ‬
‫حّل ِلَكاِفٍر َي ِ‬
‫ل َي ِ‬
‫ن َكالّلْؤُلِؤ َف َ‬
‫جَما ٌ‬
‫ِمْنُه ُ‬

‫كتب ‪ :‬ذو القرنين ‪ ،‬وما أثبتناه من ب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫جاء في تفسير الطبري ‪ ، 18/93‬أنه من كلم علي بن أبي طالب رضي ا عنه ‪ ،‬والذي جاء في تفسير‬ ‫‪2‬‬

‫الطلري ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى‪ ،‬قال‪ :‬ثنا محمد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬ثنا شعبة‪ ،‬عن القاسم بن أبى بزة‪ ،‬عن أبي‬
‫ب ا ‪ ،‬فأحبه ا‪،‬‬ ‫الطفيل‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عليا وسألوه عن ذي القرنين أنبيا كان؟ قال‪ ) :‬كان عبدا صالحا‪ ،‬أح ّ‬
‫وناصح ا فنصحه‪ ،‬فبعثه ا إلى قومه‪ ،‬فضربوه ضربتين في رأسه‪ ،‬فسمي ذا القرنين ‪ ،‬وفيكم اليوم مثله(‬
‫تفسير البغوي ‪ ،‬في تفسير قوله تعالى ] ويسألونك عن ذي القرنين [ ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫تفسير الطبري ‪18/93‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪27‬‬
‫ب ُلّد َفَيْقُتُلُه [ ‪ ، 1‬قيل ‪ :‬إنه يمكث في الرض أربعين سنة ‪،‬‬
‫حّتى ُيْدِرَكُه ِبَبا ِ‬
‫طُلب الدجال َ‬
‫َفَي ْ‬
‫يتزوج من العرب ‪ ،‬فيولد له أولد ‪ ،‬ويكون وليا من أمة محمد صلى ال تعالى عليه وسلم ‪،‬‬
‫ينصر ‪ ،‬وُيعلي دينه ‪ ،‬حتى ل يبقى كافر على وجه الرض ‪ ،‬ويكون مقدمة عيسى عليه‬
‫السلم أصحاب الكهف ‪ُ ،‬يحيهم ال تعالى في زمانه ؛ ليكونوا أنصارا إلى ال ‪ ،‬وهذا معنى‬
‫ن ُكّلِه َوَلْو َكِرَه‬
‫عَلى الّدي ِ‬
‫ظِهَرُه َ‬
‫حقّ ِلُي ْ‬
‫ن اْل َ‬
‫سوَلُه ِباْلُهَدى َوِدي ِ‬
‫سَل َر ُ‬
‫قوله تعالى ‪ُ﴿ :‬هَو اّلِذي َأْر َ‬
‫ن ﴾‪ . 2‬قوله ‪ :‬الدجال متعلق بقوله ‪ :‬يأتي ‪ ،‬أي لهلكه ‪ ،‬وهو في التقدير مقدم‬
‫شِرُكو َ‬
‫اْلُم ْ‬
‫على قوله ثم يتوي ‪ ،‬معلوم‪ 3‬من التواء ‪ ،‬وهو الهلك ‪ ،‬أي يتويه ‪ ،‬أي بتقدير المفعول‬
‫الراجع إلى دجال المقّدم رتبة ‪ ،‬وليس هذا من باب التنازع كما قيـل ‪ ،‬لوجود اللم في‬
‫ن يكون من التوى ‪ /‬لنه يوهم حصول هلك عيسى عليه ‪ 18‬ب‬
‫الدجال ‪ ،‬ول يجوز أيضا أ ْ‬
‫السلم لجل الدجال ظاهرا ‪.‬‬
‫ن َفُهْم َأْهُل الّنواِل‬
‫َلها ًكْو ٌ‬ ‫ي ِبداِر ُدْنيا‬
‫ت الَوِل ّ‬
‫َكَراما ْ‬
‫ي ‪ ،‬مبتدأ ‪ ،‬وقوله ‪ :‬لها كون مبتدأ وخبر ‪ ،‬وهذه الجملة في محل الرفع‬
‫قوله ‪ :‬كرامات الول ّ‬
‫خبر المبتدأ الول ‪ ،‬وقوله ‪ :‬بدار دنيا ‪ ،‬متعلق بالكون ‪ ،‬والمراد منه الثبوت ‪ ،‬والوقوع ‪،‬‬
‫ن المراد به الجنس ‪ ،‬بدليل إضافة الجمع إليه ‪ ،‬والنوال‬
‫قوله ‪ :‬فهم ‪ ،‬يرجع إلى الولي ‪ ،‬ل ّ‬
‫هو العطاء ‪ ،‬أي هم أهل‪ 4‬الفضل من ال تعالى ‪ ،‬قال أهل السنة والجماعة ‪ :‬كرامات‬
‫الولياء ثابتة في دار الدنيا ‪ ،‬خلفا للمعتزلة ‪ ،‬حجتنا في ذلك النقل والعقل ‪ :‬أّمـا النقل فما‬
‫أخبر ال تعالى عن صاحب سليمان عليه السلم ‪ ،‬وهو آصف بن برخيا ‪ ،‬وكان وزيره ‪ ،‬أّنه‬
‫أتى بعرش بلقيس من مسافة بعيدة في زمان قريب ‪ ،‬كما قال ال تعالى في حقه ‪َ﴿ :‬أَنا‬
‫ضِل َرّبي﴾ الية‪، 5‬‬
‫ن َف ْ‬
‫عْنَدُه َقاَل َهَذا ِم ْ‬
‫سَتِقّرا ِ‬
‫ك َفَلّما َرآُه ُم ْ‬
‫طْرُف َ‬
‫ك َ‬
‫ن َيْرَتّد ِإَلْي َ‬
‫ك ِبِه َقْبَل َأ ْ‬
‫آِتي َ‬
‫وكذا سمع سارية ـ صحابي من الصحابة ‪ ،‬أرسله عمر رضي ال عنه إلى نهاوند للجهاد‬
‫مع جماعة كثيرة من المسلمين ـ قول عمر ‪ ،‬وهو بالمدينة ‪ ،‬فوق منبر الرسول عليه‬
‫السلم ‪ :‬يا سارية الجبل ‪ ،‬الجبل ‪ ،‬وكان بينهما أكثر من خمسمائة فرسخ ‪ ،‬وكذا جريان‬
‫النيل في مصر بكتاب عمر ‪ ،‬حين وقف النيل عن الجريان ‪ ،‬فظهر القحط في أهلها ‪ ،‬فإنه‬
‫ن كنت تجري بحولك وقّوتك ‪ ،‬فل حاجة‬
‫كتب فيه ‪ِ :‬من عمر إلى نيل مصر ‪ ،‬أّمـا بعد ‪ ،‬فإ ْ‬
‫ن كنت تجري بأمر ال وقدرته فاجر صاغرا ‪ ،‬فلّمـا جاء الكتاب إلى مصر ‪،‬‬
‫لنا فيك ‪ ،‬وإ ْ‬

‫صحيح مسلم ‪8/197‬‬ ‫‪1‬‬

‫التوبة ‪ ، 33‬الفتح ‪ ، 28‬الصف ‪9‬‬ ‫‪2‬‬

‫يعني أن الفعل مبني للمعلوم ‪ ،‬وليس للمجهول ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫كتب ‪ :‬أي أهل هم الفضل ‪ ،‬وما أثبتناه من ب ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ب أََنا آِتيَك بِِه قَْبَل أَْن يَْرتَّد إِلَْيكَ َ‬


‫طْرفَُك فَلَّما َرآُه‬ ‫النمل ‪ ، 40‬والية بتمامها ‪َ] :‬قاَل الِّذي ِعْنَد ُ ِ ٌ ِ َ ِ ِ‬
‫َ‬
‫تا‬ ‫ك‬‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫‪5‬‬

‫َ‬
‫سِه َوَمْن َكفََر فإ ِّن َرّبي‬ ‫ْ‬
‫شُكُر لِنَف ِ‬ ‫َ‬ ‫شُكُر أَْم أَْكفُُر َوَمْن َ‬
‫شَكَر فإ ِنَّما يَ ْ‬ ‫ضِل َرّبي لِيَْبلَُوِني أَأَ ْ‬
‫ستَقًِّرا ِعْنَدهُ َقاَل َهَذا ِمْن فَ ْ‬
‫ُم ْ‬
‫َغنِّي َكِريٌم [ ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫طرحوه في النيل ‪ ،‬فجرى الماء بإذن ال ‪ ،‬ولم يقف من ذلك الزمان إلى هذا الوقت ‪ ،‬وكذا‬
‫شرب خالد بن الوليد‪ /‬قدحا من السم من يد الكفار ‪ ،‬فإنه لم يضّره حين ذهب إلى ‪ 19‬أ‬
‫ن دينك حق ‪،‬‬
‫ن تشرب هذا السم نعلم أ ّ‬
‫جهادهم ‪ ،‬وحاصر مدينة من مدائنهم ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إ ْ‬
‫فنؤمن بمحمد ودينه ‪ .‬وما نقل من كرامات التابعين ‪ ،‬وصالحي هذه المة بلغ حدا لو جمعت‬
‫ن ال تعالى يقدر أن ُيجري‬
‫آحادها لبلغت حد التواتر في جواز الكرامات ‪ .‬وأّمـا العقل ‪ ،‬فل ّ‬
‫على خلف العادة على يد عبده الصالح ‪ ،‬ما يعرف به ثمرة الطاعة ‪ ،‬وتزداد بصيرته بصحة‬
‫دينه ‪ ،‬ل يقال‪ : 1‬لو صح هذا لشتبهت الكرامة بالمعجزة ‪ ،‬فل ُيعرف النبي من الولي ‪،‬‬
‫ي المعجزة لكفر من ساعته ‪،‬‬
‫ن المعجزة تقارب دعوة النبوة ‪ ،‬ولو اّدعى الول ّ‬
‫لّنـا نقول ‪ :‬إ ّ‬
‫فل يبقى أهل للكرامة ‪ ،‬بل يّدعي الولي متابعة النبي عليه السلم ‪ ،‬فل جرم ؛ لكون كل‬
‫كرامة ظهرت في يده معجزة النبي عليه السلم ‪ ،‬فل يقع الشتباه ‪.‬‬
‫حاِل‬
‫سوًل في اْنِت َ‬
‫َنِبًيا َأْو َر ُ‬ ‫ط َدْهًرا‬
‫ي َق ّ‬
‫ضْل َوِل ٌ‬
‫َوَلْم َيْف ُ‬
‫أي كل واحد من الولياء ‪ ،‬لم يفضل على نبي ورسول في مرتبة الشرف ‪ ،‬وهو معنى‬
‫جح ل من نبي ‪ ،‬ول رسول في زمان من‬
‫النتحال ‪ ،‬فأو بمعنى الواو ‪ ،‬يعني به ‪ :‬لم ير ّ‬
‫ن يكون التابع‬
‫ي إنسان صالح ‪ ،‬تابع لسّنة النبي والرسول ‪ ،‬ول يصح أ ْ‬
‫ن الول ّ‬
‫الزمنة قط ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن النبي عليه السلم قال في حق أبي بكر رضي ال عنه ‪ ] :‬وال ما‬
‫أعلى من المتبوع ‪ ،‬ول ّ‬
‫طلعت الشمس ول غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر [‪ ، 2‬رضي ال عنه ‪ ،‬وهو‬
‫أفضل من غيره ‪ ،‬فيكون النبي أفضل من الولي ‪ ،‬خلفا لبعض الصوفية من أهل الباحة ‪،‬‬
‫فإنهم قالوا ‪ :‬مرتبة الولي ‪ /‬الكامل المكمل أفضل من النبي ‪ ،‬وهو كفر وزندقة ‪ ،‬لقوله‪19‬ب‬
‫س﴾‪ ، 3‬وقوله ‪َ ﴿ :‬وِإّنُهْم‬
‫ن الّنا ِ‬
‫سًلا َوِم َ‬
‫ن اْلَمَلاِئَكِة ُر ُ‬
‫طِفي ِم َ‬
‫صَ‬
‫تعالى في حق النبياء ﴿الّلُه َي ْ‬
‫ك ِإّلا‬
‫سْلَنا َ‬
‫خَياِر﴾‪ ،4‬وقوله في حق الرسول عليه السلم ‪َ ﴿:‬وَما َأْر َ‬
‫ن اْلَأ ْ‬
‫طَفْي َ‬
‫صَ‬
‫ن اْلُم ْ‬
‫عْنَدَنا َلِم َ‬
‫ِ‬
‫عَلْيِهْم ِم َ‬
‫ن‬ ‫ن َأْنَعَم الّلُه َ‬
‫ك َمَع اّلِذي َ‬
‫سوَل َفُأوَلِئ َ‬
‫طِع الّلَه َوالّر ُ‬
‫ن ُي ِ‬
‫ن ﴾‪ ، 5‬وقوله ‪َ﴿ :‬وَم ْ‬
‫حَمًة ِلْلَعاَلِمي َ‬
‫َر ْ‬
‫ع الّلَه ﴾‪، 7‬‬
‫طا َ‬
‫سوَل َفَقْد َأ َ‬
‫طِع الّر ُ‬
‫ن ُي ِ‬
‫ن ﴾‪ ،6‬وقوله‪َ﴿ :‬م ْ‬
‫حي َ‬
‫صاِل ِ‬
‫شَهَداِء َوال ّ‬
‫ن َوال ّ‬
‫صّديِقي َ‬
‫ن َوال ّ‬
‫الّنِبّيي َ‬
‫ن مرتبة الُمطيع أدنى من مرتبة الُمطاع ‪ ،‬فمن أنكر ذلك فقد كفر ‪ ،‬والفرق بين‬
‫كأّ‬
‫ول ش ّ‬
‫ن الرسول هو نبي جاءه جبريل بكتاب فيه شريعة مخصوصة له ‪ ،‬سواء‬
‫النبي والرسول أ ّ‬

‫في ب ‪ :‬واحتجت المعتزلة بأنه ‪....‬‬ ‫‪1‬‬

‫الجامع الكبير للسيوطي ‪1/26515‬‬ ‫‪2‬‬

‫الحج ‪75‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة ص ‪47‬‬ ‫‪4‬‬

‫النبياء ‪107‬‬ ‫‪5‬‬

‫النساء ‪69‬‬ ‫‪6‬‬

‫النساء ‪80‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪29‬‬
‫نسخ ما قبله ‪ ،‬أو لم ينسخ ‪ ،‬والنبي َمن بعثه ال إلى عباده ‪ ،‬لتبليغ ما أوحى ال إليه ‪ ،‬أعّم‬
‫ن يكون له كتاب منزل ‪ ،‬أو لم يكن ‪.‬‬
‫من أ ْ‬
‫قوله ‪ :‬دهرا ‪ ،‬بدل من قط ‪ ،‬ونبيا منصوب بنزع الخافض ‪ ،‬أي على نبي ‪ ،‬وفي انتحال ‪،‬‬
‫متعلق بقوله لم يفضل ‪.‬‬
‫حِتَماِل‬
‫غْيِر ا ْ‬
‫ن َ‬
‫حابِ ِم ْ‬
‫صَ‬‫عَلى اْلَأ ْ‬
‫َ‬ ‫جِل ّ‬
‫ي‬ ‫ن َ‬
‫حا ٌ‬
‫جَ‬‫ق ُر ْ‬
‫صّدي ِ‬
‫َوِلل ّ‬
‫أي لبي بكـر الصديق علّو القدر عند ال تعـالى ظاهر على جميع أصحاب النبي عليه‬
‫‪1‬‬
‫السلم ‪ ،‬بل احتمال رجحان أحد منهم ‪ ،‬والدليل عليه قوله عليه السلم ] وال ما طلعت [‬
‫ن الصحابة اتفقوا بعد وفاة الرسول عليه السلم على إمامة أبي بكر ‪،‬‬
‫إلى آخر الحديث ‪ ،‬ول ّ‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬وذلك حجة قاطعة على أنه مفضل على جميعهم ‪ ،‬ولنه عليه الصلة‬
‫عرج بي إلى السماء ‪ ،‬ووقفت بين يدي الرحمن ‪ ،‬قال لي ‪ :‬يا‬
‫والسلم قال ‪ ] :‬لّمـا أن ُ‬
‫أحمد ! على َمن تركت أهل الرض؟ قلت يارب ! على أبي بكر الصديق ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنه أحب‬
‫ي بعدك ‪ ،‬فأقرئه من السلم [ ‪ ، . 2‬ولنه عليه السلم ‪ /‬قال ‪ ] :‬اقتدوا بالذين‪20‬أ‬
‫العباد إل ّ‬
‫من بعدي‪ :‬أبي بكر وعمر[‪ ، 3‬فبايعه عمر وعلي على رؤوس الشهاد ‪ ،‬ثم استخلف فبل‬
‫ن النبي عليه‬
‫سمي صديقا ل ّ‬
‫وفاته عمر بن الخطاب ‪ ،‬فدّل ذلك على رجحان الصديق ‪ ،‬وإنما ُ‬
‫السلم لّمـا أخبر عن قصة السراء أبا جهل ‪ ،‬وضع أبو جهل يديه على رأسه تعجبا‬
‫وإنكارا ‪ ،‬وارتد ناس ممن كان آمن به عليه السلم ‪ ،‬وسعى رجال إلى أبي بكر ‪ ،‬فأخبروه‬
‫ن كان قال ذلك فصدق ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫بما قال النبي عليه السلم ‪ ،‬فقال أبو بكر رضي ال عنه ‪ :‬إ ْ‬
‫أتصدقه على ذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬أني لصدقه على أبعد من ذلك ‪ ،‬فسماه النبي صلى ال تعالى عليه‬
‫وسلم صديقا ‪ ،‬قيل ‪ :‬الصادق َمن صدقت عبارة لسانه ‪ ،‬والصديق من صدقت إرادة جنانه‬
‫وقلبه‪. 4‬‬
‫عاِل‬
‫ن َ‬
‫ن ِذى الّنوَرْي ِ‬
‫عْثما َ‬
‫عَلى ُ‬
‫َ‬ ‫ضٌل‬
‫ن َوَف ْ‬
‫حا ٌ‬
‫جَ‬
‫ق ُر ْ‬
‫َوِلْلَفاُرو ِ‬
‫أي لعمر الفاروق رجحان ‪ ،‬أي علو القدر ‪ ،‬وفضيلة على عثمان ذي النورين ‪ ،‬الذي هو‬
‫ن أبا بكر الصديق استخلف قبل وفاته عمر بن الخطاب رضي ال‬
‫عالي القدر عند ال ‪ ،‬ل ّ‬
‫عنه حين يئس من حياته ‪ ،‬بمشورة عثمان وعلي رضي ال عنهما ‪ ،‬فلّمـا استحسنا رأيه‬

‫جاء في كتاب فضائل الخلفاء الراشدين لبي نعيم‪ ،‬رقم الحديث )‪) ( 9‬حديث مرفوع( َحّدثََنا ُمَحّمُد ْبُن َعلِّي‬ ‫‪1‬‬

‫َ‬
‫طاٍء ‪َ ،‬عْن أِبي‬ ‫ج ‪َ ،‬عْن َع َ‬ ‫طابِّي ‪ ،‬ثََنا َهْوَذةُ ْبُن َخِليفَةَ ‪ ،‬ثََنا اْبُن ُجَرْي ٍ‬‫سُم ْبُن أَْحَمَد اْلَخ ّ‬ ‫سْهِل ْبِن اِلَماِم ‪ ،‬ثََنا اْلَقا ِ‬ ‫ْبِن َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شي أَماَم أِبي بَْكٍر ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شي أَماَم أِبي بَْكٍر ‪ ،‬فََقاَل ‪ " :‬أتَْم ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلَّم َوأَنا أْم ِ‬
‫اُ َعلَْيِه َو َ‬ ‫صّلى ّ‬ ‫الّدْرَداِء ‪َ ،‬قاَل ‪َ :‬رآِني النّبِّي َ‬
‫اُ َعْنهُ " ‪َ .‬رَواهُ بَقِيّةُ‬ ‫ضَي ّ‬ ‫ضَل ِمْن أَِبي بَْكٍر َر ِ‬ ‫سِليَن َعَلى أَْف َ‬ ‫س ‪َ ،‬ول َغَربَْت بَْعَد النّبِّييَن َواْلُمْر َ‬ ‫شْم ُ‬ ‫َما طَلََع ِ‬
‫ت ال ّ‬
‫ْبُن اْلَوِليِد ‪َ ،‬وَغْيُرهُ ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫انظر ‪ :‬الفردوس بمأثور الخطاب ‪ ،‬لبي شجاع شيرويه بن شهردار ‪3،429 ،‬‬
‫مجمع الزوائد ‪9/259‬‬ ‫‪3‬‬

‫وقلبه ‪ :‬زيادة من ب ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪30‬‬
‫ن ُيبايعوا‬
‫كتب صحيفة عهده لعمر رضي ال عنه ‪ ،‬وختمها وأخرجها إلى الناس ‪ ،‬وأمرهم أ ْ‬
‫لمن في الصحيفة ‪ ،‬فبايعوه ‪ ،‬فاتفقت الصحابة على خلفته ‪ ،‬واتبع آثار أبي بكر في تجهيز‬
‫الجيوش في الجهاد ‪ ،‬حتى قمع ال بسيفه الكفر والفساد بما شاء ال قمعه ‪ ،‬وسّمي فاروقا‬
‫ن َبْعِدي‬
‫لكثرة سعيه في الفرق بين الحق والباطل ‪ ،‬قال النبي عليه السلم في حقه ‪َ] :‬لْو َكا َ‬
‫ن الشيطان ليفر من ظل عمر [‪ ، 2‬وقال‬
‫ب‪ ، 1[.‬وقال أيضا ‪ ] :‬إ ّ‬
‫طا ِ‬
‫خّ‬
‫ن اْل َ‬
‫عَمَر ْب َ‬
‫ن ُ‬
‫ي ‪َ ،‬لَكا َ‬
‫َنِب ّ‬
‫ن‪20‬ب‬
‫سّمي عثمان ذا النورين ل ّ‬
‫أيضا ‪ ] :‬عمر بن الخطاب ‪ /‬سراج هذه المة [ ‪ ،‬و ُ‬
‫الرسول عليه السلم زوجه بنتيه ‪ ،‬وهما النوران من أنواره في السلم ‪ ،‬قوله ‪ :‬عاٍل ‪،‬‬
‫صفة بعد الصفة لعثمان رضي ال عنه ‪ ،‬لكونه معرفة ‪ ،‬والتنوين عوض عن المضاف ‪ ،‬أي‬
‫عالي القدر ‪ ،‬حذف للوزن ‪ ،‬والسجع ‪.‬‬
‫ف اْلِقَتاِل‬
‫ص ّ‬
‫ن اْلَكّراِر في َ‬
‫ِم َ‬ ‫خْيًرا‬
‫ن َ‬
‫حًقا َكا َ‬
‫ن َ‬
‫َوَذو الّنوَرْي ِ‬
‫عثمان رضي ال عنه صاحب النورين كان أفضل حقا من الكّرار ‪ ،‬وهو علي بن أبي طالب ‪،‬‬
‫ف القتال‪ ،‬من غير الفّرار منهم‪ ،‬قوله ‪:‬‬
‫وسمي بالكرار لرجعته إلى العداء في الحرب في ص ّ‬
‫حقا ‪ ،‬مفعول مطلق ‪ ،‬وقع تأكيدا لقوله خيرا ‪ ،‬أي ‪ُ :‬أحقه حقا ‪ ،‬وفي فضله أخبار كثيرة ‪،‬‬
‫منها قوله عليه السلم ‪ ] :‬لو كان لي أربعون بنتا لزوجت عثمان واحدة بعد واحدة ‪ ،‬حتى‬
‫ت َوِلّيي ِفي الّدْنَيا‬
‫ل يبقى منهن واحدة [‪ ، 3‬وقال عليه السلم أيضا ‪ ] :‬يا عثمان ! َأْن َ‬
‫خَرِة [‪ ، 4‬وقال أيضا ‪] :‬والذي بعثني بالحق ليشفعن عثمان بن عفان فى سبعين ألفا من‬
‫َوال ِ‬
‫أمتى قد استوجبوا كلهم النار[ ‪. 5‬‬
‫ن عمر لما اسُتشهد ‪ ،‬وترك أمر الخلفة شورى بين ستة ‪ :‬عثمان ‪ ،‬وعلي ‪ ،‬وعبد‬
‫وروي أ ّ‬
‫الرحمن بن عوف ‪ ،‬وطلحة ‪ ،‬وزبير ‪ ،‬وسعد بن أبي وقاص ‪ ،‬ثم فّوض المر خمستهم إلى‬
‫عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬ورضوا بحكمه على َمن يختاره للمامة ‪ ،‬فاختار هو عثمان ‪،‬‬
‫جَمع والعياد‬
‫وبايع له بمحضر من الصحابة ‪ ،‬فبايعوا له ‪ ،‬وانقادوا لوامره ‪ ،‬وصلوا معه ال ُ‬
‫مدة خلفته ‪ ،‬فكان ذلك إجماعا منهم على صحة خلفته ‪.‬‬
‫طّرا َل ُتَباِل‬
‫غَياِر ُ‬
‫عَلى اْلَأ ْ‬
‫َ‬ ‫ضٌل َبْعَد هَذا‬
‫َوِلْلَكّراِر َف ْ‬

‫المسند الجامع ‪30136‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫البدر المنير في تخريج الحاديث والثار الواقعة في الشرح الكبير ‪ ،‬لبن الملقن ‪ ،‬ولفظه فيه ‪ِ ] :‬إن‬
‫شْي َ‬
‫طان ليفر ِمْنك َيا عمر [‬ ‫ال ّ‬
‫جامع الحاديث ‪ ، 30/433‬وكنز العمال رقم ) ‪. ( (36256‬‬ ‫‪3‬‬

‫روى جابر المحدث ) بينما نحن مع رسول ا صلى ا عليه وسلم في نفر من المهاجرين ‪ ،‬فيهم أبو بكر‬ ‫‪4‬‬

‫وعمر وعثمان وعلي فقال النبي صلى ا عليه وسلم ‪ :‬لينهض كل رجل إلى كفؤه ‪ ،‬ونهض النبي صلى ا‬
‫عليه وسلم إلى عثمان فاعتنقه وقال ‪ :‬أنت وليي في الدنيا والخرة( ‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي في موضوعاته ‪ :2/86‬ل أصل له ول صحة‬
‫جامع الحاديث ‪435 22‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪31‬‬
‫جـاع على العداء للحرب فضيلة بعد عثمان‬
‫أي لعلي بن أبي طالب رضي ال عنه ‪ /‬الر ّ‬
‫‪21‬أ ذي النورين على غيره من الناس جميعا ‪ ،‬ل تباِل أنت في تفضيله على جميع الغيار ‪،‬‬
‫لتفاق أهل الحق عليه ‪ ،‬وطرا قد مّر القول فيه ‪ ،‬و)ل( في ل تبال للنهي ‪ ،‬وعلمة جزمه‬
‫ن ُكْن ُ‬
‫ت‬ ‫سقوط الياء من ل تباِل ‪ ،‬وفي فضيلته أخبار كثيره ‪ ،‬منها ‪ :‬قوله عليه السلم ‪َ] :‬م ْ‬
‫عاداه [‪ ، 1‬وقال ‪] :‬يا علي ! أنت سيد في‬
‫عاد من َ‬
‫ي َمْوَلُه‪ ،‬الّلُهّم َوال من َواَلاُه َو َ‬
‫َمْوَلُه َفَعِل ّ‬
‫]‬ ‫الدنيا وفي الخرة ‪ ،‬فمن أحبك فقد أحبني‪ ،‬ومن أبغضك فقد أبغضني [‪ ، 2‬وقـال أيضا ‪:‬‬
‫ي أخو رسول‬
‫ب‪ ،‬ل إله إل ال محّمد رسول ال وعل ّ‬
‫دخلت الجنة فرأيت على باب الجنة مكتو ٌ‬
‫ال[‪. 3‬‬
‫ن عثمان استشهد ‪ ،‬وترك أمر الخلفة مهمل ‪ ،‬حتى اجتمع كبراء الصحابة من‬
‫وروي أ ّ‬
‫ي رضي ال عنه قبول الخلفة ‪ ،‬فامتنع إلى ثلثة‬
‫المهاجرين والنصار ‪ ،‬والتمسوا من عل ّ‬
‫أيام إعظاما لمقتلة عثمان ‪ ،‬فلّمـا شاعت الفتنة ‪ ،‬ووقع الخوف على المهاجرين ‪ ،‬التمسوها‬
‫ثانيا ‪ ،‬وأقسموا عليه حتى قبلها ‪ ،‬فبايع له َمن حضر من كبار الصحابة ‪ ،‬لنه هو المصيب‬
‫بأمر الخلفة في زمانه عند أهل السنة والجماعة ‪ ،‬وأفضل أهل عصره ‪ ،‬وختمت خلفة‬
‫ي رضي ال عنه ‪ ،‬لقوله عليه السلم ‪ ] :‬الخلفة من بعدي ثلثون سنة وما‬
‫النبّوة بعل ّ‬
‫وراءها ُملك وإمارة [‪ ، 4‬وكان زمان موته شهيدا على رأس ثلثين سنة من موت النبي‬
‫عليه السلم ‪ ،‬فمن أنكر خلفة الشيخين فقد كفر ‪ ،‬لقوله عليه السلم تصريحا ‪] :‬اقتدوا‬
‫ن ثبوتها فيهما بطريق‬
‫بالذين من بعدي [‪ ، 5‬ومن أنكر خلفة الختنين ُيخشى عليه الكفر ‪ ،‬ل ّ‬
‫الظن ‪ ،‬وهو الجتهاد ‪.‬‬
‫‪21‬ب‬ ‫لِل‬
‫خَ‬
‫ض اْل ِ‬
‫عَلى الّزْهَراِء في َبْع ِ‬
‫َ‬ ‫عَلْم‬
‫ن َفا ْ‬
‫حا ُ‬
‫جَ‬‫صّديَقِة الّر ْ‬
‫َوِلل ّ‬ ‫‪/‬‬
‫المراد من الصديقة زوج‪ 6‬النبي عليه السلم ‪ ،‬بنت أبي بكر الصديق ‪ ،‬عائشة رضي ال‬
‫عنها ‪ ،‬وسّمـاها النبي صّديقة ‪ ،‬كما سّمى أباها صّديقا ؛ لوفور صدقها بالجنان في محبة‬
‫الرسول عليه السلم وخدمته بتوفيق ال تعالى إياها ‪ ،‬وكان النبي عليه السلم يناديها يا‬

‫تخريج أحاديث الكشاف ‪1/410‬‬ ‫‪1‬‬

‫ذخيرة الحفاظ ‪2/742‬‬ ‫‪2‬‬

‫توضيح الّدلئل في تصحيح الفضائل‪ ،‬للسيد محمد هادي الحسيني الميلني ‪ ،‬الباب الّول من القسم الّثاني‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪246‬‬
‫روى عمرو بن أبي عاصم في كتابه ‪ -‬السنة‪ -‬ص ‪ : 548‬حدثنا هدبة بن خالد ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن‬ ‫‪4‬‬

‫سعيد بن جمهان ‪ ،‬عن سفينة أبي عبد الرحمن مولى رسول ا ) صلى ا عليه وسلم ( قال ‪ :‬سمعت رسول‬
‫ا ) صلى ا عليه وسلم ( يقول ‪ :‬الخلفة ثلثون سنة ثم يكون بعد ذلك ملكا ‪ .‬قال سفينة ‪ :‬فخذ ‪ ،‬سنتين‬
‫أبو بكر ‪ ،‬وعشرا عمر ‪ ،‬واثنتي عشرة عثمان ‪ ،‬وستا علي رحمهم ا ‪. (( .‬‬
‫وانظر ‪ :‬ــ ــ سنن الترمذي ‪4/436 :‬ــ سنن أبي داوود ‪ 5/36 :‬فضائل الصحابة‪ -‬للمام أحمد بن حنبل ص‬
‫‪ - 17‬مسند احمد بن حنبل ج ‪ 5‬ص ‪221‬‬
‫مجمع الزوائد ‪9/258‬‬ ‫‪5‬‬

‫في أ ‪ ،‬ب ‪ :‬زوجة ‪ ،‬وهو غلط لغوي ‪ ،‬والصواب ما أثبتناه ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪32‬‬
‫ن لها فضل على بنت النبي عليه السلم فاطمة ‪ ،‬الملقبة بالزهراء في بعض‬
‫موّفقة ‪ ،‬فُعِلم أ ّ‬
‫خلة ‪ ،‬بمعنى الخصلة ‪ ،‬وهي الصفة العزيزة ‪ ،‬يعني في‬
‫الخلل ‪ ،‬أي الخصال الحميدة ‪ ،‬جمع ِ‬
‫عْلم النبوة ‪ ،‬وأحكام الشرع ‪ ،‬في كونها منكوحة رسول ال عليه السلم ‪ ،‬قال عليه‬
‫تحصيل ِ‬
‫حميراء[ ‪ ، 1‬يعني‬
‫ق عائشة رضي ال عنها ‪ ] :‬اطلبوا ثلثي دينكم من هذه ال ُ‬
‫السلم في ح ّ‬
‫ن جبريل عليه السلم جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء‬
‫عائشة ‪ ،‬روي عن عائشة أ ّ‬
‫إلى النبي عليه السلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬هذه زوجتك في الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫وإذا عرفت فضيلتها ‪ ،‬فاعلم أنها مطهرة النفس عن الكدورات البشرية ‪ ،‬ومتصفة بالصفات‬
‫القدسية ‪ ،‬بصحبة رسول ال عليه السلم ‪ ،‬ول يطعن فيها إّل ولد الزنا ‪ ،‬أو َمن يفتري‬
‫الكذب من الذين ل يؤمنون ‪.‬‬
‫ن فاطمة أفضل من عائشة ‪ ،‬بكونها من نسب النبي عليه‬
‫وإنما قال ‪ :‬في بعض الخلل ‪ ،‬ل ّ‬

‫فمن أبغضها أبغضني[‪ ، 2‬وروي عن‬ ‫السلم ‪ ،‬قال عليه السلم ‪َ] :‬فاِطَمَة َبْضَعٌة ِمّني ‪،‬‬
‫سئلت‪ :‬أي النساء كان أحب إلى رسول ال عليه السلم ؟ قالت‪ :‬فاطمة ‪ ،‬فقيل ‪:‬‬
‫عائشة أنها ُ‬
‫من الرجال ؟ قالت زوجها ‪.‬‬
‫غَراِء غاِل‬
‫سَوى اْلِمْكَثاِر في اْلِإ ْ‬
‫ِ‬ ‫ن َيِزيًدا َبْعَد َمْو ٍ‬
‫ت‬ ‫َوَلْم َيْلَع ْ‬
‫اللعن ‪ :‬الطرد في اللغة ‪ ،‬ثم استعمل في تبعيد ال الشخص من رحمته ‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪:‬‬
‫ن َكَفُروا﴾‪ / 3‬أي بعدوا من رحمة ال تعالى ‪ ،‬واللعنة قد تكون دعاء على ‪22‬أ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫﴿ ُلِع َ‬
‫صّر على الكفر ‪ ،‬وقد تكون مؤقتا بسبب القول أو‬
‫الشخص أبديا ‪ ،‬كما في الشيطان ‪ ،‬والُم ِ‬
‫الفعل القبيحين ‪ ،‬فإذا خرج من ذلك القول ‪ ،‬أو الفعل بالستغفار والتوبة زال عنه وصف‬
‫كونه ملعونا من رحمة ال ‪ ،‬وقرب منها ‪ ،‬سواء كان كافرا فأسلم ‪ ،‬أو مسلما فتاب‬
‫بالشتغال بالطاعة والخير ‪.‬‬
‫فإذا عرفت هذا ‪ ،‬فاعلم أنه ل يجوز أن َيلعن المسلم أحدا من المسلمين بعد التوبة عن‬
‫الكبيرة ‪ ،‬عملها‪ 4‬بالتحقيق ‪ ،‬أو تردد في ذلك ‪ ،‬فعلى هذا قال الشيخ ‪ :‬ولم يلعن ‪ ،‬أي لم يدع‬
‫بدعاء اللعنة يزيدا بعد موته ‪ ،‬وهو يزيد بن مروان ‪ ،‬الذي أمر بقتل قرة عين رسول ال‬
‫عليه السلم ‪ ،‬الحسين ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬سوى المكثار ‪ ،‬وهو فاعل لم يلعن ‪ ،‬أي إلّ الرجل‬
‫شهرة ‪ ،‬غالي ‪ ،‬أي متجاوز الحد في الغراء ‪ ،‬أي في تحريض الشر ‪،‬‬
‫الكثير الكلم في ال ّ‬
‫والفعل القبيح‪ ،‬لحتمال أنه كان تائبا قبل موته‪ ،‬وراجعا عّمـا باشر عليه ‪ ،‬فيرجى غفرانه ‪،‬‬
‫في معظم الروايات شطر دينكم ‪ ،‬و قال علي بن سلطان القاري‪ :‬حديث خذوا شطر دينكم على الحميراء ل‬ ‫‪1‬‬

‫يعرف له أصل ‪ .‬المصنوع ‪1/98‬‬


‫صبََها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫نى‬ ‫ب‬ ‫ص‬‫ن‬‫ْ‬ ‫ي‬
‫َ َ ُ ِ ُِ َ‬‫و‬ ‫ها‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫آ‬ ‫ما‬ ‫نى‬ ‫ذي‬‫ؤ‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫نى‬ ‫م‬ ‫ٌ‬
‫ِ َ َ ْ َ ِ ُ ِ ِ َ‬‫ة‬ ‫ع‬‫ض‬‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ط‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ما‬ ‫ّ‬
‫ِ َ‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫‪:‬‬ ‫وفيه‬ ‫المسند الجامع ‪، 312 /18 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫المائدة ‪78‬‬ ‫‪3‬‬

‫كتب ‪ :‬علمها ‪ ،‬وما أثبتناه من ب ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪33‬‬
‫ودخوله في شفاعة النبي عليه السلم ‪ ،‬كالوحشي ‪ ،‬فإنه قاتل حمزة ‪ ،‬فتاب بعده عنه ‪،‬‬
‫فتاب ال عليه ‪ ،‬فقبله النبي عليه السلم ‪ ،‬فصار صحابيا من أصحاب النبي عليه السلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬في الغراء ‪ ،‬يتعلق بقوله غال ‪ُ ،‬قّدم عليه للوزن ‪ ،‬وهو بدل من المكثار ‪ ،‬وانصرف‬
‫يزيد مع وجود العلتين لمنع الصرف فيه ‪ ،‬وهما ‪ :‬وزن الفعل ‪ ،‬والعلم ‪ ،‬للضرورة ‪.‬‬
‫ن قلت ‪ :‬لو لم تجز اللعنة على المسلم بالمعصية ‪ِ ،‬لم لعن الرسول عليه السلم بعض‬
‫فإ ْ‬
‫شَمَة[ ‪ ، 2‬و‬
‫سَتْو ِ‬
‫شَمَة َواْلُم ْ‬
‫ن اْلَوا ِ‬
‫شي [‪ ، 1‬و ]َلَع َ‬
‫ي َواْلُمْرَت ِ‬
‫شَ‬‫ل الّرا ِ‬
‫نا ُ‬
‫المسلمين في قوله ؟ ]َلَع َ‬
‫ج [‪ ، 3‬وكما لعن ال في كلمه ‪ ،‬حيث قال ‪َ ﴿/ :‬أَلا َلْعَنُة الّلِه‬
‫سُرو ِ‬
‫عَلى ال ّ‬
‫ج َ‬
‫ن الّلُه اْلُفُرو َ‬
‫]َلَع َ‬
‫ت الّلِه عََلْيِه﴾‪ ، 5‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫ن َلْعَن َ‬
‫سُة َأ ّ‬
‫خاِم َ‬
‫ن ﴾‪ ، 4‬وقال ‪َ ﴿ :‬واْل َ‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫عَلى ال ّ‬
‫َ‬
‫ن لعنة الكافر طرد أبدي من رحمة ال ‪،‬‬
‫قلت ‪ :‬الفرق بين لعنة الكافر ‪ ،‬ولعنة المؤمن هو أ ّ‬
‫ولعنة المؤمن الفاسق وعيد وتخويف من إحسانه ولطفه ‪ ،‬ليسمع ويرجع عن فسقه ‪ ،‬أو‬
‫يحذر ويرجو رحمته وعفوه ‪ ،‬فمن يلعن يزيد حال حياته جاز ‪ ،‬ويكون من هذا الضرب ‪،‬‬
‫ن شاء عذبه بعدله بقدر ذنبه ‪،‬‬
‫وأّمـا بعد موته فل يجوز ‪ ،‬لنه في مشيئة ال تعالى ‪ ،‬إ ْ‬
‫ن شاء عفا عنه ‪ ،‬بفضله ورحمته‪. 6‬‬
‫وإ ْ‬
‫صاِل‬
‫ع الّدَلِئِل َكالّن َ‬
‫ِبَأْنَوا ِ‬ ‫ن الُمَقّلِد ُذو اعِتَباٍر‬
‫َوِإيَما ُ‬
‫اختلف أهل العلم في صحة إيمان الُمقّلد ‪ ،‬وهو من التقليد ‪ ،‬بمعنى قبول قول الغير بغير‬
‫حجة ‪ ،‬ومعرفة ذلك موقوفة على معرفة حقيقة اليمان ‪ ،‬فقال المحققون ‪ :‬اليمان هو‬
‫ص عليه أبو حنيفة في كتاب‬
‫التصديق بالقلب ‪ ،‬والقرار باللسان ‪ ،‬شرط إجراء الحكام ‪ ،‬ن ّ‬
‫ن التصديق لّمـا كان‬
‫ن اليمان في اللغة التصديق ‪ ،‬إّل أ ّ‬
‫العاِلم والمتعلم ‪ ،‬وقال الشعري ‪ :‬إ ّ‬
‫أمرا باطنا ‪ ،‬ل يمكن إجراء الحكام عليه ‪ ،‬أوجب الشرع القرار باللسان ؛ إمارة على‬
‫التصديق ‪ ،‬ل شرطا لجراء الحكام ‪ ،‬ولهذا يكفي في العمر مرة ‪ ،‬فيكون اليمان حينئذ هو‬
‫ن يعرف صحة‬
‫ن يضّم إليه الستدلل ‪ ،‬فل يجوز أ ْ‬
‫الذي ُيخبر عن التصديق بالقلب ‪ ،‬وينبغي أ ْ‬
‫قول الرسول عنده بدون دللة العقل ‪ ،‬وعندهم يصح بدونها ‪ ،‬بعد كون التصديق بالقلب ‪،‬‬
‫فإذا قال الرجل ‪ :‬آمنت ‪ ،‬ولم يكن التصديق قائما بالقلب ‪ ،‬ل يكون صادقا بالخبار باليمان‬
‫عن التصديق ‪ ،‬ولذلك نفى ال تعالى اليمان عن المنافقين ‪ /‬مع إقرارهم باليمان في‪23‬أ‬
‫سَلْمَنا ﴾‪ ، 7‬أي استسلمنا ‪،‬‬
‫ن ُقوُلوا َأ ْ‬
‫ب آَمّنا ُقْل َلْم ُتْؤِمُنوا َوَلِك ْ‬
‫عَرا ُ‬
‫ت اْلَأ ْ‬
‫قوله تعالى ‪َ ﴿ :‬قاَل ِ‬

‫المسند الجامع ‪26/260‬‬ ‫‪1‬‬

‫المسند الجامع ‪27/90‬‬ ‫‪2‬‬

‫نصب الراية لحاديث الهداية ‪3/228‬‬ ‫‪3‬‬

‫هود ‪18‬‬ ‫‪4‬‬

‫النور ‪7‬‬ ‫‪5‬‬

‫في ب ‪ :‬وكرمه ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫الحجرات ‪14‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪34‬‬
‫وإذا عرفت هذا ‪ ،‬فنقول ‪ :‬قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والوزاعي رحمهم ال ‪:‬‬
‫ص بترك الستدلل عليه ‪ ،‬وقالت المعتزلة ‪ :‬إيمان المقلد‬
‫إيمان المقلد صحيح ‪ ،‬ولكنه عا ٍ‬
‫ليس بصحيح ‪ ،‬إذ ل معرفة له ‪ ،‬واليمان هو المعرفة ‪ ،‬فهو ل مؤمن ول كافر ‪ ،‬وحكم أبو‬
‫هاشم‪ 1‬من رؤسائهم بكفره ‪ ،‬وقال ‪َ :‬من لم يعرف كل مسألة من مسائل الصول بدللة العقل‬
‫على وجه يمكنه دفع الشبهة ل يكون مومنا ‪ ،‬والصحيح ما عليه عامة أهل العلم والفقه ِمن‬
‫ن يقال آمن به ‪ ،‬وآمن‬
‫حأْ‬
‫ن اليمان هو التصديق مطلقا ‪ ،‬كمن أخبر بخبر فصّدقه آخر ‪ ،‬ص ّ‬
‫أّ‬
‫له ‪ ،‬فإذا أخبر المقلد بما يجب اليمان به فصّدقه كان مؤمنا ‪ ،‬فيستحق ما وعد ال‬
‫للمؤمنين ‪ ،‬وقول الرسول عليه السلم يدل على صحة إيمانه ‪ ،‬حين سأله جبريل عليه‬
‫سِلِه ‪َ ،‬واْلَيْوِم الخِِر ‪،‬‬
‫لِئَكِتِه ‪َ ،‬وُكُتِبِه ‪َ ،‬وُر ُ‬
‫ل ‪َ ،‬وَم َ‬
‫ن ِبا ِ‬
‫ن ُتْؤِم َ‬
‫السلم عن اليمان ‪ ،‬وهو ] َأ ْ‬
‫شّرِه من ال تعالى [‪ ،2‬فإنه عليه السلم ما أجاب إّل بمجرد التصديق ‪،‬‬
‫خْيِرِه َو َ‬
‫ن ِباْلَقَدِر َ‬
‫َوُتْؤِم َ‬
‫ن الرسول عليه السلم لم يشتغل قط فيمن جاء وآمن به بتعليمه‬
‫وهو حاصل في الُمقّلد ‪ ،‬ول ّ‬
‫ن المعرفة غير اليمان ‪،‬‬
‫الدلئل العقلية في المسائل العتقادية ‪ ،‬والجواب عن شبهتهم أ ّ‬
‫ن أهل الكتاب يعرفون نبوة محمد عليه السلم كما يعرفون أبناءهم ‪،‬‬
‫بدليل أنه ينفك عنها‪ ،‬فإ ّ‬
‫ولكن ل ُيصّدقون كما نطق به القرآن الكريم ‪ /‬وهذا الخلف إنما وقع فيمن نشأ على‪23‬ب‬
‫شاهق جبل ولم يتفّكر في العاَلم ‪ ،‬ول في الصانع أصل ‪ ،‬فُأخبر بذلك فصدقه ‪ ،‬فهو مؤمن ‪،‬‬
‫صْنٍع ِمن صانعه ‪ ،‬وهو خارج عن‬
‫فأّمـا َمن نشأ في بلد المسلمين ‪ ،‬وسّبح ال عند رؤية ُ‬
‫التقليد ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬بأنواع الدلئل ‪ ،‬يتعلق بحكم الخبر ‪ ،‬وهو إيجابه ‪ ،‬ل باعتبار ‪ ،‬وإّل لكان من تمام‬
‫الخبر ‪ ،‬وتلك النواع ما قلنا من العقل و النقل ‪ ،‬وفعل النبي عليه السلم ‪ ،‬وإنما شبهها‬
‫بالنصال في النفاذ ‪ ،‬وهي جمع نصل ‪ ،‬وهو حديد السيف ‪ ،‬لكونها دلئل قطعية ‪ ،‬ل تقبل‬
‫التأويل ‪ ،‬فتنفذ عند أهل العقل ‪ ،‬كما ينفذ النصال عند الضرب ‪ ،‬وهو مع جاّره في محل‬
‫النصب على الحال من الدلئل ‪ ،‬أي ‪ُ :‬مشّبهًة بالنصال ‪.‬‬
‫عاِلي‬
‫ساِفِل َواْلَأ َ‬
‫ق اْلَأ َ‬
‫خلّ ِ‬
‫ِب َ‬ ‫جْهٍل‬
‫عْقِل ِب َ‬
‫عْذٌر ِلِذي َ‬
‫َوَما ُ‬
‫أي ليس عذر لحد عاقل من البالغ والصبي في الجهل بخالقه ‪ ،‬خالق السافل ‪ ،‬وهي سبع‬
‫أرضين ‪ ،‬وخالق العالي ‪ ،‬وهي سبع سموات ‪ِ ،‬لما يرى من خلق نفسه ظاهرا وباطنا ‪،‬‬

‫هو الشيخ أبو هاشم عبد السلم بن محمد بن عبد الوهاب بن سلم ابن خالد بن حمران الجبائي‬ ‫‪1‬‬

‫المعتزلي وابن شيخ المعتزلة‪ .‬ولد عام ‪275‬هـ‪ ،‬ودرس على أبيه وعلماء عصره‪ ،‬حتى نبغ وأشتهر‬
‫بين العلماء‪ ،‬وكان من البارعين في علم الكلم والمناظرة‪ ،‬ولم تكن له رواية في علم الحديث‪ ،‬وأتبعته فرقة‬
‫يطلق عليها الهاشمية‪ ،‬أو البهشمية من المعتزلة‪ ، .‬توفي سنة ‪321‬هـ ‪ ،‬ومن مؤبفاته ‪ :‬الشامل في الفقه ‪،‬‬
‫وتذكرة العاِلم ‪.‬‬
‫المسند الجامع ‪465 /31‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪35‬‬
‫وخلق السموات والرض وما فيهما من الكواكب والشمس والقمر ‪ ،‬ودورانها بالحكمة ‪،‬‬
‫ومن الجبال ‪ ،‬والبحار ‪ ،‬والشجار ‪ ،‬والنهار الجارية على الدوام للمصلحة التي يعلمها ال‬
‫ظُروا ِفي َمَلُكو ِ‬
‫ت‬ ‫ن ﴾‪ ، 1‬وقال ‪َ ﴿ :‬أَوَلْم َيْن ُ‬
‫صُرو َ‬
‫سُكْم َأَفَلا ُتْب ِ‬
‫تعالى ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ ﴿ :‬وِفي َأْنُف ِ‬
‫ن وجوبه بالعقل أم بالسمع ‪ ،‬قال أبو‬
‫ن أهل العلم اختلفوا في أ ّ‬
‫ض﴾‪ ، 2‬لك ّ‬
‫ت َواْلَأْر ِ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ال ّ‬
‫ن وجوب اليمان بال بالعقل ل بالسمع ‪ ،‬فإنه لو لم‬
‫حنيفة رحمة ال عليه ‪ ،‬وَمن تابعه ‪ :‬إ ّ‬
‫يبعث رسول ؛ لوجب على الخلق معرفته بعقولهم ‪ ،‬وأّمـا في الشرع وأحكامه فهم‬
‫معذورون ‪ ،‬حتى تقوم عليهم الحجة السمعية‪ /‬وقالت الملحدة والروافض والمشبهة‪24 :‬أ‬
‫حسن الشياء وقبحها ‪ ،‬وقال الشعري به ‪ ،‬فل يجب‬
‫ل يجب بالعقل شيء ‪ ،‬ول ُيعرف به ُ‬
‫بالعقل شيء ‪ ،‬أو ل ُيعرف به حسن الشياء وقبحها ‪ ،‬وقالت المعتزلة ‪ :‬العقل يوجب اليمان‬
‫بال ‪ ،‬وشكر نعمته ‪ ،‬ويثبت الحكام بذاته ‪ ،‬وقالت أهل السنة والجماعة ‪ :‬العقل آلة ُيعرف‬
‫حسن الشياء وقبحها ‪ ،‬ووجوب اليمان وشكر الّنعم ‪ ،‬والُمعّرف والموجب في الحقيقة‬
‫بها ُ‬
‫هو ال تعالى ‪ ،‬لكن بواسطة العقل ‪ ،‬وأّمـا الصبي العاقل إذا كان بحال يمكنه الستدلل ‪،‬‬
‫فقال الشيخ أبو منصور رحمه ال ‪ :‬يجب اليمان عليه ‪ ،‬وتابعه أكثر مشايخ العراق ‪ ،‬وقال‬
‫بعضهم ‪ :‬ل يجب عليه قبل البلوغ شيء ‪ ،‬لّنه غير ُمكّلف ‪ ،‬وحجة المشايخ قوله تعـالى ‪:‬‬
‫سُئوًلا﴾‪ ، 3‬والسمع يختص بالمسموعات ‪،‬‬
‫عْنُه َم ْ‬
‫ن َ‬
‫ك َكا َ‬
‫صَر َواْلُفَؤاَد ُكّل ُأوَلِئ َ‬
‫سْمَع َواْلَب َ‬
‫ن ال ّ‬
‫﴿ ِإ ّ‬
‫ن السمع والبصر ل يستغنيان عن العقل ‪،‬‬
‫والبصر بالمبصرات ‪ ،‬والفؤاد بالمعقولت ‪ ،‬مع أ ّ‬
‫إذ السمع يسمع الحق والباطل ‪ ،‬ول ُيفّرق بينهما إّل بالعقل ‪ ،‬وكذا البصر ‪ُ ،‬يبصر الحق‬
‫والباطل ‪ ،‬ول ُيفّرق بينهما إّل بالعقل ‪ ،‬فإذا مدار المعارف على العقل ‪ ،‬والبالغ والصبي‬
‫ن النبياء ناظروا أممهم بالدلئل العقلية ‪ ،‬وخاصة الخليل‬
‫العاقل في ذلك على التسوية ‪ ،‬ل ّ‬
‫عليه السلم ‪ ،‬كما هو المشهور المذكور في القرآن ‪ ،‬وليس تفسير وجوب اليمان بالعقل أ ْ‬
‫ن‬
‫ن تفسيره‬
‫ق العاقل الثواب بفعله ‪ ،‬أو العقاب بتركه ‪ ،‬إذ هما ل يعرفان إّل بالسمع ‪ ،‬ولك ّ‬
‫يستح ّ‬
‫ن العتراف بالصانع أولى من أنكاره ‪ ،‬وتوحيده ‪ 24‬ب‬
‫‪ /‬عندنا تحقيق ترجيح في العقل أ ّ‬
‫أولى‪ 4‬من إشراك غيره به ‪ ،‬لفرقان العقل بينهما ‪.‬‬
‫ن الصبي العاقل كالبالغ في وجوب اليمان بال بواسطة‬
‫قوله ‪ :‬لذي عقـل ‪ ،‬إشارة إلى أ ّ‬
‫العقل ‪ ،‬كما أنه لو أسلم ‪ ،‬كان إسلمه صحيحا بالتفاق ؛ لعدم التفاوت في العقل بين البالغ‬
‫ن التفاوت بينهما باعتبار‬
‫والصبي العاقل في الستدلل به ‪ ،‬ولذا لم يقل لذي بلوغ ‪ ،‬ولك ّ‬
‫الحكام الشرعية ‪ ،‬التي هي العمال الشاقة ثابت جدا ‪ ،‬من حيث ضعف الُبنية وقّوتها ‪ ،‬إذ‬

‫الذاريات ‪21‬‬ ‫‪1‬‬

‫العراف ‪185‬‬ ‫‪2‬‬

‫السراء ‪36‬‬ ‫‪3‬‬

‫في أ ‪ ،‬ب ‪ :‬أخرى ‪ ،‬وما أثبتناه هو ما يستقيم به النص ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪36‬‬
‫لها أثر عظيم ‪ ،‬ل يتحمله الصبي ‪ ،‬ولو كان عاقل ‪ ،‬فل تكون واجبة عليه ‪ ،‬وهي تتعلق‬
‫سَعَها﴾‪، 1‬‬
‫سا ِإّلا ُو ْ‬
‫ف الّلُه َنْف ً‬
‫بالخطاب السمعي الذي ل يليق بحاله ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬لا ُيَكّل ُ‬
‫عن الصب ّ‬
‫ي‬ ‫ن الرسول عليه السلم قال في حقه ‪ُ] :‬رفع اْلَقَلم َ‬
‫ل للخطاب ‪ ،‬ول ّ‬
‫فل يكون مح ً‬
‫حّتى يحتلم [‪ ، 2‬أي يبلغ ‪ ،‬وأراد برفع القلم رفع تعّلق الخطاب السمعي ‪ ،‬بقرينة ذكر القلم ‪،‬‬
‫َ‬
‫لنه ُيستعمل في السمعيات ‪ ،‬دون العقليات ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬لذي عقل ‪ ،‬خبر ما ‪ ،‬بمعنى ليس مجازا ‪ ،‬وبجهل يتعلق بالمنفي ‪ ،‬والباء للسببية ‪،‬‬
‫وهو في محل النصب على الحال ‪ ،‬تقديره ُملبسا بجهل ‪ ،‬والباء في بخلف يتعلق بجهل‬
‫على المفعولية ‪.‬‬
‫ِبَمْقُبوٍل ِلَفْقِد اْلِإْمِتَثاِل‬ ‫حاَل َبْأ ٍ‬
‫س‬ ‫ص َ‬
‫خ ٍ‬
‫شْ‬‫ن َ‬
‫َوَما ِإيَما ُ‬
‫أي ليس إيمان شخص حال الَبأس ‪ ،‬وهو الشدة والعذاب بمقبول عند ال ؛ لنتفاء امتثال‬
‫أمره تعالى قبل ذلك ‪ ،‬يعني لو آمن الكافر وقت معاينة العذاب والعقوبة ‪ ،‬ل ُيقبل إيمانه ‪،‬‬
‫سَنا ﴾‪ / ، 3‬وقيل ‪ :‬البأس سكرات ‪ 25‬أ‬
‫ك َيْنَفُعُهْم ِإيَماُنُهْم َلّما َرَأْوا َبْأ َ‬
‫لقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬فَلْم َي ُ‬
‫ن كل أحٍد يرى مكانه عند الموت ‪ ،‬فيؤمن ‪ ،‬ول ُيقبل إيمانه ‪ ،‬لنه لم يؤمن‬
‫الموت ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن*‬
‫بالغيب ‪ ،‬والمراد من اليمان أن يكون في حال الغيب ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ُ ﴿ :‬هًدى ِلْلُمّتِقي َ‬
‫ت حَّتى ِإَذا‬
‫سّيَئا ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن َيْعَمُلو َ‬
‫ت الّتْوَبُة ِلّلِذي َ‬
‫س ِ‬
‫ب ﴾‪ ، 4‬وقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬وَلْي َ‬
‫ن ِباْلَغْي ِ‬
‫ن ُيْؤِمُنو َ‬
‫اّلِذي َ‬
‫ن﴾ الية ‪ ، 5‬قيل ‪ :‬المراد من السّيئات الشرك ‪ ،‬أو عمل‬
‫ت اْلآ َ‬
‫ت َقاَل ِإّني ُتْب ُ‬
‫حَدُهُم اْلَمْو ُ‬
‫ضَر َأ َ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫ت َأّنُه َلا ِإَلَه ِإّلا‬
‫ق َقاَل آَمْن ُ‬
‫حّتى ِإَذا َأْدَرَكُه اْلَغَر ُ‬
‫النفاق ‪ ،‬ولقوله تعالى في شأن فرعون ‪َ ﴿ :‬‬
‫ن ﴾‪ ،6‬فقـال تعالى في جوابه باستفهام‬
‫سِلِمي َ‬
‫ن اْلُم ْ‬
‫سَراِئيَل َوَأَنا ِم َ‬
‫ت ِبِه َبُنو ِإ ْ‬
‫اّلِذي آَمَن ْ‬
‫ن﴾‪ ، 7‬أي لم تؤمن بي ‪ ،‬فأنكر ال‬
‫سِدي َ‬
‫ن اْلُمْف ِ‬
‫ت ِم َ‬
‫ت َقْبُل َوُكْن َ‬
‫صْي َ‬
‫ع َ‬
‫ن َوَقْد َ‬
‫النكاري ‪ ﴿ :‬آْلآ َ‬
‫ن ﴾ ‪ ،‬أي في هذا الوقت تؤمن ‪ ،‬وهو وقت الضطرار ‪ ،‬ل وقت‬
‫إيمانه ‪ ،‬لقوله‪ ﴿:‬آْلآ َ‬
‫الختيار ‪ ،‬فأغرقه مع أتباعه وجنوده في البحر ‪ ،‬فإن قلت ‪ :‬هـذا منقوض بإيمان قوم‬
‫ت َقْرَيٌة﴾ أي ما‬
‫ن ال تعالى َقِبَل إيمانهم حال البأس ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ ﴿:‬فَلْوَلا َكاَن ْ‬
‫يونس ‪ ،‬فإ ّ‬
‫شْفَنا‬
‫س َلّما آَمُنوا َك َ‬
‫ت َفَنَفَعَها ِإيَماُنَها ِإّلا َقْوَم ُيوُن َ‬
‫ثبت في الزمان السابق جماعة قرية ﴿ آَمَن ْ‬
‫ن ال تعالى أراهم علمة‬
‫ن إيمانهم لم يكن حال البأس ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي﴾‪ 8‬أجيب بأ ّ‬
‫خْز ِ‬
‫ب اْل ِ‬
‫عَذا َ‬
‫عْنُهْم َ‬
‫َ‬

‫البقرة ‪286‬‬ ‫‪1‬‬

‫اللمام بأحاديث الحكام ‪ ، 1/120‬وفيه ‪ :‬حتى يبلغ ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫غافر ‪85‬‬ ‫‪3‬‬

‫البقرة ‪2‬ـ ‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫ضَر أََحَدُهُم اْلَمْو ُ‬


‫ت َقاَل إِّني‬ ‫ت َحّتى إَِذا َح َ‬ ‫ت التّْوبَةُ لِلِّذيَن يَْعَمُلوَن ال ّ‬
‫سيَّئا ِ‬ ‫النساء ‪ ، 18‬والية بتمامها ]َولَْي َ‬
‫س ِ‬ ‫‪5‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬


‫ت اْلَن َوَل الِّذيَن يَُموُتوَن َوُهْم ُكّفاٌر أولَئَِك أْعتَْدَنا لَُهْم َعذاًبا أِليًما [ ‪.‬‬
‫تُْب ُ‬
‫يونس ‪90‬‬ ‫‪6‬‬

‫يونس ‪91‬‬ ‫‪7‬‬

‫يونس ‪98‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪37‬‬
‫العقوبة ؛ ليؤمنوا ويطيعوا أمره تعالى ‪ ،‬فهو بمنزلة رفع الجبل على قوم موسى ؛ لمتثال‬
‫س َلّما‬
‫أمر التوراة ‪ ،‬والعمل بها ‪ ،‬وإّل في الية بمعنى لكن ‪ ،‬ل للستثناء ‪ ،‬ولكن ﴿َقْوَم ُيوُن َ‬
‫آَمُنوا ‪ ، ﴾....‬الية ‪ ،‬فيكون إيمانهم باختبارهم ‪ ،‬فترتب عليه كشف العذاب عنهم ‪ ،‬وإنما‬
‫ن توبة المؤمن عن المعاصي مقبولة حال البأس لسبق معرفة ربه ‪ 25 /‬ب‬
‫قيل اليمان ‪ ،‬ل ّ‬
‫وأّمـا الكافر ‪ ،‬فل معرفة له بربه حتى يستيقظ عند البأس‪ ،‬فُيرّد إيمانه عليه ‪.‬‬
‫صاِل‬
‫ض اْلِو َ‬
‫ن َمْفُرو َ‬
‫ن اْلِإيَما ِ‬
‫ِم َ‬ ‫سا ٍ‬
‫ب‬ ‫ح َ‬
‫خْيٍر في ِ‬
‫َوَما َأْفَعاُل َ‬
‫أي ليست العمال الحسنة في حساب من اليمان حال كونه مفروضا وصاله بالعمال في‬
‫ن العمال الصالحة بدون اليمان كالعدم ‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه‬
‫الوجود ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن اليمان عبارة عن التصديق بالقلب ‪ ،‬وهو معنى ل يقبل الزيادة‬
‫رحمهم ال ‪ ،‬وحجتهم أ ّ‬
‫عِمُلوا‬
‫ن آَمُنوا َو َ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫ن ال تعالى عطف العمال على اليمان بقوله ‪ِ ﴿ :‬إ ّ‬
‫والنقصان ‪ ،‬ول ّ‬
‫ت ﴾‪ ، 1‬والمعطوف غير المعطوف عليه ‪ ،‬ولنه شرط صحة العمال ‪ ،‬كما قال ال‬
‫حا ِ‬
‫صاِل َ‬
‫ال ّ‬
‫ن ﴾‪ ، 2‬والشرط غير المشروط ‪ ،‬فل ُتَعّد‬
‫ت َوُهَو ُمْؤِم ٌ‬
‫حا ِ‬
‫صاِل َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن َيْعَمْل ِم َ‬
‫تعالى ‪َ﴿:‬وَم ْ‬
‫العمال من اليمان ‪ ،‬وأّمـا اليات الواردة في زيادة اليمان ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ِ﴿:‬لَيْزَداُدوا‬
‫‪4‬‬
‫ن﴾‬
‫عَلى َرّبِهْم َيَتَوّكُلو َ‬
‫عَلْيِهْم آَياُتُه َزاَدْتُهْم ِإيَماًنا َو َ‬
‫ت َ‬
‫ِإيَماًنا َمَع ِإيَماِنِهْم﴾‪ ، 3‬وقوله ‪َ﴿ :‬وِإَذا ُتِلَي ْ‬
‫‪ ،‬وغير ذلك من اليات فمأّول بزيادة أنوار اليمان وثمراته ‪ ،‬ومذهب مالك والشافعي ‪،‬‬
‫وأهل الحديث العمال الحسنة من اليمان ‪ ،‬وحجتهم اليات الدالة على زيادة اليمان ‪،‬‬
‫ضيَع ِإيَماَنُكْم﴾‪ ، 5‬أي صلتكم إلى بيت المقدس ‪ ،‬وقوله عليه‬
‫ن الّلُه ِلُي ِ‬
‫وقوله تعالى ‪َ﴿:‬وَما َكا َ‬
‫ضُلها َقْوُل ل ِإَلَه ِإّل ال محمد رسول ال وأْدناها‬
‫شْعَبًة أْف َ‬
‫ن ُ‬
‫سْبُعو َ‬
‫ضٌع و َ‬
‫ن ِب ْ‬
‫السلم ]اِليما ُ‬
‫ضيَع ِإيَماَنُكْم﴾‬
‫ق[‪ ، 6‬وأجابوا عن اليات بما مّر ‪ ،‬وعن قوله ‪ِ﴿ :‬لُي ِ‬
‫طِري ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫طُة اَلذى ع ِ‬
‫ِإما َ‬
‫ن‪/‬‬
‫ن شعب اليمان بضع وسبعون شعبة ‪ ،‬ل ّ‬
‫بتأويل إيمانكم بالصلة ‪ ،‬وعن الحديث ‪ ،‬بأ ّ‬
‫‪26‬أ قوله‬ ‫إماطة الذى ليست بداخلة فيه اتفاقا ‪.‬‬
‫‪ :‬ما بمعنى ليس ‪ ،‬وأفعال خير ‪ ،‬اسمه ‪ ،‬إضافة الفعال إضافة الموصوف إلى الصفة ‪،‬‬
‫مثل ‪ :‬مسجد الجامع ‪ ،‬وقوله ‪ :‬في حساب ‪ ،‬منصوب المحل خبر ما ‪ ،‬وفيه ضمير يرجع إلى‬
‫أفعال خير ‪ ،‬ومن اليمان متعلق بالحساب ‪ ،‬وهو العدّ‪ ، 7‬وقوله ‪ :‬مفروض الوصال بالنصب‬

‫‪ 1‬البقرة ‪ ، 277‬يونس ‪ ، 9‬هود ‪ ، 23‬الكهف ‪ ، 107 ، 30‬مريم ‪ ، 96‬لقمان ‪ ، 8‬فصلت ‪ ، 8‬البروج ‪، 11‬‬
‫البينة ‪7‬‬
‫‪ 2‬طه ‪112‬‬
‫‪ 3‬الفتح ‪4‬‬
‫‪ 4‬النفال ‪2‬‬
‫‪ 5‬البقرة ‪143‬‬
‫‪ 6‬الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير ‪ ،‬للسيوطي ‪1/472‬‬
‫‪ 7‬في ب ‪ :‬العدد ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫حال من اليمان كما ذكرنا ‪ ،‬وقيل من الضمير في قوله ‪ :‬في حساب ‪ ،‬والصل مفروضة‬
‫الوصال بالتاء ‪ ،‬إّل أنه ترك بتأويل المذكر ‪ ،‬وفيه نظر ‪ ،‬لبعده عن الصل المستمر بوجهين‬
‫فتأمل ‪.‬‬

‫خِتَزاِل‬
‫ِبعْهٍر َأْو ِبَقْتٍل َوا ْ‬ ‫َوَل ُيْقضى ِبُكْفٍر َواْرِتَداٍد‬
‫أي ل ُيحكم بكفر أحد وارتداده عن دين السلم بعهر ‪ ،‬وهو الزنا ‪ ،‬أو بقتل َمن ل يحل قتله‬
‫من الذكر والنثى ‪ ،‬أو باختزال عضو منه ‪ ،‬وهو القطع ظلما ‪ ،‬وقيل ‪ :‬المراد من الختزال‬
‫هو الغضب ‪ ،‬يعني بارتكاب الكبائر ‪ ،‬ل يحكم بكفر أحد عند أهل السنة والجماعة ‪ ،‬خلفا‬
‫للخوارج ‪ ،‬فإنهم قالوا ُيكّفر بالكبيرة والصغيرة ‪ ،‬وخلفا للمعتزلة ‪ ،‬فإنهم قالوا ‪ :‬مرتكب‬
‫الكبيرة ليس بكافر ‪ ،‬ول مؤمن ‪ ،‬بل فاسق ‪ُ ،‬يخّلد في النار لو مات على فسقه بل توبة ‪،‬‬
‫ص ِفي اْلَقْتَلى﴾‪، 1‬‬
‫صا ُ‬
‫عَلْيُكُم اْلِق َ‬
‫ب َ‬
‫ن آَمُنوا ُكِت َ‬
‫حجة أهل الحق ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ﴿ :‬يا َأّيَها اّلِذي َ‬
‫ن الّلَه َلا‬
‫والقتل الموجب للقصاص كبيرة ‪ ،‬فصاحبها خوطب باليمان ‪ ،‬وقوله تعالى ‪ِ﴿ :‬إ ّ‬
‫شاُء ﴾‪ ، 2‬فإنه يدل على من مات بغير توبة من‬
‫ن َي َ‬
‫ك ِلَم ْ‬
‫ن َذِل َ‬
‫ك ِبِه َوَيْغِفُر َما ُدو َ‬
‫شَر َ‬
‫ن ُي ْ‬
‫َيْغِفُر َأ ْ‬
‫أهل الكبائر يغفر ] له [ ‪ ،‬دون أهل الشرك ‪ ،‬فبالكبيرة ل يخرج من اليمان ‪ ،‬وشبهة أهل‬
‫خاِلًدا ِفيَها ﴾‪ ، 3‬والخلود فيها‬
‫جَزاُؤُه جََهّنُم َ‬
‫ن َيْقُتْل ُمْؤِمًنا ُمَتَعّمًدا َف َ‬
‫الباطل قوله تعالى ‪َ﴿ :‬وَم ْ‬
‫ُمسبب عن الكفر ‪ ،‬قلنا المراد من الخلود ‪ /‬طول المكث ‪ ،‬نقل عن أئمة التفسير ‪ ،‬أو ‪ 26‬ب‬
‫ن استحّل قتله ‪ ،‬لنه ُيكّفر باستحلل الحرام ‪.‬‬
‫المراد حقيقة الخلود إ ْ‬
‫ضى ‪ ،‬مجهول ‪ ،‬وبكفر ‪ ،‬قائم مقام الفاعل ‪ ،‬والباء للصاق ‪ ،‬وقوله ‪ :‬بعهر ‪،‬‬
‫قوله ‪ :‬ل ُيق َ‬
‫متعلق بالفعل المجهول ‪ ،‬والباء للسببية ‪.‬‬
‫لِل‬
‫سَ‬‫ق َذا اْن ِ‬
‫ح ّ‬
‫ن َ‬
‫ن ِدي ِ‬
‫عْ‬
‫صر َ‬
‫َي ِ‬ ‫ن َيْنِو اْرِتَداًدا َبْعَد َدِهٍر‬
‫َوَم ْ‬
‫صر ‪ ،‬أي يرجع‬
‫أي َمن يقصد بقلبه ارتدادا عن دين السلم في وقت من أوقات عمره َي ِ‬
‫ن نّية‬
‫البتة عن دينه الحق في حال النّية ‪ ،‬ذا انسلل ‪ ،‬أي صاحب خروج وانصراف ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن لم يجر لفظ الكفر‬
‫الكفر ُتزيل نّية التصديق ؛ لمتناع اجتماع الضدين ‪ ،‬فيصير كافرا ‪ ،‬وإ ْ‬
‫ن َمن خطر في قلبه الكفر ‪ ،‬أو‬
‫على لسانه ‪ ،‬والمراد من هذه النّية العزم ‪ ،‬ل الخطور ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن ُيظهره بلسانه‬
‫سبب من أسبابه ل يكفر ‪ ،‬لّنه ليس ذلك في وسعه ‪ ،‬فلو خطر بحيث خاف أ ْ‬
‫ن يكفر ‪ ،‬ولو بعد سنين ‪ُ ،‬يخرجه‬
‫كان ُمثابا ‪ ،‬لنه عين اليمان ‪ ،‬ولذا قيل ‪ :‬عزم المؤمن أ ْ‬
‫ن يقول ‪:‬‬
‫عن اليمان في الحال ‪ ،‬لنه استحّل الكفر ‪ ،‬واستحلل المعصية كفر ‪ ،‬فل يجوز أ ْ‬

‫البقرة ‪178‬‬ ‫‪1‬‬

‫النساء ‪116 ، 48‬‬ ‫‪2‬‬

‫النساء ‪93‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪39‬‬
‫ن الشك‬
‫ن شاء ال ‪ ،‬على وجه الشك ‪ ،‬ل في الحال ‪ ،‬ول بحسب حال موته ‪ ،‬ل ّ‬
‫أنا مؤمن إ ْ‬
‫ُينافي التصديق ‪ ،‬وأّمـا ذكره على وجه التبرك فيجوز عند الشافعي ‪ ،‬دون أبي حنيفة رحمة‬
‫ن وضع هذه الكلمة على التشكيك ‪ ،‬ولهذا أجمعا أنها ُتبطل اليمين ‪ ،‬والطلق ‪،‬‬
‫ال عليه ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن يؤمن فل يخرجه عن كفره ما لم يؤمن ‪،‬‬
‫والعتاق ‪ ،‬والبيع ونحوها ‪ ،‬وأّمـا عزم الكافر أ ْ‬
‫لتعذر اعتقاده عليه ‪ ،‬فل يجتمع مع اليمان ‪ ،‬وَمن في قوله ‪َ :‬من ينِو ‪ ،‬شرطية ‪ ،‬وعلمة‬
‫صر ‪ ،‬بالجزم ‪ ،‬جزاء الشرط ‪ ،‬وقوله ‪ :‬ذا انسلل ‪،‬‬
‫الجزم سقوط الياء ِمن ينوي ‪ ،‬وقوله ‪َ :‬ي ِ‬
‫خبر صار ‪.‬‬
‫غِتَفاِل‬
‫ن ِبا ْ‬
‫ع َرّد ِدي ٍ‬
‫طْو ٍ‬
‫ِب َ‬ ‫عِتَقاٍد‬
‫غْيِر ا ْ‬
‫ن َ‬
‫ظ اْلُكْفِر ِم ْ‬
‫َوَلْف ُ‬ ‫‪/‬‬
‫‪27‬أ‬
‫ن يعتقد أنه كفر بجهله به ‪ ،‬بطوع ‪ ،‬أي‬
‫أي َمن أجرى على لسانه لفظ الكفر من غير أ ْ‬
‫باختيار من نفسه ‪ ،‬ل بإكراه من آخر ‪ ،‬رّد دينه ‪ ،‬أي أزال إيمانه عن قلبه ‪ ،‬باغتفال ‪ ،‬أي‬
‫بسبب شدة الغفلة ‪ ،‬وعليه فتوى ِمن أئمة بخارى وسمرقند ‪ ،‬تغمدهم ال بغفرانه ‪ ،‬لنه ل‬
‫ن يستغفر ‪ ،‬وُيجدد اليمان والنكاح والعمال الصالحة من الفروض ‪،‬‬
‫ُيعذر بالجهل ‪ ،‬فل بّد أ ْ‬
‫فقوله ‪ :‬من غير اعتقاد ‪ُ ،‬يشعر على أنه لو أجرى لفظ الكفر على لسانه بالعتقاد يكفر‬
‫ن يعتقده ‪ ،‬على سبيل الخطأ ‪ ،‬ل يكفر‬
‫بالنفاق ‪ ،‬ولو سبق لفظ الكفر على لسانه من غير أ ْ‬
‫بالتفاق ‪.‬‬
‫ن فيه‬
‫قوله ‪ :‬بطوع ‪ ،‬يتعلق بلفظ الكفر ‪ ،‬والباء بمعنى مع ‪ ،‬وهو احتراز عن الكراه ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن ُأكِره بالقتل ‪ ،‬أو بإتلف عضو من أعضائه ‪ ،‬أو بإيلم شديد ‪ ،‬ل يكفر ‪ ،‬حال‬
‫تفصيل ‪ :‬إ ْ‬
‫ن ُأكره بحبس ‪ ،‬أو بقيد ‪ ،‬أو بإتلف مال ‪ ،‬يكفر بالتفاق ‪،‬‬
‫كون قلبه مطمئنا باليمان ‪ ،‬وإ ْ‬
‫ن يدعو‬
‫عَمُلُه ﴾‪ ، 1‬وينبغي أ ْ‬
‫ط َ‬
‫حِب َ‬
‫ن َفَقْد َ‬
‫ن َيْكُفْر ِباْلِإيَما ِ‬
‫ويحبط عمله ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬وَم ْ‬
‫المؤمن صباحا ومساء بهذا الدعاء ‪ ،‬بالتضرع والبتهال ‪ ) :‬اللهم إني أعوذ بك من أ ْ‬
‫ن‬
‫لم الغيوب ( ‪.‬‬
‫ُأشرك بك شيئا وأنا أعلم ‪ ،‬وأستغفرك ِلما ل أعلم ‪ ،‬إنك أنت ع ّ‬
‫جاِل‬
‫ِبَما َيْهِذي َوَيْلُغو ِباْرِت َ‬ ‫سْكٍر‬
‫حاَل ُ‬
‫حَكْم ِبُكْفٍر َ‬
‫َوَل ُي ْ‬
‫سكر‬
‫أي ل ُيحكم على َمن شرب الخمـر وسِكر ‪ ،‬وأجرى كلمة الكفر على لسانه حالة ال ّ‬
‫ن يختلط كلمه‪ ،‬ول يستقيم ‪،‬‬
‫بكفره ‪ ،‬وهي حالة تعرض بين الشخص وعقله‪ ،‬وحّد السكر أ ْ‬
‫ن ل يعرف ‪ /‬الرض من السماء ‪ ،‬ول ُيفرق بين الخير والشر ‪ ،‬فلو عرف ‪ 27‬ب‬
‫وقيل ‪ :‬أ ْ‬
‫أو فّرق يحكم بكفره ‪ ،‬فيترتب عليه أحكامه ‪ ،‬بما يهذي ‪ ،‬أي ُيفحش ‪ ،‬الباء للسببية ‪ ،‬وما‬
‫مصدرية ‪ ،‬والجار والمجرور متعلق بقوله ‪ :‬ل ُيحكم ‪ ،‬وهو فعل منهي بالجزم مجهول ‪،‬‬

‫المائدة ‪5‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪40‬‬
‫وقوله ‪ :‬بكفر قائم مقام الفاعل ‪ ،‬ويلغو ‪ ،‬أي يتكلم بما ل عبرة له في الشرع ‪ ،‬والرتجال‬
‫هو التكّلم بالبديهة ‪ ،‬يعني من غير فكر ‪ ،‬وهو ـ أعني بارتجال ـ يتعلق بقوله يهذي ‪،‬‬
‫ن السكران عند الشيخ ل‬
‫أويلغو ‪ ،‬ل بقوله ل ُيحكم ‪ ،‬لبعده عنه لفظا ومعنى ‪ ،‬فالحاصل أ ّ‬
‫ن صحابيا سكر ‪ ،‬ودخل وقت صلة المغرب فأّم القوم ‪ ،‬وقرأ‬
‫يكفر بلفظ الكفر ‪ِ ،‬لما روي أ ّ‬
‫ن﴾ إلى آخرها ‪ ،‬وترك منها كلمة ﴿َل﴾ ‪ ،‬وبتركها يكفر المؤمن‬
‫سورة ﴿ ُقْل َيا َأّيَها اْلَكاِفُرو َ‬
‫ن آَمُنوا َلا َتْقَرُبوا‬
‫ن ال تعالى خاطبه بلفظ المؤمن في قوله ‪َ ﴿ :‬يا َأّيَها اّلِذي َ‬
‫العاقل ‪ ،‬مع أ ّ‬
‫سَكاَرى ﴾ الية ‪ ،1‬فعلم أنه ل يكفر بإجراء كلمة الكفر على لسانه حال السكر ‪.‬‬
‫صَلاَة َوَأْنُتْم ُ‬
‫ال ّ‬
‫عْين‪ 2‬الِهلِل‬
‫ح ِفي َ‬
‫ِلِفْقٍه َل َ‬ ‫شْيئا‬
‫َوَما الَمْعُدوُم َمْرِئّيا َو َ‬
‫أي ليس المعدوم مرئيا ل تعالى حالة العدم ‪ِ ،‬لِعلٍم ظهر لنا في الهلل المبارك ‪ ،‬وهو الطالع‬
‫أول الشهر بالدقة‪ 3‬من القمر إلى ثلث ليال ‪ ،‬ثم ُيسّمى القمر إلى آخر الشعر ‪ ،‬والهلل في‬
‫ن الناس يرفعون أصواتهم عند رؤيته ‪ ،‬والضافة في‬
‫سمي به ؛ ل ّ‬
‫اللغة الصوت ‪ ،‬وإنما ُ‬
‫عين الهلل من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ‪ ،‬كأخلق ثياب ‪ ،‬في تأويل ثياب أخلق ‪،‬‬
‫ن الهلل قبل الطلوع ‪ /‬كان‬
‫كما تحقق في النحو‪ ،‬وإنما قال الفقه لح في عين الهلل ‪ ،‬ل ّ‬
‫‪28‬أ معدوما ‪ ،‬غير مرئي ‪ ،‬ول ُيرى ما ُيزاد عليه من النور يوما فيوما حالة العدم ‪ ،‬مع‬
‫عِلم انتفاء رؤيته ‪ ،‬لنتفاء علته ‪،‬‬
‫صرة بالعين ‪ ،‬فلما لم ُيَر ‪ُ ،‬‬
‫كون النور أظهر الشياء الُمْب َ‬
‫وهو الوجود ‪ ،‬إذ الوجود شرط في الرؤية ‪ ،‬كما تحقق من قبل ‪ ،‬فلّمـا كان هو علة في‬
‫الشاهد ‪ ،‬كان علة أيضا في الغائب ‪ ،‬لمتناع تبّدل العلة بالغائب والشاهد ‪.‬‬
‫ن المعدوم على نوعين ‪ :‬معدوم ممتنع ‪ ،‬ومعدوم ممكن ‪ ،‬والول ما‬
‫وإذا عرفت هذا فاعلم أ ّ‬
‫يكون وجوده ُمحال ‪ ،‬وعدمه واجبا ‪ ،‬كشريك الباري تعالى ‪ ،‬واجتماع النقيضين ‪ ،‬والثاني ما‬
‫الوجود والعدم بالنسبة إليه سواء ‪ ،‬والرؤية ل تتعلق بالنوع الول باتفاق أهل الشرق‬
‫والغرب ‪ ،‬ول ُيطلق على شيء أيضا ؛ لمتناع ثبوته بوجه من الوجوه ‪ ،‬وهذا أيضا متفق‬
‫عليه ‪ ،‬واختلفوا في تعّلق الرؤية بالنوع الثاني قبل وجوده ‪ ،‬وفي إطلق اسم الشيء عليه ‪.‬‬
‫ن علة الرؤية الوجود ‪ ،‬وهو منتف ‪ ،‬فل‬
‫قال أهل السنة والجماعة ‪ :‬يمتنع تعّلق الرؤية ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن حال العدم من حيث هو هو ل يتفاوت بالرؤية وعدمها ‪ ،‬فإذا امتنعت‬
‫يكون مرئيا ‪ ،‬ول ّ‬
‫ن يمتنع في المعدوم ‪ ،‬الذي ل يستحيل وجوده‬
‫الرؤية بالمعدوم الممتنع بالتفاق ‪ ،‬يلزم أ ْ‬

‫سَكاَرى َحّتى تَْعلَُموا َما تَُقوُلوَن َوَل‬ ‫صَلةَ َوأَْنتُْم ُ‬ ‫النساء ‪ ، 43‬والية بتمامها ]َيا أَّيَها الِّذيَن آَمُنوا َل تَْقَرُبوا ال ّ‬ ‫‪1‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫سفٍَر أْو َجاَء أَحٌد ِمْنُكْم ِمَن اْلَغائِِط أْو َلَم ْ‬
‫ستُُم‬ ‫ضى أَْو َعَلى َ‬ ‫سُلوا َوإِْن ُكْنتُْم َمْر َ‬ ‫سِبيٍل َحّتى تَْغتَ ِ‬ ‫ُجنًُبا إِّل َعابِِري َ‬
‫اَ َكاَن َعفُ ًّوا َغُفوًرا [ ‪.‬‬ ‫سُحوا بُِوُجوِهُكْم َوأَْيِديُكْم إِّن ّ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫با‬
‫َ ِ ً ًّ ْ َ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫دا‬‫عي‬ ‫ص‬ ‫موا‬ ‫ساَء فَلَْم تَِجُدوا َ ً َ ّ ُ‬
‫م‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ء‬‫ما‬ ‫النّ َ‬
‫كتب ‪ :‬يُْمن ‪ ،‬وما أثبتناه من ب ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫في ب ‪ :‬بالرقة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪41‬‬
‫لعدمه في الحال ‪ ،‬فحينئذ يستحيل إضافة رؤيته إلى ال تعالى ؛ خلفا للسالمية‪، 1‬‬
‫والمقنعية‪ ،2‬فإنهم قالوا ‪ :‬العاَلم مرئي ل تعالى قبل وجوده في الزل‪ ،‬وهو باطل ِلما علمت ‪،‬‬
‫عَمَلُكمْ‬
‫سَيَرى الّلُه َ‬
‫عَمُلوا َف َ‬
‫ن قوله تعـالى ‪َ ﴿ :‬وُقِل ا ْ‬
‫ولنه يلزم القول بقدم العاَلم ‪ ،‬ول ّ‬
‫ن عملهم قبل الوجود غير مرئي ل تعالى ‪ /‬وإّل لم يفد قوله ‪28‬ب‬
‫سوُلُه ﴾‪ 3‬يدل على أ ّ‬
‫َوَر ُ‬
‫سَيَرى الّلُه ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ َف َ‬
‫وكذا اختلفوا في جواز إطلق الشيء على المعدوم الممكن ‪ ،‬قال أهل السنة والجماعة ‪ :‬ل‬
‫ن الشيء مرادف الموجود ‪ ،‬بدليل قوله تعالى في قصة زكريا عليه‬
‫يجوز إطلقه عليه ‪ ،‬ل ّ‬
‫شْيًئا ﴾‪ 4‬فإنه قبل الخلق كان معدوما يقينا ‪ ،‬وقد‬
‫ك َ‬
‫ن َقْبُل َوَلْم َت ُ‬
‫ك ِم ْ‬
‫خَلْقُت َ‬
‫السلم ‪َ ﴿ :‬وَقْد َ‬
‫عِة‬
‫سا َ‬
‫ن َزْلَزَلَة ال ّ‬
‫شْيًئا ﴾ ‪ ،‬وأّمـا قوله تعالى ‪ِ ﴿ :‬إ ّ‬
‫ك َ‬
‫سِلب عنه اسم الشيء بقوله ﴿َوَلْم َت ُ‬
‫ُ‬
‫ظيٌم﴾‪ ، 5‬فلصدق وعده تعالى ‪ ،‬نزل منزلة الموجود ‪ ،‬فيكون مجازا ‪ ،‬ل حقيقة ‪،‬‬
‫عِ‬
‫يٌء َ‬
‫ش ْ‬
‫َ‬
‫ن المعدوم شيء بهذه الية ‪.‬‬
‫سك المعتزلة على أ ّ‬
‫وهذا جواب عن تم ّ‬
‫جِتَزاِل‬
‫سَمْع ِبا ْ‬
‫ن َفا ْ‬
‫عِديُم اْلَكْو ِ‬
‫َ‬ ‫ث َواْلَهَيُوَلى‬
‫حدي ٌ‬
‫َوُدْنَياَنا َ‬
‫قال أهل السنة والجماعة ‪ :‬العاَلم بجميع أجزائه ‪ ،‬وهو الدنيا ُمحدث ‪ ،‬خلفا للفلسفة ‪،‬‬
‫ن العاَلم جواهر وأجسام ‪ ،‬وهي تخلو عن العراض ‪،‬‬
‫فإنهم قالوا ‪ :‬إنه قديم ‪ ،‬قلنا ‪ :‬إ ّ‬
‫ن العرض ل يبقى زمانين ‪ ،‬وكل ما ل يخلو عن‬
‫كالحركة والسكون ‪ ،‬وهي حادثة ؛ ل ّ‬
‫الحوادث ‪ ،‬فهو حادث ‪ ،‬فالعاَلم حادث بإحداث ال تعالى ‪ ،‬ل للعبث والفناء ‪ ،‬بل خلقه‬
‫سْبُتْم‬
‫ح ِ‬
‫للتكليف والبتلء ‪ ،‬ليظهر آثار عدله وفضله وقهره ورحمته ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ ﴿ :‬أَف َ‬
‫ض َوَما‬
‫ت َواْلَأْر َ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫خَلْقَنا ال ّ‬
‫ن﴾‪ ، 6‬وقوله ‪َ ﴿ :‬وَما َ‬
‫جُعو َ‬
‫عَبًثا َوَأّنُكْم ِإَلْيَنا َلا ُتْر َ‬
‫خَلْقَناُكْم َ‬
‫َأّنَما َ‬

‫السالمية‪ :‬ويقال لها أيضا » الجواليقية « وهم أصحاب هشام بن سالم الجواليقي ‪ ،‬وهم في المامية‬ ‫‪1‬‬

‫كالحكمية‪ ،‬وفي العتقاد مختلفون‪ :‬فالحكمية يقولون‪ :‬إن ا عزوجل جسم طويل عريض عميق متساوى‬
‫البعاد غير مصور بالصور المتعارفة‪ ،‬وهم يقولون جسم مصور بصورة النسان‪ ،‬تعالى ا عما يقولون‬
‫علوا كبيرا‪ .‬وقد ظهرت سنة مائة وثلث عشرة ‪.‬‬
‫هشام بن سالم الجواليقي العلف‪ ،‬زعم أن معبوده على صورة النسان‪ .‬الفرق بين الفرق‪ :‬ص ‪216‬؛ الملل‬
‫والنحل‪ .1/185 :‬وهو من ثقات الرواة عن الصادق عند المامية قال عنه النجاشي‪ » :‬ثقة ثقة «‪ .‬رجال‬
‫النجاشي‪ ،2/339 :‬وذكره الكشي في رجاله‪ :‬ص ‪..281‬‬
‫المقنعية ‪ :‬فرقة من الشيعة ‪ ،‬أصحاب المقنع الخراساني‪ ،‬من أهل مرو وكان يعرف شيئا من السحر‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫فادعى الربوبية من طريق المناسخة‪ ،‬يقال إنه اتخذ قناعا من ذهب لقبحه‪ ،‬تبعه خلق كثير‪ ،‬وقتل سنة ‪163‬ه‪.‬‬
‫تاريخ الطبري‪ 4/560 :‬وما بعدها؛ وفيات العيان‪ ، .3/263 :‬وهم يعتقدون أن المقنع إله بعد المام‬
‫الحسين ‪ ،‬تعالى ا عن ذلك علوا كبيرا‪ ،‬وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون‪ .‬الفرق بين الفرق ‪ ،‬ص‬
‫‪215‬‬
‫التوبة ‪105‬‬ ‫‪3‬‬

‫مريم ‪9‬‬ ‫‪4‬‬

‫الحج ‪1‬‬ ‫‪5‬‬

‫المؤمنون ‪115‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪42‬‬
‫ق﴾‪ ،1‬أي لظهـار الحق ‪ ،‬وقال الفلسفة ‪ :‬الهيوَلى‪ 2‬أصل العالم ‪ ،‬وهي‬
‫ح ّ‬
‫َبْيَنُهَما ِإّلا ِباْل َ‬
‫قديمة ‪ ،‬والعالم صورتها ‪ ،‬وهي ل تنفك عنها ‪ ،‬وكذا الصورة ل تنفك عن الهيولى ‪ ،‬فيكون‬
‫ن الحادث ما كان مسبوقا بالعدم ‪،‬‬
‫العاَلم قديما ‪ ،‬والتغيير فيه بحسب العراض الحادثة ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن‪29‬أ‬
‫فيكون حدوثه ‪ /‬زمانيا ‪ ،‬والحدوث الزماني يقتضي تقدم مادة ومّدة ‪ ،‬أّمـا الول فل ّ‬
‫إمكان الحادث موجود قبله ‪ ،‬فيكون له محل غير الحادث يقوم به لنه عرض ‪ ،‬وهو المادة ‪،‬‬
‫وهي الهيولي ‪ ،‬وأّمـا الثاني ‪ ،‬فلنه عدم الحادث قبل وجوده بالزمان ‪ ،‬إذ هذا التقدم ليس‬
‫بالعلّية ‪ ،‬ول بالذات ‪ ،‬ول بالشرف ‪ ،‬ول بالمكان ‪ ،‬كتقدم حركة الصبع على حركة الخاتم ‪،‬‬
‫وتقدم واحد على الثنين ‪ ،‬وتقّدم العاِلم على المتعلم ‪ ،‬وتقدم المام على المأموم ‪ ،‬فهو‬
‫بالزمان ‪ ،‬كتقدم الب على البن هو المدة ‪ ،‬وُأجيب بأن المكان عدمي ‪ ،‬ل يستدعي قبل‬
‫ن القبلّية قد تكون بغير ما ذكر ‪ ،‬كقبلية اليوم‬
‫وجود الحادث محل موجودا في الخارج ‪ ،‬وبأ ّ‬
‫على الغد ‪ ،‬فإنها قبلية بعض أجزاء الزمان على البعض ‪ ،‬وهي ليس بالزمان ‪ ،‬وإّل لكان‬
‫للزمان زمان آخر ‪ ،‬وهو ممتنع ‪ ،‬فعلى هذا ل يكون للهيولى كون ‪ ،‬أي وجود ‪ ،‬ولذا قال‬
‫ن ال تعالى فاعل‬
‫الشيخ ‪ :‬عديم الكون فاسمع باجتزال ‪ ،‬أي بفرح القلب وانشراحه ‪ ،‬ل ّ‬
‫بالختيار ‪ ،‬ل موجب بالذات ؛ حتى يلزم قدم العاَلم ‪.‬‬
‫ن َيْكَرْه َمَقاِلي ُكّل قاِل‬
‫َوِإ ْ‬ ‫حٍل‬
‫ق ِمْثَل ِ‬
‫ت ِرْز ٌ‬
‫ح َ‬
‫سْ‬‫ن ال ّ‬
‫َوِإ ّ‬
‫ن يبغض مقالي كل عدو للحق ‪ ،‬قال أهل‬
‫ن الحرام رزق من ال للعباد ‪ ،‬مثل الحلل ‪ ،‬وإ ْ‬
‫أي أ ّ‬
‫السنة والجماعة ‪ :‬كل ما يأكل النسان من الحلل والحرام رزقه المقدر له ؛ خلفا لهل‬
‫ن الرزق‬
‫العتزال ‪ ،‬فإنهم قالوا ‪ :‬الحرام ليس برزق للنسان ‪ ،‬والختلف فيه بناء على أ ّ‬
‫ن يكون غذاء لحيوان ُمعّين ‪،‬‬
‫عندنا هو الغذاء المقّدر للحي المغتذي ‪ ،‬فما قّدره ال تعالى أ ْ‬
‫ل يصير غذاء لغيره ‪ ،‬سواء َمَلَكه ‪ ،‬أو لم يملكه ‪ ،‬وعندهم الرزق ‪ /‬اسم للِمْلك ‪ 29 ،‬ب‬
‫تمسكا بقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬وِمّما َرَزْقَناُهْم﴾‪ ، 3‬أي مما مّلكناهم ‪ ،‬قلنا ‪ :‬الرزق هنا ُمفسر‬
‫ن ُيقّدر له‬
‫ن الصلح للعبد أ ْ‬
‫بالتقدير من الغذاء ‪ ،‬وهو غير التمليك ‪ ،‬وما ذكروا فيه من أ ّ‬
‫الحلل دون الحرام ‪ ،‬وإّل لكان ظلما ‪ ،‬غير ُمسّلم لما بّينا أن ل إيجاب عليه تعالى ‪ ،‬وإّل‬
‫جب ‪ ،‬وهو محال‪ ،‬وأيضا لو كان الرزق هو الِمْلك لما رزق الدواب ؛ لنتفاء‬
‫لكان فوقه مو ِ‬
‫عَلى الّلِه‬
‫ض ِإّلا َ‬
‫ن َداّبٍة ِفي اْلَأْر ِ‬
‫أهلية التمليك عنها ‪ ،‬لكنها رزقت لقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬وَما ِم ْ‬
‫ِرْزُقَها﴾‪. 4‬‬

‫الحجر ‪85‬‬ ‫‪1‬‬

‫ضْوء الشمس يدخل في الُكّوِة‪ ،‬عبرانية أو رومية معربة ‪.‬‬


‫الَهُيول‪ :‬الَهباُر المنبّت وهو ما تراه في البيت من َ‬ ‫‪2‬‬

‫لسان العرب ) هيل ( ‪.‬‬


‫البقرة ‪ ، 3‬النفال ‪ ، 3‬الحج ‪ ، 35‬القصص ‪ ، 54‬السجدة ‪ ، 16‬الشورى ‪38‬‬ ‫‪3‬‬

‫هود ‪6‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪43‬‬
‫لِل‬
‫ضَ‬‫ب ال ّ‬
‫حا ُ‬
‫صَ‬‫َوَقْد َيْنِفيِه َأ ْ‬ ‫عَوات َتْأِثيٌر َبِليٌغ‬
‫َوِللّد َ‬
‫أي لدعية الصلحاء والزهاد وعامة المؤمنين ‪ ،‬لحيائهم ‪ ،‬وأمواتهم تأثير تام ‪ ،‬ومنفعة‬
‫عظيمة ؛ ليصال الثواب إلى أرواحهم ‪ ،‬ولرفع العذاب والعقوبة عنهم ‪ ،‬وقد ينفيه أصحاب‬
‫الضلل والشقاوة ‪ ،‬وهم أهل العتزال ‪ ،‬فإنهم قالوا ‪ :‬ما قّدر ال يكون ‪ ،‬وما لم ُيقّدر ل‬
‫يكون‪ ،‬فل فائدة في الدعاء ‪ ،‬وهو باطل بالية ‪ ،‬وأخبار النبي عليه السلم ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫جيُبوا ِلي ﴾‪ ، 1‬أي فليطيعوني قبل الجابة ‪ ،‬بمعنى‬
‫سَت ِ‬
‫ن َفْلَي ْ‬
‫عا ِ‬
‫ع ِإَذا َد َ‬
‫عَوَة الّدا ِ‬
‫ب َد ْ‬
‫جي ُ‬
‫﴿ ُأ ِ‬
‫ن جََهّنَم‬
‫خُلو َ‬
‫سَيْد ُ‬
‫عَباَدِتي َ‬
‫ن ِ‬
‫عْ‬
‫ن َ‬
‫سَتْكِبُرو َ‬
‫ن َي ْ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫الثواب لدعاء الداعي ‪ ،‬وقال أيضا ‪ِ ﴿ :‬إ ّ‬
‫عاُء‬
‫ن ﴾‪ ، 2‬أي يتعظمون عن دعائي ‪ ،‬بدللة سياق الكلم ‪ ،‬وقال عليه السلم ‪] :‬الّد َ‬
‫خِري َ‬
‫َدا ِ‬
‫ل إياها ‪َ ،‬وَك ّ‬
‫ف‬ ‫عو ال بدعوة ‪ِ ،‬إّل آَتاُه ا ُ‬
‫ن رجل مسلم َيْد ُ‬
‫خ اْلِعَباَدِة [‪ ، 3‬وقال أيضا ‪َ] :‬ما ِم ْ‬
‫ُم ّ‬
‫حٍم [‪.4‬‬
‫طيَعِة َر ِ‬
‫ع ِبِإْثٍم ‪َ ،‬أْو َق ِ‬
‫ن الشّر ِمْثَلُها ‪َ ،‬ما َلْم َيْد ُ‬
‫عْنُه ِم َ‬
‫َ‬
‫ن ال تعالى ل يستجيب‬
‫طْيب المطعم‪ ،‬وإخلص النية ‪ ،‬وإحضار القلب ‪ /‬ل ّ‬
‫وشرط الدعاء ِ‬
‫سِنّية ‪،‬‬
‫سّنة َ‬
‫‪30‬أ الدعاء من قلب لٍه ‪ ،‬وختم كل دعاء بصلة على النبي عليه السلم ُ‬
‫وشفيعة له في القبول ‪.‬‬
‫سّؤاِل‬
‫ص ِبال ّ‬
‫خ ٍ‬
‫شْ‬‫سُيْبَلى ُكّل َ‬
‫َ‬ ‫حيِد َرّبي‬
‫ن َتْو ِ‬
‫عْ‬‫ث َ‬
‫جَدا ِ‬
‫َوفي اْلَأ ْ‬
‫أي كل شخص ‪ ،‬كبير أو صغير ‪ ،‬ذكر أو أنثى سُيمتحن بالسؤال عن توحيد ال تعالى ‪ ،‬في‬
‫جَدث ‪ ،‬أي في القبور ‪ ،‬فيجب العتقاد بحقيقته قطعا به ‪ ،‬لورود الخبار‬
‫أجداث ‪ ،‬جمع َ‬
‫خيُكْم ‪َ ،‬فِإّنُه ال َ‬
‫ن‬ ‫سَتْغِفرُوِا َل ِ‬
‫الصحاح فيه ‪ ،‬قال عليه السلم بعد دفن الميت في عهده ‪] :‬ا ْ‬
‫ن ‪ ،‬فيسألنه َمن ربك ؟‬
‫ن َأْزَرَقا ِ‬
‫سَوَدا ِ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ت ‪َ ،‬أَتاُه َمَلَكا ِ‬
‫سَأُل [‪ ، 5‬وقال أيضا ‪ِ] :‬إَذا ُقِبَر اْلَمّي ُ‬
‫ُي ْ‬
‫وما دينك ؟ [ الحديث‪ ، 6‬قيل ‪ :‬هذا السؤال لكل عاقل يموت من النس والجن ‪ ،‬والشياطين ‪،‬‬
‫والنبياء ‪ ،‬وُيقال لهم ‪ :‬على ما تركتم أمتكم ؟‬

‫البقرة ‪186‬‬ ‫‪1‬‬

‫غافر ‪60‬‬ ‫‪2‬‬

‫المسند الجامع ‪3/484‬‬ ‫‪3‬‬

‫ف َعْنهُ ِمَن‬ ‫سأ ََل ‪ ،‬أَْو َك ّ‬ ‫ُ ُ َ َ‬ ‫ما‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫تا‬‫َ‬ ‫آ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫‪،‬‬
‫ِ ٍ ِ‬ ‫ء‬ ‫عا‬
‫َ‬ ‫د‬
‫ُ‬ ‫ب‬ ‫عو‬‫ُ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫د‬
‫َ ِ َ ٍ َ‬‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ما‬ ‫)‬ ‫‪:‬‬ ‫فيه‬ ‫ونصه‬ ‫‪،‬‬ ‫‪9/180‬‬ ‫المسند الجامع‬ ‫‪4‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫سوِء ِمْثلَهُ ‪َ ،‬ما لَْم يَْدُع بِإ ِثٍم ‪ ،‬أْو قِطيَعِة َرِحٍم (‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ت ‪َ ،‬وقَ َ‬
‫ف‬ ‫َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬‫م‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫فن‬‫ْ‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ َ ِ‬ ‫َ‬
‫غ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫ا‬ ‫صلى‬ ‫ي‬
‫ِ ّ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫)‬ ‫‪:‬‬ ‫فيه‬ ‫ونصه‬ ‫‪،‬‬ ‫‪29/206‬‬ ‫الجامع‬ ‫المسند‬ ‫‪5‬‬

‫سأ َُل (‪.‬‬ ‫سُلوا لَهُ التّْثِبيَت ‪ ،‬فَإ ِنّهُ الَن يُ ْ‬ ‫ستَْغِفرُواِ لَِخيُكْم ‪َ ،‬و َ‬ ‫َعلَْيِه ‪ ،‬فََقاَل ‪ :‬ا ْ‬
‫سوُل اِ صلى ا عليه وسلم‪:‬‬ ‫المسند الجامع ‪ ، 41/83‬والحديث بتمامه ‪َ) :‬قاَل َر ُ‬ ‫‪6‬‬

‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬


‫سَوَداِن أزَرقاِن ‪ ،‬يُقاُل لَحِدِهَما ‪ :‬الُمنَكُر ‪َ ،‬والخُر النِكيُر ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت ‪ ،‬أَْو َقاَل ‪ :‬أََحُدُكْم ‪ ،‬أََتاهُ َملََكاِن أَ ْ‬ ‫إَِذا قُبَِر اْلَميّ ُ‬
‫اُ ‪،‬‬‫شَهُد أْن لَ إِلََه إِلّ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سولُُه‪ ،‬أ ْ‬ ‫فَيَُقولَِن ‪َ :‬ما ُكْنَت تَُقوُل ِفي َهَذا الّرُجِل ؟ فَيَُقوُل‪َ :‬ما َكاَن يَُقوُل‪ُ :‬هَو َعْبُد اِ َوَر ُ‬
‫سْبُعوَن ِذَراًعا ِفي‬ ‫َ‬
‫سُح لَهُ ِفي قْبِرِه َ‬ ‫سولُهُ ‪ ،‬فَيَُقولَِن ‪ :‬قَْد ُكّنا نَْعلَُم أَنَّك تَُقوُل َهَذا ‪ ،‬ثُّم يُْف َ‬ ‫َوأَّن ُمَحّمًدا َعْبُدهُ َوَر ُ‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سْبِعيَن ‪ ،‬ثُّم يُنَّوُر لَهُ ِفيِه ‪ ،‬ثّم يَُقاُل لَهُ ‪ :‬نَْم ‪ ،‬فيَُقوُل ‪ :‬أْرِجُع إَِلى أْهِلي فأْخبُِرُهْم ‪ ،‬فيَُقولَِن ‪ :‬نَْم َكنَْوَمِة اْلَعُرو ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫س‬‫َ‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬
‫َ َِْ‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬‫قا‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫ً‬ ‫ف‬ ‫نا‬
‫َ ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫إ‬
‫َِ‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ض‬ ‫م‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ُ ِ ُ ِ َ ّ ِ ِ ِ ْ ِ َ َْ َ ُ ُ ِ َ ْ َ ِ ِ ِ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ع‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫تى‬‫ّ‬ ‫ح‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ق‬ ‫يو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ذي‬ ‫الّ ِ‬
‫َ‬
‫ض ‪ :‬اْلتَئِِمي َعلَْيِه ‪ ،‬فتَْلتَئُِم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ِمثلَهُ ‪ ،‬لَ أْدِرى ‪ ،‬فيَُقولَِن ‪ :‬قْد ُكّنا نَْعلَُم أنَّك تَُقوُل ذلَِك ‪ ،‬فيَُقاُل لِلْر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫يَُقوُلوَن فقُْل ُ‬
‫ضَجِعِه َذلَِك (‪.‬‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫ا‬
‫َ ُ ِ َ ُ َ ً َ َْ َ ُ ُ ِ َ ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ع‬‫ب‬‫ي‬ ‫تى‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫با‬ ‫ّ‬
‫ذ‬ ‫ع‬‫م‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ل‬‫زا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫ع‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫َ‬
‫َعلَْيِه ‪ ،‬فَتَْختَلِ ِ َ ْ‬
‫أ‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ف‬‫ُ‬

‫‪44‬‬
‫ولكن نتوقف في كيفية حياة الميت في قبره ‪ ،‬هل ُيعاد روحه في جسده ‪ ،‬كما كان في حال‬
‫حياته ‪ ،‬أو يخلق فيه الحياة بقدر ما يفهم السؤال ‪ ،‬وُيجيب ؟ لعدم ورود الدليل اليقيني فيه ‪،‬‬
‫سُبع‪ ،‬أو ُأحرق‪ ،‬أو ٌأغِرق ‪ ،‬وُيعّذب كما ُيعّذب في القبر ‪ ،‬وقيل أيضا ‪:‬‬
‫قيل ‪ُ :‬يسأل َمن أكله ال َ‬
‫ن غير النبي ُيسأل عنه النبي ‪ ،‬فكيف ُيسأل هو عن نفسه ؟ وُيسأل‬
‫ن النبياء ل ُيسألون ‪ ،‬ل ّ‬
‫إّ‬
‫أطفال المسلمين اتفاقا ‪ ،‬وتوقف أبو حنيفة رحمه ال في سؤال أطفال الكفرة ‪ ،‬ودخولهم‬
‫خّداما وغلمانا لهل الجنة ‪.‬‬
‫الجنة ‪ ،‬وغيره حكم بذلك ‪ ،‬ليكونوا ُ‬
‫وقوله ‪ :‬وفي الجداث متعلق بقوله سُيبلى ‪ ،‬وعن توحيده متعلق بالسؤال ‪.‬‬
‫سوِء اْلِفَعاِل‬
‫ن ُ‬
‫عَذابُ اْلَقْبِر ِم ْ‬
‫َ‬ ‫ق َبْعضا‬
‫سا ِ‬
‫َوِلْلُكّفاِر َواْلُف ّ‬
‫سـاق الذين ‪ 30‬ب‬
‫‪ /‬أي عذاب القبر حق لجميع الكفار إلى النفخة الولى ‪ ،‬ولبعض الُف ّ‬
‫ماتوا من غير توبة مقدار الحياة للسؤال والجواب ‪ ،‬وقيل مقدار صحة البدن ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إلى‬
‫البعث ‪ ،‬ولو صار ذرة لجل سوء أفعالهم ‪ ،‬خلفا للمعتزلة ‪ ،‬قلنا ‪ :‬قوله عليه السلم ‪:‬‬
‫حَفِر الّنارِ [ ‪ ، 1‬وقوله أيضا ‪ ] :‬تعّوذوا بال‬
‫ن ُ‬
‫حْفَرٌة ِم ْ‬
‫جّنِة ‪َ ,‬أْو ُ‬
‫ض اْل َ‬
‫ن ِرَيا ِ‬
‫ضٌة ِم ْ‬
‫]اْلَقْبُر َرْو َ‬
‫عَذاب اْلَقْبر ِمْنُه[‪. 3‬‬
‫عاّمة َ‬
‫عَذاب اْلَقْبر [‪ ، 2‬وقوله أيضا ‪] :‬استنزهوا من اْلَبْول ؛ َفِإن َ‬
‫من َ‬
‫شّيا َوَيْوَم‬
‫ع ِ‬
‫غُدّوا َو َ‬
‫عَلْيَها ُ‬
‫ن َ‬
‫ضو َ‬
‫ق آل فرعون وَمن مثلهم ‪ ﴿ :‬الّناُر ُيْعَر ُ‬
‫وقوله تعالى في ح ّ‬
‫خُلوا َناًرا ﴾‪. 5‬‬
‫غِرُقوا َفُأْد ِ‬
‫ب ﴾‪ ، 4‬وقوله ‪ُ ﴿ :‬أ ْ‬
‫شّد اْلَعَذا ِ‬
‫ن َأ َ‬
‫عْو َ‬
‫خُلوا آَل ِفْر َ‬
‫عُة َأْد ِ‬
‫سا َ‬
‫َتُقوُم ال ّ‬
‫قوله ‪ :‬للكفار خبر المبتدأ ‪ ،‬وهو عذاب القبر ‪ ،‬وقوله ‪ :‬بعضا ـ بالعين المهملة ـ حال من‬
‫سـاق‪ ،‬ومن قرأ ُبغضا ـ بالغين المعجمة ـ وصححه بإيقاعه تمييزا للتعذيب‪ ،‬فقد أخطأ ‪،‬‬
‫الُف ّ‬
‫ن في قوله ‪ِ :‬من سوء الفعال ‪ ،‬بمعنى لجل ‪ ،‬متعلق بثبوت الحكم ‪.‬‬
‫لعدم البهام‪ ،‬فتأّمل ‪ ،‬وِم ْ‬
‫ن َوَباِل‬
‫عْ‬
‫حرِز َ‬
‫َفُكوُنوا ِبالّت َ‬ ‫حٌ‬
‫ق‬ ‫ث َ‬
‫س َبْعَد الَبْع ِ‬
‫ب الّنا ِ‬
‫سا ُ‬
‫ح َ‬
‫ِ‬
‫أي بعث يوم القيامة حق ثابت ‪ ،‬وهو إعادة المعدوم ؛ لنها من الممكنات ‪ ،‬وكل ممكن‬
‫مقدور ال تعالى ‪ ،‬والدلئل السمعية وردت بحقيقتها ‪ ،‬فيجب علينا اليمان بها ‪ ،‬خلفا‬
‫للدهرية‪ ، 6‬فإنهم أنكروا القيامة والحشر ‪ ،‬والفلسفة أنكروا حشر الجساد ‪ ،‬وأقّروا بحشر‬

‫‪ 1‬في أ ‪ ،‬ب ‪ :‬النيران ‪ ،‬وما أثبتناه من المسند الجامع ‪. 14/434‬‬


‫‪ 2‬البدر المنير في تخريج الحاديث والثار الواقعة في الشرح الكبير ‪4/44‬‬
‫‪ 3‬البدر المنير في تخريج الحاديث والثار الواقعة في الشرح الكبير ‪2/323‬‬
‫‪ 4‬غافر ‪46‬‬
‫‪ 5‬نوح ‪25‬‬
‫‪ 6‬قال ابن كثير رحمه ا في تفسيره‪ :‬يخبر تعالى عن دهرية الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار‬
‫المعاد‪َ :‬وَقاُلوا َما ِهَي إِّل َحَياتَُنا الّدْنَيا نَُمو ُ‬
‫ت َونَْحَيا ]الجاثـــية‪.[24:‬مــا ثــم إل هــذه الــدار‪ ،‬يمــوت قــوم ويعيــش‬
‫آخرون‪ ،‬وما ثم معاد ول قيامة‪ .‬وهــذا يقــوله مشــركو العــرب المنكــرون للمعــاد‪ ،‬ويقــوله الفلســفة اللهيــون‬
‫منهم‪ ،‬وهم ينكرون البداءة والرجعة‪ .‬وتقوله الفلسفة الدهرية )الدورية( المنكــرون للصــانع‪ ،‬المعتقــدون أن‬
‫في كل ستة وثلثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليـه‪ ،‬وزعمـوا أن هـذا قـد تكـرر مـرات ل تتنـاهى‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫حِيي‬
‫ن ُي ْ‬
‫الرواح بل أجساد ‪ ،‬ومذهبهم باطل ‪ ،‬لقوله تعالى في رّد قول الكافر الذي قال ‪ ﴿ :‬مَ ْ‬
‫خَلْقَناُكْم‬
‫سْبُتْم َأّنَما َ‬
‫ح ِ‬
‫شَأَها َأّوَل َمّرٍة ﴾‪ ، 1‬وقوله ‪َ ﴿ :‬أَف َ‬
‫حِييَها اّلِذي َأْن َ‬
‫ي َرِميٌم * ُقْل ُي ْ‬
‫ظاَم َوِه َ‬
‫اْلِع َ‬
‫ظاَمُه *‪31‬أ‬
‫عَ‬
‫جَمَع ِ‬
‫ن َن ْ‬
‫ن َأّل ْ‬
‫سا ُ‬
‫ب اْلِإْن َ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫ن ﴾‪ / 2‬وقوله أيضا ‪َ ﴿ :‬أَي ْ‬
‫جُعو َ‬
‫عَبًثا َوَأّنُكْم ِإَلْيَنا َلا ُتْر َ‬
‫َ‬
‫ي َبَناَنُه﴾‪ ، 3‬وبعد البعث حساب جميع الناس حق ‪ ،‬ل يجحده إّل‬
‫سّو َ‬
‫ن ُن َ‬
‫عَلى َأ ْ‬
‫ن َ‬
‫َبَلى َقاِدِري َ‬
‫ساَبُهْم ﴾‪ ، 4‬وقوله أيضا ‪:‬‬
‫ح َ‬
‫عَلْيَنا ِ‬
‫ن َ‬
‫ن ِإَلْيَنا ِإَياَبُهْم * ُثّم ِإ ّ‬
‫الكفور المعاند ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ِ ﴿:‬إ ّ‬
‫ش ِفي اْلحساب يهلك[‪ ، 6‬والمراد‬
‫ب﴾‪ ،5‬وقوله عليه السلم ‪] :‬من ُنوِق َ‬
‫سا ُ‬
‫ح َ‬
‫﴿َيْوَم َيُقوُم اْل ِ‬
‫منه الستقصاء في حساب القليل والكثير ‪ ،‬وهو أعسر الحساب ‪ ،‬فكونوا بالتحرز عن وبال‪،‬‬
‫أي عن النكار الموجب للخلود في النار ‪ ،‬أو عن الثم الذي يكون بين العبد ومثله ‪ ،‬فإنه ل‬
‫ُيرجى العفو عند الحساب ‪ ،‬لكونه حقا لغيره يوم القيامة ‪ ،‬فيجب الحتراز عنه ‪ ،‬بخلف ما‬
‫بين العبد وبين ال تعالى ‪ ،‬فإنه ُيرجى العفو ‪ ،‬فل ُيسأل ‪ ،‬ول ُيحاسب ‪ ،‬هكذا قيل ‪ ،‬والحق‬
‫ن الحساب والسؤال يوم القيامة حق ‪ ،‬سواء كان بين ال تعالى وعبده ‪ ،‬أو بين العبد‬
‫أّ‬
‫ن﴾‪ ، 7‬وقوله عليه‬
‫سِلي َ‬
‫ن اْلُمْر َ‬
‫سَل ِإَلْيِهْم َوَلَنسَْأَل ّ‬
‫ن ُأْر ِ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫سَأَل ّ‬
‫وغيره ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ﴿ :‬فَلَن ْ‬
‫جَما ٌ‬
‫ن‬ ‫ب ‪َ ،‬وَل ُترْ ُ‬
‫جا ٌ‬
‫حَ‬
‫س َبْيَنُة َوَبْيَنُه ِ‬
‫حٍد ِإّل ويسأله رب العالمين ‪َ ،‬لْي َ‬
‫ن َأ َ‬
‫السلم ‪َ] :‬ما ِمْنُكْم ِم ْ‬
‫سوًل ؟ فيقول العبد ‪َ :‬بَلى [‪ ، 8‬وفي روايـة‬
‫ك َر ُ‬
‫سْل ِإَلْي َ‬
‫ك َماًل ؟ َأَلْم ُأْر ِ‬
‫فيقول ال ‪َ :‬أَلـْم ُأوِت َ‬
‫] يا ابن آدم ! ما غرك بي ؟ يا ابن آدم ! ماذا عملت فيما علمت ؟ يا ابن آدم ! ماذا أجبت‬

‫‪.‬‬ ‫‪9‬‬
‫المرسلين ؟ [‬

‫فكابروا المعقول وكذبوا المنقول‪ ،‬ولهذا قالوا‪َ :‬وَما يُْهلُِكَنا إِّل الّدْهُر‪ ،‬قال ا سبحانه‪َ :‬وَما لَُهْم بِ ـَذلَِك ِم ـْن ِعْل ـٍم‬
‫إِْن ُهْم إِّل يَظُّنوَن ]الجاثـية‪ ،[24:‬أي يتوهمون ويتخيلون‪.‬‬
‫فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح‪ ،‬وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ا ـ صــلى‬
‫ا عليه وسلم‪ :‬يقول ا تعالى‪ :‬يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الــدهر‪ ،‬بيــدي المــر‪ ،‬أقلــب الليــل والنهــار‪.‬‬
‫وفي رواية‪ :‬ل تسبوا الدهر فإن ا هو الدهر‪ .‬وفي رواية‪ :‬ل يقل ابن آدم‪ :‬يا خيبــة الــدهر‪ ،‬فــإني أنــا الــدهر‪،‬‬
‫أرسل الليل والنهــار‪ ،‬فــإذا شـئت قبضـتهم‪ .‬قــال فـي شـرح السـنة‪ :‬حـديث متفــق علـى صـحته‪ ،‬أخرجــاه مـن‬
‫طريق معمر من أوجه عنأبي هريرة قال‪ :‬ومعناه أن العرب كـانت مـن شـأنها ذم الـدهر وسـبه عنـد النـوازل‪،‬‬
‫لنهم كانوا ينسبون إليـه مـا يصـيبهم مـن المصـائب والمكـاره‪ ،‬فيقولـون‪ :‬أصـابتهم قـوارع الـدهر‪ ،‬وأبـادهم‬
‫الدهر‪ ،‬فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها‪ ،‬فكان مرجع سبها إلى اـ عـز وجــل‪ ،‬إذ هــو‬
‫الفاعل في الحقيقة للمور التي يصفونها‪ ،‬فنهوا عن سب الدهر‪.‬‬
‫يس ‪ 78‬ـ ‪79‬‬ ‫‪1‬‬

‫المؤمنون ‪115‬‬ ‫‪2‬‬

‫القيامة ‪3‬ـ ‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫الغاشية ‪ 25‬ـ ‪26‬‬ ‫‪4‬‬

‫إبراهيم ‪41‬‬ ‫‪5‬‬

‫ش ِفي اْلحساب ُعذب ( ‪.‬‬ ‫تخريج أحاديث الكشاف ‪ ، 4/177‬وفيه )من ُنوقِ َ‬ ‫‪6‬‬

‫العراف ‪6‬‬ ‫‪7‬‬

‫انظر المسند الجامع ‪ ، 29/295‬واللفظ مختلف ‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫تحفة الشراف ‪7/70‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪46‬‬
‫شماِل‬
‫ظْهٍر وال ّ‬
‫حَو َ‬
‫ضا َن ْ‬
‫وََبْع ً‬ ‫حَو ُيْمنى‬
‫ضا َن ْ‬
‫ب َبْع ً‬
‫طى اْلُكْت ُ‬
‫َوُتْع َ‬
‫أي ويعطي ال للمؤمنين كتابهم باليمين ‪ ،‬وللكافرين بالشمال ‪ ،‬أو من وراء ظهورهم ‪،‬‬
‫ب ِإَلى‬
‫سيًرا * َوَيْنَقِل ُ‬
‫ساًبا َي ِ‬
‫ح َ‬
‫ب ِ‬
‫س ُ‬
‫حا َ‬
‫ف ُي َ‬
‫سْو َ‬
‫ي ِكَتاَبُه ِبَيِميِنِه * َف َ‬
‫ن ُأوِت َ‬
‫لقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬فَأّما َم ْ‬
‫صَلى‬
‫عو ُثُبوًرا * َوَي ْ‬
‫ف َيْد ُ‬
‫سْو َ‬
‫ظْهِرِه * َف َ‬
‫ي ِكَتاَبُه َوَراَء َ‬
‫ن ُأوِت َ‬
‫سُروًرا * َوَأّما َم ْ‬
‫َأْهِلِه َم ْ‬
‫ت ِكَتاِبَيْه * َوَلْم َأْدِر‬
‫شَماِلِه َفَيُقوُل َيا َلْيَتِني َلْم ُأو َ‬
‫ي ِكَتاَبُه ِب ِ‬
‫ن ُأوِت َ‬
‫سِعيًرا ﴾‪ ، 1‬وقوله ‪َ ﴿ :‬وَأّما َم ْ‬
‫َ‬
‫ن تطاير‬
‫سيًبا﴾‪ ، 3‬فثبت أ ّ‬
‫ح ِ‬
‫ك َ‬
‫عَلْي َ‬
‫ك اْلَيْوَم َ‬
‫سَ‬‫ك َكَفى ِبَنْف ِ‬
‫ساِبَيْه ﴾‪ ، 2‬وقوله ‪ ﴿:‬اْقَرْأ ِكَتاَب َ‬
‫ح َ‬
‫َما ِ‬
‫ق ل ُينكره إّل الكافر بالقرآن الكريم ‪ ،‬والتنوين في ) بعضا ( عوض عن‬
‫الكتب ‪ ،‬وقراءتها ح ّ‬
‫المضاف إليه ‪ ،‬أي بعض الناس ‪ ،‬وهو المفعول الثاني للعطاء ‪ ،‬ول تنوين في ُيمنى ‪ ،‬لنه‬
‫حبلى في عدم النصراف ‪ ،‬وتقديره جّر بإضافة نحو إليه ‪ ،‬وهو نصب على الظرف ‪ ،‬لنه‬
‫كُ‬
‫بمعنى الجهة ‪.‬‬
‫ل اْهِتَبال‬
‫ط ِب َ‬
‫صَرا ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫عَلى َمْت ِ‬
‫َ‬ ‫جْر ٌ‬
‫ي‬ ‫عَماٍل َو َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ق َوْز ُ‬
‫حٌ‬‫َو َ‬
‫أي وزن أعمال الناس من المؤمنين ‪ ،‬الذين خلطوا عمل صالحا بالعمل السّيئ ‪ ،‬حق ثابت‬
‫ق َفَم ْ‬
‫ن‬ ‫ح ّ‬
‫ن َيْوَمِئٍذ اْل َ‬
‫بآيات القرآن ‪ ،‬وأخبار الرسول عليه السلم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬واْلَوْز ُ‬
‫ت َمَواِزيُنُه ﴾ الية ‪ ، 4‬والمراد بالوزن ما‬
‫خّف ْ‬
‫ن َ‬
‫ن * َوَم ْ‬
‫حو َ‬
‫ك ُهُم اْلُمْفِل ُ‬
‫ت َمَواِزيُنُه َفُأوَلِئ َ‬
‫َثُقَل ْ‬
‫يعرف به مقادير العمال من حيث الخّفة والثقل ‪ ،‬لنه عرض ‪ ،‬ل يبقى ‪ ،‬فل وصف بهما ‪،‬‬
‫فُيحمل ما جاء منهما على القلة والكثرة ‪.‬‬
‫وفي كيفّية الوزن نتوّقف ‪ ،‬لقصور العقل عن إدراكه ‪ ،‬وعدم الثر فيه ‪ ،‬فنؤمن به ‪،‬‬
‫حسان ‪ ،‬وأعمالهم‬
‫ونفّوض علمه إلى ال تعالى ‪ ،‬وقيل ‪ :‬توزن أعمالهم الحسنة على صور ِ‬
‫ن رجحت كّفة الحسنات في الميزان ‪ ،‬يدخل صاحبها الجنة ‪ ،‬بل‬
‫القبيحة على صور ِقباح ‪ ،‬فإ ْ‬
‫ن شاء ُيعذبه بقدر‬
‫ن رجحت كفة السيئات ‪ ،‬فحكم صاحبها في مشيئة ال تعالى ‪ ،‬إ ْ‬
‫عذاب ‪ ،‬وإ ْ‬
‫جناية الراجحة ‪ ،‬ثم يدخل الجنة ‪ ،‬ويعطيه‪ /‬مثوبات أعماله الحسنة ‪ ،‬بقدر منزلته عند‪ 32‬أ‬
‫ن استوت الكفتان ُيحبس‬
‫ي عنده ‪ ،‬وإ ْ‬
‫ن شاء يعفو بكرمه ‪ ،‬أو بشفاعة شفيع مرض ّ‬
‫ال ‪ ،‬وإ ْ‬
‫ُمدة على العراف‪ ، 5‬ثم يدخل الجنة برحمته ‪ ،‬على ما ورد في الخبار ‪ ،‬وهذا الوزن‬

‫النشقاق ‪7‬ـ ‪12‬‬ ‫‪1‬‬

‫الحاقة ‪ 25‬ـ ‪26‬‬ ‫‪2‬‬

‫السراء ‪14‬‬ ‫‪3‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬


‫سُهْم بَِما َكانوا ِبآَياتِنا يَظلُِموَن [ ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سُروا أنف َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫العراف ‪ 8‬ـ ‪ ، 9‬وتمام الية التاسعة ]فأولئَِك الِذيَن خ ِ‬ ‫‪4‬‬

‫الناس إذا كان يوم القيامة انقسموا إلى ثلثة أقسام‪ :‬قسم ترجح حسناتهم على سيئاتهم فهؤلء ل يعذبون‬ ‫‪5‬‬

‫ويدخلون الجنة‪ ،‬وقسم آخر ترجح سيئاتهم على حسناتهم فهؤلء مستحقون للعذاب بقدر سيئاتهم ثم ينجون‬
‫إلى الجنة‪ ،‬وقسم ثالث سيئاتهم وحسناتهم سواء ‪ ،‬فهؤلء هم أهل العراف ‪ ،‬ليسوا من أهل الجنة ‪ ،‬ول من‬
‫أهل النار ‪ ،‬بل هم في مكان برزخ عاٍل مرتفع يرون النار ويرون الجنة‪ ،‬يبقون فيه ما شاء ا وفي النهاية‬
‫يدخلون الجنة‪ ،‬وهذا من تمام عدل ا سبحانه وتعالى أن أعطى كل إنسان ما يستحق‪ ،‬فمن ترجحت حسناته‬
‫فهو من أهل الجنة‪ ،‬ومن ترجحت سيئاته عذب في النار إلى ما شاء ا‪ ،‬ومن كانت حسناته وسيئاته‬

‫‪47‬‬
‫ن علمه تعالى محيط بالموجودات‬
‫لظهار عدله وفضله ‪ ،‬ل لحتياجه إلى التعّرف ‪ ،‬ل ّ‬
‫والمعدومات ‪ ،‬وكل َمن ليس له سيئة يدخل الجنة بل حساب ول عذاب ‪ ،‬ول وزن ‪ ،‬وكل َمن‬
‫ليس له حسنة ُيساق إلى جهنم ‪ ،‬بل وزن ‪ ،‬وُينادى عليهم ‪ :‬إنهم أشقياء بشقاوة ل سعادة‬
‫ق باليات‬
‫ي الناس ‪ ،‬أي مرورهم على متن السراط ‪ ،‬وهو جسر جهنم ‪ ،‬ح ّ‬
‫بعدها ‪ ،‬وكذا جر ُ‬
‫والخبار ‪ ،‬بل اهتبال ‪ ،‬أي بل اختيار ‪ ،‬على قدر تفاوت أعمالهم في الدنيا ‪ ،‬فيجوز أهل‬
‫الجنة ‪ ،‬وتزل فيه أقدام أهل النار ‪ ،‬قال عليه السلم ‪] :‬يمر الناس على جسر جهنم ‪ ،‬وعليه‬
‫حسك‪ ،‬وكلليب ‪ ،‬وخطاطيف‪ ،‬تختطف الناس يمينا وشمال ‪ ،‬وعلى جنبيه ملئكة يقولون ‪:‬‬
‫اللهم سّلم سلم ‪ .‬فمن الناس من يمر كالبرق ‪ ،‬ومنهم من يمر كالريح ‪ ،‬ومنهم من يمر‬
‫كالفرس الذي يعدو‪ ،‬ومنهم من يسعى سعيا ‪ ،‬ومنهم من يمشي مشيا ‪ ،‬ومنهم من يحبو‬
‫حبوا ‪ ،‬ومنهم من يزحف زحفا ‪ ،‬ومنهم من يكدس ثم ينجو[‪ 1‬أي ل يقع في النار بسبب نور‬
‫إخلصه ‪ ،‬وكّل ُيعطى نورا بقدر عمله ] فمنهم َمن ُيعطى نورا مثل الجبل العظيم ‪ ،‬ومنهم‬
‫من ُيعطى أصغر من ذلك ؛ حتى يكون آخرهم على قدر إبهام قدميه ‪ ،‬فيضيء مرة وينطفئ‬
‫أخرى [‪. 2‬‬
‫ي بتنوين العوض عن المضاف إليه ‪،‬‬
‫قوله ‪ :‬وحق ‪ ،‬خبر المبتدأ ‪ ،‬وهو وزن أعمال ‪ ،‬وجر ٌ‬
‫عطف على المبتدأ ‪ ،‬وخبره كذلك مقدرا ‪.‬‬
‫جَباِل‬
‫حابِ اْلَكَباِئر َكاْل ِ‬
‫صَ‬‫ِلَأ ْ‬ ‫خْيٍر‬
‫عُة َأْهِل َ‬
‫شَفا َ‬
‫جّو َ‬
‫َوَمْر ُ‬ ‫‪/‬‬
‫‪32‬ب‬
‫ن يشفع أهل الخير والصلح ‪ ،‬كالنبياء والولياء لمن‬
‫قال أهل السنة والجماعة ‪ُ :‬يرجى أ ْ‬
‫ن العفو‬
‫ارتكب الكبيرة العظيمة ‪ ،‬كالجبل العظيم من المؤمنين ‪ ،‬خلفا للمعتزلة ‪ ،‬حجتهم أ ّ‬
‫ن تكون ممتنعة ‪ ،‬إذ ل فائدة لها ‪ ،‬قلنا ‪:‬‬
‫ممتنع من ال تعالى لهل الكبائر ‪ ،‬فالشفاعة أولى أ ْ‬
‫ن جاز عفو ال تعالى من غير واسطة ‪ ،‬فأولى أن يجوز بشفاعة النبي عليه السلم ‪،‬‬
‫إْ‬
‫سَتْغفِْر َلُهْم ﴾‪ ، 3‬وكـذا قـوله تعالى ‪:‬‬
‫عْنُهْم َوا ْ‬
‫ف َ‬
‫ع ُ‬
‫وبشفاعة الخيار ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ ﴿ :‬فا ْ‬
‫عِتي َلْهِل اْلَكَباِئِر‬
‫شَفا َ‬
‫ت﴾‪ ، 4‬وقوله عليه السلم ‪َ ] :‬‬
‫ن َواْلُمْؤِمَنا ِ‬
‫ك َوِلْلُمْؤِمِني َ‬
‫سَتْغِفْر ِلَذْنِب َ‬
‫﴿ َوا ْ‬
‫ن َقاَل َل ِإَلَه ِإّل‬
‫شَفاعَِتي َيْوَم اْلِقَياَمِة ‪َ ،‬م ْ‬
‫س ِب َ‬
‫سَعُد الّنا ِ‬
‫ن ُأّمِتي[ ‪ ، 5‬وقوله عليه السلم ‪َ ] :‬أ ْ‬
‫ِم ْ‬

‫متساوية فهو من أهل العراف لكنها ‪-‬أي العراف‪ -‬ليست مستقراً دائمًا‪ ،‬وإنما المستقر‪ :‬إما إلى الجنة‪،‬‬
‫وإما إلى النار‪ ،‬جعلني ا وإياكم من أهل الجنة ‪.‬‬
‫تخريج أحاديث الحياء ‪4/234‬‬ ‫‪1‬‬

‫تخريج أحاديث الحياء ‪3/8‬‬ ‫‪2‬‬

‫آل عمران ‪159‬‬ ‫‪3‬‬

‫محمد ‪19‬‬ ‫‪4‬‬

‫المسند الجامع ‪4/434‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪48‬‬
‫سِه[‪ ، 1‬فهذه كلها دالة على ثبوت شفاعة النبي عليه الصلة والسلم‬
‫ن ِقَبِل َنْف ِ‬
‫صا ِم ْ‬
‫خاِل َ‬
‫الّلُه ‪َ ،‬‬
‫لًعصاة أمته يوم الجزاء ‪ ،‬ولو كانت ذنوبهم عظاما كالجبال ‪ ،‬ويجوز لغير النبي عليه السلم‬
‫من المؤمنين ‪ ،‬كأهل الولية من العلماء بال تعالى ‪ ،‬وهم أصحاب الخشية من ال تعالى ‪،‬‬
‫ت ﴾‪ 2‬وفسروها بالشفاعة ‪ ،‬وقوله عليه السلم ‪:‬‬
‫جا ٍ‬
‫ن ُأوُتوا اْلِعْلَم َدَر َ‬
‫كقوله تعالى ‪َ﴿ :‬واّلِذي َ‬
‫] اْلُعَلَماُء َوَرَثُة اَلْنِبَياِء [‪ ، 3‬فإنهم شرحوا الرث بدعوة الخلق إلى الحق ‪ ،‬والشفاعة لهم‬
‫ن َبِنى‬
‫ن ُأّمِتى َأْكَثُر ِم ْ‬
‫جٍل ِم ْ‬
‫عِة َر ُ‬
‫شَفا َ‬
‫جّنَة ِب َ‬
‫خل اْل َ‬
‫عند ابتلئهم ‪ ،‬ولقولـه عليه السلم ‪ ] :‬يْد ُ‬
‫َتِميٍم [‪ ، 4‬وغير ذلك من الحاديث الدالة على شفاعة بعض المؤمنين لبعض ‪.‬‬
‫شِتَعاِل‬
‫ب في َداِر ا ْ‬
‫سوِء الّذْن ِ‬
‫ِب ُ‬ ‫ن َل َيْبقى ُمِقيًما‬
‫َوذو اْلِإيَما ِ‬
‫قال أهل السنة والجماعة ‪َ :‬من ارتكب الكبيرة من أهل اليمان ‪ ،‬ل يخرج من اليمان ‪ ،‬وعند‬
‫المعتزلة ‪ /‬يخرج منه ‪ ،‬فعلى هذا يخلد في النار عندهم ‪ ،‬ول يخلد عندنا بشؤم ذنبه ‪ 33‬أ‬
‫خْيًرا َيَرُه ﴾ الية‪ ، 5‬وأقل خير هو اليمان بال‬
‫ن َيْعَمْل ِمْثَقاَل َذّرٍة َ‬
‫لقوله تعالى ‪َ ﴿:‬فَم ْ‬
‫ن يرى ثوابه في الجنة ‪ ،‬وذلك إنما هو بعد الخلص من‬
‫ورسوله ‪ ،‬والكتاب المنزل ‪ ،‬فيجب أ ْ‬
‫ن المؤمن العاصي ل يخلد في دار‬
‫ف بالتفاق ‪ ،‬فثبت أ ّ‬
‫ن الثواب قبل العذاب منت ٍ‬
‫النار ‪ ،‬ل ّ‬
‫الشتعال ـ بالعين المهملة ـ وهي دار بقاء النار ‪ ،‬يعني جهنم ‪ ،‬قيل ‪ :‬المؤمن الفاسق‬
‫ن ُيصّلى عليه صلة الجنازة إذا مات‬
‫بالصغائر ‪ ،‬أو الكبائر ل يخلد في النار ‪ ،‬ول ُيمنع أ ْ‬
‫ن المؤمن ل يقطع رجاؤه من ال تعالى ‪ ،‬لّنه ل ييأس من رحمة ال إّل القوم‬
‫بغير توبة ‪ ،‬ل ّ‬
‫جٍر [‪ ، 6‬وفيه خلف‬
‫ف ُكّل َبّر َوَفا ِ‬
‫خْل َ‬
‫صّلوا َ‬
‫الكافرون ‪ ،‬وقوله عليه الصلة والسلم ‪ُ ] :‬‬
‫المعتزلة والخوارج ‪.‬‬
‫لِل‬
‫حَ‬‫حِر ال َ‬
‫سْ‬‫شْكِل َكال ّ‬
‫َبِديَع ال ّ‬ ‫ظًما‬
‫حيِد َن ْ‬
‫ت ِللّتْو ِ‬
‫س ُ‬
‫َلَقْد َأْلَب ْ‬
‫قال الشيخ رحمه ال ‪ :‬لقد كسوت توحيد ال المنزه عن الشريك نظما ‪ ،‬أي تركيبا مرتبا من‬
‫اللفاظ كالدرر المرتبة في السلك ‪ ،‬وروي مكان ) نظما ( وشيا ‪ ،‬وهو مصدر في الصل ‪،‬‬
‫شي ‪ ،‬والبديع يجيء‬
‫بمعنى التزيين في الثوب ‪ ،‬ثم استعمل هنا بمعنى المفعول ‪ ،‬أي المَو ّ‬
‫ض﴾‪ ، 7‬أي مظهرها من العدم ‪،‬‬
‫ت َواْلَأْر ِ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫بمعنى المبِدع ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ ﴿:‬بِديُع ال ّ‬
‫وبمعنى الُمبَدع ـ المفعول ـ من البداع ‪ ،‬وهو إظهار الشيء بعد أن لم يكن شيئا ‪ ،‬والمراد‬
‫منه ما ظهر على غير مثال سبق ‪ ،‬والشكل هيئة محيطة للشيء بالحدود ‪ ،‬وقوله ‪ :‬كالسحر‬

‫الجامع ‪39/41‬‬ ‫المسند‬ ‫‪1‬‬

‫المجادلة ‪ ، 11‬وقبلها ‪] :‬يَْرفَِع ّ‬


‫اُ الِّذيَن آَمُنوا ِمْنُكْم [ ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المسند الجامع ‪33/477‬‬ ‫‪3‬‬

‫المسند الجامع ‪18/197‬‬ ‫‪4‬‬

‫الزلزلة ‪7‬‬ ‫‪5‬‬

‫نصب الراية لحاديث الهداية ‪2/26‬‬ ‫‪6‬‬

‫البقرة ‪ ، 117‬النعام ‪101‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪49‬‬
‫الحلل ‪ ،‬مشبه به للشكل ‪ ،‬والسحر له معنيان ‪ :‬أحدهما إخراج الباطل في صورة الحق ‪،‬‬
‫والثاني ‪ /‬التأثير في الشخص بفعل يعجزه من العلم والعمل ‪ ،‬إّمـا بسلب عقله ‪ ،‬أو ‪ 33‬ب‬
‫بأخذ قوته ‪ ،‬أو بتغيير طبعه كالمسحور الذي ل يقدر على الجماع ‪ ،‬والمراد به هنا الول ‪،‬‬
‫إظهار الباطل في صورة الحق ‪ ،‬وهو حرام كالثاني ‪ ،‬لنه مخادعة للناس ‪ ،‬ومنهية في‬
‫غب الناس في نظمه بعلمهم أنه وشي بديع طّيب ‪،‬‬
‫الشرع ‪ ،‬وإنما وصفه هنا بالحلل ‪ ،‬لير ّ‬
‫يعجز الغير عن إتيان مثله ‪ ،‬فلو أطلق السحر عليه بدون وصف الحـلل ؛ لتوهموا أنه‬
‫حرام ‪ ،‬فلم يميلوا إليه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬لقد ‪ ،‬اللم في جواب قسم محذوف ‪ ،‬أي وال لقد ‪ ،‬وقد هنا للتحقيق ‪ ،‬ل للتقليل ‪،‬‬
‫وألبست فعل فاعل ‪ ،‬وللتوحيد مفعوله الول ‪ ،‬وزيد اللم للوزن ‪ ،‬وشيا مفعوله الثاني ‪،‬‬
‫وقوله ‪ :‬بديع الشكل ‪ ،‬صفة ‪ ،‬وشيا كالسحر ‪ ،‬صفة بعد صفة ‪.‬‬
‫ح َكاْلَماِء الّزَلِل‬
‫حِيي الّرو َ‬
‫َوُي ْ‬ ‫شَرى ِبَرْو ٍ‬
‫ح‬ ‫ب َكاْلُب ْ‬
‫سّلي اْلَقْل َ‬
‫ُي َ‬
‫أي يفرح القلب هذا الوشي ‪ ،‬كما تفرحه البشارة بإتيان محبوب ‪ ،‬أو بخبر خير ‪ ،‬وكل منهما‬
‫راحة القلب ‪ ،‬ويحيى الروح أيضا بعلمه ‪ ،‬بعد موته بالجهل ‪ ،‬كالماء الزلل الذي ل كدورة‬
‫فيه ‪ ،‬فإنه يحيى الرض بالنبات بعد يبسها ‪.‬‬
‫قوله ‪ُ :‬يسّلي ‪ ،‬فعل مضارع من التسلية ‪ ،‬وهو إزالة الغم ‪ ،‬وفاعله ضمير فيه يرجع إلى‬
‫الوشي ‪ ،‬وكالبشرى متعلق به ‪ ،‬وهو مصدر بمعنى البشارة ‪ ،‬كالرجع بمعنى الرجعة ‪،‬‬
‫وبَروح ـ بفتح الراء ـ الراحة ‪ ،‬متعلق بالبشرى ‪ ،‬وُيحيى عطف على ُيسّلي ‪ ،‬وفاعله‬
‫مضمر فيه يعود إلى الوشي ‪ ،‬والّروح ـ بضم الراء ‪ ،‬ونصب الحاء ـ مفعوله ‪ ،‬وكالماء‬
‫الزلل ‪ ،‬متعلق بقوله ‪ُ :‬يحيى ‪ ،‬والزلل ‪ ،‬صفة الماء ‪ ،‬وهو العذب الصافي ‪.‬‬
‫‪34‬أ‬ ‫ف الَمَناِل‬
‫صَنا ِ‬
‫س َأ ْ‬
‫جْن َ‬
‫َتَنالُوا ِ‬ ‫ظا َواعِتَقاًدا‬
‫حْف ً‬
‫ضوا ِفيِه ِ‬
‫َفخو ُ‬ ‫‪/‬‬
‫أي إذا كان هذا الوشي كما وصفته ‪ ،‬فأشرعوا فيه حفظا ‪ ،‬أي من جهة حفظ لفظه ‪،‬‬
‫واعتقادا من جهة اعتقاد معناه ‪ ،‬ل من جهة الرد بما فيه بالشكوك والشبهات ‪ ،‬لكي تصلوا‬
‫به حقائق أنواع العطاء من ال تعالى بفضله ‪ ،‬وَمن قال لفظة جنس زائد فقد سها ‪ ،‬لنه لو‬
‫ن يقول أجناس‬
‫زاد لنتقض المعنى ‪ ،‬إذ المراد جنس كل صنف من أصناف العطاء ‪ ،‬وأصله أ ْ‬
‫أصناف ‪ ،‬إّل أنه جعله من قبيل ‪ :‬كلوا في بعض بطنكم ‪ ،‬أي في بعض بطونكم ‪ ،‬والفاء في‬
‫فخوضوا جواب شرط محذوف ‪ ،‬وهو من الخوض ‪ ،‬بمعنى الشروع في الشيء ‪،‬‬
‫والمنصوبان بعده تمييزان ‪ ،‬ويجوز أن يكونا حالين ‪ ،‬أي حافظين ‪ ،‬ومعتقدين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬تنالوا ‪ ،‬مجزوم بوقوعه في جواب المر ‪ ،‬وجنس مفعوله ‪ ،‬وأصناف المنال ‪،‬‬
‫مضاف إليه ‪ ،‬وهذه الضافة كإضافة خاتم فضة ‪ ،‬لنه في تقدير َمن أصناف من المنال ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫حال اْبِتَهاِل‬
‫خْيِر في َ‬
‫ِبِذْكِر اْل َ‬ ‫ن هَذا اْلَعْبِد َدْهًرا‬
‫عْو َ‬
‫َوُكوُنوا َ‬
‫أي صيروا بسبب هذا النظم اللطيف ُمعين هذا العبد ‪ ،‬أراد به نفسه ‪ ،‬أي عبد ال ‪ ،‬في‬
‫وقت من الوقات ‪ ،‬بذكـر الخير ‪ ،‬أي بدعاء المغفرة والرحمة في حال تضرعكم إلى ال‬
‫تعالى ‪ ،‬واستغفاركم له ‪.‬‬

‫سَعاَدَة في الَمآِل‬
‫طيِه ال ّ‬
‫َوُيْع ِ‬ ‫ضٍل‬
‫ل َيْعُفوُه ِبَف ْ‬
‫َلَعّل ا َ‬
‫ن يتجاوز عن سيئاته ‪ ،‬ويغفر له بفضله ‪ ،‬وُيعطيه ببركة دعائكم ‪ ،‬الخير‬
‫أي عسى ال أ ْ‬
‫الفوز العظيم ‪ ،‬والنجاة الوافرة ‪ ،‬بدخوله الجنة في المرجع والمآل ‪.‬‬
‫‪34‬ب‬ ‫عا ِلي‬
‫خْيِر َيْوًما َقْد َد َ‬
‫ن ِباْل َ‬
‫ِلَم ْ‬ ‫سِعي‬
‫عو ُكْنَه ُو ْ‬
‫َوِإّني الّدْهَر َأْد ُ‬ ‫‪/‬‬
‫أي وإني في جميع أزمنة حياتي ‪ ،‬أدعو بالخير ‪ ،‬بغاية طاقتي ‪ ،‬يعني من غير تقصير مني ‪،‬‬
‫ن للدعوات تأثيرا بليغا ‪،‬‬
‫ِلمن يدعو لي بالخير يوما من اليام ‪ ،‬لعل ال يغفر له ويرحمه ‪ ،‬ل ّ‬
‫كما بّيناه قبل ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬كونوا ‪ ،‬أمر من كان الناقصة ‪ ،‬وهي تستدعي اسما مرفوعا ‪ ،‬وخبرا منصوبا ‪،‬‬
‫واسمها ضمير الجماعة فيه ‪ ،‬وخبرها عون ‪ ،‬مصدر بمعنى الُمعين ‪ ،‬وهو مضاف إلى هذا‬
‫المجرور محل ‪ ،‬وهو مضاف إلى العبد ‪ ،‬وقوله ‪ :‬دهرا ‪ ،‬نصب على الظرف ‪ ،‬والعامل فيه‬
‫العون ‪ ،‬قوله ‪ :‬بذكر الخير ‪ ،‬جار ومجرور ‪ ،‬مضاف إلى الخير ‪ ،‬متعلق بالعون ‪ ،‬والباء‬
‫للسببية ‪ ،‬قوله ‪ :‬في حال ابتهال ‪ ،‬متعلق بالذكر ‪ ،‬قوله ‪ :‬لعل ‪ ،‬حرف من الحروف المشبهة‬
‫بالفعل ‪ ،‬يقتضي اسما منصوبا ‪ ،‬وخبرا مرفوعا ‪ ،‬وال اسمه ‪ ،‬ويعفوه ‪ ،‬فعل مضارع ‪،‬‬
‫فاعله مضمر فيه ‪ ،‬والضمير البارز المتصل به مفعوله ‪ ،‬وقوله ‪ :‬بفضله ‪ ،‬يتعلق به ‪،‬‬
‫وُيعطيه ‪ ،‬عطف على يعفوه ‪ ،‬والسعادة مفعوله الثاني ‪ ،‬وفي المآل ‪ ،‬متعلق بيعطي ‪ ،‬وهو‬
‫ن كلعل في اقتضاء الرفع والنصب ‪،‬‬
‫مفعول من الول ‪ ،‬وهو الرجوع ‪ ،‬اسم مكان ‪ ،‬وإ ّ‬
‫وضمير المتكلم المتصل به ‪ ،‬في محل النصب اسمه ‪ ،‬والدهر ‪ ،‬نصب على الظرف بفعل‬
‫بعده ‪ ،‬وهو أدعو فاعله مضمر ‪ ،‬وهو أنا ‪ ،‬وكنه ُوسعي منصوب بنزع الخافض ‪ ،‬وهو‬
‫مضاف إلى الوسع ‪ ،‬المضاف إلى ياء المتكلم ‪ ،‬قوله ‪ِ :‬لَمن ‪ ،‬متعلق بأدعو ‪ ،‬وَمن ‪ ،‬اسم‬
‫موصول ‪ ،‬يقتضي صلة وضميرا يرجع إليه ‪ ،‬وصلتها قد دعا لي ‪ ،‬والضمير الذي فيه فاعله‬
‫‪ /‬يرجع إلى الموصول ‪ ،‬ولي ‪ ،‬جار ومجرور متعلق به ‪ ،‬وبالخير أيضا متعلق به ‪ 35 ،‬أ‬
‫ُقّدم عليه للهتمام ‪ ،‬ويوما ‪ ،‬نصب على الظرف ‪ ،‬عامله أيضا دعا لي ‪ ،‬والموصول مع‬
‫صلته ‪ ،‬ومتعلقاتها في محل الجر لجل اللم الجارة فيه ‪.‬‬

‫‪51‬‬
52

You might also like