Professional Documents
Culture Documents
شرح
بدء المالي
تأليف
إسماعيل بن عبد الباقي اليازجي
الشهير بابن كاتب الينكجرية
ت 1121هـ
تحقيق
الدكتور
جميل عبد ال عويضة
1432هـ 2011/م
1
الناظم: 1
علي بن عثمان بن محمد بن سليمان ،أبو محمد ،سراج الدين التيمي الوشي
الفرغاني الحنفي .
والوشي :نسبة إلى ُأوش ،بضم الهمزة ،من بلد فرغانة الوشي
وهو ناظم قصيدة :بدء المالي ـ في العقائد ،ومن مؤلفاته :نصاب الخبار لتذكرة
الخيار ،اختصر به كتابه )غرر الخبار ودرر الشعار ( ـ في ألفاظ الحديث النبوي ،وله
الفتاوى السراجية ،فرغ من تأليفه سنة 569هـ .
ب ـ الشارح: 2
إسماعيل بن عبد الباقي بن إسماعيل اليازجي ،الحنفي ،الدمشقي ،اشتهر بابن
كاتب الينكجرية ،كان من العلماء الجلء البارعين في الفنون ،ولد بعد الخمسين وألف
تقريبا ،ونشاء بدمشق ،واشتغل بطلب العلم على جماعة من الشيوخ ،منهم :الشيخ علء
الدين الحصكفي المفتي ،والشيخ إسماعيل الحايك ،والشيخ إبراهيم الفتال ،وأخذ عن
الشيخ يحيى الشوي المغربي ،وأخذ عن السيد عبد الرحيم المقدسي ابن أبي اللطف ،
واشتهر بالفضل ،ودرس وأفاد بالجامع الموي ،ووعظ به .
كان أبوه كاتب أوجاق الينكرجية بدمشق ،ولفظة يازيجي بالتركية بمعنى كاتب ،
وقد قتل بأمر سلطاني ،هو ورئيس الجند بدمشق عبد السلم أغا ؛ لفتن ظهرت منهما ،
وكان قتلهما في زمن الوزير عبد القادر باشا ،والي دمشق ،في سنة تسع وستين بعد
اللف .
ومن مؤلفاته :
ضوء الللي شرح بدء المالي ،ومختصره نور المعالي لشرح بدء المالي ،ورسالة قطر
الغيث ،شرح مقدمة أبي الليث ،والتعليقة الوفية لشرح المنفرجة الجيمية ،و المتناع ،
في تحريم الملهي والسماع ،وله شرح على الهداية ـ في الفقه ،وصل فيه إلى ُربع
العبادات ،و له شرح على الجللين ـ في التفسير ،لم يكمله ،ومطالع النوار ولواقح
الفكار وجواهر السرار لشرح تنوير البصار ،ومنه نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق
رقمها ) . ( 8131
2
وكأنت وفاته بدمشق ،في يوم الربعاء عاشر جمادي الولى سنة احدى وعشرين
ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير عند والده .
3
ظٍم َكاّللِلي
حيٍد ِبَن ْ
ِلَتْو ِ ي(
َيُقوُل اْلَعْبُد في )َبْدِء اْلَأَمال ِ
يقول ِمن 1القول ،وهو التكّلم بكلم صادق أو كاذب ،والعبد إنسان يملكه َمن ل ُيمَلك ،
وأراد المؤلف به نفسه ؛ اعترافا بعبوديته ،التي هي نهاية الخضوع والتواضع ،واللف
واللم فيه عوض عن المضاف إليه ،تقديره عبد المعبود بالحق ،والبدء بمعنى البتداء ،
والمالي اسم كتابه هذا ،وفي الصل جمع إملء ،وهو الَكْتب عن ظهر القلب ،من غير
نظر إلى المكتوب ،وهو ظرف ليقول ،ولتوحيد غاية له ،أي لجل توحيد المعبود بالحق ،
ن المعبوَد واحٌد ل شريك له ،مع القرار باللسان ،واليمان لزمه ،
وهو اعتقاد العبد أ ّ
وهو التصديق بالجنان ،والقرار باللسان ،وبنظم متعلق بالبدء لقربه ،وهو الجمع
والترتيب بين الشياء ،والمراد به هاهنا ضد النثر ،وكالللي يتعلق بمحذوف ،وهو صفة ،
ن كالللي ،والكاف بمعنى الِمْثل ،فل حذف للمتعلق ،وهي جمع اللؤلؤ ،وهو
أي بنظم كائ ٍ
صغار المرجان ،والمعنى :يتكلم عبد ال في ابتداء /كتابه المسمى 2ب
ِكبار الّدر ،و ِ
سن الترتيب ،متناسب الكلمات ،مثل نظم
ح َ
بالمالي ؛ لبيان توحيده تعالى ،بنظم كلم َ
الللئ المنتظمة في سلك واحد ،لميل الطبع إليها ،واستحسانه ترتيبها ،فالغرض من
تأليف هذا الكتاب تمهيد أصول الدين ،وإقامة دعائم التوحيد ،الذي هو علم الكلم ؛ لرشاد
أمة محمد عليه السلم إلى تصحيح العقائد 2اليمانية ،وهو فرض عين عند الشافعي ؛ دفعا
للضطراب في التوحيد ،وفرض كفاية عند غيره ؛ دفعا لتكليف ما ليس في الوسع عند
طرق هذا العلم ،فل يهتدي كل أحٍد إليها ،فإذا 3عرفت هذا ،فنقول : 4صانع
العامة ،لدقة ُ
ن يكون بينهما توافق في
العاَلم واحد ،ل شريك له فيه ، 5إذ لو كان له صانعان ،فإّمـا أ ْ
6
ن اختار الكمال ل يوافق إّل عن
ن َم ْ
التخليق ،فهو دليل عجزهما ،أو عجز أحدهما ،ل ّ
الضطرار ،وهوُ 7محال على ال تعالى ،أو يكون بيهما تخالف ،أي تمانع في التخليق ،
ن يحصل
ن ُيريد أحدهما خلق شخص في وقت ،والخر موته في ذلك الوقت ،فإّمـا أ ْ
بأ ْ
مرادهما ،فهو ُمحال ؛ لمتناع الجمع بين الضدين ،أو ل يحصل مرادهما معا ،فهو
عجزهما ،ويلزم خلق المحل عن الضدين أيضا ،فهو محال ،أو يحصل مراد أحدهما ،دون
ن العجز من إمارات الحدوث ،
للوهية ،ل ّ
الخر ،فيلزم عجز الخر ،والعاجز ل يصُلح ل ُ
4
في ب :قال .
فيه :ساقطة من ب . 5
كتب :فهو ،وما أثبتناه من ب .وسنتجاوز عن بعض هذه الختلفات التي ل تودي إلى تغيير المعنى فيما 7
يأتي .
4
وإذا لم يكن إثبات صاِنَعْين ،كان صانعا واحدا بالضرورة ،فيكون صانع العاَلم واحدا
بالضرورة .
ف اْلكماِل
صا ِ
ف ِبَأْو َ
صو ٌ
َوَمْو ُ ق َمْوَلَنا َقِديٌم
خْل ِ
ِإلُه ال َ
/الله اسم غير صفة ،لنه ل يوصف ،ل ُيقال :شيء إله ،كما ل ُيقال :شيء رجل 3أ ،
عَبَد ،فمعناه المعبود ،فهو اسم جنس ،
وهو إّمـا مأخوذ من َأِلَه إذا تحّير ،أو من َأَلَه إذا َ
عَلم ،ل يمكن
يمكن إطلقه على غير ال بحسب الوضع ،ل بحسب الستعمال ،وال اسم َ
ي أصل ،وجاز
سِم ّ
سِمّيا ﴾ ، 1أي ليس ل َ
الشتراك فيه ،لقوله تعالى َ﴿ :هْل َتْعَلُم َلُه َ
حٌد ﴾ ، 2ومنه :إله الخلق ،أي
إضافة الله دون ال ،كقوله تعالى َ﴿ :وِإَلُهَنا َوِإَلُهُكْم َوا ِ
معبود كل مخلوق بالحق ،وإضافته معنوية ،بمعنى اللم ،أي للخلق ،وهو مصدر بمعنى
المفعول ،واللم فيه للستغراق ،أي جميع المخلوقات ،وفائدة هذه الضافة نفي الشتراك
ي ،وهو الحكم ،والنصرة ،
بال في التخليق ،وقد مّر بيانه بالبرهان ،ومولنا من الول ّ
ن القديم موجود ،
والقرب ،والمحبة ،والمراد هنا الحاكم والناصر ،والقديم ضد الحادث ،ل ّ
لم يسبقه العدم ،والحادث موجود ،سبقه العدم ،وإله الخلق مبتدأ ،ومولنا عطف بيان له ،
وقديم خبر المبتدأ ،وموصوف بأوصاف الكمال ،وهو الخروج من القوة إلى الفعل ،بحيث
ل يبقى لموصوفه حالة منتظرة ،وفيه مسألتان :
ي ،واجب الوجود بالذات ،واجب البقاء ،لنه لو لم يكن
الولى ؛ إنه قديم ،بمعنى أنه أزل ّ
قديما ،لكان حادثا ،فيحتاج إلى ُمحِدث ،فيكون ممكنا ،فيلزم منه إّمـا الدور ،أو
التسلسل ،وكلهما باطلن .
والثانية :إنه تعالى موصوف بالصفات 3الكمالية ،التي هي الِعلم ،والقدرة ،والكلم ،
والتكوين ،والسمع ،والبصر ،إلى ما ل يتناهى من صفاته اللئقة /به تعالى 3ب
لنه لو لم يكن موصوفا بها ،لكان موصوفا بنقائضها ،كالجهل ،والعجز ،
والخرس ،وأمثالها ،التي هي إمارة الحدوث ،فيلزم أن يكون ذاته محل الحوادث ،
ن ما يخلق من الحوادث ،فهو حادث ،وقد ثبت أنه قديم ،هذا
فيكون حادثا ،ل ّ
خلق. 4
لِل
جَ
ق الُمَقّدُر ُذو ال َ
ح ّ
ُهَو ال َ ي الُمَدّبُر ُكّل َأْمٍر
حّ
ُهَو ال َ
أي :إله الخلق ،الحي الكامل ،الذي ل تزول الحياة عنه ،وهي عبارة عن وصف الموجود
ي قائم بذاته تعالى ،إذ لو لم يكن قائما
ن ُيَقدر ،ويعَلم ،وُيريد ،وهو أزل ّ
الذي به يصلح أ ْ
مريم 65 1
تكرر قوله :هذا خلق ،ول أدري ما الذي يعنيه بهذا القول . 4
5
به ،لزم أن ل يكون قادرا عالما ُمريدا ،فثبت نقائضها ،التي هي النقائض ،وذات ال
ن يكون حّيـا
تعالى منزٌه عن جميعها ،وإّل لزم حدوثه تعالى ،وقد بّينا أنه قديم ،فيلزم أ ْ
بالضرورة ،وإله الخلق هو المدبر ،أي الذي يقضي كل أمر في القضاء كما شاء ،وينزل
من السماء إلى الرض ،وُيصلحه بعلمه الزلي في موضعه من السعادة ،والشقاوة ،
سفه ،وهو
والجل ،والرزق ،والثواب ،والعقاب ،وغير ذلك ،وإّل لكان فعله وإيجاده بال ّ
للوهية من غير شركة ،الذي
محال ،وإله الخلق هو الحق الُمقّدر ،أي هو المستحق ل ُ
خَلْقَناُه ِبَقَدٍر ﴾ ، 1أي ُمقّدرا
يٍء َ
ش ْ
يخلق كل شيء بقدر ،كما أخبر في كتابه القديم ﴿ ِإّنا ُكّل َ
بشكل ووصف يوافق ما في اللوح المحفوظ ،فمفعول المقّدر محذوف بدللة ِذكر كّل أمٍر
قبله ،فجميع الخلق حادث بقضائه وقدرته ،كما ذهب إليه المحققون ،وإله الخلق ذو
الجلل ،أي موصوف بالصفات السلبية أيضا ،ككونه ليس بجوهر ،ول عرض ،ول جسم ،
ن يكون /موصوفا بنقائضها ،التي هي 4أ
ول لون ،ول كيف ،وغير ذلك ،ول يلزم أ ْ
إمارات الحدوث ،فيكون ذاته حادثا ،وقد ثبت أنه قديم ،هذا خلق .
حاِل
ن ِلْيسَ َيْرضى ِباْلُم َ
َولِك ْ شّر اْلَقِبي ِ
ح خْيِر َوال ّ
ُمِريُد اْل ُ
أي :إله الخلق ُمريد في صنعه خيرا كان أو شرا قبيحا ،كاليمان والكفر ،والطاعة
والمعصية ،بإرادة قديمة قائمة بذاته تعالى ،وهي حالة َمَيلنّية ،تظهر في نفس الفاعل
لترجيح أحد المرين من فعل أو ترك ،لنه لولها لزم الترجيح بل مرجح ،لستواء الوقات
والكيفيات والكمّيـات ،بالنسبة إلى القدرة ،التي تأثيرها في اليجاد الذي ل يختلف
باختلفها ،فتقديم بعض أفعاله على بعض ،مع جواز تأخيره وتخصيصه بوقت دون وقت ،
ووجه دون وجه ،يحتاج إلى مخصص هو الرادة ،لئل ُينسب إلى التسّفه ،وليس ذلك
ن يقع كل
ن نسبتها إلى جميع الخلق سواء ،ول الِعْلم بالوقوع ،وإّل لزم أ ْ
نفس القدرة ،ل ّ
شيء بعلمه بالوقوع دفعة ،ل في وقت دون وقت ،ول الحياة ؛ لنها كالقدرة في نسبة
الستواء إلى الوقات ،فلم يبق إّل الرادة ،التي توجب تخصيص المفعولت بوجه ووقت
مخصوصين ،هذا هو الدليل العقلي ،وأّمـا الدليل النقلي فقوله تعالى ُ﴿ :يِريُد الّلُه ِبُكُم
شاُء﴾. 3
سَر ﴾ ، 2وقوله تعالى َ﴿ :وَيْفَعُل الّلُه َما َي َ
سَر َوَلا ُيِريُد ِبُكُم اْلُع ْ
اْلُي ْ
حاِل ،استدراك مما قال إنه مريد الشر بالوقوع ،ولكنه ل
س َيْرضى ِباْلُم َ
ن ِلْي َ
وقوله َ :ولِك ْ
يرضى بالُمحال ،وهـو المحال الشرعي ،وفسره بما يوجب ارتكابه العقاب ،سواء كان
كفرا ،أو معصية ،ل الُمحال العقلي ،وهو /ما يمنع العقل وجوده في الخارج 4 ،ب
6
ن الرادة
كاجتماع النقيضين في محل واحد ،إذ ليس محل للرضى وعدمه ،فُعِلم من ذلك أ ّ
عْنِد الّلِه ﴾ ، 1ول
ن ِ
ن ال تعالى أراد كفر الكافر ،لقوله تعالى ُ﴿ :كّل ِم ْ
غير الرضى ،ل ّ
ن النسان ربما يفعل شيئا
ضى ِلِعَباِدِه اْلُكْفَر﴾ ، 2ول ّ
يرضى بكفره ،لقوله تعالى َ﴿ :وَلا َيْر َ
ن التفرقة حاصلة بينهما بحسب المفهوم ،إذ الرادة
بإرادته واختياره ،ول يرضى به ،ول ّ
ميل إلى فعل ،أو ترك ،والرضى إعطاء الثواب على حصول شيء موافق ،أو ترك
ن ال تعالى
العتراض على فاعله ،فعلى التفسيرين يثبت بينهما المخالفة ،فيثبت من ذلك أ ّ
جد للكائنات كّلها على سبيل الختيار ،لنه فاعل مختار ،فيكون مريدا لها ،لكن لّمـا
ُمو ِ
كان بعضها قبيحا ،لم يتعلق به رضاه ومحبته ،بل تعلق به سخطه وكراهته .
صاِل
سَواُه َذا اْنِف َ
غْيًرا ِ
َوَل َ ن َذا ٍ
ت عْي َ
ت َ
س ْ
ل َلْي َ
تا ِ
صَفا ُ
ِ
قال أهـل الحق :مفهومات صفات ال تعالى ليست عين ذاته ؛ خلفا للمعتزلة ، 3ول غير
ن لم تكن ثابتة لذاته تعالى ،كان
ن مفهوماتها إ ْ
ذاته ؛ خلفا للكرامية ، 4أّمـا الول فل ّ
ن كانت
نقصا فيه ؛ لنها صفات الكمال ،كما مر ،ونقائضها نقائض وإمارات الحدوث ،وإ ْ
ن صفات الشيء يمتنع قيامها
ثابتة لذاته تعالى ،كانت زائدة عليه ،قائمة به بالضرورة ،ل ّ
بذواتها ،وبذات غيره ،فلو كانت عين ذاته ،يلزم الترادف بين اسم الذات ووصفه ،وهو
محال .
ن الغيرين هما اللـذان يمكن انفصال
وأّمـا الثاني وهو أنها ليست غير ذاته تعـالى ،فل ّ
/أحدهما عن الخر ،فلو كانت غير ذاته لّتصف غير ذاته تعالى بها ،وهو محال لنه 5أ
يلزم أن توجد صفاته الكاملة في غيره ،فيكون ناقصا في ذاته ،مستكمل بغيره ،وهو باطل ،
صاِل إشارة إلى تفسير الغير ،أي :المراد من غير الشيء ،ما ينفصل عنه
قوله َ :ذا اْنِف َ
ن ما ُيفهم من الصفات بالجماع ،فأحدهما
بحسب الوجود ،ل ما ُيغايره بحسب المفهوم ،ل ّ
النساء 78 1
المعتزلة فرقة إسلمية نشأت في أواخر العصر الموي وازدهرت في العصر العباسي ،وقد اعتمدت على 3
العقل المجرد في فهم العقيدة السلمية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة
أهل السنة والجماعة .وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها :المعتزلة والقدرية والعدلية وأهل العدل
والتوحيد والمقتصدة والوعيدية .وقد جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعتين:
ـ الولى :القول بأن النسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل ،فهو يخلق أفعاله بنفسه.
ـــ الثانية :القول بأن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنا ً ول كافراً ولكنه فاسق فهو بمنزلة بين المنزلتين ،هذه حاله
في الدنيا أما في الخرة فهو ل يدخل الجنة لنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد مخلد في النار ،ول مانع
عندهم من تسميته مسلما ً باعتباره يظهر السلم وينطق بالشهادتين ولكنه ل يسمى مؤمنًا .ثم حرر المعتزلة
مذهبهم في خمسة أصول:
التوحيد ـ العدل ـ الوعد والوعيد ـ المنزلة بين المنزلتين .ـ المر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الكرامية هم أتباع محمد بن كرام السجستاني ،والكرامية فرقة من فرق المرجئة الذين خالفوا أهل السنة 4
والجماعة في حقيقة اليمان ،وقد ظهرت هذه الفرقة في القرن الثاني الهجري ،ومن آرائهم تجسيم المعبود
وزعموا أنه جسم له حد ونهاية ،وقالوا ان له وجها ً ويدين ،يد ل كاليدي ووجه ل كالوجوه واثبتوا جواز
رؤيته ،وقالوا :إن ا ل يقدر على اعادة الجسام والجواهر إنما يقدر على ابتدائها .
7
ن صفات
ن كانت غير منفصلة عن ذاته تعالى في الوجود ،فثبت أ ّ
غير الخر بالضرورة ،وإ ْ
ال تعالى ل هو ،ول غيره ،كالواحد مع العشرة ،فإنه ليس عين العشرة ،ول منفصل
عنها .
صوَناتُ الّزَواِل
َقِديمَاتٌ َم ُ طّرا
ت َواْلَأْفَعاِل ُ
ت الّذا ِ
صَفا ُ
ِ
صفاته تعالى سواء كانت صفات الذات ،وهي التي ليس فيها معنى إحداث الشيء ،أو
ت،
ت ،قائمات بذاته تعالى ،لزمات له ،مصونا ٌ
صفات الفعل ،وهي التي بخلفها ،قديما ٌ
ن تنفصل عن ذاته تعالى ،لستحالة التغّير فيه ؛ خلفا
أي محفوظات عن الزوال ،أي عن أ ْ
لبي حسن الشعري 1من المتكلمين ،فإنه قال :صفات الذات قائمة بذاته ،وأراد بها ما
يلزم من سلبها عنه نقيضه له ،كالعلم والقدرة والحياة ،وصفات الفعل حادثة غير قائمة
بذاته ،وأراد بها ما ل يلزم من نفيها نقيصه له ،كالتكوين والحياء والماتة والخلق ،قلنا
لو كانت صفات الفعل حادثة في ذاته لزم خلو ذاته في الزل عنها ،ثم اتصف بها ،فيلزم
حينئذ تغيير ذاته عما كان عليه ،وهو من إمارات الحدوث ،فيكون ذاته محل للحوادث ،
5ب وما ل يخلوعن اللحوادث فهو 2حادث ،وقد ثبت /أنه قديم بالذات ،هذا خلف .
قوله :طرا بمعنى جميعا ،حال من ضمير المستكن ،وقديمات .
ستّ خاِلي
جَهاتِ ال ّ
ن ِ
عْ
َوَذاًتا َ شْيَئا َل َكاَلاشْيا
ل َ
سّمى ا َ
ُن َ
أي نحن نصف ال تعالى بأنه شيء ،بمعنى أنه موجود ثابت ،وليس فيه نقص له ،ول ّ
ن
شَهاَدًة ُقِل الّلُه ﴾ ، 3فإنه أطلق
يٍء َأْكَبُر َ
ش ْ
ي َ
الشرع أِذن بإطلقه عليه ،لقوله تعالى ُ﴿ :قْل َأ ّ
عليه ما أطلق على غيره ،وقال الجهمية : 4ل يجوز إطلقه على ال تعالى ،لنه ُيفضي
إلى المشابهة بينه وبين خلقه ،ومنع المصنف ذلك ،ل كالشياء ،أي أنه شيء ل كسائر
ن ذاته تقتضي دوام وجوده ،وتقتضي إحاطة علمه
الشياء بحسب الحقيقة والصفة ،ل ّ
بجميع الشياء ،وتقتضي القدرة على كل الممكنات ،ول شيء من الشياء كذلك ،وأيضا
صفاته قديمة ،وصفات غيره حادثة ،والكل يدل على نفي المشابهة ،وكذا ُنسّمي ال تعالى
هو أبو الحسن علي بن إسماعيل يرجع نسبه إلى أبي موسى الشعري .ولد سنة ستين ومائتين بالبصرة، 1
وقيل :غير ذلك ،وتوفي ببغداد .كان أبو الحسن الشعري سّنيـا من بيت سّنة ثم درس العتزال على أبي
علي الجّبائي وتبعه في العتزال ،ثم تاب وَرقَِي كرسّيا في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة ونادى بأعلى
صوته :من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فإني أعّرفه بنفسي ،أنا فلن بن فلن كنت أقول
بخلق القرآن وان ا ل تراه البصار وان أفعال الشر أنا أفعلها وأنا تائب مقلع ،معتقد للرد على المعتزلة
مخرج لفضائحهم ومعايبهم.
فهو :زيادة من ب . 2
الجهمية تطلق َعَلى جميع نفاة الصفات اللهية؛ تنتسب إلى الجهم بن صفوان ،ومن عقائدهم :إنكار جميع 4
السماء والصفات ،والقول بالرجاء في فعل النسان ،والقول بأن القرآن مخلوق ،وغيرها .وفرقة الجهمية
من الفرق التي تنتسب للسلم ،وقد خالفت أصول العقيدة السلمية في كثير معتقداتها ،لذا يعتبرها الكثير
من المذاهب السلمية كالسنةوالشيعة بأنها ليست فرقة إسلمية .
8
ذاتا ل كسائر الذوات ،أي ذاتا هو خال عن الجهات الست ،أعني :الفوق ،والتحت ،
واليمين ،واليسار ،والمام ،والخلف ،وذات غيره ل تخلو عن هذه الجهات ،لّنه إّمـا
ُمتحّيزا ،أو حاّل في المتحّيز ،والتحّيز يقتضي الجهة ،وال تعالى ُمنّزه عن كونه ُمتحّيزا ،
ن ال تعالى في
أو حاّل فيه ،فل يكون في جهة ما أصل ؛ خلفا للمجسمة ، 1فإنهم قالوا :إ ّ
سَتَوى﴾ ، 2بمعنى استقّر عليه ،
شا ْ
عَلى اْلَعْر ِ
ن َ
حَم ُ
سكوا بقوله تعالى ﴿ :الّر ْ
جهة ،وتم ّ
سْوق الكلم للمدح ،وهو ل
ن َ
ن المراد بالستواء الستيلء ،ل الستقرار ،ل ّ
والجواب أ ّ
يليق بالستقرار ،فمعنى الية الرحمن استوى وحكم على العرش ،وما حواه ،وهذا ل يدل
على كونه في جهة. 3
6أ خْيَر آِل
صيَرِة َ
َلَدى َأْهِل الْب ِ سّمى
غْيًرا ِلْلُم َ
سُم َ
س اْلِإ ْ
َوَلْي َ /
قال بعض العلماء من أهل الحق :اسم ال تعالى عين ذاته ،الذي هو ُمسمى ،بمعنى أ ّ
ن
ك﴾، 4
سُم َرّب َ
كا ْ
الحكم الوارد على السم حكم على المسمى ،واحتجوا بقوله تعالى َ﴿ :تَباَر َ
ن تبارك بمعنى تعالى ،والمتعالي هو ال تعالى ،المنّزه عن كل ما ل يليق به تعالى ،
فإ ّ
ن محمدا رسول ال ،فإنه لو لم يكن السم عين المسمى لكان
ويقول المسلم :أشهد أ ّ
الشهادة بالرسالة على غير رسول ال ،فيكفر القائل ،وتمسكوا بالحكم الشرعي وهو أنه
لو قال رجل :زينب طالق ،وقع الطلق عليها ،والطلق يقع على المسمى ،ل على اللفظ ،
وكذا لو قال :عبدي حّر ومدبر ،هذا مذهب الكثرين من أهل السنة والجماعة ،وقال
القلون منهم ،والمعتزلة :السم غير المسمى بالنقل والعقل ،أّمـا النقل فقوله تعالى ﴿ :
صاَها
ن َأحْ َ
سًما َ ،م ْ
نا ْ
سِعي َ
سَعًة َوِت ْ
ن ِلّلِه ِت ْ
سَنى﴾ ، 5وقوله عليه السلم ِ] :إ ّ
ح ْ
سَماُء اْل ُ
َوِلّلِه اْلَأ ْ
ن ذلك يدل على تعدد السم ،وتعدد السم في المسمى ُمحال ،وأّمـا
جّنَة [ ، 6فإ ّ
خَل اْل َ
َد َ
ن يكون الداّل والمدلول
ن السم داّل على المسمى ،فلو كان السم عينه ،لزم أ ْ
العقل ،فل ّ
ن ُيقال :عبدت اسم ال تعالى ،
شيئا واحدا ،وهو ممتنع ،ولنه لو كان عين المسمى لجاز أ ْ
وأكلت اسم الخبز ،وضربت اسم زيد ،وقعدت في اسم البيت ،لكنه ُنسب قائله إلى الجنون
ن ُيحترق لسانه ،فُعِلم من ذلك أ ّ
ن والحماقة عند العقلء ،وكذا لو تكّلم رجل بالنار ،ينبغي أ ْ
المجسمة فرقة في السلم قديما ً كانت تقول أن ا جسم ،ومن أبرز المجسمة عبر التاريخ السلمي ابن 1
كرام زعيم الفرقة الكرامية .و هو لقب أطلقه الذين يقولون :إن إثبات الصفات الذاتية ل مستلزم للتجسيم ،
لنهم بحسب القائلين بهذا الحكم يثبتون الجسم ل من حيث إثباتهم أن ا يحده العرش وأنه موجود في جهة
طه 5 2
9
ن المراد مما ذكرتم ،وهو التسمية ل السم ،وهي ما قام
السم غير المسمى ،والجواب أ ّ
ك أنها غير المسمى بالتفاق ،فمعناها /التسّمي ،فمعنى قولك :مـا 6ب
بالمسمى ،ول ش ّ
اسمك ؟ ما تسميتك ، 1لنك تريد السؤال عن التسمي ،بدليل ذكر لفظ 2ما ،وأنه لغير
العقلء ،فلو استعمل بكلمة َمن ،فيقال َ :من محمد ؟ فالجواب أنا بالضافة إلى الذات ،ل
ن مفهوم اسم الشيء عين ذلك الشيء شرعا ،
ن المراد مما ذكرنا هو أ ّ
ن محمدا اسمي ،وأ ّ
أّ
أو لغة ،إذا ُأسند إليه الفعل ،أو تعلق به ،نحو :جاءني زيٌد ،وضربت عمرا ،ونحو :
ن السناد والتعليق ليس إلى اللفظ ؛ لستحالة ذلك ،
زينب طالق ،والمبارك حر أو مدبر ،وأ ّ
نعم ،قد ُيطلق السم على مجرد اللفظ من غير اعتبار مفهومه ومسماه ،كما في قولك :ما
اسمك ؟ فيقال :زيد ،وُيطلق وُيراد به الصفة كما في الية والحديث ،وقد ُيطلق وُيراد به
التسمية ،كما سمعت تحقيقه ،ول نزاع في ذلك كله .
قوله :لدى أهل البصيرة ،أراد به أهل الحق ،وهم أهل السنة والجماعة ،والبصيرة نور
ن البصارة نور في البصر ،يدرك به المحسوسات ،
في القلب ،يدرك به الشياء ،كما أ ّ
والل بمعنى الهل ،لكنه ُيستعمل في الشراف ،والهل اهم منه استعمال ،وذكر خير آل
للمدح .
شِتماِل
ض ُذو ا ْ
َوَل ُكّل َوَبْع ٌ سٌم
ج ْ
جْوَهٌر َرّبى َو ِ
ن َ
َوَما ِإ ْ
ن الزائدة ،فأبطلت عملها ،فربي مبتدأ ،وجوهر خبره ،
ما بمعنى ليس ،وقعت بعدها إ ْ
ُقّدم عليه ،وجسم عطف عليه ،ول كل وبعض ،أيضا عطف عليه ،ول زائدة للتأكيد بعد
النفي ،وذو اشتمال صفة كّل ،وفيه أربع مسائل :
الولى :أنه تعالى ليس بجوهر ،لنه عبارة عن الجزء المتحّيز ،الذي ل ينقسم عند
البعض ،وال تعالى منّزه عن التناهي والتحّيز ،وقيل :هو الموجود الغني عن
ن يصلح اطلقه على ال تعالى ،لكنه يتوقف على إذن الشرع 7أ
الموضوع /وهو أ ْ
والثانية :أنه تعالى ليس بجسم ،وهو مركب من الجوهرين عندنا ، 3والجوهر الذي له أبعاد
ن يكون مركبا ،فيحتاج
عمق عند المعتزلة ،لنه يلزم أ ْ
ثلثة :طول ،وعرض ،و ُ
ن ل يكون واجبا قديما ،هذا خلف .
إلى الجزء ،والمحتاج ممكن ،فيلزم أ ْ
والثالثة :أنه تعالى ليس بكل ،وإّل لكان له جزء ،فيلزم التركيب ،وهو على ال تعالى
ُمحال .
10
والرابعة :أنه تعالى ليس ببعض ،إذ لو كان بعضا لكان جزًء للغير ،وهو إّمـا صفة كمال ،
ن يكون الواجب مستكمل بغيره ،أو ل صفة كمال ،فيجب نفيه لنقصانه،
فيلزم أ ْ
وكماله تعالى بالذات .
قوله تعالى :ذو اشتمال ،إنما جاء به لرعاية الوزن ،وليس مسألة أخرى ،كما قيل :إنه
ن ال تعالى ليس بمشتمل على المكان والزمان ،وإّل لكان محدودا ،وهو ُمحال
بمعنى أ ّ
لعدم العطف فيه .
ن خاِلي
جّزى َيا اْب َ
ف الّت َ
ل َوصْ ِ
ِب َ جْزِء
ن ُ
ق َكْو ُ
حّن َ
َوفي اْلَأْذَها ِ
أي في العقول ثابت وجود الجزء الذي ل يتجزأ ،وهو الجوهر الفرد .
ن الجزء الذي ل يتجزأ موجود ؛ خلفا للمعتزلة والفلسفة ،
ن المتكلمين ذهبوا إلى أ ّ
اعلم أ ّ
ن كانت مستقلة بذاتها كالجوهر ،
وعّبروا عنه بالنقطة ،وهي شيء ذو وضع غير منقسم ،فإ ْ
ن لم تستقل بذاتها بل بالمحل كالعرض 1كان محلها غير منقسم ،وإلّ
فهي الجزء ،وإ ْ
ن الغرض إمكان
لنقسم الحاّل بانقسام المحل ،فيلزم عدم تناهي الجزاء في جسم معّين ،ل ّ
ن تكون أجزاء الخردلة 3ـ على تقدير
انقسام كل جزء ، 2وهو باطل ،لنه يؤدي إلى أ ْ
ن كل واحد منهما ل يتناهى ،ول ّ
ن انقسام كل جزء منها 4ـ مساوية لجزاء الجبل ،ل ّ
ن ال تعالى لم يقدر على
ن قالوا إ ّ
الجتماع بين الجزاء في الجسم الذي خلقه ال تعالى ،إ ْ
ن قالوا إنه يقدر 7ب
خلق /الفتراق بينها ،بدل عن الجتماع ،فقد وصفوه بالعجز ،وإ ْ
على ذلك ،فقد ثبت الجزء الذي ل يتجزأ ،وهو المطلوب .
س الَمَقاِل
جْن ِ
ن ِ
عْ
لُم الّربّ َ
َك َ خُلوَقا َتَعاَلى
ن َم ْ
َوَما اْلُقْرآ ُ
أي ليس كلم ال تعالى حادثا ،أحدثه ال تعالى باللفظ المركب من الحروف والصوات ،
تنّزه كلم رب العالمين عن جنس ما يقوله الناس ،وهو المسموع بالحروف والصوات ،
ن ال تعالى ُمتكّلم ،والقرآن كلمه ،واختلفوا في معنى كلمه ،قال
اّتفق المتكلمون على أ ّ
أهل السنة والجماعة :كلم ال تعالى هو الكلم النفسي ،ل اللفظ المسموع من الحروف
ن الكلم صفة كمال للحي ،وعدمه نقص ،فيجب اّتصافه به ،
والصوات ،والدليل عليه أ ّ
ن جميع
ح اّتصافه به ،وإّل لتصف بضده ،وهو نقص على ال تعالى ،ول ّ
ي ،يص ّ
لنه ح ّ
ن ُيراد به الكلم النفسي ،أو
النبياء عليهم السلم اّتفقوا على أنه متكلم ،فل يخلو ِمن أ ْ
ن كان الول ،يلزم قيام الكلم النفسي بذاته تعالى ،وهو المطلوب ؛ لئل يلزم
الحسي ،فإ ْ
ن حدوث اللفظ
ن كان الثاني ،يلزم حدوثه تعالى ،وهو محال ،ل ّ
النقص عليه تعالى ،وإ ْ
بل بالمحل كالعرض :زيادة من ب . 1
الخردلة واحدة الخردل ،وهو حب شجر معروف ،يضرب به المثل في خفة الوزن . 3
11
1
ن يكون قائما بذاته تعالى ] ،سواء[
المركب من الحروف والصوات عرض ،فهو إّمـا أ ْ
كان ذاته محل للحوادث ،أو بذات غيره ،فيلزم قيام وصف الشيء بغيره ،أو يكون قائما
بنفسه ،فيلزم قيام العرض بنفسه ،والكّل ُمحال .
سَمَع َكَلاَم﴾ ،2والمسموع هو ألفاظ المركب من
حّتى َي ْ
وتمسك المعتزلة بقوله تعالىَ ﴿:
جدا لهذه الحروف ،
الحروف المسموعة ،فيكون مخلوقا ،ومعنى كونه متكلما ،كونه ُمو ِ
ي 8أ
ت الدالة على المعاني المقصودة في أجسام /مخصوصة من َمَلك ،أو نب ّ
والصوا ُ
أو حجر ،أو شجر .
قلنا :معناه حتى يسمع ما يدل على كلم ال ،الذي هو المعنى النفسي ،كما ُيقال :سمعت
على فلن ، 3أي ما يدل على علمه ،واستدلوا بقولـه تعالى أيضا ِ ﴿ :إّنا َأْنَزْلَناُه ُقْرآًنا
عَرِبّيا ﴾ ، 4وصف القرآن بكونه عربيا ،والعربي ل يكون إّل باللفظ ،وهو حادث ،وجوابه
َ
ن معناه :أنزلنا القرآن معبرا بالعربي للفهم ،والمراد من القرآن المقروء ،
ن ُيقال :إ ّ
أْ
ن يكون من
بقرينة قوله :كلم الّرب ،وهو فاعل ،تعالى ،أي ارتفع وعل كلم ال تعالى أ ْ
جنس مقال الناس ،وهو القول بمعنى الّتكّلم بكلم مركب من الحروف والصوات .
صاِل
ن َواّت َ
ف الّتَمُك ِ
ص ِ
ِبلَ َو ْ ش لِك ْ
ن ق اْلَعْر ِ
ش َفْو َ
ب اْلَعْر ِ
َوَر ّ
قالت الكرامية والمشبهة :إنه تعالى متمّكن على العرش ؛ لنه جسم متصف بالصورة ،
وقال بعضهم :إنه على العرش ،ل بمعنى التمّكن والتصال ،ولكن بالتصال بجهة ،
سَتَوى﴾،5
شا ْ
عَلى اْلَعْر ِ
ن َ
حَم ُ
وغرضهم إثبات الجهة له تعالى ،وتمسكوا بقوله تعالى ﴿ :الّر ْ
ن الستواء بمعنى الستقرار : 6كما في قوله تعالى ُمخبرا
فإنه يدل على أنه مستقر عليه ،ل ّ
ي﴾ ، 8وهو اسم جبل في جزيرة ،بمعنى استقّرت ،
جوِد ّ
عَلى اْل ُ
ت َ
سَتَو ْ
عن السفينةَ﴿ : 7وا ْ
وتمكنت ،وأجاب المصنف وغيره من أهل الحق بأن الستواء كما يجيء بمعنى الستقرار ،
ن العقل يمنع
يجيء بمعنى الستيلء والقتدار والتمام ،فل يكون حجة ،مع الحتمال على أ ّ
أن يكون هنا بمعنى الستقرار على المكان ،بأنه لو كان على مكان العرش ،فل يخلو ِمن
ن يكون بمْقداره ،أو أزيد ،أو أنقص ،والولن ُمحالن للزوم التجزؤ والتبّعض في ذاته
أْ
ن يكون 8ب
تعالى ،وقد بّينا استحالتة /وكذلك الثالث ،لنه لو كان أصغر منه فإّمـا أ ْ
12
بمقداٍر من الجزء الذي ل يتجزأ ،وهو حقارة ونقص له ،تعالى علوا كبيرا ،أو يكون أكبر
ن الّتعّري عن المكان والجهة ثابت له في الزل
منه ،فيلزم التجزؤ أيضا ،فهو محال ،ول ّ
إجماعا ،فلو ثبت له التمكن والجهة بعد ذلك ،يلزم التغيير في ذاته تعالى ،فيصير ذاته
تعالى محل للحوادث ،وأنه محال ،فقول المصنف :ورب العرش ،جواب للخصم عن
ن فوقية ال تعالى على العرش ثابتة ،لكن بوصف العلو والتوّلي عليه ،
استدلله بالية ،بأ ّ
1
ل بوصف التمّكن فوقه ،ووصف التصال به ،وإّل لزم التجزؤ والحتياج إليه المستلزمان
ن المقام مقام المدح ،فلو كان المراد به ما
للحدوث في ذاته تعالى ،وقد بّينا استحالته ،ول ّ
ذكره الخصم ،يلزم انتفاء التمّدح ،وثبوت التذمم ،وهو ل يليق به تعالى .
ف اْلَأَهاِلي
صَنا َ
ك َأ ْ
ن َذا َ
عْ
ن َ
صَْف ُ جًها
ن َو ْ
حم ِ
شِبيُه ِللّر ْ
َوَما الّت ْ
قال أهل السنة والجماعة :إنه ل يشبه أحدا من الخلق ذاتا ،واستدلوا بالنقل والعقل ،أّمـا
يٌء﴾ ، 2فإنه نفى مماثلته مطلقا ،وبالغ فيه ،بإيقاع النكرة
ش ْ
س َكِمْثِلِه َ
النقل فقوله َ﴿ :لْي َ
ن ل يكون شيء مثله ،
في سياق النفي ،وهو يفيد العموم ،ونفي المماثلة المطلقة تقتضي أ ْ
ل بحسب الذات ،ول بحسب الصفات ،ل ُيقال الية دّلت على نفي مثل المثل ،ونفي مثل
ن يثبت المثل على ذلك التقدير ،لّنـا نقول :نفي مثل
المثل ل يقتضي نفي المثل ،فيجوز أ ْ
مثله يستلزم نفي مثله ؛ لسبب انتفاء المماثلة ،لكون المماثلة من الجانبين ،فإذا انتفى أحد
الِمْثَلْين انتفى الخر ،فيبقى ال تعالى بل مثل بالضرورة ،وهو المطلوب ،وإذا قيل
بزيادة /الكاف الذي بمعنى المثل ،فل إشكال .
9أ وأّمـا العقل فلنه يحكم بأن المماثلة لو ثبتت بينه وبين غيره لكان تمّيزه عن غيره
ن كان ذاته لزم الترجيح بل مرجح ،إذ التقدير استواء ذاته تعالى مع سائر
بمميز ،وهو إ ْ
ن كان غير ذاته فإّمـا أن يكون أمرا ُملقيا لذاته ،أي صفة له ،عاد الكلم إلى
الذوات ،وإ ْ
ن كان غيره
ن كان ذاته تعالى لزم الترجيح بل مرجح ،وإ ْ
ن موجب تمّيزه إ ْ
ذلك الملقي بأ ّ
فينتقل الكلم إليه مرة بعد أخرى ،ويلزم التسلسل ،أو كان الموجب أمرا مباينا عن ذاته
تعالى ،كان ال تعالى محتاجا في هويته وامتيازه إلى سبب منفصل عنه ،فيكون ممكنا ،
ن المماثلة بين ال تعالى وغيره
فقد ثبت أنه واجب الوجود بالذات ،فعلم من هذا الدليل أ ّ
منتفية بالضرورة ،فأشار المصنف بقوله :وما التشبيه ،أي ليس التمثيل للرحمن ،أي
الرزاق لكافة الخلق برحمته ،وجها ،أي طريقا عند العقل ،وهو خبر ما بمعنى ليس ،
والفاء في فصن فاء الجزاء ،والشرط محذوف ،أي :إذا لم يكن له وجه ،فصن ،أي
احفظ ،من الصون ،وهو الحفظ ،عن ذاك ،أي التشبيه ،أصناف الهالي ،أي أنواع
13
القوام ،بالدليل العقلي والنقلي ،كما ذكرناهما ،وهي جمع صنف ،والصنف نوع مقّيد
بصفة كالزنجي ،والتركي ،والهالي جمع أهـل ،كالراضي جمع أرض ،واللم فيه
عوض عن المضاف إليه ،أي أهالي السلم .
حاِل
ن ِب َ
حَواٌل َوَأْزَما ٌ
َوَأ ْ ن َوْق ٌ
ت عَلى الّدّيا ِ
ضي َ
َوَل َيْم ِ
أي ل يمر على ال تعالى الُمجازي كل إنسان بعمله خيرا كان أو شرا وقت ،أي جزء من
الزمان ،وهو مقدار حركة الفلك ،والحوال /وهي الصفات الغير الراسخة في 9ب
الموصوف ،والزمان ،أي دهر ،والزمان الطويل بحال ،أي ل بحال الحدوث ،ول بحال
ن الزمان والحال
ن ال تعالى منّزه عن تعاقب الزمان والحوال عليه ،ل ّ
القديم ،بمعنى أ ّ
جدا لهما بعد خلقهما
ق الّلْيَل َوالّنَهاَر ﴾ ، 1فلو كان ُمو ِ
خَل َ
ليسا بقديمين ،لقوله تعالى َ ﴿ :
ن قلت :ل يجوز أ ْ
ن لتغّير ذاته عما كان عليه ،وكل متغّير حادث ،وقد ثبت أنه قديم ،فإ ْ
يكون له تعالى زمان ،ل كزمان المخلوقين ،فل يلزم التغيير في ذاته ،قلت :لو كان له
ن يكون ذلك الزمان قائما بذاته تعالى ،لكونه عرضا ،فيلزم أ ْ
ن زمان ،فل يخلو إّمـا أ ْ
يكون ذاته محل للعرض ،وهو محال بالتفاق ،أو كان قائما لغيره ،فل يخلو إّمـا أ ْ
ن
ن يكون له
ن كان حادثا ،فيلزم أ ْ
يكون قديما ،فيلزم تعدد القديم ،وهو محال بالتفاق ،وإ ْ
زمان كزمان المخلوقات ،وهو محال ،وقد ثبت أنه تعـالى كان في الزل ،ولم يكن له
زمان ،وهو المطلوب .
جاِل
وََأْوَلاٍد ِإَناثٍ َأْو ِر َ ساٍء
ن ِن َ
عْ
سَتْغن ِإِلهي َ
َوُم ْ
قالت اليهود :عزير ابن ال ،وقالت النصارى :عيسى ابن ال ،وقال بنو مليح : 2الملئكة
بنات ال ،وهذه القوال كلها باطلة بالنقل والعقل ،أّمـا بطلنها بالنقل فقـوله تعالى ﴿ :
ك َقْوُلُهْم ِبَأْفَواِهِهْم﴾، 3
ن الّلِه َذِل َ
ح اْب ُ
سي ُ
صاَرى اْلَم ِ
ت الّن َ
ن الّلِه َوَقاَل ِ
عَزْيٌر اْب ُ
ت اْلَيُهوُد ُ
َوَقاَل ِ
ن ﴾ ، 4وقوله تعالى َ﴿ :وَقاُلوا
شَتُهو َ
حاَنُه َوَلُهْم َما َي ْ
سْب َ
ت ُ
ن ِلّلِه اْلَبَنا ِ
جَعُلو َ
وقوله تعالى َ﴿ :وَي ْ
ن َأ ْ
ن حَم ِ
ن﴾ ، 5وقوله تعالى َ﴿ :وَما َيْنَبِغي ِللّر ْ
عَباٌد ُمْكَرُمو َ
حاَنُه َبْل ِ
سْب َ
ن َوَلًدا ُ
حَم ُ
خَذ الّر ْ
اّت َ
ن ﴾ 7أي النفين
ن َوَلٌد َفَأَنا َأّوُل اْلَعاِبِدي َ
حَم ِ
ن ِللّر ْ
ن َكا َ
خَذ َوَلًدا﴾ ،6وقوله تعالىُ ﴿:قْل ِإ ْ
َيّت ِ
عّما
ش َ
ب 10أ اْلَعْر ِ
ض َر ّ
ت َواْلَأْر ِ
سَماَوا ِ
ب /ال ّ
ن َر ّ
حا َ
سْب َ
والجاحدين ،بدليل قولـه تعـالى ُ ﴿:
النبياء 33 1
جاء في تفسير القرطبي :وفي التفاسير :أن حيا يقال لهم بنو مليح من خزاعة كانوا يعبدون الجن ، 2
ويزعمون أن الجن تتراءى لهم ،وأنهم ملئكة ،وأنهم بنات ا ; وهو قوله :وجعلوا بينه وبين الجنة
نسبا .
التوبة . 30 3
14
حٌد ﴾ ، 2فهذه كلها أدلة
ن َلُه ُكُفًوا َأ َ
ن ﴾ ، 1وقوله تعالى َ﴿ :لْم َيِلْد َوَلْم ُيوَلْد * َوَلْم َيُك ْ
صُفو َ
َي ِ
على استحالة الولد له تعالى ،وأّمـا بطلنها بالعقل ،فلنه لو كان له ولد ،لكان له جزء ،
إذ الولد جزء من الب ،والتجزئة على ال تعالى محال ،كما مّر ،ولنه تعالى ل يحتاج إلى
النساء بالشهوة ،إذ الشتهاء إليهن ُمحال على ال تعالى ،لنه من إمارات الحدوث ،
قوله ُ :مستغن ،خبر المبتدأ ،وهو إلهي ،قوله :إناث ،بدل من أولد ،وأو في :أو
طْع ِمْنُهْم آِثًما َأْو َكُفوًرا﴾. 3
رجال بمعنى الواو ،كما في قوله تعالى َ﴿ :وَلا ُت ِ
لِل َوُذو الَمَعاِلي
جََتَفّرَد ُذو ال َ صٍر
ن َوَن ْ
عْو ٍ
ن ُكّل ِذي َ
عْ
َكَذا َ
أي أنه تعالى كما يستغني عن النساء والولد ،يستغني عن الُمعين في اللوهية ،والناصر؛
لدفع أعدائه ،وليس له شريك في خلقه ،بل هو متفرد بالخلق بل شركة أحد فيه ،ل ّ
ن
قدرته فوق كل قدرة ،لنها نشأت من قدرته ،فل يحتاج إلى قدرة أحد في فعله .
قوله :كذا ،يتعلق بُمستغن المحذوف بعده ،وقوله :تفّرد ،من قولهم :تفّرد بالمر :إذا
أصلحه من غير معاونة ،وذو الجلل ،بمعنى صاحب الصفات السلبية ،وذو المعالي ،
ن َمن كان صاحب هذه الصفات ،ل يحتاج إلى معين .
صاحب الصفات الثبوتية ،فإ ّ
صاِل
خ َ
ق اْل ِ
عَلى َوْف ِ
جِزيِهْم َ
َفَي ْ حِيي
ق َقْهّرا ُثّم ُي ْ
خْل َ
ت ال َ
ُيمي ُ
يميت الخلئق كلها على سبيل القهر والغلبة كالنس والجن والملئكة والوحوش والطيور ،
وغير ذلك من الحيوانات ،ثم يحيى الموات كلها للجزاء يوم القيامة ،لقوله تعالى 10:ب
حِييُكْم﴾ 4ثم إليه ترجعون ، 5وقوله تعالى ﴿ :الّلُه َلا
خَلَقُكْم ُثّم َرَزَقُكْم ُثّم ُيِميُتُكْم ُثّم ُي ْ
﴿اّلِذي َ
ن ِفي
ث مَ ْ
ن الّلَه َيْبَع ُ
ب ِفيِه﴾ ،وقوله تعالى َ﴿ :وَأ ّ
جَمَعّنُكْم ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة َلا َرْي َ
ِإَلَه ِإّلا ُهَو َلَي ْ
ت ﴾ ، 7والمراد من البعث بعث الجساد مع
شَر ْ
ح ِ
ش ُ
حو ُ
اْلُقُبوِر﴾ ،6وقوله تعالى َ﴿ :وِإَذا اْلُو ُ
خصالهم من
ق ُنِعيُدُه﴾ ، 8فيجزيهم على وفق ِ
خْل ٍ
أرواحها ،لقوله تعالى َ﴿ :كَما َبَدْأَنا َأّوَل َ
ن َيْعَمْل ِمْثَقاَل َذّرٍة
خْيًرا َيَرُه * َوَم ْ
ن َيْعَمْل ِمْثَقاَل ذَّرٍة َ
الحسنات والسيئات ،لقوله تعالى َ﴿ :فَم ْ
شّرا َيَرُه ﴾ ، 9يقال :لفلن خصلة حسنة ،أو سيئة ،إذا كان حسن الخلق ،أو سيئه ،فهي
َ
مستعملة في الفعال الغريزية .
جعل الشارح ) ثم إليه ترجعون ( من جملة الية ،وليس المر كذلك . 5
15
ويمكن أن ُيستدل على البعث والجزاء بالعقل أيضا ،لنّ المعاد ممكن في نفسه كالمبدأ ،
ن الظلم يقع في الدنيا كثيرا ،ويموت
والصادق أخبر عن وقوعه ،فوجب القول به ،ول ّ
المظلوم مظلوما ،فلو لم يكن البعث والجزاء لوصف ال تعالى بالظلم ،وهو محال ،وهذا
يدل قطعا على قيام الساعة .
ك الّنكال
َوِلْلُكّفاِر َأْدَرا ُ ت َوُنْعمى
جّنا ٌ
خْيِر َ
ِلَأْهِل اْل َ
خصال ،أي ال تعالى
هذا تفصيل لما أجمله المصنف في البيت السابق بقوله :على وفق ال ِ
ُيثيب أهل الخير يوم القيامة ،وهم المؤمنون ،الذين فعلوا الخيرات في الدنيا ،من الصلة ،
والزكاة ،والصوم ،والحج ،وغير ذلك من العمال الصالحة جنات ونعمة كثيرة ،لقوله
حِتَها اْلَأْنَهاُر
ن َت ْ
جِري ِم ْ
ت َت ْ
جّنا ٍ
ت َ
حا ِ
صاِل َ
عِمُلوا ال ّ
ن آَمُنوا َو َ
خُل اّلِذي َ
ن الّلَه ُيْد ِ
تعالى ِ﴿ :إ ّ
ن ِفيَها﴾ الية ، 1ويعطي الكفار أيضا على وفق عملهم من السيئات في الدنيا دركات
حّلْو َ
ُي َ
ن َكَفُروا َوَكّذُبوا ِبآَياِتَنا 11أ
العقبات 2في النار يوم القيامة ،لقوله تعالى َ﴿ / :واّلِذي َ
ن ِفي الّدرْ ِ
ك ن اْلُمَناِفِقي َ
صيُر﴾ ، 3وقوله ِ ﴿ :إ ّ
س اْلَم ِ
ن ِفيَها َوِبْئ َ
خاِلِدي َ
ب الّناِر َ
حا ُ
صَ
ك َأ ْ
ُأوَلِئ َ
ن الّناِر﴾ ،4وإذا دخل أهل الجنة الجنة ،وأهل النار النار ُ ،ينادي مناٍد :يا أهل
سَفِل ِم َ
اْلَأ ْ
الجنة ! خلود ول موت ،ويا أهل النار ! خلود ول موت .
قوله :لهل الخير ،خبر المبتدأ ،وهو جنات نعمى ،عطف عليه ،وهو مصدر بمعنى
التنعم ،كالُبشرى والّرجعى ،بمعنى الِبشارة والرجوع ،وكذا العراب في المصراع الثاني ،
حفر النيران ،وقيل :أخفض مكان منها ،
والدراك بالفتح جمع َدرك ،5وهو حفرة من ُ
ويجوز في الراء الفتح والسكون ،والنكال مصدر بمعنى العقوبة ،والضافة بمعنى اللم،
وُيروى الدراك بكسر الهمزة مصدر ،وهو خطأ ؛ لقوله جنات .
َوَما َأْهُلوُهما َأْهَل اْنِتَقاِل جَنا ُ
ن حيُم َوَل اْل ِ
جَِول َيْفنى ال َ
ب َولُْؤلُ َ ِ َ ُ
سُهْم ِفيَها َحِريٌر [ . با لو ً
ؤا يَُحلّْوَن ِفيَها ِمْن أَ َ
ساِوَر ِمْن َذَه ٍ
في ب :العقوبة . 2
جاء في لسان العرب ) درك ( :الّدْرُك والّدَرُكَ :أقصى قَْعر الشيء ،زاد التهذيب :كالبحر ونحوه .شمر: 5
الّدَرُك َأسفل كل شيء ذي ُعْمق كالّرِكّية ونحوها .وقال َأبو عدنان :يقال أَْدَركوا ماء الّركّية ِإدراكًا ،وَدَرك
الّرِكّية قعرها الذي ُأدِرَك فيه الماء ،والّدَرُك اَلسفل في جهنم ،نعوذ بال منهاَ:أقصى قعرها ،والجمع أَْدَراك.
ت الناِر :منازل َأهلها ،والنار َدَركاتوالجنة درجات ،والقعر الخر َدْرك وَدَرك ،والّدَرك إلى َأسفل والّدَرُج وَدَركا ُ
إلى فوق ،وفي الحديث ذكر الّدَرك السفل من النار ،بالتحريك والتسكين ،وهو واحد الَْدراك وهي منازل في
النار ،نعوذ بال منها .التهذيب:والّدَرُك واحد من أَْدَراك جهنم من السبع ،والّدْرُك لغة في الّدَرك .الفراء في
ق من ج النار .ابن اَلعرابي :الّدْرك الطّبَ ُ قوله تعالى :إن المنافقين في الّدْرك اَلسفل من النار ،يقالَ :أسفل َدَر ِ
صفُّد علهيم في َأسفل النار؛ ت من حديد ت َ َأطباق جهنم ،وروي عن ابن مسعود َأنه قال :الّدْرُك اَلسفل تواِبي ُ
ق بعضها فوق بعض، ت َأيمنازل وَأطباق ،وقال غيره :الّدَرجات منازل وَمَرا ٍ قال َأبو عبيدة :جهنم َدَركا ٌ
فالّدَركات ضد الّدَرجات.
16
قال أهل السنة والجماعة :ل فناء لجهنم ونارها ،ول للجنة ونعيمها ؛ خلفا للجهم بن
صفوان 1ومن تابعه ،فإنهم يقولون بفنائهما ،وكذا ل يفنى أهل جهنم ،ول ُينقلون عنها
إلى مكان آخر ،وكذا ل يفنى أهل الجنة ،ول ُينقلون عنها إلى مكان آخر بعد الدخول فيها ،
خلفا للجهمية .
خاِلِدي َ
ن جَهّنَم َ
ن ِفي َناِر َ
شِرِكي َ
ب َواْلُم ْ
ن َأْهِل اْلِكَتا ِ
ن َكَفُروا ِم ْ
ن اّلِذي َ
قلنا :قوله تعـالى ِ ﴿ :إ ّ
س ُنُزًلا
ت اْلِفْرَدْو ِ
جّنا ُ
ت َلُهْم َ
ت َكاَن ْ
حا ِ
صالِ َ
عِمُلوا ال ّ
ن آَمُنوا َو َ
ن اّلِذي َ
ِفيَها ﴾ ، 2وقوله تعالى ِ﴿ :إ ّ
حَوًلا ﴾ ، 3أي ل يطلبون تحويل عن الجنة ،لنهم ل يرون
عْنَها ِ
ن َ
ن ِفيَها َلا َيْبُغو َ
خاِلِدي َ
* َ
فيها إّل ما يرغبهم في سكناها ،فل ينتقلون ،وهـذا يدل على التخليد فيهـا ،وكـذا ل
يدل على عدم /فنائهما ،وفناء أهلهما قول رسول ال عليه الصلة والسلم في 11ب
ت َو َيا َأْهَل الّناِر
خُلوٌد َل َمْو َ
جّنِة ُ
الخبر المشهور ] :نادى مناٍد بين الجنة والنار يا أْهِل الْ َ
ت [ . 4و)ما( في ،ما أهلوهما بمعنى ليس ،وأهل منصوب على أنه خبرها .
خُلوٌد َل َمْو َ
ُ
ن ِمَثاِل
ضْربٍ ِم ْ
ك َو َ
َوِإدَْرا ٍ ن ِبَغْيِر َكْي ٍ
ف َيَراُه الُمْؤِمُنو َ
ن يكون مرئيا للمؤمنين في الخرة ،
ن ال تعالى يصح عقل أ ْ
قال أهل السنة والجماعة :إ ّ
بغير كيف ،أي من غير اتصال إشعاع خارج عن عين الرائي إلى المرئي ،ول ثبوت مسافة
بين الرائي والمرئي ،ول في جهة ،ول في مكان ،ول في غيره من إمارات الحدوث ،
كحصول مواجهة وارتسام صورة المرئي في العين ،خلفا للمعتزلة في نفس الرؤية ،
وخلفا للمشبهة ، 5والكرامية في لواحقها ،فإنهم جّوزوا رؤية ال تعالى ] لعتقادهم كونه
قال الذهبي في سير أعلم النبلء 6/26ـ : 27هو الجهم بن صفوان السمرقندي.الكاتب المتكلم ,رأس 1
الضللة ,ورأس الجهمية,كان صاحب ذكاء وجدال,كتب للميرحارث بن شريح التميمي ,وكان ينكر الصفات
وينزه الباري عنها بزعمه ,ويقول بخلق القرأن.
وجاء في شرح الطحاوية لبن أبي العز ،ص : 523وكان الجهم هذاقد ترك الصلة أربعين يوما" شكا"
في ربه,وكان ذالك لمناظرته قوما" من المشركين,يقال لهم السمنية من فلسفة الهند الذين ينكرون من العلم
ما سوى الحسيات .فقد قالوا له :يا جهم هذا ربك الذي تعبده هل ُيرى او يشم او يذاق او يلمس؟
فقال:ل..فقالوا هو معدوم .فبقي أربعين يوما" ل يعبد شيئا" ,ثم لما خل قلبه من معبود يؤلهه نقش الشيطان
اعتقادا" نحته...فقال :انه الوجود المطلق ونفى جميع الصفات .
ويقول ابن كثير في البداية والنهاية :10/643 ، 9/351ثم ما لبث جهم حتى قتله سلم بن أحوذ أمير
خرسان بمقالته هذة سنة ثمان وعشرين ومائة.وقد أخذ مقالته هذة عنة بشر بن غياث المريسي ابو عبد
الرحمن شيخ المعتزلة ،وهو أحد من أضل المأمون ،واليه تنسب المريسية من المرجئة.
البينة . 6جعل الشارح في آخر الية لفظ :أبدا ،وليس كذلك . 2
جاء في البخاري 8/141بلفظ َ :قاَل النّبِّي صلى ا عليه وسلم يَُقاُل لَْهِل اْلَجنِّة ُخُلوٌد لَ َمْوَت َولَْهِل الّناِر 4
جثة وزعم بعضهم أن صورته على صورة خلق النسان،،له شعر ولحم ودم وجوارح .أول من قال بالتشبيه
هم البيانية ،وهي فرقةمن غلة الروافض ،وأول من نشر التشبيه في المة هو هشام بن الحكم الشيعي
والمشبهة فريقان :فريق يشبه ذات ا بذات المخلوقين؛ كالهشامية والسبئية ،وفريق يشبه صفات ا
بصفات المخلوقين . ،مثل معتزلة البصرة ،بل كل المؤولة أو المعطلة هم في الصل مشبهة .ومن فرق
المشبهة :المغيرية ،والكرامية.
17
ب من
في جهة وفي مكان وصورة ،وأشار إلى مذهب المشبهة والكرامية بقوله :وضر ٍ
مثال ،أي ول نوع من الصورة ،وجه تمسك المعتزلة في نفس الرؤية بقوله تعالى َ﴿ :لا
ن الدراك بالبصر هو
صاُر﴾ 1هو أنه يدل على عدم جواز رؤية ال تعالى [ 2ل ّ
ُتْدِرُكُه اْلَأْب َ
الرؤية ،والمقام مقام تمّدح بانتفاء الرؤية عن ذاته ،وكل ما كان انتفاؤه مدحا ،كان
ت على
ن الية دل ْ
ن ُيقال :إ ّ
ن يكون غير مرئي ،وتقرير الجواب أ ْ
وجوده نقصا ،فوجب أ ْ
نفي الدراك ،ونفي الدراك ل يستلزم نفي الرؤية ،يعني نفي الدراك الذي بمعنى رؤية
ن الدراك مشروط بارتسام
الشيء من جميع الجوانب ،ل يستلزم نفي الرؤية مطلقا ،ل ّ
المرئي في العين ،وخروج الشعاع عنها إلى المرئي ،وليس هذا شرطا في الرؤية ،ول ّ
ن
ن كّل ما ل ُيرى ل ُيدرك ،
نفي إدراك ما يستحيل رؤيته ،ل تمّدح فيه ،إذ كل عاقل يعلم أ ّ
ن انتفاء الدراك مع ثبوت الرؤية دليل
وإنما التمّدح بنفي الدراك مع ثبوت الرؤية ،ل ّ
ارتفاع نقيصة التناهي والحدود اللزمين للدراك /عن ذات ال تعالى ،فبذلك ثبت 12أ
التمّدح ،وتمسك أهل السنة والجماعة بالنقل والعقل .
ظَرٌة﴾ ، 3والنظر إّمـا عبارة
ضَرٌة * ِإَلى َرّبَها َنا ِ
جوٌه َيْوَمِئٍذ َنا ِ
أّمـا النقل فقوله تعالى ُ﴿ :و ُ
عن الرؤية ،فهو المطلوب ،أو عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي ،طلب الرؤية ،
فيتعذر حمله على ظاهره ؛ لستحالة المقابلة بين الرائي وبينه تعالى ،فُيحمل على الرؤية
التي هي كسب النظر بالمعنى الثاني ،وإطلق السبب ،وإرادة المسبب من أحسن وجوه
ن ُيحمل إّل على واحد اللء ، 4والنظر على النتظار ،فيكون المعنى
المجاز ،ول يجوز أ ْ
ن النتظار سبب النعم ،وسيقت الية لبيان النعم في دار السرور ،
نعمة ربها منتظرة ،ل ّ
ن الَقَمَر َلْيَلَة اْلَبْدِر[ 5أي كما ل
ن َرّبُكْم َيْوَم اْلِقَياَمِة َكَما َتَرْو َ
سَتَرْو َ
وقوله عليه السلم َ ] :
تشّكون في رؤية القمر ليلة البدر ،ول تشّكون في رؤية ال تعالى عيانا في الخرة ،وقول
ك﴾ ، 6مع أنه عرف ال
ظْر ِإَلْي َ
ب َأِرِني َأْن ُ
موسى عليه السلم ،حين سأل رّبه الرؤية ﴿َر ّ
تعالى حق معرفته ؛ منزها عن الشبيه والجهة والمقابلة ،واعتقد مع ذلك أنه ُيرى ،حتى
ن يريه ، 7فمن زعم استحالة رؤية ال تعالى ،فقد اّدعى معرفة ما جهله موسى عليه
سأله أ ْ
ن ال تعالى عّلق رؤيته باستقرار الجبل ،
السلم من صفات ال تعالى ،وهذا باطل ،ول ّ
سوُل اِ صلى ا عليه ورد هذا الحديث في صحيح البخاري 9أ 156بلفظ :عن َجِريٌر َقاَل َخَرَج َعلَْيَنا َر ُ 5
ضاّموَن ِفي ُرْؤيَتِِه. ستََرْوَن َربُّكْم يَْوَم اْلقَِياَمِة َكَما تََرْوَن َهَذا لَ تُ َ
وسلم لَْيلَةَ اْلبَْدِر فََقاَل إِنُّكْم َ
العراف 143 6
18
وهو ممكن عقل ،والتعليق بالممكن دال على إمكانه ،وأخبر أيضا أنه تجّلى للجبل ،وهو
عبارة عن خلق الحياة والِعلم ،والرؤية في الجبل نص عليه الشيخ المام أبو منصور، 1
فيدل على جواز الرؤية ،ول ُينافيها قوله تعالى َ﴿ :لنْ َتَراِني ﴾ 2بأنه يقتضي النفي على
ن َتَراِني ﴾ يقتضي نفي الوجوب ، 3ل نفي الجواز ،بدليل الستدراك بعده ،
ن ﴿َل ْ
التأبيد ،ل ّ
ن كلمة لن ليست للتأبيد ،بل هي للتأكيد فحسب 12 ،ب
فل /يقع التعارض ،أو نقول :ل ّ
سّيا﴾ 4قرنها باليوم ،والتأبيد مع
ن ُأَكّلَم اْلَيْوَم ِإْن ِ
بدليل قوله تعالى خبرا عن مريم َ﴿ :فَل ْ
التوقيت يتنافيان ،ولئن سّلمنا أنها للتأبيد لكن المراد منها النفي في دار الدنيا ،ل في دار
ن السؤال في الدنيا ،فينصرف النفي إليها .
الخرة ،ل ّ
ن يكون في الغائب
ن الوجود في الشاهد علة لصحة الرؤية ،فيجب أ ْ
وأّمـا العقل ،فهو أ ّ
ن الرؤية تتعلق بالجسم والجوهر والعرض ،يعني يكون كّل منها مرئيا ،فتكون
كذلك ،ل ّ
الرؤية بينها مشتركة ،والحكم المشترك يقتضي علة مشتركة ،وإّل لزم توارد العلل على
معلول واحد ،وهو ممتنع ،والعلة المشتركة بين الجسم والجوهر والعرض إّمـا الوجود،
أوالحدوث ،والحدوث ساقط عن العلّية ،لنه عبارة عن وجود لحق ،وعدم سابق ،والعدم
ن يكون علة ،ول شرطا لعلة ،فلم يبق للعلّية بالشتراك إّل الوجود ،وهو
ل يصلح أ ْ
مشترك بين ال وغيره ،فيصح رؤيته ،وهو المطلوب ،وما ل ُيرى من الموجودات كالَمَلك
والجن والروح ،ولعدم أجراء ال تعالى العادة في رؤيتنا إياها ،ل لستحالة الرؤية ،وإّل
ن يرى النبي جبريل ،والمكاشف الروح أو الَمَلك ،ول المصروع الجن ،فثبت أ ّ
ن لما جاز أ ْ
الوجود علة ُمجّوزة للرؤية 5ل موجبة لها ،فحينئذ يجوز أن تكون علة في الغائب بالقياس
على الشاهد ،فيكون ال تعالى الذي هو الغائب جائز الرؤية في الخرة ،وهو المطلوب .
عِتَزاِل
ن َأْهِل اْلِإ ْ
سَرا َ
خ ْ
َفَيا ُ ن الّنِعيَم ِإَذا َرَأْوُه
سْو َ
َفَيْن َ
/قوله :فينسون ،عطف على قوله :يراه المؤمنون ،أي عقيب رؤيتهم ال تعالى 13أ
في الجنة ،فينسون النعيم ،أي التنعم ،الذي رزقهم ال تعالى إياه فيها من أنواع النعم ،
ن النظر إلى لقائه الكريم أعظم من كل نعمة فيها ،ويجوز المراد منه الجنة المخصوصة
لّ
أبو منصور الماتريدي من علماء أهل السنة والجماعة ،وإمام المدرسة الماتردية ،التي يتبعها غالبية 1
أتباع المذهب الحنفي في العقيدة ،اشتهر الماتريدي بهذا السم نسبة إلى قرية ماتريد التابعة لسمرقند ،ببلد
ماوراء النهر ،وهو أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي ،وكان المام الماتريدي
والمام أبو الحسن الشعري المامين الجليلين الذين حررا عقيدة الشاعرة والماتريدية بالدلة النقلية
والعقلية ،وقد لقب الماتريدي بـ"إمام الهدى" و"إمام المتكلمين" وغيره من اللقاب وهي ألقاب تظهر
مكانته في نفوس مسلمي عصره ومؤرخيه .ورغم ذيوع اسمه واشتهاره واشتهار فرقة الماتريدية
المنسوبة إليه فقد كان المؤرخون الذين كتبوا عنه قلة .
العراف 143 2
19
لكل مؤمن ،قوله :فيا خسران أهل العتزال ،بالنصب والضافة إلى أهل الُمنادى ،أي يا
خسرانهم على انفسهم ،احضري فهذا وقتك ،أو المنادى محذوف ،وينصب خسران على
ن ُيقرأ :فيا خسران
ضروا خسرانهم ،ول يجوز أ ْ
أنه مفعول فعل محذوف ،أي يا قوم أح ِ
لهل العتزال بالرفع ،ول بالجر ؛ لفساد النظم ،وإنما ُدعي الخسران ،وهو المصدر ؛
ن لهل العتزال خسرانا عظيما لصيرورتهم
تنبيها للسامعين من معتقدي الرؤية ،أ ّ
محرومين ؛ لفساد عقيدتهم عن أعظم ما أنعم ال تعالى بفضله على أهل الجنة ،نعوذ بال
من حرمان ذلك ،وال أعلم بالصواب .
آل عمران ، 164وقد وضع الشارح بدل من قوله تعالى ) :من أنفسهم ( كلمة منهم ،والية بتمامها : 3
20
إلى طريق الحق ،والمقدس بمعنى المنزه عما ل يليق به ،وذي التعالي وصف آخر بمعنى
المتعالي ،وهو البليغ في مرتبة العلو بالذات .
ك ِكَراٍم ِبالّتَواِلي
لٍوََأْم َ سٍل
ق ُر ْ
صِدي ُ
ض َلِزٌم َت ْ
َوَفْر ٌ
قال أهل الحق :إرسال الرسل من ال تعالى ممكن ،لنّ صدور المر والنهي منه تعالى
على عباده ،والخبار لهم عما فيه صلح داريهم :الدنيا والخرة ،مما قصرت عقولهم عن
ن يخص ال بعض عباده بعلم ذلك
معرفته ،غير مستحيل ،وإنه حكمة وحسن ، 1ول يبعد أ ْ
بإلهام صحيح ،أو بوحي صريح ،فيخبر عباده بأمره تعالى ،وحينئذ يجعل له علمة14/أ
تدل على صدق أخبار ذلك البعض ،وهي المعجزة ،وإذا كان الشأن كذلك ،يجب تصديق
ذلك الرسول ،وإّل لكفروا به تعالى ،وقال الخوارج : 2يجب قبول قول مّدعي الرسالة بدون
3
إقامة المعجزة ،وهو باطل ؛ لنه يلزم الشتباه بين النبي والمتنبي ،وقالت السمنية
ن الرسول لو أتى بما يقتضيه العقل ،ففي العقل غنية
والبراهمة : 4إرسال الرسل محال ،ل ّ
عنه ،ولو أتى بخلف مقتضى العقل ،فالعقل يرده ويحيله ،قلنا :يأتي الرسول بما يقصر
العقل عن دركه ،إذ قضايا العقل ثلثة أقسام :واجب ،وممتنع ،وجائز ،والعقل يحكم
بالواجب والممتنع ،ولكن يتوقف في الجائز ،ل يحكم فيه بالنفي أوالثبات ،ول ُيحّل ،ول
ن ذلك الجائز مما يتعلق به عاقبة
ن يقف على أ ّ
ُيحّرم ،ول يوجب ،ول يستكره ،إّل بعد أ ْ
حميدة أو ذميمة ،وذلك ل يحصل إّل ببيان الرسول ،لنه الواقف من ال تعالى على عواقب
ن يكون 5إتيانه
ن في العقل غنية عن إتيان الرسول ،ويجوز أ ْ
المور ،فل نسّلم حينئذ أ ّ
تيسيرا للمر على العاقل ، 6كما قيل ،لئل يتعطل أكثر مصالحه بملزمة التفكر والبحث
وهم الذين خرجوا على المام علي عليه السلم في معركة صفين بعد قبول التحكيم ،واشتهروا بتكفيره ، 2
وتكفير كل من معاوية والحكمين عمرو بن العاص وأبي موسىالشعري وكل من رضي بالتحكيم ،وكذلك
يكفرون أصحاب الجمل وعائشة وطلحة والزبير ،بالضافة إلى تكفيرهم لكل مسلم يرتكب كبيرة ،وحكمهم
عليه بالخلود في النار .
فرقة بالهند دهرية تقول بالتناسخ و تنكر وقوع العلم بالخبار زاعمين أن ل طريق للعلم سوى الحس قيل 3
المكان الول الذي من خلله يعرف ا ويعبد ل عن طريق رسول ،وقد افترقو ا طرقا شتى منهم :اصحاب
البدوه /اصحاب الفكر /اصحاب التناسخ ،ويقولون مافي الوجود شيئ ال هو مخلوق ل كما ان لهم كتب
مقدسه )) الفيدا (( )) اليورانا (( الذي يمثل الديانه مختلطه بالتثليث براهما :الله الخالق ،فيشنو :و هو
الله الحافظ ، ،سيفا :وهو الله الملشي او المدمر ،ويقوم هذا الدين على اصلين رئيسين هما وحدة
الوجود و التناسخ الذي يقوم على انتقال النفس من جسد الى آخر في هذا العالم ويكون النتقال خير او
شرير حسب العمال السابقه ان خير فخير وان شر فشر.
أن يكون :زيادة من ب . 5
21
الكامل ،في إدراك المقصود من ال تعالى ،فيكون التنبيه منه على ذلك بواسطة الرسول ؛
ن ﴾. 1
حَمًة ِلْلَعاَلِمي َ
ك ِإّلا رَ ْ
سْلَنا َ
فضل ورحمة ،كما قال ال تعالى َ ﴿ :وَما َأْر َ
ن المراد بالفرض فرض عين ،ل فرض
قوله :لزم ،صفة فرض ،قّيده به ؛ ليدل على أ ّ
كفاية ،والصفة والموصوف مبتدأ ،خبره تصديق رسل ،والمراد بها جميع الرسل من غير
ن تصديق البعض دون البعض تكذيب للجميع ،وكفر بهم ،لقوله تعالى في
تعيين العدد ،ل ّ
خُذوا 14ب
ن َيّت ِ
ن َأ ْ
ض َوُيِريُدو َ
ض َوَنْكُفُر ِ /بَبْع ٍ
ن ِبَبْع ٍ
ن ُنْؤِم ُ
مقام الذم والتوبيخ َ ﴿:وَيُقوُلو َ
حّقا ﴾ ، 2وأملك بالجر ،عطف على رسل ،أي واجب
ن َ
ك ُهُم اْلَكاِفُرو َ
سِبيًلا ُأوَلِئ َ
ك َ
ن َذِل َ
َبْي َ
تصديق الملئكة ،وهم الكرام الكاتبون ،وُيسّمون حفظة ؛ لنهم يحفظون أعمال العباد
ن ﴾، 3
ن َما َتْفَعُلو َ
ن * َيْعَلُمو َ
ن * ِكَراًما َكاِتِبي َ
ظي َ
حاِف ِ
عَلْيُكْم َل َ
ن َ
بالكتابة ،قال ال تعالى َ ﴿ :وِإ ّ
قيل :لكل إنسان ملكان بالليل ،وملكان بالنهار ،يكتب أحدهما الخير ،والخر الشر ،قوله :
بالتوالي ،إشار إليه وهو في موضع النصب على الحال منهم ،جائين بالتعاقب ،وليس
متعلقا بالتصديق ؛ لفساد المعنى ،إذ التصديق يكفي مرة واحدة .
جَماِل
ي ُذو َ
شِم ّ
ي َها ِ
نَِب ٌ صْدِر الُمَعّلى
سِل ِبال ّ
خْتُم الّر ْ
َو َ
ضل
أي ال تعالى ختم النبياء بمحمد صلى ال تعالى عليه وسلم ،الذي هو المختار المف ّ
ي بدل من
على جميعهم ،وختم الرسل مبتدأ ،وبالصدر خبره ،وصدر الشيء خياره ،ونب ّ
ي في اللغة الطريق ،ومنه ُيقال
الصدر ،وليس عطف بيان ،لعدم اليضاح في نفسه ،والنب ّ
للرسل عن ال تعالى أنبياء ،لكونهم طرق الهداية إليه تعالى ،وقيل :هو فعيل بمعنى
ن كان من الَنْبَوة ،وهي ما ارتفع من الرض ،وحينئذ يكون معناه :الذي شُرف
مفعول ،إ ْ
ن كان من النبأ ، 4الذي هو
على سائر الخلئق ،فأصله غير الهمزة ،أو بمعنى فاعل ،إ ْ
الخبر ،فأصله همزة ،إّل أنهم تركوها في النبي ،كما تركوها في في الذرّية ،فجمعه على
الول أنبياء ،وعلى الثاني ُنَباُء ،يقال :يا خاتم الّنباء ،على وزن الُفعال ،وهاشمي ،
صفة نبي منسوب إلى قبيلة هاشم بن عبد مناف ، 5من آل عدنان ،وذي جمال ،صفة بعد
صفة ،والمراد به صاحب الخلق الجميلة الكاملة .
جاء في معجم الصحاح ) نبا ( :النّبَُأ :الخبر ،تقول نََبأ ونَّبأ ،أي أخبر ،ومنه أخذ الّنبيُء لنه أْنبَأ َ عن ا 4
تعالى ،وهو َفعيٌل ،بمعنى فاعٍل .وتصغير الَنبيِء نُبَيٌّئ مثل نُبَيٍّع ،وتصغير النُُبوَءِة نُبَيّئٌَة .وجمع النبّي نَُبآُء.
قال الشاعر:
سبيِل ُهداكا ّ ال هدى ل
ّ ُ ك بالخير ل س ر
ُْ َ ٌم ك
َ ّ ن إ ء بآُ
َ َ ِ ن ال مخات يا
ويجمع أيضا ً على أْنبياَء.
كتب :هاشم بن عبد ا بن مناف :وما أثبتناه من ب . 5
22
س 15أ
ن َنْف ٍ
خَلَقُكْم ِ /م ْ
ن أول النبياء آدم عليه السلم ،لقوله تعالى ﴿ :اّلِذي َ
واعلم أ ّ
جَتَباُه َرّبُه َفَتا َ
ب حَدٍة﴾ ، 1وهي آدم عليه السلم ،ويدل على نبوته قوله تعالى ُ ﴿ :ثّم ا ْ
َوا ِ
سوَل
ن َر ُ
عَلْيِه َوَهَدى﴾ ، 2أي جعله نبيا ،وآخرهم محمد عليه السلم ،لقوله تعالى َ﴿ :وَلِك ْ
َ
ي َبْعِدي [ ، 4ول يمكن الستدلل بالعقل
ن ﴾ ، 3وقوله عليه السلم َ] :ل َنِب ّ
خاَتَم الّنِبّيي َ
الّلِه َو َ
على أنه خاتم النبياء ،لتجويز العقل إرسال ال رسول آخر بعده ،مع الكتاب المنزل من
عنده سوى القرآن ،وإّل لكان محل بعجز ال عن ذلك ،وهو محال ،فالدليل عليه سمعي ،
ل عقلي ،فمن استدل عليه بعقله ،فقد أسند العجز إليه ،تعالى عنه علوا كبيرا ،ولم يعّين
عدد النبياء ،لعدم ورود النص الصريح ،والخبر الصحيح في تعيينه ،ول مدخل للعقل فيه
لٍل
خِت َ
لاْ
صِفَياِء ِب َ
ج اْلَأ ْ
َوَتا ِ ل ٍ
ف خِت َ
لاْ
ِإَماِم اْلَأْنبَياِء ِب َ
ن نبينا مقتدى جميع النبياء ،
قوله :إمام النبياء بالجر ،صفة أخرى للنبي ،إشارة إلى أ ّ
إّمـا باعتبار الخرة ،أو باعتبار إمامته لهم ليلة المعراج ،حين أحياهم ال تعالى ؛ لقامة
الصلة خلفه ركعتين في بيت المقدس ،قبل عروجه إلى السماء ،أو المعنى أفضلهم
بتفضيل ال ،ل بتفضيل العمال ،كما هو مذهب المعتزلة ،حتى قالوا بتفضيل الَمَلك على
ض الّنِبّيي َ
ن ضْلَنا َبْع َ
النس مطلقا بأعمالهم ،وليس المر كذلك ،لقوله تعالى َ ﴿ :وَلَقْد َف ّ
ن إضافة التفضيل
ض﴾ ، 6فإ ّ
عَلى َبْع ٍ
ضُهْم َ
ضْلَنا َبْع َ
سُل َف ّ
ك الّر ُ
ض﴾ ، 5وقوله ِ ﴿ :تْل َ
عَلى َبْع ٍ
َ
ج ْ
ت خِر َ
خْيَر ُأّمٍة ُأ ْ
ن ال تعالى قال في ُأمته ُ ﴿ :كْنُتْم َ
إلى ذاته تعالى ،ل إلى نفس العمل ،ول ّ
س﴾ ، 7فلّمـا كانت ُأمته خير المم ،دّل ذلك على أنه خير النبياء ،إذ شرف كل ُأمة
ِللّنا ِ
بشرف نبيهم ،ول يمكن الستدلل هنا أيضا بالعقل ِ ،لما ذكرنا .
ن 15ب
قوله :وتاج الصفياء ،أي ورئيس الولياء أيضا ،لنّ كل ولي /دون النبي ،ل ّ
بناء النبوة على الولية ،فهي جزء النبوة ،والجزء دون الكل ،والصفياء جمع صفي ،
وهو الُمتزكي عن الصفات الذميمة ،والُمنزه عن الكدرات النفسانية .
حاِل
ِإَلى َيْوِم اْلِقَياَمِة َواْرِت َ عُه ِفي ُكّل َوْق ٍ
ت شْر ُ
ق َ
َوَبا ٍ
ن شريعة محمد عليه السلم ل ُتنسخ ،كما ُنسخت شرائع جميع النبياء
هذه إشارة إلى أ ّ
ق إلى يوم القيامة ،لثبوت كونه خاتم النبيين بالنص الصريح ،ولنه
بشرعه ،بل هو با ٍ
ضبط أحوال الخلق وأحكامهم بالوحي واللهام ،على سبيل الجمال والتفصيل ،بحيث يكتفي
23
علماء أمته في بيان الحكام المبهمة بالصول الربعة :الكتاب ،والسنة ،والجماع ،
والقياس ،لنهم أعلُم وأعقل من علماء سائر المم ،ولذا قال في مدحهم ] :علماء أمتي
ق :خبر المبتدأ ،وهو شرعه ،وارتحال :عطف على
كأنبياء بني إسرائيل [ ، 1قوله :با ٍ
يوم ،عطف تفسير ،أي إلى ارتحال جميع الخلق عن الدنيا إلى الخرة ،وهو أول القيامة ،
خَرِة [. 2
ن َمَناِزِل ال ِ
لقوله عليه السلم ] :اْلَقْبَر َأّوُل َمْنِزٍل ِم ْ
عَواِل
خَباٍر َ
ص َأ ْ
َفِفيِه َن ّ صْد ٌ
ق ج َو ِ
ق َأْمُر ِمْعَرا ٍ
حٌَو َ
ص أخبار عالية
ن فيه ن ّ
أي ثابت محقق خبر معراج النبي عليه السلم ،ومطابق للواقع ،ل ّ
من التواتر والمشهور ،والنص بمعنى التصريح ،والفاء في قوله :ففيه للسبب ،
وضميرها يرجع إلى ألمر ،والعوال جمع عالية ،أي منزهة من الرد والطعن .
ن المعراج في المنام ،أو في اليقظة ،وقبل الوحي أو بعده ،
ن العلماء اختلفوا في أ ّ
واعلم أ ّ
ن هذا كان رؤيا قبل الوحي في المنان ،ثم عرج به
وبالجسم أم بالروح ،وقال المحققون :إ ّ
بالجسد في اليقضة في رجب ،بعد الوحي قبل الهجرة بسنة تحقيقا لروياه من قبل 16 /أ
ن اّلِذي
حا َ
سْب َ
ق﴾ ، 3وقوله تعالى ُ ﴿ :
ح ّ
سوَلُه الّرْؤَيا ِباْل َ
ق الّلُه َر ُ
صَد َ
لقوله تعالى َ ﴿ :لَقْد َ
ن
حْوَلُه ِلُنِرَيُه ِم ْ
صى اّلِذي َباَرْكَنا َ
جِد اْلَأْق َ
سِ
حَراِم ِإَلى اْلَم ْ
جِد اْل َ
سِ
ن اْلَم ْ
سَرى ِبَعْبِدِه َلْيًلا ِم َ
َأ ْ
آَياِتَنا﴾ ، 4وهي التي رآها ليلة السراء من العجائب ،ولقاء النبياء ،روي أنه أسرى من
بيت أم هاني من الحرام إلى المسجد القصى ،وهو بيت المقدس ـ وبينهما مسيرة أربعين
ليلة ـ في بعض ليلة ،فأحيى ال تلك الليلة جميع النبياء ،من عهد آدم عليه السلم ،
وأّذن جبريل ،وصلوا خلفه ركعتين ،وبعد الفراغ من الصلة جاءوا ،وسلموا عليه ،
عرج به إلى السماء ، 5إلى سدرة المنتهى ،
وأخبروه عن أحوال أممهم بأمر ال تعالى ،ثم ُ
إلى الكرسي ،إلى العرش ،فأوحى ال إلى عبده محمد عليه السلم ما أوحى .
حجر ،بين النائم
وروي عن النبي عليه السلم ] :بينا أنا نائم في المسجد الحرام في ال ِ
واليقظان ،إذ أتاني جبريل بالبراق [ فذكر حديث السراء ، 6فالخبار الصحيحة في أمر
لم أر نصا لهذا الحديث منسوبا إلى النبى صلى ا عليه وسلم بسند صحيح ، 1
سنن ابن ماجة ، 5/333والحديث بلفظه ،وبتمامه ) :إِّن اْلقَْبَر أَّوُل َمَناِزِل الِخَرِة ،فإ ِْن نََجا ِمنهُ ،فَما
َ ْ َ 2
كتب ... :بأمر ا تعالى ثم يخرج به عليه السلم ،وعرج إلى السماء ،وإلى سدرة المنتهى ، ...وما 5
أثبتناه من ب .
انظر صحيح مسلم ، 1/99ومسند أحمد 3/148 6
24
المعراج كثيرة ،ل يمكن إنكارها ،فمن أنكر المعراج 1من مكة إلى المسجد القصى ،فقد
ضً
ل كفر ،ومن أنكر ما سوى ذلك ،فقد صار مبتدعا ضال ،وُم ِ
عْمًدا َواْنِعَزاِل
ن َ
صَيا ِ
ن اْلِع ْ
عْ
َ ن اْلَأْنِبَياَء َلِفي َأَما ٍ
ن وِإ ّ
أي جميع النبياء معصومون2عن الكفر ،وعن المعاصي بعد الوحي ؛ خلفا للخوارج فيها ،
ن يتعمدوا الكبائر ،وجوزوا أ ْ
ن وخلفا للحشوية 3في المعاصي دون الكفر ،وقوم منعوا أ ْ
ُتعّمد الصغائر ،وأكثر أهل الحق منعوا الكبائر ،عمدا كانت أو سهوا ،وجّوزوا الصغائر
سهوا ،قلنا :إنه لو صدر عنهم كفر ،أوذنب عمدا ،لوجب على المة اتباعهم بقولـه
ن﴾ ، 4فيفضي إلى الجمع بين الوجوب والحرمة 16 /ب
تعـالى َ ﴿ :واّتِبُعوُه َلَعّلُكْم َتْهَتُدو َ
ن درجتهم في غاية
ولكان النبياء معذبين ؛ بسبب صدور الكفر والذنب بأشد العذاب ،ل ّ
الشرف ،وكل ّمن كان كذلك ،كان صدور الذنب عنه أفحش ،فكان عذابه أشد ،كما أوعد
ف َلَها
ع ْ
ضا َ
شٍة ُمَبّيَنٍة ُي َ
ح َ
ن ِبَفا ِ
ت ِمْنُك ّ
ن َيْأ ِ
ي َم ْ
ساَء الّنِب ّ
نساء النبي عليه السلم بقوله َ﴿ :يا ِن َ
ن ﴾ ، 5ولنه لو صدر الذنب منهم لكانوا من حزب الشيطان ؛ لنهم فعلوا ما
ضْعَفْي ِ
ب ِ
اْلَعَذا ُ
أراده الشيطان ،واللزم باطل ،لنهم حينئذ استوجبوا الذم واليذاء ،وقد قال ال تعالى ﴿ :
ن اْلَأْنِبَياَء
خَرِة ﴾ ، 6ولذا قال الشيخ ِ :إ ّ
سوَلُه َلَعَنُهُم الّلُه ِفي الّدْنَيا َواْلآ ِ
ن الّلَه َوَر ُ
ن ُيْؤُذو َ
اّلِذي َ
ن
ن ،ولنه لو صدر عنهم الذنب لنعزلوا عن درجة النبوة ،ل ّ
صَيا ِ
ن اْلِع ْ
عْن َ
َلِفي َأَما ٍ
ن ﴾، 7
ظاِلِمي َ
عْهِدي ال ّ
المذنب ظالم ،والظالم ل ينال عهد النبوة ،لقوله تعالى َ ﴿ :لا َيَناُل َ
ولذا قال الشيخ ،رحمه ال :وانعزال ،أي :في المان عن النعزال عن النبوة ،وأّمـا ما
ُنقل عنهم من الذنوب جميعا ،فبعضه افتراء عليهم ،وبعضه ُمأّول بتأويل يليق بحالهم ،
وأّمـا صدور الصغائر عنهم ،فهو إّمـا سهو أو نسيان ،أو محمول على الولى ،أو
اشتباه المنهي 8بالمباح ،وال أعلم .
يلحظ أن الشارح ل يفرق بين السراء والمعراج ،فالسراء هو السير ليل من المسجد الحرام إلى المسجد 1
أهل السنة يتبرأون من الحشوية وينسبونهم للمشركين تارة ولليهودية تارة أخرى ومنهم من يقول أنهم 3
أخطر من اليهود ،فقد أظهروا ببغداد من البدع الفظيعة والمخازي الشنيعة ما لم يسمح به ملحد فضلً عن
موّحد ،ول تجّوز به قادح في أصل الشريعة ول مع ّ
طل ،ونسبوا كّل من ينـزهُ الباري تعالى وجل عن
ب
النقائص والفات وينفي عنه الحلول والتشبيهات ...إلى الكفر والطغيان ،و منافاة أهل الحق واليمان وثل ِ
أهل الحق وعصابة الدين ،ولعِنهم في الجوامع والمشاهد والمحافل والمساجد والسواق والطرقات ؛ ثم
غّرهم الطمع والهمال ومّدهم في طغيانهم الغّي والضلل انظر ) :تبيين كذب المفتري( لبن عساكر ص
. 310
العراف 158 4
25
ص ُذو اْفِتَعاِل
خ ٌ
شَْوَل عَْبٌد َو َ ط ُأْنثى
ت َنِبّيا َق ّ
َوَما َكان ْ
ن يكون النبي ُأنثى ،لنها واجبة الستر ،والقرار في بيتها ،لقـوله تعالى :
أي ل يجوز أ ْ
جاِهِلّيِة اْلُأوَلى ﴾ ، 1أي ل تظهرن زينتكن كإظهار
ج اْل َ
ن َتَبّر َ
جَن َوَلا َتَبّر ْ
ن ِفي ُبُيوِتُك ّ
﴿ َوَقْر َ
النساء زينتهن في الجاهلية ،التي كانت بين آدم ونوح ،والجاهلية الخرى جاهلية قوم في
ن بالقرار في البيوت ،والنبوة تقتضي
آخر الزمان ،يفعلون مثل فعلهم ،فالنساء ُأِمْر َ
الشتهار بالدعوة إلى الحق ،وإظهار المعجزات /والنوثة تنافي ذلك ،فبالضرورة 17أ
جاًلا
ك ِإّلا رِ َ
سْلَنا َقْبَل َ
ن يكون َذَكرا ،كما أخبر ال تعالى في كلمه القديم َ ﴿ :وَما َأْر َ
ينبغي أ ْ
ن ﴾ ، 2أي اسألوا أهل التوراة والنجيل
ن ُكْنُتْم َلا َتْعَلُمو َ
سَأُلوا َأْهَل الّذْكِر ِإ ْ
حي ِإَلْيِهْم َفا ْ
ُنو ِ
ن ارتبتم فيما قلنا ،وما روي عن النبي عليه السلم :
ن النبياء رجال أم إناث؟ إ ْ
والزابور ،أ ّ
] جاءت قبلي أربع نبّيات :كأّم موسى ،ومريم عيسى ،وآسيه زوجة فرعون ،وحواء[
سّلم أنه صحيح ،فُمأّول بأنهن 3مرفوعات في الدرجة على نساء
فغير صحيح ،وإن ُ
العالمين من الَنْبَوة ،وهي الرفعة .
حّرا ،ل عبدا مملوكا لشخص ،لنه يعجز عن الشتغال بالدعوة إلى
ن يكون النبي ُ
وينبغي أ ْ
ن الناس يستنكفون عن القتداء به .
الحق ،بسبب اشتغاله في خدمة موله ،ول ّ
وينبغي أيضا أن يكـون النبي تابعـا للوحي الظـاهر ،أو الوحي الباطن ،لقـوله تعالى :
ك ﴾ ، 4ل شخصا يفعل فعل برأيه ،يختلق كلمات ] من [
ن َرّب َ
ك ِم ْ
حى ِإَلْي َ
﴿ َواّتِبْع َما ُيو َ
عنده ؛ ليدعو الناس إليه بالفتراء ،وهو معنى قوله :ذو افتعال ،أي ذو فعل قبيح مختلق ،
ن النبي ل يجوز أن يكون
كاتصافه بالسحر ،والشعوذة ،والخداع ، 5ونحو ذلك ،فإ ّ
ن النبياء
موصوفا به ،لنه مخل بانبوة ] ،فإن [ قيل :قد مّر ما يغني عنه من قوله :وإ ّ
ن يكون ذكره للتوضيح هاهنا ؛ لشدة قبحه بالنسبة
لفي أمان عن العصيان ،قلت :يجوز أ ْ
إلى غيره ،قوله :انثى ،في تقدير الرفع ،على أنه اسم كانت ،وخبره نبيا ،أي شخصا
نبيا ُ ،قّدم عليه للوزن ،وقط بالضم من الظروف الزمانية ،كقبل وبعد ،وهو للماضي
المنفي ،تقول :ما فعلته قط ،أي في الزمان السابق ،فل يقال :ما أفعله قط .
جَداِل
ن ِ
عْ
حَذْر َ
ن َفأ ْ
َكَذا لُقَما ُ ف َنِبّيا
ن َلْم ُيْعَر ْ
َوُذو اْلَقْرَنْي ِ /
17ب
26
اختلف العلماء في نبوة ذي القرنين ، 1اسمه عبد ال ،وقيل :اسكندر فيلقوس الرومي ،
من ولد يونان بن يافث بن نوح ،وإنما لقب بذي القرنين ؛ لنه بلغ قرني الشمس :
مشرقها ومغربها ،وقيل :لنه ملك الروم والفرس ،وقيل :لنه دخل النور والظلمة ،
وقيل :رأى في المنام كأنه أخذ بقرني الشمس ،وقيل :لنه كان له قرنان تواريهما العمامة ،
روي أنه أمر قومه بتقوى ال تعالى ،فضربوه على قرنه اليمن فمات ،فبعثه ال ،ثم
أمرهم ثانيا بتقوى ال تعالى ،فضربوه على قرنه اليسر ،فمات ،فأحياه ال ،وعاش بعد
سئل عنه ،فقال: 2
ن الرسول عليه السلم ُ
ذلك ألفا وستمائة سنة ،والحق أنه لم يكن نبيا ،ل ّ
] لم يكن نبيا ،ول ملكا ،ولكن كان عبدا أحب ال فأحبه ال ،فناصح ال فناصحه ال [، 3
وروي عن عكرمة أنه كان نبيا ،وروي عن وهب أنه كان ملكا. 4
وكذلك اختلفوا في نبوة لقمان ،وأكثرهم على أنه لم يكن نبيا ،وإنما كان حكيما ،وروي
خّير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة ،فسئل عن ذلك فقال :خّيرني ربي ،فقبلت
أّنه ُ
العافية ،ولم أقبل البلء ،وروي عن عكرمة أنه كان نبيا ،وقيل :كان قاضيا في بني
إسرائيل ،أو عبدا حبشيا ،وكان خياطا ،أو نجارا ،أو راعي غنم ،عاش ألف سنة ،
فلّمـا لم تتحقق نبوتهما أمر الشيخ بترك الجدال في المشكوك ،لنه ل ينفع سوى الثم .
خَباِل
ي ِذي َ
شِق ّ
جاٍل َ
ِلَد ّ ف َيْأِتي ُثّم َيْتِوى
سْو َ
عيسى َ
َو ِ
أي سينزل عيسى عليه السلم من السماء الرابعة إلى الرض ؛ لقتل أعداء ال تعالى ،
ونصر دينه ،وتنفيذ شريعة نبينا محمد عليه السلم ،ونشر أحكامها ،ثم يهلك الدجال
الكافر الشقي /صاحب الخبال ،وهو الفساد ؛ لنه يّدعي اللوهية ،وُيظهر المعجزات
18أ ،ويدعو الناس إلى عبادته ،ويتبعه سبعون ألفا من أمة محمد عليه السلم ،ويمكث
في الرض أربعين يوما ،وقيل :أربعين سنة ،قال عليه السلم ] :ينزل عيسى ابن
ح ،فيقتل الدجال ،ويتفرق عنه اليهود لعنهم ال
ب اْلِمْل ُ
مريم ،فإذا رآه الدجال ذاب َكَما َيُذو ُ
ن الحجر يقول للمؤمن :يا عبد ال المسلم ،هذا يهودي ،تعال
،فُيقتلون ،حتى إ ّ
شْرِق ّ
ى ضاِء َ
عْنَد اْلَمَناَرِة اْلَبْي َ
فاقتله [ ،وقال عليه السلم أيضا َ ] :يْنِزُل عيسى بن مريم ِ
حّدَر
طَر َوِإَذا َرَفَعُه َت َ
سُه َق َ
طَأ َرَأ َ
طْأ َ
ن ِإَذا َ
حِة َمَلَكْي ِ
جِن َ
عَلى َأ ْ
ضًعا َكّفْيِه َ
ن َوا ِ
ن َمْهُروَدَتْي ِ
ق َبْي َ
ش َ
ِدَم ْ
طْرُفُه
ث َيْنَتِهى َ
حْي ُ
سُه َيْنَتِهى َ
ت َوَنَف ُ
سِه ِإّل َما َ
ح َنَف ِ
جُد ِري َ
حّل ِلَكاِفٍر َي ِ
ل َي ِ
ن َكالّلْؤُلِؤ َف َ
جَما ٌ
ِمْنُه ُ
جاء في تفسير الطبري ، 18/93أنه من كلم علي بن أبي طالب رضي ا عنه ،والذي جاء في تفسير 2
الطلري :حدثنا محمد بن المثنى ،قال :ثنا محمد بن جعفر ،قال :ثنا شعبة ،عن القاسم بن أبى بزة ،عن أبي
ب ا ،فأحبه ا، الطفيل ،قال :سمعت عليا وسألوه عن ذي القرنين أنبيا كان؟ قال ) :كان عبدا صالحا ،أح ّ
وناصح ا فنصحه ،فبعثه ا إلى قومه ،فضربوه ضربتين في رأسه ،فسمي ذا القرنين ،وفيكم اليوم مثله(
تفسير البغوي ،في تفسير قوله تعالى ] ويسألونك عن ذي القرنين [ . 3
27
ب ُلّد َفَيْقُتُلُه [ ، 1قيل :إنه يمكث في الرض أربعين سنة ،
حّتى ُيْدِرَكُه ِبَبا ِ
طُلب الدجال َ
َفَي ْ
يتزوج من العرب ،فيولد له أولد ،ويكون وليا من أمة محمد صلى ال تعالى عليه وسلم ،
ينصر ،وُيعلي دينه ،حتى ل يبقى كافر على وجه الرض ،ويكون مقدمة عيسى عليه
السلم أصحاب الكهف ُ ،يحيهم ال تعالى في زمانه ؛ ليكونوا أنصارا إلى ال ،وهذا معنى
ن ُكّلِه َوَلْو َكِرَه
عَلى الّدي ِ
ظِهَرُه َ
حقّ ِلُي ْ
ن اْل َ
سوَلُه ِباْلُهَدى َوِدي ِ
سَل َر ُ
قوله تعالى ُ﴿ :هَو اّلِذي َأْر َ
ن ﴾ . 2قوله :الدجال متعلق بقوله :يأتي ،أي لهلكه ،وهو في التقدير مقدم
شِرُكو َ
اْلُم ْ
على قوله ثم يتوي ،معلوم 3من التواء ،وهو الهلك ،أي يتويه ،أي بتقدير المفعول
الراجع إلى دجال المقّدم رتبة ،وليس هذا من باب التنازع كما قيـل ،لوجود اللم في
ن يكون من التوى /لنه يوهم حصول هلك عيسى عليه 18ب
الدجال ،ول يجوز أيضا أ ْ
السلم لجل الدجال ظاهرا .
ن َفُهْم َأْهُل الّنواِل
َلها ًكْو ٌ ي ِبداِر ُدْنيا
ت الَوِل ّ
َكَراما ْ
ي ،مبتدأ ،وقوله :لها كون مبتدأ وخبر ،وهذه الجملة في محل الرفع
قوله :كرامات الول ّ
خبر المبتدأ الول ،وقوله :بدار دنيا ،متعلق بالكون ،والمراد منه الثبوت ،والوقوع ،
ن المراد به الجنس ،بدليل إضافة الجمع إليه ،والنوال
قوله :فهم ،يرجع إلى الولي ،ل ّ
هو العطاء ،أي هم أهل 4الفضل من ال تعالى ،قال أهل السنة والجماعة :كرامات
الولياء ثابتة في دار الدنيا ،خلفا للمعتزلة ،حجتنا في ذلك النقل والعقل :أّمـا النقل فما
أخبر ال تعالى عن صاحب سليمان عليه السلم ،وهو آصف بن برخيا ،وكان وزيره ،أّنه
أتى بعرش بلقيس من مسافة بعيدة في زمان قريب ،كما قال ال تعالى في حقه َ﴿ :أَنا
ضِل َرّبي﴾ الية، 5
ن َف ْ
عْنَدُه َقاَل َهَذا ِم ْ
سَتِقّرا ِ
ك َفَلّما َرآُه ُم ْ
طْرُف َ
ك َ
ن َيْرَتّد ِإَلْي َ
ك ِبِه َقْبَل َأ ْ
آِتي َ
وكذا سمع سارية ـ صحابي من الصحابة ،أرسله عمر رضي ال عنه إلى نهاوند للجهاد
مع جماعة كثيرة من المسلمين ـ قول عمر ،وهو بالمدينة ،فوق منبر الرسول عليه
السلم :يا سارية الجبل ،الجبل ،وكان بينهما أكثر من خمسمائة فرسخ ،وكذا جريان
النيل في مصر بكتاب عمر ،حين وقف النيل عن الجريان ،فظهر القحط في أهلها ،فإنه
ن كنت تجري بحولك وقّوتك ،فل حاجة
كتب فيه ِ :من عمر إلى نيل مصر ،أّمـا بعد ،فإ ْ
ن كنت تجري بأمر ال وقدرته فاجر صاغرا ،فلّمـا جاء الكتاب إلى مصر ،
لنا فيك ،وإ ْ
َ
سِه َوَمْن َكفََر فإ ِّن َرّبي ْ
شُكُر لِنَف ِ َ شُكُر أَْم أَْكفُُر َوَمْن َ
شَكَر فإ ِنَّما يَ ْ ضِل َرّبي لِيَْبلَُوِني أَأَ ْ
ستَقًِّرا ِعْنَدهُ َقاَل َهَذا ِمْن فَ ْ
ُم ْ
َغنِّي َكِريٌم [ .
28
طرحوه في النيل ،فجرى الماء بإذن ال ،ولم يقف من ذلك الزمان إلى هذا الوقت ،وكذا
شرب خالد بن الوليد /قدحا من السم من يد الكفار ،فإنه لم يضّره حين ذهب إلى 19أ
ن دينك حق ،
ن تشرب هذا السم نعلم أ ّ
جهادهم ،وحاصر مدينة من مدائنهم ،وقالوا :إ ْ
فنؤمن بمحمد ودينه .وما نقل من كرامات التابعين ،وصالحي هذه المة بلغ حدا لو جمعت
ن ال تعالى يقدر أن ُيجري
آحادها لبلغت حد التواتر في جواز الكرامات .وأّمـا العقل ،فل ّ
على خلف العادة على يد عبده الصالح ،ما يعرف به ثمرة الطاعة ،وتزداد بصيرته بصحة
دينه ،ل يقال : 1لو صح هذا لشتبهت الكرامة بالمعجزة ،فل ُيعرف النبي من الولي ،
ي المعجزة لكفر من ساعته ،
ن المعجزة تقارب دعوة النبوة ،ولو اّدعى الول ّ
لّنـا نقول :إ ّ
فل يبقى أهل للكرامة ،بل يّدعي الولي متابعة النبي عليه السلم ،فل جرم ؛ لكون كل
كرامة ظهرت في يده معجزة النبي عليه السلم ،فل يقع الشتباه .
حاِل
سوًل في اْنِت َ
َنِبًيا َأْو َر ُ ط َدْهًرا
ي َق ّ
ضْل َوِل ٌ
َوَلْم َيْف ُ
أي كل واحد من الولياء ،لم يفضل على نبي ورسول في مرتبة الشرف ،وهو معنى
جح ل من نبي ،ول رسول في زمان من
النتحال ،فأو بمعنى الواو ،يعني به :لم ير ّ
ن يكون التابع
ي إنسان صالح ،تابع لسّنة النبي والرسول ،ول يصح أ ْ
ن الول ّ
الزمنة قط ،ل ّ
ن النبي عليه السلم قال في حق أبي بكر رضي ال عنه ] :وال ما
أعلى من المتبوع ،ول ّ
طلعت الشمس ول غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر [ ، 2رضي ال عنه ،وهو
أفضل من غيره ،فيكون النبي أفضل من الولي ،خلفا لبعض الصوفية من أهل الباحة ،
فإنهم قالوا :مرتبة الولي /الكامل المكمل أفضل من النبي ،وهو كفر وزندقة ،لقوله19ب
س﴾ ، 3وقوله َ ﴿ :وِإّنُهْم
ن الّنا ِ
سًلا َوِم َ
ن اْلَمَلاِئَكِة ُر ُ
طِفي ِم َ
صَ
تعالى في حق النبياء ﴿الّلُه َي ْ
ك ِإّلا
سْلَنا َ
خَياِر﴾ ،4وقوله في حق الرسول عليه السلم َ ﴿:وَما َأْر َ
ن اْلَأ ْ
طَفْي َ
صَ
ن اْلُم ْ
عْنَدَنا َلِم َ
ِ
عَلْيِهْم ِم َ
ن ن َأْنَعَم الّلُه َ
ك َمَع اّلِذي َ
سوَل َفُأوَلِئ َ
طِع الّلَه َوالّر ُ
ن ُي ِ
ن ﴾ ، 5وقوله َ﴿ :وَم ْ
حَمًة ِلْلَعاَلِمي َ
َر ْ
ع الّلَه ﴾، 7
طا َ
سوَل َفَقْد َأ َ
طِع الّر ُ
ن ُي ِ
ن ﴾ ،6وقولهَ﴿ :م ْ
حي َ
صاِل ِ
شَهَداِء َوال ّ
ن َوال ّ
صّديِقي َ
ن َوال ّ
الّنِبّيي َ
ن مرتبة الُمطيع أدنى من مرتبة الُمطاع ،فمن أنكر ذلك فقد كفر ،والفرق بين
كأّ
ول ش ّ
ن الرسول هو نبي جاءه جبريل بكتاب فيه شريعة مخصوصة له ،سواء
النبي والرسول أ ّ
29
نسخ ما قبله ،أو لم ينسخ ،والنبي َمن بعثه ال إلى عباده ،لتبليغ ما أوحى ال إليه ،أعّم
ن يكون له كتاب منزل ،أو لم يكن .
من أ ْ
قوله :دهرا ،بدل من قط ،ونبيا منصوب بنزع الخافض ،أي على نبي ،وفي انتحال ،
متعلق بقوله لم يفضل .
حِتَماِل
غْيِر ا ْ
ن َ
حابِ ِم ْ
صَعَلى اْلَأ ْ
َ جِل ّ
ي ن َ
حا ٌ
جَق ُر ْ
صّدي ِ
َوِلل ّ
أي لبي بكـر الصديق علّو القدر عند ال تعـالى ظاهر على جميع أصحاب النبي عليه
1
السلم ،بل احتمال رجحان أحد منهم ،والدليل عليه قوله عليه السلم ] وال ما طلعت [
ن الصحابة اتفقوا بعد وفاة الرسول عليه السلم على إمامة أبي بكر ،
إلى آخر الحديث ،ول ّ
رضي ال عنه ،وذلك حجة قاطعة على أنه مفضل على جميعهم ،ولنه عليه الصلة
عرج بي إلى السماء ،ووقفت بين يدي الرحمن ،قال لي :يا
والسلم قال ] :لّمـا أن ُ
أحمد ! على َمن تركت أهل الرض؟ قلت يارب ! على أبي بكر الصديق ،فقال :إنه أحب
ي بعدك ،فأقرئه من السلم [ ، . 2ولنه عليه السلم /قال ] :اقتدوا بالذين20أ
العباد إل ّ
من بعدي :أبي بكر وعمر[ ، 3فبايعه عمر وعلي على رؤوس الشهاد ،ثم استخلف فبل
ن النبي عليه
سمي صديقا ل ّ
وفاته عمر بن الخطاب ،فدّل ذلك على رجحان الصديق ،وإنما ُ
السلم لّمـا أخبر عن قصة السراء أبا جهل ،وضع أبو جهل يديه على رأسه تعجبا
وإنكارا ،وارتد ناس ممن كان آمن به عليه السلم ،وسعى رجال إلى أبي بكر ،فأخبروه
ن كان قال ذلك فصدق ،قالوا :
بما قال النبي عليه السلم ،فقال أبو بكر رضي ال عنه :إ ْ
أتصدقه على ذلك ،قال :أني لصدقه على أبعد من ذلك ،فسماه النبي صلى ال تعالى عليه
وسلم صديقا ،قيل :الصادق َمن صدقت عبارة لسانه ،والصديق من صدقت إرادة جنانه
وقلبه. 4
عاِل
ن َ
ن ِذى الّنوَرْي ِ
عْثما َ
عَلى ُ
َ ضٌل
ن َوَف ْ
حا ٌ
جَ
ق ُر ْ
َوِلْلَفاُرو ِ
أي لعمر الفاروق رجحان ،أي علو القدر ،وفضيلة على عثمان ذي النورين ،الذي هو
ن أبا بكر الصديق استخلف قبل وفاته عمر بن الخطاب رضي ال
عالي القدر عند ال ،ل ّ
عنه حين يئس من حياته ،بمشورة عثمان وعلي رضي ال عنهما ،فلّمـا استحسنا رأيه
جاء في كتاب فضائل الخلفاء الراشدين لبي نعيم ،رقم الحديث )) ( 9حديث مرفوع( َحّدثََنا ُمَحّمُد ْبُن َعلِّي 1
َ
طاٍء َ ،عْن أِبي ج َ ،عْن َع َ طابِّي ،ثََنا َهْوَذةُ ْبُن َخِليفَةَ ،ثََنا اْبُن ُجَرْي ٍسُم ْبُن أَْحَمَد اْلَخ ّ سْهِل ْبِن اِلَماِم ،ثََنا اْلَقا ِ ْبِن َ
َ َ
شي أَماَم أِبي بَْكٍر ، َ َ
شي أَماَم أِبي بَْكٍر ،فََقاَل " :أتَْم ِ َ َ َ
سلَّم َوأَنا أْم ِ
اُ َعلَْيِه َو َ صّلى ّ الّدْرَداِء َ ،قاَل َ :رآِني النّبِّي َ
اُ َعْنهُ " َ .رَواهُ بَقِيّةُ ضَي ّ ضَل ِمْن أَِبي بَْكٍر َر ِ سِليَن َعَلى أَْف َ س َ ،ول َغَربَْت بَْعَد النّبِّييَن َواْلُمْر َ شْم ُ َما طَلََع ِ
ت ال ّ
ْبُن اْلَوِليِد َ ،وَغْيُرهُ .
2
انظر :الفردوس بمأثور الخطاب ،لبي شجاع شيرويه بن شهردار 3،429 ،
مجمع الزوائد 9/259 3
30
ن ُيبايعوا
كتب صحيفة عهده لعمر رضي ال عنه ،وختمها وأخرجها إلى الناس ،وأمرهم أ ْ
لمن في الصحيفة ،فبايعوه ،فاتفقت الصحابة على خلفته ،واتبع آثار أبي بكر في تجهيز
الجيوش في الجهاد ،حتى قمع ال بسيفه الكفر والفساد بما شاء ال قمعه ،وسّمي فاروقا
ن َبْعِدي
لكثرة سعيه في الفرق بين الحق والباطل ،قال النبي عليه السلم في حقه َ] :لْو َكا َ
ن الشيطان ليفر من ظل عمر [ ، 2وقال
ب ، 1[.وقال أيضا ] :إ ّ
طا ِ
خّ
ن اْل َ
عَمَر ْب َ
ن ُ
ي َ ،لَكا َ
َنِب ّ
ن20ب
سّمي عثمان ذا النورين ل ّ
أيضا ] :عمر بن الخطاب /سراج هذه المة [ ،و ُ
الرسول عليه السلم زوجه بنتيه ،وهما النوران من أنواره في السلم ،قوله :عاٍل ،
صفة بعد الصفة لعثمان رضي ال عنه ،لكونه معرفة ،والتنوين عوض عن المضاف ،أي
عالي القدر ،حذف للوزن ،والسجع .
ف اْلِقَتاِل
ص ّ
ن اْلَكّراِر في َ
ِم َ خْيًرا
ن َ
حًقا َكا َ
ن َ
َوَذو الّنوَرْي ِ
عثمان رضي ال عنه صاحب النورين كان أفضل حقا من الكّرار ،وهو علي بن أبي طالب ،
ف القتال ،من غير الفّرار منهم ،قوله :
وسمي بالكرار لرجعته إلى العداء في الحرب في ص ّ
حقا ،مفعول مطلق ،وقع تأكيدا لقوله خيرا ،أي ُ :أحقه حقا ،وفي فضله أخبار كثيرة ،
منها قوله عليه السلم ] :لو كان لي أربعون بنتا لزوجت عثمان واحدة بعد واحدة ،حتى
ت َوِلّيي ِفي الّدْنَيا
ل يبقى منهن واحدة [ ، 3وقال عليه السلم أيضا ] :يا عثمان ! َأْن َ
خَرِة [ ، 4وقال أيضا ] :والذي بعثني بالحق ليشفعن عثمان بن عفان فى سبعين ألفا من
َوال ِ
أمتى قد استوجبوا كلهم النار[ . 5
ن عمر لما اسُتشهد ،وترك أمر الخلفة شورى بين ستة :عثمان ،وعلي ،وعبد
وروي أ ّ
الرحمن بن عوف ،وطلحة ،وزبير ،وسعد بن أبي وقاص ،ثم فّوض المر خمستهم إلى
عبد الرحمن بن عوف ،ورضوا بحكمه على َمن يختاره للمامة ،فاختار هو عثمان ،
جَمع والعياد
وبايع له بمحضر من الصحابة ،فبايعوا له ،وانقادوا لوامره ،وصلوا معه ال ُ
مدة خلفته ،فكان ذلك إجماعا منهم على صحة خلفته .
طّرا َل ُتَباِل
غَياِر ُ
عَلى اْلَأ ْ
َ ضٌل َبْعَد هَذا
َوِلْلَكّراِر َف ْ
2
البدر المنير في تخريج الحاديث والثار الواقعة في الشرح الكبير ،لبن الملقن ،ولفظه فيه ِ ] :إن
شْي َ
طان ليفر ِمْنك َيا عمر [ ال ّ
جامع الحاديث ، 30/433وكنز العمال رقم ) . ( (36256 3
روى جابر المحدث ) بينما نحن مع رسول ا صلى ا عليه وسلم في نفر من المهاجرين ،فيهم أبو بكر 4
وعمر وعثمان وعلي فقال النبي صلى ا عليه وسلم :لينهض كل رجل إلى كفؤه ،ونهض النبي صلى ا
عليه وسلم إلى عثمان فاعتنقه وقال :أنت وليي في الدنيا والخرة( .
قال ابن الجوزي في موضوعاته :2/86ل أصل له ول صحة
جامع الحاديث 435 22 5
31
جـاع على العداء للحرب فضيلة بعد عثمان
أي لعلي بن أبي طالب رضي ال عنه /الر ّ
21أ ذي النورين على غيره من الناس جميعا ،ل تباِل أنت في تفضيله على جميع الغيار ،
لتفاق أهل الحق عليه ،وطرا قد مّر القول فيه ،و)ل( في ل تبال للنهي ،وعلمة جزمه
ن ُكْن ُ
ت سقوط الياء من ل تباِل ،وفي فضيلته أخبار كثيره ،منها :قوله عليه السلم َ] :م ْ
عاداه [ ، 1وقال ] :يا علي ! أنت سيد في
عاد من َ
ي َمْوَلُه ،الّلُهّم َوال من َواَلاُه َو َ
َمْوَلُه َفَعِل ّ
] الدنيا وفي الخرة ،فمن أحبك فقد أحبني ،ومن أبغضك فقد أبغضني [ ، 2وقـال أيضا :
ي أخو رسول
ب ،ل إله إل ال محّمد رسول ال وعل ّ
دخلت الجنة فرأيت على باب الجنة مكتو ٌ
ال[. 3
ن عثمان استشهد ،وترك أمر الخلفة مهمل ،حتى اجتمع كبراء الصحابة من
وروي أ ّ
ي رضي ال عنه قبول الخلفة ،فامتنع إلى ثلثة
المهاجرين والنصار ،والتمسوا من عل ّ
أيام إعظاما لمقتلة عثمان ،فلّمـا شاعت الفتنة ،ووقع الخوف على المهاجرين ،التمسوها
ثانيا ،وأقسموا عليه حتى قبلها ،فبايع له َمن حضر من كبار الصحابة ،لنه هو المصيب
بأمر الخلفة في زمانه عند أهل السنة والجماعة ،وأفضل أهل عصره ،وختمت خلفة
ي رضي ال عنه ،لقوله عليه السلم ] :الخلفة من بعدي ثلثون سنة وما
النبّوة بعل ّ
وراءها ُملك وإمارة [ ، 4وكان زمان موته شهيدا على رأس ثلثين سنة من موت النبي
عليه السلم ،فمن أنكر خلفة الشيخين فقد كفر ،لقوله عليه السلم تصريحا ] :اقتدوا
ن ثبوتها فيهما بطريق
بالذين من بعدي [ ، 5ومن أنكر خلفة الختنين ُيخشى عليه الكفر ،ل ّ
الظن ،وهو الجتهاد .
21ب لِل
خَ
ض اْل ِ
عَلى الّزْهَراِء في َبْع ِ
َ عَلْم
ن َفا ْ
حا ُ
جَصّديَقِة الّر ْ
َوِلل ّ /
المراد من الصديقة زوج 6النبي عليه السلم ،بنت أبي بكر الصديق ،عائشة رضي ال
عنها ،وسّمـاها النبي صّديقة ،كما سّمى أباها صّديقا ؛ لوفور صدقها بالجنان في محبة
الرسول عليه السلم وخدمته بتوفيق ال تعالى إياها ،وكان النبي عليه السلم يناديها يا
توضيح الّدلئل في تصحيح الفضائل ،للسيد محمد هادي الحسيني الميلني ،الباب الّول من القسم الّثاني 3
ص 246
روى عمرو بن أبي عاصم في كتابه -السنة -ص : 548حدثنا هدبة بن خالد ،حدثنا حماد بن سلمة ،عن 4
سعيد بن جمهان ،عن سفينة أبي عبد الرحمن مولى رسول ا ) صلى ا عليه وسلم ( قال :سمعت رسول
ا ) صلى ا عليه وسلم ( يقول :الخلفة ثلثون سنة ثم يكون بعد ذلك ملكا .قال سفينة :فخذ ،سنتين
أبو بكر ،وعشرا عمر ،واثنتي عشرة عثمان ،وستا علي رحمهم ا . (( .
وانظر :ــ ــ سنن الترمذي 4/436 :ــ سنن أبي داوود 5/36 :فضائل الصحابة -للمام أحمد بن حنبل ص
- 17مسند احمد بن حنبل ج 5ص 221
مجمع الزوائد 9/258 5
في أ ،ب :زوجة ،وهو غلط لغوي ،والصواب ما أثبتناه . 6
32
ن لها فضل على بنت النبي عليه السلم فاطمة ،الملقبة بالزهراء في بعض
موّفقة ،فُعِلم أ ّ
خلة ،بمعنى الخصلة ،وهي الصفة العزيزة ،يعني في
الخلل ،أي الخصال الحميدة ،جمع ِ
عْلم النبوة ،وأحكام الشرع ،في كونها منكوحة رسول ال عليه السلم ،قال عليه
تحصيل ِ
حميراء[ ، 1يعني
ق عائشة رضي ال عنها ] :اطلبوا ثلثي دينكم من هذه ال ُ
السلم في ح ّ
ن جبريل عليه السلم جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء
عائشة ،روي عن عائشة أ ّ
إلى النبي عليه السلم ،فقال :هذه زوجتك في الدنيا والخرة .
وإذا عرفت فضيلتها ،فاعلم أنها مطهرة النفس عن الكدورات البشرية ،ومتصفة بالصفات
القدسية ،بصحبة رسول ال عليه السلم ،ول يطعن فيها إّل ولد الزنا ،أو َمن يفتري
الكذب من الذين ل يؤمنون .
ن فاطمة أفضل من عائشة ،بكونها من نسب النبي عليه
وإنما قال :في بعض الخلل ،ل ّ
فمن أبغضها أبغضني[ ، 2وروي عن السلم ،قال عليه السلم َ] :فاِطَمَة َبْضَعٌة ِمّني ،
سئلت :أي النساء كان أحب إلى رسول ال عليه السلم ؟ قالت :فاطمة ،فقيل :
عائشة أنها ُ
من الرجال ؟ قالت زوجها .
غَراِء غاِل
سَوى اْلِمْكَثاِر في اْلِإ ْ
ِ ن َيِزيًدا َبْعَد َمْو ٍ
ت َوَلْم َيْلَع ْ
اللعن :الطرد في اللغة ،ثم استعمل في تبعيد ال الشخص من رحمته ،كما قال ال تعالى :
ن َكَفُروا﴾ / 3أي بعدوا من رحمة ال تعالى ،واللعنة قد تكون دعاء على 22أ
ن اّلِذي َ
﴿ ُلِع َ
صّر على الكفر ،وقد تكون مؤقتا بسبب القول أو
الشخص أبديا ،كما في الشيطان ،والُم ِ
الفعل القبيحين ،فإذا خرج من ذلك القول ،أو الفعل بالستغفار والتوبة زال عنه وصف
كونه ملعونا من رحمة ال ،وقرب منها ،سواء كان كافرا فأسلم ،أو مسلما فتاب
بالشتغال بالطاعة والخير .
فإذا عرفت هذا ،فاعلم أنه ل يجوز أن َيلعن المسلم أحدا من المسلمين بعد التوبة عن
الكبيرة ،عملها 4بالتحقيق ،أو تردد في ذلك ،فعلى هذا قال الشيخ :ولم يلعن ،أي لم يدع
بدعاء اللعنة يزيدا بعد موته ،وهو يزيد بن مروان ،الذي أمر بقتل قرة عين رسول ال
عليه السلم ،الحسين ،رضي ال عنه ،سوى المكثار ،وهو فاعل لم يلعن ،أي إلّ الرجل
شهرة ،غالي ،أي متجاوز الحد في الغراء ،أي في تحريض الشر ،
الكثير الكلم في ال ّ
والفعل القبيح ،لحتمال أنه كان تائبا قبل موته ،وراجعا عّمـا باشر عليه ،فيرجى غفرانه ،
في معظم الروايات شطر دينكم ،و قال علي بن سلطان القاري :حديث خذوا شطر دينكم على الحميراء ل 1
33
ودخوله في شفاعة النبي عليه السلم ،كالوحشي ،فإنه قاتل حمزة ،فتاب بعده عنه ،
فتاب ال عليه ،فقبله النبي عليه السلم ،فصار صحابيا من أصحاب النبي عليه السلم .
قوله :في الغراء ،يتعلق بقوله غال ُ ،قّدم عليه للوزن ،وهو بدل من المكثار ،وانصرف
يزيد مع وجود العلتين لمنع الصرف فيه ،وهما :وزن الفعل ،والعلم ،للضرورة .
ن قلت :لو لم تجز اللعنة على المسلم بالمعصية ِ ،لم لعن الرسول عليه السلم بعض
فإ ْ
شَمَة[ ، 2و
سَتْو ِ
شَمَة َواْلُم ْ
ن اْلَوا ِ
شي [ ، 1و ]َلَع َ
ي َواْلُمْرَت ِ
شَل الّرا ِ
نا ُ
المسلمين في قوله ؟ ]َلَع َ
ج [ ، 3وكما لعن ال في كلمه ،حيث قال َ ﴿/ :أَلا َلْعَنُة الّلِه
سُرو ِ
عَلى ال ّ
ج َ
ن الّلُه اْلُفُرو َ
]َلَع َ
ت الّلِه عََلْيِه﴾ ، 5وغير ذلك .
ن َلْعَن َ
سُة َأ ّ
خاِم َ
ن ﴾ ، 4وقال َ ﴿ :واْل َ
ظاِلِمي َ
عَلى ال ّ
َ
ن لعنة الكافر طرد أبدي من رحمة ال ،
قلت :الفرق بين لعنة الكافر ،ولعنة المؤمن هو أ ّ
ولعنة المؤمن الفاسق وعيد وتخويف من إحسانه ولطفه ،ليسمع ويرجع عن فسقه ،أو
يحذر ويرجو رحمته وعفوه ،فمن يلعن يزيد حال حياته جاز ،ويكون من هذا الضرب ،
ن شاء عذبه بعدله بقدر ذنبه ،
وأّمـا بعد موته فل يجوز ،لنه في مشيئة ال تعالى ،إ ْ
ن شاء عفا عنه ،بفضله ورحمته. 6
وإ ْ
صاِل
ع الّدَلِئِل َكالّن َ
ِبَأْنَوا ِ ن الُمَقّلِد ُذو اعِتَباٍر
َوِإيَما ُ
اختلف أهل العلم في صحة إيمان الُمقّلد ،وهو من التقليد ،بمعنى قبول قول الغير بغير
حجة ،ومعرفة ذلك موقوفة على معرفة حقيقة اليمان ،فقال المحققون :اليمان هو
ص عليه أبو حنيفة في كتاب
التصديق بالقلب ،والقرار باللسان ،شرط إجراء الحكام ،ن ّ
ن التصديق لّمـا كان
ن اليمان في اللغة التصديق ،إّل أ ّ
العاِلم والمتعلم ،وقال الشعري :إ ّ
أمرا باطنا ،ل يمكن إجراء الحكام عليه ،أوجب الشرع القرار باللسان ؛ إمارة على
التصديق ،ل شرطا لجراء الحكام ،ولهذا يكفي في العمر مرة ،فيكون اليمان حينئذ هو
ن يعرف صحة
ن يضّم إليه الستدلل ،فل يجوز أ ْ
الذي ُيخبر عن التصديق بالقلب ،وينبغي أ ْ
قول الرسول عنده بدون دللة العقل ،وعندهم يصح بدونها ،بعد كون التصديق بالقلب ،
فإذا قال الرجل :آمنت ،ولم يكن التصديق قائما بالقلب ،ل يكون صادقا بالخبار باليمان
عن التصديق ،ولذلك نفى ال تعالى اليمان عن المنافقين /مع إقرارهم باليمان في23أ
سَلْمَنا ﴾ ، 7أي استسلمنا ،
ن ُقوُلوا َأ ْ
ب آَمّنا ُقْل َلْم ُتْؤِمُنوا َوَلِك ْ
عَرا ُ
ت اْلَأ ْ
قوله تعالى َ ﴿ :قاَل ِ
34
وإذا عرفت هذا ،فنقول :قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والوزاعي رحمهم ال :
ص بترك الستدلل عليه ،وقالت المعتزلة :إيمان المقلد
إيمان المقلد صحيح ،ولكنه عا ٍ
ليس بصحيح ،إذ ل معرفة له ،واليمان هو المعرفة ،فهو ل مؤمن ول كافر ،وحكم أبو
هاشم 1من رؤسائهم بكفره ،وقال َ :من لم يعرف كل مسألة من مسائل الصول بدللة العقل
على وجه يمكنه دفع الشبهة ل يكون مومنا ،والصحيح ما عليه عامة أهل العلم والفقه ِمن
ن يقال آمن به ،وآمن
حأْ
ن اليمان هو التصديق مطلقا ،كمن أخبر بخبر فصّدقه آخر ،ص ّ
أّ
له ،فإذا أخبر المقلد بما يجب اليمان به فصّدقه كان مؤمنا ،فيستحق ما وعد ال
للمؤمنين ،وقول الرسول عليه السلم يدل على صحة إيمانه ،حين سأله جبريل عليه
سِلِه َ ،واْلَيْوِم الخِِر ،
لِئَكِتِه َ ،وُكُتِبِه َ ،وُر ُ
ل َ ،وَم َ
ن ِبا ِ
ن ُتْؤِم َ
السلم عن اليمان ،وهو ] َأ ْ
شّرِه من ال تعالى [ ،2فإنه عليه السلم ما أجاب إّل بمجرد التصديق ،
خْيِرِه َو َ
ن ِباْلَقَدِر َ
َوُتْؤِم َ
ن الرسول عليه السلم لم يشتغل قط فيمن جاء وآمن به بتعليمه
وهو حاصل في الُمقّلد ،ول ّ
ن المعرفة غير اليمان ،
الدلئل العقلية في المسائل العتقادية ،والجواب عن شبهتهم أ ّ
ن أهل الكتاب يعرفون نبوة محمد عليه السلم كما يعرفون أبناءهم ،
بدليل أنه ينفك عنها ،فإ ّ
ولكن ل ُيصّدقون كما نطق به القرآن الكريم /وهذا الخلف إنما وقع فيمن نشأ على23ب
شاهق جبل ولم يتفّكر في العاَلم ،ول في الصانع أصل ،فُأخبر بذلك فصدقه ،فهو مؤمن ،
صْنٍع ِمن صانعه ،وهو خارج عن
فأّمـا َمن نشأ في بلد المسلمين ،وسّبح ال عند رؤية ُ
التقليد .
قوله :بأنواع الدلئل ،يتعلق بحكم الخبر ،وهو إيجابه ،ل باعتبار ،وإّل لكان من تمام
الخبر ،وتلك النواع ما قلنا من العقل و النقل ،وفعل النبي عليه السلم ،وإنما شبهها
بالنصال في النفاذ ،وهي جمع نصل ،وهو حديد السيف ،لكونها دلئل قطعية ،ل تقبل
التأويل ،فتنفذ عند أهل العقل ،كما ينفذ النصال عند الضرب ،وهو مع جاّره في محل
النصب على الحال من الدلئل ،أي ُ :مشّبهًة بالنصال .
عاِلي
ساِفِل َواْلَأ َ
ق اْلَأ َ
خلّ ِ
ِب َ جْهٍل
عْقِل ِب َ
عْذٌر ِلِذي َ
َوَما ُ
أي ليس عذر لحد عاقل من البالغ والصبي في الجهل بخالقه ،خالق السافل ،وهي سبع
أرضين ،وخالق العالي ،وهي سبع سموات ِ ،لما يرى من خلق نفسه ظاهرا وباطنا ،
هو الشيخ أبو هاشم عبد السلم بن محمد بن عبد الوهاب بن سلم ابن خالد بن حمران الجبائي 1
المعتزلي وابن شيخ المعتزلة .ولد عام 275هـ ،ودرس على أبيه وعلماء عصره ،حتى نبغ وأشتهر
بين العلماء ،وكان من البارعين في علم الكلم والمناظرة ،ولم تكن له رواية في علم الحديث ،وأتبعته فرقة
يطلق عليها الهاشمية ،أو البهشمية من المعتزلة ، .توفي سنة 321هـ ،ومن مؤبفاته :الشامل في الفقه ،
وتذكرة العاِلم .
المسند الجامع 465 /31 2
35
وخلق السموات والرض وما فيهما من الكواكب والشمس والقمر ،ودورانها بالحكمة ،
ومن الجبال ،والبحار ،والشجار ،والنهار الجارية على الدوام للمصلحة التي يعلمها ال
ظُروا ِفي َمَلُكو ِ
ت ن ﴾ ، 1وقال َ ﴿ :أَوَلْم َيْن ُ
صُرو َ
سُكْم َأَفَلا ُتْب ِ
تعالى ،قال ال تعالى َ ﴿ :وِفي َأْنُف ِ
ن وجوبه بالعقل أم بالسمع ،قال أبو
ن أهل العلم اختلفوا في أ ّ
ض﴾ ، 2لك ّ
ت َواْلَأْر ِ
سَماَوا ِ
ال ّ
ن وجوب اليمان بال بالعقل ل بالسمع ،فإنه لو لم
حنيفة رحمة ال عليه ،وَمن تابعه :إ ّ
يبعث رسول ؛ لوجب على الخلق معرفته بعقولهم ،وأّمـا في الشرع وأحكامه فهم
معذورون ،حتى تقوم عليهم الحجة السمعية /وقالت الملحدة والروافض والمشبهة24 :أ
حسن الشياء وقبحها ،وقال الشعري به ،فل يجب
ل يجب بالعقل شيء ،ول ُيعرف به ُ
بالعقل شيء ،أو ل ُيعرف به حسن الشياء وقبحها ،وقالت المعتزلة :العقل يوجب اليمان
بال ،وشكر نعمته ،ويثبت الحكام بذاته ،وقالت أهل السنة والجماعة :العقل آلة ُيعرف
حسن الشياء وقبحها ،ووجوب اليمان وشكر الّنعم ،والُمعّرف والموجب في الحقيقة
بها ُ
هو ال تعالى ،لكن بواسطة العقل ،وأّمـا الصبي العاقل إذا كان بحال يمكنه الستدلل ،
فقال الشيخ أبو منصور رحمه ال :يجب اليمان عليه ،وتابعه أكثر مشايخ العراق ،وقال
بعضهم :ل يجب عليه قبل البلوغ شيء ،لّنه غير ُمكّلف ،وحجة المشايخ قوله تعـالى :
سُئوًلا﴾ ، 3والسمع يختص بالمسموعات ،
عْنُه َم ْ
ن َ
ك َكا َ
صَر َواْلُفَؤاَد ُكّل ُأوَلِئ َ
سْمَع َواْلَب َ
ن ال ّ
﴿ ِإ ّ
ن السمع والبصر ل يستغنيان عن العقل ،
والبصر بالمبصرات ،والفؤاد بالمعقولت ،مع أ ّ
إذ السمع يسمع الحق والباطل ،ول ُيفّرق بينهما إّل بالعقل ،وكذا البصر ُ ،يبصر الحق
والباطل ،ول ُيفّرق بينهما إّل بالعقل ،فإذا مدار المعارف على العقل ،والبالغ والصبي
ن النبياء ناظروا أممهم بالدلئل العقلية ،وخاصة الخليل
العاقل في ذلك على التسوية ،ل ّ
عليه السلم ،كما هو المشهور المذكور في القرآن ،وليس تفسير وجوب اليمان بالعقل أ ْ
ن
ن تفسيره
ق العاقل الثواب بفعله ،أو العقاب بتركه ،إذ هما ل يعرفان إّل بالسمع ،ولك ّ
يستح ّ
ن العتراف بالصانع أولى من أنكاره ،وتوحيده 24ب
/عندنا تحقيق ترجيح في العقل أ ّ
أولى 4من إشراك غيره به ،لفرقان العقل بينهما .
ن الصبي العاقل كالبالغ في وجوب اليمان بال بواسطة
قوله :لذي عقـل ،إشارة إلى أ ّ
العقل ،كما أنه لو أسلم ،كان إسلمه صحيحا بالتفاق ؛ لعدم التفاوت في العقل بين البالغ
ن التفاوت بينهما باعتبار
والصبي العاقل في الستدلل به ،ولذا لم يقل لذي بلوغ ،ولك ّ
الحكام الشرعية ،التي هي العمال الشاقة ثابت جدا ،من حيث ضعف الُبنية وقّوتها ،إذ
36
لها أثر عظيم ،ل يتحمله الصبي ،ولو كان عاقل ،فل تكون واجبة عليه ،وهي تتعلق
سَعَها﴾، 1
سا ِإّلا ُو ْ
ف الّلُه َنْف ً
بالخطاب السمعي الذي ل يليق بحاله ،لقوله تعالى َ ﴿ :لا ُيَكّل ُ
عن الصب ّ
ي ن الرسول عليه السلم قال في حقه ُ] :رفع اْلَقَلم َ
ل للخطاب ،ول ّ
فل يكون مح ً
حّتى يحتلم [ ، 2أي يبلغ ،وأراد برفع القلم رفع تعّلق الخطاب السمعي ،بقرينة ذكر القلم ،
َ
لنه ُيستعمل في السمعيات ،دون العقليات .
قوله :لذي عقل ،خبر ما ،بمعنى ليس مجازا ،وبجهل يتعلق بالمنفي ،والباء للسببية ،
وهو في محل النصب على الحال ،تقديره ُملبسا بجهل ،والباء في بخلف يتعلق بجهل
على المفعولية .
ِبَمْقُبوٍل ِلَفْقِد اْلِإْمِتَثاِل حاَل َبْأ ٍ
س ص َ
خ ٍ
شْن َ
َوَما ِإيَما ُ
أي ليس إيمان شخص حال الَبأس ،وهو الشدة والعذاب بمقبول عند ال ؛ لنتفاء امتثال
أمره تعالى قبل ذلك ،يعني لو آمن الكافر وقت معاينة العذاب والعقوبة ،ل ُيقبل إيمانه ،
سَنا ﴾ / ، 3وقيل :البأس سكرات 25أ
ك َيْنَفُعُهْم ِإيَماُنُهْم َلّما َرَأْوا َبْأ َ
لقوله تعالى َ ﴿ :فَلْم َي ُ
ن كل أحٍد يرى مكانه عند الموت ،فيؤمن ،ول ُيقبل إيمانه ،لنه لم يؤمن
الموت ،ل ّ
ن*
بالغيب ،والمراد من اليمان أن يكون في حال الغيب ،لقوله تعالى ُ ﴿ :هًدى ِلْلُمّتِقي َ
ت حَّتى ِإَذا
سّيَئا ِ
ن ال ّ
ن َيْعَمُلو َ
ت الّتْوَبُة ِلّلِذي َ
س ِ
ب ﴾ ، 4وقوله تعالى َ ﴿ :وَلْي َ
ن ِباْلَغْي ِ
ن ُيْؤِمُنو َ
اّلِذي َ
ن﴾ الية ، 5قيل :المراد من السّيئات الشرك ،أو عمل
ت اْلآ َ
ت َقاَل ِإّني ُتْب ُ
حَدُهُم اْلَمْو ُ
ضَر َأ َ
ح َ
َ
ت َأّنُه َلا ِإَلَه ِإّلا
ق َقاَل آَمْن ُ
حّتى ِإَذا َأْدَرَكُه اْلَغَر ُ
النفاق ،ولقوله تعالى في شأن فرعون َ ﴿ :
ن ﴾ ،6فقـال تعالى في جوابه باستفهام
سِلِمي َ
ن اْلُم ْ
سَراِئيَل َوَأَنا ِم َ
ت ِبِه َبُنو ِإ ْ
اّلِذي آَمَن ْ
ن﴾ ، 7أي لم تؤمن بي ،فأنكر ال
سِدي َ
ن اْلُمْف ِ
ت ِم َ
ت َقْبُل َوُكْن َ
صْي َ
ع َ
ن َوَقْد َ
النكاري ﴿ :آْلآ َ
ن ﴾ ،أي في هذا الوقت تؤمن ،وهو وقت الضطرار ،ل وقت
إيمانه ،لقوله ﴿:آْلآ َ
الختيار ،فأغرقه مع أتباعه وجنوده في البحر ،فإن قلت :هـذا منقوض بإيمان قوم
ت َقْرَيٌة﴾ أي ما
ن ال تعالى َقِبَل إيمانهم حال البأس ،لقوله تعالى َ ﴿:فَلْوَلا َكاَن ْ
يونس ،فإ ّ
شْفَنا
س َلّما آَمُنوا َك َ
ت َفَنَفَعَها ِإيَماُنَها ِإّلا َقْوَم ُيوُن َ
ثبت في الزمان السابق جماعة قرية ﴿ آَمَن ْ
ن ال تعالى أراهم علمة
ن إيمانهم لم يكن حال البأس ،ل ّ
ي﴾ 8أجيب بأ ّ
خْز ِ
ب اْل ِ
عَذا َ
عْنُهْم َ
َ
37
العقوبة ؛ ليؤمنوا ويطيعوا أمره تعالى ،فهو بمنزلة رفع الجبل على قوم موسى ؛ لمتثال
س َلّما
أمر التوراة ،والعمل بها ،وإّل في الية بمعنى لكن ،ل للستثناء ،ولكن ﴿َقْوَم ُيوُن َ
آَمُنوا ، ﴾....الية ،فيكون إيمانهم باختبارهم ،فترتب عليه كشف العذاب عنهم ،وإنما
ن توبة المؤمن عن المعاصي مقبولة حال البأس لسبق معرفة ربه 25 /ب
قيل اليمان ،ل ّ
وأّمـا الكافر ،فل معرفة له بربه حتى يستيقظ عند البأس ،فُيرّد إيمانه عليه .
صاِل
ض اْلِو َ
ن َمْفُرو َ
ن اْلِإيَما ِ
ِم َ سا ٍ
ب ح َ
خْيٍر في ِ
َوَما َأْفَعاُل َ
أي ليست العمال الحسنة في حساب من اليمان حال كونه مفروضا وصاله بالعمال في
ن العمال الصالحة بدون اليمان كالعدم ،وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه
الوجود ،ل ّ
ن اليمان عبارة عن التصديق بالقلب ،وهو معنى ل يقبل الزيادة
رحمهم ال ،وحجتهم أ ّ
عِمُلوا
ن آَمُنوا َو َ
ن اّلِذي َ
ن ال تعالى عطف العمال على اليمان بقوله ِ ﴿ :إ ّ
والنقصان ،ول ّ
ت ﴾ ، 1والمعطوف غير المعطوف عليه ،ولنه شرط صحة العمال ،كما قال ال
حا ِ
صاِل َ
ال ّ
ن ﴾ ، 2والشرط غير المشروط ،فل ُتَعّد
ت َوُهَو ُمْؤِم ٌ
حا ِ
صاِل َ
ن ال ّ
ن َيْعَمْل ِم َ
تعالى َ﴿:وَم ْ
العمال من اليمان ،وأّمـا اليات الواردة في زيادة اليمان ،كقوله تعالى ِ﴿:لَيْزَداُدوا
4
ن﴾
عَلى َرّبِهْم َيَتَوّكُلو َ
عَلْيِهْم آَياُتُه َزاَدْتُهْم ِإيَماًنا َو َ
ت َ
ِإيَماًنا َمَع ِإيَماِنِهْم﴾ ، 3وقوله َ﴿ :وِإَذا ُتِلَي ْ
،وغير ذلك من اليات فمأّول بزيادة أنوار اليمان وثمراته ،ومذهب مالك والشافعي ،
وأهل الحديث العمال الحسنة من اليمان ،وحجتهم اليات الدالة على زيادة اليمان ،
ضيَع ِإيَماَنُكْم﴾ ، 5أي صلتكم إلى بيت المقدس ،وقوله عليه
ن الّلُه ِلُي ِ
وقوله تعالى َ﴿:وَما َكا َ
ضُلها َقْوُل ل ِإَلَه ِإّل ال محمد رسول ال وأْدناها
شْعَبًة أْف َ
ن ُ
سْبُعو َ
ضٌع و َ
ن ِب ْ
السلم ]اِليما ُ
ضيَع ِإيَماَنُكْم﴾
ق[ ، 6وأجابوا عن اليات بما مّر ،وعن قوله ِ﴿ :لُي ِ
طِري ِ
ن ال ّ
طُة اَلذى ع ِ
ِإما َ
ن/
ن شعب اليمان بضع وسبعون شعبة ،ل ّ
بتأويل إيمانكم بالصلة ،وعن الحديث ،بأ ّ
26أ قوله إماطة الذى ليست بداخلة فيه اتفاقا .
:ما بمعنى ليس ،وأفعال خير ،اسمه ،إضافة الفعال إضافة الموصوف إلى الصفة ،
مثل :مسجد الجامع ،وقوله :في حساب ،منصوب المحل خبر ما ،وفيه ضمير يرجع إلى
أفعال خير ،ومن اليمان متعلق بالحساب ،وهو العدّ ، 7وقوله :مفروض الوصال بالنصب
1البقرة ، 277يونس ، 9هود ، 23الكهف ، 107 ، 30مريم ، 96لقمان ، 8فصلت ، 8البروج ، 11
البينة 7
2طه 112
3الفتح 4
4النفال 2
5البقرة 143
6الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير ،للسيوطي 1/472
7في ب :العدد .
38
حال من اليمان كما ذكرنا ،وقيل من الضمير في قوله :في حساب ،والصل مفروضة
الوصال بالتاء ،إّل أنه ترك بتأويل المذكر ،وفيه نظر ،لبعده عن الصل المستمر بوجهين
فتأمل .
خِتَزاِل
ِبعْهٍر َأْو ِبَقْتٍل َوا ْ َوَل ُيْقضى ِبُكْفٍر َواْرِتَداٍد
أي ل ُيحكم بكفر أحد وارتداده عن دين السلم بعهر ،وهو الزنا ،أو بقتل َمن ل يحل قتله
من الذكر والنثى ،أو باختزال عضو منه ،وهو القطع ظلما ،وقيل :المراد من الختزال
هو الغضب ،يعني بارتكاب الكبائر ،ل يحكم بكفر أحد عند أهل السنة والجماعة ،خلفا
للخوارج ،فإنهم قالوا ُيكّفر بالكبيرة والصغيرة ،وخلفا للمعتزلة ،فإنهم قالوا :مرتكب
الكبيرة ليس بكافر ،ول مؤمن ،بل فاسق ُ ،يخّلد في النار لو مات على فسقه بل توبة ،
ص ِفي اْلَقْتَلى﴾، 1
صا ُ
عَلْيُكُم اْلِق َ
ب َ
ن آَمُنوا ُكِت َ
حجة أهل الحق ،قال ال تعالى َ﴿ :يا َأّيَها اّلِذي َ
ن الّلَه َلا
والقتل الموجب للقصاص كبيرة ،فصاحبها خوطب باليمان ،وقوله تعالى ِ﴿ :إ ّ
شاُء ﴾ ، 2فإنه يدل على من مات بغير توبة من
ن َي َ
ك ِلَم ْ
ن َذِل َ
ك ِبِه َوَيْغِفُر َما ُدو َ
شَر َ
ن ُي ْ
َيْغِفُر َأ ْ
أهل الكبائر يغفر ] له [ ،دون أهل الشرك ،فبالكبيرة ل يخرج من اليمان ،وشبهة أهل
خاِلًدا ِفيَها ﴾ ، 3والخلود فيها
جَزاُؤُه جََهّنُم َ
ن َيْقُتْل ُمْؤِمًنا ُمَتَعّمًدا َف َ
الباطل قوله تعالى َ﴿ :وَم ْ
ُمسبب عن الكفر ،قلنا المراد من الخلود /طول المكث ،نقل عن أئمة التفسير ،أو 26ب
ن استحّل قتله ،لنه ُيكّفر باستحلل الحرام .
المراد حقيقة الخلود إ ْ
ضى ،مجهول ،وبكفر ،قائم مقام الفاعل ،والباء للصاق ،وقوله :بعهر ،
قوله :ل ُيق َ
متعلق بالفعل المجهول ،والباء للسببية .
لِل
سَق َذا اْن ِ
ح ّ
ن َ
ن ِدي ِ
عْ
صر َ
َي ِ ن َيْنِو اْرِتَداًدا َبْعَد َدِهٍر
َوَم ْ
صر ،أي يرجع
أي َمن يقصد بقلبه ارتدادا عن دين السلم في وقت من أوقات عمره َي ِ
ن نّية
البتة عن دينه الحق في حال النّية ،ذا انسلل ،أي صاحب خروج وانصراف ،ل ّ
ن لم يجر لفظ الكفر
الكفر ُتزيل نّية التصديق ؛ لمتناع اجتماع الضدين ،فيصير كافرا ،وإ ْ
ن َمن خطر في قلبه الكفر ،أو
على لسانه ،والمراد من هذه النّية العزم ،ل الخطور ،ل ّ
ن ُيظهره بلسانه
سبب من أسبابه ل يكفر ،لّنه ليس ذلك في وسعه ،فلو خطر بحيث خاف أ ْ
ن يكفر ،ولو بعد سنين ُ ،يخرجه
كان ُمثابا ،لنه عين اليمان ،ولذا قيل :عزم المؤمن أ ْ
ن يقول :
عن اليمان في الحال ،لنه استحّل الكفر ،واستحلل المعصية كفر ،فل يجوز أ ْ
39
ن الشك
ن شاء ال ،على وجه الشك ،ل في الحال ،ول بحسب حال موته ،ل ّ
أنا مؤمن إ ْ
ُينافي التصديق ،وأّمـا ذكره على وجه التبرك فيجوز عند الشافعي ،دون أبي حنيفة رحمة
ن وضع هذه الكلمة على التشكيك ،ولهذا أجمعا أنها ُتبطل اليمين ،والطلق ،
ال عليه ،ل ّ
ن يؤمن فل يخرجه عن كفره ما لم يؤمن ،
والعتاق ،والبيع ونحوها ،وأّمـا عزم الكافر أ ْ
لتعذر اعتقاده عليه ،فل يجتمع مع اليمان ،وَمن في قوله َ :من ينِو ،شرطية ،وعلمة
صر ،بالجزم ،جزاء الشرط ،وقوله :ذا انسلل ،
الجزم سقوط الياء ِمن ينوي ،وقوله َ :ي ِ
خبر صار .
غِتَفاِل
ن ِبا ْ
ع َرّد ِدي ٍ
طْو ٍ
ِب َ عِتَقاٍد
غْيِر ا ْ
ن َ
ظ اْلُكْفِر ِم ْ
َوَلْف ُ /
27أ
ن يعتقد أنه كفر بجهله به ،بطوع ،أي
أي َمن أجرى على لسانه لفظ الكفر من غير أ ْ
باختيار من نفسه ،ل بإكراه من آخر ،رّد دينه ،أي أزال إيمانه عن قلبه ،باغتفال ،أي
بسبب شدة الغفلة ،وعليه فتوى ِمن أئمة بخارى وسمرقند ،تغمدهم ال بغفرانه ،لنه ل
ن يستغفر ،وُيجدد اليمان والنكاح والعمال الصالحة من الفروض ،
ُيعذر بالجهل ،فل بّد أ ْ
فقوله :من غير اعتقاد ُ ،يشعر على أنه لو أجرى لفظ الكفر على لسانه بالعتقاد يكفر
ن يعتقده ،على سبيل الخطأ ،ل يكفر
بالنفاق ،ولو سبق لفظ الكفر على لسانه من غير أ ْ
بالتفاق .
ن فيه
قوله :بطوع ،يتعلق بلفظ الكفر ،والباء بمعنى مع ،وهو احتراز عن الكراه ،فإ ّ
ن ُأكِره بالقتل ،أو بإتلف عضو من أعضائه ،أو بإيلم شديد ،ل يكفر ،حال
تفصيل :إ ْ
ن ُأكره بحبس ،أو بقيد ،أو بإتلف مال ،يكفر بالتفاق ،
كون قلبه مطمئنا باليمان ،وإ ْ
ن يدعو
عَمُلُه ﴾ ، 1وينبغي أ ْ
ط َ
حِب َ
ن َفَقْد َ
ن َيْكُفْر ِباْلِإيَما ِ
ويحبط عمله ،لقوله تعالى َ ﴿ :وَم ْ
المؤمن صباحا ومساء بهذا الدعاء ،بالتضرع والبتهال ) :اللهم إني أعوذ بك من أ ْ
ن
لم الغيوب ( .
ُأشرك بك شيئا وأنا أعلم ،وأستغفرك ِلما ل أعلم ،إنك أنت ع ّ
جاِل
ِبَما َيْهِذي َوَيْلُغو ِباْرِت َ سْكٍر
حاَل ُ
حَكْم ِبُكْفٍر َ
َوَل ُي ْ
سكر
أي ل ُيحكم على َمن شرب الخمـر وسِكر ،وأجرى كلمة الكفر على لسانه حالة ال ّ
ن يختلط كلمه ،ول يستقيم ،
بكفره ،وهي حالة تعرض بين الشخص وعقله ،وحّد السكر أ ْ
ن ل يعرف /الرض من السماء ،ول ُيفرق بين الخير والشر ،فلو عرف 27ب
وقيل :أ ْ
أو فّرق يحكم بكفره ،فيترتب عليه أحكامه ،بما يهذي ،أي ُيفحش ،الباء للسببية ،وما
مصدرية ،والجار والمجرور متعلق بقوله :ل ُيحكم ،وهو فعل منهي بالجزم مجهول ،
40
وقوله :بكفر قائم مقام الفاعل ،ويلغو ،أي يتكلم بما ل عبرة له في الشرع ،والرتجال
هو التكّلم بالبديهة ،يعني من غير فكر ،وهو ـ أعني بارتجال ـ يتعلق بقوله يهذي ،
ن السكران عند الشيخ ل
أويلغو ،ل بقوله ل ُيحكم ،لبعده عنه لفظا ومعنى ،فالحاصل أ ّ
ن صحابيا سكر ،ودخل وقت صلة المغرب فأّم القوم ،وقرأ
يكفر بلفظ الكفر ِ ،لما روي أ ّ
ن﴾ إلى آخرها ،وترك منها كلمة ﴿َل﴾ ،وبتركها يكفر المؤمن
سورة ﴿ ُقْل َيا َأّيَها اْلَكاِفُرو َ
ن آَمُنوا َلا َتْقَرُبوا
ن ال تعالى خاطبه بلفظ المؤمن في قوله َ ﴿ :يا َأّيَها اّلِذي َ
العاقل ،مع أ ّ
سَكاَرى ﴾ الية ،1فعلم أنه ل يكفر بإجراء كلمة الكفر على لسانه حال السكر .
صَلاَة َوَأْنُتْم ُ
ال ّ
عْين 2الِهلِل
ح ِفي َ
ِلِفْقٍه َل َ شْيئا
َوَما الَمْعُدوُم َمْرِئّيا َو َ
أي ليس المعدوم مرئيا ل تعالى حالة العدم ِ ،لِعلٍم ظهر لنا في الهلل المبارك ،وهو الطالع
أول الشهر بالدقة 3من القمر إلى ثلث ليال ،ثم ُيسّمى القمر إلى آخر الشعر ،والهلل في
ن الناس يرفعون أصواتهم عند رؤيته ،والضافة في
سمي به ؛ ل ّ
اللغة الصوت ،وإنما ُ
عين الهلل من باب إضافة الصفة إلى موصوفها ،كأخلق ثياب ،في تأويل ثياب أخلق ،
ن الهلل قبل الطلوع /كان
كما تحقق في النحو ،وإنما قال الفقه لح في عين الهلل ،ل ّ
28أ معدوما ،غير مرئي ،ول ُيرى ما ُيزاد عليه من النور يوما فيوما حالة العدم ،مع
عِلم انتفاء رؤيته ،لنتفاء علته ،
صرة بالعين ،فلما لم ُيَر ُ ،
كون النور أظهر الشياء الُمْب َ
وهو الوجود ،إذ الوجود شرط في الرؤية ،كما تحقق من قبل ،فلّمـا كان هو علة في
الشاهد ،كان علة أيضا في الغائب ،لمتناع تبّدل العلة بالغائب والشاهد .
ن المعدوم على نوعين :معدوم ممتنع ،ومعدوم ممكن ،والول ما
وإذا عرفت هذا فاعلم أ ّ
يكون وجوده ُمحال ،وعدمه واجبا ،كشريك الباري تعالى ،واجتماع النقيضين ،والثاني ما
الوجود والعدم بالنسبة إليه سواء ،والرؤية ل تتعلق بالنوع الول باتفاق أهل الشرق
والغرب ،ول ُيطلق على شيء أيضا ؛ لمتناع ثبوته بوجه من الوجوه ،وهذا أيضا متفق
عليه ،واختلفوا في تعّلق الرؤية بالنوع الثاني قبل وجوده ،وفي إطلق اسم الشيء عليه .
ن علة الرؤية الوجود ،وهو منتف ،فل
قال أهل السنة والجماعة :يمتنع تعّلق الرؤية ،ل ّ
ن حال العدم من حيث هو هو ل يتفاوت بالرؤية وعدمها ،فإذا امتنعت
يكون مرئيا ،ول ّ
ن يمتنع في المعدوم ،الذي ل يستحيل وجوده
الرؤية بالمعدوم الممتنع بالتفاق ،يلزم أ ْ
سَكاَرى َحّتى تَْعلَُموا َما تَُقوُلوَن َوَل صَلةَ َوأَْنتُْم ُ النساء ، 43والية بتمامها ]َيا أَّيَها الِّذيَن آَمُنوا َل تَْقَرُبوا ال ّ 1
41
لعدمه في الحال ،فحينئذ يستحيل إضافة رؤيته إلى ال تعالى ؛ خلفا للسالمية، 1
والمقنعية ،2فإنهم قالوا :العاَلم مرئي ل تعالى قبل وجوده في الزل ،وهو باطل ِلما علمت ،
عَمَلُكمْ
سَيَرى الّلُه َ
عَمُلوا َف َ
ن قوله تعـالى َ ﴿ :وُقِل ا ْ
ولنه يلزم القول بقدم العاَلم ،ول ّ
ن عملهم قبل الوجود غير مرئي ل تعالى /وإّل لم يفد قوله 28ب
سوُلُه ﴾ 3يدل على أ ّ
َوَر ُ
سَيَرى الّلُه ﴾ .
﴿ َف َ
وكذا اختلفوا في جواز إطلق الشيء على المعدوم الممكن ،قال أهل السنة والجماعة :ل
ن الشيء مرادف الموجود ،بدليل قوله تعالى في قصة زكريا عليه
يجوز إطلقه عليه ،ل ّ
شْيًئا ﴾ 4فإنه قبل الخلق كان معدوما يقينا ،وقد
ك َ
ن َقْبُل َوَلْم َت ُ
ك ِم ْ
خَلْقُت َ
السلم َ ﴿ :وَقْد َ
عِة
سا َ
ن َزْلَزَلَة ال ّ
شْيًئا ﴾ ،وأّمـا قوله تعالى ِ ﴿ :إ ّ
ك َ
سِلب عنه اسم الشيء بقوله ﴿َوَلْم َت ُ
ُ
ظيٌم﴾ ، 5فلصدق وعده تعالى ،نزل منزلة الموجود ،فيكون مجازا ،ل حقيقة ،
عِ
يٌء َ
ش ْ
َ
ن المعدوم شيء بهذه الية .
سك المعتزلة على أ ّ
وهذا جواب عن تم ّ
جِتَزاِل
سَمْع ِبا ْ
ن َفا ْ
عِديُم اْلَكْو ِ
َ ث َواْلَهَيُوَلى
حدي ٌ
َوُدْنَياَنا َ
قال أهل السنة والجماعة :العاَلم بجميع أجزائه ،وهو الدنيا ُمحدث ،خلفا للفلسفة ،
ن العاَلم جواهر وأجسام ،وهي تخلو عن العراض ،
فإنهم قالوا :إنه قديم ،قلنا :إ ّ
ن العرض ل يبقى زمانين ،وكل ما ل يخلو عن
كالحركة والسكون ،وهي حادثة ؛ ل ّ
الحوادث ،فهو حادث ،فالعاَلم حادث بإحداث ال تعالى ،ل للعبث والفناء ،بل خلقه
سْبُتْم
ح ِ
للتكليف والبتلء ،ليظهر آثار عدله وفضله وقهره ورحمته ،قال ال تعالى َ ﴿ :أَف َ
ض َوَما
ت َواْلَأْر َ
سَماَوا ِ
خَلْقَنا ال ّ
ن﴾ ، 6وقوله َ ﴿ :وَما َ
جُعو َ
عَبًثا َوَأّنُكْم ِإَلْيَنا َلا ُتْر َ
خَلْقَناُكْم َ
َأّنَما َ
السالمية :ويقال لها أيضا » الجواليقية « وهم أصحاب هشام بن سالم الجواليقي ،وهم في المامية 1
كالحكمية ،وفي العتقاد مختلفون :فالحكمية يقولون :إن ا عزوجل جسم طويل عريض عميق متساوى
البعاد غير مصور بالصور المتعارفة ،وهم يقولون جسم مصور بصورة النسان ،تعالى ا عما يقولون
علوا كبيرا .وقد ظهرت سنة مائة وثلث عشرة .
هشام بن سالم الجواليقي العلف ،زعم أن معبوده على صورة النسان .الفرق بين الفرق :ص 216؛ الملل
والنحل .1/185 :وهو من ثقات الرواة عن الصادق عند المامية قال عنه النجاشي » :ثقة ثقة « .رجال
النجاشي ،2/339 :وذكره الكشي في رجاله :ص ..281
المقنعية :فرقة من الشيعة ،أصحاب المقنع الخراساني ،من أهل مرو وكان يعرف شيئا من السحر، 2
فادعى الربوبية من طريق المناسخة ،يقال إنه اتخذ قناعا من ذهب لقبحه ،تبعه خلق كثير ،وقتل سنة 163ه.
تاريخ الطبري 4/560 :وما بعدها؛ وفيات العيان ، .3/263 :وهم يعتقدون أن المقنع إله بعد المام
الحسين ،تعالى ا عن ذلك علوا كبيرا ،وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .الفرق بين الفرق ،ص
215
التوبة 105 3
42
ق﴾ ،1أي لظهـار الحق ،وقال الفلسفة :الهيوَلى 2أصل العالم ،وهي
ح ّ
َبْيَنُهَما ِإّلا ِباْل َ
قديمة ،والعالم صورتها ،وهي ل تنفك عنها ،وكذا الصورة ل تنفك عن الهيولى ،فيكون
ن الحادث ما كان مسبوقا بالعدم ،
العاَلم قديما ،والتغيير فيه بحسب العراض الحادثة ،ل ّ
ن29أ
فيكون حدوثه /زمانيا ،والحدوث الزماني يقتضي تقدم مادة ومّدة ،أّمـا الول فل ّ
إمكان الحادث موجود قبله ،فيكون له محل غير الحادث يقوم به لنه عرض ،وهو المادة ،
وهي الهيولي ،وأّمـا الثاني ،فلنه عدم الحادث قبل وجوده بالزمان ،إذ هذا التقدم ليس
بالعلّية ،ول بالذات ،ول بالشرف ،ول بالمكان ،كتقدم حركة الصبع على حركة الخاتم ،
وتقدم واحد على الثنين ،وتقّدم العاِلم على المتعلم ،وتقدم المام على المأموم ،فهو
بالزمان ،كتقدم الب على البن هو المدة ،وُأجيب بأن المكان عدمي ،ل يستدعي قبل
ن القبلّية قد تكون بغير ما ذكر ،كقبلية اليوم
وجود الحادث محل موجودا في الخارج ،وبأ ّ
على الغد ،فإنها قبلية بعض أجزاء الزمان على البعض ،وهي ليس بالزمان ،وإّل لكان
للزمان زمان آخر ،وهو ممتنع ،فعلى هذا ل يكون للهيولى كون ،أي وجود ،ولذا قال
ن ال تعالى فاعل
الشيخ :عديم الكون فاسمع باجتزال ،أي بفرح القلب وانشراحه ،ل ّ
بالختيار ،ل موجب بالذات ؛ حتى يلزم قدم العاَلم .
ن َيْكَرْه َمَقاِلي ُكّل قاِل
َوِإ ْ حٍل
ق ِمْثَل ِ
ت ِرْز ٌ
ح َ
سْن ال ّ
َوِإ ّ
ن يبغض مقالي كل عدو للحق ،قال أهل
ن الحرام رزق من ال للعباد ،مثل الحلل ،وإ ْ
أي أ ّ
السنة والجماعة :كل ما يأكل النسان من الحلل والحرام رزقه المقدر له ؛ خلفا لهل
ن الرزق
العتزال ،فإنهم قالوا :الحرام ليس برزق للنسان ،والختلف فيه بناء على أ ّ
ن يكون غذاء لحيوان ُمعّين ،
عندنا هو الغذاء المقّدر للحي المغتذي ،فما قّدره ال تعالى أ ْ
ل يصير غذاء لغيره ،سواء َمَلَكه ،أو لم يملكه ،وعندهم الرزق /اسم للِمْلك 29 ،ب
تمسكا بقوله تعالى َ ﴿ :وِمّما َرَزْقَناُهْم﴾ ، 3أي مما مّلكناهم ،قلنا :الرزق هنا ُمفسر
ن ُيقّدر له
ن الصلح للعبد أ ْ
بالتقدير من الغذاء ،وهو غير التمليك ،وما ذكروا فيه من أ ّ
الحلل دون الحرام ،وإّل لكان ظلما ،غير ُمسّلم لما بّينا أن ل إيجاب عليه تعالى ،وإّل
جب ،وهو محال ،وأيضا لو كان الرزق هو الِمْلك لما رزق الدواب ؛ لنتفاء
لكان فوقه مو ِ
عَلى الّلِه
ض ِإّلا َ
ن َداّبٍة ِفي اْلَأْر ِ
أهلية التمليك عنها ،لكنها رزقت لقوله تعالى َ ﴿ :وَما ِم ْ
ِرْزُقَها﴾. 4
43
لِل
ضَب ال ّ
حا ُ
صََوَقْد َيْنِفيِه َأ ْ عَوات َتْأِثيٌر َبِليٌغ
َوِللّد َ
أي لدعية الصلحاء والزهاد وعامة المؤمنين ،لحيائهم ،وأمواتهم تأثير تام ،ومنفعة
عظيمة ؛ ليصال الثواب إلى أرواحهم ،ولرفع العذاب والعقوبة عنهم ،وقد ينفيه أصحاب
الضلل والشقاوة ،وهم أهل العتزال ،فإنهم قالوا :ما قّدر ال يكون ،وما لم ُيقّدر ل
يكون ،فل فائدة في الدعاء ،وهو باطل بالية ،وأخبار النبي عليه السلم ،قال ال تعالى :
جيُبوا ِلي ﴾ ، 1أي فليطيعوني قبل الجابة ،بمعنى
سَت ِ
ن َفْلَي ْ
عا ِ
ع ِإَذا َد َ
عَوَة الّدا ِ
ب َد ْ
جي ُ
﴿ ُأ ِ
ن جََهّنَم
خُلو َ
سَيْد ُ
عَباَدِتي َ
ن ِ
عْ
ن َ
سَتْكِبُرو َ
ن َي ْ
ن اّلِذي َ
الثواب لدعاء الداعي ،وقال أيضا ِ ﴿ :إ ّ
عاُء
ن ﴾ ، 2أي يتعظمون عن دعائي ،بدللة سياق الكلم ،وقال عليه السلم ] :الّد َ
خِري َ
َدا ِ
ل إياها َ ،وَك ّ
ف عو ال بدعوة ِ ،إّل آَتاُه ا ُ
ن رجل مسلم َيْد ُ
خ اْلِعَباَدِة [ ، 3وقال أيضا َ] :ما ِم ْ
ُم ّ
حٍم [.4
طيَعِة َر ِ
ع ِبِإْثٍم َ ،أْو َق ِ
ن الشّر ِمْثَلُها َ ،ما َلْم َيْد ُ
عْنُه ِم َ
َ
ن ال تعالى ل يستجيب
طْيب المطعم ،وإخلص النية ،وإحضار القلب /ل ّ
وشرط الدعاء ِ
سِنّية ،
سّنة َ
30أ الدعاء من قلب لٍه ،وختم كل دعاء بصلة على النبي عليه السلم ُ
وشفيعة له في القبول .
سّؤاِل
ص ِبال ّ
خ ٍ
شْسُيْبَلى ُكّل َ
َ حيِد َرّبي
ن َتْو ِ
عْث َ
جَدا ِ
َوفي اْلَأ ْ
أي كل شخص ،كبير أو صغير ،ذكر أو أنثى سُيمتحن بالسؤال عن توحيد ال تعالى ،في
جَدث ،أي في القبور ،فيجب العتقاد بحقيقته قطعا به ،لورود الخبار
أجداث ،جمع َ
خيُكْم َ ،فِإّنُه ال َ
ن سَتْغِفرُوِا َل ِ
الصحاح فيه ،قال عليه السلم بعد دفن الميت في عهده ] :ا ْ
ن ،فيسألنه َمن ربك ؟
ن َأْزَرَقا ِ
سَوَدا ِ
ن َأ ْ
ت َ ،أَتاُه َمَلَكا ِ
سَأُل [ ، 5وقال أيضا ِ] :إَذا ُقِبَر اْلَمّي ُ
ُي ْ
وما دينك ؟ [ الحديث ، 6قيل :هذا السؤال لكل عاقل يموت من النس والجن ،والشياطين ،
والنبياء ،وُيقال لهم :على ما تركتم أمتكم ؟
ف َعْنهُ ِمَن سأ ََل ،أَْو َك ّ ُ ُ َ َ ما ا ه تاَ آ ّ ل إ ،
ِ ٍ ِ ء عا
َ د
ُ ب عوُ د ْ ي د
َ ِ َ ٍ َح َ أ ن ْ م ما ) : فيه ونصه ، 9/180 المسند الجامع 4
َ َ
سوِء ِمْثلَهُ َ ،ما لَْم يَْدُع بِإ ِثٍم ،أْو قِطيَعِة َرِحٍم (.
ْ ال ّ
ت َ ،وقَ َ
ف َ ِ ّ يم ْ
ل ا فنْ د
َ ن
ْ م
ِ َ ِ َ
غ ر َ ف َ
ذا إ وسلم عليه ا صلى ي
ِ ّ بّ نال نَ كا َ ) : فيه ونصه ، 29/206 الجامع المسند 5
سأ َُل (. سُلوا لَهُ التّْثِبيَت ،فَإ ِنّهُ الَن يُ ْ ستَْغِفرُواِ لَِخيُكْم َ ،و َ َعلَْيِه ،فََقاَل :ا ْ
سوُل اِ صلى ا عليه وسلم: المسند الجامع ، 41/83والحديث بتمامه َ) :قاَل َر ُ 6
44
ولكن نتوقف في كيفية حياة الميت في قبره ،هل ُيعاد روحه في جسده ،كما كان في حال
حياته ،أو يخلق فيه الحياة بقدر ما يفهم السؤال ،وُيجيب ؟ لعدم ورود الدليل اليقيني فيه ،
سُبع ،أو ُأحرق ،أو ٌأغِرق ،وُيعّذب كما ُيعّذب في القبر ،وقيل أيضا :
قيل ُ :يسأل َمن أكله ال َ
ن غير النبي ُيسأل عنه النبي ،فكيف ُيسأل هو عن نفسه ؟ وُيسأل
ن النبياء ل ُيسألون ،ل ّ
إّ
أطفال المسلمين اتفاقا ،وتوقف أبو حنيفة رحمه ال في سؤال أطفال الكفرة ،ودخولهم
خّداما وغلمانا لهل الجنة .
الجنة ،وغيره حكم بذلك ،ليكونوا ُ
وقوله :وفي الجداث متعلق بقوله سُيبلى ،وعن توحيده متعلق بالسؤال .
سوِء اْلِفَعاِل
ن ُ
عَذابُ اْلَقْبِر ِم ْ
َ ق َبْعضا
سا ِ
َوِلْلُكّفاِر َواْلُف ّ
سـاق الذين 30ب
/أي عذاب القبر حق لجميع الكفار إلى النفخة الولى ،ولبعض الُف ّ
ماتوا من غير توبة مقدار الحياة للسؤال والجواب ،وقيل مقدار صحة البدن ،وقيل :إلى
البعث ،ولو صار ذرة لجل سوء أفعالهم ،خلفا للمعتزلة ،قلنا :قوله عليه السلم :
حَفِر الّنارِ [ ، 1وقوله أيضا ] :تعّوذوا بال
ن ُ
حْفَرٌة ِم ْ
جّنِة َ ,أْو ُ
ض اْل َ
ن ِرَيا ِ
ضٌة ِم ْ
]اْلَقْبُر َرْو َ
عَذاب اْلَقْبر ِمْنُه[. 3
عاّمة َ
عَذاب اْلَقْبر [ ، 2وقوله أيضا ] :استنزهوا من اْلَبْول ؛ َفِإن َ
من َ
شّيا َوَيْوَم
ع ِ
غُدّوا َو َ
عَلْيَها ُ
ن َ
ضو َ
ق آل فرعون وَمن مثلهم ﴿ :الّناُر ُيْعَر ُ
وقوله تعالى في ح ّ
خُلوا َناًرا ﴾. 5
غِرُقوا َفُأْد ِ
ب ﴾ ، 4وقوله ُ ﴿ :أ ْ
شّد اْلَعَذا ِ
ن َأ َ
عْو َ
خُلوا آَل ِفْر َ
عُة َأْد ِ
سا َ
َتُقوُم ال ّ
قوله :للكفار خبر المبتدأ ،وهو عذاب القبر ،وقوله :بعضا ـ بالعين المهملة ـ حال من
سـاق ،ومن قرأ ُبغضا ـ بالغين المعجمة ـ وصححه بإيقاعه تمييزا للتعذيب ،فقد أخطأ ،
الُف ّ
ن في قوله ِ :من سوء الفعال ،بمعنى لجل ،متعلق بثبوت الحكم .
لعدم البهام ،فتأّمل ،وِم ْ
ن َوَباِل
عْ
حرِز َ
َفُكوُنوا ِبالّت َ حٌ
ق ث َ
س َبْعَد الَبْع ِ
ب الّنا ِ
سا ُ
ح َ
ِ
أي بعث يوم القيامة حق ثابت ،وهو إعادة المعدوم ؛ لنها من الممكنات ،وكل ممكن
مقدور ال تعالى ،والدلئل السمعية وردت بحقيقتها ،فيجب علينا اليمان بها ،خلفا
للدهرية ، 6فإنهم أنكروا القيامة والحشر ،والفلسفة أنكروا حشر الجساد ،وأقّروا بحشر
45
حِيي
ن ُي ْ
الرواح بل أجساد ،ومذهبهم باطل ،لقوله تعالى في رّد قول الكافر الذي قال ﴿ :مَ ْ
خَلْقَناُكْم
سْبُتْم َأّنَما َ
ح ِ
شَأَها َأّوَل َمّرٍة ﴾ ، 1وقوله َ ﴿ :أَف َ
حِييَها اّلِذي َأْن َ
ي َرِميٌم * ُقْل ُي ْ
ظاَم َوِه َ
اْلِع َ
ظاَمُه *31أ
عَ
جَمَع ِ
ن َن ْ
ن َأّل ْ
سا ُ
ب اْلِإْن َ
س ُ
ح َ
ن ﴾ / 2وقوله أيضا َ ﴿ :أَي ْ
جُعو َ
عَبًثا َوَأّنُكْم ِإَلْيَنا َلا ُتْر َ
َ
ي َبَناَنُه﴾ ، 3وبعد البعث حساب جميع الناس حق ،ل يجحده إّل
سّو َ
ن ُن َ
عَلى َأ ْ
ن َ
َبَلى َقاِدِري َ
ساَبُهْم ﴾ ، 4وقوله أيضا :
ح َ
عَلْيَنا ِ
ن َ
ن ِإَلْيَنا ِإَياَبُهْم * ُثّم ِإ ّ
الكفور المعاند ،لقوله تعالى ِ ﴿:إ ّ
ش ِفي اْلحساب يهلك[ ، 6والمراد
ب﴾ ،5وقوله عليه السلم ] :من ُنوِق َ
سا ُ
ح َ
﴿َيْوَم َيُقوُم اْل ِ
منه الستقصاء في حساب القليل والكثير ،وهو أعسر الحساب ،فكونوا بالتحرز عن وبال،
أي عن النكار الموجب للخلود في النار ،أو عن الثم الذي يكون بين العبد ومثله ،فإنه ل
ُيرجى العفو عند الحساب ،لكونه حقا لغيره يوم القيامة ،فيجب الحتراز عنه ،بخلف ما
بين العبد وبين ال تعالى ،فإنه ُيرجى العفو ،فل ُيسأل ،ول ُيحاسب ،هكذا قيل ،والحق
ن الحساب والسؤال يوم القيامة حق ،سواء كان بين ال تعالى وعبده ،أو بين العبد
أّ
ن﴾ ، 7وقوله عليه
سِلي َ
ن اْلُمْر َ
سَل ِإَلْيِهْم َوَلَنسَْأَل ّ
ن ُأْر ِ
ن اّلِذي َ
سَأَل ّ
وغيره ،لقوله تعالى َ﴿ :فَلَن ْ
جَما ٌ
ن ب َ ،وَل ُترْ ُ
جا ٌ
حَ
س َبْيَنُة َوَبْيَنُه ِ
حٍد ِإّل ويسأله رب العالمين َ ،لْي َ
ن َأ َ
السلم َ] :ما ِمْنُكْم ِم ْ
سوًل ؟ فيقول العبد َ :بَلى [ ، 8وفي روايـة
ك َر ُ
سْل ِإَلْي َ
ك َماًل ؟ َأَلْم ُأْر ِ
فيقول ال َ :أَلـْم ُأوِت َ
] يا ابن آدم ! ما غرك بي ؟ يا ابن آدم ! ماذا عملت فيما علمت ؟ يا ابن آدم ! ماذا أجبت
. 9
المرسلين ؟ [
فكابروا المعقول وكذبوا المنقول ،ولهذا قالواَ :وَما يُْهلُِكَنا إِّل الّدْهُر ،قال ا سبحانهَ :وَما لَُهْم بِ ـَذلَِك ِم ـْن ِعْل ـٍم
إِْن ُهْم إِّل يَظُّنوَن ]الجاثـية ،[24:أي يتوهمون ويتخيلون.
فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح ،وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة قال :قال رسول ا ـ صــلى
ا عليه وسلم :يقول ا تعالى :يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الــدهر ،بيــدي المــر ،أقلــب الليــل والنهــار.
وفي رواية :ل تسبوا الدهر فإن ا هو الدهر .وفي رواية :ل يقل ابن آدم :يا خيبــة الــدهر ،فــإني أنــا الــدهر،
أرسل الليل والنهــار ،فــإذا شـئت قبضـتهم .قــال فـي شـرح السـنة :حـديث متفــق علـى صـحته ،أخرجــاه مـن
طريق معمر من أوجه عنأبي هريرة قال :ومعناه أن العرب كـانت مـن شـأنها ذم الـدهر وسـبه عنـد النـوازل،
لنهم كانوا ينسبون إليـه مـا يصـيبهم مـن المصـائب والمكـاره ،فيقولـون :أصـابتهم قـوارع الـدهر ،وأبـادهم
الدهر ،فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها ،فكان مرجع سبها إلى اـ عـز وجــل ،إذ هــو
الفاعل في الحقيقة للمور التي يصفونها ،فنهوا عن سب الدهر.
يس 78ـ 79 1
ش ِفي اْلحساب ُعذب ( . تخريج أحاديث الكشاف ، 4/177وفيه )من ُنوقِ َ 6
46
شماِل
ظْهٍر وال ّ
حَو َ
ضا َن ْ
وََبْع ً حَو ُيْمنى
ضا َن ْ
ب َبْع ً
طى اْلُكْت ُ
َوُتْع َ
أي ويعطي ال للمؤمنين كتابهم باليمين ،وللكافرين بالشمال ،أو من وراء ظهورهم ،
ب ِإَلى
سيًرا * َوَيْنَقِل ُ
ساًبا َي ِ
ح َ
ب ِ
س ُ
حا َ
ف ُي َ
سْو َ
ي ِكَتاَبُه ِبَيِميِنِه * َف َ
ن ُأوِت َ
لقوله تعالى َ ﴿ :فَأّما َم ْ
صَلى
عو ُثُبوًرا * َوَي ْ
ف َيْد ُ
سْو َ
ظْهِرِه * َف َ
ي ِكَتاَبُه َوَراَء َ
ن ُأوِت َ
سُروًرا * َوَأّما َم ْ
َأْهِلِه َم ْ
ت ِكَتاِبَيْه * َوَلْم َأْدِر
شَماِلِه َفَيُقوُل َيا َلْيَتِني َلْم ُأو َ
ي ِكَتاَبُه ِب ِ
ن ُأوِت َ
سِعيًرا ﴾ ، 1وقوله َ ﴿ :وَأّما َم ْ
َ
ن تطاير
سيًبا﴾ ، 3فثبت أ ّ
ح ِ
ك َ
عَلْي َ
ك اْلَيْوَم َ
سَك َكَفى ِبَنْف ِ
ساِبَيْه ﴾ ، 2وقوله ﴿:اْقَرْأ ِكَتاَب َ
ح َ
َما ِ
ق ل ُينكره إّل الكافر بالقرآن الكريم ،والتنوين في ) بعضا ( عوض عن
الكتب ،وقراءتها ح ّ
المضاف إليه ،أي بعض الناس ،وهو المفعول الثاني للعطاء ،ول تنوين في ُيمنى ،لنه
حبلى في عدم النصراف ،وتقديره جّر بإضافة نحو إليه ،وهو نصب على الظرف ،لنه
كُ
بمعنى الجهة .
ل اْهِتَبال
ط ِب َ
صَرا ِ
ن ال ّ
عَلى َمْت ِ
َ جْر ٌ
ي عَماٍل َو َ
ن َأ ْ
ق َوْز ُ
حٌَو َ
أي وزن أعمال الناس من المؤمنين ،الذين خلطوا عمل صالحا بالعمل السّيئ ،حق ثابت
ق َفَم ْ
ن ح ّ
ن َيْوَمِئٍذ اْل َ
بآيات القرآن ،وأخبار الرسول عليه السلم ،كقوله تعالى َ ﴿ :واْلَوْز ُ
ت َمَواِزيُنُه ﴾ الية ، 4والمراد بالوزن ما
خّف ْ
ن َ
ن * َوَم ْ
حو َ
ك ُهُم اْلُمْفِل ُ
ت َمَواِزيُنُه َفُأوَلِئ َ
َثُقَل ْ
يعرف به مقادير العمال من حيث الخّفة والثقل ،لنه عرض ،ل يبقى ،فل وصف بهما ،
فُيحمل ما جاء منهما على القلة والكثرة .
وفي كيفّية الوزن نتوّقف ،لقصور العقل عن إدراكه ،وعدم الثر فيه ،فنؤمن به ،
حسان ،وأعمالهم
ونفّوض علمه إلى ال تعالى ،وقيل :توزن أعمالهم الحسنة على صور ِ
ن رجحت كّفة الحسنات في الميزان ،يدخل صاحبها الجنة ،بل
القبيحة على صور ِقباح ،فإ ْ
ن شاء ُيعذبه بقدر
ن رجحت كفة السيئات ،فحكم صاحبها في مشيئة ال تعالى ،إ ْ
عذاب ،وإ ْ
جناية الراجحة ،ثم يدخل الجنة ،ويعطيه /مثوبات أعماله الحسنة ،بقدر منزلته عند 32أ
ن استوت الكفتان ُيحبس
ي عنده ،وإ ْ
ن شاء يعفو بكرمه ،أو بشفاعة شفيع مرض ّ
ال ،وإ ْ
ُمدة على العراف ، 5ثم يدخل الجنة برحمته ،على ما ورد في الخبار ،وهذا الوزن
الناس إذا كان يوم القيامة انقسموا إلى ثلثة أقسام :قسم ترجح حسناتهم على سيئاتهم فهؤلء ل يعذبون 5
ويدخلون الجنة ،وقسم آخر ترجح سيئاتهم على حسناتهم فهؤلء مستحقون للعذاب بقدر سيئاتهم ثم ينجون
إلى الجنة ،وقسم ثالث سيئاتهم وحسناتهم سواء ،فهؤلء هم أهل العراف ،ليسوا من أهل الجنة ،ول من
أهل النار ،بل هم في مكان برزخ عاٍل مرتفع يرون النار ويرون الجنة ،يبقون فيه ما شاء ا وفي النهاية
يدخلون الجنة ،وهذا من تمام عدل ا سبحانه وتعالى أن أعطى كل إنسان ما يستحق ،فمن ترجحت حسناته
فهو من أهل الجنة ،ومن ترجحت سيئاته عذب في النار إلى ما شاء ا ،ومن كانت حسناته وسيئاته
47
ن علمه تعالى محيط بالموجودات
لظهار عدله وفضله ،ل لحتياجه إلى التعّرف ،ل ّ
والمعدومات ،وكل َمن ليس له سيئة يدخل الجنة بل حساب ول عذاب ،ول وزن ،وكل َمن
ليس له حسنة ُيساق إلى جهنم ،بل وزن ،وُينادى عليهم :إنهم أشقياء بشقاوة ل سعادة
ق باليات
ي الناس ،أي مرورهم على متن السراط ،وهو جسر جهنم ،ح ّ
بعدها ،وكذا جر ُ
والخبار ،بل اهتبال ،أي بل اختيار ،على قدر تفاوت أعمالهم في الدنيا ،فيجوز أهل
الجنة ،وتزل فيه أقدام أهل النار ،قال عليه السلم ] :يمر الناس على جسر جهنم ،وعليه
حسك ،وكلليب ،وخطاطيف ،تختطف الناس يمينا وشمال ،وعلى جنبيه ملئكة يقولون :
اللهم سّلم سلم .فمن الناس من يمر كالبرق ،ومنهم من يمر كالريح ،ومنهم من يمر
كالفرس الذي يعدو ،ومنهم من يسعى سعيا ،ومنهم من يمشي مشيا ،ومنهم من يحبو
حبوا ،ومنهم من يزحف زحفا ،ومنهم من يكدس ثم ينجو[ 1أي ل يقع في النار بسبب نور
إخلصه ،وكّل ُيعطى نورا بقدر عمله ] فمنهم َمن ُيعطى نورا مثل الجبل العظيم ،ومنهم
من ُيعطى أصغر من ذلك ؛ حتى يكون آخرهم على قدر إبهام قدميه ،فيضيء مرة وينطفئ
أخرى [. 2
ي بتنوين العوض عن المضاف إليه ،
قوله :وحق ،خبر المبتدأ ،وهو وزن أعمال ،وجر ٌ
عطف على المبتدأ ،وخبره كذلك مقدرا .
جَباِل
حابِ اْلَكَباِئر َكاْل ِ
صَِلَأ ْ خْيٍر
عُة َأْهِل َ
شَفا َ
جّو َ
َوَمْر ُ /
32ب
ن يشفع أهل الخير والصلح ،كالنبياء والولياء لمن
قال أهل السنة والجماعة ُ :يرجى أ ْ
ن العفو
ارتكب الكبيرة العظيمة ،كالجبل العظيم من المؤمنين ،خلفا للمعتزلة ،حجتهم أ ّ
ن تكون ممتنعة ،إذ ل فائدة لها ،قلنا :
ممتنع من ال تعالى لهل الكبائر ،فالشفاعة أولى أ ْ
ن جاز عفو ال تعالى من غير واسطة ،فأولى أن يجوز بشفاعة النبي عليه السلم ،
إْ
سَتْغفِْر َلُهْم ﴾ ، 3وكـذا قـوله تعالى :
عْنُهْم َوا ْ
ف َ
ع ُ
وبشفاعة الخيار ،لقوله تعالى َ ﴿ :فا ْ
عِتي َلْهِل اْلَكَباِئِر
شَفا َ
ت﴾ ، 4وقوله عليه السلم َ ] :
ن َواْلُمْؤِمَنا ِ
ك َوِلْلُمْؤِمِني َ
سَتْغِفْر ِلَذْنِب َ
﴿ َوا ْ
ن َقاَل َل ِإَلَه ِإّل
شَفاعَِتي َيْوَم اْلِقَياَمِة َ ،م ْ
س ِب َ
سَعُد الّنا ِ
ن ُأّمِتي[ ، 5وقوله عليه السلم َ ] :أ ْ
ِم ْ
متساوية فهو من أهل العراف لكنها -أي العراف -ليست مستقراً دائمًا ،وإنما المستقر :إما إلى الجنة،
وإما إلى النار ،جعلني ا وإياكم من أهل الجنة .
تخريج أحاديث الحياء 4/234 1
48
سِه[ ، 1فهذه كلها دالة على ثبوت شفاعة النبي عليه الصلة والسلم
ن ِقَبِل َنْف ِ
صا ِم ْ
خاِل َ
الّلُه َ ،
لًعصاة أمته يوم الجزاء ،ولو كانت ذنوبهم عظاما كالجبال ،ويجوز لغير النبي عليه السلم
من المؤمنين ،كأهل الولية من العلماء بال تعالى ،وهم أصحاب الخشية من ال تعالى ،
ت ﴾ 2وفسروها بالشفاعة ،وقوله عليه السلم :
جا ٍ
ن ُأوُتوا اْلِعْلَم َدَر َ
كقوله تعالى َ﴿ :واّلِذي َ
] اْلُعَلَماُء َوَرَثُة اَلْنِبَياِء [ ، 3فإنهم شرحوا الرث بدعوة الخلق إلى الحق ،والشفاعة لهم
ن َبِنى
ن ُأّمِتى َأْكَثُر ِم ْ
جٍل ِم ْ
عِة َر ُ
شَفا َ
جّنَة ِب َ
خل اْل َ
عند ابتلئهم ،ولقولـه عليه السلم ] :يْد ُ
َتِميٍم [ ، 4وغير ذلك من الحاديث الدالة على شفاعة بعض المؤمنين لبعض .
شِتَعاِل
ب في َداِر ا ْ
سوِء الّذْن ِ
ِب ُ ن َل َيْبقى ُمِقيًما
َوذو اْلِإيَما ِ
قال أهل السنة والجماعة َ :من ارتكب الكبيرة من أهل اليمان ،ل يخرج من اليمان ،وعند
المعتزلة /يخرج منه ،فعلى هذا يخلد في النار عندهم ،ول يخلد عندنا بشؤم ذنبه 33أ
خْيًرا َيَرُه ﴾ الية ، 5وأقل خير هو اليمان بال
ن َيْعَمْل ِمْثَقاَل َذّرٍة َ
لقوله تعالى َ ﴿:فَم ْ
ن يرى ثوابه في الجنة ،وذلك إنما هو بعد الخلص من
ورسوله ،والكتاب المنزل ،فيجب أ ْ
ن المؤمن العاصي ل يخلد في دار
ف بالتفاق ،فثبت أ ّ
ن الثواب قبل العذاب منت ٍ
النار ،ل ّ
الشتعال ـ بالعين المهملة ـ وهي دار بقاء النار ،يعني جهنم ،قيل :المؤمن الفاسق
ن ُيصّلى عليه صلة الجنازة إذا مات
بالصغائر ،أو الكبائر ل يخلد في النار ،ول ُيمنع أ ْ
ن المؤمن ل يقطع رجاؤه من ال تعالى ،لّنه ل ييأس من رحمة ال إّل القوم
بغير توبة ،ل ّ
جٍر [ ، 6وفيه خلف
ف ُكّل َبّر َوَفا ِ
خْل َ
صّلوا َ
الكافرون ،وقوله عليه الصلة والسلم ُ ] :
المعتزلة والخوارج .
لِل
حَحِر ال َ
سْشْكِل َكال ّ
َبِديَع ال ّ ظًما
حيِد َن ْ
ت ِللّتْو ِ
س ُ
َلَقْد َأْلَب ْ
قال الشيخ رحمه ال :لقد كسوت توحيد ال المنزه عن الشريك نظما ،أي تركيبا مرتبا من
اللفاظ كالدرر المرتبة في السلك ،وروي مكان ) نظما ( وشيا ،وهو مصدر في الصل ،
شي ،والبديع يجيء
بمعنى التزيين في الثوب ،ثم استعمل هنا بمعنى المفعول ،أي المَو ّ
ض﴾ ، 7أي مظهرها من العدم ،
ت َواْلَأْر ِ
سَماَوا ِ
بمعنى المبِدع ،كقوله تعالى َ ﴿:بِديُع ال ّ
وبمعنى الُمبَدع ـ المفعول ـ من البداع ،وهو إظهار الشيء بعد أن لم يكن شيئا ،والمراد
منه ما ظهر على غير مثال سبق ،والشكل هيئة محيطة للشيء بالحدود ،وقوله :كالسحر
49
الحلل ،مشبه به للشكل ،والسحر له معنيان :أحدهما إخراج الباطل في صورة الحق ،
والثاني /التأثير في الشخص بفعل يعجزه من العلم والعمل ،إّمـا بسلب عقله ،أو 33ب
بأخذ قوته ،أو بتغيير طبعه كالمسحور الذي ل يقدر على الجماع ،والمراد به هنا الول ،
إظهار الباطل في صورة الحق ،وهو حرام كالثاني ،لنه مخادعة للناس ،ومنهية في
غب الناس في نظمه بعلمهم أنه وشي بديع طّيب ،
الشرع ،وإنما وصفه هنا بالحلل ،لير ّ
يعجز الغير عن إتيان مثله ،فلو أطلق السحر عليه بدون وصف الحـلل ؛ لتوهموا أنه
حرام ،فلم يميلوا إليه .
قوله :لقد ،اللم في جواب قسم محذوف ،أي وال لقد ،وقد هنا للتحقيق ،ل للتقليل ،
وألبست فعل فاعل ،وللتوحيد مفعوله الول ،وزيد اللم للوزن ،وشيا مفعوله الثاني ،
وقوله :بديع الشكل ،صفة ،وشيا كالسحر ،صفة بعد صفة .
ح َكاْلَماِء الّزَلِل
حِيي الّرو َ
َوُي ْ شَرى ِبَرْو ٍ
ح ب َكاْلُب ْ
سّلي اْلَقْل َ
ُي َ
أي يفرح القلب هذا الوشي ،كما تفرحه البشارة بإتيان محبوب ،أو بخبر خير ،وكل منهما
راحة القلب ،ويحيى الروح أيضا بعلمه ،بعد موته بالجهل ،كالماء الزلل الذي ل كدورة
فيه ،فإنه يحيى الرض بالنبات بعد يبسها .
قوله ُ :يسّلي ،فعل مضارع من التسلية ،وهو إزالة الغم ،وفاعله ضمير فيه يرجع إلى
الوشي ،وكالبشرى متعلق به ،وهو مصدر بمعنى البشارة ،كالرجع بمعنى الرجعة ،
وبَروح ـ بفتح الراء ـ الراحة ،متعلق بالبشرى ،وُيحيى عطف على ُيسّلي ،وفاعله
مضمر فيه يعود إلى الوشي ،والّروح ـ بضم الراء ،ونصب الحاء ـ مفعوله ،وكالماء
الزلل ،متعلق بقوله ُ :يحيى ،والزلل ،صفة الماء ،وهو العذب الصافي .
34أ ف الَمَناِل
صَنا ِ
س َأ ْ
جْن َ
َتَنالُوا ِ ظا َواعِتَقاًدا
حْف ً
ضوا ِفيِه ِ
َفخو ُ /
أي إذا كان هذا الوشي كما وصفته ،فأشرعوا فيه حفظا ،أي من جهة حفظ لفظه ،
واعتقادا من جهة اعتقاد معناه ،ل من جهة الرد بما فيه بالشكوك والشبهات ،لكي تصلوا
به حقائق أنواع العطاء من ال تعالى بفضله ،وَمن قال لفظة جنس زائد فقد سها ،لنه لو
ن يقول أجناس
زاد لنتقض المعنى ،إذ المراد جنس كل صنف من أصناف العطاء ،وأصله أ ْ
أصناف ،إّل أنه جعله من قبيل :كلوا في بعض بطنكم ،أي في بعض بطونكم ،والفاء في
فخوضوا جواب شرط محذوف ،وهو من الخوض ،بمعنى الشروع في الشيء ،
والمنصوبان بعده تمييزان ،ويجوز أن يكونا حالين ،أي حافظين ،ومعتقدين .
قوله :تنالوا ،مجزوم بوقوعه في جواب المر ،وجنس مفعوله ،وأصناف المنال ،
مضاف إليه ،وهذه الضافة كإضافة خاتم فضة ،لنه في تقدير َمن أصناف من المنال .
50
حال اْبِتَهاِل
خْيِر في َ
ِبِذْكِر اْل َ ن هَذا اْلَعْبِد َدْهًرا
عْو َ
َوُكوُنوا َ
أي صيروا بسبب هذا النظم اللطيف ُمعين هذا العبد ،أراد به نفسه ،أي عبد ال ،في
وقت من الوقات ،بذكـر الخير ،أي بدعاء المغفرة والرحمة في حال تضرعكم إلى ال
تعالى ،واستغفاركم له .
سَعاَدَة في الَمآِل
طيِه ال ّ
َوُيْع ِ ضٍل
ل َيْعُفوُه ِبَف ْ
َلَعّل ا َ
ن يتجاوز عن سيئاته ،ويغفر له بفضله ،وُيعطيه ببركة دعائكم ،الخير
أي عسى ال أ ْ
الفوز العظيم ،والنجاة الوافرة ،بدخوله الجنة في المرجع والمآل .
34ب عا ِلي
خْيِر َيْوًما َقْد َد َ
ن ِباْل َ
ِلَم ْ سِعي
عو ُكْنَه ُو ْ
َوِإّني الّدْهَر َأْد ُ /
أي وإني في جميع أزمنة حياتي ،أدعو بالخير ،بغاية طاقتي ،يعني من غير تقصير مني ،
ن للدعوات تأثيرا بليغا ،
ِلمن يدعو لي بالخير يوما من اليام ،لعل ال يغفر له ويرحمه ،ل ّ
كما بّيناه قبل .
قوله :كونوا ،أمر من كان الناقصة ،وهي تستدعي اسما مرفوعا ،وخبرا منصوبا ،
واسمها ضمير الجماعة فيه ،وخبرها عون ،مصدر بمعنى الُمعين ،وهو مضاف إلى هذا
المجرور محل ،وهو مضاف إلى العبد ،وقوله :دهرا ،نصب على الظرف ،والعامل فيه
العون ،قوله :بذكر الخير ،جار ومجرور ،مضاف إلى الخير ،متعلق بالعون ،والباء
للسببية ،قوله :في حال ابتهال ،متعلق بالذكر ،قوله :لعل ،حرف من الحروف المشبهة
بالفعل ،يقتضي اسما منصوبا ،وخبرا مرفوعا ،وال اسمه ،ويعفوه ،فعل مضارع ،
فاعله مضمر فيه ،والضمير البارز المتصل به مفعوله ،وقوله :بفضله ،يتعلق به ،
وُيعطيه ،عطف على يعفوه ،والسعادة مفعوله الثاني ،وفي المآل ،متعلق بيعطي ،وهو
ن كلعل في اقتضاء الرفع والنصب ،
مفعول من الول ،وهو الرجوع ،اسم مكان ،وإ ّ
وضمير المتكلم المتصل به ،في محل النصب اسمه ،والدهر ،نصب على الظرف بفعل
بعده ،وهو أدعو فاعله مضمر ،وهو أنا ،وكنه ُوسعي منصوب بنزع الخافض ،وهو
مضاف إلى الوسع ،المضاف إلى ياء المتكلم ،قوله ِ :لَمن ،متعلق بأدعو ،وَمن ،اسم
موصول ،يقتضي صلة وضميرا يرجع إليه ،وصلتها قد دعا لي ،والضمير الذي فيه فاعله
/يرجع إلى الموصول ،ولي ،جار ومجرور متعلق به ،وبالخير أيضا متعلق به 35 ،أ
ُقّدم عليه للهتمام ،ويوما ،نصب على الظرف ،عامله أيضا دعا لي ،والموصول مع
صلته ،ومتعلقاتها في محل الجر لجل اللم الجارة فيه .
51
52