You are on page 1of 2

‫خطاب منه سبحانه وتعاىل لألوائل منا واألواخر‪،‬‬

‫ً‬ ‫احلمد هلل القائل يف حمكم التنزيل‪ (:‬وقولوا للناس حسنا )‬


‫والصالة والسالم على نبينا وسيدان املصفى املزكى املقدم الطاهر‪ ،‬املخصوص بخللق العظيم املبعوث بلرمحة وجرب‬
‫حممدا عبده ورسوله ومصطفاه‪ ،‬صلى هللا عليه وعلى آله وصجبه‬
‫اخلواطر‪ ،‬وأشهد ان ال إله أال هللا‪ ،‬وأشهد أن سيدان ً‬
‫ومن تبعه ووااله‪.‬‬
‫أما بعد فيا أيها املؤمنون إن جرب اخلواطر خلق إسالمي عظيم‪ ،‬يدل على مسو نفس املتصف به‪ ،‬وعظمة قلبه‬
‫نفوسا كسرت‪،‬‬
‫أيضا على رجاحة عقله ووعى روحه‪ ،‬وأصالة معدنه ونبل طبعه‪ ،‬جيرب املسلم فيه ً‬
‫وسالمة صدره‪ ،‬ويدل ً‬
‫أجساما أُرهقت‪ ،‬فما أمجله من عبادة! وما أعظم ما انل صاحبه من سعادة! جرب اخلواطر هو‬‫وقلوب فطرت‪ ،‬و ً‬ ‫ً‬
‫اإلحساس آبالم الناس وعدم جرح مشاعرهم‪ ،‬جرب اخلواطر الوقوف جبانب الناس يف الشدائد والكروبت ومواساهتم يف‬
‫نتقرب هبا إىل رب األانم‪ ،‬وجرب اخلواطر‬
‫مصائبهم‪ ،‬فمراعاة املشاعر وجرب اخلواطر جزء من شريعة اإلسالم‪ ،‬وعبادة َّ‬
‫عبادة حيبها هللا‪ ،‬جرب اخلواطر عبادة غدت مهجورة‪ ،‬عبادة غفل عنها الكثري من الناس إال ما رحم هللا‪ ،‬جرب اخلواطر‬
‫خلق عظيم من أخالق الدين‪ ،‬جرب اخلواطر مبدأ كرمي من مبادئ اإلسالم متني‪ ،‬جرب اخلواطر شيمة األبرار من الناس‬
‫واحملسنني‪ ،‬جرب اخلواطر صفة من صفات املؤمنني‪ ،‬عبادة جليلة سهلة ميسورة ختلق هبا سيد املرسلني صلى هللا عليه‬
‫وسلم وأمر هبا أتباعه من الصحابة والتابعني‪ ،‬ففي احلديث قال صلى هللا عليه وسلم‪ (:‬من َّنفس عن مؤمن كربة من‬
‫كرب الدنيا‪َّ ،‬نفس هللا عنه كربة من كرب يوم القيامة‪ ،‬ومن يسر على معس ٍر‪ ،‬يسر هللا عليه يف الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫ومن سرت مسلما‪ ،‬سرته هللا يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وهللا يف عون العبد ما كان العبد يف عون أخيه )‪ .‬فإن نفست عن‬
‫مؤمن كربة فأنت جابر خلاطره‪ ،‬وإن يسرت له ما تعسر من شؤونه فأنت جابر خلاطره‪ ،‬وإن سرتت عيبه وحفظت سره‬
‫فأنت جابر خلاطره‪ ،‬جرب اخلواطر إخوة اإلاميان اميكننا يوجد يف كل األمور‪ ،‬فهو وإن مل يذكر صراح ًة فيمكننا أن‬
‫نستدل عليه من أثره‪ .‬وقد ضرب لنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أروع األمثلة يف خلق جرب اخلواطر قبل البعثة‬
‫يك َّ‬
‫اّللخ أَبَدا؛‬ ‫وبعدها وكلنا نعلم قول السيدة خدجية فيه ملا نزل عليه الوحي وجاءها يرجف فؤاده‪َ (:‬ك َّّل و َّه‬
‫اّلل َما خُيْ هز َ‬ ‫َ‬
‫ب ا ْْلَ هق )‪ .‬فقد مشلت‬ ‫ي َعلَى نَ َوائه ه‬ ‫الرهحم؛ وََتْ همل الْ َك َّل؛ وتَ ْك هسب الْم ْع خدوم؛ وتَ ْق هري الضَّي َ ه‬ ‫إهنَّ َ ه‬
‫ف؛ َوتخع خ‬ ‫ْ‬ ‫خ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ك لَتَص خل َّ َ َ خ‬
‫كبارا ؛ وجرب‬ ‫صغارا و ً‬
‫رجاال ونساءً ؛ ً‬ ‫عبادة جرب اخلواطر يف حياة النيب صلى هللا عليه وسلم مجيع أطياف اجملتمع ؛ ً‬
‫اخلواطر من أعظم القربت إىل هللا تعاىل‪ :‬يقول اإلمام سفيان الثوري‪" :‬ما رأيت عبادة يتقرب هبا العبد إىل ربه مثل‬
‫جرب خاطر أخيه املسلم‪ ".‬وقال صلى هللا عليه وسلم‪ (:‬أحب الناس إىل هللا أنفعهم للناس‪ ،‬وأحب األعمال إىل هللا‬
‫عز وجل سرور يدخله على مسلم‪ ،‬أو يكشف عنه كربة‪ ،‬أو يقضي عنه دينا‪ ،‬أو تطرد عنه جوعا‪ ،‬وألن أمشي‬
‫إيل من أن أعتكف يف هذا املسجد – يعين‪ :‬مسجد املدينة ‪ -‬شهرا‪ ،‬ومن كف غضبه‬
‫مع أخ يل يف حاجة أحب َّ‬
‫سرت هللا عورته‪ ،‬ومن كظم غيظه‪ ،‬ولو شاء أن ميضيه أمضاه‪ ،‬مأل هللا قلبه رجاء يوم القيامة‪ ،‬ومن مشى مع أخيه‬
‫يف حاجة حىت تتهيأ له‪ ،‬أثبت هللا قدمه يوم تزول األقدام‪ ،‬وإن سوء اخللق يفسد العمل‪ ،‬كما يفسد اخلل العسل‬
‫)‪ .‬إخوة اإلاميان حنن يف زمان تشتد احلاجة فيه إىل مواساة الناس تشتد فيه احلاجة إىل التخفيف عن الناس وتطييب‬
‫خواطرهم؛ فأصحاب القلوب املنكسرة كثريون واهلموم كثرية‪ .‬وتطييب اخلاطر ال حيتاج إىل كثري جهد وال إىل كبري‬
‫طاقة‪ ،‬فرمبا يتكفي البعض بكلمة‪ :‬من ذكر‪ ،‬أو دعاء‪ ،‬أو موعظة‪ ،‬ورمبا حيتاج اآلخر للمساعدة‪ ،‬ورمبا ينقص ذاك‬
‫اآلخر جاه‪ ،‬وقد ينتظر البعض قضاء حاجة‪ ،‬وقد يكتفي البعض اآلخر ببتسامة‪ ،‬فعلينا أن جنتهد إبدخال الفرح‬
‫والسرور إىل قلوب إخواننا‪ ،‬وأال نبخل بذلك على أنفسنا‪ ،‬فالصدقة واخلري نفعه يعود إليك‪ .‬أيها املؤمن حنتاج اليوم‬
‫يسرا‪ ،‬وإن‬
‫إىل تطييب اخلاطر‪ ،‬والكالم جيب أن ينتقى مبثل‪ :‬التذكري برمحة هللا‪ ،‬التذكري بسعة فضل هللا‪ ،‬إن مع العسر ً‬
‫خمرجا‪ ،‬انتظار الفرج عبادة‪ ،‬رمحة هللا بملضطرين حافة‪ ،‬أمن جييب املضطر إذا‬
‫فرجا‪ ،‬ومن يتق هللا جيعل له ً‬
‫بعد اهلم ً‬
‫دعاه‪ ،‬املعونة تنزل على قدر الشدة‪ ،‬وهكذا من الكالم الطيب‪ ،‬فمواساة املنكسرين وتطيب خواطرهم قد تكون‬
‫بملال‪ ،‬وقد تكون بجلاه‪ ،‬وقد تكون بلنصيحة واإلرشاد‪ ،‬وقد تكون بلدعاء واالستغفار هلم‪ ،‬وقد تكون بقضاء‬
‫حوائجهم‪ ،‬ويقول سبحانه وتعاىل‪َ (:‬وقخولخوا لهلنَّ ه‬
‫اس خح ْسنا )‪ .‬أي ختريوا من الكلمات أحسنها ومن العبارات أدقها‬
‫جربا خلواطر الناس ومراعا ًة ملشاعرهم فجرب اخلاطر بب من أبواب اخلري والفالح يف الدنيا‬ ‫ومن األلفاظ أمجلها ً‬
‫واآلخرة‪ ،‬وسبيل إىل الفوز برضوان هللا جل وعال يف الدنيا واآلخرة ‪ ،‬فاهلل هللا يف جرب اخلواطر‪ ،‬هللا هلل يف التخلق‬
‫أبخالق اإلسالم‪ ،‬هللا هللا يف مراعاة مشاعر الناس لتسعد يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬إخوة اإلاميان حنن يف هذه الدنيا‬
‫ضيوف‪ ،‬وما على الضيف َّإال الرحيل‪ ،‬فلنُحسن املكوث‪ ،‬ولنكن لبعضنا السند واجلسر الذي نعرب منه إىل اجلنَّة‪ ،‬من‬
‫اعوجت طريقه بلكالم الطيب عدَّلناه‪ ،‬من كثُرت ديونه إن استطعنا قضيناها عنه وساعدانه‪ ،‬ومن احتاج الغوث منَّا‬ ‫َّ‬
‫حب لغريان ما حنب ألنفسنا‪ ،‬ولنتذكر َّ‬
‫أن النيب صلّى هللا عليه وسلّم كان إذا جاءه الصغري مسع منه‪ ،‬وإذا‬ ‫أغثناه‪ ،‬ولنُ َّ‬
‫أحق الناس‬
‫أن ّ‬ ‫أحدا قط مبا يكرهه‪ ،‬ولنتذكر جيداً أيها اإلخوان َّ‬
‫جاءه الكبري أكرمه‪ ،‬ومل يقابل صلى هللا عليه وسلم ً‬
‫أهل بيوتنا؛ يتوجب علينا أن ُحنسن إليهم وأن جنرب خبواطرهم‪ ،‬ومن بعدهم نتف ّقد األقرب‬
‫حبسن اخللق وجرب اخلواطر ُ‬
‫الساعي يف جرب اخلواطر جيربه هللا تعاىل‪ ،‬فلنكن حنن ُمسبيب الفرح والسعادات‪ ،‬ال‬
‫فاألقرب من أهل احلي واجلريان‪ ،‬ف ّ‬
‫بعثي احلزن والتعاسات‪ ،‬ولنتعلم ثقافة االعتذار؛ فإذا أخطأت اعتذر‪ ،‬إخويت يف هللا‪ ،‬القسوة ال تُورث يف القلب إال‬
‫وإن من لزم األخالق وصل ألعلى مراتب احلياة‬ ‫الكره واحلقد‪ ،‬وال متأل القلب َّإال التعاسةً وضيق العيش والنكد‪َّ ،‬‬
‫مؤثرا يف جمتمعه فسه فائدة وله قيمة وفقنا هللا وإايكم إىل اكتساب أحسن‬
‫الطيبة الكرامية‪ ،‬وعاش كرامياً عزيز النَّفس‪ً .‬‬
‫اخلصال وإىل التخلق بطيب األخالق إنه ويل ذلك والقادر عليه‪ .‬أقول قويل هذا واستغفر هللا العظيم يل ولكم‬
‫فاستغفروه من كل ذنب إنه غفور رحيم‪.‬‬

You might also like