You are on page 1of 82

‫اجلزء الثاين‬

‫الطبعة األوىل‬
‫‪8341‬هـ ‪6182 /‬م‬
‫اجلزء الثاين‬
‫للعالمة املريب احلبيب‬

‫مراجعة‬
‫عبداهلل عيل بن مخيس ‪ -‬فهمي عيل بن عبيدون‬
‫احلمد هلل الذي خلق فسوى‪ ،‬والذي قدر فهدى‪،‬‬
‫والصالة والسالم عىل نرباس اهلدى ‪ ،‬وكنز الغنى ‪ ،‬سيدنا‬
‫حممد وعىل آله وصحبه نجوم هديه وترمجان أمره وهنيه‪.‬‬
‫وبعد فمن املعلوم أن الرتبية من أهم ركائز إقامة‬
‫اخلالفة عىل ظهر األرض ‪ ،‬وعليها مدار صالح َ‬
‫العال أو فساهه‬
‫‪ ،‬فوجب عىل اآلباء واألمهات جتاه أبنائهم مسؤولية اإلعداه‬
‫هلم ليكون ذوات ًا صاحلة ومصلح ًة يف جمتمعاهتم ال معاول هدم‬
‫للقيم واملباهئ واألخالق‪.‬‬
‫وهنا نضع بني يديك عزيزي القارئ اجلزء الثاين‬
‫املتضمن جلملة من قواعد الرتبية لألبناء والبنات لتكون‬
‫ِّ‬
‫منطلق ًا لنا يف أهاء رسالتنا يف حسن الرتبية واإلعداه لفلذات‬
‫أكباهنا املستقاة من مباهئ هيننا احلنيف ورشيعته السمحاء ‪.‬‬
‫وهو بعض ما أجراه اهلل عىل لسان العالمة املريب‬
‫احلبيب عمر بن حممد بن سال بن حفيظ يف عده من‬
‫املحارضات التي ألقاها يف هذا املجال ‪.‬‬
‫نسأل اهلل أن يعيننا عىل أهاء هذه املهمة حق القيام إنه‬
‫ويل ذلك والقاهر عليه ‪.‬‬

‫النارش‬
‫مكتب النور برتيم‬
‫مَعَامل التربية ‪..‬‬

‫(استشعار خطر املسئولية ‪ -‬الدعاء ‪ -‬الصحبة)‬

‫املعلم األول ‪ :‬استشعار خطر املسئولية ‪:‬‬

‫املسئولية جتاه تربية األبناء كبرية ‪ ،‬سوا ًء يف‬


‫الدنيا مع ق َصها وفنائها من جهات متعدهة ‪ ،‬أو ما‬
‫هو أهم من ذلك وأكرب مسئوليتنا عن هؤالء األبناء‬
‫بعد املوت ‪ ،‬وأحوالنا معهم يف القيامة ثم يف هار‬
‫االستقرار مجعنا اهلل وإياهم يف جنات جتري من حتتها‬
‫األهنار‪.‬‬
‫فنحن عىل مراتب يف استشعارنا األمانة نحو‬
‫ذوات ال يوجد يف عال الدنيا‬
‫ٌ‬ ‫هؤالء األواله الذين هم‬
‫ما يمكن أن ُيقا َيس هبا ‪.‬‬

‫حرضنا مر ًة تكرم ًة يف باكستان ملنشد يف مدح‬


‫النبي صىل اهلل عليه وسلم ‪ ،‬أراهوا تكرمته فجاءوا‬
‫بميزان كبري ووضعوه يف كفة وملئوا الكفة الثانية‬
‫بالفضة حتى وزنوه ‪..‬‬

‫َحرض معنا بعض العلامء من الشام فقال ‪:‬‬


‫ال صحيح ًا !! ‪ ..‬ألن‬
‫أظن أن هذا العمل ليس عم ً‬
‫اإلنسان ال يمكن أن يوزن بفضة وال بذهب وال‬
‫بغريمها‪ ،‬ويكفي أن جيري يش ٌء من التكرمة تعبري ًا َعن‬
‫اإلعظام واإلكرام لكن من غري هذا التصف ‪.‬‬
‫والكال ُم صحيح ‪ ..‬فام هناك يش ٌء يمكن أن يوازي‬
‫أبنائنا وأفالذ أكباهنا الذين هم حمل النظر اإلهلي وحمل‬
‫االختيار الرباين وحمل األمانة الكبرية ‪..‬‬

‫إذن َف ُهم الثروة الكبرية التي عندكم إذا‬


‫أهركتم احلقيقة‪ ،‬وهي ثروة ال تساوهيا الوزارات وال‬
‫الدول وال ما يف العال كله ‪..‬‬

‫ُمراهنا من هؤالء األبناء َأهنا ذوات مكرمة‬


‫مطهرة تتهيأ ملرافقة املأل األعىل‪ ،‬وللدرجات العىل يف‬
‫اجلنة ‪ ،‬ولنيل املعرفة باهلل تبارك وتعاىل يف الدنيا‪،‬‬
‫فيجب أن يرسخ ذلك يف أذهاننا أوالً ‪ ،‬وهو املع َلم‬
‫األول ‪.‬‬

‫فنحن أما َم مسألة أكرب من أن ُنعدَ ه ألن‬


‫يكون موظف ًا أو جال َبا للدراهم والدنانري ‪ ،‬أو ُنعدَ ه‬
‫ليكون عون ًا عىل حياتنا الفانية هذه كلها مهام َح ُسنَت‬
‫أو َل َذت فهي حقري ٌة بالنسبة ملا يطلبه أولو األلباب‬

‫وعباه الرمحن الذين يقولون يف هعائهم‪ :‬ﮋﮥ ﮦ‬

‫ﮧﮨﮩﮪ ﮫﮬﮭ ﮮ‬
‫ﮯﮊ [الفرقان‪ ]٤٧ :‬وقرة األعني هم الذين ترتفع هبم‬
‫متوت‬
‫ُ‬ ‫ومتوت فال‬
‫ُ‬ ‫هرجاتك وتكثر هبم مثوباتك‬
‫حسنا ُتك ‪..‬‬
‫هؤالء هم قرة األعني ‪ ..‬املكسب منهم أكرب‬
‫من أن جيعلونك رئيس ًا ألكرب هولة يف العال ‪.‬‬

‫رئيس أكرب هولة يف‬


‫َ‬ ‫كنت‬
‫ماذا ستفعل لو َ‬
‫العال ؟ وما النتيجة و الغاية والثمرة واملكسب من‬
‫ذلك ؟‬

‫إذن فانطالقنا من ُمن َط َلق اإليامن ِّ‬


‫يقوم لنا‬
‫معلم استشعار عظمة املسئولية وك َربها‪ ،‬وأهنا أكرب من‬
‫َ‬
‫تفكريات أهل األرض املقطوعة عن نورانية الوحي‬
‫الساموي ‪ .‬ففكرهم حمصور بالنسبة لفكرنا وقد‬
‫رب األرض والسامء عىل يد‬
‫اتصلنا بتوجيهات ِّ‬
‫ولسان سيد أهل األرض والسامء صىل اهلل عليه وعىل‬
‫آله وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫هذه النقطة األوىل املتعلقة بشأن تربية‬


‫األواله وشأن رعايتهم والقيام بالواجب يف حق تنمية‬
‫ذواهتم من خالل صفاهتم ومن خالل حمل نظر احلق‬
‫إىل قلوهبم جل جالله وتعاىل يف عاله ‪ .‬وهي املسئولية‬
‫عرب عنها صىل اهلل عليه وآله وصحبه وسلم يف‬
‫التي َ‬
‫احلديث بقوله ( ُكل َمولوه ُيو َلدُ عىل الف َ‬
‫طرة ‪ ،‬فأبوا ُه‬
‫وإن ل يكن‬ ‫(‪)1‬‬‫ُ َهي ِّو َهانه أو ُينَ َصانه أو ُي َم ِّج َسانه)‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري يف صحيحه عن أيب هريرة ‪ ،‬باب ما قيل يف أواله املرشكني‬

‫(‪ )1831/111/2‬هار طوق النجاة ‪ -‬الطبعة األوىل ‪1٧22 :‬هـ‬


‫التهويد والتنصري والتمجيس باالسم أحيانا‬
‫وصفات‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أخالق‬ ‫وبالصورة وبالصاحة فقد تترسب‬
‫النصارى واليهوه واملجوس إىل وسط الديار ‪ ..‬بل قد‬
‫َ‬
‫وسط هيارنا وتؤثر عىل أبنائنا وبناتنا‬ ‫تتحكم براجمهم‬
‫َص أو َجم َ َس فكر‬
‫هو َه أو ن َ َ‬
‫فيكون بذلك األب قد َ‬
‫أبناءه ‪..‬والعياذ باهلل تبارك وتعاىل‪.‬‬

‫املعلم الثاين ‪ :‬الدعاء‬

‫اهلم هو الدعاء‬
‫واملعلم الثاين الذي نحمل به َ‬
‫هلم ‪ ..‬فاملالئكة إذا هعوا للذين تابوا واتبعوا السبيل‬

‫قالوا يف هعائهم‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬

‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰﮊ [غافر‪ ]٩ – 3 :‬ليجتمع الكل ‪.‬‬

‫فنحن نحتاج إىل صدق هعاء إىل اهلل يف‬


‫صالح أبنائنا وفيام يواجهون ‪ ،‬وخصوصا يف مثل هذه‬
‫واملقص الذي ال هيتم بالدعاء ألبنائه‬
‫ِّ‬ ‫األزمنة ‪،‬‬
‫بخضوع وخشوع قلب يكون له يدٌ يف إمهال األبناء ‪،‬‬
‫وال يغني عن هذا بعد ذلك شدة الطبع أو الرضب إذا‬
‫رحيم يدعو رهبم هلم قبل أن يدعوهم‬
‫ٌ‬ ‫قلب‬
‫ل يكن له ٌ‬
‫هو إىل ربه سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫فيكون ذلك الدعاء هو ال ُعدَ ة‪ ،‬وهذا هو‬
‫املسلك القويم ‪.‬‬

‫ومن هنا ّ‬
‫حذر صىل اهلل عليه وسلم اآلباء‬
‫عندَ الغضب أن تصدر من أحدهم هعو ٌة عىل ابنه أو‬
‫بنته‪ ،‬فقد ُتس َتجاب الدعوة فتحصل نتيجتها ويتكبد‬
‫وخسائرها الكثرية يف الدنيا‬
‫َ‬ ‫األب بعد ذلك مشاكلها‬
‫قبل اآلخرة ‪ ..‬يقول عليه الصالة والسالم‪َ « :‬ال تَد ُعوا‬
‫َع َىل َأن ُفس ُكم‪َ ،‬و َال تَد ُعوا َع َىل َأو َاله ُكم‪َ ،‬و َال تَد ُعوا‬
‫اع ًة ُيس َأ ُل ف َيها‬
‫َع َىل َأم َوال ُكم‪َ ،‬ال ُت َواف ُقوا م َن اهلل َس َ‬
‫(‪)2‬‬‫يب َل ُكم»‬
‫َع َطا ٌء‪َ ،‬ف َيستَج ُ‬

‫(‪ )2‬أخرجه مسلم ‪ ،‬باب حديث جابر الطويل وقصة أيب اليرس‬
‫(‪ )811٩/281٧/٧‬هار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‬
‫قال بعض اآلباء ‪ :‬قلت عىل ابني كلمة‪ ،‬وأنا‬
‫اليوم أعاين منها‪ ،‬فال هو عاقل وال هو جمنون‪،‬‬
‫لت أعاجله منذ سنني بسبب تلك الكلمة التي‬
‫والز ُ‬
‫خرجت مني فكانت هذه نتيجتها‪.‬‬

‫فبدالً من الدعاء عليه ينبغي أن تدعو له ‪..‬‬


‫وقت شدَ تك أو‬
‫َ‬ ‫وقت غضبك أو‬
‫َ‬ ‫ولو جاء إليك‬
‫خالفك يف أمر فبدل الدعاء عليه اعدل إىل الدعاء له‪،‬‬
‫فهذه سنة نبيك حممد صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه‬

‫وسلم‪ ،‬فقد كان ال ُيط َل ُ‬


‫ب منه الدعا ُء عىل قوم إال‬
‫َعدَ َل من الدعاء عليهم إىل الدعاء هلم‪.‬‬
‫ويف هذا يقول الشاعر ‪:‬‬
‫ال تـــــــنطقن بـــــــام كرهـــــــت فـــــــربام‬
‫نطـــــق اللســـــان بحـــــاهث فيكـــــون‬
‫أنت ستكون كذا ‪،‬‬
‫غضبت عليه َ‬
‫َ‬ ‫فال تقل إذا‬
‫وسيكون مستقبلك كذا‪ ،‬فتنطق بام تتأل من حصوله‬
‫بعد ذلك‪.‬‬

‫ال تنطق بمثل هذا ‪ ،‬بل َبدّ ل ُه بالكالم الطيب‬


‫احلسن وبالتفاؤل احلسن‪.‬‬

‫ووقت الغضب حيث رشع احلق لك‬


‫َ‬
‫الغضب‪ ،‬فليكن الغضب من أجل اهلل تبارك وتعاىل‪،‬‬
‫ومق ّيد ًا بموازين تتعامل هبا عىل الوجه املطلوب من‬
‫غري إفراط وال تفريط‪.‬‬

‫الرمحة أساس ثابت يف التربية ‪:‬‬

‫ومع مسألة الدعاء وأمهيته فاألصل يف‬


‫الدعوة والتأثري عىل األبناء والبنات حقيق ٌة من الرمحة‪،‬‬
‫وقلنا حقيق ٌة من الرمحة من أجل أن خيرج التساهل يف‬
‫األمور حتى ال يقعون يف املخالفات ألمر رهبم و‬
‫رسوله أو اخلروج عن القيم واملباهئ تساه ً‬
‫ال بدعوى‬
‫الرمحة‪ ،‬فال يمكن أن يكون هذا من نصيب الرمحة‪.‬‬
‫كام أنه ال يمكن أن تكون األوامر والنواهي‬
‫بالغلظة والقوة والشدة ‪ ،‬حتى تصبح الصورة‬
‫املرتسمة يف البيت وكأنه حمل رشطة وعسكرة وأوامر‬
‫ونواهي ‪ ..‬فيخافون من أبيهم حني يقبل عىل الدار‪.‬‬

‫وال يكن متساهالً جد ًا إىل احلد الذي يكون‬


‫فيه مسخرة بينهم ‪ ،‬فال يبالون به إن كان موجوه ًا أو‬
‫غري موجوه ‪ .‬فال هيبة وال احرتام وال رأي ــ األمر‬
‫عندهم سواء ــ فال هذا استقام وال ذاك استقام ‪ .‬هذا‬
‫يف جانب إفراط واآلخر يف جانب تفريط ‪.‬‬

‫معنى من الرجولية‬
‫ً‬ ‫بل ال بد من وجوه‬
‫ومعنى من اهليبة لكنها مندرجة حتت املنطلق األسايس‬
‫وهو منطلق الرمحة ‪ ،‬فإن اهلل ل يرشع الرتبية إال رمح ًة‬
‫لعباهه ‪ ،‬بل ل يرشع التأهيب والعقوبات إال للرمحة‪،‬‬
‫وما رشع اجلهاه يف الدين إال ألجل الرمحة‪ ،‬وهلذا‬
‫ارتبطت أعامل اجلهاه كلها بالرمحة‪.‬‬

‫َ‬
‫وجل َعن الذين ينقضون‬ ‫يقول اهلل عز‬

‫العهوه وينكثون ‪ :‬ﮋ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬

‫ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝ‬
‫ﮞ ﮟﮠﮊ [التوبة‪. ]11 – ٩ :‬‬
‫كان يذمهم قبل قليل ‪ .‬كانوا أهل مصائب‬
‫وأهل مشاكل يف احلياة ‪ ،‬لكن إذا تابوا ورجعوا فان َسوا‬
‫هذا كله ‪ .‬ﮋﮞ ﮟﮠﮊ ‪.‬‬

‫ول اهللَ‪ ،‬إ ِّين َلق ُ‬


‫يت‬ ‫قال أحد الصحابة ‪َ ( :‬يا َر ُس َ‬
‫السيف َف َق َط َع َها‪ُ ،‬ث َم الَ َذ‬ ‫كَاف ًرا َفاق َتتَلنَا‪َ ،‬ف َ َ‬
‫رض َب َيدي ب َ‬
‫منِّي ب َش َج َرة‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬أس َلم ُت هلل ‪ ،‬آق ُت ُل ُه َبعدَ َأن َق َاهلَا؟‬
‫ول اهلل َص َىل اهلل َع َليه َو َس َل َم‪« :‬الَ تَق ُتل ُه» َق َال‪:‬‬ ‫َق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬فإ َن ُه َط َر َح إحدَ ى َيدَ َي‪ُ ،‬ث َم َق َال َذل َك‬ ‫َيا َر ُس َ‬
‫َبعدَ َما َق َط َع َها‪ ،‬آق ُت ُل ُه؟ َق َال‪« :‬الَ تَق ُتل ُه‪َ ،‬فإن َقتَل َت ُه َفإ َن ُه‬
‫ب َمنز َلت َك َقب َل َأن تَق ُت َل ُه‪َ ،‬و َأن َت ب َمنز َلته َقب َل َأن َي ُق َ‬
‫ول‬
‫كَل َم َت ُه ا َلتي َق َال»(‪.. )3‬‬

‫(‪ )8‬أخرجه البخاري يف صحيحه عبيداهلل بن عدي‪ ،‬كتاب الديات‬


‫(‪ )8381/8/٩‬هار طوق النجاة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1٧22 :‬هـ‬
‫فانظر إىل جهاهه صىل اهلل عليه وسلم القائم‬
‫عىل الرمحة حتى للمعاهي املعاند املقاتل وقد قطع اليد‬
‫ثم قال ‪ :‬أسلمت ؟ ومع ذلك قال له ‪ :‬قف مكانك‬
‫وال تقتله‪.‬‬

‫إذا انطلقنا من الرمحة وجعلنا من الرمحة‬


‫معنى أيض ًا من اهليبة والوقوف عند بعض احلدوه‪،‬‬
‫فال تصدر كثرة األوامر يف وقت واحد وإن احتجت‬
‫إليها ‪ ..‬بل اذكر له بعضها وأترك البعض اآلخر إىل ما‬
‫بعد ذلك ‪ ..‬فتأمره بأمر واحد أو بأمرين ‪ ..‬لكن بعد‬
‫ذلك اصرب ‪ ..‬وال تقل له اعمل كذا واعمل كذا ‪،‬‬
‫ف ُتكثر عليه فيضيق من األوامر كلها فال يمسك األول‬
‫وال األخري‪ ،‬ولكن توجهه وتأمره من وقت آلخر ‪..‬‬
‫وهلذا حتتاج إىل تغافل َعن بعض األشياء وكأنك ل‬
‫ترها منه ‪ ،‬ثم تن ِّبهه عليها إذا أمكن بطريق التلويح‬
‫قبل التصيح فذلك أحسن ليتفطن وينتبه هو من‬
‫نفسه‪ ،‬أو يكلمه غريك ‪ ،‬فتكلمه األم فهي أحنى‬
‫وأعطف عليه منك ‪ ،‬ومن ُث َم تكون مواجهتك معه‬
‫بالصاحة بعد ما تفشل األم ويفشل اإلخوان الذين‬
‫معه ‪ ،‬وال يكون التصيح إال يف الناهر ‪ ،‬فإن واجهته‬
‫يف كل يشء بالصاحة فستسقط هيبتك وسيتجرأ‬
‫عليك‪ ،‬فيكون جريئا عىل األمر‪.‬‬
‫ولكن حينام يعرف أن هذا ال يأيت إال ناهر ًا‬
‫عيل وج ُه‬
‫تغري اليوم َ‬
‫فيحسب له حسا َبه‪ ،‬ويقول كيف َ‬
‫أيب‪ ،‬وكيف ا َطلع عىل عيبي وما إىل ذلك ‪.‬‬

‫إذن فاألوامر و النواهي ال تأيت هفعة واحدة‪،‬‬


‫بل تكون األوامر والنواهي بعد أن تقيم هلا هذه‬
‫القاعدة ‪ ،‬وانظر أقام نبينا صىل اهلل عليه وسلم ثالثة‬
‫عرش سنة بمكة وهو يتكلم َعن اإليامن وأصول‬
‫األخالق فقط ‪ ،‬حتى الصالة التي هي عامه الدين‬
‫جاءت بعد إحدى عرش سنة من البعثة ‪.‬‬
‫ولو ت َأ َملنا لوجدنا أن أكثر األوامر والنواهي‬
‫جاءت بعد ما ترسخت القاعدة يف القلوب من‬
‫اإليامن ومن اليقني ومن املحبة والتعظيم ‪.‬‬

‫رسخ معاين اإليامن يف أبنائنا‬


‫فنحتاج إىل أن ُن ِّ‬
‫ونأخذ يف ذلك العربة من رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫من وسائل ترسيخ معاين اإلميان يف الناشئة ‪:‬‬

‫رشع لنا احلق أن نؤذن يف أذن الصبي اليمنى‬


‫ونقيم الصالة يف أذنه اليرسى وهو ال يعرف معنى‬
‫هذه الكلامت ‪ ،‬وذلك أن هذه األلفاظ بنورانيتها َيل ُج‬
‫منها إىل روحه نصيب وإن ل يكن يعرفها يف عهده هذا‬
‫ويف مرحلته تلك ‪ ،‬ومع ذلك ليكن أول ما يطرق‬
‫سمعه يف الدنيا اسم اهلل ‪ :‬اهلل أكرب اهلل أكرب ‪ ..‬لتأثري‬
‫ذلك عليه ‪.‬‬

‫وقد اكتشفوا اآلن يف عال احلس أن الكالم‬


‫الذي يدور بني احلامل و َمن َحوهلا أو الذي ترههه‬
‫بلساهنا يتأثر به اجلنني يف البطن ‪ ،‬بل وجدوا أن هذا‬
‫مؤثر حتى عىل املياه ‪ ،‬فاملاء الذي ُيذ َك ُر عنده الكالم‬
‫الطيب ختتلف تركيبته عن املاء الذي يذكر عنده‬
‫الكالم اخلبيث‪ ،‬وكان يذكر هذا الصاحلون ‪ ،‬واحلق‬

‫تعاىل يكثر األمثلة يف هذا‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ‬

‫ﯵﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺﯻﯼﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ‬
‫ﭘﭙﭚ ﭛﭜ ﭝﭞ‬
‫ﭟﭠ ﭡ ﭢﭣﭤﭥﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﮊ [إبراهيم‪ .. ]28 – 2٧ :‬وقال تعاىل‬

‫[النور‪]28 :‬‬ ‫ﮋﯠ ﯡ ﯢ ﯣﮊ‬


‫ﮋﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﮊ‬
‫[فاطر‪ ]11 :‬وهكذا ‪ ..‬و(الكلمة الطيبة صدقة) ‪.‬‬
‫هلذا ذكر النبي عذاب ًا شديد ًا خمصوص ًا للذي‬
‫يبحث يف الكلامت عن أقذعها وأخبثها ليتلفظ هبا ‪..‬‬
‫ف ُي َه َيأ له يف جهنم من العذاب ما ال يذوقه غريه‪ ،‬ألنه‬
‫كان يبحث عىل أخبث كلمة ليواجه هبا الناس ويكلم‬
‫هبا اآلخرين ‪ ..‬وهلذا يقول صىل اهلل عليه وسلم « َمن‬
‫َان ُيؤم ُن باهللَ َوال َيوم اآلخر َفل َي ُقل َخ ًريا َأو‬
‫ك َ‬
‫ل َيص ُمت»(‪. )4‬‬

‫إذن فمسموعات االبن والبنت عندك يف‬


‫البيت كثرية التأثري عليهم‪ ،‬فانظر ماذا يسمعون منك‬

‫(‪ )٧‬أخرجه البخاري يف صحيحه عن أيب هريرة‪ ،‬باب من كان يؤمن باهلل واليوم‬

‫اآلخر‪ )8113/11/3( ..‬هار طوق النجاة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1٧22 :‬هـ‬


‫ومن أجهزتك ‪ ،‬ومما يدور وسط البيت ‪ ،‬وماذا‬
‫يشاهدون؟ ‪ ..‬فمن الطرق القويمة أن يكون لك‬
‫حتك ٌم فيام يسمعونه وفيام يشاهدونه‪ ،‬وال تنطلق‬
‫رت ُك َ‬
‫احلبل عىل‬ ‫بالسذاجة يف عرض أي يشء عليهم َف َت ُ‬
‫الغارب‪.‬‬

‫جتد اآلن بعض األطفال الصغار يكون‬


‫أحسن من أبيه يف استخدام احلاسوب مثالً ألهنا‬
‫جاءت يف وقته وانصف إليها ذهنه برسعة وصار‬
‫أفضل من والده فيها‪ ،‬فال ُبدَ من قوامة يف هذا املعنى‬
‫يسمح له أن يراه‬
‫ُ‬ ‫وال بد من حتكم فيه ‪ ..‬فام كل يشء‬
‫يسمح له أن يسمعه ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وال كل يشء‬
‫كذلك يف األوقات أيضا ‪ ،‬ال بد أن يفهم‬
‫الولد شيئ ًا من قيمة الوقت وقيمة العمر ‪ ،‬فإذا التحق‬
‫باملدرسة فل ُرت َبط هراسته وأعامله كلها بعظمة اهلل‬
‫وعظمة رسوله‪َ ،‬‬
‫وأن املقصوه من هذه املدرسة اهلل‬
‫ورسوله ‪ ..‬لريضوا عنا ولنستقيم عىل ما أحبوا منا‬
‫ولنرافق املصطفى يف اآلخرة ‪ ..‬هذا كالم ال بد أن‬
‫يسمعه منك ‪ ،‬وال بد أن يتلقاه ذهنه منك ويفهمه‬
‫منك ‪ ،‬فتكون هبذا عنص ًا مؤمن ًا َر َبي َت الولد عىل‬
‫معنى عظيم و ربطته بأصل األصول ؛ ربطته باحلبل‬
‫ً‬
‫املتني من تعظيم اهلل وتعظيم رسوله ‪ ،‬فيفهم أن‬
‫وعملك و َ‬
‫كل األشياء التي تقيمها يف البيت‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شغلك‬
‫مربوطة باهلل وبرسوله و َط َلب رضوان اهلل ورضوان‬
‫رسوله‪ ،‬وأن هذا هو املقصوه‪ ،‬وأننا ُخلقنا من أجل‬
‫هذا ‪.‬‬

‫أن النبي صىل اهلل عليه وسلم َو َق َت‬


‫وتعلمه َ‬
‫س َن السبع لألمر بالصالة ‪ -‬وإن كان قبل ذلك يتهيأ‬
‫كثري من األبناء والبنات للصالة ‪ -‬لكن جعل هذا‬
‫ٌ‬
‫السن عىل وجه العموم ‪ ،‬فقال صىل اهلل عليه وآله‬
‫الص َالة َو ُهم َأبنَا ُء‬
‫وصحبه وسلم « ُم ُروا َأو َال َه ُكم ب َ‬
‫ني »(‪ )5‬وقد أخذ العلامء من هذا أن تعليمه‬
‫َسبع سن َ‬
‫الصالة يكون قبل السبع ‪ ،‬ألنه ال يمكن أن تأمره‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو هاوه يف سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪ ،‬باب متى‬

‫يؤمر الغالم بالصالة (‪ )٧٩1/88/1‬املكتبة العصية ـ صيدا‬


‫بيشء ال يعلمه ‪ ..‬فتأمره بفعل قد َعل َمه من سابق ‪،‬‬
‫تصور ما هي الصالة وكيف‬
‫السبع إال وقد َ‬
‫َ‬ ‫فال يبلغ‬
‫يصيل ‪ ،‬فإذا هخل السابعة يكون األمر بالصالة ‪،‬‬

‫لقوله صىل اهلل عليه وسلم « ُم ُروا َأو َال َه ُكم ب َ‬


‫الص َالة‬
‫وهم َع َلي َها‪َ ،‬و ُهم َأبنَا ُء‬ ‫َو ُهم َأبنَا ُء َسبع سن َ‬
‫ني‪َ ،‬وارض ُب ُ‬
‫َعرش َو َف ِّر ُقوا َبين َُهم يف َامل َضاجع»(‪ )6‬أي حافظوا عىل‬
‫ق َيم العفة واألمانة قبل أن يعرفوا شيئ ًا من الشهوات‬
‫أص ً‬
‫ال ول حتم حول أذهاهنم ‪ ،‬ال يبيتون يف مضجع‬
‫واحد متقاربني ليس بينهم حاجز ‪..‬‬

‫(‪ )8‬احلديث السابق ‪.‬‬


‫هكذا جاءت إرشاهات النبوة‪ ،‬وهو مؤمتن‬
‫عىل البالغ للبرش‪ ،‬وهو َيع َلم ما ُيد ُث ُه جندُ إبليس يف‬
‫واقع البرش ليصدوهم عن سبيل اهلل سبحانه وتعاىل ‪..‬‬
‫إذن فنحن حمتاجون إىل هذا ‪..‬‬

‫أيضا نحن حمتاجون إىل أن جيد األبناء‬


‫والبنات من أوقاتنا نصيب ‪ ..‬واألوقات التي‬
‫معنى الرمحة‬
‫َ‬ ‫يقضوهنا معنا جيب أن يصلوا فيها عل‬
‫ومعنى االنتباه ومعنى التنبيه عىل بعض األشياء التي‬
‫يقعون فيها ‪..‬‬

‫وقد كانت يف مثل هذه البلدة للناس يف‬


‫البيوت جلستان ؛ اجللسة األوىل بعد العشاء مبارشة‬
‫وتكون ختامية قبل النوم ؛ يستعرضون فيها حال‬
‫الولد يف يومه وكيف هو يف مدرسته؟ وأين كان يف‬
‫وقت العص؟ وأين ذهب بعد املغرب؟ وأين صىل‬
‫العشاء؟ ‪ ..‬وقد يكون هناك يشء من الفكاهة أو ذكر‬
‫بعض أخبارهم وتارخيهم يف حياهتم يعلموهنا‬
‫أوالههم ثم يتهيؤون للنوم ‪ ،‬وقد كان هذا موجوه ًا‬
‫حتى عند عوامهم‪.‬‬

‫واجللسة الثانية عند الذين تتسنى هلم قهوة‬


‫الضحى‪ ،‬وتكون أكثر املدارس العلمية الصباحية يف‬
‫هذا الوقت قد انتهت وهتيئوا للوقت الدرايس الثاين‬
‫وقت الظهر حسب الربنامج الذي كان معهوه ًا يف‬
‫السابق يف هذه البلدة املباركة ‪ .‬فيجلس كبري األرسة‬
‫مع أبناء وبنات األرسة الذين يف الدار من أجل‬
‫استعراض األعامل اليومية ‪ .‬فيسائلهم ‪ :‬ماذا‬
‫ستعملون اليوم؟ وما إىل ذلك ‪..‬‬

‫وهيمنا من ذلك أنه كانت هناك جلس ٌة من‬


‫أولياء األمور والكبار مع الصغار يشعرون فيها‬
‫بالرمحة واحلنان والعطف‪ ،‬ويشعرون فيها أيضا‬
‫باهتامم يف القضايا واملسائل ‪ ،‬وأهنم أمام واجبات يف‬
‫حياة معدة للتزوه حلياة بعد هذه احلياة ‪ ،‬كل هذه‬
‫املعاين يستقوهنا من خالل جلستهم ‪ ،‬فيعرفون أن‬
‫هناك من هيتم هبم ‪ ،‬وأن ورائهم أيضا رمح ًة وحنان ًا‬
‫وحرص ًا عليهم ‪.‬‬
‫املعلم الثالث ‪ :‬الصحبة ‪:‬‬

‫ثم يأيت التأكد من أحد املعال املهمة من معال الرتبية‬


‫القويمة وهي الصحبة ‪ ..‬فالصحبة من أعظم‬
‫املؤثرات عليه‪ ،‬فبعضهم من خالل املدارس وبعضهم‬
‫من خالل أوقات ما بعد العص وبعضهم من خالل‬
‫بعنارص أفسدوا‬
‫َ‬ ‫أوقات ما بعد املغرب والعشاء تعرفوا‬
‫ُك َل ما بنته األرسة ‪.‬‬
‫فقد تبني األرسة لعدة سنني بعض القيم يف‬
‫هذا الولد فيهدم الرفقاء واألقران كل ما بنته األرسة‬
‫يف أيام قليلة ‪.‬‬
‫فقه املسئولية من البداية ‪:‬‬

‫سن تعاملنا مع ما يطرأ‬


‫جيب علينا أن نفقه ُح ُ‬
‫عىل أبنائنا وبناتنا من أول ما نستلم األمانة عنهم ومن‬
‫مقدمات ذلك‪ ،‬إىل أن خيرج أحدنا عن تلك املسئولية‬
‫بموته أو موت ابنه وابنته‪ ،‬فإهنا أمانة ومسئولية ال‬
‫يمكن أن تتعطل وال أن تبطل وال أن ُتلغى ‪ ،‬يف ص َغر‬
‫وال يف كرب ‪ ،‬إال أن نوع املخاطبة واملطالبة قد ختتلف ‪.‬‬
‫حمطات التربية ‪:‬‬

‫احملطة األوىل ‪:‬‬

‫من حني تفكري اإلنسان يف الزواج وحاجته‬


‫إليه واختياره لذلك املنبت الصالح ونياته فيه ‪.‬‬
‫احملطة الثانية ‪:‬‬

‫من حني الشعور باحلمل ومراحل احلمل‬


‫التي ُتثب ُت اليوم هراسات أهل الظاهر وأهل احلس‬
‫تأ ّثر َمن يف البطن واجلنني بام ُيقال وما َيدور حوله‬
‫وهو يف بطن أمه ‪.‬‬
‫فكلامت األم التي تنطق هبا والكلامت التي‬
‫ُ‬
‫تسمعها األم مؤثرة عىل اجلنني يف بداية تكوينه ‪ ..‬خري ًا‬
‫أو رش ًا ‪ .‬وهذا من رس حكمة اهلل تعاىل يف اخللق‬
‫واإلجياه يف ربط األشياء بام جاورها وتأ ّثرها بام‬
‫حواليها‪ ،‬والذي قام من معناه األثر القوي يف مسألة‬
‫الصحبة واملجالسة ‪.‬‬
‫احملطة الثالثة ‪:‬‬

‫من بداية االستالم الفعيل لألمانة من حني‬


‫خروج اجلنني من بطن أمه ‪.‬‬
‫فام قبله مقدِّ مات وواجبات واآلن س ّلمك‬
‫املكون اخلالق أمانة التنشئة والرتبية بإخراجه لك من‬
‫ِّ‬
‫البطن وهو هبيئته وخلقته التي خلقه عليها مهيأ ألن‬
‫ينمو وأن يكرب ظاهر ًا وباطن ًا ‪.‬‬
‫واجباتنا يف هذه املرحلة ‪:‬‬

‫بدأت هذه املرحلة بتعاليم نبينا حممد صىل‬


‫اهلل عليه وعىل آله وصحبه وسلم لنا باآليت ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن نباهر إىل األذان يف أذن املولوه‬
‫وإقامة الصالة ‪ ،‬حتى تتأثر روحه ومداركه بنداء‬
‫الرمحن جل جالله وذكر اسمه واسم رسوله‬
‫حممد صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه وسلم‪،‬‬
‫فنؤذن يف أذنه اليمنى ونقيم الصالة يف اليرسى ‪.‬‬
‫وكأننا نريد بذلك أن ينشأ من البداية حمرر ًا من أن‬
‫يأرسه يش ٌء يف الوجوه فريى أن شيئ ًا أكرب من اهلل ‪..‬‬
‫وال كبري إال اهلل ‪ ..‬وأن ينشأ عىل العهد الذي بيننا‬
‫وبني اهلل من الشهاهتني‪.‬‬
‫‪ .2‬ثم ما جاءنا من سنة التحنيك وسنة‬
‫اختيار االسم إىل غري ذلك من اآلهاب ‪.‬‬
‫‪ .8‬ثم فيام ب ّينت لنا السنة الكريمة يف‬
‫رضاع األطفال واختيار احلالة التي يرضعون‬
‫عليها ‪ ،‬وااللتزام بالبسملة يف كل شئوهنم ‪.‬‬
‫يغري‬
‫وقد كانوا يتحدثون َعن أن الرضاع ِّ‬
‫الطباع ‪ ،‬وإذا َخ ُب َث رضاعه مال إىل اخلبيث‪ ،‬وألجل‬
‫َ‬
‫الطفل إال‬ ‫ذلك كانوا يبون أن ال ُترض َع املرضع ُة‬
‫وهي ذاكر ٌة هلل عز وجل‪ ،‬وهذا يذكرنا يف هذه املراحل‬
‫بكثري من اآلهاب التي فقدهتا األرس ‪ ،‬ورصنا قد هنتم‬
‫بام تكثر الدعاية له واإلعالن عنه من املواه املستحدثة‬
‫إهنا يف صالح األطفال‪ ،‬فنتأثر بالدعايات واإلعالنات‬
‫ونأخذها عىل بصرية وعىل غري بصرية أحيان ًا فيام‬
‫خيتلط هبا من مواه ‪ ،‬ثم يف ترك ما هو أفضل وأهم من‬
‫ثدي األم ولبنها ورضاعها للطفل والولد ‪. .‬‬
‫هذه املصنوعات ما النية التي اختلطت هبا ؟‬
‫وأصحاهبا فيهم ذاكر أو فيهم كافر؟ إىل غري ذلك ‪.‬‬
‫وكلها عنارص جتمعت وسط املاهة وجاءوا هبا إىل‬
‫بيتك ‪ ،‬وربام كانت أيض ًا مما نالته يدُ صنف من خبثاء‬
‫الكفار من اليهوه الذين يصنعون املواه خاصة التي‬
‫تصل إىل بعض املسلمني يف بعض الباله‪.‬‬
‫كام هلم اعتناء كذلك بصياغة وصناعة الربامج‬
‫لألطفال ‪ ،‬حتى أفالم الكرتون ما َسلمت من أياههيم‬
‫‪ ،‬وما سلمت من ختطيطاهتم اخلبيثة‪ ،‬وهذا يؤكد علينا‬
‫املسئولية أمام هؤالء األطفال ‪ ،‬فام خلقهم لك رب‬
‫العرش والسامء لتمتدَ إليهم أياهي أعداءه عىل ظهر‬
‫األرض وسقطة اخللق من املبعوهين عنه و يصلون إىل‬
‫وسط بيتك بواسطة هذه الربامج من هنا ومن هناك‪.‬‬
‫‪ .٧‬املحافظة عليهم منذ الصغر ومن‬
‫قبل سن التمييز فيام ينظرون وفيام يسمعون ‪ ،‬قال‬

‫تعاىل ﮋﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬

‫ﯿﮊ [اإلرساء‪]88 :‬‬


‫وقد ربط احلق بني الفؤاه والسمع والبص لقوة اآلثار‬
‫بينها والتالزم والرتابط ‪ ،‬فاهتاممنا بام يسمعون وما‬
‫يبصون يف خالل هذه املراحل قوي األثر ‪ ،‬ألجل‬
‫هذا ينبغي أن نؤهي هورنا ومسئوليتنا أمام هذه املهمة‬
‫غالب‬
‫ٌ‬ ‫يف هذه املرحلة التي يكون فيها الناشئ بيننا‬
‫عليه حمبة اللعب يف وقته ‪ ،‬وهو وقته بالنسبة له ‪.‬‬

‫التقليد يف حياة األطفال ‪:‬‬

‫قال اإلمام الرميل يف منظومته ‪:‬‬


‫إذا قلبـــــــه كالشـــــــمعة املقصـــــــورة‬
‫وجــــــوهر يقبــــــل كــــــل صــــــورة‬
‫شأنه التقليد فيقلدك ويقلد الكبار يف البيت‪،‬‬
‫فتجده يقلد أباه ويقلد أمه ويقلد َمن يعرفه من‬
‫الكبار‪ ،‬وهلذا حتى ألعاب األطفال إذا نظرت إليها‬
‫فستجد كثري ًا منها عبارة عن تقليد للكبار ‪ ،‬فهناك‬
‫ألعاب يعملون من خالهلا بيت ًا ‪ ،‬وألعاب حتاكي‬
‫السيارات واملسابقات والزواجات وأحيانا يزجون‬
‫بأنفسهم إىل املصارعات واألشياء التي يعملها الكبار‪،‬‬
‫ملاذا ؟ ألهنم يف الصغر مفطورين عىل التقليد ‪ ،‬ومن‬
‫هنا وجب عليك محاية ما يسمع وما يبص ألنه يب‬
‫أن يقلده ويب أن يتبعه بعد ذلك‪.‬‬
‫املسموعات واملرئيات يف حياة األطفال ‪:‬‬

‫ويف هذا نجد أن أكثر املنشورات اآلن من‬


‫القصص يجب متام ًا عن هذه املعاين‪ ،‬فيعطوهنم‬
‫قصص ًا ملغمة بأنواع األلغام وهذا مؤثر قوي عىل‬
‫فكر اإلنسان وعىل نوعية اختياره لألشياء ‪ ،‬وهلذا البدَ‬
‫من عوهتنا إىل إشباع أفكارهم وعقوهلم بالسرية‬
‫الكريمة وبسري الصاحلني واألخيار حتى يكونوا ا ُمل ُث َل‬
‫ال ُعليا يف أذهاهنم ال الذين تنرش عنهم وسائل‬
‫اإلعالم‪.‬‬

‫أين إعالمك أنت مع ولدك؟ أترتكه هلذه‬


‫الوسائل التي أكثرها بيد ساقطني؟ وأكثرها بيد‬
‫بعيدين عن اهلل تعاىل فتس ِّلم ولدك هلا؟! ‪ ..‬أين‬
‫إعالمك أنت للولد؟ ال بد أن يكون الولد متأثر ًا بام‬
‫تنرشه له وبام تربيه أنت عليه من هذا التعلق ‪ ..‬فرتى‬
‫َمن يع ِّظم ؟ و َمن َيكرب يف عينه؟ و َمن يكرب يف نظره من‬

‫النبيني واملرسلني ‪ ..‬يقول اهلل جل جالله ‪ :‬ﮋﯫ‬

‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﮊ [يوسف‪، ]111 :‬‬

‫ويقول تعاىل‪ :‬ﮋﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ‬


‫[يوسف‪ ، ]8 :‬فأي مؤسسة يف العال تعطي أحسن من‬

‫هذا؟ ‪ ..‬إذا اهلل يقول ﮋﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬

‫ﯕﮊ فلامذا هنملها ونرتكها ؟ أي مؤسسة يف‬


‫العال ستأيت لنا بقصص أحسن منها ؟ هذا هو أحسن‬
‫القصص الذي جيب أن يعوه إىل أذهان أبنائنا وبناتنا‪.‬‬

‫ملحظ لطيف يف معىن قوله تعاىل‬

‫ﮋﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ‬
‫ﭱ ﭲﭳﮊ‬
‫هناك منزع لطيف كان يذكره بعض أهل‬

‫املعرفة يف قول اهلل تعاىل ﮋﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬

‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﮊ فقال ‪ :‬ذكر‬
‫مخس خصال وذكر مظاهرها يف احلياة ‪:‬‬
‫اهلل َ‬
‫ففي السبع السنني األوىل يغلب اللعب‪ ،‬ويف‬
‫السبع السنني الثانية يغلب اللهو‪ ،‬يف السبع السنني‬
‫الثالثة تغلب الزينة ‪..‬‬

‫املرحلة األوىل ‪ :‬مرحلة اللعب ‪.‬‬

‫فتجده يف املهد يالعب أي يشء ‪ ..‬وهذا‬


‫اللعب له فوائد راجعة إىل صحته وإىل إعداهه ملهمته‬
‫الكبرية التي س ُيقب ُل عليها ‪ ،‬من هنا يبدأ التفكري يف‬
‫اختيار كيف نالعبهم وب َم نالعبهم‪ ،‬وإعطاؤه ما‬
‫يستحقه يف هذه املرحلة من هون أن يكون فيه يشء‬
‫من اإلرضار عىل فكره وعىل خلقه ‪.‬‬
‫أنواع األلعاب يف أشكاهلا ويف مغزاها أو‬
‫معناها ينبغي أن يكون لنا فيها اختيار ‪ ،‬ومن خريها‬
‫نفسه مع أوالهه مما يغ ِّطي هذا‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان ُ‬ ‫أيض ًا ما بارشه‬
‫اجلانب من هون أن تكون عليه تأثريات أخرى سلبية‬
‫جاءت من هنا وهناك ‪ ،‬ألنه حتى أنواع الل َعب ل‬
‫تسلم من ِّ‬
‫بث املكر واخلداع فيها ممن يتصيدون أغىل‬
‫يشء عندنا وهو قلوب أبنائنا وبناتنا وناشئتنا ‪ ..‬ولذا‬
‫وجدنا يف السرية الكريمة بنفسه صىل اهلل عليه وسلم‬
‫ّ‬
‫يتوىل بعضها ‪.‬‬

‫وقد ُنق َل عنه صىل اهلل عليه وسلم ٌ‬


‫كثري من‬
‫ممازحاته ومباسطاته لألطفال والنساء إىل حد أن‬
‫يتباهل معهم ما يتعلق بحركتهم وولعهم يف البداية‬
‫بيشء من احلركات اجلسدية سوا ًء يف جري بينهم ‪ ،‬أو‬
‫يف صعوه عىل جسده الرشيف‪ ،‬فتجده يمسك بيد‬
‫الطفل ويرفعه عىل ظهره حتى يصل به إىل عنقه‬
‫وينزله ويأيت به مرة أخرى ليقيض شيئ ًا من الوقت يف‬
‫هذا ‪..‬‬
‫ما ترى هذا العمل؟‬
‫ٌ‬
‫عمل ممن ؟‬
‫هو ل يأت عبث ًا ‪ .‬ولكن جاء ليؤكد لنا رس‬
‫األمانة يف هذه الناشئة ‪ ..‬ويقول لنا‪ُ « :‬كل ُكم َراع‬
‫ول َعن َرع َيته‪َ ،‬فاإل َما ُم َراع َو ُه َو َمسئُ ٌ‬
‫ول َعن‬ ‫َو َمسئُ ٌ‬
‫الر ُج ُل يف َأهله َراع َو ُه َو َمسئُ ٌ‬
‫ول َعن‬ ‫َرع َيته‪َ ،‬و َ‬
‫َرع َيته‪ )7(»..‬أي أعطوهم من وقتكم ومن فكركم ما‬
‫يكفيهم وال تعرضوهم ألن تتلقفهم أياهي غريكم ‪.‬‬
‫وأياهي الغري اليوم هخلت علينا بوسائل‬
‫كثرية حتى وصلت إىل هيارنا ‪ ،‬فهم يف أبعد مكان‬
‫منك يف العال ولكن فكرهم وختطيطهم قد يكون‬

‫موجوه ًا وسط هارك ُيل َع ُ‬


‫ب به عىل عيالك ‪ ..‬فلهذا‬
‫احتاجت املسألة إىل فقه ووعي يتناسب مع عظمة‬
‫املهمة ‪.‬‬
‫ومع سلبيات هذه االنفتاحات املوجوهة يف‬
‫العال والتداخالت التي تداخل هبا الغث بالسمني‬

‫(‪ )٤‬أخرجه البخاري يف صحيحه عن ابن عمر‪ ،‬باب العبد راع يف مال سيده‬

‫(‪ )2٧1٩/121/8‬هار طوق النجاة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1٧22‬هـ ‪.‬‬


‫واخلري بالرش وأهت إىل ما أ ّهت إليه‪ ،‬مع كل هذه‬
‫السلبيات يوجد إمكانية استعامهلا عند اللبيب الفطن‬
‫احلازم فيام ينفع وجتنب أرضارها ‪ ،‬ولكن أرضارها‬
‫عىل العامة أكثر وأكثر ‪..‬‬
‫فيام يتعلق باللعب وكيف يلعب؟ و َمن‬
‫يالعب؟ عندنا يف سري السابقني كثري من هذا املعنى ‪..‬‬
‫ال هيكل ًة‬
‫فقد كان املجتمع نفسه مر ّبى وكان مهيك ً‬
‫الئق ًة بالتفاعل مع الرتبية وقد فاتنا الكثري ‪..‬‬
‫فعىل سبيل املثال كانوا يذكرون عن أحد‬
‫رجال العلم والرتبية يف الواهي وهو احلبيب حممد بن‬
‫حسني احلبيش الذي انتقل فرتة إىل مكة املكرمة من‬
‫أجل أهاء الدور يف التعليم والرتبية ‪ ،‬وكان عنده أواله‬
‫فكان ‪ -‬وهو املتقلد ألعباء اإلفتاء والتدريس‬
‫والدعوة إىل اهلل ‪ -‬خيرج مع األواله يف سن الطفولة‬
‫بعض الوقت إىل املكان الذي ه َيئه هلم يف احلوش‬
‫وسط هاره يالعبهم ‪ ...‬ملاذا ٌ‬
‫حوش وسط الدار ؟ من‬
‫أجل أن ال خيتلطوا ببقية األبناء ‪ ..‬وهذا يف َسنَة كم‬
‫ويف أي بلد ؟؟ يف مكة املكرمة ‪ ..‬و أياهي اليهوه‬
‫والنصارى ما وصلت إليها ‪ ،‬واليوم خترج من احلرم‬
‫فتجد األسامء الغريبة ‪ -‬وبعضها مستهجنة حتى يف‬
‫باله الكفر ويف باله الغرب ‪ -‬موجوهة عىل بعض‬
‫املحالت والدكاكني جنب احلرم ‪ ،‬هذا يف وقتنا اليوم‬
‫‪ ..‬لكن يف ذلك الوقت ال يوجد يشء من هذا ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك ال يرىض ألوالهه أن يتعرضوا ملسموع أو منظور‬
‫يرونه ‪ ،‬وال يسمح هلم باخلروج من هذه احلدوه إال‬
‫إىل احلرم ومعه وليس بمفرههم حرصا عليهم إىل هذا‬
‫احلد ‪ ،‬هذا كله من أجل أن تعرف بعد ذلك املعاناة‬
‫التي يعانيها األب منهم يف سن املراهقة َ‬
‫ألن املراحل‬
‫ب عليه األمر وقت‬
‫فص ُع َ‬
‫السابقة كان فيها خلل ‪َ ..‬‬
‫الكرب حينام كربوا ‪ .‬ألنه فسح املجال للتأثريات‬
‫السلبية الكبرية يف البداية ‪ ..‬فلام بدأ الولد يكرب ل‬
‫يعرف كيف يعمل ‪.‬‬
‫املرحلة الثانية ‪ :‬مرحلة اللهو ‪:‬‬

‫ثم جتده بعد السبع األوىل يميل إىل يشء من‬


‫األصوات وإىل يشء من األناشيد وإىل يشء من‬
‫اآلالت أو الطرب ‪ ،‬فهنا يبدأ وقت اللهو فيميل إىل‬
‫أنواع من اللهو ‪ ،‬وعندنا يف الرشيعة ترتيب ملا أباحته‬
‫لنا من اللهو املباح الذي ال جناح فيه وال آثار سلبية‬
‫فيه ‪ ،‬ينبغي أن يسد ذلك املسد حتى ال يؤهي اللهو إىل‬
‫ما ُكر َه يف الرشيعة وإىل ما ُح ِّرم بعد ذلك ‪ ،‬وهذا الذي‬
‫والتعليامت من رسول اهلل‬
‫ُ‬ ‫اآلهاب النبوي ُة‬
‫ُ‬ ‫جاءتنا به‬
‫صىل اهلل وسلم وبارك عليه وعىل آله ‪..‬‬
‫فنجد يف صحيح البخاري عن عائشة‪ ،‬أهنا‬
‫ُز َفت امرأة إىل رجل من األنصار‪ ،‬فقال نبي اهلل صىل‬
‫َان َم َع ُكم َهل ٌو؟ َفإ َن‬
‫اهلل عليه وسلم‪َ « :‬يا َعائ َش ُة‪َ ،‬ما ك َ‬
‫(‪)8‬‬‫األَن َص َار ُيعج ُب ُه ُم ال َله ُو»‬
‫ف ُين َظ ُم اللهو و ُيرتَب ليكون متناسب ًا مع‬
‫املقاصد السامية هلذا اإلنسان يف خالفته َعن اهلل تبارك‬
‫وتعاىل يف هذه األرض ‪ ..‬فلم يأمر باستقبال حفالت‬
‫الزواج بالصمت والسكوت ‪ ..‬بل سمح هلم بقليل‬
‫مرتب ومنظم ومعدل‪.‬‬
‫من اللهو لكنه ّ‬
‫وهذا الذي قد ُرتِّب يف مثل جمتمعاتنا عىل‬
‫مدى قرون ثم حصلت التجاوزات فيه واخلروج عن‬
‫احلد‪ ،‬وإال فقد ُر ِّت َبت فيه شئون الرشح واإلنشاه ‪..‬‬

‫(‪ )3‬أخرجه البخاري يف صحيحه عن عائشة ‪ ،‬باب النسوة الاليت هيدين املرأة إىل‬

‫زوجها (‪ )1182/22/٤‬هار طوق النجاة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1٧22‬هـ ‪.‬‬


‫إنشا ٌه وسط اجللسات الرئيسية يف الزواج ويف كثري‬
‫من األحوال ليدلك عىل الوعي الذي كان ِّ ً‬
‫خميام عىل‬
‫عقليات الناس يف تفاعلهم مع هورهم يف اخلالفة‬
‫وأهاء األهوار حتى فيام يتعلق بجوانب الغناء‬
‫واإلنشاه وما يتعلق بشئون اللهو ‪.‬‬

‫املرحلة الثالثة ‪ :‬مرحلة الزينة ‪:‬‬

‫جتد الولد عندما يدخل من مرحلة اللهو إىل‬


‫مرحلة الزينة يف السنة الرابعة عرشة من عمره يغلب‬
‫عليه يف هذه الفرتة النظر إىل لباسه وااللتفات إىل‬
‫شعره و إىل أناقته وزينته ويكثر من النظر يف املرآة ‪،‬‬
‫وكان قبل ذلك السن ليس هبذه الصورة‪ ..‬لكن يغلب‬
‫عليه هذا األمر يف هذا الوقت ‪ ،‬فهنا يتاج إىل ربطه‬

‫بمعاين التزين للصالة ﮋﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬


‫ﭗ ﭘﮊ [األعراف‪ ]81 :‬وأنه حمل نظر احلق سبحانه‬
‫(‪)9‬‬‫وتعاىل «إ َن اهللَ َمج ٌيل ُيب اجلَ َام َل »‬
‫ونعرفه املقصو َه من الزينة‪ ،‬واملقصو َه من‬
‫ِّ‬
‫التزين‪ ،‬وما جاءت به الرشيعة من قص األظافر ‪ ،‬وما‬
‫تعلق بخصال الفطرة ‪ ،‬ومن اآلهاب يف اللباس وغريه‬
‫األمر منفتح ًا عىل ما يرضه ‪ ،‬وحتى تبقى‬
‫ُ‬ ‫حتى ال يبقى‬
‫الزينة نفسها مربوط ًة بمعاين السنة ومربوط ًة‬
‫باستبعاث زينة الباطن مع زينة الظاهر ‪ ،‬وإراهة التزين‬

‫(‪ )٩‬أخرجه مسلم يف صحيحه عن عبداهلل بن مسعوه ‪ ،‬باب حتريم الكرب وبيانه‬
‫(‪ )٩1/٩8/1‬هار إحياء الرتاث العريب ‪.‬‬
‫هلل سبحانه وتعاىل بالزينة الظاهرة والزينة الباطنة ‪..‬‬
‫فيكون املقصوه من الزينة هو احلق سبحانه وتعاىل ‪،‬‬
‫وبذلك نتذكر ما جاء يف احلديث مثالً يف استعامل‬

‫الطيب فقد قال النبي صىل اهلل عليه وسلم « َمن َت َط َي َ‬


‫ب‬

‫ي ُه َأط َي ُ‬
‫ب م َن املسك‪َ ،‬و َمن‬ ‫هلل َجا َء َيو َم الق َيا َمة‪َ ،‬ور ُ‬
‫ي ُه َأنت َُن م َن‬ ‫َت َط َي َ‬
‫ب ل َغري اهلل َجاء َيو َم الق َيا َمة‪َ ،‬ور ُ‬
‫اجلي َفة»(‪. )10‬‬
‫فانظر كيف يربينا صىل اهلل عليه وسلم حتى‬
‫يف استعامل الطيب أن نتطيب هلل ‪ ..‬كيف نتطيب هلل؟‬
‫نتطيب هلل بأن يكون الدافع والقصد تعظيم الشعائر‬

‫(‪ )11‬أخرجه عبدالرزاق يف مصنفه عن اسحاق بن أيب طلحة‪ ،‬باب املرأة تصيل‬
‫(‪ )٤٩88/81٩/٧‬املجلس العلمي‪ -‬اهلند الطبعة‪ :‬الثانية‪. 1٧18 ،‬‬
‫وإظهار النعمة ‪ ،‬وجتنيب إخواننا الروائح السيئة‬
‫حرم اهلل عىل صاحبها أن يقرب املسجد‬
‫والكرهية التي َ‬
‫حتى ال يؤذي غريه ‪ ،‬فقد جاء يف احلديث « َمن َأك ََل‬
‫(‪)11‬‬ ‫ال َب َص َل َوالثو َم َوال ُك َر َ‬
‫اث َف َال َيق َر َب َن َمسجدَ نَا»‬
‫ونجد الفقهاء يقولون ‪ :‬لو أن إنسان ًا أنفق ثلث ماله يف‬
‫الطيب ال ُي َعد سفيه ًا وال ُيجر عليه ؛ ألهنم عدّ وا أن‬
‫إصالح ألمر مطلوب يف الرشيعة ‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫هذا فيه‬

‫(‪ )11‬أخرجه مسلم يف صحيحه عن جابر بن عبداهلل‪ ،‬باب هني من أكل ثوما‬

‫(‪ )18٧/8٩1/1‬هار إحياء الرتاث العريب ‪ .‬ويف رواية البخاري « َمن َأك ََل ُثو ًما َأو‬
‫َب َص ًال َفل َيعتَزلنَا‪َ ،‬أو ل َيعتَزل َمسجدَ نَا» برقم ‪1٧12‬‬
‫املجمر‬
‫ِّ‬ ‫وهكذا كانوا يذكرون عن أيب عبداهلل‬
‫الذي كان مشغوالً بتطييب املسجد ‪ ،‬فكان يمل‬
‫اجلمرة ويبخر املسجد ويطيبه هائام ‪..‬‬
‫فهذا ٌ‬
‫بيان من رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬
‫لنا يف ربط هذه الشئون يف احلياة باملعاين الرفيعة ‪..‬‬
‫ونعلمهم أن القدوة يف الزينة رسول اهلل ‪ ،‬والقدوة يف‬
‫ال ِّطيب رسول اهلل ألنه ال أزين منه ‪ ،‬فال نجعل الزينة‬
‫جتلبهم إىل تعظيم احلقري وال أن يدخل إىل قلوهبم َمن‬
‫هو ساقط من عني العيل الكبري َ‬
‫جل جالله ‪ ..‬بل‬
‫نجعل الزينة مربوطة بتعظيم رسول اهلل وتعظيم‬
‫أصحابه وتعظيم صاحلي األمة ‪ ،‬فهم أهل الزينة‬
‫الظاهرة والباطنة عىل وجه احلقيقة وهم حمل القدوة‪.‬‬
‫فمن خالل َما عرفت أن احلق سبحانه‬
‫يطور عندهم التوجهات والتشوفات النفسية‬
‫وتعاىل ِّ‬
‫من طور إىل طور فأحسن التعامل معها باستعاملك‬
‫أنت هلذه اآلهاب النبوية يف اخلطاب و يف التعامل و يف‬
‫َ‬
‫اخلروج عن ما تسمع من اإلفراط والتفريط يف كل‬
‫صفة ‪ .‬ففي كل جمال إفراط وتفريط وال بد من‬
‫اخلروج عن هذا واالحتياط خصوصا يف مثل زماننا ‪،‬‬
‫فإن خ َطط أعدائنا قد َضم َن اهلل لنا أن ال تؤ ِّثر فينا إال‬
‫إن أخذناها نحن ‪ ،‬و نفذناها نحن ‪ ،‬أما من هون أن‬
‫متتد إليها أيدينا فمهام عملوا فلن يقدروا أن يؤثروا‬

‫علينا ‪ ،‬وال ُيس َلط عىل األمة ٌ‬


‫عدو من خارجها أبد ًا ‪..‬‬
‫نجح فيه الكفار‬
‫َ‬ ‫ولذلك نجدُ َ‬
‫أن كل ما‬
‫وسط املسلمني اليوم ما وصلوا إليه إال بعنارص منا و‬
‫من بيننا و من وسطنا ‪ ..‬أما من هوهنم فجميع كفار‬
‫العال ال يقدرون عىل يشء ينالونه منا ‪ ،‬ولكن عندما‬
‫جيدون منَا من يبيع ق َيمه ومن يبيع هينه يستعملونه‬
‫عنص ًا هلم لنرش رشهم وفساههم ‪ ،‬فهذا هو البالء‬
‫الذي ُتصاب به األمة والعياذ باهلل تبارك وتعاىل ‪.‬‬
‫وهلذا إذا سمعت يف أقوال منترشة بني العامة‬
‫من مثل (إذا كرب ولدك فخاوه) ‪ ..‬يعني آخه وعدّ ه‬
‫أخ ًا لك ‪ ..‬فهذا يبني جانب ًا من مسألة كيفية التخاطب‬
‫والتعامل ‪ ،‬وال يلغي مسألة األبوة وحقها وحمل‬
‫اعتبارها ‪ ..‬وكان األمر واضح ًا يف السابق ‪ ،‬ولكن‬
‫بدأت اآلن فيه اإلشكاالت من خالل املصاحبات‬
‫واالتصاالت بالناس يف املراحل العمرية األوىل ‪.‬‬

‫يبدأ يف هذه املرحلة عند الولد يشء من‬


‫االستقاللية والشعور بالنفس والشعور بالعقلية‬
‫ويرى أنه أصبح عاق ً‬
‫ال فلهذا جيب أن يكون الكالم‬
‫معه بمنطق عقالين ووجداين مع ًا‪ ،‬يكون وجداني ًا‬
‫عاطفي ًا لكن فيه حس الدليل والعقل واملنطق حتى‬
‫يكون أقرب لالقتناع وآخذا لألمر بقوة ‪ .‬وعىل كل‬
‫رأيت استجابته‬
‫َ‬ ‫حال فال يمكن إغفاله وإمهاله سوا ًء‬
‫رأيت بداية مواجهة للمخالفة يف األمر‪ ،‬ولو‬
‫َ‬ ‫لك أو‬
‫باالستعانة بغريك من العقالء أو بعض األقران الذين‬
‫يقربونه يف السن من أهل اخلري وبام ذكرنا من البقايا‬
‫الطيبة املوجوهة يف املجتمع من جلسات أو جمالسات‬
‫أو حلقات تعقد ‪ ،‬مع امتالء أذهاهنم بمعاين السرية‬
‫النبوية وسري الصحابة وسري الصاحلني هذا أمر يكاه‬
‫يكون أساسي ًا يف صالحهم ويف حفظ اهلل الختياراهتم‬
‫وإراهاهتم وأفكارهم ‪ ،‬فينبغي أن تتشبع أذهاهنم‬
‫وعقوهلم بسرية رسول اهلل وبسري الصحابة وبسري‬
‫صاحلي األمة وأخيارها ‪.‬‬
‫وأكرب ما ُجي ِّرئ االبن عىل اخلروج َعن األهب‬
‫مع والديه ومع بقية األرسة أصحابه وجلساؤه‪،‬‬
‫ولكن أصحابه وجلساؤه أنّى يتمكنوا منه ويصلوا إىل‬
‫عقله وقلبه إال إن كان هناك تقصري سابق من اآلباء‬
‫أنفسهم وعدم يقظة وعدم انتباه ‪ ،‬فال يكفي أن تقول‬
‫أنك أرسلته إىل املدرسة أو أنك قلت له أن يذهب بعد‬
‫ُ‬
‫الشيطان‬ ‫املغرب إىل املحل الفالين ‪ ..‬وهل يرتك‬
‫الناس الذين ذهبوا إىل أماكن اخلري من غري تفكري منه‬
‫َ‬

‫يف صدهم عنها ‪ ..‬يقول ‪ :‬ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ‬

‫ﮃﮊ [األعراف‪ ..]18 :‬ألن الذين ذهبوا إىل حمل‬


‫الرش قد صاروا يف القبضة فهم أصحابه ومنفذين‬
‫ألوامره وأعضاء ناجحني معه ‪ ،‬لكنه يذهب إىل‬

‫أماكن اخلري كامل قال‪ :‬ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮊ‬


‫وهلذا جتد الشيطان يرسل عنارصه إىل املحل‬
‫الطيب من أجل أن يلوي الناس فيأيت الرضر َمن‬
‫وسط املحل الطيب ؛ من وسط املسجد أحيانا و من‬
‫يتعرف الولد عىل‬
‫وسط حلقة العلم أحيانا أخرى ‪َ ..‬‬
‫أحد الطالب فرييب وسطه شيئ ًا يكون يف البداية َخف َي ًا‬
‫ثم يظهر وإذا به صار شيطان ًا كبري ًا ‪ ،‬فحتى مع‬
‫إرسالك له إىل حمل العلم وإىل املسجد ‪ ..‬انتبه ‪ ،‬فام‬
‫يكفي أنك أرسلته إىل املسجد أو أرسلته إىل حلقة‬
‫العلم ‪ ..‬نظرتك إىل َمن جيالس ‪ ،‬ونظرتك إىل َمن‬
‫خيتار من األصدقاء من البداية‪ ،‬ومساعدته عىل ترك‬
‫اجلليس الذي خياف عليه الرضر منه من بداية األمر ‪-‬‬
‫هذا يف ذات الولد ‪-‬‬
‫ومن الداخل ال تفتح له اجلرس من وسط‬
‫هارك من خالل األفالم التي يشاهدها واألشياء التي‬
‫يراها ‪ .‬فتصري جرس ًا بينه وبني رشار أهل البلد أو‬
‫الغافلني يف البلد من وسط هارك ‪ ..‬فتكون الثغرة‬
‫انفتحت من الداخل ويكون من السهل التأثري عليه‬
‫من اخلارج‪.‬‬
‫إذن فاملسألة حتتاج إىل يقظة ‪ ،‬وإىل انتباه ‪،‬‬
‫وإىل استعامل حق الوالية والتأهيب يف ضوابطه بال‬
‫إفراط وال تفريط ‪..‬‬
‫الضرب وميزانه يف الشريعة ‪:‬‬

‫ما تسمعون من كالم عن الرضب أو عن‬


‫وسائل التأهيب نقول فيه ‪ :‬أن االنتقا َه للرضب من‬
‫أصله وفتح بابه عىل مصاعيه ليتحول إىل ما يسميه‬
‫ربح كالمها خطأ‬
‫الفقهاء عندنا يف الرشيعة بالرضب امل ِّ‬
‫‪ ..‬فاألفكار التي جاءت إللغاء الرضب من أصله‬
‫كانت عىل غري بصرية ول تؤهي إىل سالمة وال إىل‬
‫استقامة ‪ ،‬والتي فتحت الباب عىل مصاعيه وأن كل‬
‫يشء بالرضب والرضب هو األساس أيضا فاشل ٌة‬
‫وخاطئ ٌة وخمالف ٌة للسنة الكريمة ‪.‬‬
‫ويف هذا يقول الرسول صىل اهلل عليه وسلم‬
‫السو َط َحي ُث َي َرا ُه َأه ُل ال َبيت؛ َفإ َن ُه َهلُم‬
‫« َع ِّل ُقوا َ‬
‫َأ َه ٌب»(‪ )12‬أي ‪ :‬ع ِّلق السوط حتى لو ل يكن هناك‬
‫رضب لتذ ِّكرهم بأن املسائل فيها حماسبة ‪ ،‬وإن كالً‬
‫ٌ‬

‫(‪ )12‬أخرجه الطرباين يف املعجم الكبري‪ ،‬عن ابن عباس (‪)118٤1/23٧/11‬‬

‫مكتبة ابن تيمية – القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‬


‫البد أن ينتبه من نفسه ‪ ..‬بمعنى ‪ :‬كن رجالً إجيابي ًا‬
‫وواقعي ًا وحازم ًا وال ترتك األمور سائبة هائ ًام وال جتعل‬
‫الرضب هو األول‪.‬‬
‫كام رشع لنا سبحانه وتعاىل الرضب حتى‬
‫مع نسائنا ‪ ،‬ولكن بأي وسيلة ويف أي مرحلة ‪.‬‬

‫قال تعاىل ﮋﭨ ﭩ ﭪﭫ‬

‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﮊ‬
‫فالبدَ أوالً من أهاء هور الوعظ كامال ‪،‬‬ ‫[النساء‪]8٧ :‬‬

‫وبعد الوعظ واهلجر عند خوف النشور يأيت قوله‬

‫ﮋﭯﮊ فام هو الرضب؟‬


‫جمره هتييب يثبت معنى القوامة‬
‫الضرب ‪َ :‬‬
‫والرجولية من هون اعتداء ‪ ،‬وكان الصحابة يمثلون‬
‫لذلك بنحو الرضب بالسواك ؛ هذا هو الرضب ‪ ،‬ال‬
‫يتجاوز هذا احلد ‪ ،‬فكذلك مع األبناء ‪ ،‬ولكن يف‬
‫الغالب عند استعامل األساليب الطيبة احلسنة ال يتاج‬
‫اإلنسان إىل هذا وال يصل إليه ‪ ،‬وهذا الذي كان يف‬
‫حياته الشخصية صىل اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قالت السيدة‬
‫ول اهلل َص َىل اهللُ َع َليه َو َس َل َم َشي ًئا‬
‫رض َب َر ُس ُ‬
‫عائشة « َما َ َ‬
‫َقط ب َيده‪َ ،‬و َال ام َر َأ ًة‪َ ،‬و َال َخاه ًما‪ ،‬إ َال َأن ُ َ‬
‫جياهدَ يف َسبيل‬
‫وقت حد من احلدوه أمرهم أن‬
‫اهلل ‪ )13(»..‬وإذا جاء ُ‬

‫(‪ )18‬أخرجه مسلم يف صحيحه عن عائشة ‪ ،‬باب مباعدته صىل اهلل عليه وسلم‬

‫لآلثام واختياره من املباح (‪ )2823/131٧/٧‬هار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‬


‫يرضبوا وما كان يبارش ذلك بنفسه لكنه يرض معهم‪،‬‬
‫حتى يف الرجم حرض ول يرجم بنفسه ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫َمحى عرض الذي ُرجم ‪ ..‬فانظر إىل ميزانه الدقيق‬
‫صىل اهلل عليه وسلم يف معاجلة األمور ‪ .‬وهذا الذي‬
‫اختاره عليه الصالة والسالم مسلك الكامل ‪ ،‬ومع‬
‫استعامل اإلنسان لألساليب الطيبة ال يتاج إىل‬
‫الوصول هلذا ‪.‬‬
‫عند هذه املرحلة بعد السبع الثانية يأيت هور‬
‫االنتباه واالهتامم األكمل وهو مبارشة التوجيه‬
‫املقرون بمعنى اإلقناع ومعنى امتالك نفسية الولد‬
‫وقناعاته ومشاعره وإهراكه وأحاسيسه ‪ ،‬بحيث ال‬
‫رتك ‪.‬‬
‫يمكن أن ُهي َمل و ُي َ‬
‫وإذا انتبهنا من الثغرات األوىل وهي جمالسيه‬
‫و مشاهداته و مسموعاته هيأناه ألن يكون صاحلا ‪.‬‬
‫يضاف إىل ذلك أيض ًا االنتباه من كيفية قضاء‬
‫الوقت واالنتفاع بام هو نافع يف املجتمع من مثل‬
‫احللقات سوا ًء كانت حلقات التقوية لدروس‬
‫املدرسة التي يتلقاها أو علوم الرشيعة بام فيها من‬
‫آهاب وأخالق و عدم االتكالية عىل ذلك بمجره‬
‫احلضور بل بمالحظة حضوره الفعيل وضبط الوقت‬
‫يف ذهابه ويف رجوعه ‪ ،‬وأن ال يفيض ذهابه إىل‬
‫جمالسات سيئة أو إىل جلساء سوء أو إىل أماكن‬
‫خارجة عن املروءة وعن ما ال يليق برتبية الولد ‪.‬‬
‫كذلك االستفاهة من املجالس لألب نفسه‬
‫ولألبناء وهذا أمر نافع ومفيد إىل جانب املشاركة‬
‫أحيان ًا يف بعض املجالس العامة حينام يرض األب‬
‫واالبن مع ًا يكون له معنى وله تأثري ‪.‬‬
‫وهلذا جتد عموم جمالسه صىل اهلل عليه وسلم‬
‫و عموم أنشطته التي كان يقوم هبا يف أسفاره كمثل‬
‫ذهابه إىل احلج وغريه جتد مراحل العمر كلها موجوهة‬
‫معه ‪ ،‬وجتد يف مسجده يف الصلوات يأمر بالصف‬
‫فيقام فيكون فيه رجال بالغني وصبيان ونساء ‪،‬‬
‫يرتبهم كل واحد وراء اآلخر‪.‬‬
‫ويف حجة الوهاع كان األطفال والشباب‬
‫والكهول والشيوخ الكبار موجوهين معه ‪ ،‬وكان‬
‫يقول «لتَأ ُخ ُذوا َمنَاس َك ُكم َفإ ِّين َال َأهري َل َع ِّيل َال َأ ُحج‬
‫َبعدَ َح َجتي َهذه»(‪ )14‬فكان اجلميع مشاركني يف نفس‬
‫العمل الذي يقوم به صىل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫فعامة جمالسه يف املدينة املنورة كانت كذلك ‪ ..‬وملا يأيت‬
‫وقت خاص للجهاه ينظر إىل الذين هم أقل من مخسة‬
‫عرش سنة فيوقفهم ويأمرهم أن يرجعوا ‪ ..‬ومع ذلك‬
‫نامذج بديع ًة من خالل حرصهم عىل‬
‫َ‬ ‫أبدى املجتمع‬
‫اجلهاه ‪.‬‬
‫وملا خرج رسول اهلل ص إىل ُأ ُحد استعرض‬
‫أصحابه فر َه من استصغر وكان منهم سمرة بن‬

‫(‪ )1٧‬أخرجه مسلم يف صحيحه عن جابر ‪ ،‬باب استحباب رمي مجرة ‪..‬‬

‫(‪ )12٩٤/٩٧8/2‬هار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‬


‫جندب‪ ،‬وأجاز رافع بن خديج‪ ،‬فقال سمرة بن‬
‫جندب لربيبه ُم ِّري بن سنان‪ :‬يا أب ‪ ..‬أجاز رسول‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم رافع بن خديج‪ ،‬ورهين وأنا‬
‫مري بن سنان‪ :‬يا‬
‫أرصع رافع بن خديج‪ ،‬فقال‪ِّ :‬‬
‫رسول اهلل‪ ،‬رههت ابني‪ ،‬وأجزت رافع بن خديج‬
‫وابنى يصعه! فقال النبي صىل اهلل عليه وسلم لرافع‬
‫وسمرة‪ :‬تصارعا‪ ،‬فصع سمر ُة رافع ًا‪ ،‬فأجازه رسول‬
‫اهلل فشهد ُأ ُحد ًا مع املسلمني(‪. )15‬‬

‫(‪ )11‬انظر تاريخ الطربي‪ ،‬غزوة أحد (‪ )118/2‬هار الرتاث بريوت ‪ -‬ط‪/2‬‬

‫‪ 183٤‬هـ‬
‫واآلن هؤالء يف هذا السن ‪ -‬سن الرابعة‬
‫عرشة واخلامسة عرشة ‪-‬ماهي أمنياهتم وطموحاهتم؟‬

‫هذا منتظر من أحد جهاز حاسوب يعطيه‬


‫إياه‪ ،‬وهذا منتظر شيئ ًا من مظاهر اللباس أو غريها ‪..‬‬
‫لكن ذاك يريد معركة يتعرض فيها للقتل يف سبيل اهلل‬
‫ومن أجله ‪ ..‬ما هذا السمو يف املدارك واألفكار‬
‫واملشاعر؟‬

‫وكانوا إذا خرجوا مع آبائهم فالتفت النبي‬


‫صىل اهلل عليه وسلم يف بعض مشياته من أجل أن‬
‫ينظر اجليش يقوم أحدهم عىل طرف أصابعه خشية‬
‫أن يالحظه رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أنه صغري‬
‫السن فريهه من اخلروج يف اجلهاه ‪ -‬ريض اهلل َعن‬
‫أولئك القوم – تلك النامذج العالية‪.‬‬

‫فانظر إىل تعلقات القلوب عند األبناء‬


‫والبنات ‪ ،‬بم تتعلق؟ وإىل ماذا تتشوق؟ ‪ ..‬وهذا‬
‫نتيجة تأثري الرتبية النبوية أن صار املجتمع هبذه املثابة‬
‫‪..‬وكانوا قبل سنوات ليسوا هبذه الصورة ‪.‬‬

‫أخذ اهلل بأيدينا وأيديكم وثبتنا وإياكم عىل ما‬


‫يب وجعلنا فيمن يب ‪ ..‬اللهم اجعل هوانا تبعا ملا‬
‫جاء به نبيك ‪ ،‬اللهم أيقظنا من كل غفلة وسنة‪ ،‬وثبتنا‬
‫عىل ما حتب منا‪ ،‬وتولنا بام أنت أهله يف احلس واملعنى‬
‫‪ ،‬اللهم اجعل مستقر العلم النافع قلوبنا ومستقر‬
‫أربابه هيارنا واجعل مستقر الورع احلاجز قلوبنا‬
‫ومستقر أربابه هيارنا ‪ ،‬ربنا هب لنا من أزواجنا‬
‫وذرياتنا قرة أعني واجعلنا للمتقني إماما ‪ ..‬ربنا هب‬
‫لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء واحلمد هلل‬
‫رب العاملني ‪.‬‬
‫الفهرسة‬
‫‪1‬‬ ‫املقدمة ‪...................................... :‬‬
‫‪٤‬‬ ‫معال الرتبية ‪.................................. :‬‬
‫‪٤‬‬ ‫املعلم األول ‪ :‬استشعار خطر املسئولية ‪........ :‬‬
‫‪18‬‬ ‫املعلم الثاين ‪ :‬الدعاء ‪......................... :‬‬
‫‪13‬‬ ‫الرمحة أساس ثابت يف الرتبية ‪................. :‬‬
‫‪28‬‬ ‫من وسائل ترسيخ معاين اإليامن يف الناشئة ‪.... :‬‬
‫‪........................‬‬
‫‪88‬‬ ‫املعلم الثالث ‪ :‬الصحبة ‪........................‬‬
‫‪8٤‬‬ ‫فقه املسئولية من البداية ‪....................... :‬‬
‫حمطات الرتبية ‪83 ..................................‬‬
‫املحطة األوىل ‪83 ................................. :‬‬
‫املحطة الثانية ‪83 ..................................:‬‬
‫املحطة الثالثة ‪8٩ ..................................:‬‬
‫‪٧1‬‬ ‫واجباتنا يف هذه املرحلة ‪....................... :‬‬
‫التقليد يف حياة األطفال ‪٧1 ....................... :‬‬
‫املسموعات واملرئيات يف حياة األطفال ‪٧8 ........ :‬‬
‫ملحظ لطيف ‪٧٩ ................................. :‬‬
‫‪11‬‬ ‫املرحلة األوىل ‪ :‬مرحلة اللعب ‪................ :‬‬
‫‪18‬‬ ‫املرحلة الثانية ‪ :‬مرحلة اللهو ‪.................. :‬‬
‫املرحلة الثالثة ‪ :‬مرحلة الزينة ‪1٩ .................. :‬‬
‫‪٤1‬‬ ‫الرضب وميزانه يف الرشيعة ‪................... :‬‬
‫‪32‬‬ ‫الفهرسة ‪.......................................‬‬

You might also like