You are on page 1of 21

‫سوء الخاتمة‬

‫لقد خاف الصالحون من سوء الخاتمة فأظمئوا نهارهم‪ ،‬وسهروا ليلهم‬

‫طاعة هلل تعالى؛ حتى يجيرهم من سوء الخاتمة‪ ،‬وبذلوا الغالي والنفيس‬

‫في سبيل ذلك‪.‬ولسوء الخاتمة أسباب مثل الدوام واإلصرار على‬

‫المعاصي واألمن من مكر هللا تعالى‪ ،‬والظلم‪ ،‬وطول األمل وغير ذلك‪.‬‬
‫أثر الخاتمة السيئة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأصلي وأسلم على سيدنا‬

‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وعلى آله ومن وااله‪.‬أما بعد‪:‬إذا أراد هللا‬

‫بالعبد خيراً أرسل إليه في آخر أيامه ملكا ً فأرشده وهداه وقومه وأصلحه‪،‬‬

‫فيموت على خير حال‪ ،‬ويقول الناس عنه‪ :‬رحم هللا فالنا ً مات على خير حال‪:‬‬

‫يموت في صالة‪ ،‬أو في مجلس علم‪ ،‬أو في صلة رحم‪ ،‬أو في الجهاد في سبيل‪A‬‬

‫هللا‪ ،‬أو في أمر يرضاه هللا ورسوله‪.‬وإن هللا إذا أراد بعبد سوءاً أرسل إليه أو‬

‫وكل به شيطانا ً فأغواه وأضله‪ ،‬فيموت على أسوأ حال‪ ،‬فيقول الناس‪ :‬مات‬

‫فالن على أسوأ حال‪ ،‬كأن يموت وهو يعصي هللا‪ ،‬أو يموت وهو لم يتب‪،‬‬

‫واألعمال بخواتيهما‪.‬وضربنا مثاالً لهذا اإلنسان بالمصلي الذي أخرج ريحا ً في‬

‫آخر ركعة من ركعات الصالة فإن صالته باطلة‪ .‬وسوء الخاتمة أن يختم‬

‫لإلنسان بشر عمله‪ ،‬والمقصود بها ما يصنع اإلنسان في آخر حياته‪ ،‬وذلك أن‬

‫صحيفة حياته سيئة‪ A،‬ولم يمح بعمل صالح ما اسود من هذه الصحيفة‪ ،‬فلم‬

‫يبيض صحيفته‪ A‬بأعمال صالحة‪ ،‬فيأتي في آخر حياته وهو ال ينطق بال إله إال‬

‫هللا‪ ،‬أو يترك الصلوات‪ ،‬أو عليه مظالم للعباد‪ ،‬فصحيفة أعماله كلها‬

‫سوداء‪...... .‬‬
‫تعلق سوء الخاتمة بعمل العبد في حياته كلها‬
‫سؤال‪ :‬هل سوء الخاتمة مرهون بآخر لحظة لإلنسان في حياته‪ ،‬أم‬

‫مرهون بحياته كلها؟ الجواب‪ :‬سوء الخاتمة مرهون بحياته كلها‪ ،‬ثم‬

‫تنتهي‪ A‬حياته كما زرعها‪ ،‬مثل شجرة الحنظل فإنها تزرع وتأخذ مدة‪،‬‬

‫وفي النهاية تصدر حنظالً مراً علقماً‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬

‫وسلم‪( :‬مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل األترجة ‪-‬األترجة‪:‬‬

‫فاكهة‪ -‬ريحها طيب وطعمها حلو‪ ،‬ومثل المؤمن الذي ال يقرأ القرآن‬

‫مثل التمرة طعمها حلو وال ريح لها‪ ،‬ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن‬

‫كمثل الريحانة طعمها مر وريحها طيب‪ ،‬ومثل‪ A‬المنافق الذي ال يقرأ‬

‫القرآن مثل الحنظلة ال ريح لها‪ ،‬وطعمها مر)‪.‬فالخاتمة مرهونة‬

‫بسابقة عمله‪ ،‬وليس بالعمل األخير؛ ألن ربنا سبحانه وتعالى ال يظلم‬

‫الناس شيئاً‪ ،‬فليس هذا مبني على عمل واحد‪ ،‬وإنما سابقة أعماله‬

‫كانت هكذا‪ ،‬ومات على غير توبة‪ 8،‬أو مات على ضاللة‪ ،‬أو مات على‬

‫غرور‪ ،‬أو مات على ظلم‪ ،‬أو مات على افتراء‪ ،‬أو مات على كبر طول‬

‫حياته‪ ،‬فهو لم يظلم اآلن وإنما ظلم طوال حياته‪ ،‬وهكذا‪...... .‬‬
‫األعمال التي تؤدي إلى سوء الخاتمة‬
‫السؤال‪ :‬ما هي األعمال التي تسود بها صحيفة اإلنسان‪ ،‬وبها تسوء‬

‫خاتمته‪ A‬والعياذ باهلل؟!الجواب‪ :‬أول األعمال التي تسيئ الخاتمة‪ :‬طول‬

‫األمل‪ ،‬بمعنى أنه يظن أنه لن يموت اآلن؛ ألن أباه عاش تسعين‬

‫سنة‪ ،‬وجده عمر بعد المائة‪ ،‬وأمه عاشت مائة وعشر سنوات!!‬

‫فالعمر ليس بالوراثة‪.‬أو يقول‪ :‬أنا عندي يقين أنني سأهتدي في آخر‬

‫أيامي‪ ،‬وأنا في صحة وفي أحسن حال‪.‬فطول األمل يجعل اإلنسان‬


‫يركن إلى الدنيا‪ ،‬وتصير‪ A‬الدنيا غاية وليست وسيلة‪ ،‬فقد يصير‪ A‬من‬

‫الكاذبين‪ ،‬ألن الغاية تبرر‪ A‬الوسيلة‪ ،‬وقد يريد أن يكون غنيا ً فيدخل في‬

‫الربا‪ ،‬والخوض في أعراض الناس‪ ،‬بأن يضغط على الناس ليعلو‬

‫عليهم‪ ،‬وبأن يكون لسانه بذيئا ً مع كل الناس‪ :‬مع العالم وغير العالم‪،‬‬

‫المهم أن يصل إلى غايته‪.‬فطول‪ A‬األمل يثمر‪ A‬كل هذه المصائب‪ ،‬فهذه‬

‫ثمرة سيئة‪.‬ولذلك قالوا‪ :‬إن العاقل من فعل ثالثاً‪ :‬ترك الدنيا قبل أن‬

‫تتركه‪ ،‬وأرضى خالقه قبل أن يلقاه‪ ،‬وعمر قبره قبل أن‬

‫يدخله‪.‬والجاهل من أتبع نفسه هواها‪ ،‬وتمنى على هللا األماني‪ ،‬ولذلك‬

‫قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪( :‬الكيس من دان نفسه‪ A‬وعمل لما بعد‬

‫الموت) فالعاقل هو اإلنسان الذي يزرع ويخشى الكساد‪ ،‬والجاهل هو‬

‫الذي يقلع ويرجو الحصاد‪ ،‬وهذا من ترهات نفسه‪ ،‬ومن ثمرات طول‬

‫األمل‪.‬قالوا‪ :‬إن أحد الصالحين وهو عطاء بن أبي رباح رضي هللا عنه‬

‫كان مريضاً‪ ،‬فقدم أحد مريديه‪ 8‬وهو حافظ بن أبي توبة‪ 8‬ليصلي بالناس‪،‬‬

‫وهو من تابع التابعين فقال‪ :‬ال أريد أن أصلي؛ ألنني إذا صليت بكم‬

‫اآلن لن أصلي بكم مرة أخرى‪.‬فقال عطاء ‪ :‬أتدخل الصالة وفي نيتك‬

‫أنك سوف تعيش لتصلي بنا صالة أخرى؟!! أنت ال تصلح لإلمامة‪،‬‬

‫فاألصل أن يكون اإلمام قدوة‪ ،‬فإذا دخل في الصالة ال يفكر أنه سيصلي‬

‫بعدها مرة أخرى‪ ،‬فإن هذا من طول األمل‪.‬وسيدنا رسول هللا صلى هللا‬

‫عليه وسلم لما مر على أسامة بن زيد وجده قد أتى بفصيل‪- 8‬وهو ناقة‬

‫صغيرة أو جمل صغير‪ ،-‬فسأل رسول هللا‪ :‬ما هذا يا أسامة ؟ قال‪:‬‬

‫فصيل اشتريته لشهرين يا رسول هللا! يعني‪ :‬اشتريته بالتقسيط على‬


‫شهرين‪ ،‬قال‪ :‬أتعجبون من أسامة ؟! إن أسامة لطويل األمل‪.‬بهذا‬

‫المنطق كان يربي‪ 8‬النبي صلى هللا عليه وسلم صحابته‪ ،‬فطول األمل‬

‫يقسي القلب وينسي‪ 8‬اآلخرة‪ ،‬وبعض الناس يكره الكالم عن الوعد‬

‫الحق‪ ،‬والبعض اآلخر يحبون؛ ألنهم مؤمنون‪ ،‬والذي يكره الكالم عن‬

‫الوعد الحق فإنه مدعي لإليمان‪ ،‬فهو يكره التذكير باآلخرة‪ ،‬وبأنه‬

‫سيخرج من الدنيا‪ ،‬وسيترك الثروة واألموال والبنوك والعمارات‬

‫والبنايات والسطوة والجاه واالنتخابات والسلطة‪.‬والصالحون قديما ً‬

‫كانوا يفرون من المسئولية؛ ألنهم ال يريدون أن يمسكوا بالدنيا‪ ،‬ألن‬

‫المسئولية‪ 8‬حلوة الرضاع‪ ،‬م ّرة العظام‪ ،‬فطول األمل يعمل هذا األمر‬

‫كله‪.‬ثانياً‪ :‬الظلم‪ ،‬فمن كان ظالما ً فليتوقف‪ ،‬والظلم أنواع ثالثة‪:‬أوالً‪:‬‬


‫ظلم اإلنسان لنفسه‪ ،‬قال تعالى‪ :‬فَ ِم ْن ُه ْم َ‬
‫ظالِ ٌم لِنَ ْف ِ‬
‫س ِه [فاطر‪،]32:‬‬

‫وذلك بأن يظلم دينه‪ ،‬فيضيع فرائض هللا‪ ،‬ويتعدى حدود هللا سبحانه‬

‫وتعالى‪.‬ثانياً‪ :‬ظلم اإلنسان لآلخرين‪ ،‬سواء كان حيوانا ً أو نباتا ً أو‬

‫إنسانا ً مسلما ً أم غير مسلم‪.‬ومن سوء الخاتمة‪ 8‬أن الظالم ال يقتنع أنه‬

‫ظالم‪ ،‬فقد يظلم أحد الورثة بأن يحتال عليه فيأخذ ميراث أبيه كامالً‪،‬‬

‫والسبب في ذلك أنه كان يعمل مع أبيه ليل نهار في الحر وفي البرد‬

‫وفي األسفار‪ ،‬وأنه كان يتبعه وكان ال يعطيه راتباً‪ ،‬فيأخذ التركة كلها‪،‬‬

‫فهذا ظلم‪ ،‬فالواجب عليه أن يأخذ ما يساوي عمله‪ ،‬ويعطي الباقي‬

‫للورثة اآلخرين‪.‬والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه‪ 8،‬فالمصيبة‬

‫الكبرى أنه يعتبر نفسه عادالً كـعمر بن الخطاب ‪.‬وأسوأ الظالمين من‬

‫يظلم من ال ناصر له إال هللا‪ ،‬كمن يظلم زوجته التي مات أبواها‬
‫وأهلها‪ ،‬أو التي أهملها إخوانها وكل واحد منهم مشغول بحاله‪،‬‬

‫فيسومها زوجها سوء العذاب؛ ألنه ال ظهر لها‪ ،‬وإذا دعت عليه فإنه‬

‫ال ينتبه‪ 8،‬ويعتبر نفسه أنه يقوم بحق القوامة عليها‪ ،‬أو أن له أن يقطع‬

‫ما يشاء‪ ،‬وهنا تكمن المصيبة‪.‬النوع الثالث‪ :‬الغفلة عن الذكر‪ ،‬فالمسلم‬

‫ليل نهار يجب أن يكون ذكاراً شكاراً بكاء من هللا عز وجل‪ ،‬يقول ربنا‬

‫اصبِ ْر نَ ْف َ‬
‫س َك َم َع‬ ‫سبحانه وتعالى للرسول صلى هللا عليه وسلم‪َ :‬و ْ‬

‫الَّ ِذينَ يَ ْدعُونَ َربَّ ُه ْم بِا ْل َغدَا ِة َوا ْل َع ِ‬


‫ش ِّي يُ ِريدُونَ َو ْج َههُ َوال تَ ْع ُد َع ْينَا َك َع ْن ُه ْم‬

‫تُ ِري ُد ِزينَةَ ا ْل َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َوال ت ُِط ْع َمنْ أَ ْغفَ ْلنَا قَ ْلبَهُ عَنْ ِذ ْك ِرنَا َواتَّبَ َع ه ََواهُ‬
‫َو َكانَ أَ ْم ُرهُ فُ ُرطًا [الكهف‪.]28:‬وعندما يدعوك أحد الناس لحضور‬

‫حفل جميل فيه أغان لطيفة‪ ،‬واآلخر يدعوك لحضور درس للشيخ‬

‫فالن‪ ،‬فتقارن بينهما فتصبر‪ 8‬مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي‪،‬‬

‫وال تطع من اتبع هواه وكان أمره فرطاً‪ ،‬والفرط في اللغة هو‬

‫المفكوك‪.‬والذكر قد يكون بالجوارح‪ ،‬فالعين تنظر في المصحف‪ ،‬واليد‬

‫تعطي صدقة‪ ،‬وأما التذكر فال يكون إال في القلب‪ ،‬وهو التدبر‪ ،‬وهذا‬

‫هو المطلوب‪ ،‬ألن القرآن حجة على الذي يقرأ وال يتدبر‪.‬والمقصود‬

‫بقوله تعالى‪ :‬أَال بِ ِذ ْك ِر هَّللا ِ تَ ْط َمئِنُّ ا ْلقُلُ ُ‬


‫وب [الرعد‪ ]28:‬هو ذكر هللا‬

‫في كل وقت‪ ،‬فمن كان خائفا ً فقال‪ :‬يا قوي! أمني‪ ،‬أمنه سبحانه‬

‫وتعالى‪ ،‬أو كان فقيراً فقال‪ :‬يا غني! أغنني‪ ،‬أغناه هللا عز وجل‪ ،‬أو‬

‫كان ضعيفا ً فقال‪ :‬يا قوي! قوني‪ ،‬أو كان مهزوما ً فقال‪ :‬يا ناصر!‬

‫انصرني‪ ،‬أو يا ستار استرني‪ ،‬فهو في معية هللا‪ ،‬فيطمئن القلب باهلل‬

‫سبحانه وتعالى!ولو قال رجل مثالً‪ :‬أنا خالي فالن‪ ،‬وأنا عمي فالن‪،‬‬
‫وأنا أبي فالن‪ ،‬وأنا شهاداتي كذا‪ ،‬وأنا في المركز االجتماعي كذا‪ ،‬فإنه‬

‫ال يستطيع أحد أن يكلمه‪ ،‬فما بالك بمن قال‪ :‬وأنا ربي هللا سبحانه‬

‫وتعالى‪.‬النوع الرابع‪ :‬االغترار بالدنيا‪ ،‬فإن من طول األمل االغترار‬

‫بالدنيا‪ ،‬فالمغتر يريد أن يدوس على كل الناس في سبيل أن يصل إلى‬

‫هدفه‪ ،‬وينكد على كل البشر في سبيل أن يبقى هو‪ ،‬ويفقر كل العالم في‬

‫سبيل أن يشبع‪ 8‬هو‪ ،‬وهناك دول غنية تأتي بالغذاء وتلقيه في البحر؛‬

‫حتى ال تهبط قيمته‪ 8‬في األسواق!ويرحمون القطط والكالب والدببة‬

‫التي تعيش في شمال القطب‪ ،‬وال يرحمون الذي يدب على األرض من‬

‫بشر‪ ،‬فهؤالء مغترون بالدنيا‪.‬وفي الحديث‪( :‬من أقام الصالة في‬

‫وقتها‪ ،‬وأسبغ وضوءها‪ ،‬وأتم ركوعها وسجودها‪ ،‬حشر مع النبيين‬

‫والصديقين‪ ،‬ومن ضيعها حشر مع فرعون وهامان و قارون و أبي‬

‫بن خلف) ‪.‬فهؤالء األربعة هم ملك في مملكة‪ ،‬ووزير‪ 8‬في وزارة‪،‬‬

‫وتاجر صاحب تجارة مال‪ ،‬وغني صاحب أموال كثيرة‪.‬فهل رأيت‬

‫رئيس مجلس اإلدارة أو المدير المسئول أو رئيس البنك ‪-‬إال من رحم‬

‫ربي‪ -‬يأتي وقت الصالة وهو يدخل حسابات ومليارات وماليين‬

‫فيتركها ليصلي؟ كال‪ ،‬وإنما يقول‪ :‬هذا عمل وهذا عمل‪ ،‬والعمل عبادة‪،‬‬

‫ويقيس هذا بذاك‪ ،‬وتختلط عليه األمور والعياذ باهلل رب‬

‫العالمين‪.‬النوع الخامس‪ :‬األمن من مكر هللا‪ ،‬وهو من كبائر القلوب‪،‬‬

‫والمؤمن ال يأمن من مكر هللا‪.‬والصالة ال تقبل إال إذا أسبغت‬

‫وضوءها‪ ،‬وأتممت ركوعها وسجودها‪ ،‬والثواب في الصالة على قدر‬

‫الخشوع‪ ،‬فال تقبل الصالة مائة بالمائة إال ما يعقل منها‪.‬حتى إن‬
‫العلماء أباحوا لنا أن نستعيذ باهلل من الشيطان إن وسوس لنا في‬

‫صالتنا‪ ،‬وهذا ال يبطل الصالة‪ ،‬فاهلل تعالى يقول‪َ :‬وإِ َّما يَنزَ َغنَّ َك ِمنَ‬

‫ست َِع ْذ بِاهَّلل ِ [األعراف‪ ]200:‬أي‪ :‬قل‪ :‬أعوذ باهلل‪،‬‬ ‫ان نَ ْز ٌ‬


‫غ فَا ْ‬ ‫ش ْيطَ ِ‬
‫ال َّ‬

‫ولو في وقت الصالة بأن تقطع القراءة‪ ،‬ثم تقول‪ :‬أعوذ باهلل من‬

‫الشيطان الرجيم‪ ،‬ثم تعود إلى القراءة مرة أخرى وهكذا‪ ،‬وال تعيد‬

‫الفاتحة وال الركعة‪.......‬‬


‫الخشوع في الصالة‬
‫السؤال‪ :‬كيف نخشع في الصالة ونحن بين يدي هللا سبحانه وتعالى؟‬

‫الجواب‪ :‬كيف أخشع في الصالة وجوارحي قبل الصالة غير خاشعة؟‬

‫كيف أخشع في الصالة وأنا أغتابك‪ ،‬وأنم في حقك‪ ،‬وأتكبر عليك‪،‬‬

‫وأحتقرك‪ ،‬وأنظر إليك بعين االزدراء‪ ،‬ومالي حرام أو شبهة‪ ،‬وأظلم‬

‫من حولي‪ ،‬ثم أريد أن أخشع في الصالة؟!فالذين خشعت قلوبهم‬

‫لطاعة هللا قبل الصالة هم الذين سيخشعون في الصالة‪ .‬ومن عالمة‬

‫عدم خشوع الجوارح عبث الرجل بحليته في الصالة‪ ،‬فلو خشع بقلبه‬

‫لخشعت جوارحه؛ ألن قلبه هو المسيطر‪.‬وهناك أسباب للخشوع‬

‫وهي‪:‬أوالً‪ :‬أن يكون المال حالالً‪ ،‬كان ابن عمر يركع أو يسجد عند‬

‫الكعبة فتقف الطيور على ظهره وتستقر‪ ،‬وكان النبي صلى هللا عليه‬

‫وسلم إذا ركع فإنه يتم الركوع‪ ،‬حتى لو وضعت إناء مليئا ً بالماء على‬

‫ظهره الشريف الستقر‪.‬وكان النبي صلى هللا عليه وسلم هو المثال‬

‫والقدوة‪ ،‬وصفة صالة النبي موجودة في البخاري و مسلم ‪.‬ثانياً‪ :‬عدم‬

‫األمن من مكر هللا‪ ،‬والسبب الرئيسي‪ 8‬في األمن من مكر هللا هو ستر‬
‫هللا على العبد وهو يبارز هللا بالمعاصي‪ ،‬فيأكل الحرام‪ ،‬والشبهة‪8،‬‬

‫ويرتشي‪ 8‬ويختلس‪ ،‬ويمد يده لما حرم هللا‪ ،‬ويظلم عباد هللا‪ ،‬فاهلل عز‬

‫وجل يدخله في مرحلة االستدراج‪ ،‬فيظن أن هللا راض عنه‪ ،‬ومصيبة‬

‫المصائب الرضا عن النفس‪ ،‬وإذا وجدت إنسانا ً راضيا ً عن نفسه‬

‫فاعلم أنه مغرور‪.‬وهللا سبحانه ما أ َّمن صحابيا ً وال تابعيا ً وال صالحاً‪،‬‬

‫فقد كانوا كلهم على وجل وخوف‪ ،‬قال أحد الصالحين‪ :‬ابكوا على‬

‫أنفسكم‪ ،‬فأنا أبكي على هذا اليوم منذ ستين سنة‪ ،‬وكان عمره اثنتين‬

‫وسبعين سنة‪.‬فال يأمن مكر هللا إال كثير المعاصي‪ ،‬فاهلل كثير الستر‪،‬‬

‫ومن كرم هللا عز وجل أنه لم يحاسبنا كما يحاسب بعضنا بعضاً‪ ،‬قال‬

‫سبُوا َما ت ََر َك َعلَى ظَ ْه ِرهَا ِمنْ دَابَّ ٍة‬ ‫تعالى‪َ :‬ولَ ْو يُؤَ ا ِخ ُذ هَّللا ُ النَّ َ‬
‫اس بِ َما َك َ‬
‫[فاطر‪ ،]45:‬وهللا ال يعجل لعجلة عبده‪ ،‬ومن كرم هللا أن مقومات‬

‫الحياة ال يملكها اإلنسان‪.‬والعبد العاصي يكون في حالة رضا عن‬

‫نفسه‪ ،‬وهو يرى غيره مثالً مفضوحاً‪ ،‬أو فقيراً مقتراً عليه‪ ،‬أو‬

‫مريضاً‪ ،‬فهو يستدرج دون أن يعلم حتى يدخل في مرحلة الغرور‪،‬‬

‫والواجب على المسلم أن ينظر في أمور الدين إلى من هو أفضل‪ ،‬وفي‬

‫أمور الدنيا إلى من هو أقل‪ ،‬ونحن نعكس القضية‪ ،‬فننظر في أمور‬

‫الدين إلى من هو أقل‪ ،‬فيقول أحدنا‪ :‬أنا أصوم وأصلي وأزكي‪ ،‬وفالن‬

‫ال يصوم وال يصلي وال يزكي‪...... .‬‬


‫بيان عدل اهلل في أخذ الظالم بغتة‬
‫السؤال‪ :‬قد يقول قائل‪ :‬هل من العدل أن يتركني‪ A‬هللا تبارك وتعالى‬

‫أعمل المعاصي ثم يأخذني بغتة‪ ،‬مع أن المنطق أن ينبهني‪ A‬وأن‬


‫سانُ َع َلى َن ْفسِ ِه َبصِ َ‬
‫يرةٌ‪َ * A‬ولَ ْو‬ ‫يذكرني؟ الجواب‪ :‬قال تعالى‪َ :‬ب ِل اإلِن َ‬

‫أَ ْلقَى َم َعا ِذ َ‬


‫يرهُ [القيامة‪ ،]15-14:‬فاهلل تعالى أعطى اإلنسان عقالً‪،‬‬

‫وهو من البداية قد حمل أمانة العقل وهو ما يزال في عالم األرواح‪ ،‬ثم‬

‫بعد ذلك جاءه الرسول والقرآن‪.‬وقد تحمل األمانة آدم وحده ونحن‬

‫جميعا ً في صلبه‪ ،‬وخاطب هللا األرواح بقوله‪ :‬أَلَ ْ‬


‫ستُ بِ َربِّ ُك ْم‬

‫[األعراف‪ ،]172:‬وآدم يمثلنا جميعا ً ونحن في عالم األرواح‪ ،‬ولما‬

‫عرض هللا األمانة على السماوات واألرض والجبال‪ ،‬وهي طاعة هللا‬

‫فيما أمر واالنتهاء عما عنه نهى وزجر‪ ،‬فأبين إال الطاعة دون إكراه‬

‫بال أوامر وال نواهي‪ ،‬وال تكليفات‪ ،‬وحملها اإلنسان الظلوم الجهول‬

‫قبل خلقته‪ ،‬ألنه متعجل‪ ،‬فاهلل خلق اإلنسان من عجل‪.‬والذي جعل‬

‫اإلنسان يأمن من مكر هللا أن هللا تعالى أعطاه النعم فلم يشكرها‪ ،‬فلما‬

‫لم يشكرها ظلت النعم كظواهر وسلبت من قلبه‪ ،‬فلم ير أنه في نعم‬

‫فيعيش ذئبا ً يريد أن يفترس‪ ،‬وهجوميا ً يريد أن يهجم‪ ،‬ويأخذ ما ال‬

‫يحق له؛ ألنه لم يشكر النعم الظاهرة والخفية‪ ،‬والمطلقة‬

‫والمقيدة‪.‬واإلنسان في العالم له أربعة حاالت‪ :‬إما حالة طاعة أو حالة‬

‫معصية‪ ،‬أو حالة نعمة‪ ،‬أو حالة بلية‪ ،‬فهو لم يقدر نفسه‪ 8‬عند هذه‬

‫األمور‪ ،‬فرأى الطاعة وما أطاق‪ ،‬ورأى المعصية فارتكبها وما‬

‫استغفر‪ ،‬ورأى النعمة وما شكرها‪ ،‬ورأى البلية وما صبر‪ 8‬عليها‪ ،‬بل‬

‫تمرد‪.‬وأسوأ ما يصيب هللا به العبد أن يغره بنفسه‪ 8‬فال ينتبه‪ ،‬وهذا‬

‫ليس ظلما ً من هللا‪ ،‬فلو جلس معه الناصح األمين لم يستمع‪ 8‬إليه‪،‬‬

‫ويدخل في فلسفات‪ ،‬فيقول مثالً‪ :‬موضوع سوء الخاتمة أكيد‪ ،‬والعذاب‬


‫أكيد وهكذا‪ ،‬ويدخل نفسه فيما ال يحسن أن يدخل فيه‪...... .‬‬
‫إرادة اهلل وإرادة العبد‬
‫السؤال‪ :‬قال تعالى‪َ :‬وإِ َذا أَ َردْ َنا أَنْ ُن ْهلِ َك َق ْر َي ًة أَ َم ْر َنا ُم ْت َرفِي َها َف َف َ‬
‫سقُوا‬

‫فِي َها َف َح َّق َع َل ْي َها ا ْل َق ْول ُ َفدَ َّم ْر َناهَا َتدْ م ً‬


‫ِيرا [اإلسراء‪ ،]16:‬فهذه‬

‫اإلرادة من هللا سبحانه وتعالى بتدمير‪ 8‬وإهالك القرية‪ ،‬فماذا جنت أيدي‬

‫الناس الذين في القرية؟ الجواب‪ :‬من كرم هللا سبحانه وتعالى أنه‬

‫أرسل الرسل ليأخذوا بأيدي الناس من الضاللة إلى الهداية‪ ،‬ومن‬

‫الغواية إلى طريق االستقامة‪ ،‬فالرسل أنذروا وبشروا ورغبوا‪.‬والبالد‬

‫بلدان‪ :‬بلد تجل العلماء وتحترمهم‪ 8،‬فهذه فيها البركة‪ ،‬ويجذب إليها‬

‫العلماء‪ ،‬وبلد تحتقر العلماء وتطردهم‪ ،‬فيحل بها العقاب‪ ،‬ومثال ذلك‬

‫اض ِر ْب لَ ُه ْم‬
‫صاحب القرية‪ 8‬المذكورة في سورة يس‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬و ْ‬

‫سلُونَ * إِ ْذ أَ ْر َ‬
‫س ْلنَا إِلَ ْي ِه ُم ا ْثنَ ْي ِن‬ ‫اب ا ْلقَ ْريَ ِة إِ ْذ َجا َءهَا ا ْل ُم ْر َ‬ ‫َمثَاًل أَ ْ‬
‫ص َح َ‬

‫فَ َك َّذبُو ُه َما فَ َع َّز ْزنَا بِثَالِ ٍ‬


‫ث [يس‪ ]14-13:‬إلى قوله تعالى‪َ :‬و َجا َء ِمنْ‬

‫[يس‪]20:‬‬ ‫س َعى قَا َل يَا قَ ْو ِم اتَّبِ ُعوا ا ْل ُم ْر َ‬


‫سلِينَ‬ ‫أَ ْق َ‬
‫صى ا ْل َم ِدينَ ِ‪8‬ة َر ُج ٌل يَ ْ‬

‫فضربه قومه وقتلوه‪ ،‬فقضي األمر‪.‬فاهلل عز وجل لم يهلك قرية إال بعد‬

‫أن ظلمت وطغت وانحرفت وابتعدت عن طريق هللا‪.‬فإرادة هللا معلقة‬

‫على فعل العبد سابقة له ال سائقة‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬ولَ ْو أَنَّ أَ ْه َل ا ْلقُ َرى‬

‫س َما ِء َواألَ ْر ِ‬
‫ض َولَ ِكنْ َك َّذبُوا‬ ‫آ َمنُوا َواتَّقَ ْوا لَفَت َْحنَا َعلَ ْي ِه ْم بَ َر َكا ٍ‬
‫ت ِمنَ ال َّ‬

‫[األعراف‪ ،]96:‬فهذه اإلرادة جاءت لما‬ ‫فَأ َ َخ ْذنَا ُه ْم بِ َما َكانُوا يَ ْك ِ‬


‫سبُونَ‬

‫كذبوا ولم يشكروا‪.‬وعلى المستوى الفردي‪ :‬فالمسلم يشعر بالرضا‬

‫النفسي مثالً لما يطيع هللا‪ ،‬فالذي يعيش هلل عز وجل ويدعو إلى هللا‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬تجري وراءه الدنيا رغم االبتالءات والمحن‬

‫والمصائب‪.‬أما عشاقها وعشاق األموال والسلطة والجاه فهم يجرون‬

‫خلفها‪ ،‬فترى أحدهم متعبا ً ومرهقا ً ومكتئبا ً والمليارات في يده‪ ،‬فال‬

‫يشعر بقيمتها وال قيمة للمال عنده‪...... .‬‬


‫انسحاب سوء خاتمة الفرد على األمة إذا لم ينصحوا‬
‫السؤال‪ :‬هل سوء الخاتمة للعبد تنسحب على األمة؟ الجواب‪ :‬إذا لم‬

‫تقل األمة للظالم‪ :‬يا ظالم! فقد ينسحب الظلم على األمة كلها‪.‬فعلى كل‬

‫من يقول‪ :‬ال إله إال هللا أن يقف في وجه الظالم‪ ،‬وعلى جميع‬

‫المسلمين أن يتعاونوا على البر والتقوى‪ ،‬وينصحوا الظالم ولو كان‬

‫صاحب مسئولية‪ ،‬أو كان إنسانا ً عاديا ً ال قيمة له في الحياة‪ ،‬إذا لم‬

‫يتق هللا وعمل عمالً سيئاً‪ ،‬كما يحصل على شاشات التلفزيون من‬

‫العهر والمجون‪ ،‬فيجب أن تقف األمة وتعترض وتمنع‪.‬فلو لم تقف‬

‫األمة ضد هذه المنكرات بل تتفرج‪ A‬وتشاهد المسلسالت واألخبار‪ ،‬فإن‬

‫األمة تتحمل وزر ما هي فيه‪.‬ومن تخاذلنا صار المخرج التلفزيوني‪A‬‬

‫المسلم يقفو أثر بني صهيون‪ ،‬ويتحكم في إعالم الناس‪ ،‬فيجب علينا‬

‫أن نقف في وجهه‪ ،‬وأن نمتنع عن ذكره وعن نشر أخباره في‬

‫الصحف‪ ،‬وال يوضع تحت الميكروسكوب‪ ،‬وال تحت األضواء‪ ،‬بل‬

‫نهمل ذكره‪.‬وال تستيقظ هذه األمة إال بتكوين لجنة أو مؤتمر‪ A‬كبير‬

‫يسمى‪ :‬مؤتمر‪ A‬النهوض باألمة‪ ،‬يعمل جميع األسئلة واالقتراحات في‬

‫أي وقت سواء كانت عبر البريد اإللكتروني أو الفاكس أو التلفزيون‬

‫أو غيرها‪ ،‬وذلك لدراسة سبب تخلف األمة‪ ،‬ثم تصاغ الصياغة‬
‫لمعرفة من أين يبدأ‪ ،‬ويكون ذلك مع بعض الدعاة وأصحاب الحل‬

‫والعقد والمفكرين على مستوى‪ A‬العالم اإلسالمي‪.‬ونحن كعرب نريد‬

‫الحل اآلن‪ ،‬ونريد أن نقول‪ :‬إن الجيل الذي فوق الخمسين اآلن الذي‬

‫يقود في كل مكان يعمل مرحلة‪ ،‬وبعد عشرين يتسلمها الجيل الذي‬

‫بعده‪ ،‬فعلى مدى قرن إن شاء هللا ستنهض‪ A‬األمة‪.‬لكن أن نترك هذا‬

‫ينتقص من ديننا وهذا ينتقص من علمنا‪ ،‬ليس هذا عمل الصالحين‬

‫أو عمل الناس الذين يريدون حسن الخاتمة‪ ،‬فالبد أن نجتمع في‬

‫وجهة التقارب مع بعضنا البعض‪ ،‬ونحب بعضنا بعض‪ ،‬فلن نجتمع‬

‫إال بحب‪ ،‬فنحب األوطان ونحب البالد؛ ألن ما من متدين إال ويحب‬

‫وطنه‪ ،‬ومن أكثر الناس حبا ً لمكة رسول هللا وهو خارج منها‪ ،‬ونحن‬

‫كلنا نحب أوطاننا ونحب أوطاننا أكثر عندما تتمسك باإلسالم‪.‬إذاً‪:‬‬

‫البداية من عند القرآن والسنة‪ ،‬وإن لم نبدأ من القرآن والسنة‬

‫وننتهي‪ A‬إلى القرآن والسنة‪ ،‬فإن ذلك من سوء الخاتمة‪.‬النوع‬

‫السادس‪ :‬من األعمال التي تعمل على سوء الخاتمة الرياء‪ ،‬قال‬

‫تعالى‪ :‬إِنَّ ا ْل ُم َنافِقِينَ ُي َخا ِد ُعونَ هَّللا َ َوه َُو َخا ِد ُع ُه ْم َوإِ َذا َقا ُموا إِ َلى‬

‫اس [النساء‪ ]142:‬والرياء صورة‬ ‫صال ِة َقا ُموا ُك َ‬


‫سا َلى ُي َرا ُءونَ ال َّن َ‬ ‫ال َّ‬

‫من صور النفاق‪ ،‬والمنافق له عالمات‪ ،‬منها‪ :‬أنه يظهر عكس ما‬

‫يبطن‪.‬وكلمة النفاق مشتقة‪ 8‬من نفق اليربوع‪ ،‬واليربوع حيوان يأوي‬

‫إلى جحر له بابان‪ ،‬فإذا انسد أحدهما خرج من اآلخر‪ ،‬والوصف‬

‫بالنفاق أمر صعب‪ ،‬فال يوصف إنسان بالنفاق إال إذا اكتملت فيه‬

‫الشروط‪.‬وللنفاق دالئل تدل عليه‪ ،‬وهي‪ :‬إذا حدث كذب‪ ،‬فهو كذاب ولم‬
‫يكذب مرة فقط بل يكذب مرات كثيرة‪ ،‬وإذا وعد أخلف‪ ،‬وليس ذلك‬

‫مرة‪ ،‬فال تصف إنسانا ً بالنفاق ألنه وعدك ثم أخلف الوعد وهو ينوي‬

‫أال يخلف‪ ،‬بل تلتمس له سبعين عذراً‪ ،‬فهو ليس منافقا ً في هذه‬

‫اللحظة‪ ،‬وإن وصفته بالنفاق فإن النفاق يرتد عليك‪.‬فالخلف هو أن تعد‬

‫شخصا ً أن تأتي إليه وتنوي أال تأتي‪ ،‬فمن تيقن فيه أنه ال يفي بوعده‬

‫ففيه خصلة من خصال النفاق‪.‬ومن الدالئل التي تدل على النفاق‪ :‬أنه‬

‫إذا اؤتمن خان‪ ،‬وإذا عاهد غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر‪ ،‬وإذا اجتمعت‬

‫األربعة في إنسان كان منافقا ً خالصاً‪.‬والرياء هو التجمل أمام الناس‪،‬‬

‫لكن مع أهله فهو بذيء اللسان‪ ،‬طويل اليد‪ ،‬قابض الكف في اإلنفاق‬

‫بخيل‪ ،‬بينه وبين أوالده أو زوجته حواجز‪ ،‬إذا جلس في مكان أمام‬

‫الناس فإنه يعامل زوجته معاملة أخرى‪ ،‬ويقول كالما ً كبيراً‪ ،‬ويصادق‬

‫األوالد‪ ،‬فهذا هو الرياء‪ ،‬أو يصلي في بيته بدون طمأنينة‪ 8‬وأما في‬

‫المسجد فإنه يطمئن في صالته‪.‬فهذا يدخل في قوله تعالى‪ :‬الَّ ِذينَ ُه ْم‬

‫[الماعون‪.]6:‬ففي يوم تسعة وعشرين من رمضان ال تجده‬ ‫يُ َرا ُءونَ‬

‫في المسجد‪ ،‬فإنه كان يصلي لرمضان‪ ،‬من أجل أن يقال عنه‪ :‬فالن‬

‫كان يصلي في رمضان‪ ،‬فهذا رياء والعياذ باهلل رب العالمين‪ ،‬فالبد أن‬

‫سبَنَّ الَّ ِذينَ يَ ْف َر ُحونَ بِ َما أَتَوا َويُ ِحبُّونَ‬


‫نعيد الحساب‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ال ت َْح َ‬

‫أَنْ يُ ْح َمدُوا بِ َما لَ ْم يَ ْف َعلُوا فَال ت َْح َ‬


‫سبَنَّ ُه ْ‪8‬م بِ َمفَازَ ٍة ِمنَ ا ْل َع َذا ِ‬
‫ب [آل‬

‫عمران‪ ،]188:‬فالمسلم ال يريد أن يحمد بشيء يصنعه‪ 8،‬أو أن ينسب‬

‫إليه خير لم يعمله‪.‬فمن المصائب أن تنسب إلينا أعمال لم نقم بها‪،‬‬

‫وهذا من باب االستدراج والغرور‪ ،‬وعدم رضا هللا‪.‬وإذا نسبوا إلينا‬


‫مرة فلتكن لنا وقفة مع النفس؛ لكي نكون كما نسب إلينا‪ ،‬وإذا لم‬

‫نستطع ذلك فلنحاول‪ ،‬وإذا فشلنا فلنحاول مرات وننوي‪ 8‬الخير من أجل‬

‫أن نؤجر على النية‪ ،‬وإذا اعترتنا في أنفسنا بعض الوساوس أو‬

‫األقاويل بأن هذا سيكون محرجا ً لنا مثالً‪ ،‬أو أن هذا يتنافى مع مكانتنا‬

‫ومقامنا‪ ،‬فمرضاة هللا هي المقصد األسمى في المسألة‪ ،‬ونسفه هذه‬

‫الوساوس واألقاويل بل ونواجهها‪.‬والرياء لم يكن موجوداً عند السلف‬

‫الصالح قديماً‪ ،‬ومعلوم أن اليسير من الرياء شرك والعياذ باهلل‪ ،‬ولو‬

‫أن إماما ً يصلي بالناس وبينما هو راكع إذ شعر بدخول أحد المسبوقين‬

‫فانتظر في ركوعه من أجل أن يدرك المسبوق الركعة‪ ،‬فعند أبي حامد‬

‫الغزالي رحمه هللا وهو رأي للشافعية أن صالة اإلمام باطلة؛ ألنه لم‬

‫يصل هلل‪.‬وقال ابن عباس ‪ :‬لو قلت‪ :‬لوال الكالب لسرقتنا اللصوص‬

‫لكنت مشركاً‪.‬وكذلك من قال‪ :‬إن الماء يروي‪ ،‬وإن الدواء يشفي‪ ،‬فإن‬

‫هذه أسباب ال تنفع وال تضر‪ ،‬وإنما النافع والضار هو مسبب األسباب‪،‬‬

‫وإنما يجب علينا أن نأخذ باألسباب ونحن مكلفون بها‪.‬فمن اعتقد بقلبه‬

‫أن األسباب تنفع وتضر‪ 8‬دون هللا تعالى فإن هذا من سوء الخاتمة‪،‬‬

‫فعلينا أن نصحح ما في قلوبنا من هذه االعتقادات الخاطئة‪ ،‬فنحن‬

‫مصابون في قلوبنا‪.‬وسوء الخاتمة معلق على القلب أوالً‪ ،‬ثم الجوارح‬

‫ثانياً‪ ،‬فإذا صلح القلب صلحت الجوارح كلها‪ ،‬وكل الناس تخاف من‬

‫أمراض القلب‪ ،‬فلو حصل أي ألم في القلب فإن المتألم يذهب إلى‬

‫الطبيب؛ ألنه خايف على دنياه‪ ،‬لكن لو أصيب في قلبه فصار ال يخشع‬

‫في صالته‪ ،‬وال يقشعر جلده من ذكر هللا‪ ،‬وال يحن على الناس‪ ،‬وال‬
‫يتواضع‪ ،‬أو أن قلبه مليء بالكبر وبالحقد‪ ،‬فإنه ال يذهب إلى طبيب‬

‫القلوب!والعلماء قسموا القلوب إلى أربعة‪:‬القلب األول‪ :‬قلب ال يحب‬

‫إال هللا‪ ،‬وهذه قلوب الصحابة‪ ،‬فصاحب هذه القلوب تجده في أي وقت‬

‫يحب هللا عز وجل‪ ،‬ودوداً مع إخوانه‪ ،‬متواضعاً‪ ،‬هادئ النفس‪ ،‬كريماً‪،‬‬

‫مضيافاً‪ ،‬بشوشاً‪ ،‬وكل الناس تشكره‪.‬الثاني‪ :‬قلب الدنيا فيه جاثمة‪،‬‬

‫فصاحب هذا القلب إذا أعطي منها رضي‪ ،‬وإن لم يعط ظل ساخطا‬

‫ً‪.‬الثالث‪ :‬قلب ساعة وساعة‪ ،‬أي‪ :‬بين بين‪ ،‬فعندما يأتي رمضان فإنه‬

‫يعبد هللا‪ ،‬ولذلك أحمل رسالة مهمة إلى كل المشاهدين والمشاهدات‬

‫الذين واظبوا على العبادات في رمضان أال يتركوها بعد رمضان؛ فإن‬

‫ذلك من إحباط القلب‪.‬أما الذي يحتج بقوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫(ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما)‪ 8،‬فال يعبد هللا إال في رمضان‪،‬‬

‫فهذا احتجاج في غير محله‪ ،‬فإن رمضان هو القمة في العبادة‪،‬‬

‫والحسنة فيه مضاعفة‪ ،‬فرمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما بشرط‬

‫ما اجتنبت الكبائر‪ ،‬ومن الكبائر الكذب والربا والظلم واالفتراء‪ ،‬قال‬

‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬الصلوات الخمس‪ ،‬والجمعة إلى‬

‫الجمعة‪ ،‬ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهنّ ما اجتنبت‬

‫الكبائر)‪.‬الرابع‪ :‬قلب أحيانا ً تعلو عنده اآلخرة فيلتزم قليالً في درس‬

‫علم‪ ،‬أو جلسة طيبة‪ ،‬أو تذكير بآية أو بأحاديث‪ ،‬أو يتفاعل مع قضية‬

‫معينة‪ ،‬وأحيانا ً الدنيا تأخذه في أوديتها وشعابها‪ ،‬فهذا قلب متردد‪،‬‬

‫ويوم القيامة يأتي إلى حرف الصراط فنوره مرة يضيء ومرة يخبو‪،‬‬

‫ضا َء لَ ُه ْم َمش َْوا فِي ِه َوإِ َذا أَ ْظلَ َم َعلَ ْي ِه ْم قَا ُموا‬
‫كما قال تعالى‪ُ :‬كلَّ َما أَ َ‬
‫[البقرة‪ ،]20:‬فإن الصراط مظلم‪ ،‬وال يجتاز إال بنور‪ 8‬اإليمان‪.‬إذاً‪ :‬سوء‬

‫الخاتمة معلق على القلب أوالً‪ ،‬والقلب فيه من األمراض الكثيرة التي‬

‫تستلزم منا وقفة صادقة؛ لنصلح ما في القلب بتوبة صادقة‪ ،‬كما فعل‬

‫أحد الكفار في غزوة الخندق عندما قال لرسول هللا‪ :‬يا محمد! لو أنا‬

‫أسلمت اآلن‪ ،‬وجاهدت معك هؤالء‪ ،‬وقتلت في سبيل هللا أأدخل الجنة؟‬

‫فلما عرف أن اإلجابة باإليجاب نطق بالشهادتين‪ ،‬وبدل ما كان الفرس‬

‫ناحية المسلمين صار الفرس ناحية الكفار‪ ،‬فجاءه سهم غرب ‪-‬أي‪:‬‬

‫سهم طائش‪ -‬فرزق الشهادة‪ ،‬فضحك النبي صلى هللا عليه وسلم ثم‬

‫قال‪( :‬تبوأ الفردوس األعلى وهو لم يسجد هلل سجدة) وهذا من حسن‬

‫الخاتمة‪.‬فهذا هو الفرق في حالتي المقتول‪ ،‬فمن قتل ونيته ابتغاء وجه‬

‫هللا ودخول الجنة فقد نجح وأفلح‪ ،‬ومن قتل في غير هذه النية فقد‬

‫خسر خسرانا ً عظيماً‪.‬وفي القرآن الكريم تجد أن عدد آيات الرحمة‬

‫مائتين وثالث عشرة آية‪ ،‬وآيات العذاب مائتين وثالث عشرة آية‬

‫كذلك‪ ،‬وآيات الجنة مائة وسبع وخمسين آية‪ ،‬وآيات النار مائة وسبع‬

‫وخمسين آية‪.‬أما االعتماد على الشفاعة في اآلخرة بدون أخذ األسباب‬

‫من األعمال الصالحة‪ ،‬وطاعة هللا ورسوله‪ ،‬فهذا غرور باهلل سبحانه‬

‫وتعالى‪ ،‬فإن الشفاعة تكون لرجل نتيجته‪ 8‬تسعة وأربعين بالمائة‪،‬‬

‫وإنما يحتاج درجة واحدة‪ ،‬فإنه يشفع له‪ ،‬وكذلك تكون الشفاعة لمن‬

‫قال‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬فيخرج من النار بعد أن يأخذ مدة في العقاب‪.‬أما أن‬

‫تفسر الشفاعة بأنها دخول الجنة مباشرة فإن هذا الكالم يمأل القلوب‬

‫باألماني والغرور باهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬ويمأل القلوب بالظلمة‪ ،‬فال‬


‫يُعبد رب العباد حقيقة العبادة التي خلقنا من أجلها‪.‬والبعض يتذرع في‬

‫دخول الجنة بما ورد في األثر السابق‪ ،‬فإن هذا الرجل عنده رصيد‬

‫يتوجه به إلى الرب العظيم‪ ،‬أما نحن فأين رصيدنا من قيام الليل‪ ،‬أو‬

‫رعاية اليتامى‪ ،‬أو رعاية األرملة والمطلقة في المجتمع‪ ،‬فقد أصبحتا‬

‫في زماننا مثل الكلبين الضالين‪...... .‬‬


‫االهتمام بالنساء‬
‫السؤال‪ :‬لماذا تركز على النساء تحديداً في المجتمع؟ الجواب‪ :‬ألنهن‬

‫ضعيفات‪ ،‬وأما ضعف الرجال أمام النساء كما هو مشاهد في عصرنا‬

‫الحالي فإنه ناتج عن ضعف إيمان الرجال باهلل تعالى‪ ،‬فلو عامل‬

‫الرجال نساءهم بما يرضي‪ A‬هللا لنزلت علينا البركات من السماء‪،‬‬

‫ولخرجت بركات األرض‪ ،‬لكن المعاملة فيما بينهم تسخط هللا‪ ،‬فلذا‬

‫تجد أن المرأة ال تدعو على زوجها أو أبيها فقط‪ ،‬وإنما تدعو علينا‬

‫كلنا‪ ،‬وبهذه الدعوات تسوء الخاتمة‪ ،‬فتدعو على العلماء والدعاة‬

‫الذين علموهم‪ ،‬وتدعو على اإلعالم وعلى العاملين فيه‪ ،‬بل تدعو‬

‫على الدولة بأسرها‪ ،‬وتستجاب دعوتها؛ ألن دعوة المظلوم‬

‫مستجابة‪ ،‬فكم من دموع ثكالى ودموع أرامل ودموع مطلقات‬

‫منبوذات في المجتمع وكأنهن مصابات بداء خطير معدي‪ ،‬فإن من‬

‫شواهد سوء الخاتمة أن يكثر الظلم في المجتمع أيا ً كان نوع‬

‫ومستوى الظلم‪.‬وقد دخلت امرأة النار في هرة‪ ،‬وهذا بسبب ظلم هرة‬

‫فكيف بظلم العباد!!‪A......‬‬


‫االستعداد للقاء اهلل وحسن الخاتمة‬
‫السؤال‪ :‬فضيلة الدكتور عمر عبد الكافي ! كيف نستعد للقاء هللا‬
‫سبحانه وتعالى ونحسن خاتمتنا؟ الجواب‪ :‬لن تصلح أمورنا إال بما‬

‫صلحت به أمور أسالفنا‪ ،‬فقد صلحت أمور أسالفنا بالكتاب والسنة‪،‬‬

‫ونحن طالما نؤلف ونضع العقل فيما ال يصلح أن يوضع فيه‪ ،‬فنضع‬

‫قوانين ومناهج عجيبة ألنفسنا فلن تصلح نهايتنا‪.‬والذي نريد أن‬

‫نطالب الناس بتطبيقه‪ 8‬هو الدين المفروض‪ ،‬أن نرى كل مسلم ومسلمة‬

‫نسخة من القرآن تسير على األرض‪ .‬والمصيبة الكبرى هي أن نرى‬

‫حافظ القرآن وهو يتعامل مع البنك الربوي‪ ،‬أو أن زوجته غير‬

‫محجبة‪ ،‬أو يأكل ميراث اآلخرين‪ ،‬أو يظلم فالناً‪ ،‬أو يجور على حق‬

‫الجار‪ ،‬فقد صار القرآن حجة عليه‪ ،‬وسوف يأتي ليشهد عليه يوم‬

‫القيامة‪ ،‬فالمطلوب منا المحافظة على الدين كل والعمل به‪.‬والصحابة‬

‫رضوان هللا عليهم لم تكثر أسئلتهم كما هو الحال في كثرة أسئلتنا‪ ،‬فقد‬

‫سأل الصحابة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ثالثة عشر سؤاالً‪ ،‬ألنهم‬

‫كانوا يعملون بالدين في واقع حياتهم‪ ،‬أما نحن فال نعمل‪ ،‬وعلى هذا‬

‫ربينا‪ ،‬فلنعد صياغة تربيتنا مرة أخرى على منهج‪ 8‬الكتاب والسنة‪.‬ولو‬

‫سار المسلم بمصباح الكتاب والسنة‪ 8‬لصغرت في طريقه هذه‬

‫الفيروسات والميكروبات واضمحلت وما صارت في حياته شيئاً‪ ،‬وما‬

‫صار في حياته إال هللا ورسوله‪ ،‬فهذا الكالم يقين وليس كالما ً نظرياً‪،‬‬

‫هذا كالم عملي‪.‬فسر في طريق هللا تجد الدنيا تسير‪ 8‬خلفك‪ ،‬ولن يأتيك‬

‫منها إال الحالل‪ ،‬وسوف يأتيك منها نصيبك‪ ،‬فاللص الذي سرق لو‬

‫صبر لما أخذ ما سرقه إال من حالل‪ ،‬لكن من يفهم هذا الكالم‪،‬‬

‫والموظف المرتشي‪ 8‬لو صبر ولم يرتش ويمد يده لجاءته هذه الرشوة‬
‫من طريق حالل‪.‬والصبر كلمة تتكون من ثالثة أحرف‪ ،‬لكن حينما‬

‫نترجمها إلى تهذيب النفس وإصالحها‪ ،‬فإنها تستغرق طوال‬

‫العمر‪.‬ومن حق اإلنسان أن يعيش بمرضاة هللا‪ ،‬هذه هي المعيشة‬

‫شةً َ‬
‫ضن ًكا‬ ‫الحقيقية‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬و َمنْ أَ ْع َر َ‬
‫ض عَنْ ِذ ْك ِري فَإِنَّ لَهُ َم ِعي َ‬

‫س َعلَى َحيَا ٍة َو ِمنَ‬ ‫[طه‪ ،]124:‬وقال تعالى‪َ :‬ولَت َِج َدنَّ ُه ْم أَ ْح َر َ‬


‫ص النَّا ِ‬
‫ش َر ُكوا يَ َو ُّد أَ َح ُد ُه ْم لَ ْو يُ َع َّم ُر أَ ْلفَ َ‬
‫سنَ ٍة [البقرة‪ ]96:‬أي‪:‬‬ ‫الَّ ِذينَ أَ ْ‬

‫ولتجدنهم أحرص الناس على معيشة الهوام والحشرات والدواب‬

‫واإلبل‪ ،‬أما الحياة الحقيقية فليست إال بكتاب هللا‪ ،‬وحياة القلب عندما‬

‫يحيا بكتاب هللا سواء في رمضان أو في غير رمضان‪ ،‬بالليل أو‬

‫بالنهار‪ ،‬في العلن أو في السر‪.‬والمسلم إذا أراد أن يحيا الحياة‬

‫الحقيقية فإنه يضطهد من قبل الحكومات ويطرد ويشرد‪ ،‬وهذا ميراث‬

‫النبيين‪ ،‬فلن تضاء آخرته إال إذا احترقت دنياه‪ ،‬ومن احترقت بدايته‬

‫أشرقت نهايته‪ ،‬يعني‪ :‬أحرق الشهوات والغرائز‪ ،‬وأحرق اللسان الذي‬

‫يكذب ويتسول وينم ويخوض ويتكبر‪ 8،‬بأن أغفل الشهوات والغرائز‬

‫ورباها‪ ،‬وزكاها‪.‬وهذا األمر يحتاج إلى مجاهدة‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬والَّ ِذينَ‬

‫سبُلَنَا [العنكبوت‪ ،]69:‬والصحابة جاهدوا‬


‫َجا َهدُوا فِينَا لَنَ ْه ِديَنَّ ُه ْم ُ‬
‫أنفسهم‪ ،‬يقول أحدهم‪ :‬نزل القرآن وكنا أصحاب خمر نشربها‪ ،‬فلما‬

‫طاف أنس في شوارع المدينة ونادى‪ :‬يا معشر المسلمين! إن ربكم قد‬

‫حرم الخمر من فوق سبع سماوات‪ ،‬أراق المسلمون جرار خمورهم‬

‫في الشوارع حتى كأن سيالً عرما ً أصاب شوارع المدينة‪ ،‬حتى ظلت‬

‫رائحة الخمر أسبوعا ً كامالً في المدينة من كثرة الخمور ومن كان في‬
‫فمه جرعة ألقاها‪ ،‬أي‪ :‬مجها‪.‬فهذا هو الجهاد الحقيقي‪ ،‬وأما نحن فإننا‬

‫نتفلسف كثيراً‪ ،‬بل إن كثرة األسئلة وكثرة الفلسفة وكثرة الجدال هي‬

‫التي أزاحتنا إلى الوراء‪ ،‬لكن يجب علينا أن نضع خطة تعيدنا إلى‬

‫الكتاب والسنة‪.‬ومن أراد أن ينقي نفسه فليقرأ سيرة السلف‪ ،‬ومن‬

‫أراد الكتلوج فإنه واضح وبين وبسيط وميسور‪ 8،‬قال تعالى‪َ :‬ولَقَ ْد‬
‫س ْرنَا ا ْلقُ ْرآنَ لِ ِّ‬
‫لذ ْك ِر فَ َه ْل ِمنْ ُم َّد ِك ٍر [القمر‪.]17:‬جاء رجل إلى رسول‬ ‫يَ َّ‬

‫هللا صلى هللا عليه وسلم فقال‪ :‬أنا أريد أن أدخل اإلسالم فعلمني‪ ،‬فقال‬

‫رسول هللا‪ :‬يا أبا ذر ! علم أخاك اإلسالم‪ ،‬فيقرأ عليه سورة الزلزلة‬

‫فقط‪ ،‬فيبكي الرجل ويقول‪ :‬كفاني تعليم‪ ،‬وذهب الصحابي يجاهد في‬

‫سبيل هللا‪.‬فليس من المسلمين من لم يحمل هم اإلسالم وهم المسلمين‪،‬‬

‫فيجب علينا أن نحمل هموم األمة في أن نأخذها بأيديها إلى سواء‬

‫السبيل‪ ،‬وما نحن إال ذرة تراب في بناء اإلسالم الكبير‪...... .‬‬
‫دعاء‬
‫السؤال‪ :‬نرجو منكم دعاء نختم به هذا اللقاء‪.‬الجواب‪ :‬اللهم صل‬

‫وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم‪ ،‬اللهم اجعل جمعنا‬

‫هذا جمعا ً مرحوماً‪ ،‬وتفرقنا من بعده تفرقا ً معصوماً‪ ،‬وال تجعل بيننا‬

‫شقيا ً وال محروماً‪ ،‬وارزقنا يا موالنا قبل الموت توبة وهداية‪ ،‬ولحظة‬

‫الموت روحا ً وراحة‪ ،‬وبعد الموت إكراما ً ومغفرة ونعيماً‪.‬اللهم أكرمنا‬

‫وال تهنا‪ ،‬وأعطنا وال تحرمنا‪ ،‬وزدنا وال تنقصنا‪ ،‬وكن لنا وال تكن‬

‫علينا‪ ،‬وآثرنا وال تؤثر‪ A‬علينا‪ ،‬وانصرنا وال تنصر علينا‪.‬اللهم اجعلنا‬

‫من عتقائك من النار‪ ،‬واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين‪ ،‬وهيء‬
‫لبناتنا األزواج الصالحين‪ ،‬وألبنائنا الزوجات الصالحات‪ ،‬واطرد عنهم‬

‫شياطين اإلنس والجن يا رب العالمين‪.‬اللهم تب على كل عاص‪ ،‬واهد‬

‫كل ضال‪ ،‬وارحم كل ميت‪ ،‬وانصر كل مجاهد‪ ،‬واغفر لنا وارحمنا‬

‫وأنت خير الغافرين‪ ،‬ومن أراد بنا سوءاً فاردد سوءه إليه‪ ،‬واجعل‬

‫تدميره في تدبيره يا رب العالمين‪ ،‬وإخرجنا من الفتن سالمين‬

‫غانمين إنك على ما تشاء قدير‪.‬وصلى هللا على سيدنا محمد‪ ،‬وعلى‬

‫آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيراً‪A...... .‬‬

You might also like