Professional Documents
Culture Documents
– 1مقدمة
ن
م ْسَنا و ِ ف ِ ن شرور أن ُ ْ ه ونستهديه ونستغفره ،وَن َُعوذ ُ باللهِ ِ
م ْ ست َِعين ُ ُ مد ُهُ وَن َ ْح َ مد َ ل ِل ّهِ ن َ ْ ح ْ ن ال ْ َ إِ ّ
ه إ ِلّ
ن َل إ ِل ََ َ َ َ َ
ل فَل َ َ َ ّ
ه ،وَأ ْ
شهَد ُ أ ْ هادِيَ ل ُ ضل ِ ْ
ن يُ ْ
م ْ ه وَ َ لل ُ ض ّ ه فَل ُ
م ِ ن ي َهْدِهِ الل ُ م ْ مال َِناَ ، ت أعْ َ سيئا ِ َ
ه اللهم علمنا ما ينفعنا ،وانفعنا ُ ل سو رو ه د ب ع دا م ح م ن َ أ د ه ْ
ش َ أ و ه، َ ل كَ ري ش َ ل َ ه د ح ّ
ُ ََ ُ ُ ُ ْ َ ً ُ َّ ّ ُ َ ُ َ ِ ُ َ ْ ال ُ َ
و ه ل
بما علمتنا ،وارزقنا من كرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين ،اللهم إنا نعوذ بك من علم
ب لها. ل ينفع ،ومن قلب ل يخشع ،ومن عين ل تدمع ،ومن دعوة ل ُيستجا ُ
ن الله في موضوِع َ
شرِح هذه العقيدة القيمة المباركة ،عقيدة المام أبي جعفر نبدأ ّ بعو ِ
طحاويّ الزدي المصري الحنفي . ال ّ
َ
قا َ
ل) :وهل من مقلد إل غبي(.
وقد كتب هذه العقيدة ليبين عقيدة المام أبى حنيفة وتلميذيه أبي
مد بن الحسن ،وليقول للمسلمين وللحنفية -وهم ح ّ
م َ
يوسف و ُ
أكثر المذاهب الربعة أتباعا ً :-
ن المذهب الذي يدين به إن العقيدة الصحيحة هي هذه العقيدة أيا ً َ
كا َ
ن ،فإنه ل يجوز له أن يعتقد إل هذه العقيدة.سا ُ
لن َ
ا ِ
ثُ ّ
م بعد ذلك تبقى أحكام الفقه -وخاصة الجتهادية منها أو النظرية
ً َ
على أحد أن يتخذ منها ما يشاء متمشيا مع المحضة -فل حرج َ
ً
القواعد الشرعية والصول العامة مادام أهل لن يجتهد.
سلم ِ اْبن
خ ال ِ ْ وتكون المسألة هي عقيدة السلف من قديم ،لكن َ
شي ْ َ
ة ُيحسن عرضها وُيحسن الدفاع عنها بعرض الشبهات الواردة مي ّ َ
ت َي ْ ِ
عليها ،ث ُ ّ
م نقضها شبهة شبهة ،وكذا ابن القيم .
ن يعانيه ابن أبي العز لم يكن من فنتيجة للعصر والضغط الذي َ
كا َ
المصلحة أن يشير إليهما.
ولهذا قيل :إن أهل السنة في أهل السلم مثل أهل السلم في
صّلى
سائر الملل ،فالعقيدة السلفية هي كتاب الله وسنة رسوله َ
سل ّ َ
م كما فهمه الجيل الول ،فهي تعبر عن حقيقة و َ عل َي ْ ِ
ه َ ه َ
الل ُ
السلم ،فكل ميزة من ميزات السلم فهي في هذه العقيدة.
ن الئمة
مي َ
سل ِ ِ ومنذ القرن الثالث تقريبا ً إ َِلى اليوم ،يتبع أكثر ال ْ ُ
م ْ
ي والمزني والسفرائيني ع ّ
ف ِ الربعة ،وبطبيعة الحال فإن ال ّ
شا ِ
والصبهاني الذي ألف كتاب بيان الحجة ،علماء وراء علماء،
عَلى مذهب ي ،كلهم َ ع ّف ِ وطبقات وراء طبقات ،في مذهب ال ّ
شا ِ
ة.
ع ِ
ما َ وال ْ َ
ج َ ة َ
سن ّ ِ
هل ال ّ
أ ْ
ة
سن ّ ِل ال ّ عَلى مذهب أ ْ
ه ِ ن َ
كا َ ه الل ّ ُ
ه َ م ُ
ح َ
وكذلك تجد المام أبي حنيفة َر ِ
م مد بن الحسن الشيباني وأبو يوسف كذلك ،ث ُ ّ ح ّ
م َ
ة ،وكان ُ
ع ِما َ وال ْ َ
ج َ َ
ّّ
ي الذي وضع متن هذه العقيدة وهو من ّ طحاو ال جعفر أبو المام ء
َ َجا
الحنفية.
وهكذا كثير ممن ينتمي إ َِلى مذهب أبي حنيفة وهم من أئمة
عَلى هذه العقيدة.المذهب هم َ
عَلى مذهب م مذهب المام مالك وهو إمام أهل الثر جميعًا ،وهو َ ثُ ّ
ة -ولله الحمد -وتلميذه كـابن القاسم وابن ع ِما َ ج َوال ْ َ
ة َ سن ّ ِ
ل ال ّ ه ِ أ ْ
م من بعدهم كـابن عبد البر وهو من أكبر علماء الحسن وأمثالهم ،ث ُ ّ
هلعَلى مذهب أ ْ المغرب وكتبه معروفة ومشهورة ،كانوا كلهم َ
ة. ع ِما َ وال ْ َ
ج َ ة َ
سن ّ ِال ّ
َ
ة -وكذلك أتباعه استمروا ع ِ
ما َ وال ْ َ
ج َ ة َ
سن ّ ِهل ال ّ مد -إمام أ ْ ح َ ثُ ّ
م المام أ ْ
ة إ َِلى القرن العاشر وربما إ َِلى ع ِ ما َ وال ْ َ
ج َ ة َ سن ّ ِ
هل ال ّعَلى منهج أ ْ َ
اليوم.
أ -أنها لم يكن غيرها في القرون الولى ،وما وجد في تلك القرون
من عقيدة فاسدة فإنها مرذولة مردودة؛ لن أكثر علماء المة
عَلىكأصحاب المهات الست => ،حتى أئمة اللغة الكبار كانوا َ
ة -ولله الحمد.-
ع ِ
ما َ وال ْ َ
ج َ ة َ
سن ّ ِ
هل ال ّ
مذهب أ ْ
ن،
مو َ
سل ِ ُ ب -ولنها العقيدة الوحيدة التي يمكن أن يجتمع عليها ال ْ ُ
م ْ
ن شرعا ً ودينا ً ول يقبل غيرها، مو َ
سل ِ ُ والتي يجب أن يجتمع عليها ال ْ ُ
م ْ
ل ،كما قال كما ل تزال هي العقيدة التي تجمع آخرا ً كما جمعت أو ً
ه" :ل يصلح آخر هذه المة إل بما صلح به ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
المام مالك َر ِ
أولها" فآخر هذه المة إن أرادوا الجتماع والنصر والتمكن
عاَلى لعباده
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
والستخلف في الرض ،الذي جعله الله ُ
الصالحين من الجيل الول ،فعليهم بهذه العقيدة نفسها ،فإنها
-بإذن الله -هي الوحيدة الكفيلة بذلك ول شيء غيرها.
ج-وهي عقيدة فطرية سليمة -ولله الحمد -فكل مسلم يقرأ كتاب
ل يؤمن بها بالبداهة وبالفطرة ،فالعقيدة السلفية ج ّو َعّز َ
الله َ
ة -في اليمان ،تكتفي باليمان المجمل
ع ِ
ما َ وال ْ َ
ج َ ة َ
سن ّ ِ
ل ال ّ
ه ِ-عقيدة أ ْ
فيمن ل يستطيع اليمان المفصل.
فسيقول :نعم.
وفي قضية اليمان تقول المرجئة والخوارج معًا :إن اليمان ل يزيد
ول ينقص؛ ولذلك تقول الخوارج من ارتكب الكبيرة كفر ،لنه مادام
أنه نقص من اليمان شيء فقد ذهب كله.
سانلن َ
فالمسألة خطيرة ،لنها ليست قضية رأي وعقل يفكر به ا ِ
ل ،فمن أراد الحق، ج ّ
و َ
عّز َ
ويختار؛ بل هي قضية اتباع وتسليم لله َ
عاَلى بالحق فعليه بهذه العقيدة الجماعية، وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
والدين لله ُ
التي ل يجوز الخروج عليها.
ن لَ ُ
ه ما ت َب َي ّ َ د َ ع ِ
ن بَ ْ م ْل ِ سو َ ق الّر ُ ق ِشا ِ ن يُ َ
م ْو َوإل فإنه كما قال تعالىَ :
مهن ّ َج َ
ه َ صل ِ ِون ُ ْ
ولى َّ ما ت َ َ
ه َ ّ
ول ِ ن نُ َ
مِني َ
ؤ ِ ل ال ْ ُ
م ْ سِبي ِ ع َ
غي َْر َ وي َت ّب ِ ْ
دى َ ال ْ ُ
ه َ
عَلى حجية الجماع ]النساء ،[115:فهذه الية من اليات التي تدل َ
عَلى ذلك العلماء -وأن اتباع غير سبيل المؤمنين هو -كما نص َ
طي ه َ َ
صَرا ِ ذا ِ ن َ وأ ّ التفرق عن الدين القويم قال الله تعالىَ :
ه
سِبيل ِ ِن َ
ع ْ م َ فّرقَ ب ِك ُ ْ
فت َ َ
ل َ
سب ُ َ
عوا ال ّ
ول ت َت ّب ِ ُ
عوهُ َ
فات ّب ِ ُقيما ً َ
ست َ ِ
م ْ
ُ
]النعام.[153:
- 2أهمية علم أصول الدين
ه- :
ه الل ُ
م ُ
ح َ
ف َر ِ
مصن ّ ُ َقا َ
ل ال ُ
د
م ُ ]بسم الله الرحمن الرحيم حسبي الله ونعم الوكيل ،وبه نستعين ،ال ْ َ
ح ْ
ه ،نستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ،ومن سيئات ل ِل ّ ِ
أعمالنا ،من يهده الله فل مضل له ،ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أن ل
إله إل الله وحده ل شريك له ،وأشهد أن سيدنا محمدا ً عبده ورسوله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرًا .أما بعــد:
ن علم أصول الدين أشرف العلوم ،إذ شرف العلم بشرف فإنه لما َ
كا َ
المعلوم ،وهو الفقه الكبر بالنسبة إ َِلى فقه الفروع ،ولهذا سمى المام
أبو حنيفة رحمة الله عليه ما قاله وجمعه في أوراق من أصول الدين:
الفقه الكبر وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة ،وضرورتهم إليه فوق كل
ضرورة ،لنه ل حياة للقلوب ،ول نعيم ول طمأنينة ،إل بأن تعرف ربها
ومعبودها وفاطرها ،بأسمائه وصفاته وأفعاله ،ويكون مع ذلك كله أحب
إليها مما سواه ،ويكون سعيها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر
خلقه[ اهـ
الشرح:
وكل خطبة ل يذكر فيها الشهادة أو ل يتشهد فيها ،فهي كاليد الجذماء،
جاءَ في الحديث .وكذلك في الحديث) :كل أمر ذي بال ل يبدأ فيه كما َ
ن في الحديث ضعف من ببسم الله فهو أقطع( أو )فهو أبتر( وإن َ
كا َ
م فيسل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ حيث السناد ،ولكن هو ثابت من فعل النبي صّلى الل ُ
ه َ
خطبه ومكاتباته إ َِلى الملوك وغيرهم.
فُيردّ عليهم بمثل ما افتتح المصنف ،أن شرف العلم بشرف المعلوم،
عاَلى هي الفقه الكبر ،وهي أعظم العلوم وت َ َ فمعرفة الله ت ََباَر َ
ك َ
والغايات ،وأشرف ما يسعى إليه المؤمنون جميعًا ،فل يجوز لحد أن
ع إ َِلى معرفة
ن من أمرها أو يشكك فيها ،أو يقول :ليس هناك دا ٍ و َ
ُيه ّ
توحيد السماء والصفات!!
لو قال رجل :ليس هناك داع أن يعلم الناس الصلة والزكاة ،لنكر عليه
عاَلى في
ن .فكيف بالتوحيد! وهو أعظم؛ لن معرفة الله ت َ َ مي َ
سل ِ ِ جميع ال ْ ُ
م ْ
ذاته أعظم من معرفة حقه ،فاعتقادنا فيه أعظم من فعلنا له ،وكما
قْرآن كله توحيد، ه وهو يقول :إن ال ُ ه الل ُ
م ُ
ح َ
ف َر ِ
مصن ّ ِ
سيأتي من كلم ال ُ
ى. عال َ َ
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
قْرآن هو ما يتعلق بتوحيد الله ُ فأفضل ما في ال ُ
ونقول لهم :إذا انتسبتم إ َِلى هذا المام فانظروا ماذا قال ،ول
عَلى
تعتقدوا عقائد بدعية مخالفة لمذهبه حدثت في القرن الرابع َ
عَلى يد النسفي وغيرهم من الذين م َيد أبي منصور الماتريدي ،ث ُ ّ
أحدثوا في مذهب الحنفية ما ليس منه ،في مجال العقيدة.
• ل حياة للقلوب إل بمحبة الله ومعرفته
ف :وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة وضرورتهم ...إ َِلى آخر صن ّ ِ
م ْ وأما قول ال ُ
العبارة.
ه في ه الل ّ ُم ُ
ح َهذه العبارة هي عنوان باب عقده المام ابن القيم َر ِ
إغاثة اللهفان :أنه ل حياة للقلب ول طمأنينة ول نعيم إل أن يكون
ه الل ّ ُ
ه م ُ ح َف َر ِ صن ّ ُ عاَلى هو معبوده وإلهه ،واختصر ال ُ
م ْ وت َ َ
ه َ حان َ ُ
سب ْ َ
الله ُ
هذه السطر من ذلك الكتاب.
• مشكلة النسان المعاصرة
والقرن العشرون أكثر القرون في تاريخ البشرية اضطرابا ً وحيرة وتفككا ً
وضياعًا ،ومعلوم أن الذي يعبر عن هذا حق التعبير في أي واقع ومجتمع -سواء
ن هذا الواقع حقا ً أو باطل ً عقيدة أو سلوكًا -بالتعبير الدقيق هم أصحاب َ
كا َ
الحساس العميق الدقيق ،كالشعراء والدباء وأمثالهم.
فماذا يقول أدباء وشعراء أوروبا حول قضية أنه ل حياة للنسان،
عاَلى؟!!
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
ول سعادة ول هناء إل بأن يعرف الله ُ
عَلى الضياع والفراغ والحيرة ،ويؤسفني عبروا عن ذلك بما يدل َ
ن يسلكون وينتهجون منهج مي َ
سل ِ ِ جدا ً أن أقول :إن بعض أدباء ال ْ ُ
م ْ
ك الدباء الحيارى الضائعين؛ ولذلك نجد كثيرا ً من الدواوين ُأول َئ ِ َ
الشعرية ضائعة تمامًا.
ج ّ
ل ،وأنه لو و َ
عّز َ
ونحن والله نعرف أن سببه هو عدم اليمان بالله َ
ن في كا َعاَلى وصلى وقرأ كتاب الله ،لما َ
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َعرف الله ُ
ن من يقول: مي َ سل ِ ِ شعراء ال ْ ُ
م ْ
ومضى عمري ول أعرف دربي أبدا ً
.
فيحدد أول مرة سيدا ً عاما ً لكنه في الخير يقول" :يبحث عن إله"
سان المعاصرة ،فالدمار والحروب المستمرة، لن َ
وهي مشكلة ا ِ
والقنابل الذرية ،والمصير الرهيب الذي ينذر البشرية ،وتحاول أن
تتخلص منه ول تستطيع ،هو الذي يلجئ أهل الحساس وأهل الشعر
وأهل النظرات البعيدة إ َِلى المخدرات والنتحار ،يتخلصون به من
رعب المستقبل كما يسمونه ،ولذلك نجد أرقى بلد العالم في
الحضارات المادية ،وفي الشوارع الفسيحة ،والعمارات الضخمة،
والترف المادي في معدل المعيشة ،هي أكثر بلد العالم نسبة في
ه الل ّ ُ
ه وكما قال ابن القيم في م ُ
ح َ
ف َر ِ
صن ّ ُ
م ْل ال ُ النتحار ،لنه كما َ
قا َ
إغاثة اللهفان ) :ل حياة للقلوب ول نعيم ول طمأنينة إل بأن تعرف
ربها ومعبودها وفاطرها (.
والله ل يجد العبد الطمأنينة والراحة واللذة ول يجد السعادة مهما
أخذ من الدنيا وجمع من حطامها ،بل يعذبه الله بها في الحياة الدنيا
وتزهق أنفسهم وهم كافرون.
• كيفية معرفة الله سبحانه وتعالى
ه ت ََعاَلى:
ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ صن ّ ُُ
ف َر ِ م ْ َقا َ
ل ال ُ
عَلى
محال أن تستقل العقول بمعرفة ذلك وإدراكه َ ]ومن ال ُ
التفصيل ،فاقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به
معرفين ،وإليه داعين ،ولمن أجابهم مبشرين ،ولمن خالفهم
منذرين وجعل مفتاح دعوتهم ،وزبدة رسالتهم معرفة المعبود
عَلى هذه المعرفة تبنى سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله ،إذ َ
م يتبع ذلك أصلنمطالب الرسالة كلها من أولها إ َِلى آخرها ،ث ُ ّ
عظيمان:
الشرح:
عاَلى نبه
وت َ َ ه الل ّ ُ
ه أهمية العلم بالله ت ََباَر َ
ك َ م ُ
ح َ
صّنف َر ِم ْ
بعد أن ذكر ال ُ
إ َِلى الصل العظيم ،وبداية انحرافات الفرق جميعا ً التي تنتهي بها
إ َِلى الضللة والهاوية.
عاَلى؟
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
وهي :كيفية معرفة الله ُ
عَلى
إن من المحال أن تنفرد العقول وحدها بمعرفة ذلك وإدراكه َ
التفصيل ،أما الدراك المجمل والمعرفة المجملة فهذه موجودة في
مه ْ
ر ِ ن ظُ ُ
هو ِ م ْ
م ِ ن ب َِني آدَ َ م ْك ِ خذَ َرب ّ َ وإ ِذْ أ َ َ َ الفطرة ،قال تعالى:
قاُلوا ب ََلى َ َ َ وأ َ ْ
هدَْناش ِ م َت ب َِرب ّك ُ ْس ُم أل َ ْ ه ْس ِ ف ِ عَلى أن ْ ُ
م َ
ه ْ
هد َ ُ
ش َ م َ ذُّري ّت َ ُ
ه ْ
عاَلى قد أخذ الميثاق الفطري وت َ َه َحان َ ُسب ْ َ]العراف ،[173 :فالله ُ
ق الل ّ ِ
ه ]الروم[30: ل لِ َ ْ
خل ِ دي َ عل َي ْ َ
ها ل ت َب ْ ِ فطََر الّناس َ
ه ال ِّتي َ
ت الل ّ ِ
فطَْر َ
ِ
-وسيأتي بحثها عما قريب -وهي موجودة لكنها ل تعطي معرفة
تفصيلية ،وإنما تكون المعرفة التفصيلية عن طريق الوحي.
ق ْ
ل عاَلى أمرنا أن نتبع الدليل الشرعي والوحي ُ وت َ َه َ حان َ ُسب ْ َ
والله ُ
ُ
عل َي ْ ِ
ه ه َ صّلى الل ُ ي ]النبياء [45:فنذارة النبي َ ح ِ و ْ م ِبال ْ َ ذُرك ُ ْما أن ْ ِ إ ِن ّ َ
عاَلى به وكرمنا به، وت َ َ
ه َ حان َ ُ
سب ْ َم بالوحي ،وهذا الذي ميزنا الله ُ سل ّ َ
و َ َ
ه َ
وإ ِّنا ل ُ ْ ْ
ن ن َّزلَنا الذّكَر َ ح ُ ل :إ ِّنا ن َ ْ َ
عالى قا َ َ وت َ َ
ه َ حان َ ُ سب ْ َ م إن الله ُ ثُ ّ
ن ]الحجر [9:فالوحي محفوظ ومعصوم ،فينبغي لنا أن ظو َ ف ُ حا ِ لَ َ
عاَلى ول نبحث عن مصدر آخر غير هذا وت َ َ
ه َ حان َ ُ سب ْ َندرك نعمة الله ُ
الوحي ،وإل فالضلل والويل والخسارة والتخبط واقع كما وقع لمن
خرج عن منهج السلف الصالح .
وغاية سعي العالمين نهاية إقدام العقول عقال
ضلل
سوى أن جمعنا ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
فيه قيل وقالوا
فمن ينتهج غير منهج السلف الصالح نجد عادته جمع القوال
والردود ،وقال الحكماء ،وقال فلن ،ورد عليه فلن وفلن.
ل يصل أبدا ً إ َِلى اليقين والحقيقة؛ لن هذا الدين ليس مما يدرك
ن بالنظر والعقول ،وليس مما تنفرد به الفهام والذهان ،وإل لو َ
كا َ
كذلك لما احتيج للنبياء.
• حاجة الناس إلى النبياء والرسل
ه وَت ََعاَلى بعث ال َن ْب َِياء ليبينوا ذلك التوحيد ،وجعله مفتاح دعوة الرسل
حان َ ُ
سب ْ َ
الله ُ
ه وَت ََعاَلى في أسمائه وصفاته
حان َ ُ يدعون أول ما يدعون إ َِلى معرفته وتوحيده ُ
سب ْ َ
وأفعاله ،وما يستحقه عََلى العباد من أنواع الطاعات والتعبدات ،فل تستقل
العقول ول تنفرد بمعرفة هذا ،ودلئل ذلك من الواقع أكثر من أن تحصر.
جاءَ
فأيام اليونان كانت هناك نظريات عقلية بل دين ،فلما َ
المنتسبون إ َِلى السلم من الفلسفة كـابن سينا وابن رشد
والفارابي والكندي نقدوا تلك النظريات وأبطلوا كثيرا ً منها،
وأضافوا إليها إضافات هي صحيحة بالنسبة لباطل أولئك.
ثُ ّ
م جاءت النهضة الوروبيه أو عصر التنوير -كما يسمى -في القرن
السادس عشر والسابع عشر ،فظهرت نظريات جديدة ،ومنها
النظريات القديمة سواء ما أضافه المنتسبون إ َِلى السلم أو
نظريات أرسطو وأفلطون .
جاءَ القرن التاسع عشر فظهرت المذاهب التي تسمى المذاهب ثُ ّ
م َ
الوضعية ،وفي القرن العشرين ظهرت نظريات أكثر حداثة وأكثر
ن الّله!!
سْبحا َ
ردة ،فيا ُ
هم :من جعل دينه عرضة عاَلى َ
عن ْ ُ ه تَ َ
ي الل ُ
ض َ
وكما قال بعض السلف َر ِ
للهوى أكثر التنقل .
ت
وا ِ
ما َ
س َ خل ْ َ
ق ال ّ م َه ْهدْت ُ ُ ش َ ما أ َ ْ َ عاَلى: وت َ َه َ
حان َ ُسب ْ َويكفينا قول الله ُ
ضدا ً ]الكهف: ع ُن َ ضّلي َ م ِ خذ َ ا ل ْ ُمت ّ ِت ُ ما ك ُن ْ ُ و َم َ ه ْ س ِف ِ ق أ َن ْ ُ
خل ْ َ
ول َ ض َوالْر ِ
ْ َ
َ
[51فأي نظرية غيبية تتحدث عن نشأة الكون ،أو ما يتعلق بالله
عَلى هذه الرض ،وكيف جاء؟ سان َ لن َ عاَلى ،أو نشأة ا ِ وت َ َه َحان َ ُ
سب ْ َ
ُ
ولماذا جاء؟!
ه
حان َ ُ
سب ْ َ
هي باطلة من وضع المضلين الذين لم يشهدهم الله ُ
عاَلى خلق السماوات والرض ،ولم يشهدهم خلق أنفسهم فضل ً وت َ َ
َ
سانية لن َ عن أن يشاركوه في ذلك ،فهم مضلون ،أضلوا بني ا ِ
م أضلوا أهل السلم فيما بعد. وأضلوا أهل الديانات القديمة ،ث ُ ّ
ة وحكماء ،وأصحاب العقول الضخمة ،وهم ل ويسمونهم فلسف ً
سان من
لن َ
قدرة لهم في معرفة ذلك إل بالوحي ،وأما ما يفهمه ا ِ
عاَلى فل مدخل للعقل وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
الوحي فيما يتعلق بمعرفة الله ُ
فيه.
ه
حان َ ُ
سب ْ َ
أما فيما يتعلق بالفروع فللعقول مدخل عليه ،لن الله ُ
قْرآن للتدبر والفهم والستنباط ،وكذا المعارف عاَلى نزل هذا ال ُ
وت َ َ
َ
سان نفسه لن َ َ َ
عالى أوكل أمرها إ ِلى ا ِ
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
الدنيوية ،فإن الله ُ
وسمح له وأفسح له المجال أن يعمل ويكدّ فيها ويتعلم.
سانية أو النظريات الكونية )النظريات
لن َ
وأما ما يسمى بالعلوم ا ِ
ً
سانية( فهذه ل يجوز للمسلم أن يستمد منها شيئا . لن َ
ا ِ
• أصول المعرفة الكلية
فالصول ثلثة:
عاَلى.
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
معرفة الله ُ
عاَلى.
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ ومعرفة الطريق الموصل إ َِلى الله ُ
سب ْ َ
ومعرفة العاقبة والمآل لمن أطاع الله ولمن عصاه ،وهذه أساس
المعرفة بالخرة.
عَلى هذه الصول والقسام الثلثة ،وأولها فالمعرفة الكلية تشتمل َ
َ
عالى.
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
وأشرفها :معرفة الله ُ
• فائدة في كلمة المعرفة
سان الذي بلغلن َ
كلمة المعرفة ينكرها بعض الناس؛ لن الصوفية يسمون ا ِ
ة ما "العارف" ،وهذا المصطلح غريب عََلى السلم.
عندهم درج ً
لكن معرفة الله ليست غريبة؛ بل وردت في الحديث الصحيح في
ه عندما أرسله النبي عن ْ ُ
ه َ
ي الل ُ
ض َ
إحدى روايات حديث معاذ بن جبل َر ِ
ل) :فإذا هم عرفوا الله فأنبئهم م إ َِلى اليمن َ
قا َ سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ َ
أن الله افترض عليهم خمس صلوات( والشاهد أن هذه اللفظة في
ذاتها ل غبار عليها ،وإنما الخطأ في إطلق كلمة العارف في
المصطلح المتداول عند الصوفية ،فالدرجات عندنا :مسلم ث ُ ّ
م
م محسن. مؤمن ث ُ ّ
وهناك صفات أخرى وهي :المتقون ،المفلحون ،الفائزون ،إ َِلى
آخره وليس فيها ول منها العارفون.
ن. ر ُ
كو َ م ْ
ش ِ والكفار ال ُ
وهذه الحضارات الموجودة آثارها إ َِلى اليوم ،كحضارة الفراعنة ،والروم،
ن هلكها ودمارها بسبب تكذيبها بما كا َوقوم هود ،وقوم صالح؛ وكلها َ
جاءَ من عند الله سبحانه تعالى.جاءَ به النبياء ،والوحي الذي َ
َ
وليست العملية تطور علمي :وهو أن البشرية تطورت حتى وصلت إ َِلى
م الدين ،ث ُ ّ
م لما عرفت التوحيد جاءتها الكتب الثلثة المنزلة قمة العلم ث ُ ّ
كما يقولون.
فإنه إذا رأى الرائي النور أمامه فأعرض عنه فضلله أعظم من ضلل من
جاءَ في الظلم ولم ير النور من أصله. َ
عاَلى،
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ سل ّ َ
م ويسمع كلم الله ُ و َ عل َي ْ ِ
ه َ فالذي يرى النبي صّلى الل ُ
ه َ
م يعرض عنه ل شك أنه لم يخالط قلبه هذا الدواء الذي أنزله الله ثُ ّ
عاَلى ،فكان ذلك سببا ً لزيادة مرضه وضلله وهلكه. وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َُ
ن فالدواء دواء ،والنور نور ،والهدى هدى ،والشفاء شفاء ،ومن هنا َ
كا َ
للذين آمنوا هدى وشفاء لنهم يؤمنون به ويطمعون ويسعون للتداوي به
والقتداء والستضاءة بنوره.
• ماذا يجب على النسان معرفته من العقيدة
ه ت ََعاَلى:
ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ صن ّ ُُ
ف َر ِ م ْ َقا َ
ل ال ُ
عاَلى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ،فل هدى إل فيما ]والله ت َ َ
سول جاءَ به الّر ُ
ن بما َ د أن يؤم َ عَلى كل أح ٍجاءَ به ،ول ريب أنه يجب َ َ
عَلىسول َ ل ،ول ريب أن معرفة ماجاء به الّر ُ مجم ًإيمانا ً عاما ً ُ
عَلى الكفاية ،فإن ذلك داخل في تبليغ ما بعث الله التفصيل فرض َ
قْرآن وعقله وفهمه ،وعلم الكتاب به رسوله ،وداخل في تدبر ال ُ
والحكمة ،وحفظ الذكر ،والدعاء إ َِلى الخير ،والمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ،والدعاء إ َِلى سبيل الرب بالحكمة والموعظة
عَلى
الحسنة ،والمجادلة بالتي هي أحسن ،ونحو ذلك مما أوجبه الله َ
عَلىعَلى الكفاية منهم .وأما ما يجب َ المؤمنين ،فهو واجب َ
أعيانهم :فهذا يتنوع بتنوع قدرهم ،وحاجتهم ومعرفتهم ،وما أمر به
عَلى العاجز عن سماع بعض العلم أو عن فهم أعيانهم ،ول يجب َ
عَلى من سمع النصوص عَلى ذلك .ويجب َ عَلى القادر َدقيقه ما يجب َ
عَلى من لم يسمعها ويجب وفهمها من علم التفصيل مال يجب َ
على من ليس كذلك[ اهـ َ عَلى المفتي والمحدث والحاكم مال يجب َ َ
الشرح:
ه الل ّ ُ
ه :إذا عرفنا أن القرآن ،وأن الوحي عامة م ُ
ح َ
ف َر ِ
صن ّ ُ
م ْ
يقول ال ُ
هو النور ،وهو الهدى والشفاء ،وهو الذي منه تعرف هذه الصول
عاَلى وما ينبغي لجلل وجهه
وت َ َ الثلثة ،حيث تعرف الله ت ََباَر َ
ك َ
وعظيم سلطانه ،ومن أسمائه ومن صفاته ،ومن حق العبودية علينا.
ن ذلك كذلك فما مقدار معرفة كل إنسان بهذا القرآن؛ وكأنه إذا َ
كا َ
عَلى كل إنسان
بذلك يحتاط ويحترز عن قول بعض الناس :إنه يجب َ
ل ،وإل لم يكن مؤمنًا.
ة تفصي ً
أن يعرف العقيدة كامل ً
إيمان مجمل.
وإيمان مفصل.
ء
ؤل ِ عَلى َ
ه ُ ه بهذا الكلم الموجز يرد بذلك َه الل ّ ُ
م ُ
ح َفالمصنف َر ِ
المنحرفين من الخوارج أو من المتكلمين في هذه القضية المهمة،
فالواجب أن يعلم الجاهل ،وأن يدعى الغافل ويذكر ،هذا هو واجبنا،
وعلى كل من عرف شيئا ً من الحق أن يبذله ،وأن يعلم الّناس
العقيدة الصحيحة ،ول يكثر الخوض والجدل في العذر بالجهل أو
عدم العذر به.
ه
عن ْ ُ
ه َ
ي الل ُ
ض َ
ي َر ِ
عل ِ ّ
ي وغيره عن َ ذ ّ م ِ وكما في الحديث الذي رواه الت ّْر ِ
م) :أل إنها ستكون فتن، سل ّ َ
و َ
ه َعل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ سول الله َ
ل :قال َر ُ َ
قا َ
سول الله؟ قلت :فما المخرج منها يا َر ُ
َ
قا َ
ل :كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم ،وخبر ما بعدكم ،وحكم ما
بينكم ،هو الفصل ،ليس بالهزل ،من تركه من جبار قصمه الله،
ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ،وهو حبل الله المتين ،وهو
الذكر الحكيم ،وهو الصراط المستقيم ،وهو الذي ل تزيغ به الهواء،
ول تلتبس به اللسن ،ول تنقضي عجائبه ،ول تشبع منه العلماء،
ومن قال به صدق ،ومن عمل به أجر ،ومن حكم به عدل ،ومن دعا
إليه هدي إ َِلى صراط مستقيم( إلى غير ذلك من اليات والحاديث،
عَلى مثل هذا المعنى[ اهـ.
الدالة َ
الشرح:
النوع الول :نظر عقلي محض وهو النظر الكلمي :وهو اتباع
القواعد المنطقية والفلسفية في التفكير ،فهذا النظر ل يأتي إل
بالضلل ،ول يثمر لصاحبه أي علم أو هدى.
النوع الثاني :نظر شرعي وهو :النظر لفهم نصوص الكتاب والسنة
ج ّ
ل ،كما أمر الله و َ
عّز َ
بالتدبر والتأمل والتفكر لفهم كتاب الله َ
عاَلى.
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
ُ
وهذا الستدلل هو الذي يوصل إ َِلى اليقين ،فطريق اليقين هو:
النظر أو الستدلل الشرعي ،ل الستدلل والنظر الكلمي
عاَلى ضرب لنا المثلة الكثيرة وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
المنطقي،ومن ذلك أن الله ُ
عَلى أعظم القضايا وهي قضايا اليمان ،فقضية اليمان بالله َ
سبحانه مثل ً ضرب الله عليها المثلة لثبات وحدانيته سبحانه ،وأنه
م حق. سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ قْرآن حق ،وأن محمدا ً َ حق ،وعلى أن ال ُ
عَلى إحياء الموتى بإحياء الرض فهو سبحانه ضرب المثل بأنه قادر َ
َ
وَتى م ْحِيي ال ْ َ م ْها ل َ ُ حَيا َ ذي أ ْ ن ال ّ ِ عاَلى :و إ ِ ّ وت َ َ ه َ حان َ ُ سب ْ َالميتة ،قال الله ُ
عاَلى لنا هذه المثلة وت َ َه َ حان َ ُ سب ْ َ ]فصلت [39:فيضرب الله ُ
عاَلى حق ،وأن اليمان بالخرة يقين وت َ َ ه َ حان َ ُ سب ْ َ لنستيقن ،ونعلم أنه ُ
م َ ّ َ
وأ ْ َ
ه ْ
مان ِ ِهدَ أي ْ َ ج ْ
ه َ موا ِبالل ِ س ُ ق َ َ عالى: وت َ َ ه َ حان َ ُ سب ْ َ ل يتزعزع لذلك يقول ُ
َ
سل ن أك ْث ََر الّنا ِ ول َك ِ ّ قا ً َ ح ّ ه َ عل َي ْ ِ عدا ً َ و ْ ت ب ََلى َ مو ُ ن يَ ُ م ْ ه َث الل ّ ُع ُل ي َب ْ َ
فُروا ن كَ َذي َ م ال ّ ِ عل َ َ ول ِي َ ْ
ه َ في ِ ن ِ فو َ خت َل ِ ُ ذي ي َ ْ م ال ّ ِ ه ُن لَ ُ ن * لي ُب َي ّ َ مو َ عل َ ُ يَ ْ
ن ]النحل.[39-38: كاُنوا َ م َ َ
كاِذِبي َ ه ْ أن ّ ُ
عَلى أن البعث حق؛ وهي :العبرة النظرية ،حيث هنا آيات أخرى تدل َ
ن" :والله ل يبعث الله من يموت" كو َ ر ُش ِ م ْ سان إذا قال ال ُ لن َ يتفكر ا ِ
َ وأ َ ْ
عل َي ْ ِ
ه عدا ً َ ت ب ََلى َ
و ْ مو ُ
ن يَ ُ
م ْ ث الل ّ ُ
ه َ ع ُم ل ي َب ْ َ ه ْ مان ِ ِهدَ أي ْ َ ج ْه َ موا ِبالل ّ ِ س ُق َ َ
مون َ ]النحل [39:ليبين الحكمة قال َ َ ْ َ َ ً ّ
عل ُ س ل يَ ْ ن أكثَر الّنا ِ ولك ِ ّ حقا َ َ
ه هذه واحدة. في ِن ِ فو َ خت َل ِ ُ ذي ي َ ْ ّ
م ال ِ ه ُ َ
نل ُ تعالى :ل ِي ُب َي ّ َ
َ
سان
لن َ
لو تأمل ا ِ ن كاُنوا َ
كاِذِبي َ م َ
ه ْ ن كَ َ
فُروا أن ّ ُ م ال ّ ِ
ذي َ عل َ َ
ول ِي َ ْ
َ والخرى
هاتين الحكمتين لستيقن أنه ل بد من اليوم الخر.
ه فكم يختلف البشر في قضايا في َِن ِ فو َ خت َل ِ ُذي ي َ ْم ال ّ ِ ن لَ ُ
ه ُ ل ِي ُب َي ّ َ
علمية وفي دعاوى وحقوق ،بل اختلف الّناس في أمور أعظم من
ل ،فمنهم من يعبد الحجار ويقول :هذا ربي، ج ّ و َ عّز َ ذلك وهو ربهم َ
عاَلى حق العبادة ،ومنهم من يعبد
وت َ َ ه َحان َ ُسب ْ َ ومنهم من يعبد الله ُ
ثلثة ،ومنهم من يعبد عشرة.
وهذه الختلفات الواقعة بين الّناس ووجود الظالم والمظلوم،
ل الذي يعيش ج ّ و َ عّز َوالباغي الباطش المتكبر الجبار المحارب لله َ
ل ،ويتسلط ج ّ و َ عّز َعمرا ً طويل ً في عافية وقوة ،يظلم عباد الله َ
م يأتيه الموت ،ويوجد من عَلى دمائهم وأموالهم ،ويفعل ما يشاء ث ُ ّ َ
ل الذين يبتلونج ّ و َعّز َعباد الله الصادقين المخلصين المقربين لله َ
م يموت.بأنواع من اللم والفتن ،ث ُ ّ
• تنزيه الله تعالى لنفسه
ه ت ََعاَلى:
ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
ف َر ِ
صن ّ ُ
م ْ َقا َ
ل ال ُ
]ول يقبل الله من الولين والخرين دينا ً يدينون به؛ إل أن يكون
عَلى ألسنة رسله عليهم السلم وقد نزه موافقا ً لدينه الذي شرعه َ
عاَلى نفسه عما يصفه العباد ،إل ما وصفه به المرسلون بقوله الله ت َ َ
عَلى
م َسل ٌ
و َن* َ فو َص ُ ما ي َ ِع ّ
ة َ عّز ِ ب ال ْ ِ
ك َر ّ ن َرب ّ َ حا َسب ْ َ
ُ سبحانه:
ن ]الصافات [182-180 :فنزه مي َ َ
عال ِ ْ
ب ال َ ه َر ّ ّ
مدُ ل ِل ِ ح ْ ْ
وال َ ن* َ سِلي َ ال ْ ُ
مْر َ
عَلى المرسلين، م سلم َ نفسه سبحانه عما يصفه به الكافرون ،ث ُ ّ
عَلى
م حمد نفسه َ لسلمة ما وصفوه به من النقائص والعيوب ،ث ُ ّ
تفرده بالوصاف التي يستحق عليها كمال الحمد[ اهـ.
الشرح:
م يقولون: ء الذين يجعلون الملئكة بنات الله والعياذ بالله ،ث ُ ّ ؤل ِ ه ُ أما َ
ل قا َ ف َ إنهم يؤمنون بالله ،فقد رد الله عليهم في سور كثيرة َ
ه
حان َ ُ سب ْ َت ُ ه ال ْب ََنا ِ ن ل ِل ّ ِ عُلو َ ج َ وي َ َْ عاَلى في سورة النحل: وت َ َ ه َ حان َ ُ سب ْ َ ُ
و ً َ
م ِبالن َْثى ظ ّ ُ ْ َ ذا ب ُ ّ
وإ ِ َ ما ي َ ْ َ
ه َو ُودّا َ س َ
م ْ ه ُ ه ُج ُو ْ ل َ ه ْ حد ُ ُ شَر أ َ ن* َ هو َ شت َ ُ م َ ه ْ ول ُ َ
م َ َ ُ َ ّ َ ْ َ
نأ ْ هو ٍ على ُ ه َ سك ُ م ِ ه أي ُ ْ ما ب ُشَر ب ِ ِ ء َ سو ِ ن ُ م ْوم ِ ِ ن ا لق ْ م َ واَرى ِ م * ي َت َ َ ظي ٌ ك ِ
ن ِباْل ِ َ
مث َ ُ
ل ة َ خَر ِ مُنو َ ؤ ِن ل يُ ْ ذي َ ن * ل ِل ّ ِ مو َ حك ُ ُما ي َ ْ ساءَ َ ب أل َ في الت َّرا ِ ه ِ س ُ ي َدُ ّ
م ]النحل.[60-57: كي ُ
ح ِ زيُز ال ْ َ ع ِو ال ْ َ ه َو ُعَلى َ ل اْل َ ْ ه ال ْ َ
مث َ ُ ول ِل ّ ِ
ء َ و ِ س ْ ال ّ
ء ينسبون لله ما يترفعون عنه ،أما عباد الله المخلصون فإنهم ه ُ
ؤل ِ ف َ
َ
يصفونه بما هو أهل له ،فغير الن ْب َِياء والمرسلين ومن سلك
ه
حان َ ُ
سب ْ َ
ن ُ عال َ ِ
مي َ ب ال ْ َ
طريقهم هم ضالون مخطئون فيما يصفون به َر ّ
عاَلى .ولو تأملنا المم والطوائف والفرق لوجدنا أن هذه الية ترد وت َ َ َ
على جميع الملل والفرق التي شذت وانحرفت فيما يتعلق بصفات َ َ
عاَلى،فـاليهود قالوا :يد الله مغلولة! وقالوا في وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َالله ُ
توراتهم المحرفة :إن الله صارع يعقوب إ َِلى الفجر والعياذ بالله!
قاُلوا :إن عزيرا ً ابن الله -تعالى الله عن ذلك.- و َ َ
صاَرى :إن المسيح ابن الله ،وإنه ثالث ثلثة ،وتعالى
وعن قول الن ّ َ
الله عن قول مشركي العرب :إن الملئكة بنات الله.
وتعالى الله أن يكون كما قالت الرافضة :إنه فوض أمر السماوات
والرض إ َِلى الئمة الثني عشر يعملون ما يشاءون ويديرون الكون،
فشابهوا قول اليهود أنه خلق السموات والرض في ستة أيام،ث ُ ّ
م
َ
ما
و َ واْلْر َ
ض َ ت َ
وا ِ
ما َ
س َ
قَنا ال ّخل َ ْ
قد ْ َول َ َ
َ استراح في اليوم السابع
غوب ]ق [38:وتعالى الله عما ن لُ ُ في ست ّ َ
م ْسَنا ِ م ّ
ما َ
و َ
ة أّيام ٍ َ
ِ ِ ما ِ
ه َ
ب َي ْن َ ُ
يقوله المعتزلة :من أنه عليم بل علم ،وقدير بل قدرة ،وعزيز بل
عزة ،إ َِلى آخر ما يقولون ويفترون ،وتعالى الله عما يقول
الحلوليون :من أنه يحل في كل مكان ،حتى في الماكن القذرة
والنجسة ،والعياذ بالله.
وتعالى الله عما يقول الشاعرة وغيرهم :من أنه ليس فوق
عَلى عرشه.
السماوات ول مستويا ً َ
ه الل ّ ُ
ه] :فنزه نفسه سبحانه عما يصفه به م ُ
ح َصّنف َر ِ م ْ
يقول ال ُ
عَلى المرسلين ،لسلمة ما وصفوه به من م سلم َ الكافرون ،ث ُ ّ
النقائص والعيوب[.
فقوله] :من النقائص والعيوب[ "من" :ترجع إ َِلى كلمة سلمة ،ل
إ َِلى كلمة وصفوه ،أي :لسلمة ما قالوه في حق الله من النقائص
والعيوب ،أي أن كلمهم في حق الله سليم من النقائص ومن
ما وصفوه من النقائص والعيوب. العيوب ،وليس معناها :ل ِ َ
ف التي يستحق بها كمال الحمد عَلى تفرده بالوصا ِ م حمد نفسه َ ثُ ّ
ن ]الصافات[182: مي َ َ
عال ِ ْ
ب ال َ
ه َر ّ ّ
مدُ ل ِل ِ
ح ْ ْ
وال َ
َ ل: َ
عالى ف َ
قا َ وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َُ
ن عال َ ِ
مي َ ب ال ْ َه َر ّ مدُ ل ِل ّ ِ
ح ْوال ْ ََ فختم السورة ،وختم هذه المعاني بقوله:
عالى لكمال الحمد َ وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
]الصافات [182:فهو المستحق ُ
وكمال الشكر المتفرد به ،وكلمة الحمد :تشمل جميع أنواع
المحامد؛ لن "ال" هنا للستغراق ،أي :جميع أنواع الحمد والثناء
عاَلى. وت َ َ
ك َ عاَلى فهو يستحقه ت ََباَر َ وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
اللئق بجلل الله ُ
• أهمية البصيرة في الدعوة إلى الله
ه ت ََعاَلى:
ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
ف َر ِ
صن ّ ُ
م ْ َقا َ
ل ال ُ
م خير سل ّ َ و َ
ه َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُسول َ ن عليه الّر ُ كا َعَلى ما َ ]ومضى َ
القرون ،وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان ،يوصي به الول
مدح ّم َالخر ويقتدي فيه اللحق بالسابق ،وهم في ذلك كله بنبيهم ُ
م مقتدون ،وعلى منهاجه سالكون ،كما قال سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ ه َ صّلى الل ُ َ
َ
ة
صيَر ٍعَلى ب َ ِ ه َ عو إ َِلى الل ّ ِ سِبيِلي أدْ ُ
ه َ ذ ِ
ه ِ
ل َ ُ
ق ْ عاَلى في كتابه العزيز: تَ َ
عِني َ عِني ]يوسف ،[108 :فإن َ َ
ن ات ّب َ َم ِ و َ ن قوله أَنا َ كا َ ن ات ّب َ َم ِ
و َ
أَنا َ
عَلى أن أتباعه هم عَلى الضمير في "أدعو" فهو دليل َ معطوفا ً َ
عَلى الضمير المنفصل فهو صريح ن معطوفا ً َ الدعاة إ َِلى الله وإن َ
كا َ
جاءَ به دون غيرهم ،وكل المعنيين أن أتباعه هم أهل البصيرة فيما َ
حق[ اهـ.
الشرح:
عَلى َ م قلنا ه فوقفنا ث ُ ّ عو إ َِلى الل ّ ِ سِبيِلي أ َدْ ُ ه َ ذ ِه ِ ل َ ق ُْ فإذا قلنا:
عَلىعِني فهذا له معنى ،أي :أنا ومن اتبعني َ بصير َ
ن ات ّب َ َم ِ و َ ة أَنا َ َ ِ َ ٍ
عل َي ْ ِ
ه ه َصّلى الل ُ بصيرة ،وغيرنا ليس لديه بصيرة ،فالمعنى أن النبي َ
م يخبر ه ،ثُ ّ عو إ َِلى الل ّ ِ سِبيِلي أ َدْ ُ ه َ ذ ِه ِ
ل َ ق ُْ م أمر أن يقول: سل ّ َ و َ َ
ن الوحيدون الذين َ َ ُ ُ َ
ح ُ عِني أي ن َ ْ ن ات ّب َ َ م ِ و َ
ة أَنا َ صيَر ٍ على ب َ ِ َ في َقول:
عَلى ضلل. عَلى بصيرة ،لن منهجنا هو الحق،وأما غيرنا فهو َ َ
عَلى بصير َ سِبيِلي أ َدْ ُ
ن
م ِ
و َ
ة أَنا َ
َ ِ َ ٍ عو إ َِلى الل ّ ِ
ه َ ه َ
ذ ِ
ه ِ
ل َ ُ
ق ْ وإذا قلنا:
عِني دون وقوف فهذا له معنى آخر ،أي :أنا ومن اتبعني ندعو ات ّب َ َ
عَلى جهل .وكل المعنيين لهما مدلول واضح عَلى بصيرة ل َ إ َِلى الله َ
وجيد.
ن المعنى الثاني هو الظهر ،وهو المتبادر؛ لن معناهُ :
ق ْ
ل كا َوإن َ
عِني أي :إنني َ َ ّ َ َ
ن ات ّب َ َ
م ِ
و َ
ة أَنا َ
صيَر ٍ
على ب َ ِه َ
عو إ ِلى الل ِ
سِبيِلي أدْ ُ
ه َذ ِ
ه ِ
َ
عَلى بصيرة،
عاَلى ندعو إ َِلى الله َ وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
وأتباعي المؤمنون بالله ُ
على بصيرة ،فإن أحبار َ وغيرنا يدعو إ َِلى الله؛ لكنه ل يدعو إ ِلى الله َ
َ
صاَرى يدعون إ َِلى الله -كما يظنون ،-لكنهم ل اليهود ورهبان الن ّ َ
َ
على بصيرة ،وإنما يدعون إ ِلى الضلل َ َ
عالى َ يدعون إ َِلى الله ت َ َ
والشرك بالله .وكم تبذل الكنيسة من الموال ومن الجهود من أجل
عَلى غير بصيرة. الدعوة إ َِلى دينهمَ ،
ه في كشف ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
مد بن عبد الوهاب َر ِ
ح ّ
م َ
ولذلك قال الشيخ ُ
ن أو من
كي َ
ر ِ م ْ
ش ِ ْ
الشبهات " :إن العامي الموحد يغلب اللف من ال ُ
أصحاب البدع ".
ل :هذه زيادة نعمل بها ،ولم يعملها بها الصحابة قا َفمن جاءنا و َ
عل َي ْ ِ
ه صّلى الل ُ
ه َ هم ،ولم يأت فيها شيء عن النبي َ عن ْ ُ
ه َ
ي الل ُض َ َر ِ
م ،فالجواب عليه أنه :ما دام كذلك فهي ليست من الدين ول سل ّ َ
و ََ
أجر فيها ول ثواب ،بل فيها العقوبة والرد )من أحدث في أمرنا هذا
ما ليس منه فهو رد( .
ن بعضهم يطعن فيه ،لنه ليس في كا َورد الحديث بذكر ذلك ،وإن َ
الصحيحين ،وإنما ورد في المسند ،وعند ابن أبي عاصم ،وفي
عَلى ثلث وسبعينالسنن في روايات كثيرة) :إن هذه المة تفترق َ
فرقة كلها في الّنار إل واحدة( وبعضها تذكر )إن اليهود افترقت
عَلى اثنين وسبعين عَلى إحدى وسبعين فرقة والن ّ َ
صاَرى افترقت َ َ
على ثلث وسبعين فرقة( وبعضها ل يذكر َ فرقة ،وهذه المة تفترق َ
زيادة )كلها في الّنار إل واحدة( وبعض الروايات تذكر صفات
الفرقة الناجية وأنها )ما أنا عليه اليوم وأصحابي( .
عَلى صحة الحديث ،حتى إنالشاهد أن مجموع الروايات تدل َ
بعضهم عده من الحاديث المتواترة مع أنه ليس في أحد الصحيحين
،لكن الفتراق في ذاته ثابت وواضح من أدلة قطعية غير هذه
اللفاظ ،وغير هذه الروايات التي وردت في الحديث.
• من أسباب الختلف نسيان الحظ
صاَرى افترقوا إ َِلى حد القتتال ،وأنهم كما قال ونحن نعلم جميعا ً أن اليهود والن ّ َ
ما
ن ب َعْدِ َ م ْ م ِ ن ب َعْدِهِ ْ
م ْن ِ ذي َ ل ال ّ ِما اقْت َت َ َه َ شاَء الل ّ ُ ه وَت ََعاَلى ) :وَل َوْ َ حان َ ُ سب ْ َ الله ُ
فر ]البقرة[253: ن كَ َ م ْم َ من ْهُ ْن وَ ِ م َ نآ َ م ْم َ فوا فَ ِ
من ْهُ ْ َ
خت َل ُنا ْ َ ْ
ت وَلك ِ ِم الب َي َّنا ُ جاَءت ْهُ ُ َ
ْ َ ّ ً ّ ً
داوَةَ
م العَ َ ما ذ ُكُروا ب ِهِ فَأغَْري َْنا ب َي ْن َهُ ُ م ّحظا ِ سوا َ فهم اختلفوا وتفرقوا بغيا بينهم فَن َ ُ
ضاء ]المائدة.[14: َوال ْب َغْ َ
صاَرى اختلفوا ،وأخبرنا عاَلى أن اليهود والن ّ َ وت َ َه َ حان َ ُسب ْ َ وأخبرنا الله ُ
صاَرىأنهم نسوا
في هذه الية من سورة المائدة أن سبب اختلف الن ّ َ
حظا ً مما ذكروا به.
ولو أخذنا هذه الية فإنها تفسر لنا كثيرا ً جدا ً جدا ً من أسباب وقوع
ن ،كيف أنهم لما نسوا حظا ً مما ذكروا به مي َ
سل ِ ِ الخلف بين ال ْ ُ
م ْ
وقعت العداوة والبغضاء بينهم.
عَلى هذه المة ،ونعرف أن هذه المة ونطبق هذه الجملة القرآنية َ
افترقت ،بسبب "نسيان الحظ" وذلك بآيات وأحاديث الوعيد مث ً
ل:
نل ذي َ وال ّ َِ عاَلى الوعيد فيمن قتل وزنى وسرق: وت َ َ
ك َ ذكر الله ت ََباَر َ
ق ه إ ِّل ِبال ْ َ
ح ّ م الل ّ ُحّر َ س ال ِّتي َ
ف َ ن الن ّ ْقت ُُلو َول ي َ ْ خَر َ ه إ َِلها ً آ َ ع الل ّ ِ م َ ن َ عو َ ي َدْ ُ
َ
م و َ
ب يَ ْ ع َ
ذا ُ ه ال ْ َ
ف لَ ُ
ع ْ ق أَثاما ً * ي ُ َ
ضا َ ك ي َل ْ َ
ل ذَل ِ َع ْف َ ن يَ ْم ْ و َ ن َ ول ي َْزُنو َ َ
صلى ّ هانا ]الفرقان [69-68:وجاء أن النبي َ ً م َه ُ في ِ خلدْ ِ ُ وي َ ْة َ م ِ قَيا َ ْ
ال ِ
ل) :ل يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن... قا َ م َ سل ّ َ و َ ه َ عل َي ْ ِه َالل ُ
إلخ( ،وجاء في الحديث الخر) :ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما
يحب لنفسه( .
ص كثيرة في مقام الوعيد ،فجاءت الخوارج فأخذت حظا ً وهكذا نصو ٌ
ً
قالوا :إذا من ُ و َ
مما ذكروا به ،حيث أخذوا بأحاديث الوعيد فقطَ ،
ارتكب كبيرة فهو كافر خارج من الملة ،وتركوا الحاديث واليات
التي تفسرها وأخذوا حظا ً مما ذكروا به وتركوا الحظ الخر ،مع
عل َي ْ ِ
ه ه َ صّلى الل ُ أنهم لو أخذوا هذا وهذا لفهموا ما أخبر به النبي َ
م في الحديث الصحيح) :ل تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان سل ّ َ
و ََ
ي عل ِ ّ
ن من قتال في عهد َ َ
سر ذلك بأنه ما كا َ ُ
دعواهما واحدة( ،فقد ف ّ
م باليمان والسلم سل ّ َ
و َ
ه َعل َي ْ ِ صّلى الل ُ
ه َ ومعاوية ،وشهد لهم النبي َ
نفَتا ِ طائ ِ َ ن َوإ ِ ْ َ مع وقوع القتال ،وفي آية الحجرات يقول تعالى:
قت َت َُلوا ]الحجرات [9:فالقتال يقع بين المؤمنين ول نا ْمِني َؤ ِ ن ال ْ ُ
م ْ م َ ِ
يخرجهم من الملة ،نعم هو كبيرة وعليها وعيد شديد ،ولكن ل يخرج
من الملة.
وأخذت المرجئة حظا ً آخر مما ذكروا به ،فأخذوا بآيات وأحاديث
الوعد) :من قال ل إله إل الله دخل الجنة( ،فأخذوا بروايات مطلقة
مع وجود روايات تقيدها وتفسر معناها وتدل عليها ،منها تكفير
ل) :العهد الذي بيننا وبينهم الصلة ،فمن تركها فقدتارك الصلة مث ً
كفر( )بين العبد وبين الكفر أو الشرك ترك الصلة( ،فتركوا جانب
الوعيد كله ،وأخذوا بجانب الوعد فقط.
ل جاءت في آيات ج ّ و َ
عّز َ وفي موضوع الصفات :فإثبات صفات الله َ
م علمنا كيف نؤمن بصفات الله سل ّ َ
و َه َ عل َي ْ ِ صّلى الل ُ
ه َ كثيرة ،والنبي َ
ع ال ْب َ ِ
صيُر مي ُ
س ِ
و ال ّ
ه َو ُ
يءٌ َ ش ْ ه َ مث ْل ِ ِس كَ ِ عَلى جانبين :ل َي ْ َ ل وأنها َ ج ّ و َ
عّز َ
َ
يءٌ هذا جانب نفي ش ْ ه َ مث ْل ِ ِس كَ ِ ]الشورى [11:نفي وإثبات ل َي ْ َ
صيُر هذا جانب إثبات ع ال ْب َ ِ مي ُ س ِ و ال ّ ه َو ُ
َ عاَلى
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ سب ْ َ وتنزيه لله ُ
عاَلى. وت َ َ
ه َحان َ ُسب ْ َلله ُ
فجاءت المعطلة فأخذوا بجانب النفي والتنزيه فقط ،وقالوا ل
يءٌ ،وإذا ش ْ ه َ س كَ ِ
مث ْل ِ ِ يسمع ول يبصر ،وليس له يد ولم يستو ل َي ْ َ
أثبتنا اليد والعين والنزول والرؤية ،أصبح الله من المخلوقات
الممكنات ،وأصبح له أعضاء والعياذ بالله ،فقدموا أمورا ً لم ترد في
ن ننزه الله وننفي هذه كلها، ح ُ
كتاب الله ول سنة رسوله ،وقالوا ن َ ْ
ولو كانت في الكتاب والسنة ،فإننا نأولها ونردها وننفيها حتى ننزه
س كَ ِ
مث ْل ِ ِ
ه عاَلى عنها ،فأخذوا حظا ً مما ذكروا به ل َي ْ َ وت َ َ
ه َحان َ ُ سب ْ َالله ُ
م ي َك ُ ْ
ن ول َ ْ
َ مي ّا ً ]مريم[65: س ِ
ه َ م لَ ُعل َ ُ ه ْ
ل تَ ْ َ يءٌ ]الشورى[11 : ش َْ
َ
ل بمثل هذه ج ّو َ عّز َ د ]الخلص [4:ونفوا صفات الله َ ح ٌ فوا ً أ َ لَ ُ
ه كُ ُ
اليات.
ك المعطلة :أنتم شبهتم ،قالوا :أنتم عطلتم ،لذا فإذا قال لهم ُأول َئ ِ َ
قال السلف الصالح :المعطل عابد عدم ،والمشبه عابد صنم،
عاَلى ل داخل العالم ول
فالمعطل عابد عدم لنه يقول :إن الله ت َ َ
خارجه ،ول فوقه ول تحته ،ول يمينه ول شماله ،وليس له يد ،وليس
له عين ،وليس له أي صفة من الصفات ،ول يسمع ول يبصر.
إذًا :فهذا معدوم غير موجود ،فالمعطل عابد عدم ،ولكن المشبه
عابد صنم لن الذي يقول يد الخالق كيد المخلوق ،ووجهه كوجه
المخلوق ،وقدمه كقدم المخلوق ،فإنما هو يعبد صنمًا ،لن الصنام
نحتت لكي تعبد من دون الله ،لكي ي َ
قا َ
ل :هذا هو الله تعالى الله عن
ذلك علوا ً كبيرًا.
والشاهد أن سبب الخلف بينهما هو أن هذا أخذ حظا ً مما ذكر به
ونسي حظًا ،وهذا أخذ حظا ً مما ذكر به ونسي الحظ الخر ،فأغرى
الله بينهما العداوة والبغضاء.
فتجد في كتب المعطلة أنهم يكفرون المشبهة ،وفي كتب
المشبهة يكفرون المعطلة ،وفي كتب المرجئة يكفرون الخوارج ،
عاَلى
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
وفي كتب الخوارج يكفرون المرجئة ،أغرى الله ُ
بينهم العداوة والبغضاء ،وهذا من أعظم أسباب الختلف أن ل
يؤخذ الكتاب كله ول يتلقى العلم والدين كله من عند الله ورسوله
سل ّ َ
م. و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ َ
• وكذلك الشهوات وحب الدنيا
ومن أسباب الختلف" :الشهوات وحب الدنيا" فإن حب الدنيا يفسد النية
والرادة ،وإذا فسدت الرادة ودخل الدخن إ َِلى القلب ،فإن العمال تفسد،
ويترتب عََلى فساد العمال فساد في العتقاد ،وأسباب ذلك تبدأ بسيطة لكنها
فيما بعد تظهر وتبدو ،حتى تكون منهجا ً من المناهج.
ن ،ومن عوامل مي َسل ِ ِ ن من عوامل الفساد بين ال ْ ُ
م ْ فحب الدنيا َ
كا َ
جاءَ أبو
جاءَ في الحديث الصحيح ،لما َ ن وهلكهم كما َ مي َ
سل ِ ِ تفرق ال ْ ُ
م ْ
عل َي ْ ِ
ه صّلى الل ُ
ه َ عبيدة من البحرين بالغنيمة أو الجزية إ َِلى النبي َ
جاءَ به أبو عبيدة من هجر ( ومع ذلك ل) :لعله بلغكم ما َ سل ّ َ
مف َ
قا َ و َ
َ
م في آخر الحديث) :فو الله ما ّ
سل َو َ
ه َ َ
علي ْ ِه َ ّ
صلى الل ُقال لهم النبي َ
الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم
كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم
كما أهلكتهم( فالتنافس في الدنيا والتفرق فيها يؤدي إ َِلى التفرق
في الدين.
ولذلك لما قام بعض الّناس يريد الخلفة وينازع فيها تفرقت المة
السلمية ،حتى أصبح لهم في عام ) 72أو (73أربعة أمراء للحج،
حجت طائفة مع بني أمية تحت راية بني أمية في يوم عرفة،
وحجت طائفة تحت راية المختار بن أبي عبيد ،وحجت طائفة تحت
راية عبد الله بن الزبير ،وحجت طائفة للخوارج تحت راية نافع بن
الزرق ،أربع رايات للحج في وقت واحد وفي يوم واحد يوم عرفة
سل ّ َ
م! و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ سول َ
بعد حوالي " 60سنة" من وفاة الّر ُ
عَلى الملك.
وذلك لجل الهواء والشهوات وحب الدنيا والتنازع َ
يَ ،
قا َ
ل" :والله إني ر ّ
خا ِ
كما قال أبو برزة في الحديث الذي رواه الب ُ َ
عَلى هذا الحي من قريش، لحتسب عند الله أني أصبحت ساخطا ً َ
عَلى الدنيا ،وإن هذا الذي هنا إن هذا الذي في العراق إنما يقاتل َ
ك -يعني القراء الخوارج -إنما عَلى الدنيا ،وإن ُأول َئ ِ َ
إنما يقاتل َ
عَلى الدنيا ".
يقاتلون َ
ن وتنازعهم واختلفهم.
مي َ
سل ِ ِ ن من أسباب تفرق ال ْ ُ
م ْ فحب الدنيا َ
كا َ
• وكذلك دخول الحاقدين
ن واختلفهم :دخول الحاقدين ،وهذا عامل خارجي، مي َ
سل ِ ِم ْومن أسباب تنازع ال ْ ُ
ه وَت ََعاَلى
حان َ ُ
سب ْ َة لخلل داخلي ،كما أن الله ُ والعامل الخارجي ل يأتي إل عقوب ً
َ َ َ َ
ذا قُ ْ
ل م أّنى هَ َ مث ْل َي َْها قُل ْت ُ ْ
م ِ ة قَد ْ أ َ
صب ْت ُ ْ صيب َ ٌ
م ِ صاب َت ْك ُ ْ
م ُ ما أ َعاقب في يوم أحد :أوَل َ ّ
م ]آل عمران.[165: سك ُ ْ عن ْدِ أ َن ْ ُ
ف ِ ن ِ
م ْ
هُوَ ِ
جاءَ في اليةفكانت العقوبة بسبب ما عند النفس من الذنوب كما َ
خَرة ]آل عمران: ريدُ اْل ِ
ن يُ ِ م ْ من ْك ُ ْ
م َ و ِ
ريدُ الدّن َْيا َ ن يُ ِ م ْ
م َ من ْك ُ ِْ الخرى:
[152فبسبب فساد الرادة ،أو بسبب الخلل الداخلي تأتي العقوبة
ن
وإ ِ ْ
َ عاَلى:
وت َ َ الخارجية ،وتسليط العداء ،وإل فقد قال ت ََباَر َ
ك َ
شْيئا ً ]آل عمران ،[120:فأعداؤنا م َ م ك َي ْدُ ُ
ه ْ ضّرك ُ ْ قوا ل ي َ ُ وت َت ّ ُصب ُِروا َ تَ ْ
يكيدون علينا ليل نهار دائمًا ،فإذا تحدثنا عن أي مصيبة أصابت
ن قلنا هو بسبب العداء ،فالشيوعيون والصليبيون واليهود مي َ سل ِ ِ ال ْ ُ
م ْ
يخططون ويعملون ضدنا ..وهكذا وكأننا قوم مؤمنون صالحون
ء آذونا وامتحنونا وفعلوا بنا! ؤل ِ ه ُ
متقون ،ولكن َ
ن الّله!! لماذا ل ننظر إ َِلى السبب العظم؟ وهو لماذا سلطهم سْبحا َ ُ
َ
عالى علينا؟
وت َ َ الله ت ََباَر َ
ك َ
سلطوا علينا فضرنا كيدهم وأثر
لنه ل تقوى ول صبر لدينا ،ولذلك ُ
فينا ،ولله في ذلك حكمة.
عَلى وجوههم.
إذا ً لحييناهم ولقبلناهم وبششنا َ
ل :أوقدوا لي نيرانا ً فأحرقوهم ،فهرب عبدالله بن سبأ إ َِلى بلد َ
قا َ
فارس ،وبذر هذه الفكرة في نفوس العجم ،وأوجدت الدين
السبئي الذي ل يزال قائما ً حتى الن.
ومن هنا أخذ العلماء قاعدة عظمى وهي" :مقاتلة أهل البدع" وهي
أن حكم أهل البدع؛ المقاتلة إذا تميزوا وأصبحوا طائفة ،وأما إذا
بقوا في المجتمع فإنه يجب علينا أن نكبتهم ونمنعهم من نشر
بدعهم والدعوة إليها ،ومع ذلك نعطيهم أحكام السلم الظاهرة
قاُلوا :ل حكم ه -لما لجأوا إ َِلى جنبات المسجد َ
و َ عن ْ ُ
ه َ ي الل ُ
ض َ
ي َر ِ
عل ِ ّ
َ
إل لله ،ل حكم إل لله ،فقال :-إن لكم علينا أل ّ نمنعكم البيت ،ول
نمنعكم المساجد ،يعني تصلون معنا وتأخذون حصتكم من الفيء
ن ،إل ّ إذا أحدثوا حدثًا ،أي :إذا عملوا عمل ً يخل
مي َ
سل ِ ِ م ْ من بيت مال ال ْ ُ
بأمر المجتمع المسلم والجماعة المسلمة ،وأحكام أهل البدع طويلة
ولعله يأتي بعضها إن شاء الله.
مصطلح علمي.
ومصطلح شرعي.
فالواجب اتباع المرسلين واتباع ما أنزله الله عليهم وقد ختمهم الله
م ،فجعله آخر ال َن ْب َِياء وجعل كتابه مهيمنا ً َ
عَلى سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ مد صّلى الل ُ
ه َ ح ّ
م َ
ب ُ
ما بين يديه ،من كتب السماء ،وأنزل عليه الكتاب ،والحكمة ،وجعل دعوته
ة ،وانقطعت به م ِ
قَيا َ عامة لجميع الثقلين :الجن والنس ،باقية إ َِلى ي َ ْ
وم ِ ال ِ
عَلى الله ،وقد بين الله به كل شيء وأكمل له ولمته الدين، حجة العباد َ
خبرا ً وأمرا ً وجعل طاعته طاعة له ،ومعصيته معصية له ،وأقسم بنفسه
أنهم ل يؤمنون حتى يحكموه فيما شجر بينهم ،وأخبر أن المنافقين
سول -وهو يريدون أن يتحاكموا إ َِلى غيره ،وأنهم إذا دعوا إ َِلى الله والّر ُ
الدعاء إ َِلى كتاب الله وسنة رسوله -صدوا صدودا ً وأنهم يزعمون أنهم
إنما أرادوا إحسانا ً وتوفيقا.
وكما يقول كثير من المتكلمة والمتفلسفة وغيرهم :إنما نريد أن ُنحس
الشياء بحقيقتها ،أي :ندركتها ونعرفها ونريد التوفيق بين الدلئل التي
يسمونها العقليات -وهي في الحقيقية جهليات -وبين الدلئل النقلية
سول أو نريد التوفيق بين الشريعة والفلسفة. المنقولة عن الّر ُ
وكما يقوله كثير من المبتدعة من المتنسكة والمتصوفة :إنما نريد
العمال بالعمل الحسن ،والتوفيق بين الشريعة وبين يما يدعونه من
الباطل الذي يسمونه :حقائق وهي جهل وضلل وكما يقوله كثير من
المتكلمة والمتأثرة :إنما نريد الحسان بالسياسة الحسنة والتوفيق بينها
وبين الشريعة ونحو ذلك.
سول
جاءَ به الّر ُ
بل البحث التام والنظر القوي والجتهاد الكامل في ما َ
م لُيعلم ويعتقد ويعمل به ظاهرا ً وباطنًا ،فيكون قد
سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ
ُتلي حق تلوته ،وأن ل يهمل منه شيء[ اهـ.
الشرح:
كلما بعد العهد كثرت النحرافات والتأويل الذي سماه أهله "تأوي ً
ل" فإن
من المعلوم أنه قد كثر التعطيل والتشبيه.
• التأويل
هدمت الشريعة ،ويوضح ذلك :أن الذين ينفون صفات الله والتأويل هو أصل به ُ
ل كـالمعطلة والباطنية والرافضة ،وأمثالهم من الذين يضربون كتاب الله ج ّ
عَّز وَ َ
ة بوضوح،ماعَ ِ سن ّةِ َوال ْ َ
ج َ هل ال ّ ؤلِء هم قوم مجاهرون ومعادون لـأ ْ بعضه ببعض ،هَ ُ
ن ،ويعادون الصول الشرعية ،فيردون مي َ سل ِ ِ
م ْويعادون المة السلمية وجماعة ال ْ ُ
الية والحديث ،وأمرهم واضح جلي ،لكن المؤول أخطر وجنايته أكثر ،لنه يقول:
ة ،وهكذا يدعي ماعَ ِ سن ّةِ َوال ْ َ
ج َ هل ال ّأنا أؤمن بالية والحديث ،ويقول :أنا من أ ْ
ة. ماعَ ِ ج َسن ّةِ َوال ْ َ
هل ال ّ
المؤولون :أنهم من أ ْ
والتأويل هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إ َِلى المعنى المرجوح
قرينة،
وأما المؤولة فقالوا هذا الحديث يؤول ،وذلك كـابن فورك ،فإنه
م ضحك تعجبا ً من تشبيه هذا
سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ َ
قا َ
ل :إن النبي َ
الكافر اليهودي.
م تعجبا ً من كفره؟!!
سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ فيقال هل ضحك النبي َ
تأويلت غريبة ليس عليها أي دليل ،إل أنه كما قالوا :قامت
عَلى أن هناك قرينة تمنعنا من أنالقواطع والبراهين العقلية َ
نقول بظاهر هذا اللفظ.
عَلى بطلن التأويل ،ما قاله :أبو المعالي الجويني
ومن الدلة َ
نفسه -شيخ الغزالي -في آخر عمره لما رجع عن الشعرية ،وقد
ن إمامهم ،وألف كتابا ً سماه الرسالة النظامية "إني اطلعت َ
كا َ
عَلى عدم التأويل مع كثرة اهتمامهم فرأيت السلف مطبقين َ
بفروع الشريعة ،فلما رأيتهم قد نقلوا إلينا الشريعة كاملة ،وأنهم
عَلى
أكثر منا اهتماما ً بأصول الشريعة وفروعها ،ورأيتهم مطبقين َ
عدم التأويل ،علمت أن التأويل غير حق ،فتركت التأويل " .
• خطر التأويل
ينبغي أن نعرف خطر التأويل ،فإنه أخطر من قضية السماء والصفات ،وإن
ل وتوحيده ،وهي ركن عظيم منج ّ
كانت السماء والصفات تتعلق بالله عَّز وَ َ
ديننا ،لكن القول بالتأويل ،نقض للدين كله أصوله وفروعه.
فاالروافض والباطنية قيامهم وتعلقهم وتطاولهم إنما هو بسبب
ن ،تقول الرافضة :إن الله أمرهم أن
مي َ
سل ِ ِ انتشار التأويل بين ال ْ ُ
م ْ
مروها عليهم، ة بنت أبي بكر ،ولكنهم عصوه وأ ّ عائ ِِ َ
ش َ يذبحوا َ
ل ،وذهبوا بها لتحارب أمير المؤمنين على بن أبي وأركبوها جم ً
ه في معركة الجمل. عن ْ ُ
ه َ
ي الل ُ
ض َ
طالب َر ِ
حوا ب َ َ عَلى ذلك إن الل ّه يأ ْمرك ُ َ
ة ]البقرة[67: قَر ً ن ت َذْب َ ُ
مأ َْ َ ُ ُ ْ ِ ّ والدليل َ
عاَلى وهو العظيم الجليل يأمر في ال ُ
قْرآن بذبح فهل ُيعقل أن الله ت َ َ
بقرة من التي تمشي في الرض؟ ل .وإنما المسألة أعظم من ذلك.
ي وفاطمة عل ِ ّ
فقالوا :هذه نؤولها عن ظاهرها ،فالصلوات الخمسَ :
عَلى
والحسن والحسين والمام المنتظر ،وتأويلنا هذا ليس بناءً َ
عَلى خبر يقين.
قرينة عقلية ،بل بناءً َ
والصوم هو :أن يحفظ أسرار الطائفة ،والحج :أن تقصد الئمة
وتتلقى عنهم وحدهم ،فما هناك طواف بـالكعبة ،ول هناك حجر.
فقالوا :هذا البعث حشٌر روحاني للرواح فقط ،ول تعاد إ َِلى البدن،
عَلى أن هذا محال ،وأن هذه الجثة بعد أن دخلت لن العقل يدل َ
الرض وصارت هباءً ل تعود حية.
ونعيم الجنة نعيم روحاني فقط ،وهذا الكلم يكفرهم به المؤولة
ن جميعا ً يكفرون من يقول بهذا الكلم
مو َ
سل ِ ُ وغير المؤولة ،فال ْ ُ
م ْ
حتى المؤولة يكفرونهم.
ه الل ّ ُ
ه م ُ
ح َ
صّنف وعدله َر ِ م ْ هذه قاعدة مهمة ،وهذا من إنصاف ال ُ
ه ّ كوُنوا َ مُنوا ُ ّ َ عاَلى ،فقد قال الله تعالى:
ن ل ِل ِ
مي َ وا ِق ّ نآ َ
ذي َ ها ال ِ َيا أي ّ َ تَ َ
دُلوا ُ دُلوا ا ْ َ
و
ه َ ع ِ عَلى أّل ت َ ْ
ع ِ وم ٍ َ ن َ
ق ْ شَنآ ُ من ّك ُ ْ
م َ ر َ
ج ِ
ول ي َ ْ
ط َ
س ِ
ق ْ داءَ ِبال ْ ِ
ه َ
ش َ ُ
وى ]المائدة.[8: ق َ ب ِللت ّ ْ
قَر ُأَ ْ
• مراتب التأويل
للتأويل ثلث مراتب :قد يكون التأويل كفرًا ،مثل التأويلت الباطنية ،وتأويلت
الفلسفة ،وبعض التأويلت الكفرية ،وبعض تأويلت الرافضة ،كمن يؤول
الصلوات الخمس بأنها الئمة الخمسة ،ويؤول الصوم بأنه حفظ السرار إ َِلى غير
ذلك ،هذا التأويل كفر يخرج من الملة.
عَلى صاحبه أنه وقد يكون معصية يخرج صاحبه إ َِلى البدعةُ ،يحكم َ
ل ،وذلك مثل التأويلت التي ذكرناها -تأويل صفات اللهمنح ٌ
مبتدع و ُ
ل مع نية تنزيهه.ج ّ
و َ
عّز َ
َ
وقد يكون خطًأ ،فبعض الّناس ل يتعمد التأويل ،وهذا موجود حتى
ة ،.وكتب الحديث لـ
ع ِ
ما َ وال ْ َ
ج َ ة َ
سن ّ ِ
هل ال ّ في بعض كتب التفسير لـ أ ْ
ة ،عندما يؤول بعض الصفات خطأ ،فهذا ل ع ِ ما َ وال ْ َ
ج َ ة َسن ّ ِ
هل ال ّ
أ ْ
ة.
ع ِ
ما َ وال ْ َ
ج َ ة َ
سن ّ ِ
هل ال ّ يخرجه من أ ْ
سل ّ َ
م) :يرحم الله موسى قد أوذي و َه َعل َي ْ ِه َ صّلى الل ُ
فقال النبي َ
ل) :يخرج من صلب هذا أقوام تحقرون م َ
قا َ بأكثر من هذا فصبر( ،ث ُ ّ
صلتكم إ َِلى صلتهم ،وقراءتكم إ َِلى قراءتهم ،يمرقون من الدين
كما يمرق السهم من الرمية( .
صّلى
سول َكيف يكون هذا الرجل منافقا ً عدوا ً للسلم ويوليه الّر ُ
م الصلة إشارة إ َِلى تولية المامة العظمى؟ سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ ه َ
الل ُ
مر أفضل الصحابة؟
ع َ
وكان هو و ُ
م ظهر الجعد بن درهم ،فضحى به خالد بن عبد الله القسري بعد ثُ ّ
ل :أيها الّناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني المائة والعشرين ،و َ
قا َ
ح بـالجعد بن درهم ،فإنه أنكر أن الله كلم موسى تكليمًا ،ث ُ ّ
م مض ٍ
نزل من المنبر وذبح الجعد بن درهم .
عَلى بني م تلميذه الجهم بن صفوان ،وخرج مع الحارث بن سريج َ ثُ ّ
ن أمية سنة 128هـ ،وكان كاتبا ً له فنشر فكر المرجئة ،والجهم َ
كا َ
ينفي جميع الصفات عن الله ،وكان في نفس الوقت مرجئًا ،يقول:
إن اليمان هو المعرفة القلبية فقط ،فمن عرف الله بقلبه فهو
مؤمن -عند جهم ،-ولهذا فـالمرجئة غلو في هذا الباب ،لن إبليس
ن َ ك َل ُ ْ
عّزت ِ َ َ يعرف الله بقلبه ،بل بلسانه َ
قا َ
عي َ
م ِ
ج َ
مأ ْه ْ
وي َن ّ ُ
غ ِ فب ِ ِ ل:
]ص [82:وكان الجهم كثير الجدل بل علم ،لم يتفقه ،ويخالط
العلماء ،ويقرأ كتب العلم ،ويحفظ من كتاب الله وسنة رسوله،
ن يجادل فقط ،فجاءه قوم من الهنود من عباد البقار، وإنما َ
كا َ
قاُلوا :جئنا نناظرك ،فقالوا له :صف لنا ربك؟ هل رأيته؟ هل ف ََ
لمسته؟ هل شممته؟
ء؟ عَلى َ
ه ُ
ؤل ِ فبقي أربعين يوما ً يفكر ،كيف يرد َ
ل :هو كالهواء ،ليس له أي صفة ،ل يرى ول يشم ،ونتج عن ذلك ف َ
قا َ
ج ّ
ل. و َ
عّز َ
نفي صفات الله َ
الشرح:
عَلى المسلم أن يتفقه في دينه ،ويعرف تفاصيل معتقده إن الذي ينبغي َ
عَلى وفق منهج النبياء ،فإذا قال أحد :أنا ل أستطيع العتقاد المفصل، َ
ول أستطيع أن أعتقد بجميع أحاديث العقيدة ،وبآياتها وأجمع بين
المتعارضات منها ،خاصة في موضوع القدر والصفات ،فنقول له :العاجز
عن ذلك قد يسقط عنه لعجزه ،لكن ل يجوز لك أن تحارب أو تعادي أو
تلوم من قال بهذا المر ،وإنما ينبغي عليك أن تؤيده وتناصره وتتعلم منه
ما استطعت ،وأن تفرح بقيام غيرك به؛ لن هذا من باب الدفاع عن
ق ،فكثير من الّناس ل يريد أن يتعلم
فَر ْ
الدين ،ومن ذلك :معرفة ال ِ
الفرق ،ويكره أن يعرف عنها شيئًا ،فنقول له :إن لم تتعلم فعليك أل
عَلى من تصدى لها ،بل عليك أن
تعايش شيئا ً من هذه الفرق ،وأل تعيب َ
تفرح إذا وجد في المة من يتصدى لهذه الفرق ،ويحارب هذه الضللت.
عَلى من لم يستطع اليمان المفصل :أن يؤمن بالكتاب كله ومما يجب َ
ويسلم له ول يؤخذ بعضه ويترك البعض الخر ،وقد سبق أن ذكرنا في
موضوع تعارض العقل والنقل أنهم ل يعارضون النقل بالعقل دائمًا،
وإنما يعارضون به في المواضع التي يرون وجوب التأويل فيها ،وإعمال
العقل فيها فقط ،وهذا يتنافى مع التسليم ،فإنه ليس هناك مواضع يجب
كم العقل فيها ،بل أن نسلم فيها ،ومواضع ل نسلم فيها بل نؤولها ونح ّ
يجب علينا أن نسلم ونؤمن بالجميع ونؤمن بالكتاب الذي أنزله الله
عاَلى كله.
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
ُ
عَلى العالمين ،وتخيلنا
وإذا كنا نعرف أن الوحي هو نعمة الله الكبرى َ
عَلىبأذهاننا كيف يكون حال البشرية لو أن الله لم ينزل هذا الوحي َ
م؟سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ مد صّلى الل ُ
ه َ ح ّ
م َ
ُ
فإننا ل نستطيع أن نحصر الضللت والشركيات في الرض اليوم مع
وجود الوحي فكيف مع عدم وجود الوحي ،فإن العالم فيه أمم تعبد أنواعا ً
من المعبودات مما ل يكاد الخيال يصدقه ،حتى حدثني بعض الخوة ممن
ن ذهبوا إ َِلى الهند أنهم وجدوا فيها أقواما ً يعبدون الذر الصغير -ف ُ
سْبحا َ
ن هذا حال البشرية مع وجود هذا النور وهذا الوحي ،فكيف الّله -إذا َ
كا َ
لو لم ينزل هذا النور وهذا الوحي المبين؟!
فيجب أن نقدر هذا الوحي حق قدره ،فل ندخل فيه ما ليس منه ،فكل
حديث موضوع ننزه عنه الشريعة وننزه عنه الرسل ،ول تجوز روايته إل
عَلى سبيل بيانه للناس ،وكذلك تنزهه عن الراء ،فهو بذاته محفوظ بإذن َ
الله تعالى ،وقد كانت طريقة علماء السلف من التابعين ومن بعدهم هي
اتباع السبيل ،والحذر الشديد من البدع وأهلها ،ولذلك كانوا رحمهم الله
ل ،حتىعاَلى ل يجادلون أهل البدع ،بل إنهم يرفضون أن يكلموهم أص ً تَ َ
ه عرض عليه أن يسمع من بعض عاَلى َ
عن ْ ُ ه تَ َ
ي الل ُ
ض َ
أن أيوب السختياني َر ِ
ل :ل ول نصف كلمة وخرج وتركه ،وبلغ بعض علماء أهل البدع كلمة ف َ
قا َ
السلف بدعة من بعض الّناس فأقسم بالله أنه ل يؤيه وإياه سقف واحد
إل سقف المدينة .
د صّلى
م ٍ
ح ّ عَلى ُ
م َ قا َ
ل :سبحان لله! إن دين الله واحد أنزله َ ل :نتبعهَ ، قا ََ
م وأمرنا باتباعه قصدًا ،فقد قال عمر بن عبد العزيز رضي سل ّ َو َ عل َي ْ ِ
ه َ ه َالل ُ
الله عنه" :من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل " فمتى يثبت
وعلى أي دين يستقر.
- 2موقف السلف من علم الكلم
ه ت ََعاَلى:
ه الل ُ
م ُ
ح َ
ف َر ِ
مصن ّ ُ َقا َ
ل ال ُ
عاَلى أنه قال لـبشر المريسي :العلم ه تَ َ
ه الل ُ
م ُ
ح َ
]فعن أبي يوسف َر ِ
بالكلم هو الجهل ،والجهل بالكلم هو العلم ،وإذا صار الرجل رأسا ً في
الكلم قيل :زنديق ،أو رمي بالزندقة .أراد بالجهل به اعتقاد عدم صحته،
فإن ذلك علم نافع ،أو أراد به العراض عنه أو ترك اللتفات إ َِلى اعتباره.
فإن ذلك يصون علم الرجل وعقله فيكون علما ً بهذا العتبار .والله أعلم.
وعنه أيضا ً أنه َ
قا َ
ل :من طلب العلم بالكلم تزندق ،ومن طلب المال
بالكيمياء أفلس ،ومن طلب غريب الحديث كذب.
عاَلى:
ه تَ َ
ه الل ُ
م ُ وقال أيضا ً َر ِ
ح َ
إل الحديث وإل قْرآن مشغلة
كل العلوم سوى ال ُ
الفقه في الدين
وما سوى ذاك ن فيه قال حدثنا العلم ما َ
كا َ
وسواس الشياطين
وذكر الصحاب في الفتاوى :أنه لو أوصى لعلماء بلده :ل يدخل
المتكلمون ،ولو أوصى إنسان أن يوقف من كتبه ما هو من كتب العلم،
فأفتى السلف أن يباع ما فيها من كتب الكلم .ذكر ذلك بمعناه في
الفتاوى الظهيرية .
الشرح:
ه كلم السلف والتابعين ،ويحتج بأقوال الئمة ه الل ُ م ُ ح َف َر ِ
مصن ّ ُ يذكر ال ُ
على أحاديث َ المتبوعين الذين يحتج بكلمهم ،،وربما قدمه البعض منهم َ
م في الفروع ،أو في سل ّ َ
و َ ه َعل َي ْ ِه َ صحيحة ثابتة عن النبي صّلى الل ُ
جاءَ إ َِلى علم أصول الدين الذي هو أجل المعاملت ونحو ذلك ،فإذا َ
وأشرف من الفروع رمى بما قاله إمامه ،وما ثبت عن السلف ،واتبع
كلم علماء الكلم ،ولذلك ظهرت ازدواجية ثلثية فتجد أحدهم علىعقيدة
الشعري ،وفقه مالك وطريقة نمير كما قال أحد المتأخرين في
ف
مصن ّ ُ ن ال ُ كا َن الّله! َ منظومة له فوصل المر بهم إ َِلى هذا الحد ف ُ
سْبحا َ
ي
ع ّف ِشا ِ ه يريد أن يقول :إن كنتم صادقين أنكم تتبعون مالكا ً وال ّ ه الل ُ م ُح ََر ِ
وأبا حنيفة فهذا كلمهم في أصول الدين وهو أعظم من الفروع ،وهذا
منهجهم في العبادة ،ول يقول أحد من أئمة النقد وعلم الرجال والجرح
والتعديل أن ابن المودع أفضل من مالك في العبادة وأكثر منه اتباعا ً
مد بن ح ّ م َللسنة ،وكما يقول آخر :الفقه فقه أبي حنيفة ،والدين دين ُ
كّرام ،فكان كراميا ً في العقيدة لكنه حنفي في الفروع ،فهذه
الزدواجية ،هي التي فرقت المة ،وإل فإن الئمة الربعة رضوان الله
عاَلى عليهم أجمعين ،وباقي الئمة المتبوعين هم في أصول الدين تَ َ
على عقيدة السلف إل فيما ندر من بعض المسائل ،كالمام أبي َ سواء َ
عالى في اليمان كما سيأتي .وهذه من بدع القوال ل َ ه تَ َ ه الل ُ
م ُح َحنيفة َر ِ
ه ،فالئمة الربعة هم في َ
ه الل ُم ُ ح َ
مد َر ِ ح َمن بدع العمال كما قال المام أ ْ
عَلى مذهب واحد ،وهو مذهب السلف والفرقة أصول الدين ولله الحمد َ
عل َي ْ ِ
ه ه َ ة الذين هم أصحاب النبي صّلى الل ُ ع ِ
ما َ وال ْ َ
ج َ ة َ سن ّ ِهل ال ّ الناجية :أ ْ
عَلى منهاجهم. م ومن سار َ سل ّ َو َ َ
• موقف المام أبو يوسف من علم الكلم
ه قول أبي يوسف المام المشهور المعروف -وهو ه الل ّ ُ م ُ
ح َصّنف َر ِ م ْ
وقد ذكر ال ُ
ن أبوه يهوديًا ،ودخل في ه -لـبشر المريسي الذي َ
كا َ ه الل ّ ُم ُح َتلميذ أبي حنيفة َر ِ
ه
م ُ دين السلم ليفسده عََلى أهله ،كما قالت أمه كما نقله المام الدارمي َر ِ
ح َ
ه ت ََعاَلى في رده عََلى ـبشر المريسي ،وقد اشتهر بشر بالضللة وكان تلميذا ً الل ّ ُ
ل له أبو يوسف هذه العبارة :العلم بالكلم هو الجهل ،والجهل قا َ لـأبي يوسف ،فَ َ
بالكلم هو العلم.
ن في وقته متهما ً من قبل العلماء -في فهذا أبو يوسف الذي َ
كا َ
الفروع فقط -لنه من أهل الرأي ،وينصر مذهب أهل الرأي ،وهذا
كلمه في المبتدعة في أصول الدين ،فما بالك بكلم الذين
يتمسكون بمنهج أهل السنة والحديث في الصول والفروع! وكما
ه الل ّ ُ
ه م ُ
ح َ
صّنف َر ِ
م ْ
قيل :من طلب علم الكلم تزندق .وقد ذكر ال ُ
عاَلى القوال عن علماء الكلم أنفسهم في ذم علم الكلم وأهله، تَ َ
وأنه لم يحصد منه إل الحيرة والشك والندامة باعتراف أصحابه
أنفسهم فضل ً عن غيرهم.
وممن نقل عنهم ذلك الرازي والجويني وأبو حامد الغزالي ،
وغيرهم ،وقوله" :من طلب العلم بالكلم تزندق ،ومن طلب المال
بالكيمياء أفلس" لنه يضّيع ما معه من مال في شراء هذه المعادن
وفي شراء اللت ،وفي النقل ،وفي الغليان بدون فائدة.
ل" :ومن طلب غريب الحديث كذب" أي أن الذي يتتبع الشواذ و َ
قا َ
ن َ
والروايات ،فإنه يكذب كما حصل في العصور المتأخرة ،حيث كا َ
الرجل يريد أن يثبت أن لديه سندا ً عاليا ً إ َِلى حافظ مث ً
ل ،فيكذب
ويجعل بينه وبين ذاك رجل ً واحدا ً أو رجلين.
• موقف المام الشافعي من علم الكلم
ه في كتابه فضل علم السلف عََلى علم ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
وقد نقل الحافظ ابن رجب َر ِ
ل" :ما فسد الّناس إل لما تركوا لسان العرب، ي أنه َقا َ الخلف عن ال ّ
شافِعِ ّ
واتبعوا لسان أرسطو " ،فالمقصود أن المة السلمية إنما فسدت وانحرفت لما
تركت المنهج الفطري ،والمنطق العربي هو المنطق الفطري واللغة العربية هي
لغة فطرية ،ومنهجنا في الستدلل فطري ،ولغتنا فطرية ،ل تكلف فيها ول
تعقيد ،امتن الله ت ََعاَلى بها علينا فلماذا نعقد المور؟!.
عَلى أن المام ه تدل َ ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
ي َر ِ
ع ّ
ف ِشا ِ وهذه العبارة العجيبة من ال ّ
جاءَ به أرسطو ،فعلماء السلف ي قد خبر علم المنطق الذي َ ع ّ ف ِ ال ّ
شا ِ
مد ول أبو يوسف ،فقد َ ليسوا يجهلون المنطق ل ال ّ
ح َ
ي ول أ ْ ع ّف ِ
شا ِ
كانوا يعرفونه ،ولكنهم لما عرفوا حقيقة الموقف استغنوا عنه وهم
مقتنعون تمام القتناع أنه ل حاجة لي عاقل إليه" ،فل يستفيد منه
ي
ع ّ ف ِشا ِ البليد ول يحتاج إليه الذكي" ،فمن هذا المنطلق قال ال ّ
صّنف هنا م ْ وقال علماء السلف هذه المقول وليس كما يشترط ال ُ
عندما يقول السلف :لم يحبوا التكلم بالجوهر والجسم والعرض
لنه السلح البديل .أو لنهم كانوا عاجزين عن فهمه ،أو كانوا
منشغلين بالجهاد والفتوحات ،ولم يحرروا مسائل العقيدة ومسائل
العلم والعبادة ،هذه النظريات التي أكدها علماء اليونان وصلت إ َِلى
ن وترجموها مي َ
سل ِ ِ علماء ال ْ ُ
م ْ
مد في َ
ح َ واشتهر ذلك في عصر المأمون ،وبناءً عليها ابتلي المام أ ْ
القول بخلق القرآن ،وفي غيرها من الضللت ،كإذاعة أن اليمان
هو المعرفة القلبية المجردة ،فجائتنا هذه الضللت نتيجة نقل هذا
ه في المنسوب إليه : ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
ي َر ِع ّف ِ م قال المام ال ّ
شا ِ العلم .ث ُ ّ
إل الحديث وإل قْرآن مشغلة كل العلوم سوى ال ُ
الفقه في الدين
وما سوى ذاك ن فيه قال حدثنا العلم ما َ
كا َ
وسواس الشياطين
َ
ة
ع ِ
ما َ وال ْ َ
ج َ ة َ
سن ّ ِ
هل ال ّ ه في تعريف أ ْ ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
مد َر ِ
ح َ
وقال المام أ ْ
والطائفة المنصورة " :إن لم يكونوا أهل الحديث فل أدري من هم"،
وأهل الحديث هم الذين يتبعون الحديث وليس المراد بهم أنهم
عَلى متن الحديث والرجال ونحو ذلك ولو كانوا
الذين يحكمون َ
مبتدعة.
• موقف الصحاب من هذا العلم
ل :الحنفي ،قال الصحاب ،أي: ه ]قال الصحاب[ إذا َقا َ ه الل ّ ُ
م ُ ح َصّنف َر ِ م ْ
قول ال ُ
فقهاء الحنفية ،وإذا قال ابن قدامة في المغني قال أصحابنا فيعني علماء مذهب
الحنابلة ،وإذا قال في شرح المنهاج قال الصحاب يعني :علماء الشافعية..
وهكذا ،ولنالشارح حنفي ولن الحنفية أكثر المذاهب إتباعًا ،وقد كثرت فيهم
هذه الضللت فننبه إ َِلى ما هو موجود في كتبهم ،فيقول المصنف :قال الصحاب
في الفتاوى :أنه لو أوصى لعلماء بلده بشيء فل يدخل في ذلك المتكلمون ،
فعالم الكلم ل يدخل في ركب العلماء ،فهو يشتغل في الجدل وفي المناظرات
ل :كتبي كلها وقف والمنطق ،ول تدخل كتبهم في كتب العلم فلو أن رجل ً َقا َ
ن من كتب الفقه والحديث والصول والمصطلح، لمكتبة الحرم ،فننظر فما َ
كا َ
ن من كتب الجاهلية والفلسفة ونحو ذلك رميناه ،إذا ً كا َونحو ذلك أدخلناه ،وما َ
فأصحاب علم الكلم ل يدخلون في العلماء ول كتبهم تدخل في كتب العلم ،ث ُ ّ
م
م أوتي جوامعسل ّ َ
ه عَل َي ْهِ وَ َ
صّلى الل ُ مد َ ح ّ بعد ذلك ننتقل إ َِلى موضوع أن نبينا ُ
م َ
الكلم.
- 3نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم
ه: ه الل ُ م ُح َف َر ِ
مصن ّ ُ َقا َ
ل ال ُ
م أوتي فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه ،فبعث سل ّ َ
و َه َ عل َي ْ ِه َ ]ونبينا صّلى الل ُ
عَلى أتم الوجوه ،ولكن كلما بالعلوم الكلية والعلوم الولية والخرية َ
ابتدع شخص بدعة اتسعوا في جوابها ،فلذلك صار كلم المتأخرين كثيرا
قليل البركة ،بخلف كلم المتقدمين ،فإنه قليل ،كثير البركة " ل " كما
يقول ضلل المتكلمين وجهلتهم :إن طريقة القوم أسلم ،وإن طريقتنا
درهم قدرهم من المنتسبين إ َِلى أحكم وأعلم وكما يقول من لم يق ّ
الفقه :أنهم لم يتفرغوا لستنباطه ،وضبط قواعده ،وأحكامه ،اشتغال ً
ء محجوبون ه ُ
ؤل ِ منهم بغيره! والمتأخرون تفرغوا لذلك فهم أفقه!! فكل َ
عن معرفة مقادير السلف ،وعمق علومهم ،وقلة تكلفهم ،وكمال
بصائرهم ،وتالله ما امتاز عنهم المتأخرون إل بالتكلف والشتغال
بالطراف ،التي كانت همة القوم مراعاة أصولها ،وضبط قواعدها ،وشد
معاقدها ،وهممهم مشمرة إ َِلى المطالب العالية في كل شيء،
فالمتأخرون في شأن ،والقوم في شأن آخر وقد جعل الله لكل شيء
قدرا[
الشرح:
رحم الله المصنف! فقد أتى بكلم عظيم حتى نعرف قدر النبي صّلى
م ،وقدرالسلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم سل ّ َ
و َ
ه َ عل َي ْ ِ
ه َ الل ُ
مد صّلى الل ُ
ه ح ّ
م َ ن كلمهم دررا ً وإمامهم هو ُكا َبإحسان ،والئمة الذين َ
م عبد الله ورسوله الذي بعث بهذه الشريعة العظيمة ،وأوتي سل ّ َو َ ه َعل َي ْ ِ
َ
جوامع الكلم كما في الحديث الصحيح)) :أعطيت جوامع الكلم( فكلم
ء الفلسفة ؤل ِه ُ
م بالضد والنقيض لكلم َسل ّ َو َ عل َي ْ ِ
ه َ النبي صّلى الل ُ
ه َ
والمناطقة ،الذين يتكلمون بالكلم الطويل المعقد من أجل قضية مدنية،
عاَلى بجوامع وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
م بعثه الله ُ سل ّ َو َ
ه َ عل َي ْ ِ
ه َ سول الله صّلى الل ُ بينما َر ُ
َ ً ً
الكلم يقول قول ً واحدا ،أو جملة واحدة ،فتكون منهاجا ودستورا إ ِلى ً
عَلى ذلك ف من آحاد القضايا والوقائع العينية ،والمثلة َ ة ،وبآل ٍ م ِ قَيا َ وم ِ ال ِ يَ ْ
ّ
م فمثل ً يقول النبي صلى ّ
سل َ و َ
ه َ َ
علي ْ ِه َ ّ
كثيرة من أحاديث النبي صلى الل ُ
م) :كل بدعة ضللة( فما أوجز هذه العبارة ،ويدخل فيها سل ّ َ و َ ه َ عل َي ْ ِه َ الل ُ
كل ما يمكن أن يحدث في الدين ،فكل بدعة أيا ً كانت ضللة ،وهذه
العبارة قاعدة تشمل آلف الوقائع ،ومثل ذلك في الفقه قوله صّلى الل ُ
ه
سان لن َ م) :ل ضرر ول ضرار( وهذه العبارة البسيطة لو تأملها ا ِ سل ّ َ و َ ه َ عل َي ْ ِ َ
لعجب ،فأنت تحتاجها عندما تحكم بين اثنين ،أو تصلح في أي قضية ،أو
عل َي ْ ِ
ه ه َ تحكم في أي مسألة ،وهكذا ،ومثل ذلك في التعبد قوله صّلى الل ُ
م) :الدين النصيحة( فبهذه الكلمة نذكر كل ما أمر الله به ورسوله سل ّ َ و َ َ
ل) :لله ولكتابه ولرسوله قا َم ،وفسر هذه الكلمة ف َ ّ
سل َ و ََ ه
ِ ْ ي َ ل ع
َ ه
ُ الل لى ّ ص
ن وعامتهم( وهكذا أمثلة كثيرة من أحاديث النبي صّلى مي َ سل ِ ِ م ْ ولئمة ال ْ ُ
عَلى أنه بعث بجوامع الكلم ،عبارات وألفاظ وكلمات م تدل َ سل ّ َ و َ ه َ عل َي ْ ِه َ الل ُ
ن عظيمة. محدودة لكنها جامعة لمعا ٍ
• كلم المتأخرين كثير قليل البركة
لو اجتمع أهل الرض جميعًا ،وأعملوا عقولهم عََلى أن يأتوا بمثل هذا العجاز،
ومثل هذه الذكرى ومثل هذا الشمول ،واقتراب القاعدة لجميع الوقائع لعجزوا
ه وَت ََعاَلى فهو
حان َ ُ عن ذلك عجزا ً بينًا ،وفوق ذلك عجزهم عن كتاب الله ُ
سب ْ َ
أعظم.
م إن السلف الصالح كانوا كذلك ،وكما سبق أن تحدثنا في مبحث ثُ ّ
الفرق ،فـالخوارج والقدرية والشيعة وجدوا في عهد السلف الصالح
،وكذا المرجئة وجدوا أواخر عهد التابعين.
عاَلى
وبهذا نعرف فضل علماء الصحابة والسلف رضوان الله ت َ َ
جاءَ بعدهم، عليهم ،فكانت كلما تهم من الجوامع بالنسبة لمن َ
فكانت قليلة العبارات كثيرة البركة ،فعندما يناظرون القدرية أو
الشيعة أو أية فرقة فإنهم يأتون بعبارة واحدة موجزة ،أو عبارتين
فتغني عما وراءها وتكفي وتشفي من أراد الشفاء بإذن الله
عاَلى.
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
ُ
جاءَ رجل إ َِلى المام مالك وأما المتأخرون فتعمقوا وتنطعوا ،ولما َ
وقال له :كيف استوى؟ قال له عبارات ما زلنا نستخدمها إ َِلى الن
ل فلو ألفنا ج ّ
و َ
عّز َ
في جميع الصفات ،وإذا تحدثنا عن صفات الله َ
كتبا ً ما خرج كلمنا عن هذه العبارات التي قالها المام مالك وهي:
"الستواء معلوم والكيف مجهول واليمان به واجب والسؤال عنه
ل هذا الملكة لنهم ج ّ و َ عّز َ ن الّله! كيف أعطاهم الله َ سْبحا َ بدعة " ُ
ل حق تلوته ،ويؤمنون بحديث النبي ج ّ
و َ
عّز َ
كانوا يتلون كتاب الله َ
عاَلى في وت َ َ
ه َ حان َ ُسب ْ َ جر الله ُ م ،فباليمان ف ّ سل ّ َ
و َ
ه َعل َي ْ ِ صّلى الل ُ
ه َ َ
قلوبهم ينابيع الخير والتقوى والعلم النافع ،وأعطاهم فراسة
المؤمن وقوة النظر ،فيأتون بهذه العبارات الجامعة الدقيقة،
عَلى ضوء ة إل َ فمهما خضنا في الصفات فنحن ل نتكلم في أي صف ٍ
هذه القواعد الربع ،لن معانيها واضحة جلية لكل أحد أما أن
عاَلى وإذا جهلنا ذاته وت َ َ
ه َ حان َ ُ
سب ْ َكيفيتها مجهولة فلننا نجهل ذاته ُ
جهلنا صفاته ،وأما أن السؤال عنها بدعة فكل الطوائف التي
خالفت ما أخبر به الله ورسوله فهي طوائف بدعية ،وهذا من الدلة
عاَلى من فضل ه تَ َ ه الل ّ ُ م ُ
ح َ صّنف َر ِ عَلى ما ذكره ال ُ
م ْ الكثيرة الدللة َ
السلف .
ولذلك عندما نقول ويقول كل مؤمن بالله وبرسوله :إن علينا أن
نتبع آثارهم وأن نقتفي خطاهم ،وننظر فيما خاضوا فيه فنخوض
في كل ما خاضوا ،وما سكتوا عنه نسكت عنه ،وما أجابوا عنه
ذ نعرف أن هذا هو بجواب فإننا نجيب عليه بمثل ما أجابوا ،حينئ ٍ
ه في باب اليمان عندما رد ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
ي َر ِ
ر ّ
خا ِ
الصواب ،كما فعل الب ُ َ
علىالمرجئة .
إن الشتغال بما ورد عن الصحابة رضى الله عنهم ،وتتبع فقههم
عاَلى،
وت َ َه َحان َ ُسب ْ َ عَلى صاحبها الحكمة بإذن الله ُ وآثارهمُ ،تنزل َ
عَلى
م كانت المور تأتيهم َ سل ّ َ
و َ
ه َعل َي ْ ِ صّلى الل ُ
ه َ مد َ
ح ّ
م َ
فأصحاب ُ
عَلى
م َ سل ّ َو َه َ عل َي ْ ِ
ه َصّلى الل ُ
سول َ الفطرة ،ويفهمون ما يقوله َر ُ
الفطرة ،فعرفوه علما ً وجاهدوا عليه عم ً
ل ،ودعوا إليه ث ُ ّ
م ماتوا وهم
هم أجمعين.عن ْ ُ
ه َ
ي الل ُ
ض َ
ثابتون عليه َر ِ
فمن قال من أهل علم الكلم :إن علم السلف أسلم ونحن أعلم
وأحكم ،فهذا ضال مضل ،وقد أساء وظلم نفسه ،ولم يرع ما قال
سل ّ َ
م، و َ
ه َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُعَلى أصحاب النبي َ عاَلى من الثناء َ وت َ َه َ حان َ ُ
سب ْ َ ُ
عاَلى إنما جعل لنا الخير في أن وت َ َ
ه َحان َ ُ
سب ْ َوأئمة السلف ،فإن الله ُ
وال ّ ِ َ َ
ن
ذي َ ر َ واْلن ْ َ
صا ِ ن َ
ري َ
ج ِ
ها ِ ن ال ْ ُ
م َ م َ ن ِوُلو َ ن اْل ّ ساب ِ ُ
قو َ وال َّ ء
ؤل ِ ه ُ نتبع َ
ن ]التوبة.[100: سا ٍ
ح َم ب ِإ ِ ْ
ه ْ عو ُ ات ّب َ ُ
قوُلو َ
ن َرب َّنا م يَ ُه ْ د ِع ِ ن بَ ْم ْ
ءوا ِ جا ُ ن َ ذي َوال ّ ِ َ عاَلى: وت َ َ
ه َحان َ ُ سب ْ َ
ويقول ُ
غّل ً
قُلوب َِنا ِ في ُل ِ ع ْ ج َول ت َ ْ ن َ ما ِ قوَنا ِبا ْ ِ
لي َ سب َ ُ ن َ وان َِنا ال ّ ِ
ذي َ خ َ وِل ِ ْ فْر ل ََنا َ
غ ِا ْ
ن أعلم وأحكم. ح ُ ء يقولون :ن َ ْ ؤل ِه ُ مُنوا ]الحشر [10:و َ نآ َ ل ِل ّ ِ
ذي َ
سان المسلم مثل أحد ذهبا ً ما لن َ
وأهل السنة يؤمنون أنه لو أنفق ا ِ
عل َي ْ ِ
ه ه َصّلى الل ُ
بلغ مد أحدهم ول نصيفه ،كما صح ذلك عن النبي َ
م؛ وهو إنما خاطب به خالد بن الوليد وأمثال خالد ،وهو سل ّ َ
و َ
َ
ً
صحابي أيضا بالنسبة لمن آمن قبل الفتح ،فـالخطاب في هذا
ن من كا َالحديث إنما هو لولئك الذين أسلموا بعد الفتح ،أو ممن َ
المفضولين بالنسبة لفاضلهم ولسابقهم ولمتقدمهم.
فما بالك بالتابعين؟ فكيف بأتباعهم؟! فكيف بمن أتى بعدهم من
القرون المتأخرة بعد القرون الثلثة التي ظهر فيها قول الزور
وأصبحوا يتهوكون في البدع ،وتتجارى بهم الهواء ،كما يتجارى
عل َي ْ ِ
ه صّلى الل ُ
ه َ ب بصاحبه -كما ورد في الحديث عن النبي َ الك َل َ ُ
م؟!!.سل ّ َو ََ
مقدمة شرح العقيدة الطحاوية 5
يتحدث الشيخ في هذا الدرس عن سبب تأليف هذه العقيدة ،أي شرح ابن أبي العز
كما أنه يتكلم عن بعض الشروحات السابقة ،وتكلم عن قضية هامة وهي :كراهية
السلف للتكلم بالكلمات المجملة.
- 1بيان سبب شرح العقيدة الطحاوية
إن المجوس والبوذيين وغيرهم هم في الحقيقة ما قدروا اللـه حق قدره بعدم تقديرهم
رسول اللـه حق قدره ،أو الصحابة حق قدرهم ،فالذين يقولون مثل ً في الفقه :إننا
أفقه من الصحابة لن الصحابة كانوا مشغولين بالجهاد ولم يتفرغوا لستنباط القواعد
الفقهية وما عرفوا أصول علم الفقه ،فلما أتينا وضعنا قواعد أصولية نستطيع من
طريقها معرفة الدليل ،فهؤلء في الحقيقة ما قدروا الصحابة حق قدرهم.
إن الشتغال بما ورد عن الصحابة رضى اللـه عنهم وتتبع فقههم
وآثارهم تنزل على صاحبها الحكمة بإذن اللـه سبحانه وتعالى ،فأصحاب
محمد صلى اللـه عليه وسلم كانت المور تأتيهم على الفطرة ويفهمون
ما يقوله رسول صلى اللـه عليه وسلم على الفطرة فعرفوه علما ً
وجاهدوا عليه عم ً
ل ،ودعوا إليه ثم ماتوا وهم ثابتون عليه رضي اللـه
عنهم أجمعين.
فمن قال من أهل علم الكلم :إن علم السلف أسلم ونحن أعلم وأحكم،
فهذا ضال مضل ،وقد أساء وظلم نفسه ،ولم يرع ما قال سبحانه وتعالى
من الثناء على أصحاب النبي صلى اللـه عليه وسلم ،وأئمة السلف ،فإن
ن ساب ِ ُ
قو َ وال ّ
َ اللـه سبحانه وتعالى إنما جعل لنا الخير في أن نتبع هؤلء
وال ّ ِ َ َ
ن ]التوبة: سا ٍ
ح َ
م ب ِإ ِ ْ
ه ْ
عو ُ
ن ات ّب َ ُ
ذي َ ر َ
والنصا ِ
ن َ
ري َ
ج ِ
ها ِ ن ال ْ ُ
م َ م ْ وُلو َ
ن ِ ال ّ
.[100
فْر ل ََنا
غ ِ ن َرب َّنا ا ْ قوُلو َم يَ ُ ه ْد ِ
ع ِ
ن بَ ْ
م ْءوا ِ جا ُ
ن َذي َوال ّ ِويقول سبحانه وتعالىَ ) :
مُنوا َرب َّنا نآ َ ذي َ غل ّ ل ِل ّ ِ
قُلوب َِنا ِفي ُ ل ِ ع ْج َ
ول ت َ ْ ن َما ِلي َ سب َ ُ
قوَنا ِبا ِ ن َ وان َِنا ال ّ ِ
ذي َ خ َول ِ ْ َ
م ( ]الحشر [10:وهؤلء يقولون :نحن أعلم وأحكم. حي ر
ٌ َ ِ ٌ ف ءو َ ُر َ
ك إِ ّ
ن
وأهل السنة يؤمنون أنه لو أنفق النسان المسلم مثل أحد ذهبا ً ما بلغ مد
أحدهم ول نصيفه ،كما صح ذلك عن النبي صلى اللـه عليه وسلم؛ وهو
إنما خاطب به خالد بن الوليد وأمثالخالد ،وهو صحابي أيضا ً بالنسبة لمن
آمن قبل الفتح ،فالخطاب في هذا الحديث إنما هو لولئك الذين أسلموا
بعد الفتح ،أو ممن كان من المفضولين بالنسبة لفاضلهم ولسابقهم
ولمتقدمهم.
فما بالك بالتابعين ؟ فكيف بأتباعهم ؟!! فكيف بمن أتى بعدهم من
القرون المتأخرة بعد القرون الثلثة التي ظهر فيها قول الزور وأصبحوا
يتهوكون في البدع ،وتتجارى بهم الهواء كما يتجار الكلب بصاحبه كما
ورد في الحديث عن النبي صلى اللـه عليه وسلم.
] وقد شرح هذه العقيدة غير واحد من العلماء ،ولكن رأيت بعض
الشارحين قد أصغى إلىأهل الكلم المذموم ،واستمد منهم ،وتكلم
بعباراتهم ،والسلف لم يكرهوا التكلم بالجوهر والجسم والعرض ونحو
ذلك لمجرد كونه اصطلحا ً جديدا ً على معان صحيحة ،كالصطلح على
ألفاظ لعلوم ٍ صحيحة ،ول كرهوا أيضا ً الدللة على الحق ،والمحاجة لهل
ر كاذبة مخالفة للحق ،ومن ذلك
الباطل ،بل كرهوه لشتماله على أمو ٍ
مخالفتها للكتاب والسنة ،ولهذا ل تجد عند أهلها من اليقين والمعرفة ما
عند عوام المؤمنين ،فضل ً عن علمائهم ولشتمال مقدماتهم على الحق
والباطل ،كثر المراء والجدال ،وانتشر القيل والقال ،وتولد لهم عنها من
القوال المخالفة للشرع الصحيح والعقل الصريح ما يضيق عنه المجال،
وسيأتي لذلك زيادة بيان عند قوله] :فمن رام علم ما حظر عنه علمه.[..
الشرح:
انظر إلى هذا التواضع من المصنف بالنسبة لمن يقولون :نحن أعلم
وأحكم حيث يقول] :وقد أحببت أن أشرحها سالكا ً طريق السلف في
عباراتهم ،وأنسج على منوالهم ،متطفل ً عليهم ،لعلي أن أنظم في
سلكهم ،وأدخل في عدادهم ،واحشر في زمرتهم [ .
سل ّ َ
م. و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ ول نقول إن أحدا ً معصوم إل َر ُ
سول الله َ
وممن شرح هذه العقيدة ابن منكوبه ول أحفظه إل مخطوطًا ،حيث
شرحها شرحا ً ماتريديًا.
] اعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل ،وأول منازل الطريق ،وأول مقام
سل َْنا ُنوحا ً إ َِلى يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل ،قال تعالى :ل َ َ َ
قدْ أْر َ
ه ]العراف [59:وقال غي ُْر ُ ه َ ن إ ِل َ ٍ م ْم ِ ما ل َك ُ ْه َ دوا الل ّ َ عب ُ ُ
وم ِ ا ْ ل َيا َ
ق ْ قا َ ف َ ه َ م ِ و ِ ق َْ
غي ُْرهُ ]العراف: ه َ ن إ ِل َ ٍم ْ م ِ ما ل َك ُ ْ ه َ دوا الل ّ َ عب ُ ُهود عليه السلم لقومه :ا ْ
ه
غي ُْر ُ ه َ ن إ ِل َ ٍ م ْ م ِ ما ل َك ُ ْ ه َ دوا الل ّ َ عب ُ ُ [65وقال صالح عليه السلم لقومه :ا ْ
نم ْم ِ ما ل َك ُ ْ ه َ دوا الل ّ َ عب ُ ُ ]العراف [73:وقال شعيب عليه السلم لقومه :ا ْ
َ ُ ول َ َ
سول ً أ ِ
ن ة َر ُ م ٍ لأ ّ في ك ُ ّ عث َْنا ِ قدْ ب َ َ َ ه ]العراف [85:وقال تعالى: غي ُْر ُ ه َ إ ِل َ ٍ
سل َْنا َ جت َن ُِبوا ال ّ
ما أْر َ و َ َ غوت ]النحل [36:وقال تعالى: طا ُ وا ْه َ دوا الل ّ َ عب ُ ُ ا ْ
دون ]النبياء: عب ُ ُ فا ْ ه إ ِّل أ ََنا َ ه ل إ ِل َ َ
حي إل َي َ
ه أن ّ ُ ِ ْ ِ ل إ ِّل ُنو ِ سو ٍ ن َر ُم ْ ك ِ قب ْل ِ َن َ م ْ ِ
[25وقال صلى الله عليه وسلم ):أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا
أن ل إله إل الله،وأن محمدا ً رسول الله( ولهذا كان الصحيح أن أول
واجب يجب على المكلف شهادة أن ل إله إل الله ،ل النظر ،ول القصد
إلى النظر ،ول الشك ،كما هي أقوال لرباب الكلم المذموم؛ بل أئمة
السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان،
ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقيب
بلوغه ،بل يؤمر بالطهارة والصلة إذا بلغ أو ميز عند من يرى ذلك .ولم
يوجب أحد منهم على وليه أن يخاطبه حينئذ بتجديد الشهادتين ،وإن كان
القرار بالشهادتين واجبا ً باتفاق المسلمين ،ووجوبه يسبق وجوب
الصلة ،لكن هو أدى هذا الواجب قبل ذلك ،وهنا مسائل تكلم فيها
الفقهاء :فمن صلى ولم يتكلم بالشهادتين ،أو أتى بغير ذلك من خصائص
السلم ،ولم يتكلم بهما ،هل يصير مسلما ً أم ل؟ والصحيح أنه يصير
مسلما ً بكل ما هو من خصائص السلم .فالتوحيد أول ما يدخل به في
السلم ،وآخر ما يخرج به من الدنيا ،كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم ) :من كان آخر كلمه ل إله إل الله دخل الجنة( فهو أول واجب
وآخر واجب[ اهـ
الشرح:
ابتدأ الماتن -رحمه الله تعالى -واضع العقيدة وهو المام الطحاوي بهذه
الجملة:
] نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله :إن الله واحد ل شريك له[ .
ن
دو ِعب ُ ُ ه إ ِّل أ ََنا َ
فا ْ ه ل إ ِل َ َ
حي إل َي َ
ه أن ّ ُ
ِ ْ ِ ل إ ِّل ُنو ِ
سو ٍ
ن َر ُم ْ قب ْل ِ َ
ك ِ ن َ
م ْسل َْنا ِ
َ
ما أْر َ و ََ
ن َ ً ُ ّ ُ ْ َ َ
سول أ ِ ة َر ُ م ٍ
في كل أ ّ عثَنا ِ ولقدْ ب َ َ َ ]النبياء [25:وقال تبارك وتعالى:
ت ]النحل [36:فهذا هو ما دعا إليه النبياء غو َ جت َن ُِبوا ال ّ
طا ُ وا ْ
ه َ دوا الل ّ َ
عب ُ ُا ْ
جميعا ،دعوا إلى توحيد الله تبارك وتعالى حيث افتتحوا دعوتهم
واختتموها بذلك .فإن الشرائع والتعبدات جميعا ً إنما هي فروع وتوابع
للتوحيد.
ومعنى كون التوحيد أول دعوة الرسل :هو أن كل نبي إنما يأتي قومه
لينذرهم أنه ل إله إل الله ،ويحذرهم من عبادة الطاغوت.
وأما قوله] :وأول منازل الطريق وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله
عز وجل[ ،هذه العبارات استعارها المصنف من المصطلحات الصوفية ،
فـالصوفية عندهم أن الناس ثلثة أنواع :مريد -وهذا هو المبتدئ -ثم
السالك الذي يسير في الطريق ،ثم الواصل الذي وصل وسقطت عنه
التكاليف ،ووصل إلى حقيقة المعرفة كما يقولون .
وهذه المصطلحات نقلت إلينا على سبل ،فنقلها بعضهم وهو من أهلها،
ونقلها بعضهم على سبيل التقريب أو استعارة لصطلحات ل يؤمن
بمدلولتها ،ونقلها بعضهم وهو ل يدري على أي شيء تدل.
يعني :دعوة التوحيد هي موضوع المعركة بين الرسول صلى الله عليه
وسلم وبين المشركين- ،ومن هنا نعرف أهمية هذا العلم وأهمية
معرفته ،ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث) :
أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول
الله ( فهو بعث بالقتل والقتال حتى يعبد الله وحده تبارك وتعالى وذلك
تحقيق منه صلى الله عليه وسلم لخر ما أنزل الله تعالى من أحكام
القتال .فالجهاد أول ما بدأ به كان إذنا ً فقط ،فلم يكن أمرا ً مستحبا ً ول
م لَ َ َ ُ
ديٌر ق ِ ه ْ ر ِ عَلى َنص ِ ه َ ن الل ّ َ وإ ِ ّ
موا َ م ظُل ِ ُ ه ْ ن ب ِأن ّ ُقات َُلو َ ن يُ َذي َ ن ل ِل ّ ِ واجبا ً أِذ َ
]الحج [39:فأذن الله تعالى للمؤمنين بالقتال بعد أن تحرقت قلوبهم
وتشوقت إلى أن يقاتلوا الكفار ،ثم استمر المر إلى أن وصلت المرحلة
الخيرة ،وهي المر بالقتل لكل مشرك ،وآخر مهلة للكفار في جزيرة
العرب خاصة ،أربعة أشهر يسيحون في الرض ،ثم بعدها تكون النهاية
م ه ْذو ُ خ ُو ُ م َ ه ْ مو ُجدْت ُ ُ
و َث َ حي ْ ُ ن َ كي َ ر ِش ِ م ْ قت ُُلوا ال ْ ُ فا ْ م َ حُر ُ هُر ال ْ ُ ش ُ خ اْل َ ْ سل َ َ ذا ان ْ َ َ
فإ ِ َ
مْرصد ]التوبة [5:هذه اليات آخر ما نزل ل َ م كُ ّ ه ْ دوا ل َ ُ ع ُ ق ُوا ْ م َ ه ْ صُرو ُ ح ُ وا ْ َ
موا َ
وأ َ َ
قا ُ ن َتاُبوا َ فإ ِ ْ في شأن الجهاد ،وقال سبحانه وتعالى عقبها:
ن َ
فإ ِ ْ هم ]التوبة [5:وقال بعد ذلك أيضًا: سِبيل َ ُ خّلوا َ ف َ كاةَ َ وا الّز َ وآت َ ُ صلةَ َ ال َ
َ
ن ]التوبة.[11: دي ِ في ال ّ م ِ وان ُك ُ ْ
خ َ كاةَ َ
فإ ِ ْ وا الّز َ وآت َ ُ صلةَ َ موا ال َ قا ُ وأ َ َتاُبوا َ
فمنطوق الحديث ) :أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل الله،
وأن محمدا ً رسول الله ،ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة ( هو نفس مدلول
هم ]التوبة[5: سِبيل َ ُ
خّلوا َ
ف َ وا الّز َ
كاةَ َ وآت َ ُ
صلةَ َ
موا ال َقا ُوأ َ َ
ن َتاُبوا َ َ
فإ ِ ْ الية:
ن ]التوبة- [11:أي :وجبت لهم الخوة -فمن لم دي ِفي ال ّ م ِ وان ُك ُ ْ خ َ َ
فإ ِ ْ و
يأت بهذه الركان الثلثة فل أخوة له في الدين ول يخلى سبيله ،بل
يقاتل ،ولم يذكر الصيام والحج مع الشهادتين والصلة والزكاة؛ لن
الصوم عبادة خفية ل يعلم بها ول يطلع عليه فيقاتل عليها ،لكن نقاتل
ونقتل واحدا ً عرفناه بعينه ،أو عرفنا أمة أو قرية أو طائفة امتنعت عنه،
فنقاتلها قتال كفر وردة ،كما أجمع الصحابة بعد المناظرة مع أبي بكر
على أن يقاتلوا تاركي الزكاة كما يقاتلون المرتدين..
وقال عمر " لو لم نطع أبا بكر لكفرنا بغداة واحدة " بعد أن تذكروا
ل أبي بكر " :والله لقاتلن من فرق بين الصلة ن قو َ
وتنبهوا إلى أ ّ
ة وا الّز َ
كا َ َ
وأ َ َ
وآت َ ُ
صلةَ َموا ال َ
قا ُ ن َتاُبوا َ
فإ ِ ْ والزكاة " هو نفس منطوق الية:
]التوبة .[11:والحج يجب مرة واحدة في العمر ،ويجب على من
استطاع الزاد والراحلة ،وهذا ل نستطيع أن نعرفه -أيضًا -بسهولة ،لننا
لو جئنا وقلنا لمة من المم لم ل تحجون؟ قالوا :نحج السنة القادمة -إن
شاء الله -أو بعدها فل نستطيع أن نقاتلهم ،لكن لو قالوا :ل لن نحج هذا
البيت أبدًا ،لحكمنا بأنهم كفار ،وقاتلناهم قتال كفر وردة .
فهذه الركان الساسية الثلثة التي هي :شهادة أن ل إله إل الله وأن
محمدا ً رسول الله وهو الركن الول ،وإقام الصلة وهو الركن الثاني،
وإيتاء الزكاة وهي الركن الثالث الذي ورد النص صريحا ً في المقاتلة
عليها ،لنها هي التي تعطي الطابع العام للمجتمع أو للفرد ،أما الحج
والصوم فهذا حكمه بينه وبين ربه ،بخلف الصلة فنقاتله ونقتله إن أصر
على تركها ،وكذا الزكاة نقتله أو نأخذها منه قهرًا ،فإذا أخذنا الزكاة منه
قهرا ً وسكت وهو في قلبه كاره لذلك؛ فهو منافق بينه وبين ربه ،لكنه
في الحكام الدنيوية الظاهرة مسلم ،وزكاته أخذناها منه قهرا ً كما قال
النبي صلى الله عليه وسلم ) :إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات
ربنا ( .
والمام البخاري -رحمه الله تعالى -لما وضع كتاب التوحيد ،ذكر فيه أول
ما ذكر حديث معاذ لما بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن
فقال له ):إنك تأتي قوما ً من أهل الكتاب ،أو إنك تقدم على قوم من
أهل الكتاب من اليهود ،فليكن أول ما تدعهم إليه عبادة الله ( وهذا يدل
على دقة فهم البخاري ،وفقه البخاري في تراجمه وتبويبه .
الرواية الولى ) :فليكن أول ما تدعهم إليه عبادة الله ،فإذا عرفوا الله،
فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات ( .
الرواية الثانية ) :فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن ل إله إل الله ( .
الرواية الثالثة ) :فليكن أول ما تدعهم إلى أن يوحدوا الله ،فإذا عرفوا
ذلك ،فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات ( .
فمن مجموع هذه الروايات نفهم أن أول ما يجب أن يدعى إليه هو
التوحيد ،وهو شهادة أن ل إله إل الله .فالتوحيد هو أول ما ندعو إليه،
وعلى جميع الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى في كل زمان ومكان أن
يبدؤوا دائما ً بالتوحيد .فإن ذهبنا إلى قوم ل يعرفون التوحيد ،فأول ما
ندعوهم إليه التوحيد ،فإذا قالوها علمناهم معناها ولوازمها ،ومقتضياتها
وحقوقها وفروعها ،وإن ذهبنا إلى قوم يقولون أو يشهدون أن ل إله إل
الله ،فندعوهم أن يصححوا عقيدة التوحيد إن كان فيها خلل أو خطأ،
ولشك أنه مع تطاول القرون ،ومع دخول كثير من العجم وغيرهم في
هذا الدين ،ومع انتشار الجهل وفشو البدع والضللت ،صارت عقيدة
التوحيد فيها غبش يتفاوت كثرةً بحسب البلدان.
والحديث الخر } :أن النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم بعث
و الل ّ ُ
ه ه َ
ل ُ ُ
ق ْ رجل على سرية وكان يقرأ لصحابه في صلته فيختم بـ
د فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ،فقال سلوه َ
ح ٌ
أ َ
لي شيء يصنع ذلك؟
فسألوه ،فقال :لنها صفة الرحمن ،وأنا أحب أن أقرأ بها ،فقال النبي
صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله يحبه { .
وذلك لنه أحب صفات الله عز وجل ،فمن هنا نعرف أهمية توحيد
السماء والصفات .
أول ما يجب على كل مخلوق خلقه الله عز وجل هو:شهادة أن ل إله إل
الله ،هذا أول الواجبات.
ول شك أن شهادة أن ل إله إل الله أول الواجبات ،ولها معنيان ،وكل
المعنيين حق:
الول :أنها أول الواجبات ،بمعنى أول ما ندعو إليه من الواجبات ،وأول
ما نبدأ به هو :شهادة أن ل إله إل الله .
والثاني :أنها أول الواجبات ،بمعنى أهم الواجبات وأعظم شيء .إذا ً هي
أول ما نبدأ بها ،وهي أعظم شيء .
فإذا عرفنا أن التوحيد هو أول المر وآخره عرفنا أهميته .فهو الول من
ناحية البتداء ،والول من ناحية الهمية .
اختلف الناس في قضية أول واجب على المكلف ،وهذا الختلف هو
لهل البدع الذين خرجوا عن كتاب الله وعن سنة رسوله الله صلى الله
عليه وسلم ،وأعرضوا عن هذه اليات العظيمة التي مرت بنا -على
كثرتها -وأعرضوا عما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم رسله ،وأخذوا
بالنظر العقلي المجرد.
ونقول لهم أما إذا كان المقصود بالمعرفة عندكم معرفة أسماء الله
وصفاته وحقه على العباد وحق العباد عليه سبحانه وتعالى فهذه ل خلف
فيها ،ولذلك جاء في رواية للبخاري في كتاب الزكاة ) فإذا عرفوا الله
فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات ( فمعرفة الله هي :ذات
التوحيد ،لكن التوحيد أو المعرفة عندنا غير المعرفة العقلية عندهم ،فهم
يريدون معرفة عقلية فلسفية نظرية.
ا-العدل.
-2التوحيد.
-3الوعد والوعيد.
فمعرفة الله -كما وضعوا -تعني معرفته ذاتا ً مجردة من جميع الصفات
كما يريد الجهمية ،أو معرفته بماله من أسماء ،ول يثبت له أي صفة أبدا ً
كما يقول المعتزلة ،أو معرفته بأن نثبت له بعض الصفات ،إما سبعة ،أو
تسعة ،أو إحدى عشر ،أو ثلثة عشر ،كما يقول الشعرية .وننفي عنه
الباقي .هذه هي المعرفة التي يريدها أهل البدع .ويقولون :معرفة الله
-أي :معرفة وحدانيته.-
فنحن نقول :توحيد الله هو :إفراد الله بالعبادة ،لن التوحيد مصدر وحد
يوحد توحيدًا .فمعرفة وحدانيته هو :إفراد الله بالعبادة ،وأما وحدانية الله
عندهم فهم يقولون في كتب علم الكلم :هو نفي الكمية المتصلة ونفي
الكمية المنفصلة ،وهذا كلم فلسفي جاءوا به من الفلسفة اليونانية .
فالكمية المتصلة :أي :ننفي أن يكون هذا الله أبعاضا ً أو أجزاء ،فليس له
أجزاء ول أبعاض ،ول هو أرباع ول هو كسور .
والكمية المنفصلة :أي :هو واحد ،ل نقول اثنين ،ول ثلثة ،ول أربعة ،ول
خمسة ،فهو واحد ليس هناك كمية منفصلة عنه ول كمية متصلة به .
هذا هو التوحيد عندهم ،لذلك ل يكفرون من يعبد ويدعو غير الله ويذبح
لغير الله.
وهذا هو مفترق الطريق بيننا وبينهم ،فهم يرون أنهم موحدون ،لن الله
عندهم شيء واحد -ذات مجردة هلمية -هكذا .
فيقولون :هذا الرقم الواحد ليس أرباعا ً ول أثمانًا ،ول اثنين ول ثلثة ول
أربعة ،وهذا هو حقيقة التوحيد عندهم ،بل إذا قلنا :نثبت له صفات
كالعين ،أو الوجه ،أو اليد ،أو القدم ،قالوا هذه أبعاض ،والبعاض منفية،
لن الكمية المتصلة منفية ،كما أن الكمية المنفصلة منفية .فلنهم
ينفون صفات الله عز وجل ويثبتون أنه واحد يظنون أنهم هم الموحدون،
ونحن نثبت لله هذه الصفات ،وننهى عن الشرك بالله ،وندعو إلى توحيد
الله -وهو إفراده وحده بالعبادة والتوجه والتقرب .
فقالوا :أنتم مشبهون لنكم تثبتون هذه الصفات ،وتقولون لله أبعاض،
وأنتم تكفرون المسلمين ،لنكم تأتون إلى موحد يعتقد في الله هذا
العتقاد ،ولكنه يدعو غير الله حيث يدعو الولياء ويذبح للموات
وتقولون :هذا مشرك وهو لم يشرك .فالذين قالوا :إن أول ما يجب هو
التوحيد أو المعرفة يعنون بها توحيدهم ومعرفتهم .
وقال بعضهم :أول واجب هو النظر ،لن المعرفة تترتب على النظر،
فالنسان أول شيء يحصل منه هو النظر .والنظر معناه :التفكير .
والمسلم -عندهم -إذا بلغ التكليف مثل ً في هذه الليلة باحتلم ،أو إنبات،
أو بلوغ خمسة عشر سنة ،يجب عليه من هذه اللحظة -لحظة ما بلغ -أن
يفكر ،فيقول :هذا العالم حادث ،وكل حادث لبد له من محدث ،وهذا
العالم متغير ،والمتغير حادث ،والحادث لبد له من محدث .والمحدث هو
الله ،ويعيد المقدمات حتى يتأكد أن المحدث هو الله ،ثم يعرفه بأنه
واحد ،ل هو أبعاض ول هو أعداد ،فإذا عرف هذا الشيء فقد وحد وأصبح
مسلمًا .والعجيب أنهم بحثوا في حكم من مات في أثناء النظر على أي
دين يموت؟
وأطالوا الكلم في هذا كما في كتاب الرشاد للجويني -فيا سبحان الله-
كيف نضع الصول الفاسدة ،ثم نركب عليها لوازم باطلة ،ثم يتشعب
الباطل حتى نجد باطل كام ً
ل؟!
فأول واجب عندهم هو النظر ،كما قال الجويني ،وابن فورك ،وكلهما
من أئمة الشعرية .
وهناك قول رابع جاء به أبو هاشم الجبائي شيخ المعتزلة في زمانه
فقال :أول ما يجب على النسان :هو الشك .لنك إذا شككت وصلت إلى
اليقين .على طريقة ديكارت حيث قال" :أنا أفكر؛ إذا ً أنا موجود" هذه
النظرية كانت أعظم نظرية ،وأعظم فتح في تاريخ الفلسفة الوروبية
والعالم الغربي-كما يقولون ،-حيث تحرر من قيود الرجعية ومن قيود
الفلسفة الكلسيكية بهذه القاعدة العظيمة "أنا أفكر؛ إذا ً أنا موجود" .
فالشك في الشياء أو السفسطة -وهو إنكار حقائق الشياء -مخيم على
أذهانهم ،وأن كل ما نراه الن قد يكون حقا ً وقد يكون غير موجود.
فابتلهم الله تعالى بالشك والزيغ في قلوبهم.
فاعتبروا نظرية ديكارت انتصارًا؛ لنه قال" :أنا أفكر؛ إذا ً أنا موجود"
وخرج يصيح ويقول" :أنا أفكر .إذا ً أنا موجود" فانظروا ما مقدار النعمة
التي أكرمنا الله تعالى بها لما أعطانا هذا الوحي ،ولم يكلنا إلى زبالة
أذهان هؤلء المتهوكين أئمة الضللة؟! فلو خرج أحد منا من بيته وقال:
"أنا أفكر .إذا ً أنا موجود" .لقلنا :إنه مجنون .وهم إذا جاءتهم دعوة
النبياء وأتباع النبياء قالوا :أنتم مجانين.
فأول شيء كما قال أبو هاشم الجبائي :أن نشك في كل شيء ،وبعد
الشك نبدأ في اليقين ،ثم نستدل بحدوث العالم على وجود الله ،ثم
نعتقد أن الله موجود ،ثم نعرف ما يجب لله من التوحيد على منهجهم
الذي هو منهج المعتزلة .
ومع ذلك سنرد عليهم بمنطقهم العقلي وحججهم النظرية ،وهنا لفتة:
وهي أن أصحاب الكلم جميعا ً يقولون :إننا ندافع عن السلم في وجه
أعداء الدين من الملحدة والفلسفة العقليين الذين يقولون" :كل
الديان تقليد" ،فالمسلم لنه عاش في دار السلم وولد فيها صار
مسلمًا؛ وكذا اليهودي والنصراني ،والتقليد لينفع ،بل ل بد أن نقيم ديننا
على حجج وبراهين وننبذ التقليد .
فقال علماء الكلم :ونحن ليس عندنا تقليد أبدًا ،فإننا نقول أول ما يجب
على النسان هو أن ينظر ،أو يشك حتى نحرر عقله .
وأما من يعيش في بادية وهو أمي ،ويعبد الله عز وجل ويقوم بجميع
الواجبات والفرائض دون أن يستدل بالعقل على وحدانية الله كما
يريدون ،فهذا يسمى مقلدًا ،وقد اختلفوا في إيمان المقلد كما مر،
فقال بعضهم :ل يثبت له إيمان .وقال بعضهم :إنه عاصي .وقال بعضهم:
إنه معذور.
ل :كيف رضيتم أن يسوى بين السلم ،وبين غيره من الديان الباطلة أو ً
د أبدًا ،بل كل مسلم ليسالمحرفة؟ فإن من ولد على السلم ليس بمقل ٍ
بمقلد في أصل الدين -أي في إيمانه بالله -إل على المعنى الذي سنذكره
-إن كان يسمى تقليدًا ،-لن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ) :كل
مولود يولد على الفطرة ( ) كل مولود يولد على الملة ( وفي رواية) :كل
مولود يولد على هذه الملة ( ،فنحن نجزم ونعلم أن أولد
اليهودوالنصارى ،وأولد المجوس كلهم يولدون على هذه الملة ،ولذلك
قال ) :فأبواه يهودانه ،أو ينصرانه ،أو يمجسانه ( ولم يقل يمسلمانه .ثم
قال صلى الله عليه وسلم ) :كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل ترون
فيها من جدعاء ؟ ( فالبهيمة ل تولد مقطوعة الذن ،أو عليها علمات
مميزة ،وإنما تولد جمعاء .فالذي يشرط ويقطع الذن ،ويجعل علمة
معينة لنتماء معين هو المجتمع أو التربية؛ بحيث يربى على اليهودية ،
فيصير يهوديًا .وإل فهو في أصله ولد على السلم.
فمن هو المقلد؟
وما هو التقليد؟
فنحن وهم متفقون على أن التقليد هو :اتباع الغير بل حجة ،لذا لو قلت
له :أنا اتبعك في كل ما تقول ،فإنه سيقول :ل تقلدني .لكن لو قلت :ما
هي براهينك؟ فقال :كذا وكذا .
فإنه سيقول :ل ،أنت لست مقلدًا؛ لنك آمنت واتبعتني بعد ما عرفت
براهيني.
وهل هناك حجة أعظم من اتباع النبياء ومن الوحي الذي أنزله الله؟!
وما من نبي إل وأتى بآيات بينات خارقات على أنه نبي من عند الله ،وما
ذب إل وأهلك الله عز وجل المكذبين ودمرهم ،وأنجى المؤمنين من نبي ك ُ ّ
ن
كو َوأنجى نبيهم .فالحجة هي في إرسال الرسل .قال تعالى :ل ِئ َّل ي َ ُ
هفل ِل ّ ِل َ
ق ْ ُ ل ]النساء [165:وقال تعالى: س ِ
عدَ الّر ُ
ة بَ ْ
ج ٌ
ح ّ عَلى الل ّ ِ
ه ُ س َ ِللّنا ِ
غة ]النعام [149:فكيف تقولون :إننا نأخذ كلم الغير بل حجة ة ال َْبال ِ َج ُ ال ْ ُ
ح ّ
ونحن نتبع أنبياء الله ورسله ،ونتبع اليات والبراهين البينات التي نجدها
في الكتاب والسنة؟
ثانيا ً :القرآن العظيم قد جاء بالحجج العقلية النظرية مثل ما جاء بالحجج
النقلية ،وهو واضح لكل من يقرأه ويتدبره ،فلم يذكر في القرآن وجود
الله ول اليمان باليوم الخر مجردًا ،بل جاء ذكرها بما يهز العقل
والفطرة هزا ً شديدًا.
أفل ينظرون؟!
أفل يتدبرون؟!
أفل يتذكرون؟!
آيات عظيمة! ويستدل الله علينا ويحتج بأنه قادر على إحياءنا بعد الموت
بالحجج السمعية والخبرية ،وكذا بالحجج والبراهين العقلية .ولذلك لم
يثبت ولم يصمد أمام أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ول التابعين أي
مناظر من الملحدين أبدًا ،بل كانوا يفتحون قلوب المم والشعوب قبل
أن يفتحوا بلدهم ،لن النور الذي يحملونه معهم يضيء لتلك القلوب
مه ْ
ر ِ
هو ِ ن ظُ ُ م ْ
م ِ ن ب َِني آدَ َ م ْ ك ِ خذَ َرب ّ َ وإ ِذْ أ َ ََ فيظهر الميثاق الفطري:
قاُلوا ب ََلى َ َ عَلى أ َن ْ ُ وأ َ ْ
هدَْنا ش ِ م َ ت ب َِرب ّك ُ ْ س ُ م أل َ ْ ه ْ س ِ ف ِ م َه ْ
هد َ ُ
ش َ م َ ذُّري ّت َ ُ
ه ْ
]العراف [172:فهم شاهدون ومقرون ،فإذا جاء هذا المبلغ عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى التوحيد ،تطابقت هذه الدعوة مع
فطَْر َ
ت حِنيفا ً ِ ن َ دي ِ ه َ
ك ِلل ّ ج َ
و ْ
م َ ق ْ فأ َ ِ َ الفطرة تمامًا ،ولذلك قال الله تعالى:
ق الّله ]الروم [30:فهذا الدين خل ِ
ل لِ َ ْ دي َ ها ل ت َب ْ ِ عل َي ْ َ فطََر الّنا َ
س َ ه ال ِّتي َ الل ّ ِ
منقوش في الفطرة ل يبدله أحد ،ثم يأتي النبياء بما يصدق ويؤيد هذه
الفطرة ،فليس في المر إذن تقليد مطلقًا ،وإنما هو حجج عقلية.
فالفقهاء مثل ً متفقون على أنه إذا بلغ الصبي ل يجب على وليه أن
يقول له :قل ل إله إل الله .لنه ولد على السلم ،فهو مسلم بالفطرة
وبالتباع لبويه ،وهما مسلمان ،بل يغلب جانب السلم دائمًا.
فلو وجدنا لقيطا ً مرميا ً في بلد الكفار ،فإننا نفترض في هذا اللقيط
السلم ،ونأخذه ونربيه على أنه مسلم ،ونسميه محمدًا ،ول ندعه للكفار
أبدًا؛ لن الصل في كل مولود هو السلم ،وهو مولود على هذه الملة .
وهذا الكلم تجده عند أصحاب البدع في كتب فقههم؛ حيث تجد بعضهم
من أرباب الفقه وأرباب الكلم.
فإذا جاء في الفقه ذكر هذا الكلم ،وإذا جاء في علم الكلم قال :لبد من
ترك التقليد ،وهل يكفر المقلد أو ل يكفر؟ ...إلخ ،كأنه يشرح لمة أخرى
غير أمة محمد التي يشرح لها الفقه .
فأول واجب على المكلف هو :القرار بالشهادتين والنطق بهما ،وهو
أخص من القول ،فالنطق :مجرد إخراج الحروف ،أما القول فهو في
اللغة العربية :يطلق على الفعل ،فإذا حرك رجل يده تقول :وقال بيده
هكذا ،كما جاء في الحديث ):وقال بيديه هكذا ( فل يكون النسان مسلما ً
أبدا ً إل إذا شهد أن ل إله إل الله ،وليس في هذا خلف -ولله الحمد -بين
علماء السنة والجماعة ،ول بين الفقهاء ،إل لما ظهرت البدع ،فقالوا :إن
اليمان يكون في القلب ،ول يشترط أن ينطق بلسانه ،ولذلك قال بعض
المؤلفين :إن من عرف الله بقلبه ولم يشهد أن ل إله إل الله ولم ينطق
و عند الله ول يعذبه؛ لن التصديق حصل عنده ،وهذا بها ،يمكن أن ينج َ
كلم باطل مخالف للجماع المنعقد من عهد النبي صلى الله عليه وسلم
إلى اليوم من أهل السنة والجماعة ،وهو :أن النسان ل بد له أن يشهد
أن ل إله إل الله ،ولبد له -أيضا -أن يؤدي الصلة والزكاة ظاهرًا؛ حتى
يكون له حكم السلم ،ول يهم إن كان في قلبه غير مقر بها ،فإننا لم
نؤمر أن نشق عن قلوب الناس .
وهناك فرق بين أحكام المرتد ،وبين أحكام الكافر الصلي كاليهودي أو
النصراني ،فمن شهد أن ل إله إل الله ،وقال :أنا مسلم ،أو فعل شيئا ً
من خصائص السلم ،ثم نكث وكفر فحمل الصليب مث ً
ل ،أو سجد لغير
الله ،فهذا مرتد يقتل ،بخلف الثاني فإنه على دينه من الصل.
قال المصنف رحمه الله تعالى ] :وهاهنا مسائل تكلم فيها الفقهاء :كمن
صلى ولم يتكلم بالشهادتين ،أو أتى بغير ذلك من خصائص السلم ،هل
يصير مسلمًا؟ الصحيح أنه يصير مسلما ً بكل ما هو من خصائص السلم [
قال عمر رضي الله عنه" :لو أنني بعثت جيشا ً فحاصروا حصنا ً من العجم،
فخرج منهم رجل من الحصن المحاصر ،فرفع يديه إلى السماء وأشار
بإصبعه ،فقتلهم المسلمون -لقتلتهم ،أو وديتهم " -أي :إما أقتلهم أو
أدفع دياتهم -لنه أشار بالتوحيد ،وهي قرينة تدل على السلم .فهذا هو
القول الصحيح.
فلو رأينا إنسانا ً يصلي فهو مسلم ،لنه فعل خصيصة من خصائص
السلم .هذا بالنسبة للفرد ،وبالنسبة للدار نعرف أنها دار إسلم أو دار
كفر بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ) أنه كان يبعث الجيش أو السرية
في الليل ،فيبيتون قريبا ً من العدو ،فإن سمعوا الذان وإل أغاروا (
فالبلد الذي يؤذن فيه هو بلد إسلم ،ثم بعد ذلك نتعرف عن بقية
الحكام ،فقد تكون جالية مسلمة فقط ،والكفار هم الكثرية ،فهناك
علمات مبدئية ،ثم بعد ذلك يأتي البحث والستقصاء ،ويأتي اللزام
بالشريعة والتمسك بها .فإثبات السلم للنسان يثبت على القول
الصحيح بأي شيء من خصائص السلم ،وعادات المسلمين وأحيانا ً قد
ل :لو دخلت بيت إنسان ،وإذا هو معلق تكون قرائن ،ولكنها ضعيفة .فمث ً
صورة الكعبة على بيته ،أو فيها سجادة وبجوارها مصحف ،وأنت لم تجد
فيها إنسانًا ،فإنك تستشعر حتى ولو كنت في بلد كفر أن هذه الغرفة
يسكنها إنسان مسلم ،فلو جاء وقال :السلم عليكم .تأكدت أن هذا
مسلم ،ول يعني هذا أنك تشهد له أنه من أهل الجنة ،أو أنه كامل
اليمان .فهذا مجرد إثبات مبدئي للحكام ول يعني الشهادة له بالجنة ،أو
بكمال اليمان .
وفي بعض الحاديث زيادة ،كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم في
الحديث الصحيح ) :فإذا صلوا صلتنا ،واستقبلوا قبلتنا ،وأكلوا ذبيحتنا،
قال :فهم المسلمون ،أو فهو المسلم له مالنا وعليه ما علينا ( فأكل
ذبيحة المسلمين معناه :أنه دخل في دين السلم ،لننا ل نأكل ذبائح
المشركين ،ولنفترض أن المشركين ل يأكلون ذبائحنا ،فهو المسلم ،له
مالنا وعليه ما علينا من حقوق ومعاملت دنيوية ،أما ما بينه وبين الله عز
وجل فهذا حسابه إلى الله ،ونحن إنما نعامل الناس بالحكام الظاهرة،
ولذلك من قال :ل إله إل الله ولو كان في المعركة كان له حكم السلم،
كما في حديث أسامة }بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من النصار رجل
منهم فلما غشيناه قال ل إله إل الله فكف النصاري عنه فطعنته برمحي
حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أسامة
أقتلته بعد ما قال ل إله إل الله قلت كان متعوذا فما زال يكررها حتى
تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم {.
لذا لما اقتتل الصحابة ووقعت الفتنة بينهم ،اعتزل أسامة جميع الفرق،
ولم يقاتل ،مع حبه لـعلي رضي الله عنه حتى قال لـ علي :لو كنت في
شدق السد لوددت أن أكون معك إل في هذا المر .لنه قد التزم أن ل
يقاتل مسلما ً أبدا ً بعدما قال له النبي صلى الله عليه وسلم) :أشققت
عن قلبه؟! (.
ذكر الحافظ ابن حجر -رحمه الله -في شرح كتاب التوحيد من صحيح
البخاري كلم أئمة الشاعرة في قضية النظر ،فذكر كلم أبى جعفر
السمناني -وهو من أئمة الشاعرة الكبار -أنه قال ) :مسألة أول واجب
هو النظر أو بداية النظر أو أجزاء النظر ،هذه المسألة بقيت في مذهب
الشعري من المعتزلة ( .
والنسان قد يعود إلى الحق عودة إجمالية ،لكن ل يعرف تفاصيل هذا
الحق ،كما حصل لـأبي الحسن الشعري ،كما قد يعيش مفكرا ً كبيرا ً في
الشيوعية ،أوفي اليهودية ،ثم يقرأ عن السلم ،فيدخل فيه ،فل يعني
دخوله في السلم أنه عرف جميع تفاصيل السلم،فـعلماء الكلم من
ل ،وقد رجع منهم إلى عقيدة أهل السنة والجماعة إنما كان رجوعا ً مجم ً
ل يتاح له أن يعرف تفاصيلها.
فمث ً
ل :أبو حامد الغزالي -وهو من هو في العلم والتبحر -مات وصحيح
البخاري على صدره مع أنه أفنى عمره في كتابات كثيرة في التصوف
وعلم الكلم ،وفي آخر أمره اقتنع أن علم الكلم ل يصلح ،وألف كتاب
إلجام العوام عن علم الكلم .
فإنه قبل موته بدأ في طريق الحق ،ول يقتضي ذلك أنه عرف الحق كله،
فكذلك أبو الحسن الشعري رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة في
الجملة ،فكلمه في أول ما يجب على النسان وهو النظر من بقايا
العتزال .
أما الول فإن نفاة الصفات أدخلوا نفي الصفات في مسمى التوحيد
كـالجهم بن صفوان ومن وافقه ،فإنهم قالوا :إثبات الصفات يستلزم
تعدد الواجب ،وهذا القول معلوم الفساد بالضرورة ،فإن إثبات ذات
مجردة عن جميع الصفات ل يتصور لها وجود في الخارج ،وإنما الذهن قد
يفرض المحال ويتخيله وهذا غاية التعطيل وهذا القول قد أفضى بقوم
إ َِلى القول بالحلول أو التحاد ،وهو أقبح من كفر الّنصاَرى ،فإن الّنصاَرى
ء عموا جميع المخلوقات. ه ُ
ؤل ِ خصوه بالمسيح ،و َ
ومن فروع هذا التوحيد :أن فرعون وقومه كاملو اليمان عارفون بالله
عَلى الحقيقة.
َ
عَلى الحق والصواب وأنهم إنما عبدوا الله ومن فروعه أن عباد الصنام َ
ل غيره .ومن فروعه :أنه ل فرق في التحريم والتحليل بين الم والخت
والجنبية ،ول فرق بين الماء والخمر ،والزنى والنكاح ،الكل من عين
واحدة ،ل بل هو العين الواحدة .ومن فروعه أن ال َن ْب َِياء ضيقوا َ
عَلى
عاَلى الله عما يقولون علوا ً كبير[ .
الّناس ت َ َ
الشرح:
عَلى جهلهم ومكابرتهم ،وإل فإنهم ل يتحرجون من وهذه الشبهة دالة َ
البدع حتى يقولون :إن هذا التقسيم بدعي ،ولكن نقول لهم مع ذلك :إن
أقسام التوحيد الثلثة نقرأها في كل ركعة من صلتنا ،فإذا قرأنا:
ن
م ِح َن فهذا توحيد الربوبية ،وإذا قرأنا الّر ْ مي َعال َ ِ
ب ال ْ َه َر ّ مدُ ل ِل ّ ِح ْال ْ َ
د
عب ُ ُ م إذا قرأنا بعد ذلك إ ِّيا َ
ك نَ ْ حيم ِ فهذا توحيد السماء والصفات ،ث ُ ّ الّر ِ
ن فهذا توحيد اللوهية أو توحيد العبادة. عي ُست َ ِك نَ ْ وإ ِّيا ََ
فمن أهمية هذه القسام الثلثة أننا نرددها في كل فريضة ،وهي في
س
ب الّنا ِ ل أَ ُ
عوذُ ب َِر ّ ُ
ق ْ القرآن ،وكذلك آخر سورة في القرآن ،فإذا قرأنا
س فهذا يشمل توحيد الربوبية .إ ِل َ ِ
ه ك الّنا ِ
مل ِ ِ
َ فهذا توحيد الربوبية.
س فهذا يشمل توحيد اللوهية ،وتشمل اليات توحيد السماء الّنا ِ
والصفات ،لنه سمى نفسه ربا ً وملكا ً وإلهًا .فالقرآن من أوله إ َِلى آخره
توحيد ،وصلتنا في كل ركعة نذكر فيها التوحيد بأنواعه الثلثة ،وعلماء
السلم فهموا هذا الفهم ،ولذلك من ألف منهم في التوحيد كـابن مندة
-وهو من العلماء المتقدمين -ذكر هذه النواع الثلثة في القرن الرابع،
ة ول غيره.مي ّ َ
ة ِ
مي ّ َ
سلم ِ اْبن ت َي ْ ِ فليس هذا التقسيم من اختراع َ
شْيخ ال ِ ْ
فأنواع التوحيد ثلثة جاءت في الكتاب والسنة ،كما في الحديث عن
عَلى م بعث رجل َ سل ّ َ و َ ه َ عل َي ْ ِ
ه َ عْنها أن النبي صّلى الل ُ ه َ ي الل ُ
ض َ
ة َر ِ عائ ِِ َ
ش َ َ
َ
د فلما ح ٌ
هأ َو الل ّ ُ
ه َ
ل ُ ق ُْ سرية وكان يقرأ لصحابه في صلته فيختم ب
ل سلوه لي شيء قا َ ف َ
م َ سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ رجعوا ذكروا ذلك للنبي صّلى الل ُ
ه َ
قا َ
ل ف َ
ل لنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها َ قا َف َيصنع ذلك فسألوه َ
م أخبروه أن الله يحبه( . سل ّ َ
و َه َ عل َي ْ ِ
ه َالنبي صّلى الل ُ
عَلى
إذا ً توحيد السماء والصفات معروف لدى السلف الصالح ،والدلة َ
ذلك كثيرة ،وسورة الخلص تعدل ثلث القرآن؛ لنها صفة الرحمن،
ومعنى هذا أن توحيد السماء والصفات هو ثلث التوحيد ،والثلث الثاني
هو توحيد الربوبية ،والثلث الخير هو توحيد اللوهية.
ف أما بيان التوحيد الول ،فإن نفاة الصفات أدخلوا نفيمصن ّ ُ يقول ال ُ
الصفات في مسمى التوحيد ،فالتوحيد عند الجهميةالمعتزلة :أن ننفي
جميع الصفات مع إثبات السماء ،عليم بل علم ،قدير بل قدرة ،مريد بل
عَلى
إرادة ،عزيز بل عزة ،هكذا يقول المعتزلة من عند أنفسهم افتراء َ
ج ّ
ل. و َ
عّز َ الله َ
عاَلى قد جعل القول عليه بغير علم في درجة بعد درجة وت َ َك َوالله ت ََباَر َ
هامن ْ َهَر ِ ما ظَ َ ش َ ح َ وا ِ ف َ ي ال ْ َم َرب ّ َ حّر َما َ ل إ ِن ّ َق ْ ُ ل:قا َالشرك في الزجر ،ف َ
َ
ه
ل بِ ِ ما ل َ ْ
م ي ُن َّز ْ ه َ كوا ِبالل ّ ِ ر ُ ن تُ ْ
ش ِ وأ ْ ق َ ح ّ ر ال ْ َ غي ْ ِ
ي بِ َغ َوال ْب َ ْ
م َواْل ِث ُ ّ ما ب َطَ َ
ن َ و َ َ
َ ّ َ ُ ن تَ ُ َ م َ ً َ ْ
ن
مو َ عل ُ ما ل ت َ ْ ه َ على الل ِ قولوا َ وأ ْ َ ل:قا َ سلطانا ]العراف [33:ث ُ ّ ُ
ج ّ
ل، و َ عّز َ ]العراف [33:فهذا أعظم من الشرك .فالمشرك يعبد غير الله َ
عَلى الله بغير علم أعظم من مجرد هذا المشرك؛ لنه لكن من يقول َ
ل.ج ّ و َ عّز َ عَلى الله َ ظر لهذا الشرك ،ويفتري َ يقنن ،وين ّ
فنفاة الصفات جعلوا التوحيد هو :نفي الصفات ،فقالت الجهمية :إثبات
الصفات يستلزم تعدد الواجب.
عاَلى
فالواجب عندهم هو :واجب الوجود ،فـالفلسفة يسمون الله ت َ َ
واجب الوجود ،ويقولون :الموجودات تنقسم إ َِلى ثلثة أقسام :واجب،
وممكن ،ومستحيل ،من حيث الوجود .فواجب الوجود هو :ما يوجد بذاته
ل .والممكن: ج ّ
و َ مستغنى عن غيره وغيره مفتقر إ َِلى وجوده ،أي الله َ
عّز َ
وجود المخلوقات ،والمستحيل :وجود واجبين ،كما هو مستحيل وجود
إلهين -مث ً
ل.-
ج ّ
ل ،فل يثبتون له إل و َ
عّز َ
فواجب الوجود عندهم -كما يقولون -هو الله َ
أنه واجب الوجود ،وأنه موجود في عالم المثال -أي :في الذهن -فل
يثبتون أي صفة وجودية -كما قلنا -حتى ل يتعدد ويصبح في عالم الواقع،
حيث ننفي الكمية المتصلة والكمية المنفصلة ،فنقول :بإثبات ذات
مجردة عن جميع الصفات.
وهذا في الحقيقة ل يتصور له وجود في خارج الذهن ،بحيث نثبت ذات
ليس لها أي صفة .فكل شيء له وجود لبد أن يكون له صفات ،فنقول
ل :هو طويل ،عريض ،ضخم ،أحمر أو أبيض ،فلبد له من وصف مادام مث ً
موجودا ً في الخارج .فواجب الوجود الذي يتكلم عنه الفلسفة غير موجود
أبدًا ،إل في أذهان الفلسفة فقط.
• نفي الصفات أفضى إلى الحلول والتحاد
صّنف قضية خطيرة وهي :أن هذا القول قد أفضى بقوم إ َِلى القول
م ْ ثُ ّ
م ذكر ال ُ
بـالحلول والتحاد ،وهذه أخطر من مجرد نفي الصفات.
ل يخرج من الملة؛ لنه تكذيبج ّ
و َ
عّز َ
فنفي الصفات كفر بالله َ
لكتاب الله ،ولكن أكفر منه مذهب الحلول والتحاد الذين يقولون :ل
يوجد متعينا ً في الخارج.
ل: ءف َ
قا َ ه ُ
ؤل ِ صّنف ما يلزم قول َ
م ْ ثُ ّ
م ذكر ال ُ
]من فروع هذا التوحيد أن فرعون وقومه كاملوا اليمان عارفون
ل فهو مؤمنج ّ
و َ عَلى الحقيقة[ أي :أن كل من أنكر الله َ
عّز َ بالله َ
عَلى ]النازعات [24:صدق .فهذا َ
م اْل ْ َ
بالله .وقولفرعون :أَنا َرب ّك ُ ُ
ن صادقا ً هو لزم قولهم ،بل صرح بعض الصوفية بأنفرعون َ
كا َ
عَلى ]النازعات ،[24:لنه ليس في الوجود م اْل َ ْ َ
عندما قال :أَنا َرب ّك ُ ُ
إل هو ،فهو تكلم عن ذات الحقيقة ،وهو من الوجود لم يكذب،
ولذلك ألفوا كتابا ً في إثبات إيمان فرعون .وقال بعضهم :إنفرعون
أصل ً لم يكفر ولم يشرك ،وكل من عبد الصنام ،أو عبد الكواكب ،أو
عبد الحجار ،فإنه لم يعبد غير الله ،وإنما اختلفت المسميات ،أو
اختلفت النظار ،ومراد الكل واحد.
ء كالحمير التي ه ُ
ؤل ِ وكان يقف بالطواف والّناس يطوفون ويقولَ :
تدور في الطاحون ،فقالوا له :لم تتعبد عند الكعبة مادمت تقول
هذا الكلم ،ف َ
قا َ
ل :انتظر الوحي.
سل ّ َ
م وقد انقطع الوحي. و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ مد َ
ح ّ
م َ
فقالوا :ل وحي بعد ُ
ل :لقد ضيق ابن آمنة واسعًا. ف َ
قا َ
والتحاد :أن تقترن ذات بذات حتى تصبح شيئا ً واحدًا ،فالذين قالوا:
إن الله في كل مكان يقولون :هو حال بذاته في هذه المكنة وهو
قول الحلولية ،أو يقولون :اتحد بهذه المكنة فأصبح شيئا ً واحدا ً
وهو قول التحادية .
ج ّ
ل قالوا بالحلول في حق و َ
عّز َ
فـالمتكلمون الجهلة بصفات الله َ
عاَلى في كل مكان.
الله وأنه ت َ َ
ك الذين قالوا بالتحاد فهم أصل ً أصحاب نظرية الفناء أما ُأول َئ ِ َ
ب إليه، م ي ُت َ ْ
قر ُ م ُيعبد ث ُ ّ
الهندية الصوفية الذين قالوا :إن الله ُيعبد ث ُ ّ
وتصفى الروح تماما ً بالزهد والعبادة والمشي في الفلوات وسكنى
المغارات وغير ذلك ،حتى تتحد بالذات اللهية الواحدة وتصبح شيئا ً
واحدًا.
صاَرى قالوا :إنه ودين الصوفية أعظم شرا ً من الن ّ َ
صاَرى ،لن الن ّ َ
ء قالوا :إنه حل أو اتحد بكل شيء ،فكل ؤل ِ عاَلى حل بالمسيح .و َ
ه ُ تَ َ
شيء هو عينه وهو ذاته ،وفي ذلك يقولابن عربي :
يا ليت شعري من المكلف العبد رب والرب عبد
أو قلت رب أنى يكلف إن قلت عبد فذاك رب
وكما قال في أبيات أخرى:
ويعبدني وأعبده فيحمدني وأحمده
وكما قال في أبيات أخرى:
ركائبه فالحب ديني أدين بدين الحب أنى توجهت
وإيماني
يعني :محبة الله أو العشق اللهي المطلق ،وهي محبة الزنادقة كما
قال علماء السلف ) :
من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ،ومن عبد الله بالخوف وحده
فهو حروري خارجي ،ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ ،ومن
عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو المؤمن الحنيفي (.
فمن تأثر بعلماء الكلم إ َِلى حد التجهم ونفى جميع الصفات ،من
الممكن أن يصبح عند الصوفية اتحاديا ً وحلوليًا ،لنه لم يكن يثبت
قاُلوا :هذا الوجود شيئا ً إل وجودا ً مطلقًا ،فأتى عند الصوفية َ
ف َ
المطلق الذي ل صفة له هو هذه العيان الموجودة.
لنه عندما قال أفلطون :إن هناك عالم الموجودات وعالم المثل
لم يره أحد ولم يسمع به أحد إل أفلطون ،وعالم أعيان مشاهد
ن موجودا ً هذا الرب الوجود ،فالحقيقي هو هذه العيان .فلو َ
كا َ
الذي يقوله أفلطون ،فهو هذا الوجود الحقيقي الذي نراه بالعين،
ومن هنا قالوا :إن كل العباد والعقائد والديان هي تهدف إ َِلى شيء
واحد وإلى حقيقة واحدة ،هي حقيقة الوجود وحقيقة الموجودات؛
حد.دد في الشارة وبعضهم و ّ
لكن بعضهم ع ّ
فهم يقولون كما يقول شاعرهم :ما في الوجود حقيقة إل هو،
سان عَلى ذلك بعبارات روحانية فيقولون :إن ا ِ
لن َ والصوفية يزيدون َ
إذا نظر بعين البصيرة والتأمل رأى أن هذا كله سراب ،فالبشر
والحجارة لوجود لها أص ً
ل ،إنما الوجود الحقيقي هو الله.
ومن فروع هذا الكلم أو التوحيد عندهم :أن فرعون وقومه كاملوا
عَلى الحقيقة ،ولذلك صرح ابن عربي اليمان ،عارفون بالله َ
عَلى ]النازعات [24:لم يكن َ
م اْل ْ َ
ل :أَنا َرب ّك ُ ُ بأنفرعونعندما َ
قا َ
مخطئًا ،ولم يقل إل الحق ،لنه ليس في الوجود إل هو ،فهو تكلم
عن ذات الحقيقة الكلية وعن ذات الوجود.
فإن قلت :خالق ومخلوق ،وعابد ومعبود ،فهذا شرك لنك عددت.
وهذه كلها مرجعها إ َِلى شيء واحد وهو :قضية الفناء الصوفي التي
عَلى قضية كلمية. بنيت َ
الشرح:
هذا الكلم كله في قضية واحدة معلومة لدى الجميع وهي :أن الله
عاَلى -خالق كل شيء وحده ل شريك له.وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
ُ -
• إثبات وجود الله قضية فطرية
وهذه القضية بديهية فطرية ،وهي توحيد الربوبية الذي أتى به النبياء ،ولمعرفة
حقيقة الفلسفة اليونانية فـأفلطون وأرسطو وغيرهم من أئمة الضلل في
العالم لم يكونوا ممن ينكر وجود الله ،بل هم وضعوا نظريات لثبات وجود الله،
ولكن لما كانوا ضالين وكاذبين ومفترين وتخيلوه عََلى غير حقيقته ،فهم كفار
لنهم لم يتبعوا شرائع النبياء ،فلم ينفعهم إثبات وجود الله ،لنهم غير موحدين
عََلى دين النبياء.
والمتكلمون الذين ورثوا هذه الفلسفات من المعلم الول أرسطو ،
قالوا :أعظم آية هي التيان بحجج تقرر بأن الله موجود ،فأتوا
بدليل التمانع وأتعبوا أنفسهم في تقرير ذلك ،وسيمر بنا -إن شاء
الله.-
ولذلك عندما يقول المتكلمون :إن الله واحد في ذاته وفي صفاته
وفي أفعاله ،غير متعدد ول متبعض ،فهم يقصدون بواحد في
صفاته أنه ليس له صفة ،وواحد في أفعاله أن كل ما في الكون هو
فعله وحده ل يشاركه أحد ،فـفرعون أنكر وجود الله ،ولكنه لم يقله
هادوا ب ِ َح ُج َ
و َ
َ عاَلى يقول: عن اعتقاد ويقين في نفسه لن الله ت َ َ
وا ]النمل [14:وقال له موسى: عل ُ ّ
و ُم ظُْلما ً َ ه ْس ُ
ف ُها أ َن ْ ُ ست َي ْ َ
قن َت ْ َ وا ْ َ
صائ َِر َ ْ ّ ه ُ َ
ما أن َْز َ َ
لل َ َ
قا َ
ض بَ َوالْر ِ ت َوا ِ
ما َ
س َ
ب ال ّ ء إ ِل َر ّ
ءا ِ ؤل ِ ل َ ت َم َ عل ِ ْ
قدْ َ
وإني لظنك يا فرعون مثبورا ً ]السراء [102:فالخذلن الذي كتب
عليه هو الذي جعله يقول ذلك ،وإل فهو يعلم أن ما أنزل هذه
اليات إل الله ،وهو وإن جحد الله باللسان فهو مستيقن بربوبيته
بالقلب ،فالنفس قد تستيقن بالشيء ولكن تأبى القرار به مكابرة،
وهذا ل غرابة فيه ،لن من هم أعظم من فرعون في الدلئل أنكروا
عَلى
من هو أعظم أدلة من موسى وهم اليهود ،فلديهم من الدلئل َ
عَلى نبوة
م أعظم من أدلة فرعون َ سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ مد َ ح ّم َ
نبوة ُ
سلم ،ومع ذلك كفروا. عل َي ْ ِ
ه ال ّ موسى َ
سل ّ َ
م للحبر) :أينفعك شيء و َ
ه َعل َي ْ ِ صّلى الل ُ
ه َ وفي صحيح مسلم قال َ
ل الحبر) :أسمع بأذني( . ف َ
قا َ إن حدثتك؟ َ
سل ّ َ
م من ذرية إسماعيل ولم و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ فالمشكلة عندهم أنه َ
يكن من ذرية إسحاق وداود.
وكذلك كفار قريش لما جحدوا نبوة النبي صلى الله عليه وسلم
شيَرت َ َ
ك َ
ع ِ
ذْر َ
وأ ن ْ ِ
َ كانوا يعلمون صدقه ،كما في الحديث } :لما نزلت
ن ]الشعراء [214:صعد النبي صلى الله عليه وسلم على اْل َ ْ
قَرِبي َ
الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى
اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسول لينظر
ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيل
بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ،قالوا :نعم ما جربنا
عليك إل صدقا ،قال :فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ،فقال
أبو لهب :تبا ً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا {.
صّلى الل ُ
ه وكذلك }لما نزلت أول سورة فصلت وقرأها عليهم النبي َ
ق ْ َ ن أَ ْ
ةق ًع َ
صا ِ م َ ل أن ْذَْرت ُك ُ ْ ف ُضوا َ عَر ُ م إ َِلى قوله تعالىَ :إ ِ ْ سل ّ َو َ عل َي ْ ِ
ه َ َ
مد ناشدتك ح ّم َ ل عتبة) :يا ُ قا َ د ]فصلت [13:ف َ وث َ ُ
مو َ عاٍد َ ة َ
ق ِع َ صا ِ
ل َ مث ْ َ ِ
الله والرحم( فخاف مع ادعائه أنه كذب وسحر وأساطير الولين،
ن
دو َ
ح ُج َ ه يَ ْت الل ّ ِ ن ِبآَيا ِ مي َ ن ال ّ
ظال ِ ِ ول َك ِ ّك َ م ل ي ُك َذُّبون َ َ ه ْ َ
فإ ِن ّ ُ قال تعالى:
]النعام.[33:
عَلى
ن الّله! أليس يقدر الله أن يغفر لهم ول يعذب ابنه َ
سْبحا َ
ُ
زعمهم؟!
ه الل ّ ُ
ه] :مع ذلك هم ل يقولون إن الله ل ينفصل م ُ
ح َ
ف َر ِ
صن ّ ُ
م ْ
ل ال ُ َ
قا َ
بعضه عن بعض ،بل يقولون باسم البن والب وروح القدس
-والمعروف في الناجيل باسم الب والبن وروح القدس -إله
واحد[.
م قال الثاني :علمني القسيس أن اللهة ثلثة :الب والبن وروح ثُ ّ
القدس ،فأما روح القدس فهو الطائر الذي مثل الحمام ل نراه،
عَلى الصليب،وإنما أتى وسيلة وانتهى عمله ،وأما الثاني فقد قتل َ
فقتل منهما اثنان وبقي واحد.
ف َ
قا َ
ل :ما أحسنت العلم.
م قال الثالث :علمني أن اللهة ثلثة ،وأن الثلثة واحد ،وأن واحدا ًثُ ّ
عَلى الصليب ،فلما قتل الواحد -والثلثة واحد -قتلمنهم قتل َ
الثلثة ،فل إله النَ .
قا َ
ل :هذا شر الثلثة.
قا َ
ل :إن قلنا" :الله" عدنا وهناك مفكر غربي ملحد اسمه أدنكتوت َ
ل" :الطبيعة" فهذا إنسان جاهل إ َِلى مشاكل الكنيسة ،ومن َ
قا َ
م وجد أن علماء عصره يسمونها "الصدفة" ،فإذا أحمق ومغفل ،ث ُ ّ
سئلوا :كيف نشأ الكون؟ قالوا :صدفة .فلم يجد بدا ً أن يسمي
سان هو ضد المصادفة ول لن َنظريته" :ضد المصادفة" ،فالذي أنشأ ا ِ
يقدر أن يقول :الله ،لن الله هو ذلك التابع للكنيسة .فكلم شارح
عَلى الحقيقة،الطحاوية حق ،وهو أنه ل يوجد أحد ينكر وجود الله َ
لكن الشيوعيون والملحدة يسمونه بغير اسمه ،فهذا مجمع عليه
سان حتى الطفال يسألون في كل شيء من أتى لن َ
بين بني ا ِ
بهذا؟
سان وهو لن َإثبات وجود الله موجود في الفطرة قبل أن يعقل ا ِ
مه ْر ِهو ِن ظُ ُم ْ
م ِن ب َِني آدَ َ م ْك ِ خذَ َرب ّ َوإ ِذْ أ َ َ
َ "الميثاق الفطري".
قاُلوا ب ََلى َ َ َ وأ َ ْ
هدَْناش ِ م َ ت ب َِرب ّك ُ ْ
س ُم أل َ ْ ه ْس ِ
ف ِ عَلى أن ْ ُ
م َه ْ
هد َ ُ
ش َ م َ ذُّري ّت َ ُ
ه ْ
]العراف [172:فإذا تحركت العقول بالنظر فإنها ل تخرج إل بهذه
النتيجة ،وهو أنه موجود.
أم كيف يجحده الجاحـد فواعجبا ً كيف يعصى الله
تـدل عََلى أنه واحـد وفي كل شيء لـه آيــة
عاَلى الذي سبق ومنه هذا الكلم: ه الل ّ ُ
ه تَ َ م ُح َ
صّنف َر ِ
م ْ
وأما قول ال ُ
]وقد زعم طائفة أن فرعون سأل موسى مستفهما ً عن الماهية،
وأن المسؤول عنه لما لم تكن له ماهية ،عجز موسى عن الجواب،
وهذا غلط ،.وإنما هذا استفهام إنكار وجحد كما دل سائر آيات
ن جاحدا ً لله نافيا ً له ،لم يكن مثبتا ً له طالبا ً كا َعَلى أنفرعون َ ال ُ
قْرآن َ
للعلم بماهيته ،فلهذا بين لهم موسى أنه معروف ،وأن آياته ودلئل
ربو بيته أظهر وأشهر من أن يسأل عنه بما هو؟ بل هو سبحانه
أعرف وأظهر وأبين من أن يجهل ،بل معرفته مستقرة في الفطر
أعظم من معرفة كل معروف[.
• كلم حول الماهية
صّنف هنا فتكلم عن مسألة الماهية.
م ْ
استطرد ال ُ
و "أي".
يقول علماء المنطق :السؤال عن الماهية له أداتان "ما" َ
فـ"ما" :تسأل به عن الشيء لتعرف ماهيته أو حقيقته.
ن ]المؤمنون [85 ،84:ومثل هذا كثير في فل ت َذَك ُّرو َ ل أَ َ ق ْ ه ُ ن ل ِل ّ ِ قوُلو َ سي َ َُ
القرآن ،ولم يكونوا يعتقدون في الصنام أنها مشاركة لله في خلق
ن حالهم فيها كحال أمثالهم من مشركي المم من الهند كا َ العالم ،بل َ
والترك والبربر وغيرهم ،تارة يعتقدون أن هذه تماثيل قوم صالحين من
ال َن ْب َِياء والصالحين ،ويتخذونهم شفعاء ،ويتوسلون بهم إ َِلى الله ،وهذا
قاُلوا ل ت َذَُر ّ
ن و َ
َ عاَلى حكاية عن قوم نوح: ن أصل شرك العرب ،قال ت َ َ كا َ َ
سرا ً ]نوح [23:وقد ون َ ْ عوقَ َ وي َ ُث َ غو َ ول ي َ ُ واعا ً َ س َول ُ ودّا ً َ ن َ ول ت َذَُر ّ م َ هت َك ُ ْآل ِ َ
َ
ي ،وكتب التفسير ،وقصص الن ْب َِياء وغيرها ،عن ر ّ خا ِ ثبت في صحيح الب ُ َ
ابن عباس رضي الله عنهماـ وغيره من السلف ،أن هذه أسماء قوم
م صوروا عَلى قبورهم ،ث ُ ّ صالحين في قوم نوح ،فلما ماتوا عكفوا َ
م طال عليهم المد فعبدوهم ،وأن هذه الصنام بعينها صارت تماثيلهم ،ث ُ ّ
إ َِلى قبائل العرب ،ذكرها ابن عباس ـرضي الله عنهماـ قبيلة قبيلة[ .اهـ
الشرح-:
عاَلى والقرار بتوحيد الربوبية في وت َ َه َ حان َ ُسب ْ َ
ف أن وجود الله ُ مصن ّ ُ
ذكر ال ُ
الجملة أمر مجمع عليه ،مفطورة عليه الخلئق ،وذكر عجز المتكلمين
وأصحاب النظر والجتهاد العقلي ،أو البحث الكلمي ،وأنهم كلما جاؤوا
عاَلى َ
جاءَ الفلسفة فأبطلوا وت َ َ
ه َ حان َ ُ عَلى وجود الله ُ
سب ْ َ بدليل وضعوه َ
عليهم هذا الدليل ،فتناقض القول بذلك؛ لن المتكلمين يضعون أدلة من
جنس قواعد الفلسفة -والفلسفة أعلم بقواعدهم -فإذا وضعوا دليل ً
ك من قواعدهم وكلمهم. من كلمهم هدمه ُأول َئ ِ َ
فلذلك اضطر بعضهم أن يقول :إن وجود الله وتوحيد الربوبية ،أمر ثابت
بالسمع وبالوحي فقط ،بحيث لو لم يرد به الوحي فإن العقول تعجز عن
إثباته؛ لنه ما من دليل تضعه العقول إل وتأتي عقول أخرى تنقض هذا
قاُلوا :إن القضية قضية ف َالدليل ،وهذا الذي بلغ بهم حتى أن أقروا بذلكَ ،
ي ،وهذا من تفريطهم وجهلهم ،وقد أوضحنا أن الله سبحانه خبرية ووح ٌ
وتعالى لما نزل هذا القرآن أنزل فيه أدلة برهانية ،فهو أمر تسمعه،
وخبر من عند الله تعتقده ،وليس بنظريات فلسفية وإنما هو تنزيل من
العزيز الحكيم سبحانه وتعالى ومع ذلك يشتمل على :البراهين القوية
التي ليس في بابها أشد وأعظم إقناعا ً منها ،فذكر سبحانه تعالى اليمان
باليوم الخر ،وذكر صدق أنبيائه ،بأقوى البراهين وأقوى الحجج ،بل
ن
قي َ ن ك ُن ْت ُ ْ
م صاِد ِ هان َك ُ ْ
م إِ ْ هاُتوا ب ُْر َ
ل َ ُ
ق ْ ويتحدى المشركين ويقول:
]البقرة]،[111:النمل.[64:
قْرآن منل :قضية النبوة هي من أهم قضايا العقيدة ،وقد ذكر لنا ال ُ فمث ً
عَلى صدق ال َن ْب َِياء ما يذعن له كل أحد مهما قيل عن
الدلئل العظيمة َ
عقله ،إل أن يكون مكابرا ً معاندًا ،فإن العناد طبع وجبلة في أعداء الله
المستكبرين ،وما من نبي بعثه الله إل وله أعداء.
صيرا ً هاِديا ً َ
ون َ ِ فى ب َِرب ّ َ
ك َ وك َ َ
ن َ
مي َ
ر ِج ِ ن ال ْ ُ
م ْ وا ً ِ
م َ عد ُ ّ
ي َ عل َْنا ل ِك ُ ّ
ل ن َب ِ ّ ج َ وك َذَل ِ َ
ك َ َ
َ
]الفرقان [31:وكل نبي ينقسم قومه إ ِلى فريقين:
وجاء بدعوة جديدة غريبة ،ل يطيق فرعون أن يسمعها ول يأبه لها ،فهل
قال له موسى :القضية خبرية؟!
ل َ ْ َ
نم َ ت ِ ن ك ُن ْ َ ه إِ ْت بِ ِفأ ِ قا َ ن* َ مِبي ٍ ء ُ ي ٍش ْ ك بِ َ جئ ْت ُ َو ِول َ ْ
ل :أ َ قا َ ل ،إنما َ
ن ]الشعراء [30،31:فأخرج يده فإذا هي بيضاء للناظرين، قي َ صاِد ِ ال َ
م تأتي المناظرة العظمي حيث أراد ووضع العصا فإذا هي حية تسعى ،ث ُ ّ
عَلى المل مثل ما ادعى الربوبية عاَلى أن يفضح فرعون َ وت َ َ
ك َ الله ت ََباَر َ
في ث ِ ع ْ
واب ْ َخاهُ َ وأ َ َ
ه َج ْ
َ
قاُلوا :أْر ِ عَلى المل فشاور قومه ،فأشاروا عليه َ
ف َ َ
ً
ن ]الشعراء ،[36:فالمر بسيط جدا ،ليس هناك أمة ري َش ِحا ِ ن َ ْ
دائ ِ ِ م َ ال َ
يجتمع لديها من السحرة أكثر من أمتنا ،فليجمع السحرة جميعًا ،وكانت
ة من الله ،لنه لو بقي أحد لقالوا :بقي سحرة ،فجاء السحرة حكم ً
ً ً
أجمعون ،واحتاط فرعون بحيث لم يترك أحدا ،وجاؤوا جميعا ليتحدوا هذا
َ
حُر ]الزخرف [49:فأمرهم موسى سا ِ ها ال ّ قاُلوا َيا أي ّ َ و ََ الساحر بزعمهم:
سلم ،ولم ه ال ّ عل َي ْ ِ
سلم بإلقاء عصيهم ،فلما ألقوها ،خاف موسى َ ه ال ّ عل َي ْ ِ َ
يتوقع أن الله يوحي إليه ،ول أن يوجهه إ َِلى هذا الطاغوت العنيد الجبار،
ن ]العراف[117،118: كو َ ف ُما ي َأ ْ ِ
ف َ ق ُ ي ت َل ْ َه َ ذا ِفإ ِ َعصاهُ َ سى َ مو َ قى ُ فأ َل ْ َ
َ
فأتى بآيات عظيمة ل يمكن لحد أن يماري فيها ،ل من السحرة ول من
الجمهور ،ول من المل المستكبرين في الرض.
فتأتي هذه الحية فتلقف جميع الحيات ،ويأتي السحرة الذين أتى بهم
ب قاُلوا آ َ
مّنا ب َِر ّ ن* َ
دي َ
ج ِ
سا ِ
حَرةُ َ
س َ
ي ال ّ فأ ُل ْ ِ
ق َ َ ل :إن لكم لجرًا، فرعون .و َ
قا َ
ن ]الشعراء.[48-46: هاُرو َو َ
سى َ
مو َ
ب ُ
ن * َر ّ عال َ ِ
مي َ ال ْ َ
فأي حجة أعظم من هذه الحجة ،وأي فضيحة أخزى وأذل لعداء الله من
عَلىهذه الفضيحة ،فكل نبي من ال َن ْب َِياء يأتي بآية ومعجزة وبرهان يدل َ
أن المسألة ليست مجرد وحي أو سماع فقط ،وإنما الوحي نفسه يأتي
بالدلة والبراهين الجدلية ،التي ل يقوى أي مجادل ول مناظر أن يقف
أمامها بإطلق ،وأقل ال َن ْب َِياء معجزة هو شعيب ،وكل نبي من ال َن ْب َِياء
ة إل أن يتحدى سماها الله سبحانه -ولو لم يأت بآي ٍ يأتي بآية بينة -كما ّ
قومه بأن الله سبحانه سيعصمه وسيحميه من مكرهم ومن شرهم ،فهذه
عَلى صدق معجزة عظمى ،وآية بينة ،لو تأملتها المم! كل ذلك بينات َ
عل َي ْ ِ
ه ه َ النبياء ،ولم يقف أي مناظر ول مجادل في وجه النبي صّلى الل ُ
جاءَ وفد نجران إلى المدينة وأخذوا م ،فقد جادله اليهود ،ولما َ سل ّ َ
و ََ
عالى -عليهَ وت َ َ
ك َ م ،فأنزل الله -ت ََباَر َ ّ
سل َ و َه َ َ
علي ْ ِه َ ّ
يجادلون النبي صلى الل ُ
صدر سورة "آل عمران" وقرأها عليهم وجادلهم بما فيها ،وكذلك جادله
ن طويل ً وأكثروا الجدال ،وكذلك أصحابه من بعده ،ما وقف في كو َر ُ
ش ِ م ْ ال ُ
وجههم أي مجادل ول مناظر ،بل كانت الحجة والبينة والبرهان الساطع
عاَلى هم
وت َ َه َ حان َ ُ بين أيديهم دائما ً في كل موقف ،ولهذا جعلهم الله ُ
سب ْ َ
العلون :العلون في الحجة والبيان ،والعلون في السيف والسنان،
عَلى ربوبيته هو عجز لهم ،لنهم رفضوا فعجز المتكلمون عن إثبات دليل َ
قْرآن -وهو اليقين -واتبعوا مناهج الفلسفة واليونان المتقدمين، منهج ال ُ
ك وعجزوا. ُ
فأفحمهم أول َئ ِ َ
عَلى وجود الله ،ول ودليل التمانع :قال بعض المتكلمين عنه :عندنا دليل َ
يستطيع أحد أن ينقضه .فلو افترضنا أن للعالم إلهين متماثلين ،فل بد
أن لكل منهما إرادة مستقلة عن الخر ،فتأتي لجسم من الجسام
أحدهما :يريد تحريكه ،والخر :يريد تسكينه ،فإما أن تتحقق الرادتان
وهذا ممتنع ،لنه ل يمكن أن يكون الجسم الواحد متحرك وساكن في
لحظة واحدة! وإما أن ل تتحقق الرادتان معا ً وهذا باطل ،لن الجسم ل
يخلوا عن الحركة أو السكون وأيضا ً إذا بطلت الرادتان معًا ،فهما
عاجزان كلهما ،فل بد أن تتحقق إرادة واحد منهما ،ول تتحقق إرادة
قاُلوا: ف َالخر ،فالذي تتحقق إرادته :هو الله الواحد ،والخر ليس بإلهَ ،
عَلى إثبات وحدانية الله ،وهذا غاية ما عند المتكلمين، هذا دليل عقلي َ
قاُلوا :هذا و َعاَلى َ
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
وهو يبين لنا هزال المتكلمين وجهلهم بالله ُ
جاءَ به القرآن ،وهم في الحقيقة أخذوه من علماء اليونان الدليل العقلي َ
هحان َ ُسب ْ َالذين كانوا يثبتون وجود الله بهذه الطريقة التي أغنانا الله ُ
عاَلى عنها.
وت َ َ
َ
سدََتا
ف َ ه لَ َ
ة إ ِّل الل ّ ُ
ه ٌ
ما آل ِ َ
ه َ
في ِ
ن ِ
كا َ عَلى ذلك قول الله :ل َ ْ
و َ قالوا :والدليل َ
ن هناك أكثر من إله ،لراد هذا الله أن يحرك ]النبياء [22:أي :لو َ
كا َ
السموات والرض ،والله الخر ل يريد أن تتحرك ،فإما أن تتفق
الرادتان ،وإما أن تتخلف الرادتان ،وإما أن تتحقق إرادة واحدة،
عاَلى. وت َ َ
ه َحان َ ُ
سب ْ َ
والموجود في العالم اليوم هو إرادة إله واحد وهو الله ُ
عاَلى :-بأن التوحيد الذي قرره الله ه تَ َ
ه الل ُ
م ُ
ح َ
ف َ-ر ِ
مصن ّ ُ
وقد رد عليهم ال ُ
عاَلى في هذه الية ليس هو توحيد الخلق توحيد الربوبية ،وإنما وت َ َه َحان َ ُسب ْ َُ
َ
المراد بالتوحيد هنا هو :توحيد اللوهية ،وهو موضوع المعركة بين الن ْب َِياء
والرسل وبين قومهم ،فالذي جاءت به هذه اليات أنه إذا عبد غير الله
عاَلى حصل الفساد ،لن المعبود واحد. وت َ َه َحان َ ُسب ْ َ ُ
عَلىعاَلى -ول فساد َ
وت َ َ فالمعبود في السماء واحد ،وهو الله -ت ََباَر َ
ك َ
الطلق في السماء ،وإنما هنالك الملئكة الذين يسبحون الليل والنهار ل
يفترون ،ل يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ،فننفي الفساد
ذيو ال ّ ِ ه َ
و َُ قا َ
ل: عاَلى َ وت َ َك َ عنها ،لن المعبود في السماء واحد ،والله ت ََباَر َ
ض إ َِله ]الزخرف [84:يعني :وهو الذي في ْ َ
في الْر ِ و ِه َ ء إ ِل َ ٌ ما ِ س َفي ال ّ ِ
السماء معبود وفي الرض معبود ،فأما في السماء فظاهر ،وصلح
عاَلى هو وحده المعبود فيها ،كما قال وت َ َ
ه َ حان َ ُسب ْ َ السماء ظاهر ،بأن الله ُ
م) :أطت السماء وحق لها أن تئط ،ما فيها موضع سل ّ َ و َ ه َ عل َي ْ ِه َ صّلى الل ُ
شبر إل وفيها ملك ساجد أو راكع أو قائم( ولهذا انتفى عنهم الفساد،
ماءَ ]البقرة،[30: ف ُ ن يُ ْ ع ُ َ
ك الدّ َ س ِ وي َ ْ ها َ في َ
سد ُ ِ ف ِ م ْ ها َ في َ ل ِ ج َ ولهذا قالوا :أت َ ْ
ة
ه ٌما آل ِ َه َفي ِ
ن ِ كا َ ن لَ ْ
و َ شُرو َ م ي ُن ْ ِ ه ْض ُ ْ َ
ن الْر ِ م َ ة ِ ه ً ذوا آل ِ َ خ ُ ل :أ َم ِ ات ّ َ قا َ ولذلك َ
عاَلى ذكر أنهم اتخذوا وت َ َه َ حان َ ُسب ْ َ
سدََتا ]النبياء [21،22:فالله ُ ف َ ه لَ َ إ ِّل الل ّ ُ
آلهة في الرض ،وأما السماء فلن الملئكة المقربين لم يعبدوا غير الله،
ولم يتخذوا إلها ً غيره؛ فالصلح فيها ظاهر ،والصلح ظاهر في المكان
الذي يعبد فيه الله وحده في الرض ،وأما المكان الذي يعبد فيه مع الله
غيره؛ فإن فيه أكبر الفساد وأعظمه وهو الشرك.
وأما من حيث أن نظام الكون لم يختل ،لنه من صنع إله واحد سبحانه
فهذا حق ،لكنه ليس هو كل الحق ،وإنما المراد ربط هذا الحق بالهم وهو
جانب اللوهية.
فإذا عبد الله -سجانه وتعالى -وحده ل شريك له ،صلح الحال كله ،لنه هو
عاَلى -بعبادته
وت َ َ وحده الذي يدبر نظام الكون ،وأما من صادم ربه -ت ََباَر َ
ك َ
ذ يحصل الفساد في الرض. غير الله فحينئ ٍ
فالمؤمن يتآلف مع هذه المخلوقات جميعًا ،لنه يشعر أنها تعبد الله،
ح ء إ ِّل ي ُ َ
سب ّ ُ ي ٍ ن َ
ش ْ م ْ
ن ِ
وإ ِ ْ
َ والنجم والشجر يسجدان ،كل شيء يسجد لله،
هم ]السراء [44:ويقول النبي صّلى الل ُ
ه ح ُ
سِبي َ
ن تَ ْ
هو َ ف َ
ق ُ ول َك ِ ْ
ن ل تَ ْ ه َد ِ
م ِح ْ بِ َ
م عن أحد ) :جبل يحبنا ونحبه( . سل ّ َو َه َ عل َي ْ َِ
عاَلى فنحن وت َ َ ه َ حان َ ُ سب ْ َفهناك علقة ومحبة بيننا وبين مخلوقات الله ُ
عالىَ وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ ً
نشعر بأن هناك ما يربطنا به ،وهو :عبوديتنا جميعا لله ُ
أما أعداء الله والمستكبرون فل ينظرون إليها إل نظرة العداوة ،ولذلك
عَلى أن اصطلحت أوروبا منذ عصر ما يسمى" :عصر النهضة" إ َِلى اليوم َ
تسمي كل إنجاز أو اكتشاف علمي "قهرا ً للطبيعة" فإذا فتحوا طريقا ً
في الجبل ،قالوا :قهرنا الطبيعة ،وفتحنا هذا الطريق ،فالمسألة مقاهرة
عاَلى سخر له ذلك ،فإن فعل ومغالبة ومعاندة ،أما المؤمن فيثق أن الله ت َ َ
عالى ،وهذا من َ وت َ َ
ه َ حان َ ُ شيئا ً من هذا فإنه يقول :هذا من فضل الله ُ
سب ْ َ
عاَلى فهذا هو توحيد اللوهية المتضمن لتوحيد وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
تسخير الله ُ
الربوبية ،والتوحيدان متلزمان.
• توحيد اللوهية متضمن لتوحيد الربوبية
قْرآن أو جاَء في ال ُ والتوحيد الذي جاءت به ال َن ْب َِياء هو :توحيد اللوهية ،فكل ما َ
في دعوات ال َن ْب َِياء من بيان توحيد الربوبية ،فهو ليبني عليه اللزام بتوحيد
اللوهية ،وهكذا كانت العرب -كما ذكر المصنف -في الجاهلية يقرون بأن الله
وحده ل شريك له ،هو الله الذي خلق السموات والرض ،وهو الذي يدبر المر،
ولكنهم اتخذوا من دونه آلهة أخرى لدعاوي عدة ،إما أن هذه اللهة تقربهم إ َِلى
الله ت ََعاَلى زلفى! فهو الله الكبر ،وهذه اللهة الصغرى واسطة بيننا وبين الله
الكبر ،كما كانوا يقولون في تلبيتهم) :لبيك ل شريك لك ،إل شريكا ً هو لك،
ه
حان َ ُ
سب ْ َ
تملكه وما ملك( ووقع الشرك في المم بسبب تعظيم غير الله ُ -
ن المقصود به عبادة الله ،فأي بشر إن قدسته وعظمته بما كا َ وَت ََعاَلى ،-وإن َ
ه وَت ََعاَلى -فقد أشركت به مع الله ،وإن كانت النية في حان َ ُسب ْ َيعظم به الله ُ -
الصل سليمة.
عَلى الحنيفية كما قال الله عاَلى -خلق الخلق َ وت َ َه َ حان َ ُسب ْ َ
والله ُ -
عاَلى في الحديث القدسى عن عياض بن حمار في صحيح وت َ َ
ه َحان َ ُ
سب ْ َ
ُ
مسلم ) :وإني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين( فبقوا
عَلى الحنيفية عشرة قرون ،كما ورد في تفسير ابن عباس عند َ
ن ّ حدَةً َ ُ َ َ قول الله ت ََباَر َ
ه الن ّب ِّيي َ
ث الل ُ
ع َ
فب َ َ وا ِ
ة َ
م ً
سأ ّن الّنا ُ
كا َ عالى:
وت َ َ
ك َ
رين فتقدير الية :كان الناس أمة واحدة على ذ ِ
من ْ ِ
و ُ
ن َ
ري َ مب َ ّ
ش ِ ُ
التوحيد فاختلفوا .
وقبل أن يختلفوا لم ُيبعث نبي وإنما كانوا يعبدون الله ،حتى ظهر
سن في قوم نوح أنا ٌ كا َ قوم نوح وظهر الشرك فيهم ،فقد َ
ه
حان َ ُ سب ْ َعاَلى -وذكر الله ُ - وت َ َه َ حان َ ُسب ْ َ
صالحون متبتلون متعبدون لله ُ -
عاَلى -ودا ً وسواعا ً ويغوث ويعوق ونسرًا ،وهم رجال صالحون- وت َ َ َ
ل: قا َ جاءَ الشيطان ولعب بعقول قومهم ف َ َ القوم؛ ء
ِ ُ
ؤل ه
َ مات فلما
ء الّناس كانوا يعبدون الله ويذكرونكم بعبادة الله وهم أحياء، ؤل ِ ه ُ َ
وهم اليوم أموات ،فصوروا صورهم حتى تتذكروا عبادة الله،
فتعبدون الله وتتقربون مثل ما كانوا يتقربون...فصوروا هذه
ء بوجود هذه الصور، ؤل ِ ه ُالصور ،وجعلوهم تماثيل ،وأخذوا يتذكرون َ
ء ليسوا معبودين ،وأنهم ؤل ِ ه ُم تناسخ العلم ومرت أجيال نست أن َ ثُ ّ
إنما صوروا للتذكير فقط ،فكانوا يرون آباءهم يأتون إ َِلى هذه
الصور ،ويدعون الله بعدما يتذكرون الله بهذه الصور ،فأصبحوا
جاءَ نوح م َ عاَلى -ث ُ ّ
وت َ َ
ه َ حان َ ُ سب ْ َيدعون هذه المعبودات من دون الله ُ -
ه
حان َ ُ سب ْ َسلم فوقع بينه وبين قومه ما وقع ،وأغرقهم الله ُ - ه ال ّ عل َي ْ ِ َ
عاَلى -جميعا ً وأهلكهم ودمرهم ،وما آمن معه إل قليل ،وعاد وت َ َ َ
على الشرك، َ التوحيد مرة أخرى -وهو الساس -في الرض ،وقضي َ
فُروا ،ولم يبق منهم ديار ،كما دعا نوح ن كَ َ وقطع دابر القوم ال ّ ِ
ذي َ
عَلى التوحيد ،ولكن الشيطان عاد سلم ،وعاد المر من جديد َ ه ال ّ عل َي ْ ِ َ
صّلى الل ُ
ه من جديد ،فأعاد الشرك وأعاد الصنام ،ولم يبعث النبي َ
م إل وودا ً وسواعا ً ويغوث ويعوق ونسرا ً يعبدن بأعيانهن، سل ّ َ و َ
ه َ عل َي ْ ِ َ
عاَلى-
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ سب ْ َ وهي التي كانت أيام نوح ،في أمد ل يعلمه إل الله ُ -
ومع ذلك -ولن الشيطان واحد -أعاد تلك الصنام بأعيانها
هما في عن ْ ُعاَلى َ ه تَ َ ي الل ُ ض َ
وبأسمائها ،كما فسرها ابن عباس َر ِ
ي ،فكل قبيلة من العرب عبدت إلها ً من هذه اللهة، ر ّخا ِ صحيح الب ُ َ
الذي هو في الصل اسم رجل صالح من قوم نوح ،وقد سبق أن
ن بسبب كا َ تحدثنا :كيف وقع الشرك في بلد العرب؟ ،وقلنا إنه َ
النبهار الحضاري ،وأن عمرو بن لحي الخزاعي هو الذي أسس
الشرك في جزيرة العرب بعد التوحيد ،وغّير ملة إبراهيم وإسماعيل
-عليهما السلم -وذهب إ َِلى بلد الشام ،ورأى الّناس يعبدون
الصنام هناك ،فجاء إ َِلى العرب بهذه التجارة الفاسدة ،واستوردها
عاَلى أول بيت وت َ َه َحان َ ُ سب ْ َوجعلها عند البيت الحرام الذي جعله الله ُ
م عبدت وضع لكي ل يعبد إل الله ،فجاء عمرو بن لحي بالصنام ،ث ُ ّ
وبقيت قريش تتناقل ذلك ،حتى بعث فيهم النبي المي دعوة
م. سل ّ َ و َ ه َعل َي ْ ِه َ صّلى الل ُمد َ
ح ّ
م َ
سلم -وهو ُ عل َي ْ ِ
ه ال ّ إبراهيم َ -
الشرح:
سل ّ َ
م و َه َعل َي ْ ِه َ عَلى حرص النبي صّلى الل ُ هذه الحاديث من أعظم ما يدل َ
عَلى حماية جناب التوحيد ،وسده لكل ذريعة توصل إ َِلى الشرك بالله َ
ه يقوللبي عن ْ ُه َ ي الل ُ ض َ عاَلى ،بأي صورة من الصور ،فإن عليا ً َر ِ وت َ َه َحان َ ُسب ْ َ ُ
ل:قا َ مَ ، سل ّ َو َ ه َ عل َي ْ ِه َ عَلى ما بعثني عليه النبي صّلى الل ُ الهياج ) :أل أبعثك َ
أمرني أن ل أدع قبرا ً مشرفا ً إل سويته ول تمثال ً إل طمسته( وهذه سنة
لكل موحد من الموحدين من المؤمنين ،أنه ل يدع قبرا ً مشرفا ً إل
عَلى نهج النبي صّلى الل ُ
ه ويسويه ،ول يرى تمثال ً إل ويطمسه ،ومن سار َ
م يجب عليه إذا رأي قوما ً يعظمون ذلك أو يفعلونه أن ينكر سل ّ َ
و َ ه َ عل َي ْ ِ َ
ن يستطيع أن يغيره باليد ،كما فعل أبو الهياج كا َعليهم ويبين لهم ،فإن َ
ه فيجب عليه ذلك باليد ،وإن لم يستطع عن ْ ُ
ه َ ي الل ُ
ض َ ي َر ِ
عل ِ ّ
وكما فعل َ
عَلى عباد القبور الذين يرفعون القبور ،والذين وجب عليه أن يقيم الحجة َ
عاَلى فإن من وت َ َ ه َ حان َ ُ سب ْ َ
ينصبون الصور والتماثيل ويعبدونها من دون الله ُ
رحمة الله -سبحانه -أننا أمة ل تنحت التماثيل ،ول تعظمها ،ول تقدسها،
وهذه القضية ذكرها كثير من علماء الغرب في الدول الغربية ،وحتى في
ل ،وهناك كثير من دول العالم السلمي ،ل تمر بميدان إل وتجد تمثا ً
حركات دينية في داخل أوروبا تسمى حركة طمس التماثيل أو تحطيم
التماثيل ،ويدعون أن هذا امتهان للنسان الحي ،وتأليه للنسان الميت،
فكأن قائل ً يقول :إنكم أيها الحياء ل يوجد فيكم من يمكن أن يقدم
لمته ،مثل ما قدم هذا الرجل ،وهذا احتقار للبشر الحياء.
قالوا :صاحب هذا القبر يقربنا إ َِلى الله -بنفس الكلم الذي قاله أصحاب
ء شفعاؤنا عند الله( -فهذا الميت الذي في القبر يشفع ه ُ
ؤل ِ الجاهليةَ ) :
لنا عند الله ،هذا ما يقولونه وهذا ما يزعمونه ،ولكنه في الحقيقة :هو
سل ّ َ
م والنبياء بمحاربته. و َ عل َي ْ ِ
ه َ جاءَ النبي صّلى الل ُ
ه َ عين الشرك الذي َ
ويجب أن تبين لهم هذه الحقيقة ،ليتركوها وليرتدعوا عنها ،ول يصلى
في المسجد الذي فيه قبر ،فهذا محرم ،ولكن ليس فاعله مشركا ً لنه:
أو ً
ل -:ل يجوز الصلة في أماكن القبور.
ن لي حاجة أقضيها دعوت الله عند هذه والمرة الثالثة :يقول :إن َ
كا َ
الشجرة فيستجيب الله لي ،لن هذا المكان عظيم اجتمع فيه الصحابة
سل ّ َ
م. و َ عل َي ْ ِ
ه َ سول صّلى الل ُ
ه َ وبايعوا فيه الّر ُ
ن في نجد كو َ ر ُ م ْ
ش ِ ن يقول ال ُ والرابعة :يتمسح بالشجرة ويقول كما َ
كا َ
ه إذا أتوا إ َِلى الجذعه الل ُ
م ُ
ح َ
مد بن عبد الوهاب َر ِ
ح ّ
م َ
قبل دعوة الشيخ ُ
الضخم من جذوع الشجرة -النخل الذكور -قالوا) :يا فحل الفحول أبغي
ولد قبل الحول( يعني :تريد من الشجرة أن تعطيها ولدا ً قبل نهاية
الحول ،فكأن الذي يخلق الولد والذرية هو هذه الشجار.
جاءَ التتر
وهذا من أعظم الخطر الذي أصاب المة السلمية ،حتى لما َ
ن بعض سدنة القبور يقول: َ
كا َ
لوذوا بقبر أبي عمر يا خائفين من التتر
فكان الّناس يجتمعون عند أصحاب القبور يدعونهم ويقولون :إن المدينة
الفلنية محروسة بالولي الفلني -ويسمونه )الحارس( -فل يدخلها التتار
جاءَ العدو تزاحموا عند القبر
ول الصليبيون لن الحارس موجود .فإذا َ
يدعون ...يا حارس! ...يا حارس!.
والشرك كما يباعد الّناس عن الله وعن الجنة ،فإنه يفرق القلوب ،لنه
عَلى أن قبره هناك! وُيعبد كذب وافتراء ،فـالحسين مث ً
لُ :يعبد في العراق َ
عَلى أن قبره هناك! أو عَلى أن قبره هناك! وُيعبد في مصر َ فيالشام َ
َ
ي ب ْن أِبي َ
طاِلب ِ عل ِ ّ
ي ،هم في كل مكان ،حتى َ عل ِ ّ
نفيسة ،وزينب ،و َ
ه -فإنه معروف قطعا ً أنه إنما قتل في الكوفة ، عاَلى َ
عن ْ ُ ه تَ َ
ي الل ُ
ض َ
َ-ر ِ
ودفن فيها في مكان مجهول ،ومع ذلك نجد في مدينة من المدن
عَلى الحدود مع التحاد السوفيتي ،اسمها مزار السلمية التي تقع َ
َ
على شريف -أي المزار الشريف ،فيقولون :هو دفن هناك وراء تركستان َ
حدود النهر.
وحدثني بعض إخواننا من تلك البلد ممن درسوا معنا ،أن عدد من يزور
هذا المزار يصل أكثر من أربعة مليين سنويًا.
ن الّله العظيم! -كيف يلعب الشيطان بعقول هذه المة؟! ،نعجب سْبحا َ ُ -
أن لعب بعقول اليهود والّنصاَرى واستحقوا اللعن الذي قاله النبي صّلى
سل ّ َ
م) :لعن الله اليهود والّنصاَرى ،اتخذوا قبور أنبيائهم و َ عل َي ْ ِ
ه َ ه َ
الل ُ
مساجد( ونعجب أكثر لمة التوحيد التي تقول :ل إله إل الله ،والتي ترفع
مآذنها خمس نداءات في اليوم "أشهد أن ل إله أل الله وأشهد أن محمدا ً
سول الله" ،فوافقنا أهل الكتاب اليهود والّنصاَرى -أعداء الله -في َر ُ
الشركيات وفي عبادة غير الله ،فكيف تقدس أمة تتبع أعداء الله
وتواليهم؟!.
ف مصن ّ ُ فأعظم أسباب وقوع الشرك هو :تعظيم الولياء -وسيذكر ال ُ
ن
ذي َك ال ّ ِ ُأول َئ ِ َ قا َ
ل: عاَلى عليهم جميعا ً ف َ أسبابا ً أخرى -وقد رد الله ت َ َ
ن
فو َ خا ُ وي َ َه َ مت َ ُح َ ن َر ْ
جو َ وي َْر ُ
ب َ قَر ُم أَ ْ
ه ْ
غون إَلى ربهم ال ْوسيل َ َ َ
ة أي ّ ُ َ ِ َ ّ ِ ُ ن ي َب ْت َ ُ َ ِ
عو َ ي َدْ ُ
ك المدعوون أنفسهم الذين يدعونهم هم ه ]السراء [57:أيُ :أول َئ ِ َ ذاب َ ُع َ
َ
يدعون الله ،ويبتغون إ َِلى ربهم الوسيلة ،فهم يرجون رحمة الله،
ويخافون عذابه ،فكيف تأتي أنت وتدعوهم من دون الله؟! فإذا وقع
ه-
عن ْ ُعاَلى َ ه تَ َ ي الل ُض َ ي َ-ر ِ عل ِ ّ
ي ! ،و َ عل ِ ّي ! يا َ عل ِ ّ
ل :يا َ بأحدهم الكرب َ
قا َ
عانى من الكروب في حياته ،وآخرها انشقاق المة عليه ،وخروج الخوارج
عليه ،حتى أتى الشقى فقتله.
ج ّ
ل -أن و َ
عّز َ
هذه الخرافات ما تزال حتى في هذه المة -نسأل الله َ
يرفع عنها هذا البلء والضلل ويردها إليه تائبة موحدة عابدة -
ن الشوريون والبابليون فوقع هذا الشرك في الصابئين ،ولذا َ
كا َ
وأمثالهم يبنون الهياكل العظيمة ويرصدون الكواكب ،ل للعلم
الجغرافي الذي هو معروف اليوم ،وإنما لغرض التقرب إليها،
عَلى أحوال العالم الرضي ،وكان ومعرفة أحوالها ،والستدلل بها َ
لها شياطينها؛ فكانت الشياطين تنزل وتوحي إ َِلى أوليائها الخبار
عن أمور معينة ،أو أحداث أو أحوال ،فيأتي كهنة كل كوكب
ء المردة ه ُ
ؤل ِ ويخبرون الّناس بما أخبرهم ،وأوحى به إليهم َ
والشياطين ،فيظن الّناس أن الله هو الذي أوحى إليهم ،وأنه الذي
يملك هذه الحقائق ،أو الذي يعلم الغيب ،وهو الذي يدبر الكون.
وكانت كل منطقة من المناطق تنافس المنطقة الخرى ،وتحاربها
ن البشر ء .هكذا َ
كا َ ؤل ِ ه ُء أفضل من َ ؤل ِ عَلى أن إله َ
ه ُ وتتقاتل معهاَ ،
م وضعت أصنام في الرض كما ُ
يتخبطون في الضللت والجهل ،ث ّ
يقولون بما يتناسب مع طباع الكواكب ،فبعضهم يعبد الكوكب في
السماء ،وبعضهم يعبد الصنام في الرض ،وينحت هيكل ً من صخر؛
ويقول :هذا مناسب لطباع المشتري أو زحل ،فيعبد الّناس هذا
عَلى تعظيم الكوكب الذي يتناسب مع طباعهم ،ويأتي الصنم بناء َ
أولياءهم من الجن والشياطين ،فتدخل في جوف هذه الصنام
ن والحجار ،فتكلمهم وتخاطبهم باسم الصنم المعبود ،وهذا ما َ
كا َ
م ،فكانت الشياطين سل ّ َو َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ حاصل ً إ َِلى زمن بعثة النبي َ
تخاطبهم من الصنام ،وتكلمهم وتحكم بينهم منها ،فيظن الّناس
أن هذه الرباب اللهة هي التي تتكلم ،وهكذا أغوى الشيطان بني
آدم.
• الشرك بالملئكة
وكذلك الشرك بالملئكة أو الجن ،واتخاذ الصنام لهم -كما يقول المصنف-
ج ّ
ل- فهناك قوم قالوا :الملئكة من جنس الصالحين ،وهم عباد لله -عَّز وَ َ
يسبحون الليل والنهار ل يفترون ،ل يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون،
وقد أخبر ال َن ْب َِياء عن صفاتهم العظيمة ،وطاعتهم لله عَّز وَ َ
ج ّ
ل.
فقالوا :إذا ً نتخذ الملئكة شفعاء عند الله ،فندعو الملئكة من
م يدعونه استقل ً
ل ،وإذا جبريل أو ميكائيل ،أن يشفع لنا عند الله ،ث ُ ّ
قيل لهم :لماذا تدعون الملئكة؟ قالوا :ما نعبدهم أو ندعوهم إل
ليقربونا إ َِلى الله زلفى لنهم أقرب عند الله ،وأما أنا فمسكين
مذنب ،ل أستطيع أن أدعو الله ،فكيف أدعو الله وأنا مليء بهذه
ء لنهم مقربين عند الله ،فهم يشفعون ه ُ
ؤل ِ الذنوب؟ وإنما أدعو َ
عند الله.
عَلى مصراعيه! ويبسط يده بالليل ليتوب الله الذي فتح باب التوبة َ
مسيء النهار ،ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ،وهو يقبل
التوبة عن عباده ،غافر الذنب ،وقابل التوب ،شديد العقاب ،ذي
عاَلى -وهو الذي ينجي كل من دعاه في ظلمات وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
الطول ُ -
البر والبحر ،فالله ل يحتاج إ َِلى من يتوسط عنده ،أو يشفع عنده ،أو
عَلى
عاَلىَ -
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
يدعى غيره ،ويعبد غيره لكي ينزل رحمته ُ -
أحد؟!.
عاَلى عليهم -فل يرضون أن وأما الملئكة والنبياء -رضوان الله ت َ َ
عبد من دون -وهو غير راض -فإنه يتبرأ يدعو من دون الله ،ومن ُ
ه َيال الل ّ ُ قا َ وإ ِذْ َ َ ء ،كما تبرأ المسيح ،قال الله: ؤل ِ ه ُ ة من َ م ِ قَيا َ م ال ِ و َ يَ ْ
ُ َ َ
ن دو ِ ن ُ م ْ ن ِ هي ْ ِ ي إ ِل َ َ م َ
وأ ّ ذوِني َ خ ُس ات ّ ِ ت ِللّنا ِ قل ْ َ ت ُ م أأن ْ َ مْري َ َ ن َ سى اب ْ َ عي َ ِ
ت ُ َ قو َ َ
نأ ُ َ ُ حان َ َ قا َ ه َ ّ
ن كن ْ ُ ق إِ ْ ح ّ س ِلي ب ِ َ ما لي ْ َ ل َ ن ِلي أ ْ ما ي َكو ُ ك َ سب ْ َ ل ُ الل ِ
َ َ
ت
ك أن ْ َ ك إ ِن ّ َ س َ ف ِ في ن َ ْ ما ِ م َ عل َ ُول أ ْ سي َ ف ِ في ن َ ْ ما ِ م َ عل َ ُ ه تَ ْ مت َ ُ
عل ِ ْ قد ْ َ ف َ ه َقل ْت ُ ُ ُ
قل ْت ل َهم إّل ما أ َمرت َِني ب َ
دوا الل ّ َ
ه عب ُ ُ
نا ْ هأ ِ ِ ِ َ ْ َ ُ ْ ِ ما ُ ُ ب* َ غُيو ِ م ال ْ ُ عّل ُ َ
]المائدة [117-116:وهذا القول هو أول قول قاله بعدما خلقه الله:
ة يقول :ما قلت لهم إل ما أمرتني به :أن م ِ قَيا َ م ال ِ و َ إني عبد الله ،وي َ ْ
ذ يقع اعبدوا الله- ،يعني :أنا بريء منهم ومن شركهم -فحينئ ٍ
عَلى العابدين فقط. الشرك عليهم ،وتقع العقوبة والعذاب َ
م
ه ْ
م بِ ِ ن أ َك ْث َُر ُ
ه ْ ن ال ْ ِ
ج ّ دو َ
عب ُ ُ ل َ
كاُنوا ي َ ْ وأما الملئكة فيقولون :ب َ ْ
ن ]سبأ- [41:أي :أكثر النس مؤمنون بالجن -فالذين مُنو َ م ْ
ؤ ِ ُ
يعبدون الجن من النس أكثر من الذين يعبدون الملئكة ،لن
ة منهم.
م ِ
قَيا َ
م ال ِ
و َ
الملئكة تتبرأ ي َ ْ
فأعظم أسباب وقوع الشرك :تعظيم غير الله ،ولذلك يقول الله
خل َ َ
ق ذي َ ه ال ّ ِ مدُ ل ِل ّ ِ ح ْ عاَلى -في أول سورة النعام :ال ْ َ وت َ َ
ه َ حان َ ُ سب ْ َ ُ -
م ال ّ ِ َ
م
ه ْ فُروا ب َِرب ّ ِ ن كَ َ ذي َ والّنوَر ث ُ ّت َ ما ِ ل الظّل ُ َ ع َج َو َ
ض َواْلْر َ ت َ وا ِ ما َ س َ ال ّ
ن ]النعام [1:أي :يجعلون أحدا ً عديل ً له ،يساويه بالله في دُلو َ ع ِ
يَ ْ
ندو ِ ن ُ خذ ُ ِ
م ْ ن ي َت ّ ِم ْ س َ ن الّنا ِ م َو َِ المحبة ،وفي التعظيم والتقديس
َ الل ّ َ
ه ]البقرة: حب ّا ً ل ِل ّ ِشدّ ُ مُنوا أ َ نآ َ وال ّ ِ
ذي َ ه َ ب الل ّ ِح ّم كَ ُ
ه ْ دادا ً ي ُ ِ
حّبون َ ُ ه أن ْ َ ِ
[165فالعدل والتسوية هي في المحبة والتعظيم والتقديس؛ ل
في اعتقاد أنهم يخلقون كخلق الله ،أو يرزقون كما يرزق الله
سبحانه.
وهنا شيء عجيب ،وهو أن الّناس كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله
مخلصين له الدين ،وهذا هو شرك القدامى ،ولكن عظم الشرك في
عاَلى في وقت الشدة، المتأخرين ،حتى أصبحوا يدعون غير الله ت َ َ
وفي وقت الرخاء معًا ،وهذا -والعياذ بالله -غاية النتكاسة ،نسأل
عاَلى -أن يجنبنا وإياكم الشرك دقيقه وجليله ،وأن وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
الله ُ -
يباعدنا عنه ،وعن طريقه ،وعن كل ما يوصل إليه ،وأن يجعلنا من
عباده الموحدين المؤمنين.
التوحيد 4
يتحدث الشيخ في هذا الدرس عن توحيد اللوهية وعن أهميته ،كما يتحدث عن حديث
)اللهم ل تجعل قبري وثنا ً يعبد( ويبين في الخير كيف تكون الفطرة دليل ً على توحيد
الربوبية.
- 1توحيد اللوهية
• أهمية توحيد اللوهية
موضوع توحيد اللوهية هو موضوع مهم ،يبنغي لنا أن نعيد النظر والكرة إليه
ونتأمله ،ل سيما أنه في هذا الكتاب قد ل يعود إلينا إل في الخير في مواضيع
ه ت ََعاَلى -هو توحيد السماء
ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
متفرقة ،لن الشغل الشاغل لـابن أبي العز َر ِ
م ما يتعلق بمسائل العقيدة الخرى ،كالقدر واليمان والصحابة والصفات ،ث ُ ّ
وكرامات الولياء ونحو ذلك ،أما موضوع توحيد اللوهية فهو عََلى أهميته لم يكن
هو الموضوع الساس في هذه العقيدة ،وإنما هو أحد هذه الموضوعات.
فجدير بنا أن نراجعه ،وأن نتأمله ،وأن نرجع إ َِلى الصول التي
شرحته وبينته ،ول سيما كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب
التوحيد ،فإنه من أعظم الكتب التي فصلت في هذا الجانب ،وبينت
أن توحيد الربوبية لم تكن تنازع فيه المم السابقة ،أي :اليمان
عاَلى -هو وحده الخالقوت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
والقرار والعتراف بأن الله ُ -
الرازق ،المحيي المميت ،الذي يدبر المر وينزل الغيث ،ولم تقع
جاءَ الرسلالعداوة والخصومة فيه بين ال َن ْب َِياء وأممهم ،وإنما َ
دوا عاَلى -إ َِلى الّناس ليقولوا لهم :ا ْ
عب ُ ُ وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
والنبياء من الله ُ -
َ
غي ُْره ]هود [61:أي :جاءوا داعين إ ِلى إفراد ه َن إ ِل َ ٍم ْم ِ ما ل َك ُ ْ الل ّ َ
ه َ
عاَلى -بتوحيد اللوهية أو توحيد اللهية. وت َ َه َحان َ ُسب ْ َالله ُ -
فهذا هو الذي وقعت فيه المم ،أي وقعوا في شرك العبادة ،عبادة
عاَلى -ودعاء غير الله والستغاثة بغير الله، وت َ َ ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
غير الله ُ -
عاَلى ،والذبح لغير وت َ َ
ك َ ورجاء النفع أو الضر من عند غير الله ت ََباَر َ
عاَلى -يعلموت َ َك َ الله ،والنذر لغير الله ،واعتقاد أن غير الله -ت ََباَر َ
الغيب أو يملك من المر شيئا ،هذا هو الموضوع الذي وقع به
الشرك .عندما اختلف الّناس بعد أن كانوا عشرة قرون بعد آدم
ُ عَلى التوحيد كما قال تعالى:
حدَةً
وا ِ
ة َ
م ً
سأ ّن الّنا ُ كا َ َ سلمَ - عل َي ْ ِ
ه ال ّ َ -
رين ]البقرة: ذ ِمن ْ ِو ُ ن َري َش ِمب َ ّن ُ ث الل ّ ُ
ه الن ّب ِّيي َ ع َ
فب َ ََ أي :فاختلفوا
.[213
م نسخ العلم ،وتخلف الخلوف ،وهكذا عادة المم ،تخلف خلوف ثُ ّ
وأجيال فتنسى الغرض الساسي الذي من أجله أنشئت البدعة أو
نصب التمثال ،فيتخذ التمثال أو الصورة إلها ً معبودا ً من دون الله
عاَلى.
وت َ َ ت ََباَر َ
ك َ
فحدث ذلك وعبدت هذه اللهة من دون الله ،فهذا هو أحد أسباب
عاَلى -من وت َ َ
ه َ حان َ ُ
سب ْ َ
وقوع الشرك في بني آدم ،وهو ما ذكره الله ُ -
مدُ ل ِل ّ ِ
ه ح ْ عاَلى فيها :ال ْ َ وت َ َ
ك َ العدل أو من التسوية التي قال الله ت ََباَر َ
م ال ّ ِ َ
ن
ذي َ والّنوَر ث ُ ّ ت َ ما ِل الظّل ُ َ ع َ
ج َو َض َ واْلْر َ ت َ وا ِ
ما َ س َق ال ّ خل َ َذي َ ال ّ ِ
ن ]النعام [1:وقال في آية أخرى حكاية عن دُلو َع ِ
م يَ ْه ْ
فُروا ب َِرب ّ ِ كَ َ
ب م ب َِر ّ ويك ُ ْ س ّ ن * إ ِذْ ن ُ َ مِبي ٍ ل ُ ضل ٍ في َ ن ك ُّنا ل َ ِ َتالل ّ ِ
ه إِ ْ أهل النار :قالوا:
ن ]الشعراء.[97،98: مي َ عال َ ِال ْ َ
ه
حان َ ُ
سب ْ َ
نُ - مي َ عال َ ِ
ب ال ْ َ ن غيره ،وسووا ب َِر ّ مي َ عال َ ِ
ب ال ْ َ فهم عدلوا ب َِر ّ
عاَلى -غيره في التعظيم والمحبة والتقديس ،ل في اعتقاد أن وت َ َ
َ
غير الله هو الذي يخلق أو يرزق أو يضر أو ينفع أو يحيي أو يميت
أو يدبر المر أو ينزل الغيث ،بل هو من شرك المحبة والتعظيم
ن
دو ِن ُم ْ خذ ُ ِ ن ي َت ّ ِ م ْ س َ ن الّنا ِ م َ و ِ َ عاَلى: وت َ َك َ والتقديس ،كما قال ت ََباَر َ
َ الل ّ َ
ه ]البقرة: حب ّا ً ل ِل ّ ِ
شدّ ُ مُنوا أ َ نآ َ وال ّ ِ
ذي َ ه َ ب الل ّ ِح ّم كَ ُ ه ْحّبون َ ُدادا ً ي ُ ِ
ه أن ْ َ
ِ
[165وهو من أخطر وأعظم أبواب الشرك،
ء الصالحين ه ُ
ؤل ِ ن وإن كانوا يدعون َ كي َ
ر ِ
ش ِ ء ال ْ ُ
م ْ ه ُ
ؤل ِ ومن لوازمه :أن َ
أو ال َن ْب َِياء أو المقربين وقت الرخاء ،فإنهم كانوا إذا ركبوا في
الفلك ،وجاءتهم الريح من كل مكان وأحاط بهم الموج دعوا الله
مخلصين له ،ويتضرعون طالبين منه الغوث ،وهذا بخلف شرك
عاَلى -في الرخاء
وت َ َ المتأخرين ،فإنهم يدعون غير الله -ت ََباَر َ
ك َ
والشدة.
كوهذا من أعظم البلء الذي وقع في هذه المة ،نسأل الله -ت ََباَر َ
عاَلى -أن يرفعه عنها فالذي وقع أنهم يعتقدون أن لغير الله وت َ ََ
ن الولون كانوا ُ
ركو َ م ْ
ش ِ ً َ
عالى تصرفا في الربوبية ،فال ُ وت َ َه َحان َ ُسب ْ َُ
يعتقدون أن آلهتهم إنما هي شفعاء ،تقربهم إ َِلى الله زلفى ،ولكن
ن المتأخرين يعتقدون في آلهتهم ومعبوداتهم أنها تخلق كي َر ِش ِ م ْ ال ْ ُ
وترزق وتحيي وتميت ،وهذا ما لم يقع فيه أصحاب الشرك الول،
عَلى انحطاطهم ،فإن البشرية كلما تقدم بها الزمن وهو دليل َ
َ
وكلما بعدت عن رسالت الن ْب َِياء ازدادت انحطاطا ً وشركا ً عياذا ً
بالله.
مد
ح ّ وأعظم المصائب أن يقع هذا الشرك ممن ينتمي إ َِلى أمة ُ
م َ
م ،فيعتقد أن القطاب أو النجباء أو البدال أو سل ّ َ
و َ
ه َ عل َي ْ ِ صّلى الل ُ
ه َ َ
الولياء يملكون النفع والضر والخلق والرزق والتصرف في
عاَلى -قد وكل أمر تصرف وت َ َ الكائنات ،كما يزعمون أن الله -ت ََباَر َ
ك َ
ء الولياء ،فهم يتصرفون فيه كما يشاءون، ؤل ِ ه ُ العالم إ َِلى َ
عَلى الناس ،حتى إذا قال أحدهم :الله هو ويقولون ذلك تلبيسا ً َ
المتصرف في كل شيء قالوا :نعم .إن الله هو المتصرف في كل
شيء.
بل هذا تكذيب لما هو ثابت بالقرآن والسنة وعلى ألسنة جميع
عاَلى -هو وحده الله.
وت َ َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
الن ْب َِياء من أن الله ُ -
ء الولياء التصرف في ه ُ
ؤل ِ فإن قالوا :إن الله هو الذي يعطي َ
عَلى الخلق والرزق والحياء والماتة ...فإن هذا الكوان ،والقدرة َ
من الباطل الذي ترده بديهة المسلم وفطرته ،لعلمه اليقيني أن
َ
صّلى الل ُ
ه عاَلى إنما بعث الن ْب َِياء من قبل وبعث آخرهم محمدا ً َ الله ت َ َ
فيعث َْنا ِ ول َ َ
قد ْ ب َ َ َ م ليفرده الّناس باللهية ،كما قال تعالى: سل ّ َ
و َ ه َ عل َي ْ ِ
َ
جت َن ُِبوا ال ّ َ ُ
ت ]النحل[36: طا ُ
غو َ وا ْ دوا الل ّ َ
ه َ عب ُ ُنا ْ سول ً أ ِ ة َر ُ م ٍ لأ ّ كُ ّ
عاَلى -غيره إلها ً وطاغوتا ً يعبد من دونه؟! وت َ َ
ه َ حان َ ُسب ْ َ فكيف يجعل ُ -
عَلىومن أسباب وقوع الشرك :تعظيم الكواكب أو القياس َ
الكواكب ،كما قلنا :إن الحرانيين الصابئين -قوم إبراهيم -والمم
قبلهم من الكنعانيين والبابليين والشوريين وكثير من المم
البائدة ،كانوا يعتقدون أن للفلك والكواكب تأثيرات وتدبيرات في
عَلى مثال العوالم السفلية ،ومن أجل ذلك بنوا الهياكل ،ث ُ ّ
م صوروا َ
تلك الكواكب الصنام .ونحتوها ،وأخذوا يعبدون هذه الصنام من
عاَلى -بسبب هذا العتقاد.
وت َ َ دون الله -ت ََباَر َ
ك َ
ه الل ّ ُ
ه الحاديث الصحيحة في النهي عن عبادة م ُ
ح َ
ف َر ِ
صن ّ ُ
م ْ
وذكر ال ُ
القبور ،وعن اتخاذ القبور مساجد ،وهي أحاديث كثيرة وصحيحة.
• حديث اللهم ل تجعل قبري وثنا ً يعبد ل يفهم منه جواز تعظيم القبور والتقرب
إليها
ولكن هنا إشكال يرد ،ونحب أن نفصل فيه حتى تزول الشبهة ،وهو قول النبي
م كما روى المام مالك في الموطأ عنه أنه قال) :اللهم ل سل ّ َ
ه عَل َي ْهِ وَ َ
صّلى الل ُ
َ
َ
تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله عَلى قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد( ً
م مجاب سل ّ َ
ه عَل َي ْهِ وَ َ
صّلى الل ُ
سول َ فأورد بعض دعاة الشرك قديما ً وحديثا ً أن الّر ُ
ه وَت ََعاَلى -أن ل يجعل قبره وثنا ً حان َ ُسب ْ َ
الدعوة ،وهو في هذا الحديث قد دعا الله ُ -
م ،فمهما عبدنا ،ومهما دعونا القبر، سل ّ َ
ه عَل َي ْهِ وَ َ
صّلى الل ُ
يعبد ،إذا ً فلن يعبد قبره َ
ومهما استغثنا ،ومهما طفنا ،فهذه ليست بعبادة.
وهذه الشبهة هي من أعظم شبهاتهم -كما يظنون -ولكنها إذا
عاَلى
وت َ َ
ه َحان َ ُ عَلى الدليل العلمي الصحيح تزول بإذن الله ُ
سب ْ َ عرضت َ
ة
سن ّ ِهل ال ّ وتنكشف ،وكما سبق وأن قلنا ونعيد القول بأن أ ْ
ة ودعاة التوحيد -ولله الحمد والمنة -مستعدون للجابة عن ع ِ ما َ وال ْ َ
ج َ َ
ء ،فالجواب عليها موجود عند علماء ه ُ
ؤل ِ َ يوردها علمية شبهة أية
ء الّناس ؤل ِ ه ُ
ن نريد من َ ح ُ
ة وفي كتبهم ،ولذلك ن َ ْ ع ِ
ما َ وال ْ َ
ج َ ة َ
سن ّ ِ هل ال ّ أ ْ
صّلى الل ُ
ه سول َأن يحرروا عقولهم من التقليد والتبعية لغير الّر ُ
م ،وينظروا إ َِلى المور بنظرة علمية خالصة جادة ،فإذا سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ َ
عَلى ذلك ،ولم يبق إل مثل هذه الشبهات العلمية ،فان وافقوا َ
عاَلى.
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
الجواب عنها قريب بإذن الله ُ
ى وظنون وتأويلت من عند أنفسهم، وأما الشبهات التي هي هو ً
ن بالتقليد كقولهم: كا َ فهذه يجب عليهم هم أن يردوها ،وكذلك ما َ
هذا رواه الولياء ،أو هذا ثبت بالتجربة عند المشايخ ،أو هذا مما
ة
قَناهُ بالعلم الباطن أو نحو ذلك ،فإن هذا الكلم مردود أصل وبداه ً لُ ِ
ل ،لكن ة وتفصي ً عَلى سبيل رده جمل ً ول نناقش في هذا الكلم ،إل َ
صلىّ سول الله َ قاُلوا :قال الله :أو قال َر ُ و َ
إذا جاءونا بأدلة علمية َ
عَلى غير وجهها ،أو فهموا م ،لكنهم فهموا الية َ سل ّ َ
و َ
ه َعل َي ْ ِ
ه َ
الل ُ
ن وإياكم نبحث عن ح ُ عَلى غير وجهه ،قلنا لهم :نعم ،إذًا؛ ن َ ْ الحديث َ
عاَلى.
وت َ َ
ه َ حان َ ُسب ْ َ
الدليل العملي الصحيح ونتبعه بإذن الله ُ
ن ،ول نجادلهم إل ّ
كي َ
ر ِ
ش ِ ء ال ْ ُ
م ْ ه ُ
ؤل ِ هذه قاعدة عامه في مجادلة َ
بالتي هي أحسن.
ن في الستدلل به.
كي َ
ر ِ
ش ِ والثاني :في معناه ،وفي رد شبهة ال ْ ُ
م ْ
ه -قد رواه في ه الل ّ ُم ُ ح َ أما ثبوت هذا الحديث :فإن المام مالك َ-ر ِ
الموطأ مرسل ً عن زيد بن أسلم ،وروي أيضا ً مرسل ً عن عطاء ،
والحديث المرسل هو :الحديث الذي سقط منه الصحابي ،يعني أن
م ،فهذا الحديث سل ّ َ و َ ه َعل َي ْ ِه َ صّلى الل ُسول الله َ يقول التابعي :قال َر ُ
ل ،كما قال الناظم) :ومرسل منه الصحابي سقط( يسمى مرس ً
وزيد بن أسلم أو عطاء تابعيان ،ومثل ذلك سعيد بن المسيب
رحمهم الله ،والزهري ،ونافع ،وأمثالهم ممن يروون عن الصحابة
سول الله ء التابعين :قال َر ُ ه ُ
ؤل ِ -رضوان الله عليهم -فإذا قال أحد َ
سل ّ َ
م، و َه َعل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ سول الله َ سل ّ َ
م ،أو عن َر ُ و َ ه َ عل َي ْ ِ صّلى الل ُ
ه َ َ
ولم يذكر الصحابي الذي روى عنه -فلم يقل عن أنس ولعن جابر
ل.ة -فهذا الحديث يسمى مرس ً هَري َْر َ ول عن أ َِبي ُ
ن ثقة ،لكنه قد يروي عن تابعي ضعيف ،أو تابعي كا َ فالتابعي وإن َ
غير مقبول ،وذهب بعض علماء الحديث وكثير من الفقهاء إ َِلى أن
سول ل :قال َر ُ قاُلوا :إن التابعي إذا َ
قا َ و َ
المرسل مقبول يحتج بهَ ،
صّلى الل ُ
ه م فإنه إنما قاله متأكدا ً أن النبي َ سل ّ َ و َ
ه َ عل َي ْ ِ
ه َصّلى الل ُ الله َ
م قد قاله ،وراويا ً له عن الصحابي الذي أسقطه ،لنه سل ّ َ
و َ
ه َعل َي ْ ِ
َ
ليس من الضروري أن يذكر الراوي من روى عنه ،فهو يقول :قال
م ليقينه أنه سمع هذا الحديث من سل ّ َ
و َ
ه َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ سول الله َ َر ُ
أحد الصحابة ،هذه وجهة نظر الخرين.
ل ،وهذا المرسل مردود عند بعض فالحديث رواه المام مالك مرس ً
م أورد لهذا الحديث بعض طرق روي العلماء ومقبول عند بعضهم ،ث ُ ّ
َ
مد في المسند له بها مرفوعا ً عنأبي سعيد الخدري ،وأورد المام أ ْ
ح َ
ن الحديث بمجموع هذه الشواهد يرتقي إ َِلى شواهد ،فنقول :إ ّ
صحة.
ال ّ
عل َي ْ ِ
ه ه َ صّلى الل ُ
ن النبي َ
وأما دللة هذا الحديث ومعناه فنقول لهم :إ ّ
م ،بل كل ال َن ْب َِياء ليسوا مجابي الدعوة بإطلق ،فليس صحيحا ً سل ّ َو َ َ
صلى ّ م تستجاب له كل دعوة يدعو بها َ ّ
سل َو َ
ه َ َ
علي ْ ِه َ صلى الل ُ ّ ن النبي َ أ ّ
م ،وهذا ل غرابة فيه ،بل وردت وصحت عن النبي سل ّ َو َ ه َعل َي ْ ِ
ه َ الل ُ
م أحاديث لم يستجب فيها دعاؤه ،لن الله سل ّ َو َ
ه َعل َي ْ ِ ه َ صّلى الل ُ َ
ن َ
عالى -له حكم عظيمة ل يدركها أحدٌ من البشر وإن كا َ َ وت َ َ
ه َ حان َ ُ سب ْ َُ -
نبي ًّا.
عاَلى -قد قدر أقداًرا ،وقد كتب في اللوح المحفوظ وت َ َ وهو -ت ََباَر َ
ك َ
أقدارا ً وأمورا ً مما تقتضيها حكمته ،فتقع هذه المور وتجري في
الكون ،ول يحيط ال َن ْب َِياء ول غيرهم بها علمًا.
عاَلى -قد
وت َ َ فيأتي النبي فيدعو الله بدعوة ،ويكون الله -ت ََباَر َ
ك َ
قضى وقدر أن هذا المر يمضي وينفذ ،فل تستجاب دعوة النبي
في هذا المر ،ول يعني هذا أن النبي غير مقبول عند الله ،فإن
َ
سول عاَلى ،ول سيما َر ُ
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
جميع الن ْب َِياء مقبولون عند الله ُ
وم
م الذي هو أفضلهم ،وهو سيد ولد آدم ي َ ْ سل ّ َ
و َ
ه َ عل َي ْ ِ صّلى الل ُ
ه َ الله َ
عاَلى حكم عظيمة. ة ولكن لله ت َ َ م ِقَيا َ
ال ِ
ن رجل ً صالحا ً تقيا ً عابدًا ،ل يدعو الله مثال ذلك :لو أن أحدا ً منا َ
كا َ
ن في هذه المة كا َعاَلى -في شيء إل واستجاب له ،وقد َ وت َ َ
ه َ حان َ ُ
سب ْ َ
ُ -
ه ،فلوعن ْ ُه َ ي الل ُ ض َ من هو مجاب الدعوة مثل :سعد بن أبي وقاص َر ِ
سل ّ َ
م و َ ه َ عل َي ْ ِه َ صّلى الل ُ
عاَلى -أن يبعث النبي َ وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َدعا الله ُ -
ل ،أو يبعث أبا بكر حتى يراه ،ل يقبل دعاؤه ،لنه وإن كانت مث ً
دعوته مستجابة فإن الدعاء ل يجوز العتداء فيه ،وهذا من العتداء
عاَلى به في الدعاء ،فل يصح أبدا ً أن تدعو الله به .فإذا دعوت الله ت َ َ
فإنك معتد في الدعاء ،وهذا الدعاء مردود ،وإن كنت مستجاب
الدعوة في أمور أخرى .وهكذا ما يذكر في قصة عابد بني إسرائيل
عل َي ْ ِ
ه عَلى موسى َ ن مجاب الدعوة -فقيل له :ادع الله َ كا َ -وقد َ
سلم ،فلما دعا اندلق لسانه -والعياذ بالله -وكان ذلك شؤما ً عليه ال ّ
وخسارة.
عَلى أمته أهل الشرك( وفي رواية والدعوة الثانية) :أن ل يسلط َ
حديث شداد قال):ول يسلط عليهم عدوا ً من سوى أنفسهم
صّلى الل ُ
ه عاَلى -لنبيه َ
وت َ َ
ك َ فيستبيح بيضتهم( فاستجاب الله -ت ََباَر َ
م بأن ل يسلط علينا الكفار فيستأصلونا جميعا ،فإنه ل سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ َ
تزال في هذه المة طائفة باقية ،ول تزال طائفة منصورة يقاتلون
عَلى أمر الله ل يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ،فل يسلط َ
ن ،فيبيدونا إبادة تامةكي َ ر ِ
ش ِم ْصاَرى ول ال ْ ُ
الله علينا اليهود ول الن ّ َ
عَلى وجه الرض مسلم ،فهذا ل يقع. حتى ل يبقى َ
صّلى الل ُ
ه ه في هذه الية أن النبي َ ه الل ّ ُ م ُ ح َ ي َر ِ ر ّ خا ِ روى المام الب ُ َ
ذابا ً َ
ع َ م َ عل َي ْك ُ ْث َ ع َ ن ي َب ْ َ عَلى أ ْ قاِدُر َ و ال ْ َ ه َ ل ُ ق ْ ُ م لما نزلت: سل ّ َ و َ ه َ عل َي ْ ِ َ
ل) :أعوذ بوجهك( .فاستعاذ النبي قا َ م ]النعامَ [65: قك ُ ْ و ِ
ف ْ ن َ م ْ ِ
عاَلى -علينا عذابا ً من وت َ َ ه َ حان َ ُ سب ْ َ م أن ينزل الله ُ - سل ّ َو َه َ عل َي ْ ِ ه َ صّلى الل ُ َ
فوقنا ،إما القذف بالحجارة من السماء ،وإما الغرق والمطر أو أي
و قا َ َ عذاب يأتي من السماء ،كالصيحة أو الصاعقة ونحو ذلكَ ،
ل :أ ْ
َ
م) :أعوذ سل ّ َ و َ ه َ عل َي ْ ِه َ صّلى الل ُ ل النبي َ قا َ ف َمَ . جل ِك ُ ْ ت أْر ُ ح ِ ن تَ ْ م ْ ِ
عاَلى -له وأعاذنا من أن يرسل وت َ َه َ حان َ ُ سب ْ َ
بوجهك( فاستجاب الله ُ -
علينا عذابا من تحت أرجلنا ،وهو الخسف أو الغرق أيضا ،أو أي
عذاب يكون من تحت أرجلنا فيهلك المة عامة ،وإل فإن الخسف قد
شَيعا ً َ
م ِ سك ُ ْو ي َل ْب ِ َ ل :أ ْ قا َ م َ يقع لبعض المة والغرق والزلزل ،ث ُ ّ
ْ
م) :هذه سل ّ َ و َ ه َ عل َي ْ ِ ه َ صّلى الل ُ عض قال النبي َ س بَ ْ م ب َأ َ ضك ُ ْ ع َ ق بَ ْ ذي َ وي ُ ِ َ
على أن هذه الية نزلت بعد أن دعا الله َ أهون ،هذه أيسر( فهذا يدل َ
عاَلى -بالدعوات الثلث ،فلم تستجب له الدعوة الثالثة. وت َ َ ه َ حان َ ُ سب ْ َ ُ -
م في هذه الثالثة :أعوذ سل ّ َ و َ ه َعل َي ْ ِ ه َ صّلى الل ُ فلذلك لم يقل النبي َ
ل) :هذه أهون هذه أيسر( هذا هو الظاهر ،والله قا َ بوجهك .بل َ
عاَلى أعلم. تَ َ
مد في َ
ح َ
ولكن المهم من ذلك أنه كما روى المام مسلم ،والمام أ ْ
م قد استجاب الله له سل ّ َ
و َ
ه َ عل َي ْ ِ صّلى الل ُ
ه َ المسند وغيرهما أن النبي َ
دعوتين ولم يستجب له الثالثة ،وقد ورد في طرق هذا الحديث أن
ف َ
قا َ
ل م صلى صلة حسنة طويلة خاشعة َ سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ النبي َ
سول الله إنك صليت صلة له معاذ -وفي بعض الروايات خباب :-يا َر ُ
ل) :نعم ،إنها صلة رغب ورهب( ما رأيتك صليت مثلها من قبل! َ
قا َ
.
أي :ليس لك من المر شيء ،إنما عليك البلغ والبيان والدعوة ،أما
عاَلى ،فإن شاء تاب عليهم وت َ َه َ
حان َ ُ
سب ْ َء فإنه إ َِلى الله ُ
ؤل ِ ه ُ
إهلك َ
عاَلى -وحده، وت َ َ
ك َ عاَلى ،وإن شاء عذبهم ،فالمر إليه -ت ََباَر َ وت َ َه َ حان َ ُ
سب ْ َ
ُ
َ
م بعدها إ ِلىسل َّ و َ ه َ َ
علي ْ ِ ه َ
صلى الل ُّ فلما نزلت هذه الية لم يعد النبي َ
ن عام الفتح أسلم سهيل بن عمرو ، ء ،ولما َ
كا َ ؤل ِ عَلى َ
ه ُ القنوت َ
وصفوان بن أميه ،والحارث بن هشام ،كما أن القبائل الخرى
أسلمت ،ومنها :رعل وذكوان وعصية.
م قدسل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ ه َ صّلى الل ُ
نقول لهم :هذا القول مردود بأن النبي َ
دعا بدعوات ولم يستجب له فيها ،ونستطيع أن نتلمس الحكمة في
عاَلى -قد قضى وقدر أن هذه المة يكون وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
ذلك أن الله ُ -
ن في المم قبلها ،كما ثبت في الحديث الصحيح) :لتتبعن فيها ما َ
كا َ
عاَلى ذلك ،ول ن قبلكم حذو القذة بالقذة( فقدر الله ت َ َ سنن من َ
كا َ
عاَلى -أن هذه المة تعود إ َِلى وت َ َه َ حان َ ُ
سب ْ َ
راد لقضائه ،وقدر الله ُ -
ن ،وأنه )ل تقوم الساعة كي َ
ر ِ
ش ِم ْ الشرك ،وأن فئام منها تلحق بال ْ ُ
عَلى ذي الخلصة ( -كما في الحديث حتى تضطرب أليات نساء دوس َ
الصحيح ،-فهذا مما قدره الله ول راد لقضائه.
وإ ِذْ
َ عاَلى -يسأل المسيح عيسى بن مريم: وت َ َ
ك َ ومن ذلك :أنه -ت ََباَر َ
ذوِني ُ ََ
ن
هي ْ ِ ي إ ِل َ َ
م َ
وأ ّ
َ خ ُ
س ات ّ ِ قل ْ َ
ت ِللّنا ِ ت ُ
م أأن ْ َ
مْري َ َ ن َ سى اب ْ َ عي َه َيا ِ ل الل ّ ُقا ََ
ه ]المائدة.[116 : ن الل ّ ِدو ِ ن ُ م ْ ِ
عاَلى -يسأله ويسأل المرسلين والولياء والملئكة:
وت َ َ فالله -ت ََباَر َ
ك َ
هل أنتم رضيتم أن تعبدوا من دون الله؟
ه
حان َ ُ
سب ْ َ
نقول :إن الوثنية والشرك يقعان في هذه المة .ولكن الله ُ -
م من الرضى بهذا سل ّ َ و َ ه َ عل َي ْ ِ صّلى الل ُ
ه َ عاَلى -قد برأ رسوله َ
وت َ َ
َ
ً
الشرك ،فأنتم حين تجعلون قبره وثنا وتشدون الرحل إليه
م وتستغيثون به، سل ّ َو َ ه َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ وتطوفون به ،وحين تدعونه َ
م حتى في هذا سل ّ َو َ ه َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ سول َ قد حاددتم وضاددتم الّر ُ
الحديث ،فإنه يدعو الله أن ل يتخذ قبره وثنًا ،وأنتم تتخذونه وثنًا.
عاَلى -الحاديث التي تدل ه تَ َه الل ّ ُم ُح َ وقد جمع المام ابن كثير َ-ر ِ
م ،وما لم يستجب له سل ّ َو َ ه َ عل َي ْ ِ ه َ صّلى الل ُ عَلى ما استجاب الله لنبيه َ َ
َ
ث
ع َ عَلى أ ْ
ن ي َب ْ َ قاِدُر َ و ال ْ َ ه َل ُ ق ْ ُ عاَلى: وت َ َك َ في تفسير قول الله ت ََباَر َ
َ َ قك ُ َ
ق
ذي َوي ُ ِشَيعا ً َم ِ و ي َل ْب ِ َ
سك ُ ْ مأ ْ جل ِك ُ ْت أْر ُ ح ِن تَ ْم ْ و ِمأ ْو ِ ْ ن َ
ف ْ م ْ ذابا ً ِ
ع َم َ عل َي ْك ُ ْ َ
ض ]النعام.[65: ْ ُ
ع ٍس بَ ْ
م ب َأ َ ضك ْ ع َ بَ ْ
• تنبيه على كلم شيخ السلم وابن القيم
ه الل ّ ُ
ه -ومثله م ُح َ
وهنا قضية أخرى ينبغي التنبيه إليها :وهي أن المام ابن القيم َ-ر ِ
ه
حان َ ُسب ْ َ
ة من قبل في الجواب الباهر قالوا :إن الله ُ - مي ّ َ
ماْبن ت َي ْ ِ
سل ِ َ
شْيخ ال ِ ْ
م هذا الحديث-أي :حديث سل ّ َ
ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ُ سول َ وَت ََعاَلى -قد استجاب للَر ُ
)اللهم ل تجعل قبري وثنا يعبد( -فإن الصحابة -رضوان الله عليهم -لما دفن
سنة دفن ال َن ْب َِياء جميعا- م في موضعه -وهذه ُ سل ّ َ
ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ُ سول الله َ َر ُ
م لما أراد بعض الصليبيين م أحيط بالجدران بعد ذلك ،ث ُ ّ وكان محاطا بالحجرة ،ث ُ ّ
م في أيام المماليك صب عليه من سل ّ َ
ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ُ أن يعتدوا عََلى قبره َ
جاَء في الرصاص في أطرافه فأصبح مخفيا جدا ً بهذه الجدران ،وهذا مثل ما َ
ه عَْنها قالت) :ولول ذلك لبرز قبره غير ي الل ُ ض َ
ة َر ِ ش َالحديث الخر الذي روتهَعائ ِ َ
أنه خشي أن يتخذ وثنا( فخشية أن يتخذ وثنا ً لم يجعل بارزا ،ولم يأمر بأن يبنى
َ
صاَرى من عليه القبة كما بني عََلى قبور الن ْب َِياء من قبل ،وكما فعل اليهود والن ّ َ
قبل.
هذا في عهد الصحابة -رضوان الله عليهم -ومن بعدهم ،ث ُ ّ
م جاءت
التوسعة العمرانية في أيام الوليد بن عبد الملك ومن بعده.
جاءَ ذلك وخشي الّناس أن يتخذ القبر قبلة، يقول القرطبي :فلما َ
عَلى شكل مثلث وجعل قاعدته من جهة بني بناء القبر وما حوله َ
سان فإنه ل لن َ
القبلة ،ورأس المثلث من جهة الشمال ،فإذا وقف ا ِ
عَلى رأس القائمة، يستطيع أن يتخذ القبر قبلة ول أن يدعوه لنه َ
ولذلك من يظن أنه يعبد قبره أو أراد الوصول إليه فإنه ل يستطيع،
ء العلماء الجلء ه ُ
ؤل ِ بل ول يستطيع أن يراه .ولكن هذا الذي ذكره َ
ل يعارض ول يمانع ما هو واقع الن ومشاهد حسًا ،ووقع في
القرون الماضية ،وهو أن الّناس الجهال يتخذون القبر وثًنا ،وهذا
عَلى أن هذا الحديث ليس المراد به الجابة المطلقة ،لوقوع يدل َ
م قد تبرأ ممن يفعل سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ ذلك من الجهال ،فالنبي َ
عاَلى -ذلك لكي ل يؤاخذ أو يظن به أنه وت َ َه َحان َ ُ
سب ْ َ
ذلك وسأل الله ُ -
مقر بهذا الفعل.
ي
ض َ
م والصحابة َر ِ سل ّ َ
و َه َعل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
سول َ والحتياطات تبرىء الّر ُ
هم عندما أحاطوه بالجدران ،وأيضا ً تبرئ من بعدهم ممن عن ْ ُ
ه َ الل ُ
صّلى الل ُ
ه عَلى شكل مثلث ،ومثل ذلك ما فعل النبي َ وضع البناء َ
َ
ه إ ِلى العزى عن ْ ُه َ ي الل ُض َ م لما أرسل خالد بن الوليد َر ِ سل ّ َ
و َ ه َعل َي ْ ِ
َ
طاِلب إ َِلى القبور والصور فطمسها َ
ي ب ْن أِبي َ
ِ عل ِ ّ
فقطعها ،وأرسل َ
ل -قبل ج ّو َ
عّز َ
ومحاها ،ومع ذلك تعود عبادة العزى من دون الله َ -
قيام الساعة ،وتعود الصنام وعبادة القبور.
الشرح:
عَلى الفطرة، م) :كل مولود يولد َ سل ّ َ و َ ه َ عل َي ْ ِه َسول الله صّلى الل ُ قال َر ُ
عَلى
فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه( وفي رواية) :كل مولود يولد َ
عَلى هذه الملة ،فأبواه الملة( وفي رواية أجلى وأصرح) :كل مولود يولد َ
ل) :كما تنتج يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه( وكما في رواية الصحيح َ
قا َ
البهيمة البهيمة جمعاء هل ترون فيها من جدعاء؟( معنى هذا الحديث أو
عاَلى قد أودع في فطر الّناس وت َ َه َ حان َ ُسب ْ َ دللة هذا الحديث :أن الله ُ
عاَلى فكل مولود من بني آدم يولد ،فهو مقر وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
اليمان بالله ُ
عَلى القرار واليمان عاَلى ومفطور َ وت َ َه َ حان َ ُ سب ْ َه بفطرته إليه ُ بالله ومتج ٌ
عاَلى -بحيث ل يحتاج إ َِلى أن يلقن ذلك ول أن يعّلم ،بل هو وت َ َ به -ت ََباَر َ
ك َ
ه
حان َ ُ عَلى نفس هذه الملة -ملة السلم -التي ل يقبل الله ُ
سب ْ َ مولود َ
عاَلى من أحد غيرها. وت َ َ
َ
وضرب مثال ً لذلك بالبهيمة )كما تنتج البهيمة البهيمة( أي :تلد البهيمة
ة جمعاء كاملة ليس فيها أثر من آثار إحداث الدمي ،كقطع الذان أو بهيم ً
عَلى البل والبقر والغنم لتعرف ،وإنما الذيالعلمات التي توضع سمة َ
يجدعها صاحبها.
عَلى جلب المنافع ودفع المضار بحسبه وحينئذ ومنها :أنه مفطور َ
وإن لم تكن فطرة كل واحد مستقلة بتحصيل ذلك ،بل يحتاج إ َِلى
سبب معين للفطرة ،كالتعليم ونحوه ،فإذا وجد الشرط وانتفى
المانع استجابت لما فيها من المقتضي لذلك.
ومنها :أن ي َ
قا َ
ل :من المعلوم أن كل نفس قابلة للعلم وإرادة الحق،
ومجرد التعليم والتحضيض ل يوجب العلم والرادة ،لول أن في
النفس قوة تقبل ذلك ،وإل فلو علم الجماد والبهائم وحضضا لم
يقبل.
الشرح:
ثانيا ً المور العقلية التي تكون واضحة وجلية ،أما القضايا الكلمية
التي فيها تعقيدات ،أو التي فيها بحوث متعمقة جدا ً نضيع من
أجلها ساعات وراء ساعات ،وقد يكون في الحاضرين من ل يستطيع
أن يفهم هذه المصطلحات ول يدركها ،فهذه إن شاء الله سوف
نضرب عنها صفحًا ،ولن هذه الموضوعات معقدة أو بعضها معقدة
سان أن يبين كل كلمة وكل مصطلح ،فتضيع لن َ جدًا ،ويحتاج ا ِ
عَلى الجميع ،وهذا المر ليس بدعيا ً من عندنا ،بل الفائدة العامة َ
حتى في الجامعات كما هو معلوم أن هذا الكتاب مقرر في كليات
المملكة جميعا ً -تقريبًا -وأن هناك مقاطع تحذف من المنهج إذا
كانت في مثل هذه المور ،لكن نقول :إن هذه التفصيلت ليست
ن ننبه إ َِلى ما بعدها ،وإل ففي المكان أن تفهم ح ُصعبة جدا ً لكن ن َ ْ
ه هنا إن شاءه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
صّنف َر ِ
م ْ
وسنوضح هذه الوجوه التي ذكرها ال ُ
الله ،بكلم إذا فهم تفهم جميعا ً بإذن الله فنقول :كل إنسان عنده
عل َي ْ ِ
ه صّلى الل ُ
ه َ إرادة وإحساس ،فهو حساس ومريد ،وكما قال َ
سل ّ َ
م) :أصدق السماء حارث وهمام( و َ
َ
ن أو كافرًا، لن كل إنسان من البشر هو حارث وهمام ،مؤمنا ً َ
كا َ
غبيا ً أو ذكيًا ،ما دام أنه إنسان فهو حارث وهمام ،أي له إرادات
عَلى هذه الرادات واعتقادات وتصورات ،ويقوم بأعمال يعملها بناءً َ
عاَلى قد فطر كل إنسان أن تكون وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
والحساسات ،والله ُ
إراداته وهمه وحرثه فيما ينفعه ل فيما يضره ،فأي إنسان عندما
ن قد يكون يعمل أي عمل إنما يجتهد في عمل ما ينفعه ،وإن َ
كا َ
ضارا ً في الحقيقة ،مثل الكافر الذي يجتهد في عبادة الصنام فهذا
شيء آخر ،المهم أن يكون اجتهاده حسب ما يعتقد هو ويرى أنه
نافع له ،فهذه حقيقة واضحة فإذا كانت الفطرة بهذا الشيء ،وكان
سان حارثا ً وهمامًا ،وأنه ل يعمل ول يكدح إل فيما يعتقد أنه لن َ
ا ِ
ينفعه ،ل فيما يعتقد أنه يضره
إذا ً فكل إنسان وكل مجتمع وكل أمة تتجه وتبحث عن إله ،وتبحث
عَلى وجود الفطرة ،وعلى أن هذه الفطرة عن دين ،وهذا دليل َ
عاَلى؛ لكن قد تضل وقد تصيب ،ولنضرب وت َ َ
ه َحان َ ُ تتجه إ َِلى الله ُ
سب ْ َ
عَلى ذلك أمثلة واقعية حسية من واقع الحيوان ،فالحيوان إذا رأى َ
الّنار ابتعد عنها ،ول يمكن أن يأتي حيوان ويدخل في النار ،إل إذا
وقع طريق الخطأ ،مثل الفراشة لنها عندما ترى الّنار تظن أن هذه
ألوان الطيف من الجمال ،مثل الزهار الجميلة ،فالجمال يجعل
الفراشة تقع في النار ،مع أنها ل تريد أن تعذب نفسها ،ولذلك إذا
وقعت في الّنار واحترق جناح من أجنحتها تهرب وتحاول أن تتحرك
لتبتعد عن النار ،فكل إنسان متجه إ َِلى ما ينفعه ل إ َِلى ما يضره.
فإن زين له ،أو لبس عليه ،أو أغري فوقع فيما يضر ،فإنه سرعان
ما يحاول الخروج ،وذلك مثل الكفار ،عندما تزين لهم الشبهات
فيعبدون غير الله ،فالتجاه إ َِلى الله موجود ،لكن زينت لهم
الشبهات والشهوات ،وسول لهم الشيطان أن يعبدوا غير الله،
جَنا
ر ْ َرب َّنا أ َ ْ
خ ِ فعبدوا غير الله ووقعوا في الّنار فعندما يقولون:
ن ]المؤمنون [107:يدعون الله ويتمون مو َ فإ ِّنا َ
ظال ِ ُ عدَْنا َ
ن ُ ها َ
فإ ِ ْ من ْ َ
ِ
أن يخرجهم من الّنار لنهم قد وقعوا فيها بسبب التلبيس؛ لكن هل
ن والكفار عبدوا غير الله ليدخلوا النار؟ كو َر ُ م ْ
ش ِ ال ُ
فى ]الزمر[3: ه ُزل ْ َ
قّرُبوَنا إ َِلى الل ّ ِ
م إ ِّل ل ِي ُ َ
ه ْ
عب ُدُ ُ
ما ن َ ْ
َ ل؛ بل قالوا:
فهم ل يريدون أن يدخلوا النار ،ول يعبدون أصنامهم إل لتدخلهم
ن هناك بعث. الجنة إن َ
كا َ
عَلى سل ّ َ
م :إن افترضنا َ و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ سول الله َ
وقد قالوا لَر ُ
كلمك أن هناك جنة ونارًا.
فنحن أهل الجنة لننا أكثر أموال ً وأولدا ً في هذه الدنيا ،وقالوا مرة
ن الذين بنينا البيت ونحن الذين نعظم الحرم ،ونسقي ح ُ
أخرى ن َ ْ
سانلن َ
ن هناك من جزاء ومن عمل يحاسب عليه ا ِ الحجاج ،فإن َ
كا َ
جزاؤه الجنة ،فنحن من أهل الجنة.
عاَلى تكفل له ما دام فيها ولم يأكل منها، وت َ َه َ حان َ ُسب ْ َ
ونسي أن الله ُ
أنه ل يجوع ول يعرى ول يضحى ول يمسه أي أذى أو نصب أو ألم،
سان لكنه نسي طمعا ً في لذة أعظم من اللذة الموجودة ،فا ِ
لن َ
حساس ومتحرك وله إرادات ،ول يعمل أي عمل إل وفيه مصلحته،
وإن عمل غير ذلك فلنه في تصوره يسعى إ َِلى لذة أعل ،وإلى
عَلى وجود الفطرة وأن الفطرة تتجه في مصلحة أعظم ،فهذا دليل َ
َ
عالى،
وت َ َ
ه َ حان َ ُ طبيعتها إ َِلى الله ُ
سب ْ َ
سان -الذي يبحث عن الحق مع نفسه -لتجه إ َِلى عبادةلن َ
ولو خلي ا ِ
الله وحده ل شريك له ،لكن تأتيه شياطين الجن والنس ،فتلبس له
الشرك وتزينه له.
سان ،وأقنعناه أن يترك تقليده الذي مشى ولو جئنا إ َِلى هذا ا ِ
لن َ
صّلى
عليه ،ويترك الفلسفات التي ورثها ،ويتخلى عن حقده للنبي َ
م لدين السلم ،ويتخلى عن تعصبه ،أي لو قلنا له: سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ ه َ
الل ُ
أزل هذه الموانع الخارجية جميعًا.
م أزال هذه جميعًا، م انظر إ َِلى نفسك فاختر الدين الذي تريد ،ث ُ ّ ثُ ّ
م بالبقرة ،وقرأ في قْرآن وبدأ بالفاتحة مثل ً ث ُ ّ وأخذ يقرأ ال ُ
الحاديث ،فإنه سيجد أن هذا هو الدين الحق ،وسوف يؤمن به ،وإذا
قرأتم قصص الذين دخلوا في السلم ،وما كتبوه ،لوجدتم هذا
ه -هنا؛ أنه إذا خليت ه الل ّ ُم ُح َ ف َ-ر ِ
صن ّ ُ
م ْ
ل ال ُ الكلم تصديقا لما َ
قا َ
النفس عن الموانع الخارجية ،من التقليد أو التباع فإنها تهتدي إ َِلى
الدين الحق.
تجد الواحد منهم يقول :قرأت أديان الهند ،وقرأت أديان الصين ،
م لم أقتنع بها ،وأخذت أبحث عن ودخلت في دين كذا ودين كذا ،ث ُ ّ
صّنف أن الفطرة تبحث ،وأنها لوم ْ
جاءَ ما يقوله ال ُ الدين الحق وهنا َ
عَلى شاب
تركت لهتدت ،يقول أحدهم :في أثناء البحث تعرفت َ
مسلم ،أو وقع بيدي نسخة من القرآن ،فلما قرأت عرفت أن هذا
عَلى وجود
هو الدين الحق ،فاهتدى الرجل فأسلم ،فهذا دليل َ
الفطرة.
لكن الفطرة وحدها ل تهتدي فقد تضل ،والذي يقوم الطريق ويمنع
ه
حان َ ُسب ْ َ
الفطرة من الخطأ هو الوحي ،ولذلك لم يؤاخذنا الله ُ
عاَلى ،ولم يحاسبنا بمقتضى العهد الذي أخذه علينا في عالم وت َ ََ
عاَلى أو يؤاخذنا بمقتضى الفطرة التي وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
الذر ،ولم يحاسبنا ُ
فطرها في أنفسنا ،وإنما بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل
عَلى الله حجة بعد الرسل- ،أي :أن معهم الكتاب ،لئل يكون للناس َ
الحجة والبلغ إنما هي بدعوى النبياء -فهذا من حكمة الله ،ومن
حّتى عذِّبي َ
ن َ م َما ك ُّنا ُ
و َ
َ عاَلى علينا؛ أنه ل يعذب أحدا ً وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
فضله ُ
سول ً ]السراء [15:مع قيام الحجج في الفطرة ،وقيام ث َر ُ
ع َن َب ْ َ
الحجج في العقل ،ومع الميثاق الذي أخذه الله في عالم الذر،
والبراهين التي جعلها في الكون والنفس والفاق ،مع ذلك كله فإن
سان من العلم عَلى ما يبلغ ا ِ
لن َ العذاب ودخول الّنار ل يكون إل َ
النبوي. ،
ه الل ّ ُ
ه] :وُيحكى عنأبي حنيفة [ كلمة "يحكى" أو م ُ
ح َ
صّنف َر ِ
م ْ
يقول ال ُ
"ُيقال" معناها :أن الخبر فيه كلم ،فليس موثوقًا ،والحقيقة أن
هذه الواقعة ل تتصور أنها تصح عن المام أبي حنيفة لنه ل يمكن
أن يتجرأ أحد من الملحدة في عهد المام أبي حنيفة وفي أوائل
م يؤتى به إ َِلى الكوفة القرن الثاني ،ويقول أنا أنكر وجود الله ،ث ُ ّ
إلى عالم من أكبر علمائها ويقول له :أنا أريد أن أناظرك!! لنه
عَلى ضعف إيماننا ،وعلى ضعف هَ - مدُ ل ِل ّ ِح ْ حتى في هذا العصر -وال ْ َ
علمنا ،ل يتجرأ الملحد أن يأتي فضل ً عن أن يبحث عن عالم من
ه
حان َ ُ
سب ْ َن الكبار ويقول :أنا أريد أن أناظره ،لن الله ُ مي َسل ِ ِ علماء ال ْ ُ
م ْ
ن جميعا ً مو َسل ِ ُم ْ ن وال ْ ُمي َ سل ِ ِ عاَلى ضرب عليهم الذل ،وعلماء ال ْ ُ
م ْ وت َ َ
َ
سان ،أولن َ ً
حتى العامة منهم يرفضون أصل أن يقابلوا مثل هذا ا ِ
يتحدثوا معه ،فضل ً عن أن يفتحوا له الطريق ويقبلوا المناظرة،
ويقولون وإذا لم نقنعك نذهب بك إ َِلى المام أبي حنيفة نقول :هذا
ل يمكن ول يتخيل لكن هذا مما يذكره بعض المتكلمين ليبينوا أن
الئمة الربعة وغيرهم قد عرفوا الدلة والبراهين والحجج العقلية،
ي أنهم قالوا: مد والمام ال ّ َ
ع ّ ف ِ شا ِ ح َومثل ذلك ما ينقل عن المام أ ْ
انظروا إ َِلى هذه البيضة أو عجبت لهذه البيضة ،التي ظاهرها هذا
م يكون له العين م يخرج منها ذلك الحيوان ث ُ ّ العظم وباطنها الماء ،ث ُ ّ
والمنقار والرئتان ،مع ذلك نقول أن هذه النقولت لو ثبتت فليس
عَلى وجود الله ،هو هذه البيضة ،أو مد َ َ
ح َمعنى ذلك أن دليل المامأ ْ
عَلى وجود الله وعلى توحيد الربوبية هو أن دليل المام أبي حنيفة َ
السفينة.
سان أو من قال من الئمة :من أراد أن يعرف الله فلينظر إ َِلى ا ِ
لن َ
م من ماء ،هذه أمثلة وعبر ،مثلهم مثل أي كيف خلق من طين ،ث ُ ّ
ن الّله
سْبحا َ
لُ : قو ُ واحد يرى منظرا ً في ملكوت الله في السماء َ
في َ ُ
ل أحد؟!ج ّ و َ
عّز َ
كيف ينكر الله َ
عَلى ربوبية الله ،فليس هذا هو دليله الوحيد الذيانظر هذا دليل َ
يقوم إيمانه ويعتمد عليه إنما هو كمثال من المثلة وكدليل من
جملة الدلة ،فهذا الدليل دليل السفينة يذكر كذلك ،ول يعني هذا
عَلى هذا الدليل ،أو أن هذا هو حجتنا
أننا ل نؤمن بالله إل بناء َ
عَلى وجود الله إل أمثال هذه الدلة.
الوحيدة ،أو أننا ل نملك َ
عَلى أنه واحد ت ََباَر َ
ك عاَلى له في كل شيء آية تدل َ وت َ َه َحان َ ُ
سب ْ َ
فالله ُ
عاَلى ووجوده أيقين في النفوس من وجود المخلوقين أنفسهم؛ وت َ َ
َ
َ
عالى وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
ء المخلوقين إنما وجدوا؛ لن الله ُ ؤل ِ ه ُلننا نعلم أن َ
عاَلى إيمان وت َ َ
ه َحان َ ُ
سب ْ َ
هو الذي خلقهم ،فوجود الخالق الموجد ُ
النفس به أكثر يقينا ً من يقينها بوجود بلد اسمه أمريكا أو الهند ،
سان ربما لم يرها قط ومع ذلك هو مؤمن لن َ
ومع أنه قد يكون ا ِ
بوجودها ،فاليمان بوجود الله أعظم وأكثر يقينا ً من اليقين بذلك؛
عَلى المباحث لنه تمتل به الفطرة والقلب قبل أن يعرضه الدين َ
ه ذكر هذا المثال .وتفسيره ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
العقلية النظرية والمصنف َر ِ
واضح.
ونختتم بما ذكره مؤلف منازل السائرين ،وهذا الكتاب ألفه المام
أبو إسماعيل عبد الله الهروي والذي شرحه المام ابن القيم في
كتابه مدارج السالكين شرح منازل السائرين وهو المذكور هنا في
قوله" :ويفنى فيه كثير منأهل التصوف ويجعلونه غاية السالكين".
أما المتكلمون والنظار فقد سبق الحديث عنهم ،وأما هذا الهروي
صاحب منازل السائرين فإنه قد وقع -عفا الله عنه -فيما وقع فيه
الصوفية من الحديث عن الفناء ،حيث قالوا :إن حقيقية الفناء
وحقيقة التوحيد ،هو توحيد الربوبية :أن تعتقد أنه ل خالق إل الله،
وأنه ل فاعل إل الله.
وسيأتي تفصيل هذا قريبًا ،كما سيأتي ذكر البيات التي ذكرها
ه عن الهروي نفسه ،وهي أبيات مردودة في ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
صّنف َر ِ
م ْ
ال ُ
موضوع التوحيد ،وهذا الكلم الذي ذكره الهروي نقله صاحب حلية
الولياء عن الجنيد ،وهو من كلم الصوفية حيث يعتقدون أن توحيد
الربوبية هو غاية التوحيد فمن وصل عندهم إ َِلى توحيد خاصة
الخاصة فهو الذي يصل إ َِلى اعتقاد أنه ل فاعل إل الله ،وأن كل ما
عاَلى ،وأن الله هو الذي وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
في الكون إنما يتحرك بإذن الله ُ
حركه ،أي :حقيقة الفعل هذه منسوبة إ َِلى الله.
فل ترى لغير الله فعل ً ول حركة ول إرادة فهذا هو غاية التوحيد
عندهم ،أما ما دمت تثبت فعلين ،فأنت ل تزال في توحيد أقل ،أو
قْرآن كله شرك، ل :ال ُ في الشرك كما قال ذلك ابن سينا حيث َ
قا َ
والعياذ بالله ،وهذا كلم الفلسفة ،وأخذه الصوفية في الصل
ء ه ُ
ؤل ِ أخذوا عن الفلسفة ،من اليونان والهنود ،لكن فلسفة َ
فلسفة روحانية ،وأولئك فلسفة عقلنية.
فى آلل ّ ُ
ه صطَ َ نا ْ ذي َه ال ّ ِ عَلى ِ
عَباِد ِ م َ سل ٌ و َ ه َمدُ ل ِل ّ ِ ح ْ ل ال ْ َ ق ُِ كقوله تعالى:
َ َ َ َ
ن
م َم ِل ل َك ُ ْوأن َْز َ ض َواْلْر َ ت َ وا ِ ما َ س َق ال ّ خل َ َ ن َ م ْ ن*أ ّ كو َ ر ُ
ش ِ ما ي ُ ْ
خي ٌْر أ ّ َ
كان ل َك ُ َ ء ماءً َ َ
ها جَر َ
ش َن ت ُن ْب ُِتوا َمأ ْ ْ ما َ َ ة َ ج ٍ
ه َ ت بَ ْ ذا َق َ دائ ِ َ ح َ ه َ فأن ْب َت َْنا ب ِ ِ ما ِ َ س َال ّ
َ
ن ]النمل.[60،59: دُلو َ ع ِم يَ ْ و ٌ ق ْ م َ ه ْ ل ُ ه بَ ْع الل ّ ِ
م َه َ أإ ِل َ ٌ
َ
أي :أإله مع الله ع الل ّ ِ
ه م َ أإ ِل َ ٌ
ه َ عاَلى في آخر كل آية:
يقول الله ت َ َ
فعل هذا؟
وهذا استفهام إنكار ،يتضمن نفي ذلك ،وهم كانوا مقرين بأنه لم
يفعل ذلك غير الله ،فاحتج عليهم بذلك ،وليس المعنى استفهام:
هل مع الله إله؟ -كما ظنه بعضهم -لن هذا المعنى ل يناسب سياق
الكلم ،والقوم كانوا يجعلون مع الله آلهة أخرى كما قال تعالى:
هد ]النعام.[19: ش َل ل أَ ْ ق ْ خَرى ُ ة أُ ْه ًه آل ِ َ ع الل ّ ِ
م َن َ
َ
نأ ّدو َ
ه ُ م ل َت َ ْ
ش َ
َ
أإ ِن ّك ُ ْ
ذا ل َ َ َ
ب
جا ٌ
ع َ
يءٌ ُ
ش ْ ه َ
ن َحدا ً إ ِ ّ ة إ َِلها ً َ
وا ِ ه َل اْلل ِ َ ع َج َ
وكانوا يقولون :أ َ
]ص.[5:
َ
ع َ
ل ج َ قَرارا ً َ
و َ ض َل اْلْر َ ع َج ََ لكنهم ما كانوا يقولون :إن معه إلها ً
جزا ً ]النمل: َ
حا ِ
ن َ ن ال ْب َ ْ
حَري ْ ِ ع َ
ل ب َي ْ َ ج َ
و َ
ي َ
س َ
وا ِ ل لَ َ
ها َر َ ع َ
ج َ هارا ً َ
و َ خلل َ َ
ها أن ْ َ ِ
[61بل هم مقرون بأن الله وحده فعل هذا وهكذا سائر اليات.
َ
ن وال ّ ِ
ذي َ م َ خل َ َ
قك ُ ْ م ال ّ ِ
ذي َ دوا َرب ّك ُ ُ
عب ُ ُ
سا ْ
ها الّنا ُ
َيا أي ّ َ وكذلك قوله تعالى:
ن ]البقرة.[21: قو َ عل ّك ُ ْ
م ت َت ّ ُ م لَ َ
قب ْل ِك ُ ْ
ن َ
م ْ
ِ
عك ُ ْ
م م َ
س ْ
َ خذَ الل ّ ُ
ه ن أَ َم إِ ْ
ق ْ َ َ
ل أَرأي ْت ُ ْ ُ وكذلك قوله في سورة النعام:
ْ َ
]النعام: ه
م بِ ِ غي ُْر الل ّ ِ
ه ي َأِتيك ُ ْ ه َن إ ِل َ ٌ
م ْ قُلوب ِك ُ ْ
م َ عَلى ُم َ
خت َ َ
و َ صاَرك ُ ْ
م َ وأب ْ ََ
[46وأمثال ذلك[ اهـ.
الشرح:
عَلى
عَلى انفراد ،ول َ
والقرآن مملوء بذكر هذا التوحيد لكن ل َ
أساس أنه يقره كأمر جديد ،وإنما يقول للمشركين :هذا الذي أنتم
مقرون به يستلزم ويستوجب منكم القرار بما أنتم منازعون فيه،
عاَلى هو وحده المعبود، ن كانوا ينازعون في أن الله ت َ َ ر ُ
كو َ م ْ
ش ِ فال ُ
وهو الذي يرجى ويدعى ويخاف وحده ل شريك له ،وكانت هذه هي
المعركة بينهم وبين الرسل.
ن وأهل الكتاب -أيضًا -يعتقدون أن غير الله هو الذي كو َر ُش ِم ْ
وكان ال ُ
عاَلى -يلزمهم وت َ َ
ه َ حان َ ُسب ْ َ يملك أن يشرع وأن يحلل أو يحرم فالله ُ -
بأنه وحده الذي خلق الكون والبشر ،فهو وحده الذي يشرع لهم،
وهو وحده الذي يجب أن يطيعوه ،وأما غيره فل يجوز أن يتخذ ربا ً
َ َ
ن الل ّ ِ
ه دو ِ ن ُ م ْ م أْرَبابا ً ِ ه ْ
هَبان َ ُ وُر ْ م َ ه ْ
حَباَر ُ خ ُ
ذوا أ ْ كما قال تعالى :ات ّ َ
ه إ َِلى حك ْ ُ
م ُ ف ُء َ ي ٍ ش ْ ن َ م ْ ه ِ في ِ م ِ فت ُ ْخت َل َ ْما ا ْ و َ
َ ]التوبة [31:وقال تعالى:
َ
ل :ل َ ُ
ه قا َ م َ واْلْرض ..ث ُ ّ ت َ وا ِ ما َ س َفاطُِر ال ّ َ ل:قا َالّله ...إ َِلى أن َ
واْل َْرض] ..الشورى[12-10: ت َوا ِ
ما َس َ م َ
قاِليدُ ال ّ َ
ن فاطر السماوات والرض ،وله مقاليد السماوات والرض، ومن َ
كا َ
فهو الذي يحق له وحده أن يشرع في السماوات والرض ،وأن يطاع
شرعه ويتبع أمره.
واليات كثيرة من كتاب الله التي تذكر بهذه المعاني لتلزم بما
بعدها من توحيد اللوهية ،ومنها هذه اليات التي في سورة النمل:
ن ه ال ّ ِ
ذي َ عَلى ِ
عَباِد ِ م َ
سل ٌ
و َ ه َمدُ ل ِل ّ ِ ل ال ْ َ
ح ْ ق ِ عاَلىُ : وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
قال الله ُ
َ
ن ]النمل.[59: كو َر ُ ش ِ ما ي ُ ْخي ٌْر أ ّ
ه َفى ]النمل [59:آلل ّ ُ صطَ َ
ا ْ
َ
ع الل ّ ِ
ه م َ ه َ م ذكر خمس آيات تنتهي كل منها بقوله تعالى :أإ ِل َ ٌ ثُ ّ
ء
ما ِس َن ال ّ م َ م ِ ل ل َك ُ ْ وأ َن َْز َ
ض َ واْلْر َ
َ
ت َ وا ِ
ما َس َ ق ال ّ خل َ َ ن َ م ْ
َ
...قال تعالى :أ ّ
شجر َ َ كان ل َك ُ َ ماءً َ َ
ع
م َ
ه َ ها أإ ِل َ ٌ ن ت ُن ْب ُِتوا َ َ َ مأ ْ ْ ما َ َ ة َ ج ٍه َ ت بَ ْ ذا َ ق َ دائ ِ َ ح َ
ه َفأن ْب َت َْنا ب ِ ِ َ
قوم يعدُلون ]النمل [60:إَلى أن يقول :أ َمن يبدأ ُ
ّ ْ َْ ِ َ م َ ْ ٌ َ ْ ِ ه ْل ُ ه بَ ْالل ّ ِ
َ ْ َ
ق ْ
ل ه ُ ع الل ّ ِ م َ ه َ ض أإ ِل َ ٌ
والْر ِ ء َ ما ِ س َن ال ّم َ م ِ قك ُ ْ ن ي َْرُز ُ م ْ و َ عيدُهُ َ م يُ ِ ق ثُ ّ خل ْ َال ْ َ
ن ]النمل.[64: قي َ صاِد ِ م َ ن ك ُن ْت ُ ْ هان َك ُ ْ
م إِ ْ هاُتوا ب ُْر َ َ
سيكون جوابهم :ل .وهذا سؤال إنكار هذا الوجه هو الصحيح في
َ
خل َ َ
ق ن َ م ْ الية أما الوجه الخطأ فهو أن يظن أن الية تقول :أ ّ
ء ماءً َ َ وأ َن َْز َ َ
ت ق َ
ذا َ دائ ِ َ
ح َه َ فأن ْب َت َْنا ب ِ ِ ما ِ َ
س َ
ن ال ّ
م َ م ِ ل ل َك ُ ْ ض َ واْلْر َ ت َوا ِ
ما َ
س َ ال ّ
َ
ها ]النمل [60:انتهى. جَر َش َ ن ت ُن ْب ُِتوا َ مأ ْ ن ل َك ُ ْ ما َ
كا َ ة َج ٍ
ه َبَ ْ
َ
ع الل ّ ِ
ه كأنه سؤال جديد يقول :هل لله شريك؟ م َ م يقول :أإ ِل َ ٌ
ه َ ثُ ّ
عاَلى ل يسألهم
فهذا الوجه خطأ لنهم يثبتون لله شريكًا ،والله ت َ َ
هل له شريك؟
يعني مجرد سؤال ،إنما المقصود أِإله مع الله فعل هذا فتعبدونه من
دون الله؟ فإذا قلتم :ل ،لم يفعل هذا أحد مع الله ،وإنما فعله الله
ء الشركاء الذين تعبدونهم من دون الله إذن عبادتكم ه ُ
ؤل ِ وحده ،ف َ
لهم باطلة وشرككم لهم باطل فهذا هو المراد.
ة أُ ْ
خَرى ه ًه آل ِ َع الل ّ ِم َن َ
َ
نأ ّدو َ ه ُ م ل َت َ ْ
ش َ
َ
عاَلى :أإ ِن ّك ُ ْ وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
وكما قال ُ
هد أي :أنهم هم َ
للأ ْ ُ
ق ْ
ش َ ]النعام [1:فهم يشهدون ،ولكن أنت
يشهدون أن مع الله آلهة أخرى ويدعون مع الله آلهة أخرى،
والستفهام هنا إنكار عليهم ،كيف تؤمنون وتقرون بأنه لم يفعل
ه
حان َ ُسب ْ َم تعبدون وتدعون غير الله ُ ولم يخلق أحد غير الله ث ُ ّ
عاَلى؟!
وت َ َ
َ
ه أيضا ً اليات التي في سورة البقرة -التي ه الل ّ ُ م ُح َ
ف َر ِ صن ّ ُم ْ وذكر ال ُ
س َ
ها الّنا ُ
َيا أي ّ َ قلنا أن فيها أول أمر في القرآن -منها قول تعالى:
ن ]البقرة: قو َ عل ّك ُ ْ
م ت َت ّ ُ م لَ َ
قب ْل ِك ُ ْ
ن َ
م ْ
ن ِ وال ّ ِ
ذي َ م َ خل َ َ
قك ُ ْ ذي َ م ال ّ ِ دوا َرب ّك ُ ُعب ُ ُ
ا ْ
.[21
عك ُ ْ
م م َ
س ْ
ه َ خذَ الل ّ ُ ن أَ َم إِ ْ
ق ْ َ َ
ل أَرأي ْت ُ ْ ُ والية التي في سورة النعام
ْ َ
ه ]النعام: م بِ ِ ه ي َأِتيك ُ ْغي ُْر الل ّ ِ ه َ ن إ ِل َ ٌ
م ْ قُلوب ِك ُ ْ
م َ عَلى ُ
م َ
خت َ َ
و َ صاَرك ُ ْ
م َ وأب ْ ََ
[46وهم مقرون وعالمون أنه ل أحد غير الله يأتيهم بذلك ،وأن
الله هو الذي رزقهم.
قْرآن -ومنها فهذا يبين ويوضح أن كل اليات التي وردت في ال ُ
م تجعلون للهاليات التي في سورة النمل -إنما المراد بها أنكم ل ِ َ
شريكا ً في العبادة ما دام أنه ليس له شريكا ً في الخلق؟! هذا هو
ه تعالى -في ذلك. ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
ف َ-ر ِ
صن ّ ُ
م ْ
مضمون ما ذكره ال ُ
- 2توحيد اللوهية
• الغاية العظمى لرسال الرسل هو توحيد اللوهية
ه ت ََعاَلى:
ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
ف َر ِ
صن ّ ُ
م ْ َقا َ
ل ال ُ
ء النظار ،ومن وافقهم ه ُ
ؤل ِ ن توحيد الربوبية ،الذي يجعله َ )وإذا َ
كا َ
من الصوفية هو الغاية في التوحيد :داخل ً في التوحيد الذي جاءت
به الرسل -عليهم السلم -ونزلت به الكتب ،فليعلم أن دلئله
متعددة كدلئل إثبات الصانع ودلئل صدق الرسول ،فإن العلم كلما
ة من الله بخلقه.
ن الّناس إليه أحوج كانت أدلته أظهر ،رحم ً َ
كا َ
والقرآن قد ضرب الله للناس فيه من كل مثل ،وهي المقاييس
العقلية المفيدة للمطالب الدينية ،لكن ال ُ
قْرآن يبين الحق في الحكم
والدليل ،فماذا بعد الحق إل الضلل؟
عَلى بعض.
وإما أن يعلو بعضهم َ
وإما أن يكونوا تحت قهر ملك واحد يتصرف فيهم كيف يشاء ،ول
يتصرفون فيه بل يكون وحده هو الله ،وهم العبيد المربوبون
المقهورون من كل وجه.
عَلى أن مدبره وانتظام أمر العالم كله وإحكام أمره ،من أدل دليل َ
إله واحد ،وملك واحد ،ورب واحد ،ل إله للخلق غيره ،ول رب لهم
عَلى أن خالق العالم واحد ،ل ربسواه .كما قد دل دليل التمانع َ
غيره ول إله سواه ،فذاك تمانع في الفعل واليجاد ،وهذا تمانع في
العبادة واللهية ،فكما يستحيل أن يكون للعالم ربان خالقان
متكافئان ،كذلك يستحيل أن يكون لهم إلهان معبودان ،فالعلم بأن
وجود العالم عن صانعين متماثلين ممتنع لذاته ،مستقر في الفطر
معلوم بصريح العقل بطلنه ،فكذا تبطل إلهية اثنين .فالية الكريمة
موافقة لما ثبت واستقر في الفطر من توحيد الربوبية ،دالة مثبتة
مستلزمة لتوحيد اللهية[ اهـ.
الشرح:
هذا المقطع الطويل كله في بيان حقيقة توحيد الربوبية ،ويبدؤه
ن توحيد الربوبية الذي يجعله ه ببيان أنه إذا َ
كا َ ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
صّنف َر ِ
م ْال ُ
جاءَ به
بعض النظار أو المتكلمين هو الغاية؛ فإن التوحيد الذي َ
ال َن ْب َِياء -وهو توحيد اللوهية -متضمن لهذا التوحيد ،بمعني :أن
توحيد الربوبية داخل في توحيد اللوهية ،فكيف تجعلونه غاية وهي
داخلة في الغاية العظمى التي دعا إليها ال َن ْب َِياء وهي التوحيد
م يقول :إذا علم ذلك وأن هذا التوحيد الحقيقي توحيد اللوهية؟! ث ُ ّ
داخل في ذلك التوحيد ،فينبغي أن يعلم أن دلئل ذلك التوحيد -أي
توحيد الربوبية -كثيرة مثلما أن دلئل توحيد اللوهية كثيرة ،وأن
عَلى أنم كثيرة ،والدلئل َ سل ّ َ
و َه َعل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُدلئل صدق النبي َ
عَلى
صّنف في تعليل كثرة الدلة َ م ْ م يقول ال ُ قْرآن حق كثيرة ،ث ُ ّ ال ُ
توحيد الربوبية:
ن دليله أظهر وأقوى كا َإن العلم كلما كانت الحاجة إليه أكثر ،كلما َ
عاَلى -بخلقه ،فإن أمور العقيدة الدقيقة وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
رحمة من الله ُ -
التي ل يحتاج إليها كل إنسان ل يعلمها إل الراسخون في العلم،
وأدلتها تحتاج إ َِلى تتبع وقراءة ودراسة ونظر ،ولكن المور العظمى
سان مؤمنا ً أو كافرًا ،يدخل لن َ
والكبرى التي يترتب عليها كون ا ِ
عاَلى -أنه أوضحها
وت َ َ
ه َحان َ ُ
سب ْ َ
الجنة أو يدخل النار ،فمن رحمة الله ُ -
عَلى توحيد الربوبية كثيرة جدا ً وأظهرها وجلها لعباده ،فجعل الدلة َ
في الكون وفي الفاق وفي النفس.
فمعنى قول المصنف :إن هذه الشبهة التي يزعم بعض النظار أنهم
جاءَ بالدلة الخطابية يدافعون بها عن السلم ،لن ال ُ
قْرآن إنما َ
ن نزيد ونضيف فندافع عن الدين ح ُ
والدلة العيانية ،ويقولون :ن َ ْ
بالقضايا العقلية ،قد يكون هذا قول بعضهم ،وإما أن يكونوا ملحدة
عَلى
قْرآن لنه لم يأت بهذه القواعد ،وكلهما َ ينكرون ما في ال ُ
ء كفار وأولئك مخطئون ،لكن نقول كما قال ؤل ِه ُ
ن َ خطأ ،وإن َ
كا َ
قْرآن تضمن هذه الدلة وجاء بأوجز وأعظم الدلة المصنف :إن ال ُ
البرهانية ،فإن من أعظم ما تسمونه البراهين النظرية أن تقولوا
ل :العالم متغير وكل متغير حادث وكل حادث ل بد له من محدث، مث ً
إذا ً فالله موجود وهو المحدث لهذا الكون ،هذه التي يسمونها
قْرآن تأتي في أجلى وأوضح عَلى مقدمات ،وطريقة ال ُ براهين تقوم َ
أنواع الستدلل ،بحيث تحذف المقدمة الضرورية المعلومة.
ل :كون الكون متغيرا ً فهذه معلومة بدهية كل الّناس يعرفونها، فمث ً
يتغير الليل والنهار والحياة والموت والمطر والجفاف ،فالشيء
عاَلى-
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
البدهي المعلوم يستدل به ول يستدل عليه ،فالله ُ -
عَلى توحيد اللوهية ن توحيد الربوبية بدهيا ً معلومًا ،استدل به َ لما َ
كا َ
الذي فيه النزاع.
فيو ِ
َ ن يطوف وسمع القارئ يقرأ: كا َوالعرابي الخر الذي َ
ب
وَر ّ ن* َ
ف َ دو َ
ع ُ
ما ُتو َ
و َ
م َقك ُ ْ رْز ُ
ء ِ ما ِ س َ في ال ّ و ِ ن* َ صُرو َ فل ت ُب ْ ِ م أَ َ سك ُ ْف ِ أ َن ْ ُ
َ ْ َ
ن ]الذاريات[23-21: قو َ م ت َن ْطِ ُ ما أن ّك ُ ْ مث ْ َ
ل َ ق ِ ح ّ ه لَ َض إ ِن ّ ُ
والْر ِ ء َ ما ِ س َ
ال ّ
ل :من أغضب الجبار؟! من أغضب الجبار؟! ،هذا الكلم قا َ فعجب و َ
الذي لم يعهدوا مثله يأتي باليقين إ َِلى قلوبهم ،حتى أنه ل يحتاج
ل :من الذي أغضب الجبار حتى أقسم قو ُ إ َِلى تأكيد ول يمين َ
في َ ُ
ق فمجرد أن سمع ذلك أيقن ه لَ َ ْ َ َ قا َ ف َ
ح ّ ض إ ِن ّ ُ
والْر ِ ء َ ما ِ س َ
ب ال ّ وَر ّ ف َ ل:
أنه حق ول مجادلة فيه.
سدََتا( وهذا فساد بعد الوجود ،ولم يقل :لم ل) :ل َ َ
ف َ قا َ وأيضا ً فإنه َ
عَلى أنه ل يجوز أن يكون فيهما آلهة متعددة ،بل يوجدا ،ودلت الية َ
ل يكون الله إل واحدا ،وعلى أنه ل يجوز أن يكون هذا الله الواحد
عاَلى -وأن فساد السماوات والرض يلزم من وت َ َ
ه َ
حان َ ُسب ْ َ
إل الله ُ -
كون اللهة فيهما متعددة ،ومن كون الله الواحد غير الله وأنه ل
ن صلح لهما إل بأن يكون الله فيهما هو الله وحده ل غيره ،فلو َ
كا َ
للعالم إلهان معبودان لفسد نظامه كله ،فإن قيامه إنما هو بالعدل،
عَلى الطلق الشرك وبه قامت السماوات والرض ،وأظلم الظلم َ
وأعدل العدل التوحيد[ اهـ.
الشرح:
]النبياء[22: سدََتا ه لَ َ
ف َ ة إ ِّل الل ّ ُ
ه ٌ
ما آل ِ َ
ه َ
في ِ
ن ِ و َ
كا َ هذه الية :ل َ ْ
عَلى توحيد اللوهية. دللتها عظيمة َ
وهي برهان عقلي ،ل كما يظنون أنها برهان التمانع أو دليل
التمانع بمعنى أنه دليل لوجود الله فقط.
وأما الرض ففيها يقع الفساد ،ولذلك قالت الملئكة منذ اللحظة
ماءَ ]البقرة[30: ف ُ ن يُ ْ ع ُ َ
ك الدّ َ س ِ
وي َ ْ
ها َ
في َ
سد ُ ِ
ف ِ م ْ
ها َ
في َ
ل ِ ج َ
الولى :أت َ ْ
لن الرض مكان يتوقع فيه وقوع عبادة غير الله كالشراك بالله
عاَلى -وهذا أعظم الفساد ،لكن لو انتظم أمر الّناس في وت َ َ ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
ُ -
هذه الرض ،فلم يعبدوا ولم يطيعوا إل الله ولم يتبعوا إل أوامر الله
عاَلى -لنتفى الفساد من الرض ،مثلما انتفى من وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
ُ -
ل -أنهم ل يزالون مختلفين إل من ج ّو َ عّز َ السماء؛ ولكن حكمة الله َ -
رحم ربك ولذلك خلقهم ،حكمة الله أنه ل يزال إيمان وكفر وصلح
عاَلى -الجهاد ليدفع الّناس وت َ َك َ وفساد ،ولذلك شرع الله -ت ََباَر َ
بعضهم بعضا ً وليدفع شر أهل الشر بقوة الحق عند أهل اليمان؛
ولذلك كانت الرض هي مكان التكليف والتعبد ،وأما الذين في
عاَلى -دائما ً وأبدا ً بل جزاء ولوت َ َ
ه َ حان َ ُ
سب ْ َ
السماء فإنهم يعبدونه ُ -
ثواب ،لنهم لم يكلفوا بأمر يترتب عليه دخول الجنة أو دخول النار.
عَلى وجازة لفظها تدل وتبين أن صلح العالم كله إنما وهذه الية َ
يكون بأن يعبد الله وحده ل شريك له ،وأن يطاع وحده ل شريك له،
ل -في حق النساء جعل الله ولننظر إ َِلى واقع العالم اليوم -مث ً
للمرأة أعمال ً ومهمات محددة تعملها ،ول تتعداها ،وجعل خروجها
عاَلى.
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ عن ذلك فسادا ً في الرض وخروجا ً عما أراد الله ُ
سب ْ َ
عاَلى -في هذا الموضوع وت َ َه َ
حان َ ُ سب ْ َ فلما ترك الّناس أمر الله ُ -
عاَلى -وأخرجت المرأة -كما في ُ
وت َ َ
ه َ حان َ ُ
سب ْ َ
واتبعوا أمر غير الله ُ -
ه
العالم الغربي وأكثر العالم السلمي -عن العمل الذي شرعه -الل ُ
ه -واتبعت أهواء وأقوال الشياطين ودعاة الضللة ،كم حصل حان َ ُ
سب ْ َ
ُ
من الفساد
؟
ه
حان َ ُ
سب ْ َ
ن الله هو وحده المعبود المطاع واُتبعت أوامره ُ - فلو َ
كا َ
ن إل الصلح والخير ،ولما وجد هذا الفساد في عاَلى -لما َ
كا َ وت َ َ
َ
الرض بإطلق.
وكذلك القتل فالعالم يموج ويضطرب بالقتل ،ل يكاد يمر يوم إل
والقتلى بسبب حروب أو انفجارات أو تدميرات ،لن الله ليس هو
عاَلى -بل اتخذوا آلهة من دون الله، وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
وحده المعبود ُ -
ه -ومن
حان َ ُ فأطاعوا أحبارا ً ورهبانا ً أربابا ً أو زعماء من دون الله ُ -
سب ْ َ
ن الفساد والضطراب في الرض. هنا َ
كا َ
عَلى هذه المعاني كلها
عَلى قلة ألفاظها تدل َ ولذلك فهذه الية َ
سدََتا ]النبياء [22:فالفساد ه لَ َ
ف َ ة إ ِّل الل ّ ُ
ه ٌ
ما آل ِ َ
ه َفي ِ
ن ِ
كا َ و َ وأنه ل َ ْ
الواقع في الرض اليوم إنما هو نتيجة أن المحكم هو غير شريعة
ه -فجميع الشرور التي في العالم هذا مصدرها وهذا حان َ ُسب ْ َالله ُ -
سببها.
• توحيد اللوهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس
ه ت ََعاَلى:
ه الل ّ ُ
م ُ
ح َ
ف َر ِ
صن ّ ُ
م ْ َقا َ
ل ال ُ
]وتوحيد اللهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس .فمن ل يقدر
عَلى أن يخلق يكون عاجزًا .والعاجز ل يصلح أن يكون إلها ً قال َ
ن ]العراف.[191: َ
خل ُ ً ق َ ُ ر ُ َ
تعالى :أي ُ ْ
قو َ م يُ ْ
ه ْ
و ُ
شْيئا َ خل ُما ل ي َ ْ
ن َ
كو َ ش ِ
]النحل.[17: ن ق أَ َ
فل ت َذَك ُّرو َ خل ُ ُ
ن ل يَ ْ
م ْ خل ُ ُ
ق كَ َ ن يَ ْ
م ْ أَ َ
ف َ وقال تعالى:
الشرح:
ه الل ّ ُ
ه] :وتوحيد اللهية م ُ
ح َ
صّنف َر ِ
م ْهذه الكلمة مهمة وهي قول ال ُ
متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس[ فإن من أثبت أن الله خالق
رازق محي ومميت ،ل يلزم منه ول يتضمن أنه مفرد وموحد له
بالعبادة وبالطاعة ،وهذا هو المهم في العلقة بين التوحيدين ،وفي
بيان أن توحيد اللوهية هو الهم.
ن ِإذا ً
قوُلو َ ما ي َ ُ ة كَ َ ه ٌ ه آل ِ َع ُ م َ ن َ كا َ ل لَ ْ
و َ ُ
ق ْ عاَلى: وت َ َك َ وأما قول الله ت ََباَر َ
سِبيل ً ]السراء [62:فهي أيضا ً تتضمن ش َ عْر ِ وا إ َِلى ِذي ال ْ َ َلب ْت َ َ
غ ْ
عاَلى ،وكأنه وت َ َه َ حان َ ُ سب ْ َعَلى أن الله المعبود واحد ُ برهانا ً يقينيا ً َ
ن معه آلهة كما يقولون أو كما يزعمون إذا ً لبتغوا إ َِلى يقول :لو َ
كا َ
ن يثبتون ذا العرش الله العظم أو كو َ ر ُ
ش ِ م ْ ل ،فال ُ ذي العرش سبي ً
عاَلى -ويثبتون وت َ َه َ حان َ ُ سب ْ َالله الكبر -كما يسمونه -الذي هو الله ُ -
معه آلهة أخرى هي شفعاء وتقرب إ َِلى الله -سبحانه -وهي واسطة
عاَلى- وت َ َ
ه َ حان َ ُ ووسيلة إ َِلى الله سبحانه -كما يقولون -فيرد الله ُ -
سب ْ َ
ء اللهة موجودين -كما تزعمون -لبتغوا ؤل ِ ه ُ ن َ كا َل :لو َ قو ُ في َ ُ
عليهم َ
إ َِلى ذي العرش سبي ً
ل.
: سِبيل
ش َ وا إ َِلى ِذي ال ْ َ
عْر ِ َلب ْت َ َ
غ ْ وفي معنى:
ن يقول بعض المفسرين :أي لبتغوا طريقا ً إ َِلى مغالبته ،أي :لو َ
كا َ
هناك آلهة لغالبوا ذا العرش حتى يكونوا هم اللهة الكبرى ،ولكن
هذا المعنى مرجوح.
ن هناك آلهة غير الله سبحانه ممن كا َ والمعنى الصحيح :أنه لو َ
ل ،أي :لبتغوا التقرب والتعبد تعبدون لبتغوا إ َِلى ذي العرش سبي ً
هذ ِه ِ
ن َ عاَلى -كما في الية الخرى :إ ِ ّ وت َ َ ه َ
حان َ ُسب ْ َوالتزلف إليه ُ -
سان [29:كما في قوله لن َ سِبيل ً ]ا ِ ه َ خذَ إ َِلى َرب ّ ِ شاءَ ات ّ َ ن َ م ْ ت َذْك َِرةٌ َ
ف َ
سيَلة َ
و ِه ال ْ َ
غوا إ ِل َي ْ ِ واب ْت َ ُ ه َ قوا الل ّ َ مُنوا ات ّ ُ نآ َ ذي َ ها ال ّ َِيا أي ّ َ تعالى:
ُ
ن ك ال ّ ِ
ذي َ عاَلى :-أول َئ ِ َ وت َ َ
ه َ حان َ ُ
سب ْ َ ]المائدة [35:وكما في قول الله ُ -
ب ]السراء[57: َ
مأ ْ غون إَلى ربهم ال ْوسيل َ َ َ
قَر ُ ه ْ ة أي ّ ُ َ ِ َ ّ ِ ُ ن ي َب ْت َ ُ َ ِعو َي َدْ ُ
فالمعبودون من الملئكة والنبياء والولياء الصالحين لله -سبحانه-
ل.هم يبتغون إ َِلى الله سبي ً
فأنت تقول :أنا أتخذهم وسيلة إ َِلى الله ،بينما هم أنفسهم يتخذونه
وسيلة إ َِلى الله بالعبادة والعمل الصالح والخوف والرجاء والتقرب
إليه ،فعليك أن تتخذ أنت وسيلة إ َِلى الله أيضًا.
ن من ر ُ
كو َ م ْ
ش ِ وأما الحجار والشجار والبقار والّنار وكل ما يعبده ال ُ
ء لو كانت لهم ؤل ِ دون الله مما ل تملك شيئا ً ول تفقه شيئًا ،ف َ
ه ُ
ل -لتقربت هي إ َِلى الله واتخذت الوسيلة إرادة في هذا المر -مث ً
عاَلى -له وحدة الربوبية واللوهية لجميع وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
إليه؛ لن الله ُ -
ن هناك آلهة أخرى لكان المخلوقات فل معبود سواه أبدًا ،فلو َ
كا َ
شأنها أن تتقرب هي إ َِلى الله سبحانه.
عَلى
عاَلى ،وهذا من الدلة َ
وت َ َ
ه َ
حان َ ُ إذًا؛ ل توجد آلهة من دون الله ُ
سب ْ َ
ل -لها كلمات موجزة ،تتضمن ج ّ و َعّز َأن هناك آيات في كتاب الله َ -
من الدلئل اليقينيات والبرهانيات ما يعجز العقل عن تصوره.
التوحيد 6
يتحدث الشيخ -حفظه الله-عن أقسام التوحيد الذي دعت إليه الرسل ،ويذكر تقسيمات
أخرى للتوحيد ،ثم يتكلم عن مفهوم التوحيد ومعنى الشهادة ومراتبها.
- 1أنواع التوحيد الذي دعت إليه الرسل
ه ت ََعاَلى:
ه الل ُ
م ُ
ح َ
ف َر ِ
مصن ّ ُ َقا َ
ل ال ُ
]ث ُ ّ
م التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به كتبه نوعان :توحيد في
الثبات والمعرفة ،وتوحيد في الطلب والقصد.
فإن القرآن :إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وهو التوحيد
العلمي الخبري.
وإما دعوة إ َِلى عبادته وحده ل شريك له ،وخلع ما ُيعبد من دونه ،فهو
التوحيد الرادي الطلبي.
وإما خبر عن إكرامه لهل توحيده ،وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم
به في الخرة ،فهو جزاء توحيده ،وإما خبر عن أهل الشرك ،وما فعل
ل بهم في العقبى من العذاب فهو بهم في الدنيا من النكال ،وما يح ّ
جزاء من خرج عن حكم التوحيد.
فبعض العلماء يقسم التوحي-د إ َِلى نوعين ،وبعض العلماء يقسمه إ َِلى
ثلثة ،وبعضهم يقسمه إ َِلى نوعين باعتبار آخر ووجهة نظر أخرى،
وبعضهم يقسمه إ َِلى أربعة وغير ذلك.
فأما العلماء الذين قسموا التوحيد إ َِلى نوعين ومنها هذه القسمة التي
هنا أي :توحيد الثبات والمعرفة ،وتوحيد الرادة والطلب ،وإن شئت
فقل :هو التوحيد العلمي العتقادي أو التوحيد العملي الخبري.
وليس هناك خلف بين من يجعل التوحيد ثلثة أقسام أو قسمين أو
أربعة ،وإنما ك ٌ
ل يقسم باعتبار .
• أقسام التوحيد باعتبار تعلقه بالله تعالى
ه
حان َ ُ
سب ْ َ
فإذا قسمنا التوحيد باعتبار أنه حق الله تعالى ،وباعتبار تعلقه بالله ُ -
وَت ََعاَلى -فهو ثلثة أنواع :توحيد الربوبية وتوحيد اللوهية توحيد السماء والصفات
وهذا هو المشهور كثيرًا.
• أقسام التوحيد باعتبار تعلقه بالعباد
ن كحق لله ت ََعاَلى علينا فإنه وأما إذا نظرنا إ َِلى التوحيد من جهة تعلقه بنا ن َ ْ
ح ُ
نوعان:
-1التوحيد العتقادي أو توحيد المعرفة والثبات وهو :أن نثبت لله
عاَلى ما أثبته لنفسه ،ونعتقد له ما أخبر به في كتابه ،سواء
تَ َ
التوحيد العلمي العتقادي ،أو توحيد المعرفة والثبات بالنسبة لنا.
-2والتوحيد العملي أو التوحيد الرادي الطلبي فهو :أن نعبده
عاَلى -وحده ،فنعرفه حق معرفته ونعبده حق عبادته ،فلوت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
ُ -
يغني أحد نوعي التوحيد عن الخر.
• تقسم آخر لنواع التوحيد
ومن ناحية أخرى بعض العلماء يجعل التوحيد قسمين:
سل.
-1توحيد المر ِ
سل ّ َ
م. و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ سول َ
-2وتوحيد متابعة الّر ُ
وسورة الفاتحة يجب أن ننتبه لها ،وأن نعلم أن هذه السورة ليست
مجرد عبارات نكررها حتى تعود كأنها ألفاظ روتينية عادية ،وإنما ل
بد أن نعي ونتدبر معاني هذه السورة العظيمة.
ضاّلين (]الفاتحة[7:
ول ال ّ
م َ
ه ْ ب َ َ
علي ْ ِ ضو ِ
غ ُ ر ال ْ َ
م ْ وقوله تعالىَ ) :
غي ْ ِ
أي :غير من غلى ومن جفا ومن فرط ومن أفرط وهكذا فاليهود
صاَرى هم قمة في التجاهين. والن ّ َ
صاَرى ،وأيضا المرجئة
فالخوارج والصوفية غلوهم يشبه غلو الن ّ َ
تفريطهم يشبه تفريط اليهود ،وكذا أهل الكلم -مثل -مجادلتهم
ل تشبه مجادلت ومماحكات اليهودمع أممهم ج ّ
و َ
عّز َ
في دين الله َ
ومع كتبهم.
حيم ِ * ن الّر ِ م ِ
ح َ سم ِ الل ّ ِ
ه الّر ْ وإن قلنا إن التوحيد نوعان :فتكون ب ِ ْ
حيم ِ هذا توحيد المعرفة ن الّر ِ م ِح َ
ن * الّر ْ مي َ عال َ ِ
ب ال ْ َ مدُ ل ِل ّ ِ
ه َر ّ ال ْ َ
ح ْ
ن إ َِلى آخرها توحيد الرادة عي ُست َ ِ وإ ِّيا َ
ك نَ ْ عب ُدُ َ
ك نَ ْ والثبات ،و) ِّيا َ
والطلب؛ لن الرادة والطلب ل تكون إل بعبادة الله وحده،
سل ّ َ
م و َه َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ والستعانة بالله وحده ،واتباع طريق النبي َ
عَلى هذا وحده الذي هو الصراط المستقيم ،فتكون السورة نصفين َ
الساس أي :توحيد المعرفة والثبات ،وتوحيد الطلب والرادة
والقصد.
عاَلى :-إن ال ُ
قْرآن أفصح عن النوع ه الل ّ ُ
ه تَ َ م ُ
ح َ
صّنف َ-ر ِ
م ْ
وكما يقول ال ُ
الول -توحيد المعرفة -كل الفصاح ،وقد سبق أن شرحنا معنى
)المعرفة(.
عاَلى أو أثبته
عاَلى -إثبات ما أثبته لنفسه ت َ َ وت َ َ
ه َ حان َ ُسب ْ َومعرفة الله ُ -
م مما يتعلق بمعرفته ،ول يستلزم منا سل ّ َ
و َ ه َعل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُرسوله َ
عَلى جوارحنا ن له أثره َ ل -إل اليمان به والقرار به ،وإن َ
كا َ -عم ً
وعلى أعمالنا.
ج ّ
ل أن نصلي و َ
عّز َ
وتوحيد اللوهية :هي أوامره علينا ،فيأمرنا الله َ
له وحده ،وأن نذبح له وحده ،وأن ننذر له وحده ،وكذلك الخوف
والرجاء والمحبة وبقية أنواع العبادة ،هذا جانب توحيد اللوهية.
ج ّ
ل، و َ عَلى تحريم البدع في دين الله َ
عّز َ وهذا من أعظم الدلة َ
مثال ذلك :لك أن تتصدق بما شئت وتقول هذه الشاة لله تعالى،
وهذا المبلغ لله؛ لكن أن تخصص وقتا ً معينا ً ومبلغا ً معينا ً لكيفية
معينة وتتحرى زمنا ً معينا ً فيها فهذا التخصيص يجعل القضية تخرج
عَلى إطلقه لدخل في من السنة إ َِلى البدعة ،وإل لو بقي المر َ
ن هناك حرج.
كا َ الدلة العامة ول َ َ
ما َ
وإما دعوة إ َِلى عبادة الله وحده ل شريك له ،وخلع ما يعبد من دونه
ل :سورة الكافرون والنعام وهو التوحيد الرادي الطلبي ،فمث ً
عَلى
والزمر هي أمر ونهي وإلزام لطاعته ،فآيات تأمرنا بالمحافظة َ
عَلى النفاق وتبين فضل النفاق في سبيل الصلة ،وآيات تحث َ
عَلى المر بالمعروف والنهي عن عاَلى -وآيات تدل َ وت َ َه َ حان َ ُسب ْ َ الله ُ -
صّلىالمنكر ،فالصلة والزكاة من حقوق التوحيد كما قال النبي َ
م) :أمرت أن أقاتل الّناس حتى يشهدوا أن ل إله إل سل ّ َ
و َ ه َ عل َي ْ ِ
ه َ
الل ُ
ل: سول الله ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة( و َ
قا َ الله ،وأن محمدا ً َر ُ
)إل بحقها( .
وهذه القوال كلها حق ل تنافي بينها :فإن الشهادة تتضمن كلم الشاهد
وخبره ،وتتضمن إعلمه وإخباره وبيانه.
فلها أربع مراتب :فأول مراتبها :علم ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به
وثبوته ،وثانيها :تكلمه بذلك وإن لم يعلم به غيره ،بل يتكلم بها مع نفسه
ويذكرها وينطق بها أو يكتبها .وثالثها :أن يعلم غيره بها بما يشهد به
ويخبره به ويبينه له .ورابعها :أن يلزمه بمضمونها ويأمره به.
وأما مرتبة العلم والخبار فنوعان :إعلم بالقول ،وإعلم بالفعل ،وهذا
شأن كل معلم لغيره بأمر :تارة يعلمه به بقوله ،وتارة بفعله.
ج ّ
ل -وبيانه وإعلمه ،يكون بقوله تارة وبفعله و َ
عّز َ
وكذلك شهادة الرب َ -
أخرى ،فالقول ما أرسل به رسله وأنزل به كتبه .وأما بيانه وإعلمه
بفعله فكما قال ابن كيسان :شهد الله بتدبيره العجيب وأموره المحكمة
عند خلقه" :أنه ل إله إل هو" وقال آخر:
وفي كل شيء له آية
عَلى أنه واحد
تدل َ
ن
كا َ ما َ َ عَلى أن الشهادة تكون بالفعل ،قوله تعالى: ومما يدل َ
م ِبال ْك ُ ْ َ
عَلى أن ْ ُ َ
رف ِ ه ْ
س ِف ِ ن َ
دي َ
ه ِ
شا ِ جدَ الل ّ ِ
ه َ سا ِ
م َ
مُروا َع ُ
ن يَ ْ
نأ ْ كي َ
ر ِ
ش ِ ل ِل ْ ُ
م ْ
عَلى أنفسهم بما يفعلونه ،والمقصود أنه ]التوبة [17:فهذه شهادة منهم َ
-سبحانه -يشهد بما جعل آياته المخلوقة دالة عليه ،ودللتها إنما هي
بخلقه وجعله[ اهـ.
الشرح:
ه
حان َ ُ عَلى أنه من عند الله ُ
سب ْ َ فالقرآن تضمن الدعوى والبرهان القاطع َ
قْرآن عاَلى فكل من أراد أن يتأمل حقيقة الدعوى ،عليه أن يتأمل ال ُ
وت َ َ
َ
فإن الدعوى هي نفسها البرهان.
عَلى دين وسبب نزول سورة آل عمران أن وفد نجران الذين كانوا َ
م وجادلوه في ألوهية سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ ه َ الّنصاَرى ،جاءوا إ َِلى النبي صّلى الل ُ
عاَلى هذه اليات وت َ َ
ه َ حان َ ُ
سب ْ َالمسيح وبنوته لله -كما يعتقدون -فأنزل الله ُ
ء الّنصاَرى في ؤل ِ ه ُسلم ،ورد دعاوى َ عل َي ْ ِ
ه ال ّ يبين فيها حقيقة المسيح َ
عاَلى أن ملة إبراهيم هي التوحيد، ألوهية المسيح أو أنه ابن لله ،وبين ت َ َ
وأن أولى الّناس بإبراهيم هم الذين آمنوا به في عهده والنبي صّلى الل ُ
ه
عَلى أهل الكتاب أنهم يكتمون الحق، م ومن اتبعه أيضًا ،وأنكر َ سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ َ
وأنهم يلبسون الحق بالباطل ،وألزمهم إن لم تنفع وتجدي فيهم هذه
الحجج بالحجة المعروفة المشهورة التي لو تأملها كل من ينتمي إ َِلى هذا
الدين ليقن بحقيقة دين السلم ،وهي أنكم إن كنتم تقولون :أن
عاَلى الله عن ذلك علوا ً كبيرا ً -لنه سلم هو ابن لله! -ت َ َ عل َي ْ ِ
ه ال ّ المسيح َ
ولد من أم بل أب ،فماذا تقولون في آدم؟!
ن في َ ُ
كو ُ ن َ ل لَ ُ
ه كُ ْ م َ
قا َ ب ثُ ّن ت َُرا ٍ م ْ
ه ِ خل َ َ
ق ُ م َ مث َ ِ
ل آد َ َ عن ْدَ الل ّ ِ
ه كَ َ سى ِ عي َل ِ مث َ َ
ن َ
إِ ّ
]آل عمران [59:فالعجوبة الخارقة في آدم أعظم منها في عيسى،
م إنه خلق حواء عاَلى -خلق آدم من غير أب ول أم ،ث ُ ّ وت َ َ
ك َ لن الله -ت ََباَر َ
ها ]النساء [1:بدون أم ،وخلق ج َ
و َها َز ْمن ْ َ خل َ َ
ق ِ و َ
َ من أب -وهو آدم-
عاَلى -يخلق ما وت َ َ
ك َ سلم من أم بدون أب ،فالله -ت ََباَر َ ه ال ّعل َي ْ ِ
عيسى َ
يشاء ،فلماذا يكون عيسى هو إله أو ابن لله كما تزعمون؟!
وبعد ذلك تأتي الحجة الخيرة الدامغة في مناظرتنا دائما ً لهل الكتاب
عاَلى في ذلك إذا حاجونا من وت َ َ
ه َ
حان َ ُ سب ْ َوهي المباهلة ،ولهذا يقول الله ُ
عاَلى لنبيه: بعد ما جاءتهم البينات موضحة لهم ،أن نقول كما قال الله ت َ َ
َ وأ َن ْ ُ ع أ َبَناءََنا َ
سك ُ ْ
م ثُ ّ
م وأ ن ْ ُ
ف َ سَنا َ ف َ ساءَك ُ ْ
م َ ون ِ َساءََنا َ ون ِ َ م َ وأب َْناءَك ُ َْ وا ن َدْ ُ ْ عال َ ْ ق ْ
ل تَ َ ف َُ
ن ]آل عمران.[61: كاِذِبي َ عَلى ال ْ َ ه َت الل ّ ِ ل لَ ْ
عن َ َ ع ْج َ ل َ
فن َ ْ ه ْن َب ْت َ ِ
وعبارات السلف في شهد جاءت بمعنى :حكم ،وقضى ،وأعلم ،وبين
وأخبر ،وكلها حق ،فحكم الله -سبحانه -أنه ل إله إل هو ،وقضى أنه ل إله
إل هو ،وأعلم أنه ل إله إل هو ،وبين ،وأخبر أنه ل إله إل هو ،فكل ذلك
حق وكل ذلك تتضمنه كلمة شهد ،فإذا أردنا أن نتبين ذلك فلنعلم مراتب
الشهادة.
• مراتب الشهادة
هذه الشهادة تتضمن أربع مراتب وهي :العلم ،والتكلم ،والعلم والخبار ،والمر
واللزام.
الولى :مرتبة العلم ،فعندما نقول :فلن يشهد بشيء ،معنى ذلك
أنه يعلمه لنه شهد به ،لكن فرق بين مرتبة العلم ومرتبة العلم؛
سان قد يعلم الشيء ولكنه ل يتكلم به ول يخبر به.
لن َ
لن ا ِ
وهذه المرتبة قد دلت عليها أدلة كثيرة من كتاب الله تعالى ،ومن
م.سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ سنة رسوله َ
والمخلوقون ينبغي لهم أن يعلموا حقيقة هذه الشهادة أيضًا :إ ِّل
ن ]الزخرف [86:أي :أنه ل إله إل هو، عل َ ُ
مو َ م يَ ْ
ه ْ و ُ
ق َ ح ّهدَ ِبال ْ َ ش ِن َ م َْ
عالى -يعلم أنه ل يوجد هناك إله معبود بحق سواه َ وت َ َه َحان َ ُ سب ْ َ فهو ُ -
عاَلى -ول يمكن أن يكون شيء خارج عن علم الله ،فهذا وت َ َ
ه َ حان َ ُسب ْ َُ -
علم الله.
ه
حان َ ُ
سب ْ َ
ن فالعلم بها :أن نعتقدها ونصدقها بأنه ُ -
ح ُ
وفي حقنا ن َ ْ
عاَلى -واحد ل شريك له. وت َ َ
َ
عَلى مثلها فاشهد( فهذا الثانية :مرتبة التكلم ،وفيه الحديثَ ) :
جاءَ إ َِلى
الحديث معناه صحيح ولكن لفظه ضعيف ،وهو }أن رجل ً َ
صّلى
م فسأل عن الشهادة ،فأشار النبي َ سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلى الل ُ
ه َ النبي َ
عَلى مثلها فاشهد ،أو دع { لَ : م إ َِلى الشمس و َ
قا َ سل ّ َ
و َ عل َي ْ ِ
ه َ ه َالل ُ
سان ل يشهد إل بما يعلم ل بما يظن ،فل يجوز لشاهد في لن َ
فا ِ
قضية دنيوية أن يشهد فيها بظنه؛ وإنما يشهد بما يعلم وما هو
متأكد ومستيقن منه ،فما بالك بمن يشهد أنه ل إله إل هو!
عاَلى وبالنسبة
فمرتبة التكلم :أن تتكلم بما تشهد به بالنسبة لله ت َ َ
عاَلى -تكلم بهذه وت َ َ
ه َ
حان َ ُ
سب ْ َ
لنا ،فتتكلم به وتقول للناس :إن الله ُ -
قْرآن شهادة أن ل إله إل الله والمر الشهادة ،فجاءت ضمن ال ُ
بتوحيد الله.
عَلى ذلك في كتاب الله قال والتكلم بشيء شهادة له ،والدليل َ
َ
ن إ َِناثا ً أ َ
دوا
ه ُ
ش ِ م ِ
ح َ
عَبادُ الّر ْ
م ِ ه ْ
ن ُ ذي َة ال ّ ِملئ ِك َ َ عُلوا ال ْ َ
ج َ و َ َ تعالى:
َ خل ْ َ
ن ]الزخرف [19:فهذا القول سألو َ وي ُ ْ
م َ ه ْ هادَت ُ ُش َ ب َست ُك ْت َ ُ م َ
ه ْ
ق ُ َ
بذاته شهادة ،فهم شهدوا بأن الملئكة إناث مع أنهم لم يقولوا
شهدنا ،وإنما قالوا :الملئكة إناث.
الثالثة :مرتبة العلم والخبار :وهي أن تتكلم بشيء فتخبر غيرك
عَلى نوعين ،فقد يكون
به وهذا يكون شهادة ،يقول المصنف :إنه َ
بالفعل وقد يكون بالقول.
النوع الول :ومثاله :لو أن إنسانا ً فتح بابا ً لمبنى وجاء الّناس
ل -فهو وإن لميصلون فيه ،وفرشه ووضع فيه مكبر الصوت -مث ً
يكتب صكا ً بأن هذا وقف فإنه يحكم فيه أنه وقف .ومثله إنسان
يفتح بابه ويضع مائدة يدخل الّناس إليها ،ويأتي الذي يعرف والذي
ل يعرف ،فهو كأنه يقول :تعالوا أنا أدعوكم إ َِلى وليمة ،ودللة
عَلى أنه معلن ومخبر. الحال تدل عليه ،ففعله هذا يدل َ
عل ْ ٌ
م ه ِ س لَ َ
ك بِ ِ ما ل َي ْ َف َق ُ ول ت َ َْ عاَلى:- وت َ َ
ه َ
حان َ ُ سب ْ َ فعندما يقول الله ُ -
ُ
ل أول َئ ِ َ وال ْ ُ
ؤول ً ]السراء: س ُ
م ْه َعن ْ ُ
ن َكا َك َ ؤادَ ك ُ ّ ف َ صَر َ وال ْب َ َ
ع َ م َ س ْ
ن ال ّ إِ ّ
[36وكما في اليات الخرى التي تتحدث عن الصنام والمعبودين
عاَلى -أنه ليس لهم سمع وليس لهم بصر، وت َ َ ه َ حان َ ُ سب ْ َمن دون الله ُ -
م إ ِّل
ه ْ ن ُوكذلك اليات التي تنفي السمع عمن يعبدون الصنام إ ِ ْ
هصّلى الل ُ سِبيل ً ]الفرقان [44:وأن النبي َ ل َ ض ّ م أَ َ ه ْ ل ُعام ِ ب َ ْكاْل َن ْ َ َ
عمي البصار ،ول يعطي الصم السماع. م ل يعطي ال ُ سل ّ َ
و َ ه َ عل َي ْ َِ
عَلى ج ّ
ل -قد جعل اليات الدالة َ و َ عَلى أن الله َ -
عّز َ هذه كلها تدل َ
توحيده من هذه المنافذ العظيمة -منفذ السمع والبصر -فما يبصره
سان في هذا الكون من المخلوقات تنطق وتشهد بأنه ل إله إل لن َ
ا ِ
هو ،وإن لم تتكلم بالكلم الحسي الذي نألفه ونعرفه.
• دللة الشهادة بالفعل
ه] :-ومما يدل عََلى أن الشهادة تكون بالفعل[ قوله ه الل ّ ُم ُ
ح َصّنف َ-ر ِ م ْ
يقول ال ُ
ْ َ َ ّ َ ْ
م ِبالك ُفْ ِ
ر سهِ ْ
ف ِن عَلى أن ْ ُ
دي َ جد َ اللهِ َ
شاهِ ِ سا ِ
م َ
مُروا َ
ن ي َعْ ُ
نأ ْ كي َشرِ ِ م ْ ن ل ِل ُ ما َ
كا َ تعالى َ
]التوبة [17:فهذه شهادتهم عََلى أنفسهم بما يفعلون من أعمال الكفر وأقواله -
في بعض طبعات الكتاب نقص ،والزيادة هي قوله] :بما يفعلون من أعمال الكفر
وأقواله[ -فهي شهادة بكفرهم ،وهم شاهدون عََلى أنفسهم بما شهدت عليهم[.
فلو أن إنسانا ً يأكل الحرام -أجارنا الله وإياكم -وفي يوم من اليام
عَلى نفسه، وقف وتكلم عن تحريم أكل الحرام فإنك ستقول :شهد َ
عَلى نفسي. وإن لم يقل أشهد َ
َ
ن
نأ ْ كي َ ر ِ ش ِ ن ل ِل ْ ُ
م ْ كا َما َ نَ ) : كي َ
ر ِش ِ عاَلى عن ال ْ ُ
م ْ ومثله ما قاله الله ت َ َ
م ِبال ْك ُ ْ َ
عَلى أن ْ ُ
ر فإن هذا الفعل ف ِ ه ْ
س ِف ِ ن َ
دي َ
ه ِ ه َ
شا ِ جدَ الل ّ ِ
سا ِ
م َ
مُروا َ
ع ُ يَ ْ
ه
حان َ ُ عَلى أنهم لم يوحدوا الله ُ
سب ْ َ منهم شهادة بكفرهم ودللة َ
عاَلى.وت َ ََ
عاَلى: ه الل ّ ُ
ه تَ َ م ُ
ح َ
ف َر ِ
صن ّ ُ
م ْ
ل ال ُ َ
قا َ
عَلى أنه وحده المستحق للعبادة ،فإذا أخبر أنه وأيضًا :فالية دلت َ
هو وحده المستحق للعبادة ،تضمن هذا الخبار أمر العباد وإلزامهم
عاَلى عليهم ،وأن القيام بذلك هو خالص بأداء ما يستحقه الرب ت َ َ
حقه عليهم.
وأيضًا :فلفظ "الحكم" و"القضاء" يستعمل في الجمل الخبرية،
ويقال للجمل الخبرية :قضية ،وحكم ،وقد حكم فيها بكذا ،قال
م لَ َ َ
ن*كاِذُبو َ ه ْ
وإ ِن ّ ُه َ ول َدَ الل ّ ُن* َ قوُلو َ م ل َي َ ُه ْ فك ِ ِن إِ ْم ْ
م ِ ه ْ تعالى :أل إ ِن ّ ُ
َ
ن ]الصافات: مو َ حك ُ ُف تَ ْ م ك َي ْ َ ما ل َك ُ ْن* َ عَلى ال ْب َِني َ ت َ فى ال ْب ََنا ِ صطَ َ أ ْ
[154-151فجعل هذا الخبار المجرد منهم حكما ً وقال تعالى:
ن ]القلم: مو َ حك ُ ُف تَ ْ م ك َي ْ َ ما ل َك ُ ْ ن* َ مي َ ر ِ ج ِم ْكال ْ ُ
ن َ مي َسل ِ ِ م ْ ل ال ْ ُ
ع ُج َ أَ َ
فن َ ْ
[35،36لكن هذا حكم ل إلزام معه.
الشرح:
ه الل ّ ُ
ه المرتبة الخيرة من مراتب الشهادة وهي م ُ
ح َ
صّنف َر ِ
م ْ
ذكر ال ُ
أهم المراتب :مرتبة المر واللزام به.
ن مجرد الشهادة ل يستلزمه؛ لنه إذا شهد إنسان كا َوقلنا :وإن َ
بشيء فشهادته في الصل ل تستلزم أمرا ً ول نهيا ً ولذا يقول
عاَلى- وت َ َه َ حان َ ُسب ْ َ
المصنف :لكن الشهادة في موضع التوحيد لله ُ -
تستلزم وتتضمن ذلك- ،أي :المرتبة الرابعة والخيرة -فإن الله
عاَلى -شهد شهادة من حكم وأمر وقضى به ،ولذلك وت َ َ ه َحان َ ُسب ْ َ ُ -
عَلى المر والقضاء بتوحيد الله قْرآن دالة َ جاءت اليات في ال ُ
ه
حان َ ُ سب ْ َ عاَلى ،وهو ما يقتضي أن شهادة الله عندما قال ُ وت َ َه َ حان َ ُ سب ْ َُ
ه إ ِّل ُ َ
و ]آل عمران [18:تتضمن أمر ه َ ه ل إ ِل َ َ ه أن ّ ُ هدَ الل ّ ُ عالىَ :ش ِ
وت َ َ َ َ
مُروا إ ِلّ الله بأنه ل يكون هناك إله إل هو ،وقال تعالى :وما أ ُ
ِ َ َ
خَر ً
ه إ ِلها آ ََ ّ
ع الل ِ م َ ل َ ع ْج َ
ول ت َ ْ
ن ]البينةَ [5: دي َ ه ال ّ ن لَ ُ صي َ خل ِ ِم ْ
ه ُ دوا الل ّ َ عب ُ ُل ِي َ ْ
خر ]القصص [88:إ َِلى غير ه إ َِلها ً آ َ
ع الل ّ ِم َ
ع َ ]السراءَ ) [22،39:ل ت َدْ ُ
ذلك.