You are on page 1of 10

‫سلسلة المحاضرات الرمضانية (‪1445‬هـ)‬

‫ألقاها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي "يحفظه هللا"‬
‫المحاضرة الرمضانية األولى‬

‫االثنين ‪ 1‬رمضان ‪1445‬هـ ‪ 11‬مارس ‪2024‬م‬


‫الر ِجي ِْم‬
‫شيْطان َ‬ ‫ع ْـو ُذ بِ َ‬
‫اّللِ ِم ْن ال َ‬ ‫أ ُ‬

‫بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ‬

‫س ْولُهُ خات ُم‬ ‫َّللاُ ْالم ِلكُ ْالح ُّق ال ُمبين‪ ،‬وأشه ُد َ‬
‫أن سيِدنا ُمح َمدا ً عب ُدهُ ور ُ‬ ‫ب ْالعال ِمين‪ ،‬وأشه ُد أ َن َل ِإله ِإ ََل َ‬ ‫ْالح ْم ُد ِ َ ِ‬
‫ّلل ر ِ‬
‫النَبِيِين‪.‬‬
‫بار ْك على ُمح َم ٍد وعلى آ ِل ُمح َمد‪ ،‬كما صلَيْت وبار ْكت على ِإبْراهِيم وعلى‬ ‫اللَ ُه َم ص ِل على ُمح َم ٍد وعلى آ ِل ُمح َمد‪ ،‬و ِ‬
‫ار ال ُمنتجبين‪ ،‬وع ْن سا ِئ ِر ِعبادِك ال َ‬
‫صا ِل ِحين‬ ‫آ ِل ِإبْراهِيم ِإنَك ح ِمي ٌد م ِجيدٌ‪ ،‬وارض اللَ ُه َم ِب ِرضاك ع ْن أ ْ‬
‫صحا ِب ِه ْاأل ْخي ِ‬
‫وال ُمجا ِهدِين‪.‬‬
‫الر ِحي ْم‪.‬‬
‫اب َ‬ ‫الَل ُه َم ا ْه ِدنا‪ ،‬وتقبَل ِمنَا‪ ،‬إنَك أنت ال َ‬
‫س ِمي ُع الع ِليم‪ ،‬وت ُبْ علينا‪ ،‬إنَك أنت الت َ َو ُ‬
‫ال ْخوة ُ واألخوات‪:‬‬
‫أيُّها ِ‬
‫سـَل ُم عل ْي ُك ْم ورحْ مةُ َ ِ‬
‫َّللا وبركاتُهُ؛؛؛‬ ‫ال َ‬

‫إدراك شهر رمضان من جديد يعتبر فرصة ثمينة ومهمة ومتجددة لإلنسان‪ ،‬شهر رمضان المبارك بما فيه من‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" والتذكر‪ ،‬والخروج من حالة‬
‫بركات‪ ،‬وبما فيه من أجواء‪ ،‬تساعد اإلنسان لالنتفاع بهدى هللا " ُ‬
‫الغفلة‪ ،‬واالنتباه إلى نفسه‪ ،‬إلى واقعه‪ ،‬إلى أعماله‪ ،‬يعتبر فرصة عظيمة لإلنسان؛ ألنه يتهيأ فيه لإلنسان من‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" بالتوبة واإلنابة‪ ،‬وكذلك االرتقاء في‬
‫إصالح نفسه‪ ،‬وتزكية نفسه‪ ،‬والسعي للرجوع إلى هللا " ُ‬
‫سب َحا َنهُ‬
‫واقعه اإليماني‪ ،‬واألخالقي‪ ،‬والنفسي‪ ،‬ما ال يتهيأ في غيره‪ ،‬بالبركات التي جعلها هللا فيه‪ ،‬وبما يهيئه هللا " ُ‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"؛ لذلك‬
‫َوتَ َعالَى" لإلنسان‪ ،‬من أثر الصيام‪ ،‬والقيام‪ ،‬واألعمال الصالحة‪ ،‬وبالعطاء الذي من هللا " ُ‬
‫على اإلنسان أن يدرك أهمية هذه الفرصة‪ ،‬وقيمة هذه الفرصة؛ حتى ال يهدر أيام شهر رمضان‪ ،‬ولياليه المباركة‪،‬‬
‫من دون استفادة منها واغتنام لها‪.‬‬
‫اإلنسان في هذه الحياة تطرأ عليه الكثير من المتغيرات‪ ،‬وهو في مسيرة الحياة من عام إلى عام متغيرات في‬
‫نفسه‪ ،‬وفي عمره‪ ،‬الصغير يكبر ويتحول إلى شاب‪ ،‬ويبدأ في مسيرة حياته على نحو مختلف عما كان عليه في‬
‫طفولته‪ ،‬يتزوج‪ ،‬يصبح له عائلة‪ ،‬يتحمل مسؤوليات جديدة في هذه الحياة‪ ،‬يدخل في متغيرات كثيرة في واقعه‬
‫النفسي وفي ظروف حياته‪ ،‬الشاب يتجه نحو الكهولة‪ ،‬ويخرج من مرحلة الشباب‪ ،‬بما كان فيها من طاقة‪ ،‬وقدرة‪،‬‬
‫وقوة‪ ،‬وصحة‪ ،‬وبما كان فيها من نشاط‪ ،‬بما كان يمتلك فيها من طاقات‪ ،‬تتغير أحواله ويتجه نحو الكهولة‪ ،‬كذلك‬
‫ما بعد الكهولة يخرج اإلنسان إلى مرحلة الشيخوخة والهرم‪.‬‬

‫فاإلنسان في مسيرته في هذه الحياة تطرأ عليه هذه التغيرات‪ ،‬على مستوى النفس‪ ،‬وعلى مستوى العمر‪ ،‬هذا‬
‫إن استمر في مرحلة العمر إلى مرحلة الشباب‪ ،‬ثم إلى مرحلة الكهولة‪ ،‬ثم إلى مرحلة الشيخوخة‪ ،‬وإال فالكثير‬
‫من الناس يرحل من هذه الحياة ما قبل ذلك‪ ،‬الكثير من الناس يرحلون وهم في مقتبل العمر‪ ،‬البعض وهم في‬
‫حالة الشباب‪ ،‬البعض في بداية الكهولة‪ ،‬كم من الناس يرحلون أفواجا‪.‬‬

‫أيضا فيما يتعلق بواقع اإلنسان وأحواله‪ ،‬من اليسر والعسر‪ ،‬والصحة والمرض‪ ،‬تطرأ عليه الكثير من‬
‫المتغيرات‪ ،‬والكثير من الناس قد ينتقل من حالة الصحة والنشاط والعافية‪ ،‬إلى المعاناة من أمراض مزمنة‪،‬‬
‫تستمر معه في بقية حياته‪ ،‬ويصبح معانيا منها‪ ،‬من آثارها‪ ،‬من أضرارها‪ ،‬معاناة بأشكال متنوعة‪ ،‬بحسب نوعية‬
‫تلك األمراض واألعراض‪ .‬أحوال الناس من فقر وغنى تحصل فيها الكثير من المتغيرات‪ ،‬أحوال الناس من أمن‬
‫وخوف‪ ،‬تحصل فيها الكثير من المتغيرات‪.‬‬

‫وهكذا تطرأ على اإلنسان الكثير في نفسه‪ ،‬في أحواله‪ ،‬في ظروف حياته‪ ،‬ثم في الواقع من حوله‪ ،‬الواقع من‬
‫حول اإلنسان كم تطرأ فيه من متغيرات كبيرة‪ ،‬ومتنوعة‪ ،‬ومتعددة‪ ،‬لها تأثيرها على اإلنسان بشكل أو بآخر‪.‬‬

‫لكن مهما كانت هذه المتغيرات‪ ،‬هي تأتي في إطار رحلة اإلنسان ومسيرة حياته‪ ،‬واإلنسان في مسيرة حياته‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪ ،‬مصيره الحتمي إلى هللا "جل‬
‫وفي هذه الرحلة‪ ،‬بما يطرأ فيها من متغيرات‪ ،‬هو يسير إلى هللا " ُ‬

‫شأنه"‪{ ،‬وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِريُ}‪ ،‬هكذا يقول هللا في القرآن الكريم‪ ،‬اإلنسان يرى أنه ال يبقى في وضعية واحدة‪ ،‬وال في‬

‫حالة واحدة‪ ،‬بل يرى نفسه فعال في رحلة هذه الحياة ومسيرة هذه الحياة يتجه إلى هذا المنتهى‪{ :‬إِنَّ إِلَى رَبِّكَ‬

‫الرُّجْعَى}[العلق‪ :‬من اآلية‪ ،]8‬إلى هللا المنتهى‪ ،‬وإليه الرجعى‪ ،‬والمصير إليه " ُ‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪ ،‬كما قال في القرآن الكريم‪:‬‬
‫{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِريُ}[ق‪ :‬اآلية‪ ،]43‬هللا " ُ‬
‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى" هو الذي أحياك‪ ،‬هو الذي وهبنا هذه الحياة‪ ،‬في‬

‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى" الذي يمنحنا ما يمنحنا‪ ،‬ويربينا‪ ،‬وينتقل بنا في أعمارنا‪ ،‬في أحوالنا‪ ،‬من‬
‫مسيرة هذه الحياة هو " ُ‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪،‬‬
‫الطفولة‪ ،‬وهكذا إلى الشباب‪ ،‬وثم وصوال إلى نهاية هذه الرحلة في هذه الدنيا‪ ،‬لالنتقال إلى هللا " ُ‬
‫وإلى عالم اآلخرة‪.‬‬

‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" هو الذي يحيينا وهو الذي يميتنا‪{ ،‬وَإِلَيْنَا الْمَصِريُ}‪ :‬مصير الجميع‬
‫{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ}‪ :‬هللا " ُ‬

‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى"‪ ،‬مصير كل إنسان‪ ،‬مصير كل هذه المخلوقات‪ ،‬يقول "جل شأنه"‪{ :‬وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ‬
‫إلى هللا " ُ‬

‫نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِريُ}[آل عمران‪ :‬من اآلية‪ ،]28‬يقول "جل شأنه"‪{ :‬غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا ُهوَ إِلَيْهِ‬

‫الْمَصِريُ}[غافر‪ :‬اآلية‪ ،]3‬يقول "جل شأنه"‪{ :‬وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِريُ}[فاطر‪ :‬من اآلية‪.]18‬‬

‫فمصير كل منا إلى هللا "سب َحانَه َوتَعَالَى"‪ ،‬ومسيرة حياته هي تتجه به إلى هذا المصير‪ ،‬والرحلة التي هي في‬
‫هذه الحياة‪ ،‬يتنقل فيها اإلنسان من حال إلى حال‪ ،‬ومن مرحلة إلى مرحلة‪ ،‬هي تتجه به إلى هذا المصير‪ :‬إلى هللا‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪.‬‬
‫" ُ‬

‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى"؛ أو‬


‫ولذلك فإن اإلنسان مهما كان معاندا‪ ،‬وعاصيا‪ ،‬ومغرورا‪ ،‬وغافال‪ ،‬ومبتعدا عن نهج هللا " ُ‬
‫كان مهمال‪ ،‬وغافال‪ ،‬ومقصرا‪ ،‬ومتجاهال‪ ،‬وال يلتفت بجدية إلى مستقبله المهم‪ ،‬إلى مصيره المهم‪ ،‬هذا لن يعفيه‬
‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى"‪ ،‬مهما استحكمت به الغفلة‪،‬‬
‫أبدا من هذا المصير‪ ،‬هو يتجه رغما عنه إلى هذا المصير‪ :‬إلى هللا " ُ‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" ال مناص منها؛ ولذلك عندما قال‬
‫ومهما وصل به العناد والغرور‪ ،‬فحتمية الرجوع إلى هللا " ُ‬

‫"جل شأنه"‪{ :‬إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}؛ ليذكرنا بهذه الحقيقة‪.‬‬

‫يقول "سب َحانَه َوتَعَالَى"‪{ :‬إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا}[يونس‪ :‬من اآلية‪ ،]4‬هل أحد يستطيع أن يستثني نفسه عن هذا‬

‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"؟ هل هناك في هذه الدنيا أحد من الناس‪ ،‬مهما كانت قدرته‪،‬‬
‫المصير‪ ،‬عن هذا المرجع إلى هللا " ُ‬
‫مهما كانت إمكانياته‪ ،‬مهما كان موقعه‪ ،‬مهما كان يمتلك من وسائل الحماية لنفسه‪ ،‬هل يستطيع أن يستثني نفسه‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪،‬‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪ ،‬الكل‪ ،‬الجميع مرجعهم إلى هللا‪ ،‬مصيرهم إلى هللا " ُ‬
‫من هذا المرجع إلى هللا " ُ‬

‫وجهتهم التي يتجهون إليها هي هذه الوجهة‪ :‬إلى هللا "جل شأنه"‪{ :‬إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ‬

‫ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا‬

‫يَكْفُرُونَ}[يونس‪ :‬اآلية‪ ،]4‬فالمرجع الحتمي لإلنسان في مسيرته من هذه الحياة إلى هللا " ُ‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪ ،‬والمنتهى‬

‫إليه‪ ،‬والمصير إليه؛ ليحاسب‪ ،‬ويجازي‪ ،‬ويثيب‪ ،‬ويعاقب؛ ولذلك فعلى اإلنسان أن يدرك أنه ال مناص أبدا من‬

‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪ ،‬ورجوع للحساب‪ ،‬للجزاء على األعمال‪ ،‬كما قال "جل شأنه"‪{ :‬إِلَى اللَّهِ‬
‫هذا الرجوع إلى هللا " ُ‬

‫مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[املائدة‪ :‬من اآلية‪.]105‬‬

‫فاإلنسان معني‪ ،‬إذا كان يريد الخير لنفسه‪ ،‬إذا كان يريد السالمة لنفسه‪ ،‬إذا كان يريد النجاة لنفسه‪ ،‬أن يتذكر‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" تجاه أعماله‪ ،‬وأن هللا رقيب عليه‪ ،‬وأنه سيحاسبه ويجازيه‪ ،‬هذا التذكر‬
‫مسؤوليته أمام هللا " ُ‬
‫للرجوع إلى هللا‪ ،‬واالستشعار للرجوع إلى هللا؛ ألن اإلنسان ال يعرف بالتحديد متى سينتقل من هذه الحياة‪ ،‬متى‬
‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى"‪ ،‬في هذا المصير والمرجع‬
‫هو موعد رحيله من هذه الحياة‪ ،‬في هذه الرحلة الحتمية إلى هللا " ُ‬
‫إلى هللا "جل شأنه"‪ ،‬ال يعرف متى‪ ،‬فإذا كان يستشعر قرب لقاء هللا "جل شأنه"‪ ،‬ويتوقع هذا اللقاء‪ ،‬يتوقعه قريبا‪،‬‬
‫هذا له أثره المهم على نفسية اإلنسان‪ ،‬على إدراك أهمية ما يعمل‪ ،‬على االنتباه لما يعمل‪ ،‬على الحرص على أن‬
‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى"؛ ولهذا يقول هللا "جل‬
‫يعمل األعمال التي فيها نجاته‪ ،‬وفالحه‪ ،‬وفوزه‪ ،‬وسالمته من عذاب هللا " ُ‬

‫شأنه"‪{ :‬وَإِنََّهَا لَكَبِريَةٌ إِلََّا عَلَى الْخَاشِعِنيَ ألََّذِينَ يَظُنَُّونَ أنََّهُمْ مُلَاقُوا رَبَِّهِمْ وَأنََّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}‪.‬‬

‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪ ،‬والتذكر لحتمية الرجوع والمصير إلى هللا‬
‫فاالستشعار للرجوع إلى هللا‪ ،‬والقرب للقاء هللا " ُ‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعا َلى"‪ ،‬له أهميته الكبيرة على اإلنسان؛ فيدرك قيمة مثل هذه الفرص‪ ،‬مثل شهر رمضان‪ ،‬عندما‬ ‫" ُ‬
‫يكون في هذه الفرصة‪ ،‬بما فتح هللا فيها لإلنسان من آفاق واسعة‪ ،‬وهيأ له أيضا من الفرص العظيمة‪ ،‬التي يرتقي‬
‫فيها على مستوى تربية نفسه‪ ،‬وتزكية نفسه‪ ،‬وعلى مستوى أن يحظى برصيد عظيم من العمل الصالح‪ ،‬وعلى‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪.‬‬
‫مستوى التوبة‪ ،‬والرجوع‪ ،‬واإلنابة إلى هللا " ُ‬
‫سب َحا َنهُ‬
‫من أهم ما ينبغي أن نركز عليه في شهر رمضان هو‪ :‬اإلقبال على هدى هللا‪ ،‬وأن نفتح قلوبنا لهدى هللا " ُ‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"؛ ألن هدى هللا في ما فيه من مضامين‪ ،‬في ما‬
‫َوتَ َعالَى"‪ ،‬من واقع الشعور بالحاجة إلى هدى هللا " ُ‬
‫فيه من تذكير‪ ،‬إذا أقبلنا عليه‪ ،‬وفتحنا قلوبنا له‪ ،‬وأصغينا له‪ ،‬وشعرنا بحاجتنا إليه‪ ،‬فيه ما يفيدنا‪ ،‬فيه ما هو كما‬

‫قال هللا عنه‪{ :‬شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}[يونس‪ :‬من اآلية‪ ،]57‬في هدى هللا ما يشفي صدورنا‪ ،‬ما يعالج الكثير من الترسبات‬

‫السلبية المؤثرة علينا‪ ،‬فيه ما تلين له القلوب‪ ،‬مع اإلقبال‪ ،‬مع الرجوع‪ ،‬مع االهتمام‪ ،‬فيه أيضا ما يرسم لنا في‬
‫مسيرة حياتنا األعمال الصالحة‪ ،‬ويرشدنا إلى الصراط المستقيم‪ ،‬الذي يصل بنا إلى الغايات العظيمة في هذه‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪.‬‬
‫الرحلة نحو هللا " ُ‬

‫اإلنسان في ظروف حياته قد يغفل‪ ،‬الغفلة حالة تحصل لإلنسان‪ ،‬وينسى‪ ،‬ولكن إذا كان ممن يتفاعل مع التذكير‪،‬‬
‫وينتفع بالتذكير‪ ،‬كما هو حال اإلنسان المؤمن؛ فهو يخرج من حالة الغفلة‪ ،‬وإن غفل؛ فهي حالة عارضة بالنسبة‬
‫سب َحا َنهُ‬
‫له‪ ،‬ال تستحكم إلى درجة السيطرة التامة عليه‪ ،‬واالستمرار في حالة التيه الدائم؛ ولذلك يقول هللا " ُ‬

‫َوتَعَالَى"‪{ :‬وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِنيَ}[الذاريات‪ :‬اآلية‪ ،]55‬المؤمن ينتفع بالتذكير؛ للخروج من حالة الغفلة‪،‬‬

‫لالنتباه إلى ما لديه من تقصير‪ ،‬وكذلك لما عليه أن يعمل‪ ،‬لما يرشده هللا إليه من األعمال العظيمة والمهمة‪ ،‬التي‬
‫فيها فالحه‪ ،‬وفوزه‪ ،‬ونجاته‪ ،‬وصالح حياته‪ ،‬ولها أهميتها بالنسبة إليه في اآلخرة‪ ،‬ويستفيد أيضا في االرتقاء‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‬
‫اإليماني؛ ليرتقي في إيمانه أكثر وأكثر‪ ،‬وإال فإذا كان اإلنسان ال يتنبه‪ ،‬وبقيت عالقته بهدى هللا " ُ‬
‫عالقة روتينية اعتيادية‪ ،‬أصبح مسألة روتينية اعتيادية‪ ،‬فهي حالة خطيرة على اإلنسان‪ ،‬لم يعد ينتفع بما سمع‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪.‬‬
‫من الهدى‪ ،‬وما ذكر به من الهدى‪ ،‬من آيات هللا " ُ‬

‫ولهذا يحذر هللا "جل شأنه" من هذه الحالة‪ ،‬حينما قال سبحانه‪{ :‬ألَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا‬

‫نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}[احلديد‪ :‬من اآلية‪{ ،]16‬ألَمْ يَأْنِ}‪ :‬إلى متى سيبقى اإلنسان في حالة غفلة‪ ،‬في حالة يتعامل فيها مع هدى هللا‬

‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" تعامال روتينيا اعتياديا‪ ،‬من دون تأثر‪ ،‬من دون انتفاع‪ ،‬من دون تفاعل‪ ،‬تفاعل بقلبه ومشاعره‪،‬‬
‫" ُ‬

‫يكون أثره في واقعه العملي‪ ،‬في اهتماماته العملية‪{ ،‬وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ‬

‫قُلُوبُهُمْ وَكَثِريٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[احلديد‪ :‬من اآلية‪.]16‬‬


‫في مقدمة ما يحرص اإلنسان عليه من بداية شهر رمضان‪ ،‬هو‪ :‬إصالح عالقته مع هدى هللا؛ ليكون ممن‬
‫يتذكر‪ ،‬وينتفع‪ ،‬ويقبل بإصغاء على هدى هللا "سب َحانَه َوتَعَالَى"‪ ،‬ويسعى لالنتفاع بهدى هللا "سب َحانَه َوتَعَالَى"؛‬

‫ألن هذا‪ -‬كما قلنا‪ -‬هو شأن المؤمنين‪ ،‬كما بين هللا في القرآن الكريم‪ ،‬المؤمن ينتفع بالذكرى‪{ ،‬وَذَكِّرْ فَإِنَّ‬

‫الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِنيَ}[الذاريات‪ :‬اآلية‪ ،]55‬تترك الذكرى أثرها على نفسه‪ ،‬على وجدانه‪ ،‬على مشاعره؛ ألنه بإيمانه‬

‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى"‪ ،‬مع القرآن الكريم؛ ولذلك ينتفع‪،‬‬


‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى"‪ ،‬عالقته إيجابية مع هدى هللا " ُ‬
‫قريب من هللا " ُ‬
‫ويستفيد‪.‬‬

‫يقول هللا "سب َحانَه َوت َ َعالَى"‪{ :‬فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (‪ )9‬سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (‪ )10‬ويَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (‪ )11‬الَّذِي يَصْلَى‬

‫النَّارَ الْكُبْرَى (‪ )12‬ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى}[األعلى‪ ،]13-9 :‬الحالة خطيرة على اإلنسان‪ ،‬إذا أصبح في واقعه لم يعد‬

‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى"‪ ،‬بل يصل الحال بالبعض إلى درجة أن ينفر من‬
‫يتفاعل مع هدى هللا‪ ،‬لم يعد يتأثر بهدى هللا " ُ‬
‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى"‪ ،‬أن يفقد الرغبة لسماع الهدى بشكل تام؛ ولذلك قد يصل به الحال إلى أن يمتنع‬
‫سماع هدى هللا " ُ‬

‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪ ،‬ويوبخ هللا من يصلون إلى مثل هذه الحالة في قوله "جل شأنه"‪{ :‬فَمَا‬
‫عن أن يسمع هدى هللا " ُ‬

‫لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِنيَ (‪ )49‬كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (‪ )50‬فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ}[املدثر‪ ،]51-49 :‬حالة خطيرة على اإلنسان‪،‬‬

‫اإلنسان إذا وصل إلى هذه الحالة‪ ،‬معناه‪ :‬أنه لم يعد يخشى هللا‪ ،‬مات اإليمان في قلبه‪ ،‬ماتت الخشية من قلبه‪،‬‬
‫أصبحت حالته اإليمانية تجاه اآلخرة‪ ،‬تجاه وعد هللا ووعيده‪ ،‬حالة ضعيفة جدا‪ ،‬أو حالة منتهية‪ ،‬تالشت من قلبه‪،‬‬
‫فالموضوع خطير‪.‬‬

‫ولذلك ينبغي على اإلنسان أن يحرص هو على تهيئة نفسه ومشاعره‪ ،‬لتلقي هدى هللا تعالى‪ ،‬واالنتفاع به‪،‬‬
‫االنتفاع بالتذكير في إصالح ما لديه من خلل‪ ،‬في االنتباه لما هناك من أعمال ذات أهمية كبيرة‪ ،‬وأن يحذر من‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪ ،‬تتالشى فيها حالة‬
‫أن يصل إلى حالة اإلعراض عن الهدى‪ ،‬التي تبدأ بعالقة باردة مع هدى هللا " ُ‬
‫سب َحا َنهُ‬
‫التفاعل‪ ،‬حالة اإلقبال‪ ،‬حالة االنتفاع‪ ،‬ثم تبدأ حالة النفور والوحشة‪ ،‬وانعدام الرغبة لسماع هدى هللا " ُ‬
‫َوتَ َعالَى"‪ ،‬وعدم الرغبة حتى إلى سماع القرآن‪ ،‬أو تالوة القرآن الكريم‪ ،‬ثم يتجه اإلنسان اتجاها آخر في حياته‬
‫والعياذ باهلل‪.‬‬

‫يقول هللا "سب َحانَه َوتَعَالَى"‪{ :‬وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا ونَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}[الكهف‪ :‬من اآلية‪ ،]57‬حالة‬

‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى"‪ ،‬بعد‬


‫اإلعراض هي الحالة التي يتجه اإلنسان إليها بعد أن يفقد العالقة اإليجابية مع هدى هللا " ُ‬
‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى"‪ ،‬واالنتفاع من الذكرى‪ ،‬يتجه إلى حالة اإلعراض‬
‫أن يقسو قلبه‪ ،‬بعد أن يفقد التأثر بهدى هللا " ُ‬
‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى"‪ ،‬فلم يعد ينتفع به‪ ،‬وال يتفاعل معه‪ ،‬وال يتأثر به‪ ،‬وال يكون له أي نتيجة في واقعه‬
‫عن هدى هللا " ُ‬
‫العملي‪ ،‬كأنه لم يسمع‪ ،‬كأن في أذنيه وقرا‪ ،‬كما يشبه هللا هذه الحالة في القرآن الكريم‪ ،‬فيصل اإلنسان إلى حالة‬
‫خطيرة جدا على نفسه‪ ،‬يظلم نفسه بذلك‪ ،‬ويتجه إلى إنسان ظلوم في هذه الحياة‪ ،‬منحرف عن تعليمات هللا‪ ،‬عن‬
‫توجيهات هللا؛ ألن اإلنسان إذا فقد ارتباطه بهدى هللا "سب َحانَه َوت َ َعالَى"‪ ،‬وفك هذه الصلة‪ ،‬وابتعد عن هدى هللا‬
‫"سب َحانَه َوت َ َعالَى"‪ ،‬لم يعد يسمعه‪ ،‬لم يعد يتفاعل معه‪ ،‬لم يعد يتأثر به؛ فهو على المستوى العملي أيضا على‬
‫مستوى أعماله‪ ،‬التزاماته العملية‪ ،‬سلوكياته‪ ،‬تصرفاته‪ ،‬سيبتعد كما ابتعد عن السماع للهدى‪ ،‬عن التفاعل مع‬
‫الهدى‪ ،‬عن اإلقبال على الهدى‪ ،‬ففي الواقع العملي كذلك‪.‬‬

‫يبدأ اإلنسان مع قسوة القلب‪ ،‬ومع البعد عن الهدى‪ ،‬والغفلة عن الهدى‪ ،‬يتجه في مسيرته العملية اتجاه المعرض‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪ ،‬فيتصرف بعيدا عن ذلك‪ ،‬لم‬
‫عن هدى هللا‪ ،‬عن آيات هللا‪ ،‬عن تعليمات هللا‪ ،‬عن توجيهات هللا " ُ‬
‫يعد لديه إحساس بالمسؤولية تجاه ما يعمل‪ ،‬وأنه سيحاسب‪ ،‬وأنه سيجازى‪ ،‬وأن عليه أن يعمل األعمال الصالحة‪،‬‬
‫وأن يرتبط في عمله ومسيرة حياته بهدى هللا وتعليماته‪.‬‬

‫{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا ونَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}‪ ،‬والحالة فعال أيضا حالة سيئة بالنسبة لإلنسان؛‬

‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى" هو ربنا‪ ،‬الخالق لنا‪ ،‬المنعم علينا‪ ،‬الرازق‬
‫ألنه يسيء إلى هللا حينما يتجاهل آيات هللا ربه‪ ،‬هللا " ُ‬
‫لنا‪ ،‬والذي إليه مصيرنا‪ ،‬ال مناص لنا من ذلك‪ ،‬إليه مرجعنا جميعا‪ ،‬فاإلنسان حينما يصل به الحال أنه لم يعد‬
‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى"‪ ،‬وهللا ربك المنعم عليك‪ ،‬فهذه حالة خطير‬
‫يتفاعل مع هدي هللا‪ ،‬مع آيات هللا‪ ،‬مع تعليمات هللا " ُ‬
‫جدا‪.‬‬
‫{ونَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}‪ ،‬ينسى اإلنسان المسؤولية تجاه ما يعمل‪ ،‬كأن الحياة فوضى‪ ،‬كأنه ال حساب‪ ،‬وال جزاء‪،‬‬

‫وال ثواب‪ ،‬وال عقاب‪ ،‬كأنه ليس ألعماله آثارها ونتائجها عليه هو‪ ،‬جزء من تلك اآلثار والنتائج في هذه الدنيا‪،‬‬
‫وجزء منها وهو الكبير واألوفى في عالم اآلخرة‪ ،‬التي هي عالم جزاء لألبد‪ ،‬عالم جزاء لألبد‪ ،‬وجزاء كبير‪.‬‬

‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى" على المستوى اإليجابي‪،‬‬


‫هذه الحالة إذا وصل فيها اإلنسان‪ ،‬وتالشت عالقته مع هدى هللا " ُ‬

‫وقسى قلبه‪ ،‬وأصبح معرضا؛ يخذل والعياذ باهلل‪ ،‬يخذل‪ ،‬ويسلب بالتوفيق؛ ولهذا يقول هللا‪{ :‬إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ‬

‫أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف‪ :‬من اآلية‪ ،]57‬مع اإلعراض‪ ،‬مع التجاهل لهدى‬

‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪ ،‬مع الغفلة التي يتجه إليها اإلنسان‪ ،‬ثم هو ذلك الذي ينفر‪ ،‬ولم يعد يرغب في أن يسمع هدى‬
‫هللا " ُ‬
‫هللا‪ ،‬وال أن يذكر بآيات هللا "جل شأنه"‪ ،‬يخذل بشكل تلقائي‪ ،‬أوتوماتيكي‪ ،‬قلبه يقسو‪ ،‬ثم يصل الحال في واقعه‪،‬‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪ ،‬وكأن على قلبه أكنة‪ ،‬كأن على قلبه‬
‫في قلبه‪ ،‬في مشاعره‪ ،‬في سماعه أو موقفه من هدى هللا " ُ‬
‫غطاء‪ ،‬مختوم على قلبه‪ ،‬يتحول الحال إلى مستوى خطير للغاية‪ ،‬فال يصل إليه شيء من نور هللا‪ ،‬وال من هدى‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪ ،‬أصبح عليه غطاء‪ ،‬وأصبح مختوما عليه والعياذ باهلل‪.‬‬
‫هللا " ُ‬

‫حالة الصمم عن هدى هللا‪ ،‬يتحول اإلنسان وكأنه أصم‪ ،‬يسمع وكأنه لم يسمع‪ ،‬ال يتفاعل‪ ،‬ال يتأثر نهائيا‪ ،‬فتكون‬

‫النتيجة هي‪{ :‬وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى}[الكهف‪ :‬من اآلية‪ ،]57‬الهدى الذي هو هدى لإلنسان‪ ،‬نجاة لإلنسان‪ ،‬فوز وفالح‬

‫لإلنسان‪ ،‬هداية له تصل به إلى الغايات العظمى‪ ،‬إلى الفوز العظيم‪ ،‬إلى السعادة األبدية‪ ،‬إلى النجاة من عذاب‬

‫هللا‪{ ،‬فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف‪ :‬من اآلية‪ ،]57‬إصرار على العمى‪ ،‬إصرار على الضياع‪ ،‬على الضالل‪ ،‬على االتجاه‬

‫في الطريق المودي إلى الهالك‪ ،‬إلى العاقبة السيئة‪ ،‬إلى نار جهنم والعياذ باهلل‪ ،‬وهي حالة خطيرة جدا‪.‬‬

‫هذا النوع من العناد‪ ،‬من الغرور‪ ،‬من التمادي‪ ،‬من اإلصرار على اإلعراض‪ ،‬يستمر فيه اإلنسان إلى أن يأتيه‬
‫الموت‪ ،‬عندما يأتي موعد الرحيل من هذه الحياة‪ ،‬يستفيق لكن بعد فوات األوان‪ ،‬بعد فوات األوان‪ ،‬لم يعد لديه‬
‫من فرصة ليصحح وضعيته من جديد‪ ،‬ليتذكر‪ ،‬لينتفع بالذكرى‪ ،‬ليُقبل على هدى هللا وتعليماته‪ ،‬يدرك في اللحظة‬
‫األخيرة من هذه الحياة أن الفرصة قد انتهت‪ ،‬يحاول أن يحصل على فرصة إضافية‪ ،‬فال يمكنه ذلك‪ ،‬ال يتحقق‬
‫له ذلك‪{ ،‬حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَ ُهمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (‪ )99‬لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}[املؤمنون‪ ،]100-99 :‬فاتت الفرصة‪،‬‬

‫لم يعد باإلمكان أن يحظى بفرصة إضافية‪.‬‬

‫ثم في اآلخرة‪ ،‬في اآلخرة يتذكر اإلنسان‪ ،‬بعد ذلك الغرور‪ ،‬بعد ذلك التمادي‪ ،‬بعد ذلك اإلصرار على اإلعراض‪،‬‬
‫بعد تلك الحالة التي قد تصل به إلى درجة التكبر والعناد الشديد في ساحة الحشر‪ ،‬في مقام الحساب والسؤال‪ ،‬بعد‬
‫القيامة‪ ،‬بعد قيام القيامة‪ ،‬يصل اإلنسان إلى التذكر‪ ،‬ولكن يتذكر متأخرا جدا‪ ،‬بعد فوات األوان‪ ،‬وبعد انعدام أي‬

‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪{ :‬كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (‪ )21‬وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا‬
‫فرصة جديدة؛ ولذلك يقول هللا " ُ‬

‫صَفًّا (‪ )22‬وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}[الفجر‪{ ،]23-21 :‬وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}‪ ،‬تذكر اليوم‪،‬‬

‫اليوم تذكر‪ ،‬تذكر في هذه الحياة‪ ،‬تذكر وأنت في هذه الفرص العظيمة‪ ،‬التي تستفيد من التذكر فيها‪ ،‬اآلن يمكنك‬
‫أن تنتفع بالذكرى‪ ،‬وأن تستفيد بالتذكر‪ ،‬وأن تصحح وضعيتك العملية‪ ،‬وأن تسعى لالرتقاء اإليماني‪.‬‬

‫لكن عندما تعاند اآلن‪ ،‬عندما ال تصغي في هذه الفرص‪ ،‬في هذه الحياة التي وهبك هللا إياها‪ ،‬في هذه المواسم‬
‫العظيمة البركات‪ ،‬وتصر وتعاند وتعرض؛ آنذاك لن تنتفع بالذكرى‪ ،‬لن تفيدك بشيء‪ ،‬لن تغير شيئا من تلك‬
‫النتيجة الحتمية التي ستتجه إليها رغما عنك‪ ،‬ال يمكنك أن تخالص نفسك منها‪ ،‬وأن تنقذ نفسك منها‪.‬‬

‫{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}‪ ،‬كان في الدنيا هناك التذكير الذي يذكرك بجهنم‪ ،‬ولديك الفرصة ألن تعمل ما يقيك من‬

‫الوصول إلى جهنم‪ ،‬من عذاب هللا األكبر‪ :‬جهنم‪ ،‬كنت تذكر في هذه الدنيا بآيات هللا‪ ،‬فيها الحديث عن جهنم‪ ،‬عن‬
‫أوصاف العذاب في جهنم‪ ،‬ت ُذكر بما يقيك من جهنم‪ ،‬ومن ذلك العذاب‪ ،‬بما تفوز من خالله وتحظى برضوان هللا‪،‬‬
‫والنعيم العظيم في جنته‪ ،‬لكنك لم تتذكر‪ ،‬لم تلتفت‪ ،‬كان اتجاهك هو اتجاه اإلعراض والغفلة‪ ،‬فآنذاك عندما يؤتى‬

‫بجهنم‪{ ،‬وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}‪ ،‬تراها وتسمعها وتتذكر آنذاك‪ ،‬احتجت إلى أن تراها رأي العين‪ ،‬رأي اليقين‪ ،‬من‬

‫قريب‪ ،‬حينئذ لم تعد تنتفع بالذكرى‪.‬‬

‫{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (‪ )23‬يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر‪ ،]24-23 :‬ها هي الفرصة‬

‫أمامك اآلن في هذه الحياة لتقدم لحياتك األبدية‪ ،‬لمستقبلك األبدي‪ ،‬لمصيرك في اآلخرة‪.‬‬
‫أما التذكر آنذاك‪ ،‬والتحسر‪ ،‬والندم؛ فلن يفيدك بشيء‪ ،‬التمني في ساحة الحساب‪ ،‬في ساحة المحشر‪{ ،‬يَا لَيْتَنِي‬

‫قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}‪ ،‬لم يعد ينفعك بشيء‪{ ،‬فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (‪ )25‬وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر‪ ،]26-25 :‬حينما يصلون إلى‬

‫جهنم‪ ،‬يحترقون بين نيرانها‪ ،‬يعذبون بأنواع العذاب فيها‪{ ،‬وَ ُهمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي‬

‫كُنَّا نَعْمَلُ أَولَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}[فاطر‪ :‬من اآلية‪ ،]37‬أتت لك الفرصة الكافية في هذه‬

‫الحياة‪ ،‬ولكنك أنت لم تنتفع؛ وحينذاك لم يعد يفيدك بشيء أن تتذكر‪ ،‬وال أن تنتبه‪ ،‬وال أن تتحسر‪ ،‬وال أن تندم‪.‬‬

‫ولذلك نحن في هذه الفرصة الثمينة (في فرصة الشهر رمضان) علينا أن ندرك قيمتها وأهميتها‪ ،‬وأن نُقبل على‬
‫سب َحا َنهُ َوتَعَالَى" بقلوبنا‪ ،‬وأن نصغي لهدى هللا‪ ،‬وأن نتفهم هدى هللا‪ ،‬أن نُقبل على القرآن الكريم‪ ،‬أن‬
‫هدى هللا " ُ‬
‫ننتفع بالتذكير من خالل القرآن الكريم‪ ،‬أن نستفيد من البرنامج‪ ،‬الذي نسمع فيه هدى هللا‪ ،‬وثقافة القرآن الكريم‪،‬‬
‫وأن نحرص على أن نتأثر بذلك‪ ،‬أن نفتح قلوبنا لذلك‪ ،‬وأن نلتفت إلى واقعنا العملي من خالل ذلك؛ ألن الثمرة‬
‫تأتي إلى الواقع العملي‪.‬‬

‫مشوارنا‪ -‬إن شاء هللا‪ -‬في المحاضرات الرمضانية لهذا العام‪ ،‬سيكون ابتداء بالحديث عن أهمية التقوى في‬
‫محاضرتين‪ ،‬نتحدث فيها أيضا عن اآلخرة‪ ،‬ونقدم نماذج مما ذكره هللا في القرآن الكريم عن ذلك‪ ،‬ثم سيكون‬
‫المشوار بعد ذلك مع القصص القرآني‪ ،‬القصص في القرآن الكريم مورد عظيم وغني بالهدى‪ ،‬وبالعبر‪،‬‬
‫وبالدروس التي نحتاج إليها‪ ،‬ونستفيد منها‪ ،‬وهو مما قدم هللا فيه الكثير من الهدى‪ ،‬الذي يفيدنا في هذه الحياة تجاه‬
‫مسؤولياتنا‪ ،‬وما نواجهه في هذه الحياة من تحديات وأخطار‪ ،‬وأيضا نستفيد معرفة الكثير من الحقائق المهمة‪،‬‬
‫سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"‪،‬‬
‫التي علينا أن نعرفها‪ ،‬مما يزيد في بصيرتنا‪ ،‬وفي وعينا‪ ،‬وفي توجهنا على أساس هدى هللا " ُ‬
‫وفي حل الكثير من مشاكلنا في هذه الحياة‪ ،‬القصص القرآني غني بالهدى‪ ،‬وبالعبر‪ ،‬وبالدروس العظيمة والمهمة‪.‬‬

‫إن شاء هللا‪ ،‬بإذن هللا‪ ،‬بتوفيق هللا‪ ،‬بما يلهمنا هللا‪ ،‬سنقدم الدروس القرآنية في المحاضرات في هذا الموسم‬
‫المبارك‪ ،‬في هذا الشهر المبارك‪ ،‬من خالل القصص القرآني‪.‬‬

‫شهداءنا األ ْبرار‪ ،‬وأ ْن ي ْش ِفي ج ْرحانا‪ ،‬وأ ْن‬ ‫ضي ِه عنَا‪ ،‬وأ ْن ي ْرحم ُ‬ ‫سبْحانهُ وتعالى" أ ْن يُوفِقنا وإِيَا ُكم ِلما يُ ْر ِ‬ ‫نسْأ ُل َ‬
‫َّللا " ُ‬
‫ص ِره‪ ،‬إِنَهُ س ِمي ُع ال ُّدعاء‪.‬‬ ‫يُف ِرج ع ْن أسرانا‪ ،‬وأ ْن ي ْن ُ‬
‫صرنا بِن ْ‬
‫سـَل ُم عل ْي ُك ْم ورحْ مةُ هللاِ وبركاتُهُ؛؛؛‬
‫وال َ‬

You might also like