Professional Documents
Culture Documents
ألقاها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي "يحفظه هللا"
المحاضرة الرمضانية األولى
س ْولُهُ خات ُم َّللاُ ْالم ِلكُ ْالح ُّق ال ُمبين ،وأشه ُد َ
أن سيِدنا ُمح َمدا ً عب ُدهُ ور ُ ب ْالعال ِمين ،وأشه ُد أ َن َل ِإله ِإ ََل َ ْالح ْم ُد ِ َ ِ
ّلل ر ِ
النَبِيِين.
بار ْك على ُمح َم ٍد وعلى آ ِل ُمح َمد ،كما صلَيْت وبار ْكت على ِإبْراهِيم وعلى اللَ ُه َم ص ِل على ُمح َم ٍد وعلى آ ِل ُمح َمد ،و ِ
ار ال ُمنتجبين ،وع ْن سا ِئ ِر ِعبادِك ال َ
صا ِل ِحين آ ِل ِإبْراهِيم ِإنَك ح ِمي ٌد م ِجيدٌ ،وارض اللَ ُه َم ِب ِرضاك ع ْن أ ْ
صحا ِب ِه ْاأل ْخي ِ
وال ُمجا ِهدِين.
الر ِحي ْم.
اب َ الَل ُه َم ا ْه ِدنا ،وتقبَل ِمنَا ،إنَك أنت ال َ
س ِمي ُع الع ِليم ،وت ُبْ علينا ،إنَك أنت الت َ َو ُ
ال ْخوة ُ واألخوات:
أيُّها ِ
سـَل ُم عل ْي ُك ْم ورحْ مةُ َ ِ
َّللا وبركاتُهُ؛؛؛ ال َ
إدراك شهر رمضان من جديد يعتبر فرصة ثمينة ومهمة ومتجددة لإلنسان ،شهر رمضان المبارك بما فيه من
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" والتذكر ،والخروج من حالة
بركات ،وبما فيه من أجواء ،تساعد اإلنسان لالنتفاع بهدى هللا " ُ
الغفلة ،واالنتباه إلى نفسه ،إلى واقعه ،إلى أعماله ،يعتبر فرصة عظيمة لإلنسان؛ ألنه يتهيأ فيه لإلنسان من
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" بالتوبة واإلنابة ،وكذلك االرتقاء في
إصالح نفسه ،وتزكية نفسه ،والسعي للرجوع إلى هللا " ُ
سب َحا َنهُ
واقعه اإليماني ،واألخالقي ،والنفسي ،ما ال يتهيأ في غيره ،بالبركات التي جعلها هللا فيه ،وبما يهيئه هللا " ُ
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"؛ لذلك
َوتَ َعالَى" لإلنسان ،من أثر الصيام ،والقيام ،واألعمال الصالحة ،وبالعطاء الذي من هللا " ُ
على اإلنسان أن يدرك أهمية هذه الفرصة ،وقيمة هذه الفرصة؛ حتى ال يهدر أيام شهر رمضان ،ولياليه المباركة،
من دون استفادة منها واغتنام لها.
اإلنسان في هذه الحياة تطرأ عليه الكثير من المتغيرات ،وهو في مسيرة الحياة من عام إلى عام متغيرات في
نفسه ،وفي عمره ،الصغير يكبر ويتحول إلى شاب ،ويبدأ في مسيرة حياته على نحو مختلف عما كان عليه في
طفولته ،يتزوج ،يصبح له عائلة ،يتحمل مسؤوليات جديدة في هذه الحياة ،يدخل في متغيرات كثيرة في واقعه
النفسي وفي ظروف حياته ،الشاب يتجه نحو الكهولة ،ويخرج من مرحلة الشباب ،بما كان فيها من طاقة ،وقدرة،
وقوة ،وصحة ،وبما كان فيها من نشاط ،بما كان يمتلك فيها من طاقات ،تتغير أحواله ويتجه نحو الكهولة ،كذلك
ما بعد الكهولة يخرج اإلنسان إلى مرحلة الشيخوخة والهرم.
فاإلنسان في مسيرته في هذه الحياة تطرأ عليه هذه التغيرات ،على مستوى النفس ،وعلى مستوى العمر ،هذا
إن استمر في مرحلة العمر إلى مرحلة الشباب ،ثم إلى مرحلة الكهولة ،ثم إلى مرحلة الشيخوخة ،وإال فالكثير
من الناس يرحل من هذه الحياة ما قبل ذلك ،الكثير من الناس يرحلون وهم في مقتبل العمر ،البعض وهم في
حالة الشباب ،البعض في بداية الكهولة ،كم من الناس يرحلون أفواجا.
أيضا فيما يتعلق بواقع اإلنسان وأحواله ،من اليسر والعسر ،والصحة والمرض ،تطرأ عليه الكثير من
المتغيرات ،والكثير من الناس قد ينتقل من حالة الصحة والنشاط والعافية ،إلى المعاناة من أمراض مزمنة،
تستمر معه في بقية حياته ،ويصبح معانيا منها ،من آثارها ،من أضرارها ،معاناة بأشكال متنوعة ،بحسب نوعية
تلك األمراض واألعراض .أحوال الناس من فقر وغنى تحصل فيها الكثير من المتغيرات ،أحوال الناس من أمن
وخوف ،تحصل فيها الكثير من المتغيرات.
وهكذا تطرأ على اإلنسان الكثير في نفسه ،في أحواله ،في ظروف حياته ،ثم في الواقع من حوله ،الواقع من
حول اإلنسان كم تطرأ فيه من متغيرات كبيرة ،ومتنوعة ،ومتعددة ،لها تأثيرها على اإلنسان بشكل أو بآخر.
لكن مهما كانت هذه المتغيرات ،هي تأتي في إطار رحلة اإلنسان ومسيرة حياته ،واإلنسان في مسيرة حياته
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" ،مصيره الحتمي إلى هللا "جل
وفي هذه الرحلة ،بما يطرأ فيها من متغيرات ،هو يسير إلى هللا " ُ
شأنه"{ ،وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِريُ} ،هكذا يقول هللا في القرآن الكريم ،اإلنسان يرى أنه ال يبقى في وضعية واحدة ،وال في
حالة واحدة ،بل يرى نفسه فعال في رحلة هذه الحياة ومسيرة هذه الحياة يتجه إلى هذا المنتهى{ :إِنَّ إِلَى رَبِّكَ
الرُّجْعَى}[العلق :من اآلية ،]8إلى هللا المنتهى ،وإليه الرجعى ،والمصير إليه " ُ
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" ،كما قال في القرآن الكريم:
{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِريُ}[ق :اآلية ،]43هللا " ُ
سب َحا َنهُ َوتَعَالَى" هو الذي أحياك ،هو الذي وهبنا هذه الحياة ،في
سب َحا َنهُ َوتَعَالَى" الذي يمنحنا ما يمنحنا ،ويربينا ،وينتقل بنا في أعمارنا ،في أحوالنا ،من
مسيرة هذه الحياة هو " ُ
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"،
الطفولة ،وهكذا إلى الشباب ،وثم وصوال إلى نهاية هذه الرحلة في هذه الدنيا ،لالنتقال إلى هللا " ُ
وإلى عالم اآلخرة.
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" هو الذي يحيينا وهو الذي يميتنا{ ،وَإِلَيْنَا الْمَصِريُ} :مصير الجميع
{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} :هللا " ُ
سب َحا َنهُ َوتَعَالَى" ،مصير كل إنسان ،مصير كل هذه المخلوقات ،يقول "جل شأنه"{ :وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ
إلى هللا " ُ
نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِريُ}[آل عمران :من اآلية ،]28يقول "جل شأنه"{ :غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا ُهوَ إِلَيْهِ
الْمَصِريُ}[غافر :اآلية ،]3يقول "جل شأنه"{ :وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِريُ}[فاطر :من اآلية.]18
فمصير كل منا إلى هللا "سب َحانَه َوتَعَالَى" ،ومسيرة حياته هي تتجه به إلى هذا المصير ،والرحلة التي هي في
هذه الحياة ،يتنقل فيها اإلنسان من حال إلى حال ،ومن مرحلة إلى مرحلة ،هي تتجه به إلى هذا المصير :إلى هللا
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى".
" ُ
يقول "سب َحانَه َوتَعَالَى"{ :إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا}[يونس :من اآلية ،]4هل أحد يستطيع أن يستثني نفسه عن هذا
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"؟ هل هناك في هذه الدنيا أحد من الناس ،مهما كانت قدرته،
المصير ،عن هذا المرجع إلى هللا " ُ
مهما كانت إمكانياته ،مهما كان موقعه ،مهما كان يمتلك من وسائل الحماية لنفسه ،هل يستطيع أن يستثني نفسه
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"،
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" ،الكل ،الجميع مرجعهم إلى هللا ،مصيرهم إلى هللا " ُ
من هذا المرجع إلى هللا " ُ
وجهتهم التي يتجهون إليها هي هذه الوجهة :إلى هللا "جل شأنه"{ :إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ
ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا
يَكْفُرُونَ}[يونس :اآلية ،]4فالمرجع الحتمي لإلنسان في مسيرته من هذه الحياة إلى هللا " ُ
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" ،والمنتهى
إليه ،والمصير إليه؛ ليحاسب ،ويجازي ،ويثيب ،ويعاقب؛ ولذلك فعلى اإلنسان أن يدرك أنه ال مناص أبدا من
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" ،ورجوع للحساب ،للجزاء على األعمال ،كما قال "جل شأنه"{ :إِلَى اللَّهِ
هذا الرجوع إلى هللا " ُ
فاإلنسان معني ،إذا كان يريد الخير لنفسه ،إذا كان يريد السالمة لنفسه ،إذا كان يريد النجاة لنفسه ،أن يتذكر
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" تجاه أعماله ،وأن هللا رقيب عليه ،وأنه سيحاسبه ويجازيه ،هذا التذكر
مسؤوليته أمام هللا " ُ
للرجوع إلى هللا ،واالستشعار للرجوع إلى هللا؛ ألن اإلنسان ال يعرف بالتحديد متى سينتقل من هذه الحياة ،متى
سب َحا َنهُ َوتَعَالَى" ،في هذا المصير والمرجع
هو موعد رحيله من هذه الحياة ،في هذه الرحلة الحتمية إلى هللا " ُ
إلى هللا "جل شأنه" ،ال يعرف متى ،فإذا كان يستشعر قرب لقاء هللا "جل شأنه" ،ويتوقع هذا اللقاء ،يتوقعه قريبا،
هذا له أثره المهم على نفسية اإلنسان ،على إدراك أهمية ما يعمل ،على االنتباه لما يعمل ،على الحرص على أن
سب َحا َنهُ َوتَعَالَى"؛ ولهذا يقول هللا "جل
يعمل األعمال التي فيها نجاته ،وفالحه ،وفوزه ،وسالمته من عذاب هللا " ُ
شأنه"{ :وَإِنََّهَا لَكَبِريَةٌ إِلََّا عَلَى الْخَاشِعِنيَ ألََّذِينَ يَظُنَُّونَ أنََّهُمْ مُلَاقُوا رَبَِّهِمْ وَأنََّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" ،والتذكر لحتمية الرجوع والمصير إلى هللا
فاالستشعار للرجوع إلى هللا ،والقرب للقاء هللا " ُ
سب َحا َنهُ َوتَ َعا َلى" ،له أهميته الكبيرة على اإلنسان؛ فيدرك قيمة مثل هذه الفرص ،مثل شهر رمضان ،عندما " ُ
يكون في هذه الفرصة ،بما فتح هللا فيها لإلنسان من آفاق واسعة ،وهيأ له أيضا من الفرص العظيمة ،التي يرتقي
فيها على مستوى تربية نفسه ،وتزكية نفسه ،وعلى مستوى أن يحظى برصيد عظيم من العمل الصالح ،وعلى
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى".
مستوى التوبة ،والرجوع ،واإلنابة إلى هللا " ُ
سب َحا َنهُ
من أهم ما ينبغي أن نركز عليه في شهر رمضان هو :اإلقبال على هدى هللا ،وأن نفتح قلوبنا لهدى هللا " ُ
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"؛ ألن هدى هللا في ما فيه من مضامين ،في ما
َوتَ َعالَى" ،من واقع الشعور بالحاجة إلى هدى هللا " ُ
فيه من تذكير ،إذا أقبلنا عليه ،وفتحنا قلوبنا له ،وأصغينا له ،وشعرنا بحاجتنا إليه ،فيه ما يفيدنا ،فيه ما هو كما
قال هللا عنه{ :شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}[يونس :من اآلية ،]57في هدى هللا ما يشفي صدورنا ،ما يعالج الكثير من الترسبات
السلبية المؤثرة علينا ،فيه ما تلين له القلوب ،مع اإلقبال ،مع الرجوع ،مع االهتمام ،فيه أيضا ما يرسم لنا في
مسيرة حياتنا األعمال الصالحة ،ويرشدنا إلى الصراط المستقيم ،الذي يصل بنا إلى الغايات العظيمة في هذه
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى".
الرحلة نحو هللا " ُ
اإلنسان في ظروف حياته قد يغفل ،الغفلة حالة تحصل لإلنسان ،وينسى ،ولكن إذا كان ممن يتفاعل مع التذكير،
وينتفع بالتذكير ،كما هو حال اإلنسان المؤمن؛ فهو يخرج من حالة الغفلة ،وإن غفل؛ فهي حالة عارضة بالنسبة
سب َحا َنهُ
له ،ال تستحكم إلى درجة السيطرة التامة عليه ،واالستمرار في حالة التيه الدائم؛ ولذلك يقول هللا " ُ
َوتَعَالَى"{ :وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِنيَ}[الذاريات :اآلية ،]55المؤمن ينتفع بالتذكير؛ للخروج من حالة الغفلة،
لالنتباه إلى ما لديه من تقصير ،وكذلك لما عليه أن يعمل ،لما يرشده هللا إليه من األعمال العظيمة والمهمة ،التي
فيها فالحه ،وفوزه ،ونجاته ،وصالح حياته ،ولها أهميتها بالنسبة إليه في اآلخرة ،ويستفيد أيضا في االرتقاء
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"
اإليماني؛ ليرتقي في إيمانه أكثر وأكثر ،وإال فإذا كان اإلنسان ال يتنبه ،وبقيت عالقته بهدى هللا " ُ
عالقة روتينية اعتيادية ،أصبح مسألة روتينية اعتيادية ،فهي حالة خطيرة على اإلنسان ،لم يعد ينتفع بما سمع
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى".
من الهدى ،وما ذكر به من الهدى ،من آيات هللا " ُ
ولهذا يحذر هللا "جل شأنه" من هذه الحالة ،حينما قال سبحانه{ :ألَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا
نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}[احلديد :من اآلية{ ،]16ألَمْ يَأْنِ} :إلى متى سيبقى اإلنسان في حالة غفلة ،في حالة يتعامل فيها مع هدى هللا
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" تعامال روتينيا اعتياديا ،من دون تأثر ،من دون انتفاع ،من دون تفاعل ،تفاعل بقلبه ومشاعره،
" ُ
يكون أثره في واقعه العملي ،في اهتماماته العملية{ ،وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ
ألن هذا -كما قلنا -هو شأن المؤمنين ،كما بين هللا في القرآن الكريم ،المؤمن ينتفع بالذكرى{ ،وَذَكِّرْ فَإِنَّ
الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِنيَ}[الذاريات :اآلية ،]55تترك الذكرى أثرها على نفسه ،على وجدانه ،على مشاعره؛ ألنه بإيمانه
يقول هللا "سب َحانَه َوت َ َعالَى"{ :فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ( )9سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ( )10ويَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ( )11الَّذِي يَصْلَى
النَّارَ الْكُبْرَى ( )12ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى}[األعلى ،]13-9 :الحالة خطيرة على اإلنسان ،إذا أصبح في واقعه لم يعد
سب َحا َنهُ َوتَعَالَى" ،بل يصل الحال بالبعض إلى درجة أن ينفر من
يتفاعل مع هدى هللا ،لم يعد يتأثر بهدى هللا " ُ
سب َحا َنهُ َوتَعَالَى" ،أن يفقد الرغبة لسماع الهدى بشكل تام؛ ولذلك قد يصل به الحال إلى أن يمتنع
سماع هدى هللا " ُ
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" ،ويوبخ هللا من يصلون إلى مثل هذه الحالة في قوله "جل شأنه"{ :فَمَا
عن أن يسمع هدى هللا " ُ
لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِنيَ ( )49كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ( )50فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ}[املدثر ،]51-49 :حالة خطيرة على اإلنسان،
اإلنسان إذا وصل إلى هذه الحالة ،معناه :أنه لم يعد يخشى هللا ،مات اإليمان في قلبه ،ماتت الخشية من قلبه،
أصبحت حالته اإليمانية تجاه اآلخرة ،تجاه وعد هللا ووعيده ،حالة ضعيفة جدا ،أو حالة منتهية ،تالشت من قلبه،
فالموضوع خطير.
ولذلك ينبغي على اإلنسان أن يحرص هو على تهيئة نفسه ومشاعره ،لتلقي هدى هللا تعالى ،واالنتفاع به،
االنتفاع بالتذكير في إصالح ما لديه من خلل ،في االنتباه لما هناك من أعمال ذات أهمية كبيرة ،وأن يحذر من
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" ،تتالشى فيها حالة
أن يصل إلى حالة اإلعراض عن الهدى ،التي تبدأ بعالقة باردة مع هدى هللا " ُ
سب َحا َنهُ
التفاعل ،حالة اإلقبال ،حالة االنتفاع ،ثم تبدأ حالة النفور والوحشة ،وانعدام الرغبة لسماع هدى هللا " ُ
َوتَ َعالَى" ،وعدم الرغبة حتى إلى سماع القرآن ،أو تالوة القرآن الكريم ،ثم يتجه اإلنسان اتجاها آخر في حياته
والعياذ باهلل.
يقول هللا "سب َحانَه َوتَعَالَى"{ :وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا ونَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}[الكهف :من اآلية ،]57حالة
يبدأ اإلنسان مع قسوة القلب ،ومع البعد عن الهدى ،والغفلة عن الهدى ،يتجه في مسيرته العملية اتجاه المعرض
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" ،فيتصرف بعيدا عن ذلك ،لم
عن هدى هللا ،عن آيات هللا ،عن تعليمات هللا ،عن توجيهات هللا " ُ
يعد لديه إحساس بالمسؤولية تجاه ما يعمل ،وأنه سيحاسب ،وأنه سيجازى ،وأن عليه أن يعمل األعمال الصالحة،
وأن يرتبط في عمله ومسيرة حياته بهدى هللا وتعليماته.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا ونَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} ،والحالة فعال أيضا حالة سيئة بالنسبة لإلنسان؛
سب َحا َنهُ َوتَعَالَى" هو ربنا ،الخالق لنا ،المنعم علينا ،الرازق
ألنه يسيء إلى هللا حينما يتجاهل آيات هللا ربه ،هللا " ُ
لنا ،والذي إليه مصيرنا ،ال مناص لنا من ذلك ،إليه مرجعنا جميعا ،فاإلنسان حينما يصل به الحال أنه لم يعد
سب َحا َنهُ َوتَعَالَى" ،وهللا ربك المنعم عليك ،فهذه حالة خطير
يتفاعل مع هدي هللا ،مع آيات هللا ،مع تعليمات هللا " ُ
جدا.
{ونَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} ،ينسى اإلنسان المسؤولية تجاه ما يعمل ،كأن الحياة فوضى ،كأنه ال حساب ،وال جزاء،
وال ثواب ،وال عقاب ،كأنه ليس ألعماله آثارها ونتائجها عليه هو ،جزء من تلك اآلثار والنتائج في هذه الدنيا،
وجزء منها وهو الكبير واألوفى في عالم اآلخرة ،التي هي عالم جزاء لألبد ،عالم جزاء لألبد ،وجزاء كبير.
وقسى قلبه ،وأصبح معرضا؛ يخذل والعياذ باهلل ،يخذل ،ويسلب بالتوفيق؛ ولهذا يقول هللا{ :إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ
أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف :من اآلية ،]57مع اإلعراض ،مع التجاهل لهدى
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" ،مع الغفلة التي يتجه إليها اإلنسان ،ثم هو ذلك الذي ينفر ،ولم يعد يرغب في أن يسمع هدى
هللا " ُ
هللا ،وال أن يذكر بآيات هللا "جل شأنه" ،يخذل بشكل تلقائي ،أوتوماتيكي ،قلبه يقسو ،ثم يصل الحال في واقعه،
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" ،وكأن على قلبه أكنة ،كأن على قلبه
في قلبه ،في مشاعره ،في سماعه أو موقفه من هدى هللا " ُ
غطاء ،مختوم على قلبه ،يتحول الحال إلى مستوى خطير للغاية ،فال يصل إليه شيء من نور هللا ،وال من هدى
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى" ،أصبح عليه غطاء ،وأصبح مختوما عليه والعياذ باهلل.
هللا " ُ
حالة الصمم عن هدى هللا ،يتحول اإلنسان وكأنه أصم ،يسمع وكأنه لم يسمع ،ال يتفاعل ،ال يتأثر نهائيا ،فتكون
النتيجة هي{ :وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى}[الكهف :من اآلية ،]57الهدى الذي هو هدى لإلنسان ،نجاة لإلنسان ،فوز وفالح
لإلنسان ،هداية له تصل به إلى الغايات العظمى ،إلى الفوز العظيم ،إلى السعادة األبدية ،إلى النجاة من عذاب
هللا{ ،فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف :من اآلية ،]57إصرار على العمى ،إصرار على الضياع ،على الضالل ،على االتجاه
في الطريق المودي إلى الهالك ،إلى العاقبة السيئة ،إلى نار جهنم والعياذ باهلل ،وهي حالة خطيرة جدا.
هذا النوع من العناد ،من الغرور ،من التمادي ،من اإلصرار على اإلعراض ،يستمر فيه اإلنسان إلى أن يأتيه
الموت ،عندما يأتي موعد الرحيل من هذه الحياة ،يستفيق لكن بعد فوات األوان ،بعد فوات األوان ،لم يعد لديه
من فرصة ليصحح وضعيته من جديد ،ليتذكر ،لينتفع بالذكرى ،ليُقبل على هدى هللا وتعليماته ،يدرك في اللحظة
األخيرة من هذه الحياة أن الفرصة قد انتهت ،يحاول أن يحصل على فرصة إضافية ،فال يمكنه ذلك ،ال يتحقق
له ذلك{ ،حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَ ُهمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ( )99لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}[املؤمنون ،]100-99 :فاتت الفرصة،
ثم في اآلخرة ،في اآلخرة يتذكر اإلنسان ،بعد ذلك الغرور ،بعد ذلك التمادي ،بعد ذلك اإلصرار على اإلعراض،
بعد تلك الحالة التي قد تصل به إلى درجة التكبر والعناد الشديد في ساحة الحشر ،في مقام الحساب والسؤال ،بعد
القيامة ،بعد قيام القيامة ،يصل اإلنسان إلى التذكر ،ولكن يتذكر متأخرا جدا ،بعد فوات األوان ،وبعد انعدام أي
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"{ :كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ( )21وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا
فرصة جديدة؛ ولذلك يقول هللا " ُ
صَفًّا ( )22وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}[الفجر{ ،]23-21 :وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} ،تذكر اليوم،
اليوم تذكر ،تذكر في هذه الحياة ،تذكر وأنت في هذه الفرص العظيمة ،التي تستفيد من التذكر فيها ،اآلن يمكنك
أن تنتفع بالذكرى ،وأن تستفيد بالتذكر ،وأن تصحح وضعيتك العملية ،وأن تسعى لالرتقاء اإليماني.
لكن عندما تعاند اآلن ،عندما ال تصغي في هذه الفرص ،في هذه الحياة التي وهبك هللا إياها ،في هذه المواسم
العظيمة البركات ،وتصر وتعاند وتعرض؛ آنذاك لن تنتفع بالذكرى ،لن تفيدك بشيء ،لن تغير شيئا من تلك
النتيجة الحتمية التي ستتجه إليها رغما عنك ،ال يمكنك أن تخالص نفسك منها ،وأن تنقذ نفسك منها.
{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} ،كان في الدنيا هناك التذكير الذي يذكرك بجهنم ،ولديك الفرصة ألن تعمل ما يقيك من
الوصول إلى جهنم ،من عذاب هللا األكبر :جهنم ،كنت تذكر في هذه الدنيا بآيات هللا ،فيها الحديث عن جهنم ،عن
أوصاف العذاب في جهنم ،ت ُذكر بما يقيك من جهنم ،ومن ذلك العذاب ،بما تفوز من خالله وتحظى برضوان هللا،
والنعيم العظيم في جنته ،لكنك لم تتذكر ،لم تلتفت ،كان اتجاهك هو اتجاه اإلعراض والغفلة ،فآنذاك عندما يؤتى
بجهنم{ ،وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} ،تراها وتسمعها وتتذكر آنذاك ،احتجت إلى أن تراها رأي العين ،رأي اليقين ،من
{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ( )23يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر ،]24-23 :ها هي الفرصة
أمامك اآلن في هذه الحياة لتقدم لحياتك األبدية ،لمستقبلك األبدي ،لمصيرك في اآلخرة.
أما التذكر آنذاك ،والتحسر ،والندم؛ فلن يفيدك بشيء ،التمني في ساحة الحساب ،في ساحة المحشر{ ،يَا لَيْتَنِي
قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} ،لم يعد ينفعك بشيء{ ،فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ( )25وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر ،]26-25 :حينما يصلون إلى
جهنم ،يحترقون بين نيرانها ،يعذبون بأنواع العذاب فيها{ ،وَ ُهمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي
كُنَّا نَعْمَلُ أَولَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}[فاطر :من اآلية ،]37أتت لك الفرصة الكافية في هذه
الحياة ،ولكنك أنت لم تنتفع؛ وحينذاك لم يعد يفيدك بشيء أن تتذكر ،وال أن تنتبه ،وال أن تتحسر ،وال أن تندم.
ولذلك نحن في هذه الفرصة الثمينة (في فرصة الشهر رمضان) علينا أن ندرك قيمتها وأهميتها ،وأن نُقبل على
سب َحا َنهُ َوتَعَالَى" بقلوبنا ،وأن نصغي لهدى هللا ،وأن نتفهم هدى هللا ،أن نُقبل على القرآن الكريم ،أن
هدى هللا " ُ
ننتفع بالتذكير من خالل القرآن الكريم ،أن نستفيد من البرنامج ،الذي نسمع فيه هدى هللا ،وثقافة القرآن الكريم،
وأن نحرص على أن نتأثر بذلك ،أن نفتح قلوبنا لذلك ،وأن نلتفت إلى واقعنا العملي من خالل ذلك؛ ألن الثمرة
تأتي إلى الواقع العملي.
مشوارنا -إن شاء هللا -في المحاضرات الرمضانية لهذا العام ،سيكون ابتداء بالحديث عن أهمية التقوى في
محاضرتين ،نتحدث فيها أيضا عن اآلخرة ،ونقدم نماذج مما ذكره هللا في القرآن الكريم عن ذلك ،ثم سيكون
المشوار بعد ذلك مع القصص القرآني ،القصص في القرآن الكريم مورد عظيم وغني بالهدى ،وبالعبر،
وبالدروس التي نحتاج إليها ،ونستفيد منها ،وهو مما قدم هللا فيه الكثير من الهدى ،الذي يفيدنا في هذه الحياة تجاه
مسؤولياتنا ،وما نواجهه في هذه الحياة من تحديات وأخطار ،وأيضا نستفيد معرفة الكثير من الحقائق المهمة،
سب َحا َنهُ َوتَ َعالَى"،
التي علينا أن نعرفها ،مما يزيد في بصيرتنا ،وفي وعينا ،وفي توجهنا على أساس هدى هللا " ُ
وفي حل الكثير من مشاكلنا في هذه الحياة ،القصص القرآني غني بالهدى ،وبالعبر ،وبالدروس العظيمة والمهمة.
إن شاء هللا ،بإذن هللا ،بتوفيق هللا ،بما يلهمنا هللا ،سنقدم الدروس القرآنية في المحاضرات في هذا الموسم
المبارك ،في هذا الشهر المبارك ،من خالل القصص القرآني.
شهداءنا األ ْبرار ،وأ ْن ي ْش ِفي ج ْرحانا ،وأ ْن ضي ِه عنَا ،وأ ْن ي ْرحم ُ سبْحانهُ وتعالى" أ ْن يُوفِقنا وإِيَا ُكم ِلما يُ ْر ِ نسْأ ُل َ
َّللا " ُ
ص ِره ،إِنَهُ س ِمي ُع ال ُّدعاء. يُف ِرج ع ْن أسرانا ،وأ ْن ي ْن ُ
صرنا بِن ْ
سـَل ُم عل ْي ُك ْم ورحْ مةُ هللاِ وبركاتُهُ؛؛؛
وال َ