You are on page 1of 14

‫‪1‬‬

‫سلسلة المحاضرات الرمضانية (‪1445‬هـ)‬


‫ألقاها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي "يحفظه هللا"‬
‫المحاضرة الرمضانية الثانية عشرة‬

‫األحد ‪ 14‬رمضان ‪1445‬هـ ‪ 24‬مارس ‪2024‬م‬

‫انَالر ِجي ِْمَ‬


‫َ‬ ‫َم ْنَال َ‬
‫شيْط‬ ‫أَع ُْـوذَُ ِب ََِ‬
‫اّلل ِ‬

‫َالر ِحـي ِْـمَ‬


‫ـن َ‬ ‫َالرحْ ـم ِ‬
‫َّللا َ‬
‫ـــم ََِ‬
‫س ِ‬ ‫بِـ ْ‬

‫َّللاَُا ْلم ِلكُ َا ْلحقَُّال ُمبين‪َ،‬وأشهدَُأنَ َسيِدناَ ُمح ََمداًَعب ُدهَُ‬


‫بَا ْلعال ِمين‪َ،‬وأشهدَُأنَ ََلَإِلهَإِ َََل َ‬ ‫ا ْلح ْمد ِ َ‬
‫َُّللَِر ِ‬
‫س ْولُهَُخات ُمَالنَبِيِين‪َ َ.‬‬
‫ور ُ‬

‫بار ْكَعلىَ ُمح ََمدٍَوعلىَآ ِلَ ُمح َمَد‪َ،‬كماَصلَيْتَوبار ْكتَعلىَ‬


‫اللَ ُه َمَص ِلَعلىَ ُمح ََمدٍَوعلىَآ ِلَ ُمح ََمد‪َ،‬و ِ‬
‫َاْل ْخي ِارَال ُمنتجبين‪َ،‬‬
‫إِبْرا ِهيمَوعلىَآ ِلَإِبْرا ِهيمَإِنَكَح ِميدٌَم ِجيدٌ‪َ،‬وَارضَاللَ ُه ََمَبِ ِرضاكَع ْنَأصْحابِ ِه ْ‬
‫وع ْنَسائِ ِرَ ِعبادِكَال َ‬
‫صا ِل ِحينَوال ُمجا ِهدِين‪َ َ.‬‬

‫حي َْم‪َ َ.‬‬


‫الر َِ‬ ‫بَعَليَنَاَ‪َ،‬إنَكََأنتََالتََ ََو َُ‬
‫ابَ ََ‬ ‫سَ َِمي َُعَالعََِليمَ‪َ،‬وََت ُ َْ‬ ‫لَمنََا‪َ،‬إنَكََأ َ‬
‫نتَال َ‬ ‫الََل َُه ََمَا َْه َِدنَاَ‪َ،‬وَتَقَبََ َِ‬

‫خوَ َةَُواْلخوات‪َ َ:‬‬


‫اَال َْ‬
‫أيَُّهَ َِ‬

‫سـَل ُمَعل ْي ُك ْمَورحْ مةُ ََِ‬


‫َّللاَوبركاتُهُ؛؛؛َ َ‬ ‫ال ََ‬

‫علَ ْي ِه‬
‫نواصل الحديث على ضوء اآليات المباركة من (سورة األعراف)‪ ،‬والتي ذكر هللا فيها قصة آدم " َ‬
‫س ََلم"‪ ،‬وتضمنت الكثير من الدروس والعبر المهمة‪ ،‬وعلى ضوء اآليات التي تحدثنا عنها باألمس‪،‬‬
‫ال َّ‬
‫يتبين لنا أن الشيطان‪ -‬لعنه هللا‪ -‬يعتمد أسلوب الخداع لإلنسان‪ ،‬وهو ال يعلم الغيب‪ ،‬الشيطان عندما يستهدف‬
‫يركز‬
‫اإلنسان‪ ،‬هو ال يعلم الغيب بالنسبة لإلنسان‪ ،‬وال يعلم ما ي ِسره اإلنسان‪ ،‬ولكنه في وسوسته لإلنسان ِ‬
‫‪2‬‬

‫أوالا على ما هو معروف عن اإلنسان في غرائزه وشهواته‪ ،‬ورغباته الغريزية المعروفة عن اإلنسان‪،‬‬
‫وأيضا ا يركز على واقع اإلنسان؛ ألن اإلنسان في واقعه‪ ،‬وظروف حياته‪ ،‬ومشاكله‪ ،‬واهتماماته‪ ،‬تظهر‬
‫الكثير من أموره‪ ،‬مشاكله يظهر فيها ما هي الثغرات التي يمكن أن َي ْنفذ إليه من خَللها‪ ،‬كذلك االهتمامات‬
‫تتجلى في واقع اإلنسان العملي‪ ،‬فيما يقوله وفيما يعمله‪ ،‬وهكذا يظهر الكثير من حال اإلنسان‪ ،‬في أعماله‪،‬‬
‫يؤثر بها على‬
‫في أقواله‪ ،‬في اهتماماته‪ ،‬في أوضاعه‪ ،‬والشيطان يحاول أن يبحث ع َّما هي الطريقة التي ِ‬
‫اإلنسان‪ ،‬فقد يشتغل على جوانب معينة‪ ،‬فَل يجد أنها مثَّلت ثغرة ا على اإلنسان‪ ،‬ويجد أنه لم يستطع التأثير‬
‫عليه من خَللها‪ ،‬فيبحث عن وسيلة أخرى‪ ،‬عن طريقة أخرى؛ ولذلك عندما قال‪{ :‬ث ُ َّم آَل ِت آي َّن ُه ْم ِم ْن آبي ِْن‬
‫ش آما ِئ ِل ِه ْم آو آَل ت ِآج ُد أ آ ْكثآ آر ُه ْم شآا ِك ِرينآ }[األعراف‪ :‬اَلية‪ ،]17‬بمعنى‪ :‬أنه سيبحث‬ ‫أ آ ْيدِي ِه ْم آو ِم ْن خ ْآل ِف ِه ْم آو آ‬
‫ع ْن أ آ ْي آما ِن ِه ْم آو آ‬
‫ع ْن آ‬
‫من جوانب متعددة‪ ،‬وهذا‪ -‬كما ذكرنا سابقا ا‪ -‬تكتيك من تكتيكات الشيطان‪ ،‬هو يركز على البحث المتكرر‬
‫والمحاوالت‪ ،‬ويطرق‪ -‬كما يقال‪ -‬كل األبواب‪ ،‬يعني‪ :‬يبحث من جهة معينة هل يستطيع التأثير عليك من‬
‫خَللها‪ ،‬لم يستطع‪ ،‬فهو لم ييأس بعد‪ ،‬يبحث عن طريقة أخرى‪ ،‬قد ال ينجح في ظرف معين‪ ،‬فيبحث عن‬
‫ظرف آخر؛ ألن أحوال اإلنسان تختلف‪ ،‬بين يسر‪ ،‬وعسر؛ وسقم‪ ،‬وصحة؛ وغير ذلك‪ ،‬ورضى‪ ،‬وسخط؛‬
‫وغضب‪ ،‬وارتياح‪ ...‬وهكذا‪.‬‬

‫فهو على مستوى أحوال اإلنسان قد يبحث عن الحالة التي يمكنه التأثير فيها على اإلنسان أكثر‪ ،‬وظروف‬
‫يجرب هنا‪ ،‬أو هنا‪ ،‬أو هنا‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فإذا وجد ثغرة ا على اإلنسان حاول‬
‫اإلنسان ومشاكله‪ ،‬قد يحاول أن ِ‬
‫علَ ْي َها ال َّ‬
‫س ََلم"‪،‬‬ ‫علَ ْي ِه ال َّ‬
‫س ََلم" وأ ِمنا حواء " َ‬ ‫أن يستغلها إلى أقصى حد‪ ،‬الثغرة التي وجدها على أبينا آدم " َ‬
‫هو حاول أن يستغلها إلى أقصى حد بالنسبة لهما‪.‬‬

‫وقد يجد في واقع البعض من البشر أنه ال يستطيع التأثير عليهم في اإليقاع بهم نحو الفجور‪ ،‬والجرائم‪،‬‬
‫والمفاسد األخَلقية؛ ألنهم من ذوي التوجه الديني الجاد‪ ،‬فيحاول أن يلعب عليهم في اتجاههم الديني نفسه‪،‬‬
‫إما بالرياء‪ ،‬أو العجب‪ ،‬أو تلك اآلفات التي تضرب القيمة اإليمانية للدين نفسه‪ ،‬لما تمارسه من الدين‪ ،‬لما‬
‫يوجه إليها ضربة كبيرة جدا ا بالرياء وبالعجب‪.‬‬
‫تقوم به من الدين‪ ،‬لعباداتك‪ ،‬ألعمالك الصالحة‪ِ ،‬‬
‫‪3‬‬

‫أو بالمحبطات‪ ،‬تنفق‪ ،‬واإلنفاق فيه أجر عظيم‪ ،‬ثم يدفعك إ َّما للرياء في ذلك‪ ،‬أو العجب في ذلك‪ ،‬أو أن‬
‫تتبع ما أنفقت منا ا‪ ،‬أو أذ ا‬
‫ى‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬هكذا بقية األعمال الصالحة‪.‬‬

‫أو يدفع بالبعض للتعبد بالضَللة‪ ،‬أو باالبتداع في الدين‪ ،‬أو بالغلو في الدين‪ ،‬أو بالقول على هللا بغير‬
‫علم‪ ،‬أو باالفتراء على هللا كذبا ا‪ ،‬واحتساب ما ليس من دينه عليه‪ ،‬أو بتحليل ما َّ‬
‫حرم هللا‪ ،‬أو بتحريم ما‬
‫أح َّل هللا‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬فهو يحاول أن يتَّجه إلى اإلنسان من أي جهة‪.‬‬

‫أما من يستميلهم بالشهوات واإلغراءات‪ ،‬فهو يوقع بهم من خَلل ذلك‪ ،‬وكثير من الناس يوقع بهم من‬
‫خَلل ذلك‪ .‬البعض من خَلل غضبهم‪ ،‬ثغرة الشيطان عليهم هي غضبهم وانفعالهم‪ ،‬وكثير من الجرائم‪،‬‬
‫خاصةا جرائم الظلم‪ ،‬جرائم البطش‪ ،‬جرائم الجبروت‪ ،‬جرائم التعدي‪ ،‬جرائم كثيرة تأتي في حاالت‬
‫الغضب واالنفعال‪ ،‬وهكذا‪ ،‬األحوال المختلفة التي قد يستغلها الشيطان لإليقاع باإلنسان‪.‬‬

‫ظلآ ْمنآا أ آ ْنفُ آ‬


‫سنآا}[األعراف‪ :‬من اَلية‪ ،]23‬بعد أن أوقعهما في‬ ‫اَل آر َّبنآا آ‬
‫س ْب َحانَهُ َوتَعَالَى"‪{ :‬قآ آ‬
‫وصلنا إلى قول هللا " ُ‬
‫خطر المخالفة للنهي‪ ،‬هللا "س ْب َحانَه َوتَعَالَى" نهاهما أن يقربا تلك الشجرة‪ ،‬فبمجرد أن ذاقا من تلك الشجرة‪،‬‬
‫وقعا في المشكلة‪ ،‬وأدركا أنهما وقعا في مشكلة كبيرة عندما ج ِردَا حتى في تلك اللحظة من كل شيء‪،‬‬
‫ج ِردَا حتى من مَلبسهما التي في الجنة‪ ،‬وشعرا أن الشيطان و َّجه لهما ضربة‪ ،‬سعى من خَللها لتجريدهما‬
‫مما منحهما هللا إياه من ذلك النعيم والعيش الرغد‪ ،‬وأيضا ا على المستوى المعنوي‪ ،‬على المستوى المعنوي‬
‫ورطهما وخدعهما‪.‬‬
‫شعرا أنه َّ‬

‫والشيطان هو يسعى في استهدافه لإلنسان هو يسعى ألن تخسر أنت كإنسان‪ ،‬يريد أن يوقعك في‬
‫يوجه‬
‫كرمك هللا بها‪ ،‬وأن ِ‬
‫يجردك مما منحك هللا إياه‪ ،‬وأن يهبط بك عن مرتبة التكريم‪ ،‬التي َّ‬
‫الخسارة‪ ،‬وأن ِ‬
‫ورطك‪ ،‬يريد أن ي ِح ِطمك معنويا ا‪ ،‬وأنه‪-‬‬
‫إليك ضربة معنوية؛ ليشعرك بأنه استغفلك‪ ،‬وأنه أوقع بك‪ ،‬وأنه َّ‬
‫بحسب التعبير المحلي‪[ -‬ضحك عليك]‪ ،‬وأن إرادتك ضعيفة‪ ،‬يريد أن يشعرك بالضعف‪ ،‬والعجز‪،‬‬
‫ورطك‪ ،‬فهو يسعى من كل االتجاهات‪ ،‬يعني‪ :‬يسعى إلى أن يوقعك في‬
‫والهزيمة‪ ،‬وأنه استغفلك‪ ،‬وأنه َّ‬
‫الخسارة‪ ،‬وأن يجردك مما منحك هللا إياه‪ ،‬وأن يهبط بك عن مرتبة التكريم‪ ،‬وأن يشعرك بالضعف‬
‫‪4‬‬

‫والعجز‪ ،‬وأن يشعرك بتفوقه عليك‪ ،‬أنه استغفلك‪ ،‬وحطمك‪ ،‬وأوقع بك‪ ...‬وهكذا‪ ،‬يريد أن يعيش نشوة‬
‫االنتصار عليك‪.‬‬

‫فهما في تلك اللحظة‪ ،‬وهي لحظة صعبة عليهما‪ ،‬لحظة يشعران فيها بالخجل من هللا "س ْب َحانَه َوتَعَالَى"‪،‬‬
‫أنهما خالفا نهيه‪ ،‬ويتذكرا فيها أن هللا قد حذَّرهما من عدوهما الشيطان الرجيم‪ ،‬ويعيشان التجربة‪ :‬ما هو‬
‫أن األكل من تلك الشجرة يرتقي بهما ارتقا اء كبيرا ا‪ ،‬ليكونا‬
‫الفارق الكبير جدا ا بين الوهم الشيطاني‪ ،‬في َّ‬
‫َملَ َك ْين‪ ،‬وليكونا من الخالدين‪ ،‬وليحصَل على ملك ال يبلى‪ ،‬إلى أن يجْ َّردا من كل شيء‪ ،‬هذا هو الفارق‬
‫الحقيقي بين الوعد اإللهي والوهم الشيطاني‪:‬‬

‫ورا}[النساء‪ :‬من اَلية‪.]120‬‬ ‫ان إِ ََّل ُ‬


‫غ ُر ً‬ ‫ط ُ‬‫ش ْي آ‬ ‫‪ -‬الشيطان يقدم للناس وهما ا وغرورا ا‪ :‬آ‬
‫{و آما آي ِع ُد ُه ُم ال َّ‬
‫س ْب َحانَهُ َوت َ َعالَى" فيعدنا الوعد الحق‪ ،‬وينعم علينا بالنعم‪ ،‬ويقَ ِدم لنا ما يسمو بنا‪ ،‬يسمو بنا‬
‫‪ -‬أما هللا " ُ‬
‫في إنسانيتنا‪ ،‬نرتقي‪ ،‬نحظى بالتكريم‪ ،‬نحظى بالقيمة اإلنسانية والمعنوية العالية‪.‬‬
‫فهما في تلك اللحظة‪ -‬وهي لحظة صعبة‪ُ -‬جردا من كل شيء‪ ،‬وهللا "س ْب َحانَه َوتَ َعالَى" ذ َّكرهما في تلك‬
‫اللحظة التي هما فيها‪ ،‬في حالة الخجل من هللا‪ ،‬والحياء من هللا‪ ،‬والندم الشديد على ما وقعا فيه‪ ،‬وشعورهما‬
‫بأنهما انخدعا للشيطان‪ ،‬وليمينه الكاذبة‪ ،‬حينما حلف لهما اليمين الكاذبة‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فهما أنابا إلى هللا‬
‫"س ْب َحانَه َوتَ َعالَى"‪ ،‬ورجعا إلى هللا‪.‬‬

‫سنآا آو ِإ ْن لآ ْم تآ ْغ ِف ْر لآنآا آوت ْآر آح ْمنآا لآ آن ُكون َّآن ِمنآ ْالخآا ِس ِرينآ }[األعراف‪ :‬اَلية‪ ،]23‬تابا إلى هللا "س ْب َحانَه‬
‫ظلآ ْمنآا أ آ ْنفُ آ‬
‫اَل آر َّبنآا آ‬
‫{قآ آ‬
‫َوتَ َعالَى"‪ ،‬وهللا هداهما للتوبة‪ ،‬ولما يقوالنه ليتوبا إلى هللا "س ْب َحانَه َوتَ َعالَى"‪ ،‬مثلما سبق في (سورة البقرة)‪:‬‬
‫الر ِحي ُم}[البقرة‪ :‬اَلية‪ ،]37‬فهما َر ِج َعا إلى هللا "س ْب َحانَه‬ ‫ع آل ْي ِه ِإ َّنهُ ه آُو التَّ َّو ُ‬
‫اب َّ‬ ‫آاب آ‬ ‫{فآتآلآ َّقى آ آد ُم ِم ْن آر ِب ِه آك ِل آما ٍ‬
‫ت فآت آ‬
‫َوتَ َعا َلى" وهما يشعران بالندم‪ ،‬وبالتقصير‪ ،‬وبالخطأ‪ ،‬يعترفان بالخطأ‪ ،‬وهذا من التوبة‪ :‬الندم الشديد على‬
‫المخالفة‪ ،‬وأيضا ا االعتراف بالخطأ والتقصير‪ ،‬وفي نفس الوقت العزم على عدم العودة إلى المخالفة‪{ ،‬قآ آ‬
‫اَل‬
‫ظلآ ْمنآا أ آ ْنفُ آ‬
‫سنآا}؛ ألن اإلنسان يظلم نفسه‪.‬‬ ‫آر َّبنآا آ‬

‫اإلنسان بالمعصية هو ال يضر هللا بشيء‪ ،‬هو يظلم نفسه‪ ،‬وما يترتب على المخالفة والمعصية من آثار‬
‫وأضرار‪ ،‬تتحقق ابتدا اء من لحظة وقوع اإلنسان في المخالفة أو المعصية‪ ،‬فمثَلا‪ :‬في واقعهما منذ أن وقعا‬
‫‪5‬‬

‫في المخالفة‪ ،‬كان لذلك آثار وأضرار مباشرة على حياتهما؛ ولذلك ال يكون ما بعد المخالفة كما قبلها‪،‬‬
‫وفي واقع اإلنسان ليس ما بعد المعصية كما قبلها‪ ،‬على المستوى النفسي‪ :‬اإلنسان يتأثر على المستوى‬
‫النفسي‪ ،‬ثم في واقع حياة اإلنسان‪ ،‬اإلنسان يتأثر في واقع حياته‪ ،‬المعاصي لها تأثيرات مباشرة على حياة‬
‫اإلنسان‪ ،‬وآثار سلبية مباشرة على حياة اإلنسان‪ ،‬وهما الحظا أنهما دخَل في مرحلة جديدة‪ ،‬ووضع‬
‫مختلف تماما ا ع َّما كانا عليه‪.‬‬

‫سنآا آو ِإ ْن لآ ْم تآ ْغ ِف ْر لآنآا آوت ْآر آح ْمنآا لآ آن ُكون َّآن ِمنآ ْالخآا ِس ِرينآ }‪ ،‬وهما يدركان أن الخسارة ستكون‬
‫ظلآ ْمنآا أ آ ْنفُ آ‬
‫اَل آر َّبنآا آ‬
‫{قآ آ‬
‫بدون المغفرة والرحمة أكبر من خسارة تلك الفرصة‪ ،‬أو من خسارة ما كانا فيه في تلك الجنة‪ ،‬وفعَلا‬
‫اإلنسان يتعرض لمخاطر كبيرة في خسارته‪ ،‬قد تكون خسارة الكثير‪ -‬وحتما ا هي خسارة الكثير من الناس‪-‬‬
‫أن يخسرا رضوان هللا‪ ،‬أن يخسرا المكاسب اإليمانية في هذه الحياة على المستوى النفسي‪ ،‬وعلى مستوى‬
‫الحياة الطيبة‪ ،‬الَلئقة باإلنسان كإنسان‪ ،‬وأن يخسر اإلنسان رضوان هللا في الجنة‪ ،‬كثير من الناس‬
‫خسارتهم هي بهذا الحجم‪ ،‬يخسرون المكاسب اإليمانية لإلنسان في هذه الحياة‪ ،‬على المستوى النفسي‪،‬‬
‫الطيبة‪ ،‬وفي مستقبله في اآلخرة‪ :‬رضوان هللا‪ ،‬والجنة‪ ،‬والسَلمة من عذاب هللا‪ ،‬من جهنم‬
‫ِ‬ ‫وفي حياته‬
‫والعياذ باهلل‪ ،‬فالخسارة هي الثمن الحتمي للمعصية‪ ،‬والنتيجة المترتبة عليها حتما‪ ،‬فهما أنابا إلى هللا‬
‫بوعي‪ ،‬وندم‪ ،‬وشعور بالتقصير‪ ،‬وشعور بمخاطر المخالفة‪ ،‬وهللا تاب عليهما‪ ،‬ونجد أنهما كَلهما توجها‬
‫إلى هللا "س ْب َحانَه َوتَ َعالَى" م ْعتَ ِرفَين معا ا بالمخالفة‪ ،‬و َ‬
‫طا ِل َبين للمغفرة والرحمة‪.‬‬

‫علَ ْي َها ال َّ‬


‫س ََلم" هي التي قامت‬ ‫ولذلك ال صحة أبدا لما هو عند اليهود من مزاعم وتحريفات‪َّ :‬‬
‫أن حواء " َ‬
‫بالدور المباشر في اإلغواء آلدم‪ ،‬واإلقناع له بالمخالفة‪َّ ،‬‬
‫وأن الشيطان عندما عجز عن التأثير على آدم‬
‫تحول إليها‪ ،‬فأثَّر عليها وأقنعها‪ ،‬ثم قامت هي بإقناع آدم‪ ،‬واإليقاع به في المخالفة‪ .‬ليس ذلك صحيحا ا‪ ،‬هو‬
‫َّ‬
‫من خرافات اليهود‪ ،‬وهم قدموا في فلسفتهم‪ ،‬وفي رؤيتهم‪ ،‬وفي ثقافتهم‪ ،‬نظرة ورؤية عن المرأة غير‬
‫مناسبة أبدا ا‪ ،‬نظرة مسيئة للغاية إلى المرأة وإلى دورها‪ ،‬واشتغلوا بنا اء على ذلك‪ ،‬حتى في مساعيهم الدائمة‬
‫إلغواء المرأة‪ ،‬واالستغَلل لها إلغواء المجتمعات األخرى‪ ،‬يعود ذلك إلى رؤية فاسدة لديهم وباطلة‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫في واقع الحال‪ ،‬وفي كل موارد القصة في القرآن الكريم‪ ،‬يتجلَّى بوضوح َّ‬
‫أن الشيطان ر َّكز عليهما في‬
‫ان}[األعراف‪ :‬من اَلية‪ ،]20‬وسوس لهما معا ا‪ ،‬أقسم‬
‫ط ُ‬‫ش ْي آ‬
‫س لآ ُه آما ال َّ‬
‫الوسوسة لهما‪ ،‬وسوس لهما‪ ،‬هنا يقول‪{ :‬فآ آوس آْو آ‬
‫لهما معا ا‪ ،‬ووقعا معا ا في المخالفة‪ ،‬وتابا معا ا إلى هللا "س ْب َحانَه َوتَ َعالَى"‪ ،‬ورجعا إلى هللا‪ ،‬وغفر هللا لهما‬
‫كذلك‪.‬‬

‫بعد هذه المغفرة لم تعد المسألة كما كانت‪ ،‬حتى بعد المغفرة لهما من المخالفة‪ ،‬لم يبقَ وضعهما كما كان‬
‫سابقا ا؛ ألن اآلثار المترتبة على المخالفة قد أصبحت البدَّ منها‪{ ،‬قآا آل ا ْه ِب ُ‬
‫طوا}‪ ،‬هللا قد غفر لهما فيما يتعلق‬
‫بالمخالفة من جهة‪ ،‬لكن في بعض من آثار تلك المخالفة‪ ،‬اآلثار المترتبة عليها في الواقع‪ ،‬والظرف الذي‬
‫هما فيه ستحصل‪ ،‬وهو الهبوط من تلك الجنة‪ ،‬والخروج منها‪.‬‬

‫المرة يأمرهم بالهبوط جميعا ا‪ ،‬يأمر آدم وحواء‪ ،‬ويأمر الشيطان أيضا ا‪ ،‬الشيطان ط ِرد‬ ‫{قآا آل ا ْه ِب ُ‬
‫طوا}‪ ،‬هذه َّ‬
‫أوالا من بين المَلئكة‪ ،‬بعدما طرد من بين المَلئكة‪ ،‬وسكن آدم وزوجه حواء الجنة تلك‪ ،‬اتجه إليهما؛‬
‫بهدف اإلغواء لهما‪ ،‬واإليقاع بهما في المخالفة للنهي اإللهي من أن يقربا تلك الشجرة‪ ،‬ثم ط ِرد معهما‬
‫من هناك‪ ،‬وجوده هناك بالنسبة له لم يكن فيه ال تكريم له‪ ،‬وال نعيم له؛ ألن ظروفه‪ ،‬طبيعته‪ ،‬تكوينه‪،‬‬
‫طريقة حياته تختلف عن اإلنسان أصَلا؛ ولذلك ما هو نعيم لإلنسان ليس هو في نفسه نعيم له هو؛ باعتباره‬
‫من الجن‪.‬‬

‫عد ٌُّو}[األعراف ‪ ،]24 :‬أصبحت مسألة العداوة مسألة ال فكاك‬ ‫ض ُك ْم ِل آب ْع ٍ‬


‫ض آ‬ ‫طوا}‪ ،‬الكل‪{ ،‬قآا آل ا ْه ِب ُ‬
‫طوا آب ْع ُ‬ ‫{قآا آل ا ْه ِب ُ‬
‫منها؛ ألن الشيطان هو في واقع الحال عدو م ِبين‪َ ،‬ب ِين العداوة‪ ،‬شديد العداء‪ ،‬وحاقد جدا ا آلدم وحواء‪،‬‬
‫ولذريتهما‪ ،‬فهبوطهم من تلك الجنة التي كانا فيها إلى الوضع العادي في األرض‪ ،‬ليواصل آدم وحواء‬
‫حياتهما‪ ،‬ويبدأا مشوارهما فيما بعد‪ ،‬في التناسل والذرية وغير ذلك‪ ،‬مما تطورت به واتسعت به ظروف‬
‫حياتهما مع ذريتهما‪ ،‬لكن أصبح هذا الوجود مقترنا ا بهذا الصراع‪ :‬صراع بين الخير والشر‪ ،‬صراع بين‬
‫آدم وذريته مع الشيطان‪ ،‬ومع الشياطين الذين يوالون الشيطان ويتجهون معهم‪ ،‬أصبح الصراع حتميا ا‪،‬‬
‫أصبح جزءا ا من الواقع‪ ،‬أصبح ال مفر منه وال مناص منه؛ ألن الشيطان هو يحمل عقدة ا شديدة ا وعداوة ا‬
‫شديدة لإلنسان كإنسان‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫عد ٌُّو}‪ ،‬عداء ليس فيه مصالحة‪ ،‬وليس فيه هدنة‪ ،‬وليس له وقت محدد فقط‪ ،‬بل يستمر‬ ‫ض آ‬ ‫ض ُك ْم ِل آب ْع ٍ‬
‫{ آب ْع ُ‬
‫ما دامت الحياة هذه موجودة‪ ،‬وما دام اإلنسان موجودا ا‪ ،‬وليس فيه حياد‪ ،‬هذا العداء ال يمكن ألحد من‬
‫البشر أن يعلن الحياد‪ ،‬يقول‪[ :‬أنا لن أكون مع أبي آدم‪ ،‬ومع االتجاه البشري الذي يعاديه الشيطان]‪ ،‬ويريد‬
‫أن يتصالح‪ -‬مثَلا‪ -‬مع الشيطان أو يحايد‪ ،‬ال حياد في هذا العداء‪ ،‬وال مصالحة‪ ،‬وال هدنة‪ ،‬عداء مستمر‪،‬‬
‫والشيطان يباشر استهدافه لإلنسان‪ ،‬اإلنسان إذا غفل‪ ،‬وتجاهل هذا العدو‪ ،‬وترك المجال لهذا العدو؛ إنما‬
‫معنى ذلك‪ :‬أنه يمكن ذلك العدو منه‪ ،‬ومن التأثير عليه‪ .‬الشيء المهم في هذا العداء‪َّ :‬‬
‫أن مفتاح النصر‪،‬‬
‫أو الهزيمة‪ ،‬موجود لدى اإلنسان‪ ،‬إما أن يتَّجه االتجاه الصحيح‪ ،‬ويتولى هللا "س ْب َحانَه َوتَعَالَى"‪ ،‬ويكون‬
‫في إطار والية هللا‪ ،‬ويتحصن في موقع اإليمان‪ ،‬وهذا سيساعده على االنتصار‪ ،‬وعلى هزيمة الشيطان؛‬
‫عد ٌُّو}‪.‬‬
‫ض آ‬ ‫وإال فهو معرض للهزيمة‪ ،‬وهزيمة خطيرة جدا ا‪ { ،‬آب ْع ُ‬
‫ض ُك ْم ِل آب ْع ٍ‬

‫ين}[األعراف‪ :‬من اَلية‪ ،]24‬األرض هي مستقركم‪ ،‬وفيها حياتكم‪ ،‬وهذا‬ ‫{ولآ ُك ْم فِي ْاأل آ ْر ِ‬
‫ض ُم ْستآقآ ٌّر آو آمتآاعٌ ِإلآى ِح ٍ‬ ‫آ‬
‫إلى حين‪ ،‬إلى أجل مع َّين؛ ألن اإلنسان جاء إلى هذه الحياة‪ ،‬وعلى أساس وجود مؤقت‪ ،‬وحياة مؤقتة‪،‬‬
‫وإلى أجل مسمى‪ ،‬إلى أجل مسمى‪ ،‬فالوجود على هذه الحياة هو لفترة معينة‪ ،‬واألرض هي ميدان هذا‬
‫المعترك بين اإلنسان والشيطان‪ ،‬وبين الخير والشر‪ ،‬في واقع اإلنسان نفسه‪ُ { ،‬م ْستآقآ ٌّر آو آمتآاعٌ إِلآى ِح ٍ‬
‫ين}‪،‬‬
‫إلى زمن مع َّين ينتهي ثم تنتهي هذه الحياة‪.‬‬

‫{قآا آل فِي آها تآحْ آي ْونآ }[األعراف‪ :‬من اَلية‪ ،]25‬في هذه الدنيا‪ ،‬في هذه األرض‪ ،‬في هذه األرض حياتكم‪ ،‬ومستقركم‪،‬‬
‫ومعيشتكم‪ ،‬وتعيشون فيها المسؤولية‪ ،‬وتعيشون فيها هذا المعترك مع عدوكم الشيطان الرجيم‪ { ،‬آوفِي آها‬
‫{و ِم ْن آها ت ُ ْخ آر ُجونآ }[األعراف‪ :‬من اَلية‪،]25‬‬
‫تآ ُموتُونآ }[األعراف‪ :‬من اَلية‪ ،]25‬فاإلنسان يحيا في هذه األرض‪ ،‬ويموت فيها‪ ،‬آ‬
‫خرجون من تربتها للحساب والجزاء‪ ،‬ثم تخرجون منها إلى دار الجزاء‪ ،‬فهي لحياتكم‪،‬‬
‫يوم القيامة‪ ،‬ت َ‬
‫ولمماتكم‪ ،‬ولحسابكم‪ ،‬ولبعثكم ونشوركم‪.‬‬

‫علَ ْي َها الس َلم"‪ ،‬استقرا في األرض‪ ،‬وقد أخذا تجربةا‬


‫وهبط آدم واستقر في هذه الحياة هو وحواء " َ‬
‫مريرة‪ ،‬تجربةا جعلتهما في حالة من اليقظة‪ ،‬واالنتباه‪ ،‬والحذر الشديد من الشيطان الرجيم‪ ،‬ولكن الشيطان‬
‫اتَّجه إلى ذريتهما‪ ،‬لم يعد لديه فرصة‪ ،‬هو أوقعهما في مخالفة في مستوى معين‪ ،‬في ظروف‪ ،‬ومَلبسات‬
‫‪8‬‬

‫معينة‪ ،‬وخداع‪ ،‬ولم يكونا قد أخذا تجربة‪ ،‬وتفاجأا بيمينه‪ ،‬لم يتوقعا أن يحلف يمينا ا فاجرة‪ ،‬فكانا منه فيما‬
‫بعد ذلك على حذر تام‪ ،‬وهو اتَّجه إلى ذريتهما؛ ولهذا يتو َّجه الخطاب لذريتهما‪ { :‬آيا آب ِني آ آد آم قآ ْد أ آ ْنزآ ْلنآا‬
‫ّللا لآ آعلَّ ُه ْم آيذَّ َّك ُرونآ }[األعراف‪ :‬اَلية‪.]26‬‬ ‫اس التَّ ْق آوى ذآلِكآ آخي ٌْر ذآلِكآ ِم ْن آ آيا ِ‬
‫ت َّ ِ‬ ‫س ْوآ ِت ُك ْم آو ِري ً‬
‫شا آو ِل آب ُ‬ ‫علآ ْي ُك ْم ِل آبا ً‬
‫سا ي آُو ِاري آ‬ ‫آ‬

‫س ْب َحانَهُ َوت َ َعالَى" من النعم‪ ،‬ومن‬


‫في الوقت الذي يحاول الشيطان أن يجرد بني آدم مما منحهم هللا " ُ‬
‫التكريم‪ ،‬ومن المكانة المعنوية‪ ،‬ومن القيمة المعنوية‪ ،‬ويحاول أن يكون اإلنسان بشكل مخز‪ ،‬ومفضوح‪،‬‬
‫ومحطم‪ ،‬وبائس‪ ،‬وسيء‪ ،‬هي الصورة التي يريد الشيطان أن يراك عليها‪ :‬أن يراك كإنسان محطما ا‪ ،‬قد‬
‫فقدت القيمة المعنوية‪ ،‬هبطت عن مرتبة التكريم‪ ،‬بائسا ا‪ ،‬ضعيف اإلرادة‪ ،‬وأن يراك منغمسا ا في المفاسد‪،‬‬
‫واألشياء الدنيئة‪ ،‬التي تهبط بك عن كرامتك وقيمتك اإليمانية واإلنسانية‪ ،‬فاهلل "س ْب َحانَه َوتَ َعالَى" قد أنعم‬
‫على بني آدم بما فيه سترهم‪ ،‬وجمالهم‪ ،‬ووقايتهم‪ ،‬وكرامتهم؛ ولذلك نجد َّ‬
‫أن الشيطان حتى في استهدافه‬
‫يجردهما من كل شيء‪ ،‬حتى من المَلبس‪ ،‬من المرتبة التي هما فيها في التكريم‪،‬‬
‫آلدم وحواء يريد أن ِ‬
‫يجرد اإلنسان‬
‫الطيبة والمريحة‪ ،‬وهو يسعى بنفس الهدف تجاه بني آدم‪ ،‬يريد أن ِ‬
‫ِ‬ ‫من ذلك النعيم‪ ،‬والحياة‬
‫من القيمة المعنوية‪ ،‬القيمة اإليمانية‪ ،‬أن يهبط به عن مرتبة التكريم‪ ،‬أن ينزله إلى منزلة هابطة‪ ،‬دنيئة‪،‬‬
‫يكون فيها في حالة معاص وخزي‪ ،‬أن يراك منكسرا ا‪ ،‬منكسر اإلرادة‪ ،‬أن يراك أيضا ا في حالة بائسة‪.‬‬

‫س ْوآ ِت ُك ْم}[األعراف‪ :‬من اَلية‪ ،]26‬يعني‪ :‬لستركم‪ ،‬لتكونوا‬


‫سا ي آُو ِاري آ‬ ‫هللا يقول‪ { :‬آيا آب ِني آ آد آم قآ ْد أ آ ْنزآ ْلنآا آ‬
‫علآ ْي ُك ْم ِل آبا ً‬
‫مستورين‪ ،‬لستر عوراتكم‪ ،‬الشيطان يريدك أن تكون مفضوحا ا‪ ،‬مكشوف العورة‪ :‬المعنوية‪ ،‬وغير‬
‫المعنوية‪ ،‬يريد أن يراك في وضعية مخزية‪ ،‬الشيطان يريد أن يراك في وضعية مخزية‪ ،‬بعيدة ا عن التكريم‬
‫كرمك هللا به‪.‬‬
‫الذي َّ‬

‫س ْب َحانَهُ َوتَعَالَى" فقد هيأ لك في هذه الحياة ما يسترك‪ ،‬يستر عورتك‪ ،‬ويستر معائبك‪ ،‬ويقيك‬
‫أما هللا " ُ‬
‫من المخازي‪ ،‬يقيك من أن تكون في وضعية سيئة‪ ،‬مخزية‪ ،‬فعلى مستوى الستر لإلنسان‪ ،‬هللا "س ْب َحانَه‬
‫َوتَ َعالَى" من ضمن نعمه الكبرى على اإلنسان‪ :‬نعمة المَلبس والستر‪ ،‬اإلنسان بالمَلبس يستر نفسه‪،‬‬
‫يستر عورته‪ ،‬وهذا من التكريم لإلنسان‪ ،‬بل ومما يميزه عن بقية الحيوانات‪ ،‬التي عوراتها مكشوفة‪ ،‬فمن‬
‫التكريم لإلنسان أن يمنحه هللا المَلبس‪ ،‬التي يستر بها عورته‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫وأيضا مع الستر للعورة‪ ،‬اإلنسان بالملبس نفسها يتزين‪ ،‬هي زينة لإلنسان‪ ،‬وذات طابع جمالي‬
‫لإلنسان‪ ،‬وهللا ه َّيأ لإلنسان ذلك‪ ،‬أن تتوفر له المَلبس‪ ،‬وأن تكون ذات طابع جمالي‪ ،‬وزينة لإلنسان‪ ،‬وفي‬
‫نفس الوقت وقايةا لإلنسان‪ ،‬وقايةا لجسمه‪ ،‬اإلنسان يتوقى بالمَلبس من البرد‪ ،‬يتوقى من الحر‪ ،‬بل َّ‬
‫تطورت‬
‫المَلبس في حياة البشر‪ ،‬ليكون لديهم مَلبس ألغراض كثيرة‪ ،‬ولمهام متعددة‪ :‬فلديهم من المَلبس‪ -‬مثَلا‪-‬‬
‫في هذا العصر‪ :‬مَلبس للغوص‪ ،‬مَلبس لرجال اإلطفاء‪ ،‬السترة الفضائية‪ ...‬مَلبس لمهام متنوعة‬
‫ومتعددة‪ ،‬فالمَلبس التي يستر اإلنسان بها عورته‪ ،‬هو تكريم كبير له؛ كي ال يكون حاله كحال بقية‬
‫الحيوانات‪ ،‬وفي نفس الوقت وقاية لإلنسان‪ ،‬وذات طابع جمالي‪ ،‬وهذا شيء معروف في واقع البشر‪،‬‬
‫عالم المَلبس عالم واسع جدا ا‪.‬‬

‫س ْوآ ِت ُك ْم آو ِري ً‬
‫شا}[األعراف‪ :‬من اَلية‪]26‬؛ ألن فيه جانب الزينة‪ ،‬جانب الجمال‪ ،‬جانب الستر‪ ،‬فيه تكريم‬ ‫{ي آُو ِاري آ‬
‫اس التَّ ْق آوى}[األعراف‪ :‬من اَلية‪]26‬؛ لستر المعايب‪ ،‬من األمور المخزية‪ ،‬من التصرفات السيئة‪،‬‬
‫لإلنسان‪ { ،‬آو ِل آب ُ‬
‫من األعمال الرذيلة‪ ،‬من مذام التصرفات واألخَلق‪ ،‬من األشياء الدنيئة‪ ،‬وهو شيء البدَّ منه‪َّ ،‬‬
‫وإال لم يكن‬
‫لبقية المَلبس قيمة‪ ،‬وال أهمية‪ ،‬الشيطان يكشفها عن اإلنسان من دون لباس التقوى‪.‬‬

‫التقوى هي ذات أهمية كبيرة جدا‪ ،‬تقيك‪ -‬كلباس عظيم‪ -‬تقيك من األعمال المخزية‪ ،‬من التصرفات‬
‫تلطخ سمعتك‪ ،‬وشرفك‪ ،‬وكرامتك‪ ،‬وعرضك‪ ،‬وتسيء إليك‪ ،‬وهي ذات‬
‫المهينة‪ ،‬المسيئة‪ ،‬الدنيئة‪ ،‬التي ِ‬
‫خطورة كبيرة على اإلنسان‪ ،‬اإلنسان إذا لطخ كرامته باألعمال المشينة‪ ،‬أو التصرفات المخزية والدنيئة؛‬
‫هو يسيء إلى نفسه‪ ،‬يسيء إلى نفسه‪ ،‬فالجانب المعنوي بالنسبة لإلنسان له أهمية كبيرة جدا ا‪ ،‬في قيمته‬
‫اإلنسانية‪ ،‬في منزلته اإليمانية‪ ،‬في عَلقته باهلل "س ْب َحانَه َوتَعَالَى"‪ ،‬في مستقبله في اآلخرة؛ ولذلك يقول‬
‫يذكر اإلنسان بأهمية هذه الحقيقة‪:‬‬
‫الشاعر وهو ِ‬
‫َّ َ‬ ‫ثوب َن ْفس َك َم ْغ ُس ٌ‬ ‫َ َ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ ِّ‬
‫ول ِم َن الدنس‬ ‫ِ‬
‫َو ُ‬ ‫ال نف ِسك ت ْرض أن تدن َـس َه ـ ـ ـا‬ ‫ما ب‬
‫السـف َينـ ـ ـ َة ََل َتج ـ ـ ـري َع ََل َ‬
‫الي َـبس‬ ‫إ َّن َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫تـ ْر ُجو الن َجاة َول ْم ت ْسلك َم َس ِالك َها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫اإلنسان قد يستحي على نفسه أن تكون ملبسه ملطخة بالقاذورات‪ ،‬واألشياء السيئة‪ ،‬واألشياء التي هي‬
‫رجس‪ ،‬أو نجاسات‪ ،‬أو قذارات‪ ،‬فنفسك كذلك‪ ،‬كرامتك كذلك كإنسان‪ ،‬ال َّ‬
‫تلطخها باألعمال السيئة‪،‬‬
‫‪10‬‬

‫باألعمال الدنيئة‪ ،‬بالتصرفات التي هي من الرذائل المسيئة إلى كرامتك‪ ،‬لباس التقوى يحميك من ذلك‪،‬‬
‫يحمي لك كرامتك اإلنسانية‪ ،‬إيمانك‪ ،‬ويبقى لبقية المَلبس القيمة مع لباس التقوى‪.‬‬

‫والشيطان يريد أن يجرد اإلنسان من هذا وذاك‪ ،‬الشيطان يسعى لتجريد الناس حتى من مَلبسهم؛ ولذلك‬
‫عندما يَلحظ اإلنسان الجهد الهائل ألولياء الشيطان‪ ،‬في مسعاهم لتجريد الناس من مَلبسهم‪ ،‬جهد كبير‬
‫جدا ا‪ ،‬عمل إلضَلل الناس على المستوى التثقيفي‪ ،‬والدعائي‪ ،‬واإلعَلمي‪ ،‬والتأثير على آرائهم‪ ،‬على‬
‫يجردوا الناس من‬
‫تفكيرهم‪ ،‬على ثقافتهم؛ لنشر ثقافة الع ِري في الدنيا‪ ،‬في أوساط البشر‪ ،‬يريدون أن ِ‬
‫مَلبسهم‪ ،‬ابتدأوا بالنساء‪ ،‬وأصبحوا ناجحين إلى حد كبير في كثير من البلدان‪ ،‬في تجريد النساء من‬
‫عورا ِت ِهن‪ ،‬والكشف عن مواطن الفتنة في الجسد‪ ،‬واتَّجهوا إلى الرجال‪ ،‬اتجهوا إلى‬
‫َ‬ ‫مَلبسهن‪ ،‬وكشف‬
‫الرجال كذلك‪ ،‬بل وأصبح هناك أيضا ا أنشطة كثيرة ِ‬
‫ينفذونها في بلدان كثيرة من العالم‪ ،‬ومناسبات يخرجون‬
‫فيها في حالة من العري الكامل‪ ،‬والكشف الكامل للجسد‪ ،‬كحال بقية الحيوانات‪ ،‬ألعوبة بيد الشيطان‪،‬‬
‫وإساءة إلى الكرامة اإلنسانية‪ ،‬وتنكر للكرامة التي منح هللا اإلنسان إ َّياها‪ ،‬تنكر عجيب جدا ا!‬

‫هللا شرف اإلنسان‪ ،‬وأكرمه‪ ،‬عندما أنعم عليه بما يستر به عورته‪ ،‬هذا من التكريم لإلنسان‪ ،‬وهم في هذا‬
‫يحولوا واقع اإلنسان كحال بقية‬
‫العصر يسعون إلى كشف اإلنسان‪ ،‬إلى كشف هذا الستر‪ ،‬وإلى أن ِ‬
‫الحيوانات‪ ،‬بدون هذه الميزة الرائعة‪ ،‬التي َّ‬
‫من هللا على اإلنسان بها؛ فاإلنسان بحاجة إلى لباس التقوى‪.‬‬

‫وأما لباس النعمة أيضا لستر الجسد‪ ،‬وستر العورات‪ ،‬وزينة اإلنسان‪ ،‬فهو أيضا ا من النعم التي أنعم هللا‬
‫بها على البشر‪ ،‬وهي نعمة متوفرة بشكل عجيب‪ ،‬ولألجيال‪ ،‬وأصبحت عالما ا بكله (عالم الملبوسات)‪ ،‬في‬
‫وفرتها‪ ،‬في أنواعها‪ ،‬مع أنهم‪ -‬بالنسبة ألولياء الشيطان‪ -‬يحاولون التَّلَعب فيها‪ ،‬بشكل ال تبقى لها هذه‬
‫القيمة في الستر لإلنسان‪ ،‬والوقاية لإلنسان‪ ،‬والتكريم لإلنسان‪ ،‬يلعبون بها فيما يتعلق بالموضات‪،‬‬
‫ويربطون البعض منها في تصميمها بالطريقة التي تتنافى مع المهمة األساسية للستر‪ ،‬بل ومع حتى‬
‫الجانب الجمالي‪ ،‬ويحاولون أن يربطوها برموز وإشارات ترمز إلى الرذيلة‪ ،‬إلى الفساد‪ ،‬إلى ما يتنافى‬
‫مع لباس التقوى‪ ،‬الذي يتكامل به اإلنسان‪ :‬إذا اجتمع له لباس التقوى‪ ،‬مع هذا اللبس الذي أنزله هللا‪،‬‬
‫س ْب َحانَهُ َوتَعَالَى"‪ ،‬وأنعم به على البشر‪ ،‬ليكون لهم زينة‪ ،‬ووقاية‪ ،‬وسترا‪ ،‬وتكريما‪.‬‬
‫وأوجده هللا " ُ‬
‫‪11‬‬

‫ّللا لآ آعلَّ ُه ْم آيذَّ َّك ُرونآ (‪ )26‬آيا آب ِني آ آد آم}[األعراف‪ ،]27-26 :‬يا بني آدم‪ ،‬خذوا التجربة من‬ ‫{ذآلِكآ آخي ٌْر ذآلِكآ ِم ْن آ آيا ِ‬
‫ت َّ ِ‬
‫ع َل ْي ِه ال َّ‬
‫س ََلم"‪ ،‬استفيدوا من تجربة آدم‪ ،‬ومن تجربة أ ِمكم حواء‪ ،‬واحذروا من‬ ‫أبيكم وأمكم‪ ،‬من آدم " َ‬
‫الشيطان؛ كي ال يوقِع بكم‪ ،‬كي ال يخدعكم‪.‬‬

‫س ْوآ ِت ِه آما}‬
‫[األعراف‪:‬‬ ‫ع ْن ُه آما ِل آبا آ‬
‫س ُه آما ِلي ُِر آي ُه آما آ‬ ‫ان آك آما أ آ ْخ آر آج أ آ آب آو ْي ُك ْم ِمنآ ْال آج َّن ِة آي ْن ِز ُ‬
‫ع آ‬ ‫ط ُ‬‫ش ْي آ‬
‫{ آيا آب ِني آ آد آم آَل آي ْف ِت آن َّن ُك ُم ال َّ‬
‫يجردكم من كل شيء‪ ،‬يريد أن تكونوا كبقية الحيوانات‪ ،‬ال قيمة لكم‪ ،‬ال‬ ‫من اَلية‪ ،]27‬فهو أيضا ا يريد أن ِ‬
‫يلطخكم باألعمال الدنيئة‪ ،‬والتصرفات‬
‫تتميزون بهذه الميزة الرائعة‪ ،‬التي هي من أجل تكريمكم‪ ،‬ويريد أن ِ‬
‫الرذيلة والسيئة‪ ،‬التي تترتب عليها أضرار عليكم‪ ،‬ومخاطر عليكم‪ ،‬ويريد أن يهبط بكم عن مرتبة التكريم‪،‬‬
‫التي َّ‬
‫من هللا بها عليكم‪.‬‬

‫س ْوآ ِت ِه آما ِإ َّنهُ آي آرا ُك ْم ه آُو آوقآ ِبيلُهُ ِم ْن آحي ُ‬


‫ْث آَل ت آآر ْو آن ُه ْم}[األعراف‪ :‬من اَلية‪ ،]27‬الشيطان‬ ‫ع ْن ُه آما ِل آبا آ‬
‫س ُه آما ِلي ُِر آي ُه آما آ‬ ‫{ آي ْن ِز ُ‬
‫ع آ‬
‫{ آي آرا ُك ْم ه آُو آوقآ ِبيلُهُ}‪ :‬جنوده‪ ،‬وأعوانه‪ ،‬وجماعته‪ِ { ،‬م ْن آحي ُ‬
‫ْث آَل ت آآر ْو آن ُه ْم}‪.‬‬

‫قد يكون اإلنسان في ظروف معينة‪ ،‬وهو منهمك في التفكير‪ ،‬ومستغرق في التفكير‪ ،‬ولكن التفكير السلبي‪،‬‬
‫التفكير السيء‪ ،‬الذي ينحرف به نحو معصية معينة‪ ،‬الذي يؤجج فيه الميول والمشاعر نحو معصية معينة‪،‬‬
‫أو االنفعال والغضب الذي أيضا ا يجره إلى معصية أخرى‪ ،‬تلك األحوال قد يأتي الشيطان ليوسوس له‪،‬‬
‫والشيطان أصبح له جنود كثر‪ ،‬وأعوان كثر‪ ،‬وقد يكونون بالمَليين‪ ،‬وينتشرون في شتى أقطار األرض‬
‫الستهداف الناس‪ ،‬فالبعض من الناس قد ال يتنبه أنه في تلك اللحظة التي يتصور أنه فيها لوحده‪ ،‬منهمك‬
‫في التفكير‪ ،‬وقد يكون إلى جانبه في تلك اللحظة شيطان‪ ،‬أو حتى أكثر‪ ،‬في بعض الحاالت يتعاون‬
‫يؤثروا عليه‪ ،‬ففي الحالة التي ال‬
‫مجموعة من الشياطين‪ ،‬وهم يوسوسون لشخص معين‪ ،‬فيحاولون أن ِ‬
‫ترى فيها إلى جانبك شياطين‪ ،‬ال تتوقع أنه ليس هناك من يوسوس لك‪ ،‬أنت ال تراهم‪ ،‬أنت ال تراهم؛‬
‫ولذلك قد يتواجدون عندك وأنت ال تراهم‪ ،‬وال تتوقع أنك في تلك الحالة‪ ،‬في تلك الوساوس‪ ،‬أصبحت‬
‫متأثرا ا بوساوس الشيطان‪ ،‬قد تتصور َّ‬
‫أن تلك هي رؤيتك الخالصة‪ ،‬تفكيرك الشخصي الخالص‪ ،‬من دون‬
‫أي ِ مؤثرات أخرى‪ ،‬وكثير من األعمال السيئة‪ ،‬من التوجهات الخاطئة‪ ،‬سواء التي ي ْق ِدم بها اإلنسان على‬
‫يقصر اإلنسان فيها في أعمال ومسؤوليات‪ ،‬أو يخل بشيء‬
‫معصية معينة في انتهاك لمحرمات‪ ،‬أو التي ِ‬
‫‪12‬‬

‫من أوامر هللا "س ْب َحانَه َوتَ َعالَى"؛ ألن المعصية تأتي تجاه األمر اإللهي‪ ،‬وتجاه النهي اإللهي‪ ،‬فاإلنسان قد‬
‫ال يتوقع أنه خضع لتأثير الشيطان‪ ،‬لوساوس الشياطين‪ ،‬قد ال يتوقع ذلك‪ ،‬ولكنه في الواقع تأثر بوساوس‬
‫الشياطين‪ ،‬في موقفه ذلك‪ -‬الموقف السلبي الخاطئ‪ -‬كان متأثرا ا بوساوس الشياطين‪ ،‬في قراره الخاطئ‬
‫ذلك كان متأثرا ا بوساوس الشياطين‪ ،‬في تقصيره ذلك تأثر بوساوس الشياطين‪.‬‬

‫اإلنسان عرضة للتأثر بوساوس الشياطين‪ ،‬ولو كان ال يراهم‪ ،‬فهم قد يأتون إليه‪ ،‬ويجدون الفرصة؛ ألنه‬
‫فتح لهم النافذة‪ ،‬أو فتح لهم الباب‪ ،‬إ َّما األبواب أو النوافذ‪ ،‬كيف تفتح لهم األبواب والنوافذ؟ عندما تتجه‬
‫أنت في تلك الحالة السلبية‪ :‬إما في التفكير السلبي‪ ،‬أو الحالة النفسية السلبية‪ ،‬أنت حينها تفتح لهم النافذة‬
‫أو الباب‪ ،‬وهم يأتون ليشاركوك في تلك األجواء‪ ،‬ويزيدون من تأجج المشاعر التي تتحرك فيك في تلك‬
‫اللحظة‪ ،‬من مشاعر شهوة‪ ،‬أو مشاعر غضب‪ ،‬أو تلك الحالة من التفكير التي استغرقت فيها من التفكير‬
‫السلبي الخاطئ؛ فاإلنسان عليه أن يدرك أنه قد يخضع لوساوس الشياطين من حيث ال يتوقع؛ ألنه لم‬
‫يرهم‪ ،‬فكن في يقظة‪ ،‬كن متنبها ا‪ ،‬إذا وجدت نفسك أصبحت تفكر تفكيرا ا سيئا ا‪ ،‬بعيدا ا عن منهج هللا‪ ،‬عن‬
‫تعليماته؛ فلتنتبه‪ ،‬فلتحذر‪ ،‬الشياطين حولك‪ ،‬يوسوسون لك‪ ،‬انتبه‪ ،‬ال تبقى غافَلا عنهم‪.‬‬

‫اطينآ أ آ ْو ِل آيا آء ِللَّذِينآ آَل يُؤْ ِمنُونآ }[األعراف‪ :‬من اَلية‪ ،]27‬الشياطين يعتمدون على الوسوسة لإلنسان‪،‬‬ ‫{ ِإ َّنا آج آع ْلنآا ال َّ‬
‫ش آي ِ‬
‫واإلنسان ال يراهم‪ ،‬وقد يتصور أنه صاحب توجه خالص‪ ،‬لم يخضع فيه لتأثير الشياطين؛ ألنه لم يرهم‪،‬‬
‫والواقع مختلف تماما ا‪ ،‬ولكن هناك نقطة هامة جدا‪ :‬مهما كانت طريقة الشياطين وإمكاناتهم في الوسوسة‬
‫بالنسبة لإلنسان‪ ،‬والتأثير على اإلنسان‪ ،‬فَل تصل إلى درجة أن تسلبك قدرة اتخاذ القرار الصحيح‪،‬‬
‫والتماسك في االتجاه الصحيح‪.‬‬

‫اطينآ أ آ ْو ِل آيا آء ِللَّذِينآ آَل‬ ‫س ْب َحانَهُ َوتَعَالَى" قدم ختاما مهما لهذا الدرس‪ ،‬هو قوله‪ِ { :‬إ َّنا آج آع ْلنآا ال َّ‬
‫ش آي ِ‬ ‫هللا " ُ‬
‫يُؤْ ِمنُونآ }‪ ،‬اإليمان الواعي‪ ،‬الراسخ‪ ،‬الصادق‪ ،‬هو صلة يصلنا باهلل "س ْب َحانَه َوتَ َعا َلى"‪ ،‬ونحظى من خَلله‬
‫برعاية هللا‪ ،‬بتوفيق من هللا‪ ،‬بتثبيت من هللا‪ ،‬بتسديد من هللا "س ْب َحانَه َوتَ َعالَى"‪ ،‬برعاية واسعة من هللا‬
‫"س ْب َحانَه َوتَعَالَى"‪ ،‬يخرجنا من الظلمات إلى النور‪ ،‬يجعل لنا فرقانا ا‪ ،‬يساعدنا‪ ،‬يثبتنا في اللحظات الصعبة‬
‫والحرجة‪ ،‬الصلة اإليمانية باهلل صلة مهمة وعظيمة‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫وأيضا البرنامج اإليماني بنفسه‪ ،‬برنامج فيه تزكية للنفس‪ ،‬كلما زكت نفس اإلنسان؛ كلما ارتقت عن‬
‫المؤثرات التي يستغلها الشيطان ضد اإلنسان‪.‬‬

‫جانب الوعي أيضا؛ ألن هللا "س ْب َحانَه َوتَعَالَى" أتاح لإلنسان في الحَلل‪ ،‬وأتاح لإلنسان في االتجاه‬
‫الصحيح‪ ،‬ووعد اإلنسان في مستقبله في اآلخرة فوق ما يحتاج إليه‪ ،‬وفوق مستوى طموحه ورغباته‪ ،‬ما‬
‫ينشد إليه اإلنسان من الرغبات والطموحات‪ ،‬هللا "س ْب َحانَه َوتَ َعالَى" وعدك في اآلخرة بأكثر‪ ،‬بل بما هو‬
‫فوق مستوى طموحك ورغباتك‪ ،‬وفي الدنيا تنال في إطار الحَلل والخير‪ ،‬وما يعطيك هللا‪ ،‬ما هو كاف‬
‫لإلنسان‪.‬‬

‫والرشد‪ ،‬أيضا ا في إطار البرنامج اإليماني‪ ،‬اإلنسان يكتسب الرشد والتوازن‪.‬‬

‫ولباس التقوى‪ ،‬التقوى هي توجد عند اإلنسان حالة توازن‪ ،‬وحالة ضبط للشهوات والغرائز‪ ،‬توازن في‬
‫الشهوات والغرائز‪ ،‬وحالة انضباط؛ وبالتالي تساعد اإلنسان على االستقامة؛ فتجتمع أمور كثيرة في‬
‫الجانب اإليماني‪ :‬صلة مع هللا "س ْب َحانَه َوتَعَالَى"‪ ،‬نحظى فيها برعاية من هللا‪ ،‬بمعونة‪ ،‬بتثبيت‪ ،‬يزيدنا‬
‫يكره إلينا الكفر والفسوق‬
‫يزينه في قلوبنا‪ِ ،‬‬ ‫هدى‪ ،‬يزيدنا نورا ا‪ِ ،‬‬
‫يثبتنا‪ ،‬يعيننا‪ ،‬يساعدنا‪ ،‬يحبب إلينا اإليمان‪ِ ،‬‬
‫والعصيان‪ ...‬إلى غير ذلك‪.‬‬

‫جانب أيضا في واقع الحياة‪ :‬االستقامة في واقع الحياة تجعلك بعيدا ا عن الكثير من المزالق؛ ألن مما يؤثر‬
‫على الناس‪ ،‬هي‪ :‬األجواء التي توجد فيها خطوات للشيطان‪ ،‬توجد فيها مفاسد‪ ،‬معاص‪ ،‬توجد فيها دواع‬
‫أكثر‪ ،‬تؤجج لدى اإلنسان الميول إلى المعاصي أو المفاسد‪ ،‬فالجانب اإليماني فيه أشياء كثيرة تساعد‬
‫اإلنسان على االستقامة‪ :‬من رعاية هللا "س ْب َحانَه َوتَعَالَى"‪ ،‬إلى األثر العظيم في رشد اإلنسان ووعيه‬
‫وزكاء نفسه‪ ،‬إلى األعمال الصالحة‪ ،‬إلى تَ َجنب الكثير من األعمال السيئة التي ِ‬
‫تؤثر على اإلنسان‪ ،‬إضافة‬
‫إلى َّ‬
‫أن اإلنسان يكتسب في إطار البرامج اإليمانية‪ -‬ومنها‪ :‬الصيام‪ -‬قوة العزم‪ ،‬قوة اإلرادة‪ ،‬والتوازن في‬
‫مسألة الغرائز والشهوات‪ ،‬التوازن واالنضباط‪ ،‬بدالا من أن يكون اإلنسان متهورا ا في ذلك‪ ،‬وبدون‬
‫ضوابط‪ ،‬ومنفلتا ا في ذلك‪ ،‬يكون متوازنا ا عند مستوى معين‪ ،‬وهذا له أهميته‪ ،‬وأثره الكبير على اإلنسان‪،‬‬
‫والشيطان ال يعلم الغيب‪ ،‬وال يمتلك أن يقسر اإلنسان قسرا ا؛ فلذلك يقول هللا "س ْب َحانَه َوتَ َعالَى"‪ِ { :‬إ َّن الَّذِينآ‬
‫‪14‬‬

‫ْص ُرونآ (‪ )201‬آو ِإ ْخ آوانُ ُه ْم آي ُمدُّو آن ُه ْم فِي ْالغآي ِ ث ُ َّم آَل‬ ‫ان تآذآ َّك ُروا فآإِذآا ُه ْم ُمب ِ‬ ‫ش ْي آ‬
‫ط ِ‬ ‫ف ِمنآ ال َّ‬ ‫س ُه ْم آ‬
‫طا ِئ ٌ‬ ‫اتَّقآ ْوا ِإذآا آم َّ‬
‫علآى آر ِب ِه ْم آيت آآو َّكلُونآ (‪ِ )99‬إ َّن آما‬ ‫علآى الَّذِينآ آ آمنُوا آو آ‬
‫ان آ‬‫ط ٌ‬‫س ْل آ‬‫ْس لآهُ ُ‬
‫ص ُرونآ }[األعراف‪ ،]202-201 :‬ويقول‪ِ { :‬إ َّنهُ لآي آ‬ ‫يُ ْق ِ‬
‫ع آلى الَّذِينآ آيت آآولَّ ْو آنهُ آوالَّذِينآ ُه ْم ِب ِه ُم ْش ِر ُكونآ }[النحل‪.]100-99 :‬‬ ‫س ْل آ‬
‫طا ُنهُ آ‬ ‫ُ‬

‫نكتفي بهذا المقدار‪...‬‬

‫شهَدَاءَنَاَاْلََْبرَار‪َ،‬وَأَ َْ‬
‫نَ‬ ‫ضي َِهَعَنََا‪َ،‬وأَ َْ‬
‫نَيَ َْرحَمََ َُ‬ ‫سبْحانهَُوتعالى"َأَ َْ‬
‫نََيُوَفَِقَنَاَوَإَِيََا َُكمَ ِلَمَاََيُ َْر َِ‬ ‫ّللاََ" ُ‬
‫سأ َُلَ َ‬
‫وَن ْ‬
‫ص َِره‪َ،‬إََِنَ َهَُسَ ِمَي َُعَال َُّدعَاء‪َ َ.‬‬ ‫نَيََْن ُ‬
‫صَرَنَاَبَِنَ َْ‬ ‫نَأَسرَانَا‪َ،‬وَأَ َْ‬
‫نََيُفَ َِرجَعَ َْ‬
‫ش َِفيََجَ َْرحَانَا‪َ،‬وَأَ َْ‬
‫يَ َْ‬

‫سـَل ُمَعل ْي ُك ْمَورحْ مةَُهللاَِوبركاتُهُ؛؛؛َ َ‬


‫وَال ََ‬

You might also like