‫ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ‬

‫ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﰲ ﻋﻬﺪ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ‬

‫ﻋﺼﺮ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﻫﻮ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﺍﳊﻘﻴﻘﺔ ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﲢﻮﻝ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺇﱃ ﻣﻨﻬﺞ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻻﺣﺘﺬﺍﺀ ﻭﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻡ ‪.‬‬
‫ﻭﺗﻌﺘﱪ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﳌﺮﺟﻊ ﺍﻟﻐﲏ ﻭﺍﻷﺻﻴﻞ ﺑﻌﺪ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ‪ ε‬ﻻﻟﺘﻤﺎﺱ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﱂ ﻳﺄﺕ‬
‫ﻓﻴﻪ ﻧﺺ ﰲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺗﺼﺮﻑ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﺍ ﳌﻘﺘﻀﻰ ﺍﻹﻣﺎﻣﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﺔ ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ‪.‬‬

‫ﻭﻫﺬﻩ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﻤﺎﺫﺝ ﻣﻦ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﻋﻤﺮ ‪:‬‬

‫ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻷﻭﻝ ‪:‬‬

‫ﻧﺰﻉ ﺍﳌﻠﻜﻴﺔ ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ‬

‫ﺫﻛﺮ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ ﰲ ﻣﺼﻨﻔﻪ ﻋﻦ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﺃﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ ‪ :‬ﻛﺎﻥ ﻟﻠﻌﺒﺎﺱ ﻭﺍﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﳌﻄﻠﺐ ﺩﺍﺭ ﲜﻮﺍﺭ ﻣﺴﺠﺪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ‬
‫‪ ε‬ﺑﺎﳌﺪﻳﻨﺔ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﺑﻌﻬﺎ ﱄ ‪ ،‬ﻭﺃﺭﺍﺩ ﻋﻤﺮ ﺃﻥ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﰲ ﺍﳌﺴﺠﺪ ﻓﺄﰉ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺃﻥ ﻳﺒﻴﻌﻬﺎ ﺇﻳﺎﻩ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ ‪:‬‬
‫ﻓﻬﺒﻬﺎ ﱄ ﻓﺄﰉ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ ‪ :‬ﻓﻮﺳﻌﻬﺎ ﺃﻧﺖ ﰲ ﺍﳌﺴﺠﺪ ﻓﺄﰉ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻚ ﻣﻦ ﺇﺣﺪﺍﻫﻦ ﻓﺄﰉ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺎﻝ ﻓﺨﺬ ﺑﻴﲏ‬
‫ﻭﺑﻴﻨﻚ ﺭﺟﻼ ﻓﺄﺧﺬ ﺃﰊ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ ﻭﺍﺧﺘﺼﻢ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻘﺎﻝ ﺃﰊ ﻟﻌﻤﺮ ‪ :‬ﻣﺎ ﺃﺭﻯ ﺃﻥ ﲣﺮﺟﻪ ﻣﻦ ﺩﺍﺭﻩ ﺣﱴ ﺗﺮﺿﻴﻪ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ ‪:‬‬
‫ﺃﺭﺃﻳﺖ ﻗﻀﺎﺀﻙ ﻫﺬﺍ ﰲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﷲ ﺃﻡ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ‪ ε‬ﻭﻣﺎ ﺫﺍﻙ ؟‬
‫ﻗﺎﻝ ﲰﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ‪ ε‬ﻳﻘﻮﻝ ‪ :‬ﺇﻥ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﺩﺍﻭﺩ ﳌﺎ ﺑﲎ ﺑﻴﺖ ﺍﳌﻘﺪﺱ ﺟﻌﻞ ﻛﻠﻤﺎ ﺑﲎ ﺣﺎﺋﻄﺎ ﺃﺻﺒﺢ ﻣﻨﻬﺪﻣﺎ‬
‫ﻓﺄﻭﺣﻰ ﺍﷲ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﻥ ﻻ ﺗﺒﲏ ﰲ ﺣﻖ ﺭﺟﻞ ﺣﱴ ﺗﺮﺿﻴﻪ ﻓﺘﺮﻛﻪ ﻋﻤﺮ ﻓﻮﺳﻌﻬﺎ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﰲ ﺍﳌﺴﺠﺪ ‪.1‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﺣﺎﻭﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻈﻬﺮﻭﺍ ‪‬ﺬﺍ ﺍﳊﺪﻳﺚ ﻟﻼﺳﺘﺪﻻﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺫﻫﺒﻮﺍ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺟﻮﺍﺯ ﻧﺰﻉ ﺍﳌﻠﻜﻴﺔ‬
‫ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺍﺳﺘﺮﺿﺎﺀ ﺍﳌﺎﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﱂ ﻳﺮﺽ ﻓﻼ ﺳﺒﻴﻞ ﻷﺣﺪ ﺃﻳﺎ ﻛﺎﻥ ﺇﱃ ﻣﺎ ﳝﻠﻚ ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﺗﻌﻴﻨﺖ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ‬
‫ﻭﺍﺳﺘﺤﺎﻝ ﺇﳒﺎﺯﻫﺎ ﺑﻐﲑ ﺍﳊﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻚ ﺫﻟﻚ ﺍﳌﺘﻌﻨﺖ ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺍﺳﺘﺪﻻﻝ ﺧﺎﻃﺊ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ ‪:‬‬

‫ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻷﻭﻝ‪:‬‬

‫‪1‬ا   ‪  :‬ت ا   ‪.21/4‬‬

‫‪49‬‬
‫ﺇﻥ ﻋﻤﺮ ﻗﺎﻝ ﻟﻠﻌﺒﺎﺱ ﰲ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺍﳊﺎﻛﻢ ﺣﲔ ﺃﰉ ﺃﻥ ﻳﺒﻴﻌﻬﺎ ﺃﻭ ﻳﺘﺼﺪﻕ ‪‬ﺎ ﺃﻭ ﻳﻌﺎﻭﺽ ﻋﻠﻴﻬﺎ )) ﺇﺫﺍ ﺃﻏﻠﺒﻚ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ ((‪ 1‬ﻭﰲ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ )) ﻷﺧﺬ‪‬ﺎ (( ﻗﺎﻝ ﻓﺎﺟﻌﻞ ﺑﻴﲏ ﻭﺑﻴﻨﻚ ﺃﰊ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻢ ﺟﺎﺀ ﺑﻌﺪ ﺇﻧﺬﺍﺭ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ‬
‫ﺍﻹﻧﺬﺍﺭ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﻟﻠﻌﺒﺎﺱ ﺑﺎﻟﺒﻴﻊ ﺃﻭ ﺍﳌﻌﺎﻭﺿﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ ﻗﺎﺻﺪﺍ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻧﺘﺰﺍﻉ ﻣﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﱵ‬
‫ﺗﻌﻴﻨﺖ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﳊﺎﺟﺔ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻭﻗﺪ ﺗﻜﺎﺛﺮ ﻋﺪﺩﻫﻢ ﳑﺎ ﺍﺳﺘﺪﻋﻲ ﺗﻮﺳﻴﻊ ﺍﳌﺴﺠﺪ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ ‪.‬‬

‫ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﱐ ‪:‬‬

‫ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻢ ﻛﺎﻥ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﺘﺮﺍﺿﻲ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻌﲏ ﺃﻥ ﻋﻤﺮ ﱂ ﻳﺘﺰﺣﺰﺡ ﻋﻦ ﻣﺒﺪﺃ ﺣﻖ ﻭﱄ ﺍﻷﻣﺮ ﰲ ﺍﻧﺘﺰﺍﻉ ﺍﳌﻠﻚ‬
‫ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺃﻭ ﻟﻠﻀﺮﻭﺭﺓ ‪ ،‬ﻭﺇﻥ ﺭﺿﻲ ﻗﺒﻞ ﺗﻄﺒﻴﻘﻪ ﺍﳌﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﺘﺤﻜﻴﻢ ﻭﺍﻟﱰﻭﻝ ﻋﻨﺪ ﺣﻜﻢ ﺍﶈﻜﻢ ﺍﺣﺘﺮﺍﻣﺎ ﻟﻠﻤﺤﻜﻢ ﺃﻭ‬
‫ﻟﻠﻌﺒﺎﺱ ﺃﻭﳍﻤﺎ ﻣﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻞ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﺍﺟﻊ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻋﻦ ﺗﺼﻠﺒﻪ ﺇﺫ ﺃﺩﺭﻙ ﻋﻤﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﺃﻭ ﺍﻗﺘﺮﺍﺣﻪ ﻟﻠﺘﺤﻜﻴﻢ ﺃﻥ ﺗﺼﻠﺒﻪ ﺫﺍﻙ ﺇﳕﺎ‬
‫ﻛﺎﻥ ﻣﺼﺪﺭﻩ ﺇﺑﺎﺀ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻔﺮﺽ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻣﺮ ‪ ،‬ﻭﺇﺻﺮﺍﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺘﺂﻣﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺣﺪ ‪ ،‬ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺸﺆﻭﻧﻪ ﺍﳋﺎﺻﺔ ﺃﻭ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﻣﺘﺼﻼ ﺑﺸﺆﻭﻧﻪ ﺍﳋﺎﺻﺔ ‪ ،‬ﻭﻋﻤﺮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻴﺨﻔﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻣﺮ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ‪ε‬‬
‫ﺑﺈﻗﺎﻟﺔ ﻋﺜﺮﺍﺕ ﺫﻭﻱ ﺍﳍﻴﺌﺎﺕ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﰲ ﺍﻟﺼﺪﺍﺭﺓ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ ﺍﳍﻴﺌﺎﺕ ﺑﻼ ﻣﺮﺍﺀ ﺃﻭ ﺟﺪﺍﻝ ‪.‬‬

‫ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ‪:‬‬

‫ﺇﻥ ﻋﺪﻭﻝ ﻋﻤﺮ ﻋﻦ ﺍﳌﺼﺎﺩﺭﺓ ﺇﱃ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻢ ﰒ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﺑﺎﳊﻜﻤﺔ ﺇﳕﺎ ﻳﻨﻬﺾ ﺩﻟﻴﻼ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﺍﺯ ﻧﺰﻉ ﺍﳌﻠﻜﻴﺔ ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻓﺎﳌﺼﺎﺩﺭﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﰲ ﻗﺮﺍﺭ ﻋﻤﺮ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻌﺪﻭﻝ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ‪ ،‬ﻭﻧﻌﺘﻘﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻛﺎﻥ‬
‫ﻣﺪﺭﻛﺎ ﻟﺬﻟﻚ ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﻋﺎﺯﻣﺎ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﱵ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﰲ ‪‬ﺎﻳﺔ ﺍﻷﻣﺮ ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﺼﺪﻕ ﺑﺪﺍﺭﻩ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﺑﻴﺪ ﺃﻧﻪ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺜﺒﺖ ﻟﻌﻤﺮ ﺃﻧﻪ ﻭﺃﻥ ﻳﻜﻦ ﺭﺋﻴﺲ ﺩﻭﻟﺔ ﻭﻭﱄ ﺃﻣﺮ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﺎﺩﺍﻡ ﺣﻴﺎ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻭﺃﻥ‬
‫ﻋﻤﺮ ﺃﺛﺎﺭ ﰲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻣﺎ ﲪﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺼﻠﺐ ﳌﺎ ﺫﻛﺮ ﻟﻪ ﺃﻥ ﺣﺠﺮ ﺃﻣﻬﺎﺕ ﺍﳌﺆﻣﻨﲔ ﻭﻫﻲ ﻣﺜﻞ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻣﻼﺻﻘﺔ‬
‫ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﰲ ﺃﻧﻔﺘﻪ ﻭﻣﻜﺎﻧﻪ ﺍﳌﺘﻤﻴﺰ ﻋﻨﺪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ‪ ε‬ﻟﲑﺿﻴﻬﺎ ﺑﺄﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺩﱏ ﻣﻦ ﺃﻣﻬﺎﺕ‬
‫ﺍﳌﺆﻣﻨﲔ ﰲ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻋﻤﺮ ﻭﺭﻋﺎﻳﺘﻪ ‪.‬‬
‫ﻭﳔﻠﺺ ﻣﻦ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻗﺼﺔ ﻋﻤﺮ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺇﱃ ﺑﻴﺎﻥ ﻣﺰﺍﻳﺎ ﻓﻘﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻭﺃﳘﻴﺘﻪ ﰲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺇﺑﺮﺍﺯ‬
‫ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ‪:‬‬
‫) ﺃ ( ﲢﻜﻴﻢ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺘﺮﺍﺀﻯ ﻟﻠﺒﻌﺾ ﺃﻧﻪ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺧﺎﺻﺔ ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻳﻌﻠﻮ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﻏﲑﻫﺎ ‪.‬‬
‫) ﺏ ( ﺗﺒﲔ ﺍﳉﻬﺔ ﺍﻟﱵ ﻳﻜﻮﻥ ﳍﺎ ﺍﻻﺧﺘﺼﺎﺹ ﺑﺎﻷﺻﺎﻟﺔ ﰲ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺗﻌﻴﻴﻨﻬﺎ ‪ ،‬ﻭﲢﺪﻳﺪ ﻇﺮﻭﻓﻬﺎ ﻭﻣﻘﺘﻀﻴﺎ‪‬ﺎ‬
‫ﻭﻫﻲ ﺣﻖ ﺍﻹﻣﺎﻣﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﺔ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺑﻴﺪﻩ ﺳﻠﻄﺔ ﺇﺻﺪﺍﺭ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﲔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺍﺭﺍﺕ ‪.‬‬

‫‪ 1‬ا آ ‪ :‬ارك ‪.331/3‬‬

‫‪50‬‬
‫) ﺝ ( ﺗﺼﺮﻑ ﻋﻤﺮ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﻭﻋﺪﻭﻟﻪ ﻋﻦ ﺇﻛﺮﺍﻫﻪ ﺇﱃ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻢ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻻ ﳜﺘﻠﻒ ﰲ ﺟﻮﻫﺮﻩ ﻋﻦ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﻣﻊ ﻏﲑﻩ ﰲ‬
‫ﻣﻜﺔ ﺃﻭ ﰲ ﺍﳌﺪﻳﻨﺔ ﳑﺎ ﺍﺿﻄﺮﻫﻢ ﺍﺿﻄﺮﺍﺭﺍ ﺇﱃ ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﺑﻴﻮ‪‬ﻢ ﳌﺎ ﺗﻌﻴﻨﺖ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﰲ ﺗﻮﺳﻴﻊ ﺍﳊﺮﻣﲔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﲔ ﻓﻬﻮ‬
‫ﺗﺼﺮﻑ ﰲ ﺍﳌﻮﻗﻔﲔ ﲟﻘﺘﻀﻰ ﺍﻹﻣﺎﻣﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻡ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﻭ ﻭﱄ ﺍﻷﻣﺮ ﺷﺮﻋﺎ ﺑﺄﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﻣﺮﺍﺗﺒﻬﻢ ﻭﻣﻮﺍﻗﻌﻬﻢ ﻣﺘﻤﺎﺛﻼ ﺷﻜﻼ ‪ ،‬ﺇﳕﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﺰﻡ ﻭﱄ ﺍﻷﻣﺮ ﺷﺮﻋﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﺼﺮﻓﻪ ﻣﻌﻬﻢ ﲨﻴﻌﺎ ﻣﺘﻤﺎﺛﻼ ﰲ‬
‫ﺟﻮﻫﺮﻩ ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻬﻮ ﻣﻮﻛﻮﻝ ﺇﱃ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﻩ ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻣﻦ ﻋﺎﻗﻞ ﺃﻭ ﻓﻘﻴﻪ ﻭﺍﻉ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﳝﺎﺭﻱ ﰲ ﺫﻟﻚ ‪.‬‬

‫ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﱐ‪:‬‬
‫ﺍﺣﺘﻜﺎﺭ ﺍﻟﺴﻠﻊ‬

‫ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﻳﻜﺮﻩ ﺍﻻﺣﺘﻜﺎﺭ ﻭﺍﶈﺘﻜﺮﻳﻦ ‪ ،‬ﻭﳝﻘﺘﻬﻤﺎ ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﺭﻓﻊ ﺃﺳﻌﺎﺭ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ‪ ،‬ﻭﺗﺮﺑﺺ ﻭﻗﺖ ﺍﳊﺎﺟﺔ‬
‫ﺑﻪ ﺃﻭ ﻧﺪﺭﺗﻪ ﰲ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻟﻠﺮﺑﺢ ﻏﲑ ﺍﳌﺸﺮﻭﻉ ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ‪ ) :‬ﻻ ﺣﻜﺮﺓ ﰲ ﺍﳊﺎﺟﺔ ﺑﻪ ﺃﻭ ﻧﺪﺭﺗﻪ ﰲ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻟﻠﺮﺑﺢ ﻏﲑ ﺃﺫﻫﺎﺏ‬
‫) ﲨﻊ ﺫﻫﺐ ﻭﺍﳌﺮﺍﺩ ﺑﻪ ﺍﻟﻨﻘﺪ ( ﺇﱃ ﺭﺯﻕ ﻣﻦ ﺭﺯﻕ ﺍﷲ ﻧﺰﻝ ﺑﺴﺎﺣﺘﻨﺎ ﻓﻴﺤﺘﻜﺮﻭﻥ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻭﻟﻜﻦ ﺃﳝﺎ ﺟﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻮﺩ ﻟﺒﺪﻩ ﰲ‬
‫ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﻴﻒ ﻓﺬﻟﻚ ﺿﻴﻒ ﻋﻤﺮ ﻓﻠﻴﺒﻊ ﻛﻴﻒ ﺷﺎﺀ ﺍﷲ ﻭﻟﻴﻤﺴﻚ ﻛﻴﻒ ﺷﺎﺀ ﺍﷲ (‪ 1‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺺ ﲟﺜﺎﺑﺔ ﻗﺮﺍﺭ ﺭﺃﺳﻲ ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ‬
‫ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﰲ ﺍﻟﺴﻮﻕ ‪ ،‬ﻭﻣﻨﻊ ﺍﻻﺳﺘﻐﻼﻝ ‪ ،‬ﻭﲢﺮﻳﺮ ﺍﻷﺳﻌﺎﺭ ﰲ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﻌﺎﺩﻳﺔ ‪ ،‬ﻭﺍﻻﻟﺘﺰﺍﻡ ﺑﺎﻟﺴﻌﺮ ﺍﶈﺪﺩ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻋﻨﺪ‬
‫ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻭﺍﳊﺎﺟﺔ ‪ .‬ﻭﺧﻼﺻﺔ ﻣﺎ ﺍﺷﺘﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻨﺺ ﺃﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺎﺩﻳﺔ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﳚﻠﺒﻮﻥ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻟﻠﺤﻮﺍﺿﺮ ﻟﺒﻴﻌﻪ ‪ ،‬ﻭﻳﺘﺤﻤﻠﻮﻥ‬
‫ﻣﺸﻘﺔ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﰲ ﺍﻟﱪﺩ ﻭﺍﳊﺮ ﻓﻠﻬﻢ ﺣﺮﻳﺘﻬﻢ ﺇﺫﺍ ﻭﺻﻠﻮﺍ ﺑﺎﻟﺴﻠﻊ ﺇﱃ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻟﺒﻴﻌﻬﺎ ﺃﻭ ﺇﻣﺴﺎﻛﻬﺎ ﻷﻥ ﺍﳌﺘﺎﻋﺐ ﺍﻟﱵ ﲢﻤﻠﻬﺎ‬
‫ﺍﳉﺎﻟﺐ ﰲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﲣﻮﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺮﺑﺢ ﺍﳌﺸﺮﻭﻉ ‪ ،‬ﻭﻷﻥ ﺣﺮﻳﺔ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺗﺪﻓﻊ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ ﺇﱃ ﺟﻠﺐ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﲜﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﻋﻬﺎ ﻭﺃﺻﻨﺎﻓﻬﺎ ‪،‬‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻳﺴﻤﺢ ‪‬ﺎ ﻣﺎ ﱂ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﰲ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ ﺇﱃ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﺍﳌﻮﺟﻮﺩﺓ ﰲ ﻳﺪ ﺍﳉﺎﻟﺐ‪ ،‬ﻓﻴﺠﱪ ﺍﳉﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﻊ‬
‫ﺑﺎﻟﺴﻌﺮ ﺍﳊﺎﺿﺮ ﺭﻓﻌﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ‪ .‬ﻭﺍﺣﺘﻜﺎﺭ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﰲ ﻭﻗﺖ ﺍﳊﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺣﺮﺍﻡ ‪ ،‬ﻭﻳﻌﺘﱪ ﺍﶈﺘﻜﺮ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﳎﺮﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ‬
‫ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﺮﻓﻪ ‪ ،‬ﻭﻋﻤﺮ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺣﺮﺍ ﻟﻠﺒﻴﻊ ﻭﺍﻟﺸﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﺮﺑﺢ ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﺑﺮﺯ ﺍﻻﺣﺘﻜﺎﺭ ﰲ ﺃﻱ ﺷﻜﻞ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻷﺷﻜﺎﻝ ﻓﺈﻥ ﻋﻤﺮ ﻳﺘﺤﻤﻞ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺎﺗﻪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﱵ ﲣﻮﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻟﺮﻓﻊ ﺍﻷﺫﻯ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻭﺿﻊ ﺣﺪ ﳉﺸﻊ‬
‫ﺍﶈﺘﻜﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﺳﺮﺓ ‪.‬‬

‫ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ‪:‬‬

‫ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ‬

‫‪1‬ا  ر  ‪ :‬ا" ن وا‪ 3/7/9 !"#‬دار ا‪01‬ب ا‪ +,-.‬ا*) ا(و' ‪1985‬م‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﺭﺍﻗﺐ ﻋﻤﺮ ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﻭﺻﺎﺭﻣﺔ ‪ ،‬ﻭﴰﻞ ﻋﺪﻟﻪ ﺭﻓﻊ ﺍﻟﻀﺮﺭ ﻋﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻦ‬
‫ﺑﻌﺾ ﻓﻘﺪ ﺭﻭﻯ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺍﳌﺴﻴﺐ ﺃﻥ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﻣﺮ ﲝﺎﻃﺐ ﺑﻦ ﺃﰊ ﺑﻠﺘﻌﺔ ﻭﻫﻮ ﻳﺒﻴﻊ ﺯﺑﻴﻴﺎ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺴﻮﻕ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻋﻤﺮ‬
‫ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﺰﻳﺪ ﰲ ﺍﻟﺴﻌﺮ ﻭﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﺮﻓﻊ ﻭﺗﺮﺣﻞ ﻋﻦ ﺳﻮﻗﻨﺎ ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻌﺮﺽ ﺯﺑﻴﻴﻪ ﺑﺄﺭﺧﺺ ﳑﺎ ﻳﺒﻴﻊ ﺑﻪ ﻏﲑﻩ ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﺗﺼﺮﻓﻪ‬
‫ﳛﺪﺙ ﺍﻟﻀﺮﺭ ﺑﺒﻘﻴﺔ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺮﺿﻮﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﺴﻠﻌﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺴﻌﺮ ﻣﻨﺎﺳﺐ ‪ ،‬ﻭﱂ ﻳﺪﺭﻙ ﺍﺑﻦ ﺭﺷﺪ ﻣﻘﺼﺪ ﻋﻤﺮ ﻭﻣﺮﻣﺎﻩ‬
‫ﻓﻘﺎﻝ ﰲ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ‪ :‬ﻭﻫﻮ ﻏﻠﻂ ﻇﺎﻫﺮ ﺇﺫ ﻻ ﻳﻼﻡ ﺃﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺴﺎﳏﺔ ﰲ ﺍﻟﺒﻴﻊ ﻭﺍﻟﺘﺨﻔﻴﺾ ﰲ ﺍﻟﺜﻤﻦ ﺑﻞ ﻳﺸﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺇﻥ ﻓﻌﻠﻪ‬
‫ﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ‪ ،‬ﻭﻳﺆﺟﺮ ﺇﻥ ﻓﻌﻠﻪ ﻟﻮﺟﻪ ﺍﷲ‪ . 1‬ﻭﻫﻞ ﳜﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﺮ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﺴﻠﻚ ﺍﻟﻨﻈﻴﻒ ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺮﻗﺐ ﺑﻌﺾ ﺍﳌﺨﺎﺩﻋﲔ‬
‫ﻭﺍﳌﺎﻛﺮﻳﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﳜﻔﻀﻮﻥ ﺍﻷﺳﻌﺎﺭ ﻹﳊﺎﻕ ﺍﻟﻀﺮﺭ ﺑﻐﲑﻫﻢ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺗﻔﻌﻞ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻊ ﺍﻟﺘﺂﻣﺮ ﻋﻠﻰ‬
‫ﲢﻄﻴﻢ ﺷﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ ﺍﳌﺴﺎﳘﺔ ﰲ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﰲ ﺍﻟﺒﻼﺩ ‪.‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻻﺣﺘﻜﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ ﻋﻤﺮ ﻭﺍﺿﺤﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻗﺪ ﺗﺸﻌﺐ ﺑﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﺭﺅﻭﺱ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ‪،‬‬
‫ﻭﻟﻦ ﻳﻘﻤﻊ ﺍﺣﺘﻜﺎﺭﻫﻢ ﺇﻻ ﺑﻀﺮ‪‬ﻢ ﺑﺸﺪﺓ ﻭﻣﺼﺎﺩﺭﺓ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﳉﻤﺎﻫﲑ ﺇﺫ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺣﻖ ﺃﺣﺪ ﺃﻥ ﳛﺘﻜﺮ ﺍﻷﺭﺯﺍﻕ‬
‫ﻭﺍﻷﻗﻮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺴﻠﻊ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ ‪ ،‬ﻭﻳﺒﺘﺰ ﺑﺎﺣﺘﻜﺎﺭﻫﺎ ﻋﺮﻕ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺣﻴﺎ‪‬ﻢ ﻓﺈﺫﺍ ﲢﺎﻟﻔﺖ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺃﲰﺎﻟﻴﺔ ﺍﶈﺘﻜﺮﺓ ﻓﺘﻠﻚ‬
‫ﺍﻟﻄﺎﻣﺔ ﺍﻟﻜﱪﻯ ﻭﺍﻻﺳﺘﻌﺒﺎﺩ ﺍﻷﻟﻴﻢ ‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ ﻣﻨﻊ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺍﻻﺣﺘﻜﺎﺭ ﺣﱴ ﰲ ﻏﲑ ﻭﻗﺖ ﺣﺎﺟﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻞ ‪‬ﺮﺩ‬
‫ﺍﻻﺣﺘﻜﺎﺭ ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻥ ﺿﺎﺭﺍ ﺑﺎﳌﺴﺘﻬﻠﻚ ﺑﻐﻼﺀ ﺍﻟﺴﻌﺮ ﺃﻭ ﺿﺎﺭﺍ ﺑﺎﻟﺘﺎﺟﺮ ﺑﺎﳔﻔﺎﺽ ﺍﻟﺴﻌﺮ ﻋﻦ ﺍﳌﺘﻌﺎﺭﻑ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﺍﻟﺴﻮﻕ‬
‫ﻭﺍﳌﺘﻮﺍﺿﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻮﺍﺿﻌﺎ ﻏﲑ ﺍﺣﺘﻜﺎﺭﻱ ‪.‬‬
‫ﻭﻫﻮ ﺗﺼﺮﻑ ﻳﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ ﻣﻨﻮﻁ ﺑﺎﳌﺼﻠﺤﺔ ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻋﻤﻞ ﻣﻦ ﺻﻤﻴﻢ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﲟﻘﺘﻀﻰ‬
‫ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻹﻣﺎﻣﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﺔ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﺍ ﻓﺎﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﻗﺘﻀﺘﻬﺎ ﲪﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺟﺮ ﺃﻭ ﺍﳌﺴﺘﻬﻠﻚ ‪ ،‬ﻓﺎﳌﺼﻠﺤﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﺩﺍﺓ ﳊﻤﺎﻳﺔ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺩﻭﻥ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻭ ﺻﻨﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺩﻭﻥ ﺁﺧﺮ ‪ .‬ﻭﻻ ﻫﻲ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻳﺘﺼﺮﻑ ﻭﱄ ﺍﻷﻣﺮ‬
‫ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﺍ ﳍﺎ ﰲ ﺣﺎﻝ ﺩﻭﻥ ﺣﺎﻝ ‪ ،‬ﻭﺇﳕﺎ ﻫﻲ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺃﺻﻴﻠﺔ ﻳﻠﺘﺰﻣﻬﺎ ﻭﱄ ﺍﻷﻣﺮ ﰲ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ ﻭﺃﻥ ﺍﺿﻄﺮﻩ ﺍﻟﺘﺰﺍﻣﻬﺎ ﺇﱃ ﺗﺄﻭﻳﻞ‬
‫ﻧﺺ ﺃﻭ ﻭﻗﻒ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﳊﺎﻝ ﰲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺍﳌﺆﻟﻔﺔ ﻗﻠﻮ‪‬ﻢ ﻭﻏﲑﻫﺎ ‪.‬‬

‫ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ‪:‬‬

‫ﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﻋﻤﺮ ﰲ ﺍ‪‬ﺎﻝ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ‬

‫‪ 89:1‬ا‪#‬ر وا‪67‬ء ‪.306/9‬‬

‫‪52‬‬
 ‫ﺍﳌﻄﻠﺐ ﺍﻷﻭﻝ ‪ -‬ﻋﺪﻡ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ‪:‬‬
‫ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﻳﺮﻯ ﺃﻧﻪ ﻻ ﳚﻮﺯ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺃﻥ ﺗﺒﺎﺷﺮ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ ﻭﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ‪ ،‬ﻭﻻ ﳚﻮﺯ ﳍﺎ ﺃﻥ ﺗﺒﺎﺷﺮ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ‪،‬‬
‫ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻘﻮﻡ ﲟﺮﺍﻗﺒﺔ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﺃﻭ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻭﺗﻮﺟﻴﻬﻬﻤﺎ ﺇﱃ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﺒﻼﺩ ‪ ،‬ﻭﺗﻀﺒﻂ ﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﳌﻨﺘﺠﲔ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭ ‪،‬‬
‫ﻭﺗﻌﺎﻗﺐ ﺍﳌﺨﺎﻟﻒ ﻣﻨﻬﻢ ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺇﺫﺍ ﺑﺎﺷﺮﺕ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻋﻢ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﻏﻠﺖ ﺍﻷﺳﻌﺎﺭ ‪ ،‬ﻭﻻ ﳏﺎﺳﺐ ﳍﺎ ﻭﻻ ﺭﺍﺩﻉ ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺍﻫﺘﻢ ﺑﺬﻟﻚ‬
‫ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ ﻓﻨﺒﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻋﻘﺪ ﻓﺼﻼ ﺧﺎﺻﺎ ﺟﻌﻞ ﻋﻨﻮﺍﻧﻪ ‪ ) :‬ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻣﻀﺮﺓ ﺑﺎﻟﺮﻋﺎﻳﺎ ﻭﻣﻔﺴﺪﺓ‬
‫ﻟﻠﺠﺒﺎﻳﺔ ( ‪.‬‬
‫ﳑﺎ ﺟﺎﺀ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﻗﻮﻟﻪ ‪ ) :‬ﺇﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻗﺪ ﻳﺘﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺜﲑ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﺑﺄﻳﺴﺮ ﲦﻦ ﺇﺫ ﻻ ﳚﺪ ﻣﻦ ﻳﻨﺎﻓﺴﻪ ﰲ‬
‫ﺷﺮﺍﺋﻪ ﻓﻴﺒﺨﺲ ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺎﺋﻌﺔ ( ‪.‬‬
‫ﻭﳑﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ ﻓﻴﻪ ﻣﻀﺮﺓ ﻋﺎﺟﻠﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻓﺴﺎﺩ ﻟﻠﺠﺒﺎﻳﺔ ‪ ،‬ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﰲ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ‪ ،‬ﻭﻗﺪ‬
‫ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺍﻷﻣﺮ ‪‬ﺆﻻﺀ ﺍﳌﻮﻇﻔﲔ ﺍﳌﻜﻠﻔﲔ ﺑﺎﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ ﻭﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﰲ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﻟﺸﺮﺍﺀ ﺍﻟﻐﻼﻝ ﻭﺍﻟﺴﻠﻊ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﺎ‪‬ﺎ ﻣﻨﺘﺠﲔ ﺃﻭ‬
‫ﻣﻮﺭﺩﻳﻦ ‪ ،‬ﻭﻳﻔﺮﺿﻮﻥ ﻟﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻤﻦ ﻣﺎ ﻳﺸﺎﺅﻭﻥ ‪ ،‬ﻭﻳﺒﻴﻌﻮ‪‬ﺎ ﰲ ﻭﻗﺘﻬﺎ ﳌﻦ ﲢﺖ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﳑﻦ ﳛﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﲟﺎ ﻳﻔﺮﺿﻮﻥ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﺜﻤﻦ ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺗﺼﺮﻑ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﱃ ﻓﺴﺎﺩ ﺍ‪‬ﺘﻤﻊ ﻭﺍﺧﺘﻼﻝ ﺃﺣﻮﺍﻟﻪ ‪ ،‬ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﺮﻯ ﻋﺪﻡ ﺟﻮﺍﺯ ﺇﻗﺪﺍﻡ‬
‫ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺃﺻﺪﺭ ﺗﻌﻠﻴﻤﺎﺗﻪ ﺇﱃ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻄﻮﺍ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﻟﱵ ﺭﺣﻞ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﺇﱃ ﻣﻦ‬
‫ﻳﺰﺭﻋﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺗﺞ ‪ ،‬ﻭﱂ ﻳﺄﻣﺮ ﺍﳌﺴﺆﻭﻟﲔ ﰲ ﺍﻷﻣﺼﺎﺭ ﻭﺍﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺄﺟﺮﻭﺍ ﻋﻤﺎﻻ ﻟﻴﺰﺭﻋﻮﺍ‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﻟﺼﺎﱀ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻘﺪ ﺭﻭﻯ ﻟﻌﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﻣﻴﺔ ﻓﻘﺎﻝ ‪ :‬ﳌﺎ ﺑﻌﺜﲏ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﻋﻠﻰ ﺧﺮﺍﺝ ﺃﺭﺽ ﳒﺮﺍﻥ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺑﻌﺪ‬
‫ﺃﻥ ﺃﺟﻠﻰ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻋﻨﻬﺎ ﻛﺘﺐ ﺇﱄ ‪ ) :‬ﺃﻧﻈﺮ ﻛﻞ ﺃﺭﺽ ﺟﻼ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺭﺽ ﺑﻴﻀﺎﺀ – ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﺠﺮ‬
‫ﺗﺴﻘﻰ ﺳﻴﺤﺎ – ﺃﻱ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻷ‪‬ﺎﺭ ﺃﻭ ﺗﺴﻘﻴﻬﺎ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﳔﻞ ﺃ ﻭﺷﺠﺮ ﻓﺎﺩﻓﻌﻪ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻳﺴﻘﻮﻧﻪ ‪،‬‬
‫ﻓﻤﺎ ﺃﺧﺮﺝ ﺍﷲ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﻓﻠﻌﻤﺮ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﲔ ﺍﻟﺜﻠﺜﺎﻥ ﻭﳍﻢ ﺍﻟﺜﻠﺚ ‪ ،‬ﻭﺍﺩﻓﻊ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺭﺽ ﺑﻴﻀﺎﺀ ﻳﺰﺭﻋﻮ‪‬ﺎ ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ‬
‫ﻳﺴﻘﻰ ﺳﻴﺤﺎ ﺃﻭ ﺳﻘﺘﻪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻓﻠﻬﻢ ﺍﻟﺜﻠﺜﺎﻥ ﻭﻟﻌﻤﺮ ﻭﻟﻠﻤﺴﻠﻤﲔ ﺍﻟﺜﻠﺚ ‪.‬‬

‫ﺍﳌﻄﻠﺐ ﺍﻟﺜﺎﱐ ‪ -‬ﻗﻴﺎﺱ ﻏﲎ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﻐﲎ ﺷﻌﺒﻬﺎ ‪:‬‬

‫ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﻏﲎ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻻ ﻳﻘﺎﺱ ﲟﺎ ﰲ ﺧﺰﺍﺋﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺎﻝ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺱ ﲟﺎ ﰲ ﺃﻳﺪﻱ ﺷﻌﺒﻬﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺃﻣﻮﺍﻝ ﻷﻥ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻏﻨﻴﺎ ﻛﺎﻥ ﺭﺍﺿﻴﺎ ﻣﺆﻳﺪﺍ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﳉﺒﺎﻳﺔ ﻣﻨﻪ ﻛﺒﲑﺓ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﻣﻘﺪﺍﺭ ﻣﺎ ﰲ ﻳﺪﻩ ﻣﻦ‬
‫ﺃﻣﻮﺍﻝ ‪ ،‬ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻓﻘﲑﺍ ﻭﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻏﻨﻴﺔ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺣﺎﻗﺪﺍ ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﳉﺒﺎﻳﺔ ﻣﻨﻪ ﻗﻠﻴﻠﺔ ‪ ،‬ﻭﻫﺬﻩ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻋﺎﻣﺔ ﰲ‬
‫ﻛﻞ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻭﺍﻷﻣﻢ ‪ ،‬ﻭﺗﺘﻤﻴﺰ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻦ ﻏﲑﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻏﻨﻴﺎ ﻭﺍﺛﻘﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻣﺆﻳﺪﺍ ﳍﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺒﺨﻞ ﰲ ﺑﺬﻝ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﱵ ﰲ ﻳﺪﻩ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺸﺘﺪ ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ ﺇﱃ ﺍﳌﺎﻝ ﻷﻥ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻣﺆﻣﻦ ﺃﻥ ﻣﺎ‬
‫ﰲ ﻳﺪﻩ ﻣﻦ ﻣﺎﻝ ﻫﻮ ﻣﺎﻝ ﺍﷲ ﻭﺿﻌﻪ ﺍﷲ ﲢﺖ ﻳﺪﻩ ﻟﺘﻘﻀﻲ ﺑﻪ ﺍﳊﻮﺍﺋﺞ ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﱃ ‪ ) :‬ﻭﺁﺗﻮﻫﻢ ﻣﻦ ﻣﺎﻝ ﺍﷲ ﺍﻟﺬﻱ‬
‫‪53‬‬
‫ﺁﺗﺎﻛﻢ( ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻳﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ ﻫﺬﺍ ﻓﻤﺎ ﺣﺪﺙ ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﷲ ‪ ε‬ﰲ ﲡﻬﻴﺰ ﺟﻴﺶ ﺍﻟﻌﺴﺮ ﺍﻟﺴﺎﺋﺮ ﺇﱃ ﺗﺒﻮﻙ ﳊﺮﺏ ﺍﻟﺮﻭﻡ‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﻠﻢ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ‪ ε‬ﺃﻥ ﺍﻟﺮﻭﻡ ﳚﻤﻌﻮﻥ ﺍﳉﻤﻮﻉ ﰲ ﺗﺒﻮﻙ ﻟﻴﻬﺎﲨﻮﺍ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻜﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺃﻥ ﻳﺴﺮﻉ‬
‫ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻟﻴﻨﻘﺾ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻗﺒﻞ ﺍﺳﺘﻜﻤﺎﻝ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﻢ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ‪ ،‬ﻭﱂ ﻳﻜﻦ ﰲ ﺧﺰﺍﻧﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﻗﺘﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ‪‬ﺬﻩ ﺍﳊﺮﺏ‬
‫ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ ﻓﺪﻉ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ‪ ε‬ﺇﱃ ﺍﻟﺘﱪﻉ ﻟﺘﺠﻬﻴﺰ ﺍﳉﻴﺶ ﻓﻠﻢ ﻳﺘﺨﻠﻒ ﺃﺣﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﱪﻉ ﻟﻪ ﻷﻥ ﺃﻏﻨﻴﺎﺀ ﺍﻟﺼﺪﺭ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ‬
‫ﻣﻦ ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﻭﻋﺜﻤﺎﻥ ﻭﺍﺑﻦ ﻋﻮﻑ ﱂ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﳛﺠﺒﻮﻥ ﺃﻣﻮﺍﳍﻢ ﻋﻦ ﳎﺘﻤﻌﻬﻢ ﻭﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﰲ ﺭﺧﺎﺀ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮﺍ‬
‫ﻳﺒﺬﻟﻮﻥ ﺃﻣﻮﺍﳍﻢ ﺑﺴﺨﺎﺀ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻣﻠﻚ ‪‬ﺘﻤﻌﻬﻢ ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﻜﺘﻔﻮﻥ ﺑﺄﺩﺍﺀ ﺍﻟﺰﻛﺎﺓ ﻭﺇﳕﺎ ﳝﺪﻭﻥ ﺍﳌﺴﺎﻋﺪﺓ ﻟﻜﻞ ﳏﺘﺎﺝ ‪ ،‬ﻭﳚﻬﺰﻭﻥ‬
‫ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻟﻠﺠﻬﺎﺩ ﻓﻘﺪ ﺗﱪﻉ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﲢﺖ ﻳﺪﻩ ﻣﻦ ﻣﺎﻝ ‪ ،‬ﻭﺗﱪﻉ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ ﺑﺘﺠﻬﻴﺰ ﺛﻠﺚ ﺟﻴﺶ ﺍﻟﻌﺴﺮﺓ‬
‫ﺍﳌﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﺓ ﺁﻻﻑ ﻣﻘﺎﺗﻞ ‪ ،‬ﻭﺟﺎﺀ ﺑﺄﻟﻒ ﺩﻳﻨﺎﺭ ﻭﺿﻌﻬﺎ ﲢﺖ ﺗﺼﺮﻑ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ‪ ε‬ﻭﺗﱪﻉ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﲪﻦ ﺑﻦ ﻋﻮﻑ ﲟﺎﺋﺔ‬
‫ﺃﻭﻗﻴﺔ ‪ ،‬ﻭﺗﱪﻉ ﻏﲑﻫﻢ ‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﱂ ﺗﻐﺐ ﻋﻦ ﺫﻫﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﻓﺎﺳﺘﻔﺎﺩ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺪﺭﻛﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻫﻮ‬
‫ﺍﻹﻋﺪﺍﺩ ﺍﻹﳝﺎﱐ ﻟﻸﻣﺔ ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻼﺣﻢ ﺍﳊﻘﻴﻘﻲ ﺑﲔ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺸﻌﺐ ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﰎ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻋﺪﺍﺩ ﺍﻹﳝﺎﱐ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻼﺣﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺎﻣﻞ‬
‫ﰲ ﺷﻌﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺃﻣﻜﻨﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﺘﱪ ﻣﺎ ﰲ ﻳﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﻫﻮ ﰲ ﻳﺪ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ‪ ،‬ﻭﳍﺬﺍ ﺃﺻﺪﺭ ﻋﻤﺮ ﺗﻌﻠﻴﻤﺎﺗﻪ ﻟﻌﺒﺪ‬
‫ﺍﷲ ﺑﻦ ﺍﻷﺭﻗﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺃﻣﻴﻨﺎ ﻟﻠﺨﺰﺍﻧﺔ ﰲ ﻋﻬﺪ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﻳﺎ ﻋﺒﺪ ﺍﷲ ﺃﻗﺴﻢ ﺑﻴﺖ ﻣﺎﻝ‬
‫ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﺃﻱ ﻭﺯﻉ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﺤﻘﻴﻪ ﰲ ﻛﻞ ﺷﻬﺮﺓ ﻣﺮﺓ ﺃﻭ ﰲ ﻓﺘﺮﺍﺕ ﻣﺘﻘﺎﺭﺑﺔ ﻓﻘﺎﻡ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻌﻤﺮ ﻳﺎ ﺃﻣﲑ‬
‫ﺍﳌﺆﻣﻨﲔ ﻟﻮ ﺃﺑﻘﻴﺖ ﰲ ﺑﻴﺖ ﺍﳌﺎﻝ ﺑﻘﻴﺔ ﺗﻌﺪﻫﺎ ﻟﻨﺎﺋﺒﺔ ﺃﻭ ﺻﻮﺕ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﻟﻠﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻠﻤﻪ ‪ :‬ﺟﺮﻯ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻧﻚ‬
‫ﻟﻘﻨﲏ ﺍﷲ ﺣﺠﺘﻬﺎ ﻭﻭﻗﺎﱐ ﺷﺮﻫﺎ ﺃﻋﺪﳍﺎ ﻣﺎ ﺃﻋﺪﳍﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ‪ ε‬ﻃﺎﻋﺔ ﷲ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ‪.‬‬
‫ﻭﻳﻘﺼﺪ ﻋﻤﺮ ﺃﻧﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﻋﺪﺩﻧﺎ ﺷﻌﺒﻨﺎ ﺍﻹﻋﺪﺍﺩ ﺍﻹﳝﺎﱐ ﺍﻟﻼﺯﻡ ‪ ،‬ﻭﺭﺑﻴﻨﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻃﺎﻋﺔ ﺍﷲ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﺃﺣﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﳑﺎ‬
‫ﺳﻮﺍﳘﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﻮ ﻋﺪﺗﻨﺎ ﻭﻋﺘﺎﺩﻧﺎ ﳍﺬﻩ ﺍﻟﻨﺎﺋﺒﺔ ﻭﺍﻟﺼﻮﺕ ‪ ،‬ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﰲ ﻳﺪﻩ ﻫﻮ ﰲ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ ‪.‬‬
‫ﻭﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﻛﺎﻥ ﻣﺘﻮﻛﻼ ﻻ ﻳﻌﺪ ﻟﻜﻞ ﺃﻣﺮ ﻋﺪﺗﻪ ﻭﻻ ﳛﺘﺎﻁ ﻟﻪ ﻓﻘﻀﺎﻳﺎ‬
‫ﺍﻟﺘﺼﺪﻱ ﻟﻠﻬﺠﻮﻡ ﺍﳌﻔﺎﺟﺊ ﻟﻠﻌﺪﻭ ﻭﳓﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﱵ ﻻ ﲢﺘﻤﻞ ﺍﻟﺘﺄﺧﲑ ﻣﺄﺧﻮﺫﺓ ﺑﺪﻗﺔ ﰲ ﺣﺴﺎﺑﺎﺕ ﻋﻤﺮ ‪ ،‬ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ‬
‫ﻳﻌﺪ ﳍﺎ ﻋﺪ‪‬ﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﻭﺍﻟﺬﺧﲑﺓ ﻷﻥ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻟﻮ ﻓﻮﺟﺊ ‪‬ﺎ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻭﱂ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻌﺪﻭﺍ ﳍﺎ ﻣﺴﺒﻘﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺃﺣﺴﻦ ﻭﺟﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺆﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻟﺬﻟﻚ ﻭﺟﺪﻧﺎ ﻋﻤﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﻌﺪ ﺍﳋﻴﻮﻝ ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻣﻦ ﻋﺪﺓ ﺍﳊﺮﺏ ﰲ ﺯﻣﺎﻧﻪ ‪ ،‬ﻭﻫﻲ‬
‫ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﳌﻬﻢ ﰲ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ‪ ،‬ﻭﺧﺼﺺ ﳍﺎ ﺃﻣﺎ ﻛﻦ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﰲ ﺍﳌﺪﻥ ﻭﺍﻟﺜﻐﻮﺭ ﰲ ﺍﻟﻜﻮﻓﺔ ﻭﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﻭﰲ ﻛﻞ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ‬
‫ﺍﻷﻣﺼﺎﺭ‪ ،‬ﻭﺍﲣﺬ ﻗﻴﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﺘﻌﻬﺪﻫﺎ ﺑﺎﻟﻌﻠﻒ ﻭﳚﺮﻳﻬﺎ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﺒﺔ ﺍﻻﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﻻ ﻳﺘﻢ‬
‫ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺇﻻ ﺑﻪ ﻓﻬﻮ ﻭﺍﺟﺐ ‪.‬‬
‫ﻭﱂ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﻌﺪﺓ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﺍﻫﺘﻢ ﺑﺘﺪﺭﻳﺐ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻼﺡ ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻣﻦ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ‬
‫ﺳﻼﺣﻪ ﻭﻋﺪﺓ ﺣﺮﺑﻪ ﻳﺪﺧﺮﻫﺎ ﺍﺷﺘﺮﻙ ﰲ ﺍﳉﻬﺎﺩ ﺃﻡ ﱂ ﻳﺸﺮﻙ ﻓﻘﺪ ﻗﺎﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻟﻮﻻ‬
‫ﺃﻥ ﻋﻤﺮ ﻗﺎﻝ ﱄ ﺍﺣﺒﺲ ﺳﻼﺣﻚ ﻷﻋﻄﻴﺘﻪ ﺑﻌﺾ ﺃﺑﻨﺎﺋﻲ ‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫ﻧﻔﻬﻢ ﳑﺎ ﻗﺮﺭﻧﺎﻩ ﺳﻠﻔﺎ ﻣﻦ ﺭﺃﻱ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﰲ ﺃﻧﻪ ﻻ ﲢﺘﺒﺲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺴﺎﺋﻠﺔ ﰲ ﺧﺰﺍﺋﻨﻬﺎ ﻭﲢﺠﺮ‬
‫ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻞ ﺗﻨﺸﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻭﻓﻖ ﺧﻄﻂ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺳﻠﻴﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﺑﻴﺪ ﺍﻷﺧﻴﺎﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ‬
‫ﻳﺒﺨﻠﻮﻥ ﺑﺒﺬﳍﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﳊﺎﺟﺔ ﺇﱃ ﺍﻟﺒﺬﻝ ﻭﺇﻻ ﻓﻠﻦ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﺍﳊﺎﻝ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﺰﺕ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﰲ ﺃﻳﺪﻱ ﺍﻷﺷﺮﺍﺭ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ‬
‫ﳜﻄﻂ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﰲ ﺃﻳﺪﻱ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﺍﳌﺆﻣﻨﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﺍﻟﱵ ﻻ ﺗﺒﺨﻞ ﺑﺎﳌﺎﻝ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮﺍ ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﺇﱃ‬
‫ﺑﺬﻟﻪ ‪.‬‬
‫ﻭﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﳋﺼﻮﺹ ﺭﻭﻯ ﺃﺑﻮ ﻋﺪﻱ ﻗﺎﻝ ‪ :‬ﻛﻨﺎ ﺟﻠﻮﺳﺎ ﰲ ﺍﳌﺴﺠﺪ ﻓﻘﺎﻡ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﻓﻘﻠﻨﺎ ﺇﱃ ﺃﻳﻦ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻳﺎ ﺃﻣﲑ‬
‫ﺍﳌﺆﻣﻨﲔ ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﺇﱃ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﺄﺧﺬ ﺫﺭﺗﻪ ﻓﺎﻧﻄﻠﻖ ﻭﻗﻌﺪﻧﺎ ﻧﻨﺘﻈﺮﻩ ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺟﻊ ﻗﻠﻨﺎ ﻛﻴﻒ ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻳﺎ ﺃﻣﲑ‬
‫ﺍﳌﺆﻣﻨﲔ ؟ ﻓﻘﺎﻝ ‪ :‬ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﻌﺒﻴﺪ ﻭﺍﳌﻮﺍﱄ ﻫﻢ ﺃﻫﻠﻬﺎ ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ‪‬ﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻗﻠﻴﻞ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﺳﺎﺀﻩ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﻠﻨﺎ ﻳﺎ ﺃﻣﲑ ﺍﳌﺆﻣﻨﲔ ﻗﺪ‬
‫ﺃﻏﻨﺎﻧﺎ ﺍﷲ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻐﲎ ﻭﻧﻜﺮﻩ ﺃﻥ ﻧﺮﻛﺐ ﺍﻟﺪﻧﺎﻧﺮﺓ ‪ ،‬ﻭﺗﻜﻔﻴﻨﺎ ﻣﻮﺍﻟﻴﻨﺎ ﻭﻏﻠﻤﺎﻧﻨﺎ ﻗﺎﻝ ﻭﺍﷲ ﻟﺌﻦ ﺗﺮﻛﺘﻤﻮﻩ ﻭﺇﻳﺎﻫﺎ ﻟﻴﺤﺘﺎﺝ ﺭﺟﺎﻟﻜﻢ‬
‫ﺇﱃ ﺭﺟﺎﳍﻢ ‪ ،‬ﻭﻧﺴﺎﺋﻜﻢ ﺇﱃ ﻧﺴﺎﺋﻬﻢ ‪.‬‬

‫ﺍﳌﻄﻠﺐ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ‪ -‬ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﺜﺮﻭﺓ ﺑﺸﻜﻞ ﺃﻓﻘﻲ ‪:‬‬

‫ﺇﻥ ﻣﻦ ﻳﺘﺄﻣﻞ ﰲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﳚﺪ ﺃﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺣﺮﻳﺺ ﻛﻞ ﺍﳊﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﺜﺮﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﻛﱪ ﻋﺪﺩ‬
‫ﳑﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ‪ ،‬ﻭﻳﺴﺘﻨﻜﺮ ﺗﻜﺪﻳﺲ ﺍﳌﺎﻝ ﰲ ﺃﻳﺪﻱ ﻓﺌﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻳﻌﻴﺶ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍ‪‬ﺘﻤﻊ ﻋﻴﺶ ﺣﺮﻣﺎﻥ ‪.‬‬
‫ﺇﻥ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﻘﺮ ﺍﳌﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﺍﳋﺎﺻﺔ ﻭﺍﳌﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﻳﻘﻴﺪﳘﺎ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﱃ ‪) :‬ﻣﺎ ﺃﻓﺎﺀ ﺍﷲ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺭﺳﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﻓﻠﻠﻪ ﻭﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﻭﻟﺬﻱ ﺍﻟﻘﺮﰉ ﻭﺍﻟﻴﺘﺎﻣﻰ ﻭﺍﳌﺴﺎﻛﲔ ﻭﺍﺑﻦ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﻛﻲ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺩﻭﻟﺔ ﺑﲔ ﺍﻷﻏﻨﻴﺎﺀ‬
‫ﻣﻨﻜﻢ ﻭﻣﺎ ﺁﺗﺎﻛﻢ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻓﺨﺬﻭﻩ ﻭﻣﺎ ‪‬ﺎﻛﻢ ﻋﻨﻪ ﻓﺎﻧﺘﻬﻮﺍ ﻭﺍﺗﻘﻮﺍ ﺍﷲ ﺇﻥ ﺍﷲ ﺷﺪﻳﺪ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ( ﻟﻘﺪ ﺑﲔ ﺍﷲ ﺗﻌﺎﱃ ﰲ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ‬
‫ﻋﻠﺔ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﻔﻲﺀ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﺍﺋﺢ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻛﺜﲑﺓ ﻭﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻠﺔ ﺍﻟﱵ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻫﻲ ﻋﺪﻡ ﺗﻜﺪﻳﺲ ﺍﳌﺎﻝ ﰲ‬
‫ﺃﻳﺪﻱ ﻓﺌﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﲢﺮﻡ ﻣﻨﻪ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻟﻔﺌﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ )ﻛﻲ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺩﻭﻟﺔ ﺑﲔ ﺍﻷﻏﻨﻴﺎﺀ ﻣﻨﻜﻢ( ﻭﻗﺪ ﻓﻬﻢ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ‬
‫ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﲑﻩ ‪ ،‬ﻭﲤﺜﻞ ﻟﻪ ﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻊ ﺍﻷﻓﻘﻲ ﻟﻠﺜﺮﻭﺓ ﺷﺎﳐﺎ ﻣﻸ ﻋﻘﻠﻪ ﻭﻗﻠﺒﻪ ﺣﲔ ﻓﺘﺢ ﺍﷲ ﻋﻨﻮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﺑﻼﺩ‬
‫ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ‪ ،‬ﺍﻟﺸﺎﺳﻌﺔ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺍﳋﺼﺒﺔ ‪.‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﺟﺮﻯ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﰲ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ‪ ε‬ﻭﰲ ﻋﻬﺪ ﺃﰊ ﺑﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﳌﻔﺘﻮﺣﺔ ﻋﻨﻮﺓ ﺑﲔ ﺍﳉﻨﻮﺩ‬
‫ﺍﻟﻔﺎﲢﲔ ﺑﻌﺪ ﺃﺧﺬ ﲬﺴﻬﺎ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺗﺘﺼﺮﻑ ﻓﻴﻪ ﲝﺴﺐ ﻣﺎ ﺗﺮﺍﻩ ﻣﻦ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ‪ ، ε‬ﺫﻟﻚ ﰲ ﺃﺭﺽ ﺧﻴﱪ‬
‫ﺣﲔ ﻓﺘﺤﻬﺎ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻴﻨﻤﺎ ‪‬ﺞ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺮﺭ ﻋﺪﻡ ﻗﺴﻤﺔ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪ ‪:‬‬
‫ﺭﻭﻱ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺍﻟﺘﻤﻴﻤﻲ ﻗﺎﻝ ‪ :‬ﳌﺎ ﺍﻓﺘﺘﺢ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﺍﻟﺴﻮﺍﺩ ﻗﺎﻝ ﻟﻌﻤﺮ ﺃﻗﺴﻢ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻓﺈﻥ ﺍﻓﺘﺘﺤﻨﺎﻩ ﻋﻨﻮﺓ ﻗﺎﻝ ﻓﺄﰉ ﻭﻗﺎﻝ ‪ :‬ﻓﻤﺎ ﳌﻦ‬
‫ﺟﺎﺀ ﺑﻌﺪﻛﻢ ﻣﻦ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ؟ ﻭﺃﺧﺎﻑ ﺇﻥ ﻗﺴﻤﺘﻪ ﺃﻥ ﺗﻔﺎﺳﺪﻭﺍ ﺑﻴﻨﻜﻢ ﰲ ﺍﳌﻴﺎﻩ ﻗﺎﻝ ﻓﺄﻗﺮ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻮﺍﺩ ﰲ ﺃﺭﺿﻬﻢ ‪ ،‬ﻭﺿﺮﺏ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺭﺅﻭﺳﻬﻢ ﺍﳉﺰﻳﺔ ‪ ،‬ﻭﻋﻠﻰ ﺃﺭﺿﻬﻢ ﺍﳋﺮﺍﺝ ‪ ،‬ﻭﱂ ﻳﻘﺴﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫ﻓﻘﺪ ﺟﻌﻞ ﻋﻤﺮ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﳌﻔﺘﻮﺣﺔ ﻋﻨﻮﺓ ﻭﻗﻔﺎ ﻟﺒﻴﺖ ﻣﺎﻝ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﺗﺮﺟﻊ ﻋﻮﺍﺋﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺟﻴﺎﻝ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﳌﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ‪،‬‬
‫ﻭﻫﻮ ﺗﺼﺮﻑ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﲟﻘﺘﻀﻰ ﺍﻹﻣﺎﻣﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﻤﻼ ﺑﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ ﻣﻨﻮﻁ‬
‫ﺑﺎﳌﺼﻠﺤﺔ ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﻭﱄ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﲢﻜﻢ ﻣﺎ ﻗﺪ ﺗﺘﻐﺎﻳﺮ ﻓﻴﻪ ﺍﳌﺼﻠﺤﺘﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺍﳋﺎﺻﺔ ‪.‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﺭﺟﻊ ﻋﻤﺮ ﻋﺪﻡ ﻗﺴﻤﺔ ﺍﻷﺭﺿﻲ ﺍﳌﻔﺘﻮﺣﺔ ﻋﻨﻮﺓ ﺑﲔ ﺍﻟﻔﺎﲢﲔ ﻣﻦ ﺍﳉﻨﻮﺩ ﺍﶈﺎﺭﺑﲔ ﻟﻼﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﻵﺗﻴﺔ ‪:‬‬
‫‪ - 1‬ﺇﻥ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﳌﻔﺘﻮﺣﺔ ﰲ ﻋﻬﺪﻩ ﻫﻲ ﺃﻗﻄﺎﺭ ﺑﻜﺎﻣﻠﻬﺎ ‪ ،‬ﻭﻋﺪﺩ ﺍﳉﻨﻮﺩ ﺍﻟﻔﺎﲢﲔ ﳏﺼﻮﺭ ﺑﻨﺤﻮ ﻣﺎﺋﺔ ﺃﻟﻒ‬
‫ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ‪ ،‬ﻭﻟﻮ ﻭﺯﻋﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻟﺼﺎﺭ ﻟﻜﻞ ﺟﻨﺪﻱ ﻣﻦ ﺍﳉﻨﻮﺩ ﻣﺴﺎﺣﺎﺕ ﻭﺍﺳﻌﺔ ‪ ،‬ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﺧﲑ ﺍﻷﺭﺽ ‪.‬‬
‫‪ - 2‬ﺍﻧﺸﻐﺎﻝ ﺍ‪‬ﺎﻫﺪﻳﻦ ﺑﺘﺪﺑﲑ ﺃﻣﻮﺭ ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﻢ ﻭﺗﺮﻛﻬﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻮﺍﺟﺐ ﺍﳉﻬﺎﺩ ‪.‬‬
‫‪ - 3‬ﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺧﱪﺓ ﺍﳌﻘﺎﺗﻠﲔ ﰲ ﳎﺎﻝ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻨﻪ ﺧﺮﺍﺏ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻗﻠﺔ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ﻋﺪﻡ ﺗﻜﺪﻳﺲ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﻭﺍﻷﺭﺿﻲ ‪ ،‬ﺑﺄﻳﺪﻱ ﻓﺌﺔ ﺩﻭﻥ ﻓﺌﺔ ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺗﻨﺒﻪ ﺇﱃ ﺫﻟﻚ ﲨﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻣﻨﻬﻢ‬
‫ﻣﻌﺎﺫ ﺑﻦ ﺟﺒﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻘﺪﻡ ﺇﱃ ﻋﻤﺮ ﻧﺎﺻﺤﺎ ﻗﺎﺋﻼ ﻭﺍﷲ ﻳﺎ ﺃﻣﲑ ﺍﳌﺆﻣﻨﲔ ﻟﺌﻦ ﻗﺴﻤﺖ ﺍﻷﺭﺽ ﺑﲔ ﺍﻟﻔﺎﲢﲔ ﻟﻴﻜﻮﻧﻦ ﻣﺎ‬
‫ﺗﻜﺮﻩ ﺇﻧﻚ ﺃﻥ ﻗﺴﻤﺘﻬﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺻﺎﺭ ﺍﻟﺮﻳﻊ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﰲ ﺃﻳﺪﻱ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﰒ ﻳﺒﻴﺪﻭﻥ ﻓﻴﺼﲑ ﺫﻟﻚ ﺇﱃ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ‬
‫ﻭﺍﳌﺮﺃﺓ ﰒ ﻳﺄﰐ ﺑﻌﺪﻫﻢ ﻗﻮﻡ ﻳﺴﺪﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻣﺴﺪﺍ ﻭﻫﻢ ﻻ ﳚﺪﻭﻥ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺎﻧﻈﺮ ﺃﻣﺮﺍ ﻳﺴﻊ ﺃﻭﳍﻢ ﻭﺁﺧﺮﻫﻢ ‪،‬‬
‫ﻭﺃﺷﺎﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺑﻦ ﺃﰊ ﻃﺎﻟﺐ ﲟﺎ ﺃﺷﺎﺭ ﺑﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻌﺎﺫ ﺑﻦ ﺟﺒﻞ ‪ ،‬ﻭﺃﻳﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ ‪ ،‬ﻭﻃﻠﺤﺔ ﺑﻴﻨﻤﺎ‬
‫ﻛﺎﻥ ﻳﻄﺎﻟﺐ ﺑﺘﻘﺴﻴﻢ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ‪ ،‬ﺍﳌﻔﺘﻮﺣﺔ ﻋﻨﻮﺓ ﲨﻬﻮﺭ ﺍﳌﺸﺎﺭﻛﲔ ﰲ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﻭﻓﻴﻬﻢ ﺑﻼﻝ ﺑﻦ ﺭﺑﺎﺡ ‪ ،‬ﻭﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﲪﻦ‬
‫ﺑﻦ ﻋﻮﻑ ﳏﺘﺠﲔ ﺑﻔﻌﻞ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ‪. ε‬‬

‫ﻭﻃﺒﻖ ﻋﻤﺮ ﻗﺮﺍﺭﻩ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﻣﺮ ﺑﺈﺑﻘﺎﺀ ﺍﻷﺭﺽ ﺑﺄﻳﺪﻱ ﺃﺻﺤﺎ‪‬ﺎ ‪ ،‬ﻭﻓﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺿﺮﻳﺒﺔ ﺍﳋﺮﺍﺝ – ﺿﺮﻳﺒﺔ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ‬
‫ﺍﻟﺰﺍﺭﻋﺔ – ﻓﻌﻢ ﻧﻔﻊ ﺍﳋﺮﺍﺝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﲨﻴﻌﺎ ‪.‬‬
‫ﻭﻭﺍﺻﻞ ﻋﻤﺮ ﳑﺎﺭﺳﺔ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﺜﺮﻭﺓ ﺑﺸﻜﻞ ﺃﻓﻘﻲ ﻓﻬﻮ ﻳﺮﻯ ﺃﻧﻪ ﻻ ﳚﻮﺯ ﻟﺸﺨﺺ ﺃﻥ ﳛﺘﺠﺰ ﻣﻦ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ‪،‬‬
‫ﺍﻟﺼﺎﳊﺔ ﻟﻠﺰﺭﺍﻋﺔ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺃﻛﱪ ﳑﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺯﺭﺍﻋﺘﻪ ﻷﻧﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﳛﺮﻡ ﻏﲑﻩ ﻣﻦ ﻓﺮﺻﺔ ﻋﻤﻞ ﻹﺣﻴﺎﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﳌﻬﻤﻠﺔ ‪،‬‬
‫ﻭﺗﺄﺳﻴﺴﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻻ ﳚﻮﺯ ﻟﻮﱄ ﺃﻣﺮ ﺃﻭ ﺣﺎﻛﻢ ﺃﻥ ﻳﻌﻄﻲ ﻣﻮﺍﻃﻨﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺒﻮﺭ ﺃﻛﱪ ﳑﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺇﺣﻴﺎﺀﻫﺎ ﻓﺈﻥ‬
‫ﺣﺪﺙ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻭﱄ ﺃﻣﺮ ﳋﻄﺄ ﻣﻨﻪ ﰲ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ‪ ،‬ﺃﻭ ﻟﻜﺴﻞ ﻭ‪‬ﺎﻭﻥ ﻃﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﺁﺧﺬ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﻭﱄ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﻥ‬
‫ﻳﺴﺘﺮﺩ ﻣﺎ ﱂ ﻳﻘﺪﺭ ﺍﻵﺧﺬ ﻋﻠﻰ ﺇﺣﻴﺎﺋﻪ ﻭﺍﺳﺘﻐﻼﻟﻪ ﲜﻬﺪﻩ ﻭﺟﻬﺪ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺃﺳﺮﺗﻪ ﻟﺌﻼ ﺗﺘﻜﺪﺱ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﺑﺄﻳﺪﻱ ﻓﺌﺔ ﻭﲢﺮﻡ ﻣﻨﻬﺎ‬
‫ﻓﺌﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﻫﻲ ﰲ ﺃﻣﺲ ﺍﳊﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﺣﺪﺙ ﺃﻥ ﺑﻼ ﻻ ﺑﻦ ﺍﳊﺎﺭﺙ ﺃﺗﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ‪ ε‬ﻓﺎﺳﺘﻘﻄﻌﻪ ﺃﺭﺿﺎ ﻓﺄﻋﻄﺎﻫﺎ ﻟﻪ‬
‫ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻋﺮﻳﻀﺔ ﻓﻠﻤﺎ ﻭﱃ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺍﺳﺘﺪﻋﻰ ﺑﻼﻝ ﺑﻦ ﺍﳊﺎﺭﺙ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﻳﺎ ﺑﻼﻝ ﺇﻧﻚ ﺍﺳﺘﻘﻄﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ‪ ε‬ﺃﺭﺿﺎ‬
‫ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻋﺮﻳﻀﺔ ﻓﻘﻄﻌﻬﺎ ﻟﻚ ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ﱂ ﻳﻜﻦ ﳝﻨﻊ ﺷﻴﺌﺎ ﻳﺴﺄﻟﻪ ‪ ،‬ﻭﺃﻧﺖ ﻻ ﺗﻄﻴﻖ ﻣﺎ ﰲ ﻳﺪﻙ – ﺃﻱ‪ -‬ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ‬
‫ﺍﺳﺘﺜﻤﺎﺭﻩ ﻭﺍﺳﺘﻐﻼﻟﻪ ﻓﻘﺎﻝ ﺑﻼﻝ ﺃﺟﻞ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﺃﻧﻈﺮ ﻣﺎ ﻗﻮﻳﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺄﻣﺴﻜﻪ ‪ ،‬ﻭﻣﺎ ﱂ ﺗﻄﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﱂ ﺗﻘﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺄﺭﻓﻌﻪ‬
‫ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻧﻘﺴﻤﻪ ﺑﲔ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫ﻓﻘﺎﻝ ﺑﻼﻝ ‪ :‬ﻻ ﺃﻓﻌﻞ ﻭﺍﷲ ﺷﻴﺌﺎ ﺃﻗﻄﻌﻨﻴﻪ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ‪ ε‬ﻋﻤﺮ ‪ :‬ﻭﺍﷲ ﻟﺘﻔﻌﻠﻦ ﻓﺄﺧﺬ ﻋﻤﺮ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻋﺠﺰ ﻋﻦ ﻋﻤﺎﺭﺗﻪ‬
‫ﻓﻘﺴﻤﺔ ﺑﲔ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ‪ .‬ﻭﺃﻗﻄﻊ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﺃﺭﺿﺎ ‪ ،‬ﻭﻛﺘﺐ ﻟﻪ ‪‬ﺎ ﻛﺘﺎﺑﺎ‪ ،‬ﻭﺃﺷﻬﺪ ﻟﻪ‬
‫ﻧﺎﺳﺎ ﻓﻴﻬﻢ ﻋﻤﺮ ﻓﺄﺗﻰ ﻃﻠﺤﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺏ ﻓﻘﺎﻝ ﺍﺧﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻓﻘﺎﻝ ﻻ ﺃﺧﺘﻢ ﺃﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﻟﻚ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ؟ ﻓﺮﺟﻊ ﻃﻠﺤﺔ‬
‫ﻣﻐﻀﺒﺎ ﺇﱃ ﺃﰊ ﺑﻜﺮ ﻓﻘﺎﻝ ‪ :‬ﻭﺍﷲ ﻣﺎ ﺃﺩﺭﻱ ﺃﺃﻧﺖ ﺍﳋﻠﻴﻔﺔ ﺃﻡ ﻋﻤﺮ ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﺑﻞ ﻋﻤﺮ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺃﰉ ‪.‬‬
‫ﻭﺃﻗﻄﻊ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺃﻳﻀﺎ ﻟﻌﻴﻴﻨﺔ ﺑﻦ ﺣﺼﻦ ﻗﻄﻌﺔ ﺃﺭﺽ ‪ ،‬ﻭﻛﺘﺐ ﻟﻪ ‪‬ﺎ ﻛﺘﺎﺑﺎ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻃﻠﺤﺔ ﺃﻭ ﻏﲑﻩ ﺇﻧﺎ ﻧﺮﻯ‬
‫ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ – ﻳﻌﲏ ﻋﻤﺮ‪ -‬ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺭﺃﻱ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺟﺮﺍﺀ ﻓﻠﻮ ﺃﻗﺮﺃﺗﻪ ﻛﺘﺎﺑﻚ ﻓﺄﺗﻰ ﻋﻴﻴﻨﺔ ﻋﻤﺮ ﻓﺄﻗﺮﺃﻩ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ ‪:‬‬
‫ﺃﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ؟ ﻭﳏﺎ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻓﺴﺄﻝ ﻋﻴﻴﻨﺔ ﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﺃﻥ ﳚﺪﺩ ﻟﻪ ﻛﺘﺎﺑﺎ ﻓﻘﺎﻝ ‪ :‬ﻭﺍﷲ ﻻ ﺃﺟﺪﺩ ﻛﺘﺎﺑﺎ ﺭﺩﻩ ﻋﻤﺮ ‪.‬‬
‫ﻭﺍﳌﺘﺄﻣﻞ ﰲ ﻗﻮﻝ ﻋﻤﺮ ] ﺃﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﻟﻚ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ [ ﻳﺪﺭﻙ ﺩﻭﻥ ﻛﺒﲑ ﻋﻨﺎﺀ ﺃﻥ ﻋﻤﺮ ﻳﺮﻓﺾ ﺭﻓﻀﺎ ﺑﺎﺗﺎ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﲔ‬
‫ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﻭﻣﺎ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﺜﺮﻭﺓ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺒﻌﺾ ‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﺿﺪ ﻋﻴﻴﻨﺔ ﺑﻦ ﺣﺼﻦ ﻭﻫﻮ ﳑﻦ ﺗﺄﻟﻔﻬﻢ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ‪ ε‬ﻣﻦ ﺑﲏ ﻓﺰﺍﺭﺓ ‪ ،‬ﻭﺿﺪ ﺍﻷﻗﺮﻉ ﺑﻦ‬
‫ﺣﺎﺑﺲ ﳑﻦ ﺗﺄﻟﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﲏ ﻧﺼﺮ ﻭﻗﺎﻝ ﳍﻢ ‪ ] :‬ﺍﳊﻖ ﻣﻦ ﺭﺑﻜﻢ ﻓﻤﻦ ﺷﺎﺀ ﻓﻠﻴﺆﻣﻦ ﻭﻣﻦ ﺷﺎﺀ ﻓﻠﻴﻔﻜﺮ [‪ -‬ﻭﻳﻘﺼﺪ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﻧﻪ‬
‫ﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﺆﻟﻔﺔ ‪.‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﺟﺎﺀ ﻋﻤﺮ ﺇﱃ ﺃﰊ ﺑﻜﺮ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺃﺧﱪﱐ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻗﻄﻌﺘﻬﻤﺎ ﺍﻷﺭﺽ ﺃﻫﻲ ﻟﻚ ﺧﺎﺻﺔ ﺃﻭ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﲔ؟ ﻓﻘﺎﻝ‬
‫ﺑﻞ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﲔ ﻋﺎﻣﺔ ﻗﺎﻝ ‪ :‬ﻓﻤﺎ ﲪﻠﻚ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﲣﺺ ‪‬ﺎ ﻫﺎﺫﻳﻦ ؟ ﻗﺎﻝ ‪ :‬ﺍﺳﺘﺸﺮﺕ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺣﻮﱄ ﻓﺄﺷﺎﺭﻭﺍ ﻋﻠﻲ ﺑﺬﻟﻚ ‪،‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ‪ :‬ﺃﻧﻚ ﺃﻗﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻣﲏ ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻮﻗﻒ ﻋﻤﺮ ﻣﻦ ﻋﻴﻴﻨﺔ ﺑﻦ ﺣﺼﻦ ‪ ،‬ﻭﺍﻷﻗﺮﻉ ﺑﻦ ﺣﺎﺑﺲ ﻭﺇﻗﻄﺎﻉ ﺃﰊ ﺑﻜﺮ ﳍﻢ ﻗﺪ ﻳﺮﺍﻩ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻋﺠﺒﺎ ﺇﺫ ﻳﺮﻭﻥ ﻓﻴﻪ‬
‫ﻋﺼﻴﺎﻧﺎ ﺻﺮﳛﺎ ﻭﺇﻫﺎﻧﺔ ﺑﻠﻴﻐﺔ ﻻ ﲢﺘﻤﻞ ﻷﰊ ﺑﻜﺮ ﻭﻫﻮ ﺍﳋﻠﻴﻔﺔ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻓﺎﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﺴﻄﺤﻴﺔ ﻟﻸﻣﻮﺭ ﺗﻌﺘﱪ ﺑﺼﻖ ﻋﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﻭﺛﻴﻘﺔ‬
‫ﺇﻗﻄﺎﻉ ﺃﰊ ﺑﻜﺮ ﻟﻌﻴﻴﻨﺔ ﻭﳏﻮﻩ ﺇﻳﺎﻫﺎ ﺑﻴﺪﻩ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﳎﺮﺩ ﺍﺳﺘﺨﻔﺎﻑ ﺑﻮﱄ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﻭ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﰲ ﺣﲔ ﺃﻧﻪ ﰲ ﻋﻤﻘﻪ‬
‫ﻋﻤﻞ ﺟﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﻻ ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ ﳎﺮﺩ ﺇﻧﻜﺎﺭ ﺃﻥ ﻳﺴﻤﺮ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﲟﺪﺍﺭﺍﺓ ﺍﳌﺆﻟﻔﺔ ﻗﻠﻮ‪‬ﻢ ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻋﺰﻳﺰﺍ ﻳﺘﺤﺪﻯ‬
‫ﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﺴﻮﻝ ﻟﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﺘﻤﺮﺩ ﺃﻭ ﺣﱴ ﳎﺮﺩ ﺇﺛﺎﺭﺓ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ ﻭﺇﳕﺎ ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ ﺃﺳﺎﺳﺎ ﻭﺿﻊ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻫﻲ ﺃﻥ ﺗﺼﺮﻑ ﺍﻹﻣﺎﻡ‬
‫ﺃﻭ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﳐﺎﻟﻔﺎ ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻳﻔﻘﺪ ﻗﺪﺭﻩ ﻭﺃﳘﻴﺘﻪ ﻭﻭﻗﺎﺭﻩ ‪ ،‬ﻭﻳﺼﺒﺢ ﳎﺮﺩﺍ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﻷﻥ‬
‫ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻮﻕ ﻛﻞ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ‪ ،‬ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻗﺪ ﻓﻘﻪ ﺫﻟﻚ ﻭﻭﻋﺎﻩ ﺟﻴﺪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺭﻓﺾ ﲡﺪﻳﺪ ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺣﲔ ﻃﻠﺐ‬
‫ﺇﻟﻴﻪ ﲡﺪﻳﺪﻫﺎ ‪.‬‬
‫ﻭﻣﻮﻗﻒ ﻋﻤﺮ ﻣﻦ ﻋﻴﻴﻨﺔ ﻫﻮ ﻧﻔﺲ ﻣﻮﻗﻔﻪ ﻣﻦ ﻃﻠﺤﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﻃﻠﺤﺔ ﻣﻦ ﺍﳌﺆﻟﻔﺔ ﻗﻠﻮ‪‬ﻢ ﺑﻞ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺻﺪﻭﺭ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ‪،‬‬
‫ﻭﻛﺎﻥ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺴﺘﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺟﻌﻞ ﻋﻤﺮ ﺍﳋﻼﻓﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻗﺮﺏ ﺍﳌﻘﺮﺑﲔ ﺇﱃ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ‪ ،ε‬ﻭﺭﻏﻢ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻓﻌﻞ ﻋﻤﺮ‬
‫ﺑﻮﺛﻴﻘﺔ ﺃﰊ ﺑﻜﺮ ﻟﻄﻠﺤﺔ ﺑﺎﻹﻗﻄﺎﻉ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﺑﻮﺛﻴﻘﺔ ﺍﻹﻗﻄﺎﻉ ﻟﻌﻴﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺃﰊ ﺑﻜﺮ ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﺣﺎﻭﻝ ﻃﻠﺤﺔ ﺍﺧﺘﺒﺎﺭ ﻣﻮﻓﻖ ﻋﻤﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺼﺢ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﻴﻴﻨﺔ ﺑﺄﻥ ﻳﺸﻬﺪ ﻋﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻮﻗﻒ‬
‫ﻋﻤﺮ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻻ ﲣﺘﻠﻒ ﻷﻧﻪ ﰲ ﲨﻴﻊ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ ﻳﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺃﺻﻠﻴﺔ ﰲ ﻭﻋﻴﻪ ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺗﻌﻠﻮ ﻋﻦ‬
‫ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﻭﺍﳌﻘﺎﻣﺎﺕ ‪ ،‬ﻭﻋﻦ ﻛﻞ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﻏﲑﻫﺎ ‪.‬‬

‫ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﳋﺎﻣﺲ ‪:‬‬

‫ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﻋﻤﺮ ﰲ ﺍ‪‬ﺎﻝ ﺍﻟﻌﻘﺎﰊ‬

‫ﺍﻫﺘﻢ ﻋﻤﺮ ﺑﺎ‪‬ﺎﻝ ﺍﻟﻌﻘﺎﰊ ﻻ ﻳﺘﺴﺎﻣﺢ ﰲ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﳊﺪﻭﺩ ﻛﻤﺎ ﺃﻣﺮ ﺍﷲ ‪‬ﺎ ﺃﻥ ﺗﻘﺎﻡ ‪ ،‬ﺇﺫ ﰲ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﺣﻴﺎﺓ ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ‬
‫ﻳﺘﺮﻳﺚ ﰲ ﺇﻗﺎﻣﺘﻬﺎ ﺣﱴ ﺗﻘﻮﻡ ﺍﳊﺠﺔ ﻭﻳﺘﻀﺢ ﺍﻟﱪﻫﺎﻥ ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﻘﻴﻤﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﺇﺫ ﻻ ﺗﻘﺎﻡ ﻻ ﺍﳊﺪﻭﺩ ﺑﺎﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻓﻬﻮ‬
‫ﻳﻌﺮﺽ ﺍﳊﺪﻭﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻭﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﺍﶈﻴﻄﺔ ‪‬ﺎ ﻭﺍﻹﻗﺪﺍﻡ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺘﺴﺎﻣﺢ ﰲ ﺛﺒﺘﺖ‬
‫ﻭﺍﻧﺘﻘﺖ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﻭﻟﻮ ﻋﻠﻰ ﺃﻗﺮﺏ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻪ ‪.‬‬
‫ﻭﻗﺪ ﺍﺟﺘﻬﺪ ﻋﻤﺮ ﰲ ﺍﳋﻤﺮ ‪ ،‬ﻭﻋﺎﰿ ﻣﺎ ﺃﻓﺮﺯﺗﻪ ﺍﳊﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﱵ ﻭﺭﺛﻬﺎ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﰲ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻥ ﺑﺎﻟﺸﺎﻡ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻛﻞ‬
‫ﺗﺘﻤﺜﻞ ﰲ ﺗﻌﻮﺩ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺷﺮﺍﺏ ﺍﳋﻤﺮ ‪ ،‬ﻭﺟﺎﺀ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺘﺤﺮﳝﻪ ﻓﺄﺧﺬﻭﺍ ﻳﺘﺄﻭﻟﻮﻥ ﻭﻳﺒﺤﺜﻮﻥ ﻋﻦ ﳐﺮﺝ ﻳﺴﻤﺢ ﳍﻢ ﺑﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﳋﻤﺮ‬
‫‪ ،‬ﻭﺗﻮﺟﻬﻮﺍ ﺇﱃ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻴﺤﺮﻓﻮﺍ ﺩﻻﻟﺘﻪ ‪ ،‬ﻭﻳﻘﻌﻮﺍ ﺍﻟﺸﻜﻮﻙ ﰲ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ‪.‬‬
‫ﻭﻋﻤﺮ ﻻ ﻳﻌﺠﺰﻩ ﻣﺎ ﻭﺭﺛﻪ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﺣﻀﺎﺭﺍﺕ ﻧﺼﺮﺍﻧﻴﺔ ﻭﻏﲑ ﻧﺼﺮﺍﻧﻴﺔ ﻟﻴﺤﺴﻢ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﳊﻜﻢ ﺍﳍﺎﺩﻑ ﺍﻟﺼﺎﺭﻡ ‪،‬‬
‫ﻭﲤﺸﻴﺎ ﻣﻊ ﻣﺒﺎﺩﺋﻪ ﰲ ﺍﻟﺸﻮﺭﻯ ﲨﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻲ ﺑﺎﳌﺪﻳﻨﺔ ﻭﻋﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻣﺮ ﺍﳌﺘﺄﻭﻟﲔ ﻭﻫﻢ ﺃﻣﺮ ﺍﳌﺘﺄﻭﻟﲔ ﻭﻫﻢ‬
‫ﺃﻫﻞ ﻗﻮﻝ ﺗﻌﺎﱃ ‪ } :‬ﻓﻬﻞ ﺃﻧﺘﻢ ﻣﻨﺘﻬﻮﻥ { ﺗﻌﲏ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻻﻧﺘﻬﺎﺀ ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﻛﻞ ﻣﺴﻜﺮ ‪ ،‬ﰒ ﺃﲨﻌﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﳌﺘﺄﻭﻟﲔ‬
‫ﺍﻟﺸﺎﺭﺑﲔ ﻟﻠﺨﻤﺮ ﳚﺐ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻡ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﺪ ﺷﺎﺭﺏ ﺍﳋﻤﺮ ﺑﻀﺮ‪‬ﻢ ﲦﺎﻧﲔ ﺟﻠﺪﺓ ‪.‬‬
‫ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﺟﺘﻬﺪ ﻋﻤﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﻌﺮﻳﺾ ﰲ ﺍﻟﻘﺬﻑ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺍﺳﺘﺸﺎﺭ ﻭﻭﺍﻓﻖ ﻣﺴﺘﺸﺎﺭﻳﻪ ﲟﺎ ﺃﺷﺎﺭﻭﺍ ﻋﻠﻴﻪ ‪ ،‬ﻭﺍﲣﺬ‬
‫ﺍﻹﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﻼﺯﻣﺔ ﻟﻠﺘﻨﻔﻴﺬ ﻭﰲ ﳎﺎﻝ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﻻ ﻳﻘﺘﻞ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﺇﻻ ﻧﻔﺴﺎ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻋﻤﻼ ﺑﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺇﱃ ﺃﻥ‬
‫ﻭﻗﻌﺖ ﻗﻀﻴﺔ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﱵ ﻗﺘﻠﺖ ﺑﺎﺷﺘﺮﺍﻙ ﻣﻊ ﺧﻠﻴﻠﻬﺎ ﺍﺑﻦ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻓﺘﻮﻗﻒ ﺃﻭﻻ ﰒ ﺃﻣﺮ ﺑﻘﺘﻠﻬﻤﺎ ﻭﻟﻮ ﺍﺷﺘﺮﻙ ﰲ ﻗﺘﻠﻪ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻠﺪ‬
‫ﻛﻠﻬﻢ ﻟﻘﺘﻠﻬﻢ ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﻭﺻﻞ ﺇﱃ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﺑﻌﺪ ﻣﺸﻮﺭﺓ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﰊ ﻃﺎﻟﺐ ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﱐ ﻣﺴﺎﻭﺍﺓ ﰲ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ‬
‫ﻭﻟﻜﻦ ﺣﺪﺙ ﺃﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ ﻭﺍﺣﺪ ﺍﺷﺘﺮﻙ ﰲ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﻓﺠﻌﻞ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﺑﻘﺘﻞ ﺍﳉﻤﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﻮﺍﺣﺪ ‪ ،‬ﻭﺃﺧﺬ ﻗﺮﺍﺭﻩ ﻫﺬﺍ ﻗﻮﺓ‬
‫ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻭﻗﺎﻝ ﻣﻌﻠﻼ ﺍﳊﻜﻢ ‪ :‬ﺑﺄﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺷﺎﺭﻙ ﰲ ﺍﳉﺮﳝﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻬﻞ ﻳﻨﺠﻮﺍ ﺍﳉﻨﺎﺓ ﲨﻴﻌﺎ ﻣﻦ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﳊﺪ ﻭﻻ ﻳﻘﺘﺺ‬
‫ﻣﻨﻬﻢ ؟ ﻭﰲ ﺫﻟﻚ ﻓﺴﺎﺩ ﻭﺧﺮﺍﺏ ﻓﻼﺑﺪ ﻣﻦ ﲢﻘﻴﻖ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ‪ ،‬ﻭﻟﻦ ﺗﺘﺤﻘﻖ ﺇﻻ ﺑﻌﻘﺎﺏ ﲨﻴﻊ ﺍﳌﺘﺂﻣﺮﻳﻦ ﻭﺭﺩﻉ ﺃﻣﺜﺎﳍﻢ ﻣﻦ ﺭﻭﺍﺩ‬
‫ﺍﳉﺮﳝﺔ ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﳊﻜﻢ ﻻ ﻳﺘﻨﺎﰱ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﱐ ﺑﻞ ﻫﻮ ﺗﺄﻭﻳﻞ ﺻﺎﺋﺐ ﻭﺍﺟﺘﻬﺎﺩ ﻣﻮﻗﻒ ﻷﻥ ﻧﺼﻮﺹ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﻠﻴﺎﺕ‬
‫ﻣﺮﺷﺪﺓ ﻻﺳﺘﺨﺮﺍﺝ ﺍﳊﻜﻢ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻻ ﺗﻨﺺ ﻋﻠﻰ ﺍﳉﺰﺋﻴﺎﺕ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺻﺪﻫﺎ ‪ ،‬ﻭﺗﺮﻙ ﺍﳌﻌﲎ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻣﻦ ﺍﻵﻳﺔ‬
‫ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻗﻄﻌﻲ ﺍﻟﺪﻻﻟﺔ ‪ ،‬ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺍﺳﺘﻌﻤﻞ ﻋﻤﺮ ﻭﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﻫﻢ ﻻﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﺍﳊﻜﻢ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﻟﻠﺤﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﻄﺎﺭﺋﺔ ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﻋﻤﺮ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺤﺮﻯ ﰲ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﻭﻳﺮﺍﻋﻲ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﻓﻴﻪ ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﱂ ﺗﻜﻦ ﺷﺒﻬﺔ ﻓﺈﻥ ﻻ ﻳﺆﺧﺮ ﺇﻗﺎﻣﺔ‬
‫ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﻭﺍﻟﻘﻮﺩ ﻣﻦ ﺍﳉﻨﺎﺓ ﻋﻤﻼ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ ‪ ) :‬ﻭﻟﻜﻢ ﰲ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﺣﻴﺎﺓ ( ﻭﻻ ﺃﻣﻦ ﻭﻻ ﻫﻨﺎﺀ ﻭﻻ ﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺑﺪﻭﻥ ﺯﺟﺮ‬
‫ﻭﻗﺼﺎﺹ ﻷﻥ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﳋﺒﻴﺜﺔ ﺍ‪‬ﺮﻣﺔ ﺇﺫﺍ ﱂ ﺗﺮﺩﻉ ﻋﻤﺖ ﺍﻟﻔﻮﺿﻰ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻭﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻭﰲ ﺫﻟﻚ ﻓﺴﺎﺩ ﻭﺧﺮﺍﺏ ‪.‬‬
‫ﻭﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﻫﻮ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺗﻮﺳﻊ ﰲ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺪﻳﺔ ﺑﻐﲑ ﺍﻹﺑﻞ ‪ ،‬ﻫﻮ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩ ﻣﻨﻪ ﺑﻌﺪ ﺍﺳﺘﺸﺎﺭﺓ ﻭﺗﺪﺑﺮ ﻳﺘﻤﺸﻰ ﻣﻊ‬
‫ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ‪ ،‬ﻭﻧﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺪﻳﺔ ﲝﺴﺐ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺘﻌﺎﻣﻞ ﺑﻪ ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﺷﻲﺀ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﰲ ﺍﻟﻘﺪﱘ ﺗﻌﺎﻣﻠﻮﺍ‬
‫ﻣﻘﺎﻳﻀﺔ ﺑﺎﳊﻴﻮﺍﻥ ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻌﺮﻭﺽ ‪ ،‬ﰒ ﺗﻌﺎﻣﻠﻮﺍ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮﺩ ﺫﻫﺒﺎ ﺃﻭ ﻓﻀﺔ ‪ ،‬ﻭﺗﻌﺎﻣﻠﻮﺍ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮﺩ ﺍﻟﻮﺭﻗﻴﺔ ﻭﱂ ﳜﻒ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﺮ‬
‫ﺃﻥ ﺗﻘﻴﻴﺪ ﺍﻟﺪﻳﺔ ﺑﻨﻮﻉ ﻣﻌﲔ ﻳﺆﺩﻱ ﻭﺍﻻﺭﺗﻘﺎﺀ ﻓﺠﺎﺀﺕ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺗﻪ ﻣﺮﻧﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻄﻮﺭ ﲝﺴﺐ ﻇﺮﻭﻑ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻭﺍﳌﻜﺎﻥ ﻭﻓﻖ‬
‫ﺍﻷﺻﻮﻝ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ‪.‬‬
‫ﻭﳓﻦ ﻧﻌﻄﻲ ﻻﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﻋﻤﺮ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﺍ ﺧﺎﺻﺎ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﲤﺮﺱ ﺑﺎﳊﻜﻢ ﻗﻀﺎﺀ ﻭﺗﻨﻔﻴﺬﺍ ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻮﻧﻪ ﻳﺘﻔﻮﻕ ﻋﻠﻰ ﻏﲑﻩ ﰲ‬
‫ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﺑﺎﳌﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﻣﻬﻤﺔ ﺟﺪﺍ ﰲ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ‪ .‬ﻭﺟﺮﻳﺎ ﻋﻠﻰ ﲢﺮﻱ ﻋﻤﺮ ﰲ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﳊﺪﻭﺩ ﱂ ﻳﻘﻄﻊ ﻳﺪ‬
‫ﺍﻟﺴﺎﺭﻕ ﳌﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﻟﺪﻳﻪ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻏﻠﻤﺎﻧﺎ ﳊﺎﻃﺐ ﺑﻦ ﺃﰊ ﺑﻠﺘﻌﺔ ﺳﺮﻗﻮﺍ ﻧﺎﻗﺔ ﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ ﻣﺰﻳﻨﺔ ﻭﺃﻗﺮﻭﺍ ﻋﻨﺪ ﻋﻤﺮ‬
‫ﺑﺎﻟﺴﺮﻗﺔ‪ ،‬ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻘﻄﻊ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻟﻮﻻ ﺃﻧﻪ ﺗﺪﺑﺮ ﻗﻀﻴﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﳐﺘﻠﻒ ﺟﻮﺍﻧﺒﻬﺎ ﻓﺮﺃﻯ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻗﻄﻊ ﰲ ﺣﻘﻬﻢ ‪ ،‬ﻭﻗﺎﻝ ﰲ ﺃﺳﺒﺎﺏ‬
‫ﺣﻜﻤﻪ ﺑﻌﻔﻮﻩ ﻋﻨﻬﻢ ‪ :‬ﺃﻣﺎ ﻭﺍﷲ ﻟﻮ ﺃﱐ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻧﻜﻢ ﺗﺴﺘﻌﻤﻠﻮ‪‬ﻢ ﻭﲡﻴﻌﻮ‪‬ﻢ ﺣﱴ ﺃﻥ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻟﻮ ﺃﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﺮﻡ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻞ ﻟﻪ‬
‫ﻟﻘﻄﻌﺖ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ‪.‬‬
‫ﻭﺟﻌﻞ ﻋﻤﺮ ﺍﳉﺰﺍﺀ ﻣﺎﻟﻚ ﺍﻟﺮﻗﻴﻖ ﻓﻀﺎﻋﻒ ﺍﻟﺜﻤﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺯﺟﺮﺍ ﻟﻪ ﻭﻷﻣﺜﺎﻟﻪ ‪ ،‬ﻭﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ ﱂ ﻳﻨﻔﺬﺍ ﻷﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ‬
‫ﻭﻣﺮﺍﻣﻴﻬﺎ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ ﻓﺨﺎﻟﻔﻮﺍ ﻋﻤﺮ ﻭﺭﺃﻭﺍ ﻋﺪﻡ ﺗﻀﻌﻴﻒ ﺍﻟﻐﺮﺍﻣﺔ ‪ ،‬ﻭﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻐﺮﻡ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻬﻠﻚ ﺷﻴﺌﺎ ﺇﻻ ﲟﺜﻠﻪ ﺃﻭ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻟﻜﻦ ﰲ‬
‫ﺍﺟﺘﻬﺎﺩ ﻋﻤﺮ ﺗﺄﺩﻳﺒﺎ ﳊﺎﻃﺐ ﺑﺘﺤﻤﻴﻠﻪ ﻏﺮﺍﻣﺔ ﺑﻀﻌﻒ ﺍﻟﺜﻤﻦ ﻹﺟﺎﻋﺘﻪ ﻟﺮﻗﻴﻘﻪ ﻭﺇﺣﺮﺍﺟﻪ ﻟﻠﺴﺮﻗﺔ ‪.‬‬
‫ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺣﺪ ﺍﻟﺴﺮﻗﺔ ﻳﻀﻤﻦ ﺳﻼﻣﺔ ﺍ‪‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﻭﻳﻘﻴﻬﺎ ﺃﺧﻄﺮ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺘﺤﺮﻱ ﻓﻴﻪ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﳌﺆﻛﺪﺍﺕ‬
‫ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻹﻋﺬﺍﺭ ﻗﺒﻞ ﺍﳉﺮﳝﺔ ‪.‬‬
‫ﻭﱂ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻤﺮ ﻳﻘﻄﻊ ﰲ ﻋﺎﻡ ﺍﻟﺮﻣﺎﺩﺓ ﻭﻫﻲ ﺍ‪‬ﺎﻋﺔ ‪ ،‬ﲰﻴﺖ ﺑﺎﻟﺮﻣﺎﺩﺓ ﻷﻥ ﺍﻟﺘﺮﺑﺔ ﻏﺪﺕ ﻛﺎﻟﺮﻣﺎﺩ ﻣﻦ ﻗﻠﺔ ﺍﳌﻄﺮ ﺗﺪﺭﻭﻫﺎ‬
‫ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻛﺎﻟﺮﻣﺎﺩ ﻭﻟﻜﻮﻥ ﺣﺎﺟﺔ ﺍﳉﻮﻉ ﺗﺪﻓﻊ ﺍﳉﺎﺋﻌﲔ ﺇﱃ ﺃﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﳍﻢ ﻭﰲ ﺫﻟﻚ ﺷﺒﻬﺔ ﻭﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻳﻘﻮﻝ ‪:‬‬
‫] ﺍﺩﺭﺅﺍ ﺍﳊﺪﻭﺩ ﺑﺎﻟﺸﺒﻬﺎﺕ [ ‪.‬‬
‫ﻭﻣﺒﺪﺃ ﺩﺭﺀ ﺍﳊﺪﻭﺩ ﺑﺎﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﺛﺎﺑﺖ ﰲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ‪ ،‬ﻭﺗﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ‪ ،‬ﻭﻋﻤﺮ ﻛﺎﻥ ﺣﺮﻳﺼﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﷲ ﺑﻜﻞ ﺩﻗﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﺤﺮﻱ ﲤﺸﻴﺎ ﻣﻊ ﻗﺎﻋﺪﺓ ‪ :‬ﻷﻥ ﻳﻘﻊ ﺍﳋﻄﺄ ﰲ ﺍﻟﻌﻔﻮ ﺧﲑ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﻊ ﰲ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﻓﺘﺰﻫﻖ‬
‫ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﱪﻳﺌﺔ ‪ ،‬ﻭﺗﺆﺫﻯ ﺍﻷﺟﺴﺎﺩ ﺍﻟﺴﻠﻴﻤﺔ ‪.‬‬
‫ﻭﻋﻤﺮ ﻟﻴﺲ ﺳﺒﺎﻗﺎ ﺇﱃ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﳊﺪﻭﺩ ﺣﱴ ﺗﻨﺘﻔﻲ ﺍﳌﻮﺍﻧﻊ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻭﺍﺿﺢ ﻣﺸﻬﻮﺭ ﰲ ﻗﺼﺔ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﻟﱵ ﻛﺎﻧﺖ ﳎﻬﻮﺩﺓ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻄﺶ ‪ ،‬ﻭ‪‬ﺬﺍ ﻧﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﳌﺴﺘﺸﺮﻓﲔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺰﻋﻤﻮﻥ ﺃﻥ ﻋﻤﺮ ﻛﺎﻥ ﻣﺘﺸﺪﺩﺍ ﻭﻣﺘﺄﺛﺮﺍ ﺑﺎﻟﺒﺪﺍﻭﺓ ‪ ،‬ﻭﻫﻢ ﳜﻀﻌﻮﻥ ﰲ‬
‫ﻭﻋﻤﻬﻢ ﳌﻘﺎﻳﻴﺲ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻋﻦ ﺃﺻﺎﻟﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫ﻭﰲ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﳊﺪ ﺗﻄﻬﲑ ﻣﻦ ﺍﻹﰒ ‪ ،‬ﻭﻟﻠﺘﻄﻬﲑ ﺣﺪ ﳏﺪﻭﺩ ﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺘﺠﺎﻭﺯﻩ ﻓﻠﻤﺎ ﻻﺣﻆ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺯ ﺑﺎﻟﺸﺪﺓ ﻭﺍﻟﻘﺴﻮﺓ‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﻣﺮ ﻣﻄﻴﻊ ﺑﻦ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﺣﺪ ﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﻗﺪ ﺿﺮﺏ ﺍﶈﺪﻭﺩ ﺿﺮﺑﺎ ﺷﺪﻳﺪﺍ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻠﺮﺟﻞ ﻛﻢ ﺿﺮﺑﺘﻪ ﻓﻘﺎﻝ ﺳﺘﲔ ﻗﺎﻝ‬
‫ﻋﻤﺮ ‪ :‬ﺇﻥ ﺍﻟﺴﺘﲔ ﻗﺪ ﻗﺎﻣﺖ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﲔ ‪ ،‬ﻭﺍﺳﻘﻂ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺍﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻷﻥ ﰲ ﺍﻟﺘﻌﺪﻱ ﻇﻠﻤﺎ ﻻ ﺗﻘﺮﻩ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﱵ ﻓﺮﺿﺖ‬
‫ﺍﳊﺪﻭﺩ ﻭﻳﺮﻯ ﻋﻤﺮ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻘﺎﻡ ﺍﳊﺪﻭﺩ ] ﺃﺭﺽ ﺍﳊﺮﺏ [ ﻭﺃﺻﺪﺭ ﺗﻌﻠﻴﻤﺎﺗﻪ ﺇﱃ ﻋﻤﺎﻟﻪ ﺑﻌﺪ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﳊﺪﻭﺩ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ‬
‫ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﰲ ﺍﳋﺎﺭﺝ ] ﺃﺭﺽ ﺍﳊﺮﺏ [ ‪ .‬ﻭﺃﻣﺮ ﺑﺘﺄﺟﻴﻠﻬﺎ ﺇﱃ ﺣﲔ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﱃ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﺣﱴ ﻻ ﻳﺸﺘﺪ ﺍﻟﻐﻀﺐ ﺑﺎﶈﺪﻭﺩ‬
‫ﻓﻴﺨﻮﻥ ﺃﻭ ﻳﻠﺠﺄ ﺇﱃ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﻓﻴﺘﻀﺮﺭ ﺟﻴﺶ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻣﻦ ﺧﻴﺎﻧﺘﻪ ‪ ،‬ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﺟﺎﺀ ﻟﻀﻤﺎﻥ ﺍﳌﺼﻠﺤﺔ ﻭﺿﻴﺎﻋﻬﺎ‬
‫ﺃﺧﻄﺮ ﻣﻦ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﳊﺪﻭﺩ ﻓﺮﲟﺎ ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﳊﺪ ﻫﺰﳝﺔ ﺗﻀﻴﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺭﻭﺍﺡ ﺃﻭ ﻳﺆﺩﻱ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﱃ ﺍﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺧﻄﺔ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ‬
‫ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻌﺪﻭ ‪ ،‬ﻭﺟﻠﺐ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﻣﻘﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺀ ﺍﳌﻔﺎﺳﺪ ‪.‬‬
‫ﻭﺍﻧﺘﻬﺞ ﻋﻤﺮ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺘﺮﻳﺚ ﰲ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﳊﺪﻭﺩ ﻓﻘﺪ ﺳﺄﻝ ﻋﻦ ﺭﺟﻞ ﻛﻔﺮ ﺑﻌﺪ ﺇﺳﻼﻡ ﻓﻘﺎﻝ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻢ ﺑﻪ ؟ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ‬
‫ﻗﺘﻠﻨﺎﻩ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﻓﻼ ﺟﺒﺴﺘﻤﻮﻩ ﺛﻼﺛﺎ ﺃﻃﻌﻤﺘﻤﻮﻩ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺭﻏﻴﻔﺎ ‪ ،‬ﻭﺍﺳﺘﺘﺒﺘﻤﻮﻩ ﻟﻌﻠﻪ ﻳﺘﻮﺏ ﻭﻳﺮﺟﻊ ﺇﱃ ﺍﷲ ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺍﻋﺘﺮﺽ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﳌﺮﺗﺪ ﺑﺪﻭﻥ ﺍﺳﺘﺘﺎﺑﺔ ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﻳﻘﺘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﲟﺠﺮﺩ ﺍﺭﺗﺪﺍﺩﻩ ﺣﱴ ﻳﺴﺘﺘﺎﺏ ‪ ،‬ﻭﻻ ﻳﻌﺬﺏ ﺍﳌﺮﺗﺪ ﺃﻳﺎﻡ‬
‫ﺍﺳﺘﺘﺎﺑﺘﻪ ‪ ،‬ﻭﻻ ﳚﻮﻉ ﻟﻌﻠﻪ ﻳﺮﺍﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﺍﻃﻤﺌﻨﺎ ﻓﻴﺘﻮﺏ ‪ ،‬ﻭﱂ ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻋﻤﺮ ﻗﺎﺿﻴﺔ ﺃﺑﺎ ﻣﺴﻠﻢ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﺍﺟﺘﻬﺪ ﻓﺤﻜﻢ‬
‫ﺑﺎﺟﺘﻬﺎﺩﻩ ‪ ،‬ﻭﻻ ﺿﲑ ﰲ ﺍﳋﻄﺄ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩﻱ ‪ ،‬ﻭﺍﻋﺘﺬﺭ ﻋﻤﺮ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻓﻘﺎﻝ ‪ :‬ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﱐ ﱂ ﺃﺣﻀﺮ‪ ،‬ﻭﱂ ﺃﻣﺮ ‪ ،‬ﻭﱂ ﺃﺭﺽ ﺇﺫ‬
‫ﺑﻠﻐﲏ‪.‬‬
‫ﻭﻟﻮ ﻣﻀﻴﻨﺎ ﰲ ﺍﺳﺘﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻨﻤﺎﺫﺝ ﳌﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﲟﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻭﺗﻄﺒﻴﻘﺎ‪‬ﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻮﻟﻴﺔ‬
‫ﻷﻣﻜﻨﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺼﻨﻊ ﳎﻠﺪﺍ ﺿﺨﻤﺎ ﺑﻨﺼﻮﺻﻬﺎ ﻭﺃﺳﺎﻧﻴﺪﻫﺎ ‪ ،‬ﻭﻣﻘﺎﺻﺪﻫﺎ ﻭﻣﺎ ﻳﺴﺘﻨﺒﻂ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺗﺸﺮﻳﻌﻴﺔ ﻭﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﻟﻜﻨﻨﺎ‬
‫ﺳﻨﻜﺘﻔﻲ ‪‬ﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻣﻦ ﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ ﲟﻘﺘﻀﻰ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﺔ ﻭﺍﻹﻣﺎﻣﺔ ‪ ،‬ﻭﻫﻲ ﺇﻥ ﺩﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﺷﻲﺀ ﻓﺈﳕﺎ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻋﻘﻞ ﻭﺍﻉ ‪ ،‬ﻭﻓﻜﺮ ﺣﺼﻴﻒ ‪ ،‬ﻭﻓﻬﻢ ﺩﻗﻴﻖ ﳌﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﺍﳊﻜﻴﻢ ‪ ،‬ﻭﺣﺴﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ‪ ،‬ﻭﺩﻗﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﰲ‬
‫ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ‪.‬‬
‫ﻭﲞﺼﻮﺹ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ ﻓﻘﺪ ﺍ‪‬ﻢ ﲟﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﺘﺸﺮﻳﻌﺎﺕ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻋﻤﻼ ﲟﺒﺪﺃ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﱵ ﺃﻗﺮﻫﺎ ﺍﻟﻨﱯ‬
‫‪ ε‬ﻭﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻭﻋﻤﺮ ‪ ،‬ﻭﻇﻬﺮﺕ ﰲ ﻋﻬﺪﻩ ﺍﻟﻮﺳﺎﻃﺔ ﻭﺍﶈﺴﻮﺑﻴﺔ ﳑﺎ ﻋﺠﻠﺖ ﺑﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻋﻠﻴﻪ ‪ ،‬ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﺪ‬
‫ﺗﺎﺑﻊ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻋﻤﺮ ﰲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﳉﻮﻫﺮﻳﺔ ‪ ،‬ﻭﻗﺎﻡ ﲝﺴﻢ ﺍﳋﻼﻑ ﺍﻟﺬﻱ ﻇﻬﺮ ﰲ ﻭﺟﻮﻩ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﻭﺑﺪﺃ ﻳﻨﺘﺸﺮ ﰲ‬
‫ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭﻣﺎ ﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺎﺀ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ‪ ،‬ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ ﻓﺎﲣﺬ ﻗﺮﺍﺭﺓ ﺍﳊﻜﻴﻢ ﲝﻤﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﻮﺟﻪ ﻭﺍﺣﺪ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﺸﺎﻭﺭ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻋﺎﺻﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﳌﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻭﺍﻷﻧﺼﺎﺭ ‪ ،‬ﻭﺷﻜﻞ ﳉﻨﺔ ﺭﺑﺎﻋﻴﺔ ﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﻗﺮﺍﺭﻩ ﺿﻤﺖ‬
‫ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ ﻭﻋﺒﺪ ﺍﷲ ﺑﻦ ﺍﻟﺰﺑﲑ ‪ ،‬ﻭﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺎﺹ ‪ ،‬ﻭﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﲪﻦ ﺑﻦ ﺍﳊﺎﺭﺙ ‪ ،‬ﻭﺍﻋﺘﻤﺪ ﺍﳌﺼﺤﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﰎ ﺇﺧﺮﺍﺟﻪ‬
‫ﲢﺖ ﺇﺷﺮﺍﻑ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺠﻨﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻋﻴﺔ ﻭﺃﻣﺮ ﲟﺎ ﺳﻮﺍﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﰲ ﻛﻞ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺃﻭ ﻣﺼﺤﻒ ﺃﻥ ﳛﺮﻕ ‪ ،‬ﻭﻗﺪ ﺭﺃﺕ ﲨﺎﻫﲑ‬
‫ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﰲ ﺗﺼﺮﻑ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺍﻟﺮﺷﺪ ﻭﺍﳍﺪﺍﻳﺔ ﻓﺘﺮﻛﺖ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﺑﺎﻷﺣﺮﻑ ﺍﻟﺴﺘﺔ ﺍﻟﱵ ﻋﺰﻡ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﲟﺸﻮﺭﺓ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺗﺮﻛﻬﺎ‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺍﺟﺘﻤﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺤﻒ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﺣﺮﻑ ﻭﺍﺣﺪ ‪ ،‬ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺳﺠﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﰲ ﺫﺍﻛﺮﺗﻪ ﻟﻌﺜﻤﺎﻥ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ‬
‫ﻋﻨﻪ ﻗﻄﻊ ﺩﺍﺑﺮ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻣﻬﺪﻫﺎ ‪ ،‬ﻭﺫﻟﻚ ﳛﻤﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ‪ ،‬ﻭﺣﺴﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ‬
‫ﺑﲔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ‪ ،‬ﻭﺣﺼﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﻄﺮﻕ ﺇﻟﻴﻪ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ‪ ،‬ﻭﺗﻌﺎﻗﺐ ﺍﻷﺯﻣﺎﻥ ‪.‬‬

‫‪61‬‬