Professional Documents
Culture Documents
مذاهب فكرية
معاصرة
الديمق
راطية
الشيوعي
ة
العلمانية
العقلنية
القومية
والوطنية
النسانية
اللحاد
موقع الصحوة
http://www.sahwah.net
بسم الله الرحمن الرحيم
سب ُ َ
ل قيما ً َ ه َ } َ
عوا ال ّ ول ت َت ّب ِ ُ عوهُ َ فات ّب ِ ُ ست َ ِ
م ْ طي ُ صَرا ِ
ذا ِ ن َوأ َّ
ن) قو َ عل ّك ُ ْ
م ت َت ّ ُ ه لَ َ صاك ُ ْ
م بِ ِ و ّم َ ه ذَل ِك ُ ْ سِبيل ِ ِ
ن َع ْ
م َفّرقَ ب ِك ُ ْفت َ َ
َ
] {(153سورة النعام [6/153
السواء.
" " فى النية إصدار كتاب فى هذا الموضوع بعنوان "واقعنا المعاصر". 2
محلية بحتة فى أوروبا ،وليست كما هى فى حس الوروبيين ومن
يدور فى فلكهم من الشعوب المغلوبة " قيما " قائمة بذاتها ،ول
أفكارا ً " إنسانية " تنبع نبعا ً ذاتيا ً من كيان " النسان " بوصفه
إنسانا ً .ولم يكن من الحتم أن تعتنقها أوروبا ذاتها– لو أتيحت لها
ظروف أفضل – وليس من الحتم أن يعتنقها أحد فى خارج أوروبا
ما دامت ظروفه غير ظروف القوم هناك .
وهذا الكتاب لم يكتب للمسلمين وحدهم ،وإن كان المسلمون
يستطيعون أن يفيدوا منه مزيدا ً من المعرفة بدينهم ،على قول
الفاروق عمر رضى الله عنه " :ل يعرف السلم من لم يعرف
الجاهلية ! " فمعرفة المسلمين بانحرافات الجاهلية المعاصرة
تزيدهم معرفة بكمال الدين المنزل من عند الله .
ولكنى كتبته لكل من يرغب أن يعممرف شمميئا ً عممن هممذه الممذاهب
المنتشرة فى الرض اليمموم ،وأسممباب نشممأتها وتشممكلها علممى هممذه
الصورة .ولم أقصد به أن يكون دراسة متخصصممة ،ولكنممى حمماولت
أن أضع فيه القممدر المناسممب مممن المعلومممات ،الممذى يلقممى ضمموءا ً
معقول ً على هذه المذاهب والفكار .
ولم أتحدث عن كل المذاهب المعاصرة ،فلم يكن قصدى
الستقصاء ،إنما رضت لبرز هذه المذاهب وأكثرها انتشارا ً فى
عالمنا المعاصر ،فاخترت منها :الديمقراطية والشيوعية والعلمانية
والعقلنية والقومية والوطنية والنسانية اللحاد .
فإن كنت قد قصرت فيما بذلت من الجهد فهذا هو العجز
البشرى ،وأن كنت قد وفقت فمن الله التوفيق .
محمد قطب
التمهيد الول
الدين والكنيسة
نبذة تاريخية
أول ً :تحريف الدين :
لم تعرف أوروبا قط دين الله المنزل على حقيقته الربانية .
إنما عرفت صورة محرفة من صنع الكنيسة الوروبية ل صلة لهمما
بالصممل المنممزل ،الممذى أرسممل المسمميح ليبلغممه لبنممى إسممرائيل :
}ورسول ً إَلى بِني إسراِئي َ َ
م] {...سورة ن َرب ّك ُ ْم ْ
م ِبآي َةٍ ِ جئ ْت ُك ُ ْ
ل أّني قَد ْ ِ ِ ْ َ َ ِ ََ ُ
آل [3/49
وإذا استثنينا أفرادا ً قلئل ،متناثرين على طول التاريمخ المسميحى
من بعثة عيسى عليه السمملم إلممى بعثممة الرسممول صمملى اللممه عليممه
وسلم فإن الجماهير الوروبية ظلت تستقى دينها ممن رجمال المدين
من البابوات والكرادلة ،ومممن المجممامع المقدسممة وشممراح الناجيممل
المحرفة ،وتعتبرهم مرجعا ً ل يرقى إليه الشك ول يجوز أن يناقش !
فاتخذوهم– على الحقيقة ل على المجاز – أربابا ً من دون الله :
ذوا أ َحبممارهُم ورهْبممانه َ
ن
ح اب ْم َ
سممي َ م ِ ن الل ّمهِ َوال ْ َ دو ِ ن ُ مم ْ م أْرَباب ما ً ِ ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ خ ُ }ات ّ َ
ُ
ممما
ه عَ ّحان َ ُ
سمب ْ َه إ ِل ّ هُموَ ُ حممدا ً ل إ ِل َم َ دوا إ َِلهما ً َوا ِممُروا إ ِل ّ ل ِي َعْب ُم ُ
ما أ ِ م وَ َ مْري َ ََ
ن )] {(31سورة التوبة [9/31 كو َ شرِ ُ يُ ْ
وفى القرون الثلثة الولى من ميلد المسيح كان الباطرة وثنيين
ل يؤمنون بدين منزل ،فكانوا يضطهدون النصارى من صح اعتقمماده
منهم ومن انحرف وحرف ،يسممومونهم سمموء العممذاب ،ويشممردونهم
فى الرض ،حتى اتخذ فريق منهممم الديممرة والملجممئ فممى أطممراف
الرض فرارا ً من العذاب .
وفى القرن الرابع تغير المر حين اعتنق المممبراطور قسممطنطين
المسيحية وفرضها على المبراطوريممة .ولكممن الممدين الممذى فرضممه
قسطنطين هو– باعتراف المؤرخين والمفكرين الغربييممن أنفسممهم–
شئ آخر غير الدين الذى بشر به المسيح .
يقول درابر المريكى فى كتابه " الدين والعلم "
" ودخلت الوثنية والشرك فى النصرانية بتممأثير المنممافقين الممذين
تقلممدوا وظممائف خطيممرة ،ومناصممب عاليممة فممى الدولممة الروميممة
بتظاهرهم بالنصرانية .ولم يكونوا يحفلون بأمر الدين ،ولم يخلصوا
له يوما ً من اليام ..وكذلك كان قسطنطين ..فقد قضى عمره فى
الظلم والفجور ،ولم يتقيد بأوامر الكنيسة الدينية إل قليل ً فممى آخممر
عمره )سنة 337م( .
" إن الجماعة النصرانية ،وإن كانت قممد بلغممت مممن القمموة بحيممث
ولت قسطنطين الملك ،ولكنها لم تتمكن من أن تقطع دابر الوثنيممة
وتقتلع جرثومتها .وكان نتيجممة كفاحهمما أن اختلطممت مبادئهمما ،ونشممأ
من ذلك دين جديد ،تتجلى فيه النصممرانية والوثنيممة سممواء بسممواء ..
هنالك يختلف السلم عن النصرانية إذ قضى على منافسه " الوثنية
" قضاء باتا ،ونشر عقائده خالصة بغير غش ..
" وإن هذا المممبراطور الممذى كممان عبممدا ً للممدنيا ،والممذى لممم تكممن
عقائده الدنين تسمماوى شمميئًا ،رأى لمصمملحته الشخصممية ،ولمصمملحة
الحزبيممن المتنافسممين – النصممرانى والمموثنى – أن يوحممدهما ويؤلممف
بينهممما ،حممتى إن النصممارى الراسممخين أيضما ً لممم ينكممروا عليممه هممذه
الخطممة .ولعلهممم كممانوا يعتقممدون أن الديانممة الجديممدة سممتزدهر إذا
طعمممت ولقحممت بالعقممائد الوثنيممة القديمممة ! وسمميخلص الممدين
النصرانى عاقبة المر من أدناس الوثنية وأرجاسها " "1
ويقول فشر المؤرخ النجليزى :
" إن حكمة الكنيسة المسيحية هدت آباءها الولين إلى قبممول ممما
لم يستطيعوا له منعا ً من قديم العادات والتقاليممد والمعتقممدات " !!
" بدليل استقبال الكنيسة لمبممدأ تعممدد اللهممة الراسممخ بيممن شممعوب
2
البحر البيض المتوسط ،وتطويع ذلك المبدأ لما تقتضيه عقائدها "
" !!
ويقول رينان الفيلسوف الفرنسى :
" إنه ينبغى لفهم تعليم يسوع المسيح الحقيقى كممما كممان يفهمممه
هو أن نبحث فى تلك التفاسير والشروح الكاذبة التى شمموهت وجممه
التعليم المسيحى حتى أخفته عممن البصممار تحممت طبقممة كثيفممة مممن
الظلم .ويرجع بحثنا إلى أيام بولس الذى لم يفهممم تعليممم المسمميح
بل حمله على محمل آخممر ثممم مزجممه بكممثير مممن تقاليممد الفريسممين
وتعاليم العهد القديم .وبولس كما ل يخفممى كممان رسممول ً للمممم ،أو
رسممول الجممدال والمنازعممات الدينيممة ،وكممان يميممل إلممى المظمماهر
الخارجية الدينية كالختان وغيره ن فأدخل أميمماله هممذه علممى الممدين
المسمميحى فأفسممده .ومممن عهممد بممولس ظهممر التلمممود المعممروف
بتعاليم الكنائس .وأما تعليم المسيح الصلى الحقيقى فخسر صفته
اللهية الكمالية ،بل أصبح احدى حلقات سلسلة المموحى الممتى أولهمما
منذ ابتداء العممالم وآخرهمما فممى عصممرنا الحممالى ،والمستمسممكة بهمما
جميع الكنائس ،وإن أولئك الشراح والمفسرين يدعون المسيح إلهما
" " نقل ً عن كتاب " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين " للسيد أبى الحسن الندوى . 1
الحقيقية فى تعاليم الكنيسة وهى تأليه المسيح ،ولكنه خلط بها مسألة الختان وغيرها مما سماه " مظاهر خارجية "
ولم تكن مسألة الختان التى عجزت الكنيسة عن تطبيقها هى التى أفسدت المسيحية – وهى من تعاليم إبراهيم عليه
السلم التى تلقاها من الوحى – إنما كانت مسألة التثليت وتأليه عيسى عليه السلم .
" " أى المسيحية الولى كما جاء فى كلم الكاتب بعد ذلك . 2
" " كتاب " أفكار ورجال " تأليف جرين برنتن وترجمة محمود محمود ص 207من الترجمة العربية . 3
" " وهذه تتعلق بالشريعة وكلتاهما متصلة بالصلة التى يصليها شعيب لله كما هو واضح من استنكار القوم . 2
وما كممانت الرسممالة المنزلممة علممى عيسممى ابممن مريممم بممدعا مممن
الرسالت فى هذا الشأن .بل ينص القرآن الكريم نصا ً صريحا ً على
أن عيسى ابن مريم جاء مصدقا ً لما بين يممديه مممن التمموراة – وهممى
حافلة بالتشريعات التفصيلية فى كثير من شممؤون الحيمماة – وليحممل
لبنى إسرائيل بعض الذى كان قد حرم عليهم من باب العقوبة على
ما اجترحوا من السيئات :
م ح مّر َ ذي ُ ض ال ّم ِ م ب َعْ م َ ل ل َك ُ ْ ح ّ ن الت ّوَْراةِ وَل ُ ِ م ْ ن ي َد َيّ ِ ما ب َي ْ َ دقا ً ل ِ َ ص ّ م َ }وَ ُ
َ
ن )] {(50سممورة طيعُممو ِ ه وَأ ِ م َفات ُّقوا الل ّم َ ن َرب ّك ُ ْ م ْ م ِبآي َةٍ ِ جئ ْت ُك ُ ْ م وَ ِ عَل َي ْك ُ ْ
آل [3/50
كما ينص على أن الله جعل لكل أمة شممرعة ومنهاجمًا ،وأمممر كمل
قوم أن يحكموا بمقتضى الشرع الذى نزل عليهم وإل فهم كممافرون
وظالمون وفاسقون ،حتى يممأنتى الرسممول الخيممر صمملى اللممه عليممه
وسلم فيحتكموا جميعا ً إلى شريعته .
}إنا َأنزل ْنا التوراةَ فيها هُدى ونور يحك ُم بها النبيون ال ّذي َ
موا سممل َ ُ نأ ْ ِ َ ِّّ َ َُ ٌ َ ْ ُ َِ ً ِ َ ّ َْ َ َ ِّ
كاُنوا ب الل ّهِ وَ َ حِف ُ َ ل ِل ّ ِ
ن ك َِتا ِ م ْ ظوا ِ ست ُ ْ ما ا ْ حَباُر ب ِ َ ن َوال ْ دوا َوالّرّبان ِّيو َ ها ُ ن َ ذي َ
منما ً شمت َُروا ِبآي َمماِتي ث َ َ شموِْني َول ت َ ْ خ َ س َوا ْ َ وا الن ّمما ْ شم خ َ داَء َفل ت َ ْ شه َ َ عَل َي ْهِ ُ
ن ) (44وَك َت َب َْنمما كافُِرو َ م ال ْ َ ك هُ ْ ه فَأ ُوْل َئ ِ َ ل الل ّ ُ ما َأنَز َ م بِ َ حك ُ ْ م يَ ْ ن لَ ْ م ْ قَِليل ً وَ َ
َ
ن ف َوال ُذ ُ َ لن ِ ف بمما َ
ن َوالن م َ ِ
َ
ن ِبالعَي ْ ِ
س ِبالن ّْفس َوال ْعَي ْ َ ْ
ِ ن الن ّْف َ م ِفيَها أ ّ عَل َي ْهِ ْ
ُ
ه صد ّقَ ب ِهِ فَهُوَ ك َّفاَرةٌ ل َ ُ ن تَ َ م ْ ص فَ َ صا ٌ ح قِ ُ َ جُرو َ ن َوال ْ ُ س ّ ن ِبال ّ س ّ ن َوال ّ ِبالذ ُ ِ
ن ) (45وَقَّفي ْن َمما مو َ ظمال ِ ُ م ال ّ هم ْ ك ُ ه فَمأوْل َئ ِ َ ل الّلم ُ ممما َأنمَز َ م بِ َ حك ُ ْ م يَ ْ ن لَ ْ م ْ وَ َ
ة
ن الت ّموَْرا ِ مم ْ ن ي َمد َي ْهِ ِ ممما ب َي ْم َ دقا ً ل ِ َ صم ّ م َ م ُ مْري َم َ ن َ سى اب ْ ِ م ب ِِعي َ عََلى آَثارِهِ ْ
ة
ن الت ّموَْرا ِ مم ْ ن ي َمد َي ْهِ ِ ممما ب َي ْم َ دقا ً ل ِ َ صم ّ م َ دى وَُنوٌر وَ ُ ل ِفيهِ هُ ً جي َ لن ِ َوآت َي َْناهُ ا ِ
َ َ
ه ل الّلم ُ مما أنمَز َ ل بِ َ جيم ِ لن ِ ِ لا م أهْ ُ حك ُ ْ ن ) (46وَل ْي َ ْ َ مت ِّقي ة ل ِل ْ ُ عظ َ ً مو ْ ِ دى وَ َ وَهُ ً
ن ) (47وَأنَزل َْنا َ ُ َ
سُقو َ م ال َْفا ِ ك هُ ْ ه فَأوْل َئ ِ َ ل الل ّ ُ ما أنَز َ م بِ َ حك ُ ْ م يَ ْ ن لَ ْ م ْ ِفيهِ وَ َ
منما ً عَل َي ْم ِ
ه مهَي ْ ِ ب وَ ُ ن ال ْك ِت َمما ِ مم ْ ن ي َد َي ْهِ ِ ما ب َي ْ َ دقا ً ل ِ َ ص ّ م َ حقّ ُ ب ِبال ْ َ ك ال ْك َِتا َ إ ِل َي ْ َ
َ ما َأنَز َ
ق
حم ّ ن ال ْ َ مم ْ ك ِ جمماَء َ ممما َ م عَ ّ واءَهُ ْ ه َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ ل الل ّ ُ م بِ َ م ب َي ْن َهُ ْ حك ُ ْ َفا ْ
شاءَ الل ّمه ل َجعل َك ُم ُ من َْهاجا ً وَل َوْ َ
حمد َةً ة َوا ِ مم ً مأ ّ ْ ُ َ َ ة وَ ِ شْرعَ ً م ِ من ْك ُ ْ جعَل َْنا ِ ل َ ل ِك ُ ّ
م جعُك ُم ْ مْر ِ ت إ ِل َممى الل ّمهِ َ خي ْمَرا ِ س مت َب ُِقوا ال ْ َ م َفا ْ ما آَتاك ُ ْ م ِفي َ ن ل ِي َب ْل ُوَك ُ ْ وَل َك ِ ْ
َ
ممما م بِ َ م ب َي ْن َهُ م ْ حك ُم ْ نا ْ ن ) (48وَأ ْ خت َل ُِفممو َ م ِفي مهِ ت َ ْ كنت ُم ْ ما ُ م بِ َ ميعا ً فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ ج َِ
َ َ َ َأنَز َ
ل ممما أنمَز َ ض َ ن ب َعْم ِ ك عَ ْ ن ي َْفت ُِنو َ مأ ْ حذ َْرهُ ْ م َوا ْ واَءهُ ْ ه َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ ل الل ّ ُ
ك فَإن تول ّوا َفاعْل َم أ َنما يريد الل ّ َ
م ض ذ ُن ُمموب ِهِ ْ م ب ِب َعْم ِ صمميب َهُ ْ ن يُ ِ هأ ْ ُ ْ ّ َ ُ ِ ُ ه إ ِل َي ْ َ ِ ْ َ َ ْ الل ّ ُ
َ
ن مم ْ ن وَ َ جاهِل ِي ّمةِ ي َب ْغُممو َ م ال ْ َ حك ْ َ ن ) (49أفَ ُ سُقو َ س ل ََفا ِ ن الّنا ِ م ْ ن ك َِثيرا ً ِ وَإ ِ ّ
َ
ن )] {(50سممورة المممائدة -5/44 كما ً ل َِقوْم ٍ ُيوقِن ُممو َ ح ْ ن الل ّهِ ُ م ْ ن ِ س ُ ح َ أ ْ
[50
ورغم أن وجوب تحاكم النصارى إلى ما جاء فى التوراة والنجيل
من تشريعات واضح تمام الوضوح فى الكتب المتداولة بيمن أيممديهم
بالرغم من كل ما حدث فيها من تحريف ،فممإن الكنيسممة زعمممت أن
القانون الرومانى – قانون قيصر – له شرعية تبيح اتباعه وهو يحكم
بغير ما أنزل اللممه ،ونسممبت هممذا الزعممم إلممى السمميد المسمميح ،كممما
نسبت إليه من قبل أنه قال إنه إله وإنه ابن اله ..سواء بسواء !
جاء فى أناجيلهم هذه القصة :
" ذهب الفريسيون وتشاوروا لكى يصطادوه )أى السيد المسيح(
بكلمة ،فأرسلوا إليه تلميذهم مع الهيرودسيين قممائلين :يمما معلممم ؟
إنك صادق وتعلم طريق اله بالحق ول تبالى بأحد ،لنك ل تنظر إلى
وجوه الناس فقل لنا ماذا تظن ؟ أيجوز أن تعطى جزيممة لقيصممر أم
ل ؟ فعلم يسوع خبثهم وقال :لماذا تجربوننى يا مممراءون ؟ أرونممى
معاملة الجزية .فقدموا له دينممارا ً فقممال لهممم :لمممن هممذه الصممورة
والكتابة ؟ قالوا له :لقيصممر ؟ فقممال لهممم :أعطمموا إذن ممما لقيصممر
لقيصر وما لله لله ؟ فلما سمعوا تعجبوا وتركوه ومضوا " "1
وليس لنا من سبيل إلى الجزم فى أمر هذه القصممة ،هممل حممدثت
بهذه الصورة أم يغيرها أم لم تحدث على الطلق .وإن كنمما أقممرب
إلى الشك فيها منا إلى إثباتها .ولكنا نفترض جدل ً أن القصة حدثت
على هذا النحو ،وأن المسمميح تكلممم بهممذه اللفمماظ ،فهممل يمكممن أن
يكون قصده منها هو إعطاء الشرعية لمر قيصر الذى ل يؤمن بالله
ورسوله ول يتحاكم إلى شممريعة اللممه ،وقسمممة شممؤون الحيمماة بيممن
قيصر وبين الله سبحانه وتعالى بحيث يكون لقيصر نطمماق يتصممرف
فيه على هواه ويطاع فيما يأمر به ،وتكون بقيممة الشممؤون – الممتى ل
يهتم بها القيصر – هى النطاق المتروك لله ؟!
وما الشرك إذن فى أجلى صوره ؟!
إن هذا المعنى يستحيل أن يخطر فى بال المممؤمن العممادى الممذى
يؤمن بل إله إل الله .فكيف بنبى مرسل من عند الله ؟!
إن أقصى ما يمكن أن تممدل عليممه القصممة – علممى فممرض صممحتها
جدل ً – أن المسيح عليه السلم يقول لهم :إننا لم نؤمر الن بقتممال
قيصر ،فإذا فرض عليكم الجزية – ول قبل لكم اليمموم بممرد سممطوته
عنكم – فادفعوا له الجزية حمتى يمأتى اليموم المذى يمؤذن لكمم فيمه
بالقتال لخضاع قيصر لشريعة الله .وهذا كممما قيممل للمممؤمنين فممى
صلةَ َوآت ُمموا الّزك َمما َ َ َ
ة{ ]سممورة النسمماء موا ال ّ مكة } :ك ُّفوا أي ْدِي َك ُ ْ
م وَأِقي ُ
" " انجيل متى 23 - 14 : 23 1
ُ
ن ذي َن ل ِل ّم ِ [4/77حتى جمماءهم الذن بالقتممال فممى قمموله تعممالى } :أذِ َ
َ
ديٌر )] {(39سممورة م ل ََقم ِ صمرِهِ ْ ه عَل َممى ن َ ْ ن الل ّ َ موا وَإ ِ ّ م ظ ُل ِ ُ ن ب ِأن ّهُ ْ ي َُقات َُلو َ
الحمج [22/39ثم جاء المر بالقتال لخضمماع الرض كلهمما لشممريعة
ه{ ]سممورة ه ل ِل ّم ِن ك ُل ّ ُ دي ُ ن ال ّ كو َ ة وَي َ ُ ن فِت ْن َ ٌ كو َ حّتى ل ت َ ُ م َ الله } :وََقات ُِلوهُ ْ
النفال [8/39
ولكن الكنيسة حملت هذه القصة – على فرض صحتها – فوق ممما
تحتمل ،وزعمت أن معناها أن من حق قيصر أن يحكم عالم الرض
على أن يحكم الله عالم السماء ،أو أن البدان لقيصر يفعل بهمما ممما
يشاء فى الحياة الدنيا ،وللممه الرواح فممى الخممرة ! وهكممذا سمممحت
للعالم المسيحى أن يحكمه القانون الرومممانى فممى كممل شممؤونه ممما
عدا " الحوال الشخصممية " مممن زواج وطلق ..الممخ ..وأن ينحصممر
سلطان الله على عباده فممى مشمماعر الخشمموع والتقمموى والشممعائر
التعبدية ..والحوال الشخصية التى ل يهتم بها قيصممر إذا ممما تركممت
لشممريعة اللممه ! … وتممم بممذلك فصممل العقيممدة عممن الشممريعة ،وتممم
المسخ الكامل لدين الله !
هذا الدين – بهذه الصورة – لم يكن صالحا ً للحياة .
فما يلح دين تشوه عقيدته على هذا النحممو ،ثممم تفصممل الشممريعة
فيه عن العقيدة وتحصر فى أضيق نطاق.
إن الدين يأتى لصلح الرض وإقامة حياة الناس بالقسط .
ن إ ِل َم ٍ
ه م ْ م ِ ما ل َك ُ ْ ه َ دوا الل ّ َ ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ شعَْيبا ً َقا َ م ُ خاهُ ْ ن أَ َ َ مد ْي َ }وَإ َِلى َ
سمموا خ ُ ن َول ت َب ْ َ ميمَزا َ ل َوال ْ ِ م فَأ َوُْفوا ال ْك َي ْم َ ن َرب ّك ُ ْ م ْ ة ِ م ب َي ّن َ ٌ جاَءت ْك ُ ْ غَي ُْرهُ قَد ْ َ
خي ٌْر ل َ ُ دوا ِفي ال َ الناس أ َ
م كمم ْ م َ حَها ذ َل ِك ُ ْ صل ِ ض ب َعْد َ إ ِ ْ ِ رْ ُ س
ِ ف
ْ ُ ت ول َ م
ْ ُ ه َ ءياَ شْ ّ َ
ن )] {(85سورة العراف [7/85 مِني َ مؤ ْ ِ م ُ كنت ُ ْ ن ُ إِ ْ
ن )َ (55ول دي َ معَْتمم ِ ب ال ْ ُ حمم ّ ه ل يُ ِ ة إ ِّنمم ُ خْفَيمم ً ضممّرعا ً وَ ُ م تَ َ كمم ْ عمموا َرب ّ ُ }اد ْ ُ
ة الّلم ِ معا ً إ ِ ّ َ
ه م َ ح َ ن َر ْ وفا ً وَط َ َ خ ْعوهُ َ حَها َواد ْ ُ صل ِ ض ب َعْد َ إ ِ ْ دوا ِفي الْر ِ س ُت ُْف ِ
ن )] {(56سورة العراف [56-7/55 سِني َ ح ِ م ْ ن ال ْ ُ م ْ ب ِ ري ٌقَ ِ
َ َ
م ن ل ِي َُقممو َ ميَزا َ ب َوال ْ ِ م ال ْك َِتا َ معَهُ ْ ت وَأن َْزل َْنا َ سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ سل َْنا ُر ُ }ل ََقد ْ أْر َ
ط{ ]سورة الحديد [57/25 س ِ س ِبال ِْق ْ الّنا ُ
وهذا الصمملح الممذى يقيمممه الممدين فممى الرض ينشممأ مممن انصممياع
النمماس لحقيقممة ضممخمة هممى حقيقممة التوحيممد ،بكممل أبعادهمما وكممل
مقتضياتها ،فتنضبط بها حركة النفس وحركممة الحيمماة البشممرة علممى
السواء .
التوحيد هو " الميزان " الذى يضبط النفس والحياة .
فالنسان عابد بفطرته ..
م عََلممى م وَأ َ ْ
شممهَد َهُ ْ ن ظ ُُهورِهِ ْ
م ذ ُّري ّت َهُ ْ م ْ
م ِن ب َِني آد َ َم ْ ك ِ خذ َ َرب ّ َ}وَإ ِذ ْ أ َ َ
م َقاُلوا ب ََلى َ َأنُفسه َ
شهِد َْنا{ ]سورة العراف [7/172 ت ب َِرب ّك ُ ْس ُ م أل َ ْ ِ ِ ْ
وقد تهتدى النفس بميثاق الفطرة وقد تضل .ولكنهمما – بممما أودع
فى فطرتها – تظل دائما ً تبحث عن الله … تبحث عن " المعبممود "
"1
ومن ثم فإن النسان لبد أن يعبد ..يعبد اللممه أو يعبممد شمميئا ً غيممر
الله .
وليس الفارق بين إنسان وإنسان أن هذا يعبد وهذا ل يعبد .إنممما
الفارق فى المعبود :أهو الله سبحانه وتعممالى ،المسممتحق للعبممادة،
أم غيره من اللهة التى ل واقع لها فى الحقيقة .
وتتعممدد المعبممودات مممن دون اللممه وتختلممف بمماختلف الزمممان
والمكمان ،واختلف مبلمغ الجاهليمة مممن " العلمم " الرضممى وتتوحمد
عبادة الله فل تتغير طبيعتها باختلف الزمان والمكان " . " 2
كان الناس فى جاهلياتهم المختلفة يعبدون " الب " أو يعبدون "
الطوطم " أو يعبدون " قوى الطبيعممة " المختلفممة مممن رعممد وبممرق
وريح ومطر ،ويعبدون الفلك من شمس وقمر ونجمموم ،أو يعبممدون
الصنام والوثان ،أو يعبدون البشر من النبياء والقديسممين والحبممار
والرهبان ،أو يعبدون الطبيعة ..ثم عبد النسان ذاتممه فممى الجاهليممة
المعاصرة ،ثم تعددت المعبودات فصار اسمها المموطن أو الدولممة أو
القومية أو المممذهب أو الحممزب أو الزعيممم … أو الجنممس أو النتمماج
المادى أو الدولر " ! " 3
كلها معبودات يتخذها النمماس أرباب ما ً مممن دون اللممه ،وتتحكممم فممى
حيمماتهم فيسمميرون علممى مقتضممى ممما تممأمرهم بممه فممى المموهم أو
الحقيقة .
وفى جميع تلك الحوال يكون الناس عابممدين لربممابهم وخاضممعين
لما تأمرهم به تلك الرباب .
أما فى حالة الهدى فيعبد النمماس الممه وحممده بل شممريك ،ويتبعممون
أوامره ونواهيه ،أى :يحكمون بما أنزل الله .
ويختلف المر اختلفا ً بينا ً ما بين هذه العبمادة وتلمك ،أمممر النفمس
وأمر الحياة سواء .
فأما النفس فما أبعد الفارق بين أن تعبد الوهم وأن تعبد الحقيقة
" " فى فصل " اللحاد " فيما يلى من الكتاب حديث أكثر تفصيل ً عن هذه النقطة . 1
" " يقول علم مقارنة الديان أن الدين قد " تطور " على مدى التاريخ :والحقيقة أن عقائد الجاهلية هى التى 2
تطورت أما عقيدة التوحيد فلم تتغير من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم والى أن يرث الله الرض وما
عليها .
" " يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " تعس عبد الدرهم ،تعس عبد الدينار " . 3
!
َ
ت َول الن ّمموُر )(20 ممما ُ صيُر )َ (19ول الظ ّل ُ َ مى َوال ْب َ ِ وي العْ َ ست َ ِ
ما ي َ ْ }وَ َ
ت{ ]سممورة َ وي ال َ ْ ل َول ال ْ َ َول الظ ّ ّ
وا ُ
م َ
حَياُء َول ال ْ ست َ ِ
ما ي َ ْ حُروُر ) (21وَ َ
فاطر [22-35/19
هل يستوى من يخبط فى الظلمات خبط عشواء يبحث عن شممئ
يظنه ظنا ً ول وجود له فى الحقيقممة ،ومممن يمشممى علممى النممور إلممى
وجهة يعلمها ويتوخاها ويسير قاصدا ً إليها ؟
سموِي ّا ً عَل َممى َ َ َ
شممي َ م ِن يَ ْ مم ْ دى أ ّ جه ِ م ه ِ أه ْ م َ مك ِب ّا ً عَل َممى وَ ْشي ُ م ِ ن يَ ْ م ْ }أفَ َ
ست َِقيم ٍ )] {(22سورة الملك [67/22 م ْ ط ُ صَرا ٍ ِ
أيهما أضبط حركة وأيسر مسيرا ً ؟!
أيهما أروح نفسا ً وأكثر طمأنينة ؟!
ثم إن النفس البشرية فى رحلتها على الرض لتواجه أسممئلة تممرد
– ل محالة – على الفطرة وتلطب الجواب .
من خالق هذا الكون ؟
من أين جئنا ؟
إلى أين نذهب بعد الموت ؟
من يدير الكون وينشئ الحداث ؟
لى شئ نعيش ؟
أفمن يملك دليل الرحلة يدله إلى معممالم الطريممق أهممدى أم مممن
يخبط خبط عشواء بل دليل ؟
أيهما أضبط حركة وأكثر طمأنينة ..مممن لممه غايممة موحممدة يهممدف
إليها يحممدوه حمماد واحممد إليهمما ،أم مممن لممه غايممات متعممددة متضمماربة
يحدوه إليها حداة مختلفون كل يدعو إلى طريق ؟
ل
جم ٍ سَلما ً ل َِر ُ
جل ً َ ن وََر ُ سو َ شاك ِ ُ مت َ َ كاُء ُ شَر َجل ً ِفيهِ ُ مث َل ً َر ُ
ه َ ب الل ّ ُ ضَر َ } َ
ل{ ]سورة الزمر [39/29 مث َ ًن َ ست َوَِيا ِ ل يَ ْ هَ ْ
ح مد ُ ال َْقهّمماُر )] {(39سممورة َ ََ
وا ِ ه ال ْ َ م الل ّم ُ خي ْمٌر أ ْ ن َمت ََفّرقُممو َ ب ُ }أأْرب َمما ٌ
يوسف [12/39
ثم ..أيهما أكثر كرامة ؟!
من يعبد الله الحق ،ويتحرر – من ثم – من عبادة الرباب الزائفة
كلها .ويستعلى عليها ،ويحس بوجوده اليجابى تجاهها ،سواء كممانت
بشرا ً طماغين فمى الرض بغيمر الحمق ،أو كمانت " قموى " ماديمة أو
معنوية ،أو كممانت " حتميممات " زائفممة كالحتميممة الماديممة أو الحتميممة
القتصادية أو الحتمية التاريخية ،أو كانت أهواء وشهوات ذاتيممة ..أم
من يعبد هذه الرباب الزائفة المتفرقة ويخضع لسلطانها فتسممتعبده
بذلك السلطان ؟!
ثم ..أيهما أكثر كرامة ؟!
من يعبد الله الذى يكرمه ابتداء ويمنحه الوجود ويمنحممه المكانممة
العالية .
نمم ْ م ِ ح مرِ وََرَزقْن َمماهُ ْ م ِفي ال ْب َمّر َوال ْب َ ْ مل َْناهُ ْ
ح َم وَ َ مَنا ب َِني آد َ َ}وَل ََقد ْ ك َّر ْ
ضمميل ً )] {(70سممورة خل َْقن َمما ت َْف ِن َ مم ْ م عََلى ك َِثي مرٍ ِ
م ّ ضل َْناهُ ْ
ت وَفَ ّ الط ّي َّبا ِ
السراء [17/70
أم من يعبد اللهة التى تسممتعبد أصممحابها فتممذلها وتسمملبها الرادة
وتسلبها الوجود ؟
ذلك أمر " النفس " مع عقيدة التوحيد .
الستبصار والمن والكرامة وتوحد الهدف وتوحد الطريق .
وإن النفممس الممتى تعبممد اللممه الحممق ،وتطمئن بممذكره وعبممادته،
وتعرف دليل رحلتها على الرض ،من أين وإلى أين ،لتتوحد طاقتهمما
وتترتب ذراتهما كمما تمترتب ذرات الحديمد فمى قطعمة المغنماطيس،
فتصبح طاقة كونية هائلة بدل ً من أن تصبح بددا ً ضائعا ً فى التيه .
أما الحياة البشرية – حياة المجموع البشرى – فميزانها كذلك هو
التوحيد .
من الذى يرسم للبشرية منهج الحياة ؟ من الذى يقول همذا حلل
وهذا حرام ؟ هذا مباح وهذا غير مباح ؟ هذا حسن وهذا قبيح ؟ هذا
طيب وهذا خبيث ؟!
إنه – من جهة – حق الله الحقيقى على عباده ،وليس حق اللهة
َ
المدعاة ،فبما أنه هو الخالق فهو – سبحانه – صاحب المر } :أل ل َ ُ
ه
َ
مُر{ ]سورة العراف [7/54 خل ْقُ َوال ْ ال ْ َ
ثم أنه – من جهة أخرى – حق العليم الخبير ،وليس حممق الجهممال
َ
سممى م وَعَ َ خي ٌْر ل َك ُ ْشْيئا ً وَهُوَ َ هوا َ ن ت َك َْر ُعسى أ ْ المحدودى الفاق } :وَ َ
َ َ
ن ){(216 مممو َ م ل ت َعْل َ ُ م وَأن ْت ُم ْه ي َعْل َم ُم َوالل ّم ُ شّر ل َك ُم ْ شْيئا ً وَهُوَ َ حّبوا َ ن تُ ِأ ْ
]سورة البقرة [2/216
وفى عقيدة التوحيد تكون الحاكمية – أى حممق التحليممل والتحريممم
والباحة والمنع – لله وحده دون شريك .
وفى الجاهلية تكون الحاكمية للبشر ،مممع اللممه ،بخلممط شممئ مممن
التشريع اللهى مع شئ من التشريع البشرى ،أو من دون الله ،بنبذ
التشريع الربانى جملة واتخاذ شرائع كلهمما مممن صممنع البشممر ،سممواء
كان البشر فردا ً حاكما ً بأمره ،أو فردا ً حاكما ً بمشورة طائفممة غيممره
من البشر ،أو كانوا كل البشر على السواء ..
وكل ذلك إشراك مع الله وكفر بالله " :" 1
ْ َ
ه{ ن ب ِمهِ الل ّم ُ ممما ل َم ْ
م ي َمأذ َ ْ ن َ دي ِ ن الم ّ مم ْ م ِ عوا ل َهُم ْ شَر ُ كاُء َ شَر َ م ُ م ل َهُ ْ}أ ْ
]سورة الشورى [42/21
دون ِمهِ أ َوْل ِي َمماَء{ ن ُمم ْ م َول ت َت ّب ِعُمموا ِ ن َرب ّك ُم ْ مم ْم ِ ل إ ِل َي ْك ُم ْممما أ ُن ْمزِ َ
}ات ّب ُِعوا َ
]سورة العراف [7/3
ُ َ
ن ){(44 م ال ْك َممافُِرو َ ك ه ُم ْ ه فَمأوْل َئ ِ َل الّلم ُ ممما أنمَز َ م بِ َ حك ُم ْم يَ ْ ن ل َم ْ
مم ْ }وَ َ
]سورة المائدة [5/44
ويختلف المر اختلفما ً بينما ً ممما بيممن عقيممدة التوحيممد ،الممتى تجعممل
الحاكمية لله ،وعقائد الشرك والكفر التى تجعل الحاكمية للبشر مع
الله أو من دون الله .
يختلف أول ً من ناحية الكرامة البشرية ،ويختلممف ثاني ما ً مممن ناحيممة
الواقمع البشممرى .فأممما مممن ناحيمة الكرامممة البشممرية ففممى عقيمدة
التوحيد ،التى تجعل الحاكمية لله ،يكون النمماس عبيممدا ً للممه وحممده –
وهو الكريم المركم – متحررين من كل عبودية لغير الله ،مسممتعلين
بوجودهم على الطواغيت .وفى عقائد الشرك والكفر ،التى تجعممل
الحاكمية للبشر مع الله أو من دون الله ،يكون بعممض البشممر أرباب ما ً
وهممم المممالكون المسمميطرون المشممرعون ،وبعضممهم عبيممدا ً لولئك
الرباب .وهم الذين يقع عليهم سلطان الطواغيت .
وأما من ناحية الواقع البشرى فالعدل والرشممد هممو طممابع الحيمماة
فى ظل عقيدة التوحيد التى تجعل الحاكمية لله ،والظلممم والتخبممط
هو طابع الحياة فى ظل عقائد الشرك والكفر التى تجعل الحاكميممة
للبشر مع الله أو من دون الله .
فأممما الظلممم فينشممأ – دائممما ً – فممى الجاهليممة مممن كممون الممذين
يشرعون – سواء كممانوا فممردا ً أو طبقممة " " 2يشممرعون لمصمملحتهم
الخاصة على سحاب مصالح الخرين .
وأما التخبط فينشأ من عجز البشر عن الحاطة بالمر سمن كممل
جمموانبه السياسممية والجتماعيممة والقتصممادية والخلقيممة والماديممة
والروحية ..الخ ،وعجزهم عن رؤية النتائج المستقبلة المترتبة على
أعمالهم الحاضرة فمهما قدروا وتخيلمموا فممإن الواقممع العملممى يممأتى
دائما ً مخالفا ً لما قدروه وتخيلوه فى بعض جوانبه أو فى كل جوانبه،
" " فى ظل السلم يجتهد البشر " المؤمنون " فيما ل نص فيه .ولكن هذا ليس تشريعا ً من عند أنفسهم ،فهم إنما 1
يجتهدون فيما أذن الله لهم أن يجتهدوا يه ،ولول إذن الله لهم ما كان لهم أن يجتهدوا ول يضعوا الحكام ،فهم – بهذا
الذن – يضعون الحكام ولكنهم ل يشاركون فى الحاكمية التى هى حق التحليل والتحريم والباحة والمنع ،وفضل ً عن
ذلك فإن الجتهاد محكوم بالصول العامة للشريعة ل يخرج عن إطارها .
" " ل يوجد فى الواقع فرد واحد يحكم بمفرده ،إنما يكون الحاكم دائما ً طبقة يمثلها فرد أو أفراد . 2
وتنبت دائما ً مشاكل جديدة من الحلول المبتسرة التى يواجهون بها
مشاكلهم ،لم تكن فى حسبان الذين وضعوا هممذه الحلممول .وهكممذا
تظل الحلقة المفرغة :مشكلت قائمة ،وحلول مبتسرة تنبت منهمما
مشكلت جديدة توضع لها حلممول مبتسممرة جديممدة وهممذا إذا أحسممنا
الظممن بواضممعى الحلممول وافترضممنا أنهممم مخلصممون فممى وضممع ممما
يضعون من حلول وأنهم ل يخططممون ليقمماع البشممرية فممى الخبممال
لغايات شريرة " " 1
بينممما تقمموم شممريعة اللممه علممى العممدل ،لن اللممه –س سممبحانه –
ليست له مصلحة ذاتية يطلبها من وراء تلمك الشمريعة ،وهمو الغنمى
الحميد ،مالك الملك كله الذى ل تنفد خزائنه .إنما يريد اللممه الخيممر
لعباده والبر بهم والزكاة والطهر والنظافة والرتفاع .
َ َ
ن
تأ ْ وا ِ ش مه َ َن ال ّ ن ي َت ّب ِعُممو َ
ذي َ ري مد ُ ال ّم ِ م وَي ُ ِ ب عَل َي ْك ُم ْن ي َُتو َ ريد ُ أ ْ ه يُ ِ }َوالل ّ ُ
ظيما ً )] {(27سورة النساء [4/27 مي ْل ً عَ ِ ميُلوا َ تَ ِ
كما أن شريعة اللممه تتسممم بالرشممد ،لن منزلهمما – سممبحانه – هممو
اللطيف الخبير ،الذى يعلم حقيقة النفس البشرية الممتى خلقهمما }َأل
خِبي مُر )] {(14سممورة الملممك [67/14 ف ال ْ َ طي ُ خل َقَ وَهُوَ الل ّ ِ ن َ م ْ م َ ي َعْل َ ُ
ويعلم ما يصلحها وما يصلح لها ،وهو سبحانه عالم الغيب والشممهادة
الذى ل ينممد عممن علمممه مثقممال ذرة فممى السممموات ول فممى الرض،
والذى يحيط علمه بالماضى والحاضممر والمسممتقبل فممى كممل لحظممة
من لحظات هذا الوجود كله ،فينزل التشريعات التى يعلم – سبحانه
– أنه يتحقق منها الخير ول يقع منهمما الشممر ،والممتى تكممون فممى كممل
لحظة مناسبة لما نزلت من أجله .
والتوحيد يشمممل ذلممك كلممه ..يشمممل العقيممدة الممتى تسممتقيم بهمما
النفس ،والشريعة التى تستقيم بها الحياة .
إذ التوحيد – الذى يقوم عليه المدين المنمزل ممن عنمد اللمه – همو
توحيد الله فى ذاته وتوحيده فى صفاته وأفعاله .ومن صفاته الممتى
ينفرد بها – سبحانه – أنه صاحب الخلق وصاحب الممر كمما ممر بنما
فى آية العراف .
َ َ
مُر{ ]سورة العراف [7/54 خل ْقُ َوال ْ ه ال ْ َ }أل ل َ ُ
وأن الحكم – أى الحاكمية – له وحده فى كل شئ .
َ َ
نم وَل َك ِم ّ
ن ال َْقي ّم ُ
دي ُ
ك الم ّ دوا إ ِل ّ إ ِّياهُ ذ َِلم َ مَر أل ّ ت َعْب ُ ُ م إ ِل ّ ل ِل ّهِ أ َحك ْ ُ ن ال ْ ُ }إ ِ ْ
أَ
ن )] {(40سورة يوسف [12/40 مو َ س ل ي َعْل َ ُ ِ نا
ّ ال ر
َ َ ثْ ك
أما الشرك – المقابل للتوحيد – فهو يقع إما فى العبادة – بمعنممى
" " سيأتى فيما بعد حديث عن دور اليهود فى إفساد أوروبا . 1
التوجه لغير الله بالشعائر التعبدية مع الله أو مممن دون اللممه – وإممما
فى التباع – بمعنى التحريم والتحليل والمنع والباحة ممن دون اللمه
وبغير إذن من الله – أو فيهما جميعا ً كما فى آية النحل :
يءٍ شم ْ ن َ مم ْ دون ِمهِ ِ ن ُ مم ْ ما عَب َد َْنا ِ ه َ شاَء الل ّ ُ كوا ل َوْ َ شَر ُ ن أَ ْ ذي َ ل ال ّ ِ }وََقا َ
يٍء{ ]سممورة النحممل شم ْ ن َ مم ْ دون ِمهِ ِ ن ُ مم ْ من َمما ِ حّر ْ ن َول آَباؤُن َمما َول َ حم ُ نَ ْ
[16/35
والتوحيد هو الذى يصلح الرض ،والشرك هو الذى يحدث الفسمماد
الذى ينهى الله عباده عنه :
مع ما ً إ ِ ّ َ
ن وف ما ً وَط َ َ خ ْ حَها َواد ْعُمموهُ َ صممل ِ ض ب َعْ مد َ إ ِ ْ دوا ِفي الْر ِ س ُ }َول ت ُْف ِ
ن )] {(56سورة العراف [7/56 سِني َ ح ِ م ْ ن ال ْ ُ م ْ ب ِ ري ٌ ة الل ّهِ قَ ِ م َح َ َر ْ
إذا علمنا ذلك لكه ،وهو من بديهيات الدين المنزل من عنممد اللممه،
استطعنا أن ندرك مدى التحريف البشع الذى أحممدثته الكنيسممة فممى
دين الله المنزل على عيسى ابن مريم ،سواء فممى تشممويه العقيممدة
بقضية التثليت وتأليه عيسى عليممه السمملم ،أو بفضممل العقيممدة فممى
ذلك الدين عن الشريعة ،وتقديمه للناس عقيدة منفصمملة خلمموا ً مممن
التشريع إل القليل ،واستطعنا أن ندرك مدى الشرك – فى العقيممدة
والتباع معا ً – الذى أدخلته الكنيسة على دين التوحيممد الممذى يلتقممى
فيه الرسل جميعا ً من أولهم إلى خاتمهم عليه الصلة والسلم.
حي َْنما إ ِل َي ْم َ َ
مما ك وَ َ ذي أوْ َ صى ب ِهِ ُنوحما ً َواّلم ِ ما وَ ّ ن َ ِ دي
ن ال ّ م ْ م ِ شَرعَ ل َك ُ ْ } َ
ن َول ت َت ََفّرقُمموا عيسممى أ َ َ
دي َ ممموا الم ّ ن أِقي ُ ْ سممى وَ ِ َ مو َ م وَ ُ هيم َ صي َْنا ب ِمهِ إ ِب َْرا ِ وَ ّ
ه{ ]سورة الشورى [42/13 ِفي ِ
ذلك الشرك الذى أشار القرآن إلى أحد طرفيه فى هاتين اليتين
:
م{ ]سممورة مْري َم َ ن َ ح اب ْم ُسممي ُ م ِ ه ه ُ مو َ ا ل ْ َ ن الل ّم َ ن َقاُلوا إ ِ ّ ذي َ }ل ََقد ْ ك ََفَر ال ّ ِ
المائدة [5/72
ة{ ]سورة المائدة [5/73 ث َثلث َ ٍ ه َثال ِ ُ ن الل ّ َ ن َقاُلوا إ ِ ّ ذي َ }ل ََقد ْ ك ََفَر ال ّ ِ
وأشار إلى طرفيه معا ً فى هاتين اليتين :
ن الل ّم ِ
ه ح اب ْم ُ سممي ُ م ِ صاَرى ال ْ َ ت الن ّ َ ن الل ّهِ وََقال َ ْ ت ال ْيَ َُهود ُ عَُزي ٌْر اب ْ ُ }وََقال َ ْ
م ل قَممات َل َهُ ْ ن قَب ْم ُ مم ْ ن ك ََف مُروا ِ ذي َ ل ال ّ ِ ن قَوْ َ ضاهُِئو َ م يُ َ واهِهِ ْ م ب ِأفْ َ ك قَوْل ُهُ ْ ذ َل ِ َ
ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ ه أ َّنى ي ُؤْفَ ُ
ن الل ّ ِ
ه دو ِ ن ُ م ْ م أْرَبابا ً ِ ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ خ ُ ن ) (30ات ّ َ كو َ الل ّ ُ
ُ
ه إ ِل ّ هُ م َ
و حممدا ً ل إ ِل َم َ دوا إ َِله ما ً َوا ِ م مُروا إ ِل ّ ل ِي َعْب ُم ُ ما أ ِ م وَ َ مْري َ َ ن َ ح اب ْ َ سي َ م ِ َوال ْ َ
ن )] {(31سورة التوبة [31-9/30 كو َ شرِ ُ ما ي ُ ْ ه عَ ّ حان َ ُسب ْ َ ُ
وأخيرا ً نستطيع أن ندرك أن ذلك الدين – بصورته المشمموهة تلمك
– لم يكن صالحا ً للحياة .
ومع ذلك فإن الكنيسة ورجالها لم يكتفمموا بهممذه الخطيئة الكممبرى
فى حق الدين السماوى ،إنما أضافت إليها خطايا أخرى ومنكرات !
ثانيًا :طغيان الكنيسة ورجال الدين :
حممولت الكنيسممة ديممن اللممه المنممزل إلممى روحانيممات صممرفة أو
روحانيات غالبة بقصره على شعائر التعبد ومشاعر التبتل والخشوع
والتقوى ،وإبعاد الجانب الذى يحكم الحياة العملية – أى الشممريعة –
إل قليل ً منه ،وتممرك هممذا الجممانب لقيصممر ،ويتصممرف فيممه بمقتضممى
القانون الرومانى غير متقيد بما أنزل الله .
وكان المظنون أن تكون مهمتها تعميق الجممانب الروحممى – الممذى
قصممرت الممدين عليممه – وأن تكممون وسمميلتها إلممى ذلممك هممى التربيممة
الروحية التى تربط القلوب بالله ،لتحبه وتخشاه .
ولكن الكنيسة لمم تكتمف بهمذا الجمانب – المنطقمى ممع تصمورها
وتصويرها للدين – بل مارست سلطانا ً " دنيويًا" هائل ً يتنافى مع هذا
التصور ،ول يفسره شئ فى حقيقة الواقع إل رغبة الطغيان !
بل إنها – حتى فى الجانب الروحى البحت – قد مارست طغيانهمما
الهائل ،فأبت أن تتصل قلوب المؤمنين بربهممم مباشممرة بل وسمميط،
وأصرت أن تكون هى وحدها – ول سممواها – الواسممطة الممتى تتصممل
القلوب عن طريقها بالله !
ويجممدر بنمما أن نفصممل هممذا الطغيممان إلممى أبمموابه المختلفممة الممتى
مارستها الكنيسة على العقول والرواح والبدان ،مستغلة سمملطانها
على القلوب ،الذى يصاحب الجانب الروحى عادة فى حياة الناس .
ونحتاج فى هذا الشأن أن نتحممدث أول ً عممن " رجممال الممدين " ثممم
نتحدث بعد ذلك عن طغيان رجال الدين ،الذى اتخذ مظاهر متعددة
أهمها :
الطغيان الروحى .
الطغيان العقلى والفكرى .
الطغيان المالى .
الطغيان السياسى .
الطغيان العلمى .
) (1رجال الدين :
لكل دين – سماوى أو غير سماوى – رجال يقومون بتلقين الدين
للناس ،وتعليمهم إياه ،ويكونممون – فممى نظممر النمماس علممى القممل –
ألصق بأمور الدين وأعرف بها مممن سممواد النمماس الممذين يكتفممون –
عادة – بممارسة ما يتلقونه من أولئك المعلميممن دون تعمممق فيممه .
وإذا كان هذا شأن كل دين – سماوى أو غير سممماوى – فممإن الممدين
المنزل من عند الله يفترق فى هذا الشأن عممن الديممان المصممنوعة
على يد البشر فى خصلتين اثنتين على أقل تقدير .
الولى :أن يكون الذين يعلمون الدين للناس أقرب فى سلوكهم
إلى حقيقة هذا الدين ومقتضياته أى أكثر وعيا ً وأكثر إخلصا ً وأقممرب
إلى الله ،كما كان المهمماجرون والنصممار بالنسممبة للجيممل الول مممن
المسلمين ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
والثانية :أن يكونوا متفقهين فى أمر الدين ليجيبمموا النمماس علممى
أسئلتهم التى تخطر لهم بشأنه ،سواء فى الجانب التعبدى المتصممل
بالعقيدة والشعائر ،أو الجانب العملى المتصل بالشريعة .
م
من ْهُ م ْ ل فِْرقَ مةٍ ِ ن ك ُم ّم ْول ن ََفَر ِ ة فَل َ ْ ن ل َِينِفُروا َ
كافّ ً ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مُنو َ ما َ
كا َ }وَ َ
مم ل َعَل ّهُ م ْ
جعُمموا إ ِل َي ْهِ م ْ م إِ َ
ذا َر َ ن وَل ُِينذُِروا قَ موْ َ
مه ُ ْ دي ِة ل ِي َت ََفّقُهوا ِفي ال ّ َ
طائ َِف ٌ
ن )] {(122سورة التوبة [9/122 حذ َُرو َ يَ ْ
وأمممر طممبيعى أن يكممون مثممل هممؤلء الرجممال موضممع التقممدير
والحترام من بقية الناس ،ولكنهم – بحكم طبيعة الدين المنزل من
عند الله – ل يكونون موضع التقممديس .أول ً :لنهممم يعلمممون الممدين
الحق ،والدين الحممق يجعممل التقممديس للممه وحممده وليممس لحممد مممن
البشر ،وثانيا ً :لنهم يعلمون الدين بجانبيه :ما يتعلق منممه بالعقيممدة
والشعائر وما يتعلممق بتنظيممم أمممور الحيمماة الممدنيا بمقتضممى الشممرع
الربانى ،فيخاطبون فممى النمماس جممانبهم الروحممى وجممانبهم العقلممى
والعملى التطبيقى ،فيظل ارتباط الناس بهم ارتباطا ً واعيما ً ل سمحر
فيه ول غموض ول أسرار .ومن ثم ل يصبحون – فى حس الناس –
وسممطاء بينهممم وبيممن اللممه ،وإنممما وسممطاء بينهممم وبيممن المعرفممة
الصحيحة بأمور الدين .وفرق بين الوساطتين كبير !
ومن ثم فل يوجد فى الممدين المنممزل مممن يطلممق عليهممم " رجممال
الدين " إنما يوجد رجممال صممالحون مممن جهمة ،وعلممماء وفقهمماء فممى
الدين من جهة أخرى .وليس لهؤلء ول هؤلء على النمماس سمملطان
إل سلطان المحبة والتقدير ،ومكان القدوة الصالحة فى النفوس .
وحقيقة أن موسى عليه السلم – بوحى من ربه – قممد نمماط بكممل
سبط من أسباط بنى إسرائيل الثنى عشر أعمال معينممة يتوارثونهمما
بينهم ،ومن بينهمما إقامممة الشممعائر والنسممك مممما أوجممد فيهممم كهانممة
وكهانا ..ولكن هذا كان أمرا تنظيميا فيما بين السممباط لربممط بنممى
إسرائيل بعضهم ببعض حتى ل يتفرقوا ول يختلفوا فيما بينهممم ،ولممم
تكن كهانة للدين ذاته ،أى وساطة بين بنى إسرائيل وبين الله .
أما الديان الموضوعة فلها شأن آخر ..
إنها أول أديان موضوعة ل تعرف الله الحق ول تعرف الناس بممه .
ومن ثم فإن مفهومها الدينى ليس هو المفهوم الصحيح ،والقداسممة
فيها ليست وقفا على الله وحده كما ينبغى فى الدين الحق .
وهى ثانيا تتكئ على الجانب الروحى :جممانب العقيممدة والشممعائر
والنسك ،أكثر بكثير مممن الجممانب العقلممى والعملممى التطممبيقى – إن
اهتمت بهذا المر على الطلق – ومن ثم يصبح ارتباط النمماس بهممم
ارتباطا روحيا ووجدانيا خاليا تقريبا من المموعى ،أو – عنممد البسممطاء
من الجماهير – خاليا من الوعى على الطلق .
ومن هنا يصبح فى هممذه الديممان كهممان أو رجممال ديممن يمارسممون
سلطانا روحيا هائل على الجماهير ،وتحيط بهم هالممة مممن الغممموض
والسرار ..ويصبحون هم الوسطاء بين الناس وإلههم الذى يعبدون
!
وقد كان هذا هو شأن المسيحية المحرفة التى وضممعتها الكنيسممة
الوروبية .
إنها دين وضعى وإن تمسح بالمسيح عيسى ابممن مريممم وبممالوحى
الربانى .وزعم أنه من عند الله .
ومن ثم كانت له كهانة ،وكان له رجال دين ..وكان هؤلء الكهان
– والبابا على رأسهم – وسطاء بين الناس وبين الله !
لقد حاولت الكنيسممة أن تسممند وجودهمما وسمملطانها إلممى المسمميح
عليه السلم ،إما بتأويل كلمات قالها بالفعل تأويل يناسممب أهممدافها،
وإما باختراع كلمات لم يقلها وإلصمماقها بممه ،كممما فعلممت فممى قضممية
البنوة والتألية ،وإعطاء قانون قيصر شرعية كشريعة الله .
تزعم الكنيسة أن المسيح قممال لبطممرس كممبير الحممواريين :أنممت
بطرس ،وعلى هذه الصخرة ابنى كنيستى وأبواب الجحيم لن تقوى
عليها .وأعطيك مفاتيح ملكمموت السممموات ،فكممل ممما تربطممه علممى
الرض يكون مربوطا فممى السممماوات ،وكممل ممما تحلممه علممى الرض
يكون محلول فى السموات " "1وأنممه قممال " :أنممى أهممب سمملطانى
لكنيستى "
ورتبت الكنيسة على هذا لزعم أن المكان الذى مات فيه بطرس
– وهو روما – لبد أن يكون مقرا للنفوذ الدينى الذى يبسط ذراعيممه
على الرض كلها ممثل فى الكنيسة ،وإن ما تقوله الكنيسة – ولعلى
رأسها البابا – واجب الطاعة لنه من أمر الله .
ولكن القضية كلها قائمة على أساسين واهبين هاويين :
قائمة على أساس أن المسيح عليه السلم ذو طبيعممتين إحممداهما
" " انجيل متى ،الصحاح السادس عشر " " 20 – 19 1
لهوتية والخرى ناسوتية ،ومن ثم فهو إله وبشر فممى ذات المموقت،
وهو علممى هممذه الهيئة وسمميط بيممن البشممر ذوى الطبيعممة الناسمموتية
الخالصة والله ذى الطبيعة اللهوتية الخالصة !! فهممو ليممس رسممول
يبلغ وحى الله للناس – كما هو فى الحقيقة – إنما هو حلقة وسيطة
تمر بها مشاعر الناس وأعمالهم لكى تصل إلى الله ،كممما تمممر مممن
خلله كلمة الله إلى الناس !
وقائمة – من بعد – على أساس أن الكنيسة هى وريثممة المسمميح،
ومن ثم فإن لها ذات الوضممع وذات السمملطان الممذى كممان للمسمميح،
فهممى مقدسممة ،و" قداسممة " البابمما – ومممن يكممل المممر إليهممم مممن
الكرادلة وغيرهم – هممم الوسممطاء الممذين تمممر بهممم مشمماعر النمماس
وأعمالهم لكى تصل إلى الله ،كما تمر من خللهممم كلمممة اللممه إلممى
الناس !!
وكل المرين ل يقوم على أساس فى دين الله ..
فالرسل فى دين الله هم رسل فحسب .
سممول ً )] {(93سممورة شممرا ً َر ُ ت إ ِل ّ ب َ َ كن م ُ ل ُ ن َرب ّممي هَ م ْ حا َ س مب ْ َ ل ُ }قُ م ْ
السراء [17/93
ل{ ]سممورة آل سم ُ ن قَب ْل ِمهِ الّر ُ مم ْ ت ِ خل َم ْ ل قَ مد ْ َ سو ٌ مد ٌ إ ِل ّ َر ُ ح ّ م َ ما ُ }وَ َ
[3/144
م ل ل َك ُ ْ ب َول أ َُقو ُ م ال ْغَي ْ َ
َ
ن الل ّهِ َول أعْل َ ُ خَزائ ِ ُ دي َ عن ِ م ِ ل ل َك ُ ْ ل ل أ َُقو ُ }قُ ْ
حى إ َِلي{ ]سورة النعام [6/50 كإ َ
ما ُيو َ ن أت ّب ِعُ إ ِل ّ َ مل َ ٌ ِ ْ إ ِّني َ
َ َ
م ت أعَْلمم ُ كن ُ ه وَل َوْ ُ شاَء الل ّ ُ ما َ ضّرا ً إ ِل ّ َ سي ن َْفعا ً َول َ ك ل ِن َْف ِ مل ِ ُ للأ ْ }قُ ْ
خير وما مسِني السوُء إ َ
شيٌر ذيٌر وَب َ ِ ن أَنا إ ِل ّ ن َ ِ ِ ْ ّ ن ال ْ َ ْ ِ َ َ َ ّ م ْ ت ِ ست َك ْث َْر ُ بل ْ ال ْغَي ْ َ
ن )] {(188سورة العراف [7/188 مُنو َ ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ
وعيسى ابن مريم عبد الله ورسوله :
ق
حم ّ م َول ت َُقوُلوا عَل َممى الل ّمهِ إ ِل ّ ال ْ َ ب ل ت َغُْلوا ِفي ِدين ِك ُ ْ ل ال ْك َِتا ِ }َيا أ َهْ َ
م مْري َم َ ها إ ِل َممى َ ه أ َل َْقا َ مت ُ ُل الل ّهِ وَك َل ِ َ سو ُ م َر ُ مْري َ َ ن َ سى اب ْ ُ عي َ ح ِ سي ُ م ِ ما ال ْ َ إ ِن ّ َ
ممما م إ ِن ّ َ خي ْممرا ً ل َك ُم ْ ة انت َُهوا َ سل ِهِ َول ت َُقوُلوا َثلث َ ٌ مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ ه َفآ ِ من ْ ُ ح ِ وَُرو ٌ
حد سبحان َ
ممما فِممي ت وَ َ وا ِ م َ س َ ما ِفي ال ّ ه َ ه وَل َد ٌ ل َ ُ ن لَ ُ كو َ ن يَ ُ هأ ْ ه َوا ِ ٌ ُ ْ َ َ ُ ه إ ِل َ ٌ الل ّ ُ
ن عَْبدا ً ف ال ْمسي َ َ
كو َ ن يَ ُ حأ ْ َ ِ ُ سَتنك ِ َ ن يَ ْ كيل ً ) (171ل َ ْ ض وَك ََفى ِبالل ّهِ وَ ِ الْر ِ
س مت َك ْب ِْر عب َمماد َت ِهِ وَي َ ْ ن ِ ف عَم ْ س مَتنك ِ ْ ن يَ ْ م م َْ ن وَ َ مَقّرب ُممو َ ة ال ْ ُ ملئ ِك َم ُ ل ِل ّمهِ َول ال ْ َ
ت حا ِ صممال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ما ال ّ ِ ميعا ً ) (172فَأ ّ ج ِ م إ ِل َي ْهِ َ شُرهُ ْ ح ُ سي َ ْ فَ َ
َ فَيمموّفيه ُ
سممَتنك َُفوا نا ْ ذي َ ممما اّلمم ِ ضممل ِهِ وَأ ّ ن فَ ْ ممم ْ م ِ زيممد ُهُ ْ ِ م وَي َ جمموَرهُ ْ مأ ُ ُ َ ِ ْ
ن الل ّهِ وَل ِي ّا ً َول َ
دو ِ ن ُ م ْ م ِ ن ل َهُ ْ دو َ ج ُذابا ً أِليما ً َول ي َ ِ م عَ َ ست َك ْب َُروا فَي ُعَذ ّب ُهُ ْ َوا ْ
صيرا ً )] {(173سورة النساء [173-4/171 نَ ِ
إنما وقع الخلط عندهم من أنهم قالوا " :فى البدء كان الكلمممة .
والكلمممة كممان اللممه " ..فجعلمموا كلمممة اللممه هممى الممه ! وعلممى هممذا
الساس يمكن أن يكون آدم كذلك هممو اللممه – نسممتغفر اللممه – لنممه
ن )] {(59سممورة آل [3/59ولن ن فَي َك ُممو ُه ك ُم ْل ل َم ُ
كلمة الله } :قَمما َ
حي فََقُعوا ن ُرو ِ
م ْ
ت ِفيهِ ِ خ ُ
ه وَن ََف ْسوّي ْت ُ ُذا َ الله نفخ فيه من روحه } :فَإ ِ َ
ن )] {(72سورة ص [38/72 دي َج ِسا ِ ه َلَ ُ
أما القولة التى نسبوها إلى المسيح وأولوها على هممواهم فهممى ل
تعنى أن تكممون هنمماك كنيسممة بممالمعنى الممذى صممار إليممه المممر فممى
الكنيسة الوروبية ول رجال دين لهممم وجممود متميممز وسمملطان علممى
المؤمنين بذلك الدين .إنما هى على فرض صحتها ل تعنى أكثر من
قول الله عن المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم } :وَل ِل ّهِ ال ْعِّزةُ
ن{ ]سورة المنافقون [63/8فهى عممزة يمنحهمما مؤ ْ ِ
مِني َ سول ِهِ وَل ِل ْ ُ وَل َِر ُ
الله للمؤمنين بدينه ،يعتزون بها فى الرض على الكفار والمنافقين،
وليست سلطانا ذاتيا يمارسونه علممى المممؤمنين ! ولكممن علممى هممذا
الفهممم الخمماطئ والتأويممل المعمموج سممارت المممور فممى المسمميحية
المحرفة فصار لهمما كنيسممة ورجممال ديممن " "1يرأسممهم " قداسممة "
البابا ويرسمهم ذلك البابا أى يضعهم فى مناصبهم ،وصار لهم علممى
الناس ذلك السلطان المعروف فى التاريخ الوروبى الذى لممم يكممن
سلطانا عاديا ،وإنما وصل إلى حد الطغيان المتعدد اللوان .
) (2طغيان رجال الدين :
)أ( الطغيان الروحى :
أشرنا من قبل إلى أن الطغيان الروحمى همو ممن طبيعمة الديمان
الموضوعة التى تركز على الجانب الروحى .كممذلك كممان المممر مممع
سحرة فرعون .وهم كهنته فى ذات الوقت ..الذين يممروى القممرآن
عنهم .
َ َ
م{ ]سممورة العممراف س مت َْرهَُبوهُ ْس َوا ْ ن الن ّمما ِ حُروا أعْي ُم َ سم َ وا َ }أل َْق م ْ
[7/116
وكمذلك كمان الممر ممع كهنمة المديانات الوضمعية القديممة كلهما .
فالكاهن محوط بالسرار والغموض ،على أساس أن له صمملة خفيممة
بالله المعبود ،ومن ثم ففيه عنصر إضافى غير بقية البشر العاديين
يتيح له لممك السمملطان المرهمموب علممى القلمموب ،لنممه يملممك – فممى
حسهم – أن يستنزل رضا الرب وغضبه على السواء !..وبعد قليممل
يصبح غضبه – فى حسهم – كأنما هو غضب الرب ،وكذلك رضاه !
" " مر بنا قول المؤرخ النجليزى ويلز " فما بشر به يسوع كان ميلدا جديدا للروح النسانية .أما ما علمه بولس 1
السحر ومرحلة الدين ومرحلة العلم التى يتخلص الناس فيها من الدين ! وهم يتكلمون عن جاهليتهم هناك .
المناصب ذات المكانة الرفيعة فى المجتمع وذات السلطان .
ولذلك كان طغيانهم من أبشع ألوان الطغيان فى التاريخ ..وكان
حقا على أوروبا – حين تنورت – أن تخلممع هممذا السمملطان الطمماغى
وتنسلخ منممه ،إحساسمما بالكرامممة وفممرارا مممن الممذل والهمموان ..وإن
كانت قد تحركت – فى هذا المر وفى غيره – حركات هوجاء بعيدة
عن المنطق والرشد ،أخرجتها من ضلل إلى ضلل .
يصف تشارلس ديكنز فممى قصممة المممدينتين الممتى يتحممدث فيهمما –
بطريقة روائية – عن مقدمات الثورة الفرنسية والحوال التى هيأت
لقيامها ،مشهدا من مشاهد ذلك الذلل الروحى الذى كان يمارسممه
رجال الدين على الناس ،أو الذل الروحى الذى كان يمارسه النمماس
لرجممال الممدين – وكلهممما سممواء فممى دللتممه – فيصممف شممارعا مممن
شوارع بمماريس وهممى يمومئذ غيرهمما اليمموم ..والمطمر ينهمممر بقموة،
والشارع مملوء بالطين والقذار والوحل ،ومموكب الكاردينمال علمى
حصانه يمر فى الطريق ،والناس محتشدة على الصفين ترقب ذلك
المشهد بقلوب خائفة واجفة ،وتنتظر اللحظممة الهائلممة الممتى يحمماذى
الموكب فيها رؤوسهم ،فتهوى هذه الرؤوس خشوعا – أو مذلة !! –
للموكب الموقر ،وتظل تهوى حممتى تلتصممق بممالرض ..فممى الوحممل
والطين والقاذورات !
بأبى أنت وأمى يا رسول الله !
" ل تطرونى كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم " " "1
" إنما أنا ابن إمرأة من مكة كانت تأكل القديد " " "2
ولم يكن ذلك هو الباب الوحيد للطغيممان الروحممى الممذى مارسممته
الكنيسة ورجال الدين ..فى صلب العقيدة المسمميحية كممانت هنمماك
أبواب للطغيان ..
فهناك " السرار " الممتى ل يعلممم تأويلهمما إل الراسممخون ..ل فممى
العلم ولكن فى الكهنوت !
أسرار التثليت ..والعشاء الربانى الذى يتحول فيه جسد المسمميح
إلى خبز ودماؤه إلى خمر ! وما إلى ذلك من معتقدات وطقوس .
ولئن كانت هذه القضية داخله فممى الطغيممان العقلممى والفكممرى –
من حيث حظر التفكير فيها ومناقشممتها ،ووجمموب التسممليم العمممى
بها ،وسنتكلم عنه بهذه الصفة هناك – فإننا نتحدث هنمما عممن جانبهمما
الروحى .ذلك أنها عنممدهم مممن صمملب العقيممدة ..والمفممروض فممى
مسلمين ! " يستخدمونها على أنها صفة شاملة للعالم كله فى تلك القرون وقد حوت تلك الفترة أشد القرون نورا ..
تلك التى استضاءت بالسلم !
" " عن ابن عباس رضى الله عنهما رواه ابو نعيم " انظر صحيح الجامع الصغير " ،الشيخ ناصر الدين اللبانى 2
. 3/49
وقد تعرض هذه القضية من أساسها :هل الدين من شأن العقممل
أم من شأن الوجدان ؟ وممما دور العقممل فيممه إن كممان لممه دور علممى
الطلق ؟ وهل عليه – من أجل اليمان – أن يسمملم تسممليما أعمممى
بكل ما يأتيه عن طريق " الدين " أم له أن يناقش ويطلب الدليل ؟
ونبدأ أول بالنص القرآنى فنجد فيه إشارة إلى المحكم والمتشابه
.ويجمممع المفسممرون والعلممماء علممى أن أصممول العقيممدة – وكممذلك
أحكام الشريعة – هى من المحكم الذى ل يدخل التشابه فيممه .وأن
المور المتشابهة – التى لم تحددها الية ،والتى اختلممف المفسممرون
فممى تحديممدها ،والممتى منهمما علممى سممبيل المثممال الصممورة المفصمملة
لحوال الجنة وأحوال النار ،وصفة العرش وما إلى ذلك مممن المممور
– وهممم ليسمموا فئة محممددة كفئة رجممال الكهنمموت – ل يزعمممون أن
عندهم تأويلها ،ول أن تأويلها سر خاص بهم يحتجزونه عن الناس ثم
يطالبونهم باليمان به بل دليل .بل تنص اليممة علممى أن اللممه وحممده
هو الذى يعلم تأويلها – أى حقيقتهمما – لنممه – سممبحانه – هممو العليممم
الخبير الذى يعلم كل شئ على إطلقه ،إنما الراسممخون فممى العلممم
يسلمون فقط بأن اليات كلها – محكمها ومتشابهها – من عند الله،
ويعلمون أن علم هذه المتشابهات هو عند الله وحده فيؤمنممون بهمما
على إطلقها لنها منزلة من عند الله ،ولكنهم ل يزعمممون لنفسممهم
خصوصممية فممى التأويممل ،ول يحتجممزون لنفسممهم شمميئا مممن العلممم
يحجبونه عن الناس .
وهذا أمر يختلف تمام الختلف عن موقف الكنيسة الوروبية فى
قضايا العقيدة .فقد جعلت تلممك السممرار مممن أصممول العقيممدة ،ثممم
زعمت أن عندها وحدها مفاتيحها ..ثم قالت للنمماس :لممن نعطيكممم
المفتاح ! ولكن عليكم أن تؤمنوا بها كما نقدمها لكم دون سؤال ول
نقاش ! وإل فأنتم زائغو العقيدة مهرطقممون ..وعليكممم اللعنممة إلممى
يوم الدين!
إن الكنيسة هنا وضممعت نفسممها فممى موضممع اللممه ،بممل افترضممت
لنفسها على الناس ممما لممم يشممأ اللممه سممبحانه وتعممالى أن يفترضممه
لنفسه على عباده رحمة بالناس ! فالله – وحده – هو الذى يحق له
أن يتعبد عباده بأمور ليس من الضرورى أن يدركوا حكمتهمما ،ليعلممم
– سبحانه – من يطيعه بالغيب .ولكنه – من رحمته – قد جعل ذلك
فى أمور التعبد وليس فممى أمممور العقيممدة الممتى جعلهمما اللممه سممهلة
وميسممرة ومفتوحممة بل ألغمماز ول غممموض ،ليسممتوعبها كممل قلممب
ويطمئن إليهمما كممل قلممب .أممما الكنيسممة فجعلممت ذلممك فممى أمممور
العقيدة ،وجعل لنفسها حقوقا أكثر مما افترض الله على العباد !
ثم نعرج على الحديث الشريف فنجممد أن فيممه نصمميحة للبشممر أن
يتعرفوا علمى اللمه سمبحانه ممن خلل آيماته الدالمة علمى وحمدانيته،
والدالة على تفرده فى كل شئ بل شريك .وأل يحاولوا أن يتفكروا
فى ذات الله لكيل يضلوا ول يهلكوا .
هممل هممو حجممر علممى العقممل البشممرى أن يبحممث وأن ينمماقش وأن
يعرف ؟
كل ! فالدعوة إلى التفكر واردة فى أول الحديث " .تفكممروا فممى
آيات الله " إنما هو بيان لمنهج الصحيح للتفكير ،ودعوة إلممى صمميانة
العقل البشرى أن تتبدد طاقته فيما ل طائل وراءه !
فماذا يملك العقمل البشمرى أن يحيمط بمه ممن ذات اللمه المتى ل
يحدها زمان ول مكان ول بدء ول انتهاء ؟
وإلى أى شئ وصل العقل البشرى فى أمممر الممذات اللهيممة حيممن
خالف النصيحة ومضى يخبط فى الظلمات ؟ إلممى أى شممئ وصمملت
الفلسفة فى القديم أو الحديث ،وإلى أى شئ وصل علم الكلم بعد
المعمماظلت الذهنيممة الممتى ل تممؤدى إلممى شممئ إل إجهمماد الممذهن بل
نتيجة ؟!
إن العقممل ليعجممز عممن إدراك " الكنممه " حممتى فممى أمممور الكممون
المادى ،فيكتفى بتسجيل الظواهر دون المدخول فمى الكنمه ،فكيمف
بالخالق الذى ل تحده الحدود ؟
كل ! إنها الصيانة وليست الحجر ..ومن خالف النصيحة فليضرب
فى التيه !
أما العقيدة فمن ذا الذى حممرج علممى العقممل أن يممدلى فيهمما بممدلو
ويكون فيها له نصيب ؟
فأما السلم فقد دعا العقل دعوة صممريحة إلممى التفكيممر والتممدبر
ليصل فى أمر العقيدة إلى اليقين ..بل نعى علممى الممذين يرفضممون
التفكير ،اتباعا للهوى ،أو اتباعا لما ورثوه من عقائد الباء والجممداد،
أو إغلقا للحس والبصيرة ،عن التأمل والتفكير :
م ب ِغَي ْمرِ ِ ْ َ
م{ ]سممورة الممروم عل م ٍ واَءهُ ْ ممموا أهْ م َ ن ظ َل َ ُذي َل ات ّب َمعَ ال ّم ِ
}ب َم ْ
[30/29
َ ما َأنَز َ
ممما أل َْفي ْن َمما عَل َي ْم ِ
ه ه َقاُلوا ب َم ْ
ل ن َت ّب ِمعُ َ ل الل ّ ُ م ات ّب ُِعوا َ ل ل َهُ ْ
ذا ِقي َ }وَإ ِ َ
ن )] {(170سممورة دو َ شمْيئا ً َول ي َهْت َم ُ ن َ م ل ي َعِْقُلو َ ن آَباؤُهُ ْ آَباَءَنا أ َوَل َوْ َ
كا َ
البقرة [2/170
وجاء فى وصف عباد الرحمن نفممى للصممفة الذميمممة عنهممم وهممى
إغلق الحس والبصيرة ن التفكير :
مَيان ما ً ) ما ً وَعُ ْ صم ّ خ مّروا عَل َي ْهَمما ُ م يَ ِ م ل َم ْ ت َرب ّهِ م ْ ذا ذ ُك ُّروا ِبآَيا ِ ن إِ َذي َ }َوال ّ ِ
] {(73سورة الفرقان [25/73
أى لممم يوصممدوا عقممولهم عممن التفكيممر الممذى يممؤدى إلممى معرفممة
الحق .
كذلك يوصف المؤمنون بأنهم " أولو اللبمماب " وأنهممم هممم الممذين
يتفكرون فى خلق السماوات والرض فيهديهم التفكر إلممى اليمممان
بالله واليوم الخر وخلق السماوات والرض بالحق ل بالباطل :
َ
تل َوالن ّهَممارِ لي َمما ٍ ف الل ّي ْم ِ خِتل ِ ض َوا ْ ت َوالْر ِ وا ِ م َسم َ ق ال ّ خل م ِ
ن ِفي َ ْ }إ ِ ّ
ه قَِياممما ً وَقُُعممودا ً وَعَل َممى َ ُ
ن الل ّم َ ن ي َمذ ْك ُُرو َ ذي َ ب ) (190ال ّم ِ لول ِممي الل ْب َمما ِ
ت وال َ
ذات هَ م َ خل َْق م َ ممما َ ض َرب ّن َمما َ ِ ر
ْ وا ِ َ م َ س َ ق ال ّ خل ِ
ن ِفي َ ْ م وَي َت ََفك ُّرو َ جُنوب ِهِ ْ ُ
ب الّنارِ )] {(191سورة آل [191-3/190 ذا َ ك فَِقَنا عَ َ حان َ َ سب ْ َ َباط ِل ً ُ
كما ينبغى على الذين ل يتدبرون القرآن ول يتفكرون فيما يحممويه
من اليات :
َ
ه
دوا ِفيم ِ جم ُ عن ْمدِ غَي ْمرِ الل ّمهِ ل َوَ َ ن ِ مم ْ ن ِ ن وَل َموْ ك َمما َ ن ال ُْقْرآ َ }أَفل ي َت َد َب ُّرو َ
خِتلفا ً ك َِثيرا ً )] {(82سورة النساء [4/82 ا ْ
ب أقَْفال َُهمما )] {(24سممورة َ َ َ
م عََلممى قُُلممو ٍ نأ ْ ن ال ُْقممْرآ َ }أَفل ي ََتممد َب ُّرو َ
محمد [47/24
والدلة العقلية والجدل العقلى كثير فى القرآن :
سد ََتا{ ]سورة النبياء [21/22 ه ل ََف َ ة إ ِل ّ الل ّ ُ ما آل ِهَ ٌ ن ِفيهِ َ كا َ }ل َوْ َ
مممال إ ِل َهٍ ب ِ َب كُ ّ ن إ ِل َهٍ ِإذا ً ل َذ َهَ َ م ْ ه ِ مع َ ُن َ كا َما َ ن وَل َدٍ وَ َ م ْ ه ِ خذ َ الل ّ ُ ما ات ّ َ } َ
ن ){(91 صمُفو َ ممما ي َ ِ ن الل ّمهِ عَ ّ حا َ سمب ْ َ ض ُ م عَلممى ب َعْم ٍ
ض مه ُ ْ َ خل َمقَ وَل ََعل ب َعْ ُ َ
]سورة المؤمنون [23/91
ن )] {(35سورة الطممور م ال ْ َ َ ن غَي ْرِ َ َ
خال ُِقو َ م هُ ْ يٍء أ ْ ش ْ م ْ خل ُِقوا ِ م ُ }أ ْ
[52/35
ويشهد الترايخ أن " العقل " فممى ظممل السمملم قممد قممام بنشمماط
فكرى ضخم فى كممل اتجمماه ،ولكننمما نعممود فنسممأل ،لنحممدد بالضممبط
جريمة الكنيسة الوروبية فى الحجر على الفكممر البشممرى :ممما دور
الوجدان وما دور العقل فى قضية اليمان ؟ وهل هناك أمور يختص
بها الوجدان وليس للعقل فيها إل التسليم ؟
إن الدين – كما نعرف صورته فممى المموحى المنممزل علممى رسممول
الله صلى الله عليه وسلم – يخاطب النسمان كلمه :وجمدانه وعقلمه
فى آن .وقد يكون الوجدان أوسع الوعية البشرية الممتى تسممتوعب
أمر العقيدة وقضية اليمممان .ولممذلك فممإن الخطمماب الوجممدانى هممو
الغالب فى السور المكية التى يتركز الحديث فيهمما علممى العقيممدة .
والقرآن يستثير الوجدان البشرى بالطرق على جميع نوافممذ القلممب
والتوقيع على جميع أوتاره ،ثم – بعد استثارته – يلقى إليممه الحقيقممة
المتعلقة بالعقيدة ،فينفعممل بهمما القلممب ،وتصممل منممه إلممى القممرار ..
ويكفينا مثال واحد من سورة النعام :
ج خ مرِ ُ
م ْ ت وَ ُ مي ّم ِ ن ال ْ َ مم ْي ِ حم ّ ج ال ْ َ خ مرِ ُوى ي ُ ْ ب َوالن ّم َ َ حم ّ ه َفال ِقُ ال ْ َ ن الل ّ َ }إ ِ ّ
ل جع َ م َ ح وَ َ ص مَبا ِ ن )َ (95فال ِقُ ال ِ ْ كو َ ه فَأّنا ت ُؤْفَ ُ م الل ّ ُ ي ذ َل ِك ُ ْ ح ّ ن ال ْ َ م ْ ت ِ مي ّ ِ ال ْ َ
زيزِ ال ْعَِليم ِ )(96 ديُر ال ْعَ ِ ك ت َْق ِ سَبانا ً ذ َل ِ َ ح ْ مَر ُ س َوال َْق َ م َ ش ْكنا ً َوال ّ س َ ل َ الل ّي ْ َ
ح مرِ قَ مد ْ ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ ما ِ دوا ب َِها ِفي ظ ُل ُ َ م ل ِت َهْت َ ُ جو َ م الن ّ ُ ل ل َك ُ ْجع َ َ ذي َ وَهُوَ ال ّ ِ
شمأ َ همو اّلمذي َ
س
ٍ فمْ َ ن نْ ممِ مْ ُ ك َ أن ِ ن ) (97وَ ُ َ ممو َ ت ل َِقموْم ٍ ي َعْل َ ُ صمل َْنا الَيما ِ فَ ّ
و
ن ) (98وَهُ َ ت ل َِقوْم ٍ ي َْفَقُهو َ صل َْنا الَيا ِ ّ ست َوْد َعٌ قَد ْ فَ م ْ ست ََقّر وَ ُ م ْ حد َةٍ فَ ُ َوا ِ
َ َ ذي َأنَز َ
يءٍ شم ْ ل َ ت ك ُم ّ جَنا ب ِهِ ن َب َمما َ خَر ْ جَنا ب ِهِ فَأ ْ خَر ْ ماًء فَأ ْ ماِء َ س َ ن ال ّ م ْ ل ِ ال ّ ِ
ن ط َل ْعِهَمما َ
مم ْ ل ِ خم ِ ن الن ّ ْمم ْ كبما ً وَ ِ حب ّا ً ُ
مت ََرا ِ ه َ من ْ ُ ج ِ خرِ ُ ضرا ً ن ُ ْ خ ِ ه َ من ْ ُجَنا ِ خَر ْ فَأ ْ
شمت َِبها ً وَغَي ْمَر م ْ ة وجنممات مم َ
ن ُ ممما َ ن َوالّر ّ ب َوالّزي ْت ُممو َ ن أعْن َمما ٍ دان ِي َم ٌ َ َ ّ ٍ ِ ْ ن َ وا ٌ قِن ْ َ
َ
ت ل َِق موْم ٍ م لي َمما ٍ ن ِفي ذ َل ِك ُم ْ مَر وَي َن ْعِهِ إ ِ ّ ذا أث ْ َ مرِهِ إ ِ َ شاب ِهٍ انظ ُُروا إ َِلى ث َ َ مت َ َ ُ
ن )] {(99سورة النعام [99-6/95 مُنو َ ي ُؤْ ِ
ولكن هذا ليس معناه أن الوجدان يستقل بأمر العقيممدة ..وليمس
معناه أن الدين يفرض على العقل – فممى شممأن العقيممدة – أمممورا ل
يستسيغها ول يتقبلها ،ويطلب منه أن يسلم بهمما تسممليما أعمممى بممل
دليل .
فأممما ممما يتصممل بالممذات اللهيممة فنعممم ..ل يملممك العقممل أن
يستوعب .والوجدان أقدر على الستيعاب مممن العقممل المقيممد فممى
تصوره بحدود الزمان والمكان والبدء والنتهاء .
ولكن الدين لم يطالب النسان – مممن أجممل أن يممؤمن بممالله – أن
يتفكر فى الذات اللهية الممتى يعجممز عممن الحاطممة بهمما ،إنممما طممالبه
بالتفكر فى آيات الله التى تستجيش النفس بدللتها الواضحة علممى
تفرد الله سبحانه وتعالى باللوهية والربوبية ،فيؤمن النسممان بممالله
الواحد الذى ل شريك له ،ثم تستقيم حياته بمقتضى ذلك اليمان .
ومن ثم يشترك العقل والوجدان معا فى أمر العقيدة ،كل يممؤدى
دوره على طريقته ..وفى النهاية يستقر اليمان فى القلب ،ويصبح
حقيقة واقعة فى كيان النسان ،تتبدى فى فكره وشعوره وسمملوكه
على السواء .
وإذن فادعاء الكنيسة أن العقل ل ينبغى له أن يسأل وأن ينمماقش
فى أمر العقيدة ،وإنما عليه أن يسلم تسممليما أعمممى ويممترك المممر
للوجدان ،وهو ادعاء ليس من طبيعة " الدين " كما أنزله الله .إنما
كان هذا من مستلزمات الديان الوثنية التى تحوى أوهاممما ل يمكممن
أن يسيغها العقل لو فكر فيها ،فتسكت صمموت العقممل وتمنعممه مممن
التفكير ،بالسحر تارة ،وبالتهديد بغضب اللهة المدعاة تارات !
وإذا كان هذا المر – وهو إسكات صوت العقل ومنعه من التفكير
– غير مستساغ حتى فى بداوة النسان أو ضللة البشرية ،فهو مممن
باب أولى غيممر مستسمماغ فممى ديممن تزعممم الكنيسممة أنممه هممو الممدين
المنزل من عند الله ،وأنه يمثل مرحلة راشدة فى تاريخ البشرية !
ولو كممانت هممذه السممرار مممن الممدين حقمما ،ولممو كممانت مممن أمممور
العقيدة التى يلممزم اليمممان بهمما ،مما منمع اللمه النماس أن يناقشموها
بعقولهم ليتبينوا ما فيها من الحق ويؤمنمموا بممه ! فممإن اللممه ل يقممول
للناس – فى وحيه المنزل – آمنوا بى دون أن تفكممروا وتعقلمموا .ول
يقول لهم :إنممى سأضممع لكممم اللغمماز الممتى ل تسمميغها عقممولكم ثممم
أطالبكم أن تخروا عليها صممما وعميانمما ل تتفكممرون ن وإل طردتكممم
من رحمتى !
إنما يقول الله للناس من خلل القول الموجه للرسول صلى الله
َ ما أ َ ِ
دى مث َْنى وَُفممَرا َ موا ل ِل ّهِ َ ن ت َُقو ُ حد َةٍ أ ْ وا ِ م بِ َ عظ ُك ُ ْ ل إ ِن ّ َ عليه وسلم }قُ ْ
م ت َت ََفك ُّروا { ]سورة سبأ [34/46 ثُ ّ
َ
ن ن ال ُْقمْرآ َ ويندد بهم حين ل يتفكممرون ول يتممدبرون } :أَفل ي َت َمد َب ُّرو َ
ب أ َقَْفال َُها )] {(24سورة محمد [47/24 م عََلى قُُلو ٍ أ ْ
َ
ويناقش شبهاتهم ،ويطالبهم بوضعها على محك المنطممق السممليم
وأن يأتوا عليها بالبرهان ..حتى يتحصل لهم من الوعى ما ينفى كل
شبهة ويجعل العقيدة مستقرة على يقيممن ل مجممال فيممه للممتردد ول
َ
خي ٌْر ه َ صط ََفى أالل ّ ُ نا ْ ذي َ عَبادِهِ ال ّ ِ م عََلى ِ سل ٌ مد ُ ل ِل ّهِ وَ َ ح ْ ل ال ْ َ للشك } :قُ ْ
ن مم ْ م ِ ل ل َك ُم ْ ض وََأن مَز َ ت َوالْر َ
َ وا ِ م َسم َ خل َمقَ ال ّ ن َ مم ْ
َ
ن ) (59أ ّ كو َ شرِ ُ ما ي ُ ْ أ ّ
َ
ذات بهجمة ممما ك َممان ل َك ُم َ َ
ن ت ُن ْب ِت ُمموا مأ ْ ْ َ دائ ِقَ َ َ َ ْ َ ٍ َ حم َ ممماًء فَأن ْب َت ْن َمما ب ِمهِ َ ماِء َ سم َ ال ّ
جع َ م َ َ َ َ
ض
ل الْر َ ن َ مم ْ ن ) (60أ ّ م ي َعْ مدُِلو َ م ق َ مو ْ ٌ ل هُ م ْ معَ الل ّهِ ب َ ْ ه َ ها أئ ِل َ ٌ جَر َ ش َ َ
َ
ن حَري ْم ِ ن ال ْب َ ْ ل ب َي ْم َ جع َ م َ ي وَ َ سم َ ل ل َهَمما َرَوا ِ جع َ م َ خلل ََها أن َْهارا ً وَ َ ل ِ جع َ َ قََرارا ً وَ َ
مضممط َّر َ حاجزا ً أ َئ ِل َه مع الل ّه ب ْ َ
ب ال ْ ُ جي ُ ن يُ ِ م ْ ن ) (61أ ّ مو َ م ل ي َعْل َ ُ ل أك ْث َُرهُ ْ ِ َ ٌ َ َ َ ِ
َ َ
ما معَ الل ّهِ قَِليل ً َ ه َ ض أئ ِل َ ٌ خلَفاءَ الْر ِ
م ُ َ جعَل ُك ُ ْ سوَء وَي َ ْ ف ال ّ ش ُ عاهُ وَي َك ْ ِ ذا د َ َ إِ َ
َ
ل سم ُ ن ي ُْر ِ مم ْ ح مرِ وَ َ ت ال ْب َمّر َوال ْب َ ْ ممما ِ م فِممي ظ ُل ُ َ ديك ُ ْ ن ي َهْ ِ م ْ ن ) (62أ ّ ت َذ َك ُّرو َ
َ
ن) كو َ شرِ ُ ما ي ُ ْ ه عَ ّ معَ الل ّهِ ت ََعاَلى الل ّ ُ ه َ مت ِهِ أئ ِل َ ٌ ح َ ن ي َد َيْ َر ْ شرا ً ب َي ْ َ ح بُ ْ الّرَيا َ
ضماِء َوالْر ِ
َ
سم َ ن ال ّ مم ْ م ِ ن ي َْرُزقُك ُم ْ مم ْ م ي ُِعيمد ُهُ وَ َ خل ْقَ ث ُ ّ ن ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ م ْ
َ
(63أ ّ
معَ الل ّهِ قُ م ْ َ
ن )] {(64سممورة صممادِِقي َ م َ كنت ُم ْ ن ُ م إِ ْ ل هَمماُتوا ب ُْرهَممان َك ُ ْ ه َ أئ ِل َ ٌ
النمل [64-27/59
ويرتب اليمان على مجئ " البينات " وهى الدلة الواضممحة الممتى
ل إني نهيت أ َ َ
ن
م ْ ن ِ عو َ ن ت َد ْ ُ ن أعْب ُد َ ال ّ ِ
ذي َ تبين الحق وتزيل الشك } :قُ ْ ِ ّ ُ ِ ُ ْ
ن َرّبي { ]سورة غافر [40/66 م ْ ت ِ جاَءِني ال ْب َي َّنا ُ
ما َ ن الل ّهِ ل َ ّ دو ِ ُ
س مل ً ويقيم الحجممة علممى النمماس قبممل أن يطممالبهم باليمممان ُ} :ر ُ
ل{ سم ِ ة ب َعْمد َ الّر ُجم ٌح ّ س عَل َممى الل ّمهِ ُ ن ِللن ّمما ِ ن ل َل ّ ي َ ُ
كو َ منذِِري َ
ن وَ ُ ري َ ش ِمب َ ّ
ُ
]سورة النساء [4/165
كل ! ل يطلب الله من عباده التسليم العمى ،إنمما يطلمب منهمم
صمميَرةٍ أ َن َمماعو إ َِلى الل ّمهِ عَل َممى ب َ ِ سِبيِلي أ َد ْ ُل هَذِهِ َ التسليم البصير } :قُ ْ
ن ات ّب َعَِني{ ]سورة يوسف [12/108 م ْ وَ َ
إنما كممان الربمماب المزيفممون – فممى المجممامع المقدسممة وعلممى "
عرش " البابوية – هم الذين حرموا على العقل أن يفكممر ،وفرضمموا
عليه أن يسلم تسليما أعمى بأمور ل يستسيغها ول يعقلها ،وإل كان
من الكافرين !
ولم يكن للناس بد تحت هذا التهديد الطاغى ممن فممى أيممديهم –
وحدهم – الوساطة بين الله وعباده – كما يزعمممون ! – أن يسمملموا
تسممليما أعمممى بأسممطورة التثليممت وأسممطورة العشمماء الربممانى
وأسطورة الب الذى صلب ولممده فممداء لخطيئة آدم ..وغيرهمما مممن
الساطير المفروضة عليهم ،لكى يأمنوا غضب الوسطاء ،المؤدى –
فى وهمهم – إلى غضب الله ،وأن يلتزموا بهذا الحجر البشممع علممى
العقول والفكار عدة قرون .
ولكن ..هل كان من الممكمن أن يسممتمر ذلمك إلمى البممد دون أن
تتمرد العقول المكبوتة وتدعو إلى حرية التفكير ؟!
)جـ( الطغيان المالى :
لم يكن " رجال الدين " من أهل التقوى والزهممد كممما يتوقممع مممن
القوم الذين حولوا الدين إلى روحانية غالبة ورهبانية وأمروا النمماس
أن يكتفوا بعيش الكفمماف لكممى يممدخلوا الجنممة ويجلسمموا عممن يميممن
الرب فى الخرة ! وأبلغتهم أنه "مممن أراد الملكمموت فخممبز الشممعير
والنوم فى المزابل مع الكلب كثير عليممه " وأن " مممرور جمممل مممن
ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت اللممه " " "1وأن " ل
تقتنوا ذهبا ول فضة ول نحاسا فى مناطقكم ،ول فرودا لطريممق ،ول
ثوبين " " " 2ول أحذية ول عصا " ! " 3
" " انجيل مرقص ] [ 22 – 10 1
" " مات كوبر نيكوس قبل أن يقع فى قبضة محاكم التفتيش أما جوردانوبرونو فقد أحرق حيا وأما جاليليو فقد سجن 1
حتى اشرف على الهلك فتراجع – ظاهريا – عن معتقداته وإن ظل مقتنعا بها فى الحقيقة .
وتدعى حمايته !
يقول " ألفارو " A;varoوهو كمماتب مسمميحى أسممبانى عمماش فممى
القرن التاسع الميلدى .
" يطممرب إخمموانى المسمميحيون لشممعار العممرب وقصصممهم ،فهممم
يدرسممون كتممب الفقهمماء والفلسممفة المحمممديين ل لتفنيممدها بممل
للحصول على أسلوب عربى صحيح رشيق .فأين تجد اليوم علمانيا
يقرأ التعليقات اللتينيمة علمى الكتممب المقدسممة ؟ وأيمن ذلمك المذى
يممدرس النجيممل وكتممب النبيمماء والرسممل ؟ وا أسممفا ! إن شممباب
المسيحيين الذين هم أبرز الناس مواهب ،ليسوا على علم بأى أدب
ول لغة غير العربيمة ،فهمم يقمرأون كتمب العمرب ويدرسمونها بلهفمة
وشغف ،وهم يجمعون منها مكتبات كاملممة تكلفهممم نفقممات باهظممة،
وإنهم ليترنمون فى كل مكان بمدح تراث العرب .وإنك لتراهم من
الناحية الخرى يحتجون فى زراية – إذا ذكممرت الكتممب المسمميحية –
بأن تلك المؤلفات غير جديرة باحترامهم" " "1
وظمماهر مممن هممذا النممص إلممى أى مممدى كممان تممأثير السمملم علممى
المسيحيين من أهل الندلس ،ونستطيع أن ندرك منممه كممذلك كيممف
كان تأثير السلم على المبتعثين الوروبيين إلى بلد السلم .
ذلك أنه حين استيقظت أوروبمما وبممدأت تنهممض كممان لبممد لهمما أن
تتعلممم .ولممم يكممن ثمممت علممم إل ممما كممان عنممد المسمملمين ،وفممى
مدارسهم ..ومن ثم أرسلت أوروبا أبناءهمما ليتعلممموا فممى مممدارس
المسلمين فى النممدلس والشمممال الفريقممى وصممقلية وغيرهمما مممن
أماكن العلم ..فتعلموا هناك الطب والهندسة والرياضمميات والفلممك
والكيميمماء والفيزيمماء علىايممدى السمماتذة المسمملمين فتممأثروا بهممم،
وتممأثروا بالسمملم كممذلك ،فجممن جنممون الكنيسممة مممن تممأثير السمملم
الزاحف على أوروبا مع حركة العلم ..ومن ثم قامت تضع السدود
بيممن السمملم وبيممن أوروبمما ،وكلفممت كتابهمما أن يهمماجموا السمملم
ويشمموهوا صممورته فممى نفمموس الوروبييممن ،وأن يهمماجموا الرسممول
صلى اله عليه وسلم وينعتوه بكل نعت قبيح ،لمقاومة ذلك " الغممزو
الفكممرى " المتسممرب مممع المبتعممثين العممائدين مممن بلد السمملم .
وكذلك كانت الحممرب المعلنممة ضممد العلممم " المسممتورد " مممن البلد
السلمية جزءا ً من هذه الحرب الشاملة ضد السلم ،وإن كانت قد
خصت قضية كروية الرض بأشد الحرب لنهمما وجممدت نصمما مقدسمما
فى التوراة تستطيع أن تصعد به المعركة إلى حد الحرق والتعذيب!
" " عن كتاب " حضارة السلم " لفون جرونيباوم ص 82 – 81من الترجمة العربية . 1
وأيا كان السبب فقد وقفممت الكنيسممة مممن العلممم والعلممماء ذلممك
الموقف الشائن الذى ترتبت عليه – كلك خطايا الكنيسممة وأخطائهمما
– نتائج بعيدة المدى فى الحيمماة الوروبيممة حممتى اللحظممة الراهنممة ..
فقد بدأ منذ تلك اللحظة الفصام الحمق بين العلم والدين ،الذى ما
يزال يغشى بدخانه السود حياة أوروبا حتى اليوم .
إن جريمة الكنيسة – فوق تشويه صورة الدين وتنفير الناس منه،
الذى تلتقى عنده وتنتهى إليه كل جرائمها – أنها تفصل بين نزعممتين
فطريتين سويتين متكاملتين – نزعة التعلم ونزعة العبادة – وتنشمئ
بينهما عداوة ل وجود لها فممى أصممل الفطممرة ،وصممداما ل ينبغممى أن
يوجد فى النفس السوية ،فتمزق النفس الواحممدة مزقمما وتممثير فممى
داخلها القلق والضطراب .
لقد خلق الله النسممان مفطممورا علممى حممب المعرفممة كممما خلقممه
مفطورا على العبادة :
م عََلممى شممهَد َهُ ْ م وَأ َ ْ م ذ ُّري ّت َهُ ْ ن ظ ُُهورِهِ ْ م ْ م ِ ن ب َِني آد َ َ م ْ ك ِ خذ َ َرب ّ َ }وَإ ِذ ْ أ َ َ
م َقاُلوا ب ََلى َ َأنُفسه َ
شهِد َْنا{ ]سورة العراف [7/172 ت ب َِرب ّك ُ ْ س ُ م أل َ ْ ِ ِ ْ
ماَء ك ُل َّها{ ]سورة البقرة [2/31 َ
س َم ال ْ م آد َ َ }وَعَل ّ َ
}اقْرأ ْ ورب ّ َ َ
ما ل َم ْ
م ن َ سا َ لن َ
ما ِ م ِبال َْقل َم ِ ) (4عَل ّ َ ذي عَل ّ َ م ) (3ال ّ ِ ك الك َْر ُ َ ََ
م )] {(5سورة العلق [5-96/3 ي َعْل َ ْ
وفى نفس السوية تتجاوز النزعتان وتتكاملن بل تصادم ول تضمماد
.فالفطرة تتطلع إلى ربها لتعبده ،والفطرة تتطلع إلممى الكممون مممن
حولها تحب أن تتعرف عليه ،وأدواتها هى الحس والعقل :
طو ُ ه أَ ْ
مل ل َك ُم ْ شمْيئا ً وَ َ
جع َ م َ ن َ مممو َ م ل ت َعْل َ ُ
مَهات ِك ُ ْ نأ ّ ن بُ ُ ِ م ْ م ِ جك ُ ْخَر َ }َوالل ّ ُ
َ َ
ن )] {(78سممورة النحممل ش مك ُُرو َ م تَ ْ صمماَر َوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُم ْ معَ َوالب ْ َ سم ْ ال ّ
[16/78
وتلتقممى نزعممة اليمممان بممالغيب واليمممان بممما تممدركه الحممواس،
وتؤديان مهمتهما معا فممى تشممكيل إنسممانية النسممان علممى الصممورة
التى أرادها الله له ،وكرمه بها وفضله على كثير من الخلق .
وكلن الكنيسة بموقفها الحمق – أيا كانت السممباب الممتى دفعتهمما
إليه – راحت تفصل بيممن همماتين النزعممتين الفطريممتين المتكمماملتين،
وتقول للناس :إن أردتم الممدين فمماتركوا العلممم ..ومممن أراد العلممم
فقد خرج على الدين ! فتخير الناس بين حاجتين فطريممتين ل تغنممى
إحداهما غناء الخرى ،ول يسد إشباع أيهما جوعة الثانية !
وهل كانت هناك نتيجممة منتظممرة نمممن هممذا الموقممف إل أن يممترك
الناس ذلك الدين الذى يحجبهم عن العلم ويحجر عليه ،وأن يسيروا
مع العلم فى تياره الزاخر الذى يأتى كل يوم جديممد ،وإن كممانوا مممع
ذلك ل ينجون من القلق والضطراب ؟!!
على أن الشر لم يقف عند هذا الحد – وهو بشممع فممى ذاتممه – لممم
يقف عند هجر الدين من أجل العلم ،بل وصممل إلممى كراهيممة الممدين
والنفور منه ،ونفيه نفيا باتمما مممن مجممال البحممث العلمممى علممى وجممه
الخصوص .
ل تجممد فممى الجاهليممة المعاصممرة حقيقممة علميممة واحممدة تسممند
بإرجاعها إلى أصل دينى ! بل علمى العكمس .مجمرد ذكمر المدين أو
الله – سبحانه وتعالى – فى مجال البحث العلمى الكفيل – عنممدهم
– بالشك فى الحقيقة العلمية ،أو باستهجان المنهج على القل ،لنه
منهج غير علمى !! كفيل بإثارة المتعاض فى جميع الحوال !
ش َ
ن
ذي َب ال ّم ِت قُُلو ُ مأّز ْحد َهُ ا ْ َ ذا ذ ُك َِر الل ّ ُ
ه وَ ْ وصدق الله العظيم } :وَإ ِ َ
ن) شمُرو َ ست َب ْ ِ
م يَ ْ دوِنمهِ إ ِ َ
ذا هُم ْ ن ُمم ْ ن ِذي َ ذا ذ ُك ِمَر ال ّم ِ
خَرةِ وَإ ِ َ
ن ِبال ِ ل ي ُؤْ ِ
مُنو َ
] {(45سورة الزمر [39/45
وإقامة التصور – فى أى مجال من مجالت البحث – على أساس
المفهوم الدينى هو عندهم هدم للمنهج العلمى وتشويه له ،وإعطاء
حصيلة محوطة بالشك ولو كانت كل الدلة تؤيدها ! وخذ مثال لهممذا
الموقممف المعممادى لممدين ولممو كممانت الحقممائق العلميممة متفقممة معممه
ومركدة له قول جوليان هكسلى فممى كتمماب " النسممان فممى العممالم
الحديث " Man in the Modern World
" وهكذا يضع العلم الحديث النسان فى مركز مماثل لما أنعم به
عليه كسيد المخلوقات كما تقول الديان ..ولممم تكممن وجهممة النظممر
الدينية صحيحة فى تفاصيلها أو فى كثير مما تضممنته ..ولكمن كمان
لها أساس جيولوجى متين"" !"1كذلك نفممى القصممد والغايممة مممن أى
شئ فى هذا الكون نفيا " علميا " !!
وراح " العلماء " ! يتممذرعون بشممتى الممذرائع لبعمماد الحممديث عممن
القصد والغاية من مجال البحث العلمى ،كقوهم إن هممذا مممن شممأن
الفلسفة ،أما العلم فمهمتممه تسممجيل " الحقممائق ! " كممما هممى دون
إعطاء تفسير مسبق لها .أو قمولهم إن هممذا شمأن " الميتافيزيقمما "
)أى ما وراء الطبيعممة( ولكممن العلممم محصممور فممى ظممواهر الطبيعممة
يسجلها ويحاول أن يفسرها تفسمميرا " علميمما ! " أى فممى حممدود ممما
تدركه الحواس ..
والحقيقة من وراء ذلممك هممى إبعمماد كممل ظممل للممدين مممن البحممث
" " من فصل " تفرد النسان " ص 36من الترجمة العربية لحسن خطاب . 1
العلمممى انتقاممما مممن موقممف الكنيسممة الممتى حمماربت العلممم باسممم
الدين !! ذلك أن الحديث عن " الغاية " هو حديث عن الله سممبحانه
وتعالى وغايته من خلق هذا الكون على الصورة التى خلقممه عليهمما .
ثم إنه يتضمن التزاما معينا تجاه الممه سممبحانه وتعممالى ،وهممو الممتزام
الغاية التى من أجلها خلق الله النسممان فممى هممذا الكممون ..والعلممم
الذى نشأ فى ظل العداء مع الدين ل يريد أن يلتزم بشئ ألبتة تجاه
الدين وتجاه اللممه ! لن اللممتزام – عنممدهم – ل يجممرى إل مممن خلل
الكنيسة ،والكنيسة هى الطغيان !
بل بلغ المر إلى نفى القصد ل إبعاده عن مجممال البحممث العلمممى
فحسممب ! وخرجممت نظريممات " علميممة !! " تقممول إن الكممون وجممد
بالصدفة ! وإن الحياة ظهرت على سطح الرض بالصدفة !
بل حين أسند الخلق إلى " الطبيعة " بدل مممن اللممه نفممى القصممد
عن الطبيعة وقال قائلهم " دارون " إن الطبيعة تخبط خبط عشواء
! Nature Works Haphazardly
وهذه " الطبيعة " ذاتها ،وتأليهها ونسبة الخلق إليها ..لقممد كممانت
إحدى الخطايا المترتبة علممى الخطيئة الممتى اقترفتهمما الكنيسممة مممن
قبل بوقوفها موقف العداء من العلم والعلماء ..
إن تأليه الطبيعة – سواء فى مجممال العلممم أو الفممن أو أى مجممال
آخر – لهو المهرب الوجدانى الذى لجأت إليه أوروبا لتهرب من إله
الكنيسممة الممذى تسممتعبد النمماس باسمممه فممى كممل مجممالت الحيمماة :
الروحية والفكرية والمالية ولسياسية والعلمية ..الخ ،وتخممترع إلهمما
آخر له معظم صفات الله الخالق البارئ المصور ،ولكن ليسممت لممه
كنيسة وليست له التزامات !
وإل فما " الطبيعة " فى مجال البحث العلمى على الخصوص ؟
ومن أين لها صفة الخلممق ؟ والخلممق بهممذه الدقممة المعجممزة الممتى
يتحدثون عنها سواء فى الفلك أو الكيميمماء أو الفيزيمماء أو الطممب أو
علم وظائف العضاء أو علم الحياة ؟!
ثممم إذا كممانت – كممما يقممول دارون – تخلممق دون قصممد معيممن ول
تدبير ،فكيف خلقممت النسممان الممذى يتصممف بالقصممد والتممدبير ؟ أى
بعبارة أخرى :كيف يخلق الخالق من هو أعلى منه وأكمل وأدق ؟!
أل إنها أسطورة " علمية ! " ضخمة فى عصر العلم ! ومممع ذلممك
فهى العملة السارية فى كل كتب العلم الغربممى بل اسممتثناء ! اقممرأ
فى أى كتاب علمى تجد " الطبيعة " Natureمشارا إليها علممى أنهمما
الخالق الفعال لما يريد ،الذى ل يسأل عما بفعل وهم يسألون !
إنها المهرب الوجدانى الذى لجممأت إليمه أوروبمما لتهممرب مممن إلمه
الكنيسة وتجد ما تتعبده فى ذات الوقت ،إذ النسممان مفطممور علممى
العبممادة سممواء فممى ضمملله أو هممداه ..أممما أن يتحممدث عنهمما الممذين
يسمون أنفسهم " علممماء ! " وبصمميغة الجممد ل الهممزل ..فمهزلممة ل
يفسرها شئ إل حقيقة واحدة ،هممى أن النسممان حيممن ينتكممس فممى
جاهليته – بعيدا عن الهدى الربانى – يمكن أن يصممدر عنممه أى شممئ
على الطلق ..مهما كان بعيدا عممن المنطممق وبعيممدا عممن المنطممق
وبعيدا عن المعقول .
ولكن الجريمة الكبرى فى هذا الشممأن تقممع علممى عمماتق الكنيسممة
بادئ ذى بدء ،التى أقامت ذلك الحاجز من العداء بين الدين والعلم،
الذى ظل يتفاقم حتى وصل – على يد الشممياطين – إلممى اسممتخدام
العلم ذريعة إلى القضاء على الدين .
ثالثا ً :فساد رجال الدين :
المفروض فى " رجال الدين " – إن كان ثمة مبرر لوجممود رجممال
ديممن علممى الطلق – أن يكونمموا قممدوة صممالحة لمممؤمنين بالممدين،
ونموذجا يحتذى فى الفكر والشعور والسلوك .
ولكن رجال الدين الكنسى فى أوروبا البابوية لم يكونوا يؤمنممون
بشئ من ذلك ول يحتفظون به !
بل كانت حياة الغالبية منهم حياة ترف وملذات وشهوات !
يقول الله ليحذر المؤمنين :
مْقت ما ً ِ ذي َ َ
عن ْمد َ ما ل ت َْفعَل ُممو َ
ن ) (2ك َب ُمَر َ م ت َُقوُلو َ
ن َ مُنوا ل ِ َ
نآ َ}َيا أي َّها ال ّ ِ َ
َ
ن )] {(3سورة الصف [3-61/2 ما ل ت َْفعَُلو َن ت َُقوُلوا َ الل ّهِ أ ْ
كبر مقتا لنه صد عن سبيل اللممه ..وأى جريمممة أكممبر مممن الصممد
عن سبيل الله ؟
إن الناس قد يتقلبون من الشخص العادى أن يكممذب أو يغممش أو
يلتوى فى سلوكه ..أو يقع فريسة للشهوات .
أما أن يقع ذلك ممن ينصب نفسه قممدوة للنمماس ،أو ممممن يممدعو
الناس إلى التمسك بالفضمميلة والبعممد عممن الرذيلممة ..فهممذا الممذى ل
يستسيغه الناس من جهة ،والذى يصممدهم عممن القيممم الرفيعممة مممن
جهة أخرى ،لنه ييئسممهم مممن قيممام تلممك القيممم فممى عممالم الواقممع،
ويشعرهم أنها مجرد شعارات معلقة فى الفضاء .ويهممون لهممم مممن
جهة أخرى ارتكاب الرذيلة بكل أنواعها ،لنه إذا كان دعمماة الفضمميلة
يفعلون ذلك ،فما بالهم هم ،الممذين لممم يزعممموا لنفسممهم ذات يمموم
أنهم من أصحاب الفضيلة ؟!
لذلك كبر مقتا عند الله أن يقول المؤمنون بألسنتهم ما يخممالفونه
فى سلوكهم الواقعى .
وهذا الذى كبر مقتما عنمد اللمه همو السملوك الغمالب علمى رجمال
الدين الكنسى فممى أوروبمما البابويممة ! مممما أدى – كممما أدت خطايمما
الكنيسة كلها – إلى نبذ الدين فى النهاية والنسلخ منه .
يقول " ول ديورانت " فى فصل بعنمموان " أخلق رجممال الممدين "
من كتاب " قصة الحضارة " )ج 21ص : (86 –83
" لقد كان يسع الكنيسة أن تحتفظ بحقوقها القدسممية المسممتمدة
مممن الكتممب المقدسممة العبريممة والتقاليممد المسمميحية لممو أن رجالهمما
تمسكوا بأهداب الفضيلة والورع ..ولكن كثرتهم الغالبة ارتضت ممما
فى أخلق زمانها من شروخير ،وكممانوا هممم أنفسممهم مممرآة ينعكممس
عليها ما فى سيرة غير رجممال الممدين مممن أضممداد .فقممد كممان قممس
البرشية خادما ساذجا ،لممم يممؤت فممى العممادة إل قسممطا ضممئيل مممن
التعليم ،ولكنه غالبا ما يعيش معيشة يقتدى بها )وإن خالفنا فى هذا
رأى الراهب الصالح أنطونينو( ل يعبأ به رجال الفكر ،ولكممن يرحممب
به الشعب .
وكان بين الساقفة ورؤساء الديرة بعض من يحبون حياة منعمة،
ولكن كان منهم كثيرون من الرجال الصالحين ،ولعل نصممف مجمممع
الكرادلة كانوا يسلكون مسمملك أتقيمماء المسمميحيين المتممدنيين الممذى
يخزى مسلك زملئهم الدنيوى المرح .
" وانتشممرت فممى جميممع أنحمماء إيطاليمما المستشممفيات وملجممئ
اليتامى ،والمدارس وبيوت الصدقات ،ومكاتب القرض وغيرهمما مممن
المؤسسممات الخيريممة يممديرها رجممال الممدين .واشممتهر الرهبممان
البندكتيون ،والفرنسيس المتشددون ،والكرثوزيون بمستوى حياتهم
الخلقى الرفيع إذا قيس إلى أخلق أهل زمنهم ..وواجه المبشممرون
مئات الخطار وهم يعملون لنشر الدين فى أراضى " الكفار " وبين
الوثنيين المقيمين فى العممالم المسمميحى .واختفممى المتصمموفة عممن
أعيممن النمماس وابتعممدوا عممما كممان فممى زمممانهم مممن عنممف ،وأخممذوا
يعملون للتصال القريب بالخالق جل وعل .
" وكان بين هذا التقى والورع كثير من التراخى فممى الخلق بيممن
رجال الدين نستطيع أن نثبته بما نضربه من مئات المثال .فها هممو
ذا بترارك نفسه الذى بقى مخلصا لممدين المسمميح إلممى آخممر حيمماته،
والذى صور ما فى دير الكرثوزين ،الذى كان يعيش فيه أخمموه ،مممن
نظام وتقى فى صورة طيبة مستحبة ،ها هو ذا يندد أكممثر مممن مممرة
بأخلق رجال الدين المقيمين فى افنيون .وإن الحياة الخليعة الممتى
كان يحياها رجال المدين اليطماليون والمتى نقمرأ عنهما فمى رواايمت
بوكاتشيو المكتوبة فى القرن الرباع عشممر إلممى روايممات ماستشمميو
فى القرن الخامس عشر ،إلى روايات بنديتلو فى القممرن السممادس
عشممر ،إن هممذه الحيمماة الخليعممة موضمموع يتكممرر وصممفه فممى الدب
اليطالى ،فبوكاتشيو يتحدث عما فى حياة رجال الممدين مممن دعممارة
وقذارة ومن انغماس فى الملذات طبيعيممة كممانت أو غيممر طبيعيممة .
ووصممف ماستشمميو الرهبممان والخمموان بممأنهم " خممدم الشمميطان "
منغمسون فى الفسق واللممواط ،والشممره ،وبيممع الوظممائف الدينيممة،
والخروج على الدين ،ويقر بأنه وجد رجال الجيش أرقممى خلقمما مممن
رجال الدين .
" وها هو ذا أريتينو الممذى لممم يتممورع عممن أيممة قممذارة يسممخر مممن
الطابعين بقوله إن أخطاءهم ل تقل عن خطايا رجال الممدين ،ويزيممد
على ذلك قوله " :والحق إنه لسممهل علممى النسممان أن يعممثر علممى
رومة مستفيقة عفيفة من أن يعثر على كتمماب صممحيح ،ويكمماد بجيممو
يفرغ كل ما عرفه من ألفاظ السباب فى التشنيع على فساد أخلق
الرهبممان والقسمميس ،ونفمماقهم ،وشممرهم ،وجهلهممم ،وغطرسممتهم،
ويقص فولينجو فممى كتمماب أرلنممدينو هممذه القصمة نفسممها ،ويبممدو أن
الراهبات ملئكة الرحمة فى هذه اليام كممان لهممن نصمميب فممى هممذا
المرح ،وأنهن كن مرحات رشيقات فى البندقيممة بنمموع خمماص حيممث
كممانت أديممرة الرجممال والنسمماء متقاربممة قربمما يسمممح لمممن فيهمما
بالشتراك من حين إلى حسين فى فراش واحد .وتحتموى سمجلت
الديممرة علممى عشممرين مجلممدا مممن المحاكمممات بسممبب التصممال
الجنسممى بيممن الرهبممان والراهبممات .ويتحممدث أريممتينو عممن راهبممات
البندقيممة حممديثا ل تطمماوع النسممان نفسممه علممى أن ينطممق بممه .
وجوتشياردينى الرجل الرزين المعتدل عادة يخرج عن طوره ويفقد
اتزانه حين يصممف رومممة فيقممول " :أممما بلط رومممة فممإن المممرء ل
يسممتطيع أن يصممفه بممما يسممتحق مممن القسمموة ،فهممو العممار الممذى ل
ينمحى أبد الممدهر ،وهممى مضممرب المثممل فممى كممل ممما هممو خسمميس
مخجل فى العالم " .
" ويبدو أن هذه شهادات مبالغ فيها ،وقد تكون غير نزيهممة ،ولكممن
استمعوا إلى قول القديسة كترين السينائية :
" إنك أينما وليت وجهك – سواء نحممو القساوسممة أو السمماقفة أو
غيرهم من رجال الدين أو الطوائف الدينية المختلفة ،أو الحبار من
الطبقات الدنيا أو العليا ،سواء كانوا صغارا فى السن أو كبارا – لممم
تر إل شرا ورذيلة ،تزكم أنفك رائحة الخطايا الدمية البشعة ..إنهم
كلهم ضيقوا العقل ،شممرهون ،بخلء ..تخلمموا عممن رعايممة الرواح ..
اتخذوا بطونهم إلهمما لهممم ،يمأكلون ويشممربون فممى الممولئم الصمماخبة
حيث يتمرغون فى القذار ويقضون حياتهم فى الفسممق والفجممور ..
ويطعمون أبناءهم من مال الفقراء ..ويفرون من الخدمات الدينيممة
فرارهم من السجون .
" وهنا أيضا يجب أن نسقط ما يحتويه هذا الوصف من مبالغة ،إذ
ليس فى وسممع النسممان أن يثممق بممأن المموالى الصممالح يتحممدث عممن
سلوك الدميين وهو غير غاضب ..ولكن فى وسعنا أن نصدق هممذه
الخلصة التى يعرضها مؤرخ كاثوليكى صريح .
" وإذا كانت هذه هى حال الطبقات العليا مممن رجممال الممدين فممإن
المرء ل يعجب إذا كان من دونهم من الطبقات ومن القساوسة قممد
انتشرت بينهم الرذيلة علممى اختلف أنواعهمما وأخممذ انتشممارها يممزداد
على مممدى اليممام .إل أن الحيمماء قممد زال مممن العممالم ..ولقممد كممان
أمثال أولئك القساوسة هم الذين دفعوا إرزمس ولوثر إلى وصفهما
المبالغ فيه لرجال الدين زارا رومة فى أيممام بوليمموس الثممانى .غيممر
أن من الخطأ أن يظن المرء أن القساوسممة كممانوا فممى رومممة أكممثر
فسادا منهم فى غيرها من المممدن .ذلمك أن لممدينا مممن الوثممائق ممما
يثبت بالدليل القاطع فساد أخلق القسيس فى كل مدينة تقريبا من
مدن شبه الجزيرة اليطالية ،بل إن الحال فى كممثير مممن الممماكن –
كالبندقية مثل – كانت أسوأ كثيرا منها فى رومة .فل عجب والحالة
هممذه إذا تضمماءل نفمموذ رجممال الممدين كممما يشممهد بممذلك مممع السممف
الشديد الكتاب المعاصرون ،وإذا كان الممرء ل يكماد يجمد فممى كممثير
من الماكن أى احترام يظهره الشعب للقسيسين .ذلك أن الفساد
قد استشرى بينهم إلى حد بدأنا نسمع معه آراء تحبذ زواجهم ..
" ولقد كان الكثير من الديرة فى حال يرثممى لهمما .وأغفلممت فممى
بعضها اليمممان الثلث الساسممية بممالتزام الفقممر ،والعفممة ،والطاعممة
إغفال يكاد يكون تاما ..ولم يكن النظام فى كثي من أديرة النسمماء
أقل من هذا فسادا "!
ويقول أيضا فى مكان آخر :
" … وظل كرسى البابوية عدة سنين بعد ذلك ل ينممال إل بالرشمما
أو القتل أو رغبات النسمماء ذوات المقممام السممامى والخلممق الممدنئ .
وبقيت أسرة بثوفيلكت أحد كبار الموظفين فممى قصممر البابمما ترفممع
البابوات إلى كراسيهم وتنزلهممم عنهمما كممما يحلممو لهمما .واسممتطاعت
ابنته مريوزا أن تنجح فى اختيار عشيقها سرجيوس الثالث لكرسممى
البابوية ) (911 – 904كما أفلحت زوجته ثيودورا فى تنصيب البابا
يوحنا العاشر ) (928 – 914وقد اتهم يوحنا هذا بأنه عشيق ثيودورا
ولكن هذا التهام ل يقوم على دليل قاطع .
" ..وظلت مريوزا تستمتع بعممدد مممن العشمماق واحممدا بعممد واحممد
حتى تزوجت جيممدودوق تسممكانيا وأخممذا يمأتمران لخلممع يوحنمما ..ثمم
رفعت مييوزا فى عام 931يوحنا الحادى عشر ) (935 – 931إلى
كرسى البابوية واكن الشائع على اللسنة أن يوحنا هذا ابن لها غيممر
شرعى من سرجيوس الثالث )ص – 378ج . (14
" ..وعرف اتو الول إمبراطور ألمانيا عن قرب ممما وصمملت إليممه
البابوية من انحطاط بعد ان توجه يوحنا الثانى عشر إمبراطورا فممى
عام ،962فلما عاد إلى روما فى عام 963بتأييد رجال الدين فيما
وراء رجال اللب دعا يوحنا إلى المحاكمممة أمممام مجلممس كنسممى ..
واتهم الكرادلة يوحنا بأنه حصل على رشمما نظيممر تنصمميب السمماقفة
وأنه عين غلما فى العاشرة من عمره أسقفا ،وأنه زنى بخليلة أبيه
وضاجع أرملته وأبنة أخيها وأنه حول قصر البابا إلى ماخور للممدعارة
)ص 379ج . (14
رابعا :الرهبانية وفضائح الديرة :
ن الل ّمهِ فَ َ
ممما وا ِ
ضم َ ها عَل َي ْهِ م ْ
م إ ِل ّ اب ْت ِغَمماَء رِ ْ ما ك َت َب َْنا َ ها َ
عو َ
ة اب ْت َد َ ُ
}وََرهَْبان ِي ّ ً
عايت ِهمما َفآتينمما ال ّمذين آمنمموا منهم َ
م م وَك َِثي مٌر ِ
من ْهُم ْ جَرهُم ْ
مأ ْ ِ ُْ ْ ِ َ َ ُ ََْ حقّ رِ َ َ َ ها َ َرعَوْ َ
ن )] {(27سورة الحديد [57/27 سُقو َ َفا ِ
يروى عممن السمميد المسمميح أنممه قممال " :مممن أراد ملكمموت الممرب
فليترك ماله وأهله وليتبعنى " وأنه قال " :من أراد الملكوت فخممبز
الشعير والنوم فى المزابل مع الكلب كثير عليه " .
وسواء صحت هذه النصوص أم كانت ألفاظها قممد حرفممت أو زيممه
عليها ،فل شك أن المسيح دعمما إلممى الزهممادة والرتفمماع عممن متمماع
الرض كما دعا كل نبى قبله ،وكما قال صلى الله عليه وسلم مممن
بعده " :ما مل آدمى وعاء شرا من بطنه ،بحسممب ابممن آدم أكلت
يقمن صلبه " " "1
ولكن دعوة رسول اللممه صمملى اللممه عليممه وسمملم لممم تنشممأ عنهمما
رهبانية ،بل لم يتقبل رسول الله صلى الله عليممه وسمملم الرهبانيممة
حين جنح إليها بعض المسلمين كما يتضح من الواقعة التية :
" " رواه أحمد والترمذى . 1
" ذهب ثلثة رهط إلى بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليممه
وسلم فسألوا عن عبادته صلى الله عليه وسلم ،فلما أخبروا كأنهم
تقالوها ! فقال أحدهم أما أنا فأصوم الدهر ول أفطر ،وقال الثممانى
وأما أنا فممأقوم الليمل ول أنممام ،وقمال الثمالث ،وأمما أنما فل أتمزوج
النساء .فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بهم فقال
:أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله أنى لعبدكم وأخشمماكم للممه
ولكنى أصوم وأفطر ،وأقوم وأنام وأتزوج النساء .فمن رغب عممن
سنتى فليس منى " " " 2
ولكن شيئا ما – فممى دعمموة السمميد المسمميح – قممد شممجعت علممى
ابتممداع الرهبانيممة فيممما يبممدو .فقممد بعممث السمميد المسمميح إلممى بنممى
إسرائيل وقد غلبت عليهم مادية كافرة ،يعبممدون اذلهممب ويعيشممون
للحيمماة الممدنيا ،ول ظممل فممى حيمماتهم لليمممان بمماليوم الخممرة ،ول
حساب له فى قلوبهم .جفت أرواحهم فلم تعممد فيهمما نممداوة الحممب
ول إشراقة النور التى تصاحب اليمان بالله .
من أجل ذلك الروحانيممة هممى السمممة الغالبممة علممى دعمموة السمميد
المسمميح ،وكممان الكثممار مممن الحممديث عممن الزهممد والرتفمماع علممى
شهوات الرض ن لعل الدعوة على هذا النحو تلين القلوب القاسية
التى قال الله عنها :
س موَةًش مد ّ قَ ْ جمماَرةِ أ َوْ أ َ َ ح َكال ْ ِ ي َ ك فَهِ م َ ن ب َعْدِ ذ َل ِ َ م ْ م ِ ت قُُلوب ُك ُ ْ س ْ م قَ َ }ث ُ ّ
َ
جخ مُر ُ ش مّققُ فَي َ ْ ما ي َ ّ من َْها ل َ َن ِ ه الن َْهاُر وَإ ِ ّ من ْ ُجُر ِ ما ي َت ََف ّ جاَرةِ ل َ َ ح َ ن ال ْ ِ م ْ ن ِ وَإ ِ ّ
ممما
ل عَ ّ ه ب َِغافِ م ٍ ممما الل ّم ُ شي َةِ الل ّمهِ وَ َ خ ْ ن َ م ْ ط ِ ما ي َهْب ِ ُ من َْها ل َ َ ن ِ ماُء وَإ ِ ّ ه ال ْ َ من ْ ُِ
ن )] {(74سورة البقرة [2/74 مُلو َ ت َعْ َ
وهل أدل على هذه القسوة من أن تبيح لهم وحشيتهم أن يقتلمموا
" المميين " فى عيد الفصح ليعجنوا بدمائهم فطيرة " مقدسة " ثم
يأكلوها ابتهاجا بالعيد ؟!
وفجر بنو إسرائيل فلممم يسممتجيبوا لهممذه الممدعوة المترفعممة الممتى
دعاهم إليها السيد المسيح ،بل سعوا إلى إثارة الحاكم الرومممانى "
بيلطس " ليحكم عليه بالقتل صلبا ..لول أن الله نجاه منهم ورفعه
إليه فلم يقتلوه ولم يصلبوه .وقال الله عنهم :
سممى عي َ ل َوآت َي َْنا ِ س ِ ن ب َعْدِهِ ِبالّر ُ م ْب وَقَّفي َْنا ِ سى ال ْك َِتا َ مو َ }وَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ
َ َ
ممما ل ل بِ َ سممو ٌ م َر ُ جاَءك ُ ْ ما َ س أفَك ُل ّ َ ْ
ح الُقد ُ ِ ت وَأي ّد َْناهُ ب ُِرو ِ م ال ْب َي َّنا ِ مْري َ َ ن َ اب ْ َ
َ
ن ){(87 ريق ما ً ت َْقت ُل ُممو َ م وَفَ ِ ريق ما ً ك َمذ ّب ْت ُ ْ م فََف ِ س مت َك ْب َْرت ُ ْ ما ْ س مك ُ ْ وى أنُف ُ ت َهْ م َ
]سورة البقرة [2/87
" " رواه الشيخان والنسائى . 2
وكلن الدعوة المترفعة التى أعرض عنها قساة القلوب تسربت –
بقممدر مممن اللممه – إلممى قلمموب أخممرى اعتنقتهمما وآمنممت بهمما وتلقممت
روحانيتها الندية بالترحيب :
ة{ ]سممورة الحديممد مم ً
ح َ ة وََر ْ ن ات ّب َعُمموهُ َرأ ْفَم ً ذي َب ال ّ ِ جعَل َْنا ِفي قُُلو ِ }وَ َ
[57/27
وهؤلء هم الذين ابتدعوا الرهبانية ..
ه{ ن الّلمم ِ وا ِ ضمم َم إ ِل ّ اب ْت َِغمماَء رِ ْ همما عَل َي ِْهمم ْ ما ك َت َب َْنا َ ها َعو َ ة اب َْتممد َ ُ }وََرهَْبان ِّيمم ً
]سورة الحديد [57/27
وسواء كان الستثناء فى الية منقطعا بمعنى :ورهبانية ابتدعوها
ما كتبناها عليهم ولكن كتبنا عليهم أن يبتغمموا رضمموان اللممه )فممابتغوا
ذلمك عمن طريمق الرهبانيمة المتى ابتمدعوها( أو متصمل بمعنمى :مما
كتبناها عليهم إل أنهم ابتغوا بهمما رضمموان اللممه ..فممإن اليممة تسممجل
عليهم أنهم هم الذين ابتدعوها وليممس اللممه هممو الممذى كتبهمما عليهممم
بادئ ذى بدء ،أى عيسى عليه السلم لم يأمرهم بها ولم يقل لهممم
إن الله يريدها منهم .ولكنهممم هممم تطوعمموا بهمما – متممأثرين بتعمماليم
المسيح أو مؤولين لها على هذا النحو – فقبل الله منهم ما تطوعوا
به ما داموا قد ابتغوا به رضوان اله .
ولكن أيا كان الدافع لهممم علممى ابتممداع الرهبانيممة :التممأثر بتعمماليم
السيد المسيح أو تأويلها على نحو معيممن كممما أول الصمموفية اليممات
والحماديث المواردة فمى ذم المدنيا فجعلوهما ذمما مطلقما وفمى كمل
الحالت ،بينما هى واردة فى ذم الدنيا حين تصد عن اليمممان بممالله
أو تصد عن الجهاد فى سبيل الله ..
نقول ايا كان الدافع ،فإن الرهبانية مضادة لدفعة الحياة السمموية
التى خلقها الله لتعمل ل لتكتب وتحجز عن الحركة والنشاط .فقممد
جعل الله النسان خليفة فى الرض وكلفه عمارتها :
من ال َ شأ َ}هُوَ َأن َ
م ِفيَها{ ]سورة هود [11/61 مَرك ُ ْ ست َعْ َض َوا ْ ْ ِ ر ْ ِ م
ْ ُ ك
ومن أجل القيام بأمر الخلفممة أى الهيمنممة والشممراف والتمكممن ،
ومن أجل القيام بعمارة الرض ،أودع اللممه الفطممرة مجموعممة مممن
الدوافع المحركة إلى العمل والنشاط ..
ر
طي ِ ن َوال َْقَنمما ِ سمماِء َوال ْب َِنيمم َ ن الن ّ َ ممم ْ ت ِ وا ِ شممهَ َ ب ال ّ حمم ّ س ُ ن ِللّنمما ِ }ُزّيمم َ
َ
مةِ َوالن ْعَممام ِ َوال ْ َ
ث ح مْر ِ س مو ّ َم َ ل ال ْ ُ ضةِ َوال ْ َ
خي ْ ِ ب َوال ِْف ّ ن الذ ّهَ ِ م ْ مَقن ْط ََرةِ ِال ْ ُ
حَياةِ الد ّن َْيا] {...سورة آل [3/14 مَتاعُ ال ْ َ ك َذ َل ِ َ
وصحيح أن الله سبحانه وتعالى ل يحممب لعبمماده أن ينطلقمموا إلممى
آخر المدى مع هذه الشهوات لنها عندئذ ل تكون معينا على الخلفة
الراشدة ول على عمممارة الرض علممى النحممو اللئق بالنسممان ،بممل
تكون شاغل عن الرتفاع وداعيا إلى الهبوط إلى مستوى الحيمموان ،
وعندئذ يكون النسان أضل من الحيوان :
ن )] {(179سورة م ال َْغافُِلو َ ك هُ ْ ل أ ُوْل َئ ِ َ ض ّ مأ َ
ل هُ َ
ْ كال َن َْعام ِ ب َ ْ ك َ }أ ُوْل َئ ِ َ
العراف [7/179
وصحيح أن الله أحب لعباده أن يتخففوا من متاع الرض ليفرغمموا
إلى القيم العليمما الجممديرة بالنسممان ،ووعممدهم علممى ذلممك الجنممة ،
وجعل ذلك هو البتلء الذى يخوضه النسان فى الرض :
ل ب ) (14قُم ْ مممآ ِ ن ال ْ َ سم ُ ح ْ عن ْمد َهُ ُ ه ِ حَياةِ الد ّن َْيا َوالل ّم ُ مَتاعُ ال ْ َ ك َ }....ذ َل ِ َ
َ
حت َِهما ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٌ م َ عن ْد َ َرب ّهِ ْ وا ِ ن ات َّق ْ ذي َ م ل ِل ّ ِ ن ذ َل ِك ُ ْ م ْ خي ْرٍ ِ م بِ َ أؤُن َب ّئ ُك ُ ْ
َ ال َن َْهاُر َ
ن الل ّم ِ
ه مم ْ ن ِ وا ٌ ضم َ مط َهّمَرةٌ وَرِ ْ ج ُ ن ِفيَها وَأْزَوا ٌ دي َ خال ِ ِ ن ِفيَها َ دي َ خال ِ ِ
مّنا َفاغِْفْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنمما ن َرب َّنا إ ِن َّنا آ َ ن ي َُقوُلو َ ذي َ صيٌر ِبال ْعَِبادِ ) (15ال ّ ِ ه بَ ِ َوالل ّ ُ
نمن ِْفِقيم َ ن َوال ْ ُ ن َوال َْقممان ِِتي َ صممادِِقي َ ن َوال ّ ري َ صمماب ِ ِ ب الن ّممارِ ) (16ال ّ ذا َ وَقَِنا عَ َ
َ
حارِ )] {(17سورة آل [17-3/14 س َ ن ِبال ْ ري َ ست َغِْف ِ م ْ َوال ْ ُ
مل ً ) ة ل َهمما ل ِنبل ُموهُم أ َيه م َ جعَل َْنا ما عََلى ال َ
ن عَ َ سم ُ ح َ مأ ْ َْ َ ْ ُّ ْ ض ِزين َم ً َ ِ ر
ْ َ }إ ِّنا َ
] {(7سورة الكهف [18/7
كل ذلك صحيح .ولكن اله لم يحرم متاع الرض :
ق ز ر م ال ن م م ت مام ب يّ ط وال ه دبا ع ل ج ر خ ة الل ّه ال ِّتي أ َ م ِزين َ َ }قُ ْ
ِ ْ ّ ْ ِ ِ َ ّ َ ِ ِ َ ِ ِ َ َ ْ ِ حّر َ ن َ م ْ ل َ
ة{ ]سممورة مم ِ م ال ِْقَيا َ ة ي َموْ َ ص ً خال ِ َ حَياةِ الد ّن َْيا َ مُنوا ِفي ال ْ َ نآ َ ذي َ ي ل ِل ّ ِ ل هِ َ قُ ْ
العراف [7/32
إنما وضع حدودا لذلك المتاع يباح فى داخلها ويكممون محرممما فممى
خارجها :
ها{ ]سورة البقرة [2/229 دو َ دود ُ الل ّهِ َفل ت َعْت َ ُ ح ُ ك ُ }ت ِل ْ َ
ها{ ]سورة البقرة [2/187 دود ُ الل ّهِ َفل ت َْقَرُبو َ ح ُ ك ُ }ت ِل ْ َ
وتلك الحدود هى التى يعلم سبحانه أنها تعيمن علمى أممر الخلفمة
وعمممارة الرض علممى المسممتوى اللئق بالنسممان ،دون أن ينشممغل
النسان بها عن قيمه وأهدافه العليا كما بينها الله له على يد رسممله
وأنبيائه ،وفى الوقت ذاته تعطممى قسممطا معقممول مممن المتمماع لكيل
ينشغل النسان عن الحركة والعمل بلذع الحرمان .
وهناك أفراد – أفذاذ – يسممتطيعون أن يتخففمموا مممن متمماع الرض
إلى أقصممى حممد دون أن يشممغلهم الشممعور بالحرمممان عممن الحركممة
والنشاط والعمل بإيجابية كاملة ،أولئك هممم الزهمماد علممى بصمميرة .
وقد كان محمد صلى الله عليه وسمملم إمممام الزاهممدين ،وهممو أكممبر
طاقة إيجابية حركية عرفتها البشرية ..
ولكن الرهبانية ليست كذلك .ز إنهمما اعممتزال ..إنهمما تممرك للحيمماة
الواقعية بكل ما فيها ولياذ بالديرة المنقطعة عن تيار الحياة .ولقممد
يتربى الراهب على تعود الحرمان حتى ل يعود يحس بلذع الحرمان
..نعم ..ولكنه فى المموقت ذاتممه يفقممد إيجممابيته الفاعلممة فممى واقممع
الرض ويتخلى عممن دوره فممى عمارتهمما ،ويلغممى طاقممات كيممانه فل
يتزوج ول يعمر وجه الرض بالنسل ول ينتج ..إل مشاعر ذاتيممة فممى
طى الكتمان .
لذلك نقول إن الرهبانية مضادة لدفعة الحياة السوية كممما خلقهمما
الله .
وإذا كان اللممه قممد قبلهمما منهممم – لفممترة معينممة – هممى المحممدودة
بمجئ الرسول صلى الله عليه وسلم مصدقا لممما بيممن مممن الكتمماب
ومهيمنا عليه ،وناسخا ما شاء الله أن ينسخ من الشرائع – المحلية
-السابقة ،لينشر فى الناس كلمة الله الخيرة وشريعته الباقية ..
إذا كان الله قد قبلهمما منهممم تلممك الفممترة المحممدودة فممإنهم وهممم
مبتممدعوها والمتطوعممون بهمما مممن عنممد أنفسممهم لممم يرعوهمما حممق
رعايتها !
ن الل ّمهِ فَ َ
ممما وا ِضم َم إ ِل ّ اب ْت ِغَمماَء رِ ْها عَل َي ْهِ م ْما ك َت َب َْنا َها َعو َة اب ْت َد َ ُ}وََرهَْبان ِي ّ ً
عاي َت َِها{ ]سورة الحديد [57/27 حقّ رِ َ ها َ َرعَوْ َ
ولقد كان المتوقع أل يرعوها حممق رعايتهمما ..أى ل يصممبروا علممى
تكاليفها .فهى سباحة دائمة ضد التيار ..تيار الحياة ..وجهد مجهممد
ل يصبر عليه كثيرون ..
أما أن تنقلب – وهى المنوطة بالتقوى والزهد والتعفف والرتفاع
عن الشهوات – إلى مباءة للقذارة الحسية والمعنويمة يتعفممف عنهما
الرجل العادى أو الفتاة العادية ..فهذا الذى ل يمكن أن يتوقع علممى
الطلق !
فممإذا كممانوا ل يصممبرون علممى تكاليفهمما فممما الممذى يجممبرهم علممى
المضى فيها وهى تطوع غير مفروض ؟!
أما أن يستمروا فيها عنوانا ولفتة ،ومظهرا خادعا مممن الخممارج ،
ثم يحولوها إلى حانممات للخمممر ومممواخير لفسمماد ،ومبمماءة للشممذوذ
الجنسى بين الرجال والرجال والنساء والنسمماء ،بالضممافة إلممى ممما
يحدث من العلقات السممرية بيممن أديممرة الرجممال وأديممرة النسمماء ..
فهذا أمر يشده الحس ويبعث على التقزز والنفور.
يقول أصدق القائلين جل وعل :
مممان الل ّمهِ فَ َوا ِضم َم إ ِل ّ اب ْت ِغَمماَء رِ ْها عَل َي ْهِ م ْما ك َت َب َْنا َها َعو َة اب ْت َد َ ُ}وََرهَْبان ِي ّ ً
عايت ِهمما َفآتينمما ال ّمذين آمنمموا منهم َ
م م وَك َِثي مٌر ِ
من ْهُم ْ جَرهُم ْ
مأ ِْ ُْ ْ ِ َ َ ُ ََْ حقّ رِ َ َ َ
ها ََرعَوْ َ
ن )] {(27سورة الحديد [57/27 سُقو ََفا ِ
فاسقون ..بكل معانى الفسق التى تخطر والممتى ل تخطممر علممى
البال !
خامسا :مهزلة صكوك الغفران :
لم يكف الكنيسة ورجال دينهمما هممذا الفسمماد كلممه ،فأضممافوا إليممه
مهزلة من أكبر مهازل التاريخ .تلك هى مهزلة صكوك الغفران .
فقد أصدر مجمممع لتيممران سممنة 1215القممرار التممالى لتقريممر أن
الكنيسة تملك حق الغفران للمذنبين :
" إن يسوع المسمميح ،لممما كممان قممد قلممد الكنيسممة سمملطان منممح
الغفرانات ،وقد استعملت الكنيسة هذا السمملطان الممذى نممالته مممن
العل منذ اليام الولى ،فقد أعلم المجمع المقدس وأمر بأن تحفظ
للكنيسة هذه العملية الخلصية للشعب المسيحى والمثبتة بسلطان
المجامع ،ثم ضرب بسيف الحرمان من يزعمون أن الغفرانات غير
مفيدة أو ينكرون على الكنية سلطان منحها .غير أنه قد رغب فممى
أن يسمممتعمل همممذا السممملطان باعتمممدال واحمممتراز حسمممب العمممادة
المحفوظة قديما والمثبتة فى الكنيسة لئل يمس التهممذيب الكنسممى
تراخ بفرط التساهل " " "1
ولكن الكنيسة لم ترع ذلك التحفممظ المموارد فممى القممرار ،وهممو "
استخدام هذا السلطان باعتممدال واحممتراز " فقممد كممانت راغبممة فممى
زيادة سلطانها – وزيادة أموالها كذلك ! – فعمدت إلى منح المغفرة
بصكوك تباع بالمال فى السواق !
يقول الصك :
" ربنا يسوع يرحمك يا … " "2ويشملك باستحقاقات آلمه الكلية
القدسية وأنا بالسمملطان الرسممولى المعطممى لممى أحلممك مممن جميممع
القصاصات والحكام والطائلت الكنيسممة الممتى اسممتوجبتها ،وأيضمما
من جميممع الفممراط والخطايمما والممذنوب الممتى ارتكبتهمما مهممما كممانت
عظيمة وفظيعة ،ومن كل علة وإن كانت محفوظممة لبينمما القممدس
البابا والكرسى الرسولى ،وأمحو جميع أقذار الذنب وكممل علمممات
الملمة التى ربما جلبتهمما علممى نفسممك فممى هممذه الفرصممة ،وأرفممع
القصاصات التى كنت تلتزم بمكابممدتها فممى المطهممر ،وأردك حممديثا
إلى الشركة فى أسرار الكنيسة ،وأقرنك فممى شممركة القديسممين ،
" " يترك فراغ يكتب فيه اسم " المغفور له " كما تمل الستمارات فى المصالح والدواوين ! 2
أردك ثانية إلى الطهارة والبر اللذين كانا لك عند معموديتك ،حممتى
إنه فى ساعة الموت يغلق أمامك الباب الممذى يممدخل منممه الخطمماة
إلى محل العذاب والعقاب ،ويفتح الباب الذى يممؤدى إلممى فممردوس
الفممرح .وإن لممم تمممت سممنين مسممتطيلة فهممذه النعمممة تبقممى غيممر
متغيرة حتى تأتى ساعتك الخيرة باسم الب والبن والروح القدس
" " "1
وإنها – والحق يقال – لمهزلة فريدة فى التاريخ !
فقد عرفت الدينات الوثنية – من قبل ومن بعممد – عمليممة إرضمماء
الكاهن ابتغاء رضوان الله المعبود باعتبار أن الكاهن هممو الوسمميط
بين العبد والرب ،وأن رضاه يؤدى – فى وهمهم – إلى رضا اللممه ،
وغضبه يؤدى إلى غضب الله .والنممذور للوثممان أمممر معممروف فممى
التاريخ .زو كان العرب فى الجاهلية يؤدون الشعائر والنسك للوثان
– ومن بينها تقديم النذور – ليقربوهم إلى الله زلفى .
َ
م إ ِل ّ ل ِي َُقّرُبون َمما إ ِل َممى الل ّم ِ
ه ما ن َعْب ُمد ُهُ ْ دون ِهِ أوْل َِياَء َ ن ُ م ْ ذوا ِ خ ُ ن ات ّ َذي َ }َوال ّ ِ
ُزل َْفى{ ]سورة الزمر [39/3
ويجئ الدين المنزل ليصحح العقيممدة ويصممحح السمملوك ،فيجعممل
الشعائر والنسك له وحده ،وبين العبد وربه مباشرة بل وسيط :
َ َ
ه{ ]سممورة م ُ ه ي َعْل َ ُ ن الل ّ َن ن َذ ْرٍ فَإ ِ ّ م ْ م ِ ن ن ََفَقةٍ أوْ ن َذ َْرت ُ ْ م ْم ِ ما أنَفْقت ُ ْ }وَ َ
البقرة [2/270
ويكممون للرسممل – فممى حيمماتهم – خصيصممة يختصممون بهمما فممى أن
دعمماءهم يسممتجاب عنممد اللممه حيممن يممدعون بالصمملح أو البركممة أو
المغفرة لمن يستحق ذلك عند الله :
سممى س مّيئا ً عَ َ خَر َ صاِلحا ً َوآ َ مل ً َ طوا عَ َ خل َ ُ م َ ن اعْت ََرُفوا ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ خُرو َ }َوآ َ
َ الل ّ َ
م وال ِهِ ْمم َ
نأ ْ مم ْ خ مذ ْ ِ م )ُ (102 حي م ٌ ه غَُفمموٌر َر ِ ن الل ّ َ م إِ ّ ب عَل َي ْهِ ْ ن ي َُتو َ هأ ْ ُ
هّ
م َوالل ُ َ
ن له ُ ْ سك َ ٌ ك َ صلت َ َ ن َ م إِ ّ َ
ل عَلي ْهِ ْ ص ّ م ب َِها وَ َ كيهِ ْ م وَت َُز ّ َ
ة ت ُطهُّرهُ ْ صد َقَ ً َ
َ َ
ه
عب َممادِ ِ ن ِ ة ع َم ْ ل الت ّوْب َم َ ه هُ موَ ي َْقب َم ُ ن الل ّ َ موا أ ّ م ي َعْل َ ُ م ) (103أل َ ْ ميعٌ عَِلي ٌ س ِ َ
َ ْ
م )] {(104سورة التوبممة حي ُ ب الّر ِ وا ُ ه هُوَ الت ّ ّ ن الل ّ َ ت وَأ ّ صد ََقا ِ خذ ُ ال ّ وَي َأ ُ
[104-9/102
أما لمن ل يستحق فالدعاء – حتى من الرسل – غير مستجاب :
}استغْفر ل َه َ
ن مّرةً فَل َ ْ ن َ سب ِْعي َ م َ ست َغِْفْر ل َهُ ْ ن تَ ْ م إِ ْ ست َغِْفْر ل َهُ ْ م أو ْ ل ت َ ْ
َ
ْ َ ِ ْ ُ ْ
مدي ال َْق موْ َ ه ل ي َهْ م ِ سول ِهِ َوالل ّم ُ م ك ََفُروا ِبالل ّهِ وََر ُ ك ب ِأن ّهُ ْ م ذ َل ِ َ ه ل َهُ ْ ي َغِْفَر الل ّ ُ
ن )] {(80سورة التوبة [9/80 سِقي َ ال َْفا ِ
فإذا كان هذا شأن الرسل – بل شأن سيد الرسل صلى الله عليه
" " كتاب المسيحية تأليف أحمد شلبى – ص . 214 1
وسلم – فما بالك بالبابا الذى ل حظوة له عنمد ربمه ول إذن لمه ممن
الله بقبول الغفران ؟!
بل ما بالك حين يكون المر ل عن نية حقيقية فممى التوبممة يعلمهمما
البابا – تقممدس سممره ! – بممل عممن مبلمغ ممن الممال ؟ بمل مما بالمك
والمال – فى أكثر الحيان – ليس مدفوعا لله علممى سممبيل الصممدقة
للفقراء والمساكين ،مما يقبله اللمه ممن الممؤمنين ويحممط بمه ممن
خطاياهم ،وإنما هو لشراء الصك كما تشممترى أى سمملعة معروضممة
فى السواق ،والمال يذهب إلى خممزائن البممابوات والكرادلممة حممتى
يكتنزوا بالذهب والفضة التى يكنزونها ،ول يذهب إله مستحقيه من
الفقراء والمساكين ؟!
ول نشك فممى أن المهزلممة فممى بممادئ المممر كممانت جممادة ! أى أن
الذى يشترى الصك كممان راغبمما فممى التوبممة ،ظانمما أن هممذا السممبيل
يؤدى بالفعممل إلممى التوبممة والمغفممرة ورضمموان اللممه ،وكممان المممال
المدفوع يأخذ فى حس صاحبه مكان الصدقة المرفوعة إلممى اللممه .
كما أن الكنيسة استخدمت صكوك الغفران فى مبدأ المر لتشممجيع
المقاتلين على خوض المعممارك الصممليبية ضممد المسمملمين ،فكممانت
تمنح الصك لمن ينخرط فى سلك الجيوش الصليبية فتحمله الرغبة
فى الفردوس الموعود أن يلقى بنفسه فى آتون الحرب التى يرجع
منها أو ل يرجع ..وغالبا ل يرجع !
ولكن الحد فى هذا المر الهازل ل يمكن أن يستمر !
ولئن استمر البسطاء مخدوعين فى قدسمماء البابمما وقممدرته علممى
محو الذنوب ممن صمحيفة أعممال بممما لمه عنممد اللمه ممن الوسماطة
والحظوة و" القداسة " ..فقد انكشف المممر عنممد العقلء ول شممك
عن أن قداسة البابا قد اصبح تاجرا كبيرا ،وأنه علممى نسممق معظممم
التجار الكبار مدلس غشاش !! يبيع بضاعة ل يملكها ويقبض الثمممن
لنفسه ليثرى الثراء الفاحش ،ثممم ينفممق هممذا الكسممب الحممرام فممى
المتاع الدنس ويغرق به فى الشهوات !
ومع أنها مهزلممة مضممحكة – ومكشمموفة – فقممد ظلممت قائمممة فممى
المجتمع الوروبى – مجتمع الظلمات – فترة غير قصيرة من الوقت
،واتسع نطاقها وكثرت أرباحهمما حممتى فاضممت عممن مطممامع قداسممة
البابا ،فتنازل عممن شممئ مممن الفممائض لكبممار أعمموانه ،فصممرح لهممم
بإصدار صكوك لحسابهم ،استرضاء لهم ،واستعانة منه بهم فممى "
جلئل العمال " !
ولكنها كانت لبد مؤدية إلى نتائجها الطبيعيممة ،وهممى النفممور مممن
الدين فى النهاية والنفور من رجال الدين .
فحين يرى الناس الحصيلة المتحصمملة مممن الصممكوك تممذهب إلممى
الترف الماجن والمتاع الفاجر الذى يغرق فيه معظم البابوات وكبار
رجال الدين ،وحين يرون نفرا من أصحاب الصكوك – وقممد ضمممنوا
مغفرة ما تقدم من ذنبهم وممما تممأخر – غممارقين فممى الفسمماد اتكممال
على أن ذنوبهم تمحى أول بأول بسحر الصك الذى ابتاعوه ،وحيممن
يممرون السمملطان الطمماغى الممذى تحصممل عليممه الكنيسممة بأموالهمما
المكدسممة الممتى أصممبحت بهمما أغنممى مممن الملمموك وأمممراء القطمماع
ينصرف إلى مزيد من الطغيان ومزيد من الظلم ومزيد من التحكم
فى رقاب العباد وعقولهم وأفكارهم ..
حين يرون ذلك كله فل شك أنهم ينفرون فى النهايممة وينسمملخون
من الدين الذى ينتج كل تلك الفاعيل !
يقول ويلز فى كتاب " معالم تاريخ النسانية "
" ولقد قضت )أى الكنيسة( على هيبتها بعدم مراعاتهمما لتعاليمهمما
ذاتها الداعية إلى الصمملح والممبر .وقممد سممبق أن تكلمنمما عممن نظممام
التحلة " ، "1وكان خاتمة حماقاتها فى القرن السادس عشممر بيممع "
صكوك الغفران " التى بها يمكن افتداء الروح مممن عممذاب المطهممر
بدفعة مالية .على أن الروح التى دفعتها )أى دفعت الكنيسممة( آخممر
المر إلممى هممذه الفعلممة المتبجحممة الممتى كممانت نكبممة عليهمما ،كممانت
واضحة ملحوظة من قبل فى القرنين الثانى عشر والثالث عشممر "
""2
سادسا :محاكم التفتيش :
يقول " ول ديورانت " بعد أن يعممدد مبمماذل البممابوات وانحرافممات
رجال الدين فى النص الذى أشرنا إليه آنفمما " :وإذا ممما عفونمما عممن
بعض هذا الشذوذ الجنسى والنهممماك فممى ملذ المأكممل والمشممرب
فإننمما ل نسممتطيع أن نعفممو عممن أعمممال محمماكم التفممتيش " " .. " 3
ولهذه الشهادة دللتها فى استفظاع تلك العمال التى كممانت تقمموم
بها محاكم التفتيش ،ذلك أن العمال التى سمممح " ول ديممورانت "
لنفسه أن يعفو عنها هى فى الحقيقة أعمممال ل تغتفممر مممن الرجممال
الذين – فى زعمهم – وهبوا أنفسهم لنشر العقيدة التى يؤمنون بها
" " نظام التحلة نظام كان البابا بمقتضاه يعفى نفسه من التزام الوامر والنواهى التى تفرضها الكنيسة ذاتها على 1
رعاياها ! وقد اشار إليه ويلز فى فصل سابق فقال " ص : " 896وثمة دعوى أخرى ادعتها الكنيسة كانت هى أيضا
أكثر سرفا وبعدا عن الحكمة هى قولها بأن لها " حق التحلة " .ومعنى ذلك أن البابا كان يستطيع فى كثير من
الحيان أن يهمل قوانين الكنيسة فى حالت خاصة " ..
" " ج ، 3ص . 906 – 905 2
" " انظر كتاب " تجديد الفكر الدينى فى السلم " تأليف محمد اقبال ترجمة عباس محمود – ص 148من الترجمة 1
العربية .
فمغالطة متبجحة ل يسندها الواقع ،كما لو قلنمما إن العلممم الحاضممر
إسلمى كله ول فضل لوروبا فيه ،لمجرد أنه اسممتمد أصمموله كلهمما
من المسلمين ! وهذه مغالطة ل يقولها أحد منا – ولو قالهمما لكممانت
مضحكة غير مقبولة – لن اللممه أمرنمما – إذا قلنمما – أن نعممدل ..ولممو
كان ذا قربى :
ذا قُْرَبى{ ]سورة النعام [6/152 ن َ م َفاعْدُِلوا وَل َوْ َ
كا َ ذا قُل ْت ُ ْ }وَإ ِ َ
َ ن قَ موْم ٍ عَل َممى أ َل ّ ت َْعممدُِلوا ا ْ
بعممدُِلوا هُ موَ أقْ مَر ُ م َ
ش مَنآ ُ من ّك ُم ْجرِ َ }َول ي َ ْ
وى{ ]سورة المائدة [5/8 ِللت ّْق َ
إن أهم ما أخذته أوروبا عن المسمملمين كممما يعممترف المنصممفون
منهم – وما أقلهم ! – لم يكممن العلمموم فممى ذاتهمما ،وإن كمانت هممذه
تستحق أن يشار إليهما ويشماد بهما ،خاصمة فمى الكيميماء والفيزيماء
والطب والفلك والرياضيات ،إنما كان المنهج الترجيبى فى البحممث
العلمى ،وهذا هو الذى يرد إليه – بحق – كل التقممدم الممذى أحرزتممه
أوروبا فى ميدان العلوم فيما بعد ،لنه شئ جديد لم تكممن تحسممنه
من قبل ،ولن التقدم العلمى كان مستحيل بدونه ..ويبقى لوروبمما
فضممها – بعممد ذلممك – فممى المثممابرة والصممبر والمتابعممة ،بينممما ركممن
المسلمون إلى سبات عميق .
وأما الحضارة بصورها المادية وقيمها ومبادئهمما فهممذا الممذى أيقممظ
أوروبا من سباتها ودفعها إلى طلب الصلح للواقع الفاسممد السممن
المنتن الذى كانت تعيش فيه .
ويكفى أن نقول بالنسممبة للصممور الماديممة للحضممارة إن أوروبمما –
لوقت احتكاكها مع المسلمين – لم تكن تعممرف الحمامممات الخاصممة
داخل البيوت ! إنما كانت منذ العهد الرومممانى تسممتخدم الحمامممات
العامة سواء فى تنظيف ملبسها أو تنظيف أجسادها ..إلى حممد أن
محاكم التفتيش التى أنشئت لمطاردة السلم فى الندلس بممأفظع
وحشية عرفها التاريخ ،كانت تترعف على بيمموت المسمملمين الممذين
تنصروا ظاهرا للفرار من التعذيب بإحدى وسيلتين :الهينمة الخافتة
فى جنح الليل التى كانت تدلهم على قراءة القرآن ،أو العثور على
حمام خاص فى البيت ،وكممانت هممذه علمممة مميممزة قاطعممة ،مممما
يرتكب هذه الجريمة – جريمة وجممود حمممام خمماص فممى الممبيت – إل
المسلمون !!
أما من ناحية القيم والمبادئ فهذا – فى الواقممع – أهممم ممما أيقممظ
أوروبا من سباتها .
كانت أوروبا تعيش فى ظلمات القطاع ..وما أدراك ما ظلمات
القطاع !
أمير القطاعية هو الحاكم المطلق فممى إقطمماعيته ..ل قممانون إل
قممانونه ..هممو السمملطة التشممريعية والسمملطة القضممائية والسمملطة
التنفيذية كلها فى آن .هو الملممك لكممل شممئ والبمماقون عبيممد ..إممما
عبيد السيد وإما عبيد الرض يورثون ويباعون ويشترون ،وينتقلممون
– مع الرض – مممن سمميد إلمى سمميد ،ل يملكمون حممق النتقمال ممن
إقطاعية إلى إقطاعية ولو كان يفصل بينهما سور واحد ! عليهم كل
ثقيل من التبعات وليس لهم شئ يذكر من الحقوق !
فأممما الحقمموق السياسممية فل نصمميب لهممم منهمما علممى الطلق ول
يفكر أحد ول يتصور أحد ،أن يكون لهم مشاركة فى السياسمة ممن
قريب ول من بعيد ..وكيف يشاركون ؟ وأين هم حممتى يشمماركوا ؟!
إنهم قابعون هناك – فى القطاعية – فى بيمموتهم الريفيممة القممذرة ،
علممى اسممتعداد أبممدا لخدمممة سمميدهم أميممر القطاعيممة ،والشممرف
لحدهم أن يندبه المير لخدمة خاصة غير بقية الصفار الدمية التى
تمتلئ بها القطاعية ،فذلك تمييز وتكريم أى تكريم !
وكممان القطمماعى بممدوره يقمموم " برعايممة " هممذه القطممع الدميممة
المتناثرة فى أرضه !
فهو يشهد أفراح زفافهم ويستخدم – فى كثير من الحيان – حممق
الليلممة الولممى ،أى حممق الخلمموة بممالعروس ليلممة عرسممها ،قبممل أن
يتسلمها زوجها ! وبذلك يعيش هو عرس دائم متجدد ويتسلم العبيد
فضلته !
وهو يطحن لهم غللهم فى مطحنه وهو المطحن الوحيد المصرح
به فى القرية ،لقاء أجر يحدده هو على مزاجه ،وكذلك يعصر لهممم
كرومهم فى معصرته ،ليشربوا ..وينسوا !
كما أنه يدافع عنهم ضد أى هجوم من أميممر آخممر – وممما أكممثر ممما
يحدث الهجوم – وذلك بتجنيدهم ودفعهم إلى القتال ..ليموتوا !
كما يفممرض عليهممم مممن الضممرائب ممما يرتمماح إليممه ضممميره ،وممما
يستريح ضممميره حممتى تمتلممئ خزائنممه ،ممما تمتلممئ حممتى تفممرغ مممن
جديد !
وهكذا تتنوع ألوان " الرعاية " التى يقممدمها لهممم ..لممه منهمما كممل
حلوة ولهم العذاب ..
وحيممن كممانوا فممى هممذه الظلمممات ،احتكمموا بالمسمملمين ،سممواء
الحتكاك الحربى أو السلمى الذى استمر عدة قرون .
وجدوا عند المسملمين " دولمة " منظممة ،يحكمهما حمماكم يعمماونه
معاونوه ويخضممع النمماس لحكممه سواسممية علمى درجمة واحممدة ممن
الخضوع .وكان هذا شيئا جديدا عليهم ،فقد كانت لممديهم " دولممة "
نعم ولكنهم ل يتصلون بها – وأنى لهم ؟ -ول تتصل هى بهم إل مممن
خلل أمممراء القطمماع ،وأمممراء القطمماع هممم حكممامهم الحقيقيممون
المباشرون ،وليس لرئيس الدولة سلطان عليهم فيما يفعلون فممى
إقطاعياتهم ،إنما سلطانه عليهم محصمور فممى الممال الممذى يطلبمه
منهم – فيأخذونه هم من دماء فلحيهم ،وتبقى خزائنهم الخاصممة ل
تمس – وفى المجنممدين الممذين يطلبهممم منهممم إذا قممامت الحممرب –
وكثيرا ما تقوم – فيقدم القطاعى ما استطاع من دماء فلحيه لكى
يرضى الملك أو المبراطور عنه ،ويدع يده مطلقة بعد ذلممك يفعممل
بعبيده وأقنانه " "1ما يشاء .
ووجدوا قضاء منظما ..أى قضاة يحكمون بين الناس فيما شممجر
بينهم ،يعامل الناس أمامهم على السوية ،ويملك النسان إذا شمماء
أن يختصممم إلممى ذلممك القضمماء مممع واليممه أو رئيسممه أو مممن يكممون
خصمائه فيحكم القاضى بما يرضى ضميره هو ل بهوى السلطان .
ووجدوا شريعة حاكمة ..شريعة ليسممت هممى همموى القطمماعى ..
إنما هى شممرائع ثابتممة يضممبطها الكتمماب الممذى أنزلممت بممه ويضممبطها
اجتهاد فقهاء المة – وهم ليسوا طرفا فى خصومة مع أحممد بعينممه ،
وليسوا حكاما يجورون بالسلطان – وإنممما هممم مجتهممدون يفسممرون
النممص القرآنممى ويسممتنبطون الحكممام منممه ،أو يقيسممون عليممه ،أو
يبحثون عن المصلحة " العامة " ل الخاصممة فيممما يجتهممدون بممه مممن
الحكام .
باختصار وجدوا السلم ..
وقممد كممان شممئ وجمموده جديممدا بممالمرة عليهممم ،فقممد كممان الممذى
يعرفونه مممن قبممل هممو ذلممك الطمماغوت الممذى يحكمهممم فيكممون هممو
الخصممم والحكممم وهممو المشممرع والقاضممى والمنفممذ ..وهممو الممذى
يتصرف فيهم بل مراجع ..ل يسأل عما يفعل وهم يسألون !
كان ذلممك هممو الممذى اسممتجاش أوروبمما لتتمممرد علممى هممذا الظلم
الشامل أو الفساد الشامل الذى تعيش فيه ..وتطلب الصلح .
وكممان القطمماع – بكممل ممما يشممتمل عليممه مممن ظلممم سياسممى
واقتصادى واجتماعى – همو الهممدف الول لمحماولت الصملح .وإن
كان طلب الصلح الذى نشأ من الحتكمماك بالمسمملمين شممامل فممى
الحقيقة كل ميادين الحياة .
" " القن هو عبد الرض ،تحرر من عبودية السيد ولكنه ما زال عبد للرض ل يملك مغادرتها . 1
عندئذ بممدأت أصمموات المصمملحين تتتممابع ،ثممم بممدأت أنممات خافتممة
تسمع من أفواه " الكادحين " .
فكيف كان موقف الكنيسة الغارقة فى القطاع وفى الطغيان ؟!
لقممد وقفممت تتهممدد الثممائرين علممى الظلممم ،المتمرديممن علممى
الطواغيت ،بأنهم مارقون من الدين ،وأنهم ملعونون عند الله !
ووقفت تحاول تخدير الثائرين على الظلممم ،بممأن الرضمما بممالظلم
فى الحيمماة الممدنيا هممو مفتمماح الرضمموان فممى الخممرة ..فأممما العبيممد
الثائرون والقنان فقالت لهم إن السد المسيح يقممول " :مممن خممدم
سيدين فى الدنيا خير ممن خدم سيدا واحممدا" ..وأممما المظلومممون
عامة فقالت لهم إن من احتمل عذاب الدنيا فسيعوضه الله بالجنممة
فى الخرة .
ومن هنا قال ماركس قولته الشهيرة :الممدين أفيممون الشممعوب !
وهى قولة صادقة كل الصدق على دين الكنيسة المحممرف ،ولكنهمما
كاذبة كل الكذب حين تطلق على الدين المنزل من عند الله .
لقد كانت خطيئة الكنيسة هنا خطيئة مثلثة .
فهى أول لم تسع قط منذ تسمملمها السمملطة إلممى تحكيممم شممريعة
الله المنزلة عليهم فى التوراة والنجيل :
ن
مم ْ ن ي َمد َي ْهِ ِ ما ب َي ْم َدقا ً ل ِ َ ص ّ م َ م ُ مْري َ َن َسى اب ْ ِ م ب ِِعي َ }وَقَّفي َْنا عََلى آَثارِهِ ْ
نمم ْ ن ي َمد َي ْهِ ِممما ب َي ْم َ دقا ً ل ِ َصم ّ م َ دى وَن ُمموٌر وَ ُ ل ِفيهِ هُ ً جي َلن ِالت ّوَْراةِ َوآت َي َْناهُ ا ِ
َ
ممما
ل بِ َ جيم ِ لن ِلا ِ هم ُ مأ ْ كم ْح ُ ن ) (46وَل ْي َ ْ َ ة ل ِل ْ ُ
مت ِّقيم عظ َم ً مو ْ ِ
دى وَ َ الت ّوَْراةِ وَهُم ً
ُ َ َأنَز َ
ن) س مُقو َ م ال َْفا ِ ك هُ م ْ ه فَأوْل َئ ِ َ ل الل ّ ُ ما أنَز َ م بِ َ حك ُ ْ م يَ ْ ن لَ ْ م ْه ِفيهِ وَ َ ل الل ّ ُ
] {(47سورة المائدة [47-5/46
والسلطان الممذى نممازعت فيممه الملمموك والبمماطرة وغلبتهممم عليممه
فترة من الوقت كان – كما أشرنا من قبل – فرصممة مهيممأة لفممرض
شريعة الله على أولئك الملوك والباطرة ،وإزالة الظلم السياسممى
والقتصادى والجتماعى المتمثل فى القانون الرومممانى مممن جهممة ،
والقطمماع مممن جهممة أخممرى ..كممما فعممل السمملم فممى الرض الممتى
حررهمما مممن السمميطرة الرومانيممة – والسمميطرة الفارسممية كممذلك –
فألغى فيها حكم الجاهلية إلغمماء كممامل ،وحكممم فيهمما شممريعة اللممه ،
فعاشت فى ظلل العدل الربانى عدة قرون ،سواء دخل أهلها فى
السلم أو بقوا على دينهم الذى كانوا عليه قبل الفتح السلمى .
ولكن البابوات الذين نازعوا الباطرة سلطانهم – وغلبمموهم عليممه
– لم يفكروا أبدا فى تحكيم شريعة التوراة والنجيل الواجبة التنفيممذ
– فى إبانها – حتى ينزل الله شريعته الخيممرة فتصممبح هممى الواجبممة
التنفيذ ..إنما استخدموا سلطانهم السياسى )أو الدنيوى( كلممه فممى
إخضاع الباطرة لنفوذهم الشخصى وأهوائهم الشخصممية ،وأذلمموهم
بها أيما إذلل !
والخطيئة الثانية هى صد أوروبا عن السلم حين بدأت تتفتح لممه
عن طريق التممأثير المصمماحب للمبتعممثين الوروبييممن العممائدين مممن
أرض السلم ،وموقفهمما المتعصممب الحمممق ضممد الممدين السممماوى
المنممزل للبشممر كافممة ،وتكليممف كتابهمما بتشممويه صممورة هممذا الممدين
وتشويه صورة رسوله صلى الله عليه وسمملم بتصممويره بممأنه سمماحر
وأنه كذاب ،وأنه همجى وشهوانى وسفاك دماء ..الخ ممما ل تمزال
أوروبا تلوكه بغير وعى إلى هذه اللحظة !
والخطيئة الثالثة أنها لم تكتف بذلك كله بل وقفت موقفا صممريحا
إلى جانب الطواغيت – وهى ممثلة الدين السممماوى ،ديممن الرحمممة
والرأفة – وهددت الثائرين على الظلم بالعنة البدية وغضب الرب ،
واتهمتهم بالمروق من الدين !
الخلصة :
حين يستعرض النسان هذا التاريممخ الحافممل بالمخممازى والخطايمما
والخطاء ..من طغيان روحى وفكممرى ومممالى وسياسممى وعلمممى ،
وفساد خلقى ،وانحراف فكممرى وسمملوكى ،ومسمماندة للظلممم فممى
جميع ألوانه ،وتخذيل للمصمملحين وتخممدير للمظلممومين ،وصممد عممن
سبيل الله ،وتشويه لصورة الدين ..هممل نعجممب مممن النهايممة الممتى
وصلت المور إليها من انسلخ الناس فممى أوروبمما مممن ذلممك الممدين
ونفورهم منه ،وثورتهم على رجاله ،وإبعادهم له عن كممل مجممالت
الحياة؟
إن الفطرة البشرية لتثور على الظلم وتمجممه ولممو احتملتممه عممدة
قرون !
وهذا البطء فى قيام رد الفعل هو الذى يغرى الطغاة بالسممتمرار
فى طغيانهم ،ظانين أن المور ستظل فى أيديهم أبدا ،وأنهمما غيممر
قابلة للتغيير .
ولكن عبرة التاريخ قائمة لمن يريد أن يعتبر ..وما يعتممبر إل أولممو
اللباب ..أما الطغاة مطموسو البصيرة فأنى لهم أن يعتبروا ؟!
ت وال َ
ت َوالن ّمذ ُُر ما ت ُغِْني الي َمما ُ ض وَ َ
ِ رْ وا ِ َ م َس َ ذا ِفي ال ّ ما َ ل ان ْظ ُُروا َ }قُ ْ
ن )] {(101سورة يونس [10/101 مُنو َ ن قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ عَ ْ
َ
م ك َي ْم َ
ف ن ل َك ُم ْ
م وَت َب َي ّم َس مه ُ ْ
ممموا أنُف َ ن ظ َل َ ُ
ذي َ ن ال ّم ِ
ساك ِ َِم َ م ِفي َ س َ
كنت ُ ْ }وَ َ
عن ْمد َ الل ّمهِم وَ ِ مك َْرهُ م ْ مك َُروا َ ل ) (45وَقَد ْ َ مَثا َ م ال ْ ضَرب َْنا ل َك ُ ْم وَ َ فَعَل َْنا ب ِهِ ْ
ل )] {(46سممورة إبراهيممم ه ال ْ ِ
جَبا ُ من ْ ُل ِ مك ُْرهُ ْ
م ل ِت َُزو َ ن َ ن َ
كا َ م وَإ ِ ْمك ُْرهُ ْ
َ
[46-14/45
وهذا البطء فى قيممام رد الفعممل هممو الممذى أغممرى كممذلك بعممض "
العلماء " أن يقولوا إنه ل توجد فطرة للنسان! وإن النسممان ليممس
له قالب محدد .وإنمما همو يصمب فمى أى قمالب يمراد لمه فيتشمكل
بشكله ،ويظل قابعا فيه حتى يصب فى قالب جديد " ."1
ولله فى خلقه شئون .وتركيبمه للنفمس النسمانية علمى الصمورة
التى ركبها عليها فيه حكمة ول شك ..ولكنا نتحدث هنا عممن الواقممع
التاريخى ودللته .
إن النفوس تخضع لجبروت الطغيان خوفا وطمعا فى أول المر ،
لن الطغاة يحمممون جممبروتهم بشممتى وسممائل الحمايممة مممن ترغيممب
وترهيب ..ثم تتبلد النفوس من جهة ،ويأخذ الطغيان صممورة المممر
الواقع من جهة ،فيستقر فممى الرض فممترة تطممول أو تقصممر ،هممى
التى يتخيل الطغاة فيها أنهم باقون أبدا ،مسيطرون أبدا ،ل يمكن
زحزحتهم ول تبديل الحوال التى مكنت لهم فى الرض .
ثم تبدأ نفوس تتململ .هى أكثر وعيمما وأكممثر حساسممية أو أصممل
بعودا أو أكثر مخاطرة ..أو ما يكون من السباب .
وهنا يلجأ الطغاة إلى جبروتهم مرة أخرى ،ويستخدمون وسممائل
الرهاب لوقف هذه الظمماهرة " المنكممرة " عممن النتشممار ،وتممأديب
الخارجين لكى يكونوا عبرة للخرين .
ثم يكون هذا ذاته هو بدء النهاية ! يشتد الجبروت وتتولد مقاومممة
متزايممدة لممه فممى داخممل النفمموس بمقممدار ممما يشممتد ويمعممن فممى
الطغيان .
وفى لحظة معينة يحدث النفجار ..ويكون كالطوفان !
}أ َول َم يروا أ َنا نمأ ِْتي ال َرض ننُقصمها مم َ
مل حك ُم ُ ن أط َْرافِهَمما َوالّلم ُ
ه يَ ْ ْ َ َْ ُ َ ِ ْ َ ْ ََ ْ ّ َ
ب )] {(41سورة الرعد [13/41 سا ِ ريعُ ال ْ ِ
ح َ س ِمهِ وَهُوَ َ حك ْ ِ ب لِ ُمعَّق َ ُ
ولقد بدأت نذر الثورة على الكنيسة ورجال الدين ،وعلممى الممدين
المزيممف الممذى تقممدمه الكنيسممة ،بممدأت منممذ عصممر النهضممة .وبممدأ
الكتاب يتمردون على سلطان الكنيسممة الطمماغى ويهمماجمون رجممال
الدين ،بل يهاجمون كذلك خرافات ذلك الدين الكنسى ومعمياته .
ولكنها كانت أصواتا متنمماثرة ،فظممن القمموم أنهممم قممادرون عليهمما
وعلى إسكاتها .
ولكن سنة من سنن الله كانت ترجى ،وما يستطيع أحد أن يقف
" " سنناقش هذا الزعم فيما بعد ،عند الحديث عن التفسير المادى للتاريخ . 1
سنة اله عن الجريان .
كانت هممذه الصمموات تهممز النممائمين ليصممحوا ..تزيممل عنهممم تبلممد
نفوسهم ..وتزيل ثقلة " المر الواقع " من حسممهم ،وتشممعرهم أن
التغيير ممكن ،وأن هذا المر الواقع ليست له صفة الخلود ،ول هو
كذلك فى منعة من النقد والتجريح .
وبممذلك الكنيسممة جهممدها فممى محاولممة إسممكات هممذه الصمموات ،
مستخدمة فى ذلك نفوذها على قلوب الناس وعقولهم وأرواحهممم ،
وسلطانها " التقليدى " الممذى كممانت تممأمر بمه فتطمماع ،وينظممر إلممى
كلمتها على أنها موضع التقديس ..لنها مرتبطة فى حس الجماهير
بالدين ..وما أعظم سلطان الدين على النفمموس .كممما اسممتخدمت
محاكم التفتيش حين اشتد فزعها وخممافت علممى ممما فممى يممدها مممن
السلطان .
ولكن رويدا رويدا زادت الصمموات عممددا ،وزادت جممرأة ،وزادت
استخفافا بالجبروت .
علممماء ..ومفكممرون ..وفلسممفة ..ومصمملحون ..وحاقممدون !
حاقدون على سلطان الكنيسة الطاغى وممما تتمتممع بممه مممن المزايمما
بغير استحقاق ..
وكممانت العمليممة بطيئة ..بطيئة ..بطيئة !! ..فقممد كممان حجممم
الطغيان هائل مخيفا ،وكان له فى الرض تمكممن طويممل يبلممغ عممدة
قرون .
ولكن فى النهاية حدث النفجار !
وكان بشعا فى شدة انفجاره ،بشعا فى سرعة اكتساحه ،بشممعا
فى قسوة الحمم الذى تفجر من بركانه .
كانت الثورة الفرنسية بكل ما تضمنت من ألوان العنف والبطش
والقتل وإسالة الدماء ..
واكتسحت الثورة الفرنسية فى طريقها ممما كممان قممد تراكممم مممن
المظالم خلل ألف وأربعمائة عممام ! وأزالممت الطبقممتين الحمماكمتين
الطمماغيتين المتحممالفتين ! رجممال القطمماع )الشممراف !( ورجممال
الدين !
ومع ذلك فإن المور – فى تلك الثممورة – لممم تسممر فممى سمممارها
الطبيعى ..فعلى الرغم مممن كممل الظلممم المممتراكم أكممثر مممن ألممف
عام ،من القطاعيين ورجال الدين سواء ،وعلممى الرغممم مممن كممل
الحقد المشحون فى الصدور تجاه هاتين الطبقممتين ،وعلممى الرغممم
من وحشية الجماهير حين تتولى هى القيادة .
على الرغم من ذلك كلمه فقمد كمان يمكمن أن تسمير الثمورة فمى
تمردها وقضائها علممى الظممالمين مسممارا آخممر ..لممول أن يممدا خبيثممة
تدخلت لتتجه بالثورة فى مسار معين ،يخدم أغراضها هى قبل كممل
شئ آخر ..سواء خدم أو لم يخدم أهداف الخرين !
تلك هى يد اليهود ...
التمهيد الثانى
دور اليهود فى إفساد أوروبا
اليهود ل ينشئون الحداث كما يزعمون لنفسهم وكما يتمموهم
الذين تبهرهم سيطرة اليهود فى الوقت الحاضر .
ولكن ل شك أنهم يجيدون انتهمماز الفممرص واسممتغللها لتنفيممذ
مخططهم الشرير .
ولحكمة ما أخرج الله هممذه المممة ونمماط بهمما دورا تممؤديه فممى
التاريخ .
ومشممكلة هممذه المممة كامنممة فممى جبلتهمما المنحرفممة الممتى ل
تسممتجيب لممدواعى الخيممر ول تسممتقيم علممى الهممدى ول تشممرق
روحها ببارقة من نور ..
جحدوا فضل اللممه عليهممم ،وجحممدوا أنبيمماءهم ،وجحممدوا كممل
فضل قدمه إليهممم أحممد مممن البشممر ..وقممابلوا كممل ذلممك بإنكممار
الجميل أو الطمع والجشع والحسد وقساوة القلب .
كرهتهم كل المم لخصمالهم تلمك ،فمانطووا علمى أنفسمهم ،
يمل نفوسهم الحقد الدفين على المم كلها ،يريدون أن يقضمموا
علممى كممل شممعوب الرض ليبقمموا هممم وحممدهم ،أو يريممدون أن
يستعبدوا المم كلها ويسخروها لمصالحهم .
وعقدتهم الكبرى اعتقادهم أنهم شعب الله المختار .ومن ثم
فينبغى أن يكون بقية البشر خدما وعبيدا لهم ،ويكونوا وحممدهم
هم المسيطرين .
ولقد اختارهم الله حقا ذات يوم وكانوا شعب الله المختار .
ن مم ْ ن )ِ (30 مِهيم ِ ب ال ْ ُ ذا ِ ن ال ْعَم َ مم ْ ل ِ سمَراِئي َ جي ْن َمما ب َن ِممي إ ِ ْ}وَل ََقمد ْ ن َ ّ
م عََلممى خت َْرَناهُ ْ ن ) (31وَل ََقد ْ ا ْ سرِِفي َ م ْ ن ال ْ ُ
م ْ عاِليا ً ِن َ كا َ ه َ ن إ ِن ّ ُ فِْرعَوْ َ
ن) مِبي م ٌ ما ِفيهِ َبلٌء ُ ت َ ن الَيا ِ م ْ م ِ ن )َ (32وآت َي َْناهُ ْ مي َ عل ْم ٍ عََلى ال َْعال َ ِ ِ
] {(33سورة الدخان [33-44/30
ولكنهم عند البتلء سقطوا ،وجحدوا تلك النعمة الهائلة فلممم
يرعوها حق رعايتها ،بل يرعوها بشئ على الطلق ! }ي َمما ب َن ِممي
م عَل َممى َ َ
ضممل ْت ُك ُ ْ م وَأّني فَ ّ ت عَل َي ْك ُ ْ م ُ مِتي ال ِّتي أن ْعَ ْ ل اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ سَراِئي َ إِ ْ
ن )] {(47سورة البقرة [2/47 مي َ ال َْعال َ ِ
فهل ذكروا ؟!
ريقا ً َ َ
م فََف ِ ست َك ْب َْرت ُ ْما ْ سك ُ ْ وى أنُف ُ ما ل ت َهْ َ ل بِ َسو ٌ م َر ُ جاَءك ُ ْ ما َ }أفَك ُل ّ َ
ن )] {(87سورة البقرة [2/87 ريقا ً ت َْقت ُُلو َ م وَفَ ِ ك َذ ّب ْت ُ ْ
ك م أ ُوْل َئ ِ َ من ُْهمم ْ
حممدٍ ِ
}وال ّذين آمنوا بالل ّه ورسل ِه ول َم يَفرُقوا بي َ
نأ َ َْ َ َ ِ َ َ ُ ِ ِ َُ ُ ِ َ ْ ُ ّ
ك س مأ َل ُ َ حيم ما ً ) (152ي َ ْ ه غَُفممورا ً َر ِ ن الل ّم ُ كا َ م وَ َ جوَرهُ ْ مأ ُ
ف يؤِْتيه ُ
سو ْ َ ُ ِ ْ َ
ُ َ ً َ َ ْ أ َهْ ُ
سى مو َ سألوا ُ ماِء فََقد ْ َ س َ ن ال ّ ْ م
م ك َِتابا ِ ل عَلي ْهِ ْ ن ت ُن َّز َ بأ ْ ِ ل الك َِتا
َ َ َ
م مه ِ م ْ ة ب ِظ ُل ْ ِ عَق ُ صمما ِ م ال ّ خذ َت ْهُ ْ جهَْرةً فَأ َ ه َ ك فََقاُلوا أرَِنا الل ّ َ ن ذ َل ِ َ م ْ أك ْب ََر ِ
ك ن ذ َل ِم َ ت فَعََفوْن َمما عَم ْ م ال ْب َي ّن َمما ُ جمماَءت ْهُ ْ ما َ ن ب َعْدِ َ م ْ ل ِ ج َ ذوا ال ْعِ ْ خ ُ م ات ّ َ ثُ ّ
طمموَر م ال ّ مِبينمما ً ) (153وََرفَعَْنمما َفمموْقَهُ ْ طانا ً ُ سممل ْ َ سممى ُ مو َ َوآت َي َْنمما ُ
دوا فِممي م ل ت َْعمم ُ جدا ً وَقُل َْنا ل َهُ م ْ س ّ ب ُ خُلوا ال َْبا َ م اد ْ ُ م وَقُل َْنا ل َهُ ْ ميَثاقِهِ ْ بِ ِ
َ
م ميث َمماقَهُ ْ م ِ ض مه ِ ْ ما ن َْق ِ ميَثاقا ً غَِليظا ً ) (154فَب ِ َ م ِ من ْهُ ْ خذ َْنا ِ ت وَأ َ سب ْ ِ ال ّ
ف م قُُلوب َُنا غُل ْ ٌ حقّ وَقَوْل ِهِ ْ م ال َن ْب َِياَء ب ِغَي ْرِ َ ت الل ّهِ وَقَت ْل ِهِ ْ م ِبآَيا ِ وَك ُْفرِهِ ْ
م ن إ ِل ّ قَِليل ً ) (155وَب ِك ُْفرِهِ ْ مُنو َ م َفل ي ُؤْ ِ ه عَل َي َْها ب ِك ُْفرِهِ ْ ل ط َب َعَ الل ّ ُ بَ ْ
م إ ِّنمما قَت َل َْنمما ظيممما ً ) (156وََقمموْل ِهِ ْ م ب ُهَْتانمما ً عَ ِ مْرَيمم َ م عََلممى َ وََقمموْل ِهِ ْ
ص مل َُبوهُ ممما َ ممما قَت َل ُمموهُ وَ َ ل الل ّمهِ وَ َ سممو َ م َر ُ مْري َ َ ن َ سى اب ْ َ عي َ ح ِ سي َ م ِ ال ْ َ
ه
م ِبم ِ ما ل َهُم ْ ه َ من ْ ُ ك ِ ش ّ خت َل َُفوا ِفيهِ ل َِفي َ نا ْ ذي َ ن ال ّ ِ م وَإ ِ ّ ه ل َهُ ْ شب ّ َ ن ُ وَل َك ِ ْ
ه ه الل ّم ُ ل َرفَعَ م ُ ما قَت َل ُمموهُ ي َِقين ما ً ) (157ب َم ْ ن وَ َ عل ْم ٍ إ ِل ّ ات َّباعَ الظ ّ ّ ن ِ م ْ ِ
َ
ب إ ِل ّ ل ال ْك َِتما ِ هم ِ نأ ْ مم ْ ن ِ كيمما ً ) (158وَإ ِ ْ ح ِ زيممزا ً َ ه عَ ِ ن الّلم ُ كا َ إ ِل َي ْهِ وَ َ
شمِهيدا ً )(159 م َ ن عَل َي ْهِم ْ ممةِ ي َك ُممو ُ م ال ِْقَيا َ موْت ِهِ وَي َوْ َ ل َ ن ب ِهِ قَب ْ َ من َ ّ ل َي ُؤْ ِ
م ت ل َُهمم ْ حّلمم ْ ت أُ ِ م ط َي َّبمما ٍ مَنمما عَل َي ِْهمم ْ حّر ْ دوا َ همما ُ ن َ ذي َ ن اّلمم ِ ممم ْ فَب ِظ ُْلممم ٍ ِ
م الّرب َمما وَقَمد ْ ن ُهُمموا خمذِهِ ْ ل الل ّهِ ك َِثيممرا ً ) (160وَأ َ ْ سِبي ِ ن َ م عَ ْ صد ّهِ ْ وَب ِ َ
ذابا ً ل وَأعْت َد َْنا ل ِل ْ َ َ َ َ
م عَم َ من ْهُ ْ ن ِ ري َ كافِ ِ س ِبال َْباط ِ ِ ل الّنا ِ وا َ م َ مأ ْ ه وَأك ْل ِهِ ْ عَن ْ ُ
أ َِليما ً )] {(161سورة النساء [161-4/152
تلك صفحتهم السوداء التى أدت إلى نزع العهممد منهممم ورفممع
الختيار عنهم ومنحه لمة سواهم.
ولقد كان هذا المر واضحا ومقمررا فمى أمنيمة إبراهيمم عليمه
السلم ورد الله عز وجل عليه :
عل ُم َ َ
ك جا ِ ل إ ِن ّممي َ ن قَمما َ مه ُ ّ ت فَمأت َ ّ ممما ٍ ه ب ِك َل ِ َ م َرب ّم ُ هيم َ }وَإ ِذ ْ اب ْت ََلى إ ِب َْرا ِ
ن) مي َ دي الظ ّممال ِ ِ ل عَهْم ِ ل ل ي َن َمما ُ ن ذ ُّري ّت ِممي قَمما َ مم ْ ل وَ ِ ماما ً َقا َ س إِ َ ِللّنا ِ
] {(124سورة البقرة [2/124
فقد ابتلى الله إبراهيممم جملممة ابتلءات كممان أشممقها وأصممعبها
أمره له أن يذبح ولده الحبيب إسماعيل ،واستجاب هممو وولممده
للبتلء العظيم :
ن مم ْ ب ل ِممي ِ ب هَ م ْ ن )َ (99ر ّ دي ِ سمي َهْ ِ ب إ َِلى َرّبي َ ذاهِ ٌ ل إ ِّني َ }وََقا َ
ه مع َ م ُ ممما ب َل َمغَ َ حِليمم ٍ ) (101فَل َ ّ شمْرَناهُ ب ُِغلم ٍ َ ن ) (100فَب َ ّ حي َ صممال ِ ِ ال ّ
َ َ َ
ذا ممما َ ك َفمانظ ُْر َ حم َ مَنام ِ أّني أذ ْب َ ُ ي إ ِّني أَرى ِفي ال ْ َ ل َيا ب ُن َ ّ ي َقا َ سع ْ َ ال ّ
َ
ن مم ْ ه ِ شماَء الّلم ُ ن َ جد ُِني إ ِ ْ سمت َ ِ مُر َ مما ُتمؤْ َ ل َ ت افَْعم ْ ل َيما أَبم ِ ت ََرى َقما َ
َ َ
ن َيمما ن ) (103وََناد َي َْناهُ أ ْ جِبي ِ ه ل ِل ْ َ ما وَت َل ّ ُ سل َ َ ما أ ْ ن ) (102فَل َ ّ ري َ صاب ِ ِ ال ّ
ن) س مِني َ ح ِ م ْ زي ال ْ ُ جم ِ ك نَ ْ ت الّرؤَْيا إ ِّنا ك َمذ َل ِ َ صد ّقْ َ م ) (104قَد ْ َ هي ُ إ ِب َْرا ِ
ظيمم ٍ ) ح عَ ِ ن ) (106وَفَمد َي َْناهُ ب ِذِب ْم ٍ مِبيم ُ ذا ل َهُموَ ال َْبلُء ال ْ ُ ن هَ َ (105إ ِ ّ
م) هي م َم عَل َممى إ ِب َْرا ِ سممل ٌ ن )َ (108 ري م َ خ ِ (107وَت ََرك َْنا عَل َي ْهِ فِممي ال ِ
ن) مِني َ مؤ ْ ِعَبادَِنا ال ْ ُ ن ِ م ْ ه ِ ن ) (110إ ِن ّ ُ سِني َ ح ِ م ْ زي ال ْ ُ ج ِ ك نَ ْ (109ك َذ َل ِ َ
] {(111سورة الصافات [111-37/99
فلما أتم إبراهيم البتلء وجازه بنجمماح كممبير كافممأه اللممه علممى
ذلك بجعله إماما للناس .وهنا تحركت فى إبراهيم عليه السلم
رغبته البشرية فى أن يكون هممذا الفضممل مسممتمرا فممى عقبممه ،
وأن يكون العهممد باقيمما فممى ذريتممه ل ينقطممع ،فهممل جممامله الممه
سبحانه وتعممالى وهممو يصممطفيه ويقربممه ويجعلممه خليل لممه ،بممأن
أجابه إلى طلبه على إطلقه ؟! كل ! بل جاء الرد حاسما قاطعا
:قال " :ل ينال عهدى الظالمين ! " ،وكان المعنى به هم بنممو
إسرائيل بالذات .
م فلما اختار الله بنى إسرائيل فقد اختارهم للبتلء َ} :وآت َي َْناهُ ْ
ن )] {(33سممورة الممدخان [44/33 مِبيم ٌ ممما ِفيمهِ َبلٌء ُ ت َ ن الي َمما ِ م ْ ِ
فكانت نتيجة البتلء هى هذا التاريخ السود الممذى اقممترفوه فممى
الرض ،والظلم الذى أنذرهم الله أن يرفع عنهممم العهممد بسممببه
ول يبقيه فى أيديهم ..ونزع العهد منهممم بالفعممل تحقيقمما لسممنة
الله الجارية التى ل تتغير ول تتبدل ول تحابى أحدا مممن البشممر .
نزع العهد عن " شمعب اللمه المختمار " فلمم يعمد مختمارا بعمد ،
م ومنح الله فضله ونعمته لمة أخرى هى التى قال لها } :ال َْيمموْ َ
َ َ
م سممل َ م ال ِ ْ ت ل َك ُم ْ ضي ُ مِتي وََر ِ م ن ِعْ َ ت عَل َي ْك ُ ْ م ُ م ْ م وَأت ْ َ م ِدين َك ُ ْ ت ل َك ُ ْ مل ْ ُ أك ْ َ
ِدينًا{ ]سورة المائدة [5/3وقال عنها :
ْ
ن ف وَت َن ْهَ موْ َ معُْرو ِ ن ب ِممال ْ َ مُرو َ س ت َمأ ُ ت ِللن ّمما ِ جم ْ خرِ َ مة ٍ أ ُ ْ ُ
خي َْر أ ّ م َ }ك ُن ْت ُ ْ
ه{ ]سورة آل [3/110 ن ِبالل ّ ِ مُنو َ منك َرِ وَت ُؤْ ِ ن ال ْ ُ عَ ْ
واشتد الحسد والحقد منذ ذلك الحين .
م ك ُّفممارا ً }ود ك َِثير م َ
مان ِك ُ ْ ن ب َعْدِ ِإي َ م ْ م ِ دون َك ُ ْ ب ل َوْ ي َُر ّ ل ال ْك َِتا ِ ن أه ْ ِ ٌ ِ ْ َ ّ
َ
ق{ ]سممورة حم ّ م ال ْ َ ن ل َهُم ْ ممما ت َب َي ّم َ ن ب َعْمدِ َ م ْ م ِ سه ِ ْ عن ْدِ أنُف ِ ن ِ م ْ سدا ً ِ ح َ َ
البقرة [2/109
ولقد جهدوا جهدهم كله لمحاولة القضاء على المة السلمية
فى مهدها ،حتى يئسوا فانكمشوا إلى حين.
شوِْني{ خ َ م َوا ْ شوْهُ ْ خ َ م َفل ت َ ْ ن ِدين ِك ُ ْ م ْ ن ك ََفُروا ِ ذي َ س ال ّ ِ م ي َئ ِ َ }ال ْي َوْ َ
]سورة المائدة [5/3
ولكن حقدهم ظل معهم ،بل ظل يتزايد على طممول الزمممان
وزاد تصميمهم الخبيث على نشر الشر فى الرض وسممحق كممل
أمة عداهم ..حتى واتتهم الفرصة السانحة فى العهد الخير ..
وهنا يخطممر سممؤال :أليممس اللممه سممبحانه وتعممالى قممد تكفممل
بقهرهم وتسليط العذاب عليهم إلى قيام الساعة جزاء كفرهممم
وتبجحهم ؟
م ْ َ َ َ َ َ ّ }وإذ ْ تأ َ
مه ُ ْ
سممو ُ
ن يَ ُ
ْ م م
َ ِ ة م م
َ يا
َ ق
ِ ل ا م
ْ ِ وَ ي لى إ
ِ ِم
ْ هْ ي لَ ع ن
ّ ثَ عْ بَ ي ل ك ّ برَ ن
َ ذ َِ َ
ب{ ]سورة العراف [7/167 ذا ِ سوَء ال ْعَ َ
ُ
" " همجية التعاليم الصهيونية ،بولس حنا سعد ،دار الكتاب العربى ،بيروت ،ص . 173 4
ويعرضون عن الصدق الذى يعلمون أنه الحق !
وإذ كممان مخططهممم هممو اسممتبعاد البشممرية و" اسممتحمارها "
وتسخيرها لمصالحهم ،فقد علموا أن أنجح الوسائل لممذلك هممى
نزع عقائد الممين وإفساد أخلقهم .
يقول القرآن عنهم :
ممماِر ل ال ْ ِ
ح َ مُلوهَمما ك َ َ
مث َم ِ ح ِ م ل َم ْ
م يَ ْ مل ُمموا الت ّموَْراةَ ث ُم ّ ح ّن ُ ذي َ ل ال ّم ِ مث َ ُ} َ
َ
هل ت الل ّمهِ َوالل ّم ُ ن ك َذ ُّبوا ِبآي َمما ِ ذي َ ل ال َْقوْم ِ ال ّ ِ مث َ ُ
س َ سَفارا ً ب ِئ ْ َ لأ ْ م ُ ح ِيَ ْ
ن )] {(5سورة الجمعة [62/5 مي َ م ال ّ
ظال ِ ِ دي ال َْقوْ َ ي َهْ ِ
ورغم أن هذا القول نازل فيهممم ،فقممد وعمموه وطبقمموه علممى
غيرهم !
إن العبرة فى الية الكريمة أن المة التى أنزل الله كتابا مممن
عنده لتحكمممه فممى شممئون حياتهمما وتجممرى حياتهمما بمقتضمماه ثممم
أعرضت عنه ونبذته ،تفقد آدميتها وتتحول إلى دواب كالحمير .
م
ل هُ م ْكال َن ْعَممام ِ ب َم ْك َ وهو نفس المعنى الذى تحمله اليممة } :أ ُوْل َئ ِ َ
ن )] {(179سورة العراف . [7/179 م ال َْغافُِلو َ ك هُ ْ ل أ ُوْل َئ ِ َ ض ّأ َ
َ
وإذ وعى اليهود هذه الحكمة من قديم – وان كممانوا يسممتثنون
منها أنفسهم باعتبارهم شعب الله المختار ! – فهم يسعون أبدا
إلى نشر الفساد فى الرض ،الفساد العقيدى والفساد الخلقى
..وكل أنواع الفساد :
ن ِفي ال َ
ن ){(64 دي َس ِ مْف ِ ب ال ْ ُح ّ ه ل يُ ِ سادا ً َوالل ّ ُ ض فَ َ ِ رْ سعَوْ َ }وَي َ ْ
]سورة المائدة [5/64
تقول البروتوكولت :
" يجب علينا أن ننزع فكرة الله ذاتها من عقول غير اليهممود ،
وأن نضع مكانها عمليات حسابية وضرورات مادية " " . " 1
" ومن المسيحيين أناس قد أضلتهم الخمممر وانقلممب شممبابهم
مجانين بالكلسيكيات والمجون المبكر الذى أغراهم بممه وكلؤنمما
ومعلمونا وخدمنا ،ونساؤنا فممى أممماكن لهمموهم والراغبممات مممن
زملئهن فى الفساد والترف " " ." 2
وهذا هو المخطط الشرير ..
ولقممد ظممل اليهممود قرونمما طويلممة يسممعون إلممى تحقيممق هممذا
المخطط ويحلمون باليوم الممذى يجممردون فيممه المممم كلهمما مممن
دينهما ،ليبقممى شمعب اللمه المختممار وحممده هممو صماحب الكتمماب
أنشأوها إنشاء كما يزعمون ،لنهم ما كانوا ليستطيعوا إيجادها من العدم ،ول كانوا يستطيعون إشعالها لو لم تكن
هى من ذاتها قابلة للشتعال .
فى ذلك الدين وصلبوه !
لذلك سعوا بجمعياتهم الماسونية المنبثة فممى أنحمماء فرنسمما ،
وبخطبائهم وكتابهم إلى توجيه غضممب الجممماهير المجنونممة نحممو
الدين ذاته ل نحو رجاله فحسب ..وكان أن أعلنت فى " فرنسا
الثممورة " أول حكومممة ل دينيممة فممى العممالم المسمميحى ل تجعممل
الدين أساسا لى شئ فى حياة الناس .
وكانت خطوة جريئة وبجارة بل شك ،جلممس اليهممود يفركممون
أيديهم سرورا بها فى غفلمة مممن المميممن ،الملتهيمن – حسممبما
تقرر البروتوكولت – بشعارات " الحريممة والخمماء والمسمماواة "
والغارقين فى شرب الكأس حتى الثمالة ،المنتشممين بممما صممار
فى أيديهم – فجأة – من سلطان يقتلون به الملموك والشمراف
ورجال الدين ،وكل من حامت حوله شممبهة مممن قريممب أو مممن
بعيد ،أو أشارت إليه الجممماهير المجنونممة بإصممبعها :خممائن ! أو
جاسوس !
وهكذا خرج " المميون " الثائرون بشئ من النفممع المشمموب
بكثير من الشر ،بينما خرج اليهود بتحقيق أهدافهم كاملة سواء
فى تحطيممم القطمماع لترسمميخ قممدم الرأسمممالية المولممودة فممى
أيديهم ،أو تحطيم الدين تمهيدا " لستحمار " أوروبا وتسخيرها
لمصلحة اليهود .
كممانت الثممورة الفرنسممية حممدثا ضممخما فممى حيمماة أوروبمما دون
شك ،ل للسباب التى يدرسونها للولد فممى المممدارس ،ولكممن
لسباب أخرى أخطر وأهممم ..فقممد أطلقممت يممد اليهممود لتحقيممق
مخططاتهم الشريرة بصورة لم تكن متاحة لهممم منممق بممل فممى
عهد القطاع ..فقد ولد من جممراء الثممورة الفرنسممية ،والثممورة
الصناعية التى كانت الولى تحضيرا وتمهيدا لها ،مجتمممع جديممد
كل الجدة عن المجتمع القطمماعى ،اسممتطاع اليهممود أن يعيثمموا
فيه فسادا بكل قوتهم ،لنه ولد فى أيديهم من اللحظة الولممى
فاستطاعوا أن يشكلوه على النحو الذى يريدون ،إذ كانوا هم –
عممن طريممق البنمموك والقممراض بالربمما – ممممولى الرأسمممالية
وسادتها المسيطرين عليها ،والمسيطرين – من خللها – علممى
صناعة المجتمع الجديد بكل ما فيه من عقائد وتصورات وأفكمار
وسلوك ..وإذ كان " الممين " فى أوروبمما قممد بممدأوا ينسمملخون
من دينهم ويسلمون قيادهم للشيطان !
وسنتحدث فيما بعد عن " الحتميممات " الممتى زعمهمما التفسممير
المادى للتاريخ لتفسير النتقال من طور فى حياة البشرية إلممى
طور ،وخاصة النتقال من الطور الزراعى إلى الطور الصناعى
،وسنرى عند الحديث عنها أنهمما حتميممات زائفممة ،وأنهمما ليسممت
هى – أو ليسممت هممى وحممدها – الممتى تحممرك حيمماة البشممر علممى
الرض م وتنقل خطاها من طور إلى طممور ،وأنممه لممم يكممن مممن
الحتممم علممى الطلق أن تكممون صممورة المجتمممع الرأسمممالى
الصناعى هى الصورة الممتى وجممد عليهمما بالفعممل لممول التخطيممط
الشرير الذى شكلها على هذه الصورة ! " . "1
اسممتطاع اليهممود – بعبقريتهممم الشممريرة – أن يتسمملموا قيمماد
المجتمع الوروبى الخذ فى النسلخ من دينه بتممأثير انحرافممات
الكنيسة الوروبية وجرائمها وخطاياهمما ،فينشممئوا علممى أنقمماض
المجتمع القطاعى المنهار مجتمعا جديممدا بل ديممن ول أخلق ول
تقاليد ..وقد سلطوا علممى هممذا المجتمممع كممل قممواهم الشممريرة
لينشئوه على هذه الصورة ،فوضعوه بين ذراعى كماشة هائلممة
تعصره عصرا وتفتممت كيممانه وتحيلممه كيانمما ممسمموخا مشمموها بل
قوام !
إحدى ذراعى الكماشممة كممانت نظريممات " علميممة ! " زائفممة ،
تحممارب الممدين والخلق والتقاليممد مممن كممل زاويممة مسممتطاعة ،
تحتوى – ل شك – على شممئ مممن الحممق ،ولكنهمما تلبممس الحممق
بالباطل على ديدن يهود من أول التاريخ :
َ
ن) مممو َ م ت َعْل َ ُحمقّ وَأن ْت ُم ْ ممموا ال ْ َل وَت َك ْت ُ ُحمقّ ِبال َْباط ِم ِ سوا ال ْ َ }َول ت َل ْب ِ ُ
] {(42سورة البقرة [2/42
ق
حم ّ ن ال ْ َمممو َ حمقّ ِبال َْباط ِم ِ
ل وَت َك ْت ُ ُ ن ال ْ َ
سممو َ م ت َل ْب ِ ُ
ب لِ َل ال ْك َِتا ِ}َيا أ َهْ َ
َ
ن )] {(71سورة آل [3/71 مو َ م ت َعْل َ ُوَأن ْت ُ ْ
وكان أبرز " البطال " فى هذه المعركة ثلثة من " أسمماطين
" اليهود هم ماركس وفرويد ودركايم ..
وأما الذراع الخرى للكماشة فكممانت واقعمما فعليمما يقمموم مممن
أول لحظممة علممى عممداء مممع الممدين والخلق والتقاليممد ،ويظممل
ينزلق خطوة خطمموة ،كممل خطمموة تممؤدى إلممى ممما بعممدها كأنممما
بصورة تلقائيممة )ومممن طبيعممة المنزلممق أن يهمموى بصمماحبه إلممى
" " الحتمية الوحيدة فى هذا الوجود كله هى حتمية السنن الربانية .وما حدث بالفعل فى هذا الكون فقد كان محتم 1
الوقوع فى قدر اله .ولكن قدر الله يجرى فى الرض من خلل أعمال البشر إن خيرا فخير وإن شرا فشر " :ظهر
الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون " ] سورة الروم [ 41 :
ولكن قدر الله ل يفرض الفساد على الناس ،إنما يرتب على الفساد نتائجه وعلى الصلح نتائجه " :ولو أن أهل
الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ،ولدخلناهم جنات النعيم .ولو أنهم أقاموا التوراة والنجيل وما أنزل إليهم
من ربهم لكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ] سورة المائدة [ 66 – 65 :ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا
عليهم بركات من السماء والرض .ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " ] سورة العراف . [ 96 :
الهاوية ما دام قد سار فيممه( وتممؤدى فممى النهايممة إلممى النسمملخ
الكامل من كل مقومات الدين .وكان اللعب الكممبر فممى هممذه
العملية الضخمة هو المرأة " المتحررة " اقتصمماديا ،والمتحللممة
فى ذات الوقت من سلطان الدين والخلق والتقاليد ..
وفيممما يلممى نتحممدث عممن كممل مممن الممذراعين الشممريرتين ،
وآثارهما فى إفساد المجتمع الوروبى .
النظريات العلمية
دارون ونظرية التطور
ليس دارون يهوديا ،فقد ولد لبوين مسيحيين ،ولكن اليهممود
استغلوا نظريتممه علممى نطماق واسمع وعملمموا علممى نشمرها فممى
الرض لما رأوه ممن إمكمان السمتفادة بهمما فممى تحطيمم عقمائد
الممين كما تقول البروتوكولت :لقد رتبنا نجاح نيتشه ودارون
وإن تأثير أفكارهما على عقائد الممين واضح لمنا بكل تأكيد .
فل عجب إذن أن تجممد نظريتممه تممدرس فممى معظممم مممدارس
الرض ل على أنها فرض علمى )كما هى فى حقيقتها( ول حممتى
على أساس أنها " نظريممة " علميممة )أى لممم تثبممت ثبوتمما قاطعمما
يرشحها لن تكون حقيقة علمية( بل على أنها حقائق نهائية فى
علم الحياة !
ولد دارون فى بريطانيا عام ، 1809وفى سنة 1859أصممدر
كتابه فى " أصل النواع " .
وقممد كممان متخصصمما فممى علممم الحيمماة ،وأدت بممه ملحظمماته
العلميممة إلممى أن يكتشممف أنممه يمكممن عممن طريممق " النتخمماب
الطبيعى " تأكيد صفات معينة أو إضعافها فى النسل الناتج مممن
زوجين منتخبين بصفات معينممة ،وأنممه يحممدث مثممل ذلممك فممى "
الطبيعة " عن طريق النتخاب الطممبيعى أى الممتزاوج الحممر بيممن
الكائنات الحية ..وأن التغيير الناشئ من هذا النتخاب يمكن أن
يصل إلى حد استحداث صفات جديدة لم تكممن فممى أى البمموين
كطول المنقار فى بعض الطيور ،أو اللوان الزاهية فى بعضممها
الخممر ،أو غيممر ذلممك مممن الصممفات .فممافترض أن مثممل هممذه
التغيممرات قممد حممدثت فممى " الطبيعممة " مممن قبممل خلل ملييممن
السنين مممن عمممر الحيمماة علممى سممطح الرض ،مممما أدى علممى
الممدوام إلممى ظهممور " أنممواع " جديممدة وأدى كممذلك – بممتراكم
التغيرات – إلى ظهور " أجناس " جديدة لم يكن لها وجممود مممن
قبل ..ثم تصور أنه من خلل هذه العملية التى سماها عمليممة "
التطور " سارت الحياة فى سلسلة طويلة من الرقى التدريجى
بدأت بالكائن الوحيد الخلية وانتهت بالنسان على النحممو التممالى
)باختصار كثير من التفصيلت( :
كائن وحيد الخلية )كالمبيا( – فطريات متعددة الخليا – نبات
– نبممات يشممبه الحيمموان )كالهيممدرا( – حيمموان يشممبه النبممات
)كالمرجممان( – حيوانممات ل فقاريممة – حيوانممات فقاريممة دنيمما
)كالسماك والطيور( – حيونات فقارية أرقى )كالثدييات الممدنيا(
– الثممدييات العليمما – القممردة الممدنيا – القممردة العليمما )الغمموريل
والورانممج أوتانممج " إنسممان الغمماب " والشمممبانزى والجممبيون( –
الحلقة المفقممودة )القممرد الشممبيه بالنسممان أو النسممان الشممبيه
بالقردة العليا( – النسان .
وقال دارون – فيممما قممال وهممو يشممرح نظريتممه :إن الطبيعممة
تخلممق كممل شممئ ول حممد لقممدرتها علممى الخلممق Nature creates
.everything and there is no limit to its creativity
وقال كذلك " :إن الطبيعة تخبط خبط عشواء "
Nature Works Haphazadly
وبصرف النظر عممن صممحة المعلومممات الممواردة فممى نظريتممه
وصحة تفسيراته لهمما أو عممدم صممحتها " ، "1فقممد أنشممأت رجممة
كبيرة فى المجتمع الغربى ،اهتزت لهمما الكنيسممة مممن جهممة " "2
والدوائر العلمية من جهة أخرى والجماهير من جهة ثالثة .
فأما الكنيسة فقد كفرت دارون ابتداء وقالت عنه إنه زنممديق
مهرطق مارق من الدين ،لنه ينفى الخلممق المباشممر مممن اللممه
للنسان على صورته 0تفسممر الكنيسممة كلمممة " علممى صممورته "
الواردة فى التوراة على أن اله قد خلممق النسممان علممى صممورة
نفسه – تعالى – أى على صورة الله( بل ينفى يد اله من عملية
الخلق كله ،كما ينفى الغاية والقصد ،لنه يقممرر أن الحيمماة قممد
وجدت على الرض بالصدفة فى ظروف معينة )لم تتكممرر مممرة
أخرى( ! وأن تفسير الحيمماة وتطورهمما بإرجاعهمما للرادة اللهيممة
يكون بمثابة إدخال عنصر خممارق للطبيعممة فممى وضممع ميكممانيكى
بحت !
This would be to introduce a supernatural element in a
completely mechanical position.
وقممد جاوبهمما دارون مممن نمماحيته باتهامهمما بالجهممل والتخريممف
ومحاربة العلم بحقائقه ونظرياته .
وأما العلماء فقد انقسموا إلى ثلث فرق .فرقة تؤيممد دارون
" " 1ل ندخل فى نقاش مع نظرية دارون فهذا مجاله الكتب العلمية المتخصصة فى علم الحياة وتفسير الظواهر
المتصلة بالكائنات الحية ،ولكنا نذكر فقط أن هناك علماء آخرين لهم قدم راسخة فى مجال البحث العلمى يعارضون
دارون معارضة تامة فى تفسيره لظاهرة نشوء الحياة وتطورها .
كما أن علم " الجينات " )المورثات( يميل إلى اعتبار الصفات الخاصة بكل جنس ثابتة وغير قابلة للنقص أو الزيادة مما
يعارض فكرة نشوء الجناس الجديدة من النواع المتطورة بتغير صفاتها الوراثية تغيرا جذريا ينقلها إلى جنس جديد
)كنشأة الفقاريات من الل فقاريات أو نشأة القرود من الثدييات العليا أو نشأة النسان من القردة العليا( كما أن "
الداروينية الحديثة Neo Darwinismذاتها تقرر تفرد النسان عن بقية الحيوانات تفردا جوهريا .
" " 2إذا كانت الثورة الفرنسية قد قضت على نفوذ رجال الدين فى فرنسا فليس معنى هذا أن الكنيسة قد فقدت
وجودها تماما فى ذلك الحين وخاصة خارج فرنسا .
وتتحمس له ،وفرقة تعارضه وتندد به ،وفرقة تحمماول التوفيممق
بين ما تقوله النظرية وما يقوله الدين !
وأما الجماهير فقد وقفت فى مبدأ المممر موقفمما حاسممما مممع
الكنيسة ضد دارون ! فقد عز عليها أن يسملبها دارون إنسممانيتها
ويردها إلى أصل حيوانى ،وينفى التكريم الربانى الذى كرم بممه
الله النسان حيممن خلقممه علممى صممورته ،وزينممه بالعقممل وميممزه
بالقدرة على النطق ..ولكنها رويدا رويدا بمدأت تغيممر موقفهما ،
وتعتنممق أفكممار دارون ،وتتغاضممى عممن مسممبة الحيوانيممة الممتى
ألحقها بها فى نظريته ،بل بدأت تهاجم الكنيسممة لموقفهمما مممن
دارون ،وترى فى نظريته معول هداما يهدم ما بقى لهمما عليهممم
من سلطان !
هل تم هذا التحول فى موقف الجماهير تلقائيا أم كممان وراءه
ذلك العنصر الشرير ؟!
وهل كان يمكممن – لممول ذلممك التممدخل الشممرير – أن يتغاضممى
الناس عن إنسانيتهم المسلوبة وعن كرامتهم الملغاة ،ويعتنقوا
نظريممة تقممرر صممراحة أن النسممان إن هممو إل امتممداد لسلسمملة
التطور الحيوانى ،ل قصد مممن خلقممه ول غايممة ،وممما يزيممد عممن
القردة إل ما أضافه التطور خلل مئات اللوف من السنين مممن
تغير عشوائى غير مقصود ؟!
حقيقة إن " العلماء" هم الذين بدأوا باعتنمماق نظريممة دارون ،
ثم تبعتهم الجماهير .ولكن هؤلء وهؤلء ما كممانوا ليفعلمموا ذلممك
لول عنصران قائمان فى الموقف ،عنصممران غيممر " علمييممن "،
أحدهما موقف الكنيسة الطغيانى من المممور كلهمما ومممن العلممم
والعلماء خاصة ،والخر هو الدعاية الضخمة التى قام بها اليهود
للنظرية وليحاءاتها المصادمة للعقيدة بصفة خاصة .
ومرة أخرى ل نتعرض هنا للنظرية بالنقممد .وإن كنمما سنشممير
فيما بعد إلى آراء الدارونية الحديثة نفسها فى هذا المممر ،بعممد
ما تقدم العلم كثيرا عما كممان عليممه أيممام دارون ،وكشممف عممن
أشياء لم تكن مكشوفة لممه فممى ذلممك الحيممن ،إنممما نتكلممم عممن
إيحاءاتها المصادمة للعقيدة ..
إن النظرية – بصرف النظر عن صممحتها أو عممدم صممحتها مممن
الوجهة العلمية البحتة – لم يكن من الحتممم أن تصمماغ بالطريقممة
التى تصادم العقيدة لممول ذلممك الصممراع القممديم الممذى قممام بيممن
الكنيسة والعلماء ،واستمر إلى وقت دارون وما بعممده ،وجعممل
" العلماء " يتعمدون تجريممح الممدين ورجمماله انتقاممما مممما فعلتممه
الكنيسة من قبل ،كممما جعممل أوروبمما تهممرب مممن إلممه الكنيسممة
وتضع " الطبيعة " إلها بدل منه !
لو قال دارون إن الله حين خلق الحيمماة علممى الرض هيممأ لهمما
ظروفمما معينممة تسمماعد علممى وجممود الخليممة الحيممة ونموهمما
واستمرارها ،ثم نوع الله الخلئق علممى نسممق معيممن بممدءا مممن
الكممائن الوحيممد الخليممة إلممى أكممثر الخلئق رقيمما وتعقيممدا وهممو
النسان ،وإن قمة العجاز فى الخلممق – والخلممق كلممه معجممز –
هو خلق النسان على هذه الصورة وإمداده بالمزايا التى تؤهله
للقيام بدوره على الرض " . "1
لو قال هذا ،ثم أورد كممل ممما أورده مممن التفصمميلت العلميممة
التى أتى بها فى نظريته – بصرف النظر عن صممحتها أو خطئهمما
من الناحية العلمية – فماذا كان يمكن أن يحدث ؟!
كانت النظرية تظل موضع أخذ ورد بين العلماء للستيثاق من
صحة تلك التفصيلت ،كما حدث مع أى فرض علمى أو نظريممة
علمية ،حتى تمحص وتثبت حقيقتها ،ولكن دون رجة ول ضممجة
ول هزات ..
ولكنه – لمر ما – لم يقل ذلك ولم يرد أن يقوله !
إنما قال بدل منه إن " الطبيعة " هى التى خلقت .وقال إنهمما
تخبط خبممط عشممواء .واقممل إنممه يرفممض تفسممير نشمموء الحيمماة
وتطورها بإرجاع ذلك إلى الرادة اللهية لن ذلممك خلممط علمممى
غير جائز ،وإنه بمثابة إدخال عنصممر خممارق للطبيعممة فممى وضممع
ميكانيكى بحت !! ثم تحايل على الحرج الذى يواجهه وكل منكر
للرادة اللهية فى قضية الخلق كله ،وخلق الحياة أول مرة من
َ
ن غَْيم ِ
ر مم ْ
خل ُِقموا ِ
م ُ
الموات ،والذى يوجه إليمه همذا التحمدى } :أ ْ
َ
ن )] {(35سممورة الطممور [52/35تحايممل م ال ْ َ
خممال ُِقو َ م هُ ْ
يٍء أ ْ َ
ش ْ
على ذلك تحممايل سممخيفا – مممن وجهممة النظممر العلميممة البحتممة –
فقال إن الحياة نشأت صدفة على الرض !!
ومن ثم وجدت فيه اليهودية المتربصة فرصة سانحة لتقويض
عقممائد " المميممن " وإزالممة ممما بقممى مممن أثممر للممدين فممى حيمماة
الناس !
وينبغى – لكى ندرك دور اليهود فى إفساد أوروبا دون تهويممل
فى تقدير مقدرتهم الشريرة كما فعل وليم كممار – أن نقممول إن
" " هذا الذى أثبتته الداروينية الحديثة فيما بعد ،وإن كانت ما تزال فى خصامها التقليدى مع الدين ! 1
عالمنا سابقا هو " لمارك " La Markeكان قد قال شيئا قريبمما
مما قاله دارون ،ولكن اليهود لممم يسممتطيعوا اسممتغلل نظريتممه
لتقويض عقائد المميين كما فعلوا بنظريممة دارون ،لن الحممدث
العظيم الذى رج المجتمع الوروبى كله – وهو الثورة الفرنسممية
– لم يكن قد وقع بعد ،وكان المجتمع – على كل ما كان يحمل
من الفساد والظلم – ما يممزال متماسممكا بالصممورة الممتى ل تممدع
لليهمود فرصمة المدخول ،فعجمزوا يمومئذ عمن المدخول ! ولكمن
الرجة التى أحدثتها الثورة الفرنسممية – الممتى اشممتركوا هممم فممى
توجيهها وجهة معينة – هى التى قربت الهدف وأحدثت الثغممرات
التى يمكن أن ينفذوا منها .فلما قممام دارون تلقفمموه وأمسممكوا
به معول هائل لتحطيم كل القيم فى حياة البشرية .
أيا كان القول فى نظريممة دارون مممن الوجهممة العلميممة ،فقممد
كانت نظريمة محصمورة فمى " علمم الحيماة " تحماول أن تفسمر
نشأة الحياة وتطورها ،فلم تكن نظرية فلسفية ،ول سياسية ،
ول اقتصادية ،ول اجتماعية ،ول نفسية ..ولكنها انقلبت – فممى
فترة وجيزة من الزمن – فأصبحت كل هؤلء !
وحقيقة أن من أراد أن يستخرج منها إيحاءات فلسفية أو غير
فلسفية فإنه يستطيع ..
فالنظريممة الممتى تقممرر حيوانيممة النسممان وممماديته )بمعنممى أن
الظروف المادية المحيطة به هممى الممتى أثممرت فممى " تطمموره "
وإعطائه صورته( والتى تنفى القصد والغاية من خلفممه ،وتنفممى
التكريم الربانى له بإفراده بين الكائنات الخرى بالعقل والقدرة
على الختيار والقدرة على التمييز فضل عممن المزايمما الخممرى "
النسانية " ..
إن نظرية كهذه يمكمن أن تعطمى إيحماءات خطيمرة فمى كمل
اتجاه ..
فحيممن يكممون النسممان حيوانمما أو امتممدادا لسلسمملة التطممور
الحيوانى فأين مكان العقيدة فى تركيبه ،وأين مكممان الخلق ،
وأين مكان التقاليد الفكرية والروحية والخلقيمة والجتماعيمة ..
الخ ؟!
وحين يكون حيوانا ،أو امتممدادا لسلسمملة التطممور الحيمموانى ،
فما مقياس الخطممأ والصممواب فممى أعممماله ؟ وكيممف يقممال عممن
عمل من أعماله إنه حسن أو قبيح ،جائز أو غير جائز ..بعبممارة
أخرى كيف يمكن إعطاء قيمة أخلية لعماله ؟
وحين يكون حيوانا أو امتدادا لسلسلة التطور الحيوانى ،فممما
معنى " الضوابط " المفروضة على سلوكه ؟ وما معنممى وجممود
الضوابط على الطلق " "1؟
كل تلك إيحاءات يمكن أن تستخرج من النظرية لمن أراد أن
يصطاد فى الماء العكر ! ولكننا إذا نظرنا إلى الواقممع وجممدنا أن
أحدا لم يصنع ذلك سوى اليهممود !! هممم الممذين اسممتخرجوا هممذه
اليحاءات كلها التى لم يقلها دارون ،وربما لم يفكر فيها أبممدا ،
ولكنهم أسرعوا إلى اقتناصها ،وأنشأوا منها نظريات " علمية "
اقتصادية ونفسية واجتماعية ..الخ موجهة كلها لمحاربممة الممدين
والخلق والتقاليد ..
وكانت فكرة " التطور " ذاتهما ممن أشمد مما لعمب بمه اليهمود
لزلزلة عقائد " المميين " وتقويضها ..فقد ضخموا تلك الفكرة
أى تضخيم وصنعوا منها قذائف يطلقونها على كل معنى " ثابت
" فى حياة البشرية من دين أو قيم أو أخلق .
والحممق – رمممة أخممرى – أنهممم ال ينشممئون الحممداث ولكنهممم
يتحينون الفرص ويستغلون الحداث .
لقد كان الخلل الفكرى فممى حيمماة أوروبمما فممى ظممل سمميطرة
الكنيسة الفكرية هو الذى رشح للهزة التى أصممابت هممذا الفكممر
يوم أطلقت عليه فكرة التطور ،فقد كان كممل شممئ فممى حممس
أوروبما المسميحية الكنسمية ثابتما منمذ الزل وسميظل ثابتما إلمى
البد ..ليست فكرة اللوهية فقط هى التى ينطبق عليها تصممور
الثبممات ،ول القيممم الدينيممة والخلقيممة وحممدها .ولكممن الجبممال
والشجر والحيمموان والطيممر .والوضمماع السياسممية والجتماعيممة
والقتصادية ..وكل شئ فى الحياة .
البابا هو البابا ذو القداسة ،يذهب واحد ويجممئ واحممد ،وكلممن
البابوية ذاتها وقداستها أمر ثابت ل يتغير ..
الملوك والباطرة هم الملوك والباطرة ..يممذهب منهممم مممن
يذهب ويجئ من يجئ ..ولكن الملكية ذاتها أمر ثابت ل يتغير ..
القطمماع هممو القطمماع ..يممذهب أميممر ويجممئ أميممر ..بنفممس
الصورة ،ونفس المعاملة ،نفس السيادة مممن جهممة والعبوديممة
من الجهة الخرى ..وكلها أمور ثابتة ل تتغير .
من ثم غلب على الفكر الوروبى المسمميحى الكنسممى تصممور
" " قالت الداروينية الحديثة – فيما بعد – إن الضوابط موجودة فى الكيان " البيولوجى " للنسان ،فى تركيب مخه 1
وجهازه العصبى ،وإنه متفرد بهذا عن الحيوان ! ومع ذلك يرفضون الدين !
الثبات فى كل شئ .
فلممما وقعممت الثممورة الفرنسممية وأزالممت القطمماع والملكيممة
وزلزلت نفوذ الكنيسة كان ذلك حدثا حادا فى تاريخ أوروبمما أثممر
ماثيرا عميقا فى كل اتجاه ،ولكنه كممان قمينمما – بعممد فممترة مممن
الزمن – أن يفقد حدته ،ويستقر على صممورة فيهمما لممون مممن "
الثبات " .
ولكن دارون جمماء فممأطلق قممذيفته علممى أمممر لممم تهممزه حممتى
الثورة الفرنسية ذاتهمما ،الممتى زلزلممت كممثيرا مممن الوضمماع فممى
أوروبا ،فقال إن الخلق ذاته غير ثابت ،وإن النسممان لممم يكممن
إنسانا حين وجد أول مرة بل كان شبيها بالحيوان !
وبين الشد والجذب التى تعرضت له النظريممة أمسممك اليهممود
بالخيط فجذبوه بعيدا بعيدا فى كل اتجاه لكى ل يعود !
وبسرعة – شممريرة – وجهمموا القذيفممة إلممى فكممرة " الثبممات "
ذاتها وقالوا – من طريممق اسممتخدام فكممرة " التطممور " – إنممه ل
شئ ثابت على الطلق .وإن طلب الثبات فى أى شئ :الدين
أو الخلق أو التقاليد ..الخ ،هو فى ذاته فكرة خمماطئة ! فكممرة
غير علمية ! فكرة مخالفة لطبيعة الشممياء .ثممم ظلمموا يممرددون
همذه القاويمل وينشمرونها ويؤكممدون عليهما ،حممتى صممارت هممى
الصبغة المسيطرة على الفكر " الممى " ل يقبلون فيهمما جممدل
ول مناقشممة ..ومممن نمماقش فهممو " الرجعممى " " المممتزمت " "
الجامد " " المتأخر " الذى يريد أن يرجع عقممارب السمماعة إلممى
الوراء ..وعقارب الساعة ل ترجع أبدا إلى الوراء !! وستسحقه
عجلة " التطور " التى ل تبقى ول تذر !!
من بين السماء " اللمعة ! " الممتى شممكلت الفكممر الوروبممى
الحديث ثلثة أسماء على القل ممن " كبمار " اليهمود :مماركس
وفرويد ودركايم Marx, Frued, Durkheim ،كل منهم قام بدوره
فى زلزلة الفكر الممى وإعادة تشكيله على النحو المطلوب ..
وكل منهممم قممام بممدوره فممى تحطيممم العممداء اللممداء للمخطممط
اليهودى :الدين والخلق والتقاليد ..وكل منهممم بنممى أفكمماره "
العلميممة ! " علممى أسمماس النظريممة الداروينيممة مممن هنمما أو مممن
هناك ..
فأما ماركس فقد أنشأ نظرية اقتصادية أو قل فلسممفة ماديممة
كاملممة ،بناهمما علممى فكممرة التطممور مممن جهممة وفكممرة حيوانيممة
النسان وماديته من جهة أخرى .وأما فرويد فقممد أنشممأ نظريممة
نفسية لتفسير تركب النفس النسانية ونشمماطاتها ،بناهمما علممى
فكرة حيوانية النسان .وأما دركايم فقد أنشأ نظرية اجتماعيممة
لتفسير الظواهر الجتماعية بناها علممى حيوانيممة النسممان وغلبممة
نزعة القطيع الحيوانية عليه من جهة ،وعلى انعدام الثبات فممى
القيم الجتماعية من جهة أخرى .
كلهم – كما تممرى – " خممدم " الفكممر الممداروينى وأوصممله إلممى
إبعاد لم تخطر على بال دارون على الطلق .
ونعرض هنا عرضا سممريعا لفكممار كممل مممن ممماركس وفرويممد
ودركايم دون مناقشة تممذكر ،لنممبين فقممط طبيعممة الممذراع الممتى
حملت اسم العلم والنرظيات العلمية من تلك الكماشة الرهيبة
التى أحاطت بالمميين فى أوروبا – وبالعالم كله مممن بعممد عممن
طريق السيطرة الوروبية – فذللت المميين لركوب شعب الله
المختار !
فأما ماركس فسنعود بإذن الله إلى مناقشة تفصيلية لفكاره
ونحن نتحدث عن الشيوعية والمادية الجدلية والتفسممير المممادى
للتاريخ .وأما فرويد ودركايم فيكفينا أن نعممرض أفكارهممما بغيممر
تفصيل ،بالقدر الذى يبين أثرهمما فممى تشممكيل الفكممر الوروبممى
تجاه الدين والخلق والتقاليد .وقد ناقشت فرويد – من قبل –
فى أكثر من كتاب وبخاصة فممى كتمماب " النسممان بيممن الماديممة
والسلم " وناقشت دركايم فممى كتمماب " التطممور والثبممات فممى
حياة البشرية " .
ماركس
ماركس أبممو الشمميوعية والماديممة الجدليممة والتفسممير المممادى
للتاريخ وهو صاحب القولة الشهيرة " الدين أفيممون الشممعوب "
وهو يهودى ألمانى ولد عام 1812ومات عام . 1883
أخذ ماركس جوهر النظريممة الداروينيممة وأنشممأ علممى أساسممه
نظرية اقتصادية وتفسميرا لحيمماة البشممرية يحصمر النسمان فممى
عالم المادة والتطور المادى ويجعل قوانين المادة منطبقة على
عالم البشر !! كما يجعل أمور الحياة كلها ،من عقائد ومشاعر
وافكار وأنماط سمملوكية ومنظمممات ومؤسسممات … الممخ ..تبعمما
للطور القتصادى وللوضاع الماديمة المتى يعيمش فيهمما النسمان
ومجممرد انعكمماس لهمما ،ل تسممبقها ،ول تخممرج عنهمما ،ول دور
للنسان فيهمما إل أن يممدور مممع الطممور القتصممادى ومقتضممياته ..
لنها " حتميات " .
وقسممم الحيمماة البشممرية بمقتضممى هممذا التصممور إلممى خمممس
مراحممل حتميممة :هممى الشمميوعية الولممى والممرق والقطمماع
والرأسمالية والشيوعية الثانية والخيممرة .وجعممل النتقممال مممن
كل طور من هممذه الطمموار إلممى الطممور اللحممق لممه حتميمما مممن
جهة ،ومردودا إلى أسباب مادية واقتصادية من جهة أخرى .
فالشيوعية الولى هممى الصممل الممذى عاشممت عليممه البشممرية
الولى فممى بممداوتها ،وجوهرهما المميمز هممو عمدم وجمود ملكيمة
فردية لشئ على الطلق ،قال :ول النسمماء أيضمما ،فقممد كممان
الجنس يمارس على المشاع ،كممل النسمماء لكممل الرجممال علممى
السواء ! والرض ملك للقبيلة بأكملها ،والطعام يتناوله الجميممع
معا والسمملح مملمموك لقبيلممة سممواء سمملح الصمميد أو الحممرب ..
والحياة ملئكية شعارها التعاون والحب والتناسق والنسجام !
ثم اكتشف النسان الزراعة فأدى هممذا المممر المممادى البحممت
إلى النتقال إلى طور اقتصادى جديد تبدل فيممه كممل شممئ تبممدل
كامل فراحت القبائل القوية تقاتل القبممائل الضممعيفة وتسممترقها
وتشغلها فى فلحة الرض فنشأ الرق ونشأت الملكيممة الفرديممة
وانتهت الفترة الملئكية التى عاشتها البشرية فى فترتها الولى
.
ثم اخترع النسممان المحممراث .ومممرة أخممرى أدى هممذا المممر
المادى البحت إلممى النتقممال إلممى طممور اقتصممادى جديممد .فقممد
اكتشف النسان أنه يستطيع أن يممزرع – بهممذه اللممة الجديممدة –
مساحة أوسع بكثير مممما كممان يمكممن زرعممه بمماللت السممابقة ،
فنشأ القطاع ..ونشأت معه أفكار وعقممائد ونظممم ومؤسسممات
جديدة مختلفة تماما عن السابقة .
ثم اخترع النسان اللة فنشممأت الرأسمممالية – بسممبب مممادى
بحممت – وانتقلممت صممورة الملكيممة الفرديممة مممن ملكيممة زراعيممة
إقطاعية إلى ملكية صناعية رأسمالية ،ونشممأت أوضمماع فكريممة
واجتماعية وسياسية واقتصادية جديدة بالمرة ،فتغيرت الطبقة
ذات السيادة فلم تعد هى طبقة الشراف )أمراء القطاع( إنممما
أصبحت طبقة الرأسماليين أصممحاب المصممانع وأصممحاب رؤوس
الموال ،ولم يعد الشعب فى مجموعه فلحين إنما صممار عمممال
صناعيين ،وتغيرت مفاهيم هؤلء وهؤلء ،وتغيرت نظرتهم إلى
كل القيم التى كانت سائدة فمن قبل فى المجتمع الزراعى .
ثم نشأ الصراع بين العمال وأصحاب رؤوس الموال فنشممأت
الشمميوعية ل لسممباب ماديممة فممى هممذه المممرة إنممما لسممباب
اقتصادية – وهى صنو السباب المادية فى نقل الناس من طور
إلى طور – ولكن فى هذه المرة ل يحممدث تطممور ينقممل النمماس
إلممى طممور جديممد بعممد الشمميوعية ،إذ الشمميوعية هممى المسممتقر
الخير للبشرية كما كانت بدايتها هممى الشمميوعية .وتحممدث فممى
داخل تغيرات ولكنها ل تغيممر المبممدأ الرئيسممى لهمما ،وهممو إلغمماء
الملكيممة الفرديممة وإقامممة الملكيممة الجماعيممة بممدل منهمما ..وفممى
النهاية – نهاية كل تطمور وتغيممر – تلغممى الدولمة لنتفمماء الحاجمة
إليها ،ويزيد النتاج بالدرجة التى تسمح بتطبيق مبدأ " مممن كممل
حسب طاقته ،ولكل حسب حاجته " ويزول الصراع نهائيمما مممن
حياة البشر ،ويعيشون فى حالة من الملئكية كممالتى بممدأوا بهمما
حياتهم أول مرة .
ويركممز ممماركس فممى كلمممه عممن مراحممل التطممور الحتميممة
وأسبابها المادية والقتصادية على النتقال من مرحلممة القطمماع
إلى مرحة الرأسمالية لن هذا هو الطور الممذى كممان قائممما فممى
وقته ،ولنه هو الذى وقع فيه التغيير الضخم الذى أحدثه اليهود
فى المجتمع الوروبى ،فيقول إن سمممات المجتمممع القطمماعى
الزراعممى :التممدين ،وترابممط السممرة ،وسمميطرة الرجممل علممى
السرة بكل أعضائها ،أى على الزوجة والولد ،ويرد هممذا كلممه
إلى أسباب ماديممة واقتصممادية ،فل يقممول إنممه يرجممع إلممى قيممم
معنويممة ،ول يقممول إن هممذا – فممى ذاتممه – أمممر طيممب وفاضممل
ومسمممتحب أو واجمممب ،إنمممما همممو انعكممماس لوضممماع ماديمممة
واقتصممادية .فممالفلح – وهممو المنتممج الرئيسممى فممى المجتمممع
الرزاعى – يضع البذرة فى الرض ،ثممم ل يسممتطيع أن يسمميطر
عليها ول أن يستعجلها عن موعممدها ،ول أن يقيهمما مممن الفممات
والتأثيرات الجوية المختلفة ،ومن ثم " يفترض ! " وجممود قمموة
غيبية ،يكل إليها هذا المر كله ،الممذى يعجممز عممن التحكممم فيممه
والسيطرة عليه ،ويروح يترضى هذه القوة الغيبيممة بالعبممادات ،
والنسك والقرابين ،لكى ترضى عنه وتبارك زرعه ،ولكى يتقى
غضبها عليه وانتقامها منه ..ومن ثم يكون التدين قويا ،ويكمون
سمة بارزة فى للمجتمع الزراعى .
ثم إن الرجل فى المجتمع الزراعى هو المتكسب ،وهو الذى
ينفق على الزوجممة والولد ،ومممن ثممم يسمميطر عليهممم ويبسممط
سلطانه .ويكون سلطانه أشد ما يكون على الزوجة ،فيفممرض
عليهمما أن تكممون لممه وحممده ،ومممن ثممم تصممبح قضممية العفممة
والمحافظة على العرض ذات قيمة كبيرة فى المجتمع الزراعى
،ويفرض على المرأة أن تحمافظ علمى عرضمها )إرضماء لنانيمة
الرجممل المتكسممب المنفممق( ويضممفى علممى ذلممك ثمموب الممدين
والخلق ،فتصبح قضية العفة قضمية دينيمة وأخلقيمة فمى حيمن
أنها مجرد انعكاس لوضع اقتصادى معين يكون الرجممل فيممه هممو
المتكسب دون المرأة .
فإذا تحول الناس إلى المجتمع الصناعى المتطور تغيممر المممر
بالكلية .فالعامل هنا غير محتمماج " لفممتراض ! " القمموة الغيبيممة
التى كان يلجأ إليها العامل الزراعى ! لنه يتولى عمليممة النتمماج
بنفسه .فهو الذى يعالممج المممادة الخامممة ويشممكلها كممما يريممد ..
ومن ثم يقل التدين إلى أقصى حد فى المجتمع الصناعى .
ومن جممانب آخممر فممإن المممرأة تسممتقل اقتصمماديا لنهمما تعمممل
وتتكسب ول تعود عالممة علممى الرجممل كممما كممانت فممى المجتمممع
الزراعى " المتأخر " .ومن ثم يفقد الرجل سمميطرته عليهمما ول
يعود فى إمكانه أن يفرض عليها أن تكون له وحممده ،كممما كممان
يفممرض عليهمما فممى المجتمممع الزراعممى ..فتتحممرر مممن القيممود ،
وتفقد قضية العفة أهميتهمما فممى المجتمممع الصممناعى المتطممور ،
لنممه أصممبح مممن حممق المممرأة أن تهممب نفسممها لمممن تشمماء دون
سيطرة الرجل عليها ..
وكما أن الوضع " المحافظ " فى المجتمع الزراعى لممم يكممن
فضيلة ول شيئا مرغوبا فى ذاتممه ،إنممما مجممرد انعكمماس للطممور
القتصادى ،فكذلك ل يعد " النحلل " فممى المجتمممع الصممناعى
رذيلة ،إنما هذه وتلك هى السمات المصاحبة لهذا الطور وذاك
،ل توصف فى أى الحالين بأنها فضيلة أو رذيلة .إنما كل شممئ
فممى إبممانه هممو الصممواب لنممه هممو النعكمماس الطممبيعى لطممور
القتصادى الذى يقرر – وحده – كل العقائد والقيممم والمبممادئ ،
فإذا تغير الطور لم يعد صمموابا ممما كممان صمموابا مممن قبممل ،إنممما
يكون استمراره ظاهرة مرضية ينبغى أن تقاوم وأن تزال .
فالتدين أمر طبيعى فى المجتمع الزراعممى ،ل يعيبممه أحممد ول
يستغربه أحمد .ولكنمه لمممة مرضمية فممى المجتممع الصمناعى ل
ينبغى أن توجد ،وإن وجممدت فلبممد أن تحممارب ،لنهمما اسممتبقاء
لنعكاسات طور لم يعد قائما ،ومن ثم فلبد من إزالتها ز
والحفاظ على العممرض أمممر طممبيعى فممى المجتمممع الزراعممى
كذلك تفرضه الطبيعة القتصادية للطور الزراعممى ،ومممن ثممم ل
يستغربه أحد ول يعترض عليه أحد ،فممإذا انتقلنمما إلممى المجتمممع
الصناعى فقدت القضية أهميتهمما نتيجممة تحممرر المممرأة اقتصمماديا
وإنفاقها على نفسها .ومن ثم يصممبح مممن يحممافظ علممى أهميممة
العفممة أو يطممالب بالمحافظممة عليهمما " رجعيمما " لنممه يريممد أن "
يرجع " إلى القيم التى كانت مصاحبة لطممور اقتصممادى سممابق ،
انتهى عهده ،وصممرنا إلممى ممما هممو " أرقممى " منممه حسممب سممنة
التطور الدائم إلى أعلى ! وهذا سممخف ل ينبغممى أن يتصممف بممه
إنسان " متطور " فضل عن أنه مستحيل ..لن عقارب الساعة
ل يمكن أن ترجع إلى الوراء ولن عجلممة التطمور ستسممحق كممل
من يقف أمامها وتخمد صوته إلى البد !
وكذلك المر بالسنبة لترابط السرة ..
فمن طبيعة المجتمع الزراعممى أن تتكمماثر السممرة وهممى فممى
البيت الواحد أو فى بيوت متلصقة متقاربة ،ل لن ذلك فضمميلة
فى ذاته أو شئ مستحسن ،لكن لن ذلممك مممن طبيعممة الطممور
القتصادى ومستلزماته ،لن رجال السرة كلهمما يتعمماونون فممى
الزراعة ،وكلما كثر أفراد لأسرة زاد إنتاجها الزراعى ،فحقممق
ذلك مصلحة اقتصادية لسرة .أما فى المجتمع الصممناعى فكممل
عامل شخصيته مستقلة ل ارتباط بينه وبيممن غيممره مممن الناحيممة
القتصادية ،ومن ثم تستقل كل أسرة صممغيرة – أى الب والم
والولد – ببيت مستقل ،وكلما كبر أحممد الولد وتممزوج اسممتقل
بأسممرته الصممغيرة فممى بيممت خمماص .وتفقممد السممرة الكممبيرة
ترابطها ول يعد ذلك عيبا ول رذيلة ،لنه هو النعكاس الطممبيعى
للطور القتصادى القممائم .بممل إن الرة الصممغيرة ذاتهمما تتفكممك
روابطها بسب العمل ،عمل الرجل والمممرأة كليهممما ،كممل فممى
مكان ،وعدم ارتبمماط الزوجممة بممالبيت وتربيممة النشممء ،ول يعممد
ذلك عيبا كممذلك ول رذيلممة ،لنممه ل توجممد قيممم ثابتممة فممى حيمماة
البشرية .ال توجد فضيلة ثابتة ول رذيلة ثابتة إنما الفضمميلة ممما
يوافق الطور القتصادى القممائم والرذيلممة ممما ل يمموافقه .فكممما
كانت العفة هى الفضيلة فى المجتمع الزراعى يصبح التحلل هو
الفضيلة فى الطور الصناعى أو هو المر الطبيعى علىأقل تقدير
.وكما كانت سيطرة الب هى الفضيلة فممى المجتمممع الزراعممى
يصبح فقدان سيطرة الب هو فضيلة المجتمع الصممناعى أو هممو
سمته الطبيعيممة .وكممذلك كممانت السممرة المترابطممة قيمممة مممن
القيم الجتماعية المستحسنة فممى المجتمممع الزراعممى ،وتصممبح
السرة المفككممة – حممتى علممى النطمماق الصممغير – هممى القيمممة
الجتماعية المستحسنة فى المجتمممع الصممناعى أو هممى السمممة
الطبيعية على أقل تقدير !
فإذا جاءت الشيوعية – وهمى المرحلممة الحتميمة الخيمرة فمى
حياة البشرية – فلسنا فى حاجة إلى تعممديل جممذرى فممى القيممم
والعقممائد والفكممار ..لنمه هكممذا طيممب !! تتغيممر فقممط الصممورة
القتصادية فتلغى الملكية الفردية إلغاء كامل وتصبح الدولة هى
المالك الوحيد ..ولكممن القيممم المباركممة الممتى أنشممأها المجتمممع
الصناعى تظل قائمة ويزداد فيها فقط حتى تصل إلممى نهايتهمما .
فالدين يلغى إلغاء كامل ،ويقضى على البقيممة الضممعيفة الباقيممة
منه فى المجتمع الرأسمالى ،لن مهمته التى يقوم بها هنمماك –
وهى تخدير الكادحين ليرضوا بالظلم الواقع عليهم – تنتهى فممى
المجتمع الشيوعى الملئكى الخالى من الظلم ،فل يعود للدين
حاجة البتة .وتفكك السرة تفكيكا كامل ،لنها بقية – سخيفة –
مممن بقايمما العهممود الرجعيممة الممتى كممانت تمممارس فيهمما الملكيممة
الفردية فتممتربى الثممرة فممى نفمموس البمموين رغبممة فممى تمموريث
أبنائهم ..فالن وقد ألغيت الملكية الفردية فالسمرة نشماز فمى
المجتمع الجديد " المتطور " ،والولد ملك الدولممة ،هممى الممتى
تملكهممم – ملكيممة جماعيممة ! – وهممى الممتى تنشممئهم التنشممئة
الصحيحة ،وليممس لبممويهم إل ولدتهمم لحسماب الدولمة ..وأممما
العلقات الجنسية فهى حممرة حريممة كاملممة ،لننمما عممدنا – عممودا
على بدء – إلى الشيوعية ،إلى تناول حاجات الحياة كلهمما علممى
المشاع ..وهنا تصل البشرية إلى قمة التطور الذى ليس بعممده
شئ !
الهدف واضح ول شك ..
فالنظريممة " العلميممة " تممدور كلهمما حممول هممذه القيممم :الممدين
والخلق والتقاليممد ..لتسممخيفها وتسممخيف المتمسممكين بهمما ،
ووسمهم بالرجعية والجمود والتأخر ،والوقوف فى وجممه عجلممة
التطور التى ستسحقهم ..
إنهمما تركممز كممما قلنمما علممى عمليممة النتقممال مممن المرحلممة
القطاعية إلى المرحلة الرأسمالية – التى صمماغها اليهممود ،كممما
سممنرى ،حسممب مخططمماتهم الشممريرة بل ديممن ول أخلق ول
تقاليممد مسممتمدة مممن القيممم الدينيممة – فتقممول أول إنممه تطممور "
حتمى " وما دام حتميا فمنذا الذى يستطيع أن يقف فى طريقه
رضى أم أبى ؟! وتحسر على اليام الخالية والقيممم الدارسممة أم
تسخط عليها ؟! ثم تقول ثانيا إنه تقدم إلى المام ..تقدم إلممى
أعلى ..حسب سنة التطور التى تدفع بالكائن الحى دائممما إلممى
الرقى ! فمن كانت فى نفسه حسرة على ما فات ،أو ضمميق "
بممالتطور " فليعممدل مممن ذات نفسممه وليتمممش مممع التطممور ،
ولينطلق مع التيار ،فذلك أروح للنفس والعصاب !
إنها تتناول بالذات عمليات التحطيم التى قام بهما اليهمود فمى
المجتمع الجديد الذى ولد بيممن أيممديهم فشممكلوه علممى هممواهم ،
فتبارك هذه العمليات بالذات ..
قام اليهود بتحطيسم الدين ،فيجئ فيلسمموفهم – ممماركس –
فيقول – بصورة " علمية " – إن الدين قد باد تلقائيما ممن جمراء
التطور الحتمى الناشئ من النتقال من طممور اقتصممادى متممأخر
إلممى طممور متقممدم ! وإن الممدين خرافممة ل تليممق بالنسممان "
الصناعى " المتطور ! وإنه قد أخلى مكانه لما هو خير منه وهممو
"العلم " ! وإن التمسك به – أو الرجوع إليه – أو الدعوة إليممه –
نشمماز غيممر متجممانس مممع " طبيعممة " المرحلممة التطوريممة الممتى
قطعها النسان إلممى المممام ..وذلممك فضممل عممن تشممويه صممورة
الدين بأنه مخدر يستخدمه القطمماعيون والرأسممماليون لتخممدير
الجممماهير الكادحممة عنمما لمطالبممة بحقوقهمما والقيممام بممالثورة
المقدسة ،مستغل فى ذلك واقع الممدين الكنسممى ومعمممما إيمماه
على كل " الدين " .
وقام اليهود بتحطيم الخلق – أخلق الجنس بصممفة خاصممة –
وأشاعوا الفوضى الجنسممية والنحلل ،وحمماربوا قيممد " العفممة "
الممذى يحممول بينهممم وبيممن تنفيممذ مخططمماتهم الواسممعة لتحويممل
الدمييممن إلممى دواب تممدور فممى طمماحونتهم ،فيجممئ فيلسمموفهم
فيقول إن قضة العفة إنما أخذت أهميتها من أنانية الرجممل فممى
المجتمع الزراعى " المتأخر " باعتباره هو المتكسب والمنفمق ،
ثممم وضممع عليهمما وسممم الممدين والخلق ليعطيهمما أهميممة زائدة ،
خدمة لنانيته ،وإنها فقدت أهميتها – الزائفة بالطبع ! – بصورة
تلقائية نتيجة التطور الحتمى ،وحلت محلها " فضيلة " من نمموع
آخر فى المجتمع المتطور ،هى فضيلة " تحرر " المرأة .
وقام اليهود بتحطيم السممرة ،لن السممرة أحممد القيممود الممتى
تمنع التحلل الخلقى أو تبطممئ عجلتممه ،وتبطممئ بالتممالى عمليممة
اسممتحمار الممييممن وتسممخيرهم لشممعب اللممه المختممار ،فيجممئ
فيلسوفهم فيقول إن ترابط السرة كان مجرد انعكمماس لوضممع
اقتصادى متأخر هو الوضممع الزراعممى القطمماعى ،وإنهمما فقممدت
ترابطها – تلقائيا – من التطور الحتمى الدافع إلى المام ،ومن
ثم ل تستحق البكاء عليها ول التحسر ،إنممما الولممى السممير مممع
عجلة التطور والرضا بالطور الموجود .
وهكذا تتلخص المهممة " العلميممة " للفيلسمموف الكممبير فممى "
تغطية " الدور الخطير الممذى تقمموم بممه العصممابة المفسممدة فممى
الرض ،فمى ثموب " علممى " تتلهمى بمه عقمول الحميمر المذين
خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار !
فرويد
ل يقل فرويد " عبقرية " عممن ممماركس ول خطممورة فممى أداء
الدور المطلوب .
ولئن كان دوره الن قد انتهى " "1لنه تم ! بينما لم ينته بعممد
دور ماركس لنه لم يتم بعد ! فليس معنى ذلك أنه لممم يعممد لممه
أثر فى المجتمع المعاصممر بممل العكممس هممو الصممحيح .فقممد تممم
دوره لنه أعطى تأثيره الكامممل فممى المجتمممع ،بحيممث لممم يعممد
ذلك المجتمع فى حاجة إلى المزيد ! ولن الجرعة التى تشممربها
ذلك المجتمع من " علمممه ! " – أو مممن سمممومه – تكفيممه عممدة
قرون !!
هو يهودى نمساوى ،كان يعمل طبيبا ثم تخصص فى معالجة
المراض العصبية والنفسية ،وأنشأ عيادة خاصة للشراف على
علج مرضمماه ودراسممة أحمموالهم عممن كثممب ،ثممم اسممتنبط مممن
دراسمماته تصممورا خاصمما للنفممس البشممرية وتركيبهمما وتفسمميرا
لنشاطاتها المختلفة ،تفرد به بين كل " المفكريممن " إلممى ذلممك
الحين وربما إلممى المموقت الحاضممر بصممرف النظممر عممن تلميممذه
الناقلين عنه .
ولد عام 1856وعممر طمويل حمتى ممات فمى عمام ، 1938
وألف نحو ثلثين كتابمما فممى الدراسممات النفسممية مممن أشممهرها :
الممذات والممذات السممفلى The Ego and The Idوالطممواطم
والمحرمات Totem and Tabooوتفسممير الحلم Interpretation
of Dreamsوثلث مقمممالت فمممى النظريمممة الجنسمممية Three
" " انتهى فى أوروبا وأمريكا ،ولكنه – عندنا – لم ينته بعد ! فما تزال معاهد التربية عندنا تقدمه على أنه إمام من 1
أئمة الباحثين فى النفس النسانية ! وعندما يسافر مبعوثونا إلى أوروبا وأمريكا يعودون حاملين أفكاره لينشروها هنا
مع أن القوم قد تجاوزوها هناك !
Contributions to the Sexual Theoryوالمممراض النفسممية
المنتشرة فى الحياة اليومية Psycho Pathology of Every Day
Lifeوكلها تدور – من زوايا مختلفة – حول موضوع واحد مكممرر
فيها جميعا هو التفسير الجنسى للسلوك البشرى .
خلصة هذا التفسير أن الطاقة الجنسية هى الطاقة العظمى
فى الكائن البشممرى ،وهممى المسمميطرة علممى طاقمماته جميعمما ،
والموجهة لها ،والمسخرة لها كلها لحسابها الخاص !
يولممد الطفممل بطاقممة جنسممية ،وتسمميطر عليممه – منممذ لحظممة
مولده – تلك الطاقة الجنسية التى ولد بهمما ،فيرضممع ثممدى أمممه
بلذة جنسية ،ويتبول ويتبرز بلذة جنسية ،ويمممص إبهممامه بلممذة
جنسية ،ويحرك أعضاءه بلذة جنسية ..
ثم ينمو الصبى فيحس تلقاء أمه بشهوة جنسممية )كممما تحممس
الصبية بالشهوة الجنسية تلقاء والدها( ولكنه يجد أباه حائل بينه
وبيممن السممتيلء علممى الم الممتى يشممعر نحوهمما بتلممك الشممهوة
الجنسية ،فيكره أباه الممذى يحبممه فممى ذات المموقت ،ويصممطرع
الحممب والكممره اللممذان يحممس بهممما فممى آن واحممد تجمماه الب ،
فيكبت الكره فى اللشعور ،المذى تمدفن فيممه – ظاهريمما – كممل
الرغبات المكبوتة والمخاوف المكبوتة ولكنها تبقممى حيممة فاعلممة
مؤثرة موجهة لسلوك النسان دون وعى ،ويظهر الحب وحممده
على السطح لن ذلك هو الذى يعجممب المجتمممع ! )أى نفاقمما !(
ولكن القضية ل تنتهى عند هذا الحد ول على هذه الصورة .فإن
الصبى يأخذ فى حس نفسه ماكن والممده ،تعويضمما عممن عجممزه
عن الستيلء على الم بسبب قيممام والممده حمماجزا بينممه وبينهمما ،
فيمروح ينهممى نفسمه ويأمرهمما كممما ينهماه أبمموه ويممأمره ،فينشممأ
الضممير ،وتنشمأ – فمى نفمس الطفمل – القيمم الخلقيمة المتى
يتعاطاهمما المجتمممع ويرضممى عنهمما ،كممما ينشممأ الممدين مممن ذات
العقدة التى سماها عقدة أوديممب )ويقابلهمما عقممدة إليكممترا عنممد
البنت( وهى العقدة الناشئة من الكبت الجنسى لشهوة الصممبى
الجنسية نحو أمه )وشهوة البنت الجنسية نحو أبيها( .
وهكممذا تنشممأ القيممم العليمما كلهمما :الممدين والخلق ،والتقاليممد
المستمدة مممن الممدين ،مممن تلممك العقممدة الناشممئة مممن الكبممت
الجنسى .
وتتركب النفس النسانية من طبقات ثلث :
الطبقممة الشممهوانية – الممتى تسممطر عليهمما الشممهوة الجنسممية
وتوجهها – وتسمى – عنده – الذات السفلى The Idوهى طبقة
ل شعورية ،والذات The egoوهى الطبقة الوسطى التى يتمثل
فيهمما المموعى وتصممدر عنهمما كممل التصممرفات الواعيممة للنسممان ،
والذات العليا Super Egoالتى تتمثل فيها الضوابط " "1الناشئة
من الدين والخلق والتقاليد المتداولممة فممى المجتمممع ،وهممى ل
شعورية أيضا ،وتنشأ من الكبممت الواقممع علممى الممذات السممفلى
الشهوانية .
ومهمممة الممذات هممى التحايممل الممدائم علممى الممذات السممفلى
لقناعها بأوامر الذات العليا ،وإن كانت هى شخصيا ل تؤمن بها
! يقول فرويد " :إن مهمة الذات بين الضغط الواقع عليها مممن
الذات العليا والذات السفلى معا تصبح كمهمة السياسممى الممذى
يعرف الحقائق ولكنه يداور ويناور إرضاء للجماهير !! "
ويتحممدث فرويممد – كممثيرا – عممن القيممم العليمما ..عممن الممدين
والخلق والتقاليد .يقممول فممى كتمماب " الطممواطم والمحرمممات
" Totem and tabooإنه حدثت فى البشرية الولى حادثة هائلة
ما تزال تؤثر فى حياة البشرية إلى هذه اللحظة .
ذلممك أن " الولد " شممعروا بالرغبممة الجنسممية تجمماه أمهممم ،
فوجدوا أبمماهم حممائل بينهممم وبيممن السممتيلء علممى الم فقتلمموه !
وكانت تلك أول جريمة ترتكب فى البشرية الولى )وليست هى
قتل أحد الخوين لخيه كما جاء فى الرسالت السماوية( " . "2
ثم أحسوا بالندم فلى قتممل أبيهممم فقدسمموا ذكممراه ،فنشممأت
أول عبادة عرفتها البشرية وهى عبادة الب )وليس عبممادة اللممه
كما جاء فى الرسالت السماوية( " . " 3
ثم وجدوا أنهم لو تقاتلوا بينهمم للسمتيلء علمى الم فسميقتل
بعضهم بعضمما فمماتفقوا علممى أل يقممر بهمما أحممد منهممم فنشممأ أول
تحريم فى العلقات الجنسية وهو تحريممم الم )وليممس لن اللممه
هو الذى حرمها كما جاء فى الرسالت السماوية( " ." 4
يقول :وكل الديانات التالية والحضارات قد نشأت مممن ذلممك
الحممدث الخطيممر الممذى لممم يممدع لبشممرية منممذ وقمموعه فرصممة
للراحة !!
" " هذه تسميتنا نحن ،أما هو فيسميها الكوابت ! 1
" " " واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الخر ،قال :لقتلنك له ]سورة 2
لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " ]سورة العراف " [23 :فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ،إنه هو
التواب الرحيم ]سورة البقرة [37 :
" " " حرمت عليكم أمهاتكم ] " ..سورة النساء [23 : 4
فإذا سألته عن سنده فى هذه القصة التى يبنى عليها تفسيرا
كامل للحياة البشرية بأديانها وحضارتها من أول التاريخ إلى آخر
التاريخ ..فإنه يجيب ..ول تحسبه عاجزا عن الجابة !
يقول :إن دارون يقول :إنممه فممى عممالم البقممر تتجممه الممثيران
الشابة إلى الم لمواقعتها ،فتدور بينهممم معركممة رهيبممة ،يفمموز
فيها أقوى الثيران وأصلبهم عممودا ،فسمميتولى وحممده علممى الم
ويندحر الباقون !
وبتعديل بسيط – أو بتحريف بسيط ! تنقل القصة مممن عممالم
البقمر إلمى عمالم البشممر ،ويقموم عليهما تفسممير شمامل للحيماة
البشرية !
ويقول عن الخلق فى كتاب " الممذات والممذات السممفلى The
Rgo and the Idإنها كوابت تكبت المنطلممق الطممبيعى للطاقممة
الجنسية ،ويقول إنها تتسم بطممابع القسمموة حممتى فممى صممورتها
العادية !
ويقول عن التسامى Sublimationفممى كتمماب " ثلث مقممالت
فممى النظريممة الجنسممية Three Contributions to the Sexual
Theoryإنه نوع من أنواع الشذوذ !
" فأما ثالث أنواع الشذوذ فإنه يحدث نتيجة عملية التسامى ،
حيث تصرف الطاقة الشهوية الصادرة من منابع جنسممية فرديممة
فى مجالت أخرى وينتفع بها فى تلك الحالت ،وبذلك يكتسممب
النسان قوة نفسية كممبيرة مممن اسممتعداد نفسممى هممو فممى ذاتممه
خطير ! "
ويقول عن العلقات البشرية فى كتاب الطواطم والمحرمات
Totem and Tabooإن الزدواج العممماطفى Ambivilenceأى
الشعور بالحب والكره فممى آن واحممد تجمماه الشممخص الواحممد ..
وكبت الكره فى اللشعور وإظهار الحب علممى السممطح لرضمماء
المجتمع ،هو الطابع العممام للعواطممف البشممرية ،فالولممد يحممب
أباه ويكرهه ،ويحب أمه ويكرهها ،والخ يحممب أخمماه ويكرهممه ،
والزوجة تحب زوجها وتكرهه ..والصممياح الممذى يصمميحه النمماس
على ميتهممم همو لخفمماء الفرحممة الداخليممة المتى ملت نفوسمهم
لموت !!
ويشرح هذه الظاهرة العجيبة Ambivilenceفيقممول إنهمما تتممم
بطريقة ل شعورية وإنه ل تدخل فيها الحالت الممتى يتمموجه فيهمما
النسممان بممالحب لشممخص معيممن ثممم يكرهممه لسممباب واعيممة
معلومممة ! إنممما هممو كممره ل شممعورى تلقممائى ،ينشممأ فممى ذات
اللحظة التى ينشأ فيها الحب ،ثم يكبممت فممى اللشممعور ويظممل
يعمل من داخل اللشعور !
ويقول فى كتاب الطواطم والمحرمات Totem & Tabooإن
الكبت هو طمابع الحيمماة البشممرية بسمبب وجممود الممدين والخلق
والمجتمع وسلطة الب ..وما إلى ذلممك مممن القمموى القمماهرة ..
وكلها تتجه إلممى كبممت الطاقممة الجنسممية فتنشممأ العقممد النفسممية
والضطرابات العصبية التى ل تترك صاحبها فى راحة ..
ويقول فى معظم كتبه :إن كل الطفال " الذكور " يصممابون
بعقدة أوديب فى أول طفولتهم .
ويقول فممى كتمماب " ثلث مقممالت : " Three Contributions
نحن جميعا مصابون بالهستريا إلى حد ما :
تلك خلصممة آرائه وأفكمماره عممن النفممس البشممرية والعلقممات
النسانية ..ولن تتعرض لها هنا بالمناقشة ."1 " ..
إنما نحن هنا نستعرض مكانهمما مممن المخطممط الشممرير ،كممما
استعرضنا مكان ماركس من قبل .
يريد اليهود أن يشكلوا المجتمع الجديد الذى وقع فى قبضتهم
من أول لحظة على أساس أن يكون مجتمعا بل ديممن ول أخلق
ول تقاليد مستمدة من القيم الدينية ..فيجئ عالمهم النفسممانى
الكبير ليمسخ الدين والخلق والتقاليد بطريقة " علمية " !
فالمدين نمابع مممن الجنممس ..ممن عقممدة أوديممب ..ممن كبمت
الشهوة الجنسية التى يحسها الطفل الذكر نحو أمه !
ويجممب – لكممى نفهممم اللعبممة كاملممة – أن نتممذكر كيممف كممان
إحساس أوروبا بالجنس لنعلم رد الفعممل الوروبممى حيممن يقممول
لهم فرويد إن الدين نابع من الجنس !
كان الجنس فى حس أوروبا أمرا مستقذرا إلى أقصممى حممد ،
بسممبب تزمممت الكنيسممة فممى تفسممير تعمماليم السمميد المسمميح ،
وبسبب الممدعوة إلممى الرهبانيممة .وكممانت أعلممى درجممات التقممى
والورع تتمثل – ابتداء – فى البتعاد عممن الجنممس ،المبمماح منممه
وغير المباح ،وذلك أبرز ممما فممى الرهبانيممة .ويصممل المممر فممى
حسهم إلى اعتبار المرأة فى ذاتها دنسا ل يجوز أن يمس ،إلى
حد أن واحدا مكن كتابهم ينصح الناس فيقول :إذا لقيت امممرأة
فى الطريق فل تسلم عليها ولو كانت أمك !
" " سبق لى مناقشتها فى كتاب " النسان بين المادية والسلم " فى فصلى " فرويد " و" القيم العليا " . 1
وفى هذا الجو يجئ " العالم النفسممانى الكممبير ! " فيقممول إن
الدين نابع من الجنس ! فأى هوة مسممتقذرة يهبممط فيهمما الممدين
من عليائه ؟!
وهممب أن النمماس جميعمما لممم يصممدقوا فرويممد فممى ادعمماءاته "
العلمية ! " )وإن كانت دعاية اليهود له وترويحهممم المممدبر لرائه
" " 1قممد جعممل بعممض النمماس يصممدقون ،بممل يتحمسممون فممى
التصديق !( فإن شيئا ما يحدث فى النفس من قراءة فرويد هو
– على القل – إزالة القداسة عن الدين !
إنما تأتى قداسة الدين فى النفوس من أنممه شممئ منممزل مممن
عند الله ،وأنه هو الصلة بين القلممب البشممرى واللممه المعبممود ،
تلك الصلة العلوية التى ترفع النفس إلى الفاق العليا ،وتطلممق
الرواح ترفرف فى عالم النور .
فإذا جاء " عالم " يقممول ،ويظممل يلممح فممى العقممول ،وتظممل
الدعاية تلح على قوله :إن الدين أمممر أرضممى بحممت ،ومصممنوع
فممى داخممل النفممس ل علقممة لممه بممالله ول برفرفممة الرواح فممى
الفاق العليا ..وأكممثر مممن ذلممك أنممه " معجممون " بممماء الجنممس
المستقذر يومئذ فى حس الناس ..فهل تتوقع أن تبقممى للممدين
قداسة فى النفوس ؟!
يقول " يونج " Jungأحد تلميذى فرويد المقربين )والخر هممو
أدلر (Adlerفى كتاب سماه " ذكرياتى عممن فرويممد Memorials
" of Fruedصدر فى الستينات " :لقد قال لى فرويد إننا ينبغى
أن نحطم كل العقائد الدينية " We must abolish all dogmas :
وقال لى :ينبغى أن نجعل من الجنممس عقيممدة We must take
" sex a dogma
ول تحتاج هذه الشهادة إلى تعليق ! فالدين ذو القداسة يلقى
به فى دنس الجنس ،والجنس المستقذر يرفع إلى مقام الدين
!!
ويريممد اليهممود أن يحطممموا الخلق وينشممئوا مجتمعمما منحل
يسهل فيه تسخير " الحمير " لشعب الله المختار .
فأى معول أشد تحطيما للخلق من دعوة " العالم النفسانى
الكممبير " للولد والبنممات أن ينطلقمموا لتلبيممة نممداء الجنممس أنممى
شاءوا بل حواجز ول قيود ؟! ومن ادعائه أن الدين الذى يأمرهم
بوضممع الضمموابط لطاقممة الجنممس هممو أمممر سممخيف ل يسممتحق
" " انظر البروتوكول الثانى من بروتوكولت حكماء صهيون . 1
الحترام ؟! ومن وصفه للخلق بأنها تتسم بطابع القسوة حممتى
فى صورتها العادية ؟! ومممن دعممواه بممأن أى قيممد علممى الطلق
يوضع فى طريق الطاقة الجنسية يممورث الكبممت ويكممون العقممد
النفسممية والضممطرابات العصممبية؟! وأن التسممامى نمموع مممن
الشذوذ ؟!
لقد آتت هذه الممدعوة ثمارهمما بالفعممل ،وكممانت أكممبر مشممجع
للولد والبنات أن ينطلقوا مع دافع الجنس بل حواجز خوفا مممن
الكبت والعقد النفسية ! وأن ينظروا إلى الدين – الذى يحجزهم
– على أنه قيد مناف للعلم ،ول يستحق الصغاء إليه ،كما قممام
علم التحليل النفسى الذى أنشمأه فرويمد لهمدافه الخاصمة " "1
بعملية التبرير الضخمة للفساد الخلقى الذى حدث بالفعل !
يقول الكاتب النجليزى " ألدوس هكسلى " Aldous Huxley
فى كتابه " " Texts and Pretextsإن المحلل النفسى يقف – ل
محالة – إلى جانب المجرم الخلقى :
The Psycho-analyst is inevitably on the side of the
immoralist
وليست هناك حتمية فممى الحقيقممة ،ولكممن هممذا هممو التحليممل
النفسى على طريقة العالم اليهودى الكبير !
ويريد اليهود أن ينشئوا نجتمعا متفككا ل روابط فيه ،ذلك أن
الروابط – من أى نوع – تبطئ التحلل ،وتبطئ تحويل المميين
إلممى دواب الحمممل الممتى يركبهمما بنممو إسممرائيل ويسممخرونها
لمصالحهم ..فيجئ العالم النفسممانى الكممبير فيقممول بطريقممة "
علمية " إنه ل توجد فى حقيقة المر روابط بين البشر ! ل بيممن
الولد وأمه ،ول بين الولممد وأبيممه ،ول بيممن الممزوج وزوجتممه ،ول
بين الخ وأخيه فضممل عممن أن تكممون هنمماك روابممط بيممن الغربمماء
الذين ل تصل بينهم صلة القربى ! إنممما كمل إنسممان فممى الرض
يكره النسان الخر فى قرارة نفسه ويتمنى له الزوال !
باختصار لقد كممانت مهمممة " العممالم النفسممانى " هممى تغطيممة
الفسمماد الضممخم الممذى تممدبره العصممابة الشممريرة فممى الرض ،
بإعطائه " التبرير العلمى " ! الذى يجعله أمرا طبيعيا ل يستنكر
! ويصبح المنكر عليممه هممى الرجعممى المتممأخر الممذى يصممدر عممن
الجهممل بحقممائق العلممم ،والتمسممك بالخرافممات السممخيفة ،أو
المثاليممات الممتى ل تقممل عنهمما سممخفا ول مكممان لهمما فممى واقممع
" " من عجيب " المصادفات !! " أن معظم القائمين بالتحليل النفسى فى " العيادات النفسية " هم من اليهود ! 1
الحياة !
دور كايم
إميممل دور كممايم " دورك هممايم أو دورك جمماييم ! " يهممودى
فرنسى ولد عام 1858ومات عمام 1917وتخصمص فممى علمم
الجتماع وله فيه كتب من أشهرها " مقدمة فى علم الجتماع "
.
وقممد ل تكممون لممه شممهرة عنممد الجممماهير كممماركس وفرويممد ،
ولكن له شهرته الواسعة بين " علماء الجتماع " ويتتلمذ عليه –
أو علممى فكممره – كممل مممن يقمموم بتممدريس علممم الجتممماع فممى
الجامعات والمدارس فممى عممالم الممييممن إل مممن رحممم ربممك !
وعلى أى حال فقد أدى " مهمته " فمى الميمدان المذى تخصمص
فيه ،ووجه حملته – مع زملئه الخرين من كبممار " المفكريممن "
اليهود – إلى تحطيم الدين والخلق والتقاليد .
أخذ دور كايم عن دارون التفسير الحيوانى للنسان ،ومممدده
ليغطممى ميممدان العلقممات الجتماعيممة .ولقممد أسمملفنا أن دارون
نفسه لم يكن عالم اجتماع ول اقتصاد ول علم نفس ،إنما كممان
متخصصا فى علم الحياة ،أى فى مظاهر الحياة فممى " أجسممام
" الكائنات الحية ،وحين وصل – فى سلسلة التطممور الحيمموانى
– إلى النسان ،وألحقمه بعممالم الحيمموان ،كمان يممدرس مظمماهر
الحيمماة فممى " جسممم " النسممان ووظممائف أعضممائه ،دون أن
يتعرض للجوانب الخرى التى ليست من اختصاصه .
ولكنا قلنا إن نظريته – بالصورة التى قدمها بها ،ل بما تحويه
من معلومات علمية بصرف النظر عن صممحتها أو عممدم صممحتها
من الوجهة العلمية – كانت تحوى إيحمماءات معينممة لمممن أراد أن
يستخلصها ويستخدمها ،مبنية كلها على فكرة حيوانية النسممان
وماديته .وإن أحدا لم يستخلصممها ويسممتخدمها فممى الحقيقممة إل
اليهود .
ودور كايم واحد ممن فعلمموا ذلممك فممى ميممدان تخصصممه وهممو
علم الجتماع .
وخلصة آرائه أن الكائن البشرى محكمموم " بنزعممة القطيممع "
التى تحكم عالم الحيوان وتسيره دون وعى منه ول إرادة .
ولئن كان فرويد قد قالها دون مداراة ،حين زعم أن البشرية
الولى قتلت أباها لتستولى علممى الم ،مسممتندا إلممى أن دارون
قد قال مثل ذلك عن عالم البقممر ،فممإن دور كممايم لممم يشممأ أن
يستخدم المصطلح الحيوانى مباشرة ،فلم يسمها – فممى عممالم
النسان – " نزعة القطيع " وإنما سممماها " العقممل الجمعممى " ،
ونسب إليها فى عالم النسان كل ما ينسب فى عممالم الحيمموان
إلى نزعة القطيع .
وبعض كلمه عن العقل الجمعممى معقممول ،وتكلممم عنممه كممثير
غيره من العلماء والمفكرين وسممموه " المشمماركة الوجدانيممة "
وهى حقيقة واقعة فى عالم البشر .ولكنه لم يممرد أن يسممتخدم
هذا المصطلح لنته ل يخممدمه فيممما كممان يهممدف إليممه ،ذلممك أن
للمشاركة الوجدانية حممدودا معروفممة تقممف عنممدها ،وصممورة أو
صممورا معينممة تمممارس فممى نطاقهمما ،ل تلغممى شخصممية الفممرد
اليجابية ول إرادته ،لنها تصدر عن " الذات " ول تلغيهمما ،وقممد
تكون فى كثير من الحيان فير إراديممة ولكنهمما ل تلغممى الرادة .
إنما هى تأثر معين من شئ خارجى ،يستتبع مشمماعر معينممة أو
أعمال معينة يقوم بها النسان لمشاركة الخرين فيما يممراه مممن
أحوالهم ،ولكنه يظل شاعرا أنه " هو " الممذى يقمموم بهمما ،وأنممه
يقوم بها لنه يريد – لو إرادة مؤقتة – أن يشارك الخريممن فيممما
هم فيه .
أما الصورة الممتى يريممد دور كممايم أن يرسمممها للبشممرية فهممى
صورة مختلفة ،يريد أن يلغى فيها شخصممية الفممرد إلغمماء كممامل
ويلغى إرادته ،ليجعله يتقبل ما يلقيممه إليممه " العقممل الجمعممى "
من أوامر وتوجيهات بل وعى منه ول إرادة !
يستمد دور كايم أمثلته وقواعده مما قام به " الغوغمماء " فممى
الثورة الفرنسية من قتل وتحطيممم وتخريممب وقممع مممن أنمماس "
عاديين " لم يحدث منهم القتل والتخريب من قبل ،ولممو طلممب
منهم أفرادا لمتنعوا عنه ،ولكنهم قاموا به فى سرور بممالغ بممل
فى نشوة وحشية وهم فى وسط " المجموع " .
وبصرف النظر عن يد اليهود الخفية فى توجيه الثورة وجهات
معينة ،فإن هذه – فممى ذاتهمما – حقيقممة :أن " الغوغمماء " تقمموم
بمثل هذه العمال حين توجه إليهمما ،بينممما معظممم الفممراد مممن
هممذه الغوغمماء لممو لطممب منهممم أن يقوممموا بهمما أفممرادا لمتنعمموا
واستنكروا .
وكثير من المفكريممن لفتتهممم هممذه الظمماهرة ،وردوهمما إلممى "
المشاركة الوجدانية " أو إلممى نزعممة " مكبوتممة " إلممى التخريممب
والتحطيممم ينفلممت قيادهمما حيممن يمموجه الغوغمماء إلممى ذلممك ،
فينطلقون – وقد انحلت العقدة – يفعلون ما يخطر علممى بممالهم
من وحى اللحظة ،متشجعين علممى الشممر بكممونهم كممثرة غالبممة
والواقف فى طريقهم قلممة مغلوبممة ..بممل ردهمما بعضممهم إلممى "
نزعة القطيع " مباشرة ،على أساس أن هذا القطيممع البشممرى
فى حالته الجنونية التى يكممون عليهمما ،بل عقممل ول وعممى ،هممو
أشبه بالحيوان ،تحركه بالفعل نوازع الحيوان ،ما دام قد غمماب
عنه العقل الذى " يعقل " تصرفاته )أى يقيدها( .
وأيا كان الرأى فقد نظر المفكرون إلى هممذه المظمماهر علممى
أنها حالة خاصة تصيب الجماهير حين تجتمع فى حالة غضممب أو
استثارة .ولكن دور كايم جعلها قاعممدة الحيمماة البشممرية كلهمما ،
والساس الذى تنبنى عليه كل تصرفاتها ،مستندا إلى الحممالتين
الممتين يكممون المموعى والرادة فيهممما مفقممودين تماممما أو شممبه
مفقودين ،وهممما حالممة الطفممل وحالممة الغوغمماء .فأممما الغوغمماء
فأمرها معروف ،وأما الطفل فإنه يولد ول حممول لممه ول قمموة ،
فيتلقى الوامر والتوجيهمات ممن أبمويه وممن المجتممع المحيمط
به ،فيتشكل منذ صغره بالطابع الذى عليه المجتمع ،فتصاغ له
أفكاره ومعتقداته وأنماط سمملوكه دون أن تكممون لممه إرادة فممى
ذلك ول رغبة ذاتية ،ول مشاركة إيجابية فى صياغة تلك الفكار
والمعتقدات وأنماط السلوك ..وهكذا تخرج البشممرية جيل وراء
جيل .
ولكنه يلحظ – بل يؤكد لغاية معينممة فممى نفسممه – أن الفكممار
والمعتقدات وأنماط السلوك تتغير من يجممل إلممى جيممل ..وهنمما
يقتنص الخيط الذى يريده فيقول إن هذا يحدث من تاثير العقل
الجمعى ،الذى يتغير على الدوام ول يثبت على حال !
ويعرف العقل الجمعى بأنه شممئ كممائن خممارج عقممول الفممراد
ليس هو مجموع عقولهم ،ول يشترط أن يكممون موافقمما لعقممل
أحد منهم ول لمزاجه الخاص )عقل من هممو إذن ؟!( وأنممه يممؤثر
فى عقول جميممع الفممراد مممن خممارج كيممانهم ول يملكممون إل أن
يطيعوه ولو على غير إرادة منهم !
ثم يقول إنمه دائم التغيمر ..يحمل اليمموم مما حرممه الممس ..
ويحرم غدا ما أحله اليوم ..بل ضابط ول منطق معقول !
ويقول – وهو بيت القصيد – إنه ل يمكن من ثممم تصممور ثبممات
شئ من القيم على الطلق :ل الدين ول الخلق ول التقاليممد !
وإن النظر إلى هذه المور على أنها أمور قائمة بذاتها هو تفكير
غير معقول !
يقول :كان المظنون أن الدين والزواج والسممرة هممى أشممياء
من الفطرة ولكن التاريخ يوقفنا على أن هذه النزعممات ليسممت
فطرية فى النسان !
أرأيت إلى العالم الكبير ! إنها ليست فطرية فى النسان !
وبكلمات قليلممة معممدودة يلغممى العممالم الكممبير كممل مقدسممات
البشرية !
أما الفرد الممتاز ،نبيا كان أو مصمملحا أو قممائدا ،الممذى يقممف
فى وجه المجموع ويغير اتجاهه ..فهذا ملغممى إلغمماء كممامل مممن
سحاب دور كايم – مهما قمالت وقمائع التاريمخ ! – لنمه ل يخمدم
أهدافه ! لنه – من ناحية – يلغى أسطورة " العقممل الجمعممى "
الذى يحكم الناس من خارج كيانهم دون أن يملك أحد الوقمموف
فى طريقه ،ولنه – من ناحية أخرى – يشير إلى " قيم ثابتممة "
فى حياة البشرية منها الممدين والخلق والممزواج والسممرة ،لن
كل النبياء والمصلحين دعوا إليها وكانوا دعائم فى تثبيتهمما خلل
القممرون الطويلممة الممتى عاشممتها البشممرية قبممل أن يممأتى القممرن
اليهممودى ،الممذى يعيممث فيممه اليهممود مفسممدين فممى الرض ،
ويحطمون كل القيم الثابتة فى حياة البشرية !
والنسان كذلك فى عرف دور كايم شئ ل كيان له ول فطرة
ول سمات محددة !
لن " الكيان " أو " الفطرة " يشيران إلممى شممئ " ثممابت " ل
يمكن تغييره أو " ل يجوز " تغييره ..وهذا أمر ل يخممدم أهممدافه
ول أهداف قومه الذين يريدون مسخ الفطر البشممرية لمممر فممى
نفوسهم .
إنما النسان وعاء يتشكل بالشكل الذى يممراد لممه ؛ والمريممد ،
الفعال لما يريد عند دور كايم ،هو العقل الجمعممى الممذى يتغيممر
على الدوام ،ول يثبت على صورة ول يثبت على حال !
ولسممنا هنمما ننمماقش دور كممايم فقممد ناقشممناه فممى غيممر هممذا
الكتاب ،إنما نحن هنا نفسره .
لقد أراد اليهود – ونفذوا بالفعل – إنشاء مجتمع تنعممدم فيممه "
القيم الثابتة " .مجتمع بل دين ول أخلق ول زواج ول أسرة ول
تقاليد .
وهنا يأتى " عالم الجتماع الكبير " للتغطية الكاملة علممى دور
اليهود فى تحطيم هذه القيم .
فأول :ليس الذى يقوم بتحطيم القيممم وإفسمماد المجتمممع فئة
محممددة مممن البشممر يمكممن الشممارة إليهممم بأعيممانهم ،ويمكممن
محاسبتهم على ما اقترفت أيديهم ،إنما هممو العقممل الجمعممى !
وأنى لك أن تمسممك بالعقممل الجمعممى وتحاسممبه ،وهممو الممذى ل
يمكن المساك به لنه ليس له مكان محدد ول كيان محدد ،ثممم
إنه ل يسأل عما يفعل لنه هو القاهر فوق العباد !!
وثانيا :فإن الذى يقوم به العقل الجمعى )الذى صنعه اليهممود
بأنفسهم !( ليس " تحطيما " للقيم ،وإنما هو مجممرد " تغييممر "
على سنة العقل الجمعى فى التغير الدائم وعممدم الثبمموت علممى
حال ! و" القيم الثابتة " إن هى إل أسطورة توهمها الناس فممى
جهالتهم قبل أن يجئ العالم الكبير لتنممويرهم ..وقممد قممال لهممم
العالم الكبير إنها ليست فطرية فى النسان!
وثالثا :إنه ل قبل للناس بوقف التغيير ! لنه يحدث من خارج
كيانهم ! )وقد كان من خممارج كيممانهم بالفعممل ! ولكممن ل لنممه "
عقل جمعى " ولكن لنهم تركوا الدين فركبهم الشيطان :
ن) م ي َت َوَك ُّلو َمُنوا وَعََلى َرب ّهِ ْ نآ َ ذي َ ن عََلى ال ّ ِ سل ْ َ
طا ٌ ه ُ س لَ ُ ه ل َي ْ َ }إ ِن ّ ُ
ن) كو َ شممرِ ُ م ْم ب ِهِ ُ ن هُ ْ ذي َ ه َوال ّ ِن ي َت َوَل ّوْن َ ُ
ذي َ ه عََلى ال ّ ِ طان ُ ُسل ْ َما ُ (99إ ِن ّ َ
] {(100سورة النحل [100 - 16/99
َ
نخذ َ ّ ل لت ّ ِ ه وََقا َ ه الل ّ ُ ريدا ً ) (117ل َعَن َ ُ م ِطانا ً َ شي ْ َن إ ِل ّ َ عو َ ن ي َد ْ ُ }وَإ ِ ْ
م من ّي َن ُّهممم ْ
م َول َ ضمممل ّن ّهُ ْ
مْفُروضممما ً )َ (118ول ِ صممميبا ً َ
ك نَ ِ عَبمممادِ َ ن ِ مممم ْ
ِ
م{ ]سورة النساء [119-4/117 مَرن ّهُ ْ َول ُ
وهكممذا قممام العممالم الكممبير بالتغطيممة علممى دور اليهممود فممى
الفساد فى الرض فى صورة " علم " يدرس فى كل جامعممات
الرض ،ويتربى عليه " علماء " من المميين يتعصبون له كأنما
هم واضعوه ،أو كأنما هو الحق الذى ل يممأتيه الباطممل مممن بيممن
يديه ول من خلفه !
-2واقع المجتمع الصناعى
لئن كان " علماء " اليهود قد أدوا دورهم " العلمى " فممى تمموهين
عرى الدين والخلق والتقاليد ،والقول بكل طريقة ومن كل زاويممة
بأنها سخف ل ينبغى للنسان المتحضممر أن يتمسممك بممه ،وأوهممام ل
ينبغممى الحتفمماظ بهمما فممى عصممر العلممم ،وقيممود تعمموق النطلق ،
وصناعة بشرية بحتة من حق البشرية أن تراعا وتعدلها أو تلغيهمما أو
تعمل بعكسها " .. "1
" " من السماء الهامة فى هذا الشأن " فريزر " Frazerواضع البذرة ألولى لعلم مقارنة الديان وصاحب الكتاب 1
الشهير " الغصن الذهبى " The Golden Boughالذى قال فيه صراحة إن الدين بضاعة أرضية بحتة من صنع البشر ،
لئن كان " العلماء " قممد قمماموا بهممذا الممدور فقممد كممانت عصممابات
أخرى تقوم فى ذات الوقت بعملية ل تقل خطورة – بممل قممد تكممون
أشد خطورة – هى إقامممة مجتمممع فممى عممالم الواقممع ،منسمملخ مممن
المدين والخلق والتقاليمد ،قمائم علممى غيممر أسماس منهما ..وهكمذا
تجتمع النظريات والواقع علممى هممدف واحممد محممدد ،يسمماند بعضممها
بعضما ويسماعد بعضمها بعضما ،فالنظريمات تمهمد للواقمع وتسمنده ،
والواقع يشهد للنظريات ويؤكدها ! وبين ذراعى الكماشممة الشممريرة
يقممع "الممييممن " فممى أوروبمما أول ،وفممى الرض كلهمما بعممد ذلممك ،
تعصرهم عصرا وتمسخهم مسخا !
قلنا من قبل إن المجتمع الصناعى قد وقع فى قبضة اليهممود منممذ
اللحظة ألولى بسبب قيام اليهود المرابين بتمويل الصناعة الناشممئة
عن طريق القراض بالربا ،فأصبح فى مكنتهم السيطرة علمى هممذا
المجتمع وتشكيله على الصممورة الممتى يرغبونهمما لن فممى يممدهم أداة
السيطرة الكبرى على ذلك المجتمع وهى رأس المال .
ونريد هنا أن نفصل هذا القول شيئا من التفصمميل مسممتندين إلممى
وقائع التاريخ .
كانت الثورة الفرنسممية – الممتى كسممب فيهمما المميممون شمميئا مممن
الكب مشوبا بكثير من الخسران ،وكسب فيها اليهود كسممبا خالصمما
لمخططهممم الشممرير – أول معممول فممى تحطيممم القطمماع والتمهيممد
للثورة الصناعية ..ومن فرنسا انتشرت " مبادئ " الثورة الفرنسية
وشعاراتها التى وضعها لها الماسممونيون اليهممود " :الحريممة والخمماء
والمساواة " ،فعمت أوروبا كلهما وحطممت أسمس القطماع فيهما ،
وحررت " العبيد " ليكونوا غذاء للثورة الصناعية ..ووقودا لها كذلك
!
وفرح العبيد المحررون فرحممة عظيمممة ولش ك بتلممك الحريممة ..
فالحريممة دائممما محببممة إلممى النفمموس ،والقيممد بغيممض ولممو تبلممدت
النفوس عليه عدة قرون !
وانطلقمموا إلممى المممدن فممى هيئة عمممال فممى المصممانع ..وكممانت
المدينة فى ذاتها سحرا هائل فى أنفسهم ،فهكذا ينظر أهل الريممف
وإن العقيدة قد تطورت على مر الزمان ،ما بين عبادة الب ،إلى عبادة الطوطم إلى عبادة قوى الطبيعة ،إلى
عبادة الفلك ،إلى عبادة الصنام ..إلى عقيدة التوحيد ..وأعطى اليحاء بأن عقيدة التوحيد – بوصفها صناعة بشرية
– هى مجرد مرحلة على الطريق ..وأن العلم – فى العالم المتحضر – يحل فى النهاية محل الدين .وكانت أبحاثه
منصبة على القبائل المنعزلة المتأخرة فى أفريقيا وآسيا وأستراليا ليستخدمها وسيلة للقول بأن الديان " السماوية "
المتأخرة إن هى إل امتداد للديانات الوحشية التى عرفتها القبائل الولى فى بداوتها وخاصة فيما يتعلق بالمحرمات و"
بأسطورة ! " الطوفان ،التى قال إنها وجدت عند أكثر القبائل انعزال وأشدها بعدا عن التصال بالعالم " المتحضر ! "
ومع ذلك قلب دللتها قلبا كامل ،فبدل من أن يقول إن ذلك دليل أكيد على صدقها التاريخى ،قال إنها أسطورة
أخذتها الديان المتأخرة من الديان السابقة !! والغالب أنه – كدارون – لم يكن يهوديا ،ولكن اليهود استغلوا " علمه
" استغلل واسعا كما صنعوا مع دارون ..وسيأتى الحديث عنه عند مناقشة التفسير المادى للتاريخ .
دائما إلى المدينة ولو كانوا فيها غرباء ..أما هؤلء فقد كانت الغربة
بالنسبة إليهم عارضا زائل ،فسرعان ما أصبحوا سكانا فيها أصلء .
ولقد كانت حرية التنقل فى ذاتهمما كسممبا ضممخما طربممت لممه نفمموس
العمممال بعممد إذ كممانوا مقيممدين بممالرض مشممدودين إليهمما ل يملكممون
مغادرتها ولو إلى الرض الملصقة لقطاعيتهم .
ثم لقد أصبحوا أراء " أحرارا " بعد أن كانوا مممن العبيممد ..صمماروا
يعملون ويقبضون فى نهاية السبوع أجرا نقديا يمسكون فى أيديهم
وينفقونه كيف شاءوا ليس لحد عليهم سلطان .
وكان لكل هذا نشوة تطرب لها النفوس ..
ولكن هذه النشوة لم تدم طممويل علممى أى حممال ..فقممد انكشممف
الواقع الجديد عن صعوبات لم تكممن مقممدرة حممق قممدرها فممى بممادئ
المر ..فساعات العمل طويلة ومضممنية والجممر مممع ذلممك قليممل إذا
قيس بمطالب المدينة وارتفاع أسعار الحاجيات فيها .ففممى الريممف
لم يكن يدفع النمماس أجممرا للمسممكن سممواء كممانوا أجممراء أحممرارا أو
أقنانا يعملون فممى الرض ،فمسمماكن القريممة تممورث جيل بعممد جيممل
يتربى فيها كل جيل جديممد ل يممدفع فيهمما أجممرا حممتى ولممو لممم يشممعر
بملكية حقيقية لها لنها ملممك للسمميد الممذى يملممك الرض بممما عليهمما
ومن عليها ملكية حقيقية أو معنوية ..وفى الريف ل يتكلممف النمماس
لطعامهم وشرابهم كثيرا من المال ،فمن منتجات اللبان ومنتجات
الدواجن يأخذون اللبن والزبد والبيض واللحم )فممى المواسممم علممى
القل( ومما يزرعون يأخذون خبزهم وبقولهم وخضرهم فل يكادون
يحسون أنهم دفعوا فيها شيئا يذكر ،وإن كانوا فى الحقيقة يدفعون
جهدهم كله فى عمل مضن طوال العممام ،ويممدفعون مممن كرامتهممم
وإنسانيتهم .
والن تغير الحال ..كثيرا ..
لم تعد وطأة " السيد " ذات وقع حسممى مباشممر كممما كممانت فممى
ظل القطاع ،وإن كانت الوطأة المعنوية قائمممة ول شممك ..قائمممة
فى حاجة العمال إلى العمل مممن أجممل الحيمماة ،وغطرسممة صمماحب
المصنع وتكبره وتجبره وتقتيره فى الجور ..
ثمم إن العممل ذاتمه لمه وطمأة ..وهمى وطمأة حسمية إلمى جمانب
السطوة المعنوية لصاحب العمممل .فهممو عمممل متواصممل فممى إدارة
اللت – وكانت فى مبدأ المر تحتاج إلى جهد بدنى كبير فى إدارتها
– وليس من نوع العمل الريفممى الممذى كممان مضممنيا – نعممم – ولكنممه
مرن فى أدائه إلى حد ما .فأنت فى الحقل حممر – نسممبيا – فممى أن
تبدأ عملك بعد الفجر مباشرة أو بعد ذلممك بسمماعة ! ورح – نسممبيا –
فى أن تشغل المحراث ثلث ساعات متوالية أو تشغله سمماعة بعممد
ساعة بعد ساعة ! وحر – نسبيا – فى أن تجمع المحصممول اليمموم أو
تجمعممه غممدا ..وحقيقممة إن " السمميد" دائممما هنمماك ..ووكيلممه الممذى
يشرف على عمل الفلحين قاعد بالمرصاد يؤز الفلحين للعمممل أزا
ول يتركهم فى راحة ..ولكنه ل يستطيع أن يقف طيلة النهممار علممى
رؤوسهم ! ومن ثم يتنفسون بين الحين والحين ،فى حديث خاطف
أو قصة مروية .
أما السيد الجديد فل يتيح شيئا من ذلك .
صحيح أنه ليس له سوط يمسك به هو أو عامله )وكيله (Steward
ليهوى به على ظهور العمال إن توازنوا عن العمل ،ولكن فممى يممده
سوطا معنويا ل يقممل إيممذاء وهممو الخصممم مممن الجممر أو الطممرد مممن
العمل !
ثم إن الجر – حتى إن سملم مممن هماتين الفممتين جميعما – ضمئيل
بالنسبة لمطالب الحياة .
صحيح أنه – من حيث الكم – أضعاف ممما كممان يحصممل عليممه مممن
الريف ،ولكنه إذا وزع على المسكن والملبس والمطعم المشممرب
لم يكد يفى بكل ذلك ولو على مستوى الكفاف .
ثم إن هناك أمرا هاما جدا فى هذه الحياة الجديدة كان له خطره
البعيد فى تشكيل صورة المجتمع الصناعى الناشئ وإعطائه الطابع
الذى يوافممق همموى الشممياطين ..فممإن الجممر الضممئيل الممذى يتنمماوله
العامل ول يكاد يفى بحاجته لم يكن يسمح بحال بإنشاء أسممرة فممى
المدينة ذات التكاليف .ومن ثم جمماء العمممال عزابمما إلممى المدينممة –
وهم فى سن الشباب والفتوة – أو إن كانوا متزوجين تركوا أسرهم
فى الريف وعاشوا فى المدينة كالعزاب ..
وأضيفت إلى متاعب الحياة فممى المدينممة جوعممة الجنممس ،وهممى
جوعة ليست باليسيرة بالنسبة للشباب فى مثل هممذه السممن ،وممما
كان يفد للعمل إلى المدينة إل القوياء ذوو الجساد .
هل كان ذلك كله من تدبير اليهود أم هم استغلوه ؟!
يستويان ..
والغلب أنه لممم يكممن مممن تخطيممط اليهممود ،إنممما هممو مممن جشممع
أصممحاب الممموال وأصممحاب الصممناعات يهممودا وغيممر يهممود ..ولكممن
المؤكد أن " الحل " الذى قدم لهذه الزمة كان هممو الحممل اليهممودى
الخالص الذى يعمل فيهاليهود من قديم ..
كان الحل هو البغاء !
لم يكن هو بغاء " السادة " الذى تعرفه " المدينة " مممن قممديم ..
فالمدينة الوروبية كانت دائما تعممرف ذلممك اللممون مممن البغمماء الممذى
ينفق فيه السادة أموالهم الحممرام – المغتصممبة مممن دممماء الفلحيممن
والعبيد – فى طلب اللذة المحرمة ،وكان اليهود ذوى صلة تاريخيممة
بذلك البغاء يوقعون فى حبائله السادة من " النبلء " ! ويسلبون به
ما يقدرون على سلبه من أموالهم ،حممتى يلجئوهممم إلممى السممتدانة
منهم بالربا ذى الضعاف المضاعفة ،ويفلس منهم فى النهايممة مممن
يفلس وتئول أمواله إليهم !
ولكن هذا البغاء الجديد كان بغمماء " شممعبيا " خالصمما لقمماء دراهممم
معدودات !
وفرك اليهود أيديهم سرورا فقممد أمسمكوا بمأول الخيممط ! الخيممط
الذى يجر " المميين " إلى حيث يريد لهم الشيطان .
وجاءت الخطوة التالية ..
فقد بدأ العمال يضربون عن العمل جماعات ..يطلبممون تخفيممض
ساعات العمل وزيادة الجور ..
وفى دستور الرأسمالية – غير المكتوب – أنهمما ينبغممى أن تحتفممظ
دائما بجيش من العاطلين تستخدمهم حين يضرب العمال العاملون
حتى ل يتوقف العمل من جهة ،وحتى يضربوا حركات الضراب من
جهة أخرى ،فيضطر العمال إلى الرجوع إلى أعمالهم صاغرين !
ولمممر ممما اسممتخدمت الرأسمممالية المممرأة العاملممة لتضممرب بهمما
حركات العاملين من الذكور ..وأعطتها نصمف الجمر ،وهمى تعممل
ذات القدر من العمل وذات العدد من الساعات !!
هل كان هذا من تدبير اليهود أم هم استغلوه ؟!
الغلممب أنممه لممم يكممن مممن تممدبيرهم ،وإن كممان أشممبه بتفكيرهممم
الشمميطانى ..ولكممن المؤكممد أنهممم اسممتغلوه إلممى أقصممى طاقممة
الستغلل ،وجعلوه أداة لتنفيذ كل مخططهم الشرير ..
لم يقدم على العمل فى بممادئ المممر إل أفقممر الفقيممرات ..فقممد
كان عمل المرأة فى المصممنع عممارا هممائل جممدا فممى حممس المجتمممع
الخارج لتوه من القطاع ،لممم ينسمملخ بعممد انسمملخا كممامل مممن كممل
قيمه ومثله وأخلقياته وتقاليده .
كانت المرأة فى الريممف تعمممل – بالطبيعممة – فممى بيتهمما ،فممتربى
الممدواجن وتسممتخرج مممن اللبممن منتجمماته ،وتنسممخ علممى المنسممج
اليدوى ..وما إلى ذلك من العمال كما كممانت تسمماعد زواجهمما فممى
أعمال الحقل فى حدود معينة .
وكان الريف متعارفا على هذا المر من قديم ،وكان يحوط عمممل
المرأة بسياج معين من الخلق ،والتقاليد المسممتمدة مممن الممدين ،
فل يحدث الختلط بالغرباء فى غير ضممرورة ،ول تحممدث الفاحشممة
إل شذوذا مستنكرا أشد الستنكار فى ذلك المجتمع المحممافظ إلممى
درجة التزمت .والزواج المبكممر يغنممى الشممباب مممن الجنسممين عممن
الصلت المحرمة ،ويقيم السرة على أساس من القيممم المتوارثممة
النابعة كلها من الدين .
ولكن المرأة التى تركها عائلها وذهب " متحممررا " إلممى المدينممة ،
ولم يعد لها عائل غيره ،كانت مضطرة إلى العمل وغل ماتت جوعا
على الحقيقة ل على المجاز ! فما كانت الجاهلية الوروبيممة الممتى ل
تطبق شريعة الله تعرف ممما تصممون بممه المممرأة مممن الجمموع والثممار
المترتبة على الجوع !
إن شريعة اللمه قمد صمانت المممرأة فمى جميممع أحوالهما أممما وبنتمما
وزوجة وأختا ،فرتبت لها عائل يعولها فى جميع حالتهمما سممواء كممان
ولممدا أو والممدا أو زوجمما أو أخمما أو قريبمما مممن القربمماء يكلممف تكليفمما
بإعالتها وصيانتها ،ويكون مسئول عن ذلك أمام الممه وأمممام شممريعة
الله ،بحيث يؤخذ من ماله قسرا إن كان ذا مال وحجبه عن النفاق
! فإن لم يكن لها أحد يعولها بالمرة – وهو أمممر نممادر فممى مجريممات
الحياة العادية – فبيت المال فممى السمملم يكفممل مممن ل عممائل لممه ،
رجل أو طفل أو اممممرأة ..وهكمممذا ل توجمممد اممممرأة فمممى المجتممممع
السلمى الذى تحكمه شريعة الله تضممطر إلممى العمممل لكممى تعممول
نفسها ،فضل عن أن تعول سواها كما حدث فى المجتمع الصناعى
" المتطور " !
أما فى تلك الجاهلية فقممد وجممد فممى الريممف نسمماء كممثيرات بغيممر
عائل ،لن عائلهن تركهن وذهب إلى المدينة ثم عجممز عممن النفمماق
عليهن ..أو شغله البغاء عن بناء أسرة وتحمل تكاليفها ..
وشيئا فشيئا اضطر هؤلء النساء إلى الهجرة إلى المدينة للعمممل
هنمماك ،حيممث التقطهممن أصممحاب المصممانع يضممربون بهممن حركممات
العمال المطالبة بتخفيض ساعات العمل وزيادة الجور ..وعاملتهن
الجاهلية بتلك الفظاظة الفذة ،فأعطتهن نصمف الجمر علمى نفمس
العمل ونفس الساعات !
ولكن المر لم يقف مع الجاهلية عند هذا احد ..فممالمرأة دائممما "
صيد " والمرأة المحتاجة صيد ميسر !
وساومها " الرجل " الذى تعمل عنده ..إما أن تفرط فى عرضها
وإما أن تعود إلى الجوع الذى فرت منه !
ولم تكن الجوعة فى الحقيقة هممى جوعممة المعممدة فحسممب ،وان
كانت هذه كافية للسقوط ! إنما كان إلممى جانبهمما الحاجممة الفطريممة
الطبيعية إلى الجنس ،والحاجة إلى اللباس والزينة ،وهى بالنسممبة
للمرأة ليست كلهمما كماليممات ! وسممقط مممن " الرعيممل " الول مممن
العاملت من سقط ..وفتحن الطريممق ! ووجممد اليهممود صمميدا سممهل
يشغلونه فى صناعتهم العتيقة " العريقة " ! صناعة البغاء .
وكتبت الصحافة الوروبية كثيرا وكثيرا جدا عن البغمماء باعتبمماره "
ضرورة اجتماعية " ! وإنه ينبغى أن يكون رسممميا وأن يكممون تحممت
إشراف الدولة !!
وإذا علمنا – كما سنذكر فيما بعد – أن الصحافة الوروبية كانت –
وما تزال – تحت سيطرة اليهود ،علمنا لحسمماب مممن كممانت تكتممب
هذه الصحافة عن البغاء و" تزكيه " !
ولو أن هؤلء " المميين " فى أوروبا كانت لديهم ذرة من تفكيممر
لعجبمموا علممى القممل – ول نقممول اسممتنكروا ورفضمموا – أن تكممون "
الدولة " هى حارسة البغاء وحاميته وراعية شئونه !
أى سخرية سخرها اليهود من المميين ،وهم يلعبممون بهممم علممى
هذا النحو الشائن ؟! ويسممقونهم السممم فيشممربونه بل رويممة ..سممم
يمسخ الرواح ويذهب بالعقول ..
وأيا كممانت التعلت الممتى قممدمت لتممبرير البغمماء ،وتممبرير إشممراف
الدولممة عليممه ورعممايته ،فهممى سممخرية المسمماخر فممى الجاهليممة
المعاصرة ،وقمة من قمممم التمكممن اليهممودى مممن " الحميممر الممذين
خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار " !
ورويدا رويدا أصبح البغاء الرسمى وغير الرسمممى حقيقممة واقعممة
فى المجتمع له صفة " الشرعية " الكاملة ،ونتحدث عن " تنظيمممه
" القوانين ..وأصبح الذى يستنكر هذه الوضمماع رجعيمما متزمتمما ،أو
جاهل مخرفا ،أو منافقا تافهمما ،أو " مثاليمما " يعيممش فممى الوهممام !
واصبحت هذه هى " الواقعيمة " الجديمدة المتى يمدافع عنهمما الكتمماب
والخطبممماء والصمممحفيون والقصصممميون والروائيمممون ..والمحللمممون
النفسانيون !!
غيممر أن المسممألة لممم تقممف عنممد هممذا الحممد ،وإنممما " تطممورت "
كمثيرا ..فقمد كممثر العماملت فمى المصمانع ،اللممواتى يقممن بنفمس
العمل ويتناولن نصف الجممر ،بسممب اسممتمرار هجممرة العمممال إلممى
المدينة وترك أسرهم بل عائل ..فأصبحت لهممن " قضممية " ! قضممية
المسمماواة فممى الجممر ..وهممى قضممية عادلممة دون شممك ،أيمما كممانت
الظروف التى أدت إليها والملبسات التى أحاطت بها والنتائج الممتى
ترتبت عليها ..فحين يعمل الرجل والمرأة نفس العمممل ،ويقومممان
بنفس الجهد ،فأى مبرر فممى الرض يممبرر أن يأخممذ أحممدهما نصممف
الخر " ! "1
ولكن الجاهلية الوروبية التى لممم تحكممم قممط بممما أنممزل اللممه قممد
ارتضت هذا المر ،ورأت فيه شيئا طبيعيا ل يبعث على الستنكار !
ولكن النساء اللواتى وقع عليهن الغبن رأيممن – أو رؤى لهممن – أن
يطالبن بحقوقهن المسلوبة ..نقول :رؤى لهن ،لن التاريخ يشممهد
أنه كان هناك دائما محرك يحرك المور !
وسواء كان اليهود هم الذين حركمموا " القضممية " أم قمموم طيبممون
أخذتهم الشفقة بالمظلومات فطمالبوا لهممن بحقمموقهن ،فلشمك أن
اليهود استغلوا الظروف لصممالح مخططمماتهم ،وشممدوا الخيممط إلممى
أقصى ما يمكن أن ينشد !
وسارت القضممية فممى خطمموات متتابعممة ،كممل خطمموة تممؤدى إلممى
تاليتها بصورة تبدو طبيعية ومنطقية وتلقائية .وما كانت فى الواقممع
تلقائية .إنما كان ينفممخ فيهمما الشممياطين بصممورة تظهرهمما فممى هممذا
الوضع .
طممالبت المممرأة بالمسمماواة مممع الرجممل فممى الجممر فرفضممت
الرأسمالية الناشئة وأصرت على الرفض ،كأنها تحافظ علممى وضممع
طبيعى ل يجوز تغييره ول الخروج عليه ! ورفض " الرجل " كذلك !
كأن طلبها عممدوان علممى حقمموقه الشخصممية أو عممدوان علممى كيممانه
الذاتى !
ولم تعد القضية مجرد المطالبة بالمساواة مع الرجل فى الجممر ،
بل أصبحت – فى ذات الوقت – قضية ضد " الرجل " الممذى يرفممض
إعطاءها مالها من حقوق فى عنجهية وغطرسة .وظممل هممذا المممر
يتسع كلما سارت القضممية فممى مسممارها خطمموة ،حممتى أصممبح فممى
النهاية كأنه هو القضية ! وانقلب المر بيممن شممقى النفممس الواحممدة
ة
ح مد َ ٍ
س َوا ِ
ن َن َْف م ٍ
م ْم ِ خل ََقك ُ ْ
اللذين خلقهما الله ليكونا سكنا ومودة َ } :
مخل َمقَ ل َك ُم ْ
ن َ
ن آي َممات ِهِ أ ْ م ْجَها{ ]سورة النساء } [4/1وَ ِ خل َقَ ِ
من َْها َزوْ َ وَ َ
" " ترث المرأة المسلمة نصف ميراث الرجل بمقتضى قوله تعالى " :يوصيكم الله فى أولدكم للذكر مثل حظ 1
النثيين " ]سورة النساء [11 :ولكن هذا يجرى فى المال الموروث فقط .وحكمته أن الرجل يكلف من ميراثه
تكاليف ل تكلفها المرأة من ميراثها .أما المال المكتسب فالصل الطبيعى فيه هو المساواة .وعلى ذلك تجرى
أحكام السلم فى التجارة والزراعة والبيع والشراء والرهن والجارة وسائر المعاملت المالية التى ل يختلف فيها
مقدار الكسب باختلف الجنس .
ممن َأنُفسمك ُ َ
ة{مم ً
ح َ
مموَد ّةً وََر ْ ل ب َي ْن َك ُم ْ
م َ سمك ُُنوا إ ِل َي ْهَمما وَ َ
جعَم َ م أْزَواجما ً ل ِت َ ْ
ْ ِ ِ ْ
]سممورة الممروم [30/21فأصممبحت العلقممة هممى العممداء والصممراع
والمنافسة ..
وفرك الشياطين أيممديهم سممرورا بممذلك " التطممور " ..فممأى شممئ
افعل فى فك روابممط السممرة وتقطيممع أوصممالها مممن إثممارة الصممراع
والشقاق بين ركنيها الساسيين ؟!
وما نريد أن نتعجل الحداث !
رفض أصحاب المصانع قضية المساواة فى الجر ورفضها الرجل
كذلك ،فطالبت المرأة – أو طولب لها فى الحقيقة – بأن يكون لها
حممق النتخمماب حممتى يكممون لهمما – كممما قيممل – تممأثير فممى اختيممار
المرشحين للمجالس النيابية فيدافعوا عن حقوقهمما المسمملوبة حيممن
يصمملون إلممى البرلمممان ،وكممان الرجممل قممد نممال هممذا الحممق )حممق
النتخاب( قبل ذلك مع نمو الديمقراطيممة ونمممو الحقمموق السياسممية
للشعب " . " 1
ورفض الرجل إعطاءها هذا الحق ،ولممم يعممترف أصممل بممأن ذلممك
حق من حقوقها أو أمر جائز بالنسبة إليها .
وتكفل رجال بالممدفاع عممن " قضممية المممرأة " :محممامون وكتمماب
وخطباء وصحفيون ..بينما ظل أغلبية الرجال يرفضون فى إصرار .
ولكن رويدا ..رويدا ..أخذت المعارضة تلين – أو فى الحقيقة تليممن
! – بالدق المسممتمر عليهمما بكممل وسممائل العلم المتاحممة فممى ذلممك
الحين ،وفى مقدمتها الصمحافة ،ومممن بينهمما الخطابمة والمحاضممرة
والتأليف .
وظاهرة لين المعارضة بعد اشتدادها فى أول المممر تكممررت فممى
كل مرحلة من مراحل " القضممية " بصممورة واحممدة تقريبمما ..يبممدأ "
المدافعون " بإثارة القضية فتنهال المعارضة من كل جانب ،وتحتممد
غضبات " الرجال " إلى حد يخيل للممرائى أن المممر قممد انتهممى إلممى
البد ،وأن القضية فاشلة ل محالة ! ورويدا ..رويدا تأخذ الصمموات
المعارضة تخفت ،والصوات المدافعممة تعنممف وتشممتد ،حممتى يممأتى
يوم ل يجرؤ فيه أحد على المعارضة لنه يصبح ضممد التيممار ،ويصممبح
كلم مستهجنا ويقابممل بالسممتنكار ،لنممه رجعممى متخلممف ،يريممد أن
يرجع عقارب الساعة إلممى المموراء ،ويريممد أن يقممف عجلممة التطممور
الساحقة التى تسحق كل من يقف فى سبيلها !!
كيف يتم المر على هذه الصورة ؟!
" " سنتكلم عن الديمقراطية فيما بعد . 1
همممل همممى صمممورة طبيعيمممة وتلقائيمممة ؟ أم تمممدخل فيهممما أصمممابع
الشياطين ؟!
أممما أنهمما طبيعيممة – مممن جممانب – فنعممم ! فممما كممان المعارضممون
يعارضون عن إيمان حقيقى بقيم معينة ،إنممما هممى عنجهيممة الرجممل
من جهة ،وكون ذلك من " التقاليد " الموروثممة مممن جهممة أخممرى ..
والتقاليد إذا فقدت الروح وفقدت المبدأ وفقدت اليمممان ،لممم تعممد
قادرة على الصمود فى المعركممة ،خاصممة إذا كممانت معمماول الهممدم
حادة ،وكان المهاجمون أذكياء بل شريرين .
ولكنها من جانب آخر لم تكن طبيعية .
فلو تركت المور دون تدخل ودون توجيه ،فلربما كممانت التقاليممد
الموروثة تتغلب ،أو ربما كانت عنجهيممة الرجممل التقليديممة تتغلممب ..
ولكممن الممذين بيممدهم التمموجيه الشمميطانى كممانوا – فممى كممل مممرة –
يحولممون دون أن تنتهممى المممور إلممى هممذه النتيجممة الممتى ل تخممدم
أهدافهم ،وتعطل مجئ اليوم الذى يركب فيه شممعب اللممه المختممار
على ظهور المميين ويلهبها بالسياط !
ول نتحدث هنا عن العدالة فى أى الجانبين كانت ،فى الجاهلية ل
توجد عدالة ..والمتصارعون كلهم كانوا يعيشون فى جاهلية ترفض
أن تحكم شريعة الله .وقد تكممون بعممض المممور أو بعممض الوجهممات
فى هذه الجاهلية أعدل من بعضها الخر ،ولكنها فممى النهايممة تبتعممد
عن حقيقة العدل ،لنها تصلح داء بداء آخر ،وتعالج مرضمما فتحممدث
عدة أمراض ! فلئن كان المدافعون عممن " حقمموق المممرأة " يبممدون
أكثر عدل من الذين يحتقرونها ويهينونها ويسمتكثرون عليهما أى حمق
من الحقوق ،فإن الصورة التى نالت بهمما حقوقهمما قممد أحممدثت مممن
الفساد والظلم ما لم يكن يخطر على بال !
ومرة أخرى ل نحب أن نتعجل الحداث !
طالبت المرأة بحق النتخاب الذى كان الرجل قممد حصممل عليممه ،
ومن ثم أصبح لقضية بعد جديد – بعد سياسى – بعد أن كانت مجرد
قضية مساواة فى الجر ،ورفض طلبها بشدة فممى أول المممر ،ثممم
عادت المعارضة فلنت ،وحصمملت المممرأة فممى معظممم دول أوروبمما
على حق النتخاب ..
ولكنها وجدت أن الصوات الضئيلة التى تدلى بها فممى النتخابممات
ليس لهمما وزن حقيقممى فممى المعركممة النتخابيممة ،وحممتى إن تممأثرت
تأثيرا جزئيا طفيفا فممى إنجمماح مرشممح معيممن ،ممممن يتعهممدون – أو
يكونممون معروفيممن – بممالتحمس لقضممية المممرأة والممدفاع عنهمما فممى
المجالس النيابية ،فسرعان ما ينسى المرشممح وعمموده حيممن يصممل
إلى البرلمان ،أو تضيع صيحته فى زحمة العمال وزحمممة الخطممب
والكلمات !
عندئذ رؤى لها أن تطالب بحق الترشيح ودخول البرلمان ..لكممى
تسمع صوتها بنفسممها للممذين يصممنعون القمموانين )كممأنهم لممم يكونمموا
سامعين من قبل( وتشارك بنفسها فى إعداد التشريع ،فتضمنه ممما
يحافظ للمرأة حقوقها .
وقامت قيامة المعارضة كما يحدث فى كل مرة ،واشتدت حممتى
ليظن الرائى أن المر لم يتم أبممدا ..ثممم ظلممت أصمموات المعارضممة
تخفت تدريجيا وتلين ..حتى نالت المممرأة حممق الترشمميح ..ودخلممت
البرلمان !
ويجدر بنا أن نلحظ ظاهرة " فنية " فى إدارة المعركة .
لقد كانت الصحافة دائممما مممن أوسممع المجممالت الممتى تممدور فيهمما
المعركة إن لم تكن أوسعها جميعا ..والصحافة فى أوروبمما كممانت –
وما تزال – فى أيدى اليهود ،الذين يوجهون المعركة كلها لحسابهم
الخاص .ومع رغبتهم الشديدة فىأن تصل المور إلى إخفات صمموت
المعارضة نهائيا ،وعدم السماح لها بالظهور ،فقد كممانوا – فممى كممل
مرة – يدعون الصحف تفسح صدرها للممرأى المعمارض مهممما كمانت
شدة لهجته وقساوة عباراته !
وهذا " فن " بارع ول شك !
فمن ناحية لم تكن الصحافة هى المجال الوحيد لبداء الرأى ،بل
كان إلى جانبه الخطابة والمحاضممرة والتممأليف ) .ولممم تكممن وسممائل
العلم الخرى قد اخترعت بعد ،من إذاعممة وسممينما وتليفزيممون …
الخ( فلو أن الصحافة أغلقت أبوابها دون الرأى المعارض – وهو فى
حدته – لنكشف للناس تحيزهمما ،وانكشممف اللعبممون مممن ورائهمما ،
وفشلت اللعبة من أولها ! بل ينبغى أن تبقممى الصممحافة " حممرة !"
فى ظاهرها حتى يطمئن الناس إليها وتصبح أداة جبممارة لتشممكيل "
الرأى " العام على النحو المطلوب .
ومممن ناحيممة أخممرى فممإن المعارضممة والشممد والجممذب بيممن الممرأى
المعارض والممرأى المؤيممد ،مطلوبممان – لممذاتهما – مممن أجممل إنجمماح
المعركة والوصول بها – فى النهاية – إلى الهدف المطلوب !
هب أن الرأى المطلوب إرساء قواعده – وهو إعطاء المرأة حممق
النتخاب مثل – قد ألقى فى الصحف أو فى أى مجال مممن مجممالت
العلم فلم يأبه بمعارضته أحد ولم يتقدم لمناقشته وتفنيده أحممد ..
أتممراه ينجممح أو يصممل إلممى هممدفه ؟ كل ! إنممما يممموت لتمموه ويغطيممه
النسيان ! ويكون فى حس الناس أن مجنونا أخرق تقدم برأى شمماذ
فلم يأبه به أحد !
أممما حيممن تممدور المعركممة ،بالمعارضممة ،وإن اشممتدت فممى بممادئ
المممر ،فهممذا هممو الضمممان أن ينشممغل النمماس بالقضممية ويولوهمما
اهتمامهم ،وهذه هى الخطوة الولى فى طريق النجاح ! ويكفممى –
فى مبدأ المر – أن تممدور المعركممة حممول الممرأى ! فمعنممى ذلممك أن
الموضوع قابل للمناقشة وأن هناك وجهات نظر مختلفة فيه – ولممو
كممان بعضممها ضممعيفا غايممة الضممعف وأن الوضمماع القائمممة )المممراد
إزالتها( ليست حقيقة نهائية مقررة ل تقبل النقاش !
وما دام قممد تقممرر المبممدأ ،وهممو أن المممر قابممل للنقمماش وليممس
حقيقة نهائية فمن باب " الحرية ! " ينبغممى أن يسمممح لكممل النمماس
بإبداء آرائهم سواء كانوا مؤيدين أو معارضين ،ليتاح " للرأى العممام
" أن يحكم على المر !
عندئذ تأتى الخطوة " الفنيممة " التاليممة ،وهممى اللحمماح المسممتمر
علممى وجهممة النظممر المطلوبممة ،والتقليممل التممدريجى مممن الممرأى
المعارض ،مهما كان قويا فممى حقيقتممه فممى الواقممع الخممارجى )أى
خارج دائرة الصحافة( ،حتى يخيل للقارئ أن الممراى المعممارض قممد
خفت بالفعل ،وأن الرأى " المطلوب " أصبح هممو الممرأى الغممالب ..
وعندئذ تخفت المعارضة بالفعل بتأثير هذا اليحمماء ،ويتغلممب الممرأى
المطلوب ،ويقال إن " الرأى العممام ! " قممد اقتنممع بالقضممية وأصممبح
من المتحمسين لها ! وترفع المرأة الزائفة أمام الناس فيظممن كممل
واحد أن الخرين كلهم قد اقتنعمموا ولممم يبممق مممترددا أو معارضمما إل
هو ! فيقتنع هو الخر باليحاء !
وتبقى – دائما بطبيعة الحال – قلة صلبة فممى معارضممتها تممأبى أن
تذوب سواء كانت معارضتها ناشئة عن إيمان حقيقى بمبدأ معين أو
حقيقة معينة ،أو لى سبب آخر ..وهذه يجرى التخلص منها بصورة
من الصممور ،إممما بمحاولممة الشممراء ،وإممما بتشممويه السمممعة ،وإممما
بالتصفية البدنية إذا لم تفلح جميع الوسائل فى ثنيها عن موقفها !
وهكذا ارتفعت صيحات المعارضة فممى كممل مممرة طممولب للمممرأة
فيها بحقوق جديدة ،ثم لنت المعارضة أو لينت ،وخفتت الصمموات
بعد حين ،وبقى الرأى " المطلوب " وحده مرتفع الراية فى الفاق
،وقيل إنه " التطور الحتمى " الذى لبد أن يأخذ مجراه ،وإن عجلة
التطور ستسحق كل من يقف لها فى الطريق !
دخلت المرأة البرلمان لعبة مسلية أكممثر مممما هممى واقممع جممدى !
ولم يتغير كممثيرا حممال المممرأة بهممذه اللعبممة مممن ناحيممة " الحقمموق "
المطلوبة ،وكلنها – من وجوه أخرى – تغيرت كثيرا ول شك !
كممانت " القضممية " فممى أثنمماء ذلممك قممد سممارت مسممارات شممتى ،
وطرقت أبوابا جديدة ..
طالبت المرأة – أو طولب لها – بحق التعليم ..
وقد كان تعليم المرأة فى المجتمممع الجمماهلى الوروبممى يتممم فممى
أضيق الحدود ..فأما أصحاب القصممور فيعلمممون بنمماتهم فممى داخممل
قصورهم فيممأتى المربممون والمربيممات والمعلمممون والمعلمممات إلممى
داخل القصر فيعلمون البنات تعليما " أرستقراطيا " يصممنع منهممن "
سيدات قصور " !
وأممما " الشممعب ط فل يكمماد يعممرف هممذه القضممية ،قضممية تعليممم
البنممات ..فإنممما يتعلمممن – داخممل الممبيوت – إدارة الممبيوت وفنممون
الطهى وتربية النشء ،وتربية الدواجن والماشية والغممزل والنسمميج
اليدوى وما إلى ذلك من فنون المعاش .
وقليلت من يتعلمن فى المدارس ،أكثرهن يتوقفن عنممد مرحلممة
ابتدائية وأقل القليل من يتعلمن فن التدريس أو فن التمريض ..
أما التعليم بمعناه العام فلم يكن يخطر على بال أحد من الرجال
– ول النساء – يومئذ أنه فى يوم من اليام يكون !
وما حاجة المرأة إلى التعليم ؟ وما حاجتها إلى العلم ؟ إنممما هممى
لتتزوج وتحمل وتلد وترضع ،وتكون ربة بيت" . "1
ولكن " القضية " المشممتعلة مممدت لسممانا مممن اللهيممب نحممو هممذا
الميدان فاشتعل بنيران المعركة ،واتسممعت القضممية – الممتى كممانت
فى أساها قضية المساواة مع الرجل فى الجر – فشملت فممى كممل
يوم أبعادا جديدة لم تكن لها من قبل ،وترتب علممى هممذه التوسممعة
الجديدة آثار خطيرة لم تكن فى بال أحد من قبل على الطلق .
هل كان فى بال المخططين أنفسهم كل هذه البعاد وممما يممترتب
عليها من آثار ؟!
ربما لم يكن ذلك كذلك !
ولكن كل خطوة كانت تقربهممم إلممى أفممق جديممد يكتشممفون أنهممم
يستطيعون منه إحكام الرمممى ،أممما الهممدف فواضممح لهممم مممن أول
لحظة ،وهو تحطيم الدين والخلق والتقاليممد ،وأممما الوسممائل فهممى
" " يلحظ أن المجتمع السلمى انحدر إلى هذه النظرية فى القرون الخيرة حين بعد عن حقيقة السلم ،فأوجد 1
أمام الشياطين ذات الثغرة التى نفذوا منه لفساد المرأة فى أوروبا .
كل الوسائل المتاحممة فممى كممل لحظممة ،حممتى تتمماح وسممائل جديممدة
فتستخدم على التو !
ولقد أتاح لهم استخدام قضية التعليم وسائل هائلممة جممدا لتحقيممق
الهدف المطلوب ،ربما لم تكممن كلهمما فممى حسممبانهم يمموم بممدءوا "
اللعبة " ،ولكن كل خطوة كممانت تكشممف لهممم المكانيممات المتاحممة
للخطوة التالية فيسارعون إلى التحضير لهمما حممتى إذا جمماءت كممانوا
هم حاضرين !
كانت قضية التعليم من أشد القضايا إثارة للمعارضة فى المجتمع
الوروبى الجاهلى ..وكانت عنجهية الرجل فيها على أشدها ..فقممد
كان التعليم خلل قرون طويلة حقمما للرجممل وحممده ،ل تنممازعه فيممه
المرأة ول ينبغى لها أن تنازعه فيه .
وصيغت خلل القرون " نظريمات " حممول عقممل المممرأة وقابليتهمما
للتعلم ،خلصتها أن المرأة ل يمكن أن تتعلم ! هكذا خلقها الممه ! ل
تصلح أساسا للتعليم ! ل تفهممم ! إل تلممك الشممياء الصممغيرة التافهممة
التى تناسب عقليتها وطبيعتها من رعاية النشممء )لن عقلهمما صممغير
كعقل الطفال فهى أقممرب إلممى مسممتواهم ،ومممن ثمم فهممى أصملح
لتربيتهم فى سنواتهم الولى حممتى " يعقلمموا " فيتممولهم الرجممال !(
وإدارة شئون المنزل والغزل اليدوى والنسيج اليدوى وما أشبه ذلك
من الفنون ..
أما العلم ..فل ! تلك مزية الرجل التى حباه الله بها فمماختص بهمما
خلل القرون ..
أو تجئ المرأة اليوم فتنازعه هذا الختصاص ؟! وأنى لها وهى لم
تهيأ أصل لتلقى التعليم ؟
وماذا تفعممل بممالتعليم بعممد أن تممتزوج وتصممبح ربممة بيممت ؟ فعنممدئذ
تستوى المتعلمة والجاهلة ،إذ أن هممذا أمممر تقمموم بممه الجاهلممة خيممر
قيام ول يلزمها من أجله العلم ،ولن تقوم به المتعلمة خيممرا منهمما ،
بل قد تتفوق الجاهلة عليها لنها نالت من الدربة والخبرة فيممه ممما ل
يتاح للمتعلمممة الممتى تقضممى شممطر وقتهمما بعيممدا عممن الممبيت ،وهممو
الميدان الصلى للتدريب .
ولقد كان فى هذا الكلم كثير من الباطيل ول شك ،وكان متأثرا
تأثرا شديدا بالنظرة الكنسية المتزمتة إلمى الجنمس ،وإلمى الممرأة
التى يتمثل فيها الجنممس بالنسممبة إلممى الرجممل ،تلممك النظممرة الممتى
وصلت إلى حممد أن :فلسممفة " فممى القممرن السممابع عشممر كممانت "
تتفلسف " فى هذا الشأن فتتساءل :هل للمرأة روح أم ليممس لهمما
روح ؟ وإذا كان لها روح فهممل هممى روح إنسممانية أم روح حيوانيممة ؟
وإذا كانت روحا إنسممانية فهممل هممى مممن جنممس روح الرجممل أم مممن
درجة أدنى ؟!
ولكن وجها واحدا للحق كان قائما فمى همذا الكلم كلمه المحتموى
على كل تلك الباطيل ،هو أن التعليم – على النحو الذى كمان يمراد
ويخطط له – كان يشغل المرأة عن وظيفتها الساسية ويحولها إلى
وجهات أخرى تتلقفها فيها الشياطين !
هل اليهود ينشئون الحممداث علممى هممواهم بتممدبيرهم الممماكر كممما
يقول وليم كار ؟!
كل ! إنما هم يستغلون الحداث ،ويتربصون لينفذوا من أى ثغرة
تعرض لهم فى حياة " المميين " ولكنهم ل ينشممئون الحممداث مممن
عند أنفسهم مهما خططوا ومعهما دبروا مئات من السنين أو ألوفمما
من السنين !
فلول أن الجاهلية الوروبية شمغلت المممرأة بنصممف أجممر الرجممل ،
فمممن أيممن كممان لليهممود أن ينشممئوا للمممرأة قضممية ؟ ولممول أن تلممك
الجاهلية حرمتها من التعليم تحقيرا وامتهانا لها فمن أين كان لليهود
أن يوسعوا القضية حتى تشمل تعليم المرأة ،ثم يحدثوا عن طريق
تعليمها كل ما أحدثوا من الفساد ؟!
كل ! إن " المميين " هممم الممذين يممتيحون الفرصممة – بأعمممالهم –
ليستحمرهم شعب الله المختار ويركمب ظهممورهم ،ولممول أعمممالهم
الخاطئة تلك ما استطاع شعب الله المختار أن يركممب ،مهممما كممان
فى قلبه من الغل ،ومهما كان فى عقله من التدبير .
m m m
" " هناك مثل إنجليزى يقول :بطئ ولكنه أكيد المفعول ، Slow but Sureوعلى ذات الحكمة يسير اليهود فى تنفيذ 1
" " أشرت فى الجزء الثانى من منهج التربية السلمية إلى قصة كانت مشهورة فى النصف الول من هذا القرن ، 1
حيث عثر على فتاة كانت تعيش منذ طفولتها حتى السابعة عشرة من عمرها مع الغزلن ،عارية تماما بغير حياء ،
فاستأنسها العلماء ،وظلوا يستردونها إلى النسانية خطوة خطوة ،فلما بلغت مدى معنيا من الحس البشرى أحست
– تلقائيا – بحياء النثى الفطرى ،وتغير سلوكها عما كانت عليه من قبل وهى تعيش فى عالم الحيوان .
لنثى النسان .
ولكن الجاهلية المعاصممرة الممتى يقودهمما اليهممود ويقممودون النمماس
إليها تأبى هذا التميز الفطرى عن الحيوان ،وساء فى قضممية العفممة
أو فى قضية الحياء ..لن شعب الله المختار ل يريد أن يبقممى علمى
شئ من آدمية الدميين ،لنهم حينئذ سيرفضون أن يركبهم الشعب
المختار ويسخرهم لمصالحه ..سيرفضون أن يكونمموا الحميممر الممتى
تركبها الشياطين .
لذلك جردوا حملتهم على الفتاة لتتلخص مما بقممى مممن حيائهمما ،
وتصبح قليلة الحياء !
قالوا عن الفتاة التى ممما تممزال تحفممظ فممى سمملوكها إنهمما حبيسممة
التقاليد ! حبيسة القيود الطويلة التى غللتها خلل القرون ! إنهمما ممما
تزال غيممر واثقممة فممى نفسممها ،مممن تممأثير السملطان الطويممل الممذى
مارسه الرجل عليها واذل به كرامتهمما ! إنهمما خائفممة ..لنهمما متممأثرة
بتقاليد المجتمع الزراعى المتأخر ! إنها ل تريد أن تعيممش عصممرها ،
الذى حررهمما مممن القيممود وجعلهمما مسمماوية للرجممل ..إنهمما ..إنهمما ..
أنها ! ..
وفى الوقت ذاته جردوا حملت التشجيع لكل فتاة خلعت حياءهمما
وأصبحت قليلة الحياء ..فالمجلت تنشر الصور ،وتشمميد " بممالتحرر
" وتكتب التعليقات التى تجعل كل فتاة تتمنى أن لو استطاعت من
لحظتها أن تتجرد من حيائها كله لتصممبح شممهيرة ومعروفممة وموضممع
حديث بين الناس ..والشممهرة شممهوة ل ينجممو مممن جممذبها أحممد مممن
البشر – رجال أو نساء – إل من رحمم ربمك ،وبصمفة خاصمة شمهوة
نشر الصورة بوسيلة من وسممائل العلم ..فكيممف إذا كممانت الفتمماة
جميلة ؟ والشياطين يبدأون دائما بالجميلت !
ومع ذلك فقد استغرق الشياطين قرابة نصف قرن حتى أذابوا أو
أزالوا البقية الباقية من الحياء ،كما أزالوا البقية الباقية مممن الممدين
والخلق والتقاليد .
امتد الختلط البرئ كما كان متوقعا من حجرة الدرس إلمى فنماء
الجامعة ..على استحياء أول المر ..ل تنفرد فيه فتمماة وحممدها مممع
فتى بمفممرده ،حممتى ل تضمميع سمممعتها بيممن الفتيممات أنفسممهن قبممل
الشبان ..ثممم تقممدمت " أجممرأ " الفتيممات ،أى أقلهممن حيمماء فقبلممت
دعوة أجرأ الشبان إلى الوقمموف أو المسممير معهمما لحظممة منفرديممن
فى الفنمماء ولكممن فممى غيممر عزلممة عممن الجممموع ،وفممى أدب ظمماهر
للجميع .
وما هى إل أن يتعود الطلب المنظر – والنفس تتبلد على المنظر
المكرور حتى تفقد حساسيتها له ،ما لم تكن تصدر عن عقيدة حية
وإيمان حى بقيم ومثل مضادة – ما هممى إل أن يتعممود الطلب حممتى
يتكرر المنظر بين أزواج متعددين من أجرأ الفتيات وأجرأ الفتيممان ،
حتى يصبح المر عاديا وميسرا ل يحتاج إلى " جرأة " فيقتحمه كممل
فتى وتقتحمه كل فتاة !
وحين يصبح الجميع كذلك أو الغلبية فلبد – فى طبائع الشممياء –
أن يخطو المر خطوة جديدة إلى " المام" !
إنمه – لهممذا – جعممل اللمه معيممار الخيريممة فممى أيممة أمممة هممو المممر
بالمعروف والنهى عن المنكر ،ومثار اللعنة على أية أمة أل يتنمماهى
فيها عن المنكر ول يؤمر بالمعروف .
ْ خير أ ُمة أ ُ
نن عَم ْ
ف وَت َن ْهَموْ َ معُْرو ِن ب ِممال ْ َ
مُرو َس ت َمأ ُ ِ مامّ نللِ ت
ْ ج
َ ِ ر خ
ْ م َ َْ ّ ٍ }ك ُن ْت ُ ْ
ه{ ]سورة آل [3/110 ن ِبالل ّ ِ مُنو َ منك َرِ وَت ُؤْ ِ ال ْ ُ
سممى عي َ داُوود َ وَ ِ ن َ ل عَل َممى ل ِ َ
سمما ِ سَراِئي َ ن ب َِني إ ِ ْ م ْ ن ك ََفُروا ِ ذي َ ن ال ّ ِ}ل ُعِ َ
ن
ن ع َم ْن ) (78ك َمماُنوا ل ي َت َن َمماهَوْ َ دو َ كاُنوا ي َعْت َ ُ وا وَ َ ص ْ ما عَ َ ك بِ َم ذ َل ِ َمْري َ َ ن َاب ْ ِ
ن )] {(79سممورة المممائدة -5/78 كاُنوا ي َْفعَل ُممو َ ما َ س َ منك َرٍ فَعَُلوهُ ل َب ِئ ْ َ ُ
[79
لن المنكر إذا نهى عنه تو حممدوثه يتوقممف فل يمتممد ول يتوسممع ..
أممما إذا سممكت عنممه فممإنه يممزداد ،ويظممل فممى ازديمماد حممتى يصممبح
المعروف منكرا والمنكممر معروفمما ،وعنممدئذ تفسممد الحيمماة ،وتحممل
اللعنة التى كتبها الله ..
ولقد أصبح من المور المعتادة أن ينتحممى فممتى وفتمماة جانبمما مممن
الفناء ليتناجيا ل ليتحدثا حديثا عاما بصوت مسموع ! وتبدأ – بطبيعة
الحال – قلوب تكون أميل إلى قلوب ..ويكون حممديث النجمموى هممو
حديث هذه العواطف التى تتجاوب بها القلوب !
والعواطف – حتى الن – " بريئة " !
ل لنها فى طبيعتها بريئة ..ولكممن لنهمما – حممتى الن – محصممورة
فى داخل الجامعة ل تستطيع أن تخرج إلى الطريق ..لن المجتمممع
لم يتعود بعد أن يرى الختلط فى قارعة الطريق ..
لقد كانت هناك طبقة فاسدة – دائما – فى المجتمع هى طبقممة "
الرستقراطيين " أصحاب القصممور ،وهممذه يعممرف عنهمما الختلط "
غير البرئ " وتنشر فضائحها على المجتمع وتتناقلها أفواه النمماس ..
وال تبالى ! لنها – دائممما – بتممأثير الممترف الفمماجر الممذى تغممرق فيممه
ضممعيفة الحسمماس بممالقيم فممى المبممادئ ،والقيممم الخلقيممة بصممفة
خاصة ..وانظر إلى امرأة العزيز فى مجتمع مقرف فممى التاريممخ ..
انظر إليها كيف تصارح نساء طبقتها بالفاحشة ول تبالى أن يتحممدث
المجتمع عن " فضيحتها " ..إنما تغضب غضبا " طبقيا " فقممط ،لن
ألسنة النسوة تستنكر منها أن تتجه بنزوتها إلممى عبممد مملمموك لهمما ،
وإن كن ل يستنكرن النزوة فى ذاتها ،ول يعترض عليها لو كانت مع
رجل أو شاب من " طبقتها " "! "1
ل ن ِسوةٌ في ال ْمدينة ا َ
سهِ َقممد ْ ن ن َْف ِ ها عَ ْ زيزِ ت َُراوِد ُ فََتا َ مَرأةُ ال ْعَ ِ َ ِ َ ِ ْ }وََقا َ ْ َ ِ
ن مك ْرِهِم ّ ت بِ َ مع َ ْ سم ِ ممما َ ن ) (30فَل َ ّ مِبي ًم ٍل ُ ضل ٍ ها ِفي َ حب ّا ً إ ِّنا ل َن ََرا َشغََفَها ُ َ
كينا ً َ َ
سم ّ ن ِ من ْهُم ّ حمد َةٍ ِ ل َوا ِ ت ُ
كم ّ مت ّك َمأ َوآَتم ْ ن ُ ت ل َُهم ّ ن وَأعْت َمد َ ْ ت إ ِل َي ْهِ ّسل َ ْأْر َ
خرج عَل َيهن فَل َما رأ َينه أ َك ْبرنه وقَط ّع َ
شحمما َ ن َ ن وَقُل ْم َ ن أي ْمدِي َهُ ّ ْ َ ّ َ َْ ُ َْ َ ُ َ ِْ ّ تا ْ ُ ْ وََقال َ ْ
ذي ن ال ّم ِت فَمذ َل ِك ُ ّ م ) (31قَممال َ ْ ريم ٌ ك كَ ِ مل َم ٌ ذا إ ِل ّ َ
ن ه َم َ شممرا ً إ ِ ْ ذا ب َ َ ما هَ َ ل ِل ّهِ َ
ممما ل َ م ي َْفعَم ْ ن ل َم ْم وَل َئ ِ ْصم َ سمهِ َفا ْ
ست َعْ َ ن ن َْف ِ ه عَم ْ مت ُن ِّني ِفيهِ وَل ََقد ْ َراَودت ّم ُ لُ ْ
ن )] {(32سممورة يوسممف ري َ صمماِغ ِ ن ال ّ ممم َ ن ِ كممو َ ن وَل َي َ ُ جن َ ّ سمم َ مممُرهُ ل َي ُ ْ آ ُ
[32-12/30
ولقد كانت هذ الطبقة فى أوروبا تحت تسمملط اليهممود مممن قممديم
كما مر بنا مممن قبممل ،ييسممرون لهمما البغمماء المممترف فممى المدينممة ،
ويوقعونهمما فممى الممدين والربمما ذى الضممعاف المضمماعفة ،ويسمملبون
ثرواتهم عن هذا الطريق.
ثم سنحت لهم الفرصة لفساد طبقة أخرى من طبقات المجتمممع
حين تحرر عبيد القطاع وجاءوا إلى المدينة شممبابا فارهمما بل أسممر ،
فيسممرت لهممم البغمماء الشممعبى ووضممعت " الدولممة " حارسممة أمينممة
عليه ! وزادت الفرصة سنوحا لفساد هذه الطبقة – طبقة العمال –
حين بدأت المرأة التى هجرها عائلهمما فممى الريممف تفممد للعمممل فممى
المصانع وتفرط فممى عرضممها لقمماء لقممة الخممبز ،فممار الفسمماد فممى
داخل الطبقة قريب المنال .
ولكن هذا وذاك لم يكن كافيا ،ولم يكممن ليحقممق مطممامع اليهممود
فى المجتمع الجديد " المجتمع الصناعى المتطور ".
إن " الرستقراطية " – سواء الرستقراطية القطاعية البممائدة أو
الرسممتقراطية الرأسمممالية الناشممئة – ل تسممتطيع – بفسممادها – أن
تفسد المجتمع كله ،لنها – دائما – معزولة فممى قصممورها وحفلتهمما
الماجنممة الخاصممة ،تحتمممى فممى داخممل تلممك القصممور مممن العيممون
المتطلعة ،وتمنع عدواها فى الوقت ذاته عن الناس ،لن جرثومتها
" طبقيممة ط ل تعمممل إل داخممل القصممور ،ول تعممدى إل أصممحاب
" " انظر تفسير اليات فى " ظلل القرآن " . 1
القصور !
أما إفساد طبقة العمال – وإن كانوا عددا غير قليل ويتزايممد علممى
الدوام – فلم يكن يممومئذ ليفسممد المجتمممع الجديممد ،لنهممم – بعممد –
طبقة محتقرة مزدراة ،تنظر إليها كلتا الطبقتين العلويتين :الطبقة
الوسطى والطبقة الرستقراطية نظرة ازدراء وتعال فل تنتقل منها
العدوى إلى غيرها مهما بلغت هى فى ذاتها من التبذل والفساد ..
ولقد كان المطلوب بالذات هو إفسمماد الطبقممة الجديممدة الناشممئة
فى المجتمع الرأسمالى ،التى تسير المور – ظاهريا – على القممل
– فى ذلك المجتمع الجديد ،وهى الطبقة المتوسطة .
لقد كانت الديمقراطية الناشئة فى المجتمع الرأسمممالى الناشممئ
تنمو تدريجيا ،وكانت فممى أثنمماء نموهمما تممبرز بصممورة متزايممدة هممذه
الطبقة الجديدة :الطبقة المتوسطة ،التى لم يكممن لهمما وجممود فممى
المجتمع القطاعى ،أو كان وجودها ضعيفا ل يؤبه به .
وفى ظل الديمقراطية كانت هذه الطبقممة الجديممدة تناضممل لكممى
تصبح هى الطبقة الحاكمة ،وتنزع السلطان من الذين اسممتقلوا بممه
من قبل وطغوا به على " الشعب " وهم الغنياء أصحاب الممموال "
. "1
كانت المجالس النيابية تتجه رويممدا رويممدا أن تكممون غالبيتهمما مممن
هممذه الطبقممة ،وكممان منهمما معظممم ممموظفى الدولممة فممى صممورتها
الجديممدة ،مممن الموظممف الناشممئ إلممى وكلء المموزارات والمموزراء ،
وكان منها بصفة عامة الطبقة المثقفة الممتى تمموجه أفكممار المجتمممع
وتحممدد لممه اهتماممماته واتجاهمماته الفكريممة والسياسممية والخلقيممة
والفنية ..الممخ " ، " 2وكممان منهمما بصممفة خاصممة مدرسممو المممدارس
وأساتذة الجامعات ،أى جهاز التربية والتشكيل للمجتمع الجديد ..
باختصار كانت هى الداة الجديدة للحكممم فممى ظممل الديمقراطيممة
الرأسمالية ،أيا كان المستفيد الحقيقى من هذه الداة .
لذلك كان لبد فى تخطيط المخططين مممن إفسمماد هممذه الطبقممة
بالذات ن فإن فسمماد الطبقممة الرسممتقراطية وطبقممة العمممال – مممع
فائدته التى ل شممك فيهمما بالنسممبة لليهممود – لممم يكممن ليممؤدى الممدور
المطلوب فى إفساد المجتمع الجديد الذى يراد إفساده بممأكمله ،إل
أن تفسد الطبقة المتوسطة التى تقوم بالدور الكممبر والخطممر فممى
" " سنرى من بحثنا للديمقراطية فيما بعد أن الطبقة المتوسطة نالت حقوقا كثيرة لم يكن لها وجود من قبل ، 1
الطبقة المثقفة فى توجه الشعب إلى الوجهة التى يريدونها هم ،بعد أن سمعوا أفكارها على يد علمائهم الكبار فى
جميع التجاهات .
رسم الصورة الظاهرة لهذا المجتمع ،والتى فى يدها – فممى ظمماهر
المر على القل – مقاليد السلطان .
والجامعة هى المكممان الرئيسممى لتخريممج الكممثير مممن أفممراد هممذه
الطبقة ،أو البارزين منهم على أقل تقدير .لذلك كانا لممتركيز علممى
أن يبدأ الفساد من هناك ..ومن هناك ينتشر فى جميع الرجاء .
m m m
كان الختلط " البرئ " ما يممزال يجممرى داخممل أسمموار الجامعممة ،
ولكنه كان يحمل فى أطوائه الجرثومة التى تقضى فى النهاية على
براءته ،فقد بدأت " العلقات الخاصة " تنمو بين أزواج من الفتيان
والفتيات كما لبمد أن يكمون ..وبمدأت همذه العلقمة الخاصمة تضميق
بالنحصار داخل السوار ،التى تفرض البراءة المصطنعة على وضع
هو بطبيعته غير برئ .
وكان لبد أن " يتفجر " الوضع ويخرج إلى الطريق ..
وأخذ المجتمع يتعود أن يرى أزواجا من البنيممن والبنممات يخرجممون
من بناء الجامعة مصطحبين ،فى أدب ظاهر أول المر ،ثممم يخممف
الدب ويقل الحياء بالتدريج ..وأيا كان رأى ذلك المجتمع فممى هممذه
البدعممة الجديممة فممإنه سممرعان ممما تبلممد حسممه عليهمما فلممم تعممد تممثير
انتباهه ،إل أن يممرى حركممة مسممتهجنة )أى كممانت فممى ذلممك المموقت
مستهجنة( كضحكة أو لفتة أو نظرة أو لمسممة مممما كممان – يممومئذ –
أمرا غيممر لئق فممى الطريممق ! ولكنممه عمماد فتبلممد حسممه حممتى علممى
الحركات التى كان يستهجنها منق بل ،وعزاها – ببساطة – إلى أن
هذا الجيل الجديد جيل فاسد ل يرجى منه خير ،وألقى القضية مممن
حسه ،وتركها لتصبح أمرا واقعا فى المجتمع " الجديد " !
وملت " الصدقات " المجتمع ..الصداقات بين الفتيان والفتيممات
صداقات بريئة – هل فى ذلك شك ؟!
زميل وزميلة ..أحس كل منهما بالميل إلى الخر والراحة إليه ..
ويلكم أيها المتزمتون ! أليس لكم هم إل العتراض علممى المممور
التى ل تستوجب العممتراض ؟! أل تريممدون أن يبنممى الممبيت السممعيد
على المودة والحب ؟ هذا فتى وفتاة سيجمع بينهما الزواج السممعيد
عممما قريممب ! أليممس مممن الفضممل أن يتعارفمما لتممدوم المممودة ؟ أم
تريدون أن يؤتى له بفتاة لم يرها قط إل ليلة الزفاف ،رأتها أمه أو
أخته ،فأعجبتها ،أما هو فل يعرف شمميئا عممن شممكلها ول طبعهمما ول
ثقافتها ول نظرتها للمور ؟!
وهى ؟ أليس مممن حقهمما أن تعممرف شممريك حياتهمما وتشممارك فممى
اختياره ؟ أليس من الظلممم أن تبمماع بيعمما إلممى رجممل ل تعرفممه قبممل
اللحظة ،لنه أعجب أباها أة أخاها ،أو كان صاحب مال وجاه ،وقد
يكون فظا قاسيا ل قلب له ؟ أليس من الفضل أن تتعرف إليه عن
طريممق الصممداقة ..الصممداقة الممبريئة ..الممتى تكشممف عممن الطبممائع
وتؤلف الطباع ؟!
m m m
ثم بدأت " البراءة " تذهب رويدا رويدا عن الختلط .
بدأت تقع حوادث مشينة ..أى كان ينظممر إليهمما فممى ذلممك الحيممن
على أنها مشينة !
وانبرى المدافعون يدافعون عن الختلط .إنه ليممس هممو السممبب
فيما حدث ! إنما هى التجربة الجديدة لبد أن يكون لها ضحايا ! إنها
تجربة " التحرر " ..تحرر الفتى والفتماة كليهمما مممن القيممود العتيقممة
والتقاليد البالية ..والفتاة بصفة أخص ،فقممد كممانت هممى الممتى يقممع
عليها عبء هذه التقاليد الباليممة ..فممإذا وقعممت هنمما أو هنمماك حادثممة
مشينة فذلك رد الفعل للكبت الطويل الذى كان الشباب يعيش فيه
،وللقيود الظالمة التى كانت تعيش فيهما الفتماة بصمفة خاصمة ،فل
ترفعوا عقيرتكم أيها المممتزمتون تسممتغلون هممذه الحمموادث الفرديممة
وتضخمونها فوق حقيقتها ! إنها نممزوات طممارئة ،وسممرعان ممما تهممدأ
المممور وتسممتقيم حيممن يصممبح الختلط شمميئا عاديمما فممى المجتمممع ،
وتزول آثار الكبت الماضية ،وآثار التقاليد البالية التى سجنت الفتاة
طويل داخل الجدران ،وجعلت التجربة الجديممدة – تجربممة التحممرر –
تبهرها فتزل من أجل ذلك بعممض القممدام ! لبممد أن نرعممى التجربممة
الجديدة ،ونوجهها بالحسممنى إلممى الطريممق القممويم ،بممدل مممن هممذا
الصياح الفارغ الذى يتصايح به المتزمتون !
ويمضى الزمن فى طريقه فتتكمماثر الحمموادث المشممينة ،ويخفممت
صوت المدافعين عن الختلط البرئ ،فقد فقد براءته ولم يعد مممن
المقبول ادعاؤها ول من الممكن تصديقها !
ولكن ..فلتذهب تلك الممبراءة إلممى غيممر رجعممة ! هممل كنمما نريممدها
حقيقة أو ندافع عنها مخلصين ! إنما كانت هى الطعم المزيف الذى
وضعناه ليأتى الصيد ..وقد جاء ..فما حاجتنا بعد للتزييف " "1؟!
" " رغم أن أسطوانة " الختلط البرئ " قد بليت تماما فى أوروبا وألقيت جانبا ،فقد استخدمت هى فى الشرق 1
" " بيوت الزياء الكبرى كلها يهودية وكذلك بيوت الزينة ،واليهود يكسبون منها كسبا مضاعفا ،يكسبون أرباحا 1
خيالية ل تدرها الصناعات الخرى ويكسبون سريان الفساد كالسم فى مجتمع المميين .
الرشيقات المتأنقات واحدة ربما تكون شريكة حياته ؟!
ثم ..فلنكن أكثر صراحة ..فنحن الن فممى وضممع يمكننمما مممن أن
نقول كل ما نريد ..وبغير ستار ..
فلنقممل :صممراحة – همماذ فسممتان يكشممف جمممال السمماق ..وهممذا
فستان يكف مفمماتن الصممدر " "1وليمممت بغيظممه كمممدا مممن أراد أن
يموت من الرجعيين المتزمممتين الممذين يريممدون أن يرجعمموا عقممارب
الساعة إلى الوراء !
وخرجت المرأة فتنة هائجة فى الطريق ! كأن مهمتها الولى هى
أن تبرز مفاتنها لكل عين منهومة فى الطريق!
واتسع نطاق " الصداقات " فى المجتمع ،فلم يعد مقصورا على
طلب الجامعة وطالباتها كما كان فى أول المر ،فإنما كممانت هممذه
مجممرد خطمموة علممى الطريممق ..أممما اليمموم وقممد اسممتقلت المممرأة
اقتصاديا فأى حاجز بقى ؟!
قيل فى البدء إن الصداقة هى مقدمة الممزواج ..وإنهمما ينبغممى أن
تباح – بصرف النظممر عممن براءتهمما أو عممدم براءتهمما – لضمممان قيممام
الزوجية على أسس ركينة فل تتزعزع فيما بعد !
ثم انجلت الحقيقة عممن أنممه ل زواج ! فل الممزواج فممى نيممة الفممتى
العابث ول فى نية الفتاة !
الصممداقة مممن أجممل الصممداقة ل مممن أجممل الممزواج ..مممن أجممل
المتعة ..من أجل قضاء " وقت يطب " فى هذه الحياة !
إن المخططين ل يريدون أن يكون الزواج هو الذى يحكممم علقممة
الرجل والمرأة ،أو – على القل – ل يريدون أن يكممون الممزواج هممو
الصورة الوحيدة لهذه العلقة إن لم يسممتطيعوا – الن – ان يقضمموا
قضاء مبرما على الزواج .
ألم تسمع إلى قول دوركايم :كممان المظنممون أن الممدين والممزواج
والسرة هى أشياء من الفطرة ..ولكن التاريخ يوقفنا على أن هذه
النزعات ليست فطرية فى النسممان ! لقممد كممان " العممالم الكممبير "
يقوم بدوره – على طريقته – فى تحطيممم الممزواج والسممرة ،والن
تقوم العصابة الخرى – على طريقتها – بذات الدور.
ينبغى أن تحل " الصداقة " محل الزواج ،وليتم فيها كممل ممما يتممم
فى الزواج ولكن دون رباط مقدس ول أسرة ول أولد !
تحتجون أيها المتزمتون ؟!
أما قرأتم فرويد ؟ أما قرأتم ما قاله عن الكبت ؟
" " هذه العبارات وأمثالها عبارات واقعية ترد فى المجلت التى تتحدث عن " المودة " وعن أزياء النساء . 1
أتريممدون أن تتلفمموا أعصمماب الشممباب وتصمميبوه بالعقممد النفسممية
والضطرابات العصبية ؟
أو ..قولوا لنا ماذا يفعل الشباب بطاقته الجنسية الفوارة ؟
يتزوج ؟ قولوا لنا كيف يتزوج ؟ تعالوا معنا ننمماقش الواقممع ؟ كممم
سنة يقضى الشاب فى التعليم حمتى يتخمرج ممن الجامعمة ؟ وحيمن
يتخرج كم يكون راتبه ؟
أيكفى هممذا الراتممب الهزيممل لتكمموين أسممرة والنفمماق عليهمما ؟ إن
أمامه على القل عشر سنوات حتى يصبح راتبه كافيا – مممع ارتفمماع
تكاليف المعيشة – للزواج وتكوين السرة ..فممماذا يفعممل فممى تلممك
الثنماء ؟ تريمدون أن تحرقموا أعصمابه أيهما الرجعيمون باسمم المدين
والخلق والتقاليد ؟!
m m m
يقول " ول ديورانت " الفيلسموف المريكمى فمى كتمابه " مباهمج
الفلسفة " " ص 127 – 126من الترجمة العربية " .
" فحياة المدينة تفضى إلى كل مثبممط عممن الممزواج ،فممى المموقت
الذى تقدم فيه إلى الناس كل باعث عل الصلة الجنسية وكل سبيل
يسهل أداءها .ولكن النمو الجنسى يتم مبكرا عما كممان مممن قبممل ،
كما يتممأخر النمممو القتصممادى .فممإذا كممان قمممع الرغبممة شمميئا عمليمما
ومعقول فى ظل النظام القتصممادى الزراعممى فممإنه الن يبممدو أمممرا
عسيرا وغير طبيعى فى حضارة صناعية أجلت الزواج حتى بالنسممبة
للرجال حتى لقد يصممل إلممى سممن الثلثيممن ،و ل مفممر مممن أن يأخممذ
الجسم فى الثورة ،وأن تضعف القوة على ضبط النفس عممما كممان
فممى الزمممن القممديم ،وتصممبح العفممة الممتى كممانت فضمميلة موضممعا
للسخرية ،ويختفى الحياء الذى كمان يضممفى علممى الجممال جمممال ،
ويفمماخر الرجممال بتعممداد خطايمماهم ،وتطممالب النسمماء بحقهمما فممى
مغامرات غير محدودة علممى قممدم المسمماواة مممع الرجممال ،ويصممبح
التصال قبممل الممزواج أمممرا مألوفمما ،وتختفممى البغايمما مممن الشمموارع
بمنفسة الهاويات ل برقابة البوليس .لقد تمزقممت أوصممال القممانون
الخلقى الزراعى ،ولم يعد العالم المدنى يحكم به " . "1
ول يناقش " ول ديورانت " تلك السممباب الممتى قممال إنهمما تعطممل
" " يلجأ " ول ديورانت " إلى التفسير المادى لتاريخ يفسر به اختفاء العفة من المجتمع الصناعى وانتشار الفاحشة 1
فيه حتى تصبح هى الصل المعترف به وتصبح العفة مثار السخرية .وليس هذا هو التفسير الحقيقى لذلك التحلل
الخلقى الذى حدث فى المجتمع الصناعى ،إنما هو راجع – كما رأينا فى هذا الفصل – إلى ذلك المخطط الشرير
الذى يهدف إلى إفساد البشرية.
الشباب عن الزواج الباكر ،إنما يأخذها أمرا واقعمما وقضممية مسمملمة
وينظر إلى آثارها كذلك على أنها أمممر واقممع ل حيلممة فيممه أكممثر مممن
كلمة أسى عابرة يقولها ويدعها تمضى تصيب من تصيب !
ولكن ! أهى حقا كذلك ؟ أهى أمر ل مفر منه ؟
من الذى وضع العوائق فى طريق الزواج ،ثم وضع الصممداقة )أو
البغاء !( بديل من الزواج ،ثم زعم أنه تطور حتمى جمماء بممه الطممور
القتصادى الجديد ؟!
إنهم – كلهم – يهود !
ثممم سمممموا أفكممار الممييممن ،فأصممبحوا يممرددون وراءهممم ممما
يقولون !
لو بقيت السممرة الكممبيرة علممى ترابطهمما وظممل الب ينفممق علممى
أولده حتى يتكسبوا )وهم ينفقون عليه فى كبرته إذا احتاج( وظلت
أسعار الحاجيات فى النطاق المعقول ،وجعلممت رواتممب الخريجيممن
بحيث تكفى لتكوين أسممرة أو أعطممى الراغبممون فممى الممزواج منحممة
تمكنهم من إنشاء السرة فأى حتمية كانت تقممف فممى طريممق ذلممك
كله وتمنع تنفيذه ؟
كل ! إن القضممية كلهمما أن الشممياطين ل يريممدون ! ل يريممدون أن
يظل للمميين دين ول أخلق ول أسممرة ول زواج ،لن هممذه كلهمما "
عوائق " تمنع دوران العجلة الشريرة التى تنشر الفساد !
لذلك أنشأوا الواقع على هذه الصورة وزعموا أنه التطور الحتمى
.وأن عجلته ستسحق كل من يقف فى الطريق !
ودارت العجلة دورتها فأحدثت كثيرا من الشر .
ولندع ول ديورانت نفسه يصف جانبا من هذا الشممر ،كممما وجممده
فى بلده فى أوائل القرن ،وكما تخيممل نتممائجه المقبلممة .وإن كممان
الواقع الذى حدث بالفعل أفظع بكثير مما تخيله فى ذلك الحين :
" ولسنا ندرى مقدار الشر الجتماعى الذى يمكن أن نجعل تأخير
الزواج مسؤول عنه .ول فى أن بعض هذا الشر يرجع إلممى ممما فينمما
من رغبة فى التعدد لم تهذب ،لن الطبيعة لم تهيئنا للقتصار علممى
زوجممة واحممدة .ويرجممع بعضممها الخممر إلممى ولء المممتزوجين الممذين
يؤثرون شراء متعة جنسية جديدة علممى الملل الممذى يحسممونه فممى
حصار قلعة مستسلمة .وكلممن معظممم هممذا الشممر يرجممع فممى أكممبر
الظن فى عصرنا الحاضر إلى التأجيل غير الطبيعى لحياة الزوجية .
وما يحدث من إباحة بعد الزواج فهو فى الغالب ثمرة التعود قبلممه .
وقممد نحمماول فهممم العلممل الحيويممة والجتماعيممة فممى هممذه الصممناعة
المزدهرة ،وقد نتجاوز عنها باعتبار أنها أمر ل مفممر منممه فممى عممالم
خلقه النسان .وهذا هو الرأى الشائع لمعظم المفكرين فى الوقت
الحاضر .غير أنه مممن المخجممل أن نرضممى فممى سممرور عممن صممورة
نصممف مليممون فتمماة أمريكيممة يقممدمن أنفسممهن ضممحايا علممى مذبممح
الباحية وهى تعرض علينا فى المسممارح وكتممب الدب المكشمموف ،
تلك التى تحاول كسب المال باستثارة الرغبة الجنسية فى الرجممال
والنساء المحرومين – وهم فى حقى الفوضى الصناعية – من حمى
الزواج ورعايته لصحة .
" ول يقل الجانب الخر مممن الصممورة كآبممة .لن كممل رجممل حيممن
يؤجل الزواج يصممحب فتيممات الشمموارع ممممن يتسممكعن فممى ابتممذال
ظاهر .ويجد الرجل لرضاء غرائزه الخاصممة فممى هممذه الفممترة مممن
التأجيل نظاممما دوليمما مجهممزا بأحممدث التحسممينات ومنظممما بأسمممى
ضممروب الدارة العلميممة ..ويبممدو أن العممالم قممد ابتممدع كممل طريقممه
يمكن تصورها لثارة الرغبات وإشباعها " ..
" وأكبر الظن أن هذا التجدد فى القبال على اللممذة ،قممد تعمماون
أكثر مما نظن مممع هجمموم دارون علممى المعتقممدات الدينيممة .وحيممن
اكتشف الشبان والفتيات – وقممد أكسمبهم المممال جمرأة – أن الممدين
يشهر بملذهم التمسوا فى العلم ألف سبب وسبب للتشهير بالدين
.وأدى التزمت فى حجب الحياة الجنسية والزهد فيها إلى رد فعممل
فى الدب وعلم النفممس صممور الجنممس مرادفمما للحيمماة .وقممد كممان
علماء اللهوت قديما يتجادلون فى مسألة لمممس يممد الفتمماة أيكممون
ذنبا ؟ أما الن فلنا أن ندهش ونقول :أليممس مممن الجممرام أن نممرى
تلك اليد ول نقبلها ؟ لقد فقد النمماس اليمممان وأخممذوا يتجهممون نحممو
الفرار من الحذر القديم إلى التجربة الطائشة " ..
" وكانت الحرب العظمى الولى آخر عامل فى هذا التغيير .ذلك
أن تلك الحرب قوضت تقاليد التعاون والسلم المتكمونين فمى ظمل
الصناعة والتجارة ،وعممودت الجنممود الوحشممية والباحيممة ،حممتى إذا
وضعت الحرب أوزارهمما عمماد آلف منهممم إلممى بلدهممم فكممانوا بممؤرة
للفساد الخلقى .وأدت تلك الحرب إلى رخص قيمممة الحيمماة بكممثرة
ما أطاحت مممن رؤوس ،ومهممدت إلممى ظهممور العصممابات والجممرائم
القائمممة علممى الضممطرابات النفسممية ،وحطمممت اليمممان بالعنايممة
اللهية ،وانتزعت من الضمممير سممند العقيممدة الدينيممة .وبعممد انتهمماء
معركة الخير والشر بما فيها من مثالية ووحدة ،ظهر جيمل مخمدوع
وألقى بنفسه فمى أحضمان السمتهتار والفرديمة والنحلل الخلقمى .
وأصمبحت الحكومممات فممى واد والشمعب فممى واد آخممر ،واسمتأنفت
الطبقات الصراع فيما بينها .واسممتهدفت الصممناعات الربممح بصممرف
النظر عن الصالح العام ،وتجنب الرجال الزواج خشية مسممؤوليته ،
وانتهى المر بالنساء إلى عبودية خاملة أو إلممى طفيليممات فاسممدة .
ورأى الشباب نفسه وقد منح حريات جديدة تحميه الختراعات مممن
نتائج المغامرات النسائية فى الماضى " "1وتحوطه من كممل جممانب
مليين المؤثرات الجنسية فى الفن والحياة " ..
" لما كان اليوم هو عصر اللة ،فلبد أن يتغير كل شئ .فقد قل
أمن الفرد فى الوقت الذى نما فيممه المممن الجتممماعى .وإذا كممانت
الحياة الجسمانية أعظم أمنا مما كممانت فالحيمماة القتصممادية مثقلممة
بممألف مشممكلة معقممدة مممما جعممل الخطممر جاثممما كممل لحظممة .أممما
الشباب الذى أصبح أكثر إقداما واشمد غمرورا ممن قبممل فهمو عمماجز
ماديا وجاهل اقتصاديا إلى حد لم يسبق له مثيل .ويقبممل الحممب فل
يجرؤ الشاب على الزواج وجيبه صفر من المال .ثم يطممرق الحممب
مرة أخرى باب القلب أكثر ضعفا )وقد مرت السممنوات( ومممع ذلممك
لم تمتلئ الجيوب بما يكفى للممزواج .ثممم يقبممل الحممب مممرة أخممرى
أضعف حيوية وقوة عما كان من قبممل )وقممد مممرت سممنوات( فيجممد
الجيوب عامرة فيحتفل الزواج بموت الحب "
" حتى إذا سئمت فتاة المدينة النتظار اندفعت بممما م يسممبق لممه
مثيل فى تيار المغامرات الواهية .فهممى واقعممة تحممت تممأثير إغممراء
مخيممف مممن الغممزل والتسمملية وهممدايا مممن الجمموارب وحفلت مممن
الشمبانيا فى نظير الستمتاع بالمباهج الجنسية .وقممد ترجممع حريممة
سلوكها فى بعض الحيان إلى انعكاس حريتها القتصادية .فلم تعممد
تعتمد على الرجل فى معاشها ،وقممد ل يقبممل الرجممل علممى الممزواج
من امرأة برعت مثله فى فنون الحب ،فقدرتها على سممكب دخممل
حسن هو الممذى جعممل الممزوج المنتظممر مممترددا ،إذ كيممف يمكممن أن
يكفى أجره المتواضع للنفاق عليهممما معمما فممى مسممتواهما الحاضممر
من المعيشة ؟
" وأخيرا تجد الرفيق الذى يطلمب يمدها للمزواج ،ويعقمد عليهما ل
فى كنيسة ،لنهما من أحرار الفكر الذين ألحممدوا عممن الممدين ،ولممم
يعد للقانون الخلقى الذى ظل جاثما على إيمانهما المهجور أثر فممى
قلبيهما ،إنهما يتزوجان فى قبو المكتممب البلممدى )الممذى يفمموح منممه
" " يشير إلى وسائل منع الحمل والوقاية من المراض السرية وهما المران اللذان وفرتهما الحضارة ! وإن كانت 1
التقارير الخيرة تشير إلى أن هذه المراض لم يمكن القضاء عليها رغم كل المحاولت المبذولة بل إنها آخذة فى
النتشار السريع !
عبير السياسة( ويستمعان إلممى تعاويممذ العمممدة .إنهممما ل يرتبطممان
بكلمة الشرق ،بل بعقد من المصلحة ن لهما الحرية فممى أى وقممت
فممى التحلممل منممه .فل مراسمميم مهيبممة ،ول خطبممة عظيمممة ،ول
موسمميقى رائعممة ،ول عمممق ول نشمموة فممى النفعممال تحيممل ألفمماظ
وعودهم إلى ذكريات ل تمحى من صفحة الذهن .ثم يقبل أحممدهما
صاحبه ضاحكا ،ويتوجهان إلى البيت فى صخب .
" إنه ليس بيتما ! فليممس ثممة كموخ ينتظمر المترحيب بهمما أنشممئ
وسط الحشائش النضرة والشجار الظليلة ،ول حديقممة تنبممت لهممما
الزهور والخضراوات التى يشعران بأنها أبهى وأحلى لنهمما مممن زرع
أيديهما .بل يجب أن يخفيا أنفسهما خجل كأنهما فى زنزانممة سممجن
فى حجرات ضيقة ل يمكن أن تسممتبقيهما فيهمما طويممل ،ول يعنيممان
بتحسينها وتزيينها بما يعبر عن شخصيتهما .ليس هذا المسكن شيئا
روحيا كالبيت الذى يتخذ مظهرا ويكسب روحمما قبممل ذلممك بعشممرين
عاما )لكتاب مكتوب سنة (1929بممل مجممرد شممئ مممادى فيممه مممن
الجفمماف والممبرودة ممما تجممده فممى مارسممتان .فهممو يقمموم وسممط
الضوضاء والحجارة والحديد حيثل ا ينفذ إليممه ربيممع ،ول ينبممت لهممما
الصيف الممزرع النضممر بممل سمميل مممن المطممر ..ول يريممان مممع ورود
الخريف قوس قزح فى السماء أو أى ألوان على أوراق الشجر بممل
المتاعب والذكريات الحزينة .
" وتصاب المرأة بخيبة أمل ،فهممى ل تجممد فممى هممذا الممبيت شمميئا
يجعل جدرانه تحتمممل فممى الليممل والنهممار ،ول تلبممث غل قليل حممتى
تهجره فى كل مناسبة ول تعود إليه إل قبل مطلع الفجممر ..ويخيممب
أمل الرجل ،فهو ل يستطيع أن يتجول فى أنحاء هممذا الممبيت يعممزى
شعوره ببنممائه وغلحممه ممما تصمماب بممه أصممابعه مممن دق المطممارق ..
ويكتشف بعد قليل أن هذه الحجرات تشبه تمممام الشممبه تلممك الممتى
كان يعيش فيها وهو أعزب ،وأن علقاته مع زوجته تشبه شبها عاديا
تلك العلقات غير البريئة الممتى كممان يعقممدها مممع المسممتهترات مممن
النساء .فل جديد فى هممذا الممبيت ،ولممي فيممه ممما ينمممو ،ول يمممزق
سكون الليل صوت الرضيع ول يمل مممرح الطفممال لنهممار بهجممة ول
أذرع بضممة تسممتقبل الممزوج عنممد عممودته مممن العمممل وتخفممف عنممه
وطأته .إذ أيممن يمكممن أن يلعممب الطفممل ؟ وكيممف يمكممن للزوجيممن
تخصيص حجرة أخرى للطفال وتوفير العناية بهم وتعليمهممم سممنين
طويلة فى المدينة ؟ والفطنة فيما يظنممان أفضممل جمموانب الحممب ..
فيعنزمان منع السنل ..إلى أن يقع بينهما الطلق !
" ولما كان زواجهما ليس زواجا بالمعنى الصحيح لنه صلة جنسة
ل ربمماط أبمموة فممإنه يفسممد لفقممدانه السمماس الممذى يقمموم عليممه ،
ومقومات الحياة .يممموت هممذا الممزواج لنفصمماله عممن الحيمماة وعممن
النوع .وينكمش الزوجممان فممى نفسمميهما وحيممدين كأنهممما قطعتممان
منفصلتان ،وتنتهى الغيرية الموجودة فى الحمب إلمى فرديمة يبعثهما
ضغط حياة المساخر ،وتعود إلى الرجل رغبته الطبيعية فى التنويع
،حين تؤدى ألفة إلى الستخفاف ،فليس عنمد الممرأة جديممد تبممذله
أكثر مما بذلته ..
" ولندع غيرنا من الذين يعرفون يخبرونا عن نتائج تجرابنمما .أكممبر
الظن أنها لم تكون شيئا نرغب فيه أو نريده ..فنحممن غممارقون فممى
تيار من الغيير ،سيحملنا لريب إلى نهائيات محتومة ل يحلة لنا فى
اختيارهمما .وأى شممئ قممد يحممدث مممع هممذا ،الفيضممان الجممارف مممن
العادات والتقاليد والنظم .فالن وقد أخذ البيت فمى ممدننا الكمبرى
فىالختفاء فقد فقد الزواج القاصر على واحدة جاذببيته الهامممة .ول
ريب أن زواج المتعة سيظفر بتأييد أكثر فأكثر حيث ل يكون النسممل
مقصودا ،وسيزداد الزواج الحر ،مباحا كان أم غير مبمماح .ومممع أن
حريتهما إلى جانب الرجل أميل فسمموف تعتممبر المممرأة هممذا الممزواج
أقل شرا من عزلة عقيمة تقضيها فى أيام ل يغازلها أحد .سممنهار "
المستوى المزدوج " وستحث المممرأة الرجممل بعممد تقليممده فممى كممل
شئ على التجربمة قبمل المزواج .سمينمو الطلق ،وتزدحمم الممدن
بضحايا الزيجات المحطمة ثم يصاغ نظام الزواج بأسممره فممى صممور
جديدة أكممثر سممماحة ،وعنممدما يتممم تصممنيع المممرأة ،ويصممبح ضممبط
الحمل سرا شائعا فى كل طبقممة يضممحى الحممل أمممرا عارضما فممى
حياة المرأة ،أو تحممل نظممم الدولمة الخاصمة بتربيممة الطفممال محمل
عناية البيت .ز وهذا كل شئ ! " " . "1
إن إخراج المرأة من البيت ودفعها إلى العمل فممى الخممارج – أيمما
كانت الدوافع الت أدت إليه وايا كانت النوايا الكامنممة وراءئ ذلممك –
قد أحدث دمارا عنيفا فى المجتمع ،ل يمكن الحاطة بكممل أبعمماده ،
لنه ما زال يلد شرورا جديدة حتى هذه اللحظة .
إن تخصيص المرأة للبيت لوظيفة المومة ورعاية النشء لم يكن
ظلما للمرأة ،ول تحقيرا لها ،ولكن الجاهلية هى التى جعلته كذلك
حين عيرت المرأة بأنها تحمل وتلد ول تصنع غير ذلك !
والجاهلية – دائما – تظلم المرأة وتقسو عليهمما وتهينهمما وتعيرهمما ،
" " مقتطفات من كتاب مباهج الفلسفة " من ص 236 - 126 1
ول ينقممذها مممن ذلممك شممئ إل شممرع اللممه ومنهجممه المنممزل لصمملح
البشرية وغقامة العدل فى الرض .
َ َ
م ن ل ِي َُقممو َميَزا َ ب َوال ْ ِ م ال ْك َِتا َ ت وَأن َْزل َْنا َ
معَهُ ْ سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِسل َْنا ُر ُ}ل ََقد ْ أْر َ
ط{ ]سورة الحديد [57/25 س ِ س ِبال ِْق ْ الّنا ُ
كل جاهلية من جاهليات التاريخ عيرت المرأة بوظيفتها ،وجعلتها
تشه=عر أنها دون الرجممل مممن أجممل هممذه الوظيفممة ..بينممما يقممول
الوحى المنزل من عند اله :
ُ
ه فِممي صممال ُ ُن وَفِ َ ه وَ ْ ً َ
هنا عَلى وَهْ ٍ م ُ هأ ّ مل َت ْ ُح َوال ِد َي ْهِ َ ن بِ َسا َ لن َصي َْنا ا ِ }وَوَ ّ
عامي َ
صمميُر )] {(14سممورة لقمممان م ِي ال ْ َ ك إ ِل َم ّ وال ِد َي ْ َ شك ُْر ِلي وَل ِ َ نا ْ نأ ْ َ َ ْ ِ
[31/14
فالوصية هى بالوالدين كليهما ،لكن التكريم الكبر هممو للم الممت
حملته وهنا على هن .
ويسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم :من أولى الناس
بحسن صحابتى قال :أمك .قال :ثم من ؟ قمال :أممك .قمال ثمم
من ؟ قال أمك :قال ثممم مممن ؟ قممال :ثممم ابمموك ! " " 1والحممديث
واضح الدللة على تكريم الم ووظيفة اأمومة .
أما وهى زوجة فهذا هو المنهج الربانى :
ش مْيئا ً َ
هوا َ ن ت َك َْر ُسى أ ْ ن فَعَ َ موهُ ّ ن ك َرِهْت ُ ُ ف فَإ ِ ْ معُْرو ِ ن ِبال ْ َشُروهُ ّ عا ِ }وَ َ
خْيرا ً ك َِثيرا ً )] {(19سورة النساء [4/19 ه ِفيهِ َ ل الل ّ ُ جع َ َوَي َ ْ
ويقول رسول الله صلى الله عيه وسمملم :خيركممم خيركممم لهلممه
وأنا خيركم لهلى " . " 2
فالمنهج الربانى الممذى خصممص المممرأة لوظيفتهمما لممم يعيرهمما بهمما
ويجعلها مهينة منأجلها ن بل كرمها من أجل تلك الوظيفممة وأكرمهمما
وهى تقوم بها ،وقال لها إن قيامها بهذه الوظيفممة هممو سممبيلها إلممى
رضوان الله والجنة ،كما أن القتال فى سبيل الله هو طريق الرجل
إلى رضوان الله والجنة ،فجعل هذه مكافئة لتلممك ،لن اللممه يعلممم
سبحانه أن هممذا هممو الميممزان الصممحيح الممذى يقيممم الحيمماة البشممرية
بالقسط ،ويعلم خطورة الممدور الممذى تقمموم بممه المممرأة فممى رعايممة
البيت وتنشئة النشء ويعلممم كممذلك مممدى الفسمماد الممذى يمكممن أن
ينشأ حين تهجر المممرأة وظيفتهمما مممن أجممل أى شممئ آخممر فممى هممذا
الوجود ،فضل عن أن يكممون هممذا الشممئ هممو مجممرد اللهممو والعبممث
والفساد الخلقى !
" بين الحين والحين ،ويتم ذلك يمقتضى " دستور " غير مكتوب عنوانه " متممع نفسممك ط أو " متعممى نفسممك " Enjoy
. " Yourself
" " بلغت نسبة الطلق فى بعض الوليات المريكية %40من عممدد المممتزوجين وهممذا غيممر حممالت الهممرب مممن بيممت 2
" الناس " هم الذين أمممدوا اليهممود بالحبممل الممذى مكممن لهممم فممى
الرض فى الوقت الحاضر ..
السينما مؤسسة يهودية أقامها اليهود للفساد فى الرض ،فكممل
فتى أو فتاة أصممابه جنممون السممينما فهممو " حبممل مممن النمماس " يمممد
اليهود .يمدهم بالمممال الممذى يربحممونه مممن هممذه التجممارة النافقممة ،
ويمدهم بالفساد فى ذات نفسه فيتحقق لهم مخططهم الشرير .
بيوت الزينمة والزيماء يهوديمة ..فكمل فتماة أصمابها جنمون الزينمة
وجنون " المودة " هممى " حبممل مممن النمماس " تمممد اليهممود ،تمممدهم
بالمال من ناحية – وصناعة أدوات الزينة من أربح الصممناعات علممى
الطلق – وتمممدهم بالفسمماد فممى ذات نفسممها وفممى الشممباب الممذى
تتولى فتنته بتبرجها فيحققان لهم مخططهم الشرير .
جنون الجنس جنون أطلقه اليهود علممى البشممرية ،فكممل فممتى أو
فتاة أصابه جنون الجنس فهو " حبل من الناس " يمممدهم باسممتعباد
نفسممه للشممهوات الممتى تهبممط بممه عممن آدميتممه فيصممبح فممى متنمماول
مخططهم الشرير .
جنون الكرة من أنواع الجنون التى أطلقها اليهود على البشممرية .
فكل فتى أو " فتاة !" أصابه جنون الكرة فهو " حبل مممن النمماس "
يمد اليهود ،يمدهم بتفاهة اهتماماته وانصممرافه عممن معممالى المممور
إلى سفسافها " "1وانصرافه عن الهتمامات الجادة والنظممر فيممما
" " قال صلى الله عليه وسلم " إن الله يحب معالى المور ويكره سفسافها " رواه الطبرانى . 1
يحيممط بممه مممن أحمموال ،فييسممر لليهممود أن يعبثمموا عبثهممم العممالمى
والولد )والبنات !( مشغولون بالفريق الذى أخفممق والفريممق الممذى
فاز !
الربا من أفتك أدوات اليهود وأفعلها فى التخريب .فكممل صمماحب
مال أودعه عند اليهود فى مصارفهم ومؤسساتهم فهممو " حبممل مممن
النمماس " يمممد اليهممود ،يمممدهم بأربمماح طائلممة يقمموون بهمما أنفسممهم
ويتحكمون بها فى اقتصاد العالم كله ،وبالخبال الذى يصمميب حيمماته
من الربا :
خب ّ ُ ْ
ه
طمم ُ ذي ي َت َ َم اّلمم ِ ممما ي َُقممو ُن إ ِل ّ ك َ َمممو َ ن الّرَبمما ل ي َُقو ُ ن َيممأك ُُلو َ ذي َ }اّلمم ِ
س{ ]سورة البقرة [2/275 م ّ ن ال ْ َم ْ ن ِ طا ُشي ْ َ ال ّ
وهذا كله بصرف النظر عن المدد الذى يأتيهم مممن دول كأمريكمما
أو روسمميا ،فممإن اليممة ل تشممير إلممى دول بعينهمما ول إلممى " بعممض "
الناس " إنما تشير إلى " الناس " والحاصممل اليمموم أن المممدد يممأتى
من " جميع الناس " ..إل من رحم ربك !
" المميون " هم الذين استحمروا أنفسهم " لشعب الله المختممار
" وذلممك بتخليهممم عممن الوقايممة الطبيعيممة لتممى تحميهممم مممن كيممد
الشيطان .
ن )(99 م ي َت َوَك ُّلو َ
مُنوا وَعََلى َرب ّهِ ْ نآ َ ذي َ ن عََلى ال ّ ِ سل ْ َ
طا ٌ ه ُ س لَ ُه ل َي ْ َ }إ ِن ّ ُ
ن ){(100 كو َش مرِ ُ م ْ م ب ِمهِ ُ
ن هُ م ْ ذي َ ه َوال ّ ِ ن ي َت َوَل ّوْن َ ُ
ذي َ ه عََلى ال ّ ِ طان ُ ُسل ْ َ ما ُ إ ِن ّ َ
]سورة النحل [16/100
والكنيسة – بالنسبة لوروبا – هى المجرم الكبر الذى أتاح لليهود
أن يتلفوا أوروبا ويشيعوا فيها من ألوان الفساد :الفكرى والروحى
والخلقى والجتممماعى والقتصممادى والسياسممى ممما لممم يجتمممع بهممذا
الحجم وهذه الصورة فى التاريخ :مسخ كامممل للفطممرة البشممرية ،
ونكسة لم تنتكسها البشرية فى تاريخها كله ،رغممم كممل المكانيممات
المادية والعلمية المتاحة للبشممر ،والممتى كمانت حريممة فممى ترتفممع "
بالنسممان " إلممى الفمماق العليمما بعممد أن يفممرغ مممن قضمماء ضممروراته
الجسدية ،فإذا هى تغرقه فممى عممالم الضممرورة وتحبممس روحممه بممل
تطمسممها ،وتهبممط بالنسممان إلممى درك مممن الحيوانيممة يتعفممف عنممه
الحيوان ..
m m m
ولكن هناك مسئولية أكبر فى الحقيقة تقع على المة المسلمة .
هذه المممة الممتى أخرجهمما اللممه " للنمماس " لتكممون خيممر أمممة فممى
التاريخ .
ْ ُ ُ
ن
ن عَم ْ ف وَت َن ْهَموْ َمعُْرو ِ ن ب ِممال ْ َمُرو َ س ت َمأ ُت ِللن ّمما ِ ج ْخرِ َ مة ٍ أ ْخي َْر أ ّ م َ }ك ُن ْت ُ ْ
ه{ ]سورة آل [3/110 ن ِبالل ّ ِمُنو َ منك َرِ وَت ُؤْ ِ ال ْ ُ
وكلفها أن تكون شاهدة ورائدة لكل البشرية :
َ سطا ً ل ِت َ ُ ك جعل ْناك ُ ُ
نس وَي َك ُممو َ
داَء عَلممى الن ّمما ِ شه َ َكوُنوا ُ ة وَ َ م ًمأ ّ }وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ
شِهيدًا{ ]سورة البقرة [2/143 م َ ل عَل َي ْك ُ ْ سو ُ الّر ُ
هذه المة أين ذهبت وأين مضى بها التيار ؟!
فى غير هذا الكتاب " " 1نتحدث عن خط النحراف الذى انحرف
بهذه المة عن خطها السوى وأنساها رسممالتها .ولكنمما نقممول هنمما –
بصدد تحديد مسئولية " المميين " عما أصابهم من الخبال على يممد
اليهود – إن المة السلمية لم تكلف – كممالمم المؤمنممة السممابقة –
أن تؤمن فى حدود نفسممها وتسممتقيم لممذات نفسممها فحسممب ،إنممما
كلفت – فوق الله – أن تهدى البشرية كلها إلى النور الربممانى ،وأن
تسعى – بجهدها وجهادها – إلى إقامة ديممن اللممه فممى الرض كلهمما ،
دون إكراه للناس على اعتناق عقيدة السلم ،إنممما تحكممم شممريعة
الله فى كل الرض ،ويخضع الناس جميعا للعممدل الربممانى المتمثممل
فى شريعته :
ي{ ]سممورة البقممرة ن الغَ م ّ مم ْ ش مد ُ ِ ن الّر ْ ن قَد ْ ت َب َي ّ َ دي ِ }ل إ ِك َْراهَ ِفي ال ّ
[2/256
ه{ ]سممورة ه ل ِّلم ِ
ن ك ُّلم ُ دي ُ ن الم ّ ة وَي َك ُممو َ ن فِت ْن َم ٌ حّتى ل ت َك ُممو َ م َ }وََقات ُِلوهُ ْ
النفال [8/39
وقد ظلت هذه المة قائمة برسالتها لنفسها وللبشرية عدة قرون
،كانت فيها ممكنة فى الرض ،وكانت هى ممموئل الهدايممة والنممور ،
ولم يكن يبرم أمر فممى الرض إل بإذنهمما أو برضمماها ..وإل فممالحرب
قائمة لتأديب المعتدين ..ويومئذ لم يكن لليهود فى الرض سلطان
.
ولكمن المممة المتى أختارهما اللمه لتكممون شماهدة ورائدة للبشممرية
ظلت تتراجع حتى أهملت رسالتها العالمية ،بل شغلت عن رسالتها
لذات نفسها ،وعندئذ بمرزت أوروبما إلمى الوجمود قموة ممكنمة فمى
الرض ،فملت الفممراغ الممذى خلقتممه المممة السمملمية بتخليهمما عممن
رسالتها ،حسب السنن الربانية التى يدبر الله بها أمور البشممر فممى
الرض .
وحين برزت أوروبا فقد برزت بكل جاهليتها ،وبكل الفسمماد الممذى
" " انظر كتاب " واقعنا المعاصر " . 1
كانت تحمله فى أطوائها نتيجة إفساد الكنيسة لممدين اللممه المنممزل ،
فأتاحت للشعب الشرير المممتربص للفسمماد أن يركممب ،وأن يلهممب
ظهورها بالسوط ليقودها فى طريق الشيطان .
وزاد المر سوءا حين زاد تفريط هذه المة فى دينها حتى لم تعد
تؤدى شيئا يممذكر مممن رسممالتها لممذات نفسممها ،فضممل عممن رسممالتها
العالمية بطبيعة الحال ،وحينئذ أتيحت الفرصة لوروبمما الصممليبية أن
تقهر العالم السلمى ،وأن تدخل أرض السلم لتدك حصممونه مممن
الداخل ،وأتيممح لليهممود – مممن خلل الحملممة الصممليبية الغازيممة – أن
ينشروا سمومهم فى العالم السلمى ذاته ،بنفممس الوسممائل الممتى
نشروا بها سمومهم فى أوروبا .سواء كان ذلك بأيديهم مباشممرة أو
بأيدى الصليبيين الذين يقومون بذات الدور ضممد السمملم لحسممابهم
الخاص !
ومن ثم دخل " المميون " المسلمون فى ذات الدوامة ،وصاروا
هم أنفسهم – إل من رحم بك – يمدون الحبل لليهممود ! وتممم لليهممود
ذلك السلطان الذى أشارت إليه الية الكريمة على سبيل السممتثناء
ن
مم ْل ِ ن الّلمهِ وَ َ
حْبم ٍ مم ْ
ل ِ من الذة الدائمة المفروضة عليهمم }إ ِل ّ ب ِ َ
حْبم ٍ
س{ ]سورة آل [3/112 الّنا ِ
المة المسلمة إذن هى المسئول الكبر عما أصاب البشرية كلهمما
من الخبال على يد اليهود .فقد أنزل الله إليها النممور ،وأنممزل إليهمما
الرسالة الخاتمة وشرفها بخاتم النبيين صلى الله عليممه وسمملم ،ول
لتتلهى بذلك كله ،وإنما لتكون – بكل ثقلها ،وبكل فاعليتها – جهممدا
دائما وحركة دائمة لنشر النور والهداية فى الرض .
فإذا تخلت قمن يحمل الرسالة ؟!
وإذا تخلممت فممأى شممئ فممى الرض يحممول دون الشممعب الشممرير
المتربص للفساد ؟!
m m m
الصورية – وإن الكاسب الحقيقي والوحد فيظممل هممذا النظممام هممو الرأسممماليون وممما نحممب هنمما أن نتعجمل الحممديث ،
فسيأتي مناقشة ذلك كله فيما بعد .
الشغب والتحريض علي الخلل بالنظام.
وبعممد نضممال وكفمماح اسممتمر قرابممة قممرن مممن الزمممان اسممتقرت
الديمقراطية في صورتها الحالية الممتي تراهمما فممي دول غممرب أوربمما
وأمريكمما ،علممي اختلف بينهمما فممي الجزئيممات ل يممؤثر فممي صممورتها
العامة ومبادئها الرئيسية .
m m m
كانت نقطة النطلق ،أو نقطتا النطلق في الحقيقة هما :أول :
وجوب إشراف الشعب علممي أعمممال الحكومممة ،أي إلغمماء " الحممق
اللهي المقدس " وإخضاع الحكومة لرقابة الشعب علي تصرفاتها ،
وفصممل السمملطات ،وجعممل الحكومممة سمملطة تنفيذيممة فحسممب ،ل
سلطة تشريعية ..وثانيا :إعطاء الشعب حقوقه " النسانية " الممتي
حرم منها أكثر من ألف عام في ظل نظام القطاع .
وفي كل الميدانين أحرزت الديمقراطية تقدما ضخما بالنسبة لممما
كان في عهد القطاع ،وعهد الحكم بمقتضي الحق اللهي المقدس
.
فقممد أصممبحت رقابممة المجممالس النيابممة كاملممة علممي تصممرفات
الحكومة الرئيسية ،وبصفة خاصة " الميزانيممة " الممتي تمثممل ممموارد
الدولة ومصارفها ،والتي كانت مممن اكممبر أبممواب المظممالم الواقعممة
علي " الشعب " حيث كان الحاكم يفممرض مممن الضممرائب ممما يحلممو
له ،بمقدار ما يروي نهمه إلي المال الذي كان معظمه ينفممق علممي
بذخ الملوك والحكام ،وأقله يصرف علي الصالح العام .
لم يعممد مممن حممق الحكومممة أن تفممرض ضممريبة – أي ضممريبة – إل
بموافقة المجالس النيابة ،ولمم يعمد ممن حقهما أن تصمرف حصميلة
مواردها إل في البواب التي توافق المجالس النيابيممة عليهمما ،ومممن
ثم أمسكت تلك المجالس بالزمام بعد أن كانت الحكومات مطلقممة
اليد في التصرف ..وكممثيرا ممما كنممت تسمممع – وممما تممزال – كلمممة "
دافعي الضممرائب " تممتردد فممي أروقممة " البرلمانممات " علممي ألسممنة
النممواب ،يستصممرخون الرحمممة علممي الفقممراء دافعممي الضممرائب
ويطلبون التخفيف عنهممم ،أو يطممالبون أن تنفممق الممموال لمصمملحة
دافعي الضرائب ،لنهم هم الذي ينبغي أن يسممتفيدوا قبممل أي أحممد
آخر بحصيلة الضرائب التي يدفعونها .
ومممن ثممم ظلممت الضممرائب – خلل نمممو الديمقراطيممة – تخفممف
تدريجيا عن الفقراء وتزداد علي الغنياء ،بعد أن كممان الحممادث هممو
العكس تماما ،حيث كان الغنياء يسممتمتعون بممالثروات الطائلممة ول
يدفعون عنها ضممرائب علممي الطلق ،أو يممدفعون ضممرائب تافهممة ل
تكاد تذكر ،ول تؤثر أي تأثير علي ثرواتهم الضخمة ،بينممما الفقممراء
هم الذين يتحملون عبء الضرائب الكممبر! كممما وجممه الصممرف مممن
موارد الدولة – وأهمها الضرائب بطبيعة الحال – علي المشممروعات
العامة التي تصممل فائدتهمما لكممبر عممدد مممن النمماس الممذين يوصممفون
بصفة خاصة بأنهم دافعمموا الضممرائب ،فممزاد النفمماق تممدريجيا علممي
التعليم ،وعلي الصحة العامة ،وعلممي المرافممق العامممة مممن طممرق
وجسور وخدمات ،وقل النفاق في ذات المموقت علممي مشممروعات
الترف التي ل تفيد إل القلممة المترفممة مممن الشممعب ،بعممد أن كممانت
مثل هذه المشروعات هي الشغل الول للحكومات السالفة وتنفممق
فيها الموال الطائلة .
ولم تمر قضمية الضمرائب سمهلة حمتي فيمما يسممي " المجمالس
النيابية " فقد كانت تلك المجالس في أول عهدها تمثل الغنياء أكثر
مما تمثل الفقراء ،أو تمثلهم دون الفقراء في كممثير مممن الحمموال ،
إذ كممانت شممروط الترشمميح إلممي المجممالس النيابيممة ذاتهمما موضمموعة
بحيث ل يمر منها إل أصحاب الثروات ويعجممز عنهمما الفقممراء ،لكممي
يمنعوا منعا من الدخول إلممي البرلمانممات وإزعمماج أصممحاب الممموال
بصيحاتهم الكريهة إليهم !ولم ينل الفقراء حق الترشيح إل بعد جهاد
طويممل ومريممر ،فاسممتطاعوا – بعممد دخممولهم – أن يعممدلوا نظممم
الضرائب في بلدهممم ،ويحققمموا قسممطا مممن العدالممة فممي المغممانم
والمغارم سواء.
ولم تكن المجالس النيابية هي وحممدها الممتي تممدور فيهمما المعركممة
حول الضرائب ،فقممد كممانت الصممحافة والخطابممة والكتممب المؤلفممة
تشارك جميعا في الناقش والحمموار والهجمموم والممدفاع .وكممان مممن
أهم ما قيل في هذا الصممدد إن توحيممد نسممبة الضممريبة علممي الشممئ
الواحد بين الفقممراء والغنيمماء هممو ظلممم بيممن علممي الفقممراء ،لنهممم
يدفعون الضريبة من قوتهم الضروري الذي ل تقوم حياتهم بغيممره ،
بينما الغنياء يدفعون مممن فممائض أممموالهم ،أو مممن فممائض الفممائض
المتراكم عاما بعد عام ! لذلك استحدث في الخير نظام الضممرائب
التصاعدية التي تزيممد فيهما نسممبة الضمريبة زيمادة مطممردة كلمما زاد
الدخل ..فاللف الولي غير اللف الثانية ،والثانية غيممر العاشممرة ..
فإذا كانت الولي يخصم منها عشرة ضرائب ) علي سبيل المثممال (
فالعاشرة قد يخصم نصفها أو ثلثة اخماسها ..وهكذا .
اممما الضممرائب غيممر المباشممرة ،أي الضممرائب المفروضممة علممي
الشياء المشتراه أو المستخدمة ل علممي الممدخل ،فقممد كممانت وممما
تزال موضع النقاش في البلد الديمقراطية ،لنممه ل يمكممن التمييممز
فيهمما بيممن الغنيمماء والفقممراء ! ل يمكممن مثل أن يقممال :إذا اشممتري
الغني رغيف الخبز فعليه أن يممدفع لمه ثمنمما أكممبر مممما يممدفع الفقيممر
فيه ! إنما يقال في الحوار أنه ينبغي إلغاء الضرائب أو تخفيفها عممن
" الضروريات " ورفعها علي " الكماليات" ثم يظل النزاع قائما في
تعريف ما هو ضروري وما هو كمممالي مممن الشممياء .ولكممن التجمماه
علي كل حال يظل مائل إلي التخفيف عممن الفقممراء والزيممادة علممي
الغنياء .
وبالنسممبة للنفمماق كممذلك لممم تكممن المعركممة يسمميرة حممتي فممي
المجالس النيابية ذاتها ..فحين كانت تلك المجالس ممثلممة للغنيمماء
دون الفقراء لم تكن قضايا مثل التعليممم اللزامممي ومجانيممة التعليممم
تمر بسهولة ! بل كان " نواب الشعب " ) هكذا كان اسمممهما علممي
الدوام من البدء إلي الختام ( كانوا يعارضون في نشر التعليم حممتي
يشمل الفقراء من أبناء الشعب ! وكانت تدور مناقشات حممادة فممي
البرلمانات ،يقال فيها إنه ل يجوز تعليم كل الناس ،وإل فمممن أيممن
نممأتي بعمممال يعملممون فممي المصممانع ؟! فممإن أبممن العامممل إذا تعلممم
سيسممتنكف أن يعمممل بيممديه كممما كممان يعمممل أبمموه ! وسمميطالب
بوظيفه ،وأّني لنتا أن ندبر وظيفة لكل متعلم ! ثم من اين نحصل
علي الخدم ! فسوف يستكبر المتعلمون وسيرفضمون الخدممة فمي
البيوت ،فتفسد حياتنا وتتعطل مصالحنا !
وكممذلك قضممايا الصممحة والمرافممق العامممة ! كممان " النممواب"
المحترمون يعارضممون فممي تعميمهمما حممتي يسممتفيد منهمما الفقممراء ..
ويقولون إن هذه ليست مسممئولية الحكومممة ! إنممما كممل واحممد يممدبر
لنفسه ،وكل واحد حر فيما يصنع لنفسه!.
وهكذا ..وهكذا في كل القضايا " العامة " التي يعممود النفممع فيهمما
علي الشعب " دافع الضرائب " !.
وإنما تغير الحال بعد جهاد طويل ،حين ألغيممت أو خففممت القيممود
المفروضة علي دخول المجالس النيابية فصار هناك من يممدافع عممن
مصالح الفقراء ويطالب لهم بممالتعليم اللزامممي المجمماني ،وبتمموفير
العلج والرعاية الصحية ،وتيسير الخدمات العامة ،وأصممبحت هممذه
نقطة بارزة من نقاط الديمقراطية .
m m m
كذلك شممملت الرقابممة البرلمانيممة أعمممال الحكومممة الخممري غيممر
الميزانية بمواردها ومصارفها – وإن ظلت هذه أهممم نقاطهمما – فقممد
كفت المجالس النيابة يد الحكومة تممدريجيا عممن " الفممراد" أفممراد "
الشعب " ،فزادت بذلك من " حرية " أولئك الفراد .
لقد كان الغنيمماء – بحكممم أممموالهم ومكممانتهم فممي الدولممة – فممي
حصانة من سلطان القانون وإن كانت الدساتير ل تقول ذلك بصممفة
رسمممية .وقممد كممان القممانون الروممماني – الشممهير بعممدالته ! -ينممص
صراحة علي التفرقممة القانونيممة بيممن السمميد والعبممد ،فيحيممط الول
بضمانات وحقمموق كممثيرة ،ويخفممف عنممه العقوبممة إذا أجممرم ،بينممما
يحيط الخير بكثير من القيممود ،ويشممدد عليممه العقوبممات علممي أقممل
هفوة تصدر عنه .
وألغممت الممديمقراطيات هممذه التفرقممة فممي نصوصممها المكتوبممة ،
ولكنهمما ظلممت قائمممة فممي عممالم الواقممع فممترة غيممر قصمميرة ،حممتي
تراجعت عنها الحكومات خطوة خطوة بجهاد طويل وكفاح قامت به
الشعوب ،فأخذت الضمانات والحقوق تتسممع لتشمممل فئات جديممدة
من " الشعب " حتي صارت تشمله كله في نهاية المطاف.
ويمن تلخيص هذه الحقوق والضمانات فيما يلي :
حق النتقال:
لم يكن حق التنقل من مكان إلي مكان مكفول في ظل القطمماع
،فقد كان معظم الناس عبيدا أو في حكم العبيممد ،وكممان هممذا مممن
المظممالم الممتي قممامت الثممورة الفرنسممية لتحطيمهمما ،وإن تكممن
الرأسمالية الناشئة كانت ذات مصلحة خاصة – في نفممس المموقت –
في تحطيم هممذا القيممد ،لتحصممل علممي العمممال اللزميممن للصممناعة ،
والممذين كممانت قيممود القطمماع تحجزهممم فممي الريممف وتمنعهممم مممن
الوصول إلي المدينة .
ولكن المر لم يتم في يوم وليلة ،فقد ظل "الفقراء " خاضممعين
لكثير من القيود في تنقلتهم ،تطاردهم الشرطة وتتهمهم بالتشممرد
وتطممالبهم بإثبممات أنهممم ليسمموا مجرميممن ! وبإيجمماد مممبرر مقبممول
لوجودهم حيث هم موجودين ! بينما الغنياء يذهبون حيممث يشمماءون
لمجرد أنهم أغنياء ،ومن ثم فهم غير مشبوهين ! .
ورويدا رويدا أخممذت تلممك القيممود المفروضممة علممي حريممة التنقممل
تذوب ،وأصبح كل إنسان – مهما يكن عمله أو مكانه فممي المجتمممع
– حرا في أن يتنقل داخل الدولممة الواحممدة ممما دام " مواطنمما " فممي
تلممك الدولممة .وكممانت كلمممة المممواطن ذاتهمما مممن المعمماني الممتي
اسممتحدثتها الديمقراطيممة ،فأصممبح المواطنممون جميعمما متسمماوين –
نظريا – في جميع الحقوق والواجبات بحكم انهممم جميعمما مواطنممون
في وطن واحد ،وأصبحوا بالفعل متساوين في كثير من الحقمموق .
أما المساواة التامة فلنا مراجعة بشأنها فيما بعد .
ونلحظ من لفظة "المواطن " في اللغات الوروبيممة “ " Citizen
أنها نبعت من المدينة “ " Cityفمن هنمماك بممدأت حركممة المطالبممة
بالمساواة ،ومن هناك طالب المطالبون بأن يتساوى كممل السممكان
– أي سممكان المدينممة – فممي الحقمموق والواجبممات ،وبعممد أن نممالت
المدينة حقوقها عمم ذلك علممي جميممع السممكان فممي المموطن كلممه ،
ولكن اللفظة الوروبية لم تتغير ،وظل اشتقاقها من المدينممة باقيمما
حيمت بعمد أن اتسمع ممدلولها فشمملت كمل السمكان .أمما اللفظمة
العربية فقد ترجمت متأخرة ،حين بدأت الفكار الديمقراطية تصبح
موضممع حممديث فممي البلد السمملمية الناطقممة بالعربيممة ،فأخممذت
المممدلول الخيممر للكلمممة ،المتصممل " بممالوطن " كلممه ل بالمدينممة
فحسب .
حق العمل:
فرق بين أن يعمل بعممض النمماس فممي العمممال الممتي يسممتطيعون
الحصول عليهمما وبيممن أن يكممون حممق العمممل مقممررا بمعنممي أن كممل
طالب عمل ينبغي أن ييسر له الحصممول علممي العمممل الممذي يصمملح
له .
ولم يكن هذا الحق مقررا مممن قبممل ،واحتمماج تقريممره إلممي جهمماد
طويل لكي يتقرر نظريا في مبدأ المممر ثممم عمليمما بعممد ذلممك ..وإن
كان من الواجهممة العمليممة لممم يتقممرر كممامل إلممي هممذه اللحظممة فممي
الديمقراطيات الرأسمالية لسباب سنشرحها بعد قليل .
في ظل القطاع الذي عاشت فيه أوروبا أكثر من ألممف عممام لممم
يكن " حق العمل " شيئا معروفا ول كان هناك مجال للحديث فيه ،
فقممد كممانت الزراعممة هممي العمممل الرئيسممي للمجتمممع القطمماعي ،
وسكان القرية أو القطاعية يعملون بحكممم المممر الواقممع فممي أرض
القطاعيممة الممتي يعيشممون فيهمما ،قلمموا أو كممثروا ،وقلممت الرض أو
كثرت ،فالرض ومن عليها ملك للقطاعي ،يعملون فممي حقمموله ،
ويوزع بعض الرض عليهم مقابل جعل معين ليزرعوها لنفسممهم إن
أمكنهم أن يوفوا بالجعل المتفممق عليممه ،والممذي يحممدده القطمماعي
حسب هواه دون ضابط معين ،فكل من كبر من الولد الذكور من
سكان القرية فهو يعمممل تلقائيمما فممي الرض ،يعمماون أبمماه وأسممرته
ويسكن في بيت السرة ،ويأكل من طعامها قل أو كثر ،ويلبس ما
تتيح له الظممروف أن يلبممس مممن المنسمموجات اليدويممة الممتي تنتجهمما
القرية ،والحياة قليلة التكاليف وإن كان الكل يعيشون عيشة الفقر
المدقع ول يجدون غير الكفاف .
أما في المدينة فقد كان يسكن فريق ممن مموظفي الدولمة وهمم
قليلون ،وفريق من أصحاب الصناعات اليدويممة – وهممي الصممناعات
الوحيدة يومئذ – وفريق من التجار ،وفريق من أصممحاب الحمموانيت
التي تبيع الحاجيات للناس ،وأصحاب المقمماهي والنممزول ) الفنممادق
الصممغيرة ( وفريممق مممن المرابيممن اليهممود ،وفريممق مممن أصممحاب
الثروات من القطاعيين الذين يتنقلون دائما ممما بيممن المدينممة وبيممن
بيوتهم – أو قلعهم – فممي داخممل إقطاعيمماتهم ،وفريممق مممن البغايمما
اللواتي يعشن علي بيع أجسادهن لمن أرد من كمل همؤلء ،وبصمفة
خاصة أصحاب الثروات .
خلصة القول أن كل واحممد مممن سممكان المدينممة لممه عملممه الممذي
يعيش منه ،أوله ثروته التي تكفل لممه الحيمماة هنمماك بل عمممل ..ول
يتكلم أحد عن حق العمل في الريف ول فممي المدينممة ،لن الحاجممة
إليه لم تكن قد برزت بعد في ذلك المجتمع في ذلك الحين .
ولكن الثورة الصناعية قلبممت هممذه الوضمماع كلهمما وغيرهمما ،حيممن
توافد إلي المدينة اعداد هائلة من العبيد المحررين من القطاع بعد
تحطيمممه يبحثممون عممن العمممل فممي المدينممة ،ولممم تكممن الصممناعات
الناشئة تستوعب ذلك العدد كله وقممتئذ ،ول كممانت هممذه الصممناعات
مستقرة ومتمكنممة ،فقممد كممان كممثير منهمما يفلممس لسممباب مختلفممة
وتقوم مقامها مشروعات جديدة وهكذا .
ومن طبيعة العامل الذي نزح مممن الريممف إلممي المدينممة أل يحممب
الرجوع إلي الريف ولو بقي عاطل في المدينة ! فإنه بعد أن يعيش
في المدينة الفسيحة المتعددة جوانب النشاط ،ويتعود في حممدوده
الضيقة علي ألوان من المدينة ،ول وجود لها في الريف ،ويحس "
بالحرية " حريته في أن يتصرف في أممموره الشخصممية كيممف يشمماء
دون تممدخل أو تحريممج مممن مجتمممع المدينممة ،بينممما مجتمممع الريممف
محكوم أبدأ بتقاليده ،وبالتعاوف الشخصي بيممن كممل أفممراده ،مممما
يضيق مجمال تلمك الحريممة ..بعمد ذلمك كلمه ل يحممب أن يرجممع إلممي
الريف الذي " تحرر " منه ،ويفضل أن يبقي متسممكعا فممي المدينممة
ولو ضاقت به سبل العيش .
ولكن القضية لم تكن قضية هذا الفرد أو ذاك ،إنما صارت قضية
ألوف من هؤلء العمال وألوف تجتذبهم المدينة والبحث عن فممرص
العمل فيها ،ثم ل تتسع لهم ،وهي في الوقت ذاته تكبل أقممدامه "
بسحرها " الخاص فل يفارقونها!
وأصبحت القضية في حاجة إلي حل ..إلي تقرير " حق العمممل "
لللوف العاطلين في المدينة ،وإيجاد أعمال تستوعبهم .ولم يكممن
ذلك يسيرا فممي مبممدأ المممر ..ول تممزال كممل الحلممول الممتي تقممدمها
الرأسمالية غير حاسمة تماما في هذه النقط ،وإن كممان قممد حممدث
تقدم ضخم في هذا التجاه من خلل المعارك التي قامت من أجممل
الحل ،وتعرض فيها ألوف من العمممال للسممجن والتشممريد والممموت
جوعا علي الرصفة بل مأوي ،والموت بالسل وغيممره مممن أمممراض
سوء التغذية وسمموء التهويممة التممدفئة فممي صممقيع أوروبمما البممارد فممي
الشتاء.
لم يكن الحل سهل لكثر من سبب في آن واحد .
ففكرة المسئولية غير قائمة أصل في ذهن أحد الناس ! فالدولممة
لم تمارس هذه المسممئولية مممن قبممل أبممدأ ،ول تحممس أنهمما ملزمممة
بممارستها !.
لقد كممانت الدولممة دائممما هممي دولممة الغنيمماء ! تحممس بالمسممئولية
الكاملة عن راحممة الغنيمماء ورفمماهيتهم وصممياغة المممور كلهمما بحيممث
تستجيب لمطالبهم وتحقق لهم رغائبهم .أما ذلك الهمل من القطع
الدميممة الملقمماة هنمما وهنمماك فهممؤلء يتحملممون مسممئولية انفسممهم !
عليهممم هممم أن يبحثمموا عممن حكمممة وجممودهم وأن يممدبروا أمممورهم
بأنفسهم ! فإن ماتوا جوعا فهذا قدرهم ! مع التظاهر بالعطف علي
هؤلء " المساكين" الممذين قممدر اللممه لهممم الفقممر والجمموع والمممرض
والهلك ،أو مممع الشممماته فيهممم لنهممم ل يسممتحقون الوجممود أصممل
ويستحقون كل ما يحدث لهم !
وكانت المعركة مع " ضمير " دولة الغنياء طويلممة ومريممرة حممتي
تزحزحممت عممن موقفهمما العنيممد تممدريجيا ،ورضمميت بممأن تتحمممل
المسئولية عن هممؤلء الفقممراء ،وإن كممانت المسممئولية الكاملممة لممم
تتخذ بعد في أية دولة من الدول الديمقراطية الرأسمالية .
أما أصحاب المصانع فقد كانوا أبعد عن تحمل المسئولية وأقسي
في معاملة أولئك الفقراء .
إن فكرة المسئولية بعيدة عن ضمائرهم بعدا كمامل ،وقمد قماموا
منذ أول لحظة علي غير أساس إنساني ..إنما قماموا علمي أسماس
تحقيق أكبر قدر من الربح ،بأية وسيلة تحقق ذلممك الربممح ،وكممانت
الوسيلة القريبة إلممي أيممديهم هممي تطويممل سمماعات العمممل وخفممض
1
الجور إلي أقصي حد مستطاع
وبصرف النظر عممن تممأثر الرأسمممالية كلهمما بممأخلق اليهممود الممذين
أشرفوا عليها من بدايتها – واليهممود هممم عبممده العجممل الممذهبي مممن
قديم – فإن الرأسمالية في حد ذاتها نظممام جمماهلي ..ومممن طبيعممة
الجاهليمممة أن تظلمممم المستضمممعفين ،وأن يطغمممي فيهممما أصمممحاب
السلطان علممي مممن ل سمملطان لهممم ،إل أن يحجزهممم عممن الظلممم
حاجز قهري ل يملكون قهرة بجبروتهم .
ولقد اسممتخدم العمممال سمملح الضممراب ضممد جشممع الرأسممماليين
فكانوا يضربون عن العمل ويطالبون بخفض سمماعات العمممل ورفممع
الجممور 2وهنمما تلجممأ الرأسمممالية إلممي " جيممش العمماطلين" تشممغهم
بدريهمات قليممة مسممتغلة جمموعهم وحمماجتهم القاسممية إلممي المممال ،
لتضممغط بهممم علممي العمممال المضممربين حممتي يعممودوا إلممي أعمممالهم
صاغرين ) ومن هنا كان تشغيل المرأة بنصف أجر ،الذي بدأت منه
" قضية المرأة " بادئ ذي بدء ثم استفحلت فصارت قضية مساواة
كاملة في كل شئ (
لذلك كان الجو من أول لحظة بين الرأسماليين والعمال هممو جممو
العداء والصراع ل جو المودة والتراحم ،فلم يكن مممن المتصممور أن
يتحممرك ضممميرا الرأسممماليين بالشممعور بالمسممئولية تجمماه أولئك "
العداء" الذين يريدون أن ينقصمموا مممن أربمماحهم بالمطالبممة بخفممض
ساعات العمل ورفع الجور تارة ،والضممراب عممن العمممل وتعطيلممه
تارة أخري !
ولم يشعروا بهذه المسئولية عن طيب خاطر أبممدأ فممي يمموم مممن
اليام ! إنما كانوا يتراجعوا عن مواقعهم خطموة خطموة تحمت تممأثير
التهديد المسممتمر ..وكممل ممما قممامت بممه الرأسمممالية مممن ضمممانات
للعاطلين إنما كان تحت تهديدين عظيميممن :تهديممد الضممراب الممذي
يصيبهم بقدر من الخسائر اكبر مما يتنازلون عنه من فائض أرباحهم
للعمال ،وتهديد الشيوعية !
تقول الشيوعية إن هذا من طبيعة الراسمالية ذاتها ،ول علقة له بالخلق لن الرأسمالي بطبعه محب للربممح ،سمماع 1
إليه كما تسعي القطعة إلي أكل الفأر !! ونقول نحن إنه ليس من طبيعة الرأسمالية في ذاتها ،إنما هو مممن طبيعممة "
النسان" حين يطغي ،أي حين ل يلتزم بشرع الله ومنهجه ،وقد كان القطاع علي نفس الوجهه من قبل مممع اختلف
الصورة الظاهرية ،فكان القطاعي يسعي إلمي الربمح علمي حسماب إنسمانية العبيمد وكرامتهمم وجهمدهم وإن تظماهر
بمالعطف " البموي " علمي " رعايماه " ! يقمول رب العمالمين " :كل ! إن النسمان ليطغمي أن رآه اسمتغني" ) سمورة
العلق (7-6 :ويقول ":إن النسان لربه لكنود ،وإنه علي ذلك لشهيد .وإنه لحب الخير لشديد " ) سممورة العاديممات :
(8-6إما المؤمنون فلهم صفات أخري سواء كانوا يعيشون في مجتمع رعوي أو زراعي أو صناعي أو خلف ذلك !
مازالوا يطالبون إلي هذه اللحظة !! 2
وشيئا فشيئا أخذت هذه الجاهلية تعدل مواقفها من " حق العمل
" سواء علي مساوي الدولة أو مسممتوي الرأسمممالية الحممرة ،حممتي
قبلت أخيرا مبدا المسئولية وإن لم تقم به كامل إلي هذه اللحظة .
وثمممة صممعوبة أخممري تفممق أمممام حممق العمممل الشممامل فممي
الرأسمالية ،هو أن العمال بالطريقة التي تقوم بهمما الرأسمممالية ل
تتسع لكل اليدي الراغبة في العمممل أو القممادرة عليممه ،خاصممة وأن
التقدم " التكنولوجي " يزيد باستمرار من قممدرة اللممه علممي النتمماج
ويخفض من عدد اليدي اللزمة لدارتهمما ،فتحممدث زيممادة مسممتمرة
في اليدي العاملة الفائضممة عممن الحجممم الممذي يحتمماج العمممل إيممه ،
وتتعقد المشكلة باسمرار .1
التوفيممق بيممن الطبقممتين المتصممارعتين فممي المجتمممع الرأسمممالي
وهما طبقة العمممال ) أي الشممعب !( وطبقممة الرأسممماليين ،قممامت
بجهد متواصل حتي قممررت حممق العمممل مممن حيممث المبممدأ وجعلممت
الدولة ترضي بتحمل مسئوليتها في هذا الشأن .
وحيممن نقممول " الديمقراطيممة " فنحممن نقصممد فممي الواقممع كفمماح
الطبقممة المظلومممة تمنممح الحقمموق للراغممبين ! وإل فممإن النظممام
البرلماني في ذاته وهو أداة الحكم في الممديمقراطيات – لممم يتسممع
لحقوق الفقراء إل تحت القهر والضغط ..فإذا كممانت هممذه الحقمموق
قممد أصممبحت اليمموم سمممة مممن سمممات الديمقراطيممة فليممس لن
الديمقراطيممة ولممدت علممي هممذه الصممورة ،أو انهمما يمكممن أن توجممد
تلقائيا في أي بلد علي هذه الصورة ! ولكن لن صراعا حادا نشب ،
هو الذي أعطي الوضاع صورتها الراهنة ،ولو لم يقم ذلك الصممراع
لبقيت الديمقراطية كما كانت حكما صرفا للغنياء دون الفقراء !.
حق التعليم:
لم يصبح التعليم حقا" للشعب " في أوروبا إل بعد كفاح مرير .
ففي ظل القطاع لم يكن للتعليم كله شأن يذكر .ولكممن السممادة
علي أي حال كانوا يتعلمون في القصور ما يليق بهم من العلم فممي
ذلك الحين .يتعلمون اللتينية والغريقية والشممعر والدب ونصوصمما
من الكتاب المقدس وشيئا من الحساب وما شابه ذلممك .أممما أبنمماء
الشممعب فمإن تعلمموا شميئا ممن الكتماب المقممدس علمي دي راعمي
البرشية فذلك حسبهم وزيادة ! فما الذي يصنعون بالعلم وهم فممي
داخل سياج القرية أو القطاعية قد ل يفارقهمما الواحممد منهممم طيلممة
حياته إنما يتلقي الصبي منهم " ثقممافته " مممن أحمماديث الكبممار الممتي
من الحلو التي قامت بها بعض الدول المتقدمة صناعيا منح يومين عطلة بأجر بمدل مممن يموم واحمد فمي السمبوع مممع 1
ورويدا رويدا – تحت تأثير الحتجاج المستمر من " الشعب " بكل
وسممائل الحتجمماج – خففممت القيممود علممي النمماخبين والمرشممحين
كليهما ،فظل النصاب المالي يخفف عمن المرشمحين وألغمي إلغماء
كامل عن الناخبين مع تخفيض السن التي يجوز فيها الترشيح والتي
يجوز فيها النتخمماب حممتي صممارت الن إحممدي وعشممرين سممنة لهممذا
وذاك في معظم بلد الرض .
وقد استغرق هذا زمنا طويل حتي تقمرر ،كمما احتماج إلمي نضمال
مسممتمر ،مممع التعممرض الممدائم للمتمماعب حممتي أصممبح اليمموم مممن
البديهيات المقررة الممتي ل تحتمماج إلممي ذكممر ،فأصممبح مممن حممق أي
إنسممان بلممغ إحممدي وعشممرين سممنة أن يكممون لممه صمموت انتخممابي
بشرطين أثنين ،الول أن يكون مقيممدا فممي الممدائرة الممتي يريممد أن
يدلي فيها بصوته والثاني أل يكون قد صممدر ضممده حكممم فممي قضممية
مخلة بالشرف والشرف في عرفهم ل يتعارض مع الباحية الجنسية
بطبيعة الحال ول مممع العربممدة والمجممون ! إنممما يتعممارض فقممط مممع
الغتصاب ومع السممكر الممذي تصممحبه جريمممة ! كممما تعتممبر السممرقة
ستناقش مدي التمثيل الحقيقي فيما يلي من هذا الفصل 1
والغش والحتيال ..إلخ جرائم مخلفة بالشرف ( كما أصبح من حق
أي إنسان بلغ هذه السن ويجيد القراءة والكتابممة ولممم يصممدر ضممده
حكممم فممي قضممية مخلممة بالشممرف أن يرشممح نفسممه للبرلمممان ) ول
ننسي أن المرأة ظلت تلحق الرجل في همذه الحقموق حمتي نالتهما
في كثير من الديمقراطيات في الفترة الخيرة (
وفي داخل البرلمان توضع كممل الضمممانات الممتي تتيممح للعضممو أن
يعبر عن رأيه ،وأن ينتقد الحكومممة سممواء اعضمماؤها أو رئيسممها بممما
شاء من وسائل النقد وعباراته إل أن يكمون سممبب شخصميا صمريحا
… ويحاط العضو " بالحصانة البرلمانية " التي تكفل عدم محاسممبته
علي أي عبارة يتفوه بها داخل البرلمان ) ما تكن سببا شخصيا كممما
قلنا ( وإن كان يحق للحكومة أن تطلب من البرلمان رفع الحصممانة
البرلمانية عن أحد العضاء إذا رأت أنه تجاوز الحريممة المباحممة لممه ،
وعندئذ يقدم للمحاكمة إذا وافق البرلمان علي الحصانة عنه ) وقممد
يكتفي بتأديبه بمنعه من حضور عدد مممن الجلسممات أو يطممرد نهائيمما
من البرلمان وتخلو دائرة للنتخاب فيها من جديد(
وبهذه الضمانات يملك العضو – نظريا علي القل – حرية واسممعة
وإمكانية ضخمة لتوجيه الحكومة إلممي الطريممق الممذي يممري أنممه هممو
الصواب ،ويملك البرلمان في مجموعة -نظريا كذلك علي القل –
سلطة توجيه الحكومة وتقييد تصرفاتها وجعل الشعب حارسا علممي
هذه التصرفات .
أما في خارج البرلمان فالحقوق السياسية تتضمن حريممة التعممبير
عن الرأي – بكل وسائل التعبير – وحرية النقد وحرية الحتجاج .
فأما التعبير عن الرأي سواء بالتأييممد أو المعارضممة فيأخممذ صممورة
النتماء الحزبي ،أي حرية أي إنسان في النتماء إلي أي حزب مممن
الحزاب القائمة – مادامت ليست محظورة بأمر القانون – والكتابة
في الصحف ) ووسائل العلم الخري في البلد التي تكون الذاعممة
والتلفزيممون فيهمما مملمموكين لشممركات وهيئات وليسمما مملمموكين
للحكومممة ،كممإنجلترا وفرنسمما وأمريكمما ( والخطابممة فممي المنتممديات
العامة والخاصة ،والشتراك في مظاهرة سلمية بعد الحصول علي
إذن من السلطات بقيام المظاهرة ) وكممثيرا ممما تقمموم المظمماهرات
بغير إذن ! وعندئذ تتصرف السلطة بما تراه مناسبا :إما أن تعترف
بالمر الواقع إذا رأت أنه ل ضرر من المظاهرة وإما أن تصطدم بها
وتفرقها وتقبض علي بعض زعمائها وتقدمهم للمحاكمة !(
وأممما الحتجمماج فيأخممذ صممورة الضممراب عممن العمممل وتشممكيل
المظاهرات ،وهو نوع من التعبير عن الرأي علي أي حال وإن كان
أكثر خشونة من سابقة ،لنه يتجاوز النقد إلي الحتجاج .
ويشمل هذا وذاك حرية الجتماع ،أي حق الناس في أن يجتمعوا
في أي مكان ليتدارسمموا أمممرا معينمما أو ليبممدوا رأيهممم فممي موضمموع
معين أو لينتقدوا تصممرفا معينمما مممن تصممرفات الحكومممة أو ليحتجمموا
علي شئ من ذلك كله .
وتكون الجتماعات عادة في مقار الحزاب ،وهذا ل تحتماج عمادة
إلي طلب تصريح من السلطة مادام الحمزب مصمرحا بمه أصمل ،إل
أن يكون دعوة عامة إلي مؤتمر أو اجتماعمما مكثفما فممي مكممان غيمر
مقر الحزب ،أو أوسع من المقر بحيث يشمممله ويشمممل امتممداد لممه
في الطريق العام .
أو تكون في الجامعات أو في قاعات المحاضرات العامة ،أو في
الطريق العام ،وهذه تحتاج إلي تصريح مسبق من السلطات .
وكل هذه الحريات ،التي أصبحت اليمموم مممن البممديهات المقممررة
فممي الديمقراطيممة لممم تكممن كممذلك يمموم بممدأت الديمقراطيممة فممي
الظهممور ،بممل كممانت القيممود شممديدة جممدا والحريممات ضممئيلة ،فل
الصحافة كانت تملك الحرية الواسعة في النقد ،ولحريممة الجتممماع
كانت قائمة ،ول حرية الحتجاج ،إنما فرض " الشممعب " كممل ذلممك
فرضمما علممي الحكومممات بالضممغط المسممتمر واللحمماح الممدائب ،
والتعرض للسجن والعقال والترشيد ويحفل التاريخ " الممديمقراطي
" ! بألوان من الضطهاد ذاقها المدافعون عممن هممذه الحقمموق حممتي
أصبحت أمرا مقمررا و " تقاليمد " مرعيمة فمي المديمقراطيات .وإل
فقد كان كل نقد حاد في الصحف يعتبر خروجا علي القانون تصممادر
الصمممحيفة ممممن أجلمممه ويمنمممع صمممدورها ويحبمممس محمممرر المقمممال
والمسئولون عن الصحيفة بسممببه ،وكممان كممل اجتممماع يعتممبر شممغبا
ويفرق بالقوة ،وكانت المظاهرات تعتبر عمل غير مشممروع يعمماقب
عليه بالسجن أوالعتقال أي مدة من الزمن دون محاكمة !
واحتاج المممر إلممي ضممغط البرلمانممات وضممغط الخطبمماء والكتمماب
لتعديل القوانين التي تبيح ذلك كله ،وتقييد يد الحكومة في التنكيل
باعدائها السياسيين أو بالشعب عامممة ،حممتي " تعممودت" الحكومممات
ان تستمع للنقد وهي ساكتة ن وأن تترك لمطاردتهم أو كفهممم عممن
الحتجاج والعتراض .
وإذا قلنمما أن مممائة سممنة علممي القممل مممن النضممال المسممتمر قممد
استغرقت حتي وصلت بالمر إلي صورته الحاليممة ل نكممون مبممالغين
في ذلك ،فإننا ما نزال نري ذيول للمعركة حتي وقتنا الحاضر رغممم
كل ما قررته الديمقراطيات من الحريممات ،كمان آخرهما مظماهرات
العنف في فرنسا منذ سنوات ،وما تقوم به الحزاب الشيوعية من
المعارضة العنيفة في كل بلد ديمقراطي سمح للحممزاب الشمميوعية
فيه بالنشاط !
وبصرف النظممر عممن اتجمماه الحريممة فممي البلد الديمقراطيممة 1فل
شك أن الحرية السياسية من أبرز ما تشممتمل عليممه الممديمقراطيات
ومن أهم ما تشتمل عليه .
m m m
حين يطلق الشيوعيين علي الديمقراطيممة الغربيممة وصممف " الليبراليممة فهممم يقصممدون بممه الممذم ل المممدح ويعنممون بممه 2
الديمقراطية التي يتمتع فيها الرأسماليون بحرية استغلل الطبقة الكادحة وسنناقش هذه النقطة بعد قليل
الليبرالية يكون المال في يد الطبقممة الرأسممالية فهممي الممتي تملمك
ومن ثم فهي التي تحكم ،وهممي الممتي تضممع التشممريعات فهممي الممتي
تملك ومن ثم فهي التي تحكم ،وهي الممتي تضممع التشممريعات أنممتي
تحمي مصالحها ضد مصالح الطبقة الكادحة .
وهذه القولة صادقة إلي حد كبير وتوشممك أن تكممون صممادقة كممل
الصدق لول أن الطبقة الكادحة لم تستسلم تماممما كممما كممانت قبممل
ثورتها علي القطاع ،بممل قمماومت وقممامومت ..وحصمميلة مقاومتهمما
هي التي أحدثت الفرق بين وضعها في ظمل القطماع ووصمفها فمي
ظل الرأسمالية .
ولكن تعال ننظممر – رغممم ذلممك – إلممي حقيقممة الواقممع ،ونسممأل –
بموضوعية كاملة – لصالح من تجري الحياة فممي ظممل الديمقراطيممة
الليبرالية ،ومن هو المستفيد الكبر ،ول نقول كما تقول الشيوعية
إنه المستفيد الوحيد .
لشك أن المور تجري – في عمومها – لمصلحة الرأسماليين !
ورغممم كممل التنممازلت الممتي أكرهممت الرأسمممالية علممي تقممديمها
للشممعب فممما زال الغنممم الكممبر فممي أيممديهم ،والفتممات فممي يممد
الجماهير .
ل نقول – كما تقول الشيوعية – إن المنتج الحقيقممي هممو العامممل
وإنممه هممو الممذي يسممتحق وحممدة حصمميلة النتمماج ،فتلممك مغالطممة
سنناقشها حيمن ننمماقش الشمميوعية فمي الفصممل القممادم ،ول نقمول
كذلك – كما تقول الشيوعية – إن أصحاب رؤوس الموال هممم قمموم
ل عمل لهم إل التطفل علي دماء الكادحين ،بينما هو ل يسممتحقون
منها شيئا عي الطلق لنهم ل يعملون بأيديهم .
ل نقول هذا ول ذاك ..ومع ذلك فلننظر إلي الفارق الضخم الممذي
يفممرق بيممن دخممول الرأسممماليين ودخممول العمممال ..هممل هممو فممارق
طبيعي ؟ هل هو فممارق عممادل ؟ هممل هممو فممارق ل يممؤثر فممي القيممم
والمبادئ المتعلقة بإنسانية النسان ؟!
كيممف جمماء هممذا الفممارق بممادئ ذي بممدء ؟ هممل هممو حقيقممة نتيجممة
العبقرية الفذة التي خص الله بها الرأسماليين وحرم منها بقية عباد
الله ؟! أم هي مغتصبة اغتصابا بوسائل غير مشروعة ؟!
هل كانت الرأسمالية عادة منذ البدء في تحديد أجور العمال ؟ أم
كان تحديدها قائما علي أسوأ نوع من أنواع استغلل ؟ وحممتي حيممن
خفضت ساعات العمل ورفعت الجور بعد الصراع المرير الذي قام
به العمال ،فهل حدثت العدالة النسانية الواجبة ؟
أن تضخم رؤوس الموال ينشأ ابتداء من امتصمماص دممماء العمممل
وعدم توفيتهم أجورهم ..وقد يكممون تحديممد الجممر مسممألة اجتهاديممة
تختلف من وقت إلي وقت ومن حال إلممي حممال .ولكممن لممه حممدودا
عامممة ل ينبغممي أن يخممرج عنهمما ،وهممي تمموفير " الحيمماة الكريمممة "
للنسان الذي يبذل جهده ليعيش .
ويجي تضخم رؤوس الموال كذلك من إقامممة الحيمماة كلهمما علممي
الساس الربوي الذي يمقته الله .
خب ّ ُ ْ
هطمم ُ ذي ي َت َ َ م اّلمم ِممما ي َُقممو ُ ن إ ِل ّ ك َ َ مممو َ ن الّرَبمما ل ي َُقو ُ ن َيممأك ُُلو َ َ }اّلمم ِ
ذي
َ طان من ال ْمس ذ َل َ َ
ه ل الل ّم ُ ح ّ ل الّرَبا وَأ َ ما ال ْب َي ْعُ ِ
مث ْ ُ م َقاُلوا إ ِن ّ َ ك ب ِأن ّهُ ْ َ ّ ِ شي ْ َ ُ ِ ْ ال ّ
ف سمل َ َمما َ ه َ ن َرب ّهِ َفمانت ََهى فََلم ُ م ْ ة ِ عظ َ ٌ مو ْ ِ
جاَءهُ َ ن َْ م الّرَبا فَ َ
م حّر َ ال ْب َي ْعَ وَ َ
عاد فَأ ُول َئ ِ َ َ َ
ن) دو َ خال ِم ُ م ِفيهَمما َ ب الن ّممارِ هُ م ْ حا ُ ص َكأ ْ ْ ن َ َ م ْمُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ وَأ ْ
َ
ل ك َّفارٍ أِثيم ٍ ب كُ ّ ح ّ ه ل يُ ِت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ حقُ الل ّ ُ م َ (275ي َ ْ
)] {(276سورة البقرة [276-2/275
والذي قال عنه الدكتور " شاخت " اللماني في تقممرر اعممده فممي
الربعينات مممن هممذا القممرن إن نممتيجته الحتميممة هممي تممزادي رؤوس
الموال في يد فئة يتناقص عددها علممي الممدوام وزيممادة الفقممر فممي
عدد متزايد من الناس !
ويجئ تضخم رؤوس الموال أيضمما مممن إنشمماء صممناعات تافهممة ل
يحتاج إليها النسان الجاد الذي يعيش لهداف جادة ،بل هي تفسممد
الخلق وتميع الطبمماع وتشمغل النماس بالتفاهممات بممدل مممن شممغلهم
بآفاق الحياة العيا ..وكل ذلك لنهمما أكممثر ربحمما ..ولن دوره المممال
فيها أسرع بكثير من دورته في الصناعات الحقيقة التي تؤدي هممدفا
جادا في حياة النسممان ..كصممناعة السممينما وصممناعة أدوات الزينممة
والتفنن في " المودات ط سواء مودات الملبس أو مممودات الثمماث
في البيوت أو مودات السيارات في الطريق .
تلممك أدوات التضممخم الرأسمممالي أو هممذه أبرزهمما ..فأيهمما أدوات
طبيعممة ؟ وأيهمما أدوات عادلممة ؟ وأيهمما أدوات ل تممؤثر فممي إنسممانية
النسان ؟
ول يقممولن أحممد :هممذه هممي الرأسمممالية ،ولكننمما نتكلممم عممن
الديمقراطية ! فالواقع أنه ل يمكن فصل هذه عن تلك!
أن هذه الديمقراطية – بمجالسها النيابية ،بمثلي الشممعب فيهمما –
0هي التي تصدر القوانين التي تبيح للرأسمممالية أن تتصممرف علممي
هذا النحو دون أن تتدخل فيها ،بل – في الحقيقممة – دون أن تجممرؤ
علي التدخل فيها !
ومممن ناحيممة أخممري فممإن الرأسمممالية هممي المموجه القتصممادية
للديمقراطية الليبرالية ،كما أن الديمقراطية الليبراليممة هممي المموجه
السياسي للرأسمالية !
ولسنا نقول – كما تقممول الشمميوعية – إن الوضممع القتصممادية هممو
الذي يشكل الفكار والعقممائد والنظممم والمؤسسممات الممتي تتمشممي
معه وتخدم أهدافه .
وإنما نقول – ونممراه ادنممي إلممي الصممواب -إن الوضممع القتصممادية
والوضع السياسي – ) والوضع الجتماعي كذلك كممما سمميجئ( كلهمما
أوجه متناسقة مع النظام أو الفكرة التي تقوم عليها ،ولكها منبثقممة
من أصل واحد مشترك هو " النسان " مستقيما أو منحرفا ،وعلي
أي نحو هو منحرف ،فأما إن كان مستقيما ) أي علي النهج الرباني
( فهو يصوغ حياته :القتصممادية والسياسممية والجتماعيممة والفكريممة
والروحية ..إلخ علي مقتضي المنهج الربمماني ،وهممو منهممج متناسممق
في جميع وجوهه ومتكامل بعضها مع بضممع ،وأممما أن كممان منحرفمما
فبحسممب نمموع انحرافممه تكممون أوضمماعه القتصممادية والسياسممية
والجتماعيممة والفكريممة والروحيممة ..إلممخ وتكممون متناسممقة مممع لممون
النحراف الذي يقع فيه ذلك " النسان " فليس القتصمماد هممو الممذي
يصوغ السياسية ول السياسية هي التي تصوغ القتصمماد ،إنممما هممما
معا – ومعهما بقيممة وجمموه الحيمماة – يصمموغها النسممان متممأثرا بنمموع
انحرافه .
والنحممممراف الممممذي يتخممممذ الرأسمممممالية وجهممممة القتصممممادي ،
والديمقراطية الليبرالية وجهة السياسي ،والتفكك الجتماعي ) كما
سيجئ( وجهة الجتماعي ،هو أول انحراف عن شريعة الله ومنهجه
المنممزل لصمملح الحيمماة وإقامتهمما بالقسممط ،وهممو مممن جهممة أخممري
انحراف الفردية الجامحة التي تريد أن تفعل ما تشاء Laissez Faire
) . Laissez Passerدعه يفعل ما يشاء ،دعه يمر من حيث يشاء !(
هذه الفردية الجامحة تأخذ في القتصاد صورة الرأسمممالية ،وتأخممذ
في الجتممماع صممورة المجتمممع المفكممك الروابممط المنحممل الخلق ،
وهي انحرافات متناسقة بعضها مع بعض ،متكاملة بعضها مع بعض ،
ول يمكن فصل بعضها عن بعض!
فالذين يقولممون نأخممذ الديمقراطيممة صممورة سياسممية وليممس مممن
الضممروري أن نأخممذ معهمما الرأسمممالية الجامحممة هممم واهمممون فممي
محاولة فصل وجه من هذا النظام عن وجه آخر ..أو هممم يتحممدثون
عن شئ آخر غير الديمقراطية الليبرالية ل نعلم صممورته علممي وجممه
التحديد !
ومهممما يكممن مممن أمممر فممإن الديمقراطيممة الليبراليممة – الموجممودة
بالفعممل ،ل المتخيلممة فممي الذهممان – هممي هممذه الممتي تحتمممي بهمما
الرأسمالية وتلعب لعبتها من خللها وسنتكلم في الصفحات القادمة
عن أبعاد اللعبة كلها التي تتم من وراء الصورة السياسممية المتمثلممة
فممي الديمقراطيممة الليبراليممة ،ولكننمما نقممرر هنمما حقيقممتين تبممدوان
متناقضتين في الظاهرة ولكنهممما فممي الحقيقممة غيممر متناقضممتين إذا
أنعمنا النظر فيهما :
الولي :أنه من خلل النظام الديمقراطي نال " الشعب " ماناله
من حقوق وضمانات .
والثانية :أن الرأسمالية هي صاحبة الهيمنة وصاحبة التشريع ممن
وراء اللعبة الديمقراطية بأكملها .
ولزالة التناقض الظاهري بين الحقيقتين نقممول أول :أن الشممعب
نال ما ناله من الحقوق من خلل صراعه وكفاحه ودأبة فممي إحممراج
الرأسمالية واقتناص الحقوق والضمانات منهمما ،فهممو ينتزعهمما منهمما
انتزاعا وهي تتنازل عنها كارهة ومكرهة ،وإن يقظة الشممعب بممدأت
منممذ ثممار علممي القطمماع وليممس منممذ اتخممذا الديمقراطيممة ! بممل
الديمقراطية هي ثمرة ثورته فهي نتيجة لسبب .
ونقول ثانيا :إنه علممي الرغممم مممن ذلممك فقممد تركممت الرأسمممالية
الثمموب – ثمموب الديمقراطيممة -يلبسممه الشممعب ،ونفممذت هممي إلممي
مصالحها من خلله فنالت كل ما تريد من تشمريعا تحمممي مصممالحها
وتتيح لها أن تقوم بكل مظالما ! فإذا كانت قد اضطرت للتنازل عن
بعض المصالح تحت ضغط الشعب ،فهي من جهة قد تنممازلت عممن
فتمات ل يممؤثر تممأثيرا حقيقيما فممي مصممالحها ،فمما تنممازلت عنمه همو
قطممرات مممن فممائض ارباحهمما ،وممما تممزال أرباحهمما تتزايممد بصممورة
جنونية ! وهي من جهة أخري قد تنازلت عن هممذا الفتممات لنهمما لممم
تأمن علي نفسها إذا ظلت في موقف التصلب أن تفقد ثروتها كلهمما
وكيانها كله ! ففي نظرها هي أنهمما ألقممت للكلب الجائعممة بلقيمممات
تلهيها بها خوفا من أن تأكلها الكلب ! فخوفا من الشيوعية تنممازلت
الرأسمالية الغربية عما تنازلت عنه ،وخوفا من أن تدمر الضرابات
كل الرباح !
فل تناقض إذن بين الحقيقتين ،والرأسمالية هممي صمماحبة النظممام
كله وهممي المسممتفيد الول منممه ،ول عليهمما أن يتزيمما الشممعب بممزي
الحرية ..أو الحرية والخاء والمسمماواة 1ولننظممر فممي هممذه الحريممة
علي حقيقتها ..
لشك أن الفرد في الديمقراطية الليبرالية حممر حريمة كاملمة كمما
يبدو ) في الظاهر ( في أن يتخذ قراراه دون ضغط مممن أحممد ،وأن
يعبر عن رأيممه بحريممة ،وان يممدعو لرأيممه بكممل وسممائل الدعايممة وأن
يختار المرشح الذي يمثله في البرلمان والذي يشرف علممي أعمممال
الحكومة ويهيمن علي تصرفاتها .
ولكن دعنا نتأمل الحقيقة الكامنة وراء هذا الظاهر ..فمممن الممذي
يصوغ لهذا الفرد أفكاره أو – من زاوية أخري – من الممذي يشممكل "
الرأي العام " الذي يوجه هذا الفرد لتخاذ قراره !
أنهمما وسممائل العلم ! الصممحافة والذاعممة والسممينما والتليفزيممون
والخطبة والمحاضرة والكتاب .
ودعك – موقتا – مممن أن وسممائل العلم تشممرف عليهمما اليهوديممة
العالمية وتوجهها الوجهة التي تخدم مصالحها ،فلنا عممود إلممي هممذه
النقطة في مكان آخر من هذا الفصل .
أنما نقول – مؤقتا – إن الذي يملك وسائل العلم هو الرأسمالية
) بصرف النظر عن ملتها !(
أن الصحافة – وقد كانت وما تزال مممن أشممد وسممائل التممأثير – ل
تستطيع أن تعيش بل معونة خارجية ،فهي تتكلف بالفعممل أضممعاف
الثمن الذي تباع به للجمهور ،والثمن الذي تباع به للجمهور ل يصل
كله إلي أصحاب الصحيفة فهناك في الوسط وسمميطان أثنممان علممي
أقل تقممدير هممما الممموزع العممام الممذي يتكفممل بأخممذ مجممموع النسممخ
المطبوعة وبيعه للبائع الصغير ) أي الذي يبيع مجموعة صغيرة مممن
النسخ ( ثم هذا الموزع الصغير المذي يمبيع للجمهمور .فمإذا تصمورنا
جدل أن ثمن النسخة للجمهور هو مائة وحممدة فممإن خمسممين وحممدة
علي القل إن لم يكن أكثر يتقاسمها هذان الوسيطان ،والباقي هممو
الذي يرد إلممي الصممحيفة مممع " المرجمموع" أي النسممخ الممتي لمم يتممم
توزيعها ول عائد لها علي الطلق ..,فكيف تغطي الصحافة تكاليفها
ثممم تربممح فمموق ذلممك أرباحمما طائلممة ؟ إنهمما تعتمممد – أساسمما – علممي
العلنات ثم علي العانات من أي طريق تجئ .
والعلنممات – بطبيعممة الحممال – فممي يممد الشممركات والمؤسسممات
الصناعية أي في يد الرأسمالية ومن ثم فإن يكفي لقتل أي صحيفة
يقول البروتوكول الول أن هتافنا بكلمات " الحرية والمساواة والخاء " مع جهود دعاتنا المسخرين أجتممذب فممي كممل 1
انحاء العالم جيوشا جرارة من البشر حملت اعلمنا بكل فخر وحماسة فيحين أن هذه الكلمات الساحرة كانت سوسا
ينخر في كيان سعادة الميين ،ومعول هدم للمن والسلم والوحدة لديهم ) تعريب أحمد عبد الغفور عطار (
" حرة" أي طويلة اللسان تتجرأ علي المصالح الحقيقية للرأسمالية
،أن تمنع عنها العلنات فتسقط في هاوية الفلس ! ول ضير فممي
الوقت ذاته علي الرأسمالية مممن مناوشممات سممطحية فممي الصممحف
تنتقد كما تشاء دون أن تصيب الجذور ! بل هو أمر في صالح اللعبة
في نهاية المطاف !
فإذا كان الصحافة – التي تؤثر التأثير الكبر علي " الرأي العممام "
واقعة في قبضة الرأسمالية إلي هذا الحد ،فلنا أن نتوقع أن تكممون
الفكار التي تصوغها وننشممرها هممي ممما تريممده الرأسمممالية ،أو فممي
القليل هي ما ل يتعارض مع المصالح الحقيقممة للرأسمممالية .ومثممل
الصحافة بقية وسائل العلم فهي واقعة بصورة أو بأخري في ذات
القبضة الشريرة التي توجه الفكار وتشكل المواقف للناس !
ولنأخذ ثلثة نماذج مختلفة من طريقممة تشممكيل " الممرأي العممام "
في مسالة سياسية ومسممألة اجتماعيممة ،ومسممألة اقتصممادية تخممدم
كلها مصالح الرأسمالية ويبدو فيها " الرأي العام " كأنما تشكل مممن
تلقاء نفسه واتجه إلي الوجه التي اتجه إليها !
لنفرض أن المطلوب هو إشعال حرب في مكان ما علممي سممطح
الرض ،وهو أمر يهم الرأسمالية من جميع الوجوه المتخيلة ! وأولها
بيع السلح الذي يدر علي صانعية أرباحا خيالية ) ونصممرف النظممر –
مؤقتمما – عممن أن تجممار السمملح فممي العممالم مممن قممديم الزمممان هممم
اليهممود ( !1فكيممف يهيممأ " الممرأي العممام " لتقبممل الحممرب أول ،ثممم
التحمس لها ثانيا ،ثم المطالبة بها أخيرا !
تبدأ الصحف – وكذلك وسائل العلم – فممي نشممر أخبممار قصمميرة
مثيرة تثير عنمد الغمافلين – والمرأي العمام دائمما غافمل – نوعما ممن
التطلممع والنتبمماه .ثممم يممزاد فممي طممول الخممبر ويممؤتي بمزيممد مممن
التفاصيل ..ثم يصبح الموضوع هو الحممديث اليممومي فممي الصممحافة
والذاعة والتليفزيون ..يزاد في نغمة الثارة حتي تشممحن النفمموس
بالوقود … ثم تأخذ الصحافة في الستطلع " الرأي العام " ) كأنما
لم تكن هي الممتي وجهتممه ( فممإن الممرأي العممام متحمممس ! إذن لبممد
مطالبة الحكومة بالتحرك ! وإذن تبممدأ الحكومممة فممي العممداد ..ثممم
تنطلق شرارة الحرب ،ويباع السلح ،وتتحقق الهممداف المطلوبممة
من وراء " المشروع" !.
ففي الحرب العالمية الثانية التي امتدت فشممملت معظممم أرجمماء
الرض ،وقتل فيها أربعون مليونا من الشممباب فممي ميممادين القتممال
من أجل ذلك هم دعاة الحروب دائما ،يقول سبحانه وتعالي " كلما أوقدوا نار للحرب أطفأهمما اللممه ) سممورة المممائدة 1
(64
غير الذين قتلوا من الرجممال والنسمماء والطفممال بعيممدا عممن ميممادين
الحممرب بالقنابممل المممدمرة ،وغيممر الممذين قتلمموا بتممأثير القنبلممتين
الذريتين اللممتين ألقيتمما فممي نجممازاكي وهيروشمميما ..بممدأت صممحافة
الحلفاء ) أي الديمقراطيات في غرب أوربا وفي امريكا ( تتكلم عن
هتلر واستعداداته الحربية والزمات التي يثيرها ) وخاصة أزمة ممممر
دانزج التي اعتممبرت الشممرارة الولممي للحممرب ( وبممدأت تكتممب عممن
النازيممة وعممن النظممم الدكتاتوريممة وعممداوتها للحريممة والديمقراطيممة
وحقوق النسان ..وأن علي الممديمقراطيات الممتي تشممكل " العممالم
الحممر " أن تممؤدب هممذا الطاغيممة الممذي ينممذر بشممر مسممتطير لجميممع
البشرية !
وما نريد أن نتحدث هنا عن " الحق ط في أي جانب كان ..فقممد
كممان كممل ممماتقوله صممحافة "العممالم الحممر " عممن هتلممر والنازيممة
الدكتاتورية حقا ،وكان هتلر بالفعل طاغيرة جبارا يريد إذلل العالم
وإخضاعه لسلطانه ،ويصدر عن جنون عنصري مرتكز علي أفضلية
الجنس الري وجدارته بممأن يحكممم العممالم كلممه ! ولكممن ممما فضممل "
الحفاء" عليه ؟ اليسوا هم ممثله طواغيت – كانوا – يحكمون العالم
كله يممومئذ ويممذلونه باسممم حضممارة " الرجممل البيممض "وجممدارته أن
يحكممم كممل شممعوب الرض ؟ وممماذا يملممك الرجممل البيممض مممن
المقومات الحقيقية التي تؤهله لممذلك السمملطان وتعلممه وقفمما عليممه
وحده ل يشاركه أحد فيه ؟
فقد كان إذن ما تقوله صحافة الحلفاء ) وإذاعتهم ( حقا بالنسممبة
للنازية وهتلر ،أما ما كمانوا يممدعونه لنفسممهم مممن أنهممم هممم حممماة
الحرية وحماة حقوق النسان ،فقد تممبين كممذبه كلممه عقممب الحممرب
مباشمرة حيمن خمرج الحلفماء منتصمرين ممن الحمرب فضمربوا بكمل
وعودهم للشعوب عرض الحائط ،بممل قممالوا لهممم فممي تبجممح :لقممد
حمينمماكم مممن النازيممة فممادفعوا ثمممن الحمايممة ..وثمنهمما أن يكونمموا
خاضعين لهم يدورون في فلكهم ويخدمون مصالحهم .
علي أية حال فنحن نتتبع معالجة الصحافة والذاعة للمر .
لقد كان المطلوب تهيئة " الرأي العام " للحممرب ،ولمممر آخممر ل
يقل خطرا ..وهو إنشاء دولة إسرائيل .
فلتكتممب الحصممافة إذن – وجميممع وسممائل العلم المتاحممة – عممن
طغيان هتلر ،وعن حشيته في إبادة اليهود وتعذيبهم ..حتي يشحن
" الرأي العام " ويصبح مستعدا للحرب بعد أن كان ناقرا منها أشممد
النفور ..وحتي يعطف علي قضية اليهود بعد إذ كان كارها لهم أشد
الكره !
وشيئا فشيئا يصبح حديث الحرب أمرا عاديا ،بل يتحمس النمماس
للحرب ويضغطون علي حكوماتهم ان تدخل الحرب تاديبمما للطاغيممة
الممذي يسممتحق التممأديب ،والممذي تممرك وشممأنه خممرب الرض ودمممر
مقومات الحضارة !
وشمميئا فشمميئا يتعمماطف النمماس مممع اليهممود الممذي يعممذبهم النممازي
ويحرقهم أحياء في الفران !1ويصبح " الرأي العام العالمي " مهيممأ
للدعوة التي تجئ بعد ذلك بضرورة إنشاء وطن قممومي لليهممود فممي
فلسطين !2
ثم يشتدد الحممماس حممتي تممدخل كممل دول الغممرب فممي الحممرب ،
ويشتد التعمماطف مممع اليهممود حممتي يصممبح العممرب فممي نظممر العممالم
مجرميممن إذا أبمموا أن يتنممازلوا عممن أرضممهم وديممارهم لشممعب اللممه
المختار !
m m m
أهداف معينة بل تقول كاتبة ألمانية من أصل يهودي إن اليهود هم الممذين دفعمموا هتلممر دفعمما إلممي إيقمماع هممذا التعممذيب
عليهم ليستغلوه في الدعاية لقضيتهم وهي الستيلء علي فلسطين بحجة انهم شعب مشترد مضطهدا ولبد من وطن
يقول وليم كار في كتاب الحجار إن اليهود اججوا الحرب كلها من أجل إنشاء وطن لهم وكلمه في هذه النقطة فيممه 2
حق كثيرا
رشاقتها ! ويقتل حيويتها ! ويمنعها مممن مشمماركة الرجممل فممي إدارة
شئون المجتمع ! وتظل الصممحافة ) ووسمائل العلم الخمري ( تلممح
علي هذا المر حتي تخرج المرأة مممن فطرتهمما وتنظممر إلممي الممزواج
علي أنه قيد يعوقها ! وإلي النجمماب علممي انممه عممدو يفسممد جمالهمما
ورشاقتها ،وإلي البيت والنشغال بمه علمي أنمه إهمدار لطاقتهما بمل
إهدار لكرامتها ! وبعممد أن كممانت – كممما هممو مركمموز فممي فطرتهمما –
تفرح بصيحة الطفل لنها تحقق لرسمالتها وإثبممات لنوثتهمما المتمثلممة
في السممتعداد للحمممل والنجمماب ،صممارت تمقممت صمميحة الطفممل ،
وتكره البيت ،وحممتي إن تزوجممت تسممتخدم موانممع الحمممل لتحممافظ
علي رشاقتها .
ثم يظل تأثير الصحافة ووسائل العلم عليهمما حممتي تممري أن مممن
حقها أن " تسممتمتع " بالحيمماة اسممتمتاعا حممرا دون أن يفممرض علممي
استمتاعها قيد خلقي أو اجتممماعي أو مممن أي نمموع ،فمممن حقهمما أن
تمارسع الجنس في حدود الصممداقة مممع الرجممل دون أن ينشممأ عممن
ذلك بالضرورة زواج أو أسرة ..ومن حقهمما أن تممؤخر الممزواج حممتي
تشبع من الستمتاع الحر ..ومن حقها أن تؤخر النجاب حتي تشممبع
مممن العمممل خممارج الممبيت ،ومممن الرشمماقة فممي الحفلت وحلبممات
الرقص .
ويصممبح ذلممك كلممه مممن مقممررات " الممرأي العممام" النسممائي علممي
القل ،بل النسممائي والرجممالي كممذلك ) ..أي مممن مقممررات العقممل
الجمعممي ( ! ويصممبح المعممارض لممذلك هممو المجنممون البلممه ،وهممو
المتحجر علي أوضاع عفي الزمن عليها ول يمكن أن تعود !
m m m
شجع اللحاد وأعطاه من الشرعية ما يجعل المطالبين بالدين يشعرون أن دعوتهم هي التي ليس لها صفة الشرعية ،
فيتحدثون إلي الناس علي استحياء ! ولسنا نري مع ذلك أن الحل همو أن يعمود " لرجمال المدين " سملطانهم الكنسمي
المقيت ،لكن الحل أن يؤمن الناس بدين الله ويحكم الحكام بشريعة الله فيكون كل شئ في وضعه الصحيح !
الفتاة التي تبلغ الرابعة عشر في أمريكا وليمس لهما صممديق تعتمبر حالمة مرضممية يجتممع مجلممس العائلممة للنظمر فيهما 2
ومن شمماء أن يتحلممل فنعممم الممرأي لممه ونعممم المسمملك ! وسمميجد
التشممجيع الحافممل مممن المجتمممع والكتمماب والمفكريممن وأهممل الفممن
وأصحاب السممينما وأصممحاب المسممرح وأصممحاب الذاعممة وأصممحاب
وأهل الفن وأصحاب النوادي وأصحاب المواخير ..هذا بينممما توضممع
الضوابط – الصارمة أحيانا – علي سلوك النسان في كممل اتجمماه إل
هذين التجاهين بالذات !
ومن جهة ثالثة فهي لعبة اليهودية الكبري لتنفيذ مخططاتها كلهمما
مع إيهام الناس أنهم يتصرفون من تلقاء أنفسهم وحسممب رغبمماتهم
الخاصة !
فأما المصالح الرأسمالية اليهودية فتسخر لها الحزاب السياسممية
والبرلمانات و " نواب المة " ووسممائل العلم الممتي تشممكل الممرأي
العام ،وتقوم بعملية التزييف الكبري لفكار الناس واهتماماتهم بما
يحقق تلك المصالح في نهاية المطاف ،ويحقممق إنسممياب الممذهب –
معبود اليهود القديم – إلي جيوبهم وقلوبهم ،ويتفننون به في زيادة
سيطرتهم علي المميين .
وأما " المصممالح " اليهوديممة الخممري المتمثلممة فممي إفسمماد عقممائد
الناس وأخلقهم ليسهل اسممتحمارهم وتسممخيرهم لمصممالح الشممعب
الشرير فهمي تتمم كاملمة ممن وراء شمعار " الحريمة " المذي تحمدثنا
عنه ،ومن خلل شعور الناس أن " هذه " هي الديمقراطية " !
وهكذا يضمميع الخيممر الضممئيل الممذي كسممبته "الشممعوب" بممالحقوق
والضمانات في وسط هذا الشر الهممائل الممذي يحققممه الشممرار مممن
وراء هذا النظام المخلخل الملئ بالعيوب ،والملئ بالثقوب !
m m m
حكم الجاهلية مقابل لحكم الله في مثل قوله تعالي ) :أفحكم الجاهلية يبغون ؟ ومممن أحسممن ممن اللممه حكممما القموم
يوقنون ؟! " سورة المائدة 50
إلي أرباب وأكثريتهم إلي عبيد لولئك الرباب .
إن إخلص العبودية لله وحده -سواء في إفراده بشعائر التعبممد أو
إفراده الحاكمية – هو الذي يغلي وجود الرباب ،ويحرر الناس فممي
الرض من عبودتهم .
ما دام الله وحده هو المعبود – سواء بتقديم الشعائر له وحده أو
بتنفيذ شريعته دون كل الشممرائع – فمممن أيممن يوجممد الربمماب الممذين
يتعبدون العبيد ؟!
ل يتحرر الناس الحرية الحقيقية في الرض حين يكون الله وحده
هو الرب والناس كلهم – حكاما ومحكومين – عبيدا للممه وحممده دون
شريك .
عندئذ فقط يولد النمماس أحممرارا ويظلممون أحممرارا إلممي أن تنتهممي
أجالهم .
وعندئذ فقط يشعر الناس بالسممتعلء – اسممتعلء اليمممان – علممي
كل قوة في الرض بشرية كانت هذه القوة أو ماديممة أو اقتصممادية ،
لنهم يستمدون وجودهم وقوته من الله ،والله أكبر ..أكبر من كل
قوة في الوجود .
عندئذ يحدث ما حدث في صدر السمملم ،والعبوديممة خالصممة للممه
وحده في كل مجال من مجالت الوجود .
يقممف عمممر بممن الخطمماب رضممي اللممه عنممه فيقممول :أيهمما النمماس
اسمعوا وأطيعوا ،فيقف له سمملمان الفارسممي يقممول :ل سمممع لممك
علينا اليوم ول طاعة حتي تممبين لنمما مممن أيممن لممك هممذا الممبرد الممذي
أئتزرت به !
ويتحاكم علي بن أبي طالب كرم الله وجممه إلممي القاضممي شممريح
مع اليهودي الذي سرق درعه فيسأله القاضي :يا أميممر المممؤمنين !
هل من بينه ؟! فيقول علي كرم اللممه وجممه :صممدق شممريح ! مممالي
بينه ! فيحكم القاضي بالدرع لليهودي تنفيذ لشريعة الله !
ويستمتع بهذا العدل – الذي يولد الشعور بالحريممة – حممتي الممذين
لم يؤمنوا بهذا الممدين ولكنهممم اسممتظلوا بظلممه واسممتظلوا بعممدالته ،
فيرحل القبطي من مصر إلي المدينة ليشكو إلي عمرو بن العمماص
حين غلبه الشاب القبطي في السباق ..وهو الممذي كممان إلممي عهممد
جد قريب تلهب ظهره سياط الرومان فل يحممس بآدميممة المسمملوبة
ول يتحممرك للشممكوي ..ولمممن يشممكو حممتي إذا أراد ولكممن العممدل
الرباني المتمثل في شريعة الله هو الذي جعل ضممربة العصمما توجممع
الكرامة ،وتحرك الرجل ألوف الميال طلبا لنصفه ورفعا للظلممم ..
ويجاب الرجل إلي حقه تحقيقا لشريعة الله ..
كل ! ل تتحقق الحرية الحقيقية ول المساواة الحقيقيممة ول الخمماء
الحقيقي إل حين يكون الله وحده هو المشرع ،ول يكون للبشر حق
التشممريع مممن عنممد أنفسممهم 1وكممل ممما ترفعممه الديمقراطيممة مممن
شممعارات " الحريممة والخمماء والمسمماواة " إن هممو إل شممعارات !
شعارات غير قابلة للتحقيق في عممالم الواقممع ممما دام بعممض البشممر
يشرعون وبعضهم الخر – وهم أكثرية الناس – يخضعون للتشريع ،
وما دامت القلية التي تشرع إنممما تشممرع لمصممالحها الخاصممة علممي
حساب الخرين .
وهب كممل النمماس شممرعوا كممما تزعممم الديمقراطيممة فممي أقوالهمما
النظرية ،وهب كل الناس استطاعوا أن يوفقمموا – فممي التشممريعات
التي يضعونها بأنفسهم – بين مصالح الحاكمين والمحكممومين فممزال
الظلم ،وزالت عبودية بعمض البشمر لبعمض ،وهمو فمرض جمدلي ل
يمكن أن يتحقق ،ولم يتحقق في أي جاهلية مممن جاهليممات التاريممخ
التي تحكم بغير ما أنزل الله ،فهل تستقيم الحياة في الرض علممي
صورة صحيحة حين يكون البشر هم المشرعين ؟!
أليس البشر – كلهم في هذه المرة – هم الممذين شممرعوا فوضممي
الجنس ؟!
ودعممك الن مممن أن اليهوديممة الشممريرة هممي الممتي أوحممت لولئك
البشر فشرعوا :
حي ن ي ُممو ِ س َوال ْ ِ
جم ّ لن م ِ
نا ِ طي َ ي عَمد ُوّا ً َ
ش مَيا ِ جعَل ْن َمما ل ِك ُم ّ
ل ن َب ِم ّ }وَك َذ َل ِ َ
ك َ
ل غُُرورًا{ ]سورة النعام [6/112 ف ال َْقوْ ِ خُر َ ض ُز ْم إ ِلى ب َعْ ٍ
ضه ُ ْ َ ب َعْ ُ
دعك من هذه القضية لن خضوع الديمقراطية لليهودية الشممريرة
ليس عذرا لها فيما تفعل ،بل هو عيب رئيسي من عيوب وكلن خذ
الصورة الظاهرة وهي أن هذه الفوضممي تمممر بالموافقممة الجماعيممة
من الناس ،سواء في المجممالس النيابيممة أو فممي وسممائل العلم أو
في واقع الحياة ..فهل تستقيم الحياة بتلك الفوضي الجنسية الممتي
شرعها البشر ؟!
أليممس البشممر – كلهممم فممي الديمقراطيممة – هممم الممذين شممرعوا
الربا ؟!
ودعك مرة أخري من أو اليهودية الشريرة هي التي دفعت الناس
دفعا إلي تشريع الربمما ..فخضمموع النمماس فممي هممذا المممر لليهوديممة
أشرنا من قبل إلي أن اجتهاد المجتهدين في استنباط الحكام فيما ل نص فيمه يتمم بمإذن ممن اللمه ،وهمذا همو المذي 1
يعطيه شرعيته ،فل يعتبر تشريعا يشرعه الناس من عند انفسممهم كممما تفعممل الجاهليممات ،فضممل عممن كممونه محكوممما
بالصول العامة للشريعة ل يخرج عن إطارها فل يحل حراما حرمه الله ول يحرم حلل أحله الله
العالمية ليس عذرا لهم ،بل هو وزر يحملونه أما الله يوم القيامة ،
وهو – أو مثلة – الذي قال الله فيه عنهم :
ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ
ه{ ]سممورة التوبممة ن الل ّم ِ
دو ِن ُ م أْرَبابما ً ِ
مم ْ ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ خ ُ
}ات ّ َ
[9/31
أي اطاعوهم في التحليل والتحريم بغير ممما أنممزل اللممه كممما قممال
1
العلماء والمفسرون في تفسير هذه الية
دعممك مممن هممذا وخممذ واقممع الحيمماة فممي الديمقراطيممة الليبراليممة
الرأسمالية ،تجد أن الربا يمممر بموافقممة إجماعيممة بغيممر اعممتراض ..
فهل استقامت الحياة بالربا الذي أحله البشر ؟!
أليس البشر – كلهم في الديمقراطية – هم الذين وافقوا علممي "
تحرير "
ودعك مرة ثالثة من أن اليهودية الشريرة هي التي وسممعت تلممك
القضية ولعبت بهمما لفسمماد المجتمممع البشممري كلممه ،فممإن اليهوديممة
الشريرة ما استطاعت أن تفعممل ذلممك إل فممي مجتمممع متفسممخ أدار
ظهره للهدي الرباني فركبتممه الشممياطين ..وخممذ الصممورة الظمماهرة
وهممي أن " المممرأة المتحممررة" ..المتحممررة مممن الممدين والخلق
والتقاليد ،بل من الحياء الفطري ذته ،تمممر بموافقممة البشممر كلهممم
ورضاهم وطلبهم للمزيد من " التحرر " ! ..فهل اسممتقامت الحيمماة
حين تحررت المرأة علي هذه الصورة التي شرعها البشر ؟!
وخممذ مئات مممن التشممريعات الممتي شممرعها البشممر – كلهممم فممي
الجاهلية المعاصرة – وأنظممر أثارهمما فممي حيمماتهم ،الحنممون والقلممق
والمراض النفسية والعصبية والنتحممار وإدمممان الخمممر والمخممدرات
والجريمة وتشرد الطفال وجنوحهم .إلي جممانب الفرديممة الجامحممة
وتفكك السرة وتفكك المجتمع وقتممل المشمماعر النسممانية وتحويممل
النسممان إلممي حيمموان آلممي ،تممدير اللممة نصممف حيمماته وتممدير بقيتهمما
الشهوات !
ذلك كله حين يشرع البشر لنفسهم ،ولو شرعوا كلهم مجتمعين
متناسممقين بل تظممالم ول صممراع ! ذلممك أن البشممر -بطممبيعتهم –
يتصفون بالقصور و الجهل ،والعجز عن الحاطة ،والعجز عن رؤية
النتائج الكاملة المترتبممة فممي المسممتقبل علممي أعممماهم الحاضممرة ..
فحين يتجمماوزون الجتهمماد فيممما أذن اللممه بالجتهمماد فيممه ،2ويحلممون
ويحرمون بغير ما أنزل الله ،تقع تلممك الفوضممي الضمماربة أطنابهمما ،
انظر ابن كثير والطبري والقرطبي وابن تميمة وغيرهم 1
إذن الله بالجتهاد للمؤمنين فقط لنهم أهل لذلك بإيمانهم وتوقيرهم لله وتحكميهم لشريعته ،أمما غيمر الممؤمنين فل 2
للدولر
ه{ ]سورة الجاثية .[45/23 واَ ه ه هَ لإ َ ذخَ ت ا ن م ت ييقول تعالي} :أ َفَرأ َ
ِ َ ُ َ ُ ّ ْ
َ َ َ ْ
2
كلها تعبد مع الله او من دون اللمه .وكلهمما تعطمي إجابممة حاسممة
بالنسبة للقضية الكبري في حياة النسان ،قضية المعبود :هل هممو
الله ام شئ أخر غير الله ..
كلها تقول إن المعبود في الديمقراطية الليبرالية ليس هو الله .
m m m
بيروت و " رينيه دوبو " استاذ بجامعة روكفلر بنيويورك متخصص في علم الحياة ،حصل علي جائزة نوبل في العلمموم
عام 1976والذي يعطي شهاته قيمتها أنه يدلي من زاوية علمية بحتة ل فلسفية ول أدبية ول دينية !
إنسان الغاب اسم اصطلحي لنوع مممن القممردة يعممرف علميمما باسممم " الورانممج اوتممان " وسمممي إنسممان الغمماب لنممه 2
يستطيع أن يقف مددا طويلة منتصب القامة كالنسان ولكنه قرد وليس بإنسان
حيمماة البشممر علممي الرض ،وهممما قضممية العبممادة وقضممية إنسممانية
النسان ،فماذا تكون يا تري حصيلتها في الميزان ؟!
فأما العبمماد فقممد تممبين لنمما أنممه ليممس اللممه هممو المعبممود فممي تلممك
الديمقراطية إنما هو الشيطان ،وحيثممما ل يكممون اللممه هممو المعبممود
فالمعبود هو الشيطان وإن تعددت السبل وتعددت المسميات
}أ َل َم أ َعْهد إل َيك ُم يا بِني آد َ
م عَمد ُّو ه ل َك ُم ْ
ن إ ِن ّم ُ شي ْ َ
طا َ دوا ال ّ ن ل ت َعْب ُ ُ مأ ْ َ َ َ ْ ِ ْ ْ َ َ ْ
م )] {(61سورة يممممس صَرا ٌ دوِني هَ َ َ
ست َِقي ٌ م ْ ط ُ ذا ِ ن اعْب ُ ُ ن ) (60وَأ ْ مِبي ٌ
ُ
[61-36/60
َ
مل فَت ََفّرقَ ب ِك ُ ْ سب ُ َ ست َِقيما ً َفات ّب ُِعوهُ َول ت َت ّب ُِعوا ال ّ م ْطي ُ صَرا ِ ذا ِ ن هَ َ }وَأ ّ
ه{ ]سورة النعام [6/153 سِبيل ِ ِ ن َ عَ ْ
نذي َ ت إ ِل َممى الن ّممورِ َوال ّم ِ ممما ِ ن الظ ّل ُ َ م ْ م ِجه ُ ْ خرِ ُ مُنوا ي ُ ْنآ َ ذي َي ال ّ ِ
ه وَل ِ ّ }الل ّ ُ
َ
ت{ ممما ِ ن الن ّممورِ إ ِل َممى الظ ّل ُ َ مم ْ م ِ جممون َهُ ْخرِ ُ ت يُ ْ غو ُ م الط ّمما ُ ك ََفمُروا أوْل ِي َمماؤُهُ ْ
]سورة البقرة [2/257
والطاغوت هو كل شئ أو شخص أو نظام يعبد الناس لغير الله ،
أو يتعبده الناس من دون الله ،وعبادته فرع عن عباده الشيطان .
وأما إنسانية النسان فأين هي علممي وجممه التحديممد فممي الدوامممة
الوحشية التي يعيش فيها النسان الجاهلي المعاصر ؟
هممي فممي مبممادة الجنممس المتدنيممة إلممي أدنممي مممن بعممض أنممواع
الحيوان ؟
أهي في إدمان الخمر والمخدرات ؟
أهي في الجريمة التي تتزايد نسبتها علي الدوام ؟
أهي في تفاهة الهتمامممات والبحممث الممدائم عممن المتمماع الحسممي
الغلي؟
أهي في العبودية لللة التي أصبحت هي الممتي تتحكممم فممي حيمماة
النسان؟
أهي في شريعة الغاب :القوة هي الحق ،والقوي يأكل الضعيف
؟
أهممي فممي المواثيممق الممتي تممبرم لتنقممض والعهممود القائمممة علممي
الخداع ؟
أهي في هذا المسخ المشوة الذي فقد إشممراقه الممروح وعاطفممة
النسان ؟
حقا ..هناك الضمانات والحقوق التي ترتبط اليوم بالديمقراطيممة
وتشكل جانبا بارزا من جوانبها ..ول شممك – كممما قلنمما – أنهمما تمثممل
نقله كبيرة انتقلها " النسان" في مسميرته التاريخيمة علمي الرض ،
ولكن الشر الذي يحيط بهذا الخير الجممزئي ،هممو فممي الديمقراطيممة
الليبرالية من الضخامة بحيث يذهب في النهاية بكثير مممن نفممع هممذا
الخير ،لنه يدمر " النسان " كله في نهاية المطمماف ،فل يجممدي –
حين يسقط النسان كله إلي الحضيض – أننا كنا قد رفعنا جانبا مممن
حياته إلي المستوي اللئق بالنسان !
وليس معني ذلك أننا ننقص من قيمممة تلممك الضمممانات والحقمموق
بحال من الحوال ،إنما الذي نعنيه أنها تكون في وضعها الطبيعي ،
وتتحول إلي خير شامل ،حين يكون النسان بكاملة علي مسممتوى
النسممان ..وهممو ممما عجممزت تلممك الديمقراطيممة عجممزا فاضممحا مممن
تحقيقه ،أو قل إن شئت إنه لم يرد لها أن تحققممه منممذ البممدء ،لن
تحقيقممه ل يمكممن الجاهليممة الرأسمممالية مممن الوجممود فضممل عممن
التضخم ،ول يمكن شممعب اللممه المختممار مممن ركمموب المميممن كممما
يشتهون !
هناك وضع واحد تتحقق فيه كل الضمانات والحقوق الممتي جمماءت
بها الديمقراطية علي المستوي الرفع ،مع المحافظة الكاملة علي
إنسانية النسان .
ذلك حين يكون النسان عابدا لله ،مطبقا لشريعة الله ،أي حين
يحقق النسان السلم ! عندئذ تتحقممق الكرامممة الحقيقيممة للنسممان
وتتحقق له كل الحقوق والضمانات التي وهبها الله للنسان لتتحقق
له كرامته في واقع الرض .
يقول الله سبحانه وتعالي :
ن
مم ْم ِ ح مرِ وََرَزقْن َمماهُ ْ م ِفي ال ْب َمّر َوال ْب َ ْ مل َْناهُ ْح َم وَ َمَنا ب َِني آد َ َ}وَل ََقد ْ ك َّر ْ
ضمميل ً )] {(70سممورة خل َْقن َمما ت َْف ِن َ مم ْ م عََلى ك َِثي مرٍ ِ
م ّ ضل َْناهُ ْ
ت وَفَ ّ الط ّي َّبا ِ
السراء [17/70
ويقول الرسول " : eأيها الناس إن دماءكم وأموالكم واعراضكم
عليكم حرام …1
فيقرر الله أصممل الكرامممة لبنممي آدام ،ويقممرر الرسممول eحرمممة
الدماء والموال والعراض تحقيقا لتلك الكرامة فمي عمالم الواقمع ،
في التعامل الذي يجري بين الناس ،ثم تتممولي التوجيهممات الربانيممة
وتوجيهات eلتحديد مجالت تكل الكرامة علي أوسع نطاق عرفتممه
البشرية في تاريخها .
يامر الله أل تنتهك حرية المسكن :
ْ َ
سممواست َأن ِ ُ
حّتمى ت َ ْ م َخُلوا ب ُُيوتما ً غَي ْمَر ب ُي ُمموت ِك ُ ْ مُنوا ل ت َمد ْ ُ نآ َ ذي َ }َيا أي َّها ال ّ ِ
وراه الشيخان 1
َ
ن ل َم ْ
م ن ) (27فَ مإ ِ ْ م ت َمذ َك ُّرو َ م ل َعَل ّك ُم ْ خي ٌْر ل َك ُم ْ
م َ موا عََلى أهْل َِها ذ َل ِك ُ ْ سل ّ ُ
وَت ُ َ
ل لَ ُ
ن ِقيم َ ن لَ ُ خُلو َ حدا ً َفل ت َد ْ ُ َ
جُعموا م اْر ِ كم ْ م وَإ ِ ْكم ْ حّتى ي ُؤْذ َ َ ها َ دوا ِفيَها أ َ ج ُ
تَ ِ
َ
م )] {(28سممورة ن عَِليم ٌ مل ُممو َ ممما ت َعْ َ م َوالل ّم ُ
ه بِ َ جُعوا هُموَ أْزك َممى ل َك ُم ْ فَمماْر ِ
النممور [28-24/27
والتجسس كذلك حرام .
َ
ن ن الظ ّم ّ
ن إِ ّ جت َن ِب ُمموا ك َِثيممرا ً ِ
مم ْ من ُمموا ا ْ نآ َ ذي َيقول تعالي َ} :يا أي ّهَمما ال ّم ِ
سوا] {...سورة الحجرات [49/12 س ُ ج ّ م َول ت َ َ ن إ ِث ْ ٌض الظ ّ ّ ب َعْ َ
ويقول الرسول " : eمن استمع إلي حديث قوم وهم له كارهون
صب في أذنيه النك يوم القيامة "
وعن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال سمعت عمر بن الخطمماب
رضي الله عنه يقول إن ناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول
الله ، eوإن الوحي قد انقطممع ،وإنممما نأخممذكم بممما ظهممر لنمما مممن
أعمالكم ،فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس لنمما مممن سممريرته
شئ ،الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءا لممم نممأمنه ولممم
1
نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة "
ول يجوز استراق السمع علي الشممخص أو مسممكنه أو أحمماديثه او
كشف سر من أسراره أو الطلع علي رسائله بغير إذنه .
يقول " : eولممو أن رجل أطلممع عليممك بغيممر إذن فحممذفته بحصمماة
2
ففقأت عينه ما كان عليك من جناح
ويقول " : eيا معشر من أسلم بلسممانه ولممم يفمض اليمممان إلممي
قلبه :ل تؤذوا المسلمين ول تتبعوا عوراتهم ،فإنه مممن تتبممع عممورة
3
أخيه المسلم تتبع الله عورته فيفضحه ولو في داخل بيته
ولذلك ذكر بعض الفقهاء ،أنه ل يجوز التجسس علممي إنسممان ول
متابعته للكشف عن أسراره ول دخممول مسممكنة لتفتيشممه إل بتمموفر
شرطين :
الول :ظهور ادلة وعلمات وقرائن علي وجود جريمة معينة .
الثمماني :أن يكممون فممي تممرك البحممث والكشممف ودخممول المنممزل
انتهاك حرمة يفوت استدراكها ،كأن يأتي الخبر بان رجل خل برجممل
ليقتله ،أو بأمرأة ليرتكب فاحشة ،فإذا لم يكن المر بحيث يفمموت
استدراكه فل يجوز البحث والكشف ودخول المنزل .
وفضل عن ذلك فإن الناس ل يؤخذون بالظنة ،دون وجممود تهمممة
بقسم القضاء بجامعة أم القرى بعنوان " حقوق النسان فى السلم "
رواه عبد الله بن عباس ..ورد فى كتاب الكامل لبن عدى وفى مسند المام أبى حنيفة للحارثى . 2
ظل الزهر يفتح أبوابه لطلب العلم ألف سنة كاملة معتمد على أوقاف المسلمين ومثل الزهر كممثير مممن الجامعممات 2
يلى من الكتاب وانظر فصل " آثار النحراف " فى كتاب " واقعنا المعاصر " (
علممى حريممات الديمقراطيممة وضممماناتها ،ويممأبى أن تزيممف إرادتممه
التزييف الغليظ الذى كان يحدث باسم الديمقراطية فى بلدنا .وإل
فستظل لعبة يتلهى بها الناس كما قال ذلك الخبيث .
فممإذا كممان لبممد مممن التربيممة فممى الحممالتين ولبممد مممن الجهمماد
والتضحيات فى الحالتين ،أفليس الولى أن يكون الجهد فى سممبيل
الخير الحقيقى ،الخير الذى ل يعممود علممى المسمملمين وحممدهم إنممما
يعممود علممى البشممرية جمعمماء ،وهممو خيممر الممدنيا والخممرة فممى ذات
الوقت ؟ !
ولقائل أن يقول ،إن التاريخ السياسى السلمى ملئ بالمظالم ،
وهو يحمل اسم السلم .
ونقول نعم ! إن هذا صحيح !
ولكن ما سببه على وجه التحديد ؟!
ظلم من الحكام ..نعممم ..ولكممن أيممن كممانت المممة السمملمية ؟
ولماذا سكتت على الظلم ،ولم تأطر حكامها على الحممق أطراكممما
أمرها زعيمها وقائدها صلى الله عليه وسلم ؟
إنها استنامت للظلم تفريطا فى حقوقهمما وواجباتهمما الممتى قررهمما
السلم ..
أفلممو كممانت الديمقراطيممة هممى الحاكمممة بممدل مممن السمملم كممان
المفرطون ل يفرطون ؟!
وهمممل الممممة المممتى ضممميعت السممملم كمممانت سمممتحافظ علمممى
الديمقراطية ؟!
إن القضية أن هذه المة تحتاج أن تربى مممن جديممد علممى حقيقممة
السلم ..وبغير ذلك ل ينصلح حالها ول يستقيم .
ومن كان يرى أن مشمموار السمملم مشمموار طويممل ،وأن مشمموار
الديمقراطية أقصر منه وأيسر ،فنحن نقممول لممه إن الممديمقراطيات
ذاتها فممى سممبيلها إلممى النهيممار ،بممما تحمممل فممى طياتهمما مممن عمموج
وانحراف قائم فى أصل النظام .
وسيبقى السلم ..
سيبقى لنه دين الحق ..
ولن الله تكفل بحفظه .
ولنه هو الشئ الوحيممد الممذى يمكممن أن ينقممذ البشممرية كلهمما مممن
ضللها البعيد الذى لجت فيه ..
ولن هناك مؤمنين بهذا الممدين يجاهممدون لتكممون كلمممة اللممه هممى
العليا ،والله هو الذى وعدهم بالتمكين :
خل َِفن ُّهم فِممي ت ل َي َ ْ
س مت َ ْ حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ م وَعَ ِ من ْك ُ ْ
مُنوا ِ نآ َذي َ ه ال ّ ِ }وَعَد َ الل ّ ُ
م ال ّم ِ ال َ
ذي م ِدين َهُم ْ ن ل َهُم ْ مك ّن َم ّ م وَل َي ُ َ ن قَب ْل ِهِم ْمم ْ ن ِ ف ال ّم ِ
ذي َ خل َ َ ست َ ْ ما ا ْ ض كَ َِ ر
ْ
ن ِبممي كوُ ر ْ
ش ي ل ني ندو ب ع ي ً ا من َ أ م ه ف و خ د ع ب ن م م ه نَ ل د ب ي َ ل و م هَ ل ضى
َ ُ ِ َ
ُ ْ َ َُ ّ ُّ ْ ِ ْ َْ ِ ْ ِ ِ ْ ْ َْ ُ ُ َِ اْرت َ َ
شْيئًا{ ]سورة النممور [24/55 َ
الشيوعية
أول :المادة الجدلية
ثانيا :المادة التاريخية
ثالثا :المذهب القتصادى بين النظرية والتطبيق
تمهيد
ليست الشيوعية مذهبا اقتصاديا بحتا كممما يتبممادر إلممى ذهممن كممثير
من الناس حين يسمعون لفظة الشمميوعية ،وإن كممان لهمما ول شممك
مذهب اقتصادى محدد متميز ،إنما هى تصور شامل للكون والحياة
والنسان لقضية اللوهية كذلك ،وعن هممذا التصممور الشممامل ينبثممق
المممذهب القتصممادى .ثممم إنهمما مممن جهممة أخممرى مممذهب اقتصممادى
واجتماعى وسياسى وفكرى مترابط متشابك ل يمكن فصممل بعضممه
عن بعض .
ومن ثممم فل يمكممن عممزل المممذهب القتصممادى وحممده بعيممدا عممن
التصور الشامل الذى ينبثق عنه ،أو بعيدا عممن الوضمماع الجتماعيممة
والسياسية والفكرية المصاحبة له .
وسواء كان الوضع القتصادى وحده هو الصل الصمميل والوضمماع
السياسية والجتماعية والفكرية المصاحبة له مجرد انعكاس له كما
تقول النظرية الشيوعية ،أم كانت الوضاع السياسممية والجتماعيممة
والفكرية أصيلة فى صدروها عممن التصممور الشممامل كأصممالة الوضممع
القتصادى كما نزعم نحن ..
ففى جميع الحالت ل يمكممن فصممل المممذهب القتصممادى وحممده ،
وعزلممه عممن التصممور الشممامل الممذى انبثممق عنممه ،ول عممن الوضمماع
الجتماعية والسياسية والفكريممة المصمماحبة لممه ،كممما أنممه ل يمكممن
تركيبه على تصور آخر .ول على أوضاع سياسية واجتماعية وفكرية
مغايرة .وليس هذا خاص بالشيوعية إنما هو من طبيعة كل تصور ،
وكل أوضاع ناشئة عن ذلك التصور .
وليس معنممى هممذا أن التصممور الواحممد ل يمكممن أن ينبثممق عنممه إل
صممورة اقتصممادية وسياسممية واجتماعيممة وفكريممة واحممدة محممددة
السمات والتفصيلت ،فسوف نرى فى أثناء العرض والمناقشة أن
ذلك غير صحيح .ولكن الذى نعنيه أن هنمماك اتجاهممات عامممة تربممط
بين المذهب القتصادى السياسى الجتماعى الفكرى وبيممن التصممور
الذى ينبثق عنه ذلك المذهب .وإن هذه التجاهممات العامممة لبممد أن
توجد فى كل صورة مممن الصممور الجتماعيممة السياسممية القتصممادية
الفكرية التى يمكن أن تنبثق عن ذلك التصممور ،وإن اختلفممت فيممما
بينها فى الدرجة أو فى التفصيلت والسمات الخاصة .
وبديهى أن التصور الشيوعى لللوهية والكممون والحيمماة والنسممان
همو تصمور ممادى بحمت ..فهمم يسممون نظريتهمم العمام " الماديمة
الجدلية " ويسمون تفسيرهم للتاريممخ " التفسممير المممادى للتاريممخ "
ومن أقوالهم :
ل إله .والكون مادة .
وحدة العالم تنحصر فى ماديته .
المادة سابقة فى الوجود على الفكر .
لم يكن هناك وقت لم تكن المممادة موجممودة فيممه ،وليممس هنمماك
وقت ل تكون المادة موجودة فيه . .
النسان نتاج المادة .
الفكر نتاج الدماغ والدماغ مادة ..الخ
m m m
كتاب منشأ الفكر الحديث – ترجمة عبد الرحمن مراد ص 27 2
إلى دراسة " الطبيعة " والكون المممادى ،والنسممان باعتبمماره كائنمما
موجودا فى الطبيعة ،ل بوصممفه كائنمما قممد خلقممه اللممه لغايممة معينممة
وهدف يؤديه .وكان التقدم العلمى الذى حدث منذ بدء النهضة أحد
العوامل الهامة التى ساعدت على اتجاه الفكر الوربى ذلك التجمماه
من خلل المذهب العقلى والتجريبى .
يقول برينتون عن المذهب العقلى :
" فالمذهب العقلى يتجه إلى إزالممة اللممه وممما فمموق الطبيعممة مممن
الكون ،ومن الوجهة التاريخية فممإن نمممو المعرفممة العلميممة وازديمماد
الستخدام البارع للساليب العلميممة يرتبممط بشممدة مممع نمممو الوضممع
1
العقلى نحو الكون ..
ويقول الدكتور محمد البهى عن المذهب التجريبى :
" إن تحصيل النسان للحقائق الكونيممة ومعرفتممه بهمما ل يكممون إل
بالتجربة الحسية وحدها ،ومعنى ذلك أن الحممس المشمماهد ل غيممره
هو مصدر المعرفة الحقيقية اليقينية ..ففى العممالم الحسممى تكمممن
حقائق الشياء .أممما انممتزاع المعرفممة مممما وراء الظممواهر الطبيعيممة
الحسية ،والبحث عن العلة فى هذا المجال ،فأمر يجب أن يرفض
.ولهذا تكون كل نظرية أو كل فكرة عن وجممود لممه طممابع الحقيقممة
2
فيما وراء الحس نظرية أو فكر مستحيلة
وهذا يتفق المذهب العقلى مع المذهب التجريبى فممى البعممد عممن
الله وتجنب البحث عن الغاية من الخلق ،والنظر فممى " الطبيعممة "
بدل من النظر فيما وراء الطبيعة أى فى عالم الجس بدل من عممالم
الغيب .
ثم كان نيوتن ونظرياته خطوة دافعة على الطريق !
فقد اكتشف نيوتن بعمض مما سممى عنمدهم " قموانين الطبيعمة "
التى يجرى الكون المادى بمقتضاها .وكشف عما يسمى عنممدهم "
قانون السببية " أى القانون الذى يفسر ظواهر الطبيعة بردها إلممى
أسبابها الظاهرة .وقد كان هذا فى أوروبا ذريعة لنفى السباب غير
3
الظاهرة وغير المحسوسة ،أى نفى السباب الغيبية
يقول برينتون :
" إن السببية تهدم كل ما بنته الخرافات واللهامات والمعتقممدات
الخاطئة فى هذا العالم " .ويمضى فيقول " :الله فى عرف نيوتن
أشبه بصانع الساعة .ولكن صانع هذه الساعة الكونية – ونعنمى بهما
المصدر السابق 1
انظر حديثا عن السببية ودورها فى الفكر فى فصل " العقلنية " من هذا الكتاب . 3
الكممون – لممم يلبممث أن شممد علممى رباطهمما إلممى البممد ،فبإمكممانه أن
يجعلها تعمل حتى البد .أما الرجال على هذه الرض فقد صممممهم
الله كأجزاء من آلته الضممخمة هممذه ليجممروا عليهمما .وإنممه ليبممدو أن
ليس ثمة داع أو فممائدة مممن الصمملة إلممى اللممه صممانع هممذا السمماعة
الكونية الضخمة ،الذى ل يسممتطيع إذا ممما أراد التممدخل فممى شممئون
1
عمله
ويقول :
" ولكن ثمة أناس ذهبوا إلى أبعد من ذلممك واعتممبروا فكممرة اللممه
فكممرة شممريرة ،وخاصممة إذا ممما كممان إلممه الكنيسممة الكاثوليكيممة .
وأطلقوا على أنفسهم بكل فخر اسم الملحدين .وهم يعتقممدون ان
ليس ثمة وجود لمسيح أو لله المسيحية ،ويقولون إن الكون ليس
إل مجموعة متحركممة ذات نظممام معيممن يمكممن فهمممه بمماللجوء إلممى
2
السببية المعتمدة على أساس العلوم الطبيعية
ويقول راندال :
" إنه لقرب إلى الطبيعى والمعقول أن نشتق مممن صممور المممادة
كل شئ موجود لن كل حاسة من حواسممنا تممبرهن علممى وجودهمما ،
ونختبر كل لحظة نتائجهمما بأنفسممنا .ونراهمما فاعلممة متحركممة ،تنقممل
الحركة وتولد القوة دون انقطاع ،من أن نعزو تكون الشممياء لقمموة
مجهولة ولكائن روحى ل يستطيع أن يخرج من طبيعته ما ليس هممو
بذاته ،كائن بعجز بحكم الجوهر المنسوب إليه أن يفعل أى شئ أو
3
أن يحرك أى شئ
هكذا سار التجاه المادى المادى الملحد بخطوات حثيثة حتى جاء
القرن التاسع عشر ،فظهرت الفلسفة الوضعية التى تقول بسيادة
الطبيعة على الدين والعقل ،واعتبارها هى الصل الذى ينبثممق عنممه
كل شئ ..والذى يبعث الفكار فى العقل البشرى ،وكان من أهممم
فلسفتها " أوجست كومت " و " فرباخ "
ويذكر الدكتور محمد البهى فى تلخصيه الجيد للفكر الغربممى فممى
تلك الفترة فى كتابه " الفكر السلمى الحديث وصمملته بالسممتعمار
الغربى " أن هذه الفلسفة تدعو إلى سمميادة الطبيعممة ،إن لممم نقممل
عبادتها ،قد قامت فى جو معين حيممث تولممدت الرغبممة فممى نفمموس
كثير من العلماء والفلسممفة لمعارضممة الكنيسممة الممتى كممانت تملممك
نوعمما خاصمما مممن المعرفممة تسممتغله فممى معارضممة خصممومها وهممى
منشأ الفكر الحديث ص 151 1
أما الجدلية فقد سبق إليها " فيشته " و " هيجل "
وقد كان الصل فى التفكير الجممدلى " الممدياكتيكى " هممو البحممث
عن تصور فلسفى يسمح بوجممود المتناقضممات فممى الكممون والحيمماة
ويفسرها .ذلك أن المنطق اليونانى القديم ) الذى يسمى المنطممق
الصورى ( Formal logicينفى وجود التناقض فى الكون والحيمماة ،
ويقيم تفكيره على أساس أن الشئ ونقيضممه ل يمكممن أن يجتمعمما .
الفكر السلمى الحديث وصلته بالستعمار الغربى الطبعة الثانية .ص 299 - 298 1
كان هذا قبل ظهور الفلسفة الوضعية المادية التى قالت بسيادة الطبيعة مقابل العقل والدين .والواقممع أن الفلسممفة 1
الوضعية قامت ردا على الفلسفة العقلية التى سادت فى عصر التنوير .
عن الفكر السلمى الحديث ص 289بتصرف 2
سيأتى تقويم النظرية تاليا فى هذا الفصل ،بعد عرض خطوطها العريضة كما يقدمها أصحابها . 2
سيأتى الرد على هذا السؤال ضمنا فى أثناء مناقشة النظرية . 3
أول :المادية الجدلية
الماديممة الجدليممة تصممور خمماص لقضممايا الولهيممة والكممون والحيمماة
والنسان يقوم على أساس مممادى بحممت ،علممى أسمماس أن المممادة
هى الشئ الوحيد الصيل فى هذا الكون ،وأن كممل ممما فممى الكممون
ومن فيه منبثق من المادة ومحكوم بقمموانين المممادة ،ول وجمود لمه
خارج نطاق المادة .كما يقوم هممذا التصممور مممن جهممة أخممرى علممى
أساس وجود التناقض فى طبيعة المادة ،ومن ثم فى كل ما ينبثممق
عنها من مخلوقات ومن كيانات بما فى ذلك الكيان النسانى ،فهممو
كيان مادى من جهة ،ومحكوم بصراع المتناقضات من جهة أخرى .
وتلك هى حقيقة كل أفكاره ومشاعره ،وكممل نظمممه ومؤسسمماته ،
وكل قيمة ومبادئه ،وكل حركته خلل التاريخ .
وقد قلنمما فممى التمهيممد السممابق إن ممماركس لممم يكممن هممو مبتممدع
الجدلية أو التفكير الجدلى على العموم ،فقد أخذ هذا التفكيممر عممن
هيجممل ،ولكنممه خممالفه فيممه مخالفممة أساسممية ،إذا قممال هيجممل إن
الفكرة هى الصل وهى سابقة فى وجودها على المادة ومسمميطرة
عليها ،وقال ماركس إن المادة هى الصل وهى سابقة علممى علممى
الفكرة ومسيطرة عليها .
يقول ماركس " :ل يختلممف منهجممى الجممدلى فممى السمماس عممن
منهج هيجل فقط ،بل هو نقيضه تماما ،إذ يعتقممد هيجممل أن حركممة
الفكر التى يجسدها باسم الفكرة ،هى مبدعممة الواقممع الممذى ليممس
سوى الصورة الظاهرية للفكرة ،أما أنا فأعتقممد علممى العكممس ،أن
حركة الفكر ليست سوى انعكاس حركممة الواقممع وقممد انتقلممت إلممى
1
ذهن النسان
ومن ثم سميث جدلية هيجممل الجدليممة المثاليممة وجدليممة ممماركس
الجدلية المادية أو المادية الجدلية .
أممما أصممل التسمممية – فممى لغتهمما الصمملية – فهممى مممأخوذة عممن
الغريقيممة ،ومسممتمدة مممن الحمموار الفلسممفى الغريقممى Dialogos
الذى كان يمثل وجهتى نظر مختلفتين تتجادلن حتى تتبين الحقيقممة
من خلل الجدل .وغالبا ما تكون الحقيقة مزيجا من وجهتى النظممر
المختلفتين ،ولكمن يظهمر جليما فمى أثنماء الحموار ) أو الجمدل ( أن
إحدى وجهتى النظر تأخذ فى التراجع المؤدى إلممى التسممليم ،بينممما
تأخذ وجهة النظر الخرى فى التفوق حتى تتغلب فى نهايممة المممر ،
وإن كانت فى غلبتها ل تلغى الخرى تماما بل تبقى منها بقايا تظهر
أصول الفلسفة الماركسية تأليف جورج بوليتزر وآخريممن تعريممب شممعبان بركممات ،ج 1ص 36نقل عممن رأس المممال 1
لماركس .
فى الحقيقة النهائية .
والمادية الجدلية – كما سنبين فيما بعد – تتصور الحداث – سواء
كانت طبيعة ) مادية ( أو بشرية – على هذا النحو ذاته ،حيث تكممون
هناك قوة فى اتجمماه معيممن وقمموة أخممرى مناقصممة لهمما فممى التجمماه
المضاد ،ثم يحدث الصراع الذى ينتهى بانهزام القوة الولممى – وإن
كانت ل تزول تماما – وتغلب القوة الثانية وإن كمانت غلبتهما ليسمت
تامة .ومن ثم فإن استعارة " الجدل " من ذلممك الحمموار الفلسممفى
مناسبة لذلك التصور ومعبرة عنه .
يقول ستالين فى تعريف الجدلية " الديالكتيك " :
" أخممذت كلمممة " ديالكتيممك " مممن الكلمممة اليونانيممة " ديمماليجو "
ومعناهمما المحادثممة والمجادلممة .وكممان الممديالكتيك يعنممى فممى عهممد
الولين :فممن الوصممول إلممى الحقيقممة باكتشمماف المتناقضممات الممتى
يتضمنها استدلل الخصم ،وبالتغلت عليها .وكممان بعممض الفلسممفة
الولين يعتبرون أن اكتشاف تناقضات الفكر والمصممادمة بيممن الراء
هما خير وسيلة لكتشاف الحقيقة .فهذا السلوب الديالكتيكى فممى
التفكير ،الذى طبمق فيمما بعمد علمى حموادث الطبيعمة ،أصمبح همو
الطريقة الديالكتيكية لمعرفة الطبيعة .
" إن حوادث الطبيعة بموجب هذه النظرية هممى متحركممة متغيممرة
دائما وأبدا ،وتطور الطبيعة هو نتيجة تطور تناقضات الطبيعة نتيجة
1
القوى المتضادة فى الطبيعة
ويقول كاريوهنت " :الجدلية إذن هى فكرة ونقيضممها ،ثممم تممألف
النقيضممين ،فممالفكرة تؤيممد القضممية ،والنقيممض ينكرهمما ،أو بتعممبير
هيجل ينفيها .أما تألف النقيضين فيحتضن ما هو حقيقممى :الفكممرة
ونقيضها ،وبهذا يقربنا خطوة نحو الحقيقية .ولكممن حالممما يتعممرض
تألف النقيضين إلى فحص أدق ،نجممدها هممى أيضمما ناقصممة .وهكممذا
تعود العملية فتبدأ من جديد بفكرة أخرى بنفيها ونقيضها ،ثم يجرى
التوفيق بينها بتألف جديد للنقيضين .
" وبهذه الطريقة المثلثة يمضى الفكر حتى يصل فى النهاية إلممى
المطلق .وعندئذ يمكننا أن نواصل التفكير إلممى مممال نهايممة دون أن
نشهد أى تناقض .وعلى هذا يطلق اصممطلح الجدليممة علممى عمليممة
التنازع والتوفيق التى تجرى ضمن الواقع ذاته داخل الفكر البشممرى
2
بشأن الواقع
وسممنعرف هنمما الخطمموط العريضممة للماديممة الجدليممة كممما قممدمها
المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية لستالين ص 15 – 14من الترجمة العربية 1
السلم من نظرية ماركس للتفسير المادى للتاريخ ،بإشرافى وإشراف الستاذ عبد الرحمن حبنكة الميدانى .
-1الترابط فى الطبيعة :
يقول ستالين فى كتاب " المادية الديالكتيكية والماديممة التاريخيممة
" ) ص 16 – 15من الترجمة العربية ( :
" إن الديالكتيك – خلفا للميتافيزقيممة – ل يعتممبر الطبيعممة تراكممما
فرضيا للشياء ،أو حموادث بعضمها منفصمل عمن بعمض ،أو أحمداها
مستقل عن الخر ،بل يعتبر الطبيعة كل واحدا ،ومتماسممكا ترتبممط
فيه الشياء والحوادث فيما بينهمما ارتباطمما عضممويا ،ويتعلممق أحممداها
بالخر ويكون بعضها شرطا لبعض بصورة متقابلة .
" لممذلك تعتممبر الطريقممة الديالكتيكيممة أن أى حممادث مممن حمموادث
الطبيعة ل يمكن فهمه إذا نظر إليممه منفممردا بمعممزل عممن الحمموادث
المحيطة به .إذ أن أى حادث فى أى ميدان مممن ميممادين الطبيعممة ،
يمكن أن ينقلب إلى عبث فارغ ل معنى له إذا نظر إليه بمعزل عن
الشروط التى تكتنفه .وعلى العكس ،يمكن فيهممم أى حممادث مممن
الحوادث وتبريره إذا نظر إليه من حيث ارتبمماطه ارتباطمما ل ينفصممم
بممالحوادث المحيطممة بممه ،أى إذا نظممر إليممه كممما تحممدده وتكيفممه
الحوادث التى تحيط به " .
) ويلحمممظ ممممن كلم سمممتالين فمممى تعرضمممه للمتيافزيقيممما أن
الميتافيزيقيا التى كمانت عنمدهم – والمتى كمانوا يواجهونهما بالماديمة
الجدلية – كانت تفترض أن كل شئ من الشياء قائم بذاته ول صمملة
له بغيره من الشياء ،وأنه ل ترابط فى النظام الكونى بين أجممزائه
المختلفة ( .
-2الحركة فى الطبيعية :
جاء فى كتاب " أصول الفلسفة الماركسممية " ) ج 1ص 49مممن
الترجمة العربية ( :
" وفى الطبيعة ل يلعب الكممون الممدور الحاسممم رغممم أنممه موجممود
وإنممما تلعممب هممذا الممدور الحركممة والتطممور والتغيممر .هممذه الحركممة
ملزمممة داخليمما للممادة كخاصمة جذريممة ل تنفصممل عنهمما ،ول داعممى
لوضع السؤال التالى :من أين حصلت المادة علممى هممذه الحركممة ؟
لنها موجودة منذ الزل .ولهذا ل داعى للسؤال الممذى يقممول :مممن
الذى أكسب المادة الحركة ،ما دامت ل تنفصل عنها ،وتعتبر شكل
من أشكال وجودها "
وجاء فى كتاب " أسس المادية الديالكتيكية والمادية التاريخيممة "
) ص 34من الترجمة العربية ( :
" ما قيل يعنى أنه ل يوجممد فممى العممالم ظمماهرة واحممدة لممم تكممن
نتيجة لحركة المادة وتطورها ،فهممى تشمممل كممل شممئ ،وفممى كممل
مكان يمتد فعلها ،ول يوجد شئ غير المادة المتحركممة المتطممورة ،
وما يتولد عنها ،ول يمكن أن يوحممد .وهممذا يعنممى أنممه ل يوجممد غيممر
عالم مادى واحد .ولهذا بالتحديد يشير إنجلز إلى أن وحممدة العممالم
تنحصر فى ماديته .وبعبارة أخرى أن العالم واحد لنه مادى "
ويقول ستالين فى كتمماب " الماديممة الديالكتيكيممة " ) ص 16مممن
التجرمة العربية ( :
" إن الممديالكتيك – خلقمما للميتافيزيقيمما – ل يعتممبر الطبيعممة حالممة
سكون وجمود .حالة ركود واستقرار .بل يعتبرها حالة حركة وتغير
دائميممن .حالممة تجممدد وتطممور ل ينقطعممان ففيهمما دائممما شممئ يولممد
ويتطور شئ ينحل ويضمحل".
ويستشممهد سممتالين ) ص 17مممن الترجمممة العربيممة مممن الكتمماب
السممابق ( بممإنجلز حيممث يقممول الخيممر " :إن الطبيعممة مممن أضممأل
الجزاء إلى أكبر الجسممام :مممن حبممة الرمممل إلممى الشمممس ،مممن
البروتوزوا ) الخلية الحية البتدائية ( إلى النسان ،هممى فممى حركممة
دائمة من النشوء والضمحلل ،هممى فممى مممد ل ينقطممع فممى حركممة
وتغير مستمرين وأبديين "
-3التطور فى الطبيعة :
يقممول سممتالين ) ص 18مممن الترجمممة العربيممة لكتمماب الماديممة
الديالكتيكية ( :
" إن الديالكتيك – خلفمما للميتافيزيقيممة – ل يعتممبر حركممة التطممور
حركة نمو بسيطة ،ل تؤدى التغيرات الكمية فيها إلى تغيرات كيفية
،بل يعتبرها تطممورا ينتقممل مممن تغييممرات كميممة ضممئيلة وخفيممة إلممى
تغييرات ظاهرة وأساسية أى إلى تغييرات كيفية .وهممذه التغييممرات
الكيفية ليست تدريجية بل هى سريعة فجائية ،وتحدث بقفزات من
حالة إلى أخرى ،وليست هذه التغييممرات جممائزة الوقمموع ،بممل هممى
ضرورية ،هى نتيجة تراكم تغيرات كمية غير محسوسة وتدريجيممة ،
ولممذل تعتممبر الطريقممة الديالكتيكيممة أن مممن الممواجب فهممم حركممة
التطور ،لمن حيث هممى حركممة دائريممة ،أو تكممرار بسمميط للطريممق
نفسه ،بل من حيث هى حركة تقدمية صاعدة وانتقممال مممن الحالممة
الكيفية القديمة إلى حالة كيفية جديدة ،وتطور ينتقل مممن البسمميط
إلى المركب .من الدنى إلى العلى " . .
ويستشممهد سممتالين 0ص 21 – 20مممن الترجمممة العربيممة مممن
الكتاب السالف الذكر ( بقول إنجلز :
" يمكن القول إن الكيمياء هى علم التغيرات الكيفية الناشئة فى
الجسام عن تغييرات كمية .وكممان هيجممل نفسممه يعممرف ذلممك فممى
عهده .لنأخذ الوكسجين فإذا جمعنا فممى جممزيئة ثلث ذرات عوضمما
عن اثنتين كالعادة حصلنا علممى جسممم جديممد هممو " الوزون " الممذى
يختلف اختلفا بينا برائحته وبتأثيراته عن الوكسجين العادى .وممماذا
نقول عن مختلف تراكيب الوكسجين مع الزوت أو مممع الكممبريت ؟
إن كل تركيب منها يعطى جسما مختلفة ن حيث الكيفية عن جميممع
الجسام التى تعطيها التراكيب الخرى " .
-4التناقض فى الطبيعية :
يقول ستالين ) ص 22من الترجمة العربية من الكتمماب السممابق
ذكره ( .
" إن نقطة البتداء فى الديالكتيك – خلفا للميتافيزيا – هى وجهة
النظر القائمة على أن كل أشياء الطبيعة وحوادثها تحوى تنقاضممات
داخلية ،لن لها جميعها جانبا سلبيا وإيجابيا ،ماضيا وحاضرا ،وفينمما
جميعمما عناصممر تضمممحل أو تتطممور .فنضممال هممذه المتضممادات ،أى
النضال بين القديم والجديد ،بين ما يموت وما يولد ،بين ممما يفنممى
وما يتطور ،هو المحتمموى الممداخلى لحركممة التطممور .هممو المحتمموى
الداخلى لتحول التغيرات الكمية إلمى تغيمرت كيفيمة .ولمذلك تعتمبر
الطريقة الديالكتيكية أن حركممة التطممور مممن الدنممى إلممى العلممى ل
تجممرى بتطممور الحمموادث تطممورا تممدريجيا متناسممقا ،بممل بظهممور
التناقضات الملزمة للشياء والحوادث ،بنضال التجاهات المضممادة
التى تعمل على أساس هذه التناقضات " .
وجاء فى كتاب " أسس المادية الديالكتيكية والمادية التاريخيممة "
لسبركين وياخوت ) ص 72من الترجمة العربية ( :
" فينحصر جوهر قانون وحدة صراع الضداد فى أن جميع الشياء
والعمليات تلزمها جوانب داخلية متناقضممة ،موجممودة فممى وحممدة ل
تنفصم ،وفى صراع مستمر فى نفس الوقت ،وصراع الضداد هممو
بالتحديد المصدر الداخلى والقوة المحركة للتطور "
وجاء فى ص 71من الترجمة العربية :
" نأخممذ مجممال الطبيعممة الحيممة .هنمما نممرى بوضمموح دور التنمماقض
الجدلى كمصدر للتطور .من ل يعممرف أن الطفممال يشممبهون البمماء
ولكنهم ليسوا نسخة منهمم تماممما .فالنمطيمة والجممود مممع ذلمك ل
وجود لهما .يرجع هذا أول وقبممل كممل شممئ إلممى أن قممانون الوراثممة
يعمل إلى جانب نقيضه – قانون التغير – وهو يضمن " عممدم تشممابه
" و " عدم تكرار " وتغير كل الجسام وتطورهمما .والوراثممة بممدورها
تثبممت هممذه الخممواص فممى السممللة ،بخلف ذلممك يمكممن أن تختفممى
التغييرات .وهكذا يسوق الصراع البدى بين القمموتين المتضممادتين :
القابليممة للتغيممر والوراثممة ،عمليممة تطممور الطبيعممة الحيممة .ويحممدث
اختيار طبيعى نتيجة للصراع بين هذين الضدين .تولد القابلية للتغير
قسمات جديدة مفيدة .أما الوراثة فتجمعها فممى السممللة .ونتيجممة
لممذلك تتولممد أنممواع جديممدة مممن الكائنممات الحيممة .وليسممت القمموة
الخارجية ول الرب ،إنما التناقضات الداخلية الطبيعة هممى المصممدر
والمحرك الداخلى لعملية تطور الطبيعة الحية .
تلك هى قوانين المادة .
وليس بنا – سواء هنا فى مجال العرض أو فممى مجممال المناقشممة
التى تتلوه – أن نتعرض لهذه القمموانين ومممدى صممحتها مممن الوجهممة
العلمية ،إنما الجانب ذى يهمنا أكممثر مممن أى شممئ آخممر فممى مجممال
بحثنا هو قولهم إن قوانين المادة بحممذافرها تحكممم الحيمماة البشممرية
فى جميع أشكالها وشتى ألوان النشاط فيها .
فأما عن الترابط فقد قالوا إن هناك ارتباطا ل ينفصم بين الفكار
والمشاعر وبين الوضاع والتغيرات المادية .
يقول ستالين 0ص 23وما بعممدها مممن الترجمممة العربيممة لكتمماب
المادية الديالكتيكية ( .
" فإذا صح أن ليس فى العالم حوادث منعزلممة ،إذا صممح أن كممل
الحوادث مترابطة فيما بينهمما ويكيممف بعضممها البعممض الخممر بصممورة
متبادلة ،فمن الواضح أن كل نظام اجتماعى وكل حركممة اجتماعيممة
فى التاريخ ل ينبغى الحكم عليها من ناحية " العدالة البدية " أو من
ناحية أية فكرة أخرى مقممررة سمملفا ،كممما يفعممل المؤرخممون علممى
الغالب .بل ينبغى لنا أن نبنمى حكممما علمى أسمماس الظممروف الممتى
ولدت هممذا النظممام وهممذه الحركممة الجتماعيممة المرتبطيممن بهمما .إن
نظممام الممرق يكممون فممى الظممروف الحاضممرة خرقمما وبدعممة مضممادة
للطبيعة .ولكن نظام الرق فى ظمروف المشماعية البدائيمة الخمذة
بالنحلل ،هو حادث مفهوم ومنطقى ،لنه يعنى خطوة إلى المام
بالنسبة لنظام الشماعة البدائية .
" إن المطالبممة بإقامممة الديمقراطيممة البرجوازيممة فممى ظممروف
القيصرية والمجتمع البروجوازى مثل فى روسميا سمنة 1905كمانت
شيئا مفهوما وصحيحا وثوريا تماما لن الجمهورية البرجوازية كممانت
تعنى إذ ذاك خطوة إلى المام ..ولكن المطالبة بإقامة الجمهوريممة
الديمقراطية البرجوازية فى ظممروف التحمماد السمموفياتى الحاضممر ،
تكممون حرقمما ،وشمميئا رجعيمما ومضممادا للثممورة ،لن الجمهوريممة
البرجوازيممة هممى خطمموة إلممى المموراء بالنسممبة إلممى الجمهوريممة
السوفياتية ز كل شئ يتعلق بالظروف ،بالمكان والزمان .
ومن الواضمح أن وجمود علمم تماريخى وتطمور همذا العلمم شميئان
مستحيلن بدون هذا الفهممم التمماريخى لحمموادث الجتماعيممة ،فمثممل
هذا الفهم يمنع علم التاريخ من أن يصممبح فوضممى احتمممالت وكممون
أخطاء سخيفة .
ويقممول مممماركس ) ج 1ص 30ممممن الترجممممة العربيممة لكتممابه
اليدلوجية اللمانية ( :
" إن نتمماج الفكممار والتصممورات والمموعى مختلممط بممادئ المممر –
بصورة مباشممرة ووثيقممة – بالنشمماط المممادة والتعامممل المممادى بيممن
البشر ،فهو لغة الحياة الواقعيممة .إن التصممورات والفكممر والتعامممل
الذهنى بين البشر تبدو هنا على اعتبارها إصرارا مباشممرا لسمملوكهم
المادى ،ينطبق المر نفسه على النتاج الفكرى كما يمثل فى لغممة
السياسة ولغممة القمموانين والخلق والممدين والميتافيزيمما ..إلممخ عنممد
شممعب بكممامله ،فالبشممر هممم منتجممو تصمموراتهم وأفكممارهم ..حممتى
الشباح فى العقممل البشممرى هممى تصممعيدات ناتجممة بالضممرورة عممن
تطور حياتهم المادية .التى يمكن التحقق منها تجريبيا والتى تعتمممد
على قواعد مادية ،ومن جراء ذلك فممإن الخلق والميتافزيمماء وكممل
البقية الباقية من اليدلوجية ،وكذلك أشكال المموعى الممتى تقابلهمما ،
تفقد فى الحال كل مظهممر مممن مظمماهر السممتقلل الممذاتى فهممى ل
تملك تاريخها ،وليس لها أى تطممور ،وأن المممر علممى النقيممض مممن
ذلك ،فالبشر إذ يطورون إنتاجهم المادى وعلقمماتهم الماديممة ،هممم
الذين يحولون فكرهمم ومنتجمات فكرهمم علمى السمواء ممع الواقمع
الذى هو خاصتهم ،فليس الوعى هو الذى يعين الحياة ،بممل الحيمماة
هى التى تعين الوعى "
ويقممول إنجلممز ) ص 321مممن الترجمممة العربيممة لكتممابه :أنممتى
دوهرنج ( :
" فممإنه ينبغممى البحممث عممن السممباب ال]خيممرة لسممائر التبممدلت
الجتماعية والثورات السياسية ليس فى أدمغة البشممر .ليممس فممى
فهمهممم النممامى للحقيقممة والعدالممة البممديتين ،بممل فممى التبممادلت
الطارئة على أساليب النتاج والمبادلة " .
وأما عن الحركة فقد قالوا إن الحيماة البشمرية تتحمرك لنهما ممن
أشكال المادة :
يقممول مؤلفمما كتمماب " المممادة التاريخيممة ) ص 11مممن الترجمممة
العربية ( :
" والمادية التارخية – خلفا للعلوم الخرى – ل تدرس فقط هممذه
القوانين الخاصة أو تلممك مممن قمموانين تطممور أشممكال معينممة لحركممة
المادة .وإنما هى تدرس القوانين العامة الشاملة للحركة الماديممة ،
والمجتمع هو أيضا شكل لحركة المادة " .
أما التطور الذى قالوا إنه يحدث فى المادة فقد بنوا عليه تطممورا
حتميا فى المجتمع البشرى ،ومن ثم نفوا الثبات فى أى وضممع مممن
الوضاع ول قيمة من القيم :
يقول ستالين فى كتممابه " :الماديممة الديالكتيكيممة " ) ص 25مممن
الترجمة العربية ( :
" وبعد .إذا صح أن العالم يتحرك ويتطممور دائممما وأبممدا .إذا صممح
أن اختفاء القديم ونشمموء الجديممد هممما قممانون للتطممور ،أصممبح مممن
الواضح أن ليست هناك أنظمة اجتماعية ثابتة " غير قابلممة للتغيممر "
ول مبادئ أبدية للملكية الخاصة والستثمار ! وليست هناك " أفكممار
أبديممة " عممن خضمموع الفلحيممن لكبممار ملكممى الرض ،والعمممال
للرأسماليين "
ويقممول ) ص 27 – 26مممن الترجمممة العربيممة لكتممابه الماديممة
الديالكتيكية ( :
" وبعد .إذا صح أن النتقممال مممن التغيممرات الكميممة البطيئة إلممى
تغيرات كيفية وفجائية وسريعة هو قانون للتطممور فمممن الواضممح أن
الثورات التى تقمموم بهمما الطبقممات المضممطهدة هممى حممادث طممبيعى
تماما ول مناص عنه .
" وبالتممالى فالنتقممال مممن الرأسمممالية إلممى الشممتراكية وتحممرر
الطبقممة العاملممة مممن النيممر الرأسمممالى يمكممن تحقيقهمما ل بتغيممرات
بسمميطة بطيئة ،ول بإصمملحات ،بممل فقممط بتغيممر كيفممى للنظممام
الرأسمالى :أى بالثورة " .
ويقممول ممموريس كورنفممورث فممى كتمماب " مممدخل إلممى الماديممة
الجدلية " ) ص 107من الترجمة العربية لمحمد سمتجير مصطفى
(:
ونجد هذا القانون عن تحور التغيرات الكمية إلممى تغيممرات كيفيممة
فى المجتمممع كممذلك .فقبممل أن يوجممد نظممام الرأسمممالية الصممناعية
حدثت عملية من تراكم الثروة فى شكل نقود فى أيدى قلممة ) عممن
طريق نهب المستعمرات أساسمما ( ومممن تكممون بروليتاريمما ل تملممك
شيئا عن طريق تسييج الرض وطرد الفلحين .وعنممد نقطممة معينممة
من هذه العملية ،حيممن تراكمممت النقممود الكافيممة لتزويممد المنشممآت
الصناعية برأس المممال ،وحيممن تحممول عممدد كمماف مممن النمماس إلممى
بروليتاريا لتقديم العمل اللزم ،نضجت الظروف لتطور الرأسمالية
الصممناعية ،عنممد هممذه النقطممة ولممد الممتراكم فممى التغيممرات الكميممة
مرحلة كيفية جديدة فى تطور المجتمع .
" وتحدث التغيرات الكيفيممة عموممما بفجائيممة نسممبية – بوثبممة .إن
شمميئا جديممدا يولممد فجممأة ،رغممم أن إمكانيمماته كممانت تحويهمما عمليممة
التحول التدريجى للتغيرات الكمية المستمرة التى حدثت من قبل "
.
أممما التنمماقض فقممد أثبتمموه مممن قبممل للمممادة ،وحيممث إن حركممة
المجتمع البشرى جزء من حركة المادة فقد احتمموت علممى التنمماقص
بداهة من منشئها المادة التاريخى ،وجرى التناقض فى كممل حركممة
من حركات البشر على الرض فى صورة صراع طبقى :
يقممول سممتالين ) ص 27مممن الترجمممة العربيممة لكتمماب الماديممة
الديالكتيكية ( :
" إذا صح أن التطور يجرى بانبثاق التناقضممات الداخليممة وبممالنزاع
بين القوى المتضادة على أساس هممذه التناقضممات ،وأن غايممة هممذا
النزاع هى قهر هذه التناقضات ،والتغلب عليهمما ،فمممن الواضممح أن
اتصال البرولتياريا الطبقى هو حادث طبيعى تماما ول مناص منه .
" وبالتالى ل ينبغى إخفاء تنقاضات النظام الرأسمالى بممل ينبغممى
إبرازها وعرضها ،ول ينبغى خنق النضال الطبقى بممل ينبغممى القيممام
به إلى النهاية "
" وإذن لجل اجتناب الخطممأ فممى السياسممة ينبغممى اتبمماع سياسممة
بروليتارية طبقية حازمة ،ل سياسة إصمملحية تقممول بالتناسممق بيممن
مصالح البروليتاريا ومصالح البرجوازية ،ول سياسة تفاهميممة تقممول
بإدماج " الرأسمالية فى الشتراكية " وهممذا ممما تقممول بممه الطريقممة
الديالكتيكية الماركسية لدى تطبيقها على الحياة الجتماعيممة .علممى
تاريخ المجتمع " .
إلى هنا كنا نتناول المادية الجدلية ،وقممد أوردنمما مممن كلمهممم ممما
يبين وجهة نظرهم بالقدر الذى يكفى لتتبع المناقشممة الممتى سممتأتى
فيما بعد .
والن ننتقل إلى الكلم عن المادية التارخية .والحقيقممة أن هنمماك
ارتباطا وثيقا بين المادية الجدلية والمادية والتاريخية بحيث يصممعب
الفصل بينهما .وهم أنفسهم يقولون ذلك .
جاء فى كتاب " المادية التاريخية " ) ص 12من الترجمة العربية
(:
" إن المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية تظهران كعلم واحد ،
وكفلسممفة متكاملممة ،فل الماديممة التاريخيممة معقولممة بممدون الماديممة
الديالكتيكيمممة ،ول الماديمممة الديالكتيكيمممة ممكنمممة بمممدون الماديمممة
التاريخية ،فبماذا نفسر ذلك ؟
" أول :بأنه ل يمكن وضممع نظممرة ماديممة ديالكتيكيممة علممن العممالم
ككل ،إذا لم يتوفر التفسير المادى للحياة الجتماعية .إذا لم يكممن
قد اكتشف أن المجتمع هو أيضا شكل لحركممة المممادة وخاضممع فممى
تطوره لقوانين موضمموعية كقمموانين الطبيعممة الماديممة والديالكتيكيممة
غير ممكنة بدون المادة التاريخية .
" ثانيا :لن الجابة الصحيحة عن المسألة الساسية فى الفلسفة
حول أولوية المادة وثانوية الوعى غير ممكنة بدورها توضمميح سممبب
وكيفية ظهور الوعى النسانى والدور الذى لعبه فممى ذلممك التطممبيق
العملممى الجتممماعى التمماريخى للنمماس ،إذ أن الجدابممة عممن هممذا
السؤال تقدمها المادية التاريخية "
وجاء فى نفس الكتاب ) ص 14 – 13من الترجمة العربية ( :
" إن تحريف المادية الديالكيتية يممؤدى حتممما إلممى تشممويه الماديممة
التاريخية .إن المادية التاريخية ل تتوافق مع أية فلسفة أخرى غيممر
الماديمة الديالكتيكيممة .إن العمتراف بالماديمة التاريخيممة مممع نكممران
1
المادية الديالكتيكية ليس إل زيفا خالصا وسفسطة مقززة
m m m
نحن هنا – كما سبقت الشارة – نعرض الفكار ول نناقشها ،ولكن لبد لنا هنا من تعليق بمناسبة الكشوف الجغرافية 1
وزيادة حجم التجارة الوربية يغفله المؤرخون الوربيون عاممدين ،ويسمتغل إغفمالهم ذلمك كمل المذين يحبمون طممس
العنصر الدينى وآثاره فى التاريخ البشرى .فإن الحقيقة أن الحروب الصليبية الحديثة التى بدأت بعد طرد المسمميحيين
للمسلمين من الندلس ،وملحقتهم لمحاولة القضاء عليهم فيما وراء الندلس ،كانت هى السب الحقيقى للكشمموف
الجغرافية ،وأشهر مثال على ذلك فاسكوا داجاما – الذى كشف لوربا طريق رأس الرجاء الصالح – قال عند وصمموله
إلى جزر الهند الشرقية " الن طوقنا رقبة السلم ولم يبممق إل جممذب الحبمل ليختنممق فيمموت " وقممد كممان السممتعمار
الصليبى لبلد السلم أهم العوامل فى تنشيط التجارة الوروبية وإتاحة الفرصة للرأسمممالية الناميممة لتسممتكمل نموهمما
الظالم الجبار .
التاريخ " ص 33من الترجمة العربية ( :
" وهكذا نرى أن القطاعية التى كانت متوافقممة عنممد نشممأتها مممع
مستوى القوى المنتجة فممى المجتمممع صممارت متناقضممة مممع القمموى
المنتجة المتنامية ،وصار الغاؤها ضرورة تاريخية "
وفى ظل الرأسمالية حدث تقدم عظيم فى مجالت كممثيرة منهمما
المجال العلمى والمجال التكنولوجى لن الرأسمممالية تسممعى دائممما
لزيادة النتاج من أجل الربح .كما نشأ تنظيم جديممد للعمممل يتعمماون
فيه مجموعة كبيرة من الناس فى العمممل الواحممد بممدل مممن العمممل
الفممردى .ونشممأ تحسممين للطممرق والمواصمملت مممن أجممل تصممريف
النتاج الصممناعى فممى داخممل البلد وخارجهمما .كممما كممان السممتعمال
وسيلة للحصول على موارد رخيصة ومجال لتصممريف فممائض النتمماج
ونشأت المم فى أوربا وحل الحكم الدستورى محل الحكم الملكى
المطلق .ولكن هذا كله كان على حساب طبقة العمال المضطهدة
،الممتى تبممذل الجهممد الحقيقممى فممى عمليممة النتمماج ول تنممال إل أقممل
القليل .
يقول إنجاز فى كتاب " أصل السرة والملكية الخاصة والدولممة "
) ص 279من الترجمة العربية ( :
" ولما كممان اسممتغلل طبقممة مممن قبممل طبقممة أخممرى هممو أسمماس
الحاضرة ،فإن نموها كله يسير فممى تنمماقض مسممتمر .كممل خطمموة
إلى الوراء فى أحوال الطبقة المضطهدة أى الكثرية العظمى .كل
ما هو خير للبعض لبممد أن يكممون شممرا للخريممن .كممل تحممرر جديممد
لحدى الطبقات يعنى دائما اضطهادا جديا لطبقممة أخممرى .وأعظممم
دليل على هذا نجمده فممى إدخممال اللمة ) يقصممد الرأسممالية ( الممتى
يعرف العالم بأسره أثارها الن "
ويقول كور نفورث فى كتمماب " مممدخل إلممى الماديممة التاريخيممة "
) ج – 1ص 73من الترجمة العربية ( :
" والسمة الساسية لزيادة قمموى النتمماج الممتى نشممأت فممى إطممار
الرأسمالية هى تشريك العمل ) يقصد جعلممه مشممتركا بممدل مممن أن
يكون فرديا ( فلقد حلت محل النتاح الفممردى الصممغير قمموة العمممل
الجتماعى الذى يتعاون الناس فيه معا فممى منشممأت إنتاجيممة كممبيرة
تستخدم آلت تعمممل بالطاقممة .لكممن هممذه السمممة تعوقهمما علقممات
النتاج الرأسمالية الممتى تجعممل التاريممخ ملكمما للرأسممماليين .وتجممبر
النتاج الجتماعى على ان يخدم الربح الخاص "
وجماء فمى كتماب " الماديمة التاريخيمة " ) ص 174ممن الترجممة
العربية ( :
" إن تغيير علقات النتاج القطاعية إلى علقات رأسمالية يممؤدى
إلى إعادة تركيب البنمماء الفمموقى الممذى يبممؤدى بممدوره مممع ملءمتممه
للقاعدة الجديدة إلى تغيير وجه المجتمع كله "
وجاء فيه أيضا ) ص 342 – 341من الترجمة العربية ( :
" إن عصمممر الرأسممممالية الصممماعدة همممو عصمممر نشممموء الممممم .
والماركسيون يذهبون إلى أن المة لممم توجممد قبممل الرأسمممالية لن
الشروط القتصادية اللزمة لنشوئها كممانت ل تممزال معدومممة " 1إن
تكون الشعب من اختلط مجموعات جغرافية مختلفممة اتحممدت فممى
الرض واللغة والثقافة كان المنطلق لتكموين الممة ،ممع أنمه ليممس
ضروريا أن تتألف المة من شعب واحد ،فكل المم الحديثة نشأت
وتنشأ نتيجة لتحاد الشعوب المختلفممة .وهكممذا فممإن المممة كشممكل
لتجمع الناس نشأت من متطلبممات النتمماج الرأسمممالى وتنشممأ علممى
أساسه ،وهى تنشأ لنه ضرورية من أجل تطور النتماج الرأسممالى
الضخم ""2
وتأخذ الرأسمالية دورهال ثم يجى التطور الحتمى ..
يقول سمميجال فممى كتممابه " لمحممة عممن تطممور المجتمممع منممذ بممدء
التاريخ " ) ص 37 – 36من الترجمة العربية ( :
" غير أن الرأسمالية – عندما تتطور قوى المجتمع المنتجة – تبدو
يوما فيوما أقل قدرة على السمميطرة عليهمما .وأجممدى برهممان علممى
ذلك هو تلك الزمات الممتى تممأتى علممى نحممو دورى فممتزعزع النظممام
الرأسمممالى وتممدمر جممزءا مممن القمموى المنتجممة .وهكممذا تصممبح
الرأسمالية أكثر فمأكثر عائقما فمى طريمق تطمور همذه القموى المتى
ولممدتها هممى ذاتهمما ،ومممن هنمما يتممبين أن إلغمماء الرأسمممالية بممالطرق
الثورية واستبدالها بالشمميوعية ) يقصممد اسممتبدال الشمميوعية بهمما لن
الباء تدخل على المتروك ( أى بمجتمع دون طبقممات تكممون وسممائل
النتاج فيه ملكا مشتركا يصبح ضرورة تاريخية "
والسبب الرئيسمى فمى ذلمك همو التنماقض المتزايمد بيمن مصمالح
الرأسمالية ومصالح العمال ) طبقمة البروليتاريما ( المذى يمؤدى فمى
النهاية إلى ثورة طبقة البروليتاريمما علممى طبقممة الرأسممماليين لنممزع
السلطة منها وإنشاء مجتمع بل طبقات ،وتوزيع النتاج على الجميع
دون استغلل طبقة لطبقة .
2 -نقول دون مناقشة للفكرة – ولكن للتذكرة فقط – إن هم 1قد يكون صادقا على نشأة المم فى أوربا مع الثورة 1
عشممر الميلدى .ولكممن قبممل ذلممك بأحممد عشممر قرنمما بممرزت إلممى الصناعية فى القرن الثامن
الوجود أمة قال عنها خالقها " :كنتم خير أمة أخرجت للناس " وانظر المناقشة فى مكانيها فيما بعد .
ول يتم ذلممك دفعممة واحممدة .فهنمماك مرحلممة انتقاليممة ينتقممل فيهمما
الناس من الرأسمالية إلى الشتراكية ،ثم إن المرحلممة الشممتراكية
تمهد للمرحلة الخيرة وهى الشيوعية حيث يتحقق مبممدأ " مممن كممل
حسب طاقته ،ولك حسب حاجته "
تنقضممى المرحلممة الولممى فممى الكفمماح لزالممة الطبقممة المسممتغلة
والقضاء عليها .حتى يمكن تأصمميل المبممادئ الجديممدة المبنيممة علممى
إزالة الطبقة وتحويل الملكية من ملكية فردية إلى ملكية جماعيممة .
والعمل على زيادة النتاج لكممى تتحقممق المرحلممة الخيممرى الممتى ل
يمكن الوصول إليها إل بزيادة هائلة فى النتاج تمكن كل إنسممان أن
يأخذ بحسب حاجته فى الوقت الذى يعمل حسب طاقته .
ثانيا :التفسير المادى للدين والخلق والسرة :
يقصد بالتفسير المممادى للممدين والخلق والسممرة أمممران فممى أن
واحد .الول :أنها ليست " قيما " قائمممة بممذاتها .ول يمكممن النظممر
إليها على هذا النحو ،ومن ثم فليس لها ثبات ول قدسية ،والثانى :
أنها فى ذات الوقت انعكاس للحوال الماديممة والقتصممادية القائمممة
فى أى وقت من الوقات .وكل وضع مادى أو اقتصممادى قممائم هممو
الذى ينشئ " الفكار " المتعلقة بالدين والخلق والسممرة ،وتتغيممر
هذه الفكار تغيرا حتميما كلمما تغيمر الوضمع الممادى أو القتصمادى .
وإليك أقوالهم فى كل أمر من هذه المور الثلثة :
-1الدين :
يقول إنجلز ) ص 381من الترجمة العربية لكتاب أنتى دوهرنج (
:
" ومهما يكن من شممئ فليممس الممدين إل النعكمماس المموهمى فممى
أذهممان البشممر لتلممك القمموى الخارجيممة الممتى تسمميطر علممى حيمماتهم
اليومية ،وهو انعكاس تتخذ فيه القمموى الرضممية شممكل قمموى فمموق
طبيعية ) يقصد قوى خارقة ( .
ويقول كذلك ) ص 382من نفس الكتاب ( :
" من الزمنة الموغلة فى القدم – إذ وصممل الفكممر بالنمماس وهممم
بعد فى جهل تام ببنياتهم الجسدية الخاصة ،وتحت تأثير أحلمهممم ،
إلى القول بأن أفكممارهم وأحاسيسممهم ليسممت مممن فعممل أجسممادهم
ذاتها ،بل من فعل روح خاصة تسكن هممذا الجسممد وتفممارقه لحظممة
الموت – منذ ذلك الحين اضطروا لن يصطنعوا لنفسهم أفكار عمن
علقات هذه الروح مع المعالم الخارجى .
" وعلى هذا النحو تماما – عن طريق تشخيص القوى الطبيعيممة –
ولدت اللهة الولى الممتى اتخممذت خلل التطممور اللحممق شممكل غيممر
أرضى أكثر فأكثر ،إلى أن حدث أخيرا عملية تجريممد ..فنشممأ علممى
نحو طبيعى خلل التطور العقلى أن تولممدت فممى عقممل النمماس مممن
اللهمة المعتممددين ذوى السملطة الضممعيفة والمقيممدة بعضممهم حيممال
بعض ،فكرة الله الواحد المنفرد فى الديانات التوحيدية " .
ويستشهد مؤلفو كتاب " أصول الفلسممفة الماركسممية ) ج . 1ص
297 – 296من الترجمة العربية ( بهذه القولة لنجلز .
" إن الممدين يولممد مممن نظريممات النسممان المحممدودة .وهممذه
النظريممات محممدودة بعجممز النمماس البممدائيين المطلممق تقريبمما أمممام
الطبيعة المعادية ،التى كانوا ل يفهمونها ،وهى محدودة مممن ناحيممة
ثانيمممممممممة بتعلقهمممممممممم العممممممممممى بمممممممممالمجتمع المممممممممذى
ل يفهمونه والذى كان يبدو لهم أنه تعبير عن إرادة سممامية .وهكممذا
الجبممارة كممانت اللهممة – وهممى الكائنممات المهمممة
المسيطرة على الطبيعممة والمجتمممع – انعكاسمما ذاتيمما لعجممز النمماس
الموضمموعى أمممام الطبيعممة والمجتمممع ،وكممان علممى تقممدم العلمموم
الطبيعية والجتماعية أن يظهر طابع المعتقدات المموهمى :العتقمماد
بوجود آلهة متعددة ،ثم العتقاد بوجود إله واحد .
وجاء فى كتاب " نصوص مختارة ،فردريك إنجلممز " ) جمممع جممان
كانابمما ،ترجمممة وصممفى البنممى ،ص 178 – 177مممن الترجمممة
العربية (
" أما المجالت اليدلوجية التى تحوم أعلممى فممى الفضمماء كالممدين
والفلسفة ..الخ ،فإنها مؤلفة من بقية – تعود إلى ما قبممل التاريممخ
وقد وجممدها العهممد التمماريخى أمممامه فالتقطهمما – لممما نسممميه اليمموم
غباء .إن هذه التصممورات المختلفممة الخمماطئة عممن الطبيعممة .وعممن
تكوين النسان ذاته ،وعن الرواح ،وعن القمموى السممحرية ،ليممس
لها فمى الغمالب إل أسماس اقتصمادى سملبى ،فمالتطور القتصمادى
الضعيف لعهد ما قبل التاريخ تكون فيه كتكملة – ولكن كذلك علممى
نحو جزئى كشرك أو حتى كسبب – تصورات خمماطئة عممن الطبيعممة
".
هذا عن نشأة الدين ) أى فى فترة الشيوعية البدائيممة ( أممما عممن
تطوره نتيجة تغير الوضاع المادية والقتصادية فغنه فى عهممد الممرق
والقطاع استغل لتخدير الكمادحين حممتى ل يشممعروا بمالظلم الواقممع
عليهم ،ولتمنيتهم بنعيم الجنة تعويضا عن عذاب الدنيا .
جاء فمى كتماب أصممول الفلسممفة الماركسممية ) ج ، 2ص – 106
107من الترجمة العربية ( :
" لم تحرم الكنيسة الكاثوليكيممة الممرق ،ولممذلك وجممد رقيممق فممى
أوربا فى العصر الوسيط .ولقد علمت الكنيسة الرقمماء أن يطيعمموا
سيدهم .واضطرت السياد المحاربين حقا إلى احترام " هدنة اللممه
" وهددتهم بالنار البدية .ولكنها بهذا الجممراء قممد أنقممذت قبممل كممل
شئ المزروعات الضممرورية لحيمماة المجتمممع ،كممما حفظممت النتمماج
وأمنت تفشى المجاعة واندلع نار الثورة وهكذا تحمممى فممى النهايمة
1
القطاعية ضد تصرفات القطاعيين المغالية
ويقممول ممموريس كورنفممورث ) ص 118 – 117مممن الترجمممة
التاريخية " (: العربية لكتابه " :مدخل إلى المادية
" وفى أوج القطاع فى أوربا الغربية كمانت للكنيسممة الكاثوليكيممة
مكانمممة هائلمممة ،وسمممادت العقيمممدة الكاثوليكيمممة الفلسمممفة والدب
والفنون ،ولقيت هذه العقيدة مساندة السلطة الزمنيممة – مسمماندة
الحكام القطاعيين ودولهم والقوانين – ول يمكممن تفسممير الحممماس
القاسى الذى كانت الكنيسة تلحق به الهراطقة وتلقى فيه مساندة
الحكممام بمجممرد الهمموس الممدينى فلممماذا وجممد هممذا الهمموس ؟ لقممد
استقرت العقيدة الكاثوليكية كجزء أساسى فى النظممام الجتممماعى
وأحست الكنيسة عن حممق – كمالممك كممبير للرض إلممى جممانب كبممار
ملك الرض الخرين – بخطر التمزق الجتماعى الكامن خلممف كممل
هرطقة .
ويقممول إنجلممز عممن الحممروب الدينيممة الممتى سممادت فممى العصممور
الوسمممطى ) ص 170 – 169ممممن الترجممممة لكتممماب الماديمممة
التاريخية ( :
" إن ما يسمى بالحروب الدينيمة .كمانت تتضممن مصمالح طبقيمة
مادية إيجابية ،فقد كانت هذه الحروب حروبا طبقية تماما ..ورغممم
أن الصراعات الطبقية كانت عندئذ مغلفة بشممعارات دينيممة ،ورغممم
أن مصالح وحاجات ومطالب مختلف الطبقات كانت مختلفممة خلممف
شممعار دينممى ،فلممم يبممدل هممذا شمميئا مممن المممر ،ويمكممن تفسمميره
ببساطة من واقع ظروف تلك اليام "
أما فى عصممر الرأسمممالية فقممد ضممعف الممدين فممى أوربمما ،وهممذا
تفسيرهم لهذه الظاهرة :
يقول جورج سممول فممى كتمماب " المممذاهب القتصممادية الكممبرى "
يفهم من هذا النص أن الكنيسة قامت بدور مزدوج :إخضمماع الرقيممق للسممادة مممن جهممة ،ومنممع السممادة مممن إسمماءة 1
معاملة الرقيقة من جهة أخرى .لكن الغالب فى كلم الشيوعيين أن يؤكدوا الدور الول ول يشيروا إلى الدور الخممر ،
وعلى أى حال فقد ربط النص عملية تعميق الدين فى النفوس بأسباب وغايات اقتصادية
) ترجمة الدكتور راشد البراوى ،ص 51 – 49من الترجمة العربية
(:
" فإذا كانت المصادر القديمة قد أخطأت فى نظراتها إلى العممالم
الطممبيعى أممما كممانت كممذلك مخطئة فممى نظراتهمما إلممى السمملوك
البشرى ؟ أصبح كممل شممئ موضممع التسمماؤل والشممك ،وعلممى ذلممك
سمى العلم فلسفة ،ولم يعد هناك تمييز بين الميممادين الممتى عنممى
كل منهما بفحصها ،وأخذ الكتاب والمتفلسفون يعيدون البحث فممى
النظم البشرية تماما كما كممانوا يفعلممون بالنسممبة إلممى الشممياء غيممر
البشرية ،وهم فى تصرفهم هذا كانوا يسمملمون بممأن النسممان جممزء
من الطبيعة وليس كائنا منفصل عن بقية المخلوقات أوجدته العناية
اللهية وتولت رعايته .
وأصبح البحث ينصب على تفسير النتائج والساليب بالنسممبة إلممى
السلوك البشرى – سواء أكان مرغوبا فيها أم غيممر مرغمموب – عممن
طريق قوانين الطبيعة ،بدل مممن البحممث عنهمما فممى إرادة اللممه كممما
قالت الكتب المقدسة أو المذاهب الكنسية ،ومعنممى هممذا – بتعممبير
آخممر – أن علينمما أن نسترشممد فممى أعمالنمما وتصممرفاتنا بالعقممل دون
سلطة القدامى .
" وصار لزاما على الذين نبذوا اليمان بالله كليممة أن يبحثمموا عممن
بديل لذلك ووجوده فى الطبيعة ،أما الذين ظلوا على استمسمماكهم
بالدين ولو باللسان – وإن لم يكن فى الواقع كما هو أغلبهم – فقممد
اعتقدوا أن الله يعممبر عممن إرادتممه عممن طريممق الطبيعممة وقوانينهمما ،
وليس بوسيلة مباشرة ! وبذلك لم تعد الطبيعة مجرد شئ له وجود
فحسب ،وإنما هو شممئ ينبغممى أن يطمماع ،وصممارت مخالفتهمما دليل
على نقص التقوى والخلق "
ويقول كورنفورث ) ج ، 2ص 107من الترجمممة العربيممة لكتمماب
أصول الفلسفة المراكسية ( :
" ومع ظهور البرجوازيممة بممرزت أفكممار دينيممة وفلسممفية جديممدة .
ففممى مجممال الممدين بممدأ التأكيممد علممى ضمممير الفممرد وعلقممة الفممرد
المباشرة بالله ،ودعا الفلسفة إلممى سمميادة العلممم والعقممل ،ومممن
هذه الزاوية أخضعوا الفكار القطاعية للنقد المدمر ،ودرسمموا مممن
جديد أسس المعرفة ،وحاولوا أن يبينوا كيف يمكن توسيع المعرفة
ووضممع النسممانية فممى طريممق التقممدم ،وكممانوا فممى ذلممك يخممدمون
البرجوازية الجديدة فى التخلص من القطاع ودعم الرأسمالية " .
ولكن البرجوازية أحست بأن نبذها للدين خطر عليها فعادت إلممى
احتضان الدين وتسخيره لمصالحها .
يقمممول كورنفمممورث ) ج ، 2ص 108 – 107ممممن الترجممممة
العربية ( :
" ولهذا رأينا البرجوازية حينما شعرت بالتهديد ،أعادت الدين عن
قصممد وتبنتممه – بعممد أن سممخرته لخدمممة حاجاتهمما – فقمموته ودعمتممه
وجعلته جزءا ل يتجزأ من البناء الفوقى الرأسمالى ،ثممم أعلنممت أن
1
التعليم الدينى والتعليم العلمانى يتمم الخر
أما الشيوعية فموقفها من الدين واضح .
جاء فى كتاب " المادية التاريخية " ) ص 80من الترجمة العربية
(:
" إن الدين ل يتولد من القاعدة فى الظروف الشممتراكية ،وإنممما
يوجممد كجممزء مممن مخلفممات القممديم ،كبقيممة مممن البنيممان الفمموقى
للتشكيلت السممابقة ،وسمموف يتممم القضمماء عليهمما فممى عمليممة بنمماء
الشيوعية ،ويتضمن البرنامج الجديد للحزب الشيوعى فممى التحمماد
السمموفيتى تأكيممدا علممى ضممرورة اسممتخدام مختلفممة وسممائل التممأثير
الفكمرى للقضماء علمى الخرافمات الدينيمة ،وممن أجمل نشمر تربيمة
علمية "
وجاء فى كتاب " أصول الفلسفة الماركسية ) ج 1ص 297مممن
الترجمة العربية ( :
" ولهذا كان الفلح فى روسيا القديمة – وقد أرهقه الفقممر وفقممد
كل أمممل فممى المسممتقبل – يستسمملم للرادة اللهيممة .ولقممد جمماءت
الثورة الشتراكية فوضعت فممى يممد المجتمممع السمميطرة علممى قمموى
النتاج ،ومكنته فى نفس الوقت من إدارة المجتمع بصورة علمية ،
كممما زادت سمميطرته علممى الطبيعممة ،فوجممدت عنممدئذ الظممروف
الموضوعية لتنمحى من وعممى النمماس الفكممار الدينيممة الممتى ولممدتها
ظروف موضوعية أخرى " .
" وأخيرا يقول ماركس قولته الشهيرة " :الدين أفيون الشممعوب
".
-2الخلق :
يقول إنجلز ) ص 115 – 114من الترجمة العربية لكتابه أنممتى
دوهرنج ( :
" وهكذا فإننا نرفض كل محاولة للزامنا بأية عقيدة أخلقية مهما
كانت على اعتبارهمما شممريعة أخلقيممة أبديممة ،نهائيممة ،وثابتممة أبممدا ،
قد يكون هذا حقا بنلسبة " للتخطيط " الرأسمالى ولكننا ل نرى له أثرا واقعيا فى المجتمع الغربى المتحلل . 1
بحجة أن للعالم الخلقى أيضمما مبممادئه الدائمممة الممتى تنهممص فمموق
التاريخ وفوق الفوارق بين المممم ..إننمما ننممادى علممى النقيممؤض مممن
ذلك بأن سائر النظريات الخلقية قد كانت حتى هذا التاريممخ ،فممى
آخر تحليل ،نتاجا لوضاع المجتمع القتصادية السائدة فى زمنها " .
ويقول ) ص : ( 115
" وما دام المجتمع قد تطور حتى الوقت الحاضر ضمن التضادات
الطبقية ،فإن الخلق كانت على الدوام أخلقمما طبقيممة ،فهممى إممما
أن تبرر سلطة الطبقة الحاكمة ومصالحها ،وإمما أن تمثمل – حالمما
تحوز الطبقة المضطهدة ما يكفممى مممن القمموة – التمممرد علممى تلممك
العقيدة ،ومصالح المضطهدين المقبلة فى الوقت نفسه " .
وفى مجال التطور الخلقى المرتبط بتطور الوضمماع القتصممادية
تجئ مثل هذه القوال :
جمماء فممى كتمماب " النظريممة الماركسممية اللينينيممة :فممى الماديممة
الديالكتيكية والمادية التاريخيممة " تممأليف أيرزريممن ورفيقممه ) ترجمممة
خيرى الضامن ،ص 439من الترجمة العربية ( .
" لقممد ولممدت علقممات النتمماج الجماعيممة فممى النظممام المشمماعى
البممدائى عممادات وتقاليممد جماعيممة وأخلقمما جماعيممة عنممد النمماس
البدائيين ،وعندما واجممه النمماس فممى مجممرى تطممور القمموة المنتجممة
علقات أصبح فيهمما التمتممع الشخصممى ببعممض الشممياء أكممثر سممهولة
لعمليممة النتمماج ،تغيممرت آراء النمماس أيضمما ،وأصممبحت الملكيممة
الشخصمية لبعمض الشمياء ..وهمى الملكيمة المتى كمانت تعتمبر فمى
المراحل السابقة ل أخلقية ،أو غير طبيعية وغير معتادة على أقممل
تقدير ،أمرا ل ضير فيه ،ول يتعارض مع المصلحة العامة "
وجمماء فممى كتمماب الماديممة التاريخيممة ) ص 457مممن الترجمممة
العربية ( :
" إن أخلق مجتمع عهد الممرق هممى أول شممكل للخلق الطبقيممة ،
فقد كانت أخلق مالكى الرقاء هممى السممائدة فممى ذلممك المجتمممع ،
وهى إذا نشأت على أساس العلقممات القتصممادية للنظممام الرقممى ،
كممانت تعكممس العلقممات القائمممة بيممن الرقمماء ومممالكيهم بالدرجممة
الولى .إن الخاصية المميزة لهذه الخلق هى أنها كانت ل تعممترف
بالعلقات النسانية إل بين الحممرار مممن النمماس .لقممد كممان الرقيممق
خارج الخلق .وهو سلعة وشئ ،وأداء ناطقة ..ولهممذا فقممد كممانت
الخلق تسمممح بظلمممه وجلممده وقتلممه ،ولممم تكممن تلممك المعاملممة
الوحشية للرقيق لتوقظ أى " تأنيب ضمممير " لممدى مممالكه ،وكممانت
الخلق تبررها ،لكن هذا التبرير لم يكن إل ضرورة اقتصادية أملتها
1
العلقات ضرورة اقتصادية أملتها العلقات الرقية لذلك العصر
وجمماء فممى نفممس الكتمماب ) ص 548 – 547مممن الترجمممة
العربية ( :
" ومممع النتقممال إلممى القطاعيممة صممارت الخلق القطاعيممة هممى
السائدة ،فهى ل تنتظر إلى القن كشئ ،وإنما كإنسان من الممدرك
السفل ) العظم السممود ( بينممما كممانت تنظممر إلممى ممثلممى الطبقممة
) العظمممم السمممائدة كبشمممر ممممن الصمممنف الممتممماز
البيض ( وإلى جانب هذا فقد كانت الخلق القطاعية تخفممى ظلممم
القطاعيين الوحشى للفلحين وتقنع الشكل القطاعى للسممتغلل ،
ولقد كممانت تصممور بنفمماق كممبير علقممة السمميد بفلحيممه كعلقممة الب
ببنيه ،يوجههم ويرعاهم ويتحمل المسئولية عنهم .
" إن دين المجتمع القطاعى قام بتفسير الخلق السائدة وبوضع
السس لهال ،إذ صور مطالبها وحدودها التى تعبر فممى الواقممع عممن
مصالح المستغلين كأوامر إلهية .والخلق القطاعية التى ارتكممزت
على الدين ساعدت على كبح جممماح جممماهير الفلحيممن المسممحوقة
2
السوداء
أما فى ظل الرأسمالية فقد حدث تقدم ظاهرى يخفى المضمون
الحقيقى للخلق الطبقية الستغللية .
جاء فى نفس الكتاب ) ص 459 – 458من الترجمة العربية ( :
" ومع هذا فقد أحرز التقدم الجتماعى خطمموة إلممى المممام علممى
صمممعيد الخلق ،فاليمممديولوجيون المممبرجوازيون إذ يناضممملون ضمممد
اليديولوجية والخلق القطاعيتين ،ناضلوا فى سبيل حرية الفكر ،
وحرية النشاط من أجممل تحريممر الفممرد مممن كممل القيممود القطاعيممة
الممكنة ،ولكنه مع انتصار الرأسمالية يتكشف المضمون الحقيقممى
لفكممار الحريممة والمسمماواة والنسممانية البرجوازيممة .فالمسمماواة
البرجوازيممة شممكلية ،وهممى تخفممى تبعيممة العامممل للرأسمممالى ،
والستغلل الشديد الوطأة للمنتج المباشممر .المقيممد اقتصمماديا مممن
قبل الرأسماليين بقيود أقوى من أية قيود حديدة أخرى .إن الحرية
البرجوازية هى تمتع الرأسمماليين بحريمة نشماط المؤسسمة ،وفمى
هذا الكلم صادق ول شك ،ومع أننا هنا فى مجال العرض ل فممى مجممال المناقضممة فإننمما نشممير فقممط مجممرد إشممارة 1
ضرورية فى هذا الموضع – إلى أن الخلق المتى يتحممدث عنهما المماديون هممذا الحممديث همى الخلق الجاهليمة أى غيمر
المستمدة من المصدر الربانى ،وهذه يصدق عليها ما يقال عنهما فمى الغمالب ،ولكنهمم فممى كلمهمم ل يفرقممون بيمن
الخلق الجاهلية والخلق الربانية .
هذا أيضا صحيح ،ولكننا نشير فقط إلممى أن " الممدين " الممذى ارتكممزت عليممه الخلق القطاعيممة لممم يكممن هممو الممدين 2
المنزل من عند الله .كما سبق بيان ذلك فى التمهيد الول من هذا الكتاب ،إنما كان دينا جاهليا من صنع الكنيسة
الستيلء على عمممل الخريممن ،وهممى بالنسممبة للبرليتممارى بيممع قمموة
عمله أو الممموت جوعمما ،والنسممانية البرجوازيممة أيضمما هممى إنسممانية
مجردة ،فالرأسمالية فى الواقع ل تخلق الشروط الواقعيممة لتطممور
وازدهار الشخصية ،وأكثر من ذلك فهى تحول كرامة النسممان إلممى
قيمة تبادلية ،والعلقات بيممن النمماس إلممى علقممات نقديممة ،قاضممية
على أى نوع من الصلت بين الناس إل صلة المصلحة المكشمموفة ،
صلة الدفع الخالى من العلقات النسانية .
" إن مبدأ الفردية هو السائد فى سلوك الممبرجوازى إل أنممه ليممس
مممن مصمملحة البرجوازيممة أن تعلممن عممن مصممالحها الجشممعة بصممورة
سافرة ومكشوفة ،إن البرجوازى يسعى لتبرير أنانيته وفرديته فى
الوعى الخلقى ،إذ يصور السعى لبلوغ أهممدافه الجشممعة كاهتمممام
بالمصلحة العامة .وهنا تتجلى الفردية الحيوانيممة " كحريممة الفممرد "
ويتجلى استعمار العمال " كأنقاذ للمحرومين من الجوع و " كتقديم
الخبز للجائعين " ويتجلى انتاج السلع من أجل الحصول على الرباح
" كتأمين الممواد الضممرورية للمجمممع " ،ويتبمدى اسممتعباد الشمعوب
الخرى كعملية " تمدين " لها .
" ولهذا فإن ما يميز الخلق البرجوازية هو طابعها المنافق عندما
تتقنع شريعة الغاب فممى عممالم الملكيممة الخاصمة بسممتار مممن تعمماليم
1
اليدلوجيين البرجوازيين
وأما أخلق الشيوعية فلندعهم هو يصفونها بأقلمهم .
جاء فى نفس الكتاب ) ص 572 – 471من الترجمة العربية ( :
" إن الماركسممية تنتقممد دونممما تحفممظ محمماولت علممماء الجتممماع
البرجوازيين ،والبرجوازيين الصغار ،لجعل الشتراكية قائمممة علممى
" أساس أخلقى " أى بناء نظرية الشتراكية على أسمماس المبممادئ
الخلقية المجردة كالعدالة الخالدة والحممق المطلممق وغيرهممما ،دون
أن ينطلقوا مممن القمموانين الموضمموعية للتطممور الجتممماعى .وبهممذا
المعنى فى الواقع ليس فى الماركسية مثقال ذرة من الخلق كممما
يقول لينين .
" إن الظلم وغيممره مممن وجهممة النظممر الماركسممية ليممس أساسمميا
وإنممما هممو نتيجممة للرأسممماالية .والشممتراكية ل تحتمماج إلممى أسمماس
أخلقى .وإنما إلى أساس علمى " ..
" إن أهم مبادئ الخلق الشيوعية نحو العمل ،والهتمام برعايممة
وزيادة الموال الجتماعية .وفى العلقة نحو العمممل بالممذات وقبممل
هذا أيضا صحيح وواضح – كما أشرنا فى فصل " الديمقراطية " – أن الرأسمالية نظام جاهلى بحت . 1
كل شئ .يتجلى الطممار الروحممى الجديممد للنمماس الممذين تربمموا فممى
المجتمممع الشممتراكى .وتتلءم مممع الخلق الشمميوعية تلممك العلقممة
الشريفة الطيبة نحو العمل .العلقة نحممو العمممل كإبممداع وكأسمممى
واجب للفرد تجاه المجتمع .
" إن الخلق الشممممميوعية تمممممدين المهمليمممممن والمتقاعسمممممين
والطفيليين .إن إرادة العيممش علممى حسمماب الخريممن تتنمماقض مممع
أساس المجتمع الشتراكى ،ومع أخلقه " .
ومن ناحية أخرى يقول إنجلز :
" إن الخلق الممتى نممؤمن بهما هممى كممل عممل يممؤدى إلممى انتصمار
1
مبادئنا مهما كان هذا العمل منافيا للخلق المعمول بها "
ويقول ليبنين :
" يجب على المناضل الشيوعى الحق أن يتمرس بشممتى ضممروب
الخداع والغش والتضليل .فالكفاح من أجممل الشمميوعية يبممارك كممل
وسيلة تحقق الشيوعية " " 2
ويقول أيضا :
" إذا لممم يكممن المناضممل الشمميوعى قممادرا علممى أن يغيممر أخلقممه
وسلوكه وفقا للظروف مهما تطلب ذلك من كممذل وتضممليل وخممداع
2
فإنه لن يكون مناضل ثوريا حقيقيا
-3السرة :
ل يختلف تفسيرهم للسممرة عممن تفسمميرهم للممدين والخلق مممن
حيث إنها انعكاس للوضمماع الماديممة والقتصممادية ،ومممن حيممث إنهمما
متطورة على الدوام ،وليست " قيمة " ثابتة ول قائمة بذاتها .
يقممول جممان فريقيممل فممى كتمماب " المممرأة والشممتراكية " ترجمممة
جورج طرابيشى ) ص 17من الترجمة العربية ( .
" ل تشممكل السممرة كيانمما اجتماعيمما خالممدا ،ولقممد طممرأت عليهمما
تبدلت عديدة عبر القرون ،وهذا التطور يتحدد فى التحليممل الخيممر
بالعامل القتصادى "
ثم يرسمون خطا تطوريا للسرة يعتمد فى مراحله الولممى علممى
ما اكتشف من أحوال القبائل المتأخرة فى مختلف قممارات الرض ،
أو ما يتصورونه من أحوالها فى بعض الحيان ) كحديثهم عن أسممرة
الجيل ( .
ويقسمون أطوار السرة إلى :أسرة الجيل ،وأسممرة الشممركاء ،
و 2عن كتاب اشتراكيتهم وإسلمنا ،تأليف بشير العوف ص 37 – 36 1
يقول الماديون إن الوراثة والنسب قبل ذلك كانت عن طريممق الم ،وإن الرجممل – حيممن زادت ثروتممه وزاد نفمموذه – 3
قام بانقلب تاريخى ،فحول الوراثة والنسب إلى طريق الب .ليورث ثروته لبنائه ،فلزمه أن يتأكد من بنوة أبنائه له
.
" كانت الزيجة الوحدانية أول شكل للسرة مبنى ل علممى أحمموال
طبيعية ) يقصد كتلك التى كانت أيام الشيوعية الجنسية ( بممل علممى
أحوال اقتصادية ،أى علممى انتصممار الملكيممة الخاصممة علممى الملكيممة
العامة البدائية ،الطبيعية النشأة " .
أما السرة فى ظل الشيوعية ،فهى كالدين والخلق ..
جمماء فممى كتمماب " المممرأة والشممتراكية " ) ص 51مممن الترجمممة
العربية (
" يقول إنجلز .إن العلقات بين الجنسين ستصبح مسممألة خاصممة
ل تعنى إل الشممخاص المعنييممن والمجتمممع لممن يتممدخل فيهمما .وهممذا
سيكون ممكنا بفضل إلغاء الملكية الخاصممة ،وبفضممل تربيممة الولد
على نفقة المجتمع ،وبنتيجة ذلك يكون أساسا الممزواج الهنممان قممد
ألغيا ،فالمرأة لن تعود تابعة لزوجها ول الولد لهلهم ،هذه التبعية
التى ل ما تزال موجودة بفضل الملكية الخاصة "
ويقول إنجلز فى كتابه " أصل السرة " ) ص 118مممن الترجمممة
العربية ( :
" فبانتقال وسائل النتاج إلى ملكية عامة ل تبقى السرة الفردية
هى الوحدة القتصادية للمجتمع ،وينقلممب القتصمماد البيممتى الخمماص
إلممى صممناعة اجتماعيممة ،وتصممبح العنايممة بالطفممال وتربيتهممم مممن
الشئون العامة .فيعنممى المجتمممع عنايممة متسمماوية بجميممع الطفممال
سممواء كممانوا شممرعيين أم طممبيعيين ،وبممذلك يختفممى القلممق الممذى
يستحوذ على قلممب الفتمماة مممن جممراء " العممواقب " الممتى هممى فممى
زمانها أهم حافز احتماعى – اقتصادى وخلقى – يعوقهمما عممن تقممديم
نفسها بل حرج لمن تحب .أفلن يكون هذا سببا كافيا لزدياد حريممة
الوصال الجنسى شيئا فشيئا ومن ثم لنشئو رأى عممام أكممثر تسمماهل
فيما يتعلق بشرف العذارى وعار النساء ؟!
كلم صريح ل يحتاج إلى تعليق !
m m m
ولسنا نحن بحمد الله فى حاجممة إلممى أقمموال البشممر نسممتدل بهمما
على وجود الله وعلى وحدانيته ،فعندنا كتابنا الممذى نممؤمن بممه ،هممو
حسبنا فى كل قضية من قضايا الحيماة ،وقمد بسمط القمرآن قضمية
اللوهية بسطا ل يحتاج إل إلى تدبره بعقل مفتوح وقلب مفتوح .
ولكنا مع ذلك نأخذ شهادة على البشرية الضالة من علمائهمما فممى
هذا القرن الذى نعيش فيه .
" يقول رسل تشممارلز إرنسممت " أسممتاذ الحيمماء والنبممات بجامعممة
فرنكفورت بألمانيا :
" لقد وضعت نظريات عديدة لكى تفسر نشأة الحيمماة مممن عممالم
الجمادات ،فذهب بعممض البمماحثين إلممى أن الحيمماة قممد نشممأت مممن
البروتوجين ،أو من الفيروس أو تجمممع بعممض الجزئيممات البروتينيممة
الكبيرة وقد يخيل إلى بعممض النمماس أن هممذه النظريممات قممد سممدت
الفجوى التى تفصممل بيممن عممالم الحيمماء وعممالم الجمممادات ..ولكممن
الواقع الذى ينغممى أن نسملم بمه همو أن جميمع الجهممود المذى بممذلت
للحصول على المادة الحية من غير الحية قد باءت بفشممل وخممذلن
ذريعين .ومع ذلك فإن مممن ينكممر وجممود اللممه ل يسممتطيع أن يقيممم
الممدليل المباشممر للعممالم المتطلممع ،علممى أن مجممرد تجمممع الممذرات
والجزئيات من طريق المصادفة ،يمكن أن يؤدى إلى ظهور الحيمماة
وصمميانتها وتوجيههمما بالصممورة الممتى شمماهدناها فممى الخليمما الحيممة .
وللشخص مطلق الحرية فى أن يقبل هذا التفسممير لنشممأة الحيمماة ،
فهذا شأنه وحممده ! ولكنممه إذ يفعممل ذلممك ،فإنممما يسمملم بممأمر أشممد
إعجازا أو صعوبة على العقل من العتقاد بوجود اللممه ،الممذى خلممق
الشياء ودبرها .
" إننى أعتقد أن كل خلية من الخليا الحية قد بلغممت مممن التعقممد
درجة يصعب علينا فهمها ،وأن مليين الملييممن مممن الخليمما الحيمماة
الموجودة على سطح الرض تشهد بقدرته شهادة تقوم على الفكممر
1
والمنطق .ولذلك فإننى أؤمن بوجود الله إيمانا راسخا
ويقول " إيرفنج وليام ) دكتوراه من جامعة أيووا وإخصائى وراثممة
التبانات ،وأستاذ العلوم الطبيعية بجامعة ميتشجان (
" إن العلوم ل تستطيع أن تفسممر لنمما كيممف نشمأت تلمك المدقائق
الصغيرة المتناهية فى صغرها ،والممتى ل يحصمميها عممد ،وهممى الممتى
تتكون منها جميع المواد .كممما ل تسممتطيع العلمموم أن تفسممر لنمما –
بالعتماد على فكرة المصادفة وحدها – كيمف تتجممع همذه المدقائق
2
الصغيرة لكى تكون الحياة
ويقول " ألبرت ماكومب ونشستر " المتخصص فى علم الحياء :
" ولقد اشتغلت بدراسة علم الحياء .وهو من الميممادين العلميممة
الفسيحة التى تهم بدراسة الحياة ،وليس بين مخلوقممات اللممه أروع
من الحياء التى تسكن هذا الكون .
من مقال الخليا الحية تؤدى رسالتها " من كتاب " الله يتجلى فى عصر العلم ،ص 77 1
أثبتت الداروينية الحديثة " Neo- Darwinismكما سيجئ فى أثناء المناقشة تفرد النسان حتى من الناحية البيولوجية 1
البحتة التى خدعت دارون فجعلته يلحق النسان بعالم الحيوان .
الناضج من جميع الوجوه ؟ هل هناك عناصر " ماديمة " تضماف إلمى
مخ الطفل فيصبح مخ إنسان ناضج ؟ وما تلممك العناصممر علممى وجممه
التحديد ؟ !
وأمخاخ الناس جميعهم – من حيث التركيب المادة – متشابهة إن
لم تكن متماثلممة .فلممماذا يختلممف تفكيممر شممخص عممن شممخص آخممر
اختلفا تام مع عدم وجود اختلف فى " المادة " الممتى يصممدر عنهمما
هذا الفكر وذاك ؟ !
وحين يكون النسان متدينا ثم يصبح شيوعيا – مثل – فهل تتغير "
مممادة " مخممه ،بحيممث لممو كشممفنا علممى مخممه لبصممرنا تغيممرا معينمما
ملموسا طرأ عليممه ،فأسممود – مثل – بعممد ابيضمماض ،أو زادت فيممه
كمية الناحس ونقصت كمية الفوسفور ؟!
أى سخف فى هذا " العلم " يبعث الغثيان !
والشيوعية تقممول إن النسممان سمميد هممذا الكممون 1فكيممف يخلممق
الكون سيده كما تساءلنا من قبل ؟ ثم كيف يكون السيد من نفممس
مادة المسود بل زيادة ؟ ! ما الممذى يجعلممه سمميدا إذن إذا كممان مممن
نفس التركيب ؟ !
إن المؤمنين بالله ورسممله يؤمنممون بممأن النسممان مممن مممادة هممذا
الكون :
ن ){(26 س مُنو ٍم ْ
م مإ ٍ َ
ح َن َ مم ْ ل ِ صمما ٍصل ْ َن َ مم ْ
ن ِسمما َ خل َْقن َمما ال ِن ْ َ }وَل ََق مد ْ َ
]سورة الحجر [15/26
ن )] {(71سممورة طيم ٍ ن ِ مم ْ شرا ً ِ خال ِقٌ ب َ َملئ ِك َةِ إ ِّني َ ك ل ِل ْ َ ل َرب ّ َ }إ ِذ ْ َقا َ
ص [38/71
ولكنهم يؤمنون بأن هناك شيئا آخممر غيممر الطيممن هممو الممذى جعممل
النسان إنسانا وميزه على بقية الخلق .ذلك هو النفخة العلوية فيه
:
ه
سوّي ْت ُ ُ ن ) (71فَإ ِ َ
ذا َ طي ٍ ن ِ م ْشرا ً ِ خال ِقٌ ب َ َملئ ِك َةِ إ ِّني َ ك ل ِل ْ َ ل َرب ّ َ }إ ِذ ْ َقا َ
ن )] {(72سممورة ص دي َ ج ِ
سمما ِ ه َ حممي فََقعُمموا ل َم ُ ن ُرو ِ مم ْ ت ِفي مهِ ِ خم ُ وَن ََف ْ
[72-38/71
فإذا جرده الشيوعيون من نفخة الممروح وجعلمموه طينمما فحسممب ،
فكيف يفسرون سمميادة الطيممن علممى الطيممن ،أو سمميادة جممزء مممن
المادة على بقية المادة المماثلة لها تماما فى التركيب ؟!
وكيممف يكممون هممذا منطقمما " علميمما " تبنممى عليممه نظريممة علميممة
يقول الشيوعيون ذلك ل إيمانا حقيقيا بتلك الحقيقة ،ولكن لنيفوا فقط أولهية الله لهذا الكون وكل ما فيممه بممما فممى 1
ذلك النسان ،فإذا أخرجوا النسان – بزعمهم – من مجال العبودية لله بقولهم إن النسمان سميد همذا الكمون ،عمادوا
فردوه أسفل سافلين تحكمه الحتميات ،وتمرغه المادة فى الوحل ! ولكننا نأخذهم بكلمهم على أى حال !
وتفسير علمى للحياة البشرية ؟!وهممل حممدث خلل ألمموف الملييممن
من السنين أن خرجت قطعة من المادة فسودت نفسها أو زعمممت
لنفسممها سمميادة علممى بقيممة المممادة المتفقممة معهمما فممى جوهرهمما
وأعراضها ؟
أم لبممد بداهممة أن تكممون قطعممة المممادة الممتى سممودت نفسممها أو
منحت السيادة على بقيممة المممادة ،متميممزة فممى تركيبهمما عممن بقيممة
المادة وزائدة عنها بنوع من الزيادة أيا كان ؟
فإذا كان ذلك كذلك فكيف تكون قوانين المممادة العاديممة منطبقممة
بحذافيرها على قطعة المادة التى تميزت عنها فممى تركيبهمما وزادت
عليها زيادات ؟
أليست الزيادة التى اقتضت التميز والسميادة – أيمما كمان نوعهما –
تقتضى أن يكون لها معاييرها الخاصة وقوانينها الخاصة ؟
وهل يكفى أن يقول النسان بلسانه – كما يقول التفسير المادى
للتاريخ – إن النسان هو أعلى " تطور " حممدث فممى عممالم المممادة ،
إذا كممان سمميعود فيلغممى هممذا " التطممور " ويعامممل النسممان بقممانون
المادة البحث بل تغيير ؟
ما قيمة التطور إذن – إذا سلمنا جدل بأن النسان مادة متطممورة
– بل ما قيمة " أعلى درجات التطور ،إذا كنا سنعود فنعامل المادة
المتطورة بقوانين المادة غير المتطورة ؟
وما هذه الحيرة والبلبلة :مممرة نعامممل النسممان علممى أنممه أعلممى
درجات التطممور فممى عممالم المممادة ،ومممرة نعممامله بقمموانين الطيممن
مجردة عن كل زيادة .أم هذا هو " النسان الطينى " الممذى يصممفه
ويتكلم عنه التفسير المادى للتاريخ !
m m m
انطبقا قوانين المادة الجامدة على النسان أسممطورة " علميممة "
غير مسبوقة فى تاريخ الفكر البشرى ،تسجل " بممراءة " اختراعهمما
والحق يقال للممماديين الشمميوعيين ،وإن كممانت ل تحمممل " بممراءة "
على الطلق !
إنها مجرد هراء يتلبس بزى علمممى مزيمف ،ل يمكممن تفسمميره إل
إذا أخرجناه تماما من دائرة العلم ،ونظرنا إليممه مممن زاويممة الهممدف
المقصود منه ،كما أسمملفنا مممن قبممل ونحممن نتحممدث عممن التفسممير
المادى للخالق .
والمقصود – من ناحية – هو مسخ النسان وتشويهه والهبمموط بممه
إلى الدرك السممفل – أسممفل درك يمكممن أن يصممل إليممه – ليتحقممق
المخطممط الكممبير ،مخطممط اسممتحمار المييممن لحسمماب الشممعب
المختار .
والمقصود – من ناحيممة أخممرى هممو القممول بممأن هنمماك متناقضممات
متصممارعة فممى حبممة البشممر علممى الرض ،وأن صممراع المتناقضممات
سيؤدى فى النهاية – عن طريق التطممور الحتمممى – إلممى الشمميوعية
) وهى آخر مخترعات المخطط اليهودى بعد الديمقراطية الليبراليممة
الرأسمالية لستحمار المميين ووضمعهم بصمورة نهائيمة فمى قبضمة
الشعب المختار ( .
فإذا كان هذا هو المقصممود ،فلنقممل إذن إن النسممان مممادة ،وإن
التناقض والتطور ممن قمموانين المممادة ،وإن قموانين الممادة تنطبممق
على النسان ،وإن التناقض وصراع المتناقضات حممادث فممى عممالم
النسان ،ومؤد فممى النهايممة – عممن طريممق التطممور الحتمممى – إلممى
الشيوعية !
وهى كما ترى لفة طويلة ما كان الشيوعيون أنفسهم فممى حاجممة
إليها – حتى وهم يريدون أن يسوقوا النمماس إلممى الشمميوعية – فقممد
كممان يكفيهممم لهممدفهم الخيممر أن يقولمموا إن الحيمماة البشممرية مليئة
بالمتناقضات التى يصممارع بعضممها بعضمما ،وإن هممذا الصممراع لبممد أ،
يؤدى فى نهاية المطاف إلى غلبة الشيوعية وتحول البشر كلها إليها
.
كان هذا يكفممى ..لممول أن الهمدف الول – كممما قلنما – همو مسممخ
النسان والهبوط به إلى الدرك السممفل ،فلممزم أن يلحممق النسممان
بالمممادة ويرتبممط بقمموانين المممادة خشممية أن ينفلممت ذات يمموم مممن
القبضة الشريرة إذا بقيت له صممفة الدميممة ،ومممن صممفات الدميممة
حرية الختيار ! وحتى ل يرتفع رأس واحد من بين المميممن يقممول "
أنا إنسان " !
وهذا هو المنطق الحقيقى الذى يفسر التفسير المممادى للتاريممخ ،
حيث يعجز أى تفسير علمى عن تفسير هذا التفسير !!
إذا فهمنا ذلك " السممر " لممم يعمد يكرثنما كمثيرا أن ننماقش قضممية
التفسير المادى للنسممان مناقشممة موضمموعية مطولممة .لكنمما نقممول
فقط أن " إنسانية " النسان ل بمماديته ول حيمموانيته ،أظهممر مممن أن
يجادل فيها المجممادلون ..ولكنممه الهمموى الممذى يتخممذ الممزى العلمممى
َ َ
ن
م ْض وَ َ
ت َوالْر ُوا ُ
م َ
س َ
ت ال ّ م ل ََف َ
سد َ ْ واَءهُ ْ المزيف } :وَل َوْ ات ّب َعَ ال ْ َ
حق ّ أ ه ْ َ
ن{ ]سورة المؤمنون [23/71 ِفيهِ ّ
ولقد كان دارون هو الذى وجه اللطمة الكبرى لنسممانية النسممان
حيممن زعممم أنممه حيمموان ،وأنممه نهايممة سلسمملة التطممور الحيمموانى بل
زيادة ،فاليوم ينقممض العلممم الممداروينى ذاتممه مقالممة دارون ،ويممؤك
على إنسانية النسان .
يقممول " جوليممان هكسمملى :وهممو عممالم داروينممى ملحممد متبجممج
بممالكفر ،فممى كتممابه " النسممان فممى العممالم الحممديث Man in the
" Modern World
" وبعممد نظريممة دارون لممم يعممد النسممان مسممتطيعا تجنممب اعتبممار
نفسه حيوانا ،ولكنه بدأ يرى نفسه حيوانا غريبا جديا .وفى حممالت
كممثيرة ل مثيممل لممه .ول يممزال تحليممل تفممرد النسممان مممن الناحيممة
البيولوجية غير تام .
" وأولى خواص النسان الفممذة وأعظمهمما وضمموحا .قممدرته علممى
التفكير التصويرى ،وإذا كنت تفضل استخدام عبممارات موضمموعية ،
فقل :استخدامه الكلم الواضح .
" ولقد كان لهذه الخاصية الساسممية فممى النسممان نتممائج كممثيرة ،
وكان أهمها نمو التقاليد المتزايدة .
" ومن أهم نتائج تزايد التقاليد – أو إذا شئت – من أهم مظمماهره
الحقيقية ما يقوم به النسان من تحسين فيما لديه من عدد وآلت .
" وإن التقاليد والعدد لهممى الخممواص الممتى هيممأت للنسممان مركممز
السيادة بين الكائنات الحية ..وهذه السيادة البيولوجية فمى الموقت
الحاضمر خاصمية أخمرى ممن خمواص النسمان الفمذة ..ولمم يتكماثر
النسان فحسب ،بل تطور ،ومد نفوذه ،وزاد من تنوع سممبله فممى
الحياة .
" وهكذا يضع علم الحياة النسان فى مركز مماثممل لممما أنعممم بممه
عليه كسيد المخلوقات كما تقول الديان .ومع ذلممك هنمماك فممروق ،
وفروق هامة بعض الشئ ،بالنسممبة لنظريتنمما العامممة ،فمممن وجهممة
النظمر البيولوجيمة لمم تخلمق الحيوانمات الخمرى لخدممة النسمان ،
ولكن النسان تطور بصورة مكنته مممن التخلممص مممن بعممض النممواع
المنافسة ،ومممن اسممتبعاد أنممواع أخممرى بالسممتئناس ،ومممن تعممديل
الحوال الطبيعية والبيولوجية فى معظم أجمزاء اليمابس مممن الكممرة
الرضية .ولم تكن وجهة النظر الدينية صحيحة فى تفاصيلها أو فممى
1
كثير مما تتضمنه ولكن كان لها أساس جيولوجى متين
جوليان هكسلى عالم ملحد ،ل يقر بوجود الله ،وهو يرى الحق أمامه ويكاد يسمملم بممه ،ولكممن تأخممذه العممزة بممالثم 1
فيحاول النكوص عما يفرضه الحق الواضح المبين ،ولكن يكفى على أى حممال أن يقممر بممأن وجهممة النظممر الدينيممة لهمما
أساس جيولوجى متين ،فما ينتظر ن رجل ملحد أن يذهب إلى أبعد من هذا المدى فى العتراف بحقائق الدين .
" ولقد أدى الكلم والتقاليد والعدد إلى كثير من خممواص النسممان
الخممرى ،المتى ل مثيمل لهما بيممن المخلوقممات الخممرى ..ومعظمهما
واضممح معممروف ،ولممذلك أرى عممدم التعممرض لهمما حممتى انتهممى مممن
التحدث عن الخواص غير المعروفة كممثيرا ،لن الجنممس البشممرى –
كنوع – فريد فى صفاته البيولوجية الخالصة .ولم تلق تلك الصفات
من العناية ما تستحق ،سواء من وجهة نظر علم الحيوان ،أو مممن
وجهة نظر علم الجتماع .
" ..وأخيرا فإن النسان ل مثيل لممه بيممن الحيوانممات الراقيممة فممى
طريقة تطوره .
" وإن خاصية النسان الجوهرية ككائن حى مسيطر لهى التفكيممر
المعنوى ..
" يجب أل يعزب عن بالنا أن الفرق بيممن النسممان والحيمموان فممى
العقل أعظم بكثير مما يظن عادة .
" ..ولهممذه الزيممادة فممى المرونممة نتممائج أخممرى – سمميكلوجية –
يتناساها رجال الفلسفة العقلية ..والنسان فريد أيضا فى بعضممها .
وقد أدت هذه المرونة مثل إلى حقيقة أن النسان هو الكائن الحممى
الوحيد الذى لبد أن يتعرض للصراع النفسى .
" ..وفى الحقيقة إن منممع النممزاع بيممن طممرق العمممل المتعارضممة
لظاهرة عامة جدا ،وذات منفعة بيولوجية ،وهى ليست إل خاصممية
العقل البشرى الذى مكن النسان من التخلص من هذا النزاع .
" .وعندما نصل إلى المسممتوى النسممان نجممد تعقيممدات جديممدة ،
لن من خصائص النسان كما رأينا التغلب على شدة الغريزة .
" ..وهذه الخواص التى أمتاز بها النسان – والتى يمكن تسميتها
نفسية أكثر منها بيولوجيممة – تنشممأ ن خاصممة أو أكممثر مممن الخممواص
الثلث التية :
" الولى :قدرته على التفكير الخاص والعام .
" الثانية :التوحيد النسبى لعملياته العقلية بعكس انقسام العقممل
والسلوك عند الحيوان .
" الثالثة :وجود الوحدات الجتماعية مثل القبيلة والمة والحممزب
والكنيسة ) الجماعة الدينية ( وتمسك كل منها بتقاليدها وثقافتها .
" ..ولكن ل يكفى هنمما أن نحصممى بعممض أوجممه النشمماط ..ففممى
الحقيقممة أن معظممم أوجممه نشمماط النسممان وخواصممه نتممائج ثانويممة
لخواصه الصلية .ولذلك فهى مثلها فذة من الناحية البيولوجية
" ثممم إن التخمماطب واللعمماب المتظلمممة والتعليممم والعمممل بممأجر
وفلحممة البسمماتين والمسممرح والضمممير والممواجب والخطيئة والذلممة
والرذيلة والندم ،كلها نتائج ثانوية ) لخصائصه الصمملية ( والصممعوبة
فممى الواقممع هممى إيجمماد نشمماط للنسممان ل يكممون فريممدا ..بممل إن
الصفات الساسية البيولوجية مثل الكل والنوم والختلط الجنسممى
زينها النسان بكل المحسنات الفريدة .
" وقد يكون لتفرد النسان نتائج ثانوية أخممرى لممم تسممتغل بعممد ..
1
وبذلك قد يكون النسان فريدا فى أحواله أكثر مما نظن الن
ويقول رينيه دوبو فى كتممابه " إنسممانية النسممان " ) ترجمممة نبيممل
صبحى الطويل ص 139 – 138من الترجمة العربية ( :
" وأكثر السلوك فى الحيوانات بما فيها العليا غريممزى ل صمملة لممه
بالعقل والحجى ،ومن النادر – إن لم يكن من المستحيل – أن تجد
هذا السلوك متوجهما نحمو المسمتقبل البعيمد المذى يحماول الحيموان
التكهن بممه والسممعى ليجمماده .وبالمقابممل فممإن ردود فعممل النسممان
لكمثر الشمارات المحيطيمة تتمأثر بعممق بتكهنماته عمن المسمتقبل ،
سواء كانت هذه التكهنات مبنية على الخوف أو الحقائق المعلومممة
أو الرغبة فى النجاز ،أو فقط على المال الحالمممة ،والحقيقممة أن
ميل النسان لتخيل الشياء التى لم تجد بعد ،أو التى لن تقع بدون
إرادة وعمل حر يقوم به ،هى الناحية البمارزة المتى تميمزه بوضموح
تام عن الحيوان ،وهى التى تسهم كثيرا فممى تعقيممد بنيتممه النفسممية
التى أعيت الطباء .
" ومن أبرز النواحى المميزة للنسان ميله للسمو علممى الممدوافع
البيولوجية البسيطة ،فعنده الستعداد لتحويل العمليات العادية فى
وجوده إلى أعمال وأعراض ومطامح ليس لها ضرورات بيولوجيممة ،
وربما تكون متعارضة مع استمرار حياته .أكثر من ذلك إن النسان
يميل ليرمز لكل شئ يحدث له ثم يتفاعل مع هذه الرممموز كممما لممو
أنها إثارات محيطية حقيقية ،فرد فعممل شممخص معيممن علممى عامممل
محيطى ،مشروط فيزيولوجيا ونفسيا بتجاربه الذاتية الماضية ".
ويقول ) ص 14من الترجمة العربية ( .
" ويتمتع النسان بقدر كبير من الحريممة فممى الختيممار والتقريممر ..
فهو المتميز فى كونه قممادرا علممى الختيممار والتمحيممص والتنظيممم ..
ومن هذه يأتى البداع "
ويقول ) ص 164من الترجمة العربية ( .
ومن المعروف أن كل مظاهر الحياة مشروطة بالوراثة وتجممارب
ترجمة حسن خطاب ومراجعة الدكتور عبد الحليم منتصر – مقتطفات متفرقة من ص – 1ص 26 1
الماضى وعوامل البيئة ،إل أنه من المعروف أيضا أن الرادة الحرة
تمكممن البشممر مممن النمممو علممى ضمموابطه " التحديديممة البيولوجيممة "
فالقدرة على الختيار بين الفكار وأساليب الفعال المختلفة يمكممن
أن تكون أهم صفات النسان .لقد كانت فى الغممالب – ول تممزال –
محددا هاما فى تطور النسان .وأكثر ما يستنكر فى علمموم الحيمماة
كما تدرس الن هممو أنهمما تجمماهلت متعمممدة أهممم ظمماهرة فممى حيمماة
النسان ..أل وهى الحرية .
ويقول ) ص 169من الترجمة العربية ( .
" حرية النسان تعنى – من ضمن ما تعنيه – قدرته علممى التعممبير
عممن إمكانيمماته الكامنممة وقممدرته علممى الختيممار واسممتعداده لقبممول
المسئوليات .كل هذه وأمثالها من النشمماطات الممتى تضممم الختيممار
والتقرير لتسمو على التحديدية الجبرية التى تسم عمليات اللة "
ويقول ) ص 262من الترجمة العربية ( :
" ويدرك البشر العالم بحواسممهم .ومممن التنمماقض أن كممثيرا مممما
يقدرونه فى العالم من حولهم ل يعتمد على هممذا الدراك الحسممى .
والواقع أن كثيرا من بنممى النسممان ضممخوا بوجممودهم المممادى علممى
مذبح قيم غير مادية تدركها الروح ول يحسها جسم اللحم والدم "
" هذا ما يقوله " العلم "
فأى هاوية سحيقة تلك التى يهموى بالنسمان إليهمما ذلمك التفسممير
المادى للنسان ،حين ينزع عنه مقومات إنسانيته الصمميلة ،ويممرده
إلى المادةة ،ويجعل قوانينها هى قوانينه ؟ !
أى إلغاء لحرية النسان وكرامته ..وأى تحقير لممه أشممد مممن هممذا
التحقير ؟ !
فإذا علمنا أن هذا هو المطلوب ..
إلغاء الحرية لكى ل يختار المميممون لنفسممهم طريقمما غيممر الممذى
يرسمه لهم شعب الله المختار .وإلغاء الكرامممة لكممى ل يسممتنكفوا
من العبودية التى يري أن يفرضها عليهممم ذلممك الشممعب .والتحقيممر
لكى ل يرفعوا رؤوسهم بالتمرد على التسخير الذى يسخرهم إياه .
إذا علمنا أن هذا هو المطلوب ،أدركنا الهممدف " الضممخم " الممذى
يحققه التفسير المادى للنسان !
ثالثا التفسير المادى للقيم النسانية :
منذ جعل النسان مادة فقد ألغيت فى الحقيقممة كممل القيممم علممى
الفور ،ولم يعد لها مكان فى حياة النسان ،فممأنى للمممادة – مهممما
تطورت – أن يكون لها قيم – روحية أو نفسمية أو خلقيمة ؟ ! ولكمن
الشيوعية ما كانت تملك أن تتجاهل ودود القيم فى التاريخ البشرى
،فكان لبد من أن تعطيها تفسيرا ما ..يفسممدها ويشمموهها ليقضممى
عليها فى النهاية .والتفسير المادى للقيممم همو الداة المتى اختارتهمما
الشيوعية لداء جريمتها الكبرى ،فهى تتظاهر بإعطاء تفسمير لتلمك
القيم ،بينما ذلممك التفسممير فممى الحقيقممة يلغممى القيممم إلغمماء باتممات
ويقضى عليها من منبتها !
ومممع ذلممك فسممنتجاهل هممذه الحقيقممة ،ونأخممذ المممر كممأنه جمماد ،
ونسممتعرض التفسممير المممادى للقيممم النسممانية ونناقشممه مناقشممة
موضوعية !
يتمثممل التفسممير المممادى للقيممم النسممانية فممى مجموعممة مممن
الخطوات أو مجموعة من النقاط نجملها فيما يلى :
(1تضخيم العامل المادى والقتصادى وجعله أساس كل شئ فى
حياة النسان .
(2اعتبممار القيممم المعنويممة كلهمما مجممرد انعكمماس للوضممع المممادى
والقتصادى .
(3نفى وجود قيم ثابتة بحكم التطور الذى يغير القيم كلهمما كلممما
تغير الوضع المادى والقتصادى .
(4السخرية بالممدين وتسممخيفه وتهمموين شممأنه ورده إلممى أسممباب
مادية واقتصادية .
(5السممخرية بممالحق والعممدل الزلييممن ،والقممول بخضمموع النمماس
للحتميات المادية والقتصادية والتاريخية :
ولنأخذ فى شئ من التفصيل لكل نقطة من هذه النقاط .
-1تضخيم العامل المادى والقتصادى :
يتممبين لنمما مممن العممرض الممذى عرضممناه مممن أقمموال المفكريممن
الشيوعيين والمؤسسين للفكممر المممادى إلممى أى مممدى يعتممبر أولئك
المفكرون العامل المادى والقتصادى أساسا لكممل شممئ فممى حيمماة
النسان .ويكفينا أن نعود إلى قولممتى مواركسممى وإنجلممز فممى هممذا
الشأن .
" فممى النتمماج الجتممماعى الممذى يزاولممه النمماس تراهممم يقيمممون
علقات محمدودة ل غنمى لهمم عنهما ،وهمى مسمتقلة عمن إرادتهمم .
فأسلوب النتاج فى الحياة المادية هو الذى يحممدد صممورة العلميممات
الجتماعية والسياسية والمعنوية فى الحياة ..
ليس شعور الناس هو الذى يعين وجودهم ،بممل إن وجممودهم هممو
الذي يعين مشاعرهم " ) كارل ماركس (.
" تبدأ النظريممة الماديممة مممن المبممدأ التممى :وهممو أن النتمماج وممما
يصاحبه من تبادل المنتجات هو الساس الذى يقول عليه كل نظممام
اجتماعى .فحسب هممذه النظريممة نجممد أن السممباب النهائيممة لكافممة
التغيرات أو التحممولت الساسممية ل يجمموز البحممث عنهمما فممى عقممول
الناس ،أو فى سعيهم وراء الحق والعدل الزليين ،وإنما التغييرات
التى تطرأ على أسلوب النتاج والتبادل " ) فردريك إنجلز ( .
وهما قولتان واضحتا الدللة فى أن الصل فى اعتبارهم ليس هو
" إنسانية " النسان ،ول القيم المعنوية التى ينبغى أن تقوم عليهمما
حياته .إنما هو الوضع المادى والقتصادى الذى يكون الناس عليه ،
لن هذا الوضع هو الذى يحدد مشاعر الناس وأفكارهم وعقممائدهم ،
كما يحمدد نمموع المؤسسمات المتى تقموم فممى حيماتهم ووظيفمة كمل
واحدة من هذه المؤسسات .
ومن خلل تفسمميرهم للتاريممخ البشممرى يتبممدى مممدى تعمممق هممذه
الفكرة فى تصورهم .
فالشيوعية الولى – كما يصفونها 1حالة مممن الهممدوء والسممتقرار
والسعادة والتعاون الخوى .وهى كلها قيم معنوية سببها الوحيد هو
عدم وجود ملكية فردية ،وقيام الحيمماة علممى الملكيممة الجماعيممة أو
المشاعية ،وهو سبب اقتصادى بحت .
وتحول نظام السرة من التبعية للم إلى التبعية للب ،ومممن ثممم
سيطرة الب على السرة بجميع أفرادها من زوجة وأطفال ،يرجع
إلى سممبب اقتصممادى مممادى بحممت هممو ظهممور الملكيممة الفرديممة مممع
اكتشاف الزراعة واكتشاف الرجل أنه يمكممن أن يممورث أبنمماءه مممما
يملكه !
وتحول البشرية من حالة الشيوعية الولى إلمى المرق يرجممع إلممى
ذات السمممممممممممبب القتصمممممممممممادى الممممممممممممادى وهمممممممممممو
اكتشاف الزراعة ونشأة الملكية الفردية ،فعندئذ استرقت القبممائل
القوية القبائل الضعيفة وأجبرتها على العمل فى الرض لحسابها .
وتحول الناس من الرق إلى القطاع سببه هو اكتشاف المحممراث
– وهو سبب مادى ترتبت عليه نتائج اقتصادية – إذا اكتشف النسان
أنه يستطيع باستخدام المحراث أن يممزرع مسماحة أكممبر بكممثير مممما
كان يزرعه بممالدوات البدائيممة السممابقة ،فنشممأت المممزارع الكممبيرة
التى يستخدم فيها رجممل واحممد مجموعممة كممبيرة مممن البشممر عبيممدا
للرض أو إجراء يعملون لحسابه ويكونون تحت سيطرته .
سنتحدث عن الشيوعية الولى فيما بعد . 1
وتحول الناس من القطاع للرأسمالية سممببه هممو اخممتراع اللممة –
وهو كذلك سبب مادى ترتبت عليممه نتممائج اقتصممادية – فقممد تحممولت
الملكية من ملكية زراعية إلى ملكية رأسمالية ،وصار صاحب رأس
المال يستخدم مجموعة كمبيرة مممن البشممر أجممراء – بمأجر ضمئيل –
يعملون لحسابه ،وينتجون إنتاجا يستولى عليه هو ويربممح مممن بيعممه
أرباحا طائلة يزيممد بهمما رأس ممماله وقممدرته علممى اسممتخدام الجممراء
لحسابه .
وتحول الناس أخيممرا إلممى الشمميوعية سممببه الصممراع بيممن العمممال
وأصحاب رؤوس الموال على ملكية النتاج – وهو سممبب اقتصممادى
بحممت – وينتهممى ذلممك الصممراع بالقضمماء علممى طبقممة الرأسممماليين
وحلول العمال محلهم فى الملكية والسيطرة جميعا .
وبالضافة إلى هذه الخطوط العريضة فى حيمماة البشممرية ،الممتى
ترجع كلها – فى اعتبارهم -إلى أسباب مادية واقتصادية بحتة ،فممإن
الخطوط الكثر دقة ترجع كلها كذلك إلى أسباب مادية واقتصادية .
فوجممود الممدين فممى المرحلممة القطاعيممة وضممعفه وتقلصممه فممى
المرحلة الرأسمالية والشيوعية سببه أن طبيعممة النتمماج فممى العهممد
القطمماعى – أى النتمماج الزراعممى – تجعممل النسممان متممدينا ،لن
النسممان ل يملممك – فممى العمليممة الزراعيممة – إل وضممع البممذور فممى
الرض وتغذيتها بالماء والسمدة ،ولكنممه ل يملممك إنبممات البممذرة ول
استعجال نموها ول حماية المحاصيل مممن عمموارض الجممو والفممات ،
فيتوهم – أو يفترض – وجود قوة خفية ) غيبية ( ينسب إليها القدرة
على كل العمليات التى ل يقدر هو عليها من إنبات وإنماء وحمايممة ،
ويروح يتعبدها ويتقرب إليها بالقرابين لكى ترضى عنممه وتحفممظ لممه
محصمموله الممذى يعيممش عليممه ..بينممما ل تحتمماج طبيعممة النتمماج فممى
المرحلة الرأسمممالية والشمميوعية إلممى افممتراض تلممك القمموة الخفيممة
الغيبية .لنه إنتاج صناعى .يسيطر العامل فيه على عمليممة النتمماج
مممن أولهمما إلممى آخرهمما ،ولممي فيهمما جممانب خفممى كعمليممة النبممات
والنممماء ،ول جممانب خممارج عممن قممدرة العامممل كممالعوارض الجويممة
والفات ،ومن ثم ل يحتاج النسان إلى عبادة شء خارج عن نطاق
النسان ،فيتضاءل وجود الدين حتى ينتهى تماما فى النهاية .
ووجود أخلقيات الجنيس فى العهد الزراعى ،والحفمماظ الشممديد
على العرض ،وإعطاء العفة الجنسية أهمية بالغممة ،ووجممود الغيممرة
فى نفس الرجل على زوجته ،كل ذلممك رادع إلممى سممبب اقتصممادى
بحت ،هو أن الرجل فى المجتمع الزراعى هو المنتج الصمملى وهممو
المتكسب وحده وهو الذى ينفممق علممى زوجتممه وأسممرته ،ومممن ثممم
تدعوه سيطرته – القتصادية الصممل والمظهممر – إلممى التحكممم فممى
المرأة وفرض أخلقيات الجنس عليها ،فيفممرض عليهمما العفممة قبممل
الزواج وبعده ،ويفرض عليها أن تكون له وحده حين يممتزوج ،ومممن
ثم تصمبح العفمة فضمميلة خلقيمة واجتماعيممة يحمرص المجتمممع عليهما
ويشدد فى شانها ويعطيها تلك الهمية البالغممة ..بينممما تفقممد العفممة
وأخلقيممات الجنممس قيمتهمما – ووجودهمما – فممى المجتمممع الصممناعى
لسبب اقتصمادى كمذلك ،وهممو تحممرر المممرأة اقتصمادية ومشمماركتها
للرجل فى العمل وتكسبها بنفسها ،وذلك يحررها مممن كونهمما عالممة
على الرجل ..فيفقد الرجل سيطرته عليهمما ،ول يعممود يحممق لمه أن
يطالبها بالعفة قبل الزواج ول بعده ،ول أن يطالبهمما بممأن تكممون لممه
وحده بعد زواجها – تلك المطالبمة الممتى كمانت قائمممة علمى أسممباب
اقتصادية بحتة – ومن ثم ل تعود العفة تعتممبر فضمميلة فممى المجتمممع
الصناعى ،ول يهتم الناس بوجودها ،وتصممبح حريممة المممرأة فممى أن
تتصرف فى نفسها هى المر الشائع فى المجتمع .
كذلك المر مع السرة .فوجود السممرة الكممبيرة المترابطممة فممى
المجتمع الزراعى هو ظاهرة اقتصادية بحتممة ،سممببها حاجممة العمممل
الزراعى إلى تكاتف اليدى العاملة وتعاونهمما ،وترتممب زيممادة الربممح
على زيادة اليدى العاملة التى تعمممل فممى وحممدة متجانسممة .بينممما
يرجع تفكك السرة فى المجتمع الصناعى إلى فردية النتاج وفردية
النفاق .فأسلوب العمل ذاته يجعممل كممل فممرد يعمممل مسممتقل عممن
الخرين ،ثم إن كل عامل يعمل يتناول أجره بمفممرده مسممتقل عممن
الخرين . .ومن ثم ل تمؤدى السمرة الكمبيرة مهممة اقتصمادية فمى
حيمماة المجتمممع الصممناعى فتتفتممت وتحممل محلهمما السممرة الصممغيرة
المكونة من الب والم ،والطفال ..ثم تتفتت هذه بدورها لسباب
اقتصادية كذلك ،وهى عمل المرأة فممى المصممانع والوظممائف وغيممر
ذلممك ،فيصممبح ربمماط الممزواج ذاتممه واهيمما يمكممن أن ينحممل فممى أيممة
لحظة ،بل يمكن أن يلغى إلغاء كامل فممى أى وقممت ،وتحممل محلممه
العلقممات الجنسممية الحممرة ،وتصممبح هممى السمماس فممى المجتمممع
الجديد .
-2اعتبار القيم المعنوية كلها مجرد انعكاس للوضع
المادى والقتصادى :
هذه النقطة فى الحقيقة تحصيل حاصل بالنسبة للنقطة
السابقة ،فحين نقول إنهم يضخمون العامل المادى والقتصادى
ويجعلونه أساس كل شئ فمعنى ذلك من جهة انه يصغرون من
القيم الخرى -غير المادية – ول يعطونها المكانة اللئقة ،ومن
جهة أخرى أنهم يعتبرونها نابعة من القيم المادية ومترتبة عليها .
ولكنا نريد أن نلفت النظر فى هذه النقطة إلى مزيد من تحقير
القيم المعنوية ينشأ من القول بأنها مجرد انعكاس للوضع المادى
والقتصادى .فعلوم أن البشرية قد تعلقت – منذ مولدها – بالقيم
العليا من صدق وعدل وخير وفضيلة وأمانة ونظافة سلوك ..الخ ..
وسواء مارس الناس هذه القيم والفضائل بالفعل أم بعدوا عنها فى
سلوكهم العملى كل البعد أو ناقضوها مناقضة صريحة ،فإنهم
يتغنون بها فى فنونهم وآدابهم ،ويعجبون بها إذا رأوها ممثلة فى
سلوك واقعى ،ما لم يكونوا مرضى القلوب بصورة غير معتادة ،
ينفرون من الخير ويهشون للرذيلة والنتكاس لن رؤية الخير
تذكرهم بانتكاسهم فيكرهونه ،ورؤية الرذيلة تغطى مواقفهم
فيهشون لها ،كالذين قال الله فيهم :
واًء{ ]سورة النساءس َ
ن َ ما ك ََفُروا فَت َ ُ
كوُنو َ دوا ل َوْ ت َك ُْفُرو َ
ن كَ َ }وَ ّ
[4/89
وتعلق البشرية بالقيم العليا – ولو لم تمارسها بالفعل فى
سلوكها الشخصى – يعتبر فى ذاته عقبة فى سبيل استحمار
الممين وتسخيرهم لما يراد تسخيرهم له ،ولم يكتف المخططون
بإبعاد البشرية عن هذه القيم فى عالم الواقع ،ولهم الحق أل
يكتفوا فما دام هذا التعلق باقيا فى النفوس فهى عرضة أن تعتدل
من انتكاستها فى أية لحظة وتحول هذا التعلق النظرى – او
المتمنى – إلى تعلق واقعى يتخذ صورة سلوكية مطبقة فى عالم
الواقع ،وعندئذ يفسد المخطط كله ،ويضيع التعب الذى بذل فيه !
لذلك ينبغى أن يزال تعلق البشرية بتلك القيم بكل وسيلة ممكنة
.ومن بين الوسائل المؤدية إلى ذلك أن يقال إنها ليست قيما
قائمة بذاتها ،إنما هى مجرد انعكاس لقيم أخرى أو أوضاع أخرى
هى وحدها صاحبة الصالة وهى وحدها الجديرة بالهتمام .
هنا يذكرنا ماركس بفرويد !
ففرويد – فى اخصاصه – يهدف إلى ذات الهدف الذى يسعى
إليه ماركس !ويريد – مثله – أن يصرف الناس عن التمسك بالقيم
العليا لنها عدو مشترك لكل من يسعى لفساد البشرية واستعبادها
لشعب الله المختار ..ومن ثم ينفى أنها قيم قائمة بذاتها ويقول
إنها انعكاس لشئ آخر ! فالدين ناشئ عن عقدة جنسية هى عقد
أوديب ،والتسامى ناشئ من الكبت ،كما أنه لون من ألوان
الشذوذ !
وإذا كان فرويد قد رد القيم كلها إلى الجنس ليحقرها ويذهب
عنها مالها فى نفوس الناس من توقير وإعجاب وتطلع ،فإن
ماركس وأصحابه قد ردوها إلى القيم المادية والوضاع القتصادية
لذات الغاية ..فمعلوم أن الناس تحتقر القيم المادية ولو شغلت
بها فى حياتها الواقعية مشغلة كاملة ! فيجئ ماركس فيرد إليها
القيم العليا كلها فيذهب التوقير عنها فى التو ويذهب العجاب
والتطلع ،وتفرع من مضمونها الحيقى وتصبح صورة شاحبة ل
يتعلق بها قلب ول ترتبط بها مشاعر ! ويصبح التوقير والتعلق كله
موجها إلى القيم المادية والوضاع المادية ،وما أضيق النفس حين
تنحصر فى هذا المحيط الضيق ،وما أخسرها حين تغلق كل منافذ
النور ،وتفتح ذلك المنفذ الواحد الذى يتعامل مع النسان الطينى
وحده ،ول يتعامل مع النسان المتكامل الذى خلقه الله من قبضة
من طين الرض ،ثم سواه ونفخ فيه من روحه لتسجد له الملئكة
الطهار !
-3نفى وجود قيم ثابتة بحكم التطور الذى يغير القيم
كلها كلما تغير الوضع المادى والقتصادى :
لم يكتف الماديون فى تحقير القيم السنانية بقولتهم السابقة ،
التى تنفى الصالة عنها وتجعلها مجرد انعكاس لقيم أخرى – مادية
– بل مضوا شوطا آخر فى تحقيرها فقالو إنها ليست ثابت ،إنما
هى دائمة التغير كلما تغير الوضع المادى والقتصادى !
بمعنى آخر :يا أيها المثاليون المغفلون ! 1إنكم تبحثون عن
سراب ل وجود له فى الحقيقة ،حين تتكلمون عن الحق ،والعدل ،
والخير ،والفضيلة ،والجمال والصدق ،والمانة ..الخ ..إنها
كلمات جوفاء يملؤها كل جيل بما يحلو له ،ولكنها هى فى ذاتها
ليست شيئا ثابتا محددا يمكن التعرف عليه !
هنا يذكرنا ماركس بدور كايم !
العقل الجمعى هو الذى يضع القيم والنظم والتقاليد والخلق ..
وهو ل يثبت على حال ،يحل اليوم ما حرمه بالمس ،ويحرم غدا
ما يحله اليوم !
نفس الهدف ونفس الوسيلة ..كل فى اختصاص من اختصاصا "
العلم " !
يستخدم الماديون كلمة المثالية فى الذم ل ى المديح ويقصدون بها الشياء التى ل يمكن تحقيقها فى الواقع ومن ثم 1
ترجمة الدكتور نبيل صبحى الطويل طبع مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الولى سنة 1979 2
إلى شريعة الله أم إلى شرائع جاهلية من صنع البشر .
ذلك هم الذى يحدث التغيير الجوهرى فى حياته ،سواء كان فى
الحالة الرعوية أو الحالة الزراعية أو الحالة الصناعية أو الحالة
الذرية ) إن كانت هذه تعتبر تحول فى طريقة النتاج على المدى
البعيد ! ( أو فى أى حالة من الحالت المادية على الطلق .
والسبب فى ذلك أن النسان – بخلقته – ذو طريقين مختلفين كل
الختلف من حيث السباب والنتائج والوسائل والهداف .
َ َ
ن
م ْ
ح َها ) (8قَد ْ أفْل َ َ
وا َ
ها وَت َْق َ مَها فُ ُ
جوَر َ ها ) (7فَأل ْهَ َ وا َس ّ ما َ س وَ َ
}وَن َْف ٍ
ها )] {(10سورة الشمس [10-91/7 سا َ ن دَ ّم ْب َ خا َ ها ) (9وَقَد ْ َ َز ّ
كا َ
ن )] {(10سورة البلد [90/10 جد َي ْ ِ}وَهَد َي َْناهُ الن ّ ْ
ما ك َُفورا ً )] {(3سورة النسان كرا ً وَإ ِ ّشا ِ ما َ سِبي َ
ل إِ ّ }إ ِّنا هَد َي َْناهُ ال ّ
[76/3
وهو فى الوضع السوى حين يعبد الله وحده ويحكم شريعته ،
وفى الوضع المقلوب حين يعبد غير الله ويحكم شريعة غير شريعة
الله ،ول يستوى الوضع السوى بطبيعة الحال مع الوضع المقلوب ،
والفارق بينهما فارق جذرى وجوهرى ،أما التغيرات المادية
والقتصادية فهى تغير الصورة نعم ،ولكنها ل تغير الجوهر .
ومن هنا يكون للبشرية – فى كل أوضاعها المادية والقتصادية –
حالتان اثنتان فحسب ،إما سوية معتدلة وإما مقلوبة ،بصرف
النظر عن الوضع المادى والقتصادى ذاته ،أى أنه يكون رعويا فى
حالة اعتدال أو رعويا على الوضع المقلوب .ويكون زراعيا فى
حالة اعتدال أو زراعيا على الوضع المقلوب ،ويكون صناعيا فى
حالة اعتدال أو صناعيا على الوضع المقلوب ،ويكون ما شاء الله
أن يكون من الوضاع المادية والقتصادية على حالتين اثنتين :
مهتديا فتستقيم حياته ،أو ضال فتضطرب حياته وتختل .
والذى درسته المادية الجدلية والتفسير المادى للتاريخ هو خط
الضلل البشرى من الشيوعية الولى إلى الرق إلى القطاع إلى
الرأسمالية إلى الشيوعية الثانية – كما سنشير فيما بعد – ولم
يدرسا قط خط اليمان التاريخى سواء عن عمد أو غير عمد 1لذلك
التفت التفسير المادى للتاريخ إلى التغيرات الجزئية التى حدثت
فى النتقال من كل طور اقتصادى إلى الطور الذى تله ،وركز
عليها ،وضخمها ،حتى بدت اختلفات جوهرية فى حياة النسان !
والسبب فى ذلك أنه لم يقارن أبدا بين الصورتين المتغايرتين
نقول نحن إنه عن عمد .ولكن يستوى فى النتائج أن يكون عن جهل أو عن عمد . 1
تغايرا جوهريا صورة اليمان وصورة الضلل على جميع الطوار
المادية والقتصادية ،إذن لتبين له أن الفوارق الحقيقية ليست
قائمة بين القتصاد الرعوى والقتصاد الزراعى والقتصاد
الصناعى ،إنما هى بين القتصاد الرعوى – والحياة الرعوية بجملتها
– على خط اليمان وعلى خط الضلل ،والقتصاد الزراعى –
والحياة الزراعية بجملتها – على خط اليمان وعلى خط الضلل ،
والقتصاد الصناعى – والحياة الصناعية بجملتها – على خط اليمان
وعلى خط الضلل .ولتبين له كذلك أن الحياة بجملتها على خط
اليمان – فى الحالة الرعوية والحالة الزراعية والحالة الصناعية –
ذات سمات أساسية مشتركة ،هى قيامها على الحق والعدل
والترابط النسانى والخوة وغلبة المحبة على الصراع 0مهما يكن
فى داخلها من هزات واضطرابات ناشئة من إخفاق الناس فى
تطبيق المنهج الربانى بالصورة الواجبة ( وإن الحياة بجملتها على
خط الضلل – فى الحالة الرعوية والحالة الزراعية والحالة
الصناعية – ذات السمات اساسية مشتركة .هى قيامها على الظلم
والطغيان والصراع على متاع الرض القريب .
m m m
إليه على اعتبار أن أبحاثه أيدت أقوال ماركس التى قالها غير متأثر بأحد "
وهو جانب النبات والنماء والفات والعوارض الجوية ،فيتخيل قوى
غيبية يسند إليها إخراج الزرع من الرض وإنضاجه وحمايته ،
فيتعبدها ويسترضيها لتحفظ له المحصول الذى تقوم حياته عليه .
ثم يزول الجهل والعجز بالتقدم العلمى والتكنولوجى فيتعرف
النسان رويدا رويدا على قوانين الطبيعة ،ويسيطر تدريجيا على
البيئة ،فتقل حاجته إلى " افتراض " القوى الغيبية .وحين تصبح
عملية النتاج مادية بحتة فى العصر الصناعى ويسيطر العامل على
كل خطواتها من أول استخراج المادة الخامة إلى تشكيلها فى
صورتها النهائية ..فعندئذ تزول الحاجة إلى التدين نهائيا وينتهى دور
الدين فى حياة البشرية .
ومن جانب آخر فإن الطبقة الحاكمة سواء فى القطاع أو فى
الرأسمالية تستخدم الدين – الذى هو أسطوة ل حقيقة لها – فى
تخدير الجماهير الكادحة لترض بالظلم فى الرض طمعا فى الجنة
فى الخرة .
ونقول بادئ ذى بء إنه من التعسف تفسير ظاهرة وجدت فى
جميع العصور وجميع الجيال بتفسير خاص فى كل جيل من الجيال
! إنما ينبغى – من الوجهة العلمية البحتة _ أن نبحث عن أسبابها
فى الصول الثابتة ل فى المتغيرات !
إن دللة خمسين قرنا – على القل – من تاريخ البشرية
المكتوب ،فضل عن قرون أخرى غير مكتوبة ل يعلم عددها إل الله
،ل يمكن أن تلغى بجرة قلم مهما يكن جبروت هذا القلم
وطغيانه ! ول يمكن أن تلغى لن جيل واحدا أو جيلين قد تنكرا
للدين لسباب معروفة ومرئية وغير خافية على الذين يبحثون عن
الحق ويحبون أن يهتدو إليه !
فى كل تلك القرون التى ل يعلم عددها إل الله كانت ظاهرة
التدين قائمة ،فلماذا نقول إن سببها فى الجيل الفلنى كان كذا
وفى الجيل الخر كان أمرا آخر ؟!
أهذه هى طريقة " البحث العلمى الموضوعى " وتلك هى
مناهجه ؟!
هل يمكن مثل أن نرد الدافع الجنسى إلى أسباب مادية ،أو إلى
أسباب تختلف فى جيل عنها فى جيل آخر ،أليس وجود هذا الدافع
على مدى التاريخ البشرى يجعلنا نقول إنه فى أصل الفطرة ،ل هو
مكتسب ول هو راجع إلى أسباب خارجية فى البيئة المحيطة
بالنسان ؟ !
فلماذا نقول عن التدين – الذى وجد على مدى التاريخ البشرى –
إنه راجع إلى البيئة وإلى أسباب متغيرة ،وليس أصل من أصول
الفطرة ؟
أمن أجل أن جيل من البشر أو جيلين قد تفشى فيهما اللحاد ؟!
لقد تفشت بالرهبانية فى المجتمع المسيحى عدة قرون ،وكان
ينظر إلى التخلص من الدافع الجنسى أو كتبه أو قهره على أنه
قمة الرتفاع النفسى والروحى ،فهل يلغى هذا العارض الذى
تفشى فى مجتمع معين لفترة معينة كل دللة التاريخ ،ويجعلنا
نقول إن أسبابا معينة فى البيئة هى التى توجد دافع الجنس ،وإنه
يمكن أن يزول من الوجود فى يوم من اليام ؟ !
لماذا إذن نفرق بين ظاهرتين متشابهتين بل متماثلتين فنعطى
إحداهما تفسيرا ونأبى على الخرى ذلك التفسير ؟
كل ! إن الهدف واضح ،وهو أن الشيوعية – اليهودية المنشأة -
تريد أن تقيم مجتمعا بشريا على اللحاد الكامل عن الدين ،فتروح
تزعم أن الدين ليس من الفطرة ،وأن أسبابا معينة فى البيئة أو
فى موقف النسان من البيئة هى التى أنشأت ظاهرة التدين فيما
مضى من التاريخ ،وأن هذه السباب الن قد زالت فينبغى للدين
أن يزول !
إن وجود عوامل خارجية فى الكون المادى وفى البيئة المحيطة
بالنسان تبعث مشاعر التدين فى النسان أمر نعلمه ونقره ..
إنها ذلك الكون ذاته بضخامته المعجزة ودقته المعجزة .
إنها ظاهرة الحياة والموت التى تبهر حس النسان وتثير عجبه
وتطلعه .
إنها ظاهرة حدوث الحداث وجريانها من ليل ونهار ونور وظلمة
وولدة وموت وصحة ومرض وغنى وفقر واجتماع وافتراق ..الخ .
إنها ظاهرة عجز النسان عن السيطرة الكاملة على الكون مهما
بلغ من سيطرته ،وعن الحاطة الكاملة بأسراره مهما بلغ من
1
علمه ،وعجزه الكامل عن الخلق والنشاء من العدم
إنها هى التى نبه إليها رب العالمين فى كتابه الكريم ليوقظ
وجدان البشر إلى تفرد الله باللوهية والربوية ووجوب إفراده
بالعبادة والنسك وتحكيم شريعته فى الرض :
ن ِفي م ) (163إ ِ ّ حي ُن الّر ِ م ُ ح َ حد ٌ ل إ ِل َ َ
ه إ ِل ّ هُوَ الّر ْ م إ ِل َ ٌ
ه َوا ِ }وَإ ِل َهُك ُ ْ
ك ال ِّتي ت َ ْل َوالن َّهارِ َوال ُْفل ْ ِ ت وال َ
ري ج ِ ف الل ّي ْ ِ
خِتل ِ ض َوا ْ ِ رْ وا ِ َ م َس َق ال ّ َ ْ
خل ِ
سنعاود الحديث عن هذا الموضوع بتفصيل أكثر عند التحديث عن اللحاد 1
َ ما َأنَز َ
حَيا ماءٍ فَأ ْ ن َ م ْ ماِء ِ س َ ن ال ّ م ْ ه ِ ل الل ّ ُ س وَ َ ما َينَفعُ الّنا َ حرِ ب ِ َ ِفي ال ْب َ ْ
ح ن كُ ّ َ
ف الّرَيا ِ ري ِ ص ِ داب ّةٍ وَت َ ْ ل َ
َ
م ْ ث ِفيَها ِ موْت َِها وَب َ ّ ض ب َعْد َ َ ب ِهِ الْر َ
ن) ت ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ ض لَيا ٍ ماِء َوالْر ِ س َ ن ال ّ خرِ ب َي ْ َ س ّ م َ ب ال ْ ُ حا ِ س َ َوال ّ
] {(164سورة البقرة [164-2/163
َ
نكو ُ ن فَي َ ُ ه كُ ْ ل لَ ُ ما ي َُقو ُ مرا ً فَإ ِن ّ َ ضى أ ْ ذا قَ َ ت فَإ ِ َ مي ُ ي وَي ُ ِ ح ِ ذي ي ُ ْ }هُوَ ال ّ ِ
)] {(68سورة غافر [40/68
نم ْ م ّ ك ِ مل ْ َ شاُء وَت َن ْزِعُ ال ْ ُ ن تَ َ م ْ ك َ مل ْ َ ك ت ُؤِْتي ال ْ ُ مل ْ ِ ك ال ْ ُ مال ِ َ م َ ل الل ّهُ ّ }قُ ْ
يءٍ ش ْ ل َ ك عََلى ك ُ ّ خي ُْر إ ِن ّ َ ك ال ْ َ شاُء ب ِي َدِ َ ن تَ َ م ْ ل َ شاُء وَت ُذِ ّ ن تَ َ م ْ شاُء وَت ُعِّز َ تَ َ
جخرِ ُ ل وَت ُ ْ ج الن َّهاَر ِفي الل ّي ْ ِ ل ِفي الن َّهارِ وَُتول ِ ُ ج الل ّي ْ َ ديٌر )ُ (26تول ِ ُ قَ ِ
ر
شاءُ ب ِغَي ْ ِ ن تَ َ م ْ ي وَت َْرُزقُ َ ح ّ ن ال ْ َ م ْ ت ِ مي ّ َ ج ال ْ َ خرِ ُ ت وَت ُ ْ مي ّ ِ ن ال ْ َ م ْ ي ِ ح ّ ال ْ َ
ب )] {(27سورة آل [27-3/26 سا ٍ ح َ ِ
َ
ه
جٌر ِفي ِ ش َ ه َ من ْ ُ ب وَ ِ شَرا ٌ ه َ من ْ ُ م ِ ماًء ل َك ُ ْ ماِء َ س َ ن ال ّ م ْ ل ِ ذي أنَز َ }هُوَ ال ّ ِ
نم ْ ب وَ ِ ل َوال َعَْنا َ خي َ ن َوالن ّ ِ م ب ِهِ الّزْرعَ َوالّزي ُْتو َ ت ل َك ُ ْ ن ) (10ي ُن ْب ِ ُ مو َ سي ُ تُ ِ
م الل ّي ْ َ
ل خَر ل َك ُ ْ س ّ ن ) (11وَ َ ة ل َِقوْم ٍ ي َت ََفك ُّرو َ ك لي َ ً ن ِفي ذ َل ِ َ ت إِ ّ مَرا ِ ل الث ّ َ كُ ّ
َ
ن ِفي ذ َل ِ َ
ك مرِهِ إ ِ ّ ت ب ِأ ْ خَرا ٌ س ّ م َ م ُ جو ُ مَر َوالن ّ ُ س َوال َْق َ م َ ش ْ َوالن َّهاَر َوال ّ
َ َ َ
ن
ه إِ ّ وان ُ ُ خت َِلفا ً أ ْل ْ َ م ْ ض ُ م ِفي الْر ِ ما ذ ََرأ ل َك ُ ْ ن ) (12وَ َ ت ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ لَيا ٍ
ه
من ْ ُ حَر ل ِت َأك ُُلوا ِ خَر ال ْب َ ْ س ّ ذي َ ن ) (13وَهُوَ ال ّ ِ ة ل َِقوْم ٍ ي َذ ّك ُّرو َ ك لي َ ً ِفي ذ َل ِ َ
ه
خَر ِفي ِ وا ِ م َ ك َ سون ََها وَت ََرى ال ُْفل ْ َ ة ت َل ْب َ ُ حل ْي َ ً ه ِ من ْ ُ جوا ِ خرِ ُ ست َ ْ حما ً ط َرِي ّا ً وَت َ ْ لَ ْ
ض َ َْ شك ُُرو َ م تَ ْ ضل ِهِ وَل َعَل ّك ُ ْ ن فَ ْ
ن ) (14وَألَقى ِفي الْر ِ َ
م ْ وَل ِت َب ْت َُغوا ِ
َ
ت ما ٍ عل َ ن ) (15وَ َ دو َ م ت َهْت َ ُ سب ُل ً ل ّعَل ّك ُ ْ م وَأن َْهارا ً وَ ُ ميد َ ب ِك ُ ْ ن تَ ِ يأ ْ س َ َرَوا ِ
َ َ
ن) خل ُقُ أَفل ت َذ َك ُّرو َ ن ل يَ ْ م ْ خل ُقُ ك َ َ ن يَ ْ م ْ ن ) (16أفَ َ دو َ م ي َهْت َ ُ جم ِ ه ُ ْ وَِبالن ّ ْ
م ){(18 حي ٌ ه ل َغَُفوٌر َر ِ ن الل ّ َ ها إ ِ ّ صو َ ح ُ ة الل ّهِ ل ت ُ ْ م َ دوا ن ِعْ َ ن ت َعُ ّ (17وَإ ِ ْ
]سورة النحل [18-16/10
ن ال ْ َ َ َ َ َ َ
ن )(59 خال ُِقو َ ح ُ م نَ ْ هأ ْ خل ُُقون َ ُ م تَ ْ ن ) (58أأن ْت ُ ْ مُنو َ ما ت ُ ْ م َ }أفََرأي ْت ُ ْ
َ
لن ن ُب َد ّ َ ن ) (60عََلى أ ْ َ سُبوِقي م ْ ن بِ َ ُ ح
ما ن َ ْ ت وَ َ مو ْ َ م ال ْ َ ن قَد ّْرَنا ب َي ْن َك ُ ْ ح ُ نَ ْ
شأةَ الوَلى ُ َ َ
م الن ّ ْ مت ُ ْ ن ) (61وَل ََقد ْ عَل ِ ْ مو َ ما ل ت َعْل َ ُ م ِفي َ شئ َك ُ ْ م وَن ُن ْ ِ مَثال َك ُ ْ أ ْ
عون َ ََ َ َ
ن
ح ُ م نَ ْ هأ ْ م ت َْزَر ُ َ ُ ن ) (63أأن ْت ُ ْ حُرُثو َ ما ت َ ْ م َ ن ) (62أفََرأي ْت ُ ْ ول َتذك ُّرو َ فَل َ ْ
ن ) (65إ ِّنا م ت َت ََفك ُّهو َ طاما ً فَظ َل َل ْت ُ ْ ح َ جعَل َْناهُ ُ شاُء ل َ َ ن ) (64ل َوْ ن َ َ عو َ الّزارِ ُ
َ َ
ذي ماَء ال ّ ِ م ال ْ َ ن ) (67أفََرأي ْت ُ ْ مو َ حُرو ُ م ْ ن َ ح ُ ل نَ ْ ن ) (66ب َ ْ مو َ مغَْر ُ لَ ُ
شربون ) (68أ َأ َنتم َأنزل ْتموه من ال ْمز َ
ن ) (69ل َ ْ
و منزُِلو َ ن ال ْ ُ ح ُ م نَ ْ نأ ْ ُ ْ ِ ُْ ْ َ ُ ُ ُ ِ ْ تَ ْ َ ُ َ
َ َ ُ
ن) م الّناَر ال ِّتي ُتوُرو َ ن ) (70أفََرأي ْت ُ ْ شك ُُرو َ ول ت َ ْ جاجا ً فَل َ ْ جعَل َْناهُ أ َ شاُء َ نَ َ
َ ْ َ َ َ
ها جعَل َْنا َ ن َ ح ُ ن ) (72ن َ ْ شُئو َ من ِ ن ال ْ ُ ح ُ م نَ ْ جَرت ََها أ ْ ش َ م َ شأت ُ ْ م أن َ (71أأن ْت ُ ْ
ظيم ِ ){(74 ك ال ْعَ ِ سم ِ َرب ّ َ ح ِبا ْ سب ّ ْ ن ) (73فَ َ وي َ مْق ِ مَتاعا ً ل ِل ْ ُ ت َذ ْك َِرةً وَ َ
]سورة الواقعة [74-56/58
خل َُقوا
م َ َ م ال ْ َ َ ن غَي ْرِ َ َ
ن ) (35أ ْ خال ُِقو َ م هُ ْيٍء أ ْ
ش ْ م ْ
خل ُِقوا ِ
م ُ }أ ْ
م خزائ ِن رب َ َ َ َ
م هُ ْ
كأ ْ م َ َ ُ َ ّ عن ْد َهُ ْ
م ِ
ن ) (36أ ْ ض َبل ل ُيوقُِنو َ ت َوالْر َ وا ِم َس َ ال ّ
ن )] {(37سورة الطور [37-52/35 سي ْط ُِرو َ م َ ال ْ ُ
نعم ..هناك عوامل خارجية فى الكون المادى وفى البيئة
المحيطة بالنسان تبعث مشاعر التدين وتوقظها ،ولكنها ل تنشئها
من العدم ،إنما هى موجودة هناك فى أعمال الفطرة ،وهذه
العوامل توقظها فقط ،لن الله جعل الفطرة هكذا بحيث تستيقظ
حين تتلقى إيقاعات الكون المادى وإيقاعات الحداث الجارية فى
محيط النسان ،فتمضى تبحث عن الخالق سواء اهتدت فى بحثها
أم ضلت عن السبيل .
ودليلنا على ذلك هو التاريخ البشرى كله ،ل ينقص من دللته
وجود جيل أو جيلين نافرين جاحدين شذا عن الطريق .
ودليلينا من العالم الشيوعى ذاته هو جاحارين رائد الفضاء
الول ،الذى ولد فى الشيوعية وتربى فيها على اللحاد الكامل
وإنكار وجود الله ،فما صعد إلى الفضاء هزته روعة الكون ،فكان
تصريحه الول للصحفيين عند هبوطه إلى الرض " :عندما صعدت
1
إلى الفضاء أخذتنى روعة الكون فمضيت أبحث عن الله
ودليلنا عليه من الجاهلية المعاصرة كذلك أولئك العلماء الذين
تعمقوا فى دراسة أسرار الكون فهداهم علمها إلى أنه ل يمكن
تفسير عجائب الكون إل بالتسليم بوجود الله ،مما نقلنا فقرات
منه فى هذا الفصل من قبل ونحن نتحدث عن التفسير المادى
للخالق .
m m m
الثانية ص 173
المخدرات ؟
الجواب عندنا هو أن الرجل والمرأة كليهما قد فقدا السكن
والسكينة اللذين جعلهما الله فى السرة ولم يجعلهما فى أية علقة
خارج السرة ،ولو حققت كل مطالب الجنس وكل مطالب
القتصاد .
فمن لم يعجبه هذا الجواب واشمأزت نفسه منه لنه يذكر الله
وحده وفطرة الله وحدها ومنهج الله وحده ،فليأت من عنده
بالجواب الذى يريد ،ولكن عليه بالبرهان ،ل أن يطلق الدعوى بل
دليل على طريقة دور كايم أو على طريقة التفسير المادى
للتاريخ !
جوهُ ل ََنا{ ]سورة النعام [6/148 عل ْم ٍ فَت ُ ْ
خرِ ُ ن ِ م ْ م ِ عن ْد َك ُ ْ ل هَ ْ
ل ِ }قُ ْ
ن )] {(111سورة البقرة صادِِقي َم َ ن ُ
كنت ُ ْ م إِ ْهان َك ُ ْهاُتوا ب ُْر َ
ل َ }قُ ْ
[2/111
فهذا – وحده – هو المنهج العلمى الصحيح .
-3الشيوعية الولى :
يزعم التفسير المادى للتاريخ أن الشيوعية كانت هى الطور
الول للبشرية ،وأنها كانت شيوعية شاملة ،تشمل كل نواحى
الحياة البشرية بما فى ذلك الجنس ،فكانت القبائل البشرية
الولى تعيش فى حالة من المشاعية الجنسية الكاملة ،مع
مشاعية الرض ومشاعية الطعام ..الخ .
ودليلهم على وجود الشيوعية الولى – بهذه الصورة – هو ما
اكتشف فى القرنين الماضيين من أحوال القبائل البدائية التى
كانت تعيش فى أفريقيا وأسيا وأستراليا منعزلة تماما عن تيار
المدينة ل يعرفون شيئا عن العالم من حولهم ،ول يعرف العالم
شيئا عنهم .فقد وجدوا تلك القبائل تعيش عيشة جماعية ..أرض
القبيلة ملك مشترك لها جميعا ل ينفرد فيها أحد بملكية خاصة ،
والطعام مشترك بينهم سواء كان صيد بريا أو بحريا أو غير ذلك ،
يطهى للقبيلة كلها وتأكل منه القبيلة كلها دفعة واحدة .وأسلحة
الصيد والحرب ملك للقبيلة كلها كذلك .وقال فريزر – وهو
مرجعهم الكبر فيما زعموا من أحوال البشرية الولى – إنه
اكتشفت بعض القبائل تمارس ألوانا من الشيوعية الجنسية ،إما
كل النساء لكل الرجال على المشاع ،وإما مجموعة معينة من
النساء لمجموعة معينة من الرجال داخل القبيلة الواحدة .
ونستطيع أن نتصور بالفعل – على ضوء أن نتصور بالفعل – على
ضوء أحوال هذه القبائل التى اكتشفت فى القرنين الخيرين – أن
حياة القبائل الولى كان فيها قدر كبير من المشاركة الجماعية فى
المسكن والمطعم وأدوات الصيد وأدوات الحرب .
ففى النظام القبلى تكون القبيلة هى " الوحدة " التى يعيش
الفراد فى داخلها ،ويمارسون الحياة من خللها .وفى وقت متأخر
جدا من بداوة البشرية – وقت كانت قد قامت فيه " حضارات "
كثيرة فى بقاع مختلفة من الرض – كان الشاعر العربى يقول :
سنرى عند مناقشة التطبيق الواقعى للشيوعية أنهم عجزوا عممن تحقيممق المسمماواة الكاملممة فممتراجعوا عنهمما وعللمموا 1
تراجعهم بأنهم ما زالوا فى مرحلة الشتراكية ولم يصلوا إلى التطبيق الشيوعى بعد.
خاصا لشدة أهميتها سواء فى التصور المادى أو فى التطبيق
الشيوعى .
يرى أصحاب التفسير المادى للتاريخ أن الملكية الفردية هى
سبب كل الشرور التى حلت بالبشرية منذ خروجها من مرحلة
الشيوعية الولى إلى أن تعود الشيوعية الثانية فتلغيها وتلغى معها
الشرور الناشئة عنها .
وينشأ الشر من أن الذى يملكن هو الذى يحكم ،وحين يحكم
فإنه يضع التشريعات التى تخدم مصالحه ومصالح طبقته على
حساب بقية الطبقات .
ويرى الماديون كذلك أن الملكية الفردية ليست نزعة فطرية فى
النفس البشرية بدليل فترة الشيوعية الولى التى لم تكن فها
ملكية فردية .إنما هى أمر مكتسب ،اكتسبته البشرية بعد أن
اكتشفت ) أو تعلمت ( الزراعة ،حيث أدى ذلك إلى انتهاء فترة
الشيوعية الولى ودخول البشرية فى مرحتلى الرق والقطاع .ثم
لما تحولت الملكية من ملكية زراعية إلى ملكية صناعية رأسمالية
دخلت البشرية مرحلة الرأسمالية .
ويرون أن الصراع الطبقى الذى يدور عليه تاريخ البشرية كله
فيما بين الشيوعية الولى والشيوعية الخيرة قائم كله على
الملكية الفردية ومتعلق بها وأن هذا الصراع ل يزول من الرض إل
بإزالة السبب المتعلق به أى إزالة الملكية الفردية فى جميع
صورها .
m m m
بعض هذا الذى يراه أصحاب التفسير المادى للتاريخ صحيح ول
شك ،ولكن صحته قائمة فى نطاق محدد ل تتعداه إلى التعميم
المطلق ،وفضل عن ذلك فإن المغالطات والوهام حول الملكية
الفردية أكثر بكثير م الحقائق الواردة حولها مع كون هذه الخيرة
محددة فى نطاق معين وليست مطلقة الصحة فى جميع الحالت.
فكون الذى يملك هو الذى يحكم ،وكونه حين يحكم يشرع
لصالحه وصالح طبقته على حساب بقية الطبقات ..هذا صحيح
صحة كاملة ،ولكن فى نطاق الجاهليات وحدها التى تحكم بشرائع
البشر ول تحكم بشريعة الله .
وحقيقة أن الجاهليات تحتل القسم الكبر من التاريخ البشرى !
ولكن وجود نظام إيمانى تحكم فيه شريعة الله بدل من شرائع
البشر حقيقة موضوعية .والمانة العلمية تقتضى استثناءه من
القاعدة العامة التى يضعها التفسير المادى للتاريخ .ولو أن
التفسير المادى للتاريخ وضع هذا الستثناء وأشار إليه ما كان لنا
عليه اعتراض فى هذه النقطة بالذات ) وإن كانت لنا عليه
اعتراضات فى مواضع أخرى أشرنا إلى بعضها فى حينها ونشير
إلى بعضها الخر فيما بعد ( فتاريخ الجاهليات بالفعل تاريخ ظالم
شديد الظلم ،ينقسم فيه الناس دائما إلى سادة وعبيد ،سادة
يملكون ويحكمون ويشرعون وعبيد ل يملكون شيئا ول يحكمون ول
يشرعون ،إنما تقع على عاتقهم العباء التى يلقيها عليهم الحكام .
وانقسام المجتمع إلى سادة وعبيد ) أو إلى الذين استكبروا
والذين استضعفوا كما جاء فى القرآن الكريم ( يتصل بالفعل
بقضية الملكية الفردية ،ولكن حصره فى هذه القضية ،أو فى
النطاق المادى والقتصادى بصفة عامة هو حجب للحقيقة الصلية
التى تنشأ عنها تلك الحقيقة الفرعية التى يركز عليها التفسير
المادى للتاريخ.
الحقيقة الصلية التى ل يجب الماديون ذكرها على الطلق ،ول
يؤمنون بها كذلك ،هى قضية اللوهية وقضية العبودية قضية الله
وما ينبغى له على عباده ،والعبادة وما ينبغى عليهم تجاه إلههم
وخالقهم ،ثم ما يترتب على مخالفة هذه المقتضيات من خلل فى
حياة البشرية .
إن من حق الله على عباده أن يعبدوه ) بالمعنى الشامل للعبادة
الذى يشمل العتقاد بوحدانيته ،وتوجيه الشعائر التعبدية إليه وحده
،وطاعته فيما أمر به ونهى عنه ،وعدم الحتكام فى أى أمر من
أمور حياتهم إلى شريعة غير شريعته ( وذلك بمقتضى أنه إلههم
َ َ
مُر{ ]سورة العراف [7/54 خل ْقُ َوال ْ ه ال ْ َ
وخالقهم } :أل ل َ ُ
فيما أنه هو الخالق فهو صاحب المر ،ول يحق لحد أن يكون
صاحب المر إل أن يكون هو الخالق ،أو يكون خالقا مع الله .
ولذلك يدور الجدل والحوار كله مع الكفار فى القرآن بشأن قضية
عبادة غير الله على محور واحد /هل أولئك الذين تطيعون
تشريعهم من دون الله هم الخالقون ؟ أم لهم شرك فى الخلق ؟
فإن لم يكونوا خالقين ،ول لهم شرك فى الخلق ،فليس لهم أن
يحلوا أو يحرموا مع الله أو من دون اله .
ه
دون ِ ِ
ن ُ م ْ
م ِ خذ ْت ُ ْل أ ََفات ّ َ
ه قُ ْل الل ّ ُض قُ ْ
ِ ت َوال َْر وا ِ م َ
س َ ب ال ّ ن َر ّ م ْ ل َ}قُ ْ
َ ضّرا ً قُ ْ ن َ َ
مى وي العْ َ ست َ ِل يَ ْ ل هَ ْ م ن َْفعا ً َول َسه ِ ْلنُف ِ كو َ مل ِ ُأوْل َِياَء ل ي َ ْ
خل َُقوا جعَُلوا ل ِل ّهِ ُ َ َ
كاَء َ شَر َ م َ ت َوالّنوُر أ ْ ما ُ وي الظ ّل ُ َ ست َ ِ ل تَ ْ م هَ ْ صيُر أ ْ َوال ْب َ ِ
حد ُوا ِ يٍء وَهُوَ ال ْ َ ش ْ ل َ خال ِقُ ك ُ ّ ه َ ل الل ّ ُ م قُ ْ خل ْقُ عَل َي ْهِ ْ ه ال ْ َ شاب َ َ خل ِْقهِ فَت َ َ كَ َ
ال َْقّهاُر )] {(16سورة الرعد [13/16
َ }قُ ْ َ َ
ذاما َ ن الل ّهِ أُروِني َ دو ِ ن ُ م ْ ن ِ عو َ ن ت َد ْ ُ ذي َ م ال ّ ِ كاَءك ُ ْ شَر َ م ُ ل أَرأي ْت ُ ْ
َ َ من ال َ
م ك َِتابا ً فَهُ ْ
م م آت َي َْناهُ ْتأ ْ وا ِ م َ س َ ك ِفي ال ّ شْر ٌ م ِ م ل َهُ ْ ضأ ْ ِ ر
ْ خل َُقوا ِ ْ َ
م ب َْعضا ً إ ِل ّ غُُرورا ً ){(40 ضه ُ ْ ن ب َعْ ُ مو َ ظال ِ ُن ي َعِد ُ ال ّ ل إِ ْ ه بَ ْ من ْ ُعََلى ب َي ّن َةٍ ِ
]سورة فاطر [35/40
ولم يكن ذلك فى أمر العبادة بمعنى العتقاد فقط ،أو بمعنى
التوجه إلى الله بشعائر التعبد فقط ،إنما كان كذلك فى أمر
العبادة بمعنى اتباع ما أنزل الله :
ْ َ
ه{ ن ب ِمهِ الل ّم ُ م ي َمأذ َ ْ ممما ل َم ْ ن َ دي ِ ن الم ّ مم ْ م ِ عوا ل َهُم ْ شَر ُ كاُء َ شَر َ م ُ م ل َهُ ْ }أ ْ
]سورة الشورى [42/21
َ ما أ ُن ْزِ َ
دون ِهِ أوْل َِياءَ قَِليل ً َ
ما ن ُ م ْ م َول ت َت ّب ُِعوا ِ ن َرب ّك ُ ْ م ْ م ِ ل إ ِل َي ْك ُ ْ }ات ّب ُِعوا َ
ن )] {(3سورة العراف [7/3 ت َذ َك ُّرو َ
وحين دخل عدى بن حاتم ) وكان نصرانيا ( على رسول الله
صلى الله عليم وسلم ليعلن إسلمه تل رسول الله صلى الله عليه
ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ
حسي َ م ِ ن الل ّهِ َوال ْ َ دو ِ ن ُ م ْ م أْرَبابا ً ِ ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ خ ُ وسلم } :ات ّ َ
ُ
ما
ه عَ ّ حان َ ُ سب ْ َ ه إ ِل ّ هُوَ ُ حدا ً ل إ ِل َ َ دوا إ َِلها ً َوا ِ مُروا إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ ما أ ِ م وَ َ مْري َ َ ن َ اب ْ َ
ن )] {(31سورة التوبة [9/31فأحتج عدى بن حاتم على كو َ شرِ ُ يُ ْ
الشق الخاص بعبادة الحبار والرهبان فقال :يا رسول الله ما
عبدوهم ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ألم يحلوا لهم
الحرام فأحلوه ،وحرموا عليهم الحلل فحرموه ؟ قال :بلى ! قال
:فتلك عبادتهم إياهم !
وحين يخرج الناس على عبادة الله فإنهم يخرجون على مقتضى
عبوديتهم ،فيصيبهم جزاء ذلك الخروج خبال فى الدنيا وجحيما فى
الخرة .
وخبال الدنيا هو انقسام المجتمع إلى فريقى السادة والعبيد :
السادة يملكون ويحكمون ويشرعون من عند أنفسهم ،فتكون
تشريعاتهم لصالح أنفسهم على حساب العبيد .والعبيد – الذين
رضوا بالعبودية لغير الله فأصبحوا عبيدا للبشر مثلهم – تقع عليهم
التكاليف ويقع عليهم الظلم ويقع عليهم الحرمان .
ومن ثم تكون الملكية الفردية وبال فى الجاهلية .ل لنها
بطبيعتها كذلك ..ولكنها لنها تصبح عندئذ أداة الظلم التى تمكن
للسادة فى جعل أنفسهم أربابا للعبيد .
والسادة والعبيد كلهما فى الجاهلية قد رفضوا العبودية لله
فتلقفتهم الشياطين :وجزاؤهم فى الخرة جهنم وبئس القرار .أما
فى الدنيا فيستمتع السادة متاع الحيوان :
ن ك َما ت َأ ْك ُ ُ َ ْ
وىمث ْ ً
م َوالّناُر َ ل الن َْعا ُ ن وَي َأك ُُلو َ َ مت ُّعو َ ن ك ََفُروا ي َت َ َ ذي َ }َوال ّ ِ
م )] {(12سورة محمد [47/12 ل َهُ ْ
أما العبيد – أى الذين ل يملكون – فلهم ذات الجزاء فى الخرة
لنهم نكلوا عن عبادة الله ورضوا بعبادة العبيد ،وفى الوقت ذاته
لهم فى الدنيا البؤس والشقاء والظلم يتجرعونه جزاء رضاهم
باستعباد أنفسهم لولئك الرباب من دون الله .
أما حين يستقيم الناس على أمرا الله ،فيعبدونه وحده بل شريك
،ويرفضون العبودية لحد مع الله أو من دون الله ،أى يرفضون
التوجه بشعائر التعبد لغير الله ،ويرفضون أن يتلقوا التشريع من
عند أحد غير الله ،فعندئذ يكونون قائمين بمقضتى عبوديتهم لله
الحق ،فيصيبهم جزاء ذلك بركة فى حياتهم فى الدنيا ورضوانا من
الله فى الخرة .
ماِءس َ
ن ال ّ م ْ ت ِ كا ٍ م ب ََر َ حَنا عَل َي ْهِ ْ وا ل ََفت َ ْمُنوا َوات َّق ْل ال ُْقَرى آ َ ن أ َهْ َ َ
}وَل َوْ أ ّ
ض{ ]سورة العراف [7/96 ِ َوال َْر
سي َّئات ِهِ ْ
م م َ وا ل َك َّفْرَنا عَن ْهُ ْ مُنوا َوات َّق ْ بآ َ ل ال ْك َِتا ِ ن أ َهْ َ َ
}وَل َوْ أ ّ
خل ْناهُم جنات النِعيم ) (65ول َو أ َنهم أ َ
ما
ل وَ َجي َ لن ِ
ِ وا
َ َ ة راَ ْ وّ ت ال موا ُ َ
قا َ ْ ُّ ْ ِ وَل َد ْ َ َ ْ َ ّ ِ ّ
َ ُأنزِ َ
م{ ]سورة جل ِهِ ْ ت أْر ُ ح ِ ن تَ ْ م ْ م وَ ِ ن فَوْقِهِ ْ م ل َك َُلوا ِ
م ْ ن َرب ّهِ ْ م ْم ِ ل إ ِل َي ْهِ ْ
المائدة [66-5/65
ومن البركات التى تصيبهم فى الدنيا نجاتهم من أن يكونوا عبيد
للرباب الزائفة فى الرض ،وشعورهم بالعزة الحقيقية التى
يستمدونها من الستعلء باليمان ،فل تذل تفوسهم لطغاة الرض ،
ول يسمحون لحد أن يجعل من نفسه ربا يشرع بغير ما أنزل الله ،
لنهم يستمدون العزة والقوة ممن هو أكبر منهم وأعلى ..الله أكبر
.
ومن البركات كذلك الرخاء الذى يسبغه الله على ال}ض المؤمنة
من خيرات السماء التى يفيضها عليهم ،ومن تكافل المة المؤمنة
فيما بينها ،فل يستمتع فريق بالخيرات وحده ويظل فريق فى
الحرمان .
وعندئذ توجد الملكية الفردية ول يوجد معها الظلم والشر الذى
يصاحبها فى الجاهلية .لن الذى يملك هنا ل يحكم ! أى ل يضع
تشريعات من عنده يصوغها لمصلحته على حساب الخرين ..إنما
تكون الحاكمية لله ،هو الذى يحل ويحرم وهو الذى يضع
التشريعات التى يخضع لها الحاكم والمحكوم سواء ،والتى يتوفر
فيها العدل الحقيقى لنها منزلة من عند رب الجميع الذى ل يحابى
أحدا من البشر على حساب أحد .
وقد تقع المظالم فى ظل المنهج الربانى من سوء التطبيق لما
أنزل الله ،ومن جور الحكام الذى يحدث من عصيانهم لله ،
وحكمهم فى بعض القضايا بغير ما أنزل الله ،وإن كانوا ل يضعون
تشريعات من عند أنفسهم تخالف ما أنزل الله ،ول يجعلون
مخالفتهم تشريعا يلزمون به الناس ،وإل لكفروا بذلك كفرا صريحا
وخرجوا من ملة السلم .وعندئذ نلحظ أمرين هامين :الول :أن
حجم الظلم الذى يقع على مجموع المة أقل بكثير من الظلم الذى
يقع فى الجاهليات التى لتحكم بما أنزل الله ،والثانى :أن المة
مطالبة بكف هذا الظلم ومنعه من الستمرار ،وإل فهم أثمون فى
حق الله ،كما أنهم أثمون فى حق أنفسهم " ما من نبى بعثه الله
فى أمة قبلى إل كان له حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون
بأمره ،ثم إنه تخلف من بعد ذلك خلوف يقولون مال يفعلون
ويفعلون ما ل يؤمرون .فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ،ومن
جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ،ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ،
1
وليس وراء ذلك من اليمان حبة خردل
وهكذا يتبدى لنا أن الشر لينجم من الملكية الفردية فى ذاتها ،
فيكون العلج هو بترها من منبتها ،إنما ينجم من طبيعة الجاهلية
التى ل تحكم بما أنزل الله ،فيكون العلج هو القضاء على الجاهلية
وتححكيم شريعة الله ن وعندئذ تبقى الملكية الفردية التى شرعها
الله لتستجيب للفطرة التى خلفها الله .تبقى على النحو الذى
شرعه الله ،وبالحدود والضوابط التى أنزلها الله ..ول ينشأ الظلم
الذى حرمه الله !
m m m
ثم " ..من " الذى يصنع التغيير فى حياة النسان ؟ ! و " ما "
الذى يصنعه ؟! وكيف صار للنسان تاريخ ؟!
يقولون :هى المادة وقوانين المادة ..
وما بنا من حاجة أن نعود من حاجة أن نعود إلى السؤال الذى
سألناه من قبل :ما بال المادة وقوانينها ل تصنع هذا التغيير فى
حياة الحيوان ! إنما نقول إن خصائص " النسان " التى تفرد بها
هى التى تصنع تاريخه ،وتصنع التغيرات فى هذا التاريخ ،فلول
رغبة النسان فى المعرفة – تلك الرغبة المركزوة فى أعماق كيانه
– ولول رغبته فى استخدام ثمار المعرفة فى تحسين أحواله
المعيشية فى شتى جوانبها ،المادى منها وغير المادى ،ولول
قدرته على تخيل صورة معينة لشياء لم توجد بعد فى عالم
الواقع ،وبذل الجهد فى محاولة إيجادها فى الواقع ..
لول هذه " الخصائص " التى تفرد بها النسان ،هل كان يمكن
أن يكون للنسان تاريخ ؟!
إن الحيوان ليس له تاريخ ..ولن يكون له ..
فالحمار الذى عاش قبل عشرة آلف سنة هو الحمار الذى يعيش
اليوم ..لم يغير شيئا من واقع حياته ،ول يملك أن يغير . .ليس له
ماضى يرجع إلى تجاربه ،ول مستقبل يسعى إلى تحقيقه ،ليس له
" ذكريات " ول " آمال " ل " تطلعات " تتجاوز شخصه إلى
أشخاص غيره من الحمير ،أو تتجاوز لحظته الحاضرة إلى الغد
القريب أو البعيد .
ولكن النسان – بخصائصه المتفردة – لم يكن كذلك منذ مولده ،
إنما كانت له دائما " تجربة " واعية يختزنها فى كيانه فردا وجماعة
يجعلها نقطة ارتكاز ينطلق منها إلى التجربة التالية ..وكانت له
دائما ذكريات فردية واجتماعية ،وآمال وتطلعات ،فردية
واجتماعية كذلك ،ترسم له – إلى جانب الشهوات والضرورات
المركوزة فى كيانه – خط رحلته فى هذه الرض .
ومجمل تاريخه هو مجمل ذلك كله .
وحين يخترع آلة جديدة فهذا الختراع نابع من صميم نفسه ..من
تجاربه الواعية ،ومن ذكرياته وآماله وتطلعاته ..إنه ل ينشئها عبثا ،
ول تنشأ هى فى حياته بطريقة ذاتيه ،إنما يخترعها لتلبى رغبة من
رغباته الكامنة ،لداء ضرورة من ضرورات حياته ،أو لتحسين
وضع من أوضاعه ،أو لتحقيق أمر من " الكماليات " بالنسبة له
فى تلك اللحظة ،يتحول إلى ضرورة بعد فترة من الوقت ،
فيسعى من جديد إلى تحسينه أو البحث عن كماليات جديدة ..
وصحيح أن اللة الجديدة تحدث تغيرا فى حياته ،قد ل يكون
منظورا كله وقت التفكير فى اختراعها ،أو ل يكون شئ منه
منظور على الطلق ..ولكن هنا ينبغى أن نتذكر أمرين مهمين :
الول :إن اللة قد اخترعت فى الصل تلبية لحاجة فى نفس
النسان يسعى إلى تحقيقها ،ولم تظهر إلى الوجود من تلقاء
نفسها ،ول اختراعها النسان عبثا بغير غاية ،ول فرضت عليه
فرضا من خارج كيانه .
الثانى :أن التغير الذى تحدثه اللة ل يجرى على مزاج اللة ذاتها
م فهى فى ذاتها ل إرادة لها ول وعى ول توجيه ،لنها " مادة "
والمادة هكذا ..ل إرادة لها ول وعى ول توجيه ! إنما يجرى التغيير
– جزئيا على القل – على مزاج " النسان " وحسب الوضع الذى
يعيش فيه .ول نقصد الوضع القتصادى وحده – كما يقول التفسير
المادى للتاريخ – إنما الوضع كله :الروحى والفكرى والمادى على
السواء .فاختراع المحراث الحديدى أدى إلى ألقطاع فى أوربا ،ل
لن المحراث الحديدى يؤدى – بطبيعته – إلى القطاع ،ولكن لن
ظهوره فى الجاهلية القائمة يومئذ يمكن أن يؤدى إلى ذلك ،
بمعنى أن أطماع ذوى السلطان من الجاهليين يومئذ تجد فى
المحراث أداة تمكنها من السيطرة بالصورة التى وقعت فى
القطاع الوربى .ولم يكن ذلك ليحدث – بهذه اللة ذاتها – لو أن
القوم هناك كانوا يحتكمون إلى شريعة الله ،إنما كان الوضع
الفكرى والروحى الناشئ من اعتناق العقيدة الصحيحة والتحاكم
إلى الشريعة الصحيحة يحدث – بهذه اللة ذاتها – وضعا ماديا
واقتصاديا مختلفا عما وقع فى الجاهلية القرون الوسطى المظلمة
فى أوربا .واللة التى تدار بالطاقة أدت إلى ظهور الرأسمالية فى
أوربا ،ل لن تلك اللة – بطبيعتها – تؤدى إلى الرأسمالية ! فهى
فى روسيا لم تؤد إلى الرأسمالية ! ومعلوم أن التصنيع الحقيقى لم
يتم فى روسيا إل بعد دخولها فى الشيوعية ! ولكن لن ظهورها
فى ذلك الوقت – فى الجاهلية القائمة وقتئذ – يمكن أن يؤدى إلى
ذلك ،بمعنى أن ذوى السلطان فى تلك الجاهلية يمكن أن يجدوا
فيها أداة إلى السيطرة على النحو الذى تم فى الرأسمالية الغربية
اليهودية ،ولم يكن ذلك ليحدث – بهذه اللة ذاتها – لو أن شريعة
الله كانت هى الحاكمة فى حياة الناس ،إنما كان الوضع الفكرى
والروحى النائى من اعتناق الناس للعقيدة الصحيحة وتحاكمهم إلى
الشريعة الصحيحة يحدث – بتلك اللة ذاتها – وضعا ماديا واقتصاديا
مختلفا عن الوضع الرأسمالى .على القل بالقدر الذى استطاعت
به العقيدة الشيوعية والفكر الشيوعى أن يحدث – باللة نفسها –
وضعا ماديا واقتصاديا مغايرا للوضع الرأسمالى ! ! ول عبرة بالقول
إن الشيوعية لم تنشأ إل من تناقضات الرأسمالية ،فأن الذى حدث
بالفعل هو ا ،تطبيق الشيوعية فى روسيا لم ينشأ من تناقضات
الرأسمالية هناك ،إنما نشأ – بصرف النظر عن التخطيط اليهودى
– من اعتناق " الناس للعقيدة الشيوعية ،ذلك أن روسيا قد قفزت
رأسا من القطاع إلى الشيوعية !
كل ! ليست هى الحتمية المادية وإنما هو " النسان " ! النسان
بكاملة ..
وصحيح كما أسلفنا أن النسان يواجه دائما ضغوطا من الكون
المادى ومن الوضاع المحيطة به ،سياسية كانت أو اقتصادية أو
اجتماعية . .الخ ولكنه فى النهاية هو الذى يقرر .يقرر أن يخضع
للضغوط ويستنيم لها أو يتمرد عليها ويسعى إلى تغييرها ،وهو
يقرر ذلك دائما على هدى " العقيدة " التى يعتقدها سواء كانت
عقيدة صحيحة أو فاسدة .
وقد ل يستطيع فى كل حالة أن يغير كل الوضاع بالعقيدة التى
يعتقدها ولكن ذلك ل يرجع إلى كون العقيدة ل وزن لها ول اعتبار ,
ول إلى كونها هى نابعة من الوضع المادى والقتصادى القائم ،
متأثرة به غير مؤثرة فيه ،ل حقة له غير سابقة عليه كما يزعم
التفسير المادى للتاريخ ،إنما السباب ترجع فى مجموعها إلى "
النسان " ذاته هل هو صادق فى اعتناق هذه العقيدة ؟ أم أن
شهوات الرض وثقلة الرض أثقل فى حسه من متطلبات
العقيدة ؟ ومن الشهوات شهوة الحرص على الحياة وعدم تعريض
النفس للخطار ،وشهوة حب السلمة والمن والستقرار .وهى
الشهوات الغالبة على أكثر الناس فى الرض .وهى التى تؤدى بهم
إلى الوقوع فى الجاهلية ،والخضوع – من ثم – لطغيان
الطواغيت .
فخضوع الكثرية الساحقة مممن النمماس لطغيممان الطممواغيت خلل
التاريخ البشري ليس حتمية مادية ول اقتصممادية ول تاريخيممة خارجمة
عن إرادة الناس ..إنممما هممو مممن عنممد أنفسممهم ،إنممه واقممع عاشممته
البشرية بالفعل فى جاهليتها كلها ،ل بسبب حتمممى ،ولكممن نتيجممة
لعدم استقامتها على الطريق .
ماِءس َ ن ال ّ م ْت ِ كا ٍ حَنا عَل َي ْهِ ْ
م ب ََر َ وا ل ََفت َ ْ
مُنوا َوات َّق ْ ل ال ُْقَرى آ َ ن أ َهْ َ َ
}وَل َوْ أ ّ
َ َ
ض وَل َك ِم ْ
ن ك َمذ ُّبوا ماِء َوالْر ِ سم َن ال ّ مم ْ ت ِ حن َمما عَل َي ْهِ م ْ
م ب ََرك َمما ٍ ض ل ََفت َ ْ َوا َلْر ِ
ن )] {(96سورة العراف [7/96 سُبو َ كاُنوا ي َك ْ ِ ما َ م بِ َ خذ َْناهُ ْ فَأ َ
على أن الحتميات المزعومة – بصورتها الديالكتيكية – ليست
حقيقة حتى بالنسبة للجاهلية .
فقد تنبأ ماركس بحسب حتمياته أن بريطانيا ستكون أول دولة
تقع فى الشيوعية لنها – على عهده – كانت أكثر الدول الرأسمالية
تقدما ،فتنبأ بأن الصراع الطبقى " سينضج " فيها قبل لغيرها
فيحوله إلى الشيوعية .
ويعلم الناس فى كل الرض أن بريطانيا مازالت حتى هذه
اللحظة 1دول رأسمالية .كما أن وريثتها التى ورثتها فى التقدم
الصناعى الرأسمالى وهى أمريكا دولة رأسمالية كذلك .
وقال ماركس وحواريوه إن المراحل التاريخية حتمية ،وترتيبها
كذلك حتمى وإنه ل يمكن لى مجموعة من البشر أن تسبق طورها
التاريخى ،لن كل طور له أداة مادية أو اقتصادية يتم التحول عن
طريقها ،فل يمكن التحول دون وجود هذه الداة ،فلبد أن يمر
ابشر بالمراحل التاريخية الخمس بصورة حتمية :من الشيوعية
الولى إلى الرق إلى القطاع إلى الرأسمالية إلى الشيوعية الثانية
.
ويعلم الناس فىكل الرض أن أكبر دولتين شيوعيتين وهما روسيا
والصين قد قفزتا مباشرة من مرحلة القطاع إلى مرحلة الشيوعية
دون وجود أداة التحول التاريخية وهى الصراع الطبقى بين العمال
وأصحاب رؤوس الموال ،وأن كلتا الدولتين لم تدخل المرحلة
الصناعية إل بعد دخولها فى الشيوعية !
أين الحتميات إذن ؟!
إنما هى من أولها لخرها قصة مدعاة ،لليحاء الناس بأن
الشيوعية هى النهاية الحتمية لكل البشرية ،فخير لهم أن يدخلوها
طائعين بدل من أن يدخلوها كارهين !
ومن أجل هذا الهدف الدعائى البحت تختلق التفسيرات "
العلمية " وتلفق النظريات !
m m m
من قبضة الطين ونفخة الروح أنشأ الله النسان وقال للملئكة
إنه سيجعله خليفة فى الرض :
َ
ة{ ]سورة خِليَف ً ض َ ل ِفي الْر ِ ع ٌ جا ِ ملئ ِك َةِ إ ِّني َ ك ل ِل ْ َ ل َرب ّ َ }وَإ ِذ ْ َقا َ
البقرة [2/30
والخلفة تتضمن الهيمنة والسيطرة والقدرة على النشاء
والتعمير والقدرة على التمييز والختيار ..فأمده الله بالدوات
الصالحة للخلفة :
ماَء ك ُل َّها] {...سورة البقرة [2/31 َ
س َ م ال ْ م آد َ َ }وَعَل ّ َ
}اقْرأ ْ ورب ّ َ َ
مما ل َ ْ ن َ سا َ لن َ ما ِ م ِبال َْقل َم ِ ) (4عَل ّ َ ذي عَل ّ َ م ) (3ال ّ ِ ك الك َْر ُ َ ََ
م )] {(5سورة العلق [5-96/3 ي َعْل َ ْ
طو ُ ه أَ ْ
م ل ل َك ُ ْ جع َ َ شْيئا ً وَ َ ن َ مو َ م ل ت َعْل َ ُ مَهات ِك ُ ْ نأ ّ ن بُ ُ ِ م ْ م ِ جك ُ ْ خَر َ }َوالل ّ ُ
َ َ
ن )] {(78سورة النحل شك ُُرو َ م تَ ْ صاَر َوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُ ْ معَ َوالب ْ َ س ْ ال ّ
[16/78
ن) ْ يَ دجْ ّ نال ُ هنا
َ ْ يَ د َ ه َ و ( 9 ) ن ْ يَ تفَ شَ َ و سانا ًَ ِ ل َ و ( 8 ) ن ْ يَ ن ْ ي َ ع ه
ُ ل لَ ْ َ ع ج
ْ َ ن م
ْ }أ َل َ
ِ ِ ِ
] (10سورة البلد [10-90/8
َ َ
ن
م ْ ح َ ها ) (8قَد ْ أفْل َ َ وا َ
ها وَت َْق َ جوَر َ مَها فُ ُ ها ) (7فَأل ْهَ َ وا َ س ّ ما َ س وَ َ }وَن َْف ٍ
ها )] {(10سورة الشمس [10-91/7 سا َ ن دَ ّ م ْ ب َ خا َ ها ) (9وَقَد ْ َ كا َ َز ّ
َ } هو َأن َ َ
م ِفيَها{ ]سورة هود [11/61 مَرك ُ ْ ست َعْ َ ض َوا ْ ن الْر ِ م ْ م ِ شأك ُ ْ ُ َ
ميعا ً ِ َ
ه{ من ْ ُ ج ِض َ ما ِفي الْر ِ ت وَ َ وا ِ م َ س َما ِفي ال ّ م َ خَر ل َك ُ ْ س ّ}وَ َ
]سورة الجاثية [45/13
مَناك ِب َِها وَك ُُلوا ِ َ
ن
م ْ شوا ِفي َ م ُ ض ذ َُلول ً َفا ْ م الْر َ ل ل َك ُ ْ جع َ َ ذي َ }هُوَ ال ّ ِ
ه{ ]سورة الملك [67/15 رِْزقِ ِ
وجعل الله للنسان هدفا شامل يشمل هذا كله هو عبادة الله ،
على المعنى الشامل للعابدة :
ن )] {(56سورة الذاريات دو ِ س إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ لن َ ن َوا ِ ج ّ ت ال ْ ِ خل َْق ُ ما َ }وَ َ
[51/56
ن) مي َ ب ال َْعال َ ِ ماِتي ل ِل ّهِ َر ّ م َ حَياي وَ َ م ْ كي وَ َ س ِ صلِتي وَن ُ ُ ن َ ل إِ ّ }قُ ْ
ه{ ]سورة النعام [163-6/162 ك لَ ُ ري َ ش ِ (162ل َ
العبادة هى حق الله على جميع مخلوقاته حق الخالق على
المخلوق ..ولكن الله فرض على كل نوع من مخلوقاته عبادة
تناسب تكوين " .فالمادة " لها عبادة ،والملئكة لها عبادة ،
والنسان له عبادة ..تشترك جميعا فى أنها عباد وأنها " سجود "
وأنها " تسبيح " ولكن تختلف فى الطريقة .
َ َ َ
ض
ن ِفي الْر ِ م ْ ت وَ َ وا ِم َ س َ ن ِفي ال ّ م ْ ه َ جد ُ ل َ ُ س ُ ه يَ ْ ن الل ّ َ م ت ََرى أ ّ }أل َ ْ
نم ْ ب وَك َِثيٌر ِ جُر َوالد َّوا ّ ش َ ل َوال ّ جَبا ُ م َوال ْ ِ جو ُ مُر َوالن ّ ُ س َوال َْق َ م ُ ش ْ َوال ّ
س{ ]سورة الحمج [22/18 الّنا ِ
َ
يٍء إ ِل ّ
ش ْ ن َ م ْن ِ ن وَإ ِ ْ ن ِفيهِ ّ م ْ ض وَ َ سب ْعُ َوالْر ُ ت ال ّ وا ُ م َ س َ ه ال ّ ح لَ ُ سب ّ ُ }ت ُ َ
م{ ]سورة السراء [17/44 حه ُ ْ سِبي َ ن تَ ْ ن ل ت َْفَقُهو َ مدِهِ وَل َك ِ ْ ح ْ ح بِ َ سب ّ ُيُ َ
واختص النسان بلون من العبادة يناسب اختصاصه بالخلفة ،
ويناسب تكوينه من جسد وعقل وروح.
فهو يعبد الله بالسجود والتسبيح على نحو معين علمه الله إياه
على يد رسله وخاتمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ويعبده
بعمارة الرض بمقتضى المنهج الربانى المنزل من عند الله لتنظيم
حياة الناس فى الرض وإقامتها بالقسط .
َ َ
م
ن ل ِي َُقو َ ميَزا َ ب َوال ْ ِ م ال ْك َِتا َ معَهُ ْ ت وَأن َْزل َْنا َ سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ سل َْنا ُر ُ }ل ََقد ْ أْر َ
ط{ ]سورة الحديد [57/25 س ِ س ِبال ِْق ْ الّنا ُ
ففى صلته وتسبيحه ونسكه هو عابد لله ،وفى مشيه فى
مناكب الرض وأكله من رزق الله بالضوابط التى أقامها الله من
حلل وحرام هو عابد لله .وفى زواجه وإقامة أسرته ورعايتها فى
حدود الضوابط والتوجيهات الربانية هو عابد لله .وفى طلبه العلم
سواء للتعرف على أوامر ربه ونواهيه ،أو للقيام بعمارة الرض
على المنهج الربانى هو عابد لله .وفى إقامته شريعة الله فى
الرض هو عابد لله .وفى قتاله لتكون كلمة الله هى العليا هو عابد
حَياي
م ْ
كي وَ َ
س ِ
صلِتي وَن ُ ُ ن َ لله . .وذلك معنى قوله تعالى} :قُ ْ
ل إِ ّ
ه{ ]سورة النعام ك لَ ُ
ري َ ن ) (162ل َ
ش ِ ب ال َْعال َ ِ
مي َ ماِتي ل ِل ّهِ َر ّ
م َ
وَ َ
[163-6/162
m m m
فإذا تبين ذلك تبينت مهمة النسان فى الرض وطبيعة عمله فيها
.
ليست مهمة النسان أن يأكل ويشرب ويمارس الجنس على
طريقة الحيوان وإن كان هذا جزءا من نشاطه وعمله فى الرض ،
ولكن على طريقة النسان ل على طريقة الحيوان ،أى ملتزما بما
أنزل الله من توجيهات وضوابط ومتقيدا بالحلل والحرام .
وليست مهمته هى النتاج المادى وحده ،وإن كان هذا جزءا من
نشاطه وعمله فى الرض ،لكن على طريقة النسان ل على
طريقة اللة ،أى واعيا مدركا لهدافه العليا ،ملتزما فى النتاج
بالضوابط البرانية التى تحدد الحلل والحرام والحسن والقبيح
والمباح والمكروه والمندوب .
مهمته هى " العبادة " بمعناها الشامل الذى يشمل العقيدة
الصحيحة ،وشعائر التعبد ،والنشاط الحيوى فى شتى مجالت
الحياة السياسية والقتصادية والجتماعية والفكرية والفنية ..الخ
ملتزما فى ذلك كله بمنهج الله .
وفى جميع الحوال فعمله ذو طبيعة أخلقية لصقة به ل يمكن
فصلها عنه فهو إما خير وإما شرير .ول يوجد عمل واحد من
أعماله خارج عن نطاق الخلق ،سواء كان سياسة أو اقتصادا أو
اجتماعا أو فكرا أو فنا ،إل أن الخلق ،سواء كان سياسة أو
اقتصادا أو اجتماعا أو فكرا أو فنا ،إل أن يكون عمل من أعمال
الطبيعة غير الرادية ل يحاسب عليه النسان .
وتنشأ القيمة الخلقية من كون النسان ثنائى الوجهة ل مفر
التجاه ،ومن كونه قادرا على التمييز بين الوجهتين واختيار
إحداهما .
َ َ
ن
م ْح َها ) (8قَد ْ أفْل َ َ
وا َ
ها وَت َْق َ
جوَر َ ها ) (7فَأل ْهَ َ
مَها فُ ُ وا َ
س ّ
ما َ س وَ َ
}وَن َْف ٍ
ها )] {(10سورة الشمس [10-91/7 سا َ ن دَ ّ
م ْ
ب َخا َها ) (9وَقَد ْ َ َز ّ
كا َ
والخلق سواق فى الطعام والشراب والملبس والمسكن
والجنس ،أو فى السياسة ،أو فى القتصاد ،أو فى الفكر ،أو فى
الفن ..الخ ،هى " القيم العليا " التى يتقيد بها " النسان " فى
تصرفاته ،والتى يسعى لقامة الحياة البشرية على أساسها ،والتى
يكون إنسانا بقدر ما يحرص على أدائها وإقامتها ،ويفقد من
إنسانيته بقدر ما ينفلت منها ويتهاون فيها.
وعلى هذا النحو تكون " إنسانيته " النسان ،وتكون كذلك "
كرامته ،فالتكريم الربانى للنسان لم يكن عبثا .
ن
م ْم ِحرِ وََرَزقَْناهُ ْ م ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ مل َْناهُ ْ
ح َ م وَ َمَنا ب َِني آد َ َ }وَل ََقد ْ ك َّر ْ
ضيل ً )] {(70سورة خل َْقَنا ت َْف ِ
ن َ م ْ م ّم عََلى ك َِثيرٍ ِ ضل َْناهُ ْ
ت وَفَ ّ الط ّي َّبا ِ
السراء [17/70
إنما يشمل التكريم والتفضيل – فيما يشمل – هذا العنصر
الخلقى الذى تقوم عليه حياة النسان ،وتقوم به أعماله كذلك ،
لتفترق عن حياة الحيوان ،وتفترق من باب أولى عن تصرفات
المادة التى ل وعى لها ول إرادة ول إدراك ،إنما تتصرف بالقهر
الكامل المفروض عليها من إرادة الخالق ،الذى أنشأها وأجرى
أمورها على النحو الذى تجرى عليه ،ل تملك فكاكا منه ول تعديل
عليه .وشتان بين ذلك وبين الوضع الكريم الذى وضع الخالق فيه
النسان ،إذ أعطاه القدرة على التمييز والختيار ،وجعله مقابل
ذلك مسئول عن تصرفاته بمقتضى تلك " المانة " التى حملها ،
بينما أشفقت " المادة " من حملها :
َ َ َ َ
ن
نأ ْ ل فَأب َي ْ َ ض َوال ْ ِ
جَبا ِ ت َوالْر ِ وا ِم َ ة عََلى ال ّ
س َ مان َ َضَنا ال َ }إ ِّنا عََر ْ
ن{ ]سورة الحزاب [33/72 سا ُمل ََها ال ِن ْ َح َ
من َْها وَ َ ن ِ شَفْق َ مل ْن ََها وَأ َ ْ
ح ِ
يَ ْ
m m m
سعيه سوف يرى ،ثم يجزاه الجزاء الوفى " ) سورة النجم " ( 41 – 38لقد أحصاهم وعدهم عدا .وكلهم أتية يوم
القيام فردا " ) سورة مريم " ( 95 – 94 :يوم ل تملك نفس لنفس شيئا والمر يومئذ لله " 0سورة النفطار ( 19
ولكن مسئولية كل إنسان الجتماعية داخلة فى مسئوليته الخاصة التى يحاسب عنها يوم القيامة هل سعى إلى إقامممة
المنهج الربانى وأمر بالمعروف وجاهد المنكر بيده أو بلسانه أ بقلبه أم نكل عن ذلك جميعا .
الصحيحة.
وصورة منه هى مجاهدة عوامل النحراف فى المجتمع السلمى
ذاته ،عن طريق المر بالمعروفة والنهى عن المنكر .
وصورة منه هى مجاهدة النفس المارة بالسوء ،اللصقة
بالشهوات ،حتى تصير إلى النفس اللوامة التى أقسم بها الخالق
جل جلله ،لنها تنهى النفس عن الهوى .
ُ ُ
مةِ ){(2 وا َس الل ّ ّ م ِبالن ّْف ِ مةِ )َ (1ول أقْ ِ
س ُ م ب ِي َوْم ِ ال ِْقَيا َ }ل أقْ ِ
س ُ
]سورة القيامة [2-75/1
َ
وى ) (40فَإ ِ ّ
ن ن ال ْهَ َس عَ ْ م َرب ّهِ وَن ََهى الن ّْف َمَقا َف َ خا َ ن َ ْ م
ما َ }وَأ ّ
مأ َْوى )] {(41سورة النازعات [41-79/40 ي ال ْ َ ة هِ َ ال ْ َ
جن ّ َ
وأما فى المجتمع الجاهلى فالصراع ل يدور أساس بين الحق
والباطل ،وإن كانت تدور بين الحين والحين صراعات بين جوانب
جزئية من الحق وجوانب جزئية من الباطل ،إنما يدور الصراع
أساسا بين قوى الباطل المختلفة ،ويتخذ صورا شتى .
صورة منه هى عدوان أمة على أمة بدافع شهوة الغلبة والتوسع
والعدوان والستزادة من متاه الرض عن طريق العدوان ،إما
بتأسيسي إمبراطوريات أو " دول عظى " ! تبتلع الدول الصغرى
وتستذلها لصالحها ،وإما بحروب دائمة بين الجيران وغير الجيران .
وصورة منه هى الصراع داخل المجتمع بدافع شهوة السلطة أو
شهوة الملك أو شهوة الجنس أو شهوة البروز أو غيرها من
الشهوات ،على هيئة صراع طبقى وصراع فردى .
ويتلخص الفارق بين نوعى الصراع فى الية الكريمة :
ن ِفي ن ك ََفُروا ي َُقات ُِلو َ ذي َل الل ّهِ َوال ّ ِسِبي ِ
ن ِفي َ مُنوا ي َُقات ُِلو َ نآ َ ذي َ }ال ّ ِ
ت{ ]سورة النساء [4/76 غو ِ طا ُ ل ال ّ سِبي ِ َ
والطاغوت هو كل ما يستعبد الناس له من دون الله .
m m m
بعد هذه المقدمة الضرورية التى نخلص منها بنتيجتين رئيسيتين :
الولممى إن الشمميوعية ليسممت مممذهبا اقتصمماديا بحتمما يمكممن تجريممده
بمفرده ،إنما هى تصممور شممامل للكممون والحيمماة والنسممان وقضممية
اللوهية ،ثم مذهب اقتصادى مبنى على هممذه التصممور ومرتبممط بممه
بحيممث ل يمكممن فصمملة عنممه ،والثانيممة أن الفممارق بيممن الفلسممفة
الشمميوعية الخاصممة بقضممايا اللوهيممة والكممون والحيمماة والنسممان
والفلسفة الرأسمالية المتعلقة بهذه القضايا ذاتها فممارق ثممانوى مممن
وجهة النظممر السمملمية ،لنممه فممارق فممى " الفشممرة " وليممس فممى
الجوهر الحقيقى ..
بعد هذه المقدمة نأخذ فى الحديث عن المممذهب القتصممادى فممى
الشيوعية ،مبتدئين بالنظرية ثم معقبين بالتطبيق.
m m m
النظرية الشيوعية
تقوم النظرية الشمميوعية علممى مجموعممة مممن السممس والمبممادئ
يمكن تلخيصها فى النقاط التية :
إلغاء الملكية الفردية إلغاء باتا وإحلل الملكية الجماعية بدل منها
.
إلغمماء الطبقممات بإقامممة دكتاتوريممة البروليتاريمما وإبممادة الطبقممات
الخرى .
كفالة الدولة لجميع " المواطنين " فممى مقابممل تكليممف القممادرين
منهم بالعمل رجال ونساء .
المساواة فى الجور .
إلغاء الدين .
تطبيق مبدأ " من كل بحسب طاقته ،ولكل بحسب حاجته"
اللغاء الصممراع مممن المجتمممع البشممرى بإلغمماء البمماعث عليممه وهممو
الملكية الفردية .
إلغاء الحكومة فى المستقبل ،وإقامة مجتمممع متعمماون متعمماطف
بغير حكومة .
ونحاول فيما يلى بسط كل واحد من هذه المبادئ فى إيجاز دون
تفصيل .
-1إلغاء الملكية الفردية :
أسملفنا القممول فممى مناقشممة الماديمة الجدليممة والتفسممير المممادى
للتاريخ أن الشيوعيين يعتبرون الملكية الفردية هممى المسممئولة عممن
كل الشمرور المتى خاضمتها البشمرية منمذ تركمت مرحلمة الشميوعية
الولممى حممتى دخلممت مرحلممة الرأسمممالية ،وأنهمما كممانت خلل ذلممك
التاريممخ كلممه مثممار " الصممراع الطبقممى " الممذى يبعممث الحقمماد
والضطرابات فى المجتمع البشرى .وأنه لبد من إزالتهمما والرجموع
بالناس إلى الملكية الجماعية التى كانوا عليها فى الشيوعية الولى
،لكممى تسممتريح البشممرية مممن الصممراعات والحقمماد وتعيممش فممى
طمأنينة وسلم .
ويرى الشيوعيون إن الشيوعية الثانية والخيرة التى يدعون إليهمما
هى الحمل ،وهممى طريمق الخلص .لنهما سمتلغى الملكيممة الفرديممة
إلغاء باتا وتحل الملكية الجماعية محلهمما ،فل يملمك أحممد شمميئا مممن
وسائل النتاج وأدواته ملكية فرديممة ،سممواء كممان النتمماج زراعيمما أو
صناعيا ،إنما تكون الملكية جماعية .
وليممس معنممى الملكيممة الجماعيممة أن أى مجموعممة مممن النمماس
يملكون أو يمكممن أن يملكمموا ممما تحممت أيممديهم مممن وسممائل النتمماج
وأدواته ملكية مشتركة ،كأن يملكن العمال المصممنع الممذى يعملمون
فيه ،أو يملك الفلحون المزرعة التى يفلحونها ) كممما يتبممادر أحيانمما
إلممى أذهممان السممذج الممذين يتسمممعون إلممى الدعايممة الشمميوعية
فيتصممورونها علممى غيممر حقيقتهمما ( إنممما معناهمما أن " الدولممة " هممى
المالك الوحيد للنتمماج كلممه ،بوسممائله وأدواتممه وناتجممة ،فهممى الممتى
تملممك المصممانع وإنتاجهمما كممما تملممك المممزارع ومحاصمميلها ،وتقممول
النظرية إن الدولة تقوم بذلك نيابممة عممن الشممعب ،أو عممن طبقممة "
البروليتاريا ) " Proletariatومعناها الطبقة الكادحة ( الممتى يفممترض
فيها حسب النظرية أنها هممى المالممك الحقيقممى ! ذلممك أن النظريممة
الشيوعية تقول إن المنتج الحقيقى لى سلعة هو العامل الذى يبذل
الجهد لنتاجها .ولكنه فى ظل القطاع والرأسمالية ل يملممك الناتممج
الذى أنتجه بجهده .إنما هو يبيع جهده للقطاع أو الرأسمالى الممذى
يشترى هذا الجهد بأبخس الثمممان ويسممتمتع وحممده بفاضممى القيمممة
) وهو الفرق بين ثمن المادة الخامة مضافا إليه أجممر العامممل وبيممن
سعر السلعة فى السوق ( وعلى هذا يعتبر القطمماعى والرأسمممالى
مستغل لجهد العامممل وظالممما لممه ،ويعتممبر العامممل فممى وضممع غيممر
إنسممانى لنممه مسممتغل لحسمماب إنسممان آخممر ،وهممذا فممى شممرعة
الشيوعية غير جائز لن الجريمة الكبرى فممى حممق النسممان هممى أن
يكون مستغل من قبل إنسان آخر .أما فى الشيوعية فليممس هنمماك
استغلل من إنسان لنسممان لن الكممل ممماليكن ،وإن كممانت الدولممة
من والوجهة العملية هى التى تدير هذه الملكية ،وهممى الممتى تمموزع
الناتج على " المالكين الحقيقيين " !
وسنتحدث عن طريقة التوزيع فيما بعد .إنما نكتفممى هنمما بممالقول
بأن الدولة هى المتصرف الحقيقى فى جميع المور .
ويقول الشيوعيون كما أسلفنا إن الملكيمة الفرديمة ليسمت نزعمة
فطرية ) بل إنه ل توجد نزعات فطرية على الطلق ( وإن الملكيممة
الجماعية هى الصل فى حيمماة النسممان بممدليل الشمميوعية الولممى .
إنممما اكتسممب النسممان تلممك النزعممة الشممريرة فيممما بعممد اكتشمماف
الزراعة .وإنه ينبغى تطهير الناس من همذا الشمر المذى اكتسمبوه ،
وإعادتهم إلى الحالة التى كانوا عليها أول مرة بجعل الملكية ملكيممة
جماعية .
-2إلغاء الطبقات :
منذ خرج الناس من الشيوعية الولى التى ل ملكية فردية فيهمما ،
أو بعبارة أخرى منذ بدأت الملكية الفردية بدأ ظهممور الطبقممات فممى
المجتمع ،إذا انقسم الناس إلى مالكين ،واستغل المالكون ما فممى
أيديهم من الملك لسممتغلل الخريممن الممذين ل يملكممون ،فأصممبحت
الملكية سمملطة اسممتغللية ،وأصممبحت الطبقممة المالكممة هممى الممتى
تحكم ،وبما أن السلطة فى يممدها فقممد صممارت تححممم بممما يناسممب
مصالحها على حساب الطبقة الممتى ل تملممك ) ومممن ثممم ل تحكممم (
واستمر هذا الوضممع بصممورة سممافرة فممى عهممدى الممرق والقطمماع ،
وبصورة مقنعة فى ظل الرأسمالية ،وتقرر الشيوعية أن هممذا كممان
ظلممما فاحشمما بالنسممبة لطبقممة الكممادحين الممذين هممم المنتجممون
الحقيقيون ،إذ بدل من أن يملكوا نتيجة جهدهم فإن طبقممة السممادة
التى تستغلهم هى الممتى تسممتمتع وحممدها بثمممرة هممذا الجهممد ،بينممما
يظلون هممم فممى الحرمممان والممذل والهمموان ،وليممس أقممل الممذل أن
يضطروا إلى بيع جهدهم للمستغل الممذى يعملممون عنممده أو يعملممون
لحسابه .
ثم تقرر النظرية أن هذا الظلم الفمماحش ل سممبيل إلممى إزالتممه إل
بإزالة النظام كله ،نظام الطبقات القائم على الملكية الفردية .
فطالما كان هناك ملكية فردية فهناك طبقات .وطالما كان هناك
طبقات فهناك ظلم .والسبيل هممو إلغمماء الطبقممات المسممتغلة ) أى
المالكممة ( والبقمماء علممى الطبقممة الوحيممدة المنتجممة ،وهممى طبقممة
الكادحين ) البروليتاريمما ( لن الطبقممات الخممرى طبقممات طفيليممة ل
تستحق البقاء ،كل عملها أن تمتص دماء الكممادحين وهممى ل تتعممب
ول تبذل جهدا ،وإنما تسرق الجهممد لتعيممش بممه حيمماة تممرف وكسممل
وخمول بينما المنتجون الحقيقيون فى شقاء وكدح وعناء .
والطريق المؤدى إلى ذلك هو الثورة .وهممى ثممورة حمممراء تممراق
فيها دماء غزيرة حتى يستتب المر لطبقة البروليتاريا ،فتصممل إلممى
السلطة وتبيد الطبقات الخممرى إبممادة ،ثممم تلغممى الملكيممة الفرديممة
حتى ل تظهر من جديد طبقة مالكة تستغل الكادحين .
ويسمى نظممام الحكممم الممذى ينشممأ مممن هممذه الثممورة " دكتاتوريممة
البروليتاريا " لن البروليتاريا لبد أن بالديكاتورية ما دامت المعركممة
ما تزال قائمة بين الشيوعية وأعدائها .
وحكمة الديكتاتورية أن أعداء الشعب ل ينبغممى أن تممترك لهممم أى
ثغرة ينفذون منها للقضاء على النظام الصممحيح ) وهممو الشمميوعية (
لنهم – بطبيعة الحال – لن يرضوا عن النظممام الممذى يحرمهممم مممن
امتيممازاتهم الطبقيممة .فهممم أعممداء الممداء لممه .وممما دام هنمماك دول
رأسمالية وإقطاعية ما تزال قائمة فمى الرض فمإن أعمداء الشمعب
سيتعاونون معها ،أو أن هممذه الممدول ستسممتغلهم ضممد النظممام .ول
ينبغى التهاون فى هذا المر لحظة واحدة ،ول الممتراخى مممع أعممداء
النظام – أعداء الشعب – بل لبد من مقاتلتهم بكل شدة ،والسبيل
إلى ذلك هو أن تتولى الدولة كل السلطات فى يدها ،وتقبض علمى
المر بيد من حديد ،إلى أن يأتى المموقت الممذى ينتهممى فيممه العممداء
من الوجود ،وعندئذ ل تزول الديكتاتورية فقط بممل تممزول الحكومممة
كذلك النتهاء الحاجة إليها .
-3كفالة الدولة لجميع المواطنين :
تقوم الشيوعية على مبدأ كفالة الدولممة لجميممع المممواطنين علممى
أساس أن هذا واجممب الدولممة تجمماه المممواطنين ،وحممق المممواطنين
على الدولة .وينممدد الشمميوعيون بالرأسمممالية خاصممة الممتى تحتفممظ
دائممما بجيممش مممن العمماطلين لتضممرب بممه حركممات العمممال الممذين
يتمردون على الظلم ويطالبون بحقمموقهم ،وبالقطمماع الممذى يممترك
الناس يموتون جوعا ليكتنز القطاعى ويسمى من دماء الكادحين .
وفى " المنيفيستو " أى العلن الشمميوعى الممذى أعلنممه ممماركس
أوجب على الدولة أن تكفل لكل فرد من أفراد المجتمممع ضممروراته
الساسية وهممى الطعممام والملبممس والمسممكن والجنممس ،باعتبارهمما
حقوقا طبيعية ،وضرورات ينبغى إشباعها ،وتعتممبر الدولممة مقصممرة
إذا قصرت فى تحقيق شئ من ذلك لى فرد من المواطنين.
وفى مقابل كفالة الدولة لجميع المواطنين فإنه ينبغممى علممى كممل
قادر على العمل أن يعمل – رجال ونساء – ومن ل يعمل ل يأكممل .
فكما أن الكفالة واجبة على الدولة فالعمل واجب على الفرد مادام
قادرا عليه ،ول يعفى من ذلك أحد على الطلق إل الطفممال حممتى
يبلغوا السن التى تممؤهلهم للعمممل ،والعجممزة مممن الرجممال والنسمماء
الذين ل يقممدرون علممى أى نمموع مممن أنممواع العمممل فممأولئك تكفلهممم
الدولة بل مقابل .
وبممما أن الدولممة هممى – مممن الوجهممة العمليممة – المالممك الوحيممد
والمسيطر الوحيد علممى النتمماج ،فهممى الممتى تحممدد لكممل فممرد فممى
المجتمع نوع العمل الذى يقوم به ومكانه كذلك مقابل كفالة الدولة
له .وتحدد الدولة صلحية أى إنسان لنوع معين من العمل بحسممب
اختبارات تجريها على الفراد لتحديد مواهبهم وقدراتهم .أما مكممان
العمل فتحممدده الدولممة حسممب احتياجاتهمما بوصممفها المشممرفة علممى
النتاج كله .
والمممرأة – كالرجممل – لبممد أن تعمممل فممى أممماكن العمممل خممارج
البيت .
وكونها زوجة وأما ل يتعارض مع هذا المبممدأ .فهممى تأخممذ الجممازة
المقممررة فممى حممالت الحمممل والوضممع ،أممما الطفممال فتتممولهم
المحاضن ل المهات .
ومن ثم فإن أى أم – بعد تمضية الجازة المقررة للوضممع – تأخممذ
وليدها إلى المحضن وتذهب هممى إلممى العمممل ،حممتى تتسمملمه مممرة
أخرى بعد العودة من العمل .
وتقوم المحاضن بتقديم الرعاية المطلوبة للطفال ،حممتى تنتهممى
أمهاتهم من العمل .حتى إذا كبروا تولت المدرسة ما كممانت تتمموله
المحاضن من قبل .
وبذلك ل تشغل المرأة بشئون الطفال عن واجممب العمممل خممارج
البيت .
وتتولى الدولة كفالة الفراد بتقديم الطعام لهممم مقابممل بطاقممات
تموينية موحدة ،وتقديم الملبس مرة فى الشتاء ومرة فى الصيف
على المنوال ذاته ،كما تعد سكنا لكممل فممرد .أممما الجنممس فتطلممق
فيه الحرية للفممراد ينشممئون علقمماتهم الجنسممية علممى النحممو الممذى
يحول لهم .وكانت النظرية قائمة فى الصل على أساس الشيوعية
الجنسية الكاملممة باعتبممار أن هممذه هممى الصممورة الممتى كممانت عليهمما
الشيوعية الولى ،وأن هذا هو الصل فممى العلقممات الجنسممية .ثممم
قام لنبين بتعممديل النظريممة فاسممتبدل بالشمميوعية الجنسممية الكاملممة
نظرية " الكوب " التى تقول إن الكوب الذى يشرب به كل إنسممان
يصبح ملوثا ،وكذلك الجنممس لبممد أن تنظممم علقمماته لكممى ل يصممبح
ملوثا كالكوب الذى يشرب به الجميممع ! 0وكممان هممذا بعممد الدعايممة
المضممادة الممتى قممامت ضممد الشمميوعية الجنسممية مممن المعسممكرات
المعاديممة ( فصممارت هنمماك مكمماتب للممزواج والطلق تقمموم فقممط
بتسجيل ما يحدث من الزيجات والنفصالت ،وفممى إممماكن أى زوج
من البشر :رجل وأمرأة ،أن يذهبا فى أى وقت إلى مكتب الزواج
ليسجل زواجهما ،كما أن فى إمكانهما فممى أى وقممت أن ذهبمما إلممى
مكتب الطلق ليثبتا انفصالهما ،ول يترتب علممى ذلممك أى إجممراءات
تقيد حرية العلقات الجنسية .
-4المساواة فى الجور :
تقوم النظرية الشيوعية على أسمماس مبممدأ المسمماواة بيممن جميممع
الفممراد فممى المجتمممع ،لن هممذه هممى الصممورة الممتى كممانت عليهمما
البشممرية فممى الشمميوعية الولممى ،وهممى – عنممدهم – الصممل الممذى
تستمد منه كل المبادئ التى ينبغى أن تعود إليها البشرية .
تقممول النظريممة إن أول صممورة للوجممود البشممرى هممى التعممبير
الطبيعى عن هذا الوجود ،وإن أى انحراف طرأ بعممد ذلممك ل ينبغممى
أن يعتد به ،بل ينبغى أن تعود البشرية فتصممحح أوضمماعها بممالرجوع
إلى الصورة الطبيعية التى كانت عليها أول مرة .
وفى الشيوعية الولى كان جميع الفممراد متسمماوين فممى الحقمموق
والواجبات ،وفى المأكل والملبس والمسكن والجنس ،فينبغممى أن
تكون هذه هى الصورة الدائمة البشرية ،ولكن التطور الذى حممدث
بعد اكتشاف الزراعة غير هذا المبدأ الجميل ،وأخل بالمساواة التى
كانت قائممة فمى المجتمممع الشمميوعى الول .فأصممبح بعمض النماس
مالكين وبعضهم غيممر مممالكين ،فمماختلفت الحقمموق والواجبممات بيممن
الملكين وغيممر الممالكين ،وأصممبحت للممالكين امتيمازات اقتصمادية
) ومن ثم سياسية واجتماعية ( تميزهم عن غير المالكين .
ولكن عدم المسمماواة ليممس أصممل مممن أصممول الوجممود البشممرى ،
ومن ثم فهو ظلم ينبغى إزالته .وطريقة إزالته – بعد إلغاء الملكيممة
الفردية وأيلولة الشراف على النتاج إلى الدولة – أن تسوى الدولة
بين أجور جميع العاملين ،لكى تتحقق المساواة التامة فى كل شئ
،ويزول الظلم الذى عاشت فيه البشرية عدة قرون.
ومن أجل تقرير هذه المساواة قررت وحده عمل إجباريممة ينبغممى
على كل قادر أن يقوم بها ،وتصرف للعامل بمقتضاها كممل حاجمماته
الساسية من مسكن وملبس ومطعم على قدم المساواة .
وعلممى هممذا النحممو تحقممق الشمميوعية الثانيممة ممما كممان قائمممة مممن
المسمماواة فممى الشمميوعية الولممى ،وتلغممى الفمموارق والمتيممازات
الطبقية الممتى أحممدثتها فممترات الظلممم فممى الحيمماة البشممرية ،وهممى
فترات الرق والقطاع والرأسمالية .
-5إلغاء الدين :
تعتبر الشيوعية الين أمرا واجب اللغاء من اعتبارات عدة .
أحد العتبارات أنه خرافة ..ونحممن الن فممى عصممر العلممم .فقممد
كان الباعث الول على الدين هو جهل النسان بالطبيعة من حوله ،
وعجزه عن السيطرة عليها .فتخيل وجود قوى خفية تسيطر علممى
هذا الكون وتجرى الحداث فيه .وراح يسترضى هذه القوى ليدفع
أذاها عنه فتقرب إليها بالشعائر التعبدية وتقديم القرابين .
ولما كانت البشرية اليوم قممد شممبت عممن الطمموق ،وتعلمممت مممن
العلم ما تعرف به قوانين الطبيعة وتسيطر به علممى الممبيئة فقممد آن
أن تتخلص من هذه الخرافة غير اللئقة بالنسان المتعلم .
العتبممار الثممانى أنممه كممان ناشممئا مممن طبيعممة الوضممع المممادى
والقتصادى فى العهد الزراعى ،حيث كان جزء مممن عمليممة النتمماج
خارجا عن سيطرة النسان ،فتخيل وجممود قمموة غيبيممة نسممب إليهمما
الهيمنة على ذلك الجزء الخارج عن سيطرته وراح يتعبممدها لجتلب
رضاها وصرف أذاها وغصبها عنه ،وسماها الله .
والن تغير الوضع المادى والقتصادى وأصبحت عملية النتاج كلها
منظورة وكلها تحت سيطرة العامل الذى يقوم بالنتمماج ،فلممم تعممد
هناك حاجة لفتراض تلك القوة الغيبية التى أصممبحت الن غيممر ذات
موضوع .
العتبار الثالث أن الدين يخالف المعتقد الشمميوعى القممائم – فممى
نظرهم – على أسس علمية ،وهممو أن المممادى هممى الصممل ،وهممى
سابقة فى الوجممود علممى الفكممر .إذ يقمموم الممدين علممى أسمماس أن
المادة مخلوقة ،وبالتالى فليست هى الصل ،وليست سابقة علممى
الفكر ،ومن ثم وجب إلغاء الدين لنممه يصممادم التصممور الشمميوعى ،
الذى ينبغى أن يبقى وحده ويلغى كل ما سواه .
العتبار الرابع أن " الدين أفيون الشعب " فقد كممان المسممتغلون
من القطاعيين والرأسممماليين يسممتخدمونه لتخممدير الجممماهير لكممى
ترضى بالظلم الواقع عليها ول تتمرد عليممه ،مقابممل الحصممول علممى
نعيممم الجنممة فممى الخممرة .وبصممفة عليهمما ول تتمممرد عليممه ،مقابممل
الحصول على نعيم الجنة فى الخرة .وبصفة خاصة فقد كان الدين
يستخدم ضد الشيوعية بالذات .فحيممن يقمموم الشمميوعيون بالممدعوة
إلى الشيوعية يستخدم الدين لوقف هذه الدعوة ومحاربتها .
فالن بعد قيام المجتمع الشمميوعى الممذى ليممس فيممه مسممتغلون ،
ينبغى إلغاء ذلك المخدر الذى كممانوا يسممتخدمونه إذا لممم تعممد هنمماك
حاجة لستخدام المخدر .ومن جهة أخرى فقد وجمب القضمماء علممى
ذلك العدو اللدود الذى يستخدم ضممد " العقيممدة " الجديممدة ومحمموه
من الوجود .
-6من كل بحسب طاقته ولكل بحسب حاجته :
كان هذا المبدأ من ضمن المبادئ النظرية التى وضممعت فممى أول
المر لتقوم الشيوعية عليها ..ومقتضى همذا المبمدأ أن النماس فممى
ظممل التطممبيق الشمميوعى سمميرتفعون بمشمماعرهم وسمملوكهم إلممى
صورة مثالية تجعل كل إنسان يبذل أقصى ما فى طمماقته مممن جهممد
من تلقاء نفسه دون ضغط عليه ول إلممزام ،ولكممن مممن جممراء حبممه
للنظام وللمزايا التى يحققها لممه ،وشممعوره بالسممتقرار والطمأنينممة
والسعادة فى ظله .وفى الوقت ذاتممه ل يأخممذ مممن النتمماج – الممذى
يشارك فيه الجميع ،كل بحسب طاقته – إل بمقدار ممما يحتمماج إليممه
فحسممب ،فل يزيممد عممن الحاجممة بممدافع الجشممع والطمممع الناشممئين
أساسمما مممن الحيمماة فممى مجتمممع طبقممى يمممارس الملكيممة الفرديممة
والصراع الطبقى .فإذا زالت السباب زالت العراض ..أى أنممه إذا
ألغيت الملكية الفردية وألغيت المتيازات الطبقيممة بإزالمة الطبقممات
كلها إل الطبقة الكادحممة فممإن الجشممع والطمممع يممزولن مممن نفمموس
الناس بزوال السباب الدافعة إليهما ،وعندئذ يأخذ كل إنسممان مممن
النتاج العام بقدر ما يحتاج إليه فحسب ،ويترك البماقى للمحتماجين
غيره من الناس .
ولكن عند التطبيق تعدلت النظرية شيئا مممن التعممديل ،فلممم يلممغ
غيممر هذا المبدأ إلغاء كممامل ولكنممه أجممل إلممى أجممل
محدد بزمن معين ،ولكنه مرهون بزيادة النتمماج – بوسممائل التقممدم
العلمى – إلى الحد الذى يمكن معه تطبيق المبدأ .
وقيل فى تفسير ذلك إننا بعد لم نصل إلى مرحلة الشيوعية إنممما
نحممن فممى مرحلممة التطممبيق الشممتراكى .ومممن أسممباب ذلممك أننمما
مشغولون بالمعركة الدائرة ضد أعداء الشمميوعية ،وهممذا يسممتوجب
توجيه جزء من النتاج إلممى إنتمماج حربممى لمنممع العممداء مممن التغلممب
علينا أو عرقلة خطواتنا ،وهذا يعوق زيادة النتمماج إلممى الحممد الممذى
يكفى كل احتياجات الناس ويفيض عليها ،بحيث ل يؤثر على عدالة
التوزيع أن يأخذ كل إنسان منه بقدر ممما يريممد ،ومممن ثممم فممإنه فممى
مرحلة التطبيق الشتراكى لبد أن تظل الدولة قائمة على التوزيع .
لتعطى كل إنسان نصيبه من النتاج بحسب كمية النتمماج الموجممودة
بالفعل ،كما تشرف الدولة على النتمماج لتضمممن قيممام كممل إنسممان
بجهد المطلوب منه .
ولكن حين تتحقق الشيوعية يتحقق ذلك المبدأ فيبذل كل إنسممان
ما فى طاقته من الجهد من تلقاء نفسه ،ويأخذ ما يحتماج إليمه مممن
النتاج ،مكتفيا من تلقاء نفسه بل رقيب .
-7إلغاء الصراع :
حين تلغى الملكيممة الفرديممة ينتهممى الصممراع .تلممك مممن مقممررات
المادية الجدلية والتفسير المممادى للتاريممخ ..وقممد اشممرنا إلممى ذلممك
مرارا ،وما كان بنا من حاجة إلى إفراد هذه النقطممة بالحممديث بعممد
أن أشممرنا إليهمما عنممد الكلم علممى الملكيممة الفرديممة وموقعهمما مممن
النظرية الشيوعية .ولكنا نريممد أن نزيممد هنمما فممى هممذه العجالممة أن
النظرية الشيوعية تتنبأ بحلول هذا العهممد السممعيد الممذى يممزول فيممه
الصراع نهائيا من حياة البشمرية ويصمبح المجتممع البشمرى مجتمعما
ملئكيا يسوده الوئام والسملم ،وذلمك حيمن تنتشمر الشميوعية فمى
أرجاء الرض كلها ،وعنممدئذ يتحقممق الفممردوس المفقممود فممى واقممع
الرض وتستقر المور فى الرض إلى آخر الزمان .
-8إلغاء الحكومة :
مممن تنبممؤات الشمميوعية كممذلك إلغمماء الحكومممة فممى مسممتقبل
البشرية .
ونظريتهم فى ذلك أن الحكومممة موجممودة الن لنهمما تممؤدى مهممام
معينة لبممد مممن أدائهمما فممى المجتمعممات الحاليممة ،حممتى المجتمعممات
الشيوعية ذاتها ) أى الشتراكية باعتبار أننا لم نصل بعد إلى مرحلممة
الشيوعية الكاملة ( ولكن الحكومة ليست أصل من أصول المجتمممع
البشرى بحيث تلزمه فى جميع أطواره .وسيأتى اليوم الذى تلغممى
فيه الحكومة إلغاء تاما يوم تنتهى المهام التى تؤديها .
فحين تعم الشيوعية الرض كلهمما وتصممبح هنمماك حكوميممة عالميممة
واحدة ،يأتى وقت ل تعود هممذه الحكومممة ذاتهمما لزمممة ،لن مهمممة
الدفاع عن الشيوعية ستنتهى ،وهى إحدى المهام التى تضطلع بهمما
الحكومة .
ثم إنه لن يكون هناك صراع يحتمماج إلممى تممدخل الحكومممة بممالقوة
لحسمه ،فتسقط مهمة أخرى من مهام الحكومة الحالية .
ثم يزيد النتاج فيصل إلى الحد الذى يجد فيه كممل إنسممان طلبتممه
دون أن يؤثر ذلك على احتياجات الخرين ،فل يعممود هنمماك ممموجب
لتدخل الحكومة فى التوزيع .
وتكون مشاعر الناس قد ارتفعت بتأثير الحياة فى ظممل التطممبيق
الشيوعى ،فيبذلون غايممة جهممدهم دون حاجممة إلممى رقابممة مفروضممة
عليهم من خارج ضمائرهم .
وكذلك ل يتنازعون فيما بينهممم – بعممد إلغمماء السممبب الوحيممد فممى
النزاع والصراع ،وهممو الملكيممة الفرديممة – فيسممتتب ،لمممن تلقائيمما
نتيجة سيطرة مشاعر المحبة والخاء والتعاون بين الناس .
وهكذا تسقط كل مهام الحكومة الحاضممرة ..فتسممقط إلممى غيممر
رجعة !
m m m
ذلك عرض موجز لهم المبممادئ والسممس التطبيقيممة الممتى تقمموم
عليها الشيوعية ،لم نر داعيا إلى التوسع فيممه بعممد ممما توسممعنا فممى
مناقشة السس الفكرية التى تقوم عليها النظرية .ويتبين من هممذا
العرض أن الشمميوعية ليسممت مممذهبا اقتصمماديا مجممردا يمكممن نزعممة
بمفرده وتركيبه فى أى نظام آخر ل يشترك معه فى قاعدة التصور
.فقد تبين من هذه النقاط أنها ل تقتصر على المجممال القتصممادى ،
بل تمتد إلى المجال السياسى والجتماعى والدينى والفكرى ..الممخ
.
وبصمرف النظممر عممن قمولهم إن همذه المجمالت كلهما إن همى إل
انعكاس – حتمى – للوضممع القتصممادى ،وقولنمما إن هممذه المجممالت
كلها أوجه مختلفممة – ولكنهمما متلزمممة – لموقممف معيممن مممن قضممايا
اللوهية والكون والحياة والنسان ،فإن الشيوعية – على القولين –
لممم تكممن ولممن تكممون نظاممما اقتصمماديا بحتمما مقطمموع الصمملة ببقيممة
المجالت ،إنمما همى نظمام شمامل للقتصماد والسياسمة والجتمماع
والدين والفكر والفن ..مممترابط كلممه علممى أسمماس تصممور معيممن ..
مادى بحت .
m m m
ندع هذا جانبا ل]نه لن يزيد الصفحة سوءا .إنممما نشممير بممادئ ذى
بدء إلى أن النظرية الشيوعية – والتطبيق كذلك – قممد نقضمما كممل "
القشرة " السياسية والقتصممادية والجتماعيممة للرأسمممالية ،وأنشممأ
قشرة مختلفة عنها " 1فيما عدا أمريممن اثنيممن :إقصمماء الممدين عممن
الحياة ،والفوضى الجنسية ،فقممد رضمميت عنهممما الشمميوعية رضمماء
تاما وزادت فى جرعتهما حتى نصت على اللحاد نصا فممى الدسممتور
السوفيتى ،فقالت " :ل إله .والكون مادة " ونصت على الفوضى
الجنسية نصا ودافعت عنها . .وحين اضممطرت إلممى تممع=ديلهمما فممى
النظرية على عهد لنين فإنها لم تغير شيئا حقيقيا فى التطبيق .
من هنا نفهم كيف أن الشيوعية خطوة تقدمية إلى المام !
ونأخذ الن فى الحديث عن التطممبيق الشمميوعى ،وممدى الممتزامه
بالنظرية من جهة ،ومدى " عدالة " هذا التطبيق من جهة أخرى .
فأما من حيث إلغاء الملكية الفردية فقد تم ذلممك وبصممورة حممادة
فى المرحلة الولى من التطممبيق علممى عهممد لنيممن وجممزء مممن عهممد
سممتالين .أممما إحلل الملكيممة الجماعيممة محلهمما فقممد تكشممف عممن
أسممطورة ضممخمة ليممس لهمما وجممود حقيقممى ! فل أحممد مممن طبقممة
البروليتاريا يملك شمميئا فممى الحقيقممة أو يحممس بملكيممة شممئ .إنممما
الدولة – كما نصممت النظريممة – هممى المالممك الحقيقممى لكممل شممئ .
والدولة – عند التطبيق – شئ والشعب شئ آخر .ومهما قيممل مممن
" نيابة " الدولة عن البروليتاريا فى الملكيممة والشممراف عليهمما فهممو
مجرد كلم للستهلك النظرى .أما الواقع فهممو أن الدولممة أصممبحت
كابوسا ثقيل بدكتاتوريتها البشعة الت ل تدع للناس فرص للحساس
بوجممودهم فضممل عممن أن يحسمموا بممأنهم يملكممون ششمميائ علممى
الطلق !
فجو الرهاب المدائم المذى تمارسمه الدولمة علمى الشمعب بحجمة
المحافظة على النظام من أعدائه ،وجو الجاسوسممية الممذى يعيممش
قلنا من قبل إن الختلف بين الرأسمالية والشيوعية هو اختلف فى القشرة وليس فى الجوهر . 1
فيه الشعب إلى حد أن الوالد ل يأمن ولده ول الممزوج يممأمن زوجتممه
ول الخ يممأمن أخمماه – ضمممانا أل يجتمممع اثنممان علممى سممر خشممية أن
يكون السر مؤامرة علممى " النظممام " – هممذا الجممو الممذى يمكممن أن
يؤخذ فيه النسان بالظنة فيحاكم ويحكم عليه بالعدام أو العتقممال
فى ثلوج سيبيريا أو بأى عقوبة أخرى " رادعة " .ز هو جو ل يسمممح
بوجود " التعمماطف " بيممن الشممعب والدولممة ،ذلممك التعمماطف الممذى
يحس فيممه أن الدولممة نائبممة عنممه فممى الملكيممة والشممراف عليهمما ..
فالنيابة ل تكون بالحديممد والنممار والتجسممس ..إنممما يخضممع الشممعب
للدولة بعامل الرهاب المسلط عليه ،ويفقد فى النهايممة أى شممعور
بملكية شئ على الطلق ! ول يبقى له إل شعوره بالحرمان !
ول ينسى المصريون ما شهدوه فى أسمموان أيممام كممان " الخممبراء
الروس " يعملون فى السممد العممالى ،فقممد كممانوا يعيشممون بطبيعممة
الحال فى جو مختلف عن النظام الممذى ألفمموه فممى روسمميا .فكممان
أشد ما عجبت لممه زوجممات أولئك " الخممبراء " أن الشممراء حممر فممى
السواق ،وأن النسان يستطيع أن يشترى بقدر ما يريممد ،أو بقممدر
ما تتسع نقوده ..فكن يذهبن إلى بائعى الخضممر والفممواكه فيسممألن
فى عجب :هل نستطيع 7أن نأخذ بقدر ما نريد ؟! فإذا قيل لهممن :
نعم ! لم يصدقن ! حتى وجدن بالممارسة الفعليممة أن ذلممك ممكممن
بالفعل !
وليسممت المسممألة هممى العجممب مممن اختلف النظممام ،فهممذا أمممر
طمبيعى وكمل إنسمان يفاجممأ بنظممام يختلممف عمما ألفممه وتعمود عليمه
سيعجب فى بادئ المر حتى يألف .ولكن المسألة هى اللهفة على
الشراء ،ودللته على مدى الحساس بالحرمان ،والفرحة الغممامرة
بالتخلص مممن هممذا الحرمممان ولممو إلممى أمممد محممدود ! وتكفممى هممذه
التجربة الواقعيممة للكشممف عممن حقممائق كممثيرة فممى آن واحممد ،عممن
الملكية الفردية والملكية الجماعية ..وعن النظام !
على أن الذى يعنينا هنا ليممس هممو البحممث فممى مممدى تحقممق تلممك
السطورة التى يطلق عليها اسم " الملكية الجماعية " حيممن تكممون
الدولة هى المالك الحقيقى ويكون الشعب كله محروما من الملكية
! إنما الذى يعنينا أكثر همو السممطورة الممتى تقممول إن تلممك الملكيممة
الجماعية المزعومة يمكن أن تحل محل الملكية الفردية ،
لقد زعمت النظرية الشيوعية أن الصل فى النسان هو الملكيممة
الجماعيمة ،وأن الملكيمة الفرديمة همى انحممراف شممرير وقعممت فيمه
البشرية بعد اكتشاف الزراعة ،وأن الشيوعية الثانية سارد النسان
إلممى أصممله " فيسممتمع " بالملكيممة الجماعيممة ،ويشممفى مممن هممذا
النحراف الخطير الذى أفسد إنسانيته وأشاع الظلممم فممى المجتمممع
البشرى لقرون عديدة من الزمان !
ثم فرضت " الدولة " المر فرضا بالحديد والنار ..
فهل شفيت النفوس من الداء وسلمت مممن النحممراف ،وارتممدت
إلى أصلها الملئكى المزعوم ؟!
إن الذى حدث بالفعل – وأشممرنا إليممه مممن قبممل – أن " النظممام "
تراجع فى عهد ستالين ثم فى عهد خروشوف عدة تراجعات .
ففى المرحلة الثانية من عهد ستالين كان " النظام " فممى حاجممة
إلى زيادة النتاج ،ومن ثم أعلن ستالين أنه من أراد مممن العمممال –
بعد وحدة العمل الجبارية الولممى – أن يقمموم بوحممدة ثانيممة إضممافية
فسمميكون لممه عليهمما أجممر إضممافى يسممتطيع بممه أن يحسممن أحممواله
المعيشممية فيشممترى أنواعمما مممن الطعممام أفخممر ،أو كميممات اكممبر ،
وأنواعا من الملبس أرقى مما توفره وحدة العمل الجبارية .
وموضوع الدللة أن الدولة حين احتاجت إلى زيادة النتاج لم تجد
وسيلة إليه إل إثارة الحافز الفردى واللتجاء إليه .ولو كانت تممرى –
أو تعتقد فى دخيلة نفسها – أنممه يمكممن زيممادة النتمماج دون اللتجمماء
للحافز الفردى لفعلت ،خاصة وهى تملك الحديد والنار وتستخدمها
– بإسراف – فى جميع المجالت ،ذلك أن اللتجاء للحممافز الفممردى
– أيا تكن مبرراته التى تلقى أمام الناس – هو تراجع عن أصل مممن
أصول النظرية ،وهو الصل القائل بأن الملكية الفردية ليست شيئا
فطريا وأن الصل فى الناس هو الملكية الجماعية !
موضع الدللة إذن أن كل بطش الدولة لم يستطع أن " يشممفى "
الناس من الحافز الفردى ويضع الحممافز الجممماعى مكممانه .ومعنممى
ذلك أن الحافز الفردى – الوثيق الصمملة بالملكيممة الفرديممة – عميممق
عميق فى الفطرة إلى حد ل يمكممن انممتزاعه ،ولممو اسممتخدمت فممى
انتزاعه كل وسائل البطش والرهاب .
ثم حدث فى فترة حكم خروشمموف أن تزايممد نقصممان المحاصمميل
الزراعية ) وكان هذا التناقص قد بدأ فى عهد ستالين ذاته ولكنه لم
يكن محسوسا بالصورة الى ظهر عليها أيممام خروشمموف ( حممتى إن
روسيا بدأت تستورد القمح من أمريكا بكميات متزايدة .وكان علج
خروشوف للمر هو تمليك الفلحين جزءا من المحصول لنفسممهم .
وتمليكهم الدار التى يسكنونها وما تحويه مممن الثمماث والدوات وممما
يمكن أن يشتروه لنفسهم من هذه الشياء .
وهو تراجع صريح عن مبادئ الشمميوعية ،دللتممه واضممحة ..وهممى
أن الملكية الجماعية لممم تسممتطع – بكممل وسممائل القهممر – أن تحممل
محممل الملكيممة الفرديممة ..وإن العلج الوحيممد الممذى يضممطرون إليممه
جولة بعد جولة هو الذعان لهذا الممدافع الفطممرى الممذى نفمموا – فممى
النظرية – وجوده ،وجالوا بكل أنواع الجدل ليثبتمموا أنممه غيممر أصمميل
فى النفس البشرية ،وأنه " مرض " يمكن " الشفاء " منه !
والتجربة التى تمت – فى العالم لشيوعى ذاته وعلممى يممد الدولممة
الشيوعية ذاتها – تغنينا عن اللتفات إلممى كممل الجممدل الفممارغ الممذى
يجادل به الشيوعيون فى أمر الملكية الفردية والحافز الفردى .
إما إنشاء مجتمع غير طبقى ،وإلغاء جميع الطبقات ماعدا طبقممة
البروليتاريا ،وإقامة دكتاتورية البروليتاريمما ..فقممد اختلممف التطممبيق
فيها اختلفا واسعا عن النظرية !
ولسنا نتحدث هنا عن " محاسن " إنشاء مجتمع غير طبقممى ،ول
كون هممذا المممر واجبمما أو غيممر واجممب ممكنمما أو غيممر ممكممن 1إنممما
نتحدث عن الواقع التطبيقى لنرى مقدار قربه أو بعممده عممن الشممئ
الذى قالوا إنه واجب أن يكون .
لقد زالت طبقة القطاعيين نعممم ،وحممال تطممبيق الشمميوعية فممى
الدولتين الشمميوعيتين الكبيريممتين دون ظهممور الطبقممة الرأسمممالية ،
وما كان منها موجودا فى الممدول الخممرى الممتى اعتنقممت الشمميوعية
فقد أزيل إما بنزع الملكية الفردية وإما بالبادة الثورية ..
ولكن ما الذى حدث بعد ذلك ؟!
الممذى حممدث بالفعممل أن " طبقممة " جديممدة بكممل تعريممف الطبقممة
ومواصفاتها قممد بممرزت فممى المجتمممع الشمميوعى تحممت اسممم جديممد
بالمرة هو " الحزب " !
والفمارق بيمن أفمراد الحممزب – بممدرجاته المختلفمة – وبيمن أفمراد
الشعب هو ذات الفارق بين أية طبقة كانت مالكة وحاكمة من قبممل
وبين الشعب ! فممأدنى درجممات الحممزب – وهممى العضمموية العاديممة –
تنشئ لتوها فارقا ضخما فممى كممل شممئون الحيمماة ،وليسممت العممبرة
بوجود الملكية الفردية أو عدم وجودها ،فلم يكممن منشممأة الطبقيممة
فى المجتمعات الطبقية هو مجرد وجود الملكية الفرديممة كممما زعممم
التفسير الجاهلى للتاريخ ،إنممما كممان ممما يممترتب علممى الملكيممة مممن
نقول نحن إنه ممكن فى حالة واحدة فقط ،حين ينزع حق التشريع من البشر ويتحاكمون كلهم إلى شريعة الله ، 1
فعندئذ ل يكون لحد من البشر سلطة تشريعية يتمكن بها من رعاية مصالحه ومصالح طبقته على حساب بقية
الطبقات ،ول يهم فى هذه الحالة تفاوت الناس فى ثرواتهم لن هذا التفاوت يظل أمرا فرديا ل طبقيا .ول يتجاوز
حظ كل إنسان من " المتاع " فى الحياة الدنيا ..ولنا عود إلى الموضوع عند الحديث عن نظرة السلم .
سلطان ونفوذ ،انطلقا من مبدأ أن الذى يملممك هممو الممذى يحكممم ،
أى أن الطبقية فى الواقع – وإن نبعت فى المجتمعات الجاهلية من
الملكيممة الفرديممة كممما يقممول التفسممير المممادى – إنممما هممى طبقيممة
السلطان والنفوذ ،التى تنبع من قدرة هذه الطبقممة علممى التشممريع
لحساب نفسها وإلزام الخرين بالخضوع لهذا التشريع .
وقممد ألغيممت الملكيممة الفرديممة مممن المجتمممع الشمميوعى ،ولكممن
السلطان والنفوذ الذى تركز فى " الحممزب " قممد جعممل منممه طبقممة
متميزة ،لها كل سمات الطبقة ومميزاتها سواء فى نمموع المعيشممة
– أى المتاع – أو فى النفوذ والسلطان .
فمع أن العنوان العام فى الشيوعية أنه ل أحد يملك شمميئا ملكيممة
فردية فإن هناك فارقا – ل شك – بين أن تكون أنت وأفراد أسممرتك
جميعا تسكنون فى غرفة واحدة فى مسممكن شممعبى بممدورات ميمماه
مشتركة ) وغالبا ما تكون بل أبواب ! ( وبين أن تكون سمماكنا فممى "
فيل " خاصة أو فى شقة كاملة فممى عمممارة ،حممتى ولممو كنممت غيممر
مالك للشقة أو ما فى داخلها من الثاث ملكية فردية !
هناك فارق فى نوع المتاع ودرجتممه ،وفمارق فممى مشماعرك حيمن
تكون هنا وحين تكون هناك .
ولست أناقش هنا شرعية هذا المتاع أو عدم شرعيته ،إنما أقول
فقط إنه فى النظرية الشيوعية غير جممائز وغيممر شممرعى ،أممما فممى
التطبيق فهو موجود ،ويتسع الفارق كلما صممعد النسممان الممدرجات
،فى " الحزب " حتى يصبح عضوا فى اللجنة التنفيذية العليا أو مممن
العضاء البارزين فى الحزب ،فينقلب نعيمه ترفا ما كان يحلمن به
بعض القياصرة فى زمانهم ! والشممعب فممى " أكممواخه " العصممرية ،
السرة كلها فى غرفة واحدة تجمع الم والب والطفال بنين وبنات
ما ودون سن التكليممف ،وتجممرى فيهمما العلقممات الزوجيممة بيممن الم
والب – بححم المر الواقع – فى حضرة البنيممن والبنممات ،البممالغين
وغير البالغين !
وليس فارق المتمماع علممى أى حممال هممو الفممارق الهممم أو الفممارق
الوحيد ،إنما المهم فارق السلطان .
إن مجرد انتقال النسان من كونه فردا مممن أفممراد الشممعب إلممى
كونه عضوا فى الحزب ،ينتقله من " شئ :ل وجممود لممه إلممى شممئ
آخر له وجود ملموس ،سواء فى نظر نفسه أو فمى نظمر المجتممع
من حوله ،لنه ينقله من طبقة المحكومين إلى طبقة الحكام الذين
يسيطرون على كل شئ فى المجتمع الشيوعى ،،حتى لو كان هممو
فى أسفل طبقة أولئك الحكام .
إن تركيز النفوذ فممى " الحممزب " و " الدولممة " و " الزعيممم " هممو
الذى ينشئ ذلك الفممارق الضممخم بيممن " اللشمميئية " و " الشمميئية "
فى المجتمع الشيوعى ..ولذلك يصممبح أكممبر مطمممح للفممرد العممادى
فى المجتمع الشمميوعى أن يضممع قممدمه – مجممرد وضممع – ولممو علممى
أدنى درجة من درجات ذلك البناء الشاهق الممذى يمثممل السمملطان ،
فيتغير وجوده كله ،بل يصبح فى الحقيقة موجودا بعد أن لممم يكممن
له وجود .
وسبيله إلى هذه النقلة الضممخمة الممتى يتشممهاها كممل طامممح إلممى
الوجود ل يخرج عن امر من ثلثة أمور ،أشرفها جميعا – وأنممدرها –
القيام بعمل غير عادى فى خدمة " الوطن " أما السممبيل الميسممرة
والمعتادة فهى الملق للحزب وللدولة وللزعيم ن والظهممور بمظهممر
التفانى فى حبهممم جميعمما ! أو التطمموع بالجاسوسممية وإلقمماء الشممبه
على البرياء تقرباب للسطان وإظهار للولء !
m m m
وما كان لهم من فضل فى ثقافة أوروبا فى العصر الحديث " بقلم ج .ب .ترند G. B. Trendص 760 – 729مممن
الترجمة العربية لكتاب " تاريخ العالم " نشر وزارة التربية والتعليم المصرية .
المسيحيون من المسلمين فى الندلس ! وارتدت من جاهلية الدين
الكنسممى المحممرف إلممى جاهليممة ممما قبممل ذلممك الممدين ،الجاهليممة
الغريقيممة الرومانيممة Greco-Romanلتنشممئ علممى أساسممها جاهليممة
جديدة متقدمة كممل التقممدم فممى العلممم والتكنولوجيمما )علممى أسمماس
العلم الذى أخذته من المسمملمين ،والمنهممج التجريممبى فممى البحممث
العلمى الذى استمدته منهم( ومنتكسة أشد النتكاس فيما عدا ذلك
من جوانب الحياة ..
من الغريق أخذت عبادة العقل وعبادة الجسد فى صورة جمممال
حسى .
ومممن الرومممان أخممذت عبممادة الجسممد فممى صممورة متمماع حسممى ،
وتزيين الحياة الدنيا بكل وسائل العمممارة الماديممة إلممى أن يسممتغرق
النسان فى المتمماع وينسممى " القيممم " الممتى تكممون النسممان .كممما
أخذت شممهوة التوسممع الحربممى واسممتعباد المممم الضممعيفة لحسمماب
الدولة " الم " فى صورة إمبراطوريات .
والمهم – بالنسبة لبحثنا الحاضر – أنها بدأت تنبذ الدين !
m m m
هذا الدين بصورته تلك لم يكن هو الدين المنزل مممن عنممد اللممه ،
ولممم يكممن – كممما أسمملفنا – صممالحا للحيمماة .كممان لبممد مممن نبممذه
والنسلخ منه لكى تسير دفعة الحياة فى خطها الصحيح .
ولقد كان عرى مقربة من أوروبا – بل فى جزء من أرضها – دين
آخر يقدم المنهج الصحيح للحياة ،فل هو دين أخروى بحممت بمعنممى
إهمال الحياة الدنيا ،ول هممو الممدين الممذى يفممرض السمملبية الكاملممة
علممى النسممان ،ويفممرض عليممه الخضمموع " للمممر الواقممع " وعممدم
التفكير فى تغييره .
إنه دين يعمل للخرة من خلل العمل فى الممدنيا " الممدنيا مزرعممة
الخرة " .
ممما ويبين أن العمل للخرة ل يعنى إهمال الحياة الممدنيا }َواب ْت َمِغ ِفي َ
ن الد ّن َْيا{ ]سممورة القصممص م ْ ك ِ صيب َ َ س نَ ِ خَرةَ َول َتن َ داَر ال ِ ه ال ّ ك الل ّ ُآَتا َ
ن
مم ْ ت ِ ج ل ِعِب َممادِهِ َوالط ّي ّب َمما ِ خَر َ ة الل ّهِ ال ِّتي أ َ ْ م ِزين َ َ حّر َ ن َ م ْ ل َ } [28/77قُ ْ
ة{ مم ِ م ال ِْقَيا َ ة ي َموْ َ صم ً خال ِ َ حَياةِ ال مد ّن َْيا َ مُنوا ِفي ال ْ َ نآ َ ذي َ ي ل ِل ّ ِ
ل هِ َ ق قُ ْ الّرْز ِ
]سورة العراف [7/32
وهو دين يعمل لصلح الحياة الدنيا بإقامة المنهممج الربممانى الممذى
يأمر بالعدل والقسط ،كممما يممدعو إلممى الجهمماد لقامممة هممذا المنهممج
ومنع النحراف عنه ،ذلك النحراف الذى يممؤدى إلممى فسمماد الحيمماة
وإلى وقوع الظلم على الناس :
َ َ
من ل ِي َُقو َ ميَزا َ ب َوال ْ ِ م ال ْك َِتا َ معَهُ ْ ت وَأن َْزل َْنا َ سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ سل َْنا ُر ُ }ل ََقد ْ أْر َ
الناس بال ْقسط وأ َنزل ْنا ال ْحديد فيه بأ ْ
م س وَل ِي َعْل َ َِ نا
ّ للِ ُ ع ِ ف نا
َ م
َ َ و ٌ دديِ شَ س
ٌ َ ِ َ ِ ِ َ ّ ُ ِ ِ ْ ِ َ َْ َ
زي مٌز )] {(25سممورة ه قَ موِيّ عَ ِ ن الل ّم َ ب إِ ّ ه ِبال ْغَي ْ ِ سل َ ُ صُرهُ وَُر ُ ن ي َن ْ ُ م ْ ه َالل ّ ُ
الحديد [57/25
وهو دين يجعل للنسان إيجابية واسعة فى الرض .
فقد خلقه الله ابتداء ليكون خليفة فى الرض :
ل فِممي ال َ
ة{ ]سممورة خِليَف م ً ض َ ِ ر
ْ عم ٌ جا ِ ملئ ِك َةِ إ ِن ّممي َ ك ل ِل ْ َ ل َرب ّ َ }وَإ ِذ ْ َقا َ
البقرة [2/30
ومممن شممأن الخلفممة الهيمنممة علممى الرض والسمميطرة عليهمما ،
والنشمماء والتعميممري فيهمما ،واسممتغلل الطاقممات المممذخورة فممى
السماوات والرض ،التى سممخرها اللممه للنسممان مممن أجممل عمممارة
الرض ،والمشى فى منمماكب الرض لسممتخلص الرزاق المكنونممة
فيها والظاهرة :
م ِفيَها{ ]سورة هود [11/61 مَرك ُ ْ ست َعْ َ ض َوا ْ رْ
من ال َ
ْ ِ م
ْ شأ َك َُ }هُو َ
أن َ
َ ِ
ه{ ميعما ً ِ
من ْم ُ ج ِ
ض َ ممما فِممي الْر ِ ت وَ َ وا ِ م َ سم َ ممما فِممي ال ّ م َ خَر ل َك ُم ْ سم ّ }وَ َ
]سورة الجاثية [45/13
مَناك ِب ِهَمما وَك ُل ُمموا ِ َ
ن مم ْ شوا ِفي َ م ُ ض ذ َُلول ً َفا ْ م الْر َ ل ل َك ُ ْ جع َ َ ذي َ }هُوَ ال ّ ِ
ه{ ]سورة الملك [67/15 رِْزقِ ِ
بل إن المنهج الربانى ذاته يستدعى إيجابية النسان لتنفيذه ،فهو
ل ينطبممق انطباقمما آليمما علممى الحممداث والشممياء ،بممل النسممان
المستبصر بالهدى الربممانى هممو الممذى يطبقممه ويجتهممد بفكممره ليضممع
تفصيلت تنفيممذه ،خاصممة وهممو منهممج حيمماة كامممل ،يشمممل الثممابت
والمتغير فممى حيمماة النسممان ،فلبممد أن يجتهممد علممى الممدوام ليضممع
للمتغير حل مستمدا من المبادئ الثابتة فى هذا المنهممج ..ومممن ثممم
يعمل النسان بإيجابيته الكاملة فى التنفيذ ،سواء إيجابيممة العزيمممة
اللزمممة لقامممة المنهممج والجهمماد لقممراره فممى الرض ،أو إيجابيممة
التفكير فى الوسيلة المثلى لقامته ..
بممل إن قممدر اللممه ذاتممه يجممرى مممن خلل أعمممال النسمان بممالخير
والشر سواء :
َ
م ذيَقهُ ْ س ل ِي ُم ِدي الن ّمما ِ ت أي ْم ِ س مب َ ْ ما ك َ َ حرِ ب ِ َ ساد ُ ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ }ظ َهََر ال َْف َ
ن )] {(41سورة الروم [30/41 جُعو َ م ي َْر ِ مُلوا ل َعَل ّهُ ْ ذي عَ ِ ض ال ّ ِ ب َعْ َ
ْ
نممم ْ غدا ً ِ ة ي َأِتيَها رِْزقَُها َر َ مط ْ َ
مئ ِن ّ ً ة ُ من َ ً تآ ِ كان َ ْ ة َ مث َل ً قَْري َ ً ه َ ب الل ّ ُ ضَر َ }وَ َ
َ َ
ممما ف بِ َ خ مو ْ ِ جوِع َوال ْ َ س ال ْ ُ ه ل َِبا َ ذاقََها الل ّ ُ ت ب ِأن ْعُم ِ الل ّهِ فَأ َ ن فَك ََفَر ْ كا ٍ م َ ل َ كُ ّ
ن )] {(112سورة النحل [16/112 صن َُعو َ كاُنوا ي َ ْ َ
ماِء س َ ن ال ّ م ْ ت ِ كا ٍم ب ََر َ حَنا عَل َي ْهِ ْ وا ل ََفت َ ْ مُنوا َوات َّق ْ ل ال ُْقَرى آ َ ن أ َهْ َ َ
}وَل َوْ أ ّ
َ َ
ن ك َمذ ُّبوا ض وَل َك ِم ْ ماِء َوالْر ِ سم َ ن ال ّ مم ْ ت ِ م ب ََرك َمما ٍ حن َمما عَل َي ْهِ م ْ ض ل ََفت َ ْ َوا َلْر ِ
ن )] {(96سورة العراف [7/96 سُبو َ كاُنوا ي َك ْ ِ ما َ م بِ َ خذ َْناهُ ْ فَأ َ
َ
م{ ]سورة الرعد سه ِ ْ ما ب ِأنُف ِ حّتى ي ُغَي ُّروا َ ما ب َِقوْم ٍ َ ه ل ي ُغَي ُّر َ ن الل ّ َ }إ ِ ّ
[13/11
وهذا الدين المذى يعطمى التمموازن الصممحيح بيمن المدنيا والخمرة ،
وبين فاعلية قدر الله وفاعلية النسان ،وبين العبوديممة الكاملمة للمه
واليجابية السوية للنسان ،هو الدين الصحيح الذى تصلح به الحياة
فى الرض ،وتستقيم به خطى البشر فى الحياة الدنيا " . "1
ولكن أوروبا – بدافع العصبية الصليبية – أعرضت عن هممذا الممدين
واتجهت إلى الجاهلية الغريقية الرومانية ،تنتقم بهمما مممن الكنيسممة
" " انظر فصل التوازن فى كتاب خصائص التصور السلمى . 1
ودينها الفاسممد الممذى يهمممل الحيمماة الممدنيا ويلغممى الوجممود اليجممابى
للنسان .
وغذ كانت النهضة فى مجموعها " رد فعل " للكبت الواقع على "
النسان " بفعل التصور الكنسى للدين ،والممارسمة الكنسممية لمه ،
وإذ كان الغالب على ردود الفعل هو النممدفاع ل التعقممل ول التبصممر
ول الروية ول التزان ..فقد اندفعت أوروبمما فممى نهضممتها تنممزع مممن
طريقها كل معلم مممن المعممالم اللهيممة )سممواء كممانت إلهيممة حقمما أو
مدعاة من قبممل الكنيسممة( وتضممع مكانهمما معممالم بشممرية مممن صممنع
النسان ،كما تنزع من طريقها كل ما يتصل بالخرة لتضع بدل منممه
ممما يتصممل بالحيمماة الممدنيا ..وكممانت هممذه هممى بدايممة " العلمانيممة "
بالتعريف الوروبى ..
m m m
لقد اصبح الطابع المميز للفكر الوروبى منمذ النهضمة همو التممرد
على الدين والتمرد على الله ،وكان ذلك نابعا مممن تممأثيرين فممى آن
واحممد .التممأثير الول هممو روح رد الفعممل الممذى قممام ضممد الممدين
والكنيسة ،والثممانى هممو تممأثير الجاهليممة الغريقيممة فممى هممذا الشممأن
بالذات .
فأما رد الفعل فقد أخذ صورة الخروج على كل ما كان سائدا من
قبل فى فترة السيطرة الكنسية .
كان السائد هو أل يفكر النسان لنفسه فى شئ من الشياء إنممما
يأخذ الفكار جاهزة من الكتب المقدسة وشروحها عن طريق رجال
الدين ،سواء كانت الفكار متصلة بالعقيدة أو بأمر من أمور الدنيا ،
أو حتى أمور العلم كقضية شكل الرض .
وغنى عن البيان أن هذا ليس الموقف الصحيح للنسان فى ظممل
الدين الصحيح " "1ولكن هكممذا كممانت الممارسممة الدينيممة فممى ظممل
الجاهلية الكنسية المنحرفة ،والتى من جرائهمما كممان لرجممال الممدين
كل ذلك النفوذ على عقول الناس وأرواحهممم ،فهممم الوسممطاء بيممن
الناس وبين الدين ومفاهيمه ،بل هم الوسطاء بين الناس وبين الله
،والنمماس – علممماء أو غيممر علممماء – ل يبحثممون فممى أى شممأن مممن
الشممؤون ليكونمموا فيممه رأيمما أو موقفمما .إنممما يسممألون رجممال الممدين
ليدلوهم على الرأى أو الموقممف الممذى ينبغممى عليهممم اتخمماذه .هممذا
بالضافة إلى أن المور التى يسألون عنها هى أول وقبممل كممل شممئ
" " سنعاود الحديث فى هذه النقطة فى هذا الفصل وفى فصل " العقلنية " كذلك . 1
أمور " الخلص " .الخلص من أدران الحياة الممدنيا للحصممول علممى
رضوان الله فى الخرة .
وكان رد الفعل إن النسان هو الذى ينبغى أن يستشار فى المور
كلها وليس الدين ،وأن العقل البشممرى هممو الممذى ينبغممى أن يكممون
صاحب القرار وليس الله ..ولو كان المر متعلقا بالعقيدة أو المور
الخروية .وبمقدار ما كان العقل مكبوتمما ومحجممورا عليممه ،انطلممق
هممذا العقممل يريممد أن يقتحممم كممل ميممدان ولممو كممان خارجمما عممن
اختصاصه ! يقتحمه بروح أنه هو صاحب الحممق الممذى كممان ممنوعمما
من حقه فهو يريد أن يؤكد هذا الحممق .ويقتحمممه بممروح الشممك ،أو
روح المحو لكل ما كان موجودا مممن قبممل ولممم يشممترك فيممه ،فهممو
يريد أن ينشئه من جديد سواء وافق ممما كممان موجممودا مممن قبممل أو
خالفه ،والجدر به أن يخالفه لكى يثبت وجوده .
بهذه الروح بدأ الكتاب و" المفكممرون الحممرار " يهمماجمون فكممرة
اللوهية وينفون الرسالت والوحى ،وينفون الحيمماة الخممرة والجنممة
والنار ..ويقولون إن هذه كلها أوهام تبنتها البشممرية فممى غيبممة مممن
العقل ،والن وقد صحا العقل فقد آن الوان لنبممذها وتركهمما للهمممج
المتممأخرين ..وربممما كممان خيممر ممثممل لهممذا التجمماه هممو " فولممتير "
الكاتب الفرنسى الملحد المشهور .
أما التأثير الثانى الذى أشرنا إليممه فهممو تممأثير الجاهليممة الغريقيممة
التى تصور العلقة بين البشر واللهة علقة صراع وخصام ل يفممتر :
اللهة تريد أن تقهر النسان وتكبته وتحطمه لكممى ل يطمممح فممى أن
يكون مقتدرا مثلها ،فل تفتأ كلممما حقممق نجاحمما أن تصممب الكمموارث
فوق رأسه لكمى ل يسمتمتع بثممرات نجماحه ،وهمو ممن جمانبه دائم
التحدى لللهة ،كلما وقع فى حفرة من حفائرها عاد يستجمع قممواه
ليصارعها من جديد .وتكفى أسمطورة بروميمثيوس الشمهيرة لبيمان
هذا المعنى بصورة مباشرة ،إذ تزعم تلك السطورة أن " زيزس "
إله اللهة خلق النسان من قبضة من طين الرض ثممم سممواه علممى
النار المقدسممة )الممتى ترمممز إلممى المعرفممة( ثممم وضممعه فممى الرض
محاطمما بممالظلم )الممذى يرمممز إلممى الجهممل( فأشممفق عليممه كممائن
أسطورى يسمى بروميثيوس ،فسرق له النار المقدسمة لكمى ينيمر
له ما حوله ،فغضب زيوس على النسان وعلى بروميثيوس كليهممما
.فأما بروميثيوس فقد وكل به نسرا يأكل كبده بالنهار ثم تنبممت لممه
كبد جديدة بالليل يأكلها النسر بالنهار فى عذاب أبدى !
وأما النسان فقد أرسل له زيزس " بانممدورا " )الممتى ترمممز إلممى
حواء( لكى تؤنس وحشته )فى ظاهر المممر !( وأرسممل معهمما هديممة
عبارة عن علبة مقفلة ،فلما فتحها إذا هممة مملمموءة بالشممرور الممتى
قفزت من العلبة وتنمماثرت علممى سممطح الرض لتكممون عممدوا دائممما
وحزنا للنسان !
ويشير جوليان هكسلى إشارة صريحة إلممى هممذه السممطورة فممى
كتابه " النسان فى العالم الحديث " Man in the Modern World
فيقول إن موقف النسان الحديث هو ذات الموقف الذى تمثله هذه
السطورة ،فقد كان النسممان يخضممع للممه بسممب الجهممل والعجممز ،
والن بعد أن تعلم وسمميطر علممى الممبيئة فقممد آن لممه أن يأخممذ علممى
عاتق نفسه ما كان يلقيه من قبل فممى عصممر الجهممل والعجممز علممى
عاتق الله ،ويصبح هوة الله !!
من هذين التأثيرين معا انطلق الفكر " المتحرر " يهمماجم الممدين ،
ويصفه بأنه الغلل التى تغل الفكر عن النطلق ،والممتى ينبغممى أن
تحطم لكى يثبممت النسممان وجمموده ،ويقمموم بممدوره الممذى يجممب أن
يقوم به فى الرض !
m m m
وفى نفس الوقت اتجه الفكر المنسلخ من الدين إلى البحث عن
مصدر آخر للقيم النسانية غير الدين ! ذلك أن أوروبا لممم تكممن قممد
انسلخت بعد من القيم ذاتها كما حدث فيما بعد ،حيممن امتممد الخممط
المنحرف فازداد بعممدا وانحرافمما ،أو لممم تكممن قممد سممنحت الفرصممة
للشريرين أن يعلنوا الحرب المنظمة على كل مقومات " النسان "
كما سنحت لهم بعد ظهور الداروينية وإعلن حيوانية النسان !
ففى تلك الفترة وجد " الفكر الحر ! " أنه إن أقر بأن الممدين هممو
مصدر القيم النسانية فقد وجب عليه أن يحممافظ عليممه ول يهمماجمه
ول يسعى إلممى تحطيمممه ! فينبغممى إذن أن يبحممث ذلممك الفكممر عممن
مصدر آخر يستمد منه القيم ويسندها إليه ،لكى ل يقول أحد إنممه ل
يمكن الستغناء عن الدين ! وعلى هذا الضوء يمكننا فهم فلسممفة "
أوجست كومت " من ناحية ،وأفكار جممان جمماك روسممو مممن ناحيممة
أخرى .فكلهممما يجهمد نفسمه ليقممول للممذين يقفمون ممدافعين عمن
الدين :ها قد وجدنا مصدرا آخممر تنبممع منممه القيممم الضممرورية لحيمماة
النسممان غيممر الممدين ،وجممدناه فممى " الطبيعممة " وفممى " النفممس
البشرية " وهو مصدر أفضل – فممى إنبممات القيممم وترسمميخها – مممن
الدين ..فدعونا إذن من الدين ،وتعالوا معنمما إلممى تلممك المصممادر "
الحرة " التى يقبل عليها النسممان إقبممال " طبيعيمما " و" ذاتيمما " دون
أن يحس بالقهر المفروض عليه من قوة أعلى منه !
وفى الوقت ذاته اتجه هذا " الفكر المتحرر " إلى عبادة الطبيعممة
بدل من عبادة الله ،ونسبة الخلق إليها بدل مممن اللممه .وقممد تحممدثنا
منق بل عن هذا المر بما فيه الكفاية فل نعممود إلممى الحممديث فيممه ،
ولكن نضعه فقط فى مكانه من التسلسل التاريخى .
وفى ذات الوقت كله اتجه الفممن إلممى مناجمماة الطبيعممة بممدل مممن
مناجاة الله ،وتأليهها بدل من تأليه الله " . "1
m m m
السليم لبد أن يلتفت إلى الطبيعة ويتفاعل معها .ولقد لفت القرآن الكريم حس المسلمين لفتا شديدا إلممى الطبيعممة
فى شتى مظاهرها من الجبال والنهار والوديان والزروع والرعد والبرق والسحاب والمطر والريح والسماء والرض ..
ولكن المناجاة شئ والتأليه الذى مارسته الفنون الوروبية العلمانية شئ آخر .
عالم النسان وإلحاقه بعالم الحيوان ! فعندئذ لممم تعممد هنمماك حاجممة
إلى القيم أصممل ..ل الممدين ول الخلق ول التقاليممد المسممتمدة مممن
الدين ..فما حاجممة النسممان إلممى شممئ مممن ذلممك وهممو عريممق فممى
الحيوانية مستقر فى عالم الحيوان ؟!
ثم أتى على النسان حين من الممدهر لممم يعممد حممتى حيوانمما ! بممل
هبط عن ذلك دركات فأصبح جزءا من عالم المادة الصماء !
m m m
" " من كلم " لويس فيشر " فى كتاب " الصنم الذى هوى " )ترجمة فؤاد حمودة( ،ص 274من الترجمة العربيممة( 1
الغرب .
" " لحظ أثر الجاهلية فى اعتبار الخمار واحدا من مقدمى الغذاء ..بل فى مقدمتهم ! 2
البيض .وبقدر نجاح الشخص فيها يزداد احممترامه ..وهممذه التجممارة
أشد قسوة من تجارة الرقيق السود لنها تفرض المزيد من العمل
على عبيدها ..وفى الوقت الذى ل تحميهم فيه ول تسوسهم برفممق
تفاخر بأنها تفرض المزيد )أى من العمل( ..
" نعم إنه )أى العامل( بعد انتهاء عمل اليوم يصممبح حممرا ،إل أنممه
يظل يممرزح تحممت عبممء العنايممة بعممائلته وبيتممه ،مممما يجعممل حريتممه
سخرية جوفاء باطلممة ،فممى حيممن يبقممى رب العمممل حممرا بالفعممل ،
ويسممتطيع أن يتمتممع بالربمماح الممتى جناهمما مممن عمممل الخريممن دون
اهتمام بمصلحتهم ورفاهيتهم ".
أما ما تل تلك الفترة حتى اليوم فى العالم الرأسممالى فمعمروف
ل يحتاج إلى بيان ..ففموارق المدخل بيمن العممال وأصمحاب رؤوس
الموال فوارق بشعة إلى حد مذهل ..ول يأتى هذا الربح المتضممخم
– كما أسلفنا فى فصل الديمقراطية – إل مممن الوسممائل الخسيسممة
التى تستخدمها الرأسمالية لتحقيق غاياتها الخسيسة ،وكلها محممرم
فى دين الله :
) (1الربا ..
) (2أكل مال الجير وعدم توفيته حقه ..
) (3إفساد فطر الناس وأخلقهم ليقبلوا على منتجات ليس فيهمما
فائدة حقيقية لهم ،ولكنها تممدر علممى الرأسممماليين أرباحمما طائلممة ل
تدرها المنتجات الجادة الممتى يحتمماج إليهمما النمماس حقمما فممى حيمماتهم
النظيفة المستقيمة .
) (4وأخيرا الحتكار ..
والنتيجة الخيرة التى تحققها الرأسمممالية العلمانيممة مممن طرفيهمما
المتمثليممن فممى أصممحاب رؤوس الممموال والعمممال ،هممى الفسمماد
الخلقى الفاحش ،والقلق العصبى الذى يؤدى إلى النتحار والجنون
والخمممر والمخممدرات والجريمممة وتفكممك السممرة وتشممريد الطفممال
والهبوط المستمر بالنسان إلى عالم اللة وعالم الحيوان ..
أما الشيوعية فربما كانت أسوأ بديل عرفته البشرية إلى اليوم ..
حقيقة إن الشيوعية هى النظام الجاهلى الوحيممد – حممتى اليمموم –
الذى فرض على الدولة كفالة كل فرد يعيش فى ظلها ،ولكن ذلك
– كما أسلفنا – لم يكن كرما إنسانيا منها ،فهممى تأخممذ مقابممل ذلممك
الجهد الفرد كله ،و" من ل يعمل ل يأكممل " علممى الحقيقممة ل علممى
المجاز .ثم إن الدولة تستذل النمماس بلقمممة الخممبز علممى نحممو غيممر
مسبوق فى كل النظم التى مرت بها الجاهلية البشرية علممى القممل
فى التاريخ الحديث .
وربما كان من الحق أن الناس كانوا دائممما فممى جاهليممات التاريممخ
مستذلين بلقممة الخمبز ،يمبيعون مقابلهمما بعمض كرامتهممم أو كلهما ،
وبعض إنسانيتهم أو كلها ..ولكممن النظممام البوليسممى الصممارم الممذى
يحكم الناس بالحديد والنممار والتجسممس ،ويمنممع النمماس بممالرعب و
الرهاب أن يفتحوا أفواههم بكلمة نقد واحدة ضد الدولة أو الزعيممم
المقدس أو المذهب أو النظام ..إنه ليفرض على النمماس – مقابممل
لقمة الخبز – قدرا من الذل ومن ضياع الكرامممة النسممانية ل مثيممل
له – فى نوعه ودرجتممه – فممى كممل النظممم الممتى تزعممم أنهمما نظممم "
حضارية " على مدار التاريخ !
وهذا فوق التفرقة الضخمة فى كل جانب من جوانب الحياة بيممن
أن يكون النسان مجرد فرد فى القطيع ،وبين أن يكون عضوا فى
الحزب ولو فى أسفل درجاته فضل على الدرجات العليا .
يقول " ميليوفان دجيلس " نائب الرئيممس " تيتممو " فممى كتمماب "
الطبقة الجديدة " :
" إن الطبقة البيروقراطية الشيوعية الجديدة صمماحبة المتيممازات
الضخمة تستخدم جهاز الدولة كستار وأداة لتحقيق مآربها وأغراضها
الخاصة ..وإذا ما عدنا لدراسة الملكية فإننمما سممنجدها ليسممت أكممثر
من حقوق الربح وحرية السيطرة ،وإذا ما اتجه المممرء إلممى تحديممد
ربح الطبقممة مممن خلل هممذه الحقمموق فممى إطممار تلممك الحريممة فممإن
الشيوعية تتجه فى النهاية إلى خلق شكل جديد من أشكال الملكية
وخلق طبقة حاكمة مستثمرة جديدة.
" إن الطغيممان الشمميوعى والرهمماب فممى أسمماليب الحكممم هممما
الضمانة لمتيازات طبقة جديدة تبرز على المسرح السياسى " .
" لقمد سمبق أن أعلمن سمتالين عمام 1936ممع صمدور الدسمتور
الجديد للتحاد السوفيتى أن الطبقة المستثمرة قد تم القضاء عليها
نهائيا ..وفى الحقيقة لقد تم فى المعسكر الشيوعى القضمماء التممام
على قوى الرأسمالية الوطنية التى استؤصلت تماممما مممن الجممذور .
ولكن مع زوالها بدأت تممبرز فممى صمملب المجتمممع الشمميوعى طبقممة
جديدة لم يسبق للتاريخ أن رأى مثيل .
" ولقد أكدت هذه الطبقة أنهمما أكممثر تسمملطا فممى الحكممم مممن أى
طبقة أخرى ظهرت على مسممرح التاريمخ ،كمما أثبتممت فمى المموقت
نفسه أنها تحمل أعظم الوهام ،وأنها تكرس أعتى أساليب الظلممم
فى مجتمع طبقى جديد.
" لقد تم تأميم المقدرات الماديممة إل أنممه لممم يجممر توزيعهمما علممى
أبناء الشعب ،بل أصبحت ملكا مكتسبا للطبقة الحاكمممة وللعضمماء
القياديين للحزب والبيروقراطيين السياسيين "
" لقممد حمماز العضمماء الكبممار مممن أفممراد النخبممة الممتممازة أفضممل
المسمماكن والممبيوت كممما شمميدت لهممم الحيمماء الخاصممة ومنممازل
الصطياف ،وحصل أمنمماء سممر الحممزب ورؤسمماء البمموليس السممرى
ليممس علممى السمملطة العليمما وحسممب ،إنممما علممى أجمممل المسمماكن
وأفخم السيارات وسواها من مظاهر البهة والعظمة والمتيممازات ،
أممما بقيممة العضمماء مممن دونهممم فقممد حممازوا امتيممازات متناسممبة مممع
مراكزهم الحزبية "
" وليس هناك أية طبقة أخرى فى التاريخ تشابه الطبقة الجديممدة
فى وحدة تماسكها ،ووحدة الفكر والعمل فى دفاعها عن نفسممها ،
وفممى قممدرتها علممى إحكممام القبضممة علممى كممل ممما هممو واقممع تحممت
سيطرتها منا لملكية الجماعية حتى السلطة الستبدادية المطلقممة "
" "1
وأما " الخلق " فى ظل القتصاد العلمانى الشمميوعى فل مجممال
للحديث عنه بعممد الممذى فصمملناه فممى فصممل " الشمميوعية " .ولسممنا
نقول :إن هناك " أخلقا " أفضل منها فى ظممل القتصمماد العلمممانى
الرأسمالى .كلهما بل أخلق ،كل المعسكرين يهبط بالنسان إلممى
مرتبممة الحيمموان .فممإذا كممان هنمماك فممارق بيممن الحيوانممات السممائبة
والحيوانممات المقيممدة داخممل الحظيممرة فهممو الفممرق بيممن التسممييب
والتقييد ..وليس فارقا فى " نوع " الحيوان ..
) (3فى الجتماع :
كان القطاع ظالما كما قلنمما ،ولكممن بعممض الجمموانب الجتماعيممة
فيه كانت تحكمهمما أعممراف مسممتمدة مممن روح الممدين ..ومممن ذلممك
الحفاظ علممى السممرة ،والممزواج المبكممر ،وقوامممة الرجممل وقيممامه
بالنفمماق ،واسممتقرار المممرأة فممى بيتهمما ،وتفرغهمما للمومممة وتممدبير
المنزل ورعاية النشء ،ومحافظتها على عرضها قبل الزواج وبعممده
،واعتبار ذلك جزءا من مقومات السرة وركنا أساسيا من أركانها ،
والتعمماون بيممن أفممراد المجتمممع ..وممما إلممى ذلممك مممن العلقممات
الجتماعية القائمة على وصايا الدين .
ولكن ذلك كله لم يعجب المنسلخين من الدين فقممرروا تغييممره ،
وإنشاء بديل منه ل يقوم على أساس الدين !
" " مقتطفات من الكتاب من صفحات 84 ، 83 ، 81 ، 78 ، 54 ، 51مأخوذة من كتاب " العلمانية " لسفر عبد 1
" " حدث فيما بين صدور الطبعة الولى والطبعة الثانية من الكتاب حادث انفجار المفاعممل النممووى الروسممى ،الممذى 1
تسربت منه الشعاعات المدمرة .وتعرض لخطرها مليين من البشر فى أوروبا .وهم فى حالة " سلم " ل حرب !
قليل ..ولكن المنبع البمديل – أيما كمان همو – قمد أثبمت عجمزه عمن
إنبات القيم التى يحتاج إليها النسان فممى حيمماته ،ككممل التصممورات
التى تخطر فى بال الفلسفة ول تتعدى أذهانهم إلى واقع الحياة !
ثم جاءت أجيال أكثر علمانية من السابقة ،لنها كانت قممد بعممدت
أكثر عن المنبع الحقيقى للقيم ،فبمدأت تنماقش مبمدأ القيمم ذاتمه :
هل هى ضرورية حقا للحياة البشرية ؟ وهل هى حقممائق واقعيممة أم
مجرد مثل خيالية معلقممة فممى الفضمماء غيممر قابلممة للتطممبيق ؟ وإذن
فلماذا ل نكون " واقعيين " ونتعامل مع الواقممع البشممرى كممما هممو ؟
أى بغير مثل وبغير قيم ؟!
وكانت هذه بداية موجة جديدة من النحدار على المنزلق ..فإننمما
إذا سلمنا بالواقع الموجود اليوم على أنه هو الواقممع الممذى ل يمكممن
أن يوجد أفضل منه ،فما الذى يمنع هذا الواقع أن ينحممدر غممدا إلممى
هوة جديدة ،ثم ممما الممذى يمنعنمما مممن مجمماراته فممى الهبمموط بحجممة
الواقعية ؟!
إن الذى يمنع من هذا شئ واحد ،هو وجود القيممم الصمميلة الممتى
نقيس إليها أفعالنا ومستوانا ،لنعرف على ضوئها أهابطون نحممن أم
مرتفعون ..فإذا وجدنا أننا هبطنا حاولنمما أن نوقممف هبوطنمما ونصممعد
من جديد ..أما فى غياب الميزان فما المعيار ؟ إن الواقعية ليست
معيارا يقاس إليه أى شئ ،ما دامت تعتممبر الواقممع هممو المقيمماس !
والناس إذا أفلتت أيديهم من خيط الصعود الذى يشدهم إلى أعلممى
فلبد أن تهبط بهم ثقلة الشهوات وجممواذب الرض فيممزداد واقعهممم
هبوطا على الدوام ..وما دام معيارنا هو الواقع ،فسمميظل المعيممار
ذاته يهبط مع هبوط النسان ! ونظل نحن – بحجة الواقعيممة – نتممابع
الهبوط .
لقد كان القرن التاسع عشر " واقعيا " فنبممذ القيممم الممتى سممماها
مثالية – بمعنى غير واقعية – واعتبرها ترفا عقليمما ل تطيقممه طبيعممة
الحياة ..
وكانت نتيجة ذلك هى القرن العشرين ! قرن التفلت مممن القيممود
كلها ،والهبوط إلى الحمأة التى يستعفف عنها الحيوان !
وذلممك أمممر معممروف مممن التاريممخ وإن جممادلت فيممه الجاهليممة
المعاصممرة ،وهممى ليسممت أول جاهليممة تجممادل فممى الحممق وتنكممر
البديهيات ! إن أى جيل من أجيال البشرية أنكر القيم النسممانية لممم
يقممف حيممث كممان يمموم أنكرهمما ،إنممما ازداد هبوطمما ..حممتى أدركممه
الدمار !
ولنسممتعرض خممط العلمانيممة مممع الخلق مممن أولممه لنعلممم مممدى
الهبوط ..
ولنبدأ بالمفهوم الحقيقى للخلق ،الذى كممانت تممؤمن بممه أوروبمما
ذات يمموم ثممم ظلممت تتخلممى عنممه خطمموة خطمموة وهممى تسممير مممع
الشيطان .
إن الخلق " ميثاق " شامل ..يشمل كل أعمال النسان .
ن ب ِعَْهممدِ الّلممهِ َول َ ُ
ن ُيوُفممو َ ب ) (19اّلمم ِ
ذي َ ممما ي ََتممذ َك ُّر أوُْلمموا الل َْبمما ِ }إ ِن ّ َ
َ َ
ل صم َن ُيو َ ه ب ِمهِ أ ْ ممَر الل ّم ُ ممما أ َ ن َ صمُلو َ ن يَ ِ ذي َ ميَثاقَ )َ (20وال ّم ِ ن ال ْ ِ ضو َ َينُق ُ
صمب َُروا اب ْت ِغَمماءَ ن َ ذي َ ب )َ (21وال ّم ِ سا ِ ح َ سوَء ال ْ ِ ن ُ خاُفو َ م وَي َ َ ن َرب ّهُ ْ شو ْ َ خ َ وَي َ ْ
س مّرا ً وَ َ َ َ
ة
علن ِي َم ً م ِ ممما َرَزقْن َمماهُ ْ م ّصمملةَ وَأنَفُقمموا ِ موا ال ّ م وَأقَمما ُ ج مهِ َرب ّهِ م ْ وَ ْ
ُ
دارِ )] {(22سممورة م عُْقب َممى ال م ّ ك ل َهُ م ْ ة أوْل َئ ِ َ س مي ّئ َ َ
سن َةِ ال ّ ح َ ن ِبال ْ َ وَي َد َْرُءو َ
الرعد [22-13/19
والميثاق هو أصل ميثاق مع الله ،تتفرع منه وتنممدرج تحتممه جميممع
المواثيق :
َ
ت إ ِل َممى أهْل ِهَمما وَإ ِ َ َ َ ْ
نم ب َي ْم َمت ُم ْ حك َ ْ
ذا َ مان َمما ِ دوا ال َ ن ت ُؤَ ّ مأ ْ مُرك ُ ْ ه ي َأ ُ ن الل ّ َ }إ ِ ّ
َ
ل{ ]سورة النساء [4/58 موا ِبال ْعَد ْ ِ حك ُ ُ ن تَ ْ سأ ْ الّنا ِ
وأول المانات هى المانة المؤداة إلى الله ،ثم تأتى بعدها جميممع
المانات التى أبرز سياق الية منها الحكم بين الناس بالعدل ..
وعلى هممذا السمماس يكممون للسياسممة أخلق ،وللقتصمماد أخلق ،
وللجتماع أخلق ،وللعلم أخلق ،ولكل شئ على الطلق أخلق ..
ول يكون هناك شئ واحد فى حياة النسان بل أخلق ..
ومنشأ الخلق ليس هو الفرض من الخممارج .فممى صممورة أوامممر
ونواه وزواجر من عند اللممه أو مممن عنممد غيممره ،إنممما اللممه سممبحانه
وتعالى هو الذى يحدد ما هو حلل وما هو حرام ،وما هو حسن وما
هو قبيح ،وما هو خير وما هو شر ..الممخ فيتبعممه المؤمنممون التزاممما
بما أنزل الله ،وأما غير المؤمنين فيستمدون ذلك كله من عند غيممر
الله .وفى الحالين ل يكممون هممذا هممو منشممأ " الخلق " عنممد هممؤلء
وهؤلء ..إنما يكون فقط هو منشأ " المعايير " التى تضبط الخلق
.
إنما تنشأ الخلق – كما قلنا منق بممل فممى أكممثر مممن موضممع فممى
الفصول السابقة – من طبيعة النسان ذاته ،ومن أن له طريقيممن ،
وأن له القدرة على التمييز والختيار بين الطريقين :
َ َ
ن م ْ
ح َ ها ) (8قَد ْ أفْل َ َ وا َ ها وَت َْق َ جوَر َ مَها فُ ُ ها ) (7فَأل ْهَ َ وا َ س ّ ما َ س وَ َ }وَن َْف ٍ
ها )] {(10سممورة الشمممس -91/7 سمما َ ن دَ ّ مم ْ ب َ خمما َ ها ) (9وَقَد ْ َ كا ََز ّ
[10
ومن ثم فالقيمة الخلقية لصقة بأعمال النسان بحكم طممبيعته ..
وإنما تختلف القيم باختلف واضعها :هل هو اله أم هم البشر .فإن
كانت من عند الله فهذه هى القيم الحقيقية الصالحة ،لنها من عند
خالق النسان العليم به وبما يصلح له وما يصلحه :
ف ال ْ َ َ
خِبيمُر )] {(14سممورة الملممك خل َمقَ وَهُموَ الل ّ ِ
طيم ُ ن َم ْ }أل ي َعْل َ ُ
م َ
[67/14
وإن كانت من عند البشر فهى عرضممة للهممواء وعرضممة للختلف
من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار .وتاريخ البشرية فى جاهليتهمما
هو الدليل ،يستوى فى ذلك أن يكون الجمماهليون مممن الفلسممفة أو
من عامة الناس !
ولقد كان هممذا كلممه واضممحا لوروبمما المسمميحية فممى الفممترة الممتى
سيطر فيها الدين على قلوب الناس ،بصرف النظر عممما فممى ذلممك
الممدين الكنسممى مممن انحرافممات ..فقممد سممبق أن قلنمما إن وجممود
النحراف والتحريف فيه لم يمنممع وجممود بعممض الحقممائق لنهممم كممما
يقول الله عنهم " :فنسوا حظا مما ذكروا به " وبقى مما ذكروا بممه
بعض أشياء ..وكانت القيم الخلقية من بعض هذه الشياء .
ثم زحفت العلمانية شيئا فشمميئا علممى الحيمماة الوروبيممة فأقصممت
الدين عن الحياة بقدر ما تمكنت هى من الحياة ..ومع إقصاء الدين
أقصيت الخلق ،لنها أصل مستمدة من الدين .
وأول مجال أزيحممت الخلق عنممه هممو مجممال السياسممة منممذ قممال
مكيممافيللى :إن الغايممة تممبرر الوسمميلة ..ومعناهمما بصممريح العبممارة
إسممقاط الخلق مممن مجممال السياسممة ،وممارسممة السياسممة بل
أخلق !
ثم أزيحت الخلق من المجال القتصممادى منممذ الثممورة الصممناعية
بتحليل الربا ،وتحليل الغش والخداع والكممذب وسممرقة أجممر الجيممر
وشغل الناس بتوافه الشياء من أجل الربح ،وتحليل شن الحممروب
والستعمار من أجل إيجاد أسواق لتصريف البضائع ..إلممى آخممر ممما
قامت به الرأسمالية من حيل غير شريفة للستزادة من المال على
حساب البشرية .
ثم أزيحت الخلق من مجال العلم ،فلم يعد هدف العلم البحممث
عن الحقيقة المجردة – له – إنما صارت تصاحبه المصممالح والهممواء
والشهوات التى أسلفنا نماذج منها فى إبعمماد اسممم اللممه عمممدا مممن
البحث العمى مع وضع بديل مزيف هو الطبيعة ،ل لن هذه حقيقممة
ولكن لنها تخدم هدفا معينمما فمى معركممة معينمة بيممن العلممماء وبيمن
الكنيسممة ! ومممن نشممر أبحمماث كاذبممة بقصممد نشممر اللحمماد .ومممن
استخدام ثمار العلم لفساد الخلق ..وغير ذلك مما كان مسممتحيل
أن يحدث فى ظل سيطرة الدين علممى مشمماعر النمماس ،ومممن ثممم
التزامهم بأخلقيات الدين ..ولكنه يحدث بسهولة فى ظل العلمانية
التى تفاخر بإقصاء الدين عن كل مجالت الحياة !
ثم أزيحت الخلق من مجال الفكر .فلم يعد يحممس المفكممر أنممه
ملممتزم بأمانممة معينممة هممى فممى أصمملها المانممة المممؤداة إلممى اللممه ..
فحفلممت وسممائل العلم جميعمما مممن أول لكتمماب إلممى التليفزيممون ،
مرورا بالصحيفة والمسرح والسينما والذاعة ،بكل صنوف التضليل
والكذب والخداع والغش وإفساد العقيدة وإفساد الخلق .
ثم أزيحت من مجال العلقات الجنسية بصفة خاصة – وهممى أدق
مجالت الخلق – فقيل إن الجنس مسألة " بيولوجية " ل علقة لها
بالخلق ! أى مسألة ذكر وأنثى يجرى بينهما ممما يجممرى بيممن الممذكر
والنثى ..بل قيود ول أخلق ول ضمبط ول تصمعيد ..وكمانت الحممأة
الدنسة التى تردت فيها البشرية ،وكان السعار الجنسممى المجنممون
الذى ل يشبع ول يرتوى ول يفيق ..
وأخيرا أفرغت الخلق ذاتها من مضمونها حين قبل إنه ليممس لهمما
وجود ذاتى ،إنما هى انعكاس للوضاع المادية والقتصادية ،أو إنهمما
من مصنع العقل الجمعى وإنهمما تتغيممر علممى الممدوام ول تثبممت علممى
حال !
وسقط " النسان " بسقوط الخلق !
) (6فى الفن :
كان الفن فى أوروبا فى فترة الجاهلية الكنسية فنمما دينيمما بمعنممى
أنه موجه لخدمة الدين ،وكان يحمل كل ممما فممى العقيممدة الكنسممية
مممن انحممراف ،إذ كممان كلممه موجهمما لتمجيممد " الممرب " الممذى ألهتممه
الكنسية وهو المسيح عيسى بن مريم ،أو تمجممدي القممانيم الثلثممة
عامة :الب والبن وروح القديس ،مع مريم البتول ومجموعة مممن
القديسين ..سواء بالشممعر أو النممثر أو الرسممم أو التصمموير )بمعنممى
إقامة التماثيل( .
وقممد لحظممت فممى كتمماب " جاهليممة القممرن العشممرين " ملحظممة
خاصة بالفن الوروبى ،وقلت إنها معروضممة للدراسممة لمممن أراد أن
يدرس ،تلك هى أن الفن الوروبى فى جميع أدواره التاريخية كممان
مشممغول بممالمعبود ..فحيممن كممان المعبممود فممى الجاهليممة الغريقيممة
مجموعة من اللهة المختلفة توجه الفن الغريقممى إلممى تلممك اللهممة
سممواء فممى السمماطير أو المسممرحيات أو التماثيممل .وحيممن انتقلممت
أوروبا إلى المسيحية عنى الفن بالله كما صورته الكنيسممة ،وحيممن
كفرت أوروبا بإله الكنيسة وألهت الطبيعة اتجه الفممن إلممى المعبممود
الجديد وخاصة فى الفترة الرومانسية ،وحيممن صممار المعبممود هممو "
النسان " اتجه الفن كله إلى دراسة النسان فى جميع أوضاعه .
واليوم صارت المعبودات فوضى ،وتمثلممت الفوضممى كممذلك فممى
الفن الوروبى الحديث !
وهذه نقطة فنية على أى حال ليممس مجالهمما التفصمميلى فممى هممذا
الكتاب إنما ينبغى أن تدرس دراسة نقدية متخصصة .
ثم إنى ألفت كتابا كامل هو " منهج الفن السلمى " لبين العلقة
بين الفممن الصممحيح والممدين الصممحيح ،وكيممف تكممون مجممالت الفممن
الملتزم بالدين ،وكيف أن ارتباط الفن بالدين ل يضيق مجالته كما
يفهم البعض ،ول يحوله إلى مواعظ دينية كما يفهم البعض الخر ن
إنممما يوسممع مجممالته فممى الحقيقممة ويعمقهمما ،ولكنممه ينظفهمما فقممط
ويطهرها من الرجاس .
وليس هنا مجال إعادة الحديث فى هذه الموضوعات ..
إنما نحن هنا نتحدث فقط عن آثار العلمانية فى الفن الوروبى ..
فأول آثارها – فى التسلسل التاريخى – هممو عبممادة الطبيعممة فممى
الفترة الرومانسية .
وليممس ثمممة عيممب – كممما قلنمما مممن قبممل – فممى مناجمماة الطبيعممة
والتفاعل معها والحفاوة بها ،فممذلك كلممه أمممر طممبيعى فممى النفممس
السمموية .ذلممك أن اللممه خلممق الكممون جميل ثممم جعممل فممى النفممس
البشرية حاسة تلتقط الجمال وتنفعممل بممه .والقممرآن يمموجه الحممس
توجيها صممريحا لرؤيممة الجمممال فممى الكممون والحسمماس بممه ،ل فممى
الورود والزهار والجبال والوديان فحسب ،بل فممى النعمام كمذلك ،
التى هى مظنة الفائدة وحدها .
ْ َ
من ) (5وَل َك ُم ْ من ْهَمما ت َمأك ُُلو َ من َممافِعُ وَ ِ فٌء وَ َ م ِفيَها دِ ْ خل ََقَها ل َك ُ ْ م َ }َوالن َْعا َ
ن )] {(6سممورة النحممل حو َ س مَر ُ ن تَ ْ حي م َ ن وَ ِ حممو َ
ري ُ ن تُ ِ حي م َ ل ِ ممما ٌ ج َ ِفيهَمما َ
[6-16/5
َ َ َ
ت جن َمما ب ِمهِ ن َب َمما َخَر ْ جن َمما ب ِمهِ فَأ ْ خَر ْ ماًء فَأ ْ ماِء َ س َ
ن ال ّ م ْ ل ِ ذي أنَز َ }وَهُوَ ال ّ ِ
َ
نم ْ ل ِ خ ِ ن الن ّ ْ م ْ كبا ً وَ ِمت ََرا ِحب ّا ً ُ ه َ من ْ ُ ج ِ خرِ ُ ضرا ً ن ُ ْ خ ِ
ه َ من ْ ُ جَنا ِ خَر ْ يٍء فَأ ْ ش ْ ل َ كُ ّ
شمت َِبها ً ة وجنمات مم َ
م ْ ن ُ ممما َ ن َوالّر ّ ب َوالّزي ُْتمو َ ن أعْن َمما ٍ دان ِي َ ٌ َ َ ّ ٍ ِ ْ ن َ وا ٌ ط َل ْعَِها قِن ْ َ
شابه انظ ُروا إَلى ث َمره إ َ َ
ت م لي َمما ٍ ن فِممي ذ َل ِك ُم ْ مَر وَي َن ْعِ مهِ إ ِ ّ ذا أث ْ َ َ ِ ِ ِ ِ ُ مت َ َ ِ ٍ وَغَي َْر ُ
ن )] {(99سورة النعام [6/99 مُنو َ ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ
َ َ َ َ
ممماًء فَأن ْب َت ْن َمما
ماِء َس َ ن ال ّ م ْ ل ل َك ُ ْ
م ِ ض وَأنَز َ ت َوالْر َ وا ِم َ
س َ خل َقَ ال ّ ن َ م ْ }أ ّ
م معَ الل ّمهِ ب َم ْ شجر َ َ كان ل َك ُ َ
ل ه َها أئ ِل َ ٌ ن ت ُن ْب ُِتوا َ َ َ
مأ ْ ْ ما َ َجةٍ َ ت ب َهْ َ
ذا َدائ ِقَ َ ح َ ب ِهِ َ
ن )] {(60سورة النمل [27/60 م ي َعْدُِلو َ م قَوْ ٌ هُ ْ
ولكن رؤية هذا الجمال والتفاعل معه والنفعال به تحدث به فممى
النفس السوية توجها إلى الله بالعبممادة لنممه هممو خممالق هممذا الكممون
الجميممل ومسممخره للنسممان ،وخممالق هممذه الحاسممة الجماليممة فممى
تركيب النسان ليستمتع بهذا الجمال .
أما النكسة العلمانية فى الحس الوروبى المنسلخ من الدين فقد
ذهبت فى طريق آخر مخالف ،فجعلممت مممن هممذا الحممس الجمممالى
وثنية كاملة تعبد الطبيعممة بممدل مممن عبممادة اللممه .وقممد وردت كلمممة
الوثنية بالذات ورودا مكررا فى شممعر الرومانسمميين كأنممما هممو أمممر
مقصود !
بل إن الرومانسية فى الحقيقة هى التى يسرت للحس الوروبممى
النزلق إلى تلك المغالطة المكشوفة التى جعلت الطبيعة إلها بممدل
مممن اللممه ،حممتى سممرت هممذه المغالطممة إلممى " العلممماء " أنفسممهم
فتعاملوا معها كأنها حقيقة واقعة ..بل صاروا فى النهاية يقبلونهمما –
وحدها – على أنها هى العلم ،ويرفضون الحقيقة الصلية وهى كون
الله هو الخالق ،ويعتبرونها إفسادا لروح البحث العلمى !
ثم ذوت الرومانسية بعد فترة من الوقت وحلت محلهمما الواقعيممة
رد فعممل لهمما ،إذ كممانت الرومانسممية مغرقممة فممى الخيممال المغممرب
فجاءت الواقعية لترد الناس وترد الفن إلى الواقع ..
ولكن أى واقع هو الذى ارتد إليه الفن وارتد إليه الناس ؟!
إنه الواقع الصغير ..الهابط ..المنسلخ من الدين ..من القيممم ..
من الخلق !
ففممى الفممترة الممتى اسممتغرقتها الرومانسممية وارتممدت بعممدها إلممى
الواقع كان الناس قد ساروا خطوات على خط العلمانية المنسمملخة
من الدين فهبطوا ،فجاءت الواقعية لترصد واقعهم حيث هم ..ثممم
تقول هذا هو الواقع البشرى !
فأما كون هذا هو الواقع الذى كان عليه الناس وقتئذ فهذا حممق ل
شك فيه ،وأما أن هذا الواقممع البشممرى علممى إطلقممه فممأمر يكممذبه
التاريخ .تكذبه فترات الهدى فى حياة البشرية ،التى ارتفع النمماس
فيها إلى قمم تبدو – فى هممذا الواقممع المنحممرف – كأنهمما خيممالت ،
ولكنها كانت واقعا عاشه الناس بالفعممل ،وينبغممى أن يحمماولوا علممى
الدوام أن يعودوا إلى ذلك المستوى السامق أو يعودوا إلممى قريممب
منه .وليس المطلموب ممن الفمن المواقعى أن يمدارى علمى هبموط
الناس ول أن يصورهم فى صورة غير واقعية من أجل إرضاء المثل
العليا ! كل فالفن المزور ل يستطيع أن يعيممش .ولكممن هنمماك فرقمما
بين تصوير الواقع على أنه واقع نعممم ،ولكنممه منحممرف عممن الصممل
الذى كان ينبغى أن يكون عليه ،وبين تصويره على أنممه هممو الواقممع
النسانى الذى ل يمكن تعديله أو ل ينبغى تعديله أو ل يعنينا تعديله !
كلهما تصوير للواقع .وكلن أحدهما يصور الواقممع المنحممرف بممروح
النكار ،ويدعو إلى الرتفمماع عنممه ،والخممر يعطيمه شمرعية الوجمود
فتكون النتيجة الحتمية – دائما – مزيدا من الهبوط !
نموذج الواقعية الهادفة هو سورة يوسف فى القرآن الكريم :
َ
ت ب وَقَممال َ ْ وا َ ت الب ْم َ سمهِ وَغَل َّقم ْ ن ن َْف ِ ه ال ِّتي هُوَ ِفي ب َي ْت ِهَمما عَم ْ }وََراوَد َت ْ ُ
َ
ن مو َ ح الظ ّممال ِ ُ ه ل ي ُْفل ِ ُ وايَ إ ِن ّ ُ مث ْ َن َ س َ ح َ ه َرّبي أ ْ مَعاذ َ الل ّهِ إ ِن ّ ُ ل َ ك َقا َ ت لَ َ هَي ْ َ
ف صمرِ َ ك ل ِن َ ْ ن َرب ّهِ ك َمذ َل ِ َ ها َ ن َرَأى ب ُْر َ ول أ ْ
َ
م ب َِها ل َ ْ ت ب ِهِ وَهَ ّ م ْ ) (23وَل ََقد ْ هَ ّ
ن )] {(24سممورة صممي َ خل َ ِ م ْعَبادِن َمما ال ْ ُ ن ِ مم ْ ه ِ شمماَء إ ِن ّم ُ ح َ سمموَء َوال َْف ْ ه ال ّ عَن ْ ُ
يوسف [24-12/23
ً َ َ
ت مت ّك َمأ َوآت َم ْ ن ُ ت ل َهُ م ّ ن وَأعْت َمد َ ْ ت إ ِل َي ْهِ ّ سل َ ْ ن أْر َ مك ْرِهِ ّ ت بِ َ مع َ ْ س ِ ما َ }فَل َ ّ
خمرج عَل َيهمن فَل َممما رأ َينم َ
ه ه أك ْب َْرن َم ُ ّ َ َْ ُ ِْ ّ تا ْ ُ ْ كينا ً وَقَممال َ ْ سم ّ ن ِ من ْهُم ّ حمد َةٍ ِ ل َوا ِ كُ ّ
مل َ ٌ وقَط ّع َ
م) ري ٌ ك كَ ِ ذا إ ِل ّ َ ن هَ َ شرا ً إ ِ ْ ذا ب َ َ ما هَ َ ش ل ِل ّهِ َ حا َ ن َ ن وَقُل ْ َ ن أي ْدِي َهُ ّ ْ َ َ
ه
سمم ِ ن ن َْف ِ عمم ْ ه َ َ
مت ُن ِّنممي ِفيممهِ وَلَقممد ْ َراَودّتمم ُ ُ
ذي ل ْ ّ
ن المم ِ ُ
ت َفممذ َل ِك ّ َ
َ (31قممال ْ
ن) ري َ صمماِغ ِ ن ال ّ م َ ن ِ كو َ ن وَل َي َ ُ جن َ ّ س َ مُرهُ ل َي ُ ْ ما آ ُ ل َ م ي َْفعَ ْ ن لَ ْ م وَل َئ ِ ْ ص َ ست َعْ َ َفا ْ
] {(32سورة يوسف [32-12/31
ولكن هذه ليسممت اللقطممة الخيممرة ..إنممما اللقطممة الخيممرة هممى
الوبة والتوبة والترفع والرتفاع :
ممما ش ل ِّلممهِ َ حا َ ن َ سهِ قُل ْ َ ن ن َْف ِ ف عَ ْ س َ ن ُيو ُ ن إ ِذ ْ َراَودت ّ ّ خط ْب ُك ُ ّ ما َ ل َ }َقا َ
َ َ
ح مقّ أن َمما ص ال ْ َ ح َ صم َ ح ْ ن َ زي مزِ ال َ ِ م مَرأةُ ال ْعَ تا ْ سوٍء قَممال َ ْ ن ُ م ْ مَنا عَل َي ْهِ ِ عَل ِ ْ
َ َ
هخْنمم ُ مأ ُ م أّني ل َ ْ ك ل ِي َعْل َ َ ن ) (51ذ َل ِ َ صادِِقي َ ن ال ّ م ْ ه لَ ِ سهِ وَإ ِن ّ ُ ن ن َْف ِ ه عَ ْ َراَودت ّ ُ
ُ دي ك َي ْمد َ ال ْ َ َ
ن سممي إ ِ ّ ممما أب َمّرئُ ن َْف ِ ن ) (52وَ َ خممائ ِِني َ ه ل ي َهْم ِ ن الل ّ َ ب وَأ ّ ِبال ْغَي ْ ِ
َ
م ){(53 حي م ٌ ن َرب ّممي غَُفمموٌر َر ِ م َرّبي إ ِ ّ ح َ ما َر ِ سوِء إ ِل ّ َ ماَرةٌ ِبال ّ سل ّ الن ّْف َ
]سورة يوسف [53-12/51
ونموذج الواقعية الهابطة هو الدب الذى يدعى الواقعية وهو فممى
الواقع يدعو إلى الهبوط ! وهبه صادقا فممى ادعمماء الواقعيممة فلممماذا
يصر على التقاط اللحظات الهابطة وحدها ويتجنب لحظات الرتفاع
؟! ثم لماذا ل يسمى الهبوط باسمه الحقيقى وهو الهبوط ؟!
ثممم ..تبعممثرت التجاهممات الفنيممة فممى الفممترة الخيممرة ..ولكنهمما
حافظت على طابع واحد ..هو الهبوط !
من السريالية إلى الوجودية إلى اللمعقممول ..إلممى أدب الجنممس
المكشوف ..
أما السريالية فقد تتبعممت التلحيممل النفسممى الممذى أنشممأه فرويممد
وقال فيه إن حقيقة النفس النسممانية ليسممت فممى النفممس الواعيممة
التى تتعامل مع الواقع الخارجى ،إنما هى فى العقل الباطن الممذى
ل ترتيب فيه ول منطق ! فحاولت فى نماذج أقرب إلى الخبل منهمما
إلى العقل أن تبرز " حقيقة النفمس النسمانية " ! فلمم تصممنع شمميئا
فى الحقيقة إل بعثرة هذه النفس إلى قطع متناثرة ل دللممة لهمما ول
معنى ول طعم .
وأممما اللمعقممول فقممد كممان هروبمما مممن " المعقممول " هروبمما مممن
العقلنية التى طغت على الفكر والحياة الوروبية ،ومحاولة للقممول
بأن الحياة ليست معقولة ..ليس لها هدف ..ليس لها نظام ..ليس
لها منطممق ..ليممس لهمما غايممة ..إنممما تحممدث فيهمما الحممداث لمجممرد
الحممدوث ! وحيممن تحممدث فممإنه يكممون لهمما ثقممل " الواقممع " .ولكممن
حدوثها وعدم حدوثها سيان ! وحدوثها على هممذه الصممورة وحممدوثها
علممى صممورة أخممرى سمميان ! لن كممل الصممور تتسمماوى فممى عممدم
المعقولية وفى الفتقار إلى معنى واضح وغاية واضحة .
ولقد كان هذا تعبيرا باطنيا حقيقيا عممن أن الحيمماة فقممدت معناهمما
وفقدت غايتهما حيمن فقمدت الخيمط المذى ينظمهما جميعما وينظمهما
ويفسر غايتها ويفسر أحداثها ،وهو الدين ..ولكن الجاهلية ل تمدرك
ذلك ،وتأخذ المر على أنه مجرد فن ! أو إن أدركت فإنها تدرك أن
الحياة البشرية أصبحت فى حاجة إلممى " فلسممفة " جديممدة تعطيهمما
معنى وتعطيها غاية ،بشرط أل تكممون هممذه " الفلسممفة " مسممتمدة
من الدين !!
وأما الوجودية فهى أخبث من ذلك لكه ..ول تنس أن سممارتر – "
الكاتب النسانى الغظيم " – يهودى من أم يهودية .
تقول وجودية سارتر إن الكون والحياة ل هدف لها ول غايممة ..ول
عدل فيها ول حق .إنما كلمه ضملل وعبمث .وإن الوجممود النسمانى
ضياع كله ،ومن المستحيل أن يحقق النسان فيه وجوده !
وإلى هنا نستطيع أن نقول إن هذا أيضا تعبير بمماطنى صممادق عممن
فقدان الحياة معناها وهدفها حين تفقد العنصر الذى يوجممد الممترابط
بن أجزائها ويعطى أحداثها تفسيرها ومعناها وهو الدين .
ولكن وجودية سارتر ل تقف عند تسجيل الضياع والعبثية وفقدان
المعنى والغاية ..ولكنها تقدم حل للمشكلة ! وياله من حل !
الحل أن يعيش كل إنسان وحده ،وأن يحقق وجوده بأن يفعل م
يرى هو أنه حق وأنه واجب وأنه حسن !
فى مسرحيته " الجحيم هو الخرون " يرسم الجحيممم فممى نفممس
إنسان – إذا كان إنسانا ! – يتعذب من أول المسممرحية إلممى آخرهمما
من جود آخرين ل يكفون عن الوجود من حوله ،ويفرضون عليه أن
يكونوا موجودين معه ،فيمنعونه أن يكون نفسه ..أن يحس بذاتيته
..أن يفعل ما يمليممه عليممه هممواه الشخصممى .فيظممل سمماكنا سمماكتا
يتعمذب .يتطلمع إلمى اللحظمة المتى يمذهب فيهما عنمه " الخمرون "
لينطلممق بوجمموده الممذاتى ،ليحقممق ذاتممه ..وكلنهممم ل ينصممرفون ..
فيظل هو فى الجحيم !
أما أدب الجنس المكشوف – إن كان يسمى " أدبا " – فو واضممح
من أن يحتاج إلى تعليق !
وفى تاريخ البشرية كله ط آداب " تعالج الجنممس بقصممد الثممارة ،
أو تعبر عن تجارب هابطة لنسان شهوان ..ولكنها كانت تأخممذ فممى
عالم الدب مكانا منزويا ،يتستر بها صاحبها فممى الظلم ،ويسممقط
عمن يتعاطونها رداء التوقير والحترام ،ويقبل عليها ط المراهقممون
" مممن أى عمممر كممانوا ،فليسممت المراهقممة فممترة معينممة مممن عمممر
النسان كما هى فى اصطلح علم النفس ،إنممما هممى حالممة نفسممية
غير مستقرة وغير متزنة يمكن أن يصاب بها الفتى فى إبان طيشه
،ويمكن أن يصاب بها ابن السبعين ..فتخف أحلمه ويذهب وقمماره
وتذهب عنه قدرته على الحكم المتزن على الشياء ..
ولكممن الجديممد الممذى أحممدثه " التطممور " العلمممانى هممو إعطمماء "
الشرعية " لهذا الهبوط الحيمموانى ،وكشممفه فممى النممور ،وإعطمماؤه
صفة " الفن " ،ووضع منتجيه فى قائمة المشاهير ،بل فممى قائمممة
العظماء من الفنممانين ! وينشممغل النقمد الدبممى والنقممد الفنمى بتتبمع
آثممارهم وكشممف جمموانب العظمممة الفنيممة فيهممم ..بممل يتبجممح نقمماد
فيبحثون لهم عن عظات " نفسية " فى وسط الماخور الكبير الذى
يعيش فيه هؤلء وهؤلء من نقاد و" فنانين "
لقد سقط " النسان " كله إلى السراديب ،وقرر المقام هنمماك ،
وأضاء النوار على قاذوراتها وعرضها على أنها " البضاعة الحاضممرة
" ! ولم تعد سرا يستخفى منه .لم تعممد قممذارة تسممتنكر .ز لممم تعممد
شيئا يتقزز منه الناس .
أرأيت إلى دودة الرض اللصقة بمالطين ؟! إنهمما تسمتروح أنسمام
المستنقع السن الذى تعيش فيه ،وترى أنه بالنسبة لها هو الوضممع
الطبيعى ..هو الصل الذى ينبغى أن تعيش فيه !
أرأيت لو أنك أردت أن ترفعها من الطين وتنظفها ؟
إنها تستنكر وترفض ..وتتفلت مممن بيممن أصممابعك لممتزداد لصمموقا
بالطين !
وهكذا لم يعد أدب الجنس المكشوف قذارة يممترفع عنهمما الفممن .
إنما صار هو الفن الذى يتفنمن فيممه الكتماب ،يعرضمون مفماتنه – أو
بالحرى مباذله – فى تفصيل دقيق مكشوف ،ويعرضونه علممى أنممه
قاعدة الحياة أو قمة الحياة !
هل هى عدوى " فرويد " فى عالم الفن ؟
لشك أن فرويد مسممئول عممن البدايممة الممتى ابتممدأ بهمما هممذا الفممن
الهابط .وقد كانت البداية هى قصة " عشيق ليممدى تشمماترلى Lady
Chatterly’s Loverللقصمماص النجليممزى د .هممم .لممورنس D. H.
Lawrenceالمتتلمذ علممى فرويممد ،والممذى يعتممبر هممو نفسممه " حالممة
فرويدية " .تلك القصمة المتى صمودرت وصمودرت وصمودرت ..ثمم
أبيحت مع حذف الجزء الشديد الفحاش منها .ثم أبيحممت مممع جممزء
منه ..ثم أبيحت كاملة كما هى ..عارية من كل حياء ..وطبع منهمما
مليين !
ولكن فرويد وحده ل يكفى لتفسير كل ذلك الهبوط ..
إنه النسلخ من الدين ،الذى يسمى " العلمانية " !
ففرويد لم يكن يتصور – وإن تمنممى – أن تممأتى يمموم تعممرض فيممه
العملية الجنسية على المسرح بوصفها جمزءا ممن مسمرحية " فنيمة
" ! ثم ينقلهمما التليفزيمون علمى شاشمته ليراهمما الولد والبنمات فمى
البيوت !
وذلمممك إلمممى آلف وآلف ممممن المسمممرحيات والقصمممص والفلم
والغانى والصور والصحف والمجلت ،ل تعرض شمميئا إل الجنممس ،
ول تعرضه إلى وضع الحيوان .
تلك هى العلمانية فى مجالت الحيمماة المختلفمة ..فممى السياسممة
والقتصاد والجتماع والعم والخلق والفن ..ولك نشمماط يمكممن أن
يصدر عن " النسان " إن كان قد بقى له بعد ذلمك كلمه مكمان فمى
عالم " النسان "!
وتقول العلمانية – الغربية علممى القممل – إنهمما ل تحممارب الممدين !
فمن شاء أن يتدين فليتدين ! وانظر حولك تجممد متممدينين بالفعممل ل
تتعرض لهم العلمانية من قريب ول من بعيد !
أرأيت لو أن إنسانا أطلق حولك كل أنواع الجراثيم الموجودة فى
الرض ،فى الهواء الممذى تتنفسممه .فممى الممماء الممذى تشممربه .فممى
الطعام الذى تأكله .فى الوجود الذى تلمسه .ثم قال لك إن أردت
أن تظل سليما معافى فكن كما شئت ،فنحن ل نتعممرض لممك ! كممم
يكون قوله مسخرة المساخر ،وكم يكون مغالطة مكشوفة ؟!
وذلك فضل عن أنه فى عرف نفسه ل يعتبر ما يطلقه من حولممك
جراثيم ..بل يعتبرك أنت الجرثومة التى يخشى منهمما علممى كيممانه ،
والتى لم يستطع أن يقضى عليها قضاء كامل فتركها وهممو يتمنممى –
من الشيطان – أن تزول !
واًء{ ]سممورة النسمماء سم َ
ن َ ممما ك ََفمُروا فَت َ ُ
كون ُممو َ دوا ل َوْ ت َك ُْفُرو َ
ن كَ َ }وَ ّ
[4/89
إن الدين – حتى بمعناه الغربى المشوه – لم يعممد لممه مكممان فممى
العلمانية المعاصرة .
فإذا كان قد أخرج من عالم القتصاد ومممن عممالم الجتممماع ومممن
عالم العلم ومن عالم الخلق ومن عالم الفن ..فماذا بقى له مممن
واقع الحياة وماذا بقى له من النفس النسانية ؟!
بقيت له ساعة فى الكنيسة من يوم الحد من كممل أسممبوع عنممد
أفراد من الناس !
نعم ..ولكن ما الدين حتى بالنسبة لهؤلء ؟
هل له واقع فى حياتهم ؟
هل يمنح قلوبهم الطمأنينممة اللزمممة لحيمماة النسممان ..الطمأنينممة
التى تتنع التمزق النفسى وتمنع القلق والضطراب ؟
هل يمنح وجودهم معنى يحميهم من الحساس بالضياع ؟
هل يمنحهم تصورا للكون والحياة والنسان غيممر التصممور المممادى
الذى تقدمه العلمانية الجاهلية ؟
لو سألت أولئك الخارجين من سمماع الموعظمة يمموم الحمد عممن
رأيهم المدينى فممى التعمماملت القتصمادية الربويممة اتممى تقموم عليهمما
حياتهم فهل تجد عند أحد منهم تحريما لها أو استنكارا لقيامهمما ؟ أم
يقول لك قائلهم :هذه مسألة اقتصادية ..ما علقة الدين بالقتصاد
؟!
ولو سألت أحدا منهم :ما رأيك فى كذب الساسممة بعضممهم علممى
بعممض فممى السياسممة الدوليممة ،وعلممى شممعوبهم فممى السياسممة
الداخليممة ؟ ومممت رأيممك فممى اللممتزام الحزبممى الممذى يلممزم صمماحبه
بالمعارضة أو التأييد حسب وضممع حزبممه مممن السمملطة ؟ وممما رأيممك
فيما تكتبه الصممحافة السياسممية بقصممد التشممويش علممى الحقممائق ل
بقصممد إظهممار الحممق ؟ أل يقممول لممك علممى الفممور إن هممذه مسممائل
سياسية ..ول دخل للدين بالسياسة ؟!
ولو سألت الفتاة وصديقها الخارجين مممن " الصمملة " ممما قولكممما
فى العلقة القائمة بينكما ؟ ألسي الممدين يحرمهمما ؟ أل يقممولن لممك
إن الدين مسألة اعتقادية ول علقة له بالعلقممات الجتماعيممة ؟! إن
لم يقول لك – كما يقول الكثيرون والكممثيرات – إن الجنممس مسممألة
بيولوجية بحتة ل علقة لها بالدين ول علقة لها بالخلق ؟!
كل ! ما يزيد " الدين " فى ظل العلمانيممة علممى أن يكممون مجممرد
وجدانات حائرة ل تلبث أن تتبدد وتضيع فى الدوامة العاتية المعادية
لكل ما يأتى من عند الله !
m m m
العلمانية والسلم
إذا صحت دعوى العلمانيين فى الغممرب بالنسممبة للممدين الكنسممى
أنهم يتعايشون معه ويتعممايش معهممم دون تممدخل مممن أحممدهما فممى
شؤون الخر – وهى كما رأينا ليسممت صممحيحة فممى الحقيقممة -فإنهمما
بالنسبة للسلم ل تصح على الطلق !
لقد كان الدين الكنسممى منممذ اللحظممة الولممى دينمما يهتممم بممالخرة
ويدير ظهره للحياة الدنيا ،نتيجة ممما دخممل فيممه مممن تحريممف فصممل
الشريعة فيممه عممن العقيممدة ،وجعلممه عقيممدة صممرفا إل فيممما يتعلممق
بالحوال الشخصية ..ومع ذلك فقمد كمان العممل ممن أجمل الخمرة
يلقى أثره على الحياة الدنيا ،قصد النماس أم لمم يقصمدوا ،ووعموا
ذلك فى إدراكهم أم لم يعوه ،فكممان ذلممك الممدين – رغممم التحريممف
الضممخم فممى كممل جمموانبه – يعطممى أثممارا واقعيممة فممى حيمماة النمماس
وسلوكهم ،وتصوراتهم ومشمماعرهم ،وهممى الممتى جمماءت العلمانيممة
لتزحزحها من مكانها رويدا رويدا حتى أجلتها إجلء كامل ،فلممم يعممد
للدين عند الكثريممة العظمممى مممن النمماس فممى الجاهليممة المعاصممرة
مكان على الطلق ،وبقى عند القلية " المتدينممة " مجممرد مشمماعر
ووجدانات ،وعلممى الكممثر بعممض " العبممادات " ولكممن هممذه وتلممك ل
تحكم شيئا فى واقع الحياة .وبهذا وحممده – أى بمسممخ الممدين علممى
هذه الصورة المزرية – أصبحت العلمانية تتعايش – على مضض ! –
مع الدين ! وقد كان هذا مسخا بالنسبة للدين الكنسى ذاتممه ،الممذى
شوهته الكنيسة حتى قطعت صلته بالصل السماوى ..فكيف يكون
المر بالنسبة لدين الله الحق ؟!
إن الممدين احممق ل يمكممن ابتممداء أن يكممون عقيممدة مفصممولة عممن
الشريعة ..فاللتزام بالشريعة – فى دين الله الحمق – همو مقتضمى
العقيدة ذاتها .مقتضى شهادة أن ل إله إل الله وأن محمممدا رسممول
اللممه ..بحيممث ل تكممون الشممهادة صممحيحة وقائمممة إن لممم تممؤد عنممد
صاحبها هذا المعنى ،وهو اللتزام بما جاء من عند اللممه ،والتحمماكم
إلى شريعة الله ،ورفض التحاكم إلى أى شريعة سوى شريعة اللممه
.
دواجمم ُ م ثُ ّ
م ل يَ ِ جَر ب َي ْن َهُ ْ
ش َما َ ك ِفي َ مو َ حك ّ ُحّتى ي ُ َ
ن َ مُنو َ }َفل وََرب ّ َ
ك ل ي ُؤْ ِ
سمِليما ً )] {(65سممورة َ
موا ت َ ْس مل ّ ُ
ت وَي ُ َ ضمي ْ َممما قَ َ
م ّحَرجما ً ِ م َس مه ِ ْ
ِفي أنُف ِ
النساء [4/65
يقول ابن تيمية فى كتاب اليمان )ص 33من طبعة دار الطباعة
المحمدية بالقاهرة( :
" والمقصود هنا أن كل ما نفاه الله ورسوله من مسمممى أسممماء
المور الواجبة كاسم اليمممان والسمملم والممدين والصمملة والطهممارة
والحج وغير ذلك فإنما يكون لترك واجب فى ذلك المسمى ..ومممن
هذا قوله تعالى )فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم
ثم ل يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضمميت ويسمملموا تسممليما( فلممما
نفى اليمان حتى توجممد هممذه الغايممة دل ذلممك علممى أن هممذه الغايممة
فرض على الناس فمن تركها كان من أهل الوعيد " .
لقد نممزل هممذا الممدين ليعطممى التصممور الصممحيح لحقيقممة اللوهيممة
وحقيقممة العبوديممة ،وليقيممم فممى عممالم البشممر واقعمما محكوممما بهممذا
التصممور ،منبثقمما عنممه ،مرتبطمما بممه ،متناسممقا معممه فممى كليمماته
وجزئياته ،ول يتصادم معه ول ينحرف عنه .
فالله الخالق البارئ المصور ،الرازق المحيممى المميممت ،المممدبر
اللطيف الخممبير ،عممالم الغيممب والشممهادة ..بكممل أسمممائه وصممفاته
الواردة فى كتابه المنمزل ،همو المتفمرد باللوهيمة والربوبيمة ،وهمو
المستحق للعبادة وحده بغير شريك ..
وكل ما فى الكون وكل من فى الكون غيممره سممبحانه هممم خلقممه
وعباده ..واجبهم عبادته وحده بغير شريك .
والنسان واحد من خلقه ..متميز ..نعم ..مكرم نعم ..ذو وعى
وإدراك وإرادة وفاعلية ..نعم .ولكنه مخلوق من مخلوقممات اللممه ،
واجبه ككل خلقه الخرين محصممور فممى عبممادة الخممالق وحممده بغيممر
شريك .
ولقد كرمممه اللممه بممالوعى والدراك والرادة والفاعليممة ،وأعطمماه
قدرا من الحرية فى تصرفاته الرادية يملك به أن يسير فى طريممق
الطاعة وأن يسير فى رطيق العصيان ..ولكنه ل يرضى من عبمماده
إل أن يعبدوه :
ضممى ل ِعِب َممادِهِ ال ْك ُْف مَر وَإ ِ ْ
ن م َول ي َْر َ ي عَن ْك ُم ْ ه غَن ِم ّ ن الل ّم َ ن ت َك ُْفُروا فَإ ِ ّ }إ ِ ْ
م{ ]سورة الزمر [39/7 ه ل َك ُ ْ ض ُ شك ُُروا ي َْر َ تَ ْ
والذى يقرر العبادة المفروضة على كممل كممائن مممن الكائنممات هممو
خالق الكائنات جميعا ،الذى خلقها وحده بغير شريك ،ومن تفممرده
بالخلق ينشأ انفراده بالحاكمية :
َ َ
مُر{ ]سورة العراف [7/54 خل ْقُ َوال ْ ه ال ْ َ }أل ل َ ُ
وبحق الحاكمية الناشئ من التفرد بالخلق أمر النسان أن يعبممده
وحده ويخلص العبادة له :
َ َ
ه{ ]سورة يوسف [12/40 دوا إ ِل ّ إ ِّيا ُ مَر أل ّ ت َعْب ُ ُ م إ ِل ّ ل ِل ّهِ أ َ حك ْ ُ ن ال ْ ُ }إ ِ ْ
ن ال ْ َ َ
ص{ ]سورة الزمر [39/3 خال ِ ُ دي ُ}أل ل ِل ّهِ ال ّ
ل إني أ ُمرت أ َ َ
ن )] {(11سممورة دي َ ه الم ّ خِلصما ً َلم ُ م ْ ه ُن أعْب ُمد َ الل ّم َ ِ ْ ُ ْ }قُ ْ ِ ّ
الزمر [39/11
وإخلص العبادة يقتضى العتقاد بوحدانية اللممه سممبحانه وتعممالى ،
ويقتضى توجيه الشعائر التعبدية له وحده ،ويقتضى كذلك التصديق
بكل ما جاء من عنده على لسان رسوله صمملى اللممه عليممه وسمملم ،
والحتكام إلى شريعته وحدها دون الشممرائع الجاهليممة الممتى يصممنعها
البشر من عند أنفسهم دون سلطان من اللممه والخلل بممأى واحممدة
من هذه الثلثة يوقع النسان فى الشرك ويخرجه من دائرة اليمان
:
َ
يءٍشم ْ ن َ مم ْ دون ِمهِ ِ ن ُ مم ْ ما عَب َد َْنا ِ ه َ شاَء الل ّ ُ كوا ل َوْ َ شَر ُ نأ ْ ذي َ ل ال ّ ِ }وََقا َ
يٍء{ ]سممورة النحممل شم ْ ن َ مم ْ دون ِمهِ ِ ن ُ مم ْ من َمما ِ حّر ْ ن َول آَباؤُن َمما َول َ حم ُ نَ ْ
[16/35
ذا ل َ َ َ
ب ){(5 جمما ٌ يٌء عُ َ
شم ْ ن هَ م َ حدا ً إ ِ ّ ة إ َِلها ً َوا ِ ل الل ِهَ َ جع َ َ كما قالوا } :أ َ
]سورة ص [38/5
فهذه هى الثلثة التى أوقعتهممم – أساسمما – فممى الشممرك :تمموجيه
الشممعائر التعبديممة لغيممر اللممه ،والتحليممل والتحريممم مممن دون اللممه ،
والعتقاد بوجود آلهة مع اله ..
وكلها مجتمعة شرك ،وكل واحدة بمفردها شرك ل يستقيم معممه
إيمان ..
والمعاصى تقع من البشر جميعا :كل بنى آدم خطاء " "1
ولكنها ل تخرجهم من اليمان باتفاق علماء المة ..
إل أن يجعلوهمما شممرعا فعنممدئذ يكفممرون بهمما .بممل هممم يكفممرون
بالتشريع ولو لم يرتكبوا المعصية بأنفسهم ..فالذى يقول – بلسانه
أو بفعله – إن الله أمممر بقطممع يممد السممارق ولكنممى أرى أن العقوبممة
المناسبة للسارق هى السجن – وهو ما تفعله العلمانيممة الجاهليممة –
فقد كفر بذلك وإن لم يسرق بنفسه ولم يفكر فى السرقة .
والممذى يقممول – بلسممانه أو بفعلممه – إن اللممه أمممر برجممم الزانممى
المحصن وجلد الزانى غير المحصن ،ولكنى أرى أنه ل عقوبة علممى
الزنا إذا كان برضى الطرفين البالغين الراشدين )أى لم تكن الفتاة
قاصرا( ولم تقع شكوى من أحد الزوجين ؛ فإن كان هناك اغتصمماب
أو اشمتكى أحمد الزوجيمن فالعقوبمة همى السمجن – وهمو مما تفعلمه
العلمانية الجاهلية – فقد كفر بذلك وإن لم يرتكب الفاحشة بنفسممه
ولم يفكر فى ارتكابها ..
وكذلك كل شرع من شرع الله ..
من اعتقد بأفضلية غيره عليممه ،أو حممتي مسمماواته معممه ،فعممدل
عنه إلي غيره ،أورضي بغيره ولم يجاهده بيده أو بلسممانه أو بقلبممه
فقد خرج من دائرة اليمان ،وأن صلي وزعم أنه مسلم !
َ
ن ممم ْ م ِ من ْهُ ْ ريقٌ ِ م ي َت َوَّلى فَ ِ ل وَأط َعَْنا ث ُ ّ سو ِ مّنا ِبالل ّهِ وَِبالّر ُ نآ َ }وَي َُقوُلو َ
ه
سممول ِ ِ ذا د ُعُمموا إ ِل َممى الل ّمهِ وََر ُ ن ) (47وَإ ِ َ مِني َ مؤ ْ ِ ك ب ِممال ْ ُ ممما أ ُوْل َئ ِ َ ك وَ َ ب َعْدِ ذ َل ِ َ
ق
حم ّ م ال ْ َ ن ل َهُ م ْ ن ي َك ُم ْ ن ) (48وَإ ِ ْ ضممو َ معْرِ ُ م ُ من ْهُ م ْ ريقٌ ِ ِ ذا فَ م إِ َ م ب َي ْن َهُ ْحك ُ َ ل ِي َ ْ
َ َ َ َ ْ
ن نأ ْ خمماُفو َ م يَ َم اْرَتاُبوا أ ْ ضأ ْ مَر ٌ م َ ن ) (49أِفي قُُلوب ِهِ ْ عِني َ مذ ْ ِ ي َأُتوا إ ِل َي ْهِ ُ
ن ممما ك َمما َ ن ) (50إ ِن ّ َ مو َ م الظ ّممال ِ ُ ك هُ ْ ل أ ُوْل َئ ِ َ ه بَ ْ سول ُ ُ م وََر ُ ه عَل َي ْهِ ْ ف الل ّ ُ حي َ يَ ِ
ن ي َُقول ُمموا َ
مأ ْ حك ُم َ
م ب َي ْن َهُم ْ سممول ِهِ ل ِي َ ْ عوا إ َِلى الل ّمهِ وََر ُ ذا د ُ ُ ن إِ َ مِني َ مؤ ْ ِ ل ال ْ ُ قَوْ َ
ُ َ
ن )] {(51سورة النممور -24/47 حو َ مْفل ِ ُ م ال ْ ُ ك هُ ْ معَْنا وَأط َعَْنا وَأوْل َئ ِ َ س ِ َ
[51
ك{ ]سورة النساء [4/65 مو َ حك ّ ُ حّتى ي ُ َ ن َ مُنو َ ك ل ي ُؤْ ِ }َفل وََرب ّ َ
" إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون .فمممن كممرة فقممد
برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع "
" فمن جاهممدهم بيممده فهممو مممؤمن .ومممن جاهممدهم بلسممانه فهممو
مؤمن .ومممن جاهممدهم بقلبممه فهممو مممؤمن .وليممس وراء ذلممك مممن
اليمان حبه خردل "
فإذا كان هذا أمر الله ورسوله فأني يقول قائل إن السلم يمكن
" " رواه أحمد . 1
أن يلتقي مع العلمانية التي تقول :ل دين في السياسة ول سياسممة
في الدين ؟! أو تقول إن القتصاد ل علقممة لممه بالممدين ..أو تفصممل
1
بين حكم الدين وبين أي شي في حياة النسان ؟!
m m m
من هذه الجاهلية انتقل الفكر الوروبي إلي عصر " سيادة الممدين
"
وكممان المفممروض أن يخممرج ذلممك الفكممر إذن مممن الجاهليممة إلممي
النور ،ولكنه في الحقيقة دخل إلي ظلمات حالكة ليس فيهمما حممتي
ذلك " البريق" الذي تيمزت بممه الفلسممفة الغريقيممة فممي كممثير مممن
المواضع بصرف النظر عممن القيمممة الحقيقممة لممذلك الممبريق ،وعممن
كونه بريقا هاديا ام مضلل عن الطريق !
كان المفروض وقد التزم العقممل بممالوحي ،واسممتمد منممه اليقيممن
والهدي -0في المسائل التي ل يهتدي فيها وحده ول يسممتيقن فيهمما
بمفرده – أن ينطلق الفكر في ميادينه الصلية يبدع وينتج ،ويمممد "
النسان " بما يحتاج إليه في شئون " الخلفة " وعمارة الرض
ولكممن الكنيسممة الوروبيممة افسممدت ذلممك كلممه بممما أدخلتممه مممن
التحريف علي الوحي الرباني المنزل مممن السممماء لهدايممة البشممرية
علي الرض ،وتخبطت في قضية اللوهية تخبطمما مممن نمموع جديممد ،
حين قالت إن الله ثلثة أقانيم ،وإن المسيح ابن مريم عليه السلم
واحد من هذه القانيم الثلية ،وإنه ابن الله وفي الوقت ذاتممه إلممه ،
وشريط لله في تدبير شئون الكون .
وفضل عن ذلك – أو ربما بسبب ذلك – حجر علي العقل البشري
أن يعمل وأن يفكر
فممإن هممذه اللغمماز الممتي ابتممدعتها المجممامع المقدسممة فممي شممأن
اللوهية لممم تكممن " معقولممة ط ول مستسمماغة .فممما يمكممن للعقممل
البشممري أن يتصممور ثلثممة أشممياء هممي ثلثممة وهممي واحممد فممي ذات
الوقت ،وما يمكن أن يتصور أن الله سممبحانه وتعممالي ظممل متفممردا
باللوهية وتدبير شأن هذا الكون مال يحصي من الزمان ،ثم إذا هو
– فجأة -يوجد كائنا أخر ليكون شريكا له في اللوهية ومعينا له فممي
في هذه القضية في الحقيقة تحبطت كل الفلسفات كما سيأتي ذكره فيما بعد ،ولكن كل فلسفة كان لها في 1
اكتشف انشئتين في الضوء في الكون الواسع ل يتخذ مسارا مستقيما بل ينحني حول الجرام السماوية بفعل
علي كل عبقريته العلميممة تلممك يقممدم انتاجممة العلمممي باسممم اللممه ،
ويحمد الله ويثني عليه ويشكره علي فيض نعمة عليه !
كل! لم يكن العلم عند المسمملمين مثممارا للفتنممة ،لنهممم صمماحبوه
عدة قرون علي رزانة وروية ،فلم يفاجئوا به كما فوجئت أوربا في
عصر النهضة ،ولن نبع في حياتهم من نبع الدين فلم يثر بينه وبيممن
الدين ذلك الخصام الممذي ثممار بيممن الممدين والعلممم فممي أوربمما ،ولن
المعرفة كلها في حس المسلم نفحة ربانية يفتح بهمما علممي عبممادة ،
فيكون جزاؤها في حسه مزيدا من التقرب إلي اللممه ،ل بعممدا عنممه
وازورارا عن عبادته .
كذلك كان اكتشاف قانون السببية بالذات باعثا نم بواعث اللحاد
كما مر بنا من كلم " برنتون"
والمسئول في ذلك أيضا هو الكنيسة !
لقد ظلت الكنيسة تصرف الناس عن العلم عدة قرون ،وتمموحي
إليهم الكتفاء بما عندها من العلم ،الذي لم يكن يتجاوز – كما قلنمما
– إن الله خلق الشياء علي صورتها لحكمة يعلمها ولغاية يريممدها ..
أي ارجاع المور كلها والظواهر كلها إلي إرادة الله ومشمميئة .ومممن
شأن الدين أن يركز دائما علي هذا المعني ،انظر إلي بعض ما جاء
في القرآن الكريم في هذا الشأن .
" وإلهكم إله واحد ل إله إل هممو الرحمممن الرحيممم ،إن فممي خلممق
السماوات والرض واختلف الليل والنهار والفلممك الممتي تجممري فممي
البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السممماء مممن ممماء فأحيمما بممه
الرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الريمماح والسممحاب
المسخر بين السماء والرض ليات لقوم يعقلون "
" هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شممجر فيممه
تسيمون ،ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والعناب ومن كممل
الثمممرات ،إن فممي ذلممك ليممة لقمموم يتفكممرون .وسممخر لكممم الليممل
والنهار والشمس والقمر .والنجوم مسخرات بأمره .أن فممي ذلممك
ليات لقوم يعقلون .ذرا لكممم فممي الرض مختلفمما ألمموانه .إن فممي
ذلك لية لقوم يذكرون .وهو الذي سممخر البحممر لتممأكلوا منممه لحممما
طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسممونها ،وتممري الفلممك مممواخر فيممه ،
ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ،وألقي في الرض رواسممي أن
تميد بكم .وأنهممارا وسممبل لعلكممم تهتممدون ،وعلمممات وبممالنجم هممم
يهتدون .أفمن يخلق كمن ل يخلق ؟ أفل تذكرون ؟ إن تعدوا نعمممة
الجاذبية
الله ل تحصوها .إن الله لغفور رحيم "
وحكمة ذلك واضحة " . .فالدين " يذكر النسان دائما بالله لكممي
يظل قلبه معلقا بالله في جميع حممالته ،فيحبممه ويخشمماه ،ويتطلممع
إليه في كممل أمممر مممن أممموره .وبهممذا وحممده تصمملح نفممس النسممان
وتستقيم ..ولن النسان عرضه دائما أن ينسي فإن الدين الصحيح
يلح في تذكيره حتي ل تدركه الغفلة التي ينشممأ عنهمما كممل شممر فممي
حياة البشر علي الرض .
ولكن هذا التركيز الشديد في الدين الصحيح علي رد المور كلهمما
إلي مشيئة الله ،لم يمنممع المسمملمين مممن البحممث عممن " السممباب
الظاهرة " في الكون المادي وفي الحياة البشرية ،بل تعارض فممي
حسهم بين هذا وذاك .
ذلك أن الدين الصحيح –وقد رد كل شممئ بحممق إلممي مشمميئة اللممه
وقدرة - 1نبه البشر إلي أن هناك سننا كونية تعمممل إرادة اللممه مممن
خللها في الكممون المممادي ،كممما أن هنمماك سممننا أخممري تعمممل تلممك
الرادة من خللها في الحياة البشرية ،ودعاهم إلممي التعممرف علممي
هذه وتلك ،الولي ليقوموا بتعمير الرض – وهو جممزء مممن مهمممة "
الخلفممة "الممتي خلممق النسممان مممن أجلهمما – والخممري لتكممون هممذه
الخلفة راشدة حين يتم تعمير الرض بمقتضي المنهج الرباني .
لقد ظل القرآن يلفممت نظممر النمماس إلممي آيممات اللممه فممي الكممون
انتظامها ورتابتها ودقتها وانضباطها
جعَل َْنا َ
م َ كنا ً ث ُ ّ سا ِ ه َ جعَل َ ُ شاَء ل َ َ ل وَل َوْ َ مد ّ الظ ّ ّ ف َ ك ك َي ْ َ م ت ََرى إ َِلى َرب ّ َ }أل َ ْ
سمميرا ً ){(46 ضممَناهُ إ ِل َي َْنمما قَْبضمما ً ي َ ِ م قَب َ ْ س عَل َْيممهِ د َِليل ً )ُ (45ثمم ّ م َ شمم ْ ال ّ
]سورة الفرقان [46-25/45
ْ
ن) ه ي َمأك ُُلو َ من ْ ُحب ّا ً فَ ِ من َْها َ جَنا ِ خَر ْ ها وَأ َ ْ حي َي َْنا َ ةأ ْ
ة ل َهم ال َرض ال ْميت ُ َ
َ َْ ْ ُ }َوآي َ ٌ ُ ْ
َ
ن) ن ال ْعُي ُممو ِ مم ْ جْرَنا ِفيَها ِ ب وَفَ ّ ل وَأعَْنا ٍ خي ٍ ن نَ ِ م ْ ت ِ جّنا ٍ جعَل َْنا ِفيَها َ (33وَ َ
ْ
َ َ
نحا َ سمب ْ َ ن )ُ (35 شك ُُرو َ م أَفل ي َ ْ ديهِ ْ ه أي ْ ِ مل َت ْ ُما عَ ِ مرِهِ وَ َ ن ثَ َ (34ل ِي َأك ُُلوا ِ
م ْ
خل َمق ال َزواج ك ُل ّهمما مممما تنبمت ال َرض ومم َ
ممما ل م ّ
م وَ ِ س مه ِ ْ ن أنُف ِ ْ ُ َ ِ ْ َ ِ ّ ُِْ ُ ْ َ َ َ ذي َ ال ّم ِ
ن) مممو َ مظ ْل ِ ُ م ُ ذا هُ م ْ ه الن َّهاَر فَ مإ ِ َ من ْ ُ خ ِ سل َ ُ ل نَ ْ م الل ّي ْ ُ ة ل َهُ ْ ن )َ (36وآي َ ٌ مو َ ي َعْل َ ُ
زي مزِ ال ْعَِلي مم ِ )(38 ديُر ال ْعَ ِ ك ت َْق م ِ ست ََقّر ل ََها ذ َل ِم َ م ْ ري ل ِ ُ ج ِ س تَ ْ م ُ ش َْ (37وال ّ
س
م ُ شم ْ ديم ِ ) (39ل ال ّ ن ال َْق م ِجو ِ كال ْعُْر ُ عاد َ َ حّتى َ ل َ مَنازِ َ مَر قَد ّْرَناهُ َ َوال َْق َ
َ
ك ل فِممي فَل َم ٍ سمماب ِقُ الن ّهَممارِ وَك ُم ّ ل َ ممَر َول الل ّي ْم ُ ك ال َْق َ ن ت ُمد ْرِ َ ي َن ْب َِغي ل ََها أ ْ
ن )] {(40سورة يممس [40-36/33 حو َ سب َ ُ يَ ْ
َ َ َ
ن) ص مُرو َ م أَفل ت ُب ْ ِ سمك ُ ْ ن ) (20وَِفي أنُف ِ موقِِني َ ت ل ِل ْ ُ ض آَيا ٌ }وَِفي الْر ِ
يقول تعالي " :إنا كل شئ خلقناه بقدر " ) سورة القمر ( 49 : 1
] {(21سورة الذاريات [21-51/20
وفهم المسلمون من هذه التوجيهات المتكممررة أن اللممه يممدعوهم
إلي التأمل في هذا الكون من حممولهم ،ليتعرفمموا علممي قممدرة اللممه
القادرة التي ل يعجزها شئ ،وليتعرفوا كذلك علي السممنن الربانيممة
التي أودعهمما فممي هممذا الكممون ،والطاقممات الممتي سممخرها لهممم فيممه
ليقوموا بعمارة الرض ،ويبتغوا من فضل الله
جعَل ْن َمما آي َم َ
ة الن ّهَمماِر ل وَ َ ة الل ّي ْم ِ
حوَْنا آي َم َ م َ ن فَ َ ل َوالن َّهاَر آي َت َي ْ ِجعَل َْنا الل ّي ْ َ
}وَ َ
لب وَك ُ ّسا َح َ ن َوال ْ ِ سِني َ موا عَد َد َ ال ّ م وَل ِت َعْل َ ُن َرب ّك ُ ْ ضل ً ِ
م ْ صَرةً ل ِت َب ْت َُغوا فَ ْمب ْ ِ ُ
صيل ً )] {(12سورة السراء [17/12 ْ
صلَناهُ ت َْف ِ يٍء فَ ّ ش ْ َ
نمم ْ ل ت ََرى ِ صَر هَ ْ جعْ ال ْب َ َت َفاْر ِ ن ت ََفاوُ ٍ م ْ ن ِ م ِح َ ق الّر ْ ما ت ََرى ِفي َ ْ
خل ِ } َ
طورٍ )] {(3سورة الملك [67/3 فُ ُ
ومممن ثممم انطلقمموا " يدرسممون " هممذا الكممون ويتعرفممون علممي
أسراره ..فتقدم العلممم علممي أيممديهم تقممدما ضممخما ،فممي الفيزيمماء
والكيمياء والفلك والرياضيات والطب وغيرها مممن العلمموم النظريممة
والتجريبية ..وأكتشفوا –من بين ما اكتشفوا – أن هناك سممببا لكممل
شئ يحدث في الكون المادي ،من نور وظلم وكسوف وخسوف
،ورياح ومطر ،وجدب وخصب وزيادة ونقص ..إلخ
ولكن اكتشاف " السبب الظاهر " لممم يكممن فتنممة لهممم كممما كممان
بالنسبة لنيوتن ومن بعده من " العلماء " !
فلم يجعلوه بديل من السبب الحقيقي وهو الله سبحانه وتعممالي ،
ولم يستغنوا به عن الله ،ولم يتصموروا أن لمه حتميمة تقيمد مشميئة
الله الطليقممة بحيممث يعجممز سممبحانه عممن التصممرف فممي الكممون بممما
يشاء ،كما توهم نيوتن ومن بعده .
إنما عرفوا أن هذا " السبب الظاهر" هو " السنة الجارية " الممتي
تجري شئون الكون المادي من خللها ،ومن ثم فهممي ليسممت بممديل
من الله سبحانه وتعالي ،وهي جزء من مشمميئته ،ول تعممارض بيممن
تفسير أي أمر من أمور همذا الكمون بسمببه الظماهر وتفسميره بمأنه
راجع إلي مشيئة الله ،مادام السممبب الظمماهر أو" السممنة الجاريممة"
من مشيئة الله ،ومن ثم فل تعارض بين ماسموه " الطبيعة " وممما
سموه " ما وراء الطبيعة " بحيث يمتنممع عليممك اليمممان بهممذه وتلممك
في آن واحد كما توهمت عقلنية ما بعد النهضممة فممي أوربمما ،نتيجممة
أن ما وراء الطبيعية في ظل السيطرة الكنسية ولحجر علي العقل
كان ينفي السباب الظاهرة أو ل يعول عليها فممي تفسممير أمممر مممن
أمور الكممون ،وأن اكتشمماف " السممبب " جمماء فممي جممو مممن العممداء
للممدين والكنيسممة ،فوضممع – مممن ثممم – مناهضمما ومعاديمما لممما رواء
الطبيعية ،بالضافة إلي أن القوم هناك ظلمموا – فممي ظممل اليمممان
بما وراء الطبيعة علي الطريقة الكنسية – فممي جهممل مطبممق بكممثير
مما يحيط بهم في هذا الكون ،بينما جاء اكتشمماف السممبب الظمماهر
في وسط معلومات عن هذا الكون تبهر العقول !
كل ! لم يفتن المسمملمون باكتشمماف السممبب الظمماهر كممما فتنممت
أوربا في جاهلية ما بعد القرون الوسممطي ،المظلمممة عنممدهم ،بممل
ظلوا يكشفون كل يوم جديممد مممن أسممرار هممذا الكممون يحققممون بممه
تسخيرا جديممدا لطاقممات السممماوات والرض ،المسممخرة مممن اللممه
أصل للنسان ،والتي يحتاج تحقيق تسخيرها من قبل النسممان إلممي
جهد عقلي يتعرف به علي السممنن الربانيممة وجهممد عضمملي لتحويممل
المعرفة النظرية إلي واقع
ميعما ً ِ َ
ه{ من ْم ُ ج ِ
ض َ ممما فِممي الْر ِ ت وَ َ وا ِ م َ
سم َ ممما فِممي ال ّ م َ خَر ل َك ُم ْ سم ّ }وَ َ
]سورة الجاثية [45/13
طو ُ ه أَ ْ
ل ل َك ُم ْ
م شمْيئا ً وَ َ
جع َ م َ ن َ م ل ت َعْل َ ُ
مممو َ مَهات ِك ُ ْ نأ ّ ن بُ ُ ِ م ْ م ِ جك ُ ْ خَر َ }َوالل ّ ُ
َ َ
ن )] {(78سممورة النحممل ش مك ُُرو َ م تَ ْ صمماَر َوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُم ْ معَ َوالب ْ َ سم ْ ال ّ
[16/78
مَناك ِب ِهَمما وَك ُل ُمموا ِ َ
نمم ْ شوا ِفي َ م ُ ض ذ َُلول ً َفا ْ م الْر َ ل ل َك ُ ْ جع َ َ ذي َ }هُوَ ال ّ ِ
ه{ ]سورة الملك [67/15 رِْزقِ ِ
ولم يتصور المسلمون في بلهة تلك الجاهلية " أنه ليس ثمة داع
أو فائدة من الصلة إلي الله صانع هذه الساعة الضخمة الكونيممة "
لمجرد أنهم عرفوا سرا من أسممرارها ،بممل أحسمموا – كممما بينمما مممن
قبل – أن العلم نفحة ربانية يمن الله بهمما علممي عبممادة ،فينبغممي أن
يشكروه عليها بإقامة الصلة ل بقطعها ،وإدامه التعبد والخشية لله
.كما عرفوا أنهممم مهممما تعلممموا مممن أمممور الكممون فعلمهممم قليممل ،
وانهم في فقر دائم إلي الله واحتياج:
ماُء{ ]سورة فاطر [35/28 عَبادِهِ ال ْعُل َ َ ن ِ م ْ ه ِ شى الل ّ َ خ َ ما ي َ ْ }إ ِن ّ َ
ن ال ْعِل ْم ِ إ ِل ّ قَِليل ً )] {(85سورة السراء [17/85 ُ
م ْ م ِ ما أوِتيت ُ ْ }وَ َ
َ َ
ميمد ُ ) ح ِي ال ْ َ
ه هُموَ ال ْغَن ِم ّ م ال ُْفَقَراُء إ ِل َممى الل ّمهِ َوالل ّم ُ س أن ْت ُ ْ }َيا أي َّها الّنا ُ
] {(15سورة فاطر [35/15
كذلك لم يتصمموروا فممي بلهممة أن اللممه عمماجز عممن التصممرف فممي
شئون الكون بمشيئته الطليقة لمجرد أنممه ثبممت سممنته الجاريممة كممما
تصور نيوتن " :ليس ثمة داع أو فائدة من الصلة إلممي اللممه صممانع
هذه الساعة الضخمة الكونية الممذي ل يسممتطيع إذا ممما أراد التممدخل
في عمله " ! ! ومن ثم لم ينكروا المعجممزات كممما أنكرتهمما عقلنيممة
النهضة وما بعدها .إنما عرفوا أن الله سبحانه وتعالي ثبت سممنته –
بمشيئته الطليقة – رحمة بالنسان ،وإعانممة لممه علممي القيممام بممدور
الخلفة .ولكنه سبحانه وتعالي طليق المشيئة يصنع في هذا الكون
ما يشاء ،ل يقيد مشيئته شئ عي الطلق ..و ثبوت سنته الجاريممة
1فإن شاء سبحانه وتعالي أن يغير شيئا من نظممام الكممون – لحكمممه
يريدها ليظهر للناس معجزة من معجزاته ،أو يغير نظام الكون كله
يوم القيامة كما أخبر عباده فممي كتبممه المنزليممة ،فلممن يقممف ثبمموت
السنة الجارية أمام مشيئة جل وعل ،إذا السنة الجارية من مشيئته
،والسنة الخارقة من مشيئته ،وهو سبحانه يستخدم هذه السمنة أو
تلممك وقتممما يشمماء وكيفممما يشمماء ل قيممد علممي مشمميئته يمنعممه مممن
التصرف كيف يشاء .
و" المعجزة " كما نطلق عليها هي شئ خممارق للسممنة الجاريمة ..
نعم ..ولكن " العجاز " في السنة الجارية هو العجاز في الخارقة
.مصممدرهما واحممد وحوهرهممما واحممد ..هممو القممدرة اللهيممة الممتي ل
يعجزها شئ في السموات ول في الرض ..وإل فهممل خلممق الحيمماة
من الموات – الذي هو في حسنا من السنة الجارية – أقل روعة أو
أقل إعجازا من شق البحث بالعصا ،أو وقف دوره الشمممس لفممترة
من الوقت أو غير ذلك من المعجزات ؟ وهل الذي يخلق الكون كله
من العدم يعجز عن تصرف جزئ فممي هممذا الكممون تقتضمميه حكمتممه
سبحانه ؟!
وكممما لممم تكممن معرفممة المسمملمين المبكممرة بالسممباب الظمماهرة
وثبوت السنة الجارية مانعا لهم من اليمان بالمعجزات التي جمماءت
في الكتب المنزلة ،كذلك لم يكن إيمممانهم بممالمعجزات داعيمما إلممي
الخرافة ،ول العتقاد بأن الكون فوضي ل يضبطه ضابط ول يربطه
نظام و ط العلم " الذي أخرجوه هو البرهان علي ذلممك ،فقممد كممان
هذا العلمم ممن الدقمة والنضمباط – بحسمب المتماح فمي وقتمه ممن
الدوات – لدرجة شهد لها كل منصف في التاريممخ وكلمه شماهد بممأن
المسلمين كمانوا يتعماملون ممع همذا الكمون علممي أسماس أن هنماك
نظاما دقيقا يربطممه ،نظاممما مممن " السممباب" و" النتممائج " معجممزة
بدقته ،رائع بانضباطه
ن
مم ْ جعْ ال ْب َ َ
صَر هَ ْ
ل ت ََرى ِ ت َفاْر ِ
ن ت ََفاوُ ٍ
م ْ
ن ِ
م ِ
ح َ
ق الّر ْ ما ت ََرى ِفي َ ْ
خل ِ } َ
طورٍ )] {(3سورة الملك [67/3 فُ ُ
راجع في ذلك فصل " التوازن " خصائص التصور السلمي ومقوماته 1
إنما كانوا علي " التوازن" الذي علمهم أياه السلم
أما " عقلنيممة " النهضمة " ومما بعممدها فقممد خرجمت علممي النماس
بأمور " غير معقولة ط علي الطلق ..من نفي لوجود اللممه تممارة ،
ومن إثبات له تارة أخري مع نفي قدرته علي التصرف ،ومن جعممل
السممبب الظمماهر بممديل مممن السممبب الحقيقممي ،ومممن جعممل ثبمموت
السباب الظاهرة حتميات 1تفرض نفسها علي مشيئة الله !
m m m
مر النص من حديث جبريل عليه السلم ":قال أخبرني عن اليمان قال أن نؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم 2
وحتي هؤلء لم يصلوا إلي درجة العريق وإن كانوا تأثروا بهم . 2
انظر الكتاب الله يتجلي في عصر العلم " لمحموعة منا لعلماء الغربيين 3
ولم يتعارض في حسهم اليمان بما تممدركه الحممواس مممع اليمممان
بما ل تدركه الحواس ،أو اليمان بالغيب ،فهذا له قناة في الفطرة
وذاك له قتاة ،كلتاهما تمد النسان بلممون مممن المعرفممة غيممر الممذي
تمممده بممه الخممري ،ومممن مجموعهمما معمما تتكممون المعرفممة اللزمممة
للنسان
لم يغلقوا علممي أنفسممهم نافممذة الغيممب فممي سممبيل تأكيممد العممالم
المحسوس وتأكيد عرفتهم به .كما لم يغلقوا علممي انفسممهم نافممذة
المحسوس في سبيل تأكيد إيمممانهم بممالله وملئكتممه وكتبممه ورسممله
واليوم الخر والقدر خيره وشره
وبذلك تقدموا بالمنهج التجريبي ذلك التقدم الهائل الذي أحممرزوه
دون ان يحتاجوا إلي مسخ النسان وطمس بصمميرته وتعممتيم روحممه
علي النحو الكريه الذي صنعته الجاهليممة المعاصممرة ،فظلممت تهبممط
بالنسان دركا وراء درك حتي لتوشك أن تسلمه إلي الدمار
ونريد ان نتعرف علممي الموقممف الصممحيح للعقممل والعقلنيممة كممما
يقدمه السلم وكما مارسه المسمملمون وقممت أن كمانوا مسممتقيمين
علي المنهج الصحيح
ولكنمما ل نسممتطيع أن نختممم الحممديث عممن عقلنيممة الجاهليممة ،
والعقلنية المعاصرة بصفة خاصة قبممل أن نشممير إلممي قمموله عجيبممة
وردت في كتاب مممن كتممب سممارتر ،الكمماتب الوجممودي المعممروف ،
ذات صلة بالموضوع ،ودللة ل تحتاج إلي تعليق !
وسارتر يهودي وإن كان كثير مممن النمماس ل يعلمممون ذلممك ! فقممد
ورد في الدستور اليهودي أن اليهودي مممن كممانت أمممه يهوديممة ،وأم
سارتر يهودية كما ذكر هممو فممي هممذا الكتمماب المشممار إليممه ،والممذي
عنمموانه " تممأملت فممي المشممكلة اليهوديممة Reflec – tions sur la
question juiveوالذي أنصح بقراءته كل قارئ يملممك قراءتممه بلغتممه
الصلية الفرنسية – أو ترجمتممه بالنجليزيممة بعنمموان " Anti- Srmite
" and Jewذلك أنه لم يترجم إلي الغربية فيما أعلم .
صدر هذا الكتاب عممام 1946م بمناسممبة الحممديث عممن تقسمميم
فلسطين وإنشاء الدولة اليهوديممة ..وقيمتممه مممن وجهممة نظرنمما إنممه
يعترف بأفاعيل اليهود في إفساد البشرية في أثناء محاولته الممدفاع
عنهم ! ذلك أن طريقته في الدفاع عممن اليهممود هممي ن يممذكر التهممم
الموجهة إليه ،ثم يقول إنها صحيحة ! ولكنهم معذورون في إتيانهمما
بسبب كذا وكذا!
وسواء اقتنعت بوجاهة السباب أم لم تقتنع – وهي في مجموعها
متهافتة ل تقنع أحد – فإنها تؤكد التهمة ول تنفيها ! ويزيد مممن قيمممة
شممهادته أنممه " شمماهد مممن أهلهمما" ل يتهممم بالتعصممب ول التحيممز ول
التقول ول الفتئات !
يقول :إن اليهود متهمون بتهم ثلث كبري ،هي عبممادة الممذهب ،
وتعرية الجسم البشري ونشر العقلنيمة المضمادة لللهمام المديني ،
ويقول إن المتهم كلها صحيحة ! ثم يروح يقدم لكل منهمما ممما يقممدم
عليه من المعاذير
قال عن عبادة الذهب أن اليهود مضطهدون في كل الرض وكممل
التاريممخ ،وإنهممم لبممد ان يسممعوا إلممي امتلك القمموة ليقمماوموا هممذا
الضطهاد والوسيلة التي لجأوا إليها هي السعي إلي امتلك الممذهب
وتجميعه ليكون لهم عدة وقوة !
وقممال عممن تعريممة الجسممم البشممري أن اليهممود متهمممون بقبممح
اجسامهم وعدم اسممتقامتها ! فممأرادوا ان يثبتمموا للبشممرية أن القبممح
كمامن فمي الجسمم البشمري ذاتمه ل فمي اجسمام اليهمود وحمدهم !
فعملمموا علممي تعريممة الجسممم البشممري ليسممتيقن البشممر مممن هممذه
الحقيقة ! ) أرأيت إلي مدي السخف والتهافت ..؟!(
أما نشر العقلنية المضادة لللهام الديني Rationalism as against
) in tuitionكممما ورد فممي الترجمممة النجليزيممة ( فقممد كشممف فيممه
الغطاء دون مواربه ! قال :إنه طالما كان البشر يؤمنممون بالممدين ،
فيسظل يقع علي اليهود تمييز مجحف علي اعتبار أنهممم يهممود ،أممما
إذا زال الدين من الرض ،وتعامل البشممر بعقممولهم ،فعلممق اليهممود
كعقل غير اليهودي ،ويؤمئذ لن يتميممز اليهممود بكممونهم يهممودا ،ولممن
يقع عليهم التمييز المجحف م وسيعيشون في سلم مع غير اليهود )
أي بعممد أن يغطمموا علممي حقيقتهممم ويندسمموا فممي وسممط البشممرية
مبهمين بين الجموع !!(
ومهما يكن في هذا الكلم من المغالطات المكشوفة الممتي قصممد
بها التغطية علي الهداف الحقيقيممة لليهممود مممن وراء هممذه الفعممال
) وهممي نشممر الفسمماد فممي صممفوف الممييممن لفسمماد عقممائدهم
وأخلقهم بالضافة إلي سمب أموالهم ،لتيسير اسممتعبادهم للشممعب
الشرير ( فإن ثبوت التهمة بشهادة شاهد من أهلهمما أمممر غنممي عممن
1
التعليق
m m m
مما بلفت النظر في هذا الكتاب أيضا قول سارتر إن تقسيم فلسطين إلي دولة عربية ودولة يهودية لن يحل 1
المشكلة اليهودية إنما الحل هو نشر الشيوعية العالمية وهو أيضا قول ل يحتاج إلي تعليق .
ونعممود الن إلممي تممبين الموقممف الصممحيح للعقممل والعقلنيممة كممما
يرسمه السلم
يقدر السلم العقل باعتباره من أكبر النعممم الممتي أنعممم بهمما اللممه
شممْيئا ً طو ُ ه أَ ْ
ن َ م ل ت َعْل َ ُ
مو َ مَهات ِك ُ ْ
نأ ّ ن بُ ُ ِ م ْ م ِ جك ُ ْ
خَر َ علي النسان َ} :والل ّ ُ
َ َ
ن )] {(78سورة شك ُُرو َ صاَر َوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُ ْ
م تَ ْ معَ َوالب ْ َ س ْ ل ل َك ُ ْ
م ال ّ جع َ َ
وَ َ
النحل [16/78
ولكنه ل يبالغ في تقدير قيمممة العقممل كممما كممانت تفعممل العقلنيممة
الغريقية ومن ورثها من بعد ،بحيممث يجعلممه هممو المحكممم فممي كممل
شئ ،وهو المرجع الخير لكل شئ !
فهناك أمور ل يستطيع العقل من ذات نفسه أن يصل إليهمما لنهمما
ليست في محيممط تجربتممه ،ول تسممتطيع الدوات الممتي يحصممل بهمما
المعرفة وهي أدوات الحس أن تصل إليها لنهمما خارجممة عممن نطمماق
المحسوس ..وأن كان في إمكان العقل أن " يعقلهما " حيممن تمبين
له؛ فهذه تلقن للعقل تلقينا عن طريق الوحي ،ويكممون دور العقممل
فيهمما أن يعقلهمما ل بطريممق التجربممة المباشممرة ول بطريممق الحممس ،
ولكن عن طريق التيقن من صدق الخبر وصدق المخبر ،وهومممدعو
– كما أسلفنا – إلي القيام بعملية الممتيقن هممذه بكممل الوسممائل الممتي
يملكها ..وهي مؤدية إلي الغاية الصحيحة حين يستقيم العقل علممي
الطريق .
وهنا نقطة مهمة في الموضوع
فالعقل المجرد عن الهوي ،المتمحص لتمحيص الحائق ،المنممزه
عممن كممل شممابئه تشمموب التفكيممر أو تشمموب الحكممم وهممم تمموهمته
الفلسفة الغريقية كما توهمته مممن بعممدها كممل عقلنيمة بمالغت فمي
تقدير دور العقل وتقدير قدراته والواقع البشري الطويل يشهد بأحد
أمرين أو بهما معا في الحقيقة :أممما أن هممذا العقممل – فممي صممورته
المجردة تلك – لم يوجد قط في واقممع المممر ،وإممما أن البشممرية ل
تحكم عقلها في حميع أحوالها ،وكل المرين صحيح ! فل هذا العقل
المطلممق موجممود عنممد أحممد مممن البشممر العمماديين ول الفلسممفة ول
المفكرين ،ول البشرية تخضع لنداء العقل )_ علممي فممرض صممحته(
وتصيخ إليه ! إل من رحم ربك !
والدليل – العقلي – علي المر الول ،أنممه ل يكمماد ينطبممق عقلن
من عقول البشرية في تاريخها الطويل كله علي تصور واحد بجميممع
تفصيلته ،ولو كانت العقول – حتي عقول الفلسممفة والمفكريممن –
بالصورة الوهمية التي تصورها العقلنية لتلقت وتطابقت لن الحق
ل يتعدد
والدليل الثاني – العقلي كذلك – علي المر الثاني هو هذا الجنوح
الدائم والتخبممط الممذي يمارسممه البشممرية وتلممك الحممروب المجنونممة
وذلك التباع الجنوني للهوي والشممهوات ولممو كممانت البشممرية تصمميخ
لنداء العقممل فممي جميممع أحمموال ممما جنحممت ول تخبطممت ول أصممابها
الجنون !
أنما الحق – الذي تشير الدلئل كلها إليه – أن العقل – في خممارج
ميدانية الصيل – أداة طيعة لمن يسيطر عليه ! فإذا سيطرت عليه
الروح المهتدية استقام منطقممة واسممتقام تفكيممره ن وأصممبح خادممما
أمينا للهدي يسخر طاقمماته كلهمما فممي خممدمته ،وإذا سمميطرت عليممه
الممروح الضممالة ،أي سمميطر عليممه الهمموي والشممهوات ،فهممو خممادم
للضلل يسخر طاقته كلها في خدمته ،ويجادل أشممد الجممدل لتممبرير
موقفه .
جد َل ً )] {(54سورة الكهف [18/54 يٍء َ
ش ْ ن أ َك ْث ََر َسا ُلن َ نا ِ كا َ }وَ َ
ق{ ]سورة غافر [40/5 ضوا ب ِهِ ال ْ َ
ح ّ ح ُ جاد َُلوا ِبال َْباط ِ ِ
ل ل ِي ُد ْ ِ }وَ َ
ن ب َِها{ ]سورة العراف [7/179 ب ل ي َْفَقُهو َ م قُُلو ٌ }ل َهُ ْ
ومعرفة هذه الحقيقة عن العقل ل تنقص من قدرة كأداة للتفكير
،بل أن هناك ميادين من الفكر هي خالصة للعقممل ل يشمماركه فيهمما
غيممره مممن أدوات التلقممي وأدوات تحصمميل المعرفممة ،كممما سمميجئ
بيانه .وإنما معرفة هذه الحقيقة تجعلنا نحتفممظ فقممط فممي تقممديرنا
للقيمة النهائية للعقل ،بحيث ل نجعله هو المحكممم فممي كممل شممئ ،
ول المرجع الخير لكل شئ ! إنما ننزله منزلة الحق ،فما كان فيممه
هو المرجع الوحيد أو المرجع النهائي وكلناه إليه كله ،وما كان فيممه
قمينا أن يضل إذا ترك وحده جعلنا له الصحبة التي تمنع ضللة وممما
كان عاجزا عن الوصول فيه إلي شئ لممم نفحمممه فيمه ..,وهممذا هممو
منهج السلم
يمنح السلم العقل مجال واسعا للعمل ،هو أوسع مجممال سممليم
للعقل منحه إياه نظممام مممن النظممم أو عقيممدة مممن العقممائد ,.وفممي
الوقت نفسه يمنعه من مجالت بعينها ويحظر عليممه التفكيممر فيهمما ،
أو ينكر عليه حق التفكير.
ونبدأ بالحديث عن الخيرة لنها – في الجاهلية المعاصممرة بصممفة
خاصة – مظنة الحجر علي العقل بغير موجب !
يحظر السلم علي العقل أمورا ثلثممة :التفكيممر فممي ذات اللممه ،
والتفكير في القدر .والتشريع من دون الله
"تفكروا في خلق ول تفكروا في الله "
" وإذا ذكر القدر فأمسكوا "
ن ){(44 م ال ْك َممافُِرو َ ه فَمأ ُوْل َئ ِ َ
ك ه ُم ْ ممما َأنمَز َ
ل الّلم ُ حك ُم ْ
م بِ َ ن ل َم ْ
م يَ ْ مم ْ
}وَ َ
]سورة المائدة [5/44
وأما الولي والثانية فالحظر فيها ليس حجرا علي " حريممة الفكممر
" إنما هو صيانة لطاقممة العقممل أن تتبممدد فيممما ل طممائل وراءه ،وإل
فلننظر في " النتاج البشري " كلمه فيمما يتعلمق بمذات اللمه ،/فمي
الفلسممفة الغريقيممة واللهمموت المسمميحي وممما يسمممي بالفلسممفة
السلمية وعلم الكلم ,..إلي أي شئ وصل ؟! وإلي أي شممئ كممان
قمينا أن يصل
ل شئ !
لنه اقتحام بل أداة ..أو بغير الداة الصالحة للوصول
كالمفتاح الممذي يممدور فممي القفممل ويممدور ..والقممف ل يفتممح ..لن
المفتاح أضأل من أن يفتح القفل !
كما قلنا من قبل :ليس العيب في القفل ول في المفتاح ،ولكنه
في إصرارنا نحن أن نفتح القفل بغير مفتاحه !
الروح هي أداة الوصول
ل نعرف نحن كيف تصل ..ولكنها تصل ! في لحظة الشممراف ..
في لحظة التوهج ..تصل ! وتحممس بالوصممول ! وتنعممم بالوصممول !
وليس معني ذلك – كما أوضحنا من قبل – أن العقممل ليممس لممه دور
في عملية اليمممان .كل ! إن لممه دوره المخصممص لممه لكممن اليمممان
بالله شئ ،والحاطة بكنة الذات اللهية – وهو ممما يحمماوله العقممل –
شئ أخر ل يمكن أن نصل إليه
والذي تصل إليه الروح ليس هو الحاطة بكنة الذات اللهية كذلك
.إنما هو القرب الذي يتلقي النممور ويفيممض عليممه النممور ،فيسممتغني
عن " البحث " في الكنة ن الذي يحاوله العقل ول يصممل إلممي شممئ
منه ! وهذه المشاعر يملكها كل إنسان في لحظات التوجه الصادق
إلي الله .وإن كان النسان – بطممبيعته – ل يثبممت عليهمما كممما تثبممت
الملئكة الطهار ..ول هو مطلموب منمه أن يثبممت عليهما لن اللمه ل
يكلف كل نفس إل وسعها
شكا الصحابة رضوان الله عليهم إلي رسول اله صلي اللممه عليممه
وسلم أنهم حين يكونون معه يكونممون فممي حممال ،وإذا خرجمموا مممن
عنده وانساحوا في الحياة تغيرت بهم الحال .فقال لهم رسول الله
صلي الله عليه وسلم ما معنمماه إنهممم لممو ظلمموا علممي حممالتهم الممتي
يكونون عليها وهم في صحبته لصافحتهم الملئكة !
ذلك هو الوصول الذي تقدر عليه الروح ..ول يسممتطيع العقممل أن
يمارسه لنه ليس من شأنه
وأما القدر فشأنه كذلك ..ليس للعقل فيه مجال ..
إنما يحتاج النسان لكي يممدرك كيممف يجممري اللممه قممدرة ،بخيممره
وشره ،إن يكون علي مستوي الله ! وذلك أمر لممن يكممون .فممالله
وحممده هممو المتفممرد باللوهيممة والعلممم المحيممط بالزمممان والمكممان
والشياء والشخاص والحداث
ومن ثم ضل " العقل " حيثما تكلم في القممدر ..واسممترح القلممب
المؤمن المطمئن بذكر الله
َ
ن م ب ِمذِك ْرِ الل ّمهِ أل ب ِمذِك ْرِ الل ّمهِ ت َط ْ َ
مئ ِ ّ ن قُل ُمموب ُهُ ْ مئ ِ ّمن ُمموا وَت َط ْ َ نآ َ ذي َ }ال ّم ِ
ب )] {(28سورة الرعد [13/28 ال ُْقُلو ُ
ومن لم يطمئن قلبه ..وسممعي "بعقلممه" أن يعقممل القممدر ..فلي
شئ وصل من خلل الفلسفة والفكر والكلم ؟!
كل ! لم يكن حجرا علي " حرية الفكر" إنما صيانة لطاقة العقممل
أن تتبدد فيممما ل طممائل وراءه ..ومممن أبممي أن يلممتزم بممالحظر فقممد
إنهك عقله ،وشقي ،ولم يجد في النهاية الظل الذي يفئ إليه مممن
لفحة الرمضاء ! وهي علي أي حال نصيحة يلتزم بهمما العاقممل فيجممد
فيها الخير ،ويتجنبها مممن يتجنبهمما فيلقممي جممزاء المخالفممة اضممطرابا
وحيرة ول تستقر .
أما التشريع بغير ما انزل الله فليس المممر فيممه " نصمميحة" تمموجه
إلي الناس .إنما هي قضية كفر وإيمان
والقضية علي أي حال ذات شقين ،كلهما يتعلممق باللوهيممة وممما
ينبغي لها في شأن التشريع
الشق الول من القضية هو المتعلق بمقام اللوهية :من اللممه ؟
من المعبود ؟ من صاحب المممر ؟ وهممي كلهمما مترتبممة علممي سممؤال
أولممي :نممم الخممالق ؟ مممن المممدبر ؟ مممن المهيمممن ؟ مممن صمماحب
السلطان ؟ الله أم النسان؟
فإذا كان الله هو الخالق والنسان هو المخلوق ،فقد تحدد مقممام
اللوهية ومقام العبودية ،وأصبح صاحب الحق فممي أمممر التشممريع –
كما في كل أمر آخر – هو الله الخالق ل النسممان المخلمموق ..إل أن
يأذن له صاحب المر
َ َ
مُر{ ]سورة العراف [7/54 خل ْقُ َوال ْ ه ال ْ َ}أل ل َ ُ
َ َ
م وَل َك ِم ّ
ن ن ال َْقي ّم ُ
دي ُك الم ّ دوا إ ِل ّ إ ِّياهُ ذ َِلم َ
مَر أل ّ ت َعْب ُ ُ م إ ِل ّ ل ِل ّهِ أ َ
حك ْ ُ ن ال ْ ُ }إ ِ ْ
َ
ن )] {(40سورة يوسف [12/40 مو َ س ل ي َعْل َ ُ أك ْث ََر َالّنا ِ
ص{ ]سورة الزمر [39/3 خال ِ ُ ن ال ْ َ دي ُ }أل ل ِل ّهِ ال ّ
ْ َ
ه{ ن ب ِمهِ الل ّم ُم ي َمأذ َ ْ ممما ل َم ْ
ن َ دي ِ ن الم ّ
مم ْ م ِ عوا ل َهُم ْ شَر ُ كاُء َ شَر َ م ُ م ل َهُ ْ }أ ْ
]سورة الشورى [42/21
وقضية الكفر واليمان – أو قضية الجاهلية والسلم – هممي دائممما
هذه القضية ،مصحوبة – في الغالب – بقضممية العبممادة بمعنممي أداء
الشعائر التعبدية
يءٍ شم ْ ن َ مم ْدون ِمهِ ِ ن ُ مم ْما عَب َد َْنا ِه َشاَء الل ّ ُ كوا ل َوْ َ شَر ُ ن أَ ْ ذي َل ال ّ ِ }وََقا َ
يٍء{ ]سممورة النحممل شم ْ ن َ مم ْ دون ِمهِ ِن ُ مم ْ من َمما ِ حّر ْ ن َول آَباؤُن َمما َول َ حم ُ نَ ْ
[16/35
فالولي متعلقة باللوهية :هل الله واحد أم آله شتي ؟ فإذا كممان
واحد فمن حقه أن يعبد وحده ،أي تقدم الشعائر التعبدية له وحده.
والثانية متعلقة بخصيصة من خصائص اللوهية وهي الحاكمممة :هممل
الله الذي يحكم ،فيحل ويحرم ،ويبيممح ويمنممع ،أم لممه شممركاء فممي
التشريع ،يقولون من عند أنفسهم :هممذا حلل وهممذا حممرام ،وهممذا
مباح وهذا غير مباح ،بغير سلطان مممن اللممه ؟ فممما دام اللممه واحممد
في أولهيته ،فالحاكمة – من ثم – له وحده لنها خصيصة اللوهية .
واليمان هو التوحيد في هذه وتلك ،والكفر هو الشرك فممي هممذه
أو تلك أو فيهما جميعا
وقضية الجاهلية دائما هي الستكبار عن عبادة الله – سواء كانت
العبادة هي أداء الشعائر التعبدية لله وحده ،المترتب علي العتقمماد
القلبي بوحدانيممة اللممه ،أو كممانت هممي التحمماكم إلممي شممريعة اللممه ،
المترتب كذلك علي العتقاد القلبي بوحدانية الله .
َ س مل ْ َ
ن فِممي م إِ ْن أت َمماهُ ْ طا ٍ ت الل ّمهِ ب ِغَي ْمرِ ُ ن ِفي آي َمما ِ جادُِلو َ ن يُ َ ذي َ ن ال ّ ِ }إ ِ ّ
ه{ ]سورة غافر [40/56 م ب َِبال ِِغي ِما هُ ْ م إ ِل ّ ك ِب ٌْر َ دورِهِ ْ ص ُُ
وفي الجاهليات القديمة كلها كممان النمماس يؤمنممون بممأن اللممه هممو
الخالق ،ولكنهممم يشممركون معممه إلهممه أخممري يضممفون عليهمما بعممض
صفات اللوهية .اما فممي قضممية التشممريع فكممان كممبراؤهم يتنكبممون
الطريق ،فيعطون لنفسم حقا من الحقوق المتعلقة باللوهية – هو
حق الحاكمية – فيشرعون بغير سمملطان مممن اللممه ،ويجعلممون مممن
أنفسممهم أربابمما مممع اللممه .وأممما المستضممعفون فيخضممعون لهممؤلء
الربمماب المزيفيممن بحكممم ممما فممي أيممديهم مممن السمملطان القمموي
فيعطونهم حق التشريع ،ويسممتعبدون أنفسممهم لهممم بالخضمموع لممما
يشمممرعونه ممممن تشمممريع … فيشمممترك المممذين اسمممتكبروا والمممذين
استضعفوا في شرك العبادة ،ثممم ينقسمممون بعممد ذلممك إلممي سممادة
وعبيمممد .السمممادة يملكمممون ويحكممممون ،والعبيمممد ل يملكمممون ول
يحكمون ..إنما يقع عليهم الذل والهوان والضياع والبؤس كشأن كل
جاهلية في الماضي ..وكل جاهلية أتية إلي قيام الساعة
أما الجاهلية المعاصممرة فقممد اسممتكبرت اسممتكبارا مممن نمموع آخممر
فنفت وجود الله أصل ،وزعمت أن الطبيعة أو المممادة هممي الخممالق
الزلي البدي ذو السلطان .ولكنها في قضية التشريع سارت علممي
ذات النمممط الممذي سممارت عليممه كممل جاهليممة مممن قبممل ،فاسممتأثر
بالتشريع ذوو السلطان ،وخضع لهممم العبيممد ،فاسممتوي بممذلك عهممد
الرق وعهد القطاع وعهد الرأسمالية وعهممد الشمميوعية علممي خلف
1
في الصورة ل يقدم ول يؤخر كثيرا في واقع المر
هذا هو الشق الول من قضية التشريع المتعلق بمقام اللوهيممة .
أما الشق الخر فهو متعلق كذلك بقضية اللوهية ولكممن مممن جممانب
آخر .
كان الشق الول مممن القضممية :مممن الممذي يحممق لممه أن يشممرع ،
الخالق أم المخلوق ؟ أما الشق الخر فهو :من الممذي يحممق لممه أن
يشرع ،العلم الخبير أم الذين ل يعلمون ؟
والنسان – في الجاهلية الخيممرة خاصممة – يزعممم أنممه هممو العليممم
الخبير ،ومن ثم فهو الذي يحق له أن يضع التشريع
وبصرف النظر عن أن الصل في القضية هو الستكبار عن عبادة
الله فلننظر في هذا النسان الذي يزعم أنه هو العليم الخبير ،كيف
يعالج شؤون حياته في معزل عن منهج الله !
كان العمال في الرأسمالية خاضممعين للظلممم الواقممع عليهممم مممن
أصممحاب رؤوس الممموال ،يسممرقون كممدحهم ويممأكلون جهممدهم ول
يعطونهم إل الكفمماف ..ففكممر " النسممان" فممي طريقممه لرفممع ذلممك
الظلم فابتدع الشيوعية ..فأزيلت الملكيممة الفرديممة كلهمما وأصممبحت
الدولة هي المالك الوحيد .فوقمع النماس جميعمما فممي المذل المهيمن
للمالك الجديممد ،يسممتعبدهم بلقمممة الخممبز ،فل يملكممون أن يفتحمموا
أفواههم بكلمة نقد واحدة للسيد المعبود!
وكانت المرأة فممي الجاهليممة الوروبيممة فممي عهممد القطمماع مهينممة
محقممرة ،تعيممر بأنهمما تحمممل وتلممد ،ول تعطممي وضممعها النسمماني
الكريم ،ففكر " النسان" في طريقه لرفع الظلم عممن المممرأة ورد
النسانية المفقودة إليها ..فكيممف فكممر وكممف قممدر ؟! أخرجهمما مممن
راجع فصلي الديمقراطي والشيوعية في هذا الكتاب 1
الممبيت وشممغلها فممي المصممنع والمكتممب وجعلهمما تختلممط مممع الرجممل
،فاشتغل الرجل والمرأة كلهما بفتنممة الجنممس ،وفسممدت الخلق ،
وتحطمت السرة ،م وتشرد الطفممال ،وانتشممر الشممذوذ ،وفسممدت
الحياة !
وكانت الكنسية في العصور الوسطي تفسد الحيمماة كلهمما بإفسمماد
الدين ،ففكر " النسان " في طريقه للصلح ..فكيف فكر وكيممف
قدر ؟ ألغي الدين كله .بل نفي وجود اللممه أصممل ..ثممم راح يتخبممط
في الظلمات !
هذا هو النسممان " العلمممي الخممبير!" الممذي يزعممم أنممه شممب عممن
الطوق ولم يعد فممي حاجممة إلممي وصمماية اللممه ! وهممذه هممي طريقممة
تفكيره حين يضع لنفسه منهج الحياة !
إنممه يقممع فريسممة لقصممور العقممل البشممري ،وفريسممة للهمموي
والشهوات !
إنما يلزم لمن يضع للنسان منهج حيمماته أن يكممون بممادئ ذي بممدء
عالما بذلك " النسان " ليضع لممه منهجمما علممي قممده ،ويلممزم لممه أن
يكون محيط العلم بماضي ذلك النسان وحاضره ومسممتقبله ،لكيل
يعالج مشكلة بمشكلة جديدة ،ول يقوم انحرافمما بممانحراف جديممد ..
ويلزم له أن يكون منزها عن الغرض ،منزها عن الهوي والشهوات
،ليكون منهجه " موضوعيا " خالصا بالنسبة لحياة النسان
فهل كذلك النسان ؟! وهل يمكن أن يكون كممذلك فممي يمموم مممن
اليام !
يقول الكسس كاريل عن معرفة النسان بنفسه :
" وفي الحق لقد بذل الجنس البشري مجهودا جبارا لكممي يعممرف
نفسه ،ولكنه بالرغم من أننا نملك كنزا من الملحظة التي كدسممها
العلماء والفلسفة والشممعور وكبممار العلممماء الروحممانيين فممي جميممع
الزمان ،فإننا استطعنا أن نفهم جوانب معينة فقممط مممن أنفسممها .
أننا ل نفهم النسان ككل .إننا نعممرف علممي أنممه مكممون مممن أجممزاء
مختلفة .وحتي هذه الجزاء ابتدعتها وسائلنا ،فكل واحد منا مكون
من مكون من الشباح تسير في وسطها حقيقة مجهولة !
" وواقع المر أن جهلنا مطبق .فأغلب السئلة التي يلقيهمما علممي
1
أنفسهم أولئك الذين يدرسون الجنس البشري تظل بل جواب "..
ومر بنا ممن نمماذج القصمور فمي رؤيمة النسمان وطريقمة علجمه
للمور ما يغنينا عن المزيد
كتاب النسان ذلك المجهول ص 16من الترجمة العربية ) تعريب شقيق أسعد فريد( 1
إنما الله هو العليم الخبير ل النسان !
ف ال ْ َ َ
خِبيمُر )] {(14سممورة الملممك طيم ُ خل َمقَ وَهُموَ الل ّ ِ ن َ م ْ م َ }أل ي َعْل َ ُ
[67/14
شمْيئا ً َ َ
حب ّمموا َ ن تُ ِ سممى أ ْ م وَعَ َ خي ْمٌر ل َك ُم ْ شْيئا ً وَهُوَ َ هوا َ ن ت َك َْر ُ عسى أ ْ }وَ َ
َ
ن )] {(216سممورة البقممرة مممو َ م ل ت َعْل َ ُ م وَأن ْت ُم ْ ه ي َعْل َ ُ م َوالل ّ ُ شّر ل َك ُ ْ وَهُوَ َ
[2/216
عْلما ً )] {(12سورة الطلق [65/12 ط ب ِك ُ ّ حا َ َ
يٍء ِ ش ْ ل َ }قَد ْ أ َ
ي{ ]سورة فاطر [35/15 ه هُوَ ال ْغَن ِ ّ }َوالل ّ ُ
ب م وَي َت ُممو َ ن قَب ْل ِك ُم ْ مم ْ
ن ِ ذي َن ال ّم ِ س من َ َ م ُ م وَي َهْ مدِي َك ُ ْ ن ل َك ُم ْ ه ل ِي ُب َي ّ َ ريد ُ الل ّ ُ }ي ُ ِ
َ
ريمد ُِ ب عَل َي ْك ُم ْ
م وَي ُ ن ي َت ُممو َريمد ُ أ ْ ِ ه يُ م )َ (26والل ّم ُ كيم ٌ ح ِ م َ ه عَِلي ٌ م َوالل ّ ُ عَل َي ْك ُ ْ
ش مهوات أ َن تميل ُمموا ميل ً عَظيم ما ً ) (27يري مد الل ّم َ
ن هأ ْ ُ ُ ِ ُ ِ َ ْ ن ال ّ َ َ ِ ْ َ ِ ن ي َت ّب ُِعو َ ذي َ ال ّ ِ
ضمِعيفا ً )]{(28سممورة النسمماء -4/26 ن َ سمما ُ لن َ خل ِمقَ ا ِ م وَ ُ ف عَن ْك ُ ْ خّف َ يُ َ
[28
من أي جانب إذن عالجت قضية التشريع ،فالتشريع هو حق الله
تبارك وتعالي ،وليممس النسممان مأذونمما ول هممو صممالح لوضممع منهممج
حياته ..إل ما إذن الله له فيه .وسنري في النقاط التالية بأي شممئ
أذن الله للنسان ،يعمل فيه عقله ويجتهد فيه .
إذا جاوزنمما هممذه المممور الثلثممى ،الممتي نصممح العقممل أل يتناولهمما
كقضية الذات اللهية وقضية القدر ،أو منع منعا حازما منها كقضممية
التشريع ،فكل المجالت الخري مباحة للعقل ومتاحة له ،بل هو –
في السلم – مدعو إليها دعوة صريحة ،ويعتبر مقصرا إذا لمم يقمم
بها
وهناك خمسة مجالت رئيسية يدعي العقل للعمل فيها فممي ظممل
السلم :
أول :تممدبر آيممات اللممه فممي الكممون للتعممرف علممي قممدرة اللممه
المعجزة ،وتفرده بالخلق والتدبير والهيمنة والسمملطان ،بممما يممؤدي
إلي إخلص العبادة له وحده سبحانه ،وطاعته فيما أمر به وما نهي
عنه
ثانيا :تدبر آيات الله في الكون للتعرف علي السنن الكونية التي
يجري بها قدر الله في الكون ،لتحقيممق التسممخير الربمماني لممما فممي
السموات وما في الرض للنسان ،من أجل تعميممر الرض والقيممام
بالخلفة بها
ثالثا :تدبر حكمة التشريع الرباني لحسممان تطممبيقه علممي المموجه
الكمل ،والجتهاد فيما أذن الله فيه بالجتهاد
رابعا :تدبر السنن الربانية التي تجري المور بمقتضاها في حيمماة
البشر ،لقامة المجتمع اليماني الراشد الذي يريده الله .
خامسا :تدبر التاريخ
ولنقل كلمة موجزة عن كل مجال من هذه المجالت
m m m
ثانيا :يمموجه العقممل بعممد ذلممك إلممي تممدبير آيممات اللممه فممي الكممون
للتعرف علي أسراره .للتعرف علي خواص ذلممك الكممون ،لمكممان
تسخيرها لعمارة الرض .
والتسخير قائم من عند الله ابتداء :
ميعما ً ِ َ
ه{ من ْم ُ ج ِ
ض َ
ممما فِممي الْر ِ
ت وَ َوا ِ
م َ
سم َ
ممما فِممي ال ّ خَر ل َك ُم ْ
م َ سم ّ
}وَ َ
]سورة الجاثية [45/13
ولكن تحقيق هذا التسخير في عممالم الواقممع ل يتممم بمجممرد رغبممة
النسان في ذلك ،فهو ليممس إلهمما يقممول للشممئ كممن فيكممون ،إنممما
يتحقق هذا التسخير بجهد معين يبذله النسان ،جهد عقلي يتعممرف
به النسان علي أساس الكون وخواصممه ،وجهممد عضمملي يطبممق بممه
النسان ثمار معرفته في صورة عمل منتج .
وكل ذلك يوجه العقل لدائه .بل هو ميدانة الصيل الممذي تتجلممي
فيه كل عبقريته ،والذي ل يشاركه فيه غيره .وليس معني ذلك أنه
في هممذا الميممدان ل يخطممئ وليتمموهم ،فكممثير ممما يقممع فممي الخطممأ
والوهم كما بين تاريخ العلوم ،ولكممن معنمماه أن لممديه أوسممع فرصممة
ليصل إلي الحقيقة فيما قدر الله أن يكشف له من أمور هذا الكون
.ولكنه يوجه إلي ذلممك بعممد أن يمموجه إلممي التعممرف علممي الخممالق ،
وعلي كل قضايا العقيدة
ولذلك حكمة واضحة
فالعقل البشري ما لم يعوقه معوق – كما كان من أمممر الكنيسممة
الوروبيممة وحجرهمما علممي العقممل أن يفكممر – مفطممور بطبعممه علممي
التفكير فيما حوله ،واستنباط الطرق التي تحقق للنسممان حاجمماته
،ثم تحسينها ومحاولممة الوصممول بهمما إلممي أقصممي حممد مممن التقممان
والفاعلية ،من أجل الحصول علي القدر من " المتاع" الذي قممدره
الله للنسان في الرض .
ن )] {(36سورة البقممرة مَتاعٌ إ َِلى ِ }ول َك ُم ِفي ال َ
حي ٍ ست ََقّر وَ َ م ْض ُ ِ ر
ْ َ ْ
[2/36
ولكن العبرة في حياة " النسان " ليست بمجرد العمارة الماديممة
للرض ،ول مجرد الحصول علي المتاع من أي لون ومن أي طريق
إنما " النسان" خلق لشئ أرفع من ذلك وأسممي ..خلممق لحمممل "
المانة" التي اشفقت من حملها السماوات والرض والجبال :
َ َ ت وال َ ضمَنا ال َ
ن
نأ ْ ل فَمأب َي ْ َ ض َوال ْ ِ
جب َمما ِ ِ ر
ْ َ ِ وا
َ م
َ م سّ ال مى مة عَل َ َ مَ ن ماَ }إ ِّنا عََر ْ
ن{ ]سورة الحزاب [33/72 سا ُ مل ََها ال ِن ْ َ
ح َ من َْها وَ َ ن ِ شَفْق َمل ْن ََها وَأ َ ْ
ح ِ
يَ ْ
وحمل المانة ل يتم بمجرد العمارة المادية ول المتمماع الحسممي ..
إنممما يتممم بإقامممة ذلممك كلممه علممي أسمماس مممن " القيممم " ..والقيممم
الحقيقية هي التي حواهمما المنهممج الربمماني للحيمماة " وقممد رأينمما مممن
دراسممتنا السممابقة أن كممل ممما عممداها زائف ل يلبممث أن تعبممث بممه
العاصير " ومن ثم كان لبد من توجيه العقل أول -والكيان النسان
كله في الحقيقة – للتعرف علي الله واليمان به وطاعته ،حممتي إذا
جاء العقل يتعرف علي الكون ،ويعمممل علممي تسممخير طاقمماته فممي
عمارة الرض ،كان مهتديا بالهممدي الربمماني ،فأقممام عمممارة الرض
علي أساس المنهج الرباني الذي به وحده تصلح الحياة .
وقد مر بنا في هذا الفصممل وممما قبلممه كيممف صممارت الرض حيممن
قامت عمارتها المادية علي" قيم "أخري غير القيم التي قررها الله
وأمر بإقامتها فممي الرض ،وحاضممر الجاهليممة المعاصممرة غنممي عممن
الشارة وغني عن التعليق .
فتوجيه العقل – في السلم – إلي التعرف علممي السممنن الكونيممة
من أجل عمارة الرض بعد توجيهه إلي اليمان بممالله ،وهممو المنهممج
الصحيح لتنشئة " النسان الصالح" الذي تسعي البشرية – نظريمما –
إلي تنشئة ،ولكنها تخفق دائما حين تتنكب المنهج الرباني ،وتنشئ
من عندها مناهج تؤدي إلي البوار .
وإن كممان لممن مممن شممئ نممذكر بممه أو نعيممد التممذكير بممه فممي هممذا
المجال ،فهو أن المة المسلمة –ب تمموجيه السمملم – 0هممي الممتي
أنشأت المنهج التجريبي في البحث العلمي ،الذي قامت عليممه كممل
نهضة أوروبا العلمية فيما بعد ،ولكنها تفردت في التاريخ بأنهمما هممي
التي أنشأت حضارة "إنسانية " حقيقية ،تمثممل " النسممان " كممل ل
جانبما واحمد ممن جموانبه ،وتمثلمه متوازنما كمما ينبغمي للنسمان ،ل
العمل في الدنيا يشغله عن الخرة ،ول المتاع الحسي يشغله عممن
المتاع الروحممي المتمثممل فممي العبمادة ،وفمي الجهمماد لقاممة الحممق
والعدل في الرض ،ول رؤية السباب الظمماهرة تفتنممة عممن السممبب
الحقيقي ،ول العلم يفتنه عن الممدين ..إلممي آخممر تلممك النحرافممات
التي وقعت فيهمما الجاهليممة الوروبيممة حيممن رفضممت الهممدي الربمماني
وجعلت " عقلها" يرسم لها الطريق !
m m m
رابعا :ترد في كتاب الله مجموعة من السنن التي يجري الله بها
قدرة في حياة البشر ،وترد الشارة المكررة بأن سنة الله ل تتبدل
ول تتغير ،ول تتوقف محاباة لحد مممن الخلممق ،ويمموجه العقممل إلممي
تدبر هذه السنن من أجل غقامة المجتمع الصالح الذي يتمشممي مممع
مقتضياتها ول يصادمها .
فالحياة البشرية ابتداء ليست فوضممي بل ضممبابط .إنممما يضممبطها
نظام رباني دقيق ،يسير بحسب سنن ثابتممة ،ترتممب نتممائج محممددة
علي السلوك البشري في جميع أحواله .ومن ثم يستطيع النسممان
أن يتبين السلوك الصائب الذي ينبغي أن يسلكه ،كما يتبين النتممائج
المتوقعة من سلوكه ،ل رجممما بممالغيب ،ولكممن تحقيقمما لسممنة اللممه
التي ل تتبدل ول تتغير .
وهذه السنن تتنمماول حيمماة الجماعممة ،فهممي سممنن اجتماعيممة فممي
غالبها .أما ما يرد بشأن الفرد فغالبا ما يكون متعلقا بممالجزاء الممذي
يجزاه في الخرة لقاء عمله في الدنيا ،وإن كان بعض السنن يممأتي
فيه ذكر المفرد كقوله تعالي :
}وم َ
م شُرهُ َيمموْ َ ح ُ ضنكا ً " " وَن َ ْ
1
ة َ ش ً مِعي َ ه َ ن لَ ُ ري فَإ ِ ّ ن ذِك ْ ِ ض عَ ْ ن أعَْر َ َ َ ْ
َ
مى )] {(124سورة طمه [20/124 مةِ أعْ َ ال ِْقَيا َ
ونعرض هنمما بعممض هممذه السممنن علممي سممبيل المثممال ل الحصممر ،
فليس همنا تتبعها واستقصاءها ،إنما التنويه بعمل العقل إزاءها .
َ
م ذيَقهُ ْ س ل ِي ُم ِ دي الن ّمما ِ ت أي ْم ِ س مب َ ْ ما ك َ َ حرِ ب ِ َ ساد ُ ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ }ظ َهََر ال َْف َ
ن )] {(41سورة الروم [30/41 جُعو َ م ي َْر ِ مُلوا ل َعَل ّهُ ْ ذي عَ ِ ض ال ّ ِ ب َعْ َ
َ
م{ ]سممورة س مه ِ ْ ممما ب ِأنُف ِ حّتى ي ُغَي ُّروا َ ما ب َِقوْم ٍ َ ه ل ي ُغَي ُّر َ ن الل ّ َ }الل ّهِ إ ِ ّ
الرعد [13/11
َ }ذ َل َ َ
ما حّتى ي ُغَي ُّروا َ مَها عََلى قَوْم ٍ َ ة أن ْعَ َ م ً مغَّيرا ً ن ِعْ َ ك ُ م يَ ُ ه لَ ْ ن الل ّ َ ك ب ِأ ّ ِ
م{ ]سورة النفال [8/53 َ
سه ِ ْ ب ِأنُف ِ
ذا حت ّممى إ ِ َ ل َ ب ك ُم ّ }فَل َما نسوا ما ذ ُك ّروا به فَتحنا عَل َيه َ
يٍء َ شم ْ وا َ م أب ْم َ ِْ ْ ِ ِ َ ْ َ ُ َ ّ َ ُ
ن )] {(44سممورة سممو َ مب ْل ِ ُ م ُ ذا هُم ْ ة ف َ مإ ِ َ م ب َغْت َم ً خمذ َْناهُ ْ ما ُأوت ُمموا أ َ
َ
حوا ب ِ َ فَرِ ُ
النعام [6/44
ذابا ً ممن فَموقك ُ َ َ
ن مم ْ م أو ْ ِ ْ ِ ْ م عَم َ ْ ِ ْ ث عَل َي ْك ُم ْ ن ي َب ْعَم َ ل هُوَ ال َْقادُِر عََلى أ ْ }قُ ْ
تحت أ َرجل ِك ُ َ
ض{ ]سممورة س ب َعْم ٍ م ب َمأ َ ضك ُ ْ ذيقَ ب َعْ َ شَيعا ً وَي ُ ِ م ِ سك ُ ْ م أوْ ي َل ْب ِ َ ْ َ ْ ِ ْ ُ
النعام [6/65
ماِء س َ ن ال ّ م ْت ِ كا ٍ م ب ََر َ حَنا عَل َي ْهِ ْ وا ل ََفت َ ْ مُنوا َوات َّق ْ ل ال ُْقَرى آ َ ن أ َهْ َ َ
}وَل َوْ أ ّ
َ َ
ن ك َمذ ُّبوا ض وَل َك ِم ْ ماِء َوالْر ِ سم َ ن ال ّ مم ْ ت ِ م ب ََرك َمما ٍ حن َمما عَل َي ْهِ م ْ ض ل ََفت َ ْ َوا َلْر ِ
ن )] {(96سورة العراف [7/96 سُبو َ كاُنوا ي َك ْ ِ ما َ م بِ َ خذ َْناهُ ْ فَأ َ
}أ َحسب الناس أ َن يتر ُ َ
ن ) (2وَل ََقد ْ م ل ي ُْفت َُنو َ مّنا وَهُ ْ ن ي َُقوُلوا آ َ كوا أ ْ ّ ُ ْ َُْ َ ِ َ
ن) كاذِِبي َن ال ْ َ م ّ صد َُقوا وَل َي َعْل َ َ ن َ ذي َ ه ال ّ ِ ن الل ّ ُ م ّ م فَل َي َعْل َ َ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ ن ِ ذي َ فَت َّنا ال ّ ِ
] {(3سورة العنكبوت [3-29/2
ف إل َيه َ
م م ِفيَها وَهُ م ْ مال َهُ ْ م أعْ َ حَياةَ الد ّن َْيا وَِزين َت ََها ن ُوَ ّ ِ ْ ِ ْ ريد ُ ال ْ َ ِ ن يُ كا َ ن َ م ْ } َ
ُ
خ مَرةِ إ ِل ّ الن ّمماُر م فِممي ال ِ س ل َهُ م ْ ن ل َي ْم َ ذي َ ك ال ّ ِ ن ) (15أوْل َئ ِ َ سو َ خ ُ ِفيَها ل ي ُب ْ َ
ن )] {(16سممورة هممود مل ُممو َ ما ك َمماُنوا ي َعْ َ ل َ صن َُعوا ِفيَها وََباط ِ ٌ ما َ ط َ حب ِ َ وَ َ
[16-11/15
َ
مت َْرُفوهَمما ل ُ ذيرٍ إ ِل ّ قَمما َ ن نَ ِ م ْ ك ِفي قَْري َةٍ ِ ن قَب ْل ِ َ م ْ سل َْنا ِ ما أْر َ ك َ }وَك َذ َل ِ َ
ُ
ن )] {(23سممورة دو َ مْقت َم ُ م ُ مةٍ وَإ ِّنا عَل َممى آث َممارِهِ ْ جد َْنا آَباَءَنا عََلى أ ّ إ ِّنا وَ َ
الزخرف [43/23
أي في الحياة الدنيا 1
ْ َ
ن كي َ شرِ ِ م ْ ما ك ُّنا ب ِهِ ُ حد َهُ وَك ََفْرَنا ب ِ َ مّنا ِبالل ّهِ وَ ْ سَنا َقاُلوا آ َ ما َرأْوا ب َأ َ }فَل َ ّ
ْ َ
ت خل َ ْة الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ سن ّ َ سَنا ُ ما َرأْوا ب َأ َ م لَ ّ مان ُهُ ْ م ِإي َ ك ي َن َْفعُهُ ْ م يَ ُ ) (84فَل َ ْ
ن )] {(85سورة غافر [85-40/84 كافُِرو َ ك ال ْ َ سَر هَُنال ِ َ خ ِ عَبادِهِ وَ َ ِفي ِ
ونفق وقفة قصيرة عند هذه السنة الربانية :
س ما م نلل َ
ك م عل ُ جا مي م ن إ ل َ قاَ ن ه م ت }وإذ ْ ابتَلى إبراهيم ربه بك َلمات فَأ َ
ِ ّ ِ ِ َ ّ ِ ّ ُ ّ َ َِْ ِ َ َ ّ ُ ِ ِ َ ٍ َِ َْ
ن ) ] {(124سورة مي َ ظال ِ ِ دي ال ّ ل عَهْ ِ ل ل ي ََنا ُ ن ذ ُّري ِّتي َقا َ م ْ ل وَ ِ ماما ً َقا َ إِ َ
البقرة [2/124
فقد ابتلي الله إبراهيممم عليممه السمملم بجملممة ابتلءات صممبر فيهمما
صبرا جميل ،وكان قمة البتلءات أمره – فممي الرؤيمما – بذبممح ولممده
الحبيب إسماعيل واستسلمه وولده للمر الرباني :
َ َ َ
ل ذا ت ََرى َقا َ ما َ ك َفانظ ُْر َ ح َ مَنام ِ أّني أذ ْب َ ُ ي إ ِّني أَرى ِفي ال ْ َ ل َيا ب ُن َ ّ }َقا َ
َ
ن )(102 ري َ صمماب ِ ِ ن ال ّ مم ْ ه ِ شمماَء الل ّم ُ ن َ جد ُِني إ ِ ْ ست َ ِمُر َ ما ت ُؤْ َ ل َ ت افْعَ ْ َيا أب َ ِ
َ َ
م ) (104قَ مد ْ هي م ُ ن ي َمما إ ِب َْرا ِ ن ) (103وََناد َي ْن َمماهُ أ ْ جِبي ِ ه ل ِل ْ َ
ما وَت َل ّ ُ سل َ َ ما أ ْ فَل َ ّ
ت الّرؤَْيا{ ]سورة الصافات [105-37/102 صد ّقْ َ َ
ولقد أكرمه الله جزاء نجاحه البمماهر فممي هممذه البتلءات فاجتبمماه
واتخذه خليل :
خِليل ً )] {(125سورة النساء [4/125 م َ هي َ ه إ ِب َْرا ِ خذ َ الل ّ ُ }َوات ّ َ
وجعله للناس إماما ..وتلك نعمة كبري يمن الله بها علممي عبممادة
المقربين ..فلما نال تلك الحظوة عند الله تحركت رغبتممه البشممرية
الطبيعية في أن يكون هذا العهد ماضمميا فممي ذريتممه ،فيكونمموا أئمممة
للهدي ،يهدون الناس إلي اليمان ،فهل حممابه السممنة اللهيممة وهممو
في موضع التكريم والتقريممب والممترحيب ؟ كل ! لقممد كممان الجممواب
حاسما " :ل ينال عهدي الظممالمين " أي أن العهممد ممماض فيهممم إذا
هم استقاموا علي الطريق ،فمإذا ظلمموا فل عهمد لهمم عنمد اللمه .
ذلك أن الله ل يمكن للناس في الرض لن أباءهم أو أجدادهم كانوا
مؤمنين ! بل حين يكونون هم بأنفسهم مستقيمين علي الطريممق ..
أممما الممذين يؤثممون العهممد وراثممة ،أو يرثممون كتمماب اللممه وراثممة – أي
يتخذونه تراثا ! -فيصبح في حسهم أنه كتاب البمماء والجممداد وليممس
كتابهم هم ،ولهم مكلفون بتطبيقه ،فأولئك يقول الله فيهمم وفمي
أمثالهم :
َ ْ
ذا الد ْن َممى ض هَ َ ن ْعََر َ ذو َ خ ُ ب ي َأ ُ ف وَرُِثوا ال ْك َِتا َ خل ْ ٌ م َ ن ب َعْدِهِ ْ م ْ ف ِ خل َ َ }فَ َ
همث ْل ُم ُ ض ِ م عَمَر ٌ ن ي َمأت ِهِ ْ سمي ُغَْفُر ل َن َمما وَإ ِ ْ ن َ سمي ُغَْفُر ل َن َمما وَي َُقول ُممو َ ن َ وَي َُقوُلو َ
ن ل ي َُقول ُمموا عَل َممى الل ّمهِ إ ِل ّ َ َ ْ
بأ ْ ميث َمماقُ ال ْك ِت َمما ِ م ِ خذ ْ عَل َي ْهِم ْ م ي ُؤْ َ ذوهُ أل َ ْ خ ُ ي َأ ُ
خير ل ِل ّذين يتُقو َ
ن) ن أَفل ت َعِْقُلممو َ َ ِ َ َّ خَرةُ َ ْ ٌ داُر ال ِ ما ِفيهِ َوال ّ سوا َ حقّ وَد ََر ُ ال ْ َ
َ َ
جمَر ضمميعُ أ ْ صمملةَ إ ِن ّمما ل ن ُ ِ موا ال ّ ب وَأقَمما ُ ن ِبال ْك ِت َمما ِ كو َ سم ُ م ّ ن يُ َ ذي َ َ (169وال ّ ِ
ن )] {(170سورة العراف [170-7/169 حي َ صل ِ ِ م ْ ال ْ ُ
والذي يعنينا من هذه السنن هنا – كممما أسمملفنا – هممو دور العقممل
في تدبرها ،ل تدبرا نظريا فلسفيا يبدأ في العقل وينتهي في العقل
كما كان شأن عقلنية الغريق .إنما يتدبرها ليعمل – بوعي – علممي
إقامة المجتمع الصالح الذي يستحق التمكيممن فممي الرض يمقتضممي
الوعد الرباني .
خل َِفن ُّهم فِممي س مت َ ْ ت ل َي َ ْ حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ م وَعَ ِ من ْك ُ ْ مُنوا ِ نآ َ ذي َ ه ال ّ ِ }وَعَد َ الل ّ ُ
م ال ّم ِ ال َ
ذي م ِدين َهُم ْ ن ل َهُم ْ مك ّن َم ّ م وَل َي ُ َ ن قَب ْل ِهِم ْ مم ْ ن ِ ذي َ ف ال ّم ِ خل َ َ ست َ ْ ما ا ْ ض كَ َ ِ ر
ْ
ن ِبممي ُ ْ ً َ َ َ َ
دون َِني ل ي ُشرِكو َ منا ي َعْب ُ ُ مأ ْ خوْفِهِ ْ ن ب َعْدِ َ م ْ م ِ م وَلي ُب َد ّلن ّهُ ْ ضى لهُ ْ اْرت َ َ
شْيئًا] {...سورة النممور [24/55 َ
وليتجنب النذير الرباني :
َ
م ){(38 مث َممال َك ُ ْ كون ُمموا أ ْ م ل يَ ُ م ث ُم ّ وم ما ً غَي َْرك ُم ْ ل قَ ْ ست َب ْدِ ْ وا ي َ ْ ن ت َت َوَل ّ ْ }وَإ ِ ْ
]سورة محمد [47/38
والنذير الخر
ة{ ]سورة النفال ص ًخا ّ م َ من ْك ُ ْ موا ِ ن ظ َل َ ُ ذي َ ن ال ّ ِ صيب َ ّ ة ل تُ ِ }َوات ُّقوا فِت ْن َ ً
[8/25
لسكوتهم عن المر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي هو قوام
خيرية هذه المة
ْ ُ خير أ ُ
نن عَم ْ ف وَت َن ْهَموْ َ معُْرو ِ ن ب ِممال ْ َ مُرو َ س ت َمأ ُ ِ مامّ ن للِ تْ ج
َ ِ ر خ
ْ أ ٍ ة م
ّ م َ َْ }ك ُن ْت ُ ْ
ه{ ]سورة آل [3/110 ن ِبالل ّ ِ مُنو َ منك َرِ وَت ُؤْ ِ ال ْ ُ
فحين تسممكت المممة عممن المممر بممالمعروف والنهممي عممن المنكممر
تصممبيها الفتنممة ول تصمميب الممذين ظلممموا وحممدهم ،ولكممن تصمميب
المجممموع كلممه لتقصمميرة فممي مقمموم أصمميل مممن مقومممات الحيمماة
الجتماعية والسياسية
ول تقتصر " التوعيممة " السياسممية علممي قضممية المممر بممالمعروف
والنهممي عممن المنكممر ،إنممما تتعممداها إلممي التوعيممة بالممدور التمماريخي
والنساني لهذه المة :
داَء عَل َ سطا ً ك جعل ْناك ُم أ ُ
ن س وَي َك ُممو َ ِ ما
م ّ ن ال مى م َ َ ه ُ
ش نوا ُ ُ
كو َ ت ِ ل َ َ و ة
ً م
ّ }وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ
شِهيدًا{ ]سورة البقرة [2/143 م َ ل عَل َي ْك ُ ْ سو ُ الّر ُ
والتوعية بأعداء هذه المة ،ومخططاتهم ضدها ،وأهممدافهم مممن
هذه المخططات ،وواجبهما إزاءهم ،وطريقممة التعامممل معهممم فممي
السلم والحرب ،وقضية الولء ومع من يكون ،وما حدوده وطبيعته
..إلخ ..مما لمجممال لتفصمميلة هنمما ،فلممه مبمماحثه الخاصممة ،وإنممما
نتحدث هنا عن دور " العقل " في كل ذلك ..ودوره هو تدبر السنن
الربانية التي يتحصل منهمما المموعي الجتممماعي والمموعي السياسممي ،
وهو أمر واجب في السلم ليتممم تنفيممذ المنهممج الربمماني علممي وجممه
الصحيح .
خامسا :يوجه العقل إلي دراسة التاريخ
ن
كا َ ف َ ظروا ك َي ْ َ سيُروا ِفي ال َْرض َفان ْ ُ ن فَ ِ سن َ ٌ م ُ ن قَب ْل ِك ُ ْ م ْ ت ِ خل َ ْ }قَد ْ َ
ِ
ن )] {(137سورة آل [3/137 مك َذ ِّبي َ ة ال ْ ُ عاقِب َ ُ َ
سيُروا ِفي ال َْر َ
ن مم ْ ن ِ ذي َ ة ال ّم ِعاقِب َم ُ ن َ ف ك َمما َ ض فََينظ ُُروا ك َي ْم َ ِ م يَ ِ }أوَل َ ْ
َ َ َ م ك َمماُنوا أ َ َ
ممما م ّ مُروهَمما أك ْث َمَر ِ ض وَعَ َ م قُ موّةً وَأث َمماُروا الْر َ من ْهُ م ْ ش مد ّ ِ قَب ْل ِهِ م ْ
نم وَل َك ِم ْ مه ُ م ْه ل ِي َظ ْل ِ َ
ن الل ّم ُ ممما ك َمما َ ت فَ َ م ِبال ْب َي َّنا ِ سل ُهُ ْ م ُر ُ جاَءت ْهُ ْ ها وَ َ مُرو َ عَ َ
1
َ
ن )] {(9سورة الروم [30/9 مو َ م ي َظ ْل ِ ُ سه ُ ْ كاُنوا أنُف َ َ
ن ذا ٌ ن ب ِهَمما أ َوْ آ َ ب ي َعِْقل ُممو َ م قُل ُممو ٌ ن ل َهُ ْ كو َ سيُروا ِفي ال َْرض فَت َ ُ
ِ م يَ ِ }أفَل َ ْ
َ
ب ال ّت ِممي فِممي مممى ال ُْقل ُممو ُ َ
ن ت َعْ َ صاُر وَل َك ِم ْ مى الب ْ َ ن ب َِها فَإ ِن َّها ل ت َعْ َ مُعو َ س َ يَ ْ
دورِ )] {(46سورة الحمج [22/46 ص ُ ال ّ
وواضح أن دراسة التاريخ المطلوب هي للعبرة ل للتسلية وتزجية
الفراغ ! ولكن ينبغي أن نعرف موطن العبرة من دراسة التاريخ
أن السنن الربانية التي أشرنا إليها في الفقممرة السممابقة ،والممتي
يجري قدر الله بمقتضاها في حياة البشممرية ،والممتي قلنمما إن العقممل
البشري مدعو إلممي تممدبرها والتفكممر فيمما مممن أجمل إقاممة المجتمممع
الصالح القائم علي المنهج الرباني ..هذه السنن – بطبيعتها – نادرا
ممما تتحقممق بتمامهمما فممي داخممل عمممر الفممرد المحممدود ،لن السممنن
الجتماعيممة بطبيعتهمما تسممتغرق اجيممال متواليممة حممتي يتممم التحممول
الجتماعي سواء إلي الخير أو إلي الشر ) فيممما عممدا القلممة النممادرة
التي تقتضي حكمة الله فيها تحقيق سنة بكاملهمما فممي أمممد قصممير ،
تأييد لنبي أو تمكينا لجماعة مؤمنة ،كما حممدث مممع الرسممول صمملي
الله عليهم وسلم وبناء هذه المة الشامخة في سنوات قصار (
وأنظر مثل إلي هذه السنة :
َ
ذا حت ّممى إ ِ َ يٍء َ شم ْ ل َ ب ك ُم ّ وا َ م أب ْم َ حَنا عَل َي ْهِ ْ ما ذ ُك ُّروا ب ِهِ فَت َ ْ سوا َ ما ن َ ُ }فَل َ ّ
ن )] {(44سممورة سممو َ مب ْل ِ ُم ُ ذا هُم ْ ة ف َ مإ ِ َ م ب َغْت َم ً خمذ َْناهُ ْ ما ُأوت ُمموا أ َ َ حوا ب ِ َ فَرِ ُ
النعام [6/44
فالجزء الول من هممذه السممنة يمثممل الواقممع الوروبممي فممي وقتممه
الحاضر ..نسوا ما ذكروا به ،وكفروا وجحممدوا ،ففتممح اللممه عليهممم
أبواب كل شئ ،من قوة سياسية وقوة عسكرية وقوة علمية وقوة
أي بالتدمير عليهم لتكذيبهم. 1
تكنولوجية وقوة اقتصادية ..وكل ما يمكممن أن يممدخل فممي " أبممواب
كل شئ " وهذا الجزء وحده مممن هممذه السممنة قممد اسممتغرق قرنيممن
كاملين من الزمان ،ولد فيه أفراد – بممل أجيممال – قضمموا أعمممارهم
في هذه الحياة ورحلوا ،ولما تتحقق بقية السنة المذكورة في الية
"،حتي إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هممم مبلسممون " ! بممل
توهم أناس في وقت من الوقات أن هذه البواب المفتوحة ستظل
مفتوحة إلي البد ل تغلق ول تتهدم علي أصحابها مهما ارتكبمموا مممن
آثام !
واليوم بدا مفكرو الغرب أنفسهم يدركون أن " حضممارتهم " آيلممة
إلي النهيار ..وبدأو ينذرون قممومهم إذا اسممتمروا فممي البعممد عممن "
1
القيم الروحية" كما يسمونها
أن يصمميبهم الممدمار الممذي أصمماب أمممما مممن قبلهممم ..ولكممن كممم
يستغرق ذلك من الزمان ؟ جيل أو اجيال كما استغرق تحقيق الجزء
الول من سنة الله !
لذلك يوجه الله " العقل " أن تتدبر التاريخ ! فالتاريخ هو المجممال
الواسع الذي تتحقق فيممه السممنن الربانيممة بأكملهمما ،سممواء منهمما ممما
يتحقق في عمر الفرد وما يتحقق في عمممر الجيممال .والغلممب هممو
الخير !
تدبر التاريخ إذن هو في الواقع تدبر السممنن الربانيممة فممي واقعهمما
التاريخي الذي يمتد خلل القرون ،ورؤيممة الطريقممة الواقعيممة الممتي
تتحقق بها تلك السممنن فممي حيمماة المممم والفممراد ،لتتحقممق العممبرة
الكاملة في نفوس الناس ،فيسممايروا هممذه السممنن ول يصممادموها ،
ول يقول قائل لنفسه – علي سبيل المثال – ها أنذا قد عشممت فممي
المجتمع الفاسد عمري كله وشاركته الفساد فل أنا أصممابني الممدمار
ول المجتمع الذي عشت فيه ! ول يقممول قممائل لنفسممه لممماذا أجهممد
نفممس فممي تقممويم المجتمممع مممن انحرافممه الخلقممي أو الفكممري أو
الروحممي ..ممما دام هممذا المجتمممع يملممك القمموة العسممكرية والقمموة
السياسية والقمموة القتصممادية الممتي تسممتند وتنعممه مممن الممدمار ! ول
يقول قائل لنفسه :ما قيمة "القيم " ؟ وما فائدة " الممدين " ؟ وممما
معني " الخلق " ؟ إذا كان يمكن للمجتمع أن يعيش متماسكا قويا
بغير ذلك كله عدة قرون ؟
تلك عبرة دراسة التاريخ ..
إن التاريممخ ل يممدرس – مممن وجهممة النظممر السمملمية – لتسممجيل
لنهم ما زالوا في جاهليتهم يكوهرون أن يذكروا الذين باسمه الصريح ! 1
انتصارات الجيوش وانكساراتها ،ونشاة الدولة وزوالها مجردة عممن
القيم المصاحبة لها ،وعن مجري السنن الربانية فيها ،إنما يممدرس
بادئ ذي بدء لتتبع حياة " النسان" في حالتيه :حالة الهممدي وحالممة
الضلل ،وما يجمري خلل كمل ممن الحماليتين ممن أحمداث ،ونتمائج
تترتب علي الحممداث ،مضممبوطة بالمعيممار الممذي ل يخطممئ ،معيممار
السنة الربانية الحتمية التحقيق .
و" النسان" ابتداء هو ذلك المخلوق الذي خلقمه اللمه ممن قبضمة
من طين الرض ثم سواه ونفخ فيه من روحه ،ل " الحيوان " الذي
ابتدعه دارون ،ول " المادة" التي زعمها التفسير المادي للتاريممخ ..
ومقياس علوه وهبوطه ليس هممو النتمماج المممادي والعمممارة الماديممة
للرض :
َ َ كاُنوا أ َ َ
} َ
مُروهَمما{ ]سممورة الممروم م قُوّةً وَأث َمماُروا الْر َ
ض وَعَ َ من ْهُ ْ
شد ّ ِ
[30/9
ولكنهم كانوا جاهلين ،لنهم رفضوا الهدي الرباني ،وأصابهم في
النهاية ما يصيب الجاهلية من الدمار ،علممي الرغممم مممن كممل القمموة
التي يملكونها ،ومن إثارة الرض وعمارتها .
إنما مقايس علو " النسان " او هبمموطه هممو مقيمماس " النسممانية
" ..مقياس التزامه بالهدي الرباني الذي يحقق – وحممده – إنسممانية
النسان ،والتزامه بمقتضيات الخلفة الراشممدة ،أي عمممارة الرض
بمقتضي المنهج الرباني ل بأي منهج سواه .
وحين يتحقق هذه الوعي التاريخي – ل في صورة فلسفية ذهنيممة
تجريدية – ولكن في صورة وعي حركممي واقعممي ،يكممون هممذا عونمما
كبيرا للنسان الراشد ،يوجه إلي السلوك الناضج المستقيم ،الذي
يتحقق به الوجود العلي للنسان .
m m m
قال تعالي :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " ) سورة الحجر (9 1
القومية والوطنية
الوطنية معناها أن يشعر جميع أبناء الوطن الواحممد بممالولء لممذلك
المموطن ،والتعصممب لممه ،أيمما كممانت أصممولها الممتي ينتمممون إليهمما ،
وأجناسهم الممتي انحممدروا منهمما .أي أن الممولء فيهمما للرض بصممرف
النظر عن القوم أو اللغة او الجنس .
والقومية معناها أن أبناء الصل الواحد واللغة الواحممدة ينبغممي أن
يكون ولؤهم واحدات وإن تعددت أرضممهم وتفرقممت أوطممانهم ،وأن
كان معناها أيضا السعي في النهاية إلي توحيد الوطن بحيث تجتمممع
القومية الواحدة في وطن شامل ،فيكون الولء للقوميممة مصممحوبا
بالولء للرض ..ولكن الولء للقومية يظل هو الصل ولو لم تتحقق
وحدة الرض .
وأيا كانت التعريفات النظريممة للقويمممة والوطنيممة ،فالممذي يهمنمما
بادئ ذي بدء أن نتعرف علممي منشممئها فممي أوربمما ،ثممم أثارهمما الممتي
ترتبت عليها في التاريخ البشري الحديث .
كانت أوربا في وقت من الوقات وحدة سياسممية تجمممع قوميممات
ولغات وأجناسا شتي ،في ظل المبراطورية الرومانية .ولممم يكممن
هذا التجمع يشكل " أمة " بالمعني الحقيقي .فقد كانت الدولة الم
هي " المة" في نظر نفسها وفي نظر المستعمرات التي اسممتولت
عليها والحقتها بالمبراطورية ،كما كانت الدولة الم هممي " السمميدة
" والمستعمرات هي " العبيممد " ولممم تمممتزج شممعوب المبراطوريممة
قط في وحدة حقيقية كالتي جمعت المة السلمية – -أمة العقيدة
– الممتي انصممهرت القوميممات والجنمماس واللغممات فيهمما فممي بوتقممة
العقيدة فصممارت أمممة واحممدة علممي مسممتوي واحممد ،وهممي " المممة
السلمية "
في مجتمع المدينة كان بلل الحبشي وصهيب الرومي وسمملمان
الفارسي في القمة من ذلك المجتمممع ،مممع السممادة مممن قريممش ،
وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يقول " سلمان منا أهل الممبيت
" وكان عمر رضي الله عنه يقول " :ابو بكر سيدنا ،واعتق سيدنا"
إشارة إلي بلل رضي الله عنه ،فكانه – وهو في الذؤابة من قريش
– يقول عن بلل " :سيدنا بلل " وهي قمة لم تصل إليهمما البشممرية
في تاريخها كله إل في أمة العقيدة.
ثم انساح المسلمون فممي الرض وفتحمموا ممما فتحمموا مممن البلد ل
لينشئوا إمبراطورية ولكن لينشور العقيدة .لم تكن توسممعه الرض
قط هي التي تهمهم أو تدفعهم إلي الخروج من أرضهم ،ولممم يكممن
ضم موارد جديدة ،واستخدامها – أو تسخيرها – للدولممة الم لتغنممي
وتكتنز ،خاطرا يدفع قائدا من القواد أو جنديا من الجنود ،إنما كان
الدافع الصيل هو إزالة " الجاهلية " ليحل محلها السلم دون إكراه
للناس علي عقيدة السلم إزالة الجاهلية ممثلة فممي دول وجيمموش
ونظم ل تؤمن بالله ول تطبق المنهج الرباني ،ليحل محلهمما النظممام
السلمي ممثل في تطمبيق شمريعة اللمه ،وتطمبيق العمدل الربماني
والحكمة الربانية ،مع ترك الناس أحرارا في عقائدهم بإذن الدولممة
السلمية بل بحراستها وحمايتها !
إنها تجربة فريدة في التاريخ ،لمم تتكممرر ،وليممس ممن شمأنها أن
تتكرر مع أي نظام آخر /،إل أن يكممون نظاممما قائممما علممي العقيممدة
الصحيحة في الله ،مطبقا لشريعة الله
ومهما يكن من أمر فإن أوربا لم تعممرف هممذا اللممون مممن التجمممع
فممي تاريخهمما كلممه ،حممتي بعممد أن اعتنممق المممبراطور قسممطنطين
المسيحية – أو أدعي ذلك – وفرضها علي المبراطوريممة كلهمما عممام
325م
وقد كان المفروض حين تصبح المبراطورية مسيحية أن يجمعهمما
ذلك اللون من التجمع الذي وحده المة السلمية فيما بعد ،وصممهر
أجناسها وألوانها ولغايتها فممي كيممان واحممد متحممد ،ليممس فيممه اتبمماع
ومتبوعون ،بل فيه " مسلمون" علي قدم المساواة
ول شك أن دخول المبراطورية في المسيحية قد أنشممأ – لفممترة
من الوقت – لونا من التجمع الشعوري ..وقد كممان هممذا هممو هممدف
قسممطنطين الحقيقممي مممن دخمموله المسمميحية ،فلممم يكممن همممة "
العقيدة" إما كان همه توحيد المبراطورية التي كمانت توشمك علمي
التمزق والفتراق ..ولكن هذا التجمع لممم يرتممق قممط إلممي الصممورة
التي مارستها المة السلمية لكثر من سبب واحد .
أحد السباب – أولعله السبب الرئيسي – أن الدين لم يصممل إلممي
المبراطورية في صورته الكاملة ،إنما وصل إليهمما -كممما بينمما فممي
التمهيد الول من هذا الكتاب – عقيدة مفصولة عن الشريعة ،وقممد
كان لتلك العقيدة سلطانها علي القلوب ول ريب ،ولكن ل يسممتوي
الدينان :دين متكامل يحكم مشمماعر القلممب وواقممع الحيمماة ،وديممن
ممسوخ ،يقبع فممي وجممدانات النمماس ،وقممد يحكممم بعمض سمملوكهم
الشخصي ،ولكنه عاجز عن حكم الواقع العملممي للنمماس ،يسممتكبر
عنه الباطرة فيحكمون بالقانون الروماني ول يحكمون بشرائع ذلك
الممدين ..ول يسممتوي الممدينان فممي أثرهممما علممي الواقممع ،ول فممي
قدرتهما علي تجميع الناس في صورة "أمة" موحدة :
ل
جم ٍسَلما ً ل َِر ُ
جل ً َن وََر ُ
سو َ مت َ َ
شاك ِ ُ شَر َ
كاُء ُ جل ً ِفيهِ ُ
مث َل ً َر ُ
ه َ ب الل ّ ُ ضَر َ } َ
ل{ ]سورة الزمر [39/29 مث َ ً
ن َ ست َوَِيا ِ هَ ْ
ل يَ ْ
والسبب الثاني أن العقيدة حين وصلت للمبراطورية الرومانية –
أو حين فرضها عليها المبراطور قسطنطين – لم تكن علممي صممورة
واحدة ،فقد كانت قد نقسمت إلي مذاهب ومعتقدات شتي -ل في
الفروع كما هو شان المذاهب السلمية – إنما في أصممل العتقمماد ،
بحيث ل يمكن أن يلتقي أصحاب مذهب ومذهب علي شئ ،فالدين
قد انحصر في العقيدة ،والعقيدة أصبحت عقائد مختلفممة متعارضممة
متعادية ..ويكفي نموذج واحد من هذا التعارض والعداء ممم ،وهممو ممما
كممان بيممن الدولممة الرومانيممة وأقبمماط مصممر ..فقممد كممانوا كلهممم "
مسيحيين " ولكن الخلف بين مممذهب الدولممة الكمماثوليكي ومممذهب
القباط الرثوذكسممي كممان مممن السممعة وعممدم اللتقمماء بحيممث كممان
القبمماط يسممامون الخسممف والعممذاب مممن أجممل عقيممدتهم ،حممتي
ليسممتخفون بهمما عممن أعيممن الدولممة ،ويقممام فممي الكنيسممة الواحممدة
عبادتان مختلفتان ،إحداهما علوية ظاهرة والخمري سمفلية سمرية ،
كما كان الحال في كنيسة " مار " " 1جرجممس " حيممث كممانت تقممام
صلة علنية علي مذهب الدولة في أورقة الكنيسة العلوية الظمماهرة
وصلة أخري سرية في سراديب تختية خفية ت يختفي فيها القباط
عممن عيممون الدولممة الرومانيممة الممتي تتعقبهممم بالعممذاب والرهمماب ..
وشأن هذا الخلف ان يمممزق ويفممرق ل أن يجمممع الصممفوف ويوحممد
البناء
وصممحيح أن أوربمما فممي مجموعهمما كممانت كاثوليكيممة لعممدة قممرون
م،وكان اتحادها في المذهب عامل من عومل تجمعها ،م كممما سممنبين
بعد ،ولكن حجم هذا التجمع وتأثيره في حياة الناس كان يمكممن أن
يكون أكبر من واقعة الذي كان عليه ،لو كممان فيممء حممس أصممحابه
أن دينهم واحد في كل الرض ،وأنهم ليسوا مجدر قطاع
مممن هممذا الممدين – وإن يكممن القطمماع العظممم – تغممايره بقيممة
2
القطاعات في أصول العتقاد
فإذا اجتمع إلي هذين السببين أن اللتينية – لغة الكتاب المقممدس
" مار" جرجس أي الشهيد جرجس .وهي ليست ماري جرجس كما تجري علي ألسنة العامة في مصر 1
الختلف الذي يمكن أن يقارن بذلك في العالم السلمي هو الخلف بين السنة والشيعة ولكن ينيغي أن نتذكر أن 2
الشيعة والسنة لم يختلفوا في قضية اللوهية – وهي محور الخلف الرئيسي بين المذاهب المسيحية المختلفة – ول
في نبوة الرسول صلي الله عليه وسلم ،إنما كان في مبدئه خلفا سياسيا جول خلفة علي بن أبي طالب كرم الله
وجه ثم تطور إلي أمور أخري .
3
وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم ال ابتاع الظن وما قتلوه يقينا ،بل رفعة الله إليه وكان الله
عزيزا حكيما " ) سورة النساء (158-157ولكن هذا ل يعفي اليهود في الحقيقة من وصمة الجرام ،فقد ظلوا
يحرضون الحاكم الروماني ببلطس حتي اصدر حكمة بصلب المسيح فإذا كان الله قد رفعه إليه ولم يمكنهم من
صلبة فإن جريمة التحريض باقية تصمم اليهود بالكفر والحرام
اليمان والكفر ..وتنبذ القيم المنبثقممة مممن العقيممدة ،وهممي نظافممة
المشاعر ونظافةا لسلوك مع الصدقاء والعداء سواء ..أي الصدق
مع كل الناس ،والمانة مع كل الناس ،والعدل مع كل الناس ،ثممم
الحب في الله والبغض في اللمه ) ل للمصمالح الرضمية ( أي الحمب
لمن هو جدير بالحب بالفعل بالمقاييس النسانية الرفيعة ،والبغض
حقا بتلك المقماييس ..وهمي القيمم المتي يختمار فيهما النسمان بيمن
اللتزام وعدم اللتزام .أي بين الرفعة والهبوط ..
أنظر في مقابل ذلك هذه الية الكريمة من القرآن :
شُعوبا ً وَقََبائ ِ َ ُ َ
ل م ُجعَل َْناك ُ ْ
ن ذ َك َرٍ وَأنَثى وَ َم ْ خل َْقَناك ُ ْ
م ِ س إ ِّنا َ}َيا أي َّها الّنا ُ
َ ل ِتعارُفوا إ َ
م{ ]سورة الحجرات [49/13 عن ْد َ الل ّهِ أت َْقاك ُ ْم ِمك ُ ْ ن أك َْر َ
ِ ّ ََ َ
فكون الناس شعوبا وقبائل ،هذه حقيقة واقعة ملموسممة ،وهممي
من إرادة الله لنه هو الذي " جعل " الناس كذلك ،ولكممن اللممه لممم
يشأ سبحانه أن ينحبس الناس في داخل شعوبهم وقبائلهم وينغلقوا
في حدودها وهو ما تفعله القوميات والوطنيممات بممادئ ذي بممدء ،ول
أراد للنمماس أن يلتقمموا مممن داخممل الطممار الممذي تشممكله شممعوبهم
وقبائلهم في عراك مع الشعوب والقبائل الخممري ،وهممو ممما تفعلممه
القوميات الوطنيات بعد ذلك أي بعد انحسارها في داخمل حمدودها ،
وبحثها عن " مصالحها القومية "!
إنما جعل الله الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا ..يتعممارفو كممما بنممو
النسان ..لن الخطاب في الية كان للناس " :يا أيهمما النمماس " ..
ل للوحوش ول للفاعي ول للحشرات ! ثم قرر الله قاعدة التعارف
التي تليق ببني النسان حني يتعارفون ،وهي التقوي " إن أكرمكممم
عند الله أتقاكم " وهي الكلمة الجامعة لكل ما في الحياة النسممانية
من معاني الخير ..
ولكن الجاهلية الوروبية ما كان لها أن تهتدي إلممي هممذه المعمماني
وهي ترفض أصل الهدي ومنبعه ،وهو السمملم ..ولممو اهتممدت إلممي
شئ من تلك المعاني ل ستصغرت الفق الممذي تجممور فيممه القوميممة
والوطنية وأحست نحوه بالزدراء ! ففممي اللحظممة الممتي تحممس أنممو
الرباط الحقيقي الذي يربط " نفسا إنسانية " بنفس أخري إنسممانية
ليممس هممو المصممالح الماديممة ،ليممس هممو الرض والكل والمتمماع
الحسبي ،وليس هو المور التي ل اختيار للنسان فيهمما مممن الرض
والمولد واللسان والدم ..إنما هو " المشاعر " التي ميزت النسان
من لحظة مولده عن سائر المخلوقممات مممن دونممه ،وهممي العقيممدة
الواعية في الله ،م والقيم المتعلقة بالعقيدة من نظافة سلوكية مممع
الناس ،وحب في الله وبغض في الله … فممي اللحظممة الممتي ترفممع
فيهمما إلممي ذلممك المسممتوي سممتحس علممي الفممور بممأن ممما تمارسممه
القوميممات والوطنيممات هبمموط ل يليممق " بالنسممان " ! ونكسممة إلممي
الوراء في ميزان " النسانية " وليس تقدما إلي المام !
وعلي الرغم من أن هذه الجاهليات قممد حمماولت أن تسممتعير مممن
السلم رقعة ترقع بها ثوبها الخلممق ،فيممما يسمممي بحركممة الصمملح
الديني ،فإن رفضها الساسي لصل الهمدي وقاعمدته الحقيقيمة قمد
جعل هذه الرقعة تضيع ضياعا كامل في ذلك الثوب ..وسممرعان ممما
بليت الرقعة كما بلي الثوب من قبل ،وألقممي صمماحب الثمموب ثمموبه
البالي كله ،وخرج من الدين ،واستبدل به قوميات علمانية ل صمملة
لها بالدين ،أقصي ما يتسع صدرها لممه ان تتسممامح فممي وجمموده فل
تنبذ أصحابه ول تطاردهم ،وإن كممانت كممثيرا ممما يضمميق صممدرها بممه
وبهم ،فتلفظهم لفظا وتلقي بهم خارج الساحة ،إن لم تفعل ماهو
أسوأ من ذلك كثيرا ،فتلقيهم في غياهب السجون !
علي أن الشر الذي نجم من القوميات والوطنيات لممم يكممن شممرا
شخصيا ينتهي أمره بهبوط أصحابه عممن إنسممانيتهم ،وقبمموعهم فممي
داخل حدودهم وهم متشحون بذلك الهبوط .كل ! ليس ذلممك مممن "
شم " القوميات والوطنيمات ،إل أن تكممون فمي حالمة ممن الضمعف
الشممديد ل تقممدر فيهمما علممي العممدوان ! أممما أن كممانت فممي حالتهمما "
الطبيعيممة " أي تملممك وسممائل القمموة ،فممإن أول ممما تتجممه إليممه هممو
السعي إلي توسيع رقعتها علي حساب قومية اخري أضممعف منهمما ،
أو تظن فيها أنها أضعف منها ! كما يسعي الوحش إلي الصممدام مممع
من يتوسم فيه الضعف ليفترسه !
يقول الستاذ الندوي بعد النص الذي نقلناه :
" لما قضت حركممة لمموثر الممتي تممدعي حركممة إصمملح الممدين علممي
وحدة أوروبا الثقافيممة والدينيممة انقسمممت هممذه القممارة فممي إمممارات
شعبية مختلفة ،وأصبحت منازعاتها ومنافسمماتها خطممرا خالممد علممي
1
أمن العالم
وبالفعممل نشممب صممراع عنيممف داخممل أوربمما بيممن هممذه القوميممات
الناشئة بعضها وبعض
ولنأخممذ مثممال واحممدا علممي ذلممك ممما يعممرف فممي التاريممخ الوربممي
بالحروب اليطالية
يقول الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي أسممتاذ التاريممخ الحممديث
ص 212من كتاب " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين 1
بقسم الدراسات العليا بكلية البنات السمملمية بجامعممة الزهممر فممي
كتابه " أوربا فممي مطلممع العصممور الحديثممة " تحممت عنمموان" تعريممف
بمصطلح الحروب اليطالية " :
" الحممروب اليطاليممة هممي حممروب منقطعممة نشممبت بيممن فرنسمما
وأسممبانيا خلل فممترة اسممتطالت خمسممة وسممتين عاممما ) -1494
( 1559وكانت هذه الحروب مظهرا من مظمماهر التنممافس الممدولي
بين هاتين الدولتين من أجل السيطرة والنفوذ في أوروبا ،والرغبممة
في التوسع القليمي داخل القارة ،وقد بدأ هذا التنافس بين فرنسا
وأسممبانيا قبممل أن يلفممظ القممرن الخممامس عشممر أنفاسممه الخيممرة
،واقترن بصراع حربي مرير خاضته الممدولتا ،وكممانت شممبه الجزيممرة
اليطاليممة ميممدانيا لتصممارع الجيمموش الفرنسممية والسممبانية خلل
المراحل الولي لهذه الحروب الممتي تطممورت بعممد ذلممك إلممي نضممال
أوربي استع نطاقه وانتقل إلي ميادين متعددة خارج شممبه الجزيممرة
1
اليطالية
ثم يقول بعد ذلك بصفحات تحت عنممون " الموقممف الممدولي عنممد
نشوب الحروب اليطالية
" كانت فرنسا وأسبانيا قد تطلعتا إلي إيطاليا واسممتهدفتا تحقيممق
غرضين هما :التوسع القليمي بالستيلء علي ممتلكات جديدة في
شبه الجزيرة اليطالية ،ثم السيطرة والتفوق السياسي في القارة
الوروبية .،كممانت كممل منهممما تمثممل الدولممة الملكيممة الموحممدة ذات
الحكومة المركزية ن وكانت كما منهممما أيضمما ) ،والقممرن الخممامس
عشر يلفظ أنفاسه الخيرة ( في طليعة الدول اللتينية والكاثوليكية
في غرب أوربا ،وقد بلغت كلتاهما مستوي من التقدم الحضمماري –
الثقافي والمادي – يفوق كثيرا المستوي السائد فممي شممرق أوربمما ،
وكان من المتوقع أن تركز هاتان الدولتان جهودهما لتنشمميط حركممة
البعوث الكشفية الجغرافية لتحقق مزيممد مممن النجمماح بعممد أن بممدت
تباشير اكتشاف عالم جديد يتيح أفاقا جديدة رحيبة للتجارة والممثراء
والقوة ولكن بدد ملوك أسبانيا وفرنسا قممواهم طمموال فممترة رحيبممة
للتجممارة والممثراء والقمموة ،ولكنبممدد ملمموك أسممبانيا وفرنسمما قممواهم
طوال فممترة امتممدت زهمماء خمسممة وسممتين عاممما فممي صممراع مريممر
استهدف السيطرة علي إيطاليا ،وأنظر بهم جميعا اضرار فادحممة ،
وأذل بلدا متحضرة شهدت مولد النهضة الوربية فممي فجممر التاريممخ
الحممديث ..وقممد أدي هممذا الصممراع إلممي أفممول النهضممة اليطاليممة ،
تفهم هذه العبارة خطأ علي أن " الصلح" هو الصلح خلقيا أو معنويا أو علي أساس أية قم رفيعة ،والتعبير في لغته 2
الصلية ل يحمل شيئا من هذه المعاني فكلمة Fittestمعناها :النسب " أي الذي يحمل المواصفات التي تجعله
يتفوق في الصراع الدائر بين الكائنات وبين البينة ،لن هذه المواصفات هي النسب للظروف البينية المحيطة فحين
يحدث الجفاف مثل يكون الكائن " النسب " هو النبات أو الحيوان الذي يحتمل العطش أكثر من غيره ..ولكنها
حملت معني " الصلح " من إيحاءات الداروينية العامة .
كلمة البرتغال :برتقال هي كلمة عربية فقد كان المسلمون يسمون هذه المنطقة أرض البرتقال ! 3
رجال التفتيش مبررا لصمب أفظمع ألموان التعمذيب علمي اهلمه ،لن
الحمامممات داخممل الممبيوت كممانت فممي ذلممك المموقت خصيصممة مممن
خصائص المسلمين ! ومع ذلك كله فقداسممتغرق المممر مممائتي عممام
حتي أفلح التعذيب الوحشي في تنصير النممدلس كلهمما ،ومحممو كممل
أثر السلم فيها .
ولما تم " رسميا" إزالممة الحكممم السمملمي – أي منممذ 1492م –
شجع الباب النصاري علي متابعة المسمملمين خممارج النممدلس ،فممي
حرب صليبية جديدة ،بغية القضاء علممي السمملم فممي كممل الرض .
ولكن وجود الدولة العثمانية القوية في الشرق ،التي أزلت الدولممة
البيزنطية باستيلئها علي القسطنطينية عام 1453م ،لم يكن يتيممح
للحرب الصليبية الجديدة أن تتجه إلي الشممرق نحممو بيممت المقممدس
كما اتجهت الحروب الصليبية الولممي الفاشمملة ،فحمماولت الممدور أن
حول العالم السلمي من جهة الغرب ،وكممانت البرتغممال أول دولممة
استجابت للتحريض البابوي وسارعت إلي تنفيذ .
في عام 1497قام فاسكودادجاما برحلته الشهيرة الممتي كشممف
فيها للوربيين طريق رأس الرجاء الصالح 1وبمعاونة البحار العربممي
المسلم " ابن ماجممد" وعلممي هممذي الخممرائط السمملمية للشممواطئ
الفريقية والسيوية ، 2دار فاسكوداجاما حممول افريقيمما متجهمما إلممي
الشرق حتي وصممل إلممي جممزر الهنممد الشممرقية ،وهنمما كقممال قممولته
الصليبية المشهورة ،التي تقطع بأن رحلته كما قيل عنها ،فقد قال
عند وصله إلي تلك الجزر " الن طوقن عنق السلم ،ولممم يبممق إل
جذب الحبل ليختنق فيموت !
وبعد ذلك تتابعت ":الكشوف " " وتتممابعت " الممرحلت العلميممة "
التي مهدت للستعمار الصليبي للعالم السلمي ..
ولما برزت القوميممات فممي أوربمما تلبسممت بممالروح الصممليبية تجمماه
المسلمين ن فأصممبح التنممافس يتمثممل – مممن بيممن ممما يتمثممل – فممي
التنافس علي استعمار العالم السلمي ،ومحاولة تنصير أهلممه عممن
طريق الحملت التبشيرية التي صاحبت الستعمار الصممليبي دائممما ،
ممهدة له أحيانا ،ومستندة إلي وجوده أحيانا ،ولكنهمما مصمماحبة لممه
علي الدوام !
وحتي حين أصبحت تلك القوميات "علمانية " تماما لم يؤثر ذلممك
في صليبية الحملت الستعمارية ول قللت مقممدار ذرة نممم النشمماط
كان هذا الطريق معروفا للمسلمين قبل ذلك بعدة قرون ! 1
كان لدي المسلمين خرائط دقيقة للشواطئ السيوية والفريقية يستخدمونها في رحلتهم التجارية من شوائط 2
وحين قامت الثورة الصناعية اتسم " الستعمار " عامممة بالصممبغة
القتصادية لنه كان بحثا عن الموارد الرخيصة من جهة ،والسممواق
المضمونة لتوزيع فائض النتاج من جهة أخرى ..وشمممل السممتعمار
كل أرض مستضعفة سواء كممانت أرضمما إسمملمية أو غيممر إسمملمية .
ومع ذلك لممم ينممس الصممليبيون صممليبيتهم إزاء المسمملمين .فحيثممما
كممانت الرض المسممتعمرة غيممر إسمملمية اكتفممى السممتعمار بنهممب
الخيرات وتوزيع فممائض النتمماج ..أممما حيممث تكممون الرض إسمملمية
فالعناية الولى موجهة لمحممو السمملم عممن طريممق التبشممير والغممزو
الفكممرى ومناهممج التعليممم الممتى تفممرض علممى المسمملمين ووسممائل
العلم التى توجه إليهم .ثم يأتى بعممد ذلممك نهممب الخيممرات وتوزيمع
فائض النتاج .وخير مثال لذلك اسممتعمار البريطممانيين للهنممد .فقممد
كان أول عمل لهم هناك هو إزالة الحكم السلمى فممى الهنممد .ثممم
تركمموا الهنممود لمعتقممداتهم وعمماداتهم وتقاليممدهم لممم يتعرضمموا لهممم
" " ص 110 – 109من الصل النجليزى الطبعة الولى سنة 1957م . 1
بشئ ،ووجهت الحرب الضارية ضد المسلمين وحدهم ،فصممودرت
الوقمماف المرصممودة للتعليممم السمملمى فجفممت منممابعه ،وحممورب
المسلمون فى الوظائف العامة وأعطيممت للمموثنيين الهنممود ،ووجممه
الغزو الفكرى ضد المسلمين لخراجهم من حقبة السلم !
وأيا ما كان المر فقد ارتبطت القوميممات فممى أوروبمما بالسممتعمار
بكممل سممفالته ،وكممل بشمماعاته ،ونشممبت الحممروب بيممن القوميممات
المختلفة أبشممع ممما تكممون ..وصممارت نهايممة المممر حروبمما عالميممة ،
تشترك فيها كل القوميات ،ويصلها العالم كله بذنب وبغير ذنب .
فى الحرب الكبرى الولى التى استمرت مممن 1918 – 1914م
قتل عشرة ملييممن شمماب ،غيممر الممذين شمموهوا أو أصمميبوا إصممابات
تقعدهم عن العمل ،واستخدمت الغازات السامة والقنابل المحرقة
وغيرها من الوسائل الجرامية ،التى لم تجممد أوروبمما فممى ضممميرها
حرجمما مممن اسممتخدامها ،لن الغايمة تممبرر الوسمميلة ،ولن المصممالح
القومية مقدمة على كل اعتبار !
صحيح أنه كان هناك تكتممل بيممن مجموعممة مممن القوميممات سمممت
نفسها " الحلفاء " لنهمما – فممى لحظممة مممن اللحظممات – وجممدت أن
مصالحها القوميممة – رغممم اختلفهمما فيممما بينهمما وتنافسممها – تقتضممى
التجمع لتحقيق هدف مشترك ..وكان الهممدف فممى الحممرب الولممى
مزدوجا :القضاء على الدولة العثمانيممة والخلفممة السمملمية – لمممر
يراد " - "1والقضاء على القومية اللمانية التى تطممالب بممأن يكممون
لها مستعمرات كما لبقية القوميات مستعمرات !! ..
وربما يظن النسان لول وهلة أن أوروبا قد فطنممت إلممى حماقممة
التجمممع القممومى وممما يممؤدى إليممه مممن فسمماد فممى الرض وتقطيممع
للروابط النسانية فأنشممأت تجمعمما جديممدا علممى أسمماس المبممادئ ل
على أساس القوميات ..أو هكذا قممالوا هممم فممى دعايمماتهم ! ولكممن
الحقيقة أن التجمع الجديد كان هو أيضمما تجمممع مصممالح يتسممتر وراء
المبادئ ،ويريد لمجموعة من الشعوب ،أو مجموعة من القوميات
على الصح ،أن يكون لها السيطرة على العالم ،وحممدها مممن دون
العالمين ..لمر يراد !
وتم – على أى حال – لهذا التجمع ما أريد له مممن السمميطرة فممى
الرض ما يقرب من عشرين عاما ،حممتى قممامت الحممرب العظمممى
الثانية ،التى استمرت مممن عممام 1939إلممى عممام 1945م ،وقتممل
فيهمما أربعممون مليونمما مممن الشممباب ،غيممر المممدن الممتى دمممرت ،
" " سيأتى بيان هذا المر فى سياق الحديث . 1
والمدنيين الذين قتلوا فى الغارات الجوية ..وغير قنبلتى هيروشيما
ونجازاكى الذريتين ،اللتين قضتا على الوجود الحى كلممه مممن نبممات
وحيوان وإنسان فى مسمماحة واسممعة مممن الرض ،وممما تممزال تولممد
أجنممة مشمموهة مممن أثممر الشممعاع الممذرى السممام الممذى انتشممر مممن
القنبلتين فى أماكن بعيدة عن مكان النفجممار ،بعممد ممما يقممرب مممن
أربعين عاما من الحدث البربرى الفظيممع ،الممذى سمممح بممه الضمممير
المريكى بل تحرج ول تأثم تأمينا " لمصالح " ذلك التجمع الشممرير !
وما كان التجمع الخممر الممذى انهممزم بأقممل شممرا ول خبثمما ول انعممدام
إنسانية عن التجمع الذى انتصر ! فلو أن هتلر سبق إلممى اسممتكمال
القنبلممة الذريممة قبممل أن يممداهمه " الحلفمماء " ويسممرقوا " العلممماء "
الذين يعملون فى صنعها ،لكان قمينا أن يفعل بها مثل ما فعلمموا أو
أشد !
وبرز من الحرب الثانية " معسكران " مختلفان ،هممما المعسممكر
الشمميوعى والمعسممكر الرأسمممالى ،يبممدو فممى ظمماهر المممر أنهممما
تجمعان قائمممان علممى " مبممادئ " مختلفممة ..خاصممة وأن الشمميوعية
على القل تحمل مبادئ محددة ،وتحمل دعوة عالميممة لنشممر هممذه
المبادئ فى الرض .
وقد مر بنا الرأى فى هذا الختلف وهل هو فى الجوهر الحقيقممى
أم فى القشممرة القتصممادية والسياسممية والجتماعيممة ..ولكممن هممذا
ليس معرض حديثنا هنا ..إنما نتكلم عن " المبادئ النسانية " التى
تقوم عليها هذه المجتمعات أو تزعم أنها تقوم عليها !
تعلممن الشمميوعية – دائممما – أن الممدين ل يجمموز أن يكممون أساسمما
للتجمع ! إنما هو الثار البالية التى أحممدثتها عصممور الممرق والقطمماع
والرأسمالية ..وأن تصحيح الوضاع الذى تحممدثه الشمميوعية يقضممى
على تلك الثار البالية ،ويقيم مجتمعا إنسانيا " حممرا " ل تقمموم فيممه
التفرقممة علممى أسمماس الممدين ..وطالممما أبممدت رأيهمما صممريحا فممى
استنكار رغبة المسلمين فى شبه القارة الهندية فى إنشمماء دولممة "
إسلمية " وقالت إن هذه اتجاهات رجعية ل ينبغى تشجيعها .
ثم قامت الدولممة اليهوديممة عممام 1948م ،علممى أسمماس الممدين ،
فهى من منشئها ،أو من منشأ الدعاية لها وطن " لليهود " ودولة "
لليهود " وتجمع " لليهود " .
وفى منتصف الليل ،بتوقيت المنطقة الممتى أقيمممت فيهمما الدولممة
اليهوديممة ،أعلنممت أمريكمما اعترافهمما بالدولممة ،وبعممد عشممر دقممائق
اعترفت روسيا ! روسيا القائمة على أساس " المبادئ " التى تنكممر
قيام أى تجمع على أساس الدين !
ومنذ تلك اللحظة إلى هذه اللحظممة ،تجتمممع أمريكمما الرأسمممالية
المبريالية التوسعية الرجعية ،وروسيا الشيوعية العقائدية التقدمية
علممى الوقمموف فممى صممف إسممرائيل وعممدوانها المسممتمر الممذى لممم
ينقطع ،ضد العرب والمسلمين !
ثم تختصم روسيا وأمريكا فى كل شئ عدا ذلك ،ففممى أى شممئ
تختصمان ؟!
على إقامة الحق والعدل فى الرض ؟!
على تقرير حرية الشعوب فى اختيار مصيرها ؟!
كذلك تقول الدعاية المستمرة من الجممانبين ..ولكممن ممما حقيقممة
الواقع ؟
ما الذى يحدث حين تمس المصالح القومية لمريكا أو لروسمميا ..
أو يقف حائل دون " التوسع " و" السيطرة " و" السلطان " ؟!
إنهما تختصمان على توزيمع " منماطق النفموذ " فمى العمالم ..أى
تختصمان على توزيع " المستضعفين فى الرض " هل يكونون فممى
هممذا المعسممكر أم ذاك المعسممكر ،وكلتاهممما ل تسمممح لحممد مممن "
الخاضعين لنفوذها " أن يتحرر ويقرر لنفسه مصيره .
كيممف فعلممت روسمميا فممى المجممر حيممن أرادت الخيممرة أن تختممار
مصيرها بنفسها وترجع عن الشيوعية عممام 1956م ؟ كيممف هممدمت
الدبابات الروسية البيوت علممى أصممحابها تأديبمما لهممم علممى تجرؤهممم
على هذا العمل الشنيع الذى ارتكبوه ؟
وكيف فعلت حين أراد العمل فى بولندا ،الذين تزعممم الشمميوعية
أنها قمت لتحريرهممم ورد الحقمموق المغتصممبة إليهممم ..كيممف فعلممت
حين أراد هؤلء العمال أن يعلنوا أن الشيوعية لم تحقق مطممالبهم ،
ولممم تممرد إليهممم إنسممانيتهم الضممائعة ،وأنهممم فممى ظلهمما مقهممورون
مظلومون مسحوقون ،وأن لهم " مطممالب " يريممدون تحقيقهمما فممى
مقدمتها ممارسة الحرية ،والمشاركة فى إدارة دفة المور ؟!
أما أمريكا ودورها الستعمارى ،ودور أجهزتهمما الخفيممة فممى نشممر
الفساد فى الرض عممن طريممق النقلبممات العسممكرية ،الممتى يختممار
أصحابها من غلظ الكباد قساة القلمموب المرضممى بجنممون العظمممة
المتعطشين إلى السلطة لينفذوا لها مخططاتها فى إذلل الشعوب
وجرها إلى العبودية ..فأمر غنى عن البيان .وإن كممان الممذى يغيممب
عن أذهان كثير من الناس مداراة كل من المعسكرين علممى عميممل
المعسممكر الخممر ومممده بالمسمماعدة حيممن يكممون دوره هممو تذبيممح
المسلمين والقضاء على حركات البعث السلمى !
وتلممك هممى المجتمعممات الممتى قممامت فممى العممالم علممى أسمماس
قومى ..وإن تسترت أحيانا وراء مختلف العناوين !
m m m
المعرب اختار له اسم " الغارة على العالم السلمى " .
.والحركة الوطنية تفترق عن حركة الجهاد السلمى بممادئ ذى بممدء
فى أنها ل تنظر إلى " العدو " على أنه " صممليبى مسممتعمر " ولكممن
علممى أنممه " مسممتعمر " فقممط ..وفممرق واضممح فممى درجممة العممداء
وطريقة المجاهدة بين أن يكون العدو منظورا إليممه علممى حقيقتممه ،
وبين أن يكون مغلفا برداء الستعمار فحسب .
والهدف الثانى هو تحويل حركات الجهاد السلمى إلى حركممات "
سياسية " عن طريق تحويلها إلى حركات وطنية ..فالعدو غير قادر
على " التفاهم " مع الحركات السلمية :لنه ل سبيل إلى التفمماهم
معها فى الحقيقة إل بإخراج ذلمك العمدو خمارج البلد ،ومممن ثممم فل
سبيل إلى استعمال " السياسة " من جممانب العممدو .أممما الحركممات
الوطنيممة فالتفمماهم معهمما سممهل وممكممن ! وعممود مممن المسممتعمر
بالجلء ،ويأتى الوقت الموعود فيتذرع المسممتعمر بشممتى المعمماذير
لتأجيل جلئه ،ويعطى وعودا جديدة يعتر عنها بدورها إذا جاء دورها
..والساسة " الوطنيون " يغضبون – أو يتظاهرون بالغضب لرضمماء
الجماهير ! – والجماهير تثور ثورة صاخبة – لكنها فارغممة – سممرعان
ما تنطفى بعد الستماع إلى خطبة رنانة مممن الزعيممم المموطنى يعممد
فيها بأنه لم يفرط فى شبر من الرض ،ولممم يرضممى بغيممر " الجلء
التام أو الموت الزؤام " ! " "1وبين هذا وذاك تجرى " مفاوضات "
بن السياسة والستعمار تنتهى إلى أشياء تافهة يلعممب بهمما الساسممة
على عقول الجماهير فيوهمونها أنها " مكاسب وطنية " وقد تنتهممى
إلى غير شئ على الطلق ،ومع ذلك يقول زعيممم يعتممبر مممن كبممار
الزعماء الوطنيين فى العممالم السمملمى فممى العصممر الحممديث وهممو
سعد زغلول " :خسرنا المعاهدة وكسبنا صداقة النجليز ! " ويقول
" النجليز خصوم شرفاء معقولون " !! وهو شئ ما كممان يمكممن أن
يحدث لو بقيت حركة الجهاد السلمية كما كانت فى مبممدئها ،ولممم
تتحول إلى حركة وطنية على يد الزعيم الكبير !
والهدف الثالث هو تيسممير عمليممة " التغريممب " مممن خلل تحويممل
حركة الجهاد السلمى إلى حركممة وطنيممة سياسممية ..فحيممن تقمموم
حركة الجهاد على أساس إسلمى يكممون البمماب موصممدا تماممما بيممن
المجاهممدين وعممدوهم ،ل يأخممذون شمميئا مممن فكممره ول عقممائده ول
تقاليده ول أنماط سلوكه المنافية للسلم .أما حين يتحممول الجهمماد
إلى حركة وطنية سياسية فالحاجز أرق ،يسمممح بالخممذ ..ومعمماذير
الخذ كثيرة ،فقد قال " أستاذ الجيل " لطفى السمميد :إن النجليممز
السلح وقهره .أما الزعيم السياسى فما أيسر عليه أن يقول ذلك !
" " يقول القسيس المبشر " زويمر " الذى كان له نشاط تبشيرى ضخم فى العالم العربى فيما ينقل عنه كتاب " 2
الغارة على العالم السلمى " فى خطاب للمبشرين " :إنكم أعددتم نشئا )فى بلد المسلمين( ل يعرف الصلة
بالله ،ول يريد أن يعرفها ،وأخرجتم المسلم من السلم ولم تدخلوه فى المسيحية ،وبالتالى جاء النشء السلمى
لذلك لم يتعلم " المستغربون " من الغربيين قط قدرتهم الفائقة
على " التنظيم " ول جلدهم الشممديد علممى " العمممل " ول الممتزامهم
الشديد " بالنضممباط " فممى كممل شممئ .إنممما تعلممموا اللهممو والعبممث
والمجون والرطانة بلغة العاجم ..وتعلموا – أسوأ من ذلممك كلممه –
التباهى بالنسلخ من الدين والعرض والخلق الدينية المتطهرة من
الرجس .
وكان ذلك هو التنفيذ الدقيق لوصممية الصممليبى القممديم للصممليبيين
المحدثين .
m m m
أما القومية العربية فقد كان لها دور أخبث وأشد ..
لقد كنا حتى اللحظة نتكلم عن الصليبى المستعمر ..
ولكن دخل معه -على نفممس خطممه – عممدو آخممر ،هممو اليهممودى
المستعمر ،لغرض آخر خاص به ،ولكنه يلتقى معه فى النهاية فممى
بغض السلم ،والرغبة فى القضاء على الكيان السلمى .
فممى عممام 1897عقممد هرتممزل – ابممو الصممهيونية كممما يسمممونه –
مؤتمره الشهير فى مدينة " بال " بسويسممرا ،ذلممك المممؤتمر الممذى
قممرر فيممه زعممماء اليهممود ضممرورة إنشمماء الدولممة الصممهيونية خلل
خمسين عاما فى فلسطين .
وذهب هرتزل إلى السلطان المسلم عبد الحميد يعرض عليه كل
المغريات التى يطمع فيها حاكم أرضى .ذهب يعرض عليممه إنعمماش
القتصاد العثمانى وكمان متمدهورا بسممبب ممما تنفقممه الدولمة لخمماد
المناوشات المستمرة التى يقوم بها العداء لحراج الدولة العثمانية
أو " الرجل المريض " كما أطلقوا عليها فى أواخر أيامها .ويعممرض
عليممه قروضمما طويلممة الجممل ويعممرض عليممه التوسممط لممدى روسمميا
وبريطانيا بالكف عن إثارة القليات ،فقد كانت روسيا تتعهد بإثارة
القليممات الرثوذكسممية وخاصممة الرمممن وكممانت بريطانيمما تتكفممل
ل=بإثارة بقيممة القليممات ! وكممان ذلممك مممن أشممد ممما يزعممج الدولممة
ويعرض ميزانيتها للخراب ..وفى مقابل هممذا العممرض السممخى كلممه
طلب هرتزل منح اليهود وطنا قوميا لهم فى فلسطين .
وكان من المتوقع منأى رجل يحرص على المدنيا ،ويحمرص علممى
السمملطان المسممتبد " "1أن يتقبممل العممرض ويسممتجيب للمغريممات .
طبقا لما أراده الستعمار المسيحى ل يهتم بالعظائم ويحب الراحة والكسل ،ول يصرف همه إل فى الشهوات ،فإذا
تعلم فللشهوات ،وإذا جمع المال فللشهوات ،وإن تبوأ أسمى المراكز ففى سبيل الشهوات يجود بكل شئ " .
" " هكذا تصف الدعاية المغرضة السلطان المسلم . 1
ولكن السمملطان المسمملم رفممض ذلممك لكممه ،وقممال لهرتممزل قممولته
الشممهيرة " إن هممذه ليسمت أرضمى ولكنهمما أرض المسملمين ،وقممد
رووها بدمائهم ول أملك أن أتنازل عن شبر واحد منها " " ."1
عندئذ وقعت الواقعة ،ودبر اليهود لخلع السلطان عبممد الحميممد ،
ثم لزالة الخلفة كلها على يد اليهودى المتمسلم كمال أتاتورك .
وكانت الوسيلة لكل ذلك هى " القومية ".
فاليهود المتمسلمون ،المعروفون بيهود الدونما ،الممذين همماجروا
من المغرب واستوطنوا البلقممان ،كممانوا هممم المنظميممن الحقيقييممن
لحزب التحاد والترقى ،الذى نادى بالقومية الطورانية )وهى قومية
التراك فى جاهليتهم قبل دخولهم فى السلم( ورفع شممعار الممذنب
الغبر )وهو معبود التراك فى جاهليتهم( كما نادى بضرورة " تتريك
" الدولممة ،أى جعممل المناصممب فيهمما وقفمما علممى التممراك وحممدهم .
ومعنممى ذلممك – كممما حممدث بالفعممل – أن يحممس " العممرب " أنهممم
مظلومون فى ظل الحكم التركى وأنهم مهضومو الحقوق ..عنممدئذ
تلقفتهممم الصممليبية – حليفممة اليهوديممة فممى الحممرب ضممد السمملم –
فأرسلت إليهم " لورنس " ليؤجج فيهم روح " القومية العربية " ردا
على القومية الطورانية ..ويؤلممف " الثممورة العربيممة الكممبرى " ضممد
دولة الخلفة !
وببساطة تم المر ..فى غفلة من " المسلمين " !
يقول التاريخ إن أول من نادى بالقومية العربية هم نصارى لبنممان
وسمموريا وانضممم إليهممم " المسمملمون " الممذين تربمموا فممى مممدارس
التبشير ..ثم انضم إليهممم المسممتغفلون مممن المسمملمين الممذين لممم
يجدوا تعارضا بين السلم والعروبممة علممى أسمماس أن العروبممة هممى
عصمب السملم ،وأن العمرب همم المذين حملموا السملم إلمى كمل
البشرية !
والنصارى فى لبنان وسوريا كانوا جزءا من أدوات أوروبمما لزعمماج
" الرجممل المريممض " وإربمماكه ،بغيممة تسممهيل القضمماء عليممه وتوزيممع
تركته بين المتربصين الممذين ينتظممرون السمماعة " العظمممى " الممتى
يقضون فيها على بقايا السلم .
وممما كممان نصممارى لبنممان وسمموريا فممى تلممك الفممترة يجممرؤون أن
يخرجوا على الحكممم السمملمى علنيممة وبالسممم الصممريح للخممروج ،
فقممد كممانوا أقليممة محوطممة بأكثريممة مسمملمة ،تممدين بممالولء القلممبى
والسياسى لدولة الخلفة ،ول تتصور لنفسها حكومة غيمر الحكوممة
" " وذلك هو سر كراهية اليهود له وتشنيعهم به ونشر الدعايات المغرضة ضده . 1
السلمية .فلم يكن فى وسممع أولئك النصممارى أن يقولمموا :ل نريممد
حكم السلم علينا ول نريد حكممم الخلفممة السمملمية ! ولممذلك كممان
نشاطهم سريا من جهممة ،وباسممم غيممر اسممم الخممروج علممى الحكممم
السملمى ممن جهمة أخمرى ..كمان نشماطهم يقموم باسمم العروبمة
والقوميممة العربيممة ،وهممو شممعار يمكممن أن يلتبممس فيممه المممر علممى
المسلمين العرب ،ول يروا – لغفلتهم – أنه ممموجه ضممد السمملم ..
وضدهم هم !
كانت دعوى القومية الطورنية تحز فى نفوس العرب المسمملمين
فينفخ الشياطين فى الحزازة لتشتعل .وكممان يقممال لولئك العممرب
المسمملمين أنتممم أولممى بالخلفممة مممن أولئك الطممورانيين ! فلممماذا
تسكتون على الظلم ؟ لماذا ل تثورون وتستقلوا عن التراك ؟
وكان عبد الحميد يقظا للعبة كلها " "1ولكن أحوال دولة الخلفممة
يومئذ وأحوال المسلمين جميعا فى العالم السلمى ،كانت أضعف
من أن تصمد للكيد ..فمضى الكيد فى سبيله حتى بلغ غايته .
" ولسنا هنمما نممؤرخ لتلممك الفممترة " .. " 2إنممما نحممن نتحممدث عممن
القوميات والوطنيات ،ودورها فى اللعبة التى أريد بها القضاء على
السلم ،وإنشاء الوطن القومى لليهود فى فلسطين .
كممان عبممد الحميممد يطممارد تلممك الجماعممات السممرية الممتى تنممادى
بالعروبة والقومية العربية كما يضيق على النشمماط السممرى لحممزب
التحاد والترفى ،لدراكه المقصود من ورائهما ،فيتخذ ذلممك ذريعممة
لمزيد من الكيد ضده ويتهم بالدكتاتورية والطغيان فى داخل تركيا ،
وباضطهاد القليات خارجها ! وتصنع مممن هممذه وتلممك مممادة للدعايممة
ضده ونشر البغض والكراهية له ،تمهيممدا لممما يخطممط مممن عزلممه ،
عقابا له على عدم موافقته على إنشاء الدولة اليهودية !
وجرت المور فى مجراها المقدر فممى علممم اللممه ،ولكممن بسممبب
من غفلة المسلمين الممتى مكنممت العممداء مممن تنفيممذ مخططمماتهم ،
والله يحذرهم فى كتابه المنزل :
ْ َ
خب َممال ًم َم ل ي َمأُلون َك ُ ْ دون ِك ُم ْن ُ مم ْ ة ِ ذوا ب ِ َ
طان َ ً خ ُ مُنوا ل ت َت ّ ِ نآ َ ذي َ }َيا أي َّها ال ّ ِ
ودوا ما عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضمماُء مم َ
مدوُرهُ ْ صم ُ خِفممي ُ ممما ت ُ ْ
م وَ َ واهِهِ ْ ن أف ْ م َ ِ ْ َ َ ّ ْ ْ َ َ ْ َ َ ّ
ن )] {(118سممورة آل ُ
م ت َعِْقلممو َ ن ك ُن ُْتمم ْ ت إِ ْ م الَيمما ِ كمم ْ أ َك َْبممُر َقممد ْ ب َي ّّنمما ل ُ
َ
[3/118
َ َ
م ض مه ُ ْ
صمماَرى أوْل ِي َمماَء ب َعْ ُ ذوا ال ْي َهُممود َ َوالن ّ َ خم ُمن ُمموا ل ت َت ّ ِ نآ َ ذي َ }َيا أي َّها ال ّم ِ
أَ
م{ ]سورة المائدة [5/51 من ْهُ ْ ه ِ م فَإ ِن ّ ُمن ْك ُ ْ م ِ ن ي َت َوَل ّهُ ْ م ْ ض وَ َ ٍ ْ ع َ ب ُ ءيا
َ ِ لْ و
" " كما تدل على ذلك مذكراته . 1
" " راجع إن شئت مذكرات السلطان عبد الحميد . 2
ومع ذلك التحذير فقد كممان مسمملمون يتولممون اليهممود فممى حممزب
التحاد والترقى ،ومسلمون آخرون يتولون النصارى فى الجمعيمات
السرية القائمة باسم العروبة والقومية العربية .ومسلمون آخممرون
يتولون " لورنس العرب ! " ويتبعونه وهو يدعوهم إلممى قتممال دولممة
الخلفة التى ظلت تحميهم من الغزو الصليبى قرابة أربعة قرون !
يقو لورد أللنبى ،قائد الجيش " العربى " الذى حممارب الخلفممة !
لول مساعدة الجيش العربى والعمال العرب ما استطعنا أن نتغلممب
على تركيا !!
ولقد كانت الحرب العظمى الولى تدبيرا يهوديا نصممرانيا للقضمماء
على دولة الخلفممة ،وتقسمميم تركممة " الرجممل المريممض " والتمهيممد
لنشاء الدولة اليهودية فى المممد الممذى حممدده مممؤتمر هرتممزل سممنة
1897م ..فى غفلة من " المسلمين " ! إلى جممانب الهممدف الخممر
الذى تحقق كممذلك مممن تلممك الحممرب ،وهممو القضمماء علممى القوميممة
اللمانية لحساب القوميممة البريطانيممة والقوميممة الفرنسممية ..ولكممن
الهممدف العظممم مممن هممذه الحممرب كممان ول شممك تممدمير الخلفممة
السمملمية لحسمماب اليهممود والنصممارى مجتمعيممن ،وحسمماب اليهممود
بصفة خاصة !
ووزعت السلب بن بريطانيا وفرنسا ،صممديقتى اليهممود يممومئذ ،
ووضممعت فلسممطين بصممفة خاصممة تحممت النتممداب البريطممانى ،
والنتداب درجة أسوأ من الحماية ،والحماية درجة أسوأ من مجممرد
الستعمار ..كان ذلك بعد وعد بلفور الشهير ،الذى صدر عن وزيممر
خارجية بريطانيا اليهممودى " اللممورد بلفممور " سممنة 1917فممى أثنمماء
الحرب ،وبدأت دولة النتممداب فممى تنفيممذه عقممب الحممرب مباشممرة
تحت إشراف المندوب السامى البريطانى اليهودى السممير صمممويل
هور !
وخلل خمسين عاما من مممؤتمر هرتممزل قممامت الدولممة اليهوديممة
سنة " 1 " 1947ولكن المر احتاج إلى حرب " عظمى " ثانية !
وسوء كانت الحرب الثانية " طبيعية " نتيجة القهر العنيممف الممذى
وقممع علممى القوميممة اللمانيممة مممن القوميممة البريطانيممة والقوميممة
الفرنسية ،ونزوع القومية الولممى للنتقممام لنفسممها مممن القوميممتين
الخريين – كما نعتقد نحممن – أو كممانت تممدبيرا خالصمما لليهممود – كممما
يعتقد " وليم كار " فى كتاب " أحجار على رقعممة الشممطرنج " " " 2
" " قامت الدولة واقعيا سنة 1947ولكنها لم تعلن رسميا إل عام 1948بعد مسرحيات الحرب التى مثلتها الجيوش 1
المنطقة .فإنها لو بقيت فى التسمية منطقة إسلمية أو حتى عربية فكيف تقوم فيها دولة لليهود ؟ أما حين تصبح
منطقة جغرافية ل انتماء لها فكل شئ ممكن !
التى أقامتها أمريكمما وإسممرائيل – إن أمريكمما وإسممرائيل ل تخشمميان
شيئا خشيتهما للقومية العربية ،ول تخشيان أحدا خشمميتهما لزعيممم
القومية العربية !
وفممى ظممل القوميممة العربيممة الممتى أقامتهمما الصممليبية العالميممة ،
توسعت إسرائيل وتوسعت حتى توشك أن تبتلممع فلسممطين كلهمما ..
وتتطلع إلى المزيد !
لقد كانت " القوميمة " المتى صممدرت إلممى العمالم السمملمى همى
القومية المأكولة ل القومية الكلة التى قامت فى أصلها هناك !
m m m
ليس هنا مجال التفصيل للظروف الممتى أحمماطت " بالمسمملمين "
وأدت بهم إلى هذا الضياع كله وهذا الهوان ..إنما نقممول فممى ختممام
هذا الفصل إن السلم ل يعرف تلك الممدعاوى الزائفمة الممتى روحهمما
أعممداء السمملم بغيممة القضمماء عليممه ،وتشممربها " المسمملمون " فمما
غفلتهم ،غافلين عما فيها من السموم .
إن السمملم ل يغيممر انتممماء النمماس إلممى أرضممهم ول شممعوبهم ول
قبمائلهم ،لن همذا أممر مممادى حسممى واقمع ل سمبيل إلمى تغييمره ،
فالذى يولد فى الرض المصرية مصرى بحكم مولده والذى يود فى
الرض العراقيممة عراقممى بحكممم مولممده .والممذى يولممد فممى الرض
الباكستانية باكستانى بحكم مولده ..وهكذا .
ولكن السلم ينكر أن تكون صلة التجمع شيئا غير السلم ! غيممر
العقيممدة الصممحيحة فممى اللممه ! ل الممدم ول الرض ول اللغممة ول "
المصالح " الرضية .
َ َ
م شمميَرت ُك ُ ْ م وَعَ ِ جك ُم ْ م وَأْزَوا ُ وان ُك ُ ْ خم َ م وَإ ِ ْ م وَأب ْن َمماؤُك ُ ْ ن آب َمماؤُك ُ ْ كا َ ن َ ل إِ ْ }قُ ْ
َ َ
ب ح ّ ضوْن ََها أ َ ن ت َْر َ ُ ساك ِ م َ ها وَ َ ساد َ َ ن كَ َ شو ْ َ خ َ جاَرةٌ ت َ ْ ها وَت ِ َ مو َ ل اقْت ََرفْت ُ ُ وا ٌ َ م
وَأ ْ
ْ
ي الّلم ُ
ه حّتمى َيمأت ِ َ صموا َ سمِبيل ِهِ فَت ََرب ّ ُ جَهادٍ ِفي َ سول ِهِ وَ ِ ن الل ّهِ وََر ُ م ْ م ِ إ ِل َي ْك ُ ْ
َ
ن )] {(24سورة التوبة [9/24 سِقي َ م ال َْفا ِ دي ال َْقوْ َ ه ل ي َهْ ِ مرِهِ َوالل ّ ُ ب ِأ ْ
وانظر إلى قصة نوح مع ابنه :
ن فِممي ه وَك َمما َ ح اب ْن َم ُ دى ن ُممو ٌ ل وَن َمما َ جب َمما ِ كال ْ ِ ج َ مو ْ ٍ م ِفي َ ري ب ِهِ ْ ج ِ ي تَ ْ }وَهِ َ
سآِوي إ َِلى ل َ ن )َ (42قا َ ري َ ِ كافِ معَ ال ْ َ ن َ معََنا َول ت َك ُ ْ ب َ ي اْرك َ ْ ل َيا ب ُن َ ّ معْزِ ٍ َ
َ
ن مم ْ ممرِ الل ّمهِ إ ِل ّ َ نأ ْ مم ْ م ِ م ال ْي َموْ َ صم َ عا ِ لل َ ماِء َقا َ ن ال ْ َ م ْمِني ِ ص ُ ل ي َعْ ِ جب َ ٍ َ
َ
ضل ي َمما أْر ُ ن ) (43وَِقي م َ مغَْرِقي م َ ن ال ْ ُ مم ْ ن ِ كا َ ج فَ َ مو ْ ُ ما ال ْ َ ل ب َي ْن َهُ َ حا َ م وَ َ ح َ َر ِ
َ َ
ت سمت َوَ ْ ممُر َوا ْ ي ال ْ ضم َ ممماُء وَقُ ِ ض ال ْ َ ماُء أقْل ِعِممي وَِغيم َ س َ ك وََيا َ ماَء ِ اب ْل َِعي َ
ل ه فََقا َ ح َرب ّ ُ دى ُنو ٌ ن ) (44وََنا َ مي َ ظال ِ ِ ل ب ُْعدا ً ل ِل َْقوْم ال ّ جودِيّ وَِقي َ عََلى ال ْ ُ
ِ
َ َ رب إن ابِني م َ
ن ) (45 مي َ َحاك ِ ِ م ال ْ َ حك َ ُ تأ ْ حقّ وَأن ْ َ ك ال ْ َن وَعْد َ َ ن أهِْلي وَإ ِ ّ ِ ْ َ ّ ِ ّ ْ
َ
ممماسمأل ِْني َ ح َفل ت َ ْ ل غَي ْمُر َ
صممال ِ ٍ مم ٌ ه عَ َ ك إ ِن ّ ُ ن أهْل ِ َ م ْ س ِ ه ل َي ْ َ ح إ ِن ّ ُ ل َيا ُنو ُ َقا َ
َ َ
ب ل َر ّ ن ) (46قَمما َ جمماهِِلي َ ن ال ْ َ م ْ ن ِكو َ ن تَ ُ كأ ْ عظ ُ َ م إ ِّني أ ِ عل ْ ٌ ك ب ِهِ ِ س لَ َ َ ل َي ْ
مِنممي ح ْم وَإ ِل ّ ت َغِْفْر ِلي وَت َْر َ عل ْ ٌ س ِلي ب ِهِ ِ ما ل َي ْ َ ك َ سأ َل َ َنأ ْ
ك أَ َ
عوذ ُ ب ِ َ ْ إ ِّني أ َ ُ
ن ال ْ َ َ
ن )] {(47سورة هود [47-11/42 ري َ س ِ خا ِ م ْ ن ِ أك ُ ْ
لقد وعد الله نوحا أن ينجو أهله معه ،إل من سبق عليه القول :
َ
نجي ْم ِل َزوْ َ ن ك ُم ّ مم ْ ل ِفيهَمما ِ م ْ ح ِمُرَنا وََفاَر الت ّّنوُر قُل َْنا ا ْ جاَء أ ْ ذا َ حّتى إ ِ َ } َ
ه إ ِل ّ سب َقَ عَل َي ْهِ ال َْقوْ ُ َ
ن وَأهْل َ َ
معَم ُ ن َ مم َممما آ َ ن وَ َ مم َنآ َ مم ْ ل وَ َ ن َ م ْ ك إ ِل ّ َ اث ْن َي ْ ِ
ل )] {(40سورة هود [11/40 قَِلي ٌ
فلما رأى ابنه فى معزل ناداه ليركب معه سفينة النجاة ..ولكنممه
عصى وقال سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء ..وكانت عاقبته أن
غرق مع المهلكين .
ولما قضى المر ونجا مممن نجمما وهلممك مممن هلممك راح نمموح – فممى
مرارة الفقد التى تشوب فرحة النجاة – ينمماجى ربممه ،ويسممأل عممن
تفسير ما حدث :لقد وعده الله بنجاة أهله ،وابنه من أهلممه ،ومممع
ذلك كان من الهالكين !
وكان الرد الربانى " :إنه ليس من أهلك ! إنممه عمممل غيممر صممالح
".
ذلك أن الصرة الحقيقية التى تجعله من أهلك ليست هى رابطممة
الدم التى تجمع بينه وبينك .إنما هى رابطممة العقيممدة .وقممد رفممض
البن أن يكون على العقيدة الصحيحة فانفصم ما بينه وبن أبيه مممن
رباط ،لنه " عمل غير صالح" !
ذلك هو ميزان السلم .
وقد مرت بنا الية الممتى تجعممل البمماء والبنمماء والخمموان والزواج
والعشيرة ،والموال والتجارة والرض وهى مقومات القوميممة كلهمما
فى كفة ،وفى الكفة الخرى حب اله ورسوله والجهمماد فممى سممبيل
الله ..والمفاضلة الكاملة بين هذه وتلك .
وليس معنى ذلك أن السلم يحرم كل تلك الروابط !
كل ! إنما يجيزها كلها حين تقع تحت رابطة العقيدة وداخلها :
ه{ ]سممورة ب الل ّم ِ ض فِممي ك ِت َمما ِ ض مه ُ ْ َ َ }وَأوُْلوا ال َْر َ
ُ
م أوْلممى ب ِب َعْم ٍ حام ِ ب َعْ ُ
النفال [8/75
أى حين يكونون كلهم مؤمنين .
أما حين تكون تلك الروابط حاجزا يحجممز بيممن المممؤمن والمممؤمن
بسبب رباط الدم أو اللغة أو الرض أو المصالح ..فهممذه الممتى قممال
فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعوها فإنها منتنة " " . " 1
فكيف إذا كانت تلك القومية تقول لك فممى صممراحة إن المشممرك
الذى يشاركك فى قوميتك أقرب إليك من المسلم الذى ينتمى إلى
قومية أخرى !
هذه ..ما ميزانها فى كتاب الله ؟!
m m m
النسانية
النسانية – أو العالمية كما يدعونها أحيانا – دعمموى براقممة ،تظهممر
بين الحين والحيممن ،ثممم تختفممى لتعممود مممن جديممد ! يمما أخممى ! كممن
إنسممانى النزعممة ..وجممه قلبممك ومشمماعرك للنسممانية جمعمماء ..دع
الدين جانبا فهو أمر شخصى ..علقة خاصة بينا لعبد والرب محلهمما
القلب ..لكن ل تجعلهمما تشممكل مشمماعرك وسمملوكك نحممو الخريممن
الذين يخالفونك فممى الممدين ..فممإنه ل ينبغممى للممدين أن يفممرق بيممن
البشر ..بين الخوة فى النسانية ! تعال نصنع الخير لكممل البشممرية
غير ناظرين إلى جنس أو ولون أو وطن أو دين !
دعوى براقة كما ترى ..يخيل إليك حين تستمع إليها أنها تممدعوك
للرتفاع فوق كممل الحممواجز الممتى تفممرق بيممن البشممر علممى الرض .
تدعوك لممترفرف فممى عممالم النممور ..تممدعوك لتكممون كممبير القلمب ،
واسع الفق ،كريم المشاعر ..تنظر بعين إنسممانية م م وتفكممر بفكممر
عالمى ،وتعطى من نفسك الرحبة لكل البشر على السواء ،بدافع
الحب النسانى الكبير !
أى رفعة ،وأى سمو ،وأى نبل ،وأى عظمة فى القلممب والفكممر
والشعور !
ولكممن مهل ! انتظممر حممتى يخفممت الرنيممن الممذى تحممدثه الكلمممات
والعبارات وفتش عن الحقيقممة بعيممدا عممن العواطممف والنفعممالت ،
وانظر أين تجد هذه الشعارات مطبقة فى واقممع الرض ؟! هممل لهمما
رصيد حقيقى من الواقع أم أنها شعارات زائفة ترفع لمر يراد ؟!
ثم انظر إلى تلك العبارة الماسونية " اخلع عقيممدتك علممى البمماب
كما تخلع نعليك " !
أل ترى شبها بين هذه الدعوة وتلك ؟ أما ترى أنهما قريبتان ؟ بل
شقيقتان ؟!
" اخلع عقيدتك على الباب )أى عند دخولك الماسونية( كما تخلممع
" " رواه البخارى . 1
نعليك " ..وادخل بل عقيدة ..فهكذا يريدك الشياطين ليسممتعبدونك
..ليسخروك لمصالحهم !
" المميون هم الحميممر الممذين خلقهممم اللممه ليركبهممم شممعب اللممه
المختار " ..
والحمار الدمى هو ذلك الذى خلع عقيدته على البمماب كممما يخلممع
نعليممه ..ودخممل ،حيممث أريممد لممه أن يممدخل ..بل ديممن ومممن ثممم بل
أخلق !
وفى القديم ،حين كان الدين قويا ل يقوون علممى مممواجهته ،لممم
يكونوا يجرؤون على التلفظ بمثل هذه العبارة ،بممل كممانوا ينممافقون
ليصلوا إلى أغراضهم من " إغواء " الخرين ..
م قَمماُلواطين ِهِ ْ وا إ ِل َممى َ
ش مَيا ِ خل َ ْ
ذا َ مّنا وَإ ِ َ مُنوا َقاُلوا آ َ نآ َ ذي َذا ل َُقوا ال ّ ِ }وَإ ِ َ
ن )] {(14سورة البقرة [2/14 ست َهْزُِئو َ
م ْ ن ُ ح ُما ن َ ْ
م إ ِن ّ َمعَك ُ ْ إ ِّنا َ
ن
ذي َل عَل َممى ال ّم ِذي أ ُن ْمزِ َمن ُمموا ِبال ّم ِ بآ ِ ل ال ْك ِت َمما ِ
ةم َ
ن أه ْ ِطائ َِف ٌ ِ ْ ت َ }وََقال َ ْ
ن )] {(72سممورة آل جعُممو َ م ي َْر ِخ مَرهُ ل َعَل ّهُ م ْ ه الن َّهارِ َواك ُْفُروا آ ِ ج َمُنوا وَ ْ آ َ
[3/72
ولكنهم اليوم آمنون ،فل حاجممة بهممم إلممى التظمماهر باليمممان بممما
أنزل هل المؤمنين ..بل إنهم لينشرون اللحاد اليمموم بجسممارة فممى
كممل الرض ..ولكنممه بضمماعة للتصممدير فقممط ! يصممدرونها للممييممن
لغوائهم عن الدين ،ولكن ل يسممتخدمونها بيممن أنفسممهم .فالهممدف
الخير من التخطيط كله هو محممو كممل ديممن لممدى الممييممن ،لكممى
يبقى اليهود وحدهم فى الرض أصحاب الدين ! وهم على جبلتهم ل
يغيرونها ..يتظاهرون أمام الناس بشئ ،فإذا خلوا إلممى شممياطينهم
قالوا :إنا معكم إنما نحن مستهزئون !
وهزأة اليوم هى هذه الدعوة " :اخلع عقيممدتك علممى البمماب كممما
تخلع نعليك ! " فإذا صدقها المميون وخلعوا عقيدتهم كممما يخلعممون
نعالهم ،فرك الشياطين أيديهم سرورا حين يخلو بعضهم إلى بعض
،قال بعضهم لبعض :إنا معكم ،ممما نممزال علمى ديمن الشممياطين ..
إنما نحن نهزأ بالمميين !
والفارق بين دعوى النسانية ودعوى الماسونية ضئيل ..
الفارق أنه فى تعبير الماسونية الخشن المتوقح يوضع الدين جنبا
إلى جنب مع النعال ،لن المقبل على الماسونية ل يقبممل عليهمما إل
وقد خلع دينممه بالفعممل أو أوشممك علممى خلعممه ،فالكلمممة الخشممنة ل
تؤذيه ،بل قد تكون منه موضع ترحيب ! فهى كلمممه لتوكيممد ..وقممد
تكون للتهديممد ! تهديممد مممن بقيممت فممى قلبممه بقيممة خفيممة مممن بقايمما
الدين ..فليتنبه وليخلعها قبل الدخول !
أما فى دعوى النسانية فالتعبير للترغيب والتحبيب ،ومن ثم فهو
مهذب لطيف يبتلعه من يبتلعه وهو مسرور ن أو قل إنه يبتلعه وهو
أشبه بالمخدور .
ولكن هذا وذاك يدعوك فى النهاية أن تترك دينك وتممواجه الحيمماة
بل دين ! فإذا فعلت ذلك اجتالتك الشياطين!
m m m
ولكن أناسا قد يخدعون بممدعوى النسممانية لممما فيهمما مممن بريممق ،
فيؤمنممون بهمما أو يممدعون إليهمما غممافلين عممن الحقيقممة الممتى تنطمموى
عليها .وقد ل يصدقون أصل أنها دعوة إلى التحلل مممن الممدين يبثهمما
الشياطين فى الرض لمر يراد .
فلندق – مؤقت – أنها دعوى مخلصة للرتفاع بالنسممان عممن كممل
عصبية تلون فكره أو سلوكه أو مشماعره ،ليلتقمى بالنسمانية كلهما
لقاء الصديق المخلص الذى يحب الخير للجميع ..
فلنصدق ذلك فى عالم المثل ..فممى عممالم الحلم ..فممما رصمميد
هذه الدعوى فى عالم الواقع ؟!
ممما رصمميدها فممى العممالم الممذى تحتمماجه القوميممات مممن جممانب ،
والعصممبيات العرقيممة والدينيممة والسياسممية والجتماعيممة مممن كممل
جانب ؟
فلنأخذ مثال واحد من العالم المعاصر ..منا لمعاملة الممتى يلقاهمما
المسلمون فى كل مكممان فممى الرض يقعممون فيممه فممى حمموزة غيممر
المسلمين ،أو فى دائرة نفوذهم من قريب أو من بعيد ..
فلننظر إلى " النسانية " التى يعمماملون بهما و" السممماحة " الممتى
يقابلون بها " ،وسعة الصدر " و" حب الخيممر " الممذى ينهممال عليهممم
من كل مكان !
خذ مثال الحبشة ..
يبلغ المسلمون فيها %55على القل من مجموع السكان وذلممك
قبل ضم إريتريا – عنوة – إليهمما ،وإريتريمما كلهمما مسمملمون ،فكيممف
تعاملهم الدولة المسيحية المتسلطة عليهم ؟
ل يوجد فى الدولة وزير مسلم واحممد يمثممل أغلبيممة السممكان ! ول
موظف واحد من كبار الموظفين ! ومدارس الدولة ل تعلم القممرآن
لبنمماء المسمملمين ول تلقنهممم مبممادئ دينهممم " ، "1وحيممن يفتممح
" " فى مصر يدرس للتلميذ القباط مبادئ دينهم على يد مدرسين مسيحيين ،وتوضع دروسهم فى الجدول الرسمى 1
المسلمون " كتاتيب " لتعليم القرآن لبنائهم على نفقتهم الخاصة ،
تظممل الدولممة تفممرض عليهمما مممن الضممرائب ممما يثقممل كمماهلهم حممتى
يغلقوها ! " " 1ويحرم عليهم أن يتلقوا أى معونات مممن المسمملمين
من الخارج ! " " 2وإلى عهد غير بعيد كان المسمملم الممذى يسممتدين
من مسيحى حبشى ويعجز عن وفاء دينممه يسممترق لممدائنه ! ووقممف
هيلسلسى عممام 1962فممى هيئة المممم فممألقى خطابمما " ضممافيا "
أعلن فيه أنه فى خلل اثنى عشر عاممما لممن يكممون فممى الحبشممة إل
دين واحد ! ولم يرتفع صوت واحد فى تلك " المؤسسة النسانية "
يستنكر ذلك التصريح !
والفلبين كانت ذات يموم أرضما إسملمية فغزاهمما الصمليبيون " " 3
وحكموها قهرا عن أصحابها ،فكيف عاملوا المسلمين فيها ؟
لقد ظلوا يطاردونهم ويخرجونهم من أرضمهم وديمارهم وأمموالهم
حتى حصروهم فى قطاع من أصل أرضهم ،ثم سموهم " متمردين
" فاسممتباحوا لنفسممهم قتلهممم ،قتممالهم ،وتحريممق مزارعهممم ،بممل
تحريقهممم هممم أنفسممهم شممفاء للحقممد الصممليبى المتأصممل فممى
نفوسممهم ..ول يتحممرك واحممد فممى الرض كلهمما ليممرد البلد عممن
المسلمين ،ويكف عدوان المعتدين !
والهند حكمها المسلمون ثمانيممة قممرون فلممم يكرهمموا أهلهمما علممى
السلم ،ولم يضممطهدوهم وهممم يعبممدون البقممر ويعبممدون الوثممان ،
فلما حكمها الهنود فانظر كيف يعاملون المسلمين :
ل تنقطممع أخبممار " الشممغب " كممما تسممميه الدولممة والصممحافة ..
وخلصتها أن يهجم الهندوس على القرى السلمية فيحرقوها علممى
أصممحابها ويقتلمموا منهمما مممن تطمموله أيممديهم ..فيحتممج المسمملمون ،
ويخرجممون لممرد العممدوان فتعتقلهممم الشممرطة بتهمممة إثممارة الشممغب
وتودعهم فى السجون ! هذا وحكومة الهند حكومممة " علمانيممة " أى
أنها ل تقيم حكمها على الدين ،ول تتعرض لصممحاب الممدين ! ومممن
سنوات غير بعيممدة صممرح نهممرو تصممريحا عجبمما قممال فيممه إن تقريممر
المصير حق لكل الناس ..إل فى كشمير ! ! ولم يستنكر ذلك أحممد
فى العالمين!
للدراسة وتعطى لهم الحرية الكاملة يقولون فى دروسهم كل ما يريدون بل رقيب عليهم ..
" " وفى مصر يفتح القباط – بجانب الدروس الدينية الرسمية التى يتلقونها فى مدارس الدولة – مدارس دينية 1
خاصة تسمى " مدارس الحد " ل تتعرض لها الدولة أى نوع من التعرض .
" " وفى مصر يتلقى القباط المعونات من الدول المسيحية والهيئات والفراد فل تسألهم الدولة من أين يأخذون ول 2
على " البابا " أن يأذن له فى فتح تلك البلد وضمها إلى المسيحية .وقد قتله الهالى فى المعركة التى جرت على
أثر تجرؤه على رفع الصليب عى أرض بلدهم السلمية فسموا " المتبربرين " .
وفلسطين ظلت أربعة عشر قرنا من الزمان أرضا إسلمية ..ثم
جاء اليهود ليقيمموا عليهما دولمة يهوديمة ..ولمم يسمتنكر أحمد ممن "
النسانيين " طرد السكان الصليين وإجلءهم عن أرضممهم بالقنابممل
والمدافع ،بل يشق بطممون الحوامممل والتلهممى بممالتراهن علممى نمموع
الجنين كما فعلت العصابات اليهودية التى كان رأس إحداهما مناحم
بيجن ..وإنما استنكرت مممن المسمملمين أن يطممالبوا بأرضممهم ،وأل
يخلوها عن طيب خاطر للغاصبين !
ويطول المر بنا لو رحنمما نسممتعرض أحمموال المسمملمين الممواقعين
فممى قبضممة غيممر المسمملمين ،أو الممذين يتعرضممون لعممدوان غيممر
المسلمين فى كل مكان فى الرض ..فممى روسمميا الشمميوعية الممتى
قتلت ما يقرب من أربعة مليين مممن المسمملمين ،وفممى يوغسمملفيا
التى قتلت ثلثة أرباع مليون منهم ،وفى أفغانستان الممتى تسممتخدم
فيها السلحة المحرمممة " دوليمما " و" قانونيمما " و" إنسممانيا ! " وفممى
أوغندا ،وفى تنزانيا ،وفى ..وفى ..وفى ..وفى..
فما بممال " النسممانيين " ؟ ممما بممالهم ل يتحركممون ؟! ممما بممالهم ل
يصرخون فى وجه الظلم الكافر الذى ل قلب له ول ضمير ؟!
إنما توجه دعوى " النسانية " فقط ضد أصحاب الدين !
فمن كان متمسكا بدينه فهو " المتعصب " " ضيق الفممق "الممذى
يفرق بين البشر على أساس المدين ،ول يتسمع قلبمه " للنسمانية "
فيتعامل معها بل حواجز فى القلب أو فى الفكر أو فى السلوك !
أو قممل علممى وجممه التحديممد إن الممذين يحمماربون اليمموم بممدعوى "
النسانية " هم المسلمون !
يحاربون بها من طريقين ،أو من أجل هدفين :الهدف الول هممو
إزالة استعلء المسلم الحق بإيمانه ،الناشئ من إحساسممه بممالتميز
عن الجاهلية المحيطممة بممه فممى كممل الرض ،لكممى تنبهممم شخصمميته
وتتميع ؛ والهدف الثانى همو إزالمة روح الجهماد ممن قلبمه ..ليطمئن
العداء ويستريحوا !!
فمممى الهمممدف الول المستشمممرق النمسممماوى المعاصمممر " فمممون
جرونيبمماوم " Von Grunebaumفممى كتمماب لممه يسمممى " السمملم
الحديث " " " Modern Islam "1إن الحاجز الذى يحجز المسلم عن
" التغريب " Westernizationهو استعلؤه بإيمممانه ،وإنممه لبممد مممن
تحطيم ذلك الحاجز لكى تتم عملية التغريب!
" " ل يتسع المجال هنا للتعليق على عنوان الكتاب الذى يقصد به أن السلم ليس شيئا ثابتا محدد المعالم ،وإنما 1
هو شئ دائم التغير ! فالسلم الول شئ ،وإسلم القرون الوسطى )وهذا عنوان كتاب آخر لنفس المؤلف( شئ آخر
،والسلم الحديث شئ ثالث ! وهذه القضية ذاتها من وسائل الحرب التى يستخدمها المستشرقون ضد السلم !
أرأيت ! إنه هدف مقصود لممذاته ..أل يشممعر المسمملم بالسممتعلء
باليمان ! يراد له أن تممذوب شخصمميته وتتميممع ،ول تكممون لهمما تلممك
السمة المميزة التى أرادها الله :
َ سطا ً ل ِت َ ُ ك جعل ْناك ُ ُ
س وَي َك ُممو َ
ن داَء عَلممى الن ّمما ِ كوُنوا ُ
شه َ َ ة وَ َ
م ًمأ ّ }وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ
شِهيدًا{ ]سورة البقرة [2/143 م َ ل عَل َي ْك ُ ْ
سو ُ
الّر ُ
إن أعداء السلم لممن يسممتريحوا حممتى يزيلمموا ذلممك التميممز الممذى
يحسه المؤمن :
عوا{ طا ُ س مت َ َ
نا ْ ن ِدين ِك ُم ْ
م إِ ْ م عَم ْدوك ُم ْحّتى ي َُر ّ ن ي َُقات ُِلون َك ُ ْ
م َ }َول ي ََزاُلو َ
]سورة البقرة [2/217
وتلك قضية قديمة عمرها الن أكثر مممن أربعممة عشممر قرنمما ..أى
منذ وجد المجتمممع السمملمى فممى المدينممة ..ولكممن وسممائل القتممال
تتغير ،ومن بينها اليوم ما نسميه " الغزو الفكرى " ومن بين الغممزو
الفكرى هذه الدعوى ..دعوى النسانية !
فباسم النسانية يقال للمسلم الحق :يا أخممى ل تعممتزل النمماس !
إن النسانية كلها أسرة واحدة ،فتعامل مع السرة كفرد منهمما ،ول
تميز نفسممك عنهمما ! وشممارك فممى النشمماط " النسممانى " و مظمماهر
الحضارة " النسانية " !
ول نقممول لهممؤلء :هممل تعمماملون أنتممم المسمملمين كممأفراد مممن
أسرتكم " النسانية " " العالمية "فتعطونهم حقهم بوصفهم أفممرادا
فممى تلممك السممرة ،فل تطمماردونهم ،ول تنبممذونهم ،ول تتعصممبون
ضدهم ،ول تتجمعون على أذاهم ؟!
ل نقول لهم ذلك لنه ل فائدة من جدالهم .ولكممن نقممول " شممهد
شاهد من أهلها " فهو غير متهم فيما يشهد به ! ذلك هو " توينبى "
المؤرخ المعاصر المشهور ،وتعصبه ضد السمملم والمسمملمين أمممر
كذلك مشهور!
يقول فى محاضرة له باسم السلم والغرب والمسممتقبل بعممد أن
قسم العالم تجاه عملية " التغريب " إلى متحمسين بغير عقل " "1
،ومقلدين بل تحفظ ،وبعد أن امتدح حركة كمال أتمماتورك المقلممدة
للغرب :
" ويجب على المراقب الغربى أن يراعى حدود اللياقة ول يسخر
" " " 2لن ما يحاول )المقلدون( التراك القيام به هو تغيير وطنهم
وممواطنيهم ممما همم فيممه إلمى حالمة كنما نحممن منممذ التقمماء الغممرب
" " يقصد بهم – بصفة خاصة – المسلمين المحافظين على إسلمهم . 1
" " هذا اعتراف من المؤلف بأن الغربيين يسخرون من التراك بعد أن تغربوا وتركوا إسلمهم ! 2
بالسلم ننتقدهم لعدم وجودها طبيعة فيهم .وها هم حمماولوا – ولممو
متأخرين – إقامة صورة طبق الصل لدولة غربية وشعب غربى .
" وعنممدما نممدرك تماممما هممدفهم الممذى رممموا إليممه ل نسممتطيع إل
التساؤل بحيرة :هل يبرر هذا الهدف حقمما الجهممد الممذى بممذلوه فممى
صراعهم لبلوغه " " " 1؟!
" من المؤكد أننا لم نكن نحممب الممتركى التقليممدى المسمملم الممذى
كممان يممثير حنقنمما عنممدما ينظممر إلينمما مممن عممل علممى أانمما فريسمميون
زناديق ! ويحمد اللمه علممى أنمه لممم يجعلمه مثلنما .وبممما أن الممتركى
التقليدى القديم كان يعتبر نفسه من طينة خاصة ،حاولنمما أن نحممط
من كبريائه بتصوير هممذه الطينممة الخاصممة شمميئا ممقوتمما وسممميناه "
التركى النكرة " ..إلى أن استطعنا أخيرا أن نحطم سلحه النفسى
وحرضناه على القيام بهممذه الثممورة )المقلممدة( الممتى اسممتهلكها الن
أمام أعيننا . " 2 " ..
" والن ،وبعد أن تغير التركى بتحريضنا ورقابتنا ،وبعد أن أصممبح
يفتش عن كل وسيلة لجعل نفسممه مممماثل لنمما ،وللشممعوب الغربيممة
مممن حمموله ،الن نحممس نحممن بالضمميق والحممرج ،بممل ونميممل إلممى
الشعور بالسخط والحنق ،تماما كما شعر صموئيل عنممدما اعممترف
بنو إسرائيل بفظاظة غايتهم ورغبوا فى وجود ملك ..
" لذلك فإن شكوانا الجديدة ممن التمراك فمى همذا الظمرف أممر
أقل ما يقال فيه إنه غير لئق " ، " 3وبإمكان التركى أن يجيبنمما أنممه
مهما فعل فهو مخطئ فى نظرنا ..
" على كل حال ،قد يكون انتقادنا للتراك فظا وغير لئق ،ولكن
ليس فيه أى تحامل " " 4ول هو خارج عن الموضمموع ،إذ ممما الممذى
سيكسبه التراث الحضارى ،فممى حالممة عممدم ذهمماب جهممود التممراك
سدى ؟ أى فمى حالمة نجماحهم – فرضما – النجماح المرجمو ؟ وهمذه
النقطة تكشف حركة المقلدين عن نقطتى ضعفها الصيلتين فيها :
" أولهما :أن الحركة مقلدة متبعة ،وليست مخترعة ،لذا ففممى
حالة نجاحها – جدل – لن تزيد إل فى كمية المصنوعات التى تنتجهمما
اللة فى المجتمعممات المقلممدة ،بممدل أن تطلممق شمميئا مممن الطاقممة
المبدعة فى النفس البشرية .
" " لحظ سخرية المؤلف بالتراك ،مع أنه ينصح الغربيين بعدم السخرية بهم ! 1
" " يلتقى الصليبيون جميعا فى كراهيتهم لهذا " السلح النفسى " وهو استعلء المسلم بإيمانه .راجع قوله " 2
" " يعود إلى سخريته – على طريقته الخاصة – فيقول إن سخرية الغرب بالتراك المقلدين ليس فيها أى تحامل ! 4
" " تعريب الدكتور نبيل صبحى باسم " السلم … والغرب ..والمستقبل " ص . 53 – 51 2
" " ظهر فى بريطانيا فى أوائل الستينات كتاب بعنوان " معضلة الرجل البيض " The White Man's Dilemmaشرح 3
فيه مؤلفه موقف الرجل البيض من الرجل الملون ،وخلصة فكرة الكتاب أن الرجل البيض يتصايح اليوم بضرورة
تحديد نسل الرجل الملون ،ويحاول إقناع الرجل الملون بتحديد نسله بشتى الوسائل على أساس أن أقوات الرض
ل تكفى لمواجهة " النفجار السكانى " فى المستقبل .ويناقش المؤلف هذا الزعم ،ويثبت أن موارد الرض لم
تستثمر كلها بعد ،فضل عن أن موارد البحر تعتبر غير مستثمرة أصل .وأن الرض – بيابسها ومياهها – تحمل من
القوات ما يكفى أضعاف أضعاف العدد الحالى من البشر .ولكن الحقيقة الكامنة وراء هذه الصيحة أن الرجل البيض
يخشى على سيادته وسيطرته ورفاهيته الناعمة من يقظة الرجل الملون الذى سلب الرجل البيض خيراته عن طريق
السيطرة والستعمار .فإذا ظل نسل الرجل الملون يتزايد بنسبته الحالية – بينما نسل الرجل البيض يتناقص بسبب
عمل المرأة وانشغالها بالمحافظة على رشاقتها وانشغالها بملذاتها عن الحمل والمومة – فسيستيقظ الرجل الملون
إلى الحقيقة الواقعة ،وهى أن خيراته التى تشتد حاجته إليها بسبب تزايد أعداده مسلوبة بيد الرجل البيض .وعندئذ
سيثور على الرجل البيض لسترداد خيراته المسلوبة ،فيفقد الرجل البيض سلطانه ورفاهيته ..ومن أجل ذلك
ينصحه بتحديد نسله ويخوفه بالجوع !!
فممزع أوروبمما مممن اسممتيلء الشمميوعية علممى تشيكوسمملوفاكيا سممنة
! 1948
وهذا هو المستشرق المريكى " روبرت بين Robert Payneيقول
فى مقدمة كتابه السيف المقدس : The Sacred Sword
" إن لدينا أسبابا قوية لدراسة العرب والتعرف علممى طريقتهممم .
فقد غزوا الدنيا كلها من قبل .وقممد يفعلونهمما مممرة ثانيممة ! إن النممار
الممتى أشممعلها محمممد ممما تممزال تشممتعل بقمموة ،وهنمماك ألممف سممبب
للعتقاد بأنها شعلة غير قابلة للنطفاء " !
ولنترك المستقبل لعلم الله ..فممما نممدرى ممماذا يكممون مممن أمممر
المسلمين غدا .ولكنا ننظر إلى الحاضممر ذاتممه فنلمممح السممبب فممى
فزع أعداء السلم من روح الجهاد الكامنة فيه ..
إن أوروبا لم تتضخم كما تضخمت اليوم ،ولم تصل إلى الرفاهية
الناعمة التى تعيش فيها إل باستعمار العالم السلمى ونهب خيراته
واستعباد أهله وإخضاعهم لنفوذها .فماذا يكون إذا اسممتيقظت فممى
المسلمين روح الجاد فطممردوا ذلممك السممتعمار بكممل أنممواعه اخفيممة
والظمماهرة ،العسممكرى منهمما والسياسممى والقتصممادى ،واسممتردوا
سيادتهم على أرضهم وأرواحهم وأفكارهم وضمائرهم ؟!
ماذا يحدث لوروبا لو تم ذلك ؟ ومممن أيممن لهمما الرفاهيممة الناعمممة
التى تعيش فيها اليوم ،إذا احتفظ المسلمون بخيراتهممم لنفسممهم ،
أو باعوهما لوروبما بيعما حمرا بالسمعر الحقيقمى المذى تسمتحقه فمى
التجارة الحرة المتكافئة ؟ ومن أين لها التضخم الذى تمارسه اليوم
،سممواء التضممخم العسممكرى أو العلمممى أو المممادى ،إذا انحسممرت
مواردها وكسدت بضاعتها التى توزعهمما اليمموم علممى " المتخلفيممن "
وتربح فيها بغير حساب ؟!
كل ! ما يحب أعداء السلم قط أن تستيقظ روح الجهاد الكامنممة
فيه ،ولو لم يتحقق شممئ مممن كلم روبممرت بيممن ،الممذى يزعممج بممه
أعصاب الغرب ليشتدوا فى الضغط على المسلمين ول يتيحوا لهممم
أى فرصممة لنهمموض ..أو – علممى وجممه التحديممد – ل يممتيحوا لهممم أى
فرصة للرجوع إلى حقيقة السلم التى فقممدوها بعمليممة " التغريممب
"!
ودعوى النسانية من أسمملحة الحممرب الموجهممة ضممد روح الجهمماد
عند المسلمين .
يا أخى ! لقد تغيرت الدنيا ! ل نتكلم عن الجهاد ! أو إن كنت لبد
فاعل فتكلم عن الجهاد الممدفاعى فحسممب ! ول تتكلممم عنممه إل فممى
أضيق الحدود ! فهذا الذى يتناسب اليوم مع " النسانية المتحضممرة
" ! لقد كمانت للجهمماد ظممروف تاريخيممة وانقضممت ! أممما اليمموم فقممد
أصبحت النسانية أسرة واحدة ! وهناك قانون دولممى وهيئات دوليممة
تنظممر فممى حقممك وتحممل قضمماياك بممالطرق " الدبلوماسممية " ! فممإذا
فشلت تلك الهيئات فى رد حقممك المغتصممب فعنممدئذ لممك أن تقاتممل
دون حقك ولكن ل تسمه جهادا ! ..فالجهاد قد مضممى وقتممه ! إنممما
سمه دفاعا عن حقوقك المشروعة !!
أما نشر الدعوة فإياك أن تتحدث فيه عممن الجهمماد ! هنمماك اليمموم
وسائل " إنسانية " لنشر الدعوة فاسلكها إن شئت ..هناك الكتمماب
والمذياع والتلفاز والمحاضرة والدرس ..إياك إياك أن تتحممدث عممن
الجهاد فتكون مضغة فى أفواه المتحضرين !
ول نقول لهؤلء :أين هى الهيئات الدولية فى قضممية فلسممطين ؟
وفى قضية الفلبين ؟ وفى قضية كشمير ؟ وفى قضية أفغانستان ؟
وفى كل قضية كان المسلمون طرفا فيها ؟ أين هى الحقمموق الممتى
ترد بالطرق الدولية أو العدوان الذى يصد ؟!
ول نقول لهم :ما قيمممة هممذه الهيئات الدوليممة والقممانون الممدولى
وكل الجراءات الدولية ،إذا كان هممذا القممانون يعممترف رسممميا بممأن
هنمماك جبممابرة خمسممة فممى الرض هممم الحممق – الشممرعى ! ! – أن
يوقفوا أى إجراء ل يوافممق أهممواءهم ومطممامعهم العدوانيممة – مهممما
يكن عادل فى ذاته – عن طريق " الفيتو " )حق العتراض ( ؟!
ل نقول لهم ذلك لنه ا فممائدة مممن جممدالهم ! إنممما نقممول لهممم إن
إسممرائيل تضممرب بقممرارات هيئة المممم المتحممدة ومجلسممي المممن
عرض لحائط ،وتعلن فى تبجممح – وهممى المعتديممة دائممما – أنهمما لممن
تخضع لهذه القمرارات ولممن تلمتزم بهمما ،ول يتحممرك " النسمانيون "
لتأديبها ..إنما يشهر سلح ط النسانية " فى وجه المسلمين فقممط
حين يطالبون بحقهم المشروع!
m m m
السلم – دين الله – صريح غاية الصراحة ،حاسم كممل الحسممم ،
ل يداور ول يناور ،ول يتاجر بالشعارات .
ن{ ]سممورة التغممابن م مؤ ْ ِ
م ٌ م ُ من ْك ُم ْ
م ك َممافٌِر وَ ِمن ْك ُ ْ خل ََقك ُ ْ
م فَ ِ ذي َ }هُوَ ال ّ ِ
[64/2
ن{ ]سمورة الزممر ن ل ي َعْل َ ُ
مممو َ ذي َ ن َوال ّم ِ
ممو َن ي َعْل َ ُ
ذي َوي اّلم ِ ست َ ِ
ل يَ ْ }هَ ْ
[39/9
َ
ت َول الن ّمموُر )(20 ممما ُ صيُر )َ (19ول الظ ّل ُ َ مى َوال ْب َ ِ وي العْ َ ست َ ِ ما ي َ ْ }وَ َ
ت{ ]سممورة َ َ ل َول ال ْ َ َول الظ ّ ّ
وا ُ م َحَياُء َول ال ْ وي ال ْ ست َ ِما ي َ ْ حُروُر ) (21وَ َ
فاطر [22-35/19
ويقرر فممى صممراحة حاسمممة أن ولء المسمملم هممو للممه ولرسمموله
وللمؤمنين ،ويحرم الولء فيما وراء ذلك :
من ُمموا] {....سممورة المممائدة نآ َ ذي َ ه َوال ّم ِ سممول ُ ُ ه وََر ُ م الل ّم ُ ممما وَل ِي ّك ُم ْ }إ ِن ّ َ
[5/55
َ
ن ي َْفعَ ْ
ل م ْ ن وَ َ مِني َ مؤ ْ ِن ال ْ ُ دو ِ ن ُ م ْ ن أوْل َِياَء ِ ري َ كافِ ِ ن ال ْ َ مُنو َ مؤ ْ ِ خذ ْ ال ْ ُ }ل ي َت ّ ِ
يٍء{ ]سورة آل [3/28 ش ْ ن الل ّهِ ِفي َ م ْ س ِ ك فَل َي ْ َ ذ َل ِ َ
َ َ
مض مه ُ ْ
صمماَرى أوْل ِي َمماَء ب َعْ ُ ذوا ال ْي َهُممود َ َوالن ّ َ خم ُ من ُمموا ل ت َت ّ ِ نآ َ ذي َ }َيا أي َّها ال ّم ِ
أَ
م{ ]سورة المائدة [5/51 من ْهُ ْ
ه ِ م فَإ ِن ّ ُ من ْك ُ ْ م ِ ن ي َت َوَل ّهُ ْ م ْ ض وَ َ ٍ ْ ع َ ب ُ ء ياَ ِ لْ و
ويقرر فى صراحة حاسمة كذلك أن الجهمماد لنشممر الممدعوة ممماض
إلى يوم القيامة :
ه{ ]سممورة ه ل ِّلم ِ ن ك ُّلم ُ دي ُ ن الم ّ ة وَي َك ُممو َ ن فِت ْن َم ٌ حّتى ل ت َك ُممو َ م َ }وََقات ُِلوهُ ْ
النفال [8/39
ولكنه ل يقاتل من أجل فرض عقيدته على الناس وهم كممارهون .
إنما يقاتل كما قلنا من قبل لزالة القوى الجاهلية التى تمنع وصممول
الحق للناس دون حواجز نفسية أو حسية مادية ،ممثلممة فممى نظممم
جاهلية لها فى حممس النمماس ثقممل " المممر الواقممع " وجيمموش ودول
تحمى تلك النظم الجاهلية وتعطيها ثقلها فممى الرض ،فممإذا أزيلممت
الحواجز فل إكراه فى الدين :
ي] {...سممورة البقممرة ن الغَ ّ م ْ شد ُ ِ ن الّر ْ ن قَد ْ ت َب َي ّ َ دي ِ }ل إ ِك َْراهَ ِفي ال ّ
[2/256
إنما يقام العدل الربانى ليستمتع به الناس ويعيشوا فى ظله ولممو
كانوا ل يعتنقون عقيدة السلم .
وقد فتح المسلمون مصر وكان سكانها على دين النصرانية ،فلم
يكرههم السلمون على اعتناق السلم .ولممو كممان هنمماك إكممراه ممما
بقى القباط على دينهم حتى هذه اللحظة !
إنممما أقممام المسمملمون العممدل الربممانى كممما أمرهممم اللممه فممردوا
للقباط كرامتهممم النسممانية المفقممودة الممتى سمملبهم إياهمما حكممامهم
الرومان وهم على نفس الدين ولكممن علممى مممذهب مخممالف .فقممد
كان الرومان يلهبون ظهور القباط بالسياط لمخممالفتهم إيمماهم فممى
المذهب فل يتحرك القباط لرد العممدوان ،ول يجممدون ملجممأ يلجئون
إليه يمنحهم الحرية العتقادية ويمنحهم العدل والكرامة .فلما جمماء
المسملمون منحموهم كممل ذلمك .وقصمة القبطممى المذى ذهمب إلممى
المدينة ليشكو إلى عمر بن الخطاب ضربة العصا التى وقعت علممى
ظهر ابنه من ابن عمرو بممن العمماص شممهيرة ل تحتمماج إلممى إعممادة .
ولكممن دللتهمما وضمماحة ،فهممذا القبطممى الممذى كممان يتلقممى سممياط
الرومان ول يشكو ول يثأر لكرامته المسلوبة ،يسمافر همذه الرحلمة
الطويلممة طلبمما للعممدل ،لن السمملم رد لممه كرامتممه فصممار يسممتنكر
الظلم ويطلب العدل ،ولن السلم أوجد له ملجأ حقيقيا يسممتحقق
له العدل فيه فطلبه هناك .
ومن أجمل همذا يقاتمل المسملمون يقاتمل المسملمون ،ل لفمرض
عقيممدتهم ،ول للتوسممع السممتعمارى ،ول لسمملب أقمموات النمماس
والسممتئثار بهمما لنفسممهم ،ول لى فممائدة أرضممية مممن الممتى تسممعى
الدول إليها ،ولكن قياما بأمر الله ،ونشرا لهذا العدل الربممانى فممى
الرض .
وفتح المسلمون النممدلس ،وظلمموا هنالممك ثمانيممة قممرون ..فلممم
يفرضوا عقيدة السلم على نصارى الندلس ،بل دخممل منهممم مممن
دخل السلم حبا فيه وإيمانا بصدقه ،وبقى النصممارى نصممارى حممتى
ردوا للمسلمين الجميل بطردهم من الندلس مع التعذيب والتنكيل
والتشريد على أبشع صورة وعاها التاريخ .ونشر المسمملمون النممور
فممى النممدلس وغيرهمما مممن البلد عممن طريممق مدارسممها وجامعاتهمما
وأسمماتذتها وكتبهمما وعلومهمما وحضممارتها ،الممتى مممرت شممهادات
الشاهدين بها من منصفى الغرب على قلتهم ! وكانت الندلس هى
الملذ المن لليهود والنصارى على السواء ،يشممعرون فيهمما بممالمن
الكامل فى ظل الحكم السلمى ،بينما أوروبا كلها تضممطهد اليهممود
وتنكل بهم ،وبينما النصارى المخالفون لمممذهب الكنيسممة يعيشممون
فى رعب دائم من الرهاب .
وفتح المسلمون الهند ،وحكموها ثمانيممة قممرون ..فلممم يفرضمموا
العقيدة السلمية على الوثنيين الهنود ،بمل تركموهم لعقمائدهم ممع
أن فيها مل يعقله عاقل ،من عبادة للبقر ،وتبرك بروثهمما وبولهمما ..
وإنما فرضوا عليهم فقط أن يكفوا عن بعض عاداتهم الوحشية التى
كانوا يمارسونها من دفن الرملة حية مع زوجها المتوفى ،أو حرقها
حية ..من أجممل رفممع هممؤلء النمماس إلممى درجممة الدميممة فممى بعممض
تصممرفاتهم دون المسمماس بعقممائدهم .وظممل الهنممدوس محممافظين
على عقائدهم وتقاليدهم فى ظممل الحكممم السمملمى حممتى تسمملموا
حكم الهند بمساعدة الصليبيين النجليز ،فردوا الجميممل للمسمملمين
بالعدوان المسممتمر عليهممم وتحريممق قراهممم وتعمممد الثممارة الدائمممة
لهم ،والتهييج الدائم لخواطرهم .
كممذلك كممان فتممح المسمملمين للرض ..ومممن أجممل هممذه المعممانى
الرفيعة أمرهم الله بالقتال لنشر الدعوة ..ومع ذلك فهم ل يبدأون
بالقتال ،إنما يبدأون بعرض السلم ،فإن لم يقبل منهم فالجزيممة ،
فإن لم تقبل فالقتال من أجل إخراج الناس مممن ظلمممات الجاهليممة
وظلمها إلى عدل السلم وسماحته ،على النحو الذى تم بممه المممر
فى واقع التاريخ .
وللحرب مع ذلك تقاليد ..بل قل إنها أخلقيات السمملم فممى كممل
شئ حتى مع المشركين المعاندين .
قال رسول الله صلى الله عليممه وسملم لجيشمه يعلممه أخلقيمات
الحرب فى السلم " اغزوا باسممم اللممه ،وقمماتلوا مممن كفممر بممالله ،
اغزوا فل تغلوا ول تغدروا ول مثلوا ول تقتلوا وليدا " ..الحديث " "1
.
ثم إن أعطوا العداء عهدا أو موثقا فالله يأمرهم أن يوفوا بالعهد
ول ينقضوا الميثاق ن تحت أى ظرف من الظروف ولى هدف مممن
الهداف ز فإن خافوا منهم خيانة فلينبذوا إليهممم عهممدهم علنيممة ول
يغدروا ول يفاجئوا عدوهم بالقتال قبل انقضاء العهد :
ها وَقَد ْ كيدِ َ ن ب َعْد َ ت َوْ ِ ما َ َ
ضوا الي ْ َ م َول َتنُق ُ عاهَد ْت ُ ْ ذا َ }وَأ َوُْفوا ب ِعَهْدِ الل ّهِ إ ِ َ
كون ُمموا ن )َ (91ول ت َ ُ ممما ت َْفعَل ُممو َ م َ ه ي َعْل َم ُ ن الل ّم َ م ك َِفيل ً إ ِ ّ ه عَل َي ْك ُ ْ م الل ّ َ جعَل ْت ُ ْ َ
َ كاثا ً ت َت ّ ِ َ
م كمم ْخل ً ب َي ْن َ ُ م دَ َ مممان َك ُ ْ ن أي ْ َ ذو َ خ ُ ن ب َعْدِ قُوّةٍ أن َ م ْ ت غَْزل ََها ِ ض ْ كال ِّتي ن ََق َ َ
ة هي أ َربى م ُ كو ُ َ
م م ي َموْ َ ن ل َك ُ ْ ه ب ِهِ وَل َي ُب َي ّن َ ّ م الل ّ ُ ما ي َب ُْلوك ُ ْ مةٍ إ ِن ّ َ نأ ّ ِ ْ م ٌ ِ َ ْ َ نأ ّ ن تَ ُ َ أ ْ
شاَء الل ّه ل َجعل َك ُ ُ ن ) (92وَل َوْ َ
حد َةً ة َوا ِ م ًمأ ّ ُ َ َ ْ خت َل ُِفو َ م ِفيهِ ت َ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ مة ِ َ ال ِْقَيا َ
شاُء ول َتسأ َ
ن) مل ُممو َ م ت َعْ َ كنت ُ ْ ما ُ ن عَ ّ ُ
َ ُ ْ ّل ن يَ َ م ْ دي َ شاُء وَي َهْ ِ ن يَ َ م ْل َ ض ّ ن يُ ِ وَل َك ِ ْ
خ ُ َ
ذوُقوا م ب َعْمد َ ث ُُبوت ِهَمما وَت َم ُ ل قَمد َ ٌ م فَت َمزِ ّ خل ً ب َي ْن َك ُ ْ م دَ َ مان َك ُ ْ
ذوا أي ْ َ َ (93ول ت َت ّ ِ
م )] {(94سورة ظي ٌ ب عَ ِ ذا ٌ م عَ َ ل الل ّهِ وَل َك ُ ْ سِبي ِ ن َ م عَ ْ صد َد ْت ُ ْ ما َ سوَء ب ِ َ ال ّ
النحل [94-16/91
هل ن الل ّم َ واٍء إ ِ ّ سم َ م عَل َممى َ ة َفان ْب ِمذ ْ إ ِل َي ْهِم ْ خَيان َم ً ن قَوْم ٍ ِ م ْ ن ِ خافَ ّ ما ت َ َ }وَإ ِ ّ
ن )] {(58سورة النفال [8/58 خائ ِِني َ ب ال ْ َ ح ّ يُ ِ
ولقد كان معاوية قممد أعطممى عهممدا للممروم إلممى أمممد محممدد ،ثممم
جاءته عيونه تخبره أن القوم يستغلون الهدنة للستعداد للنقضمماض
علمممى المسممملمين ،فمممأراد أن يبممماغتهم ،فاستشمممار فمممأبى عليمممه
مستشاروه ،وقالوا له إما أن تنبذ إليهم عهدهم على سواء وإما أن
" " رواه مسلم . 1
تنتظر إلى نهاية العهد ،والله ينصرك بالطاعة .فانتظر حممتى نهايممة
العهد وانتصر بإذن الله .
ويروى التاريممخ كيممف غممدر الصممليبيون بعهممدهم مممع صمملح الممدين
وفاجئوا المسملمين المنيممن علممى بغتمة فمماحتموا بالمسممجد فمدخلوا
عليهم المسجد وأعملوا فيهم القتل حتى غاصت الخيممل إلممى ركبهمما
فى الدماء ..فلما دارت الدورة وانتصر صلح الممدين أبممى أن ينتقممم
منهم – سماحة – ولم يغدر قط بميثاق واحد أعطاهم إياه .
وظل وفماء المسملمين بممواثيقهم فمى السملم والحمرب مضمرب
المثل خلل التاريخ ،اتباعا لتعاليم السلم ،وتخلقا بأخلق ل إله إل
الله .
m m m
اللحاد
اللحاد – بمعنى إنكمار وجمود اللمه ،والقمول بمأن الكمون وجمد بل
خالق أو أن المادة الزلية أبدية ،وهممى الخممالق والمخلمموق فممى ذات
الوقت – بدعة جديدة فى الضللة فيما أحسب ،لم توجد مممن قبممل
فى جاهليات التاريخ السابقة ،ومن المؤكد علممى أى حممال أنهمما لممم
توجمممد بهمممذه الصمممورة وبهمممذا التسمماع المممذى تمارسمممه الجاهليمممة
المعاصرة ،فى أى فترة سابقة من فترات التاريخ .
حَيات ُن َمماي إ ِل ّ َممما هِ م َ وبعض الناس يشير إلى الية الكريمة} :وََقاُلوا َ
ممما ي ُهْل ِك ُن َمما إ ِل ّ ال مد ّهُْر{ ]سممورة الجاثيممة [45/24 حَيا وَ َت وَن َ ْمو ُ الد ّن َْيا ن َ ُ
ويستدلون منها على أنه وجد فممى الجاهليممة العربيممة )وبالتممالى فممى
غيرها ( من ينكر وجود الله ،وأن هؤلء الدهريين كما أطلق عليهممم
هم صنو القائلين بالطبيعة ،المنكرين لوجود الله .
والية – فيما أرى – ل تعطى هذه الدللة بصممورة قاطعممة ،فإنهمما
تقطع فقط بأن القوم المشار إليهم ينكرون البعث ،ولكنها ل تقطع
بأنهم ينكرون وجود الله .
وما لم يثبت من مصدر يقينى " " 1أنه وجممد فممى العممرب أو فممى
غيرهم من المم من قبل من ينكر وجود الله ،فأغلب الظن عنممدى
أن هؤلء القوم المشار إليهم فى الية هم الذين يؤمنون بوجود الله
وبأنه هو الخالق المدبر ثم ينكرون قدرته سبحانه وتعالى على بعث
َ
خل َم َ
ق ن َ مم ْ م َ سمأل ْت َهُ ْ ن َ الموتى بعممد أن يصمميروا ترابمما وعظاممما } :وَل َئ ِ ْ
َ
ه{ ]سورة لقمان [31/25 ن الل ّ ُ
ض ل َي َُقول ُ ّ
ت َوالْر َ وا ِ م َ
س َ ال ّ
ن ل ِل ّم ِ سمي َُقوُلو َ َ
ه ن )َ (84 مو َ م ت َعْل َ ُ ن ُ
كنت ُ ْ ن ِفيَها إ ِ ْ م ْض وَ َ ن الْر ُ م ْل لِ َ}قُ ْ
" " أى حديث مقطوع بصحته . 1
س مب ْع وََر ّ ْ قُ ْ َ
ش ب العَ مْر ِ ت ال ّ ِ وا ِ م َ سم َ ب ال ّ ن َر ّ م ْ ل َ ن ) (85قُ ْ ل أَفل ت َذ َك ُّرو َ
ن ) (87قُ م ْ ال ْعظي مم ) (86س ميُقوُلون ل ِل ّمه قُ م ْ َ
ه
ن ب ِي َمدِ ِ مم ْ ل َ ل أَفل ت َت ُّقممو َ ِ َ َ َ َ ِ ِ
ن )(88 مممو َ م ت َعْل َ ُ كنت ُم ْ ن ُ جمماُر عَل َي ْمهِ إ ِ ْ جيُر َول ي ُ َ يٍء وَهُوَ ي ُ ِ ْ ل َ
ش ت كُ ّ كو ُ مل َ ُ َ
َ ن ل ِل ّهِ قُ ْ
ن )] {(89سممورة المؤمنممون -23/84 حُرو َ س َ ل فَأّنا ت ُ ْ سي َُقوُلو َ َ
[89
ومع إقرارهم بذلك كله فقد كممانوا ينكممرون البعممث إنكممارا شممديدا
ل جمم ٍ م عََلى َر ُ ل ن َد ُل ّك ُ ْ ن ك ََفُروا هَ ْ ذي َ ل ال ّ ِ ويعجبون ممن يقول به } :وََقا َ
ديدٍ )َ (7أافْت َمَرى عَل َممى ج ِ ق َ خل ٍ
م ل َِفي َ ْ ق إ ِن ّك ُ ْ مّز ٍ م َ ل ُ م كُ ّ مّزقْت ُ ْ ذا ُ م إِ َ ي ُن َب ّئ ُك ُ ْ
خَرةِ فِممي ال ْعَ م َ َ
ب ذا ِ ن ب ِممال ِ من ُممو َ ن ل ي ُؤْ ِ ذي َ ل ال ّم ِ ة ب َم ْ جن ّم ٌ م ب ِمهِ ِ ذبا ً أ ْ الل ّمهِ ك َم ِ
ل ال ْب َِعيدِ )] {(8سورة سبأ [8-34/7 ضل ِ َوال ّ
فتكذيبهم بالبعث لم يكن ناشئا من إنكارهم لوجود الله ،إنما من
إنكارهم قدرته سبحانه وتعالى على إحيمماء " الممموتى بعممد ان بليممت
ض أ َئ ِن ّمما ِ رْ
ض مل َل َْنا فِممي ال َ َ ذا َ ِ ئأجسادهم وضلوا فممى الرض } :وقَمماُلوا أ َ
َ
د{ ]سورة السجدة [32/10 دي ٍ ج ِ ق َ ل َِفي َ ْ
خل ٍ
ولذلك كان الجدل معهم فى هذا الموضوع يدور كله حممول معنممى
واحد هو أن الذى خلق الخلممق مممن العممدم أول مممرة قممادر علممى أن
ينشئهم مرة أخرى :
م) ميمم ٌ ي َر ِ م وَهِ َ ظا َ ي ال ْعِ َ ح ِ ن يُ ْ م ْ ل َ ه َقا َ خل َْق ُ ي َ س ََ مث َل ً وَن َ ِ ب ل ََنا َ ضَر َ }وَ َ
ل َ ْ َ َ
م )(79 ق عَِلي م ٌ خل م ٍ م مّرةٍ وَهُ موَ ب ِك ُم ّ ل َ ها أوّ َ شأ َ ذي أن َ حِييَها ال ّ ِ ل يُ ْ (78قُ ْ
َ ضرِ َنارا ً فَإ ِ َ جرِ ال َ ْ
ن )(80 دو َ ه ُتوقِ م ُ من ْ ُ م ِ ذا أن ْت ُ ْ خ َ ش َ ن ال ّ م ْ م ِ ل ل َك ُ ْ جع َ َ ذي َ ال ّ ِ
َ َ َ
م مث ْل َهُم ْ خل ُمقَ ِ ن يَ ْ ض ب َِقممادِرٍ عَل َممى أ ْ ت َوالْر َ وا ِ م َ سم َ خل َقَ ال ّ ذي َ س ال ّ ِ أوَل َي ْ َ
َ ذا أ ََراد َ َ َ
ه ل ل َم ُ ن ي َُقممو َ شمْيئا ً أ ْ ممُرهُ إ ِ َ ممما أ ْ م ) (81إ ِن ّ َ خل ّقُ ال ْعَِلي ُ ب ََلى وَهُوَ ال ْ َ
يءٍ وَإ ِل َي ْم ِ
ه شم ْ ل َ ت ك ُم ّ مل َك ُممو ُ ذي ب ِي َمدِهِ َ ن ال ّم ِ حا َ س مب ْ َ ن ) (82فَ ُ ن فَي َك ُممو ُ ك ُم ْ
ن )] {(83سورة يممس [83-36/78 جُعو َ ت ُْر َ
ديممدا ً )(98 َ }وََقاُلوا أ َئ ِ َ
ج ِ خْلق ما ً َ ن َ مب ُْعوث ُممو َ ظاما ً وَُرَفات ما ً أئ ِن ّمما ل َ َ ع َ ذا ك ُّنا ِ
َ َ َ َ
خُلمم َ
ق ن يَ ْ ض َقادٌِر عََلى أ ْ ت َوالْر َ وا ِم ََ س َ خل َقَ ال ّ ذي َ ه ال ّ ِ ن الل ّ َ م ي ََرْوا أ ّ أوَل َ ْ
ن إ ِل ّ ك ُُفممورا ً ){(99 ب ِفيهِ فَأَبى ال ّ ل ل َه َ
مو َ ظال ِ ُ جل ً ل َري ْ َ مأ َ جع َ َ ُ ْ م وَ َ مث ْل َهُ ْ ِ
]سورة السراء [99-17/98
َ ذي ي َب ْمد َأ ُ ال ْ َ
ل مث َم ُه ال ْ َ ن عَل َي ْمهِ وَل َم ُ م ي ُِعيمد ُهُ وَهُموَ أهْموَ ُ خل ْمقَ ث ُم ّ }وَهُوَ ال ّ ِ
زي مُز ال ْ َ ت وال َ ال َعْ َ
م )] {(27سممورة كي م ُ ح ِ ض وَهُ موَ ال ْعَ ِ ِ ر
ْ َ ِ وا
َ م
َ س
ّ ال في ِ لى
الروم [30/27
والذين أطلق عليهم اسم " الدهريين " قوم ينكرون البعث إنكارا
مطلقا ،ويقولون إن هى إل حياتنا الممدنيا ،أى ل توجممد حيمماة أخممرى
بعدها .يموت منا من يموت ويحيا منا من يحيا ،وما يهلكنا إل مرور
الزمن .فكلما مر الزمن ماتت نفوس ..ولكن ل بعث وراء ذلك ول
حياة .أما إنكارهم لوجود اللممه فاسممتدلل ل تممدل عليممه اليممة دللممة
صريحة ول دللة لزمة .والقوم إنممما نسممبوا إلممى الممدهر – أى إلممى
مرور الزمن – أنه هو الذى يهلكهم ،ولكنهم لم يقولوا إن الدهر هو
الذى خلقهم أو هو الذى منحهم الحيمماة .أى أنهممم لممم يتخممذوه إلهمما
بدل من الله ! وحممتى لممو فرضممنا جممدل – بغيممر دليممل يقينممى – أنهممم
أنكروا وجود الله ،فليس هناك من يقول إنهم كممانوا كممثرة يحسممب
لها حساب نول إنهم كانوا هم الصورة الغالبممة للجاهليممة .أممما إنكممار
وجود الله على النحو الذى تتبجح به الجاهلية المعاصممرة ،وبالسممعة
الممتى تمممارس بهمما ذلممك التبجممح ،فممأمر غيممر مسممبوق فممى تاريممخ
البشرية ..
ذلك ان الفكرة بذاتها تعرف وجود الله ،وتتجه إليه اتجاها فطريا
بالعبممادة علمى نحمو ممن النحمماء ..ولمو ضملت الطريممق ! ولمم يكممن
الضلل الغالب على البشرية فى جاهلياتهمما هممو إنكممار وجممود اللممه ،
إنما كان الضلل الغالب هو الشرك ،وتصور الله على غير حقيقته .
فقد يتصورون أنه هو الشمس أو هو القمر أو هو النجممم أو ممما إلممى
مُر ل س َوال َْق َ م ُ ش ْل َوالن َّهاُر َوال ّ ن آَيات ِهِ الل ّي ْ ُ م ْ
ذلك من المخلوقات } .وَ ِ
م إ ِي ّمماهُن ك ُن ْت ُ ْ خل ََقهُ ّ
ن إِ ْ ذي َ دوا ل ِل ّهِ ال ّ ِ ج ُ
س ُ مرِ َوا ْ س َول ل ِل َْق َم ِ ش ْ دوا ِلل ّ ج ُ
س ُ تَ ْ
ن )] {(37سورة فصلت [41/37 دو َ ت َعْب ُ ُ
شعَْرى )] {(49سورة النجم [53/49 ب ال ّ َ
ه هُوَ َر ّ }وَأن ّ ُ
أو يتصورونه آلهة متعددة متعادلة فى القوة والسطوة كإله الخير
وإله الشر عند الفرس ،يتنازعان أبدا ول يغلممب أحممدهما الخممر ،أو
غير متعادلة كما كان الرومان والغريق يؤمنون بوجود إله كممبير هممو
رب الرباب ،ودونه آلهة شممتى ،وكممما كممان العممرب فممى جمماهليتهم
يؤمنون بأن الله هممو رب الربمماب الخممالق الممرازق المهيمممن ،وثمممة
آلهة أخرى يشاركونه فى بعض المر فيعبدونهم ليقربوهم إلممى اللممه
زلفى :
َ
م إ ِل ّ ل ِي َُقّرُبون َمما إ ِل َممى الل ّم ِ
ه ما ن َعْب ُمد ُهُ ْ دون ِهِ أوْل َِياَء َن ُ م ْ خ ُ
ذوا ِ ن ات ّ َ
ذي َ}َوال ّ ِ
ُزل َْفى{ ]سورة الزمر [39/3
ولممم يبعممث اللممه رسممول ول نبيمما ليقممول للنمماس إن هنمماك إلهمما ،
فالفطرة تعرف ذلممك بغيممر رسممول ! ول ليقممول لهممم إن هنمماك إلهمما
فاعبممدوه .فممالفطرة تتجممه بالعبممادة تلقائيمما إلممى اللممه الممذى تعتقممد
بوجوده بغير رسول ! فقد أودع الله ذلك كله فممى الفطممرة والبشممر
ما زالوا فى عالم الذر :
م عََلممى شممهَد َهُ ْم وَأ َ ْ
م ذ ُّري ّت َهُ ْن ظ ُُهورِهِ ْ م ْم ِ ن ب َِني آد َ َ م ْ ك ِ خذ َ َرب ّ َ }وَإ ِذ ْ أ َ َ
م َقاُلوا ب ََلى َ َأنُفسه َ
شهِد َْنا{ ]سورة العراف [7/172 ت ب َِرب ّك ُ ْ س ُ م أل َ ْ ِ ِ ْ
إنما الذى أرسل به الرسل جميعا هو " التوحيد " .
}َفاعْل َ َ
ه{ ]سورة محمد [47/19 ه إ ِل ّ الل ّ ُ ه ل إ ِل َ َ م أن ّ ُ ْ
ه{ ]سورة هود [11/61 ن إ ِل َهٍ غَي ُْر ُم ْم ِ ما ل َك ُ ْ ه َدوا الل ّ َ }اعْب ُ ُ
وذلك لتصحيح مسار العقيدة وتقويم الفطممرة مممما تقممع فيممه مممن
الضلل ،ل لنشاء العقيدة ابتداء وإثبات وجود الله :
ق الل ّمهِ ذ َل ِم َ
ك ل لِ َ ْ
خل م ِ دي َ س عَل َي ْهَمما ل ت َب ْم ِ }فِط َْرةَ الل ّهِ ال ِّتي فَط َمَر الن ّمما َ
المدين ال َْقيمم ول َكم َ
ن )] {(30سممورة الممروم مممو َس ل ي َعْل َ ُ ن أك ْث َمَر الن ّمما ِ ّ ُ َ ِ ّ ّ ُ
[30/30
نعم ..تعرف الفطرة بذاتها وجود الله ،وتتجه إليممه بالعبممادة منممذ
أن أخممذ اللممه مممن بنممى آدم مممن ظهممورهم ذريتهممم وأشممهدهم علممى
أنفسهم أنه ربهم ..
ول ندرى نحن كيف تم ذلك ..
ولكنا نلحظ من أحوال الفطرة مصداق تلك الحقيقة .
هنمما منافممذ فممى الفطممرة تتلقممى إيقاعممات مممن الكممون والحيمماة ،
فتستيقظ من غفلتها ،إن كانت غافلممة ! فممتروح تتسمماءل :ممما وراء
ذلك ؟ ومن وراء ذلك ؟ ..فتهتدى إلى وجود اله ثممم تتصمموره علممى
حقيقته ،فردا صمدا خالقمما رازقمما مممدبرا مهيمنمما ..فتعبممده العبممادة
الحقة وتخلص له العبممادة ،أو تضممل فتتصمموره علممى غيممر حقيقتممه ،
وتشممرك معممه آلهممة أخممرى .ولكنهمما فممى الحممالين تعممرف وجمموده ،
وتتوجه إليه بالعبادة على نحو من النحاء .
هنمماك بممادئ ذى بممدء هممذا الكممون الهممائل ،الممذى يممروع الحممس
بضخامته المعجزة .
وبغير الدوات التى استحدثها النسان لتزيد بصره حدة ،وتجعلممه
ينفذ فى آماد الكون المتطاولممة الممتى ل تنفممذ إليهمما النظممرة بممالعين
المجردة ،كان النسان يحس بضممخامة الكممون وسممعته المعجممزة ،
من رؤية السماء التى ل يحيط بها بصره ،ورؤية الشمس والقمممر ،
ورؤية العدد الهائل مممن النجمموم الممتى يعجممز عممن إحصممائها ..وكممان
يروعه ذلك كله ويسترعى انتباهه فيظل يفكر فيممه ،ويتسمماءل ..أو
تتساءل فطرته ،من وراء ذلممك ؟ وممماذا وراء ذلممك ..فيهتممدى إلممى
الله الحق ن أو يضل فيتصور الشمس هى الله ،أو القمر هو الله ،
أو النجم هو الله ..أو أنها جميعا آلهة فى وقممت واحممد .ولكنممه فممى
كل حالة يعلم أن هنمماك خالقمما لهممذا الكممون الهممائل ،فيتخيلممه علممى
صورة من الصور ،ويعبممده لونمما مممن العبممادة ،يحتمموى علممى ركمموع
وسجود ،وشعائر أخرى والتزامات .
وحين مد النسان ببصره إلممى داخممل الكممون مممن خلل المنمماظير
رأى عجبا يأخذ باللباب !
رأى أن الشمس كلها والمجموعة الشمسية من حولها ليسممت إل
" نجما " واحدا من نجوم ل تحصممى فممى مجموعممة واحممدة تعممرف "
بالمجرة " وأن المجممرة الممتى فيهمما شمسممنا ليسممت إل واحممدة مممن
مجرات أخرى غيرها فى الكون تعد بالمليين ! كلها ذات نجوم تعممد
بالمليين !
ورأى أن هناك نجوما تبعممد عنمما عممدة آلف ..ل مممن الميممال ..ول
من ألوف الميال )أى ألوف اللوف( ولكن مممن السممنين الضمموئية !
أى المسافة التى يقطعها الضوء فى سنة كاملة وهى رقم فلكممى ل
يتعامل به البشر على سطح الرض .
= 365.25 × 24 × 60 × 60 × 186000
5.869.713.600.000ميل تقريبا .
ورأى مممن حيممث الحجممم أن هنمماك نجوممما تبلممغ أضممعاف حجممم
شمسنا ،التى ل نراها بطبيعة الحال فى حجمها الطبيعى لنها تبعممد
عنا حوالى 93مليون ميل ،وأن هذه النجوم تبممدو لنمما مجممرد نقممط
فى الفضاء رغم حجمها الهائل ذلك ،لن مسافتها منا شئ مذهل ،
ل يقاس إليه بعد شمسنا منا ..وأن المسمافة بيمن نجمم ونجمم فمى
هذا الفضاء ل يكاد يتصمورها العقممل ..فممما بممال الفضمماء كلمه ؟ كمم
حجمه ؟ ما أبعاده ؟ هل هو منته أم ممتد بل انتهاء !
وعلم – من طريق المناظير – أن الكممون المممرئى كلممه إن هممو إل
جزء من الكون فحسب ،وأن نسبته إلى الكل أمر ل يمكن تحدده ،
لنه لم يمكن بعد تحديد مقدار ذلممك " الكممل " ..لنمه كلممما اخممتراع
النسان آلة أبعد ..بدا له من الكون مزيد لم يكن يممراه مممن قبممل ،
ولم يكن يحسب أنه كائن فى الوجود !
ومع هذه الضخامة المعجزة يلحظ الحممس البشممرى دقممة معجممزة
كذلك .
ومن قبل أن يتوصل النسان إلى الجهزة الدقيقمة البالغمة الدقمة
ليقيس بها مقدار الدقة فى هذا الكون ،كمان يممرى ممما يممروع حسممه
ويستغرق انتباهه .
كان يرى الدقة العجيبة فى تتابع الليل والنهار بمواعيممد مضممبوطة
على مدار العام ،والدقة العجيبة فى مسار الظل وتغيره يوممما عممن
يوم حتى يعود إلى نفس مكانه بعد عام كامل من كل يمموم ..ومممن
هنا نبتت فكرة المزولممة ثممم فكممرة السمماعة وكممان يممرى الدقممة فممى
مسار القمر وتغير أوجهه ليلة بعد ليلة حتى يعود إلى نفممس وضممعه
بعد شهر كامل من كل يوم يرصد فيه ..وكان يرى دورة النبات من
البذرة المغمورة فى الرض ،إلى الشممطأ الممذى يخممرج منهمما ،إلممى
الساق والغصان والوراق ،إلى الزهرة والثمرة والبذرة فممى نهايممة
المطاف ..وكممان يممرى الزهممرة الملونممة تتكممون مممن خيمموط دقيقممة
ومساحات دقيقة من اللون يعجز الرسام الممماهر أن يرسممها بهممذه
الدقة ،ويعجز عن تكرارها بنفس الصورة فى رسم آخر فضممل عممن
ألوف ومليين ؛ ولكنها فى الطبيعة تبرز ملونة بهذه الدقة فممى كممل
زهرة دون جهد مبذول .ويرى ريشة الطائر الملون مكونة من عدد
ل يحصى من الخطوط والخيوط ن كل يحمل نصيبا دقيقا من اللون
يعجز الرسام أن يرسم مثله فى دقته ،ثم يحدث مممن تجمعهمما فممى
الريشة ذك المنظر البهيج الذى يروع النظر ويممروع الحممس .وكممان
يرى دقة دخول الليل فى النهار حتى يتلشى الضوء ،ودقممة دخممول
النهار فى الليل حممتى يتلشممى الظلم ..وكممان يممرى أشممياء وأشممياء
توقظ فطرته إن كانت غافلممة يتسمماءل :هممل يمكممن أن توجممد هممذه
الدقة العجيبمة كلهما بغيمر موجمد ؟ ثمم يمروح يتطلمع إلمى الموجمد ،
فيهتدى إلى أنه حقيقة ل تدركها البصار فيؤمن بالله علممى بصمميرة ،
ويعبده علممى بصمميرة ،أو يضممل فيتصممور أنممه الشمممس أو القمممر أو
النجوم أو الروح الساكنة فى التمثال الذى ينحته بيديه ..ولكنه فممى
كل حال يعلم أنه لبد من خالق خلق هذا الوجود بتلممك الدقممة الممتى
يلحظها فى تلك الكائنات حوله .
ثم مد النسان ببصره إلى داخل هذا الكمون المعجمز عمن طريمق
الدوات التى استحدثها فرأى عجبا لممم يكممن يخطممر لممه علممى بممال !
رأى هذا الكون العجيب كله مكونا مممن ذرات متناهيممة فممى الدقممة ل
تراهمما العيممن المجممردة ،إنممما ترسمممها الدوات الممتى اسممتحدثها
النسان ،فى صورة شمس تدور حولهمما كممواكب علممى ذات النمممط
الذى تتكون منممه المجموعممة الشمسممية ولكممن فممى دقممة متناهيممة ل
يدركها الحس .وفى كل قطعة صغيرة من المممادة ملييممن وملييممن
من هذه الذرات متراكبا بعضممها مممع بعممض ،ومشممدودا بعضممها إلممى
بعض ،بممذات القمموة الممتى تمسممك الكممون كلممه بعضممه إلممى بعممض ،
وتسمح له بالحركة الدائبة دون أن يصطدم أو يتناثر ،والممتى أطلممق
عليها اسم " قوة الجاذبية " .
بل رأى أعجب من ذلك حين فتت الممذرة وأطلممق منهمما " الطاقممة
".
إن الذرة ليست " مممادة " مصمممتة كممما كممان يتخيممل أول المممر ،
وليست هممى الصممورة النهائيممة " لمممادة " ولكنهمما جسمميمات كهربيممة
موجبممة وسممالبة ومتعادلممة ،يمكممن تفتيتهمما وتفكيكهمما فتتحممول إلممى
طاقة ،والطاقة يمكن أن تتحول إلى مادة .ول يوجد ذلممك الحمماجز
الذى كان يتخيله بيممن المممادة وبيممن الطاقممة ..والكممون فممى النهايممة
طاقة تأخذ صورا شتى .صمورة متكتلممة فمى هيئة الممادة ،وصمورة
منطلقة فى هيئة شعاع ضوئى ،وصممورة منطلقممة فممى هيئة جاذبيممة
مغناطيسية ،أو مغناطيسية كهربية تصير اللباب !
ورأى مممن بيممن ممما رأى عجبمما عاجبمما فممى تكمموين الجنيممن ونممموه
المتتابع حتى يصبح خلقا تام التكوين .
فهو فى أصله بويضة ملقحة وحيممدة الخليممة ،تتكمماثر عممن طريممق
النقسام المستمر إلى خليا جديممدة متشممابهة فممى التكمموين ولكنهمما
متخصصة .وإلى أن تكون مضغة ل يظهممر للعيممن ذلممك التخصممص .
ولكن فى وقت معين مقدر محدد ،تصدر لكل خليممة أوامممر خفيممة .
فهذه الخلية يصدر لها أمر أن تكون هى النف ،وتلك الخلية يصممدر
لها أمر أن تكون هى العين ،وثالثة يصمدر لهما الممر أن تكمون همى
القلب ز ثم تتكاثر كل منهمما علممى النحممو المقممدور لهمما فيتكممون مممن
تكاثرها أنف وعين وقلب وبقية العضاء ..
ثممم هنمماك " الجينممات " أو " المورثممات " متناهيممة فممى الصممغر
كالذرات ..عجيبة كل العجب فى شأنها كله .
فكمممل جنمممس ممممن أجنممماس الكائنمممات لمممه عمممدد محمممدد ممممن "
الكروموسومات " حماملت الصممفات الوراثيممة ل يتجاوزهما فمى كمل
فممرد مممن أفممراده ،تحممدد لممه خصائصممه كلهمما مممن أعضمماء وقممدرات
وأعمال ،فالكلب له عدد من " الكروموسومات " معين ،والحصان
له عدد معين والقرد له عدد معين ..والنسممان هممو أكثرهمما عممددا ..
ول يتجاوز كل جنس حدوده إلممى جنممس آخممر ،محكوممما بعممدد هممذه
الكروموسومات وما تحمله فى داخلها من الخصائص ..فل يستطيع
القرد أن يكون غنمانا فى يوم من اليام ول فى جيل من الجيال !
ثم هذا النسان ،أعجب مخلوقات الله واشدها إعجازا ،وإن كان
الخلق كله معجزا بالنسبة إلينا ،وهينا بالنسبة للخممالق الممذى يقممول
للشممئ كممن فيكممون ،ول يتعممب فممى تشممكيله وتكمموينه كممما تتعممب
المخلوقات !
عممدد " الكروموسممومات " بالنسممبة للنسمان كلممه واحممد ..ولكممن
النسان أكثر كائنات الخلق تعددا فى صوره وأشكاله .فهممذا قصممير
وهذا طويل ،وهذا أبيض وهذا أسود ،وهذا أزرق العينين وهذا داكن
..وهذا عبقرى وهذا خامل ..وهذا موهوب فى ألدب وهذا موهمموب
فى الرياضيات ..وهذا جلد صبور وهذا مستثار حممائر ..كممل إنسممان
تركيبة وحده ،وهو مكون من ذات العناصممر ..مممن ذات العممدد مممن
حلملت الصفات الوراثية التى يحملهمما "النسممان" ولكنهمما فممى كممل
فرد غيرها فى الفرد الخر ،فل يكاد يتماثل اثنان فى مليين البشممر
فمى الجيمل الواحمد ول فمى جميمع الجيمال .بمل تصمل الدقمة فمى
بصمات الصابع إلى حد تصبح معه من وسائل التعرف لنها ل تتكرر
فى فردين اثنين من بين مليين الفراد !
كيف يحدث ذلك كله ؟ كيف تحدث هذه العجائب التى ل ينقضممى
العجب منها سواء فى تكوين المادة أو فى تكمموين الكممون كلممه ،أو
فى المادة الحية من أول الكممائن الوحيممد الخليممة إلممى النسممان ،أو
التناسق و" التوازن " فى بنية الكون ،وخاصة ذلك التمموازن الكممائن
فممى تلممك المجموعممة الشمسممية الممتى منهمما اضممرنا ،والممتى يتبممدى
التنسيق الدقيق فيها بحيث لو اختممل عنصممر واحممد منهمما ممما أمكنممت
الحياة على صورتها الحالية ول أمكن استمرار الحياة ..لممو اقممتربت
الرض من الشمس أكثر تحترق الكائنممات الحيممة ولممو ابتعممدت أكممثر
تهلك من الصقيع ..لو اقترب القمممر مممن الرض أكممثر لرتفممع المممد
حتى يغرق كل الرض .ولو زاد الكسجين لشممتعلت الكائنممات ولممو
قل لم تجد كفايتها للحياة .
كيف يحدث ذلك كله ؟ من غير خالق مدبر حكيم ؟
m m m
تلك بعض منافذ الفطرة الممتى تتلقممى إيقاعممات الكممون والحيمماة ،
فتستيقظ من غفلتها إن كانت غافلة ،فتروح تبحث عن اللممه سممواء
اهتدت إلى الله الحق أم ضلت فى الطريق ..
لذلك فإن لفطرة دائما تعرف وجود الله ،وتؤمن بممه فممى داخممل
أعماقها ،وإن ضلت عن الهدى فتصورت الله على غيممر حقيقتممه أو
أشركت به آلهة مزعومة ليس لها وجود .
أما أن تنكر الفطرة وجود الله أصل ،وتقول إن الخلممق قممد وجممد
بل خالق ..فبدعة فى الضلل غير مسبوقة فى التاريخ .
صحيح أن الحس البشرى بحكم اللف أو العادة يتبلد ..
يتبلد على المنظر المكمرور فل يعمود يهمزه كمما همزه أول ممرة .
ويتبلد على المعنى المكرور أو الحدث المكرور فل يعممود يسممتجيش
مشاعره كما استجاشها أول مرة .فيعيش فى وسط اليممات غممافل
عن دللتها ،ويموت قلبه فل يتحرك لمعنى اللوهية كما ينبغى
له أن يتحرك ..فيعيش كما تعيش السائمة :
ن )] {(179سممورة م ال ْغَممافُِلو َ ل أ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ م ْ ضم ّ ل هُ م َ
مأ َْ كال َن ْعَممام ِ ب َم ْ
} َ
العراف [7/179
وصحيح أن البشرية حين يطول عليها المد " تتعب " من اليمممان
بممما ل تممدركه الحممواس ،وتتجممه إلممى المحسمموس ،فتنشممئ آلهممة
محسوسة تعبدها من دون الله أو تعبدها مع الله ،فى صورة أوثممان
وأصممنام ،أو فممى صممورة بشممر ،أو فممى صممورة أفلك ..وذلممك لن
اليمان بما ل تدركه الحواس يستلزم أن يكون النسان فممى وضممعه
الطبيعى – أو الفطرى – كممما خلقممه اللممه ،تعمممل كممل أجهزتممه فممى
وقمت واحمد ،فتعممل أجهمزة الدراك الحسمى جنبما إلمى جنمب ممع
أجهممزة اليمممان المعنمموى أو اليمممان بممما ا تممدركه الحممواس ،عمل
فطريا طبيعيا متناسقا ينتج عنه اليمان بالله عن طريق رؤيممة آيمماته
فى الكون ،واليمان به إيمانا مباشرا عممن طريممق الممروح ،فيعمممق
كل منهما الخر فيصل إلى درجة اليقين .
فممإذا طممال علممى البشممرية المممد يحممدث " هبمموط " فممى كيممان
النسمان ،يعطمل أجهمزة الدراك المعنموى تعطيل جزئيمما أو كمامل ،
وتبقى أجهزة الدراك الحسى هى التى تعمل ،وعلممى قممدر الهبمموط
يكون نوع الشرك ودرجته ..فيظل صاحبه مؤمنا بممالله ويشممرك بممه
آلهة محسوسة ،أو يؤمن باللهة المحسوسة وحدها من دون الله.
وصممحيح أن البشممرية فممى حالممة هبوطهمما تجنممح إلممى ثقلممة الرض
فتشدها الشهوات إلى أسفل ،فتتفلت من تكاليف الدين والتزاماته
.تتفلت مممن " قيممد النسممان " الممذى تصمماحبه " حريممة النسممان " ،
وتجنممح إلممى " حريممة الحيمموان " الممتى تصمماحبها قيممود الحيمموان " "1
ولكنها – فى مبدأ أمرها على القممل – تحممب أن تسممند هممذا التفلممت
بأمر شرعى !
َ
مَرَنما ب َِهما{ هأ َ جمد َْنا عَل َي َْهما آَباَءَنما َوالّلم ُ ة َقماُلوا وَ َ شم ً ح َ ذا فَعَُلوا َفا ِ }وَإ ِ َ
]سورة العراف [7/28
ورويدا رويدا تحتاج إلى اختراع آلهة تسند إليها ذلك التفلت ،مممن
البشر أو غير البشر ،تتخذ أربابا مع الله أو من دون الله :
ذوا أ َحبممارهُم ورهْبممانه َ
ن
ح اب ْم َ
سممي َ م ِ ن الل ّمهِ َوال ْ َ دو ِ ن ُ مم ْ م أْرَباب ما ً ِْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ خ ُ }ات ّ َ
ُ
ممما
ه عَ ّحان َ ُ
سمب ْ َ ه إ ِل ّ هُموَ ُ حممدا ً ل إ ِل َم َدوا إ َِلهما ً َوا ِ
ممُروا إ ِل ّ ل ِي َعْب ُم ُ
ما أ ِ م وَ َ مْري َ ََ
ن )] {(31سورة التوبة [9/31 شرِكو َ ُ يُ ْ
وصممحيح أن الطغمماة فممى الرض يضمميقون بالقيممد الربممانى الممذى
يجعلهم عبيدا لله ككل العبيد ،خاضمعين لممره منفمذين لشمريعته ،
ويريدون أن يكون لهم السلطان الطاغى فى الرض ،ويريممدون أن
يكون الولء لهم ل لله .فيضيقون دائما بديانممة التوحيممد ،وبممإخلص
العبادة ه وحممده ،فيفرضممون أنفسممهم بممالقوة الغاشمممة وبالرهمماب
أربابا من دونا لله أو ممع اللمه ،همم المذين يشمرعون ،وهمم المذين
يفرضون التشريع ،وهم الذين يعاقبون " عبيدهم " إذا خرجوا على
ذلك التشريع .
وفى هذه الحالت كلها يقع الشرك الذى تجنح إليه البشرية كلممما
ضلت الطريق .ولكنها فى كل حالتها السابقة لم تكن تنكممر وجممود
الله .
" " انظر الفصل القادم . 1
ن
مي َب ال َْعممال َ ِ ما َر ّ وحتى فرعون حين قال لموسى عليه السلم }وَ َ
)] {(23سورة الشعراء [26/23
َ َ
بس مَبا َصْرحا ً ل َعَّلي أب ْل ُمغُ ال ْ ن ِلي َ ن اب ْ ِ ما ُ ها َ
وحين قال لهامان َ} :يا َ
كاِذبمًا{ َ َ َ
ه َ سمى وَإ ِّنمي لظ ُّنم ُ مو َ ت فَأط ّل ِعَ إ َِلى إ ِل َهِ ُ وا ِ م َ
س َ
ب ال ّسَبا َ
) (36أ ْ
]سورة غافر [37-40/36
ري{ ]سممورة ن إ ِل َمهٍ غَي ْم ِمم ْ م ِ ت ل َك ُم ْ مم ُ ممما عَل ِ ْ وحين قال لقممومه َ } :
القصص [28/38
م ال َعَْلى )] {(24سممورة النازعممات َ
وحين قال قال لهم } :أَنا َرب ّك ُ ْ
[79/24
لم يكن ينكر وجود إله خالق لهذا الكون ،ولم يكن يقصد أنه هممو
الله الخالق ،والدليل على ذلك قول الملمن قومه له :
ك َوآل ِهَت َ َ ض وَي َذ ََر َ َ َ
ك{ ]سورة دوا ِفي الْر ِ س ُه ل ِي ُْف ِ
م ُسى وَقَوْ َمو َ}أت َذ َُر ُ
العراف [7/127
فقد كان له هو إله يعبده ،هو الذى يؤمن بممأنه خممالق السممماوات
والرض وخالق الكون كله " . "1وعلى الرغم من أنه – كما سجلت
الثار الفرعونية – كان يدعى " اللممه ابممن اللممه " وكممانت تقممدم لممه
شعائر التعبد من ركوع وسجود كما كانت تقدم لقيصر وكسرى ،إل
أن ألوهيته وبنوته للله الكبر كانت فى حسه كما هممى فممى حممس "
الجماهير " من قومه ألوهية مجازيممة ل حقيقيممة .وكممان يقصممد مممن
أقواله لموسى وهامان ولقومه أمرين فى آن واحد .المر الول أن
الله المذى يتحمدث عنمه موسمى ،ويقمول إنمه مرسمل ممن عنمده ،
ويعطى نفسممه بنمماء علممى ذلممك سمملطانا يممأمر بممه فرعممون وينهمماه ،
ويطلب منممه أن يطلممق سممراح بنممى إسممرائيل .هممذا اللممه الموجممود
حقيقممة هممو اللممه الممذى يعبممده هممو وقممومه ،وينحتممون لممه التماثيممل
ويرسمممون لممه الرسمموم ،اللممه المحسمموس الممذى تعبممده الجاهليممة
هبوطا منها عن اليمان بما ل تدركه الحواس ،والمر الثانى – وهممو
مشتق من الول – أنه يقممول لقممومه خاصممة :ممما علمممت لكممم مممن
سلطة تأمر فتطاع إل سلطتى ،فأطيعونى ول تطيعوا ذلممك الخممارج
علممى سمملطانى ،الممذى يزعممم أنممه صمماحب الكلمممة الممتى ينبغممى أن
تطاع !
وحتى النمرود حيممن حمماج إبراهيممم فممى ربممه يممرى نفسممه ملكمما ذا
سلطان وإبراهيم فرد من أفراد " الشعب " ل يحممق لممه أن ينمماقش
صاحب السلطان ول يامره ول ينهاه ..لم يكن يعتقممد أنممه هممو اللممه
" " هو الله " آمون " الذى يرمزون له بقرض الشمس . 1
الخالق ،إنما كان يصدر عن كبر أجوف بإزاء إبراهيم عليه السلم ،
ولكن فى حماقة أشد من حماقة فرعون الذى كان يعلن على المل
أن له إلها يعبده هو وقومه ..أما النمرود فقد جره السممتكبار علممى
إبراهيم إلى الدعاء بأن له سلطانا فى الرض يشبه سمملطان اللممه ،
وأنه – مثل االه – يحيى ويميت ! حتى حاجه إبراهيممم عليممه السمملم
فأخرسه :
مل ْ َ َ َ
لك إ ِذ ْ َقا َ ه ال ْ ُن آَتاهُ الل ّ ُم ِفي َرب ّهِ أ ْ هي َ
ج إ ِب َْرا ِ
حا ّ
ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ }أل َ ْ
م ت قَمما َ ُ إبراهيم ربي ال ّذي يحيي ويميت َقا َ َ ُ
هي م ُل إ ِب َْرا ِ ميمم ُحِيي وَأ ِ ل أَنا أ ْ َُ ِ ُ ِ ُ ْ ِ َِْ ِ ُ َ ّ
ْ ْ
ت ب فَب ُهِم َ مغْمرِ ِ ن ال ْ َمم ْت ب ِهَمما ِق فَأ ِ م ْ
شرِ ِ ن ال ْ َم ْ س ِم ِ ه ي َأِتي ِبال ّ
ش ْ ن الل ّ َ فَإ ِ ّ
ذي ك ََفَر{ ]سورة البقرة [2/258 ال ّ ِ
m m m
ولقممد كممانت " مممؤهلت " الشممرك كلهمما قائمممة فممى الجاهليممة
المعاصممرة منممذ " النهضممة الوروبيممة " إلممى اليمموم ،مممما ران علممى
القلوب من غفلة ،ومن الهبوط الذى يعطمل أجهمزة اليممان بمما ل
تممدركه الحممواس ،ومممن الهبمموط الخلقممى واتبمماع الشممهوات ،ومممن
تحكيم غير شريعة الله .
ولكن لمر ما لم تؤد هممذه " المممؤهلت " بأوروبمما إلممى الشممرك –
كما كان شأنها فى الجاهليات السابقة – ولكنها أدت بها إلى اللحاد
!
ولبد من وقفة دراسة هذا المر الذى ل مثيل له من قبل فى كل
جاهليات التاريخ .
الكنيسة الوروبية – بحماقاتها – هى المسؤول الول عن ذلك ول
شك .
فهذه الحماقات هى التى أدت إلى جعل العلم بممديل مممن الممدين ،
وجعل السبب الظاهر بديل من السممبب الحقيقممى ،وجعممل الطبيعممة
بديل من الله ..
فالعلم – فى وضعه الطبيعى – ليس بممديل مممن الممدين ! إنممما هممو
نافذة من نوافذ المعرفة التى تؤدى فى النهاية إلى المعرفة الحقممة
بالله ،ومن ثم إلى إخلص العبادة له ،حين يممدرك العقممل البشممرى
عظمة الخلق ويطلع على أسراره العجيبة التى تحير اللباب :
ماُء{ ]سورة فاطر [35/28 عَبادِهِ ال ْعُل َ َ
ن ِ
م ْ شى الل ّ َ
ه ِ خ َ
ما ي َ ْ
} إ ِن ّ َ
وحين قالت أوروبا أن الدين قد أخلى مكانه للعلم وإن العلممم هممو
البديل من الدين ،لم تكن تتحدث عن حقيقة موضمموعية ول حقيقممة
مطلقة ..إنما كانت تتحدث عن " واقع " حممدث فممى أوروبمما بسممبب
حماقة الكنيسة حين حاربت ا لعلممم والعلممماء ،وخيرتهمم بيممن اتبماع
الخرافة للمحافظة على " الممدين " – دينهمما الممذى ابتممدعته وشممكلته
على حسب أهوائها – وبين اتباع العلممم والخممروج مممن الممدين .وقممد
اختار العلماء اتباع العلم لنهم يعرفون قممدره ،ويعلمممون أنممه أحممق
بالتباع من الخرافة .فلممما طردتهممم الكنيسممة مممن " الممدين " كممان
العلم – بالنسبة إليهم – هو البديل من الدين .ل لنممه فممى الحقيقممة
بديل عنه ،ول لنه بطبيعته يغنى عنه ،ولكممن لن حماقممة الكنيسممة
وضعت المور فى هذا الوضع .
واسبب الظاهر ليس بديل عن السبب الحقيقى ،لنه يفسر فقط
كيف تحدث الشياء على النحممو المذى تحمدث بمه ،ولكنممه بما يفسممر
لماذا كانت الشياء على هذا النحو !
فقممانون السممببية مثل يفسممر كيممف يتحممول الممماء إلممى بخممار
بالتسخين ،ولكنه ل يفسر لماذا كان التسخين يحول الماء إلى بخار
! فلول أن الله خلق الماء على النحو الذى يجعله التسممخين يتحممول
إلى بخار ما تحول !
بعبارة أخرى :إن العلم بخواص المادة يفسر لنمما الظممواهر الممتى
تحدث فى عالم المادة ،ولكنممه ل يفسمر لمماذا كمانت الممادة بهمذه
الصورة وبهذه الخواص .ذلك أن هذه الصورة ليست هممى الصممورة
الوحيدة الممكنة عقل ..بل هى إحدى الصممور الممكنممة ،وقممد كممان
يمكن – لو أراد اللمه – أن تكممون علممى صممورة أخممرى وذات خممواص
مختلفة .فالذى جعلها على هذه الصورة ،وأعطاهمما هممذه الخممواص
هو مشيئة لله وحدها .وهذا هو السبب الحقيقى الذى ل يغنممى عنممه
معرفة السبب الظاهر ،وإلى ذلك تشير سورة الواقعة :
ن ال ْ َ خل ُُقممون َ ََ َ َ
ن )(59 خممال ُِقو َ حم ُ م نَ ْ هأ ْ َ ُ م تَ ْ ن ) (58أأن ْت ُ ْ مُنو َ ما ت ُ ْ م َ }أفََرأي ْت ُ ْ
َ
لن ن ُب َمد ّ َ ن ) (60عَل َممى أ ْ َ س مُبوِقي م ْ ن بِ َ ُ حمما ن َ ْ ت وَ َ مو ْ َ م ال ْ َ ن قَد ّْرَنا ب َي ْن َك ُ ْ ح ُ نَ ْ
ُ
شأةَ الوَلى َ َ
م الن ّ ْ مت ُ ْ ن ) (61وَل ََقد ْ عَل ِ ْ مو َ ما ل ت َعْل َ ُ م ِفي َ شئ َك ُ ْ م وَن ُن ْ ِ مَثال َك ُ ْ أ ْ
عون َ ََ َ َ
نح ُ م نَ ْهأ ْ م ت َْزَر ُ َ ُ ن ) (63أأن ْت ُ ْ حُرُثو َ ما ت َ ْ م َ ن ) (62أفََرأي ْت ُ ْ ول َتذك ُّرو َ فَل َ ْ
ن ) (65إ ِن ّمما م ت َت ََفك ّهُممو َ طاما ً فَظ َل َل ْت ُ ْ ح َ جعَل َْناهُ ُ شاُء ل َ َ ن ) (64ل َوْ ن َ َ عو َ الّزارِ ُ
َ َ
ذي ممماءَ اّلمم ِ م ال ْ َن ) (67أفََرأي ُْتمم ْ مممو َ حُرو ُ م ْ ن َ حمم ُ ل نَ ْ ن )َ (66بمم ْ مممو َ مغَْر ُ لَ ُ
شربون ) (68أ َأ َنتم َأنزل ْتموه من ال ْمز َ
ن ) (69ل َم ْ
و منزُِلو َ ن ال ْ ُ ح ُ م نَ ْ نأ ْ ُ ْ ِ ُْ ْ َ ُ ُ ُ ِ ْ تَ ْ َ ُ َ
ُ
ن )] {(70سممورة الواقعممة -56/58 شك ُُرو َ ول ت َ ْ جاجا ً فَل َ ْ جعَل َْناهُ أ َ شاُء َ نَ َ
[70
وحين قال علمءا أوروبا فى عصممر النهضممة وممما بعممده إن السممب
الظاهر بديل من السبب الغيبى ،أو مممن " الطبيعممة " بممديل عممما "
وراء الطبيعة " لم يكن ذلك حقيقة موضوعية ول حقيقممة مطلقممة ..
إنما كان " واقعمما " عاشممته أوروبمما بسممبب حماقممة الكنيسممة ،الممتى
كانت تمنعهم – أو ل تتيممح لهممم – أن يبحثمموا عممن السممبب الظمماهر ،
وتبرز لهم السبب الغيبى وحمده ممع إبقمائهم فممى ظلممات الجهمل ،
فلما اكتشفوا السبب الظاهر ،وانبهروا " بالعلم " الذى كشف لهممم
– عن طريق معرفة السبب الظاهر – آفاقا لم يكونوا يعرفونها مممن
قبل ،كان المر الواقع بالنسبة إليهم أن السبب الظمماهر هممو الممذى
علمهم ؛ ومن ثم كان وضع السبب الظاهر بديل من السبب الغممبيى
هو النسب لهم والكسب ! فقالوا قولتهم من واقعهم الضيق الممذى
عاشوه ،وخيل إليهم فى بهرة " العلم " أن ما يقولونه هو الصواب
!
وحين جعلت أوروبا الطبعة بديل من الله لم يكن ذلك – كممما بينمما
فى فصول الكتاب الولى – إل مهربا من إله الكنيسة الذى تسممتعبد
الناس باسمه وتفرض عليهم التاوات والعشممور ،والخضمموع المممذل
لرجال الدين ،مع محاربة العلم ،والحجر على حريممة الفكممر ،ومممع
الوقوف الظالم مع رجال القطاع ضممد المطمالبين بالصمملح ..ولممم
يكن قط حقيقة علميممة ،وإن بلممغ الحمممق " بالعلممماء " أن يصممدقوا
الخرافة ،ويقدموها على الحقيقة ،ويصنعوا ذلك باسم "العلم"!
ولكن هذا كله على أى حال كان إلحاد " العلماء " و" الفلسممفة "
و" المفكرين " ..أما الجماهير فكانت ما تممزال تممؤمن " بالممدين " .
ول نتعرض هنا لما كان فى ذلك الدين الذى آمنت به الجممماهير مممن
تحريف وتشويه وخرافة ..وإنممما نتحممدث عنممه باعتبممار أنممه " ديممن "
يحوى علىاقل تقدير إيمانا بوجود الله وإيمانا بالوحى ،وإيمانا باليوم
الخر ،فى مقابمل " اللديممن " ..فمى مقابممل اللحمماد بمعنممى إنكممار
وجود الله ،وإنكار الوحى ،وإنكار اليوم الخر ..
كيف انتقلت الجماهير من الدين إلى اللدين ؟
الكنيسة هى المسئول الول ما تزال ..
والفتنة بالعلم من السباب ..
والعممودة إلممى " الحضممارة الغريقيممة " أو بممالحرى " الجاهليممة "
الغريقية الوثنية هى كذلك من السباب ،فقد كممانت تلممك الجاهليممة
بالذات تصمور العلقمة بيمن النسمان واللهمة علقمة صمراع وخصمام
متبادل .اللهة تريد أن تقهر النسان وتسممتذله ،وتتشممفى فممى كممل
مصيبة يقع فيها ،والنسان يريد أن يلقممى عنممه نيممر اللهممة وينطلممق
بفاعليته دون قيود". "1
والعممودة إلممى " الحضممارة " الرومانيممة أو بممالحرى " الجاهليممة "
الرومانية هى كذلك من السبابا ،فقد كانت تلممك الجاهليممة بالممذات
تزين للنسان لذائذ الحس ،والفتنة بها إلى حد الستغراق مممع كممل
ما تبدعه فى الرض من رقى مادى وتنظيم .
ولكن هذه السباب كلها مجتمعة كان يمكن أن تؤدى إلى الشرك
– كما أدت إليه فى كل جاهلية سابقة – ولم يكممن مممن الضممرورى –
ول من الطبيعى – أن تؤدى إلى اللحاد بين الجماهير ..
إنما الى نشر اللحاد فممى الرض – تأسيسمما علممى هممذه السممباب
كلها ،واستغلل لها – كانوا هم اليهود !
كتب اليهود فممى " الممبروتوكولت " " "2أنهممم سينشممرون اللحمماد
فى الرض ..وقد نشروه بالفعل ..
" " راجع أسطورة " بروميثيوس " سارق النار المقدسة ،وانظر ان شئت ملخصا لها فى كتاب " قبسات من 1
الحتمال أن يكون بعض الناس قد تقولوا عليهم ما جاء فى البروتوكولت .ونحن ل نقطع بصحة الكتاب من الناحية
الوثائقية البحتة ،ولكن ذلك – فى نظرنا – ل يؤثر فى صدق ما جاء فى ثنايا الكتاب ! لنه سواء كان هذا الكلم كلم
اليهود بالفعل أو كلم إنسان أتيح له أن يطلع على فكر اليهود ويترجمه فى هذه الصورة ،فإن كل ما جاء فيه قد نفذ
بالفعل ! جاء فيه أنهم سينشرون اللحاد ونشروه .وجاء فيه أنهم سينشرون الشيوعية ونشروها .وجاء فيه أنهم
سيضحكون على المميين بشعار الحرية والخاء والمساواة وضحكوا بالفعل .فسواء كان هذا كلمهم أو كان ترجمة
أفكارهم فالنتيجة الخيرة واحدة :أن هذه مخططاتهم وقد نفذوها بالفعل فى غفلة من المميين !
الثورة الفرنسية ..الداروينية ..الثممورة الصممناعية ..النظريممات "
العلمية " التى تهاجم الدين والخلق والتقاليممد ..إنشمماء مجتمممع بل
دين ول أخلق ..
ما بن من حاجة لن نعيد شيئا مما قلنمماه مممن قبممل " .. " 1وإنممما
نذكر فقط بهذه الحقيقة :أن اليهود استغلوا الحممداث الممتى هيأتهمما
لهم حماقة الكنيسة ،وردود الفعل التى نشأت من تلممك الحماقممة ،
فركبمموا الموجممة إلممى نهايتهمما ،ونفممذوا كممل ممما فممى جعبتهممم مممن
مخططات الفسمماد فممى الرض ،لسممتحمار الممييممن واسممتعبادهم
لصالح الشعب الشرير .
واللحاد بالذات هدف أساسى مممن أهممداف المخطممط الشممرير ..
فالهدف الخر من المخطممط كلممه هممو إزالمة كممل ديممن فممى الرض ،
ليبقى اليهود وحدهم فى الرض أصحاب الدين !
إن اليهود فى هذه المرة لم يفسدوا عقممائد الممييممن كممما كممانت
محاولتهم السابقة فى التاريخ ،إنما أفسدوا فطرتهم .وقد أسمملفنا
القول بأن الفطرة – وإن ضلت – ل تتجه إلى اللحمماد بمعنممى إنكممار
وجود الله ،وإنممما تتجممه إلممى الشممرك .فاتجاههمما إلممى اللحمماد فممى
الجاهلية المعاصرة ليس مجرد ضلل ككل ضمملل سممابق ،إنممما هممو
فساد فى أعماق الفطرة قام به اليهود اسممتغلل للرضممية الفاسممدة
التنى كانت قائمة فى أوروبا منذ " النهضممة " .وسممواء كممان الجهممد
الذى بذلوه فى هذا الشأن عسيرا أو ميسرا فقممد اسممتغرقوا قرابممة
قرنين من الزمان حتى وصلوا به إلممى صممورته الشمماملة الموجممودة
اليوم فى الرض ،سواء فى المعسكر الشرقى حيث يفرض اللحاد
فرضا فى مناهممج التعليممم ووسممائل العلم ،ويعمماقب مممن يضممبط "
متلبسا " بمجرد الحديث فى الدين لفتى أو فتاة دون سن الرشد ..
أو المعسكر الغربى حيث ل يفرض اللحاد على الناس بتلك الصورة
ولكن يشجع الناس عليه بكل وسائل التشجيع !
واللحاد ل يستحق منا مناقشممة " علميممة " جممادة لنممه ليممس مممن
المممور الجممادة الممتى عرضممت للبشممرية فممى مسمميرتها علممى هممذه
الرض ،إنما هو عبث صنعه الشياطين ،وأوقعموا فيمه المسمتغفلين
َ
تست َن ِْفَرةٌ ) (50فَّر ْ
م ْ
مٌر ُ
ح ُ من المميين فى فترة كانوا فيها }ك َأن ّهُ ْ
م ُ
سوََرةٍ )] {(51سورة المدثر [51-74/50ولقد كانت " الحمر ن قَ ْ
م ْ
ِ
" فارة من طغيان الكنيسة وحماقاتها ،فأسرع الشياطين فركبوهمما
وألهبوا ظهورها بالسياط لتجرى إلى آخر المشمموار ،بممدجل مممن أن
" " راجع فصل " دور اليهود فى إفساد أوروبا " فى أوائل الكتاب . 1
تفيق من نفرتها المجنونة وتفئ إلى الدين الصححي الممذى يخلصممها
مممن كممل ممما كممانت تشممكو منممه مممن مشممكلت أو انحرافممات أو
حماقات ..
وقد تحدثنا فى مقدمة هذا الفصل عن بعض منافذ الفطممرة الممتى
توصلها إلى اليمان بوجود الخالق المدبر المهيمن المسيطر ،سواء
عرفته علممى حقيقتممه فعبممدته العبممادة الحقممة أم تصممورته علممى غيممر
حقيقته وأشركت به آلةو أخرى ،وما بنا من حاجممة إلممى مزيممد فممى
مثل بحثنا الحاضر .ولكنا هنا – فى هذا الفصل – بصدد شممئ واحممد
هو التأكيد على هذه الحقيقة :أن اللحاد ليممس مممن شممأن الفطممرة
حتى فى حالة ضللها ،وأنه أمر مصطنع ،ل تصل إليه الفطرة مممن
تلقاء نفسها مهما وصل بها الحال من الضلل .
ونكتفى بالتعرض لنقطة واحدة مما جاء فى التممواءات الجمماهليين
المعاصريين فى شأن الدين ،أو فى شأن اللحاد .
تلك هى قولة جوليان هكسلى فممى كتممابه " النسممان فممى العممالم
الحديث " Man in the Modern Worldإن النسان قد خضع له بسب
عجزه وجهله ن والن وقد تعلم وسيطر على البيئة .فقد آن لممه أن
يأخذ على عاتق نفسه ممما كممان يلقيممه مممن قبممل فممى عصممر الجهممل
والعجز على عاتق الله ،ومن ثم يصبح هو الله .
نعوذ بالله .
طا َ
ن فِممي م إِ ْ س مل ْ َ ٍ
ن أت َمماهُ ْ ت الل ّمهِ ب ِغَي ْمرِ ُ ن ِفي آي َمما ِ جادُِلو َ
ن يُ َ ذي َ ن ال ّ ِ}إ ِ ّ
ميعُ ال ْب َ ِ
صمميُر سم ِ ه هُوَ ال ّست َعِذ ْ ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ
م ب َِبال ِِغيهِ َفا ْ
ما هُ ْم إ ِل ّ ك ِب ٌْر َ دورِهِ ْ ص ُ
ُ
)] {(56سورة غافر [40/56
نفترض جدل أن العجز والجهممل – وحممدهما – هممما سممبب خضمموع
النسان له فى صورة دين وعقيممدة وعبممادة ..فممما الممذى تغيممر فممى
حياة النسان المعاصر ليخرجه من الخضوع لله ؟!
تلك القشور من العلم التى وصل إليها ،وهذا القممدر الضممئيل مممن
السيطرة على " البيئة " ؟!
فأما العلم فندع " ول ديورانت " الفيلسوف المعاصر يتحدث عنه
فى كتاب " مباهج الفلسفة " .
" ممما طبيعممة العممالم ؟ وممما مممادته وممما صممورته ؟ وممما مكونمماته
وهيكله ؟ وما مواده الولى وقوانينه ؟ وما المادة فى كيفها البمماطن
وفى جوهر وجودها الغامض ؟ وما العقل ؟ أهو على الممدوام متميممز
عن المادة وذو سلطان عليها ؟ أم هو أحممد مشممتقات المممادة وعبممد
لها ؟ أيكون كل العالمين :الخارجى الذى ندركه بممالحس والبمماطنى
الذى نحسه فى الشعور ،عرضة لقوانين ميكانيكيممة أو حتميممة كممما
قال الشاعر " ما يكتبه الخممالق فممى مطلممع النهممار نقممرؤه فممى آخممر
النهار " ؟ أم ثمة فى المادة ،أو فى العقل ،أو فى كليهما ،عنصممر
ممن التفماق والتلقائيمة والحريمة ؟ ..همذه أسمئلة يسمألها قلمة ممن
الناس ،ويجيب عليها جميع الناس .وهى منابع فلسممفاتنا الخيممرة ،
التى يجب أن يعتمد عليها فى نهاية المر كل شئ آخر ،وفى نظام
متماسك من الفكر ..إننا نؤثر معرفممة الجابممات عممن هممذه السممئلة
على امتلك سائر خيرات الرض .
" ولنسلم أنفسنا فى الحال لخفمماق ممما منمماص منممه .ل لن هممذا
الباب من الفلسفة يحتاج فممى إتقممانه إلممى معرفممة كاملممة ومناسممبة
بالرياضيات والفلممك والطبيعممة والكيميمماء والميكانيكمما وعلممم الحيمماة
وعلم النفس فقط ،بل لنه ليس من المعقول أن نتوقع من الجممزء
أن يفهممم الكممل ..فهممذه النظممرة الكليممة – وهممى فتنتنمما فممى هممذه
المغامرات اللطيفة – ستبعد عممن فكرنمما جميممع الفخمماخ والمفمماتن .
ويكفى أن نأخذ أنفسنا بقليل من التواضع وشئ من المانة ،لنتأكممد
أن الحياة فى غاية من التعقيد والدقممة بحيممث يصممعب علممى عقولنمما
الحبيسة إدراكهما .وأكبر الظممن أن أكممثر نظرياتنمما تبجيل قممد يكممون
موضع السخرية والسف عند اللهة العليمة بكل شئ " . "1فكل ما
نستطيع أن نفعله هو أن نفخر باكتشاف مهاوى جهلنما ! وكلمما كمثر
علمنا قلت معرفتنا ،لن كل خطوة نتقممدمها تكشممف عممن غمموامض
جديممدة ،وشممكوك جديممدة " .فممالجزئ " يتكشممف عممن " الممذرة "
والممذرة عممن اللكممترون )الكهممرب( واللكممترون عممن الكوانتمموم "
) "Quantumالكويميمممة( .ويتحمممدى الكوانتممموم سمممائر مقولتنممما "
"Categoriesوقوانينمما وينطمموى عليهممما .والتعليممم تجديممد فىالعقممائد
وتقدم فى الشك ،وآلتنا كما ترى مرتبطة بالمادة وحواسنا بالعقممل
..وفى خلل هذا الضباب يجب علينا نحن " الزغممب " علممى الممماء ،
أن نفهم البحر ! " " 2
وعن تقلب " العلم " يقول :
" إلى أى نجم بعيممد ذهبممت نظريتنمما السممديمية المشممهورة ؟ هممل
يؤيدها علم الفلك الحديث أو يسخر من وجهها المغبر ؟
" وأيممن ذهبممت قمموانين نيمموتن العظيممم حيممن قلممب أينشممتين
وميكوفسكى وغيرهما الكون راسا على عقب بمذهب النسبية غيممر
المفهوم ؟
" " انظر أثر الجاهلية الغريقية فى انحرافات الفكر الغربى . 1
" " ص 62 – 61من الترجمة العربية " ترجمة الدكتور أحمد فؤاد الهوانى " . 2
" وأين مكان نظرية عدم فناء المادة وبقاء الطاقممة فممى الفيزيقمما
المعاصرة ،وما يكتنفها من فوضى وتنازع ؟
" وأيممن إقليممدس المسممكين اليمموم ،وهممو أعظممم مؤلممف لمراجممع
العلمية ،ليممرى كيممف يصمموغ الرياضمميون لنمما أبعممادا جديممدة بحسممب
أهوائهم ،ويبتدعون ل متناهيات يحتوى أحممدهما الخممر كجممزء منممه ،
ويثبتون فى الفيزيقيا – والسياسة كذلك – أن الخمط المسمتقيم همو
أطول مسافة بين نقطتين ؟!
" وأين علم الجنة ليرى أن " البيئة الناشئة " تحل محل " الوراثة
" التى كانت إله العلم " " 1؟ وأين " جوريجورى " و" منممدل " الن
ليشهدا انصراف علممماء الوراثممة عممن " وحممدة الصممفات " ؟ وأيممن "
دارويممن " الهممدام الممدقيق ليممرى كيممف حلممت طريقممة " التغيممرات
السريعة " محل " الختلفات الذاتية والمتصلة " فى التطور ؟ وهل
هممذه التغيممرات هممى الثمممرة المشممروعة لختلط الهجممائن ؟ وهممل
نضطر إلى الرجوع فى تفسيرنا للتطممور إلممى المموراء عنممد نظريممة "
انتقال الصفات المكتسبة " ؟ أنجد أنفسنا وقد عدنا مرة أخرى أكثر
من قرن إلى الماضى نعانق رقبة زرافة " لمارك " ؟
" وماذا نصنع اليوم بمعمل الستاذ فونط " " Wundtوباختبممارات
" اسممتانلى هممول " حيممن ل يسممتطيع أى عممالم نفسممانى مممن اتبمماع
السلوكيين أن يكتب صحيفة واحدة فى علممم النفممس الحممديث دون
أن يلقى بمخلفات أسلفه فى الهواء ؟!
" وأين علم التاريخ الحديث اليوم حيث يضع كل عالم فممى تاريممخ
قدماء المصريين كشفا بالسرات وتواريخها على هواه ،ول يختلممف
عمن كشمموف غيمره إل ببضممعة آلف مممن السممنين ؟! ويحممث يسمخر
علممماء الجنمماس مممن " تيلممور " و" وسممتر مممارك " و" سبنسممر " ؟
وحيث يجهل " فريزر " كل شئ عن " الدين البدائى " لنه قد رحل
إلى العالم الخر ؟!
فماذا أصاب علومنا ؟ هل فقممدت فجممأة قداسممتها وممما فيهمما مممن
حقائق أزلية ؟ أيمكن أن تكممون " قمموانين الطبيعممة " ليسممت سمموى
فروض إنسانية ؟ ألم يعد هناك يقين أو استقرار فى العلم ؟ " . "2
وعن " حقيقة " المادة يقول :
" وأول شئ نكشفه هو أن المممادة القديمممة غيممر المتحركممة الممتى
وصفتها طبيعيات القرن التاسع عشر قد ذهبممت .وكممانت " مممادة "
تندال وهكسلى غير فاسدة .فهى تقعد وتنام أنمى وضمعتها ،كمذلك
" " انظر إلى أثر الجاهلية الغريقية مرة أخرى . 1
" " انظر المحاولة الملتوية للتخلص من التحدى القائم فى نشأة الحياة من الموات ،وهو التحدى الذى يؤدى – 2
" " فيلسوف يوغسلفى من دلماشيا أذاع فى بلده فلسفة نيوتن " المترجم " . 1
أخرى " إن عناصر الذرات التى تنحل تفنى تماما ،فهممى تفقممد كممل
صفة للمادة ،بما فى ذلك الثقل وهو أكمثر صممفاتها أساسممية .ذلممك
أن الميزتان يعجز عن وزنها ول شئ يستطيع أن يعيممدها إلممى حالممة
المادة ،فقد اختفت فى عظمة الثير ..والحرارة والكهرباء والضوء
إلى غير ذلك ..تمثل آخر مراحل المادة قبل اختفائها فممى الثيممر ..
والمادة التى تنحل تخرج عن ماديتهمما بمرورهما فمى حمالت متتابعممة
تنتزع منها تدريجيا صفاتها المادية ،حتى تعود فى النهاية إلى الثيممر
الذى ل يمكن وزنه ،ذلك الثير الذى يبدو أنها نشأت عنه .
" الثير ؟ ..ولكن ما هو الثير ؟ ل أحد يعرف ! ليممس الممثير فيممما
يقممول لممورد سالسممبورى إل اسممما علممى الفعممل " يتممموج " والثيممر
خرافة ابتدعت لخفاء الجهل المثقف للعلم الحممديث .فهممو غممامض
غموض الشبح أو الروح ! وافترض أينشتين وجود الثيممر حيممن أعمماد
تفسير الجاذبية ،وعزم أخيرا أن يدخره إلى حين مع تحديد سلطانه
! وكلما يعجز عالم من علماء الطبيعة ويتحير يقول " :الثير " !
" ويقول الستاذ إدنجتون أحدث حجة فى هذا الموضوع " :لسي
الثير نوعا من المادة ،فهو ل مادى .
" ومعنى ذلك أن شيئا ل ماديا يحيممل نفسممه إلممى مممادة بوسمماطة
بعض اللتممواءات " ) " Contortionsدوامممات " Vorticesكممما سممماها
كيلفن( ويصبح ذلك الذى لم يكن له بعد أو ثقل ،بإضافة أجزاء منه
بعضا إلى بعض ،مادة متحيزة ،ويمكن أن توزن .أهو اللهمموت قممد
أعيد ؟ أم هو علم مسيحى جديد ؟ أم هو صورة من البحث العلمى
؟ وفى الوقت الذى يحاول علم النفس بكل سبيل أن يتخلص من "
الشعور " حتى يرد " العقممل " للمممادة " يأسممف علممم الطبيعممة فممى
تقريره أنا لمادة ل توجد ! ولقد قال نيوتن متعجبا " :أيتها الطبيعممة
احفظينى مما بعد الطبيعة " الميتافيزيقا " .فيمما للسممف لممن تقممدر
الطبيعة أن تفعل أكثر من ذلك !
" يقول برتراندرسل " :يقترب علم الطبيعة مممن المرحلممة الممتى
يبلغ فيها الكمال " وجميع الدلئل تدل على العكس من ذلممك ..أممما
هنممرى بوانكمماريه فيممرى أن علممم الطبيعممة الحممديث فممى حالممة مممن
الفوضى ،فهو يعيد بناء جميع أسسه ،وفى أثناء ذلك ل يكاد يعرف
أين يقف .وقد تغيرت الفكار الساسية عن الطبيعة تغيرا تاما فممى
العشرين السنة الخيرة فيما يختص بالمادة والحركة كلتيهما .ولممم
تسمح أعمال كورى ورذرفورد وسدى وأينشتين ومينكوفسممكى لى
تصور قديم عممن الطبيعممة النيوتونيممة بالبقمماء .وكممان لبلس يحسممد
نيوتن لنه كشف النظام الوحيد للعالم وحزن على عدم وجود نظممم
أخرى تكشف ! ولكن عالم نيوتن قد انتحى اليمموم جانبمما .ولممم يعممد
التثاقممل " " Gravitationمسممألة جاذبيممة " " Attractionوتمزقممت "
قوانين " الحركة فى كل جهة بنظرية النسبية .وقد كانت الفلسممفة
تبحث ذات يوم فى " الشباح " والمجردات ،وكان العلم يبحث فى
" المادة " و" المحسوس " و" الحقائق الواقعممة " .أممما الن فلعممم
الطبيعة مجموعة مستورة " " Esotericمممن القمموانين المجممردة " .
وفكرة المادة مفقودة بالكلية فى الدوائر العلمية " " . "1كان على
الفلسفة أن تتنحممى جانبمما _ول يممزال بعممض النمماس يتوقعممون موتهمما
خلل خمسين عاما( أما العلم فعليه أن يحمل مشممكلتنا .والن فممى
الوقت الذى يحمل رجل الشارع العلم والعلماء جميع أفكار اللهممام
واليقين التى كانت متصلة ذات يوم بالنجيل والكنيسة " ، " 2يقممال
لنا فى تواضع إن " :البحث العلمممى ل يفضممى إلممى معرفممة طبيعممة
الشياء الباطنة " " ) " 3ص 73 – 68من الترجمة العربية( .
m m m
" " تأليف كريسى مويسون ترجمة محمود صالح الفكلى . 1
" " تأليف جماعة من العلماء ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان . 2
" وإن أنممثى الممدبور تغطممى حفممرة فممى الرض وترحممل فرحمما ثممم
تموت .فل هى ول أسلفها قد فكرت فى هذه العملية وهى ل تعلم
ماذا يحدث لصغارها ؛ أو أن هناك شيئا يسمممى صممغارا .بممل إنهمما ل
تدرى أنها عاشت وعملت لحفظ نوعها ! " " . " 1
" وفى بعض أنممواع النمممل يممأتى العملممة بحبمموب صممغيرة لطعممام
غيرها من النمممل فممى خلل فصممل الشممتاء ،وينشممئ النمممل ممما هممو
معروف " بمخزون الطحن " وفيه يقمموم النمممل الممذى أوتممى فكاكمما
كبيرة معدة للطحن ،بإعداد الطعام للمستعمرة .وهذا هو شمماغلها
الوحيد .وحين يأتى الخريف ،وتكممون الحبمموب كلهمما طحنممت فممإن "
أعظم خري لكبر عدد " يتطلب حفظ تلك المؤونممة مممن الطعممام ..
وما دام الجيل الجديد سينتظم كثيرا من النمل الطحان ،فإن جنممود
النمممل تقتممل النمممل الطمماحن الموجممود ،ولعلهمما ترضممى ضممميرها
الحشممرى بممأن ذلممك النمممل قممد نممال جممزاءه الكممافى ،إذ كممانت لممه
الفرصة الولى فى الفادة من الغذاء أثناء طحنه !
" وهناك أنواع من النمل تدفعها الغريزة أو التفكير )واختر منهممما
ممما يحلممو لممك( إلممى زرع أعشمماش للطعممام فيممما يمكممن تسممميته "
بحدائق العشاش " وتصيد أنواعا معينة من الدود والرق أو اليرق ،
)وهممى حشممرات صممغيرة تسممبب آفممة النممدوة العسمملية( فهممذه
المخلوقات هى بقر النمل وعنزاتهمما ! ومنهمما يأخممذ النمممل إفممرازات
معينة تشبه العسل ليكون طعاما له .
" والنمل يأسر طوائف منه ويسترقها .وبعض النمل حيممن يصممنع
أعشاشه يقطممع الوراق مطابقممة للحكممم المطلمموب ..وبينممما تضممع
بعض عملة النمل الطراف فى مكانهمما ،تسممتخدم صممغارها – الممتى
تقدر أن تغزل الحرير وهى فى الدور اليرقى – لحياكتها معا ! وربما
حرم طفل النمل عمل شرنقة لنفسه ولكنه قد خدم الجماعة !
" فكيف يتاح لذرات المادة التى تتكون منها النملة أن تقوم بهذه
العمليات المعقدة ؟
" لشك أن هناك خالقا أرشدها إلى كل ذلك " " . "2
ويقول عالم الطبيعة " فرانك ألن " .
" ولكن قوانين الديناميكا الحرارية تدل علممى أن مكونممات الكممون
تفقد حرارتها تدريجيا وأنها سائرة حتما إلى يوم تصير فيه الجسممام
تحت درجممة مممن الحممرارة بالغممة النخفمماض هممى الصممفر المطلممق ،
ويومئذ تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة ..ول مناص من حدوث هممذه
" " ص – 129ص 130من كتاب " العلم يدعو لليمان " . 1
" " مقتطفات من كتاب " العلم يدعو لليمان " ص . 132 – 131 2
الحالة من انعدام الطاقة عندما تصممل درجممة حممرارة الجسممام إلممى
الصفر المطلق بمضى الوقت .
" أما الشمس المستعرة والنجوم المتوهجة والرض الغنية بأنواع
الحياة فكلها دليمل واضمح علمى أن أصمل الكمون أو أساسمه يرتبمط
بزمان بدأ من لحظة معينة ،فهو إذن حممدث مممن الحممداث ،ومعنممى
ذلك أنه لبد لصل الكون من خالق أزلممى لممه بدايممة ،عليممم محيممط
بكل شئ ،قوى ليست لقدرته حدود .ولبممد أن يكممون هممذا الكممون
من صنع يديه"."1
ونكتفى بهذه المقتطفات ول نحتاج إلى المزيد .فهى كلها ناطقة
بمممدى سممخف تلممك البدعممة الضممالة الممتى نشممرها الشممياطين فممى
الجاهلية المعاصممرة .حيممن يسممرت لهممم " الحمممر المسممتنفرة " أن
يركبوها ويهيموا بها فى وديان الضلل !
أما الذين يحسون اليوم أن " وجودهم الذاتى " أو مجدهم الذاتى
مرتبط باعتناق اللحاد بدل من اعتناق الدين ،فهم فقاقيع سممتنفثئ
غممدا حيممت تعممود البشممرية إلممى رشممدها ..ونحسممب أنهمما – بحكممم
الظروف كلها – عائدة إليه ،ما لم يكتب اله عليها الفناء ! " . " 2
َ َ
مك ُم ُ
ث فِممي س فَي َ ْ
ممما َينَف معُ الن ّمما َ
ممما َ
جَفمماًء وَأ ّ ممما الّزب َمد ُ فَي َمذ ْهَ ُ
ب ُ }فَأ ّ
ض{ ]سورة الرعد [13/17 ر ال َ
ِ ْ
m m m
" " من كتاب " اله يتجلى فى عصر العلم " ص . 6 5 1
ثم إن النسان عابد بطبعمه كمما بينما فمى الفصمول السمابقة ممن
الكتاب ،فل تستطيع أن تحول النسان من العبادة إلممى " اللعبممادة
" .إنما تستطيع أن تحوله من نوع من العبادة إلى نوع آخر .وليس
الخيار – كما خيل للجاهلية المعاصرة – بين العبادة وعممدم العبممادة ،
إنما الخيار فقط فى المعبممود ..هممل يكممون هممو اللممه جممل جللممه أم
يكون شيئا آخر غير الله .
الخيار – بالتعير القرآنمى الحاسمم – همو بيمن عبمادة اللمه وعبمادة
الشيطان .
َ }أ َل َ َ
م عَمد ُّو ه ل َك ُم ْ
ن إ ِن ّم ُ شي ْ َ
طا َ دوا ال ّ ن ل ت َعْب ُ ُمأ ْ م َيا ب َِني آد َ َ م أعْهَد ْ إ ِل َي ْك ُ ْ ْ
م )] {(61سورة يممممس صَرا ٌ دوِني هَ َ َ
ست َِقي ٌ م ْ ط ُ ذا ِ ن اعْب ُ ُ ن ) (60وَأ ْ مِبي ٌ
ُ
[61-36/60
وصراط الله المستقيم واحد ،ولكن سبل الشيطان كثيرة متعددة
:
َ
ل فَت ََفّرقَ ب ِك ُ ْ
م سب ُ َ ست َِقيما ً َفات ّب ُِعوهُ َول ت َت ّب ُِعوا ال ّ م ْطي ُ صَرا ِ ذا ِ ن هَ َ }وَأ ّ
ه{ ]سورة النعام [6/153 سِبيل ِ ِ ن َ عَ ْ
والمعبودات فىالجاهلية المعاصرة شتى ،والسممبل إليهمما متعممددة ،
من عبادة " الدولر " إلى عبادة الهوى والشهوات ،مرورا " بالنتاج
" و" المصممالح القوميممة " و" العلممم " و" العقممل " و" التقممدم " و"
التطممور " و" الحريممة الشخصممية " و" الطبيعممة " و" النسممانية " ..
ولكل معبود من هذه المعبودات تكاليفه والتزاممماته الممتى ينبغممى أن
تطاع ..
فأين يذهب النسان حين يخرج من الدين ،أى من عبادة الله ؟
تقول الجاهلية المعاصرة إنه " يتحر " من " القيد " .
نعم ! يتحرر من " القيد النسانى " ليقع فى قيود الحيوان !
فالقضمية كمما قلمت ممرة فمى كتماب " فمى النفمس والمجتممع "
ليست خيارا بين القيد والحرية كما يتمموهم النمماس لول وهلممة حيممن
ينفلتون من الدين والقيم المصاحبة له .إنما الخيار هو بين قيد مممن
نوع معين يصاحبه نوع معين من الحرية ،وبين حرية مممن نمموع آخممر
يصاحبها نوع آخر من القيود .قيد النسان ومعه حرية النسممان ،أو
حرية الحيوان ومعها قيد الحيوان " . "1
الدين قيد ل شك فيممه ،لنممه الممتزام بممما أنممزل اللممه ..قيممد علممى
شهوات النفس ،وقيد على أهواء النسان ..ولكنه فى الوقت ذاتممه
يحرر النسان من ضغط الشمهوات وثقلمة الرض والخضمموع المممذل
للقوى التى تقهممر النسممان فممى الرض ممثلممة فممى بشممر يسممتبدون
بالبشر ،أو ضغوط مادية واقتصادية تسحق كرامة النسان .
والنفلت من الدين والقيم المصاحبة له هو " تحرر " دون شك .
تحرر من القيممود الممتى فرضممها اللممه علممى النسممان فممى تصممرفاته ،
دود ُ الل ّمهِ َفلحم ُ
ك ُوالحممدود الممتى رسمممها للنمماس وقممال لهممم } :ت ِل ْم َ
دود ُ الل ّمهِ َفل ت َْقَرُبوهَمما{
حم ُ ك ُ ها{ ]سممورة البقممرة } [2/229ت ِل ْم َ دو َت َعْت َ ُ
]سورة البقرة .[2/187ولكنه فممى المموقت نفسممه يمسمك النسممان
مممن خطممامه ،ويجممره مممن حبممل الشممهوات أو مممن حبممل الضممغوط
القاهرة فل يملك أل يستجيب !
وحين انفلت الناس فى الجاهليممة المعاصممرة مممن قيممد " الممدين "
فقد وقعوا فممى عبوديممات ل حممدود لهمما ،سممواء للحمماكمين عليهممم ،
الممذين ل يحكمممون بممما أنممزل اللممه ،فيتخممذون مممن أنفسممهم أربابمما
يشرعون للناس ،ويخضعونهم لهم بالسطان القاهر ،أو لشممهواتهم
التى ل يملكون الفكاك منها ،أو لعممراف وقيممم وممموازين ممما أنممزل
الله بها من سلطان ،كلها تهبط بالنسان ممن مكمانه الكريمم المذى
كرمه الله به يوم خلقه ،وتمرغه فى الوحال .
فهل همذه همى " الكراممة " المتى يحققهما النسمان لنفسمه حيمن
يتمرد على الدين ويخرج من عبادة الله ؟
كل ! وممما تسممتطيع البشممرية أن تسممتمر فممى الحيمماة علممى هممذه
الصورة .
فمن ناحية تظل أمراضممها الرئيسممية تتضمماعف لنهمما تعممرض عممن
تناول الدواء .
ومن ناحية أخرى تصيبها السنة الحتمية التى ل تتبممدل ول تتخلممف
ول يتغير مجراها على مر الدهور :
حت ّممى إ ِ َ
ذا ل َ ب ك ُم ّ }فَل َما نسوا ما ذ ُك ّروا به فَتحنا عَل َيه َ
يٍء َ
شم ْ وا َ م أب ْم َِْ ْ ِ ِ َ ْ َ ُ َ ّ َ ُ
ن ) (44فَُقط ِمعَ َ
داب ِمُر سممو َمب ْل ِ ُ م ُ ة فَإ ِ َ
ذا هُ م ْ خذ َْناهُ ْ
م ب َغْت َ ً ما ُأوُتوا أ َ
َ
حوا ب ِ َ فَرِ ُ
ن )] {(45سورة النعممام مي َ ب ال َْعال َ ِ
مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ ح ْموا َوال ْ َ ن ظ َل َ ُ ال َْقوْم ِ ال ّ ِ
ذي َ
[45-6/44
ولقد مضت السممنة الربانيممة مممع أوروبمما فممى جاهليتهمما المعاصممرة
" " انظر – ان شئت – فصل " القيد والحرية " من كتاب فى النفس والمجتمع . 1
خطوة خطوة :نسوا ما ذكروا به ففتح عليهم أبواب كل شئ ،مممن
قمموة اقتصممادية وعلميممة وتكنولوجيممة وعسممكرية وسياسممية ..الممخ
ففرحمموا بممما أوتمموا ن أى طغمموا الرض بغيممر الحممق ،ولممم تبممق إل
الخطوة الخيرة حممتى تتممم السممنة بتمامهمما ،وهممى أخممذهم بغتممة إذا
أصروا على ممما هممم فيممه .والبغتممة هممى دائممما بغتممة وإن رأى بعممض
الناس بوادرها وتوقعوا حدوثها .
ض أ َْو َ َ }أ َفَمأ َ
م الْر َ ف الّلم ُ
ه ب ِهِم ْ سم َ خ ِ ن يَ ْ
تأ ْ سمي َّئا ِ
كمُروا ال ّ م َ ن َ َ ذي
ِ م ّ ل ا ن
َ م
ِ
َ ّ ْ َ م ال ْعَ َ ْ
ما مف َ م ِفي ت ََقلب ِهِ ْ خذ َهُ ْ ن ) (45أوْ ي َأ ُ شعُُرو َ ث ل يَ ْ حي ْ ُن َْ م
ب ِ ذا ُ ي َأت ِي َهُ ْ
ْ
محيمم ٌ ف َر ِ م ل ََرُءو ٌ ن َرب ّك ُ ْ ف فَإ ِ ّخو ّ ٍ م عََلى ت َ َ ن ) (46أ َوْ ي َأ ُ
خذ َهُ ْ زي َ ج ِ مع ْ ِم بِ ُ هُ ْ
)] {(47سورة النحل [47-16/45
" والعقلء " فى الجاهلية المعاصرة بدأوا يتخوفون على أقوامهم
من الدمار المؤكد إن لم يغيروا حياتهم من قواعدها .
قال الفيلسوف النجليزى المعاصر " برتراند رسل ط فى تصريح
له :
" لقد انتهى العصر الذى يسود فيه الرجممل البيممض ..وبقمماء تلممك
السيادة إلى البد ليس قانونا من قمموانين الطبيعممة " "1واعتقممد أن
الرجل البيض لم يلقى أياما رضية التى لقيها خلل أربعة قرون " ..
"" 2
وقال " جون فوستر دالس " وزير خارجيممة أمريكمما فممى كتمماب "
حرب أم سلم " :
" إن هناك شيئا ما يسير بشكل خاطئ فى أمتنمما ،وإل لممما أبحنمما
فى هذا الحرج ،وفى هذه الحالة النفسممية .ول يجممدر بنمما أن نأخممذ
موقفا دفاعيا )لعله يقصد تبريريا( وأن يتملكنا الذعر ..إن ذلك أمممر
جديد فى تاريخنا!
" إن المر ل يتعلق بالماديات ،فلممدينا أعظممم إنتمماج عممالمى فممى
الشياء المادية .إن ما ينقصنا هو إيمان صحيح قوى .فبدونه يكممون
ممما لممدينا قليل ..وهممذا النقممص ل يعوضممه السياسمميون مهممما بلغممت
قدرتهم ،أو الدبلوماسيون مهمما كمانت فطنتهمم ،أو العلمماء مهممما
كممثرت اختراعمماتهم ،أو القنابممل مهممما بلغممت قوتهمما ! فمممتى شممعر
الناس بالحاجة إلى العتماد على الشياء المادية فإن النتائج السيئة
تصبح أمرا حتميا .
" وفى بلدنا ل تجتذب نظمنا الخلص الروحى اللزم للدفاع عنها
" " ل يريد الرجل أن يقول " السنن الربانية " فيسميها – بفعل الجاهلية – قوانين الطبيعة ! 1
" " انظر كيف يتأثر الرجل بالعرف الجاهلى رغم كل ثورته على الجاهلية المعاصرة ! 1
يقول " توينبى " فى محاضرته التى أشرنا إليها من قبل :
" صحيح أنا لوحممدة السمملمية نائمممة .وكلممن يجممب أن نضممع فممى
حسابنا أن النائم قد يستيقظ إذا ثممارت الربوليتاريمما العالميممة لعممالم
المتغرب " "1ضد السيطرة الغربية ونادت بزعامة معادية للغممرب .
فقد يكون لهذا النداء نتائج نفسانية ل حصممر لهمما فممى إيقمماظ الممروح
النضالية للسلم ،حتى ولو أنها نامت نومة أهل الكهف ،غذ يمكممن
" " يقصد الدول الخاضعة للنفوذ الغربى . 1
لهذا النداء أن يوقظ أصداء التاريخ البطولى للسلم .
" وهنمماك مناسممبتان تالريخيتممان كممان السمملم فيهممما رمممز سمممو
المجتمع الشرقى فى انتصاره على الدخيل الغربى:
" ففى عهد الخلفاء الراشدين ،بعد الرسول حرر السلم سورية
ومصر من السيطرة اليونانية اغلتى اثقلت كاهلهما مممدة ألممف عممام
تقريبا .
" وفىعهممد نممور الممدين وصمملح الممدين والمماليممك احتفممظ السمملم
بقلعته أمام هجمات الصليبيين والمغول .
" فإذا سبب الوضع الدولى الن حربا عنصرية فيمكن للسلم أن
يتحرك ليلعب دوره التاريخى مرة اخرى ..وأرجو أل يتحقممق ذلممك !
""."1
أما نحن فنرجو أن يتحقق ذلك ! ل علممى أسمماس حممرب عنصممرية
كما يقول ،توينبى ،الذى يحصر تصوراته فى حدود التفكير الغربممى
الضمميق الفقممث ،بممل علممى أسمماس الصممراع الصممححي بيممن الحممق
والباطل الذى قال الله فيه :
ع
معُ وَب ِي َم ٌ وا ِ
صم َ ت َ م ْض ل َهُ مد ّ َم ب ِب َعْ م ٍض مه ُ ْ
س ب َعْ َ ول د َفْ معُ الل ّمهِ الن ّمما َ }وَل َم ْ
ن مم ْ ه َ ن الل ّم ُ ص مَر ّ م الل ّمهِ ك َِثيممرا ً وَل ََين ُ جد ُ ي ُذ ْك َُر ِفيهَمما ا ْ
سم ُ سا ِ م َت وَ َ وا ٌ صل َ َوَ َ
َ زي مٌز ) (40ال ّم ِ ه ل ََق موِيّ عَ
ض م فِممي الْر ِ مك ّن ّمماهُ ْ ن َ ن إِ ْ
ذي َ ِ ن الل ّم َص مُرهُ إ ِ ّ َين ُ
َ َ
من ْك َرِ وَل ِّلمم ِ
ه ن ال ْ ُ وا عَ ْ ف وَن َهَ ْمعُْرو ِ مُروا ِبال ْ َ كاةَ وَأ َوا الّز َ صلةَ َوآت َ ْ موا ال ّ أَقا ُ
مورِ )] {(41سورة الحمج [41-22/40 عاقِب َ ُ ُ
ة ال ُ َ
نرجو أن يتحقق ذلك ل بوصفنا مسلمين فحسب ،بل انطلقا من
كل الحب الذى نكنه للبشرية ..لكى تهتدى إلى النور ..
}والل ّه غَممال ِب عَل َممى أ َم مره ول َك م َ
ن ){(21 مممو َ س ل ي َعْل َ ُ ن أك ْث َمَر الن ّمما ِ ْ ِ ِ َ ِ ّ ٌ َ ُ
]سورة يوسف [12/21