You are on page 1of 97

‫مصطفى ممود‬

‫حوار مع صديقي اللحد‬


‫* مقدمة‬

‫‪ -1‬ل يلد ول يولد‬


‫‪ -2‬إذا كان ال قدر عليّ أفعال ‪ ..‬فلماذا ياسبن ؟‬
‫‪ -3‬لاذا خلق ال الشر ؟‬
‫‪ -4‬وما ذنب الذي ل يصله القرآن ؟‬
‫‪ -5‬النة والنار‬
‫‪ -6‬هل الدين أفيون ؟‬
‫‪ -7‬وحكاية السلم مع الرأة‬
‫‪ -8‬الروح‬
‫‪ -9‬الضمي‬
‫‪ -10‬هل مناسك الج وثنية ؟‬
‫‪ -11‬لاذا ل يكون القرآن من تأليف ممد ؟‬
‫‪ -12‬القرآن ل يكن أن يكون مؤلفا ً‬
‫‪ -13‬شكوك‬
‫‪ -14‬موقف الدين من التطور‬
‫‪ -15‬كلمة ل إله إل ال‬
‫‪ -16‬كهيعص‬
‫‪ -17‬العجزة‬
‫‪ -18‬معن الدين‬
‫‪ -19‬فزنا بسعادة الدنيا وفزت بالوهام‬
‫‪..............‬مقدمة‬

‫لن ال غيب ‪ ..‬ولن الستقبل غيب ‪ ..‬ولن الخرة غيب ‪ ..‬ولن من يذهب إل القب ل يعود‬
‫‪ ..‬راجت بضاعة اللاد ‪ ..‬وسادت الفكار الادية ‪ ..‬وعبد الناس أنفسهم واستسلموا لشهواتم‬
‫وانكبوا على الدنيا يتقاتلون على منافعها ‪ ..‬وظن أكثرهم أن ليس وراء الدنيا شيء وليس بعد‬
‫الياة شيء ‪ ..‬وتقاتلت الدول الكبى على ذهب الرض وخياتا ‪ ..‬وأصبح للكفر نظريات‬
‫وللمادية فلسفات وللنكار ماريب وسدنة وللمنكرين كعبة يتعلقون بأهدابا ويجون إليها ف‬
‫حلهم وترحالم ‪ ..‬كعبة مهيبة يسمونا "العلم"‪..‬‬

‫وحينما ظهر أمر "الينوم البشري" ذلك الكتيب الصغي من خسة مليي صفحة ف خليا كل‬
‫منا والدون ف حيز خلوي ميكروسكوب ف ثلثة مليارات من الروف الكيميائية عن قدر كل‬
‫منا ومواطن قوته ومواطن ضعفه وصحته وأمراضه ‪ ..‬أفاق العال كله كأنا بصدمة كهرباية ‪..‬‬
‫كيف ؟ ‪ ..‬ومت ؟ ‪ ..‬وبأي قلم غي مرئي كتب هذا "السفر" الدقيق عن مستقبل ل يأت بعد ‪..‬‬
‫ومن الذي كتب كل تلك العلومات ‪ ..‬وبأي وسيلة ‪ ..‬ومن الذي يستطيع أن يدون مثل تلك‬
‫الدونات ‪.‬‬

‫ورأينا كلينتون رئيس أكب دولة ف العال يطالعنا ف التلفزيون ليقول ف نبات خاشعة ‪ :‬أخيا‬
‫أمكن جع العلومات الكاملة عن الينوم البشري وأوشك العلماء أن يفضوا الشفرة الت كتب‬
‫ال با أقدارنا‪..‬‬

‫هكذا ذكر " ال " بالسم ف بيانه‪..‬‬

‫نعم‪ ..‬كانت صحوة مؤقتة ‪ ..‬أعقبها جدل ‪ ..‬وضجيج ‪ ..‬وعجيج ‪ ..‬وتكلم الكثي ‪ ..‬باسم‬
‫الدين ‪ ..‬وباسم العلم ‪ ..‬واختلفوا ‪..‬‬

‫وعادت السئلة القدية عن حرية النسان ‪ ..‬وهل هو مسيّر أم ميّر ‪..‬‬


‫وإذا كان ال قدّر علينا أفعالنا فلماذا ياسبنا ؟!‬

‫ولاذا خلق ال الشر ‪..‬‬

‫وما ذنب الذي ل يصله قرآن‪..‬‬

‫وما موقف الدين من التطور‪ ..‬ولاذا نقول باستحالة أن يكون القرآن مؤلفا ‪..‬‬

‫وعاد ذلك الوار القدي مع صديقي اللحد ليتردد ‪ ..‬وعادت موضوعاته ‪ ..‬عن الب والختيار‬
‫‪ ..‬والبعث ‪ ..‬والصي ‪ ..‬والساب ‪ ..‬لتصبح مواضيع الساعة ‪..‬‬

‫وتعود هذه الطبعة الديدة ف وقتها وميعادها ‪ ..‬لتشارك ف حل هذا اللغز ‪ ..‬ولتعود لتثي‬
‫الوضوع من منطلق العلم الثابت والشارات القرآنية ‪ ..‬واليقي اللي الذي ل يتزلزل ‪.‬‬
‫جاء كتابنا مرة أخرى ‪ ..‬ف ميعاده ‪..‬‬

‫ومرحبا مرة أخرى بالوار الادئ البناء ‪.‬‬

‫مصطفى ممود‬

‫الفصل الول‬
‫ل يلـد ول يولـد‬

‫صديقي رجل يب الدل ويهوى الكلم‪ ..‬وهو يعتقد أننا – نن الؤمني السذج – نقتات بالوهام‬
‫ونضحك على أنفسنا بالنة والور العي وتفوتنا لذات الدنيا ومفاتنها ‪ ..‬وصديقي بذه الناسبة‬
‫ترج ف فرنسا وحصل على دكتوراه ‪ ..‬وعاش مع اليبز وأصبح ينكر كل شيء‪.‬‬

‫قال ل ساخرا‪:‬‬

‫أنتم تقولون ‪ :‬إن ال موجود ‪ ..‬وعمدة براهينكم هو قانون "السببية" الذي ينص على أن لكل صنعة‬
‫صانعا‪ ..‬ولكل خلق خالقا ‪ ..‬ولكل وجود موجدا ‪ ..‬النسيج يدل على النسّاج ‪ ..‬والرسم يدل على‬
‫الرسّام ‪ ..‬والنقش يدل على النقّاش ‪ ..‬والكون بذا النطق أبلغ دليل على الله القدير الذي خلقه ‪..‬‬
‫صدّقنا وآمنّا بذا الالق ‪ ..‬أل يق لنا بنفس النطق أن نسأل ‪ ..‬ومن خلق الالق ‪ ..‬من خلق ال‬
‫الذي تدثوننا عنه ‪ ..‬أل تقودنا نفس استدللتكم إل هذا ‪ ..‬وتبعا لنفس قانون السببية ‪ ..‬ما رأيكم‬
‫ف هذا الطب دام فضلكم ؟‬

‫ونن نقول له ‪ :‬سؤالك فاسد ‪ ..‬ول مطب ول حاجة فأنت تسلّم بأن ال خالق ث تقول مَن‬
‫خلقه ؟! فتجعل منه خالقا وملوقا ًف نفس الملة وهذا تناقض‪..‬‬

‫والوجه الخر لفساد السؤال أنك تتصور خضوع الالق لقواني ملوقاته ‪ ..‬فالسببية قانوننا نن أبناء‬
‫الزمان والكان ‪.‬‬

‫وال الذي خلق الزمان والكان هو بالضرورة فوق الزمان والكان ول يصح لنا أن نتصوره مقيدا‬
‫بالزمان والكان ‪ ..‬ول بقواني الزمان والكان ‪.‬‬

‫وال هو الذي خلق قانون السببية ‪ ..‬فل يوز أن نتصوره خاضعا لقانون السببية الذي خلقه ‪.‬‬
‫وأنت بذه السفسطة أشبه بالعرائس الت تتحرك بزمبلك ‪ ..‬وتتصور أن النسان الذي صنعها ل بد‬
‫هو الخر يتحرك بزمبلك ‪ ..‬فإذا قلنا لا بل هو يتحرك من تلقاء نفسه ‪ ..‬قالت ‪ :‬مستحيل أن‬
‫يتحرك شيء من تلقاء نفسه ‪ ..‬إن أرى ف عالي كل شيء يتحرك بزمبلك ‪.‬‬
‫وأنت بالثل ل تتصور أن ال موجود بذاته بدون موجد ‪ ..‬لجرد أنك ترى كل شيء حولك ف‬
‫حاجة إل موجد ‪.‬‬

‫وأنت كمن يظن أن ال متاج إل براشوت لينل على البشر ومتاج إل أتوبيس سريع ليصل إل‬
‫أنبيائه‪ ..‬سبحانه وتعال عن هذه الوصاف علوّا كبيا ‪..‬‬

‫"وعمانويل كانت" الفيلسوف اللان ف كتابه "نقد العقل الالص" أدرك أن العقل ل يستطيع أن‬
‫ييط بكنه الشياء وأنه مُهيّأ بطبيعته لدراك الزئيات والظواهر فقط ‪ ..‬ف حي أنه عاجز عن إدراك‬
‫الاهيات الجردة مثل الوجود اللي ‪ ..‬وإنا عرفنا ال بالضمي وليس بالعقل ‪ ..‬شوقنا إل العدل كان‬
‫دليلنا على وجود العادل ‪ ..‬كما أن ظمأنا إل الاء هو دليلنا على وجود الاء ‪..‬‬

‫ل ‪ :‬إن الكرسي من الشب والشب من الشجرة ‪..‬‬ ‫أما أرسطو فقد استطرد ف تسلسل السباب قائ ً‬
‫والشجرة من البذرة ‪ ..‬والبذرة من الزارع ‪ ..‬واضطر إل القول بأن هذا الستطراد التسلسل ف‬
‫الزمن اللنائي لبد أن ينتهي بنا ف البدء الول إل سبب ف غي حاجة إل سبب ‪ ..‬سبب أول أو‬
‫مرك أول ف غي حاجة إل من يركه ‪ ..‬خالق ف غي حاجة إل خالق ‪ ..‬وهو نفس ما نقوله عن‬
‫ال ‪..‬‬

‫أما ابن عرب فكان رده على هذا السؤال "سؤال مَنْ خلق الالق"‪ ..‬بأنه سؤال ل يرد إل على عقل‬
‫فاسد‪ ..‬فال هو الذي يبهن على الوجود ول يصح أن نتخذ من الوجود برهانا على ال‪ ..‬تاما كما‬
‫نقول إن النور يبهن على النهار ‪ ..‬ونعكس الية لو قلنا إن النهار يبهن على النور ‪..‬‬

‫يقول ال ف حديث قدسي ‪:‬‬

‫( أنا يُستدل ب ‪ ..‬أنا ل يُستدل عل ّي ) ‪..‬‬

‫فال هو الدليل الذي ل يتاج إل دليل ‪ ..‬لنه ال الق الواضح بذاته ‪ ..‬وهو الجة على كل شيء‬
‫‪ ..‬ال ظاهر ف النظام والدقة والمال والحكام ‪ ..‬ف ورقة الشجر ‪ ..‬ف ريشة الطاووس ‪ ..‬ف‬
‫جناح الفراش ‪ ..‬ف عطر الورد ‪ ..‬ف صدح البلبل ‪ ..‬ف ترابط النجوم والكواكب‪ ..‬ف هذا القصيد‬
‫السيمفون الذي اسه الكون ‪..‬‬

‫لو قلنا إن كل هذا جاء مصادفة ‪ ..‬لكنا كمن يتصور أن إلقاء حروف مطبعة ف الواء يكن أن‬
‫يؤدي إل تمعها تلقائيا على شكل قصيدة شعر لشكسبي بدون شاعر وبدون مؤلف‪.‬‬

‫والقرآن يغنينا عن هذه الجادلت بكلمات قليلة وبليغة فيقول بوضوح قاطع ودون تفلسف‪:‬‬
‫{ُق ْل ُهوَ الّلهُ أَحَدٌ ‪ .‬ال الصمد ‪ .‬ل يلد ول يولد ‪ .‬ول يكن له كفوا أحد} سورة الخلص‪1:‬‬

‫ويسألنا صاحبنا ساخرا ‪ :‬ولاذا تقولون إن ال واحد ‪..‬؟ لاذا ل يكون اللة متعددين ‪..‬؟ يتوزعون‬
‫بينهم الختصاصات ؟‬

‫وسوف نرد عليه بالنطق الذي يعترف به ‪ ..‬بالعلم وليس بالقرآن ‪..‬‬
‫سوف نقول له إن الالق واحد ‪ ،‬لن الكون كله مبن من خامة واحدة وبطة واحدة ‪ ..‬فمن‬
‫اليدروجي تألفت العناصر الثنان والتسعون الت ف جدول "مندليف" بنفس الطريقة ‪" ..‬بالدماج"‬
‫وإطلق الطاقة الذرية الت تتأجج با النجوم وتشتعل الشموس ف فضاء الكون ‪.‬‬
‫كما أن الياة كلها بنيت من مركبات الكربون "جيع صنوف الياة تتفحم بالحتراق" وعلى‬
‫مقتضى خطة تشريية واحدة ‪ ..‬تشريح الضفدعة ‪ ،‬والرنب ‪ ،‬والمامة ‪ ،‬والتمساح ‪ ،‬والزرافة ‪،‬‬
‫والوت ‪ ،‬يكشف عن خطة تشريية واحدة ‪ ،‬نفس الشرايي والوردة وغرفات القلب ‪ ،‬ونفس‬
‫العظام ‪ ،‬كل عظمة لا نظيتا ‪ ..‬الناح ف المامة هو الذراع ف الضفدعة ‪ ..‬نفس العظام مع تور‬
‫طفيف ‪..‬والعنق ف الزرافة على طوله ند فيه نفس الفقرات السبع الت تدها ف عنق القنفذ ‪..‬‬
‫والهاز العصب هو هو ف الميع ‪ ،‬يتألف من مخ وحبل شوكي وأعصاب حس وأعصاب حركة ‪..‬‬
‫والهاز الضمي من معدة واثن عشر ‪ ،‬وأمعاء دقيقة وأمعاء غليظة والهاز التناسلي نفس البيض‬
‫والرحم والصية وقنواتا ‪ ..‬والهاز البول الكلية والالب ‪ ،‬وحويصلة البول ‪ ..‬ث الوحدة التشريية‬
‫ف الميع هي اللية ‪ ..‬وهي ف النبات كما ف اليوان كما ف النسان‪ ،‬بنفس الواصفات‪ ،‬تتنفس‬
‫وتتكاثر وتوت وتولد بنفس الطريقة ‪..‬‬
‫فأية غرابة بعد هذا أن نقول إن الالق واحد ؟ ‪ ..‬أل تدل على ذلك وحدة الساليب ‪.‬‬
‫ولاذا يتعدد الكامل ‪..‬؟ وهل به نقص ليحتاج إل من يكمله ؟ ‪ ..‬إنا يتعدد الناقصون ‪.‬‬
‫ولو تعدد اللة لختلفوا ‪ ،‬ولذهب كل إله با خلق ‪ ،‬ولفسدت السماوات والرض ‪ ,‬وال له‬
‫الكبياء والبوت وهذه صفات ل تتمل الشركة ‪..‬‬
‫ويسخر صاحبنا من معن الربوبية كما نفهمه ‪ ..‬ويقول أليس عجيبا ذلك الرب الذي يتدخل ف كل‬
‫صغية وكبية ‪ ،‬فيأخذ بناصية الدابة ‪ ،‬ويوحي إل النحل أن تتخذ من البال بيوتا ‪ ،‬وما تسقط من‬
‫ورقة إل يعلمها ‪ ،‬وما ترج من ثرات من أكمامها إ ّل أحصاها عددا ‪ ،‬وما تمل من أنثى ول تضع‬
‫إل بعلمه ‪ ..‬وإذا عثرت قدم ف حفرة فهو الذي أعثرها‪ ..‬وإذا سقطت ذبابة ف طعام فهو الذي‬
‫أسقطها ‪ ..‬وإذا تعطلت الرارة ف تليفون فهو الذي عطلها ‪ ..‬وإذا امتنع الطر فهو الذي منعه ‪ ،‬وإذا‬
‫هطل فهو الذي أهطله ‪ ..‬أل تشغلون إلكم بالكثي التافه من المور بذا الفهم ‪..‬‬

‫ول أفهم أيكون الرب ف نظر السائل أجدر بالربوبية لو أنه أعفى نفسه من هذه السئوليات وأخذ‬
‫إجازة وأدار ظهره للكون الذي خلقه وتركه يأكل بعضه بعضا !‬
‫هل الرب الدير ف نظره هو رب عاطل مغمى عليه ل يسمع ول يرى ول يستجيب ول يعتن‬
‫بخلوقاته ؟ ‪ ..‬ث من أين للسائل بالعلم بأن موضوعا ما تافه ل يستحق تدخل الله‪ ،‬وموضوعا آخر‬
‫مهما وخطي الشأن ؟‬
‫إن الذبابة الت تبدو تافهة ف نظر السائل ل يهم ف نظره أن تسقط ف الطعام أو ل تسقط‪ ،‬هذه‬
‫الذبابة يكن أن تغيّر التاريخ بسقوطها التافه ذلك ‪ ..‬فإنا يكن أن تنقل الكوليا إل جيش وتكسب‬
‫معركة لطرف آخر‪ ،‬تتغي بعدها موازين التاريخ كله‪.‬‬
‫أل تقتل السكندر الكب بعوضة ؟‬
‫إن أتفه القدمات مكن أن تؤدي إل أخطر النتائج ‪ ..‬وأخطر القدمات مكن أن تنتهي إل ل شيء‬
‫‪ ..‬وعال الغيب وحده هو الذي يعلم قيمة كل شيء ‪.‬‬

‫وهل تصور السائل نفسه وصيّا على ال يدد له اختصاصاته ‪ ..‬تقدّس وتنّه ربنا عن هذا التصور‬
‫الساذج ‪.‬‬

‫إنا الله الدير باللوهية هنا هو الله الذي أحاط بكل شيء علما ‪ ..‬ل يعزب عنه مثقال ذرة ف‬
‫الرض ول ف السماء ‪.‬‬
‫الله السميع الجيب ‪ ،‬العتن بخلوقاته ‪.‬‬

‫الفصل الثان‬
‫إذا كان ال قدّر عليّ أفعال فلماذا ياسبن؟‬

‫قال صديقي ف شاتة وقد تصوّر أنه أمسكن من عنقي وأنه ل مهرب ل هذه الرة ‪:‬‬
‫أنتم تقولون إن ال يُجري كل شيء ف ملكته بقضاء وقدر‪ ،‬وإن ال قدّر علينا أفعالنا ‪ ،‬فإذا كان هذا‬
‫هو حال ‪ ،‬وأن أفعال كلها مقدّرة عنده فلماذا ياسبن عليها ؟‬

‫ل تقل ل كعادتك ‪ ..‬أنا ميـَر ‪ ..‬فليس هناك فرية أكب من هذه الفرية ودعن أسألك ‪:‬‬
‫هل خُـيّرتُ ف ميلدي وجنسي وطول وعرضي ولون ووطن ؟‬

‫هل باختياري تشرق الشمس ويغرب القمر ؟‬

‫هل باختياري ينل عليّ القضاء ويفاجئن الوت وأقع ف الأساة فل أجد مرجا إل الرية ‪..‬‬
‫لاذا يُكرهن ال على فعل ث يؤاخذن عليه ؟‬

‫وإذا قلت إنك حر ‪ ،‬وإن لك مشيئة إل جوار مشيئة ال أل تشرك بذا الكلم وتقع ف القول بتعدد‬
‫الشيئات ؟‬

‫ث ما قولك ف حكم البيئة والظروف ‪ ،‬وف التميات الت يقول با الاديون التارييون ؟‬

‫أطلق صاحب هذه الرصاصات ث راح يتنفس الصعداء ف راحة وقد تصوّر أن توفيت وانتهيت ‪ ،‬ول‬
‫يبق أمامه إل استحضار الكفن‪..‬‬
‫قلت له ف هدوء ‪:‬‬

‫أنت واقع ف عدة مغالطات ‪ ..‬فأفعالك معلومة عند ال ف كتابه ‪ ،‬ولكنها ليست مقدورة عليك‬
‫بالكراه ‪ ..‬إنا مقدّرة ف علمه فقط ‪ ..‬كما تقدّر أنت بعلمك أن ابنك سوف يزن ‪ ..‬ث يدث أن‬
‫يزن بالفعل ‪ ..‬فهل أكرهته ‪ ..‬أو كان هذا تقديرا ف العلم وقد أصاب علمك ‪..‬‬

‫أما كلمك عن الرية بأنا فرية ‪ ،‬وتدليلك على ذلك بأنك ل تيّر ف ميلدك ول ف جنسك ول ف‬
‫طولك ول ف لونك ول ف موطنك ‪ ،‬وأنك ل تلك نقل الشمس من مكانا ‪ ..‬هو تليط آخر ‪..‬‬
‫وسبب التخليط هذه الرة أنك تتصوّر الرية بالطريقة غي تلك الت نتصورها نن الؤمني ‪..‬‬
‫أنت تتكلم عن حرية مطلقة ‪ ..‬فتقول ‪ ..‬أكنت أستطيع أن أخلق نفسي أبيض أو أسود أو طويل أو‬
‫قصيا ‪ ..‬هل بإمكان أن أنقل الشمس من مكانا أو أوقفها ف مدارها ‪ ..‬أين حريت ؟‬

‫ونن نقول له ‪ :‬أنت تسأل عن حرية مطلقة ‪ ..‬حرية التصرف ف الكون وهذه ملك ل وحده ‪..‬‬
‫خلُ ُق مَا َيشَاء وََيخْتَا ُر مَا كَانَ َلهُ ُم الْخَِي َرةُ } ‪ 68‬سورة‬
‫نن أيضا ل نقول بذه الرية { َورَّبكَ يَ ْ‬
‫القصص‬

‫ليس لحد الية ف مسألة اللق ‪ ،‬لن ال هو الذي يلق ما يشاء ويتار ‪..‬‬
‫ولن ياسبك ال على ِقصَرك ولن يعاتبك على طولك ولن يعاقبك لنك ل توقف الشمس ف مدارها‬
‫‪ ،‬ولكن مال الساءلة هو مال التكليف ‪ ..‬وأنت ف هذا الجال حر ‪ ..‬وهذه هي الدود الت نتكلم‬
‫فيها ‪..‬‬

‫أنت حر ف أن تقمع شهوتك وتلجم غضبك وتقاوم نفسك وتزجر نياتك الشريرة وتشجع ميولك‬
‫الية‪..‬‬

‫أنت تستطيع أن تود بالك ونفسك ‪..‬‬

‫أنت تستطيع أن تصدق وأن تكذب ‪..‬‬


‫وتستطيع أن تكف يدك عن الال الرام ‪..‬‬

‫وتستطيع أن تكف بصرك عن عورات الخرين ‪..‬‬

‫وتستطيع أن تسك لسانك عن السباب والغيبة والنميمة ‪..‬‬

‫ف هذا الجال نن أحرار ‪..‬‬

‫وف هذا الجال نُحاسَب ونُسأل ‪..‬‬

‫الرية الت يدور حولا البحث هي الرية النسبية وليست الرية الطلقة حرية النسان ف مال‬
‫التكليف‪..‬‬

‫وهذه الرية حقيقة ودليلنا عليها هو شعورنا الفطري با ف داخلنا فنحن نشعر بالسئولية وبالندم‬
‫على الطأ ‪ ،‬وبالراحة للعمل الطيب ‪ ..‬ونن نشعر ف كل لظة أننا نتار ونوازن بي احتمالت‬
‫متعددة ‪ ،‬بل إن وظيفة عقلنا الول هي الترجيح والختيار بي البديلت ‪..‬‬
‫ونن نفرق بشكل واضح وحاسم بي يدنا وهي ترتعش بالمى ‪ ،‬ويدنا وهي تكتب خطابا ‪..‬‬
‫فنقول إن حركة الول جبية قهرية ‪ ،‬والركة الثانية حرة اختيارية ‪ ..‬ولو كنا مسيين ف الالتي لا‬
‫استطعنا التفرقة ‪..‬‬

‫ويؤكد هذه الرية ما نشعر به من استحالة إكراه القلب على شيء ل يرضاه تت أي ضغط ‪..‬‬
‫فيمكنك أن تُكره امرأة بالتهديد والضرب على أن تلع ثيابا ‪ ..‬ولكنك ل تستطيع بأي ضغط أو‬
‫تديد أن تعلها تبك من قلبها ومعن هذا أن ال أعتق قلوبنا من كل صنوف الكراه والجبار ‪،‬‬
‫وأنه فطرها حرة ‪..‬‬

‫ولذا جعل ال القلب والنية عمدة الحكام ‪ ،‬فالؤمن الذي ينطق بعبارة الشرك والكفر تت التهديد‬
‫والتعذيب ل ياسب على ذلك طالا أن قلبه من الداخل مطمئن باليان ‪ ،‬وقد استثناه ال من‬
‫الؤاخذة ف قوله تعال‪ { :‬إِ ّل مَنْ أُ ْك ِرهَ وََقلُْب ُه مُطْمَئِ ّن بِا ِليَا ِنٌ} ‪ 106‬سورة النحل‬
‫والوجه الخر من اللط ف هذه السألة أن بعض الناس يفهم حرية النسان بأنا علو على الشيئة ‪،‬‬
‫وانفراد بالمر ‪ ،‬فيتهم القائلي بالرية بأنم أشركوا بال وجعلوا له أندادا يأمرون كأمره ‪ ،‬ويكمون‬
‫كحكمه ‪ ،‬وهذا ما فهمته أنت أيضا ‪ ..‬فقلت بتعدد الشيئات ‪ ..‬وهو فهم خاطئ ‪ ..‬فالرية‬
‫النسانية ل تعلو على الشيئة اللية ‪..‬‬

‫إن النسان قد يفعل بريته ما يناف الرضا اللي ولكنه ل يستطيع أن يفعل ما يناف الشيئة ‪..‬‬
‫ال أعطانا الرية أن نعلو على رضاه "فنعصيه" ‪ ،‬ولكن ل يعط أحدا الرية ف أن يعلو على مشيئته‬
‫‪ ..‬وهنا وجه آخر من وجوه نسبية الرية النسانية ‪..‬‬

‫وكل ما يدث منا داخل ف الشيئة اللية وضمنها ‪ ،‬وإن خالف الرضا اللي وجانب الشريعة ‪..‬‬
‫وحريتنا ذاتا كانت منحة إلية وهبة منحها لنا الالق باختياره ‪ ..‬ول نأخذها منه كرها ول غصبا ‪..‬‬
‫إن حريتنا كانت عي مشيئته ‪..‬‬

‫ومن هنا معن الية ‪َ { :‬ومَا َتشَاؤُونَ إِل أَن يَشَاء الّلهُ } ‪ 30‬سورة النسان‬
‫لن مشيئتنا ضمن مشيئته ‪ ،‬ومنحة منه ‪ ،‬وهبة من كرمه وفضله ‪ ،‬فهي ضمن إرادته ل ثنائية ول‬
‫تناقض ‪ ،‬ول منافسة منا لمر ال وحكمه ‪..‬‬

‫والقول بالرية بذا العن ل يناف التوحيد ‪ ،‬ول يعل ل أندادا يكمون كحكمه ويأمرون كأمره ‪..‬‬
‫فإن حرياتنا كانت عي أمره ومشيئته وحكمه ‪..‬‬

‫والوجه الثالث للخلط أن بعض من تناولوا مسألة القضاء والقدر والتسيي والتخيي ‪ ..‬فهموا القضاء‬
‫والقدر بأنه إكراه للنسان على غي طبعه وطبيعته وهذا خطأ وقعت فيه أنت أيضا ‪ ..‬وقد نفى ال‬
‫عن نفسه الكراه بآيات صرية ‪:‬‬

‫ض ِعيَ} ‪ 4‬سورة الشعراء‬


‫{إِن نّشَأْ ُنَنزّلْ َعلَْيهِم مّن السّمَاء آيَةً َفظَّلتْ َأعْنَاُقهُمْ َلهَا خَا ِ‬
‫والعن واضح ‪ ..‬أنه كان من المكن أن نُكره الناس على اليان باليات اللزمة ‪ ،‬ولكننا ل نفعل ‪..‬‬
‫لنه ليس ف سنتنا الكراه ‪..‬‬
‫{ لَ إِ ْكرَاهَ فِي الدّينِ قَد تَّبيّنَ الرّ ْشدُ مِ َن اْلغَيّ } ‪ 256‬سورة البقرة‬
‫{ وََلوْ شَاء رَّبكَ لمَنَ مَن فِي ا َل ْرضِ كُّلهُ ْم جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُ ْك ِرهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوْا ُم ْؤمِِنيَ } ‪99‬‬
‫سورة يونس‬

‫ليس ف سُنة ال الكراه ‪..‬‬

‫والقضاء والقدر ل يصح أن يُفهم على أنه إكراه للناس على غي طبائعهم ‪ ..‬وإنا على العكس ‪..‬‬
‫ال يقضي على كل إنسان من جنس نيته ‪ ..‬ويشاء له من جنس مشيئته ‪ ،‬ويريد له من جنس إرادته ‪،‬‬
‫ل ثنائية ‪ ...‬تسيي ال هو عي تيي العبد ‪ ،‬لنه ال يسيّر كل امرئ على هوى قلبه وعلى مقتضى‬
‫نياته ‪..‬‬

‫{ مَن كَانَ ُيرِيدُ َح ْرثَ الْآ ِخ َرةِ َن ِزدْ َلهُ فِي َحرِْث ِه َومَن كَانَ ُيرِي ُد َحرْثَ الدّْنيَا نُؤِت ِه مِْنهَا } ‪ 20‬سورة‬
‫الشورى‬

‫{ فِي قُلُوِبهِم ّم َرضٌ َفزَا َدهُمُ الّل ُه َمرَضا } ‪ 10‬سورة البقرة‬

‫{ وَالّذِي َن اهْتَ َدوْا زَا َدهُمْ هُدًى } ‪ 17‬سورة ممد‬

‫وهو ياطب السرى ف القرآن ‪:‬‬

‫{ إِن َي ْعلَمِ الّلهُ فِي ُقلُوبِكُمْ َخْيرًا ُي ْؤتِكُمْ َخْيرًا مّمّا أُخِ َذ مِنكُ ْم } ‪ 70‬سورة النفال‬
‫ال يقضي ويقدّر ‪ ،‬ويري قضاءه وقدره على مقتضى النية والقلب ‪ ..‬إن شرا فشر وإن خيا فخي‪..‬‬

‫ومعن هذا أنه ل ثنائية ‪ ..‬التسيي هو عي التخيي ‪ ..‬ول ثنائية ول تناقض ‪..‬‬

‫ال يسيّرنا إل ما اخترناه بقلوبنا ونياتنا‪ ،‬فل ظلم ول إكراه ول جب ‪ ،‬ول قهر لنا على غي طبائعنا ‪..‬‬
‫سرَى ‪ .‬وََأمّا مَن َبخِ َل وَا ْسَتغْنَى ‪ .‬وَكَ ّذبَ‬
‫س ُرهُ لِ ْليُ ْ‬
‫سنَى ‪ .‬فَسَُنيَ ّ‬
‫{ فََأمّا مَن َأعْطَى وَاّتقَى ‪َ .‬وصَدّقَ بِالْحُ ْ‬
‫سرَى } ‪ 5‬سورة الليل‬
‫س ُرهُ لِ ْلعُ ْ‬
‫سنَى ‪ .‬فَسَُنيَ ّ‬
‫بِالْحُ ْ‬
‫{ َومَا َرمَْيتَ ِإ ْذ َرمَْيتَ وََلكِنّ الّلهَ َرمَى } ‪ 17‬سورة النفال‬

‫هنا تلتقي رمية العبد والرمية القدّرة من الرب ‪ ،‬فتكون رمية واحدة‪ ..‬وهذا مفتاح لغز القضاء والقدر‬
‫‪ ..‬على العبد النية‪ ،‬وعلى ال التمكي‪ ،‬إن خيا فخي‪ ،‬وإن شرا فشر‪..‬‬
‫والرية النسانية ليست مقدارا ثابتا ‪ ،‬ولكنها قدرة نسبية قابلة للزيادة ‪..‬‬

‫النسان يستطيع أن يزيد من حريته بالعلم ‪ ..‬باختراع الوسائل والدوات والواصلت استطاع‬
‫النسان أن يطوي الرض ‪ ،‬ويهزم السافات ‪ ،‬ويترق قيود الزمان والكان ‪ ..‬وبدراسة قواني البيئة‬
‫استطاع أن يتحكم فيها ويسخرها لدمته‪ ،‬وعرف كيف يهزم الر والبد والظلم ‪ ،‬وبذلك يضاعف‬
‫من حرياته ف مال الفعل ‪..‬‬

‫العلم كان وسيلة إل كسر القيود والغلل وإطلق الرية ‪..‬‬

‫أما الوسيلة الثانية فكانت الدين ‪ ..‬الستمداد من ال بالتقرب منه ‪ ..‬والخذ عنه بالوحي والتلقي‬
‫والتأييد ‪ ..‬وهذه وسيلة النبياء ومن ف دربم ‪..‬‬

‫سخّر سليمان الن وركب الريح وكلّم الطي بعونة ال ومدده ‪..‬‬

‫وشق موسى البحر ‪ ..‬وأحيا السيح الوتى ‪ ..‬ومشى على الاء ‪ ..‬وأبرأ الكمه والبرص والعمى ‪..‬‬
‫ونقرأ عن الولياء أصحاب الكرامات الذين تُطوى لم الرض وتكشف لم الغيبات ‪..‬‬
‫وهي درجات من الرية اكتسبوها بالجتهاد ف العبادة والتقرب إل ال والتحبب إليه ‪ ..‬فأفاض‬
‫عليهم من علمه الكنون ‪..‬‬
‫إنه العلم مرة أخرى ‪..‬‬
‫ولكنه هذه الرة العلم "اللدن" ‪..‬‬
‫ولذا يُلخص أبو حامد الغزال مشكلة الخيّر والسيّر قائلً ف كلمتي ‪:‬‬
‫النسان ميّر فيما يعلم ‪..‬‬
‫مسيّر فيما ل يعلم ‪..‬‬
‫وهو يعن بذا أنه كلما اتسع علمه اتسع مال حريته ‪ ..‬سواء كان العلم القصود هو العلم الوضوعي‬
‫أو العلم اللدنّي ‪..‬‬

‫ويطئ الفكرون الاديون أشد الطأ حينما يتصورون النسان أسي التميات التاريية والطبقية ‪..‬‬
‫ويعلون منه حلقة ف سلسلة من اللقات ل فكاك له ‪ ،‬ول مهرب من الضوع لقواني القتصاد‬
‫وحركة الجتمع ‪ ،‬كأنا هو قشة ف تيار بل ذراعي وبل إرادة ‪..‬‬
‫والكلمة الت يرددونا ول يتعبون من ترديدها وكأنا قانون ‪" :‬حتمية الصراع الطبقي" وهي كلمة‬
‫خاطئة ف التحليل العلمي ‪ ،‬لنه ل حتميات ف الجال النسان ‪ ،‬وإنا على الكثر ترجيحات‬
‫واحتمالت ‪ ..‬وهذا هو الفرق بي النسان ‪ ،‬وبي التروس ‪ ،‬واللت والجسام الادية ‪ ..‬فيمكن‬
‫التنبوء بسوف الشمس بالدقيقة والثانية ‪ ،‬ويكن التنبؤ بركاتا الستقبلة على مدى أيام وسني ‪..‬‬
‫أما النسان فل يكن أن يعلم أحد ماذا يُضمر وماذا يُخبئ ف نياته ‪ ،‬وماذا يفعل غدا أو بعد غد ‪..‬‬
‫ول يكن معرفة هذا إل على سبيل الحتمال والترجيح والتخمي ‪ ،‬وذلك على فرض توفر العلومات‬
‫الكافية للحكم ‪..‬‬
‫وقد أخطأت جيع تنبؤات كارل ماركس ‪ ،‬فلم تبدأ الشيوعية ف بلد متقدم كما تنبأ ‪ ،‬بل ف بلد‬
‫متخلف ‪ ،‬ول يتفاقم الصراع بي الرأسالية والشيوعية ‪ ،‬بل تقارب الثنان إل حالة من التعايش‬
‫السلمي ‪ ،‬وأكثر من هذا فتحت البلد الشيوعية أبوابا لرأس الال المريكي ‪ ..‬ول تتصاعد‬
‫التناقضات ف الجتمع الرأسال إل الفلس الذي توقعه كارل ماركس ‪ ،‬بل على العكس ‪ ،‬ازدهر‬
‫القتصاد الرأسال ووقع الشقاق واللف بي أطراف العسكر الشتراكي ذاته ‪..‬‬
‫أخطأت حسابات ماركس جيعها دالة بذلك على خطأ منهجه التمي ‪ ..‬ورأينا صراع العصر الذي‬
‫يرك التاريخ هو الصراع اللطبقي بي الصي وروسيا ‪ ،‬وليس الصراع الطبقي الذي جعله ماركس‬
‫عنوان منهجه ‪ ..‬وكلها شواهد على فشل الفكر الادي ف فهم النسان والتاريخ ‪ ،‬وتبطه ف‬
‫حساب الستقبل ‪ ..‬وجاء كل ذلك نتيجة خطأ جوهري ‪ ،‬هو أن الفكر الادي تصوّر أن النسان‬
‫ذبابة ف شبكة من التميات ‪ ..‬ونسي تاما أنّ النسان حر ‪ ..‬وأن حريته حقيقة ‪..‬‬

‫أمّا كلم الاديي عن حكم البيئة والجتمع والظروف ‪ ،‬وأن النسان ل يعيش وحده ول تتحرك‬
‫حريته ف فراغ ‪..‬‬

‫نقول ردّا على هذا الكلم ‪ :‬إن حكم البيئة والجتمع والظروف كمقاومات للحرية الفردية إنا يؤكد‬
‫العن الدل لذه الرية ول ينفيه ‪ ..‬فالرية الفردية ‪ ..‬ل تؤكد ذاتا إل ّ ف وجه مقاومة تزحزحها‪..‬‬
‫أما إذا كان النسان يتحرك ف فراغ بل مقاومة من أي نوع فإنه ل يكون حرا بالعن الفهوم‬
‫للحرية‪ ،‬لنه لن تكون هناك عقبة يتغلب عليها ويؤكد حريته من خللا ‪..‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫لاذا خلق ال الشر؟‬

‫قال صاحب ساخرًا‪:‬‬


‫كيف تزعمون أن إلكم كامل ورحن ورحيم وكري ورءوف وهو قد خلق كل هذه الشرور ف‬
‫العال ‪ ..‬الرض والشيخوخة والوت والزلزال والبكان واليكروب والسم والر والزمهرير وآلم‬
‫السرطان الت ل تعفي الطفل الوليد ول الشيخ الطاعن‪.‬‬

‫إذا كان ال مبة وجال وخيا فكيف يلق الكراهية والقبح والشر ‪.‬‬
‫والشكلة الت أثارها صاحب من الشاكل الساسية ف الفلسفة وقد انقسمت حولا مدارس الفكر‬
‫واختلفت حولا الراء‪.‬‬
‫ونن نقول أن ال كله رحة وكله خي وأنه ل يأمر بالشر ولكنه سح به لكمة‪.‬‬

‫ط وَأَقِيمُواْ‬
‫سِ‬‫حشَاء َأَتقُولُونَ َعلَى الّل ِه مَا َل َتعْلَمُو َن (‪ )28‬قُلْ َأ َمرَ رَبّي بِاْلقِ ْ‬
‫{إِ ّن الّلهَ لَ يَ ْأ ُمرُ بِاْلفَ ْ‬
‫سجِ ٍد (‪ })29‬العراف‪.28-‬‬
‫وُجُوهَكُ ْم عِندَ كُ ّل مَ ْ‬

‫ال ل يأمر إل بالعدل والحبة والحسان والعفو والي وهو ل يرضى إل بالطيب‪.‬‬
‫فلماذا ترك الظال يظلم والقاتل يقتل والسارق يسرق؟‬
‫لن ال أرادنا أحرارا ‪ ..‬والرية اقتضت الطأ ول معن للحرية دون أن يكون لنا حق التجربة والطأ‬
‫والصواب ‪ ..‬والختيار الر بي العصية والطاعة‪.‬‬
‫وكان ف قدرة ال أن يعلنا جيعًا أخيارا وذلك بأن يقهرنا على الطاعة قهرا وكان ذلك يقتضي أن‬
‫يسلبنا حرية الختيار‪.‬‬
‫وف دستور ال وسنته أن الرية مع الل أكرم للنسان من العبودية مع السعادة ‪ ..‬ولذا تركنا نطيء‬
‫ونتأل ونتعلم وهذه هي الكمة ف ساحه بالشر‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن النظر النصف الحايد سوف يكشف لنا أن الي ف الوجود هو القاعدة وأن الشر هو‬
‫الستثناء ‪..‬‬
‫فالصحة هي القاعدة والرض استثناء ونن نقضي معظم سنوات عمرنا ف صحة ول يزورنا الرض إل‬
‫أياما قليلة ‪ ..‬وبالثل الزلزل هي ف مملها بضع دقائق ف عمر الكرة الرضية الذي يصى بليي‬
‫السني وكذلك الباكي وكذلك الروب هي تشنجات قصية ف حياة المم بي فترات سلم طويلة‬
‫متدة‪.‬‬

‫ث أننا نرى لكل شيء وجه خي فالرض يلف وقاية والل يرب الصلبة واللد والتحمل والزلزل‬
‫تنفس عن الضغط الكبوت ف داخل الكرة الرضية وتمي القشرة الرضية من النفجار وتعيد‬
‫البال إل أماكنها كأحزمة وثقالت تثبت القشرة الرضية ف مكانا‪ ،‬والباكي تنفث العادن‬
‫والثروات البيثة الباطنة وتكسو الرض بتربة بركانية خصبة ‪ ..‬والروب تدمج المم وتلقح بينها‬
‫وتمعها ف كتل وأحلف ث ف عصبة أمم ث ف ملس أمن هو بثابة مكمة عالية للتشاكي والتصال‬
‫‪ ..‬وأعظم الختراعات خرجت أثناء الروب ‪ ..‬البنسلي الذرة الصواريخ الطائرات النفاثة كلها‬
‫خرجت من أتون الروب‪.‬‬
‫ومن سم الثعبان يرج الترياق‪.‬‬
‫ومن اليكروب نصنع اللقاح‪.‬‬
‫ولول أن أجدادنا ماتوا لا كنا الن ف مناصبنا‪ ،‬والشر ف الكون كالظل ف الصورة إذا اقتربت منه‬
‫خيل إليك أنه عيب ونقص ف الصورة ‪ ..‬ولكن إذا ابتعدت ونظرت إل الصورة ككل نظرة شاملة‬
‫اكتشفت أنه ضروري ول غن عنه وأنه يؤدي وظيفة جالية ف البناء العام للصورة‪.‬‬
‫وهل كان يكننا أن نعرف الصحة لول الرض ‪ ..‬إن الصحة تظل تاجا على رؤوسنا ل نراه ول نعرفه‬
‫إل حينما نرض‪.‬‬
‫وبالثل ما كان مكنا أن نعرف المال لول القبح ول الوضع الطبيعي لول االشاذ‪.‬‬
‫ولذا يقول الفيلسوف أبو حامد الغزال‪ :‬إن نقص الكون هو عي كماله مثل اعوجاج القوس هو‬
‫عي صلحيته ولو أنه استقام لا رمى‪.‬‬
‫وظيفة أخرى للمشقات واللم ‪ ..‬أنا هي الت تفرز الناس وتكشف معادنم‪.‬‬
‫لول الشقة ساد الناس كلهم ‪ ...‬الود يفقر والقدام قتال‬
‫إنا المتحان الذي نعرف به أنفسنا ‪ ..‬والبتلء الذي تتحدد به مراتبنا عند ال‪.‬‬
‫ث إن الدنيا كلها ليست سوى فصل واحد من رواية سوف تتعدد فصولا فالوت ليس ناية القص‬
‫ولكن بدايتها‪.‬‬
‫ول يوز أن نكم على مسرحية من فصل واحد ول أن نرفض كتابا لن الصفحة الول ل تعجبنا‪.‬‬
‫الكم هنا ناقص‪..‬‬
‫ول يكن استطلع الكمة كلها إل ف آخر الطاف ‪ ..‬ث ما هو البديل الذي يتصوره السائل الذي‬
‫يسخر منا؟!‬
‫هل يريد أن يعيش حياة بل موت بل مرض بل شيخوخة بل نقص بل عجز بل قيود بل أحزان بل‬
‫آلم‪.‬‬
‫هل يطلب كمال مطلقا؟!‬
‫ولكن الكمال الطلق ل‪.‬‬
‫والكامل واحد ل يتعدد ‪ ..‬ولاذا يتعدد ‪ ..‬وماذا ينقصه ليجده ف واحد آخر غيه؟!‬
‫معن هذا أن صاحبنا لن يرضيه إل أن يكون هو ال ذاته وهو التطاول بعينه‪.‬‬
‫ودعونا نسخر منه بدورنا ‪ ..‬هو وأمثاله من ل يعجبهم شيء‪.‬‬
‫هؤلء الذين يريدونا جنة ‪..‬‬
‫ماذا فعلوا ليستحقونا جنة؟‬
‫وماذا قدم صاحبنا للنسانية ليجعل من نفسه ال الواحد القهار الذي يقول للشيء كن فيكون‪.‬‬
‫إن جدت أكثر ذكاء من الستاذ الدكتور التخرج من فرنسا حينما تقول ف بساطة‪:‬‬
‫"خي من ال شر من نفوسنا"‪.‬‬
‫إنا كلمات قليلة ولكنها تلخيص أمي للمشكلة كلها ‪..‬‬
‫فال أرسل الرياح وأجرى النهر ولكن ربان السفينة الشع مل سفينته بالناس والبضائع بأكثر ما‬
‫تتمل فغرقت فمضى يسب ال والقدر ‪ ..‬وما ذنب ال؟! ‪ ..‬ال أرسل الرياح رخاء وأجرى النهر‬
‫خيا ‪ ..‬ولكن جشع النفوس وطمعها هو الذي قلب هذا الي شرا‪.‬‬
‫ما أصدقها من كلمات جيلة طيبة‪.‬‬
‫"خي من ال شر من نفوسنا"‪.‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫وما ذنب الذي ل يصله قرآن ؟‬

‫هرش صاحبنا الدكتور رأسه ‪..‬‬


‫كان من الواضح أنه يبحث ل ف الدكتوراه عن حفرة أو مطب يدق عنقي فيه ‪ ..‬ث قال ف هدوء‬
‫وهو يرتب كلماته‪:‬‬
‫‪ -‬حسنًا ‪ ..‬وما رأيك ف هذا النسان الذي ل يصله قرآن ول ينل عليه كتاب ‪ ..‬ول يأته نب ‪ ..‬ما‬
‫ذنبه ‪ ..‬وما مصيه عندكم يوم الساب ‪ ..‬مثل اسكيمو ف أقاصي القطبي ‪ ..‬أو زني ف الغابات ‪..‬‬
‫ماذا يكون حظه بي يدي إلكم يوم القيامة‪.‬‬

‫‪ -‬قلت له‪:‬‬

‫‪ -‬دعن أصحح معلوماتك أول ‪ ..‬فقد بنيت أسئلتك على مقدمة خاطئة ‪ ..‬فال أخبنا بأنه ل يرم‬
‫أحدًا من رحته ووحيه وكلماته وآياته‪.‬‬
‫(( وَإِن مّنْ ُأمّةٍ إِلّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ (‪ )) )24‬فاطر‪.‬‬
‫(( وََلقَدْ َبعَثْنَا فِي كُلّ ُأمّ ٍة رّسُولً (‪ )) )36‬النحل‪.‬‬

‫والرسل الذين جاء ذكرهم ف القرآن ليسوا كل الرسل‪..‬‬


‫وإنا هناك آلف غيهم ل نعلم عنهم شيئًا ‪ ..‬وال يقول لنبيه عن الرسل‪:‬‬
‫ص عََلْيكَ (‪ )))78‬غافر‪.‬‬
‫ك َومِْنهُم مّن لّمْ َن ْقصُ ْ‬
‫صصْنَا عَلَْي َ‬
‫(( مِْنهُم مّن َق َ‬
‫وال يوحي إل كل شيء حت النحل‪.‬‬
‫ج ِر َومِمّا َي ْعرِشُونَ (‪)) )68‬‬
‫جبَالِ ُبيُوتًا َومِنَ الشّ َ‬
‫(( وََأوْحَى رَّبكَ إِلَى النّحْلِ أَنِ اتّخِذِي مِ َن الْ ِ‬
‫النحل‪.‬‬
‫وقد يكون الوحي كتابًا يلقيه جبيل ‪ ..‬وقد يكون نورًا يلقيه ال ف قلب العبد ‪ ..‬وقد يكون‬
‫انشراحًا ف الصدر ‪ ..‬وقد يكون حكمة وقد يكون حقيقة وقد يكون فهمًا وقد يكون خشوعًا‬
‫ورهبة وتقوى‪.‬‬
‫وما من أحد يرهف قلبه ويرهف سعه إل ويتلقى من ال فضلً‪.‬‬
‫أما الذين يصمون آذانم وقلوبم فل تنفعهم كتب ول رسل ول معجزات ولو كثرت‪.‬‬
‫وال قال أنه يتص برحته من يشاء ‪ ..‬وأنه ل يسأل عما يفعل‪.‬‬
‫وقد يريد ال لكمة أن ينذر أحدًا وأن يعذر آخر فيقبل منه أهون اليان‪.‬‬
‫ومن يدرينا ‪ ..‬ربا كانت مرد لفته من ذلك الزني البدائي إل السماء ف رهبة هي عند ال منجية‬
‫ومقبولة أكثر من صلتنا‪.‬‬
‫على أن القراءة التأملة لديان هؤلء الزنوج البدائيي تدل على أنه كان لم رسل ورسالت ساوية‬
‫مثل رسالتنا‪.‬‬
‫ف قبيلة الاو ماو مثلً نقرأ أنم يؤمنون بإله يسمونه " موجاي " ويصفونه بأنه واحد أحد ل يلد ول‬
‫يولد وليس له كفو ول شبيه ‪ ..‬وأنه ل يرى ول يعرف إل من آثاره وأفعاله ‪ ..‬وأنه خالق رازق‬
‫وهاب رحيم يشفي الريض وينجد الأزوم وينل الطر ويسمع الدعاء ويصفونه بأن البق خنجره‬
‫والرعد وقع خطاه‪.‬‬
‫أليس هذا الـ "موجاي " هو إلنا بعينه ‪ ..‬ومن أين جاءهم هذا العلم إل أن يكون ف تاريهم رسول‬
‫ومبلغ جاء به ‪ ..‬ث تقادم عليه العهد كالعتاد فدخلت الرافات والشعوذات فشوهت هذا النقاء‬
‫الدين‪.‬‬
‫وف قبيلة نيام نيام نقرأ أنم يؤمنون بإله واحد يسمونه " مبول" ويقولون أن كل شيء ف الغابة‬
‫يتحرك بإرادة " مبول " وأنه يسلط الصواعق على الشرار من البشر ‪ ..‬ويكافئ الخيار بالرزق‬
‫والبة والمان‪.‬‬
‫وف قبيلة الشيلوك يؤمنون بإله واحد يسمونه " جوك " ويصفونه بأنه خفي وظاهر ‪ ..‬وأنه ف السماء‬
‫وف كل مكان وأنه خالق كل شيء‪.‬‬
‫وف قبيلة الدنكا يؤمنون بإله واحد يسمونه " نيالك " وهي كلمة ترجتها الرفية ‪ ..‬الذي ف السماء‬
‫‪ ..‬أو العلى‪.‬‬
‫ماذا نسمي هذه العقائد إل أنا إسلم‪.‬‬
‫وماذا تكون إل رسالت كان لا ف تاريخ هؤلء القوام رسل‪.‬‬
‫إن الدين لواحد‪.‬‬
‫ي مَ ْن آمَنَ بِالّل ِه وَاْلَي ْومِ ال ِخ ِر َوعَمِ َل صَالِحا فََلهُمْ‬
‫(( إِنّ الّذِي َن آمَنُوْا وَالّذِي َن هَادُوْا وَالّنصَارَى وَالصّابِِئ َ‬
‫حزَنُو َن ( ‪ )) )62‬البقرة‪.‬‬
‫ف عََلْيهِ ْم وَ َل هُمْ يَ ْ‬
‫أَ ْج ُرهُ ْم عِن َد رَّبهِ ْم وَلَ َخوْ ٌ‬

‫حت الصابئي الذين عبدوا الشمس على أنا آية من آيات ال وآمنوا بال الواحد وبالخرة والبعث‬
‫والساب وعملوا الصالات فلهم أجرهم عند ربم‪.‬‬
‫ومعلوم أن رحة ال تتفاوت‪.‬‬
‫وهناك من يولد أعمى وهناك من يولد مبصرا وهناك من عاش أيام موسى ورآه رأي العي وهو يشق‬
‫البحر بعصاه ‪ ..‬وهناك من عاش أيام السيح ورآه يي الوتى ‪ ..‬أما نن فل نعلم عن هذه اليات إل‬
‫سعًا ‪ ..‬وليس الب كالعيان ‪ ..‬وليس من رأي كمن سع‪.‬‬
‫ومع ذلك فاليان وعدمه ليس رهنًا بالعجزات‪.‬‬
‫والكابرون العاندون يرون العجب من أنبيائهم فل يزيد قولم على أن هذا " سحر مفترى "‪.‬‬
‫ول شك أن صاحبنا الدكتور القادم من فرنسا قد بلغه من الكتب ثلثة ‪ ..‬توراة وإنيل وقرآن وبلغته‬
‫‪ ..‬فلم تزده هذه الكتب إل إغراقًا ف الدل ‪ ..‬وحت يهرب من الوقف كله أحاله على شخص‬
‫مهول ف الغابات ل ينل عليه كتاب ‪ ..‬وراح يسألنا ‪ ..‬وما بالكم بذا الرجل الذي ل يصله قرآن‬
‫ول ينل عليه كتاب ‪ ..‬ملتمسًا بذلك ثغرة ف العدل اللي أو موهًا نفسه بأن السألة كلها عبث‪.‬‬
‫وهو لذلك يسألنا " ولاذا تتفاوت رحة ال " ‪ ..‬لاذا يشهد ال واحدًا على آياته ‪ ..‬ول يدري آخر‬
‫بتلك اليات إل سعًا‪.‬‬
‫ونن نقول أنا قد ل تكون رحة بل نقمة أل يقل ال لتباع السيح الذين طلبوا نزول مائدة من‬
‫السماء مذرًا‪:‬‬
‫(( إِنّي مَُنزُّلهَا َعلَيْكُ ْم فَمَن َي ْكفُرْ َبعْ ُد مِنكُ ْم فَإِنّي ُأعَذُّبهُ عَذَابًا لّ ُأعَذُّبهُ َأحَدًا مّنَ اْلعَالَ ِميَ (‪)) )115‬‬
‫الائدة‪.‬‬
‫ذلك لنه مع نزول العجزات يأت دائمًا تشديد العذاب لن يكفر‪.‬‬
‫وطوب لن آمن بالسماع ودون أن يرى معجزة‪.‬‬
‫والويل للذين شاهدوا ول يؤمنوا‪.‬‬
‫فالقرآن ف يدك حجة عليك ونذير ‪ ..‬ويوم الساب يصبح نقمة ل رحة‪.‬‬
‫وعدم إقامة هذه الجة البينة على السكيمو ساكن القطبي قد يكون إعفاء وتفيفًا ورحة ومغفرة‬
‫يوم الساب ‪ ..‬وقد تكون لفتة إل السماء من هذا السكيمو الاهل ذات ساعة ف عمره ‪ ..‬عند ال‬
‫كافية لقبوله مؤمنًا ملصًا‪.‬‬
‫أما لاذا يرحم ال واحدًا أكثر ما يرحم آخر فهو أمر يؤسسه ال على علمه بالقلوب‪.‬‬
‫(( َفعَلِ َم مَا فِي ُقلُوِبهِمْ فَأَنزَ َل السّكِيَن َة عََلْيهِمْ وََأثَاَبهُ ْم فَتْحًا َقرِيبًا (‪ )) )18‬الفتح‪.‬‬
‫وعلم ال بنا وبقلوبنا يتد إل ما قبل نزولنا ف الرحام حينما كنا عنده أرواحًا حول عرشه ‪ ..‬فمنا‬
‫من التف حول نوره ‪ ..‬ومنا من انصرف عنه مستمتعًا باللكوت وغافلً عن جال خالقه ‪ ..‬فاستحق‬
‫الرتبة الدنيا من ذلك اليوم وسبق عليه القول ‪ ..‬هذا كلم أهل الشاهدة‪.‬‬
‫وما نراه من تارينا القصي ف الدنيا ليس كل شيء ‪..‬‬

‫ومعرفة الكمة من كل أل وحرمان أمر ل يعلمه إل العليم‪.‬‬


‫والذي يسألن ‪ ..‬لاذا خلق ال النير خنيرًا ‪ ..‬ل أملك إل أن أجيبه بأن ال اختار له ثوبًا خنيريًا‬
‫لن نفسه خنيرية وأن خلقه هكذا حق وعدل‪.‬‬
‫وكل ما نرى حولنا من استحقاقات هي عدل لكن معرفة الكمة الكلية وإماطة اللثام عن هذا العدل‬
‫أمر ليس ف مقدور كل واحد‪.‬‬
‫ولعل لذا السبب هناك آخرة ‪ ..‬ويوم تنصب فيه الوازين وينبئنا العليم بكل ما اختلفنا فيه‪.‬‬
‫ومع هذا فسوف أريك بالكلمة الفصل ‪ ..‬فقد قال ال ف كتابه أنه لن يعذب إل من أنذرهم‬
‫بالرسل‪.‬‬
‫(( َومَا كُنّا ُمعَذِّبيَ حَتّى نَْب َعثَ رَسُو ًل ))‬
‫(‪ -15‬السراء‪).‬‬
‫هل أرحت واسترحت‪.‬‬
‫ث دعن أقول لك يا صاحب ‪..‬‬
‫إن أعجب ما ف سؤالك أن ظاهره يوهم باليان والشفاق على الزني السكي الذي فاته ما ف‬
‫القرآن من نور ورحة وهدى ‪ ..‬مع أن حقيقتك هي الكفر بالقرآن وبنوره ورحته وهداه ‪..‬‬
‫فسؤالك أقرب ما يكون إل الستدراج والخادعة وفيه مناقضة للنفس هي " اللكاعة " بعينها ‪..‬‬
‫فأنت تاول أن تقيم علينا حجة هي عندك ليس لا أي حجة‪.‬‬
‫أل ترى معي يا صاحب أن جهاز النطق عندك ف حاجة إل إصلح‪.‬‬
‫الفصل الامس‬
‫النة والنار‬

‫كان صديقنا الدكتور واثقا من نفسه كل الثقة هذه الرة وهو يلوك الكلمات ببطء ليلقي بالقنبلة‬
‫‪ -‬كيف يعذبنا ال وهو الرحن الرحيم على ذنب مدود ف الزمن بعذاب ل مدود ف البد ( النار‬
‫خالدين فيها أبدا )‬
‫ومن نن وماذا نساوي بالنسبة لعظمة ال حت ينتقم منا هذا النتقام ‪..‬‬
‫وما النسان إل ذرة أو هبأة ف الكون وهو بالنسبة للل ال أهون من ذلك بكثي ‪ ..‬بل هو‬
‫اللشيء بعينه ‪.‬‬
‫ونن نصحح معلومات الدكتور فنقول ‪.‬‬
‫أول ‪ -‬إننا لسنا ذرة ول هبأة ف الكون ‪ ..‬وإن شاننا عند ال ليس هينا بل عظيما ‪..‬‬
‫أل ينفخ فينا من روحه ‪..‬‬
‫أل يسجد لنا اللئكة ‪..‬‬
‫أل يعدنا بياث السماوات والرض ويقول عنا ‪:‬‬
‫( ولقد كرمنا بن آدم وحلناهم ف الب والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثي من خلقنا‬
‫تفضيل ) ‪.‬‬
‫إن فينا إذا من روح ال ‪.‬‬
‫ونن بالنسبة للكون لسنا ذرة ول هبأة ‪..‬‬
‫إننا نبدو بالنظر إل أجسادنا كذرة أو هبأة بالنسبة للكون الفسيح الواسع ‪.‬‬
‫ولكن أل نتوي على هذا الكون ونستوعبه بعقلنا وندرك قوانينه وأفلكه ونرسم لكل كوكب مداره‬
‫‪..‬‬
‫ث ينل رائد الفضاء على القمر فيكتشف أن كل ما استوعبناه بعقلنا على الرض كان صحيحا ‪..‬‬
‫وكل ما رسناه كان دقيقا ‪.‬‬
‫أل يدل هذا على أننا بالنظر إل روحنا أكب من الكون وأننا نتوي عليه وأن الشاعر كان على حق‬
‫حينما خاطب النسان قائل ‪:‬‬
‫وتسب أنك جرم صغي *** وفيك انطوى العال الكب‬

‫وإن النسان كما يقول الصوفية هو الكتاب الامع والكون صفحاته ‪.‬‬
‫إذا النسان عظيم الشأن كبي الطر‪.‬‬
‫وهو من روح ال ‪.‬‬
‫وأعماله تستوجب الحاسبة ‪.‬‬
‫أما عن الذنب الحدود ف الزمان الذي ياسبنا ال عليه بعذاب اللمدود ف البد ‪..‬‬
‫فمغالطة أخرى وقع فيها الدكتور العزيز الواثق من نفسه ‪.‬‬
‫فال يقول عن هؤلء الخلدين ف النار حينما يطلبون العودة إل الدنيا ليعملوا غي ما عملوا ‪..‬‬
‫يقول سبحانه ‪:‬‬
‫( ولو ردوا لعادوا لا نوا عنه وإنم لكاذبون)‪.‬‬
‫أي أن ذنبهم ليس ذنبا مدودا ف الزمان بل هو خصلة ثابتة سوف تتكرر ف كل زمان ‪..‬‬
‫ولو ردوا لعادوا إل ذنبهم وإنم لكاذبون ‪.‬‬
‫هي إذن صفحة مؤبدة ف النفس وليست سقطة عارضة ف ظرف عارض ف الدنيا ‪.‬‬
‫وهو يقول عنهم ف مكان آخر ‪:‬‬
‫( يوم يبعثهم ال جيعا فيحلفون له كما يلفون لكم ويسبون أنم على شيء ‪ ..‬أل إنم هم‬
‫الكاذبون ) ‪.‬‬
‫هنا لون آخر من الصرار والتحدي يصل إل أنم يواجهون ال بالكذب واللف الكذب وهم بي‬
‫يديه يوم الوقف العظيم يوم ترفع الجب وينكشف الغطاء ‪..‬‬
‫وهذا غاية البوت والصلف ‪.‬‬
‫ولسنا هنا أمام ذنب مدود ف الزمان ‪ .‬بل أمام ذنب مستمر ف الزمان وبعد أن يطوى الزمان وكل‬
‫زمان ‪..‬‬
‫نن هنا أمام نفس تمل معها شرها البدي ‪.‬‬
‫ومن هنا كان تأبيد العذاب لذه النفس عدل ‪.‬‬
‫ولذا تقول عنهم الية ف صراحة ‪:‬‬
‫( وما هم بارجي من النار )‬
‫ويقول ابن عرب ‪:‬‬
‫إن الرحة بالنسبة لؤلء أنم سوف يتعودون على النار ‪ ..‬وتصبح تلك النار ف الباد الؤبدة بيئتهم‬
‫اللئمة ‪.‬‬
‫ول شك أن هناك مانسة بي بعض النفوس الجرمة وبي النار ‪..‬‬
‫فبعض تلك النفوس هي ف حقيقتها شعلة حسد وحقد وشهوة وغية وغل وضرام من الغضب‬
‫والنقمة والثورة والشاعر الجرامية الحتدمة وكأنا نار بالفعل ‪.‬‬
‫مثل تلك النفوس ل تستطيع أن تعيش ف سلم ‪ ..‬ول تستطيع أن تيا ساعة دون أن تشعل حولا‬
‫حربا ‪ ..‬ودون أن تضرم حولا النيان ‪ ..‬لن النيان هي بيئتها وطبيعتها ‪.‬‬
‫ومثل تلك النفوس يكون قرارها ف النار هو الكم العدل ويكون هذا الصي من قبيل وضع الشيء ف‬
‫مكانه ‪..‬‬
‫فلو أنا أدخلت النة لا تذوقتها ‪.‬‬
‫أل تكن ترفض السلم ف الرض ؟‬
‫وينبغي أن نفهم النار والنة ف الخرة فهما واسع الفق ‪..‬‬
‫فالنار ف الخرة ليست شواية ‪ .‬وليس ما يري فيها هو الريق بالعن الدنيوي فال يقول إن الذنبي‬
‫يتكلمون ويتلعنون وأن النار فيها شجرة لا ثر ‪..‬‬
‫هي شجرة الزقوم الت ترج من أصل الحيم ‪ ..‬كما أن فيها ماء حيما يشرب منه العذبون ‪.‬‬
‫مثل تلك النار الت فيها شجرة الزقوم وفيها ماء ‪..‬‬
‫ويتكلم فيها الناس فل بد أنا نار غي النار ‪:‬‬
‫( كلما دخلت أمة لعنت أختها حت إذا اداركوا فيها جيعا قالت أخراهم لولهم ربنا هؤلء أضلونا‬
‫فآتم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن ل تعلمون )‪.‬‬
‫إنم يتكلمون وهم ف النار وهي نار ‪:‬‬
‫(وقودها الناس والجارة )‬
‫هذه النار إذا من قبيل الغيب ‪..‬‬
‫وما ورد عنها إشارات ‪.‬‬
‫ول يب أن يفهم من هذا الكلم أننا ننكر العذاب السي ونقول بالعذاب العنوي ‪..‬‬
‫فإن العذاب السي صريح ل يوز الشك فيه ونن نؤمن بوجوده ‪.‬‬
‫وإنا نقول إن تفاصيل هذا العذاب وكيفيته ‪ ..‬كما أن كيفية تلك النار وأوصافها التفصيلية ‪..‬‬
‫هي غيب مهول ‪ ..‬فهي على ما يبدو ف الشارات القرآنية ‪ ..‬نار غي النار ‪..‬‬
‫كما أن أجسامنا ف تملها لتلك النار هي غي الجسام الترابية الشة الت لنا الن ‪...‬‬
‫ونفس الشيء ف النة ‪ ..‬فهي ليست سوق خضار وبلح ورمان وعنب ‪..‬‬
‫وإنا تلك الوصاف القرآنية هي مرد إشارات وضرب أمثلة وتقريب إل الذهان ‪.‬‬
‫( مثل النة الت وعد التقون فيها أنار من ماء غي آسن وأنار من لب ل يتغي طعمه )‬
‫" مثل النة " ‪ ..‬أي أننا نضرب مثل يقرب فهم النة إليك ولكن القيقة أن التفاصيل غيب ‪.‬‬
‫( فل تعلم نفس ما أخفي لم من قرة أعي جزاء با كانوا يعملون ) ‪.‬‬
‫( جنة عرضها السموات والرض ) ‪.‬‬
‫فهي ل يكن أن تكون مرد حديقة ‪.‬‬
‫( وفاكهة كثية ل مقطوعة ول منوعة ) ‪.‬‬
‫فهي غي فاكهتنا القطوعة والمنوعة ‪ ..‬وخر‪:‬‬
‫( ل يصدعون عنها ول ينفون ) ‪.‬‬
‫فهي غي خرنا الت تصدع الرأس وتنف العقل‬
‫ويقول القرآن عن أهل النة ‪:‬‬
‫( ونزعنا ما ف صدورهم من غل )‬
‫ها هنا نفوس طهرت بطريقة ل نعلمها ‪.‬‬
‫النة إذا هي الخرى غيب وليس ف هذا الكلم أي إنكار للنعيم السي فنحن نؤمن بأن النة نعيم‬
‫حسي ومعنوي معا كما أن النار عذاب حسي ومعنوي ولكن ما نريد تأكيده أن تفاصيل هذا النعيم‬
‫أو العذاب وكيفياته غيب ‪.‬‬
‫وأن النة ليست سوقا للفاكهة والضار ول النار فرنا لشوي اللحم ‪.‬‬
‫وإن التعذيب ف الخرة ليس تبا من ال على عباده وإنا هو تطهي وتعريف وتقوي ورحة ‪.‬‬
‫( ما يفعل ال بعذابكم إن شكرت وآمنتم )‬
‫فالصل هو عدم العذاب ‪.‬‬
‫وال ل يعذب العارف الؤمن وإنا ينصب عذابه على الاحد النكر الذي فشلت معه كل وسائل‬
‫الداية والتعريف والتفهيم ‪.‬‬
‫( ولنذيقنهم من العذاب الدن دون العذاب الكب لعلهم يرجعون ) ‪.‬‬

‫سنة ال أن يذيق هؤلء من العذاب الصغر ف الدنيا ليقاظهم من غفلتهم ولزعاجهم من هذا الم‬
‫والسبات ‪ " ..‬لعلهم يرجعون " ‪.‬‬
‫فإذا ل تفلح كل الوسائل ‪..‬‬
‫وظل النكر على إنكاره ل يبق إل مواجهته بالعذاب الق لتعريفه ‪..‬‬
‫والتعريف بالق هو عي الرحة ‪..‬‬
‫ولو أن ال تركهم على عماهم وجهلهم وأهلهم لكان ف حقه ظلما ‪..‬‬
‫سبحانه وتعال عن ذلك علوا كبيا ‪..‬فالعرض على النار بالنسبة لؤلء الهال ‪ ..‬عناية ‪.‬‬
‫وكل أفعال ال رحة ‪..‬‬
‫يرحم الاهل بالحيم تأديبا وتعليما ‪.‬‬
‫ويرحم العارف بالنة فضل وكرامة ‪.‬‬
‫( عذاب أصيب به من أشاء ورحت وسعت كل شيء )‬
‫فجعل رحته تسع كل شيء حت العذاب ‪.‬‬
‫ث دعونا نسأل الدكتور ‪..‬‬
‫أيكون ال أكثر عدل ف نظره لو أنه ساوى بي الظالي والظلومي وبي السفاحي وضحاياهم فقدم‬
‫لكل حفلة شاي ف الخرة ‪.‬‬
‫وهل العدل ف نظر الدكتور أن يستوي البيض والسود ‪.‬‬
‫وللذين يستبعدون عن ال أن يعذب نقول ‪ :‬أل يعذبنا ال بالفعل ف دنيانا ؟‪..‬‬
‫وماذا تكون الشيخوخة والرض والسرطان إل العذاب بعينه ‪.‬‬
‫ومن خالق اليكروب ‪..‬؟!!‬
‫أليست جيعها إنذارات بأننا أمام إله يكن أن يعذب ‪.‬‬

‫الفصل السادس‬
‫وحكاية السلم مع الرأة ‪.‬؟‬
‫قال صديقي الدكتور ‪:‬‬

‫_ أل توافقن أن السلم كان موقفه رجعيا مع الرأة ؟‬


‫وبدأ يعد على أصابعه‬

‫‪ -‬حكاية تعدد الزوجات وبقاء الرأة ف البيت ‪ ..‬والجاب والطلق ف يد الرجل ‪ ..‬والضرب‬
‫والجر ف الضاجع ‪ ..‬وحكاية ما ملكت أيانكم ‪ ..‬وحكاية الرجال قوامون على النساء ‪ ..‬ونصيب‬
‫الرجل الضاعف ف الياث ‪.‬‬

‫قلت له وأنا أستجمع نفسي ‪:‬‬

‫التهم هذه الرة كثية ‪ ..‬والكلم فيها يطول ‪ ..‬ولنبدأ من البداية ‪ ..‬من قبل السلم ‪ ..‬وأظنك‬
‫تعرف تاما أن السلم جاء على جاهلية ‪ ،‬والبنت الت تولد نصيبها الوأد والدفن ف الرمل ‪ ،‬والرجل‬
‫يتزوج العشرة والعشرين ويكره جواريه على البغاء ويقبض الثمن ‪ ..‬فكان ما جاء به السلم من‬
‫إباحة الزواج بأربع تقييدا وليس تعديدا ‪ ..‬وكان إنقاذ للمرأة من العار والوت والستعباد والذلة ‪.‬‬
‫وهل الرأة الن ف أوروبا أسعد حال ف النلل الشائع هناك وتعدد العشيقات الذي أصبح واقع‬
‫المر ف أغلب الزيات أليس أ كرم للمرأة أن تكون زوجة ثانية لن تب ‪ ..‬لا حقوق الزوجة‬
‫واحترامها من أن تكون عشيقة ف السر تتلس التعة من وراء الدران ‪.‬‬
‫ومع ذلك فالسلم جعل من التعدد إباحة شبه معطلة وذلك بأن شرط شرطا صعب التحقيق وهو‬
‫العدل بي النساء ‪.‬‬
‫( وإن خفتم أل تعدلوا فواحدة ) ‪ ( ..‬ولن تستطيعوا أن تعدلوا بي النساء ولو حرصتم )‬
‫فنفى قدرة العدل حت عن الريص فلم يبق إل من هو أكثر من حريص كالنبياء والولياء ومن ف‬
‫دربم ‪.‬‬
‫أما البقاء ف البيوت فهو أمر وارد لزوجات النب باعتبارهن مثل عليا ‪.‬‬
‫( وقرن ف بيوتكن ) ‪.‬‬
‫وهي إشارة إل أن الوضع المثل للمرأة هي أن تكون أما وربة بيت تفرغ لبيتها ولولدها‬
‫ويكن أن نتصور حال أمة نساؤها ف الشوارع والكاتب وأطفالا ف دور الضانة واللجئ ‪..‬‬
‫أتكون أحسن حال أو أمة النساء فيها أمهات وربات بيوت والطفال فيها يتربون ف حضانة أمهاتم‬
‫والسرة فيها متكاملة الدمات ‪.‬‬
‫الرد واضح ‪.‬‬
‫ومع ذلك فالسلم ل ينع القتضيات الت تدعو إل خروج الرأة وعملها ‪ ..‬وقد كانت ف السلم‬
‫فقيهات وشاعرات ‪ ..‬وكانت النساء يرجن ف الروب ‪ ..‬ويرجن للعلم ‪.‬‬
‫إنا توجهت الية إل نساء النب كمثل عليا ‪ ،‬وبي الثال والمكن والواقع درجات متعددة‬
‫وقد خرجت نساء النب مع النب ف غزواته ‪.‬‬
‫وينسحب على هذا أن الروج لعونة الزوج ف كفاح شريف هو أمر ل غبار عليه ‪.‬‬
‫أما الجاب فهو لصال الرأة ‪.‬‬
‫وقد أباح السلم كشف الوجه واليدين وأمر بستر ما عدا ذلك ‪.‬‬
‫ومعلوم أن المنوع مرغوب وأن ستر مواطن الفتنة يزيدها جاذبية ‪.‬‬
‫وبي القبائل البدائية وبسبب العري الكامل يفتر الشوق تاما وينتهي الفضول ونرى الرجل ل يالط‬
‫زوجته إل مرة ف الشهر وإذا حلت قاطعها سنتي ‪.‬‬
‫وعلى الشواطئ ف الصيف حينما يتراكم اللحم العاري الباح للعيون يفقد السم العريان جاذبيته‬
‫وطرافته وفتنته ويصبح أمرا عاديا ل يثي الفضول ‪.‬‬
‫ول شك أنه من صال الرأة أن تكون مرغوبة أكثر وأل تتحول إل شيء عادي ل يثي ‪.‬‬
‫أما حق الرجل ف الطلق فيقابله حق الرأة أيضا على الطرف الخر فيمكن للمرأة أن تطلب الطلق‬
‫بالحكمة وتصل عليه إذا أبدت البرات الكافية ‪.‬‬
‫ويكن للمرأة أن تشترط الحتفاظ بعصمتها عند العقد ‪ ..‬وبذلك يكون لا حق الرجل ف الطلق ‪.‬‬
‫والسلم يعطي الزوجة حقوقا ل تصل عليها الزوجة ف أوروبا – فالزوجة عندنا تأخذ مهرا ‪..‬‬
‫وعندهم تدفع دوطة ‪..‬والزوجة عندنا لا حق التصرف ف أملكها ‪ ..‬وعندهم تفقد هذا الق بجرد‬
‫الزواج ويصبح الزوج هو القيم على أملكها ‪.‬‬
‫أما الضرب والجر ف الضاجع فهو معاملة الرأة الناشز فقط ‪ ..‬أما الرأة السوية فلها عند الرجل‬
‫الودة والرحة ‪.‬‬
‫والضرب والجر ف الضاجع من معجزات القرآن ف فهم النشوز ‪ ..‬وهو يتفق مع أحدث ما وصل‬
‫إليه علم النفس العصري ف فهم السلك الرضي للمرأة ‪.‬‬
‫وكما تعلم يقسم علم النفس هذا السلك الرضي إل نوعي ‪:‬‬
‫" السلك الضوعي " وهو ما يسمى ف الصطلح العلمي " ماسوشزم "‪ masochism‬وهو‬
‫تلك الالة الرضية الت تلتذ فيها الرأة بأن تضرب وتعذب وتكون الطرف الاضع ‪.‬‬
‫والنوع الثان هو‪:‬‬
‫" السلك التحكمي " وهو ما يسمى ف الصطلح العلمي " سادزم " ‪ sadism‬وهو تلك الالة‬
‫الرضية الت تلتذ فيها الرأة بأن تتحكم وتسيطر وتتجب وتتسلط وتوقع الذى بالغي‪.‬‬
‫ومثل هذه الرأة ل حل لا سوى انتزاع شوكتها وكسر سلحها الت تتحكم به ‪ ،‬وسلح الرأة‬
‫أنوثتها وذلك بجرها ف الضجع فل يعود لا سلح تتحكم به ‪..‬‬
‫أما الرأة الخرى الت ل تد لذتا إل ف الضوع والضرب فإن الضرب لا علج ‪ ..‬ومن هنا كانت‬
‫كلمة القرآن ‪:‬‬
‫( واهجروهن ف الضاجع واضربوهن )‪.‬‬
‫اعجازا علميا وتلخيصا ف كلمتي لكل ما أتى به علم النفس ف ملدات عن الرأة الناشز وعلجها ‪.‬‬
‫أما حكاية " ما ملكت أيانكم " الت أشار إليها السائل فإنا ترنا إل قضية الرق ف السلم ‪..‬‬
‫اتام الستشرقي للسلم بأنه دعا إل الرق ‪ ..‬والقيقة أن السلم ل يدع إل الرق ‪ ..‬بل كان الدين‬
‫الوحيد الذي دعا إل تصفية الرق ‪.‬‬
‫ولو قرأنا النيل ‪ ..‬وما قاله بولس الرسول ف رسائله إل أهل افسس وما أوصى به العبيد لوجدناه‬
‫يدعو العبيد دعوة صرية إل طاعة سادتم كما الرب ‪.‬‬
‫" أيها العبيد ‪ ..‬أطيعوا سادتكم بوف ورعدة ف بساطة قلوبكم كما الرب " ‪.‬‬
‫ول يأمر النيل بتصفية الرق كنظام وإنا أقصى ما طالب به كان المر بالحبة وحسن العاملة بي‬
‫العبيد وسادتم ‪.‬‬
‫وف التوراة التداولة كان نصيب الحرار أسوأ من نصيب العبيد ‪ ..‬ومن وصايا التوراة أن البلد الت‬
‫تستسلم بل حرب يكون حظ أهلها أن يساقوا رقيقا وأسارى والت تدافع عن نفسها بالسيف ث‬
‫تستسلم يعرض أهلها على السلح ويقتل شيوخها وشبابا ونساؤها وأطفالا ويذبوا تذبيحا ‪.‬‬
‫كان السترقاق إذا حقيقة ثابتة قبل ميء السلم وكانت الديان السابقة توصي بولء العبد لسيده ‪.‬‬
‫فنل القرآن ليكون أول كتاب ساوي يتكلم عن فك الرقاب وعتق الرقاب ‪.‬‬
‫ول يرم القرآن الرق بالنص والصريح ‪ ..‬ول يأمر بتسريح الرقيق ‪ ..‬لن تسريهم فجأة وبأمر قرآن‬
‫ف ذلك الوقت وهم مئات اللف بدون صناعة وبدون عمل اجتماعي وبدون توظيف يستوعبهم‬
‫كان معناه كارثة اجتماعية وكان معناه خروج مئات اللوف من الشحاذين ف الطرقات يستجدون‬
‫الناس ويارسون السرقة والدعارة ليجدوا اللقمة ‪ .‬وهو أمر أسوأ من الرق ‪ ،‬فكان الل القرآن هو‬
‫قفل باب الرق ث تصفية الوجود منه ‪ ..‬وكان مصدر الرق ف ذلك العصر هو استرقاق السرى ف‬
‫الروب فأمر القرآن بأن يطلق السي أو تؤخذ فيه فدية وبأن ل يؤخذ السرى أرقاء ‪.‬‬
‫( فإما منا بعد ‪ ..‬وإما فداء ) ‪.‬‬
‫فإما أن تن على السي فتطلقه لوجه ال ‪ ..‬وإما تأخذ فيه فدية ‪.‬‬
‫أما الرقيق الوجود بالفعل فتكون تصفيته بالتدرج وذلك بعل فك الرقاب وعتق الرقاب كفارة‬
‫الذنوب صغيها وكبيها وبذا ينتهي الرق بالتدريج ‪.‬‬
‫وإل أن تأت تلك النهاية فماذا تكون معاملة السيد لا ملكت يينه ‪ ..‬أباح له السلم أن يعاشرها‬
‫كزوجته ‪.‬‬
‫وهذه حكاية " ما ملكت أيانكم " الت أشار إليها السائل ول شك أن معاشرة الرأة الرقيق كالزوجة‬
‫كان ف تلك اليام تكريا ل إهانة ‪.‬‬
‫وينبغي أل ننسى موقف السلم من العبد الرقيق وكيف جعل منه أخا بعد أن كان عبدا يداس بالقدم‬
‫‪.‬‬
‫( إنا الؤمنون إخوة ) ‪.‬‬
‫( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) ‪.‬‬
‫( ل يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال ) ‪.‬‬
‫وقد ضرب ممد عليه الصلة والسلم الثل حينما تبن عبدا رقيقا هو زيد بن حارثة فأعتقه وجعل‬
‫منه ابنه ‪ ..‬ث زوجه من الرة سليلة البيت الشريف زينب بنت جحش ‪.‬‬
‫كل هذا ليكسر هذه العنجهية والعصبية ‪ ..‬وليجعل من ترير العبيد موقفا يقتدى به ‪ ..‬وليقول‬
‫بالفعل وبالثال أن رسالته عتق الرقاب ‪.‬‬
‫أما أن الرجال قوامون على النساء فهي حقيقة ف كل مكان ف البلد السلمية ‪ .‬وف البلد السيحية‬
‫‪ .‬وف البلد الت ل تعرف إلا ول دينا ‪.‬‬
‫ف موسكو اللحدة الكام رجال من أيام ليني وستالي وخروشوف وبولاني إل اليوم ‪ ،‬وف فرنسا‬
‫الكام رجال ‪ ،‬وف لندن الكام رجال ‪ ،‬وف كل مكان من الرض الرجال هم الذين يكمون‬
‫ويشرعون ويترعون ‪ ،‬وجيع النبياء كانوا رجال ‪ ،‬وجيع الفلسفة كانوا رجال ‪ ،‬حت اللحني "‬
‫مع أن التلحي صنعة خيال ل يتاج إل ‪ "......‬رجال ‪ ،‬وكما يقول العقاد ساخرا ‪ :‬حت صناعة‬
‫الطهي والياكة والوضة وهي تصصات نسائية تفوق فيها الرجال ث انفردوا با ‪.‬‬
‫وهي ظواهر ل دخل للشريعة السلمية فيها ‪ ..‬فهي ظواهر عامة ف كل بقاع الدنيا حيث ل تكم‬
‫شريعة إسلمية ول يكم قرآن ‪.‬‬
‫إنا هي حقائق أن الرجل قوام على الرأة بكم الطبيعة واللياقة والاكمية الت خصه با الالق ‪.‬‬
‫وإذا ظهرت وزيرة أو زعيمة أو حاكمة فإنا تكون الطرافة الت تروى أخبارها والستثناء الذي يؤكد‬
‫القاعدة ‪.‬‬
‫والسلم ل يفعل أكثر من أنه سجل هذه القاعدة وهذا يفسر لنا بعد ذلك لاذا أعطى القرآن الرجل‬
‫ضعف النصيب ف الياث ‪ ..‬لنه هو الذي ينفق ولنه هو الذي يعول ‪ ..‬ولنه هو الذي يعمل ‪.‬‬
‫كان موقف السلم من الرأة هو العدل ‪.‬‬
‫وكانت سية النب مع نسائه هي الحبة والدب والنان ‪ ..‬الذي يؤثر عنه قوله ‪:‬‬
‫" حبب إل من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عين ف الصلة " ‪.‬‬
‫فذكر النساء مع الطيب والعطر والصلة وهذا غاية العزاز ‪ ،‬وكان آخر ما قاله ف آخر خطبة له قبل‬
‫موته هو التوصية بالنساء ‪.‬‬
‫وإذا كان ال قد اختار الرأة للبيت والرجل للشارع فلنه عهد إل الرجل أمانة التعمي والبناء‬
‫والنشاء بينما عهد إل الرأة أمانة أكب وأعظم هي تنشئة النسان نفسه ‪.‬‬
‫وإنه من العظم لشأن الرأة أن تؤتن على هذه المانة ‪.‬‬
‫فهل ظلم السلم النساء ؟!!‬

‫الفصل السابع‬
‫هل الدين افيون ‪..‬؟‬

‫قال ل صاحب الدكتور وهو يغمز بعينيه ‪:‬‬


‫وما رايك ف الذين يقولون ان الدين افيون ‪!!...‬‬
‫وانه يدر الفقراء والظلومي ليناموا على ظلمهم وفقرهم ويلموا بالنة والور العي ‪..‬‬
‫ف حي يثبت الغنياء على غناهم باعتبار انه حق ‪..‬‬
‫وان ال خلق الناس درجات ‪...‬؟‪.‬‬
‫وما رايك ف الذين يقولون ان الدين ل ينل من عند ال ‪..‬‬
‫وانا هو طلع من الرض من الظروف والدواعي الجتماعية ليكون سلحا لطبقة على طبقة ‪..‬؟‬
‫وهو يشي بذلك ال الاديي وافكارهم ‪..‬‬
‫قلت ‪:‬‬
‫ليس ابعد من الطأ القائل بان الدين افيون ‪ ..‬فالدين ف حقيقته اعباء وتكاليف وتبعات ‪..‬‬
‫ل ‪ ..‬وبالتال ليس مهربا من السئوليات وليس افيونا ‪..‬‬ ‫وليس تفيفا وتل ً‬
‫وديننا عمل وليس كسل ‪..‬‬
‫( وقل اعملوا فسيى ال عملكم )‬
‫ونن نقول بالتوكل وليس التواكل ‪..‬‬
‫والتوكل يقتضي عندنا العزم واستفراغ الوسع ‪..‬‬

‫وبذل غاية الطاقة واليلة ‪.‬‬


‫ث التسليم بعد ذلك لقضاء ال وحكمه ‪.‬‬
‫( فاذا عزمت فتوكل على ال )‬
‫العزم او ًل ‪..‬‬
‫ل على حفظ ال ( اعقلها وتوكل )‬
‫والنب يقول لن اراد ان يترك ناقته سائبة توك ً‬

‫أي ابذل وسعك اول فثبتها ف عقالا ث توكل ‪..‬‬


‫والدين صحو وانتباه ويقظة ‪ .‬وماسبة للنفس ومراقبة للضمي ‪..‬‬
‫ف كل فعل وف كل كلمة وكل خاطر ‪ .‬وليس هذا حال اكل الفيون ‪.‬‬
‫انا اكل الفيون القيقي هو الادي الذي ينكر الدين هربا من تبعاته ومسئولياته ‪.‬‬
‫ويتصور ان لظته ملكه ‪ .‬وانه لحسيب ول رقيب ول بعث بعد الوت ‪..‬‬
‫فيفعل ما يطر على باله ‪ .‬وأين هذا الرجل من التدين السلم الذي يعتب نفسه مسئولً عن سابع جار‬
‫‪..‬‬
‫واذا جاع فرد ف امته او ضربت دابة عاتب نفسه بانه ل يقم بواجب الدين ف عنقه ‪..‬‬
‫وليس صحيحا ان ديننا خرج من الرض ‪ ..‬من الظروف والدواعي الجتماعية ‪..‬‬
‫ليكون سلحا لطبقة على طبقة وتثبيتا لغن الغنياء وفقر الفقراء ‪..‬‬
‫والعكس هو الصحيح ‪...‬‬
‫فالسلم جاء ثورة على الغنياء والكانزين الال والستغلي الظالي ‪..‬‬
‫فامر صراحة بال يكون الال دولة بي الغنياء يتكرونه ويتداولونه بينهم ‪..‬‬
‫وانا يكون حقا للكل ‪..‬‬
‫( والذين يكنون الذهب والفضة ول ينفقونا ف سبيل ال فبشرهم بعذاب اليم )‬
‫والنفاق يبدا من زكاة اجبارية ( ‪ ) 2،5‬ف الائة ‪..‬‬
‫ث يتصاعد اختياريا ال كل ما ف اليب وكل ما ف اليد ‪.‬‬
‫فل تبقي لنفسك ال خبزك ‪ ..‬كفافك ‪..‬‬
‫( يسألونك ماذا ينفقون قل العفو )‬
‫والعفو هو كل ما زاد على الكفاف والاجة ‪..‬‬
‫وبذا جع السلم بي التكليف البي القانون والتكليف الختياري القائم على الضمي ‪..‬‬
‫وهذا اكرم للنسان من نزع املكه بالقهر والصادرة ‪..‬‬
‫ووصل إل النفاق إل ما فوق التسعي ف الائة بدون ارهاق ‪..‬‬
‫ول يأت السلم ليثبت ظلم الظالي ‪ .‬بل جاء ثورة صرية على كل الظالي ‪.‬‬
‫وجاء سيفا وحربا على رقاب الطواغي والستبدين ‪..‬‬
‫اما التهمة الت يسوقها الاديون بأن الدين رجعي وطبقي بدليل اليات ‪..‬‬
‫( وال فضل بعضكم على بعض ف الرزق )‬

‫( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات )‬


‫فنحن نرد بان هذه اليات تنطبق على لندن وباريس وبرلي وموسكو ‪..‬‬
‫بثل ما تنطبق على القاهرة ودمشق وجدة ‪..‬‬
‫واذا مشينا ف شوارع موسكو فسوف ند من يسي على رجليه ‪..‬‬
‫ومن يركب بسكليت ‪ .‬ومن يركب عربة موسكوفتش ‪..‬‬
‫ومن يركب عربة زي فاخرة ‪..‬‬
‫وماذا يكون هذا ال التفاضل ف الرزق بعينه والدرجات والرتب القتصادية ‪..‬‬
‫والتفاوت بي الناس حقيقة جوهرية ‪..‬‬
‫ول تستطع الشيوعية ان تلغي التفاوت ‪..‬‬
‫ول يقل حت غلة الادية والفوضوية بالساواة ‪..‬‬
‫والساواة غي مكنة فكيف نساوي بي غي متساويي ‪..‬‬
‫الناس يولدون من لظة اليلد غي متساوين ف الذكاء والقوة والمال والواهب ‪..‬‬
‫يولدون درجات ف كل شيء ‪..‬‬
‫واقصى ما طمعت فيه الذاهب القتصادية هي الساواة ف الفرص وليس الساواة بي الناس ‪..‬‬
‫ان يلقى كل واحد نفس الفرصة ف التعليم والعلج والد الدن للمعيشة ‪..‬‬
‫وهو نفس ما تض عليه الديان ‪..‬‬
‫اما الغاء الدرجات والغاء التفاوت فهو الظلم بعينه والمر الذي يناف الطبيعة ‪..‬‬
‫والطبيعة تقوم كلها على اساس التفاضل والتفاوت والتنوع ف ثار الرض وف البهائم وف الناس ‪..‬‬
‫ف القطن ند طويل التيلة ‪ .‬وقصي التيلة ‪..‬‬
‫وف اليوان والنسان ند الرتب والدرجات والتفاوت اكثر ‪..‬‬
‫هذا هو قانون الوجود كله ‪ ..‬التفاضل ‪..‬‬
‫وحكمة هذا القانون واضحة ‪ .‬فلو كان جيع الناس يولدون بلقة واحدة وقالب واحد ونسخة‬
‫واحدة ‪..‬‬
‫لا كان هناك داع ليلدهم اصل ‪.‬‬
‫وكان يكفي ان نأت بنسخة واحدة فتغن عن الكل ‪..‬‬
‫وكذلك الال ف كل شيء ‪..‬‬
‫ولنتهي المر إل فقر الطبيعة وافلسها ‪..‬‬
‫وانا غن الطبيعة وخصبها ليظهر ال بالتنوع ف ثارها وغلتا والتفاوت ف الوانا واصنافها ‪..‬‬
‫ومع ذلك فالدين ل يسكت على هذا التفاوت بي الغنياء والفقراء ‪..‬‬
‫بل امر بتصحيح الوضاع وجعل للفقي نصيبا من مال الغن ‪.‬‬
‫وقال ان هذا التفاوت فتنة وامتحان ‪..‬‬
‫( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة اتصبون )‬
‫سوف نرى ماذا يفعل القوي بقوته ‪.‬‬
‫هل ينجد با الضعفاء او يضرب ويقتل ويكون جبارا ف الرض ‪...‬؟‬
‫وسوف نرى ماذا يفعل الغن بغناه ‪..‬‬
‫هل يسرف ويطغى ‪..‬؟ او يعطف ويسن ‪..‬؟‬
‫وسوف نرى ماذا يفعل الفقي بفقره ‪..‬‬
‫هل يسد ويقد ويسرق ويتلس ‪..‬‬
‫او يعمل ويكد ويتهد ليفع مستوى معيشته بالشرع والعدل ‪..‬‬
‫وقد امر الدين بالعدل وتصحيح الوضاع بالساواة بي الفرص ‪..‬‬
‫وهدد بعذاب الخرة وقال ان الخرة ستكون ايضا درجات اكثر تفاوتا لتصحيح ما ل ير تصحيحه‬
‫ف الرض ‪.‬‬
‫(( وللخرة اكب درجات واكب تفضيل ))‬
‫وللذين يتهمون السلم بالرجعية السياسية نقول إن السلم أتى بأكثر الشرائع تقدمية ف نظم الكم‬
‫‪.‬‬
‫احترام الفرد ف السلم بلغ الذروة ‪ ..‬وسبق ميثاق حقوق النسان وتفوق عليه ‪ ..‬فماذا يساوي‬
‫الفرد الواحد ف السلم إنه يساوي النسانية كلها ‪.‬‬
‫( من قتل نفا بغي نفس أو فساد ف الرض فكأنا قتل الناس جيعا ومن أحياها فكأنا أحيا الناس‬
‫جيعا ) ‪.‬‬
‫ل تغن النجزات ول الصلحات الادية ول التعمي ول السدود ول الصانع ‪ ..‬إذا قتل الاكم فردا‬
‫واحدا ظلما ف سبيل هذا الصلح ‪ ،‬فإنه يكون قد قتل الناس جيعا‪.‬‬
‫ذروة ف احترام الفرد ل يصل إليها مذهب سياسي قدي أو جديد ‪ ..‬فالفرد ف السلم له قيمة مطلقة‬
‫بينما ف كل الذاهب السياسية له قيمة نسبية ‪ ..‬والفرد ف السلم آمن ف بيته ‪ ..‬وف أسراره " ل‬
‫تسس ول غيبة " آمن ف ماله ورزقه وملكيته وحريته ‪.‬‬
‫كل شيء حت التحية حت إفساح الجلس حت الكلمة الطيبة لا مكان ف القرآن ‪.‬‬
‫وقد نى القرآن عن التجب والطغيان والنفراد بالكم ‪.‬‬
‫وقال ال للنب " وهو من هو ف كماله وصلحيته " ‪.‬‬
‫( وما أنت عليهم ببار ) ‪.‬‬
‫( فذكر إنا أنت مذكر ‪ ..‬لست عليهم بسيطر ) ‪.‬‬
‫( إنا الؤمنون إخوة ) ‪.‬‬
‫ونى عن عبادة الاكم وتأليه العظيم ‪:‬‬
‫( ل يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال ) ‪.‬‬
‫( وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه ) ‪.‬‬
‫ونى عن الغوغائية وتلق الدهاء والسوقة والري وراء الغلبية الضللة وقال أن ‪:‬‬
‫( بل أكثر الناس ل يعلمون ) ‪.‬‬
‫( بل أكثرهم ل يعقلون ) ‪.‬‬
‫( أكثر الناس ل يؤمنون ) ‪.‬‬
‫( إن يتبعون إل الظن وإن هم إل يرصون ) ‪ " .‬يكذبون "‬
‫( إن هم إل كالنعام بل هم أضل ) ‪.‬‬
‫ونى عن العنصرية والعرقية ‪:‬‬
‫( إن أكرمكم عند ال أتقاكم ) ‪.‬‬
‫( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) ‪.‬‬
‫وبالعن العلمي كان السلم تركيبا جدليا جامعا بي مادية اليهودية وروحانية السيحية ‪ ،‬بي العدل‬
‫الصارم الاف الذي يقول ‪ :‬السن بالسن والعي بالعي ‪ .‬وبي الحبة والتسامح التطرف الذي يقول‬
‫‪ :‬من ضربك على خدك الين فأدر له اليسر ‪.‬‬
‫وجاء القرآن وسطا بي التوراة الت حرفت حت أصبحت كتابا ماديا ليس فيه حرف واحد عن‬
‫الخرة ‪ ،‬وبي النيل الذي مال إل رهبانية تامة ‪ ،‬ونادى القرآن بناموس الرحة الامع بي العدل‬
‫والحبة فقال بشرعية الدفاع عن النفس ولكنه فضل العفو والصفح والغفرة ‪.‬‬
‫( ولن صب وغفر إن ذلك لن عزم المور ) ‪.‬‬
‫وإذا كانت الرأسالية أطلقت للفرد حرية الكسب إل درجة استغلل الخرين ‪ ..‬وإذا كانت‬
‫الشيوعية سحقت هذه الرية تاما ‪ ..‬فإن السلم قدم الل الوسط ‪.‬‬
‫( للرجال نصيب ما اكتسبوا وللنساء نصيب ما اكتسب ) ‪.‬‬
‫الفرد حر ف الكسب ولكن ليس له أن يأخذ ثرة أرباحه كلها ‪ ..‬وإنا له فيها نصيب ‪ ..‬وللفقي‬
‫نصيب يؤخذ زكاة وإنفاقا من ‪ 2.5‬ف الائة إل ‪ %90‬جبا واختيارا ‪ ..‬وهذا النصيب ليس‬
‫تصدقا وتفضل وإنا هو حق ال ف الربح ‪ ..‬وبذه العادلة الميلة حفظ السلم للفرد حريته وللفقي‬
‫حقه ‪.‬‬
‫ولذا أصاب القرآن كل الصواب حينما خاطب أمة السلم قائل ‪:‬‬
‫( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ‪.‬‬

‫فقد اختار السلم الوسط العدل ف كل شيء ‪.‬‬


‫وهو ليس الوسط الساب وإنا الوسط الدل أو التركيب الذي يمع النقيضي " اليمي واليسار "‬
‫ويتجاوزها ويزيد عليهما ‪ ..‬ولذلك ليس ف السلم يي ويسار وإنا فيه " صراط " العتدال‬
‫الوسط الذي نسميه الصراط الستقيم من خارج عنه باليمي أو اليسار فقد انرف ‪.‬‬
‫ول يقيدنا القرآن بدستور سياسي مدد أو منهج مفصل للحكم لعلم ال بأن الظروف تتغي با‬
‫يقتضي الجتهاد ف وضع دساتي متغية ف الزمنة التغية ‪ ،‬وحت يكون البا مفتوحا أمام السلمي‬
‫للخذ والعطاء من العارف التاحة ف كل عصر دون انغلق على دستور بعينه ‪.‬‬
‫ولذا اكتفى القرآن بذه التوصيات السياسية العامة السالفة كخصائص للحكم المثل ‪ ..‬ول يكبلنا‬
‫بنظرية وهذا سر من أسرار إعجازه وتفوقه وليس فقرا ول نقصا فيه ‪.‬‬
‫وتلك لسة أخرى من تقدية القرآن الت سبقت كل التقديات ‪.‬‬
‫ونرد على القائلي بأن الدين جود وتجر ‪ ..‬بأن السلم ل يكن أبدا دين تمد وتجر وإنا كان‬
‫دائما وأبدا دين نظر وفكر وتطوير وتغيي بدليل آياته الصرية ‪.‬‬
‫( قل سيوا ف الرض فانظروا كيف بدأ اللق ) ‪.‬‬
‫( فلينظر النسان مم خلق ‪ ..‬خلق من ماء دافق ‪ ..‬يرج من بي الصلب والترائب )‬
‫( أفل ينظرون إل البل كيف خلقت وإل السماء كيف رفعت وإل البال كيف نصبت وإل‬
‫لرض كيف سطحت ) ‪.‬‬
‫أوامر صرية بالنظر ف خلق النسان وف خلق اليوان وف خلق البال وف طبقات الرض وف‬
‫السماء وأفلكها ‪ ..‬والتشريح والفسيولوجيا والبيولوجيا وعلم الجنة ‪.‬‬
‫أوامر صرية بالسي ف الرض وجع الشواهد واستنباط الحكام والقواني ومعرفة كيف بدأ اللق‬
‫‪ ..‬وهو ما نعرفه الن بعلوم التطور ‪.‬‬
‫ول خوف من الطأ ‪.‬‬
‫فالسلم يكافئ الذي يتهد ويطئ بأجر والذي يتهد ويصيب بأجرين ‪.‬‬
‫وليس صحيحا ما يقال من أننا تلفنا بالدين وتدم الغرب باللاد ‪ ..‬والق أننا تلفنا حينما هجرنا‬
‫أوامر ديننا ‪.‬‬
‫وحينما كان السلمون يأترون بذه اليات حقا كان هناك تقدم وكانت هناك دولة من الحيط إل‬
‫الليج وعلماء مثل ابن سينا ف الطب وابن رشد ف الفلسفة وابن اليثم ف الرياضيات وابن النفيس‬
‫ف التشريح وجابر بن حيان ف الكيمياء ‪.‬‬
‫وكانت الدنيا تأخذ عنا علومنا ‪ ..‬وما زالت ممعات النجوم وأبراجها تتفظ إل الن بأسائها العربية‬
‫ف العاجم الوروبية ‪ ..‬وما زالوا يسمون جهاز التقطي بالفرنسية ‪ imbique‬ومنه الفعل من‬
‫كلمة أمبيق العربية ‪ imbiquer .‬ول يتقدم الغرب باللاد بل بالعلم ‪.‬‬
‫وإنا وقع اللط ما حدث ف العصور الوسطى من طغيان الكنيسة وماكم التفتيش وحجرها على‬
‫العلم والعلماء وما حدث من سجن غاليليو وحرق جيوردانو برونو ‪.‬‬
‫حينما حكمت الكنيسة وانرف با البابوات عن أهدافها النبيلة فكانت عنصر تأخر ‪ ..‬فتصور النقاد‬
‫السطحيون أن هذا ينسحب أيضا على السلم وهو خطأ ‪ ..‬فالسلم ليس بابوية ول كهنوت ‪..‬‬
‫ال ل يقم بينه وبي السلمي أوصياء ول وسطاء ‪.‬‬
‫وحينما حكم السل بالفعل كان عنصر تقدم كما شرحنا وكما يقول التاريخ مكذبا هذه الزاعم‬
‫السطحية ‪.‬‬
‫وآيات القرآن الصرية تض على العلم وتأمر بالعلم ول تقيم بي العلم والدين أي تناقض ‪:‬‬
‫( وقل رب زدن علما ) ‪.‬‬
‫( هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون ) ‪.‬‬
‫( شهد ال أنه ل إله إل هو واللئكة وأولو العلم ) ‪.‬‬
‫جعل ال اللئكة وأول العلم ف الية مقترني بشرف اسه ونسبته ‪.‬‬
‫وأول آية ف القران وأول كلمة كانت " اقرأ " والعلماء ف القرآن موعودون بأرفع الدرجات ‪:‬‬
‫( يرفع ال الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) ‪.‬‬
‫وتتكرر كلمة العلم ومشتقاته ف القرآن نوا من ثانائة وخسي مرة ‪.‬‬
‫فكيف يتكلم بعد هذا متكلم عن تناقض بي الدين والعلم أو حجر من الدين على العلم ‪.‬‬
‫والنظر ف الدين وتطوير فهمه مطلوب ‪ ،‬وتاريخ السلم كله حركات إحياء وتطوير ‪ ..‬والقرآن‬
‫بريء من تمة التحجي على الناس وكل شيء ف ديننا يقبل التطوير ‪ ..‬ما عدا جوهر العقيدة وصلب‬
‫الشريعة ‪ ..‬لن ال واحد ولن يتطور إل اثني أو ثلثة ‪ ..‬هذا أمر مطلق ‪ ..‬وكذلك الشر شر والي‬
‫خي ‪ ..‬لن يصبح القتل فضيلة ول السرقة حسنة ول الكذب حلية يتحلى با الصالون ‪.‬‬
‫وفيما عدا ذلك فالدين مفتوح للفكر والجتهاد والضافة والتطوير ‪.‬‬
‫وجوهر السلم عقلن منطقي يقبل الدل والوار ويض على استخدام العقل والنطق ‪.‬‬
‫وف أكثر من مكان وف أكثر من صفحة ف القرآن نعثر على التساؤل ‪ " ..‬أفل يعقلون " ‪ " ..‬أفل‬
‫يفقهون " ‪.‬‬
‫وأهل الدين عندنا هم " أولو اللباب " ‪.‬‬
‫( شر الدواب عند ال الصم البكم الذين ل يعقلون ) ‪.‬‬
‫( أفلم يسيوا ف الرض فتكون لم قلوب يعقلون با أو آذان يسمعون با ) ‪.‬‬
‫احترام العقل ف لب وصميم الديانة ‪.‬‬
‫واليابية عصبها والثورة روحها ‪.‬‬
‫ل يكن السلم أبدا خانعا ول سلبيا ‪.‬‬
‫( وقاتلوا ف سبيل ال الذين يقاتلونكم ) ‪.‬‬
‫( إن ال يب الذين يقاتلون ف سبيله صفا كأنم بنيان مرصوص ) ‪.‬‬
‫والهاد بالنفس والال والولد ‪ ..‬والقتال والثبات وعدم النكوص على العقاب ‪ ،‬ومواجهة اليأس‬
‫والصابة والرابطة ف صلب ديننا ‪.‬‬
‫فكيف يكن لدين بذه الرونة والعقلنية والعلمية واليابية والثورة أن يتهم بالتحجر والمود إل من‬
‫صديق عزيز مثل الدكتور القادم من فرنسا ل يعرف من أوليات دينه شيئا ول يقرأ ف قرآنه حرفا ‪.‬‬

‫الفصل الثامن‬
‫الروح‬

‫قال صديقي الدكتور وهو يعلم هذه الرة أن الشكال سيكون عسيا ‪.‬‬
‫_ ما دليلك على أن النسان له روح وأنه يبعث بعد موت وأنه ليس مرد السد الذي ينتهي إل‬
‫تراب ‪ ..‬وماذا يقول دينكم ف تضي الرواح ؟‬
‫قلت بعد برهة تفكي ‪:‬‬
‫‪ -‬لشك أن السؤال اليوم صعب والكلم عن الروح ضرب ف تيه والقائق الوجودة قليلة ولكنها‬
‫مع ذلك ف صفنا نن وليست ي صفكم ‪.‬‬

‫ومضيت برهة أغرقت فيها ف التفكي ث قلت مردفا ‪:‬‬


‫‪ -‬فكر معي قليل ‪ ..‬إن أول الؤشرات الت تساعدنا على التدليل على وجود الروح ‪..‬‬

‫أن النسان ذو طبيعة مزدوجة ‪.‬‬


‫النسان له طبيعتان ‪:‬‬
‫طبيعة خارجية ظاهرة مشهودة هي جسده تتصف بكل صفات الادة ‪ ،‬فهي قابلة للوزن والقياس‬
‫متحيزة ف الكان متزمنة بالزمان دائمة التغي والركة والصيورة من حال إل حال ومن لظة إل‬
‫لظة فالسد تتداول عليه الحوال من صحة إل مرض إل سنة إل هزال إل تورد إل شحوب إل‬
‫نشاط إل كسل إل نوم إل يقظة إل جوع إل شبع ‪ ،‬وملحق بذه الطبيعة السدية شريط من‬
‫النفعالت والعواطف والغرائز والخاوف ل يكف لظة عن الريان ف الدماغ ‪.‬‬
‫ولن هذه الطبيعة والنفعالت اللحقة با تتصف بواص الادة نقول إن جسد النسان ونفسه‬
‫اليوانية ها من الادة ‪.‬‬
‫ولكن هناك طبيعة أخرى مالفة تاما للول ومغايرة لا ف داخل النسان ‪.‬‬
‫طبيعة من نوع آخر تتصف بالسكون واللزمان واللمكان والديومة ‪ ..‬هي العقل بعاييه الثابتة‬
‫وأقيسته ومقولته ‪ ..‬والضمي بأحكامه ‪ ،‬والس المال ‪ ،‬وال أنا الت تمل كل تلك الصفات " من‬
‫عقل وضمي وحس جال وحس أخلقي "‪.‬‬
‫والـ أنا غي السد تاما وغي النفس اليوانية الت تلتهب بالوع والشبق ‪.‬‬
‫الـ أنا هي الذات العميقة الطلقة وعن طريق هذه الذات والكينونة والشخوص والثول ف العال ‪..‬‬
‫وبأنه هنا وبأنه كان دائما هنا ‪ ..‬وهو شعور ثابت متد ل يطرأ عليه التغي ل يسمن ول يهزل ول‬
‫يرض ول يتصف بالزمان ‪ ..‬وليس فيه ماض وحاضر ومستقبل ‪ ..‬إنا هو " آن " مستمر ل ينصرم‬
‫كما ينصرم الاضي ‪ ..‬وإنا يتمثل ف شعور بالدوام ‪ ..‬بالديومة ‪.‬‬
‫هنا نوع آخر من الوجود ل يتصف بصفات الادة فل هو يطرأ عليه التغي ول هو يتحيز ف الكان أو‬
‫يتزمن بالزمان ول هو يقبل الوزن والقياس ‪ ..‬بالعكس ند أن هذا الوجود هو الثابت الذي نقيس به‬
‫التغيات والطلق الذي نعرف به كل ما هو نسب ف عال الادة ‪.‬‬
‫وأصدق ما نصف به هذا الوجود أنه روحي وأن طبيعته روحية ‪.‬‬
‫ولنا أن نسأل بعد ذلك ‪.‬‬
‫أي الطبيعتي هي النسان حقا ‪.‬‬
‫هل النسان بالقيقة هو جسده أو روحه ‪.‬‬
‫ولنعرف الواب علينا أن نبحث أي الطبيعتي هي الاكمة على الخرى ‪.‬‬
‫يقول لنا الاديون أن النسان هو جسده ‪ ،‬وأن السد هو الاكم وأن كل ما ذكرت من عقل ومنطق‬
‫وحس جال وحس أخلقي وضمي وهذه " التخريفة " الت اسها الذات أو الـ أنا كل هذه ملحق‬
‫بالسد ثانوي عليه تابع له يأتر بأمره ويقوم على خدمته ويتول إشباع شهواته وأهوائه ‪.‬‬
‫هذا كلم إخواننا الاديي وهو خطأ ‪ ،‬فالقيقة أن السد تابع وليس متبوعا مأمور وليس آمرا أل‬
‫يوع السد فنرفض إمداده بالطعام لننا قررنا أن نصوم هذا اليوم ل ‪ ..‬أل يتحرك بشهوة‬
‫فنجره ؟!‬
‫أل نصحوا ف الصباح فيبدأ السد تلقائيا ف تنفيذ خطة عمل وضعها العقل وصنف بنودها بندا بندا‬
‫‪ ..‬من ساعة إل ساعة من التابع هنا ومن التبوع ؟‬
‫ولظة التضحية بالنفس حينما يضع الفدائي حزام الديناميت حول جسده ويتقدم ليحطم الدبابة ومن‬
‫فيها ‪ ..‬أين جسده هنا ‪ ..‬أين الصلحة الادية الت يققها بوته ‪ ..‬ومن الذي يأمر الخر ‪ ..‬إن الروح‬
‫تقرر إعدام السد ف لظة مثالية تاما ل يكن أن يفسرها مذهب مادي بأي مكسب مادي والسد‬
‫ل يستطيع أن يقاوم هذا المر ‪ ..‬ول يلك أي قوة لواجهته ‪ ،‬ل يلك إل أن يتلشى تاما ‪ ..‬وهنا‬
‫يظهر أي الوجودين هو العلى ‪ ..‬وأي الطبيعتي هي النسان حقا ‪.‬‬
‫وعندنا اليوم أكثر من دليل على أن السد هو الوجود الثانوي ‪ ..‬ما يري الن من حوادث البتر‬
‫والستبدال وزرع العضاء ‪ ..‬وما نقرأه عن القلب اللكترون والكلية الصناعية وبنك الدم وبنك‬
‫العيون ومازن الكسسوار البشري حيث يري تركيب السيقان والذرع والقلوب ‪.‬‬
‫ولن تكون نكتة أن يدخل العريس على عروسه سنة ‪ 2000‬فيجدها تلع طقم السنان والباروكة‬
‫والنهود الكاوتشوك والعي الصناعية والساق الشبية فل يتبقى منها إل هيكل مثل شاسيه السيارة‬
‫بعد نزع اللد والكراسي والبواب ‪.‬‬
‫إل هذه الدرجة يري فك السم وتركيبه واستبداله دون أن يدث شيء للشخصية لن هذه الذراع‬
‫أو تلك الساق أو ذلك الشعر أو العي أو النهد كل هذه الشياء ليست هي النسان ‪ ..‬فها هي تنقل‬
‫وتستبدل وتوضع مكانا بطاريات ومسامي وقطع من اللومنيوم دون أن يدث شيء ‪ ..‬فالنسان‬
‫ليس هذه العضاء وإنا هو الروح الالسة على عجلة القيادة لتدير هذه الاكينة الت اسها السد ‪.‬‬
‫إنا الدارة الت يثلها ملس إدارة من خليا الخ ‪ ..‬ولكنها ليست الخ ‪.‬‬
‫فالخ مثله مثل خليا السد يصدع بالوامر الت تصدر إليه ويعب عنها ولكنه ف النهاية ليس أكثر من‬
‫قفاز لا ‪ ..‬قفاز تلبسه هذه اليد الفية الت اسها الروح وتتصرف به ف العال الادي ‪.‬‬
‫نفهم من هذه الشواهد كلها أن النسان له طبيعتان ‪:‬‬
‫طبيعة جوهرية حاكمة هي روحه ‪.‬‬
‫وطبيعة ثانوية زائلة هي جسده ‪.‬‬
‫وما يدث بالوت أن الطبيعة الزائلة تلتحق بالزوال والطبيعة الالدة تلتحق باللود فيلتحق السد‬
‫بالتراب وتلتحق الروح بعالها الباقي ‪.‬‬
‫ولعشاق الفلسفة نقدم دليل آخر على وجود الروح من الاصية الت تتميز با الركة ‪.‬‬
‫فالركة ل يكن رصدها إل من خارجها ‪.‬‬
‫ل يكن أن تدرك الركة وأن تتحرك معها ف نفس الفلك وإنا ل بد من عتبة خارجية تقف تقف‬
‫عليها لترصدها ‪ ..‬ولذا تأت عليك لظة وأنت ف أسانسي متحرك ل تستطيع أن تعرف هل هو‬
‫واقف أم متحرك لنك أصبحت قطعة واحدة معه ف حركته ‪ ..‬ل تستطيع ادراك هذه الركة إل إذا‬
‫نظرت من باب السانسي إل الرصيف الثابت ف الارج ‪.‬‬
‫ونفس الالة ف قطار يسي بنعومة على القضبان ‪ ..‬ل تدرك حركة مثل هذا القطار وأنت فيه إل‬
‫لظة شروعه ف الوقوف أو لظة إطللك من النافذة على الرصيف الثابت ف الارج ‪.‬‬
‫وبالثل ل يكنك رصد الشمس وأنت فوقها ولكن يكنك رصدها من القمر أو الرض ‪ ..‬كما ل‬
‫يكنك رصد الرض وأنت تسكن عليها وإنا تستطيع رصدها من القمر ‪.‬‬
‫ل تستطيع أن تيط بالة إل إذا خرجت خارجها ‪.‬‬
‫ولذا ما كنا نستطيع إدراك مرور الزمن لول أن الزء الدرك فينا يقف على عتبة منفصلة وخارجة‬
‫عن هذا الرور الزمن الستمر " أي على عتبة خلود " ‪.‬ولو كان إدراكنا يقفز مع عقرب الثوان كل‬
‫لظة لا استطعنا أن ندرك هذه الثوان أبدا ‪ ،‬ول نصرم إدراكنا كما تنصرم الثوان بدون أن يلحظ‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫وهي نتيجة مذهلة تعن أن هناك جزءا من وجودنا خارجا عن إطار الرور الزمن " أي خالد " هو‬
‫الذي يلحظ الزمن من عتبة سكون ويدركه دون أن يتورط فيه ولذا ل يكب ول يشيخ ول يهرم‬
‫ول ينصرم ‪ ..‬ويوم يسقط السد ترابا سوف يظل هذا الزء على حاله حيا حياته الاصة غي الزمنية‬
‫هذا الز هو الروح ‪.‬‬
‫وكل منا يستطيع أن يس بداخله هذا الوجود الروحي على صورة حضور وديومة وشخوص‬
‫وكينونة مغايرة تاما للوجود الادي التغي التقلب النابض مع الزمن خارجه ‪.‬‬
‫هذه الالة الداخلية الت ندركها ف لظات الصحو الباطن والت أسيتها حالة حضور ‪ ..‬هي الفتاح‬
‫الذي يقودنا إل الوجود الروحي بداخلنا ويضع يدنا على هذا اللغز الذي اسه الروح ‪...‬‬
‫ودليل آخر على طبيعتنا الروحية هو شعورنا الفطري بالرية ‪ ،‬ولو كنا أجساما مادية ضمن إطار‬
‫حياة مادية تكمنا القواني الادية التمية لا كان هناك معن لذا الشعور الفطري بالرية ‪.‬‬
‫لنا الروح إذا تعلو على الزمن وتتخطى الوت وتتخطى التميات الادية ‪.‬‬
‫ماذا عن البعث إذا ‪.‬‬
‫ل يعد أحد بعد الوت ليخبنا ماذا جرى له ‪.‬‬
‫ول يأت يوم البعث لنقدم دليل ملموسا أو شاهد عيان ‪.‬‬
‫وكل ما يكن قوله ف موضوع البعث أنه حقيقة دينية يرجحها العقل والعلم ‪.‬‬
‫لاذا يرجحها العقل والعلم ؟‬
‫لن شواهد الوجود وظواهره تشي جيعها إل أن هناك عودا على بدء ودورة لكل شيء ‪ ..‬بعد‬
‫النهار يأت الليل ث يعود من جديد فيأت النهار ‪ ،‬والشمس تشرق ث تغرب ث تعود فتشرق ‪.‬‬
‫الصيف والريف والشتاء والربيع ث تعود فتتكرر الدورة من جديد فيأت الصيف ث الريف ث الشتاء‬
‫ال‪..‬بعد اليقظة ونوم الليل نعود فنستيقظ من جديد ‪ ..‬وهذا يرجح أنه بعد رقود الوت هناك صحوة‬
‫بعث ‪ ..‬لن هناك عودا لكل شيء ‪ ..‬وال يسمي نفسه ف القرآن البدئ العيد ‪.‬‬
‫( كما بدأكم تعودون ) ‪.‬‬
‫(يبدأ اللق ث يعيده ) ‪.‬‬
‫أل يدور كل شيء ف فلك من الذرة إل الجرة ‪ ،‬حت الضارات لا دورات والتاريخ له دورات ‪.‬‬
‫الدليل الخر على البعث هو النظام الحكم الذي ليس فيه بادرة خلل واحدة من أكب الجرات حت‬
‫أصغر الذرات حت اللكترون الذي ل يرى ند النظام والقانون يهيمن على كل شيء ‪ ..‬حت‬
‫اللكترون التناهي ف الصغر ل يستطيع أن ينتقل من فلك إل فلك ف الذرة إل إذا أعطى أو أخذ‬
‫مقدارا من الطاقة يساوي حركته ‪ ..‬وكأنه راكب قطار ل يستطيع ‪ ،،،،،‬أي مكان بدون تذكرة ‪..‬‬
‫فكيف نتصور ف هذا النظام ‪ ،،،،،‬يهرب قاتل أو يفر ظال من الزاء لجرد أنه ضلل ‪ ،،،،،‬إن العقل‬
‫يتصور أنه لبد سيلقى جزاءه حتما ‪ ،‬وإن هناك لبد عالا آخر يسوى فيه الساب ‪ ..‬هكذا يقول‬
‫العدل ‪.‬‬
‫ونن مفطورون على تري العدل وعلى حب العدل والبحث عن العدل وماولة تقيق العدل ‪.‬‬
‫ومع ذلك فالعدل ف الدنيا غي موجود ‪.‬‬
‫وكما يقول أهل الفكر إذا كان الظمأ إل الاء يدل على وجود الاء ‪ ..‬فل بد أن الظمأ إل العدل‬
‫يدل على وجود العدل ‪ ..‬فإن ل يكن موجودا ف دنيانا فل بد أن له يوما وساعة تنصب فيها موازينه‬
‫‪.‬‬
‫كل هذه مؤشرات تشي وترجح أن هناك بعثا وحسابا وعالا آخر ‪.‬‬
‫والؤمن الذي يصدق القرآن ف غي حاجة إل هذه الستدللت لنه آمن بقلبه وأراح نفسه من‬
‫الدل ‪.‬‬
‫يبقى بعد ذلك أن نسأل ‪ ,,‬وما الروح ‪:‬‬
‫( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر رب وما أوتيتم من العلم إل قليل )‬
‫هي لغز ول أحد يعلم عنها شيئا ‪.‬‬
‫والعجيب أنه كلما جاء ذكر الروح ف القرآن ذكرت معها كلمة من أمر رب ‪.‬‬
‫( يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ) ‪.‬‬
‫( ينل اللئكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ) ‪.‬‬
‫( تنل اللئكة والروح فيها بإذن ربم من كل أمر ) ‪.‬‬
‫( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا )‬
‫دائما كلمة " من أمرنا " ‪ " ..‬من أمره " ‪ " ..‬من أمر رب " ‪ ..‬كلما ذكرت الروح‪.‬‬
‫أيكون أمر ال روحا ؟‬
‫وكلمة ال روحا ؟‬
‫أل يقل ال عن السيح عليه السلم أنه ‪:‬‬
‫( كلمة منه اسه السيح عيسى بن مري ) ‪.‬‬
‫وأنه ‪:‬‬
‫( كلمته ألقاها إل مري وروح منه ) ‪.‬‬
‫الكلمة ‪ ..‬المر ‪ ..‬الروح ‪ ..‬هل هي ألفاظ مترادفة لعن واحد ‪.‬‬
‫هي مرد إشارات ‪.‬‬
‫ول أحد يعلم القيقة إل العليم ‪.‬‬
‫يبقى بعد ذلك سؤالك عن تضي الرواح ‪.‬‬
‫وتضي الرواح عندنا أمر مشكوك فيه ‪.‬‬
‫مشكوك فيه أنه ظواهر الغرفة الظلمة سببها حضور روح فلن أو علن ‪.‬‬
‫ومفكر كبي مثل هنري سودر يقول‪ :‬إن تلك الظواهر مصدرها العقل الباطن للوسيط والقوى‬
‫الروحية للوسيط ذاته‪ ..‬ولشيء يضر بالرة ‪.‬‬
‫ويقول الفكرون النود ‪ :‬إن الذي يتلبس الوسيط أثناء التحضي هي أرواح سفلية تعرف بعض‬
‫الشياء عن الوتى وتستخدمها ف السخرية بعقول الوجودين والضحك عليهم ‪.‬‬
‫ويقول الصوفية السلمون إن الذي يضر ف تلك اللسات ليس الروح ولكن القرين ‪ ،‬وهو الن‬
‫الذي كان يصاحب اليت أثناء حياته ‪ ..‬وهو بكم هذه الصحبة يعرف أسراره ‪ ..‬ولن الن معمر‬
‫فإنه يبقى حيا بعد موت صاحبه ‪ ..‬وهو الذي يضر اللسات ويفشي أسرار صاحبه ويقلد صوته‬
‫وعاداته ليسخر من الوجودين على عادة الن ف عدائهم للنسان ‪.‬‬
‫وهم يقولون ‪ :‬إننا إذا دققنا جرس الكتب فإن الذي يضر هو الادم ‪ ..‬أما السادة فإنم ل يتركون‬
‫عالهم ويضرون بذه السذاجة وبالثل ف عال الرواح ‪ ..‬فالذي يضر ف اللسات ويهرج على‬
‫الوجودين هي الرواح السفلية والن ومن ف مستواهم ‪.‬‬
‫أما الرواح البشرية فهي ف عال آخر هو عال البزخ ول يكن استحضارها ‪ ..‬ولكنها قد تتصل بن‬
‫تب ف اللم أو ف اليقظة إذا توفرت الظروف اللئمة ‪.‬‬
‫ومن اللسات الكثية الت حضرناها وما جعنا من خبة خاصة ف هذا الوضوع نقول ‪:‬أنه ل يوجد‬
‫دليل واحد على أن ظواهر الغرفة الظلمة سببها حضور الروح الطلوبة ‪.‬‬
‫وربا كان رأي الصوفية السلمي أكثر الراء تفسيا لا يدث ‪.‬‬
‫والسألة ما زالت قيد البحث ‪.‬‬
‫وللسف الشعوذات ف هذا الوضوع أكثر من القائق ‪ ..‬والكلمة الخية ل تقل بعد ‪.‬‬
‫ل شك أنك سوف تضحك على كلمات مثل الن والرواح السفلية ‪ ..‬والقرين ‪.‬‬
‫ولك عذرك ‪ ..‬فإذا كنت ل تؤمن بروحك أنت فكيف يتوقع منك أن تؤمن بن ‪..‬‬
‫وإذا كنت ل تؤمن بال فكيف ينتظر منك أن تؤمن بشياطينه ‪.‬‬
‫ومع ذلك لو كنت ولدت منذ مئة سنة وجاءك رجل يدثك عن أشعة غي منظورة ترق الديد ‪،‬‬
‫صور تنتقل ف الواء عب الحيطات ف أقل من ثانية ‪ ،‬ورائد فضاء يشي على تراب القمر ‪ ..‬أل تكن‬
‫تضحك وتقهقه وتستلقي على قفاك أضعاف ما تضحك الن ‪ ..‬وتقول لنفسك ‪ ..‬هذا رجل هارب‬
‫من مستشفى الجاذيب ومع ذلك فيا لا من حقائق ملء السمع والبصر الن‬

‫الفصل التاسع‬
‫الضميـــــر‬

‫قال صاحب‪:‬‬
‫‪ -‬أنتم تتكلمون عن الضمي ف تقديس كما لو كان شيئًا مطلقًا مع أنه أحد الصنوعات الجتماعية‪،‬‬
‫عملة ناسية ل أكثر صكت ودمغت وسبكت ف فرن التعاملت الجتماعية وهو عندنا شيء تتغي‬
‫أحكامه وضوابطه وفق الصال الارية والقيمة الت تفيد نقول عنها خيًا والقيمة الت تضر نقول عنها‬
‫شرًا ولو كانت هذه القيمة هي العفة الت تتمسكون با كعيونكم‪.‬‬

‫قلت له ف هدوء‪:‬‬
‫‪ -‬نعم ‪ ..‬هذا هو رأي الفلسفة الادية على ما أسع ‪ ..‬أن الضمي سلطة زجر وردع نبتت من‬
‫الدواعى الجتماعية ‪ ..‬مرد تصيل خبة تتفاوت بي شخص وشخص وبي عصر وعصر وبي أمة‬
‫وأمة‪.‬‬

‫هذا كلمكم‪..‬‬

‫ولكن القيقة غي ذلك‪..‬‬


‫القيقة أن الضمي نور وضعه ال ف الفطرة ومؤشر ودليل وبوصلة نولد با ‪ ..‬تدينا إل القائق وكل‬
‫دور الكتساب الجتماعى أنه يلو مرآة هذه البوصلة ويصقل زجاجها‪.‬‬
‫ولنا على ذلك براهي تؤيدنا وتشجب كلمكم‪.‬‬

‫انظر إل عال اليوان حيث ل متمع‪ ،‬ترى القطة تتبز ث تستدير لتغطى فضلتا بالتراب‪ ،‬ف أي‬
‫متمع قططى تعلمت القطة هذا الوازع ؟‬
‫وكيف ميزت بي القذارة والنظافة ؟‬
‫وأنت ترى القطة تسرق السمكة فإذا ضبطتها وضربتها على رأسها طأطأت ونكست بصرها ف‬
‫إحساس واضح بالذنب ‪ ..‬وتراها تلهو مع الطفال ف البيت فتكسر فازة أثناء اللعب ‪ ..‬فماذا‬
‫يدث‪ ،‬إنا ترى ف فزع وتتبء تت الكراسى وقد أدركت أنا أخطأت‪.‬‬

‫كل هذه شواهد وملمح ضمي‪.‬‬

‫وليس ف ملكة القطط دواع لنشأة هذه الشاعر ‪ ..‬ول نرى حت متمعًا قططيًا من الساس‪.‬‬
‫وتقاليد الوفاء الزوجى ف المام ‪..‬‬
‫ونبل الصان ف ارتباطه بصاحبه حت الوت ‪..‬‬
‫وكبياء السد وترفعه عن الجوم على فريسته من اللف ‪ ..‬وخجل المل وتوقفه عن مضاجعة أنثاه‬
‫إذا وجد أن هناك عينًا ترقبه ‪..‬‬

‫ث تلك الادثة البليغة الت رآها جهور الشاهدين ف السيك القومى بالقاهرة ‪ ..‬حينما قفز السد‬
‫على الدرب ممد اللو من اللف وأنشب مالبه ف كتفه وأصابه برج قاتل ‪..‬‬
‫وبقية الادثة يرويها موظفو السيك ‪ ..‬كيف امتنع السد عن الطعام ‪ ..‬وحبس نفسه ف زنزانته ل‬
‫يبحها ‪ ..‬وكيف نقلوه إل حديقة اليوان وقدموا له أنثى لتروح عنه فضربا وطردها ‪ ..‬وظل على‬
‫صيامه ورفضه للطعام ث انقض على يده الثة وظل يزقها حت نزف ومات ‪.‬‬
‫حيوان ينتحر ندمًا وتكفيًا عن جريته‪.‬‬
‫من أي متمع ف دنيا السباع أخذ السد هذه التقاليد ‪ ..‬هل ف متمع السباع أن افتراس النسان‬
‫جرية تدعو إل النتحار‪.‬‬
‫نن هنا أمام نبل وخلق وضمي ل نده ف بشر‪.‬‬
‫ونن أمام فشل كامل للتفسي الاديّ وللتصور الاديّ لقيقة الضمي‪.‬‬
‫ول تفسي لا نراه سوى ما يقوله الدين ‪ ..‬من أن الضمي هو نور وضعه ال ف الفطرة وأن كل دور‬
‫الكتساب الجتماعي أن يلو صدأ النفس فتشف عن هذا النور اللي‪.‬‬
‫وهذا هو ما حدث بي السد ومدربه ‪ ..‬العاشرة والحبة والصاحبة صقلت تلك النفس اليوانية‬
‫فأيقظت ذلك القبس الرحان ‪ ..‬فإذا بالسد يزن ويندم وينتحر كمدًا كالبشر ‪.‬‬
‫(( اللل بي والرام بي )) ‪ ...‬كما قال نبينا عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫((استفت قلبك وإن أفتاك الناس )) ‪.‬‬
‫لسنا ف حاجة إل كلية شريعة لنعرف الطأ من الصواب والق من اللل ‪ ..‬فقد وضع ال ف قلب‬
‫كل منا كلية شريعة ‪ ..‬وميزانا ل يطئ ‪ ..‬وكل ما نن مطالبون به أن نلو نفوسنا من غواشى الادة‬
‫ومن كثافة الشهوات فنبصر ونرى ونعرف ونيز بدون عكاز "البة الجتماعية" وذلك بنور ال‬
‫الذي اسه الضمي‪.‬‬

‫جعَل لّكُ ْم ُفرْقَانا ))[ النفال الية ‪]29‬‬


‫((يِا َأّيهَا الّذِي َن آمَنُواْ إَن َتّتقُواْ الّلهَ يَ ْ‬
‫يقول ال ف الديث القدسي للصوف ممد بن عبد البار‪:‬‬
‫" كيف تيأس منّي وف قلبك سفيي ومتحدثي"‪.‬‬
‫الضمي حقيقة ثابتة والقيم الخلقية الساسية هي بالثل ثابتة فقتل البيء لن يصبح يومًا ما فضيلة‬
‫وكذا السرقة والكذب وإيذاء الخرين والفحشاء والفجور والبذاءة والغلظة والقسوة والنفاق واليانة‬
‫كل هذه نقائض خلقية‪ ،‬وسوف تظل هكذا إل أن يرث ال الرض ومن عليها‪.‬‬
‫وكذلك سوف تظل الحبة والرحة والصدق واللم والعفو والحسان فضائل ‪ ..‬ولن تتحول إل‬
‫جرائم إل إذا فسدت السماوات والرض وساد النون وانتهى العقل‪.‬‬

‫الفصل العاشر‬
‫هل مناسك الج وثنية ؟‬

‫قال صاحب وهو يفرك يديه ارتياحا ويبتسم ابتسامة خبيثة تبدي نواجذه وقد لعت عيناه بذلك البيق‬
‫الذي يبدو ف وجه اللكم حينما يتأهب لتوجيه ضربة قاضية ‪.‬‬
‫‪ -‬أل تلحظ معي أن مناسك الج عندكم هي وثنية صرية ‪ .‬ذلك البناء الجري الذي تسمونه‬
‫الكعبة وتتمسحون به وتطوفون حوله ‪ ،‬ورجم الشيطان ‪ ..‬والرولة بي الصفا والروة ‪ ،‬وتقبيل‬
‫الجر السود ‪..‬‬
‫وحكاية السبع طوفات والسبع رجات والسبع هرولت وهي بقايا من خرافة الرقام الطلسمية ف‬
‫الشعوذات القدية ‪ ،‬وثوب الحرام الذي تلبسونه على اللحم ‪..‬‬
‫ل تؤاخذن إذا كنت أجرحك بذه الصراحة ولكن ل حياء ف العلم ‪.‬‬
‫وراح ينفث دخان سيجارته ببطء ويراقبن من وراء نظارته ‪.‬‬
‫قلت ف هدوء ‪:‬‬
‫‪ -‬أل تلحظ معي أنت أيضا أن ف قواني الادة الت درستها أن الصغر يطوف حول الكب ‪،‬‬
‫اللكترون ف الذرة يدور حول النواة ‪ ،‬والقمر حول الرض ‪ ،‬والرض حول الشمس ‪ ،‬والشمس‬
‫حول الجرة ‪ ،‬والجرة حول مرة أكب ‪ ،‬إل أن نصل إل " الكب مطلقا " وهو ال ‪ ..‬أل نقول " ال‬
‫أكب " ‪ ..‬أي أكب من كل شيء ‪..‬‬
‫وأنت الن تطوف حوله ضمن مموعتك الشمسية رغم أنفك ول تلك إل أن تطوف فل شيء‬
‫ثابت ف الكون إل ال هو الصمد الصامد الساكن والكل ف حركة حوله ‪..‬‬
‫وهذا هو قانون الصغر والكب الذي تعلمته ف الفيزياء ‪..‬‬
‫أما نن فنطوف باختيارنا حول بيت ال ‪..‬‬
‫وهو أول بيت اتذه النسان لعبادة ال ‪..‬‬
‫فأصبح من ذلك التاريخ السحيق رمزا وبيتا ل ‪..‬‬
‫أل تطوفون أنتم حول رجل منط ف الكرملي تعظمونه وتقولون أنه أفاد البشرية ‪ ،‬ولو عرفتم‬
‫لشكسبي قبا لتسابقتم إل زيارته بأكثر ما نتسابق إل زيارة ممد عليه الصلة والسلم ‪..‬‬
‫أل تضعون باقة ورد على نصب حجري وتقولون أنه يرمز للجندي الجهول فلماذا تلوموننا لننا‬
‫نلقي حجرا على نصب رمزي نقول أنه يرمز إل الشيطان ‪..‬‬
‫أل تعيش ف هرولة من ميلدك إل موتك ث بعد موتك يبدأ ابنك الرولة من جديد وهي نفس الرحلة‬
‫الرمزية من الصفا " الصفاء أو الواء أو الفراغ رمز للعدم " إل الروة وهي النبع الذي يرمز إل الياة‬
‫و الوجود ‪..‬‬
‫من العدم إل الوجود ث من الوجود إل العدم ‪..‬‬
‫أليست هذه هي الركة البندولية لكل الخلوقات ‪..‬‬
‫أل ترى ف مناسك الج تلخيصا رمزيا عميقا لكل هذه السرار ‪.‬‬
‫ورقم ‪ 7‬الذي تسخر منه ‪ ..‬دعن أسألك ما السر ف أن درجات السلم الوسيقي ‪ 7‬صول ل سي‬
‫دو ري مي فا ث بعد القام السابع يأت جواب الصول من جديد ‪ ..‬فل ند ‪ 8‬وإنا نعود إل سبع‬
‫درجات أخرى وهلم جرا ‪ ،‬وكذلك درجات الطيف الضوئي ‪ 7‬وكذلك تدور اللكترونات حول‬
‫نواة الذرة ف نطاقات ‪ 7‬والني ل يكتمل إل ف الشهر ‪ 7‬وإذا ولد قبل ذلك يوت وأيام السبوع‬
‫عندنا وعند جيع أفراد النس البشري ‪ 7‬وضعوها كذلك دون أن يلسوا ويتفقوا ‪..‬‬
‫أل يدل ذلك على شيء ‪..‬أم أن كل هذه العلوم هي الخرى شعوذات طلسمية‪.‬‬
‫أل تقبل خطابا من حبيبتك ‪ ..‬هل أنت وثن ؟ فلماذا تلومنا إذا قبلنا إذا قبلنا ذلك الجر السود‬
‫الذي حله نبينا ممد عليه الصلة والسلم ف ثوبه وقبله ‪ .‬ل وثنية ف ذلك بالرة ‪ ..‬لننا ل نتجه‬
‫بناسك العبادة نو الجارة ذاتا ‪ ..‬وإنا نو العان العميقة والرموز والذكريات ‪.‬‬
‫إن مناك الج هي عدة مناسبات لتحريك الفكر وبعث الشاعر وإثارة التقوى ف القلب ‪ .‬أما ثوب‬
‫الحرام الذي نلبسه على اللحم ونشترط أل يكون ميطا فهو رمز للخروج من زينة الدنيا وللتجرد‬
‫التام أمام حضرة الالق ‪ ..‬تاما كما نأت إل الدنيا ف اللفة ونرج من الدنيا ف لفة وندخل القب ف‬
‫لفة ‪ ..‬أل تشترطون أنتم لبس البدل الرسية لقابلة اللك ونن نقول ‪ :‬إنه ل شيء يليق بللة ال إل‬
‫التجرد وخلع جيع الزينة لنه أعظم من جيع اللوك ولنه ل يصلح ف الوقفة أمامه إل التواضع التام‬
‫والتجرد ‪ ..‬ولن هذا الثوب البسيط الذي يلبسه الغن والفقي والهراجا والليوني أمام ال فيه معن‬
‫آخر للخوة رغم تفاوت الراتب والثروات ‪.‬‬
‫والج عندنا اجتماع عظيم ومؤتر سنوي ‪..‬‬
‫ومثله صلة المعة وهي الؤتر الصغي الذي نلتقي فيه كل أسبوع ‪.‬‬
‫هي كلها معان جيلة لن يفكر ويتأمل ‪ ..‬وهي أبعد ما تكون عن الوثنية ‪.‬‬
‫ولو وقفت معي ف عرفة بي عدة مليي يقولون ال أكب ويتلون القرآن بأكثر من عشرين لغة‬
‫ويهتفون لبيك اللهم لبيك ويبكون ويذوبون شوقا وحبا – لبكيت أنت أيضا دون أن تدري وتذوب‬
‫ف المع الغفي من اللق ‪ ..‬وأحسست بذلك الفناء والشوع أمام الله العظيم مالك اللك الذي‬
‫بيده مقاليد كل شيء ‪.‬‬

‫الفصل الادي عشر‬


‫لاذا ل يكون القرآن من تأليف ممد؟‬

‫قال صاحب وهو ينتقى عباراته‪:‬‬


‫‪ -‬ل أريد أن أجرحك فأنا أعلم اعتزازك بالقرآن وأنا معك ف أنه كتاب قيم‪ ..‬ولكن لاذا ل يكون‬
‫من تأليف ممد؟‪ ..‬إن رجل ف عظمة ممد ل يستغرب منه أن يضع كتابا ف عظمة القرآن‪..‬‬
‫سوف يكون هذا منطقيا أكثر من أن نقول إن ال أنزله‪ .‬فإنا ل نر ال ينل من السماء شيئا‪ ..‬ونن‬
‫ف عصر من الصعب أن نقنع فيه إنسانا بأن هناك ملكا اسه جبيل نزل بن السماء بكتاب ليوحى به‬
‫إل أحد‪.‬‬

‫قلت ف هدوء‪:‬‬
‫‪ -‬بل نن ف عصر يسهل فيه تاما أن نصدق بأن هناك ملئكة ل ترى‪ ،‬وبأن القائق يكن أن تلقى‬
‫إل النسان وحيا‪ ..‬فهم يتكلمون اليوم عن أطباق طائره تنل على الرض‪ .‬كواكب بعيدة وأشعة‬
‫غي منظورة تقتل‪ ،‬وأمواج لسلكية تدد الهداف وتضربا‪ ..‬وصور تتحول إل ذبذبات ف الواء ث‬
‫تستقبل ف أجهزة صغية كعلب التبغ‪ ..‬وكاميات تصور الشباح‪ ..‬وعيون ترى ف الظلم‪ ..‬ورجل‬
‫يشى على القمر‪ ..‬وسفينة تنل على الريخ‪ ..‬ل يعد غريبا أن نسمع أن ال أرسل ملكا خفيا من‬
‫ملئكته‪ ..‬وأنه ألقى بوحيه على أحد أنبيائه‪ ..‬لقد أصبح وجود جبيل اليوم حقيقة من الدرجة‬
‫الثانية‪ ..‬وأقل عجبا وغرابة ما نرى ونسمع كل يوم‪.‬‬

‫أما لاذا ل نقول إن القرآن من تأليف ممد عليه الصلة والسلم‪ ..‬فلن القران بشكله وعباراته‬
‫وحروفه وما احتوى عليه من علوم ومعارف وأسرار وجال بلغى ودقة لغوية هو ما ل يدخل ف‬
‫قدرة بشر أن يؤلفه‪ ..‬فإذا أضفنا ال ذلك أن ممدا عليه الصلة والسلم كان أميا‪ ،‬ل يقرأ ول يكتب‬
‫ول يتعلم ف مدرسة ول يتلط بضارة‪ ،‬ول يبح شبه الزيرة العربية‪ ،‬فإن احتمال الشك واحتمال‬
‫إلقاء هذا السؤال يغدو مستحيل‪ ..‬وال يتحدى النكرين من زعموا أن القرآن مولف‪.‬‬

‫"قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون ال" استعينوا بالن واللئكة وعباقرة النس وأتوا‬
‫بسورة من مثله ومازال التحدى قائما ول يأت أحد بشيء‪ ...‬إل ببعض عبارات مسجوعة ساذجة‬
‫سوها "سورة من مثله"‪ ...‬أتى با أناس يعتقدون أن القرآن مرد كلم مسجوع‪ ..‬و لكن سورة من‬
‫مثله‪ ..‬أي با نفس العجاز البلغي و العلمي‪..‬‬

‫وإذا نظرنا إل القرآن ف حياد وموضوعية فسوف نستبعد تاما أن يكون ممد عليه الصلة والسلم‬
‫هو مؤلفه‪.‬‬
‫أول‪ :‬لنه لو كان مؤلفه لبث فيه هومه وأشجانه‪ ،‬ونن نراه ف عام واحد يفقد زوجه خدية وعمه‬
‫أبا طالب ول سند له ف الياة غيها‪ ..‬وفجيعته فيهما ل تقدر‪ ..‬ومع ذلك ل يأت لما ذكر ف‬
‫القرآن ول بكلمة‪ ..‬وكذلك يوت ابنه إبراهيم ويبكيه‪ ،‬ول يأقى لذلك خب ف القرآن‪ ..‬القرآن‬
‫معزول تاما عن الذات الحمدية‪.‬‬

‫بل إن الية لتأتى مناقضة لا يفعله ممد وما يفكر فيه‪ ..‬وأحيانا تنل الية معاتبة له كما حدث‬
‫بصدد العمى الذي انصرف عنه النب إل أشراف قريش‪:‬‬
‫"عبس وتول‪ .‬أن جاءه العمى‪ .‬وما يدريك لعله يزكى‪ .‬أو يذكر فتنفعه الذكرى‪ 4 -1 ،‬عبس‬
‫وأحيانا تنل الية فتنقض عمل من أعمال النب‪:‬‬
‫" ما كان لنب أن يكون له أسرى حت يثخن ف الرض‪ ،‬تريدون عرض الدنيا وال يريد الخرة وال‬
‫عزيز حكيم‪ .‬لول كتاب من ال سبق لسكم فيما أخذت عذاب عظيم" ‪ -68 -67‬النفال‬
‫وأحيانا يأمر القرآن ممد بأن يقول لتباعه ما ل يكن أن يقوله لو أنه كان يؤلف الكلم تأليفا‪:‬‬
‫" قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل ب ول بكم" ‪ -9‬الحقاف‬
‫ل يوجد نب يتطوع من تلقاء نفسه ليقول لتباعه ل أدرى ما يفعل ب ول بكم‪ ..‬ل أملك لنفسي‬
‫ضرا ول نفعا‪ ..‬ول أملك لكم ضرا ول نفعا‪ .‬فإن هذا يؤدى إل أن ينفض عنه أتباعه‪.‬‬
‫وهذا ما حدث فقد اتذ اليهود هذه الية عذرا ليقولوا‪ ..‬ما نفع هذا النب الذي ل يدرى ماذا يفعل‬
‫به ول بنا‪ ..‬هذا رجل ل جدوى فيه‪ .‬مثل هذه اليات ما كان يكن أن يؤلفها النب لو كان يضع‬
‫القرآن من عند نفسه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬لو نظرنا بعد ذلك ف العبارة القرآنية لوجدنا أنا جديدة منفردة ف رصفها وبنائها ومعمارها‬
‫ليس ال شبيه فيما سبق من أدب العرب ول شبيه فيما أتى لحقا بعد ذلك‪ ..‬حت لتكاد اللغة تنقسم‬
‫إل شعر ونثر وقرآن‪ ..‬فنحن أمام كلم هو نسيج وحده ل هو بالنثر ول بالشعر‪ .‬فموسيقى الشعر‬
‫تأتى من الوزن ومن التقفية فنسمع الشاعر ابن البرص السدى ينشد‪:‬‬
‫أقفر من أهله عبيد فليس يبدى ول يعيد‬
‫هنا الوسيقى ترج من التشطي ومن التقفية على الدال المدودة‪ ،‬فهي موسيقى خارجية‪ ..‬أما‬
‫موسيقى القران فهي موسيقى داخلية‪( :‬والضحى‪ .‬والليل إذ ا سجى) ‪ -2 -1‬الضحى‬
‫ل تشطي ول تقفية ف هذه العبارة البسيطة‪ ،‬ولكن الوسيقى تقطر منها‪ ..‬من أين؟ إنا موسيقى‬
‫داخلية‪.‬‬

‫اسع هذه اليات‪:‬‬


‫"رب إن وهن العظم منّي واشتعل الرأس شيبا ول أكن بدعائك رب شقيا"‪ -4‬مري‬
‫وهذه اليات‪:‬‬
‫"طه‪ .‬ما انزلنا عليك القران لتشقى‪ .‬إل تذكرة لن يشى‪ .‬تنيل من خلق الرض والسموات العلى‪.‬‬
‫الرحن على العرش استوى" ‪ -5-1‬طه‬
‫فإذا تناولت اليات تديدا تول بناء العبارة ونتها إل جلميد صخر‪ .‬وأصبح لليقاع صلصلة ناسية‬
‫تصخ السمع‪:‬‬
‫"إنا أرسلنا عليهم ريا صرصرا ف يوم نس مستمر‪ .‬تنع الناس كأنم أعجاز نل منقعر"‪-19‬‬
‫‪ -20‬القمر‬
‫كلمات مثل "صرصرا"‪" ..‬ومنقعر"‪ ..‬كل كلمة كأنا جلمود صخر‪ .‬فإذا جاءت الية لتروى خبا‬
‫هائل كما ف ناية الطوفان تقاصرت العبارات وكأنا إشارات "مورس " التلغرافية‪ .‬وأصبحت الية‬
‫كلها كأنا تلغراف مقتضب له وقع هائل‪:‬‬
‫"وقيل يأرض ابلعي ماءك ويا ساء أقلعى وغيض الاء وقضى ا لمر"‪ -44‬هود‬
‫هذا التلون ف نت اللفاظ وف بناء العبارة وف إيقاع الكلمات مع العان والشاعر‪ ..‬يبلغ ف القرآن‬
‫الذروة ويأت دائما منسابا ل تكلف فيه ولتعمل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إذا مضينا ف التحليل أكثر فإنا سنكتشف الدقة البالغة والحكام الذهل‪ ..‬كل حرف ف مكانه‬
‫ل تقدي ول تأخي‪ ..‬ل تستطيع أن تضع كلمة مكان كلمة‪ ،‬ول حرفا مكان حرف‪ ..‬كل لفظة ت‬
‫اختيارها من مليون لفظة بيزان دقيق‪.‬‬
‫وسنرى أن هذه الدقة البالغة ل مثيل لا ف التأليف‪.‬‬
‫انظر إل هذه الكلمة "لواقح " ف الية‪:‬‬
‫"وأرسلنا الرياح لواقح"‪ -22‬الجر‬
‫وكانوا يفسرونا ف الاضي على العن الجازى بعن أن الرياح تثي السحب فتسقط الطر فيلقح‬
‫الرض بعن "يصبها" ث عرفنا اليوم أن الرياح تسوق السحب إيابية التكهرب وتلقى با ف أحضان‬
‫السحب سالبة التكهرب فيحدث البق والرعد والطر‪ ..‬وهي بذا العن "لواقح " أيضا‪ ،‬ونعرف الن‬
‫أيضا أن الرياح تنقل حبوب اللقاح من زهرة إل زهرة فتلقحها بالعن الرف‪ ،‬ونعرف أخيا أن الطر‬
‫ل يسقط إل بتلقيح قطيات الاء بذرات الغبار فتنمو القطيات حول هذه النوية من الغبار وتسقط‬
‫مطرا‪ .‬كها نن أولء امام كلمة صادقة مازيا وحرفيا وعلميا‪ ،‬ث هي بعد ذلك جيلة فنيا وأدبيا‬
‫وذات إيقاع حلو‪.‬‬
‫هنا نرى منتهى الدقة ف انتقاء اللفظة ونتها‪ ،‬وف آية أخرى‪:‬‬
‫(ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا با إل الكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالث وأنتم‬
‫تعلمون )‪ -188‬البقرة كلمة "تدلوا "‪.‬‬
‫مع أن الاكم الذي تلقى إليه الموال ف العلى وليس ف السفل‪ ..‬ل‪ ،‬إن القران يصحح الوضع‪،‬‬
‫فاليد الت تأخذ الرشوة هي اليد السفلى ولو كانت يد الاكم‪ ..‬ومن هنا جاءته كلمة "تدلوا با إل‬
‫الكام " لتعب ف بلغة لمثيل ال عن دناءة الرتشى وسفله‪.‬‬
‫وف آية الهاد‪:‬‬
‫"ما لكم إذا قيل لكم انفروا ف سبيل ال اثّاقلتم إل الرض " ‪ -38‬التوبة‬
‫القرآن يستعمل كلمة " اثّاقلتم " بدل من تثاقلتم‪ ..‬يدمج الروف إدماجا‪ ،‬ويلصقها إلصاقا ليعب عن‬
‫جب البناء الذين يلتصقون بالرض "ويتربسون " فيها من الوف إذا دعوا إل القتال‪ ،‬فجاءت‬
‫حروف الكلمة بالثل "متربسة"‪.‬‬
‫وف آية قتل الولد من الفقر نراها جاءت على صورتي‪:‬‬
‫"ول تقتلوا أولدكم من إملق نن نرزقكم وإياهم" ‪ -151‬ال نعام‬
‫"ول تقتلوا أولدكم خشية إملق نن نرزقهم وإياكم "‪ -31‬السر اء‬
‫والفرق بي اليتي ل يأت اعتباطا‪ ،‬وإنا جاء لسباب مسوبة‪ ..‬فحينما يكون القتل من إملق فإن‬
‫معناه أن الهل فقراء ف الاضر‪ ،‬فيقول‪ :‬نن "نرزقكم " وإياهم‪ .‬وحينما يكون قتل الولد خشية‬
‫إملق فإن معناه أن الفقر هو احتمال ف الستقبل ولذا تشي الية إل البناء فتقول نن "نرزقهم "‬
‫وإياكم‪ .‬مثل هذه الفروق ل يكن أن تطر على بال مؤلف‪ .‬وف حالت التقدي والتأخي ند دائما‬
‫أنه لكمة‪ ،‬ند أن السارق مقدم على السارقة ف آية السرقة‪ ،‬ف حي أن الزانية مقدمة على الزان ف‬
‫آية الزن‪ ..‬وذلك لسبب واضح‪ ،‬أن الرجل أكثر إيابية ف السرقة‪ ..‬أما ف الزن فالرأة هي الت تأخذ‬
‫البادرة‪ ،‬من لظة وقوفها أمام الرآة تضع " البارفان " ولسات " التواليت " وتتار الفستان أعلى‬
‫الركبة فإنا تنصب الفخاخ للرجل الوعود‪.‬‬
‫"الزانية والزان فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " ‪ -2‬النور‬
‫"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما"‪ -38‬الاند‬
‫وبالثل تقدي السمع على البصر ف أكثر من ‪ 16‬مكانا‬
‫"وجعل لكم السمع والبصار والفئدة"‪ -78‬النحل‬
‫"وجعلنا لكم سعا وأبصارا وأفئدة" ‪ -26‬الحقاف‬
‫"أسع بم وأبصر"‪ -38‬مري‬
‫"إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئول"‪ 36‬السراء‬
‫"وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سعكم ول أبصاركم" ‪ -22‬فصلت‬
‫"ليس كمثله شيء وهو السميع البصي"‪ -11‬الشورى‬
‫دائما السمع أول‪.‬‬
‫ول شك أن السمع أكثر إرهافا وكمال من البصر‪.‬إننا نسمع الن ول نراه‪.‬والنبياء سعوا ال‬
‫وكلموه ول يره أحد‪.‬‬
‫وقد تلقى ممد القرآن سعا‪ .‬والم تيز بكاء ابنها ف الزحام ول تستطيع أن تيز وجهه‪ .‬والسمع‬
‫يصاحب النسان أثناء النوم فيظل صاحيا ف حي تنام عيناه‪ ،‬ومن حاول تشريح جهاز السمع يعلم‬
‫أنه أعظم دقة وإرهافا من جهاز البصر‪.‬‬
‫وبالثل تقدي الال على الولد‪:‬‬
‫"يوم لينفع مال ول بنون‪ .‬إل من أتى ال بقلب سليم" ‪ -89 -88‬الشعراء‬
‫"إنا أموالكم وأولدكم فتنة‪ ،‬وال عنده أجر عظيم " ‪ -15‬التغابن‬
‫"لن تغن عنكم أموالكم ول أولدهم من ال شيئا‪ ،‬وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"‬
‫‪ -16‬آل عمران‬
‫"أيسبون أن ما ندهم به من مال وبني‪ .‬نسارع لم ف اليات بل ل يشعرون"‪-56 -55‬‬
‫الؤمنون‬
‫"فل تعجبك أموالم ول أولدهم إنا يريد أل ليعذبم با ف الياة الدنيا" ‪ -55‬التو بة‬
‫"اعلموا أنا الياة الدنيا لعب ولو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر ف الموال والولد كمثل غيث‬
‫أعجب الكفار نباته" ‪ -20‬الديد‬
‫والمثلة على هذا التقدي كثية والسر أن الال عند أكثر الناس أعز من الولد‪.‬‬

‫ث الدقة والفاء واللطف ف العراب‪ .‬انظر إل هذه الية‪:‬‬


‫"وإن طائفتان من الؤمني اقتتلوا فأصلحوا بينهما"‪ -9‬الجرات‬
‫مرة عوملت الطائفتان على أنما جع "اقتتلوا" ومرة على أنما مثن "فأصلحوا بينهما" والسر لطيف‪.‬‬
‫فالطائفتان ف القتال تلتحمان وتصبحان جعا من الذرع التضاربة‪ ..‬ف حي أنما ف الصلح‬
‫تتفصلن إل اثني‪ ..‬وترسل كل واحدة عنها مندوبا‪ ،‬ومن هنا قال‪:‬‬

‫وإن طائفتان من الؤمني "اقتتلوا" فأصلحوا "بيهما"!‬


‫حت حروف الر والوصل والعطف تأتى وتتنع ف القرآن لسباب عميقة‪ ،‬وبساب دقيق مكم‪.‬‬
‫مثل تأت كلمة "يسألونك " ف أماكن عديدة من ا لقرآن‪:‬‬
‫"يسألونك ماذا ينفقون قل العفو"‪ -219‬البقرة‬
‫"يسألونك عن الروح قل الروح من أمر رب"‪ -85‬السراء‬
‫"يسألونك عن الهلة قل هي مواقيت للناس والج "‪ -189‬البقرة‬
‫دائما الواب بكلمة "قل "‪ ..‬ولكنها حي تأتى عن البال‪:‬‬
‫"ويسألونك عن البال فقل ينسفها رب نسفا"‪ -105‬طه‬
‫هنا لول مرة جاءت "فقل " بدل من "قل "‪.‬‬
‫والسبب ان كل السئلة السابقة كانت قد سئلت بالفعل‪ ،‬اما سؤال البال فلم يكن قد سئل بعد‪،‬‬
‫لنه من أسرار القيامة‪ ،‬وكأنا يقول ال‪ :‬فإذا سألوك عن البال "فقل "‪ ..‬فجاءت الفاء زاندة لسبب‬
‫مسوب‪.‬‬
‫أما ف الية‪:‬‬
‫" )وإذا سألك عبادى عن فإن قريب أجيب دعوة الداع " ‪ -186‬البقرة‬
‫هنا ل ترد كلمة "قل " لن السؤال عن ذات ال‪ ..‬وال أول بالجابة عن نفسه‪..‬‬
‫كذلك الضمي أنا ونن‪.‬‬
‫يتكلم ال بضمي المع حيثما يكون التعبي عن "فعل " إلي تشترك فيه جيع الصفات اللية كاللق‪،‬‬
‫وإنزال القرآن وحفظه‪:‬‬
‫"إنا نن نزلنا الذكر وإنا له لافظون‪ -9 "،‬الجر‬
‫"نن خلقناكم فلول تصدقون" ‪ -57‬الواقعة‬
‫" إنا أنزلناه ف ليلة القدر" ‪ -1‬القدر‬
‫" أفرأيتم ما تنون‪ .‬أأنتم تلقونه أم نن الالقون"‪ -59 -58‬ا لواقعة‬
‫"نن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثال تبديل" ‪ -28‬ا لنسان‬
‫"ونن " هنا تعب عن جعية الصفات اللية وهي تعمل ف إبداع عظيم مثل عملية اللق‪.‬‬
‫أما إذا جاءت الية ف مقام ماطبة بي ال وعبده كما ف موقف الكالة مع موسى‪ ..‬تأت الية بضمي‬
‫الفرد‬
‫"إنن أنا ال ل إله إل أنا فاعبدن وأقم الصلة لذكرى" ‪ -14‬طه‬
‫ال يقول‪" :‬أنا" لن الضرة هنا حضرة ذات‪ ،‬وتنبيها منه سبحانه على مسألة التوحيد والوحدانية ف‬
‫العبادة‪.‬‬
‫وند مثل هذه الدقة الشديدة ف آيتي متشابتي عن الصب تفترق الواحدة عن الخرى ف حرف‬
‫اللم‪.‬‬

‫يقول لقمان لولده‪:‬‬


‫"واصب على ما أصابك إن ذلك من عزم المور‪ -17 ،‬لقمان وف آية أخرى عن الصب نقرأ‪:‬‬
‫" ولن صب وغفر إن ذلك لن عزم المور" ‪ -43‬الشورى‬
‫الصب ف الول "من عزم المور" وف الثانية "لن عزم المور"‪ ..‬وسر التوكيد باللم ف الثانية أنه‬
‫صب مضاعف‪ ،‬لنه صب على عدوان بشري لك فيه غري‪ ،‬وأنت مطالب فيه بالصب والغفرة وهو أمر‬
‫اشد على النفس من الصب على القضاء اللي الذي ل حيلة فيه‪.‬‬
‫ونفس هذه اللحظة عن "اللم " ندها مرة أخرى ف آيتي عن إنزال الطر وإنبات الزرع‪:‬‬
‫"أفرأيتم الاء الذي تشربون‪ .‬أأنتم أنزلتموه من الزن أم نن النلون‪ .‬لو نشاء جعلناه أجاجا"‪" ،‬أي‬
‫مالا" ‪ -70 -68‬الواقعة وف آية ثانية‪:‬‬
‫"أفرأيتم ما ترثون‪ .‬أأنتم تزرعونه أم نن الزارعون‪ .‬لو نشاء لعلناه حطاما" ‪ -65 -63‬الواقعة‬
‫ف الية الول "جعلناه " أجاجا‪ ..‬وف الية الثانية "لعلناه " حطاما واللم جاءت ف الثانية لضرورة‬
‫التوكيد‪ ،‬لن هناك من سوف يدعى بأنه يستطيع أن يتلف الزرع كما يتلفه الالق‪ ،‬ويعله حطاما‪.‬‬
‫ف حي لن يستطيع أحد من البشر أن يدعى أن ف إمكانه أن ينل من سحب السماء مطرا مالا فل‬
‫حاجة إل توكيد باللم‪.‬‬
‫ونفس هذه الدقة ندها ف وصف إبراهيم لربه ف القرآن بأنه‪" :‬الذي ييتن ث ييي" ‪ -81‬الشعراء‬
‫"والذي هو يطعمن ويسقي"‪ -79‬الشعراء‪.‬‬
‫فجاء بكلمة"هو" جينما تكلم عن "الطعام " ليؤكد الفعل اللي‪ ،‬لنه سوف يدعى الكل أنم‬
‫يطعمونه‪ .‬ويسمقونه‪ ،‬على حي لن يدعى أحد بأنه ييته ومييه كما ييته ال ويييه‪.‬‬
‫وند هذه الدقة أيضا حينما ياطب القرآن السلمي قائل‪:‬‬
‫"اذكرون أذكركم "‪ -152‬البقرة‪ -‬وياطب اليهود قائل‪:‬‬
‫"اذكروا نعمت الت أنعمت عليكم"‪ -40‬البقرة‬
‫فاليهود ماديون ل يذكرون ال إل ف النعمة والفاندة والصلحة والسلمون أكثر شفافية ويفهمون‬
‫معن أن يذكر ال لذاته ل لصلحة‪ ..‬وبنفس العن يقول ال للخاصة من أول اللباب‪:‬‬
‫"اتقون يا أول اللباب "‪ -197‬البقرة‪ -‬ويقول للعوام‪:‬‬
‫"اتقوا النار الت وقود ها الناس والجارة"‪ -24‬البقرة‬
‫لن العوام ل يردعهم إل النار‪ ،‬أما الاصة فهم يعلمون أن ال أقوى من كل نار‪ ،‬وأنه يستطيع أن‬
‫يعل النار بردا وسلما إن شاء‪ .‬وند مثل هذه الدقة البالغة ف اختيار اللفظ ف كلم إبليس حينما‬
‫أقسم على ربه قائل‪:‬‬
‫"فبعزتك لغوينهم أجعي"‪ -82‬ص‬
‫أقسم إبليس بالعزة اللية ول يقسم بغيها‪ ،‬فأثبت بذلك علمه وذكاءه‪ ،‬لن هذه العزة اللية هي‬
‫الت اقتضت استغناء ال عن خلقه‪ ،‬فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‪ ،‬ولن يضروا ال شيئا‪ ،‬فهو‬
‫العزيز عن خلقه‪ ،‬الغز عن العالي‪.‬‬
‫ويقول ال ف حديثه القدسى‪:‬‬
‫"هؤلء ف النار ول أبال‪ ،‬وهؤلء ف النة ول أبال"‪.‬‬
‫وهذا مقتضى العزة اللية‪.‬‬
‫وهي الثغرة الوحيدة الت يدخل منها إبليس‪ ،‬فهو با يستطيع أن يضل ويوسوس‪ ،‬لن ال لن يقهر‬
‫أحدا اختار الكفر على اليان‪ ..‬ولذا قال "فبعزتك " لغوينهم أجعي‪.‬‬
‫"لقعدن لم صراطك الستقيم‪ .‬ث لتينهم من بي أيديهم ومن خلفهم وعن أيانم وعن شائلهم"‬
‫‪ 17 -16‬العراف‬
‫ذكر الهات الربع‪ ،‬ول يذكر من فوقهم ول من تتهم‪ .‬لن "فوق " الربوبية‪" ،‬وتت " تواضع‬
‫العبودية‪ ..‬ومن لزم مكانه الدن من ربه العلى لن يستطيع الشيطان أن يدخل عليه‪.‬‬
‫ث ذكر إبليس أن مقعده الفضل للغواء سوف يكون الصراط الستقيم‪ ..‬على طريق الي وعلى‬
‫سجادة الصلة‪ ،‬لن تارك الصلة والسكي والعربيد ليس ف حاجة إل إبليس ليضله‪ ،‬فقد تكفلت‬
‫نفسه بإضلله‪ ،‬إنه إنسان خرب‪ ..‬وإبليس لص ذكى‪ ،‬ل يب أن يضيع وقته بأن يوم حول البيوت‬
‫الربة‪.‬‬
‫متال آخر من أمثلة الدقة القرآنية نده ف سبق الغفرة على العذاب والرحة على الغضب ف القرآن‪..‬‬
‫فال ف "الفاتة" هو الرحن الرحيم قبل أن يكون مالك يوم الدين‪ ..‬وهو دائما يوصف بأنه يغفر لن‬
‫يشاء ويعذب من يشاء‪ ...‬تأقى الغفرة أول قبل العذاب إل ف مكاني ف اية قطع اليد‪" :‬يعذب من‬
‫يشاء ويغفرلن يشاء"‪ -40‬الائده‬
‫لن العقوبة بقطع اليد عذاب دنيوى‪ ..‬تليه مغفرة أخروية‪ ..‬وف كلم عيسى يوم القيامة عن‬
‫الشركي الذين عبدوه من دون ال‪ ..‬فيقول لربه‪" :‬إن تعذبم فإنم عبادك‪ ،‬وإن تغفر ال فإنك أنت‬
‫العزيز الكيم"‬
‫فل يقول فإنك أنت الغفور الرحيم تأدبا‪ ..‬ويذكر ال العذاب قبل الغفرة‪ ..‬لعظم الث الذي وقعوا‬
‫فيه‪.‬‬
‫وند هذه الدقة القرانية مرة أخرى ف تناول القرآن للزمن‪ ..‬فالستقبل يأت ذكره على لسان الالق‬
‫على أنه ماض‪ ..‬فأحداث يوم القيامة ترد كلها على أنا ماض‪:‬‬
‫"ونفخ ف الصور"‪ -99‬الكهف‬
‫"وانشقت السماء فهي يومئذ واهية"‪ -16‬الاقة‬
‫"وبرزت الحيم للغاوين" ‪ -91‬الشعراء‬
‫"وعرضوا على ربك صفا"‪ -48‬الكهف‬
‫والسر ف ذلك أن كل الحداث حاضرها ومستقبلها قد حدثت ف علم ال وليس عند ال زمن‬
‫يجب عنه الستقبل‪ ،‬فهو سبحانه فوق الزمان والكان‪ ،‬والذا نقرأ العبارة القرآنية أحيانا فنجد أنا‬
‫تتحدث عن زماني نتلفي‪ ،‬وتبدو ف ظاهرها متناقضة مثل‪:‬‬
‫"أتى أمر ال فل تستعجلوه"‪ -1‬النحل‬
‫فالمر قد أقى وحدث ف الاضي‪ .‬لكن ال ياطب الناس بأل يستعجلوه كا لو كان مستقبل ل‬
‫يدث بعد‪ ..‬والسر كما شرحنا أنه حدث ف علم ال‪ ،‬لكنه ل يدث بعد ف علم الناس‪ ،‬ول‬
‫تناقض‪ ..‬وإنا دقة وإحكام‪ ،‬وخفاء واستسرار‪ ،‬وصدق ف العاف العميقة‪.‬‬
‫هذه بعض المثلة للدقة البالغة والنحت الحكم ف بناء العبارة القرآنية وف اختيار اللفاظ واستخدام‬
‫الروف ل زيادة ول نقص‪ ،‬ول تقدي ول تأخي‪ ،‬إل بساب وميزان‪ ،‬ول نعرف لذلك مثيل ف‬
‫تأليف أو كتاب مؤلف‪ ،‬ول نده إل ف القرآن‪.‬‬
‫أما لحات العلم ف القران وعجائب اليات الكونية الت أتت بالسرار والفايا الت ل تكتشف إل ف‬
‫عصرنا‪ ،‬والت ل يعرفها ممد! ول عصره فهي موضوع آخر يطول‪ ،‬وله جلسة أخرى‪.‬‬

‫الفصل الثان عشر‬


‫القرآن ل يكن أن يكون مؤلفا‬

‫قلت لصديقي ‪:‬‬


‫ربا كان حديث اليوم عن لحات العلم ف القرآن أكثر إثارة لعقلك العلمي من جلستنا السابقة ‪..‬‬
‫فما كان الفلك الديث ‪ ،‬ول علوم الذرّة ‪ ،‬ول علوم البيولوجيا والتشريح معروفة حينما نزلت‬
‫اليات‬
‫الكونية ف القرآن منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة لتتكلم عن السماوات والرض والنجوم‬
‫والكواكب‪ ،‬وخلق الني وتكوين النسان با يتفق مع أحداث العلوم الت جاء با عصرنا ‪.‬‬

‫ول يتعرض القرآن لذه الوضوعات بتفصيل الكتاب العلمي التخصص ‪ ،‬لنه جاء ف القام الول‬
‫كتاب‬
‫عقيدة ومنهج وتشريع ‪..‬‬
‫ولو أنه تعرض لتلك الوضوعات بتفصيل ووضوح لصدم العرب با ل يفهمونه ‪ ..‬ولذا لأ إل‬
‫أسلوب‬
‫الشارة واللمحة والومضة لتفسرها علوم الستقبل وكشوفه بعد ذلك بئات السني ‪ ..‬وتظهر للناس‬
‫جيلً‬
‫بعد جيل كآيات ومعجزات على صدق نزول القرآن من ال الق‪..‬‬
‫ك‬
‫سهِمْ حَتّى يََتبَيّنَ َلهُمْ َأّنهُ الْحَقّ َأوَلَ ْم يَكْفِ ِبرَّب َ‬
‫ق وَفِي أَنفُ ِ‬
‫{ َسُنرِيهِمْ آيَاِتنَا فِي الْآفَا ِ‬
‫أَّن ُه عَلَى كُ ّل شَ ْيءٍ َشهِيدٌ } ‪ /53‬سورة فصلت ‪..‬‬
‫لنم ل يكتفوا بشهادة ال على كتابه ‪ ..‬فأصبح من الضروري أن نريهم ذلك باليات الكاشفة ‪..‬‬
‫هكذا يقول ال ف كتابه ‪..‬‬
‫وما زال القرآن يكشف لنا يوما بعد يوم مزيدا من تلك اليات العجيبة ‪ ..‬وحول كروية الرض‬
‫جاءت هذه اليات الصرية الت تستخدم لفظ التكوير لتصف انزلق الليل والنهار كنصفي كرة ‪:‬‬
‫{ ُي َك ّورُ اللّيْ َل عَلَى الّنهَارِ َويُ َك ّورُ الّنهَا َر َعلَى اللّْيلِ } ‪ /5‬سورة الزمر‬
‫ث الية الت تصف دحو الرض ‪..‬‬
‫ك دَحَاهَا } ‪ 30‬سورة النازعات‬ ‫{ وَالَْأ ْرضَ َبعْدَ ذَِل َ‬
‫ودحا هي الكلمة الوحيدة ف القاموس الت تعن البسط والتكوير معا ‪ ..‬والرض كما هو معلوم‬
‫مبسوطة ف‬
‫الظاهر ومكورة ف القيقة ‪ ،‬بل هي أشبه بالدحية " البيضة " ف تكويرها‪..‬‬
‫ث نقرأ إشارة أخرى صرية عن أن البال تسبح ف الفضاء ‪ ،‬وبالتال فالرض كلها تسبح ببالا‬
‫حيث هي والبال كتلة واحدة ‪:‬‬
‫ب صُنْعَ الّلهِ الّذِي أَْتقَنَ كُ ّل شَ ْيءٍ } ‪/ 88‬‬
‫جبَالَ َتحْسَُبهَا جَامِ َدةً َوهِ َي تَ ُمرّ َمرّ السّحَا ِ‬
‫{ وََترَى الْ ِ‬
‫سورة النمل‬
‫فالبال الت تبدو جامدة ساكنة هي ف الواقع سابة ف الفضاء ‪ ..‬وتشبيه البال بالسحب فيه لحة‬
‫أخرى‬
‫عن التكوين الش للمادة ‪ ..‬الت نعرف الن أنا مؤلفة من ذرّات ‪ ،‬كما أن السحب مؤلفة من‬
‫قطيات ‪.‬‬
‫ث الكلم عن تواقت الليل والنهار بدون أن يسبق أحدها الخر من مبدأ اللق إل نايته ‪.‬‬
‫{ لَا الشّ ْمسُ يَنَبغِي َلهَا أَن ُت ْدرِكَ اْلقَ َم َر وَلَا اللّْيلُ سَاِبقُ الّنهَارِ } ‪ /40‬سورة يـس‬
‫إشارة أخرى إل كروية الرض ‪ ..‬حيث بدأ الليل والنهار معا وف وقت واحد منذ بدء الليقة‬
‫كنصفي كرة‬
‫ولو كانت الرض مسطحة لتعاقب النهار والليل الواحد بعد الخر بالضرورة ‪.‬‬

‫ث تأت القيامة والرض ف ليل ونار ف وقت واحد كما كانت ف البدء ‪.‬‬
‫{ َحتّىَ ِإذَا أَ َخ َذتِ ا َل ْرضُ زُ ْخ ُرَفهَا وَازّيَّنتْ وَظَنّ َأ ْهُلهَا أَّنهُمْ قَا ِدرُو َن عََلْيهَآ أَتَاهَا َأ ْمرُنَا َليْلً َأوْ َنهَارًا‬
‫ج َعلْنَاهَا َحصِيدًا كَأَن لّ ْم َتغْنَ بِا َل ْمسِ } ‪ / 24‬سورة يونس‬
‫فَ َ‬
‫ل أو نارا ‪ ..‬تأكيد لذا التواقت الذي ل تفسي له إل أن نصف الرض مجوب‬ ‫وف قوله تعال لي ً‬
‫عن الشمس ومظلم ‪ ،‬والخر مواجه للشمس ومضيء بكم كونا كروية ‪ ،‬ولو كانت مسطحة‬
‫لكان لا ف كل وقت وجه واحد ‪ ،‬ولا صح أن نقول ‪َ { :‬ولَا اللّيْ ُل سَابِ ُق الّنهَارِ } ‪ /40‬سورة‬
‫يـس‬
‫ث تعدد الشارق والغارب ف القرآن فال يُوصَف ‪:‬‬
‫ق وَاْل َمغَارِبِ } ‪ /40‬سورة العارج‬
‫{ ِب َربّ اْلمَشَارِ ِ‬
‫شرِقَيْ ِن َو َربّ الْ َم ْغرَِبيْنِ } ‪ /17‬سورة الرحن‬
‫{ َربّ الْ َم ْ‬
‫ولو كانت الرض مسطحة لكان هناك مشرق واحد ومغرب واحد ‪ ،‬يقول النسان لشيطانه يوم‬
‫القيامة ‪:‬‬
‫شرَِقيْنِ } ‪ / 38‬سورة الزخرف‬
‫{ يَا لَْيتَ َبيْنِي وََبيَْنكَ ُبعْدَ الْمَ ْ‬
‫ول تكون السافة على الرض أبعد ما تكون بي مشرقي إل إذا كانت الرض كروية ‪..‬‬
‫ث الكلم عن السماء بأن فيها مسارات ومالت وطرقا ‪:‬‬
‫حُبكِ } ‪ / 7‬سورة الذاريات‬
‫{ وَالسّمَاء ذَاتِ الْ ُ‬
‫والبك هي السارات‪..‬‬
‫{ وَالسّمَاء ذَاتِ الرّجْ ِع } ‪ /11‬سورة الطارق‬
‫أي أنا ترجع كل ما يرتفع فيها إل الرض ‪ ..‬ترجع بار الاء مطرا ‪ ..‬وترجع الجسام بالاذبية‬
‫الرضية ‪..‬‬

‫وترجع المواج اللسلكية بانعكاسها من طبقة اليونوسفي ‪ ..‬كما ترجع الشعة الرارية تت‬
‫المراء‬
‫معكوسة إل الرض بنفس الطريقة فتدفئها ف الليل ‪..‬‬
‫وكما تعكس السماء ما ينقذف إليها من الرض كذلك تتص وتعكس وتشتت ما ينقذف إليها من‬
‫العال‬
‫الارجي ‪ ،‬وبذلك تمي الرض من قذائف الشعة الكونية الميتة ‪ ،‬والشعة فوق البنفسجية القاتلة‬
‫‪..‬‬
‫فهي تتصرف كأنا سقف ‪..‬‬
‫حفُوظًا } ‪ / 32‬سورة النبياء‬
‫{ وَ َجعَ ْلنَا السّمَاء َس ْقفًا مّ ْ‬
‫{ وَالسّمَاء بََنيْنَاهَا بِأَيْ ٍد وَِإنّا لَمُو ِسعُونَ } ‪ / 47‬سورة الذاريات‬
‫وهو ما يعرف الن باسم تدد الكون الطرد ‪..‬‬
‫وكان مثقال الذرة يعرف ف تلك اليام بأنه أصغر مثقال‪ ،‬وكانت الذرة توصف بأنا جوهر فرد ل‬
‫ينقسم‪ ،‬فجاء القرآن ليقول بثاقيل أصغر تنقسم إليها الذرة ‪ ..‬وكان أول كتاب يذكر شيئا أصغر‬
‫من الذرة ‪:‬‬
‫صغَ ُر مِن ذَِلكَ وَلَا أَ ْكَبرُ } ‪ / 3‬سورة‬
‫ض وَلَا َأ ْ‬
‫ت وَلَا فِي الَْأ ْر ِ‬
‫ب عَْن ُه مِْثقَا ُل َذرّةٍ فِي السّمَاوَا ِ‬
‫{ لَا َي ْعزُ ُ‬
‫سبأ‬

‫كل هذه لحات كاشفة قاطعة عن حقائق مذهلة مثل كروية الرض ‪ ،‬وطبيعة السماء والذرة ‪..‬‬
‫وهي حقائق ل تكن تطر على بال عاقل أو منون ف ذلك العصر البائد الذي نزل فيه القرآن ‪..‬‬
‫ث بصية القرآن ف تكوين النسان وكلمه عن النطفة النوية وانفرادها بتحديد جنس الولود ‪:‬‬
‫{وَأَّنهُ َخلَقَ ال ّزوْ َجيْنِ الذّ َك َر وَالْأُنثَى ‪ .‬مِن نّ ْطفَةٍ ِإذَا تُمْنَى } ‪ 46 / 45‬سورة النجم‬
‫وهي حقيقة بيولوجية ل تُعرف إلّ هذا الزمان ‪ ..‬ونن نقول الن إن رأس اليوان النوي هو وحده‬
‫الذي يتوي على عوامل تديد النس ‪. Sex Determination Factor‬‬
‫وتسوية البنان با فيه من رسوم البصمات الت أوردها ال ف مال التحدي عن البعث والتجسيد ‪:‬‬
‫س ّويَ بَنَاَنهُ } ‪ 4 / 3‬سورة القيامة‬
‫جمَ َع عِظَا َمهُ ‪ .‬بَلَى قَا ِدرِي َن َعلَى أَن نّ َ‬
‫سبُ اْلإِنسَانُ َألّن نَ ْ‬
‫{ أََيحْ َ‬
‫بل سوف نسد حت ذلك البنان ونسويه كما كان ‪ ..‬وف ذلك لفتة إل العجاز اللحوظ ف‬
‫تسوية البنان بيث ل يتشابه فيه اثنان ‪..‬‬
‫وأوهن البيوت ف القرآن هو بيت العنكبوت‪ ..‬ل يقل ال خيط العنكبوت بل قال بيت العنكبوت ‪..‬‬
‫وخيط العنكبوت كما هو معلوم أقوى من مثيله من الصلب أربع مرات ‪ ..‬إنا الوهن ف البيت‬
‫ل ف اليط ‪ ..‬حيث يكون البيت أسوأ ملجأ لن يتمي فيه ‪ ..‬فهو مصيدة لن يقع فيه من الزوار‬
‫الغرباء ‪..‬‬
‫وهو مقتل حت لهله ‪ ..‬فالعنكبوت النثى تأكل زوجها بعد التلقيح ‪ ..‬وتأكل أولدها عند الفقس ‪،‬‬
‫والولد يأكل بعضهم بعض ‪.‬‬
‫إن بيت العنكبوت هو أبلغ مثال يضرب عن سوء اللجأ وسوء الصي ‪ ..‬وهكذا حال من يلجأ لغي‬
‫ال ‪ ..‬وهنا بلغة الية ‪:‬‬
‫{ مَثَ ُل الّذِينَ اتّخَذُوا مِن دُونِ الّلهِ َأوِْليَاء كَ َمثَلِ اْلعَنكَبُوتِ اتّخَ َذتْ بَْيتًا وَإِنّ َأ ْوهَنَ اْلبُيُوتِ لََبْيتُ‬
‫ت‬
‫اْلعَنكَبُو ِ‬
‫َلوْ كَانُوا َيعْلَمُونَ } ‪ /41‬سورة العنكبوت‬
‫وجاءت خاتة الية عبارة ‪ ( ..‬لو كانوا يعلمون ) ‪ ..‬إشارة إل أنه علم لن يظهر إل متأخرا ‪..‬‬
‫ومعلوم أن‬
‫هذه السرار البيولوجية ل تظهر إل متأخرة ‪ ..‬كذلك ند ف سورة الكهف ‪..‬‬
‫سعًا } ‪ /25‬سورة الكهف‬ ‫ي وَا ْزدَادُوا ِت ْ‬
‫ث مِائَ ٍة سِِن َ‬
‫{ وَلَِبثُوا فِي َك ْه ِفهِمْ َثلَا َ‬
‫ونعرف الن أن ثلثائة سنة بالتقوي الشمسي تساوي ثلثائة وتسعا بالتقوي القمري باليوم والدقيقة‬
‫والثانية‪..‬‬

‫وف سورة مري يكي ال تبارك وتعال عن مري وكيف جاءها الخاض فأوت إل جذع النخلة وهي‬
‫تتمن‬
‫الوت‪ ،‬فناداها النادي أن تز بذع النخلة وتأكل ما يتساقط من رطب جن ‪:‬‬
‫سيّا ‪ .‬فَنَادَاهَا مِن‬
‫سيًا مّن ِ‬
‫ع النّخَْلةِ قَاَلتْ يَا لَْيتَنِي ِمتّ قَبْ َل هَذَا وَكُنتُ نَ ْ‬
‫{ فََأجَاءهَا الْ َمخَاضُ إِلَى جِذْ ِ‬
‫حِتهَا‬
‫تَ ْ‬
‫ك رُطَبًا َجنِيّا ‪.‬‬‫ع النّخَْلةِ تُسَاِقطْ َعلَْي ِ‬
‫حزَنِي َقدْ َجعَ َل رَّبكِ تَحَْتكِ َس ِريّا ‪َ .‬و ُهزّي إَِلْيكِ بِجِذْ ِ‬
‫أَلّا تَ ْ‬
‫فَ ُكلِي وَا ْشرَبِي وََقرّي َعيْنًا } ‪ 23/26‬سورة مري‬
‫ولـاذا الرطـب ؟!!‬
‫إن أحدث بث علمي عن الرطب يقول ‪ :‬إن فيه مادة قابضة للرحم تساعد على الولدة ‪ ،‬وتساعد‬
‫على‬
‫منع النيف بعد الولدة ‪ ،‬مثل مادة ‪ ، Oxytocin‬وأن فيه مادة ملينة ‪ ..‬ومعلوم طبيا أن اللينات‬
‫النباتية‬
‫تفيد ف تسهيل وتأمي عملية الولدة بتنظيفها للقولون ‪..‬‬
‫إن الكمة العلمية لوصف الرطب وتوقيت تناول الرطب مع ماض الولدة فيه دقة علمية واضحة ‪.‬‬
‫هذه المثلة من الصدق العلمي والصدق الجازي والصدق الرف هو ما أشار إليه ال سبحانه واصفا‬
‫القرآن بأنه ‪ { :‬لَا يَ ْأتِيهِ اْلبَاطِ ُل مِن َبيْنِ يَ َدْيهِ وَلَا مِنْ َخ ْل ِفهِ } ‪ /42‬سورة فصلت‬
‫وبأنه ‪ { :‬وََلوْ كَا َن مِنْ عِن ِد غَْيرِ الّلهِ َلوَجَدُوْا فِيهِ ا ْختِلَفًا َكثِيًا } ‪ /82‬سورة النساء‬
‫اختلفا بي اليات وبي بعضها بعن تناقضها ‪ ..‬واختلفا عن القائق الثابتة الت سوف تكشفها‬
‫العلوم ‪..‬‬
‫وكل الختلفي نده دائما ف الكتب الؤلفة ‪ ..‬ولذا يرص الؤلف على أن يضيف أو يذف أو‬
‫يعدل‬
‫كلما أصدر طبعة جديدة من كتبه ‪ ..‬ونرى النظريات تتلو بعضها البعض مكذبة بعضها البعض ‪..‬‬
‫ونرى‬
‫الؤلف مهما راعى الدقة يقع ف التناقض ‪ ..‬وهي عيوب ل ندها ف القرآن ‪.‬‬
‫وهو بعد ذلك معجزة ‪ ،‬لنه يبك عن ماض ل يؤرخ ويتنبا بستقبل ل يأت ‪..‬‬
‫وقد صدقت نبوءات القرآن التعددة ‪:‬‬
‫عن انتصار الروم بعد هزيتهم ‪:‬‬
‫ض َوهُم مّن َبعْ ِد غَلَِبهِ ْم سََيغِْلبُونَ ‪ .‬فِي ِبضْعِ سِِنيَ لِّل ِه َ} ‪ 4 /2‬سورة‬
‫{ غُِلَبتِ الرّومُ ‪ .‬فِي َأ ْدنَى الَْأ ْر ِ‬
‫الروم‬
‫و " بضع " ف اللغة هي ما بي ثلث وتسع ‪ ..‬وقد جاء انتصار الروم بعد سني ‪.‬‬
‫وعن انتصار بدر ‪:‬‬
‫{ َسُي ْه َزمُ الْجَمْ ُع وَُيوَلّو َن الدُّبرَ} ‪ /45‬سورة القمر‬
‫وعن رؤيا دخول مكة ‪:‬‬
‫ي ُرؤُوسَكُ ْم‬
‫حرَامَ إِن شَاء الّل ُه آمِِنيَ مُحَّل ِق َ‬
‫{ َلقَ ْد صَدَقَ الّلهُ َرسُوَلهُ ال ّرؤْيَا بِالْحَقّ َلتَدْ ُخلُنّ الْمَسْجِ َد الْ َ‬
‫صرِينَ } ‪ /27‬سورة الفتح‬‫َومُ َق ّ‬
‫وقد كان ‪..‬‬
‫وما زلت ف القرآن نبوءات تتحقق أمام أعيننا ‪ ..‬فهذا إبراهيم يدعو ربه‪:‬‬
‫ل َة‬
‫ح ّرمِ رَبّنَا لُِيقِيمُواْ الصّ َ‬
‫ت مِن ُذرّيّتِي ِبوَا ٍد غَْي ِر ذِي َزرْعٍ عِندَ َبيِْتكَ الْ ُم َ‬
‫{ رّبّنَا إِنّي َأسْكَن ُ‬
‫فَا ْجعَلْ َأفْئِ َد ًة مّنَ النّاسِ َت ْهوِي ِإلَْيهِ ْم وَا ْرزُ ْقهُم مّنَ الثّ َمرَاتِ َلعَّلهُ ْم يَشْ ُكرُونَ } ‪ /37‬سورة إبراهيم‬
‫لقد دعا بالرزق لذا الوادي الديب ‪..‬‬
‫ث جاء وعد ال لهل مكة بالرخاء والغن حينما أمرهم بنع الشركي من زيارة البيت فخافوا البوار‬
‫القتصادي والكساد ‪ " ،‬وكان أهل مكة يعتمدون ف رواجهم على حج البيت "‬
‫فقال ليطمئنهم ‪:‬‬
‫سوْفَ ُيغْنِيكُمُ الّل ُه مِن َفضِْلهِ } ‪ /28‬سورة التوبة‬
‫{ وَإِنْ ِخفْتُ ْم َعيَْلةً فَ َ‬
‫وهو وعد نراه الن يتحقق أمامنا ف البترول الذي يتدفق من الصحراء بل حساب وترتفع أسعاره‬
‫ف جنون يوما بعد يوم ‪ ..‬ث ف كنوز اليورانيوم الت تفيها تلك الصحاري با يضمن لا الرخاء‬
‫إل ناية الزمان ‪..‬‬

‫ث نرى القرآن يدثنا عن الغيب الطلسم ف أسرار الن واللئكة ما ل يكشف إلّ لقلة من‬
‫الخصوصي من أهل التصوف ‪ ..‬فإذا رأي هؤلء فهم ل يرون إل ما يوافق كلمة القرآن ‪..‬‬
‫وإذا طالعوا ل يطالعون إل ما يطابق أسراره ‪.‬‬

‫ث هو يقدم لنا الكلمة الخية ف السياسة والخلق ‪ ،‬ونظم الكم ‪ ،‬والرب والسلم ‪ ،‬والقتصاد‬
‫والجتمع ‪ ،‬والزواج والعاشرة ‪ ،‬ويشرع لنا من مكم الشرائع ما يسبق به ميثاق حقوق النسان ‪..‬‬
‫كل ذلك ف أسلوب منفرد وعبارة شامة وبنيان جال وبلغي هو نسيج وحده ف تاريخ اللغة ‪.‬‬
‫سألوا ابن عرب عن سر إعجاز القرآن فأجاب بكلمة واحدة هي ‪ " :‬الصدق الطلق " ‪..‬‬
‫فكلمات القرآن صادقة صدقا مطلقا ‪ ،‬ف حي أقصى ما يستطيعه مؤلف هو أن يصل إل صدق نسب‬
‫‪ ،‬وأقصى ما يطمع فيه كاتب هو أن يكون صادقا حسب رؤيته ‪ ..‬ومساحة الرؤية دائما مدودة‬
‫ومتغية من عصر إل عصر ‪ ..‬كل واحد منا ييط بانب من القيقة وتفوته جوانب ‪ ،‬ينظر من‬
‫زاوية وتفوته زوايا ‪..‬‬
‫وما يصل إليه من صدق دائما صدق نسب ‪ ..‬أما صاحب العلم الحيط والبصر الشامل فهو ال‬
‫وحده ‪..‬‬
‫وهو وحده القادر على الصدق الطلق ‪ ..‬ولذا نقول على القرآن إنه من عند ال ‪ ،‬لنه أصاب‬
‫الصدق الطلق ف كل شيء‪.‬‬

‫سألوا ممدا عليه الصلة والسلم عن القرآن فقال ‪:‬‬


‫" فيه نبأ ما قبلكم ‪ ،‬وفصل ما بينكم ‪ ،‬وخب ما بعدكم ‪ ،‬وهو الفصل ليس بالزل ‪ ،‬وهو الذكر‬
‫الكيم ‪ ،‬وهو حبل ال التي ‪ ،‬وهو الصراط الستقيم ‪ ،‬من تركه من جبار قصمه ال ‪ ،‬ومن ابتغى‬
‫الدى ف غيه أضله ال ‪ ،‬وهو الذي ل تلتبس به اللسن ‪ ،‬ول تزيغ به العقول ‪ ،‬ول يلق على كثرة‬
‫الرد ‪ ،‬ول يشبع منه العلماء ‪ ،‬ول تنقضي عجائبه " ‪..‬‬

‫عن انفجار شسنا وناية الياة على الرض وقيام القيامة يقول ربنا ف سورة الرحن اليات ‪ 37‬إل‬
‫‪: 44‬‬
‫ت َو ْر َدةً كَال ّدهَا ِن ‪َ .‬فبَِأيّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذّبَا ِن ‪َ .‬فَي ْومَئِذٍ لّا يُسْأَ ُل عَن ذَنِبهِ‬
‫ش ّقتِ السّمَاء فَكَاَن ْ‬ ‫{َفِإذَا ان َ‬
‫س وَلَا‬‫إِن ٌ‬
‫ج ِرمُونَ بِسِيمَاهُمْ َفُيؤْخَذُ بِالّنوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ‪َ .‬فبَِأيّ آلَاء‬ ‫جَانّ ‪ .‬فَبَِأيّ آلَاء َربّكُمَا ُتكَذّبَانِ ‪ُ .‬ي ْعرَفُ الْمُ ْ‬
‫رَبّكُمَا‬
‫جرِمُو َن ‪ .‬يَطُوفُونَ َبيَْنهَا وََبيْنَ حَمِي ٍم آنٍ } سورة الرحن‬ ‫تُكَذّبَا ِن ‪ .‬هَ ِذهِ َج َهنّمُ الّتِي يُ َك ّذبُ ِبهَا الْ ُم ْ‬

‫وتأتينا علوم الفلك الن وبعد ألف وأربعمائة سنة من نزول القرآن ‪ ..‬بأن هذه ناية النجوم الت تل‬
‫السماء‬
‫بألوانا البهرة ‪ ..‬بل ويطلق الفلكيون على بعض هذه النجوم النفجرة اسم ‪ Rosetta‬أي وردة‬
‫‪..‬‬
‫من أي مصدر جاءت هذه النبوءات للرسول منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام ‪..‬‬
‫إل أن تكون من رب الكون نفسه ‪ ..‬ويستطيع أي قارئ أن يرى هذه العجائب على النترنت‬
‫موقع ‪ NASA‬باب ‪ Astronomical picture of the day‬بعنوان ‪Cats‬‬
‫‪eye‬‬

‫وهذا كلمهم وليس كلمنا ‪..‬‬


‫وهذا هو كتابنا يا صديقــي ‪..‬‬
‫ولذه الصفات متمعة ل يكن أن يكون مؤلفا ‪..‬‬
‫الفصل الثالث عشر‬
‫شكوك‬

‫قال صاحب‪:‬‬

‫‪ -‬تقول إن القران ل يتناقض مع نفسه فما بالك بذه الية‪" :‬فمن شاء فليؤمن ومن شاءفليكفر"‬
‫‪ -39‬الكهف‬

‫والية الخرى الت تنقضها‪" :‬وما تشاءون إل أن يشاء ال"‪ -30‬النسان‬

‫ث ند القرآن يقول عن حساب الذنبي إنم سوف يسألون‪" :‬ستكتب شهادتم ويسألون"‪-19‬‬
‫الزخرف‬

‫"وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون"‪ -44‬الزخرف‬


‫ومرة أخرى يقول‪" :‬ول يسأل عن ذنوبم الجرمون"‪ -78‬القصص‬

‫وأنم سوف يعرفون بسيماهم‪:‬‬


‫"فيؤخذ بالنواصى والقدام" ‪ -41‬الرحن‬
‫ومرة يقول إنه ل احد سوف يشد وثاق الجرم‪.‬‬
‫"ول يوثق وثاقه أحد"‪ -26‬الفجر‬
‫بعن أن كل واحد سوف يتكفل بتعذيب نفسه‪.‬‬
‫"كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" ‪ -14‬السراء‬
‫ومرة يقول‪:‬‬
‫"ث ف سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه"‪ -32‬الاقة‬
‫قلت له‪:‬‬
‫هذه ليست تناقضات‪ ..‬ولنفكر فيها معا‪ ،‬فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‪ ..‬آية صرية تشي إل‬
‫حرية العبد واختياره‪ ..‬ولكن هذه الرية ل نأخذها من ال غصبا وغلبا‪ ..‬وإنا أعطاها إيانا‬
‫بشيئته‪ ..‬فتأت الية الثانية لتشرح دلك فتقول‪:‬‬
‫"وما تشاءون إل أن يشاء ال "‪ -30‬النسان‪.‬‬
‫أي أن حرية العبد ضمن مشيئة الرب وليست ضدها‪ ..‬أي أن حرية العبد يكن أن تناقض الرضا‬
‫اللي فتختار العصية ولكنها ل يكن أن تناقض الشيئة‪ ..‬فهي تظل دائما ضمن الشيئة‪ ،‬ولو خالفت‬
‫الرضا‪ ..‬وهي نقطة دقيقة‪ ..‬وقلنا إن التسيي اللي هو عي التخيب‪ ،‬لن ال يتار للعبد من جنس نيته‬
‫وقلبه‪ ..‬ومعن ذلك أنه يريد للعبد نفس ما أراد العبد لنفسه بنيته واختيار قلبه‪ ...‬أي أن العبد مسي‬
‫إل ما اختار‪ ..‬ومعن ذلك أنه ل إكراه و أنه ل ثنائية ول تناقض‪ ..‬وأن التسيي هو عي التخيي‪.‬‬
‫وهي مسألة من أدق السائل ف فهم لغز الخي والسي‪ ..‬وما تسميه أنت تناقضا هو ف القيقة جلء‬
‫ذلك السر‪.‬‬
‫أما اليات الواردة عن الساب فإن كل آية تعن طائفة متلفة‪ ،‬فهناك من سوف يسأل وتطلب‬
‫شهادته‪ ،‬وهناك من ستكون ذنوبه من الكثرة بيث تطفح على وجهه‪ ،‬وهؤلء هم الذين سوف‬
‫يعرفون بسيماهم فيؤخذون بالنواصى والقدام‪ ،‬وهناك العاند النكر الذي سوف تشهد عليه يداه‬
‫ورجله‪:‬‬
‫" اليوم نتم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم با كانوا يكسبون "‪ -65‬يس‬
‫وهناك من سيكون حسيبا على نفسه يعذبا بالندم ويشد وثاقها بالسرة‪ ..‬وهو الذي ل يوثق وثاقه‬
‫أحد‪.‬‬
‫وهناك أكابر الجرمي البارين الذين سوف يكذبون على ال‪ ،‬وهم يواجهونه ويلفون الكذب وهم‬
‫ف الوقف العظيم‪:‬‬
‫"يوم يبعثهم ال جيعا فيحلفون له كما يلفون لكم ويسبون أنم على شيء أل إنم هم الكاذبون"‬
‫‪ -18‬الجادلة‬
‫وهؤلء هم الذين سوف يسحبون على وجوههم ويوثقون ف السلسل‪ . .‬وأبو حامد الغزال يفسر‬
‫هذه السلسل بأنا سلسل السباب‪.‬‬
‫‪ -‬وما رأيك ف كلم القرآن عن العلم اللي‪:‬‬
‫" إن ال عنده علم الساعة وينل الغيث ويعلم ما ف الرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما‬
‫تدرى نفس بأي أرض توت " ‪ -34‬لقمان‬
‫يقول القرآن إن ال اختص نفسه بذا العلم ل يعلمه غي‪:.‬‬
‫" وعنده مفاتح الغيب ل يعلمها إل هو" ‪ -51‬النعام‬
‫فما بالك الن بالطبيب الذي يستطيع أن يعلم ما بالرحام‪ ،‬ويستطيع أن يتنبأ إن كان ذكرا أم أنثى‪..‬‬
‫وما بالك بالعلماء الذين أنزلوا الطر الصناعي بالساليب الكيماوية‪.‬‬
‫ل يتكلم القرآن عن إنزال الطر وإنا عن إنزال الغيث‪ ،‬وهو الطر الغزير الكثيف الذي ينل بكميات‬
‫تكفى لتغيي مصي أمة وإغاثتها ونقلها من حال الدب إل حال الصب والرخاء‪ ..‬والطر بذه‬
‫الكميات ل يكن إنزاله بتجربة‪.‬‬
‫أما علم ال لا ف الرحام فهو علم كلى ميط وليس فقط علما بنس الولود هل هو ذكر أو أنثى‪،‬‬
‫وإنا علم بن يكون ذلك الولود وما شأنه وماذا سيفعل ف الدنيا‪ ،‬وما تاريه من يوم يولد إل يوم‬
‫يوت‪ :‬وهو أمر ل يستطيع أن يعلمه طبيب‪.‬‬
‫‪ -‬وما حكاية كرسى ال الذي تقولون إنه وسع السموات والرض‪ ..‬وعرش ال الذي يمله ثانية‪.‬‬
‫‪ -‬إن عقلك يسع السموات والرض وأنت البشر الذي ل تذكر‪ ..‬فكيف ل يسعها كرسى ال‪..‬‬
‫والرض والشمس والكواكب والنجوم والجرات ممولة بقوة ال ف الفضاء‪ ..‬فكيف تعجب لمل‬
‫عرش‪..‬‬
‫‪ -‬وما هو الكرسي وما العرش؟‬
‫‪ -‬قل ل ما اللكترون أقل لك ما الكرسي؟ قل ل ما الكهرباء؟ قل ل ما الاذبية؟ قل ل ما الزمان؟‬
‫إنك ل تعرف ماهية أي شيء لتسألن ما الكرسي وما العرش؟ إن العال ملوء بالسرار وهذه بعض‬
‫أسراره‪.‬‬
‫‪ -‬والنملة الت تكلمت ف القرآن وحذرت بقية النمل من قدوم سليمان وجيشه‪:‬‬
‫" قالت نلة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم ل يطمنكم سليمان وجنوده" ‪ -18‬النمل‬
‫‪ -‬لو قرأت القليل عن علم الشرات الن لا سألت هذا السؤال‪ ..‬إن علم الشرات حافل بدراسات‬
‫مستفيضة عن لغة النمل ولغة النحل‪ .‬ولغة النمل الن حقيقة مؤكدة‪ ..‬فا كان من المكن أن تتوزع‬
‫الوظائف ف خلية من مئات اللوف ويتم التنظيم وتنقل الوامر والتعليمات بي هذا الشد الاشد‬
‫لول أن هناك لغة للتفاهم‪ ،‬ول مل للعجب ف أن نلة عرفت سليمان‪ ..‬أل يعرف النسان ال؟‬
‫‪ -‬وكيف يحو ال ما يكتب ف لوح قضائه‪:‬‬
‫"يحو ال ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" ‪ -38‬الرعد‬
‫أيطى ربكم كما نطى ف الساب فنمحو ونثبت‪ ..‬أم يراجع نفسه كما نراجع أنفسنا‪.‬‬
‫‪ -‬ال يحو السيئة بأن يلهمك بالسنة ويقول ف كتابه‪:‬‬
‫"إن السنات يذهب السيئات" ‪ -114‬هود‬
‫ويقول عن عباده الصالي‪:‬‬
‫"وأوحينا إليهم فعل اليات و إقام الصلة وإيتاء الزكاة" ‪ -73‬النبياء‪.‬‬
‫وبذلك يحو ال دون أن يحو وهذا سر الية ‪ 39‬من سورة الرعد الت ذكرتا‪.‬‬
‫‪ -‬وما رأيك ف الية؟‬
‫" وما خلقت الن والنس إل ليعبدون" ‪ -56‬الذاريات‬
‫هل كان ال ف حاجة لعبادتنا؟!‬
‫‪ -‬بل نن الحتاجون لعبادته‪.‬‬
‫أتعبد الرأة الميلة حبا بأمر تكليف‪ ،‬أم أنك تلتذ بذا الب وتنتشى وتسعد لتذوقك لمالا؟ كذلك‬
‫ال وهو الجل من كل جيل إذا عرفت جلله وجاله وقدره عبدته‪ ،‬ووجدت ف عبادتك له غاية‬
‫السعادة والنشوة‪ .‬إن العبادة عندنا ل تكون إل عن معرفة‪ ..‬وال ل يعبد إل بالعلم‪ ..‬ومعرفة ال هي‬
‫ذروة العارف كلها‪ ،‬وناية رحلة طويلة من العارف تبدأ منذ اليلد وأول ما يعرف الطفل عند‬
‫ميلده هو ثدي أمه‪ ،‬وتلك أول لذة‪ ،‬ث يتعرف على أمه وأبيه وعائلته ومتمعه وبيئته‪ ،‬ث يبدأ ف‬
‫استغلل هذه البيئة لنفعته‪ ،‬فإذا هي ثدي آخر كبي يدر عليه الثراء والغان واللذات‪ ،‬فهو يرج من‬
‫الرض الذهب والاس‪ ،‬ومن البحر الللئ‪ ،‬ومن الزرع الفواكه والثمار‪ ،‬وتلك هي اللذة الثانية ف‬
‫رحلة العرفة‪ .‬ث ينتقل من معرفته لبيئته الرضية ليخرج إل السموات ويضع رجله على القمر‪ ،‬وبطلق‬
‫سفائنه إل الريخ ف ملحة نو الجهول ليستمتع بلذة أخرى أكب هي لذة استطلع الكون‪ ،‬ث‬
‫يرجع ذلك اللح ليسأل نفسه‪ ..‬ومن أنا الذي عرفت هذا كله‪ ..‬ليبدأ رحلة معرفة جديدة إل‬
‫نفسه‪ ..‬بدف معرفة نفسه والتحكم ف طاقاتا وإدارتا لصاله وصال الخرين‪ ،‬وتلك لذة أخرى‪.‬‬
‫ث تكون ذروة العارف بعد معرفة النفس هي معرفة الرب الذي خلق تلك النفس‪ .‬وبذه العرفة‬
‫الخية يبلغ النسان ذروة السعادات‪ ،‬لنه يلتقى بالكامل التعال الجل من كل جيل‪ ..‬تلك هي‬
‫رحلة العابد على طريق العبادة‪ ..‬وكلها ورود ومسرات‪ .‬وإذا كانت ف الياة مشقة‪ ،‬فلن قاطف‬
‫الورود لبد أن تدمى يديه الشواك‪ ..‬والطامع ف ذرى اللناية لبد أن يكدح إليها‪ ..‬ولكن وصول‬
‫العابد إل معرفة ربه وانكشاف الغطاء عن عينيه‪ ..‬ما أروعه‪ .‬يقول الصوف لبس الرقة‪" :‬نن ف لذة‬
‫لو عرفها اللوك لقاتلونا عليها بالسيوف " تلك هي لذة العبادة القة‪ ..‬وهي من نصيب العابد‪..‬‬
‫ولكن ال ف غن عنها وعن العالي‪ ..‬ونن ل نعبده بأمر تكليف ولكنا نعبده لننا عرفنا جاله‬
‫وجلله‪ ..‬ونن ل ند ف عبادته ذل بل تررا وكرامة‪ ..‬تررا من كل عبوديات الدنيا‪ ..‬تررا من‬
‫الشهوات رالغرائز والطماع والال‪ ..‬ونن ناف ال فل نعود ناف أحدا بعده ول نعود نعبأ‬
‫باحد‪ ..‬خوف ال شجاعة‪ ..‬وعبادته حرية‪ ..‬والذل له كرامة‪ ..‬ومعرفته يقي وتلك هي العبادة‪..‬‬
‫حن الذين نن أرباحها ومسراتا‪ ..‬أما ال فهو الغن عن كل شيء‪ ..‬إنا خلقنا ال ليعطينا ل ليأخذ‬
‫منا‪ ..‬خلقنا ليخلع علينا من كمالته فهو السميع البصي‪ ،‬وقد أعطانا سعا وبصرا وهو العليم البي‪،‬‬
‫وقد أعطانا العقل لنتزود من علمه‪ ،‬والواس لنتزود من خبته وهو يقول لعبده القرب ف الديث‬
‫القدسى‪" :‬عبد أطعن أجعلك ربانيا تقول للشيء كن فيكون "‪..‬‬
‫أل يفعل هذا لعيسى عليه السلم‪ ..‬فكان عيسى يي الوتى بإذنه ويلق من الطي طيا بإذنه ويشفى‬
‫العمى والبرص بإذنه‪.‬‬
‫العبودية ل إذن هي عكس العبودية ف مفهومنا‪ ..‬فالعبودية ف مفهومنا هي أن يأخذ السيد خي‬
‫العبد‪ ،‬أما العبودية ل فهي على العكس‪ ،‬أن يعطى السيد عبده ما ل خدود له من النعم‪ ،‬ويلع عليه‬
‫ما ل ناية من الكمالت‪ ..‬فحينما يقول ال‪:‬‬
‫"وما خلقت الن والنس إل ليعبدون"‪ -56‬الذاريات‬
‫فمعناها الباطن ما خلقت الن والنس إل لعطيهم وأمنحهم حبا وخيا‪ ،‬وكرامة وعزة‪ ،‬وأخلع‬
‫عليهم ثوب التشريف واللفة‪.‬‬
‫فالسيد الرب غن مستغن عن عبادتنا‪ ..‬ونن الحتاجون إل هذه العبادة والشرف‪ ،‬والواهب‬
‫واليات الت ل حد لا‪.‬‬
‫فال الكري سح لنا أن ندخل عليه ف أي وقت بل ميعاد‪ ،‬ونبقى ف حضرته ما شئنا وندعوه ما‬
‫وسعنا‪ ..‬بجرد أن نبسط سجادة الصلة ونقول "ال أكب" نصبح ف حضرته نطلب منه ما نشاء‪.‬‬
‫أين هو اللك الذي نستطيع أن ندخل عليه بل ميعاد و نلبث ف حضرته ما نشاء؟!‬
‫وف ذلك يقول مولنا العبد الصال الشيخ ممد متول الشعراوي ف شعر جيل‪:‬‬
‫حسب نفسي عزا إنن عبد يتفي ب بل مواعيد رب هو ف قدسه العز ولكن أنا ألقى مت وحي‬
‫أحب ويقول‪ :‬أرون صنعة تعرض على صانعها خس مرات ف اليوم "يقصد الصلوات المس "‬
‫وتتعرض للتلف وهذه بعض العان الباطنة ف الية الت أثارت شكوكك‪:‬‬
‫"وما خلقت الن والنس إل ليعبدون"ولو تأملتها لا أثارت فيك إل الذهول والعجاب‪.‬‬

‫الفصل الرابع عشر‬


‫موقـف الـدين من التطــور‬

‫قال صاحب ‪:‬‬


‫‪ -‬موقفك اليوم سيكون صعبا‪ ،‬فعليك أن تثبت أن خلق النسان جاء على طريقة جل جل ‪..‬‬
‫أمسك الالق قطعة طي ث عجنها ف يده ونفخ فيها فإذا با آدم وهو كلم تالفك فيه بشدة علوم‬
‫التطور‬

‫الت تقول ‪ :‬إن صاحبك آدم جاء نتيجة سلسلة من الطوار اليوانية السابقة‪ ،‬وإنه ليس مقطوع‬
‫الصلة‬
‫بأفراد عائلته من اليوانات‪ ،‬وإنه والقرود أولد عمومة يلتقون معا ف سابع جد ‪..‬‬
‫وإن التشابه الكيد ف تفاصيل البنية التشريية للجميع يدل على أنم جيعا أفراد أسرة واحدة ‪.‬‬

‫قلت وأنا أستعد لعركة علمية دسة ‪:‬‬


‫‪ -‬دعن أصحح معلوماتك أول فأقول لك إن ال ل يلق آدم على طريقة جل جل ‪..‬‬
‫ها هنا قطعة طي ننفخ فيها فتكون آدم ‪ ..‬فالقرآن يروي قصة متلفة تاما عن خلق آدم‪ ،‬قصة يتم فيه‬
‫اللق على مراحل وأطوار وزمن إلي مديد‪ ،‬والقرآن يقول إن النسان ل يرج من الطي مباشرة‪،‬‬
‫وإنا خرج من سللة جاءت من الطي ‪ { :‬وََلقَدْ َخَلقْنَا الْإِنسَا َن مِن سُلَالَ ٍة مّن ِطيٍ } ‪ /12‬سورة‬
‫الؤمنون‬
‫وأن النسان ف البدء ل يكن شيئا يذكر ‪:‬‬
‫ي مّنَ ال ّد ْهرِ لَمْ َيكُن شَْيئًا مّذْكُورًا } ‪ /1‬سورة النسان‬
‫{ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ ِح ٌ‬
‫وأن خلقه جاء على أطوار ‪..‬‬
‫{مّا لَكُمْ لَا َترْجُونَ ِلّلهِ وَقَارًا ‪ .‬وََقدْ خََلقَكُمْ أَ ْطوَارًا } ‪ 13/14‬سورة نوح‬
‫ص ّورْنَاكُ ْم ثُمّ ُقلْنَا ِللْمَلئِكَ ِة اسْجُدُواْ ل َدمَ فَسَجَدُواْ إِلّ إِْبلِيسَ } ‪ /11‬سورة‬ ‫{ وََلقَدْ َخَلقْنَاكُمْ ثُ ّم َ‬
‫العراف‬
‫ختُ فِيهِ مِن رّوحِي َف َقعُواْ َلهُ‬
‫شرًا مِن ِطيٍ ‪ .‬فَِإذَا َسوّْيُتهُ وََنفَ ْ‬
‫{ ِإذْ قَا َل َرّبكَ ِللْ َملَائِ َكةِ إِنّي خَالِ ٌق بَ َ‬
‫سَاجِدِينَ } ‪ 71/72‬سورة ص‬
‫معن ذلك أن هناك مراحل بدأت باللق ث التصوير ‪ ..‬ث التسوية ث النفخ ‪..‬‬
‫" وث " بالزمن اللي معناها مليي السني ‪ { :‬إِنّ َي ْومًا عِن َد رَّبكَ كَأَلْفِ َسنَ ٍة مّمّا َتعُدّونَ } ‪/47‬‬
‫سورة الج‬
‫انظر إل هذه الراحل الزمنية للخلق ف سورة السجدة ‪ ..‬يقول ال سبحانه إنه ‪ { :‬وَبَدَأَ َخلْقَ‬
‫ي‪.‬‬
‫اْلإِنسَانِ مِن ِط ٍ‬
‫ثُمّ َجعَ َل نَسَْل ُه مِن ُسلَالَ ٍة مّن مّاء ّم ِهيٍ ‪ .‬ثُ ّم َسوّا ُه وََنفَخَ فِيهِ مِن رّو ِحهِ َو َجعَلَ لَكُمُ السّمْ َع وَالْأَْبصَارَ‬
‫وَالَْأفْئِ َدةَ َقلِيلًا مّا تَشْ ُكرُونَ } ‪ 9 /7‬سورة السجدة‪.‬‬
‫ف البدء كان الطي ‪ ،‬ث جاءت سللة من ماء مهي هي البدايات الول للنسان الت ل تكن شيئا‬
‫مذكورا‪ ،‬ث التسوية والتصوير‪ ،‬ث نفخ الروح الت با أصبح للنسان سع وبصر وفؤاد ‪ ..‬وأصبح آدم‬
‫‪..‬‬
‫فآدم إذن ناية سلسلة من الطوار وليس بدءا مطلقا على طريقة جل جل ‪..‬‬

‫{ وَالّلهُ أَنَبتَكُم مّنَ الَْأ ْرضِ نَبَاتًا } ‪ /17‬سورة نوح‬


‫هنا عملية إنبات بكل ما ف النبات من أطوار ومراحل وزمن ‪..‬‬
‫ولكن اللغز القيقي هو ‪ ..‬ماذا كانت تلك الراحل بالضبط‪ ،‬وماذا كانت تلك الطوار ؟‬
‫هل كل شجرة الياة من أب واحد ‪..‬‬
‫هي كلها من الطي بكم التركيب الكيميائي ‪ ..‬وكلها تنتهي بالوت إل أصلها التراب ‪ ..‬هذه‬
‫حقيقة ‪..‬ولكننا نقصد من كلمة أب شيئا أكثر من الصل الطين ‪..‬‬

‫والسؤال هو هل تولدت من الطي خلية أول تعددت وأنبت كل تلك النواع والفصائل النباتية‬
‫واليوانية با ف ذلك النسان ؟‬
‫أم أنه كانت هناك بدايات متعددة‪ ..‬بداية تطورت إل نباتات‪ ،‬وبداية تطورت إل فرع من فروع‬
‫اليوان‪ ،‬كالسفنج مثلً‪ ،‬وبداية أخرى خرج منها فرع آخر كالساك‪ ،‬وبداية خرجت منها‬
‫الزواحف‪ ،‬وبداية خرجت منها الطيور‪ ،‬وبداية خرجت منها الثدييات‪ ،‬وبداية خرج منها النسان‪،‬‬
‫وبذلك يكون للنسان جد منفصل‪ ،‬ويكون لكل نوع جد خاص به؟‬

‫إن التشابه التشريي للفروع والنواع والفصائل ل ينفي خروج كل نوع من بداية خاصة‪ ،‬وإنا يدل‬
‫هذا‬
‫التشابه التشريي ف الميع على وحدة الالق‪ ،‬وأن صانعها جيعا واحد‪ ،‬لنه خلقها جيعا من خامة‬
‫واحدة وبأسلوب واحد وبطة واحدة‪ ..‬هذه هي النتيجة التمية‪.‬‬
‫ولكن خروجها كلها من أب واحد ليس نتيجة متمة لتشابها التشريي‪ ..‬فوسائل الواصلت تتشابه‬
‫فيما بينها العربة والقطار والترام والديزل كلها تقوم على أسس هندسية وتركيبة متشابة‪ ،‬دالة بذلك‬
‫على أنا جيعا من اختراع العقل البشري ‪ ..‬ولكن هذا ل ينع أن كل صنف منها جاء من أب‬
‫مستقل ومن فكرة هندسية مستقلة‪..‬‬
‫كما أننا ل يصح أن نقول إن عربة اليد تطورت تلقائيا بكم القواني الباطنة فيها إل عربة حنطور‪،‬‬
‫ث إل عربة فورد ث إل قطار‪ ،‬ث إل ديزل‪.‬‬

‫فالواقع غي ذلك ‪ ..‬وهو أن كل طور من هذه الطوار جاء بطفرة ذهنية ف عقل الخترع‪ ،‬وقفزة‬
‫إبداع ف عقل الهندس‪ ،‬ل يرج نوع من آخر‪ ..‬مع أن الترتيب الزمن قد يؤيد فكرة خروج نوع من‬
‫نوع‪..‬‬
‫ولكن ما حدث كان غي ذلك فكل نوع جاء بطفرة إبداعية من العقل الخترع‪ ،‬وبدأ مستقلً‪.‬‬
‫وهذه هي أخطاء داروين والطبات والثغرات الت وقع فيها حينما صاغ نظريته‪.‬‬

‫ودعنا نتذكر معا ما قال داروين ف كتابه "أصل النواع" ‪:‬‬


‫كان أول ما اكتشفه داروين ف أثناء رحلته بالسفينة "بيجل" هي الطة التشريية الواحدة الت بنيت‬
‫عليها كل الفصائل اليوانية ‪ ..‬فاليكل العظمي واحد ف أغلب اليوانات الفقرية ‪ :‬الذراع ف القرد‬
‫هو نفس الناح ف الطائر‪ ،‬هو نفس الناح ف الفاش‪ ،‬كل عظمة هنا تقابلها عظمة تناظرها هناك‬
‫مع تورات طفيفة‪ ،‬لتلئم الوظيفة‪ ،‬فالعظام ف الطيور رقيقة وخفيفة وموفة وهي مغطاة بالريش ‪..‬‬
‫ث ند رقبة الزرافة الطويلة با سبع فقرات‪ ،‬ورقبة النسان سبع فقرات‪ ،‬ورقبة القنفذ الت ل تذكر من‬
‫فرط قصرها هي الخرى با سبع فقرات‪ ،‬وهناك خس أصابع ف يد النسان‪ ،‬وند نفس التخميس‬
‫ف أصابع القرد‪ ،‬والرنب‪ ،‬والضفدعة‪ ،‬والسحلية‪ ،‬وفترة المل ف الوت والقرد والنسان تسعة‬
‫أشهر‪ ،‬وفترة الرضاع ف الميع سنتان‪ ،‬وفقرات الذيل ف القرد ندها ف النسان متدامة ملتصقة‬
‫فيما يسمى بالعصعص‪ ،‬وند عضلت الذيل قد تورت ف النسان إل قاع متي للحوض‪ ،‬ث ند‬
‫القلب بغرفه الربع ف الصان والمار والرنب والمامة والنسان‪ ،‬ونفس الطة ف تفرع الشرايي‬
‫والوردة‪ ،‬ث ند نفس الطة ف الهاز الضمي ‪ :‬البلعوم ث العدة ‪ ..‬ث "الثن عشر" ‪ ..‬ث المعاء‬
‫الدقيقة ‪ ..‬ث المعاء الغليظة ‪ ..‬ث الشرج‬

‫والهاز التناسلي ‪ :‬نفس الصية‪ ،‬والبيض‪ ،‬وقنوات الصية‪ ،‬وقنوات البيض ‪ ..‬وكذلك الهاز البول‬
‫‪:‬‬
‫نفس الكلية‪ ،‬والالب‪ ،‬وحويصلة البول ‪ ..‬والهاز التنفسي ‪ :‬القصبة الوائية والرئتي‪ ،‬وند أن الرئة‬
‫ف البمائيات هي نفس كيس العوم ف السمكة‪.‬‬

‫كان طبيعيا بعد هذا أن يتصور داروين أن اليوانات كلها أفراد أسرة واحدة تفرقت بم البيئات‬
‫فتكيفت كل فصيلة مع بيئتها ‪..‬‬
‫الوت ف النطقة الليدية لبس معطفا من الشحم ‪ ..‬والدببة لبست الفراء ‪..‬‬
‫وإنسان الغابة ف الشمس الستوائية أسودّ جلده فأصبح كالظلة الواقية ليقيه الشمس ‪..‬‬
‫وسحال الكهوف ضمرت عيونا لنا ل تد لا فائدة ف الظلم فأصبحت عمياء ف حي ند‬
‫سحال‬
‫الباري مبصرة‪ ..‬واليوانات الت نزلت الاء طورت أطرافها إل زعانف‪ ..‬والت غزت الو طورت‬
‫أطرافها‬
‫إل أجنحة‪ ..‬وزواحف الرض طورت أطرافها إل أرجل‪.‬‬

‫ث أل يكي الني القصة ؟ ففي مرحلة من مراحل نوه نراه يتنفس بالياشيم ث تضمر الياشيم‬
‫وتظهر فيه الرئتان ‪ ،‬وف مرحلة ند له ذيلً يضمر الذيل ويتفي ‪ ،‬وف مرحلة نراه يكتسي بالشعر ث‬
‫ينحسر بعد ذلك الشعر عن جسمه ‪.‬‬

‫ث أل تكي لنا طبقات الصخور با حفظت لنا من حفريات قصة متسلسلة اللقات عن ظهور‬
‫واختفاء هذه النواع الواحد بعد الخر من اليوانات البسيطة وحيدة اللية‪ ،‬إل عديدة الليا‪ ،‬إل‬
‫الرخويات‪ ،‬إل القشريات ‪ ،‬إل الساك ‪ ،‬إل البمائيات ‪ ،‬إل الزواحف ‪ ،‬إل الطيور ‪ ،‬إل الثدييات‬
‫‪..‬‬
‫وأخيا إل النسان‪..‬‬
‫ولقد أصاب داروين وأبدع حينما وضع هذه القدمة القيمة ف التشابه التشريي بي اليوانات‬
‫وأصاب حينما قال بالتطور‪.‬‬
‫ولكنه أخطأ حينما حاول أن يفسر عملية الرتقاء‪ ،‬وأخطأ حينما حاول أن يتصور مراحل هذا‬
‫الرتقاء وتفاصيله‪.‬‬
‫كان تفسي داروين لعملية الرتقاء أنه يتم بالعوامل الادية التلقائية وحدها ‪ ،‬حيث تتقاتل اليوانات‬
‫بالناب والخلب ف صراع الياة الدموي الرهيب فيموت الضعيف ويكون البقاء دائما للصلح‪..‬‬
‫تلك الرب الناشبة ف الطبيعة هي الت تفرز الصال والقوي وتشجعه ‪ ..‬وتبقي على نسله ‪ ..‬وتفسح‬
‫أمامه سبل الياة‪..‬‬
‫وإذا كانت هذه النظرية تفسر لنا بقاء القوى فإنا ل تفسر لنا بقاء الجل‪ ،‬فإن الناح النقوش ل‬
‫يتاز بأي صلحيات مادية أو معاشية عن الناح البيض‪ ،‬وليس أكفأ منه ف الطيان ‪..‬‬
‫وإذا قلنا إن الذكر يفضل الناح النقوش‪ ،‬ف التزاوج‪ ،‬فسوف نسأل ولاذا؟ ‪ ..‬ما دام هذا النقش ل‬
‫يثل أي مزيد من الكفاءة ؟‬
‫وإذا دخل تفضيل الجل ف الساب فإن النظرية الادية تنهار من أساسها ‪..‬‬
‫وتبقى النظرية بعد ذلك عاجزة عن تفسي لاذا خرج من عائلة المار شيء كالصان ‪ ..‬ولاذا خرج‬
‫من عائلة الوعل شيء رقيق مرهف وجيل كالغزال‪ ..‬مع أنه أقل قوة وأقل احتما ًل ‪ ..‬كيف نفسر‬
‫جناح الدهد وريشة الطاووس وموديلت الفراش بألوانا البديعة ونقوشها الذهلة ‪ ..‬ونن هنا أمام‬
‫يد مصور فنان يتفنن ويبدع ‪ ..‬ولسنا أمام عملية غليظة كصراع البقاء وحرب الخلب والناب ‪..‬‬

‫والطأ الثان ف نظرية التطور جاء بعد ذلك من أصحاب نظرية الطفرة ‪..‬‬
‫والطفرات هي الصفات الديدة الفاجئة الت تظهر ف النسل نتيجة تغيات غي مسوبة‬
‫ف عملية تزاوج اللية النثوية واللية الذكرية ولقاء الكروموسومات لتحديد الصفات الوراثية ‪..‬‬
‫وأحيانا تكون هذه الصفات الديدة صفات ضارة كالسوخ والتشوهات‪ ،‬وأحيانا تكون طفرات‬
‫مفيدة للبيئة الديدة للحيوان كأن تظهر للحيوان الذي ينل الاء أرجل مبططة ‪ ..‬فتكون صفة‬
‫جديدة مفيدة‪..‬‬
‫لن الرجل البططة أنسب للسباحة‪ ،‬فتشجع الطبيعة هذه الصفة وتنقلها إل الجيال الديدة‪،‬‬
‫وتقضي على الصفة القدية لعدم صلحيتها‪ ،‬وبذلك يدث الرتقاء وتتطور الرجل العادية إل أرجل‬
‫غشائية ‪..‬‬
‫وخطأ هذه النظرية أنا أقامت التطور على أساس الطفرات والخطاء العشوائية ‪ ..‬وأسقطت عملية‬
‫التدبي والبداع تاما ‪..‬‬
‫ول يكن أن تصلح هذه الطفرات العشوائية أساسا لا نرى حولنا من دقة وإبداع وإحكام ف كل‬
‫شيء ‪..‬‬
‫إن البعوضة تضع بيضها ف الستنقع ‪ ..‬وكل بيضة تأت إل الوجود مزودة بكيسي للطفو ‪..‬‬
‫من أين تعلمت البعوضة قواني أرشيدس لتزود بيضها بذه الكياس الطافية ؟‬
‫وأشجار الصحارى تنتج بذورا منحة تطي مع الرياح أميا ًل وتنتثر ف مساحات واسعة بل حدود ‪..‬‬
‫من أين تعلمت أشجار الصحارى قواني المل الوائي لتصنع لنفسها هذه البذور الجنحة‪ ،‬الت تطي‬
‫مئات الميال بثا عن أراض ملئمة للنبات ؟‬
‫وهذه النباتات الفترسة الت تصطنع لنفسها الفخاخ والشراك الداعية العجيبة لتصيد الشرات‬
‫وتضمها وتأكلها بأي عقل استطاعت أن تصطنع تلك اليل ؟‬
‫نن هنا أمام عقل كلي يفكر ويبتكر لخلوقاته ويبدع لا أسباب اليل‪ ..‬ل يكن تصور حدوث‬
‫الرتقاء بدون هذا العقل البدع ‪ { :‬الّذِي َأعْطَى كُلّ شَ ْيءٍ َخ ْلقَهُ ثُ ّم هَدَى } ‪ /50‬سورة طـه ‪.‬‬

‫والعقبة الثالثة أمام نظرية داروين ‪ ..‬هي ما اكتشفناه الن باسم الريطة الكروموسومية ‪ ..‬أو خريطة‬
‫الينات ‪ ..‬ونن نعلم الن أن لكل نوع حيوان خريطة كروموسومية خاصة به‪ ،‬ويستحيل أن يرج‬
‫نوع من نوع بسبب اختلف هذه الريطة الكروموسومية ‪.‬‬

‫نلص من هذا إل أن نظرية داروين تعثرت‪ ..‬وإذا كان التشابه التشريي بي اليوانات حقيقة متفق‬
‫عليها‪ ،‬وإذا كان التطور أيضا حقيقة‪ ،‬فإن مراحل هذا التطور وكيفياته ما زالت لغزا ‪..‬‬
‫هل كانت هناك بدايات مستقلة أم أن بعض الفروع تلتقي عند أصول واحدة ؟‬
‫والتطور وارد باللفظ الصريح ف القرآن ‪ ..‬كما أن مراحل اللق والتصوير والتسوية ونفخ الروح‬
‫واردة ‪..‬‬
‫ولكن ل يستقر العلم على نظرية ثابتة لتلك الراحل بعد ‪ ..‬وإذا عدنا لسورة السجدة الت تكي عن‬
‫ال‬
‫ي ‪ .‬ثُمّ َجعَلَ َنسَْل ُه مِن سُلَالَ ٍة مّن مّاء ّم ِهيٍ ‪ .‬ثُمّ َسوّاهُ َوَنفَخَ فِي ِه مِن‬
‫أنه‪ { :‬وَبَدَأَ َخلْقَ الْإِنسَا ِن مِن ِط ٍ‬
‫رّو ِحهِ وَ َجعَلَ َلكُمُ السّمْ َع وَالَْأْبصَارَ وَالْأَ ْفئِ َدةَ قَلِيلًا مّا َتشْ ُكرُونَ } ‪ 9 / 7‬سورة السجدة‬
‫فإن معن الية صريح ف أن البدايات الول للنسان الت جاء منها آدم فيما بعد‪ ،‬وهي تلك الت جاء‬
‫نسلها من ماء مهي‪ ،‬ل يكن لا سع ول أبصار ول أفئدة ‪..‬‬
‫وإنا جاءت هذه البصار والساع والفئدة بعد نفخ الروح وهي آخر مراحل خلق آدم ‪..‬‬
‫هي إذن بدايات أشبه بالياة اليوانية التخلفة ‪ { :‬هَلْ أَتَى َعلَى الْإِنسَانِ ِحيٌ مّ َن ال ّد ْهرِ لَمْ يَكُن شَْيئًا‬
‫مّذْكُورًا } ‪ /1‬سورة النسان ‪.‬‬
‫هو تفسي ل يتلف كثيا عن العلوم الت تتحدث عنها ‪ ..‬ولكن نفس الية قد تعن معن آخر هو‬
‫أطوار الني داخل الرحم وكيف يتخلق من بدايات ل سع فيها ول بصر ث يأت نفخ الروح ف هذه‬
‫الضغة ف الشهر الرابع فتستوي خلقا آخر ‪..‬آيات اللق إذن متشابات والقرآن يمل أكثر من وجه‬
‫من وجوه التفسي ‪ ..‬والقيقة بعد هذا ما زالت‬
‫لغزا ‪ ..‬ول يستطيع أحد أن يدعي أنه كشف القيقة ‪ ..‬والسؤال ما زال مفتوحا للبحث‪ ،‬وكل ما‬
‫جاء به العلم فروض ‪..‬‬
‫ك ‪ .‬فِي َأيّ صُو َرةٍ مّا‬
‫سوّاكَ َفعَدََل َ‬
‫وربا كانت أرجح الراء أن التسوية الذكورة ف القرآن { خََل َقكَ فَ َ‬
‫شَاء رَكَّبكَ } ‪ 7/8‬سورة النفطار‪.‬‬
‫كانت تسوية سللية بشيء أشبه بالندسة الوراثية وأن المر ليس تطورا كما يقول داروين ولكنه‬
‫تطوير يدث بتدخل وفعل إلي لعداد الشوة الية ( وهي ف أصل النشأ من الطي ) لتستقبل نفخة‬
‫الروح وحلول النفس فيها لتكون آدم ‪..‬‬
‫ث النفس وحكايتها هي سؤال آخر أكثر ألغازا ‪..‬‬
‫هل يكون للنفس تصوير ف القوالب الطينية فتكون لا تسدات متعداة وتاريخ وتطور هي الخرى ؟‬
‫أم أنا على حالا من علم ال با منذ الزل ‪..‬‬
‫ال أعلم ‪ ..‬والوضوع كله عماء ‪..‬‬
‫وربا كان أفضل فهم لعملية التطور أنا كانت تطويرا بفعل فاعل وبذات مبدعة خلّقة ول تكن‬
‫تطورا تلقائيا كما تصورها داروين وصحبه ول تكن مراحل متروكة للصدفة ‪ ..‬وإنا كانت تليقا‬
‫مرادا ومططا خالق قادر حكيم‪ ..‬وإنا هندسة وراثية لهندس عظيم ليس كمثله شيء‪..‬‬
‫وما جاء ف القرآن هو أصدق صورة لا حدث ‪..‬‬
‫والقطع ف هذه القضية مستحيل ‪..‬‬
‫وما زال القرآن يفرض نفسه بل بديل ‪..‬‬

‫الفصل الامس عشر‬


‫كلمة ل إله إل ال‬
‫قال صاحب ‪:‬‬
‫‪ -‬ألست معي ف أنكم تبالغون كثيًا ف استخدام كلمة ل إله إل ال وكأنا مفتاح لكل باب ‪..‬‬
‫تشيعون با اليت وتستقبلون الوليد وتطبعونا على الختام وتنقشونا على القلئد وتصكون با‬
‫العملت وتعلقونا على الدران ‪ ..‬من ينطق با منكم تقولون أن جســمه أعتق من النار ‪ ..‬فإذا‬
‫نطق با مائة ألف مرة دخل النة وكأنا طلسم سحري أو تعويذة لطرد الن أو قمقم لبس الردة‬
‫‪ ..‬ث هذه الروف الت ل تعرفون لا معن ‪ ..‬ا ‪ .‬ل ‪ .‬م ‪ ..‬كهيعص ‪ ..‬طسم ‪ ..‬حم ‪ ..‬الر ‪.‬‬

‫هل أنو من العذاب إذا قلت ل إله إل ال ‪ ..‬إذن فإن أقولا وأشهدك وأشهد الضور على ذلك ‪..‬‬
‫ل إله إل ال ‪ ..‬هل انتهي المر‪.‬‬
‫‪ -‬بل أنت ل تقل شيئـا ‪.‬‬
‫إن ل إله إل ال لن يعمل با وليست لن يشقشق با لسانه ‪..‬ل إله إل ال منهج عمل وخطة حياة‬
‫وليست مرد حروف ‪ ..‬ودعنا نفكر قليلً ف معناها ‪ ..‬إننا حينما نقول ل إله إل ال نعن أنه ل‬
‫معبود إل ال وبي ل وإل بي النفي والثبات ف العبارة بي هاتي الدفتي تقع العقيدة كلها ل النافية‬
‫تنفي اللوهية عن كل شيء ‪ ..‬عن كل ما نعبد من مشتهيات ف الدنيا ‪ ..‬عن الال والاه والسلطان‬
‫واللذات وترف العيش والنساء الباهرات والعز الفاره ‪ ..‬لكل هذا نقول ل ‪ ..‬ل نعبدك ‪ ..‬لست إلًا‬
‫‪ ..‬ث نقول ل لنفوسنا الت تشتهي تلك الشياء لن النسان يعبد نفسه ف العادة ويعبد رأيه ويعبد‬
‫هواه واختياره ومزاجه ويعبد ذكاءه ومواهبه وشهرته ويتصور أن بيده مقاليد المور وأقدار الناس‬
‫والجتمع ‪ ..‬ويعل من نفسه إلًا دون أن يدرى ‪ ..‬لذه النفس نن نقول ل ‪ ..‬ل نعبدك ‪ ..‬لست‬
‫إلًا‪.‬‬

‫نقول ((ل)) – للمدير والرئيس والاكم ‪ ..‬ل لست إلًا ‪.‬‬


‫ومعن كلمة ((إله)) أي ((فاعل)) ‪ ..‬والفاعل بق عندنا هو ال‪ ،‬أما كل هذه الشياء فوسائط‬
‫وأسباب‪ ،‬الدير والوزير والرئيس والال والاه والسلطان والنفس بذكائها ومواهبها ‪ ..‬لكل هذا‬
‫نقول ل ‪ ..‬لست إلًا ‪.‬‬

‫((إل)) – واحد نستثنيه ونثبت له تلك الفاعلية والقدرة هـــو ال ‪.‬‬


‫وبي ل وإل بي هذا النفي وهذا الثبات تقع العقيدة كلها فمن كان مشغولً بمع الال وتكديس‬
‫الثروات وتلق السلطان والتزلف للرؤساء وترى اللذات واتباع هوى نفسه وتعشق رأيه والتعصب‬
‫لوجهة نظره ‪ ..‬فهو ل يقل ل لكل هــذه العبودات وهو ساجد ف مرابا دون أن يدرى وحينما‬
‫يقول ل إله إل ال فهو يقولا كاذبًا ‪ ..‬يقول بلسانه ما ل يفعل بيديه ورجليه ‪.‬‬
‫ومعن (( ل إله إل ال )) أنه ل حسيب ول رقيب إل ال ‪ ..‬هو وحده الدير بالشية والوف‬
‫والراقبة ‪ ..‬فمن كان ياف الرض ومن كان ياف اليكروب ومن كان ياف عصا الشرطي وجند‬
‫الاكم فإنه ل يقل ((ل)) ‪ ..‬لكل تلك اللة الوهية ‪ ..‬وإنا هو مازال ساجدًا لا وقد أشرك مع‬
‫خالقه كل تلك اللة الزيفة ‪ ..‬فهو كاذب ف كلمة (( ل إله إل ال )) ‪.‬‬

‫ومعن ذلك أن (( ل إله إل ال )) عهد ودستور ومنهج حياة‪.‬‬

‫والقصود با ‪ ..‬العمل با ‪.‬‬

‫فمن عمل با كانت له طلسمًا بالفعل يفتح له كل البواب العصية ‪ ..‬وكانت ناة ف الدنيا والخرة‬
‫ومدخلً إل النة ‪.‬‬
‫أما نطق اللسان بدون تصديق القلب وعمل الوارح ‪ ..‬فإنه ل يغن ‪.‬‬
‫و (( ل إله إل ال )) تعن أكثر من هذا موقفًا فلسفيًا ‪.‬‬
‫يقول الدكتور زكى نيب ممود أن (( شهادة ل إله إل ال )) تتضمن القرار بثلث حقائق ‪ ..‬أن‬
‫الشاهد موجود والشهود موجود ‪ ..‬والضور الذين تلقى أمامهم الشهادة موجودون أيضًا أي أنا‬
‫إقرار صريح بأن الذات وال والخرين لم جيعًا وجود حقيقي ‪.‬‬
‫وبذا يرفض السلم الفلسفة الثالية كما يرفض الفلسفة الادية ف ذات الوقت ‪ ..‬يرفض اليمي‬
‫واليسار معًا ويتار موقفـا وسطا ‪.‬‬
‫يرفض الثالية الفلسفية ‪ ..‬لن الثالية الفلسفية ل تعترف بوجود الخرين ول بوجود العال الوضوعي‬
‫كحقيقة خارجية مستقلة عن العقل ‪ ..‬وإنا كل شيء ف نظر الفلسفة الثالية يرى كأنه حلم ف‬
‫دماغ ‪ ..‬أو أفكار ف عقل ‪ ..‬أنت والراديو والشارع والجتمع والصحيفة والرب كلها حوادث‬
‫ومرائى وأحلم ترى ف عقليّ ‪ ..‬ل وجود حقيقي للعــال الارجى ‪.‬‬

‫وهذا الوقف الثال التطرف يرفضه السلم وترفضه الشهادة لنا كما قلنا إقرار صريح بان الشاهد‬
‫والشهود والضور الذين تلقى أمامهم الشهادة أي الذات وال والخرين حقائق مقررة ‪.‬‬
‫كما يرفض السلم أيضًا الفلسفة الادية لن الفلسفة الادية تعترف بالعال الوضوعي ولكنها تنكر ما‬
‫وراءه ‪ ..‬تنكر الغيب وال ‪.‬‬
‫والسلم بذا يقدم فلسفة واقعية وفكرًا واقعيًا فيعترف بالعال الوضوعي ث يضيف إل هذا العال كل‬
‫الثراء الذي يتضمنه الوجود اللي الغيب ‪ ..‬ويقدم تركيبًا جدليًا جامعًا بي فكر اليمي وفكر اليسار‬
‫ف فلسفة جامعة ما زالت تتحدى كل اجتهاد الفكرين فتسبق ما سطروا من نظريات ظنية ل تقوم‬
‫على يقي ‪.‬‬
‫شهادة (( لإله إل ال )) تعن إذن منهج حياة وموقفًا فلسفيًا ‪.‬‬
‫ولذا فأنت تكذب وأنت الرجل الاديّ الذي اخترت موقفـا فلسفــيـا ماديـا وأنت تنطق‬
‫بالشهادة كذبتي ‪:‬‬
‫الكذبة الول – أنك تشهد با يناف فلسفتك ‪.‬‬
‫والكذبة الثانية – أنك ل تعمل بذه الشهادة ف حياتك قدر خردلة ‪.‬‬

‫أما حكاية ‪ ..‬ا ‪ .‬ل ‪ .‬م ‪ ..‬وكهيعص ‪ .‬حم ‪ .‬الر ‪ .‬فدعن أسألك ‪ ..‬وما حكـاية س ص ولوغاريتم‬
‫ومعادلة الطاقة ط = ك × س ‪ 2‬وهي ألغاز وطلسم بالنســبة لن ل يعرف شيئـا ف الساب‬
‫والب والرياضيات ‪ ..‬وعند العالي لا معان خطية ‪.‬‬

‫كذلك هذه الروف حينما يكشف لنا عن معناها ‪.‬‬

‫قال صاحب ف سخرية ‪:‬‬


‫‪ -‬وهل كشف لك عن معناها ؟‬
‫قلن وأن ألقى بالقنبلة ‪:‬‬
‫‪ -‬هذه موضوع مثي يتاج إل كلم آخر طويل سوف يدهشك ‪.‬‬

‫الفصل السادس عشر‬


‫كـــهـــيــعــص‬

‫قلت لصديقي اللحد ‪:‬‬


‫‪ -‬ل شك أن هذه الروف القطعة ف أوائل السور قد صدمتك حينما طالعتها لول مرة ‪ ..‬هذه الـ‬
‫حم ‪ ،‬طسم ‪ ،‬ال ‪ ،‬كهيعص ‪ ،‬ق ‪ ،‬ص ‪ ..‬ترى ماذا قلت لنفسك وأنت تقرأها ؟‬
‫اكتفى بأن يط شفتيه ف ل مبالة ويقول ف غمغمة مبتورة ‪:‬‬
‫‪ -‬يعن ‪.‬‬
‫‪ -‬يعن ماذا ‪.‬‬
‫‪ -‬يعن ‪ ..‬أي كلم يضحك به النب عليكم ‪.‬‬
‫‪ -‬حسنـا دعنا نتب هذا الكلم الذي تدعى أنه كلم فارغ والذي تصورت أن النب يضحك به‬
‫علينا ‪.‬‬
‫ل ‪ ..‬ونرى تربة ‪ ..‬فنعد ما فيها‬ ‫ودعنا نأخذ سورة صغية بسيطة من هذه السور ‪ ..‬سورة ق مثـ ً‬
‫من قافات وسنجد أن فيها ‪ 57‬قافـا ‪ ..‬ث نأخذ السورة التالية وهي سورة الشورى وهي ضعفها‬
‫ف الطول وف فواتها حرف ق أيضـا ‪ ..‬وسنجد أن فيها عى الخرى ‪ 57‬قافـا ‪.‬‬
‫هل هي صدفة ‪ ..‬لنجمع ‪ 114 = 57 + 57‬عدد سور القرآن ‪ ..‬هل تذكر كيف تبدأ سورة‬
‫ق ‪ ..‬وكيف تتتم ‪ ..‬ف بدايتها (( ق وَاْلقُرْآنِ الْ َمجِي ِد )) وف ختامها ‪(( ..‬فَذَ ّكرْ بِاْل ُقرْآ ِن مَن يَخَافُ‬
‫َوعِي ِد )) ‪ ..‬وكأنا هي إشارات بأن ق ترمز للقرآن ‪ ( ..‬ومموع القافات ‪ 114‬وهي مموع سور‬
‫القرآن) ‪.‬‬
‫قال صاحب ف ل مبالة ‪:‬‬
‫‪ -‬هذه أمور من قبيل الصدف‬
‫قلت ف هدوء ‪:‬‬
‫‪ -‬سنمضى ف التجربة ونضع ســور القرآن ف العقل اللكترونّ ونسأله أن يقدم لنا إحصائية‬
‫بعدلت توارد حرف القاف ف جيع السور ‪.‬‬

‫قال وقد توترت أعصابه وتيقظ تامـا ‪:‬‬

‫‪ -‬وهل فعلوها ؟‬
‫قلت ف هدوء ‪:‬‬
‫‪ -‬نعم فعلوها ‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا كانت النتيجة ؟‬
‫‪ -‬قال لنا العقل اللكترونّ أن أعلى التوسطات والعدلت موجودة ف سورة ق وأن هذه السورة قد‬
‫تفوقت حسابيـا على كل الصحف ف هذا الرف ‪ ..‬هل هي صدفة أخرى ؟‬
‫‪ -‬غريب ‪.‬‬
‫‪ -‬وســورة الرعـد تبدأ بالرف ا ل م ر قدم لنا العقل اللكترونّ إحصائية بتوارد هذه الروف‬
‫ف داخل الســور كالت ‪:‬‬
‫ا ترد ‪ 625‬مرة ‪.‬‬
‫ل ترد ‪ 479‬مرة ‪.‬‬
‫م ترد ‪ 260‬مرة ‪.‬‬
‫ر ترد ‪ 137‬مرة ‪.‬‬
‫هكذا وف ترتيب تنازل ا ث ل ث م ث ر ‪ ..‬بنفس الترتيب الذي كتبت به ا ل م ر تنازليـا ث قام‬
‫ن بإحصاء معدلت توارد هذه الروف ف الصحف كله ‪ ..‬وألقى إلينا بالقنبلة الثانية‬ ‫العقل اللكترو ّ‬
‫‪ ..‬أن أعلى العدلت والتوسطات لذه الروف هي ف سورة الرعد ‪ ..‬وأن هذه السورة تفوقت‬
‫حسابيـا ف هذه الروف على جيع الصحف ‪.‬‬

‫نفس الكاية ف ا ل م البقرة ‪.‬‬


‫ا وردت ‪ 4592‬مرة ‪.‬‬
‫ل وردت ‪ 3204‬مرات ‪.‬‬
‫م وردت ‪ 2195‬مرة ‪.‬‬
‫بنفس الترتيب التنازل ا ل م ‪.‬‬
‫ث يقول لنا العقل اللكترونّ أن هذه الروف الثلثة لا تفوق حساب على باقي الروف ف داخل‬
‫سورة البقرة ‪.‬‬
‫نفس الكاية ف ا ل م سورة آل عمران ‪.‬‬
‫ا وردت ‪ 2578‬مرة ‪.‬‬
‫ل وردت ‪ 1885‬مرة ‪.‬‬
‫م وردت ‪ 1251‬مرة ‪.‬‬
‫بنفس الترتيب التنازل ا ل م وهي تتوارد ف السورة بعدلت أعلى من باقي الروف ‪.‬‬

‫نفس الكاية ا ل م سورة العنكبوت ‪.‬‬


‫ا وردت ‪ 784‬مرة ‪.‬‬
‫ل وردت ‪ 554‬مرة ‪.‬‬
‫م وردت ‪ 344‬مرة ‪.‬‬
‫بنفس الترتيب التنازل ا ل م وهي تتوارد ف السورة بعدلت أعلى من باقي الروف ‪.‬‬
‫نفس الكاية ف ا ل م سورة الروم ‪.‬‬
‫ا وردت ‪ 547‬مرة ‪.‬‬
‫ل وردت ‪ 396‬مرة ‪.‬‬
‫م وردت ‪ 318‬مرة ‪.‬‬
‫بنفس الترتيب ا ل م ث هي تتوارد ف السورة بعدلت أعلى من باقي الروف ‪.‬‬
‫وف جيع السور الت ابتدأت بالروف ا ل م ند أن السور الكية تتفوق حسابيـا ف معدلتا على‬
‫باقي السور الكية‪ ،‬والدنية تتفوق حسابيـا ف معدلتا من هذه الروف على باقي السور الدنية ‪.‬‬

‫وبالثل ف ا ل م ص سورة العراف ‪.‬‬


‫يقول لنا العقل اللكترونّ أن معدلت هذه الروف هي أعلى ما تكون ف سورة العراف‪ ،‬وأنا‬
‫تتفوق حسابيـا على كل السور الكية ف الصحف ‪.‬‬

‫وف سورة طـه ند أن الرف طـ والرف هـ يتواردان فيها بعدلت تتفوق على كل السور‬
‫الكية ‪ ..‬وكذلك ف كهيعص مري ترتفع معدلت هذه الروف على كل السور الكية ف الصحف‬
‫‪.‬‬

‫كما ند أن جيع السور الت افتتحت بالروف حـم ‪ ..‬إذا ضمت إل بعضها فإن معدلت توارد‬
‫الرف ح والرف م تتفوق على كل السور الكية ف الصحف ‪.‬‬

‫وبالثل السورتان اللتان افتتحتا برف ص وها سورة ص والعراف "ا ل م ص" ويلحظ أنما نزلتا‬
‫متتابعتي ف الوحي ‪ ..‬إذا ضمتا معـا تفوقتا حسابيـا ف هذه الروف على باقي الصحف ‪.‬‬

‫وكذلك السور الت افتتحت بالروف ا ل ر وهي إبراهيم ويونس وهود ويوسف والجر وأربع منها‬
‫جاءت متتابعة ف تواريخ الوحي ‪ ..‬إذا ضمت لبعضها ‪ ..‬أعطانا العقل اللكترونّ أعلى معدلت ف‬
‫نسبة توارد حروفها ا ل ر على كل السور الكية ف الصحف ‪.‬‬

‫أما ف سورة يـس فإننا نلحظ أن الدللة موجودة ولكنها انعكست ‪ ..‬لن ترتيب الروف‬
‫انعكس؛ فالياء ف الول يـس "بعكس الترتيب البدي" ‪.‬‬
‫ولذا نرى أن توارد الرف ي والرف س هو أقل من توارده ف جيع الصحف مدنيـا ومكـيًا ‪.‬‬
‫فالدللة الحصائية هنا موجودة ولكنها انعكست ‪.‬‬

‫كان صاحب قد سكت تامـا ‪.‬‬


‫قلت وأنا أطمئنه ‪:‬‬
‫‪ -‬أنا ل أقول هذا الكلم من عند نفسي وإنا هي دراسة قام با عال مصريّ ف أمريكا هو الدكتور‬
‫رشاد خليفة ‪..‬‬
‫وهذا الكتاب الذي بي يديك يقدم لك هذه الدراسة مفصلة ‪:‬‬
‫‪Miracle of Quran‬‬
‫‪slamic Productions international in St. Louis mo‬‬

‫وقدمت إليه كتابًا إنليزيًا مطبوعًا ف أمريكا للمؤلف ‪.‬‬


‫أخذ صاحب يقلب الكتاب ف صمت ‪.‬‬
‫قلت ‪:‬‬
‫‪ -‬ل تعد السألة صدفة ‪ ..‬وإنا نن أمام قواني مكمـة وحروف مسوبة كل حرف وضع بيزان‬
‫ورحت أتلو عليه من سورة الشورى ‪:‬‬

‫{الّلهُ الّذِي أَنزَلَ الْ ِكتَابَ بِاْلحَ ّق وَالْمِيزَانَ } الشورى – ‪.17‬‬

‫وأي ميـــزان ‪ ..‬نن هنا أمام ميزان يدق حت يزن الشعرة والرف ‪ ..‬أظن أن فكرة النب الذي‬
‫يؤلف القرآن ويقول لنفسه سلفـا سوف أؤلف ســورة الرعد من حروف ا ل م ر وأورد با‬
‫أعلى معدلت من هذه الروف على باقي الكتاب وهو ل يؤلف بعد الكتاب مثل هذا الظن ل يعد‬
‫جائزًا ‪ ..‬وأين هذا الذي يصى له هذه العدلت وهي مهمة ل يستطيع أن يقوم با إل عقل‬
‫إلكترون ولو تكفل هو با فإنه سيقضى بضع سني ليحصى الروف ف سورة واحدة يمع ويطرح‬
‫بعلوم عصره وهول يعرف حت علوم عصره وهو سيؤلف أو يشتغل عدادًا للحروف ‪.‬‬

‫نن هنا أمام استحالة ‪.‬‬

‫فإذا عرفنا أن القرآن نزل مفرقـا ومقطعًا على ‪ 23‬سنة ‪..‬‬


‫فإنا سوف نعرف أن وضع معدلت إحصائية مسبقة بروفه هي استحالة أخرى ‪ ..‬وأمر ل يكن أن‬
‫يعرفه إل العليم الذي يعلم كل شيء قبل حدوثه والذي يصى بأسرع وأدق من كل العقول‬
‫اللكترونية ‪ ..‬ال الذي أحاط بكل شيء علمًا ‪ ..‬وما هذه الروف القطعة ف فواتح السور إل‬
‫رموز علمه بثها ف تضاعيف كتابه لنكشفها نن على مدى الزمان ‪.‬‬
‫سهِمْ حَتّى يََتبَيّنَ َلهُمْ َأّنهُ الْحَ ّق } فصلت‪53 -‬‬
‫ق وَفِي أَنفُ ِ‬
‫{ َسُنرِيهِمْ آيَاِتنَا فِي الْآفَا ِ‬

‫ول أقول أن هذه كل أسرار الروف ‪ ..‬بل هي مرد بداية ل أحد يدرى إل أي آفاق سوف توصلنا‬
‫‪.‬‬

‫وهذه الروف بذه الدللة الديدة تنفي نفيًا باتًا شبهة التأليف ‪.‬‬

‫ث هي تضعنا أمام موازين دقيقة ودللت عميقة لكل حرف فل يرؤ أحدنا أن يقول أنه أمام ‪ ..‬أي‬
‫كلم ‪ ..‬أل ترى يا صاحب أنك أمام كلم ل يكن أن يكون أي كلم ‪.‬‬
‫ول يب صاحب‪ ،‬وإنا ظل يقلب الكتاب النليزي ويتصفحه ث يعود يقلبه دون أن ينطق برف ‪.‬‬

‫الفصل السابع عشر‬


‫العجزة‬

‫قال صاحب ‪:‬‬


‫ل أفهم كيف يوز للرب الرحيم الذي تصفونه بأنه رءوف ودود كري عفو غفور‪ ..‬كيف يأمر هذا‬
‫الرب نبيه الليل القرب إبراهيم بأن يذبح ولده ‪ ..‬أل ترى معي أن هذه مسألة صعبة التصديق ؟‬
‫‪ -‬القصة تدل من سياقها وأحداثها على أن مراد ال من إبراهيم ل يكن ذبح ابنه‪ ،‬بدليل أن الذبح ل‬
‫يدث وإنا كان الراد أن يذبح إبراهيم شغفه الزائد بابنه ‪..‬ومبته الزائدة لبنه‪ ..‬وتعلقه الزائد بابنه إذ‬
‫ل يوز أن يكون ف قلب النب تعلق بغي ال‪ ..‬ل دنيا ول ولد ول جاه ول سلطان‪ ..‬كل هذه‬
‫المور ل يصح أن يتعلق با قلب النب‪..‬‬
‫وكما هو معلوم كان إساعيل قد جاء لبيه إبراهيم على كب وعلى شيخوخة‪ ..‬فشغف به الشيخ‬
‫وتعلق به ‪..‬‬
‫فجاء امتحان ال لنبيه ضروريا ً ‪ ..‬وما حدث ف القصة يدل على سلمة هذا التفسي ‪..‬‬
‫فما إن صدع النب لمر ربه وأشرع سكينه ليذبح ولده حت جاء أمر السماء بالفداء ‪.‬‬
‫‪ -‬وما رأيك ف معجزات إبراهيم العجيبة ودخوله النار دون أن يترق ‪ ..‬وما فعله موسى من بعده‬
‫حينما أخرج من عصاه ثعبانا ث حينما شق بذه العصا البحر‪ ،‬ث حينما أخرج يده من تت إبطه فإذا‬
‫هي بيضاء‪ ..‬أل تبدو هذه المور وكأنا عرض بلوان ف سيك‪ ..‬وكيف يدلل ال على قدرته‬
‫وعظمته بذه البهلوانيات الت هي ف حد ذاتا صنوف من الل معقول‪ ..‬وأمثلة من خرق النظام‪ ..‬أل‬
‫يبدو أن البهان القوى على عظمة ال هو النظام والعقل والنضباط والقواني ف سريانا الميل ف‬
‫الكون دون أن ترق‪..‬‬
‫‪ -‬لقد فهمت العجزة خطأ وتصورتا خطأ‪.‬‬
‫العجزة ف تصورك عمل بلوان وخرق للقانون‪ ،‬ول معقول‪ ،‬ولكن القيقة غي ذلك‪.‬‬
‫ودعن أقرّب الوضوع إل ذهنك بثَل‪ ..‬لو أنه قُدّر لك أن تعود ثلثة آلف سنة إل الوراء‪ ،‬ث تدخل‬
‫على فرعون مصر ف ذلك الزمن البائد ومعك ترانزستور ف حجم علبة الثقاب يتكلم ويغن من تلقاء‬
‫نفسه‪ ..‬ترى ماذا سيكون حال فرعون وحاشيته؟‪ ..‬سيهتفون ف ذهول بل شك معجزة‪..‬‬
‫سحر‪ ..‬ل معقول‪ ..‬خرق لميع القواني‪..‬‬
‫ولكننا نعلم الن أنه ل إعجاز ف الوضوع ول سحر‪ ،‬ول خرق لي قانون‪ ..‬بل إن ما يدث ف‬
‫داخل الترانزستور هو أمر يري حسب قواني ف علم اللكترونيات‪ ..‬وإنه معقول تاما وسيكون‬
‫المر أعجب لو أنك دخلت على ملك بابل وف يدك تليفزيون ينقل الصور من بلد الروم‪ ..‬وسوف‬
‫يصفق ملك آشور عجبا لو أنك أدرت له أسطوانة بلستيك فتكلمت‪.‬‬
‫بل إن التاريخ ليحفظ لنا قصة ماثلة حينما نزل الستعمرون أفريقيا‪ ..‬وحطت أول طائرة لم ف الغابة‬
‫وسط البدائيي‪ ..‬ماذا حدث؟ سجد الزنوج العراة على وجوههم ودقوا الطبول وذبوا القرابي وظنوا‬
‫أن ال نزل من ساواته وتصوروا فيما يدث خرقا لميع القواني‪ ..‬مع أننا نعلم الن أن الطائرة تطي‬
‫بقانون وتنل بقانون‪ ..‬وأنا مصممة حسب القواني الندسية الحكمة‪ ،‬وأن طيانا أمر معقول تاما‪،‬‬
‫وأنا ل ترق قانون الاذبية‪ ،‬وإنا تتجاوز هذا القانون بقانون آخر هو قانون الفعل ورد الفعل‪..‬‬
‫نن إذن أمام تفاضل قواني وليس أمام خرق قواني‪ ..‬والاء يصعد ف ساق النخلة ضد الاذبية ليس‬
‫برق هذه الاذبية وإنا بجموعة قواني فسيولوجية تتفاضل معها‪ ..‬هي قانون تاسك العمود الائي‬
‫وقانون الاصة الشعرية‪ ،‬وقانون الضغط الزموزي‪ ،‬وهي جيعها قواني تؤدي إل شد الاء إل أعلى‪.‬‬
‫نن دائما ل نرج عن العقل ول عن العقول‪ ،‬وما حدث ل يكن بلوانيات‪ ..‬وإنا كانت دهشة‬
‫الزنوج البدائيي مردها جهلهم بذه القواني‪ ..‬وكذلك دهشتك أمام شق موسى للبحر وإخراجه‬
‫للثعبان من العصا‪ ،‬وإحياء عيسى للموتى‪ ،‬ودخول إبراهيم للنار بدون أن يترق‪ ..‬تصورت أنا ل‬
‫معقول وخرق للقواني‪ ،‬وبلوانيات‪ ..‬ف حي أنا تري جيعها على وفاق الشيئة اللية الت تتفاضل‬
‫مع جيع القواني الت نعرفها‪ ..‬وهي إذن صنوف من النظام‪ ..‬ومن العقول‪ ..‬ولكن أعلى من مداركنا‬
‫وال ل يهدم النظام بذه العجزات‪ ،‬وإنا يشهدنا على نظام أعلى‪ ،‬وقواني أعلى‪ ،‬وعقل أكب من‬
‫استيعابنا‪ ،‬ومشيئة أعلى من ذلك كله‪.‬‬

‫وقد وقع البهائيون ف نفس غلطتك حينما رفضوا العجزات‪ ،‬وتصوروا أن قبولا فيه امتهان للعقل‪،‬‬
‫وازدراء بالعقل‪ ،‬فتحايلوا على القرآن وحرّفوا معانيه عن ظاهرها‪ ،‬فموسى ل يشق البحر بعصاه‪ ،‬وإنا‬
‫كانت عصاه هي الشريعة الت فرقت الق من الباطل‪ ،‬وبالثل كانت يده البيضاء هي رمز ليد الي‪..‬‬
‫وبالثل أحيا عيسى النفوس ول يي الجساد‪ ..‬وفتح العقول ول يفتح العيون العمى‪ ..‬وبذا أخرجوا‬
‫القرآن عن معانيه الرفية إل تأويلت وتفسيات مازية ورمزية كلما اصطدموا بشيء ل يعقلوه‪..‬‬
‫وكان هذا لنم أخطأوا فهم العجزة وتصوروا أنا ل معقول‪ ،‬وخرق للقانون‪ ،‬وهدم للنظام‪ ،‬وهو‬
‫نفس ما وقعت فيه‪.‬‬
‫والق أننا نعيش ف عصر ل تعد تستغرب فيه العجزات‪.‬‬
‫وقد رأينا العلم يأخذ بيدنا إل سطح القمر‪ ،‬وإذا كان العلم البشري أعطانا كل هذا السلطان‪ ،‬فالعلم‬
‫اللي اللدن ل شك يكن أن يدنا بسلطان أكب‪ ..‬استمع إل هذه الية الميلة ‪:‬‬
‫شرَ الْجِ ّن وَاْلإِنسِ إِنِ ا ْستَ َطعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَا ِر السّمَاوَاتِ وَالَْأ ْرضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ ِإلّا‬
‫{ يَا َمعْ َ‬
‫سلْطَا ٍن } ‪ /33‬سورة الرحن‬ ‫بِ ُ‬
‫وهذا هو السلطان‪ ..‬العلم البشري‪ ..‬وأعظم منه العلم اللي‪.‬‬

‫الفصل الثامن عشر‬


‫معن الدين‬

‫قال صاحب ‪:‬‬


‫‪ -‬اسع ‪ ..‬إذا كانت عندكم جنة كما تقولون‪ ..‬فأنا أول واحد سوف يدخلها فأنا أكثر دينا ً من‬
‫كثي من دعاتكم من أصحاب اللحى والسابح إياهم‪..‬‬

‫‪ -‬أكثر دينا ‪ ..‬ماذا تعن بذا ؟‬

‫‪ -‬أعن أن ل أؤذي أحدا ول أسرق‪ ،‬ول أقتل‪ ،‬ول أرتشي‪ ،‬ول أحسد‪ ،‬ول أحقد‪ ،‬ول أضمر سوءا‬
‫لخلوق‪ ،‬ول أنوي إ ّل الي‪ ،‬ول أهدف إ ّل إل النفع العام‪ ..‬أصحو وأنام بضمي مستريح وشعار‬
‫حيات هو الصلح ما استطعت‪ ..‬أليس هذا هو الدين؟ أل تقولون عندكم إن الدين العاملة؟ ‪..‬‬
‫‪ -‬هذا شيء له اسم آخر‪ ..‬اسه حسن السي والسلوك‪ ..‬وهو من مقتضيات الدين ولكنه ليس الدين‪،‬‬
‫إنك تلط بي الدين وبي مقتضايته‪ ..‬والدين ليس له إل معن واحد هو معرفة الله‪ ..‬أن تعرف إلك‬
‫حق العرفة‪ ،‬ويكون بينك وبي هذا الله سلوك ومعاملة‪ ..‬أن تعرف إلك عظيما جليلً قريبا ميبا‬
‫يسمع ويرى فتدعوه راكعا ساجدا خاشعا خشوع العبد للرب‪ ..‬هذه العاملة الاصة بينك وبي‬
‫الرب هي الدين‪ ..‬أما حسن معاملتك لخوانك فهي من مقتضيات هذا التدين وهي ف حقيقة المر‬
‫معاملة للرب أيضا ‪..‬‬
‫يقول نبينا عليه الصلة والسلم‪ ":‬إن الصدقة تقع ف يد ال قبل أن تقع ف يد السائل "‪..‬‬
‫فمن أحب ال أحب ملوقاته وأحسن إليها‪ ..‬أما إذا اقتصرت معاملتك على الناس ل تعترف إل بم‬
‫ول ترى غيهم‪ ..‬ول ترى غي الدنيا فأنت كافر تاما وإن أحسنت السي والسلوك مع هؤلء‬
‫الناس‪ ..‬إنا يدل حسن سيك وسلوكك على الفطانة والسياسة والكياسة والطبع اللبيب وليس على‬
‫الدين فأنت تريد أن تكسب الناس لتنجح ف حياتك‪ ،‬وحسن سيك وسلوكك ذريعة إل كسب‬
‫الدنيا فحسب‪ ..‬وهذه طباع أكثر الكفار أمثالك‪.‬‬
‫‪ -‬صدقن أنا أشعر أحيانا بأن هناك قوة‪..‬‬
‫‪ -‬قوة !‬
‫‪ -‬نعم ‪ ..‬ثة قوة مهولة وراء الكون‪ ..‬أنا أؤمن تاما بأن هناك قوة‪..‬‬
‫‪ -‬وما تصورك لذه القوة‪ ..‬أتتصورها كائنا يسمع ويرى ويعقل ويتعهد ملوقاته بالرعاية والداية‪،‬‬
‫وينل لم الكتب ويبعث لم الرسل ويستجيب لصرخاتم وتوسلتم ؟‬
‫‪ -‬بصراحة أنا ل أصدق هذا الكلم ول أتصوره‪ ،‬وأكثر من هذا أراه ساذجا ل يليق بذه القوة‬
‫العظيمة‪..‬‬
‫‪ -‬إذن فهي قوة كهرمغنطيسية عمياء تسوق الكون ف عبثية ل خلق لا‪ ..‬وهذه هي الصفة الت تليق‬
‫بقوتك العظيمة‪..‬‬
‫‪ -‬ربا ‪..‬‬
‫‪ -‬بئس ما تصورت إلك‪ ..‬خلق لك البصر فتصورته أعمى‪ ..‬وخلق لك الرشد فتصورته عابثا‬
‫أخرق‪ ..‬وال إنك الكافر بعينه‪ ،‬ولو أحسنت السي والسلوك مدى الدهر‪ ..‬وإنّ أعمالك الصالة‬
‫مصيها الحباط يوم الساب وأن تتبدد هباء ً منثورا ‪..‬‬
‫‪ -‬أل يكون هذا ظلما‪..‬؟‬
‫‪ -‬بل هو عي العدل‪ ..‬فقد تصورت هذه العمال من ذاتك ليس وراءها الادي الذي هداك والرشيد‬
‫الذي أرشدك فظلمت إلك‪ ..‬أنكرت فضله‪ ..‬وهذا هو الفرق بي طيبات الؤمن وطيبات الكافر‪ ،‬إذا‬
‫استوى الثنان ف حسن السي والسلوك الظاهر‪ ..‬فكلها قد يبن مستشفى لعلج الرضى‪ ..‬فيقول‬
‫الكافر ‪ :‬أنا بنيت هذا الستشفى العظيم للناس‪..‬‬
‫ويقول الؤمن ‪ :‬وفقن رب إل بناء هذا الستشفى للناس وما كنت إل واسطة خي‪..‬‬
‫ل إل مرد الوساطة وحت‬ ‫وما أكب الفرق‪ ..‬واحد أسند الفضل لصاحب الفضل ول يبق لنفسه فض ً‬
‫هذه يشكر عليها ال ويقول ‪ :‬أحدك يا رب أن جعلتن سببا‪ ..‬والخر أسند الفضل لنفسه وراح‬
‫يقول ‪ :‬أنا‪ ..‬أنا‪ ..‬أنا كل شيء‪ ..‬فارق كبي بي الكبياء والتواضع‪ ..‬وبي العلو وخفض الناح‪..‬‬
‫بي البوت والوداعة‪ ..‬ولذا فأنتم ف ديانتكم الوثنية وإيانكم بذه القوة الكهرمغنطيسية العمياء ل‬
‫تصلون ول تسجدون‪..‬‬
‫‪ -‬ولاذا نصلي ولن نصلي‪..‬؟ إن ل أرى لصلتكم هذه أي حكمة‪ ..‬ولاذا كل تلك الركات أما‬
‫كان يكفي الشوع‪..‬؟‬
‫‪ -‬حكمة الصلة أن يتحطم هذا الكبياء الزيف الذي تعيش فيه لظة سجودك وملمسة جبهتك‬
‫التراب وقولك بلسانك وقلبك ‪ " :‬سبحان رب العلى "‪ ..‬وقد عرفت مكانك أخيا وأنك أنت‬
‫الدن وهو العلى‪ ..‬وأنك تراب على التراب‪ ..‬وهو ذات منهة من فوق سبع ساوات‪..‬‬
‫أما لاذا الركات ف الصلة‪ ،‬ولاذا ل نكتفي بالشوع القلب فإن أسألك بدوري ‪:‬‬
‫ولاذا خلق لك السد أصلً‪ ..‬ولاذا ل تكتفي بالب الشفوي فتريد أن تعانق وتقبل‪..‬‬
‫لاذا ل تكتفي بالكرم الشفوي فتجود باليد والال‪ ..‬بل خلق ال لك السد إذا كان خشوعك صادقا‬
‫فاض على جسدك فركعت وسجدت‪ ..‬وإن كان خشوعك زائفا ل يتعد لسانك‪..‬‬
‫‪ -‬هل تعتقد أنك ستدخل النة‪..‬؟‬
‫‪ -‬كلنا سن ِردُ النار‪ ..‬ث ينجي ال الذين اتقوا‪ ..‬ول أعرف هل اتقيت أم ل ؟‪ ..‬يعلم هذا علم‬
‫القلوب‪ ..‬وكل عملي – للسف – حب على ورق‪..‬‬
‫وقد يسلم العمل ول تسلم النية‪ ..‬وقد تسلم النية ول يسلم الخلص‪ ..‬فنظن الواحد منا أنه يعمل‬
‫الي لوجه ال وهو يعمله للشهرة والدنيا والاه بي الناس‪ ..‬وما أكثر ما يدع الواحد منا ف نفسه‬
‫ويدخل عليه التلبيس وحسن الظن والطمئنان الكاذب من حيث ل يدري‪ ..‬نسأل ال السلمة‪..‬‬
‫‪ -‬وهل يستطيع النسان أن يكون ملصا ؟‬
‫‪ -‬ل يلك ذلك من تلقاء نفسه‪ ..‬وإنا ال هو الذي يلص القلوب‪ ..‬ولذا يتكلم القرآن ف أكثر‬
‫اليات عن الخلَصي – بفتح اللم – وليس الخلِصي بكسر اللم‪ ..‬ولكن ال وعد بأن " يهدي إليه‬
‫من ينيب " أي كل من يؤوب ويرجع إليه‪ ..‬فعليك بالرجوع إليه‪ ..‬وعليه الباقي‪..‬‬

‫الفصل التاسع عشر‬


‫فزنا بسعادة الدنيا وفزت بالوهام‬

‫قال صاحب ‪ ..‬وكانت ف نبته فرحة رجل منتصر ‪:‬‬


‫‪ -‬مهما اختلفنا ومهما طال بنا الدل فل شك أننا خرجنا من معركتنا معكم منتصرين فقد فزنا‬
‫بسعادة الدنيا وخرجتم أنتم ببضعة أوهام ف رؤوسكم ‪ ..‬وماذا يدي الكلم وقد خرجنا من الدنيا‬
‫بنصيب السد ‪ ..‬فلنا السهرة والسكرة والنساء الباهرات والنعيم الباذخ واللذات الت ل يعكرها‬
‫خوف الرام ‪ ..‬ولكم الصيام والصلة والتسابيح وخوف الساب ‪ ..‬من الذي ربح ؟‬

‫‪ -‬هذا لو كان ما ربتموه هو السعادة ‪ ..‬ولكن لو فكرنا معًا ف هدوء لا وجدنا هذه الصورة الت‬
‫وصفتها عن السهرة والسكرة والنساء الباهرات والنعيم الباذخ واللذات الت ل يعكرها خوف الرام‬
‫‪ ..‬لا وجدنا هذه الصورة إل الشقاء بعينه ‪.‬‬

‫‪ -‬الشقاء ‪ ..‬وكيف ؟‬

‫‪ -‬لنا ف حقيقتها عبودية لغرائز ل تشبع حت توع‪ ،‬وإذا أتمتها أصابا الضجر واللل وأصابك‬
‫أنت البلدة والمول ‪ ..‬هل تصلح أحضان امرأة لتكون مستقر سعادة‪ ،‬والقلوب تتقلب والوى ل‬
‫يستقر على حال والغوان يغرهن الثناء ‪ ..‬وما قرأنا ف قصص العشاق إل التعاسة فإذا تزوجوا كانت‬
‫التعاسة أكب وخيبة المل أكب لن كل من الطرفي سوف يفتقد ف الخر الكمال العبود الذي كان‬
‫يتخيله ‪ ..‬وبعد قضاء الوطر وفتور الشهوة يرى كل واحد عيوب الخر بعدسة مكبة ‪ ..‬وهل الثراء‬
‫الفاحش إل عبودية إذ يضع الغن نفسه ف خدمة أمواله وف خدمة تكثيها وتميعها وحراستها‬
‫فيصبح عبدها بعد أن كانت خادمته ‪ ..‬وهل السلطة والاه إل مزلق إل الغرور والكب والطغيان ‪..‬‬
‫وهل راكب السلطان إل كراكب السد يوما هو راكبه ويوما هو مأكوله ‪ ..‬وهل المر والسكر‬
‫والخدرات والقمار والعربدة والنس بعيدًا عن العيون وبعيدًا عن خوف الرام سعادة ‪ ..‬وهل هي‬
‫إل أنواع من الروب من العقل والضمي وعطش الروح ومسئولية النسان بالغراق ف ضرام الشهوة‬
‫وسعار الرغبات ‪ ..‬وهل هو ارتقاء أم هبوط إل حياة القرود وتسافد البهائم وتناكح السوائم ‪..‬‬
‫صدق القرآن إذ يقول عن الكفار ‪ ..‬أنم ‪:‬‬

‫(( َيتَمَّتعُو َن وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَْنعَا ُم وَالنّارُ َمْثوًى ّلهُ ْم )) ممد – ‪.12‬‬

‫فهو ل ينكر أنم يتمتعون ولكن كما تتمتع النعام ـ وكما ترعى السوائم ‪ ..‬وهل هذه سعادة ـ‬
‫وهل حياة الشهوة تلك إل سلسلة من الشبق والتوترات والوع الكال والتخمة الانقة ل تت إل‬
‫السعادة القة بسبب ‪ ..‬وهل تكون السعادة القة إل حالة من السلم والسكينة النفسية والتحرر‬
‫الروحي من كافة العبوديات ‪ ..‬وهل هي ف تعريفها النهائي إل حالة صلح بي النسان ونفسه وبي‬
‫النسان والخرين وبي النسان وال ‪ ..‬وهذه الصالة والسلم والمن النفسي ل تتحقق إل بالعمل‬
‫‪ ..‬بأن يضع النسان قوته وماله وصحته ف خدمة الخرين وبأن ييا حياة الي والب نية وعملً وأن‬
‫تتصل العلقة بينه وبي ال صلةً وخشوعًا فيزيده ال سكينة ومددًا ونورا ‪ ..‬وهل هذه السعادة إل‬
‫الدين بعينه ‪ ..‬أل يقل الصوف لبس الرقة ‪ ..‬نن ف لذة لو عرفها اللوك لقاتلونا عليها بالسيوف ‪..‬‬
‫والذين عرفوا تلك اللذة ‪ ..‬لذة الصلة بال والصلح مع النفس ‪ ..‬يعلمون أن كلم الصوف على حق ‪.‬‬

‫‪ -‬أل تكن مثلنا من سنوات تسكر كما نسكر وتلهو كما نلهو وتسعد هذه السعادة اليوانية الت‬
‫نسعدها وتكتب الكفر بعينه ف كتابك ال والنسان فتسبق به إلاد اللحدة فماذا غيك من النقيض‬
‫إل النقيض ؟‬

‫‪ -‬سبحانه يغي ول يتغي ‪.‬‬

‫‪ -‬أعلم أنك تقول أن كل شيء بفضل ال ‪ ..‬ولكن ماذا كان دورك ‪ ..‬وماذا كان سعيك ؟‬

‫‪ -‬نظرت حول فرأيت أن الوت ث التراب نكتة وعبثـا وهزل ورأيت العال حول كله مكمًا‬
‫دقيقـا منضبطـا ل مكان فيه للهزل ول للعبث ‪ ..‬ولو كانت حيات عبثا كما تصور العابثون‬
‫ونايتها ل شيء ‪ ..‬فلماذا أبكى ولاذا أندم ولا أترق وألتهب شوقـا على الق والعدل وأفتدى‬
‫هذه القيم بالدم والياة ‪.‬‬

‫رأيت النجوم ترى ف أفلكها بقانون ‪ ..‬ورأيت الشرات الجتماعية تتكلم والنباتات ترى وتسمع‬
‫وتس ‪ ..‬ورأيت اليوانات لا أخلق ‪ ..‬ورأيت الخ البشرى عجيبة العجائب يتألف من عشرة‬
‫آلف مليون خط عصب تعمل كلها ف وقت واحد ف كمال معجز ‪ ..‬ولو حدث با عطل هنا‬
‫أوهناك لاء ف أثره الشلل والعمى والرس والتخليط والذيان وهي أمور ل تدث إل استثناء ‪ ..‬فما‬
‫الذي يفظ لذه اللة الائلة سلمتها ومن الذي زودها بكل تلك الكمالت ‪.‬‬

‫ورأيت المال ف ورقة الشجر وف ريشة الطاووس وجناح الفراش وسعت الوسيقى ف صدح‬
‫البلبل وسقسقة العصافي وحيثما وجهت عين رأيت رسم رسام وتصميم مصمم وإبداع يد مبدعة‬
‫‪.‬‬
‫ورأيت الطبيعة بناءً مكمًا متكامل تستحيل فيها الصدفة والعشوائية ‪ ..‬بل كل شيء يكاد يصرخ ‪..‬‬
‫دبرن مدبر ‪ ..‬وخلقن مبدع قدير ‪.‬‬

‫وقرأت القرآن فكان له ف سعي رني وإيقاع ليس ف مألوف اللغة وكان له ف عقليّ انبهار ‪ ..‬فهو‬
‫يأت بالكلمة الخية ف كل ما يتعرض له من أمور السياسة والخلق والتشريع والكون والياة‬
‫والنفس والجتمع رغم تقادم العهد على نزوله أكثر من ألف وثلثائة سنة ‪ ..‬وهو يوافق كل ما‬
‫يستجد من علوم رغم أنه أتى على يد رجل بدوى أميّ ل يقرأ ول يكتب ف أمة متخلفة بعيدة عن‬
‫نور الضارات ‪ ..‬وقرأت سية هذا الرجل وما صنع ‪ ..‬فقلت ‪ ..‬بل هو نب ‪ ..‬ول يكن أن يكون‬
‫إل نب ‪ ..‬ول يكن لذا الكون البديع إل أن يكون صنع ال القدير الذي وصفه القرآن ‪ ..‬ووصف‬
‫أفعاله ‪.‬‬

‫قال صاحب ـ بعد أن أصغى باهتمام إل كل ما قلت ‪ ..‬وراح يتلمس الثغرة الخية ‪:‬‬
‫‪ -‬فماذا يكون الال لو أخطأت حساباتك وانتهيت بعد عمر طويل إل موت وتراب ليس بعده‬
‫شيء ؟‬

‫‪ -‬لن أكون قد خسرت شيئـا فقد عشت حيات كأعرض وأسعد وأحفل ما تكون الياة ‪..‬‬
‫ولكنكم أنتم سوف تسرون كثيًا لو أصابت حساباتى وصدقت توقعاتى ‪ ..‬وإنا لصادقة سوف‬
‫تكون مفاجئة هائلة يا صاحب ‪.‬‬

‫ونظرت ف عمق عينيه وأنا أتكلم فرأيت لول مرة بية من الرعب تنداح ف كل عي ورأيت‬
‫أجفانه تطرف وتتلج ‪.‬‬
‫كانت لظة عابرة من الرعب ‪ ..‬ما لبث أن استعاد بعدها توازنه ‪ ..‬ولكنها كانت لظة كافية‬
‫لدرك أنه بكل غروره وعناده ومكابرته واقف على جرف من الشك والواء والفراغ ومسك بل‬
‫شيء ‪.‬‬

‫قال ل بنبة حاول أن يشحنها باليقي ‪:‬‬

‫‪ -‬سوف ترى أن التراب هو كل ما ينتظرك وينتظرنا ‪.‬‬


‫‪ -‬هل أنت متأكد ‪.‬‬

‫وللمرة الثانية انداحت ف عينيه تلك البحية من الرعب ‪.‬‬


‫قال وهو يضغط على الروف وكأنا يشى أن تونه نباته ‪:‬‬

‫‪ -‬نعم ‪...‬‬

‫قلت ‪:‬‬

‫‪ -‬كذبت ‪ ..‬فهذا أمر ل يكن أن نتأكد منه أبدًا ‪.‬‬

‫وحينما كنت أعود وحدي تلك الليلة بعد حوارنا الطويل كنت أعلم أن قد نكأت ف نفسه جرحًا‬
‫‪ ..‬وحفرت تت فلسفته التهاوية حفرة سوف تتسع على اليام ولن يستطيع منطقه التهافت أن‬
‫يردمها ‪.‬‬

‫قلت ف نفسي وأنا أدعو له ‪ ..‬لعل هذا الرعب ينجيه ‪ ..‬فمن سد على نفسه كل منافذ الق بعناده‬
‫ل يبقى له إل الرعب منفذًا ‪.‬‬

‫وكنت أعلم أن ل أملك هدايته ‪ ..‬أل يقل ال لنبيه ‪..‬‬


‫ت وَلَكِنّ الّلهَ َيهْدِي مَن يَشَاء )) القصص‪.56 -‬‬
‫((إِّنكَ لَا َتهْدِي مَنْ أَ ْحبَْب َ‬

‫ولكن كنت أتن له الداية وأدعو له با فليس أسوأ من الكفر ذنبًا ول مصيا ‪.‬‬

You might also like