Professional Documents
Culture Documents
شعبان هو اسم للشهر ،وقد سمي بذلك لن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب
المياه ،وقيل تشعبهم في الغارات ،وقيل لنه شَعَب أي ظهر بين شهري رجب
ورمضان ،ويجمع على شعبانات وشعابين .
الصيام في شعبان :
عن عائشة رضي ال عنها قالت :كان رسول ال يصوم حتى نقول ل يفطر ويفطر
حتى نقول ل يصوم وما رأيت رسول ال استكمل صيام شهر إل رمضان وما رأيته
أكثر صياما منه في شعبان رواه البخاري برقم ( ) 1833ومسلم برقم ( ، ) 1956
وفي رواية لمسلم برقم ( : ) 1957كان يصوم شعبان كله ،كان يصوم شعبان إل
قليل
وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى ال عليه وسلم
لم يستكمل صيام شعبان ،وإنما كان يصوم أكثره ،ويشهد له ما في صحيح مسلم
برقم ( ) 1954عن عائشة رضي ال عنها ،قالت :ما علمته -تعني النبي صلى
ال عليه وسلم -صام شهرا كله إل رمضان وفي رواية له أيضا برقم ( ) 1955
عنها قالت :ما رأيته صام شهرا كامل منذ قدم المدينة إل أن يكون رمضان ،وفي
الصحيحين عن ابن عباس قال :ما صام رسول ال صلى ال عليه وسلم شهرا
كامل غير رمضان أخرجه البخاري رقم 1971ومسلم رقم ، 1157
وكان ابن عباس يكره أن يصوم شهرا كامل غير رمضان ،
قال ابن حجر رحمه ال :كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه
وكان يصوم معظم شعبان .
وعن أسامة بن زيد رضي ال عنهما قال :قلت يا رسول ال لم أرك تصوم من
شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ،فقال :ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه ،
بين رجب ورمضان ،وهو شهر ترفع فيه العمال إلى رب العالمين ،وأحب أن
يرفع عملي وأنا صائم رواه النسائي ،أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص ، 425
وفي رواية لبي داود برقم ( ) 2076قالت :كان أحب الشهور إلى رسول ال صلى
ال عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان .صححه اللباني أنظر صحيح
سنن أبي داوُد 2/461
قال ابن رجب رحمه ال :صيام شعبان أفضل من صيام الشهر الحرم ،وأفضل
التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده ،وتكون منزلته من الصيام بمنزلة
السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض ،وكذلك
صيام ما قبل رمضان وبعده ،فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق
بالصلة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه .
وقوله شعبان شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان
يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان -الشهر الحرام وشهر الصيام -اشتغل
الناس بهما عنه ،فصار مغفول عنه ،وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل
من صيام شعبان لن رجب شهر حرام ،وليس كذلك .
وفي الحديث السابق إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الزمان أو الماكن أو
الشخاص قد يكون غيره أفضل منه .
وفيه دليل على استحباب عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة ،كما كان طائفة من
السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلة ويقولون هي ساعة غفلة ،ومثل
هذا استحباب ذكر ال تعالى في السوق لنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة ،
وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها - :
أن يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل ،ل سيما الصيام فإنه سرّ
بين العبد وربه ،ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء ،وكان بعض السلف يصوم سنين
عددا ل يعلم به أحد ،فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدق بهما
ويصوم ،فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته ،
-3وقيل لنه شهر يغفل الناس عنه :ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب
ورمضان رواه النسائي ،أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425عن عائشة
رضي ال عنها قالت :كان رسول ال يصوم حتى نقول ل يفطر ويفطر حتى نقول
ل يصوم وما رأيت رسول ال استكمل صيام شهر إل رمضان وما رأيته أكثر
صياما منه في شعبان رواه البخاري برقم ( ) 1833ومسلم برقم ( ) 1956
،وفي رواية لمسلم برقم ( : ) 1957كان يصوم شعبان كله ،كان يصوم
شعبان إل قليل ،
وكان إذا دخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه قضاه في
شعبان حتى يستكمل نوافله بالصوم قبل دخول رمضان -كما كان إذا فاته سنن
الصلة أو قيام الليل قضاه -فكانت عائشة حينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما
عليها من فرض رمضان حينئذ لفطرها فيه بالحيض وكانت في غيره من الشهور
مشتغلة بالنبي صلى ال عليه وسلم ،فيجب التنبه والتنبيه على أن من بقي عليه
شيء من رمضان الماضي فيجب عليه صيامه قبل أن يدخل رمضان القادم ول
يجوز التأخير إلى ما بعد رمضان القادم إل لضرورة ( مثل العذر المستمر بين
الرمضانين ) ،
ومن قدر على القضاء قبل رمضان ولم يفعل فعليه مع القضاء بعده التوبة وإطعام
مسكين عن كل يوم ،وهو قول مالك والشافعي وأحمد .
وكذلك من فوائد صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئل يدخل
في صوم رمضان على مشقة وكلفة ،بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده
فيدخل رمضان بقوة ونشاط .
ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من
الصيام وقراءة القرآن والصدقة ،وقال سلمة بن سهيل كان يقال :شهر شعبان
شهر القراء ،وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء ،
وكان عمرو بن قيس المُلئي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن .
ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي ال عنه :أن النبي صلى ال
عليه وسلم قال لرجل :هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا ؟ قال ل ،قال :فإذا
أفطرت فصم يومين وفي رواية البخاري :أظنه يعني رمضان وفي رواية لمسلم :
هل صمت من سرر شعبان شيئا ؟ أخرجه البخاري 4/200ومسلم برقم (
) 1161
وقد اختلف في تفسير السرار ،والمشهور أنه آخر الشهر ،يقال سِرار الشهر
بكسر السين وبفتحها وقيل إن الفتح أفصح ،وسمي آخر الشهر سرار لستسرار
القمر فيه ( أي لختفائه ) ،فإن قال قائل قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة
رضي ال عنه ،عن النبي صلى ال عليه وسلم قال :ل تقدموا رمضان بيوم أو
يومين ،إل من كان يصوم صوما فليصمه أخرجه البخاري رقم ( ) 1983
ومسلم برقم ( ، ) 1082
فكيف نجمع بين حديث الحثّ وحديث المنع فالجواب :قال كثير من العلماء وأكثر
شراح الحديث :إن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى ال عليه وسلم كان يعلم أن
له عادة بصيامه ،أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه .وقيل في المسألة أقوال
أخرى ،وخلصة القول - :
أن صيام آخر شعبان له ثلثة أحوال :
أحدها -:أن يصومه بنية الرمضانية احتياطا لرمضان ،فهذا محرم .
الثاني :أن يصام بنية النذر أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك ،
فجوّزه الجمهور.
الثالث :أن يصام بنية التطوع المطلق ،فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان
ورمضان بالفطر؛ منهم الحسن -وإن وافق صوما كان يصومه -ورخص فيه
مالك ومن وافقه ،وفرّق الشافعي والوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة
أو ل ..
وبالجملة فحديث أبي هريرة -السالف الذكر -هو المعمول به عند كثير من
العلماء ،وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس
له به عادة ،ول سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصل بآخره .
فإن قال قائل لماذا يُكره الصيام قبل رمضان مباشرة ( لغير من له عادة سابقة
بالصيام ) فالجواب أنّ ذلك لمعانٍ منها :
أحدها :لئل يزاد في صيام رمضان ما ليس منه ،كما نهي عن صيام يوم العيد
لهذا المعنى ،حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم ،فزادوا فيه بآرائهم
وأهوائهم .
ولهذا نهي عن صيام يوم الشك ،قال عمار من صامه فقد عصى أبا القاسم صلى
ال عليه وسلم ،ويوم الشك :هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أم ل ؟
وهو الذي أخبر برؤية هلله من لم يقبل قوله ،وأما يوم الغيم :فمن العلماء من
جعله يوم شك ونهى عن صيامه ،وهو قول الكثرين .
المعنى الثاني :الفصل بين صيام الفرض والنفل ،فإن جنس الفصل بين الفرائض
والنوافل مشروع ،ولهذا حرم صيام يوم العيد ،ونهى النبي صلى ال عليه وسلم
أن توصل صلة مفروضة بصلة حتى يفصل بينهما بسلم أو كلم ،وخصوصا
سنة الفجر قبلها ،فإنه يشرع الفصل بينها وبين الفريضة ،ولهذا يشرع صلتها
بالبيت والضطجاع بعدها .
ولما رأى النبي صلى ال عليه وسلم رجل يصلي وقد أقيمت صلة الفجر ،فقال له
:آلصّبح أربعا رواه البخاري رقم ( . ) 663
وربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الكل ؛ لتأخذ
النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام ،وهذا خطأ وجهل ممن
ظنه .وال تعالى أعلم .
المراجع :لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف :ابن رجب الحنبلي ،
واللمام بشيء من أحكام الصيام :عبد العزيز الراجحي
وال الموفّق
موقع السلم سؤال وجواب
وقفة مراجعة بعد رمضان
الحمد لله رب العالمين ،والصلة والسلم على أشرف النبياء
والمرسلين ،قائد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما
بعد :
فنسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح العمال ،وأن يعيد
علينا رمضان أعواما ً عدة ،وأزمنة متعاقبة ،ونحن وإياك نرفل
في ثوب اليمان والصحة في حياة سعيدة ونفوس مطمئنة .
أخي المسلم :هذه ثمان وقفات نقفها نحن وإياك في العيد مع
نفوسنا ،لعلنا أن نستلهم منها روحا ً تبقى ريانة باليمان بعد
رمضان .
المراجعة الولى :وقفة محاسبة :
أخي الكريم :جدير بكل مسلم يخاف الله تعالى أن يقف مع
نفسه بعد هذا الشهر الكريم ليحاسبها ،فمحاسبة النفس من
أنجع الدوية بإذن الله لصلح القلوب وحثها على الخير ،وها نحن
قد ودعنا رمضان المبارك بأيامه الجميلة ولياليه العطرة الفواحة
بالروحانية ،ودعناه ومضى ،ول ندري هل سندركه في عام قادم
أم ستنتهي آجالنا دونه ؟
ودعناه ومضى وصرنا مرتهنين بما أودعناه من خير أو شر .
-فهل تخرجنا من هذا الشهر العظيم بوسام التقوى ؟
-هل عودنا أنفسنا على الصبر والمصابرة ،ومجاهدة النفس
على فعل الطاعة وترك المعصية ابتغاء رضوان الله فانتصرنا
عليها ،وكبحنا جماحها فصارت نفوسا ً مستسلمة لله رب
العالمين ؟
-هل رحمنا الفقير فواسيناه بعدما ذقنا شيئا ً مما يذوقه من
الجوع والعطش ؟
-هل ربينا فيه أنفسنا علىالجهاد بأنواعه وهل جاهدنا أنفسنا
وشهواتنا وانتصرنا عليها ؟ أم غلبتنا العادات والتقاليد السيئة ؟
هل سعينا إلى العمل بأسباب الرحمة والمغفرة والعتق من
النار ؟
-هل نقينا قلوبنا من الغل والحسد والبغضاء والشحناء لخواننا
المسلمين وفتحنا معهم صفحات بيضاء ملؤها المحبة والتواصل
والرأفة والمواساة ؟
-هل وهل وهل … أسئلة كثيرة تحتاج منا إلى جواب ( عملي ) .
المراجعة الثانية :واعبد ربك حتى يأتيك اليقين :
يجب أن يكون العبد مستمرا ً على طاعة الله ،ثابتا ً على شرعه ،
مستقيما ً على دينه ل يروغ روغان الثعالب يعبد الله في شهر
دون شهر ..أو في مكان دون آخر ..أو مع قوم دون آخرين ..ل
..وألف ل !!
بل يعلم أن رب رمضان هو رب بقية الشهور واليام ،وأنه رب
الزمنة والماكن كلها ،فيستقيم على شرع الله حتى يلقى ربه
وهو عنه راض .
قال تعالى { فاستقم كما أمرت ومن تاب معك } [هود]112:
وقال عز وجل { فاستقيموا إليه واستغفروه } [فصلت]6:
وقال صلى الله عليه وسلم « قل آمنت بالله ثم استقم » رواه
مسلم
-فلئن انتهى صيام رمضان فهناك صيام النوافل كالست من
شوال والثنين والخميس واليام البيض وعاشوراء وعرفة وغيرها
.
-ولئن انتهى قيام رمضان فقيام الليل مشروع في كل ليلة
{ كانوا قليل ً من الليل ما يهجعون } [الذاريات]17:
-ولئن انتهت صدقة وزكاة الفطر ،فهناك الزكاة المفروضة ،
وهناك أبواب للصدقة والتطوع والجهاد كثيرة ومفتوحة .
-وقراءة القرآن وتدبره ليست خاصة برمضان بل هي في كل
وقت .
-وهكذا فالعمال الصالحة في كل وقت وكل زمان فاجتهد أخي
في الطاعات ..وإياك والكسل والفتور ،فإن لم تستطع العمل
بالنوافل فل يجوز لك أبدا ً أن تترك الواجبات وتضيعها كالصلوات
الخمس في أوقاتها ومع الجماعة وغيرها .
ول أن تقع في المحرمات من قول الحرام ،أو أكله ،أو شربه ،
أو النظر إليه واستماعه .
فالله الله بالستقامة والثبات على الدين في كل حين فل تدري
متى يلقاك ملك الموت فاحذر أن يأتيك وأنت على معصية
فاللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك .
المراجعة الثالثة :إياك إياك :
-إياك أخي أن تنقض غزلك وتنكث توبتك وتخلف عهدك مع الله
تعالى ،
وتهدم بناء التقوى الذي بنيته بلبنات الطاعة في هذا الشهر
الكريم بمعول المعصية والذنب .
-إياك أن تستبدك تلوة القرآن الكريم وسماعه بسماع صوت
الشيطان ( الغناء ) ومشاهدة الفلم والمسلسلت الساقطة .
-إياك وهجر القرآن بعد أن جعلته صاحبا ً لك في هذا الشهر
العظيم وأنعم به من صاحب .
-إياك ونسيان ربك بعد أن فتح لك أبواب رحمته في هذا الشهر
الكريم .
المراجعة الرابعة :علمة القبول :
-اعلم يرعاك الله أن من علمة قبول الطاعة :الطاعة بعدها
ومن علمة ردها :المعصية والعراض بعدما
فسل نفسك ! وانظر في حالك { وما يلقاها إل ذو حظ عظيم }
المراجعة الخامسة :أنت لديك القدرة :
شهر رمضان قد بين لك أن لديك القدرة على اللتزام
والستقامة وترك المنكرات والمحافظة على الصلوات كلها مع
الجماعة ،وعلى أنك تستطيع ترك التدخين إن كنت من
المدخنين ..فهل ستستفيد من رمضان ؟
المراجعة السادسة :منكرات منتشرة وبخاصة في العيد :
-اختلط النساء بالرجال الجانب في السواق والمنازل والحدائق
والستراحات والشواطئ .
-مصافحة النساء رجال ً من غير المحارم ،فقد كان صلى الله
عليه وسلم يبايع النساء وليصافحهن ،وقال عليه الصلة والسلم
« لن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن
يمس امرأة ل تحل له » صححه اللباني – صحيح الجامع 5045
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم « إني لست أصافح النساء »
-التفريط في أداء الصلوات في أوقاتها أو مع جماعة المسلمين
في المساجد وخاصة صلتي الفجر والعصر .
-قضاء كثير من الوقات باللهو المحرم والغفلة عن ذكر الله
تبارك وتعالى
-السفر إلى بعض بلد الكفر أو بلد ينتشر فيها الفساد ويذبح
فيها الحياء وتقتل فيها الفضيلة بمدية الرذيلة .
-انتشار صور من السراف كالسراف في الولئم والملبوسات
والهدايا وإضاعة الموال باللعاب النارية للطفال .
-إهمال كثير من الناس لنسائهم وأطفالهم ،وتركهم يخرجون
إلى أي مكان شاؤوا مع السائقين بل رقابة ول متابعة مما يكون
له أبلغ الثر في انتشار الفساد والوقوع في مال تحمد عاقبته .
وما هكذا تشكر النعم ..وما هكذا نختم الشهر ونشكر الله على
بلوغ الصيام والقيام ..وما هذه علمة القبول بل هذا جحود
للنعمة وعدم شكر لها .
وهذا من علمات عدم قبول العمل والعياذ بالله لن الصائم
حقيقة ..يفرح يوم العيد بفطره ،ويحمد ويشكر ربه على إتمام
الصيام ،ومع ذلك يبكي خوفا ً أن ليتقبل الله منه صيامه كما كان
السلف يبكون ستة أشهر بعد رمضان يسألون الله القبول .
فمن علمات قبول العمل أن ترى العبد في حال أحسن من حاله
السابق
وأن ترى فيه إقبال ً على الطاعة { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم
لزيدنكم } [إبراهيم]7:
أي زيادة في الخير الحسي والمعنوي ،،فيشمل الزيادة في
اليمان والعمل الصالح ،،فلو شكر العبد ربه حق الشكر لرأيته
يزيد في الخير والطاعة ،ويبعد عن المعصية والشكر ترك
المعاصي كما قال السلف .
المراجعة السابعة :المسلمون والعيد :
تذكر أخي الكريم وأنت بين أهلك وأولدك في رغد من العيش
وأمن وعافية ،تذكر إخوة لك مسلمين في أصقاع شتى من
العالم ،حيث يعود عليهم هذا العيد ليجدد لهم الهموم وليزيد
جراحا ً لم تندمل ،فهم في بأساء وضراء ل يعلم مداها إل الله
تعالى بعضهم قد نسي شيئا ً اسمه المان ،والبعض الخر يسقط
صريع الجوع والمرض ،وآخر يعيش ولكن كسقط المتاع ل
تراعى له كرامة و ل يحفظ له عهد ول يرى له حق ،،،،،
فأين أنت منهم ؟ وهل من شكر لنعمة الله عليك ؟؟
المراجعة الثامنة :من الذي يفرح بالعيد ؟
نرى الجميع يفرح بالعيد ويبتهج بقدومه ،ولكن من الذي يفرح
حقيقة بالعيد ؟
إن العيد أيها المبارك ليس لمن لبس الجديد ،ول لمن جمع من
الموال المزيد ولكن العيد إنما هو لمن أطاع ربه فأم يوم الوعيد
،ولمن فاز برضا الولي الحميد فنال لذة النظر لوجهه الكريم
يوم المزيد ..
نسأل الله تعالى أن يجعله عيدا ً سعيدا ً محفوفا ً بالقبول منه
سبحانه وبالرياض والعتق من النار ..آمين .
وختاماً :
ينبغي أن تحرص على أعمال البر والخير ،وأن تكون يوم العيد
بين الخوف والرجاء ،،تخاف عدم القبول ،وترجو من الله
القبول ونتذكر يوم عيدنا يوم الوقوف بين يدي الله عز وجل فمنا
السعيد ومنا غير ذلك .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
اترك المستقبل حتى ياتي -من كتاب ل تحزن لفضيلة الشيخ د.عائض القرني
ذا أصبحت فل تنتظر المساء ،اليوم فحسب ستعيش ،فل أمس الذي ذهب بخيره
وشره ،ول الغد الذي لم يات إلى الن .اليوم الذي أظلتك شمسه ،وأدركك نهاره
هو يومك فحسب ،عمرك يوم واحد ،فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكأنك
ولدت فيه وتموت فيه حينها ل تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمه ،
وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب ،لليوم فقط اصرف تركيزك
واهتمامك وإبداعك وكدك وجدك ،فلهذا اليوم لبد أن تقدم صلة خاشعة وتلوة
بتدبر واطلعا بتأمل ،وذكرا بحضور ،واتزانا في المور ،وحسنا في خلق ،
ورضا بالمقسوم ،واهتماما بالمظهر ،واعتناء بالجسم ،ونفعا للخرين.
لليوم هذا الذي أنت فيه فتقسم ساعاته وتجعل من دقائقه سنوات ،ومن ثوانيه
شهور ،تزرع فيه الخير ،تسدي فيه الجميل ،تستغفر فيه من الذنب ،تذكر فيه
الرب ،تتهيا للرحيل ،تعيش هذا اليوم فرحا وسرورا ،وأمنا وسكينة ،ترضى
فيه برزقك ،بزوجتك ،بأطفالك بوظيفتك ،ببيتك ،بعلمك ،بمستواك { فخذ ما
اتيتك وكن من الشاكرين } تعيش هذا اليوم بل حزن ول انزعاج ،ول سخط ول
حقد ،ول حسد .إن عليك أن تكتب على لوح قلبك عبارة واحدة تجعلها أيضا على
مكتبك تقول العبارة ( :يومك يومك) .إذا أكلت خبزا حارا شهيا هذا اليوم فهل
يضرك خبز المس الجاف الرديء ،أو خبز غد الغائب المنتظر.
إذا شربت ماء عذبا زلل هذا اليوم ،فلماذا تحزن من ماء أمس الملح الجاج ،أو
تهتم لماء غدا السن الحار.
إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فولذية صارمة عارمة لخضعتها لنظرية :لن
أعيش إلى هذا اليوم .حينها تستغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية
مواهبك ،وتزكية عملك ،فتقول :لليوم فقط أهذب ألفاظي فل أنطق هجرا أو
فحشا ،أو سبا ،أو غيبة ،لليوم فقط سوف أرتب بيتي ومكتبتي ،فل ارتباك ول
بعثرة ،وإنما نظام ورتابة .لليوم فقط سوف أعيش فأعتني بنظافة جسمي ،
وتحسين مظهري والهتمام بهندامي ،والتزان في مشيتي وكلمي وحركاتي.
لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربي ،وتأدية صلتي على أكمل وجه ،
والتزود بالنوافل ،وتعاهد مصحفي ،والنظر في كتبي ،وحفظ فائدة ،ومطالعة
كتاب نافع.
لليوم فقط سأعيش فأغرس في قلبي الفضيلة وأجتث منه شجرة الشر بغصونها
الشائكة من كبر وعجب ورياء وحسد وحقد وغل وسوء ظن لليوم فقط سوف
أعيش فأنفع الخرين ،وأسدي الجميل إلى الغير ،أعود مريضا ،أشيع جنازة ،
أدل حيران ،أطعم جائعا ،أفرج عن مكروب ،أقف مع مظلوم ،أشفع لضعيف ،
أواسي منكوبا ،اكرم عالما ،أرحم صغيرا ،أجل كبيرا.
لليوم فقط سأعيش فيا ماض ذهب وانتهى اغرب كشمسك ،فلن أبكي عليك ولن
تراني أقف لتذكرك لحظة ،لنك تركتنا وهجرتنا وارتحلت عنا ولن تعود إلينا أبد
البدين.
ويا مستقبل أنت في عالم الغيب فلن أتعامل مع الحلم ،ولن أبيع نفسي مع
الوهام ولن أتعجل ميلد مفقود ،لن غدا ل شيء لنه لم يخلق ولنه لم يكن
مذكورا.
يومك يومك أيها النسان أروع كلمة في قاموس السعادة لمن أراد الحياة في أبهى
صورها وأجمل حللها
كيف تواجه النقد الثم -من كتاب ل تحزن لفضيلة الشيخ د.عائض القرني
الرقعاء السخفاء ستوا الخالق الرازق جل في عله ،وشتموا الواحد الحد ل إله
إل هو ،فماذا أتوقع أنا وأنت ونحن أهل الحيف والخطأ ،إنك سوف تواجه في
حياتك حربا! ضروسا ل هوادة فيها من النقد الثم المر ،ومن التحطيم المدروس
المقصود ،ومن الهانة المتعمدة مادام أنك تعطي وتبني وتؤثر وتسطع وتلمع ،
ولن يسكت هؤلء عنك حتى تتخذ نفقا في الرض أو سلما في السماء فتفر من
هؤلء ،أما وأنت بين أظهرهم فانتظر منهم ما يسوؤك ويبكي عينك ،ويدمي
مقلتك ،ويقض مضجعك.
إن الجالس على الرض ل يسقط ،والناس ل يرفسون كلبا ميتا ،لكنهم يغضبون
عليك لنك فقتهم صلحا ،أو علما ،أو أدبا ،أو مال ،فأنت عندهم مذنب ل توبة
لك حتى تترك مواهبك ونعم ال عليك ،وتنخلع من كل صفات الحمد ،وتنسلخ من
كل معاني النبل ،وتبقى بليدا!غبيا صفرا محطما ،مكدودا ،هذا ما يريدون
بالضبط.
اذا فاصمد لكلم هؤلء ونقدهم وتشويههم وتحقيرهم “أثبت أحد” وكن كالصخرة
الصامتة المهيبة تتكسر عليها حبات البرد لتثبت وجودها وقدرتها على البقاء .إنك
إن أصغيت لكلم هؤلء وتفاعلت به حققت أمنيتهم الغالية في تعكير حياتك وتكدير
عمرك ،ال فاصفح الصفح الجميل ،أل فأعرض عنهم ول تك في ضيق مما
يمكرون .إن نقدهم السخيف ترجمة محترمة لك ،وبقدر وزنك يكون النقد الثم
المفتعل.
إنك لن تستطيع أن تغلق أفواه هؤلء ولن تستطيع أن تعتقل ألسنتهم لكنك تستطيع
أن تدفن نقدهم وتجنيهم بتجافيك لهم ،وإهمالك لشأنهم ،وإطراحك لقوالهم!{ .
قل موتوا بغيظكم } بل تستطيع أن تصب في أفواههم الخردل بزيادة فضائلك
وتربية محاسنك وتقويم اعوجاجك.
إن كنت تريد أن تكون مقبول عند الجميع ،محبوبا لدى الكل ،سليما من العيوب
عند العالم ،فقد طلبت مستحيل وأملت أمل بعيدا
مقدمة
الحمد ل والصلة والسلم على رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد:
حمُوداً}
فقد قال تعالىَ { :ومِنَ الّليْلِ َف َتهَجّدْ بِهِ نَا ِفلَةً ّلكَ عَسَى أَن َي ْب َع َثكَ َر ّبكَ مَقَاماً مّ ْ
[السراء.]79:
طمَعاً َو ِممّا
خوْفاً وَ َ
جنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْلمَضَاجِعِ يَدْعُونَ َر ّبهُمْ َ
وقال تعالىَ { :تتَجَافَى ُ
َرزَ ْقنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة.]16:
جعُونَ} [الذاريات.]17:
وقال عز وجلَ{ :كانُوا َقلِيلً مّنَ الّليْلِ مَا َيهْ َ
وعن عبد ال بن سلم رضي ال عنه قال :قال النبي صلى ال عليه وسلم« :أيّها
النّاس أفشوا السلم وأطعموا الطعام وصلّوا بالليل والنّاس نيام ،تدخلوا الجنّة
بسلم»
[السلسلة الصحيحة ح .]569
وعن عائشة رضي ال عنه قالت :كان النبي صلى ال عليه وسلم يقوم من الليل
حتى تتفطر قدماه فقلت له :لم تضع ذلك يا رسول ال وقد غَفر لك ما تقدم من ذنبك
وما تأخر؟ قال« :أفل أكون عبداً شكوراً» [متفق عليه].
فهذه رسالة عن قيام الليل وفضائله ترغّب فيه وتحث عليه نسأل ال أن يتقبل منّا
صالح العمال ،وصلى ال على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماّ كثيراّ.
أصبحت القلوب قاسية ،والعين جامدة ،طال المد على الكثير حتى على الملتزمين
فأصبحوا ل يجدوا للطاعة حلوة ،وأصبحت الحياة مليئة بالملل!!
وسط كل هذا ومع رغبة في العلج ،مع شوق للمغفرة ،وطمع في الرحمة ،ولهفة
للجنّة ،وأمل في طرد الغفلة ،وظمأ للنصر على الكفرة ،أدلك إن شاء ال على باب
الستقامة بعد التوحيد ..إنّه قيام اللّيل ..يحل لك كل هذا ول تعجب.
قيام اللّيل شريعة ربانية ،سنة نبوية ،خصلة حميدة سلفية ،مدرسة تربوية ،دموع
وعبرات قلبية ،وآهات وزفرات شجية ،خلوة برب البرية ،روضة ندية ،سعادة
روحية ،قوة جسمانية ،تعلق بالجنان العلية.
وال ل يعلم لذة قيام اللّيل ول قدره إلّ أهله ومساكين أهل العائلة العلمية هم في
وادٍ وأهل اللّيل في وادٍ .ولسوف يعلمون من الفائز يوم التناد! وأين هي اللذة
الحقيقية!!
-3قيام الليل دأب الصالحين ،ففي الحديث الصحيح« :عليكم بقيام اللّيل فإنّه دأب
الصالحين قبلكم» فهي عبادة قديمة وظب عليها ال ُكمّل السابقون ،واجتهدوا في
إحراز فضائلها.
-4قيام اللّيل يطرد الغفلة ،ففي الحديث الصحيح«:من قام بعشر آيات لم يكتب من
الغافلين ،ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ،ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين
-والقنطار ألف ومائتا أوقية -والوقية خير مما بين السماء والرض».
قال يحيى بن معاذ :دواء القلب خمسة أشياء :قراءة القرآن بالتفكر ،وخلء البطن،
وقيام اللّيل ،والتضرع عند السحر ،ومجالسة الصالحين .
-5قيام الليل صلة بال وقربة ،ففي الحديث الصحيح« :عليكم بقيام اللّيل ،فإنّه دأب
الصالحين قبلكم وقربة إلى ال تعالى» .قال الحسن البصري :ما أعلم شيئاً يتقرب به
المتقربون إلى ال أفضل من قيام العبد في جوف الليل إلى الصلة .
-8 ،7 ،6قيام اللّيل منهاة عن الثم وتكفير للسيئات ومطردة للداء عن الجسد ،ففي
الحديث الصحيح« :عليكم بقيام اللّيل فإنّه دأب الصالحين قبلكم ،وقربة إلى ال
تعالى ،ومنهاة عن الثم ،وتكفير للسيئات ،ومطردة للداء عن الجسد».
قال ابن الحاج :وفي القيام من الفوائد أنّه يحط الذنوب كما يحط الريح العاصف
الورق الجاف من الشجرة ،وينور القبر ،ويحسّن الوجه ،وينشّط البدن .
-9قيام الليل شرف المؤمن ،ففي الحديث الحسن« :واعمل أن شرف المؤمن قيامه
باللّيل».
-10قيام اللّيل يجعل المتهجد طيب النفس ،ففي الحديث الصحيح« :فإن صلى
انحلت عقده كلّها ،فأصبح نشيطاً طيب النفس».
-11المتهجدون خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره ،قال تعالى{ :وُجُوهٌ َي ْو َمئِذٍ مّسْ ِف َرةٌ
ش َرةٌ ([ })39عبس ،]39 - 38:قال ابن عباس رضي ال س َتبْ ِ ( )38ضَا ِ
حكَةٌ مّ ْ
عنه :من قيام الليل.
وقيل للحسن البصري :ما بال المتهجدين باللّيل من أحسن النّاس وجوهاً؟ قال :لنّهم
خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره .وقال سعيد بن المسيب -رحمه ال :-إنّ الرجل
ليُصلّي باللّيل ،فيجعل ال في وجهه نوراً يحبه عليه كل مسلم ،فيراه من لم يره قط،
فيقول :إنّي لحب هذا الرجل .
-12قيام اللّيل سبب لجابة الدعاء ،ففي صحيح البخاري« :من تعار من اللّيل
فقال(( :ل إله إل ال وحده ل شريك له ،له الملك وله الحمد ،وهو على كل شئ
قدير ،الحمد ل وسبحان ال ول إله إل ال وال أكبر ول حول ول قوة إل بال)) ثم
قال(( :اللهم اغفر لي)) أو دعا استُجيب له».
-13قيام اللّيل من موجبات الرحمة ،قال تعالىَ{ :أمّنْ ُهوَ قَا ِنتٌ آنَاء الّليْلِ سَاجِداً
حمَةَ َربّهِ} [الزمر.]9:
خ َرةَ َو َيرْجُو رَ ْ
وَقَائِماً يَحْ َذرُ الْ ِ
وفي الحديث الصحيح« :رحم ال رجلً قام من اللّيل وأيقظ امرأته فصلت ،فإن أبت
نضح في وجهها الماء ،ورحم ال امرأة قامت من اللّيل فصلت وأيقظت زوجها
فصلّى فإن أبى نضحت في وجهه الماء».
-14وفي الحديث الحسن« :الرجل من أمتي يقوم من اللّيل يعالج نفسه إلى
الطهور ،وعليه عقد ،فإذا وضأ يديه انحلت عقدة ،وضأ رجله انحلت عقدة ،وإذا
مسح رأسه انحلت عقدة ،وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة ،فيقول ال عز وجل للذين
وراء الحجاب :انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ويسألني ،ما سألني عبدي فهو
له».
-15ضحك ال إلى المتهجدين باللّيل ،ففي الحديث الحسن« :ثلثة يحبهم ال
ويضحك إليهم ،ويستبشر بهم … ..والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن ،فيقوم
من الليل فيقول :يذر شهوته ويذكرني!! ولو شاء لرقد!!».
وفي الحديث« :إذا ضحك ال من العبد فل حساب عليه».
-16التهجد سبب لحسن الخاتمة ،فانظر إلى المتهجدين كيف ماتوا؟ نعم ،من صفّى
صُفي له وإنّما يكال للعبد كما كال ،من نصب قدميه في محرابه باكياً متضرعاً في
سواد اللّيل ،كانت له الخاتمة الطيبة ،فانظر إلى تهجد سالم مولى أبي حذيفة وثابت
بن قيس ،كيف اتشهدا؟ وعبد ال ذي البجادين المتهجد الواه وحسن خاتمته ،حتى
قال ابن مسعود رضي ال عنه أمام قبره :ياليتني كنت صاحب القبر .
-17قيام اللّيل يهوّن من طول القيام في عرصات القيامة ،قال ابن عباس :من أحب
أن يهون ال عليه طول الوقوف يوم القيامة ،فليره ال في ظلمة اللّيل ساجداً وقائماً
يحذر الخرة .
-18قيام الليل ينجي من النيران ،ففي حديث عبد ال بن عمر المتفق عليه… :
فجعلت أقول( :أعوذ بال من النار) قال :قال :فلقيهما ملك فقال لي( :لم تُرع)،
فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال:
«نعم الرجل عبد ال لو كان يصلي من الليل» .قال القرطبي :حصل لعبد ال من
ذلك تبيه على أنّ قيام اللّيل مما يُتقى به من النّار والدنو منها فلذلك لم يترك قيام
اللّيل بعد ذلك.
-19قيام الليل يورّث سكن الغرف في أعالي الجنان ،قال تعالىَ { :تتَجَافَى ُ
جنُو ُبهُمْ
طمَعاً َو ِممّا َرزَ ْقنَاهُمْ يُنفِقُونَ ( )16فَلَ َت ْعلَمُ نَ ْفسٌ
خوْفاً وَ َ
عَنِ ا ْل َمضَاجِعِ يَدْعُونَ َر ّبهُمْ َ
جزَاء ِبمَا كَانُوا َي ْع َملُونَ([ })17السجدة.]17 - 16: عيُنٍ َ مّا أُخْ ِفيَ َلهُم مّن ُق ّرةِ أَ ْ
وفي الحديث الصحيح« :إنّ في الجنّة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من
ظاهرها ،أعدها ال تعالى لمن أطعم الطعام وأفشى السلم وصلى باللّيل والنّاس
نيام».
-20قيام الليل مهر الحور الحسان ،ما يكون جزاء من ترك دفء الفراش وقام من
بين حبه وأهله إلّ الفوز بالحور الحسان ،أوما علمت أنّ المتهجد إذا قام إلى تهجده
قالت الملئكة :قد قام الخاطب إلى خطبته .
-21التهجد سبيل النصر على العداء ،فالجهاد يُسقى بدمع التهجد ،ول ينتصر
على العدو في ساحة القتال إلّ من انتصر على نفسه وشيطانه في قيام اللّيل!
ولما هُزم الروم أمام المسلمين ،قال هرقل لجنوده :ما بالكم تنهزمون؟! فقال شيخ من
عظماء الروم :من أجل أنّهم يقومون اللّيل ويصومون النّهار وقال المراء
الصليبيون :إنّ القسيم بن القسيم -يعنون نور الدين زنكي -له مع ال سر فإنّه لم
يظفر ويُنصر علينا بكثرة جنده وجيشه ،وإنّما يظفر علينا ويُنصر بالدعاء وصلة
اللّيل ،فإنّه يُصلي باللّيل ويرفع يده إلى ال ويدعو ،فإنّه يستجيب له ويعطيه سؤاله
فيظفر علينا .
وأخيراً فثواب القيام ل تحيط به العقول وتقصر عنه العبارات ويكفيك الحديث
الصحيح« :إذا استيقظ الرجل من اللّيل ،وأيقظ أهله وصليا ركعتين ،كُتبا من
الذاكرين ال كثيراً والذاكرات»… .فما حد كثيراً؟!
قال ابن مسعود رضي ال عنه :من قال في قيام اللّيل ((سبحان ال والحمد ول إله
إل ال وال أكبر ول حول ول قوة إل بال)) كان له من الجر كألف ألف حسنة .
-1قلة الطعام وعدم الكثار منه ،ففي الحديث الحسن …« :أقصر من جشائك ؛
فإنّ أكثر النّاس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً في الخرة».
وقال وهب بن منبه :ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الكول النوّام ،فمن أكل
كثيراً شرب كثيراً فنام كثيراً فخسر كثيراً يوم القيامة .
-2القتصاد في الكد نهاراً ،فل يُتعب نفسه بالنّهار في العمال التي تعيا بها
الجوارح ،وتضعف بها العصاب ،فإنّ ذلك مجلبة للنوم ،وعليه بالقصد في هذه
العمال ،وأن يتجنب فضول الكلم ،وفضول المخالطة التي تشتت القلب.
-3الستعانة بالقيلولة نهاراً؛ فإنها سُنة ،ففي الحديث الحسن« :قيلوا ؛ فإنّ الشياطين
ل تقيل».
ومر الحسن بقوم في السوق فرأى سخبهم ولغطهم فقال :أما يقيل هؤلء؟ قالوا :ل
قال :إنّي لرى ليلهم ليل سوء .
-4ترك المعاصي ،فقد قيدتنا خطايانا ،قال رجل للحسن البصري :يا أبا سعيد إنّي
أبيت معافى ،وأحب قيام اللّيل وأعد طهوري فما بالي ل أقوم؟ فقال :ذنوبك قيدتك .
وقال الثوري :حُرمت قيام اللّيل خمسة أشهر بذنب أذنبته قيل :وما هو؟ قال :رأيت
رجلً يبكي فقلت في نفسي هذا مُراء .
وقال الفضيل بن عياض :إذا لم تقدر على قيام اللّيل وصيام النّهار ،فاعلم أنّك
محروم مُكبّل ،كبّلتك خطيأتك .
وقيل للحسن :عجزنا عن قيام اللّيل قال :قيدتكم خطاياكم ،إنّما يؤهل الملوك للخلوة
بهم من يصدق في ودادهم ومعاملتهم ،فأمّا من كان من أهل مخالفتهم فل يرضونه
لذلك .
-5طيب المطعم وأكل الحلل والبتعاد عن الحرام ،فكم من أكلة منعت قيام ليلة،
وإنّ العبد ليأكل أكلة فيُحرم قيام سنة؛ لنّه لم يتجنب أكل الشبهات ،وقال سهل بن
عبد ال التُستري :من أكل الحلل أطاع ال شاء أم أبى .
وقال إبراهيم بن أدهم :أطب مطعمك ول عليك أن ل تقوم باللّيل وتصوم النهار .
-6ترك السمر بعد العشاء والنوم مبكراً ،ففي الحديث الصحيح« :ل سمر إل
لمُصلٍ أو مسافر» .وكان عمر بن الخطاب رضي ال عنه ينش النّاس بدرته بعد
العتمة يقول :قوموا لعل ال يرزقكم صلة ،وكان يضرب النّاس بالدرة بعد صلة
العشاء ويقول :أسمر أول اللّيل ونوم آخره؟! .
وكان معاوية بن قرة يقول أن أباه كان يقول لبنيه إذا صلًى العشاء :يا بني ناموا لعل
ال يرزقكم من اللّيل خيراً وعليه فالسُنة المؤكدة هي التبكير بالنوم بعد صلة العشاء
مباشرة ويُستثنى من ذلك الحوال التية( :الضيف -مذاكرة العلم -الزوجة -
مصالح المّة) بشرط أل يؤدي أي حال إلى إضاعة الصلة.
-7عدم المبالغة في حشو الفراش؛ لنّ ذلك يؤدي للستغراق في النوم ويجلب
الكسل والخمول ،ولقد كان صوان بن سُليم ينام في الشتاء على السطح وفي الصيف
في وسط البيت حتى ل يستغرق في النوم ،وكان ال ُعبّاد ينامون في الشتاء في ثوب
واحد ليمنعهم البرد من النوم.
-3علمك بأنّ إمام المتهجدين يدعوك ويحثك على القيام فقل له :على العين
والرأس.
-4معرفة مدى أُنس السلف وتلذذهم بالتهجد ،قال أبو سليمان الداراني :لهل
الطاعة في ليلهم ألذ من أهل اللّهو بلهوهم ،وقال ثابت البُناني :ما شيء أجده في
قلبي ألذ عندي من قيام اللّيل .
-6علمك بمدى حرص رسولك صلى ال عليه وسلم على القيام والجتهاد فيه ،فلقد
كان صلى ال عليه وسلم يقوم من اللّيل حتى تتورم قدماه وقد غفر ال من ذنبه.
-7النوم على نية القيام للتهجد ليُكتب لك ،والنوم على طهارة على الجانب اليمن
والمواظبة على أذكار النوم.
-8سؤال المولى عز وجل ودعاؤه أن يمُن عليك بالقيام ((اللّهم اشفني باليسير من
النوم وارزقني سهراً في طاعتك)).
-12علمك ببكاء السلف وتحسرهم على فوات قيام اللّيل ،قال أبو إسحاق السُبيعي:
ذهبت الصلة مني وضعُفت ورق عظمي ،وإنّي اليوم أقوم في الصلة فما أقرأ إلّ
بالبقرة وآل عمران!! .
-14إتهام النفس دائماً بالتقصير في القيام ومعاقبة النفس على ترك القيام ،نام
الصحابي تميم الداري ليلة فلم يقم للتهجد فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع.
-15معرفة وصايا السلف في الحث على القيام وقراءة تراجم النتهجدين والعيش
معهم.
-16الزهد في الدنيا وكثرة ذكر الموت وقصر المل وهذا أسلوب نبوي في تربية
الصحابة على قيام اللّيل ،ففي الحديث كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا ذهب ثلث
اللّيل قام فقال« :يا أيّها النّاس اذكروا ال ،جاءت الراجفة ،من خاف أدلج ومن أدلج
بلغ المنزل ،أل إنّ سلعة ال غالية ،أل إنّ سلعة ال الجنّة ،جاءت الراجفة ،تتبعها
الرادفة ،جاء الموت بما فيه».
وانظر إلى حفصة بنت سيرين وكيف أنّها إذا قامت اللّيل لبست كفنها ،ومعاذة
العدوية تقول :يا نفس هذه ليلتك التي فيها تموتين فتحيي الليلة صافّـة قدمها!!
وقيل لمحمد بن واسع :قد نشأ شباب يصومون النّهار ويقومون اللّيل ويجاهدون في
سبيل ال قال :بلى ،ولكن أفسدهم العجب .فإيّاك والرياء والعجب وتذكر قول النبي
صلى ال عليه وسلم« :صلة الرجل تطوعاً حيث ل يراه النّاس تعدل صلته على
أعين النّاس خمساً وعشرين».
-الحرص على أذكار القيام والستفتاح والتأسّي برسول ال صلى ال عليه وسلم في
كيفية صلته (فينظر في السماء ويقرأ اليات التي في آخر آل عمران كما في
الصحيحين ويصلّي مثنى مثنى ويستفتح بركعتين خفيفتين ول يزيد عن إحدى عشر
ركعة) .
-ترديد الية وتدبر ما فيها ويجوز أن يردد السورة ويتعوذ عند ذكر النّار ويسأل
ال الجنّة عند ذكر آيات الجنّة وهكذا.
-البكاء
-الفصل بين صلة اللّيل بالتسبيح بين كل ركعتين لتسكن الجوارح وتزول سآمة
سبّحْهُ َوأَ ْدبَارَ السّجُودِ} [ق ،]40:أي أعقاب
النفس للقيام ،قال تعالىَ { :ومِنَ الّليْلِ فَ َ
الصلة.
وأخيراً وفقني ال وإيّاك إلى قيام الليل والحتهاد فيه ،فلنبدأ من الن والنهاية عند
الممات ولنواظب عليه ولو بمائة آية في أول المر فخير العمال أدومها وإن قل،
قال عتبة الغلم :كابدت قيام اللّيل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة .
فيا نائماً عن قيام اللّيل في ثنايا السيل ،ضج الليل من كثرة منامك اشتكى الفراش من
كثرة رقادك ،وتعجبت الحور من قسوة جفائك ،وبكى الحفظة من فوات أرباحك،
فأحب من يحبك ،واشتغل بمن يشتاق إليك ،وقف بين يدي مولك ،وتعرض لنفحة
من نفحاته ولو للحظة عساك تفلح ،ففي لحظة واحدة أفلح السحرة ،وفقني ال وإيّاك
لما يحب
قال ابن رجب رحمه ال ” :صيام شعبان أفضل من صيام الشهر الحرم ،وأفضل
التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده ،وتكون منزلته من الصيام بمنزلة
السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض ،وكذلك صيام
ما قبل رمضان وبعده ،فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلة
فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما َبعُد عنه “.
هلموا عباد ال للستعداد لرمضان بطاعات وأعمال وقربى للرحمن رزقنا ال
وإياكم القرار في أعالي الجنان مع محمد صلى ال عليه وسلم الرسول العدنان
وبلغنا وإياكم رمضان وتقبله منا وجعلنا فيه من عتقائه من النيران
الحمد ل على إحسانه والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه ،وأشهد أن ل إله إل
ال وحده ل شريك له تعظيماً لشأنه ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى
رضوانه ..
فضل شهر شعبان
اللّهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه ..
عباد ال ..
ش ْهرُ َر َمضَانَ الّذِي أُنزِلَ فِي ِه
امتدح ال تعالى في كتابه شهر رمضان بقوله َ { :
ال ُق ْرآَنُ}[البقرة .. ]185:وبيّن أنّ فيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر ،فاهتمّ
المسلمون بهذا الشهر العظيم واجتهدوا فيه بالعبادة من صلة ،وصيام ،وصدقات،
وعمرة إلى بيت ال الحرام وغير ذلك من أعمال البر والصلح ..
ولما رأى النبي صلى ال عليه وسلم انتباه النّاس إلى شهر رجب في الجاهلية،
وتعظيمه وتفضيله على بقية أشهر السنة ورأى المسلمين حريصين على تعظيم شهر
القرآن أراد أن يبين لهم فضيلة بقية الشهر واليام ..
عن أسامة بن زيد رضي ال عنهما أنه سأل النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يا
رسول ال لم أرك تصوم شهر من الشهور ما تصوم في شعبان ،فقال صلى ال عليه
وسلم « :ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان ،وهو شهر ترفع فيه
العمال إلى ال تعالى فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» ..
وسؤال أسامة رضي ال عنه يدل على مدى اهتمام الصحابة الكرام وتمسكهم بسنة
النبي صلى ال عليه وسلم ..
وبالفعل كان النبي صلى ال عليه وسلم يصوم شعبان إلّ قليلً كما أخبرت عنه
عائشة رضي ال عنها في الحديث المتفق على صحته ..
ول بدّ من وجود أمر هام وراء هذا التخصيص من الصيام في مثل هذا الشهر وهذا
ما نبّه عليه النبي صلى ال عليه وسلم بقوله « :إنّه شهر ترفع فيه العمال إلى ال
تعالى» .
فإذاً أعمال العباد ترفع في هذا الشهر من كل عام ،وتعرض العمال يوم الثنين
والخميس من كل أسبوع فأحب النبي صلى ال عليه وسلم أن ترفع أعماله إلى ربّ
العالمين وهو صائم لنّ الصيام من الصبر وهو يقولِ{ :إ ّنمَا ُيوَفّى الصّا ِبرُونَ
جرَهُم ِب َغ ْيرِ حِسَابٍ} [الزمر]10:
أَ ْ
فشهر شعبان شهر عظيم عظمّه رسول ال صلى ال عليه وسلم فحري بنا أن
نعظمه وأن يكثر من العبادة والستغفار فيه تماماً كما جاء وصح عن النبي صلى
ال عليه وسلم في ذلك .
في هذا الشهر ليلة عظيمة أيضاً هي ليلة النصف من شعبان عظّم النبي صلى ال
عليه وسلم شأنها في قوله « :يطّلع ال تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من
شعبان فيغفر لجميع خلقه إلّ لمشرك أو مشاحن» ..
فمن دعا غير ال تعالى فقد أشرك ،ومن سأل غير ال فقد أشرك ،ومن زار قبر
النبي صلى ال عليه وسلم وسأله قضاء الحاجات فقد أشرك ،ومن ذبح لغير ال فقد
أشرك ،ومن قرأ المولد عند قبر الحسين أو المرغلي أو سيدتهم زينب أو الشعراني
أو ابن العربي أو أبو عبيدة أو إلى غير ذلك من الضرحة فمن فعل ذلك وسألهم
الحاجات فقد كفر وأشرك ،ومن حكّم غير شرع ال وارتضى ذلك فقد أشرك ..
والمشرك ل يطّلع ال عليه ول يغفر له الذنوب..
وكذلك من كانت بينهما شحناء وعداوة ل يغفر ال لهما حتى يصطلحا ..
سبحان ال يستصغر النّاس مثل هذه المور ..يستصغر النّاس مثل هذه المور ..
لذلك ترى اليوم في مجتمعنا ظهور هذه الصفات الذميمة بين أفراده ..وخصوصاً
الذي يعمرون المساجد يبغض بعضهم لمجرد أمر حقير ل يستحق أن يذكر.
وإنّي لذكرهم بحديث النبي صلى ال عليه وسلم هذا ..والمطلوب منهم أن يقولوا
سمعنا وأطعنا ..
وليكن الذين هم على شحناء وعداوه على علم ودراية بخطورة هذا المر وأ ّ
ن
الشحناء والبغضاء بين أخوة اليمان سبب في عدم قبول صلتهم ،وعدم قبول
أعمالهم ،وعدم تطلع ربّ العزة والجلل إليهم في ليلة النصف من شعبان ..
سلَيمٍ([ })89الشعراء -88
{يَومَ ل يَنفَعُ مَالٌ وَل َبنُونَ()88إلّ مَن َأتَى الَ بِ َق ْلبٍ َ
..]89قلب ل يحمل حقداً ول حسداً ول غشاً على أحد من المسلمين ..
عباد ال..
قبل أن نأتي على نهاية الكلم أود عرض بعض البدع والحاديث الواهية عن ليلة
النصف من شعبان ..
أولها بدعة الصلة اللفية وهذه من محدثات وبدع ليلة النصف من شعبان وهي مائة
ركعة تصلي جماعة يقرأ فيها المام في كل ركعة سورة الخلص عشر مرات..
وهذه الصلة لم يأتِ بها خبر وإنّما حديثها موضوع مكذوب فل أصل لهذا فتنبهوا
عباد ال من البدع والضللت ..
من ذلك أيضاً تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلة ونهارها بصيام لحديث :إذا
كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ..هذا حديث ل أصل له
..هذا حديث ل أصل له ..فتنبهوا عباد ال ..
من البدع أيضاً صلة الست ركعات في ليلة النصف من شعبان بنية دفع البلء،
وطول العمر ،والستثناء عن النّاس ،وقراءة سورة يس والدعاء ..فذلك من البدع
والمحدثات المخالفة لهدي النبي صلى ال عليه وسلم .
قال المام الغزالي في الحياء :وهذه الصلة مشهورة في كتب المتأخرين من
السادة الصوفية التي لم أرَ لها ول لدعائها مستنداً صحيحاً من السنة إلّ أنه من عمل
المبتدعة .
وقد قال أصحابنا أنه يُكره الجتماع على إحياء ليلة من مثل هذه الليالي في المساجد
أوفي غيرها .
قال المام النووي رحمه ال :صلة رجب -صلة الرغائب -وصلة شعبان
بدعتان منكرتان قبيحتان .
وعلى هذا يجب عليك عبد ال أن تعبد ال بما شرع لك في كتابه أو جاء مبنياً في
سنة نبيه صلى ال عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده ..
وإياكم عباد ال ومضلت المور فإنّ البدع ضللت وطامات ول يستفيد العبد من
عملها إلّ البعد من ال تبارك وتعالى ..
ومحمدٌ صلى ال عليه وسلم هو سيد النبياء والمرسلين بل هو سيد ولد آدم أجمعين
ول فخر
علَى
صلّونَ َ
وقد أمركم ال بالصلة عليه فقال عز من قائل { :إِنّ الَ َومَل ِئ َكتَهُ ُي َ
سلِيماً} [الحزاب.]56: سّلمُواْ تَ ْ
عَليْهِ وَ َ
صلّواْ َ
ال ّن ِبيّ يَآ َأ ّيهَا الّذِينَ َآ َمنُواْ َ
اللّهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
وارضى اللهم عن صحابته أجمعين عن الربعة والعشرة والمبشرين وسائر
الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك ولطفك
وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين .
عباد ال ..
{إِنّ الَ يَ ْأ ُمرُ بَالعَدْلِ وَالِحْسَانِ َوإِيتَاءِ ِذيْ ال ُق ْربَى َو َي ْنهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَال ُم ْن َكرِ
ظكُمْ َل ْعَلكُمْ تَ َذ ّكرُونَ} [النحل. ] 90: وَال َب ْغيِ َيعِ ُ
فاذكروا ال عباد ال يذكركم واشكروا على نعمه يزدكم ولذكر ال أكبر وال يعلم ما
تصنعون..
ففي الصحيحين عن عائشة ـ رضي ال عنها ـ قالت« :ما رأيت النبي صلى ال
عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إل رمضان ،وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه
في شعبان» البخاري ( ،)1969ومسلم ( .)1156وفي البخاري ( )1970في
رواية« :كان يصوم شعبان كله» .وفي مسلم في رواية« :كان يصوم شعبان إل
قليلً» .وروى المام أحمد ( ،)21753والنسائي ( )2357من حديث أسامة بن
زيد ـ رضي ال عنهما ـ قال ” :لم يكن -يعني النبي صلى ال عليه وسلم -يصوم
من الشهر ما يصوم من شعبان “ ،فقال له :لم أرك تصوم من الشهر ما تصوم من
شعبان قال« :ذاك شهر يغفل النّاس عنه بين رجب ورمضان ،وهو شهر ترفع فيه
العمال إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» قال في
الفروع (ص 120ج 3ط آل ثاني) :والسناد جيد.
فقد ذكر ابن رجب -رحمه ال تعالى -في كتاب (اللطائف) (ص 341ط دار
إحياء الكتب العربية) أن في سنن ابن ماجة ( )1388بإسناد ضعيف عن علي ـ
رضي ال عنه ـ أن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :إذا كان ليلة النصف من
شعبان فقوموا ليلها ،وصوموا نهارها ،فإن ال ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء
الدنيا فيقول :أل من مستغفر لي فأغفر له ،أل مسترزق فأرزقه ،أل مبتلى فأعافيه،
أل كذا ،أل كذا حتى يطلع الفجر».
قلت :وهذا الحديث حكم عليه صاحب المنار بالوضع ،حيث قال (ص 226في
المجلد الخامس من مجموع فتاويه) ” :والصواب أنه موضوع ،فإن في إسناده أبا
بكر بن عبد ال بن محمد ،المعروف بابن أبي سبرة ،قال فيه المام أحمد ويحيى بن
معين :إنه كان يضع الحديث “.
وبناء على ذلك فإن صيام يوم النصف من شعبان بخصوصه ليس بسنة ،لن
الحكام الشرعية ل تثبت بأخبار دائرة بين الضعف والوضع باتفاق علماء الحديث،
اللّهم إلّ أن يكون ضعفها مما ينجبر بكثرة الطرق والشواهد ،حتى يرتقي الخبر بها
إلى درجة الحسن لغيره ،فيعمل به إن لم يكن متنه منكراً أو شاذّا.
وإذا لم يكن صومه سنة كان بدعة ،لن الصوم عبادة فإذا لم تثبت مشروعيته كان
بدعة ،وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم« :كل بدعة ضللة» [أخرجه مسلم] (
)867من حديث جابر – رضي ال عنه . -
المر الثالث :في فضل ليلة النصف منه
وقد وردت فيه أخبار قال عنها ابن رجب في اللطائف بعد ذكر حديث علي السابق:
إنّه قد اختلف فيها ،فضعفها الكثرون ،وصحح ابن حبان بعضها وخرجها في
صحيحه .ومن أمثلتها حديث عائشة -رضي ال عنها -وفيه“ :أن ال تعالى ينزل
ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا ،فيغفر لكثر من عدد شعر غنم كلب”.
خرجه المام أحمد ( )26018والترمذي ( )739وابن ماجة ( ،)1389وذكر
الترمذي أن البخاري ضعّفه ،ثم ذكر ابن رجب أحاديث بهذا المعنى وقال :وفي
الباب أحاديث أخر فيها ضعف .اهـ
وذكر الشوكاني أن في حديث عائشة المذكور ضعفاً وانقطاعاً.
وذكر الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه ال تعالى ـ أنه ورد في فضلها أحاديث
ضعيفة ل يجوز العتماد عليها ،وقد حاول بعض المتأخرين أن يصححها لكثرة
طرقها ولم يحصل على طائل ،فإن الحاديث الضعيفة إذا قدر أن ينجبر بعضها
ببعض فإن أعلى مراتبها أن تصل إلى درجة الحسن لغيره ،ول يمكن أن تصل إلى
درجة الصحيح كما هو معلوم من قواعد مصطلح الحديث.
المر الرابع :في قيام ليلة النصف من شعبان وله ثلث مراتب:
المرتبة الولى :أن يصلى فيها ما يصليه في غيرها ،مثل أن يكون له عادة في قيام
الليل فيفعل في ليلة النصف ما يفعله في غيرها من غير أن يخصها بزيادة ،معتقداً
أن لذلك مزية فيها على غيرها ،فهذا أمر ل بأس به ،لنه لم يحدث في دين ال ما
ليس منه.
المرتبة الثانية :أن يصلى في هذه الليلة ،أعني ليلة النصف من شعبان دون غيرها
من الليالي ،فهذا بدعة ،لنّه لم يرد عن النبي صلى ال عليه وسلم أنّه أمر به ،ول
فعله هو ول أصحابه.
وأما حديث علي ـ رضي ال عنه ـ الذي رواه ابن ماجة« :إذا كان ليلة النصف من
شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها» .فقد سبق عن ابن رجب أنه ضعّفه ،وأن
محمد رشيد رضا قال ” :إنّه موضوع ،ومثل هذا ل يجوز إثبات حكم شرعي به،
وما رخص فيه بعض أهل العلم من العمل بالخبر الضعيف في الفضائل ،فإنه
مشروط بشروط ل تتحقق في هذه المسألة ،فإن من شروطه أن ل يكون الضعف
شديداً ،وهذا الخبر ضعفه شديد ،فإن فيه من كان يضع الحديث ،كما نقلناه عن
محمد رشيد رضا رحمه ال تعالى.
الشرط الثاني :أن يكون وارداً فيما ثبت أصله ،وذلك أنه إذا ثبت أصله ووردت فيه
أحاديث ضعفها غير شديد كان في ذلك تنشيط للنفس على العمل به ،رجاء للثواب
المذكور دون القطع به ،وهو إن ثبت كان كسباً للعامل ،وإن لم يثبت لم يكن قد
ضره بشيء لثبوت أصل طلب الفعل “ .ومن المعلوم أن المر بالصلة ليلة النصف
من شعبان ل يتحقق فيه هذا الشرط ،إذ ليس لها أصل ثابت عن النبي صلى ال عليه
وسلم كما ذكره ابن رجب وغيره .قال ابن رجب في اللطائف (ص ” :)541
فكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها عن النبي صلى ال عليه وسلم ول
عن أصحابه شيء “ .وقال الشيخ محمد رشيد رضا (ص 857في المجلد
الخامس) ” :إن ال تعالى لم يشرع للمؤمنين في كتابه ول على لسان رسوله صلى
ال عليه وسلم ول في سنته عملً خاصّا بهذه الليلة ” اهـ.
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز ” :ما ورد في فضل الصلة في تلك الليلة فكله
موضوع “ .اهـ
وغاية ما جاء في هذه الصلة ما فعله بعض التابعين ،كما قال ابن رجب في
اللطائف (ص ” : )441وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام
يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة ،وعنهم أخذ النّاس فضلها وتعظيمها ،وقد قيل:
إنّهم بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية ،فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في
ذلك :فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها ،وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز ،وقالوا:
ذلك كله بدعة “ .اهـ
ول ريب أنّ ما ذهب إليه علماء الحجاز هو الحق الذي ل ريب فيه ،وذلك لن ال
عَل ْيكُمْ ِن ْع َمتِى َورَضِيتُ َلكُمُ السْلَمَ
تعالى يقول{ :ا ْل َيوْمَ َأ ْك َم ْلتُ َلكُمْ دِي َنكُمْ َوَأ ْت َم ْمتُ َ
دِيناً} [المائدة ]3:ولو كانت الصلة في تلك الليلة من دين ال تعالى لبيّنها ال تعالى
في كتابه ،أو بيّنها رسول ال صلى ال عليه وسلم بقوله أو فعله ،فلمّا لم يكن ذلك
علم أنها ليست من دين ال ،وما لم يكن منه فهو بدعة ،وقد صحّ عن النبي صلى ال
عليه وسلم أنه قال« :كل بدعة ضللة» .
المرتبة الثالثة :أن يصلى في تلك الليلة صلوات ذات عدد معلوم ،يكرر كل عام،
فهذه المرتبة أشد ابتداعاً من المرتبة الثانية وأبعد عن السنة .والحاديث الواردة فيها
أحاديث موضوعة ،قال الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 15ط ورثة الشيخ
نصيف) ” :وقد رويت صلة هذه الليلة ،أعني ليلة النصف من شعبان على أنحاء
مختلفة كلها باطلة وموضوعة “.
المر الخامس :أنه اشتهر عند كثير من الناس أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها
ما يكون في العام
وهذا باطل ،فإن الليلة التي يقدر فيها ما يكون في العام هي ليلة القدر ،كما قال ال
تعالى{ :حم( )1وَا ْل ِكتَابِ ا ْل ُمبِينِ (ِ )2إنّا أَن َز ْلنَاهُ فِي َل ْيلَةٍ ُمبَا َركَةٍ ِإنّا ُكنّا مُن ِذرِينَ ()3
حمَةً مِنْ َر ّبكَ ِإنّهُ سلِينَ ( )5رَ ْ عنْ ِدنَا ِإنّا ُكنّا ُمرْ ِ حكِيمٍ (َ )4أمْراً مِنْ ِ فِيهَا يُ ْفرَقُ كُلّ َأ ْمرٍ َ
سمِيعُ ا ْل َعلِيمُ([ })6الدخان ]6-1:وهذه الليلة التي أنزل فيها القرآن هي ليلة ُهوَ ال ّ
القدر ،كما قال تعالىِ{ :إنّا أَن َز ْلنَاهُ فِي َل ْيلَةِ الْقَ ْدرِ} [القدر ]1:وهي في رمضان ،لن
ش ْهرُ َر َمضَانَ الّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْ ُقرْآنُ} ال تعالى أنزل القرآن فيه ،قال تعالىَ { :
[البقرة ]185:فمن زعم أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام ،فقد
خالف ما دل عليه القرآن في هذه اليات.
المر السادس:
أن بعض الناس يصنعون أطعمة في يوم النصف يوزعونها على الفقراء ويسمونها
عشيات الوالدين.
وهذا أيضاً ل أصل له عن النبي صلى ال عليه وسلم ،فيكون تخصيص هذا اليوم به
من البدع التي حذّر منها رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وقال فيها« :كل بدعة
ضللة» .
وليعلم أنّ من ابتدع في دين ال ما ليس منه فإنّه يقع في عدة محاذير منها:
المحذور الول :أن فعله يتضمن تكذيب ما دل عليه قول ال عز وجل{ :ا ْل َيوْمَ َأ ْك َم ْلتُ
َلكُمْ دِي َنكُمْ} [المائدة ،]3:لنّ هذا الذي أحدثه واعتقده ديناً لم يكن من الدين حين
نزول الية ،فيكون الدين لم يكمل على مقتضى بدعته.
المحذور الثاني :أن ابتداعه يتضمن التقدم بين يدي ال ورسوله صلى ال عليه و
سلم ،حيث أدخل في دين ال تعالى ما ليس منه .وال سبحانه قد شرع الشرائع وحدّ
الحدود وحذّر من تعديها ،ول ريب أن من أحدث في الشريعة ما ليس منها فقد تقدم
بين يدي ال ورسوله صلى ال عليه و سلم ،وتعدى حدود ال ،ومن يتعد حدود ال
فأولئك هم الظالمون.
المحذور الثالث :أن ابتداعه يستلزم جعل نفسه شريكاً مع ال تعالى في الحكم بين
شرَعُواْ َلهُمْ مّنَ الدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الُّ}
ش َركَاءُ َ
عباده ،كما قال ال تعالى{ :أَمْ َلهُمْ ُ
[الشورى.]21:
المحذور الخامس :أنّ ابتداعه يؤدي إلى تطاول النّاس على شريعة ال تعالى،
وإدخالهم فيها ما ليس منها ،في العقيدة والقول والعمل ،وهذا من أعظم العدوان الذي
نهى ال عنه.
المحذور السادس :أنّ ابتداعه يؤدي إلى تفريق المة وتشتيتها واتخاذ كل واحد أو
طائفة منهجاً يسلكه ويتهم غيره بالقصور ،أو التقصير ،فتقع المة فيما نهى ال عنه
خ َتلَفُوا مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَهُمْ ا ْل َب ّينَاتُ َوُأ ْوَل ِئكَ َلهُمْبقوله{ :وَل َتكُونُوا كَالّذِينَ تَ َفرّقُوا وَا ْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران ،]105:وفيما حذر منه بقوله{ :إِنّ الّذِينَ َفرّقُواْ دِي َنهُمْ
ستَ ِم ْنهُمْ فِي شَيءٍ ِإ ّنمَآ َأ ْمرُهُمْ ِإلَى الِّ ثُمّ ُي َن ّب ُئهُم ِبمَا كَانُواْ يَ ْف َعلُونَ}ش َيعًا لّ ْ
َوكَانُواْ ِ
[النعام.]159 :
المحذور السابع :أن ابتداعه يؤدي إلى انشغاله ببدعته عما هو مشروع ،فإنّه ما
ابتدع قوم بدعة إلّ هدموا من الشرع ما يقابلها.
وإن فيما جاء في كتاب ال تعالى ،أو صح عن رسوله صلى ال عليه وسلم من
الشريعة لكفاية لمن هداه ال تعالى إليه واستغنى به عن غيره ،قال ال تعالى{ :يَا
حمَةٌ
َأ ّيهَا النّاسُ قَدْ جَا َء ْتكُمْ َموْعِظَةٌ مِنْ َر ّبكُمْ وَشِفَاءٌ ِلمَا فِي الصّدُورِ وَهُدًى َورَ ْ
ج َمعُونَ ( خ ْيرٌ ِممّا يَ ْ ِل ْل ُم ْؤ ِمنِينَ( )57قُلْ بِ َفضْلِ الِّ َو ِبرَ ْ
ح َمتِهِ َفبِ َذِلكَ َف ْليَ ْفرَحُوا ُهوَ َ
[ }َ)58يونس .]58-57وقال ال تعالىَ { :فِإمّا يَ ْأ ِت َي ّنكُم ّمنّي هُدًى َفمَنِ ا ّتبَعَ هُدَاي
فَلَ َيضِلّ وَلَ يَشْقَى} [طه.]123:
أسأل ال تعالى أن يهدينا وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم ،وأن يتولنا في الدنيا
ۤ
والخرة إنه جواد كريم ،والحمد ل رب العالمين
الداء والدواء
قال شيخ السلم رحمه ال :ينبغي للعبد أن يثبت ويلزم ما هو فيه من الذكر
شيْطَانِ
والصلة ول يضجر فإنّه بملزمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان {إِنّ َكيْدَ ال ّ
ن ضَعِيفاً} [سورة النساء :من الية ]76وكلما أراد العبد توجها إلى ال بقلبه
كَا َ
جاءه من الوسواس أمور أخرى فإنّ الشيطان بمنزلة قالطع طريق كلما أراد العبد
أن يسير إلى ال تعالى أراد قطع الطريق عليه ،ولهذا قيل لبعض السلف :إنّ اليهود
والنصارى يقولون ل نوسوس ،فقال صدقوا وما يصنع الشيطان بالبيت الخراب.
أ.هـ.
-8الدعاء :وهذا من أقوى السباب في دفع الوسواس وليعلم أنّ ال ليستحي أن
يرد عبدا سأله ،وقد وعد بالجابة من دعاه .فأكثر الدعاء ل سيما في مواطن
الجابة.
الحمد ل حق حمده ،والصلة والسلم على من ل نبي بعده وعلى آله وصحبه.
أمّا بعد:
ههذه نبذة (هذه النبذة اختصرتها من كتاب تحفة المؤمنين في ذم الوسواس وعلج
المسوسين) عن مسألة يكثر فيها الفقه الحديث عنها ،ومشكلة يكثر التشكي منها ،وهي
الوسوسة ،جرى العلم بالكلم عنها في رؤوس أقلم تسهيلً لتداولها ،وكتبت في
وريقات تيسيراً لحملها .أسأل ال تعالى أن ينفع بها.
أسـبابـها
ل بسؤال
-1قلة العلم :قال المام الذهبي :من مرض قلبه بشكوك ووساوس ل تزول إ ّ
أهل العلم فليتعلم من الحق ما يدفع ذلك عنه ول يُمعن.أ .هـ ،فالعلم يزيل أي شيء يرد
على النسان ويخطر بباله ،والجهل يورد على النسان ما يضره ول ينفع.
-2ضعف اليمان :وهذا ينتج عن أمور كثيرة من قلة العمال الصالحة وكثرة
المعاصي ،فإنّ الشيطان يتسلط على أهل المعاصي بخلف قوي اليمان فإنّ الشيطان
يفرق منه وليس له عليه سبيل.
-4الغفلة عن ذكر ال :فإنّ الذكر يطرد الشيطان ويجعل منفذًا على أحد من البشر
فإذا ترك الذكر جاء الشيطان بخيله ورجله فدخل إلى قلب النسان وفكره فشوش
عليه ووسوس له .كما في حديث فرار الشيطان وله ضراط عند سماع الذان وهو في
مسلم والبيهقي.
-5عدم مخالطة النّاس :لنّ الشيطان من الواحد أقرب فيسهل تمكنه منه والسيطرة
على إفساده وإغوائه.
-6عدم التباع :وذلك إمّا بزيادة وغلو ،وإمّا بإنقاص وتفريط ،وكلهما مذموم.
مظاهرها
-2تكرار الصلة وإعادتها :لنّه يظن أنّها فاسدة ،وأنّه ما كبر مع المام فيقطع
ن الصواب ما عليه جمهور المسلمين التكبير ويعيده ،قال شيخ السلم اب تيمية :فإ ّ
لّ مَا
أنّ من فعل العبادة كما أمر بحسب وسعه فل إعادة عليه كما قال تعالى{ :فَاتّقُوا ا َ
ط ْعتُمْ} [سورة التغابن :من الية ]16ولم يعرف قط أنّ رسول ال صلى ال عليه ستَ َ
اْ
وسلم أمر العبد أن يصلي الصلة مرتين ،لكن يأمر بالعبادة من لم يفعل ما أمر به مع
القدرة على ذلك كما قال للمسيء في صلته« :ارجع فصلي فإنّك لم تصلي» ،وكما
أمر من صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلة .أ .هـ( .مجموع الفتاوى
.)21/633
-3تكريرالحرف :قال ابن قدامة وابن القيم :إنّه أي الموسوس يجد صعوبة في
اللفظ فتراه يقول :أكككبر ،وكقوله في التحيات :ات ات التخي التحي ،وفي السلم:
اس اس وهذا يفسد الصلة وصلة من خلفه إذا كان إماماً( .والظاهر من فعل هذا
صحة صلته مع الثم).
أنواع الموسوسين
-1الوسوسة في العقيدة :كما في الحديث يسأل الشيطان من خلق كذا من خلق كذا
حتى يقول :من خلق ال .وعلج هذا ينصرف عن مجادلته إلى إجابته بما جاء في
الحاديث وخلصتها أن يقول :آمنت بال ورسوله ،ال أحد ،ال الصمد ،لم يلد ولم
يولد ولم يكن له كفوا أحد ،ثم يتفل عن يساره ويستعيذ بال من الشيطان الرجيم ،ثم
ينتهي عن النسياق مع الوسوسة ،ومن فعل ذلك طاعة ل ورسوله مخلصا له في
ذلك ل بد أن تذهب عنه الوسوسة ويندحر شيطانه لقوله عليه الصلة والسلم في
الحديث« :فإنّ ذلك يذهب عنه».
وهو يعقد النية ويشك في حصولها ،هل حصلت أم ل؟ ومن شك في نيته فهو نوع من
الجنون فإن علم النسان بحال نفسه أمر يقيني فكيف يشك فيه عاقل من نفسه.
-3الوسوسة عند قضاء الحاجة :فإنّهم يمكثون الوقت الطويل في الخلء ،كل ذلك
يعالج نفسه ويجاهدها في إخراج البول ،فإذا بال وانتهى من بوله أتى بأفعال مشينة
من السلت ،والنتر ،والنحنحة ،والمشي ،والقفز ،والحبل ،والتفقد ،والوجور ،والحشو،
والعصابة ،والدرجة( .راجع شرحها في إغاثة اللهفان لبن القيم).
والرسول صلى ال عليه وسلم وصحابته لم يكونوا يفعلون شيئا مما هؤلء
الموسوسون.
-4الوسوسة في الوضوء :فإذا جاء ليتوضأ فإنّه ينظر إلى الماء يتساءل :من أين لك
أنّه طهور أو على القل طاهر؟
ن الصل في المياه الطهورية، وهذا من الجهل وإلّ لو كان عنده علم بالشرع لعلم أ ّ
طهُوراً} [سورة الفرقان :من الية ]48فل يترك سمَا ِء مَاءً َ
ن ال ّ
قال تعالىَ { :وأَنزَ ْلنَا مِ َ
الصل لحتمال طارئ ،وإذا أطال التفكير في طهورية الماء ازداد عليه الثم.
-5الوسوسة في طهارة الثياب :فهو يغسل ثوبه الطاهر مرات عديدة في اليوم ،إذا
كان شاكا ولم يتيقن ،وقد يبلغ به الوسواس مبلغا أنّه إذا لمس مسلم ثوبه غسله ،وكأن
هذا المسلم نجس أو متلطخ بالنجاسة وهو عاقل يترك النجاسة عالقة به؟ وهل النسان
نجس؟ وإذا أصيب ثوبه بقطرة ماء ،ما يكتفي بغسلها بل يغسل الثوب كله ويغسل ما
معه ،وإذا كان عند الوضوء تأخر عن صلة الجماعة مع المسلمين.
-6الوسوسة في الصلة واستحضار نيتها :فيتلفظ بالنية فيقول :أصلي صلة كذا ،ثم
يقطعها يظن أن نيته قطعت وهي ل تنقطع إلّ بتعمد ،ويأتي بعشر بدع قبل تكبيرة
الحرام لم يفعل رسول ال صلى ال عليه وسلم ول صحابته واحدة منها وهي :أعوذ
بال من الشيطان الرجيم ،نويت أصلي صلة الظهر ،فرض الوقت ،أداء ل تعالى،
إماما أو مأموما ،أربع ركعات مستقبل القبلة ،ثم يزعج أعضاءه ويحني جبهته ،ويقيم
عروق عنقه ،ويصرخ بالتكبير كأنّه يكبر على العدو.
قال شيخ السلم :لو مكث أحدهم عمر نوح عليه السلم يفتش هل فعل رسول ال
صلى ال عليه وسلم أو أحد من أصحابه شيئا من ذلك لما ظفر به إلّ أن يجاهر
بالكذب البحت ،فلو كان في هذا خير لسبقونا إليه ،ولدلونا عليه ،فإن كان هذا هدى
ل الضلل .أ.هـ.
فقد ضلوا عنه وإن كان الذي كانوا عليه هو الهدى فماذا بعد الحق إ ّ
الثــــار
-3عدم الكتفاء بالسنة والخروج عنها :فالزيادة في الوضوء على ثلث خلف السنة
بل الزيادة هي الوسواس ولم يرد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنّه زاد على
ثلث ،بل ورد نهيه عن ذلك.
-4بطلن الجر أو نقصانه :لزيادته على السنة فمن زاد على ثلث فقد خالف السنة
كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال :جاء أعرابي إلى رسول ال
صلى ال عليه وسلم فسأله عن الوضوء فأراه ثلثا ثلثا .ثم قال« :هذا الوضوء فمن
زاد على هذا فقد أساء أو تعدى أو ظلم» [رواه أبو داود وابن ماجة وإسناده حسن].
-5جلب المصائب لنفسه ولغيره :فلنفسه :بعده عن الحق وليس بعدها مصيبة
وبعده عن منهج ال تعالى وإعراضه عن هدي رسول ال صلى ال عليه وسلم مما
يسبب له الضيق والضنك والخنق.
وجلب المصائب لغيره :اتعاب أهله وأصحابه وهمهم وغمهم وحزنهم عليه
وبالخص والديه ـ.
-6إتعاب النفس :فالتردد في النية ،وإعادتها وإكثار صب الماء على العضاء في
الوضوء ،كل هذا تعذيب للنفس.
-7فعل المناهي وترك الوامر :الشارع الحكيم أمر بما يلئم النفس ،وفيها طاقة
عليه ،ونهى عما فيه مضرة عليها وإهلك وإتلف لها ،فمن ذلك المر بالقتصاد في
الوضوء والنهي عن السراف فيه .وأهل الوسواس أخذوا بالمنهي وتركوا المأمور
به.
-8ضياع الوقت والعمر :بمكثه في الخلء ومكان قضاء الحاجة وغير ذلك من
حالته التي مر ذكرها ،ولو أنّه أعرض عنها لستفاد من وقته بما ينفعه في دينه
ودنياه .يقول الوزير ابن الوزير ابن هبيرة:
-9تعريض النّاس لذمه والطعن فيه :النّاس ل يسلم أحد منهم ،إن أحسن جحدوا
حسناته وإن أساء نشروا سيئاته ونسوا حسناته ،هذا مع الرجل العاقل فكيف الحال
بمن هو جاهل موسوس فهو بغيتهم وطلبتهم ،فيستهزؤون به ويسخرون منه في
المجالس ،ويحذرون منه النّاس ..إلخ.
-10إشغال ذمته بالزائد على حاجته :هذه من مفاسده فهو أي الموسوس يشغل
ذمته بالزائد على حاجته ،إذا كان الماء مملوكا لغيره كمياه الدورات فيعيد وضوءه،
ويفكر في طهورية الماء ثم يخرج من مكانه وهو مرتهن الذمة بما زاد على حاجته،
ويتطاول عليه حتى يرتهن من ذلك بشيء كثير جدا يتضرر به في قبره ويوم القيامة.
-11أن يكون سببا للقدح في زملئه وإخوانه :الذين عوفوا من هذا الداء ،فيقدح
المغرضون من أهل الشر والضلل ،والمعنى المقصود من هذا الكلم أنّ
الشخص الموسوس وهو بين أصحابه في مجيئه وذهابه يأتي أهل الشر فيقدحون في
كل مسلم على وجه البسيطة ،هؤلء الملتزمون أصحاب وسواس ،مشددون ،وخذ من
هذا الكلم الذي يتفوه به أهل الباطل المتعلمنون قبحهم ال وأهلكهم عاجل غير آجل.
فلله ما أعظم جرم هذا الجاهل على المسلمين كلهم ،فقد عرض المعافين من
الوسواس للذم فيهم من قبل العداء ،وصار فعله حجز عثرة في وجوه الفاسقين
منعهم من الستقامة.
-12تعطله عن العمال الدنيوية :من التجارة وطلب الرزق وغير ذلك من العمال
التي هي مهمة له في دنياه ،وذلك بسبب انشغاله بوسواسه.
العــــــلج
-1طلب العلم الشرعي :فهو يمنع صاحبه من عمل ما ليس بوارد ول أصل له
بالشرع ،ويكون الشيطان منه أبعد وأشد فرقا وهربا.
وحال الموسوس كلها جهل بالشريعة فلو كانت عن علم لما فعل ما فعل.
-2تقوية اليمان :وذلك بكثرة النوافل والطاعات والقربات من صلة وزكاة وصيام..
إلخ ،وأهم تلك القربات الفرائض ،فإذا فعل ذلك قوي إيمانه وأصبح عنده سدا منيعا
يحجب الشيطان الرجيم من الوصول إلى القلب.
-3المداومة على ذكر ال تعالى :قال المام أبو بكر ابن العربي :إنّ ال تعالى سلط
الشيطان على النسان في إفساد صلته عليه قول بالوسوسة… ودواؤها الذكر ..إلخ
كلمه.
فالذكر هو الحصن الحصين ،والسد المنيع ،والحافظ الملزم ،والسلح الفتاك ضد
الشياطين وخص من جملة الذكار أذكار طرفي النهار ،وأذكار النوم ،والدخول
والخروج وغيرهم.
-4معرفة أنّ الحق فيما جاء فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم :فيتبعه في القول
والفعل وذلك هو الهدي الذي ارتضاه ال لرسوله صلى ال عليه وسلم ولنا فيه أسوة
حسنة ،والموسوس اتخذ طريق الشيطان سبيل وساءت سبيل.
س َم ُهمَا ِإنّي َل ُكمَا
-5العلم بأنّ الشيطان لن ينصح النسان أبدا :وإن زعم النصح {وَقَا َ
ن النّاصِحِينَ( )21فَدَلّ ُهمَا ِب ُغرُورٍ[ }..سورة العراف ،]22-21 :فاحذره واحذر َلمِ َ
خطواته.
-6المجاهدة في دفعه والتلهي عنه :فل يجعله شغله الشاغل لنّه إن تمادى به تمكن
منه وهيهات حينها أن يزول إلّ إذا شاء ال ،فإذا دافعه وجاهده
إليك أخي واختى الكريمة “ ″10وسائل للمداومة على العمل الصالح بعد رمضان
-6الحرص على النوافل ولو القليل المُحبب للنفس فان أحب العمال إلى ال «
أدومه وإن قل » كما قال صلى ال عليه وسلم .
-7البدء بحفظ كتاب ال والمداومة على تلوته وأن تقرأ ما تحفظ في الصلوات
والنوافل .
-8الكثار من ذكر ال والستغفار فإنه عمل يسير ونفعه كبير يزيد اليمان ويُقوي
القلب .
-10وأخيرا أوصيك أخي الحبيب بالتوبة العاجلة ..التوبة النصوح التي ليس فيها
رجوع بإذن ال فإن ال يفرح بعبده إذا تاب أشد الفرح .
أخي المبارك
اختى الطيبة
ل تكن من أولئك القوم الذين ل يعرفون ال إل في رمضان لقد قال فيهم السلف ”
بئس القوم ل يعرفون ال إل في رمضان ” وداعاً أيها الحبيب إلى رمضان آخر
وأنت في صحة وعافية واستقامة على دين ال إن شاء ال .
أخي المسلم :ل شك أن المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات ،والستمرار في
الحرص على تزكية النفس.
ومن أجل هذه التزكية شُرعت العبادات والطاعات ،وبقدر نصيب العبد من
الطاعات تكون تزكيته لنفسه ،وبقدر تفريطه يكون بُعده عن التزكية.
لذا كان أهل الطاعات أرق قلوباً ،وأكثر صلحاً ،وأهل المعاصي أغلظ قلوباً ،وأشد
فساداً.
وتلك فائدة عظيمة يجنيها الصائم من صومه ،ليخرج من صومه بقلب جديد ،وحالة
أخرى.
وصيام الستة من شوال بعد رمضان ،فرصة من تلك الفرص الغالية ،بحيث يقف
الصائم على أعتاب طاعة أخرى ،بعد أن فرغ من صيام رمضان.
وقد أرشد صلى ال عليه وسلم أمته إلى فضل الست من شوال ،وحثهم بأسلوب
يرغّب في صيام هذه اليام..
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان
كصيام الدهر» [رواه مسلم وغيره].
قال المام النووي رحمه ال ” :قال العلماء :وإنما كان كصيام الدهر ،لن الحسنة
بعشر أمثالها ،فرمضان بعشرة أشهر ،والستة بشهرين.“ ..
ونقل الحافظ ابن رجب عن ابن المبارك ” :قيل :صيامها من شوال يلتحق بصيام
رمضان في الفضل ،فيكون له أجر صيام الدهر فرضاً “.
قال الحافظ ابن رجب رحمه ال ” :فأما مقابلة نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان
بارتكاب المعاصي بعده ،فهو من فعل من بدل نعمة ال كفراً “.
أخي المسلم :ليس للطاعات موسماً معيناً ،ثم إذا انقضى هذا الموسم عاد النسان إلى
المعاصي!
بل إن موسم الطاعات يستمر مع العبد في حياته كلها ،ول ينقضي حتى يدخل العبد
قبره..
قيل لبشر الحافي رحمه ال :إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان .فقال ” :بئس
القوم قوم ل يعرفون ل حقاً إل في شهر رمضان ،إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد
السنة كلها “.
أخي المسلم :في مواصلة الصيام بعد رمضان فوائدعديدة ،يجد بركتها أولئك
الصائمين لهذه الست من شوال.
وإليك هذه الفوائد أسوقها إليك من كلم الحافظ ابن رجب رحمه ال:
إن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله.
إن صيام شوال وشعبان كصلة السنن الرواتب قبل الصلة المفروضة وبعدها،
فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص ،فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم
القيامة ..وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل ،فيحتاج إلى ما يجبره من
العمال.
إن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علمة على قبول صوم رمضان ،فإن ال
تعالى إذا تقبل عمل عبد ،وفقه لعمل صالح بعده ،كما قال بعضهم ” :ثواب الحسنة
الحسنة بعدها ،فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها ،كان ذلك علمة على قبول
الحسنة الولى ،كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علمة رد الحسنة
وعدم قبولها “.
إن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب ،كما سبق ذكره ،وأن الصائمين
لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر ،وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد
الفطر شكراً لهذه النعمة ،فل نعمة أعظم من مغفرة الذنوب ،كان النبي صلى ال
عليه وسلم يقوم حتى تتورّم قدماه ،فيقال له :أتفعل هذا وقد غفر ال لك ما تقدم من
ذنبك وما تأخّر؟! فبقول« :أفل أكون عبداً شكورا».
وقد أمر ال سبحانه وتعالى عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره ،وغير
علَى مَا هَدَاكُمْ َوَل َعّلكُمْ
ذلك من أنواع شكره ،فقالَ { :وِل ُت ْك ِملُواْ ا ْلعِ ّدةَ َوِل ُت َكبّرُواْ الّ َ
ش ُكرُونَ} [البقرة ]185:فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان، تَ ْ
وإعانته عليه ،ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكراً عقيب ذلك.
كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهارها صائماً ،ويجعل
صيامه شكراً للتوفيق للقيام.
وكان وهيب بن الورد يسأل عن ثواب شيء من العمال كالطواف ونحوه ،فيقول” :
ل تسألوا عن ثوابه ،ولكن سلوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر،
للتوفيق والعانة عليه “.
كل نعمة على العبد من ال في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها ،ثم التوفيق للشكر
عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان ،ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج
إلى شكر آخر ،وهكذا أبداً فل يقدر العباد على القيام بشكر النعم .وحقيقة الشكر
العتراف بالعجز عن الشكر.
إن العمال التي كان العبد يتقرب يها إلى ربه في شهر رمضان ل تنقطع بإنقضاء
رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حياً..
كان النبي صلى ال عليه وسلم عمله ديمة ..وسئلت عائشة -رضي ال عنها :-هل
كان النبي صلى ال عليه وسلم يخص يوماً من اليام؟ فقالت ” :ل كان عمله ديمة.
وقالت :كان النبي صلى ال عليه وسلم ل يزيد في رمضان و ل غيره على إحدى
عشرة ركعة ،وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم يقضي ما فاته من أوراده في
رمضان في شوال ،فترك في عام اعتكاف العشر الواخر من رمضان ،ثم قضاه في
شوال ،فاعتكف العشر الول منه “.
سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه ال :هل يجوز صيام ستة من شوال قبل
صيام ما علينا من قضاء رمضان؟
الجواب ” :قد اختلف العلماء في ذلك ،والصواب أن المشروع تقديم القضاء على
صوم الست ،وغيرها من صيام النفل ،لقول النبي صلى ال عليه وسلم« :من صام
رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر»[ .خرجه مسلم في صحيحه].
ومن قدم الست على القضاء لم يتبعها رمضان ،وإنما أتبعها بعض رمضان ،ولن
القضاء فرض ،وصيام الست تطوع ،والفرض أولى بالهتمام “ ( .مجموع فتاوى
الشيخ عبدالعزيز بن عبدال بن باز.) 5/273:
وسئلت اللجنةالدائمة للفتاء :هل صيام اليام الستة تلزم بعد شهر رمضان عقب يوم
العيد مباشرة ،أو يجوز بعد العيد بعدة أيام متتالية في شهر شوال أو ل؟
الجواب ” :ل يلزمه أن يصومها بعد عيد الفطر مباشرة ،بل يجوز أن يبدأ صومها
بعد العيد بيوم أو أيام ،وأن يصومها متتالية أو متفرقة في شهر شوال حسب ما تيسر
له ،والمر في ذلك واسع ،وليست فريضة بل هي سنة “ ( .فتاوى اللجنة الدائمة:
10/391فتوى رقم.) 3475 :
وسئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه ال :بدأت في صيام الست من شوال،
ولكنني لم أستطع إكمالها بسبب بعض الظروف والعمال ،حيث بقي عليّ منها
يومان ،فماذا أعمل يا سماحة الشيخ ،هل أقضيها وهل عليّ إثم في ذلك؟
الجواب ” :صيام اليام الستة من شوال عبادة مستحبة غير واجبة ،فلك أجر ما
صمت منها ،ويرجى لك أجرها كاملة إذا كان المانع لك من إكمالها عذراً شرعياً،
لقول النبي صلى ال عليه وسلم« :إذا مرض العبد أو سافر كتب ال له ما كان يعمل
صحيحاً مقيماً»[ .رواه البخاري في صحيحه] ،وليس عليك قضاء لما تركت منها.
وال الموفق “ ( .مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز.) 5/270 :
أخي المسلم :تلك بعض الفتاوى التي تتعلق بصيام الست من شوال ،فعلى المسلم أن
يستزيد من العمال الصالحة ،التي تقربه من ال تعالى ،والتي ينال بها العبد رضا
ال تعالى..
وكما مرّ معك من كلم الحافظ ابن رجب بعض الفوائد التي يجنيها المسلم من صيام
الست من شوال ،والمسلم حريص على ما ينفعه في أمر دينه ودنياه..
وهذه المواسم تمرّ سريعاً ،فعلى المسلم أن يغتنمها فيما يعوود عليه بالثواب الجزيل،
وليسأل ال تعالى أن يوفقه لطاعته..
ومن أجل هذه التزكية شُرعت العبادات والطاعات ،وبقدر نصيب العبد من
الطاعات تكون تزكيته لنفسه ،وبقدر تفريطه يكون بُعده عن التزكية.
لذا كان أهل الطاعات أرق قلوباً ،وأكثر صلحاً ،وأهل المعاصي أغلظ قلوباً ،وأشد
فساداً.
وقد أرشد صلى ال عليه وسلم أمته إلى فضل الست من شوال ،وحثهم بأسلوب
يرغّب في صيام هذه اليام..
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان
كصيام الدهر» [رواه مسلم وغيره
أذكار المسجد » .دعاء الذهاب إلى المسجد.
اللهم اعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
ربنا لتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت
الوهاب
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك
اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبى على طاعتك
اللهم اجعل في قلبي نوراً ،وفي لساني نوراً ،واجعل في سمعي نوراً ،واجعل في
بصري نوراً ،واجعل من خلفي نوراً ،ومن أمامي نوراً ،واجعل من فوقي نوراً
ومن تحتي نوراً .اللهم أعطني نوراً
أذكار المسجد » .دعاء الذهاب إلى المسجد.
•اللهم اجعل في قلبي نورا ً ،وفي لساني نورا ً ،واجعل
في سمعي نورا ً ،واجعل في بصري نورا ً ،واجعل من
خلفي نورا ً ،ومن أمامي نورا ً ،واجعل من فوقي نوراً
ومن تحتي نورا ً .اللهم أعطني نورا ً
.إذا دخل المسلم منزلً« :ذكر ال تعالى» ،وسلّم على أهل البيت{ :فإذا دخلتم بيوتا
فسلموا على أنفسكم} ،ويستأذن إذا دخل بيت غيره{ :يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا
بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها}..
.اذكر ال عند دخولك البيت ،يفر الشيطان بفضل ال. .
".اللهم إني أسألك خير المولج ،وخير المخرج ،باسم ال ولجنا وباسم ال خرجنا،
وعلى ربنا توكلنا" ثم ليسلم على أهله" ،السلم عليكم ورحمة ال وبركاته"..
المسلم والثقة بالنفس
المسلم إنسان يثق دائما بنفسه ,وهو يستمد ذلك من ثقته بربه وخالقه ,فهو ل يهتز
أمام العواصف والعاصير ,والمسلم الواثق بنفسه يتصف بصفات كثيرة منها :
-1يمارس فريضة التفكير :
خلق ال تعالى النسان وزوده بنعمة العقل والتفكير ،وحثه على زيادة النظر في
الكون ،فهذا مفتاح من مفاتيح اليمان والهداية ،وصفة من صفات أولى اللباب
لّ ْولِي
لفِ الّليْلِ وَال ّنهَارِ ليَاتٍ ُ
ختِ َ
لرْضِ وَا ْ
سمَاوَاتِ وَا َ
خلْقِ ال ّ
قال تعالى { إِنّ فِي َ
خلْ ِ
ق جنُو ِبهِمْ َو َيتَ َف ّكرُونَ فِي َ
عَلىَ ُ
ال ْلبَابِ * الّذِينَ يَ ْذ ُكرُونَ الّ ِقيَامًا وَ ُقعُودًا وَ َ
سبْحَا َنكَ فَ ِقنَا عَذَابَ النّارِ } سورة آل خلَ ْقتَ هَذا بَاطِلً ُ لرْضِ َر ّبنَا مَا َ سمَاوَاتِ وَا َ ال ّ
عمران آية . 191 :
ولقد كان الرسول -صلى ال عليه وسلم -أكثر الناس تفكيراً وتأملً فيما خلق ال
تعالى ،وفى سير الماضين وهو الذي قال ( :ل عبادة كالتفكر ) وقال ( :إذا أراد
ال بعبد خيراً جعل له واعظا من نفسه يأمره وينهاه ) رواه الديلمي في مسنده :
كشف الخفاء ،جـ ، 1صـ . . 81
والنسان العاقل وهو يمارس دوره في هذه الحياة لبد له من ممارسة التفكير ؛
وذلك حتى يكون قادراً على فهم دوره ،وإحسان ما يقوم به من عمل فتحسين
التفكير كتحسين العمل والتصرف كتحسين كل هذه التطلعات والمطامع ل تتحقق
ول يبلغها المرء إل بشئ واحد ووسيلة واحدة هي السيطرة على النفس .
والواثق من نفسه دائماً يعمل عقله فيما بين يديه ،ويمارس التفكير الصائب الواعي
.
ما مضى فات ،والمؤمل غيب * * ولك الساعة التي أنت فيها
يقول صاحب كتاب " دع القلق " " لقد وجدت أن القلق على الماضي ل يجدي شيئاً
تماماً كما ل يجد بك أن تطعن الطعين ،ول أن تنشر النشارة وكل ما يجديك إياه
القلق ،هو أن يرسم التجاعيد على وجهك ،أو يصيبك بقرحة المعدة " ،والقلق
يهزم صاحبه قبل أن يبدأ المعركة ،فمن ظن أنه قد هزم فقد حزم حقاً ،ومن ظن
أنه ليس مقداماً فلن يكون مقداماً ،ومن ظن أنه يفوز فلن يفوز أبداً .
ول نقول بأن القلق شر كله بل إن القلق إحساس ل غنى عنه ول استغناء ،إنه
لزمة لبد منها ،إنه الحافز والموجه والمنبه … ولكنه إحساس يجب أن نلجمه لئل
ينقلب إلى وحش مفترس .فالنفعالت المتضاربة التي ينبت منها القلق إن تركت
حرة تعيث فساداً وتقضى على العاقل عاجلً أو أجلً.
لذا فإن السلم يرفض من المسلم نظرة اليأس والتشاؤم ،قال تعالى ِ { :إنّهُ لَ َييَْأسُ
مِن ّروْحِ الّ إِلّ الْ َقوْمُ ا ْلكَا ِفرُونَ } سورة يوسف آية . 87 :وقال أيضاً { :مَا
سكُمْ إِلّ فِي ِكتَابٍ مّن َقبْلِ أَن ّن ْب َرأَهَا إِنّ
لْرْضِ وَلَ فِي أَنفُ ِ َأصَابَ مِن ّمصِيبَةٍ فِي ا َ
حبّ كُلّ علَى مَا فَا َتكُمْ وَلَ تَ ْفرَحُوا ِبمَا آتَاكُمْ وَالُّ لَ يُ ِ
سوْا َ
علَى الِّ يَسِيرٌ* ِل َكيْلَ تَأْ َ
َذِلكَ َ
ختَالٍ َفخُورٍ } سورة الحديد آية . 23 -22 : مُ ْ
ولقد كان الرسول صلى ال عليه وسلم نموذجاً يحتذي في عدم اليأس والمل الكبير
في ال عز وجل فعلى الرغم مما فعله معه كفار مكة من أذى وعناد وتعذيب ،
ورفض وإنكار لدعوته ،إل أن اليأس لم يتسرب إلى قلبه بل ظل واثقاً بنصر ال
تعالى ،ويطمأن أصحابه بقوله " :لكنكم تستعجلون " ،وكان صلى ال عليه وسلم
دائماً " يتفاءل ول يتطير " رواه أحمد .
ويرفض أن يفتح المسلم على نفسه أبواب الشيطان بكلمة " لو " أو " ليت " ،وحذر
صحابته من الستسلم للهموم ،فقد رفض مسلك أحد صحابته بالجلوس في المسجد
والستسلم لهمومه وعلمه أن يقول " :اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ
بك من العجز والكسل ،وأعوذ بك من الجبن والبخل ،وأعوذ بك من غلبة الدين
وقهر الرجال " ،وهو بذلك يريد أن يغرس بذور المل والتفاؤل في نفس المسلم
حتى يواجه مصاعب الحياة بنفس مؤمنه واثقة وذلك لن " المل متفائل بما يلقاه في
الحياة مستبشر بأيامه القادمات ،يحمل ما يراه على المحمل الحسن ،وهذا يؤدى به
إلى مزيد عطاء وانطلقة خير " محمد أبو صعليك :المل وأثره في حياة المة ،
صـ .. 25
ولكي يبعد النسان عن نفسه منابع القلق والقنوت واليأس عليه أن يعيش في حدود
يومه ،ول يزحم رأسه بالقلقل والفكار المتشعبة والمستحيلة في بعض الحيان "
فكل ما تحتاج إليه من أجل النجاح هو فكرة واحدة معقولة قابلة للستعمال ،فإن أهم
نقاط الضعف في الجنس البشرى هي اعتياد النسان العادي على كلمة ( مستحيل )
فهو يعرف كل القواعد التي ل تنجح ويعرف كل المور التي ل يمكن تنفيذها ،ولقد
أصاب النجاح كل الذين امتلء وعيهم بالنجاح وكيفية تحقيقه ،أما الفشل فيصيب
أولئك الذين يسمحون للفشل دون اكتراث أن يمتلك وعيهم .فاليأس والقلق عدوان
للتفاؤل والثقة ول يمكن لهما أن يجتمعا أبداً .
تعلم فإن المرء ل يولد عالماً *** وليس أخو علم كمن هو جاهلُ
وإن كبير القوم ل علم عنده *** صغير إذ التقت عليه المحافلُ
والنسان الواثق المبادر ثابت على المبدأ ل يتزعزع ول يتلون قال الشاعر :
إذا قلت في شئ نعم فأتمه * * فإن نعم دين على الحر واجبُ
وإل فقل ل تسترح بها * * لئل يقول الناس :إنك كاذبُ
قال رجاء بن حيوة :سمرت ليلة عند أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز فعشى
السراج ،فقلت :يا أمير المؤمنين أل أنبه هذا الغلم يصلحه ؟ قال :ل دعه ينام ل
أحب أن أجمع عليه عملين ،فقلت :أفل أقوم أنا فأصلحه ؟ قال :ل فليس من
المروءة استخدام الضيف ،ثم قام بنفسه فأصلحه ووضع فيه الزيت ثم جاء وقال :
قمت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر .