You are on page 1of 65

‫لماذا نفرط في العمال الصالحة ؟‬

‫الناس في هذه الحياة على صنفان ‪:‬‬


‫موفق ‪:‬ـ لكل باب من أبواب الصلح ‪.‬‬
‫مخذول ‪:‬ـ عن كل باب من أبواب الصلح ‪.‬‬
‫والتوفيق من أعظم ما يعطيه الله للعبد‬
‫يمر اليوم ‪ 24‬ساعة ‪ ،‬من الناس من يوفق فيها لحصد‬
‫العمال الصالحة ‪ ،‬فهو ينتقل من عمل صالح إلى آخر‪،‬‬
‫مرة ذاكر لله ‪،‬وأخرى تاليا ٍ لكتاب الله ‪،‬يتيسر له أداء‬
‫الصلوات في أوقاتها ‪ ،‬يتنقل في طلب العلم النافع ‪،‬‬
‫يعين من حوله ‪ ،‬يتفكر في خلق الله ……‪..‬وغيرها من‬
‫ه في هذه الحياة قد تمر به‬ ‫أنواع العبادات ‪.‬وغيره ل ٍ‬
‫نفس الفرص ولكنه مخذول والعياذ بالله ‪.‬‬
‫قال عليه الصلة والسلم ‪ :‬يا معاذ إني أحبك في الله ‪،‬‬
‫فل تدع دبر كل صلة أن تقول ” اللهم أعني على‬
‫ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ” ‪.‬‬
‫ولكن نتساءل…‪ .‬لماذا ل نوفق للعمال الصالحة ؟‬
‫ما فائدة صيام يومي الثنين والخميس ؟‬
‫س ‪ 2‬ما هي الحاديث الصحيحة التي ورد بها صيام الثنين والخميس ؟‬
‫الفتوى‬
‫الحمد ل والصلة والسلم على رسول ال وعلى آله وصحبه‪ ،‬أما بعـد‬
‫فإن الثنين والخميس يومان تعرض فيهما أعمال العباد‪ ،‬وكان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يصوم‬

‫شعبان هو اسم للشهر ‪ ،‬وقد سمي بذلك لن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب‬
‫المياه ‪ ،‬وقيل تشعبهم في الغارات ‪ ،‬وقيل لنه شَعَب أي ظهر بين شهري رجب‬
‫ورمضان ‪ ،‬ويجمع على شعبانات وشعابين ‪.‬‬
‫الصيام في شعبان ‪:‬‬
‫عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬كان رسول ال يصوم حتى نقول ل يفطر ويفطر‬
‫حتى نقول ل يصوم وما رأيت رسول ال استكمل صيام شهر إل رمضان وما رأيته‬
‫أكثر صياما منه في شعبان رواه البخاري برقم ( ‪ ) 1833‬ومسلم برقم ( ‪، ) 1956‬‬
‫وفي رواية لمسلم برقم ( ‪ : ) 1957‬كان يصوم شعبان كله ‪ ،‬كان يصوم شعبان إل‬
‫قليل‬

‫وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫لم يستكمل صيام شعبان ‪ ،‬وإنما كان يصوم أكثره ‪ ،‬ويشهد له ما في صحيح مسلم‬
‫برقم ( ‪ ) 1954‬عن عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬ما علمته ‪ -‬تعني النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ -‬صام شهرا كله إل رمضان وفي رواية له أيضا برقم ( ‪) 1955‬‬
‫عنها قالت ‪ :‬ما رأيته صام شهرا كامل منذ قدم المدينة إل أن يكون رمضان ‪ ،‬وفي‬
‫الصحيحين عن ابن عباس قال ‪ :‬ما صام رسول ال صلى ال عليه وسلم شهرا‬
‫كامل غير رمضان أخرجه البخاري رقم ‪ 1971‬ومسلم رقم ‪، 1157‬‬
‫وكان ابن عباس يكره أن يصوم شهرا كامل غير رمضان ‪،‬‬
‫قال ابن حجر رحمه ال ‪ :‬كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه‬
‫وكان يصوم معظم شعبان ‪.‬‬
‫وعن أسامة بن زيد رضي ال عنهما قال ‪ :‬قلت يا رسول ال لم أرك تصوم من‬
‫شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ‪ ،‬فقال ‪ :‬ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه ‪،‬‬
‫بين رجب ورمضان ‪ ،‬وهو شهر ترفع فيه العمال إلى رب العالمين ‪ ،‬وأحب أن‬
‫يرفع عملي وأنا صائم رواه النسائي ‪ ،‬أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص ‪، 425‬‬
‫وفي رواية لبي داود برقم ( ‪ ) 2076‬قالت ‪ :‬كان أحب الشهور إلى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان ‪ .‬صححه اللباني أنظر صحيح‬
‫سنن أبي داوُد ‪2/461‬‬
‫قال ابن رجب رحمه ال ‪ :‬صيام شعبان أفضل من صيام الشهر الحرم ‪ ،‬وأفضل‬
‫التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده ‪ ،‬وتكون منزلته من الصيام بمنزلة‬
‫السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض ‪ ،‬وكذلك‬
‫صيام ما قبل رمضان وبعده ‪ ،‬فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق‬
‫بالصلة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه ‪.‬‬
‫وقوله شعبان شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان‬
‫يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان ‪ -‬الشهر الحرام وشهر الصيام ‪ -‬اشتغل‬
‫الناس بهما عنه ‪ ،‬فصار مغفول عنه ‪ ،‬وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل‬
‫من صيام شعبان لن رجب شهر حرام ‪ ،‬وليس كذلك ‪.‬‬
‫وفي الحديث السابق إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الزمان أو الماكن أو‬
‫الشخاص قد يكون غيره أفضل منه ‪.‬‬
‫وفيه دليل على استحباب عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة ‪ ،‬كما كان طائفة من‬
‫السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلة ويقولون هي ساعة غفلة ‪ ،‬ومثل‬
‫هذا استحباب ذكر ال تعالى في السوق لنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة ‪،‬‬
‫وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها ‪- :‬‬
‫أن يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل ‪ ،‬ل سيما الصيام فإنه سرّ‬
‫بين العبد وربه ‪ ،‬ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء ‪ ،‬وكان بعض السلف يصوم سنين‬
‫عددا ل يعلم به أحد ‪ ،‬فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدق بهما‬
‫ويصوم ‪ ،‬فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته ‪،‬‬
‫‪ -3‬وقيل لنه شهر يغفل الناس عنه ‪ :‬ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب‬
‫ورمضان رواه النسائي ‪ ،‬أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص ‪ 425‬عن عائشة‬
‫رضي ال عنها قالت ‪ :‬كان رسول ال يصوم حتى نقول ل يفطر ويفطر حتى نقول‬
‫ل يصوم وما رأيت رسول ال استكمل صيام شهر إل رمضان وما رأيته أكثر‬
‫صياما منه في شعبان رواه البخاري برقم ( ‪ ) 1833‬ومسلم برقم ( ‪) 1956‬‬
‫‪ ،‬وفي رواية لمسلم برقم ( ‪ : ) 1957‬كان يصوم شعبان كله ‪ ،‬كان يصوم‬
‫شعبان إل قليل ‪،‬‬
‫وكان إذا دخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه قضاه في‬
‫شعبان حتى يستكمل نوافله بالصوم قبل دخول رمضان ‪ -‬كما كان إذا فاته سنن‬
‫الصلة أو قيام الليل قضاه ‪ -‬فكانت عائشة حينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما‬
‫عليها من فرض رمضان حينئذ لفطرها فيه بالحيض وكانت في غيره من الشهور‬
‫مشتغلة بالنبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فيجب التنبه والتنبيه على أن من بقي عليه‬
‫شيء من رمضان الماضي فيجب عليه صيامه قبل أن يدخل رمضان القادم ول‬
‫يجوز التأخير إلى ما بعد رمضان القادم إل لضرورة ( مثل العذر المستمر بين‬
‫الرمضانين ) ‪،‬‬
‫ومن قدر على القضاء قبل رمضان ولم يفعل فعليه مع القضاء بعده التوبة وإطعام‬
‫مسكين عن كل يوم ‪ ،‬وهو قول مالك والشافعي وأحمد ‪.‬‬
‫وكذلك من فوائد صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئل يدخل‬
‫في صوم رمضان على مشقة وكلفة ‪ ،‬بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده‬
‫فيدخل رمضان بقوة ونشاط ‪.‬‬

‫ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من‬
‫الصيام وقراءة القرآن والصدقة ‪ ،‬وقال سلمة بن سهيل كان يقال ‪ :‬شهر شعبان‬
‫شهر القراء ‪ ،‬وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء ‪،‬‬
‫وكان عمرو بن قيس المُلئي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن ‪.‬‬

‫الصيام في آخر شعبان‬

‫ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي ال عنه ‪ :‬أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قال لرجل ‪ :‬هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا ؟ قال ل ‪ ،‬قال ‪ :‬فإذا‬
‫أفطرت فصم يومين وفي رواية البخاري ‪ :‬أظنه يعني رمضان وفي رواية لمسلم ‪:‬‬
‫هل صمت من سرر شعبان شيئا ؟ أخرجه البخاري ‪ 4/200‬ومسلم برقم (‬
‫‪) 1161‬‬

‫وقد اختلف في تفسير السرار ‪ ،‬والمشهور أنه آخر الشهر ‪ ،‬يقال سِرار الشهر‬
‫بكسر السين وبفتحها وقيل إن الفتح أفصح ‪ ،‬وسمي آخر الشهر سرار لستسرار‬
‫القمر فيه ( أي لختفائه ) ‪ ،‬فإن قال قائل قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬ل تقدموا رمضان بيوم أو‬
‫يومين ‪ ،‬إل من كان يصوم صوما فليصمه أخرجه البخاري رقم ( ‪) 1983‬‬
‫ومسلم برقم ( ‪، ) 1082‬‬

‫فكيف نجمع بين حديث الحثّ وحديث المنع فالجواب ‪ :‬قال كثير من العلماء وأكثر‬
‫شراح الحديث ‪ :‬إن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى ال عليه وسلم كان يعلم أن‬
‫له عادة بصيامه ‪ ،‬أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه ‪ .‬وقيل في المسألة أقوال‬
‫أخرى ‪ ،‬وخلصة القول ‪- :‬‬
‫أن صيام آخر شعبان له ثلثة أحوال ‪:‬‬

‫أحدها‪ -:‬أن يصومه بنية الرمضانية احتياطا لرمضان ‪ ،‬فهذا محرم ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يصام بنية النذر أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك ‪،‬‬
‫فجوّزه الجمهور‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن يصام بنية التطوع المطلق ‪ ،‬فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان‬
‫ورمضان بالفطر؛ منهم الحسن ‪ -‬وإن وافق صوما كان يصومه ‪ -‬ورخص فيه‬
‫مالك ومن وافقه ‪ ،‬وفرّق الشافعي والوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة‬
‫أو ل ‪..‬‬

‫وبالجملة فحديث أبي هريرة ‪ -‬السالف الذكر ‪ -‬هو المعمول به عند كثير من‬
‫العلماء ‪ ،‬وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس‬
‫له به عادة ‪ ،‬ول سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصل بآخره ‪.‬‬

‫فإن قال قائل لماذا يُكره الصيام قبل رمضان مباشرة ( لغير من له عادة سابقة‬
‫بالصيام ) فالجواب أنّ ذلك لمعانٍ منها ‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬لئل يزاد في صيام رمضان ما ليس منه ‪ ،‬كما نهي عن صيام يوم العيد‬
‫لهذا المعنى ‪ ،‬حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم ‪ ،‬فزادوا فيه بآرائهم‬
‫وأهوائهم ‪.‬‬

‫ولهذا نهي عن صيام يوم الشك ‪،‬قال عمار من صامه فقد عصى أبا القاسم صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬ويوم الشك ‪ :‬هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أم ل ؟‬
‫وهو الذي أخبر برؤية هلله من لم يقبل قوله ‪ ،‬وأما يوم الغيم ‪ :‬فمن العلماء من‬
‫جعله يوم شك ونهى عن صيامه ‪ ،‬وهو قول الكثرين ‪.‬‬
‫المعنى الثاني ‪ :‬الفصل بين صيام الفرض والنفل ‪ ،‬فإن جنس الفصل بين الفرائض‬
‫والنوافل مشروع ‪ ،‬ولهذا حرم صيام يوم العيد ‪ ،‬ونهى النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أن توصل صلة مفروضة بصلة حتى يفصل بينهما بسلم أو كلم ‪ ،‬وخصوصا‬
‫سنة الفجر قبلها ‪ ،‬فإنه يشرع الفصل بينها وبين الفريضة ‪ ،‬ولهذا يشرع صلتها‬
‫بالبيت والضطجاع بعدها ‪.‬‬

‫ولما رأى النبي صلى ال عليه وسلم رجل يصلي وقد أقيمت صلة الفجر ‪ ،‬فقال له‬
‫‪ :‬آلصّبح أربعا رواه البخاري رقم ( ‪. ) 663‬‬

‫وربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الكل ؛ لتأخذ‬
‫النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام ‪ ،‬وهذا خطأ وجهل ممن‬
‫ظنه ‪ .‬وال تعالى أعلم ‪.‬‬

‫المراجع ‪ :‬لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف ‪ :‬ابن رجب الحنبلي ‪،‬‬
‫واللمام بشيء من أحكام الصيام ‪ :‬عبد العزيز الراجحي‬

‫وال الموفّق‬
‫موقع السلم سؤال وجواب‬
‫وقفة مراجعة بعد رمضان‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف النبياء‬
‫والمرسلين ‪ ،‬قائد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما‬
‫بعد ‪:‬‬
‫فنسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح العمال ‪ ،‬وأن يعيد‬
‫علينا رمضان أعواما ً عدة ‪ ،‬وأزمنة متعاقبة ‪ ،‬ونحن وإياك نرفل‬
‫في ثوب اليمان والصحة في حياة سعيدة ونفوس مطمئنة ‪.‬‬
‫أخي المسلم ‪ :‬هذه ثمان وقفات نقفها نحن وإياك في العيد مع‬
‫نفوسنا ‪ ،‬لعلنا أن نستلهم منها روحا ً تبقى ريانة باليمان بعد‬
‫رمضان ‪.‬‬
‫المراجعة الولى ‪ :‬وقفة محاسبة ‪:‬‬
‫أخي الكريم ‪ :‬جدير بكل مسلم يخاف الله تعالى أن يقف مع‬
‫نفسه بعد هذا الشهر الكريم ليحاسبها ‪ ،‬فمحاسبة النفس من‬
‫أنجع الدوية بإذن الله لصلح القلوب وحثها على الخير ‪ ،‬وها نحن‬
‫قد ودعنا رمضان المبارك بأيامه الجميلة ولياليه العطرة الفواحة‬
‫بالروحانية ‪ ،‬ودعناه ومضى ‪ ،‬ول ندري هل سندركه في عام قادم‬
‫أم ستنتهي آجالنا دونه ؟‬
‫ودعناه ومضى وصرنا مرتهنين بما أودعناه من خير أو شر ‪.‬‬
‫‪ -‬فهل تخرجنا من هذا الشهر العظيم بوسام التقوى ؟‬
‫‪ -‬هل عودنا أنفسنا على الصبر والمصابرة ‪ ،‬ومجاهدة النفس‬
‫على فعل الطاعة وترك المعصية ابتغاء رضوان الله فانتصرنا‬
‫عليها ‪ ،‬وكبحنا جماحها فصارت نفوسا ً مستسلمة لله رب‬
‫العالمين ؟‬
‫‪ -‬هل رحمنا الفقير فواسيناه بعدما ذقنا شيئا ً مما يذوقه من‬
‫الجوع والعطش ؟‬
‫‪ -‬هل ربينا فيه أنفسنا علىالجهاد بأنواعه وهل جاهدنا أنفسنا‬
‫وشهواتنا وانتصرنا عليها ؟ أم غلبتنا العادات والتقاليد السيئة ؟‬
‫هل سعينا إلى العمل بأسباب الرحمة والمغفرة والعتق من‬
‫النار ؟‬
‫‪ -‬هل نقينا قلوبنا من الغل والحسد والبغضاء والشحناء لخواننا‬
‫المسلمين وفتحنا معهم صفحات بيضاء ملؤها المحبة والتواصل‬
‫والرأفة والمواساة ؟‬
‫‪ -‬هل وهل وهل … أسئلة كثيرة تحتاج منا إلى جواب ( عملي ) ‪.‬‬
‫المراجعة الثانية ‪ :‬واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ‪:‬‬
‫يجب أن يكون العبد مستمرا ً على طاعة الله ‪ ،‬ثابتا ً على شرعه ‪،‬‬
‫مستقيما ً على دينه ل يروغ روغان الثعالب يعبد الله في شهر‬
‫دون شهر ‪ ..‬أو في مكان دون آخر ‪ ..‬أو مع قوم دون آخرين ‪ ..‬ل‬
‫‪ ..‬وألف ل !!‬
‫بل يعلم أن رب رمضان هو رب بقية الشهور واليام ‪ ،‬وأنه رب‬
‫الزمنة والماكن كلها ‪ ،‬فيستقيم على شرع الله حتى يلقى ربه‬
‫وهو عنه راض ‪.‬‬
‫قال تعالى { فاستقم كما أمرت ومن تاب معك } [هود‪]112:‬‬
‫وقال عز وجل { فاستقيموا إليه واستغفروه } [فصلت‪]6:‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم « قل آمنت بالله ثم استقم » رواه‬
‫مسلم‬
‫‪ -‬فلئن انتهى صيام رمضان فهناك صيام النوافل كالست من‬
‫شوال والثنين والخميس واليام البيض وعاشوراء وعرفة وغيرها‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬ولئن انتهى قيام رمضان فقيام الليل مشروع في كل ليلة‬
‫{ كانوا قليل ً من الليل ما يهجعون } [الذاريات‪]17:‬‬
‫‪ -‬ولئن انتهت صدقة وزكاة الفطر ‪ ،‬فهناك الزكاة المفروضة ‪،‬‬
‫وهناك أبواب للصدقة والتطوع والجهاد كثيرة ومفتوحة ‪.‬‬
‫‪ -‬وقراءة القرآن وتدبره ليست خاصة برمضان بل هي في كل‬
‫وقت ‪.‬‬
‫‪ -‬وهكذا فالعمال الصالحة في كل وقت وكل زمان فاجتهد أخي‬
‫في الطاعات ‪ ..‬وإياك والكسل والفتور ‪ ،‬فإن لم تستطع العمل‬
‫بالنوافل فل يجوز لك أبدا ً أن تترك الواجبات وتضيعها كالصلوات‬
‫الخمس في أوقاتها ومع الجماعة وغيرها ‪.‬‬
‫ول أن تقع في المحرمات من قول الحرام ‪ ،‬أو أكله ‪ ،‬أو شربه ‪،‬‬
‫أو النظر إليه واستماعه ‪.‬‬
‫فالله الله بالستقامة والثبات على الدين في كل حين فل تدري‬
‫متى يلقاك ملك الموت فاحذر أن يأتيك وأنت على معصية‬
‫فاللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ‪.‬‬
‫المراجعة الثالثة ‪ :‬إياك إياك ‪:‬‬
‫‪ -‬إياك أخي أن تنقض غزلك وتنكث توبتك وتخلف عهدك مع الله‬
‫تعالى ‪،‬‬
‫وتهدم بناء التقوى الذي بنيته بلبنات الطاعة في هذا الشهر‬
‫الكريم بمعول المعصية والذنب ‪.‬‬
‫‪ -‬إياك أن تستبدك تلوة القرآن الكريم وسماعه بسماع صوت‬
‫الشيطان ( الغناء ) ومشاهدة الفلم والمسلسلت الساقطة ‪.‬‬
‫‪ -‬إياك وهجر القرآن بعد أن جعلته صاحبا ً لك في هذا الشهر‬
‫العظيم وأنعم به من صاحب ‪.‬‬
‫‪ -‬إياك ونسيان ربك بعد أن فتح لك أبواب رحمته في هذا الشهر‬
‫الكريم ‪.‬‬
‫المراجعة الرابعة ‪ :‬علمة القبول ‪:‬‬
‫‪ -‬اعلم يرعاك الله أن من علمة قبول الطاعة ‪ :‬الطاعة بعدها‬
‫ومن علمة ردها ‪ :‬المعصية والعراض بعدما‬
‫فسل نفسك ! وانظر في حالك { وما يلقاها إل ذو حظ عظيم }‬
‫المراجعة الخامسة ‪ :‬أنت لديك القدرة ‪:‬‬
‫شهر رمضان قد بين لك أن لديك القدرة على اللتزام‬
‫والستقامة وترك المنكرات والمحافظة على الصلوات كلها مع‬
‫الجماعة ‪ ،‬وعلى أنك تستطيع ترك التدخين إن كنت من‬
‫المدخنين ‪ ..‬فهل ستستفيد من رمضان ؟‬
‫المراجعة السادسة ‪ :‬منكرات منتشرة وبخاصة في العيد ‪:‬‬
‫‪ -‬اختلط النساء بالرجال الجانب في السواق والمنازل والحدائق‬
‫والستراحات والشواطئ ‪.‬‬
‫‪ -‬مصافحة النساء رجال ً من غير المحارم ‪ ،‬فقد كان صلى الله‬
‫عليه وسلم يبايع النساء وليصافحهن ‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم‬
‫« لن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن‬
‫يمس امرأة ل تحل له » صححه اللباني – صحيح الجامع ‪5045‬‬
‫وقال أيضا صلى الله عليه وسلم « إني لست أصافح النساء »‬
‫‪ -‬التفريط في أداء الصلوات في أوقاتها أو مع جماعة المسلمين‬
‫في المساجد وخاصة صلتي الفجر والعصر ‪.‬‬
‫‪ -‬قضاء كثير من الوقات باللهو المحرم والغفلة عن ذكر الله‬
‫تبارك وتعالى‬
‫‪ -‬السفر إلى بعض بلد الكفر أو بلد ينتشر فيها الفساد ويذبح‬
‫فيها الحياء وتقتل فيها الفضيلة بمدية الرذيلة ‪.‬‬
‫‪ -‬انتشار صور من السراف كالسراف في الولئم والملبوسات‬
‫والهدايا وإضاعة الموال باللعاب النارية للطفال ‪.‬‬
‫‪ -‬إهمال كثير من الناس لنسائهم وأطفالهم ‪ ،‬وتركهم يخرجون‬
‫إلى أي مكان شاؤوا مع السائقين بل رقابة ول متابعة مما يكون‬
‫له أبلغ الثر في انتشار الفساد والوقوع في مال تحمد عاقبته ‪.‬‬
‫وما هكذا تشكر النعم ‪ ..‬وما هكذا نختم الشهر ونشكر الله على‬
‫بلوغ الصيام والقيام ‪ ..‬وما هذه علمة القبول بل هذا جحود‬
‫للنعمة وعدم شكر لها ‪.‬‬
‫وهذا من علمات عدم قبول العمل والعياذ بالله لن الصائم‬
‫حقيقة ‪ ..‬يفرح يوم العيد بفطره ‪ ،‬ويحمد ويشكر ربه على إتمام‬
‫الصيام ‪ ،‬ومع ذلك يبكي خوفا ً أن ليتقبل الله منه صيامه كما كان‬
‫السلف يبكون ستة أشهر بعد رمضان يسألون الله القبول ‪.‬‬
‫فمن علمات قبول العمل أن ترى العبد في حال أحسن من حاله‬
‫السابق‬
‫وأن ترى فيه إقبال ً على الطاعة { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم‬
‫لزيدنكم } [إبراهيم‪]7:‬‬
‫أي زيادة في الخير الحسي والمعنوي ‪ ،،‬فيشمل الزيادة في‬
‫اليمان والعمل الصالح ‪ ،،‬فلو شكر العبد ربه حق الشكر لرأيته‬
‫يزيد في الخير والطاعة ‪ ،‬ويبعد عن المعصية والشكر ترك‬
‫المعاصي كما قال السلف ‪.‬‬
‫المراجعة السابعة ‪ :‬المسلمون والعيد ‪:‬‬
‫تذكر أخي الكريم وأنت بين أهلك وأولدك في رغد من العيش‬
‫وأمن وعافية ‪ ،‬تذكر إخوة لك مسلمين في أصقاع شتى من‬
‫العالم ‪ ،‬حيث يعود عليهم هذا العيد ليجدد لهم الهموم وليزيد‬
‫جراحا ً لم تندمل ‪ ،‬فهم في بأساء وضراء ل يعلم مداها إل الله‬
‫تعالى بعضهم قد نسي شيئا ً اسمه المان ‪ ،‬والبعض الخر يسقط‬
‫صريع الجوع والمرض ‪ ،‬وآخر يعيش ولكن كسقط المتاع ل‬
‫تراعى له كرامة و ل يحفظ له عهد ول يرى له حق ‪،،،،،‬‬
‫فأين أنت منهم ؟ وهل من شكر لنعمة الله عليك ؟؟‬
‫المراجعة الثامنة ‪ :‬من الذي يفرح بالعيد ؟‬
‫نرى الجميع يفرح بالعيد ويبتهج بقدومه ‪ ،‬ولكن من الذي يفرح‬
‫حقيقة بالعيد ؟‬
‫إن العيد أيها المبارك ليس لمن لبس الجديد ‪ ،‬ول لمن جمع من‬
‫الموال المزيد ولكن العيد إنما هو لمن أطاع ربه فأم يوم الوعيد‬
‫‪ ،‬ولمن فاز برضا الولي الحميد فنال لذة النظر لوجهه الكريم‬
‫يوم المزيد ‪..‬‬
‫نسأل الله تعالى أن يجعله عيدا ً سعيدا ً محفوفا ً بالقبول منه‬
‫سبحانه وبالرياض والعتق من النار ‪ ..‬آمين ‪.‬‬
‫وختاماً ‪:‬‬
‫ينبغي أن تحرص على أعمال البر والخير ‪ ،‬وأن تكون يوم العيد‬
‫بين الخوف والرجاء ‪ ،،‬تخاف عدم القبول ‪ ،‬وترجو من الله‬
‫القبول ونتذكر يوم عيدنا يوم الوقوف بين يدي الله عز وجل فمنا‬
‫السعيد ومنا غير ذلك ‪.‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬

‫اترك المستقبل حتى ياتي ‪ -‬من كتاب ل تحزن لفضيلة الشيخ د‪.‬عائض القرني‬

‫اترك المستقبل حتى ياتي‬


‫{ اتى امر الله فل تستعجلوه } ل تستبق الحداث ‪ ،‬أتريد‬
‫إجهاض الحمل قبل تمامه ‪ ،‬وقطف الثمرة قبل النضج ‪ ،‬إن‬
‫غدامفقود ل حقيقة له ‪ ،‬ليس له وجود ‪ ،‬ولطعم ‪ ،‬ول لون ‪،‬‬
‫فلماذا نشغل أنفسنا به ‪ ،‬ونتوجس من مصائبه ‪ ،‬ونهتم لحوادثه ‪،‬‬
‫نتوقع كوارثه ‪ ،‬ول ندري هل يحال بيننا وبينه ‪ ،‬أو نلقاه ‪ ،‬فإذا هو‬
‫سرور وحبور ‪ ،‬المهم أنه في عالم الغيب لم يصل إلى الرض بعد‬
‫‪ ،‬إن علينا أن ل نعبر جسراحتى نأتيه ‪ ،‬ومن يدري؟ لعلنا نقف‬
‫قبل وصول الجسر ‪ ،‬أو لعل الجسر ينهار قبل وصولنا ‪ ،‬وربما‬
‫وصلنا الجسر ومررنا عليه بسلم‪.‬‬
‫إن إعطاء الذهن مساحة أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب‬
‫الغيب ثم الكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقوت شرعا ‪ ،‬لنه‬
‫طول أمل ‪ ،‬ومذموم عقل ‪ ،‬لنه مصارعة للظل‪ .‬إن كثيرا من هذا‬
‫العالم يتوقع في مستقبله الجوع العري والمرض والفقر‬
‫والمصائب ‪ ،‬وهذا كله من مقررات مدارس الشيطان‬
‫{ الشيطان يعدكم الفقر ويامركم باالفحشاء والله يعدكم مغفرة‬
‫منه وفضل } كثير هم الذين يبكون ‪ ،‬لنهم سوف يجوعون غدا ‪،‬‬
‫وسوف يمرضون بعد سنة ‪ ،‬وسوف ينتهي العالم بعد مائة عام‪.‬‬
‫إن الذي عمره في يد غيره ل ينبغي له أن يراهن على العدم ‪،‬‬
‫والذي ل يدري متى يموت ل يجوز له الشتغال بشيء مفقود ل‬
‫حقيقة له‪.‬‬
‫اترك غدا حتى ياتيك ‪ ،‬ل تسأل عن أخباره ‪ ،‬ل تنتظر زحوفه ‪،‬‬
‫لنك مشغول باليوم‪.‬‬
‫وان تعجب فعجب هؤلء يقترضون الهم نقدا ليقضوه نسيئة في‬
‫يوم لم تشرق شمسه ولم ير النور ‪ ،‬فحذار من طول المل‬
‫يومك يومك ‪ -‬من كتاب ل تحزن لفضيلة الشيخ د‪.‬عائض القرني‬

‫ذا أصبحت فل تنتظر المساء ‪ ،‬اليوم فحسب ستعيش ‪ ،‬فل أمس الذي ذهب بخيره‬
‫وشره ‪ ،‬ول الغد الذي لم يات إلى الن ‪ .‬اليوم الذي أظلتك شمسه ‪ ،‬وأدركك نهاره‬
‫هو يومك فحسب ‪ ،‬عمرك يوم واحد ‪ ،‬فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكأنك‬
‫ولدت فيه وتموت فيه حينها ل تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمه ‪،‬‬
‫وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب ‪ ،‬لليوم فقط اصرف تركيزك‬
‫واهتمامك وإبداعك وكدك وجدك ‪ ،‬فلهذا اليوم لبد أن تقدم صلة خاشعة وتلوة‬
‫بتدبر واطلعا بتأمل ‪ ،‬وذكرا بحضور ‪ ،‬واتزانا في المور ‪ ،‬وحسنا في خلق ‪،‬‬
‫ورضا بالمقسوم ‪ ،‬واهتماما بالمظهر ‪ ،‬واعتناء بالجسم ‪ ،‬ونفعا للخرين‪.‬‬

‫لليوم هذا الذي أنت فيه فتقسم ساعاته وتجعل من دقائقه سنوات ‪ ،‬ومن ثوانيه‬
‫شهور ‪ ،‬تزرع فيه الخير ‪ ،‬تسدي فيه الجميل ‪ ،‬تستغفر فيه من الذنب ‪ ،‬تذكر فيه‬
‫الرب ‪ ،‬تتهيا للرحيل ‪ ،‬تعيش هذا اليوم فرحا وسرورا ‪ ،‬وأمنا وسكينة ‪ ،‬ترضى‬
‫فيه برزقك ‪ ،‬بزوجتك ‪ ،‬بأطفالك بوظيفتك ‪ ،‬ببيتك ‪ ،‬بعلمك ‪ ،‬بمستواك { فخذ ما‬
‫اتيتك وكن من الشاكرين } تعيش هذا اليوم بل حزن ول انزعاج ‪ ،‬ول سخط ول‬
‫حقد ‪ ،‬ول حسد‪ .‬إن عليك أن تكتب على لوح قلبك عبارة واحدة تجعلها أيضا على‬
‫مكتبك تقول العبارة ‪( :‬يومك يومك)‪ .‬إذا أكلت خبزا حارا شهيا هذا اليوم فهل‬
‫يضرك خبز المس الجاف الرديء ‪ ،‬أو خبز غد الغائب المنتظر‪.‬‬

‫إذا شربت ماء عذبا زلل هذا اليوم ‪ ،‬فلماذا تحزن من ماء أمس الملح الجاج ‪ ،‬أو‬
‫تهتم لماء غدا السن الحار‪.‬‬

‫إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فولذية صارمة عارمة لخضعتها لنظرية ‪ :‬لن‬
‫أعيش إلى هذا اليوم‪ .‬حينها تستغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية‬
‫مواهبك ‪ ،‬وتزكية عملك ‪ ،‬فتقول ‪ :‬لليوم فقط أهذب ألفاظي فل أنطق هجرا أو‬
‫فحشا ‪ ،‬أو سبا ‪ ،‬أو غيبة ‪ ،‬لليوم فقط سوف أرتب بيتي ومكتبتي ‪ ،‬فل ارتباك ول‬
‫بعثرة ‪ ،‬وإنما نظام ورتابة‪ .‬لليوم فقط سوف أعيش فأعتني بنظافة جسمي ‪،‬‬
‫وتحسين مظهري والهتمام بهندامي ‪ ،‬والتزان في مشيتي وكلمي وحركاتي‪.‬‬

‫لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربي ‪ ،‬وتأدية صلتي على أكمل وجه ‪،‬‬
‫والتزود بالنوافل ‪ ،‬وتعاهد مصحفي ‪ ،‬والنظر في كتبي ‪ ،‬وحفظ فائدة ‪ ،‬ومطالعة‬
‫كتاب نافع‪.‬‬

‫لليوم فقط سأعيش فأغرس في قلبي الفضيلة وأجتث منه شجرة الشر بغصونها‬
‫الشائكة من كبر وعجب ورياء وحسد وحقد وغل وسوء ظن لليوم فقط سوف‬
‫أعيش فأنفع الخرين ‪ ،‬وأسدي الجميل إلى الغير ‪ ،‬أعود مريضا ‪ ،‬أشيع جنازة ‪،‬‬
‫أدل حيران ‪ ،‬أطعم جائعا ‪ ،‬أفرج عن مكروب ‪ ،‬أقف مع مظلوم ‪ ،‬أشفع لضعيف ‪،‬‬
‫أواسي منكوبا‪ ،‬اكرم عالما ‪ ،‬أرحم صغيرا ‪ ،‬أجل كبيرا‪.‬‬
‫لليوم فقط سأعيش فيا ماض ذهب وانتهى اغرب كشمسك ‪ ،‬فلن أبكي عليك ولن‬
‫تراني أقف لتذكرك لحظة ‪ ،‬لنك تركتنا وهجرتنا وارتحلت عنا ولن تعود إلينا أبد‬
‫البدين‪.‬‬
‫ويا مستقبل أنت في عالم الغيب فلن أتعامل مع الحلم ‪ ،‬ولن أبيع نفسي مع‬
‫الوهام ولن أتعجل ميلد مفقود ‪ ،‬لن غدا ل شيء لنه لم يخلق ولنه لم يكن‬
‫مذكورا‪.‬‬
‫يومك يومك أيها النسان أروع كلمة في قاموس السعادة لمن أراد الحياة في أبهى‬
‫صورها وأجمل حللها‬
‫كيف تواجه النقد الثم ‪ -‬من كتاب ل تحزن لفضيلة الشيخ د‪.‬عائض القرني‬

‫الرقعاء السخفاء ستوا الخالق الرازق جل في عله ‪ ،‬وشتموا الواحد الحد ل إله‬
‫إل هو ‪ ،‬فماذا أتوقع أنا وأنت ونحن أهل الحيف والخطأ ‪ ،‬إنك سوف تواجه في‬
‫حياتك حربا! ضروسا ل هوادة فيها من النقد الثم المر ‪ ،‬ومن التحطيم المدروس‬
‫المقصود ‪ ،‬ومن الهانة المتعمدة مادام أنك تعطي وتبني وتؤثر وتسطع وتلمع ‪،‬‬
‫ولن يسكت هؤلء عنك حتى تتخذ نفقا في الرض أو سلما في السماء فتفر من‬
‫هؤلء ‪ ،‬أما وأنت بين أظهرهم فانتظر منهم ما يسوؤك ويبكي عينك ‪ ،‬ويدمي‬
‫مقلتك ‪ ،‬ويقض مضجعك‪.‬‬
‫إن الجالس على الرض ل يسقط ‪ ،‬والناس ل يرفسون كلبا ميتا ‪ ،‬لكنهم يغضبون‬
‫عليك لنك فقتهم صلحا ‪ ،‬أو علما ‪ ،‬أو أدبا ‪ ،‬أو مال ‪ ،‬فأنت عندهم مذنب ل توبة‬
‫لك حتى تترك مواهبك ونعم ال عليك ‪ ،‬وتنخلع من كل صفات الحمد ‪ ،‬وتنسلخ من‬
‫كل معاني النبل ‪ ،‬وتبقى بليدا!غبيا صفرا محطما ‪ ،‬مكدودا ‪ ،‬هذا ما يريدون‬
‫بالضبط‪.‬‬

‫اذا فاصمد لكلم هؤلء ونقدهم وتشويههم وتحقيرهم “أثبت أحد” وكن كالصخرة‬
‫الصامتة المهيبة تتكسر عليها حبات البرد لتثبت وجودها وقدرتها على البقاء‪ .‬إنك‬
‫إن أصغيت لكلم هؤلء وتفاعلت به حققت أمنيتهم الغالية في تعكير حياتك وتكدير‬
‫عمرك ‪ ،‬ال فاصفح الصفح الجميل ‪ ،‬أل فأعرض عنهم ول تك في ضيق مما‬
‫يمكرون‪ .‬إن نقدهم السخيف ترجمة محترمة لك ‪ ،‬وبقدر وزنك يكون النقد الثم‬
‫المفتعل‪.‬‬

‫إنك لن تستطيع أن تغلق أفواه هؤلء ولن تستطيع أن تعتقل ألسنتهم لكنك تستطيع‬
‫أن تدفن نقدهم وتجنيهم بتجافيك لهم ‪ ،‬وإهمالك لشأنهم ‪ ،‬وإطراحك لقوالهم!‪{ .‬‬
‫قل موتوا بغيظكم } بل تستطيع أن تصب في أفواههم الخردل بزيادة فضائلك‬
‫وتربية محاسنك وتقويم اعوجاجك‪.‬‬

‫إن كنت تريد أن تكون مقبول عند الجميع ‪ ،‬محبوبا لدى الكل ‪ ،‬سليما من العيوب‬
‫عند العالم ‪ ،‬فقد طلبت مستحيل وأملت أمل بعيدا‬

‫قيام الليل والتهجد‬

‫مقدمة‬
‫الحمد ل والصلة والسلم على رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً‪.‬‬

‫أمّا بعد‪:‬‬

‫حمُوداً}‬
‫فقد قال تعالى‪َ { :‬ومِنَ الّليْلِ َف َتهَجّدْ بِهِ نَا ِفلَةً ّلكَ عَسَى أَن َي ْب َع َثكَ َر ّبكَ مَقَاماً مّ ْ‬
‫[السراء‪.]79:‬‬

‫طمَعاً َو ِممّا‬
‫خوْفاً وَ َ‬
‫جنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْلمَضَاجِعِ يَدْعُونَ َر ّبهُمْ َ‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬تتَجَافَى ُ‬
‫َرزَ ْقنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة‪.]16:‬‬

‫جعُونَ} [الذاريات‪.]17:‬‬
‫وقال عز وجل‪َ{ :‬كانُوا َقلِيلً مّنَ الّليْلِ مَا َيهْ َ‬

‫وعن عبد ال بن سلم رضي ال عنه قال‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪« :‬أيّها‬
‫النّاس أفشوا السلم وأطعموا الطعام وصلّوا بالليل والنّاس نيام‪ ،‬تدخلوا الجنّة‬
‫بسلم»‬
‫[السلسلة الصحيحة ح ‪.]569‬‬

‫وعن عائشة رضي ال عنه قالت‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم يقوم من الليل‬
‫حتى تتفطر قدماه فقلت له‪ :‬لم تضع ذلك يا رسول ال وقد غَفر لك ما تقدم من ذنبك‬
‫وما تأخر؟ قال‪« :‬أفل أكون عبداً شكوراً» [متفق عليه]‪.‬‬

‫فهذه رسالة عن قيام الليل وفضائله ترغّب فيه وتحث عليه نسأل ال أن يتقبل منّا‬
‫صالح العمال‪ ،‬وصلى ال على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماّ كثيراّ‪.‬‬

‫أخي الحبيب … أختي المسلمة‬


‫في هذا الزمن الذي اقشعرت الرض فيه‪ ،‬وظهر الفساد في البّر والبحر من ظلم‬
‫الفجرة‪ ،‬ذهبت البركات‪ ،‬وقلت الخيرات‪ ،‬وشكا الكرام الكاتبون إلى ربّهم من كثرة‬
‫الفواحش‪ ،‬قلّ الصالحون فل تجدهم‪ ،‬وتكالب العداء على الموحدين‪.‬‬

‫أصبحت القلوب قاسية‪ ،‬والعين جامدة‪ ،‬طال المد على الكثير حتى على الملتزمين‬
‫فأصبحوا ل يجدوا للطاعة حلوة‪ ،‬وأصبحت الحياة مليئة بالملل!!‬

‫وسط كل هذا ومع رغبة في العلج‪ ،‬مع شوق للمغفرة‪ ،‬وطمع في الرحمة‪ ،‬ولهفة‬
‫للجنّة‪ ،‬وأمل في طرد الغفلة‪ ،‬وظمأ للنصر على الكفرة‪ ،‬أدلك إن شاء ال على باب‬
‫الستقامة بعد التوحيد ‪ ..‬إنّه قيام اللّيل ‪ ..‬يحل لك كل هذا ول تعجب‪.‬‬

‫فالزم ساقيك في اللّيل المحراب‪ ،‬فإنّه للستقامة باب!‬

‫قيام اللّيل شريعة ربانية‪ ،‬سنة نبوية‪ ،‬خصلة حميدة سلفية‪ ،‬مدرسة تربوية‪ ،‬دموع‬
‫وعبرات قلبية‪ ،‬وآهات وزفرات شجية‪ ،‬خلوة برب البرية‪ ،‬روضة ندية‪ ،‬سعادة‬
‫روحية‪ ،‬قوة جسمانية‪ ،‬تعلق بالجنان العلية‪.‬‬

‫وال ل يعلم لذة قيام اللّيل ول قدره إلّ أهله ومساكين أهل العائلة العلمية هم في‬
‫وادٍ وأهل اللّيل في وادٍ‪ .‬ولسوف يعلمون من الفائز يوم التناد! وأين هي اللذة‬
‫الحقيقية!!‬

‫فهيا يا أخي الحبيب نطوف معاً في هذه الروضة…‬

‫أول‪ ً:‬بعض ثمرات وفوائد وثواب قيام الليل‪:‬‬


‫علَى مَا يَقُولُونَ‬ ‫ص ِبرْ َ‬‫‪ -1‬قيام اللّيل والتسبيح فيه يورث العبد الرضا‪ ،‬قال تعالى‪َ{ :‬ا ْ‬
‫طرَافَ‬ ‫سبّحْ َوأَ ْ‬
‫غرُو ِبهَا َومِنْ آنَاء الّليْلِ فَ َ‬
‫ش ْمسِ وَ َقبْلَ ُ‬
‫طلُوعِ ال ّ‬
‫حمْدِ َر ّبكَ َقبْلَ ُ‬
‫سبّحْ بِ َ‬
‫وَ َ‬
‫ال ّنهَارِ َل َعّلكَ َت ْرضَى} [طه‪]130:‬‬

‫‪ -2‬قيام اللّيل سبب للفهم عن ال والتوفيق‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬إِنّ نَا ِ‬


‫شئَةَ الّليْلِ ِهيَ أَشَ ّد‬
‫وَطْءاً َوأَ ْقوَمُ قِيلً} [المزمل‪ ]6:‬أي أنّ قيام اللّيل أبلغ في الحفظ وأثبت في الخير‬
‫وعبادة اللّيل أشد نشاطاً وأتم إخلصاً وأكثر بركة‪.‬‬

‫‪ -3‬قيام الليل دأب الصالحين‪ ،‬ففي الحديث الصحيح‪« :‬عليكم بقيام اللّيل فإنّه دأب‬
‫الصالحين قبلكم» فهي عبادة قديمة وظب عليها ال ُكمّل السابقون‪ ،‬واجتهدوا في‬
‫إحراز فضائلها‪.‬‬

‫‪ -4‬قيام اللّيل يطرد الغفلة‪ ،‬ففي الحديث الصحيح‪«:‬من قام بعشر آيات لم يكتب من‬
‫الغافلين‪ ،‬ومن قام بمائة آية كتب من القانتين‪ ،‬ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين‬
‫‪-‬والقنطار ألف ومائتا أوقية‪ -‬والوقية خير مما بين السماء والرض»‪.‬‬

‫قال يحيى بن معاذ‪ :‬دواء القلب خمسة أشياء‪ :‬قراءة القرآن بالتفكر‪ ،‬وخلء البطن‪،‬‬
‫وقيام اللّيل‪ ،‬والتضرع عند السحر‪ ،‬ومجالسة الصالحين ‪.‬‬

‫‪ -5‬قيام الليل صلة بال وقربة‪ ،‬ففي الحديث الصحيح‪« :‬عليكم بقيام اللّيل‪ ،‬فإنّه دأب‬
‫الصالحين قبلكم وقربة إلى ال تعالى»‪ .‬قال الحسن البصري‪ :‬ما أعلم شيئاً يتقرب به‬
‫المتقربون إلى ال أفضل من قيام العبد في جوف الليل إلى الصلة ‪.‬‬

‫‪ -8 ،7 ،6‬قيام اللّيل منهاة عن الثم وتكفير للسيئات ومطردة للداء عن الجسد‪ ،‬ففي‬
‫الحديث الصحيح‪« :‬عليكم بقيام اللّيل فإنّه دأب الصالحين قبلكم‪ ،‬وقربة إلى ال‬
‫تعالى‪ ،‬ومنهاة عن الثم‪ ،‬وتكفير للسيئات‪ ،‬ومطردة للداء عن الجسد»‪.‬‬
‫قال ابن الحاج‪ :‬وفي القيام من الفوائد أنّه يحط الذنوب كما يحط الريح العاصف‬
‫الورق الجاف من الشجرة‪ ،‬وينور القبر‪ ،‬ويحسّن الوجه‪ ،‬وينشّط البدن ‪.‬‬

‫‪ -9‬قيام الليل شرف المؤمن‪ ،‬ففي الحديث الحسن‪« :‬واعمل أن شرف المؤمن قيامه‬
‫باللّيل»‪.‬‬

‫‪ -10‬قيام اللّيل يجعل المتهجد طيب النفس‪ ،‬ففي الحديث الصحيح‪« :‬فإن صلى‬
‫انحلت عقده كلّها‪ ،‬فأصبح نشيطاً طيب النفس»‪.‬‬

‫‪ -11‬المتهجدون خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وُجُوهٌ َي ْو َمئِذٍ مّسْ ِف َرةٌ‬
‫ش َرةٌ (‪[ })39‬عبس‪ ،]39 - 38:‬قال ابن عباس رضي ال‬ ‫س َتبْ ِ‬ ‫(‪ )38‬ضَا ِ‬
‫حكَةٌ مّ ْ‬
‫عنه‪ :‬من قيام الليل‪.‬‬

‫وقيل للحسن البصري‪ :‬ما بال المتهجدين باللّيل من أحسن النّاس وجوهاً؟ قال‪ :‬لنّهم‬
‫خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره ‪ .‬وقال سعيد بن المسيب ‪-‬رحمه ال‪ :-‬إنّ الرجل‬
‫ليُصلّي باللّيل‪ ،‬فيجعل ال في وجهه نوراً يحبه عليه كل مسلم‪ ،‬فيراه من لم يره قط‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬إنّي لحب هذا الرجل ‪.‬‬

‫‪ -12‬قيام اللّيل سبب لجابة الدعاء‪ ،‬ففي صحيح البخاري‪« :‬من تعار من اللّيل‬
‫فقال‪(( :‬ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‪ ،‬وهو على كل شئ‬
‫قدير‪ ،‬الحمد ل وسبحان ال ول إله إل ال وال أكبر ول حول ول قوة إل بال)) ثم‬
‫قال‪(( :‬اللهم اغفر لي)) أو دعا استُجيب له»‪.‬‬

‫‪ -13‬قيام اللّيل من موجبات الرحمة‪ ،‬قال تعالى‪َ{ :‬أمّنْ ُهوَ قَا ِنتٌ آنَاء الّليْلِ سَاجِداً‬
‫حمَةَ َربّهِ} [الزمر‪.]9:‬‬
‫خ َرةَ َو َيرْجُو رَ ْ‬
‫وَقَائِماً يَحْ َذرُ الْ ِ‬
‫وفي الحديث الصحيح‪« :‬رحم ال رجلً قام من اللّيل وأيقظ امرأته فصلت‪ ،‬فإن أبت‬
‫نضح في وجهها الماء‪ ،‬ورحم ال امرأة قامت من اللّيل فصلت وأيقظت زوجها‬
‫فصلّى فإن أبى نضحت في وجهه الماء»‪.‬‬
‫‪ -14‬وفي الحديث الحسن‪« :‬الرجل من أمتي يقوم من اللّيل يعالج نفسه إلى‬
‫الطهور‪ ،‬وعليه عقد‪ ،‬فإذا وضأ يديه انحلت عقدة‪ ،‬وضأ رجله انحلت عقدة‪ ،‬وإذا‬
‫مسح رأسه انحلت عقدة‪ ،‬وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة‪ ،‬فيقول ال عز وجل للذين‬
‫وراء الحجاب‪ :‬انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ويسألني‪ ،‬ما سألني عبدي فهو‬
‫له»‪.‬‬

‫‪ -15‬ضحك ال إلى المتهجدين باللّيل‪ ،‬ففي الحديث الحسن‪« :‬ثلثة يحبهم ال‬
‫ويضحك إليهم‪ ،‬ويستبشر بهم …‪ ..‬والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن‪ ،‬فيقوم‬
‫من الليل فيقول‪ :‬يذر شهوته ويذكرني!! ولو شاء لرقد!!»‪.‬‬
‫وفي الحديث‪« :‬إذا ضحك ال من العبد فل حساب عليه»‪.‬‬

‫‪ -16‬التهجد سبب لحسن الخاتمة‪ ،‬فانظر إلى المتهجدين كيف ماتوا؟ نعم‪ ،‬من صفّى‬
‫صُفي له وإنّما يكال للعبد كما كال‪ ،‬من نصب قدميه في محرابه باكياً متضرعاً في‬
‫سواد اللّيل‪ ،‬كانت له الخاتمة الطيبة‪ ،‬فانظر إلى تهجد سالم مولى أبي حذيفة وثابت‬
‫بن قيس‪ ،‬كيف اتشهدا؟ وعبد ال ذي البجادين المتهجد الواه وحسن خاتمته‪ ،‬حتى‬
‫قال ابن مسعود رضي ال عنه أمام قبره‪ :‬ياليتني كنت صاحب القبر ‪.‬‬

‫‪ -17‬قيام اللّيل يهوّن من طول القيام في عرصات القيامة‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬من أحب‬
‫أن يهون ال عليه طول الوقوف يوم القيامة‪ ،‬فليره ال في ظلمة اللّيل ساجداً وقائماً‬
‫يحذر الخرة ‪.‬‬

‫‪ -18‬قيام الليل ينجي من النيران‪ ،‬ففي حديث عبد ال بن عمر المتفق عليه‪… :‬‬
‫فجعلت أقول‪( :‬أعوذ بال من النار) قال‪ :‬قال‪ :‬فلقيهما ملك فقال لي‪( :‬لم تُرع)‪،‬‬
‫فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫«نعم الرجل عبد ال لو كان يصلي من الليل» ‪ .‬قال القرطبي‪ :‬حصل لعبد ال من‬
‫ذلك تبيه على أنّ قيام اللّيل مما يُتقى به من النّار والدنو منها فلذلك لم يترك قيام‬
‫اللّيل بعد ذلك‪.‬‬
‫‪ -19‬قيام الليل يورّث سكن الغرف في أعالي الجنان‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬تتَجَافَى ُ‬
‫جنُو ُبهُمْ‬
‫طمَعاً َو ِممّا َرزَ ْقنَاهُمْ يُنفِقُونَ (‪ )16‬فَلَ َت ْعلَمُ نَ ْفسٌ‬
‫خوْفاً وَ َ‬
‫عَنِ ا ْل َمضَاجِعِ يَدْعُونَ َر ّبهُمْ َ‬
‫جزَاء ِبمَا كَانُوا َي ْع َملُونَ(‪[ })17‬السجدة‪.]17 - 16:‬‬ ‫عيُنٍ َ‬ ‫مّا أُخْ ِفيَ َلهُم مّن ُق ّرةِ أَ ْ‬

‫وفي الحديث الصحيح‪« :‬إنّ في الجنّة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من‬
‫ظاهرها‪ ،‬أعدها ال تعالى لمن أطعم الطعام وأفشى السلم وصلى باللّيل والنّاس‬
‫نيام»‪.‬‬

‫‪ -20‬قيام الليل مهر الحور الحسان‪ ،‬ما يكون جزاء من ترك دفء الفراش وقام من‬
‫بين حبه وأهله إلّ الفوز بالحور الحسان‪ ،‬أوما علمت أنّ المتهجد إذا قام إلى تهجده‬
‫قالت الملئكة‪ :‬قد قام الخاطب إلى خطبته ‪.‬‬

‫‪ -21‬التهجد سبيل النصر على العداء‪ ،‬فالجهاد يُسقى بدمع التهجد‪ ،‬ول ينتصر‬
‫على العدو في ساحة القتال إلّ من انتصر على نفسه وشيطانه في قيام اللّيل!‬
‫ولما هُزم الروم أمام المسلمين‪ ،‬قال هرقل لجنوده‪ :‬ما بالكم تنهزمون؟! فقال شيخ من‬
‫عظماء الروم‪ :‬من أجل أنّهم يقومون اللّيل ويصومون النّهار وقال المراء‬
‫الصليبيون‪ :‬إنّ القسيم بن القسيم ‪-‬يعنون نور الدين زنكي‪ -‬له مع ال سر فإنّه لم‬
‫يظفر ويُنصر علينا بكثرة جنده وجيشه‪ ،‬وإنّما يظفر علينا ويُنصر بالدعاء وصلة‬
‫اللّيل‪ ،‬فإنّه يُصلي باللّيل ويرفع يده إلى ال ويدعو‪ ،‬فإنّه يستجيب له ويعطيه سؤاله‬
‫فيظفر علينا ‪.‬‬

‫وأخيراً فثواب القيام ل تحيط به العقول وتقصر عنه العبارات ويكفيك الحديث‬
‫الصحيح‪« :‬إذا استيقظ الرجل من اللّيل‪ ،‬وأيقظ أهله وصليا ركعتين‪ ،‬كُتبا من‬
‫الذاكرين ال كثيراً والذاكرات»…‪ .‬فما حد كثيراً؟!‬

‫قال ابن مسعود رضي ال عنه ‪ :‬من قال في قيام اللّيل ((سبحان ال والحمد ول إله‬
‫إل ال وال أكبر ول حول ول قوة إل بال)) كان له من الجر كألف ألف حسنة ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬ما يعين على التهجد وقيام الليل‬


‫(‪ )1‬السباب الظاهرة‪:‬‬

‫‪ -1‬قلة الطعام وعدم الكثار منه‪ ،‬ففي الحديث الحسن‪ …« :‬أقصر من جشائك ؛‬
‫فإنّ أكثر النّاس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً في الخرة»‪.‬‬

‫وقال وهب بن منبه‪ :‬ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الكول النوّام ‪ ،‬فمن أكل‬
‫كثيراً شرب كثيراً فنام كثيراً فخسر كثيراً يوم القيامة ‪.‬‬

‫‪ -2‬القتصاد في الكد نهاراً‪ ،‬فل يُتعب نفسه بالنّهار في العمال التي تعيا بها‬
‫الجوارح‪ ،‬وتضعف بها العصاب‪ ،‬فإنّ ذلك مجلبة للنوم‪ ،‬وعليه بالقصد في هذه‬
‫العمال‪ ،‬وأن يتجنب فضول الكلم‪ ،‬وفضول المخالطة التي تشتت القلب‪.‬‬

‫‪ -3‬الستعانة بالقيلولة نهاراً؛ فإنها سُنة‪ ،‬ففي الحديث الحسن‪« :‬قيلوا ؛ فإنّ الشياطين‬
‫ل تقيل»‪.‬‬

‫ومر الحسن بقوم في السوق فرأى سخبهم ولغطهم فقال‪ :‬أما يقيل هؤلء؟ قالوا‪ :‬ل‬
‫قال‪ :‬إنّي لرى ليلهم ليل سوء ‪.‬‬

‫‪ -4‬ترك المعاصي‪ ،‬فقد قيدتنا خطايانا‪ ،‬قال رجل للحسن البصري‪ :‬يا أبا سعيد إنّي‬
‫أبيت معافى‪ ،‬وأحب قيام اللّيل وأعد طهوري فما بالي ل أقوم؟ فقال‪ :‬ذنوبك قيدتك ‪.‬‬

‫وقال الثوري‪ :‬حُرمت قيام اللّيل خمسة أشهر بذنب أذنبته قيل‪ :‬وما هو؟ قال‪ :‬رأيت‬
‫رجلً يبكي فقلت في نفسي هذا مُراء ‪.‬‬

‫وقال الفضيل بن عياض‪ :‬إذا لم تقدر على قيام اللّيل وصيام النّهار‪ ،‬فاعلم أنّك‬
‫محروم مُكبّل‪ ،‬كبّلتك خطيأتك ‪.‬‬
‫وقيل للحسن‪ :‬عجزنا عن قيام اللّيل قال‪ :‬قيدتكم خطاياكم‪ ،‬إنّما يؤهل الملوك للخلوة‬
‫بهم من يصدق في ودادهم ومعاملتهم‪ ،‬فأمّا من كان من أهل مخالفتهم فل يرضونه‬
‫لذلك ‪.‬‬

‫‪ -5‬طيب المطعم وأكل الحلل والبتعاد عن الحرام‪ ،‬فكم من أكلة منعت قيام ليلة‪،‬‬
‫وإنّ العبد ليأكل أكلة فيُحرم قيام سنة؛ لنّه لم يتجنب أكل الشبهات‪ ،‬وقال سهل بن‬
‫عبد ال التُستري‪ :‬من أكل الحلل أطاع ال شاء أم أبى ‪.‬‬

‫وقال إبراهيم بن أدهم‪ :‬أطب مطعمك ول عليك أن ل تقوم باللّيل وتصوم النهار ‪.‬‬

‫‪ -6‬ترك السمر بعد العشاء والنوم مبكراً‪ ،‬ففي الحديث الصحيح‪« :‬ل سمر إل‬
‫لمُصلٍ أو مسافر»‪ .‬وكان عمر بن الخطاب رضي ال عنه ينش النّاس بدرته بعد‬
‫العتمة يقول‪ :‬قوموا لعل ال يرزقكم صلة ‪ ،‬وكان يضرب النّاس بالدرة بعد صلة‬
‫العشاء ويقول‪ :‬أسمر أول اللّيل ونوم آخره؟! ‪.‬‬

‫وكان معاوية بن قرة يقول أن أباه كان يقول لبنيه إذا صلًى العشاء‪ :‬يا بني ناموا لعل‬
‫ال يرزقكم من اللّيل خيراً وعليه فالسُنة المؤكدة هي التبكير بالنوم بعد صلة العشاء‬
‫مباشرة ويُستثنى من ذلك الحوال التية‪( :‬الضيف ‪ -‬مذاكرة العلم ‪ -‬الزوجة ‪-‬‬
‫مصالح المّة) بشرط أل يؤدي أي حال إلى إضاعة الصلة‪.‬‬

‫‪ -7‬عدم المبالغة في حشو الفراش؛ لنّ ذلك يؤدي للستغراق في النوم ويجلب‬
‫الكسل والخمول‪ ،‬ولقد كان صوان بن سُليم ينام في الشتاء على السطح وفي الصيف‬
‫في وسط البيت حتى ل يستغرق في النوم‪ ،‬وكان ال ُعبّاد ينامون في الشتاء في ثوب‬
‫واحد ليمنعهم البرد من النوم‪.‬‬

‫(‪ )2‬السباب الباطنة المُيسِرة لقيام اللّيل‬


‫‪ -1‬الخلص‪ ،‬فإذا قمت ل فل يكن في قلبك إلّ ل وعلى قدر نيتك تنال الرحمة من‬
‫ربّك‪.‬‬

‫‪ -2‬يقينك أنّ الكبير المتعال هو الذي يدعوك للقيام‪.‬‬

‫‪ -3‬علمك بأنّ إمام المتهجدين يدعوك ويحثك على القيام فقل له‪ :‬على العين‬
‫والرأس‪.‬‬

‫‪ -4‬معرفة مدى أُنس السلف وتلذذهم بالتهجد‪ ،‬قال أبو سليمان الداراني‪ :‬لهل‬
‫الطاعة في ليلهم ألذ من أهل اللّهو بلهوهم ‪ ،‬وقال ثابت البُناني‪ :‬ما شيء أجده في‬
‫قلبي ألذ عندي من قيام اللّيل ‪.‬‬

‫‪ -5‬يقينك أنّك بعين ال وأنّ ال يرى ويسمع صلتك باللّيل‪.‬‬

‫‪ -6‬علمك بمدى حرص رسولك صلى ال عليه وسلم على القيام والجتهاد فيه‪ ،‬فلقد‬
‫كان صلى ال عليه وسلم يقوم من اللّيل حتى تتورم قدماه وقد غفر ال من ذنبه‪.‬‬

‫‪ -7‬النوم على نية القيام للتهجد ليُكتب لك‪ ،‬والنوم على طهارة على الجانب اليمن‬
‫والمواظبة على أذكار النوم‪.‬‬

‫‪ -8‬سؤال المولى عز وجل ودعاؤه أن يمُن عليك بالقيام ((اللّهم اشفني باليسير من‬
‫النوم وارزقني سهراً في طاعتك))‪.‬‬

‫‪ -9‬علمك بمدى اجتهاد الصحابة والسلف في قيام اللّيل‪.‬‬


‫‪ -10‬علمك أنّ الشيطان يوسوس لك ويحاول منعك من القيام‪ ،‬فكيف تطيعه وهو‬
‫عدوك وكيف تنام فيبول في أذنك؟!‬

‫‪ -11‬محاسبة النفس وتوبيخها على قيام اللّيل إن فرطت فيه‪.‬‬

‫‪ -12‬علمك ببكاء السلف وتحسرهم على فوات قيام اللّيل‪ ،‬قال أبو إسحاق السُبيعي‪:‬‬
‫ذهبت الصلة مني وضعُفت ورق عظمي‪ ،‬وإنّي اليوم أقوم في الصلة فما أقرأ إلّ‬
‫بالبقرة وآل عمران!! ‪.‬‬

‫‪ -13‬وضع الجنّة والنّار نصب عينيك‪.‬‬

‫‪ -14‬إتهام النفس دائماً بالتقصير في القيام ومعاقبة النفس على ترك القيام‪ ،‬نام‬
‫الصحابي تميم الداري ليلة فلم يقم للتهجد فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع‪.‬‬

‫‪ -15‬معرفة وصايا السلف في الحث على القيام وقراءة تراجم النتهجدين والعيش‬
‫معهم‪.‬‬

‫‪ -16‬الزهد في الدنيا وكثرة ذكر الموت وقصر المل وهذا أسلوب نبوي في تربية‬
‫الصحابة على قيام اللّيل‪ ،‬ففي الحديث كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا ذهب ثلث‬
‫اللّيل قام فقال‪« :‬يا أيّها النّاس اذكروا ال‪ ،‬جاءت الراجفة‪ ،‬من خاف أدلج ومن أدلج‬
‫بلغ المنزل‪ ،‬أل إنّ سلعة ال غالية‪ ،‬أل إنّ سلعة ال الجنّة‪ ،‬جاءت الراجفة‪ ،‬تتبعها‬
‫الرادفة‪ ،‬جاء الموت بما فيه»‪.‬‬

‫وانظر إلى حفصة بنت سيرين وكيف أنّها إذا قامت اللّيل لبست كفنها‪ ،‬ومعاذة‬
‫العدوية تقول‪ :‬يا نفس هذه ليلتك التي فيها تموتين فتحيي الليلة صافّـة قدمها!!‬

‫ثالثاً‪ :‬آداب قيام اللّيل‬


‫‪ -1‬الخلص وترك العجب‪ ،‬فقيام اللّيل عبادة عنوانها وتاجها الخلص‪ ،‬فعلى‬
‫العبد أن يعلم عيوبه وآفاته وتقصيره ويعلم ما يستحقه ال عز وجل من العبودية‬
‫وأنّها أعجز ما يكون أن يوفّي حق ال‪ ،‬قال مطرف بن عبد ال‪ :‬لن أبيت نائماً‬
‫وأصبح نادماً أحب إليّ من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً ‪.‬‬

‫وقيل لمحمد بن واسع‪ :‬قد نشأ شباب يصومون النّهار ويقومون اللّيل ويجاهدون في‬
‫سبيل ال قال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن أفسدهم العجب ‪ .‬فإيّاك والرياء والعجب وتذكر قول النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪« :‬صلة الرجل تطوعاً حيث ل يراه النّاس تعدل صلته على‬
‫أعين النّاس خمساً وعشرين»‪.‬‬

‫‪ -2‬اتباعك لهدي النبي صلى ال عليه وسلم في القيام بالتي‪:‬‬

‫‪ -‬الغتسال والتطيب ولبس الثياب الحسنة‪.‬‬

‫‪ -‬التسوك لقيام اللّيل‪.‬‬

‫‪ -‬غسل اليد قبل غمسهما في إناء الوضوء والوضوء وضوءاً حسناً‪.‬‬

‫‪ -‬الحرص على أذكار القيام والستفتاح والتأسّي برسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫كيفية صلته (فينظر في السماء ويقرأ اليات التي في آخر آل عمران كما في‬
‫الصحيحين ويصلّي مثنى مثنى ويستفتح بركعتين خفيفتين ول يزيد عن إحدى عشر‬
‫ركعة) ‪.‬‬

‫‪ -‬ترديد الية وتدبر ما فيها ويجوز أن يردد السورة ويتعوذ عند ذكر النّار ويسأل‬
‫ال الجنّة عند ذكر آيات الجنّة وهكذا‪.‬‬
‫‪ -‬البكاء‬

‫‪ -‬النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام‪.‬‬

‫‪ -‬إقاظ الهل والصبية ومن يليه لقيام اللّيل‪.‬‬

‫‪ -‬الفصل بين صلة اللّيل بالتسبيح بين كل ركعتين لتسكن الجوارح وتزول سآمة‬
‫سبّحْهُ َوأَ ْدبَارَ السّجُودِ} [ق‪ ،]40:‬أي أعقاب‬
‫النفس للقيام‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬ومِنَ الّليْلِ فَ َ‬
‫الصلة‪.‬‬

‫وأخيراً وفقني ال وإيّاك إلى قيام الليل والحتهاد فيه‪ ،‬فلنبدأ من الن والنهاية عند‬
‫الممات ولنواظب عليه ولو بمائة آية في أول المر فخير العمال أدومها وإن قل‪،‬‬
‫قال عتبة الغلم‪ :‬كابدت قيام اللّيل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة ‪.‬‬

‫فيا نائماً عن قيام اللّيل في ثنايا السيل‪ ،‬ضج الليل من كثرة منامك اشتكى الفراش من‬
‫كثرة رقادك‪ ،‬وتعجبت الحور من قسوة جفائك‪ ،‬وبكى الحفظة من فوات أرباحك‪،‬‬
‫فأحب من يحبك‪ ،‬واشتغل بمن يشتاق إليك‪ ،‬وقف بين يدي مولك‪ ،‬وتعرض لنفحة‬
‫من نفحاته ولو للحظة عساك تفلح‪ ،‬ففي لحظة واحدة أفلح السحرة‪ ،‬وفقني ال وإيّاك‬
‫لما يحب‬

‫شعبان اقبل فهل من مشمر؟‬


‫عن عائشة رضي ال عنها قالت‪« :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم يصوم‬
‫حتى نقول ل يفطر‪ ،‬ويفطر حتى نقول ل يصوم‪ ،‬وما رأيت رسول ال استكمل‬
‫صيام شهر إل رمضان وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان» [رواه البخاري‪:‬‬
‫‪ ،1833‬ومسلم‪]1956 :‬‬

‫قال ابن رجب رحمه ال‪ ” :‬صيام شعبان أفضل من صيام الشهر الحرم‪ ،‬وأفضل‬
‫التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده‪ ،‬وتكون منزلته من الصيام بمنزلة‬
‫السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض‪ ،‬وكذلك صيام‬
‫ما قبل رمضان وبعده‪ ،‬فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلة‬
‫فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما َبعُد عنه “‪.‬‬

‫هلموا عباد ال للستعداد لرمضان بطاعات وأعمال وقربى للرحمن رزقنا ال‬
‫وإياكم القرار في أعالي الجنان مع محمد صلى ال عليه وسلم الرسول العدنان‬
‫وبلغنا وإياكم رمضان وتقبله منا وجعلنا فيه من عتقائه من النيران‬
‫الحمد ل على إحسانه والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل‬
‫ال وحده ل شريك له تعظيماً لشأنه‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى‬
‫رضوانه ‪..‬‬
‫فضل شهر شعبان‬
‫اللّهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه ‪..‬‬

‫أما بعد أوصيكم ونفسي بتقوى ال‪..‬‬

‫اتقوا ال عباد ال ‪ ..‬اتقوا ال حق التقوى فإنّ بتقوى ال تتنزل البركات وتعم‬


‫الرحمات ‪..‬‬

‫عباد ال ‪..‬‬
‫ش ْهرُ َر َمضَانَ الّذِي أُنزِلَ فِي ِه‬
‫امتدح ال تعالى في كتابه شهر رمضان بقوله ‪َ { :‬‬
‫ال ُق ْرآَنُ}[البقرة‪ .. ]185:‬وبيّن أنّ فيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر‪ ،‬فاهتمّ‬
‫المسلمون بهذا الشهر العظيم واجتهدوا فيه بالعبادة من صلة‪ ،‬وصيام‪ ،‬وصدقات‪،‬‬
‫وعمرة إلى بيت ال الحرام وغير ذلك من أعمال البر والصلح ‪..‬‬

‫ولما رأى النبي صلى ال عليه وسلم انتباه النّاس إلى شهر رجب في الجاهلية‪،‬‬
‫وتعظيمه وتفضيله على بقية أشهر السنة ورأى المسلمين حريصين على تعظيم شهر‬
‫القرآن أراد أن يبين لهم فضيلة بقية الشهر واليام ‪..‬‬

‫عن أسامة بن زيد رضي ال عنهما أنه سأل النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يا‬
‫رسول ال لم أرك تصوم شهر من الشهور ما تصوم في شعبان‪ ،‬فقال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪« :‬ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان‪ ،‬وهو شهر ترفع فيه‬
‫العمال إلى ال تعالى فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» ‪..‬‬

‫وسؤال أسامة رضي ال عنه يدل على مدى اهتمام الصحابة الكرام وتمسكهم بسنة‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪..‬‬

‫وبالفعل كان النبي صلى ال عليه وسلم يصوم شعبان إلّ قليلً كما أخبرت عنه‬
‫عائشة رضي ال عنها في الحديث المتفق على صحته ‪..‬‬

‫ول بدّ من وجود أمر هام وراء هذا التخصيص من الصيام في مثل هذا الشهر وهذا‬
‫ما نبّه عليه النبي صلى ال عليه وسلم بقوله ‪« :‬إنّه شهر ترفع فيه العمال إلى ال‬
‫تعالى» ‪.‬‬

‫فإذاً أعمال العباد ترفع في هذا الشهر من كل عام‪ ،‬وتعرض العمال يوم الثنين‬
‫والخميس من كل أسبوع فأحب النبي صلى ال عليه وسلم أن ترفع أعماله إلى ربّ‬
‫العالمين وهو صائم لنّ الصيام من الصبر وهو يقول‪ِ{ :‬إ ّنمَا ُيوَفّى الصّا ِبرُونَ‬
‫جرَهُم ِب َغ ْيرِ حِسَابٍ} [الزمر‪]10:‬‬
‫أَ ْ‬
‫فشهر شعبان شهر عظيم عظمّه رسول ال صلى ال عليه وسلم فحري بنا أن‬
‫نعظمه وأن يكثر من العبادة والستغفار فيه تماماً كما جاء وصح عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم في ذلك ‪.‬‬

‫في هذا الشهر ليلة عظيمة أيضاً هي ليلة النصف من شعبان عظّم النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم شأنها في قوله ‪« :‬يطّلع ال تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من‬
‫شعبان فيغفر لجميع خلقه إلّ لمشرك أو مشاحن» ‪..‬‬

‫فمن دعا غير ال تعالى فقد أشرك‪ ،‬ومن سأل غير ال فقد أشرك‪ ،‬ومن زار قبر‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم وسأله قضاء الحاجات فقد أشرك‪ ،‬ومن ذبح لغير ال فقد‬
‫أشرك‪ ،‬ومن قرأ المولد عند قبر الحسين أو المرغلي أو سيدتهم زينب أو الشعراني‬
‫أو ابن العربي أو أبو عبيدة أو إلى غير ذلك من الضرحة فمن فعل ذلك وسألهم‬
‫الحاجات فقد كفر وأشرك‪ ،‬ومن حكّم غير شرع ال وارتضى ذلك فقد أشرك ‪..‬‬
‫والمشرك ل يطّلع ال عليه ول يغفر له الذنوب‪..‬‬

‫وكذلك من كانت بينهما شحناء وعداوة ل يغفر ال لهما حتى يصطلحا ‪..‬‬

‫سبحان ال يستصغر النّاس مثل هذه المور ‪ ..‬يستصغر النّاس مثل هذه المور ‪..‬‬
‫لذلك ترى اليوم في مجتمعنا ظهور هذه الصفات الذميمة بين أفراده‪ ..‬وخصوصاً‬
‫الذي يعمرون المساجد يبغض بعضهم لمجرد أمر حقير ل يستحق أن يذكر‪.‬‬

‫وإنّي لذكرهم بحديث النبي صلى ال عليه وسلم هذا ‪ ..‬والمطلوب منهم أن يقولوا‬
‫سمعنا وأطعنا ‪..‬‬
‫وليكن الذين هم على شحناء وعداوه على علم ودراية بخطورة هذا المر وأ ّ‬
‫ن‬
‫الشحناء والبغضاء بين أخوة اليمان سبب في عدم قبول صلتهم‪ ،‬وعدم قبول‬
‫أعمالهم‪ ،‬وعدم تطلع ربّ العزة والجلل إليهم في ليلة النصف من شعبان ‪..‬‬
‫سلَيمٍ(‪[ })89‬الشعراء ‪-88‬‬
‫{يَومَ ل يَنفَعُ مَالٌ وَل َبنُونَ(‪)88‬إلّ مَن َأتَى الَ بِ َق ْلبٍ َ‬
‫‪ ..]89‬قلب ل يحمل حقداً ول حسداً ول غشاً على أحد من المسلمين ‪..‬‬

‫عباد ال‪..‬‬

‫قبل أن نأتي على نهاية الكلم أود عرض بعض البدع والحاديث الواهية عن ليلة‬
‫النصف من شعبان ‪..‬‬

‫أولها بدعة الصلة اللفية وهذه من محدثات وبدع ليلة النصف من شعبان وهي مائة‬
‫ركعة تصلي جماعة يقرأ فيها المام في كل ركعة سورة الخلص عشر مرات‪..‬‬
‫وهذه الصلة لم يأتِ بها خبر وإنّما حديثها موضوع مكذوب فل أصل لهذا فتنبهوا‬
‫عباد ال من البدع والضللت ‪..‬‬

‫من ذلك أيضاً تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلة ونهارها بصيام لحديث ‪ :‬إذا‬
‫كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ‪ ..‬هذا حديث ل أصل له‬
‫‪ ..‬هذا حديث ل أصل له ‪..‬فتنبهوا عباد ال ‪..‬‬

‫من البدع أيضاً صلة الست ركعات في ليلة النصف من شعبان بنية دفع البلء‪،‬‬
‫وطول العمر‪ ،‬والستثناء عن النّاس‪ ،‬وقراءة سورة يس والدعاء ‪..‬فذلك من البدع‬
‫والمحدثات المخالفة لهدي النبي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫قال المام الغزالي في الحياء ‪ :‬وهذه الصلة مشهورة في كتب المتأخرين من‬
‫السادة الصوفية التي لم أرَ لها ول لدعائها مستنداً صحيحاً من السنة إلّ أنه من عمل‬
‫المبتدعة ‪.‬‬

‫وقد قال أصحابنا أنه يُكره الجتماع على إحياء ليلة من مثل هذه الليالي في المساجد‬
‫أوفي غيرها ‪.‬‬
‫قال المام النووي رحمه ال ‪ :‬صلة رجب ‪ -‬صلة الرغائب ‪ -‬وصلة شعبان‬
‫بدعتان منكرتان قبيحتان ‪.‬‬

‫وعلى هذا يجب عليك عبد ال أن تعبد ال بما شرع لك في كتابه أو جاء مبنياً في‬
‫سنة نبيه صلى ال عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده ‪..‬‬

‫وإياكم عباد ال ومضلت المور فإنّ البدع ضللت وطامات ول يستفيد العبد من‬
‫عملها إلّ البعد من ال تبارك وتعالى ‪..‬‬

‫فتفقهوا عباد ال في دينكم ‪..‬‬

‫فيوم الجمعة هو أفضل اليام ‪..‬‬

‫وشهر رمضان هو أفضل الشهور ‪..‬‬

‫وليلة القدر أفضل الليالي ‪..‬‬

‫والمسجد الحرام أفضل المساجد ‪..‬‬

‫وجبريل أفضل الملئكة ‪..‬‬

‫ومحمدٌ صلى ال عليه وسلم هو سيد النبياء والمرسلين بل هو سيد ولد آدم أجمعين‬
‫ول فخر‬
‫علَى‬
‫صلّونَ َ‬
‫وقد أمركم ال بالصلة عليه فقال عز من قائل ‪{ :‬إِنّ الَ َومَل ِئ َكتَهُ ُي َ‬
‫سلِيماً} [الحزاب‪.]56:‬‬ ‫سّلمُواْ تَ ْ‬
‫عَليْهِ وَ َ‬
‫صلّواْ َ‬
‫ال ّن ِبيّ يَآ َأ ّيهَا الّذِينَ َآ َمنُواْ َ‬
‫اللّهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪،‬‬
‫وارضى اللهم عن صحابته أجمعين عن الربعة والعشرة والمبشرين وسائر‬
‫الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك ولطفك‬
‫وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين ‪.‬‬

‫عباد ال ‪..‬‬

‫{إِنّ الَ يَ ْأ ُمرُ بَالعَدْلِ وَالِحْسَانِ َوإِيتَاءِ ِذيْ ال ُق ْربَى َو َي ْنهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَال ُم ْن َكرِ‬
‫ظكُمْ َل ْعَلكُمْ تَ َذ ّكرُونَ} [النحل‪. ] 90:‬‬ ‫وَال َب ْغيِ َيعِ ُ‬

‫فاذكروا ال عباد ال يذكركم واشكروا على نعمه يزدكم ولذكر ال أكبر وال يعلم ما‬
‫تصنعون‪..‬‬

‫كلمات يسيرة تتعلق بشهر شعبان‬


‫بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل رب العالمين‪ ،‬والعاقبة للمتقين‪ ،‬ول عدوان إل‬
‫على الظالمين المعتدين‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له رب العالمين‪،‬‬
‫وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المين صلى ال عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين‬
‫لهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وسلّم تسليماً كثيراً ‪ ..‬أما بعد‪ :‬فهذه كلمات يسيرة في‬
‫أمور تتعلق بشهر شعبان‪.‬‬

‫المر الول‪ :‬في فضل صيامه‪.‬‬

‫ففي الصحيحين عن عائشة ـ رضي ال عنها ـ قالت‪« :‬ما رأيت النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إل رمضان‪ ،‬وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه‬
‫في شعبان» البخاري (‪ ،)1969‬ومسلم (‪ .)1156‬وفي البخاري (‪ )1970‬في‬
‫رواية‪« :‬كان يصوم شعبان كله» ‪ .‬وفي مسلم في رواية‪« :‬كان يصوم شعبان إل‬
‫قليلً» ‪ .‬وروى المام أحمد (‪ ،)21753‬والنسائي (‪ )2357‬من حديث أسامة بن‬
‫زيد ـ رضي ال عنهما ـ قال‪ ” :‬لم يكن ‪ -‬يعني النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يصوم‬
‫من الشهر ما يصوم من شعبان “‪ ،‬فقال له‪ :‬لم أرك تصوم من الشهر ما تصوم من‬
‫شعبان قال‪« :‬ذاك شهر يغفل النّاس عنه بين رجب ورمضان‪ ،‬وهو شهر ترفع فيه‬
‫العمال إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» قال في‬
‫الفروع (ص ‪ 120‬ج ‪ 3‬ط آل ثاني)‪ :‬والسناد جيد‪.‬‬

‫المر الثاني‪ :‬في صيام يوم النصف منه‬

‫فقد ذكر ابن رجب ‪ -‬رحمه ال تعالى ‪ -‬في كتاب (اللطائف) (ص ‪ 341‬ط دار‬
‫إحياء الكتب العربية) أن في سنن ابن ماجة (‪ )1388‬بإسناد ضعيف عن علي ـ‬
‫رضي ال عنه ـ أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪« :‬إذا كان ليلة النصف من‬
‫شعبان فقوموا ليلها‪ ،‬وصوموا نهارها‪ ،‬فإن ال ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء‬
‫الدنيا فيقول‪ :‬أل من مستغفر لي فأغفر له‪ ،‬أل مسترزق فأرزقه‪ ،‬أل مبتلى فأعافيه‪،‬‬
‫أل كذا‪ ،‬أل كذا حتى يطلع الفجر»‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا الحديث حكم عليه صاحب المنار بالوضع‪ ،‬حيث قال (ص ‪ 226‬في‬
‫المجلد الخامس من مجموع فتاويه)‪ ” :‬والصواب أنه موضوع‪ ،‬فإن في إسناده أبا‬
‫بكر بن عبد ال بن محمد‪ ،‬المعروف بابن أبي سبرة‪ ،‬قال فيه المام أحمد ويحيى بن‬
‫معين‪ :‬إنه كان يضع الحديث “‪.‬‬

‫وبناء على ذلك فإن صيام يوم النصف من شعبان بخصوصه ليس بسنة‪ ،‬لن‬
‫الحكام الشرعية ل تثبت بأخبار دائرة بين الضعف والوضع باتفاق علماء الحديث‪،‬‬
‫اللّهم إلّ أن يكون ضعفها مما ينجبر بكثرة الطرق والشواهد‪ ،‬حتى يرتقي الخبر بها‬
‫إلى درجة الحسن لغيره‪ ،‬فيعمل به إن لم يكن متنه منكراً أو شاذّا‪.‬‬

‫وإذا لم يكن صومه سنة كان بدعة‪ ،‬لن الصوم عبادة فإذا لم تثبت مشروعيته كان‬
‫بدعة‪ ،‬وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم‪« :‬كل بدعة ضللة» [أخرجه مسلم] (‬
‫‪ )867‬من حديث جابر – رضي ال عنه ‪. -‬‬
‫المر الثالث‪ :‬في فضل ليلة النصف منه‬

‫وقد وردت فيه أخبار قال عنها ابن رجب في اللطائف بعد ذكر حديث علي السابق‪:‬‬
‫إنّه قد اختلف فيها‪ ،‬فضعفها الكثرون‪ ،‬وصحح ابن حبان بعضها وخرجها في‬
‫صحيحه‪ .‬ومن أمثلتها حديث عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬وفيه‪“ :‬أن ال تعالى ينزل‬
‫ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا‪ ،‬فيغفر لكثر من عدد شعر غنم كلب”‪.‬‬
‫خرجه المام أحمد (‪ )26018‬والترمذي (‪ )739‬وابن ماجة (‪ ،)1389‬وذكر‬
‫الترمذي أن البخاري ضعّفه‪ ،‬ثم ذكر ابن رجب أحاديث بهذا المعنى وقال‪ :‬وفي‬
‫الباب أحاديث أخر فيها ضعف‪ .‬اهـ‬
‫وذكر الشوكاني أن في حديث عائشة المذكور ضعفاً وانقطاعاً‪.‬‬

‫وذكر الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه ال تعالى ـ أنه ورد في فضلها أحاديث‬
‫ضعيفة ل يجوز العتماد عليها‪ ،‬وقد حاول بعض المتأخرين أن يصححها لكثرة‬
‫طرقها ولم يحصل على طائل‪ ،‬فإن الحاديث الضعيفة إذا قدر أن ينجبر بعضها‬
‫ببعض فإن أعلى مراتبها أن تصل إلى درجة الحسن لغيره‪ ،‬ول يمكن أن تصل إلى‬
‫درجة الصحيح كما هو معلوم من قواعد مصطلح الحديث‪.‬‬

‫المر الرابع‪ :‬في قيام ليلة النصف من شعبان وله ثلث مراتب‪:‬‬

‫المرتبة الولى‪ :‬أن يصلى فيها ما يصليه في غيرها‪ ،‬مثل أن يكون له عادة في قيام‬
‫الليل فيفعل في ليلة النصف ما يفعله في غيرها من غير أن يخصها بزيادة‪ ،‬معتقداً‬
‫أن لذلك مزية فيها على غيرها‪ ،‬فهذا أمر ل بأس به‪ ،‬لنه لم يحدث في دين ال ما‬
‫ليس منه‪.‬‬

‫المرتبة الثانية‪ :‬أن يصلى في هذه الليلة‪ ،‬أعني ليلة النصف من شعبان دون غيرها‬
‫من الليالي‪ ،‬فهذا بدعة‪ ،‬لنّه لم يرد عن النبي صلى ال عليه وسلم أنّه أمر به‪ ،‬ول‬
‫فعله هو ول أصحابه‪.‬‬
‫وأما حديث علي ـ رضي ال عنه ـ الذي رواه ابن ماجة‪« :‬إذا كان ليلة النصف من‬
‫شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها»‪ .‬فقد سبق عن ابن رجب أنه ضعّفه‪ ،‬وأن‬
‫محمد رشيد رضا قال‪ ” :‬إنّه موضوع‪ ،‬ومثل هذا ل يجوز إثبات حكم شرعي به‪،‬‬
‫وما رخص فيه بعض أهل العلم من العمل بالخبر الضعيف في الفضائل‪ ،‬فإنه‬
‫مشروط بشروط ل تتحقق في هذه المسألة‪ ،‬فإن من شروطه أن ل يكون الضعف‬
‫شديداً‪ ،‬وهذا الخبر ضعفه شديد‪ ،‬فإن فيه من كان يضع الحديث ‪ ،‬كما نقلناه عن‬
‫محمد رشيد رضا رحمه ال تعالى‪.‬‬

‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون وارداً فيما ثبت أصله‪ ،‬وذلك أنه إذا ثبت أصله ووردت فيه‬
‫أحاديث ضعفها غير شديد كان في ذلك تنشيط للنفس على العمل به‪ ،‬رجاء للثواب‬
‫المذكور دون القطع به‪ ،‬وهو إن ثبت كان كسباً للعامل‪ ،‬وإن لم يثبت لم يكن قد‬
‫ضره بشيء لثبوت أصل طلب الفعل “‪ .‬ومن المعلوم أن المر بالصلة ليلة النصف‬
‫من شعبان ل يتحقق فيه هذا الشرط‪ ،‬إذ ليس لها أصل ثابت عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم كما ذكره ابن رجب وغيره‪ .‬قال ابن رجب في اللطائف (ص ‪” :)541‬‬
‫فكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها عن النبي صلى ال عليه وسلم ول‬
‫عن أصحابه شيء “‪ .‬وقال الشيخ محمد رشيد رضا (ص ‪ 857‬في المجلد‬
‫الخامس)‪ ” :‬إن ال تعالى لم يشرع للمؤمنين في كتابه ول على لسان رسوله صلى‬
‫ال عليه وسلم ول في سنته عملً خاصّا بهذه الليلة ” اهـ‪.‬‬

‫وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز‪ ” :‬ما ورد في فضل الصلة في تلك الليلة فكله‬
‫موضوع “‪ .‬اهـ‬

‫وغاية ما جاء في هذه الصلة ما فعله بعض التابعين‪ ،‬كما قال ابن رجب في‬
‫اللطائف (ص ‪ ” : )441‬وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام‬
‫يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة‪ ،‬وعنهم أخذ النّاس فضلها وتعظيمها‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬
‫إنّهم بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية‪ ،‬فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في‬
‫ذلك‪ :‬فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها‪ ،‬وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫ذلك كله بدعة “‪ .‬اهـ‬
‫ول ريب أنّ ما ذهب إليه علماء الحجاز هو الحق الذي ل ريب فيه‪ ،‬وذلك لن ال‬
‫عَل ْيكُمْ ِن ْع َمتِى َورَضِيتُ َلكُمُ السْلَمَ‬
‫تعالى يقول‪{ :‬ا ْل َيوْمَ َأ ْك َم ْلتُ َلكُمْ دِي َنكُمْ َوَأ ْت َم ْمتُ َ‬
‫دِيناً} [المائدة‪ ]3:‬ولو كانت الصلة في تلك الليلة من دين ال تعالى لبيّنها ال تعالى‬
‫في كتابه‪ ،‬أو بيّنها رسول ال صلى ال عليه وسلم بقوله أو فعله‪ ،‬فلمّا لم يكن ذلك‬
‫علم أنها ليست من دين ال‪ ،‬وما لم يكن منه فهو بدعة‪ ،‬وقد صحّ عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه قال‪« :‬كل بدعة ضللة» ‪.‬‬

‫المرتبة الثالثة‪ :‬أن يصلى في تلك الليلة صلوات ذات عدد معلوم‪ ،‬يكرر كل عام‪،‬‬
‫فهذه المرتبة أشد ابتداعاً من المرتبة الثانية وأبعد عن السنة‪ .‬والحاديث الواردة فيها‬
‫أحاديث موضوعة‪ ،‬قال الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص ‪ 15‬ط ورثة الشيخ‬
‫نصيف)‪ ” :‬وقد رويت صلة هذه الليلة‪ ،‬أعني ليلة النصف من شعبان على أنحاء‬
‫مختلفة كلها باطلة وموضوعة “‪.‬‬

‫المر الخامس‪ :‬أنه اشتهر عند كثير من الناس أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها‬
‫ما يكون في العام‬

‫وهذا باطل‪ ،‬فإن الليلة التي يقدر فيها ما يكون في العام هي ليلة القدر‪ ،‬كما قال ال‬
‫تعالى‪{ :‬حم(‪ )1‬وَا ْل ِكتَابِ ا ْل ُمبِينِ (‪ِ )2‬إنّا أَن َز ْلنَاهُ فِي َل ْيلَةٍ ُمبَا َركَةٍ ِإنّا ُكنّا مُن ِذرِينَ (‪)3‬‬
‫حمَةً مِنْ َر ّبكَ ِإنّهُ‬ ‫سلِينَ (‪ )5‬رَ ْ‬ ‫عنْ ِدنَا ِإنّا ُكنّا ُمرْ ِ‬ ‫حكِيمٍ (‪َ )4‬أمْراً مِنْ ِ‬ ‫فِيهَا يُ ْفرَقُ كُلّ َأ ْمرٍ َ‬
‫سمِيعُ ا ْل َعلِيمُ(‪[ })6‬الدخان‪ ]6-1:‬وهذه الليلة التي أنزل فيها القرآن هي ليلة‬ ‫ُهوَ ال ّ‬
‫القدر‪ ،‬كما قال تعالى‪ِ{ :‬إنّا أَن َز ْلنَاهُ فِي َل ْيلَةِ الْقَ ْدرِ} [القدر‪ ]1:‬وهي في رمضان‪ ،‬لن‬
‫ش ْهرُ َر َمضَانَ الّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْ ُقرْآنُ}‬ ‫ال تعالى أنزل القرآن فيه‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬‬
‫[البقرة‪ ]185:‬فمن زعم أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام‪ ،‬فقد‬
‫خالف ما دل عليه القرآن في هذه اليات‪.‬‬

‫المر السادس‪:‬‬

‫أن بعض الناس يصنعون أطعمة في يوم النصف يوزعونها على الفقراء ويسمونها‬
‫عشيات الوالدين‪.‬‬
‫وهذا أيضاً ل أصل له عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فيكون تخصيص هذا اليوم به‬
‫من البدع التي حذّر منها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقال فيها‪« :‬كل بدعة‬
‫ضللة» ‪.‬‬

‫وليعلم أنّ من ابتدع في دين ال ما ليس منه فإنّه يقع في عدة محاذير منها‪:‬‬

‫المحذور الول‪ :‬أن فعله يتضمن تكذيب ما دل عليه قول ال عز وجل‪{ :‬ا ْل َيوْمَ َأ ْك َم ْلتُ‬
‫َلكُمْ دِي َنكُمْ} [المائدة‪ ،]3:‬لنّ هذا الذي أحدثه واعتقده ديناً لم يكن من الدين حين‬
‫نزول الية‪ ،‬فيكون الدين لم يكمل على مقتضى بدعته‪.‬‬

‫المحذور الثاني‪ :‬أن ابتداعه يتضمن التقدم بين يدي ال ورسوله صلى ال عليه و‬
‫سلم‪ ،‬حيث أدخل في دين ال تعالى ما ليس منه‪ .‬وال سبحانه قد شرع الشرائع وحدّ‬
‫الحدود وحذّر من تعديها‪ ،‬ول ريب أن من أحدث في الشريعة ما ليس منها فقد تقدم‬
‫بين يدي ال ورسوله صلى ال عليه و سلم‪ ،‬وتعدى حدود ال‪ ،‬ومن يتعد حدود ال‬
‫فأولئك هم الظالمون‪.‬‬

‫المحذور الثالث‪ :‬أن ابتداعه يستلزم جعل نفسه شريكاً مع ال تعالى في الحكم بين‬
‫شرَعُواْ َلهُمْ مّنَ الدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الُّ}‬
‫ش َركَاءُ َ‬
‫عباده‪ ،‬كما قال ال تعالى‪{ :‬أَمْ َلهُمْ ُ‬
‫[الشورى‪.]21:‬‬

‫المحذور الرابع‪ :‬أنّ ابتداعه يستلزم واحداً من أمرين‪ ،‬وهما‪:‬‬


‫إمّا أن يكون النبي صلى ال عليه وسلم جاهلً بكون هذا العمل من الدين‪ ،‬وإمّا أن‬
‫يكون عالماً بذلك ولكن كتمه‪ ،‬وكلهما قدح في النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أمّا الول‬
‫فقد رماه بالجهل بأحكام الشريعة‪ ،‬وأمّا الثاني فقد رماه بكتمان ما يعلمه من دين ال‬
‫تعالى‪.‬‬

‫المحذور الخامس‪ :‬أنّ ابتداعه يؤدي إلى تطاول النّاس على شريعة ال تعالى‪،‬‬
‫وإدخالهم فيها ما ليس منها‪ ،‬في العقيدة والقول والعمل‪ ،‬وهذا من أعظم العدوان الذي‬
‫نهى ال عنه‪.‬‬
‫المحذور السادس‪ :‬أنّ ابتداعه يؤدي إلى تفريق المة وتشتيتها واتخاذ كل واحد أو‬
‫طائفة منهجاً يسلكه ويتهم غيره بالقصور‪ ،‬أو التقصير‪ ،‬فتقع المة فيما نهى ال عنه‬
‫خ َتلَفُوا مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَهُمْ ا ْل َب ّينَاتُ َوُأ ْوَل ِئكَ َلهُمْ‬‫بقوله‪{ :‬وَل َتكُونُوا كَالّذِينَ تَ َفرّقُوا وَا ْ‬
‫عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران‪ ،]105:‬وفيما حذر منه بقوله‪{ :‬إِنّ الّذِينَ َفرّقُواْ دِي َنهُمْ‬
‫ستَ ِم ْنهُمْ فِي شَيءٍ ِإ ّنمَآ َأ ْمرُهُمْ ِإلَى الِّ ثُمّ ُي َن ّب ُئهُم ِبمَا كَانُواْ يَ ْف َعلُونَ}‬‫ش َيعًا لّ ْ‬
‫َوكَانُواْ ِ‬
‫[النعام‪.]159 :‬‬

‫المحذور السابع‪ :‬أن ابتداعه يؤدي إلى انشغاله ببدعته عما هو مشروع‪ ،‬فإنّه ما‬
‫ابتدع قوم بدعة إلّ هدموا من الشرع ما يقابلها‪.‬‬

‫وإن فيما جاء في كتاب ال تعالى‪ ،‬أو صح عن رسوله صلى ال عليه وسلم من‬
‫الشريعة لكفاية لمن هداه ال تعالى إليه واستغنى به عن غيره‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬يَا‬
‫حمَةٌ‬
‫َأ ّيهَا النّاسُ قَدْ جَا َء ْتكُمْ َموْعِظَةٌ مِنْ َر ّبكُمْ وَشِفَاءٌ ِلمَا فِي الصّدُورِ وَهُدًى َورَ ْ‬
‫ج َمعُونَ (‬ ‫خ ْيرٌ ِممّا يَ ْ‬ ‫ِل ْل ُم ْؤ ِمنِينَ(‪ )57‬قُلْ بِ َفضْلِ الِّ َو ِبرَ ْ‬
‫ح َمتِهِ َفبِ َذِلكَ َف ْليَ ْفرَحُوا ُهوَ َ‬
‫‪[ }َ)58‬يونس ‪ .]58-57‬وقال ال تعالى‪َ { :‬فِإمّا يَ ْأ ِت َي ّنكُم ّمنّي هُدًى َفمَنِ ا ّتبَعَ هُدَاي‬
‫فَلَ َيضِلّ وَلَ يَشْقَى} [طه‪.]123:‬‬

‫أسأل ال تعالى أن يهدينا وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم‪ ،‬وأن يتولنا في الدنيا‬
‫ۤ‬
‫والخرة إنه جواد كريم‪ ،‬والحمد ل رب العالمين‬
‫الداء والدواء‬

‫قال شيخ السلم رحمه ال‪ :‬ينبغي للعبد أن يثبت ويلزم ما هو فيه من الذكر‬
‫شيْطَانِ‬
‫والصلة ول يضجر فإنّه بملزمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان {إِنّ َكيْدَ ال ّ‬
‫ن ضَعِيفاً} [سورة النساء‪ :‬من الية ‪ ]76‬وكلما أراد العبد توجها إلى ال بقلبه‬
‫كَا َ‬
‫جاءه من الوسواس أمور أخرى فإنّ الشيطان بمنزلة قالطع طريق كلما أراد العبد‬
‫أن يسير إلى ال تعالى أراد قطع الطريق عليه‪ ،‬ولهذا قيل لبعض السلف‪ :‬إنّ اليهود‬
‫والنصارى يقولون ل نوسوس‪ ،‬فقال صدقوا وما يصنع الشيطان بالبيت الخراب‪.‬‬
‫أ‪.‬هـ‪.‬‬

‫ستَعِ ْذ بِالِّ} [سورة‬


‫ن نَزْغٌ فَا ْ‬
‫شيْطَا ِ‬
‫ك مِنَ ال ّ‬
‫غنّ َ‬
‫‪ -7‬الستعاذة بال تعالى‪{ :‬وَِإمّا يَنزَ َ‬
‫فصلت‪ :‬من الية ‪ ]36‬فإذا استعذت خنس وكان كالذبابة‪ ،‬فاستعذ عند قراءة القرآن‬
‫وغير ذلك من العبادات‪.‬‬

‫قال ابن السعدي‪ :‬الستعاذة فيها الستعانة بال على دفعه‪.‬‬

‫‪ -8‬الدعاء‪ :‬وهذا من أقوى السباب في دفع الوسواس وليعلم أنّ ال ليستحي أن‬
‫يرد عبدا سأله‪ ،‬وقد وعد بالجابة من دعاه‪ .‬فأكثر الدعاء ل سيما في مواطن‬
‫الجابة‪.‬‬

‫وصلى ال على سيدنا محمدا وعلى آله وصحبه‪.‬‬

‫الحمد ل حق حمده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نبي بعده وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫أمّا بعد‪:‬‬

‫ههذه نبذة (هذه النبذة اختصرتها من كتاب تحفة المؤمنين في ذم الوسواس وعلج‬
‫المسوسين) عن مسألة يكثر فيها الفقه الحديث عنها‪ ،‬ومشكلة يكثر التشكي منها‪ ،‬وهي‬
‫الوسوسة‪ ،‬جرى العلم بالكلم عنها في رؤوس أقلم تسهيلً لتداولها‪ ،‬وكتبت في‬
‫وريقات تيسيراً لحملها‪ .‬أسأل ال تعالى أن ينفع بها‪.‬‬

‫الوسوسة‪ :‬هي تردد الشيء في النفس من غير اطمئنان واستقرار‪.‬‬

‫أسـبابـها‬

‫ل بسؤال‬
‫‪ -1‬قلة العلم‪ :‬قال المام الذهبي‪ :‬من مرض قلبه بشكوك ووساوس ل تزول إ ّ‬
‫أهل العلم فليتعلم من الحق ما يدفع ذلك عنه ول يُمعن‪.‬أ‪ .‬هـ‪ ،‬فالعلم يزيل أي شيء يرد‬
‫على النسان ويخطر بباله‪ ،‬والجهل يورد على النسان ما يضره ول ينفع‪.‬‬

‫‪ -2‬ضعف اليمان‪ :‬وهذا ينتج عن أمور كثيرة من قلة العمال الصالحة وكثرة‬
‫المعاصي‪ ،‬فإنّ الشيطان يتسلط على أهل المعاصي بخلف قوي اليمان فإنّ الشيطان‬
‫يفرق منه وليس له عليه سبيل‪.‬‬

‫‪ -3‬السترسال مع الهواجيس‪ :‬فإنّ الهواجيس وكثرة التفكير التي ل يتحقق معها‬


‫مطلوب ول تحصل منها فائدة تسبب الوساوس للنسان وتسهل طريق الشيطان له‪.‬‬

‫‪ -4‬الغفلة عن ذكر ال‪ :‬فإنّ الذكر يطرد الشيطان ويجعل منفذًا على أحد من البشر‬
‫فإذا ترك الذكر جاء الشيطان بخيله ورجله فدخل إلى قلب النسان وفكره فشوش‬
‫عليه ووسوس له‪ .‬كما في حديث فرار الشيطان وله ضراط عند سماع الذان وهو في‬
‫مسلم والبيهقي‪.‬‬

‫‪ -5‬عدم مخالطة النّاس‪ :‬لنّ الشيطان من الواحد أقرب فيسهل تمكنه منه والسيطرة‬
‫على إفساده وإغوائه‪.‬‬

‫‪ -6‬عدم التباع‪ :‬وذلك إمّا بزيادة وغلو‪ ،‬وإمّا بإنقاص وتفريط‪ ،‬وكلهما مذموم‪.‬‬

‫مظاهرها‬

‫‪ -1‬التأخر في الدورات حال الوضوء أو الغتسال‪ :‬وهذه أغلب حالت الوسواس‬


‫الذي يأتي الجهلة من النّاس‪.‬‬

‫‪ -2‬تكرار الصلة وإعادتها‪ :‬لنّه يظن أنّها فاسدة‪ ،‬وأنّه ما كبر مع المام فيقطع‬
‫ن الصواب ما عليه جمهور المسلمين‬ ‫التكبير ويعيده‪ ،‬قال شيخ السلم اب تيمية‪ :‬فإ ّ‬
‫لّ مَا‬
‫أنّ من فعل العبادة كما أمر بحسب وسعه فل إعادة عليه كما قال تعالى‪{ :‬فَاتّقُوا ا َ‬
‫ط ْعتُمْ} [سورة التغابن‪ :‬من الية ‪ ]16‬ولم يعرف قط أنّ رسول ال صلى ال عليه‬ ‫ستَ َ‬
‫اْ‬
‫وسلم أمر العبد أن يصلي الصلة مرتين‪ ،‬لكن يأمر بالعبادة من لم يفعل ما أمر به مع‬
‫القدرة على ذلك كما قال للمسيء في صلته‪« :‬ارجع فصلي فإنّك لم تصلي»‪ ،‬وكما‬
‫أمر من صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلة‪ .‬أ‪ .‬هـ‪( .‬مجموع الفتاوى‬
‫‪.)21/633‬‬

‫‪ -3‬تكريرالحرف‪ :‬قال ابن قدامة وابن القيم‪ :‬إنّه أي الموسوس يجد صعوبة في‬
‫اللفظ فتراه يقول‪ :‬أكككبر‪ ،‬وكقوله في التحيات‪ :‬ات ات التخي التحي‪ ،‬وفي السلم‪:‬‬
‫اس اس وهذا يفسد الصلة وصلة من خلفه إذا كان إماماً‪( .‬والظاهر من فعل هذا‬
‫صحة صلته مع الثم)‪.‬‬

‫‪ -4‬وجود الضعف في المة‪ :‬وخاصة في الشباب الذين هم عمودها وقوامها‪ ،‬ول‬


‫يكون هناك فائدة منهم ومن وجودهم ما دام الواحد منهم أو الجمع قد استحوذ عليهم‬
‫الشيطان ووسوس لهم في عبادتهم‪.‬‬

‫أنواع الموسوسين‬

‫‪ -1‬الوسوسة في العقيدة‪ :‬كما في الحديث يسأل الشيطان من خلق كذا من خلق كذا‬
‫حتى يقول‪ :‬من خلق ال‪ .‬وعلج هذا ينصرف عن مجادلته إلى إجابته بما جاء في‬
‫الحاديث وخلصتها أن يقول‪ :‬آمنت بال ورسوله‪ ،‬ال أحد‪ ،‬ال الصمد‪ ،‬لم يلد ولم‬
‫يولد ولم يكن له كفوا أحد‪ ،‬ثم يتفل عن يساره ويستعيذ بال من الشيطان الرجيم‪ ،‬ثم‬
‫ينتهي عن النسياق مع الوسوسة‪ ،‬ومن فعل ذلك طاعة ل ورسوله مخلصا له في‬
‫ذلك ل بد أن تذهب عنه الوسوسة ويندحر شيطانه لقوله عليه الصلة والسلم في‬
‫الحديث‪« :‬فإنّ ذلك يذهب عنه»‪.‬‬

‫‪ -2‬الوسوسة في الطهارة‪ :‬وحالهم في هذا الباب أكثر شيوعا وانتشارًا بين‬


‫المزسوسين‪ ،‬والشيطان يأتي أكثر النّاس من هذا الباب لقلة العلم بأحكامه وكثرة‬
‫الجهل وخاصة في نطاق النية في الطهارة‪ ،‬فوسوس الشيطان للموسوسين بالنية‪،‬‬
‫فتجد الرجل منهم يجاهد نفسه باستحضار النية وهذا من جهله‪ ،‬وإلّ فالنية ل تحتاج‬
‫لكل هذا الستحضار بل كل ما في المر أنّه بمجرد ما يقصد الشخص عملً فهو‬
‫ن التلفظ بالنية بدعة‪،‬‬‫ناويه‪ ،‬وتجره هذه المجاهدة إلى التلفظ بالنية وكما هو معلوم أ ّ‬
‫وكل بدعة فهي ضللة فهي لم تكن من فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم وصحابته‬
‫ومن بعدهم‪.‬‬

‫وهو يعقد النية ويشك في حصولها‪ ،‬هل حصلت أم ل؟ ومن شك في نيته فهو نوع من‬
‫الجنون فإن علم النسان بحال نفسه أمر يقيني فكيف يشك فيه عاقل من نفسه‪.‬‬
‫‪ -3‬الوسوسة عند قضاء الحاجة‪ :‬فإنّهم يمكثون الوقت الطويل في الخلء‪ ،‬كل ذلك‬
‫يعالج نفسه ويجاهدها في إخراج البول‪ ،‬فإذا بال وانتهى من بوله أتى بأفعال مشينة‬
‫من السلت‪ ،‬والنتر‪ ،‬والنحنحة‪ ،‬والمشي‪ ،‬والقفز‪ ،‬والحبل‪ ،‬والتفقد‪ ،‬والوجور‪ ،‬والحشو‪،‬‬
‫والعصابة‪ ،‬والدرجة‪( .‬راجع شرحها في إغاثة اللهفان لبن القيم)‪.‬‬
‫والرسول صلى ال عليه وسلم وصحابته لم يكونوا يفعلون شيئا مما هؤلء‬
‫الموسوسون‪.‬‬

‫‪ -4‬الوسوسة في الوضوء‪ :‬فإذا جاء ليتوضأ فإنّه ينظر إلى الماء يتساءل‪ :‬من أين لك‬
‫أنّه طهور أو على القل طاهر؟‬
‫ن الصل في المياه الطهورية‪،‬‬ ‫وهذا من الجهل وإلّ لو كان عنده علم بالشرع لعلم أ ّ‬
‫طهُوراً} [سورة الفرقان‪ :‬من الية ‪ ]48‬فل يترك‬ ‫سمَا ِء مَاءً َ‬
‫ن ال ّ‬
‫قال تعالى‪َ { :‬وأَنزَ ْلنَا مِ َ‬
‫الصل لحتمال طارئ‪ ،‬وإذا أطال التفكير في طهورية الماء ازداد عليه الثم‪.‬‬

‫‪ -5‬الوسوسة في طهارة الثياب‪ :‬فهو يغسل ثوبه الطاهر مرات عديدة في اليوم‪ ،‬إذا‬
‫كان شاكا ولم يتيقن‪ ،‬وقد يبلغ به الوسواس مبلغا أنّه إذا لمس مسلم ثوبه غسله‪ ،‬وكأن‬
‫هذا المسلم نجس أو متلطخ بالنجاسة وهو عاقل يترك النجاسة عالقة به؟ وهل النسان‬
‫نجس؟ وإذا أصيب ثوبه بقطرة ماء‪ ،‬ما يكتفي بغسلها بل يغسل الثوب كله ويغسل ما‬
‫معه‪ ،‬وإذا كان عند الوضوء تأخر عن صلة الجماعة مع المسلمين‪.‬‬

‫‪ -6‬الوسوسة في الصلة واستحضار نيتها‪ :‬فيتلفظ بالنية فيقول‪ :‬أصلي صلة كذا‪ ،‬ثم‬
‫يقطعها يظن أن نيته قطعت وهي ل تنقطع إلّ بتعمد‪ ،‬ويأتي بعشر بدع قبل تكبيرة‬
‫الحرام لم يفعل رسول ال صلى ال عليه وسلم ول صحابته واحدة منها وهي‪ :‬أعوذ‬
‫بال من الشيطان الرجيم‪ ،‬نويت أصلي صلة الظهر‪ ،‬فرض الوقت‪ ،‬أداء ل تعالى‪،‬‬
‫إماما أو مأموما‪ ،‬أربع ركعات مستقبل القبلة‪ ،‬ثم يزعج أعضاءه ويحني جبهته‪ ،‬ويقيم‬
‫عروق عنقه‪ ،‬ويصرخ بالتكبير كأنّه يكبر على العدو‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬لو مكث أحدهم عمر نوح عليه السلم يفتش هل فعل رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أو أحد من أصحابه شيئا من ذلك لما ظفر به إلّ أن يجاهر‬
‫بالكذب البحت‪ ،‬فلو كان في هذا خير لسبقونا إليه‪ ،‬ولدلونا عليه‪ ،‬فإن كان هذا هدى‬
‫ل الضلل‪ .‬أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫فقد ضلوا عنه وإن كان الذي كانوا عليه هو الهدى فماذا بعد الحق إ ّ‬

‫الثــــار‬

‫‪ -1‬غضب ال جل وعل‪ :‬فالموسوس يتعرض من خلل حالته الوسواسية إلى تفويت‬


‫كثير من العبادات‪ ،‬فالعمال هذه تغضب ال عزوجل‪ ،‬لنّ صاحبها والقائم بها يكون‬
‫في حالة ل ترضي ال عز وجل‪.‬‬
‫فكون الموسوس يضيع العبادة ويفوتها أو ل يقيمها على وجهها‪ ،‬معصية‪ ،‬والمعصية‬
‫تغضب ال خاصة إذا أصر عليها صاحبها‪.‬‬
‫ن إبليس قد وجد منفذا وطريقا إلى هذا‬
‫‪ -2‬تخلخل الدين وضعف اليمان‪ :‬وسببه أ ّ‬
‫العبد فوسوس إليه‪ ،‬والوسوسة ل تكون في الغالب إلّ في ضعاف اليمان‪ ،‬ومن أبرز‬
‫علمات تخلخل الدين وضعف اليمان تفويته الجماعة‪ ،‬بل تأخيره للصلة‪ ،‬وقد يصل‬
‫المر إلى تضييعها‪.‬‬

‫‪ -3‬عدم الكتفاء بالسنة والخروج عنها‪ :‬فالزيادة في الوضوء على ثلث خلف السنة‬
‫بل الزيادة هي الوسواس ولم يرد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنّه زاد على‬
‫ثلث‪ ،‬بل ورد نهيه عن ذلك‪.‬‬

‫‪ -4‬بطلن الجر أو نقصانه‪ :‬لزيادته على السنة فمن زاد على ثلث فقد خالف السنة‬
‫كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‪ :‬جاء أعرابي إلى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فسأله عن الوضوء فأراه ثلثا ثلثا‪ .‬ثم قال‪« :‬هذا الوضوء فمن‬
‫زاد على هذا فقد أساء أو تعدى أو ظلم» [رواه أبو داود وابن ماجة وإسناده حسن]‪.‬‬

‫‪ -5‬جلب المصائب لنفسه ولغيره‪ :‬فلنفسه‪ :‬بعده عن الحق وليس بعدها مصيبة‬
‫وبعده عن منهج ال تعالى وإعراضه عن هدي رسول ال صلى ال عليه وسلم مما‬
‫يسبب له الضيق والضنك والخنق‪.‬‬
‫وجلب المصائب لغيره‪ :‬اتعاب أهله وأصحابه وهمهم وغمهم وحزنهم عليه‬
‫وبالخص والديه ـ‪.‬‬

‫‪ -6‬إتعاب النفس‪ :‬فالتردد في النية‪ ،‬وإعادتها وإكثار صب الماء على العضاء في‬
‫الوضوء‪ ،‬كل هذا تعذيب للنفس‪.‬‬

‫‪ -7‬فعل المناهي وترك الوامر‪ :‬الشارع الحكيم أمر بما يلئم النفس‪ ،‬وفيها طاقة‬
‫عليه‪ ،‬ونهى عما فيه مضرة عليها وإهلك وإتلف لها‪ ،‬فمن ذلك المر بالقتصاد في‬
‫الوضوء والنهي عن السراف فيه‪ .‬وأهل الوسواس أخذوا بالمنهي وتركوا المأمور‬
‫به‪.‬‬

‫‪ -8‬ضياع الوقت والعمر‪ :‬بمكثه في الخلء ومكان قضاء الحاجة وغير ذلك من‬
‫حالته التي مر ذكرها‪ ،‬ولو أنّه أعرض عنها لستفاد من وقته بما ينفعه في دينه‬
‫ودنياه‪ .‬يقول الوزير ابن الوزير ابن هبيرة‪:‬‬

‫والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع‬

‫‪ -9‬تعريض النّاس لذمه والطعن فيه‪ :‬النّاس ل يسلم أحد منهم‪ ،‬إن أحسن جحدوا‬
‫حسناته وإن أساء نشروا سيئاته ونسوا حسناته‪ ،‬هذا مع الرجل العاقل فكيف الحال‬
‫بمن هو جاهل موسوس فهو بغيتهم وطلبتهم‪ ،‬فيستهزؤون به ويسخرون منه في‬
‫المجالس‪ ،‬ويحذرون منه النّاس‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -10‬إشغال ذمته بالزائد على حاجته‪ :‬هذه من مفاسده فهو أي الموسوس يشغل‬
‫ذمته بالزائد على حاجته‪ ،‬إذا كان الماء مملوكا لغيره كمياه الدورات فيعيد وضوءه‪،‬‬
‫ويفكر في طهورية الماء ثم يخرج من مكانه وهو مرتهن الذمة بما زاد على حاجته‪،‬‬
‫ويتطاول عليه حتى يرتهن من ذلك بشيء كثير جدا يتضرر به في قبره ويوم القيامة‪.‬‬

‫‪ -11‬أن يكون سببا للقدح في زملئه وإخوانه‪ :‬الذين عوفوا من هذا الداء‪ ،‬فيقدح‬
‫المغرضون من أهل الشر والضلل‪ ،‬والمعنى المقصود من هذا الكلم أنّ‬
‫الشخص الموسوس وهو بين أصحابه في مجيئه وذهابه يأتي أهل الشر فيقدحون في‬
‫كل مسلم على وجه البسيطة‪ ،‬هؤلء الملتزمون أصحاب وسواس‪ ،‬مشددون‪ ،‬وخذ من‬
‫هذا الكلم الذي يتفوه به أهل الباطل المتعلمنون قبحهم ال وأهلكهم عاجل غير آجل‪.‬‬

‫فلله ما أعظم جرم هذا الجاهل على المسلمين كلهم‪ ،‬فقد عرض المعافين من‬
‫الوسواس للذم فيهم من قبل العداء‪ ،‬وصار فعله حجز عثرة في وجوه الفاسقين‬
‫منعهم من الستقامة‪.‬‬

‫‪ -12‬تعطله عن العمال الدنيوية‪ :‬من التجارة وطلب الرزق وغير ذلك من العمال‬
‫التي هي مهمة له في دنياه‪ ،‬وذلك بسبب انشغاله بوسواسه‪.‬‬

‫العــــــلج‬

‫‪ -1‬طلب العلم الشرعي‪ :‬فهو يمنع صاحبه من عمل ما ليس بوارد ول أصل له‬
‫بالشرع‪ ،‬ويكون الشيطان منه أبعد وأشد فرقا وهربا‪.‬‬
‫وحال الموسوس كلها جهل بالشريعة فلو كانت عن علم لما فعل ما فعل‪.‬‬

‫‪ -2‬تقوية اليمان‪ :‬وذلك بكثرة النوافل والطاعات والقربات من صلة وزكاة وصيام‪..‬‬
‫إلخ‪ ،‬وأهم تلك القربات الفرائض‪ ،‬فإذا فعل ذلك قوي إيمانه وأصبح عنده سدا منيعا‬
‫يحجب الشيطان الرجيم من الوصول إلى القلب‪.‬‬

‫‪ -3‬المداومة على ذكر ال تعالى‪ :‬قال المام أبو بكر ابن العربي‪ :‬إنّ ال تعالى سلط‬
‫الشيطان على النسان في إفساد صلته عليه قول بالوسوسة… ودواؤها الذكر‪ ..‬إلخ‬
‫كلمه‪.‬‬

‫فالذكر هو الحصن الحصين‪ ،‬والسد المنيع‪ ،‬والحافظ الملزم‪ ،‬والسلح الفتاك ضد‬
‫الشياطين وخص من جملة الذكار أذكار طرفي النهار‪ ،‬وأذكار النوم‪ ،‬والدخول‬
‫والخروج وغيرهم‪.‬‬

‫‪ -4‬معرفة أنّ الحق فيما جاء فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬فيتبعه في القول‬
‫والفعل وذلك هو الهدي الذي ارتضاه ال لرسوله صلى ال عليه وسلم ولنا فيه أسوة‬
‫حسنة‪ ،‬والموسوس اتخذ طريق الشيطان سبيل وساءت سبيل‪.‬‬
‫س َم ُهمَا ِإنّي َل ُكمَا‬
‫‪ -5‬العلم بأنّ الشيطان لن ينصح النسان أبدا‪ :‬وإن زعم النصح {وَقَا َ‬
‫ن النّاصِحِينَ(‪ )21‬فَدَلّ ُهمَا ِب ُغرُورٍ‪[ }..‬سورة العراف‪ ،]22-21 :‬فاحذره واحذر‬ ‫َلمِ َ‬
‫خطواته‪.‬‬

‫‪ -6‬المجاهدة في دفعه والتلهي عنه‪ :‬فل يجعله شغله الشاغل لنّه إن تمادى به تمكن‬
‫منه وهيهات حينها أن يزول إلّ إذا شاء ال‪ ،‬فإذا دافعه وجاهده‬

‫‪ 10‬وسائل للمداومة على العمل الصالح بعد رمضان‬


‫وماذا بعد رمضان ؟ كنت في رمضان في إقبال على ال ‪..‬أُكثر من النوافل ‪..‬أشعر‬
‫بلذة العبادة ‪ ..‬وأكثر من قراءة القرآن الكريم ‪ ..‬ل أُفرط في صلة الجماعة ‪..‬‬
‫منُقطعا عن مشاهدة ما حرم ال ‪..‬‬
‫ولكن بعد رمضان فقدت لذة العبادة التي أجدها في رمضان ول أجد في ذلك‬
‫الحرص على العبادة ‪..‬‬
‫فكثيرا ما تفوتني صلة الفجر مع الجماعة … وانقطعت عن كثير من النوافل‬
‫وقراءة القرآن ‪ ..‬وووووووو …‪.‬‬

‫فهل لهذه المشكلة من حل أو علج ؟!‬

‫إليك أخي واختى الكريمة “‪ ″10‬وسائل للمداومة على العمل الصالح بعد رمضان‬

‫‪ -1‬أولً وقبل كل شي طلب العون من ال – عز وجل ‪ -‬على الهداية والثبات وقد‬


‫أثنى ال على دعاء الراسخين في العلم { َر ّبنَا ل ُتزِغْ ُقلُو َبنَا َبعْدَ إِذْ هَ َد ْي َتنَا وَ َهبْ َلنَا‬
‫حمَةً ِإ ّنكَ َأ ْنتَ ا ْلوَهّابُ }‬
‫مِنْ لَ ُد ْنكَ رَ ْ‬

‫‪ -2‬الكثار من مُجالسة الصالحين والحرص على مجالس الذكر العامة‬


‫كالمحاضرات والخاصة كالزيارات ‪.‬‬
‫‪ -3‬التعرف على سير الصالحين من خلل القراءة للكتب أو استماع الشرطة‬
‫وخاصة الهتمام بسير الصحابة فإنها تبعث في النفس الهمة والعزيمة ‪.‬‬

‫‪ -4‬الكثار من سماع الشرطة السلمية المؤثرة كالخطب والمواعظ وزيارة‬


‫التسجيلت السلمية بين وقت وآخر ‪.‬‬

‫‪ -5‬الحرص على الفرائض كالصلوات الخمس وقضاء رمضان فان في الفرائض‬


‫خير عظيم ‪.‬‬

‫‪ -6‬الحرص على النوافل ولو القليل المُحبب للنفس فان أحب العمال إلى ال «‬
‫أدومه وإن قل » كما قال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪ -7‬البدء بحفظ كتاب ال والمداومة على تلوته وأن تقرأ ما تحفظ في الصلوات‬
‫والنوافل ‪.‬‬

‫‪ -8‬الكثار من ذكر ال والستغفار فإنه عمل يسير ونفعه كبير يزيد اليمان ويُقوي‬
‫القلب ‪.‬‬

‫‪ -9‬البعد كل البعد عن مفسدات القلب من أصحاب السوء و أجهزة التلفاز والدش‬


‫والستماع للغناء والطرب والنظر في المجلت الخليعة ‪.‬‬

‫‪ -10‬وأخيرا أوصيك أخي الحبيب بالتوبة العاجلة ‪ ..‬التوبة النصوح التي ليس فيها‬
‫رجوع بإذن ال فإن ال يفرح بعبده إذا تاب أشد الفرح ‪.‬‬

‫أخي المبارك‬
‫اختى الطيبة‬
‫ل تكن من أولئك القوم الذين ل يعرفون ال إل في رمضان لقد قال فيهم السلف ”‬
‫بئس القوم ل يعرفون ال إل في رمضان ” وداعاً أيها الحبيب إلى رمضان آخر‬
‫وأنت في صحة وعافية واستقامة على دين ال إن شاء ال ‪.‬‬

‫فضائل صوم ‪ 6‬من شوال‬


‫لحمد ل المتفضّل بالنّعم‪ ،‬وكاشف الضرّاء والنّقم‪ ،‬والصلة والسلم على النبي‬
‫المين‪ ،‬وآله وأصحابه أنصار الدين‪ .‬وبعد‪:‬‬

‫أخي المسلم‪ :‬ل شك أن المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات‪ ،‬والستمرار في‬
‫الحرص على تزكية النفس‪.‬‬

‫ومن أجل هذه التزكية شُرعت العبادات والطاعات‪ ،‬وبقدر نصيب العبد من‬
‫الطاعات تكون تزكيته لنفسه‪ ،‬وبقدر تفريطه يكون بُعده عن التزكية‪.‬‬

‫لذا كان أهل الطاعات أرق قلوباً‪ ،‬وأكثر صلحاً‪ ،‬وأهل المعاصي أغلظ قلوباً‪ ،‬وأشد‬
‫فساداً‪.‬‬

‫والصوم من تلك العبادات التي تطهّر القلوب من أدرانها‪ ،‬وتشفيها من أمراضها‪..‬‬


‫لذلك فإن شهر رمضان موسماً للمراجعة‪ ،‬وأيامه طهارة للقلوب‪.‬‬

‫وتلك فائدة عظيمة يجنيها الصائم من صومه‪ ،‬ليخرج من صومه بقلب جديد‪ ،‬وحالة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫وصيام الستة من شوال بعد رمضان‪ ،‬فرصة من تلك الفرص الغالية‪ ،‬بحيث يقف‬
‫الصائم على أعتاب طاعة أخرى‪ ،‬بعد أن فرغ من صيام رمضان‪.‬‬
‫وقد أرشد صلى ال عليه وسلم أمته إلى فضل الست من شوال‪ ،‬وحثهم بأسلوب‬
‫يرغّب في صيام هذه اليام‪..‬‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان‬
‫كصيام الدهر» [رواه مسلم وغيره]‪.‬‬

‫قال المام النووي رحمه ال‪ ” :‬قال العلماء‪ :‬وإنما كان كصيام الدهر‪ ،‬لن الحسنة‬
‫بعشر أمثالها‪ ،‬فرمضان بعشرة أشهر‪ ،‬والستة بشهرين‪.“ ..‬‬

‫ونقل الحافظ ابن رجب عن ابن المبارك‪ ” :‬قيل‪ :‬صيامها من شوال يلتحق بصيام‬
‫رمضان في الفضل‪ ،‬فيكون له أجر صيام الدهر فرضاً “‪.‬‬

‫أخي المسلم‪ :‬اختى المباركة‬


‫صيام هذه الست بعض رمضان دليل على شكر الصائم لربه تعالى على توفيقه‬
‫لصيام رمضان‪ ،‬وزيادة في الخير‪ ،‬كما أن صيامها دليل على حب الطاعات‪ ،‬ورغبة‬
‫في المواصلة في طريق الصالحات‪.‬‬

‫قال الحافظ ابن رجب رحمه ال‪ ” :‬فأما مقابلة نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان‬
‫بارتكاب المعاصي بعده‪ ،‬فهو من فعل من بدل نعمة ال كفراً “‪.‬‬

‫أخي المسلم‪ :‬ليس للطاعات موسماً معيناً‪ ،‬ثم إذا انقضى هذا الموسم عاد النسان إلى‬
‫المعاصي!‬

‫بل إن موسم الطاعات يستمر مع العبد في حياته كلها‪ ،‬ول ينقضي حتى يدخل العبد‬
‫قبره‪..‬‬
‫قيل لبشر الحافي رحمه ال‪ :‬إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان‪ .‬فقال‪ ” :‬بئس‬
‫القوم قوم ل يعرفون ل حقاً إل في شهر رمضان‪ ،‬إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد‬
‫السنة كلها “‪.‬‬
‫أخي المسلم‪ :‬في مواصلة الصيام بعد رمضان فوائدعديدة‪ ،‬يجد بركتها أولئك‬
‫الصائمين لهذه الست من شوال‪.‬‬

‫وإليك هذه الفوائد أسوقها إليك من كلم الحافظ ابن رجب رحمه ال‪:‬‬

‫إن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله‪.‬‬
‫إن صيام شوال وشعبان كصلة السنن الرواتب قبل الصلة المفروضة وبعدها‪،‬‬
‫فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص‪ ،‬فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم‬
‫القيامة‪ ..‬وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل‪ ،‬فيحتاج إلى ما يجبره من‬
‫العمال‪.‬‬

‫إن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علمة على قبول صوم رمضان‪ ،‬فإن ال‬
‫تعالى إذا تقبل عمل عبد‪ ،‬وفقه لعمل صالح بعده‪ ،‬كما قال بعضهم‪ ” :‬ثواب الحسنة‬
‫الحسنة بعدها‪ ،‬فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها‪ ،‬كان ذلك علمة على قبول‬
‫الحسنة الولى‪ ،‬كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علمة رد الحسنة‬
‫وعدم قبولها “‪.‬‬

‫إن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب‪ ،‬كما سبق ذكره‪ ،‬وأن الصائمين‬
‫لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر‪ ،‬وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد‬
‫الفطر شكراً لهذه النعمة‪ ،‬فل نعمة أعظم من مغفرة الذنوب‪ ،‬كان النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم يقوم حتى تتورّم قدماه‪ ،‬فيقال له‪ :‬أتفعل هذا وقد غفر ال لك ما تقدم من‬
‫ذنبك وما تأخّر؟! فبقول‪« :‬أفل أكون عبداً شكورا»‪.‬‬

‫وقد أمر ال سبحانه وتعالى عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره‪ ،‬وغير‬
‫علَى مَا هَدَاكُمْ َوَل َعّلكُمْ‬
‫ذلك من أنواع شكره‪ ،‬فقال‪َ { :‬وِل ُت ْك ِملُواْ ا ْلعِ ّدةَ َوِل ُت َكبّرُواْ الّ َ‬
‫ش ُكرُونَ} [البقرة‪ ]185:‬فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان‪،‬‬ ‫تَ ْ‬
‫وإعانته عليه‪ ،‬ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكراً عقيب ذلك‪.‬‬
‫كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهارها صائماً‪ ،‬ويجعل‬
‫صيامه شكراً للتوفيق للقيام‪.‬‬

‫وكان وهيب بن الورد يسأل عن ثواب شيء من العمال كالطواف ونحوه‪ ،‬فيقول‪” :‬‬
‫ل تسألوا عن ثوابه‪ ،‬ولكن سلوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر‪،‬‬
‫للتوفيق والعانة عليه “‪.‬‬

‫كل نعمة على العبد من ال في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها‪ ،‬ثم التوفيق للشكر‬
‫عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان‪ ،‬ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج‬
‫إلى شكر آخر‪ ،‬وهكذا أبداً فل يقدر العباد على القيام بشكر النعم‪ .‬وحقيقة الشكر‬
‫العتراف بالعجز عن الشكر‪.‬‬

‫إن العمال التي كان العبد يتقرب يها إلى ربه في شهر رمضان ل تنقطع بإنقضاء‬
‫رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حياً‪..‬‬

‫كان النبي صلى ال عليه وسلم عمله ديمة‪ ..‬وسئلت عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ :-‬هل‬
‫كان النبي صلى ال عليه وسلم يخص يوماً من اليام؟ فقالت‪ ” :‬ل كان عمله ديمة‪.‬‬
‫وقالت‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم ل يزيد في رمضان و ل غيره على إحدى‬
‫عشرة ركعة‪ ،‬وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم يقضي ما فاته من أوراده في‬
‫رمضان في شوال‪ ،‬فترك في عام اعتكاف العشر الواخر من رمضان‪ ،‬ثم قضاه في‬
‫شوال‪ ،‬فاعتكف العشر الول منه “‪.‬‬

‫فتاوى تتعلق بالست من شوال‬

‫سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه ال‪ :‬هل يجوز صيام ستة من شوال قبل‬
‫صيام ما علينا من قضاء رمضان؟‬
‫الجواب‪ ” :‬قد اختلف العلماء في ذلك‪ ،‬والصواب أن المشروع تقديم القضاء على‬
‫صوم الست‪ ،‬وغيرها من صيام النفل‪ ،‬لقول النبي صلى ال عليه وسلم‪« :‬من صام‬
‫رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر»‪[ .‬خرجه مسلم في صحيحه]‪.‬‬
‫ومن قدم الست على القضاء لم يتبعها رمضان‪ ،‬وإنما أتبعها بعض رمضان‪ ،‬ولن‬
‫القضاء فرض‪ ،‬وصيام الست تطوع‪ ،‬والفرض أولى بالهتمام “‪ ( .‬مجموع فتاوى‬
‫الشيخ عبدالعزيز بن عبدال بن باز‪.) 5/273:‬‬

‫وسئلت اللجنةالدائمة للفتاء‪ :‬هل صيام اليام الستة تلزم بعد شهر رمضان عقب يوم‬
‫العيد مباشرة‪ ،‬أو يجوز بعد العيد بعدة أيام متتالية في شهر شوال أو ل؟‬

‫الجواب‪ ” :‬ل يلزمه أن يصومها بعد عيد الفطر مباشرة‪ ،‬بل يجوز أن يبدأ صومها‬
‫بعد العيد بيوم أو أيام‪ ،‬وأن يصومها متتالية أو متفرقة في شهر شوال حسب ما تيسر‬
‫له‪ ،‬والمر في ذلك واسع‪ ،‬وليست فريضة بل هي سنة “‪ ( .‬فتاوى اللجنة الدائمة‪:‬‬
‫‪ 10/391‬فتوى رقم‪.) 3475 :‬‬

‫وسئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه ال‪ :‬بدأت في صيام الست من شوال‪،‬‬
‫ولكنني لم أستطع إكمالها بسبب بعض الظروف والعمال‪ ،‬حيث بقي عليّ منها‬
‫يومان‪ ،‬فماذا أعمل يا سماحة الشيخ‪ ،‬هل أقضيها وهل عليّ إثم في ذلك؟‬

‫الجواب‪ ” :‬صيام اليام الستة من شوال عبادة مستحبة غير واجبة‪ ،‬فلك أجر ما‬
‫صمت منها‪ ،‬ويرجى لك أجرها كاملة إذا كان المانع لك من إكمالها عذراً شرعياً‪،‬‬
‫لقول النبي صلى ال عليه وسلم‪« :‬إذا مرض العبد أو سافر كتب ال له ما كان يعمل‬
‫صحيحاً مقيماً»‪[ .‬رواه البخاري في صحيحه]‪ ،‬وليس عليك قضاء لما تركت منها‪.‬‬
‫وال الموفق “‪ ( .‬مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز‪.) 5/270 :‬‬

‫أخي المسلم‪ :‬تلك بعض الفتاوى التي تتعلق بصيام الست من شوال‪ ،‬فعلى المسلم أن‬
‫يستزيد من العمال الصالحة‪ ،‬التي تقربه من ال تعالى‪ ،‬والتي ينال بها العبد رضا‬
‫ال تعالى‪..‬‬
‫وكما مرّ معك من كلم الحافظ ابن رجب بعض الفوائد التي يجنيها المسلم من صيام‬
‫الست من شوال‪ ،‬والمسلم حريص على ما ينفعه في أمر دينه ودنياه‪..‬‬

‫وهذه المواسم تمرّ سريعاً‪ ،‬فعلى المسلم أن يغتنمها فيما يعوود عليه بالثواب الجزيل‪،‬‬
‫وليسأل ال تعالى أن يوفقه لطاعته‪..‬‬

‫وال ولي من استعان به‪ ،‬واعتصم بدينه‪..‬‬


‫وصلى ال على نبينا محمد وآله وصحبه وسلّم‪..‬‬
‫ل شك أن المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات‪ ،‬والستمرار في الحرص على‬
‫تزكية النفس‪.‬‬

‫ومن أجل هذه التزكية شُرعت العبادات والطاعات‪ ،‬وبقدر نصيب العبد من‬
‫الطاعات تكون تزكيته لنفسه‪ ،‬وبقدر تفريطه يكون بُعده عن التزكية‪.‬‬

‫لذا كان أهل الطاعات أرق قلوباً‪ ،‬وأكثر صلحاً‪ ،‬وأهل المعاصي أغلظ قلوباً‪ ،‬وأشد‬
‫فساداً‪.‬‬

‫والصوم من تلك العبادات التي تطهّر القلوب من أدرانها‪ ،‬وتشفيها من أمراضها‪..‬‬


‫لذلك فإن شهر رمضان موسماً للمراجعة‪ ،‬وأيامه طهارة للقلوب‪.‬‬

‫وقد أرشد صلى ال عليه وسلم أمته إلى فضل الست من شوال‪ ،‬وحثهم بأسلوب‬
‫يرغّب في صيام هذه اليام‪..‬‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان‬
‫كصيام الدهر» [رواه مسلم وغيره‬
‫أذكار المسجد » ‪.‬دعاء الذهاب إلى المسجد‪.‬‬
‫اللهم اعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك‬
‫ربنا لتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت‬
‫الوهاب‬
‫اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك‬
‫اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبى على طاعتك‬
‫اللهم اجعل في قلبي نوراً ‪ ،‬وفي لساني نوراً ‪ ،‬واجعل في سمعي نوراً ‪ ،‬واجعل في‬
‫بصري نوراً ‪ ،‬واجعل من خلفي نوراً ‪ ،‬ومن أمامي نوراً ‪ ،‬واجعل من فوقي نوراً‬
‫ومن تحتي نوراً ‪ .‬اللهم أعطني نوراً‬
‫أذكار المسجد » ‪.‬دعاء الذهاب إلى المسجد‪.‬‬
‫•اللهم اجعل في قلبي نورا ً ‪ ،‬وفي لساني نورا ً ‪ ،‬واجعل‬
‫في سمعي نورا ً ‪ ،‬واجعل في بصري نورا ً ‪ ،‬واجعل من‬
‫خلفي نورا ً ‪ ،‬ومن أمامي نورا ً ‪ ،‬واجعل من فوقي نوراً‬
‫ومن تحتي نورا ً ‪ .‬اللهم أعطني نورا ً‬

‫أذكار المنزل » ‪.‬أذكار الدخول إلى المنزل‪.‬‬

‫‪.‬إذا دخل المسلم منزلً‪« :‬ذكر ال تعالى» ‪ ،‬وسلّم على أهل البيت‪{ :‬فإذا دخلتم بيوتا‬
‫فسلموا على أنفسكم}‪ ،‬ويستأذن إذا دخل بيت غيره‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا‬
‫بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها}‪..‬‬
‫‪.‬اذكر ال عند دخولك البيت‪ ،‬يفر الشيطان بفضل ال‪. .‬‬
‫‪".‬اللهم إني أسألك خير المولج‪ ،‬وخير المخرج‪ ،‬باسم ال ولجنا وباسم ال خرجنا‪،‬‬
‫وعلى ربنا توكلنا" ثم ليسلم على أهله‪" ،‬السلم عليكم ورحمة ال وبركاته"‪..‬‬
‫المسلم والثقة بالنفس‬
‫المسلم إنسان يثق دائما بنفسه ‪ ,‬وهو يستمد ذلك من ثقته بربه وخالقه ‪ ,‬فهو ل يهتز‬
‫أمام العواصف والعاصير ‪ ,‬والمسلم الواثق بنفسه يتصف بصفات كثيرة منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬يمارس فريضة التفكير ‪:‬‬
‫خلق ال تعالى النسان وزوده بنعمة العقل والتفكير ‪ ،‬وحثه على زيادة النظر في‬
‫الكون ‪ ،‬فهذا مفتاح من مفاتيح اليمان والهداية ‪ ،‬وصفة من صفات أولى اللباب‬
‫لّ ْولِي‬
‫لفِ الّليْلِ وَال ّنهَارِ ليَاتٍ ُ‬
‫ختِ َ‬
‫لرْضِ وَا ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَا َ‬
‫خلْقِ ال ّ‬
‫قال تعالى { إِنّ فِي َ‬
‫خلْ ِ‬
‫ق‬ ‫جنُو ِبهِمْ َو َيتَ َف ّكرُونَ فِي َ‬
‫عَلىَ ُ‬
‫ال ْلبَابِ * الّذِينَ يَ ْذ ُكرُونَ الّ ِقيَامًا وَ ُقعُودًا وَ َ‬
‫سبْحَا َنكَ فَ ِقنَا عَذَابَ النّارِ } سورة آل‬ ‫خلَ ْقتَ هَذا بَاطِلً ُ‬ ‫لرْضِ َر ّبنَا مَا َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫ال ّ‬
‫عمران آية ‪. 191 :‬‬
‫ولقد كان الرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أكثر الناس تفكيراً وتأملً فيما خلق ال‬
‫تعالى ‪ ،‬وفى سير الماضين وهو الذي قال ‪ ( :‬ل عبادة كالتفكر ) وقال ‪ ( :‬إذا أراد‬
‫ال بعبد خيراً جعل له واعظا من نفسه يأمره وينهاه ) رواه الديلمي في مسنده ‪:‬‬
‫كشف الخفاء ‪ ،‬جـ ‪ ، 1‬صـ ‪. . 81‬‬
‫والنسان العاقل وهو يمارس دوره في هذه الحياة لبد له من ممارسة التفكير ؛‬
‫وذلك حتى يكون قادراً على فهم دوره ‪ ،‬وإحسان ما يقوم به من عمل فتحسين‬
‫التفكير كتحسين العمل والتصرف كتحسين كل هذه التطلعات والمطامع ل تتحقق‬
‫ول يبلغها المرء إل بشئ واحد ووسيلة واحدة هي السيطرة على النفس ‪.‬‬
‫والواثق من نفسه دائماً يعمل عقله فيما بين يديه ‪ ،‬ويمارس التفكير الصائب الواعي‬
‫‪.‬‬

‫‪ -2‬يعرف طريقه ويخطط لحياته ‪:‬‬


‫الواثق من نفسه يعرف طريقه جيداً ـ ويخطط لكل أمور حياته ‪ ،‬ويحدد أهدافه بكل‬
‫دقة ‪ ،‬فل يدع غيره يفكر له ‪ ،‬ول يترك نفسه للظروف ‪ ،‬لنه هو الذي يصنعها‬
‫وليست هي التي تصنعه ‪ ،‬ولقد وصف ال هؤلء في كتابه الكريم فقال { أَ َفمَن‬
‫ستَقِيمٍ } سورة الملك ‪:‬‬ ‫صرَاطٍ مّ ْ‬
‫علَى ِ‬
‫س ِويّا َ‬
‫جهِهِ أَهْدَى َأمّن َيمْشِي َ‬
‫علَى وَ ْ‬
‫َيمْشِي ُم ِكبّا َ‬
‫آية ‪. . 22 :‬‬
‫ولنا في سيرة النبي صلى ال عليه وسلم القدوة الحسنة ‪ ،‬فقد كان يخطط لكل أموره‬
‫‪ ،‬فها نحن نراه في الهجرة الكريمة يحدد لكل واحد دوره وماذا يفعل ؟ وفى جميع‬
‫غزواته كان ينظم جيشه ويحدد لكل قائد هدفه ‪ .‬وكل ما يصنعه النسان أو يمتلكه‬
‫يبدأ في شكل من أشكال الرغبة وأن هذه الرغبة تبدأ رحلتها من المجرد إلى‬
‫الملموس من خلل ورشة الخيال حيث تصنع وتنظم خطط تحويل الرغبة إلى مادة ‪.‬‬
‫والسلم العظيم لم يترك النسان يعيش حياته عبثاً ‪ ،‬بل أرشده إلى كل ما يصلح‬
‫حياته من كافة النواحي ‪ ،‬الذاتية والعامة مادياً وروحياً وعقلياً وإنسانياً ‪ ،‬وكل ذلك‬
‫من أجل أن يبذر فيه بذرة الثقة والثبات على المبدأ ‪.‬‬

‫‪ -3‬ل يسمح للقلق أن يدمر حياته ‪:‬‬


‫القلق يفقد النسان سكينه النفس وأمنها ورضاها ‪ ،‬ويجعله يتحسر على ماضيه ‪،‬‬
‫ويسخط على حاضره ‪ ،‬ويخاف من مستقبله ‪ ،‬والقلق يمارس نشر نشارة الخشب ‪،‬‬
‫ويستسلم للمه وأحزانه وحسراته على ما فاته ‪ ،‬وكان أولى به أن يقول ‪:‬‬

‫ما مضى فات ‪ ،‬والمؤمل غيب * * ولك الساعة التي أنت فيها‬

‫يقول صاحب كتاب " دع القلق " " لقد وجدت أن القلق على الماضي ل يجدي شيئاً‬
‫تماماً كما ل يجد بك أن تطعن الطعين ‪ ،‬ول أن تنشر النشارة وكل ما يجديك إياه‬
‫القلق ‪ ،‬هو أن يرسم التجاعيد على وجهك ‪ ،‬أو يصيبك بقرحة المعدة " ‪ ،‬والقلق‬
‫يهزم صاحبه قبل أن يبدأ المعركة ‪ ،‬فمن ظن أنه قد هزم فقد حزم حقاً ‪ ،‬ومن ظن‬
‫أنه ليس مقداماً فلن يكون مقداماً ‪ ،‬ومن ظن أنه يفوز فلن يفوز أبداً ‪.‬‬
‫ول نقول بأن القلق شر كله بل إن القلق إحساس ل غنى عنه ول استغناء ‪ ،‬إنه‬
‫لزمة لبد منها ‪ ،‬إنه الحافز والموجه والمنبه … ولكنه إحساس يجب أن نلجمه لئل‬
‫ينقلب إلى وحش مفترس ‪ .‬فالنفعالت المتضاربة التي ينبت منها القلق إن تركت‬
‫حرة تعيث فساداً وتقضى على العاقل عاجلً أو أجلً‪.‬‬
‫لذا فإن السلم يرفض من المسلم نظرة اليأس والتشاؤم ‪ ،‬قال تعالى ‪ِ { :‬إنّهُ لَ َييَْأسُ‬
‫مِن ّروْحِ الّ إِلّ الْ َقوْمُ ا ْلكَا ِفرُونَ } سورة يوسف آية ‪ . 87 :‬وقال أيضاً ‪ { :‬مَا‬
‫سكُمْ إِلّ فِي ِكتَابٍ مّن َقبْلِ أَن ّن ْب َرأَهَا إِنّ‬
‫لْرْضِ وَلَ فِي أَنفُ ِ‬ ‫َأصَابَ مِن ّمصِيبَةٍ فِي ا َ‬
‫حبّ كُلّ‬ ‫علَى مَا فَا َتكُمْ وَلَ تَ ْفرَحُوا ِبمَا آتَاكُمْ وَالُّ لَ يُ ِ‬
‫سوْا َ‬
‫علَى الِّ يَسِيرٌ* ِل َكيْلَ تَأْ َ‬
‫َذِلكَ َ‬
‫ختَالٍ َفخُورٍ } سورة الحديد آية ‪. 23 -22 :‬‬ ‫مُ ْ‬
‫ولقد كان الرسول صلى ال عليه وسلم نموذجاً يحتذي في عدم اليأس والمل الكبير‬
‫في ال عز وجل فعلى الرغم مما فعله معه كفار مكة من أذى وعناد وتعذيب ‪،‬‬
‫ورفض وإنكار لدعوته ‪ ،‬إل أن اليأس لم يتسرب إلى قلبه بل ظل واثقاً بنصر ال‬
‫تعالى ‪ ،‬ويطمأن أصحابه بقوله ‪ " :‬لكنكم تستعجلون " ‪ ،‬وكان صلى ال عليه وسلم‬
‫دائماً " يتفاءل ول يتطير " رواه أحمد ‪.‬‬
‫ويرفض أن يفتح المسلم على نفسه أبواب الشيطان بكلمة " لو " أو " ليت " ‪ ،‬وحذر‬
‫صحابته من الستسلم للهموم ‪ ،‬فقد رفض مسلك أحد صحابته بالجلوس في المسجد‬
‫والستسلم لهمومه وعلمه أن يقول ‪ " :‬اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ‬
‫بك من العجز والكسل ‪ ،‬وأعوذ بك من الجبن والبخل ‪ ،‬وأعوذ بك من غلبة الدين‬
‫وقهر الرجال " ‪ ،‬وهو بذلك يريد أن يغرس بذور المل والتفاؤل في نفس المسلم‬
‫حتى يواجه مصاعب الحياة بنفس مؤمنه واثقة وذلك لن " المل متفائل بما يلقاه في‬
‫الحياة مستبشر بأيامه القادمات ‪ ،‬يحمل ما يراه على المحمل الحسن ‪ ،‬وهذا يؤدى به‬
‫إلى مزيد عطاء وانطلقة خير " محمد أبو صعليك ‪ :‬المل وأثره في حياة المة ‪،‬‬
‫صـ ‪.. 25‬‬
‫ولكي يبعد النسان عن نفسه منابع القلق والقنوت واليأس عليه أن يعيش في حدود‬
‫يومه ‪ ،‬ول يزحم رأسه بالقلقل والفكار المتشعبة والمستحيلة في بعض الحيان "‬
‫فكل ما تحتاج إليه من أجل النجاح هو فكرة واحدة معقولة قابلة للستعمال ‪ ،‬فإن أهم‬
‫نقاط الضعف في الجنس البشرى هي اعتياد النسان العادي على كلمة ( مستحيل )‬
‫فهو يعرف كل القواعد التي ل تنجح ويعرف كل المور التي ل يمكن تنفيذها ‪ ،‬ولقد‬
‫أصاب النجاح كل الذين امتلء وعيهم بالنجاح وكيفية تحقيقه ‪ ،‬أما الفشل فيصيب‬
‫أولئك الذين يسمحون للفشل دون اكتراث أن يمتلك وعيهم‪ .‬فاليأس والقلق عدوان‬
‫للتفاؤل والثقة ول يمكن لهما أن يجتمعا أبداً ‪.‬‬

‫‪ -4‬إيجابي ‪ ..‬يبادر ول يتردد ‪:‬‬


‫وصف ال تعالى أمة السلم بأنها خير أمة أخرجت للناس ‪ ،‬لنها أمة إيجابية ‪ ،‬ل‬
‫ترضى بغير الحق منهاجاً وطريقاً ‪ ،‬فل ترى الباطل وتتطامن عنه ‪ ،‬ول ترى الخير‬
‫جتْ لِلنّاسِ‬
‫خرِ َ‬
‫خ ْيرَ ُأمّةٍ أُ ْ‬
‫والمعروف ثم ل تتخذه شعاراً وسبيلً ‪ ،‬قال تعالى ‪ {:‬كُنتُمْ َ‬
‫تَ ْأ ُمرُونَ بِا ْل َم ْعرُوفِ َو َت ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُنكَرِ َو ُت ْؤ ِمنُونَ بِالّ } سورة آل عمران آية ‪:‬‬
‫‪ .110‬ولقد ربى الرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬المسلمين على اليجابية وعدم‬
‫السلبية فأمر المسلم بأنه إذا رأى منكراً بأن يغيره قدر استطاعته ( بيده ‪ ،‬أو بقلبه ‪،‬‬
‫أو بلسانه ) لنه مسئول وكل واحد مسئول عن نفسه وعمن يعول ‪.‬‬
‫ولقد حذرنا ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬من المعية فقال ‪ " :‬ل تكونوا إمعة تقولون إن‬
‫أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ‪ ،‬ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن‬
‫تحسنوا وإن أساءوا أل تظلموا " رواه الترمذى وحسنه ‪. .‬‬
‫ومن اليجابية أن يتحمل المسلم مسئولية كاملة نحو نفسه ومجتمعه وأمته ‪ ،‬ول‬
‫يكون كما قال الشاعر ‪:‬‬

‫كريشة في مهب الريح طائرة * * ل تستقر على حال من القلق‬


‫ومن اليجابية أن يبادر المسلم ول يتردد فإن من أشر الناس عند ال تعالى ذو‬
‫الوجهين ‪ ،‬فالمتردد خائف وجل يفوت على نفسه فرص النجاح ‪ ،‬أما الواثق فهو‬
‫دائماً يبادر ول يخاف ‪.‬‬
‫في غزوة بدر تقدم الحباب بن المنذر إلى رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬حينما‬
‫نزل المسلمون بأسفل بئر بدر فقال ‪ :‬يا رسول ال أرأيت هذا المنزل أنزلكه ال ليس‬
‫لنا أن نتقدم ول نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال ‪ :‬بل هو الرأي‬
‫والحرب والمكيدة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال فإن هذا ليس بمنزل ‪ ،‬فانهض بالناس حتى‬
‫تأتى أدنى ماء من القوم منزلة ثم تغور ما وراءه من القلب ثم نبنى عليه حوضاً‬
‫فنملؤه ماءً ثم نقاتل القوم ‪ ،‬فنشرب ول يشربون فقال رسول ال ‪ :‬لقد أشرت بالرأي‬
‫…" سيرة ابن هشام ن جـ ‪ ، 2‬صـ ‪.198 – 197‬‬
‫فالحباب إنسان مبادر ‪ ،‬اكتسب صفة المبادرة ‪ ،‬وهى صفة ل تليق إل بالواثق ‪،‬‬
‫فحينما تريد أن تكتسب عادة حسنة جديدة فعليك بالقناعة ثم الرغبة ثم ابدأ بقوة‬
‫شديدة وعزيمة قوية ول تتوان مرة واحدة عند إتباع العمل الجديد حتى ترسخ العادة‬
‫الجديدة فيك بعد أن تصمم على العمل اغتنم أول فرصة وكل فرصة للقيام به ‪ .‬قال‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم عن أبى بكر الصديق – رضي ال عنه ‪ " : -‬ما‬
‫عرضت السلم على أحد ‪ ،‬إل كانت له كبوة عدا أبى بكر ؛ فإنه لم يتلعثم " ‪.‬‬
‫يروى أنه حينما تولى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الخلفة جاءه وفد من‬
‫اليمن للتهنئة بالخلفة وكان يتقدم هذا الوفد طفل صغير ل يتجاوز العاشرة من‬
‫عمره فلما رآه عمر قال له ‪ :‬يا غلم تأخر وليتقدم من هو أكبر منك سنا ‪ ،‬فقال‬
‫الغلم المبادر الواثق من نفسه ـ يا أمير المؤمنين ‪ ،‬إنما المرء بأصغريه قلبه ‪,‬لسانه‬
‫‪ ،‬فإذا أعطى المرء قلبا حافظاً ‪ ،‬ولساناً لفظاً فقد استحق الذكر وإذا كان المر كذلك‬
‫– أي بالسِن ‪ -‬ففي المدينة من هو أكبر منك سِنا أولى بالخلفة منك " فأعجب به‬
‫أمير المؤمنين وأنشده ‪:‬‬

‫تعلم فإن المرء ل يولد عالماً *** وليس أخو علم كمن هو جاهلُ‬
‫وإن كبير القوم ل علم عنده *** صغير إذ التقت عليه المحافلُ‬

‫والنسان الواثق المبادر ثابت على المبدأ ل يتزعزع ول يتلون قال الشاعر ‪:‬‬

‫إذا قلت في شئ نعم فأتمه * * فإن نعم دين على الحر واجبُ‬
‫وإل فقل ل تسترح بها * * لئل يقول الناس ‪ :‬إنك كاذبُ‬

‫وإيجابية المسلم يجعلها ديدنه لكل تصرفاته حتى مع الجمادات ‪.‬‬


‫فعن أبى هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ " :‬بينما رجل يمشى بطريق وجد غصن‬
‫شوك على الطريق فأخره فشكر ال له فغفر له " رواه البخارى ومسلم ‪. .‬‬

‫‪ -5‬طموح ذو همة عالية ‪:‬‬


‫المسلم إنسان طموح ذو همة عالية ‪ ،‬وأمل عريض فهو يعلم " أن ال تعالى يحب‬
‫معالي الخلق ويكره سفاسفها" رواه سهل الساعدى ‪..‬‬
‫وإن الكيس العاقل هو صاحب الهمة العالية الذي يدين نفسه ويعمل لما بعد الموت ‪،‬‬
‫وأن العاجز هو الذي يتبع نفسه هواها ويتمنى على ال المانى ‪.‬‬
‫ولقد أمرنا ال في كتابه الكريم بحسن الجهاد في ال فقال ‪ " :‬وجاهدوا في ال حق‬
‫جهاده‪ ".‬سورة الحج آية ‪ . 78 :‬والجهاد ل يكون إل من صفات صاحب الهمة‬
‫العلية ‪ ،‬والمؤمن ل ترضى همته إل بالجنة ‪.‬‬
‫جلس النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬إلى صاحبته وأخذ يوزع عليهم الصدقات ‪،‬‬
‫ويعطى كل واحد مسألته وكان يجلس بجواره ربيعة بن كعب السلمى ‪ ،‬وكان من‬
‫أفقر الناس ‪ ،‬ولكنه لم يسأل النبي شيئاً فقال له النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬سلني‬
‫يا ربيعة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال أسألك مرافقتك في الجنة ‪ ،‬فقال يا ربيعة أعنى على‬
‫نفسك بكثرة السجود " ‪.‬‬
‫فهمة المؤمن في أعلى عليين ‪ ،‬وهمته في العلم والعمل سواء ‪ .‬قال عبد الرحمن‬
‫الوزاعي ‪ ( :‬إن المؤمن يقل الكلم ويكثر العمل ‪ ،‬وإن المنافق يكثر الكلم ويقل‬
‫العمل ) أبوبكر الفريابى ‪ :‬صفة النفاق وذم المنافقين ‪ ،‬صـ ‪. 65‬‬
‫ول عجب حينئذٍ حينما نسمع أن بعض الصحابة مثل أبى أيوب النصارى قد رحل‬
‫من الحجاز إلى مصر لسماع حديث واحد من أحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫‪.‬‬
‫أصحاب الهمم العالية ل يرضون بغير القمة بديل وإن المخترعين والمستكشفين‬
‫والمصلحين والفلسفة لم يكونوا ملئكة أو شياطين ‪ ،‬ولكنهم كانوا رجالً أمثالكم‬
‫تملكهم المل فبذلوا في سبيله كل جهودهم وقلوبهم حتى أدركوه‪ .‬والعاقل هو من‬
‫يثبت ذاته بما يرفع قدره ويجلب له النفع ويكسبه احترام الناس ‪.‬‬
‫ومن المور التي ترفع من همة المرء ‪ :‬أن يجدد أهدافه في الحياة ويجدد علقاته‬
‫ول يركن إلى الخمول ‪ ،‬ويعشق العمل ‪ ،‬ويغتنم الفرصة ‪ ،‬قال الشاعر ‪:‬‬

‫إذا هبت رياحك فاغتنمها* * * فإن لكل خافقة سكونُ‬


‫ول تغفل عن الحسان فيها * * * فما تدرى السكون متى يكونُ‬
‫إذا ظفرت يداك فل تقصر* * * فإن الدهر عارية يخونُ‬

‫‪ -6‬يسيطر على نفسه ‪ ..‬فل يغضب ول يحقد ‪:‬‬


‫من أهم صفات النسان الواثق من نفسه أنه ل يترك فرصة للغضب أن يسيطر عليه‬
‫أو يتحكم فيه ‪ ،‬لن تحكم الغضب على نفس المرء دليل على ضعف نفسه ‪ ،‬ونقص‬
‫إرادته لذا فقد جعل ال تعالى من صفات المؤمنين المتقين أنهم يسيطرون على‬
‫أعصابهم فل يسترسلون مع غضبهم ول يسمحون له بأن يحطم حياتهم ‪ ،‬قال تعالى‬
‫لرْضُ أُعِ ّدتْ ِل ْل ُمتّقِينَ *‬
‫سمَاوَاتُ وَا َ‬
‫ضهَا ال ّ‬ ‫عرْ ُ‬‫جنّةٍ َ‬ ‫{ وَسَارِعُواْ ِإلَى َمغْ ِف َرةٍ مّن ّر ّبكُمْ وَ َ‬
‫حبّ‬‫ظمِينَ ا ْل َغيْظَ وَا ْلعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَالّ يُ ِ‬
‫ضرّاء وَا ْلكَا ِ‬ ‫سرّاء وَال ّ‬ ‫الّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ال ّ‬
‫سنِينَ } سورة آل عمران آيات ‪. . 134 – 133 :‬‬ ‫ا ْلمُحْ ِ‬
‫ولقد بين النبي صلى ال عليه وسلم معنى القوة الحقيقية بأنها وثوق النسان وإرادته‬
‫في تملك نفسه والسيطرة على أعصابه عند الغضب ‪ ،‬فعن ابن مسعود رضي ال‬
‫عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم " ما تعدون الصرعة فيكم ؟ قالوا ‪:‬‬
‫الذي ل يصرعه الرجال ‪ ،‬قال ‪ :‬ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب رواه مسلم ‪. .‬‬
‫وفى القرآن الكريم أمثلة عديدة من حياة النبياء على جهل قومهم عليهم ومقابلتهم‬
‫ذلك بالصبر الجميل ‪ ..‬فها هو هود عليه السلم أرسله ال إلى عاد ولكنهم ماذا قالوا‬
‫له وماذا قال لهم قال تعالى { قَالَ ا ْلمَلُ الّذِينَ كَ َفرُواْ مِن َق ْومِهِ ِإنّا َل َنرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ‬
‫ظ ّنكَ مِنَ ا ْلكَا ِذبِينَ * قَالَ يَا َقوْمِ َل ْيسَ بِي سَفَاهَةٌ َوَل ِكنّي رَسُولٌ مّن ّربّ ا ْلعَاَلمِينَ‬
‫ِوِإنّا َلنَ ُ‬
‫* ُأ َبّل ُغكُمْ رِسَالتِ َربّي َوَأنَاْ َلكُمْ نَاصِحٌ َأمِينٌ } سورة العراف آيات ‪. . 68 -66 :‬‬
‫ولقد كان رسولنا الكريم قدوة حسنة في ذلك فلم يغضب لنفسه إنما كان يغضب ل‬
‫تعالى إذا انتهكت حرمة من محارمه ‪ .‬روى في ذلك أن إعرابياً جاء يطلب من‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم شيئاً فأعطاه ‪ ،‬ثم قال له ‪ :‬أأحسنت إليك ؟ قال العرابي ‪:‬‬
‫ل ول أجملت ‪ ،‬فغضب المسلمون ‪ ،‬وقاموا إليه فأشار إليهم النبي أن كفوا ‪ ،‬ثم قام‬
‫ودخل منزله ‪ ،‬فأرسل إليه وزاده ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أحسنت ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم فجزاك ال من أهل‬
‫وعشيرة خيراً ‪ ،‬فقال النبي ‪ :‬إنك قلت ما قلت أنفاً وفى نفس أصحابي من ذلك شئ ‪،‬‬
‫فإن أحببت فقل أمامهم ما قلت حتى يذهب ما في صدورهم عليك ‪ ،‬ففعل الرجل ‪،‬‬
‫فقال الرسول صلى ال عليه وسلم إن مثلى ومثل هذا كمثل رجل له ناقة شردت‬
‫فأتبعها الناس فلم يزيدوها إل نفوراً فقال لهم صاحبها خلوا بيني وبين ناقتي ‪ ،‬فإني‬
‫أرفق بها منكم وأعلم ‪ ،‬فتوجه لها بين يديها فأخذ من قمام الرض فردها حتى‬
‫جاءت واستناخت ‪ ،‬وشد عليها رحلها ‪ ،‬واستوي عليها " ‪.‬‬
‫فالقوى هو من يقوى على كبح جماح نفسه وكلما ارتفع النسان درجة في سلم‬
‫السيطرة على نفسه زادت ثقته بها ‪ ،‬وكلما تأكدت له كفاءته أو قدرته في مراقبة‬
‫حياته النفسية ‪ ،‬ارتفع فوق الوسط وأخذ في التحليق صعداً‪.‬‬
‫وكل إنسان أخبر بنفسه ويعرفها جيداً " رحم ال امرأ عرف قدر نفسه " فكل فرد‬
‫يعرف ضعف نفسه أو قوته من خلل نجاح هذه النزاعات لن من استطاعت‬
‫إرادتهم أن تتغلب بشكل طبيعي وبسهوله على النفعالت ‪ ،‬وأن توقف حركات‬
‫الجسم التي تصاحبها كانوا يملكون دون شك النفوس القوى‪.‬‬
‫والعاقل هو الذي ل يترك التوافه وصغائر المشكلت أن تهدم سعادته وتحطم حياته‬
‫ويغضب لتفه السباب ‪ ،‬فيوصله الغضب إلى الحقد والضغينة فيفقد تماماً ثقته‬
‫بنفسه وبمن حوله ‪.‬‬
‫سأل رجل النبي صلى ال عليه وسلم " عن أفضل الناس فقال ‪ :‬كل مخموم القلب‬
‫صدوق اللسان ‪ ،‬فقيل ‪ :‬صدوق اللسان نعرفه ‪ ،‬فما مخموم القلب ؟ قال ‪ :‬هو التقى‬
‫النقى ل إثم فيه ول بغى ول غل ول حسد " رواه ابن ماجة عن عبد ال بن عمرو ‪.‬‬
‫‪ ،‬فالواثق ل يغضب ول يحقد ‪.‬‬

‫‪ -7‬يواجه أخطاءه بكل شجاعة ‪:‬‬


‫الواثق ل يهرب من أخطاءه بل يواجهها بكل شجاعة وإقدام ‪ ،‬فهو ابتداء يحرص‬
‫كل الحرص على إذلل نفسه بأن يوردها المهالك ‪ ،‬ويضعها كل يوم مواضع‬
‫العتذار وقد حذرنا الرسول صلى ال عليه وسلم من ذلك ‪ ،‬فقال في بعض وصاياه‬
‫‪ " :‬وإياك مما يعتذر منه " رواه الحاكم والبيهقى ‪ ، .‬ولكن النسان بطبعه ناسٍ‬
‫خطاء ‪ ،‬ولكن صاحب النفس القوية الشجاعة ‪ ،‬والهمة العالية ل يرى العتذار عن‬
‫خطأه منقصة له ‪ ،‬ول إقللً من شأنه ول آخذا من مكانته ‪.‬‬
‫ولقد علمنا القرآن الكريم الشجاعة في العتذار عن الخطأ ‪ ،‬ففي غزوة أحد حينما‬
‫أصاب المسلمين ما أصابهم بسبب مخالفتهم أوامر النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا‬
‫صبْتُم‬
‫‪ :‬إن ذلك كله من عند ال ولكن ال تعالى قال لهم { َأ َوَلمّا َأصَا َب ْتكُم ّمصِيبَةٌ قَدْ َأ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ } سورة آل‬
‫علَى كُلّ َ‬
‫سكُمْ إِنّ الّ َ‬
‫ّم ْثَل ْيهَا ُق ْلتُمْ َأنّى هَـذَا قُلْ ُهوَ مِنْ عِندِ َأنْفُ ِ‬
‫عمران آية ‪. . 165 :‬‬

‫‪ -8‬يصبر على المصائب ويتحمل الشدائد ‪:‬‬


‫وصف ال تعالى المؤمنين الصالحين في كتابه الكريم بأنهم يصبرون في البأساء‬
‫والضراء وأنهم يواجهون المصائب بالصبر الجميل قال تعالى ‪ { :‬الّذِينَ إِذَا َأصَا َب ْتهُم‬
‫حمَةٌ‬
‫صَلوَاتٌ مّن ّر ّبهِمْ َورَ ْ‬
‫عَل ْيهِمْ َ‬
‫ّمصِيبَةٌ قَالُواْ ِإنّا لِّ َوِإنّـا ِإَليْهِ رَاجِعونَ أُولَـ ِئكَ َ‬
‫َوأُولَـ ِئكَ هُمُ ا ْل ُم ْهتَدُونَ } سورة البقرة آيات ‪ 157-156 :‬فالعاقل المؤمن لبد أن‬
‫يدرك جيداً أن ال تعالى خلقه لحكمه ومنها اختباره ‪ ،‬حتى يمحصه ويقوى إيمانه‬
‫فما يصيبه من شئ فهو داخل في مجال الختبار والبتلء وعليه أن يصبر ويتجمل‬
‫بالصبر ‪ ،‬وفى الحديث الذي رواه الشيخان " إنما الصبر عند الصدمة الولى " ‪.‬‬
‫فماذا يجدي العاقل إذا سخط وتبرم على قدره وإنها لحماقة كبرى تلك التي يقترفها‬
‫من ل يتجملون بالصبر واليمان حين تحل بهم الشدائد والنكبات ‪ ،‬وأية حماقة أكبر‬
‫من أن يثور المنكوب ويفقد رشده فيحاول في جنون أن يضرب الرض بقدميه ‪،‬‬
‫وأن ينطح الجدران برأسه ‪ ،‬إن هذا المسكين لن يخفف ذلك من نكبته بل هو على‬
‫عكس ذلك يضعف من قدرته على مواجهتها فيضاعفها من حيث ل يدرى‪.‬‬

‫‪ -9‬يتواضع في غير ذل ‪ ،‬ويلين في غير ضعف ‪:‬‬


‫حرم ال تعالى الكبر والعجاب ‪ ،‬فالعزة والكبرياء من صفاته تعالى وحده قال‬
‫تعالى في حديثه القدسي " العزة إزاري والكبرياء ردائي فمن ينازعني في واحد‬
‫منهما فقد عذبته رواه مسلم ‪ ، .‬وقد جعل ال تعالى الخرة للمتواضعين ‪ ،‬قال تعالى‬
‫لْرْضِ وَلَ فَسَادًا وَا ْلعَا ِقبَةُ‬
‫عُلوّا فِي ا َ‬
‫ج َعُلهَا ِللّذِينَ لَ ُيرِيدُونَ ُ‬
‫خ َرةُ نَ ْ‬
‫‪ِ { :‬ت ْلكَ الدّارُ الْ ِ‬
‫ِل ْل ُمتّقِينَ } سورة القصص آية ‪. . 83 :‬‬
‫وقال الرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ " -‬المؤمنون هينون لينون كالجمل النف (‬
‫الذلول ) إن قدته إنقاد وإن أنخته أناخ "‬
‫وليس التواضع أن يذل النسان لغيره ‪ ،‬فالمؤمن عزيز النفس في كل شئ ‪ ،‬وكما‬
‫قال الرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ " -‬والذي نفس محمد بيده لن تموت نفس قبل‬
‫أن تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا ال وأجملوا في الطلب ول يحملنكم استبطاء الرزق‬
‫على أن تطلبوه بغير طاعته فإن ما عند ال ل ينال إل بطاعته "‪.‬‬
‫فالتواضع الحقيقي هو اللين في غير ذل ول ضعف وعدم التفاخر والتكبر على عباد‬
‫ال ‪ ،‬فالمتكبر المغرور إنسان ناقص الرادة فاقد الثقة بنفسه وبمن حوله ‪.‬‬
‫قال الشاعر ‪:‬‬

‫تواضع تكن كالنجم لح لناظر* * * على صفحات الماء وهو رفيع‬


‫ول تكن كالدخان يعلو بنفسه* * * فوق طبقات الجو وهو وضيع‬

‫قال رجاء بن حيوة ‪ :‬سمرت ليلة عند أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز فعشى‬
‫السراج ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين أل أنبه هذا الغلم يصلحه ؟ قال ‪ :‬ل دعه ينام ل‬
‫أحب أن أجمع عليه عملين ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أفل أقوم أنا فأصلحه ؟ قال ‪ :‬ل فليس من‬
‫المروءة استخدام الضيف ‪ ،‬ثم قام بنفسه فأصلحه ووضع فيه الزيت ثم جاء وقال ‪:‬‬
‫قمت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر ‪.‬‬

‫‪ -10‬واثق في مظهره وفى تصرفاته ‪:‬‬


‫الثقة بالنفس يظهر أثرها على صاحبها في سلوكه ومظهره ‪ ،‬في شكله وفى مخبره ‪،‬‬
‫بل وفى جميع تصرفاته ‪.‬فتجده نظيف الثياب ‪ ،‬حسن الهيئة ‪ ،‬طيب الرائحة مصداقا‬
‫طهّرِينَ } سورة البقرة آية‬
‫حبّ ا ْل ُمتَ َ‬
‫حبّ ال ّتوّابِينَ َويُ ِ‬
‫لقول ال – عز وجل – { إِنّ الّ يُ ِ‬
‫‪. 222 :‬‬
‫ولقد قال النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ " : -‬إن ال جميل يحب الجمال نظيف يحب‬
‫النظافة‪ ".‬رواه مسلم ‪..‬‬
‫ولقد كان النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬المثل والقدوة في ذلك ‪ ،‬قال أنس في وصفه‬
‫صلى ال عليه وسلم " ما شممت مسكا قط ول عطرا أطيب من عرق النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم " الحكيم الترمذي ‪ :‬الشمائل المحمدية ‪ ،‬صـ ‪ ، . 182‬بل كان من‬
‫خلقه أنه إذا خرج إلى أصحابه أن يصلح من شعره وهندامه ويتطيب لهم ‪.‬‬
‫والواثق من نفسه تجده أيضاً تعلو البسمة وجهه ‪ ،‬فل تراه إل مبتسما متفائلً ‪ .‬وفى‬
‫الحديث " تبسمك في وجه أخيك صدقة " وفى الحديث المرفوع " اطلبوا الخير من‬
‫حسان الوجوه " ‪.‬‬
‫فالمعلوم أن تعبيرات الوجه تتكلم بصوت أعمق أثراً من صوت اللسان ‪ ،‬فكأني‬
‫بالبتسامة تقول لك عن صاحبها ‪ :‬إني أحبك ‪ ،‬إني سعيد برؤيتك " ‪.‬‬
‫والنسان حينما يبتسم فإنه يستخدم ثلث عشرة عضلة من عضلت وجهه ‪ ،‬في‬
‫حين أنه يستخدم أربعا وسبعين عضلة عندما يعبس أو يتجهم ‪.‬‬
‫والواثق من نفسه إذا قابل أحداً فإنه يبدأه بالسلم ويحيه بتحية أحسن من تحيته له ‪،‬‬
‫قال النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ " -‬ألق السلم على من عرفت ومن لم تعرف " ‪،‬‬
‫وقال ‪ " :‬أل أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم أفشو السلم بينكم " وقال ‪ " :‬إذا لقى‬
‫أحدكم أخاه فليسلم عليه ‪ ،‬فإن حالت بينهما شجرة أو حائط ثم لقيه فليسلم عليه "‬
‫العجلونى ‪ :‬كشف الخفاء ‪ ،‬جـ ‪ ، 1‬صـ ‪. . 104‬‬
‫وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا لقى رجل يكون ‪ " :‬أول من يبدأ بالسلم‬
‫والمصافحة وهو آخر من ينزع يده " رواه أبو داود ‪..‬‬
‫وقد حببنا في ذلك فقال فيما يرويه عنه حذيفة بن اليمان " إن المؤمن إذا لقى المؤمن‬
‫فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهم كما يتناثر ورق الشجر " الهيثمى ‪:‬‬
‫مجمع الزوائد جـ ‪ ، 8‬صـ ‪. 36‬‬
‫ومن الثقة أن تنادى أخاك بأحب السماء والكنى إليه فهذا مما يغرس بينكما الثقة‬
‫واللفة والمحبة ‪ ،‬قال حنظلة بن جذيم ‪ " :‬كان رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫يعجبه أن يدعو الرجل بأحب أسمائه إليه وأحب كناه " الهيثمى ‪ :‬مجمع الزوائد ‪ ،‬جـ‬
‫‪ ، 8‬صـ ‪. . 56‬‬
‫والثقة بالنفس تظهر – كذلك – في الحديث ‪ ،‬فالواثق من نفسه يرتب كلمه قبل أن‬
‫يخرجه من فيه ‪ ،‬ول يتكلم إل بالحق ‪ ،‬قالوا في وصف النبي ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ " -‬كان دائم الفكرة … طويل السكون ل يتكلم في غير حاجة ‪ ،‬يفتتح كلمه ويختمه‬
‫باسم ال تعالى ‪ ،‬ويتكلم بجوامع الكلم ‪ ،‬كلمه فصل ‪ ،‬ل فضول ول تقصير "‬
‫الترمذي ‪ :‬الشمائل المحمدية ‪ ،‬صـ ‪ ، . 20‬وجاء في وصف كلمه كذلك منطقا ‪،‬‬
‫حتى أن كلمه يأخذ بالقلوب ‪ ،‬ويسبى الرواح " ابن القيم ‪ :‬زاد المعاد ‪ ،‬جـ ‪، 1‬‬
‫صـ ‪.. 46‬‬
‫فالنسان مخبوء تحت لسانه فإذا تكلم ظهر‪.‬‬
‫جاء عمر بن الخطاب رجل يشهد لرجل فقال له ‪ :‬هل تعرفه ؟ قال ‪ :‬نعم قال ‪ :‬هلى‬
‫صاحبته في السفر الذي تعرف به مكارم الخلق ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ,‬قال ‪ :‬هل عاملته‬
‫بالدينار والدرهم الذي يعرف به ورع الرجل ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال هل أنت جاره الدنى‬
‫الذي يعرف مدخله ومخرجه ؟ قال ل ‪ :‬قال ‪ :‬لعلك رأيته قاعداً وقائما يصلى في‬
‫المسجد ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬إذن فأنت ل تعرفه ‪.‬‬
‫فانظر إلى هذا الرجل حينما تكلم ظهر من كلمه عدم الثقة فيما يقول ويدعى ‪.‬‬
‫ومن الثقة أن يستمع المرء للناس كما يستمعون إليه ‪ ،‬حينما جاء عتبة بن الوليد يكلم‬
‫الرسول في أمر السلم ويعرض عليه المال والملك والجاه والرسول ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬ساكت حتى انتهى عتبة من كلمه فهذا تصرف الواثق الذكي ‪.‬‬
‫تظهر الثقة – كذلك – في مشية النسان " فواثق الخطوة يمشى ملكاً " ‪ ،‬وقد وصف‬
‫لْرْضِ‬
‫علَى ا َ‬
‫حمَنِ الّذِينَ َيمْشُونَ َ‬
‫عبَادُ الرّ ْ‬
‫ال في قرآنه مشية عباد الرحمن فقال { وَ ِ‬
‫لمًا } سورة الفرقان آية ‪ ، . 63 :‬قال السلف‬ ‫ط َبهُمُ الْجَا ِهلُونَ قَالُوا سَ َ‬
‫َه ْونًا َوإِذَا خَا َ‬
‫في تفسير هذه الية ‪ :‬المشى بسكينه ووقار من غير تكبر ول تماوت وهى مشية‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم " وفى وصف مشية الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫أنه " كان أسرع الناس مشية وأحسنها وأسكنها " ‪.‬‬
‫قال أبو هريرة " ما رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول ال ‪ ،‬كأنما الرض‬
‫تطوى له ‪ ،‬وإنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث " ابن القيم ‪ :‬زاد المعاد ‪ ،‬جـ ‪، 1‬‬
‫صـ ‪.42‬‬
‫كما أنه كان إذا مشى ل يلتفت وراءه ‪ .‬وهذا يدل على الشخصية المتكاملة ‪.‬‬
‫من صفات الواثق – أيضاً – أنه ذكى لماح لبق في كل تصرفاته يحاول أن يروى‬
‫للخرين ما يلذ لهم ‪ ،‬ول يفشى أسرارهم أو يتحدث عنهم بما يثيرهم ‪ ،‬ول يسخر‬
‫من أحد ويكتسب مهارة القول المناسب في الوقت المناسب ‪ ،‬ول يكن ثرثاراً ‪ ،‬بل‬
‫يستمع أكثر مما يتكلم ‪.‬‬
‫قال أبو الدرداء ‪ " :‬لقد أعطانا ال أذنان ولسانا واحداً لنسمع أكثر مما تتكلم " ‪.‬‬
‫إن الكلم لفي الفؤاد وإنما * * * جعل اللسان على الفؤاد دليل‬

‫اللهم جنبنا الزلل في القول والعمل ‪.‬‬

You might also like