You are on page 1of 57

‫للشيخ‬

‫عبد العزيز بن مرزوق الطريفي‬

‫راجعها أحد طلبة العلم‬


‫‪2‬‬

‫السلم عليكم ورحمة الله ‪..‬‬


‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسسسلم‬
‫وبارك علي نبينا محمد وعلى آله وأصسسحابه‬
‫ومن تبعهم إحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد‪:‬‬
‫فسسإن مسسن أعظسسم النعسسم السستي أنعسسم اللسسه‬
‫‪‬بها علسسى هسسذه المسسة أن أتسسم لهسسا النعمسسة‬
‫وأكمل عليها الدين؛ وذلك أن الله عز وجسسل‬
‫قد أنسسزل علسسى نسسبيه عليسسه الصسسلة والسسسلم‬
‫ت لَ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ككك ْ‬ ‫مْلكك ُ‬
‫م أك ْ َ‬ ‫قسسوله جسسل وعل ‪:‬ال َْيكك ْ‬
‫و َ‬
‫دين َك ُم َ‬
‫ت‬
‫ضككي ُ‬
‫وَر ِ‬
‫مِتككي َ‬
‫ع َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م نِ ْ‬ ‫ت َ‬
‫م ُ‬
‫م ْ‬‫وأت ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ‬
‫م ِديًنا‪‬؛ فسمى اللسسه جسسل وعل‬ ‫سَل َ‬ ‫م اْل ِ ْ‬
‫ل َك ُ ُ‬
‫الدين نعمة‪ ،‬وهو أعظم نعمسسة رزق اللسسه ‪‬‬
‫بهسسا العبسساد والخلسسق؛ وهسسو أن تكسسون علسسة‬
‫وجودهم عبسسادة اللسسه جسسل وعل والنصسسراف‬
‫إليه‪ ،‬وأن تكون تلك العلة على محجةٍ بيضاٍء‬
‫ة؛ فكانت شريعة الله ‪‬‬ ‫وطريقةٍ بّينةٍ واضح ٍ‬
‫من أعظم الشرائع‪ ،‬بل أعظم الشرائع على‬
‫ة لمسسا قبلهسسا‬‫الطلق؛ حتى أنها كسسانت ناسسسخ ً‬
‫من الشرائع السماوية‪.‬‬
‫ولما أتم الله ‪ ‬على هسسذه المسسة السسدين‬
‫ح لكسسل زمسسان‬ ‫جعسسل مسسن تمسسامه أنسسه صسسال ٌ‬
‫ع‪ ،‬ول‬ ‫ث وابتسسسدا ٌ‬ ‫ومكسسسان؛ فل يعسسسوذه إحسسسدا ٌ‬
‫لل‬ ‫ل فيه؛ وذلك أنسسه كام س ٌ‬ ‫ينقصه إدخا ُ‬
‫ل دخي ٍ‬
‫يقدح فيه شيٌء ول يناله قصوٌر؛ لهسسذا جعلسسه‬
‫‪3‬‬

‫الله ‪ ‬ناسخًا‪ ،‬وهو العاِلم ‪ ‬بتغير الحوال‬


‫ي بعسسد نبّينسسا‬ ‫والزمان؛ فل ديسسن بعسسده‪ ،‬ول نسسب ّ‬
‫محمسد‪ ‬إلسسى أن يسرث اللسه ‪ ‬الرض ومسا‬
‫عليها‪.‬‬
‫إن شمولية هذا السسدين وكمسساله هسسي مسسن‬
‫د‪،‬‬ ‫حيُر الناظرين للسسسلم عَسسن ُبعس ٍ‬ ‫أعظم ما ي ُ ّ‬
‫وَيأسسسر قلسسوب المتمسسسكين بسسه الملسستزمين‬
‫بأوامر اللسسه ‪ ‬والممتثليسسن لهسا بسسأن يكونسسوا‬
‫على بّينةٍ ويقين من ربهم؛ وذلك أن الله ‪‬‬
‫جعسسل أصسسول ً ينسسدرج تحتهسسا كسسثيٌر مسسن‬ ‫قسسد َ‬
‫ص‬ ‫المسائل الفرعية من فروع الدين مما َنسس ّ‬
‫ي ‪ ‬وممسسا لسسم ينسسص مسسن نسسوازل‬ ‫عليه النسسب ّ‬
‫الحكسسام وحسسوادث الزمسسان السستي يسسستوعبها‬
‫ك أنسسه عنسسد‬ ‫شسس ّ‬ ‫السسدين بل نقصسسان‪ ،‬وهسسذا ل َ‬
‫ظر فيسسه مسسن أعظسسم المعجسسزات السستي‬ ‫النسسا ِ‬
‫ة‬‫جعلها الله ‪ ‬في هذا السسدين ظسساهرةً باقي س ً‬
‫إلى قيام الساعة‪.‬‬
‫ن كمال هسسذه الّنعمسسة أن جعسسل اللسسه‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫‪ ‬هذا الدين محفوظًا‪ ،‬ل ينسساله السسدخيل مسسا‬
‫مر الله‪ ،‬وجعل الله‬ ‫ل العلم قائمين بأ ْ‬ ‫دام أه ُ‬
‫جسة كتسابه ‪ ‬محفوظسا ً‬ ‫مح ّ‬‫جل وعل أصسل ال َ‬
‫إلى قيام الساعة؛ منه بدأ وإليسسه يعسسود‪ ،‬ومسسا‬
‫ب بمثل ما خرج منه؛ قسسال اللسسه‬ ‫متقر ٌ‬ ‫تقّرب ُ‬
‫ه‬ ‫وإ ِن ّككا ل َك ُ‬
‫ن ن َّزل َْنا الكذّك َْر َ‬‫ح ُ‬‫جل وعل ‪:‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫ما كان هذا فسسي أصسسل السسدين‬ ‫ن‪‬؛ ل ّ‬ ‫ظو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫حا ِ‬‫لَ َ‬
‫‪4‬‬

‫صسسل لسسذلك‬ ‫ة مسسن ال ْ‬ ‫كسسان فسسي َفرعسسه حماي س ٌ‬


‫الَفْرع‪ ،‬أو لتلك الصول التي كانت تحته من‬
‫جهة الجللة والقدر ‪ -‬وإن كانت قسسسيمة لسسه‬
‫سسسّنة والجمسساع‬ ‫مسسن جهسسة الحتجسساج – كال ّ‬
‫مسسا‬ ‫والقياس وغير ذلك ممسسا يطسسول ذِك ْسُرهُ ِ‬
‫م ّ‬
‫ددة‪ ،‬فليلتمس‬ ‫ذكره العلماء في مواضع متع ّ‬
‫في مظاّنه‪.‬‬
‫الكلم في ليلستين بسسإذن اللسه تعسالى عسسن‬
‫مسائل مهمةٍ جليلةِ القدر‪ ،‬كثيٌر منها يلتبس‬
‫فيه كثيٌر من العامة أو أكثرهم‪ ،‬ويحتاج إليه‪،‬‬
‫نتكلم عليها باقتضاب؛ وذلك لضيق السسوقت‪،‬‬
‫مسسة دليسسل‬ ‫ل فرٍع بأصله‪ ،‬وإن كان ث ّ‬ ‫حق ُ ك ّ‬‫ون ُل ْ ِ‬
‫سسّنة نسبّينه‪ ،‬وإن‬ ‫ل من الكتساب وال ّ‬ ‫على الص ٍ‬
‫لم يكن ثمة دليل نلحقسسه بسسأعلى شسسيء فسسي‬
‫ذلك الباب من أصول الحتجاج؛ مسسن إجمسساع‬
‫السلف مسسن الصسسحابة وغيرهسسم‪ ،‬أو القيسساس‬
‫م أن اللسه جسل وعل قسد‬ ‫وغير ذلك‪ ،‬وكما ي ُعْل َ ُ‬
‫أمر بإتباع طريق الذين كانوا مع رسوله ‪‬؛‬
‫وذلك أنهم قد شهدوا التنزيل وعاينوا الحال‬
‫عند نزول كلمه ‪‬؛ فهم أعلم الناس بمراد‬
‫ي ‪ ،‬بأوامره ونواهيه؛ لهسسذا مسسن أغَْفس َ‬
‫ل‬ ‫النب ّ‬
‫دره وعظيسم‬ ‫ل أهمية قَس ْ‬ ‫جه ِ َ‬ ‫ه ذلك الجيل و َ‬ ‫فِْق َ‬
‫مكانته في معرفسسة أحكسسام اللسسه ‪ ‬وأحكسسام‬
‫م التوفيسسق‪ ،‬ووقسسع فسسي‬ ‫حسرِ َ‬ ‫رسسسوله اللسسه ‪ُ ‬‬
‫خب ّسسط فسسي كسسثيرٍ مسسن‬ ‫ل‪ ،‬وت َ َ‬ ‫ص كسسثيرٍ جلي س ٍ‬‫ن َْق س ٍ‬
‫‪5‬‬

‫المسسسائل؛ وذلسسك أن ّسسه إمسسا أن يكسسون يجسسري‬


‫طرد فيهسسا بكسسل‬ ‫على قاعدةٍ معينةٍ يجب أن ي َ ّ‬
‫ن‬
‫ة مسسن الفقهسساء أ ّ‬ ‫ذكره جماع س ٌ‬ ‫حسسال‪ ،‬كمسسا ي َس ْ‬
‫ن الصل فسسي‬ ‫الصل في المر الوجوب‪ ،‬أو أ ّ‬
‫النهي التحريسسم‪ ،‬ونحسسو ذلسسك‪ ،‬ويغفلسسون فسسي‬
‫سسسلف مسسن‬ ‫مسسل ال ّ‬ ‫ذلك أصسل ً عظيمسا ً وهسسو عَ َ‬
‫الصسسحابة وغيرهسسم السسذين شسسهدوا التنزيسسل‪،‬‬
‫وعرفسسوا صسسوارف المسسور‪ ،‬وكسسذلك أعمسسال‬
‫الصحابة ‪ -‬عليهم رضوان الله تعسسالى – عنسسد‬
‫نزول السسوحي علسسى رسسسوله ‪ -‬عليسسه الصسسلة‬
‫والسلم ‪.-‬‬
‫إن فقسسه النسسوازل مسسن المهمسسات الجليلسسة‬
‫السستي يحتسساج إليهسسا النسساس عنسسد نسسزول تلسسك‬
‫النازلة‪.‬‬
‫والنسسسوازل يتكلسسسم عليهسسسا العلمسسساء فسسسي‬
‫ره‪،‬‬‫صسس ِ‬
‫ل بحسسسب عَ ْ‬ ‫ة؛ كسس ّ‬
‫ت متعسسدد ٍ‬ ‫مصسسنفا ٍ‬
‫ونسسوازل زمسسانه؛ بمسسا اسسستطاع مسسن إلحسساق‬
‫س سّنة وغيرهسسا‬
‫النازلة بأصولها من الكتاب وال ّ‬
‫من أصول الدين‪.‬‬
‫وتمتسساز تلسسك المسسسائل السستي يسسذكرها‬
‫العلماء في مصنفاتهم مسسن النسسوازل‪ ،‬تتبسساين‬
‫من جهسة القسوة؛ بإلحساق الفسروع بالصسول‪،‬‬
‫مل َك َةِ ذلك العسساِلم وإحسساطته‬ ‫وي َْرجع ذلك إلى َ‬
‫بالصول؛ بأصول الديانة وأصسسول السسستدلل‬
‫التي أمر الله ‪ ‬بالرجوع إليهسسا؛ فقسسد شسسرع‬
‫‪6‬‬

‫ن ‪ ‬القيسساس‪ ،‬وأمسسر‬ ‫سس ّ‬ ‫اللسسه ‪ ‬العتبسسار‪ ،‬و َ‬


‫بلزومسسسسسه؛ فقسسسسسال اللسسسسسه ‪ -‬جسسسسسل وعل‪: -‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ر‪‬؛ أي ‪:‬‬ ‫عت َب ُِروا َيككا أوِلككي اْلب ْ َ‬
‫صككا ِ‬ ‫فككا ْ‬‫‪َ ‬‬
‫ص‬
‫ص بما ورد فيسسه نس ّ‬ ‫ألحقوا ما لم ي َرِد ْ فيه ن َ ّّ‬
‫من شريعة اللسسه ‪‬؛ لهسسذا كسسان اللسسه ‪ -‬جسسل‬
‫وعل ‪ -‬في كتابه العظيم في مجمل الحوال‬
‫يتكلم عن أصول وحجسسج أهسسل الباطسسل؛ مسسن‬
‫جهة العموم؛ من غير ذكرٍ لتفاصيلها‪.‬‬
‫والنسساظر فيهسسا مسسن أهسسل العلسسم والدرايسسة‬
‫ينظسسر إلسسى تلسسك الصسسول‪ ،‬ثسسم يلحسسق أهسسل‬
‫ضسسلل وأهسسل البتسسداع فسسي تلسسك الصسسول؛‬ ‫ال ّ‬
‫وع‬‫فيرد ّ عليهسسا كمسسا رد عليهسسا أولئك؛ مسسع َتن س ّ‬
‫وع الراد ّ واختلف الزمان؛‬ ‫البتداع‪ ،‬وكذلك تن ّ‬
‫سسسري علسسى تلسسك‬ ‫لهذا كان القرآن لما كان ي َ ْ‬
‫ة علسسى سسسائر المسسم‬ ‫ج ً‬
‫ح ّ‬ ‫الصول كان أعظم ُ‬
‫على تباين أحوالهم‪.‬‬
‫ولسسسو نسسسزل القسسسرآن بأسسسسماء المسسسسائل‬
‫والنوازل التي كانت في عصسسر رسسسول اللسسه‬
‫ن جسساء بعسد ذلسك يعسسوزه النظسسر‬ ‫مس ْ‬‫‪ ‬لكسسان َ‬
‫ة فسسي أن يسسستنبط مسسن‬ ‫ة عظيمس ً‬ ‫ويجد مشسسق ً‬
‫تلك الفروع إلحاقا ً بأصسسولها‪ ،‬ثسسم ي ُْلحسسق بعسسد‬
‫ذلك تلك الفروع بأصسسولها‪ ،‬وهسسذا يلسسزم منسسه‬
‫ة كبيرة‪ ،‬وكسسذلك يطسسرأ علسسى النسسسان‬ ‫مشّق ً‬
‫من الضعف والقصور ما يطرأ عليه‪.‬‬
‫مسّر‬‫ومن نظر إلى أحسسوال النسسوازل علسسى َ‬
‫‪7‬‬

‫العصور يجد تباينا ً في كلم العلماء واختلف سا ً‬


‫جسسد ُ فسسي‬ ‫فسسي الترجيسسح كسسثيرًا؛ ل يكسساد يو َ‬
‫ص عليها مسسن جهسسة السسدليل‬ ‫المسائل المنصو ِ‬
‫سّنة‪.‬‬‫في الكتاب وال ّ‬
‫ن الشريعة قسسد جسساءت بالصسسول‬ ‫هذا مع أ ّ‬
‫ن ي ُل ْ ِ‬ ‫َ‬
‫حقَ الفرع بأصله؛‬ ‫ل على النسان أ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫سه ُ َ‬
‫فسسإذا كسسانت نصسسوص الشسسريعة قسسد جسساءت‬
‫بالفروع ولم تبين الصول فسسإنه يكسسون علسسى‬
‫الناظر والمستنبط أكثر مش سّقة؛ فسسإنه يلسسزم‬
‫ل‪ ،‬ثسسم ي ُْلحسسق‬ ‫صس ٍ‬
‫حق الفسسرعَ بأ ْ‬ ‫من ذلك أن ي ُل ْ ِ‬
‫ن‬‫الفسسرع النسسسازل بسسذلك الصسسسل؛ وذلسسسك أ ّ‬
‫الشريعة قد جاءت بفسسروع؛ والفسسروع ينبغسسي‬
‫ت لها قواعسسد‬ ‫ن توضع لها قواعد؛ فإذا وضعِ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ينبغسسي أن توضسسع لتلسسك القواعسسد مسسا ينسسدرج‬
‫تحتهسسا مسسن مسسسائل السسدين وفسسروع الحكسسام‬
‫النازلةِ وغيرها‪.‬‬
‫ة مسسن العلمسساء فسسي أحكسسام‬ ‫ص سّنف جماع س ٌ‬
‫النوازل وفقهها؛ منهم من صّنف في أبسسواب‬
‫التأصيل والتقعيسسد لهسسذه المسسسائل مسسن غيسسر‬
‫مسّر الزمسسان‪،‬‬ ‫ض لمسسسائل الن ّسسوازل علسسى َ‬ ‫خو ٍ‬
‫جسه‬ ‫ومنهم من جمع مسائل النسوازل علسى وَ ْ‬
‫مّرت به‪ ،‬وهسسي مسسا يسسسميه‬ ‫العموم التي قد َ‬
‫العلماء ‪ -‬رحمة الله عليهم ‪ -‬في مصسسنفاتهم‬
‫بالفتاوى؛ أو يسمونهم بالنوازل‪ ،‬أو النسسوادر‪،‬‬
‫مونها بفقسسه‬ ‫أو كسسذلك فسسي عصسسرنا مسسا ُيسسس ّ‬
‫‪8‬‬

‫الواقع أو الفقه المعاصر‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬


‫الشريعة تستوعب ذلسسك كلسسه؛ مسسن نظسسر‬
‫إلى النوازل في عصرنا ‪ -‬في أبواب الديانسسة‬
‫ب من أبواب الدين‬ ‫جد َ أنه ل يخلو با ٌ‬ ‫كلها ‪ -‬وَ َ‬
‫ة تحتاج إلى النظر فيها‪.‬‬ ‫إل وفيه نازل ٌ‬
‫وأقسسل أبسسواب العلسسم نسسوازل هسسي أبسسواب‬
‫دها إلسسى التوقيسسف‪ ،‬ويوجسسد‬ ‫مَر ّ‬‫ن َ‬
‫العبادات؛ ل ّ‬
‫فيها من النوازل شيٌء يسير ليست كغيرهسسا‬
‫فسسي أبسسواب الحكسسام؛ كالمعسساملت والعقسسود‬
‫والنكحسسة والطلق وغيسسر ذلسسك مسسن مسسسائل‬
‫الديانة‪ ،‬وهذه كلها قسسد جسساءت فيهسسا مسسسائل‬
‫مّر العصور؛ فسسي العبسسادات قسسد جسساءت‬ ‫على َ‬
‫ددة في أبواب الطهسسارة والصسسلة‬ ‫نوازل متع ّ‬
‫والصيام والحج والزكاة وغيسر ذلسك‪ ،‬وكسذلك‬
‫في أبواب المعاملت بأنواعها؛ أكثر البسسواب‬
‫ملت‪.‬‬ ‫ورودا ً في النوازل هي أبواب المعا َ‬
‫ن النازلسسة تكسسون مسسن‬ ‫ومن جهة النظر فإ ّ‬
‫ل عسسددا ً مسسن جهسسة الفسسروع‬ ‫جهة الحصاء أق س ّ‬
‫ل السسسسدليل عليهسسسسا‪ ،‬بخلف‬ ‫السسسستي قسسسسد د ّ‬
‫المعاملت؛ فإن النوازل فيهسسا أكسسثر ممسسا د َ ّ‬
‫ل‬
‫عليه الدليل في نوازل فسسي عصسسر النسسبي ‪‬‬
‫جسسهِ العمسسوم؛ فسسي‬ ‫والصسسدر الول علسسى وَ ْ‬
‫العبسسادات‪ ،‬فسسي الطهسسارة؛ جسساءت مسسسائل‬
‫ددة؛ كمسألة تنقية المياه الملوثة ونحسسو‬ ‫متع ّ‬
‫ذلسسك‪ ،‬وفسسي الصسسلة؛ كمسسسألة الصسسلة فسسي‬
‫‪9‬‬

‫الطائرة ونحو ذلك‪ ،‬وغيسسر ذلسسك فسسي أبسسواب‬


‫الصسسيام؛ كمسسسائل الفطسسار الحديثسسة‪ ،‬بسسالبر‬
‫ج مسسا نحسسن بصسسدده؛‬ ‫ونحسسو ذلسسك‪ ،‬وفسسي الح س ّ‬
‫كذلك من جهة الزكاة في مصارف المسسوال‬
‫ل فيها؛ وهي كثيرةٌ‬ ‫المتنوعة التي لم يرد دلي ٌ‬
‫جسسدا ً وقسسد تكلسسم عليهسسا غيسسُر واحسسدٍٍ مسسن‬
‫المتسسأخرين؛ كسسذلك فسسي أبسسواب المعسساملت‬
‫مسسة مسسسائل قسسد طسسرأت علسسى‬ ‫بأنواعهسسا؛ ث ّ‬
‫ة ل تلحق مسسن جهسسة النظسسر‬ ‫الواقع؛ هي أصلي ٌ‬
‫ن واض سٍح؛ لهسسذا قسسد اختلسسف فيهسسا‬ ‫ل بي ّس ٍ‬
‫بأص س ٍ‬
‫ن‬‫مسس ْ‬
‫ة؛ منهسسم َ‬‫العلمسساء فسسي مواضسسع متعسسدد ٍ‬
‫ل آخر‪،‬‬ ‫من ي ُْلحقها بأص ٍ‬ ‫ل‪ ،‬ومنهم َ‬ ‫حقها بأص ٍ‬ ‫ي ُل ْ ِ‬
‫فيقسسسع الخلف بحسسسسب اجتهسسساد النسسساظر؛‬
‫كمسألة الوراق النقدية وغير ذلك‪.‬‬
‫كذلك مسسن المسسسائل فسسي أبسسواب النكسساح‬
‫والطلق والرجعة وغير ذلك مما طرأ كذلك‬
‫خرة مما يعرفه الجميع‪.‬‬ ‫في العصور المتأ ّ‬
‫دراسة النوازل هي مسسن الواجبسسات علسسى‬
‫ف عنسسد العلمسساء فسسي‬ ‫خل ٍ‬‫أهسسل العلسسم؛ علسسى ِ‬
‫النظر فيهسسا؛ هسسل هسسي مسسن الواجبسسات علسسى‬
‫العيان‪ ،‬أم هي من فروض الكفايات‪.‬‬
‫والسسدليل فسسي كلم اللسسه ‪ ،‬وفسسي كلم‬
‫الرسول ‪ ‬أن الله ‪ ‬قد أخذ الميثاق على‬
‫أهل العلم أن يّبنوا للناس مسسا احتسساجوه مسسن‬
‫أمسسور دينهسسم‪ ،‬وإن قصسسروا فسسي بيسسان تلسسك‬
‫‪10‬‬

‫ط فيهسسا النسساس فيقعسسوا فسسي‬ ‫النسسوازل فتخب ّس َ‬


‫المتشابه يلزم من ذلك وقسوع فسي الحسرام؛‬
‫فحينئذٍ يقعون في الثم حتمًا؛ وذلك أنهم قد‬
‫صسسروا بسسأداء الرسسسالة؛ وذلسسك أنهسسم ورثسسة‬ ‫ق ّ‬
‫النبيسساء‪ ،‬وحملسسوا الشسسريعة عنهسسم‪ ،‬فيجسسب‬
‫عليهم أن يبلغوا دين اللسسه ‪ ،‬ولمسسا امتسسازوا‬
‫ب عليهسسسم أن‬ ‫جسسس َ‬ ‫بالسسسدين وبسسسالفقه فيسسسه وَ َ‬
‫يتمرسوا بمعرفة النوازل وإلحاقها بأصولها‪.‬‬
‫من جهة الصسل فقسه النسوازل ومعرفتهسا‬
‫هي من فروض الكفايات‪ ،‬وذلك هسسو الصسسل‬
‫فيها‪ ،‬وقد تكون من فروض العيسسان؛ وذلسسك‬
‫ل‬‫ل العالم ولم يكن للسائل أحسسد ٌ يحسس ّ‬ ‫سئ ِ َ‬
‫إذا ُ‬
‫معضسسلته إل هسسو وجسسب عليسسه أن يسسستفرغ‬
‫وسسعه بتلسك النازلسة؛ كسذلك أيضسا ً إذا غلسب‬
‫على ظنه أو تيّقن أن مسسن يتكلسسم فسسي هسسذه‬
‫المسألة أنهم يسلكون غير طريق محمدٍ ‪‬‬
‫ة ويسرة بإتبسساع رغبسسات أقسسوام ٍ‬ ‫بالضرب يمن ً‬
‫ب عليسسه‬ ‫جسس َ‬
‫وترك رغبات آخرين ونحو ذلك وَ َ‬
‫أن يستفرغ وسعه بما يدين به اللسسه ‪ ،‬وإل‬
‫من جهة الصل فهي من فسسروض الكفايسسات‬
‫التي يجب على أهل العلم من ذلسسك العصسسر‬
‫أن يتسسبينوا ويتفقهسسوا فيهسسا‪ ،‬وأن يسسستفرغوا‬
‫الوسع فيها‪.‬‬
‫كثر النظر فسسي‬ ‫وينبغي لطالب العلم أن ي ُ ْ‬
‫كتسسب النسسوازل للعلمسساء الوائل‪ ،‬وهسسي مسسا‬
‫‪11‬‬

‫مى بالفتسسساوى أو مسسسا يسسسسمى بأحكسسسام‬ ‫يسسسس ّ‬


‫النسسوازل علسسى المسسذاهب الربعسسة‪ ،‬ول يوجسسد‬
‫ب من المذاهب حتى مذهب الظاهريسسة‬ ‫مذه ٌ‬
‫م علسسى مسسسائل نسسوازل السسدين؛‬ ‫إل وفيسسه كل ٌ‬
‫فينبغي لمسسن أراد ميراثسا ً وأن يتقسسن مسسسائل‬
‫النوازل‪ ،‬وأن ُيجيد إلحاق الفسسروع بالصسسول‪،‬‬
‫وأن يكون لديه ملكة الستنباط في معرفسسة‬
‫أحكام الشريعة والسسستئناس بوقسسائع الحسسال‬
‫على الترجيح ‪ -‬أن ي ُك ْسسثَر القسسراءة فسسي كتسسب‬
‫أهل العلم؛ وذلك لكي يستفيد من أخطائهم‬
‫فسسي النسسوازل؛ فسسذاك يصسسيب وذاك ُيخطسسئ‬
‫وذاك يرد عليه ونحو ذلك؛ فيكون لسسديه مسسن‬
‫الملكة ما لديه‪.‬‬
‫كذلك ينبغي للناظر فسسي أحكسسام النسسوازل‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫طره الواقسسع علسسى أ ْ‬ ‫والمفسستي فيهسسا أل َيسسأ ِ‬
‫ُيفتي بنازلةٍ بخلف ما يسسدين اللسسه عسسز وجسسل‬
‫ن الواق سعَ يغلسسب عليسسه نظسسرة‬ ‫فيهسسا؛ وذلسسك أ ّ‬
‫العسسوام‪ ،‬والعسسوام يتبسساينون فسسي نظرتهسسم؛‬
‫فمنهم من يهتم بالجزئيسسات ويغلسسب الفسسروع‬
‫على الصول ويضخمها‪ ،‬ويجعل الخلف فيها‬
‫أعظم من الصول؛ ولهذا يقول عبد الله بن‬
‫عمر ‪ -‬عليه رضوان اللسسه تعسسالى ‪ -‬كمسسا جسساء‬
‫في الصحيح مسسن حسسديث محمسسد بسسن فضسسيل‬
‫عن أبيه فضيل بن غزوان عن سالم بن عبد‬
‫ن عبد الله بن عمر قال لهل‬ ‫الله بن عمر أ ّ‬
‫‪12‬‬

‫العراق‪ :‬يا أهسسل العسسراق‪ ،‬مسسا أسسسألكم علسسى‬


‫الصغيرة‪ ،‬وأجرأكم على الكبيرة‪ .‬في قوله ‪-‬‬
‫عليسسه رحمسسة اللسسه ‪ " -‬مككا أسككألكم علككى‬
‫الصغيرة‪ ،‬وأجرأكككم علككى الكككبيرة" ‪:‬‬
‫حسسسن نّيسسةٍ الصسسغائر‬ ‫أي أنكسسم تضسسخمون ب ُ‬
‫وتبالغون فسسي التسسدقيق فيهسسا والتنقيسسب عسسن‬
‫أحكام الله ‪ ‬فيها‪ ،‬وتقعون في الكبسسائر ول‬
‫تبالون فيها‪.‬‬
‫وهذا ينبغي أن يتأمله الناظر فسسي أحكسسام‬
‫ن كلم العامسسة‪ ،‬وكسسذلك أنصسساف‬ ‫النسسوازل‪ ،‬أ ّ‬
‫المتعلمين الذين يجعلون مسن دقسسائق السدين‬
‫ط ولٍء وبسسراٍء للمسسة أل يغيسسر ذلسسك فسسي‬ ‫منسسا َ‬
‫نظرته شيئًا‪.‬‬
‫كذلك ينبغي للناظر في النوازل أن يعلسسم‬
‫أن رغبسسات النسساس وأهسسوائهم ‪ -‬وإن كسسانوا‬
‫ن‬
‫يفرقسسون بيسسن أصسسول السسدين وفروعسسه ‪ -‬أ ّ‬
‫كم الله ‪ ‬شيئًا‪ ،‬فكم‬ ‫ح ْ‬
‫رغباتهم ل تغير من ُ‬
‫من نصوص الشريعة قد جاهد عليها رسسسول‬
‫سسسنان‪،‬‬‫الله ‪ ‬جهسسادا ً بليغ سًا؛ فرفسسع عليهسسا ال ّ‬
‫وأطلسسق ‪ -‬عليسسه الصسسلة والسسسلم ‪ -‬اللسسسان‬
‫فسسي بيسسان الحسسق‪ ،‬ودحسسض الباطسسل و ُ‬
‫شسسَبه‬
‫المبطلين في نصوص كبيرةٍ قد جسساءت عنسسه‬
‫‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪.-‬‬
‫ومن نظر إلى النصوص عن رسول اللسسه‬
‫‪ ‬قبل بعثته وجداله مع المنافقين‪ ،‬وكسسذلك‬
‫‪13‬‬

‫للجهلة ممن جسساء إلسى رسسسول اللسه ‪ ‬مسن‬


‫ص سدٍ ‪ -‬وجسسد أن‬ ‫حسسسن قَ ْ‬ ‫جهالة العراب عن ُ‬
‫رسول الله ‪ ‬جاهدهم جهادا ً بليغ سًا؛ مسسع أن‬
‫رسسسول اللسسه ‪ ‬يتحّلسسى بالجملسسة الحكمسسة‬
‫ن ذلك كلسسه ل يغيسسر مسسن‬ ‫واللين والرقة‪ ،‬إل أ ّ‬
‫م ثابتسا ً مسسن‬
‫حكم الله ‪ ‬شيئًا؛ فيكون الحكس ُ‬
‫جهسسة التحريسسم أو التحليسسل‪ ،‬أو الكراهسسة أو‬
‫ل أح سد ٌ فسسي‬ ‫مس ُ‬‫الستحباب‪ ،‬أو الباحسسة؛ ل ُيجا َ‬
‫دين الله ‪‬؛ وكذلك أيضا ً ينبغي للناظر فسسي‬
‫ن ي َعَْلسسم أن ثمسسة‬ ‫أحكسسام النسسوازل وفقههسسا أ ْ‬
‫صْبر على الذى فسسي‬ ‫نصوص تتشوف على ال ّ‬
‫دين الله ‪‬؛ وذلك بالّنظر إلسسى حسسال الن ّسسبي‬
‫‪ ‬وحال أصحابه والتسسابعين وأئمسسة السسسلم‬
‫الذين صبروا على القول بمسائل من فروع‬
‫الديانسسة‪ ،‬وكسسذلك الجلدة فسسي مواجهسسة أهسسل‬
‫جسد َ ذلسسك أصسل ً فسسي‬ ‫الباطل ونحسسو ذلسسك؛ فأوْ َ‬
‫مسسة‪ ،‬أو كسسثير مسسن‬ ‫نفسسوس كسسثير مسسن العا ّ‬
‫حمل البله ببعسسض فسسروع السسدين‬ ‫المتفقهة؛ بت ّ‬
‫ف‬ ‫جد َ أصُله عند السسسل ِ‬ ‫ونحو ذلك‪ ،‬وهذا قد وُ ِ‬
‫رهم‪.‬‬ ‫غي ِ‬‫الصالح من الصحابة و َ‬
‫ن‬‫قسسد جسساء فسسي الصسسحيحين وغيرهمسسا أ ّ‬
‫صسسر الطسسائف‬ ‫مسسا كسسان ُيحا ِ‬ ‫رسسسول اللسسه ‪ ‬ل ّ‬
‫وأطال الحصار‪ ،‬قسسد ذكسسر ابسسن إسسسحاق فسسي‬
‫السسسسيرة أن رسسسسول اللسسسه ‪ ‬قسسسد حا َ‬
‫صسسسَر‬
‫ف ثلثين يومًا‪ ،‬وجاء فسسي رواي سةٍ عنسسده‬ ‫الطائ َ‬
‫‪14‬‬

‫أنسسه حاصسسر الطسسائف أربعيسسن يومسسًا‪ ،‬فقسسال‬


‫رسسسول اللسسه ‪ ‬لصسسحابه ‪" :‬إنا قككافلون‬
‫غدا ً" فقالوا لرسسسول اللسسه ‪ :‬كيسسف ن َْقفسسل‬
‫غدا ً ونحن لم ُنقاتلهم ولسسم نفتسسح الطسسائف؟!‬
‫ما قسساتلوا‬‫فضحك رسول الله ‪ ‬فأبقاهم‪ ،‬فل ّ‬
‫رحوا قال رسول اللسسسه ‪" : ‬إنا‬ ‫ج ِ‬
‫وأصيبوا و ُ‬
‫مسسا سسسمعوا ذلسسك مسسن‬ ‫قككافلون غككدا ً"‪ .‬فل ّ‬
‫رسسسسسول اللسسسسه ‪ ‬ضسسسسحكوا واستبشسسسسروا‬
‫برجوعهم‪.‬‬
‫ص عن رسسسول اللسسه‬ ‫من نظر إلى هذا الن ّ‬
‫ددة‪:‬‬ ‫‪ ‬وأصحابه يستفيد منه أمورا ً متع ّ‬
‫ي ‪ -‬عليسسه‬ ‫‪ -‬أول ً ‪ :‬مسسن جهسسة حصسسار النسسب ّ‬
‫الصلة والسلم‪ -‬للطسسائف؛ مسسن جهسسة أصسسل‬
‫ض على مسسن جسساء مسسع رسسسول‬ ‫الجهاد أنه فر ٌ‬
‫ن الرسسسول‬ ‫اللسسه ‪ ‬علسسى أعيسسانهم؛ وذلسسك أ ّ‬
‫الله ‪ ‬قد انتدبهم واكتتبهم في هذا الغزوة؛‬
‫دبر يسسوم‬ ‫مس ْ‬ ‫فكان المنصرف منها كالنسسافر كال ُ‬
‫مسسن أكسسبر‬ ‫الزحسسف والمتسسولي عنسسه‪ ،‬وذلسسك ِ‬
‫الكبائر‪.‬‬
‫لما طال المقام برسسسول اللسسه ‪ ‬قسسال ‪:‬‬
‫"إنا قافلون غدا ً"‪ .‬فلمسسا سسسمع الصسسحابة‬
‫شسوَّفت نفوسسهم‬ ‫رسول الله ‪ ‬قال ذلسك ت َ َ‬
‫على الصبر البلء‪ ،‬ورسول الله ‪ ‬هو أشسسد ّ‬
‫الناس علما ً وصبرا ً في جنب الله‪ ،‬وما دفعه‬
‫ة‬
‫ضسّرة؛ وإّنمسسا لحكمس ٍ‬ ‫م َ‬
‫عن ذلك خشية بلٍء و َ‬
‫‪15‬‬

‫ل‬ ‫إلهيةٍ ل تستوجب اللزام؛ لهذا خضع رسسسو ُ‬


‫رحسسوا‬ ‫ج ِ‬‫ظر حالهم‪ ،‬فلما ُ‬ ‫الله ‪ ‬لرغبتهم؛ لي َن ْ ُ‬
‫وأخبرهم رسول الله ‪ ‬أنهسسم قسسافلون غسسدا ً‬
‫استبشروا وضحكوا‪ ،‬فرجسسع رسسسول اللسسه ‪‬‬
‫بهم‪.‬‬
‫الرجوع جسسائٌز فسسي الحسسال َْين؛ فسسي الحالسسة‬
‫الولى‪ ،‬وفي الحالة الثانية؛ لكنها في الحالة‬
‫الولى كانت النفوس تتشوف علسسى الصسسبر‪،‬‬
‫مسسا نسسزل بهسسا الذى تشسسوفت النفسسوس‬ ‫لكن ل ّ‬
‫مل الذى؛‬ ‫إلى الرجوع إلى المدينة وعدم تح ّ‬
‫ن النسساظر فسسي مسسسائل‬ ‫مأ ّ‬ ‫ن ي ُعْل َ َ‬
‫لهذا ينبغي أ ْ‬
‫ل بسسه ‪-‬‬ ‫النوازل ‪ -‬أنه إذا لم يكن قد وقع الحا ُ‬
‫ن نظره يكون بذلك قاصرًا؛ وهذا ينبغي أن‬ ‫أ ّ‬
‫ينظر فيه النسساظُر فسسي أحكسسم النسسوازل علسسى‬
‫وجه العموم‪ ،‬إذا لم يقع في تلك النازلسسة‪ ،‬أو‬
‫در المكان‬ ‫تكن في مجتمعه فليحجم عنها قَ ْ‬
‫مسسا دام أهسسل البلسسد السسذين قسسد وقعسست فيهسسم‬
‫النازلسسة لسسديهم مسسن أهسسل العلسسم والدرايسسة‬
‫والمعرفسسة مسسا ُيمكنهسسم أن يسسستنبطوا لتلسسك‬
‫النازلة دلي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ج الغُسسزاةَ‬‫خسرِ ُ‬ ‫لهذا كسسان رسسسول اللسسه ‪ ‬ي ُ ْ‬
‫من أصحابه ويعلمهم الصول‪ ،‬وي َد َعُ الفسسروع‬
‫لهم لنهم أعلم النسساس بحسسالهم؛ ولهسسذا ثمسسة‬
‫سسك‬ ‫كثير من النوازل في وقتنا ينبغي أن ُيم ِ‬
‫من لو نزل به ذلك تلك النازلة‪ ،‬أو‬ ‫عنها كثيٌر َ‬
‫‪16‬‬

‫خبسسط‬ ‫نزل به ذلسسك البلء لقسسال بقسسولهم‪ ،‬أو ت َ ّ‬


‫ة وَيسسسرة؛ كفقسسه القليسسات فسسي‬ ‫منس ً‬
‫بسسالقول ي َ ْ‬
‫كسسثيرٍ مسسن بلسسدان العسسالم؛ تقسسع فيسسه النسسوازل‬
‫كثيرة‪ ،‬فيفتي في ذلك كثيٌر من أهسسل العلسسم‬
‫صسسل‬‫ح ُ‬ ‫الذين لم يقعوا في ذلك البلد‪ ،‬أولسسم ي َ ْ‬
‫لهم أن وطأت أقسسدامهم تلسسك البلد؛ فيفتسسوا‬
‫بذلك من غير نظرٍ لحواله؛ ) كذلك مسسسائل‬
‫أهسسل الثغسسور ينبغسسي أن ت ُْتسسرك لهسسم؛ وذلسسك‬
‫لصعوبة المسائل والمدارك (‪.‬‬
‫ي ‪ ‬وجد ذلسسك‬ ‫ومن نظر إلى أحوال النب ّ‬
‫ظاهرا ً بّينا ً فيه‪.‬‬
‫ومن المهمسات أيضسا ً فسي هسسذا البسساب أن‬
‫مَلك دليل ً في أي مسألة‬ ‫ن َ‬‫يعلم الناظر أنه إ ْ‬
‫ن ذلك ل يعنسسي منسسه أنسسه‬ ‫من مسائل الدين أ ّ‬
‫ة‬
‫سسسأل ٍ‬ ‫َيمُلك أن ي ُْنزل ذلك الدليل على كل َ‬
‫م ْ‬
‫ن كسسانت مسسن كسسل الوجسسوه؛‬ ‫مشسسابهة لهسسا وإ ْ‬
‫وذلك ربما يكون ثمة دافع لتلسسك النازلسسة‪ ،‬أو‬
‫ر‬
‫لذلك الّنظير؛ يدفع الدليل عنها؛ لنزال أمسس ٍ‬
‫آخر‪.‬‬
‫ن رجل ً جاء إلى المسسام أحمسسد‬ ‫مثال ذلك أ ّ‬
‫‪ -‬عليه رحمة الله ‪ -‬فقال له‪ :‬إن أبي أمرني‬
‫ن أطّلسسق زوجسستي‪ .‬فقسسال لسسه ‪ :‬ل ُتطّلسسق‪.‬‬ ‫أ ْ‬
‫فقال‪ :‬أليس عَب ْد ُ الله بن عمر أمره أبوه أن‬
‫ُيطّلق زوجته فطلقها‪ .‬فقسسال ‪ -‬عليسسه رحمسسة‬
‫الله ‪ : -‬حتى يكون أبوك كعمر‪.‬‬
‫‪17‬‬

‫من جهة ورود الدليل عنسسد المسسام أحمسسد؛‬


‫ل في هسسذه المسسسألة مسسا جسساء عسسن‬ ‫أعلى دلي ٍ‬
‫عمر بن الخطاب ‪ -‬عليه رضوان الله تعسسالى‬
‫م منهج المام أحمسسد ‪ -‬عليسسه رحمسسة‬ ‫‪ -‬ومعلو ٌ‬
‫م الصسسحابة إذا لسسم ي َك ُسسن فسسي‬‫الله ‪ -‬أن ّسسه ُيقسد ّ ُ‬
‫درهم‪ ،‬وهسسم‬ ‫الباب غَي ُْرهُسسم؛ وذلسسك لجللسسة قَس ْ‬
‫وصيةِ رسول الله ‪ ‬بالتباع؛ خاصة الخلفاء‬
‫سنن وغيرهسسا مسسن‬ ‫الراشدين؛ كما جاء في ال ّ‬
‫حديث العرباض ن سارية أن رسول الله ‪‬‬
‫قال ‪" :‬عليكم بسككنتي وسككنة الخلفككاء‬
‫عكدي"‪ .‬أمسسر‬ ‫الراشدين المهديين مكن ب َ ْ‬
‫ل اللسه ‪ ‬بسسلوك سسبيلهم؛ بلسغ إليسه‬ ‫رسسو ُ‬
‫ج عليه المحتج‪ ،‬ولسسم يكسسن ذلسسك‬ ‫الدليل واحت ّ‬
‫ج عليسسه‬‫خافيا ً عليه ‪ -‬عليه رحمسسة اللسسه ‪ -‬احتس ّ‬
‫بأن ذلك قد ثبسست عسسن عمسسر بسسن الخطسساب ‪-‬‬
‫عليه رضسسوان اللسسه تعسسالى؛ لكسسن كسسان نظسسر‬
‫ن مناط ذلك لشيٍء وََقسسعَ فسسي‬ ‫المام أحمد أ ّ‬
‫ن أمر الوالد لولده بالطلق ليس‬ ‫النفس‪ ،‬وأ ّ‬
‫جهِ العمسسوم حسستى يكسسون الوالسسد‬ ‫نافذا ً على وَ ْ‬
‫منصرفا ً عن رغبات النفس ومطامعها السستي‬
‫تتشوف بحرمان الغير‪ ،‬وبما في يسسده ورضسسا‬
‫نفسه عن رضا غيره رضا الله ‪.‬‬
‫لما كان ذلك منتفيا ً في عمر‪ ،‬وأدرك تلك‬
‫العلة المسسام أحمسسد ‪-‬عليسسه رحمسسة اللسسه‪ -‬لسسم‬
‫ينزل الحكسسم علسسى ذلسسك السسائل‪ ،‬ولسسو كسسان‬
‫‪18‬‬

‫من هو دونه لوقع‬ ‫ذلك السائل سأل غيره م ّ‬


‫عليه ذلك الحكم‪ ،‬ولو بقي على ن َْفسه وهسسو‬
‫يحمل الدليل لخذ بذلك‪.‬‬
‫ج المام أحمد ‪ -‬عليه رحمسسة اللسسه‬ ‫لهذا حا ّ‬
‫تعسسالى ‪ -‬بحسسال عمسسر بسسن الخطسساب ‪ -‬عليسسه‬
‫رضوان الله تعالى ‪ -‬مع ابنه‪.‬‬
‫الكلم في هذه المسائل مما يطول جدًا‪،‬‬
‫ل مهم ٍ في هسسذا‬ ‫ولكن ينبغي التنبيه على أص ٍ‬
‫ن شريعة الله ‪ ‬الصسسل فيهسسا‬ ‫الباب؛ وهي أ ّ‬
‫ل‪،‬‬ ‫ة ل تتغير‪ ،‬ل ُيمكسسن أن تتغيسسر بحسسا ٍ‬ ‫أّنها ثابت ٌ‬
‫ما من المسائل السستي‬ ‫وهذا هو الصل فيها‪ ،‬أ ّ‬
‫ف‬‫مسسا عَل ّسسق الشسسارع فيهسسا النظسسر إلسسى عُ سْر ِ‬
‫الناس؛ فإنها تدور بتغير الحال‪.‬‬
‫ومن تلك المسائل ما جاء عن أبي حنيفة‬
‫س سَألة‬ ‫م ْ‬‫‪ -‬عليه رحمة الله ‪ -‬أن ّسسه تكلسسم علسسى َ‬
‫الشسسسساهدين‪ ،‬وعسسسسدم وجسسسسوب تزكيتهمسسسسا‪،‬‬
‫وانصراف صاحبيه أبسي يوسسف ومحمسد بسن‬
‫الحسن عن قوله‪ ،‬وعلل ذلك لتغّير الزمسسان؛‬
‫لتغي ّسسر زمسسانه وفسسساد أحسسوال النسساس‪ ،‬وأن ّسسه‬
‫ن تغي ّسَر‬‫ن ي َُزك ّسسى الشسساهدان؛ وذلسك أ ّ‬‫ينبغي أ ْ‬
‫أحوال الناس قد يغي ّسُر بعسسض الحكسسام‪ .‬وقسسد‬
‫أشار إلى هسسذه المسسسألة ابسسن القيسسم ‪ -‬عليسسه‬
‫رحمسسسة اللسسسه تعسسسالى ‪ -‬فسسسي كتسسسابه "إعلم‬
‫المسسوقعين"‪ ،‬وكسسذلك الشسساطبي فسسي كتسسابه‬
‫"العتصام والموافقات"‪ ،‬وغيرهم مسسن أهسسل‬
‫‪19‬‬

‫ة مسسن مسسسائل‬ ‫مل َس ً‬


‫ج ْ‬
‫ن ُ‬ ‫العلسسم أشسساروا إلسسى أ ّ‬
‫ت إلى وقسست؛‬ ‫الدين قد تتباين وتتغير من وق ٍ‬
‫ل؛ فيظن الناظُر فسسي هسسذا‬ ‫م بقو ٍ‬ ‫في ُْفتي العال ِ ُ‬
‫ص‪ ،‬وهسسو قسسد‬ ‫ل من النس ّ‬ ‫أنه قد استند إلى دلي ٍ‬
‫استند إلى العسسادة وإلسسى النظسسر فسسي أحسسوال‬
‫الناس؛ فإذا َتغير ذلك الزمان وفسد أحسسوال‬
‫الناس أو صلحوا تغّير ذلك الحكم بتغير ذلك‬
‫الزمان‪.‬‬
‫صسسون علسسى تلسسك‬ ‫وكثيٌر مسسن العلمسساء ل ين ّ‬
‫م لجلهسسا‪ ،‬وإنمسسا‬ ‫حك ْس ُ‬‫العل ّسسة السستي قسسد تغي ّسسر ال ُ‬
‫يفتون بالقول؛ فيظن بعض من ل عنايسسة لسسه‬
‫ي فسسي المسسسألة‪،‬‬ ‫ل قطعس ٌ‬ ‫ن هذا القسسول قسسو ٌ‬ ‫أ ّ‬
‫وقد استند فيه إلى أصسسول السسسلم؛ ل إلسسى‬
‫ف الناس؛ فيظسسن أنسسه قسسول واحسسد‪ ،‬فسسإذا‬ ‫عُْر ِ‬
‫ن أنه قد خسسالف أصسسله‪،‬‬ ‫خالف ذلك المام ظ ّ‬
‫وما علم أن ذلك المام قد قال بهذا القسسول‬
‫ف الناس وأحوالهم‪.‬‬ ‫عر ِ‬ ‫نظرا ً إلى ُ‬
‫ه لسسه؛‬ ‫ومن المهمات أيضا ً ما يجب أ ْ‬
‫ن ُيتنب ّ َ‬
‫مة موجة عظيمسسة فسسي وقتنسسا قسسد تسسولى‬ ‫نث ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ن الظن بسسه؛ بامتطسساء‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫من ي ُ ْ‬‫كبرها كثيٌر م ّ‬
‫ل العلسسم؛ مسسن النسسوازل‬ ‫كسسثيرٍٍ مسسن مسسسائ ِ‬
‫وغيرها ؛ حتى جعلسسوا مسسن ذلسسك تأصسسيل ً لمسسا‬
‫مى "فقسسه التيسسسير" فمّيعسسوا كسسثيرا ً مسسن‬ ‫ُيسس ّ‬
‫مسسن أحكسسام‬ ‫أصسسول الديانسسة‪ ،‬وأذابسسوا كسسثيرا ً ِ‬
‫جسسج وآراء لبعسسض العلمسساء‬ ‫ح َ‬‫الدين‪ ،‬وتشبثوا ب ُ‬
‫‪20‬‬

‫مسسسّر العصسسسور‪ ،‬وجمعسسسوا فسسسي ذلسسسك‬ ‫علسسسى َ‬


‫ن‬ ‫حس س ِ‬ ‫ة؛ أرادوا بسسذلك عسسن ُ‬ ‫ت متعسسدد ً‬‫مصّنفا ٍ‬
‫ن‬ ‫قصدٍ التيسسير علسى النساس‪ ،‬ومسا علمسوا أ ّ‬
‫ف لمنهسسج الئمسسة ‪ -‬عليهسسم رحمسسة‬ ‫ذلك مخسسال ٌ‬
‫ف لما جاء عن رسول الله‬ ‫الله؛ بل هو مخال ٌ‬
‫ن جهة الصسسل‪ ،‬والخسسذ‬ ‫م ْ‬‫‪‬؛ بلزوم العزيمة ِ‬
‫خص والتيسير في بعض المسور ونسوازل‬ ‫بالّر َ‬
‫الحكام‪.‬‬
‫ص فسسي ذلسسك ظسساهٌر عسسن‬ ‫وأما إذا كان الن ّ‬
‫ن أهل العلسسم‬ ‫م ْ‬‫ل لحدٍ ِ‬ ‫رسول الله ‪ ‬فل قو َ‬
‫ل‬ ‫في نازلةٍ أي ّسا ً كسسانت؛ إل إذا كسسان ثمسسة أص س ٌ‬
‫مد ُ عليه بسسدفع ذلسسك السسدليل ‪ -‬هسسو أعظسسم‬ ‫ي ُعْت َ َ‬
‫ن منه‬ ‫منه‪ ،‬والكلم في ذلك في الفروع أهو ُ‬
‫في الصول‪ ،‬وإن كانت الصول قسسد تغاضسسى‬
‫رسسسول اللسسه ‪ ‬عسسن شسسيءٍ مسسن فروعهسسا؛‬
‫صلحةٍ في السسسلم أعظسسم؛ وكسسذلك كسسان‬ ‫لم ْ‬
‫أصحاب رسسسول اللسسه ‪‬؛ كمسسا جسساء عنهسسم ‪-‬‬
‫ن بعضسسهم قسسد‬ ‫عليهم رضوان الله تعسسالى ‪ -‬أ ّ‬
‫طل بعضا ً من حدود الشريعة؛ ل من جهسسة‬ ‫عَ ّ‬
‫التقليل والتحكيم لغير ما أنسسزل اللسسه؛ وإنمسسا‬
‫في واقعةٍ بعينها؛ لمصسسلحة رأوهسسا كمسسا جسساء‬
‫مل َس ٍ‬
‫ة‬ ‫ج ْ‬‫ل ُ‬‫عن رسول الله ‪ ‬أن ّسسه قسسد درء قَت ْس َ‬
‫ق؛ ل ِعِل ّسةٍ راجح س ٍ‬
‫ة‬ ‫ق والّنفسسا ِ‬ ‫مسسن أهسسل ال ّ‬
‫شسسقا ِ‬ ‫ِ‬
‫تتعّلق بأصول الديانة‪.‬‬
‫والكلم على أمثال هذه المسائل يطسسول‬
‫‪21‬‬

‫ن ي ُعَْلم أنه ينبغي لطالب‬ ‫ن ينبغي أ ْ‬ ‫جدًا؛ ولك ْ‬


‫م إذا قال‬ ‫ن العال ِ َ‬
‫ن يلتمس الدليل‪ ،‬وأ ّ‬ ‫العلم أ ْ‬
‫مسسّر‬ ‫بمسسسألةٍ مسسن مسسسائل الديانسسة علسسى َ‬
‫مْعسسذورا ً إذا اسسستفرغ‬ ‫العصسسور‪ ،‬أنسسه يكسسون َ‬
‫ن المقل ّسسد لسسذلك‬ ‫مسسس السسدليل‪ ،‬وأ ّ‬ ‫وس سَعه بتل ّ‬
‫العاِلم قد يكون آثم سا ً بتقليسسده ذلسسك إذا كسسان‬
‫ن مسألة التيسير بسسذاتها ل‬ ‫ذلك عن هوى‪ ،‬وأ ّ‬
‫ضَرب بها النصسوص المحكمسة عسن رسسول‬ ‫تُ ْ‬
‫اللسسسه ‪‬؛ والسسستي عليهسسسا إجمسسساعُ الصسسسحابة‬
‫مسسن‬ ‫ة ِ‬
‫جسسد ُ مسسسأل ٌ‬ ‫وغيرهسسم‪ ،‬وأّنسسه ل يكسساد يو َ‬
‫ل شاذ ٌ لحسدٍ مسسن‬ ‫مسائل الديانة إل وفيها قَوْ ٌ‬
‫مسّر العصسسور؛ سسسواًء‬ ‫العلماء المعَتبرين على َ‬
‫سلف من التابعين وغيرهم‪.‬‬ ‫من أئمة ال ّ‬
‫ومن نظر إلى الكتسسب السستي تعتنسسي بفقسسه‬
‫كر الخلف العالي والنسسازل وجسسد‬ ‫الخلف‪ ،‬وذِ ْ‬
‫ذلك ظاهرا ً بينًا؛ لهسسذا ينبغسسي لطسسالب العلسسم‬
‫أن يعتني بالدلة والصول عسسن رسسسول اللسسه‬
‫ن أعلى ما‬ ‫درها‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ن يعلم قَ ْ‬‫‪ ‬والجماع‪ ،‬وأ ْ‬
‫جسساء فسسي ذلسسك السسوحي كلم اللسسه ‪ ،‬وكلم‬
‫ع‪،‬‬‫رسسسول اللسسه ‪ ،‬ثسسم يلسسي ذلسسك الجمسسا ُ‬
‫وأعلسسى الجمسساِع إجمسساعُ الصسسحابة ‪ -‬عليهسسم‬
‫رضوان الله تعالى ‪ -‬كما قال المام أحمسسد ‪:‬‬
‫ع‬
‫ن بعسسدهم ت َب َس ٌ‬ ‫مس ْ‬‫الجمسساع إجمسساع الصسسحابة و َ‬
‫لهم‪ ،‬ثم يلحق فسسي ذلسسك الصسسول؛ كمسسسألة‬
‫القياس ومسألة المصسسالح والمفاسسسد وغيسسر‬
‫‪22‬‬

‫ل عليها‬ ‫ذلك من مقاصد الشريعة التي قد د َ ّ‬


‫الدليل‪.‬‬
‫ل ي َْعني من ذلك َدفع التيسير علسسى وجسسه‬
‫مسسن‬ ‫العموم والطلق؛ وإنما َيعني الحتراز م ّ‬
‫ب‬ ‫ي ُط ْل َقُ هذه العبارة‪ ،‬وهو يريد بها في الغْل َ ِ‬
‫ن هسسذه العبسسارة قسسد امتطاهسسا كسسثيٌر‬ ‫خيسسرا ً ‪ -‬أ ّ‬
‫من يريد بالسلم سوءًا؛ فظهرت كثيٌر من‬ ‫م ّ‬
‫ل شسساذ ّةٍ فيهسسا؛‬ ‫مسسس أقسسوا ٍ‬ ‫مسائل الديانة بتل ّ‬
‫ط‬ ‫فقيل بجواز إمامسسة المسسرأة‪ ،‬وقيسسل بإسسسقا ِ‬
‫ة‬
‫دعو ِ‬ ‫وة والس ّ‬ ‫خل َ‬‫كثيرٍ من أحكسسام الديانسسة؛ كسسال َ‬
‫سسسفور؛ كمسسا أن ّسسه‬ ‫ج وال ّ‬ ‫إلسسى الختلط والتسسبّر ِ‬
‫ه‬
‫جس ِ‬ ‫ينبغي للناظر في مسائل الديانة علسسى وَ ْ‬
‫العمسسوم‪ ،‬ومسسن انسسبرى للُفتيسسا أن ي َْنظسسر إلسسى‬
‫حسسال السسسائل‪ ،‬ل إلسسى حسسال المسسسألة السستي‬
‫ل قد َيسأل وهو يريد‬ ‫ن السائ َ‬ ‫ل عنها؛ فإ ّ‬ ‫ُيسأ ُ‬
‫ة وتت ُّبع سًا؛ فكسسثيٌر ممسسن‬ ‫ش سَبه؛ ومسسا أراد ديان س ً‬ ‫ُ‬
‫س المسائل الشسساذ ّةَ فسسي السسدين؛ فسسإنه‬ ‫يلتم ُ‬
‫ة‬ ‫يريسسد بسسذلك ط َْعنسسا ً فسسي ديسسن اللسسه‪ ،‬وإذابسس ً‬
‫لمسائل الدين؛ فإنه ينبغي الّنظُر إلى حاله؛‬
‫سّلم ويتبع المسائل التي قسسد‬ ‫من ي ُ َ‬ ‫إذا كان م ّ‬
‫ن ذلسسك‬ ‫س عليها وأجمعوا عليها‪ ،‬فإ ّ‬ ‫اّتفق النا ُ‬
‫ع‬
‫مسن ل َيرفس ُ‬ ‫ن الظن ه‪ ،‬وإذا كسان م ّ‬ ‫س ُ‬
‫ح َ‬‫َقد ي ُ ْ‬
‫الجماع رأسًا‪ ،‬ول ي َْنظر إلى الدليل‪ ،‬ويكسسون‬
‫دد‬ ‫شسس ّ‬‫ن ذلك أحرى بسسأن ي ُ َ‬ ‫من يّتبع هواه‪ ،‬فإ ّ‬ ‫م ّ‬
‫ن يّبيسسن حسساله‬ ‫جسسَر عليسسه‪ ،‬وأ ْ‬ ‫ن ُيح ّ‬‫عليسسه‪ ،‬وأ ْ‬
‫‪23‬‬

‫س فسسي دينهسسم‪،‬‬ ‫للناس؛ لنه ربمسسا َيفتسسن النسسا َ‬


‫ل‬ ‫وإن كان ما يسأله من مسائل السسدين مح س ّ‬
‫ف ونحو ذلك؛ فنحسسن نسسسمعُ بيسسن الَفينسسة‬ ‫خل ٍ‬
‫م عسسل مسسسائل الحجسساب‪،‬‬ ‫والخرى من يتكل ّس ُ‬
‫ومسائل العورات‪ ،‬وكثيرٍ من أحكام الديانة‪،‬‬
‫ن فسسي تلسسك المسسسائل خلف سا ً‬ ‫ولو قال ذلك أ ّ‬
‫لقيل لسسه أن ذلسسك صسسحيح؛ ولكسسن ينبغسسي أن‬
‫مسسن يعظسسم العسسورات‬ ‫ي ُْنظَر لحاله؛ هل هسسو م ّ‬
‫التي قد اتفق عليها العلماء؟!‬
‫ومن نظر إلى أحوال كثيرٍ ممسسن يقتنسسص‬
‫جد َ أنهم ل ُيقيمون للعسسورات‬ ‫تلك المسائل وَ َ‬
‫المغلظة التي قد أجمع العلماُء على وجوب‬
‫سترها؛ ل يرفع بها رأسسًا‪ ،‬ول َيعتنسسي بهسسا ول‬ ‫َ‬
‫يلتمسسس السسدليل‪ ،‬وإنمسسا ينظسسر إلسسى تلسسك‬
‫الفرعيات‪.‬‬
‫فينبغسي للعسالم حينمسا يتكّلسم فسي أمثسال‬
‫طلعسسا ً لحسسوال‬ ‫م ّ‬ ‫هسسذه المسسسائل أن يكسسون ُ‬
‫السسسسائلين؛ سسسابرا ً لحسسوالهم؛ عارفسسسا ً بمسسسا‬
‫ل‬ ‫ف ل يجيبسسون ك س ّ‬ ‫سسسل ُ‬‫يريدون؛ لهسسذا كسسان ال ّ‬
‫ل‪.‬‬‫سائ ٍ‬
‫وكذلك مما ينبغي أن يتنبه له النظر فسسي‬
‫ل‬ ‫ل الخلف حسسا َ‬ ‫ن مسسسائ َ‬ ‫مسسسائل الخلف؛ أ ّ‬
‫الكلم ِ عليهسسسا عنسسسد العامسسة ل ينبغسسسي ِذكسسسُر‬
‫ك الترجيسسح؛ ممسسن يغلسسب عليسسه‬ ‫ف وت َسسر ُ‬
‫الخل ِ‬
‫هواه؛ لغلبة الهوى‪ ،‬واتّباع الن ّْفس في ذلسسك؛‬
‫‪24‬‬

‫ن ُيربط النسساس بالسسدليل‪ ،‬ولسسو ذ ُك ِسَر‬ ‫فينبغي أ ْ‬


‫جة وليس غيسسره؛‬ ‫ن الدليل هو الح ّ‬ ‫الخلف؛ ل ّ‬
‫ه ‪ ‬ما تعبدنا بشيٍء إل بذلك‪.‬‬ ‫لن الل َ‬
‫الكلم على هذه الصول وهذه المهمسسات‬
‫صسسرفنا عسسن‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫بأ ْ‬ ‫دا؛ فل ن َْرغسس ُ‬
‫يطسسول جسس ّ‬
‫من هاتين المحاضسسرتين؛ نحسسن فسسي‬ ‫مقصدنا ِ‬
‫هذه الليلة ‪ -‬بإذن الله تعسسالى ‪ -‬نتكلسسم علسسى‬
‫جمل َةٍ من المسائل في نوازل الحج‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ن مسسن أركسسان‬ ‫ج كما ل يخفى أنسسه رك س ٌ‬ ‫ح ّ‬
‫ال َ‬
‫ل علسسى‬ ‫السلم‪ ،‬ومن دعائمه العظام؛ قسسد د ّ‬
‫سّنة قد أمَر اللسسه‬ ‫ل من الكتاب وال ّ‬ ‫ذلك الدلي ُ‬
‫‪ ‬به‪.‬‬
‫ويكْفى في ذلسسك أن جعلسسه اللسسه ‪ ‬ركنسا ً‬
‫ن الب ِن َسسا ل‬‫من ُبنيان السلم العظيم؛ وذلسسك أ ّ‬
‫من تلسسك الركسسان مسسا‬ ‫يقوم إل على أركان؛ ف ِ‬
‫ط ذلك البنسسا‪ ،‬ومنهسسا مسسا ل َيسسسقط إل‬ ‫سَق َ‬ ‫لو َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫سسسقط برك س ٍ‬ ‫بأكثر أركانه‪ ،‬ومن الُبنيان مسسا ي َ ْ‬
‫د؛ وذلك بتباين الدليل‪.‬‬ ‫واح ٍ‬
‫وينبغي النظر في أحوال مسائل التكفيسسر‬
‫من تركها كسل ً وتهاونا ً إلى‬ ‫بأركان السلم ل َ‬ ‫َ‬
‫الدّلة من الكتاب والسنة‪ ،‬وليس هذا محسسل‬
‫ضبطها‪.‬‬
‫ددة؛ وهسسي ليسسست‬ ‫النوازل في الحج متع س ّ‬
‫بالكثيرة؛ نتكلم علسسى جملسةٍ منهسسا فسسي هسسذه‬
‫‪25‬‬

‫ح سقُ مسسا ظهسسر مسسن هسسذه النسسوازل‬ ‫الليلة‪ ،‬وُنل ِ‬


‫من نازلةٍ إل ولها‬ ‫جمَلة فإنه ما ِ‬ ‫بأصولها؛ وبال ُ‬
‫أصسل‪ ،‬وبعسض النسوازل مسسن نظسسر إلسسى كلم‬
‫الفقهاء وجد أن العلماء يتكلمون عليهسا فسي‬
‫مصّنفاتهم؛ لكنها على طريقةٍ أخرى؛ وذلسسك‬
‫لتباين الصطلح‪ ،‬وتغي ّسسر الحسسال ونحسسو ذلسك‪،‬‬
‫وهسسذه مسسسائل متعسسددة يسسأتي الكلم عليهسسا‬
‫بإذن الله‪.‬‬
‫النوازل منها ما َيطلب الناظر لهسسا أص سل ً‪،‬‬
‫ول يكاد يجد لها أصل ً إل بعض مسسا جسساء عسسن‬
‫السسسلف مسسن متسسأخريهم مسسن أتبسساع التسسابعين‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫سسعَ بإلحسساق‬ ‫ل فإن ّسسا نسسستفرغُ الوُ ْ‬‫وعلى كس ّ‬
‫سّنة أو أقوال‬ ‫كل فرٍع بأصلهِ من الكتاب وال ّ‬
‫سسسسَلف مسسسن الصسسسحابة والتسسسابعين وأئمسسسة‬ ‫ال ّ‬
‫السلم‪.‬‬
‫ددة‪ ،‬منهسسا‬ ‫مسائل النوازل في الحسسج متعس ّ‬
‫ن‬‫خر من تحديد زمس ٍ‬ ‫ما ظهر في الوْقت المتأ ّ‬
‫ن للحج‪.‬‬ ‫ن معي ٍ‬ ‫معين للعمرة‪ ،‬وتحديد زم ٍ‬
‫ن‬
‫ون َْبتسسدئ بسسالعمرة فسسإنه مسسن المعلسسوم أ ّ‬
‫دد فيهسسا‬‫حس ّ‬ ‫مرةَ لكثيرٍ من أهل البلدان قد ُ‬ ‫العُ ْ‬
‫من َعُ منه؛‬‫مواسم معلومة لدائها‪ ،‬وغير ذلك ي ُ ْ‬
‫جهَةِ أداء العمرة؛ فالعمرة واجبسسة‬ ‫أول ً ‪ :‬من ِ‬
‫سَلف؛ كمسسا‬ ‫ل عامة ال ّ‬ ‫على الصحيح‪ ،‬وهو قو ُ‬
‫‪26‬‬

‫جاء ذلك عن عبد الله بن عباس وعبسسد اللسسه‬


‫بن عمر وجسسابر بسسن عبسسد اللسسه وغيرهسسم مسسن‬
‫ت‬ ‫أصحاب رسسسول اللسسه ‪ ،‬وليسسس لهسسا وق س ٌ‬
‫ة في سائر أيسسام السسسنة‬ ‫دد وهي مشروع ٌ‬ ‫مح ّ‬
‫جه العمسسوم؛ مسسن غيسسر اسسستيفاء يسسوم ٍ‬ ‫على وَ ْ‬
‫بعينه عند عامة العلماء؛ خلفا ً لبسسي حنيفسسة‪،‬‬
‫وما ُيروى عسسن عائشسسة عليهسسا رضسسوان اللسسه‬
‫تعالى أنهسسم اسسستثنوا مسسن ذلسسك أربعسسة أيسسام؛‬
‫م عرفة‪ ،‬الثاني يسسوم الّنحسسر‪ ،‬الثسسالث‬ ‫أولها يو ُ‬
‫والرابع اليومان بعده؛ وهما أيام التشريق‪.‬‬
‫وقد جاء عن عائشة ‪ -‬عليها رضوان اللسسه‬
‫تعالى ‪ -‬كما عند السسبيهقي مسسن حسسديث يزيسسد‬
‫رشسسك عسسن معسساذة عسسن عائشسسة ‪ -‬عليهسسا‬ ‫ِ‬ ‫ال‬
‫ُ‬
‫ت‬ ‫رضسسوان اللسسه تعسسالى ‪ -‬أنهسسا قسسالت ‪ِ :‬أحل ّس ِ‬
‫العمرة في السنة كلها إل فسسي أربعسسة أيسسام؛‬
‫وهذا الحسسديث أو الثسسر عسسن عائشسسة ‪ -‬عليهسسا‬
‫رضوان الله تعالى ‪ -‬قد قسسال فيسسه النسسووي ‪:‬‬
‫ل ل يثبت‪ .‬قال البيهقي عليه رحمة الله‬ ‫باط ٌ‬
‫سسسنن" ‪ :‬هسسذا المسُر‬ ‫تعالى كما في كتسسابه "ال ّ‬
‫جسا ً وفسي المناسسك أنسه ل‬ ‫عندنا لمن كان حا ّ‬
‫ج فسإنه‬ ‫يعتمر في هذه اليام‪ ،‬وأما غيسر الحسا ّ‬
‫يعتمر فيه‪.‬‬
‫سسستند إلسسى هسسذا التعليسسل مسسع‬ ‫ويقال أنسسه ي ُ ْ‬
‫ح كسسان‬ ‫صس ّ‬‫ما كان الدليل ل ي َ ّ‬ ‫صحة الدليل؛ فل ّ‬
‫ج‬ ‫مسسن جهسسة الح س ّ‬ ‫المر باقيا ً على المر‪ ،‬وأما ِ‬
‫‪27‬‬

‫ج قد جاء عن رسول اللسسه ‪ ‬المسسر‬ ‫فإن الح ّ‬


‫بالمتابعة؛ الحث المتابعة عليه؛ فقال ‪ -‬عليه‬
‫ج‬ ‫الصسسلة والسسسلم ‪" :‬تككابعوا بيككن الحكك ّ‬
‫والعمرة"‪.‬‬
‫ث رسول اللسسه ‪ ‬علسسى الكثسسار منسسه؛‬ ‫ح ّ‬‫و َ‬
‫ج‬ ‫فقسسال ‪ -‬عليسسه الصسسلة والسسسلم ‪" :‬الحكك ّ‬
‫المككبرور ليككس لككه جككزاءٌ إل الجّنككة"‪.‬‬
‫ج‬ ‫حك ّ‬
‫ن َ‬‫مك ْ‬
‫وقال ‪ -‬عليه الصسسلة والسسسلم ‪َ " :‬‬
‫ولككم ي َْرفككث ولككم يفسككق خككرج مككن‬
‫مه"‪.‬‬ ‫ذنوبه كما ولدته أ ّ‬
‫ن‬‫وجاء عن رسسسول اللسسه ‪ ‬السسترغيب بسسأ ْ‬
‫ل خمسسسة أعسسوام‪ ،‬وقسسد جسساء‬ ‫ج النسان ك ّ‬ ‫َيح ّ‬
‫ق متعددة‪ ،‬ول يصح منها شيء؛‬ ‫من ط ُُر ٍ‬ ‫ذلك ِ‬
‫ح عسسن رسسسول اللسسه ‪ ‬تحديسسد م سد ّ ٍ‬
‫ة‬ ‫فل َيص س ّ‬
‫مرة؛ وإنمسسا جسساء‬ ‫ج‪ ،‬ول في العُ ْ‬ ‫معينةٍ في الح ّ‬
‫ل عسسن‬ ‫الدليل في الُعمرة ببيان وقت الفاض س ِ‬
‫غيسسره؛ ببيسسان وقسست الفاضسسل كمسسا جسساء عسسن‬
‫رسول الله ‪ ‬في بيان فضسسل العمسسرة فسسي‬
‫رمضان‪ ،‬وكذلك اعتمار رسول اللسسه ‪ ‬فسسي‬
‫أشُهر الحج؛ فإن رسول اللسسه ‪ ‬قسسد اعتمسسر‬
‫مسسره عليسسه الصسسلة‬ ‫ت‪ ،‬وكسسانت عُ ْ‬ ‫أربسسع مسسرا ٍ‬
‫والسلم في أشهر الحج‪ ،‬مسسا اعتمسسر ‪ -‬عليسسه‬
‫الصسسلة والسسسلم ‪ -‬فسسي غيرهسسا‪ ،‬ولمسسا كسسان‬
‫ل أل يمنسسع النسساس مسسن‬ ‫صس َ‬ ‫ن ال ْ‬‫مأ ّ‬ ‫كذلك عُل ِس َ‬
‫ن‬ ‫جسهِ العمسسوم؛ وذلسسك أ ّ‬ ‫أداء العمسسرة علسسى وَ ْ‬
‫‪28‬‬

‫رسسسول اللسسه ‪ ‬قسسد قسسال ‪" :‬يا بنككي عبككد‬


‫مناف‪ ،‬ل تمنعوا أحدا ً طاف بالبيت أو‬
‫ل أو نهككار"‪.‬‬ ‫ة مككن لي ك ٍ‬ ‫صّلى أيككة سككاع ٍ‬
‫وهذا الخطساب ينصسرف إلسى سسائر النساس؛‬
‫ث رسسسول‬ ‫حس ّ‬
‫عربيهم وأعجمّيهم؛ كسسذلك قسسد َ‬
‫ج علسسى وجسسه‬ ‫الله ‪ ‬علسسى عسسدم أذي ّسةِ الحسسا ّ‬
‫العموم‪ ،‬فيستنبط منسسه إذا كسسانت الذي ّسسة لسسه‬
‫حال وصوله؛ فكيف بمنعه من جهة الصل!‬
‫كذلك أيضا ً ما جاء عسن السسلف ‪ -‬عليهسم‬
‫رحمسسة اللسسه تعسسالى ‪ -‬كعمسسر بسسن الخطسساب ‪-‬‬
‫عليه رضوان الله تعالى ‪ -‬وغيره؛ مسسن إخلء‬
‫مكة من أهلها؛ من دورٍ ونحو ذلسسك للحجسساج‬
‫من كان قاصدا ً بيست اللسه ‪ ‬وأنهسسم أولسى‬ ‫م ّ‬
‫بذلك من غيرهم‪.‬‬
‫وقد جاء هذا عن عمر بسسن الخطسساب كمسسا‬
‫رواه الفسساكهي فسسي أخبسسار مكسسة مسسن حسسديث‬
‫عبيد الله بن عمر عن نافٍع عن عبد الله بسسن‬
‫عمر أنه نهى عن بيع وإيجار دور مكة‪ ،‬وأمر‬
‫بفتح أبواب الدور‪ ،‬وأن ينصب الناس الخيام‬
‫حيث شاءوا‪.‬‬
‫ح عن عمر بن الخطاب ‪ -‬عليه‬ ‫وهذا صحي ٌ‬
‫رضوان الله تعسسالى ‪ -‬وقسسد جسساء بنحسسوه عسسن‬
‫بعض الصحابة عليهسسم رضسسوان اللسسه تعسسالى‪،‬‬
‫ول يصح‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫أما من جهة التقييد والمنع يقسسال أنسسه قسسد‬


‫ثبت عسسن بعسسض الصسسحابة ‪ -‬عليهسسم رضسسوان‬
‫مَنعوا من العتمار في‬ ‫الله تعالى ‪ -‬أنهم قد َ‬
‫بعض المواسم البدعية التي قد يظن الناس‬
‫ل مسسن الكتسساب‬ ‫فيها قصدا ً لسسم يسسرد فيسسه دلي س ٌ‬
‫والسنة‪.‬‬
‫قد يلحق مسألة التقييسسد بهسسذه المصسسلحة‬
‫كمسسا جسساء عسسن عمسسر بسسن الخطسساب ‪ -‬عليسسه‬
‫رضسسوان اللسسه تعسسالى ‪ -‬أنسسه كسسان يمنسسع مسسن‬
‫العتمسسار فسسي أشسسهرِ الحسسرم وأشسسهر الحسسج‪،‬‬
‫وذلك كما رواه ابسن أبسي شسيبة‪ ،‬وذلسك ابسن‬
‫جرير الطبري في التاريخ وغيره‪.‬‬
‫جه بعسسض الصسسحابة كعمسسران ‪-‬‬ ‫وقسسد حسسا ّ‬
‫عليهسسم رضسسوان اللسسه تعسسالى ‪ -‬فسسي مسسسألة‬
‫المنع؛ فعلل ذلك عمر بسسن الخطسساب ‪ -‬عليسسه‬
‫مسسرون فسسي‬ ‫رضسسوان اللسسه تعسسالى ‪ -‬أّنهسسم ي َعْ َ‬
‫جزئ عنهسسم‬ ‫أشهر الحج‪ ،‬فينظرون أن ذلك ي ُ ْ‬
‫عن الحج‪ ،‬فيدخلون إلى أهليهم‪ ،‬فلمسسا كسسان‬
‫ذلك التعليل لم يرد فيه دليل منعه عمر بسسن‬
‫الخطاب عليه رضوان الله تعالى مسسن ذلسسك‪،‬‬
‫ل عنه عليه رضسسوان اللسسه تعسسالى ‪-‬‬ ‫وجاء تعلي ٌ‬
‫جسسر السسبيت فيمسسا‬ ‫ن ذلسسك لكيل ي ُهْ َ‬‫مس ْ‬‫من َسسع ِ‬
‫أن ّسسه َ‬
‫مسسة مصسسلحة شسسرعية جسساز‬ ‫سواه‪ ،‬فإذا كان ث ّ‬
‫دد‬‫ددة؛ كمسسن يحسس ّ‬ ‫تقييد الوقت في أزمنة مح ّ‬
‫ة في أشهرٍ من السسسنة؛ وذلسسك لسسترتيب‬ ‫أزمن َ‬
‫‪30‬‬

‫أوقسسسات المعتمريسسسن‪ ،‬وتسسسسهيل وصسسسولهم‪،‬‬


‫دفع سا ً‬‫وترتيب وصول الفسسواج منهسسم؛ وذلسسك َ‬
‫من ْسٍع علسسى وجسسه‬ ‫للزحام والمشّقة مسسن غيسسر َ‬
‫العموم؛ فإن هذا له مقصد شرعي‪ ،‬وأصسسله‬
‫ت عسسن الصسسحابة عليهسسم رضسسوان اللسسه‬ ‫ثسساب ٌ‬
‫تعالى‪.‬‬
‫ويلحق في ذلك منع أهسسل الظلل والزيسسغ‬
‫ت مخصوصة؛ سواًء فسسي‬ ‫من التعبد في أوقا ٍ‬
‫مكة وغيرها؛ ممن أمر الشارع بالتيان إليها‬
‫جه العموم في جميع مواسسسم العسسام؛‬ ‫على وَ ْ‬
‫فيقال أنه إذا كان ثمة مسسن أهسسل البسسدع مسسن‬
‫ل‬ ‫ل الدلي ُ‬
‫ت وأزمنةٍ محددة فيما د َ ّ‬ ‫يتعبد بأوقا ٍ‬
‫جسه العمسوم جسائٌز‬ ‫ن التعّبد فيه على وَ ْ‬ ‫على أ ّ‬
‫يجوز منعه؛ كمن يعتمر في رجب‪ ،‬أو يحتفل‬
‫ل معروفة؛ كالميلد وليلسسة السسسراء فسسي‬ ‫بليا ٍ‬
‫بعض المساجد ونحو ذلك‪ ،‬وإن كسسان دخسسول‬
‫المسسساجد والتعبسسد فيهسسا هسسو مسسن أعظسسم‬
‫صسسد ّ‬
‫العبادات‪ ،‬ومن المشروع في الديانة‪ ،‬و َ‬
‫ن أعظم الثسسام‪ ،‬وقسسد‬ ‫م ْ‬
‫الناس عن المساجد ِ‬
‫ن ذلك أعظسسم تحسسذير‪ ،‬وحسسذر‬ ‫ذر الله ‪ِ ‬‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬
‫َ‬
‫منسسه عليسسه الصسسلة والسسسلم فسسي أحسساديث‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫ن خلصة هذه المسألة أنه يجوز‬ ‫وعليه فإ ّ‬
‫ددة لمصسسلحة تيسسسير أمسسر‬ ‫تحديد أزمنسسة مح س ّ‬
‫الحجاج من عسسدم الزحسسام ونحسسو ذلسسك‪) ،‬وإل‬
‫‪31‬‬

‫سسَعة ومسسا وجسسد ُفسسسحة‬ ‫فالصل أنه ما وجد َ‬


‫ص سد َ‬‫ل(؛ فمسسن أراد قَ ْ‬ ‫منعهم بحا ٍ‬ ‫فإنه ل يجوز َ‬
‫سسسر‬ ‫الحج في أي يوم ٍ من أيام السنة فإنه ي ُي َ ّ‬
‫له ذلسسك ول ُيمن َسعُ منسسه علسسى وجسسه العمسسوم؛‬
‫ل علسسى العِل ّس ِ‬
‫ة‬ ‫ب هسسذا الص س ُ‬ ‫فينبغسسي أن ي ُغَل ّس َ‬
‫در المكان‪ ،‬إل إذا كسسان فسسي‬ ‫وعلى النازلة قَ ْ‬
‫ب‬ ‫ذلك علة أو نازلة ظاهرة بّينسسة؛ فإنهسسا ُتغل ّس ُ‬
‫لعِل ّةٍ ظاهرةٍ تتعلق بمقاصد التشريع؛ لثبوت‬
‫ذلك عن بعض أصحاب رسول الله ‪.‬‬
‫ومن المسائل النازلة في هسسذا البسساب مسسا‬
‫مى في عصسسرنا بسس "قوافسسل" أو "حملت‬ ‫ُيس ّ‬
‫الحج"؛ هذه القوافل وحملت الحج هي مسسن‬
‫س‬ ‫النوازل في هذا الزمان‪ ،‬وقسسد تبسساين النسسا ُ‬
‫ل‪ ،‬بيسسن‬ ‫مغسسا ٍ‬‫ل وغيسسر ُ‬‫مغا ٍ‬‫في هذا الباب؛ بين ُ‬
‫مّتبٍع للتيسسسير والسسسعة‪،‬‬ ‫مّتبٍع للمشقة‪ ،‬وبين ُ‬ ‫ُ‬
‫ف يدفع الغالي والنفيس؛ لتقليسسل‬ ‫مسر ٍ‬ ‫وبين ُ‬
‫سسسعة‪ ،‬وعسسدم النظسسر إلسسى‬ ‫الراحسسة وطلسسب ال ّ‬
‫صل المشقةِ في الحسسج؛ وذلسسك أن الشسسارع‬ ‫أ ْ‬
‫مى الحج جهادًا‪ ،‬فقد جاء عسسن رسسسول‬ ‫قد س ّ‬
‫الله ‪ ‬كمسا جسساء فسي البخساري مسسن حسديث‬
‫عائشسسة عليهسسا ‪ -‬رضسسوان اللسسه تعسسالى ‪ -‬أنسسه‬
‫قال ‪" :‬على النساء جهاد ل قتال فيه" وقال‬
‫‪" :‬الحج"‪ ،‬وقد جاء في غيسسر البخسساري بسسذكر‬
‫مى رسول‬ ‫العمرة‪ ،‬وهي غير محفوظة؛ فس ّ‬
‫ج جهسسادًا؛ وذلسسك لمسسا فيسسه مسسن‬ ‫اللسسه ‪ ‬الح س ّ‬
‫‪32‬‬

‫الجهد والمشقة‪ ،‬ورسول اللسسه ‪ ‬وأصسسحابه‬


‫كانوا ‪ -‬عليهم رضوان الله تعالى ‪ -‬مع ُيسسسر‬
‫بعضسسهم إل أنسسه ي ََتحّيسسن التقشسسف والتقلسسل‬
‫مس المبالغة بالراحة؛ كما جاء عسسن‬ ‫وعدم تل ّ‬
‫أنس بن مالك ‪ -‬عليه رضسسوان اللسسه تعسسالى ‪-‬‬
‫في المسند وغيره من حديث يزيد بن أبسسان‬
‫عن أنس بن مالك قال ‪ :‬حج رسول الله ‪‬‬
‫ث‪ ،‬وقميصسسه ل يسسساوي أربعسسة‬ ‫ل َر ّ‬‫على َرح س ٍ‬
‫ج أنس بسسن مالسسك عليسسه رضسسوان‬ ‫ح ّ‬‫دراهم‪ ،‬و َ‬
‫الله تعالى على ذلك‪.‬‬
‫وقد جاء عن عبسسد اللسسه بسسن عمسسر ‪ -‬عليسسه‬
‫رضوان الله تعالى ‪ -‬أنه رأى رفقة قد جاءوا‬
‫إلى الحج من أهل اليمن بعسسد وفسساة رسسسول‬
‫الله ‪ ‬على رواحل رّثة‪ ،‬بها مزادتهم‪ ،‬فقال‬
‫عليه رضوان الله تعالى‪ :‬مسسن أراد أن ينظسسر‬
‫إلى رسول الله ‪ ‬ومن معسسه فلينظسسر إلسسى‬
‫هسسذا الوفسسد‪ .‬يعنسسي السسذين جسساءوا إلسسى الحسسج‬
‫وحالهم تلك المذكورة‪.‬‬
‫وقسسد جسساء عسسن أنسسس بسسن مالسسك ‪ -‬عليسسه‬
‫رضوان الله تعالى ‪ -‬كما جسساء فسسي الصسسحيح‬
‫ن أنس بسن مالسك ‪ -‬عليسسه‬ ‫من حديث أمامة أ ّ‬
‫ل‪،‬‬
‫ج علسسى َرحس ٍ‬ ‫رضوان اللسسه تعسسالى ‪ -‬أنسسه حس ّ‬
‫وليسسس بشسسحيح؛ أي أنسسه ليسسس بضسسيق ذات‬
‫ل مسسن ذلسسك‬ ‫ل؛ إل أنه تقل ّ َ‬‫اليد؛ وإنما يملك ما ً‬
‫وترك السراف‪.‬‬
‫‪33‬‬

‫ومسسن نظسسر إلسسى أحسسوال كسسثيرٍ مسسن أهسسل‬


‫الحملت في وقتنا وجد المبالغسسة فسسي ذلسسك‪،‬‬
‫وبعضهم يدفع اللوف المؤلفسسة لكسسي يتيسسسر‬
‫ب أن‬ ‫له الحج‪ ،‬فل يلتمس فيه مشسسقة‪ ،‬فسسأح ّ‬
‫ُيفسسسح لسسه الطريسسق‪ ،‬فلسسم ينظسسر إلسسى حسسال‬
‫رسول الله في حجسسه وهسسو مسسن هسسو‪ ،‬فكسسان‬
‫ة‪،‬‬‫رسسسول اللسسه ‪ ‬يحسسج علسسى راحل سةٍ واحسسد ٍ‬
‫وعلى هذه الراحلة مزادتسسه وطعسسامه‪ ،‬وفيهسسا‬
‫رحله عليه الصلة والسلم ومتاعه؛ قال‪ :‬قد‬
‫ن أول مسسن حسسج‬ ‫جسساء عسسن بعسسض السسسلف أ ّ‬
‫براحلسستين؛ راحلسسة يمتطيهسسا وراحلسسة عليهسسا‬
‫مزادته هو عثمان بن عفان ‪ -‬عليسسه رضسسوان‬
‫الله تعالى؛ فرسول اللسه ‪ ‬مسسن نظسسر إلسسى‬
‫حاله وجد أنه ل يلتمس المشقة ويتقصسسدها؛‬
‫ج راكبا ً وماشيًا‪،‬‬ ‫ح ّ‬‫وإنما كان رسول الله ‪ ‬ي َ ُ‬
‫وكسسان رسسسول اللسسه ‪ ‬ل يسسؤذي أحسسدا ً ول‬
‫يزاحم‪ ،‬وكان يحذر أصحابه ‪ -‬عليهم رضسسوان‬
‫الله تعالى ‪ -‬من الزحام وأذية الخلق؛ وذلسسك‬
‫خسسص‬ ‫دفعا ً للمشقة‪ ،‬وطلبسا ً للتيسسسير‪ ،‬وقسسد ر ّ‬
‫عليسسه الصسسلة والسسسلم كسسذلك للضسسعفاء أن‬
‫من مزدِلفة أو بعد‬ ‫ف الليل ِ‬ ‫ينفروا ب َْعد منتص ِ‬
‫طلوع القمر؛ كما جاء ذلسسك عسسن غيسسر واح سدٍ‬
‫من أصحاب رسول الله ‪ ،‬كعبسسد اللسسه بسسن‬ ‫ِ‬
‫عبسساس‪ ،‬والفضسسل‪ ،‬وأسسسماء‪ ،‬وغيرهسسم مسسن‬
‫ن‬‫أصسسحاب رسسسول اللسسه ‪‬؛ نفسسروا مسسع أ ّ‬
‫‪34‬‬

‫ب؛ طلب سا ً للتيسسسير‬ ‫المبيت في مزدلفسسة واج س ٌ‬


‫مسسن‬ ‫وكذلك رخص رسول الله ‪ ‬للعبسساس و َ‬
‫منى؛ وذلسسك لمصسسلحة سسسقاية‬ ‫معه أل يبيت ب ِ ِ‬
‫ن يسسسبقه‬ ‫خص رسسسول اللسسه ‪ ‬ل َ‬
‫مس ْ‬ ‫الحج‪ ،‬ور ّ‬
‫ن‬
‫مأ ّ‬ ‫م سَرة"؛ ومعلسسو ٌ‬ ‫ة ِبسسس"ن َ ِ‬‫فيضسسرب لسسه خيم س ً‬
‫م التروية وقبسسل ذلسسك هسسو‬ ‫مَنى" يو َ‬ ‫البقاء بس " ِ‬
‫مسسا كسسان يتعل ّسسق‬ ‫ة والولى؛ ولكن ذلسك ل ّ‬ ‫سن ّ ُ‬
‫ال ّ‬
‫بمصلحة المسسسلمين وتيسسسير طريقهسسم جسساز‬
‫ن النسسسان أن‬ ‫خص ببعض الحسسوال‪ ،‬إل أ ّ‬ ‫التر ّ‬
‫ج سهِ العمسسوم‬ ‫يلتمسسس د َفْ سعَ المش سّقةِ علسسى وَ ْ‬
‫وطلب التيسير والترّفه ليس ذلك مسسن نهسسج‬
‫محمدٍ ‪.‬‬
‫م من وجوه‪:‬‬ ‫وهذا مذمو ٌ‬
‫ذر‬ ‫حس ّ‬‫ي ‪ ‬قسسد َ‬ ‫ن النب ّ‬ ‫‪ -‬الوجه الول ‪ :‬أ ّ‬
‫من السراف؛ وذلك أن التيسيَر في الحج ل‬
‫ت معينسسة‬ ‫يمكن إل بدفع مبسسالغ باهظسسة لحمل ٍ‬
‫تيسسسر للنسسسان ت َن َّقَلسسه وتيسسسر لسسه ملبسسسه‬
‫ومطعمه بشيٍء ل يتخيسل النسسسان أنسه فسسي‬
‫م مشاهَد ٌ لمسسن لمسسس ذلسسك‪،‬‬ ‫حج؛ وهذا معلو ٌ‬
‫ذر رسول الله ‪ ‬من السراف؛ كمسسا‬ ‫ح ّ‬‫وقد َ‬
‫جاء في السنن من حديث ب َْهز بن حكيم من‬
‫ده‬ ‫جس ّ‬ ‫حديث عمرو بن شعيب عن أبيسسه عسسن َ‬
‫أن رسسسول اللسسه ‪ ‬قسسال ‪" :‬كل واشككرب‬
‫خي َل َككة"‪.‬‬ ‫م ْ‬‫ف ول َ‬ ‫س كَر ٍ‬ ‫وتصدق من غيككر َ‬
‫ل‬‫ذر اللسسه ‪ ‬مسسن السسسراف بقسسوله ج س ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫قد َ‬
‫‪35‬‬

‫فوا‪،‬‬ ‫ر ُ‬‫سكك ِ‬‫وَل ت ُ ْ‬ ‫شَرُبوا َ‬ ‫وا ْ‬‫وك ُُلوا َ‬ ‫وعل ‪َ  :‬‬


‫ن خصسسسسال‬ ‫مسسسس ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وبّيسسسسن ‪ ‬أن السسسسسرا َ‬
‫وهم؛ كسسذلك‬ ‫حس ِ‬‫من كسسان علسسى ن َ ْ‬ ‫الشياطين‪ ،‬و ِ‬
‫ن رسول الله ‪ ‬مسسع تيسسسير أمسسره‪،‬‬ ‫الثاني أ ّ‬
‫ج كسسان فسسي آخ سرِ أحسسواله‪ ،‬بعسسد أن‬ ‫ن الح س ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫ط الله ‪ ‬له في السسرزق‪ ،‬فكسسان رسسسول‬ ‫س َ‬ ‫بَ َ‬
‫ة‬
‫ت سسسن ٍ‬ ‫خُر فسسي آخسسر حيسساته قسسو َ‬ ‫اللسسه ‪ ‬ي َسد ّ ِ‬
‫ل على تيسير الّرْزق‪ ،‬وكذلك‬ ‫ة‪ ،‬وهذا يد ّ‬ ‫كامل ٍ‬
‫ن مسسن نظسسر إلسسى حسسال‬ ‫سسسَعة لليسسد‪ ،‬ثسسم أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي وأهدى‪ ،‬وهسسي‬ ‫رسول الله ‪ ‬فقد جاء بهَد ْ ٍ‬
‫مائة‪ ،‬فذبح رسول الله ‪ ‬بيده ثلثا ً وستين‪،‬‬
‫ك ذلك من الهسسدي ويسسأتي براحلسسة‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ورج ٌ‬
‫ل يَ ْ‬
‫سسسه؛‬ ‫واحدة رثة وعليها مزاد َُته وطعسسامه ولبا ُ‬
‫ن رسول الله ‪ ‬قد تق ّ‬
‫صسسد َ‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫وهذا يد ّ‬
‫ن‬ ‫م تتّبع التيسسسير علسسى وجسسه العمسسوم‪ ،‬وإ ْ‬ ‫عَد َ َ‬
‫كان التيسير مطلوبًا؛ وذلسسك لسسدفِع المشسسقة‬
‫والذية عن النسساس؛ أمسسا مسسن جهسسة النسسسان‬
‫بنفسه فإن الصل في الحج أنه من الجهاد‪.‬‬
‫ن الصسسحابة عليهسسم‬ ‫‪ -‬المر الثكاني ‪ :‬أ ّ‬
‫رضوان الله تعالى كانوا على نهج محمسدٍ ‪‬‬
‫كما جاء عن أنس بن مالسسك وعبسسد اللسسه بسسن‬
‫عمر؛ بسسل وعسسن عمسسر بسسن الخطسساب ‪ -‬عليسسه‬
‫جسساج‬ ‫ن كسسثيرا ً مسسن الح ّ‬ ‫رضوان الله تعالى؛ فإ ّ‬
‫السسسذين يبسسسالغون بسسسدفع المسسسوال الطائلسسسة‪،‬‬
‫ويبالغون بطلب الراحة والمسساكن الفسسسيحة‬
‫‪36‬‬

‫ونحو ذلك‪ ،‬ول يرغبون بالجلوس مع الناس‪،‬‬


‫ت؛ ليسسس لسسذكر اللسسه ‪‬‬ ‫ويرغبسسون بخلسسوا ٍ‬
‫خل ُس ّ‬
‫و‬ ‫والتعبد؛ وإنمسسا دفعسا ً لمخالفسسة النسساس و ُ‬
‫ب ل علقة لها‬ ‫ذهن أو النشغال بقراءة كت ٍ‬ ‫ال ّ‬
‫ك أن هسسذا مسسن‬ ‫بالمناسك ونحسسو ذلسسك‪ ،‬ل شس ّ‬
‫البعد‪.‬‬
‫ف عن عبسسد اللسسه بسسن‬ ‫وقد جاء في المصن ّ ِ‬
‫ن رجل ً‬ ‫عمر ‪ -‬عليه رضسسوان اللسسه تعسسالى ‪ -‬أ ّ‬
‫قال له ‪ :‬ما أكثر الحجاج! فقال عبد الله بن‬
‫عمر‪ :‬ما أقلهم! ثم نظر عبد الله بن عمسسر ‪-‬‬
‫ل علسسى‬ ‫عليه رضوان الله تعسسالى ‪ -‬إلسسى رج س ٍ‬
‫ل هسذا‪ ،‬يعنسي مسن هسؤلء‬ ‫ث‪ ،‬قال‪ ،‬لع ّ‬ ‫لر ٍ‬ ‫َرح ٍ‬
‫القليل؛ فإن الفوز والنجسساح وكسسذلك القبسسول‬
‫من غير أذي ّةٍ في نفسه‬ ‫ب المشقة ِ‬ ‫فيمن ط َل َ َ‬
‫ن رسسسول اللسسه ‪‬‬ ‫مسسن غيسسره؛ وذلسسك أ ّ‬ ‫أولى ِ‬
‫ه كذلك‪.‬‬ ‫كانت حال ُ ُ‬
‫ومككن النككوازل فككي هككذا البككاب‬
‫وا ً ‪:‬‬
‫ج ّ‬‫مسألة المواقيت‪ ،‬ومحاذاتها َ‬
‫ن المحاذاة من جهة الجو لم‬ ‫أول ً ‪ :‬يقال أ ّ‬
‫يدل عليهسسا السسدليل مسسن جهسسة الصسسل‪ .‬وهسسذا‬
‫م‪.‬‬
‫معلو ٌ‬
‫ل‬ ‫العلمسساء ُيلحقسسون هسسذه المسسسألة بأصسس ٍ‬
‫م القسسرار‪،‬‬ ‫حك ْس ُ‬
‫ن الهسسواء لسسه ُ‬‫ة‪ ،‬وهسسي أ ّ‬ ‫وقاعد ٍ‬
‫ل فسسي ملسسك النسسسان‪ ،‬وكسسذلك‬ ‫وأّنسسه داخسس ٌ‬
‫‪37‬‬

‫ن رسسسول‬ ‫لولسسى؛ قسسالوا أ ّ‬ ‫يستدلون بقيسساس ا َ‬


‫ما جعل للمحاذي في السسبر‪ ،‬وليسسس‬ ‫الله ‪ ‬ل ّ‬
‫جَعلسسه‬‫في ملك المالك لو كان يملك ذلسسك؛ ف َ‬
‫حكمه‪ ،‬وقد جسساء هسسذا عسسن رسسسول اللسسه‬ ‫في ُ‬
‫‪ ،‬وجسساء عسسن عمسسر بسسن الخطسساب ‪ -‬عليسسه‬
‫عسرق‪،‬‬ ‫رضوان الله تعسالى ‪ -‬لمسا وّقست ذات ِ‬
‫ولم يكن قبل ذلك ذات عرق؛ فسسوّقت عليسسه‬
‫رضوان الله تعالى تيسيرا ً للناس‪ ،‬فلما كسسان‬
‫من باب َأولى‪.‬‬ ‫كذلك كان الهواُء ِ‬
‫والمحسساذاة بالطسسائرة هسسي مسسن المسسسائل‬
‫مسسن حسساذي الميقسسات‬ ‫ن َ‬
‫التي عليها التفاق؛ أ ّ‬
‫من جهسسة الجسسو؛ أنسسه يجسسوز لسسه الحسسرام‪ ،‬ول‬
‫يجب عليه أن يعود َ إلى الميقات‪.‬‬
‫ة‬
‫ويتفرع عن هذه المسألة تبعٌ لهسسا مسسسأل ٌ‬
‫قد تكلم عليهسسا جماعسسة مسسن العلمسساء؛ وهسسي‬
‫دة؛ هسسل هسسي مسسن المسسواقيت أم ل‪،‬‬ ‫جس ّ‬‫حك ْسسم ُ‬
‫ُ‬
‫وهسسذه مسسن المسسسائل السستي قسسد تكلسسم عليهسسا‬
‫ف فسسي ذلسسك‬ ‫صن ّ َ‬‫جماعة من المتأخرين‪ ،‬وقد َ‬
‫بعض الفقهساء مسن الحنفيسة مسن المتسأخرين‬
‫دة بجسسواز تسسأخير‬ ‫ماه "دفسسع ال ّ‬
‫شسس ّ‬ ‫كتابسسا ً سسس ّ‬
‫مسسي‬ ‫دة"؛ وذلسسك لجعفسسر الن َّعي ْ‬ ‫جس ّ‬
‫الحرام إلى ُ‬
‫وز أن يكسسون‬ ‫جس ّ‬‫الحنفي ‪ -‬عليه رحمة اللسسه‪ ،‬و َ‬
‫خر إحرامسسه إلسسى جسسدة‪ ،‬وجعلهسسا‬ ‫المحسسرم يسسو ّ‬
‫ه‪.‬‬
‫محاذي ً‬ ‫ُ‬
‫أول ً ‪ :‬ينبغي النظر إلى تأصسسيل المسسسألة‪،‬‬
‫‪38‬‬

‫ل السسدليل علسسى‬ ‫ن مسسسألة المسسواقيت قسسد د ّ‬ ‫أ ّ‬


‫ج أو المعتمسسُر‪،‬‬‫م منسسه الحسسا ُ‬‫ح سرِ ُ‬
‫أمسسورٍ ممسسا ي ُ ْ‬
‫ل‪:‬‬
‫وذلك في عدة أحوا ٍ‬
‫‪ -‬الحالة الولى ‪ :‬مسسن جهسسة مسسن كسسان‬
‫مسسن وراء المسسواقيت؛ فسسإنه‬ ‫من أهسسل الفسساق ِ‬
‫يجسسسب عليسسسه أن يحسسسرم مسسسن المسسسواقيت‬
‫الموصوفة عن رسسسول اللسسه ‪ ‬فسسي حسسديث‬
‫عبد الله بن عباس‪ ،‬ول يجوز لسسه أن يتجسساوز‬
‫ب عليسسه أن‬ ‫هذه المواقيت‪ ،‬وإن تجاوزها وج َ‬
‫يعود ما لم يكن في ذلك مشّقة عليسسه؛ فسسإن‬
‫ف‬
‫كان في ذلك مشقة فإنه ينجبر علسسى خل ٍ‬
‫في الدم؛ فعامة العلماء على وجسسوب السسدم‪،‬‬
‫وذهب بعض السلف كإبراهيم النخعسسي إلسسى‬
‫عدم وجوبه‪ ،‬وهو الظهر‪.‬‬
‫‪ -‬أمسسا إذا كسسانوا ‪ -‬وهسسي الثانيككة ‪ -‬دون‬
‫المواقيت فإنهم ُيهّلون من مكانهم الذي هم‬
‫فيه ‪ -‬أي من بلدهم ‪ -‬وأل ُيغادروا البنيان إل‬
‫بسسإحرام؛ فسسإن غسسادروه بغيسسر إحسسرام فقسسد‬
‫تجاوزوا ميقاتهم‪.‬‬
‫‪ -‬الثالثة ‪ :‬مسألة المحاذاة للمسسواقيت ‪:‬‬
‫وهذه يأتي الكلم عليها‪.‬‬
‫‪ -‬الرابعة ‪ :‬وهسسي ميقسسات أهسسل مكسسة ‪:‬‬
‫وميقات أهل مكة يختلسسف ويتبسساين إذا أرادوا‬
‫ي إذا كسسان‬‫ن المك س ّ‬‫ج أو العمرة‪ ،‬ويقسسال أ ّ‬ ‫الح ّ‬
‫‪39‬‬

‫جا ً فإنه ُيحرم من مكة مسسن داره‪ ،‬ول‬ ‫ح ّ‬


‫يريد ّ‬
‫ل؛ وهذا الذي عليه عامة أهل‬ ‫ح ّ‬
‫يخرج إلى ال ِ‬
‫ف عنسسد‬‫ما إذا أراد العمسسرة علسسى خل ٍ‬ ‫العلم‪ .‬أ ّ‬
‫العلمسساء فسسي اسسستحباب مشسسروعية العمسسرة‬
‫ي أم ل؟‬ ‫للمكسسي؛ هسسل ُتشسسرع العمسسرة للمكس ّ‬
‫ل لعبسسد اللسسه‬ ‫ض السلف ‪ -‬وهو قسسو ٌ‬ ‫فذهب بع ُ‬
‫بن عباس وعطاء بن أبي رباح ‪ -‬أن المكسسي‬
‫ليس عليه عمرة‪.‬‬
‫وجاء ذلك عن عبد الله بسسن عمسسر ‪ -‬عليسسه‬
‫ن المكسسي ليسسس عليسسه‬ ‫رضوان الله تعالى ‪ -‬أ ّ‬
‫عمسسرة؛ وإنمسسا عليسه الطسسواف؛ لكسسن إذا أراد‬
‫ة آفاقي قد جاء إلى مكسسة‬ ‫العمرة أو كان ث َ ّ‬
‫م َ‬
‫حل ليعتمسسر‪،‬‬ ‫ثم نوى عمرةً فإنه يخرج إلى ال ِ‬
‫كما جاء في حديث عائشة ‪ -‬عليهسسا رضسسوان‬
‫ع‪.‬‬
‫الله تعالى ‪ -‬وفي هذه المسألة إجما ٌ‬
‫وذهسسب بعسسض أهسسل السسرأي وبعسسض أهسسل‬
‫ن الحسسسج‬ ‫الظسسساهر مسسسن المتسسسأخرين إلسسسى أ ّ‬
‫والعمسسرة يحسسرم منهمسسا مسسن الحسسل‪ ،‬وهسسذا ل‬
‫ف لمسسا عليسسه‬ ‫ل مسسردود ٌ مخسسال ٌ‬ ‫ك أنسسه قسسو ٌ‬ ‫شس ّ‬
‫حسسسقُ بمسسسسألة‬ ‫الجمسسساع‪ ،‬ومسسسسألتنا هنسسسا َتل َ‬
‫المحاذاة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫م الثالث؛ يقال أن المحاذاة قسسد د ّ‬
‫ل‬ ‫القس ُ‬
‫ل اتفاق عند العلماء؛‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬
‫عليها الدليل‪ ،‬وهي َ‬
‫سواًء كان من البّر أو من البحسسر‪ ،‬أو مسسسألة‬
‫ل النوازل‪.‬‬ ‫الجو‪ ،‬وهي من مسائ ِ‬
‫‪40‬‬

‫مسسألة‬ ‫مسسألتنا وهسسي َ‬ ‫ويتفسسرع عسسن هسسذا َ‬


‫دة هل هسسو‬ ‫ج ّ‬‫دة؛ الحرام من ُ‬ ‫ج ّ‬
‫الميقات من ُ‬
‫ميقات أم ل؟ يقسسال ‪ :‬لمسسا دل السسدليل علسسى‬
‫المحاذاة‪ ،‬ينظر إلى جدة هل هي محاذية أم‬
‫ظر‬ ‫ل‪ :‬لمن كان قادما ً من البحر؛ من ن َ َ‬ ‫ل؟ أو ً‬
‫جسسد َ‬
‫إلى كلم العلماء ‪ -‬عليهم رحمة الله ‪ -‬وَ َ‬
‫مسسن كسان قادمسا ً مسسن‬ ‫م َ‬ ‫حرِ ُ‬ ‫أنهم يقولون أنه ي ُ ْ‬
‫مسسن كسسان قادم سا ً مسسن‬ ‫البحسسر مسسن السسسفينة؛ َ‬
‫المغسسرب ونحسسو ذلسسك؛ مسسن بلد السسسودان أو‬
‫المغرب وغير ذلك؛ وهسسذا السسذي عليسسه قسسول‬
‫عامة العلماء؛ خلفا ً للمام مالك في روايسسة؛‬
‫فقد روى عنه ابن نافع ‪ -‬عن المام مالسسك ‪-‬‬
‫أنه ل يحرم المحرم بالسسسفينة؛ فكسسأنه يسسرى‬
‫م بعد قدومه إلى الب َّر‪.‬‬ ‫أّنه ُيحرِ ُ‬
‫وجدة لم تكن معمورةً بسسذلك‪ ،‬ولسسم يكسسن‬
‫يصل إليها هسسذا العسسدد وهسسؤلء الحجسساج بهسسذا‬
‫ة‪ ،‬وهذه المسألة‬ ‫مع؛ فكانت غير مقصود ٍ‬ ‫ج ْ‬‫ال َ‬
‫ة مسسن‬ ‫كانت من النوازل‪ ،‬وأفتى فيهسسا جماع س ٌ‬
‫ل‪:‬‬ ‫العلماء بأقوا ٍ‬
‫ت للجميسسع؛‬ ‫‪ -‬منهسسم مسسن قسسال أنهسسا ميقسسا ٌ‬
‫م عسسن طريسسق السسبّر أو‬ ‫من ي َْق سد ُ ُ‬ ‫سواًء كانوا م ّ‬
‫م من جدة‪.‬‬ ‫البحر أو الجو؛ أنه ُيحرم إذا قَد ُ َ‬
‫ت لمسسن قسسدم‬ ‫‪ -‬ومنهم من قال أنها ميقسسا ٌ‬
‫من البحر؛ من المغرب ونحسسو ذلسسك‪ ،‬وحمسسل‬
‫رواية المام مالك ‪ -‬عليه رحمة الله تعالى ‪-‬‬
‫‪41‬‬

‫على ذلك‪.‬‬
‫ت علسسى وجسسه‬ ‫‪ -‬ومنهم من قال أنها ميقسسا ٌ‬
‫العموم؛ سواًء ُقصدت من السسبر أو البحسسر أو‬
‫الجو‪.‬‬
‫ت‬‫‪ -‬ومنهسسم مسسن قسسال أنهسسا ليسسست بميقسسا ٍ‬
‫على وجه العموم‪.‬‬
‫ل فيقسسال أن الصسسواب فسسي هسسذه‬ ‫وعلى ك ٍ‬
‫ت لمسسن قسسدم إليهسسا‬ ‫المسسسألة أن جسسدة ميقسسا ٌ‬
‫ت غيرهسسا ممسسن يسسأتي‬ ‫ممن ل يمر على ميقا ٍ‬
‫عن طريق البحر‪ ،‬أو يأتي عن طريق الجسسو‪،‬‬
‫أو كان من أهلها فإنه ُيحرم منها؛ أما أهلهسسا؛‬
‫وذلك لن من قسسال بسسالمنع فسسإنه يقسسول أنهسسا‬
‫دون المسسواقيت؛ فيكسسون إحرامهسسا مسسن دون‬
‫ة فسسي‬ ‫الميقات‪ ،‬فتكون هسسذه المسسسألة داخلس ٌ‬
‫التفاق؛ وإنما النزاع فيمن كسسان قادم سا ً مسسن‬
‫خارجهسسا؛ فالسسذي يظهسسر ‪ -‬واللسسه أعلسسم ‪ -‬أنسسه‬
‫يجوُز لمن قدم إلى جدة عسسن طريسسق البحسسر‬
‫ت‪،‬‬ ‫م سّر بميقسسا ٍ‬ ‫مسسن ل ي َ ُ‬
‫أو عن طريق الجسسو؛ م ّ‬
‫وهل هي أولى أن ُيحرم النسسسان مسسن جسسدة‬
‫أو أن يحرم عن طريق الجسسو ‪ -‬السسذي يظهسسر‬
‫ن إحسسرام كسسثيرٍ مسسن الحجسساج‬ ‫واللسسه أعلسسم أ ّ‬
‫والمعتمريسسن السسذين يعتمسسرون عسسن طريسسق‬
‫الجسسو؛ أنهسسم ل يحرمسسون بمحسساذاة الميقسسات‬
‫تصويبا ً علسسى الميقسسات؛ وإنمسسا يحسساذونه مسسن‬
‫ن‬
‫حأ ّ‬ ‫جسس ُ‬‫جهسسةٍ أخسسرى مائلسسةٍ عنسسه؛ وذلسسك ي َُر ّ‬
‫‪42‬‬

‫م يكون من جهة جدة لمن كان قادما ً‬ ‫الحرا َ‬


‫بالطائرة أولى من أن ُيحرم من الجو‪ ،‬وهذا‬
‫هو الظهر‪.‬‬
‫وذلسسك أنهسسا لحتمسسال أن تكسسون محاذيسسة؛‬
‫ت يحسساذي جسسدة هسسو‬ ‫ب ميقسسا ٍ‬ ‫ن أقسسر َ‬ ‫وذلسسك أ ّ‬
‫م"؛ ويبعد ُ عن مكسسة نحسسوا ً مسسن تسسسعين‬ ‫مل َ ْ‬
‫"ي َل َ ْ‬
‫كيلو؛ وأما "جدة" فإنها تبعد ُ عن مكسسة نحسسوا ً‬
‫من سبعين‪.‬‬
‫جهَ سةِ‬ ‫والمحاذاة هنا مسسن ن َظ َسَر إليهسسا مسسن ِ‬
‫طسُرق المعّبسدة فسإنه يجسد َبونسا ً‬ ‫النظر إلى ال ّ‬
‫شاسعًا‪ ،‬ومن نظر إلى التصسسويب فسسإنه يجسسد‬
‫في ذلك تقاربًا‪ ،‬وقد حسسدثني مسسن نظسسر فسسي‬
‫هذه المسألة بالمقاييس؛ قال أنسسي لسسم أجسسد‬
‫فَْرقا ً بّينا ً كبيرا ً بيسسن "يلملسسم" و "جسسدة"؛ أمسسا‬
‫مسسن نظسسر إلسسى الطسسرق المعب ّسسدة أو قيسساس‬
‫ق ملتويسةٍ ونحسسو ذلسسك فسسإنه‬ ‫المسافات ب ِط ُسُر ٍ‬
‫ة؛ وحينئذٍ يستشسسكل هسسذا‬ ‫ة شاسع ً‬ ‫يجد مساف ً‬
‫المر‪.‬‬
‫ة في المحسساذاة؛‬ ‫ن جدة داخل ٌ‬ ‫مأ ّ‬ ‫وعليه ي ُعْل ِ ُ‬
‫ة‬
‫خل فسسي المحسساذاة فإنهسسا داخل س ٌ‬ ‫وإن لسسم تسسد ُ‬
‫خسسص‬ ‫فيمن يأتي عسسن طريسسق البحسسر‪ ،‬وقسسد ر ّ‬
‫ة‬ ‫في ذلك غيُر واحدٍ من العلمسساء‪ ،‬وهسسو روايس ٌ‬
‫عن المسسام مالسسك تحتمسسل دخولهسسا فسسي هسسذا‬
‫الباب رواها عنسسه ابسسن المقفسسع؛ أنسسه قسسال‪ :‬ل‬
‫ب البحرِ بالسفينة‪ .‬حملسسه بعضسسهم‬ ‫م راك ُ‬ ‫حرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫‪43‬‬

‫م بعسسد وصسسوله الب َسّر؛‬‫حسرِ ُ‬


‫أنه قصد بذلك أّنه ي ُ ْ‬
‫ومنهم من قال أنه أراد بذلك أنه ينفسسر إلسسى‬
‫الميقات؛ كجحفة ويلملم ونحسسو ذلسسك‪ ،‬وهسسذا‬
‫كله يحتاج إلى بيان‪.‬‬
‫وظاهر كلم مالك ‪ -‬عليه رحمة الله ‪ -‬أّنه‬
‫منع في روايةٍ مسسن الحسسرام مسسن البحسسر‪ ،‬ول‬
‫ُيزاد عن قوله في ذلك‪ ،‬وقد صّنف في ذلك‬
‫دم جعفر الحنفي كتابه "دفسسع الشسسدة‬ ‫كما تق ّ‬
‫بجواز تأخير الحرام إلى جدة" وهذا أراد به‬
‫ة لمسسن قسسدم عسسن طريسسق‬ ‫ة مخصوص س ً‬ ‫مسسسأل ً‬
‫البحر‪ ،‬وما أراد به تأصيل ً للمسسسألة علسسى أ ّ‬
‫ن‬
‫جدة يجوز الحرام منها على وجسسهِ العمسسوم‪،‬‬
‫ل‬‫خ ُ‬
‫فتكون كذات عرق فمسألة المحاذاة ت ُسد ْ َ‬
‫فسسي المسسواقيت عنسسد عامسسة العلمسساء؛ وذلسسك‬
‫ما حدد عمر بسسن الخطسساب ‪ -‬عليسسه‬ ‫للجماع ل ّ‬
‫رضوان الله تعالى ‪ -‬ذات غرق‪.‬‬
‫حقُ في هذه المسألة مسسا فسسي حكمهسسا‬ ‫وي َل ْ َ‬
‫مما يحتساجه النساس‪ ،‬ومعنسى المحساذاة عنسد‬
‫ن يحاذي القادم موضعا ً قَد َّره النبي‬ ‫العلماء أ ْ‬
‫‪‬؛ وليسسس المسسراد ُ بسسذلك أن يكسسون بيسسن‬
‫ميقاتين كما يفهمه البعض‪.‬‬
‫ومن المسسسائل النسسوازل فسسي هسسذا البسساب‬
‫مما يتعلسسق بسسالحرام ‪ -‬وهسسو مسسا تكلسسم عليسسه‬
‫ة مسسسن الفقهسسساء مسسسن المتقسسسدمين‬ ‫جماعسسس ٌ‬
‫مى بالت ّب ّسسان‪ ،‬وهسسي‬
‫والمتأخرين ‪ -‬وهو ما يسس ّ‬
‫‪44‬‬

‫السروايل المفتوقة‪ ،‬أو ُلبس الزار المخيسسط‬


‫حكسسم النسسسان‪ ،‬يسسسميه‬ ‫علسسى البسسدن علسسى ُ‬
‫العلماء ت ُّبانًا‪.‬‬
‫س الت ّب ّسسان قسسد عسسن بعسسض الصسسحابة ‪-‬‬ ‫ل ُب ْس ُ‬
‫سسسه‪ ،‬والت ّب ّسسان‬‫عليهم رضوان الله تعسسالى ‪ُ -‬لب ُ‬
‫مى بالتنورة‪ ،‬وقد ثبت لبسسسه‬ ‫س ّ‬
‫عند النساء ي ُ َ‬
‫عن بعض الصحابة كعمار بسسن ياسسسر ‪ -‬عليسسه‬
‫رضوان الله تعالى‪.‬‬
‫قد روى ابن أبي شيبة في المصنف مسسن‬
‫حديث العلء عن حبيب بن أبي ثابت قسسال ‪:‬‬
‫ت على عمار بعرفة ت ُّبانسًا‪ ،‬وإسسسناده عنسسه‬ ‫رأي ُ‬
‫صحيح‪ ،‬وجاء مسسن حسسديث عبسسد الرحمسسن بسسن‬
‫القاسم عن أبيه عن عائشة ‪ -‬عليها رضوان‬
‫الله تعالى ‪ -‬أّنها كان لها موالى يجمعون لها‬
‫متاعها على رحلها؛ فربما ظهسسرت عسسوراتهم‬
‫صت لهم بالت ّّبان‪ .‬وإسناده صحيح عنهسسا‪،‬‬ ‫خ َ‬‫فََر ّ‬
‫وقد علقه البخاري في الصحيح‪ .‬وهذا أعلسسى‬
‫ما جاء فسسي هسسذه المسسسألة‪ ،‬ومسسا تكلسسم فيسسه‬
‫الفقهاء في هسذه المسسألة يسدخل فسي بساب‬
‫ن أجسساز؛‬ ‫مس ْ‬
‫ع‪ ،‬ومنهسسم َ‬ ‫من َس َ‬
‫من َ‬ ‫القيسة؛ منهم َ‬
‫من وجوهٍ ‪:‬‬ ‫والذي يظهر والله أعلم؛ وذلك ِ‬
‫ن الصسسسل بسسسالمخيط‬ ‫‪ -‬السسسوجه الول ‪ :‬أ ّ‬
‫حسسّرم‬ ‫ن رسول الله ‪ ‬قسسد َ‬ ‫التحريم؛ وذلك أ ّ‬
‫رم جميسسسع المخيسسسط بسسسأنواعه‪،‬‬ ‫حسسس ِ‬
‫م ْ‬
‫علسسسى ال ُ‬
‫خسسص رسسسول اللسسه ‪ ‬بسسالزار والسسّرداء؛‬ ‫ور ّ‬
‫‪45‬‬

‫بفعله عليه الصلة والسلم وفعل أصحابه‪.‬‬


‫‪ -‬وما كسسان مخيط سا ً علسسى البسسدن ‪ -‬سسسواًء‬
‫ل‬‫حقوا أو على غيره ‪ -‬فهسسو داخس ٌ‬ ‫كان على ال ِ‬
‫في جملةِ محظورات الحرام‪.‬‬
‫وأمسسا التعليسسل بمسسا جسساء عسسن الصسسحابة ‪-‬‬
‫عليهم رضوان الله تعالى ‪ -‬كعمار فيقال أن‬
‫عمارا ً مضطّر لذلك؛ وذلك أنه كان مريضسسًا؛‬
‫كما ثبت عنه ‪ -‬عليسسه رضسسوان اللسسه تعسسالى ‪-‬‬
‫كما جاء في الغريب مسسن حسسديث عَب ْسسد خيسسر؛‬
‫قال ‪ :‬رأيت على عمار ‪ -‬عليه رضسسوان اللسسه‬
‫تعالى ‪ -‬ت ُّبانًا‪ ،‬فقلسست لسسه فسسي ذلسسك‪ ،‬فقسسال ‪:‬‬
‫إنسسي ممثسسون‪ .‬ومعنسسى ممثسسون أي مصسساب‬
‫بالمثانة‪.‬‬
‫سير من حديث‬ ‫وقد جاء عند بعض أهل ال ّ‬
‫مار بن ياسسسر وعبسسد اللسسه بسسن‬ ‫المغيرة عن ع ّ‬
‫مسعود ‪ -‬عليهم رضسسوان اللسسه تعسسالى ‪ -‬فسسي‬
‫أيام الفتنة لما أرادوا السسدخول علسسى عثمسسان‬
‫ب عماٌر ‪ -‬عليه رضسسوان اللسسه‬ ‫ضرِ َ‬‫بن عفان؛ ُ‬
‫تعالى ‪ -‬في مثانته حتى كان ل يحبس بوله‪.‬‬
‫مسسارٍ بسسن ياسسرٍ ‪-‬‬ ‫من نظسسر إلسسى حسسديث عَ ّ‬
‫ن أنسسه أراد‬ ‫عليسسه رضسسوان اللسسه تعسسالى ‪َ -‬يظ س ّ‬
‫خصا ً وأنه فعل ذلسسك أخسسذا ً بسسالجواز‪،‬‬ ‫بذلك تر ّ‬
‫مسساٍر‬
‫وهذا فيه قصور؛ فعند النظر في حال ع ّ‬
‫من جهة أذيتسه؛ ثسم‬ ‫م أنه ما فعل ذلك إل ِ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫‪46‬‬

‫ما كان لسسم يلبسسسه‬ ‫سُر للحاج؛ فَل َ ّ‬‫ن الت ّّبان أي ْ َ‬‫أ ّ‬
‫ل‬ ‫الصحابة ‪ -‬عليهم رضسسوان اللسسه تعسسالى ‪ -‬د َ ّ‬
‫ن ِذك سَر السسراوي‬ ‫مأ ّ‬ ‫على بقائه على الصل‪ ،‬ث ُ ّ‬
‫ماٍر‪ ،‬وأنسسه‬ ‫ي بن ثابت عن عَ ّ‬ ‫حي ّ‬
‫في هذا‪ ،‬وهو َ‬
‫ل علسسى‬ ‫س ت ُّبانا ً دلي ٌ‬
‫رأى عمارا ً بعرفة وهو لب ٌ‬
‫سسسرا ً مسسن‬ ‫أنه استغرب ذلك‪ ،‬ثم جاء ذلك مف ّ‬
‫حديث عبد خير عن عمار أنه رآه فسسي ذلسسك‬
‫ل‬ ‫فسأله فكأنه استنكر حاله فقال ‪ :‬إني رج ٌ‬
‫ب بالمثانة‪.‬‬ ‫ممثون؛ يعني مصا ٌ‬
‫ما ما جاء عن عائشسة ‪ -‬عليهسسا رضسوان‬ ‫وأ ّ‬
‫خصسست‬ ‫اللسسه تعسسالى ‪ -‬فظاهرهسسا أنهسسا َقسسد ر ّ‬
‫لمواليهسسا؛ وذلسسك لنشسسغالهم بالمتع سةِ ونحسسو‬
‫مسسن‬ ‫ج ِ‬ ‫خدمسسة الحسسا ّ‬ ‫ذلسسك‪ ،‬ومسسا يقتضسسي مسسن ِ‬
‫عائشة ‪ -‬عليها رضوان الله تعالى ‪ -‬وغيرها‪،‬‬
‫من صعود ٍ ونزول‪ .‬وحفظ العورات مقصسسود ٌ‬
‫ص‬ ‫خس َ‬ ‫شرعًا‪ ،‬وذلك أن رسول اللسسه ‪ ‬قَسسد ر ّ‬
‫فيما دون ذلك بسسترك بعسسض الواجبسسات‪ ،‬كمسسا‬
‫منسسى‬ ‫خص رسول اللسسه ‪ ‬ب ِت َسسرك المسسبيت ب ِ‬ ‫َر ّ‬
‫خسسص رسسسول اللسسه ‪‬‬ ‫لبعسسض الصسسحابة‪ ،‬ور ّ‬
‫لبعضسسهم أن يؤجلسسوا رمسسي أيسسام التشسسريق‬
‫خسسص‬ ‫فيجمعوها فسسي يسسوم ٍ واحسسد للرعسساة‪ ،‬ور ّ‬
‫مسسن معسسه أل يسسبيت‬ ‫رسول الله ‪ ‬للعّباس و َ‬
‫منسسى فسسي أيسسام التشسسريق؛ وذلسسك لسسسقاية‬ ‫ب ِ‬
‫خص رسول الله ‪ ‬للضعفاء فسسي‬ ‫الحاج‪ ،‬ور ّ‬
‫ل عائشسسة ‪ -‬عليهسسا‬ ‫أن ينفسسروا‪ ،‬ويقسسال ‪ :‬ل ََعسس ّ‬
‫‪47‬‬

‫ت ذلسك‪ .‬والسسدليل‬ ‫س ْ‬
‫م َ‬‫رضوان الله تعالى ‪ -‬ل َ َ‬
‫على ذلك أن عائشسسة ‪ -‬عليهسسا رضسسوان اللسسه‬
‫تعسسسالى ‪ -‬قَي ّسسسدت ذلسسسك السسسترخيص بظهسسسور‬
‫العورة‪.‬‬
‫وقسسد يقسسال أن مثسسل حسسالهم ينبغسسي أن‬
‫محظورًا؛ يقال أن احتراز‬ ‫يحترزوا ول يفعلوا َ‬
‫ل بأمتعسسة الحجسساج؛ فيصسسعد‬ ‫مسسن هسسو موكسسو ٌ‬
‫وينزل ويضع المتسساع فسسي مواضسسع متعسسددة ‪-‬‬
‫في ذلك من المشقة ما فيه؛ ثم أن التبسساين‬
‫فيه تيسير على الحجاج‪ ،‬ودفسسع مشسسقةٍ مسسن‬
‫ما‬‫ستٌر للعورة ل ّ‬ ‫ض ونحو ذلك؛ ففيه َ‬ ‫أذية مر ٍ‬
‫كسسان لسسم يفعسسل ولسسم يسسترخص بسسه أح سد ٌ مسسن‬
‫الصحابة ‪ -‬عليهم رضوان اللسسه تعسسالى ‪ -‬غيسسر‬
‫جمَلسس ِ‬
‫ة‬ ‫ل فسسي ُ‬ ‫ل علسسى أنسسه داخسس ٌ‬ ‫ذكسسر د ّ‬‫مسسا ُ‬
‫المحظورات‪.‬‬
‫ما من استدل بظواهر ِفعل الصسسحابة ‪-‬‬ ‫وأ ّ‬
‫عليهم رضوان الله تعالى ‪ -‬فاستدلله قاصٌر‬
‫دم الشارة إليه‪.‬‬ ‫في هذا الباب؛ لما تق ّ‬
‫والت ّّبان لتفصيله على الحقو فإنه ل يكون‬
‫إزارًا؛ فلمسسا خسسرج عسسن كسسونه إزارا ً يكسسون‬
‫مخيطًا‪ ،‬والمخيط من محظسسورات الحسسرام‪،‬‬
‫ويلحق بالسراويل التي قد نهى رسول اللسسه‬
‫عن لبسها؛ قال عليه الصسسلة والسسسلم ‪:‬‬ ‫‪َ ‬‬
‫م السكككراويل ول‬ ‫محكككر ُ‬ ‫"ل يلبكككس ال ُ‬
‫العمامككة ول القميككص ول الثيككاب"‪.‬‬
‫‪48‬‬

‫ل علسى أّنسه يسدخل فسي حكمهسا مسا‬ ‫وهذا دلي ٌ‬


‫حق بها من جهة التعريف؛ فالشارع حينمسسا‬ ‫ُيل َ‬
‫ص على تحريسسم العمامسسة يسسدخل فسسي ذلسسك‬ ‫ن ّ‬
‫الطاقيسسة والِقبسساع ومسسا ي ُغَط ّسسي بسسه النسسسان‬
‫ط ونحسسو ذلسسك‪ ،‬كسسذلك حينمسسا‬ ‫رأسه من الفوَ ِ‬
‫حسسّرم رسسسول اللسسه ‪ ‬ومنسسع لبسسس الثيسساب‬ ‫َ‬
‫يدخل في ذلك ما في حكمهسسا‪ ،‬وحينمسسا منسسع‬
‫خفاف يدخل فسسي‬ ‫رسول الله ‪ ‬من لبس ال ِ‬
‫ذلك ما في حكها من الجوارب وغير ذلك‪.‬‬
‫ول يقال بأخذ ظسساهر النسسص عسسن رسسسول‬
‫مَزني ‪ -‬عليسسه رحمسسة اللسسه ‪:‬‬ ‫الله ‪‬؛ يقول ال ُ‬
‫ول زال الصحابة ‪ -‬عليهم رضوان الله تعالى‬
‫‪ -‬وأئمة السلف ‪ -‬تابع سا ً عسسن تسسابٍع ‪ -‬يأخسسذون‬
‫وينظرون إلى مقاصد التشسسريع؛ فمسسا وافسسق‬
‫الحسسسق حسسسق ومسسسا وافسسسق الباطسسسل باطسسسل؛‬
‫فيأخذون بالقيسة في ذلك والعتبسسار فيهسسا؛‬
‫ن رسول اللسسه ‪ ‬حينمسسا نهسسى عسسن لبسسس‬ ‫فإ ّ‬
‫العمامة ولبس السراويل يدخل في ذلك ما‬
‫حقَ فسسي‬ ‫في حكمها من الطاقية والت ّّبان؛ فأل َ‬
‫ل في حكمها‪.‬‬ ‫ذلك الت ّّبان أنه داخ ٌ‬
‫وأما أفعال الصحابة ‪ -‬عليهم رضوان الله‬
‫تعسسالى ‪ -‬ل ُيحتسسج بأفعسسالهم إن تجسسردت مسسن‬
‫ة‬
‫ل؛ مسالم يظهسر مسن ذلسك قرينس ٌ‬ ‫تفصيل حسا ٍ‬
‫قوّية تدل على أنه فعل ذلك ترخصًا‪ ،‬وليس‬
‫هذا بظاهر عسسن الصسسحابة ‪ -‬عليهسسم رضسسوان‬
‫‪49‬‬

‫اللسسه تعسسالى ‪ -‬فسسي هسسذه المسسسألة؛ ومسسسألة‬


‫الحتجاج بسسأقوال الصسسحابة وأفعسسالهم تحتسساج‬
‫إلسسى تأصسسيل؛ لهسسذا يعسسترض فيهسسا كسسثيٌر مسسن‬
‫ب ول يحتجون‬ ‫طلب العلم؛ فيحتجون في با ٍ‬
‫بسسآخر‪ ،‬ويستشسسكلون فسسي هسسذا البسساب عنسسد‬
‫النظر في كلم العلماء ‪ -‬عليهم رحمة اللسسه؛‬
‫فالمام أحمد ‪ -‬عليه رحمه اللسسه ‪ -‬مسسن أكسسثر‬
‫الئمة الذين يحتجون بسسأقوال الصسسحابة فسسي‬
‫مسائل العلم‪ ،‬وفسسي بعسسض المسسسائل يردهسسا‬
‫لظهسسور السسدليل‪ ،‬أو لضسسعف التعليسسل فيهسسا‬
‫ومخالفسسة العمسسل عنسسد الصسسحابة ‪ -‬عليهسسم‬
‫ل‪ ،‬أو‬‫رضسسوان اللسسه تعسسالى ‪ -‬أو مخالفسسة أص س ٍ‬
‫ن أنه أخذ بتلك النازلة مما يخسسالف‬ ‫غلبة الظ ّ‬
‫ما جاء عن رسسسول اللسسه ‪ ،‬والمسسام أحمسسد‬
‫من أشد ّ الئمة احترازا ً في مخالفة الصحابة‬
‫ص علسسى‬ ‫‪ -‬عليهم رضوان الله تعالى؛ فإذا ن س ّ‬
‫ي وخسسالفه فل ي ُت َت َب ّسسع فسسي‬ ‫معرفة قول صسسحاب ّ‬
‫دهم احسسترازا ً فسسي هسسذا‬ ‫مسسن أش س ّ‬‫ذلسسك؛ لنسسه ِ‬
‫الباب‪.‬‬
‫ومن المسائل في هذا ما يلبسه الحجسساج‬
‫في إحرامهم أو قبسسل إحرامهسسم مسسن الّلبسسس‬
‫فسسي السسسواعد‪ ،‬أو الّلبسسس علسسى الخاصسسرة؛‬
‫صسسم ونحسسو‬ ‫مع ْ َ‬‫ضسعُ علسسى ال ِ‬ ‫كالساعة السستي تو َ‬
‫ذلك‪ ،‬أو ما يعلقه النسان علسسى عنقسسه؛ مسسن‬
‫ن مسسن متسساعه‬ ‫مس َ‬‫ل يحمسسل مسساله‪ ،‬أو مسسا ث َ ُ‬‫ما ٍ‬
‫ح ّ‬
‫َ‬
‫‪50‬‬

‫ن العلمسساء تكلمسسوا علسسى‬ ‫ونحو ذلك؛ فيقسسال أ ّ‬


‫ط الزار‬ ‫مسألةٍ وهي ربط الزار والرداء؛ َرب ْ ُ‬
‫والسسرداء بنفسسسه ممنسسوعٌ منسسه عنسسد جمهسسور‬
‫العلمسساء؛ فسسالرداء ينبغسسي أن يرمسسى طرفسساه‬
‫على ناحيةٍ من نواحي النسسسان؛ عسسن يمينسسه‬
‫ما ربطه بخياطةِ أهل الرداء‬ ‫أو عن يساره؛ أ ّ‬
‫فسسذهب جمهسسور العلمسساء وبسسه قسسال الئمسسة‬
‫الربعسسة إلسسى أنسسه مسسن محظسسورات الحسسرام‪،‬‬
‫وذهسسب بعسسض العلمسساء إلسسى وجسسوب الفديسسة‪،‬‬
‫وهسسو قسسول المالكيسسة والشسسافعية والحنابلسسة؛‬
‫خلفا ً لبي حنيفسسة السسذي قسسال بعسسدم وجسسوب‬
‫الفدية‪.‬‬
‫ستر العورة؛‬ ‫ما الزار فل يربط إل عند َ‬ ‫وأ ّ‬
‫أي ُيربسسط بنفسسسه‪ ،‬ويختلسسف أن يضسسع عليسسه‬
‫النسان شيئا ً لُيمسك به؛ كحسزام أو أسسورة‬
‫ه بنفسسسه‬ ‫ومشابك ونحو ذلسسك؛ أمسسا إن خسساط َ ُ‬
‫ن هسسذا مسسن محظسسورات الحسسرام‪ ،‬ويجسسوز‬ ‫فإ ّ‬
‫طه به‬ ‫سْترا ً للعورة‪ ،‬إذا َلم يجد ما يرب ُ ُ‬‫ربطه َ‬
‫من الحزمة والوتار ونحو ذلك‪.‬‬
‫ب إلى جسسواز ذلسسك بهسسذا التعليسسل غي سُر‬ ‫ذ َهَ َ‬
‫واحسسدٍ مسسن العلمسساء‪ ،‬وهسسو قسسول الحنابلسسة‪،‬‬
‫والشافعية‪ ،‬وذهسسب بعسسض العلمسساء إلسسى أنسسه‬
‫يجسسب فيسسه السسدم‪ ،‬وهسسو قسسول المسسام مالسسك‪،‬‬
‫وذهب أبو حنيفة إلى عدم وجوب الدم فيه‪.‬‬
‫حك ْسسم ذلسسك‪ ،‬وهسسل‬ ‫حقُ في هذا ما في ُ‬ ‫وي َل ْ َ‬
‫‪51‬‬

‫يدخل في هسسذا الحكسسم السسساعة السستي علسسى‬


‫مسسن‬‫معصم النسسان أو مسسا ينسسوط بسه عنقسسه ِ‬
‫الحبال والوتار التي تحمل متاعه ونحو ذلك‬
‫أو مسساله؟ السسذي يظهسسر واللسسه أعلسسم أنهسسا ل‬
‫ن السسساعة والوتسسار‬ ‫تدخل في ذلك؛ وذلسسك أ ّ‬
‫التي يضسسعها النسسسان فسسي يسسده ليسسست مسسن‬
‫جملة اللباس ول تسمى لباسًا؛ فلمسسا كسسانت‬
‫ل تسمى لباسا ً ل تدخل تحت قسسول النسسبي ‪-‬‬
‫عليه الصلة والسلم ‪" :‬ل يلبس المحرم‬
‫"‪ .‬ولمسسا كسسانت كسسذلك تكسسون مسسن جملسسة مسسا‬
‫يضسسعه النسسسان علسسى جسسسده ول يسسسمى‬
‫لباسسسسًا؛ كالموثقسسسات؛ كموثقسسسات الجسسسروح‪،‬‬
‫ص سُبع‬ ‫ُ‬
‫والقطسسن فسسي الذان‪ ،‬والخسساتم فسسي ال ْ‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫ومن مظاهر هذه المسسسألة مسسا جسساء عسسن‬
‫ص علسسى لبسسس‬ ‫جماعةٍ من العلمسساء مسسن الن س ّ‬
‫رم‪ ،‬وحكوا التفاق على جوازه؛‬ ‫مح ِ‬‫الخاتم لل ُ‬
‫حكسساه المسسام النسسووي ‪ -‬عليسسه رحمسسة اللسسه‪،‬‬
‫وكسسذلك مسسا ُيعّلقسسه النسسسان فسسي عنقسسه مسسن‬
‫ي الجمسساع علسسى جسسوازه؛ كسسأن‬ ‫حك س َ‬‫أسسسورة ُ‬
‫ُيعّلق المصحف‪ ،‬أو ُيعّلق محفظة النقود‪ ،‬أو‬
‫وال أو غيسسر ذلسسك‪ ،‬فسسإن هسسذا جسسائز‪ ،‬ول‬ ‫الج س ّ‬
‫يكسسون مخيط سا ً لنسسي ل يسسسمى لباس سًا؛ فهسسو‬
‫ج عسن اللبساس مسن جهسة الصسل؛ فسإذا‬ ‫خسار ٌ‬
‫خرج من جهة الصل ل يكون َفرعا ً في هسسذا‬
‫‪52‬‬

‫الباب؛ فل يحتاج حينئذ إلى النظر فيه‪.‬‬


‫نقف عنسسد هسسذا الحسسد‪ ،‬وغسسدا ً ُنكمسسل بسسإذن‬
‫تعالى ‪...‬‬
‫ن بعض‬ ‫مسألةٍ وهي أ ّ‬ ‫ينبغي الشارة إلى َ‬
‫ة عنسسد‬‫المسسسائل كسسانت موجسسودةً ومطروقسس ً‬
‫العلماء في مسسسائل الحسسج‪ ،‬لكسسن السسذي أرى‬
‫ن أمثال هذه المسائل وهي‬ ‫والله ‪ -‬أعلم ‪ -‬أ ّ‬
‫ة في الحج ينبغي أن يندثر فيها الخلف‪،‬‬ ‫قليل ٌ‬
‫وأن يكسسون فيهسسا القسسول قسسول ً واحسسدًا؛ وذلسسك‬
‫كمسألة الطواف في المسعى؛ كأن يطوف‬
‫النسان في البيت العتيق‪ ،‬ثسسم يسسأتي بشسسيٍء‬
‫يسسسيرٍ فسسي المسسسعى؛ هسسذه المسسسألة يتكلسسم‬
‫فيها الفقهسساء مسسن المسسذاهب الربعسسة؛ وذلسسك‬
‫ب‬ ‫لن المسعى خارج البيت‪ ،‬وإلى عَهْدٍ قريسس ٍ‬
‫من نحو عقدين أو ثلثة عقود كسسان مسسا بيسسن‬
‫المطاف والمسعى أسواق تجارية ومساكن‬
‫يسكن فيها؛ فالناس تبيع وتشتري؛ بل يوجد‬
‫ميسسساه مجسسساري أيضسسسا ً وروائح ونحسسسو ذلسسسك؛‬
‫فالناس يبسطون ويبيعون ويشترون فليسسس‬
‫لسسه حكسسم المسسسجد‪ ،‬والعلمسساء ينصسسون علسسى‬
‫هذه المسألة في كتب الفقه نظسسرا ً للحسسال‪،‬‬
‫فلما دخلت في التوسسسعة ودخسسل المسسسعى؛‬
‫بسسل دخسسل مسسا فسسي خلسسف المسسسعى فسسي‬
‫المسجد؛ حينئذٍ ل يظهر لسسي حكايسسة الخلف‬
‫في مسألة طواف شيء مسسن الطسسواف فسسي‬
‫‪53‬‬

‫المسعى‪.‬‬
‫وثمة من المسسسائل مسسا صسسورته موجسسودة‬
‫وأصله موجود؛ لكن لحاجسسة النسساس‪ ،‬وكسسذلك‬
‫صياغته عند بعسسض المعاصسسرين ونحسسو ذلسسك‬
‫يحتاج إلى الكلم فيه؛ كمسسسألة الُبنيسسان فسسي‬
‫منى" و "مزدلفسة" ممسسا أثيسسر‬ ‫المشاعر في " ِ‬
‫مسسن نحسسو عسسام ونحسسو ذلسسك؛ بنسساء ناطحسسات‬
‫السحاب ونحو ذلك لنها أيسر للنسساس؛ هسسل‬
‫يجوز البناء في "منى"؟ وإن كسسان ثمسسة بنسساء‬
‫جر أم ُتعطسسى بالمجسسان؟ ثسسم كيسسف‬ ‫هسسل تسسؤ ّ‬
‫يتنسسافس النسساس فسسي ذلسك والنسسبي ‪ ‬قسسال‪:‬‬
‫"منى مناخ من سبق"‪ ،‬وهل هسذا المنساخ‬
‫أنه للنسان أن يتخير ما شاء؟ وهسسل يمكسسن‬
‫أن يستعاض بسذلك بشسيٍء مشسروٍع يسسمى‬
‫بالقرعسسة ‪ -‬والقرعسسة مشسسروعة عنسسد تزاحسسم‬
‫أصحاب الحقوق ونحو ذلك؟ هسسذه التعليلت‬
‫ُنلحقها بإذن الله تعالى فقي هسسذه المسسسألة‬
‫بموضعها بإذن الله‪.‬‬
‫ل أريد أن يأخذنا الوقت بالنسسسبة للجابسسة‬
‫على مسائل يأتي الكلم عليها‪.‬‬
‫ن علسسى المفسستي‬ ‫تأ ّ‬‫ل يقول ‪ :‬ذكسسر َ‬‫‪ -‬سائ ٌ‬
‫كر الخلف دون ترجيسسسسح‪ ،‬والقسسساري‬ ‫أل ي َسسسسذ ْ ُ‬
‫ة‬
‫جملس ً‬‫لفتاوى شيخ السلم ابسسن تيميسسة يجسسد ُ‬
‫مسسسن التسسسساؤلت يسسسذكر الخلف فيهسسسا دون‬
‫ح؟‬ ‫ترجي ٍ‬
‫‪54‬‬

‫‪ -‬مسألة الترجيح فسسي المسسسائل للعامسسة‪،‬‬


‫عصرنا؛ لغلبسسة‬ ‫ة في َ‬ ‫ص ً‬
‫هذا من المهمات؛ خا ّ‬
‫تت َُبع الّرخص ونحسن ل نتكلسم علسى المسسألة‬
‫مسسن جهسسة التأصسسيل؛ فالعلمسساء كسسثيرا ً مسسا‬ ‫ِ‬
‫يتكلمسسون علسسى المسسسائل فسسي كتسسب الفقسسه‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬ويذكرون الخلف‪ ،‬وفي كثيرٍ من‬
‫الحيسسان ل يتكلمسسون علسسى مسسسألة الراجسسح‬
‫والمرجوح في أمثال هذه المسائل‪ ،‬ثسسم أنسسه‬
‫ن شيخ السسسلم ابسسن تيميسسة‬ ‫ينبغي أن ينظر أ ّ‬
‫هسسل سسساق هسسذه المسسسائل لعامسسةٍ تكسسون‬
‫أحوالهم كأمثال هذه الحال السستي فسسي وقتنسسا‬
‫في انفتاح الناس ون َْقل الفتوى ونحسسو ذلسسك؛‬
‫مسسا أن يكسسون النسسسان يفسستى علسسى النسساس‬ ‫أ ّ‬
‫س فسسي‬ ‫عامة على وجه العموم‪ ،‬ويسسراه النسسا ُ‬
‫القنسسوات الفضسسائية‪ ،‬أو فسسي وسسسائل العلم‬
‫علسسى َوجسسه العمسسوم‪ ،‬ويسسرى هسسذه الفتسسوى‬
‫العامي والجاهل وصاحب الهوى ونحو ذلك‪،‬‬
‫ة لن يأخذ بأحد القسسولين‪،‬‬ ‫ص ً‬‫ويجدها ربما رخ ّ‬
‫م عسسن‬ ‫جس ُ‬ ‫ثم أيض سا ً أنسسه قسسد يكسسون العسسالم ي ُ ْ‬
‫ح ِ‬
‫م الراجح في هسسذه‬ ‫الترجيح َتوّرعًا؛ لنه ل يعل ُ‬
‫المسسسألة‪ ،‬وليسسس هسسذا متعلقسا ً بسسإيراد الكلم‬
‫علسسى مسسسائل شسسيخ السسسلم ابسسن تيميسسة ‪-‬‬
‫رحمه الله ‪ -‬وإنما هو من جهة التأصيل‪ ،‬ثسسم‬
‫ن العلماء ‪ -‬عليهم رحمة الله ‪ -‬في كلمهم‬ ‫أ ّ‬
‫في الغالب في المصنفات والنوازل وكسسذلك‬
‫‪55‬‬

‫ن الكلم يقصسسدون‬ ‫كر الخلف في الغالب أ ّ‬ ‫ذِ ْ‬


‫به أشخاصًا؛ بخلف الفتوى في زمننا؛ فإنهسسا‬
‫تضسسسيع عنسسسد سسسسائر النسسساس علسسسى اختلف‬
‫أجناسسسهم؛ ففسسي الزمسسن الول حينمسسا يفسستي‬
‫ن‬‫مس ْ‬ ‫المفسستي يفسستي لمسسن حسسوله‪ ،‬وقسسد َينُقس ُ‬
‫ل َ‬
‫حوله تلك الفتسسوى إلسسى غيرهسسم؛ فيتحملسسون‬
‫مسسن جهسسة المتكلسسم فسسي‬ ‫مسسا ِ‬
‫أمانسسة النقسسل؛ أ ّ‬
‫عصرنا فإنه يتكلم بسسالفتوى مسسن القسسول‪ ،‬ثسسم‬
‫بعسسد ذلسسك يسسسمعها النسساس علسسى اختلف‬
‫أجناسهم وهو ل يعلم من المقصود؛ لهذا قد‬
‫يكسسون النسسسان السسسائل صسساحب ضسسرورة؛‬
‫فسسأنت تفسستي لسسه بالضسسرورة‪ ،‬أو تكسسون حسساله‬
‫ل؛ فيسسترخص هسسذا المسسستفتي‬ ‫تختلف عن حا ٍ‬
‫ل فسسي‬‫بهسسذا القسسول‪ ،‬أو نتنسسزل لسسه بأخسسذ قسسو ٍ‬
‫مسألةٍ من المسائل ونحو ذلك‪ ،‬وما نترخص‬
‫به على وجه العموم‪.‬‬
‫‪ -‬يأتي الكلم على شدة الزحام بس "منى"‬
‫و "مزدلفة" والمبيت‪.‬‬
‫سمنة فسسي الجسسسم تجيسسز‬ ‫‪ -‬يقول ‪ :‬هل ال ّ‬
‫لبس التّبان؟‬
‫سسسمنته‪ ،‬ول‬ ‫‪ -‬إذا كان النسان يتأذى مسسن ُ‬
‫ت طويل سةٍ ونحسسو‬ ‫يسسستطيع المشسسي لمسسسافا ٍ‬
‫م أن المناسك تسسستلزم المشسسي‬ ‫معلو ٌ‬‫ذلك ‪َ -‬‬
‫ت طويلسسةٍ بيسسن المشسساعر؛ سسسواًء‬ ‫لمسسسافا ٍ‬
‫لرمي الجمار أو في الطواف والسعي ونحو‬
‫‪56‬‬

‫ذلسسك ‪ -‬إن كسسان يتسسأّذى فل حسسرج عليسسه مسسن‬


‫لبسه‪ ،‬أما إذا كسسان ل يتسسأذى ويسسستطيع َدفسسع‬
‫الذى بغيسسر ذلسسك مسسن الحتيسساط لنفسسسه‪ ،‬أو‬
‫كذلك استعمال بعض الدوية ونحو ذلك فإن‬
‫لولى‪.‬‬‫هذا هو ا َ‬
‫‪ -‬ومسسا حكسسم مسسن يحسسج مسسع الجمعيسسات‬
‫الخيرية مجانًا‪ ،‬وهم يقدمون هذا عنه ‪ -‬يعني‬
‫يقصد المال؟‬
‫‪ -‬ل حرج في ذلك؛ فقد جسساء عسسن بعسسض‬
‫السلف؛ جاء عن الحول وجسساء عسسن السسسود‬
‫وغيرهم؛ فقسسد كسسان عبسسد اللسسه بسسن المبسسارك‬
‫ة من الناس على نفقته‪.‬‬ ‫يحجج جماع ً‬
‫‪ -‬يقسسول مسسا صسسحة حسسديث ‪" :‬ل يككؤمن‬
‫أحدكم حتى يكون هواه تبعا ً لما جئت‬
‫به"؟‬
‫‪ -‬الحسسديث قسسد تفسّرد بسسه نعيسسم بسسن حمسساد‬
‫الخزاعي‪ ،‬ول يصح‪ ،‬والحسسديث ‪" :‬ل يككؤمن‬
‫أحككدكم حككتى يحككب لخيككه مككا يحككب‬
‫ح وفي الصحيح‪.‬‬ ‫لنفسه" ‪ :‬الحديث صحي ٌ‬
‫‪ -‬يقسسول ‪ :‬مسسا حكسسم وضسسع الكمسسام علسسى‬
‫النف والفم؟‬
‫‪ -‬يأتي الكلم عليه بإذن الله‪.‬‬
‫‪ -‬إيجار الخيام يأتي الكلم عليه‪.‬‬
‫‪57‬‬

‫‪" -‬إذا انتصف شعبان فل تصوموا"‬


‫الحديث تفرد به العلء بن عبد الرحمن عسسن‬
‫أبيسسه عسسن أبسسي هريسسرة؛ قسسد أنكسسره أحمسسد‬
‫سفيان وأبو حاتم والدراقطني وغيرهم‪.‬‬ ‫و ُ‬
‫وصسسلى اللسسه وسسسلم وبسسارك علسسى نبينسسا‬
‫محمد‪.‬‬

You might also like