Professional Documents
Culture Documents
سنّة
خ ْتصَ ُر ِمنْهَاجِ ال ّ
مُ
لبي العباس شيخ السلم أحمد بن تيمية
رحمه ال
اختصره
الشيخ عبد ال الغنيمان
المدرس بقسم الدراسات العليا بالجامعة السلمية
بالمدينة المنورة
الجزء الول
حقوق الطبع محفوظة
*الطبعة الثانية *
*1412هـ 1992 -م*
دار الرقم
برمنجهام -بريطانيا
للطباعة والنشر والتوزيع
ل له في (وال يعلم أني مع كثرة بحثي وتطلعي إلى معرفة أقوال الناس ومذاهبهم ما علمت رج ً
المة لسان صدق يتهم بمذهب المامية فضلً عن أن يقال :إنه يعتقده في الباطن) .ابن تيمية.
بسم ال الرحمن الرحيم
المقدمة:
ف بِا ْلحَقّ عَلَى
الحمد ل مظهر الحق ومعليه ،وقاطع الباطل وذويه ،قال ال تعالىَ (( :بلْ نَقْ ِذ ُ
طلُ
ق َوزَهَقَ ا ْلبَا ِ
ق َولَكُمْ ا ْل َو ْيلُ ِممّا َتصِفُونَ))[النبياء(( ،]18:وَ ُقلْ جَاءَ الْحَ ّطلِ َفيَ ْدمَ ُغهُ َفإِذَا ُه َو زَاهِ ٌ
ا ْلبَا ِ
ط ُل َومَا يُعِيدُ))[سبأ .]49:أحمده ق َومَا ُيبْ ِدئُ ا ْلبَا ِ
ن زَهُوقاً))[السراءُ (( ،]81:قلْ جَاءَ الْحَ ّ طلَ كَا َ إِنّ ا ْلبَا ِ
حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ،وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله ،أرسله بالهدى ودين الحق ،ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
أمعا بععد( :فإن منهاج السـنة النبويـة فـي نقـض دعاوي الرافضـة والقدريـة) مـن أعظـم كتـب المام
المجاهد الصابر المصابر شيخ السلم أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلم بن تيمية ،قد ناضل فيه
عن الحق وأهله ،ودحض الباطل وفضحه.
وشباب السـلم اليوم بأمـس الحاجـة إلى قراءة هذا الكتاب ،ومعرفـة محتواه؛ حيـث أطـل الرفـض
على كـل بل ٍد مـن بلد السـلم وغيرهـا بوجهـه الكريـه ،وكشـر عـن أنيابـه الكالحـة ،وألقـى حبائله أمام
مـن ل يعرف حقيقتـه ،مظهرًا غير مبطـن ديدن كل منافق مفسد ختال ،فاغتـر بـه من يجهـل حقيقته،
ومن لم يقرأ مثل هذا الكتاب.
والغالب على مذاهــب أهــل البدع والهواء ،أنهــا تتراجــع عــن الشطــح وعظيــم الضلل مــا عدا
مذهـب الرفـض فإنـه يزداد بمرور اليام تطرفًا وانحدارًا ،وتماديًا فـي محاربـة أولياء ال وأنصـار
دينــه ،وقــد ملئت كتــب الرافضــة بالســباب والشتائم واللعنات لخيــر خلق ال بعــد النــبياء –أعنــي:
أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ورضي ال عنهم -وهم ل يتورعون عن تكفير الصحابة،
4
ول سيما كبارهم وسادتهم ،مثل أبي بكر الصديق ،وعمر بن الخطاب ،وعثمان بن عفان ،وإخوانهم
-رضوان ال عليهم -الذين أطفؤوا نار المجوس ،وهدموا معبوداتهم ،وإكفار الصحابة ومن يتولهم
فـي كتبهـم المعتمدة عندهـم ل يحصـره نقـل ،فهـم يتعبدون بلعـن صـحابة رسـول ال صـلى ال عليـه
وسـلم ،ويعتقدون أن الشيعـة بأئمتهـم هـم الناس ،ومـا عداهـم همـج للنار وإلى النار ،وال ل يقبـل مـن
مسـلم حسـنة مهمـا بالغ فـي الحسـان مـا لم يكـن شيعيًا كمـا فـي كتابهـم (الوافـي ،الباب السـابع والثامـن
بعد المائة) ،وفي (الكافي) أحد الكتب الموثوق بها -عندهم -ما يبين عن حقدهم الدفين على السلم
ومن جاء به ،ومن حمله واعتنقه ،وهم يرون أن القرآن نزل لشيئين:
أحدهما :الثناء و المدح على علي بن أبى طالب رضي ال عنه وإعلء شأنه وذريته.
والثاني :ثلب أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وذكر معايبهم ،ولهذا قالوا :إنه ضاع من
القرآن ثلثاه أو ثلثـــة أرباعـــه ،وهـــم يعتمدون فـــي دينهـــم على الكذب الذي يلصـــقونه بأئمتهـــم،
والدعاءات الكاذبـة ،فصـاروا مـن أكذب الناس ،وأكثرهـم تصـديقًا للكذب ،وتصـديقًا بالباطـل ،ومـع
ذلك يرمون الصـحابة بالنفاق ،ونبتهـل إلى ال تعالى أن يزيدهـم غيظًا وأن يكبتهـم بكمدهـم وكـل مـن
غاظه السلم.
ل على مباحــث مطولة وغيــر مطولة فــي الرد على القدريــة و لمــا كان كتاب منهاج الســنة مشتم ً
والمتكلميـن وغيرهـم مـن سـائر الطوائف أحببـت أن أجرد مـا يخـص الرافضـة مـن الرد عليهـم فيمـا
يتعلق بالخلفــة والصــحابة وأمهات المؤمنيــن وغيــر ذلك ،ولم أضــف إليــه شيئًا مــن عندي ،ل فــي
أصـله ،ول تعليقًا؛ لن كلم المام ابـن تيميـة فيـه مـن القوة والرصـانة والمتانـة مـا يغنـي عـن كـل
تعليق ،وعليه من نور الحق ووضوح البيان وقوة الحجة ما ل يحتاج إلى غيره.
فال يجزيـه على جهاده ومنافحتـه عـن السـلم وأهله خيـر الجزاء ،ونسـأله تعالى أن يشركنـا معـه
في جهاده وجزائه إنه خير مسئول ،وأكرم مأمول ،وصلى ال وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى
آله وأزواجه وأصحابه.
قال شيخ السلم:
حكُمَع َبيْنَع الحمـد ل الذيَ (( :فبَعَثَع الُّ ال ّنبِيّينَع ُم َبشّرِينَع َومُن ِذرِينَع وَأَن َزلَ مَ َعهُمْع الْ ِكتَابَع بِالْحَقّ ِليَ ْ
خ َتلَفَع فِيهِع إِلّ الّذِينَع أُوتُوهُع مِنْع بَعْ ِد مَا جَا َء ْتهُمْع ا ْل َب ّينَاتُع بَغْي ًا بَ ْي َنهُمْع ختَلَفُوا فِيهِع وَمَا ا ْ
النّاسِع فِيمَا ا ْ
خ َتلَفُوا فِيهعِع مِنععْ الْحَقّع بِإِ ْذنِهعِع وَالُّع َيهْدِي مَنعْع َيشَاءُ إِلَى صعِعرَاطٍ َفهَدَى الُّع الّذِينعَع آمَنُوا لِمَعا ا ْ
ستَقِيمٍ))[البقرة.]213: مُ ْ
شهِدَ الُّ َأنّ هُ ل إِلَ هَ إِلّ وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،كما شهد هو سبحانه وتعالى (( َ
ُه َو وَا ْلمَلئِ َك ُة وَُأوْلُوا ا ْلعِلْمِ قَائِم ًا بِالْ ِقسْطِ ل إِ َلهَ إِلّ ُهوَ الْ َعزِيزُ ا ْلحَكِيمُ))[آل عمران.]18:
وأشهـد أن محمدًا عبده ورسـوله الذي ختـم بـه أنـبياءه ،وهدى بـه أولياءه ،ونعتـه بقوله فـي القرآن
عَليْكُمْع بِا ْل ُمؤْ ِمنِينَع َرؤُوفٌع حرِيصٌع َ ع ِنتّمْع َ
عزِيزٌ عَ َليْهِع مَا َ الكريـم(( :لَقَدْ جَاءَكُمْع رَسعُولٌ مِنْع َأنْفُسِعكُم َ
و رَبّ الْ َعرْشِع ا ْلعَظِيعم))[التوبـة-128: رَحِيعم َفإِنْع َتوَّلوْا فَ ُقلْ حَسْعبِيَ الُ لَ إِلَهَع ِإلّ ُهوَ عَ َليْهِع َتوَكّلْتُع وَ ُه َ
.]129صلى ال عليه أفضل صلة وأكمل تسليم.
(أما بعد) :فإنه أحضر إلي طائفة من أهل السنة والجماعة كتابا صنفه بعض شيوخ الرافضة في
عصـرنا منفقًا لهذه البضاعـة ،يدعـو بـه إلى مذهـب الرافضـة الماميـة ،مـن أمكنـه دعوتـه مـن ولة
المور وغيرهم أهل الجاهلية ،ممن قلت معرفتهم بالعلم والدين ،ولم يعرفوا أصل دين المسلمين.
وأعانـه على ذلك مـن عادتهـم إعانـة الرافضـة ،مـن المتظاهريـن بالسـلم ،مـن أصـناف الباطنيـة
5
الملحدين ،الذين هم في الباطن من الصابئة الفلسفة الخارجين عن حقيقة متابعة المرسلين ،الذين
ل يوجبون اتباع ديــن الســلم ،ول يحرمون اتباع مــا ســواه مــن الديان ،بــل يجعلون الملل بمنزلة
المذاهـب السياسات التـي يسـوغ اتباعها ،وأن النبوة نوع من السياسة العادلة التـي وضعت لمصـلحة
العامة في الدنيا.
فإن هذا الصــنف يكثرون ويظهرون إذا كثرت الجاهليــة وأهلهــا ،ولم يكــن هناك مــن أهــل العلم
بالنبوة والمتابعـة لهـا مـن يظهـر أنوارهـا الماحيـة لظلمـة الضلل ،ويكشـف مـا فـي خلفهـا مـن الفـك
والشرك والمحال.
وهؤلء ل يكذبون بالنبوة تكذيبًـا مطلقًـا ،بــل هــم يؤمنون ببعــض أحوالهــا ،ويكفرون ببعــض
الحوال ،وهـم متفاوتون فيمـا يؤمنون بـه ويكفرون بـه مـن تلك الخلل ،فلهذا يلتبـس أمرهـم بسـبب
تعظيمهم للنبوات على كثير من أهل الجهالت.
والرافضـة والجهميـة هـم الباب لهؤلء الملحديــن ،منهــم يدخلون إلى سـائر أصــناف اللحاد فــي
أسـماء ال وآيات كتابـه المـبين ،كمـا قرر ذلك رءوس الملحدة مـن القرامطـة الباطنيـة ،وغيرهـم مـن
المنافقين.
وذكر من أحضر هذا الكتاب أنه من أعظم السباب في تقرير مذاهبهم عند من مال إليهم ،من
الملوك وغيرهــم ،وقــد صـنفه للملك المعروف الذي ســماه( :خدابنده) وطلبوا منــي بيان مــا فـي هذا
الكتاب مـن الضلل وباطـل الخطاب؛ لمـا فـي ذلك مـن نصـر عباد ال المؤمنيـن ،وبيان بطلن أقوال
المفترين الملحدين ،فأخبرتهم أن هذا الكتاب ،وإن كان من أعلى ما يقولونه في باب الحجة والدليل،
فالقوم من أضل الناس عن سواء السبيل؛ فإن الدلة :إما نقلية ،وإما عقلية ،والقوم من أضل الناس
في المنقول والمعقول في المذهب والتقرير ،وهم من أشبه الناس بمن قال ال فيهم(( :وَقَالُوا َلوْ ُكنّا
سمَعُ َأ ْو نَعْ ِق ُل مَا ُكنّا فِي َأصْحَابِ السّعِير))[الملك.]10:
نَ ْ
وهم من أكذب الناس في النقليات ،ومن أجهل الناس في العقليات ،يصدقون من المنقول بما يعلم
العلماء بالضطرار أنـه مـن الباطيـل ،ويكذبون بالمعلوم مـن الضطرار المتواتـر أعظـم تواتـر فـي
ل بعد جيل. المة جي ً
ول يميزون فـي نقلة العلم ورواة الحاديـث والخبار بيـن المعروف بالكذب ،أو الغلط أو الجهـل
بمــا ينقــل ،وبيــن العدل الحافــظ الضابــط المعروف بالعلم والثار ،وعمدتهــم فــي نفــس المــر على
التقليـــد ،وإن ظنوا إقامتـــه بالبرهانيات ،فتارة يتبعون المعتزلة والقدريـــة ،وتارة يتبعون المجســـمة
والجبرية.
وهــم مــن أجهــل هذه الطوائف بالنظريات ،ولهذا كانوا عنــد عامــة أهــل العلم والديــن مــن أجهــل
الطوائف الداخليـن فـي المسـلمين ،ومنهـم مـن أدخـل على الديـن مـن الفسـاد مـا ل يحصـيه إل رب
العباد ،فملحدة السماعيلية والنصيرية وغيرهم من الباطنية المنافقين من بابهم دخلوا.
وأعداء المسلمين من المشركين وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا ،واستولوا بهم على بلد السلم،
وسـبوا الحريـم ،وأخذوا الموال ،وسـفكوا الدم الحرام ،وجرى على المـة بمعاونتهـم مـن فسـاد الدنيـا
والدين ما ل يعلمه إل رب العالمين.
إذا كان أصل المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين الذين عاقبهم في حياته علي أمير المؤمنين
-رضي ال عنه -فحرق منهم طائفة بالنار ،وطلب قتل بعضهم ففروا من سيفه البتار ،وتوعد بالجلد
طائفـة مفتريـة فيمـا عرف عنـه مـن الخبار ،إذ قـد تواتـر عنـه مـن الوجوه الكثيرة أنـه قال على منـبر
6
الكوفة وقد أسمع من حضر( :خير هذه المة بعد نبيها :أبو بكر ثم عمر)( )1وبذلك أجاب ابنه محمد
بن الحنفية ،فيما رواه البخاري في صحيحه ،وغيره من علماء الملة الحنيفية.
ولهذا كانـت الشيعـة المتقدمون الذيـن صـحبوا عليًا- ،أو كانوا فـي ذلك الزمان -لم يتنازعوا فـي
تفضيـل أبـي بكـر وعمـر ،وإنمـا كان نزاعهـم فـي تفضيـل علي وعثمان ،وهذا ممـا يعترف بـه علماء
الشيعة الكابر من الوائل والواخر ،حتى ذكر مثل ذلك أبو القاسم البلخي.
قال :سـأل سـائل شريـك بـن عبـد ال ،فقال له :أيهمـا أفضـل :أبـو بكـر أو علي؟ فقال له :أبـو بكـر.
فقال له السائل :تقول هذا وأنت شيعي؟ فقال له :نعم .من لم يقل هذا فليس شيعيًا ،وال لقد رقى هذه
العواد علي ،فقال :أل إن خيـر هذه المـة بعـد نبيهـا أبـو بكـر ،ثـم عمـر ،فكيـف نرد قوله؟ وكيـف
نكذبه؟ وال ما كان كذابًا .نقل هذا عبد الجبار الهمداني في كتاب تثبيت النبوة(.)2
قال :ذكره أبو القاسم البلخي في النقض على ابن الراوندي على اعتراضه على الجاحظ.
(فصععل)
فلمــا ألحوا فــي طلب الرد لهذا الضلل المــبين ،ذاكريــن أن فــي العراض عــن ذلك خذلنًـا
للمؤمنيـن ،وظـن أهـل الطغيان نوعًا مـن العجـز عـن رد هذا البهتان ،فكتبـت مـا يسـره ال مـن البيان،
وفا ًء بمـا أخذه ال مـن الميثاق على أهـل العلم واليمان ،وقيامًا بالقسـط وشهادة ل ،كمـا قال تعالى:
ن وَالَ ْق َربِين إِ نْ
علَى َأنْفُسِكُم َأوِ ا َلوَالِ َديْ ِ
شهَدَاءَ ِلِ وَ َلوْ َ ط ُ ن بِالْقِسْ ِ ن آ َمنُوا كُونُوا َقوّامِي َ ((يَا َأ ّيهَا الّذِي َ
ن َتوَّلوْا َأ ْو تُ ْعرِضُوا َفإِنّ الَ كَا نَ ن تَعْدِلُوا وَِإ ْ
ل تَ ّتبِعُوا ا ْل َهوَى أَ ْ
غ ِنيًا َأوْ فَقِيرًا فَالُ َأ ْولَى ِب ِهمَا َف َ
يَكُ نْ َ
خبِيرًا))[النساء.]135: بِمَا تَ ْعمَلُونَ َ
واللي :هو تغيير الشهادة ،والعراض :هو كتمانها.
وال تعالى قــد أمــر بالصــدق والبيان ،ونهــى عــن الكذب والكتمان ،فيمــا يُحتاج إلى معرفتــه
وإظهاره ،كما قال النبي صلى ال عليه وسلم في الحديث المتفق عليه( :البيعان بالخيار مالم يتفرقا،
فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ،وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)(.)3
ل سيما الكتمان إذا لعن آخر هذه المة أولها ،كما في الثر( :إذا لعن آخر هذه المة أولها ،فمن
كان عنده علم فليظهره ،فإن كاتم العلم يومئذٍ ككاتم ما أنزل ال على محمد)(.)4
وذلك أن أول هذه المة هم الذين قاموا بالدين تصديقًا وعلمًا وعملً ،وتبليغًا ،فالطعن فيهم طعن
في الدين ،موجب للعراض عما بعث ال به النبيين.
وهذا كان مقصود أول من أظهر بدعة التشيع ،فإنما كان قصده الصد عن سبيل ال ،وإبطال ما
جاءت به الرسل عن ال ،ولهذا كانوا يظهرون ذلك بحسب ضعف الملة ،فظهر في الملحدة حقيقة
هذه البدع المضلة.
لكـن راج كثيـر منهـا على مـن ليـس مـن المنافقيـن الملحديـن ،لنوعٍـ مـن الشبهـة والجهالة المخلوطـة
ضلّ بهوى ،فقبــل معــه الضللة ،وهذا أصــل كــل باطــل ،قال ال تعالى(( :وَالنّجْم عِ إِذَا َهوَى * مَعا َ
ي يُوحَى))[النجـم ]4-1:فنزه ال رسوله غوَى * َومَا يَنْطِ قُ عَ نْ ا ْل َهوَى * إِ نْ ُهوَ إِ ّل وَحْ ٌ حبُكُ ْم َومَا َ صَا ِ
)(1انظر :البخاري ( )5/7فضائل أصحاب النب صلى ال عليه وسلم ،وسنن أب داود ( )4/288وابن ماجة ( )1/39وغيها.
)(2هو القاضي عماد الدين أبو السن عبد البار بن أحد المدان ،شيخ العتزلة ف وقته ،وكتابه (تثبيت دلئل النبوة) من أحسن الكتب ف هذا الباب،
وانظر :هذا الثر فيه.)2/549( :
)(3الديث ف البخاري ف أماكن متعددة ،انظر :كتاب البيوع ( )3/58ومسلم كتاب البيوع أيضا (.)3/1164
)(4رواه ابن ماجة ف سننه ( )97-1/96عن جابر مرفوعا ،و هو ضعيف.
7
عـن الضلل والغـي ،والضلل :عدم العلم ،والغـي :اتباع الهوى؛ كمـا قال تعالى ((وَحَمَ َلهَا ا ِلنْسعَان
جهُولً))[الحزاب ]72:فالظلوم غاوٍ ،والجهول ضال إل من تاب ال عليه. ِإ ّنهُ كَانَ ظَلُومًا َ
وهذا حال أهــل البدع المخالفــة للكتاب والســنة ،فإنهــم (إن يتبعون إل الظــن ومــا تهوى النفــس)
ل وظلمًا ،يعادون خيار أولياء ففيهـم جهـل وظلم ،ل سـيما الرافضـة ،فإنهـم أعظـم ذوي الهواء جه ً
ال تعالى -من بعد النبيين ،من السابقين الولين من المهاجرين والنصار ،والذين اتبعوهم بإحسان،
رضــي ال عنهــم ورضوا عنــه -ويوالون الكفار والمنافقيــن مــن اليهود والنصــارى والمشركيــن
وأصـناف الملحديـن ،كالنصـيرية والسـماعيلية وغيرهـم مـن الضاليـن ،فتجدهـم أو كثيرًا منهـم إذا
اختصـم خصـمان في ربهـم مـن المؤمنيـن والكفار ،واختلف الناس فيما جاءت بـه النبياء ،فمنهـم مـن
آمن ومنهم من كفر ،سواء كان الختلف بقول أو عمل ،كالحروب التي بين المسلمين وأهل الكتاب
والمشركين.
تجدهـم يعاونون المشركيـن وأهـل الكتاب على المسـلمين أهـل القرآن ،كمـا قـد جرّبـه الناس منهـم
غيـر مرة ،فـي مثـل إعانتهـم للمشركيـن مـن الترك وغيرهـم على أهـل السـلم بخراسـان والعراق
والجزيرة والشام ،وغير ذلك.
وإعانتهم للنصارى على المسلمين بالشام ومصر وغير ذلك في وقائع متعددة.
من أعظم الحوادث التي كانت في السلم ،في المائة الرابعة والسابعة ،فإنه لما قدم كفار الترك
إلى بلد الســلم ،وقتــل مــن المســلمين مــا ل يحصــى عدده إل رب النام ،كانوا مــن أعظــم الناس
عداوة للمسـلمين ،ومعاونـة للكافريـن ،وهكذا معاونتهـم لليهود أمـر شهيـر ،حتـى جعلهـم الناس لهـم
كالحمير.
(فصععل)
مشابهة الرافضة لليهود والنصارى من وجوه كثيرة
وهذا المصـنف سـمّى كتابـه( :منهاج الكرامـة فـي معرفـة المامـة) وهـو خليـق بأن يسـمى( :منهاج
الندامـة) كمـا أن مـن ادعـى الطهارة وهـو مـن الذيـن لم يرد ال أن يطهـر قلوبهـم ،بـل مـن أهـل الجبـت
والطاغوت والنفاق ،كان وصفه بالنجاسة والتكدير أولى من وصفه بالتطهير.
ومـن أعظـم خبـث القلوب أن يكون فـي قلب العبـد غـل لخيار المؤمنيـن ،وسـادات أولياء ال بعـد
النـبيين ،ولهذا لم يجعـل ال تعالى فـي الفيـء نصـيبًا لمـن بعدهـم ،إل الذيـن يقولونَ (( :ربّنَا اغْ ِفرْ لَنَا
ج َعلْ فِعي ُقلُوبِنَعا غِلً لِلّذِينعَع آ َمنُوا َربّنَعا ِإنّكعَع َرؤُوفععٌ
خوَانِنَعا الّذِينععَ سعَعبَقُونَا بِالِيمَانعِع وَ َل تَ ْ
وَلِ ْ
رَحِيم))[الحشر.]10:
ولهذا كان بينهم وبين اليهود من المشابهة واتباع الهوى وغير ذلك من أخلق اليهود.
وبينهــم وبيــن النصــارى مــن المشابهــة فــي الغلو والجهــل واتباع الهوى وغيــر ذلك مــن أخلق
النصارى ،ما أشبهوا به هؤلء من وجه وهؤلء من وجه ،وما زال الناس يصفونهم بذلك.
ومن أخبر الناس بهم الشعبي وأمثاله من علماء الكوفة.
وقد ثبت عن الشعبي أنه قال :ما رأيت أحمق من الخشبية ،لو كانوا من الطير لكانوا رخمًا ،ولو
كانوا مــن البهائم لكانوا حمرًا ،وال لو طلبــت منهــم أن يملئوا هذا البيــت ذهبًـا على أن أكذب على
علي لعطونــي ،ووال مــا أكذب عليــه أبدًا ،وقــد روى هذا الكلم عنــه مبســوطًا لكــن الظهــر أن
المبسوط من كلم غيره.
8
كما روى أبو حفص ابن شاهين ( )1في كتاب (اللطف في السنة) :حدثنا محمد بن أبي القاسم بن
هارون ،حدثنـا أحمـد بـن الوليـد الواسـطي ،حدثنـي جعفـر بـن نصـير الطوسـي الواسـطي ،عـن عبـد
الرحمن بن مالك بن مغول ،عن أبيه ،قال :قال الشعبي :أحذركم أهل هذه الهواء المضلة ،وشرها
الرافضة ،لم يدخلوا في السلم رغبة ول رهبة ،ولكن مقتًا لهل السلم وبغيًا عليهم ،وقد حرقهم
علي رضي ال عنه ونفاهم إلى البلدان.
منهـم :عبـد ال بـن سـبأ يهودي مـن يهود صـنعاء ،نفاه إلى سـاباط ،وعبـد ال بـن يسـار نفاه إلى
خازر ،وآيــة ذلك أن محنــة الرافضــة محنــة اليهود .قالت اليهود :ل يصــلح الملك إل فــي آل داود،
وقالت الرافضة :ل تصلح المامة إل في ولد علي ،وقالت اليهود :ل جهاد في سبيل ال حتى يخرج
المســيح الدجال ،وينزل ســيف مــن الســماء ،وقالت الرافضــة :ل جهاد فــي ســبيل ال حتــى يخرج
المهدي ،وينادي منادٍ من السماء.
واليهود يؤخرون الصــــلة إلى اشتباك النجوم ،وكذلك الرافضــــة يؤخرون المغرب إلى اشتباك
النجوم ،والحديـث عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أنـه قال( :ل تزال أمتـي على الفطرة مالم يؤخروا
المغرب إلى اشتباك النجوم)(.)2
واليهود تزول عن القبلة شيئا ،وكذلك الرافضة.
واليهود تنود في الصلة ،وكذلك الرافضة.
واليهود تسدل أثوابها في الصلة ،وكذلك الرافضة.
واليهود ل يرون على النساء عدة ،وكذلك الرافضة.
واليهود حرفوا التوراة ،وكذلك الرافضة حرفوا القرآن.
واليهود قالوا :افترض ال علينا خمسين صلة ،وكذلك الرافضة.
واليهود ل يخلصــون الســلم على المؤمنيــن إنمــا يقولون :الســام عليكــم -والســام الموت -وكذلك
الرافضة.
()3
واليهود ل يأكلون الجرّي والمرماهى والذناب ،وكذلك الرافضة.
واليهود ل يرون المسح على الخفين ،وكذلك الرافضة.
واليهود يستحلون أموال الناس كلهم ،وكذلك الرافضة.
سبِيل))[آل عمران ]75:وكذلكعَليْنَا فِي ا ُلمِيّينَ َ
وقد أخبرنا ال عنهم في القرآن أنهم(( :قَالُوا َليْ سَ َ
الرافضة.
واليهود تسجد على قرونها في الصلة ،وكذلك الرافضة.
واليهود ل تسجد حتى تخفق برءوسها مرارًا شبه الركوع ،وكذلك الرافضة.
واليهود تبغض جبريل ،ويقولون :هو عدونا من الملئكة ،وكذلك الرافضة يقولون :غلط جبريل
بالوحي على محمد.
وكذلك الرافضـة وافقوا النصـارى فـي خصـلة :النصـارى ليـس لنسـائهم صـداق إنمـا يتمتعون بهـن
تمتعًا ،وكذلك الرافضة يتزوجون بالمتعة ،ويستحلون المتعة.
وفضلت اليهود والنصـارى على الرافضـة بخصـلتين ،سـئلت اليهود :مـن خيـر أهـل ملتكـم؟ قالوا:
)(1هو أبو حفص عمر بن أحد بن عثمان البغدادي توف سنة ( )385انظر :تذكرة الفاظ (.)3/183
)(2رواه أبو داود ف السنن ( )1/169وابن ماجة ( )1/225وأحد ف السند ( )4/147و(.)5/422
)(3نوع من السمك زعموا أن السمك خاطب عليا إل هذين النوعي منه.
9
أصحاب موسى ،وسئلت النصارى :من خير أهل ملتكم؟ قالوا :حواري عيسى .وسئلت الرافضة:
من شر أهل ملتكم؟ قالوا :أصحاب محمد.
أمروا بالسـتغفار لهـم ،فسـبوهم والسـيف عليهـم مسـلول إلى يوم القيامـة ،ل تقوم لهـم رايـة ،ول
يثبـت لهـم قدم ول تجتمـع لهـم كلمـة ،ول تجاب لهـم دعوة ،دعوتهـم مدحوضـة ،وكلمتهـم مختلفـة،
ب أَطْفَأَهَا الُّ).
ح ْر ِ
وجمعهم متفرق ( ُكّلمَا َأوْقَدُوا نَارًا ِللْ َ
(قلت) :هذا الكلم بعضه ثابت عن الشعبي ،كقوله :لو كانت الشيعة من البهائم لكانوا حمرًا ،ولو
كانت من الطير لكانوا رخمًا ،فإن هذا ثابت عنه.
قال ابــن شاهيــن :حدثنــا محمــد بــن العباس النحوي ،حدثنــا ابراهيــم الحربــي ،حدثنــا أبــو الربيــع
الزهرانــي ،حدثنــا وكيــع بــن الجراح ،حدثنــا مالك بــن مغول ،فذكره ،وأمــا الســياق المذكور فهــو
معروف عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول ،عن أبيه ،عن الشعبي.
وروى أبـو عاصـم خشيـش بـن أصـرم ( )1فـي كتابـه ،ورواه مـن طرقـه أبـو عمرو الطلمنكـي ،فـي
كتابـه فـي الصـول ،قال :حدثنـا ابـن جعفـر الرقـي ،عـن عبـد الرحمـن بـن مالك بـن مغول ،عـن أبيـه،
قال :قلت لعامــر الشعــبي :مــا ردك عــن هؤلء القوم ،وقــد كنــت فيهــم رأسـًا؟ قال :رأيتهــم يأخذون
بأعجاز ل صدور لها.
ثـم قال لي :يـا مالك ،لو أردت أن يعطونـي رقابهـم عـبيدًا ،أو يملئوا لي بيتـي ذهبًا ،أو يحجوا إلى
بيتــي هذا ،على أن أكذب على علي رضــي ال عنــه لفعلوا ،ول .وال ل أكذب عليــه أبدًا .يــا مالك،
إنـي قـد درسـت أهـل الهواء فلم أر فيهـم أحمـق مـن الخشبيـة ،فلو كانوا مـن الطيـر لكانوا رخمًا ،ولو
كانوا من الدواب لكانوا حمرًا .يا مالك ،لم يدخلوا في السلم رغبة فيه ل ول رهبة من ال ،ولكن
مقتًا من ال عليهم ،وبغيًا منهم على أهل السلم.
يريدون أن يغمصـوا ديـن السـلم ،كمـا غمـص بولص بـن يوشـع ملك اليهود ديـن النصـرانية ،ول
تتجاوز صلتهم آذانهم.
قد حرقهم علي بن أبي طالب رضي ال عنه بالنار ،ونفاهم من البلد.
منهـم :عبـد ال بـن سـبأ ،يهودي مـن يهود صـنعاء ،نفاه إلى سـاباط ،وأبـو بكـر الكروس ،نفاه إلى
الجابية ،وحرق منهم قومًا ،أتوه فقالوا :أنت هو .فقال :من أنا .فقالوا :أنت ربنا .فأمر بنار فأججت،
فألقوا فيها ،وفيهم قال علي رضي ال عنه:
لما رأيت المر أمرًا منكعرا أججت ناري ودعوت قنبرا
يــا مالك ،إن محنتهــم محنــة اليهود ،قالت اليهود :ل يصــلح الملك إل فــي آل داود ،وكذلك قالت
الرافضة :ل تصلح المامة إل في ولد علي.
وقالت اليهود :ل جهاد في سبيل ال حتى يخرج المسيح الدجال وينزل سيف من السماء ،وكذلك
الرافضـة قالوا :ل جهاد فـي سـبيل ال حتـى يخرج الرضـا مـن آل محمـد وينادي منا ٍد مـن السـماء:
اتبعوه.
وقالت اليهود :فرض ال علينا خمسين صلة في كل يوم وليلة ،وكذلك قالت الرافضة.
واليهود ل يصـلون المغرب حتـى تشتبـك النجوم ،وقـد جاء عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم( :ل
تزال أمتـــــي على الســـــلم مالم تؤخـــــر المغرب إلى اشتباك النجوم)( )2مضاهاة لليهود ،وكذلك
الرافضة.
)(1هو خشيش بن أصرم بن السود ،أبو عاصم النسائي توف سنة ( )253وانظر :تذيب التهذيب (.)3/142
10
واليهود إذا صلوا زالوا عن القبلة شيئًا ،وكذلك الرافضة.
واليهود تنود في صلتها ،وكذلك الرافضة.
واليهود يسـدلون أثوابهـم فـي الصـلة ،وقـد بلغنـي أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم مـر برجـل سـادل
ثوبه فعطفه عليه ،وكذلك الرافضة.
واليهود حرفوا التوراة ،وكذلك الرافضة حرفوا القرآن.
واليهود يسجدون في صلة الفجر الكندرة ،وكذلك الرافضة.
واليهود ل يخلصـون بالسـلم إنمـا يقولون :سـام عليكـم -وهـو الموت -وكذلك الرافضـة ،واليهود
عادوا جبريـل فقالوا :هـو عدونـا .وكذلك الرافضـة قالوا :أخطـأ جبريـل بالوحـي .و اليهود يسـتحلون
أموال الناس ،وقـد نبأنـا ال عنهـم أنهـم قالواَ (( :ليْسَع عَ َل ْينَا فِي ا ُل ِميّينَع سَعبِيل))[آل عمران ،]75:وكذلك
الرافضة يستحلون مال كل مسلم.
واليهود ليس لنسائهم صداق وإنما يتمتعون متعة ،وكذلك الرافضة يستحلون المتعة.
واليهود يستحلون دم كل مسلم ،وكذلك الرافضة.
واليهود يرون غش الناس ،وكذلك الرافضة.
واليهود ل يعدون الطلق شيئًا إل عند كل حيضة ،وكذلك الرافضة.
واليهود ل يرون العزل عن السراري ،وكذلك الرافضة.
واليهود يحرمون الجرّي والمرماهى ،وكذلك الرافضة.
واليهود حرموا الرنب والطحال ،وكذلك الرافضة.
واليهود ل يرون المسح على الخفين ،وكذلك الرافضة.
واليهود ل يلحدون ،وكذلك الرافضة .وقد ألحد لنبينا صلى ال عليه وسلم.
واليهود يدخلون مع موتاهم في الكفن سعفة رطبة ،وكذلك الرافضة.
ثـم قال :يـا مالك ،وفضلتهـم اليهود والنصـارى بخصـلة ،قيـل لليهود :مـن خيـر أهـل ملتكـم؟ قالوا:
أصـحاب موسـى ،وقيـل للنصـارى مـن خيـر أهـل ملتكـم؟ قالوا :حواري عيسـى ،وقيـل للرافضـة :مـن
شـر أهـل ملتكـم؟ قالوا :حواري محمـد -يعنون بذلك طلحـة والزبيـر -أمروا بالسـتغفار لهـم فسـبوهم،
والسـيف مسـلول عليهـم إلى يوم القيامـة ،ودعوتهـم مدحوضـة ،ورايتهـم مهزومـة ،وأمرهـم متشتـت
لرْ ضِ فَ سَادًا وَالُّ ل يُحِبّ ا ْلمُفْ سِدِينَ)) [المائدة: حرْ بِ َأطْفَأَهَا الُّ َويَ سْ َعوْنَ فِي ا َ
((كُّلمَا َأوْقَدُوا نَارًا ِللْ َ
،]64ويسعون في الرض فسادًا ،وال ل يحب المفسدين.
وقـد روى أبـو القاسـم الطـبري( )1فـي (شرح أصـول السـنة) نحـو هذا الكلم ،مـن حديـث وهـب بـن
بقية الواسطي ،عن محمد بن حجر الباهلي ،عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول من وجوه متعددة
يصـدق بعضهـا بعضًا ،وبعضهـا يزيـد على بعـض ،لكـن عبـد الرحمـن بـن مالك بـن مغول ضعيـف،
وذم الشعـبي لهـم ثابـت مـن طرق أخرى ،لكـن لفـظ الرافضـة إنمـا ظهـر لمـا رفضوا زيـد بـن علي بـن
الحسـين فـي خلفـة هشام ،وقصـة زيـد بـن علي بـن الحسـين كانـت بعـد العشريـن ومائة سـنة إحدى و
عشرين أو اثنتين وعشرين ومائة في آخر خلفة هشام.
قال أبـو حاتـم البسـتى :قتـل زيـد بـن علي بـن الحسـين بالكوفـة سـنة اثنتيـن وعشريـن ومائة ،فصـلب
على خشبة ،وكان من أفاضل أهل البيت وعلمائهم ،وكانت الشيعة تنتحله.
)(2تقدم ذكر من رواه قريبًا.
)(1هو الللكائي.
11
متى سموا رافضة وكذا الزيدية
(قلت) :ومـن زمـن خروج زيـد افترقـت الشيعـة إلى رافضـة وزيديـة ،فإنـه لمـا سـئل عـن أبـي بكـر
وعمر فترحم عليهما ،رفضه قوم ،فقال لهم :رفضتموني! فسموا رافضة ،لرفضهم إياه ،وسُميّ من
لم يرفضــه مــن الشيعــة زيديًا؛ لنتســابهم إليــه ،ولمــا صــلب كانــت العباد تأتــي إلى خشبتــه بالليــل
فيتعبدون عندها.
والشعـبي توفـي فـي أوائل خلفـة هشام ،أو آخـر خلفـة يزيـد بـن عبـد الملك أخيـه ،سـنة خمـس
ومائة ،أو قريبًا من ذلك .فلم يكن لفظ الرافضة معروفًا إذ ذاك.
وبهذا وغيره يعرف كذب لفـظ الحاديـث المرفوعـة التـي فيهـا لفـظ الرافضـة ،ولكـن كانوا يسـمون
بغيـر ذلك السـم ،كمـا يسـمون بالخشبيـة؛ لقولهـم :إنـا ل نقاتـل بالسـيف إل مـع إمام معصـوم ،فقاتلوا
بالخشب.
ولهذا جاء في بعض الروايات عن الشعبي( :ما رأيت أحمق من الخشبية) ،فيكون المعبر عنهم
بلفظ الرافضة ذكره بالمعنى ،مع ضعف عبد الرحمن ،ومع أن الظاهر أن هذا الكلم إنما هو نظم
عبـد الرحمـن بـن مالك بـن مغول وتأليفـه ،وقـد سـمع منـه طرفًا عـن الشعـبي ،وسـواء كان هـو ألفـه
ونظمه لما رآه من أمور الشيعة في زمانه ،ولما سمع عنهم ،أو لما سمع من أقوال أهل العلم فيهم،
أو بعضــه ،أو مجموع المريــن ،أو بعضــه لهذا وبعضــه لهذا ،فهذا الكلم معروف بالدليــل الذي ل
يحتاج فيه إلى نقل وإسناد.
وقول القائل :إن الرافضـة تفعـل كذا ،المراد بـه بعـض الرافضـة ،كقوله تعالى(( :وَقَاَلتعْ اَل َيهُودُ
ع َز ْيرٌ ابْنُع الِ وَقَالَتْع النّصعَارَى ا ْلمَسعِيحُ ابْنُع ال))[التوبـة(( ،]30:وَقَالَتِع ا ْل َيهُو ُد يَدُ الِ مَ ْغلُو َلةً غُلّتْع
ُ
َأيْدِيهِم))[المائدة.]64:
لم يقل ذلك كل يهودي ،بل فيهم من قال ذلك .وما ذكره موجود في الرافضة.
وفيهم أضعاف ما ذكره ،مثل :تحريم بعضهم للحم الوز والجمل ،مشابهة لليهود.
ومثل :جمعهم بين الصلتين دائما ،فل يصلون إل في ثلثة أوقات ،مشابهة لليهود.
ومثل قولهم :أنه ل يقع الطلق إل بالشهاد على الزوج مشابهة لليهود.
ومثـل :تنجيسـهم لبدان غيرهـم مـن المسـلمين وأهـل الكتاب ،وتحريمهـم لذبائحهـم ،وتنجيسـهم مـا
يصـيب ذلك مـن المياه والمائعات ،وغسـل النيـة التـي يأكـل منهـا غيرهـم ،مشابهـة للسـامرة الذيـن هـم
شر اليهود ،ولهذا يجعلون الناس في المسلمين كالسامرة في اليهود.
ومثل استعمالهم التقية ،وإظهار خلف ما يبطنون من العداوة ،مشابهة لليهود ونظائر ذلك كثير.
ذكر بعض حماقات الرافضة
وأمـا سـائر حماقاتهـم فكثيرة جدًا :مثـل كون بعضهـم ل يشرب مـن نهرٍ حفره يزيـد ،مـع أن النـبي
صلى ال عليه وسلم والذين كانوا معه كانوا يشربون من آبار وأنهار حفرها الكفار.
وبعضهـم ل يأكـل مـن التوت الشامـي ،ومعلوم أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ومـن معـه كانوا
يأكلون مما يُجلب من بلد الكفار من الجبن ،ويلبسون ما تنسجه الكفار ،بل غالب ثيابهم كانت من
نسيج الكفار.
ومثـل كونهـم يكرهون التكلم بلفـظ العشرة ،أو فعـل شيـء يكون عشرة ،حتـى فـي البناء ل يبنون
على عشرة أعمدة ،ول بعشرة جذوع ونحـو ذلك ،لكونهـم يبغضون خيار الصـحابة -وهـم العشرة -
المشهود لهم بالجنة :أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن
12
زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح رضوان ال عليهم أجمعين،
يبغضون هؤلء إل علي بن أبي طالب رضي ال عنه ،ويبغضون السابقين الولين من المهاجرين
والنصـار ،الذيـن بايعوا رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم تحـت الشجرة ،وكانوا ألفًا وأربعمائة ،وقـد
أخبر ال أنه قد رضي عنهم.
وثبـت فـي صـحيح مسـلم وغيره ،عـن جابر أيضًا :أن غلم حاطـب بـن أبـي بلتعـة قال :يـا رسـول
ال ،وال ليدخلن حاطب النار ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :كذبت ،إنه شهد بدرًا والحديبية)(.)1
وهـم يتـبرءون مـن جمهور هؤلء؛ بـل يتـبرءون مـن سـائر أصـحاب رسـول ال صـلى ال عليـه
وسـلم ،إل نفرًا قليلً نحـو بضعـة عشـر ،ومعلوم أنـه لو فرض فـي العالم عشرة مـن أكفـر الناس ،لم
يجــب هجــر هذا الســم لذلك ،كمــا أنــه ســبحانه وتعالى لمــا قال(( :وَكَانعَ فِي ا ْلمَدِي َن ِة تِسعْ َعةُ رَهْطعٍ
ض وَ َل يُصِْلحُون))[النمل.]48: يُ ْفسِدُونَ فيِ ا َلرْ ِ
لم يجب هجر اسم التسعة مطلقًا ،بل اسم العشرة قد مدح ال مسماه في مواضع ،كقوله تعالى في
ملَة))[البقرة: شرَةٌ كَا ِ ع ْ
حجّ وَسَعبْ َعةٍ ِإذَا رَجَ ْعتُمْع تِلْكَع َمتعـة الحـجَ (( :فمَنْع لَمْع يَجِدْ فَصِعيَا ُم ثَلثَةِ َأيّامٍع فِي الْ َ
.]196
وقال تعالىَ (( :ووَاعَدْنَععا مُوس ععَى ثَلثِين ععَ َليْ َل ًة وََأ ْتمَ ْمنَاهَععا بِعَشْععر َفتَمّ ع مِيقَات عُع َربّه ععِ َأرْبَعِين ععَ
َليْلَة))[العراف.]142:
شرٍ))[الفجر.]2-1: ع ْجرِ * َوَليَالٍ َ وقال تعالى(( :وَاٌلْ َف ْ
وقـد ثبـت فـي الصـحيح( :أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم كان يعتكـف العشـر الواخـر مـن شهـر
رمضان حتى توفاه ال تعالى)(.)2
وقال في ليلة القدر( :التمسوها في العشر الواخر)(.)3
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ما من أيا مٍ العمل الصالح فيهن أحب
إلى ال من هذه اليام العشر)( )4ونظائر ذلك متعددة.
ومـن العجـب أنهـم يوالون لفـظ التسـعة ،وهـم يبغضون التسـعة مـن العشرة؛ فإنهـم يبغضونهـم إل
عليًا ،وكذلك هجرهـم لسـم أبـي بكـر وعمـر وعثمان ولمـن يتسـمى بذلك ،حتـى يكرهوا معاملتـه،
ومعلوم أن هؤلء لو كانوا من أكفر الناس لم يشرع أن ل يتسمى الرجل بمثل أسمائهم ،فقد كان في
الصحابة من اسمه الوليد.
وكان النـبي صـلى ال عليـه وسـلم يقنـت فـي الصـلة ،ويقول( :اللهـم أنـج الوليـد بـن الوليـد بـن
المغيرة)(،)5وأبوه كان مـن أعظـم الناس كفرًا ،وهـو الوحيـد المذكور فـي قوله تعالىَ (( :ذرْنِي َومَنْع
خََلقْتُع وَحِيدًا))[المدثـر ]11:وفـي الصـحابة مـن اسـمه عمرو ،وفـي المشركيـن مـن اسـمه عمرو بـن عبـد
ودّ ،وأبو جهل اسمه عمرو بن هشام.
وفـي الصـحابة خالد بـن سـعيد بـن العاص مـن السـابقين الوليـن ،وفـي المشركيـن خالد بـن سـفيان
الهذلي.
)(1انظر :الديث ف مسلم (.)4/1942
)(2انظر :البخاري ( )48-3/47ومسلم (.)831-2/830
)(3انظر :كتاب الصوم من البخاري الباب مسلم.)2/823( :
)(4انظر :البخاري ( )2/20والترمذي (.)2/129
)(5انظر:ه ف :البخاري (.)49-6/48
13
وفي الصحابة من اسمه هشام ،مثل :هشام بن حكيم ،وأبو جهل كان اسم أبيه هشامًا.
وفـي الصـحابة مـن اسـمه عقبـة ،مثـل :أبـي مسـعود عقبـة بـن عمرو البدري ،وعقبـة بـن عامـر
الجهني ،وكان في المشركين عقبة بن أبي معيط.
وفـي الصـحابة علي وعثمان ،وكان فـي المشركيـن مـن اسـمه علي مثـل :علي بـن أميـة بـن خلف،
قتل يوم بدر كافرًا ،ومثل عثمان بن طلحة قتل قبل أن يسلم ،ومثل هذا كثير.
فلم يكن النبي صلى ال عليه وسلم والمؤمنون يكرهون اسمًا من السماء لكونه قد تسمى به كافر
مـن الكفار ،فلو قدر أن المسـلمين بهذه السـماء كفار ،لم يوجـب ذلك كراهـة هذه السـماء مـع العلم
لكل أحد بأن النبي صلى ال عليه وسلم كان يدعوهم بها ،ويُقرّ الناس على دعائهم بها.
وكثيـر منهـم يزعـم أنهـم كانوا منافقيـن ،وكان النـبي صـلى ال عليـه وسـلم يعلم أنهـم منافقون ،وهـو
مع هذا يدعوهم بها ،وعلي بن أبي طالب رضي ال عنه قد سمّى بها أولده فعلم أن جواز الدعاء
بهذه السماء -سواء كان ذلك المسمى بها مسلمًا أو كافراً -أمر معلوم من دين السلم ،فمن كره أن
يدعو أحدًا بها كان من أظهر الناس مخالفة لدين السلم ،ثم مع هذا إذا تسمى الرجل عندهم باسم
علي أو جعفـر أو حسـن أو حسـين أو نحـو ذلك ،عاملوه وأكرموه ،ول دليـل لهـم فـي ذلك على أنـه
منهم.
ومن حماقاتهم أيضًا :أنهم يجعلون للمنتظر عدة مشاهد ينتظرونه فيها ،كالسرداب الذي بسامرّا
الذي يزعمون أنـه غائب فيـه ،ومشاهـد أخـر وقـد يقيمون هناك دابـة -إمـا بغلة وإمـا فرسـًا وإمـا غيـر
ذلك -ليركبهـا إذا خرج ،ويقيمون هناك إما فـي طرفي النهار وإمـا في أوقات أخرى مـن ينادي عليـه
بالخروج :يا مولنا اخرج ،ويشهرون السلح ول أحد هناك يقاتلهم ،وفيهم من يقوم في أوقات دائمًا
ل يصلي ،خشية أن يخرج وهو في الصلة فيشتغل بها عن خروجه وخدمته ،وهم في أماكن بعيدة
عـن مشهده كمدينـة النـبي صـلى ال عليـه وسـلم إمـا فـي العشـر الواخـر مـن شهـر رمضان ،وإمـا فـي
غير ذلك يتوجهون إلى المشرق ،وينادون بأصوات عالية يطلبون خروجه.
ومــن المعلوم أنــه لو كان موجودًا وقــد أمره ال بالخروج فإنــه يخرج ،ســواء نادوه أو لم ينادوه،
وإن لم يؤذن له فهــو ل يقبــل منهــم ،وإنــه إذا خرج فإن ال يؤيده ويأتيــه بمــا يركبــه ،وبمــن يعينــه
وينصـره ،ل يحتاج أن يوقـف له دائمًا مـن الدمييـن مـن ضـل سـعيهم فـي الحياة الدنيـا وهـم يحسـبون
أنهـم يحسـنون صـنعًا ،وال سـبحانه وتعالى قـد عاب فـي كتابـه مـن يدعـو مـن ل يسـتجيب دعاءه فقال
طمِيرٍ * إِن تَدْعُو ُه مْ لَ ن مِن ِق ْ
ن مِن دُونِ ِه مَا يَمِْلكُو َ ن تَدْعُو َ ك وَالّذِي َ
تعالى(( :ذَِلكُ مُ الُ َربّكُ مْ لَ هُ ا ْلمُلْ ُ
شرْكِكُم ْع وَ َل يُ َن ّبئُكعَ ِم ْثلُ
يَس ْعمَعُواْ ُدعَآءَكُم ْع وَ َلوْ سَعمِعُو ْا مَا اس ْعتَجَابُواْ َلكُم ْع َو َيوْمعَ الْ ِقيَامَ ِة يَكْ ُفرُونَع بِ ِ
خبِيرٍ))[فاطـــر ]14-13:هذا مــع أن الصــنام موجودة ،وكان يكون بهــا أحيانًـا شياطيــن تتراءى لهــم َ
وتخاطبهم.
ومـن خاطـب معدومًا كانـت حالتـه أسـوأ مـن حال مـن خاطـب موجودًا وإن كان جمادًا ،فمـن دعـا
المنتظــر الذي لم يخلقــه ال ،كان ضلله أعظــم مــن ضلل هؤلء ،وإذا قال :أنــا أعتقــد وجوده كان
بمنزلة قول أولئك :نحن نعتقد أن هذه الصنام لها شفاعة عند ال ،فيعبدون من دون ال ما لينفعهم
و ل يضرهم و يقولون :هؤلء شفعاؤنا عند ال.
والمقصــود أن كليهمــا يدعــو مــن ل ينفــع دعاؤه ،وإن كان أولئك اتخذوهــم شفعاء آلهــة ،وهؤلء
يقولون :هــو إمام معصــوم ،فهــم يوالون عليــه ،وقيعادون عليــه كموالة المشركيــن على آلهتهــم،
ويجعلونـه ركنًا فـي اليمان ل يتـم الديـن إل بـه ،كمـا يجعـل بعـض المشركيـن آلهتهـم كذلك ،وقـد قال
14
عبَادًا لّي مِن شرٍ أَن ُي ْؤتِيَهُع الُ الْ ِكتَابَع وَالْحُكْمَع وَال ّنبُوّ َة ثُمّ يَقُولَ لِلنّاسِع كُونُواْ ِ تعالى(( :مَا كَانَع ِلبَ َ
ن * وَ َل يَ ْأ ُمرَكُمْ أَن تَتّخِذُواْ ب َو ِبمَا كُنتُمْ تَ ْدرُسُو َ
ن ِبمَا كُنتُمْ تُ َعّلمُونَ الْ ِكتَا َ
دُونِ الِ وََلكِن كُونُو ْا َربّانِ ْييِ َ
لئِ َكةَ وَالنّبِْييِنَ َأ ْربَابًَا َأيَ ْأ ُمرُكُم بِالْكُ ْف ِر بَعْدَ إِذْ أَنتُم ّمسْ ِلمُونَ))[آل عمران.]80-79:
ا ْلمَ َ
فإذا كان من يتخذ الملئكة والنبيين أربابًا بهذه الحال ،فكيف بمن يتخذ إمامًا معدومًا ل وجود له!
ن َم ْريَ َم وَمَآ ُأ ِمرُواْ إِلّ حبَارَهُ ْم َورُ ْهبَا َنهُ مْ َأ ْربَابًَا مّن دُو نِ الِ وَا ْلمَ سِيحَ ابْ َ
وقد قال تعالى(( :اتّخَذُواْ أَ ْ
عمّا ُيشْرِكُونَ))[التوبة ]31:وقد ثبت في الترمذي وغيره من سبْحَا َنهُ َ ِليَ ْعبُدُواْ ِإَلهًَا وَاحِدًا ل إِلَهَ إِلّ ُهوَ ُ
حديـث عدي بـن حاتـم أنـه قال( :يـا رسـول ال ،مـا عبدوهـم .فقال :إنهـم أحلوا لهـم الحرام وحرموا
عليهم الحلل فأطاعوهم ،فكانت تلك عبادتهم إياهم)( )1فهؤلء اتخذوا أناسًا موجودين أربابًا.
وهؤلء يجعلون الحلل والحرام معلقًـا بالمام المعدوم ،الذي ل حقيقــة له ،ثــم يعملون بكــل مــا
يقول المثبتون :إنه يحلله ويحرمه ،وإن خالف الكتاب والسنة وإجماع سلف المة ،حتى إن طائفتهم
إذا اختلفــت على قوليــن فالقول الذي ل يعرفــه قائله هــو الحــق؛ لنــه قول هذا المام المعصــوم،
فيجعلون الحلل مــا حلله ،والحرام مــا حرمــه هذا الذي ل يوجــد .وعنــد مــن يقول :إنــه موجود ل
يعرفه أحد ،ول يمكن أحد أن ينقل عنه كلمة واحدة.
ومن حماقاتهم :تمثيلهم لمن يبغضونه مثل اتخاذهم نعجة -وقد تكون نعجة حمراء؛ لكون عائشة
تســمى الحميراء -يجعلونهــا عائشــة ويعذبونهــا بنتــف شعرهــا وغيــر ذلك ،ويرون أن ذلك عقوبــة
لعائشة.
ومثـل اتخاذهـم حلسـًا مملوءًا سـمنًا ثـم يشقون بطنـه فيخرج السـمن فيشربونـه ،ويقولون :هذا مثـل
ضرب عمر وشرب دمه.
ومثـل تسـمية بعضهـم لحماريـن مـن حمـر الرحـا أحدهمـا :بأبـي بكـر ،والخـر بعمـر ،ثـم يعاقبون
الحمارين جعلً منهم تلك العقوبة عقوبة لبي بكر وعمر.
وتارة يكتبون أسـماءهم على أسـفل أرجلهـم حتـى أن بعـض الولة جعـل يضرب رجلي مـن فعـل
ذلك ويقول :إنما ضربت أبا بكر وعمر ،ول أزال أضربهما حتى أعدمهما.
ومنهم من يسمي كلبه باسم أبي بكر وعمر ،ويلعنهما! ومنهم من إذا سمى كلبه فقيل له" :بكير"
يضارب من يفعل ذلك ،ويقول :تسمى كلبي باسم أصحاب النار.
ومنهـم مـن يعظـم أبـا لؤلؤة المجوسـي الكافـر الذي كان غلمًا للمغيرة بـن شعبـة لمـا قتـل عمـر،
ويقولون :واثارات أبـي لؤلؤة! فيعظمون كافرًا مجوسيًا باتفاق المسلمين لكونـه قتـل عمر رضي ال
عنه.
ومـن حماقاتهـم :إظهارهـم لمـا يجعلونـه مشهدًا ،فكـم كذبوا الناس ،وادعوا أن فـي هذا المكان ميتًا
مـن أهـل البيـت ،وربمـا جعلوه مقتولً ،فيبنون ذلك مشهدًا ،وقـد يكون ذلك قـبر كافـر أو قـبر بعـض
الناس ،ويظهر ذلك بعلمات كثيرة.
ومعلوم أن عقوبــة الدواب المســماة بذلك ونحــو هذا الفعــل ل يكون إل مــن فعــل أحمــق الناس
وأجهلهـم ،فإنـه مـن المعلوم أنـا لو أردنـا أن نعاقـب فرعون وأبـا لهـب وأبـا جهـل وغيرهـم ممـن ثبـت
بإجماع المسلمين أنهم من أكفر الناس مثل هذه العقوبة لكان هذا من أعظم الجهل ،لن ذلك ل فائدة
فيـه؛ بـل إذا قتـل كافـر يجوز قتله أو مات حتـف أنفـه لم يجـز بعـد قتله أو موتـه أن يُمثّلـ بـه ،فل يشـق
بطنه ،أو يجدع أنفه وأذنه ،ول تقطع يده إل أن يكون ذلك على سبيل المقابلة.
)(1انظر :سنن الترمذي ( ،)4/341وقال :غريب.
15
فقـد ثبـت فـي صـحيح مسـلم وغيره ،عـن بريدة ،عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أنـه كان إذا بعـث
أميرًا على جيـش أو سـرية ،أوصـاه فـي خاصـة نفسـه بتقوى ال ،وأوصـاه بمـن معـه مـن المسـلمين
خيرًا ،وقال( :اغزوا في سبيل ال ،قاتلوا من كفر بال ،ل ت ُغلّوا ،ول تغدروا ،ول تمثّلوا ،ول تقتلوا
وليدًا)( )1وفي السنن أنه كان في خطبته يأمر بالصدقة ،وينهى عن المثلة(.)2
مع أن التمثيل بالكافر بعد موته فيه نكاية بالعدو ،ولكن نُهى عنه لنه زيادة إيذاء بل حاجة ،فإن
المقصود كف شره بقتله ،وقد حصل.
فهؤلء الذيـن بيغضونهـم لو كانوا كفارًا وقـد ماتوا لم يكـن لهـم بعـد موتهـم أن يمثلوا بأبدانهـم :ل
يضربونهم ،ول يشقون بطونهم ،ول ينتفون شعورهم ،مع أن في ذلك نكاية فيهم ،أما إذا فعلوا ذلك
بغيرهـم ظنًا أن ذلك يصـل إليهـم كان غايـة الجهـل ،فكيـف إذا كان بمحرّم كالشاة التـي يحرم إيذاؤهـا
بغيـر حـق! فيفعلون مـا ل يحصـل لهـم بـه منفعـة أصـلً ،بـل ضرر فـي الديـن والدنيـا والخرة ،مـع
تضمنه غاية الحمق والجهل.
ومـن حماقتهـم :إقامـة المأتـم والنياحـة على مـن قتـل مـن سـنين عديدة ،ومـن المعلوم أن المقتول
وغيره من الموتى إذا فعل مثل ذلك بهم عقب موتهم كان ذلك مما حرمه ال ورسوله ،فقد ثبت في
الصـحيح عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أنـه قال( :ليـس منـا مـن لطـم الخدود ،وشـق الجيوب ،ودعـا
بدعوى الجاهليـة)( .)3وثبـت فـي الصـحيح عنـه أنـه برئ مـن الحالقـة والصـالقة والشاقـة( .)4فالحالقـة:
التـي تحلق شعرهـا عنـد المصـيبة ،والصـالقة :التـي ترفـع صـوتها عنـد المصـيبة بالمصـيبة ،والشاقـة:
التي تشق ثيابها.
()5
وفـي الصـحيح عنـه أنـه قال( :مـن نيـح عليـه فإنـه يعذب بمـا نيـح عليـه) .وفـي الصـحيح عنـه أنـه
ل مــنقال( :إن النائحــة إذا لم تتــب قبــل موتهــا فإنهــا تلبــس يوم القيامــة درعًا مــن جرب ،وســربا ً
قطران)( )6والحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وهؤلء يأتون مـن لطـم الخدود ،وشـق الجيوب ،ودعوى الجاهليـة ،وغيـر ذلك مـن المنكرات بعـد
موت الميـت بسـنين كثيرة ،مـا لو فعلوه عقـب موتـه لكان ذلك مـن أعظـم المنكرات التـي حرمهـا ال
ورسوله ،فكيف بعد هذه المدة الطويلة!
ومن المعلوم أنه قد قُتل من النبياء وغير النبياء ظلمًا وعدوانًا من هو أفضل من الحسين ،قُتل
أبوه ظلمًا ،وهـو أفضـل منـه ،وقتـل عثمان بـن عفان ،وكان قتله أول الفتـن العظيمـة التـي وقعـت بعـد
موت النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،وترتـب عليـه مـن الشــر والفســاد أضعاف مـا ترتـب على قتــل
الحسين.
وقُتل غير هؤلء ومات ،وما فعل أحد -من المسلمين ول غيرهم -مأتمًا ول نياحة على ميت ول
قتيـل بعـد مدة طويلة مـن قتله ،إل هؤلء الحمقـى الذيـن لو كانوا مـن الطيـر لكانوا رخمًا ،ولو كانوا
16
من البهائم لكانوا حمرًا (.)7
طرْفاء ،لنـه أبلغـه أن دم الحسـين وقـع على شجرة مـن ومـن ذلك :أن بعضهـم ل يوقـد خشـب ال َ
الطرفاء! ومعلوم أن تلك الشجرة بعينهــا ل يكره وقودهــا ولو كان عليهــا مــن أي دم كان ،فكيــف
بسائر الشجر الذي لم يصبه الدم؟!
ومــن حماقاتهــم مــا يطول وصــفها ول يحتاج أن تنقــل بإســناد ،ولكــن ينبغــي أن يعلم مــع هذا أن
المقصـود أنـه مـن ذلك الزمان القديـم يصـفهم الناس بمثـل هذا مـن عهـد التابعيـن وتابعيهـم ،كمـا ثبـت
بعـض ذلك ،إمـا عـن الشعـبي ،وإمـا أن يكون مـن كلم عبـد الرحمـن ،وعلى التقديريـن فالمقصـود
حاصل ،فإن عبد الرحمن كان في زمن تابعي التابعين.
وإنمـا ذكرنـا هذا؛ لن عبـد الرحمـن كثيـر مـن الناس ل يحتـج بروايتـه المفردة ،إمـا لسـوء حفظـه،
وإمــا لتهمتــه فــي تحســين الحديــث ،وإن كان له علم ومعرفــة بأنواع مــن العلوم ،ولكــن ل يصــلح
للعتضاد والمتابعـة ،كمقاتـل بـن سـليمان ،ومحمـد بـن عمـر الواقدي ،وأمثالهمـا ،فإن كثرة الشهادات
والخبار قــد توجــب العلم ،وإن لم يكــن كــل مــن المخــبرين ثقــة حافظًا حتــى يحصــل العلم بمخــبر
الخبار المتواترة ،وإن كان المخبرون من أهل الفسوق ،إذا لم يحصل بينهم تشاغر وتواطؤ.
والقول الحق الذي يقوم عليه الدليل يُقبل من كل من قاله ،وإن لم يقبل بمجرد إخبار المخبر به.
فلهذا ذكرنا ما ذكره عبد الرحمن بن مالك بن مغول ،فإن غاية ما فيه أنه قاله ذاكرًا الثر وعبد
الرحمـن هذا يروي عـن أبيـه ،وعـن العمـش ،وعـن عبيـد ال بـن عمـر ،ول يحتـج بمفرداتـه ،فإنـه
ضعيف.
وممـا ينبغـي أن يعرف أن مـا يوجـد فـي جنـس الشيعـة مـن القوال والفعال المذمومـة وإن كان
أضعاف مـا ذُكـر لكـن قـد ل يكون هذا كله فـي الماميـة الثنـي عشريـة ول فـي الزيديـة ،ولكـن يكون
كثير منه في الغالية ،وفي كثير من عوامهم ،مثل ما يذكر عنهم من تحريم لحم الجمل ،وأن الطلق
يشترط فيـه رضـا المرأة ،ونحـو ذلك ممـا يقوله مـن يقوله مـن عوامهـم ،وإن كان علماؤهـم ل يقولون
ذلك ،ولكن لما كان أصل مذهبهم مستندًا إلى جهل ،كانوا أكثر الطوائف كذبًا وجهلً.
(فصععل)
الرافضة أكذب الناس وذلك فيهم قديم وليسوا أهل علم
ونحـن نـبين إن شاء ال تعالى طريـق السـتقامة فـي معرفـة هذا الكتاب (منهاج الندامـة) بحول ال
وقوتـه ،وهذا الرجـل سـلك مسـلك سـلفه شيوخ الرافضـة ،كابـن النعمان المفيـد ،ومتبعيـه كالكراجكـي،
وأبي القاسم الموسوي ،والطوسي ،وأمثالهم.
فإن الرافضة في الصل ليسوا أهل علم ،وخبرة بطريق النظر والمناظرة ،ومعرفة الدلة ،وما
يدخل فيها من المنع والمعارضة ،كما أنهم من أجهل الناس بمعرفة المنقولت والحاديث والثار،
والتمييز بين صحيحها وضعيفها ،وإنما عمدتهم في المنقولت على تواريخ منقطعة السناد ،وكثير
منها من وضع المعروفين بالكذب وباللحاد.
وعلماؤهـم يعتمدون على نقـل مثـل :أبـي مخنـف لوط بـن يحيـى ،وهشام بـن محمـد بـن السـائب،
وأمثالهما من المعروفين بالكذب عند أهل العلم ،مع أن أمثال هؤلء هم أجل من يعتمدون عليه في
النقل ،إذ كانوا يعتمدون على من هو في غاية الجهل والفتراء ،ممن ل يُذكر في الكتب ول يعرفه
)(7اتاذهم يوم عاشوراء مأتا على السي هو من أجل إيقاد نار الغل والقد على أهل السنة لنم ف تصويرهم هم الذين قتلوه ،وليس ذلك حبا للحسي
وأهل بيته.
17
أهل العلم بالرجال.
وقـد اتفـق أهـل العلم بالنقـل والروايـة والسـناد على أن الرافضـة أكذب الطوائف ،والكذب فيهـم
قديم ،ولهذا كان أئمة السلم يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب.
قال أبو حاتم الرازي :سمعت يونس بن عبد العلى يقول :قال أشهب بن عبد العزيز :سئل مالك
عن الرافضة؟ فقال :ل تكلمهم ول تروِ عنهم فإنهم يكذبون.
وقال أبو حاتم :حدثنا حرملة ،قال :سمعت الشافعي يقول :لم أر أحدًا أشهد بالزور من الرافضة.
وقال مؤمـل بـن إهاب :سـمعت يزيـد بـن هارون يقول :يكتـب عـن كـل صـاحب بدعـة إذا لم يكـن
داعية إل الرافضة ،فإنهم يكذبون.
وقال محمــد بــن ســعيد الصــبهاني :ســمعت شريكــا يقول :أحمــل العلم عــن كــل مــن لقيــت إل
الرافضة ،فإنهم يضعون الحديث ،ويتخذونه دينًا.
وشريك هذا هو شريك بن عبد ال القاضي ،قاضي الكوفة ،من أقران الثوري وأبي حنيفة ،وهو
من الشيعة الذي يقول بلسانه :أنا من الشيعة .وهذه شهادته فيهم.
وقال أبــو معاويــة :ســمعت العمــش يقول :أدركــت الناس ومــا يســمونهم إل الكذابيــن ،يعنــي:
أصحاب المغيرة بن سعيد.
وقال العمش :ول عليكم أن تذكروا هذا فإني ل آمنهم أن يقولوا :إنا أصبنا العمش مع امرأة.
وهذه آثار ثابتة قد رواها أبو عبد ال ابن بطة في البانة الكبرى ،هو وغيره.
وروى أبو القاسم الطبري :كان الشافعي يقول :ما رأيت في أهل الهواء قومًا أشهد بالزور من
الرافضة ،وهذا المعنى وإن كان صحيحًا فاللفظ الول هو الثابت عن الشافعي.
والمقصود هنا أن العلماء كلهم متفقون على أن الكذب في الرافضة أظهر منه في سائر طوائف
أهل القبلة.
والرافضـة أصـل بدعتهـم عـن زندقـة وإلحاد ،وتعمـد الكذب فيهـم كثيـر ،وهـم يقرون بذلك ،حيـث
يقولون :ديننــا التقيــة ،وهــو أن يقول أحدهــم بلســانه خلف مــا فــي قلبــه ،وهذا هــو الكذب والنفاق،
ويدّعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة.
ويصفون السابقين الولين بالردة والنفاق ،فهم في ذلك كما قيل( :رمتني بدائها وانسلت) ،إذ ليس
فــي المظهريــن للســلم أقرب إلى النفاق والردة منهــم ،ول يوجــد المرتدون والمنافقون فــي طائفــة
أكثــر ممــا يوجــد فيهــم ،واعتــبر ذلك بالغاليــة مــن النصــيرية وغيرهــم ،وبالملحدة والســماعيلية
وأمثالهم.
وعمدتهم في الشرعيات ما نقل لهم عن بعض أهل البيت ،وذلك النقل منه ما هو صدق ،ومنه ما
هـو كذب عمدًا أو خطًأ ،وليسـوا أهـل معرفـة بصـحيح المنقول وضعيفـه كأهـل المعرفـة بالحديـث ،ثـم
إذا صح النقل عن هؤلء فإنهم بنوا وجوب قبول قول الواحد من هؤلء على ثلثة أصول :على أن
الواحد من هؤلء معصوم مثل عصمة الرسول.
وعلى أن مـا يقوله أحدهـم فإنمـا يقوله نقلً عـن الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم ،ويدعون العصـمة
في هذا النقل.
والثالث :أن إجماع العترة حجـة ،ثـم يدعون أن العترة هـم الثنـا عشـر ،ويدعون أن مـا نقـل عـن
أحدهم فقد أجمعوا كلهم عليه.
فهذه أصـول الشرعيات عندهـم ،وهـي أصـول فاسـدة ،كمـا سـنبين ذلك فـي موضعـه ،ل يعتمدون
18
على القرآن ،ول على الحديث ،ول على الجماع ،إل لكون المعصوم منهم.
ول على القياس ،وإن كان جليًــا واضحًــا .وأمـــا أعمدتهــم فــي النظـــر والعقليات :فقــد اعتمـــد
متأخروهم على كتب المعتزلة في الجملة.
والمعتزلة أعقـل وأصـدق ،وليـس فـي المعتزلة مـن يطعـن فـي خلفـة أبـي بكـر وعمـر وعثمان
رضوان ال عليهم أجمعين ،بل هم متفقون على تثبيت خلفة الثلثة.
وأمــا التفضيــل فأئمتهــم وجمهورهــم كانوا يفضلون أبــا بكــر وعمــر رضــي ال عنهمــا ،وفــي
متأخريهم من توقف في التفضيل ،وبعضهم فضل عليًا ،فصار بينهم وبين الزيدية نسب راجح من
جهة المشاركة في التوحيد والعدل والمامة والتفضيل.
19
الفصل الول
زعم الرافضة أن المامة من أهم أصول الدين
قال المصعنف الرافضعي :أمـا بعـد ،فهذه رسـالة شريفـة ،ومقالة لطيفـة ،اشتملت على أهـم المطالب
فـي أحكام الديـن ،وأشرف مسـائل المسـلمين ،وهـي مسـألة المامـة ،التـي يحصـل بسـبب إدراكهـا نيـل
درجة الكرامة ،وهي أحد أركان اليمان ،المستحق بسببه الخلود في الجنان ،والتخلص من غضب
الرحمــن ،فلقــد قال رســول ال صــلى ال عليــه وســلم( :مــن مات ولم يعرف إمام زمانــه مات ميتــة
جاهلية) خدمت بها خزانة السلطان العظم ،مالك رقاب المم ،ملك ملوك طوائف العرب والعجم،
مولى النعم ،ومسدي الخير والكرم ،شاهنشاه المكرم ،غياث الملة والحق والدين (أولجايو خدابنده)،
قد لخصت فيه خلصة الدلئل ،وأشرت إلى رءوس المسائل ،وسميتها( :منهاج الكرامة في معرفة
المامة) ورتبتها على فصول:
الفصعل الول :فـي نقـل المذاهـب فـي هذه المسـألة ،ثـم ذكـر الفصـل الثانـي :فـي أن مذهـب الماميـة
واجـب التباع ،ثـم ذكـر الفصـل الثالث :فـي الدلة على إمامـة علي رضـي ال عنـه بعـد رسـول ال
صلى ال عليه وسلم ،ثم ذكر الفصل الرابع :في الثني عشر ،ثم ذكر الفصل الخامس :في إبطال
خلفة أبي بكر وعمر وعثمان ،فيقال :الكلم على هذا من وجوه:
(أحدهعا) :أن يقال أولً :إن قول القائل :إن مسـألة المامـة أهـم المطالب فـي أحكام الديـن ،وأشرف
مسـائل المسـلمين ،كذب بإجماع المسـلمين ،سـنيهم وشيعيهـم ،بـل هـو كفـر ،فإن اليمان بال ورسـوله
أهم من مسألة المامة.
وهذا معلوم بالضطرار مـن ديـن السـلم ،فالكافـر ل يصـير مؤمنًا حتـى يشهـد أن ل إله إل ال
وأن محمدًا رسـول ال ،وهذا هـو الذي قاتـل عليـه الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم الكفار أولً ،كمـا
اسـتفاض عنـه فـي الصـحاح وغيرهـا ،أنـه قال( :أمرت أن أقاتـل الناس حتـى يشهدوا أن ل إله إل ال
وأني رسول ال ،ويقيموا الصلة ،ويؤتوا الزكاة ،فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إل
بحقها)(.)1
حيْثعُع وَجَد ّتمُوهُمععْ َوخُذُوهُمععْ شرِكِينععَ َ حرُمععُ فَا ْقتُلُواْ ا ْلمُ ْ
ش ُهرُ الْ ُ
وقــد قال تعالى(( :فَِإذَا انسععَ َلخَ ا َل ْ
سبِي َلهُمْ))[التوبة.]5:
صرُوهُْ وَاقْعُدُواْ َلهُمْ ُكلّ َم ْرصَدٍ فَإِن تَابُواْ َوأَقَامُواْ الصّلَ َة وَآ َتوُاْ الزّكَاةَ َفخَلّو ْا َ ح ُوَا ْ
وكذلك قال لعلي لمـا بعثـه إلى خيـبر ،وكذلك كان النـبي صـلى ال عليـه وسـلم يسـير فـي الكفار،
فيحقـن دماءهـم بالتوبـة مـن الكفـر ،ل يذكـر لهـم المامـة بحال ،وقـد قال تعالى بعـد هذا(( :فَإِن تَابُواْ
خوَانُكُمْ فِي الدّينِ))[التوبة.]11: وَأَقَامُواْ الصّلَ َة وَآ َتوُاْ الزّكَاةَ فَإِ ْ
فجعلهـم إخوانًا فـي الديـن بالتوبـة ،فإن الكفار على عهـد رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم كانوا إذا
أسلموا أجرى عليهم أحكام السلم ،ولم يذكر لهم المامة بحال ،ول نقل هذا عن الرسول أحد من
أهل العلم ،ل نقلً خا صًا ول عامًا ،بل نحن نعلم بالضطرار أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يكن
يذكر للناس إذا أرادوا الدخول في دينه المامة ل مطلقًا ول معينًا.
فكيف تكون أهم المطالب في أحكام الدين؟
وممــا يــبين ذلك أن المامــة -بتقديــر الحتياج إلى معرفتهــا -ل يحتاج إليهــا مــن مات على عهــد
رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،فكيـف يكون أشرف مسـائل المسـلمين وأهـم المطالب فـي الديـن ل
يحتاج إليه أحد على عهد النبي صلى ال عليه وسلم.
)(1انظر :البخاري ( )1/10وأماكن أخر ،ومسلم (.)53-1/52
20
أوليـس الذين آمنوا بالنـبي صـلى ال عليـه وسـلم فـي حياتـه واتبعوه باطنًا وظاهرًا ،ولم يرتدوا ولم
يبدلوا ،هـم أفضـل الخلق باتفاق المسـلمين :أهــل السـنة والشيعـة؟ فكيـف يكون أفضــل المسـلمين ل
يحتاج إلى أهم المطالب في الدين وأشرف مسائل المسلمين؟
فإن قيعل :إن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم كان هـو المام فـي حياتـه ،وإنمـا يُحتاج إلى المام بعـد
مماته ،فلم تكن هذه المسألة أهم مسائل الدين في حياته ،وإنما صارت أهم مسائل الدين بعد موته؟
قيل :الجواب عن هذا من وجوه:
(أحدها) :أنه بتقدير صحة ذلك ل يجوز أن يقال :إنها أهم مسائل الدين مطلقًا ،بل في وقت دون
وقت ،وهي في خير الوقات ليست أهم المطالب في أحكام الدين ول أشرف مسائل المسلمين.
(الثانعي) :أن يقال :اليمان بال ورسـوله فـي كـل زمان ومكان أعظـم مـن مسـألة المامـة ،فلم تكـن
في وقت من الوقات ل الهم ول الشرف.
(الثالث) :أن يقال :فقد كان يجب بيانها من النبي صلى ال عليه وسلم لمته الباقين من بعده ،كما
بيّن لهم أمور الصلة والزكاة والصيام والحج ،وعين أمر اليمان بال وتوحيده واليوم الخر.
ومن المعلوم أنه ليس بيان مسألة المامة في الكتاب والسنة ببيان هذه الصول.
فإن قيل :بل المامة في كل زمان هي الهم ،والنبي صلى ال عليه وسلم كان نبيًا إمامًا ،وهذا
كان معلومًا لمن آمن به أنه كان إمام ذلك الزمان.
قيل :العتذار بهذا باطل من وجوه:
(أحدهعا) :أن قول القائل :المامـة أهـم المطالب فـي أحكام الديـن :إمـا أن يريـد بـه إمامـة الثنـي
عشر ،أو إمامة إمام كل زمان بعينه في زمانه ،بحيث يكون الهم في زماننا اليمان بإمامة محمد
المنتظر ،والهم في زمان الخلفاء الربعة اليمان بإمامة علي عندهم ،والهم في زمان النبي صلى
ال عليه وسلم اليمان بإمامته.
وإما أن يريد به :اليمان بأحكام المامة مطلقًا غير معين ،وإما أن يريد به معنى رابعًا.
أمــا الول :فقــد علم بالضطرار أن هذا لم يكــن معلومًا شائعًا بيــن الصــحابة ول التابعيــن ،بــل
الشيعة تقول :إن كل واحد إنما يُعيّن بنص مَنْ َق ْبلَهَ ،فبطل أن يكون هذا أهم أمور الدين.
وأمععا الثانععي :فعلى هذا التقديــر يكون أهــم المطالب فــي كــل زمان اليمان بإمام ذلك الزمان،
ويكون اليمان مـن سـنة سـتين ومائتيـن إلى هذا التاريـخ إنمـا هـو اليمان بإمامـة محمـد بـن الحسـن،
ويكون هذا أعظـم مـن اليمان بأنـه ل إله إل ال وأن محمدًا رسـول ال ،ومـن اليمان بال وملئكتـه
وكتبه ورسله والبعث بعد الموت ،ومن اليمان بالصلة والزكاة والصيام والحج وسائر الواجبات،
وهذا مع أنه معلوم فساده بالضطرار من دين السلم ،فليس هو قول المامية ،فإن اهتمامهم بعلي
وإمامته أعظم من اهتمامهم بإمامة المنتظر ،كما ذكره هذا المصنف ،وأمثاله من شيوخ الشيعة.
وأيضًا :فإن كان هذا هـو أهـم المطالب فـي الديـن ،فالماميـة أخسـر الناس صـفقة فـي الديـن؛ لنهـم
جعلوا المام المعصـوم ،هـو المام المعدوم الذي لم ينفعهـم فـي الديـن والدنيـا ،فلم يسـتفيدوا مـن أهـم
المور الدينية شيئًا من منافع الدين ول الدنيا.
فإن قالوا :إن المراد أن اليمان بحكـم المامـة مطلقًا هـو أهـم أمور الديـن ،كان هذا أيضًا باطلً
للعلم الضروري أن غيرها من أمور الدين أهم منها.
وإن أريد معنىً رابع فل بد من بيانه لنتكلم عليه.
(الوجه الثانعي) أن يقال :إن النبي صلى ال عليه وسلم لم تجب طاعتـه على الناس لكونـه إمامًا،
21
بـل لكونـه رسـول ال إلى الناس ،وهذا المعنـى ثابـت له حيًا وميتًا ،فوجوب طاعتـه على مـن بعده
كوجوب طاعتـه على أهـل زمانـه ،وأهـل زمانـه فيهـم الشاهـد الذي يسـمع أمره ونهيـه ،وفيهـم الغائب
الذي بلّغه الشاهد أمره ونهيه.
فكمـا يجـب على الغائب عنـه فـي حياتـه طاعـة أمره ونهيـه ،يجـب ذلك على مـن يكون بعـد موتـه،
وهو صلى ال عليه وسلم أمره شامل عام لكل مؤمن شهده أو غاب عنه في حياته وبعد موته ،وهذا
ليس لحد من الئمة ول يستفاد هذا بالمامة.
حتى إنه صلى ال عليه وسلم إذا أمر ناسًا معينين بأمور ،وحكم في أعيان معينة بأحكام ،لم يكن
حكمه وأمره مختصًا بتلك المعينات ،بل كان ثابتًا في نظائرها وأمثالها إلى يوم القيامة ،فقوله صلى
ال عليه وسلم لمن شهده( :ل تسبقوني بالركوع ول بالسجود)( )1هو حكم ثابت لكل مأموم بإمام أن
ل يســبقه بالركوع ول بالســجود ،وقوله لمــن قال( :لم أشعــر فحلقــت قبــل أن أرمــي .قال :ارم ول
حرج .ولمن قال :نحرت قبل أن أحلق .قال :احلق ول حرج)( .)2أمر لمن كان مثله.
وكذلك قوله لعائشة رضي ال عنها لما حاضت وهي معتمرة( :اصنعي ما يصنع الحاج غير أن
ل تطوفي بالبيت)( )3وأمثال هذا كثير ،بخلف المام إذا أطيع.
وخلفاؤه بعده فـي تنفيـذ أمره ونهيـه كخلفائه فـي حياتـه ،فكـل آمـر بأمـر يجـب طاعتـه فيـه ،إنمـا هـو
منفـذ لمـر رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم؛ لن ال أرسـله إلى الناس وفرض عليهـم طاعتـه ،ل
لجـل كونـه إمامًا له شوكـة وأعوان ،أو لجـل أن غيره عهـد له بالمامـة ،أو غيـر ذلك ،فطاعتـه ل
تقـف على مـا تقـف عليـه طاعـة الئمـة مـن عهـد مـن قبله ،أو موافقتـه ذوي الشوكـة أو غيـر ذلك ،بـل
تجب طاعته صلى ال عليه وسلم وإن لم يكن معه أحد ،وإن كذبه جميع الناس.
وكانـت طاعتـه واجبـة بمكـة قبـل أن يصـير له أعوان وأنصـار يقاتلون معـه ،فهـو كمـا قال سـبحانه
خلَتْع مِن َقبْلِهِع الرّسُعلُ َأفَ ِإيْن مّاتَع َأوْ ُق ِتلَ ان َقَلبْتُمْع عَلَى أَعْقَابِكُمْع َومَنحمّدٌ إِ ّل رَسعُولٌ قَدْ َ فيـهَ (( :ومَا مُ َ
جزِي الُ الشّا ِكرِي نَ))[آل عمران ]144:بين سبحانه وتعالى سيَ ْ شيْئًا وَ َ
ضرّ الَ َ يَنقَِل بْ عَلَى عَ ِق َبيْ هِ َفلَن َي ُ
أنـه ليـس بموتـه ول قتله ينتقـض حكـم رسـالته ،كمـا ينتقـض حكـم المامـة بموت الئمـة وقتلهـم ،وأنـه
ليـس مـن شرطـه أن يكون خالدًا ل يموت ،فإنـه ليـس هـو ربًا ،وإنمـا هـو رسـول قـد خلت مـن قبله
الرسل.
وقـد بلّغ الرسـالة ،وأدى المانـة ،ونصـح المـة ،وجاهـد فـي ال حـق جهاده ،وعبـد ال حتـى أتاه
اليقين من ربه ،فطاعته واجبة بعد مماته وجوبها في حياته وأوكد؛ لن الدين كمل واستقر بموته فلم
يبق فيه نسخ ،ولهذا جُمع القرآن بعد موته لكماله واستقراره بموته.
فإذا قال القائل :إنه كان إمامًا في حياته ،وبعده صار المام غيره.
إن أراد بذلك أنه صار بعده من هو نظيره يُطاع كما يطاع الرسول فهذا باطل ،وإن أراد أنه قام
من يخلفه في تنفيذ أمره ونهيه ،فهذا كان حاصلً في حياته ،فإنه إذا غاب كان هناك من يخلفه.
وإن قيل :إنه بعد موته ل يباشر معينًا بالمر بخلف حياته.
قيعل :مباشرتـه بالمـر ليسـت شرطًا فـي وجوب طاعتـه ،بـل تجـب طاعتـه على مـن بلغـه أمره
ونهيه ،كما تجب طاعته على من سمع كلمه.
)(1انظر :مسلم ( )1/320وابن ماجة (.)309-1/308
)(2انظر :البخاري ( )2/173ومسلم (.)2/948
)(3انظر :البخاري (.)2/159
22
وقد كان يقول( :ليبلغ الشاهد الغائب ،فرب مبلغ أوعى من سامع)(.)4
وإن قيعل :إنـه فـي حياتـه كان يقضـي فـي قضايـا معينـة ،مثـل :إعطاء شخـص بعينـه ،وإقامـة الحـد
على شخص بعينه ،وتنفيذ جيش بعينه.
قيعل :نعـم وطاعتـه واجبـة فـي نظيـر ذلك إلى يوم القيامـة بخلف الئمـة؛ لكـن قـد يخفـى السـتدلل
على نظير ذلك كما يخفى العلم على من غاب عنه ،فالشاهد أعلم بما قال ،وأفهم له من الغائب ،وإن
كان فيمن غاب و ُبلّغ أمره من هو أوعى له من بعض السامعين ،لكن هذا لتفاضل الناس في معرفة
أمره ونهيه ،ل لتفاضلهم في وجوب طاعته عليهم.
فما تجب طاعة ولي أمر بعده إل كما تجب طاعة ولة المور في حياته ،فطاعته شاملة لجميع
العباد شمولً واحدًا ،وإن تنوعـت طرقهـم فـي البلغ والسـماع والفهـم ،فهؤلء يبلغهـم مـن أمره مـا لم
يبلغ هؤلء ،وهؤلء يسـمعون مـن أمره مـا لم يسـمعه هؤلء ،وهؤلء يفهمون مـن أمره مـا ل يفهمـه
هؤلء ،وكل من أمر بما أمر به الرسول وجبت طاعته ،طاعة ل ورسوله ل له.
وإذا كان للناس ولي أمـر قادر ذو شوكـة ،فيأمـر بمـا يأمـر ،ويحكـم بمـا يحكـم ،انتظـم المـر بذلك،
ولم يجـز أن يُولّى غيره ،ول يمكـن بعده أن يكون شخـص واحـد مثله ،إنمـا يوجـد مـن هـو أقرب إليـه
مـن غيره ،فأحـق الناس بخلفـة نبوتـه أقربهـم إلى المـر بمـا يأمـر بـه ،والنهـي عمـا نهـى عنـه ،ول
يطاع أمره طاعة ظاهرة غالبة إل بقدرة وسلطان يوجب الطاعة ،كما لم يُطع أمره في حياته طاعة
ظاهرة غالبة حتى صار معه من يقاتل على طاعة أمره ،فالدين كله طاعة ل ورسوله ،وطاعة ال
ورسوله هي الدين كله ،فمن يطع الرسول فقد أطاع ال.
وديـن المسـلمين بعـد موتـه طاعـة ال ورسـوله ،وطاعتهـم لولي المـر فيمـا أُمروا بطاعتـه فيـه هـو
طاعـة ل ورسـوله ،وأمـر ولي المـر الذي أمره ال أن يأمرهـم بـه ،وقسـمه وحكمـه هـو طاعـة ل
ورسوله ،فأعمال الئمة والمة في حياته ومماته التي يحبها ال ويرضاها كلها طاعة ل ورسوله.
ولهذا كان أصل الدين شهادة أن ل إله إل ال وشهادة أن محمدًا رسول ال.
فإذا قيععل :هـو كان إمامًا وأريـد بذلك إمامـة خارجـة عـن الرسـالة ،أو إمامـة يشترط فيهـا مـا ل
يشترط فـي الرسـالة ،أو إمامـة يعتـبر فيهـا طاعتـه بدون طاعـة الرسـول ،فهذا كله باطـل؛ فإن كـل مـا
يطاع بـه داخـل فـي رسـالته ،وهـو فـي كـل مـا يطاع فيـه يطاع بأنـه رسـول ال ولو قدر أنـه كان إمامًا
مجردًا لم يطع حتى تكون طاعته داخلة في طاعة رسول آخر.
فالطاعة إنما تجب ل ورسوله ،ولمن أمرت الرسل بطاعتهم.
فإن قيعل :أطيـع بإمامتـه طاعـة داخلة فـي رسـالته كان هذا عديـم التأثيـر ،فإن مجرد رسـالته كافيـة
فـي وجوب طاعتـه ،بخلف المام فإنـه إنمـا يصـير إمامًا بأعوان ينفذون أمره ،وإل كان كآحاد أهـل
العلم والدين.
فإن قيل :إنه صلى ال عليه وسلم لما صار له شوكة بالمدينة صار له مع الرسالة إمامة بالعدل.
ل له أعوان وأنصـار ينفذون أمره ،ويجاهدون مـن خالفـه ،وهـو مـا دام فـي قيعل :بـل صـار رسـو ً
الرض مـن يؤمـن بال ورسـوله له أنصـار وأعوان ينفذون أمره ،ويجاهدون مـن خالفـه فلم يسـتفد
بالعوان مـا يحتاج أن يضمـه إلى الرسـالة ،مثـل كونـه إمامًا أو حاكمًا أو ولي أمـر ،إذ كان هذا كله
داخلً فـي رسـالته ،ولكـن بالعوان حصـل له كمال قدرة أوجبـت عليـه مـن المـر والجهاد مـا لم يكـن
واجبًــا بدون القدرة ،والحكام تختلف باختلف حال القدرة والعجـــز والعلم وعدمـــه ،كمـــا تختلف
)(4رواه البخاري ( )2/176وغيه.
23
باختلف الغنى والفقر والصحة والمرض ،والمؤمن مطيع ل في ذلك كله ،وهو مطيع لرسول ال
في ذلك كله ،ومحمد رسول ال فيما أمر به ونهى عنه ،مطيع ل في ذلك كله.
وإن قالت المامية :المامة واجبة بالعقل بخلف الرسالة ،فهي أهم من هذا الوجه.
قيعل :الوجوب العقلي فيـه نزاع كمـا سـيأتي ،وعلى القول بالوجوب العقلي فمـا يجـب مـن المامـة
جزء من أجزاء الواجبات العقلية ،وغير المامة أوجب من ذلك ،كالتوحيد والصدق والعدل ،وغير
ذلك من الواجبات العقلية.
وأيضًا فل ريــب أن الرســالة يحصــل بهــا هذا الواجــب ،فمقصــودها جزء مــن أجزاء الرســالة،
فاليمان بالرسول يحصل به مقصود المامة في حياته وبعد مماته بخلف المامة.
وأيضًا :فمن ثبت عنده أن محمدًا رسول ال ،وأن طاعته واجبة عليه ،واجتهد في طاعته بحسب
المكان.
إن قيل :إنه يدخل الجنة ،فقد استغنى عن مسألة المامة.
وإن قيل :ل يدخـل الجنة ،كان هذا خلف نصـوص القرآن ،فإنه سـبحانه أوجـب الجنـة لمن أطاع
ال ورسـوله فـي غيـر موضـع ،كقوله تعالى(( :مَنْع يُطِعِع الَ وَالرّسعُولَ فَُأ ْوَلئِكَع مَعَع الّذِينَع َأنْعَمَع الُ
ن يُطِعِشهَدَاء وَالصّالِحِين وَحَسُنَ ُأوْ َلئِكَ َرفِيقًا))[النساء(( ،]69:وَمَ ْ ن وَال ّ
ن وَالصّدّيقِي َعَل ْيهِمْ مِنَ ال ّنبِيّي َ
َ
حتِهَا ا َل ْنهَار خَالِدِينَ فِيها وَ َذلِكَ الْ َفوْز العَظِيم))[النساء.]13:
ن تَ ْ
جرِي مِ ْ ت تَ ْ
جنّا ٍ
ل َورَسُو َل ُه يُدْخُِلهُ َا َ
وأيضًا :فصاحب الزمان الذي يدعون إليه ،ل سبيل للناس إلى معرفته ول معرفة ما يأمرهم به
ومـا ينهاهم عنـه ،ومـا يخـبرهم بـه ،فإن كان أحد ل يصـير سـعيدًا إل بطاعـة هذا الذي ل يعرف أمره
ول نهيـه لزم أن ل يتمكن أحد مـن طريـق النجاة والسـعادة وطاعـة ال ،وهذا من أعظم تكليف ما ل
يطاق ،وهم من أعظم الناس إحالة له.
وإن قيل :بل هو يأمر بما عليه المامية.
قيعل :فل حاجـة إلى وجوده ول شهوده ،فإن هذا معروف سـواء كان هـو حيًا أو ميتًا ،وسـواء كان
شاهدًا أو غائبًا ،وإذا كان معرفـة مـا أمـر ال بـه الخلق ممكنًا بدون هذا المام المنتظـر ،عُلم أنـه ل
حاجة إليه ،ول يتوقف عليه طاعة ال ول نجاة أحد ول سعادته ،وحينئذٍ فيمتنع القول بجواز إمامة
مثـل هذا ،فضلً عـن القول بوجوب إمامـة مثـل هذا ،وهذا أمـر بيّن لمـن تدبره ،لكـن الرافضـة مـن
أجهل الناس.
وذلك أن فعــل الواجبات العقليــة والشرعيــة وترك المســتقبحات العقليــة والشرعيــة إمــا أن يكون
موقوفًا على معرفة ما يأمر به وينهى عنه هذا المنتظر ،وإما أن ل يكون موقوفًا ،فإن كان موقوفًا
لزم تكليف ما ل يطاق ،وأن يكون فعل الواجبات وترك المحرمات موقوفا على شرط ل يقدر عليه
عامــة الناس ،بــل ول أحــد منهــم؛ فإنــه ليــس فــي الرض مــن يدّعــي دعوى صــادقة أنــه رأى هذا
المنتظر ،أو سمع كلمه.
وإن لم يكــن موقوفًـا على ذلك أمكــن فعــل الواجبات العقليــة والشرعيــة ،وترك القبائح العقليــة
والشرعية بدون هذا المنتظر ،فل يحتاج إليه ،ول يجب وجوده ول شهوده.
وهؤلء الرافضـة علقوا نجاة الخلق وسـعادتهم وطاعتهـم ل ورسـوله بشرط ممتنـع ل يقدر عليـه
الناس ،ول يقدر عليه أحد منهم ،وقالوا للناس :ل يكون أحد ناجيًا من عذاب ال إل بذلك ،ول يكون
سعيدًا إل بذلك ،ول يكون أحد مؤمنا إل بذلك.
فلزمهـم أحـد أمريـن :إمـا بطلن قولهـم ،وإمـا أن يكون ال قـد آيـس عباده مـن رحمتـه ،وأوجـب
24
عذابـه لجميـع الخلق ،المسـلمين وغيرهـم ،وعلى هذا التقديـر فهـم أوّل الشقياء المعذبيـن ،فإنـه ليـس
لحـد منهـم طريـق إلى معرفـة أمـر هذا المام الذي يعتقدون أنـه موجود غائب ،ول نهيـه ول خـبره،
بل عندهم من القوال المنقولة عن شيوخ الرافضة ما يذكرون أنه منقول عن الئمة المتقدمين على
هذا المنتظـر ،وهـم ل ينقلون شيئًا عـن المنتظـر ،وإن قُدّر أن بعضهـم نقـل عنـه شيئًا عُلم أنـه كاذب،
وحينئذٍ فتلك القوال إن كانـت كافيـة فل حاجـة إلى المنتظـر ،وإن لم تكـن كافيـة فقـد أقروا بشقائهـم
وعذابهم ،حيث كانت سعادتهم موقوفة على آمر ل يعلمون بماذا أمر.
وقـد رأيـت طائفـة مـن شيوخ الرافضـة كابـن العود الحلي يقول :إذا اختلفـت الماميـة على قوليـن
أحدهمــا يعرف قائله والخــر ل يعرف قائله ،كان القول الذي ل يعرف قائله هــو القول الحــق الذي
يجب اتباعه؛ لن المنتظر المعصوم في تلك الطائفة.
وهذا غايـة الجهـل والضلل ،فإنـه بتقديـر وجود المنتظـر المعصـوم ل يُعلم أنـه قال ذلك القول؛ إذ
لم ينقله عنه أحد ،ول عمـن نقله عنـه ،فمـن أين يجزم بأنه قوله؟ ولم ل يجوز أن يكون القول الخـر
هو قوله ،وهو لغيبته وخوفه من الظالمين ل يمكنه إظهار قوله ،كما يدّعون ذلك فيه؟
فكان أصـل ديـن هؤلء الرافضـة مبنيًا على مجهول ومعدوم ،ل على موجود ول معلوم ،يظنون
أن إمامهـم موجود معصـوم ،وهـو مفقود معدوم ،ولو كان موجودًا معصـومًا ،فهـم معترفون بأنهـم ل
يقدرون أن يعرفوا أمره ونهيه ،كما كانوا يعرفون أمر آبائه ونهيهم.
والمقصود بالمام إنما هـو طاعة أمره ،فإذا كان العلم بأمره ممتنعًا ،كانـت طاعته ممتنعة ،فكان
المقصـود بـه ممتنعًا ،وإذا كان المقصـود بـه ممتنعًا لم يكـن فـي إثبات الوسـيلة فائدة أصـلً ،بـل كان
إثبات الوسـيلة التـي ل يحصـل بهـا مقصـودها مـن باب السـفه والعبـث والعذاب القبيـح باتفاق أهـل
الشرع ،وباتفاق العقلء القائلين بتحسين العقول وتقبيحها ،بل باتفاق العقلء مطلقًا ،فإنهم إذا فسروا
القبيح بما يضر كانوا متفقين على أن معرفة الضار يعلم بالعقل.
واليمان بهذا المام الذي ليس فيه منفعة ،بل مضرة في العقل والنفس والبدن والمال وغير ذلك
قبيـح شرعًا وعقلً .ولهذا كان المتبعون له مـن أبعـد الناس عـن مصـلحة الديـن والدنيـا ،ل تنتظـم لهـم
مصـلحة دينهـم ول دنياهـم إن لم يدخلوا فـي طاعـة غيرهـم ،كاليهود الذيـن ل تنتظـم لهـم مصـلحة إل
بالدخول في طاعة من هو خارج عن دينهم.
فهم يوجبون وجود المام المنتظر المعصوم ،لن مصلحة الدين والدنيا ل تحصل إل به عندهم،
وهم لم يحصل لهم بهذا المنتظر مصلحة في الدين ول في الدنيا ،والذين كذّبوا به لم تفتهم مصلحة
في الدين ول في الدنيا ،بل كانوا أقوم بمصالح الدين والدنيا من أتباعه.
فعلم بذلك أن قولهـم فـي المامـة ،ل ينال بـه إل مـا يورث الخزي والندامـة ،وأنـه ليـس فيـه شيـء
مـن الكرامـة ،وأن ذلك إذا كان أعظـم مطالب الديـن؛ فهـم أبعـد الناس عـن الحـق والهدى فـي أعظـم
مطالب الدين ،وإن لم يكن أعظم مطالب الدين ،ظهر بطلن ما ادّعوه من ذلك ،فثبت بطلن قولهم
على التقديرين ،وهو المطلوب.
فإن قال هؤلء الرافضة :إيماننا بهذا المنتظر المعصوم مثل إيمان كثير من شيوخ الزهد والدين
بإلياس والخضــر والغوث والقطــب ،ورجال الغيــب ،ونحــو ذلك مــن الشخاص الذيــن ل يعرفون
وجودهم ،ول بماذا يأمرون ،ول عن ماذا ينهون ،فكيف يسوغ لمن يوافق هؤلء أن ينكر علينا ما
ندعيه؟
قيل :الجواب من وجوه:
25
(أحدهعععا) :أن اليمان بوجود هؤلء ليـــس واجبًــا عنـــد أح ٍد مـــن علماء المســـلمين وطوائفهـــم
المعروفين ،وإذا كان بعض الغلة يوجب على أصحابه اليمان بوجود هؤلء ،ويقول :إنه ل يكون
مؤمنًا وليًا ل إل من يؤمن بوجود هؤلء في هذه الزمان ،كان قوله مردودًا ،كقول الرافضة.
(الوجه الثانعي):أن يقال :من الناس مـن يظن أن التصـديق بهؤلء يزداد الرجـل بـه إيمانًا وخيرًا،
وموالة ل وأن المصــدق بوجود هؤلء أكمــل وأشرف وأفضــل عنــد ال ممــن لم يصــدّق بوجود
هؤلء ،وهذا القول ليـس مثـل قول الرافضـة مـن كـل وجـه ،بـل هـو مشابـه له مـن بعـض الوجوه،
لكونهم جعلوا كمال الدين موقوفًا على ذلك.
وحينئذٍ فيقال :هذا القول أيضًــا باطـــل باتفاق علماء المســـلمين وأئمتهـــم ،فإن العلم بالواجبات
والمستحبات وفعل الواجبات والمستحبات كلها ليس موقوفًا على التصديق بوجود هؤلء ،ومن ظن
مـن أهـل النسـك والزهـد والعامـة أن شيئًا مـن الديـن واجبًا أو مسـتحبًا موقوف على التصـديق بوجود
هؤلء ،فهذا جاهل ضال باتفاق أهل العلم واليمان العالمين بالكتاب والسنّة ،إذ قد عُلم بالضطرار
من دين السلم أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يشرع لمته التصديق بوجود هؤلء ،ول أصحابه
كانوا يجعلون ذلك من الدين ،ول أئمة المسلمين.
وأيضًا :فجميع هذه اللفاظ :لفظ الغوث والقطب والوتاد والنجباء وغيرها لم ينقل أحد عن النبي
صـلى ال عليـه وسـلم بإسـناد معروف أنـه تكلم بشيـء منهـا ول أصـحابه ،ولكـن لفـظ البدال تكلم بـه
بعض السلف ويروى فيه عن النبي صلى ال عليه وسلم حديث ضعيف( ،)1وقد بسطنا الكلم على
ذلك في غير هذا الموضع.
شرك بعض الصوفية حتى في الربوبية
(الوجه الثالث) :أن يقال :القائلون بهذه المور منهم من ينسب إلى أحد هؤلء ما ل تجوز نسبته
إلى أحد من البشر ،مثل :دعوى بعضهم أن الغوث أو القطب هو الذي يمد أهل الرض في هداهم
ونصـرهم ورزقهـم ،فإن هذا ل يصـل إلى أحـد إل بواسـطة نزوله على ذلك الشخـص ،وهذا باطـل
بإجماع المسلمين ،وهو من جنس قول النصارى في الباب ،وكذلك ما يدّعيه بعضهم من أن الواحد
مــن هؤلء يعلم كــل وليّ ل كان أو يكون ،اســمه واســم أبيــه ،ومنزلتــه مــن ال ..ونحــو ذلك مــن
المقالت الباطلة التي تتضمن أن الواحد من البشر يشارك ال في بعض خصائصه.
مثل :أنه بكل شيء عليم ،أو على كل شيء قدير ..ونحو ذلك ،كما يقول بعضهم في النبي صلى
ال عليـه وسـلم وفـي شيوخـه :إن علم أحدهـم ينطبـق على علم ال ،وقدرتـه منطبقـة على قدرة ال،
فيعلم مــا يعلمــه ال ،ويقدر على مــا يقدر ال عليــه ،فهذه المقالت ومــا يشبههــا مــن جنــس قول
النصارى ،والغالية في عليّ ،وهي باطلة بإجماع المسلمين.
ومنهـم مـن ينسـب إلى الواحـد مـن هؤلء مـا تجوز نسـبته إلى النـبياء وصـالحي المؤمنيـن مـن
الكرامات ،كدعوة مجابة ،ومكاشفات من مكاشفات الصالحين ..ونحو ذلك ،فهذا القدر يقع كثيرًا من
الشخاص الموجوديــن المعاينيــن ،ومــن نســب ذلك إلى مــن ل يُعرف وجوده ،فهؤلء وإن كانوا
مخطئين في نسبة ذلك إلى شخ صٍ معدوم فخطؤهم كخطأ من اعتقد أن في البلد الفلنـي رجالً من
أولياء ال وليـس فيـه أحـد ،أو اعتقـد فـي ناس معينيـن أنهـم أولياء ال ولم يكونوا كذلك ،ول ريـب أن
هذا خطأ وجهل وضلل يقع فيه كثير من الناس ،لكن خطأ المامية و ضللهم أقبح وأعظم.
ل وجود للياس والخضر
)(1ورد الديث ف السند ( )2/171تقيق أحد شاكر.
26
(الوجه الرابع):أن يقال :الصواب الذي عليه محققو العلماء أن إلياس والخضر ماتا ،وأنه ليس
أحد من البشر واسطة بين ال عز سلطانه وبين خلقه في خلقه ورزقه وهداه ونصره ،وإنما الرسل
وسائط في تبليغ رسالته ،ل سبيل لحد إلى السعادة إل بطاعة الرسل.
وأمـا خلقـه وهداه ونصـره ورزقـه فل يقدر عليـه إل ال تعالى ،فهذا ل يتوقـف على حياة الرسـل
وبقائهـم ،بـل ول يتوقـف نصـر الخلق ورزقهـم على وجود الرسـل أصـلً ،بـل قـد يخلق ذلك بمـا شاء
مـن السـباب بواسـطة الملئكـة أو غيرهـم ،وقـد يكون لبعـض البشـر فـي ذلك مـن السـباب مـا هـو
معروف في البشر.
وأما كون ذلك ل يكون إل بواسطة من البشر ،أو أن أحدًا من البشر يتولى ذلك كله ،ونحو ذلك،
ظَلمْتُمْعفهذا كله باطـل ،وحينئذٍ فيقال للرافضـة إذا احتجوا بضلل الضلل(( :وَلَنْع يَنفَعَكُمْع ا ْل َيوْمَع إِذْ َ
ب ُمشْ َترِكُونَ))[الزخرف.]39: َأنّكُمْ فِي الْ َعذَا ِ
وأيضًا :فمــن المعلوم أن أشرف مســائل المســلمين ،وأهــم المطالب فــي الديــن ،ينبغــي أن يكون
ذكرهـا فـي كتاب ال أعظـم مـن غيرهـا ،وبيان الرسـول لهـا أولى مـن بيان غيرهـا ،والقرآن مملوء
بذكـر توحيـد ال ،وذكـر أسـمائه وصـفاته وآياتـه ،وملئكتـه وكتبـه ورسـله واليوم الخـر ،والقصـص
والمـــر والنهــي والحدود والفرائض ،بخلف المامــة ،فكيـــف يكون القرآن مملوءًا بغيـــر الهــم
الشرف؟
ن يُطِ عِ الَ وَالرّ سُولَ وأيضًا :فإن ال تعالى قد علّق السعادة بما ل ذكر فيه للمامة ،فقال(( :وَمَ ْ
شهَدَا َء وَالصعّالِحِين وَحَسُعنَ ُأوْ َلئِكَع ن وَال ّ
عَل ْيهِمْع مِنَع ال ّن ِبيّينَع وَ الصّعدّيقِي َ
فَأُو َلئِكَع مَعَع الّذِينَع َأنْعَمَع الُ َ
ن يَعْصِ ن يُطِعِ الَ َورَسُو َل ُه يُدْخِلْهُ جَناّت))[النساء ]13:إلى قوله(( :وَمَ ْ رَفِيقًا))[النساء ،]69:وقال(( :وَمَ ْ
ب ُمهِين))[النساء.]14: حدُودَ ُه يُدْخِ ْل ُه نَارًا خَالِدًا فِيها وَ َلهُ عَذَا ٌ
ل َورَسُو َل ُه َويَتَعَدّ ُا َ
فقد بيّن ال في القرآن أن من أطاع ال ورسوله كان سعيدًا في الخرة ،ومن عصى ال ورسوله
وتعدّى حدوده كان معذبًا ،وهذا هو الفرق بين السعداء والشقياء ،ولم يذكر المامة.
فإن قال قائل :إن المامة داخلة في طاعة ال ورسوله ،قيل :نهايتها أن تكون كبعض الواجبات:
كالصـلة والزكاة والصـيام والحـج وغيـر ذلك ممـا يدخـل فـي طاعـة ال ورسـوله ،فكيـف تكون هـي
وحدهـا أشرف مسـائل المسـلمين وأهـم مطالب الديـن؟ فإن قيـل :ل يمكننـا طاعـة الرسـول إل بطاعـة
المام ،فإنه هو الذي يعرف الشرع.
قيععل :هذا هــو دعوى المذهــب ،ول حجــة فيــه ،ومعلوم أن القرآن لم يدل على هذا كمــا دل على
سـائر أصـول الديـن ،وقـد تقدم أن هذا المام الذي يدعونـه لم ينتفـع بـه أحـد فـي ذلك ،وسـيأتي إن شاء
ال تعالى أن ما جاء به الرسول ل يحتاج في معرفته إلى أحد من الئمة.
أصول الدين عند المامية
(الوجه الثاني)( )1أن يقال :أصول الدين عند المامية أربعة :التوحيد ،والعدل ،والنبوة والمامة
هــي آخــر المراتــب ،والتوحيــد والعدل والنبوة قبــل ذلك ،وهــم يدخلون فــي التوحيــد نفــي الصــفات،
والقول بأن القرآن مخلوق ،وأن ال ل يرى فــي الخرة ،ويدخلون فــي العدل التكذيــب بالقدر ،وأن
ال ل يقدر أن يهدي من يشاء ..ول يقدر أن يضل من يشاء ،وأنه قد يشاء ما ل يكون ،ويكون ما ل
يشاء ،وغير ذلك ،فل يقولون :إنه خالق كل شيء ،ول إنه على كل شيء قدير ،ول إنه ما شاء ال
كان ،ومـا لم يشـأ لم يكـن ،لكـن التوحيـد والعدل والنبوة مقدمـة على المامـة ،فكيـف تكون المامـة
)(1الوجه الول ما تقدم على قول الرافضة :إن المامة أهم أمور الدين.
27
أشرف وأهــم؟ وأيضًـا :فالمامــة إنمــا أوجبوهــا لكونهــا لطفًـا فــي الواجبات ،فهــي واجبــة وجوب
الوسائل ،فكيف تكون الوسيلة أشرف وأهم من المقصود؟
تناقض الرافضة في المامة بين القول والتطبيق
(الوجعه الثالث) :أن يقال :إن كانـت المامـة أهـم مطالب الديـن ،وأشرف مسـائل المسـلمين ،فأبعـد
الناس عن هذا الهم الشرف هم الرافضة ،فإنهم قد قالوا في المامة أسخف قول وأفسده في العقل
والدين ،كما سنبينه إن شاء ال تعالى إذا تكلمنا عن حججهم.
ويكفيــك أن مطلوبهــم بالمامــة أن يكون لهــم رئيــس معصــوم ،يكون لطفًـا فــي مصــالح دينهــم
ودنياهـم ،وليـس فـي الطوائف أبعـد عـن مصـلحة اللطـف والمامـة منهـم ،فإنهـم يحتالون على مجهول
ومعدوم ل يُرى له عيـن ول أثـر ،ول يسـمع له حـس ول خـبر ،فلم يحصـل لهـم مـن المـر المقصـود
بإمامته شيء ،وأي من فرض إمامًا نافعًا فـي بعض مصـالح الديـن والدنيا ،كان خيرًا ممـن ل ينتفـع
به في شيء من مصالح المامة.
ولهذا تجدهــم لمــا فاتهــم مصــلحة المامــة ،يدخلون فــي طاعــة كافــر أو ظالم لينالوا بــه بعــض
مقاصـدهم ،فبينمـا هـم يدعون الناس إلى طاعـة إمام معصـوم ،أصـبحوا يرجعون إلى طاعـة ظلوم،
فهل يكون أبعد عن مقصود المامة ،وعن الخير والكرامة ممن سلك منهاج الندامة؟ وفي الجملة،
فال تعالى قـد علق بولة المور مصـالح فـي الديـن والدنيـا ،سـواء كانـت المامـة أهـم المور أو لم
تكـن ،والرافضـة أبعـد الناس عـن حصـول هذه المصـلحة لهـم ،فقـد فاتهـم على قولهـم الخيـر المطلوب
من أهم مطالب الدين وأشرف مسائل المسلمين.
ولقــد طلب منــي بعــض أكابر شيوخهــم الفضلء أن يخلو بــي وأتكلم معــه فــي ذلك ،فخلوت بــه
وقررت له ما يقولونه في هذا الباب ،كقولهم :إن ال أمر العباد ونهاهم ،فيجب أن يفعل بهم اللطف
الذي يكونون عنده أقرب إلى فعـل الواجـب ،وترك القبيـح ،لن مـن دعـا شخصـًا ليأكـل طعامًا ،فإذا
كان مراده الكـل فعـل مـا يعيـن على ذلك مـن السـباب ،كتلقيـه بالبشـر وإجلسـه فـي مجلس يناسـبه
وأمثال ذلك.
وإن لم يكـــن مراده أن يأكـــل ،عبـــس فـــي وجهـــه وأغلق الباب ..ونحـــو ذلك ،وهذا أخذوه مـــن
المعتزلة ،ليس هو من أصول شيوخهم القدماء.
ثعم قالوا :والمام لطـف؛ لن الناس إذا كان لهـم إمام يأمرهـم بالواجـب وينهاهـم عـن القبيـح ،كانوا
أقرب إلى فعل المأمور ،وترك المحظور ،فيجب أن يكون لهم إمام ،ول بد أن يكون معصومًا؛ لنه
إذا لم يكن معصومًا لم يحصل به المقصود ،ولم تدع العصمة لح ٍد بعد النبي صلى ال عليه وسلم
إل لعليــّ ،فتعيــن أن يكون هــو إياه ،للجماع على انتفاء مــا ســواه ،وبســطت له العبارة فــي هذه
المعاني.
ثعم قالوا :وعليـّ نصّـ على الحسـن ،والحسـن على الحسـين ،إلى أن انتهـت النوبـة إلى المنتظـر
محمد بن الحسن صاحب السرداب الغائب ،فاعترف أن هذا تقرير مذهبهم على غاية الكمال.
قلت له :فأنـا وأنـت طالبان للعلم والحـق والهدى ،وهـم يقولون :مـن لم يؤمـن بالمنتظـر فهـو كافـر،
فهذا المنتظـر :هـل رأيتـه؟ أو رأيـت مـن رآه؟ أو سـمعت بخـبره؟ أو تعرف شيئًا مـن كلمـه الذي قاله
هـو؟ أو مـا أمـر بـه أو مـا نهـى عنـه مأخوذًا عنـه كمـا يؤخـذ مـن الئمـة؟ قال :ل .قلت:فأي فائدة فـي
إيماننا هذا؟ وأي لطف يحصل لنا بهذا؟
ثـم كيـف يجوز أن يكلفنـا ال بطاعـة شخـص ونحـن ل نعلم مـا يأمرنـا بـه ول مـا ينهانـا عنـه ،ول
28
طريـق لنـا إلى معرفـة ذلك بوجـه مـن الوجوه؟ وهـم مـن أشـد الناس إنكارًا لتكليـف مـا ل يطاق ،فهـل
يكون في تكليف ما ل يطاق أبلغ من هذا؟
فقال :إثبات هذا مبني على تلك المقدمات .قلت :لكن المقصود لنا من تلك المقدمات هو ما يتعلق
بنا نحن ،وإل فما علينا مما مضى إذا لم يتعلق بنا منه أمر ول نهي.
ل لنـا فائدة ول لطفًا ،ول يفيدنـا إل تكليـف مـا ل يُقدر
وإذا كان كلمنـا فـي تلك المقدمات ل يُحصّـ ُ
عليه ،عُلم أن اليمان بهذا المنتظر من باب الجهل والضلل ،ل من باب اللطف والمصلحة.
والذي عند المامية من النقل عن الئمة الموتى :إن كان حقًا يحصل به سعادتهم ،فل حاجة بهم
إلى المنتظر ،وإن كان باطلً فهم أيضًا لم ينتفعوا بالمنتظر في رد هذا الباطل ،فلم ينتفعوا بالمنتظر
ل فـي إثبات حـق ،ول فـي نفـي باطـل ،ول أمـر بمعروف ول نهـي عـن منكـر ،ولم يحصـل بـه لواحـد
منهم شيء من المصلحة واللطف والمنفعة المطلوبة من المامة.
والجهال الذيـن يُعلّقون أمورهـم بالمجهولت ،كرجال الغيـب والقطـب والغوث والخضـر ..ونحـو
ذلك ،مع جهلهم وضللهم ،وكونهم يثبتون ما لم يحصل لهم به مصلحة ول لطف ول منفعة ل في
الديـن ول فـي الدنيـا ،أقـل ضللً مـن الرافضـة ،فإن الخضـر ينتفـع برؤيتـه وبموعظتـه ،وإن كان
ن أنه الخضر ،ول يخاطبه الجني إل غالطًا في اعتقاده أنه الخضر فقد يرى أحدهم بعض الجنّ فيظ ّ
بمـا يرى أنـه يقبله منـه ليربطـه على ذلك ،فيكون الرجـل أتـى مـن نفسـه ل مـن ذلك المخاطـب له،
ومنهم من يقول :لكل زمان خضر ،ومنهم من يقول :لكل وليّ خضر.
وللكفار كاليهود مواضع يقولون :إنهم يرون الخضر فيها ،وقد يرى الخضر على صور مختلفة،
وعلى صـورة هائلة ،وأمثال ذلك ،وذلك لن هذا الذي يقول :إنـه الخضـر هـو جنـي ،بـل هـو شيطان
يظهر لمن يرى أنه يضله ،وفي ذلك حكايات كثيرة يضيق هذا الموضع عن ذكرها.
وعلى كـل تقديـر فأصـناف الشيعـة أكثـر ضللً مـن هؤلء ،فإن المنتظـر ليـس عندهـم نقـل ثابـت
عنـه ،ول يعتقدون فيمـن يرونـه أنـه المنتظـر ،ولمـا دخـل السـرداب كان عندهـم صـغيرًا لم يبلغ سـنّ
التمييز ،وهم يقبلون من الكاذيب أضعاف ما يقبله هؤلء ،ويعرضون عن القتداء بالكتاب والسنّة
أكثـر مـن إعراض هؤلء ،ويقدحون فـي خيار المسـلمين قدحًا يعاديهـم عليـه هؤلء ،فهـم أضـل عـن
مصالح المامة من جميع طوائف المة ،فقد فاتهم على قولهم أهم الدين وأشرفه.
ل يحصل بمعرفة المام خير إن لم يعمل صالحاً
(الوجه الرابع) :أن يقال :قوله( :التي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة) كلم باطل؛ فإن
مجرد معرفـة إمام وقتـه وإدراكه بعينه ل يستحق بـه الكرامـة إن لم يوافق أمره ،وإل فليسـت معرفـة
إمام الوقـت بأعظـم مـن معرفـة الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم ،ومـن عرف أن محمدًا رسـول ال فلم
يؤمن به ولم يطع أمره لم يحصل له شيء من الكرامة.
ولو آمــن بالنــبي وعصــاه ،وضيــع الفرائض وتعدى الحدود كان مســتحقًا للوعيــد عنــد الماميــة
وسـائر طوائف المسـلمين ،فكيـف بمـن عرف المام وهـو مضيّع للفرائض متعدّ للحدود! وكثيـر مـن
هؤلء يقول :حـب عليّـ حسـنة ل يضـر معهـا سـيئة ،وإن كانـت السـيئات ل تضـر مـع حـب عليـّ ،فل
حاجة إلى المام المعصوم الذي هو لطف في التكليف ،فإنه إذا لم يوجد إنما توجد سيئات ومعاصٍ،
فإن كان حب عليّ كافيًا ،فسواء وجد المام أو لم يوجد.
ليست المامة من واجبات الدين
(الوجه الخامس) :قوله( :وهي أحد أركان اليمان ،المستحق بسببه الخلود في الجنان).
29
فيقال له :مـن جعـل هذا مـن اليمان إل أهـل الجهـل والبهتان؟ وسـنتكلم إن شاء ال على مـا ذكره
من ذلك.
وال تعالى وصـف المؤمنيـن وأحوالهـم ،والنـبي صـلى ال عليـه وسـلم قـد فسـّر اليمان ،وذكـر
شعبـه ،ولم يذكـر ال ول رسـوله المامـة فـي أركان اليمان ،ففـي الحديـث الصـحيح -حديـث جبريـل-
لما أتى النبي صلى ال عليه وسلم في صورة أعرابي ،وسأله عن السلم واليمان والحسان ،قال
له( :الســلم :أن تشهــد أن ل إله إل ال ،وأن محمدًا رســول ال ،وتقيــم الصــلة ،وتؤتــي الزكاة،
وتصـوم رمضان ،وتحـج البيـت ،قال :واليمان :أن تؤمـن بال ،وملئكتـه ،وكتبـه ،ورسـله ،واليوم
الخر ،والبعث بعد الموت ،وتؤمن بالقدر خيره وشره)()1ولم يذكر المامة.
قال( :والحسـان :أن تعبـد ال كأنـك تراه ،فإن لم تكـن تراه فإنـه يراك) وهذا الحديـث متفـق على
صحته ،متلقى بالقبول ،أجمع أهل العلم بالنقل على صحته ،وقد أخرجه أصحاب الصحيح من غير
وجه ،فهو من المتفق عليه من حديث أبي هريرة وفي أفراد مسلم من حديث عمر ،وهم وإن كانوا
ل يقرون بصحة هذه الحاديث ،فالمصنف قد احتج بأحاديث موضوعة كذب باتفاق أهل المعرفة.
فإما أن نحتج بما يقوم الدليل على صحته نحن وهم ،أو ل نحتج بشيء من ذلك نحن ول هم ،فإن
تركوا الرواية رأسًا أمكن أن نترك الراوية.
وأمـا إذا رووا هـم ،فل بـد مـن معارضـة الروايـة بالروايـة ،والعتماد على مـا تقوم بـه الحجـة،
ونحــن نــبين الدلئل الدالة على كذب مــا يعارضون بــه أهــل السـنّة مــن الروايات الباطلة ،والدلئل
الدالة على صحة ما نقله أهل العلم بالحديث وصححوه.
وهــب أنّا ل نحتــج بالحديــث؛ فقــد قال ال تعالى(( :إ ِنّمَا ال ُم ْؤ ِمنُونعَ الّذِينعَ إِذَا ُذ ِكرَ الُ وَجِلَتعْ
قُلُو ُبهُمْع وَإِذَا تُ ِليَتْع عَ َل ْيهِمْع آيَاتُهُع زَا َد ْتهُم إِيمَانًا َوعَلَى َر ّبهِم َي َتوَكّلُون * الّذِينَع يُقِيمُونَع الصعّل َة َو ِممّاع
رزْقٌ َكرِيم)) [النفال-2: عنْ َد رَ ّبهِم َومَغْ ِفرَ ٌة َو ِ
َرزَ ْقنَاهُ ْم ُينْفِقُونْ * ُأوْ َلئِكَ هُمُ ال ُم ْؤمِنُونَ حَقًا َلهُم َدرَجَاتٍ ِ
]4فشهـد لهؤلء باليمان مـن غيـر ذكـر للمامـة ،وقال تعالىِ(( :إنّمَا الُم ْؤمِنونَع الّذِينَع آمنُوا بِالِ
موَا ِلهِمْع وََأنْفُسِعهِمْ فِي سَعبِيلِ ال ُأوْ َلئِكَع هُمُع الصعّا ِدقُون))[الحجرات:َورَسعُو ِل ِه ثُمّ لَمْع يَ ْرتَابُوا وَجَا َهدُوا بِ َأ ْ
.]15فجعلهم صادقين في اليمان من غير ذكر للمامة.
وأيضًا :فنحـن نعلم بالضطرار مـن ديـن محمـد بـن عبـد ال صـلى ال عليـه وسـلم أن الناس كانوا
إذا أسلموا لم يجعل إيمانهم موقوفًا على معرفة المامة ،ولم يذكر لهم شيئا من ذلك.
وما كان أحد أركان اليمان ل بد أن يبينه الرسول لهل اليمان ليحصل لهم به اليمان ،فإذا علم
بالضطرار أن هذا ممــا لم يكــن الرســول يشترطــه فــي اليمان ،عُلم أن اشتراطــه فــي اليمان مــن
أقوال أهل البهتان.
فإن قيل :قد دخلت في عموم النص ،أو هي من باب ما ل يتم الواجب إل به ،أو دل عليها نص
آخر.
قيعل :هذا كله لو صـح لكان غايتـه أن تكون مـن بعـض فروع الديـن ،ل تكون مـن أركان اليمان،
فإن ركن اليمان ما ل يحصل اليمان إل به كالشهادتين ،فل يكون الرجل مؤمنًا حتى يشهد أن ل
إله إل ال ،وأن محمدًا رســول ال ،فلو كانــت المامــة ركنًا فــي اليمان ل يتــم إيمان أحــد إل بــه،
لوجب أن يبين ذلك الرسول بيانًا عامًا قاطعًا للعذر ،كما بين الشهادتين واليمان بالملئكة والكتب
والرسـل واليوم الخـر ،فكيـف ونحـن نعلم بالضطرار مـن دينـه أن الذيـن دخلوا فـي دينـه أفواجًا لم
)(1رواه مسلم ( )1/36والبخاري ف مواضع .انظر.)1/15( :
30
يشترط على أحدٍ منهم في اليمان بالمامة ل مطلقًا ول معينًا؟!
(الوجعه السعادس) :قوله( :قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم :مـن مات ولم يعرف إمام زمانـه
مات ميتة جاهلية).
فيقال له :أولً :مـن روى هذا الحديـث بهذا اللفـظ ،وأيـن إسـناده؟ وكيـف يجوز أن يُحتـج بنقـل عـن
النبي صلى ال عليه وسلم من غير بيان الطريق الذي به يثبت أن النبي صلى ال عليه وسلم قاله؟
هذا لو كان مجهول الحال عنـد أهـل العلم بالحديـث ،فكيـف وهذا الحديـث بهذا اللفـظ ل يُعرف؟ إنمـا
الحديـث المعروف مثـل مـا روى مسـلم فـي صـحيحه ،عـن نافـع ،قال :جاء عبـد ال بـن عمـر إلى عبـد
ال بـن مطيـع حيـن كان مـن أمـر الحرة مـا كان زمـن يزيـد بـن معاويـة ،فقال :اطرحوا لبـي عبـد
الرحمـن وسـادة ،فقال :إنـي لم آتـك لجلس ،أتيتـك لحدثـك حديثًا سـمعت رسـول ال صـلى ال عليـه
وسلم يقوله :سمعته يقول( :من خلع يدًا من طاعة لقي ال يوم القيامة ل حجة له ،ومن مات ليس في
عنقه بيعة ،مات ميتة جاهلية)(.)1
وهذا حديث حدّث به عبد ال بن عمر لعبد ال بن مطيع بن السود لما خلعوا طاعة أمير وقتهم
يزيد ،مع أنه كان فيه من الظلم ما كان ،ثم إنه اقتتل هو وهم ،وفعل بأهل الحرة أمورًا منكرة ،فعُلم
أن هذا الحديــث دل على مــا دل عليــه ســائر الحاديــث التيــة ،مــن أنــه ل يُخرج على ولة أمور
المسلمين بالسيف ،فإن لم يكن مطيعًا لولة المور مات ميتة جاهلية.
وهذا ضـد قول الرافضـة ،فإنهـم أعظـم الناس مخالفـة لولة المور ،وأبعـد الناس عـن طاعتهـم إل
كرهًا ،ونحن نطالبهم أولً بصحة النقل ،ثم بتقدير أن يكون ناقله واحدًا ،فكيف يجوز أن يثبت أصل
اليمان بخـبر مثـل هذا الذي ل يُعرف له ناقـل؟ وإن عُرف له ناقـل أمكـن خطؤه وكذبـه ،وهـل يثبـت
أصل اليمان إل بطريق علمي؟!
(الوجعه السعابع) :أن يقال :إن كان هذا الحديـث مـن كلم النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،فليـس فيـه
حجة لهذا القائل ،فإن النبي صلى ال عليه وسلم قد قال( :مات ميتة جاهلية).
وهذا الحديـث يتناول مـن قاتـل فـي العصـبية ،والرافضـة رءوس هؤلء ،ولكـن ل يكفـر المسـلم
بالقتتال في العصبية ،كما دل على ذلك الكتاب والسنّة ،فكيف يكفر بما دون ذلك؟!
وفـي صـحيح مسـلم ،عـن أبـي هريرة رضـي ال عنـه قال :قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم:
(مـن خرج مـن الطاعـة ،وفارق الجماعـة ،ثـم مات ،مات ميتـة جاهليـة)( )2وهذا حال الرافضـة ،فإنهـم
يخرجون عن الطاعة ويفارقون الجماعة.
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي ال عنهما ،عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :من رأى
من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه ،فإن من خرج من السلطان شبرًا ،مات ميتة جاهلية)(.)3
وهذه النصوص مع كونها صريحة في حال الرافضة ،فهي وأمثالها المعروفة عند أهل العلم ،ل
بذلك اللفظ الذي نقله.
(الوجعه الثامعن) :أن هذا الحديـث الذي ذكره حجـة على الرافضـة؛ لنهـم ل يعرفون إمام زمانهـم،
فإنهم يدّعون أنه الغائب المنتظر محمد بن الحسن ،الذي دخل سرداب سامرّا سنة ستين ومائتين أو
نحوهـا ولم يعـد ،بـل كان عمره إمـا سـنتين ،وإمـا ثلثًا ،وإمـا خمسـًا أو نحـو ذلك ،وله الن -على
)(1رواه مسلم (.)3/1478
)(2انظر :مسلم (.)3/1476
)(3انظر :البخاري ( )9/47ومسلم (.)3/1477
31
قولهم -أكثر من أربعمائة سنة ،ولم ُيرَ له عين ول أثر ،ول سُمع له حس ول خبر.
فليـس فيهـم أحـد يعرفـه ل بعينـه ول صـفته ،لكـن يقولون :إن هذا الشخـص الذي لم يره أحـد ولم
يسـمع له خبر هو إمام زمانهـم ،ومعلوم أن هذا ليـس هـو معرفـة بالمام ،ونظير هذا أن يكون لرجل
قريـب مـن بنـي عمـه فـي الدنيـا ول يعرف شيئًا مـن أحواله ،فهذا ل يعرف ابـن عمـه ،وكذلك المال
الملتقـط إذا عرف أن له مالكًا ولم يعرف عينـه لم يكـن عارفًا لصـاحب اللقطـة ،بـل هذا أعرف؛ لن
هذا يمكن ترتيب بعض أحكام الملك والنسب عليه.
وأما المنتظر فل يعرف له حال ينتفع به في المامة ،فإن معرفة المام التي تخرج النسان من
الجاهلية ،هي المعرفة التي يحصل بها طاعة وجماعة ،خلف ما كان عليه أهل الجاهلية ،فإنهم لم
يكن لهم إمام يجمعهم ،ول جماعة تعصمهم ،وال تعالى بعث محمدًا صلى ال عليه وسلم ،وهداهم
بـه إلى الطاعـة والجماعـة ،وهذا المنتظـر ل يحصـل بمعرفتـه طاعـة ول جماعـة ،فلم يُعرف معرفـة
تخرج النسان من الجاهلية ،بل المنتسبون إليه أعظم الطوائف جاهلية ،وأشبههم بالجاهلية ،وإن لم
يدخلوا فـي طاعـة غيرهـم -إمـا طاعـة كافـر أو طاعـة مسـلم -هـو عندهـم مـن الكفار أو النواصـب -لم
ينتظم لهم مصلحة؛ لكثرة اختلفهم وافتراقهم وخروجهم عن الطاعة ،وهذا يبينه.
(الوجعه التاسعع) :وهـو أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أمـر بطاعـة الئمـة الموجوديـن المعلوميـن،
الذيــن لهــم ســلطان يقدرون بــه على ســياسة الناس ،ل بطاعــة معدوم ول مجهول ،ول مــن ليــس له
سلطان ول قدرة على شيء أصلً ،كما أمر النبي صلى ال عليه وسلم بالجتماع والئتلف ،ونهى
عــن الفرقــة والختلف ،ولم يأمــر بطاعــة الئمــة مطلقًـا ،بــل أمــر بطاعتهــم فــي طاعــة ال دون
معصيته ،وهذا يبين أن الئمة الذين أمر بطاعتهم في طاعة ال ليسوا معصومين.
فإن قال :أنـا أردت بقولي :إنهـا أهـم المطالب فـي الديـن ،وأشرف مسـائل المسـلمين التـي تنازعـت
المة فيها بعد النبي صلى ال عليه وسلم ،وهذه هي مسألة المامة.
قيعل له :فل لفـظ فصـيح ،ول معنـى صـحيح ،فإن مـا ذكرتـه ل يدل على هذا المعنـى ،بـل مفهوم
اللفظ ومقتضاه أنها أهم المطالب في الدين مطلقًا ،وأشرف مسائل المسلمين مطلقًا.
وبتقدير أن يكون هذا مرادك ،فهو معنى باطل ،فإن المسلمين تنازعوا بعد النبي صلى ال عليه
وسلم ،في مسائل أشرف من هذه.
وبتقديــر أن تكون هــي الشرف ،فالذي ذكرتــه فيهــا أبطــل المذاهــب ،وأفســد المطالب ،وذلك أن
النزاع في المامة لم يظهر إل في خلفة علي.
وأمــا على عهــد الخلفاء الثلثــة فلم يظهــر نزاع ،إل مــا جرى يوم الســقيفة ،ومــا انفصــلوا حتــى
اتفقوا ،ومثـل هذا ل يعـد نزاعًا ،ولو قدّر أن النزاع فيهـا كان عقـب موت النـبي صـلى ال عليـه وسـلم
فليس كل ما تنوزع فيه عقب موته صلى ال عليه وسلم يكون أشرف مما تنوزع فيه بعد موته بدهر
طويل.
وإذا كان كذلك ،فمعلوم أن مســـائل التوحيـــد والصـــفات والثبات والتنزيـــه والقدر والتعديـــل
والتجويز والتحسين والتقبيح ،أهم وأشرف من مسائل المامة ،ومسائل السماء والحكام ،والوعد
والوعيد ،والعفو والشفاعة والتخليد ،أهم من مسائل المامة.
فإن كانـت أهـم مسـائل الديـن ،وهـم لم ينتفعوا بالمقصـود منهـا ،فقـد فاتهـم مـن الديـن أهمـه وأشرفـه،
وحينئذٍ فل ينتفعون بمــا حصــل لهــم مــن التوحيــد والعدل؛ لنــه يكون ناقص ـًا بالنســبة إلى مقصــود
المامة ،فيستحقون العذاب.
32
كيعف ..وهـم يسـلّمون أن مقصـود المامـة فـي الفروع الشرعيـة ،وأمـا الصـول العقليـة فل يُحتاج
فيهـا إلى المام ،وتلك هـي أهـم وأشرف! ثـم بعـد هذا كله ،فقولكـم فـي المامـة مـن أبعـد القوال عـن
الصـواب ،ولو لم يكـن فيـه إل أنكـم أوجبتـم المامـة لمـا فيهـا مـن مصـلحة الخلق فـي دينهـم ودنياهـم،
وإمامكم صاحب الوقت ،لم يحصل لكم من جهته مصلحة ل في الدين ول في الدنيا.
فأي ســعي أضــل مــن ســعي مــن يتعــب التعــب الطويــل ،ويكثــر القال والقيــل ،ويفارق جماعــة
المسـلمين ،ويلعـن السـابقين والتابعيـن ،ويعاون الكفار والمنافقيـن ،ويحتال بأنواع الحيـل ،ويسـلك مـا
أمكنـه مـن السـبل ،ويعتضـد بشهود الزور ،ويُدلى أتباعـه بحبـل الغرور ،ويفعـل مـا يطول وصـفه،
ومقصـوده بذلك أن يكون له إمام يدله على أمـر ال ونهيـه ،ويعرّفـه مـا يقربـه إلى ال تعالى؟! ثـم إنـه
لمــا علم اســم ذلك المام ونســبه ،لم يظفــر بشيــء مــن مطلوبــه ،ول وصــل إليــه شيــء مــن تعليمــه
وإرشاده ،ول أمره ول نهيـه ،ول حصـل له مـن جهتـه منفعـة ول مصـلحة أصـلً ،إل إذهاب نفسـه
وماله ،وقطـع السـفار ،وطول النتظار بالليـل والنهار ،ومعاداة الجمهور لداخـل فـي سـرداب ،ليـس
له عمل ول خطاب.
ولو كان موجودًا بيقيـن ،لمـا حصـل بـه منفعـة لهؤلء المسـاكين ،فكيـف وعقلء الناس يعلمون أنـه
ليس معهم إل الفلس ،وأن الحسن بن علي العسكري لم ينسل ولم ُيعْقِ بَ ،كما ذكر ذلك محمد بن
جرير الطبري ،وعبد الباقي بن قانع ،وغيرهما من أهل العلم بالنسب؟!
وهم يقولون :إنه دخل السرداب بعد موت أبيه وعمره إما سنتان ،وإما ثلث ،وإما خمس ..وإما
نحو ذلك ،ومثل هذا بنص القرآن يتيم ،يجب أن يُحفظ له ماله حتى يؤنس منه الرشد ،ويحضنه من
يستحق حضانته من قرابته ،فإذا صار له سبع سنين أمر بالطهارة والصلة.
فمـن ل توضـأ ول صـلى ،وهـو تحـت حجـر وليـه فـي نفسـه وماله بنـص القرآن ،لو كان موجودًا
يشهده العيان ،فمـا جاز أن يكون هـو إمام أهـل اليمان ،فكيـف إذا كان معدومًا أو مفقودًا مـع طول
هذه الغيبة؟!
والمرأة إذا غاب وليها ،زوّجها الحاكم أو الولي الحاضر ،لئل تفوت مصلحة المرأة بغيبة الولي
المعلوم الموجود ،فكيف تضيع مصلحة المامة مع طول هذه المدة مع هذا المام المفقود؟!
(فصععل)
قال الرافضي :لما بعث ال محمدًا صلى ال عليه وسلم قام بثقل الرسالة ،ونص على أن الخليفة
بعده علي بـن أبـي طالب عليـه السـلم ،ثـم مـن بعده على ولده الحسـن الزكـي ،ثـم على ولده الحسـين
الشهيـد ،ثـم على علي بـن الحسـين زيـن العابديـن ،ثـم على محمـد بـن علي الباقـر ،ثـم على جعفـر بـن
محمد الصادق ،ثم على موسى بن جعفر الكاظم ،ثم على عليّ بن موسى الرضا ،ثم على محمد بن
علي الجواد ،ثـم على علي بـن محمـد الهادي ،ثـم على الحسـن بـن علي العسـكري ،ثـم على الخلف
الحجة محمد بن الحسن المهدي ،عليهم الصلة والسلم ،وأن النبي صلى ال عليه وسلم لم يمت إل
عن وصية بالمامة ،وقال :وأهل السنّة ذهبوا إلى خلف ذلك كله.
(فصععل)
وأما قوله عن أهل السنّة :إنهم يقولون :إن النبي صلى ال عليه وسلم لم ينص على إمامة أحد،
وأنه مات عن غير وصية.
فالجواب أن يقال :ليـس هذا قول جميعهم ،بل قد ذهبت طوائف من أهل السنّة إلى أن إمامة أبي
بكر ثبتت بالنص ،والنزاع في ذلك معروف في مذهب أحمد وغيره من الئمة.
33
وقد ذكر القاضي أبو يعلى وغيره في ذلك روايتين عن المام أحمد:
إحداهما :أنها ثبتت بالخبار ،قال :وبهذا قال جماعة من أهل الحديث والمعتزلة والشعرية وهذا
اختيار القاضي أبي يعلى وغيره.
والثانية :أنها ثبتت بالنص الخفي والشارة ،قال :وبهذا قال الحسن البصري ،وجماعة من أهل
الحديث ،وبكر ابن أخت عبد الواحد ،والبيهسية من الخوارج.
وقال شيخه أبو عبد ال ابن حامد :فأما الدليل على استحقاق أبي بكر الخلفة دون غيره من أهل
البيـت والصـحابة فمـن كتاب ال وسـنّة نـبيه ،قال :وقـد اختلف أصـحابنا فـي الخلفـة هـل أخذت مـن
حيث النص أو الستدلل؟ فذهب طائفة من أصحابنا إلى أن ذلك بالنص ،وأنه صلى ال عليه وسلم
ذكر ذلك نصًا ،وقطع البيان على عينه حتمًا ،ومن أصحابنا من قال :إن ذلك بالستدلل الجلي.
قال ابن حامد :والدليل على إثبات ذلك بالنص أخبار ،من ذلك :ما أسنده البخاري ،عن جبير بن
مطعم قال( :أتت امرأة إلى النبي صلى ال عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه ،قالت :أرأيت إن جئت
فلم أجدك ،كأنهـا تريـد الموت ،قال :إن لم تجدينـي فأتـي أبـا بكـر)( )1وذكـر له سـياقًا آخـر وأحاديـث
أُخر .قال :وذلك نص على إمامته.
قال :وحديث سفيان ،عن عبد الملك بن عمير ،عن ربعي ،عن حذيفة بن اليمان ،قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم( :اقتدوا باللذين من بعدي :أبي بكر وعمر)(.)2
وأسند البخاري ،عن أبي هريرة ،قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :بينا أنا نائم
رأيتني على قليب عليها دلو ،فنزعت منها ما شاء ال ،ثم أخذها ابن أبي قحافة ،فنزع منها ذنوبًا أو
ذنوبين وفي نزعه ضعـف وال يغفر له ضعفه ،ثم استحالت غربًا فأخذها عمر بن الخطاب فلم أر
عبقريًا من الناس ينزع نزع عمر ،حتى ضرب الناس بعطن)( )3قال :وذلك نص في المامة.
قال :ويدل عليـه مـا أخبرنـا أبـو بكـر بـن مالك ،وروى عـن مسـند أحمـد ،عـن حماد بـن سـلمة ،عـن
علي بـن زيـد بـن جدعان ،عـن عبـد الرحمـن بـن أبـي بكرة ،عـن أبيـه ،قال :قال رسـول ال صـلى ال
عليه وسلم يومًا( :أيكم رأى رؤيا فقلت :أنا رأيت يا رسول ال كأن ميزانًا دلي من السماء ،فوزنت
بأبـي بكـر فرجحـت بأبـي بكـر ،ثـم وزن أبـو بكـر بعمـر فرجـح أبـو بكـر بعمـر ،ثـم وزن عمـر بعثمان
فرجـح عمـر بعثمان ،ثـم رفـع الميزان ،فقال النـبي صـلى ال عليـه وسـلم :خلفـة نبوه ،ثـم يؤتـي ال
الملك لمن يشاء)(.)4
قال :وأسـند أبـو داود ،عـن جابر النصـاري ،قال :قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم( :رأى
الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول ال ،ونيط عمر بأبي بكر ،ونيط عثمان بعمر ،قال جابر:
فلما قمنا من عند رسول ال صلى ال عليه وسلم قلنا :أما الصالح فرسول ال صلى ال عليه وسلم،
وأما نوط بعضهم ببعض فهم ولة هذا المر الذي بعث ال به نبيه).
قال :ومن ذلك حديث صالح بن كيسان ،عن الزهري ،عن عروة ،عن عائشة -رضي ال عنها-
ي رسول ال صلى ال عليه وسلم اليوم الذي بدئ فيه ،فقال :ادعي لي أباك وأخاك، قالت( :دخل عل ّ
حتـى أكتـب لبـي بكـر كتابًا ،ثـم قال :يأبـى ال والمسـلمون إل أبـا بكـر ،وفـي لفـظ :فل يطمـع فـي هذا
)(1البخاري ( )5/5ومواضع أخر ،ومسلم (.)4/1856
)(2رواه أحد ( ،)5/382والترمذي (.)5/271
)(3البخاري ( )5/6ومواضع أُخر ومسلم (.)4/1860
))(4أبو داود ( ،)4/289والترمذي (.)3/368
34
المر طامع)(.)1
وهذا الحديـث فـي الصـحيحين ،ورواه مـن طريـق أبـي داود الطيالسـي ،عـن ابـن أبـي مليكـة ،عـن
عائشـة ،قالت( :لمـا ثقـل رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم قال :ادعـي لي عبـد الرحمـن بـن أبـي بكـر
لكتـب لبـي بكـر كتابًا ،ل يختلف عليـه ،ثـم قال :معاذ ال أن يختلف المؤمنون فـي أبـي بكـر) وذكـر
أحاديث تقديمه في الصلة ،وأحاديث أُخر لم أذكرها لكونها ليست مما يثبته أهل الحديث.
وقال أبـو محمـد بـن حزم فـي كتابـه الملل والنحـل :اختلف الناس فـي المامـة بعـد رسـول ال صـلى
ال عليــه وســلم ،فقالت طائفــة :إن النــبي صــلى ال عليــه وســلم لم يســتخلف أحدًا ،ثــم اختلفوا ،فقال
ل على أنـه أولهـم بالمامـة والخلفـة بعضهـم :لكـن لمـا اسـتخلف أبـا بكـر على الصـلة كان ذلك دلي ً
على المـر ،وقال بعضهـم :ل ولكـن كان أثبتهـم فضلً ،فقدموه لذلك ،وقالت طائفـة :بـل نـص رسـول
ال صلى ال عليه وسلم على استخلف أبي بكر بعده ،على أمور الناس نصًا جليًا.
قال أبــو محمــد :وبهذا نقول لبراهيــن :أحدهــا :إطباق الناس كلهــم ،وهــم الذيــن قال ال فيهــم:
ضوَانًعا
ل مِن عَ الِع و َ ِر ْ
خرِجُوا مِن عْ ِديَارِهِم ْع وََأ ْموَالَهُعم َي ْبتَغُون عَ َفضْ ً
جرِين عَ الّذِين عَ أُ ْ
((للفقراءِ ا ْل ُمهَا ِ
صرُونَ ال َو َرسُو َلهُ أُو َلئِكَ هُم الصّا ِدقُون))[الحشر.]8: َويَ ْن ُ
فقد اتفق هؤلء الذين شهد ال لهم بالصدق ،وجميع إخوانهم من النصار رضي ال عنهم على
أن سموه خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ومعنى الخليفة في اللغة :هو الذي يستخلفه المرء ،ل الذي يخلفه دون أن يستخلفه هو ،ل يجوز
غيـر هذا ألبتـة فـي اللغـة بل خلف ،يقال :اسـتخلف فلن فلنًا يسـتخلفه فهـو خليفتـه ومسـتخلفه ،فإن
قام مكانه دون أن يستخلفه لم يقل .إل خلف فلن فلنًا يخلفه فهو خالف.
قال :ومحال أن يعنوا بذلك الستخلف على الصلة ،لوجهين ضروريين:
(أحدهمعا) :أنـه لم يسـتحق أبـو بكـر قـط هذا السـم على الطلق فـي حياة النـبي صـلى ال عليـه
وسـلم ،وهـو حينئذٍ خليفتـه على الصـلة ،فصـح يقينًا أن خلفتـه المسـمى بهـا هـي غيـر خلفتـه على
الصلة.
(والثاني) :أن كل من استخلفه رسول ال صلى ال عليه وسلم في حياته ،كعليّ في غزوة تبوك،
وابن أم مكتوم في غزوة الخندق ،وعثمان بن عفان في غزوة ذات الرقاع ،وسائر من استخلفه على
البلد باليمن ،والبحرين ،والطائف ،وغيرها ،لم يستحق أحد منهم بل خلف بين أحد من الئمة أن
يسمى خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم -فصح يقينًا بالضرورة التي ل محيد عنها أنها الخلفة
بعده على أمته.
ومـن المحال أن يجمعوا على ذلك ،وهـو لم يسـتخلفه نصـًا ،ولو لم يكـن هاهنـا إل اسـتخلفه فـي
الصلة ،لم يكن أبو بكر أولى بهذا السم من سائر من ذكرناه ،قال :وأيضًا فإن الرواية قد صحت
أن امرأة قالت( :يــا رســول ال ،أرأيــت إن رجعــت فلم أجدك -كأنهــا تعنــي الموت -قال :فأتــي أبــا
بكر)( )2قال :وهذا نص جلي على استخلف أبي بكر.
قال :وأيضًا فإن الخـبر قـد جاء مـن الطرق الثابتـة أن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم قال لعائشـة
فـي مرضـه الذي توفـي فيـه( :لقـد هممـت أن أبعـث إلى أبيـك وأخيـك وأكتـب كتابًا وأعهـد عهدًا لكيل
35
يقول قائل :أنا أحق ،أو يتمنى متمنٍ ،ويأبى ال ورسوله والمؤمنون إل أبا بكر)(.)1
وروي أيضاً-ويأبـى ال والنـبيون إل أبـا بكـر -قال :فهذا نـص جلي على اسـتخلفه صـلى ال عليـه
وسلم – أبا بكر على ولية المة بعده.
قال :واحتج من قال" :لم يستخلف" بالخبر المأثور عن عبد ال بن عمر ،عن عمر ،أنه قال :إن
أسـتخلف فقـد اسـتخلف مـن هـو خيـر منـي –يعنـي :أبـا بكـر -وإل أسـتخلف فلم يسـتخلف مـن هـو خيـر
مني -يعني رسول ال صلى ال عليه وسلم .)2(-وبما روي عن عائشة رضي ال عنها ،أنها سئلت:
()3
من كان رسول ال صلى ال عليه وسلم مستخلفًا لو استخلف؟
قال :ومن المحال أن يعارض إجماع الصحابة الذي ذكرنا عنهم ،والثران الصحيحان المسندان
إلى رسـول ال صــلى تعالى ال عليـه وســلم مــن لفظــه بمثـل هذيـن الثريــن الموقوفيـن على عمــر
وعائشـة ،ممـا ل تقوم بـه حجـة ظاهرة ،مـع أن هذا الثـر خفـي على عمـر ،كمـا خفـي عليـه كثيـر مـن
أمـر رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،كالسـتئذان وغيره ،وأنـه أراد اسـتخلفًا بعهـد مكتوب ،ونحـن
نقر أن استخلفه لم يكن بعهد مكتوب ،وأما الخبر في ذلك عن عائشة رضي ال عنها فكذلك أيضًا،
وقد يخرج كلهما عن سؤال سائل ،وإنما الحجة في روايتهما ل في قولهما.
(قلت) :الكلم فـي تثـبيت خلفـة أبـي بكـر و غيره مبسـوط فـي غيـر هذا الموضـع ،وإنمـا المقصـود
هنــا :البيان لكلم الناس فــي خلفتــه ،هــل حصــل عليهــا نــص خفــي أو جلي؟ وهــل تثبــت بذلك أو
بالختيار مـن أهـل الحـل والعقـد؟ فقـد تـبين أن كثيرًا مـن السـلف والخلف قالوا فيهـا بالنـص الجلي أو
الخفـي ،وحينئذٍ فقـد بطـل قدح الرافضـي فـي أهـل السـنة بقوله :إنهـم يقولون :إن النـبي صـلى ال عليـه
وسلم لم ينص على إمامة أحد ،وأنه مات عن غير وصية.
وكذلك أن هذا القول لم يقله جميعهـم ،فإن كان حقـا فقـد قاله بعضهـم ،وإن كان الحـق هـو نقيضـه
فقد قال بعضهم ذلك ،فعلى التقديرين لم يخرج الحق عن أهل السنّة.
وأيضًا فلو قدر أن القول بالنـص هـو الحـق لم يكـن فـي ذلك حجـة للشيعـة ،فإن الراونديـة تقول
بالنص على العباس كما قالوا هم بالنص على علي.
قال القاضـي أبـو يعلى وغيره :واختلفـت الراونديـة ،فذهـب جماعـة منهـم إلى أن النـبي صـلى ال
عليـه وسـلم نـص على العباس بعينـه واسـمه ،وأعلن ذلك وكشفـه وصـرح بـه ،وأن المـة جحدت هذا
النـص وارتدت وخالفـت أمـر الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم عنادا ،ومنهـم مـن قال :إن النـص على
العباس وولده من بعده إلى أن تقوم الساعة ،يعني :هو نص خفي.
فهذان قولن للراونديـة ،كالقوليـن للشيعـة ،فإن الماميـة تقول :إنـه نـص علي بـن أبـي طالب مـن
طريق التصريح والتسمية بأن هذا هو المام من بعدي ،فاسمعوا له وأطيعوا ،والزيدية تخالفهم في
هذا.
ثـم مـن الزيديـة مـن يقول :إنمـا نـص عليـه بقوله :مـن كنـت موله فعليّـ موله ،وأنـت منـي بمنزلة
هارون مــن موســى ،وأمثال ذلك مــن النــص الخفــي الذي يحتاج إلى تأمــل لمعناه ،وحكــي عــن
الجارودية من الزيدية :أن النبي صلى ال عليه وسلم نص على عل يّ بصفة لم توجد إل فيه ،ل من
جهة التسمية ،فدعوى الراوندية في النص من جنس دعوى الرافضة ،وقد ذكر في المامية أقوال
)(1تقدم قريبًا.
)(2البخاري ( )9/83ومسلم (.)3/1454
)(3مسلم (.)4/1856
36
أخرى.
والمقصـود هنـا أن أقوال الرافضـة معارضـة بنظيرهـا ،فإن دعواهـم النـص على عليّـ كدعوى
أولئك النـص على العباس ،وكل القوليـن ممـا يعلم فسـاده بالضطرار ،ولم يقـل أحـد مـن أهـل العلم
شيئًا من هذين القولين ،وإنما ابتدعهما أهل الكذب كما سيأتي إن شاء ال تعالى بيانه ،ولهذا لم يكن
أهـل الديـن مـن ولد العباس وعلي يدّعون هذا ول هذا ،بخلف النـص على أبـي بكـر فإن القائليـن بـه
طائفة من أهل العلم.
والمقصـود هنـا أن كثيرًا مـن أهـل السـنّة يقولون :إن خلفتـه ثبتـت بالنـص ،وهـم يسـندون ذلك إلى
أحاديـث معروفـة صـحيحة ،ول ريــب أن قول هؤلء أوجـه مــن قول مـن يقول :إن خلفـة علي أو
العباس ثبتت بالنص.
فإن هؤلء ليس معهم إل مجرد الكذب والبهتان الذي يعلم بطلنه بالضرورة كل من كان عارفًا
بأحوال السلم ،أو استدلل بألفاظ ل تدل على ذلك ،كحديث استخلفه في غزوة تبوك ،ونحوه مما
سنتكلم عليه إن شاء ال تعالى.
فيقال لهذا :إن وجـب أن يكون الخليفـة منصـوصًا عليـه ،كان القول بهذا النـص أولى مـن القول
بذلك ،وإن لم يجب هذا بطل ذاك.
والتحقيـق أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم دل المسـلمين على اسـتخلف أبـي بكـر وأرشدهـم إليـه
بأمور متعددة مـن أقواله وأفعاله ،وأخـبر بخلفتـه أخبار راض بذلك حامدًا له ،وعزم على أن يكتـب
بذلك عهدًا ،ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه فترك الكتاب اكتفا ًء بذلك.
ثـم عزم على ذلك فـي مرضـه يوم الخميـس ،ثـم لمـا حصـل لبعضهـم شـك هـل ذلك القول مـن جهـة
المرض ،أو هو قول يجب اتباعه ،فترك الكتابة اكتفاء بما علم أن ال يختاره والمؤمنون من خلفة
أبي بكر رضي ال عنه ،فلو كان التعيين مما يشتبه على المة لبينه رسول ال صلى ال عليه وسلم
بيانًا قاطعًا للعذر ،لكـن لمـا دلهـم دللت متعددة على أن أبـا بكـر هـو المتعيـن وفهموا ذلك حصـل
المقصود.
ولهذا قال عمـر بـن الخطاب فـي خطبته التـي خطبهـا بمحضـر من المهاجريـن والنصار( :وليـس
فيكم من تقطع إليه العناق مثل أبي بكر) رواه البخاري ومسلم( .)1وفي الصحيحين أيضًا عنه أنه
قال يوم السـقيفة بمحضـر مـن المهاجريـن والنصـار( :أنـت خيرنـا وسـيدنا ،وأحبنـا إلى رسـول ال
صلى ال عليه وسلم)( - )2ولم ينكر ذلك منهم منكر ،ول قال أحد من الصحابة :إن غير أبي بكر من
المهاجرين أحق بالخلفة منه ،ولم ينازع أحد في خلفته إل بعض النصار طمعًا في أن يكون من
النصار أمير ومن المهاجرين أمير ،وهذا مما ثبت بالنصوص المتواترة عن النبي صلى ال عليه
وسلم بطلنه.
ثم النصار جميعهم بايعوا أبا بكر إل سعد بن عبادة لكونه هو الذي كان يطلب الولية ،ولم يقل
قـط أحـد مـن الصـحابة :إن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم نـص على غيـر أبـي بكـر ل على العباس ول
على علي ،ول غيرهمـا ،ول ادعـى العباس ول علي –ول أحد ممـن يحبهما –الخلفـة لواح ٍد منهمـا،
ول أنه منصوص عليه ،بل ول قال أحد من الصحابة :إن في قريش من هو أحق بها من أبي بكر،
ل مــن بنــي هاشـم ول مــن غيــر بنـي هاشــم ،وهذا كله ممـا يعلمــه العلماء العالمون بالثار والسـنن
)(1انظر :البخاري ( )8/169ومواضع أُخر ومسلم (.)3/1317
)(2البخارى (.)5/7
37
والحديث ،وهو معلوم عندهم بالضطرار.
فخلفـة أبـي بكـر الصـديق دلت النصـوص الصـحيحة على صـحتها وثبوتهـا ،ورضـا ال ورسـول
ال صـلى ال عليـه وسـلم له بهـا ،وانعقدت بمبايعـة المسـلمين له ،واختيارهـم إياه ،اختيارًا أسـندوا فيـه
إلى ما علموه من تفضيل ال ورسوله ،وأنه أحقهم بهذا المر عند ال ورسوله.
فصـارت ثابتـة بالنـص والجماع جميعًا ،لكـن النـص دل على رضـا ال ورسـوله بهـا وأنهـا حـق،
وأن ال أمـر بهـا وقدرهـا ،وأن المؤمنيـن يختارونهـا ،وكان هذا أبلغ مـن مجرد العهـد بهـا؛ لنـه حينئذٍ
كان يكون طريق ثبوتها مجرد العهد.
وأمـا إذا كان المسـلمون قـد اختاروه مـن غيـر عهـد ودلت النصـوص على صـوابهم فيمـا فعلوه،
ل على أن الصـديق كان فيـه مـن الفضائل التـي بان بهـا عـن ورضـا ال ورسـوله بذلك ،كان ذلك دلي ً
غيره ما علم المسلمون به أنه أحقهم بالخلفة ،فإن ذلك ل يحتاج فيه إلى عهدٍ خاص ،كما قال النبي
صـلى ال عليـه وسـلم لمـا أراد أن يكتـب لبـي بكـر فقال لعائشـة( :ادعـي لي أباك وأخاك حتـى أكتـب
لبــي بكــر كتابًا فإنــي أخاف أن يتمنــى متمنـٍ ،ويقول قائل أنــا أولى ،ويأبــى ال والمؤمنون إل أبــا
بكر)( )1أخرجاه في الصحيحين ،وفي البخاري( :لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه ،وأعهد أن
يقول القائلون ،أو يتمنى المتمنون ،ويدفع ال ويأبى المؤمنون)( )2فبين صلى ال عليه وسلم أنه يريد
أن يكتب كتابًا خوفًا ،ثم علم أن المر واضح ظاهر ،ليس مما يقبل النزاع فيه ،والمة حديثة عهد
بنبيهــا ،وهــم خيــر أمــة أخرجــت للناس ،وأفضــل قرون هذه المــة ،فل يتنازعون فــي هذا المــر
الواضح الجلي.
فإن النزاع إنمـا يكون لخفاء العلم أو لسـوء القصـد ،وكل المريـن منتفـٍ ،فإن العلم بفضيلة أبـي
بكـر جلي ،وسـوء القصـد ل يقـع مـن جمهور المـة الذيـن هـم أفضـل القرون ،ولهذا قال( :يأبـى ال
والمؤمنون إل أبا بكر) فترك ذلك لعلمه بأن ظهور فضيلة أبى بكر الصديق واستخلفه لهذا المر
يغني عن العهد ،فل يحتاج إليه ،فتركه لعدم الحاجة وظهور فضيلة الصديق واستحقاقه ،وهذا أبلغ
من العهد.
(فصععل)
وأمعا قول الرافضعي :إنهـم يقولون :المام بعـد رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم أبـو بكـر بمبايعـة
عمر ،برضا أربعة.
فيقال له :ليــس هذا قول أئمــة السـنّة ،وإن كان بعــض أهــل الكلم يقول :إن المامــة تنعقــد ببيعــة
أربعـة ،كمـا قال بعضهـم :تنعقـد ببيعـة اثنيـن ،وقال بعضهـم :تنعقـد ببيعـة واحـد ،فليـس هذه أقوال أئمـة
السنّة ،بل المامة عندهم تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها ،ول يصير الرجل إمامًا حتى يوافقه أهل
الشوكـة الذيـن يحصـل بطاعتهـم له مقصـود المامـة ،فإن المقصـود مـن المامـة إنمـا يحصـل بالقدرة
والسلطان ،فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إمامًا ،ولهذا قال أئمة السنّة :من صار
له قدرة وسـلطان يفعـل بهمـا مقصـود الوليـة فهـو مـن أولي المـر الذيـن أمـر ال بطاعتهـم ،مـا لم
يأمروا بمعصــية ال ،فالمامــة ملك وســلطان ،والملك ل يصــير ملكًا بموافقــة واحــد ول اثنيــن ول
أربعة ،إل أن تكون موافقة غيرهم بحيث يصير ملكًا بذلك ،وهكذا كل أمرٍ يفتقر إلى المعاونة عليه،
ل يحصـل إل بحصـول مـن يمكنهـم التعاون عليـه ،ولهذا لمـا بويـع علي رضـي ال عنـه وصـار معـه
)(1تقدم تريه (ص .)64
)(2تقدم أيضا (ص .)63
38
شوكة صار إمامًا.
وأما قوله :ثم عثمان بن عفان بنص عمر على ستة هو أحدهم فاختاره بعضهم.
فيقال أيضًا :عثمان لم يصر إمامًا باختيار بعضهم بل بمبايعة الناس له ،وجميع المسلمين بايعوا
عثمان بن عفان لم يتخلف عن بيعته أحد.
قال المام أحمــد فــي روايــة حمدان بــن علي :مــا كان فــي القوم أوكــد مــن بيعــة عثمان كانــت
بإجماعهم.
فلمـا بايعـه ذوو الشوكـة والقدرة صـار إمامًا ،وإل لو قدر أن عبـد الرحمـن بايعـه ولم يبايعـه علي
ول غيره من الصحابة أهل الشوكة لم يصر إمامًا.
ولكـن عمـر لمـا جعلهـا شورى فـي سـتة :عثمان وعلي وطلحـة والزبيـر وسـعد وعبـد الرحمـن بـن
عوف ،ثـم إنـه خرج طلحـة والزبيـر وسـعد باختيارهـم وبقـي عثمان وعلي وعبـد الرحمـن بـن عوف،
واتفق الثلثة باختيارهم على أن عبد الرحمن بن عوف ل يتولى ويولى أحد الرجلين.
وأقام عبد الرحمن ثلثًا حلف أنه لم يغتمض فيها بكبير نوم ،يشاور السابقين الولين والتابعين
لهـم بإحسـان ،ويشاور أمراء المصـار وكانوا قـد حجوا مـع عمـر ذلك العام ،فأشار عليـه المسـلمون
بولية عثمان.
و ذكرهم أنهم كلهم قدموا عثمان فبايعوه ،ل عن رغبة أعطاهم إياها ول عن رهبة أخافهم بها،
ولهذا قال غيـر واحـد مـن السـلف والئمـة كأيوب السـختياني وأحمـد بـن حنبـل والدارقطنـي وغيرهـم:
مـن قدم عليًا على عثمان فقـد أزرى بالمهاجريـن والنصـار ،وهذا مـن الدلة الدالة على أن عثمان
أفضل لنهم قدموه باختيارهم واشتوارهم.
وأما قوله:ثم علي بمبايعة الخلق له.
فتخصيصه عليّا بمبايعة الخلق دون أبي بكر وعمر وعثمان كلم ظاهر البطلن ،وذلك أنه من
المعلوم لكـل مـن عرف سـيرة القوم أن اتفاق الخلق ومبايعتهـم لبـي بكـر وعمـر وعثمان أعظـم مـن
اتفاقهـم على بيعـة علي رضـي ال عنـه وعنهـم أجمعيـن وكـل أحـد يعلم أنهـم اتفقوا على بيعـة عثمان
أعظم من اتفاقهم على بيعة علي ،والذين بايعوا عثمان في أول المر أفضل من الذين بايعوا عليّا،
فإنه بايعه علي وعبد الرحمن بن عوف و طلحة والزبير بن العوام وعبد ال بن مسعود والعباس بن
عبد المطلب وأبي بن كعب وأمثالهم مع سكينة وطمأنينة ،وبعد مشاورة المسلمين ثلثة أيام ،وأما
علي رضي ال عنه فإنه بويع عقب قتل عثمان رضي ال عنه ،والقلوب مضطربة مختلفة ،وأكابر
الصـحابة متفرقون ،وأحضـر طلحـة إحضارًا حتـى قال مـن قال :إنهـم جاءوا بـه مكرهًا ،وأنـه قال:
بايعـت واللج على قفىّ ،وكان لهـل الفتنـة بالمدينـة شوكـة لمـا قتلوا عثمان ،وماج الناس لقتله موجًا
عظيمًا ،وكثيــر مــن الصــحابة لم يبايــع عليًا كعبــد ال بــن عمــر وأمثاله ،وكان الناس معــه ثلثــة
أصناف ،صنف قاتلوا معه ،وصنف قاتلوه ،وصنف لم يقاتلوه ولم يقاتلوا معه ،فكيف يجوز أن يقال
فـي علي بمبايعـة الخلق له ،ول يقال مثـل ذلك فـي مبايعـة الثلثـة ولم يختلف عليهـم أحـد لمـا بايعهـم
الناس كلهم ل سيما عثمان.
وأما أبو بكر رضي ال عنه فتخلف عن بيعته سعد؛ لنهم كانوا قد عينوه للمارة ،فبقي في نفسه
مـا يبقـى فـي نفوس البشـر ،ولكـن هـو مـع هذا رضـي ال عنـه لم يعارض ،ولم يدفـع حقًا ،ول أعان
على باطل.
بـل قـد روى المام أحمـد بـن حنبـل رحمـه ال فـي مسـند الصـديق ،عـن عثمان ،عـن أبـي معاويـة،
39
عن داود بن عبد ال الودي ،عن حميد بن عبد الرحمن هو الحميري فذكر حديث السقيفة وفيه :أن
الصـديق قال( :ولقـد علمـت يـا سـعد أن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم قال وأنـت قاعـد :قريـش ولة
هذا المر ،فبرّ الناس تبع لبرهم ،وفاجرهم تبع لفاجرهم ،قال :فقال له سعد :صدقت! نحن الوزراء
وأنتم المراء)(!)1
فهذا مرسـل حسـن ،ولعـل حميدًا أخذه عـن بعـض الصـحابة الذيـن شهدوا بذلك ،وفيـه فائدة جليلة
جدًا وهـي :أن سـعد بـن عبادة نزل عـن مقامـه الول فـي دعوى المارة ،وأذعـن للصـديق بالمارة
فرضي ال عنهم أجمعين.
فإن قال :أردت أن أهل السنّة يقولون :إن خلفته انعقدت بمبايعة الخلق له ل بالنص.
فل ريـب أن أهـل السـنّة وإن كانوا يقولون :إن النـص على أن عليًا مـن الخلفاء الراشديـن لقوله:
(خلفـة النبوة ثلثون سـنة) فهـم يروون النصـوص الكثيرة فـي صـحة خلفـة غيره ،وهذا أمـر معلوم
عنــد أهــل الحديــث ،يروون فــي صــحة خلفــة الثلثــة نصــوصًا كثيرة بخلف خلفــة علي ،فإن
نصوصها قليلة.
فإن الثلثـة اجتمعـت المـة عليهـم ،فحصـل بهـم مقصـود المامـة ،وقوتـل بهـم الكفار وفتحـت بهـم
المصار ،وخلفة علي لم يقاتل فيها كافر ،ول فتح مصر ،وإنما كان السيف بين أهل القبلة.
وأما النص الذي تدعيه الرافضة فهو كالنص الذي تدعيه الراوندية على العباس ،وكلهما معلوم
الفسـاد بالضرورة عنـد أهـل العلم ،ولو لم يكـن فـي إثبات خلفـة علي إل هذا لم تثبـت له إمامـة قـط،
كما لم تثبت للعباس إمامة بنظيره.
وأما قوله :ثم اختلفوا ،فقال بعضهم :إن المام بعده الحسن ،وبعضهم قال :إنه معاوية.
فيقال :أهـل السـنّة لم يتنازعوا فـي هذا ،بـل هـم يعلمون أن الحسـن بايعـه أهـل العراق مكان أبيـه،
وأهل الشام كانوا مع معاوية قبل ذلك.
وقوله :ثم ساقوا المامة في بني أمية ثم في بني العباس.
فيقال :أهـل السـنة ل يقولون :إن الواحـد مـن هؤلء كان هـو الذي يجـب أن يولى دون مـن سـواه،
ول يقولون :أنه تجب طاعته في كل ما يأمر.
بـل أهـل السـنة يخـبرون بالواقـع ،ويأمرون بالواجـب ،فيشهدون بمـا وقـع ،ويأمرون بمـا أمـر ال
ورســوله ،فيقولون :هؤلء هــم الذيــن تولوا ،وكان لهــم ســلطان وقدرة ،يقدرون بهــا على مقاصــد
الوليــة ،مــن إقامــة الحدود ،وقســم الموال ،وتوليــة الوليــة ،وجهاد العدوّ ،وإقامــة الحــج والعياد
والجمع ،وغير ذلك من مقاصد الولية.
ويقولون :إن الواحـد مـن هؤلء ونوابهـم وغيرهـم ل يجوز أن يطاع فـي معصـية ال تعالى – بـل
يشارك فيمـا يفعله مـن طاعـة ال ،فيغزى معـه الكفار ،ويصـلى معـه الجمعـة والعيدان ،ويحـج معـه،
ويعاون في إقامة الحدود ،والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وأمثال ذلك.
فيعاونون على البر والتقوى ول يعاونون على الثم والعدوان.
ويقولون :إنه قد تولى غير هؤلء بالمغرب من بني أمية ،ومن بني علي.
ومــن المعلوم أن الناس ل يصــلحون إل بولة ،وأنــه لو تولى مــن هــو دون هؤلء مــن الملوك
الظلمة لكان ذلك خيرًا من عدمهم ،كما يقال :ستون سنة مع إمام جائر خير من ليلة واحدة بل إمام،
ويروى عن علي رضي ال عنه أنه قال( :ل بد للناس من إمارة ،برة كانت أو فاجرة ،قيل له :هذه
)(1السند ( )1/164تقيق أحد شاكر.
40
البرة قـد عرفناهـا فمـا بال الفاجرة؟ قال :يؤمـن بهـا السـبيل ،ويقام بهـا الحدود ،ويجاهـد بهـا العدوّ،
ويقسم بها الفيء) ذكره علي بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية.
وكـل مـن تولى كان خيرًا مـن المعدوم المنتظـر ،الذي تقول الرافضـة :إنـه الخلف الحجـة ،فإن هذا
لم يحصـل بإمامتـه شيـء مـن المصـلحة ،ل فـي الدنيـا ول فـي الديـن أصـلً ،ول فائدة فـي إمامتـه إل
العتقادات الفاسدة ،والماني الكاذبة ،والفتن بين المة ،وانتظار من ل يجيء ،فتطوى العمار ولم
يحصل من فائدة هذه المامة شيء.
والناس ل يمكنهم بقاء أيام قليلة بل ولة أمور ،بل كانت أمورهم تفسد ،فكيف تصلح أمورهم إذا
لم يكن لهم إمام إل من ل يعرف ول يدري ما يقول ،ول يقدر على شيء من أمور المامة ،بل هو
معدوم.
وأما آباؤه فلم يكن لهم قدرة وسلطان المامة ،بل كان لهل العلم والدين منهم إمامة أمثالهم من
جنـس الحديـث والفتيـا ونحـو ذلك ،لم يكـن لهـم سـلطان لشوكـة ،فكانوا عاجزيـن عـن المامـة ،سـواء
كانوا أولى بالولية أو لم يكونوا أولى.
فبكـل حال مـا مكنوا ول ولوا ،ول كان يحصـل بهـم المطلوب مـن الوليـة لعدم القدرة والسـلطان،
ولو أطاعهم المؤمن لم يحصل له بطاعتهم المصالح التي تحصل بطاعة الئمة ،من جهاد العداء،
وإيصال الحقوق إلى مستحقيها أو بعضهم ،وإقامة الحدود.
فإن قال القائل :إن الواحـد مـن هؤلء أو مـن غيرهـم إمام –أي :ذو سـلطان وقدرة -يحصـل بهمـا
مقاصد المامة ،كان هذا مكابر للحس.
ولو كان ذلك كذلك لم يكن هناك متولٍ يزاحمهم ،ول يستبد المر دونهم ،وهذا ل يقوله أحد .وإن
قال :إنهم أئمة بمعنى أنهم هم الذين يجب أن يولوا ،وأن الناس عصوا بترك توليتهم.
ل ظلمًا وعدوانًا.
فهذا بمنزلة أن يقال :فلن كان يستحق أن يولى القضاء ،ولكن لم يو ّ
ومـن المعلوم أن أهـل السـنّة ل ينازعون فـي أنـه كان بعـض أهـل الشوكـة بعـد الخلفاء الربعـة
يولون شخصـًا وغيره أولى بالوليـة منـه ،وقـد كان عمـر بـن عبـد العزيـز يختار أن يولى القاسـم بـن
محمـد بعده لكنـه لم يطـق ذلك ،لن أهـل الشوكـة لم يكونوا موافقيـن على ذلك ،وحينئذٍ فأهـل الشوكـة
الذيـن قدّموا المرجوح وتركوا الراجـح ،والذي تولى بقوّتـه وقوة أتباعـه ظلمًا وبغيًا ،فيكون إثـم هذه
الولية على من ترك الواجب مع قدرته على فعله ،أو أعان على الظلم.
وأما من لم يظلم ول أعان ظالمًا وإنما أعان على البر والتقوى فليس عليه من هذا شيء ،ومعلوم
أن صالحي المؤمنين ل يعاونون الولة إل على البر والتقوى ،ل يعاونونهم على الثم والعدوان.
وأهعل السعنّة يقولون :ينبغـي أن يولى الصـلح للوليـة إذا أمكـن ،إمـا وجوبًا عنـد أكثرهـم ،وإمـا
اسـتحبابًا عنـد بعضهـم ،وإن مـن عدل عـن الصـلح مـع قدرتـه لهواه فهـو ظالم ،ومـن كان عاجزًا عـن
تولية الصلح مع محبته لذلك فهو معذور.
ويقولون :مـن تولى فإنـه يسـتعان بـه على طاعـة ال بحسـب المكان ،ول يعان إل على طاعـة
ال ،ول يستعان به على معصية ال ،ول يعان على معصية ال تعالى.
أفليـس قول أهـل السـنّة فـي المامـة خيرًا مـن قول مـن يأمـر بطاعـة معدوم أو عاجـز ل يمكنـه
العانة المطلوبة من الئمة ،ولهذا كانت الرافضة لما عدلت عن مذهب أهل السنّة في معونة أئمة
المسلمين والستعانة بهم ،دخلوا في معاونة الكفار والستعانة بهم.
فهم يدعون إلى المام المعصوم ،ول يعرف لهم إمام موجود يأتمون به ،إل كفور أو ظلوم ،فهم
41
كالذي يحيــل بعــض العامــة على أولياء ال رجال الغيــب ،ول رجال للغيــب عنده إل أهــل الكذب
والمكـر ،الذيـن يأكلون أموال الناس بالباطـل ،ويصـدّون عـن سـبيل ال ،أو الجـن أو الشياطيـن الذيـن
يحصل بهم لبعض الناس أحوال شيطانية.
فلو قدر أن ما تدّعيه الرافضة من النص هو حق موجود ،وأن الناس لم يولوا المنصوص عليه
لكانوا قــد تركوا مــن يجــب توليتــه ولولوا غيره ،وحينئذ فالمام الذي قام بمقصــود المامــة هــو هذا
المولى ،دون الممنوع المقهور.
نعـم ،ذاك يسـتحق أن يولى ،لكـن مـا ولى ،فالثـم على مـن ضيـع حقـه ،وعدل عنـه ل على مـن لم
يضـع حقـه ولم يعتـد .وهـم يقولون :إن المام وجـب نصـبه؛ لنـه لطـف ومصـلحة للعباد ،فإذا كان ال
ورســوله يعلم أن الناس ل يولون هذا المعيــن إذا أمروا بوليتــه كان أمرهــم بوليــة مــن يولونــه
وينتفعون بوليته أولى من أمرهم بولية من ل يولونه ول ينتفعون بوليته.
كمـا قيـل فـي إمامـة الصـلة والقضاء وغيـر ذلك ،فكيـف إذا كان مـا يدعونـه مـن النـص مـن أعظـم
الكذب والفتراء؟ والنـبي صـلى ال عليـه وسـلم قـد أخـبر أمتـه بمـا سـيكون ومـا يقـع بعده مـن التفرق،
فإذا نـص لمتـه على إمامـة شخـص يعلم أنهـم ل يولونـه بـل يعدلون عنـه ويولون غيره –يحصـل لهـم
بوليتـه مقصـود الولة – وأنـه إذا أفضـت النوبـة إلى المنصـوص حصـل مـن سـفك دماء المـة مـا لم
يحصل بغير المنصوص ،ولم يحصل من مقاصد الولية ما حصل بغير المنصوص ،كان الواجب
العدول عن المنصوص.
مثال ذلك :أن وليّـ المـر إذا كان عنده شخصـان ،ويعلم أنـه إن ولى أحدهمـا أطيـع وفتـح البلد،
وأقام الجهاد ،وقهــر العداء ،وأنــه إذا ولى الخــر لم يطــع ،ولم يفتــح شيئًا مــن البلد ،بــل يقــع فــي
الرعية الفتنة والفساد ،كان من المعلوم لكل عاقل أنه ينبغي أن يولي من يعلم أنه إذا وله حصل به
الخير والمنفعة ،ل من إذا وله لم يطع وحصل بينه وبين الرعية الحرب والفتنة .فكيف مع علم ال
ورسـوله بحال وليـة الثلثـة؟ ومـا حصـل فيهـا مـن مصـالح المـة فـي دينهـا ودنياهـا ،ل ينـص عليهـا
وينص على ولية من ل يطاع بل يحارب ويقاتل ،حتى ل يمكنه قهر العداء ول إصلح الولياء.
ل إن لم يعلم الحال أو ظالمًا مفس ـدًا إن وهــل يكون مــن ينــص على وليــة هذا دون ذاك إل جاه ً
علم ،وال ورسوله بريء من الجهل والظلم.
وهم يضيفون إلى ال ورسوله العدول عما فيه مصلحة العباد إلى ما ليس فيه إل الفساد.
وإذا قيل :إن الفساد حصل من معصيتهم ل من تقصيره.
قيعل :أفليـس وليـة مـن يطيعونـه فتحصـل المصـلحة أولى مـن وليـة مـن يعصـونه ،فل تحصـل
المصلحة بل المفسدة؟
ولو كان للرجـل ولد وهناك مؤدبان إذا أسـلمه إلى أحدهمـا تعلم وتأدب ،وإذا أسـلمه إلى الخـر فرّ
وهرب ،أفليس إسلمه إلى ذاك أولى؟ ولو قدر أن ذاك أفضل ،فأيّ منفعة في فضيلته إذا لم يحصل
للولد به منفعة لنفوره عنه.
ولو خطب المرأة رجلن أحدهما افضل من الخر لكن المرأة تكرهه ،وإن تزوجت به لم تطعه،
بل تخاصمه وتؤذيه ،فل تنتفع به ول ينتفع هو بها ،والخر تحبه ويحصل به مقاصد النكاح ،أفليس
تزويجهـا بهذا المفضول أولى باتفاق العقلء؟ ونـص مـن ينـص على تزويجهـا بهذا أولى مـن النـص
على تزويجها بهذا.
فكيـف يضاف إلى ال ورسـوله مـا ل يرضاه إل ظالم أو جاهـل ،وهذا ونحوه ممـا يعلم بـه بطلن
42
النـص بتقديـر أن يكون علي هـو الفضـل الحـق بالمارة ،لكـن ل يحصـل بوليتـه إل مـا حصـل،
وغيره ظالم يحصـل بـه مـا حصـل مـن المصـالح ،فكيـف إذا لم يكـن المـر كذلك ،ل فـي هذا ول فـي
هذا.
فقول أهـل السـنّة خـبر صـادق وقول حكيـم ،وقول الرافضـة خـبر كاذب وقول سـفه ،فأهـل السـنّة
يقولون :الميـر والمام والخليفـة ذو السـلطان الموجود الذي له القدرة على عمـل مقصـود الوليـة،
كما أن إمام الصلة هو الذي يصلي بالناس ،وهم يأتمون به ليس إمام الصلة من يستحق أن يكون
إمامًا وهـو ل يصـلي بأحـد ،لكـن هذا ينبغـي أن يكون إمامًا ،والفرق بيـن المام وبيـن مـن ينبغـي أن
يكون هو المام ل يخفى على الطغام.
ويقولون :أنــــه يعاون على البر والتقوى دون الثــــم والعدوان ،ويطاع فــــي طاعــــة ال دون
معصيته ،ول يخرج عليه بالسيف ،وأحاديث النبي صلى ال عليه وسلم إنما تدل على هذا.
كما في الصحيحين ،عن ابن عباس -رضي ال عنهما -عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :من
رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه ،فإنه ليس أحد من الناس يخرج عن السلطان شبرًا فمات
عليـه إل مات ميتـة جاهليـة)( )1فجعـل المحذور هـو الخروج عـن السـلطان ومفارقـة الجماعـة وأمـر
بالصبر على ما يكره من المير لم يخص بذلك سلطانًا معينًا ول أميرًا معينًا ول جماعة معينة.
(قال الرافضي :الفصل الثاني في أن مذهب المامية واجب التباع)
ومضمون مـا ذكره أن الناس اختلفوا بعـد النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،فيجـب النظـر فـي الحـق
واعتماد النصـاف ،ومذهـب الماميـة واجـب التباع لربعـة وجوه :لنـه أحقهـا ،وأصـدقها ،ولنهـم
باينوا جميـع الفرق فـي أصـول العقائد ،ولنهـم جازمون بالنجاة لنفسـهم ،ولنهـم أخذوا دينهـم عـن
الئمة المعصومين ،وهذا حكاية لفظه.
قال الرافضععي :إنــه لمــا عمــت البليــة بموت النــبي صــلى ال عليــه وســلم واختلف الناس بعده،
وتعددت آراؤهـم بحسـب تعدد أهوائهـم ،فبعضهـم طلب المـر لنفسـه بغيـر حـق ،وبايعـه أكثـر الناس
للدنيا ،كما اختار عمرو بن سعد ملك الري أياما يسيرة ،لما خير بينه وبين قتل الحسين ،مع علمه
بأن من قتله في النار ،واختياره ذلك في شعره حيث يقول:
أفعكر في أمر على خطعرينِ فوال ما أدري وإني لصعادق
ي والري منيتي أم أصبعح مأثومًا بقتل حسين أأترك ملك الر ّ
حجاب وملك الريّ قرة عيني وفي قتله النار التي ليس دونها
وبعضهـم اشتبـه المـر عليـه ،ورأى لطالب الدنيـا مبايعًا ،فقلده وبايعـه وقصـّر فـي نظره ،فخفـى
عليــه الحــق ،فاســتحق المؤاخذة مــن ال تعالى بإعطاء الحــق لغيــر مســتحقه بســبب إهمال النظــر،
وبعضهـم قلد لقصـور فطنتـه ،ورأى الجـم الغفيـر فتابعهـم ،وتوهـم أن الكثرة تسـتلزم الصـواب ،وغفـل
عبَادِيعَ الشّكُور))[ســبأ ]13:وبعضهــم طلب عــن قوله تعالى(( :وَقَلِيلٌ مَا هُمعْ))[ص(( ]24:وَقَلِيلُ مِنعْ ِ
المـر لنفسـه بحـق له وبايعـه القلون الذيـن أعرضوا عـن الدنيـا وزينتهـا ،ولم يأخذهـم فـي ال لومـة
لئم؛ بل أخلصوا ل واتبعوا ما أمروا به من طاعة من يستحق التقديم.
وحيث حصل للمسلمين هذه البلية ،وجب على كل أحد النظر في الحق واعتماد النصاف ،وأن
علَى الظّا ِلمِين))[هود ]18:وإنما
يقر الحق مستقره ،ول يظلم مستحقه ،فقد قال تعالى(( :أَلَ لَ ْع َنةُ الِ َ
كان مذهب المامية واجب التباع لوجوه هذا لفظه.
)(1سبق ذكره انظر :ص
43
فيقال :إنه قد جعل المسلمين بعد نبيهم أربعة أصناف! وهذا من أعظم الكذب ،فإنه لم يكن من في
الصـحابة المعروفيـن أحـد مـن هذه الصـناف الربعـة ،فضلً عـن أن ل يكون فيهـم أحـد إل مـن هذه
الصناف.
إما طالب للمر بغير حق كأبي بكر في زعمه ،وإما طالب للمر بحق كعلي في زعمه.
وهذا كذب على علي رضي ال عنه ،وعلى أبي بكر رضي ال عنه ،فل علي طلب المر لنفسه
قبل قتل عثمان ،ول أبو بكر طلب المر لنفسه فضلً عن أن يكون طلبه بغير حق.
وجعل القسمين الخرين إما مقلدًا لجل الدنيا ،وإما مقلدًا لقصوره في النظر ،وذلك أن النسان
يجـب عليـه أن يعرف الحـق وأن يتبعـه ،وهـو الصـراط المسـتقيم ،صـراط الذيـن أنعـم ال عليهـم مـن
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ،غير المغضوب عليهم ول الضالين.
وهذا هو الصراط الذي أمرنا أن نسأله هدايتنا إياه في كل صلة بل في كل ركعة.
وهذه المــة خيــر المــم ،وخيرهــا القرن الول ،كان القرن الول أكمــل الناس فــي العلم النافــع،
والعمل الصالح.
وهؤلء المفترون وصــفوهم بنقيــض ذلك ،بأنهــم لم يكونوا يعلمون الحــق ويتبعونــه ،بــل كان
أكثرهم عندهم يعلمون الحق ويخالفونه ،كما يزعمون في الخلفاء الثلثة وجمهور الصحابة والمة
وكثير منهم عندهم ل يعلم الحق ،بل اتبع الظالمين تقليدًا لعدم نظرهم المفضي إلى العلم ،والذي لم
ينظر قد يكون تركه النظر لجل الهوى وطلب الدنيا ،وقد يكون لقصوره ونقص إدراكه.
وادعـى أن منهـم مـن طلب المـر لنفسـه بحـق –يعنـي :علياً -وهذا ممـا علمنـا بالضطرار أنـه لم
يكن ،فلزم من ذلك -على قول هؤلء -أن تكون المة كلها كانت ضالة بعد نبيها ليس فيها مهتدٍ.
فتكون اليهود ولنصارى بعد النسخ والتبديل خيرًا منهم ،لنهم كانوا كما قال تعالىَ (( :ومِ نْ َقوْ مِ
مُوسعَى ُأ ّم ًة َيهْدُونَع بِالحَقّ وَهُمْع يَ ْعدِلُون))[العراف ]159:وقـد أخـبر النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أن
اليهود والنصارى افترقت على أكثرمن سبعين فرقة ،فيها واحدة ناجية ،وهذه المة على موجب ما
ذكروه لم يكـن فيهـم بعـد موت النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أمـة تقوم بالحـق ول تعدل بـه ،وإذا لم يكـن
ذلك في خيار قرونهم ففيما بعد ذلك أولى.
فيلزم من ذلك أن يكون اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خيرًا من خير أمة أخرجت للناس،
فهذا لزم لما يقوله هؤلء المفترون ،فإذا كان هذا في حكايته لمـا جرى عقب موت النـبي صـلى ال
عليه وسلم من اختلف المة ،فكيف سائر ما ينقله ويستدل به ،ونحن نبين ما في هذه الحكاية من
الكاذيب من وجوه كثيرة ،فنقول:
مـا ذكره هذا المفتري مـن قوله :إنـه لمـا عمـت البليـة على كافـة المسـلمين بموت النـبي صـلى ال
عليه وسلم واختلف الناس بعده ،وتعددت آراؤهم بحسب تعدد أهوائهم ،فبعضهم طلب المر لنفسه،
وتابعـه أكثـر الناس طلبًا للدنيـا ،كمـا اختار عمـر بـن سـعد ملك الري أيامًا يسـيرة لمـا خيـر بينـه وبيـن
قتل الحسين ،مع علمه بأن في قتله النار واختياره ذلك في شعره.
فيقال في هذا الكلم من الكذب والباطل وذم خيار المة بغير حق ما ل يخفى من وجوه:
(أحدهمعا) :قوله :تعددت آراؤهـم بحسـب تعدد أهوائهـم ،فيكون كلهـم متبعيـن أهوائهـم ،ليـس فيهـم
طالب حق ،ول مريد لوجه ال تعالى والدار الخرة ،ول من كان قوله عن اجتهاد واستدلل.
وعموم لفظــه يشمــل عليًـا وغيره ،وهؤلء الذيــن وصــفهم بهذا هــم الذيــن أثنــى ال عليهــم هــو
ورســوله ،و رضــي ال عنهــم ووعدهــم الحســنى ،كمــا قال تعالى(( :وَالسععّابِقُونَ ا َلوّلُونعَع مِنععَ
44
جرِي ت تَ ْ جنّا ٍعنْهُ وََأعَدّ َلهُمْ َ
ن وَا َلنْصَار الّذِينَ ا ّتبَعُوهُم بِِإحْسَان رضي ال عنهم َورَضُوا َ ال ُمهَاجِري َ
حمّ ٌد رَسعُولُ الِ تَحْتهععا ا َل ْنهَار خَاِلدِينعَ فِيهَا َأبَدًا َذلِكعَ ال َف ْوزُ ال َعظِيععم))[التوبــة ]100:وقال تعالى(( :مُ َ
ضوَانًا ل مِنَع الِ َورِ ْ حمَا َء َب ْينَهُمْع َترَاهُمْع رُكّعًا سُعجّدًا يَ ْبتَغُونَع َفضْ ً وَالّذِينَع مَعَهُع َأشِدّاءَ عَلَى الكُفّارِ رُ َ
خرَجَع سعِيمَاهُم فعي وُجُوهِهِم مِنْع َأ َثرِ السّعجُودْ ذَلِكَع َمثَُلهُمْع فعي ال ّت ْورَاةَِ ،و َمثَُلهُمْع فعي ا ِلنْجِيعل َك َزرْعٍع أَ ْ
شَطْأَهُع فآ َزرَهُع فَاسْعتَغَْلظَ فَاسْعَتوَى عَلَى سعُوقِ ِه يُعْجِبُع ال ّزرّاعَع ِليَغِيظَعِبِهعم ال ُكفّار ،وَعَدَ الُ الّذِينَع آ َمنُوا
جرًا عَظِيمًا))[الفتح.]29: ت مِ ْنهُ ْم مَغْ ِفرَ ًة وَأَ ْعمِلُوا الصّالِحَا ِ مِ ْنهُ ْم وَ َ
ن آ َووْا سبِيلِ الِ وَالّذِي َ جرُوا وَجَاهَدُوا بِ َأ ْموَا ِل ِه ْم وََأنْفُ سِهِمْ في َ ن آ َمنُوا وَهَا َ وقال تعالى(( :إِنّ الّذِي َ
َونَصَعرُوا َأوْ َلئِكَع بَعضُهعم َأ ْوِليَا َء بَعْض))[النفال ]72:إلى قولهُ(( :أوْ َلئِكَع هُمُع ال ُم ْؤمِنُونَع حَقّا َلهُم مَغْ ِفرَةٌ
ك ِمنْكُم))[النفال.]75: جرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُم َفُأوْ َلئِ َ ن آمَنُوا مِن بَعد وَهَا َ َو ِرزْقٌ َكرِيم وَالّذِي َ
جةً مِنَع الّذِينَع عظَمُع َدرَ َوقال تعالىَ (( :ل يَسْع َتوِي ِمنْكُم مَنْع َأنْفَقَع مِنْع َق ْبلِ الْ َفتْحِع وَقَاتَل أُو َلئِكَع أَ ْ
سنَى))[الحديد.]10: ح ْ ن بَعْد وَقَاتَلُوا وَكُلً َوعَدَ الُ ال ُ َأنْفَقُوا مِ ْ
ل مِنَع الِ خرِجُوا مِنْع ِديَارِهِمْع وََأ ْموَالِهِم َيبْتَغُونَع َفضْ ً جرِينَع الّذِينَع أُ ْ وقال تعالى(( :للفقراءِ ا ْل ُمهَا ِ
َورِضوانًا َويَنْصُعرُونَ ال َورَسعُو َلهُ ُأوْ َلئِكَع هُم الصعّادِقُون * وَالّذِينَع تَ َبوّؤا الدّا َر وَالِيمَان مِن َقبْ ِلهِم
سهِم َوَلوْ كَا نَ علَى َأنْف ِجةً ِممّا أُوتُوا َو ُي ْؤ ِثرُو نَ َ جرَ إِ َل ْيهِم وَ َل يَجِدُو نَ في صُدُورِهِم حَا َ حبّون مَن هَا َ يُ ِ
ن َربّنَا سهِ فَُأوْ َلئِ كَ هُ مُ ا ْلمُفْلِحُون * وَالّذِي نَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِم يَقُولُو َ شحّ نَفْ ِ ِبهِ مْ خَ صَاصَة َومَن يُو قَ ُ
غلّ ِللّذِينَع آمَنُوا َربّنَا ِإنّكَع رَءُوفٌع خوَانِنَا الّذِينَع سَعبَقُونَا بِالِيمَان وَ َل تَجْ َعلْ فعي قُلُوبِنَا ِ غ ِفرْ لَنَا وَلِ ْ
اْ
رَحِيم))[الحشر.]10-8:
وهذه اليات تتضمـــن الثناء على المهاجريـــن والنصـــار ،وعلى الذيـــن جاءوا مـــن بعدهـــم،
ل لهم. يستغفرون لهم ويسألون ال أن ل يجعل في قلوبهم غ ً
وتتضمن أن هؤلء الصناف هم المستحقون للفيء.
ول ريـب أن هؤلء الرافضـة خارجون مـن الصـناف الثلثـة؛ فإنهـم لم يسـتغفروا للسـابقين ،وفـي
قلوبهـم غـل عليهـم ،ففـي اليات الثناء على الصـحابة ،وعلى أهـل السـنّة الذيـن يتولونهـم ،وإخراج
الرافضة من ذلك ،وقد روى ابن بطة وغيره من حديث أبي بدر ،قال :حدثنا عبد ال بن زيد ،عن
طلحة بن مصرف ،عن مصعب بن سعد ،عن سعد بن أبي وقاص ،قال( :الناس على ثلث منازل
فمضت منزلتان وبقيت واحدة ،فأحسن ما أنتم عليه كائنون ،أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت).
ل مِن عْ الِّع خرِجُوا مِن عْ دِيارِهِم ْع وََأ ْموَا ِلهِم ْع َيبْتَغُون عَ َفضْ ً جرِينععَ الّذِين عَ أُ ْ ثــم قرأِ (( :للْفُ َقرَاءِ ا ْل ُمهَا ِ
ضوَانًا))[الحشــر ]8:هؤلء المهاجرون ،وهذه منزلة قــد مضــت ،ثــم قرأ(( :وَالّذِين َع َت َبوّءُوا الدّارَ َورِ ْ
جةً ِممّاع أُوتُوا َو ُي ْؤثِرُونَع جرَ إِ َل ْيهِمْع وَل يَجِدُونَع فِي صُعدُورِهِمْ حَا َ حبّونَع مَنْع هَا َ وَالِيمَانَع مِنْع َقبْ ِلهِمْع يُ ِ
صةٌ))[الحشر.]9: خصَا َ ن ِبهِمْ َ سهِ ْم وَ َلوْ كَا َعلَى َأنْ ُف َِ
ثم قال :هؤلء النصار ،وهذه منزلة قد مضت.
خوَانِنَا الّذِينَع سَعبَقُونَا بِالِيمَان، ثـم قرأ(( :وَالّذِينَع جَاءُوا مِنْع بَعْدِهِمعْ ،يَقُولُونَع رَبّنَا اغْ ِفرْ لَنَا وَلِ ْ
ك رَءُو فٌ رَحِي مٌ))[الحشر ،]10:فقد مضت هاتان وبقيت ن آمَنُواَ ،ربّنَا ِإنّ َ غلّ للّذِي َ وَل تَجْ َعلْ في قُلُو ِبنَا ُ
()1
هذه المنزلة ،فأحسن ما أنتم عليه كائنون أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت أن تستغفروا لهم) .
وروى أيضًا بإسناده عن مالك بن أنس أنه قال( :من سب السلف فليس له في الفيء نصيب) لن
45
ال تعالى يقول(( :وَالّذِينَع جَاءُوا مِنْع بَ ْعدِهِم))[الحشـر- )1( ]10:اليـة -وهذا معروف عـن مالك وغيـر
مالك من أهل العلم كأبي عبيد القاسم بن سلم(.)2
وكذلك ذكره أبو حكيم النهرواني من أصحاب أحمد وغيره من الفقهاء ،وروى أيضًا عن الحسن
بـن عمارة ،عـن الحكيـم عـن مقسـم ،عـن ابـن عباس رضـي ال عنهمـا ،قال( :أمـر ال بالسـتغفار
لصحاب النبي صلى ال عليه وسلم وهو يعلم أنهم يقتتلون)(.)3
وقال عروة :قالت لي عائشـة رضـي ال عنهـا( :يـا ابـن أختـي ،أمروا بالسـتغفار لصـحاب النـبي
صلى ال عليه وسلم فسبوهم)(.)4
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(ل تسبوا أصحابي ،فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ول نصيفه)(.)5
وفي صحيح مسلم :عن أبي هريرة رضي ال عنه ،أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :ل
تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهبًا ما بلغ مُدّ أحدهم ول نصيفه)(.)6
وفـي صـحيح مسـلم أيضًا عـن جابر بـن عبـد ال قال :قيـل لعائشـة( :إن ناسـًا يتناولون أصـحاب
رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،حتـى أبـا بكـر وعمـر .فقالت :ومـا تعجبون مـن هذا؟ انقطـع عنهـم
العمل ،فأحب ال أن ل يقطع عنهم الجر)(.)7
وروى ابن بطة بالسناد الصحيح ،عن عبد ال بن أحمد قال :حدثني أبي ،حدثنا معاوية ،حدثنا
رجاء ،عن مجاهـد ،عن ابن عباس رضـي ال عنهمـا قال( :ل تسبوا أصحاب محمـد ،فإن ال تعالى
قد أمرنا بالستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون)(.)8
ومن طريق أحمد ،عن عبد الرحمن بن مهدي ،وطريق غيره عن وكيع وأبي نعيم ،ثلثتهم عن
الثوري ،عـن نُسـير بـن ذعلوق :سـمعت عبـد ال بـن عمـر يقول( :ل تسـبوا أصـحاب محمـد ،فلمقام
أحدهم ساعة -يعني مع النبي صلى ال عليه وسلم -خير من عمل أحدكم أربعين سنة).
وفي رواية وكيع( :خير من عبادة أحدكم عمره).
جرَة َفعَلِ َم مَا في قُلُو ِبهِمْ َفَأنْ َزلَ
وقال تعالى(( :لقد َرضِيَ الُ عَنِ اُلمُؤ ِمنِينَ إِ ْذ ُيبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشّ َ
عزِيزًا حَكِيمًا * وَعَ َدكُم الُ عَل ْيهِم وََأثَا َبهُمْ َفتْحًا َقرِيبًا * َومَغَانِمَ َكثِيرَ ًة يَأْخُذُو َنهَا وَكَانَ الُ َ
السّكِينَةَ َ
عنْكُم َوِلتَكُونَع آيةً للمُؤ ِمنِيعن وَيهْديكُم جلَ لَكُم هَذِهِع وَكَفّ أيدي النّاسعِ َ مَغَانِمعَ َك ِثيَرةً تَأخُذُونَهَا فَ َع ّ
علَى ُكلّ شَيءٍ قَدِيرًا))[الفتح: عَل ْيهَا َقدْ أَحَاطَ الُ ِبهَا وَكَانَ الُ َ خرَى َل ْم تَقْ ِدرُوا َ صرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَأُ ْ ِ
.]21-18
وقد أخبر سبحانه وتعالى أنه رضي عنهم ،وأنه علم ما في قلوبهم ،وأنه أثابهم فتحًا قريبًا.
وهؤلء هم أعيان من بايع أبا بكر وعمر وعثمان بعد موت النبي صلى ال عليه وسلم ،لم يكن
)(1هذا الثر ف البانة متصرا ً (ص )162والظاهر أن الؤلف ينقل عن الكبى.
)(2انظر :الرجع الذكور (ص .)162
)(3الرجع الذكور (ص .)119
)(4انظر :البانة (ص .)120
)(5البخاري ( )5/8و مسلم (.)4/1967
)(6مسلم (.)4/1967
)(7يظهر أنه ف بعض النسخ فإن ل أجده ف مسلم.
)(8انظر :البانة (ص .)119
46
فـي المسـلمين مـن يتقدم عليهـم ،بـل كان المسـلمون كلهـم يعرفون فضلهـم عليهـم ،لن ال تعالى بيـن
جةً مِنَع فضلهـم فـي القرآن بقوله(( :لَ يَسْعَتوِي ِمنْكُم مَن َأنْفَقَع مِن َق ْبلِ ال َفتْحِع َوقَا َتلَ أُو َلئِكَع َأعْظَمُع َدرَ َ
سنَى))[الحديد.]10: ح ْل َوعَدَ الُ ال ُ الّذينَ َأنْفَقُوا مِن بَع ُد وَقَاتَلوا وَكُ ّ
ففضل المنفقين المقاتلين قبل الفتح ،والمراد بالفتح هنا صلح الحديبية ،ولهذا سئل النبي صلى ال
عليه وسلم( :أو فتح هو؟ فقال :نعم)(.)1
حنَا لَكَ َفتْحًا مُبينًا * ِليَغْ ِفرَ لَكَ الُ مَا تَقَدّ َم مِنْ وأهل العلم يعلمون أن فيه أنزل ال تعالىِ(( :إنّا َفتَ ْ
عزِيزًا))[الفتح-1: صرَكَ الُ نَ صْرًا َ ستَقِيمًا * وَينْ ُ صرَاطًا مُ ْ ك َو َيهْدِيَ كَ ِخرَ َو ُيتَ َم نِ ْع َمتَ هُ عَ َليْ َك َومَا تََأ ّ
َذ ْنبِ َ
]3فقال بعـض المسـلمين( :يـا رسـول ال ،هذا لك فمـا لنـا يـا رسـول ال؟ فأنزل ال تعالى(( :هوَ الّذِي
َأ ْن َزلَ السّكِينَةَ في قُلُوبِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ِل َيزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَا ِنهِم))[الفتح.)]4:
وهذه اليــة نــص فــي تفضيــل المنفقيــن المقاتليــن قبــل الفتــح على المنفقيــن بعده ،ولهذا ذهــب
جرِينععععَ جمهورالعلماء إلى أن الســــابقين فــــي قوله تعالى(( :وَالسععععّابِقُونَ ا َلوّلُونعععَع مِنععععَ ا ْل ُمهَا ِ
وَا َلنْصعَار))[التوبــة ]100:هـم هؤلء الذيـن أنفقوا مـن قبـل الفتـح وقاتلوا ،وأهـل بيعـة الرضوان كلهـم
منهم ،وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة ،وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الوّلين هم من صلى إلى
القبلتين ،وهذا ضعيف ،فإن الصلة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة ،ولن النسخ ليس من
فعلهم الذي يُفضّلون به ،ولن التفضيل بالصلة إلى القبلتين لم يدل عليه دليل شرعي ،كما دل على
التفضيل بالسبق إلى النفاق والجهاد والمبايعة تحت الشجرة.
وقـد علم بالضطرار أنـه كان فـي هؤلء السـابقين الوليـن :أبـو بكـر ،وعمـر ،وعثمان ،وعلي،
وطلحـة ،والزبيـر ،وبايـع النـبي صـلى ال عليـه وسـلم بيده عـن عثمان؛ لنـه كان غائبًا قـد أرسـله إلى
أهل مكة ليبلغهم رسالته ،وبسببه بايع النبي صلى ال عليه وسلم الناس لما بلغه أنهم قتلوه.
وقد ثبت في صحيح مسلم ،عن جابر بن عبد ال رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم
علَى النّبِععي قال( :ل يدخـــل النار أحـــد بايـــع تحـــت الشجرة)( ،)2وقال تعالى(( :لق ْد تَاب ععَ الُ ع َ
ق مِ ْنهَ مْ
ن َيزِي غُ قُلُو بَ َفرِي ٍ سرَة مِن بَعْ ِد مَا كَا َ عةِ العُ ْ ن وَا َلنْ صَار الّذِي نَ اتّبعُو هُ في سَا َ جرِي َ وَال ُمهَا ِ
عَليْهِم ِإنّهُع بِهِم رَءُوفٌع رَحِيعم))[التوبـة ]117:فجمـع بينهـم وبيـن الرسـول فـي التوبـة .وقال ثُمّ تَابَع َ
جرُوا وَجَاهَدُوا بِ َأ ْموَالِهِم وََأنْفُس عِهِم فععي س َعبِيلِ ال ،وَالّذِين َع آ َووْا تعالى(( :إِنّ الّذِين َع آ َمنُوا وَهَا َ
جرُوا))[النفال ]72:إلى قوله تعالى: َونَصعَرُوا ُأ ْوَلئِكَع بَ ْعضُهُم َأوْ ِليَا َء بَعْض وَالّذِينَع آمَنُوا وَلَم ْع ُيهَا ِ
جرُوا وَجَا َهدُوا مَعَكُم فَُأوْ َلئِكَع ِمنْكُم))[النفال ]75:فأثبـت الموالة بينهـم ((وَالّذِينَع آ َمنُوا مِن بَععد وَهَا َ
وقال للمؤمنيـن(( :يعا َأ ّيهَا الّذِينَع آ َمنُوا َل َتتّخِذُوا ال َيهُو َد وَالنّصعَارَى َأوْ ِليَا َء بَعْضهُم َأوْ ِليَا َء بَعْض
َومَن يَ َتوَّلهُم ِمنْكُ مْ َفِإنّ ُه ِمنْهُم إِنّ الَ َل َيهْدِي ال َق ْو مَ الظّا ِلمِين))[المائدة ]51:إلى قولهِ(( :إ ّنمَا وَ ِليّكُ مُ
ال َورَسعُو َلهُ وَالّذِينَع آ َمنُوا الّذينَع يُقِيمُونَع الصعّل َة َو ُي ْؤتُونَع الزّكَا َة وَهُمْع رَاكِعُونَ ،ومَنْع َي َت َولّ الَ
حزْبَع الِ هُمُع الغَا ِلبُون))[المائدة .]56:وقال تعالى(( :وَالمُؤ ِمنُونَع و َ َورَسعُو َل ُه وَالّذِينَع آمَنُوا َفإِنّ َ ِ
ضهُم َأوْ ِليَاء بَعْض))[التوبة.]71: المُؤ ِمنَات بَ ْع َ
فأثبـت الموالة بينهـم ،وأمرهـم بموالتهـم ،والرافضـة تتـبرأ منهـم ول تتولهـم ،وأصـل الموالة
المحبة ،وأصل المعاداة البغض ،وهم يبغضونهم ول يحبونهم.
وقـد وضـع بعـض الكذابيـن حديثًا مفترى ،أن هذه اليـة نزلت فـي علي لمـا تصـدق بخاتمـه فـي
)(1انظر :سنن أب داود (.)3/101
)(2مسلم ( )4/1942رقم (.)2496
47
الصلة ،وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل ،وكذبه بيّن من وجوه كثيرة:
منها :أن قوله (الذين) صيغة جمع ،وعليّ واحد.
ومنها :أن الواو ليست واو الحال ،إذ لو كان كذلك لكان ل يسوغ أن يتولى إل من أعطى الزكاة
في حال الركوع ،فل يتولى سائر الصحابة والقرابة.
ومنها :ان المدح إنما يكون بعمل واجب أو مستحب ،وإيتاء الزكاة في نفس الصلة ليس واجبًا
ول مستحبًا ،باتفاق علماء الملة ،فإن في الصلة شغل.
ومنهعا :أنـه لو كان إيتاؤهـا فـي الصـلة حسـنًا لم يكـن فرق بيـن حال الركوع وغيـر حال الركوع،
بل إيتاؤها في القيام والقعود أمكن.
ومنها :أن عليًا لم يكن عليه زكاة على عهد النبي صلى ال عليه وسلم.
ومنها :أن إيتاء غير الخاتم في الزكاة خير من إيتاء الخاتم ،فإن أكثر الفقهاء يقولون :ل يجزئ
إخراج الخاتم في الزكاة.
ومنهعا :أن هذا الحديـث فيـه أنـه أعطاه السـائل ،والمدح فـي الزكاة أن يخرجهـا ابتداء ويخرجهـا
على الفور ،ل ينتظر أن يسأله سائل.
ومنهعا :أن الكلم فـي سـياق النهـي عـن موالة الكفار والمـر بموالة المؤمنيـن ،كمـا يدل عليـه
سياق الكلم.
وسيجيء إن شاء ال تمام الكلم على هذه الية ،فإن الرافضة ل يكادون يحتجون بحجة إل
كانت حجة عليهم ل لهم ،كاحتجاجهم بهذه الية على الولية التي هي المارة ،وإنما هي في الولية
التي هي ضد العداوة ،والرافضة مخالفون لها.
والسـماعيلية والنصـيرية ونحوهـم يوالون الكفار مـن اليهود والنصـارى والمشركيـن والمنافقيـن،
ويعادون المؤمنيـن مـن المهاجريـن والنصـار والذيـن اتبعوهـم بإحسـان إلى يوم الديـن ،وهذا أمـر
مشهور فيهم.
يعادون خيار عباد ال المؤمنيــن ،ويوالون اليهود والنصــارى والمشركيــن مــن الترك وغيرهــم،
ك مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِين))[النفال .]64:أي :ال كافيك وكافي سبُكَ الُ َومَنِ ا ّتبَ َع َ
وقال تعالى(( :يا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ حَ ْ
من اتبعك من المؤمنين ،والصحابة أفضل من اتبعه من المؤمنين وأولهم.
وقال تعالى(( :إِذَا جَا َء نَصْعرُ الِ وَال َفتْح * َورََأيْتَع النّاسَع يَدْخُلُونَع فعي دِينِع الِ أَ ْفوَاجًا * فَسَعبّحْ
ن تَوّابًا))[النصر.]3-1: ستَغْ ِفرْهُ ِإ ّنهُ كَا َ
ك وَا ْ
حمْدِ َربّ َ
بِ َ
والذين رآهم النبي صلى ال عليه وسلم يدخلون في دين ال أفواجًا هم الذين كانوا على عصره،
وقال تعالى(( :هوَ الّذِي َأيّدَكَع ِبنَص ْعرِ ِه وَبِا ْل ُمؤْ ِمنِينَع وََألّفَع َبيْن عَ ُقلُو ِبهِم عْ))[النفال ]62:وإنمــا أيده فــي
حياته بالصحابة.
عنْدَ َر ّبهِ مْ
ق بِ هِ ُأوْ َلئِ كَ هُ مُ المتّقُون * َلهُ ْم مَا َيشَاءُو نَ ِق وَ صَدّ َ وقال تعالى(( :وَالّذِي جَا َء بِال صّدْ ِ
جرَهُم بِأَحْسَعنِ الّذِي كَانُوا جزِيَهُم َأ ْ
عمِلُوا َويَ ْ
عنْهُمْع أَسْعوَأَ الّذِي َ جزَاءُ ا ْلمُحْسِعنِين * ِليُكَ ّفرَ الُ َ ذَلِكَع َ
يَ ْعمَلُون))[الزمر.]35-33:
وهذا الصنف الذي يقول الصدق ويصدّق به ،خلف الصنف الذي يفتري الكذب أو يكذّب بالحق
لما جاءه ،كما سنبسط القول فيهما إن شاء ال تعالى.
والصــحابة الذيــن كانوا يشهدون أن ل إله إل ال ،وأن محمدًا رســول ال ،وأن القرآن حــق ،هــم
أفضل من جاء بالصدق وصدّق به بعد النبياء ،وليس في الطوائف المنتسبة إلى القبلة أعظم افتراءً
48
للكذب على ال وتكذيبًا بالحـق مـن المنتسـبين إلى التشيـع ،ولهذا ل يوجـد الغلو فـي طائفـة أكثـر ممـا
يوجد فيهم.
ومنهم من ادعى إلهية البشر ،وادعى النبوة في غير النبي صلى ال عليه وسلم ،وادعى العصمة
في الئمة ،ونحو ذلك مما هو أعظم مما يوجد في سائر الطوائف ،واتفق أهل العلم على أن الكذب
علَى حمْدُ لِّ َوسَلمٌ َ ليس في طائفة من المنتسبين إلى القبلة أكثر منه فيهم ،وقال تعالىُ (( :قلْ الْ َ
عبَا ِدهِ الّذِينَ اصْطَفَى))[النمل .]59:قال طائفة من السلف هم أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم ،ول ِ
ريب أنهم أفضل المصطفين من هذه المة ،التي قال ال فيها(( :ثمّ َأ ْو َر ْثنَا الْ ِكتَابَ الّذِينَ اصْطَ َف ْينَا
ضلُت بِإِذْنِ ال َذلِكَ ُهوَ ال َف ْ خ ْيرَا ِسهِ َو ِمنْهُم مُ ْق َتصِد َو ِم ْنهُم سَابِقٌ بِالْ َ
عبَا ِدنَا َفمِ ْنهُم ظَاِلمٌ ِلنَ ْف ِ
مِنْ ِ
حرِير * سهُم فِيها َ ب وَُلؤُْلؤًا َوِلبَا ُ حّلوْنَ فِيهَا مِنْ َأسَا ِورَ مِنْ ذَ َه ٍ خلُونَهَا يُ َن يَدْ ُ جنّات عَدْ ٍ ال َكبِير * َ
حّلنَا دَارَ المُقَا َمةِ مِنْ َفضْ ِلهِ ن َر ّبنَا لَ َغفُورٌ شَكُور * الّذِي أَ َ حزَن إِ ّ عنّا ال َحمْدُ ِلِ الّذي َأذْهَبَ َ وَقَالوا الْ َ
َل َيمَسّنا فيها نَصبٌ وَ َل َي َمسّنَا فيها لُغُوب))[فاطر.]35-32:
فأمة محمد صلى ال عليه وسلم هم الذين أورثوا الكتاب بعد المتين قبلهم :اليهود والنصارى.
وقد أخبر ال تعالى أنهم الذين اصطفى.
وتواتـر عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أنـه قال( :خيـر القرون القرن الذي بعثـت فيهـم ،ثـم الذيـن
يلونهم ،ثم الذين يلونهم) ومحمد صلى ال عليه وسلم وأصحابه هم المصطفون من المصطفين من
ء َب ْينَهُم))[الفتـح]29: حمَا َ
عباد ال ،وقال تعالى(( :محم ٌد رَسعُولُ الِ وَالّذِينَع مَعَهُع َأشِدّاءَ عَلَى الْكُفّارُ رُ َ
عمِلُوا الصعّالِحَاتِ َليَس ْعتَخْلِ َف ّنهُم فععي إلى آخــر الســورة ،وقال تعالى ((وَعَدَ الُ الّذِينَع آمَنُوا ِمنْكُم ْع وَ َ
ا َلرْضِع كَمَا اسْعتَخْ َلفَ الّذِينَع مِن َقبْلِهِم وَ َل ُيمَ ّكنَنّ َلهُمْع دِي َنهُمُع الّذِي ا ْرتَضَى لَهُم وَ َل ُيبْدِ َلنّهُم مِنْع بَ ْعدِ
شيْئًا َومَنْ كَ َف َر بَعْدَ َذلِكَ فَُأ ْوَلئِ كَ هُمُ الفَاسِقُون))[النور .]55:فقد ن بِي َ شرِكُو َ خوْ ِفهِمْ َأ ْمنًا يَ ْعبُدُونَنِي َل ُي ْ
َ
وعــد ال الذيــن آمنوا وعملوا الصــالحات بالســتخلف ،كمــا وعدهــم فــي تلك اليــة مغفرة وأجرًا
عظيمًا ،وال ل يخلف الميعاد.
فدل ذلك على أن الذين استخلفهم كما استخلف الذين من قبلهم ومكّن لهم دين السلم ،وهو الدين
الذي ارتضاه لهـم ،كمـا قال تعالىَ (( :ورَضِيتُع لَكُمُع السعلم دينًا))[المائدة ]3:وبّدلهـم مـن بعـد خوفهـم
أمنًا ،منه ( )1المغفرة والجر العظيم.
وهذا يسـتدل بـه مـن وجهيـن :على أن المسـتخلفين مؤمنون عملوا الصـالحات ،لن الوعـد لهـم ل
لغيرهـم ،ويسـتدل بـه على أن هؤلء مغفور لهـم ،ولهـم أجـر عظيـم ،لنهـم آمنوا وعملوا الصـالحات،
فتناولتهم اليتان :آية النور وآية الفتح.
ومـن المعلوم أن هذه النعوت منطبقـة على الصـحابة على زمـن أبـي بكـر وعمـر وعثمان ،فإنـه إذ
ذاك حصـل السـتخلف ،وتمكـن الديـن والمـن بعـد الخوف ،لمـا قهروا فارس والروم ،وفتحوا الشام
والعراق ومصر وخراسان وإفريقية.
ولمــا قتــل عثمان وحصــلت الفتنــة لم يفتحوا شيئًا مــن بلد الكفار ،بــل طمــع فيهــم الكفار بالشام
وخراسان ،وكان بعضهم يخاف بعضًا.
وحينئذٍ فقد دل القرآن على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان ،ومن كان معهم في زمن الستخلف
والتمكيـن والمـن ،والذيـن كانوا فـي زمـن السـتخلف والتمكيـن والمـن وأدركوا زمـن الفتنـة -كعلي
وطلحة وأبي موسى الشعري ومعاوية وعمرو بن العاص -دخلوا في الية لنهم استخلفوا ومكّنوا
)(1قوله (لم منه الغفرة والجر العظيم) خب عن قوله فدل ذلك ال.
49
وأمنوا.
وأمـا مـن حدث فـي زمـن الفتنـة ،كالرافضـة الذيـن حدثوا فـي السـلم فـي زمـن الفتنـة والفتراق،
وكالخوارج المارقيـن ،فهؤلء لم يتناولهـم النـص ،فلم يدخلوا فيمـن وصـف باليمان والعمـل الصـالح
المذكورين في هذه الية ،لنهم :أولً :ليسوا من الصحابة المخاطبين بهذا.
ولم يحصل لهم من الستخلف والتمكين والمن بعد الخوف ما حصل للصحابة ،بل ل يزالون
خائفين مقلقلين غير ممكنين.
ت ِم ْنهُمعْ))[النور ]55:ولم يقـل :وعدهـم عمِلُوا الصعّالِحَا ِ فإن قيعل :لمـا قال(( :وَعَدَ الُّ الّذِينَع آمَنُوا وَ َ
كلهم.
عمِلُوا الصّالِحَاتِ))[النور ،]55:ولم يقل :وعدكم. ن آ َمنُوا وَ َقيل :كما قال(( :وَعَدَ الُّ الّذِي َ
و"من" تكون لبيان الجنس ،فل يقتضي أن يكون قد بقي من المجرور بها شيء خارج عن ذلك
س مِنَ ا َل ْوثَان))[الحج ]30:فإنه ل يقتضى أن يكون من ج َ الجنس ،كما في قوله تعالى(( :فاجتنبوْا الرّ ْ
الوثان ما ليس برجس ،وإذا قلت :ثوب من حرير ،فهو كقولك :ثوب حرير ،وكذلك قولك :باب من
حديـد فهـو ،كقولك :باب حديـد ،وذلك ل يقتضـي أن يكون هناك حريـر وحديـد غيـر المضاف إليـه،
وإن كان الذي يتصـوره كليًا ،فإن الجنـس الكلي هـو مـا ل يمنـع تصـوره مـن وقوع الشركـة فيـه ،وإن
لم يكن مشتركًا فيه في الوجود.
عمِلُوا ال صّالِحَاتِ))[النور: ن آ َمنُوا وَ َ فإذا كانت (من) لبيان الجنس ،كان التقدير ((وَعَدَ الُّ الّذِي َ
]55مـن هذا الجنـس ،وإن كان الجنـس كلهـم مؤمنيـن صـالحين ،وكذلك إذا قال(( :وَعَدَ الُّ الّذِينَع
جرٌ عَظِي مٌ))[النور،]55: عمِلُوا ال صّالِحَاتِ)) [النور ]55:من هذا الجنس والصنف ((مَغْ ِفرَ ٌة وَأَ ْ آمَنُوا وَ َ
لم يمنع ذلك أن يكون جميع هذا الجنس مؤمنين صالحين.
ولمـا قال لزواج النـبي صـلى ال عليـه وسـلمَ (( :ومَنْع يَقْنُتْع ِمنْكُنّ لِ َورَسعُو ِلهِ َوتَ ْع َم ْل صعَالِحًا
عتَ ْدنَا َلهَا ِرزْقًا َكرِيمًا))[الحزاب ]31:لم يمنـع أن يكون كـل منهـن تقنـت ل جرَهَا َمرّ َتيْنِع وَأَ ْ
ُنؤْ ِتهَا َأ ْ
ورسـوله وتعمـل صـالحًا ،ولمـا قال تعالى(( :وَإِذَا جَاءَكَع الّذِينَع ُي ْؤمِنُونَع بِآيَاتِنَا فَ ُق ْل سَعلَمٌ عَليَكُم
جهَا َلةٍ ثُمّ تَابَع مِنْع بَعْدِهِع َوأَصْعَلحَ َفِإنّهُعع ِملَ ِمنْكُم سعُوءًا بِ َ
حمَة َأنّهُع مَنْع َ علَى نَفْسِعهِ الرّ ْ َكتَبَع َربّكُم َ
غَفُو ٌر رَحِيمعٌ))[النعام ]54:لم يمنـع هذا أن يكون كـل منهـم متصـفًا بهذه الصـفة ،ول يجوز أن يقال:
إنهم لو عملوا سوءًا بجهالة ثم تابوا من بعده وأصلحوا لم يغفر إل لبعضهم.
ولهذا تدخـل (مـن) هذه فـي النفـي؛ لتحقيـق نفـي الجنـس ،كمـا فـي قوله تعالى(( :وَمَا أل ّتنَاهُم مِن
عمَ ِلهِم مِن شَيء))[الطور ]21:وقوله تعالىَ (( :ومَا مِنْ إِلَهٍ ِإلّ ال))[آل عمرانَ (( .]62:فمَا مِنْكُم مِن أَحَدٍ َ
جزِين))[محمد..]9: ع ْنهُ حَا ِ
َ
ولهذا إذا دخلت في النفي تحق يقًا أو تقديرًا أفادت نفـي الجنس قطعًا ،فالتحقيق ما ذكر ،والتقدير
كقوله تعالى(( :ل إِ َلهَ إِلّ الُّ))[البقرة ]2:وقولهَ (( :ل َريْبَ فيه))[آل عمران ]62:ونحو ذلك.
بخلف مـا إذا لم تكـن (مـن) موجودة ،كقولك( :ما رأيـت رجلً) فإنهـا ظاهرة لنفي الجنس ،ولكن
قــد يجوز أن يُنفــى بهــا الواحــد مــن الجنــس ،كمــا قال ســيبويه :يجوز أن يقال :مــا رأيــت رجلً بــل
رجلين.
فتـبين أنـه يجوز إرادة الواحـد ،وإن كان الظاهـر نفـي الجنـس ،بخلف مـا إذا دخلت (مـن) فإنهـا
تنفي الجنس قطعًا ،ولهذا لو قال لعبيده :من أعطاني منكم ألفًا فهو حر فأعطاه كل واحد ألفًا عتقوا
كلهم.
50
وكذلك لو قال واحـد لنسـائه :مـن أبرأتنـي منكـن مـن صـداقها فهـي طالق ،فأبرأنـه كلهـن ،طلقـن
كلهن.
فإن المقصــود بقوله :منكــم بيان جنــس المعطــى والمــبرئ ،ل إثبات هذا الحكــم لبعــض العبيــد
والزواج.
فإن قيل :فهذا كما ل يمنع أن يكون كل المذكور متصفًا بهذه الصفة فل يوجب ذلك أيضًا ،فليس
عمِلُوا الصّالِحَاتِ))[النور ]55:ما يقتضي أن يكونوا كلهم كذلك. ن آمَنُوا وَ َ
في قوله(( :وَعَدَ الُّ الّذِي َ
قيعل :نعـم ،ونحـن ل ندعـي أن مجرد هذا اللفـظ دل على أن جميعهـم موصـوفون باليمان والعمـل
الصالح ،ولكن مقصودنا أن (مِ نْ) ل ينافى شمول هذا الوصف لهم ،فل يقول قائل :ان الخطاب دل
ن مَعَهُ))[الفتح ]29:إلى آخر الكلم ،ول حمّ ٌد رَسُولُ الِّ وَالّذِي َ على ان المدح شملهم وعمهم بقوله(( :مُ َ
ريــب أن هذا مدح لهــم بمــا ذكــر مــن الصــفات ،وهــو الشدة على الكفار والرحمــة بينهــم ،والركوع
والسجود يبتغون فضلً من ال ورضوانًا ،والسيما في وجوههم من أثر السجود ،وأنهم يبتدئون من
ضعـف إلى كمال القوة والعتدال كالزرع ،والوعـد بالمغفرة والجـر العظيـم ليـس على مجرد هذه
الصفات بل على اليمان والعمل الصالح.
فذكر ما به يستحقون الوعد ،وإن كانوا كلهم بهذه الصفة ،ولول ذكر ذلك لكان يظن أنهم بمجرد
ما ذكر يستحقون المغفرة والجر العظيم ولم يكن فيه بيان سبب الجزاء ،بخلف ما إذا ذكر اليمان
والعمل الصالح.
فإن الحكم إذا علق باسم مشتق مناسب كان ما منه الشتقاق سبب الحكم.
فإن قيل :فالمنافقون كانوا في الظاهر مسلمين.
قيل :المنافقون لم يكونوا متصفين بهذه الصفات ،ولم يكونوا مع الرسول والمؤمنين ،ولم يكونوا
عنْدِهِع َفيُصْعبِحُوا عَلَى مَا أَسَعرّوا فعي منهـم ،كمـا قال تعالى(( :فعسعى الُ أَنْع يَ ْأتِيَع بِال َفتْحِع َأوْ َأ ْمرٍ مِنْع ِ
جهْدَ َأ ْيمَانِهِم ِإنّهُم َأنْفُسِعهِم نَا ِدمِيععن))[المائدة(( ]52:وَيَقُولُ الّذِينَع آمَنوا أَ َهؤُلَءِ الّذِينعَ أَقْسَعمُوا بِالِ َ
عمَاُلهُم َفاَصْعبَحُوا خَاسِعرِين))[المائدة ،]53:وقوله تعالىَ (( :ومِنَع النّاسِع مَنْع يَقُولُ آ َمنّاع َلمَعَكُم حَبطعت َأ ْ
ن َربّ كَ َليَقُولن ِإنّا مَعَكُم َأوَ بِالِ فَإِذَا أُوذوى في الِ جَ َعلَ ِف ْتنَةَ النّا سِ كَ َعذَا بَ الِ وَ َلئِ نْ جَا َء نَصع ٌر مِ ْ
َليْسععععَ ال بَِأعْلَم بِمَعععا فععععي صععععُدُور العَا َلمِيععععن * َوَليَعْ َلمَنّععع ال الّذِينعععَع آمَنُوا ِمنْكُعععم َوَليَعْ َلمَنّعع
ا ْلمُنَا ِفقِين))[العنكبوت.]11-10:
فأخبر أن المنافقين ليسوا من المؤمنين ول من أهل الكتاب.
وهؤلء ل يوجدون فـي طائفـة مـن المتظاهريـن بالسـلم أكثـر منهـم فـي الرافضـة ،ومـن انطوى
إليهم .فدل هذا على أن المنافقين لم يكونوا من الذين آمنوا معه ،والذين كانوا منافقين منهم من تاب
عـن نفاقه وانتهـى عنه وهـم الغالب ،بدليل قوله تعالى(( :لئ نْ لَمْع َينْتَهِع ال ْمنُافِقُونَع وَالّذِي نَ فعي ُقلُو ِبهِم
ل * مَلْعُونِينَع َأيْ َنمَا ثُقِفُوا
َمرَضٌع وَا ْل ُمرْجَفُونَع فعي ا ْلمَدِينَةِ ِلنُ ْغ ِر َينّكَع ِبهِم ثُمّ َل يُجَا ِورُونَكَع فِيهَا إلّ َقلِي ً
أُخِذُوا وَ ُقتّلُوا تَ ْقتِيلً))[الحزاب.]61-60:
فلمـا لم يغره ال بهـم ولم يقتلهـم تقتيلً ،بـل كانوا يجاورونـه بالمدينـة ،دل ذلك على أنهـم انتهوا،
والذين كانوا معه بالحديبية كلهم بايعوه تحت الشجرة ،إل الجد بن قيس فإنه اختبأ خلف جمل أحمر.
وكذا جاء فــي الحديـث( :كلهــم يدخـل الجنــة إل صــاحب الجمـل الحمــر) وبالجملة فل ريـب أن
المنافقيـن كانوا مغمورين ،مقهورين ،أذلء ،ل سـيما فـي آخر أيام النبي صلى ال عليه وسلم ،وفي
ع ّز مِنْهَا الَ َذ ّل وَل خرُجَنّ الَ َ غزوة تبوك؛ لن ال تعالى قال(( :يقولون لئن رَجعنععا ِإلَى ا ْلمَدِي َنةِ َليَ ْ
51
ال ِعزّةُ َ ِل َرسُو ِل ِه وَلِ ْلمُؤ ِمنِين وَِلكِن ا ْل ُمنَافِقِينَ َل يَ ْعَلمُون))[المنافقون.]8:
فأخـبر أن العزة للمؤمنيـن ل للمنافقيـن ،فعلم أن العزة والقوة كانـت فـي المؤمنيـن ،وأن المنافقيـن
كانوا أذلء بينهم.
فيمتنـع أن تكون الصـحابة الذيـن كانوا أعـز المسـلمين مـن المنافقيـن ،بـل ذلك يقتضـى أن مـن كان
أعز كان أعظم إيمانًا.
ومـن المعلوم أن السـابقين الوليـن مـن المهاجريـن والنصـار -الخلفاء الراشديـن وغيرهـم -كانوا
أعز الناس ،وهذا كله مما يبين أن المنافقين كانوا ذليلين في المؤمنين.
فل يجوز أن يكون العزاء مـن الصـحابة منهـم ،ولكـن هذا الوصـف مطابـق للمتصـفين بـه مـن
الرافضة وغيرهم ،والنفاق والزندقة في الرافضة أكثر منه في سائر الطوائف.
بـل ل بـد لكـل منهـم مـن شعبـة نفاق ،فإن أسـاس النفاق الذي بنـي عليـه الكذب ،وأن يقول الرجـل
بلسانه ما ليس في قلبه ،كما أخبر ال تعالى عن المنافقين أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.
والرافضـة تجعـل هذا مـن أصـول دينهـا وتسـميه التقيـة ،وتحكـى هذا عـن أئمـة أهـل البيـت الذيـن
برأهم ال عن ذلك ،حتى يحكوا ذلك عن جعفر الصادق أنه قال :التقية ديني ودين آبائي ،و قد نزه
ال المؤمنين -من أهل البيت وغيرهم -عن ذلك.
بـل كانوا مـن أعظـم الناس صـدقًا وتحقيقًا لليمان ،وكان دينهـم التقوى ل التقيـة ،وقول ال تعالى:
ن يَفْعَل ذَِل كَ فَ َليْسمِنَ الِ في شَيء إلّ
((لَ َيتّخِذِ ا ْل ُمؤْمِنو نَ الكَا ِفرِي نَ َأوْ ِليَا َء مِ نْ دُو نِ ا ْل ُم ْؤمِنِين َومَ ْ
ن َتتّقُوا ِمنْهُم تُقَاه))[آل عمران ]28:إنما هو المر بالتقاء من الكفار ،ل المر بالنفاق والكذب. أَ ْ
وال تعالى قـد أباح لمـن أكره على كلمـة الكفـر أن يتكلم بهـا إذا كان قلبـه مطمئنًا باليمان ،لكـن لم
يُكرَه أحد من أهل البيت على شيء من ذلك ،حتى أن أبا بكر رضي ال عنه لم يُكرِه أحدًا ل منهم
ل على أن يكرههم على مدحه والثناء عليه. ول من غيرهم على مبايعته فض ً
بل كان علي وغيره من أهل البيت يظهرون ذكر فضائل الصحابة والثناء عليهم والترحم عليهم
والدعاء لهم ،ولم يكن أحد يكرههم على شيء منه باتفاق الناس.
وقــد كان فــي زمــن بنــي أميــة وبنــي العباس خلق عظيــم دون عليـّ وغيره فــي اليمان والتقوى
يكرهون منهـــم أشياء ول يمدحونهـــم ول يثنون عليهـــم ،ول يقربونهـــم ،ومـــع هذا لم يكـــن هؤلء
يخافونهـم ،ولم يكــن أولئك يكرهونهـم ،مـع أن الخلفاء الراشديــن كانوا باتفاق الخلق أبعــد عــن قهــر
الناس وعقوبتهم على طاعتهم من هؤلء.
فإذا لم يكــن الناس مــع هؤلء مكرهيــن على أن يقولوا بألســنتهم خلف مــا فــي قلوبهــم ،فكيــف
يكونون مكرهيــن مــع الخلفاء على ذلك ،بــل على الكذب وشهادة الزور وإظهار الكفــر -كمــا تقوله
الرافضة -من غير أن يكرههم أحد على ذلك؟
فعلم أن مـا تتظاهـر بـه الرافضـة هـو مـن باب الكذب والنفاق ،وأن يقولوا بألسـنتهم مـا ليـس فـي
قلوبهم ،ل من باب ما يكره المؤمن عليه من التكلم بالكفر ،وهؤلء أسرى المسلمين في بلد الكفار
غالبهم يظهرون دينهم ،والخوارج مع تظاهرهم بتكفير الجمهور وتكفير عثمان وعلي ومن ولهما
يتظاهرون بدينهم.
وإذا سـكنوا بيـن الجماعـة سـكنوا على الموافقـة والمخالفـة ،والذي يسـكن فـي مدائن الرافضـة فل
يظهـر الرفـض ،وغايتـه إذا ضعـف أن يسـكت عـن ذكـر مذهبـه ،ل يحتاج أن يتظاهـر بسـب الخلفاء
والصحابة ،إل أن يكونوا قليلً.
52
فكيف يظن بعلي رضي ال عنه وغيره من أهل البيت أنهم كانوا أضعف دينًا وقلوبًا من السرى
في بلد الكفر ،ومن عوام أهل السنة ،ومن النواصب؟ مع أنا قد علمنا بالتواتر أن أحدًا لم يُكرِه عليّا
ول أولده على ذكـر فضائل الخلفاء ،والترحـم عليهـم ،بـل كانوا يقولون ذلك مـن غيـر إكراه ،ويقوله
أحدهم لخاصته ،كما ثبت ذلك بالنقل المتواتر.
عمِلوا الصعّاِلحَات))[النور ]55:أن وأيضـا فقـد يقال فـي قوله تعالى(( :وَعَدَ الُ الّذِينَع آ َمنُوا مِنْكُم وَ َ
ذلك وصـف الجملة بصـفة تتضمـن حالهـم عنـد الجتماع ،كقوله تعالى(( :وَ َمثَُلهُم فعي ا ِلنْجِيلِ َك َزرْعٍع
زرّاععَ ِليَغيظَع بِهِم ال ُكفّار))[الفتــح]29:خرَجَع شَطْأَهعُ فَآ َزرَهعُ فَاس ْعتَغَْلظَ فَاس ْع َتوَى عَلَى سعُوقِه يُعْجِبعُ ال ّ
أَ ْ
والمغفرة والجـر فـي الخرة يحصـل لكـل واحـد واحـد ،فل بـد أن يتصـف بسـبب ذلك ،وهـو اليمان
والعمل الصالح ،إذ قد يكون في الجملة منافقًا.
وفي الجملة ما في القرآن من خطاب المؤمنين والمتقين والمحسنين ومدحهم والثناء عليهم ،فهم
أول مـن دخـل فـي ذلك مـن هذه المـة ،وأفضـل مـن دخـل فـي ذلك مـن هذه المـة كمـا اسـتفاض عـن
النـبي صـلى ال عليـه وسـلم مـن غيـر وجـه أنـه قال( :خيـر القرون القرن الذي بعثـت فيهـم ،ثـم الذيـن
يلونهم ،ثم الذين يلونهم)(.)1
(الوجعه الثانعي) :فـي بيان كذبـه وتحريفـه فيمـا نقله عـن حال الصـحابة بعـد موت النـبي صـلى ال
عليه وسلم.
قوله( :فبعضهم طلب المر لنفسه بغير حق ،وبايعه أكثر الناس طلبًا للدنيا).
وهذا إشارة إلى أبـي بكـر ،فإنـه هـو الذي بايعـه أكثـر الناس ،ومـن المعلوم أن أبـا بكـر لم يطلب
المـر لنفسـه ،ل بحـق ول بغيـر حـق ،بـل قال :قـد رضيـت لكـم أحـد هذيـن الرجليـن :إمـا عمـر بـن
الخطاب وإما أبا عبيدة.
قال عمـر :فوال لن أقدم فتضرب عنقـي ،ل يقرّبنـي ذلك إلى إثـم ،أحـب إلي مـن أن أتأمـر على
قوم فيهم أبو بكر .وهذا اللفظ في الصحيحين(.)2
وقد روي عنه أنه قال :أقيلوني ،أقيلوني ،فالمسلمون اختاروه وبايعوه ،لعلمهم بأنه خيرهم ،كما
قال له عمـر يوم السـقيفة بمحضـر المهاجريـن والنصـار :أنـت سـيدنا وخيرنـا وأحبنـا إلى رسـول ال
صلى ال عليه وسلم ،ولم ينكر ذلك أحد ،وهذا أيضًا في الصحيحين(.)3
والمسلمون اختاروه كما قال النبي صلى ال عليه وسلم في الحديث الصحيح لعائشة( :ادعي لي
أباك وأخاك حتــى أكتــب لبــي بكــر كتابًـا ،ل يختلف عليــه الناس مــن بعدي ،ثــم قال :يأبــى ال
والمؤمنون أن يتولى غير أبـي بكـر)( )4فال هو ولّه قدرًا وشرعًا ،وأمر المؤمنيـن بوليتـه ،وهداهـم
إلى أن ولوه من غير أن يكون طلب ذلك لنفسه.
(الوجعه الثالث) :أن يقال :فهـب أنـه طلبهـا وبايعـه أكثـر الناس ،فقولكـم :إن ذلك طلب للدنيـا كذب
ظاهر.
فإن أبـا بكـر لم يعطهـم دنيـا ،وكان قـد أنفـق ماله فـي حياة النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،ولمـا رغـب
النـبي صـلى ال عليـه وسـلم فـي الصـدقة جاء بماله كله ،فقال له(:مـا تركـت لهلك؟ قال:تركـت لهـم
)(1انظر :البخاري ( )3/171ومواضع أُخر ،ومسلم (.)4/1962
)(2انظر :البخاري (.)142-8/140
)(3انظر :الذي قبله.
)(4وقد سبق ذكره (ص .)63
53
ال ،ورسوله)(.)1
والذين بايعوه هم أزهد الناس في الدنيا ،وهم الذين أثنى ال عليهم.
وقـد علم الخاص والعام زهـد عمـر وأبـي عـبيدة وأمثالهمـا ،وإنفاق النصـار أموالهـم :كأسـيد بـن
حضير ،وأبي طلحة ،وأبي أيوب وأمثالهم.
ولم يكن عند موت النبي صلى ال عليه وسلم لهم بيت مال يعطيهم ما فيه ،ول كان هناك ديوان
للعطاء يُفرض لهم فيه ،والنصار كانوا في أملكهم وكذلك المهاجرون :من كان له شيء من مغنم
أو غيره فقد كان له.
وكانـت سـيرة أبـي بكـر فـي قسـم الموال التسـوية ،وكذلك سـيرة علي رضـي ال عنـه ،فلو بايعوا
عليّا أعطاهم ما أعطاهم أبو بكر ،مع كون قبيلته أشرف القبائل ،وكون بني عبد مناف -وهم أشرف
قريـش الذيـن هـم أقرب العرب مـن بنـي أميـة وغيرهـم إذ ذلك ،كأبـي سـفيان بـن حرب وغيره ،وبنـي
هاشم -كالعباس وغيره -كانوا معه.
فقد أراد أبو سفيان وغيره أن تكون المارة في بني عبد مناف -على عادة الجاهلية -فلم يجبه إلى
ذلك عليّ ول عثمان ول غيرهما لعلمهم أو دينهم.
فأ يّ رياسة وأي مال كان لجمهور المسلمين بمبايعة أبي بكر؟ ل سيما وهو يسوّي بين السابقين
والوليـن ،وبيـن آحاد المسـلمين فـي العطاء ،ويقول :إنمـا أسـلموا ل وأجورهـم على ال ،وإنمـا هذا
المتاع بلغ.
وقال لعمـر لمـا أشارعليـه بالتفضيـل فـي العطاء :أفأشتري منهـم إيمانهـم؟ فالسـابقون الولون مـن
المهاجرين والنصار الذين اتبعوهم أولً ،كعمر وأبي عبيدة وأسيد بن حضير وغيرهم ،سوّى بينهم
وبين الطلقاء الذين أسلموا عام الفتح ،بل وبين من أسلم بعد موت النبي صلى ال عليه وسلم ،فهل
حصل لهؤلء من الدنيا بوليته شيء؟
(الوجععه الرابععع) :أن يقال :أهــل السـنّة مــع الرافضــة كالمســلمين مــع النصــارى ،فإن المســلمين
يؤمنون بأن المسيح عبد ال ورسوله ،ول يغلون فيه غلو النصارى ،ول يجفون جفاء اليهود.
والنصــارى تدّعــي فيــه اللهيــة وتريــد أن تفضله على محمــد وإبراهيــم وموســى ،بــل تفضــل
الحواريين على هؤلء الرسل.
كمـا تريـد الروافـض أن تفضـل مـن قاتـل مـع علي كمحمـد بـن أبـي بكـر والشتـر النخعـي على أبـي
بكر وعمر وعثمان وجمهور المهاجرين والنصار ،فالمسلم إذا ناظر النصراني ل يمكنه أن يقول
فـي عيسـى إل الحـق ،لكـن إذا أردت أن تعرف جهـل النصـراني وأنـه ل حجـة له فقدّر المناظرة بينـه
وبين اليهود.
()2
فإن النصراني ل يمكنه أن يجيب عن شبهة اليهودي إل بما يجيب به المسلم ،فإن لم يدخل في
دين السلم وإل كان منقطعًا مع اليهودي ،فإنه إذا أُمر باليمان بمحمد صلى ال عليه وسلم.
فإن قدح فـي نبوتـه بشيـء مـن الشياء ،لم يمكنـه أن يقول شيئا إل قال اليهودي فـي المسـيح مـا هـو
أعظم من ذلك ،فإن البينات لمحمد أعظم من البينات للمسيح.
وبُعد أمر محمد عن الشبهة ،أعظم من بعد المسيح عن الشبهة ،فإن جاز القدح فيما دليله أعظم
)(1انظر :البخاري ( )2/112وغيه.
)(2يعن أن اليهود يرمون مري بالفجور ،وما دام النصران يكذب ما نزل على ممد صلى ال عليه وسلم ل يكنه الرد على اليهود ف أمر عيسى .لن عيسى
أمر باليان بحمد صلى ال عليه وسلم فإذا امتنع النصارى من اليان بحمد صلى ال عليه وسلم صار ذلك فيه تكذيب لعيسى.
54
وشبهته أبعد عن الحق ،فالقدح فيما دونه أولى.
وإن كان القدح فـي المسـيح باطلً فالقدح فـي محمـد أولى بالبطلن ،فإنـه إذا بطلت الشبهـة القويـة
فالضعيفة أولى بالبطلن ،وإذا ثبتت الحجة التي غيرها أقوى منها فالقوية أولى بالثبات.
ولهذا كان مناظرة كثيـر مـن المسـلمين للنصـارى مـن هذا الباب كالحكايـة المعروفـة عـن القاضـي
أبي بكر بن الطيب ،لما أرسله المسلمون إلى ملك النصارى بالقسطنطينية ،فإنهم عظّموه ،وعرف
النصـارى قدره ،فخافوا أن ل يسـجد للملك إذا دخـل ،فأدخلوه مـن باب صـغير ليدخـل منحنيًا ،ففطـن
لمكرهم فدخل مستدبرًا متلقيًا لهم بعجزه.
ففعل نقيض ما قصدوه ،ولما جلس وكلموه أراد بعضهم القدح في المسلمين ،فقال له :ما قيل في
عائشة امرأة نبيكم؟ يريد إظهار قول الفك الذي يقوله من يقول من الرافضة أيضًا.
فقال القاضي :ثنتان قدح فيهما ورميتا بالزنا إفكًا وكذبًا :مريم وعائشة ،فأما مريم فجاءت بالولد
تحمله من غير زوج ،وأما عائشة فلم تأت بولد مع أنه كان لها زوج ،فأبهت النصارى.
وكان مضمون كلمــه أن ظهور براءة عائشــة أعظــم مــن ظهور براءة مريــم ،وأن الشبهــة إلى
مريــم أقرب منهــا إلى عائشــة ،فإذا كان مــع هذا قــد ثبــت كذب القادحيــن فــي مريــم ،فثبوت كذب
القادحين في عائشة أولى.
ومثل هذه المناظرة أن يقع التفضيل بين طائفتين ،ومحاسن إحداهما أكثر وأعظم ومساويها أقل
وأصـغر ،فإذا ذكـر مـا فيهـا مـن ذلك عورض بأن مسـاوئ تلك أعظـم ،كقوله تعالى(( :يسعئلونكَ عَنِع
حرَامِع ِقتَالٌ فِيعه قُل ِقتَا ٌل فيهِع َكبِيعر))[البقرة ،]217:ثـم قال(( :وَصَعدّ عَنْع سَعبِيلِ الِ وَكُ ْف ٌر بِهِع ش ْهرِ الْ َ
ال ّ
عنْدَ ال وَالْ ِف ْتنَةُ َأ ْكبَ َر مِنعَ الْقَتْل))[البقرة ]217:فإن الكفار
خرَاجعُ أَهْلِهعِ ِمنْهعُ أَ ْك َبرَ ِ
حرَامِع وَإِ ْ
وَا ْلمَسعْجِدِ ا ْل َ
عيّروا سـرية مـن سـرايا المسـلمين بأنهـم قتلوا ابـن الحضرمـي فـي الشهـر الحرام ،فقال تعالى :هذا
كـبير ومـا عليـه المشركون مـن الكفـر بال والصـد عـن سـبيله وعـن المسـجد الحرام وإخراج أهله منـه
أكبر عند ال ،فإن هذا صد عما ل تحصل النجاة والسعادة إل به ،وفيه من انتهاك المسجد الحرام ما
هو أعظم من انتهاك الشهر الحرام.
لكـن فـي هذا النوع قـد اشتملت كـل مـن الطائفتيـن على مـا يذم ،وأمـا النوع الول فيكون كـل مـن
الطائفتيـن ل يسـتحق الذم ،بـل هناك شبـه فـي الموضعيـن وأدلة فـي الموضعيـن ،وأدلة أحـد الصـنفين
أقوى وأظهـر ،وشبهتـه أضعـف وأخفـى ،فيكون أولى بثبوت الحـق ممـن تكون أدلتـه أضعـف وشبهتـه
أقوى.
وهذا حال النصارى واليهود مع المسلمين ،وهو حال أهل البدع مع أهل السنّة لسيما الرافضة،
وهكذا أمر أهل السنّة مع الرافضة في أبي بكر وعلي ،فإن الرافضي ل يمكنه أن يثبت إيمان علي
وعدالته وأنه من أهل الجنة -فضلً عن إمامته -إن لم يثبت ذلك لبي بكر وعمر وعثمان.
وإل فمتــى أراد إثبات ذلك لعلي وحده لم تســاعده الدلة ،كمــا أن النصــراني إذا أراد إثبات نبوة
المسيح دون محمد لم تساعده الدلة.
فإذا قالت له الخوارج الذين يكفرون عليّا أو النواصب الذين يفسقونه :إنه كان ظالمًا طالبًا للدنيا،
وإنـه طلب الخلفـة لنفسـه وقاتـل عليهـا بالسـيف ،وقتـل على ذلك ألوفًا مـن المسـلمين حتـى عجـز عـن
انفراده بالمـر ،وتفرق عليـه أصـحابه وظهروا عليـه فقاتلواه ،فهذا الكلم إن كان فاسـدًا ففسـاد كلم
الرافضي في أبي بكر وعمر أعظم ،وإن كان ما قاله في أبي بكر وعمر متوجهًا مقبولً ،فهذا أولى
بالتوجه والقبول.
55
لنـه مـن المعلوم للخاصـة والعامـة أن مـن ولّه الناس باختيارهـم ورضاهـم مـن غيـر أن يضرب
ل واجتمعوا عليــه فلم يول أحدًا مــن أقاربــه أحدًا ل بســيف ول عصــا ول أعطــى أحدًا ممــن وله ما ً
ل مـن مال المسـلمين ،وكان له مال قـد أنفقـه فـي سـبيل ال ،فلم يأخـذ وعترتـه ،ول خلف لورثتـه ما ً
بدله ،وأوصى أن يرد إلى بيت مالهم ما كان عنده لهم ،وهو جرد قطيفة وبكر وأمة سوداء ،ونحو
ذلك.
حتى قال عبد الرحمن بن عوف لعمر :أتسلب هذا آل أبي بكر قال :كل وال .ل يتحنث فيها أبو
بكر وأتحملها أنا .وقال :يرحمك ال يا أبا بكر لقد أتعبت المراء بعدك.
ثـم مـع هذا لم يقتـل مسـلمًا على وليتـه ،ول قاتـل مسـلمًا بمسـلم ،بـل قاتـل بهـم المرتديـن عـن دينهـم
والكفار ،حتـى شرع بهـم فـي فتـح المصـار ،واسـتخلف القوي الميـن العبقري الذي فتـح المصـار
ونصب الديوان ،وعم بالعدل والحسان.
فإن جاز للرافضــي أن يقول :إن هذا كان طالبًا للمال والرياســة ،أمكــن الناصــبي أن يقول :كان
علي ظالمًا طالبًا للمال والرياسـة ،قاتـل على الوليـة حتـى قتـل المسـلمون بعضهـم بعضًا ،ولم يقاتـل
كافرًا ،ولم يحصل للمسلمين في مدة وليته إل شر وفتنة في دينهم ودنياهم.
فإن جاز أن يقال :علي كان مريدًا لوجــه ال والتقصــير مــن غيره مــن الصــحابة ،أو يقال :كان
مجتهدًا مصــيبًا ،وغيره مخطئًا مــع هذه الحال فإنــه يقال :كان أبــو بكــر وعمــر مريديــن وجــه ال
مصيبين ،والرافضة مقصرون في معرفة حقهم مخطئون في ذمهم بطريق الولى والحرى.
فإن أبـا بكـر وعمـر كان بعدهمـا عـن شبهـة طلب الرياسـة والمال أشـد مـن بعـد علي عـن ذلك،
وشبهـة الخوارج الذيـن ذموا عليّا وعثمان وكفروهمـا أقرب مـن شبهـة الرافضـة الذيـن ذموا أبـا بكـر
وعمر وكفروهما ،فكيف بحال الصحابة والتابعين الذين تخلفوا عن بيعته أو قاتلوه؟ فشبهتهم أقوى
مـن شبهـة مـن قدح فـي أبـي بكـر وعمـر وعثمان ،فإن أولئك قالوا :مـا يمكننـا أن نبايـع إل مـن يعدل
علينـا ،ويمنعنـا ممـن ظلمنـا ،ويأخـذ حقنـا ممـن ظلمنـا ،فإذا لم يفعـل هذا كان عاجزًا أو ظالمًا ،وليـس
علينا أن نبايع عاجزًا أو ظالمًا.
وهذا الكلم إذا كان باطلً ،فبطلن قول من يقول :إن أبا بكر وعمر كانا ظالمين طالبين للرياسة
والمال أبطل وأبطل ،وهذا المر ل يستريب فيه من له بصر ومعرفة ،وأين شبهة مثل أبي موسى
الشعري الذي وافـق عمرًا على عزل علي ومعاويـة وأن يجعـل المـر شورى فـي المسـلمين ،مـن
شبهة عبد ال بن سبأ وأمثاله الذين يدّعون أنه إمام معصوم ،أو أنه إله أو نبي؟!
بل أين شبهة الذين رأوا أن يولوا معاوية من شبهة الذين يدّعون أنه إله أو نبي ،فإن هؤلء كفار
باتفاق المسـلمين بخلف أولئك ،وممـا يـبين هذا أن الرافضـة تعجـز عـن إثبات إيمان علي وعدالتـه،
مــع كونهــم على مذهــب الرافضــة ،ول يمكنهــم ذلك إل إذا صــاروا مــن أهــل الســنة ،فإذا قالت لهــم
الخوارج وغيرهم ممن تكفره أو تفسقه :ل نُسلّم أنه كان مؤمنًا ،بل كان كافرًا أو ظالمًا -كما يقولون
هـم فـي أبـي بكـر وعمـر -لم يكـن لهـم دليـل على إيمانـه وعدله ،إل وذاك الدليـل على أبـي بكـر وعمـر
وعثمان أدل.
فإن احتجوا بمـا تواتـر مـن إسـلمه وهجرتـه وجهاده ،فقـد تواتـر ذلك عـن هؤلء ،بـل تواتـر إسـلم
معاويـة ويزيد وخلفاء بني أمية وبنـي العباس ،وصـلتهم وصيامهم وجهادهـم للكفار ،فإن ادعوا في
واحد من هؤلء النفاق أمكن الخارجى أن يدعى النفاق فيه(.)1
)(1يعن ف علي.
56
وإذا ذكروا شبهـة ،ذكـر مـا هـو أعظـم منهـا ،وإذا قالوا مـا تقوله أهـل الفريـة مـن أن أبـا بكـر وعمـر
كانـا منافقيـن فـي الباطـن عدويـن للنـبي صـلى ال عليـه وسـلم أفسـدا دينـه بحسـب المكان ،أمكـن
الخارجـى أن يقول ذلك فـي علي ويوجـه ذلك بأن يقول :كان يحسـد ابـن عمـه وأنـه كان يريـد إفسـاد
دينـه فلم يتمكـن مـن ذلك فـي حياتـه وحياة الخلفاء الثلثـة ،حتـى سـعى فـي قتـل الخليفـة الثالث ،وأوقـد
الفتنة ،حتى غل في قتل أصحاب محمد ،وأمته بغضًا له وعداوة ،وأنه كان مباطنًا للمنافقين الذين
ادعوا فيـه اللهيـة والنبوة ،وكان يظهـر خلف مـا يبطـن ،لن دينـه التقيـة ،فلمـا أحرقهـم بالنار أظهـر
إنكار ذلك ،وإل فكان في الباطن معهم.
ولهذا كانـت الباطنيـة مـن أتباعـه ،وعندهـم سـره ،وهـم ينقلون عنـه الباطـن الذي ينتحلونـه ،ويقول
الخارجــى مثــل هذا الكلم الذي يروج على كثيــر مــن الناس أعظــم ممــا يروج كلم الرافضــة فــي
الخلفاء الثلثــة ،لن شبهــة الرافضــة أظهــر فســادًا مــن شبهــة الخوارج ،وهــم أصــح منهــم عقلً،
ومقصدًا ،والرافضة أكذب وأفسد دينًا.
وإن أرادوا إثبات إيمانه وعدالته بنص القرآن عليه ،قيل :القرآن عام ،وتناوله له ليس بأعظم من
تناوله لغيره ،وما من آية يدعون اختصاصها به إل أمكن أن يدعى اختصاصها أو اختصاص مثلها
أو أعظم منها بأبي بكر وعمر.
فباب الدعوى بل حجة ممكنة ،والدعوى في فضل الشيخين أمكن منها في فضل غيرهما.
وإن قالوا :ثبت ذلك بالنقل والرواية؛ فالنقل والرواية في أولئك أكثر وأشهر ،فإن ادعوا تواترًا،
فالتواتر هناك أصحٍ ،وإن اعتمدوا على نقل الصحابة فنقلهم لفضائل أبي بكر وعمر أكثر.
ثـم هـم يقولون :إن الصـحابة ارتدوا إل نفرًا قليلً ،فكيـف تقبـل روايـة هؤلء فـي فضيلة أحـد؟ ولم
يكـن فـي الصـحابة رافضـة كثيرون يتواتـر نقلهـم ،فطريـق النقـل مقطوع عليهـم إن لم يسـلكوا طريـق
أهل السنة ،كما هو مقطوع على النصارى في إثبات نبوة المسيح إن لم يسلكوا طريق المسلمين.
وهذا كمــن أراد أن يثبــت فقــه ابــن عباس دون علي أو فقــه ابــن عمــر دون أبيــه ،أو فقــه علقمــة
والسود دون ابن مسعود ،ونحو ذلك من المور التي يثبت فيها للشيء حكم دون ما هو أولى بذلك
الحكم منه ،فإن هذا تناقض ممتنع عند من سلك طريق العلم والعدل.
ولهذا كانـت الرافضـة مـن أجهـل الناس وأضلهـم ،كمـا أن النصـارى مـن أجهـل الناس ،والرافضـة
من أخبث الناس ،كما أن اليهود من أخبث الناس ،ففيهم نوع من ضلل النصارى ،ونوع من خبث
اليهود.
(الوجعه الخامعس) :أن يقال :تمثيـل هذا بقصـة عمـر بـن سـعد طالبًا للرياسـة والمال مقدمًا على
المحرّم لجل ذلك فيلزم أن يكون السابقون الولون بهذه الحال؟ وهذا أبوه سعد بن أبي وقاص كان
مـن أزهـد الناس فـي المارة والوليـة ،ولمـا وقعـت الفتنـة اعتزل الناس فـي قصـره بالعقيـق ،وجاءه
عمــر ابنــه هذا فلمــه على ذلك ،وقال له :الناس فــي المدينــة يتنازعون الملك وأنــت ههنــا؟ فقال:
(اذهب فإني سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول :إن ال يحب العبد التقي الغني الخفيّ)(.)1
هذا ولم يكـن قـد بقـي أحـد مـن أهـل الشورى غيره وغيـر علي رضـي ال عنهمـا ،وهـو الذي فتـح
العراق ،وأذل جنود كسرى ،وهو آخر العشرة موتًا.
فإذا لم يحسن أن يشبه بابنه عمر أيشبه به أبو بكر وعمر وعثمان؟ هذا وهم ل يجعلون محمد بن
أبي بكر بمنزلة أبيه ،بل يفضلون محمدًا ويعظمونه ويتولونه لكونه آذى عثمان ،وكان من خواص
)(1انظر :السند ( )3/26تقيق أحد شاكر ،وانظر :صحيح مسلم (.)4/2277
57
أصحاب علي؛ لنه كان ربيبه ،ويسبون أباه أبا بكر ويلعنونه ،فلو أن النواصب فعلوا بعمر بن سعد
مثـل ذلك :فمدحوه على قتـل الحسـين لكونـه كان مـن شيعـة عثمان ،ومـن المنتصـرين له ،وسـبوا أباه
سـعدًا لكونـه تخلف عـن القتال مـع معاويـة والنتصـار لعثمان ،هـل كانـت النواصـب لو فعلت ذلك إل
من جنس الرافضة؟
بـل الرافضـة شـر منهـم ،فإن أبـا بكـر أفضـل مـن سـعد ،وعثمان كان أبعـد عـن اسـتحقاق القتـل مـن
الحسـين ،وكلهمـا مظلوم شهيـد رضـي ال تعالى عنهمـا ،ولهذا كان الفسـاد الذي حصـل فـي المـة
بقتل عثمان أعظم من الفساد الذي حصل في المة بقتل الحسين.
وعثمان مـن السـابقين الوليـن ،وهـو خليفـة مظلوم طلب منـه أن ينعزل بغيـر حـق فلم ينعزل ولم
يقاتـل عـن نفسـه حتـى قتـل ،والحسـين رضـي ال عنـه لم يكـن متوليًا ،وإنمـا كان طالبًا للوليـة ،حتـى
رأى أنها متعذرة ،وطلب منه يستأسر نفسه ليحمل إلى يزيد مأسورًا ،فلم يجب إلى ذلك وقاتل حتى
قتل مظلومًا شهيدًا ،فظلم عثمان كان أعظم ،وصبره وحلمه كان أكمل ،وكلهما مظلوم شهيد ،ولو
مثـل ممثـل طلب علي والحسـين للمـر بطلب السـماعيلية كالحاكـم وأمثاله ،وقال :إن عليًا والحسـين
كانـا ظالميـن طالبيـن للرياسـة بغيـر حـق ،بمنزلة الحاكـم وأمثاله مـن ملوك بنـي عبيـد ،أمـا كان يكون
كاذبًا مفتريًا في ذلك لصحة إيمان علي والحسين ،ودينهما وفضلهما ،ولنفاق هؤلء وإلحادهم؟
وكذلك مـن شبّهـ عليًا والحسـين ببعـض مـن قام مـن الطالبييـن أو غيرهـم بالحجاز أو الشرق أو
الغرب يطلب الوليـة بغيـر حـق ،ويظلم الناس فـي أموالهـم وأنفسـهم ،أمـا كان يكون ظالمًا كاذبًا؟
فالمشبّهـ لبـي بكـر وعمـر بعمـر بـن سـعد أولى بالكذب والظلم ،ثـم غايـة عمـر بـن سـعد وأمثاله أن
يعترف بأنه طلب الدنيا بمعصية يعترف أنها معصية ،وهذا ذنب كثير وقوعه من المسلمين.
وأما الشيعة فكثيرمنهم يعترفون بأنهم إنما قصدوا بالملك إفساد دين السلم ،ومعاداة النبي صلى
ال عليــه وســلم ،كمــا يعرف ذلك مــن خطاب الباطنيــة وأمثالهــم مــن الداخليــن فــي الشيعــة ،فإنهــم
يعترفون بأنهــم فــي الحقيقــة ل يعتقدون ديــن الســلم ،وإنمــا يتظاهرون بالتشيــع لقلة عقــل الشيعــة
وجهلهم ليتوصلوا بهم إلى أغراضهم.
وأوّل هؤلء -بـل خيارهـم -هـو المختار بـن أبـي عبيـد الكذاب ،فإنـه كان أميـر الشيعـة ،وقتـل عبيـد
ال بـن زياد ،وأظهـر النتصـار للحسـين حتـى قتـل قاتله ،وتقرب بذلك إلى محمـد بـن الحنفيـة وأهـل
البيت ،ثم ادعى النبوة وأن جبريل يأتيه ،وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى ال عليه وسلم
أنه قال( :سيكون في ثقيف كذاب ومبير)(.)1
فكان الكذاب هو المختار بن أبي عبيد ،وكان المبير هو الحجاج بن يوسف الثقفي ،ومن المعلوم
أن عمر بن سعد أمير السرية التي قتلت الحسين ،مع ظلمه وتقديمه الدنيا على الدين ،لم يصل في
المعصية إلى فعل المختار بن أبي عبيد الذي أظهر النتصار للحسين وقتل قاتله ،بل كان هذا أكذب
وأعظم ذنبًا من عمر بن سعد.
فهذا الشيعي شر من ذلك الناصبي ،بل والحجاج بن يوسف خير من المختار بن أبي عبيد ،فإن
الحجاج كان مـبيرًا كمـا سـمّاه النـبي صـلى ال عليـه وسـلم –يسـفك الدماء بغيـر حـق -والمختار كان
كذابًا يدّعي النبوة وإتيان جبريل إليه ،وهذا الذنب أعظم من قتل النفوس ،فإن هذا كفر ،وإن كان لم
يتب منه كان مرتدًا ،والفتنة أعظم من القتل.
وهذا باب مطّرد ل تجد أحدًا ممن تذمه الشيعة بحق أو باطل إل وفيهم من هو شر منه ،ول تجد
)(1مسلم (.)4/1971
58
أحدًا ممــن تمدحــه الشيعـة إل وفيمـن تمدحــه الخوارج مـن هــو خيـر منـه ،فإن الروافــض شـر مــن
النواصب ،والذين تكفرهم أو تفسقهم الروافض هم أفضل من الذين تكفرهم أو تفسقهم النواصب.
وأمـا أهـل السـنة فيتولون جميـع المؤمنيـن ،ويتكلمون بعلم وعدل ،ليسـوا مـن أهـل الجهـل ول مـن
أهل الهواء ،ويتبرءون من طريقة الروافض والنواصب جميعًا ،ويتولون السابقين الوليـن كلهم،
ويعرفون قدر الصـحابة وفضلهـم ومناقبهـم ،ويرعون حقوق أهـل البيـت التـي شرعهـا ال لهـم ،ول
يرضون بما فعله المختار ونحو من الكذابين ،ول ما فعله الحجاج ونحوه من الظالمين.
ويعلمون مـع هذا مراتـب السـابقين الوليـن ،فيعلمون أن لبـي بكـر وعمـر مـن التقدم والفضائل مـا
لم يشاركهمـا فيهمـا أحـد مـن الصـحابة ،ل عثمان ول علي ول غيرهمـا ،وهذا كان متفقًا عليـه فـي
الصدر الول ،إل أن يكون خلف شاذ ل يعبأ به.
حتـى إن الشيعـة الولى أصـحاب علي لم يكونوا يرتابون فـي تقديـم أبـي بكـر وعمـر عليـه ،فكيـف
وقـد ثبـت عنـه مـن وجوه متواترة أنـه كان يقول( :خيـر هذه المـة بعـد نبيهـا :أبـو بكـر وعمـر) ولكـن
كان طائفـة مـن شيعـة علي تقدمـه على عثمان ،وهذه المسـألة أخفـى مـن تلك ،ولهذا كان أئمـة أهـل
السـنة متفقيـن على تقديـم أبـي بكـر وعمـر كمـا فـي مذهـب أبـي حنيفـة ،والشافعـي ،ومالك ،وأحمـد بـن
حنبـل ،والثورى ،والوزاعـي ،والليـث بـن سـعد ،وسـائر أئمـة المسـلمين مـن أهـل الفقـه والحديـث
والزهد والتفسير من المتقدمين والمتأخرين.
وأما عثمان وعلي فكان طائفة من أهل المدينة يتوقفون فيهما ،وهي إحدى الروايتين عن مالك،
وكان طائفة من الكوفيين يقدمون عليًا ،وهي إحدى الروايتين عن سفيان الثوري ،ثم قيل :إنه رجع
عــن ذلك لمــا اجتمــع بــه أيوب الســختياني ،وقال مــن قدم عليًا على عثمان فقــد أزرى بالمهاجريــن
والنصار ،وسائر أئمة السنة على تقديم عثمان وهو مذهب جماهير أهل الحديث ،وعليه يدل النص
والجماع والعتبار.
وأمـا مـا يحكـى عـن بعـض المتقدميـن مـن تقديـم جعفـر أو تقديـم طلحـة أو نحـو ذلك فذلك فـي أمور
مخصوصة ل تقديمًا عامًا ،وكذلك ما ينقل عن بعضهم في علي.
وأمـا قوله :فبعضهـم اشتبـه المرعليـه ورأى لطالب الدنيـا مبايعًا فقلده ،وبايعـه وقصـر فـي نظره
فخفـي عليـه الحـق فاسـتحق المؤاخذة مـن ال تعالى ،بإعطاء الحـق لغيـر مسـتحقه ،قال :وبعضهـم قلد
لقصـور فطنتـه ،ورأى الجـم الغفيـر فتابعهـم ،وتوهـم أن الكثرة تسـتلزم الصـواب ،وغفـل عـن قوله
عبَا ِديَ الشّكُور)) [ص.]24:
تعالى(( :وَقَلِي ٌل مَا هُم وَ َقلِيلٌ مِنْ ِ
فيقال لهذا المفتري الذي جعـل الصـحابة الذيـن بايعوا أبـا بكـر ثلثـة أصـناف أكثرهـم طلبوا الدنيـا
وصـنف قصـروا فـي النظـر ،وصـنف عجزوا عنـه ،لن الشـر إمـا أن يكون لفسـاد القصـد ،وإمـا أن
يكون للجهل ،والجهل إما أن يكون لتفريط في النظر ،وإما أن يكون لعجز عنه.
وذكـر أنـه كان فـي الصـحابة وغيرهـم مـن قصـر فـي النظـر حيـن بايـع أبـا بكـر ،ولو نظـر لعرف
الحـق ،وهذا يؤاخـذ على تفريطـه ،بترك النظـر الواجـب ،وفيهـم مـن عجـز عـن النظـر ،فقلد الجـم
الغفير ،يشير بذلك إلى سبب مبايعة أبي بكر.
فيقال له :هذا من الكذب الذي ل يعجز عنه أحد ،والرافضة قوم بهت ،فلو طلب من هذا المفتري
دليـــل على ذلك لم يكـــن له على ذلك دليـــل ،وال تعالى قـــد حرم القول بغيـــر علم ،فكيـــف إذا كان
المعروف ضد ما قاله ،فلو لم نكن نحن عالمين بأحوال الصحابة لم يجز أن نشهد عليهم بما ل نعلم
صرَ
سمْ َع وَا ْلبَ َ
علْ مٌ إِنّ ال ّ
ك بِهِ ِ
ف مَا َليْ سَ َل َ
من فساد القصد ،والجهل بالمستحق ،قال تعالى(( :وَل تَقْ ُ
59
جتُمْع فِيمَا لَكُم
عنْهُع مَسْعئُولً))[السـراء ،]36:وقال تعالى(( :هعا َأ ْنتُمْع َهؤُلءِ حَاجَ ْ
وَالْ ُفؤَادَ ُكلّ ُأ ْوَلئِكَع كَانَع َ
علْمُع َفلِمَع تُحَاجّونَع فِيمَا َليْسَع لَكُم بِهِع عِلْم))[آل عمران ]66:فكيـف إذا كنـا نعلم أنهـم كانوا أكمـل هذه بِهِع ِ
المـة عقلً ،وعلمًا ،ودينًا ،كمـا قال فيهـم عبـد ال بـن مسـعود( :مـن كان منكـم مسـتنًا فليسـتن بمـن قـد
مات ،فإن الحي ل تؤمن عليه الفتنة ،أولئك أصحاب محمد كانوا –وال -أفضل هذه المة ،وأبرها
قلوبًا ،وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا ،قوم اختارهم ال لصحبة نبيه ،وإقامة دينه ،فاعرفوا لهم فضلهم،
واتبعوهــم فــي آثارهــم ،وتمســكوا بمــا اســتطعتم مــن أخلقهــم ودينهــم فإنهــم كانوا على الهدى
المستقيم)( .)1رواه غير واحد منهم :ابن بطة ،عن قتادة.
وروى هـو وغيره بالسـانيد المعروفـة إلى زر بـن حـبيش ،قال :قال عبـد ال بـن مسـعود( :إن ال
تبارك وتعالى نظــر فــي قلوب العباد ،فوجــد قلب محمــد صــلى ال عليــه وســلم خيــر قلوب العباد
فاصـطفاه لنفسـه ،وابتعثـه برسـالته ،ثـم نظـر فـي قلوب العباد بعـد قلب محمـد صـلى ال عليـه وسـلم
فوجـد قلوب أصـحابه خيـر قلوب العباد فجعلهـم وزراء نـبيه ،يقاتلون على دينـه ،فمـا رآه المسـلمون
حسنًا فهو عند ال حسن ،وما رآه المسلمون سيئًا فهو عند ال سيء)(.)2
وفعي روايعة :قال أبـو بكـر بـن عياش الراوي لهذا الثـر ،عـن عاصـم بـن أبـي النجود ،عـن زر بـن
حبيش ،عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه ،وقد رأى أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم
جميعًا أن يستخلفوا أبا بكر.
فقول عبـد ال بـن مسـعود كانوا أبر هذه المـة قلوبًا ،وأعمقهـا علمًا ،وأقلهـا تكلفًا ،كلم جامـع بيـن
فيـه حسـن قصـدهم ونياتهـم بـبر القلوب ،وبيّنـ فيـه كمال المعرفـة ودقتهـا بعمـق العلم ،وبيّنـ فيـه تيسـر
ذلك عليهـم وامتناعهـم مـن القول بل علم بقلة التكلف ،وهذا خلف مـا قاله هذا المفتري الذي وصـف
أكثرهم بطلب الدنيا ،وبعضهم بالجهل ،إما عجزًا وإما تفريطًا ،والذي قاله عبد ال حق ،فإنهم خير
هذه المـة ،كمـا تواترت بذلك الحاديـث عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم حيـث قال( :خيـر القرون
القرن الذي بعثت فيهم ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم)(.)3وهم أفضل المة الوسط الشهداء على
الناس ،الذيـن هداهـم ال لمـا اختلفوا فيـه مـن الحـق بإذنـه ،وال يهدي مـن يشاء إلى صـراط مسـتقيم،
فليسـوا مـن المغضوب عليهـم الذيـن يتبعون أهواءهـم ،ول مـن الضاليـن الجاهليـن ،كمـا قسـمهم هؤلء
المفترون إلى ضلل وغواة ،بل لهم كمال العلم ،وكمال القصد.
إذ لو لم يكـن كذلك للزم أن ل تكون هذه المـة خيـر المـم ،وأن ل يكونوا خيـر المـة ،وكلهمـا
خلف الكتاب والسـنة ،وأيضًا فالعتبار العقلي يدل على ذلك ،فإن مـن تأمـل أمـة محمـد صـلى ال
عليه وسلم ،وتأمل أحوال اليهود والنصارى والصابئين والمجوس والمشركين ،تبين له من فضيلة
هذه المة على سائر المم في العلم النافع ،والعمل الصالح ،ما يضيق هذا الموضع عن بسطه.
والصحابة أكمل المة في ذلك بدللة الكتاب والستة والجماع والعتبار ،ولهذا ل تجد أحدًا من
أعيان المــة إل وهــو معترف بفضــل الصــحابة عليــه وعلى أمثاله ،وتجــد مــن ينازع فــي ذلك
كالرافضـة مـن أجهـل الناس ،ولهذا ل يوجـد فـي أئمـة الفقـه الذيـن يرجـع إليهـم رافضـي ،ول فـي أئمـة
الحديــث ول فــي أئمــة الزهــد والعبادة ول فــي أئمــة الجيوش المؤيدة المنصــورة رافضــي ،ول فــي
الملوك الذيـن نصـروا السـلم وأقاموه وجاهدوا عدوه مـن هـو رافضـي ،ول فـي الوزراء الذيـن لهـم
)(1انظر :السند ( )5/211تقيق أحد شاكر ،وقال اليثمي :رواه أحد والبزار ،والطبان ف الكبي .ممع الزوائد (.)1/177
)(2انظر :الرجع السابق.
)(3تقدمت الشارة إل مواضعه انظر :ص.
60
سيرة محمودة من هو رافضي.
وأكثــر مــا تجــد الرافضــة إمــا فــي الزنادقــة المنافقيــن الملحديــن ،وإمــا فــي جهال ليــس لهــم علم
بالمنقولت ول بالمعقولت ،قـد نشـأ بالبوادي والجبال ،وتجـبروا على المسـلمين ،فلم يجالسـوا أهـل
العلم والديـن ،وإمـا فـي ذوي الهواء ممـن قـد حصـل له بذلك رياسـة ومال ،أوله نسـب يتعصـب بـه
كفعـل أهـل الجاهليـة ،وأمـا مـن هـو عنـد المسـلمين مـن أهـل العلم والديـن ،فليـس فـي هؤلء رافضـي،
لظهور الجهل والظلم فـي قولهم ،وتجد ظهور الرفض فـي شر الطوائف كالنصـيرية والسماعيلية،
والملحدة الطرقيــة ،وفيهــم مــن الكذب والخيانــة وإخلف الوعــد مــا يدل على نفاقهــم ،كمــا فــي
الصـحيحين عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أنـه قال( :آيـة المنافـق ثلث :إذا حدث كذب ،وإذا وعـد
أخلف ،وإذا اؤتمـن خان)( –)1زاد مسـلم – (وإن صـام وصـلى وزعـم أنـه مسـلم) وأكثـر مـا توجـد هذه
الثلث في طوائف أهل القبلة في الرافضة.
وأيضًا :فيقال لهذا المفترى:هـب أن الذيـن بايعوا الصـديق كانوا كمـا ذكرت؛ إمـا طالب دنيـا وإمـا
جاهـل ،فقـد جاء بعـد أولئك فـي قرون المـة مـن يعرف كـل أحـد زكاءهـم وذكاءهـم ،مثـل :سـعيد بـن
المسـيب ،والحسـن البصـري ،وعطاء بـن أبـي رباح ،وإبراهيـم النخعـي ،وعلقمـة ،والسـود ،وعـبيدة
السلماني ،وطاوس ،ومجاهد ،وسعيد بن جبير ،وأبي الشعثاء جابر بن زيد ،وعلي بن زيد ،وعلي
بـن الحسـين ،وعبيـد ال بـن عبـد ال بـن عتبـة ،وعروة بـن الزبيـر ،والقاسـم بـن محمـد بـن أبـي بكـر،
وأبـي بكـر بـن عبـد الرحمـن بـن الحرث بـن هشام ،ومطرف بـن الشخيـر ،ومحمـد بـن واسـع ،وحـبيب
العجمـى ،ومالك بـن دينار ،ومكحول ،والحكـم بـن عتبـة ،ويزيـد بـن أبـي حـبيب ،ومـن ل يحصـي
عددهم إل ال.
ثم بعدهم :أيوب السختياني ،وعبد ال بن عون ،ويونس بن عبيد ،وجعفر بن محمد ،والزهري،
وعمرو بن دينار ،ويحيى بن سعيد النصاري ،وربيعة بن أبي عبد الرحمن ،وأبو الزناد ،ويحيى
بن أبي كثير ،وقتادة ،ومنصور بن المعتمر ،والعمش ،وحماد بن أبي سليمان ،وهشام الدستوائي،
وسعيد بن أبي عروبة.
ومــن بعــد هؤلء ،مثــل :مالك بــن أنــس ،وحماد بــن زيــد ،وحماد بــن ســلمة ،والليــث بــن ســعد،
والوزاعي ،وأبي حنيفة ،وابن أبي ليلى ،وشريك ،وابن أبي ذئب ،وابن الماجشون.
ومـن بعدهـم ،مثـل :يحيـى بـن سـعيد القطان ،وعبـد الرحمـن بـن مهدي ،ووكيـع بـن الجراح ،وعبـد
الرحمن بن القاسم ،وأشهب بن عبد العزيز ،وأبي يوسف ،ومحمد بن الحسن ،والشافعي ،وأحمد بن
حنبـل ،وإسـحق بـن راهويـه ،وأبـي عبيـد ،وأبـي ثور ،ومـن ل يحصـى عدده إل ال تعالى ،ممـن ليـس
لهم غرض في تقديم غير الفاضل ل لجل رياسة ول مال.
وممـن هـم أعظـم الناس نظرًا فـي العلم وكشفًا لحقائقـه ،وهـم كلهـم متفقون على تفضيـل أبـي بكـر
وعمر.
بـل الشيعـة الولى الذيـن كانوا على عهـد علي كانوا يفضلون أبـا بكـر وعمـر ،قال ابـن القاسـم:
سألت مالكًا عن أبي بكر وعمر؟ فقال :مارأيت أحدًا ممن اقتدى به يشك في تقديمهما .يعني :على
علي وعثمان فحكى إجماع أهل المدينة على تقديمهما.
وأهــل المدينــة لم يكونوا مائليــن إلى بنــي أميــة كمــا كان أهــل الشام ،بــل قــد خلعوا بيعــة يزيــد،
وحاربهم عام الحرة وجرى بالمدينة ما جرى.
)(1انظر :البخاري ( )1/12وغيه ،ومسلم (.)1/78
61
ولم يكن أيضًا قتل علي منهم أحدًا كما قتل من أهل البصرة ومن أهل الشام ،بل كانوا يعدّونه من
علماء المدينة ،إلى أن خرج منها ،وهم متفقون على تقديم أبي بكر وعمر.
وروى البيهقــي بإســناده عــن الشافعــي ،قال :لم يختلف الصــحابة والتابعون فــي تقديــم أبــي بكــر
وعمر ،وقال شريك بن أبي نمر :وقال له قائل :أيما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال له :أبو بكر .فقال
له السائل :تقول هذا و أنت من الشيعة؟ فقال :نعم إنما الشيعيّ من يقول هذا ،وال لقد رقى عليّ هذه
العواد ،فقال :أل إن خيـر هذه المـة بعـد نبيهـا أبـو بكـر وعمـر أفكنـا نردّ قوله ،أفكنـا نكذبـه ،وال مـا
كان كذاباً(.)1
وذكـر هذا القاضـي عبـد الجبار فـي كتاب تثـبيت النبوة له ،وعزاه إلى كتاب أبـي القاسـم البلخـي،
الذي صنفه في النقض على ابن الراوندي اعتراضه على الجاحظ(.)2
فكيف يقال مع هذا أن الذين بايعوه كانوا طلب الدنيا ،أو جهالً ،ولكن هذا وصف الطاعن فيهم،
فإنك ل تجد في طوائف القبلة أعظم جهلً من الرافضة ،ول أكثر حر صًا على الدنيا ،وقد تدبرتهم
فوجدتهـم ل يضيفون إلى الصـحابة عيبًا إل وهـم أعظـم الناس اتصـافًا بـه ،والصـحابة أبعـد عنـه ،فهـم
أكذب الناس بل ريــب كمســيلمة الكذاب ،إذ قال :أنــا نــبي صــادق ،ولهذايصــفون أنفســهم باليمان،
ويصفون الصحابة بالنفاق ،وهم أعظم الطوائف نفاقًا ،والصحابة أعظم الخلق إيمانًا.
وأمعا قوله :وبعضهـم طلب المـر لنفسـه بحـق وبايعـه القلون الذيـن أعرضوا عـن الدنيـا وزينتهـا،
ولم تأخذهم بال لومة لئم ،بل أخلصوا ل واتبعوا ما أمروا به من طاعة من يستحق التقديم ،وحيث
حصل للمسلمين هذه البلية ،وجب على كل أحد النظر في الحق واعتماد النصاف ،وأن يقر الحق
مقره ،ول يظلم مستحقه ،فقد قال تعالى(( :أَلَ َل ْعنَةَ الِ عَلَى الظّا ِلمِين))[هود.]18:
فيقال له :أولً :قد كان الواجب أن يقال لما ذهب طائفة إلى كذا ،وطائفة إلى كذا ،وجب أن ينظر
أي القوليـن أصـح ،فأمـا إذا رضيـت إحدى الطائفتيـن باتباع الحـق ،والُخرى باتباع الباطـل ،فإن كان
هذا قد تبين فل حاجة إلى النظر ،وإن لم يتبين بعد لم يذكر حتى يتبين.
ويقال له ثانيًا :قولك :إنــه طلب المــر لنفســه بحــق وبايعــه القلون ،كذب على علي رضــي ال
عنـه ،فإنـه لم يطلب المـر لنفسـه فـي خلفـة أبـي بكـر وعمـر وعثمان ،وإنمـا طلبـه لمـا قتـل عثمان
وبويـع ،وحينئذٍ فأكثـر الناس كانوا معـه ،لم يكـن معـه القلون ،وقـد اتفـق أهـل السـنة والشيعـة على أن
عليا لم يدع إلى مبايعته في خلفة أبي بكر وعمر وعثمان ،ول بايعه على ذلك أحد.
ولكن الرافضة تدعي أنه كان يريد ذلك ،وتعتقد أنه المام المستحق للمامة دون غيره ،لكن كان
عاجزًا عنـه وهذا لو كان حقًا لم يفدهـم ،فإنـه لم يطلب المـر لنفسـه ،ول تابعـه أحـد على ذلك ،فكيـف
إذا كان باطلً.
وكذلك قوله :بايعـه القلون ،كذب على الصـحابة؛ فإنـه لم يبايـع منهـم أحـد لعلي على عهـد الخلفاء
الثلثـة ،ول يمكـن أحـد أن يدعـي هذا ،ولكـن غايـة مـا يقول القائل :انـه كان فيهـم مـن يختار مبايعتـه،
ونحـن نعلم أن عليًا لمـا تولى كان كثيـر مـن الناس يختار وليـة معاويـة ،ووليـة غيرهمـا ،ولمـا بويـع
عثمان كان في نفوس بعض الناس ميل إلى غيره ،فمثل هذا ل يخلو من الوجود.
وقـد كان رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم بالمدينـة وبهـا ومـا حولهـا منافقون ،كمـا قال تعالى:
عرَاب ُمنَافِقُون وَمِعن أَ ْهلِ ا ْلمَدِي َن ِة مَرَدُوا عَلَى النّفَاقعِع ل تَ ْعَلمُهُعم نَحْنععُ
ح ْولَكُعم مِنععَ الَ ْ
((وَ ِممّنععْ َ
)(1تقدمت الشارة إليه (ص 55وص .)9
)(2انظر :ف تثبيت دلئل النبوة (.)2/549
62
ج ٍل مِنعَ
علَى رَ ُ نَعْ َلمُهُم))[التوبــة ]101:وقـد قال تعالى عـن المشركيـن(( :وَقَالُوا َلوْ َل َن َزلَ هَذَا الْ ُقرْآنعَ َ
الْ َقرْ َي َتيْنِ عَظِيم))[الزخرف.]31:
فأحبوا أن ينزل القرآن على مـن يعظمونـه مـن أهـل مكـة والطائف ،قال تعالى(( :أَهُمْع يَقْسِعمُونَ
حيَاةِ ال ّدنْيَععا َورَفَعْنَععا بَ ْعضَهُععم َفوْق عَع بَعْععض شتَهُععم فعععي الْ َ حمَ َة َربّك عَع نَحْن ععُ قَس ععَ ْمنَا َبيْنَهُععم مَعِي َ
رَ ْ
َدرَجَات))[الزخرف.]32:
وأمـا مـا وصـفه لهؤلء بأنهـم الذيـن أعرضوا عـن الدنيـا وزينتهـا ،وأنهـم ل تأخذهـم فـي ال لومـة
لئم ،فهذا مـن أبيـن الكذب ،فإنـه لم يـر الزهـد والجهاد فـي طائفـة أقـل منـه فـي الشيعـة ،والخوارج
المارقون كانوا أزهـد منهـم وأعظـم قتالً ،حتـى يقال فـي المثـل :حملة خارجيـة وحروبهـم مـع جيوش
بني أمية وبني العباس وغيرهما بالعراق والجزيرة وخراسان والمغرب وغيرهما معروفة ،وكانت
لهم ديار يتحيزون فيها ل يقدر عليهم أحد.
وأما الشيعة فهم دائمًا مغلوبون مقهورون منهزمون ،وحبهم للدنيا وحرصهم عليها ظاهر ،ولهذا
كاتبوا الحسـين رضـي ال عنـه ،فلمـا أرسـل إليهـم ابـن عمـه ،ثـم قدم بنفسـه غدروا بـه ،وباعوا الخرة
بالدنيا ،وأسلموه إلى عدوه ،وقاتلوه مع عدوه ،فأي زهد عند هؤلء ،وأي جهاد عندهم.
وقد ذاق منهم علي بن أبي طالب رضي ال عنه من الكاسات المرة ما ل يعلمه إل ال ،حتى دعا
عليهـم ،فقال :اللهـم إني سـئمتهم وسـئموني فأبدلنـي بهـم خيرًا منهم ،وأبدلهـم بـي شرًا منـي ،وقد كانوا
يغشونــه ويكاتبون مــن يحاربــه ،ويخونونــه فــي الوليات والموال ،هذا ولم يكونوا بعــد صــاروا
رافضة ،إنما سموا شيعة علي لما افترق الناس فرقتين :فرقة شايعت أولياء عثمان ،وفرقة شايعت
أولياء عليًا رضـى ال عنهمـا ،فأولئك خيار الشيعـة ،وهـم مـن شـر الناس معاملة لعلي بـن أبـي طالب
رضي ال عنه ،وابنيه سبطى رسول ال صلى ال عليه وسلم وريحانته في الدنيا الحسن والحسين،
ل للوم اللئم في الحق ،وأسرع الناس إلى الفتنة ،وأعجزهم عنها ،يغرون من وهم أعظم الناس قبو ً
يظهرون نصـره مـن أهـل البيـت ،حتـى إذا اطمأن إليهـم ولمهـم عليـه اللئم خذلوه وأسـلموه وآثروا
عليه الدنيا ،ولهذا أشار عقلء المسلمين ونصحاؤهم على الحسين أن ل يذهب إليهم ،مثل :عبد ال
بـن عباس ،وعبـد ال بـن عمـر ،وأبـي بكـر بـن عبـد الرحمـن بـن الحرث بـن هشام وغيرهـم ،لعلمهـم
بأنهـم يخذلونـه ول ينصـرونه ،ول يوفون له بمـا كتبوا بـه إليـه ،وكان المـر كمـا رأى هؤلء ،ونفـذ
فيهم دعاء عمر بن الخطاب ،ثم دعاء علي بن أبي طالب.
حتـى سـلط ال عليهـم الحجاج بـن يوسـف ،كان ل يقبـل مـن محسـنهم ،ول يتجاوز عـن مسـيئهم،
ودب شرهـم إلى مـن لم يكـن منهـم ،حتـى عـم الشـر ،وهذه كتـب المسـلمين التـي ذكـر فيهـا زهاد المـة
ليس فيهم رافضي.
كيـف والرافضـي مـن جنـس المنافقيـن ،مذهبـه التقيـة ،فهـل هذا حال مـن ل تأخذه بال لومـة لئم،
إنمـا هذه حال مـن نعتـه ال فـي كتابـه بقوله(( :يعا َأيّهَا الّذِينَع آ َمنُوا مَنْع يَرتَدّ ِمنْكُمْع عَنْع ِديِنهِع فَسَع ْوفَ
سبِيلِ الِ وَلَعزّةٍ عَلَى الْكَا ِفرِين يُجَاهِدُونَ في َ حبّونَهُ أَ ِذّلةٍ عَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ َأ ِ
حبّهُم َويُ ِ يَ ْأتِي الَ بِقَو ٍم يُ ِ
ل وَاسِعٌ عَلِيم))[المائدة.]54: ن َيشَاء وَا ُ ل ُيؤْتِي ِه مَ ْ
ضلُ ا ِ يَخَافُونَ َل ْو َمةَ َلئِمْ َذلِكَ َف ْ
وهذه حال مـن قاتـل المرتديـن ،وأولهـم :الصـديق ،ومـن اتبعـه إلى يوم القيامـة ،فهـم الذيـن جاهدوا
المرتديــن ،كأصــحاب مســيلمة الكذاب ،ومانعــي الزكاة ،وغيرهمــا ،وهــم الذيــن فتحوا المصــار،
وغلبوا فارس والروم ،وكانوا أزهـد الناس ،كمـا قال عبـد ال بـن مسـعود لصـحابه :أنتـم أكثـر صـلة
وصـيامًا مـن أصـحاب محمـد ،وهـم كانوا خيرًا منكـم ،قالوا :لم يـا أبـا عبـد الرحمـن؟ قال :لنهـم كانوا
63
أزهد في الدنيا ،وأرغب في الخرة ،فهؤلء هم الذين ل تأخذهم في ال لومة لئم.
بخلف الرافضــة ،فإنهــم أشــد الناس خوفًا مــن لوم اللئم ،ومــن عدوّهــم ،وهــم كمــا قال تعالى:
عَل ْيهِ مْ ُه مْ الْعَ ُدوّ فَاحْ َذرْهُ مْ قَاتَ َلهُ مْ الُّ َأنّى ُيؤْفَكُو نَ))[المنافقون .]4:ول يعيشون
حةٍ َ
سبُونَ ُكلّ صَيْ َ
((يَحْ َ
فـي أهـل القبلة إل مـن جنـس اليهود فـي أهـل الملل .ثـم يقال :مـن هؤلء الذيـن زهدوا فـي الدنيـا ولم
تأخذهـم فـي ال لومـة لئم ،ممـن لم يبايـع أبـا بكـر وعمـر وعثمان رضـي ال عنهـم ،وبايـع عليًا ،فإنـه
مـن المعلوم أن فـي زمن الثلثة لم يكـن أحد منحازًا عـن الثلثـة مظهرًا لمخالفتهم ومبايعـة علي ،بل
كـل الناس كانوا مبايعيـن لهـم ،فغايـة مـا يقال :إنهـم كانوا يكتمون تقديـم علي وليسـت هذه حال مـن ل
تأخذه في ال لومة لئم.
وأما في حال ولية علي فقد كان رضي ال عنه من أكثر الناس لومًا لمن معه على قلة جهادهم،
ونكولهـم عـن القتال ،فأيـن هؤلء الذيـن ل تأخذهـم فـي ال لومـة لئم مـن هؤلء الشيعـة ،وإن كذبوا
على أبي ذر من الصحابة وسلمان وعمار وغيرهم ،فمن المتواتر أن هؤلء كانوا من أعظم الناس
تعظيمًا لبي بكر وعمر ،واتباعًا لهما ،وإنما ينقل عن بعضهم التعنت على عثمان ل على أبي بكر
وعمر ،وسيأتي الكلم على ما جرى لعثمان رضي ال عنه.
ففي خلفة أبي بكر وعمر وعثمان ،لم يكن أحد يسمى من الشيعة ،ول تضاف الشيعة إلى أحد
ل عثمان ول علي ول غيرهمـا ،فلمـا قتـل عثمان تفرق المسـلمون ،فمال قوم إلى عثمان ،ومال قوم
إلى علي ،واقتتلت الطائفتان ،وقتـل حينئذ شيعـة عثمان شيعـة علي ،وفـي صـحيح مسـلم عـن سـعد بـن
هشام أنـه أراد أن يغزو فـي سـبيل ال وقدم المدينـة فأراد أن يـبيع عقارًا له فيهـا فيجعله فـي السـلح
والكراع ،ويجاهـد الروم حتـى يموت ،فلمـا قدم المدينـة لقـي أناسـًا مـن أهـل المدينـة ،فنهوه عـن ذلك
وأخبروه أن رهطًا ستة أرادوا ذلك في حياة النبي صلى ال عليه وسلم نهاهم نبي ال صلى ال عليه
وسـلم .وقال( :أليـس لكـم بـي أسـوة؟) ،فلمـا حدثوه بذلك راجـع امرأتـه ،وقـد كان طلقهـا وأشهـد على
رجعتها .فأتى ابن عباس وسأله عن وتر رسول ال صلى ل تعالى عليه وسلم .فقال ابن عباس :أل
أدلك علىأعلم أهل الرض بوتر رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ فقال من؟ قال :عائشة رضي ال
عنهـا ،فأتهـا فاسـألها ثـم ائتنـي فاخـبرني بردهـا عليـك ،قال :فانطلقـت إليهـا ،فأتيـت على حكيـم بـن أفلح
فاسـتلحقته إليهـا ،فقال :مـا أنـا بقاربهـا لنـي نهيتهـا أن تقول فـي هاتيـن الشيعتيـن شيئًا فأبـت فيهمـا ل
مضيًا.
()1
قال :فأقسـمت عليـه فجاء فانطلقنـا إلى عائشـة رضـي ال عنهـا و ذكرا الحديـث ،وقال معاويـة
لبن عباس أنت على ملة علي؟ فقال ل على ملة علي ،ول على ملة عثمان ،أنا على ملة رسول ال
صلى ال عليه وسلم.
وكانـت الشيعـة أصـحاب علي يقدمون عليـه أبـا بكـر وعمـر ،وإنمـا كان النزاع فـي تقديمـه على
عثمان ،ولم يكن حينئ ٍذ يسمى أحد ل إماميًا ول رافضيًا وإنما سموا رافضة ،وصاروا رافضة ،لما
خرج زيد بن علي بن الحسين بالكوفة في خلفة هشام ،فسألته الشيعة عن أبي بكر وعمر ،فترحم
عليهمــا فرفضــه قوم ،فقال :رفضتمونــي رفضتمونــي .فســموا رافضــة ،وتوله قوم فســموا زيديــة،
لنتسابهم إليه.
ومن حينئ ٍذ انقسمت الشيعة إلى :رافضة إمامية وزيدية ،وكلما زادوا في البدعة زادوا في الشر،
فالزيدية خير من الرافضة ،أعلم وأصدق وأزهد ،وأشجع.
)(1انظر :مسلم (.)2/512
64
ثـم بعـد أبـي بكـر ،عمـر بـن الخطاب هـو الذي لم تكـن تأخذه فـي ال لومـة لئم ،وكان أزهـد الناس
باتفاق الخلق كما قيل فيه :رحم ال عمر لقد تركه الحق ما له من صديق.
ونحن ل ندعي العصمة لكل صنف من أهل السنّة ،وإنما ندعي أنهم ل يتفقون على ضللة ،وأن
كل مسألة اختلف فيها أهل السنّة والجماعة والرافضة ،فالصواب فيها مع أهل السنّة.
وحيث تصيب الرافضة ،فل بد أن يوافقهم على الصواب بعض أهل السنّة ،وللروافض خطأ ل
يوافقهم أحد عليه من أهل السنّة ،وليس للرافضة مسألة واحدة ل يوافقهم فيها أحد ،فانفردوا بها عن
جميع أهل السنّة والجماعة إل وهم مخطئون فيها كإمامة الإثنى عشر ،وعصمتهم.
(فصععل)
قال الرافضععي( :وذهــب جميــع مــن عدا الماميــة والســماعيلية إلى أن النــبياء والئمــة غيــر
معصـومين ،فجوّزوا بعثـة مـن يجوز عليـه الكذب والسـهو والخطـأ والسـرقة ،فأي وثوق يبقـى للعامـة
فـي أقوالهـم ،وكيـف يحصـل النقياد إليهـم ،وكيـف يجـب اتباعهـم مـع تجويـز أن يكون مـا يأمرون بـه
خطأ؟ ولم يجعلوا الئمة محصورين في عدد معين ،بل كان من بايع قرشيًا انعقدت إمامته عندهم،
ووجـب طاعتـه على جميـع الخلق إذا كان مسـتور الحال ،وإن كان على غايـة مـن الكفـر والفسـوق
والنفاق).
فيقال :الكلم على هذا من وجوه:
أحدهعا :أن يقال :مـا ذكرتـه عـن الجمهور مـن نفـي العصـمة عـن النـبياء وتجويـز الكذب والسـرقة
والمر بالخطأ عليهم ،فهذا كذب على الجمهور ،فإنهم متفقون على أن النبياء معصومون في تبليغ
الرسالة ،ول يجوز أن يستقر في شيء من الشريعة خطأ باتفاق المسلمين ،وكل ما يبلّغونه عن ال
عز وجل من المر والنهي يجب طاعتهم فيه باتفاق المسلمين ،وما أخبروا به وجب تصديقهم فيه
بإجماع المسلمين ،ومـا أمروهم به ونهوهـم عنـه وجبـت طاعتهم فيـه عند جميع فرق المـة ،إل عنـد
طائفة من الخوارج يقولون :إن النبي صلى ال عليه وسلم معصوم فيما يبلّغه عن ال ،ل فيما يأمر
هو به وينهى عنه .وهؤلء ضُلّل باتفاق أهل السنّة والجماعة.
وقـد ذكرنـا غيـر مرة أنـه إذا كان فـي بعـض المسـلمين مـن قال قولً خطـأ لم يكـن ذلك قدحًا فـي
المسلمين ،ولو كان كذلك لكان خطأ الرافضة عيبًا في دين المسلمين ،فل يُعرف في الطوائف أكثر
خطًـأ وكذبًـا منهــم ،وذلك ل يضــر المســلمين شيئًا ،فكذلك ل يضرهــم وجود مخطــئ آخــر غيــر
الرافضة.
وأكثر الناس -أو كثير منهم -ل يجوّزون عليهم الكبائر ،والجمهور الذين يجوزون الصغائر -هم
ومـن يجوّز الكبائر -يقولون :إنهـم ل يُ َقرّون عليهـا ،بـل يحصـل لهـم بالتوبـة منهـا مـن المنزلة أعظـم
مما كان قبل ذلك ،كما تقدم التنبيه عليه.
وبالجملة فليـس فـي المسـلمين مـن يقول :إنـه يجـب طاعـة الرسـول مـع جواز أن يكون أمره خطـأ،
بل هم متفقون على أن المر الذي يجب طاعته ل يكون إل صوابًا ،فقوله( :كيف يجب اتباعهم مع
تجويز أن يكون ما يأمرون به خطأ؟) قول ل يلزم أحدًا من المة.
وللناس فـي تجويـز الخطـأ عليهـم فـي الجتهاد قولن معروفان ،وهـم متفقون على أنهـم ل يقرّون
عليه ،وإنما يطاعون فيما أقرّوا عليه ،ل فيما غيّره ال ونهى عنه ،ولم يأمر بالطاعة فيه.
وأمـا عصـمة الئمـة فلم يَقُل بهـا -إل كمـا قال -الماميـة والسـماعيلية .وناهيـك بقول لم يوافقهـم
عليـه إل الملحدة المنافقون ،الذيـن شيوخهـم الكبار أكفـر مـن اليهود والنصـارى والمشركيـن! .وهذا
65
دأب الرافضة دائمًا يتجاوزون عن جماعة المسلمين إلى اليهود والنصارى والمشركين في القوال
والموالة والمعاونة والقتال وغير ذلك.
فهـل يوجـد أضـل مـن قوم يعادون السـابقين الوليـن مـن المهاجريـن والنصـار ،ويوالون الكفار
عَل ْيهِم مّاع هُم ِمنْكُم وَل َ غضِبَع الُ َ والمنافقيـن؟ وقـد قال ال تعالى(( :أَلَمْع َترَ ِإلَى الّذِينَع َتوَلّوا َق ْومًا َ
عذَابًا شَدِيدًا ِإ ّنهُم سَا َء مَا كَانُوا يَ ْعمَلُون * عدّ الُ َلهُم َ ب وَهُ ْم يَ ْعَلمُون * أَ َ حلِفُو نَ عَلَى الْكَذِ ِ مِ ْنهُم وَيَ ْ
ع ْنهُم َأ ْموَا َلهُم وَلَ َأوْلَدهُم ب ُمهِين * لَن تُ ْغنِي َ سبِيلِ الِ فَ َلهُم عَذَا ٌ جنّةً فَصَدّوا عَن َ اتّخَذُوا َأيْمَا َنهُم ُ
حلِفُونَع لَهُع كَمَا جمِيعًا َفيَ ْ مِنَع الِ شَيئًا ُأ ْوَلئِكَع أَصْعحَابُ النّارِ هُمْع فِيهَا خَالِدُون * َيوْمَع َيبْ َعثُهُم الُ َ
شيْطَان فَ َأنْ سَاهُمْ حوَذَ عَ َل ْيهِ مُ ال ّ
ستَ ْ
شيْءٍ أَلَ ِإ ّنهُم ُه مُ الكَاذِبون * ا ْ علَى َ يَحْلِفُو نَ َلكُم وَيَحْ سَبُونَ َأنّهُم َ
شيْطَانعِ هُمعُ الْخَاسِعرُون * إِنّ الّذِينَع يُحَادّونع الَ حزْبعَ ال ّ شيْطَان أَلَ إِنّ ِ حزْبعُ ال ّ ذِ ْكرَ ال ُأوْ َلئِكعَ ِ
عزِيعز * َل تَجِدُ َقوْمًا غِلبَنّ أَنَا َورُسِعلِي إِنّ الَ َقوِيّ َ َورَسعُو َلهُ ُأوْ َلئِكَع فعي ا َلذَلّيعن * َكتَبَع الُ لَ ْ
خوَا َنهُ مْ ن بِالِ وَا ْل َيوْ مِ الخِر ُيوَادّون مَ نْ حَادّ الَ َورَسُو َلهُ َوَلوْ كَانُوا آبَاءَهُم أَو َأ ْبنَاءَهُم أو ِإ ْ ُيؤْ ِمنُو َ
حتِهَا جرِي مِنْع تَ ْ جنّاتٍع تَ ْخُلهُم َ عشِيرَ َتهُمْع ُأ ْوَلئِكَع َكتَبَع فِي قُلُو ِبهِم الِيمَانَع وََأيّدَهُمْع ِبرُوحٍع مِنْه َويُدْ ِ َأوْ َ
حزْبععَ الِع هُمععُ حزْبععُ ال أَلَ إِنّع ِ عنْهععُ ُأوْ َلئِكععَ ِ
ا َل ْنهَارَ خَالِدِينععَ فِيهععا رضععي ال عنهععم َو َرضُوا َ
ا ْلمُفْلِحُون))[المجادلة.]22-14:
فهذه اليات نزلت فـي المنافقيـن ،وليـس المنافقون فـي طائفـة أكثـر منهـم فـي الرافضـة ،حتـى أنـه
ليس في الروافض إل من فيه شعبة من شعب النفاق.
كما قال النبي صلى ال عليه وسلم( :أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ،ومن كانت فيه خصلة
منهـن كانـت فيـه خصـلة مـن خصـل النفاق حتـى يدعهـا :إذا حدّث كذب ،وإذا اؤتمـن خان ،وإذا عاهـد
غدر ،وإذا خاصم فجر) أخرجاه في الصحيحين(.)1
قال تعالى(( :ترَىَ َكثِيرًا ِم ْنهُمْع َي َتوَّلوْنَع الّذِينَع كَ َفرُوا َل ِبئْسَع مَا َق ّدمَتْع لَهُم َأنْفُسُعهُم أَنْع سَعخِطَ الُ
ن بِالِ وَالنّبِيّ َومَا ُأ ْنزِلَ ِإَليْهِ مَا اتّخَذُوهُم َأ ْوِليَاءَ عَل ْيهِ ْم وَفِي الْعَذَابِ هُم خَاِلدُون * وَلَو كَانُوا ُيؤْ ِمنُو َ َ
وَلَ ِكنّ َكثِيرًا ِم ْنهُمْ فَاسِقُون))[المائدة.]81-80:
علَى لِسعَانِ دَاوُ َد وَعِيسعَى ابْنِع َم ْريَمَع َذلِكَع بِمَا وقال تعالى(( :لعنَع الّذِينَع كَ َفرُوا مِنْع بَنِي إِسْعرَائِيلَ َ
عَصَعوْا وَكَانُوا يَ ْعتَدُون * كَانُوا َل َيتَنَا َهوْنَع عَنْع ُمنْ َكرٍ فَ َعلُوهُع َل ِبئْسَع مَا كَانُوا يَفْ َعلُونَع * َترَى َكثِيرًا
مِ ْنهُم َي َتوَّلوْنَ الّذِينَ كَ َفرُوا))[المائدة.]80-78:
وهـم غالبًا ل يتناهون عـن منكرٍ فعلوه ،بـل ديارهـم أكثـر البلد منكرًا مـن الظلم والفواحـش وغيـر
ذلك ،وهــم يتولون الكفار الذيــن غضــب ال عليهــم ،فليســوا مــع المؤمنيــن ول مــع الكفار ،كمــا قال
غضِبَ الُ عَ َل ْيهِ ْم مَا هُم مِنْكُم وَ َل ِم ْنهُم))[المجادلة.]14: ن َتوَلّوا َق ْومًا َ تعالىَ(( :ألَ ْم َترَ إِلَى الّذِي َ
ولهذا هـم عنـد جماهيـر المسـلمين نوع آخـر ،حتـى إن المسـلمين لمـا قاتلوهـم بالجبـل الذي كانوا
عاصين فيه بساحل الشام ،يسفكون دماء المسلمين ،ويأخذون أموالهم ،ويقطعون الطريق ،استحللً
لذلك وتدينًا بـه ،فقاتلهـم صـنف مـن التركمان ،فصـاروا يقولون :نحـن مسـلمون ،فيقولون:ل ،أنتـم
جنس آخر خارجون عن المسلمين لمتيازهم عنهم.
ب وَ ُه ْم يَعْ َلمُون))[المجادلة.]14: علَى الْكَذِ ِ وقد قال ال تعالى(( :وَيَحْلِفُونَ َ
سبِيلِ ال))[المجادلة ]16:إلى قوله: ن َ عْجنّةً َفصَدّوا َ وهذا حال الرافضة ،وكذلك(( :اتّخَذُوا َأ ْيمَا َنهُمْ ُ
خ ِر ُيوَادّون مَ نْ حَادّ الَ َورَ سُولَه))[المجادلة ،]22:وكثير منهم ن بِالِ وَا ْل َيوْ مِ ال ِ((لَ تَجِدُ َق ْومًا ُي ْؤمِنُو َ
)(1البخاري ( )1/12ومواضع أُخر ،ومسلم (.)1/102
66
يواد الكفار من وسط قلبه أكثر من موادّته للمسلمين ،ولهذا لما خرج الترك الكفار من جهة المشرق
فقاتلوا المسلمين وسفكوا دماءهم ببلد خراسان والعراق والشام والجزيرة وغيرها ،كانت الرافضة
معاونة لهم على قتال المسلمين ،ووزير بغداد المعروف بالعلقمي هو وأمثاله كانوا من أعظم الناس
معاونـة لهـم على المسـلمين ،وكذلك الذيـن كانوا بالشام بحلب وغيرهـا مـن الرافضـة كانوا مـن أشـد
الناس معاونــة لهــم على قتال المســلمين ،وكذلك النصــارى الذيــن قاتلهــم المســلمون بالشام كانــت
الرافضة من أعظم أعوانهم ،وكذلك إذا صار لليهود دولة بالعراق وغيره تكون الرافضة من أعظم
أعوانهــم ،فهــم دائمًـا يوالون الكفار مــن المشركيــن واليهود والنصــارى ،ويعاونونهــم على قتال
المسلمين ومعاداتهم.
ثم إن هذا ادّعى عصمة الئمة دعوى لم يقم عليها حجة ،إل ما تقدم من أن ال لم يخل العالم من
أئمـة معصـومين لمـا فـي ذلك مـن المصـلحة واللطـف ،ومـن المعلوم المتيقـن أن هذا المنتظـر الغائب
المفقود لم يحصـل بـه شيـء مـن المصـلحة واللطـف ،سـواء كان ميتًا ،كمـا يقوله الجمهور ،أو كان
حيًا ،كمــا تظنــه الماميــة ،وكذلك أجداده المتقدمون لم يحصــل بهــم شيــء مــن المصــلحة واللطــف
الحاصـلة مـن إمام معصـوم ذي سـلطان ،كمـا كان النـبي صـلى ال عليـه وسـلم بالمدينـة بعـد الهجرة،
فإنـه كان إمام المؤمنيـن الذي يجـب عليهـم طاعتـه ،ويحصـل بذلك سـعادتهم ،ولم يحصـل بعده أحـد له
سلطان تُدعى له العصمة إل عليّ رضي ال عنه زمن خلفته.
ومــن المعلوم بالضرورة أن حال اللطــف و المصــلحة التــي كان المؤمنون فيهــا زمــن الخلفاء
الثلثة ،أعظم من اللطف والمصلحة الذي كان في خلفة علي زمن القتال و الفتنة والفتراق ،فإذا
لم يوجد من يدعي المامية فيه أنه معصوم وحصل له السلطان بمبايعة ذي الشوكة إل عليّ وحده،
وكان مصلحة المكلفين واللطف الذي حصل لهم في دينهم ودنياهم في ذلك الزمان أقل منه في زمن
الخلفاء الثلثـة ،عُلم بالضرورة أن مـا يدّعونـه مـن اللطـف والمصـلحة الحاصـلة بالئمـة المعصـومين
باطل قطعًا.
وهـو مـن جنـس الهدى واليمان الذي يُدّعـى فـي رجال الغيـب بجبـل لبنان وغيره مـن الجبال مثـل
جبـل قاسـيون بدمشـق ،ومغارة الدم ،وجبـل الفتـح بمصـر ،ونحـو ذلك مـن الجبال والغيران ،فإن هذه
المواضع يسكنها الجن ،ويكون بها شياطين ،ويتراءون أحيانًا لبعض الناس ،ويغيبون عن البصار
في أكثر الوقات ،فيظن الجهال أنهم رجال من النس ،وإنما هم رجال من الجن.
جنّ َفزَادُو ُه ْم رَهَقًا))[الجن.]6: ن ِبرِجَالٍ مِنَ الْ ِن رِجَا ٌل مِنَ ا ِلنْسِ يَعُوذُو َ كما قال تعالى(( :وَإِ ّنهُ كَا َ
وهؤلء يؤمن بهم وبمن ينتحلهم من المشايخ طوائف ضالون ،لكن المشايخ الذين ينتحلون رجال
الغيـب ل يحصـل بهـم مـن الفسـاد مـا يحصـل بالذيـن يدّعون المام المعصـوم ،بـل المفسـدة والشـر
الحاصـل فـي هؤلء أكثـر ،فإنهـم يدّعون الدعوة إلى إمام معصـوم ،ول يوجـد لهـم أئمـة ذووا سـيف
يستعينون بهم ،إل كافر أو فاسق أو منافق أو جاهل ،ل تخرج رءوسهم عن هذه القسام.
والسـماعيلية شـر منهـم ،فإنهـم يدعون إلى المام المعصـوم ،ومنتهـى دعوتهـم إلى رجال ملحدة
منافقين فسّاق ،ومنهم من هو شر في الباطن من اليهود والنصارى.
فالداعون إلى المعصوم ل يدعون إلى سلطان معصوم ،بل إلى سلطان كفور أو ظلوم ،وهذا أمر
مشهور يعرفه كل من له خبرة بأحوالهم.
وقــد قال تعالى(( :يععا َأيّهَعا الّذِينعَع آ َمنُوا أَطِيعُوا الَع وََأطِيعُوا الرّس عُولَ وَأُولِي ا َل ْمرِ ِمنْكُم عْ فَإِنععْ
خ ْيرٌ َوأَحْ سَنُ ن بِالِ وَا ْل َيوْ مِ الخِر َذلِ كَ َ
شيْءٍ َفرُدّو هُ إِلَى الِ وَالرّ سُولِ ِإ نْ ُكنْتُ ْم ُتؤْ ِمنُو َ
عتُ مْ فِي َ
تَنَا َز ْ
67
تَ ْأوِيلً))[النساء ،.]59:فأمر ال المؤمنين عند التنازع بالرد إلى ال والرسول ،ولو كان للناس معصوم
غيـر الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم لمرهـم بالرد إليـه ،فدل القرآن على أنـه ل معصـوم إل الرسـول
صلى ال عليه وسلم.
(فصععل)
وأما قوله( :ولم يجعلوا الئمة محصورين في عدد معين) فهذا حق .وذلك أن ال تعالى قال(( :يا
َأيّهَعا الّذِين َع آمَنُوا َأطِيعُوا الَع وَأَطِيعُوا الرّس عُولَ وَأُولِي ا َل ْمرِ ِمنْكُعم))[النســاء ،]59:ولم يوقّتهــم بعدد
معين.
وكذلك قال النبي صلى ال عليه وسلم في الحاديث الثابتة عنه المستفيضة لم يوقّت ولة المور
في عدد معين ،ففي الصحيحين عن أبي ذر قال( :إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا
حبشيًا مجدّع الطراف)(.)1
(فصععل)
وأمعا قوله عنهعم( :كـل مـن بايـع قرشيًا انعقدت إمامتـه ووجبـت طاعتـه على جميـع الخلق إذا كان
مستور الحال ،وإن كان على غاية من الفسق والكفر والنفاق).
فجوابه من وجوه:
أحدها :أن هذا ليس من قول أهل السنة والجماعة ،وليس مذهبهم أنه بمجرد مبايعة واحد قرشي
تنعقـد بيعتـه ،ويجـب على جميـع الناس طاعتـه ،وهذا وإن كان قـد قاله بعـض أهـل الكلم ،فليـس هـو
ل بغيـر قول أهـل السـنة والجماعـة ،بـل قـد قال عمـر بـن الخطاب رضـي ال عنـه( :مـن بايـع رج ً
مشورة المســلمين ،فل يبايــع هــو ول الذي بايعــه ت ِغرّة أن يُقتل) .الحديــث رواه البخاري ،وســيأتي
بكماله إن شاء ال تعالى.
الوجعه الثانعي :أنهـم ل يوجبون طاعـة المام فـي كـل مـا يأمـر بـه ،بـل ل يوجبون طاعتـه إل فيمـا
تسـوغ طاعتـه فيـه فـي الشريعـة ،فل يجوّزون طاعتـه فـي معصـية ال وإن كان إمامًا عادلً ،وإذا
أمرهم بطاعة ال فأطاعوه ،مثل :أن يأمرهم بإقامة الصلة ،وإيتاء الزكاة ،والصدق والعدل والحج
والجهاد في سبيل ال ،فهم في الحقيقة إنما أطاعوا ال ،والكافر والفاسق إذا أمر بما هو طاعة ل لم
تحرم طاعـة ال ول يسقط وجوبهـا لجل أمـر ذلك الفاسـق بها ،كمـا أنه إذا تكلم بحـق لم يجز تكذيبـه
ول يسـقط وجوب اتباع الحـق لكونـه قـد قاله فاسـق ،فأهـل السـنة ل يطيعون ولة المور مطلقـا ،إنمـا
يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول صلى ال عليه وسلم.
كمـا قال تعالى(( :أَطِيعُوا الَ وَأَطِيعُوا الرّسعُولَ وَأُولِي ا َل ْمرِ ِمنْكُم))[النسـاء .]59:فأمـر بطاعـة ال
ن يُطِ عِ الرّ سُولَ فَقَدْ أَطَا عَ ال))[النسـاء:
مطلقًا ،وأمر بطاعة الرسول لنه ل يأمر إل بطاعة ال ((م ْ
.]80و جعل طاعة أولي المر داخلة في ذلك ،فقال(( :وَأُول يِ ا َل ْم ِر مِنْكُم))[النساء ]59:ولم يذكر لهم
طاعة ثالثة ،لن ولي المر ل يطاع طاعة مطلقة ،إنما يطاع في المعروف.
()2
كمـا قال النـبي صـلى ال تعالىعليـه وسـلم( :إنمـا الطاعـة فـي المعروف) ،وقال( :ل طاعـة فـي
معصــية ال)()3و(ل طاعــة لمخلوق فــي معصــية الخالق)( )4وقال( :مــن أمركــم بمعصــية ال فل
)(1مسلم ( )1/448و( )3/1467وأبو داود (.)2/955
)(2السند (.)436 ،427 ،4/426
)(3السند (.)436 ،427 ،4/426
)(4السند (.)5/66
68
تطيعوه)(.)5
وقال هؤلء الرافضـة المنسـوبين إلى شيعـة عليّـ رضـي ال عنـه :إنـه تجـب طاعـة غيـر الرسـول
صـلى ال عليـه وسـلم مطلقًا فـي كـل مـا أمـر بـه ،أفسـد مـن قول مـن كان منسـوبا إلى شيعـة عثمان
رضـي ال عنـه مـن أهـل الشام مـن أنـه يجـب طاعـة ولي المـر مطلقًا ،فإن أولئك كانوا يطيعون ذا
السلطان وهو موجود ،وهؤلء يوجبون طاعة معصوم مفقود.
وأيضًا :فأولئك لم يكونوا يدّعون فـي أئمتهـم العصـمة التـي تدعيهـا الرافضـة ،بـل كانوا يجعلونهـم
كالخلفاء الراشديــن وأئمــة العدل الذيــن يقلدون فيمــا ل تعرف حقيقــة أمره ،أو يقولون :إن ال يقبــل
منهم الحسنات ويتجاوز عن السيئات .وهذا أهون ممن يقول :إنهم معصومون ول يخطئون.
فتبين ان هؤلء المنسوبين إلى النصب من شيعة عثمان ،وإن كان فيهم خروج عن بعض الحق
والعدل ،فخروج الماميـة عـن الحـق والعدل أكثـر وأشـد ،فكيـف بقول أئمـة السـنة الموافـق للكتاب
والسنة ،وهو المر بطاعة ولي المر فيما يأمر به من طاعة ال ،دون ما يأمر به من معصية ال.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وذهـب الجميـع منهـم إلى القول بالقياس ،والخـذ بالرأي ،فأدخلوا فـي ديـن ال مـا
ليـس منـه ،وحرّفوا أحكام الشريعـة ،وأحدثوا مذاهـب أربعـة لم تكـن فـي زمـن النـبي صـلى ال عليـه
وسـلم ول زمـن صـحابته ،وأهملوا أقاويـل الصـحابة ،مـع أنهـم نصـّوا على ترك القياس ،وقالوا :أول
من قاس إبليس).
فيقال :الجواب عن هذا من وجوه:
أحدهععا :أن دعواه على جميــع أهــل الســنة المثبتيــن لمامــة الخلفاء الثلثــة أنهــم يقولون بالقياس
دعوى باطلة ،قـد عُرف فيهـم طوائف ل يقولون بالقياس ،كالمعتزلة البغدادييـن ،وكالظاهريـة كداود
وابن حزم وغيرهما ،وطائفة من أهل الحديث والصوفية.
وأيضًا :ففـي الشيعـة مـن يقول بالقياس كالزيديـة ،فصـار النزاع فيـه بيـن الشيعـة كمـا هـو بيـن أهـل
السنة والجماعة.
الثانععي :أن يقال :القياس ولو قيــل :إنــه ضعيــف هــو خيــر مــن تقليــد مــن لم يبلغ فــي العلم مبلغ
المجتهدين ،فإن كل من له علم وإنصاف يعلم أن مثل :مالك والليث بن سعد والوْزاعي وأبي حنيفة
والثّوري وابــن أبــى ليلى ،ومثــل :الشافعــي وأحمــد إســحاق وأبــى عبيــد وأبــى َثوْر أعلم وأفقــه مــن
العسكريين أمثالهما.
وأيضًا :فهؤلء خير من المنتظر الذي ل يعلم ما يقول ،فإن الواحد من هؤلء إن كان عنده نص
منقول عن النبي صلى ال عليه وسلم فل ريب أن النص الثابت عن النبي صلى ال عليه وسلم مقدّم
على القياس بل ريـب ،وإن لم يكـن عنده نـص ولم يقـل بالقياس كان جاهلً ،فالقياس الذي يفيـد الظـن
خير من الجهل الذي ل علم معه ول ظن.
فإن قال هؤلء :كل ما يقولونه هو ثابت عن النبي صلى ال عليه وسلم كان هذا أضعف من قول
مـن قال :كـل مـا يقوله المجتهـد فإنـه قول النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،فإن هذا يقوله طائفـة مـن أهـل
الرأي ،وقولهم أقرب من قول الرافضة ،فإن قول أولئك كذب صريح.
وأيضًا :فهذا كقول من يقول :عمل أهل المدينـة متلقـى عـن الصحابة ،وقول الصحابة متلقـى عـن
النبي صلى ال عليه وسلم ،وقول من يقول :ما قاله الصحابة في غير مجاري القياس فإنه ل يقوله
)(5السند ( )3/67وابن ماجة (.)2/955
69
إل توقيفًا عن النبي صلى ال عليه وسلم ،وقول من يقول :قول المجتهد أو الشيخ العارف هو إلهام
من ال ووحي يجب اتباعه.
فإن قال :هؤلء تنازعوا؟
قيععل :وأولئك تنازعوا ،فل يمكــن أن تدّعــي دعوى باطلة إل أمكــن معارضتهــم بمثلهــا أو بخيــر
منها ،ول يقولون حقّا إل كان في أهل السنة والجماعة من يقول مثل ذلك الحق أو ما هو خير منه،
جئْنَاك َع بِالْحَقّ
فإن البدعــة مــع الســنة كالكفــر مــع اليمان .وقــد قال تعالى(( :وَ َل يَ ْأتُونَك َع ِبمَ َثلٍ إِلّ ِ
ن تَ ْفسِيرًا))[الفرقان..]33:
حسَ َ
وَأَ ْ
الثالث :أن يقال :الذيـن أدخلوا فـي ديـن ال مـا ليـس منـه وحرّفوا أحكام الشريعـة ،ليسـوا فـي طائفـة
أكثر منهم في الرافضة ،فإنهم أدخلوا في دين ال من الكذب على رسول ال صلى ال عليه وسلم ما
لم يكذبــه غيرهــم ،وردّوا مــن الصــدق مــا لم يرده غيرهــم ،وحرّفوا القرآن تحريفًا لم يحرّفــه أحــد
ن يُقِيمُو نَ ال صّلَةَ ن آمَنُوا الّذِي َغيرهم ،مثل قولهم :إن قوله تعالىِ(( :إ ّنمَا َوِليّكُ مُ الَ َورَ سُو َلهُ وَالّذِي َ
ي لما تصدق بخاتمه في الصلة. َويُ ْؤتُونَ الزّكَا َة وَ ُه ْم رَاكِعُون))[المائدة .]55:نزلت في عل ّ
ح َريْنععععِ))[الرحمـــــن :]19:علي وفاطمــــة(( ،يخرُجععععُ ِم ْنهُمَعععا الّلؤُْلؤُ وقوله تعالى(( :مرَجععععَ ا ْلبَ ْ
صيْنَاهُ فِي ِإمَا ٍم ُمبِين))[يـس .]12:علي شيْءٍ أَحْ َوَا ْل َمرْجَان))[الرحمـن :]22:الحسن والحسين(( ،وَ ُكلّ َ
عمْرَانعَ))[آل عمران ]33:هـم آل أبـي طفَى آدَمَع َونُوحًا وَآلَ ِإ ْبرَاهِيعم وَآلَ ِبـن أبـي طالب ((إِنّ الَ اصْع َ
جرَةَطالب واسـم أبـي طالب عمران(( ،فقاتلوا َأئِ ّمةَ ا ْلكُفْر))[التوبــة :]12:طلحـة والزبيـر(( ،وَالشّ َ
ا ْلمَلْعُونَةَ فِي الْ ُقرْآن))[الســراء ]60:هـم بنـو أميـة(( ،إِنّ الَ يَ ْأ ُمرُكُم أَنْع تَذْبَحُوا بَ َقرَة))[البقرة:]67:
عمَلُكَ))[الزمر :]65:لئن أشركت بين أبي بكر وعلي في الولية. حبَطَنّ َ شرَكْتَ َليَ ْ
عائشة و((لئنْ َأ ْ
وكل هذا وأمثاله وجدته في كتبهم ،ثم من هذا دخلت السماعيلية والنصيرية في تأويل الواجبات
والمحرّمات ،فهم أئمة التأويل ،الذي هو تحريف الكلم عن مواضعه ،ومن تدبر ما عندهم وجد فيه
مـن الكذب فـي المنقولت ،والتكذيـب بالحـق منهـا والتحريـف لمعانيهـا ،مـا ل يوجـد فـي صـنف مـن
المسـلمين ،فهـم قطعًا أدخلوا فـي ديـن ال مـا ليـس منـه أكثـر مـن كـل أحـد ،وحرّفوا كتابـه تحريفًا لم
يصل غيرهم إلى قريب منه.
الوجعه الرابعع :قوله( :وأحدثوا مذاهـب أربعـة لم تكـن فـي زمـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ول
زمن صحابته ،وأهملوا أقاويل الصحابة).
فيقال له :متـى كان مخالفـة الصـحابة والعدول عـن أقاويلهـم منكرًا عنـد الماميـة؟ وهؤلء متفقون
على محبـة الصـحابة وموالتهـم وتفضيلهـم على سـائر القرون ،وعلى أن إجماعهـم حجـة ،وعلى أنـه
ليـس لهـم الخروج عن إجماعهـم ،بـل عامة الئمـة المجتهديـن يصـرّحون بأنـه ليـس لنـا أن نخرج عن
أقاويـل الصـحابة ،فكيـف يطعـن عليهـم بمخالفـة الصـحابة مـن يقول :إن إجماع الصـحابة ليـس بحجـة،
وينسبهم إلى الكفر والظلم؟
فإن كان إجماع الصحابة حجة فهو حجة على الطائفتين ،وإن لم يكن حجة فل يحتج به عليهم.
وإن قال :أهل السنة يجعلونه حجة وقد خالفوه؟
قيعل :أمـا أهـل السـنة فل يتصـور أن يتفقوا على مخالفـة إجماع الصـحابة ،وأمـا الماميـة فل ريـب
أنهـم متفقون على مخالفـة إجماع العترة النبويـة ،مـع مخالفـة إجماع الصـحابة ،فإن لم يكـن فـي العترة
النبويـة –بنـو هاشـم – على عهـد النـبي صـلى ال عليـه وسـلم وأبـي بكـر وعمـر وعثمان وعلي رضـي
ال عنهـم مـن يقول بإمامـة الثنـي عشـر ول بعصـمة أحـد بعـد النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،ول بكفـر
70
الخلفاء الثلثة ،بل ول من يطعن في إمامتهم ،بل ول من ينكر الصفات ،ول من يكذب بالقدر.
فالماميـة بل ريـب متفقون على مخالفـة إجماع العترة النبويـة ،مـع مخالفتهـم لجماع الصـحابة،
فكيف ينكرون على من لم يخالف ل إجماع الصحابة ول إجماع العترة؟
الوجعه الخامعس :أن قوله( :أحدثوا مذاهـب أربعـة لم تكـن على عهـد رسـول ال صـلى ال عليـه
وسلم) إن أراد بذلك أنهم اتفقوا على أن يحدثوا هذه المذاهب مع مخالفة الصحابة فهذا كذب عليهم،
فإن هؤلء الئمـة لم يكونوا فـي عصـر واحـد ،بـل أبـو حنيفـة توفـي سـنة خمسـين ومائة ،ومالك سـنة
تسـع وسـبعين ومائة ،والشافعـي سـنة أربـع ومائتيـن ،وأحمـد بـن حنبـل سـنة إحدى وأربعيـن ومائتيـن،
وليس في هؤلء من يقلد الخر ،ول من يأمر باتّباع الناس له ،بل كل منهم يدعو إلى متابعة الكتاب
والسنة ،وإذا قال غيره قولً يخالف الكتاب والسنة عنده رده ،ول يوجب على الناس تقليده.
وإن قلت :إن هذه المذاهـب اتّبعهـم الناس ،فهذا لم يحصـل بموطأة ،بـل اتفـق أن قومًا اتّبعوا هذا،
وقومًـا اتبعوا هذا ،كالحجاج الذيــن طلبوا مــن يدلهــم على الطريــق ،فرأى قوم هذا الدليــل خــبيرًا
فاتّبعوه ،وكذلك الخرون.
وإذا كان كذلك لم يكـن فـي ذلك اتفاق أهـل السـنة على باطـل ،بـل كـل قوم منهـم ينكرون مـا عنـد
غيرهـم مـن الخطأ ،فلم يتفقوا على أن الشخص المعيّن عليـه أن يقبل مـن كل من هؤلء مـا قاله ،بل
ي بتقليد شخص معيّن غير النبي صلى ال عليه وسلم في كل ما يقوله. جمهورهم ل يأمرون العام ّ
وال تعالى قــد ضمــن العصــمة للمــة ،فمــن تمام العصــمة أن يجعــل عددًا مــن العلماء إن أخطــأ
الواحد منهم في شيء كان الخر قد أصاب فيه حتى ل يضيع الحق ،ولهذا لما كان في قول بعضهم
من الخطأ مسائل ،كبعض المسائل التي أوردها ،كان الصواب في قول الخر ،فلم يتفق أهل السنة
على ضللة أصـلً ،وأمـا خطـأ بعضهـم فـي بعـض الديـن ،فقـد قدّمنـا فـي غيـر مرة أن هذا ل يضـر،
كخطأ بعض المسلمين ،وأما الشيعة فكل ما خالفوا فيه أهل السنة كلهم فهم مخطئون فيه ،كما أخطأ
اليهود والنصارى في كل ما خالفوا فيه المسلمين.
الوجه السادس :أن يُقال :قوله( :إن هذه المذاهب لم تكن في زمن النبي صلى ال عليه وسلم ول
الصحابة) إن أراد أن القوال التي لهم لم تنقل عن النبي صلى ال عليه وسلم ول عن الصحابة ،بل
تركوا قول النـبي صـلى ال عليـه وسـلم والصـحابة وابتدعوا خلف ذلك ،فهذا كذب عليهـم ،فإنهـم لم
يتفقوا على مخالفة الصحابة ،بل هم -وسائر أهل السنة -متبعون للصحابة في أقوالهم ،وإن قدّر أن
بعض أهل السنّة خالف الصحابة لعدم علمه بأقاويلهم ،فالباقون يوافقون ويثبتون خطأ من يخالفهم،
وإن أراد أن نفس أصحابها لم يكونوا في ذلك الزمان ،فهذا ل محذور فيه ،فمن المعلوم أن كل قرن
يأتي يكون بعد القرن الول.
الوجعه السعابع :قوله( :وأهملوا أقاويـل الصـحابة) كذب منـه ،بـل كتـب أرباب المذاهـب مشحونـة
بنقل أقاويل الصحابة والستدلل بها ،وإن كان عند كل طائفة منها ما ليس عند الخرى .وإن قال:
أردت بذلك أنهـم ل يقولون :مذهـب أبـي بكـر وعمـر ونحـو ذلك ،فسـبب ذلك أن الواحـد مـن هؤلء
جمــع الثار ومــا اســتنبطه منهــا ،فأضيــف ذلك إليــه ،كمــا تضاف كتــب الحديــث إلى مــن جمعهــا،
كالبخاري ومسلم وأبي داود ،،وكما تضاف القراءات إلى من اختارها ،كنافع وابن كثير.
ل عمـن قبله ،لكنـه وغالب مـا يقوله هؤلء منقول عمـن قبلهـم ،وفـي قول بعضهـم مـا ليـس منقو ً
اسـتنبطه مـن تلك الصـول ،ثـم قـد جاء بعده مـن تعقـب أقواله فـبيّن منهـا مـا كان خطـأ عنده ،كـل ذلك
حفظًـا لهذا الديــن ،حتــى يكون أهله كمــا وصــفهم ال بــه ((ي ْأ ُمرُونعَع بِا ْلمَ ْعرُوفعِع َويَ ْن َهوْنععَ عَنععِ
71
ا ْلمُنْكَر))[التوبة ]71:فمتى وقع من أحدهم منكر خطأ أو عمدًا أنكره عليه غيره.
حرْثِع إِذوليـس العلماء بأعظـم مـن النـبياء ،وقـد قال تعالى(( :وَدَاوُ َد وَسُعَل ْيمَانَ ِإ ْذ يَحْ ُكمَانِع فِي الْ َ
وعِ ْلمًا)) [النـبياء:
ن وَ ُكلّ آ َت ْينَا حُ ْكمًا َغنَمُع الْ َقوْم وَ ُكنّاع لِحُ ْك ِمهِمْع شَاهِدِيعن * فَ َف ّهمْناهَا سُعَل ْيمَا َ
نَ َفشَتْع فِيهِع َ
.]79-78
وثبـت فـي الصـحيحين ،عـن ابـن عمـر رضـي ال عنهمـا ،أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم قال
لصـحابه عام الخندق( :ل يصـلين أحـد العصـر إل فـي بنـي قريظـة ،فأدركتهـم صـلة العصـر فـي
الطريـق ،فقال بعضهـم:لم يُرد منـا تفويـت الصـلة ،فصـلّوا فـي الطريـق .وقال بعضهـم :ل نصـلي إل
في بني قريظة ،فصلوا العصر بعد ما غربت الشمس ،فما عنّف واحدة من الطائفتين)( )1فهذا دليل
على أن المجتهديـن يتنازعون فـي فهـم كلم رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،وليـس كـل واحـد منهـم
آثمًا.
الوجعه الثامعن :أن أهـل السـنة لم يقـل أحـد منهـم :إن إجماع الئمـة الربعـة حجـة معصـومة ،ول
قال :إن الحق منحصر فيها ،وإن ما خرج عنها باطل ،بل إذا قال من ليس من أتباع الئمة ،كسفيان
الثوري والوزاعـي والَليْث بـن سـعد ومـن قبلهـم ومـن بعدهـم مـن المجتهديـن قولً يخالف قول الئمـة
الربعة ،رُدّ ما تنازعوا فيه إلى ال ورسوله ،وكان القول الراجح هو القول الذي قام عليه الدليل.
الوجه التاسع :قوله( :الصحابة نصوا على ترك القياس).
يقال له :الجمهور الذيــن يثبتون القياس قالوا :قــد ثبــت عــن الصــحابة أنهــم قالوا بالرأي واجتهاد
الرأي وقاسوا ،كما ثبت عنهم ذم ما ذموه من القياس .قالوا :وكل القولين صحيح ،فالمذموم القياس
المعارض للنص ،كقياس الذين قالوا :إنما البيع مثل الربا ،وقياس إبليس الذي عارض به أمر ال له
بالسجود لدم ،وقياس المشركين الذين قالوا :أتأكلون ما قتلتم ول تأكلون ما قتله ال؟ قال ال تعالى:
شيَاطِينَ َليُوحُونَ ِإلَى َأوْ ِليَا ِئهِمْ ِليُجَادِلُو ُك ْم وَإِنْ أَطَ ْع ُتمُوهُمْ ِإنّكُم ال ُمشْرِكُون))[النعام.]121: ((وَإِنّ ال ّ
وكذلك القياس الذي ل يكون الفرع فيـه مشاركًا للصـل فـي مناط الحكـم ،فالقياس يُذم إمـا لفوات
شرطه ،وهو عدم المساواة في مناط الحكم ،وإما لوجود مانعه ،وهو النص الذي يجب تقديمه عليه،
وإن كانــا متلزمَيْـن فــي نفــس المــر ،فل يفوت الشرط إل والمانــع موجود ،ول يوجــد المانــع إل
والشرط مفقود.
فأما القياس الذي يستوي فيه الصل والفرع في مناط الحكم ولم يعارضه ما هو أرجح منه ،فهذا
هو القياس الذي يتبع.
ول ريـب أن القياس فيـه فاسـد ،وكثيـر مـن الفقهاء قاسـوا أقيسـة فاسـدة ،بعضهـا باطـل بالنـص،
وبعضهـا ممـا اتفـق على بطلنـه ،لكـن بطلن كثيـر مـن القياس ل يقتضـي بطلن جميعـه ،كمـا أن
وجود الكذب في كثير من الحديث ل يوجب كذب جميعه.
(فصععل)
قال الرافضي( :الوجه الثاني :في الدللة على وجوب اتّباع مذهب المامية :ما قاله شيخنا المام
العظـم خواجـه نصـير الملة والحـق والديـن محمـد بـن الحسـن الطوسـي ،قدّس ال روحـه ،وقـد سـألته
عـن المذاهـب؟ فقال :بحثنـا عنهـا وعـن قول رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم( :سـتفترق أمتـي على
ثلث وسـبعين فرقـه ،منهـا فرقـة ناجيـة ،والباقـي فـى النار)( )2وقـد عيـن الفرقـة الناجيـة والهالكـة فـي
)(1البخاري ( ،)5/112ومسلم (.)3/1391
)(2سنن أب داود ( )4/276والترمذي (.)4/134
72
حديث آخر صحيح متفق عليه ،وهو قوله( :مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح :من ركبها نجا ،ومن
تخلف عنهـا غرق) ،فوجدنـا الفرقـة الناجيـة هـي فرقـة الماميـة ،لنهـم باينوا جميـع المذاهـب ،وجميـع
المذاهب قد اشتركت في أصول العقائد).
فيقال :الجواب من وجوه:
أحدها :أن هذا المامي قد كّفر من قال :إن ال موجب بالذات ،كما تقدم من قوله :يلزم أن يكون
ال موجبًا بذاته ل مختارًا فيلزم الكفر.
وهذا الذي جعله شيخه العظم واحتج بقوله ،هو ممن يقول :بأن ال موجب بالذات ،ويقول :بقدم
العالم ،كما ذكرذلك فى كتاب( :شرح الشارات) له .فيلزم على قوله أن يكون شيخه هذا الذي احتج
به كافرًا ،والكافر ل يُقبل قوله في دين المسلمين.
الثاني :أن هذا الرجل قد اشتهر عند الخاص والعام أنه كان وزير الملحدة الباطنية السماعيلية
باللموت( ،)1ثــم لمــا قدم الترك المشركون إلى بلد المســلمين ،وجاءوا الى بغداد دار الخلفــة ،كان
هذا منجمًا مشيرًا لملك الترك المشركيـن هولكـو أشار عليـه بقتـل الخليفـة ،وقتـل أهـل العلم والديـن،
واســتبقاء أهــل الصــناعات والتجارات الذيــن ينفعونــه فــي الدنيــا ،وأنــه اســتولى على الوقــف الذي
للمسـلمين ،وكان يعطـي منـه مـا شاء ال لعلماء المشركيـن وشيوخهـم مـن البخشيـة السـحرة وأمثالهـم،
وأنه لما بنى الرّصد الذي بمراغة على طريق الصابئة المشركين ،كان أبخس الناس نصيبًا منه من
ل الملل أقرب ،وأوفرهـم نصـيبًا مـن كان أبعدهـم عـن الملل ،مثـل :الصـابئة المشركيـن، كان إلى أه ِ
ومثل :المعطّلة وسائر المشركين ،وإن ارتزقوا بالنجوم والطب ونحو ذلك.
ومــن المشهور عنــه وعــن أتباعــه الســتهتار بواجبات الســلم ومحرّماتــه ،ل يحافظون على
الفرائض كالصـلوات ،ول ينزعون عـن محارم ال مـن الفواحـش والخمـر وغيـر ذلك مـن المنكرات،
حتى أنهم في شهر رمضان يُذكر عنهم من إضاعة الصلوات ،وارتكاب الفواحش ،وشرب الخمر
مـا يعرفـه أهـل الخـبرة بهـم ،ولم يكـن لهـم قوة وظهور إل مـع المشركيـن ،الذيـن دينهـم شـر مـن ديـن
اليهود والنصارى.
ولهذا كان كلمـا قوى السـلم فـي المغـل وغيرهـم مـن ترك ،ضعـف أمـر هؤلء لفرط معاداتهـم
للســلم وأهله ،ولهذا كانوا مــن أنقــص الناس منزلة عنــد الميــر نوروز المجاهــد فــي ســبيل ال
الشهيـد ،الذي دعـا ملك المغـل غازان إلى السـلم ،والتزم له أن ينصـره إذا أسـلم ،وقتـل المشركيـن
الذين لم يسلموا من البخشية السحرة وغيرهم ،وهدم البذخانات ،وكسر الصنام ومزق سدنتها كل
ممزق ،وألزم اليهود والنصارى بالجزية والصغار ،وبسببه ظهر السلم في المغل وأتباعهم.
وبالجملة ..فأمـر هذا الطوسـي وأتباعـه عنـد المسـلمين أشهـر وأعرف مـن أن يعرف ويوصـف،
ومع هذا فقد قيل :إنه كان آخر عمره يحافظ على الصلوات الخمس ويشتغل بتفسير البغوى والفقه
ونحو ذلك ،فإن كان قد تاب من اللحاد فال يقبل التوبة عن عباده ،ويعفو عن السيئات ،وال تعالى
يقول(( :يععا عباِدي عَ الّذِين عَ أَس ْعرَفوا عَلَى أنفس ِعهِ ْم ل تَ ْقنَطوا مِن رّحْمَة ال إنّ الَ يَغْفِر الذُنوب عَ
ج ِميْعَاً))[الزمر.]53:
َ
لكـن مـا ذكره عـن هذا ،إن كان قبـل التوبـة لم يُقبـل قوله ،وإن كان بعـد التوبـة لم يكـن قـد تاب مـن
الرفـض ،بـل مـن اللحاد وحده ،وعلى التقديريـن فل يُقبـل قوله .والظهـر أنـه إنمـا كان يجتمـع بـه
وبأمثاله لما كان منجمًا للمغل المشركين ،واللحاد معروف من حاله إذ ذلك.
)(1اسم قلعه ف جبال الديلم بناها أحد ملوك الديلم.
73
فمــن يقدح فــي مثــل أبــي بكــر وعمــر وعثمان وغيرهــم مــن الســابقين الوّليــن مــن المهاجريــن
والنصـار ،ويطعـن على مثـل :مالك والشافعـي وأبـي حنيفـة وأحمـد بـن حنبـل وأتباعهـم ،ويعيرهـم
بغلطات بعضهـم فـي مثـل إباحـة الشطرنـج والغناء ،كيـف يليـق بـه أن يحتـج لمذهبـه بقول مثـل هؤلء
الذيـن ل يؤمنون بال ول باليوم الخـر ،ول يحرّمون مـا حرم ال ورسـوله ،ول يدينون ديـن الحـق،
ويسـتحلون المحرّمات المجمـع على تحريمهـا ،كالفواحـش والخمـر فـي مثـل شهـر رمضان ،الذيـن
أضاعوا الصلة واتّبعوا الشهوات ،وخرقوا سياج الشرائع ،واستخفّوا بحرمات الدين ،وسلكوا غير
طريق المؤمنين ،فهم كما قيل فيهم:
الدين يشكو بليععة من فرقة فلسفعية
ل يشهدون صعلة إل لجعل التقيعة
سياسعة معدنعية ول ترى الشرع إل
ويؤثعرون عليعه مناهجعًا فلسعفيعة
ولكن هذا حال الرافضة :دائما يعادون أولياء ال المتقين ـ من السابقين الولين ،من المهاجرين
والنصار ،والذين اتبعوهم بإحسان ،ويوالون الكفّار والمنافقين؛ فإن أعظم الناس نفاقًا في المنتسبين
إلى السلم هم الملحدة الباطنية السماعيلية ،فمن احتج بأقوالهم في نصرة قوله ،مع ما تقدم من
طعنه على أقوال أئمة المسلمين – كان من أعظم الناس موالة لهل النفاق ،ومعاداة لهل اليمان.
ومن العجب أن هذا المصنف الرافضي الخبيث الكذّاب المفتري ،يذكر أبا بكر وعمر وعثمان،
وسائر السابقين الوّلين والتابعين ،وسائر أئمة المسلمين من أهل العلم والدين بالعظائم التي يفتريها
عليهـم هـو وإخوانـه ،ويجيـء إلى مـن قـد اشتُهـر عنـد المسـلمين بمحادتـه ل ورسـوله ،فيقول( :قال
شيخنـا العظـم) ،ويقول (قدس ال روحـه) مـع شهادتـه بالكفـر عليـه وعلى أمثاله ،ومـع لعنـة طائفتـه
لخيار المؤمنين من الولين والخرين.
وهؤلء داخلون فــي معنــى قوله تعالى(( :أَلَم ْع َترَ إِلَى الّذِين عَ أُوتُوا نَص عِيبًا مِن عَ ا ْل ِكتَاب ِع ُي ْؤ ِمنُون عَ
ن آمَنُوا سَبِيلً * ُأوْ َلئِكَ الّذِينَ لَ َع َنهُمُت َويَقُولُونَ ِللّذِينَ كَ َفرُوا َهؤُلءِ أَهْدَى مِنَ الّذِي َت وَالطّاغُو ِ جبْ ِ
بِا ْل ِ
ن تَجِدَ َلهُ َنصِيرًا))[النساء.]52-51:ن يَ ْلعَنِ الُ َفلَ ْ
ل وَمَ ْ
ا ُ
فإن هؤلء المامية أوتوا نصيبًا من الكتاب ،إذ كانوا مقرّين ببعض ما في الكتاب المنزّل ،وفيهم
شعبـة مـن اليمان بالجبـت وهـو السـحر ،والطاغوت وهـو كـل مـا يعبـد مـن دون ال ،فإنهـم يعظّمون
الفلســفة المتضمنــة لذلك ،ويرون الدعاء والعبادة للموتــى ،واتخاذ المســاجد على القبور ،ويجعلون
السفر إليها حجًا له مناسك ،ويقولون( :مناسك حج المشاهد).
وحدثني الثقات أن فيهم من يرون الحج إليها أعظم من الحج إلى البيت العتيق! فيرون الشراك
بال أعظم من عبادة ال ،وهذا من أعظم اليمان بالطاغوت.
وهــم يقولون لمــن يقرّون بكفره مــن القائليــن بقدم العالم ودعوة الكواكــب والمســوّغين للشرك:
هؤلء أهدى مـن الذيـن آمنوا سـبيلً ،فإنهـم فضّلوا هؤلء الملحدة المشركيـن على السـابقين الوّليـن
مـن المهاجريـن والنصـار والذيـن اتبعوهـم بإحسـان ،وليـس هذا ببدع مـن الرافضـة ،فقـد عُرف مـن
موالتهـم لليهود والنصـارى والمشركيـن ومعاونتهـم على قتال المسـلمين مـا يعرفـه الخاص والعام،
حتــى قيــل :إنــه مــا اقتتــل يهودي ومســلم ،ول مشرك ومســلم – إل كان الرافضــي مــع اليهودي
والنصراني والمشرك.
الوجه الثالث :أنه قد عرف كل أحد أن السماعيلية والنصيرية هم من الطوائف الذين يظهرون
74
التشيـع ،وإن كانوا في الباطـن كفّارا منسلخين مـن كـل ملة ،والنصـيرية هم مـن غلة الرافضة الذين
يدّعون إلهية عليّ ،وهؤلء أكفر من اليهود والنصارى باتفاق المسلمين.
والســماعيلية الباطنيــة أكفــر منهــم ،فإن حقيقــة قولهــم التعطيــل ،أمــا أصــحاب الناموس الكــبر
والبلغ العظـم ،الذي هـو آخـر المراتـب عندهـم ،فهـم مـن الدهريـة القائليـن بأن العالم ل فاعـل له :ل
علة ول خالق .ويقولون :ليـس بيننـا وبيـن الفلسـفة خلف إل فـي واجـب الوجود ،،فإنهـم يثبتونـه،
وهـو شيـء ل حقيقـة له ،ويسـتهزئون بأسـماء ال عـز وجـل ،ول سـيما هذا السـم الذي هـو ال ،فإن
منهم من يكتبه على أسفل قدميه ويطؤه.
وأمـا مـن هـو دون هؤلء فيقولون بالسـابق وبالتالي ،اللذيـن عبّروا بهمـا عـن العقـل والنفـس عنـد
الفلسـفة ،وعـن النور والظلمـة عنـد المجوس ،وركّبوا لهـم مذهبًا مـن مذاهـب الصـابئة والمجوس
ظاهره التشيع.
ول ريب أن المجوس والصابئة شر من اليهود والنصارى ،ولكن تظاهروا بالتشيع.
قالوا:لن الشيعة أسرع الطوائف استجابة لنا ،لما فيهم من الخروج عن الشريعة ،ولما فيهم من
الجهل وتصديق المجهولت.
ولهذا كان أئمتهــم فــي الباطــن فلســفة ،كالنصــير الطوســي هذا ،وكســنان البصــري الذي كان
بحصونهم بالشام ،وكان يقول :قد رَفَعت عنهم الصوم والصلة والحج والزكاة.
فإذا كانـت السـماعيلية إنمـا يتظاهرون فـي السـلم بالتشيـع ،ومنـه دخلوا وبـه ظهروا ،وأهله هـم
المهاجرون إليهــم ،ل إلى ال ورســوله ،وهــم أنصــارهم ل أنصــار ال ورســوله – عُلم أن شهادة
السماعيلية للشيعة بأنهم على حق شهادة مردودة باتفاق العقلء.
فإن هذا الشاهعد :إن كان يعرف أن مـا هـو عليـه مخالف لديـن السـلم فـي الباطـن ،وإنمـا أظهـر
التشيع لينفق به عند المسلمين ،فهو محتاج إلى تعظيم التشيع ،وشهادته له شهادة المرء نفسه ،فهو
كشهادة الدمـي لنفسـه ،لكنـه فـي هذه الشهادة يعلم أنـه يكذب ،وإنمـا كذب فيهـا كمـا كذب فـي سـائر
أحواله ،وإن كان يعتقـد ديـن السـلم فـي الباطـن ،ويظـن أن هؤلء على ديـن السـلم ،كان أيضًا
شاهدًا لنفسه ،لكن مع جهله وضلله.
وعلى التقديريـن فشهادة المرء لنفسـه ل تُقبـل ،سـواء علم كذب نفسـه ،أو اعتقـد صـدق نفسـه .كمـا
فـي السـنن عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أنـه قال( :ل تُقبـل شهادة خصـم ول ظنيـن ول ذي غمـر
ظنّاء متهمون ذوو غمــر على أهــل الســنة والجماعــة ،فشهادتهــم على أخيــه)( .)1وهؤلء خصــماء أ ِ
مردودة بكل طريق.
الوجععه الرابععع :أن يُقال :أولً أنتــم قوم ل تحتجون بمثــل هذه الحاديــث ،فإن هذا الحديــث إنمــا
يرويـه أهـل السـنة بأسـانيد أهـل السـنة ،والحديـث نفسـه ليـس فـي الصـحيحين ،بـل قـد طعـن فيـه بعـض
أهل الحديث كابن حزم وغيره ،ولكن قد رواه أهل السنن ،كأبي داود والترمذي وابن ماجة ،ورواه
أهل المسانيد ،كالمام أحمد وغيره(.)2
فمـن أيـن لكـم على أصـولكم ثبوتـه حتـى تحتجوا بـه؟ وبتقديـر ثبوتـه فهـو مـن أخبار الحاد ،فكيـف
يجوز أن تحتجوا فـي أصـل مـن أصـول الديـن وإضلل جميـع المسـلمين – إل فرقـة واحدة – بأخبار
الحاد التي ل يحتجون هم بها في الفروع العملية؟!
)(1انظر :السند ( )10/224و( )163 ،11/138تقيق أحد شاكر.
)(2يعن حديث الفتراق رواه أبو داود ( )5 ،5/4والترمذي رقم ( )3991ف الفت ،وقال :إنه حسن صحيح وغيها وله طرق كثية.
75
وهل هذا إل من أعظم التناقض والجهل؟!
الوجه الخامس :أن الحديث روى تفسيره فيه من وجهين :أحدهما :أنه صلى ال عليه وسلم سئل
عـن الفرقـة الناجيـة ،فقال( :مـن كان على مثـل مـا أنـا عليـه اليوم وأصـحابي) وفـي الروايـة الخرى
قال( :هـم الجماعـة) .وكـل مـن التفسـيرين يناقـض قول الماميـة ،ويقتضـي أنهـم خارجون عـن الفرقـة
الناجية ،فإنهم خارجون عن جماعة المسلمين :يكفرون أو يف سّقون أئمة الجماعة ،كأبي بكر وعمر
وعثمان ،دع معاويــة وملوك بنــي أميــة وبنــي العباس ،وكذلك يكفّرون أو يفس ـّقون علماء الجماعــة
وعبّادهم ،كمالك والثوري والوزاعي والليث بن سعد وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي
عبيـد وإبراهيـم بـن أدهـم والفضيـل بـن عياض وأبـي سـليمان الدارانـي ومعروف الكرخـي وأمثال
هؤلء ،وهـم أبعـد الناس عـن معرفـة سـير الصـحابة والقتداء بهـم ،ل فـي حياة النـبي صـلى ال عليـه
وســلم ول بعده ،فإن هذا إنمــا يعرفــه أهــل العلم بالحديــث والمنقولت ،والمعرفــة بالرجال الضعفاء
والثقات ،وهـم مـن أعظـم الناس جهلً بالحديـث وبغضًا له ،ومعاداة لهله ،فإذا كان وصـف الفرقـة
الناجيـة :أتباع الصـحابة على عهـد رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،وذلك شعار السـنة والجماعـة –
كانـت الفرقـة الناجيـة هـم أهـل السـنة والجماعـة ،فالسـنة مـا كان صـلى ال عليـه وسـلم هـو وأصـحابه
عليهـا فـي عهده ،ممـا أمرهـم بـه وأقرّهـم عليـه أو فعله هـو ،والجماعـة هـم المجتمعون الذيـن ما فرّقوا
دينهـم وكانوا شيعـا ،فالذيـن فرّقوا دينهـم وكانوا شيعًا خارجون عـن الجماعـة قـد برّأ ال نـبيه منهـم،
فعُلم بذلك أن هذا وصـف أهـل السـنة و الجماعـة ،ل وصـف الرافضـة ،وأن الحديـث وصـف الفرقـة
الناجية باتّباع سنته التي كان عليها هو وأصحابه ،وبلزوم جماعة المسلمين.
فإن قيعل :فقـد قال فـي الحديـث( :مـن كان على مثـل مـا أنـا عليـه اليوم وأصـحابي) ،فمـن خرج عـن
تلك الطريقة بعده لم يكن على طريقة الفرقة الناجية ،وقد ارتد ناس بعده فليسوا من الفرقة الناجية.
قلنا :نعم وأشهر الناس بالردة خصوم أبي بكر الصديق رضي ال عنه وأتباعه كمسيلمة الكذّاب
وأتباعه وغيرهم .وهؤلء تتولهم الرافضة كما ذكر ذلك غير واحد من شيوخهم ،مثل هذا المامي
وغيره ،ويقولون :إنهـم كانوا على حـق ،وأن الصـديق قاتلهـم بغيـر حـق .ثـم مِن أظهـر الناس ردة
الغالية الذين حرّقهم علي رضي ال عنه بالنار لما ادّعوا فيه اللهية وهم السبائية أتباع عبد ال بن
سبأ الذين أظهروا سب أبي بكر وعمر.
وأول مـن ظهـر عنـه دعوى النبوة مـن المنتسـبين إلى السـلم المختار بـن أبـي عبيـد وكان مـن
الشيعة ،فعُلم أن أعظم الناس ردة هم في الشيعة أكثر منهم في سائر الطوائف ،ولهذا ل يُعرف ردة
أسوأ حال من ردة الغالية كالنصيرية ،ومن ردة السماعيلية الباطنية ونحوهم ،وأشهر الناس بقتال
المرتدين هو أبو بكر الصديق رضي ال عنه ،فل يكون المرتدون في طائفة أكثر منها في خصوم
أبـي بكـر الصـديق ،فدل ذلك على أن المرتديـن الذيـن لم يزالوا مرتديـن على أعقابهـم ،هـم بالرافضـة
أوْلى منهم بأهل السنة والجماعة.
وهذا بيّن ـ يعرفــه كــل عاقــل يعرف الســلم وأهله ،ول يســتريب أحــد أن جنــس المرتديــن فــي
المنتسـبين إلى التشيـع أعظـم وأفحـش كفرا مـن جنـس المرتديـن المنتسـبين إلى أهـل السـنة والجماعـة،
إن كان فيهم مرتد.
الوجه السادس :أن يقال :هذه الحجة التي احتج بها الطوسي على أن المامية هم الفرقة الناجية
كذب فــي وصــفها ،كمــا هــي باطلة فــي دللتهــا .وذلك أن قوله( :باينوا جميــع المذاهــب ،وجميــع
المذاهـب قـد اشتركـت فـي أصـول العقائد) إن أراد بذلك أنهـم باينـو جميـع المذاهـب فيمـا اختصـوا بـه،
76
فهذا شأن جميـع المذاهـب ،فإن الخوارج أيضـا باينوا جميـع المذاهـب فيمـا اختصـوا بـه مـن التكفيـر
بالذنوب ،ومـن تكفيـر علي رضـي ال عنـه ،ومـن إسـقاط طاعـة الرسـول فيمـا لم يخـبر بـه عـن ال،
وتجويز الظلم عليه في قسْم ِه والجور في حكمه ،وإسقاط اتّباع السنة المتواترة التي تخالف ما يُظن
أنه ظاهر القرآن ،كقطع السارق من المنكب وأمثال ذلك.
الوجععه السععابع :أن يُقال :مباينتهــم لجميــع المذاهــب هــو على فســاد قولهــم أدل منــه على صــحة
قولهـم ؛ فإن مجرد انفراد طائفـة عـن جميـع الطوائف ل يدل على أنـه هـو الصـواب ،واشتراك أولئك
في قول ل يدل على أنه باطل.
فإن قيعل :إن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم جعـل أمتـه ثلثـا وسـبعين فرقـة كلهـا فـي النار إل واحدة،
فدل على أنها ل بد أن تفارق هذه الواحدة سائر الثنتين وسبعين فرقة.
قلنععا :نعــم .وكذلك يدل الحديــث على مفارقــة الثنتيــن وســبعين بعضهــا بعضــا ،كمــا فارقــت هذه
الواحدة .فليـس فـي الحديـث مـا يدل على اشتراك الثنتيـن والسـبعين فـي أصـول العقائد ،بـل ليـس فـي
ظاهر الحديث إل مباينة الثلث والسبعين كل طائفة للخرى .وحينئذ فمعلوم أن جهة الفتراق جهة
ذم ل جهــة مدح ،فإن ال تعالى أمــر بالجماعــة والئتلف ،وذم التفريــق والختلف ،فقال تعالى:
حبْلِ الِعع جميعًععا وَل تَ َفرّقوا))[آل عمران ]103:وقال(( :وَلَ تَكُونوا كالّذينععَع تَ َفرّقُوا ((واْعتَصعععِموا بِ َ
عذَابٌع عَظيمٌع * َيوْمَع َتبْيَضْع وُجوهٌع َوتَسْعوَدّ وُجوهٌع
ختَلَفوا مِنْع بَعْ ِد معا جاءَهُمُع ا ْل َبيّنَاتْع وَأُو َلئِكَع َلهُمْع َوَا ْ
ت وُجو ُههُم))[آل عمران.]106-105: سوَدّ ْ فَ َأمّا الّذينَ ا ْ
قال ابـن عباس وغيره :تـبيض وجوه أهـل السـنة وتسـو ّد وجوه أهـل البدعـة والفرقـة .وقال تعالى:
ختَلَفَ فيهِ إِلّشيْءٍ))[النعام ]159:وقال(( :وَما ا ْ ت ِم ْنهُمْ في َ شيَعًا لَسْ َ((إنّ الّذينَ َفرّقوا دِي َنهُمْ وَكانوا ِ
الّذينَع أُوتُوهُع مِنْع بَعْ ِد معا جا َء ْتهُمُع ال َبيّناتُع بَغْيًا بَينَهُم))[البقرة ]213:وقال(( :وَمعا تَ َفرّقَع الّذينَع اُوتوا
ن بَعدِ ما جا َء ْتهُمُ ال َبيّ َنةُ))[البينة.]4: الكِتابَ ِإ ّل مِ ْ
وإذا كان كذلك فأعظم الطوائف مفارقة للجماعة و افتراقا في نفسها أولى الطوائف الذم ،و أقلها
افتراقا ومفارقة للجماعة أقربها إلى الحق .وإذا كانت المامية أوْلى بمفارقة سائر طوائف المة فهم
أبعـد عـن الحـق ،ل سـيما وهـم فـي أنفسـهم أكثـر اختلفـا مـن جميـع فرق المـة ،حتـى يقال :إنهـم ثنتان
ض أصحابه ،وقال :كان يقول :الشيعة تبلغ وسبعون فرقة .وهذا القدر فيما نقله عن هذا الطوسي بع ُ
فرقهـم ثنتيـن وسـبعين فرقـة ،أو كمـا قال .وقـد صـنّف الحسـن بـن موسـى النوبختـي وغيره فـي تعديـد
فرق الشيعة.
وأمـا أهـل الجماعـة فهـم أقـل اختلفـا فـي أصـول دينهـم مـن سـائر الطوائف ،وهـم أقرب إلى كـل
طائفة من كل طائفة إلى ضدّها ،فهم الوسط في أهل السلم كما أن أهل السلم هم الوسط في أهل
الملل :هم وسط في باب صفات ال بين أهل التعطيل وأهل التمثيل.
وقال صلى ال عليه وسلم( :خير المور أوسطها) وحينئذ أهل السنة والجماعة خير الفرق.
وفــي باب القدر بيــن أهــل التكذيــب بــه وأهــل الحتجاج بــه ،وفــي باب الســماء والحكام بيــن
الوعيديـة والمرجئة ،وفـي باب الصـحابة بيـن الغلة والجفاة ،فل يغلون فـي عليّـ غلو الرافضـة ،ول
يكفّرونـه تكفيـر الخوارج ،ول يكفّرون أبـا بكـر وعثمان كمـا تكفّرهـم الروافـض ،ول يكفّرون عثمان
وعليا كما يُكفرهما الخوارج.
الوجه الثامن :أن يقال :إن الشيعة ليس لهم قول واحد اتفقوا عليه ،فإن القول الذي ذكره هذا قول
مــن أقوال الماميــة ،ومــن الماميــة طوائف تخالف هؤلء فــي التوحيــد والعدل ،كمــا تقدم حكايتــه.
77
وجمهور الشيعـة تخالف الماميـة فـي الثنـى عشـر ،فالزيديـة والسـماعيلية وغيرهـم متفقون على
إنكار إمامة الثنى عشر.
وهؤلء الماميــة الثنــا عشريــة يقولون :إن أصــول الديــن أربعــة :التوحيــد ،والعدل ،والنبوة،
والمامـة .وهـم مختلفون فـي التوحيـد والعدل والمامـة .وأمـا النبوة فغايتهـم أن يكونوا مقرّيـن بهـا
كإقرار سائر المة .واختلفهم في المامة أعظم من اختلف سائر المة ،فإن قالت الثنا عشرية:
نحن أكثر من هذه الطوائف ،فيكون الحق معنا دونهم .قيل لهم :وأهل السنة أكثر منكم ،فيكون الحق
معهم دونكم ،فغايتكم أن تكون سائر فرق المامية معكم بمنزلتكم مع سائر المسلمين ،والسلم هو
دين ال الذي يجمع أهل الحق.
(فصععل)
قال الرافضي( :الوجه الثالث :أن المامية جازمون بحصول النجاة لهم ولئمتهم ،قاطعون بذلك،
وبحصــول ضدهــا لغيرهــم .وأهــل الســنة ل يجيزون ول يجزمون بذلك ل لهــم ول لغيرهــم .فيكون
اتّباع أولئك أوْلى ،لنّاـ لو فرضنـا مثل خروج شخصـين مـن بغداد يريدان الكوفـة ،فوجدا طريقيـن
سـلك كـل منهمـا طريقـا ،فخرج ثالث يطلب الكوفـة :فسـأل أحدهمـا :إلى أيـن تذهـب؟ فقال إلى الكوفـة.
فقال له :هـل طريقـك توصـلك إليهـا؟ وهـل طريقـك آمـن أم مخوف؟ وهـل طريـق صـاحبك تؤديـه إلى
الكوفة؟ وهل هو آمن أم مخوف؟ فقال :ل أعلم شيئا من ذلك .ثم سأل صاحبه فقال أعلم أن طريقي
يوصّلني إلى الكوفة ،وأنه آمن ،وأعلم أن طريق صاحبي ل يؤديه إلى الكوفة ،وأنه ليس بآمن ،فإن
الثالث إن تابع الول عدّه العقلء سفيها ،وإن تابع الثاني نُسب إلى الخذ بالحزم).
هكذا ذكره في كتابه ،والصواب أن يُقال :وسأل الثاني فقال له الثاني :ل أعلم أن طريقي تؤديني
إلى الكوفة ول أعلم أنه آمن أم مخوف.
والجواب على هذا من وجوه:
أحدها :أن يُقال :إن كان اتّباع الئمة الذين تُدّعى لهم الطاعة المطلقة ،وأن ذلك يوجب لهم النجاة
واجبـا ،كان اتّباع خلفاء بنـي أميـة الذيـن كانوا يوجبون طاعـة أئمتهـم طاعـة مطلقـة ويقولون :إن ذلك
يوجـب النجاة مصـيبين على الحـق ،وكانوا فـي سـبّهم عليـا وغيره وقتالهـم لمـن قاتلوه مـن شيعـة عليّـ
مصيبين ،لنهم كانوا يعتقدون أن طاعة الئمة واجبة في كل شيء ،وأن المام ل يؤاخذه ال بذنب،
وأنـه ل ذنـب لهـم فيمـا أطاعوا فيـه المام ،بـل أولئك أوْلى بالحجـة مـن الشيعـة ،لنهـم كانوا مطيعيـن
أئمة أقامهم ال ونصيهم وأيّدهم وملّكهم ،فإذا كان مذهب القدرية أن ال ل يفعل إل ما هو الصـلح
لعباده ،كان تولية أولئك الئمة مصلحة لعباده.
ومعلوم ان اللطف والمصلحة التي حصلت بهم أعظم من اللطف والمصلحة التي حصلت بإمام
معدوم أو عاجـز .ولهذا حصـل لتّباع خلفاء بنـي أميـة مـن المصـلحة فـي دينهـم ودنياهـم ،أعظـم ممـا
حصل لتّباع المنتظر ؛ فإن هؤلء لم يحصل لهم إمام يأمرهم بشيء من المعروف ،ول ينهاهم عن
شيء من المنكر ،ول يعينهم على شيء من مصلحة دينهم ول دنياهم ،بخلف أولئك ؛ فإنهم انتفعوا
بأئمتهم منافع كثيرة في دينهم ودنياهم ،أعظم مما انتفع هؤلء بأئمتهم.
فتبين أنه إن كانت حجة هؤلء المنتسبين إلى مشايعة علي رضي ال عنه صحيحة ،فحجة أولئك
المنتسـبين إلى مشايعـة عثمان رضـي ال عنـه أوْلى بالصـحة ،وإن كانـت باطلة فهذه أبطـل منهـا .فإذا
كان هؤلء الشيعة متفقين مع سائر أهل السنة على أن جزم أولئك بنجاتهم إذا أطاعوا أولئك الئمة
طاعة مطلقة خطأ وضلل ،فخطأ هؤلء وضللهم إذا جزموا بنجاتهم لطاعتهم لمن يدّعي أنه نائب
78
المعصـوم – والمعصـوم ل عيـن له ول أثـر – أعظـم وأعظـم ؛ فإن الشيعـة ليـس لهـم أئمـة يباشرونهـم
بالخطاب ،إل شيوخهم الذين يأكلون أموالهم بالباطل ،ويصدّونهم عن سبيل ال.
الوجععه الثانععي :أن هذا المثــل إنمــا كان يكون مطابقًـا لو ثبــت مقدمتان :إحداهمــا :أن لنــا إمامــا
معصومًا .والثانية :أنه أمر بكذا وكذا .وكلتا المقدمتين غير معلومة ،بل باطلة .دع المقدمة الولى،
بل الثانية ،فإن الئمة الذين يدّعى فيهم العصمة قد ماتوا منذ سنين كثيرة ،والمنتظر له غائب أكثر
مـن أربعمائة وخمسـين سـنة ،وعنـد آخريـن هـو معدوم لم يوجـد .والذيـن يُطاعون شيوخ مـن شيوخ
الرافضة ،أو كتب صنّفها بعض شيوخ الرافضة ،وذكروا أن ما فيها منقول عن أولئك المعصومين.
وهؤلء الشيوخ المصنّفون ليسوا معصومين بالتفاق ،ول مقطوعًا لهم بالنجاة.
فإذًا الرافضة ل يتّبعون إل أئمة ل يقطعون بنجاتهم ول سعادتهم ،فلم يكونوا قاطعين ل بنجاتهم،
ول بنجاة أئمتهـم الذيـن يباشرونهـم بالمـر والنهـي ،وهـم أئمتهـم ،وإنمـا هـم فـي انتسـابهم إلى أولئك
الئمـة ،بمنزلة كثيـر مـن أتباع شيوخهـم الذيـن ينتسـبون إلى شيـخ قـد مات مـن مدة ،ول يدرون بماذا
أمر ،ول عماذا نهى ،بل له اتباع يأكلون أموالهم بالباطل ويصدون عن سبيل ال ،يأمرونهم بالغلو
فـي ذلك الشيـخ وفـي خلفائه ،وأن يتخذوهـم أربابـا ،وكمـا تأمـر شيوخ الشيعـة أتباعهـم ،وكمـا تأمـر
شيوخ النصـارى أتباعهـم ،فهـم يأمرونهـم بالشراك بال وعبادة غيـر ال ،ويصـدونهم عـن سـبيل ال،
فيخرجون عـن حقيقـة شهادة أن ل إله إل ال وان محمدًا رسـول ال ،فإن التوحيـد أن نعبـد ال وحده،
فل يُدعى إل هو ،ول يُخشى إل هو ،ول يتقى إل هو ،ول يتوكل إل عليه ،ول يكون الدين إل له،
ل لحـد مـن الخلق ،وأن ل نتخـذ الملئكـة والنـبيين أربابًا ،فكيـف بالئمـة والشيوخ والعلماء والملوك
وغيرهم!؟
والرسول صلى ال عليه وسلم هو المبلّغ عن ال أمره ونهيه ،فل يُطاع مخلوق طاعة مطلقة إل
هـو ،فإذا جُعـل الغمام والشيـخ كأنـه إله يُدعـى مـع مغيبـه وبعـد موتـه ،ويُسـتغاث بـه ،ويُطلب منـه
الحوائج ،والطاعة إنما هي لشخص حاضر يأمر بما يريد ،وينهى عمّا يريد كان الميت مشبّها بال
تعالى ،والحـي مشبهًا برسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،فيخرجون عـن حقيقـة السـلم الذي أصـله
شهادة أن ل إله إل ال ،وشهادة أن محمدًا رسول ال.
ثـم إن كثيرًا منهـم يتعلّقون بحكايات تُنقـل عـن ذلك الشيـخ ،وكثيـر منهـا كذب عليـه ،وبعضهـا خطـأ
منـه ،فيَعدِلون عـن النقـل الصـدق عن القائل المعصـوم إلى نقل غيـر مصـدّق عـن قائل غير معصوم.
فإذا كان هؤلء مخطئيـن فـي هذا ،فالشيعـة أكثـر وأعظـم خطـأ ،لنهـم أعظـم كذبـا فيمـا ينقلونـه عـن
الئمة ،وأعظم غلوا في دعوى عصمة الئمة.
الوجه الثالث :منع الحكم في هذا المثال الذي ضربه وجعله أصل قاس عليه ،فان الرجل إذا قال
له أحد الرجلين:طريقى آمن يوصلني ،وقال له الخر:ل علم لي بأن طريقي آمن يوصلني ،أو قال
ذلك الول ،لم يحســن فــي العقــل تصــديق الول بمجرد قوله ،بــل يجوز عنــد العقلء أن يكون هذا
محتال عليـه ،يكذب حتـى يصـحبه فـي الطريـق فيقتله ويأخـذ ماله ،ويجوز أن يكون جاهل ل يعرف
ما في الطريق من الخوف ،وأما ذاك الرجل فلم يضمن للسائل شيئا ،بل رده إلى نظره ،فالحزم في
ي الطريقين أولى بالسلوك :أحد ذينك الطريقين أو غيرهما. مثل هذا أن ينظر الرجل أ ّ
فتـــبين أن مجرد القدام على الحزم ل يدل على علم صـــاحبه ول على صـــدقه ،وأن التوقـــف
والمساك حتى يتبين الدليل هو عادة العقلء.
الوجه الرابع :أن يقال :قوله( :إنهم جازمون بحصول النجاة لهم دون أهل السنة) كذب ،فإنه إن
79
أراد بذلك أن كـل واحـد ممـن اعتقـد اعتقادهـم يدخـل الجنـة ،وإن َترَك الواجبات وفَعَل المحرمات،
فليس هذا قول المامية ،ول يقوله عاقل.
وإن كان حب عليّ حسنة ل يضر معها سيئة ،فل يضره ترك الصلوات ،ول الفجور بالعلويّات،
ول نيل أغراضه بسفك دماء بني هاشم إذا كان يحب عليّا.
فإن قالوا :المحبـة الصـادقة تسـتلزم الموافقـة ،عاد المـر إلى أنـه ل بـد مـن أداء الواجبات وترك
المحرمات .وإن أراد بذلك أنهــم يعتقدون أن كــل مــن اعتقــد العتقاد الصــحيح ،وأدى الواجبات،
وترك المحرّمات يدخـل الجنـة – فهذا اعتقاد أهـل السـنة ؛ فإنهـم يجزمون بالنجاة لكـل مـن اتّقـى ال،
كما نطق به القرآن.
وإنمــا يتوقفون فــي الشخــص المعيــن لعدم العلم بدخوله فــي المتيقــن ،فإنــه إذا علم أنــه مات على
التقوى عُلم أنـه مـن أهـل الجنـة .ولهذا يشهدون بالجنـة لمـن شهـد له الرسـول صـلى ال عليـه وسـلم،
ولهم فيمن استفاض في الناس حسن الثناء عليه قولن.
فتـبين أنـه ليـس فـي الماميـة جزم محمود اختُصـوا بـه عـن أهـل السـنة والجماعـة .وإن قالوا :إنّا
نجزم لكل شخص رأيناه ملتزمًا للواجبات عندنا تاركًا للمحرمات ،بأنه من أهل الجنة ،من غير أن
يخبرنا بباطنه معصوم .قيل :هذه المسألة ل تتعلق بالمامية ،بل إن كان إلى هذا طريق صحيح فهو
لهـل السـنة ،وهـم بسـلوكه أحذق ،وإن لم يكـن هنـا طريـق صـحيح إلى ذلك ،كان ذلك قول بل علم،
فل فضيلة فيه ،بل في عدمه.
ففـي الجملة ل يدّعون علمـا صـحيحا إل وأهـل السـنة أحـق بـه ،ومـا ادّعوه مـن الجهـل فهـو نقـص
وأهل السنة أبعد عنه.
الوجه الخامس :أن أهل السنة يجزمون بحصول النجاة لئمتهم أعظم من جزم الرافضة .وذلك
أن أئمتهـم بعـد النـبي صـلى ال عليـه وسـلم هـم السـابقون الوّلون مـن المهاجريـن والنصـار ،وهـم
جازمون بحصـول النجاة لهؤلء ،فإنهـم يشهدون ان العشرة فـي الجنـة ،ويشهدون أن ال قال لهـل
بدر( :اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ،بل يقولون :إنه (ل يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) كما
ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم( .)1فهؤلء أكثر من ألف وأربعمائة إمام لهل
السنة ،يشهدون أنه ل يدخل النار منهم أحد ،وهي شهادة بعلم ،كما دل على ذلك الكتاب والسنة.
الوجعه السعادس :أن يقال :أهـل السـنة يشهدون بالنجاة :إمـا مطلقـا ،وإمـا معينـا ،شهادة مسـتندة إلى
علم .وأما الرافضة فإنهم إن شهدوا شهدوا بما ل يعلمون ،أو شهدوا بالزور الذي يعلمون أنه كذب،
فهم كما قال الشافعي رحمه ال :ما رأيت قوما أشهد بالزور من الرافضة.
الوجه السابع :أن المام الذي شهد له بالنجاة :إما أن يكون هو المطاع في كل شيء وإن نازعه
غيره مـن المؤمنيـن ،أو هـو مطاع فيمـا يأمـر بـه مـن طاعـة ال ورسـوله ،وفيمـا يقوله باجتهاده إذا لم
يعلم أن غيره أوْلى منه ،ونحو ذلك .فإن كان المام هو الول ،فل إمام لهل السنة بهذا العتبار إل
رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،وهـم يقولون كمـا قال مجاهـد والحاكـم ومالك وغيرهـم :كـل أحـد
يُؤخــذ مــن قوله ويُترك إل رســول ال عليــه الســلم .وهــم يشهدون لمامهــم أنــه خيــر الخلئق،
ويشهدون ان كـل مـن ائتـم بـه ،ففعـل مـا أُمـر بـه وترك مـا نُهـى عنـه ،دخـل الجنـة .وهذه الشهادة بهذا
وهذا هم فيها أتم من الرافضة من شهادتهم للعسكر ِييْن وأمثالهما بأنه من أطاعهم دخل الجنة.
فثبت أن إمام أهل السنة أكمل ،وشهادتهم له ولهم إذا أطاعوه أكمل ،ول سواء.
)(1انظر :البخاري ( )3/46ومسلم (.)2/822
80
شرِكون))[النمــل ،]59:فعنــد المقابلة يُذكــر الخيــر المحــض خ ْيرٌ َأمّاع ُي ْ
ولكــن قال ال تعالى(( :ءآل َ
على الشر المحض ،وإن كان الشر المحض ل خير فيه.
وإن أرادوا بالمام المام المقيّدـ ،فذاك ل يُوجـب أهـل السـنة طاعتـه ،إن لم يكـن مـا أمـر بـه موافقـا
لمر المام المطلق رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وهم إذا أطاعوه فيما أمر ال بطاعته فيه ،فإنما
هم مطيعون ل ورسوله ،فل يضرهم توقفهم في المام المقيّد :هل هو في الجنة أم ل؟.
الوجـه الثامـن :أن يُقال :إن ال قد ضمـن السـعادة لمـن أطاعـه وأطاع رسوله ،وتوعّد بالشقاء لمن
لم يفعـل ذلك ،فمناط السـعادة طاعـة ال ورسـوله .كمـا قال تعالىَ (( :ومَن يُطِعْع الَ وَالرّسعُولَ َفُأوْلئِكَع
ن وَحَسععَنَ أو َلئِكععَ شهَدا ْء وَالصععّالِحي َ ن وال ّعَل ْيهِمععْ مّنععَ ال ّنبِيّينعَع وَالصععّدّيقي َمَعععَ الّذينععَ َأنْعَمععَ الُع َ
رَفيقًا))[النساء .]69:وأمثال ذلك.
وإذا كان كذلك وال تعالى يقول(( :فاتّقوا ال معا اسْعتَطَ ْعتُمْ))[النسـاء ]69:فمـن اجتهـد فـي طاعـة ال
ورسوله بحسب استطاعته كان من أهل الجنة.
جنّةَ خلَ ا ْل َ
فقول الرافضعة :لن يدخـل الجنّة إل مـن كان إماميـا ،كقول اليهود والنصـارى(( :لنْع يَدْ ُ
إِ ّل مَنْع كَانَع هُودًا َأ ْو نَصعَارَى ،تِلْكَع َأمَا ّن ّيهُمْع ُقلْ هَاتُوا ُبرْهَانَكُمْع إِنْع ُك ْنتُمْع صعَادِقِين))[البقرة(( ]111:بَلَى
ح َزنُون))[البقرة.]112: عَل ْيهِ ْم وَلَ هُ ْم يَ ْخ ْوفٌ َعنْ َد َر ّبهِ وَلَ َ
جرُهُ ِ حسِنٌ َفَلهُ أَ ْ
ل وَ ُهوَ مُ ْ
ج َههُ ِ ِ
مَنْ َأسَْل َم وَ ْ
ومـن المعلوم أن المنتظـر الذي يدّعيـه الرافضـي ل يجـب على أحـد طاعتـه ،فإنـه ل يُعلم له قول
منقول عنه ،فإذًا من أطاع الرسول صلى ال عليه وسلم دخل الجنة وإن لم يؤمن بهذا المام ،ومن
آمن بهذا المام لم يدخل الجنة إل إذا أطاع الرسول صلى ال عليه وسلم ،فطاعة الرسول صلى ال
عليـه وسـلم هـي مدار السـعادة وجودا وعدمـا ،وهـي الفارقـة بيـن أهـل الجنـة والنار ،ومحمـد صـلى ل
تعالى عليه وسلم فرّق بين الناس ،وال سبحانه وتعالى قد دل الخلق على طاعته بما بينه لهم ،فتبين
أن أهل السنة جازمون بالسعادة والنجاة لمن كان من أهل السنّة.
(فصععل)
قال الرافضعي :الوجـه الرابـع :أن الماميـة أخذوا مذهبهـم عـن الئمـة المعصـومين المشهوريـن
بالفضـل والعلم ولزهـد والورع ،والشتغال فـي كـل وقـت بالعبادة والدعاء وتلوة القرآن ،والمداومـة
على ذلك مـن زمـن الطفولة إلى آخـر العمـر ،ومنهـم مـن يعلم الناس العلوم ،ونزل فـي حقهـم(( :هلْ
َأتَى))[النسـان ]1:وآيـة الطهارة ،وإيجاب المودة لهـم ،وآيـة البتهال وغيـر ذلك .وكان علي رضـي ال
عنه يصلّي في كل يوم وليلة ألف ركعة ،ويتلو القرآن مع شدّة ابتلئه بالحروب والجهاد.
فأولهـم عليـّ بـن أبـي طالب رضـي ال عنـه كان أفضــل الخلق بعـد رســول ال صـلى ال عليـه
وسـلموجعله ال نفـس رسـول ال حيـث قال(( :وََأنْفُسعَنا وََأنْفُسَعكُمْ))[آل عمران ]61:وواخاه رسـول ال
ضلُ هُ ل يخفى وظهرت منه معجزات كثيرة ،حتى ادّعى قوم فيه الربوبية وقتلهم، وزوّجه ابنته ،و َف ْ
وصـار إلى مقالتهـم آخرون إلى هذه الغايـة كالغلة والنصـيرية .وكان ولداه سـبطا رسـول ال صـلى
ال عليـه وسـلم سـيدا شباب أهـل الجنـة ،إماميـن بنص النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،وكانـا أزهـد الناس
وأعلمهـم فـي زمانهمـا ،وجاهدا فـي ال حـق جهاده حتـى قتلً ،ولبـس الحسـن الصـوف تحـت ثيابـه
الفاخرة مـن غيـر أن يشعـر أحـد بذلك ،وأخـذ النـبي صـلى ال عليـه وسـلم يومًا الحسـين على فخذه
اليمـن ،وإبراهيـم على فخذه اليسـر ،فنزل جبرائيـل عليـه السـلم وقال :إن ال تعالى لم يكـن ليجمـع
لك بينهما ،فاختر من شئت منهما ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم :إذا مات الحسين بكيت أنا وعليّ
وفاطمة ،وإذا مات إبراهيم بكيت أنا عليه ،فاختار موت إبراهيم فمات بعد ثلثة أيام ،وكان إذا جاء
81
الحسين بعد ذلك يقبله ويقول :أهلً ومرحبًا بمن فديته بابني إبراهيم.
وكان علي بـن الحسـين زيـن العابديـن يصـوم نهاره ويصـوم ليله ،ويتلو الكتاب العزيـز ،ويصـلّي
كـل يوم وليلة ألف ركعـة ،ويدعـو كـل ركعتيـن بالدعيـة المنقولة عنـه وعـن آبائه ثـم يرمـي الصـحيفة
كالمتضجــر ،ويقول :أنّى لي بعبادة عليـّ ،وكان يبكــي كثيرًا حتــى أخذت الدموع مــن لحــم خديــه،
وسجد حتى سمى ذا الثَفِنات ،وسماه رسول ال صلى ال عليه وسلم سيد العابدين.
وكان قــد حــج هشام بــن عبــد الملك فاجتهــد أن يســتلم الحجــر فلم يمكنــه مــن الزحام ،فجاء زيــن
حوْا عن الحجر حتى استلمه ،ولم يبق عند الحجر سواه ،فقال هشام بن العابدين فوقف الناس له و َتنَ ّ
عبد الملك :من هذا فقال الفرزدق وذكر أبيات الشعر المشهورة فبعث إليه المام زين العابدين بألف
دينار ،فردهـا ،وقال :إنمـا قلت هذا غضبًا ل ولرسـوله ،فمـا آخـذ عليـه أجرًا ،فقال علي بـن الحسـين:
نحن أهل بيت ل يعود إلينا ما خرج منا فقبلها الفرزدق.
وكان بالمدينـة قوم يأتيهـم رزقهـم ليلً ول يعرفون ممـن هـو ،فلمـا مات زيـن العابديـن ،انقطـع ذلك
عنهم وعرفوا أنه كان منه.
وكان ابنـه محمـد الباقـر أعظـم الناس زهدًا وعبادة ،بَ َق َر السـجودُ جبهتَه ،وكان أعلم أهـل وقتـه،
سمّاه رسول ال صلى ال عليه وسلم الباقر ،وجاء جابر بن عبد ال النصاري إليه وهو صغير في
ال ُكتّاب ،فقال له :جدّك رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم يسـلّم عليـك .فقال :وعلى جدّي السـلم .فقيـل
لجابر :كيـف هـو؟ قال :كنـت جالسـًا عنـد رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم والحسـين فـي حجره وهـو
يلعبـه ،فقال :يـا جابر ،يولد له ولد اسـمه عليّ إذا كان يوم القيامـة نادى منادٍ :ليقـم سـيد العابديـن،
فيقوم ولده ،ثـم يولد له مولود اسـمه محمـد الباقـر ،يبقـر العلم بقرًا ،فإذا رأيتـه فاقرئه منـي السـلم،
وروى عنه أبو حنيفة وغيره.
وكان ابنــه الصــادق عليــه الســلم أفضــل أهــل زمانــه وأعبدهــم ،قال علماء الســيرة :إنــه اشتغــل
بالعبادة عن طلب الرياسة ،وقال عمر بن أبي المقدام :كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد الصادق
علمـت أنـه مـن سـللة النـبيين ،وهـو الذي نشـر فقـه الماميـة ،والمعارف الحقيقيـة ،والعقائد اليقينيـة،
وكان ل يخبر بأمر إل وقع ،وبه سمّوه الصادق المين.
وكان عبـد ال بـن الحسـن جمـع أكابر العلوييـن للبيعـة لولديـه ،فقال الصـادق :هذا المـر ل يتـم،
فاغتاظ من ذلك ،فقال :إنه لصاحب القباء الصفر ،وأشار بذلك إلى المنصور ،فلما سمع المنصور
بذلك فرح لعلمـه بوقوع مـا يُخـبر بـه ،وعلم أن المـر يصـل إليـه ،ولمـا هرب كان يقول :أيـن قول
صادقهم؟ وبعد ذلك انتهى المر إليه.
وكان ابنه موسى الكاظم يُدْعى بالعبد الصالح ،وكان أعبد أهل زمانه ،يقوم الليل ويصوم النهار،
وسـمّي الكاظـم لنـه كان إذ بلغـه عـن أحـد شيئًا بعـث إليـه بمال ،ونقـل فضله الموافـق والمخالف .قال
ابـن الجوزي مـن الحنابلة :روي عـن شقيـق البلخـي قال :خرجـت حاجّا سـنة تسـع وأربعيـن ومائة،
فنزلت القادسية ،فإذا شاب حسن الوجه شديد السمرة ،عليه ثياب صوف مشتمل بشملة ،في رجليه
نعلن ،وقـد جلس منفردًا عـن الناس ،فقلت فـي نفسـي :هذا الفتـى مـن الصـوفية يريـد أن يكون كَلّ
على الناس ،وال لمضيـن إليـه أوبّخـه ،فدنوت منـه فلمـا رآنـي مقبل قال :يـا شقيـق اجتنبوا كثيرًا مـن
الظن إن بعض الظن إثم.
فقلت فعي نفسعي :هذا عبـد صـالح قـد نطـق على مـا فـي خاطري ،للحقنـه ولسـألنّه أن يحاللنـي،
فغاب على عينـي ،فلمـا نزلنـا واقصـة إذا بـه يصـلي ،وأعضاؤه تضطرب ،ودموعـه تتحادر ،فقلت:
82
ع ِملَ
أمضـي إليـه وأعتذر ،فأوجـز فـي صـلته ،ثـم قال :يـا شقيـق(( :وَإِنّيع غَفّارٌ ِلمَنْع تَابَع وَآمَنَع وَ َ
صَالِحًا ثُمّ ا ْهتَدَى))[طه ]82:فقلت :هذا من البدال ،قد تكلم على سرّي مرتين .فلما نزلنا زبالة إذا به
قائم على البئر وبيده ركوة يريـد أن يسـقي ماء ،فسـقطت الركوة مـن يده فـي البئر فرفـع طرفـه إلى
السماء ،وقال:
وقوتي إذا أردت الطعاما أنت ربي إذا ظمئت إلى الماء
يعا سعيدي! مالي سـواها ،قال شقيـق :فوال لقـد رأيـت البئر قـد ارتفـع ماؤهـا ،فاخـذ الركوة وملهـا
وتوضأ وصلى أربع ركعات ،ثم مال إلى كثيب رمل هناك ،فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة
ويشرب ،فقلت :أطعمني من فضل ما رزقك ال أو ما أنعم ال عليك ،فقال :يا شقيق لم تزل نعم ال
علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك ،ثم ناولني الركوة فشربت منها ،فإذا هو سويق وسكر ،ما
شربت وال ألذ منه ول أطيب منه ريحًا ،فشبعت ورويت ،وأقمت أيامًا ل أشتهي طعامًا ول شرابًا،
ثـم لم أره حتـى دخلت مكـة ،فرأيتـه ليلة إلى جانـب قبـة الميزاب نصـف الليـل يصـلّي بخشوع وأنيـن
وبكاء ،فلم يزل كذلك حتـى ذهـب الليـل ،فلمـا طلع الفجـر جلس فـي مصـله يسـبح ،ثـم قام إلى صـلة
الفجـر ،وطاف بالبيـت أسـبوعًا ،وخرج فتبعتـه ،فإذا له حاشيـة وأموال وغلمان ،وهـو على خلف مـا
رأيته في الطريق ،ودار به الناس يسلّمون عليه ويتبركون به ،فقلت لهم :من هذا؟ قالوا :موسى بن
جعفر ،فقلت :قد عجبت أن تكون هذه العجائب إل لمثل هذا السيد .هذا رواه الحنبلي.
وعلى يده تاب بشـر الحافـي؛ لنـه عليـه السـلم اجتاز على داره ببغداد ،فسـمع الملهـي وأصـوات
الغناء والقصـب يخرج مـن تلك الدار ،فخرجـت جاريـة وبيدهـا قمامـة البقـل ،فرمـت بهـا فـي الدرب،
فقال لها :يا جارية ،صاحب هذا الدار ح ّر أم عبد؟ فقالت :بل حر ،فقال :صدقت لو كان عبدًا لخاف
مـن موله .فلمـا دخلت الجاريـة قال مولهـا وهـو على مائدة السـكر :مـا أبطأك علينـا؟ قالت :حدثنـي
رجل بكذا وكذا ،فخرج حافيًا حتى لقي مولنا موسى بن جعفر فتاب على يده.
والجواب عنه من وجوه :أحدها :أن يقال :ل نسلم أن المامية أخذوا مذهبهم عن أهل البيت :ل
ي رضي ال عنه وأئمة أهل البيت في جميع أصولهم الثنا عشرية ول غيرهم ،بل هم مخالفون لعل ّ
التي فارقوا فيها أهل السنة والجماعة :توحيدهم ،وعدلهم ،وإمامتهم ،فإن الثابت عن علي رضي ال
عنـه وأئمـة أهـل البيـت مـن إثبات الصـفات ل ،وإثبات القدر ،وإثبات خلفـة الخلفاء الثلثـة ،وإثبات
فضيلة أبـي بكـر وعمـر رضـي ال عنهمـا ،وغيـر ذلك مـن المسـائل كله يناقـض مذهـب الرافضـة.
والنقـل بذلك ثابـت مسـتفيض فـي كتـب أهـل العلم ،بحيـث إن معرفـة المنقول فـي هذا الباب عـن أئمـة
أهل البيت يوجب علمًا ضروريًا بأن الرافضة مخالفون لهم ل موافقون لهم.
الثانعي :أن يقال :قـد عُلم أن الشيعـة مختلفون اختلفًا كثيرًا فـي مسـائل المامـة والصـفات والقدر،
وغير ذلك من مسائل أصول دينهم ،فأي قول لهم هو المأخوذ عن الئمة المعصومين ،حتى مسائل
المامة ،قد عُرف اضطرابهم فيها.
وقـد تقدم بعض اختلفهـم في النـص وفي المنتظر ،فهم فـي الباقي المنتظر على أقوال :منهـم مـن
يقول ببقاء جعفر بن محمد ،ومنهم من يقول ببقاء ابنه موسى بن جعفر ،ومنهم من يقول ببقاء محمد
بـن عبـد ال بـن حسـن ،ومنهـم مـن يقول ببقاء محمـد بـن الحنفيـة ،وهؤلء يقولون :نـص عليّ على
الحسن والحسين ،وهؤلء يقولون :على محمد بن الحنفية ،وهؤلء يقولون :أوصى عليّ بن الحسين
إلى ابنـه أبـي جعفـر ،وهؤلء يقولون :إلى ابنـه عبـد ال ،وهؤلء يقولون :أوصـى إلى محمـد بـن عبـد
ال بـن الحسـن بـن الحسـين ،وهؤلء يقولون :إن جعفـر أوصـى إلى ابنـه إسـماعيل ،وهؤلء يقولون:
83
إلى ابنـه محمـد بـن إسـماعيل ،وهؤلء يقولون :إلى ابنـه محمـد ،وهؤلء يقولون :إلى ابنـه عبـد ال،
وهؤلء يقولون :إلى ابنـه موسـى ،وهؤلء يسـوقون النـص إلى محمـد بـن الحسـن ،وهؤلء يسـوقون
النص إلى بني عبيد ال بن ميمون القدّاح الحاكم وشيعته ،وهؤلء يسوقون النص من بني هاشم إلى
بني العباس ،ويمتنع أن تكون هذه القوال المتناقضة مأخوذة عن معصوم ،فبطل قولهم :إن أقوالهم
مأخوذة عن معصوم.
الوجعععه الثالث :أن يُقال :هـــب أن عليّاـــ كان معصـــومًا ،فإذا كان الختلف بيـــن الشيعـــة هذا
الختلف ،وهــم متنازعون هذا التنازع ،فمــن أيــن يُعلم صــحة بعــض هذه القوال عــن علي ـّ دون
الخـر ،وكـل منهـم يدّعـي أن مـا يقوله إنمـا أخذه عـن المعصـومين؟ وليـس للشيعـة أسـانيد أهـل السـنة
حتـى يُنظـر فـي السـناد وعدالة الرجال ،بـل إنمـا هـي منقولت منقطعـة عـن طائفـة عُرف فيهـا كثرة
الكذب وكثرة التناقض في النقل ،فهل يثق عاقل بذلك؟
ص هذا على هذا ،ون صّ هذا على هذا ،كان هذا معارضًا بدعوى غيرهم مثل وإن ادعوا تواتر ن ّ
هذا التواتر ،فإن سائر القائلين بالنص إذا ادعوا مثل هذه الدعوى لم يكن بين الدعويين فرق.
فهذه الوجوه وغيرهـا تـبين أن بتقديـر ثبوت عصـمة عليّـ رضـي ال عنـه فمذهبهـم ليـس مأخوذًا
عنه ،فنفس دعواهم العصمة في عل يّ مثل دعوى النصارى اللهية في المسيح .مع أن ما هم عليه
ليس مأخوذًا عن المسيح.
الوجعه الرابعع :أنهـم فـي مذهبهـم محتاجون إلى مقدمتيـن :إحداهمعا :عصـمة مـن يضيفون المذهـب
إليه من الئمة ،والثانية :ثبوت ذلك النقل عن المام .وكلتا المقدمتين باطلة ،فإن المسيح ليس بإله،
ل كريمًا فقوله حق ،لكن ما تقوله النصارى ليس بل هو رسول كريم ،وبتقدير أن يكون إلهًا أو رسو ً
من قوله ،ولهذا كان في علي رضي ال عنه شبه من المسيح :قوم غلوا فيه فوق قدره ،وقوم نقصوه
دون قدره فهم كاليهود ،هؤلء يقولون عن المسـيح :إنه إله .وهؤلء يقولون :كافـر ولد بغيّةـ .وكذلك
عليّ :هؤلء يقولون :إنه إله ،وهؤلء يقولون :إنه كافر ظالم.
الوجه الخامس :أن يقال :قد ثبت لعليّ بن أبي طالب رضي ال عنه ،والحسن ،والحسين ،وعلي
بــن الحســين ،وابنــه محمــد ،وجعفــر بــن محمــد مــن المناقــب والفضائل مــا لم يذكره هذا المصــنف
الرافضـــي ،وذكـــر أشياء مـــن الكذب تدل على جهـــل ناقلهـــا ،مثـــل قوله :نزل فـــي حقهـــم(( :هلْ
أَتَى))[النســان ]1:فإن سـورة (هَل أَتىَ) مكّيـة باتفاق العلماء ،وعليّـ إنمـا تزوج فاطمـة بالمدينـة بعـد
الهجرة ،ولم يدخل بها إل بعد غزوة بدر ،ووُلد له الحسن في السنة الثالثة من الهجرة ،والحسين في
السنة الرابعة من الهجرة بعد نزول( :هل أتى) بسنين كثيرة.
فقول القائل :إنهــا نزلت فيهــم ،مــن الكذب الذي ل يخفــى على مــن له علم بنزول القرآن وعلم
بأحوال هؤلء السادة الخيار.
وأما آية الطهارة فليس فيها إخبار بطهارة أهل البيت وذهاب الرجس عنهم ،وإنما فيها المر لهم
عنْكُمُع الرّجْسَع أَ ْهلَ بمـا يوجـب طهارتهـم وذهاب الرجـس عنهـم .فإن قولهِ(( :إنّمَا ُيرِيدُ الُ ِليُذْهِبَع َ
حرَجٍع وََلكِنْع
طهِيرًا))[الحزاب ]33:كقوله تعالى(( :معا ُيرِيدُ الُ ِليَجْ َعلَ عَ َليْكُمْع مِنْع َ ط ّهرَكُمْع تَ ْ
ا ْلبَيْتِع َويُ َ
عَليْكُم
ن مِنْ َقبْلِ ُك ْم َويَتُوبَ َسنَنَ الّذِي َ
ط ّهرَكُم))[المائدة ،]6:وقوله(( :يرِيدُ الُ ِل ُيبَيّنَ لَكُم َو َيهْ ِديَكُم ُ ُيرِيدُ ِليُ َ
ن تَمِيلُوا َميْلً عَظِيمًا ش َهوَاتِ أَ ْ
ن َي ّتبِعُونَ ال ّ
ن يَتُوبَ عَ َليْكُ ْم َو ُيرِيدُ الّذِي َحكِيم * وَالُ ُيرِيدُ أَ ْ علِيمٌ َ وَالُ َ
ن ضَعِيفًا))[النساء.]28-26: عنْكُم وَخُلِقَ ا ِل ْنسَا ُ ن يُخَ ّففَ َ* يُريدُ الُ أَ ْ
فالرادة هنـا متضمنـة للمـر والمحبـة والرضـا ،وليسـت هـي المشيئة المسـتلزمة لوقوع المراد ؛
84
فإنـه لو كان كذلك لكان قـد طهّرـ كـل مـن أراد ال طهارتـه ،وهذا على قول هؤلء القدريـة الشيعـة
أوجه ،فإن عندهم أن ال يريد ما ل يكون ،ويكون ما ل يريد.
طهِيرًا))[الحزاب ]33:إذا كان ط ّهرَكُم ْع تَ ْ عنْكُمعُ الرّجزَ أَ ْهلَ ا ْل َبيْتِع َويُ َ فقولهِ(( :إنّمَا ُيرِيدُ الُ ِليُذْهِبعَ َ
هذا بفعــل المأمور وترك المحظور ،كان ذلك متعلقًـا بإرادتهــم وأفعالهــم ،فإن فعلوا مــا أُمروا بــه
طهّروا وإل فل. ُ
وهـــم يقولون:إن ال ل يخلق أفعالهـــم ،ول يقدر على تطهيرهـــم وإذهاب الرجـــز عنهـــم .وأمـــا
المثبتون للقدر فيقولون :إن ال قادر على ذلك ،فإذا ألهمهــم فعــل مــا َأ َم َر وترك مــا حَظَـر حصــلت
الطهارة وذهاب الرجس.
ومما يبين أن هذا مما أُمروا به ل مما أُخبروا بوقوعه ،ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى ال
عليه وسلم أدار الكساء على عل يّ وفاطمة وحسن وحسين ،ثم قال( :اللهم هؤلء أهل بيتي ،فأذهب
عنهـم الرجـس وطهّرهـم تطهيرًا) .وهذا الحديـث رواه مسـلم فـي صـحيحه عـن عائشـة ،ورواه أهـل
السنن عن أم سلمة(.)1
وهـو يدل على ضـد قول الرافضـة مـن وجهيـن :أحدهمـا :أنـه دعـا لهـم بذلك ،وهذا دليـل على أن
اليـة لم تخـبر بوقوع ذلك ،فإنـه لو كان قـد وقـع لكان يثنـى على ال بوقوعـه ويشطره على ذلك ،ل
يقتصر على مجرد الدعاء به.
الثانعي :أن هذا يدل على أن ال قادر على إذهاب الرجـس عنهـم وتطهيرهـم ،وذلك يدل على أنـه
خالق أفعال العباد.
ت ِمنْكُنّ ن يَأْ ِومما يبين أن الية متضمنة للمر والنهي قوله في سياق الكلم(( :يا نِسَاءَ ال ّن ِبيّ مَ ْ
علَى الِ يَسعِيرًا * َومَنْع يَ ْقنُتْع ِمنْكُنّ ِلِ شةٍ ُم َبيّ َنةٍ ُيضَاعَفْع لَهَا الْعَذَابُع ضِعْفَيْن وَكَانَع َذلِكَع َ ح َ بِفَا ِ
ستُنّ َكأَحَدٍ عتَدْنَا َلهَا ِرزْقًا َكرِيمًا * يَا نِ سَاءَ ال ّنبِيّ لَ ْ ن وََأ ْجرَهَا مَ ّر َتيْ ِ َورَ سُو ِلهِ َوتَ ْع َملْ صَالِحًا ُن ْؤ ِتهَا أَ ْ
طمَ عَ الّذِي فِي َق ْلبِ هِ َمرَ ضٌ َوقُلْ نَ َقوْ ًل مَ ْعرُوفًا * وَ َقرْ نَ ن بِالْ َق ْولِ َفيَ ْ
خضَعْ َ ل تَ ْ مِ نَ النّ سَاءِ إِ نِ اتّ َق ْيتُ نّ فَ َ
ن َتبَرّجَ الْجَاهِ ِل ّيةِ الُولَى وَأَ ِقمْنَ الصّلَ َة وَآتِينَ الزّكَا َة وََأطِعْنَ الَ َورَسُو َلهُ ِإ ّنمَا جَ فِي ُبيُوتِكُنّ وَ َل َتبَرّ ْ
ن آيَاتِ ن مَا ُيتْلَى فِي ُبيُوتِ ُكنّ مِ ْ طهِيرًا * وَا ْذ ُكرْ َ ط ّهرَكُ ْم تَ ْ عنْ ُكمُ الرّجْسَ أَ ْهلَ ا ْلبَيْتِ َويُ َ ُيرِيدُ الُ ِليُذْهِبَ َ
خبِيرًا))[الحزاب.]34-30: ح ْكمَةِ ِإنّ الَ كَانَ َلطِيفًا َ ل وَالْ ِا ِ
وهذا السـياق يدل على أن ذلك أمـر ونهـي ،ويدل على أن أزواج النـبي صـلى ال عليـه وسـلم مـن
عنْكُمُع الرّجْسَع أَ ْهلَ أهـل بيتـه ،فإن السـياق إنمـا هـو فـي مخاطبتهـن ،ويدل على أن قولهِ (( :ليُذْهِبَع َ
ا ْلبَيْتعِ))[الحزاب ]33:عمّـ غيـر أزواجـه ،كعلي وفاطمـة وحسـن وحسـين رضـي ال عنهـم؛ لنـه ذكره
بصـيغة التذكيـر لمـا اجتمـع المذكـر والمؤنـث ،وهؤلء خُصـّوا بكونهـم مـن أهـل البيـت بالولى مـن
أزواجــه ،فلهذا خص ـّهم بالدعاء لمــا أدخلهــم فــي الكســاء ،كمــا أن مســجد قُباء أســس على التقوى،
ومسـجده صـلى ال عليـه وسـلم أيضًا أسـس على التقوى وهـو أكمـل فـي ذلك ،فلمـا نزل قوله تعالى:
طهّرُوا وَالُ يُحِبّ ن َيتَ َ
ن تَقُو مَ فِيه رِجَا ٌل يُحِبّو نَ أَ ْ ((لمسجدٌ أُ سّس عَلَى التّ ْقوَى مِ نْ َأ ّولِ َيوْ مٍ أَحَقّ أَ ْ
طهِرِيعن))[التوبـة ]108:بسـبب مسـجد قباء ،تناول اللفـظ لمسـجد قباء ولمسـجده صـلى ال عليـه وسـلم ا ْلمُ ّ
بطريق الولى.
وكذلك قوله في إيجاب المودة لهم غلط ،فقد ثبت في الصحيح عن سعيد بن جبير ،أن ابن عباس
موَدّةَ فِي الْ ُقرْبَى))[الشورى: جرًا إِلّ ا ْل َ عَليْهِع أَ ْ
رضـي ال عنهمـا سـئل عـن قوله تعالى(( :قلْ لَ أَسْعَألُ ُكمْ َ
)(1انظر :مسلم )4/1883( :والترمذي )5/30( :و( )5/328والسند.)298 ،6/292( :
85
]23قال :فقلت :إل أن تودّوا ذوي قربى محمد صلى ال عليه وسلم .فقال ابن عباس :عَجل تَ ،إنه لم
يكن بطن من قريش إل لرسول ال صلى ال عليه وسلم منهم قرابة .فقال :قل :ل أسألكم عليه أجرًا
إل أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم.
فابـن عباس كان مـن كبار أهـل البيـت وأعلمهـم بتفسـير القرآن ،وهذا تفسـيره الثابـت عنـه ،ويدل
على ذلك أنـه لم يقـل :إل المودة لذوي القربـى ،و لكـن قال :إل المودة فـي القربـى .أل ترى أنـه لمـا
خمُسععععَ ُه وَلِلرّسععععُو ِل وَلِذِي
غ ِنمْتُعععم مِنععع ْع شَيْءٍ َفإِنّععع لِععع ُ
أراد ذوي قرباه قال(( :وَاعْ َلمُوا َأنّمَعععا َ
الْ ُقرْبَى))[النفال ،]41:ول يُقال :المودة فـي ذوي القربـى .وإنمـا يقال :المودة لذوى القربـى .فكيـف وقـد
جرًا إِلّ ا ْل َموَدّةَ فِي الْ ُق ْربَى))[الشورى]23:؟!
قالُ (( :قلْ ل َأسْأَُلكُمْ عَ َل ْيهِ أَ ْ
ل إنمــا أجره على ال ،وعلى ويــبين ذلك أن الرســول صــلى ال عليــه وســلم ل يســال أجرًا أص ـ ً
المسـلمين موالة أهـل البيـت لكـن بأدلة أخرى غيـر هذه اليـة ،وليسـت موالتنـا لهـل البيـت مـن أجـر
النبي صلى ال عليه وسلم في شيء.
ي بعد قد تزوج بفاطمة ول وُلد له أولد. وأيضًا :فإن هذه الية مكية ،ولم يكن عل ّ
وأمـا آيـة البتهال ففـي الصـحيح أنهـا لمـا نزلت أخـذ النـبي صـلى ال عليـه وسـلم بيـد عليّ وفاطمـة
وحسن وحسين ليباهل بهم( ،)1لكن خ صّهم بذلك؛ لنهم كانوا أقرب إليه من غيرهم ،فإنه لم يكن له
ولد ذكر إذ ذاك يمشي معه ،ولكن كان يقول عن الحسن( :إن ابني هذا سيد) فهما ابناه ونساؤه إذ لم
يكــن قــد بقــي له بنــت إل فاطمــة رضــي ال عنهــا ،فإن المباهلة كانــت لمــا قدم وفــد نجران ،وهــم
نصارى ،وذلك كان بعد فتح مكة ،بل كان سنة تسع.
فهذه اليـة تدل على كمال اتّصـالهم برسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،كمـا دل على ذلك حديـث
الكسـاء ،ولكـن هذا ل يقتضـي أن يكون الواحـد منهـم أفضـل مـن سـائر المؤمنيـن ول أعلم منهـم ،لن
الفضيلة بكمال اليمان والتقوى ل بقرب النسب.
عنْدَ الِ َأتْقَاكُم))[الحجرات ]13:وقـد ثبـت أن الصـديق كان أتقـى المـة كمـا قال تعالى(( :إِنّ َأ ْكرَمَكُمْع ِ
بالكتاب والسـنة ،وتواترعـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أنـه قال( :لو كنـت متخذًا مـن أهـل الرض
خليلً لتخذت أبا بكر خليلً)( ،)2وهذا بسوط في موضعه.
وأمـا مـا نقله عـن عليّـ أنـه كان يصـلّي كـل يوم وليلة ألف ركعـة! فهذا يدل على جهله بالفضيلة
وجهله بالواقع.
أما أوّل :فلن هذا ليس بفضيلة ،فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه كان
ل يزيـد فـي الليـل على ثلث عشرة ركعـة( .)3وثبـت عنـه فـي الصـحيح أنـه قال صـلى ال عليـه وسـلم:
(أفضل القيام قيام داود ،كان ينام نصف الليل ،ويقوم ثلثه ،وينام سدسه)(.)4
وأيضًا فقوله :إن علي بــن أبــي طالب كان أفضــل الخلق بعــد رســول ال صــلى ال عليــه وســلم
دعوى مجردة ،ينازعه فيها جمهور المسلمين من الوّلين والخرين.
وقوله :جعله ال نفس رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث قال(( :وََأنْفُ سَنَا وََأنْفُ سَكُمْ))[آل عمران:
]61وواخاه.
)(1انظر :صحيح مسلم ( )4/1871والترمذي (.)4/293
)(2انظر :البخاري ( )1/96ومسلم ().)4/1854
)(3انظر :البخاري ( )2/51ومسلم ().)1/508
)(4انظر :البخاري ( )4/161و ( )2/50ومسلم ( )2/816وغيها.
86
فيقال :أمـا حديـث المؤاخاه فباطـل موضوع ،فإن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم لم يؤاخِـ أحدًا ،ول
آخـى بيـن المهاجريـن بعضهـم مـع بعـض ،ول بيـن النصـار بعضهـم مـع بعـض ،ولكـن آخـى بيـن
المهاجريـن والنصـار ،كمـا آخـى بيـن سـعد بـن الربيـع وعبـد الرحمـن بـن عوف ،وآخـى بيـن سـلمان
الفارسي وأبي الدرداء ،كما ثبت ذلك في الصحيح.
ظنّ ا ْل ُمؤْ ِمنُونَ
سمِ ْعتُمُوهُ َ
سنَا وََأنْفُسَكُمْ))[آل عمران ]61:فهذا مثل قوله(( :لوْلَ إِذْ َ
وأما قوله(( :وََأنْفُ َ
خ ْيرًا))[النور ]12:نزلت في قصة عائشة رضي ال عنها في الفك ،فإن الواحد سهِم َ ت بِ َأنْفُ ِ
وَا ْل ُم ْؤمِنَا ُ
من المؤمنين من أنفس المؤمنين والمؤمنات.
وأمـا تزويجـه فاطمـة ففضيلة لعليـّ ،كمـا أن تزويجـه عثمان بابنتيـه فضيلة لعثمان أيضًا ،ولذلك
سُـمّي ذو النوريـن .وكذلك تزوجـه بنت أبي بكر وبنـت عمـر فضيلة لهما ،فالخلفاء الربعة أصـهاره
صلى ال عليه وسلم ورضي ال عنهم.
وأمعععا قوله( :وظهرت منـــه معجزات كثيرة) فكأنـــه يســـمّي كرامات الولياء معجزات ،وهذا
اصـصلح لكثيـر مـن الناس .فيقال :عليّـ أفضـل مـن كثيـر ممـن له كرامات ،والكرامات متواترة عـن
كثيـر مـن عوام أهـل السـنة الذيـن يفضلون أبـا بكـر وعمـر على عليـّ ،فكيـف ل تكون الكرامات ثابتـة
لعليّ رضي ال عنه؟ وليس في مجرد الكرامات ما يدل على أنه أفضل من غيره.
وأما قوله( :حتى ادّعى قوم فيه الربوبية و قتلهم).
فهذه مقالة جاهـل فـي غايـة الجهـل لوجوه :أحدهـا :أن معجزات النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أعظـم
بكثير وما ادّعى فيه أحد من الصحابة اللهية.
الثاني :أن معجزات الخليل وموسى أعظم بكثير ،وما ادّعى أحد فيهما اللهية.
الثالث :إن معجزات نبينــا ومعجزات موســى أعظــم مــن معجزات المســيح ،ومــا ادّعيــت فيهمــا
اللهية كما ادعيت في المسيح.
الرابعع :أن المسـيح ادعيـت فيـه اللهيـة أعظـم ممـا ادعيـت فـي محمـد وإبراهيـم وموسـى ،ولم يدل
ذلك ل على أنه أفضل منهم ول على أن معجزاته أبهر.
الخامععس :أن دعوى اللهيــة فيهمــا دعوى باطلة تقابلهــا دعوى باطلة ،وهــي دعوى اليهود فــي
المسـيح ،ودعوى الخوارج فـي عليّـ ؛ فإن الخوارج كفّروا عليّاـ ،فإن جاز أن يُقال :إنمـا ادّعيـت فيـه
اللهيـة لقوة الشبهـة .وجاز أن يقال :إنمـا ادّعـى فيـه الكفـر لقوة الشبهـة ،وجاز أن يقال :صـدرت منـه
ذنوب اقتضت أن يكفّره بها الخوارج.
والخوارج أكثر وأعقل وأدين من الذين ادّعوا فيه اللهية ،فإن جاز الحتجاج بمثل هذا ،وجُعلت
هذه الدعوى منقبـة ،كان دعوى المبغضيـن له ودعوى الخوارج مثلبـة أقوى وأقوى ،وأيـن الخوارج
من الرافضة الغالية؟!
فالخوارج مـن أعظـم الناس صـلة وصـيامًا وقراءة للقرآن ،ولهـم جيوش وعسـاكر ،وهـم متدينون
بديـن السـلم باطنًا وظاهرًا ،والغاليـة المدّعون لللهيـة إمـا أن يكونوا مـن أجهـل الناس ،وإمـا أن
يكونوا مــن أكفــر الناس ،والغاليــة كفّار بإجماع العلماء ،وأمــا الخوارج فل يكفّرهــم إل مــن يكفّـر
المامية فإنهم خير من المامية وعلي رضي ال عنه لم يكن يكفّرهم ،ول أمر بقتل الواحد المقدور
عليه منهم ،كما أمر بتحريق الغالية ،بل لم يقاتلهم حتى قتلوا عبد ال بن خبّاب ،وأغاروا على سرح
الناس.
فثبـت بالجماع مـن عليّـ ومـن سـائر الصـحابة والعلماء أن الخوارج خيـر مـن الغاليـة ،فإن جاز
87
لشيعتـه أن تجعـل دعوى الغاليـة اللهيـة فيـه حجـة على فضيلتـه كان لشيعـة عثمان أن يجعلوا دعوى
الخوارج لكفره حجة على نقيضه بطريق الوْلى ،فعلم أن هذه الحجة إنما يحتج بها جاهل ،ثم إنها
تعود عليه ل له ،ولهذا كان الناس يعلمون أن الرافضة أجهل وأكذب من الناصبة.
وأمعا قوله( :وكان ولداه سـبطا رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم سـيدا شباب أهـل الجنـة إماميـن
بنص النبي صلى ال عليه وسلم).
فيقال :الذي ثبـت بل شـك عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم فـي الصـحيح أنـه قال عـن الحسـن( :إن
ابني هذا سيد ،وإن ال سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)( ،)1وثبت عنه في الصحيح أنه
كان يقعده وأسامة بن زيد على فخذه ويقول( :اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما)(.)2
وهذا يدل على أن مـا فعله الحسـن مـن ترك القتال على المامـة ،وقصـد الصـلح بيـن المسـلمين
كان محبوبًا يحبه ال ورسوله ،ولم يكن ذلك مصيبة ،بل كان ذلك أحب إلى ال ورسوله من اقتتال
المسلمين ،ولهذا أحبه وأحب أسامة بن زيد ودعا لهما ،فإن كلهما كان يكره القتال في الفتنة ،فأما
أسـامة فلم يقاتـل ل مـع علي ول مـع معاويـة ،والحسـن كان دائمًا يشيـر على عليّـ بترك القتال ،وهذا
نقيـض مـا عليـه الرافضـة مـن أن ذلك الصـلح كان مصـيبة وكان ذلً ،ولو كان هناك إمام معصـوم
يجب على كل أحد طاعته ،ومن تولّى غيره كانت وليته باطلة ل يجوز أن يجاهد معه ول يصلي
خلفه ،لكان ذلك الصلح من أعظم المصائب على أمة محمد صلى ال عليه وسلم وفيه فساد دينها،
فأي فضيلة كانـت تكون للحسـن بذلك حتـى يُثنـى عليـه بـه؟ وإنمـا غايتـه أن يُعذر لضعفـه عـن القتال
الواجـب ،والنـبي صـلى ال عليـه وسـلم جعـل الحسـن فـي الصـلح سـيدًا محمودًا ،ولم يجعله عاجزًا
معذورًا ،ولم يكــن الحســن أعجــز عــن القتال مــن الحســين؛ بــل كان أقدر على القتال مــن الحســين،
والحسـين قاتـل حتـى قُتـل ،فإن كان مـا فعله الحسـين هـو الفضـل الواجـب ،كان مـا فعله الحسـن تركًا
للواجـب أو عجزًا عنـه ،وإن كان مـا فعله الحسـن هـو الفضـل الصـلح ،دل على أن ترك القتال هـو
الفضـل الصـلح ،وأن الذي فعله الحسـن أحـب إلى ال ورسـوله ممـا فعله غيره ،وال يرفـع درجات
المؤمنين المتقين بعضهم على بعض ،وكلهم في الجنة ،رضي ال عنهم أجمعين.
ثـم إن كان النـبي صـلى ال عليـه وسـلم جعلهمـا إماميـن لم يكونـا قـد اسـتفادا المامـة بنصّـ عليـّ،
ولستفادها الحسين بنص الحسن عليه ،ول ريب أن الحسن والحسين ريحانتا النبي صلى ال عليه
وسـلم فـي الدنيـا ،وقـد ثبـت أنـه صـلى ال عليـه وسـلم أدخلهمـا مـع أبويهمـا تحـت الكسـاء ،وقال( :اللهـم
هؤلء أهـل بيتـي فأذهـب عنهـم الرجـس وطهّرهـم تطهيرًا) وأنـه دعـا لهمـا فـي المباهلة ،وفضائلهمـا
كثيرة ،وهما من أجلء سادات المؤمنين .وأما كونهما أزهد الناس وأعلمهم في زمانهم فهذا قول بل
دليل.
وأما قوله( :وجاهدا في ال حق جهاده حتى قتل).
فهذا كذب عليهمـا ،فإن الحسـن تخلّى عـن المـر وسـلّمه إلى معاويـة ومعـه جيوش العراق ،ومـا
كان يختار قتال المسلمين قط ،وهذا متواتر من سيرته.
وأما موته ،فقد قيل :إنه مات مسمومًا ،وهذه شهادة له وكرامة في حقّه ،لكن لم يمت مقاتلً.
والحسين رضي ال عنه ما خرج يريد القتال ،ولكن ظن أن الناس يطيعونه ،فلما رأى انصرافهم
عنـه ،طلب الرجوع إلى وطنـه أو الذهاب إلى الثغـر ،أو إتيان يزيـد ،فلم يمكّنـه أولئك الظلمـة ل مـن
)(1البخاري ( )3/186ومواضع أخر منه وسنن أب داود (.)4/299
)(2انظر :السند (.)210 ،5/205
88
هذا ول مـن هذا ول مـن هذا ،وطلبوا أن يأخذوه أسـيرًا إلى يزيـد ،فامتنـع مـن ذلك وقاتـل حتـى قُتـل
مظلومًا شهيدًا ،لم يكن قصده ابتدا ًء أن يُقاتل.
وأما قوله عن الحسن( :إنه لبس الصوف تحت ثيابه الفاخرة).
فهذا مــن جنــس قوله فــي علي :إنــه كان يصــلي ألف ركعــة ،فإن هذا ل فضيلة فيــه ،وهــو كذب.
وذلك أن لبـس الصـوف تحـت ثياب القطـن وغيره لو كان فاضلً لكان النـبي صـلى ال عليـه وسـلم
شرعـه لمتـه ،إمـا بقوله أو بفعله ،أو كان يفعله أصـحابه على عهده ،فلمـا لم يفعله هـو ول أحـد مـن
أصـحابه على عهده ،ول رغـب فيـه ،دل على أنـه ل فضيلة فيـه ،ولكـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم
لبس في السفر جبة من صوف فوق ثيابه.
وأما الحديث الذي رواه أن النبي صلى ال عليه وسلم أخذ يومًا الحسين على فخذه اليمن وولده
إبراهيـم على فخذه اليسـر ،فنزل جبريـل ،وقال :إن ال تعالى لم يكـن ليجمـع لك بينهمـا فاختـر مـن
شئت منهمـا .فقال النـبي صـلى ال عليـه وسـلم( :إذا مات الحسـن بكيـت أنـا وعلي وفاطمـة ،وإذا مات
إبراهيـم بكيـت أنـا عليـه) فاختار موت إبراهيـم ،فمات بعـد ثلثـة أيام ،وكان إذا جاء الحسـين بعـد ذلك
يقبّله ويقول( :أهلً ومرحبًا بمن فديته بابني إبراهيم).
فيقال :هذا الحديث لم يروه أحد من أهل العلم ،ول يُعرف له إسنادًا ول يُعرف في شيء من كتب
الحديــث .وهذا الناقــل لم يذكــر له إســنادًا ،ول عزاه إلى كتاب حديــث ،ولكــن ذكره على عادتــه فــي
روايته أحاديث مسيّبة بل زمام ول خطام.
ومـن المعلوم أن المنقولت ل يُميّز بيـن صـدقها وكذبهـا إل بالطرق الدالة على ذلك ،وإل فدعوى
النقل المجرد بمنزلة سائر الدعاوى.
ثم يقال :هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث ،وهو من أحاديث الجهّال ،فإن
ال تعالى ليـس فـي جمعـه بيـن إبراهيـم والحسـين أعظـم ممـا فـي جمعـه بيـن الحسـن والحسـين على
مقتضـى هذا الحديـث ،فإن موت الحسـن أو الحسـين إذا كان أعظـم مـن موت إبراهيـم ،فبقاء الحسـن
أعظم من بقاء إبراهيم ،وقد بقي الحسن مع الحسين.
(فصععل)
أما عليّ بن الحسين فمن كبار التابعين وساداتهم علمًا ودينًا.
قال يحيـى بـن سـعيد( :هـو أفضـل هاشمـي رأيتـه فـي المدينـة) .وقال محمـد بـن سـعد فـي الطبقات:
(كان ثقة مأمونًا كثير الحديث عاليًا رفيعًا) .وروى عن حمّاد بن زيد عن يحيى بن سعيد النصاري
قال( :سـمعت عليـّ بـن الحسـين ،وكان أفضـل هاشمـي أدركتـه ،يقول :يـا أيهـا الناس أحبونـا حـب
السلم ،فما برح بنا حبكم حتى صار عارًا علينا).
وأما ما ذكره من قيام ألف ركعة ،فقد تقدّم أن هذا ل يمكن إل على وجه يكره في الشريعة ،أو ل
يمكـن بحال ،فل يصـلح ذكـر مثـل هذا فـي المناقـب ،وكذلك مـا َذ َكرَه مـن تسـمية رسـول ال صـلى ال
عليه وسلم له سيد العابدين هو شيء ل أصل له ،ولم يروه أحد من أهل العلم والدين.
وكذلك أبـو جعفـر محمـد بـن عليّـ مـن خيار أهـل العلم والديـن ،وقيـل :إنمـا سـُمي الباقـر لنـه بَ َقرَ
العلم ،ل لجل بقر السجود جبهته ،وأما كونه أعلم أهل زمانه فهذا يحتاج إلى دليل ،والزهري من
أقرانـه ،وهـو عنـد الناس أعلم منـه ،ونَقْلُ تسـميته بالباقـر عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ل أصـل له
عنـد أهـل العلم ،بـل هـو مـن الحاديـث الموضوعـة .وكذلك حديـث تبليـغ جابر له السـلم هـو مـن
الموضوعات عند أهل العلم بالحديث.
89
وجعفـر الصـادق رضـي ال عنـه مـن خيار أهـل العلم والديـن ،وقال عمرو بـن أبـي المقدام( :كنـت
إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سللة النبيين).
وأما قوله( :اشتغل بالعبادة عن الرياسة).
وهذا تناقض من المامية ،لن المامة عندهم واجب عليه أن يقوم بها وبأعبائها ،فإنه ل إمام في
وقته إل هو ،فالقيام بهذا المر العظيم لو كان واجبًا لكان أوْلى من الشتغال بنوافل العبادات.
وأما قوله( :إنه :هو الذي نشر فقه المامية ،والمعارف الحقيقية ،والعقائد اليقينية).
فهذا الكلم يسـتلزم أحـد أمريـن :إمـا أنـه ابتدع فـي العلم مـا لم يكـن يعلمـه مـن قبله ،وإمـا أن يكون
الذيـن قبله قصـّروا فيما يجـب عليهـم مـن نشـر العلم ،وهـل يشـك عاقـل أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم
بيّنـ لمتـه المعارف الحقيقيـة والعقائد اليقينيـة أكمـل بيان؟ وأن أصـحابه تلقّوا ذلك عنـه وبلّغوه إلى
المسلمين؟
وهذا يقتضـي القدح :إمـا فيـه ،وإمـا فيهـم .بـل كُذِب على جعفـر الصـادق أكثـر ممـا كُذِب على مـن
قبله ،فالفــة وقعــت مــن الكذّابيــن عليــه ل منــه؛ ولهذا نُســب إليــه أنواع مــن الكاذيــب ،مثــل كتاب
(البطاقة) و(الجَفْر) و (الهَفْت) والكلم في النجوم.
(فصععل)
وأمـا مـن بعـد جعفـر فموسـى بـن جعفـر ،قال فيـه أبـو حاتـم الرازي( :ثقـة صـدوق إمام مـن أئمـة
المسـلمين) .قلت :موسـى ولد بالمدينـة سـنة بضـع وعشريـن ومائة ،وأقدمـه المهدي إلى بغداد ثـم رده
عمْرةٍ ،فحمــل موســى معــه إلى إلى المدينــة ،وأقام بهــا إلى أيام الرشيــد ،فقدم هارون منصــرفًا مــن ُ
بغداد ،وحبسه بها إلى أن تُوفي في محبسه.
وأمـا مـن بعـد موسـى فلم يؤخـذ عنهـم مـن العلم مـا يذكـر بـه أخبارهـم فـي كتـب المشهوريـن بالعلم
وتواريخهم ،ول لهم في التفسير وغيره أقوال معروفة ،ولكن لهم من الفضائل والمحاسن ما هم له
أهل ،رضي ال عنهم أجمعين ،وموسى بن جعفر مشهور بالعبادة والنسك.
وأمــا الحكايــة المذكورة عــن شقيــق البلخــى فكذب ،فإن هذه الحكايــة تخالف المعروف مــن حال
موسى بن جعفر.
أمععا قوله( :تاب على يديــه بشــر الحافــي) فمــن أكاذيــب مــن ل يعرف حاله ول حال بشــر ،فإن
موسى بن جعفر لما قدم به الرشيد إلى العراق حبسه ،فلم يكن ممن يجتاز على دار بشر وأمثاله من
العامة.
(فصععل)
قال الرافضععي( :وكان ولده عليـّـ الرضــا أزهــد أهــل زمانــه وكان أعلمهــم ،وأخــذ عنــه فقهاء
الجمهور كثيرًا ،وولّه المأمون لعلمـه بمـا هـو عليـه مـن الكمال والفضـل ،ووعـظ يومًا أخاه زيدًا،
فقال :يـا زيـد! مـا أنـت قائل لرسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم إذا سَـَف ْكتَ الدماء ،وأخذت الموال مـن
غير حلها ،وأخفت السبل ،وغرّك حمقى أهل الكوفة؟ وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :إن
فاطمـة أحصـنت فرجهـا ،فحرم ال ذريتهـا على النار ،وفـي روايـة :إن عليًا قال :يـا رسـول ال ،لم
سميت فاطمة؟ قال :لن ال فطمها وذريتها من النار ،فل يكون الحصان سببًا لتحريم ذريتها على
النار وأنت تظلم .وال ما نالوا ذلك إل بطاعة ال ،فإن أردت أن تنال بمعصية ال ما نالوا بطاعته،
إنك إذًا لكرم على ال منهم.
وضرب المأمون اســمه على الدراهــم والدنانيــر ،وكتــب إلى أهــل الفاق بــبيعته ،وطرح الســواد
90
ولبس الخضرة).
فيقال :من المصائب التي ابتُلي بها ولد الحسين انتساب الرافضة إليهم و تعظيمهم ومدحهم لهم،
فإنهــم يُمدحون بمــا ليــس بمدح ،ويدّعون لهــم دعاوى ل حجــة لهــا ،ويذكرون مــن الكلم مــا لو لم
يُعرف فضلهـم مـن غيـر كلم الرافضـة ،لكان مـا تذكره الرافضـة بالقدح أشبـه منـه بالمدح ،فإن علي
بـن موسـى له مـن المحاسـن والمكارم المعروفـة ،والممادح المناسـبة لحاله اللئقـة بـه ،مـا يعرفـه بهـا
أهل المعرفة .وأما هذا الرافضي فلم يذكر له فضيلة واحدة بحجة.
وأمـا قوله( :إنـه كان أزهـد الناس وأعلمهـم) فدعوى مجردة بل دليـل ،فكـل مـن غل فـي شخـص
أمكنه أن يدّعى له هذه الدعوى ،كيف والناس يعلمون أنه كان في زمانه من هو أعلم منه ،ومن هو
أزهـد منـه ،كالشافعـي وإسـحاق بـن راهويـة وأحمـد بـن حنبـل وأشهـب بـن عبـد العزيـز ،وأبـي سـليمان
الداراني ،ومعروف الكرخي ،وأمثال هؤلء.
وأمــا قوله( :إنــه أخــذ عــن فقهاء الجمهور كثيرًا) فهذا مــن أظهــر الكذب ،هؤلء فقهاء الجمهور
المشهورون لم يأخذوا عنـه مـا هـو معروف ،وإن أخـذ عنـه بعـض مـن ل يُعرف مـن فقهاء الجمهور
فهذا ل يُنكر ،فإن طلبة الفقهاء قد يأخذون عن المتوسطين في العلم ،ومن هم دون المتوسطين.
وما ذكره بعض الناس من أن معروفًا الكرخي كان خادمًا له ،وأنه أسلم على يديه ،أو أن الخرقة
متصلة منه إليه ،فكله كذب باتفاق من يعرف هذا الشأن.
والحديـث الذي ذكره عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم عـن فاطمـة هـو كذب باتفاق أهـل المعرفـة
بالحديـث ،ويظهـر كذبـه لغيـر أهـل الحديـث أيضًا؛ فإن قوله( :إن فاطمـة أحصـنت فرجهـا فحرّم ال
ذريتهــا على النار) يقتضــي أن إحصــان فرجهــا هــو الســبب لتحريــم ذريتهــا على النار وهذا باطــل
قطعًا ،فإن سارّة أحصنت فرجها ،ولم يحرّم ال جميع ذريتها على النار.
وأيضًا :فتسـمية جبريـل رسـول ال إلى محمـد صـلى ال عليـه وسـلم خادمًا له عبارة مـن ل يعرف
قدر الملئكـة ،وقدر إرسـال ال لهـم إلى النـبياء ،ولكـن الرافضـة غالب حججهـم أشعار تليـق بجهلهـم
وظلمهم ،وحكايات مكذوبة تليق بجهلهم وكذبهم ،وما ُي ْثبِت أصول الدين بمثل هذه الشعار ،إل من
ليس معدودًا من أولي البصار.
(فصععل)
قال الرافضي( :وكان ولده محمـد بن علي الجواد على منهاج أبيه في العلم والتقـى والجود ،ولما
مات أبوه الرضــا شغــف بحبــه المأمون لكثرة علمــه ودينــه ووفور عقله مــع صــغر ســنه ،وأراد أن
يزوّجــه ابنتـه أم الفضــل ،وكان قـد زوّج أباه الرضـا عليـه السـلم بابنتــه أم حــبيب ،فغلظ ذلك على
العباسيين واستنكروه وخافوا أن يخرج المر منهم ،وأن يبايعه كما بايع أباه ،فاجتمع الدنون منهم
وســألوه ترك ذلك ،وقالوا :إنــه صــغير الســن ل علم عنده ،فقال :أنــا أعرف منكــم بــه ،فإن شئتــم
ل كثيرًا على امتحانـه فـي مسـألة يعجزه فامتحنوه ،فرضوا بذلك ،وجعلوا للقاضـي يحيـى بـن أكثـم ما ً
فيهــا ،فتواعدوا إلى يوم ،وأحضره المأمون وحضــر القاضــي وجماعــة العباســيين ،فقال القاضــي:
حرِم قتل صيدًا؟ فقال له عليه السلم: أسألك عن شيء؟ فقال عليه السلم :سل ،فقال :ما تقول في مُ ْ
قتله فــي حــل أو حرم؟ عالمًـا كان أو جاهلً ،مبتدئًا بقتله أو عائذًا ،مــن صــغار الصــيد كان أم مــن
كبارهــا ،عبدًا كان المُحرم أو حرّا ،صــغيرًا كان أو كــبيرًا ،مــن ذوات الطيــر كان الصــيد أم مــن
غيرها؟ فتحير يحيى بن أكثم ،وبان العجز في وجهه ،حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره ،فقال
المأمون لهـل بيتـه :عرفتـم الن مـا كنتـم تنكرونـه ،ثـم أقبـل المام فقال :أتخطـب؟ قال :نعـم ،فقال:
91
أخطـب لنفسـك خطبـة النكاح ،فخطـب وعقـد على خمسـمائة درهـم جيادًا كمهـر جدتـه فاطمـة عليهـا
السلم ،ثم تزوج بها).
والجواب أن يقال :إن محمـد بـن عليّـ الجواد كان مـن أعيان بنـي هاشـم ،وهـو معروف بالسـخاء
والسـؤدد ،ولهذا سُـ ّميَ الجواد ،ومات وهـو شاب ابـن خمـس وعشريـن سـنة ،ولد سـنة خمـس وتسـعين
ومات سنة عشرين أو سنة تسع عشرة ،وكان المأمون زوّجه بابنته ،وكان يرسل إليه في السنة ألف
ألف درهم ،واستقدمه المعتصم إلى بغداد ،ومات بها.
وأمـا مـا ذكره فإنـه مـن نمـط مـا قبله ،فإن الرافضـة ليـس لهـم عقـل صـريح ول نقـل صـحيح ،ول
يقيمون حقًا ،ول يهدمون باطلً ،ل بحجــة وبيان ،ول بيــد وســنان ،فإنــه ليــس فيمــا ذكره مــا يثبــت
فضيلة محمد بن عليّ ،فضلً عن ثبوت إمامته ،فإن هذه الحكاية التي حكاها عن يحيى بن أكثم من
الكاذيب التي ل يفرح بها إل الجهال ،ويحيى بن أكثم كان أفقه وأعلم وأفضل من أن يطلب تعجيز
حرِم قتـل صـيدًا ،فإن صـغار الفقهاء يعلمون حكـم هذه المسـألة ،فليسـت مـن شخـص بأن يسـأله عـن مُ ْ
دقائق العلم ول غرائبه ،ول مما يختص به المبرّزون في العلم.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وكان ولده عليّـ الهادي ،ويُقال له :العسـكري ،لن المتوكـل أشخصـه مـن المدينـة
إلى بغداد ،ثـم منهـا إلى سُـ ّر مـن رأى ،فأقام بموضـع عندهـا يقال له :العسـكر ،ثـم انتقـل إلى سُـرّ مـن
رأى فأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر ،وإنما أشخصه المتوكل؛ لنه كان يبغض عليّا رضي ال
عنه ،فبلّغه مقام عليّ بالمدينة ،وميل الناس إليه ،فخاف منه ،فدعا يحيى بن هبيرة وأمره بإحضاره،
فضج أهل المدينة لذلك خوفًا عليه؛ لنه كان محسنًا إليهم ،ملزمًا للعبادة في المسجد ،فحلف يحيى
أنه ل مكروه عليه ،ثم فتّش منزله فلم يجد فيه سوى مصاحف وأدعية وكتب العلم ،فعظم في عينه،
وتولى خدمتـه بنفسـه ،فلمـا قدم بغداد بدأ بإسـحاق بـن إبراهيـم الطائي والي بغداد .فقال له :يـا يحيـى،
هذا الرجـل قـد ولده رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،والمتوكـل مـن َت ْعلَم ،فإن حرضتـه عليـه قتله،
وكان رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم خصـمك يوم القيامـة ،فقال له يحيـى :وال مـا وقعـت منـه إل
على خير .قال :فلما دخلت على المتوكل أخبرته بحسن سيرته وورعه وزهده فأكرمه المتوكل ،ثم
مرض المتوكل فنذر إن عوف يَ تصدّق بدراهم كثيرة ،فسأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم جوابًا،
فبعث إلى عليّ الهادي ،فسأله فقال :تصدّق بثلثة وثمانين درهمًا ،فسأله المتوكل عن السبب ،فقال:
ط نَ َكثِيرَةً))[التوبـة ]25:وكانت لمواطن هذه الجملة ،فإن النبي لقوله تعالى(( :لق ْد نَ صَرَ ُكمُ الُ فِي َموَا ِ
صـلى ال عليـه وسـلم غزا سـبعًا وعشريـن غزاة ،وبعـث سـتًا وخمسـين سـرية .قال المسـعودي :نُمـي
إلى المتوكل بعليّ بن محمد أن في منزله سلحًا من شيعته من أهل قُم وأنه عازم على الملك ،فبعث
إليـه جماعـة مـن التراك ،فهجموا داره ليلً فلم يجدوا فيهـا شيئًا ،ووجدوه فـي بيـت مغلق عليـه وهـو
يقرأ وعليــه مُدرعــة مــن صــوف ،وهــو جالس على الرمــل والحصــى متوجهًـا إلى ال تعالى يتلو
القرآن ،فحُمـل على حالتـه تلك إلى المتوكـل ،وأُدخـل عليـه وهـو فـي مجلس الشراب ،والكأس فـي يـد
المتوكـل ،فعظّمـه وأجلسـه إلى جانبـه ،وناوله الكأس ،فقال :وال مـا خامـر لحمـي ودمـي قـط فأعفنـي،
ع ُيوُن))[الدخان .]25:اليات فقال: جنّات ٍع وَ ُ
فأعفاه ،وقال له :أســمعني صــوتًا ،فقال(( :كم ْع َترَكوا مِن عْ َ
أنشدنى شعرًا ،فقال :إني قليل الرواية للشعر ،فقال :ل بد من ذلك ،فأنشده:
غلْبُ الرجال فما أغنتهم ال ُقَللُ ُ باتوا على قلل الجبال تحرسهم
وأسكنوا حفرًا يا بئس ما نزلوا واستُنزلوا بعد ع ٍز من معاقلهم
92
أين السرّة والتيجان والحلل نادا ُهمُ صارخ من بعد دفنهم
من دونها تُضرب الستار والكِللُ أين الوجوه التي كانت منعّمة
تلك الوجوهُ عليها الدود يقتتل فأفصح القبر عنهُمْ حين ساءَُلهُمْ
فأصبحوا بعد طول الكل قد أُكلوا قد طال ما أكلوا دهرا وما شربوا
فبكى المتوكل حتى بلت دموعه لحيته).
فيقال :هذا الكلم مـن جنـس مـا قبله ،لم يذكـر منقبـة بحجـة صـحيحة ،بـل ذكـر مـا يعلم العلماء أنـه
مـن الباطـل ،فإنـه ذكـر فـي الحكايـة أن والي بغداد كان إسـحاق بـن إبراهيـم الطائي ،وهذا مـن جهله،
فإن إسـحاق بـن إبراهيـم هذا خزاعـي معروف هـو وأهـل بيتـه ،كانوا مـن خزاعـة ،فإنـه إسـحاق بـن
إبراهيم بن الحسين بن مصعب ،وابن عمه عبد ال بن طاهر بن الحسين بن مصعب أمير خراسان
المشهور المعلومـة سـيرته ،وابـن هذا محمـد بـن عبـد ال بـن طاهـر كان نائبًا على بغداد فـي خلفـة
المتوكل وغيره ،وهـو الذي صلّى على أحمـد بن حنبـل لما مات ،وإسـحاق بن إبراهيم هذا كان نائبًا
لهم في إمارة المعتصم والواثق وبعض أيام المتوكل ،وهؤلء كلهم من خزاعة ليسوا من طيئ وهم
أهل بيت مشهورون.
وأمـا الفُتيـا التـي ذكرهـا مـن أن المتوكـل نذر إن عُوفِيَـ يتصـدّق بدراهـم كثيرة ،وأنـه سـأل الفقهاء
عـن ذلك فلم يجـد عندهـم جوابـا ،وأن عليّـ بـن محمـد أمره أن يتصـدق بثلثـة وثمانيـن درهمًا ،لقوله
تعالى(( :لق ْد نَصَعرَ ُكمْ ال فعي مَواطِنَع كَثيرَةً))[الدخان ،]25:وأن المواطـن كانـت هذه الجملة ،فإن النـبي
صـلى ال عليـه وسـلم غزا سـبعًا وعشريـن غزاة ،وبعـث سـتًا وخمسـين سـرية ،فهذه الحكايـة أيضـا
تحكـى عـن عليّـ بـن موسـى مـع المأمون ،وهـي دائرة بيـن أمريـن :إمـا أن تكون كذبًا ،وإمـا أن تكون
ل ممن أفتى بذلك. جه ً
فإن قول القائل :له عليّ دراهـم كثيرة ،أو وال لعطيـن فلنًا دراهـم كثيرة ،أو لتصـدقن بدراهـم
كثيرة ،ل يُحمل على ثلث وثمانين عند أحد من علماء المسلمين.
والحجة المذكورة باطلة لوجوه:
أحدهععا :أن قول القائل :إن المواطــن كانــت ســبعًا وعشريــن غزاة وس ـتًا وخمســين ســرية ،ليــس
بصـحيح ،فإن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم لم يغـز سـبعًا وعشريـن غزاة باتفاق أهـل العلم بالسـير ،بـل
أقل من ذلك.
الثانعي :أن هذه اليـة نزلت يوم حنيـن ،وال قـد أخـبر بمـا كان قبـل ذلك ،فيجـب أن يكون مـا تقدّم
قبـل ذلك مواطـن كثيرة ،وكان بعـد يوم حنيـن غزوة الطائف وغزوة تبوك ،وكثيـر مـن السـرايا كانـت
بعـد يوم حنيـن كالسـرايا التـي كانـت بعـد فتـح مكـة ،مثـل :إرسـال جريـر بـن عبـد ال إلى ذي الخلصـة
وأمثال ذلك.
وجريـر إنمـا أسـلم قبـل موت النـبي صـلى ال عليـه وسـلم بنحـو سـنة ،وإذا كان كثيـر مـن الغزوات
والسـرايا كانـت بعـد نزول هذه اليـة ،امتنـع أن تكون هذه اليـة المخـبرة عـن الماضـي إخبارًا بجميـع
المغازي والسرايا.
الثالث :أن ال لم ينصــرهم فــي جميــع المغازي ،بــل يوم أحــد تولوا ،وكان يوم بلء وتمحيــص،
وكذلك يوم مؤتة وغيرها من السرايا لم يكونوا منصورين فيها ،فلو كان مجموع المغازي والسرايا
ثلثًا وثمانين فإنهم لم ينصروا فيها كلها ،حتى يكون مجموع ما نصروا فيه ثلثًا وثمانين.
الرابع :أنه بتقدير أن يكون المراد بالكثير في الية ثلثًا وثمانين ،فهذا ل يقتضي اختصاص هذا
93
القدر بذلك ؛ فإن لفــظ (الكثيــر) لفــظ عام يتناول اللف واللفيــن واللف ،وإذا عمّـ أنواعًـا مــن
المقادير ،فتخصيص بعض المقادير دون بعض تحكّم.
الخامععس :أن ال تعالى قال(( :منععْ ذَا الّذِي يُقْرِضععُ الَع َقرْضًعا حَسعَعنًا َف ُيضَاعِفَهععُ لَهععُ َأضْعَافًعا
َكثِيرَة))[البقرة ،]245:وال يضاعف الحسنة إلى سبعمائة ضعف بنص القرآن ،وقد ورد أنه يضاعفها
ألفي ألف حسنة ،فقد سمّى هذه الضعاف كثيرة ،وهذه المواطن كثيرة.
غ َلبَتْع ِف َئةً َكثِيرَ ًة بِإِذْنِع ال وَالُ مَعَع الصعّا ِبرِين))[البقرة]249: وقـد قال تعالى(( :كمْع مِنْع ِف َئةٍ قَلِي َلةٍ َ
والكثرة ههنـا تتناول أنواعًا مـن المقاديـر ،لن الفئات المعلومـة مـع الكثرة ل تحصـر فـي عدد معيـن،
وقد تكون الفئة القليلة ألفًا والفئة الكثيرة ثلثة آلف ،فهي قليلة بالنسبة إلى كثرة عدد الخرى.
(فصععل)
قال الرافضي( :وولده مولنا المهدي محمد عليه السلم).
روى ابـن الجوزى بإسـناده إلى ابـن عمـر قال :قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم( :يخرج فـي
آخـر الزمان رجـل مـن ولدي ،اسـمه كاسـمي وكنيتـه كنيتـي ،يمل الرض عدلً ،كمـا ملئت جورًا،
فذلك هو المهدي).
فيقال :قـد ذكـر محمـد بـن جريـر الطـبري وعبـد الباقـي بـن قانـع وغيرهمـا مـن أهـل العلم بالنسـاب
والتواريـخ :أن الحسـن بـن عليّـ العسـكري لم يكـن له نسـل ول عقـب ،والماميـة الذيـن يزعمون أنـه
كان له ولد يدّعون أنه دخل السرداب بسامرّا وهو صغير ،منهم من قال :عمره سنتان ،ومنهم من
قال :ثلث ،ومنهـم مـن قال :خمـس سـنين ،وهذا لو كان موجودًا معلومًا ،لكان الواجـب فـي حكـم ال
الثابـت بنـص القرآن والسـنة والجماع أن يكون محضونًا عنـد مـن يحضنـه فـي بدنـه ،كأمـه وأم أمـه،
ونحوهما من أهل الحضانة ،وأن يكون ماله عند من يحفظه :إما وصي أبيه إن كان له وصي ،وإما
غير الوصي :إما قريب ،وإما نائب لدى السلطان ،فإنه يتيم لموت أبيه.
وال تعالى يقول(( :وَا ْبتَلُوا ا ْل َيتَامَى حَتَى إِذَا بَلَغُوا النّكَاحَع َفإِنْع آنَسْعتُ ْم ِمنْهُم ُرشْدًا فَا ْدفَعُوا إِ َليْهِم
َأ ْموَا َلهُمْع وَ َل تَأْ ُكلُوهَا إِسْعرَافًا َوبِدَارًا أَنْع يَ ْك َبرُوا))[النسـاء .]6:فهذا ل يجوز تسـليم ماله إليـه حتـى يبلغ
النكاح ويؤنـس منـه الرشد ،كما ذكـر ال تعالى ذلك فـي كتابه ،فكيـف يكون مـن يسـتحق الحجـر عليه
في بدنه وماله إمامًا لجميع المسلمين معصومًا ،ل يكون أحد مؤمنًا إل باليمان به؟!
ثـم إن هذا باتفاق منهـم :سـواء قُدّر وجوده أو عدمـه ،ل ينتفعون بـه ل فـي ديـن ول فـي دنيـا ،ول
علّمَـ أَحدًا شيئا ،ول يعرف له صـفة مـن صـفات الخيـر ول الشـر ،فلم يحصـل بـه شيـء مـن مقاصـد
المامـة ول مصـالحها ،ل الخاصـة ول العامـة ،بـل إن قدّر وجوده فهـو ضرر على أهـل الرض بل
نفـع أصـلً ،فإن المؤمنيـن بـه لم ينتفعوا بـه ،ول حصـل لهـم بـه لطـف ول مصـلحة ،والمكذّبون بـه
يعذّبون عندهـم على تكذيبهـم بـه ،فهـو شـر محـض ل خيـر فيـه ،وخلق مثـل هذا ليـس مـن فعـل الحكيـم
العادل.
وإذا قالوا :إن الناس بسبب ظلمهم احتجب عنهم.
قيل :أولً :كان الظلم موجودًا في زمن آبائه ولم يحتجبوا.
وقيعل :ثانيًا :فالمؤمنون بـه طبّقوا الرض فهلّ اجتمـع بهـم فـي بعـض الوقات أو أرسـل إليهـم
رسولً يعلّمهم شيئًا من العلم والدين؟!
وقيعل :ثالثًا :قـد كان يمكنـه أن يأوي إلى كثيـر مـن المواضـع التـي فيهـا شيعتـه ،كجبال الشام التـي
كان فيها الرافضة عاصية ،وغير ذلك من المواضع العاصية.
94
وقيعل :رابعًا :فإذا كان هـو ل يمكنـه أن يذكـر شيئًا مـن العلم والديـن لحـد ،لجـل هذا الخوف ،لم
يكـن فـي وجوده لطـف ول مصـلحة ،فكان هذا مناقضًا لمـا أثبتوه ،بخلف مـن أرسـل مـن النـبياء
وكُذّب ،فإنه بلّغ الرسالة ،وحصل لمن آمن به من اللطف والمصلحة ما هو من نعم ال عليه ،وهذا
المنتَظَـر لم يحصــل بــه لطائفتــه إل النتظار لمــن ل يأتــي ،ودوام الحســرة واللم ،ومعاداة العالم،
والدعاء الذي ل يســـتجيبه ال ،لنهـــم يدعون له بالخروج والظهور مـــن مدة أكثـــر مـــن أربعمائة
وخمسـين سـنة لم يحصـل شيـء مـن هذا ،ثـم إن عمـر واحـد مـن المسـلمين هذه المدة أمـر يعرف كذبـه
بالعادة المطّردة فـي أمـة محمـد ،فل يُعرف أحـد وُلد فـي ديـن السـلم وعاش مائة وعشريـن سـنة،
فضلً عن هذا العمر ،وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال في آخر عمره:
(أرأيتكم ليلتكـم هذه ،فإنه على رأس مائة سنة منهـا ل يبقى على وجه الرض ممـن هـو اليوم عليهـا
أحد)(.)1
فمن كان في ذلك الوقت له سنة ونحوها لم يعش أكثر من مائه سنة قطعًا ،وإذا كانت العمار في
ذلك العصـر ل تتجاوز هذا الحـد ،فمـا بعده مـن العصـار أوْلى بذلك فـي العادة الغالبـة العامـة ،فإن
أعمار بني آدم في الغالب كلما تأخر الزمان قصرت ولم تطل ،فإن نوحًا عليه السلم لبث في قومه
ألف سنة إل خمسين عامًا ،وآدم عليه السلم عاش ألف سنة ،كما ثبت ذلك في حديث صحيح رواه
الترمذي وصـحّحَه( ،)2فكان العمـر فـي ذلك الزمان طويلً ،ثـم أعمار هذه المـة مـا بيـن السـتين إلى
السبعين ،وأقلهم من يَجوز ذلك ،كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح(.)3
واحتجاجهـم بحياة الخضـر احتجاج باطـل على باطـل ،فمـن الذي يسـلّم لهـم بقاء الخضـر ،والذي
عليه سائر العلماء المحققون أنه مات ،وبتقدير بقائه فليس هو من هذه المة.
ولهذا يوجـد كثيـر مـن الكذّابيـن مـن الجـن والنـس ممـن يدّعـي أنـه الخضـر ويظـن مـن رآه أنـه
الخضر ،وفي ذلك من الحكايات الصحيحة التي نعرفها ما يطول وصفها هنا.
وكذلك المنتظر محمد بن الحسن ،فإن عددًا كثيرًا من الناس يدّعي كل واحد منهم أنه محمد بن
الحســن ،منهــم مــن يظهــر ذلك لطائفــة مــن الناس ،ومنهــم مــن يكتــم ذلك ول يظهره إل للواحــد أو
ظ َهرُ كذبه كما يظهر كذب من يدّعي أنه الخضر. الثنين ،وما من هؤلء إل من يَ ْ
(فصععل)
وقوله :روى ابــن الجوزي بإســناده إلى ابــن عمــر :قال :قال رســول ال صــلى ال عليــه وســلم:
ل كما ملئت (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي ،اسمه كاسمي ،وكنيته كنيتي ،يمل الرض عد ً
جورًا ،فذلك هو المهدي).
فيقال :الجواب من وجوه:
أحدهعا :إنكـم ل تحتجون بأحاديـث أهـل السـنة ،فمثـل هذا الحديـث ل يفيدكـم فائدة ،وإن قلتـم :هـو
حجة على أهل السنة ،فنذكر كلمهم فيه.
الثاني :إن هذا من أخبار الحاد ،فكيف يثبت به أصل الدين الذي ل يصح اليمان إل به؟
الثالث :أن لفظ الحديث حجة عليكم ل لكم ،فإن لفظه( :يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي)
فالمهدي الذي أخبر به النبي صلى ال عليه وسلم اسمه محمد بن عبد ال ل محمد بن الحسن ،وقد
)(1انظر :البخاري ( )1/119ومسلم (.)4/1965
)(2انظر :سنن الترمذي ( )124-5/123وقال :حسن غريب من هذا الوجه.
)(3انظر :سنن الترمذي ( )3/387وابن ماجة (.)2/1415
95
رُوي عن عليّ رضي ال عنه أنه قال :هو من ولد الحسن بن عليّ ،ل من ولد الحسين بن عليّ.
وأحاديث المهدي معروفة ،رواها المام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم ،كحديث عبد ال بن
مسـعود عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أنـه قال( :لو لم يبـق مـن الدنيـا إل يوم لطوّل ال ذلك اليوم
ل مـن أهـل بيتـي يواطـئ اسـمه اسـمي ،واسـم أبيـه اسـم أبـي ،يمل الرض قسـطًا حتـى يبعـث فيـه رج ً
()1
وعدلً كما ملئت ظلمًا وجورًا) .
الرابعع :أن الحديـث الذي ذكره ،وقوله( :اسـمه كاسـمي ،وكنيتـه كنيتـي) ولم يقـل( :يواطـئ اسـمه
اسـمي واسـم أبيـه اسـم أبـي) فلم يروه أحـد مـن أهـل العلم بالحديـث فـي كتـب الحديـث المعروفـة بهذا
اللفظ ،فهذا الرافضـي لم يذكر الحديث بلفظه المعروف في كتب الحديث ،مثل :مسند أحمد ،وسنن
أبي داود ،والترمذي ،وغير ذلك من الكتب ،وإنما ذكره بلفظ مكذوب لم يروه أحد منهم.
وقوله :إن ابــن الجوزي رواه بإســناده :إن أراد العالم المشهور صــاحب المص ـنّفات الكثيرة أبــا
الفرج ،فهــو كذب عليــه .وإن أراد ســبطه يوســف بــن قــز أوغلى صــاحب التاريــخ المســمى (بمرآة
الزمان) وصـاحب الكتاب المصـنّف فـي (الثنـى عشـر) الذي سـمّاه (إعلم الخواص) فهذا الرجـل
يذكــر فــي مصــنفاته أنواعًـا مــن الغث ّـ والســمين ،ويحتج ـّ فــي أغراضــه بأحاديــث كثيرة ضعيفــة
وموضوعــة ،وكان يص ـنّف بحســب مقاصــد الناس :يص ـنّف للشيعــة مــا يناســبهم ليعوّضوه بذلك،
ويصنّف على مذهب أبي حنيفة لبعض الملوك لينال بذلك أغراضه ،فكانت طريقته طريقة الواعظ
الذي قيل له :ما مذهبك؟ قال :في أي مدينة؟
ولهذا يوجد في بعض كتبه ثلب الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة رضوان ال عليهم لجل
مداهنة من قصد بذلك من الشيعة ،ويوجد في بعضها تعظيم الخلفاء الراشدين وغيرهم.
(فصععل)
قال الرافضعي( :فهؤلء الئمـة الفضلء المعصـومون ،الذيـن بلغوا الغايـة فـي الكمال ،ولم يتخذوا
ما اتخذ غيرهم من الئمة المشتغلين بالملك وأنواع المعاصي والملهي ،وشرب الخمور والفجور،
حتـى فعلوا بأقاربهـم على مـا هـو المتواتـر بيـن الناس .قالت الماميـة :فال يحكـم بيننـا وبيـن هؤلء،
وهو خير الحاكمين).
قال( :وما أحسن قول الشاعر:
إذا شئت أن ترضي لنفسك مذهباً وتعلم أن الناس في نقل أخبار
فدع عنك قول الشافعي ومالك وأحمد والمرويّ عن كعب أحبار
روى جدنا عن جبرئيل عن الباري) ووال أناسًا قولهم وحديثهم
والجواب من وجوه:
أحدها :أن يقال :أما دعوى العصـمة فـي هؤلء فلم تذكر عليها حجة إل ما ادّعيته من أنه يجـب
على ال أن يجعـل للناس إمامًا معصـومًا ،ليكون لطفًا ومصـلحة فـي التكليـف ،وقـد تـبين فسـاد هذه
الحجـة مـن وجوه :أدناهـا أن هذا مفقود ل موجود ،فإنـه لم يوجـد إمام معصـوم حصـل بـه لطـف ول
مصلحة ،ولو لم يكن في الدليل على انتفاء ذلك إل المنتظر الذي قد عُلم بصريح العقل أنه لم ينتفع
بـه أحـد ،ل ديـن ول فـي دنيـا ،ول حصـل لحـد مـن المكلّفيـن بـه مصـلحة ول لطـف ،لكان هذا دليلً
على بطلن قولهم ،فكيف مع كثرة الدلئل على ذلك؟
الوجععه الثانععي :أن قوله( :كــل واحــد مــن هؤلء قــد بلغ الغايــة فــي الكمال) هــو قول مجرد عــن
)(1انظر :سنن أب داود ( )4/151والترمذي ( )3/343والسند (.)2/117
96
الدليل ،والقول بل علم يمكن كل أحد أن يقابله بمثله ،وإذا ادّعى المدّعي هذا الكمال فيمن هو أشهر
في العلم والدين من العسكريين وأمثالهما من الصحابة والتابعين ،وسائر أئمة المسلمين ،لكان ذلك
أوْلى بالقبول ،ومن طالع أخبار الناس علم أن الفضائل العلمية والدينية المتواترة عن غير واحد من
الئمة أكثر مما ينقل عن العسكريين وأمثالهما من الكذب ،دع الصدق.
الثالث :أن قوله( :هؤلء الئمة) إن أراد بذلك أنهم كانوا ذوي سلطان وقدرة معهم السيف ،فهذا
كذب ظاهـر ،وهـم ل يدّعون ذلك ،بـل يقولون :إنهـم عاجزون ممنوعون مغلوبون مـع الظالميـن ،لم
ل عليّ بن أبي طالب ،مع أن المور استصعبت عليه ،ونصف المة يتمكن أحد منهم من المامة ،إ ّ
-أو أقـل أو أكثـر -لم يبايعوه ،بـل كثيـر منهـم قاتلوه وقاتلهـم ،وكثيـر منهـم لم يقاتلوه ولم يقاتلوا معـه،
وفي هؤلء من هو أفضل من الذين قاتلوه وقاتلوا معه ،وكان فيهم من فضلء المسلمين من لم يكن
مع عليّ مثلهم ،بل الذين تخلّفوا عن القتال معه وله كانوا أفضل ممن قاتله وقاتل معه.
وإن أراد أنـه كان لهـم علم وديـن يسـتحقون بـه أن يكون أئمـة ،فهذه الدعوى إذا صـحت ل تُوجـب
كونهم أئمة يجب على الناس طاعتهم ،كما أن استحقاق الرجل أن يكون إمام مسجد ل يجعله إماما،
واســتحقاقه أن يكون قاضيًـا ل يص ـيّره قاضيًـا ،واســتحقاقه أن يكون أميــر الحرب ل يجعله أميــر
الحرب ،والصلة ل تصح إل خلف من يكون إمامًا بالفعل .وكذلك الحكم بين الناس إنما يفصله ذو
سـلطان وقدرة ل مـن يسـتحق أن يولّى القضاء ،وكذلك الجنـد إنمـا يقاتلون مـع أمي ٍر عليهـم ل مـع مـن
لم يؤمّر ،وإن كان يستحق أن يؤمّر.
الوجعه الرابعع :أن يقال :مـا تعنون بالسـتحقاق؟ أتعنون أن الواحـد مـن هؤلء كان يجـب أن يولى
المامة دون سائر قريش؟ أم تريدون أن الواحد منهم من جملة من يصلح للخلفة؟ فإن أردتم الول
فهو ممنوع مردود ،وإن أردتم الثاني فذلك قدر مشترك بينهم وبين خلق كثير من قريش.
الوجعه الخامس :أن يقال :المام هـو الذى يؤتـم بـه وذلك على وجهين :أحدها :أن يرجع إليـه فـي
العلم والديـن بحيـث يطاع باختيار المطيـع ،لكونـه عالمًا بأمـر ال عـز وجـل آمرًا بـه ،فيطيعـه المطيـع
لذلك ،وإن كان عاجزًا عن إلزامه الطاعة.
والثاني :أن يكون صاحب يد وسيف ،بحيث يطاع طوعًا وكرهًا لكونه قادرًا على إلزام المطيع
بالطاعة.
الوجععه السععادس :أن يقال :قوله( :لم يتخذوا مــا اتخذه غيرهــم مــن الئمــة المشتغليــن بالملك
والمعاصــي) كلم باطــل .وذلك أنــه إن أراد أن أهــل الســنة يقولون :إنــه يؤتــم بهؤلء الملوك فيمــا
يفعلونـه مـن معصـية ال ،فهذا كذب عليهـم .فإن علماء أهـل السـنة المعروفيـن بالعلم عنـد أهـل السـنة
متفقون على أنه ل يُقتدى بأحد في معصية ال ،ول يُتخذ إمامًا في ذلك.
وإن أراد ان أهل السنة يستعينون بهؤلء الملوك فيما يُحتاج إليهم فيه من طاعة ال ،ويعاونونهم
على مـا يفعلونـه مـن طاعـة ال ،فيقال لهـم :إن كان اتخاذهـم أئمـة بهذا العتبار محذورًا ،فالرافضـة
أدخل منهم في ذلك ،فإنهم دائمًا يستعينون بالكفّار والفجّار على مطالبهم ،ويعاونون الكفّار والفجّار
على كثيـر مـن مآربهـم ،وهذا أمـر مشهود فـي كـل زمان ومكان ،ولو لم يكـن إل صـاحب هذا الكتاب
(منهاج الندامة) وإخوانه ،فإنهم يتخذون المغل والكفار أو الفسّاق أو الجهال أئمة بهذا العتبار.
الوجعه السعابع :أن يقال :الئمـة الذيـن هـم مثـل هؤلء الذيـن ذكرهـم فـي كتابـه وادّعـى عصـمتهم،
ليس لهم سلطان تحصل به مقاصد المامة ،ول يكفي الئتمام بهم في طاعة ال ،ول في تحصيل ما
ل بد منه مما يعين على طاعة ال ،فإن لم يكن لهم ملك ول سلطان لم يمكن أن تصلّي خلفهم جمعة
97
ول جماعــة ،ول يكونون أئمــة فــي الجهاد ول فــي الحــج ،ول تُقام بهــم الحدود ،ول تُفصــل بهــم
الخصـومات ،ول يسـتوفي الرجـل بهـم حقوقـه التـي عنـد الناس والتـي فـي بيـت المال ،ول يؤمّنـ بهـم
ل مـن له أعوان على ذلك، السـبل ،فإن هذه المور كلهـا تحتاج إلى قادر يقوم بهـا ،ول يكون قادرًا إ ّ
بل القادر على ذلك كان غيرهم ،فمن طلب هذه المور من إمام عاجز عنها كان جاهلً ظالمًا ،ومن
اسـتعان عليهـا بمـن هـو قادر عليهـا كان عالمًا مهتديًا مسـدّدًا ،فهذا يحصـّل مصـلحة دينـه ودنياه،
والول تفوته مصلحة دينه ودنياه.
الوجه الثامن :أن يقال :دعوى كون جميع الخلفاء كانوا مشتغلين بما ذكره من الخمور والفجور
كذب عليهم ،والحكايات المنقولة في ذلك فيها ما هو كذب ،وقد عُلم أن فيهم العدْل الزاهد كعمر بن
عبد العزيز والمهدي بال ،وأكثرهم لم يكن مظهرًا لهذه المنكرات من خلفاء بني أمية وبني العباس،
وإن كان أحدهـم قـد يُبتلى ببعـض الذنوب ،وقـد يكون تاب منهـا ،وقـد يكون له حسـنات كثيرة تمحـو
تلك السـيئات ،وقـد يُبتلى بمصـائب تكفّرـ عنـه خطاياه ،ففـي الجملة الملوك حسـناتهم كبار وسـيئاتهم
كبار ،والواحـد مـن هؤلء وإن كان له ذنوب ومعاصٍـ ل تكون لحاد المؤمنيـن ،فلهـم مـن الحسـنات
مـا ليـس لحاد المسـلمين :مـن المـر بالمعروف والنهـي عـن المنكـر ،وإقامـة الحدود ،وجهاد العدو،
وإيصال كثير من الحقوق إلى مستحقيها ،ومنع كثير من الظلم ،وإقامة كثير من العدل.
ونحعن ل نقول :إنهـم كانوا سـالمين مـن المظالم والذنوب ،كمـا ل نقول :إن أكثـر المسـلمين كانوا
سالمين من ذلك ،لكن نقول :وجود الظلم والمعاصي من بعض المسلمين وولة أمورهم وعامتهم ل
يمنع أن يشارك فيما يعمله من طاعة ال.
وإن قال :مرادي بهؤلء الئمــة الثنــا عشــر .قيــل له :مــا رواه علي ـّ بــن الحســين وأبــو جعفــر
وأمثالهمــا مــن حديــث جدهــم ،فمقبول منهــم كمــا يرويــه أمثاله ،ولول أن الناس وجدوا عنــد مالك
والشافعـي وأحمـد أكثـر ممـا وجدوه عنـد موسـى بـن جعفـر ،وعلي بـن موسـى ،ومحمـد بـن علي ،لمـا
عدلوا عـن هؤلء إلى هؤلء ،وإل فأي غرض لهـل العلم والديـن أن يعدلوا عـن موسـى بـن جعفـر
إلى مالك بن أنس ،وكلهما من بلد واحد ،في عصر واحد؟
فإن زعـم زاعـم أنـه كان عندهـم مـن العلم المخزون مـا ليـس عنـد أولئك لكـن كانوا يكتمونـه ،فأي
فائدة للناس فـي علم يكتمونـه؟ فعلم ل يَقال بـه ككنـز ل يُنفـق منـه ،وكيـف يأتـم الناس بمـن ل يـبين لهـم
العلم المكتوم ،كالمام المعدوم ،وكلهما ل يُنتفع به ،ول يحصل به لطف ول مصلحة.
وإن قالوا :بـل كانوا يـبينون ذلك لخواصـّهم دون هؤلء الئمـة .قيـل :أول :هذا كذب عليهـم ،فإن
جعفـر بـن محمـد لم يجيـء بعده مثله ،وقـد أخـذ العلم عنـه هؤلء الئمـة :كمالك ،وابـن عيينـة وشعبـة
والثوري ،وابن جريج ،ويحيى بن سعيد ،وأمثالهم من العلماء المشاهير العيان.
ثم من ظن بهؤلء السادة أنهم يكتمون علمهم عن مثل هؤلء ويخ صّون به قومًا مجهولين ليس
لهـم فـي المـة لسـان صـدق ،فقـد أسـاء الظـن بهـم ؛ فإن فـي هؤلء مـن المحبـة ل ولرسـوله ،والطاعـة
له ،والرغبـة فـي حفـظ دينـه وتبليغـه ،وموالة مـن واله ،ومعاداة مـن عاداه ،وصـيانته عـن الزيادة
والنقصـان ،مـا ل يوجـد قريـب منـه لحـد مـن شيوخ الشيعـة ،وهذا أمـر معلوم بالضرورة لمـن عرف
هؤلء وهؤلء ،واعتـبر هذا ممـا تجده فـي كـل زمان مـن شيوخ السـنة وشيوخ الرافضـة ،كمصـنّف
هذا الكتاب ،فإنـه عنـد الماميـة أفضلهـم فـي زمانـه ،بـل يقول بعـض الناس :ليـس فـي بلد المشرق
أفضـل منـه فـي جنـس العلوم مطلقًا ،ومـع هذا فكلمـه يدل على أنـه مـن أجهـل خلق ال بحال النـبي
صــلى ال عليــه وســلم وأقواله وأعماله ،فيروي الكذب الذي يظهــر أنــه كذب مــن وجوه كثيرة ،فإن
98
كان عالمًا بأنه كذب ،فقد ثبت عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال( :من حدّث عني بحديث وهو يرى
ل على أنـه مـن أجهـل الناس بأحوال النـبي صـلى ل بذلك د ّ
أنـه كذب فهـو أحـد الكاذبيـن) وإن كان جاه ً
ال عليه وسلم كما قيل:
فإن كنت ل تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
(فصععل)
قال الرافضععي( :ومــا أظــن أحدًا مــن المحصـّلين وقــف على هذه المذاهــب واختار غيــر مذهــب
الماميــة باطنًا ،وإن كان فــي الظاهــر يصــير إلى غيره طلبًا للدنيــا ،حيــث وُضعــت لهــم المدارس
والربط والوقاف حتى تستمر لبني العباس الدعوة ويُشيدوا للعامة اعتقاد إمامتهم).
فيقال :هذا الكلم ل يقوله إل مـن هـو مـن أجهـل الناس بأحوال أهـل السـنة ،أو مـن هـو مـن أعظـم
الناس كذبًا وعنادًا ،وبطلنـه ظاهـر مـن وجوه كثيرة ؛ فإنـه مـن المعلوم أن السـنة كانـت قبـل أن تُبنـى
المدارس أقوى وأظهـر ،فإن المدارس إنمـا بُنيـت فـي بغداد فـي أثناء المائة الخامسـة :بنيـت النظاميـة
فـي حدود السـتين والربعمائة ،وبنيتـا على مذهـب واحـد مـن الئمـة الربعـة ،والمذاهـب الربعـة
طبقـت المشرق والمغرب ،وليـس لحـد منهـم مدرسـة ،والمالكيـة فـي المغرب ل يُذكـر عندهـم ولد
العباس.
ثـم السـنة كانـت قبـل دولة بنـي العباس أظهـر منهـا وأقوى فـي دولة بنـي العباس ،فإن بنـي العباس
دخل في دولتهم كثير من الشيعة وغيرهم من أهل البدع .ثم إن أهل السنة متفقون على أن الخلفة
ل تختـص ببنـي العباس ،وإنـه لو تولهـا بعـض العلوييـن أو المويييـن أو غيرهـم مـن بطون قريـش
جاز ،ثم من المعلوم أن علماء السنة كمالك وأحمد وغيرهما ،من أبعد الناس عن مداهنة الملوك أو
مقاربتهم ،ثم إن أهل السنة إنما يعظّمون الخلفاء الراشدين ،وليس فيهم أحد من بني العباس.
ثم من المعلوم لكل عاقل أنه ليس في علماء المسلمين المشهورين أحد رافضي ،بل كلهم متفقون
على تجهيـل الرافضـة وتضليلهـم ،وكتبهـم كلهـا شاهدة بذلك ،وهذه كتـب الطوائف كلهـا تنطـق بذلك،
مع أنه ل أحد يلجئهم إلى ذكر الرافضة ،وذكر جهلهم وضللهم.
وهــم دائمًا يذكرون مــن جهــل الرافضــة وضللهــم مــا يُعلم معــه بالضطرار أنهــم يعتقدون أن
الرافضـة مـن أجهـل الناس وأضلهـم ،وأبعـد طوائف المـة عـن الهدى ،كيـف ومذهـب هؤلء الماميـة
قد جمع عظائم البدع المنكرة ،فإنهم جهمية قدرية رافضة ،وكلم السلف والعلماء في ذم كل صنف
من هذه الصناف ل يحصيه إل ال ،والكتب مشحونة بذلك ،ككتب الحديث والثار والفقه والتفسير
والصـــول والفروع وغيـــر ذلك ،وهؤلء الثلثـــة شـــر مـــن غيرهـــم مـــن أهـــل البدع كالمرجئة
والحرورية.
ل له في (وال يعلم أني مع كثرة بحثي وتطلعي إلى معرفة أقوال الناس ومذاهبهم ما علمت رج ً
المة لسان صدق يُتهم بمذهب المامية ،فضلً عن أن يُقال :إنه يعتقده في الباطن).
وقـد اتّهـم بمذهـب الزيديـة الحسـن بـن صـالح بـن حيـّ ،وكان فقيهًا صـالحًا زاهدًا ،وقيـل :إن ذلك
كذب عليه ،ولم ينقل أحد عنه :إنه طعن في أبي بكر وعمر ،فضلً عن أن يشك في إمامتهما ،واتّهم
طائفـة مـن الشيعـة الولى بتفضيـل عليّـ على عثمان ،ولم يُتهـم أحـد مـن الشيعـة الولى بتفضيـل عليّـ
على أبي بكر وعمر ،بل كانت عامة الشيعة الولى الذين يحبون عليّا يفضّلون عليه أبا بكر وعمر،
لكـن كان فيهـم طائفـة ترجّحـه على عثمان ،وكان الناس فـي الفتنـة صـاروا شيعتيـن :شيعـة عثمانيـة،
وشيعـة علويـة ،وليـس كـل مـن قاتـل مـع عليّـ كان يفضله على عثمان ،بـل كان كثيـر منهـم يفضّل
99
عثمان على عليه ،كما هو قول سائر أهل السنة.
(فصععل)
قال الرافضي( :وكثيرًا ما رأينا من يتدين في الباطن بمذهب المامية ،ويمنعه عن إظهار ح بّ
الدنيـا وطلب الرياسـة ،وقـد رأيـت بعـض أئمـة الحنابلة يقول :إنـي على مذهـب الماميـة ،فقلت :لم
تدرس على مذهــب الحنابلة؟ فقال :ليــس فــي مذهبكــم البغلت والمشاهرات ،وكان أكــبر مدرســي
الشافعيـة فـي زماننـا حيـث توفـي أوصـى أن يتولى أمره فـي غُسـله وتجهيزه بعـض المؤمنيـن ،وأن
يُدفن في مشهد مولنا الكاظم ،وأشهد عليه أنه كان على مذهب المامية).
والجواب :أن قوله( :وكثيرًا مـا رأينـا) هذا كذب ،بـل قـد يوجـد فـي بعـض المنتسـبين إلى مذهـب
الئمـة الربعـة مـن هـو فـي الباطـن رافضـي ،كمـا يوجـد فـي المظهريـن للسـلم مـن هـو فـي الباطـن
منافـق ،فإن الرافضـة لمـا كانوا مـن جنـس المنافقيـن يخفون أمرهـم احتاجوا أن يتظاهروا بغيـر ذلك،
كما احتاج المنافقون أن يتظاهروا بغير الكفر ،ول يوجد هذا إل فيمن هو جاهل بأحوال النبي صلى
ال عليـه وسـلم وأمور المسـلمين كيـف كانـت فـي أول السـلم ،وأمـا مـن عرف السـلم كيـف كان،
وهو مقرّ بأن محمدًا رسول ال باطنًا وظاهرًا ،فإنه يمتنع أن يكون في الباطن رافضيًا ،ول يُتصور
أن يكون في الباطن رافضيًا إل زنديق منافق ،أو جاهل بالسلم كيف كان مُفرط في الجهل.
والحكايـة التـي ذكرهـا عـن بعـض الئمـة المدرسـين ذكـر لي بعـض البغدادييـن أنهـا كذب مفترى،
فإن كان صادقًا فيما نقله عن بعض المدرسين من هؤلء وهؤلء ،فل يُنكر أن يكون في المنتسبين
إلى الئمـة الربعـة مـن هـو زنديـق ملحـد مارق مـن السـلم ،فضلً عـن أن يكون رافضيًا ،ومـن
استدل بزندقة بعض الناس في الباطن على أن علماء المسلمين كلهم زنادقة ،كان من أجهل الناس،
كذلك من استدل برفض بعض الناس في الباطن.
(فصععل)
قال الرافضععي( :الوجععه الخامععس :فــي بيان وجوب اتباع مذهــب الماميــة ،أنهــم لم يذهبوا إلى
التعصـب فـي غيـر الحـق ،بخلف غيرهـم ،فقـد ذكـر الغزالي والماوردي ،وهمـا إمامان للشافعيـة ،أن
تسـطيح القبور هـي المشروع ،لكـن لمـا جعلتـه الرافضـة شعارًا لهـم عدلنـا عنـه إلى التسـنيم ،وذكـر
الزمخشري -وكان مــــن أئمــــة الحنفيــــة -فــــي تفســــير قوله تعالى(( :هوَ الّذِي يُصععععَلّي عَ َليْكُعععم
لئِ َكتَهُ))[الحزاب ]43:أنه يجوز بمقتضى هذه الية أن يُصلّى على آحاد المسلمين ،لكن لما اتخذت َومَ َ
الرافضة ذلك في أئمتهم منعناه ،وقال مصنف (الهداية) من الحنفية :إن المشروع التختم في اليمين،
ولكـن لمـا اتخذتـه الرافضـة جعلنـا التختـم فـي اليسـار ،وأمثال ذلك كثيـر فانظـر إلى مـن يغيّر الشريعـة
ويبدّل الحكام التي ورد بها النص عن النبي صلى ال عليه وسلم ويذهب إلى ضد الصواب معاندة
لقوم معينين ،فهل يجوز اتّباعه والمصير إلى أقواله؟).
والجواب من طريقتين :أحدهما :أن هذا الذي ذكره هو بالرافضة ألصق.
والثاني :أن أئمة السنة براء من هذا.
أمعا الطريعق الول ،فيقال :ل نعلم طائفـة أعظـم تعصـبًا فـي الباطـل مـن الرافضـة ،حتـى إنهـم دون
سـائر الطوائف عُرف منهـم شهادة الزور لموافقهـم على مخالفهـم ،وليـس فـي التعصـب أعظـم مـن
الكذب ،وحتـى أنهـم فـي التعصـب جعلوا للبنـت جميـع الميراث ،ليقولوا :إن فاطمـة رضـي ال عنهـا
ورثـت رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم دون عمـه العباس رضـي ال عنـه ،وحتـى أن فيهـم مـن حرّم
لحــم الجمــل؛ لن عائشــة قاتلت على جمــل ،فخالفوا كتاب ال وســنة رســوله صــلى ال عليــه وســلم
100
وإجماع الصحابة والقرابة لمر ل يناسب ذلك ،فإن ذلك الجمل الذي ركبته عائشة رضي ال عنها
مات ،ولو فرض أنـه حيّـ فركوب الكفّار على الجمال ل يوجـب تحريمهـا ،ومـا زال الكفّار يركبون
جمال ويغنمها المسلمون منهم ،ولحمها حلل لهم ،فأي شيء في ركوب عائشة للجمل مما يوجب
تحريم لحمه؟ وغاية ما يفرضون أن بعض من يجعلونه كافرًا ركب جملً ،مع أنهم كاذبون مفترون
فيما يرمون به أم المؤمنين رضي ال عنها.
ومععن تعصععبهم :أنهــم ل يذكرون اســم (العشرة) بــل يقولون :تســعة وواحــد ،وإذا بنوا أعمدة أو
غيرها ل يجعلونها عشرة ،وهم يتحرّون ذلك في كثير من أمورهم.
ومعن تعصعبهم :أنهـم إذا وجدوا مسـمّى بعليّـ أو جعفـر أو الحسـن أو الحسـين بادروا إلى إكرامـه،
مع أنه قد يكون فاسقًا ،وقد يكون في الباطن سنيًا ،فإن أهل السنة يسمّون بهذه السماء ،كل هذا من
التعصـب والجهـل ،ومـن تعصـبهم وجهلهـم أنهـم يُبغضون بنـي أميـة كلهـم لكون بعضهـم كان ممـن
يبغض عليّا.
وقـد كان فـي بنـي أميـة قوم صـالحون ماتوا قبـل الفتنـة ،وكان بنـو أميـة أكثـر القبائل عمّال للنـبي
صـلى ال عليـه وسـلم ،فإنـه لمـا فتـح مكـة اسـتعمل عليهـا عتّاب بـن أسـيد بـن أبـي العاصـي بـن أميـة،
واسـتعمل خالد بـن سـعيد بـن العاص بـن أميـة ،وأخويـه أَبان بـن سـعيد وسـعيد بـن سـعيد على أعمال
أُخر ،واستعمل أبا سفيان بن حرب بن أمية على نجران أو ابنه يزيد ،ومات وهو عليها ،وصاهر
نبي ال صلى ال عليه وسلم ببناته الثلث لبني أمية ،فزوّج أكبر بناته زينب بأبي العاص بن الربيع
بن أمية بن عبد شمس ،وحمد صهره لما أراد عليّ أن يتزوج ببنت أبي جهل ،فذكر صهرًا له من
بنـي أميـة بـن عبـد شمـس فأثنـى عليـه فـي مصـاهرته ،وقال( :حدثنـي فصـدقني ،ووعدنـي فوفّىـ لي).
وزوّج ابنتيه لعثمان بن عفان ،واحدة بعد واحدة ،وقال( :لو كانت عندنا ثالثة لزوجناها عثمان).
ل مـن يبغـض عليّاـ، وكذلك مـن جهلهـم وتعصـبهم أنهـم يبغضون أهـل الشام ،لكونهـم كان فيهـم أو ً
ومعلوم أن مكــة كان فيهــا كفّار ومؤمنون ،وكذلك المدينــة كان فيهــا مؤمنون ومنافقون ،والشام فــي
هذه العصار لم يبق فيه من يتظاهر ببغض عليّ ،ولكن لفرط جهلهم يسحبون ذيل البغض ،وكذلك
من جهلهم أنهم يذمون من ينتفع بشيء من آثار بني أمية ،كالشرب من نهر يزيد ،ويزيد لم يحفره
ولكـن وسـّعه ،وكالصـلة فـي جامـع بناه بنـو أميـة ،ومـن المعلوم أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم كان
يصلّي إلى الكعبة التي بناها المشركون ،وكان يسكن في المساكن التي بنوها ،وكان يشرب من ماء
البار التـي حفروهـا ،ويلبـس مـن الثياب التـي نسـجوها ،ويعامـل بالدراهـم التـي ضربوهـا ،فإذا كان
ينتفع بمساكنهم وملبسهم ،والمياه التي أنبطوها ،والمساجد التي بنوها ،فكيف بأهل القبلة؟!
فلو فرض أن يزيــد كان كافرًا وحفــر نهرًا ،لم يكره الشرب منــه بإجماع المســلمين ،ولكــن لفرط
تعصبهم كرهوا ما يضاف إلى من يبغضونه.
ولقـد حدثنـي ثقـة أنـه كان لرجـل منهـم كلب فدعاه آخـر منهـم :بكيـر ،فقال صـاحب الكلب :أتسـمي
كلبي بأسماء أصحاب النار؟ فاقتتل على ذلك حتى جرى بينهما دم .فهل يكون أجهل من هؤلء؟!
وأما الطريق الثاني في الجواب فنقول :الذي عليه أئمة السلم إن كان مشروعًا لم يُترك لمجرد
فعل أهل البدع ،ل الرافضة ول غيرهم ،وأصول الئمة كلهم توافق هذا ،منها مسألة التسطيح الذي
ذكرهـا ،فإن مذهـب أبـي حنيفـة وأحمـد أن تسـنيم القبور أفضـل ،كمـا ثبـت فـي الصـحيح أن قـبر النـبي
صـلى ال عليـه وسـلم كان مسـّنمًا ،ولن ذلك أبعـد عـن مشابهـة أبنيـة الدنيـا ،وأمنـع عـن القعود على
القبور ،والشافعــي يســتحب التســطيح لمــا رُوي مــن المــر بتســوية القبور ،فرأى أن التســوية هــي
101
التسطيح ،ثم إن بعض أصحابه قال :إن هذا شعار الرافضة فيُكره ذلك ،فخالفه جمهور الصحاب،
وقالوا :بل هو المستحب وإن فعلته الرافضة.
وكذلك الجهـر بالبسـملة هـو مذهـب الرافضـة ،وبعـض الناس تكلّم فـي الشافعـي بسـببها ،وبسـبب
القنوت ،ونســبه إلى قول الرافضــة والقدريــة ،لن المعروف فــي العراق أن الجهــر كان مــن شعار
الرافضـة ،وأن القنوت فـي الفجـر كان مـن شعار القدريـة الرافضـة ،حتـى أن سـفيان الثوري وغيره
مـن الئمـة يذكرون فـي عقائدهـم ترك الجهـر بالبسـملة ،لنـه كان عندهـم مـن شعار الرافضـة ،كمـا
يذكرون المسح على الخفين؛ لن تركه كان من شعار الرافضة ،ومع هذا فالشافعي لما رأى أن هذا
هو السنة كان ذلك مذهبه وإن وافق قول الرافضة.
وكذلك إحرام أهـل العراق مـن العقيـق يسـتحب عنده ،وإن كان ذلك مذهـب الرافضـة ،ونظائر هذا
كثيرة.
(فصععل)
قال الرافضعي( :مـع أنهـم ابتدعوا أشياء ،واعترفوا بأنهـا بدعـة ،وأن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم
قال( :كل بدعة ضللة ،وكل ضللة فإن مصيرها النار) .وقال صلى ال عليه وسلم( :من أدخل في
ديننــا مــا ليــس منــه فهــو ردّ) ،ولو ردوا عنهــا كرهتــه نفوســهم ونفرت قلوبهــم ،كذكــر الخلفاء فــي
خطبهـم ،مـع أنـه بالجماع لم يكـن فـي زمـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،ول فـي زمـن أحـد مـن
الصــحابة والتابعيــن ،ول فــي زمــن بنــي أميــة ،ول فــي صــدر وليــة العباســيين ،بــل شيــء أحدثــه
المنصور لما وقع بينه وبين العلوية خلف ،فقال:وال لرغمن أنفي وأنوفهم وأرفع عليهم بني تيم
وعدي ،وذكر الصحابة في خطبته ،واستمرت هذه البدعة إلى هذا الزمان).
فيقال :الجواب مععن وجوه :أحدهععا :أن ذكــر الخلفاء على المنــبر كان على عهــد عمــر بــن عبــد
العزيز ،بل قد رُوي أنه كان على عهد عمر بن الخطاب رضي ال عنه.
الوجعه الثانعي :أنعه قيعل :إن عمـر بـن عبـد العزيـز ذكـر الخلفاء الربعـة لمـا كان بعـض بنـي أميـة
يسبّون عليًا ،فعوّض عن ذلك بذكر الخلفاء والترضّي عنهم ،ليمحو تلك السنة الفاسدة.
الوجعه الثالث :أن مـا ذكره مـن إحداث المنصـور وقصـده بذلك باطـل ،فإن أبـا بكـر وعمـر رضـي
ال عنهما توليا الخلفة قبل المنصور وقبل بني أمية ،فلم يكن في ذكر المنصور لهما إرغام لنفه
ول لنوف بني عل يّ ،إل لو كان بعض بني تيْم أو بعض بني عدي ينازعهم الخلفة ،ولم يكن أحد
من هؤلء ينازعهم فيها.
الوجه الرابع :أن أهل السنة ل يقولون :إن ذكر الخلفاء الربعة في الخطبة فر ضٌ ،بل يقولون:
إن القتصـار على عليّـ وحده ،أو ذكـر الثنـى عشـر هـو البدعـة المنكرة التـي لم يفعلهـا أحـد ،ل مـن
الصـحابة ول مـن التابعيـن ،ول مـن بنـي أميـة ،ول مـن بنـي العباس ،كمـا يقولون :إن سـب عليّـ أو
غيره مـن السـلف بدعـة منكرة ،فإن كان ذكـر الخلفاء الربعـة بدعـة ،مـع أن كثيرًا مـن الخلفاء فعلوا
ذلك ،فالقتصار على عل يّ ،مع أنه لم يسبق إليه أحد من المة أوْلى أن يكون بدعة ،وإن كان ذكر
عليّ لكونـه أميـر المؤمنيـن مسـتحبًا ،فذكـر الربعـة الذيـن هـم الخلفاء الراشدون أوْلى بالسـتحباب،
لكن الرافضة من المطففين :يرى أحدهم القَذَاة في عيون أهل السنة ،ول يرى الجذع المعترض في
عينه.
ل على ومـن المعلوم أن الخلفاء الثلثـة اتفـق عليهـم المسـلمون ،وكان السـيف فـي زمانهـم مسـلو ً
الكفار ،مكفوفًا عـن أهـل السـلم ،وأمـا عليّـ فلم يتفـق المسـلمون على مبايعتـه ،بـل وقعـت الفتنـة تلك
102
ل على أهـل السـلم ،فاقتصـار المقتصـر المدة ،وكان السـيف فـي تلك المدة مكفوفـا عـن الكفار مسـلو ً
على ذكر عل يّ وحده دون من سبقه ،هو ترك لذكر الئمة وقت اجتماع المسلمين وانتصارهم على
عدوهم ،واقتصار على ذكر المام الذي كان إمامًا وقت افتراق المسلمين وطلب عدوهم لبلدهم.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وكمسـح الرجليـن الذي نصّـ ال تعالى عليـه فـي كتابـه العزيـز ،فقال(( :فاْغسِعلُوا
جلَكُمعْ ِإلَى الْ َك ْعبَيْن))[المائدة ،]6:وقال ابــن
وُجُوهَكُم ْع وََأيْ ِديَكُم إِلَى ا ْل َمرَافِقِع وَامْسعَحُوا ِب ُرؤُوسعِكُ ْم وََأرْ ُ
عباس( :عضوان مغسولن ،وعضوان ممسوحان ،فغيروه وأوجبوا الغسل).
فيقال :الذيـن نقلوا عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم الوضوء قولً وفعلً ،والذيـن تعلّموا الوضوء
منـه وتوضؤوا على عهده ،وهـو يراهـم ويقرهـم عليـه ونقلوه إلى مـن بعدهـم ،أكثـر عددًا مـن الذيـن
نقلوا لفـظ هذه اليـة ،فإن جميـع المسـلمين كانوا يتوضئون على عهده ،ولم يتعلموا الوضوء إل منـه
صلى ال عليه وسلم ؛ فإن هذا العمل لم يكن معهودًا عندهم في الجاهلية ،وهم قد رأوه يتوضأ ما ل
يحصى عدده إل ال تعالى ،ونقلوا عنه ذكر غسل الرجلين فيما شاء ال من الحديث ،حتى نقلوا عنه
مــن غيــر وجــه فــي الصــحاح وغيرهــا أنــه قال( :ويــل للعقاب وبطون القدام مــن النار) ،مــع أن
الفرض إذا كان مسـح ظهـر القدم ،كان غسـل الجميـع كلفـة ل تدعـو إليهـا الطباع ،كمـا تدعـو الطباع
إلى طلب الرياســة والمال ،فإن جاز أن يقال :إنهــم كذبوا وأخطئوا فيمــا نقلوه عنــه مــن ذلك ،كان
الكذب والخطأ فيما نُقل من لفظ الية أقرب إلى الجواز.
وإن قيل :بل لفظت الية بالتواتر الذي ل يمكن الخطأ فيه ،فثبوت التواتر في نقل الوضوء عنه
أوْلى وأكمـل ،ولفـظ اليـة ل يخالف مـا تواتـر مـن السـنّة ،فإن المسـح جنـس تحتـه نوعان :السـالة،
وغيـر السـالة ،كمـا تقول العرب :تمسـّحت للصـلة ،فمـا كان بالسـالة فهـو الغسـل ،وإذا خـص أحـد
النوعيـن باسـم الغسـل فقـد يخـص النوع الخـر باسـم المسـح ،فالمسـح يُقال على المسـح العام الذي
يندرج فيه الغسل ،ويُقال على الخاص الذي ل يندرج فيه الغسل.
وفي القرآن ما يدل على أنه لم يُرد بمسح الرجلين المسح الذي هو قسيم الغسل ،بل المسح الذي
الغسل قسم منه ؛ فإنه قال( :إلى الكعبين) ولم يقل :إلى الكعاب ،كما قال( :إلى المرافق) ،فدل على
أنه ليس في كل رجل كعب واحد ،كما في كل يد مرفق واحد ،بل في كل رجل كعبان ،فيكون تعالى
قد أمر بالمسح إلى العظمين الناتئين ،وهذا هو الغسل ،فإن من يمسح المسح الخاص يجعل المسح
لظهور القدمين ،وفي ذكره الغسل في العضوين الوّليْن والمسح في الخرين ،التنبيه على أن هذين
العضويـن يجـب فيهمـا المسـح العام ،فتارة يُجزئ المسـح الخاص ،كمـا فـي مسـح الرأس والعمامـة
والمسح على الخفين ،وتارة ل بد من المسح الكامل الذي هو غسل ،كما في الرجلين المكشوفتين.
وقــد تواترت الســنة عــن النــبي صــلى ال عليــه وســلم بالمســح على الخفيــن وبغســل الرجليــن،
والرافضـة تخالف هذه السـنة المتواترة ،كمـا تخالف الخوارج نحـو ذلك ،ممـا يتوهمون أنـه مخالف
لظاهر القرآن ،بل تواتر غسل الرجلين والمسح على الخفين عن النبي صلى ال عليه وسلم أعظم
من تواتر قطع اليد في ربع دينار ،أو ثلثة دراهم ،أو عشرة دراهم ،أو نحو ذلك.
وفي الجملة فالقرآن ليس فيه نفي إيجاب الغسل ،بل فيه إيجاب المسح ،فلو قدّر أن السنة أوجبت
قدرًا زائدًا على مــا أوجبــه القرآن لم يكــن فــي هذا رفعًا لموجــب القرآن ،فكيــف إذا فسـّرته وبيّنــت
معناه؟ وهذا مبسوط في موضعه.
(فصععل)
103
قال الرافضعي( :وكالمتعتيـن اللتيـن ورد بهمـا القرآن ،فقال فـي متعـة الحـج(( :فمنْع َتمَتّعَع بِا ْل ُعمْرَ ِة
سرَ مِنَع ا ْلهَدْي))[البقرة ]196:وتأسـّف النـبي صـلى ال عليـه وسـلم على فواتهـا لمـا ِإلَى الْحَجّ فَمَا اسْعَتيْ َ
حجّ قارنا ،وقال( :لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما سقت الهدي) وقال في متعة النساء(( :فما
اْسعَتمْتَ ْعتُ ْم بِهِع ِمنْهُنّ َف ْأتُوهُنّ أُجُورَهُنّ َفرِيضَة))[النسـاء ]24:واسـتمرت فعلهمـا مدة زمان النـبي صـلى
ال عليه وسلم ومدة خلفة أبي بكر ،وبعض خلفة عمر ،إلى أن صعد المنبر ،وقال( :متعتان كانتا
محللتين على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما).
والجواب أن يقال :أما متعة الحج فمتفق على جوازها بين أئمة المسلمين ،ودعواه أن أهل السنة
ابتدعوا تحريمهـا كذب عليهـم ،بـل أكثـر علماء السـنة يسـتحبون المتعـة ويرجّحونهـا أو يوجبونهـا،
والمتعة اسم جامع لمن اعتمر في أشهر الحج وجمع بينها وبين الحج في سفر واحد ،سواء حلّ من
إحرامـه بالعمرة ثـم أحرم بالحـج ،أو أحرم بالحـج قبـل طوافـه بالبيـت وصـار قارنًا ،أو بعـد طوافـه
بالبيـت وبيـن الصـفا والمروة قبـل التحلل مـن إحرامـه لكونـه سـاق الهدي أو مطلقًا .وقـد يراد بالمتعـة
مجرد العمرة في أشهر الحج.
وأكثر العلماء كأحمد وغيره من فقهاء الحديث ،وأبي حنيفة وغيره من فقهاء العراق ،والشافعي
في أحد ق ْولَيه ،وغيره من فقهاء مكة يستحبون المتعة.
حلّ لَكُمْع وأمـا متعة النساء المتنازع فيها فليـس فـي الية نصّـ صريح بحلها ،فإنه تعالى قال(( :وَأُ ِ
غ ْيرَ مُس عَافِحِين فَمَا اس ْع َت ْمتَ ْعتُمْ بِه عِ ِم ْنهُنّ فَآتُوهُنّ مَا َورَاءَ َذلِكُم أَن ْع َت ْبتَغُوا بِ َأ ْموَالِكُم مُحْص ِعنِينَ َ
حكِيمًا * عَليْكُمْع فِيمَا َترَاضَ ْيتُم بِهِع مِنْع بَعْدِ الْ َفرِيضَة إِنّ الَ كَانَع عَلِيمًا َجنَاحَع َ ضةً وَلَ ُ أُجُورَهُنّ َفرِي َ
طوْلً أَن ْع يَنْكِحعَ ا ْلمُحْصعَنَاتِ ا ْل ُم ْؤمِنَاتعِ))[النســاء ]25-24:اليــة .فقوله(( :فَمَا َومَنعْ لّم ْع يَسعْتَطِ ْع ِمنْكُمعْ َ
اسْعتَ ْمتَ ْعتُ ْم بِهِع ِمنْهُنّ))[النسـاء ]24:يتناول كـل مـن دخـل بهـا مـن النسـاء ،فإنـه أمـر بأن يعطـى جميـع
الصداق ،بخلف المطلّقة قبل الدخول التي لم يستمتع بها فإنها ل تستحق إل نصفه.
وهذا كقوله تعالى(( :وَ َكيْفعَع تَأْخُذُونَهعُع وَقَدْ َأفْضَعى بَ ْعضُكُمععْ إِلَى بَعْضعٍع وََأخَذْنعَع مِنْكُمع ْع مِيثَاقًعا
غلِيظًا))[النساء ]21:فجعل الفضاء مع العقد موجبًا لستقرار الصداق ،يبيّن ذلك أنه ليس لتخصيص َ
النكاح المؤقـت بإعطاء الجـر فيـه دون النكاح المؤبـد معنـى ،بـل إعطاء الصـداق كاملً فـي المؤبـد
أوْلى ،فل بد أن تدل الية على المؤبد :إما بطريق التخصيص ،وإما بطريق العموم.
يدل على ذلك أنـه ذكـر بعـد هذا نكاح الماء ،فعُلم أن مـا ذُكـر كان فـي نكاح الحرائر مطلقًا ،فإن
سمّى))[النساء ]24:قيل :أوّل: ج ٍل مُ َقيل :ففي قراءة طائفة من السلف(( :فما اْس َتمْتَ ْعتُ ْم بِ ِه مِ ْنهُنّ إِلَى أَ َ
ليســت هذه القراءة متواترة ،وغايتهــا أن تكون كأخبار الحاد ،ونحــن ل ننكــر أن المتعــة أحلت فــي
أوّل السلم ،لكن الكلم في دللة القرآن على ذلك.
الثاني :أن يقال :هذا الحرف إن كان نزل ،فل ريب أنه ليس ثابتًا من القراءة المشهورة ،فيكون
حرّمــت نســخ هذا الحرف ،ويكون المــر منســوخًا ،ويكون نزوله لمــا كانــت المتعــة مباحــة ،فلمــا ُ
باليتاء فـي الوقـت تنبيهـا على اليتاء فـي النكاح المطلق ،وغايـة مـا يقال :إنهمـا قراءتان ،وكلهمـا
حـق ،والمـر باليتاء فـي السـتمتاع إلى أجـل مسـمّى واجـب إذا كان ذلك حللً ،وإنمـا يكون ذلك إذا
كان السـتمتاع إلى أجـل مسـمّى حللً ،وهذا كان فـي أول السـلم ،فليـس فـي اليـة مـا يدل على أن
الستمتاع بها إلى أجل مسمّى حلل ،فإنه لم يقل :وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلى أجل مسمّى ،بل
قال(( :فمعا اْسعتَ ْمتَ ْعتُ ْم بِهِع ِم ْنهُنّ فَآتُوهُنّ ُأجُورَهُنّ))[النسـاء ]24:فهذا يتناول مـا وقـع مـن السـتمتاع:
سواء كان حللً ،أو كان في وطء شبهة.
104
ل المتعـة و َف َعلَهـا فعليه ولهذا يجب المهـر في النكاح الفاسـد بالسنة والتفاق ،والمتمتع إذا اعتقـد ح ّ
المهر ،وأما الستمتاع المحرّم فلم تتناوله الية؛ فإنه لو استمتع بالمرأة من غير عقد مع مطاوعتها،
لكان زنًا ،ول مهر فيه ،وإن كانت مستكرهة ،ففيه نزاع مشهور.
وأمـا ما ذكره من نهـي عمـر عـن متعـة النساء ،فقـد ثبت عن النـبي صلى ال عليه وسـلم أنـه حرّم
متعـة النسـاء بعـد الحلل .هكذا رواه الثقات فـي الصـحيحين وغيرهمـا عـن الزهري عـن عبـد ال
والحسـن ابنـي محمـد بـن الحنفيـة عـن أبيهمـا محمـد بـن الحنفيـة ،عـن علي بـن أبـي طالب رضـي ال
عنـه ،أنـه قال لبـن عباس رضـي ال عنـه لمـا أباح المتعـة :إنـك امرؤ تائه ،إن رسـول ال صـلى ال
عليه وسلم حرّم المتعة ولحوم الحمر الهلية عام خيبر( )1رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة
وأحفظهم لها ،أئمة السلم في زمنهم ،مثل :مالك بن أنس ،وسفيان بن عيينة وغيرهما ،ممن اتفق
المسـلمون على علمهـم وعدلهـم وحفظهـم ،ولم يختلف أهـل العلم بالحديـث فـي أن هذا حديـث صـحيح
متلقى بالقبول ،ليس في أهل العلم من طعن فيه.
()2
وكذلك ثبـت فـي الصـحيح أنـه حرّمهـا فـي غزاة الفتـح إلى يوم القيامـة ،وقـد تنازع رواة حديـث
حمُر فقط أو له ولتحريم المتعة؟ فالول عليّ رضي ال عنه :هل قوله( :عام خيبر) توقيت لتحريم ال ُ
قول ابن عيينة وغيره ،قالوا :إنما حرّمت عام الفتح ،ومن قال بالخر قال :إنها حرّمت ثم أحلّت ثم
حرّمت ،وادعت طائفة ثالثة أنها أحلّت بعد ذلك ،ثم حرّمت في حجة الوداع.
فالروايات المسـتفيضة المتواترة متواطئة على أنـه حرّم المتعـة بعـد إحللهـا ،والصـواب أنهـا بعـد
أن حرّمت لم تُحل ،وأنها إنما حرّمت عام فتح مكة ولم تُحل بعد ذلك ،ولم تحرّم عام خيبر ،بل عام
حمُر الهليـة ،وكان ابـن عباس يبيـح المتعـة ولحوم الحُمُر فأنكـر علي بـن أبـي خيـبر حرّمـت لحوم ال ُ
طالب رضـي ال عنـه ذلك عليـه ،وقال له :إن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم حرّم متعـة النسـاء
وحرّم لحوم الحمر يوم خيبر ،فقرن عليّ رضي ال عنه بينهما في الذكر لما روى ذلك لبن عباس
رضـي ال عنهمـا؛ لن ابـن عباس كان يبيحهمـا ،وقـد روي عـن ابـن عباس رضـي ال عنـه أنـه رجـع
عن ذلك لما بلغه حديث النهي عنهما.
فأهل السنة اتبعوا عليًا وغيره من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي صلى ال عليه وسلم.
والشيعة خالفوا عليّا فيما رواه عن النبي صلى ال عليه وسلم ،واتبعوا قول من خالفه.
وأيضًا :فإن ال تعالى إنما أباح في كتابه الزوجة وملك اليمين ،والمتمتع بها ليست واحدة منهما،
فإنهـا لو كانـت زوجـة لتوارثـا ،ولوجبـت عليهـا عدة الوفاة ،ولحقهـا الطلق الثلث ؛ فإن هذه أحكام
الزوجـة فـي كتاب ال تعالى ،فلمـا انتفـى عنهـا لوازم النكاح دل على انتفاء النكاح ،فإن انتفاء اللزم
يقتضي انتفاء الملزوم ،وال تعالى إنما أباح في كتابه الزواج وملك اليمين ،وحرّم ما زاد على ذلك
غ ْيرُ
جهِمْع َأ ْو مَا مََلكَتْع َأ ْيمَانُهمْع فَ ِإ ّنهُمْع َ
علَى َأ ْزوَا ِ
جهِمْع حَافِظُون * إِلّ َبقوله تعالى(( :وَالّذِينَع هُمْع لِ ُفرُو ِ
مَلُومِين * َفمَنْ ا ْبتَغَى َورَاءَ ذَِلكَ فَُأ ْوَلئِكَ هُمُ الْعَادُون))[المؤمنون.]7-5:
والمسـتمتع بهـا بعـد التحريـم ليسـت زوجـة ول ملك يميـن ،فتكون حرامًا بنـص القرآن ،أمـا كونهـا
ليسـت مملوكـة فظاهـر ،وأمـا كونهـا ليسـت زوجـة فلنتفاء لوازم النكاح فيهـا ،فإن مـن لوازم النكاح
كونه سببًا للتوارث وثبوت عدة الوفاة فيه ،والطلق الثلث ،وتنصيف المهر بالطلق قبل الدخول،
وغير ذلك من اللوازم.
)(1انظر :البخاري ( )7/12ومسلم (.)2/1027
)(2انظر :صحيح مسلم (.)2/1026
105
(فصععل)
قال الرافضي( :ومنع أبو بكر فاطمة إرثها فقالت :يا ابن أبي قحافة ،أترث أباك ول أرث أبي؟
والتجأ في ذلك إلى رواية انفرد بها –وكان هو الغريم لها لن الصدقة تحل ّله– لن النبي صلى ال
عليـه وسـلم قال( :نحـن معاشـر النـبياء ل نُورث ،مـا تركناه صـدقة) على أن مـا رووه عنـه فالقرآن
حظّ ا ُلنْ َثيَي نْ))[النساء .]11:ولم يخالف ذلك ،لن ال تعالى قال(( :يوصيكمُ الُ فِي َأوْلدِكُم لِلذّ َك ِر ِم ْثلُ َ
يجعــل ال ذلك خاصـًا بالمــة دونــه صــلى ال عليــه وســلم ،وكذّب روايتهــم ،فقال تعالىَ (( :و َورِثعَ
سُعَل ْيمَانَ دَاوُد))[النمـل ]16:وقال تعالى عـن زكريـا(( :وَإِنّيع خِفْتُع ا ْل َموَالِيَع مِنْع َورَائِي وَكَانَتِع ا ْمرََأتِي
ن آلِ يَعْقُوب))[مريم.)]6-5: ث مِ ْ
ك وَ ِليّا * َي ِرثُنِي وَ َيرِ ُ
عَا ِقرًا َفهَبْ لِي مِنْ لّ ُدنْ َ
والجواب عن ذلك من وجوه :أحدها :أن ما ذكر من قول فاطمة رضي ال عنها :أترث أباك ول
أرث أبـي؟ ل يُعلم صـحته عنهـا ،وإن صـح فليـس فيـه حجـة ،لن أباهـا صـلوات ال وسـلمه عليـه ل
يُقاس بأحد من البشر ،وليس أبو بكر أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم كأبيها ،ول هو ممن حرّم ال عليه
صدقة الفرض والتطوع كأبيها ،ول هو أيضًا ممن جعل ال محبته مقدمة على محبة الهل والمال،
كما جعل أباها كذلك.
والفرق بيــن النــبياء وغيرهــم أن ال تعالى صــان النــبياء على أن يورّثوا دنيًا ،لئل يكون ذلك
شبهـة لمـن يقدح فـي نبوتهـم بأنهـم طلبوا الدنيـا وخلفوهـا لورثتهـم ،وأمـا أبـو بكـر الصـديق وأمثاله فل
نبوة لهم يُقدح فيها بمثل ذلك ،كما صان ال تعالى نبينا عن الخط والشعر صيانة لنبوّته عن الشبهة،
وإن كان غيره لم يحتج إلى هذه الصيانة.
الثانععي :أن قوله( :والتجـأ فـي ذلك إلى روايـة انفرد بهـا) كذب ؛ فإن قول النـبي صـلى ال عليـه
وسـلم( :ل نُورَثـُ ،مـا تركنـا فهـو صـدقة) رواه عنـه أبـو بكـر وعمـر وعثمان وعليّـ وطلحـة والزبيـر
وسـعد وعبـد الرحمـن بـن عوف والعباس بـن عبـد المطلب وأزواج النـبي صـلى ال عليـه وسـلم وأبـو
هريرة ،والروايـة عـن هؤلء ثابتـة فـي الصـحاح والمسـانيد ،مشهورة يعلمهـا أهـل العلم بالحديـث(،)1
فقول القائل :إن أبا بكر انفرد بالرواية ،يدل على فرط جهله أو تعمده الكذب.
الثالث :قوله( :وكان هـو الغريـم لهـا) كذب ،فإن أبـا بكـر رضـي ال عنـه لم يدع هذا المال لنفسـه
ول لهل بيته ،وإنما هو صدقة لمستحقيها كما أن المسجد حق للمسلمين.
الرابع :أن الصديق رضي ال عنه لم يكن من أهل هذه الصدقة ،بل كان مستغنيًا عنها ،ول انتفع
هو ول أحد من أهله بهذه الصدقة؛ فهو كما لو شهد قوم من الغنياء على رجل أنه و صّى بصدقة
للفقراء ؛ فإن هذه شهادة مقبولة بالتفاق.
الخامعس :أن هذا لو كان فيـه مـا يعود نفعـه على الراوي له مـن الصـحابة لقُبلت روايتـه؛ لنـه مـن
باب الروايـة ل مـن باب الشهادة ،والمحدّث إذا حدّث بحديـث فـي حكومـة بينـه وبيـن خصـمه قُبلت
روايتـه للحديـث ،لن الروايـة تتضمـن حكمًا عامًا يدخـل فيـه الراوي وغيره ،وهذا مـن باب الخـبر،
كالشهادة برؤية الهلل ؛ فإن ما أمر به النبي صلى ال عليه وسلم يتناول الراوي وغيره ،وكذلك ما
نهى عنه ،وكذلك ما أباحه.
وهذا الحديــث تضمّنـ روايــة بحكــم شرعــي ،ولهذا تضمــن تحريــم الميراث على ابنــة أبــي بكــر
عائشة رضي ال عنها ،وتضمن تحريم شرائه لهذا الميراث من الورثة واتّهابه لذلك منهم ،وتضمن
وجوب صرف هذا المال في مصارف الصدقة.
)(1انظر :البخاري ،)4/79( :ومسلم).)3/1376( :
106
السادس :أن قوله( :على أن ما رووه فالقرآن يخالف ذلك ،لن ال تعالى قال(( :يوصيكمُ الُ فِي
لمّةـ دونـه صـلى ال عليـه َأوْلَ ِدكُمْع لِلّذَ َك ِر مِ ْثلُ حَظّ ا ُل ْنثَيَيْن))[النسـاء ]11:ولم يجعـل ال ذلك خاصـًا با ُ
وسلم).
فيقال :أولً :ليس في عموم لفظ الية ما يقتضي أن النبي صلى ال عليه وسلم يورث ،فإن ال
ن ثُُلثَان ِنسَاءً َفوْقَ ا ْثنَ َتيْنِ فَ َل ُه ّ حظّ ا ُل ْنثَ َييْن َفإِنْ ُك ّ تعالى قال(( :يوصيكمُ الُ فِي َأوْلَ ِدكُمْ ِللّذَ َك ِر ِم ْثلُ َ
س ِممّا تَرَكَ إِنْ كَانَ َلهُ َولَدٌ صفُ وَ َل َب َويْهِ ِل ُكلّ وَاحِ ٍد ِم ْنهُمَا السّدُ ُ ت وَاحِدَةً فَ َلهَا ال ّن ْ مَا َترَك وَإِنْ كَانَ ْ
ل ّمهِ السُدُس))[النساء ]11:وفي الية خوَةٌ فَ ُ
ل ّمهِ الثّلُثُ فَإِنْ كَانَ َلهُ إِ ْ فَِإنْ َل ْم يَكُنْ َلهُ وََل ٌد َو َورِ َثهُ َأبَوَاهُ فَ ُ
ن وَلَدٌ فََلكُمُ ال ّربُ ُع ِممّا ن َولَد َفإِنْ كَانَ َلهُ ّ ف مَا َترَكَ َأ ْزوَاجُ ُكمْ إِنْ لمَ ْيَكُن َلهُ ّ ص ُ الخرى(( :وَلَ ُك ْم نِ ْ
ن غي َر ُمضَارّ))[النساء.]12: صيّ ٍة يُوصَى ِبهَا َأوْ َديْ ٍ ن بَعْ ِد َو ِ
َترَكْن)) -إلى قوله(( -م ْ
وهذا الخطاب شامـل للمقصـودين بالخطاب وليـس فيـه مـا يوجـب أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم
مخاطب بها.
الوجعه السعابع :أن يقال :كون النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ل يُورث ،ثبـت بالسـنة المقطوع بهـا
وبإجماع الصـحابة وكل منهمـا دليـل قطعي ،فل يُعارض ذلك بمـا يُظن أنه العموم ،وإن كان عمومًا
فهـــو مخصـــوص ،لن ذلك لو كان دليلً لمـــا كان إل ظنيًــا ،فل يعارض القطعـــي ؛ إذ الظنـــى ل
يعارض القطعي.
وذلك أن هذا الخبر رواه غير واحد من الصحابة في أوقات ومجالس ،وليس فيهم من ينكره ،بل
كلهـم تلقّاه بالقبول والتصـديق ،ولهذا لم يُصـرّ أحـد مـن أزواجـه على طلب الميراث ،ول أصـ ّر العـم
على طلب الميراث ،بـل مـن طلب مـن ذلك شيئا فأخـبر بقول النـبي صـلى ال عليـه وسـلم رجـع عـن
طلبه ،واستمر المر على ذلك على عهد الخلفاء الراشدين إلى عليّ ،فلم يغير شيئا من ذلك ول قسم
له تركة.
الوجعه الثامعن :أن يقال :إن أبـا بكـر وعمـر قد أعطيـا عليّا وأولده مـن المال أضعاف أضعاف مـا
خلّفـه النـبي صـلى ال عليـه وسـلم مـن المال ،والمال الذي خلّفـه النـبي صـلى ال عليـه وسـلم لم ينتفـع
واحد منهما منه بشيء ،بل سلّمه عمر إلى علي والعباس رضي ال عنهم يليانه ويفعلن فيه ما كان
النبي صلى ال عليه وسلم يفعله ،وهذا مما يوجب انتفاء التهمة عنهما في ذلك.
الوجه التاسع :أن قوله تعالىَ (( :و َورِ ثَ سُ َل ْيمَانَ دَاوُد))[النمل ]16:وقوله تعالىعن زكريا(( :فه بْ
لِي مِنْع لّ ُدنْكَع وَ ِليّاع * َي ِرثُنِي َو َيرِثُع مِنْع آ ِل يَعْقُوب))[مريـم ]6-5:ل يدل على محـل النزاع؛ لن الرث
اســم جنــس تحتــه أنواع ،والدال على مــا بــه الشتراك ل يدل على مــا بــه المتياز ،فإذا قيــل :هذا
حيوان ،ل يدل على أنه إنسان أو فرس أو بعير.
وذلك أن لفظ( :الرث) يُستعمل في إرث العلم والنبوة والملك وغير ذلك من أنواع النتقال ،قال
عبَا ِدنَا))[فاطر.]32: تعالى(( :ثمّ َأ ْو َرثْنَا الْ ِكتَابَ الّذِينَ اصْطَ َفيْنَا مِنْ ِ
ه مْ فِيهَا خَالِدُون))[المؤمنون]11-10: ن َي ِرثُو نَ الْ ِفرْ َدوْ سَ َ وقال تعالىُ(( :أوْ َلئِ كَ ُه مُ الوَا ِرثُو نَ * الّذِي َ
وغيرها كثير في القرآن.
وقال النـبي صـلى ال عليـه وسـلم( :إن النـبياء لم يورثوا دينارًا ول درهمـا ،وإنمـا ورثوا العلم،
فمن أخذه أخذ بحظ وافر) رواه أبو داود وغيره(.)1
الوجععه العاشععر :أن يقال :المراد بهذا الرث إرث العلم والنبوة ونحــو ذلك ل إرث المال؛ وذلك
)(1انظر :سنن أب داود ،)3/432( :والترمذي )4/153( :وغيها.
107
لنـه قالَ (( :و َورِثَع سُعَل ْيمَانَ دَاوُد))[النمــل ،]16:ومعلوم أن داود كان له أولد كثيرون غيـر سـليمان،
فل يختص سليمان بماله.
وأيضًا :فليـس فـي كونـه ورث ماله صـفة مدح ،ل لداود ول لسـليمان ،فإن اليهودي والنصـراني
يرث ابنه ماله ،والية سيقت في بيان المدح لسليمان ،وما خصه ال به من النعمة.
وأيضًعا :فإرث المال هــو مــن المور العاديــة المشتركــة بيــن الناس ،كالكــل ،والشرب ،ودفــن
الميت ،ومثل هذا ل يُق صّ عن النبياء إذ ل فائدة فيه ،وإنما يُق صّ ما فيه عبرة وفائدة تستفاد ،وإل
فقول القائل( :مات فلن وورث ابنُه ماله) مثـل قوله( :ودفنوه) ومثـل قوله( :أكلوا وشربوا وناموا)
ونحو ذلك مما ل يحسن أن يُجعل من قصص القرآن.
(فصععل)
قال الرافضي( :ولما ذكرت فاطمة أن أباها رسول ال صلى ال عليه وسلم وهبها فدَك ،قال لها:
هات أسـود أو أحمـر يشهد لك بذلك ،فجاءت بأم أيمن ،فشهدت لها بذلك ،فقال :امرأة ل يقبـل قولهـا،
وقـد رووا جميعًا أن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم قال :أم أيمـن امرأة مـن أهـل الجنـة ،فجاء أميـر
المؤمنين فشهد لها بذلك ،فقال :هذا بعلك يجرّه إلى نفسه ول نحكم بشهادته لك ،وقد رووا جميعًا أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :عليّ مع الحق ،والحق معه يدور معه حيث دار لن يفترقا حتى
يردا عليّ الحوض ،فغضبـت فاطمـة عليهـا السـلم عنـد ذلك وانصـرفت ،وحلفـت أن ل تكلمـه ول
صـاحبه حتى تلقـى أباها وتشكـو إليـه ،فلمـا حضرتها الوفاة أوصـت عليّاـ أن يدفنها ليلً ول يدع أحدًا
منهـم يصـلّي عليهـا ،وقـد رووا جميعًا أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم قال( :يـا فاطمـة ،إن ال تعالى
يغضب لغضبك ويرضى لرضاك) ورووا جميعًا أنه قال( :فاطمة بضعة مني ،من آذاها فقد آذاني،
ومـن آذانـي فقـد آذى ال) .ولو كان هذا الخـبر صـحيحًا حقًا لمـا جاز له ترك البغلة التـي خلفهـا النـبي
صلى ال عليه وسلم وسيفه وعمامته عند أمير المؤمنين عليّ ،ولما حكم له بها لما ادّعاها العباس،
ولكان أهل البيت الذين طهّرهم ال في كتابه من الرجس مرتكبين ما ل يجوز؛ لن الصدقة عليهم
محرّمـة ،وبعـد ذلك جاء إليـه مال البحريـن وعنده جابر بـن عبـد ال النصـاري ،فقال له :إن النـبي
صـلى ال عليـه وسـلم قال لي :إذا أتـى مال البحريـن حثوث لك ،ثـم حثوت لك ،ثلثًا ،فقال له :تقدم
فخذ بعددها ،فأخذ من بيت مال المسلمين من غير بيّنة بل بمجرد قوله).
والجواب :أن فــي هذا الكلم مــن الكذب والبهتان والكلم الفاســد مــا ل يكاد يحصــى إل بكلفــة،
ولكن سنذكر من ذلك وجوهًا إن شاء ال تعالى.
أحدها :أن ما ذكر من ادّعاء فاطمـة رضـي ال عنها فدك فإن هذا يناقض كونهـا ميراثًا لها ،فإن
كان طلبهــا بطريــق الرث امتنــع أن يكون بطريــق الهبــة ،وإن كان بطريــق الهبــة امتنــع أن يكون
بطريق الرث ،ثم إن كانت هذه هبة في مرض الموت ،فرسول ال صلى ال عليه وسلم منزّه ،إن
كان يُورث كمـا يورث غيره ،أن يوصـي لوارث أو يخصـه فـي مرض موتـه بأكثـر مـن حقـه ،وإن
كان فــي صــحته فل بــد أن تكون هذه هبــة مقبوضــة ،وإل فإذا وهــب الواهــب بكلمــه ولم يقبــض
ل عنـد جماهيـر العلماء ،فكيـف يهـب النـبي صـلى ال الموهوب شيئًا حتـى مات الواهـب كان ذلك باط ً
عليه وسلم فَدَك لفاطمة ول يكون هذا أمرًا معروفًا عند أهل بيته والمسلمين ،حتى تختص بمعرفته
أم أيمن أو علي رضي ال عنهما؟
الوجه الثاني :أن ادعاء فاطمة ذلك كذب على فاطمة ،وقد قال المام أبو العباس ابن سريج في
الكتاب الذي صـنّفه فـي الرد على عيسـى بـن أبان لمـا تكلّم معـه فـي باب اليميـن والشاهـد ،واحتجّـ بمـا
108
احتجـّ ،وأجاب عمّاـ عارض بـه عيسـى بـن أبان ،قال :وأمـا حديـث البحتري بـن حسـّان عـن زيـد بـن
علي أن فاطمـة ذكرت لبـي بكـر أن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم أعطاهـا فَدَك ،وأنهـا جاءت
برجل وامرأة ،فقال :رجل مع رجل ،وامرأة مع امرأة ،فسبحان ال ما أعجب هذا! قد سألت فاطمة
أبا بكر ميراثها وأخبرها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال :ل نُورث ،وما حكى في شيء
من الحاديث أن فاطمة ادّعتها بغير الميراث ،ول أن أحدًا شهد بذلك.
ولقـد روى جريـر عـن مغيرة عـن عمـر بـن عبـد العزيـز أنـه قال فـي فَدَك( :إن فاطمـة سـألت النـبي
صلى ال عليه وسلم أن يجعلها لها فأبى ،وأن النبي صلى ال عليه وسلم كان ينفق منها ويعود على
ضعَفَة بني هاشم ويزوّج منه أ ّيمِهم ،وكانت كذلك حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم أمر صدقة َ
وقبلت فاطمة الحق ،وإني أُشهدكم أني رددتها إلى ما كانت عليه في عهد رسول ال صلى ال عليه
وسلم).
ولم يُسمع أن فاطمة رضي ال عنها ادّعت أن النبي صلى ال عليه وسلم أعطاها إياها في حديث
ثابت متصل ،ول أن شاهدًا شهد لها ،ولو كان ذلك لحُكي ،لنها خصومة وأمر ظاهر تنازعت فيه
المة وتحادثت فيه ،فلم يقل أحد من المسلمين :شهدت النبي صلى ال عليه وسلم أعطاها فاطمة ول
سمعت فاطمة ،تدّعيها حتى جاء البحتري بن حسّان يحكى عن زيد شيئًا ل ندري ما أصله ،ول من
جاء بـه ،وليـس مـن أحاديـث أهـل العلم :فضـل بـن مرزوق عـن البحتري عـن زيـد ،وقـد كان ينبغـي
لصـاحب الكتاب أن يكـف عـن بعـض هذا الذي ل معنـى له ،وكان الحديـث قـد حسـن بقول زيـد :لو
كنت أنا لقضيت بما قضى به أبو بكر ،وهذا مما ل يثبت على أبي بكر ول على فاطمة لو لم يخالفه
أحـد ،ولو لم تجـر فيـه المناظرة ويأتـي فيهـا الروايـة ،فكيـف وقـد جاءت؟ وأصـل المذهـب أن الحديـث
إذا ثبت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ثم قال أبو بكر بخلفه ،إن هذا من أبي بكر رحمه ال
كنحو ما كان منه في الجدّة ،وأنه متى بلغه الخبر رجع إليه.
ولو ثبت هذا الحديث لم يكن فيه حجة ،لن فاطمة لم تقل :إني أحلف مع شاهدي فمنعت .ولم يقل
أبو بكر :إني ل أرى اليمين مع الشاهد.
قالوا :وهذا الحديث غلط؛ لن أسامة بن زيد يروى عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحَدَثان
قال :كان ممــا احتــج بــه عمــر أن قال :كانــت لرســول ال صــلى ال عليــه وســلم ثلث صــفايا :بنــو
حبُ سًا لبناء السبيل،
النضير ،وخيبر وفدك .فأما بنو النضير فكانت حُب سًا لنوائبه .وأما فَدَك فكانت ُ
وأما خيبر فجزّأها رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثة أجزاء :جزئين بين المسلمين ،وجزءًا نفقة
لهله ،فما َفضَلَ عن نفقة أهله جعله بين فقراء المهاجرين جزئين.
وروى الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها أخبرته أن فاطمة بنت رسول
ال صلى ال عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول ال صلى ال عليه
وسلم مما أفاء ال عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ،فقال أبو بكر:إن رسول ال صلى
ال عليـه وسـلم قال( :ل نورث مـا تركنـا صـدقة) ،وإنمـا يأكـل آل محمـد مـن هذا المال ،وإنـى وال ل
أغير شيئًا من صدقة رسول ال صلى ال عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،ولعملن فيها بما عمل به رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فأبى أبو بكر أن
يدفع إلى فاطمة منها شيئاً(.)1
وقـد روى عـن أنـس أن أبـا بكـر قال لفاطمـة وقـد قرأت عليـه :إنـي أقرأ مثـل مـا قرأت ،ول يبلغـن
)(1انظر :البخاري ( )5/20ومسلم (.)1382-3/1381
109
علمـي أن يكون قاله كله ،قالت فاطمـة :هـو لك ولقرابتـك؟ قال :ل وأنـت عندي مصـدّقة أمينـة ،فإن
كان رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم عهـد إليـك فـي هذا ،أو وعدك فيـه موعدًا أو أوجبـه لكـم حقّاـ
صدّقتك .فقالت:لغيرأن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال حين أنزل عليه( :أبشروا يا آل محمد،
وقـد جاءكـم ال عز وجـل بالغنى) .قال أبو بكر :صدق ال ورسوله وصدقتِ ،فلكم الفيـء ،ولم يبلغ
ل إليكـم ،ولكـن الفيـء الذي يسـعكم ،وهذا يـبيّن أن أبـاعلمـي بتأويـل هذه أن أسـتلم هذا السـهم كله كام ً
بكر كان يقبل قولها ،فكيف يرده ومعه شاهد وامرأة؟ ولكنه يتعلق بشيء يجده.
الوجععه الثالث :أن يقال :إن كان النــبي صــلى ال عليــه وســلم يُورث ،فالخصــم فــي ذلك أزواجــه
وعمـه ،ول تُقبـل عليهـم شهادة امرأة واحدة ول رجـل واحـد بكتاب ال وسـنة رسـوله صـلى ال عليـه
وسلم واتفاق المسلمين ،وإن كان ل يُورث فالخصم في ذلك المسلمون ،فكذلك ل يقبل عليهم شهادة
امرأة واحدة ول رجل واحد باتفاق المسلمين ،ول رجل وامرأة.
نعــم ،يُحكــم فــي مثــل ذلك بشهادة ويميــن الطالب عنــد فقهاء الحجاز وفقهاء أصــحاب الحديــث،
وشهادة الزوج لزوجتـه فيهـا قولن مشهوران للعلماء ،همـا روايتان عـن أحمـد :إحداهمـا :ل تُقبـل،
وهي مذهب أبي حنيفة ومالك والليث بن سعد والوزاعي وإسحاق وغيرهم.
والثانيعة :تُقبـل ،وهـي مذهـب المام الشافعـي وأبـي ثور وابـن المنذر وغيرهـم ،فعلى هذا لو قدّر
صـحة هذه القصـة لم يجـز للمام أن يحكـم بشهادة رجـل واحـد ل امرأة واحدة باتفاق المسـلمين ،ل
سيما وأكثرهم ل يجيزون شهادة الزوج ،ومن هؤلء من ل يحكم بشاهد ويمين ،ومن يحكم بشاهد
ويمين لم يحكم للطالب حتى يحلّفه.
الوجععه الرابععع :قوله :فجاءت بأم أيمـن فشهدت لهـا بذلك ،فقال :امرأة ل يُقبــل قولهــا ،وقـد رووا
جميعًا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :أم أيمن امرأة من أهل الجنة).
الجواب :أن هذا احتجاج جاهــل مفرط فــي الجهــل يريــد أن يحتــج لنفســه فيحتــج عليهــا ،فإن هذا
القول لو قاله الحجّاج بن يوسف والمختار بن أبي عبيد وأمثالهما لكان قد قال حقّا ،فإن امرأة واحدة
ع يريد أن يأخذ ما هو في الظاهر لغيره ،فكيف إذا حُكي مثل هذا ل يُقبل قولها في الحكم بالمال لمد ٍ
عن أبي بكر الصديق رضي ال عنه؟!
وأمـا الحديـث الذي ذكره وزعـم أنهـم رووه جميعًا ،فهذا الخـبر ل يعرف فـي شيـء مـن دواويـن
السـلم ول يُعرف عالم مـن علماء الحديـث رواه ،وأم أيمـن هـي أم أسـامة بـن زيـد ،وهـي حاضنـة
النبي صلى ال عليه وسلم ،وهي من المهاجرات ،ولها حق وحرمة ،لكن الرواية عن النبي صلى
ال عليـه وسـلم ل تكون بالكذب عليـه وعلى أهـل العلم ،وقول القائل( :رووا جميعًا) ل يكون إل فـي
خبر متواتـر ،فمن ينكر حديث النبي صلى ال عليه وسلم أنه ل يُورث ،وقد رواه أكابر الصحابة،
ويقول :إنهم جميعًا رووا هذا الحديث ،إنما يكون من أجهل الناس وأعظمهم جحدًا للحق.
الوجعه الخامعس :قوله( :إن عليّاـ شهـد لهـا فردّ شهادتـه لكونـه زوجهـا) فهذا مـع أنـه كذب لو صـح
ليـس يقدح ،إذ كانـت شهادة الزوج مردودة عنـد أكثـر العلماء ،ومـن قبلهـا منهـم لم يقبلهـا حتـى يتـم
النصـاب إمـا برجـل آخـر وإمـا بامرأة مـع امرأة ،وأمـا الحكـم بشهادة رجـل وامرأة مـع عدم يميـن
المدّعي فهذا ل يسوغ.
الوجه السادس :قوله :إنهم رووا جميعًا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :عليّ مع الحق،
والحق معه يدور حيث دار ،ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) من أعظم الكلم كذبًا وجهلً ،فإن
هذا الحديث لم يروه أحد عن النبي صلى ال عليه وسلم :ل بإسناد صحيح ول ضعيف .فكيف يقال:
110
إنهــم جميعــا رووا هذا الحديــث؟ وهــل يكون أكذب ممــن يروى عــن الصــحابة والعلماء أنهــم رووا
حديثًا ،والحديث ل يُعرف عن واحد منهم أصلً؟ بل هذا من أظهر الكذب ،ولو قيل :رواه بعضهم،
وكان يمكن صحته لكان ممكنًا ،فكيف وهو كذب قطعًا على النبي صلى ال عليه وسلم؟!
بخلف إخباره أن أم أيمــن فــي الجنــة ،فهذا يمكــن أنــه قاله ،فإن أم أيمــن امرأة صــالحة مــن
المهاجرات ،فإخباره أنها في الجنة ل يُنكر ،بخلف قوله عن رجل من أصحابه أنه مع الحق وأن
الحـق يدور معـه حيثمـا دار ،ولن يفترقـا حتـى يردا عليّـ الحوض ؛ فإنـه كلم ينزّه عنـه رسـول ال
صلى ال عليه وسلم.
أما أولً :فلن الحوض إنما َيرِدُه عليه أشخاص ،كما قال للنصـار( :اصبروا حتـى تلقونـي على
الحوض)( ،)1وقال( :إن حوضــــي لبعــــد مــــا بيــــن أيلة إلى عدن ،وإن أول الناس ورودًا فقراء
المهاجرين الشعث رءوسًا الدنس ثيابًا الذين ل ينكحون المتنعّمات ول تفتح لهم أبواب السدد ،يموت
أحدهم وحاجته في صدره ل يجد لها قضاء) رواه مسلم وغيره(.)2
وأمــا الحــق فليــس مــن الشخاص الذيــن يردون الحوض ،وقــد روي أنــه قال( :إنــي تارك فيكــم
الثقلين :كتاب ال وعترتى أهل بيتي ،ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) .فهو من هذا النمط ،وفيه
كلم يذكر في موضعه إن شاء ال.
الوجعه السعابع :أن مـا ذكره عـن فاطمـة أمـر ل يليـق بهـا ،ول يحتـج بذلك إل رجـل جاهلٍ يحسـب
أنـه يمدحهـا وهـو يجرحهـا ؛ فإنـه ليـس فيمـا ذكره مـا يوجـب الغضـب عليـه ،إذ لم يحكـم –لو كان ذلك
صـحيحا – إل بالحـق الذي ل يحـل لمسـلم أن يحكـم بخلفـه ،ومـن طلب أن يُحكـم له بغيـر حكـم ال
ورسـوله فغضـب وحلف أن ل يكلّم الحاكـم ول صـاحب الحاكـم ،لم يكـن هذا ممـا يُحْمـد عليـه ول ممـا
يذم بـه الحاكـم ،بـل هذا إلى أن يكون جرحًا أقرب منـه إلى أن يكون مدحًا ،ونحـن نعلم أن مـا يحكـى
عن فاطمة وغيرها من الصحابة من القوادح كثير منها كذب وبعضها كانوا فيه متأولين ،وإذا كان
بعضهـا ذنبًا فليس القوم معصـومين ،بل هـم مع كونهم أولياء ال ومن أهل الجنـة لهم ذنوب يغفرهـا
ال لهم.
وكذلك مـا ذكره مـن إيصـائها أن تُدفـن ليلً ول يُصـلّى عليهـا أحـد منهـم ،ل يحكيـه عـن فاطمـة
ويحتـج بـه إل رجلٌ جاهـل يطرق على فاطمـة مـا ل يليـق بهـا ،وهذا لو صـح لكان بالذنـب المغفور
أوْلى منـه بالسـعي المشكور ،فإن صـلة المسـلم على غيره زيادة خيـر تصـل إليـه ،ول يضـر أفضـل
الخلق أن يصـلّي عليـه شـر الخلق ،وهذا رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم يصـلى عليـه ويسـلم عليـه
البرار والفجار بـل والمنافقون ،وهذا إن لم ينفعـه لم يضره ،وهـو يعلم أن في أمتـه منافقين ،ولم ينه
أحد من أمته عن الصلة عليه.
وأما قوله( :ورووا جميعًا أن النبي صلى ال عليه وسلم قال :يا فاطمة ،إن ال يغضب لغضبك،
ويرضى لرضاك) فهذا كذب منه ،ما رووا هذا عن النبي صلى ال عليه وسلم ،ول يُعرف هذا في
شيء من كتب الحديث المعروفة ،ول له إسناد معروف عن النبي صلى ال عليه وسلم ،ل صحيح
ول حسن ،ونحن إذا شهدنا لفاطمة بالجنة ،وبأن ال يرضى عنها ،فنحن لبي بكر وعمر وعثمان
وعليّ وطلحة والزبير وسعيد وعبد الرحمن بن عوف بذلك نشهد ،ونشهد بأن ال تعالى أخبر
ن وَا َل ْنصَارَ
جرِي َ
ن مِنَ ا ْل ُمهَا ِ
برضاه عنهم في غير موضع ،كقوله تعالى(( :وَالسّابِقُونَ ا َلوّلُو َ
)(1انظر :البخاري ،)5/33( :ومسلم.)3/1474( :
)(2مسلم :باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل ف الوضوء (1/247ص .)217
111
ضيَ الُ عنْه))[التوبة ،]100:وقوله تعالى(( :لق ْد َر ِ ن رضي ال عنه ْم َو َرضُوا َ حسَا ٍ وَالّذِينَ ا ّتبَعُوهُم بِإِ ْ
جرَة))[التوبة ]100:وقد ثبت أن النبي صلى ال عليه وسلم توفى ك تَحْتَ الشّ َعنِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ إِ ْذ ُيبَايِعُونَ َ
َ
و هو عنهم راض ،ومن رضى ال عنه ورسوله ل يضره غضب أحد من الخلق عليه كائنا من
كان.
وأمـا قوله( :رووا جميعًا أن فاطمـة بضعـة منـي مـن آذاهـا آذانـي ،ومـن آذانـي آذى ال) فإن هذا
الحديث لم يرو بهذا اللفظ ،بل روى بغيره ،كما روي في سياق حديث خطبة عل يّ لبنة أبي جهل،
لمـا قام النـبي صـلى ال عليـه وسـلم خطيبًا ،فقال( :إن بنـي هشام بـن المغيرة اسـتأذنوني أن ينكحوا
ابنتهـم عليّـ بـن أبـي طالب ،وإنـي ل آذن ،ثـم ل آذن ،ثـم ل آذن ،إنمـا فاطمـة بضعـة منـي يريبنـي مـا
رابها ،ويؤذيني ما آذاها ،إل أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم).
الوجععه الثامععن :أن قوله( :لو كان هذا الخــبر صــحيحًا حقًـا لمــا جاز له ترك البغلة والســيف و
ي والحكم له بها لما ادّعاها العباس). العمامة عند عل ّ
فيقال :ومن نقل أن أبا بكر وعمر حكما بذلك لحد ،أو تركا ذلك عند أحد على أن ذلك ملك له،
فهذا من أ ْبيَن الكذب عليهما ،بل غاية ما في هذا أن يُترك عند من يُترك عنده ،كما ترك صدقته عند
عليّ والعباس ليصرفاها في مصارفها الشرعية.
وأما قوله( :ولكان أهل البيت الذين طهّرهم ال في كتابه مرتكبين ما ل يجوز).
فيقال له :أولً :إن ال تعالى لم يخـبر أنـه طهّر جميـع أهـل البيـت وأذهـب عنهـم الرجـس ،فإن هذا
كذب على ال .كيـف ونحـن نعلم أن فـي بنـي هاشـم مـن ليـس بمطهّر مـن الذنوب ،ول أذهـب عنهـم
الرجس ،ل سيما عند الرافضة ،فإن عندهم كل من كان من بني هاشم يحب أبا بكر وعمر رضي
عنْكُمْع الرّجْسَع أَ ْهلَ ا ْل َبيْتعِ)) ال عنهمـا فليـس بمطهّرـ ،واليـة إنمـا قال فيهـاِ(( :إنّمَا ُيرِيدُ الُّ ِليُذْهِبَع َ
ط ّهرَكُ ْم وَ ِل ُيتِمّ نِ ْعمَتَ هُ
ن ُيرِيدُ ِليُ َ
حرَ جٍ وََلكِ ْ وقد تقدم أن هذا مثل قوله(( :ما ُيرِيدُ الُ ِليَجْ َعلَ عَ َليْكُم مِ نْ َ
ن مِنْ َقبْلِكُم َويَتُوبَ سنَنَ الّذِي َ عَليْكُم َلعَلّكُ ْم َتشْ ُكرُون))[المائدة ]6:وقوله(( :يرِيدُ الُ ِل ُيبَين لَكُم َو َيهْ ِديَكُم ُ َ
عَليْكُم))[النسـاء ،]26:ونحـو ذلك ممـا فيـه بيان أن ال يحـب ذلك لكـم ،ويرضاه لكـم ،ويأمركـم بـه ،فمـن َ
فعلة حصل له هذا المراد المحبوب المرضي ،ومن لم يفعله لم يحصل له ذلك.
وأما قوله( :لن الصدقة محرمة عليهم).
فيقال له :أولً المحرم عليهـم صـدقة الفرض ،وأمـا صـدقات التطوع فقـد كانوا يشربون مـن المياه
حرّم علينا التطوع ،وإذا جاز أن المسبّلة بين مكة والمدينة ،ويقولون :إنما حرّم علينا الفرض ،ولم ي َ
ينتفعوا بصــدقات الجانــب التــي هــي تطوع ،فانتفاعهــم بصــدقة النــبي صــلى ال عليــه وســلم أولى
وأحرى؛ فإن هذه الموال لم تكـن زكاة مفروضـة على النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،وهـي أوسـاخ
الناس التـي حرّمـت عليهـم ،وإنمـا هـي مـن الفيـء الذي أفاءه ال على رسـوله ،والفيـء حلل لهـم،
والنـبي صـلى ال عليـه وسـلم جعـل مـا جعله ال له مـن الفيـء صـدقة ،إذ غايتـه أن يكون ملكًا للنـبي
صــلى ال عليــه وســلم تص ـدّق بــه على المســلمين ،وأهــل بيتــه أحــق بصــدقته ؛ فإن الصــدقة على
المسلمين صدقة ،والصدقة على القرابة صدقة وصلة.
الوجه التاسع :في معارضته بحديث جابر رضي ال عنه ،فيقال :جابر لم يدّع حقًا لغيره يُنتزع
من ذلك الغير ويُجعل له ،وإنما طلب شيئا من بيت المال يجوز للمام أن يعطيه إياه ،ولو لم يعده به
النبي صلى ال عليه وسلم ،فإذا وعده به كان أوْلى بالجواز ،فلهذا لم يفتقر إلى بيّنة.
أمـا قصـة فاطمـة رضـي ال عنهـا فمـا ذكروه مـن دعواهـا الهبـة والشهادة المذكورة ونحـو ذلك ،لو
112
كان صحيحًا لكان بالقدح فيمن يحتجون له أشبه منه بالمدح.
(فصععل)
قال الرافضي( :وقد روى عن الجماعة كلهم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال في حق أبي ذر:
(مـا أقلّت الغـبراء ،ول أظلّت الخضراء على ذي لهجـة أصـدق مـن أبـي ذر) ،ولم يسـمّوه صـدّيقًا،
وسموا أبا بكر بذلك مع أنه لم يرد مثل ذلك في حقه).
فيقال :هذا الحديـث لم يروه الجماعـة كلهـم ،ول هـو فـي الصـحيحين ،ول هـو فـي السـنن ،بـل هـو
مروي في الجملة ،وبتقدير صحته و ثبوته فمن المعلوم أن هذا الحديث لم يرد به أن أبا ذر أصدق
مـن جميـع الخلق ،فإن هذا يلزم منـه أن يكون أصـدق مـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،ومـن سـائر
النـبيين ،ومـن عليّـ بـن أبـي طالب ،وهذا خلف إجماع المسـلمين كلهـم مـن السـنة والشيعـة ،فعُلم أن
هذه الكلمـة معناهـا أن أبـا ذر صـادق ،ليـس غيره أكثـر تحرّيـا للصـدق منـه ،و ل يلزم إذا كان بمنزلة
غيره في تحرّي الصدق أن يكون بمنزلته في كثرة الصدق والتصديق بالحق ،وفي عظم الحق الذي
صَـدَقَ فيـه وصـدّق بـه .وذلك أنـه يقال :فلن صـادق اللهجـة إذا تحرّى الصـدق ،وإن كان قليـل العلم
بمـا جاءت بـه النـبياء ،والنـبي صـلى ال عليـه وسـلم لم يقـل :مـا أقلت الغـبراء أعظـم تصـديقًا مـن أبـي
ذر .بـل قال :أصـدق لهجـة ،والمدح للصـدّيق الذي صـدّق النـبياء ليـس بمجرد كونـه صـادقًا ،بـل فـي
كونه مصدّقًا للنبياء ،وتصديقه للنبي صلى ال عليه وسلم هو صدق خاص ،فالمدح بهذا التصديق
-الذي هو صدق خاص -نوع ،والمدح بنفس كونه صادقًا نوع آخر ،فكل صدّيق صادق ،وليس كل
صادق صدّيقًا.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وسـمّوه خليفـة رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،ولم يسـتخلفه فـي حياتـه ول بعـد
وفاته عندهم ،ولم يسمّوا أمير المؤمنين خليفة رسول ال مع أنه استخلف في عدة مواطن ،منها :أنه
اســتخلفه على المدينــة المنورة فــي غزوة تبوك ،وقال له :إن المدينــة ل تصــلح إل بــي أو بــك ،أمــا
ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ،إل أنه ل نبي بعدي.
وأمّر أسامة بن زيد على الجيش الذين فيهم أبو بكر وعمر ،ومات ولم يعزله ،ولم يسمّوه خليفة،
ولمـا تولى أبـو بكـر غضـب أسـامة ،وقال :إن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم أمّرنـي عليـك ،فمـن
استخلفك عليّ؟ فمشى إليه هو وعمر حتى استرضياه ،وكانا يسمّيانه مدة حياته أميرًا).
والجواب معععن وجوه :أحدهـــا :أن الخليفـــة إمـــا أن يكون معناه :الذي يخلف غيره وإن كان لم
يستخلفه ،كما هو المعروف في اللغة ،وهو قول الجمهور ،وإما أن يكون معناه :من استخلفه غيره،
كمـا قاله طائفـة مـن أهـل الظاهـر والشيعـة ونحوهـم ،فإن كان هـو الوّل ؛ فأبـو بكـر خليفـة رسـول ال
صلى ال عليه وسلم؛ لنه خلفه بعد موته ،ولم يخلف رسول ال صلى ال عليه وسلم أحد بعد موته
إل أبو بكر ،فكان هو الخليفة دون غيره ضرورة ،فإن الشيعة وغيرهم ل ينازعون في أنه هو الذي
صـار وليّـ المـر بعده ،وصـار خليفـة له يصـلّي بالمسـلمين ،ويقيـم فيهـم الحدود ،ويقسـم بينهـم الفيـء،
ويغزو بهم العدو ،ويولّي عليهم العمال والمراء ،وغير ذلك من المور التي يفعلها ولة المور.
فهذه باتفاق الناس إنما باشرها بعد موته أبو بكر ،فكان هو الخليفة للرسول صلى ال عليه وسلم
فيهـا قطعًا .لكـن أهـل السـنة يقولون :خلفـه وكان هـو أحـق بخلفتـه ،والشيعـة يقولون :عليّـ كان هـو
ل له أن يصير هو خليفة ،لكن ل ينازعون الحق؛ لكن تصح خلفة أبي بكر ،ويقولون :ما كان يح ّ
خَلفَ غيره على كل تقدير. في أنه صار خليفة بالفعل ،وهو مستحق لهذا السم ،إذ كان الخليفة من َ
113
وأما إن قيل :إن الخليفة من استخلفه غيره ،كما قاله بعض أهل السنة وبعض الشيعة ،فمن قال
هذا من أهل السنة فإنه يقول :إن النبي صلى ال عليه وسلم استخلف أبا بكر إما بالنص الجليّ ،كما
قال بعضهـم ،وإمـا بالنـص الخفيـّ .كمـا أن الشيعـة القائليـن بالنـص على عليّـ منهـم مـن يقول بالنـص
الجليـّ ،كمــا تقوله الماميــة ،ومنهـم مـن يقول بالنـص الخفيـّ ،كمـا تقوله الجاروديــة مــن الزيديــة،
ودعوى أولئك للنـص الجليّـ أو الخفيّـ على أبـي بكـر أقوى وأظهـر بكثيـر مـن دعوى هؤلء للنـص
على عليـّ ،لكثرة النصـوص الدالّة على ثبوت خلفـة أبـي بكـر ،وأن عليّاـ لم يدل على خلفتـه إل مـا
يُعلم أنه كذب ،أو يُعلم أنه ل دللة فيه.
وعلى هذا التقديـر فلم يسـتخلف بعـد موتـه أحدًا إل أبـا بكـر ،فلهذا كان هـو الخليفـة ،فإن الخليفـة
المطلق هو من خلفه بعد موته ،أو استخلفه بعد موته ،وهذان الوصفان لم يثبتا إل لبي بكر ؛ فلهذا
كان هو الخليفة.
وأما استخلفه لعل يّ على المدينة ،فذلك ليس من خصائصه ،فإن النبي صلى ال عليه وسلم كان
ل مــن أصــحابه ،كمــا اســتخلف ابــن أم مكتوم تارة، إذا خرج فــي غزاة اســتخلف على المدينــة رج ً
وعثمان بن عفان تارة.
وإذا كان قـد اسـتخلف غيـر عليّـ على أَكثـر وأفضـل ممـا اسـتخلف عليـه عليّاـ ،وكان ذلك اسـتخلفًا
مقيّدا على طائفة معينة في مغيبه ،ليس هو استخلفًا مطلقًا بعد موته على أمته ،لم يطلق على أحد
من هؤلء أنه خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم إل مع التقييد ،وإذا سمّي عل يّ بذلك فغيره من
الصحابة المستخلفين أوْلى بهذا السم ،فلم يكن هذا من خصائصه.
وأيضًا فالذي يخلف المَطاع بعد موته ل يكون إل أفضل الناس ،وأما الذي يخلفه في حال غزوه
لعدوه ،فل يجـب أن يكون أفضـل الناس ،بـل العادة جاريـة بأنـه يسـتصحب فـي خروجـه لحاجتـه إليـه
فـي المغازي مـن يكون عنده أفضـل ممـن يسـتخلفه على عياله ،لن الذي ينفـع فـي الجهاد هـو شريكـه
فيما يفعله ،فهو أعظم ممن يخلفه على العيال ،فإن نفع ذاك ليس كنفع المشارك له في الجهاد.
والنـبي صـلى ال عليـه وسـلم إنمـا شبـه عليّاـ بهارون فـي أصـل السـتخلف ل فـي كماله ،ولعليّـ
شركاء في هذا الستخلف ،يبين ذلك أن موسى لما ذهب إلى ميقات ربه لم يكن معه أحد يشاركه
في ذلك ،فاستخلف هارون على جميع قومه ،والنبي صلى ال عليه وسلم لما ذهب إلى غزوة تبوك
أخذ معه جميع المسلمين إل المعذور ،ولم يستخلف عليّا إل على العيال وقليل من الرجال ،فلم يكن
استخلفه كاستخلف موسى لهارون ،بل ائتمنه في حال مغيبه ،كما ائتمن موسى هارون في حال
مغيبه ،فبيّن له النبي صلى ال عليه وسلم أن الستخلف ليس لنقص مرتبة المستخلَف ،بل قد يكون
لمانته كما استخلف موسى هارون على قومه ،وكان عليّ خرج إليه يبكي وقال :أتذرني مع النساء
والصبيان؟ كأنه كره أن يتخلف عنه.
وأمعا قوله( :إنـه قال له :إن المدينـة ل تصـلح إل بـي أو بـك) فهذا كذب على النـبي صـلى ال عليـه
وسـلم ل يُعرف فـي كتـب العلم المعتمدة ،وممـا يـبين كذبـه أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم خرج مـن
المدينـة غيـر مرة ومعـه عليـّ .وليـس بالمدينـة ل هـو ول عليـّ .فكيـف يقول :إن المدينـة ل تصـلح إل
بي أو بك؟
والرافضة من فرط جهلهم يكذبون الكذب الذي ل يخفى على من له بالسيرة أدنى علم.
وأما قوله( :إنه أمّر أسامة رضي ال عنه على الجيش الذين فيهم أبو بكر وعمر).
فمـن الكذب الذي يعرفـه مـن له أدنـى معرفـة بالحديـث ؛ فإن أبـا بكـر لم يكـن فـي ذلك الجيـش ،بـل
114
كان النبي صلى ال عليه وسلم يستخلفه في الصلة من حين مرض إلى أن مات ،وأسامة قد رُوي
أنـه قـد عقـد له الرايـة قبـل مرضـه ،ثـم لمـا مرض أمـر أبـا بكـر أن يصـلّي بالناس ،فصـلى بهـم إلى أن
مات النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،فلو قدر أنـه أُمـر بالخروج مـع أسـامة قبـل المرض لكان أمره له
بالصلة تلك المدة ،مع إذنه لسامة أن يسافر في مرضه ،موجبًا لنسخ إمرة أسامة عنه ،فكيف إذا
لم يؤمّر عليه أسامة بحال؟
وقوله( :ومات ولم يعزله).
فأبـو بكـر أنفـذ جيـش أسـامة رضـي ال عنـه بعـد أن أشار الناس عليـه برده خوفًا مـن العدو ،وقال:
ل رايـة عقدهـا رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،مـع أنـه كان يملك عزله ،كمـا كان يملك وال ل أح َ
ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم ،لنه قام مقامه ،فيعمل ما هو أصلح للمسلمين.
وأمـا مـا ذكره مـن غضـب أسـامة لمـا تولّى أبـو بكـر ،فمـن الكاذيـب السـمجة ،فإن محبـة أسـامة
رضي ال عنه لبي بكر وطاعته له أشهر وأعرف من أن تُنكر ،وأسامة من أبعد الناس عن الفرقة
والختلف ،فإنه لم يقاتل ل مع عليّ ول مع معاوية واعتزل الفتنة ،وأسامة لم يكن من قريش ،ول
ممن يصلح للخلفة ،ول يخطر بقلبه أن يتولها ،فأي فائدة له في أن يقول مثل هذا القول ل يّ من
تولى المر ،مع علمه أنه ل يتولّى المر أحد إل كان خليفة عليه ،ولو قدّر أن النبي صلى ال عليه
وسـلم أمّره على أبـي بكـر ثـم مات ،فبموتـه صـار المـر إلى الخليفـة مـن بعده ،وإليـه المـر فـي إنفاذ
الجيش أو حبسه ،وفي تأمير أسامة أو عزله ،وإذا قال :أمّرني عليك فمن استخلفك عل يّ؟ قال :من
اسـتخلفني على جميـع المسـلمين ،وعلى مـن هـو أفضـل منـك ،وإذا قال :أنـا أمّرنـي عليـك ،قال :أمّرك
عليّ قبل أن أُستخلف ،فبعد أن صرت خليفة صرت أنا المير عليك.
ومثل هذا ل ينكره إل جاهل ،وأسامة أعقل وأتقى وأعلم من أن يتكلم بمثل هذا الهذيان لمثل أبي
بكر.
وأعجب من هذا قول هؤلء المفترين :أنه مشى هو وعمر إليه حتى استرضياه ،مع قولهم :إنهما
قهرا عليّاـ وبنـي هاشـم وبنـي عبـد مناف ،ولم يسـترضياهم ،وهـم أعـز وأقوى وأكثـر وأشرف مـن
أسامة رضي ال عنه ،فأي حاجة بمن قهروا بني هاشم وبني أمية وسائر بني عبد مناف ،وبطون
قريـش والنصـار والعرب ،إلى أن يسـترضوا أسـامة بـن زيـد ،وهـو مـن أضعـف رعيتهـم ،ليـس له
قـبيلة ول عشيرة ،ول معه مال ول رجال ،ولول حب النـبي صـلى ال عليـه وسـلم إياه وتقديمـه له لم
يكن إل كأمثاله من الضعفاء؟
فإن قلتعم :إنهمـا اسـترضياه لحـب النـبي صـلى ال عليـه وسـلم له ،فأنتـم تقولون :إنهـم بدّلوا عهده،
وظلموا وصيّه وغصبوه ،فمن عصى المر الصحيح ،وبدل العهد البيّن ،وظلم واعتدى وقهر ،ولم
يلتفـت إلى طاعـة ال ورسـوله ،ولم يرقـب فـي آل محمـد إلً ول ذمـة ،يراعـى مثـل أسـامة بـن زيـد
ويســترضيه؟ وهــو قــد ردّ شهادة أم أيمــن ولم يســترضها ،وأغضــب فاطمــة وآذاهــا ،وهــي أحــق
بالسـترضاء ،فمـن يفعـل هذا أي حاجـة بـه إلى اسـترضاء أسـامة بـن زيـد؟ وإنمـا يُسـترضى الشخـص
للديــن أو للدنيــا ،فإذا لم يكــن عندهــم ديــن يحملهــم على اســترضاء مــن يجــب اســترضاؤه ،ول هــم
محتاجون فــي الدنيــا إليــه ،فأي داعــٍ يدعوهــم إلى اســترضائه؟! والرافضــة مــن جهلهــم وكذبهــم
يتناقضون تناقضًا كثيرًا ب ّينًا إذ هم في قول مختلف ،يُوفك عنه من أُفك.
(فصععل)
قال الرافضععي( :وسـمّوا عمـر الفاروق ،ولم يســموا عليّاـ عليـه السـلم بذلك ،مــع أن رســول ال
115
صلى ال عليه وسلم قال فيه :هذا فاروق أمتي يفرق بين أهل الحق والباطل ،وقال ابن عمر :ما كنا
نعرف المنافقين على عهد النبي صلى ال عليه وسلم إل ببغضهم عليّا عليه السلم).
فيقال :أوّل :أمــا هذان الحديثان فل يســتريب أهــل المعرفــة بالحديــث أنهمــا حديثان موضوعان
مكذوبان على النبي صلى ال عليه وسلم ولم يرو واح ٌد منهما في شيء من كتب العلم المعتمدة ،ول
لواحد منهما إسناد معروف.
ويقال :ثانيًا :من احتج في مسألة فرعية بحديث فل بد أن يسنده ،فكيف في مسائل أصول الدين؟
وإل فمجرد قول القائل( :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم) ليس حجة باتفاق أهل العلم .ولو كان
حجـة لكان كـل حديـث قال فيـه واحـد مـن أهـل السـنة( :قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم) حجـة،
ونحن نقنع في هذا الباب بأن ُيرْوى الحديثُ بإسناد رجاله معروفون بالصدق من أي طائفة كانوا.
لكـن إذا لم يكـن الحديـث له إسـناد ،فهذا الناقـل له وإن كان لم يكذبـه بـل نقله مـن كتاب غيره ،فذلك
الناقل لم يعرف عمّن نقله ،ومن المعروف كثرة الكذب في هذا الباب وغيره ،فكيف يجوز لحد أن
يشهد على رسول ال صلى ال عليه وسلم بما لم يعرف إسناده؟
ويقال :ثالثًا :مـن المعلوم لكـل مـن له خـبرة أن أهـل الحديـث أعظـم الناس بحثًا عـن أقوال النـبي
صــلى ال عليــه وســلم ،وطلبــا لعلمهــا ،وأرغــب الناس فــي اتّباعهــا ،وأبعــد الناس عــن اتّباع هوىً
يخالفهـا ،فلو ثبـت عندهـم أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم قال لعليّـ هذا ،لم يكـن أحـد مـن الناس أوْلى
منهــم باتّباع قوله ،فإنهــم يتّبعون قوله إيمانًـا بــه ،ومحبــة لمتابعتــه ،ل لغرض لهــم فــي الشخــص
الممدوح.
فلو ثبت عندهم أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لعليّ :هذا فاروق أمتي ،لقبلوا ذلك ونقلوه ،كما
نقلوا قوله لبــي عــبيدة( :هذا أميــن هذه المــة)( )1وقوله للزبيــر( :إن لكــل نــبي حواري ّـ وحواري ـّ
الزبيـر)( )2وكمـا قبلوا ونقلوا قوله لعليـّ( :لعطيـن الرايـة غدًا رجلً يحـب ال ورسـوله ويحبـه ال
ورسوله)( )3وحديث الكساء لما قال لعل يّ وفاطمة وحسن وحسين( :اللهم هؤلء أهل بيتي ،فأذهب
عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرًا)( )4وأمثال ذلك.
ل مـن الحديثيـن يُعلم بالدليـل أنـه كذب ،ل يجوز نسـبته إلى النـبي صـلى ال عليـه ويقال :رابعًا :ك ّ
ي أو غيره فاروق هذه المة يفرق بين الحق والباطل؟ إن عنى وسلم ،فإنه يقال :ما المعنى بكون عل ّ
بذلك أنـه يميّز بيـن أهـل الحـق والباطـل ،فيميّز بيـن المؤمنيـن والمنافقيـن ،فهذا أمـر ل يقدر عليـه أحدٌ
عرَابِع ُمنَافِقُونَع َومِنعْ أَ ْهلِ
حوَْلكُم ْع مِنعَ ا َل ْ
مـن البشـر :ل نـبي ول غيره ،وقـد قال تعالىَ (( :ومِمّنعْ َ
علَى النّفَاقِع َل تَ ْعَلمُهُم نَحْنُع نَعْ َلمُهُم))[التوبـة ]101:كان النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ل ا ْلمَدِي َنةِ َمرَدُوا َ
يعلَم عينَ كل منافق في مدينته وفيما حولها ،فكيف يعلم ذلك غيره؟
ومحبـة الرافضـة لعليّـ باطلة ،فإنهـم يحبّون مـا لم يوجـد ،وهـو المام المعصـوم المنصـوص على
إمامته ،الذي ل إمام بعد النبي صلى ال عليه وسلم إل هو ،الذي كان يعتقد أن أبا بكر وعمر رضي
ال عنهما ظالمان معتديان أو كافران ،فإذا تبيّن لهم يوم القيامة أن عليّا لم يكن أفضل من واحد من
هؤلء ،وإنما غايته أن يكون قريبًا من أحدهم ،وأنه كان مقرّا بإمامتهم وفضلهم ،ولم يكن معصومًا
)(1رواه البخاري )5/25( :وغيه.
)(2انظر :البخاري ،)5/21( :ومسلم.)4/1879( :
)(3انظر :البخاري ،)5/18( :ومسلم.)4/1871( :
)(4انظر :مسلم.)4/1883( :
116
ل هو ول هم ول كان منصوصًا على إمامته ،تبين لهم أنهم لم يكونوا يحبون عليّا ،بل هم من أعظم
الناس بغضًا لعل يّ رضي ال عنه في الحقيقة ،فإنهم يبغضون من اتصف بالصفات التي كانت في
عل يّ أكمل منها في غيره :من إثبات إمامة الثلثة وتفضيلهم ،فإن عليّا رضي ال عنه كان يفضّلهم
ويقرّ بإمامتهم ،فتبيّن أنهم مبغضون لعليّ قطعًا.
وبهذا يتـبين الحديـث الذي رواه مسـلم فـي صـحيحه عـن عليّـ رضـي ال عنـه أنـه قال( :إنـه لعهـد
النـبي الميّـ إليّـ أنـه ل يحبنـي إل مؤمـن ول يبغضنـي إل منافـق)( )1إن كان هذا محفوظًا ثابتًا عـن
النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،فإن الرافضـة ل تحبـه على مـا هـو عليـه ،بـل محبتهـم مـن جنـس محبـة
اليهود لموسـى والنصـارى لعيسـى ،بـل الرافضـة تبغـض نعوت عليّـ وصـفاته ،كمـا تبغـض اليهود
والنصـارى نعوت موسـى وعيسـى ،فإنهـم يبغضون مـن أقـر نبوة محمـد صـلى ال عليـه وسـلم ،وكانـا
مقرين بها صلى ال عليهم أجمعين.
(فصععل)
قال الرافضي( :وأعظموا أمر عائشة على باقي نسوانه ،مع أنه عليه السلم كان يكثر من ذكر
خديجة بنت خويلد ،وقالت له عائشة :إنك تكثر من ذكرها ،وقد أبدلك ال خيرًا منها .فقال :وال ما
بُدّلت بهـا ما هـو خيـر منهـا؛ صـدّقتني إذ كذبنـي الناس ،وآوتنـي إذ طردنـي الناس ،وأسـعدتني بمالهـا،
ورزقني ال الولد منها ،ولم أرزق من غيرها).
والجواب أولً :أن يقال :إن أهل السنة ليسوا مجمعين على أن عائشة أفضل نسائه ،بل قد ذهب
إلى ذلك كثيـر مـن أهـل السـنة ،واحتجوا بمـا فـي الصـحيحين عـن أبـي موسـى وعـن أنـس رضـي ال
عنهمـا ،أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم قال( :فضـل عائشـة على النسـاء كفضـل الثريـد على سـائر
الطعام)(.)2
والثريد هو أفضل الطعمة لنه خبز ولحم ،كما قال الشعر:
إذا ما الخبز تأدمه بلحم فذاك أمانة ال الثريعد
وذلك أن ال ُبرّ أفضـل القوات ،واللحـم أفضـل الدام ،كمـا فـي الحديـث الذي رواه ابـن قتيبـة وغيره
عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :سيد إدام أهل الدنيا والخرة اللحم)( .)3فإذا كان اللحم سيد
الدام ،وال ُبرّ سـيد القوات ،ومجموعهـا الثريـد ،لكان الثريـد أفضـل الطعام .وقـد صـح مـن غيـر وجـه
عن الصادق المصدوق أنه قال( :فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).
وفي الصحيح عن عمرو بن العاص رضي ال عنه قال :قلت :يا رسول ال أي الناس أحب
()4
إليك؟ قال( :عائشة) .قلت :من الرجال؟ قال( :أبوها) .قلت :ثم من؟ قال( :عمر) وسمّى رجالً .
وهؤلء يقولون :قوله لخديجـة( :مـا أبدلنـي ال بخيـر منهـا) :إن صـح معناه :مـا أبدلنـي بخيـر لي
منهـا ؛ لن خديجـة نفعتـه فـي أول السـلم نفعًا لم يقـم غيرهـا فيـه مقامهـا ،فكانـت خيرًا له مـن هذا
الوجه ،لكونها نفعته وقت الحاجة ،لكن عائشة صحبته في آخر النبوة وكمال الدين ،فحصل لها من
العلم واليمان ما لم يحصل لمن لم يدرك إل أول زمن النبوة ،فكانت أفضل بهذه الزيادة ،فإن المة
انتفعـت بهـا أكثـر ممـا انتفعـت بغيرهـا ،وبلغـت مـن العلم والسـنة مـا لم يبلغـه غيرهـا ،فخديجـة كان
)(1انظر :مسلم.)1/86( :
)(2انظر :البخاري ،)5/29( :ومسلم.)189)4/5( :
)(3سنن ابن ماجة )2/1099( :وهو ضعيف.
)(4انظر :البخاري :ج ،)5/5ومسلم.)4/1856( :
117
خيرهـا مقصـورًا على نفـس النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،لم تبلّغ عنـه شيئًا ،ولم تنتفـع بهـا المـة كمـا
انتفعوا بعائشة ،ول كان الدين قد كمل حتى تعلمه ويحصل لها من كمال اليمان به ما حصل لمن
علمه وآمن به بعد كماله.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وأذاعـت سـر رسـول ال صـلى ل عليـه وسـلم ،وقال لهـا النـبي صـلى ال عليـه
وســلم :إنــك تقاتليــن عليّاـ وأنــت ظالمــة له ،ثــم إنهــا خالفــت أمــر ال فــي قوله تعالى(( :وَ َقرْنعَ فِي
بُيُوتِكُنّ))[الحزاب ،]33:وخرجت في مل من الناس لتقاتل عليّا على غير ذنب ،لن المسلمين أجمعوا
على قتل عثمان ،وكانت هي في كل وقت تأمر بقتله ،وتقول اقتلوا نعثلً ،قتل ال نعثلً ،ولما بلغها
قتله فرحـت بذلك ،ثـم سـألت :مـن تولى الخلفـة؟ فقالوا :عليـّ ،فخرجـت لقتاله على دم عثمان ،فأي
ي على ذلك؟ وكيف استجاز طلحة والزبير وغيرهما مطاوعتها على ذلك؟ وبأي وجه ذنب كان لعل ّ
يلقون رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم؟ مـع أن الواحـد منـا لو تحدث مـع امرأة غيره وأخرجهـا مـن
منزلها وسافر بها كان أشد الناس عداوة له ،وكيف أطاعها على ذلك عشرات ألوف من المسلمين،
وساعدوها على حرب أمير المؤمنين ،ولم ينصر أحد منهم بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم لما
طلبت حقها من أبي بكر ،ول شخص واحد كلّمه بكلمة واحدة)).
والجواب :أن يقال :أمـا أهـل السـنة فإنهـم فـي هذا الباب وغيره قائمون بالقسـط شهداء ل ،وقولهـم
حق وعدل ل يتناقض ،وأما الرافضة وغيرهم من أهل البدع ففي أقوالهم من الباطل والتناقض ما
ننبّهـ إن شاء ال تعالى على بعضـه ،وذلك أن أهـل السـنة عندهـم أن أهـل بدر كلهـم فـي الجنـة ،وكذلك
أمّهات المؤمنين :عائشة وغيرها ،وأبو بكر وعمر وعثمان وعل يّ وطلحة والزبير هم سادات أهل
الجنة بعد النبياء ،وأهل السنة يقولون :إن أهل الجنة ليس من شرطهم سلمتهم عن الخطأ ،بل ول
عن الذنب ،بل يجوز أن يذنب الرجل منهم ذنبًا صغيرًا أو كبيرًا ويتوب منه ،وهذا متفق عليه بين
المسـلمين ،ولو لم يتـب منـه فالصـغائر مغفورة باجتناب الكبائر عنـد جماهيرهـم ،بـل وعنـد الكثريـن
منهم أن الكبائر قد تمحى بالحسنات التي هي أعظم منها ،وبالمصائب المكفّرة وغير ذلك.
وإذا كان هذا أصـلهم فيقولون :مـا يذكـر عـن الصـحابة مـن السـيّئات كثيـر منـه كذب ،وكثيـر منـه
كانوا مجتهديـن فيـه ،ولكـن لم يعرف كثيـر مـن الناس وجـه اجتهادهـم ،ومـا قُدّر أنـه كان فيـه ذنـب مـن
الذنوب لهم فهو مغفور لهم :إما بتوبة ،وإما بحسنات ماحية ،وإما بمصائب مكفّرة ،وإما بغير ذلك؛
فإنـه قـد قام الدليـل الذي يجـب القول بموجبـه أنهـم مـن أهـل الجنـة فامتنـع أن يفعلوا مـا يوجـب النار ل
محالة ،وإذا لم يمت أحد منهم ،على موجب النار لم يقدح ما سوى ذلك في استحقاقهم للجنة ،ونحن
قـد علمنـا أنهـم مـن أهـل الجنـة ،ولو لم يُعلم أن أولئك المعيّنيـن فـي الجنـة لم يجـز لنـا أن نقدح فـي
اسـتحقاقهم للجنـة بأمور ل نعلم أنهـا توجـب النار ،فإن هذا ل يجوز فـي آحاد المؤمنيـن الذيـن لم يُعلم
أنهم يدخلون الجنة ،ليس لنا أن نشهد لحد منهم بالنار لمور محتملة ل تدل على ذلك ،فكيف يجوز
مثـل ذلك فـي خيار المؤمنيـن ،والعلم بتفاصيل أحوال كـل واحد واحـد منهم باطنًا وظاهرًا ،وحسـناته
وسـيئاته واجتهاداتـه ،أمـر يتعذر علينـا معرفتـه؟! فكان كلمنـا فـي ذلك كلمًا فيمـا ل نعلمـه ،والكلم
بل علم حرام ،فلهذا كان المسـاك عمّا شجـر بيـن الصـحابة خيرًا مـن الخوض فـي ذلك بغيـر علم
بحقيقـة الحوال ،إذ كان كثيـر مـن الخوض فـي ذلك – أو أكثره – كلمًا بل علم ،وهذا حرام لو لم
ى يطلب فيه دفع الحق المعلوم؟ ى ومعارضة الحق المعلوم ،فكيف إذا كان كلمًا بهو ً يكن فيه هو ً
وأمـا قوله( :وأذاعـت سـرّ رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم) فل ريـب أن ال تعالى يقول(( :وَإِذْ
118
عرَضَع عَنْع عرّفَع بَ ْعضَهُع وََأ ْ ظ َهرَهُع الُ عَ َليْهِع َ
أَسَعرّ ال ّنبِيّ ِإلَى بَعْضِع َأ ْزوَاجِهِع حَدِيثًا فَ َلمّاع َنبّأَتْع بِهِع وََأ ْ
خبِير))[التحريم.]3: ت مَنْ َأ ْنبََأكَ هَذَا قَا َل نَبّأَنيَِ ا ْلعَلِيمُ الْ َ
بَعْضٍ فَ َلمّا َنبّأَهَا بِهِ قَالَ ْ
()1
وقد ثبت في الصحيح عن عمر أنهما عائشة وحفصة .
فيقال :أولً :هؤلء يعمدون إلى نصـوص القرآن التـي فيهـا ذكـر ذنوبٍـ ومعاصٍـ بيّنـة لمـن نصـّت
عنـه مـن المتقدميـن يتأوّلون النصـوص بأنواع التأويلت ،وأهـل السـنة يقولون :بـل أصـحاب الذنوب
تابوا منها ورفع ال درجاتهم بالتوبة.
وهذه اليـة ليسـت أوْلى فـي دللتهـا على الذنوب مـن تلك اليات ،فإن كان تأويـل تلك سـائغًا كان
تأويل هذه كذلك ،وإن كان تأويل هذه باطلً فتأويل تلك أبطل.
ويقال :ثانيًا :بتقدير أن يكون هناك ذنب لعائشة وحفصة ،فيكونان قد تابتا منه ،وهذا ظاهر لقوله
تعالى(( :إِنْع َتتُوبَا إِلَى الِ فَقَ ْد صَعغَتْ ُقلُوبُكُمعا))[التحريـم ،]4:فدعاهمـا ال تعالى إلى التوبـة ،فل يظـن
بهمـا أنهمـا لم يتوبـا ،مـع مـا ثبـت مـن علو درجتهمـا ،وأنهمـا زوجتـا نبيّنـا فـي الجنـة ،وأن ال خيرهـن
بيــن الحياة الدنيــا وزينتهــا وبيــن ال ورســوله والدار الخرة ،فاخترن ال ورســوله والدار الخرة،
ولذلك حرّم ال عليـه أن يتبَدّل بهـن غيرهـن ،وحرم عليـه أن يتزوج عليهـن ،واختُلف فـي إباحـة ذلك
له بعد ذلك ،ومات عنهن وهن أمهات المؤمنين بنص القرآن ،ثم قد تقدّم أن الذنب يُغفر ويُعفى عنه
بالتوبة وبالحسنات الماحية وبالمصائب المكفرة.
ويقال :ثالثًا :المذكور عـن أزواجـه كالمذكور عمّن شُهـد له بالجنـة مـن أهـل بيتـه وغيرهـم مـن
الصـحابة ،فإن عليّاـ لمـا خطـب ابنـة أبـي جهـل على فاطمـة ،وقام النـبي صـلى ال عليـه وسـلم خطيبًا،
فقال( :إن بنـي المغيرة اسـتأذنوني أن ينكحوا عليّاـ ابنتهـم ،وإنـي ل آذن ثـم ل آذن ثـم ل آذن ،إل أن
يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم ،إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني
ما آذاها) فل يُظن بعلي رضي ال عنه أنه ترك الخطبة في الظاهر فقط ،بل تركها بقلبه وتاب بقلبه
عما كان طلبه وسعى فيه.
وأما الحديث الذي رواه وهو قوله لها( :تقاتلين عليّا وأنت ظالمة له) فهذا ل يُعرف في شيء من
كتــب العلم المعتمدة ،ول له إســناد معروف ،وهــو بالموضوعات المكذوبات أشبــه منــه بالحاديــث
الصحيحة ،بل هو كذب قطعًا ،فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال ،وإنما خرجت لقصد الصلح
بين المسلمين ،وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين ،ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان
أوْلى ،فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها.
وأمـا قوله( :وخالفـت أمـر ال فـي قوله تعالى(( :وَ َقرْنَع فِي ُبيُوتِكُنّ وَ َل َت َبرّجْنَع تَ َبرّجعَ الْجَاهِ ِل ّيةِ
الُولَى))[الحزاب )]33:فهـي رضـي ال عنـه لم تتـبرج تـبرج الجاهليـة الولى ،والمـر بالسـتقرار فـي
البيوت ل ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها ،كما لو خرجت للحج وللعمرة أو خرجت مع زوجها
فـي سـفره ،فإن هذه اليـة قـد نزلت فـي حياة النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،وقـد سـافر بهـن رسـول ال
صلى ال عليه وسلم بعد ذلك كما سافر في حجة الوداع بعائشة رضي ال عنها وغيرها ،وأرسلها
مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه ،وأعمرها من التنعيم.
وأما قوله( :إنها خرجت في مل من الناس تقاتل عليّا على غير ذنب).
فهذا أولً :كذب عليهـا؛ فإنهـا لم تخرج لقصـد القتال ،ول كان أيضًا طلحـة والزبيـر قصـدهما قتال
عليـّ ،ولو قدر أنهــم قصــدوا القتال ،فهذا هــو القتال المذكور فــي قوله تعالى(( :وَإِنعْ طَائِفَتَانِع مِنعَ
)(1انظر :البخاري ،)6/156( :ومسلم.)2/1110( :
119
حتّىع تَفِيعء خرَى فَقَاتِلُوا الّتيع تَبْغِي َ علَى الُ ْ
ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَع ا ْقتَتَلُوا فَأَصْعِلحُوا بَ ْي َنهُمَا فَإِنْع بَغَتْع إِحْدَاهُمَا َ
ِإلَى َأ ْمرِ ال فَإِنْع فَاءَتْع فَأَصْعلِحُوا َبيْ َن ُهمَا بِالعَ ْد ِل وََأقْسِعطُوا إِنّ الَ يُحِبّ ا ْلمُقْسِعطِينِ .إ ّنمَا ا ْل ُم ْؤ ِمنُونَع
خ َويْكُم))[الحجرات ]10-9:فجعلهـم مؤمنيـن إخوة مـع القتتال ،وإذا كان هذا ثابتًا خوَةٌ فَأَصْعلِحُوا بَيْنَع َأ َإْ
لمن هو دون أولئك المؤمنين فهم به أوْلى وأحرى.
وأما قوله( :إن المسلمين أجمعوا على قتل عثمان).
فجوابه من وجوه :أحدها :أن يقال :أولً :هذا من أظهر الكذب وأَبينه ؛ فإن جماهير المسلمين لم
يأمروا بقتله ،ول شاركوا في قتله ،ول رضوا بقتله.
أما أولً :فلن أكثر المسلمين لم يكونوا بالمدينة ،بل كانوا بمكة واليمن والشام والكوفة والبصرة
ومصر وخراسان ،وأهل المدينة بعض المسلمين.
وأمعا ثانيًا :فلن خيار المسـلمين لم يدخـل واحـد منهـم فـي دم عثمان ل قتـل ول أمـر بقتله ،وإنمـا
قتله طائفـة مـن المفسـدين فـي الرض مـن أوباش القبائل وأهـل الفتـن ،وكان عليّـ رضـي ال عنـه
يحلف دائمًا( :إنــي مــا قتلت عثمان ول مالت على قتله) ويقول( :اللهــم العــن قتلة عثمان فــي البر
والبحر والسهل والجبل) وغاية ما يقال :إنهم لم ينصروه حق النصرة ،وأنه حصل نوع من الفتور
والخذلن ،حتى تمكن أولئك المفسدون ،ولهم في ذلك تأويلت ،وما كانوا يظنون أن المر يبلغ إلى
ما بلغ ،ولو علموا ذلك لسدّوا الذريعة وحسموا مادة الفتنة.
الثانعي :أن هؤلء الرافضـة فـي غايـة التناقـض والكذب؛ فإنـه مـن المعلوم أن الناس أجمعوا على
بيعــة عثمان مــا لم يجمعوا على قتله؛ فإنهــم كلهــم بايعوه فــي جميــع الرض ،فإن جاز الحتجاج
بالجماع الظاهـر ،فيجـب أن تكون بيعتـه حقًا لحصـول الجماع عليهـا ،وإن لم يجـز الحتجاج بـه،
بطلت حجتهـم بالجماع على قتله ،ل سـيما ومـن المعلوم أنـه لم يباشـر قتله إل طائفـة قليلة ،ثـم إنهـم
ينكرون الجماع على بيعتـه ،ويقولون :إنمـا بايـع أهـل الحـق منهـم خوفًا وكرهًا .ومعلوم أنهـم لو
اتفقوا كلهم على قتله ،وقال قائل :كان أهل الحق كارهين لقتله لكن سكتوا خوفًا وتقيّة على أنفسهم،
لكان هذا أقرب إلى الحـق ،لن العادة قد جرت بأن مـن يريد قتل الئمـة يخيف مـن ينازعـه ،بخلف
من يريد مبايعة الئمة ،فإنه ل يخيف المخالف ،كما يخيف من يريد قتله ،فإن المريدين للقتل أسرع
إلى الشر وسفك الدماء وإخافة الناس من المريدين للمبايعة.
فهذا لو قُدّر أن جميـع الناس ظهـر منهـم المـر بقتله ،فكيـف وجمهورهـم أنكروا قتله ،ودافـع عنـه
ي وعبد ال بن الزبير وغيرهما؟ من دافع في بيته ،كالحسن بن عل ّ
ثـم دعوى المدّعـي الجماع على قتـل عثمان مـع ظهور النكار مـن جماهيـر المـة له وقيامهـم فـي
النتصـار له والنتقام ممـن قتله ،أظهـر كذبًا مـن دعوى المدّعـي إجماع الئمـة على قتـل الحسـين
رضي ال عنه.
فلو قال قائل:إن الحسـين قتـل بإجماع الناس ،لن الذيـن قاتلوه وقتلوه لم يدفعهـم أحـد عـن ذلك ،لم
يكـن كذبـه بأظهـر مـن كذب المدّعـي للجماع على قتـل عثمان؛فإن الحسـين رضـي ال عنـه لم يعظـم
إنكار المـة لقتله ،كمـا عظـم إنكارهـم لقتـل عثمان ،ول انتصـر له جيوش كالجيوش الذيـن انتصـرت
لعثمان ،ول انتقـم أعوانـه مـن أعدائه كمـا انتقـم أعوان عثمان مـن أعدائه ،ول حصـل بقتله مـن الفتنـة
والشــر والفســاد مــا حصــل بقتــل عثمان ،ول كان قتله أعظــم إنكارًا عنــد ال وعنــد رســوله وعنــد
المؤمنيـن مـن قتـل عثمان؛فإن عثمان مـن أعيان السـابقين الوليـن مـن المهاجريـن مـن طبقـة عليّـ
وطلحة والزبير ،وهو خليفة للمسلمين أجمعوا على بيعته ،بل لم يُشْهر في المة سيفًا ول قتل على
120
وليته أحدًا ،وكان يغزو بالمسلمين الكفّار بالسيف ،وكان السيف في خلفته كما كان في خلفة أبي
بكر وعمر مسلولً على الكفّار ،مكفوفًا عن أهل القبلة.
وأمعا قوله( :إن عائشـة كانـت فـي كـل وقـت تأمـر بقتـل عثمان ،وتقول فـي كـل وقـت :اقتلوا نعثلً،
قتل ال نعثلً ،ولما بلغها قتله فرحت بذلك).
فيقال له :أول :أين النقل الثابت عن عائشة بذلك؟
ويقال :ثانيًا :المنقول الثابـت عنهـا يكذّب ذلك ،ويـبين أنهـا أنكرت قتله ،وذمّت مـن قتله ،ودعـت
على أخيها محمد وغيره لمشاركتهم في ذلك.
ويقال :ثالثًا :هـب أن واحدًا مـن الصـحابة :عائشـة أو غيرهـا قال فـي ذلك على وجـه الغضـب،
لنكاره بعـض مـا ينكـر ،فليـس قوله حجـة ،ول يقدح ذلك ل فـي إيمان القائل ول المقول له ،بـل قـد
يكون كلهمـا وليّاـ ل تعالى مـن أهـل الجنـة ،ويظـن أحدهمـا جواز قتـل الخـر ،بـل يظـن كفره ،وهـو
مخطئ في هذا الظن.
والكلم فـي الناس يجـب أن يكون بعلم وعدل ،ل بجهـل وظلم ،كحال أهـل البدع ؛ فإن الرافضـة
تعمــد إلى أقوام متقاربيــن فــي الفضيلة ،تريــد أن تجعــل أحدهمــا معصــومًا مــن الذنوب والخطايــا،
والخـر مأثومًا فاسـقًا أو كافرًا ،فيظهـر جهلهـم وتناقضهـم ،كاليهودي والنصـراني إذا أراد أن يثبـت
نبوّة موسـى أو عيسـى ،مـع قدحـه فـي نبوة محمـد صـلى ال عليـه وسـلم ،فإنـه يظهـر عجزه وجهله
وتناقضه.
وأمـا قوله( :إنهـا سـألت مـن تولّى الخلفـة؟ فقالوا :عليّـ فخرجـت لقتاله على دم عثمان ،فأي ذنـب
كان لعليّ في ذلك؟).
فيقال له :أولً :قول القائل :إن عائشـة وطلحـة والزبيـر اتهموا عليّاـ بأنـه قتـل عثمان وقاتلوه على
ذلك ،كذب بيّن ،بـل إنمـا طلبوا القتلة الذيـن كانوا تحيّزوا إلى عليـّ ،وهـم يعلمون أن براءة عليّـ مـن
دم عثمان كـبراءتهم وأعظـم ،لكـن القتلة كانوا قـد أووا إليـه ،فطلبوا قتـل القتلة ،ولكـن كانوا عاجزيـن
عن ذلك هم وعليّ ،لن القوم كانت لهم قبائل يذبّون عنهم.
والفتنـة إذا وقعـت عجـز العقلء فيهـا عـن دفـع السـفهاء ،فصـار الكابر رضـي ال عنهـم عاجزيـن
ظَلمُوا
عن إطفاء الفتنة وكف أهلها ،وهذا شأن الفتن ،كما قال تعالى(( :وَاتّقوا ِف ْت َنةً َل ُتصِ َيبَنّ الّذِينَ َ
صةً))[النفال ]25:وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إل من عصمه ال. مِنْ ُكمْ خَا َ
وأيضًا :قوله( :أي ذنب كان لعليّ في قتله؟).
تناقض منه ،فإنه يزعم أن عليّا كان ممن يستحل قتله وقتاله ،وممن ألّب عليه وقام في ذلك ،فإن
عليّا رضي ال عنه نسبه إلى قتل عثمان كثير من شيعته ومن شيعة عثمان ،هؤلء لبغضهم لعثمان
علَى عليّ. وهؤلء لبغضهم لعليّ ،وأما جماهير المسلمين فيعلمون كذب الطائفتين َ
والرافضعة تقول :إن عليّاـ كان ممـن يسـتحل قتـل عثمان ،بـل وقتـل أبـي بكـر وعمـر ،وترى أن
العانــة على قتله مــن الطاعات والقربات ،فكيــف يقول مــن هذا اعتقاده :أيّـ ذنــب كان لعلي ـّ على
ذلك؟ وإنما يليق هذا التنزيه لعليّ بأقوال أهل السنة ،لكن الرافضة من أعظم الناس تناقضًا.
وأمععا قوله( :وكيــف اســتجاز طلحــة والزبيــر وغيرهمــا مطاوعتــه على ذلك؟ وبأي وجــه يلقون
رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم؟ مـع أن الواحـد منـا لو تحدث مـع امرأة غيره وأخرجهـا مـن منزلهـا
وسافر بها كان أشد الناس عداوة له).
فيقال :هذا مـن تناقـض الرافضـة وجهلهـم ؛ فإنهـم يرمون عائشـة بالعظائم ،ثـم منهـم مـن يرميهـا
121
بالفاحشة التي برّأها ال منها ،وأنزل القرآن في ذلك.
ثـم إنهـم لفرط جهلهـم يدّعون ذلك فـي غيرهـا مـن نسـاء النـبياء ،فيزعمون أن امرأة نوح كانـت
غ ْيرُ
ع َملٌ َ
َب ِغيّاــ ،وأن البــن الذي دعاه نوح لم يكــن منــه وإنمــا كان منهــا ،وأن معنــى قولهِ(( :إنّه عُ َ
ل غيـر صـالح .ومنهـم مـن يقرأ(( :وَنَادَى نُوحٌع ا ْبنَهعُ))[هود]42: صعَالِح))[هود ]46:أن هذا الولد مـن عم ٍ
س مِنْ أَهِْلكَ))[هود ]46:ويتأوّلون قولـه تعالى(( :ضرَبَ الُ يريدون :ابنها ،ويحتجون بقولهِ(( :إنّهُ َليْ َ
همَا))[التحريم: حيْنِ فَخَا َنتَا ُ
عبَا ِدنَا صَالِ َ
ن مِنْ ِ
عبْ َديْ ِ
مَثَلً لِلّذِينَ كَ َفرُوا ا ْمرَأَ َة نُوحٍ وَا ْمرَأَةَ لُوطٍ كَا َنتَا تَحْتَ َ
]10على أن امرأة نوح خانته في فراشه ،وأنها كانت قَحبة.
وضاهوا في ذلك المنافقين والفاسقين أهل الفك الذين رموا عائشة بالفك والفاحشة ولم يتوبوا،
و فيهم خطب النبي صلى ال عليه وسلم ،فقال( :يا أيها الناس ،من يعذرني من رجل بلغني أذاه في
أهلي ،وال ما علمت على أهلي إل خيرا ،ولقد ذكروا رجلً ،وال ما علمت عليه إل خيرًا)(.)1
ومـن المعلوم أنـه مـن أعظـم أنواع الذى للنسـان أن يكذب على امرأتـه رجـل ويقول :إنهـا بغـى
ويجعـل الزوج زوج قحبـة ،فإن هذا مـن أعظـم مـا يشتـم بـه الناس بعضهـم بعضًا ،حتـى إنهـم يقولون
في المبالغة :شتمه بالزاي والقاف مبالغة في شتمه.
والرمي بالفاحشة – دون سائر المعاصي – جعل ال فيه حد القذف ،لن الذى الذي يحصل به
للمرمـي ل يحصـل مثله بغيره ،فإنـه لو ُرمِيَـ بالكفـر أمكنـه تكذيـب الرامـي بمـا يظهره مـن السـلم،
بخلف الرمـي بالفاحشـة ؛ فإنـه ل يمكنـه تكذيـب المفترى بمـا يضاد ذلك ،فإن الفاحشـة تخفـى وتكتـم
مع تظاهر النسان بخلف ذلك.
ثم من جهل الرافضة أنهم يعظّمون أنساب النبياء :آباءهم وأبناءهم ويقدحون في أزواجهم ؛ كل
ذلك عصـــبية واتّباع هوى حتـــى يعظّمون فاطمـــة والحســـن والحســـين ،ويقدحون فـــي عائشـــة أم
المؤمنيـن ،فيقولون -أو مـن يقول منهـم :-إن آزر أبـا إبراهيـم كان مؤمنًا ،وإن أبوي النـبي صـلى ال
عليـه وسـلم كانـا مؤم َنيْنـِ ،حتـى ل يقولون :إن النـبي يكون أبوه كافرًا ،فإذا كان أبوه كافرًا أمكـن أن
يكون ابنه كافرًا ،فل يكون في مجرد النسب فضيلة.
وأمــا قوله( :كيـف أطاعهـا على ذلك عشرات ألوف مــن المســلمين وسـاعدوها على حرب أميـر
المؤمنيـن ،ولم ينصـر أحـد منهـم بنـت رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم لمـا طلبـت حقّهـا مـن أبـي بكـر
رضي ال عنه ،ول شخص واحد كلّمه بكلمة واحدة).
فيقال :أولً :هذا مـن أعظـم الحجـج عليـك ؛ فإنـه ل يشـك عاقـل أن القوم كانوا يحبون رسـول ال
صـلى ال عليـه وسـلم ويعظمونـه ويعظمون قـبيلته وبنتـه أعظـم ممـا يعظمون أبـا بكـر وعمـر ،ولو لم
يكن هو رسول ال صلى ال عليه وسلم فكيف إذا كان هو رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي هو
أحـب إليهم من أنفسهم وأهليهم؟ول يستريب عاقل أن العرب-قريشًا وغير قريش-كانت تدين لبني
عبـد مناف وتعظّمهـم أعظـم ممـا يعظّمون بنـي تيـم وعدي ،ولهذا لمـا مات رسـول ال صـلى ال عليـه
وسلم وتولّى أبو بكر ،قيل لبي قحافة:مات رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال:حدث عظيم ،فمن
ولي بعده؟ قالوا :أبو بكر .قال :أو رضيت بنو عبد مناف وبنو مخزوم؟ قالوا :نعم .قال :ذلك فضل
ال يؤتيه من يشاء ،أو كما قال.
ولهذا جاء أبــو ســفيان إلى عليـّ ،فقال :أرضيتــم أن يكون هذا المــر فــي بنــي تيــم؟ فقال :يــا أبــا
سفيان ،إن أمر السلم ليس كأمر الجاهلية ،أو كما قال.
)(1رواه البخاري )3/173( :وغيه وتقدم ص.
122
فإذا كان المسـلمون كلهـم ليـس فيهـم مـن قال :إن فاطمـة رضـي ال عنهـا مظلومـة ،ول أن لهـا حقًا
عند أبي بكر وعمر رضي ال عنهما ول أنهما ظلماها ،ول تكلّم أحد في هذا بكلمة واحدة-دل ذلك
على أن القوم كانوا يعلمون أنها ليست مظلومة ،إذ لو علموا أنها مظلومة لكان تركهم لنصرتها :إما
ل وإضاعة لحقها ،وإما بغضًا فيها ،إذ الفعل الذي يقدر عليه النسان عجزًا عن نصرتها ،وإما إهما ً
إذا أراده إرادة جازمــة فعله ل محالة ،فإذا لم يرده – مــع قيام المقتضــي لرادتــه –فإمــا أن يكون
جاهلً به ،أو له معارض يمنعه من إرادته ،فلو كانت مظلومة مع شرفها وشرف قبيلتها وأقاربها،
وأن أباهــا أفضــل الخلق وأحبهــم إلى أمتــه ،وهــم يعلمون أنهــا مظلومــة –لكانوا إمــا عاجزيــن عــن
نصـرتها ،وإمـا أن يكون لهـم معارض عارض إرادة النصـر مـع بغضهـا ،وكل المريـن باطـل ؛ فإن
القوم مـا كانوا كلهـم عاجزيـن أن يتكلم واحـد منهـم بكلمـة حـق ،وهـم كانوا أقدر على تغييـر مـا هـو
أعظم من هذا.
وهذا وغيره ممــا يــبيّن أن المــر على نقيــض مــا تقوله الرافضــة مــن أكاذيبهــم ،وأن القوم كانوا
يعلمون أن فاطمـة لم تكـن مظلومـة أصـلً ،فكيـف ينتصـر القوم لعثمان حتـى سـفكوا دماءهـم ،،ول
ينتصرون لمن هو أحب إليهم من عثمان ،وهو رسول ال صلى ال عليه وسلم وأهل بيته؟!
(فصععل)
قال الرافضعي( :وسـمّوها أم المؤمنيـن ولم يسـمّوا غيرهـا بذلك ،ولم يسـمّوا أخاهـا محمـد بـن أبـي
بكـر -مـع عظـم شأنـه وقربـه مـن منزلة أبيـه وأختـه عائشـة أم المؤمنيـن – فلم يسـموه خال المؤمنيـن،
وسـموا معاويـة بـن أبـي سـفيان خال المؤمنيـن ،لن أختـه أم حبيبـة بنـت أبـي سـفيان إحدى زوجات
النبي صلى ال عليه وسلم ،وأخت محمد بن أبي بكر وأبوه أعظم من أخت معاوية ومن أبيها).
والجواب أن يقال :أمـا قوله( :إنهـم سـموا عائشـة رضـي ال عنهـا أم المؤمنيـن ولم يسـموا غيرهـا
بذلك)).
فهذا من البهتان الواضح الظاهر لكل أحد ،وما أدري هل هذا الرجل وأمثاله يتعمّدون الكذب ،أم
أعمــى ال أبصــارهم لفرط هواهــم حتــى خفــى عليهــم أن هذا كذب؟! وهــم ينكرون على بعــض
النواصب أن الحسين لما قال لهم :أما تعلمون أني ابن فاطمة بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم؟
قالوا :وال مــا نعلم ذلك ،وهذا ل يقوله ول يجحــد نســب الحســين إل متعمدًا للكذب والفتراء ،ومــن
أعمى ال بصيرته باتّباع هواه حتى يخفى عليه مثل هذا؟ فإن عين الهوى عمياء ،والرافضة أعظم
جحدًا للحـق تعمدًا ،وأعمـى مـن هؤلء ؛ فإن منهـم -مـن المنتسـبين إليهـم -كالنصـيرية وغيرهـم مـن
يقول :إن الحسـن والحسين ما كانا أولد عل يّ ،بل أولد سلمان الفارسـي ،ومنهـم مـن يقول :إن عليّا
لم يمت ،وكذلك يقولون عن غيره.
ومنهعم معن يقول :إن أبـا بكـر وعمـر ليسـا مدفونيـن عنـد النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،ومنهـم مـن
يقول :إن رقيـة وأم كلثوم زوجتـي عثمان ليسـتا بنتـي النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،ولكـن همـا بنتـا
خديجـة مـن غيره ،ولهـم فـي المكابرات وجحـد المعلومات بالضرورة أعظـم ممـا لولئك النواصـب
الذين قتلوا الحسين ،وهذا مما يبين أنهم أكذب وأظلم وأجهل من قتلة الحسين.
وذلك أنه من المعلوم أن كل واحدة من أزواج النبي صلى ال عليه وسلم يقال لها (أم المؤمنين)
عائشـة ،وحفصـة ،وزينـب بنـت جحـش ،وأم سـلمة ،و سـودة بنـت زمعـة ،وميمونـة بنـت الحارث
الهلليـة ،وجويريـة بنـت الحارث المصـطلقية ،وصـفية بنـت حـي بـن أخطـب الهارونيـة ،رضـي ال
جهُ ُأ ّمهَا ُتهُمْ))[الحزاب ]6:وهذا
سهِ ْم وََأ ْزوَا ُ
ن مِنْ َأنْ ُف ِ
عنهن ،وقد قال ال تعالى(( :ال ّنبِيّ َأ ْولَى بِا ْل ُم ْؤ ِمنِي َ
123
أمـر معلوم للمـة علمًا عامًا ،وقـد أجمـع المسـلمون على تحريـم نكاح هؤلء بعـد موتـه على غيره،
وعلى وجوب احترامهـن؛فهـن أمهات المؤمنيـن فـي الحرمـة والتحريـم ،ولسـن أمهات المؤمنيـن فـي
المحرميـة ،فل يجوز لغيـر أقاربهـن الخلوة بهـن ،ول السـفر بهـن ،كمـا يخلو الرجـل ويسـافر بذوات
محارمه.
وأما قوله( :وعظم شأنه).
فإن أراد عظـم نسـبه ،فالنسـب لحرمـة له عندهـم؛ لقدحهـم فـي أبيـه وأختـه ،وأمـا أهـل السـنة فإنمـا
عنْدَ الِع َأتْقَاكُم))[الحجرات ]13:وإن
يعظّمون بالتقوى ،ل بمجرد النســب ،قال تعالى(( :إِنّ َأ ْكرَمَكُم عْ ِ
أراد عظـم شأنـه لسـابقته وهجرتـه ونصـرته وجهاده ،فهـو ليـس مـن الصـحابة :ل مـن المهاجريـن ول
النصار ،وإن أراد بعظم شأنه أنه كان من أعلم الناس وأَ ْديَنهم ،فليس المر كذلك.
وأما قوله( :وأخت محمد وأبوه أعظم من أخت معاوية وأبيها).
فيقال :هذه الحجــة باطلة على الصــلين ،وذلك أن أهــل الســنة ل يفضلون الرجــل إل بنفســه ،فل
ينفع محمدًا قربه من أبي بكر وعائشة ،ول يضر معاوية أن يكون ذلك أفضل نسبًا منه ،وهذا أصل
معروف لهل السنة ،كما لم يضـر السابقين الوّلين من المهاجرين والنصار الذين أنفقوا من قبل
الفتح وقاتلوا ،كبلل وصهيب وخبّاب وأمثالهم ،أن يكون من تأخر عنهم من الطلقاء وغيرهم ،كأبي
سـفيان بـن حرب وابنيـه :معاويـة ويزيـد وأبـي سـفيان بـن الحارث بـن عبـد المطلب وعقيـل بـن أبـي
طالب ونحوهم ،أعظم نسبًا منهم.
(فصععل)
قال الرافضي( :مع أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لعن معاوية الطليق بن الطليق اللعين بن
اللعيـن ،وقال :إذا رأيتـم معاويـة على منـبري فاقتلوه ،وكان مـن المؤلفـة قلوبهـم ،وقاتـل عليّاـ وهـو
عندهم رابع الخلفاء ،إمام حق ،وكل من حارب إمام حق فهو باغٍ ظالم).
قال( :وسـبب ذلك محبـة محمـد بـن أبـي بكـر لعليّـ عليـه السـلم ،ومفارقتـه لبيـه ،وبغـض معاويـة
لعليّـ ومحاربتـه له ،وسـموه كاتـب الوحـي ولم يكتـب له كلمـة واحدة مـن الوحـي ،بـل كان يكتـب له
رسـائل ،وقـد كان بيـن يدي النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أربعـة عشـر نفسـًا يكتبون الوحـي ،أولهـم
وأخصهم وأقربهم إليه عليّ بن أبي طالب عليه السلم ،مع أن معاوية لم يزل مشركًا بال تعالى في
مدة كون النبي صلى ال عليه وسلم مبعوثًا يكذّب بالوحي ويهزأ بالشرع).
والجواب :أن يقال :أمـا مـا ذكره مـن أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم لعـن معاويـة وأمـر بقتله إذا
رؤي على المنبر ،فهذا الحديث ليس في شيء من كتب السلم التي يرجع إليها في علم النقل ،وهو
عنـد أهـل المعرفـة بالحديـث كذب موضوع مختلق على النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،وهذا الرافضـي
الراوي له لم يذكر له إسنادًا حتى ينظر فيه ،وقد ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات.
وممـا يـبيّن كذبـه أن منـبر النـبي صـلى ال عليـه وسـلم قـد صـعد عليـه بعـد معاويـة مـن كان معاويـة
خيرًا منـه باتفاق المسـلمين ،فإن كان يجـب قتـل مـن صـعد عليـه لمجرد الصـعود على المنـبر ،وجـب
قتـل هؤلء كلهـم ،ثـم هذا خلف المعلوم بالضطرار مـن ديـن السـلم ،فإن مجرد صـعود المنـبر ل
يبيح قتل مسلم ،وإن أمر بقتله لكونه تولّى المر وهو ل يصلح ،فيجب قتل كل من تولّى المر بعد
معاويـة ممـن معاويـة أفضـل منـه ،وهذا خلف مـا تواترت بـه السـنن عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم
من نهيه عن قتل ولة المور وقتالهم ،كما تقدم بيانه.
ثـم المـة متفقـة على خلف هذا ؛ فإنهـا لم تقتـل كـل مـن تولّى أمرهـا ول اسـتحلّت ذلك ،ثـم هذا
124
يوجب من الفساد والهرج ما هو أعظم من ولية كل ظالم ،فكيف يأمر النبي صلى ال عليه وسلم
بشيء يكون فعله أعظم فسادًا من تركه؟!
وأما قوله( :إنه الطليق ابن الطليق).
فهذا ليس نعت ذم ،فإن الطلقاء هم مسلمة الفتح ،الذين أسلموا عام فتح مكة ،وأطلقهم النبي صلى
ال عليـه وسـلم ،وكانوا نحوًا مـن ألفَيْـ رجـل ،وفيهـم مـن صـار مـن خيار المسـلمين ،كالحارث بـن
هشام ،وسهل بن عمرو ،وصفوان بن أميّة ،وعكرمة بن أبي جهل ،ويزيد بن أبي سفيان ،وحكيم
بـن حزام ،وأبـي سـفيان بـن الحارث بـن عبـد المطلب ابـن عـم النـبي صـلى ال عليـه وسـلم الذي كان
يهجوه ثم حسن إسلمه ،وعتّاب بن أسيد الذي ولّه النبي صلى ال عليه وسلم مكة لما فتحها ،وغير
حسُنَ إسلمه.
هؤلء ممن َ
ومعاويــة ممــن حَس ـُن إســلمه باتفاق أهــل العلم ،ولهذا ولّه عمــر بــن الخطاب رضــي ال عنــه
موضـع أخيـه يزيـد بـن أبـي سـفيان لمـا مات أخوه يزيـد بالشام ،وكان يزيـد بـن أبـي سـفيان مـن خيار
الناس ،وكان أحد المراء الذين بعثهم أبو بكر وعمر لفتح الشام :يزيد بن أبي سفيان ،وشرحبيل بن
حسـنة ،وعمرو بـن العاص ،مـع أبـي عُبيدة بـن الجراح ،وخالد بـن الوليـد ،فلمـا توفـي يزيـد بـن أبـي
سفيان ولّى عمر مكانه أخاه معاوية ،وعمر لم تكن تأخذه في ال لومة لئم ،وليس هو ممن يحابـى
في الولية ،ول كان ممن يحب أبا سفيان أباه ،بل كان من أعظم الناس عداوة لبيه أبي سفيان قبل
السـلم ،حتـى إنـه لمـا جاء بـه العباس يوم فتـح مكـة كان عمـر حريصـًا على قتله ،حتـى جرى بينـه
وبين العباس نوع من المخاشنة بسبب بغض عمر لبي سفيان ،فتولية عمر لبنه معاوية ليس لها
سبب دنيوي ،ولول استحقاقه للمارة لما أمّره.
وأما قوله( :كان معاوية من الم َؤلّفة قلوبهم).
نعم وأكثر الطلقاء كلهم من المؤلفة قلوبهم ،كالحارث بن هشام ،وابن أخيه عكرمة بن أبي جهل،
وسـهيل بـن عمرو ،وصـفوان بـن أميـة ،وحكيـم بـن حزام ،وهؤلء مـن خيار المسـلمين ،والمؤلّفـة
قلوبهـم غالبهـم حسـُن إسـلمه ،وكان الرجـل منهـم يُسـلم أول النهار رغبـة منـه فـي الدنيـا ،فل يجيـء
آخر النهار إل والسلم أحب إليه مما طلعت عليه الشمس.
وأمعا قوله( :وقاتـل عليّاـ وهـو عندهـم رابـع الخلفاء إمام حـق ،وكـل مـن قاتـل إمام حقٍـ فهـو باغٍـ
ظالم).
فيقال له :أول :الباغي قد يكون متأوّل معتقدًا أنه على حق ،وقد يكون متعمدًا يعلم أنه با غٍ ،وقد
يكون َب ْغيُ ُه مركّبا من شبهة وشهوة ،وهو الغالب ،وعلى كل تقدير فهذا ل يقدح فيما عليه أهل السنة
؛ فإنهـم ل ينزّهون معاويـة ول مـن هـو أفضـل منـه مـن الذنوب ،فضل عـن تنزيههـم عـن الخطـأ فـي
الجتهاد ،بــل يقولون :إن الذنوب لهــا أســباب تُدفــع عقوبتهــا مــن التوبــة والســتغفار ،والحســنات
الماحية ،والمصائب المكفّرة ،وغير ذلك ،وهذا أمر يعم الصحابة وغيرهم.
ويقال لهعم :ثانيًا :أمـا أهـل السـنة فأصـلهم مسـتقيم مطّرد فـي هذا الباب ،وأمـا أنتـم فمتناقضون،
وذلك أن النواصب – من الخوارج وغيرهم – الذين يكفّرون عليّا أو يف سّقونه أو يشكّون في عدالته
مـن المعتزلة والمروانيـة وغيرهـم ،لو قالوا لكـم :مـا الدليـل على إيمان عليّـ وإمامتـه وعدله؟ لم يكـن
لكم حجة ؛ فإنكم إن احتججتم بما تواتر من إسلمه وعبادته ،قالوا لكم :وهذا متواتر عن الصحابة،
والتابعين والخلفاء الثلثة ،وخلفاء بني أمية كمعاوية ويزيد وعبد الملك وغيرهم ،وأنتم تقدحون في
ي وغيره إل وقدحكم في إيمان هؤلء أعظم ،والذين تقدحون أنتم إيمانهم ،فليس قدحنا في إيمان عل ّ
125
فيهـم أعظـم مـن الذيـن نقدح نحـن فيهـم ،وإن احتججتـم بمـا فـي القرآن مـن الثناء والمدح ،قالوا :آيات
القرآن عامـة تتناول أبـا بكـر وعمـر وعثمان وغيرهـم مثـل مـا تتناول عليّاـ وأعظـم مـن ذلك ،وأنتـم قـد
أخرجتـم هؤلء مـن المدح والثناء فإخراجنـا عليّاـ أيسـر ،وإن قلتـم بمـا جاء عـن النـبي صـلى ال عليـه
وسـلم فـي فضائله :قالوا :هذه الفضائل روتهـا الصـحابة الذيـن رووا فضائل أولئك ،فإن كانوا عدولً
فاقبلوا الجميع ،وإن كانوا ف سّاقا فإن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبيّنوا ،وليس لحد أن يقول في الشهود :إنهم
إن شهدوا لي كانوا عدول ،وإن شهدوا علي ــّ كانوا فس ــّاقا ،أو :إن شهدوا بمدح مـــن أحببتـــه كانوا
عدولً ،وإن شهدوا بمدح من أبغضته كانوا فسّاقًا.
وأما قوله( :إن سبب ذلك محبة محمد بن أبي بكر لعليّ ،ومفارقته لبيه).
ل له أقـل مـن ثلث سـنين، فكذب بيّن ،وذلك أن محمـد بـن أبـي بكـر فـي حياة أبيـه لم يكـن إل طف ً
وبعـد موت أبيـه كان مـن أشـد الناس تعظيمًا لبيـه ،وبـه كان يتشرف ،وكانـت له بذلك حرمـة عنـد
الناس.
وأمعا قوله( :إن سـبب قولهـم لمعاويـة :إنـه خال المؤمنيـن دون محمـد ،إن محمدًا هذا كان يحـب
عليّا ،ومعاوية كان يبغضه).
فيقال :هذا كذب أيضًا؛ فإن عبـد ال بـن عمـر كان أحـق بهذا المعنـى مـن هذا وهذا ،وهـو لم يقاتـل
ظمًا لعليّ ،محبًا له ،يذكر فضائله ومناقبه ،وكان مبايعًا لمعاوية لما ل مع هذا ول مع هذا ،وكان مع ّ
اجتمع عليه الناس غير خارج عليه ،وأخته أفضل من أخت معاوية ،وأبوه أفضل من أبي معاوية،
والناس أكثر محبة وتعظيمًا له من معاوية ومحمد ،ومع هذا فلم يشتهر عنه أنه خال المؤمنين ،فعُلم
أنه ليس سبب ذلك ما ذكره.
(فصععل)
وأما قول الرافضي( :وسمّوه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة واحدة من الوحي).
فهذا قول بل حجة ول علم ،فما الدليل على أنه لم يكتب كلمة واحدة من الوحي ،وإنما كان يكتب
له رسائل؟
وقوله( :إن كتاب الوحي كانوا بضعة عشر أخصّهم وأقربهم إليه عليّ).
فل ريب أن عليّا كان ممن يكتب له أيضًا ،كما كتب الصلح بينه وبين المشركين عام الحديبية،
ولكن كان يكتب له أبو بكر وعمر أيضًا ،ويكتب له زيد بن ثابت بل ريب.
منِين))[النساء]95:
ن مِنَ ا ْل ُم ْؤ ِ
ففي الصحيحين أن زيد بن ثابت لما نزلت(( :لّ َيسْ َتوِي الْقَاعِدُو َ
كتبها له(.)1وكتب له أبو بكر ،وعمر ،وعثمان ،وعليّ ،وعامر بن فهيرة ،وعبد ال بن الرقم ،وأبيّ
بن كعب ،وثابت بن قيس ،وخالد بن سعيد بن العاص ،وحنظلة بن الربيع السدي ،وزيد بن ثابت،
ومعاوية ،وشُرحبيل بن حسنة رضي ال عنهم.
وأما قوله( :إن معاوية لم يزل مشركًا مدة كون النبي صلى ال عليه وسلم مبعوثًا).
فيقال :ل ريـب أن معاويـة وأباه وأخاه وغيرهـم أسـلموا عام فتـح مكـة ،قبـل موت النـبي صـلى ال
عليـه وسـلم بنحـو مـن ثلث سـنين ،فكيـف يكون مشركًا مدة المبعـث ،ومعاويـة رضـي ال عنـه كان
حين بُعث النبي صلى ال عليه وسلم صغيرًا ،كانت هند ترقّصه ،ومعاوية رضي ال عنه أسلم مع
مسلمة الفتح ،مثل :أخيه يزيد ،وسهيل بن عمرو ،وصفوان بن أمية ،وعكرمة بن أبي جهل ،وأبي
سـفيان بـن حرب ،وهؤلء كانوا قبـل إسـلمهم أعظـم كفرًا ومحاربـة للنـبي صـلى ال عليـه وسـلم مـن
)(1انظر :البخاري:ج ،)6/48ومسلم.)3/1508( :
126
معاوية.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وكان باليمـن يوم الفتـح يطعـن على رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،وكتـب إلى
ص َب ْوتَ إلى دين محمد؟). أبيه صخر بن حرب يعيّره بإسلمه ،ويقولَ :أ َ
والجواب :أما قوله( :كان باليمن يطعن على النبي صلى ال عليه وسلم وكتب إلى أبيه صخر بن
حرب يعيّره بإسلمه وكتب إليه البيات).
فهذا من الكذب المعلوم ؛ فإن معاوية إنما كان بمكة ،لم يكن باليمن ،وأبوه أسلم قبل دخول النبي
صلى ال عليه وسلم مكة بمر الظهران ليلة نزل بها ،وقال له العباس :إن أبا سفيان يحب الشرف،
فقال النبي صـلى ال عليـه وسلم( :مـن دخل دار أبي سفيان فهـو آمن ،ومن دخـل المسجد فهـو آمن،
ومن ألقى السلح فهو آمن)(.)1
وأمعا قوله( :إن الفتـح كان فـي رمضان لثمان مـن مقدم النـبي صـلى ال عليـه وسـلم المدينـة) فهذا
صحيح.
ش ْركِهِـ هاربًا مـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،لنـه كان وأمعا قوله( :إن معاويـة كان مقيمًا على ِ
أهدر دمـه ،فهرب إلى مكـة ،فلمـا لم يجـد له مأوى صـار إلى النـبي صـلى ال عليـه وسـلم مضطرًا،
فأظهر السلم ،وكان إسلمه قبل موت النبي صلى ال عليه وسلم بخمسة أشهر).
فهذا من أظهر الكذب ؛ فإن معاوية أسلم عام الفتح باتفاق الناس ،وقد تقدّم قوله( :إنه من المؤلفة
قلوبهـم) والمؤلفـة قلوبهـم أعطاهـم النـبي صـلى ال عليـه وسـلم عام حنيـن مـن غنائم َهوَازن ،وكان
معاويـة ممـن أعطاه منهـا ،والنـبي صـلى ال عليـه وسـلم كان يتألّف السـادة المطاعيـن فـي عشائرهـم،
فإن كان معاويـة هاربًا لم يكـن مـن المؤلفـة قلوبهـم ،ولو لم يسـلم إل قبـل موت النـبي صـلى ال عليـه
وسلم بخمسة أشهر لم يُعط شيئًا من غنائم حنين.
ومن كانت غايته أن يؤمن لم يحتج إلى تأليف.
ومما يبين كذب ما ذكره هذا الرافضي أنه لم يتأخر إسلم أحد من قريش إلى هذه الغاية ،وأهل
السير والمغازي متفقون على أنه لم يكن معاوية ممن أُهدر دمه عام الفتح.
وأما قوله( :إنه استحق أن يُوصف بذلك دون غيره).
ففرية على أهل السنة ؛ فإنه ليس فيهم من يقول :إن هذا من خصائص معاوية ،بل هو واحد من
كتاب الوحي .وأما عبد ال بن سعد بن أبي سرح فارتد عن السلم ،وافترى على النبي صلى ال
عليه وسلم ،ثم إنه عاد إلى السلم.
ش َرحَ بِالْكُ ْف ِر صَدْراً))[النحل ]106:الية).
ن َن مَ ْ
وأما قوله( :إنه نزل فيه(( :وَلَكِ ْ
فهــو باطــل ؛ فإن هذه اليــة نزلت بمكــة ،لمــا أُكره عمّار وبلل على الكفــر ،وردة هذا كانــت
بالمدينـة بعـد الهجرة ،ولو قُدّر أنـه نزلت فيـه هذه اليـة؛ فالنـبي صـلى ال عليـه وسـلم قَبِل إسـلمه
وبايعه.
وأمعا قوله( :وقـد روى عبـد ال بـن عمـر قال :أتيـت النـبي صـلى ال عليـه وسـلم فسـمعته يقول:
(يطلع عليكـم رجـل يموت على غيـر سـنتي) فطلع معاويـة ،وقام النـبي صـلى ال عليـه وسـلم خطيبًا،
فأخذ معاوية بيد ابنه يزيد وخرج ولم يسمع الخطبة ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :لعن ال القائد
والمقود ،أي :يوم يكون للمة مع معاوية ذي الساءة).
)(1رواه مسلم .)3/1407
127
فالجواب أن يقال :أولً :نحــن نطالب بصــحة الحديــث؛ فإن الحتجاج بالحديــث ل يجوز إل بعــد
ثبوته ،ونحن نقول هذا في مقام المناظرة ،وإل فنحن نعلم قطعًا أنه كذب.
ويقال :ثانيًا :هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث ،ول يوجد في شيء
من دواوين الحديث التي يُرجع إليها في معرفة الحديث ،ول له إسناد معروف.
وهذا المحتـج بـه لم يذكـر له إسـنادًا .ثـم مـن جهله أن يروي مثـل هذا عـن عبـد ال بـن عمـر ،وعبـد
ال بن عمر كان من أبعد الناس عن ثلب الصحابة ،وأروى الناس لمناقبهم ،وقوله في مدح معاوية
معروف ثابـت عنـه ،حيـث يقول( :مـا رأيـت بعـد رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم أَسْـوَد مـن معاويـة،
قيل له :ول أبو بكر وعمر؟ فقال :كان أبو بكر وعمر خيراً منه ،وما رأيت بعد رسول ال صلى ال
عليه وسلم أسود من معاوية).
قال أحمد بن حنبل :السيد الحليم -يعني معاوية -وكان معاوية كريمًا حليمًا.
ثم إن خطب النبي صلى ال عليه وسلم لم تكن واحدة ،بل كان يخطب في الجمع والعياد والحج
وغيـر ذلك .ومعاويـة وأبوه يشهدان الخطـب ،كمـا يشهدهـا المسـلمون كلهـم ،افتراهمـا فـي كـل خطبـة
كانـا يقومان و ُي َمكّنان مـن ذلك؟ هذا قدح فـي النـبي صـلى ال عليـه وسـلم وفـي سـائر المسـلمين ،إذ
يمكّنون اثنيــن دائمًا يقومان ول يحضران الخطبــة ول الجمعــة ،وإن كانــا يشهدان كــل خطبــة ،فمــا
بالهما يمتنعان من سماع خطبة واحدة قبل أن يتكلم بها؟
وأما قوله( :إنه بالغ في محاربة علي).
فل ريب أنه اقتتل العسكران :عسكر علي ومعاوية بصفين ،ولم يكن معاوية ممن يختار الحرب
ابتداءً ،بل كان من أشد الناس حرصًا على أن ل يكون قتال ،وكان غيره أحرص على القتال منه.
(فصععل)
إذا تـبين هذا فيقال :قول الرافضـة مـن أفسـد القوال وأشدهـا تناقضًا؛ فإنهـم يعظّمون المـر على
مـن قاتـل عليّاـ ،ويمدحون مـن قتـل عثمان ،مـع أن الذم والثـم لمـن قتـل عثمان أعظـم مـن الذم والثـم
لمـن قتـل عليّاـ ،فإن عثمان كان خليفـة اجتمـع الناس عليـه ،ولم يقتـل مسـلمًا ،وقـد قتلوه لينخلع مـن
المـر ،فكان عذره فـي أن يسـتمر على وليتـه أعظـم مـن عذر عليّـ فـي طلبـه لطاعتهـم له ،وصَـَبرَ
عثمان حتى قُتل مظلومًا شهيدًا من غير أن يدفع عن نفسه ،وعل يّ بدأ بالقتال أصحاب معاوية ،ولم
يكونوا يقاتلونه ،ولكن امتنع من بيعته.
وإن قيل :إن عثمان فعل أشياء أنكروها.
قيل :تلك الشياء لم تبح خلعه ول قتله ،وإن أباحت خلعه وقتله كان ما نقموه على عل يّ أوْلى أن
يبيح ترك مبايعته.
وأمعا قوله( :الخلفـة ثلثون سـنة) ونحـو ذلك ،فهذه الحاديـث لم تكـن مشهورة شهرة يعلمهـا مثـل
أولئك ؛ إنما هي من نقل الخاصة ل سيما وليست من أحاديث الصحيحين وغيرهما ،وإذا كان عبد
ي عليه قول النبي صلى ال عليه وسلم لعائشة رضي ال عنها( :لول أن قومك الملك بن مروان خَفِ َ
()1
حديث وعهد بالجاهلية لنقضت الكعبة ،وللصقتها بالرض ،ولجعلت لها بابين) ونحو ذلك حتى
هدم مـا فعله ابـن الزبيـر ،ثـم لمـا بلغـه ذلك قال :وددت أنّي وليتـه مـن ذلك مـا توله ،مـع أن حديـث
عائشـة رضـي ال عنهـا ثابـت صـحيح متفـق على صـحته عنـد أهـل العلم ،فلن يخفـى على معاويـة
وأصـحابه قوله( :الخلفـة بعدي ثلثون سـنة ثـم تصـير ملكًا) بطريـق الوْلى ،مـع أن هذا فـي أول
)(1الديث ف البخاري ( )2/146ومسلم (.)2/968
128
ي عينًا ،وإنما عُلمت دللته على ذلك لما مات رضي ال خلفة عل يّ رضي ال عنه ل يدل على عل ّ
عنه ،مع أنه ليس نصّا في إثبات خليفة معيّن ،وهم يقولون:
ل منـه وإمـا عجزًا منـه عـن نصـرتنا ،فليـس علينـا أن نبايـع مـن نُظلم إذا كان ل ينصـفنا إمـا تأوي ً
بوليته.
وأما قوله( :إن معاوية قتل جمعًا كثيرًا من خيار الصحابة).
فيقال :الذيـن قُتلوا قُتلوا مـن الطائفتيـن ؛ قتـل هؤلء مـن هؤلء ،وهؤلء مـن هؤلء ،وأكثـر الذيـن
كانوا يختارون القتال مــن الطائفتيــن لم يكونوا يطيعون ل عليّا ـ ول معاويــة ،وكان علي ّـ ومعاويــة
رضى ال عنهما أطلب لكف الدماء من أكثر المقتتلين ،لكن غُلبا فيما وقع ،والفتنة إذا ثارت عجز
الحكماء عـن إطفاء نارهـا ،وكان فـي العسـكرين ،مثـل :الشتـر النخعـي ،وهاشـم بـن عُتبـة المرقال،
وعبـد الرحمـن بـن خالد بـن الوليـد ،وأبـي العور السـلمي ،ونحوهـم مـن المحرضيـن على القتال قوم
ينتصرون لعثمان غاية النتصار ،وقوم ينفّرون عنه ،وقوم ينتصرون لعليّ وقوم ينفّرون عنه.
وأمـا مـا ذكره مـن لعـن عليـّ ،فإن التلعـن وقـع مـن الطائفتيـن كمـا وقعـت المحاربـة ،وكان هؤلء
يلعنون رءوس هؤلء فـي دعائهـم ،وهؤلء يلعنون رءوس هؤلء فـي دعائهـم ،وقيـل :إن كـل طائفـة
كانت تقنت على الخرى ،والقتال باليد أعظم من التلعن باللسان.
ثم من العجب أن الرافضة تنكر سب عل يّ ،وهم يسبّون أبا بكر وعمر وعثمان ويكفّرونهم ومن
والهم ،ومعاوية رضي ال عنه وأصحابه ما كانوا يكفّرون عليّا ،وإنما يكفّره الخوارج المارقون،
والرافضة شر منهم.
ول ريب أنه ل يجوز سب أحد من الصحابة :ل عليّ ول عثمان ول غيرهما ،ومن سب أبا بكر
وعمر وعثمان فهو أعظم إثمًا ممن سب عليّا ،وإن كان متأولً فتأويله أفسد من تأويل من سب عليّا.
وأما قوله( :إن معاوية سمّ الحسن).
فهذا ممـا ذكره بعـض الناس ،ولم يثبـت ذلك ببيّنـة شرعيـة ،أو إقرار معتـبر ،ول بنقـل يُجزم بـه،
وهذا مما ل يمكن العلم به ،فالقول به قول بل علم.
وأما قوله( :وقتل ابنه يزيد مولنا الحسين ونهب نساءه).
فيقال :إن يزيـد لم يأمـر بقتـل الحسـين باتفاق أهـل النقـل ،ولكـن كتـب إلى ابـن زياد أن يمنعـه عـن
ولية العراق .والحسين رضي ال عنه كان يظن أن أهل العراق ينصرونه ويفون له بما كتبوا إليه،
فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل ،فلما قتلوا مسلمًا وغدروا به وبايعوا ابن زياد ،أراد الرجوع
فأدركتـه السـرية الظالمـة ،فطلب أن يذهـب إلى يزيـد ،أو يذهـب إلى الثغـر ،أو يرجـع إلى بلده ،فلم
يمكّنوه من شيء من ذلك حتى يستأسر لهم ،فامتنع ،فقاتلوه حتى قُتل شهيدًا مظلومًا رضي ال عنه،
ولمـا بلغ ذلك يزيـد أظهـر التوجّع على ذلك ،وظهـر البكاء فـي داره ،ولم يسـب له حريمًا أصـلً ،بـل
أكرم أهل بيته ،وأجازهم حتى ردّهم إلى بلدهم.
وأمعا قوله( :وكسـر أبوه ثنيّة النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،وأكلت أمّه كبـد حمزة عـم النـبي صـلى
ال عليه وسلم).
فل ريـب أن أبـا سـفيان بـن حرب كان قائد المشركيـن يوم أُحُد ،وكُسـرت ذلك اليوم ثنيّة النـبي
صـلى ال عليـه وسـلم ،كسـرها بعـض المشركيـن ،لكـن لم يقـل أحـد :إن أبـا سـفيان باشـر ذلك ،وإنمـا
كسرها عُتبة بن أبي وقاص ،وأخذت هند كبد حمزة فلكتها ،فلم تستطع أن تبلعها فلفظتها.
وكان هذا قبـل إسـلمهم ،ثـم بعـد ذلك أسـلموا وحسـن إسـلمهم وإسـلم هنـد ،وكان النـبي صـلى ال
129
ن يَ ْن َتهُوا يُغْفَر
جبّ ما قبله ،وقد قـال ال تعالىُ (( :قلْ ِللذِي نَ كَ َفرُوا ِإ ْعليه وسلم يكرمها ،والسلم يَ ُ
َلهُم مَا قَ ْد سَ َلفَ))[النفال.]38:
(فصععل)
قال الرافضي( :وسمّوا خالد بن الوليد سيف ال عنادًا لمير المؤمنين ،الذي هو أحق بهذا السم،
حيث قتل بسيفه الكفّار).
فيقال :أمـا تسـمية خالد بـن الوليـد بسـيف ال فليـس هـو مختصـًا بـه ،بـل هـو( :سـيف مـن سـيوف ال
سلّه ال على المشركين)( )1هكذا جاء في الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم ،والنبي صلى ال
عليه وسلم هو أول من سمّاه بهذا السم ،كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أيوب السختياني،
عـن حميـد بـن هلل ،عـن أنـس بـن مالك رضـي ال عنـه ،أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم َنعَى زيدًا و
جعفرًا وابـن رواحـة للناس قبـل أن يأتيـه خـبرهم ،فقال( :أخـذ الرايـة زيـد فأُصـيب ،ثـم أخذهـا جعفـر
فأُصيب ،ثم أخذها ابن رواحة فأُصيب وعيناه تذرفان ،حتى أخذها سيف من سيوف ال خالد حتى
فتح ال عليهم)(.)2
وأما قوله( :عليّ أحق بهذا السم).
فيقال :أولً :من الذي نازع في ذلك؟ ومن قال :إن عليّا لم يكن سيفًا من سيوف ال ،وقول النبي
صـلى ال عليـه وسـلم الذي ثبـت فـي الصـحيح يدل على أن ل سـيوفًا متعددة ،ول ريـب أن عليّاـ مـن
أعظمهـا ،ومـا فـي المسـلمين مـن يفضّلـ خالدًا على عليـّ ،حتـى يقال :إنهـم جعلوا هذا مختصـّا بخالد،
والتسمية بذلك وقعت من النبي صلى ال عليه وسلم في الحديث الصحيح ،فهو صلى ال عليه وسلم
الذي قال :إن خالدًا سيف من سيوف ال.
ل مـن أن تجعـل فضيلتـه أنـه سـيف مـن سـيوف ال ؛ ثـم يقال :ثانيًا :عليّـ أجلّ قدرًا مـن خالد ،وأج ّ
فإن عليّاـ له مـن العلم والبيان والديـن واليمان والسـابقة مـا هـو بـه أعظـم مـن أن تُجعـل فضيلتـه أنـه
سيف من سيوف ال ؛ فإن السيف خاصته القتال ،وعل يّ كان القتال أحد فضائله ؛ بخلف خالد فإنه
كان هو فضيلته التي تميّز بها على غيره ،لم يتقدم بسابقة ول كثرة علم ول عظيم زهد ،وإنما تقدم
بالقتال ؛ فلهذا عبّر عن خالد بأنه سيف من سيوف ال.
وقوله( :إن عليّا قتل بسيفه الكفار).
فل ريــب أنــه لم يقتــل إل بعــض الكفّار ،وكذلك ســائر المشهوريــن بالقتال مــن الصــحابة كعمــر
والزبيـر وحمزة والمقداد وأبـي طلحـة والبراء بـن مالك وغيرهـم رضـي ال عنهـم ،مـا منهـم مـن أحـد
ش َركَ في دمه. إل قتل بسيفه طائفة من الكفّار ،والبراء بن مالك قتل مائة رجل مبارزة ،غير من َ
وأما قوله( :وقال فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم :عليّ سيف ال وسهم ال).
فهذا الحديـث ل يُعرف فـي شيـء مـن كتـب الحديـث ،ول له إسـناد معروف ،ومعناه باطـل ؛ فإن
عليّا ليس هو وحده سيف ال وسهمه ،وهذه العبارة يقتضي ظاهرها الحصر.
وكذلك مـا نقـل عـن عليّـ رضـي ال عنـه أنـه قال على المنـبر( :أنـا سـيف ال على أعدائه ورحمتـه
لوليائه).
فهذا ل إسـناد له ،ول يُعرف له صـحة ،لكـن إن كان قاله فمعناه صـحيح ،وهـو قدر مشترك بينـه
وبين أمثاله.
)(1أخرجه أحد .انظر :السند ()1/173طبعة العارف.
)(2البخاري )5/27( :والسند (.)3/113
130
وأما قوله( :وخالد لم يزل عدوًا لرسول ال صلى ال عليه وسلم مك ّذبًا له)).
فهذا كان قبل إسلمه ،كما كان الصحابة كلهم مكذّبين له قبل السلم ،من بني هاشم وغير بني
هاشم ،مثل :أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ،وأخيه ربيعة ،وحمزة عمه ،وعقيل ،وغيرهم.
وقوله( :وبعثـه النـبي صـلى ال عليـه وسـلم إلى بنـي جَذِيمـة ليأخـذ منهـم الصـدقات ،فخانـه وخالفـه
على أمره وقتـل المسـلمين ،فقام النـبي صـلى ال عليـه وسـلم خطيبًا بالنكار عليـه رافعًا يديـه إلى
السماء حتى شوهد بياض إبطيه ،وهو يقول( :اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) ثم أنفذ إليه بأمير
المؤمنين لتلفي فارطه ،وأمره أن يسترضي القوم من فعله).
فيقال :هذا النقل فيه من الجهل والتحريف ما ل يخفى على من يعلم السيرة ؛ فإن النبي صلى ال
عليـه وسـلم أرسـله إليهـم بعـد فتـح مكـة ليسـلموا ،فلم يحسـنوا أن يقولوا :أسـلمنا ،فقالوا :صـبأنا صـبأنا،
فلم يقبل ذلك منهم ،وقال :إن هذا ليس بإسلم ،فقتلهم ،فأنكر ذلك عليه من معه من أعيان الصحابة،
كسالم مولى أبي حذيفة ،وعبد ال بن عمر ،وغيرهما ،ولما بلغ ذلك النبي صلى ال عليه وسلم رفع
يديـه إلى السـماء ،وقال( :اللهـم إنـي أبرأ إليـك ممـا صـنع خالد) لنـه خاف أن يطالبـه ال بمـا جرى
عليهـم مـن العدوان ،وقـد قال تعالى(( :فإِنْع عَصَعوْكَ فَ ُقلْ ِإنّيع َبرِي ٌء مِمّاع تَ ْعمَلُونعَ))[الشعراء ]216:ثـم
أرسل عليّا وأرسل معه مالً ،فأعطاهم نصف الديات ،وضمن لهم ما تلف حتى مِيَلغَة الكلب ،ودفع
إليهم ما بقي احتياطًا لئل يكون بقي شيء لم يعلم به.
ومع هذا فالنبي صلى ال عليه وسلم لم يعزل خالدًا عن المارة ،بل ما زال يؤمّره ويقدّمه ،لن
الميـر إذا جرى منـه خطـأ أو ذنـب أُمـر بالرجوع عـن ذلك ،وأُق ّر على وليتـه ،ولم يكـن خالدًا معاندًا
للنـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،بـل كان مطيعـا له ،ولكـن لم يكـن فـي الفقـه والديـن بمنزلة غيره ،فخفـي
عليه حكم هذه القضية.
ويُقال :إنـه كان بينـه وبينهـم عداوة فـي الجاهليـة ،وكان ذلك ممـا حرّكـه على قتلهـم ،وعليّـ كان
رسولً في ذلك.
وأما قوله( :إنه أمره أن يسترضي القوم من فعله).
فكلمُ جاهل ؛ فإنما أرسله لنصافهم وضمان ما تلف لهم ،ل لمجرد السترضاء.
وكذلك قوله عن خالد( :إنه خانه وخالف أمره وقتل المسلمين).
كذب على خالد ؛فإن خالدًا لم يتعمد خيانة النبي صلى ال عليه وسلم ،ول مخالفة أمره ،ول قتل
مـن هـو مسـلم معصـوم عنده ،ولكنـه أخطـأ كمـا أخطـأ أسـامة بـن زيـد فـي الذي قتله بعـد أن قال :ل إله
إل ال ،وقتل السرية لصاحب الغنَيمْةَ الذي قال :أنا مسلم ،فقتلوه وأخذوا غنمه.
(فصععل)
قال الرافضي( :ولما قُبض النبي صلى ال عليه وسلم وأنفذه أبو بكر لقتال أهل اليمامة قتل منهم
ألفًا ومائتـي نفـر مـع تظاهرهـم بالسـلم ،وقتـل مالك بـن نويرة صـبرًا وهـو مسـلم ،وعرّس بامرأتـه،
وسمّوا بني حنيفة أهل الردة؛ لنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي بكر لنهم لم يعتقدوا إمامته ،واستحلّ
دماءهم وأموالهم ونساءهم حتى أنكر عمر عليه ،فسمّوا مانع الزكاة مرتدًا ،ولم يسمّوا من استحلّ
دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين مرتدًا ،مع أنهم سمعوا قول النبي صلى ال عليه وسلم( :يا
عليّ ،حربك حربي وسلمك سلمي ،ومحارب رسول ال صلى ال عليه وسلم كافر بالجماع).
والجواب بعععد أن يقال :ال أكــبر على هؤلء المرتديــن المفتريــن ،أتباع المرتدّيــن الذيــن برزوا
بمعاداة ال ورسوله وكتابه ودينه ،ومرقوا من السلم ونبذوه وراء ظهورهم ،وشاقّوا ال ورسوله
131
وعباده المؤمنيـن ،وتولوا أهـل الردة والشقاق ،فإن هذا الفصـل وأمثاله مـن كلمهـم يحقـق أن هؤلء
القوم المتعصبين على الصدّيق رضي ال عنه وحزبه من جنس المرتدّين الكفار ،كالمرتدين الذين
قاتلهم الصديق رضي ال عنه.
وذلك أن أهـل اليمامـة هـم بنـو حنيفـة الذيـن كانوا قـد آمنوا بمسـيلمة الكذاب ،الذي ادّعـى النبوة فـي
حياة النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،وكان قـد قدم المدينـة وأظهـر السـلم ،وقال :إن جعـل محمـد لي
المـر مـن بعده آمنـت بـه ،ثـم لمـا صـار إلى اليمامـة ادّعـى أنـه شريـك النـبي صـلى ال عليـه وسـلم فـي
عنْفُوة ،وكان قــد
النبوّة ،وأن النــبي صــلى ال عليــه وســلم ص ـدّقه على ذلك ،وشهــد له الرَجّال بــن ُ
ص ـنّف قرآنــا يقول فيــه( :والطاحنات طحنًا ،فالعاجنات عجنًا ،فالخابزات خبزًا ،إهالة وســمنًا ،إن
الرض بيننـا و بيـن قريـش نصـفين ،ولكـن قريـش قوم ل يعدلون) .ومنـه قوله لعنـه ال( :يـا ضفدع
بنـت ضفدعيـن ،نقّي كـم تنقّيـن ،ل الماء تكدّريـن ،ول الشارب تمنعيـن ،رأسـك فـي الماء وذنبـك فـي
الطيــن) ومنــه قوله لعنــه ال( :الفيــل ومــا أدراك مــا الفيــل ،له زلوم طويــل ،إن ذلك مــن خلق ربنــا
الجليل) ونحو ذلك من الهذيان السمج الذي قال فيه الصديق رضي ال عنه لقومه لما قرؤوه عليه:
(ويلكم! أين يذهب بعقولكم ،إن هذا كلم لم يخرج من إله).
وكان هذا الكذّاب قـد كتب للنبي صلى ال عليه وسلم( :من مسيلمة رسول ال إلى محمد رسـول
ال .أما بعد :فإني قد أُشركت في المر معك) فكتب إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من محمد
رسول ال إلى مسيلمة الكذّاب) فلما توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث إليه أبو بكر خالد بن
الوليد فقاتله بمن معه من المسلمين ،بعد أن قاتل خالد بن الوليد طليحة السديّ ،الذي كان أيضًا قد
ادّعـى النبوة ،واتبعـه طوائف مـن أهـل نجـد ،فلمـا نصـر ال المؤمنيـن على هؤلء وهزموهـم ،وقُتـل
ذلك اليوم عُكاشــة بــن محصــن الســدي ،وأســلم بعــد ذلك طليحــة الســدي هذا ،ذهبوا بعــد ذلك إلى
مسـيلمة الكذّاب باليمامـة ،ولقـي المؤمنون فـي حربـه شدة عظيمـة ،وقتـل فـي حربـه طائفـة مـن خيار
الصحابة ،مثل :زيد بن الخطاب ،وثابت بن قيس بن الشمّاس ،وأُسيد بن حضير وغيرهم.
وفـي الجملة فأمـر مسـيلمة الكذّاب وادعاؤه النبوة واتّباع بنـي حنيفـة له باليمامـة ،وقتال الصـدّيق
لهـم على ذلك ،أمـر متواتـر مشهور ،قـد علمـه الخاص والعام ،كتواتـر أمثاله ،وليـس هذا مـن العلم
الذي تفرّد بـه الخاصـّة ،بـل علم الناس بذلك أظهـر مـن علمهـم بقتال الجمـل وصـفّين ،فقـد ذُكـر عـن
بعـض أهـل الكلم أنـه أنكـر الجمـل وصـفّين ،وهذا النكار -وإن كان باطلً -فلم نعلم أحدًا أنكـر قتال
أهل اليمامة ،وأن مسيلمة الكذاب ادّعى النبوة ،وأنهم قاتلوه على ذلك.
لكن هؤلء الرافضة من جحدهم لهذا وجهلهم به بمنزلة إنكارهم لكون أبي بكر وعمر دفنا عند
النبي صلى ال عليه وسلم ،وإنكارهم لموالة أبي بكر وعمر للنبي صلى ال عليه وسلم ،ودعواهم
أنـه نصّـ على عليّـ بالخلفـة ،بـل منهـم مـن ينكـر أن تكون زينـب ورقيّةـ وأم كلثوم مـن بنات النـبي
صلى ال عليه وسلم ،ويقولون :إنهن لخديجة من زوجها الذي كان كافرًا قبل النبي صلى ال عليه
وسلم.
ومنهعم معن يقول :إن عمـر غصـب بنـت عليّـ حتـى زوّجـه بهـا ،وأنـه تزوج غصـبًا فـي السـلم،
ومنهـم مـن يقول :إنهـم بعجوا بطـن فاطمـة حتـى أُسـقطت ،وهدموا سـقف بيتهـا على مـن فيـه ،وأمثال
هذه الكاذيب التي يعلم من له أدنى علم ومعرفة أنها كذب ،فهم دائمًا يعمدون إلى المور المعلومة
المتواترة ينكرونهـا ،وإلى المور المعدومـة التـي ل حقيقـة لهـا يثبتونهـا ،فلهـم أوفـر نصـيب مـن قوله
علَى الِ كَذِبًا َأوْ كَذّبَع بِا ْلحَقّ))[العنكبوت ،]68:فهـم يفترون الكذب
تعالىَ (( :ومَنْع َأظْلَمُع ِممّنِع ا ْفتَرَى َ
132
ويكذّبون بالحق ،وهذا حال المرتدين.
وهـم يدّعون أن أبـا بكـر وعمـر ومـن اتّبعهمـا ارتدّوا عـن السـلم ،وقـد علم الخاص والعام أن أبـا
بكـر هـو الذي قاتـل المرتدّيـن ،فإذا كانوا يدّعون أن أهـل اليمامـة مظلومون قُتلوا بغيـر حـق ،وكانوا
منكريــن لقتال أولئك متأوّليــن لهــم ،كان هذا ممــا يحقــق أن هؤلء الخلف تبــع لهؤلء الســلف ،وأن
الصدّيق وأتباعه يقاتلون المرتدّين في كل زمان.
وقوله( :إنهم سمّوا بني حنيفة مرتدين ،لنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي بكر).
فهذا مـن أظهـر الكذب وأ ْبيَنه ؛ فإنـه إنما قاتـل بني حنيفـة لكونهـم آمنوا بمسيلمة الكذّاب ،واعتقدوا
نبوّته ،وأما مانعو الزكاة فكانوا قومًا آخرين غير بني حنيفة ،وهؤلء كان قد وقع لبعض الصحابة
شبهـة فـي جواز قتالهـم ،وأمـا بنـو حنيفـة فلم يتوقـف أحـد فـي وجوب قتالهـم ،وأمـا مانعـو الزكاة فإن
عمـر بـن الخطاب رضـي ال عنـه قال :يـا خليفـة رسـول ال ،كيـف تقاتـل الناس وقـد قال رسـول ال
صـلى ال عليـه وسـلم( :أُمرت أن أقاتـل الناس حتـى يشهدوا أن ل إله إل ال وأن محمدًا رسـول ال،
فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحقّها وحسابهم على ال) فقال أبو بكر :ألم يقل( :إل
ل كانوا يؤدّونـه إلى رسـول ال صـلى ال عنَاقًا أو عُقا ً
بحقهـا) فإن الزكاة مـن حقهـا ،وال لو منعونـي َ
عليه وسلم لقاتلهم عليه)(.)1
وهؤلء لم يقاتلوهـم لكونهـم لم يؤدوهـا إلى الصـدّيق ؛ فإنهـم لو أعطوهـا بأنفسـهم لمسـتحقيها ولم
يؤدوهـا إليـه لم يقاتلهـم ،هذا قول جمهور العلماء ،كأبـي حنيفـة وأحمـد وغيرهمـا ،وقالوا :إذا قالوا:
نحـن نؤديهـا بأنفسـنا ول ندفعهـا إلى المام ،لم يكـن له قتالهـم ،فإن الصـدّيق رضـي ال عنـه لم يقاتـل
أحدًا على طاعته ،ول ألزم أحدًا بمبايعته ،ولهذا لما تخلّف عن بيعته سعد لم يكرهه على ذلك.
فقول القائل( :سمّوا بني حنيفة أهل الردة؛ لنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي بكر ،لنهم لم يعتقدوا
إمامته) من أظهر الكذب والفرية ،وكذلك قوله( :إن عمر أنكر قتال بني حنيفة).
وأمعا قوله( :ولم يسـمّوا مـن اسـتحل دماء المسـلمين ،ومحاربـة أميـر المؤمنيـن ،مرتدًا ،مـع أنهـم
سمعوا قول النبي صلى ال عليه وسلم( :يا عليّ ،حربك حربي وسلمك سلمي) ومحارب رسول ال
صلى ال عليه وسلم كافر بالجماع).
فيقال في الجواب :أولً :دعواهم أنهم سمعوا هذا الحديث من النبي صلى ال عليه وسلم أو عنه
كذب عليهـم ،فمـن الذي نقـل عنهـم أنهـم سـمعوا ذلك؟ وهذا الحديـث ليـس فـي شيـء مـن كتـب علماء
الحديـث المعروفـة ،ول رُوي بإسـناد معروف ،ولو كان النـبي صـلى ال عليـه وسـلم قاله لم يجـب أن
ل منهم كل ما قاله الرسول صلى ال عليه وسلم ،فكيف إذا لم يُعلم يكونوا قد سمعوه ،فإنه لم يسمع ك ّ
أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم قاله ،ول روي بإسـناد معروف؟ بـل كيـف إذا عُلم أنـه كذب موضوع
على النبي صلى ال عليه وسلم باتفاق أهل العلم بالحديث؟
وعلي ّ رضـي ال عنـه لم يكـن قتاله يوم الجمـل وصـفّين بأمـر مـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم،
وإنما كان رأيًا رآه.
وقال أبـو داوُد فـي سـننه( :حدّثنـا إسـماعيل بـن إبراهيـم الهذلي ،حدثنـا ابـن عليّه ،عـن يونـس ،عـن
ي رضي ال عنه :أخبرنا عن مسيرك هذا :أعهد عهده إليك الحسن ،عن قيس بن عبّاد قال :قلت لعل ّ
رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،أم رأي رأيتَه؟ قال :مـا عهـد إليّ رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم
133
شيئًا ،ولكنه رأى رأيته)(.)1
ولو كان محارب عليّـ محاربًا لرسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم مرتدًا ،لكان عليـّ يسـير فيهـم
السيرة في المرتدين .وقد تواتر عن عل يّ يوم الجمل لما قاتلهم أنه لم يتّبع مدبرهم ،ولم يُجهّز على
جريحهـم ،ولم يغنـم لهـم مالً ،ول سـبى لهـم ذريـة ،وأمـر مناديـه ينادي فـي عسـكره :أن ل ُيتّبـع لهـم
مُدبر ،ول يُجهـز على جريحهـم ،ول تُغنـم أموالهـم ،ولو كانوا عنده مرتدّيـن لجهـز على جريحهـم
واتّبـع مدبرهـم ،وكانـت عائشـة فيهـم ،فإن قلتـم :إنهـا ليسـت أمّناـ كفرتـم بكتاب ال ،وإن قلتـم :هـي أمنًا
واستحللتم وطأها كفرتم بكتاب ال.
وإن كان أولئك مرتديــن ،وقــد نزل الحســن عــن أمــر المســلمين ،وس ـلّمه إلى كافــر مرتــد ،كان
المعصـوم عندهـم قـد سـلّم أمـر المسـلمين إلى المرتديـن ،وليـس هذا مـن فعـل المؤمنيـن ،فضلً عـن
المعصومين.
وأيضًـا :فإن كان أولئك مرتدّيــن ،والمؤمنون أصــحاب علي ـّ ،لكان الكفار المرتدّون منتصــرين
على المؤمنين دائمًا.
حيَاةِ ال ّدنْيَعا وَ َيوْم َع يُقُوم عُوال تعالى يقول فــي كتابــه(( :إنّا َلنَنْص ُع ُر رُس عُ َلنَا وَالّذين َع آ َمنُوا فِعي الْ َ
شهَاد))[غافــر ،]51:وأيضًا :فإن ال تعالى يقول فـي كتابـه(( :وَإِنْع طَائِ َفتَانِع مِنَع ا ْل ُم ْؤمِنِينَع ا ْقتَتَلُوا ا َل ْ
صلِحُوا َبيْ َن ُهمَا))[الحجرات ،]9:فقد جعلهم مؤمنين إخوة مع القتتال والبغي. فَ َأ ْ
وأيضًا :فقـد ثبـت فـي الصـحيح عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أنـه قال( :تمرق مارقـة على حيـن
فُرقـة مـن المسـلمين تقتلهـم أوْلى الطائفتيـن بالحـق) وقال( :إن ابنـي هذا سـيد ،وسـيصلح ال بـه بيـن
فئتين عظيمتين من المسلمين) وقال لعمّار( :تقتلك الفئة الباغية) لم يقل :الكافرة(.)2
وهذه الحاديث صحيحة عند أهل العلم بالحديث ،وهي مروية بأسانيد متنوعة ،لم يأخذ بعضهم
عـن بعـض .وهذا ممـا يوجـب العلم بمضمونهـا ،وقـد أخـبر النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أن الطائفتيـن
المفترقتيـن مسـلمتان ،ومدح مـن أصـلح ال بـه بينهمـا ،وقـد أخـبر أنـه تمرق مارقـة وأنـه تقتلهـا أدنـى
الطائفتين إلى الحق.
ثـم يقال لهؤلء الرافضـة :لو قالت لكـم النواصـب :عليّـ قـد اسـتحل دماء المسـلمين ،وقاتلهـم بغيـر
أمـر ال ورسـوله على رياسـته ،وقـد قال النـبي صـلى ال عليـه وسـلم( :سـباب المسـلم فسـوق ،وقتاله
كفر)( ،)3وقال( :ل ترجعوا بعدي كفّارًا يضرب بعضكم رقاب بعض)( )4فيكون عليّ كافرًا لذلك ،لم
تكن حجتكم أقوى من حجتهم؛ لن الحاديث التي احتجّوا بها صحيحة.
وأيضًا فيقولون :قتـل النفوس فسـاد ،فمـن قتـل النفوس على طاعتـه كان مريدًا للعلو فـي الرض
عُلوّا فِي خرَ ُة نَجْ َعُلهَا لِلّذِي نَ ل يُرِيدُو نَ ُ والفساد ،وهذا حال فرعون وال تعالى يقول(( :تِلْ كَ الدّارُ ال ِ
ا َلرْضِع وَل فَسعَادًا وَالْعَا ِقبَةُ ِل ْلمُتّقِينَع))[القصـص ]83:؛ فمـن أراد العلو فـي الرض والفسـاد لم يكـن
من أهل السعادة في الخرة ،وليس هذا كقتال الصدّيق للمرتدين ولمانعي الزكاة ؛ فإن الصدّيق إنما
ض عليهـم ،فقاتلهم على القرار بها، قاتلهم على طاعـة ال ورسوله ،ل على طاعته ،فإن الزكاة فر ٌ
وعلى أدائها ،بخلف من قاتل ليُطاع هو.
)(1انظر :السنن (.)4/300
)(2سبقت هذه الحاديث.
)(3انظر :البخاري ( )1/51ومسلم (.)1/81
)(4البخاري ( )1/31ومسلم (.)82 -1/81
134
(فصععل)
قال الرافضعي( :وقـد أحسـن بعـض الفضلء فـي قوله :شـر مـن إبليـس مـن لم يسـبقه فـي سـالف
طاعتـه ،وجرى معـه فـي ميدان معصـيته ،ول شـك بيـن العلماء أن إبليـس كان أعبـد مـن الملئكـة,
وكان يحمــل العرش وحده ســتة آلف ســنة ,ولمــا خلق ال آدم وجعله خليفــة فــي الرض ,وأمره
بالســجود فاســتكبر فاســتحق اللعنــة والطرد ,ومعاويــة لم يزل فــي الشراك وعبادة الصــنام إلى أن
أسـلم بعـد ظهور النـبي صـلى ال عليـه وسـلم بمدة طويلة ,ثـم اسـتكبر عـن طاعـة ال فـي نصـب أميـر
المؤمنين عليه إماماً ,وبايعه الكل بعد قتل عثمان وجلس مكانه ،فكان شرًا من إبليس).
فيقال :هذا الكلم فيـه مـن الجهـل والضلل والخروج عـن ديـن السـلم وكـل ديـن بـل وعـن العقـل
الذي يكون لكثير من الكفار ،ما ل يخفي على من تدبره.
أمععا أولً :فلن إبليــس أكفــر مــن كــل كافــر ،وكــل مــن دخــل النار فمــن أتباعــه ،كمــا قال تعالى:
جمَعِينعَ))[ص .]85:وهـو المـر لهـم بكـل قبيـح المزيّن لهـم ج َهنّمَع مِنْكَع َو ِممّنْع تَبِعَكَع مِ ْنهُمْع َأ ْ
((لَمْلَنّ َ
فكيف يكون أحد شرًا منه؟ ل سيما من المسلمين ،ل سيما من الصحابة؟
وقول هذا القائل( :شــر مــن إبليــس مــن لم يســبقه فــي ســالف طاعــة ،وجرى معــه فــي ميدان
المعصية) يقتضي أن كل من عصى ال فهو شر من إبليس ،لنه لم يسبقه في سالف طاعة ,وجرى
معه في ميدان المعصية ،وحينئذٍ فيكون آدم وذريته شرًا من إبليس ،فإن النبي صلى ال عليه وسلم
قال( :كل بني آدم خطّاء ،وخير الخطّائين التوابون)(.)1
ثـم هل يقول من يؤمـن بال واليوم الخر :أن مـن أذنب ذنبًا مـن المسلمين يكون شرًا من إبليـس؟
أوليس هذا مما يعلم فساده بالضطرار من دين السلم؟وقائل هذا كافر كفرا معلوما بالضرورة من
الديـن ،وعلى هذا فالشيعـة دائمًا يذنبون ،فيكون كـل منهـم شرًا مـن إبليـس ،ثـم إذا قالت الخوارج :إن
عليّا أذنـب فيكون شرا مـن إبليـس –لم يكـن للروافـض حجـة إل دعوى عصـمته ،وهـم ل يقدرون أن
يقيموا حجة على الخوارج بإيمانه وإمامته وعدالته ،فكيف يقيمون حجة عليهم بعصمته؟ ولكن أهل
السـنة تقدر أن تقيـم الحجـة بإيمانـه وإمامتـه ,لن مـا تحتـج بـه الرافضـة منقوض ومعارض بمثله،
فيبطل الحتجاج به.
ثــم إذا قام الدليــل على قول الجمهور الذي دل عليــه القرآن كقوله تعالى(( :وَعَصععَى آدَمعُع َربّهععُ
فَ َغوَى))[طه ,]121:لزم أن يكون آدم شرًا من إبليس.
وفي الجملة فلوازم هذا القول وما فيه من الفساد يفوق الحصر والتعداد.
وأما ثانيًا :فهذا الكلم كلم بل حجة ،بل هو باطل في نفسه ،فلم قلت :إن شرًا من إبليس من لم
يسـبقه فـي سـالف طاعـة وجرى معـه ميدان معصـية؟ وذلك أن أحدًا ل يجري مـع إبليـس فـي ميدان
معصيته كلها ,فل يتصور أن يكون في الدميين من يساوي إبليس في معصيته ،بحيث يضل الناس
كلهم ويغويهم.
وأمـا طاعـة إبليـس المتقدمـة فهـي حابطـة بكفره بعـد ذلك ،فإن الردة تحبـط العمـل ,فمـا تقدم مـن
طاعتـه :إن كان طاعـة فهـي حابطـة بكفره وردتـه ،ومـا يفعله مـن المعاصـي ل يماثله أحـد فيـه،فامتنـع
أن يكون أحـد شرًا منـه ,وصـار نظيـر هذا المرتـد الذي يقتـل النفوس ويزنـي ويفعـل عامـة القبائح بعـد
سابق طاعاته ,فمن جاء بعده ولم يسبقه إلى تلك الطاعات الحابطة ،وشاركه في قليل من معاصيه،
ل يكون شرًا منه ،فكيف يكون أحد شرًا من إبليس؟؟
)(1رواه الترمذي ( )4/70وابن ماجة ( )2/1420وغييهما.
135
وهذا ينقـض أصـول الشيعـة :حقهـا وباطلهـا ،وأقـل مـا يلزمهـم أن يكون أصـحاب علي الذيـن قاتلوا
معه ,وكانوا أحيانًا يعصونه ,شرًا من الذين امتنعوا عن مبايعته من الصحابة ،لن هؤلء عبدوا ال
قبلهم ،وأولئك جروا معهم في ميدان المعصية.
ويقال :ثالثًا :مـا الدليـل على أن إبليـس كان أعبـد الملئكـة؟ وأنـه كان يحمـل العرش وحده سـتة
آلف سنة؟ أو أنه كان من حملة العرش في الجملة؟ أو أنه كان طاوس الملئكة؟ أو أنه ما ترك في
السـماء رقعـة ول فـي الرض بقعـة إل وله فيهـا سـجدة وركعـة؟ ونحـو ذلك ممـا يقوله بعـض الناس؟
فإن هذا أمر إنما يعلم بالنقل الصادق ،وليس في القرآن شيء من ذلك ول في ذلك خبر صحيح عن
النبي صلى ال عليه وسلم ،وهل يحتج بمثل هذا في أصول الدين إل من هو من أعظم الجاهلين؟!!
وأعجب من ذلك قوله( :ول شك بين العلماء أن إبليس كان أعبد الملئكة).
فيقال :من الذي قال هذا من علماء الصحابة والتابعين وغيرهم من علماء المسلمين؟ فضلً عن
أن يكون هذا متفقًا عليـه بيـن العلماء؟ وهذا شيـء لم يقله قـط عالم يقبـل قوله مـن علماء المسـلمين،
وهو أمر ل يعرف إل بالنقل ،ولم ينقل هذا أحد عن النبي صلى ال عليه وسلم ل بإسناد صحيح ول
ضعيـف ،فإن كان قاله بعـض الوعّاظ أو المصـنفين فـي الرقائق ،أو بعـض مـن ينقـل فـي التفسـير مـن
السـرائيليات مـا ل أسـناد له ,فمثـل هذا ل يحتـج بـه فـي جرزة بقـل ,فكيـف يحتـج بـه فـي جعـل إبليـس
خيرًا من كل من عصى ال من بني آدم ويجعل الصحابة من هؤلء الذين إبليس خير منهم؟
ومـا وصـف ال ول رسـوله صـلى ال عليـه وسـلم إبليـس بخيـر قـط ول بعبادة متقدمـة ول غيرهـا،
مع أنه لو كان له عبادة لكانت قد حبطت بكفره وردته.
وأعجــب مــن ذلك قوله( :ل شــك بيــن العلماء أنــه كان يحمــل العرش وحده ســتة آلف ســنة)
فياسـبحان ال! هـل قال ذلك أحـد مـن علماء المسـلمين المقبوليـن عنـد المسـلمين؟ وهـل يتكلم بذلك إل
مفرط في الجهل؟ فإن هذا ل يعرف -لو كان حقاً -إل بنقل النبياء ،وليس عن النبي صلى ال عليه
وسلم في ذلك شيء.
جبّ ما قبله ،فمن ادّعى أنه ارتدّ بعد ذلك ويقال :قد ثبت إسلم معاوية رضي ال عنه ،والسلم َي ُ
كان مدّعيا ـ دعوى بل دليــل لولم يُعلم كذب دعواه ،فكيــف إذا عُلم كذب دعواه ،وأنــه مــا زال على
الســلم إلى أن مات ،كمــا علم بقاء غيره على الســلم؟ فالطريــق الذي يُعلم بــه بقاء إســلم أكثــر
الناس مـن الصـحابة وغيرهـم ،يُعلم بـه بقاء إسـلم معاويـة رضـي ال عنـه ،والمدّعـي لرتداد معاويـة
وعثمان وأبـي بكـر وعمـر رضـي ال عنهـم ليـس هـو أظهـر حجـة مـن المدّعـي لرتداد عليـّ ،فإن
المدّعـي كان لرتداد عليّـ كاذبًا ،فالمدّعـي لرتداد هؤلء أظهـر كذبًا ،لن الحجـة على بقاء إيمان
هؤلء أظهر ،وشبهة الخوارج أظهر من شبهة الروافض.
ويقال :هذه الدعوى إن كانـت صـحيحة ،ففيهـا مـن القدح والغضاضـة بعليّـ والحسـن وغيرهمـا مـا
ل يخفـي ،وذلك أنـه كان مغلوبًا مـع المرتدّيـن ،وكان الحسـن قـد سـلّم أمـر المسـلمين إلى المرتدّيـن،
فيكون نصـر ال لخالد على الكفار أعظـم مـن نصـره لعليـّ ،وال سـبحانه وتعالى عدل ل يظلم واحدًا
منهما ،فيكون ما استحقه خالد من النصر أعظم مما استحقه عليّ ،فيكون أفضل عند ال منه.
ويقال :قوله( :وبايعه الكل بعد عثمان).
إن لم يكـن هذا حجـة فل فائدة فيـه ،وإن كان حجـة فمبايعتهـم لعثمان كان اجتماعهـم عليهـا أعظـم،
وأنتم ل ترون الممتنع عن طاعة عثمان كافرًا ،بل مؤمنًا تقيّا.
ويقال :اجتماع الناس على مبايعـة أبـي بكـر كانـت على قولكـم أكمـل ،وأنتـم وغيركـم تقولون :إن
136
عليّاـ تخلف عنهـا مدة ،فيلزم على قولكـم أن يكون عليّـ مسـتكبرًا عـن طاعـة ال فـي نصـب أبـي بكـر
عليـه إمامًا ،فيلزم حينئذٍ كفـر عليّـ بمقتضـى حجتكـم ،أو بطلنهـا فـي نفسـها ،وكفـر عليّـ باطـل ،فلزم
بطلنها.
ويقال :قولكم( :بايعه الكل بعد عثمان).
من أظهر الكذب ،فإن كثيرًا من المسلمين :إما النصف ،وإما أقل أو أكثر لم يبايعوه ،ولم يبايعه
سعد بن أبي وقاص ول ابن عمر ول غيرهما.
ويقال :قولكم( :إنه جلس مكانه).
كذب؛ فإن معاويـة لم يطلب المـر لنفسـه ابتداء ،ول ذهـب إلى عليّـ لينزعـه عـن إمارتـه ،ولكـن
امتنـع هـو وأصـحابه عـن مبايعتـه ،وبقـي على مـا كان عليـه واليًا على مـن كان واليًا عليـه فـي زمـن
عمـر وعثمان ،ولمـا جرى حكـم الحكميـن إنمـا كان متوليًا على رعيتـه فقـط ،فإن أريـد بجلوسـه فـي
مكانه أنه استبد بالمر دونه في تلك البلد ،فهذا صحيح ،لكن معاوية رضي ال عنه يقول :إني لم
أنازعه شيئًا هو في يده ،ولم يثبت عندي ما يوجب عل يّ دخولي في طاعته ،وهذا الكلم سواء كان
حقًا أو باطلً ل يوجب كون صاحبه شرّا من إبليس ،ومن جعل أصحاب رسول ال صلى ال عليه
وسلم شرّا من إبليس ،فما أبقى غاية في الفتراء على ال ورسوله والمؤمنين ،والعدوان على خير
القرون فــي مثــل هذا المقام ،وال ينصــر رســله والذيــن آمنوا فــي الحياة الدنيــا ويوم يقوم الشهاد،
والهوى إذا بلغ بصـاحبه إلى هذا الحـد فقـد أخرج صـاحبه عـن ربقـة العقـل ،فضلً عـن العلم والديـن،
فنسـأل ال العافيـة مـن كـل بليّة ،وإن حقّاـ على ال أن يذل أصـحاب مثـل هذا الكلم ،وينتصـر لعباده
المؤمنين – من أصحاب نبيه وغيرهم – من هؤلء المفترين الظالمين.
(فصععل)
قال الرافضي( :وتمادى بعضهم في التعصب حتى اعتقد إمامة يزيد بن معاوية مع ما صدر عنه
مـن الفعال القبيحـة مـن قتـل المام الحسـين ونهـب أمواله وسـبى نسـائه ودورانهـم فـي البلد على
الجمال بغيــر قتــب ،ومولنــا زيــن العابديــن مغلول اليديــن ،ولم يقنعوا بقتله حتــى رضّوا أضلعــه
وصـدره بالخيول ،وحملوا رءوسـهم على القنـا مـع أن مشايخهـم رووا أن يوم قتـل الحسـين مطرت
السـماء دمًا ،وقـد ذكـر ذلك الرافعـي فـي (شرح الوجيـز) وذكـر ابـن سـعد فـي (الطبقات) أن الحمرة
ظهرت فـي السـماء يوم قتـل الحسـين ولم تـر قبـل ذلك) .وقال أيضًا( :مـا رفـع حجرًا فـي الدنيـا إل
وتحته دم عبيط ،ولقد مطرت السماء مطرًا بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطعت) .قال الزهري :ما
بقـي أحـد مـن قاتلي الحسـين إل وعوقـب فـي الدنيـا :إمـا بالقتـل وإمـا بالعمـى أو سـواد الوجـه أو زوال
الملك في مدة يسيرة.
وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يكثر الوصية للمسلمين في ولديه الحسن والحسين ،ويقول
لهـــم :هؤلء وديعتـــي عندكـــم ،وأنزل ال تعالى(( :قُععل لّ أسعععأَُلكُمْ عَ َليْهعععِ أَجرًا إلّ ا ْل َموَدّةَ فعععي
ال ُقرْبَى))[الشورى.]23:
والجواب :أما قوله( :وتمادى بعضهم في التعصب حتى اعتقد إمامة يزيد بن معاوية).
إن أراد بذلك أنـه اعتقـد أنـه مـن الخلفاء الراشديـن والئمـة المهدييـن ،كأبـي بكـر وعمـر وعثمان
وعليـّ ،فهذا لم يعتقده أحـد مـن علماء المسـلمين ،وإن اعتقـد مثـل هذا بعـض الجهال ،كمـا يحكـى عـن
بعـض الجهال مـن الكراد ونحوهـم أنـه يعتقـد أن يزيـد مـن الصـحابة ،وعـن بعضهـم أنـه مـن النـبياء،
وبعضهم يعتقد أنه من الخلفاء الراشدين المهديين ،فهؤلء ليسوا من أهل العلم الذين يحكى قولهم،
137
وهـم مـع هذا الجهـل خيـر مـن جهال الشيعـة وملحدتهـم الذيـن يعتقدون إلهيـة عليـّ ،أو نبوتـه ،أو
يعتقدون أن باطـن الشريعـة يناقـض ظاهرهـا ،كمـا تقول السـماعيلية والنصـيرية وغيرهـم مـن أنـه
يسقط عن خواصهم الصوم والصلة والحج والزكاة ،وينكرون المعاد.
وأمـا علماء أهـل السـنة الذيـن لهـم قول يُحكـى فليـس فيهـم مـن يعتقـد أن يزيـد وأمثاله مـن الخلفاء
الراشدين والئمة المهديين ،كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي ال عنهم ،بل أهل السنة يقولون
بالحديث الذي في السنن( :خلفة النبوة ثلثون سنة ثم تصير ملكًا)(.)1
وإن أراد باعتقادهم إمامة يزيد ،أنهم يعتقدون أنه كان ملك جمهور المسلمين وخليفتهم في زمانه
صـاحب السـيف ،كمـا كان أمثاله مـن خلفاء بنـي أميـة وبنـي العباس ،فهذا أمـر معلوم لكـل أحـد ،ومـن
نازع فــي هذا كان مكابرًا؛ فإن يزيــد بويـع بعـد موت أبيـه معاويـة ،وصــار متوليًا على أهـل الشام
ومصر والعراق وخراسان وغير ذلك من بلد المسلمين.
وهذا معنـى كونـه إمامًا وخليفـة وسـلطانًا ،كمـا أن إمام الصـلة هـو الذي يصـلّي بالناس ،فإذا رأينـا
ل يصـلّي بالناس كان القول بأنـه إمام أمرًا مشهودًا محسـوسًا ل يمكـن المكابرة فيـه ،وأمـا كونـه رج ً
برّا أو فاجرًا ،أو مطيعًا أو عاصيًا ،فذاك أمر آخر.
فأهل السنّة إذا اعتقدوا إمامة الواحد من هؤلء :يزيد ،أو عبد الملك ،أو المنصور ،أو غيرهم –
كان بهذا العتبار .ومن نازع في هذا فهو شبيه بمن نازع في ولية أبي بكر وعمر وعثمان ،وفي
ملك كسرى وقيصر والنجاشي وغيرهم من الملوك.
وأمـا كون الواحـد مـن هؤلء معصـومًا ،فليـس هذا اعتقاد أحـد مـن علماء المسـلمين ،وكذلك كونـه
ل في كل أموره ،مطيعًا ل في جميع أفعاله ،ليس هذا اعتقاد أحد من أئمة المسلمين. عاد ً
وأمــا مقتــل الحســين رضــي ال عنــه فل ريــب أنــه قُتــل مظلومًا شهيدًا ،كمــا قُتــل أشباهــه مــن
المظلومين الشهداء ،وقتل الحسين معصية ل ورسوله ممن قتله أو أعان على قتله أو رضي بذلك،
وهو مصيبة أصيب بها المسلمون من أهله وغير أهله ،وهو في حقّه شهادة له ،ورفع درجة ،وعلو
منزلة ؛ فإنـه وأخاه سـبقت لهمـا مـن ال السـعادة ،التـي ل تُنال إل بنوع مـن البلء ،ولم يكـن لهمـا مـن
السـوابق مـا لهـل بيتهمـا ،فإنهمـا تربيـا فـي حجـر السـلم ،فـي عـز وأمان ،فمات هذا مسـمومًا وهذا
مقتولً ،لينال بذلك منازل السعداء وعيش الشهداء.
وليـس مـا وقـع مـن ذلك بأعظـم مـن قتـل النـبياء ؛ فإن ال تعالى قـد أخـبر أن بنـي إسـرائيل كانوا
ي رضي ال عنه أعظم ذنبًا يقتلون النبيين بغير حق ،وقتل النبي أعظم ذنبًا ومصيبة ،وكذلك قتل عل ّ
ومصــيبة ،وكذلك قتــل عثمان رضــي ال عنــه أعظــم ذنبًا ومصــيبة ،إذا كان كذلك فالواجــب عنــد
المصائب الصبر والسترجاع ،كما يحبه ال ورسوله.
(فصععل)
وصـار الشيطان بسـبب قتـل الحسـين رضـي ال عنـه يُحدث للناس بدعتيـن :بدعـة الحزن والنوح
يوم عاشوراء ،من اللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاد المراثي ،وما يُفضي إليه ذلك من سبّ
السلف ولعنتهم ،وإدخال من ل ذنب له مع ذوي الذنوب ،حتى يُسب السابقون الولون ،وتقرأ أخبار
مصرعه التي كثير منها كذب ،وكان قصد من سنّ ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين المة ؛ فإن هذا
ليس واجبًا ول مستحبًا باتفاق المسلمين ،بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما
حرّمه ال ورسوله ،وكذلك بدعة السرور والفرح.
)(1تقدمت الشارة إليه.
138
وأمـا مـا ذكره مـن سـبي نسـائه والذراري ،والدوران بهـم فـي البلد ،وحملهـم على الجمال بغيـر
أقتاب ،فهذا كذب وباطل :ما سبى المسلمون -ول الحمد -هاشميةً قط ،ول استحلت أمة محمد صلى
ال عليه وسلم سبى بني هاشم قط ،ولكن أهل الهوى والجهل يكذبون كثيرًا ،كما تقول طائفة منهم:
إن الحجاج قتل الشراف ،يعنون بني هاشم.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وتوقـف جماعـة ممـن ل يقول بإمامتـه فـي لعنـه مـع أنـه عندهـم ظالم بقتـل الحسـين
ونهــب حريمــه ،وقــد قال ال تعالى(( :أَل لَ ْع َنةُ الِع على اَلظّاِلمين عَ))[هود ]18:وقال أبــو الفرج ابــن
الجوزي من شيوخ الحنابلة عن ابن عباس رضي ال عنهما قال :أوحى ال تعالى إلى محمد صلى
ال عليه وسلم :إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفًا ،وإني قاتل بابن بنتك سبعين ألفًا وسبعين ألفًا،
وحكــى الس ـُدّي وكان مــن فضلئهــم قال :نزلت بكربلء ومعــي طعام للتجارة ،فنزلنــا على رجــل
فتعشينا عنده ،وتذاكرنا قتل الحسين وقلنا :ما شرك أحد في قتل الحسين إل ومات أقبح موته .فقال
الرجـل :مـا أكذبكـم ،أنـا شركـت فـي دمـه وكنـت ممـن قتله فما أصـابني شيـء ،قال :فلمـا كان مـن آخـر
الليـل إذا أنـا بصـائح ،قلنـا :مـا الخـبر؟ قالوا :قام الرجـل يصـلح المصـباح فاحترقـت إصـبعه ،ثـم دب
الحريق في جسده فاحترق .قال السدي :فأنا وال رأيته وهو حممة سوداء ،وقد سأل مهنا بن يحيى
أحمـد بـن حنبـل عـن يزيـد ،فقال :هـو الذي فعـل مـا فعـل .قلت :ومـا فعـل؟ قال :نهـب المدينـة .وقال له
صـالح ولده يومًا :إن قومنـا ينسـبوننا إلى تولي يزيـد .فقال :يـا بنـي ،وهـل يتولى يزيـد أحـد يؤمـن بال
واليوم الخر؟ فقال :لم ل تلعنه .فقال :وكيف ل ألعن من لعنه ال في كتابه؟ فقلت :وأين لعن يزيد؟
فقال :فـي قوله تعالى(( :فهلْ عَسَع ْيتُمْ إِنْع َتوَّل ْيتُمُع أَن تُفْسِعدُوا فِي ا َلرْضِع َوتُقَطّعُوا َأرْحَامَكُمْع * َأوْلئِكَع
عمَى َأبْصعَارَهُمْ))[محمـد ]23-22:فهـل يكون فسـاد أعظـم مـن القتـل ونهـب الّذينَع َل َعنَهُمْع الُ فأَصَعمّهُ ْم وََأ ْ
المدينة ثلثة أيام وسبي أهلها؟ وَ َقتَلَ جمعًا من وجوه الناس فيها من قريش والنصار والمهاجرين
مـن يبلغ عددهـم سـبعمائة ،وقتـل مـن لم يعرف مـن عبدٍ أو ح ٍر أو امرأة عشرة آلف ،وخاض الناس
في الدماء حتى وصلت الدماء إلى قبر رسول ال صلى ال عليه وسلم وامتلت الروضة والمسجد،
ثم ضرب الكعبة بالمنجنيق وهدمها وأحرقها).
وقال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم( :إن قاتـل الحسـين فـي تابوت مـن نار عليـه نصـف عذاب
أهـل النار وقـد شُدّ يداه ورجله بسـلسل مـن نار ينكـس فـي النار حتـى يقـع فـي قعـر جهنـم ،وله ريـح
يتعوذ أهـل النار إلى ربهـم مـن شدة نتـن ريحـه ،وهـو فيهـا خالد وذائق العذاب الليـم ،كلمـا نضجـت
جلودهم بدّل ال لهم الجلود حتى يذوقوا العذاب ،ل يفتّر عنهم ساعة ،ويسقى من حميم جهنم ،الويل
لهـم مـن عذاب ال عـز وجل ،وقال عليـه الصـلة والسلم :اشتـد غضب ال وغضـبي على من أراق
دم أهلي وآذاني في عترتي).
والجواب :أن القول في لعنة يزيد كالقول في لعنة أمثاله من الملوك الخلفاء وغيرهم ،ويزيد خير
من غيره:خير من المختار بن أبي عبيد الثقفي أمير العراق ،الذي أظهر النتقام من قتلة الحسين ؛
فإن هذا ادّعى أن جبريل يأتيه ،وخير من الحجاج بن يوسف ؛ فإنه أظلم من يزيد باتفاق الناس.
ومععع هذا فيُقال :غايــة يزيــد وأمثاله مــن الملوك أن يكونوا فسـّاقا ،فلعنــة الفاســق المعيّنـ ليســت
مأمورًا بهـا ،إنمـا جاءت السـنّة بلعنـة النواع ،كقول النـبي( :لعـن ال السـارق؛ يسـرق البيضـة فتقطـع
139
يده)( .)1وقوله( :لعــن ال مــن أحدث حَدَثــا أو آوى محدثًـا)( .)2وقوله( :لعــن ال آكــل الربــا وموكله
حلّلَ له)(( ،)4لعــــن ال الخمــــر وعاصــــرها
ل والم َ وكاتبــــه وشاهديــــه)( )3وقوله( :لعــــن ال الم َ
حلّ َ
ومعتصرها ،وحاملها والمحمولة إليه ،وساقيها ،وشاربها ،وآكل ثمنها)(.)5
وأمـا مـا فعله بأهـل الحرّة ،فإنهـم لمـا خلعوه وأخرجوا نوابـه وعشيرتـه ،أرسـل إليهـم مرة بعـد مرة
يطلب الطاعة ،فامتنعوا ،فأرسل إليهم مسلم بن عقبة المرّي ،وأمره إذا ظهر عليهم أن يبيح المدينة
ثلثة أيام ،وهذا هو الذي عظم إنكار الناس له من فعل يزيد ،ولهذا قيل لحمد :أتكتب الحديث عن
يزيد؟ قال :ل ول كرامة ،أو ليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل؟
لكـن لم يقتـل جميـع الشراف ،ول بلغ عدد القتلى عشرة آلف ،ول وصـلت الدماء إلى قـبر النـبي
صـلى ال عليـه وسـلم ،ول إلى الروضـة ،ول كان القتـل فـي المسـجد ،وأمـا الكعبـة فإن ال شرفهـا
وعظّمها وجعلها محرّمة ،فلم يمكّن ال أحدًا من إهانتها ل قبل السلم ول بعده ،بل لما قصدها أهل
الفيل عاقبهم ال العقوبة المشهورة.
وأمـا الحديـث الذي رواه وقوله( :إن قاتـل الحسـين فـي تابوت مـن نار عليـه نصـف عذاب أهـل
النار ،وقـد شُدت يداه ورجله بسـلسل مـن نارُ ،ي َنكّسـ فـي النار حتـى يقـع فـي قعـر جهنـم ،وله ريـح
يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدة نتن ريحه ،وهو فيها خالد) إلى آخره.
فهذا مـن أحاديـث الكذّابيـن الذيـن ل يسـتحيون مـن المجازفـة فـي الكذب على رسـول ال صـلى ال
عليـه وسـلم ،فهـل يكون على واحـد نصـف عذاب أهـل النار؟ أو يُقدّر نصـف عذاب أهـل النار؟ وأيـن
عذاب آل فرعون وآل المائدة والمنافقين وسائر الكفار؟ وأين قتلة النبياء ،وقتلة السابقين الوّلين؟
وقاتـل عثمان أعظـم إثمًا مـن قاتـل الحسـين ،فهذا الغلو الزائد يقابـل بغلو الناصـبة ،الذيـن يزعمون
أن الحسين كان خارجيًا ،وأنه كان يجوز قتله ،لقول النبي صلى ال عليه وسلم( :من أتاكم وأمركم
على رجل واحد يريد أن يفرّق جماعتكم ،فاضربوا عنقه بالسيف كائنًا من كان) رواه مسلم(.)6
وأهل السنّة والجماعة يردّون غلو هؤلء وهؤلء ،ويقولون :إن الحسين قُتل مظلومًا شهيدًا ،وإن
الذين قتلوه كانوا ظالمين معتدين ،وأحاديث النبي صلى ال عليه وسلم التي يأمر فيها بقتال المفارق
للجماعـة لم تتناوله ؛فإنـه رضـي ال عنـه لم يفرّق الجماعـة ،ولم يُقتـل إل وهـو طالب للرجوع إلى
بلده ،أو إلى الثغر ،أو إلى يزيد ،داخلً في الجماعة ،معرضًا عن تفريق المة ،ولو كان طالب ذلك
أقــل الناس لوجــب إجابتــه إلى ذلك ،فكيــف ل تجــب إجابــة الحســين إلى ذلك؟ ولو كان الطالب لهذه
المور من هو دون الحسين لم يجز حبسه ول إمساكه ،فضلً عن أسره وقتله.
وكذلك قوله( :اشتد غضب ال وغضبي على من أراق دم أهلي وآذاني في عترتي).
كلم ل ينقله عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ول ينسـبه إليـه إل جاهـل .فإن العاصـم لدم الحسـن
والحسـين وغيرهمـا مـن اليمان والتقوى أعظـم مـن مجرد القرابـة ،ولو كان الرجـل مـن أهـل بيـت
النبي صلى ال عليه وسلم وأتى بما يبيح قتله أو قطعه ،كان ذلك جائزًا بإجماع المسلمين.
)(1البخاري ( )8/159ومسلم (.)3/1314
)(2مسلم (.)3/1567
)(3البخاري ( )7/169ومسلم (.)3/1219
)(4سنن أب داود ( )2/307والترمذي (.)2/294
)(5سنن أب داود (.)3/445
)(6انظر :مسلم.)3/1479( :
140
كمـا ثبـت عنـه فـي الصـحيح أنـه قال( :إنمـا أهلك مـن كان قبلكـم أنهـم كانوا إذا سـرق فيهـم الشريـف
تركوه ،وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ،وأيم ال لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت
يدها)( )1فقد أخبر أن أعز الناس عليه من أهله لو أتى بما يوجب الحد لقامه عليه ،فلو زنا الهاشمي
وهو محصن رُجم حتى يموت باتفاق علماء المسلمين ،ولو قتل نف سًا عمدًا عدوانًا محضًا لجاز قتله
به ،وإن كان المقتول من الحبشة أو الروم أو الترك أو الديلم.
()2
فإن النــبي صــلى ال عليــه وســلم قال( :المســلمون تتكافــأ دماؤهــم) فدماء الهاشمييــن وغيــر
الهاشمييــن ســواء إذا كانوا أحرارًا مســلمين باتفاق المــة ،فل فرق بيــن إراقــة دم الهاشمــي وغيــر
الهاشمي إذا كان بحق ،فكيف يخص النبي صلى ال عليه وسلم أهله بأن يشتد غضب ال على من
أراق دماءهم.
فإن ال حرّم قتـل النفـس إل بحـق ،فالمقتول بحـق لِمَـ يشتـد غضـب ال على مـن قتله ،سـواء كان
المقتول هاشميًا أو غير هاشمي؟
وإن قتـل بغيـر حـق ،فمـن يَقْتُل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنـم خالدًا فيهـا وغضـب ال عليـه ولعنـه
وأعد له عذابًا عظيمًا .فالعاصم للدماء والمبيح لها يشترك فيها بنو هاشم وغيرهم ،فل يضيف مثل
هذا الكلم إلى رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم إل منافـق يقدح فـي نبوتـه ،أو جاهـل ل يعلم العدل
الذي بُعث به صلى ال عليه وسلم.
وكذلك قوله( :مـن آذانـي فـي عترتـي) فإن إيذاء رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم حرام فـي عترتـه
وأمته وسنته وغير ذلك.
(فصععل)
قال الرافضي( :فلينظر العاقل أي الفريقين أحق بالمن :الذي نزّه ال وملئكته وأنبياءه وأئمته ؛
ونزّه الشرع عـن المسـائل الردّيـة ،ومـن يبطـل الصـلة بإهمال الصـلة على أئمتهـم ،ويذكـر أئمـة
غيرهم ،أم الذي فعل ضد ذلك واعتقد خلفه؟).
والجواب أن يقال :مـا ذكرتموه مـن التنزيـه إنمـا هـو تعطيـل وتنقيـص ل ولنـبيائه ،بيان ذلك أن
قول الجهمية نفاة الصفات يتضمن وصف ال تعالى بسلب صفات الكمال التي يشابه فيها الجمادات
والمعدومات ،فإذا قالوا :إنــه ل تقوم بــه حياة ول علم ول قدرة ،ول كلم ول مشيئة ،ول حــب ول
بغـض ،ول رضـا ول سـخط ،ول يُرى ول يفعـل بنفسـه فعلً ،ول يقدر أن يتصـرف بنفسـه ،كانوا قـد
شبّهوه بالجمادات المنقوصـات ،وسـلبوه صـفات الكمال ،فكان هذا تنقيصـًا وتعطيلً ل تنزيهًا ،وإنمـا
التنزيــه أن ينزّه عــن النقائص المنافيــة لصــفات الكمال ،فينزّه عــن الموت والسـّنة والنوم ،والعجــز
والجهـل والحاجـة ،كمـا نزّه نفسـه فـي كتابـه ،فيُجمـع له بيـن إثبات صـفات الكمال ،ونفـي النقائص
المنافية للكمال ،وينزّه عن مماثلة شيء من المخلوقات له في شيء من صفاته ،وينزّه عن النقائص
مطلقًا ،وينزّه في صفات الكمال أن يكون له فيها مثلٌ من المثال.
وأمــا النــبياء فإنكــم ســلبتموهم مــا أعطاهــم ال مــن الكمال وعلو الدرجات ،بحقيقــة التوبــة
والستغفار ،والنتقال من كمال إلى ما هو أكمل منه ،وكذّبتم ما أخبر ال به من ذلك وحرّفتم الكلم
عـن مواضعـه ،وظننتـم أن انتقال الدمـي مـن الجهـل إلى العلم ،ومـن الضلل إلى الهدى ،ومـن الغـي
إلى الرشاد ،تنقّصا ،ولم تعلموا أن هذا من أعظم نعم ال وأعظم قدرته ،حيث ينقل العباد من النقص
)(1انظر :البخاري ،)5/23( :ومسلم.)3/1315( :
)(2رواه أبو داود ( )3/107وابن ماجة ( )2/895وأحد ( .)2/199أحد شاكر.
141
إلى الكمال ،وأنه قد يكون الذي يذوق الشر والخير ويعرفهما ،يكون حبه للخير وبغضه للشر أعظم
ممـن ل يعرف إل الخيـر ،كمـا قال عمـر بـن الخطاب رضـي ال عنـه( :إنمـا تُنقـض عرى السـلم
عروة عروة إذا نشأ في السلم من ل يعرف الجاهلية).
وأما تنزيه الئمة فمن الفضائح التي يُستحيا من ذكرها ،ل سيما المام المعدوم الذي ل يُنتفع به
ل في دين ول دنيا.
وأما تنزيه الشرع عن المسائل الردّية ،فقد تقدم أن أهل السنّة لم يتفقوا على مسألة ردّية ،بخلف
الرافضة ؛ فإن لهم من المسائل الردّية ما ل يوجد لغيرهم.
وأما قوله( :ومن يبطل الصلة بإهمال الصلة على أئمتهم ،ويذكر أئمة غيرهم).
فإمـا أن يكون المراد بذلك أن تجـب الصـلة على الئمـة الثنـى عشـر ،أو على واحـد معيّن غيـر
النبي صلى ال عليه وسلم منهم أو من غيرهم.
وإما أن يكون المراد وجوب الصلة على آل النبي صلى ال عليه وسلم ،فإن أراد الول فهذا من
أعظم ضللهم وخروجهم عن شريعة محمد صلى ال عليه وسلم ؛ فإنا نحن وهم نعلم بالضطرار
أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يأمر المسلمين أن يصلّوا على الثنى عشر :ل في الصلة ،ول في
غير الصلة ،ول كان أحد من المسلمين يفعل شيئا من ذلك على عهده ،ول نقل هذا أحد عن النبي
صـلى ال عليـه وسـلم ل بإسـناد صـحيح ول ضعيـف ،ول كان يجـب على أحـد فـي حياة رسـول ال
صـلى ال عليـه وسـلم أن يتخـذ أحدًا مـن الثنـى عشـر إمامًا ،فضلً عـن أن تجـب الصـلة عليـه فـي
الصلة.
وكانت صلة المسلمين صحيحة في عهده بالضرورة والجماع ،فمن أوجب الصلة على هؤلء
فـي الصـلة ،وأبطـل الصـلة بإهمال الصـلة عليهـم ،فقـد غيّرـ ديـن النـبي محمـد صـلى ال عليـه وسـلم
وبدّله ،كما بدّلت اليهود والنصارى دين النبياء.
وإن قيل :المراد أن يصلى على آل محمد ،وهم منهم.
قيعل :آل محمـد يدخـل فيهـم بنـو هاشـم وأزواجـه ،وكذلك بنـو المطلب على أحـد القوليـن ،وأكثـر
هؤلء تذمّهم المامية؛ فإنهم يذمون ولد العباس ،لسيما خلفاؤهم ،وهم من آل محمد صلى ال عليه
وسلم ،ويذمّون من يتولى أبا بكر وعمر ،وجمهور بني هاشم يتولون أبا بكر وعمر ،ول يتبرأ منهم
صـحيح النسـب مـن بنـي هاشـم إل نفـر قليـل بالنسـبة إلى كثرة بنـي هاشـم ،وأهـل العلم والديـن منهـم
يتولون أبا بكر وعمر رضي ال عنهما.
ومن العجب من هؤلء الرافضة أنهم يدّعون تعظيم آل محمد عليه أفضل الصلة والسلم ،وهم
سـعوا فـي مجيـء التتـر الكفّار إلى بغداد دار الخلفـة ،حتـى قتلت الكفار مـن المسـلمين مـا ل يحصـيه
إل ال تعالى من بني هاشم وغيرهم وقتلوا بجهات بغداد ألف ألف وثمانمائة ألف ونيفًا وسبعين ألفًا
وقتلوا الخليفة العباسي ،وسبوا النساء الهاشميات وصبيان الهاشميين.
فهذا هـو البغـض لل محمـد صـلى ال عليـه وسـلم بل ريـب ،وكان ذلك مـن فعـل الكفار بمعاونـة
الرافضـة ،وهـم الذي سـعوا فـي سـبي الهاشميات ونحوهـم إلى يزيـد وأمثاله ،فمـا يعيبون على غيرهـم
بعيب إل وهو فيهم أعظم.
(فصععل)
قال الرافضعي( :السـادس :أن الماميـة لمـا رأوا فضائل أميـر المؤمنيـن وكمالتـه ل تحصـى قـد
رواهــا المخالف والموافــق ،ورأوا الجمهور قــد نقلوا عــن غيره مــن الصــحابة مطاعــن كثيرة ،ولم
142
ينقلوا فـي عليّـ طعنًا ألبتـة ،اتّبعوا قوله وجعلوه إمامًا لهـم حيـث نزّهـه المخالف والموافـق ،وتركوا
غيره ،حيـث روى فيـه مـن يعتقـد إمامتـه مـن المطاعـن مـا يطعـن فـي إمامتـه ،ونحـن نذكـر هنـا شيئًا
يسيرًا مما هو صحيح عندهم ونقلوه في المعتمد من قولهم وكتبهم ،ليكون حجة عليهم يوم القيامة.
فمن ذلك :ما رواه أبو الحسن الندلسي في (الجمع بين الصحاح الستة) موطأ مالك وصحيحي
البخاري ومسلم وسنن أبي داود وصحيح الترمذي وصحيح النسائي عن أم سلمة زوج النبي صلى
ط ّهرَكُمععْ
عنْكُمععُ الرّجْسععَ أَ ْهلَ ا ْلبَيْتعِع َويُ َ
ال عليــه وســلم أن قوله تعالىِ(( :إنّمععا يُريدُ الُع ِليُذْهِبععَ َ
تَطْهيًرا))[الحزاب .]33:أنزلت فـي بيتهـا وأنـا جالسـة عنـد الباب ،فقلت :يـا رسـول ال ،ألسـت مـن أهـل
البيـت؟ فقال( :إنـك على خير ،إنك من أزواج النـبي صـلى ال عليـه وسـلم .قالت :وفـي البيـت رسـول
ال صـلى ال عليـه وسـلم وعليّـ وفاطمـة والحسـن والحسـين فجللهـم بكسـاء ،وقال :اللهـم هؤلء أهـل
بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا).
والجواب أن يقال :إن الفضائل الثابتة في الحاديث الصحيحة لبي بكر وعمر أكثر وأعظم من
الفضائل الثابتـة لعليـّ ،والحاديـث التـي ذكرهـا هذا وذكـر أنهـا فـي الصـحيح عنـد الجمهور ،وأنهـم
نقلوها في المعتمد من قولهم وكتبهم ،وهو من أ ْبيَنَ الكذب على علماء الجمهور ؛ فإن هذه الحاديث
التي ذكرها أكثرها كذب أو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث ،والصحيح الذي فيها ليس فيه ما
علَى أبـي بكـر وعمـر ،بـل وليسـت مـن خصـائصه ،بـل هـي مـن يدل على إمامـة عليّـ ول فضيلتـه َ
فضائل شاركـه فيهـا غيره ،بخلف مـا ثبـت مـن فضائل أبـي بكـر وعمـر ؛ فإن كثيرًا منهـا خصـائص
لهما ،ل سيما فضائل أبي بكر ،فإن عامتها خصائص لم يشركه فيها غيره.
علَى عليّ وأما ما ذكره من المطاعن ،فل يمكن أن يوجّه على الخلفاء الثلثة من مطعن إل وُجه َ
ما هو مثله وأعظم منه.
فتبين أن ما ذكره في هذا الوجه من أعظم الباطل ،ونحن نبيّن ذلك تفصيلً.
وأمـا قوله( :إنهـم جعلوه إمامًا لهـم حيـث نزّهـه المخالف والموافـق ،وتركوا غيره حيـث روى فيـه
من يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته).
فيقال :هذا كذب بيّن ؛ فإن عليّا ـ رضــي ال عنــه لم ينزّهــه المخالفون ،بــل القادحون فــي علي ـّ
طوائف متعددة ،وهـم أفضـل مـن القادحيـن فـي أبـي بكـر وعمـر وعثمان ،والقادحون فيـه أفضـل مـن
الغلة فيه ،فإن الخوارج متفقون على كفره ،وهم عند المسلمين كلهم خير من الغلة الذين يعتقدون
إلهيتـه أو نبوتـه ،بـل هـم -والذيـن قاتلوه مـن الصـحابة والتابعيـن -خيـر عنـد جماهيـر المسـلمين مـن
الرافضة الثنى عشرية ،الذين اعتقدوه إمامًا معصومًا.
وأبـو بكـر وعمـر وعثمان ليـس فـي المـة مـن يقدح فيهـم إل الرافضـة ،والخوارج المكفّرون لعليّـ
يوالون أبا بكر وعمر ويترضّون عنهما ،والمروانية الذين َينْسبون عليّا إلى الظلم ،ويقولون :إنه لم
يكـن خليفـة يوالون أبـا بكـر وعمـر مـع أنهمـا ليسـا مـن أقاربهـم ،فكيـف يُقال مـع هذا :إن عليّاـ نزّهـه
المؤالف والمخالف بخلف الخلفاء الثلثة؟
ومـن المعلوم أن المنزّهيـن لهؤلء أعظـم وأكثـر وأفضـل ،وأن القادحيـن فـي عليّـ –حتـى بالكفـر
والفسوق والعصـيان – طوائف معروفة ،وهم أعلم من الرافضة وأَ ْديَن ،والرافضة عاجزون معهم
علمًا ويدًا ،فل يمكن الرافضة أن تقيم عليهم حجة تقطعهم بها ،ول كانوا معهم في القتال منصورين
عليهم.
والذين قدحوا في عليّ رضي ال عنه وجعلوه كافرًا وظالمًا ليس فيهم طائفة معروفة بالردة عن
143
السـلم ،بخلف الذيـن يمدحونـه ويقدحون فـي الثلثـة ،كالغاليـة الذيـن يدّعون إلهيتـه مـن النصـيرية
وغيرهم ،وكالسماعيلية الملحدة الذين هم شر من النصيرية ،وكالغالية الذين يدّعون نبوّته ؛ فإن
هؤلء كفار مرتدّون ،كفرهـم بال ورسـوله ظاهـر ل يخفـى على عالم بديـن السـلم ،فمـن اعتقـد فـي
بشر اللهية ،أو اعتقد بعد محمد صلى ال عليه وسلم نبيًا ،أو أنه لم يكن نبيًا بل كان عليّ هو النبي
دونـه وإنمـا غلط جبريـل ؛ فهذه المقالت ونحوهـا ممـا يظهـر كفـر أهلهـا لمـن يعرف السـلم أدنـى
معرفة.
بخلف من يكفّر عليّا ويلعنه من الخوارج ،وممن قاتله ولعنه من أصحاب معاوية وبني مروان
وغيرهم ؛ فإن هؤلء كانوا مقرّين بالسلم وشرائعه :يقيمون الصلة ،ويؤتون الزكاة ،ويصومون
رمضان ،ويحجون البيــت العتيــق ،ويحرّمون مــا حرم ال ورســوله ،وليــس فيهــم كفــر ظاهــر ،بــل
شعائر الســلم وشرائعــه ظاهرة فيهــم معظمــة عندهــم ،وهذا أمــر يعرفــه كــل مــن عرف أحوال
السلم ،فكيف يدّعى مع هذا أن جميع المخالفين نزّهوه دون الثلثة؟
(فصععل)
وأمــا حديـث الكســاء فهـو صـحيح رواه أحمــد والترمذي مـن حديــث أم ســلمة ،ورواه مسـلم فــي
صحيحه من حديث عائشة ،قالت:خرج النبي صلى ال عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحّل من
شعر أسود ،فجاء الحسن بن علي فأدخله ،ثم جاء الحسين فأدخله معه ،ثم جاءت فاطمة فأدخلها ،ثم
طهّركُمعععْ عنْكُمعععُ الرّجْسعععَ أَ ْهلَ ا ْل َبيْتععِع َويُ َ جاء علّي فأدخله ،ثـــم قالِ(( :إنّمَععا ُيرِيعععد ُالَعع ِليُذْهِبعععَ َ
طهِيرًا))[الحزاب.]33: تَ ْ
وهذا الحديـث قـد شركـه فيـه فاطمـة وحسـن وحسـين رضـي ال عنهـم ،فليـس هـو مـن خصـائصه،
ومعلوم أن المرأة ل تصــلح للمامــة ،فعُلم أن هذه الفضيلة ل تختــص بالئمــة ،بــل يشركهــم فيهــا
غيرهم ،ثم إن مضمون هذا لحديث أن النبي صلى ال عليه وسلم دعا لهم بأن يذهب عنهم الرجس
ويطهّرهــم تطهيرًا ،وغايــة ذلك أن يكون دعــا لهــم بأن يكونوا مــن المتّقيــن الذيــن أذهــب ال عنهــم
الرجس وطهّرهم ،واجتناب الرجس واجب على المؤمنين ،والطهارة مأمور بها كل مؤمن.
ط ّهرَكُمعْع َوِليُتِمّع نِ ْع َمتَهععُ حرَجعٍع وَلَكِعن يُرِيععد ُ ِليُ َ عَليْكُمعْع مِنععْ َ قال ال تعالى(( :م ْا ُيرِيدُ الُع ِليَجْ َعلَ َ
عَليْكُمَ))[المائدة.]6: َ
ط ّهرُهُ ْم َوتُزَكّيهِ ْم ِبهَا))[التوبة.]103: وقال(( :خ ْذ مِنْ َأ ْموَا ِلهِم صَدَق ًة تُ َ
طهّرِينْ))[البقرة.]222: ن َويُحِبّ ال ُمتَ َل يُحِبّ ال ّتوّابِي َ وقال تعالى(( :إِنّ ا َ
فغاية هذا أن يكون هذا دعاء لهم بفعل المأمور وترك المحظور.
والصدّيق رضي ال عنه قد أخبر ال عنه بأنه(( :ا َلتْقَى * الذِي ُي ْؤتِي مَالَ ُه َيتَزَكّى * َومَا لَحَدٍ
س ْوفَ َي ْرضَى))[الليل.]21-17: ج ِه َربّهِ ا َلعْلَى * وَ َل َ جزَى * إِلّ ا ْبتِغَا َء وَ ْ ن نِ ْع َمةٍ تُ ْ
عنْدَ ُه مِ ْ
ِ
وأيضًا فإن(( :السعابقين الوّليعن معن المهاجريعن والنصعار والذيعن اتبعوهعم بإحسعان رضعى ال
حتَهَععا ا َل ْنهَارَ خَالِدِينعععَ فِيهَععا َأبَدًا َذلِكعععَ الْ َف ْوزُ جرِي تَ ْ جنّاتععٍع تَ ْ
عدّ َلهُمعععْ َ عنهعععم ورضوا عنعععه وَأَ َ
الْعَظِيععم))[التوبــة ]100:ل بــد أن يكونوا قــد فعلوا المأمور وتركوا المحظور ،فإن هذا الرضوان وهذا
الجزاء إنمـا يُنال بذلك ،وحينئذٍ فيكون ذهاب الرجـس عنهـم وتطهيرهـم مـن الذنوب بعـض صـفاتهم،
فمـا دعـا بـه النـبي صـلى ال عليـه وسـلم لهـل الكسـاء هـو بعـض مـا وصـف ال بـه السـابقين الوّليـن،
والنبي صلى ال عليه وسلم دعا لغير أهل الكساء بأن يصلّي ال عليهم ،ودعا لقوام كثيرين بالجنة
والمغفرة وغير ذلك ،مما هو أعظم من الدعاء بذلك ،ولم يلزم أن يكون من دعا له بذلك أفضل من
144
السابقين الوّلين.
ولكن أهل الكساء لما كان قد أوجب عليهم اجتناب الرجس وفعل التطهير ،دعا لهم النبي صلى
ال عليه وسلم بأن يعينهم على فعل ما أمرهم به لئل يكونوا مستحقين للذم والعقاب ،ولينالوا المدح
والثواب.
(فصععل)
ج ْيتُم عُ الرّس عُول فَقَ ّدمُوا َبيْن َع يَدَي عْ
قال الرافضععي( :فــي قوله تعالى(( :يععا َأيّهَا الّذِين َع آ َمنُوا إِذَا نَا َ
جوَاكُمْع صَعدَ َقةً)) [المجادلة .]12:قال أميـر المؤمنيـن عليّـ بـن أبـي طالب رضـي ال عنـه :لم يعمـل بهذه نَ ْ
الية غيري ،وبي خفف ال عن هذه المة أمر هذه الية).
والجواب أن يقال :المر بالصدقة لم يكن واجبًا على المسلمين حتى يكونوا عصاة بتركه ،وإنما
أُمـر بـه مـن أراد النجوى واتفـق أنـه لم يرد النجوى إذ ذاك إل عليّـ رضـي ال عنـه ،فتصـدّق لجـل
المناجاة.
وهذا كأمره بالهَدْي لمن تمتع بالعمرة إلى الحج ،وأمره بالهدي لمن أُحصر.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وعـن محمـد بـن كعـب القرظـي قال :افتخـر طلحـة بـن شيبـة مـن بنـي عبـد الدار
وعباس بـن عبـد المطلب وعليّ بـن أبـي طالب ،فقال طلحـة بـن شيبـة :معـي مفاتيـح البيـت ،ولو أشاء
بتّ فيـه ،وقال العباس :أنـا صـاحب السـقاية والقائم عليهـا ،ولو أشاء بتّ فـي المسـجد ،وقال عليـّ :مـا
أدري ما تقولن ،لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ،وأنا صاحب الجهاد ،فأنزل ال تعالى:
سبِيلِ الِ خ َر وَجَاهَدَ فِي َ ن بِالِ َوبِا ْل َيوْ مِ ال ِن آمَ َ حرَا مِ َكمَ ْ
عمَارَةَ ا ْلمَ سْجِدِ الْ َ
((أَجَ َع ْلتُ مْ سِقَايَةَ الْحَاجّ وَ ِ
ل وَالُ َل َيهْدِي الْ َقوْمَ الظّا ِلمِين))[التوبة.)]19: عنْدَ ا َِل َيسْ َتوُونَ ِ
والجواب أن يقال :هذا اللفـظ ل يعرف فـي شيـء مـن كتـب الحديـث المعتمدة ،بـل دللت الكذب
عليه ظاهرة .منها :أن طلحة بن شيبة ل وجود له ،وإنما خادم الكعبة هو شيبة بن عثمان بن طلحة،
وهذا ممـا يـبين لك أن الحديـث لم يصـح ،ثـم فيـه قول العباس( :لو أشاء بتّ فـي المسـجد) فأيّـ كـبير
أمره في مبيته في المسجد حتى يتبجح به؟.
ثـم فيـه قول عليـّ( :صـليت سـتة أشهـر قبـل الناس) فهذا ممـا يُعلم بطلنـه بالضرورة ،فإن بيـن
إسلمه وإسلم زيد وأبي بكرٍ وخديجة يومًا أو نحوه ،فكيف يصلّي قبل الناس بستة أشهر؟!
وأيضا فل يقول :أنا صاحب الجهاد ،وقد شاركه فيه عدد كثير جدًا.
(فصععل)
قال الرافضعي( :ومنهـا :مـا رواه أحمـد بـن حنبـل عـن أنـس بـن مالك ،قال :قلنـا لسـلمان :سـل النـبي
صـلى ال عليـه وسـلم مـن وصـيه ،فقال له سـلمان :يـا رسـول ال ،مـن وصـيك؟ فقال :يـا سـلمان ،مـن
كان وصـّي موسـى؟ فقال :يوشـع بـن نون .قال :فإن وصـيي ووارثـي يقضـي ديْنـي وينجـز موعدي
عليّ بن أبي طالب).
والجواب :أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث ،ليس هو في مسند المام
أحمد بن حنبل .وأحمد قد صنّف كتابًا في (فضائل الصحابة) ذكر فيه فضل أبي بكر وعمر وعثمان
وعليّـ وجماعـة مـن الصـحابة ،وذكـر فيـه مـا رُوي فـي ذلك مـن صـحيح وضعيـف للتعريـف بذلك،
وليـس كـل مـا رواه يكون صـحيحًا ،ثـم إن فـي هذا الكتاب زيادات مـن روايـة القطيعـي عـن شيوخـه،
وهذه الزيادات التــي زادهــا القطيعــي غالبهــا كذب ،كمــا ســيأتي ذكــر بعضهــا إن شاء ال ،وشيوخ
145
القطيعي يروون عن من في طبقة أحمد ،وهؤلء الرافضة جهّال إذا رأوا فيه حديثًا ظنوا أن القائل
لذلك أحمــد بــن حنبــل ،ويكون القائل لذلك هــو القطيعــى ،وذاك الرجــل مــن شيوخ القطيعــى الذيــن
يروون عن من في طبقة أحمد ،وكذلك في المسند زيادات زادها ابنه عبد ال ،لسيما في مسند عليّ
بن أبي طالب رضي ال عنه ،فإنه زاد زيادات كثيرة.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وعـن يزيـد بـن أبـي مريـم عـن عليّـ رضـي ال عنـه قال :انطلقـت أنـا ورسـول ال
صلى ال عليه وسلم حتى أتينا الكعبة ،فقال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم :اجلس ،فصعد على
منكبى ،فذهبت لنهض به ،فرأى مني ضعفًا ،فنزل وجلس لي نبي ال صلى ال عليه وسلم وقال:
اصعد على منكبى ،فصعدت على منكبه .قال :فنهض بي ،قال :فإنه تخيل لي أني لو شئت لنلت أفق
علَى البيـت وعليـه تمثال صـفر أو نحاس ،فجعلت أزاوله عـن يمينـه وعـن السـماء ،حتـى صـعدت َ
شماله وبين يديه ومن خلفه ،حتى استمكنت منه ،قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم :اقذف به
فقذفـت بـه فتكسـر كمـا تنكسـر القواريـر ،ثـم نزلت ،فانطلقـت أنـا ورسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم
نستبق حتى توارينا في البيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس).
والجواب :أن هذا الحديـث إن صـح فليـس فيـه شيـء مـن خصـائص الئمـة ول خصـائص عليّـ ؛
فإن النبي صلى ال عليه وسلم كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع على منكبه،
إذا قام حملهـــا ،وإذا ســـجد وضعهـــا ،وكان إذا ســـجد جاء الحســـن فارتحله ،ويقول( :إن ابنـــي
ارتحلنــي)( )1وكان يقبــل زبيبــة الحســن ،فإذا كان يحمــل الطفلة والطفــل لم يكــن فــي حمله لعلي مــا
يوجب أن يكون ذلك من خصائصه ،بل قد أشركه فيه غيره ،وإنما حمله لعجز عليّ عن حمله ،فهذا
يدخـل فـي مناقـب رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،وفضيلة مـن يحمـل النـبي صـلى ال عليـه وسـلم
أعظم من فضيلة من يحمله النبي صلى ال عليه وسلم ،كما حمله يوم أحد من حمله من الصحابة،
مثـل :طلحـة بـن عبيـد ال ،فإن هذا نفـع النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،وذاك نفعـه النـبي صـلى ال عليـه
وسـلم ،ومعلوم أن نفعـه بالنفـس والمال أعظـم مـن انتفاع النسـان بنفـس النـبي صـلى ال عليـه وسـلم
وماله.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وعـن ابـن أبـي ليلى قال :قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم :الصـدّيقون ثلثـة:
حبيب النجار مؤمن آل ياسين ،وحزقيل مؤمن آل فرعون ،وعليّ بن أبي طالب وهو أفضلهم).
والجععواب :أن هذا كذب على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فإنه قد ثبت عنه في الصحيح أنه
وصف أبا بكر رضي ال عنه بأنه صدّيق ،وفي الصحيح عن ابن مسعود رضي ال عنه عن النبي
صــلى ال عليــه وســلم أنــه قال( :عليكــم بالصــدق ،فإن الصــدق يهدي إلى البر ،وإن البر يهدي إلى
الجنـة ،ول يزال الرجـل يصـدق ويتحرى الصـدق حتـى يكتـب عنـد ال صـدّيقًا ،وإياكـم والكذب ؛ فإن
الكذب يهدي إلى الفجور ،وإن الفجور يهدي إلى النار ،ول يزال الرجــــــــل يكذب ويتحرّى الكذب
حتى يُكتب عند ال كذابًا)( )2فهذا يبيّن أن الصدّيقين كثيرون.
وأيضًا :فقـد قال تعالى عـن مريـم ابنـة عمران :إنهـا صـدّيقة ،وهـي امرأة ،وقال النـبي صـلى ال
146
عليـه وسـلم( :كمـل مـن الرجال كثيـر ،ولم يكمـل مـن النسـاء إل أربـع)( )1فالصـديقون مـن الرجال
كثيرون.
(فصععل)
قال الرافضي( :وعن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال لعلي( :أنت مني وأنا منك)).
والجواب :أن هذا حديث صحيح أخرجاه في الصحيحين من حديث البراء بن عازب ،لمّا تنازع
عليّـ وجعفـر وزيـد فـي ابنـة حمزة ،فقضـى بهـا لخالتهـا ،وكانـت تحـت جعفـر ،وقال لعليـّ( :أنـت منـي
خلُقي) .وقال ليزيد( :أنت أخونا ومولنا)(.)2 خلْقِي و ُ
وأنا منك) وقال لجعفر( :أشبهت َ
لكن هذا اللفظ قد قاله النبي صلى ال عليه وسلم لطائفة من أصحابه ،كما في الصحيحين عن أبي
موسـى الشعري ،أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم قال( :إن الشعرييـن إذا أرملوا فـي الغزو أو قلت
نفقة عيالهم في المدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد ،ثم قسموه بينهم بالسوية ،هم مني وأنا
منهم)(.)3
وكذلك قال عن جليبيب( :هو مني وأنا منه) فروى مسلم في صحيحه ،عن أبي برزة ،قال :كنا
مع النبي صلى ال عليه وسلم في مغزى له ،فأفاء ال عليه ،فقال لصحابه( :هل تفقدون من أحد؟).
قالوا :نعم ،فلنًا وفلنًا ،ثم قال( :هل تفقدون من أحد؟) قالوا :نعم ،فلنًا وفلنًا وفلنًا ،ثم قال( :هل
جَل ْيبِيبًا ،فاطلبوه) فطلبوه فـي القتلى ،فوجدوه إلى جنـبتفقدون مـن أحـد؟) قالوا :ل .قال( :لكنـي أفقـد ُ
سبعة قد قتلهم ثم قتلوه ،فأتى النبي صلى ال عليه وسلم فوقف عليه ،فقال( :قتل سبعة ثم قتلوه ،هذا
مني وأنا منه ،هذا مني وأنا منه) قال :فوضعه على ساعديه ،ليس له إل ساعدا النبي صلى ال عليه
وسلم ،قال :فحفر له فوضع في قبره ،ولم يذكر غسلً)(.)4
فتـبيّن أن قوله لعليـّ( :أنـت منـي وأنـا منـك) ليـس مـن خصـائصه ،بـل قال ذلك للشعرييـن ،وقاله
لجليـبيب ،وإذا لم يكـن مـن خصـائصه ،بـل قـد شاركـه فـي ذلك غيره مـن دون الخلفاء الثلثـة فـي
ل على الفضلية ول على المامة. الفضيلة ،لم يكن دا ّ
(فصععل)
قال الرافضي( :وعن عمرو بن ميمون قال :لعل يّ بن أبي طالب عشر فضائل ليست لغيره ،قال
له النــبي صــلى ال عليــه وســلم :لبعثــن رجلً ل يخزيــه ال أبدًا ،يحــب ال ورســوله ،ويحبــه ال
ورسـوله ،فاسـتشرف إليهـا مـن اسـتشرف .قال :أيـن عليّـ بـن أبـي طالب؟ .قالوا :هـو أرمـد فـي الرحـا
يطحـن .قال :وما كان أحدهـم يطحن .قال :فجاء وهو أرمد ل يكاد أن يبصـر ،قال :فنفثت في عينيـه
ثم هز الراية ثلثًا وأعطاها إياه ،فجاء بصفية بنت حي يّ .قال :ثم بعث أبا بكر بسورة التوبة ،فبعث
عليّا خلفه فأخذها منه ،وقال :ل يذهب بها إل رجل هو مني وأنا منه).
وقال لبنـي عمـه :أيكـم يوالينـي فـي الدنيـا والخرة؟ قال :وعليّـ معهـم جالس فأ َبوْا ،فقال عليـّ :أنـا
أواليك في الدنيا والخرة ،قال :فتركه ،ثم أقبل على رجل رجل منهم ،فقال :أيكم يواليني في الدنيا
والخرة؟ فَأ َبوْا ،فقال عليّ :أنا أواليك في الدنيا والخرة ،فقال :أنت وليي في الدنيا والخرة.
قال :وكان عل يّ أول من أسلم من الناس بعد خديجة .قال :وأخذ رسول ال صـلى ال عليه وسلم
)(1انظر :البخاري :مع الفتح (6/446و ،)471ومسلم.)4/1886( :
)(2انظر :البخاري )3/184( :وغيه.
)(3انظر :البخاري ( )3/138ومسلم (.)1945 -4/1944
)(4انظر :مسلم (.)1919 -4/1918
147
عنْ ُكمُ الرّجْسَ أَ ْهلَ
ثوبه فوضعه على عليّ وفاطمة والحسن والحسين ،فقالِ(( :إنّما يُريدُ الُ ِليُذْهِبَ َ
ط ّهرَكُ ْم تَطْهيًرا))[الحزاب.]33:
ت َويُ َ
ال َبيْ ِ
قال :وشرى عليــّ نفســه ولبــس ثوب رســول ال صــلى ال عليــه وســلم ثــم نام مكانــه ،وكان
المشركون يرمونه بالحجارة.
وخرج النـبي صـلى ال عليـه وسـلم بالناس فـي غزاة تبوك ،فقال له عليـّ :أخرج معـك؟ قال :ل
فبكـى عليّ ،فقال له :أمـا ترضـى أن تكون منـي بمنزلة هارون مـن موسـى؟ إل أنـك لسـت بنـبي ،ل
ينبغي أن أذهب إل وأنت خليفتي.
وقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم :أنت وليي في كل مؤمن بعدي.
قال :وسـ ّد أبواب المســجد إل باب عليـّ .قال :وكان يدخــل المســجد جُنبًا ،وهــو طريقــه ليــس له
طريق غيره.
ي موله. وقال له :من كنت موله فعل ّ
وعن النبي صلى ال عليه وسلم مرفوعًا أنه بعث أبا بكر في براءة إلى مكة ،فسار بها ثلثًا ،ثم
قال لعليـّ( :الحقـه فردّه وبلغهـا أنـت ،ففعـل ،فلمـا قدم أبـو بكـر على النـبي صـلى ال عليـه وسـلم بكـى،
وقال :يا رسول ال ،حدث فيّ شيء؟ قال :ل ،ولكن أمرت أن ل يبلغها إل أنا أو رجل مني).
والجواب :أن هذا ليس مسندًا بل هو مرسل لو ثبت عن عمرو بن ميمون ،وفيه ألفاظ هي كذب
على رسول ال صـلى ال عليـه وسـلم ،كقوله :أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون مـن موسى،
غير أنك لست بنبي ،ل ينبغي أن أذهب إل وأنت خليفتي ،فإن النبي صلى ال عليه وسلم ذهب غير
مرة وخليفته على المدينة غير عليّ ،كما اعتمر عمرة الحديبية وعليّ معه وخليفته غيره ،وغزا بعد
ذلك خيـبر ومعـه عليّـ وخليفتـه بالمدينـة غيره ،وغزا غزوة الفتـح وعليّـ معـه وخليفتـه فـي المدينـة
ح َنيْنًا والطائف وعليـّ معــه وخليفتــه بالمدينــة غيره ،وحــج حجــة الوداع وعليـّ معــه غيره ،وغزا ُ
وخليفته بالمدينة غيره ،وغزا غزوة بدر ومعه عليّ وخليفته بالمدينة غيره.
وكــل هذا معلوم بالســانيد الصــحيحة وباتفاق أهــل العلم بالحديــث ،وكان علي ـّ معــه فــي غالب
الغزوات وإن لم يكن فيها قتال.
فإن قيعل :اسـتخلفه يدل على أنـه ل يسـتخلف إل الفضـل ،لزم أن يكون عليّ مفضولً فـي عامـة
الغزوات ،وفي عمرته وحجته ،ل سيما وكل مرة كان يكون الستخلف على رجال مؤمنين ،وعام
خلّفوا أوتبوك مــا كان الســتخلف إل على النســاء والصــبيان ومــن عَ َذرَ ال ،وعلى الثلثــة الذيــن ُ
ُمتّهم بالنفاق ،وكانت المدينة آمنة ل يُخاف على أهلها ،ول يحتاج المستخلِف إلى جهاد ،كما يحتاج
في أكثر الستخلفات.
وكذلك قوله( :وسد البواب كلها إلّ باب عليّ) فإن هذا مما وضعته الشيعة على طريق المقابلة،
فإن الذي في الصحيح عن أبي سعيد ،عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال في مرضه الذي مات
ل غيـر ربّي لتخذت أبـا فيـه( :إن أمّن الناس عليّـ فـي ماله وصـحبته أبـو بكـر ،ولو كنـت متخذًا خلي ً
خوْخــة إل سـُدت إل خوخــة أبــي بكــر خليلً ،ولكــن أخوة الســلم ومودّتــه ،ل يبقيــن فــي المســجد َ
بكـر)( .)1رواه ابـن عباس أيضًا فـي الصـحيحين ،ومثـل قوله( :أنـت وليـي فـي كـل مؤمـن بعدي) فإن
هذا موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث ،والذي فيه من الصحيح ليس هو من خصائص الئمة،
بــل ول مــن خصـائص عليـّ ،بـل قـد شاركـه فيــه غيره ،مثــل كونـه يحـب ال ورســوله ويحبــه ال
)(1انظر :البخاري ( )97 -1/96و(ج .)5/4/1855
148
ورسـوله ،ومثـل اسـتخلفه وكونـه منـه بمنزلة هارون مـن موسـى ،ومثـل كون عليّـ مولى مَن النـبي
صلى ال عليه وسلم موله فإن كل مؤمن موالٍ ل ورسوله ،ومثل كون (براءة) ل يبلّغها إل رجل
من بني هاشم ؛ فإن هذا يشترك فيه جميع الهاشميين ،لما رُوى أن العادة كانت جارية بأن ل ينقض
العهود ويحلّها إل رجل من قبيلة المطاع.
(فصععل)
قال الرافضي( :ومنها ما رواه أخطب خوارزم عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال :يا عل يّ،
لو أن عبدًا عبد ال عز وجل مثل ما قام نوح في قومه ،وكان له مثل أُحُد ذهبًا فأنفقه في سبيل ال،
ومدّ فـي عمره حتـى حـج ألف عام على قدميـه ،ثـم قُتـل بيـن الصـفا والمروة مظلومـا ،ثـم لم يوالك يـا
علي ،لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها).
وقال رجعل لسعلمان :مـا أشدّ حبـك لعليـّ ،قال :سـمعت رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم يقول :مـن
أحب عليّا فقد أحبني ،ومن أبغض عليّا فقد أبغضني ،وعن أنس قال :قال رسول ال صلى ال عليه
ي سبعين ألف َملَك يستغفرون له ولمحبيه إلى يوم القيامة). وسلم( :خلق ال من نور وجه عل ّ
وعـن ابـن عمـر قال :قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم :مـن أحـب عليّاـ قبـل ال عنـه صـلته
وصيامه وقيامه واستجاب دعاءه .أل ومن أحب عليّا أعطاه ال بكل عرق من بدنه مدينة في الجنة:
أل ومن أحب آل محمد أمن من الحساب والميزان والصراط .أل ومن مات على حب آل محمد فأنا
كفيله في الجنة مع النبياء ،أل ومن أبغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبًا بين عينيه( :آيس من
رحمة ال).
وعن عبد ال بن مسعود قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول :من زعم أنه آمن بي
وبما جئت به وهو يبغض عليّا فهو كاذب ليس بمؤمن.
وعـن أبـي برزة قال :قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم ونحـن جلوس ذات يوم :والذي نفسـي
بيده ل تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأله ال تبارك وتعالى عن أربع :عن عمره في مَ أفناه ،وعن
جسده في َم أبله ،وعن ماله ممّ اكتسبه وفي َم أنفقه ،وعن حُبنا أهل البيت .فقال له عمر :فما آية حبكم
من بعدكم؟ فوضع يده على رأس عل يّ بن أبي طالب وهو إلى جانبه ،فقال :إن حبي من بعدي حب
هذا.
وعن عبد ال بن عمر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد سئل :بأي لغة خاطبك ربك
ليلة المعراج؟ فقال :خاطبنـي بلغـة عليـّ ،فألهمنـي أن قلت :يـا رب خاطبتنـي أم عليـّ؟ فقال :يـا محمـد
أنـا شيء لسـت كالشياء ،ل أقاس بالناس ول أوصف بالشياء ،خلقتـك من نوري ،وخلقـت عليّاـ من
علَى سـرائر قلبـك ،فلم أجـد إلى قلبـك أحبّ مـن عليـّ ،فخاطبتـك بلسـانه كيمـا يطمئن نورك ،فاطلعـت َ
قلبك.
وعـن ابـن عباس قال :قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم :لو أن الرياض أقلم ،والبحـر مداد،
ي بن أبي طالب.والجنّ حسّاب ،والنس كتّاب ،ما أحصوا فضائل عل ّ
علَى فضائل عليّـ وبالسـناد قال :قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم :إن ال تعالى جعـل الجـر َ
ل يُحصى كثرة ،فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّا بها غفر ال له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ،ومن
كتـب فضيلة مـن فضائله لم تزل الملئكـة تسـتغفر له مـا بقـي لتلك الكتابـة رسـم ،ومـن اسـتمع فضيلة
من فضائله غفر ال له الذنوب التي اكتسبها بالستماع ،ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر ال له
الذنوب التـي اكتسـبها بالنظـر ،ثـم قال :النظـر إلى وجـه أميـر المؤمنيـن عليّـ عبادة ،وذكره عبادة ،ل
149
ل بوليته والبراءة من أعدائه. يقبل ال إيمان عبدٍ إ ّ
وعـن حكيـم بـن حزام عـن أبيـه عـن جده عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أنـه قالَ :لمُبارزة عليّـ
لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة.
وعن سعد بن أبي وقاص قال :أمر معاوية بن أبي سُفيان سعدًا بالسبّ فأبى ،فقال :ما منعك أن
ب عليّ بن أبي طالب؟ قال :ثلث قالهن رسول ال صلى ال عليه وسلم فلن أسبّه ،لن يكون لي تس ّ
ي وقد خلّفه واحدة منهن أحب إل يّ من حمر النعم :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول لعل ّ
فـي بعـض مغازيـه ،فقال له عليّ :تخلفنـي مـع النسـاء والصـبيان؟ فقال له رسـول ال صـلى ال عليـه
وسلم :أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إل أنه ل نبي بعدي .وسمعته يقول يوم
خيـبر :لعطيـن الرايـة رجلً يحـب ال ورسـوله ويحبـه ال ورسـوله .قال :فتطاولنـا فقال :ادعوا لي
عليّاـ ،فأتاه وبـه رمـد ،فبصـق فـي عينيـه و دفـع الرايـة إليـه ،ففتـح ال عليـه .وأنزلت هذه اليـة(( :فَ ُقلْ
تَعَا َلوْا نَدْععُ َأ ْبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُمعْ))[آل عمران .]61:دعــا رســول ال صــلى ال عليــه وســلم عليّاـ وفاطمــة
والحسن والحسين ،فقال( :هؤلء أهلي).
والجواب :أن أخطـب خوارزم هذا له مصـنّف فـي هذا الباب فيـه مـن الحاديـث المكذوبـة مـا ل
يخفـى كذبـه على مـن له أدنـى معرفـة بالحديـث ،فضلً عـن علماء الحديـث ،وليـس هـو مـن علماء
الحديث ول ممن يُرجع إليه في هذا الشأن ألبتة ،وهذه الحاديث مما يعلم أهل المعرفة بالحديث أنها
من المكذوبات ،وهذا الرجل قد ذكر أنه يذكر ما هو صحيح عندهم ،ونقلوه في المعتمد من قولهم
وكتبهــم ،،فكيــف يذكــر مــا أجمعوا على أنــه كذب موضوع ،ولم يُرو فــي شيــء مــن كتــب الحديــث
المعتمدة ،ول صححه أحد من أئمة الحديث.
فالعشرة الول كلهـا كذب إلى آخـر حديـث :قتله لعمرو بـن عبـد ودّ ،وأمـا حديـث سـعد لمـا أمره
ب عليّـ بـن أبـي طالب؟ فقال :ثلث قالهـن رسـول ال معاويـة بالسـبّ فأبـى ،فقال :مـا منعـك أن تسـ ّ
صلى ال عليه وسلم فلن أسبّه ،لن يكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم ..الحديث .فهذا
صحيح رواه مسلم في صحيحه( )1وفيه ثلث فضائل لعليّ لكن ليست من خصائص الئمة ول من
خصـائص عليـّ ،فإن قوله :وقـد خلّفـه فـي بعـض مغازيـه ،فقال له عليـّ :يـا رسـول ال ،تخلّفنـي مـع
النساء والصبيان؟ فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم :أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون
علَى المدينـة غيـر واحـد ،ولم مـن موسـى أل أنـه ل نـبي بعدي؟ ليـس مـن خصـائصه ؛ فإنـه اسـتخلف َ
يكـن هذا السـتخلف أكمـل مـن غيره ،ولهذا قال له عليـّ :أتخلفنـي مـع النسـاء والصـبيان؟ لن النـبي
ل مـن المهاجريـن والنصـار ،إل فـي صـلى ال عليـه وسـلم كان فـي كـل غزاة يترك بالمدينـة رجا ً
ص أو معذور غير النساء غزوة تبوك فإنه أمر المسلمين جميعهم بالنفير ،فلم يتخلف بالمدينة إل عا ٍ
والصـبيان ،ولهذا كره عليّـ السـتخلف ،وقال :أتخلفنـي مـع النسـاء والصـبيان؟ يقول تتركنـي مخلفًا
ل تستصحبني معك؟ فبيّن له النبي صلى ال عليه وسلم أن الستخلف ليس نق صًا ول غضاضة ؛
فإن موسـى اسـتخلف هارون على قومـه لمانتـه عنده ،وكذلك أنـت اسـتخلفتك لمانتـك عندي ،لكـن
موسـى اسـتخلف نبيّاـ وأنـا ل نـبي بعدي ،وهذا تشـبيه فـي أصـل السـتخلف ،فإن موسـى اسـتخلف
هارون على جميع بني إسرائيل ،والنبي صلى ال عليه وسلم استخلف عليّا على قليل من المسلمين،
وجمهورهـم اسـتصحبهم فـي الغزاة .وتشـبيهه بهارون ليـس بأعظـم مـن تشـبيهه أبـي بكـر وعمـر ،هذا
بإبراهيـم وعيسـى ،وهذا بنوح وموسـى ؛ فإن هؤلء الربعـة أفضـل مـن هارون ،وكـل مـن أبـي بكـر
)(1انظر :مسلم (.)4/1871
150
وعمر شبه باثنين ل بواحد ؛ فكان هذا التشبيه أعظم من تشبيه عل يّ ،مع أن استخلف عل يّ له فيه
أشباه وأمثال من الصحابة.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وعـن عامـر بـن واثلة قال :كنـت مـع عليّـ عليـه السـلم يوم الشورى يقول لهـم:
ن عليكم بما ل يستطيع عربيّكم ول عجميّكم تغيير ذلك ،ثم قال :أنشدكم بال أيها النفر جميعًا، لحتج ّ
أفيكم أحد وحّد ال تعالى قبلي؟ قالوا :اللهم ل .قال :فأنشدكم بال هل فيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر
الطيّار فـي الجنـة مـع الملئكـة غيري؟ قالوا :اللهـم ل .قال :فأنشدكـم بال :هـل فيكـم أحـد له عمّـ مثـل
عمـي حمزة أسـد ال وأسـد رسـوله سـيد الشهداء غيري؟ قالوا :اللهـم ل .قال :فأنشدكـم بال هـل فيكـم
أحـد له زوجـة مثـل زوجتـي فاطمـة بنـت محمـد سـيدة نسـاء أهـل الجنـة غيري؟ قالوا :اللهـم ل .قال:
فأنشدكـم بال هـل فيكـم أحـد له سـبطان ،مثـل سـبطيّ الحسـن والحسـين سـيدا شباب أهـل الجنـة غيري؟
قالوا :اللهـم ل .قال :فأنشدكـم بال هـل فيكـم أحـد ناجـى رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم عشـر مرات
قدّم بيـن يدي نجواه صدقة غيري؟ قالوا :اللهـم ل .قال :فأنشدكـم بال هـل فيكم أحـد قال له رسـول ال
ي موله ،اللهم وال من واله ،وعاد من عاداه ،ليبلغ الشاهد صلى ال عليه وسلم :من كنت موله فعل ّ
الغائب غيري؟ قالوا :اللهـم ل .قال :فأنشدكــم بال هـل فيكـم أحـد قال له رسـول ال صــلى ال عليــه
وسـلم :اللهـم ائتنـي بأحـب خلقـك إليـك وإليّـ يأكـل معـي مـن هذا الطيـر ،فأتاه فأكـل معـه غيري؟ قالوا:
اللهـم ل .قال :فأنشدكـم بال هـل فيكـم أحـد قال له رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم( :لعطيـن الرايـة
رجلً يحـب ال ورسـوله ويحبـه ال ورسـوله ،ل يرجـع حتـى يفتـح ال على يديـه) إذ رجـع غيري
منهزمًا غيري؟ قالوا :اللهـم ل .قال :فأنشدكـم بال هـل فيكـم أحـد قال له رسـول ال صـلى ال عليـه
وســلم لبنــي وكيعــة :لتنتهن ـّ أو لبعثن ّـ إليكــم رجل نفســه كنفســي وطاعتــه كطاعتــي ،ومعصــيته
كمعصيتي يفصلكم بالسيف غيري؟ قالوا :اللهم ل .قال :فأنشدكم بال هل فيكم أحد قال له رسول ال
صـلى ال عليـه وسـلم كذب مـن زعـم أنـه يحبنـي ويبغـض هذا غيري؟ قالوا :اللهـم ل .قال :فأنشدكـم
بال هل فيكم أحد سلّم عليه في ساعة واحدة ثلثة آلف من الملئكة :جبرائيل وميكائيل وإسرافيل
حيــث جئت بالماء إلى رســول ال صــلى ال عليــه وســلم مــن القليــب غيري؟ قالوا:اللهــم ل .قال:
فأنشدكـم بال هـل فيكـم أحـد نودي بـه مـن السـماء :ل سـيف إل ذو الفقار ،ول فتـى إل عليّـ غيري؟
قالوا :اللهـم ل .قال :فأنشدكـم بال هـل فيكـم أحـد قال له جبريـل هذه هـي المواسـاة ،فقال له رسـول ال
صــلى ال عليــه وســلم :إنــه منــي وأنــا منــه .فقال جبريــل :وأنــا منكمــا غيري؟ قالوا :اللهــم ل .قال:
فأنشدكــم بال هــل فيكــم أحــد قال له رســول ال صــلى ال عليــه وســلم :تقاتــل الناكثيــن والقاســطين
والمارقين ،على لسان النبي صلى ال عليه وسلم غيري؟ قالوا :اللهم ل .قال فأنشدكم بال هل فيكم
أحـد قال له رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم :إنـي قاتلت على تنزيـل القرآن وأنـت تقاتـل على تأويله
غيري؟ قالوا :اللهـم ل .قال :فأنشدكـم بال هـل فيكـم أحـد رُدّت عليـه الشمـس حتـى صـلى العصـر فـي
وقتهـا غيري؟ قالوا :اللهـم ل .قال :فأنشدكـم بال هـل فيكـم أحـد أمره رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم
أن يأخـذ (براءة) مـن أبـي بكـر ،فقال له أبـو بكـر :يـا رسـول ال ،أنزل فيّـ شيـء؟ فقال له رسـول ال
صلى ال عليه وسلم :إنه ل يؤدّي عني إل عليّ غيري؟ قالوا :اللهم ل).
قال :فأنشدكـم بال هـل فيكـم أحـد قال له رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم :ل يحبـك إل مؤمـن ول
يبغضك إل منافق كافر غيري؟ قالوا :اللهم ل.
قال :فأنشدكـم بال هـل تعلمون أنـه أمـر بسـ ّد أبوابكـم وفتـح بابـي فقلتـم فـي ذلك ،فقال رسـول ال
151
صـلى ال عليـه وسـلم :مـا أنـا سـددت أبوابكـم ول فتحـت بابـه ،بـل ال سـد أبوابكـم وفتـح بابـه غيري؟
قالوا :اللهم ل.
قال :فأنشدكــم بال أتعلمون أنــه ناجانــي يوم الطائف دون الناس فأطال ذلك ،فقلتــم :ناجاه دوننــا،
فقال :ما أنا انتجيته بل ال انتجاه غيري؟ قالوا :اللهم نعم.
قال :فأنشدكـم بال أتعلمون أن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم قال :الحـق مـع عليّـ وعليّـ مـع
الحق يزول الحق مع عليّ كيفما زال؟ قالوا :اللهم نعم.
قال :فأنشدكم بال أتعلمون أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :إني تارك فيكم الثقلين :كتاب
ال وعترتـي أهـل بيتـي ،لن تضلوا مـا اسـتمسكتم بهمـا ،ولن يفترقـا حتـى يردا عليّـ الحوض؟ قالوا:
اللهم نعم.
قال :فأنشدكـم بال هـل فيكــم أحـد وقــى رســول ال صـلى ال عليـه وســلم بنفســه مـن المشركيـن
واضطجع في مضجعه غيري؟ قالوا :اللهم ل.
قال :فأنشدكـم بال هـل فيكـم أحـد بارز عمـر بـن عبـد و ّد العامري حيـث دعاكـم إلى البراز غيري؟
قالوا :اللهم ل.
عنْكُمُع
قال :فأنشدكـم بال هـل فيكـم أحـد نزل فيـه آيـة التطهيـر حيـث يقولِ(( :إنّماع يُريدُ ال ِليُذْهِبَع َ
ط ّهرَكُ ْم تَطْهيًرا))[الحزاب ]33:غيري؟ قالوا :اللهم ل.
ت َويُ َ
الرّجْسَ أَ ْهلَ ال َبيْ ِ
قال :فأنشدكــم بال هــل فيكــم أحــد قال له رســول ال صــلى ال عليــه وســلم :أنــت ســيد المؤمنيــن
غيري؟ قالوا :اللهم ل.
قال :فأنشدكـم بال هـل فيكـم أحـد قال له رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم :مـا سـألت ال شيئًا إل
وسألت لك مثله غيري؟ قالوا :اللهم ل.
ي أربع خصال ليست لحد من الناس ومنها :ما رواه أبو عمرو الزاهد عن ابن عباس قال :لعل ّ
غيره ،هو أوّل عربي وعجمي صلّى مع النبي صلى ال عليه وسلم ،وهو الذي كان لواؤه معه في
كل زحف ،وهو الذي صبر معه يوم حنين ،وهو الذي غسّله وأدخله قبره.
وعــن النــبي صــلى ال عليــه وســلم قال :مررت ليلة المعراج بقوم تُشرشــر أشداقهــم ،فقلت :يــا
جبريــل مــن هؤلء؟ قال :قوم يقطعون الناس بالغيبــة ،قال :ومررت بقوم وقــد ضوضؤا ،فقلت :يــا
جبريـل مـن هؤلء؟ قال :هؤلء الكفار .قال :ثـم عدلنـا عـن الطريـق فلمـا انتهينـا إلى السـماء الرابعـة
رأيت عليّا يصلّي ،فقلت :يا جبريل ،هذا عل يّ قد سبقنا .قال :ل ليس هذا عليّا .قلت :فمن هو؟ قال:
إن الملئكة المقرّبين والملئكة الكروبيين لما سمعت فضائل عليّ وخاصته وسمعت قولك فيه :أنت
منـي بمنزلة هارون مـن موسـى إل أنـه ل نـبي بعدي ،اشتاقـت إلى عليـّ ،فخلق ال تعالى َملَكًا على
صورة عليّ ،فإذا اشتاقت إلى عليّ جاءت إلى ذلك المكان ،فكأنها قد رأت عليّا.
وعن ابن عباس قال :إن الصطفى صلى ال عليه وسلم قال ذات يوم وهو نشيط :أنا الفت ابن الفت أخو الفت.
قال :فقوله :أنا الفت -يعن :هو فت العرب -وقوله :ابن الفت ،يعن إبراهيم من قوله تعال (( :سَ ِمعْنا فَتًى َيذْ ُك ُرهُ مْ
ُيقَالُ لَ هُ ِإْبرَاهِي مُ))[النبيا ،]60:وقوله :أخو الفت ،يعن عليّا ،وهو معن قول جبيل ف يوم بدر وقد عرج إل السماء
وهو فرح وهو يقول :ل سيف إل ذو الفقار ،ول فت إل عليّ.
وعن ابن عباس قال :رأيت أبا ذر وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول :من عرفني فقد عرفني،
ومـن لم يعرفنـي فأنـا أبـو ذر ،لو صـمتم حتـى تكونوا كالوتار ،وصـليتم حتـى تكونوا كالحنايـا ،مـا
152
نفعكم ذلك حتى تحبوا عليّا)).
والجواب :أمـا قوله عـن عامـر بـن واثلة ومـا ذكره يوم الشورى ،فهذا كذب باتفاق أهـل المعرفـة
بالحديـث ،ولم يقـل علي ّ رضـي ال عنـه يوم الشورى شيئًا مـن هذا ول مـا يشابهـه ،بـل قال له عبـد
الرحمـن بـن عوف رضـي ال عنـه :لئن أمرتـك لتعدلنـّ؟ قال :نعـم .قال :وإن بايعـت عثمان لتسـمعن
وتطيعن؟ قال :نعم .وكذلك قال لعثمان ،ومكث عبد الرحمن ثلثة أيام يشاور المسلمين.
ففي الصحيحين وهذا لفظ البخاري( - )1عن عمرو بن ميمون في مقتل عمر بن الخطاب رضي
ال عنه( :فلما فُرغَ من دفنه اجتمع هؤلء الرهط ،فقال عبد الرحمن :اجعلوا أمركم إلى ثلثة منكم،
قال الزبيــر :قــد جعلت أمري إلى علي ـّ ،وقال طلحــة :قــد جعلت أمري إلى عثمان ،وقال ســعد :قــد
جعلت أمري إلى عبـد الرحمـن ،فقال عبـد الرحمـن :أيكـم تـبرأ مـن هذا المـر فنجعله إليـه وال عليـه
عَليّ
والسـلم لينظرن أفضلهـم فـي نفسـه؟ فأُسْـ ِكتَ الشيخان ،فقال عبـد الرحمـن :أتجعلونـه إليّ وال َ
أن ل آلو عـن أفضلكـم ،قال :نعـم ،فأخـذ بيـد أحدهمـا ،فقال :لك قرابـة مـن رسـول ال صـلى ال عليـه
وسـلم والقدم فـي السـلم مـا قـد علمـت ،فال عليـك لئن أمّرتـك لتعدلن ولئن أمّرت عليـك لتسـمعن
ولتطيعن ،ثم خل بالخر فقال له مثل ذلك ،فلما أخذ الميثاق قال :ارفع يدك يا عثمان).
وفي هذا الحديث الذي ذكره الرافضي أنواع من الكاذيب التي نزّه ال عليّا عنها ،مثل احتجاجه
بأخيـه وعمـه وزوجتـه ،وعليّـ رضـي ال عنـه أفضـل مـن هؤلء ،وهـو يعلم أن أكرم الخلق عنـد ال
أتقاهم ،ولو قال العباس :هل فيكم مثل أخي حمزة ومثل أولد إخوتي محمد وعلي وجعفر؟! لكانت
هذه الحجـة مـن جنـس تلك ،بـل احتجاج النسـان ببنـي إخوتـه أعظـم مـن احتجاجـه بعمـه ،ولو قال
عثمان :هـل فيكـم مـن تزوج بنتَي نـبي لكان مـن جنـس قول القائل :هـل فيكـم مـن زوجتـه كزوجتـي؟
وكانت فاطمة قد ماتت قبل الشورى كما ماتت زوجتا عثمان ،فإنها ماتت بعد موت النبي صلى ال
عليه وسلم بنحو ستة أشهر.
ن له ولد كولدي؟). وكذلك قوله( :هل فيكم مَ ْ
وفيـه أكاذيـب متعددة ،مثـل قوله( :مـا سـألت ال شيئًا إل وسـألت لك مثله) .وكذلك قوله( :ل يؤدّي
عني إل عليّ) من الكذب.
وقال الخطابي في كتاب (شعار الدين)( :وقوله :ل يؤدّي عني إل رجل من أهل بيتي) هو شيء
جاء بـه أهـل الكوفـة عـن زيـد بـن ُي َثيْع ،وهـو متهـم فـي الروايـة منسـوب إلى الرفـض ،وعامـة مـن بلّغ
عنـه غيـر أهـل بيتـه ،فقـد بعـث رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم أسـعد بـن زرارة إلى المدينـة يدعـو
الناس إلى السـلم ،ويعلّم النصـار القرآن ،ويفقههـم فـي الديـن ،وبعـث العلء بـن الحضرمـي إلى
البحرين في مثل ذلك ،وبعث معاذًا وأبا موسى إلى اليمن ،وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة ،فأين قول
من زعم أنه ل يبلّغ عنه إل رجل من أهل بيته؟!
وأما حديث ابن عباس ففيه أكاذيب :منها قوله :كان لواؤه معه في كل زحف ،فإن هذا من الكذب
المعلوم ،إذ لواء النبي صلى ال عليه وسلم كان يوم أُحد مع مصعب بن عمير باتفاق الناس ،ولواؤه
يوم الفتــح كان مــع الزبيــر بــن العوام ،وأمره رســول ال صــلى ال عليــه وســلم أن يركــز رايتــه
بالحجون ،فقال العباس للزبيـر بـن العوام :أهاهنـا أمرك رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم أن تركـز
الراية؟ أخرجه البخاري في صحيحه (.)2
)(1انظر :البخاري (.)18 -5/15
)(2انظر :البخاري (.)5/121
153
وكذلك قوله( :وهو الذي صبر معه يوم حُنين).
وقـد عُلم أنـه لم يكـن أقرب إليـه مـن العباس بـن عبـد المطلب ،وأبـي سـفيان بـن الحارث بـن عبـد
المطلب ،والعباس آخـذ بلجام بغلتـه ،وأبـو سـفيان بـن الحارث آخـذ بركابـه ،وقال له النـبي صـلى ال
عليــه وســلم( :ناد أصــحاب الســمرة) قال :فقلت بأعلى صــوتي :أيــن أصــحاب الســمرة؟ فوال كأن
عطفتهم عل يّ حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولدها ،فقالوا :يالبيك يالبيك ،والنبي صلى ال
عليـه وسـلم يقول( :أنـا النـبي ل كذب أنـا ابـن عبـد المطلب) ونزل عـن بغلتـه وأخـذ كفّاـ مـن حصـى
فرمــى بهــا القوم ،وقال( :انهزموا ورب الكعبــة) قال العباس( :فوال مــا هــو إل أن رماهــم فمازلت
ل وأمرهم مدبرًا ،حتى هزمهم ال) أخرجاه في الصحيحين ،وفي لفظ البخاري قال: أرى حدّهم كلي ً
(وأبو سفيان آخذ بلجام بغلته) ،وفيه( :قال العباس :لزمت أنا وأبو سفيان رسول ال صلى ال عليه
وسلم يوم حُنين فلم نفارقه)(.)1
وأما غُسله صلى ال عليه وسلم وإدخاله قبره ،فاشترك فيه أهل بيته ،كالعباس وأولده ،وموله
شقران ،وبعـض النصـار ،لكـن عليّ كان يباشـر الغسـل ،والعباس حاضـر لجللة العباس ،وأن عليّاـ
أولهم بمباشرة ذلك.
وكذلك قوله( :هو أوّل عربي وعجمي صلّى) يناقض ما هو المعروف عن ابن عباس.
(فصععل)
وأمـا حديـث المعراج وقوله فيـه :إن الملئكـة المقرّبيـن والملئكـة الكروبييـن لمـا سـمعت فضائل
عليّـ وخاصـته ،وقول النـبي صـلى ال عليـه وسـلم( :أمـا ترضـى أن تكون منـي بمنزلة هارون مـن
موسى؟) اشتاقت إلى علي فخلق ال لها َمَلكًا على صورة عليّ)).
جهّال الذيــن ل يحســنون أن يكذبوا ،فإن المعراج كان بمكــة قبــل فالجواب :أن هذا مــن كذب ال ُ
حرَامِع ِإلَى
ل مِنَع ا ْلمَسْعجِدِ الْ َ الهجرة بإجماع الناس ،كمـا قال تعالى(( :سعبحانَ الّذِي أَسْعرَى بِ َعبْدِهِع َليْ ً
حوْلَهعُ ِلنُ ِريَهُع مِنْع آيَاتِنَا ِإنّهعُ ُهوَ السّعمِيعُ ا ْلبَصعِير))[الســراء ]1:وكان ا ْلمَسْعجِدِ الَقْصعَى الّذِي بَارَكْنَا َ
السراء من المسجد الحرام.
غوَى * وَمَا َينْطِقعُ عَنعِ ا ْل َهوَى .إِنعْ ُهوَ إِلّ حبُكُم وَمَا َ ضلّ صعَا ِ وقال(( :وَالنّجْمعِ إِذَا َهوَى * مَا َ
عنْدَ سِع ْدرَةِ
خرَى * ِ علَى مَا َيرَىَ .ولَقَ ْد رَآهُع نَزْ َلةً ُأ ْ وَحْيٌع يُوحَى))[النجـم ]4-1:إلى قوله(( :أف ُتمَارُونَهُع َ
ا ْلمُ ْنتَهَعى))[النجـــم ]14-12:إلى قوله تعالى(( :أَ َفرََأيْتُعم الّلت َوَا ْل ُعزّى))[النجـــم ]19:وهذا كله نزل بمكــة
بإجماع الناس.
وقوله( :أمـا ترضـى أن تكون منـي بمنزلة هارون مـن موسـى؟) قاله فـي غزوة تبوك ،وهـي آخـر
الغزوات عام تسـ ٍع مـن الهجرة ،فكيـف يُقال :إن الملئكـة ليلة المعراج سـمعوا قوله( :أمـا ترضـى أن
تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟).
(فصععل)
وكذلك الحديـث المذكور عـن ابـن عباس :أن المصـطفى صـلى ال عليـه وسـلم قال ذات يوم وهـو
نشيـط( :أنـا الفتـى ابـن الفتـى أخـو الفتـى) قال :فقوله :أنـا الفتـى :يعنـي فتـى العرب ،وقوله :ابـن الفتـى،
ى يَذْ ُكرُهُم يُقَالُ لَهُع ِإ ْبرَاهِيعم))[النـبياء: يعنـي إبراهيـم الخليـل صـلوات ال عليـه ،مـن قوله(( :سعمعنا فت ً
،]60وقوله :أخو الفتى ،يعني عليّا ،وهو معنى قول جبريل في يوم بدر وقد عرج إلى السماء وهو
فرح وهو يقول :ل سيف إل ذو الفقار ،ول فتى إل عليّ.
)(1رواه البخاري ف أماكن متعددة وانظر :الغازى الباب ،)56ومسلم.)3/1398( :
154
فإن هذا الحديــث مــن الحاديــث المكذوبــة الموضوعــة باتفاق أهــل المعرفــة بالحديــث ،وكذبــه
معروف من غير جهة السناد من وجوه.
منها :أن لفظ (الفتى) في الكتاب والسنّة ولغة العرب ليس هو من أسماء المدح ،كما ليس هو من
أسـماء الذم ،ولكنـه بمنزلة اسـم الشاب والكهـل والشيـخ ونحـو ذلك ،والذيـن قالوا عـن إبراهيـم :سـمعنا
فتى يذكرهم يُقال له :إبراهيم ،هم الكفار ،ولم يقصدوا مدحه بذلك ،وإنما الفتى كالشاب الحَدَث.
ل من أن يفتخر بجده ،وابن عمه. ومنها :أن النبي صلى ال عليه وسلم أج ّ
ومنهعا :أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم لم يؤاخ عليّاـ ول غيره ،وحديـث المؤاخاة لعليـّ ،ومؤاخاة
أبــي بكــر لعمــر مــن الكاذيــب ،وإنمــا آخــى بيــن المهاجريــن والنصــار ،ولم يؤاخ بيــن مهاجريـّ
ومهاجريّ.
ومنها :أن هذه المناداة يوم بدر كذب.
ومنها :أن ذا الفقار لم يكن لعل يّ ،وإنما كان سيفًا من سيوف أبي جهل غنمه المسلمون منه يوم
بدر ،فلم يكـن يوم بدر ذو الفقار مـن سـيوف المسـلمين ،بـل مـن سـيوف الكفّار ،كمـا روى ذلك أهـل
السنن ،فروى المام أحمد والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم تنفل
سيفه ذا الفَقَار يوم بدر(.)1
ومنها :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان بعد النبوة كهلً قد تعدّى سن الفتيان.
(فصععل)
وأمـا حديـث أبـي ذر الذي رواه الرافضـي فهـو موقوف عليـه ليـس مرفوعًا ،فل يحتـج بـه ،مـع أن
نقله عـن أبـي ذر فيـه نظـر ،ومـع هذا فحـب عليّـ واجـب ،وليـس ذلك مـن خصـائصه ،بـل علينـا أن
نحبه ،كما علينا أن نحب عثمان وعمر وأبا بكر ،وأن نحب النصار.
ففـي الصـحيح عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أنـه قال( :آيـة اليمان حـب النصـار ،وآيـة النفاق
بغض النصار)( )2وفي صحيح مسلم عن عل يّ رضي ال عنه أنه قال( :إنه لعهد النبي المّي إل يّ
أنه ل يحبني إل مؤمن ول يبغضني إل منافق)(.)3
(فصععل)
قال الرافضعي( :ومنهـا مـا نقله صـاحب (الفردوس) فـي كتابـه عـن معاذ بـن جبـل عـن النـبي صـلى
ي حسنة ل تضر معها سيئة ،وبغضه سيئة ل ينفع معها حسنة). ال عليه وسلم أنه قال(( :حب عل ّ
والجواب :أن كتاب (الفردوس) فيه من الحاديث الموضوعات ما شاء ال ،ومصنفه شيرويه بن
شهردار الديلمــي وإن كان مــن طلبــة الحديــث ورواتــه ،فإن هذه الحاديــث التــي جمعهــا وحذف
أسـانيدها ،نقلهـا مـن غيـر اعتبار لصـحيحها وضعيفهـا وموضوعهـا؛ فلهذا كان فيـه مـن الموضوعات
أحاديث كثيرة جدًا.
وهذا الحديـث ممـا يشهـد المسـلم بأن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ل يقوله؛ فإن حـب ال ورسـوله
أعظم من حب عل يّ ،والسيئات تضر مع ذلك ،وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم يضرب عبد ال
بــن حمار فــي الخمــر ،وقال( :إنــه يحــب ال ورســوله) وكــل مؤمــن فل بــد أن يحــب ال ورســوله،
والسيئات تضره ،وقد أجمع المسلمون وعُلم بالضطرار من دين السلم أن الشرك يضر صاحبه
)(1انظر :سنن الترمذي ( )61-3/60وسنن ابن ماجة ( )2/939والسند ()147-4/146تقيق أحد شاكر.
)(2انظر :البخاري ( )1/9ومسلم (.)1/85
)(3انظر :مسلم ( )1/86وتقدم.
155
ول يغفره ال لصــاحبه ،ولو أحــب علي ّـ بــن أبــي طالب ؛ فإن أباه أبــا طالب كان يحبــه وقــد ضره
الشرك حتى دخل النار ،والغالية يقولون :إنهم يحبونه وهم كفّار من أهل النار.
وبالجملة فهذا القول كفـر ظاهـر يُسـتتاب صـاحبه ،ول يجوز أن يقول هذا مـن يؤمـن بال واليوم
الخر.
وكذلك قوله( :وبغضـه سـيئة ل ينفـع معهـا حسـنة) فإن مـن أبغضـه إن كان كافرًا فكفره هـو الذي
أشقاه ،وإن كان مؤمنًا نفعه إيمانه وإن أبغضه.
وكذلك الحديـث الذي ذكره عـن ابـن مسـعود ،أن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم قال( :حـب آل محمـد
يومًا خير من عبادة سنة ،ومن مات عليه دخل الجنة ،وقوله عن عليّ :أنا وهذا حجة ال على خلقه
–هما حديثان موضوعان عند أهل العلم بالحديث ،وعبادة سنة فيها اليمان والصلوات الخمس كل
يوم وصـوم شهـر رمضان ،وقـد أجمـع المسـلمون على أن هذا ل يقوم مقامـه حـب آل محمـد شهرًا،
فضلً عن حبهم يومًا).
ل يَكُونعَ لِلنّاسعِ عَلَى الِ
وكذلك حجـة ال على عباده قامـت بالرسـل فقـط ،كمـا قال تعالى(( :لئ ّ
ج ٌة بَعْدَ ال ّرسُل)) [النساء ]165:ولم يقل :بعد الرسل والئمة أو الوصياء أو غير ذلك. حُ ّ
علَى حب عليّ لم يخلق ال النار) من أبين الكذب باتفاق أهل العلم وكذلك قوله( :لو اجتمع الناس َ
واليمان ،ولو اجتمعوا على حــب علي ـّ لم ينفعهــم ذلك حتــى يؤمنوا بال وملئكتــه وكتبــه ورســله
واليوم الخـر ويعملوا صـالحًا ،وإذا فعلوا ذلك دخلوا الجنـة ،وإن لم يعرفوا عليّاـ بالكليـة ،ولم يخطـر
بقلوبهم ل حبه ول بغضه.
(فصععل)
وكذلك الحديـث الذي ذكره فـي العهـد الذي عهده ال فـي علي ،وأنـه رايـة الهدى وإمام الولياء،
وهو الكلمة التي ألزمها للمتقين ...إلخ.
فإن هذا كذب موضوع باتفاق أهــل المعرفــة بالحديــث والعلم ،ومجرد روايــة صــاحب (الحليــة)
ونحوه ل تفيـد ول تدل على الصـحة ؛ فإن صـاحب (الحليـة) قـد روى فـي فضائل أبـي بكـر وعمـر
وعثمان وعليّـ والولياء وغيرهـم أحاديـث ضعيفـة بـل موضوعـة باتفاق العلماء ،وهـو وأمثاله مـن
الحفاظ الثقات أهـل الحديـث ثقات فيمـا يروونـه عـن شيوخهـم ،لكـن الفـة ممـن هـو فوقهـم ،وكذلك
حديث عمّار وابن عباس كلهما من الموضوعات.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وأمـا المطاعـن فـي الجماعـة فقـد نقـل الجمهور منهـا أشياء كثيرة حتـى صـنّف
الكلبي كتابًا (في مثالب الصحابة) ولم يذكر فيه منقصة واحدة لهل البيت).
والجواب أن يقال :قبـل الجوبـة المفصـلة عمـا يُذكـر مـن المطاعـن أن مـا يُنقـل عـن الصـحابة مـن
المثالب فهــو نوعان :أحدهمععا :مــا هــو كذب :إمــا كذب كله ،وإمــا محرّف قــد دخله مــن الزيادة
والنقصـان مـا يُخرجـه إلى الذم والطعـن ،وأكثـر المنقول مـن المطاعـن الصـريحة هـو مـن هذا الباب
يرويهـا الكذّابون المعروفون بالكذب ،مثـل :أبـي مخنـف لوط بـن يحيـى ،ومثـل :هشام بـن محمـد بـن
السائب الكلبي وأمثالهما من الكذّابين ،ولهذا استشهد هذا الرافضي بما صنّفه هشام الكلبي في ذلك،
وهو من أكذب الناس ،وهو شيعي يروي عن أبيه وعن أبي مخنف ،وكلهما متروك كذّاب.
النوع الثانعي :مـا هـو صـدق ،وأكثـر هذه المور لهـم فيهـا معاذيـر تخرجهـا عـن أن تكون ذنوبًا،
وتجعلهـا مـن موارد الجتهاد ،التـي إن أصـاب المجتهـد فيهـا فله أجران وإن أخطـأ فله أجـر وعامـة
156
المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب ،وما قُدّر من هذه المور ذنبًا محققًا ،فإن ذلك ل
يقدح فيمـا عُلم مـن فضائلهـم وسـوابقهم وكونهـم مـن أهـل الجنـة ،لن الذنـب المحقـق يرتفـع عقابـه فـي
الخرة بأسباب متعددة.
منها :التوبة الماحية ،وقد ثبت عن أئمة المامية أنهم تابوا من الذنوب المعروفة عنهم.
ج َت ِنبُوا
ومنهعا :الحسـنات الماحيـة للذنوب ؛ فإن الحسـنات يذهبـن السـيئات ،وقـد قال تعالى(( :إِنْع تَ ْ
سيّئَاتِكُم))[النساء.]31:
عنْكُم َ
ع ْنهُ نُكَ ّفرُ َ
َكبَا ِئرَ مَا تُ ْن َهوْنَ َ
ومنها :المصائب المكفّرة.
ومنها :دعاء المؤمنين بعضهم لبعض ،وشفاعة نبيهم ،فما من سبب يسقط به الذم والعقاب عن
أحد من المة إل والصحابة أحق بذلك ،فهم أحق بكل مدح ،ونفي كل ذم ممن بعدهم من المة.
قال الرافضعي( :وقـد ذكـر غيره منهـا أشياء كثيرة ،ونحـن نذكـر منهـا شيئًا يسـيرًا ،منهـا :مـا رووه
عـن أبـي بكـر أنـه قال على المنـبر :إن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم كان يعتصـم بالوحـي ،وإن لي
شيطانـا يعترينـي ،فإن اسـتقمت فأعينونـي ،وإن زغـت فقومونـي ،وكيـف يجوز إمامـة مـن يسـتعين
بالرعية على تقويمه ،مع أن الرعية تحتاج إليه؟).
والجواب أن يقال :هذا الحديث من أكبر فضائل الصديق رضـي ال عنـه وأدلها على أنـه لم يكـن
يريد علوًا في الرض ول فسادًا ،فلم يكن طالب رياسة ،ول كان ظالمًا ،وإنه إنما كان يأمر الناس
بطاعــة ال ورســوله ،فقال لهــم :إن اســتقمت على طاعــة ال فأعينونــي عليهــا ،وإن زغــت عنهــا
فقوّمونــي ،كمــا قال أيضًا :أيهـا الناس… أطيعونــي مـا أطعــت ال ،فإذا عصــيت ال فل طاعـة لي
عليكم.
والشيطان الذي يعتريـه يعتري جميـع بنـي آدم ؛ فإنـه مـا مـن أحدٍ إل وقـد وكّلـ ال بـه قرينـه مـن
الملئكة وقرينه من الجن.
ومقصـود الصـديق بذلك :إنـي لسـت معصـومًا كالرسـول صـلى ال عليـه وسـلم ،وهذا حـق ،وقول
القائل:كيـف تجوز إمامـة مـن يسـتعين على تقويمـه بالرعيـة؟كلم جاهـل بحقيقـة المامـة ،فإن المام
ليـس هـو ربّاـ لرعيتـه حتـى يسـتغني عنهـم ،ول هـو رسـول ال إليهـم حتـى يكون هـو الواسـطة بينهـم
وبيـن ال ،وإنمـا هـو والرعيـة شركاء يتعاونون هـم وهـو على مصـلحة الديـن والدنيـا؛ فل بـد له مـن
إعانتهـم ،ول بـد لهـم مـن إعانتـه ،كأميـر القافلة الذي يسـير بهـم فـي الطريـق :إن سـلك بهـم الطريـق
اتّبعوه ،وإن أخطـأ عـن الطريـق نبّهوه وأرشدوه ،وإن خرج عليهـم صـائل يصـول عليهـم تعاون هـو
وهم على دفعه ،لكن إذا كان أكملهم علمًا وقدرة ورحمة كان ذلك أصلح لحوالهم.
(فصععل)
قال الرافضي( :وقال :أقيلوني فلست بخيركم ،وعليّ فيكم ،فإن كانت إمامته حقّا كانت استقالته
منها معصية ،وإن كانت باطلة لزم الطعن).
والجواب :أن هذا كذب ،ليس فيه شيء من كتب الحديث ،ول له إسناد معلوم.
فإنه لم يقل( :وعليّ فيكـم) بل الذي ثبت عنه في الصـحيح أنـه قال يوم السقيفة :بايعوا أحـد هذين
الرجلين :عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح .فقال له عمر :بل أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى
رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم .قال عمـر :كنـت وال لن أُقدّم فتُضرب عنقـي ،ل يقرّبنـي ذلك إلى
إثم ،أحب إليّ من تأمّري على قوم فيهم أبو بكر(.)1
)(1تقدم تريه )93/وسيأت )407/وتريه هناك.
157
ثم لو قال( :وعليّ فيكم) لستخلفه مكان عمر ؛ فإن أمره كان مطاعًا.
وأما قوله( :إن كانت إمامته حقّا كانت استقالته منها معصية).
فيقال :إن ثبـت أنـه قال ذلك ،فإن كونهـا حقًا إمـا بمعنـى كونهـا جائزة ،والجائز يجوز تركـه ،وإمـا
بمعنى كونها واجبة إذا لم يولّوا غيره ولم يقيلوه ،وأما إذا أقالوه وولّوا غيره لم تكن واجبة عليه.
والنسان قد يعقد بيعًا أو إجارة ،و يكون العقد حقًا ،ثم يطلب القالة ،وهو لتواضعه وثقل الحمل
عليه قد يطلب القالة ،و إن لم يكن هناك من هو أحق بها منه ،وتواضع النسان ل يسقط حقه.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وقال عمـر :كانـت بيعـة أبـي بكـر َفلْتـة وقـى ال المسـلمين شرهـا ،فمـن عاد إلى
مثلها فاقتلوه ،ولو كانت إمامته صحيحة لم يستحق فاعلها القتل ،فيلزم تطرق الطعن إلى عمر ،وإن
كانت باطلة ،لزم الطعن عليهما معًا).
والجواب :أن لفـظ الحديـث سـيأتي ،قال فيـه :فل يغترن امرؤ أن يقول( :إنمـا كانـت بيعـة أبـي بكـر
فلتة فتمت ،أل وإنّها قد كانت كذلك ،ولكن وقى الُ شرّها ،وليس فيكم من تقطع إليه العناق مثل
أبـي بكـر) ومعناه أن بيعـة أبـي بكـر بودر إليهـا مـن غيـر تريـث ول انتظار ،لكونـه كان متعيّناـ لهذا
المر ،كما قال عمر( :ليس فيكم من تُقطع إليه العناق مثل أبي بكر).
وكان ظهور فضيلة أبي بكر على من سواه ،وتقديم رسول ال صلى ال عليه وسلم له على سائر
الصــحابة أمرًا ظاهرًا معلومًـا ،فكانــت دللة النصــوص على تعيينــه تُغنــي عــن مشاورة وانتظار
وتريث ،بخلف غيره ؛ فإنه ل تجوز مبايعته إل بعد المشاورة والنتظار والتريث ،فمن بايع غير
أبي بكر عن غير انتظار وتشاور لم يكن له ذلك.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وقال أبـو بكـر عنـد موتـه :ليتنـي كنـت سـألت رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم هـل
ك من إمامته ولم تقع صوابًا). للنصار في هذا المر حق ؛ وهذا يدل على أنه في ش ٍ
والجواب :أن هذا كذب على أبـي بكـر رضـي ال عنـه ،وهـو لم يذكـر له إسـنادًا ،ومعلوم أن مـن
احتج في أي مسألة كانت بشيء من النقل ،فلبد أن يذكر إسنادًا تقوم به الحجة ،فكيف بمن يطعن
في السابقين الوّلين بمجرد حكاية ل إسناد لها؟
ثعم يقال :هذا يقدح فيمـا تدّعونـه مـن النـص على عليّـ ؛ فإنـه لو كان قـد نصّـ على عليّـ لم يكـن
للنصار فيه حق ،ولم يكن في ذلك شك.
(فصععل)
قال الرافضي( :وقال عند احتضاره :ليت أمي لم تلدني! يا ليتني كنت تبنة في لبنة ،مع أنهم قد
نقلوا عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أنـه قال :مـا مـن محتضـر يحتضـر إل ويرى مقعده مـن الجنـة
والنار).
والجواب :أن تكلمه بهذا عند الموت غير معروف ،بل هو باطل بل ريب ،بل الثابت عنه أنه لما
احتُضر ،وتمثلت عنده عائشة بقول الشاعر:
إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدرُ لعُمرك ما يغني الثراءُ عن الفتى
فكشـف عـن وجهـه ،وقال :ليـس كذلك ،ولكـن قولي(( :وَجَاءَتْع سَع ْكرَةُ ال َموْتِع بِالْحَقّ َذلِكَع مَا ُكنْتَع
مِ ْنهُ تَحِيدُ))[ق.]19:
ولكن نقل عنه أنه قال في صحته :ليت أمي لم تلدني! ونحو هذا قاله خوفًا -إن صح النقل عنه-
158
ومثل هذا الكلم منقول عن جماعة أنهم قالوه خوفًا وهيبة من أهوال يوم القيامة ،حتى قال بعضهم:
خيّرت بيـن أن أحاسـب وأدخـل الجنـة ،وبيـن أن أصـير ترابًا ،لخترت أن أصـير ترابًا ،وروى لو ُ
المام أحمد عن أبي ذر أنه قال :وال لوددت أني شجرة تعضد.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وقال أبـو بكـر :ليتنـي فـي ظلة بنـي سـاعدة ضربـت بيدي على يـد أحـد الرجليـن،
فكان هو المير وكنت الوزير) قال( :وهو يدل على أنه لم يكن صالحًا يرتضي لنفسه المامة).
والجواب :أن هذا إن كان قاله فهـو أدلّ دليـل على أن عليّاـ لم يكـن هـو المام ؛ وذلك أن قائل هذا
إنمـا يقوله خوفًا مـن ال أن يضيـع حـق الوليـة ،وأنـه إذا ولّى غيَره وكان وزيرًا له ،كان أبرأ لذمتـه؛
فلو كان عليـّ هـو المام ،لكانـت توليتـه لحـد الرجليـن إضاعـة للمامـة أيضـا ،وكان يكون وزيرًا
لظالم غيره ،وكان قد باع آخرته بدنيا غيره ،وهذا ل يفعله من يخاف ال ،ويطلب براءة ذمته.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وقال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم فـي مرض موتـه ،مرة بعـد أخرى ،مكررًا
لذلك :أنفذوا جيش أسامة ،لعن ال المتخلف عن جيش أسامة .وكان الثلثة معه ،ومنع أبو بكر عمر
من ذلك).
والجواب :أن هذا من الكذب المتفق على أنه كذب عند كل من يعرف السيرة ،ولم ينقل أحد من
أهل العلم أن النبي صلى ال عليه وسلم أرسل أبا بكر أو عثمان في جيش أسامة ،وإنما رُوى ذلك
في عمر ،وكيف يرسل أبا بكر في جيش أسامة ،وقد استخلفه يصلّي بالمسلمين مدة مرضه ،وكان
ابتداء مرضه من يوم الخميـس إلى الخميس إلى يوم الثنين ،اثني عشر يومًا ،ولم يقدّم في الصـلة
بالمسـلمين إل أبـا بكـر بالنقـل المتواتـر ،ولم تكـن الصـلة التـي صـلّها أبـو بكـر بالمسـلمين فـي مرض
النـبي صـلى ال عليـه وسـلم صـلةً ول صـلتين ،ول صـلة يوم ول يوميـن ،حتـى يُظَنّـ مـا تدعيـه
الرافضـة مـن التلبيـس ،وأن عائشـة قدّمتـه بغيـر أمره ،بـل كان يصـلّي بهـم مدة مرضـه ؛ فإن الناس
متفقون على أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يصل بهم في مرض موته ولم يصل بهم إل أبو بكر،
وعلى أنـه صـلّى بهـم عدة أيام .وأقـل مـا قيـل :إنّه صـلّى بهـم سـبع عشرة صـلة ؛ صـلّى بهـم صـلة
العشاء الخرة ليلة الجمعـة ،وخطـب بهـم يوم الجمعـة .هذا مـا تواترت بـه الحاديـث الصـحيحة ،ولم
يزل يصـلّي بهـم إلى فجـر يوم الثنيـن ،صـلّى بهـم صـلة الفجـر ،وكشـف النـبي صـلى ال عليـه وسـلم
السـتارة ،فرآهـم يصـلّون خلف أبـي بكـر ،فلمـا رأوه كادوا يفتنون فـي صـلتهم ،ثُم أرخـى السـتارة،
وكان ذلك آخر عهدهم به ،وتوفي يوم الثنين حين اشتد الضحى قريبًا من الزوال.
(فصععل)
ل النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أبـا بكـر ألبتـة عملً فـي وقتـه ،بـل ولّى
قال الرافضعي( :وأيضًا لمْـ ُيوَ ّ
عليه عمرو بن العاص تارة وأسامة أخرى ،ولما أنفذه بسورة (براءة) ردّه بعد ثلثة أيام بوحي من
ال ،وكيـف يرتضـي العاقـل إمامـة مـن ل يرتضيـه النـبي صـلى ال عليـه وسـلم بوحـي مـن ال لداء
عشر آيات من (براءة)؟!).
والجواب :أن هذا من َأ ْبيَن الكذب ؛ فإنه من المعلوم المتواتر عند أهل التفسير والمغازى والسير
والحديث والفقه وغيرهم :أن النبي صلى ال عليه وسلم استعمل أبا بكر على الحج عام تسع ،وهو
أول حج كان في السلم من مدينة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ولم يكن قبله حج في السلم،
إل الحجة التي أقامها عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية من مكة ؛ فإن مكة فتحت سنة ثمان،
159
وأقام الحج ذلك العام عتاب بن أسيد ،الذي استعمله النبي صلى ال عليه وسلم على أهل مكة ثم أمّر
أبا بكر سنة تسع للحج ،بعد رجوع النبي صلى ال عليه وسلم من غزوة تبوك ،وفيها َأمَر أبا بكر
بالمناداة في الموسم :أن ل يحج بعد العام مشرك ،ول يطوف بالبيت عُريان ،ولم يؤمّر النبي صلى
ال عليه وسلم غير أبي بكر على مثل هذه الولية ؛ فولية أبي بكر كانت من خصائصه ،فإن النبي
صـلى ال عليـه وسـلم لم يؤمّرـ على الحـج أحدًا كتأميـر أبـي بكـر ،ولم يسـتخلف على الصـلة أحدًا
كاستخلف أبي بكر ،وكان عليّ من رعيته في هذه الحجة ؛ فإنه لحقه ،فقال :أمير أو مأمور؟ فقال
عليـّ :بـل مأمور ،وكان عليّـ يصـلّي خلف أبـي بكـر مـع سـائر المسـلمين فـي هذه الوليـة ،ويأتمـر
لمره كما يأتمر له سائر من معه ،ونادى عليّ مع الناس في هذه الحجة بأمر أبي بكر.
ي وغيره؛ فلم يكن لعليّ ولية وأما ولية غير أبي بكر فكانت مما يشاركه فيها غيره ،كولية عل ّ
ل النبي صلى ال عليه وسلم إل ولغيره مثلها ،بخلف ولية أبي بكر ،فإنها من خصائصه ،ولم يو ّ
على أبي بكر ل أسامة بن زيد ول عمرو بن العاص.
فأما تأمير أسامة عليه فمن الكذب المتفق على كذبه.
ع ْمرًا فـي سـرية ،وهـي
وأمـا قصـة عمرو بـن العاص ،فإن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم كان أرسـل َ
غزوة ذات الســلسل ،وكانــت إلى بنــي عذرة ،وهــم أخوال عمرو ،فأمّرــ عمرًا ليكون ذلك ســببًا
لســلمهم ،للقرابــة التــي له منهــم ،ثــم أردفــه بأبــي عــبيدة ،ومعــه أبــو بكــر وعمــر و غيرهمــا مــن
ع ْمرًا قال :أصلّي بأصحابي وتصلّي بأصحابك. المهاجرين ،و قال( :تطاوعا ول تختلفا) فلما لحق َ
قال :بـل أنـا أصـلّي بكـم؛ فإنمـا أنـت مدد لي ،فقال له أبـو عـبيدة :إن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم
أمرنـي أن أطاوعـك ،فإن عصـيتني أطعتـك ،قال :فإنـي أعصـيك ،فأراد عمرو أن ينازعـه فـي ذلك،
فأشار عليه أبو بكر أن ل يفعل ،ورأى أبو بكر أن ذلك أصـلح للمر ،فكانوا يصلّون خلف عمرو،
مع علم كل أحد أن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة أفضل من عمرو.
وأمعا قول الرافضعي :إنـه لمـا أنفذه بـبراءة ردّه بعـد ثلثـة أيام ؛ فهذا مـن الكذب المعلوم؟أنـه كذب،
فإن النبي صلى ال عليه وسلم لما أمّر أبا بكر على الحج ،ذهب كما أمره ،وأقام الحج في ذلك العام
-عام تسـع -للناس ،ولم يرجـع إلى المدينـة حتـى قضـى الحـج ،وأنفـذ فيـه مـا أمره بـه النـبي صـلى ال
عليــه وســلم ،فإن المشركيــن كانوا يحجون البيــت ،وكانوا يطوفون بالبيــت عراة ،وكان بيــن النــبي
صـلى ال عليـه وسـلم وبيـن المشركيـن عهود مطلقـة ،فبعـث أبـا بكـر وأمره أن ينادي :أن ل يحـج بعـد
العام مشرك ،ول يطوف بالبيت عُريان ،فنادى بذلك من أمره أبو بكر بالنداء ذلك العام ،وكان عليّ
بـن أبـي طالب مـن جملة مـن نادى بذلك فـي الموسـم بأمـر أبـي بكـر ،ولكـن لمـا خرج أبـو بكـر أردفـه
النبي صلى ال عليه وسلم بعليّ بن أبي طالب لينبذ إلى المشركين العهود.
قالوا :وكان مـن عادة العرب أن ل يعقـد العهود ول يفسـخها إل المطاع ،أو رجـل مـن أهـل بيتـه،
َف َبعَث عليّا لجل فسخ العهود التي كانت مع المشركين خاصة ،لم يبعثه لشيء آخر ،ولهذا كان عليّ
يصلّي خلف أبي بكر ،ويدفع بدفعه في الحج ،كسائر رعية أبي بكر الذين كانوا معه في الموسم.
(فصععل)
قال الرافضي( :وقطع يسار سارق ،ولم يعلم أن القطع لليد اليمنى).
والجواب :أن قول القائل :إن أبـا بكـر يجهلُ هذا ،مـن أظهـر الكذب ،ولوقدّر أن أبـا بكركان يجيـز
ذلك ،لكان ذلك قولً سائغًا ؛ لن القرآن ليس في ظاهره ما يعيّن اليمين ،لكن تعيين اليمين في قراءة
ابن مسعود( :فاقطعوا أيمانهما) وبذلك مضت السنة ،ولكن أين النقل بذلك عن أبي بكر رضي ال
160
عنـه أنـه قطـع اليسـرى؟ وأيـن السـناد الثابـت بذلك؟ وهذه كتـب أهـل العلم بالثار موجودة ليـس فيهـا
ذلك ،ول نقل أهل العلم بالختلف ذلك قولً ،مع تعظيمهم لبي بكر رضي ال عنه.
(فصععل)
قال الرافضي( :وأحرق الفجاءة السلمى بالنار ،وقد نهى النبي صلى ال عليه وسلم عن الحراق
بالنار).
الجواب :أن الحراق بالنار عن عل يّ أشهر وأظهر منه عن أبي بكر ،وأنه قد ثبت في الصحيح
ي بقوم زنادقة من غلة الشيعة ،فحرّقهم بالنار ،فبلغ ذلك ابن عباس ،فقال :لو كنت أنا لم أن عليّا ُأتِ َ
أحرّقهم بالنار ،لنهي النبي صلى ال عليه وسلم أن ُيعَذّب بعذاب ال ،ولضربت أعناقهم ،لقول النبي
علَىصلى ال عليه وسلم( :من بدّل دينه فاقتلوه) فبلغ ذلك عليّا ،فقال :ويح ابن أم الفضل ما أسقطه َ
الهنات(.)1
فعليّـ حرق جماعـة بالنار ،فإن كان مـا فعله أبـو بكـر منكرًا ،ففعـل عليّـ أنكـر منـه ،وإن كان فعـل
عليّ مما ل يُنكر مثله على الئمة ،فأبو بكر أوْلى أن ل يُنكر عليه.
(فصععل)
قال الرافضععي( :وَخَفِي َـ عليــه أكثــر أحكام الشريعــة ،فلم يعرف حكــم الكللة ،وقال :أقول فيهــا
برأيـي ،فإن يـك صـوابًا فمـن ال ،وإن يـك خطـأ فمنـي ومـن الشيطان ،وقضـى بالجـد بسـبعين قضيـة،
وهو يدل على قصوره في العلم).
والجواب :أن هذا مـن أعظـم البهتان ،كيـف يخفـى عليـه أكثـر أحكام الشريعـة ،ولم يكـن بحضرة
النـبي صـلى ال عليـه وسـلم مـن يقضـي ويُفتـى إل هـو؟! ولم يكـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أكثـر
مشاورة لح ٍد مـن الصـحابة منـه له ولعمـر ،ولم يكـن أح ٌد أعظـم اختصـاصًا بالنـبي صـلى ال عليـه
وسلم منه ثم عمر.
وقـد ذكـر غيـر واحـد ،مثـل :منصـور بـن عبـد الجبّار السـمعاني وغيره ،إجماع أهـل العلم على أن
الصـدّيق أعلم المـة .وهذا بيّنـٌ ،فإن المـة لم تختلف فـي وليتـه فـي مسـألة إل فصـلّها هـو بعلم يـبيّنه
لهم ،وحجة يذكرها لهم من الكتاب والسنة ،كما بيّن لهم موت النبي صلى ال عليه وسلم ،وتثبيتهم
على اليمان ،وقراءتـه عليهـم اليـة ،ثـم بيّنـ لهـم موضـع دفنـه ،وبيّنـ لهـم قتال مانعـي الزكاة لمـا
استراب فيه عمر ،وبيّن لهم أن الخلفة في قريش في سقيفة بني ساعدة ،لمّا ظن من ظن أنها تكون
في غير قريش.
وقـد اسـتعمله النـبي صـلى ال عليـه وسـلم على أول حجـة حجـت مـن مدينـة النـبي صـلى ال عليـه
علْ مُ المناسك أد قّ ما في العبادات ،لول سعة علمه بها لم يستعمله ،وكذلك الصلة استخلفه وسلم .و ِ
فيها ،ولول علمه بها لم يستخلفه ،ولم يستخلف غيره ل في حج ول في صلة.
وكتاب الصدقة التي فرضها رسول ال صلى ال عليه وسلم أخذه أنس من أبي بكر ،وهو أصح
ما رُوي فيها ،وعليه اعتمد الفقهاء.
وفـي الجملة ل يُعرف لبـي بكـر مسـألة مـن الشريعـة غلط فيهـا ،وقـد عُرف لغيره مسـائل كثيرة،
كما بسط في موضعه.
وأما قول الرافضي( :لم يعرف حكم الكللة حتى قال فيها برأيه).
فالجواب :أن هذا مـن أعظـم علمـه ،فإن هذا الرأي الذي رآه فـي الكللة قـد اتفـق عليـه جماهيـر
)(1انظر :البخاري (.)9/15
161
العلماء بعده ؛ فإنهم أخذوا في الكللة بقول أبي بكر ،وهو من ل ولد له ول والد ،والقول بالرأي هو
ي وابن مسعود وزيد بن ثابت ومعاذ بن معروف عن سائر الصحابة :كأبي بكر وعمر وعثمان وعل ّ
جبـل ،لكـن الرأي الموافـق للحـق هـو الذي يكون لصـاحبه أجران ،كرأي الصـدّيق ،فإن هذا خيـر مـن
الرأي الذي غاية صاحبه أن يكون له أجر واحد.
عبَاد لعليـّ :أرأيـت مسـيرك هذا :ألعهـد عهده إليـك رسـول ال صـلى ال عليـه وقـد قال قيـس بـن ُ
()1
وسلم أم رأى رأيته؟ فقال :بل رأى رأيته .رواه أبو داود وغيره .
فإن كان مثـل هذا الرأي الذي حصـل بـه مـن سـفك الدماء مـا حصـل ،ل يمنـع صـاحبه أن يكون
إمامًا ،فكيف بذلك الرأي الذي اتفق جماهير العلماء على حسنه.
وأمـا مـا ذكره مـن قضائه فـي الجـد بسـبعين قضيـة ،فهذا كذب ،وليـس هـو قول أبـي بكـر ،ول نُقـل
هذا عن أبي بكر؛ بل نقل هذا عن أبى بكر يدل على غاية جهل هؤلء الروافض وكذبهم.
(فصععل)
قال الرافضعي :فأي نسـبة له بمـن قال( :سـلوني قبـل أن تفقدونـي ،سـلوني عـن طرق السـماء فإنـي
أعرف بها من طرق الرض).
قال أبعو البحتري :رأيـت عليّاـ صـعد المنـبر بالكوفـة ،وعليـه مدرعـة كانـت لرسـول ال صـلى ال
عليـه وسـلم متقلدًا لسـيف رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم متعممًا بعمامـة رسـول ال صـلى ال عليـه
وسلم ،وفي أصبعه خاتم رسول ال صلى ال عليه وسلم فقعد على المنبر ،وكشف عن بطنه ،فقال:
سـلوني مـن قبـل أن تفقدونـي ،فإنمـا بيـن الجوانـح منـي علم جـم ،هذا سـفط العلم ،هذا لعاب رسـول ال
صلى ال عليه وسلم ،هذا ما زقّني رسول ال صلى ال عليه وسلم زقّا من غير وحي إليّ ،فوال لو
ثُنيت لي وسادة فجلست عليها لفتيت أهل التوراة بتوراتهم ،وأهل النجيل بإنجيلهم ،حتى يُنطق ال
التوراة والنجيــل ،فتقول :صــدق عليــّ ،قــد أفتاكــم بمــا أنزل ال فيّـ ،وأنتــم تتلون الكتاب ،أفل
تعقلون)).
والجواب :أما قول عليّ( :سلوني) فإنما كان يخاطب بهذا أهل الكوفة ليعلّمهم العلم والدين ؛ فإن
ل لم يدركوا النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،وأمـا أبـو بكـر فكان الذيـن حول منـبره هـم
جهّا ً
غالبهـم كانوا ُ
أكابر أصـحاب النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،الذيـن تعلّموا مـن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم العلم
والدين ،فكانت رعية أبي بكر أعلم المة وأَ ْديَنها ،وأما الذين كان عليّ يخاطبهم فهم من جملة عوام
الناس التابعيـن ،وكان كثيـر منهـم مـن شرار التابعيـن .ولهذا كان عليّـ رضـي ال عنـه يذمّهـم ويدعـو
عليهم ،وكان التابعون بمكة والمدينة والشام والبصرة خيرًا منهم.
ص َوبَها
وقد جمع الناس القضية والفتاوى المنقولة عن أبي بكر وعمر وعثمان وعل يّ ،فوجدوا أَ ْ
وأدلّهـا على علم صـاحبها أمور أبـي بكـر ثـم عمـر ،ولهذا كان مـا يُوجـد مـن المور التـي وُجـد نصٌـ
يخالفها عن عمر أقل مما وُجد عن عل يّ ،وأما أبو بكر فل يكاد يوجد ن صّ يخالفه ،وكان هو الذي
يفصل المور المشتبهة عليهم ،ولم يكن يُعرف منهم اختلف على عهده ،وعامة ما تنازعوا فيه من
الحكام كان بعد أبي بكر.
والحديث المذكور عن عل يّ كذب ظاهر ل تجوز نسبة مثله إلى عل يّ ؛ فإن عليّا أعلم بال وبدين
ال مـن أن يحكـم بالتوراة والنجيـل ،إذ كان المسـلمون متفقيـن على أنـه ل يجوز لمسـلم أن يحكـم بيـن
أحد إل بما أنزل ال في القرآن ،وإذا تحاكم اليهود والنصارى إلى المسلمين لم يجز لهم أن يحكموا
)(1انظر :مسلم ( )4/2143وسنن أب داود (.)4/300
162
بينهم إل بما أنزل ال في القرآن.
وإذا كان مـن المعلوم بالكتاب والسـنة والجماع ،أن الحاكـم بيـن اليهود والنصـارى ل يجوز أن
يحكـم بينهـم إل بمـا أنزل ال على محمـد ،سـواء وافـق مـا بأيديهـم مـن التوراة والنجيـل أو لم يوافقـه،
كان من نسب عليّا إلى أنه يحكم بالتوراة والنجيل بين اليهود والنصارى ،أو يفتيهم بذلك ،ويمدحه
بذلك :إما أن يكون من أجهل الناس بالدين ،وبما يُمدح به صاحبه ،وإما أن يكون زنديقًا ملحدًا أراد
القدح في عليّ بمثل هذا الكلم الذي يستحق صاحبه الذم والعقاب ،دون المدح والثواب.
(فصععل)
قال الرافضي( :وروى البيهقي بإسناده عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال :من أراد أن
ينظر إلى آدم في علمه ،وإلى نوح في تقواه ،وإلى إبراهيم في حلمه ،وإلى موسى في هيبته ،وإلى
ي بن أبي طالب ،فأثبت له ما تفرّق فيهم). عيسى في عبادته ،فلينظر إلى عل ّ
والجواب :أن يقال أولً :أيــن إســناد هذا الحديــث؟ والبيهقــي يروي فــي الفضائل أحاديــث كثيرة
ضعيفة ،بل موضوعة ،كما جرت عادة أمثاله من أهل العلم.
ويقال ثانيًا :هذا الحديث كذب موضوع على رسـول ال صلى ال عليه وسلم بل ريب عند أهـل
العلم بالحديــث ،ولهذا ل يذكره أهــل العلم بالحديــث ،وإن كانوا حراص ـًا على جمــع فضائل علي ـّ،
كالنســائي ؛ فإنــه قصــد أن يجمــع فضائل عليـّ فــي كتاب ســماه (الخصــائص) ،والترمذي قــد ذكــر
أحاديث متعددة في فضائله ،وفيها ما هو ضعيف بل موضوع ،ومع هذا لم يذكروا هذا ونحوه.
(فصععل)
قال الرافضعي( :قال أبـو عمـر الزاهـد :قال أبـو العباس :ل نعلم أحدًا قال بعـد نـبيه( :سـلوني) مـن
شيثٍ إلى محمدٍ إل عليّ ،فسأله الكابر :أبو بكر وعمر وأشباههما ،حتى انقطع السؤال ،ثم قال بعد
هذا :يا ُك َميْل بن زياد ،إن ههنا لعلمًا جمًا لو أصبت له حملة).
والجواب :أن هذا النقل إن صح عن ثعلب ؛ فثعلب لم يذكر له إسنادًا حتى يُحتج به ،وليس ثعلب
من أئمة الحديث الذين يعرفون صحيحه من سقيمه ،حتى يُقال :قد صح عنده ،كما إذا قال ذلك أحمد
أو يحيـى بـن معيـن أو البخاري ونحوهـم ،بـل مـن هـو أعلم مـن ثعلب مـن الفقهاء يذكرون أحاديـث
كثيرة ل أصـل لهـا ،فكيـف ثعلب؟! وهـو قـد سـمع هذا مـن بعـض الناس الذيـن ل يذكرون مـا يقولون
عن أحد.
وعليّـ رضـي ال عنـه لم يكـن يقول هذا بالمدينـة ،ل فـي خلفـة أبـي بكـر ول عمـر ول عثمان،
وإنما كان يقول هذا في خلفته في الكوفة ،ليعلم أولئك الذين لم يكونوا يعلمون ما ينبغي لهم علمه،
ي رضي ال عنه يأمرهم بطلب العلم والسؤال. وكان هذا لتقصيرهم في طلب العلم ،وكان عل ّ
علَىل مـن التابعيـن لم يصـحبه إل بالكوفـة ،فدل َ وحديـث ُكمَيْل بـن زياد يدل على هذا ؛ فإن كمي ً
أنـــه كان يرى تقصـــيرًا مـــن أولئك عـــن كونهـــم حملة للعلم ،ولم يكـــن يقول هذا فـــي المهاجريـــن
والنصار ،بل كان عظيم الثناء عليهم.
وأما أبو بكر فلم يسأل عليّا قط عن شيء ،وأما عمر فكان يشاور الصحابة :عثمان وعليّا وعبد
ي من أهل الشورى. الرحمن وابن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم ،فكان عل ّ
(فصععل)
قال الرافضععي( :وأهمــل حدود ال فلم يقتــص مــن خالد بــن الوليــد ول حدّه حيــث قتــل مالك بــن
نويرة ،وكان مسلمًا ،وتزوج امرأته في ليلة قتله وضاجعها ،وأشار عليه عمر بقتله فلم يفعل).
163
والجواب أن يقال :أولً :إن كان ترك قتــل قاتــل المعصــوم ممــا يُنكــر على الئمــة ،كان هذا مــن
علَى عليّـ ؛ فإن عثمان خيـر مـن ملء الرض مـن مثـل مالك بـن نويرة، أعظـم حجـة شيعـة عثمان َ
وهو خليفة المسلمين ،وقد قُتل مظلومًا شهيدًا بل تأويل مسوّغ لقتله ،وعليّ لم يقتل َق َتلَته ،وكان هذا
ي له عذر شرعي في ترك قتل من أعظم ما امتنعت به شيعة عثمان عن مبايعة عل يّ ،فإ نْ كان عل ّ
قتلة عثمان ،فعذر أبي بكر في ترك قتل قاتل مالك بن نويرة أقوى ،وإن لم يكن لبي بكر عذر في
ي َأوْلى أن ل يكون له عذر في ترك قتل قتلة عثمان. ذلك فعل ّ
وأمـا مـا تفعله الرافضـة مـن النكار على أبـي بكـر فـي هذه القضيـة الصـغيرة ،وترك إنكار مـا هـو
علَى عليّ ،فهذا من فرط جهلهم وتناقضهم. أعظم منها َ
علَى عثمان كونه لم يقتل عُبيد ال بن عمر بالهرمزان ،هو من هذا الباب. وكذلك إنكارهم َ
وإذا قال القائل :عليّـ كان معذورًا فـي ترك قتـل قتلة عثمان ،لن شروط السـتيفاء لم توجـد؛ إمـا
لعدم العلم بأعيان ال َقتَلة ،وإما لعجزه عن القوم لكونهم ذوي شوكة ،ونحو ذلك.
قيععل :فشروط الســتيفاء لم توجــد فــي قتــل قاتــل مالك بــن نويرة ،وقتــل قاتــل الهرمزان ،لوجود
الشبهة في ذلك ،والحدود تُدرأ بالشّبهات.
علَى عثمان بقتل عبيد ال علَى أبي بكر بقتل خالد بن الوليد ،وعل يّ أشار َ وإذا قالوا :عمر أشار َ
بن عمر.
علَى أبيعلَى عليّ بقتل قتلة عثمان ،مع أن الذين أشاروا َ قيل :وطلحة والزبير وغيرهما أشاروا َ
بكـر بال َقوَد ،أقام عليهـم حجّة سـلّموا لهـا ،إمـا لظهور الحـق معـه ،وإمـا لكون ذلك ممـا يسـوغ فيـه
الجتهاد.
وعليّـ لمـا لم يوافـق الذيـن أشاروا عليـه بالقود ،جرى بينـه وبينهـم مـن الحروب مـا قـد عُلم ،وقتـل
قتلة عثمان أهون مما جرى بالجمل وصفّين ،فإذا كان في هذا اجتهاد سائغ ،ففي ذلك أوْلى.
وإن قالوا :عثمان كان مباح الدم.
قيعل لهعم :فل يشـك أحـد فـي أن إباحـة دم مالك بـن نُويرة أظهـر مـن إباحـة دم عثمان ،بـل مالك بـن
نويرة ل يُعرف أنه كان معصوم الدم ،ولم يثبت ذلك عندنا ،وأما عثمان فقد ثبت بالتواتر ونصوص
الكتاب والسنة أنه كان معصوم الدم ،وبين عثمان ومالك بن نويرة من الفرق ما ل يحصى عدده إل
ال تعالى.
ومععن قال :إن عثمان كان مباح الدم ،لم يمكنــه أن يجعــل عليّا ـ معصــوم الدم ،ول الحســين ؛ فإن
عصـمة دم عثمان أظهـر مـن عصـمة دم عليّـ والحسـين ،وعثمان أبعـد عـن موجبات القتـل مـن علي
والحســين ،وشُبهــة َقتَلة عثمان أضعــف بكثيـر مـن شبهــة َق َتلَة عليـّ والحســين ؛ فإن عثمان لم يقتــل
مسـلمًا ،ول قاتـل أحدًا على وليتـه ،ولم يطلب قتال أحـد على وليتـه أصـلً؛ فإن وجـب أن يُقال :مـن
قتـل خلقًا مـن المسـلمين على وليتـه إنـه معصـوم الدم ،وإنـه مجتهـد فيمـا فعله ،فَلَن يُقال :عثمان
معصوم الدم ،وإنه مجتهد فيما فعله من الموال والوليات بطريق الوْلى والحرى.
ثعم يُقال :غايـة مـا يُقال فـي قصـة مالك بـن نويرة :إنـه كان معصـوم الدم وإن خالدًا قتله بتأويـل،
وهذا ل يبيح قتل خالد ،كما أن أسامة بن زيد لما قتل الرجل الذي قال :ل إله إل ال ،وقال له النبي
صـلى ال عليـه وسـلم( :يـا أسـامة أقتلتـه بعـد أن قال :ل إله إل ال؟ يـا أسـامة أقتلتـه بعـد أن قال :ل إله
إل ال؟يـا أسامة أقتلته بعد أن قال :ل إله إل ال؟)( )1فأنكـر عليـه قتله ،ولم يوجب عليـه َقوَدًا ول دِية
)(1انظر :مسلم ( )97 -1/96وسنن أب داود (.)3/61
164
ول كفّارة.
وأمـا ما ذكره من تزوجـه بامرأته ليلة قتله ،فهذا مما لم يعرف ثبوته ،ولو ثبـت لكان هناك تأويل
يمنـع الرجـم .والفقهاء مختلفون فـي عدة الوفاة :هـل تجـب للكافـر؟ على قوليـن .وكذلك تنازعوا هـل
يجب على الذميّة عدة الوفاة؟ على قولين مشهورين للمسلمين ،بخلف عدة الطلق ،فإن تلك سببها
الوطء ,فل بد من براءة الرحم ،وأما عدة الوفاة فتجب بمجرد العقد ،فإذا مات قبل الدخول بها فهل
تعتد من الكافر أم ل؟ فيه نزاع ،وكذلك إن دخل بها ،وقد حاضت بعد الدخول حيضة.
هذا إذا كان الكافـر أصـليًا ،وأمـا المرتـد إذا قتـل ،أو مات على ردتـه ،ففـي مذهـب الشافعـي وأحمـد
وأبـي يوسـف ومحمـد ليـس عليهـا عدة وفاة بـل عدة فرقـة بائنـة ،لن النكاح بطـل بردة الزوج ،وهذه
الفرقة ليست طلقًا عند الشافعي وأحمد ،وهي طلق عند مالك وأبي حنيفة ،ولهذا لم يوجبوا عليها
عدة وفاة ،بل عدة فرقة بائنة ،فإن كان لم يدخل بها فل عدة عليها ,كما ليس عليها عدة من طلق.
ومعلوم أن خالدًا قتـل مالك بـن نويرة لنـه رآه مرتدًا ،فإذا كان لم يدخـل بإمرأتـه فل عدة عليهـا
عنـد عامـة العلماء ،وإن كان قـد دخـل بهـا فإنـه يجـب عليـه اسـتبراء بحيضـة ل بعدة كاملة فـي أحـد
قوليهــم ،وفــي الخــر بثلث حيــض ،وإن كان كافرًا أصــليًا فليــس على امرأتــه عدة وفاة فــي أحــد
قوليهم ،وإذا كان الواجب استبراء بحيضة فقد تكون حاضت .ومن الفقهاء من يجعل بعض الحيضة
استبراء ،فإذا كانت في آخر الحيض جعل ذلك استبرا ًء لدللته على براءة الرحم.
وبالجملة فنحـن لم نعلم أن القضيـة وقعـت على وجـه ل يسـوغ فيهـا الجتهاد والطعـن بمثـل ذلك
من قول من يتكلم بل علم ،وهذا مما حرّمه ال ورسوله.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وخالف أمـر النـبي صـلى ال عليـه وسـلم فـي توريـث بنـت النـبي صـلى ال عليـه
وسلم ومنعها فدكًا ،وتسمّى بخليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم من غير أن يستخلفه).
والجععواب :أمـا الميراث فجميـع المسـلمين مـع أبي بكر في ذلك ،ما خل بعض الشيعـة ،وقد تقدم
الكلم فـي ذلك ،وبيّنـا أن هذا مـن العلم الثابـت عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم ،وأن قول الرافضـة
باطل قطعًا.
وكذلك مـا ذكـر مـن فدك ،والخلفاء بعـد أبـي بكـر على هذا القول ،وأبـو بكـر وعمـر لم يتعلقـا مـن
فدك ول غيرهـا مـن العقار بشيـء ول أعطيـا أهلهمـا مـن ذلك شيئًا ،وقـد أعطيـا بنـي هاشـم أضعاف
أضعاف ذلك.
ثـم لو احتـج محتـج بأن عليًا كان يمنـع المال ابـن عباس وغيره مـن بنـي هاشـم ،حتـى أخـذ ابـن
عباس بعـض مال البصـرة وذهـب بـه ،لم يكـن الجواب عـن علي إل بأنـه إمام عادل قاصـد للحـق ل
يتهم في ذلك.
وهذا الجواب هـو فـي حـق أبـي بكـر بطريـق الولى والحرى ،وأبـو بكـر أعظـم محبـة لفاطمـة
ومرعاة لها من علي لبن عباس ،وابن عباس بعلي أشبه من فاطمة بأبي بكر ،فإن فضل أبي بكر
ي على ابن عباس.
على فاطمة أعظم من فضل عل ّ
(فصععل)
وأمـا تسـميته بخليفـة رسـول ال ؛ فإن المسـلمين سـمّوه بذلك ،فإن كان الخليفـة هـو المسـتخلَف كمـا
ادّعاه هذا ،كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قد استخلفه ،كما يقول ذلك من يقوله من أهل السنّة،
خلَفـَ غيرَه – وإن كان لم يسـتخلفه ذلك الغيــر كمـا يقوله الجمهور – لم وإن كان الخليفـة هـو الذي َ
165
يحتج في هذا السم إلى الستخلف.
خلَفَ غيره :سواء والستعمال الموجود في الكتاب والسنة يدل على أن هذا السم يتناول كل من َ
ظرَ َكيْفَع اسـتخلفه ،أو لم يسـتخلفه ،كقوله تعالى(( :ثمّ جَ َع ْلنَاكُمْع خَلئِفَع فعي ا َلرْضِع مِنْع بَعْدِهِمْع ِلنَنْ ُ
تَ ْعمَلونَ))[يونس.]14:
(فصععل)
قال الرافضعي( :ومنهـا مـا رووه عـن عمـر ،روى أبـو نُعيـم الحافـظ فـي كتابـه (حليـة الولياء) أنـه
قال لمـا احتُضـر :يـا ليتنـي كنـت كبشًا لقومـي فسـمنّوني مـا بدا لهـم ،ثـم جاءهـم أحـب قومهـم إليهـم
فذبحونـي ،فجعلوا نصـفي شوا ًء ونصـفي قديدًا ،فأكلونـي ،فأكون عذرة ول أكون بشرًا ،وهـل هذا إل
مسا ٍو لقول الكافر(( :يا َليْتَني ُكنْتُ تُرابًا))[النبأ.]40:
قال( :وقال لبن عباس عند احتضاره :لو أن لي ملء الرض ذهبًا ومثله معه لفتديت به نفسي
جمِيعًا َومِثْلَهُع مَعَهُع ل ْفتَ َدوْاظَلمُوا مَا فعي ا َلرْضِع َ
مـن هول المطلع ،وهذا مثـل قوله(( :وَ َلوْ َأنّ للذّينَع َ
ل الرجلين عند احتضارهما ،وقول عليّ: ن سُوءِ ا ْلعَذَاب))[الزمر ]1:فلينظر المنصف العاقل قو َ بِ ِه مِ ْ
متى ألقى الحبة ..محمدًا وحزبه.
متى ألقاها ..متى يُبعث أشقاها.
وقوله حين قتله ابن ملجم :فزت ورب الكعبة).
والجواب :أن فــي هذا الكلم مــن الجهالة مــا يدل على فرط جهــل قائله؛ وذلك أن مــا ذكره عــن
عليّ قد نُقل مثله عمّن هو دون أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ ،بل نُقل مثله عمّن يكفّر عليّ بن أبي
طالب مــن الخوارج ،كقول بلل عتيــق أبــي بكــر عنــد الحتضار ،وامرأتــه تقول :واحرباه ،وهــو
يقول :واطرباه غدًا ألقى الحبة محمدًا وحزبه.
ل وذويـه) فمـا حال وكان عمـر قـد دعـا لمـا عارضوه فـي قسـمة الرض ،فقال( :اللهـم اكفنـي بل ً
ط ِرفُ. حوْل وفيهم عين تَ ْ ال َ
وروى أبو نُعيم في (الحلية)( :حدثنا القطيعى ،حدثنا الحسن بن عبد ال ،حدثنا عامر بن سيّار،
حدثنـا عبـد الحميـد بـن بهرام ،عـن شهـر بـن حوشـب ،عـن عبـد الرحمـن بـن غنـم ،عـن الحارث بـن
عميـر ،قال :طُعـن معاذ وأبـو عـبيدة وشُرحبيـل بـن حسـنة وأبـو مالك الشعري فـي يوم واحـد ،فقال
معاذ :إنه رحمة ربكم ،ودعوة نبيكم ،وقبض الصالحين قبلكم ،اللهم آت آل معاذ النصيب الوفر من
هذه الرحمـة ،فمـا أمسـى حتـى طُعـن ابنـه عبـد الرحمـن ِب ْكرُه الذي كان يُكنّىـ بـه ،وأحـب الخلق إليـه،
فرجع من المسجد فوجده مكروبًا ،فقال :يا عبد الرحمن ،كيف أنت؟ قال :يا أبتِ الحق من ربك فل
تكونـن مـن الممتريـن ،قال :وأنـا إن شاء ال سـتجدني مـن الصـابرين ،فأمسـكه َل ْيلَهُـ ثـم دفنـه مـن الغـد،
وطُعن معاذ ،فقال حين اشتدّ به النزع -نزع الموت -فنزع نزعًا لم ينزعه أحد ،وكان كلما أفاق فتح
خنْقَك ،فوعزتك إنك لتعلم أن قلبي يحبك)(.)1 طرفه ،وقال :رب أخنقني َ
وكذلك قوله :فزت ورب الكعبة .قد قالها من هو دون عل يّ ،قالها عامر بن فُهيرة َم ْولَى أبي بكر
الصـديق لمـا قُتـل يوم بئر معونـة ،وكان قـد بعثـه النـبي صـلى ال عليـه وسـلم مـع سـرية ِقبَل نجـد ،قال
العلماء بالســير :طعنــه جبّار بــن س َـلْمى فأنفذه ،فقال عامــر :فزت وال .فقال جبّار :مــا قوله :فزت
وال؟ قال عروة بن الزبير :يرون أن الملئكة دفنته(.)2
)(1انظر :اللية (.)1/240
)(2انظر :اللية (.)1/240
166
ب لترضى. وشبيب الخارجي لما طُعن دخل في الطعنة ،وجعل يقول :وعجلت إليك ر ِ
وأعرف شخصـًا مـن أصـحابنا لمـا حضرتـه الوفاة جعـل يقول :حبيـبي هاقـد جئتـك ،حتـى خرجـت
نفسه .ومثل هذا كثير.
عبَادِهِ خشَى الَ مِ نْ ِ وأما خوف عمر وخشيته من ال لكمال علمه ؛ فإن ال تعالى يقولِ(( :إ ّنمَا يَ ْ
الْعُ َلمَاءُ))(.)1
وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم يصلّي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء(.)2
ت ُترَابًا))[النبأ.)]40: وأما قول الرافضي( :وهل هذا إل مساوٍ لقول الكافر(( :يَا َل ْي َتنِي ُكنْ ُ
فهذا جهـل منـه ؛ فإن الكافـر يقول ذلك يوم القيامـة ،حيـن ل تُقبـل توبـة ،ول تنفـع حسـنة ،وأمـا مـن
يقول ذلك في الدنيا ،فهذا يقوله في دار العمل على وجه الخشية ل ،فيُثاب على خوفه من ال.
سيّا))[مريم ]23:ولم يكن هذا كتمنّي الموت سيًا مَنْ ِ
وقد قالت مريم(( :ياَ َل ْي َتنِي مِتّ َق ْبلَ هَذَا وَ ُكنْ تُ نَ ْ
يوم القيامة.
عَليْنَعا ول يُجعــل هذا كقول أهــل النار ،كمــا أخــبر ال عنهــم بقوله(( :وَنَا َدوْا يَعا مَالِكععُ ِليَقْضععِ َ
جمِيعًا َومِثْلَ ُه مَعَ هُ لَ ْفتَ َدوْا بِ هِ ظَلمُوا مَا في ا َلرْ ضِ َ َربّ كَ))[الزخرف ]77:وكذلك قوله(( :وَ َلوْ َأنّ ِللّذِي نَ َ
سبُونَ))[الزمر ]47:؛ فهذا إخبار عن حتَ ِ ب َيوْمَ ال ِقيَامَ ِة َوبَدَا َلهُ ْم مّنَ الِ مَا لَ ْم يَكُونُوا يَ ْ مِنُ سُوءِ الْ َعذَا ِ
حالهم يوم القيامة حين ل ينفع توبة ول خشية.
وأمـا فـي الدنيـا ،فالعبـد إذا خاف ربّهـ كان خوفـه ممـا يثيبـه ال عليـه ،فمـن خاف ال فـي الدنيـا أمّنـه
يوم القيامة ،ومن جعل خوف المؤمن من ربه في الدنيا كخوف الكافر في الخرة ،فهو كمن جعل
الظلمات كالنور ،والظل كالحرور ،والحياء كالموات.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وروى أصـحاب الصـحاح السـتة مـن مسـند ابـن عباس أن رسـول ال صـلى ال
عليه وسلم قال في مرض موته:ائتوني بدواة و بياض أكتب لكم كتابًا ل تضلّون به من بعدي ،فقال
عمــر :إن الرجــل َل َيهْجُر ،حس ـبُنا كتاب ال ،فكثــر اللّغَط ،فقال رســول ال صــلى ال عليــه وســلم:
خرُجُوا عنـي ،ل ينبغـي التنازع لديـّ ،فقال ابـن عباس :الرزيـة كـل الرزيـة مـا حال بيننـا وبيـن كتاب اْ
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وقال عمر لما مات رسول ال صلى ال عليه وسلم :ما مات محمد
ول يموت حتــى يقطــع أيدي رجال وأرجلهــم ،فلمــا نهاه أبــو بكــر وتل عليــه(( :إنّك َع َميّتٌع وَِإ ّنهُم عْ
علَى َأعْقَابِكُمعْ))[آل عمران ]144:قال :كأنـي مـا مَ ّيتُونعَ))[الزمـر ،]30:وقوله(( :أفَإِنْع مّاتَع َأوْ ُق ِتلَ انْقَ َل ْبتُمْع َ
سمعت هذه الية).
والجواب :أن يقال :أمـا عمـر فقـد ثبـت مـن علمـه وفضله مـا لم يثبـت لحـد غيـر أبـي يكـر ،ففـي
صـحيح مسـلم عـن عائشـة ،عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم أنـه كان يقول( :قـد كان فـي المـم قبلكـم
مُحَدّثون ،فإن يكن في أمتي أحد فعمر) قال ابن وهب :تفسير (محدّثون) :ملهمون(.)3
وروى البخاري عـن أبـي هريرة عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم قال( :إنـه قـد كان فيمـا مضـى
قبلكم من المم محدّثون ،وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب) وفي لفظ للبخاري:
(لقـد كان فيمـن كان قبلكـم مـن بنـي إسـرائيل رجال يكلّمون مـن غيـر أن يكونوا أنـبياء ،فإن يكـن فـي
)(1انظر :اللية (.)1/240
)(2انظر :سنن النسائي ( )3/14والسند (.)26 ،)4/25
)(3انظر :البخاري ( )5/11وأماكن أُخر وانظر :مسلم (.)4/1864
167
أمتي منهم أحد فعمر)(.)1
وفـي الصـحيح ،عـن ابـن عمـر ،عـن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم قال( :بينـا أنـا نائم إذ رأيـت قدحًا
أتيت به فيه لبن ،فشربت منه حتى إني لرى ال ّريّ يخرج من أظفاري ،ثم أعطيت فضلي عمر بن
الخطاب) .قالوا :فما أوّلته يا رسول ال؟ قال( :العلم)(.)2
وفـي الصـحيحين ،عـن أبـي سـعيد قال :قال رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم( :بينـا أنـا نائم رأيـت
الناس يُعرضون عليّ وعليهـم قمـص ،منهـا مـا يبلغ الثدي ،ومنهـا مـا يبلغ دون ذلك ،ومـر عمـر بـن
الخطاب وعليه قميص يجرّه) قالوا :ما أوّلت ذلك يا رسول ال؟قال( :الدين)(.)3
وأمـا قصـة الكتاب الذي كان رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم يريـد أن يكتبـه ،فقـد جاء مبيّنـا ،كمـا
في الصحيحين ،عن عائشة رضي ال عنها ،قالت :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم في مرضه:
(ادعـي لي أباك وأخاك حتـى أكتـب كتابًا ،فإنـي أخاف أن يتمنـى متمنّ ويقول قائل :أنـا أ ْولَى ،ويأبـى
ال والمؤمنون إل أبا بكر)(.)4
وفي صحيح البخاري عن القاسم بن محمد ،قال :قالت عائشة( :وارأساه! فقال رسول ال صلى
ال عليـه وسـلم( :لو كان وأنـا حيّـ فأسـتغفر لك وأدعـو لك) قالت عائشـة( :واثكله! وال إنـي لظنـك
تحـب موتـي ،فلو كان ذلك لظللت آخـر يومـك ُم َعرّسـًا ببعـض أزواجـك ،فقال رسـول ال صـلى ال
عليـه وسـلم( :بـل أنـا وارأسـاه! لقـد هممـت أن أرسـل إلى أبـي بكـر وابنـه وأعهـد أن يقول القائلون أو
يتمنى المتمنّون ،ويدفع ال ويأبى المؤمنون)(.)5
وأمـا عمـر فاشتبـه عليـه هـل كان قول النـبي صـلى ال عليـه وسـلم مـن شدة المرض ،أو كان مـن
أقواله المعروفـة .والمرض جائز على النـبياء ،ولهذا قال( :ماله؟ أهجـر؟) فشكّ فـي ذلك ولم يجزم
بأنه هجر ،والشك جائز على عمر ،فإنه ل معصوم إل النبي صلى ال عليه وسلم ،ل سيما وقد شك
بشبهـة ؛ فإن النـبي صـلى ال عليـه وسـلم كان مريضًا ،فلم يدر أكلمـه كان مـن وهـج المرض كمـا
يعرض للمريض ،أو كان من كلمه المعروف الذي يجب قبوله ،وكذلك ظن أنه لم يمت حتى تبين
أنه قد مات.
والنبي صلى ال عليه وسلم قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة ،فلما رأى أن الشك
قـد وقـع ،علم أن الكتاب ل يرفـع الشـك ،فلم يبـق فيـه فائدة ،وعلم أن ال يجمعهـم على مـا عزم عليـه،
كما قال( :ويأبى ال والمؤمنون إل أبا بكر).
وقول ابـن عباس( :إن الرزيـة كـل الرزيـة مـا حال بيـن رسـول ال صـلى ال عليـه وسـلم وبيـن أن
يكتب الكتاب) يقتضي أن هذا الحائل كان رزية ،وهو رزية في حق من شك في خلفة الصدّيق ،أو
اشتبـه عليـه المـر ؛ فإنـه لو كان هناك كتاب لزال هذا الشـك ،فأمـا مـن علم أن خلفتـه حـق فل رزّيـة
في حقه ،ول الحمد.
ومــن توهّـم أن هذا الكتاب كان بخلفــة عليــّ فهــو ضال باتفاق عامــة الناس مــن علماء الســنة
والشيعة ،أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه ،وأما الشيعة القائلون بأن عليّا كان
)(1انظر :ما تقدم قبل قليل.
)(2انظر :البخاري ( )24-1/23و(ج )9/35ومسلم (.)4/1859
)(3انظر :البخاري ( )36-9/35( ،)5/12ومسلم (.)4/1859
)(4انظر :البخاري ( )7/119و(ج )81-9/80ومسلم (.)4/1857
)(5انظر :البخاري (.)81-9/80
168
ص على إمامته قبل ذلك ن صّا جليًا ظاهرًا معروفًا ،وحينئذٍ هو المستحق للمامة ،فيقولون :إنه قد ن ّ
فلم يكن يحتاج إلى كتاب.
وإن قيــل :إن المــة جحدت النــص المعلوم المشهور ،فلن تكتــم كتابًا حضره طائفــة قليلة أوْلى
وأحرى.
وأيضًا :فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته ،ول يجوز له ترك الكتاب لشك من
شـك ،فلو كان مـا يكتبـه فـي الكتاب ممـا يجـب بيانـه وكتابتـه ،لكان النـبي صـلى ال عليـه وسـلم يـبيّنه
ويكتبــه ،ول يلتفــت إلى قول أحدٍ ،فإنــه أطوع الخلق له ،فعُلم أنــه لمــا ترك الكتاب لم يكــن الكتاب
واجبًا ،ول كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذٍ ،إذ لو وجب لفعله ،ولو أن عمر رضي ال عنه
اشتبـه عليـه أمـر ،ثـم تـبيّن له أوشـك فـي بعـض المور ،فليـس هـو أعظـم ممـن يفتـي ويقضـي بأمور
ويكون النـبي صـلى ال عليـه وسـلم قـد حكـم بخلفهـا ،مجتهدًا فـي ذلك ،ول يكون قـد علم حكـم النـبي
صلى ال عليه وسلم ؛ فإن الشك في الحق أخف من الجزم بنقيضه.
وكـل هذا إذا كان باجتهاد سـائغ كان غايتـه أن يكون مـن الخطـأ الذي رفـع ال المؤاخذة بـه ،كمـا
قضـى عليّ فـي الحامـل المتوفّى عنهـا زوجهـا أنهـا تعت ّد أبعـد الجليـن ،مـع مـا ثبـت فـي الصـحاح عـن
النبي صلى ال عليه وسلم أنه لما قيل له :إن أبا السنابل بن بعكك أفتى بذلك لسبيعة السلمية ،فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :كذب أبو السنابل ،بل حلل تِ فانكحي من شئت)( )1فقد كذّب النبي
صـلى ال عليـه وسـلم هذا الذي أفتـى بهذا ،وأبـو السـنابل لم يكـن مـن أهـل الجتهاد ،ومـا كان له أن
يف ِتيَ بهذا مع حضور النبي صلى ال عليه وسلم.
وأمـا عليّـ وابـن عباس رضـي ال عنهمـا وإن كانـا أفتيـا بذلك ،لكـن كان ذلك عـن اجتهاد ،وكان
س َبيْعة.
ذلك بعد موت النبي صلى ال عليه وسلم ،ولم يكن بلغهما قصة ُ
(فصععل)
قال الرافضي( :ولما وعظت فاطمة أبا بكر في فَدَك ،كتب لها كتابًا بها ،وردها عليها ،فخرجت
مـن عنده ،فلقيهـا عمـر بـن الخطاب فحرق الكتاب ،فدعـت عليـه بمـا فعله أبـو لؤلؤة بـه وعطّل حدود
ال فلم يح ّد المغيرة بـن شعبـة ،وكان يعطـي أزواج النـبي صـلى ال عليـه وسـلم مـن بيـت المال أكثـر
ممــا ينبغــي ،وكان يعطــي عائشــة وحفصــة فــي كــل ســنة عشرة آلف درهــم ،وغيّرـ حكــم ال فــي
المنفيين ،وكان قليل المعرفة في الحكام).
والجواب :أن هذا مــن الكذب الذي ل يســتريب فيــه عالم ،ولم يذكــر هذا أحــد مــن أهــل العلم
بالحديـث ،ول يُعرف له إسـناد ،وأبـو بكـر لم يكتـب فَ َدكًا قـط لحـد ،ل لفاطمـة ول غيرهـا ،ول دعـت
فاطمة على عمر.
ومـا فعله أبـو لؤلؤة كرامـة فـي حـق عمـر رضـي ال عنـه ،وهـو أعظـم ممّا فعله ابـن ملجـم بعليّـ
رضـي ال عنـه ،ومـا فعله قتلة الحسـين رضـي ال عنـه بـه ،فإن أبـا لؤلؤة كافرٌ قتـل عمـر كمـا يقتـل
الكافـر المؤمـن ،وهذه الشهادة أعظـم مـن شهادة مـن يقتله مسـلم ؛ فإن قتيـل الكافـر أعظـم درج ًة مـن
قتيـل المسـلمين ،وقتـل أبـي لؤلؤة لعمـر كان بعـد موت فاطمـة بمدة خلفـة أبـي بكـر وعمـر إل سـتة
أشهر ،فمن أين يُعرف أن قتله كان بسبب دعاء حصل في تلك المدة.
علَى مسـلم بأن يقتله كافـر ،كان ذلك دعاء له ل عليـه ،كمـا كان النـبي صـلى ال والداعـي إذا دعـا َ
عليـه وسـلم يدعـو لصـحابه بنحـو ذلك ،كقوله( :يغفـر ال لفلن) فيقولون :لو أمتعتنـا بـه! وكان إذا
)(1انظر :البخاري ( )5/80ومسلم (.)2/1122
169
دعا لحد بذلك استُشهد(.)1
ولو قال قائل :إن عليّا ظلم أهل صفّين والخوارج حتى دعوا عليه بما فعله ابن ملجم ،لم يكن هذا
أبعد عن المعقول من هذا ،وكذلك لو قال :إن آل سفيان بن حرب دعوا على الحسين بما فُعل به.
وأما قول الرافضي( :وعطّل حدود ال فلم يح ّد المغيرة بن شعبة).
فالجواب:أن جماهيــر العلماء على مــا فعله عمــر فــي قصــة المغيرة ،وأن البيّنــة إذا لم تكمــل حدّ
الشهود ،ومـن قال بالقول الخـر لم ينازع فـي أن هذه مسـألة اجتهاد ،وقـد تقدّم أن مـا يرد على علي
بتعطيـل إقامـة القصـاص والحدود على قتلة عثمان أعظـم ،فإذا كان القادح فـي علّي مبطل ،فالقادح
في عمر أولى بالبطلن.
وقوله( :وكان يعطـي أزواج النـبي صـلى ال عليـه وسـلم مـن بيـت المال أكثـر ممـا ينبغـي ،وكان
يعطي عائشة وحفصة من المال في كل سنة عشرة آلف درهم).
فالجواب:أما حفصة فكان ينقصها من العطاء لكونها ابنته ،كما نقص عبد ال بن عمر ،وهذا من
كمال احتياطـه فـي العدل ،وخوفـه مقام ربـه ،ونهيـه نفسـه عـن الهوى ،وهـو كان يرى التفضيـل فـي
العطاء بالفضل ،فيعطي أزواج النبي صلى ال عليه وسلم أعظم مما يعطي غيرهن من النساء ،كما
كان يعطـي بنـي هاشـم مـن آل أبـي طالب وآل العباس أكثـر ممـا يعطـي مـن عداهـم مـن سـائر القبائل،
فإذا فضّل شخ صًا كان لجل اتصاله برسول ال صلى ال عليه وسلم ،أو لسابقته واستحقاقه ،وكان
يقول:ليــس أحــد أحــق بهذا المال مــن أحــد ،وإنمــا هــو الرجــل وغناؤه ،والرجــل وبلؤه ،والرجــل
وسـابقته ،والرجـل وحاجتـه ،فمـا كان يعطـي مـن يُتهـم على إعطائه بمحاباة فـي صـداقة أو قرابـة ،بـل
كان ينقــص ابنــه وابنتــه ونحوهمــا عــن نظرائهــم فــي العطاء ،وإنمــا كان يفضّلـ بالســباب الدينيــة
المحضة ،ويفضّل أهل بيت النبي صلى ال عليه وسلم على جميع البيوتات ويقدّمهم.
وهذه السـيرة لم يسـرها بعده مثله ل عثمان ول عليّـ ول غيرهمـا ،فإن قُدح فيـه بتفضيـل أزواج
النبي صلى ال عليه وسلم ،فليُقدح فيه بتفضيل رجال أهل بيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ،بل
وتقديمهم على غيرهم.
(فصععل)
وأما قوله( :وغيّر حكم ال في المنفيين).
فالجواب :أن التغييـر لحكـم ال بمـا يناقـض حكـم ال ،مثـل :إسـقاط مـا أوجبـه ال ،وتحريـم مـا أحلّه
ال ،والنفي في الخمر كان من باب التعزير الذي يسوغ فيه الجتهاد ،وذلك أن الخمر لم يقدّر النبي
صـلى ال عليـه وسـلم حدّهـا :ل قَ ْدرُهُـ ول صـفتُهُ ،بـل جوّز فيهـا الضرب بالجريـد والنعال ،وأطراف
عثْكول النخل ،والضرب في حد القذف والزنا إنما يكون بالسوط ،وأما العدد في الخمر فقد الثياب و ُ
ضرب الصحابة أربعين وضربوا ثمانين ،وقد ثبت في الصحيح عن عل يّ رضي ال عنه أنه قال:
سنّة)(.)2
(وكُلّ ُ
(فصععل)
قال الرافضعي( :وكان قليـل المعرفـة بالحكام أمـر برجـم حامـل ،فقال له عليـّ :إن كان لك عليهـا
سبيل ،فل سبيل لك على ما في بطنها .فأمسك ،وقال :لول عليّ لهلك عمر).
والجواب :أن هذه القصــة إن كانــت صــحيحة ،فل تخلو مــن أن يكون عمــر لم يعلم أنهــا حامــل،
)(1انظر :البخاري ( )5/130وغيه ومسلم (.)3/1427
)(2انظر :صحيح مسلم ( )1332-3/1331وسنن أب داود (.)4/228
170
فأخبره عليّ بحملها .ول ريب أن الصل عدم العلم ،والمام إذا لم يعلم أن المستحقة للقتل أو الرجم
حامل ،فعرّفه بعض الناس بحالها ،كان هذا من جملة إخباره بأحوال الناس المغيّبات ،ومن جنس ما
يشهد به عنده الشهود ،وهذا أمر ل بد منه مع كل أحد من النبياء والئمة وغيرهم ،وليس هذا من
الحكام الكلية الشرعية.
وإما أن يكون عمر قد غاب عنه كون الحامل ل ترجم ،فلما ذكّره عل يّ ذكر ذلك ،ولهذا أمسك،
ولو كان رأيه أن الحامل ترجم لرجمها ،ولم يرجع إلى رأي غيره ،و قد مضت سنة النبي صلى ال
عليه وسلم في الغامدية لما قالت( :إني حبلى من الزنا ،فقال لها النبي صلى ال عليه وسلم :اذهبي
حتـى تضعيـه)( )1ولو قدّر أنـه خفـى عليـه علم هذه المسـألة حتـى عرفـه ،لم يقدح ذلك فيـه ،لن عمـر
سـاس المسـلمين وأهـل الذمّة ،يعطـي الحقوق ،ويقيـم الحدود ،ويحكـم بيـن الناس كلهـم ،وفـي زمنـه
انتشر السلم ،وظهر ظهورًا لم يكن قبله مثله ،وهو دائمًا يقضي ويُفتي ،ولول كثرة علمه لم يُطق
ذلك ،فإذا خفيـت عليـه قضيـة مـن مائة ألف قضيـة ثـم عرفهـا ،أو كان نسـيها فذكرهـا ،فأي عيـب فـي
ذلك؟!
ي عليه من سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم أضعاف ذلك ،ومنها وعليّ رضي ال عنه قد خَفِ َ
ما مات ولم يعرفه.
(فصععل)
قال الرافضعي( :وأمـر برجـم مجنونـة ،فقال له علي رضـي ال عنـه :إن القلم رُفـع عـن المجنون
ي لهلك عمر). حتى يفيق ،فأمسك .وقال :لول عل ّ
والجواب :أن هذه الزيادة ليست معروفة في هذا الحديث ،ورجم المجنونة ل يخلو :إما أن يكون
لم يعلم بجنونهـا فل يقدح ذلك فـي علمـه بالحكام ،أو كان ذاهلً عـن ذلك ف ُذكّرـ بذلك ،أو يظـن الظان
أن العقوبات لدفــع الضرر فــي الدنيــا ،والمجنون قــد يُعاقــب لدفــع عدوانــه على غيره مــن العقلء
والمجانين ،والزنا هو من العدوان ،فيُعاقب على ذلك حتى يتبين له أن هذا من باب حدود ال تعالى
التي ل تقام إل على المكلف.
والشريعـة قـد جاءت بعقوبـة الصـبيان على ترك الصـلة ،كمـا قال صـلى ال عليـه وسـلم( :مروهـم
بالصلة لسبع واضربوهم عليها لعشر ،وفرّقوا بينهم في المضاجع)(.)2
والمجنون إذا صـال ولم يندفـع صـياله إل بقتله قُتـل ،بـل البهيمـة إذا صـالت ولم يندفـع صـيالها إل
بقتلهــا قُتلت ،وإن كانــت مملوكــة لم يكــن على قاتلهــا ضمان للمالك عنــد جمهور العلماء ،كمالك
والشافعي وأحمد وغيرهم.
وبالجملة فمـا ذكره مـن المطاعـن فـي عمـر وغيره يرجـع إلى شيئيـن :إمـا نقـص العلم ،وإمـا نقـص
الديـن ،ونحـن الن فـي ذكره ،فمـا ذكره مـن منـع فاطمـة ومحاباتـه فـي القَسـْم ودرء الحـد ونحـو ذلك
ل بـل كان ظالمًا ،ومـن المعلوم للخاص والعام أن عدل عمـر رضـي ال يرجـع إلى أنـه لم يكـن عاد ً
عنـه مل الفاق ،وصـار يُضرب بـه المثـل ،كمـا قيـل :سـيرة العمريـن ،وأحدهمـا :عمـر بـن الخطاب،
والخـر قيـل :إنـه عمـر بـن عبـد العزيـز ،وهـو قول أحمـد بـن حنبـل وغيره مـن أهـل العلم والحديـث،
وقيل :هو أبو بكر وعمر ،وهو قول :أبي عبيدة وطائفة من أهل اللغة والنحو.
171
الفهرس
سنّة4.....................................................................................................................................................................
مخُتْصَ ُر ِم ْنهَاجِ ال ّ
المقدمة4................................................................................................................................................................................... :
(فصــل)7...................................................................................................................................................................................
(فصــل)8...................................................................................................................................................................................
مشابهة الرافضة لليهود والنصارى من وجوه كثيرة8................................................................................................................................
متى سموا رافضة وكذا الزيدية12......................................................................................................................................................
ذكر بعض حماقات الرافضة12..........................................................................................................................................................
(فصــل)17.................................................................................................................................................................................
الرافضة أكذب الناس وذلك فيهم قديم وليسوا أهل علم17...........................................................................................................................
الفصل الول20............................................................................................................................................................................
زعم الرافضة أن المامة من أهم أصول الدين20....................................................................................................................................
شرك بعض الصوفية حتى في الربوبية26.............................................................................................................................................
ل وجود للياس والخضر26.............................................................................................................................................................
أصول الدين عند المامية27.............................................................................................................................................................
تناقض الرافضة في المامة بين القول والتطبيق28..................................................................................................................................
ل يحصل بمعرفة المام خير إن لم يعمل صالحاً29..................................................................................................................................
ليست المامة من واجبات الدين29......................................................................................................................................................
(فصــل)33.................................................................................................................................................................................
(فصــل)33.................................................................................................................................................................................
(فصــل)38.................................................................................................................................................................................
(فصــل)65.................................................................................................................................................................................
(فصــل)68.................................................................................................................................................................................
(فصــل)68.................................................................................................................................................................................
(فصــل)72.................................................................................................................................................................................
(فصــل)78.................................................................................................................................................................................
(فصــل)81.................................................................................................................................................................................
(فصــل)89.................................................................................................................................................................................
(فصــل)90.................................................................................................................................................................................
(فصــل)90.................................................................................................................................................................................
(فصــل)91.................................................................................................................................................................................
(فصــل)94.................................................................................................................................................................................
(فصــل)95.................................................................................................................................................................................
(فصــل)96.................................................................................................................................................................................
(فصــل)99.................................................................................................................................................................................
(فصــل)103...............................................................................................................................................................................
(فصــل)103...............................................................................................................................................................................
(فصــل)123...............................................................................................................................................................................
(فصــل)128...............................................................................................................................................................................
(فصــل)130...............................................................................................................................................................................
(فصــل)135...............................................................................................................................................................................
(فصــل)137...............................................................................................................................................................................
(فصــل)138...............................................................................................................................................................................
(فصــل)139...............................................................................................................................................................................
(فصــل)141...............................................................................................................................................................................
(فصــل)142...............................................................................................................................................................................
(فصــل)144...............................................................................................................................................................................
(فصــل)145...............................................................................................................................................................................
(فصــل)145...............................................................................................................................................................................
(فصــل)145...............................................................................................................................................................................
(فصــل)146...............................................................................................................................................................................
(فصــل)146...............................................................................................................................................................................
(فصــل)147...............................................................................................................................................................................
(فصــل)147...............................................................................................................................................................................
(فصــل)149...............................................................................................................................................................................
(فصــل)151...............................................................................................................................................................................
(فصــل)154...............................................................................................................................................................................
172
(فصــل)155...............................................................................................................................................................................
(فصــل)155...............................................................................................................................................................................
(فصــل)156...............................................................................................................................................................................
(فصــل)156...............................................................................................................................................................................
(فصــل)157...............................................................................................................................................................................
(فصــل)158...............................................................................................................................................................................
(فصــل)158...............................................................................................................................................................................
(فصــل)158...............................................................................................................................................................................
(فصــل)159...............................................................................................................................................................................
(فصــل)159...............................................................................................................................................................................
(فصــل)159...............................................................................................................................................................................
(فصــل)160...............................................................................................................................................................................
(فصــل)161...............................................................................................................................................................................
(فصــل)161...............................................................................................................................................................................
(فصــل)162...............................................................................................................................................................................
(فصــل)163...............................................................................................................................................................................
(فصــل)163...............................................................................................................................................................................
(فصــل)163...............................................................................................................................................................................
(فصــل)165...............................................................................................................................................................................
(فصــل)165...............................................................................................................................................................................
(فصــل)166...............................................................................................................................................................................
(فصــل)167...............................................................................................................................................................................
(فصــل)169...............................................................................................................................................................................
(فصــل)170...............................................................................................................................................................................
(فصــل)170...............................................................................................................................................................................
(فصــل)171...............................................................................................................................................................................
الفهرس172.................................................................................................................................................................................
173