Professional Documents
Culture Documents
/عاصم
أسرار اليقين الغرب ّ
السيد
التاريخ 19/3/1430 :الموافق | 2009-03-16الزيارات633 :
المختصر /
المختصر /أثناء حملته النتخابية ،كان الرئيس المريكي أوباما تراوده أحلم
قه ،فبدأ ي ُط ْل ِ ُ
ق تحقيق النصر الذي لم يستطع سلفه الجمهوري بوش البن تحقي َ
التصريحات بضرورة النسحاب من العراق ،وتحويل الطاقة العسكرية الساسية
مه السلطة رسمّيا، حهِ في النتخابات ،وتسل ّ ِ للقتال في أفغانستان ،وبعد نجا ِ
أعلن عن استراتيجيته الجديدة في أفغانستان ،ومنها زيادةُ عدد القوات
ف جندي. المريكية بنحو 17أل َ
ر على هذه الستراتيجية التي أعلنها ل من شه ٍ ض سوى أق ّ م ِلم ي َ ْ
و ،يغّير فيه موقفه واستراتيجيته مدَ ّ أوباما ،حتى خرج بتصريح ُ
ب ؤكدُ أن الوليات المتحدة لم تكس ِ ّ بنسبة مائة وثمانين درجة ،وي ُ َ
الحرب في أفغانستان ،وأنه ل مفّر من الحوار مع ما أسماها
بالعناصر "المعتدلة" في حركة طالبان ،بدًل من إرسال المزيد من
القوات!
بل إن أوباما كان أكثر تراجًعا؛ حينما حذر ،في مقابلة مع صحيفة "نيويورك
تايمز" في 8مارس الجاري ،من أن السوأ لم يقع بعد ،وأن حركة طالبان
ازدادت جرأةً وجسارةً عن ذي قبل ..نراهم في مناطق جنوب البلد يشنون
هجمات لم يسبق أن شهدنا مثَلها ،بينما الحكومة الفغانية لم تكسب ثقة
الشعب ،وأن الوليات المتحدة ل تحقق انتصاًرا في الحرب في أفغانستان .ثم
يخرج أوباما بعد ذلك ليدعوَ إلى الدخول في مفاوضات مع المعتدلين من حركة
"طالبان".
هذا الموقف الذي عّبر عنه أوباما ،والذي جاء بالتأكيد بعد تقييم ٍ
س المن القومي وأجهزة ل البنتاجون ،ومجل ِ قب َ ِ للموقف من ِ
ةف شمال الطلنطي ،وأجهز ِ ق مع حل ِ ن والتنسي ِ المخابرات ،بالتعاو ِ
عا؛ وهو س موقف هذه الجهات جمي ً المخابرات الوروبية ،جاءَ ليعك َ
ن يكسبوا الحرب من استقرارها على أنهم لن يستطيعوا أ ْ
ت ل غير الحرب؛ لنها خياٌر ث َب َ َ ث عن بدائ َ ن عليهم البح َ "طالبان" ،وأ ّ
هم لوتيرة ه منذ عام ،2002أي منذ حوالي 7سنوات كاملة ،رغم تصعيدِ ِ فشل ُ ُ
نك المزيد من الدول ،إل أ ّ عملياتهم العسكرية ،وزياد َت ِِهم لقواتهم ،وإشرا ِ
ة النهائية لهم. الفشل كان المحصل َ
وبدًل من التسخين والتصريحات النارية ،فاجأت واشنطن الجميعَ بالدعوة
لمؤتمر دولي حول أفغانستان في 31مارس ،بمشاركة الدول المجاورة ،بما
في ذلك إيران.
ه
حد َ ُو ْ ليس أوباما َ
جعَ جميع قادة أمريكا وأوروبا في لم ينفرد أوباما بموقفه المفاجئ ،وإنما ترا َ
س الموقف المتراجع ،بل إن وزير الدفاع المريكي ف َنفس الوقت ،واتخذوا ن َ ْ
ما من رئيسه بقوله :إنه يجب على جًعا وانهزا ً روبرت جيتس كان أكثَر ترا ُ
مّرِدي طالبان من العودة إلى مت َ َمن َعَ ُ
ن تَ ْ الوليات المتحدة ،في الحد الدنى ،أ ْ
دللة؛ لنه يؤكد أن المسئول حكم أفغانستان ،وهذا تصريح في غاية الخطورة وال ّ
ل هذه العسكري المريكي الول يتوقع أن تنجح "طالبان" -رغم الحرب ضدها ك ّ
السنوات -في الوصول إلى الحكم ،أي أنه يعترف بمدى قوتها.
ؤك ّدُ حالة النكماش نائب الرئيس المريكي جوزيف بايدن ،ي ُ َ
ف الفغاني بقوله في ختام اللقاء مع ع المريكي في المل َ ّ ج ِ والترا ُ
تهك َ ِأعضاء مجلس الناتو في بروكسل :إن الحرب في أفغانستان أن ْ َ
تن ،وأنه توجد لدى الحلفاء في الناتو خلفا ٌ الوروبيين والمريكا َ
ت عسكرية إضافية إلى أفغانستان ..وإن كان ْ
دا ٍ ح َ
و ْل َ ن إرسا ِ بشأ ِ
ل.ص ُاستمر في المكابرة بالقول :إن مكافحة الرهاب ستتوا َ
ت القادةِ المريكان بالهزيمة ،وعَد َم ِ استطاعتهم ت واعترافا ُ وتتواَلى إقرارا ُ
تحقيقَ النصر ،فيعترف الجنرال ديفيد مكيرنان ،القائد ُ العام للقوات المريكية،
ت التحالف تعجُز عن ن قوا ِ ت حلف شمال الطلسي في أفغانستان ،بأ ّ وقوا ِ
قد ّم ٍ في مناطق واسعة من الجنوب الفغاني ،وأنه رغم أن الستراتيجية تحقيق ت َ َ
ة ،إل أنها تفتقر إلى المواردِ ف الدولي في أفغانستان فّعال ٌ ُ
التي يعتمدها التحال ُ
اللزمةِ لنجاحها.
ل حديثه معترًفا :الجهود التي يبذلها التحالف لدعم القوات الفغانية ص ُ وا ِ وي ُ َ
ت في المناطق الشمالية والشرقية والغربية من ل نجاحا ٍ ج ُ س ّ
الحكومية ت ُ َ
ل في الجنوب ،وبعض ماث ِ ٍ
م َ أفغانستان..ولكننا عجزنا إلى الن عن تحقيق تقد ّم ٍ ُ
ة
ه في الجنوب هو افتقاُرَنا إلى الكثاف ِ جه ُ ُوا ِ
دي الذي ن ُ َ ح ّ
مناطق الشرق ،والت َ
ذر في المنطقة. المنية الدائمة ،الكفيلةِ بالسماح للحكم المدني بالتج ّ
أما في أوروبا ،فقد كان وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير
على نفس الموقف والخوف والنهيار والعتراف بالهزيمة؛
باعترافه بأنه ل يستبعد وصول "طالبان" إلى الحكم خلل
النتخابات الرئاسية المقررة في أفغانستان في 20أغسطس
ة بقوله :علينا احترام نتائج المقبل ،بل إنه كان أكثَر واقعي ً
النتخابات المقبلة أّيا كانت ،فإذا وصلت عناصر من طالبان إلى
السلطة من خلل القتراع ،واحترموا الدستور فهذا شأن أفغاني..
ما نرفضه هو الدعم للجهاد عالمّيا.
وهكذا ُتظهر التصريحات الفرنسية ميًل غريًبا نحو القرار بأنه من العبث مواصل ُ
ة
ث عن إمكانيةِ القضاء على طالبان كعقيدةٍ ووجوٍد. الحدي ِ
ألمانيا ،التي تتولى قيادة قوات التدخل السريع في شمال أفغانستان ،كانت
حب بخطة أوباما بالعتراف بالهزيمة أوًل ،ثم ي الذي ر ّ ي الثان َ ف الوروب ّ الطر َ
بالحوار مع معتدلي "طالبان" ،فقال وزير دفاعها فرانس :إن العمل العسكري
ة في شأن الحوار مع طالبان. ب سلبي ٌ فقط قد ل يؤدي لنتيجة ،إل أننا لدينا تجار ُ
وهكذا تشعر القوى الغربية بقلق متزايد ،ليس فقط بسبب التقدم الذي تحرزه
طالبان في أفغانستان؛ وإنما كذلك بسبب نفوذها المتنامي في باكستان؛ حيث
جهة ت لحلف الطلسي المتوَ ّ ل المدادا ِ وافِ َ ل مقاتلو الحركة بأفغانستان قَ َ عَْرقَ َ
إلى أفغانستان.
أما الدبلوماسي الرفيع في المم المتحدة الخضُر البراهيمي ،الذي شاَركَ
ط إعادة إعمار أفغانستان إ ِث َْر الطاحة بحكم "طالبان"؛ فهو ت وخط َ محادثا ِ
دون أن كل شيء ّ
ف الطلنطي ،الذين كانوا ي ُؤَك ُ ح الوليات المتحدة وحل َ ض ُ ف َ يَ ْ
ن كل شيء تقريًبا س ذلك ،وهو أ ّ ْ
يسير على ما ُيرام في أفغانستان؛ بإعلن ِهِ عَك َ
ينهاُر في أفغانستان ،وأننا ن َد ْفَعُ اليوم ثمن أخطاء ارتكبناها منذ اليوم الول.
"طالبان" ترفض
ت اقتراح أوباما بالتحاور مع عا؛ فقد رفض ْ موقف "طالبان" كان رائ ً
ة :إن خروج القوات ما أسماه الجناح المعتدل من الحركة ،قائل ً
ة
ل الوحيد لنهاء الحرب ،مؤكدةً أن الحركة متحد ٌ الجنبية هو الح ّ
ولها زعيم واحد ،وهدف واحد ،وسياسة واحدة ،والحركة ل تحوي
ة ،و"طالبان" ترفض حد َ ٌ وا ِ حدَةٌ َ و ْة ،بل هي ِ ت مختلف ً ة وتيارا ٍ أجنح ً
دا في أية مفاوضات مع ة وتفصيًل ،ولن تدخل أب ً هذا العرض جمل ً
القوات الدولية ..ستتفاوض فقط مع الحكومة الفغانية في حال رغبتها في
ذلك ،بشرط أن تقوم بإخراج جميع القوات الجنبية من أفغانستان.
ما لبعاد ة وفه ً وهذا الموقف من قيادات "طالبان" يعكس وعًيا سياسّيا ،وحنك ً
ث شرخ في ما لطبيعة المأِزق المريكي الذي يريد إحدا َ العرض المريكي ،وفه ً
ف منهزم للدخول معه في لعبة الخيانة والتنازلت الحركة ،واستقطاب طر ٍ
والمفاوضات.
ع أوباما ج ِأسباب ترا ُ
جعُ إلى عوامل عدة؛ أهمها أن أمريكا والناتو هذا التراجع الذي بدأه أوباما ي َْر ِ
فا بكف؛ فرغم قواتهم الكثيرة الموجودة ،ورغم أسلحتهم المتقدمة، ضرُِبون ك ّ
يَ ْ
ما على الرض، قد ّ ً قون ت َ َ ق ُ ح ّ وها في الحرب ،فإنهم ل ي ُ َ ض ْ
ورغم السنوات التي ق َ
جيد ُ ترتيب ة ،التي ت ُ ِ صَر ُ حا َم َ ْ
ققُ هذا التقدم هو "طالبان" ال ُ ح ّ
ف الذي ي ُ َ ن الط َّر َ
ولك ّ
بقُر ُ طر الن على ما ي َ ْ سي ْ ِ ت تُ َ ب ،بل بات َ ْ أوراقها ،ومن أجل ذلك لم ت ُن ْهِك َْها الحر ُ
من %72من الراضي الفغانية ،بعد استعاد َِتها السيطرةَ على معظم القاليم
ب لستعادةِ السيطرةِ على العاصمة ت أقر َ الجنوبية والشرقية ،كما أنها بات ْ
ف حكومة الرئيس حامد قرضاي ،وانعدام ِ كفاءةِ الجيش ضع ْ ِ كابول ،في ظل َ
سَها.
ف ِن نَ ْت الناتو بتأمي ِ ل قوا ِ الفغاني ،وانشغا ِ
ةة والناجح ُ ت النوعي ُ ع أوباما العمليا ُ ج ِ وكان من أهم أسباب ترا ُ
تف شاحنات المدادا ِ لعناصر "طالبان" باكستان؛ باستهدا ِ
ع الممرات ْ َ
رها ،وقط ِ مي ِ ة لقوات الناتو في أفغانستان ،وت َدْ ِ العسكري ِ
ر هذه الشاحنات ،وأصبحت حركة الباكستانية أمامها ،وتدمي ِ
م الن في ممر "خيبر" على المنطقة الحدودية مع حك ّ ُ "طالبان" تت َ
ع طريق المدادات الخاصة بقوات الناتو. ْ ت بِ َ
قط ِ باكستان ،وقام ْ
ة أنه ترافق مع العنصر السابق إغلقُ قيرغيزستان لقاعدة ومما زاد الطين ب ِل ّ ً
ت المريكية ضد أفغانستان، م قاعدة تنطلق منها القوا ُ "مناس" التي كانت أه ّ
أما طاجيكستان وأوزبكستان فقد وافقتا على مرور المدادات المدنّية فقط.
واِتها في أفغانستان ،وُقوب ِ َ
ل ضا إقناعَ كندا بزيادة عدد قُ ّ أوباما لم يستطع أي ً
برفض رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر لذلك؛ من منطلق أن بلده،
حْرًبا غير مجديةٍ ضد ض َ والوليات المتحدة ،وقوات حلف شمال الطلسي تخو ُ
دا هزيمة طالبان. حركة طالبان ،وأنهم لن يستطيعوا أب ً
ت قوات "الناتو" ،وأجهزة المخابرات الغربية ،أنهم لن وهكذا أدرك ْ
يكسبوا الحرب ،ليس ذلك فقط ،وإنما هم خائفون من وصول
َ
دون أن "طالبان" هي التي تكسب الرض "طالبان للحكم" ،ومتأك ّ ُ
نوَبا ِ ضدّ تلك القوات ،مع ذَ َ صدَِد تكثيف هجماتها ِ وتنتصر ،وأنها ب ِ َ
خذَ الجدّ تهديدات ثلوج الشتاء ،وقدوم ِ فصل الربيع ،وأخذوا مأ َ
ة للقوات الجنبية "طالبان" ،وأن عام 2009سيكون الكثر دموي ً
ة تكرار أخطاء سلفه بوش غب ّ ِ
م َ
في أفغانستان ،وتحذيرها أوباما من َ
وقبله السوفيت والبريطانيين ،وقدمت الدليل العملي على ذلك
بعدة عمليات داخل العاصمة كابول بالقرب من وزارتي العدل
ب من القصر الرئاسي الذي قْر ِن بال ُقعا ِ والتعليم ،وكلتا الوزارتين ت َ َ
تحميه قوات أمريكية.
الستعانة بخدمات إيران!
ت ت ُؤَك ّد ُ ت مأزق أمريكا و"الناتو" في أفغانستان ،فبدأ ْ إيران هي الخرى أدرك ْ
على الفشل المريكي الطلسي في أفغانستان ،وعلى أن طهران هي الوحيدة
ب منها ،والتليين من مأ ْزِقَِها ،في محاولة للت َ
قّر ِ القادرة على إخراج واشنطن من َ
موقفها في الملف النووي.
حوّل كبيًرا ً ث ـ فيما اعت ُب َِر ت َ َ حد ّ َة منه في عدم الفشل في أفغانستان ،ت َ َ أوباما ،رغب ً
عن السياسة المريكية السابقة ـ عن رغبته في إشراك إيران في المر ،ومن
المرجح أن إدارة أوباما ستبدأ عما قريب حواًرا مع إيران بشأن أفغانستان ،وقد
ت ملمح هذا الحوار والتقارب باقتراح أمريكا دعوة َ إيران إلى مؤتمر في بدأ ْ
أوروبا في 31ديسمبر الحالي حول أفغانستان ،ومسارعة إيران إلى التجاوب
ل أفغانستان عبَر سعٌ داخ َ ف أن إيران لها نفوذ ٌ وا ِ مع الفكرة ،فواشنطن تعر ُ
ما يجري داخل بلد الفغان، ك الكثيَر من المعلومات ع ّ مل ُ ُالشيعة الفغان ،وأنها ت َ ْ
صا من الناحية العسكرية. كما تملك الكثيَر من الخبرة في التعامل معها ،وخصو ً
ه قبل ذلك عدَت ْ ُ
وإيران تريد أن تساعد "الشيطان الكبر!" ،مثلما سا َ
ح الطريق فت ْ َ ِفي احتلل أفغانستان والعراق ،على أمل أن تنجح في َ
ها م َ
ه ّ ف عليها مع واشنطن ،وأ َ خت َل َ ِ
م ْوي القضايا ال ْ ُ س ّ
ر يُ َأمام حوا ٍ
الملف النووي.
المصدر :السلم اليوم