You are on page 1of 27

‫أحكام ومسائل رمضانّية‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ‬
‫بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده‬
‫الله فل مضل له‪ ،‬ومن ُيضلل فل هادي له‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد‬
‫أن محمدا ً عبده ورسوله‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله‬
‫وصحبه وسّلم‪.‬‬
‫كر‬ ‫وبعد‪ ،‬لفشو البدع والحداث في الدين‪ ،‬نذ ّ‬
‫بأصل من أصول العبادة وشرط من شروطها‪ ،‬وهو أن‬
‫العبادة ـ مطلق العبادة ـ يجب أن ُيلتمس فيها هدي‬
‫وسنة النبي ‪ ،‬ل الهواء والراء والمذاهب المتباينة‬
‫والمخالفة للسنة؛ فالبتداع في الدين ل يجوز‪ ،‬فكل‬
‫بدعة ضللة‪ ،‬وكل ضللة في النار‪.‬‬
‫ر‬‫حذَ ِ‬ ‫فل ْي َ ْ‬ ‫قال تعالى في وجوب التباع والقتداء‪َ  :‬‬
‫فت ْن َ ٌ َ‬ ‫عن أ َمر َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫صيب َ ُ‬ ‫و يُ ِ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫صيب َ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن َ ْ ْ ِ ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫م ‪ ‬النور‪.63:‬‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫َ‬
‫قال المام أحمد‪ :‬نظرت في المصحف فوجدت‬
‫طاعة الرسول في ثلثة وثلثين موضعًا‪ ،‬ثم جعل يتلو‪:‬‬
‫عن أ َمر َ‬
‫ة‪‬‬‫فت ْن َ ٌ‬‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫صيب َ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن َ ْ ْ ِ ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬ ‫ر ال ّ ِ‬ ‫حذَ ِ‬ ‫فل ْي َ ْ‬ ‫‪َ ‬‬
‫وجعل يكررها‪ ،‬ويقول‪ :‬وما الفتنة؟ الشرك؛ لعله إذا ردّ‬
‫بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ‬
‫قلبه فيهلكه‪.‬‬
‫وقيل له إن قوما ً يدعون الحديث‪ ،‬ويذهبون إلى‬
‫ب لقوم ٍ سمعوا الحديث‬ ‫رأي سفيان! فقال‪ :‬أعج ُ‬
‫صحَته يدعونه ويذهبون إلى رأي‬ ‫وعرفوا السنادَ و ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ر ال ّ ِ‬ ‫حذَ ِ‬ ‫فل ْي َ ْ‬‫سفيان وغيره! قال الله تعالى‪َ  :‬‬
‫ة ‪ ‬وتدري ما الفتنة؟‬ ‫فت ْن َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫عن أ َمر َ‬ ‫خال ِ ُ‬
‫ه ْ‬‫صيب َ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن َ ْ ْ ِ ِ‬ ‫فو َ‬ ‫يُ َ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫وال ْ ِ‬
‫ل ‪.‬‬ ‫قت ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة أك ْب َُر ِ‬ ‫فت ْن َ ُ‬ ‫الكفر! قال الله تعالى‪َ  :‬‬
‫فيدعون الحديث عن رسول الله ‪ ،‬وتغلبهم أهواؤهم‬
‫إلى الرأي؟! ا‪-‬هـ]‪.[1‬‬
‫عوِني‬ ‫فات ّب ِ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫وقال تعالى‪ُ  :‬‬
‫م ‪ ‬آل‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ذُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫غ ِ‬‫وي َ ْ‬‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫عمران‪ .31:‬فمن علمات صدق المحبة حصول‬
‫الصارم المسلول‪ ،‬لبن تيمية‪.56 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬
‫المتابعة‪ ،‬وعلى قدر المتابعة تكون المحبة‪ ،‬والعكس‬
‫كذلك‪.‬‬
‫وفي الحديث فقد صح عن النبي ‪ ‬أنه قال‪":‬‬
‫خذوا مناسككم عني "‪ .‬وقال ‪ ":‬صلوا كما رأيتموني‬
‫أصلي "‪.‬‬
‫وقال ‪ ":‬من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو‬
‫ردّ "‪ .‬وقال ‪ ":‬من صنع أمرا ً على غير أمرنا فهو رد‬
‫"‪.‬‬
‫لجل هذا كله سنجتهد ـ بإذن الله ـ أن نتحرى‬
‫السنة في كل ما نثبته ونقرره من مسائل وأحكام‬
‫تتعلق برمضان‪ ،‬وصيام شهر رمضان‪ ،‬والله وحده‬
‫المستعان‪.‬‬
‫ـ قبل حلول شهر رمضان‪.‬‬
‫قبل شهر رمضان يكون شهر شعبان حيث فيه‬
‫ُترفع أعمال العباد‪ ،‬وُيسن الكثار من الصيام تمهيدا ً‬
‫وتدريبا ً للنفس على استقبال وصيام رمضان‪ ،‬كما في‬
‫الحديث‪ ،‬فقد صح عن النبي ‪ ‬أنه قال‪ ":‬شعبان بين‬
‫رجب ورمضان‪ ،‬يغفل الناس عنه‪ُ ،‬ترفع فيه أعمال‬
‫العباد‪ ،‬فأحب أن ل ُيرفع عملي إل وأنا صائم "‪.‬‬
‫ف‬
‫ة النص ِ‬ ‫قه ليل َ‬
‫ع خل ِ‬
‫ه إلى جمي ِ‬ ‫وقال ‪ ":‬ي َطّل ِ ُ‬
‫ع الل ُ‬
‫حن‬ ‫مشا ِ‬ ‫ك أو ُ‬ ‫من شعبان‪ ،‬فيغفُر لجميع خلقه إل لمشر ٍ‬
‫"]صحيح الترغيب‪.[1026:‬‬
‫ة‬
‫ع على عباده في ليل ِ‬ ‫طل ُ‬‫ن الله ي َ ّ‬ ‫وقال ‪ ":‬إ ّ‬
‫ف من شعبان‪ ،‬فيغفُر للمؤمنين‪ ،‬وُيملي‬ ‫النص ِ‬
‫دعوه "]صحيح‬ ‫د بحقدهم حتى ي َ‬ ‫ل الحق ِ‬ ‫دع أه َ‬ ‫للكافرين‪ ،‬وي َ‬
‫الجامع‪.[1898:‬‬
‫وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها‬
‫ر أكثر صياما ً‬
‫قالت‪ ":‬ما رأيت رسول الله ‪ ‬في شه ٍ‬
‫منه في شعبان "‪.‬‬
‫لكن ل يجوز وصل شعبان برمضان لقوله ‪ ":‬ل‬
‫تقدموا رمضان بصوم يوم ٍ ول يومين إل رجل ً يصوم‬
‫صوما ً فليصمه "‪ .‬وقوله ‪ ":‬من صام اليوم الذي يشك‬
‫فيه فقد عصى أبا القاسم "‪ .‬ويوم الشك هو اليوم‬
‫الذي يتقدم شهر رمضان وُيشك هل هو من رمضان أم‬
‫ل‪.‬‬
‫ـ كيف يثبت شهر رمضان؟‬

‫‪2‬‬
‫غمت رؤيته‬‫يثبت شهر رمضان برؤية هلله فإن ُ‬
‫في اليوم التاسع والعشرين من شعبان أكملت عدة‬
‫شعبان ثلثين يومًا‪ ،‬لقوله ‪ ‬في الصحيحين‪ ":‬صوموا‬
‫م عليكم فأكملوا عدة‬ ‫لرؤيته وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن ُ‬
‫غ ّ‬
‫شعبان ثلثين "‪ .‬وقوله ‪ ":‬ل تصوموا حتى تروا‬
‫ل‪ ،‬ول تفطروا حتى تروه‪ ،‬فإن ُأغمي عليكم‬ ‫الهل َ‬
‫فاقدروا له " متفق عليه‪.‬‬
‫من ُيثبت شهر رمضان؟‬
‫ـ َ‬
‫يثبت شهر رمضان برؤية الهلل من قبل شخص‬
‫واحد مسلم عدل‪ ،‬كما في الحديث‪ ":‬جاء رجل أعرابي‬
‫من البادية فأخبر النبي ‪ ‬بأنه رأى الهلل فأمَر ‪‬‬
‫بلل ً أن يؤ ّ‬
‫ذن بالصيام "‪.‬‬
‫ت‬‫ل فأخبر ُ‬ ‫س الهل َ‬
‫وعن ابن عمر قال‪ ":‬تراءى النا ُ‬
‫ل الله أني رأيته‪ ،‬فصام وأمر الناس بالصيام "‪.‬‬ ‫رسو َ‬
‫وهذه الرؤية والشهادة من هذا المسلم العدل‬
‫ُتلزم جميع من يسمع بها من أفراد ومجتمعات المة‬
‫على اختلف أمصارهم ودولهم‪ ،‬وهذا متيسر في‬
‫زماننا ـ ولله الحمد ـ بحكم توفر وسائل العلم التي‬
‫ن معدودات‪ ،‬وبالتالي‬ ‫تقدر على نقل الخبار خلل ثوا ٍ‬
‫ل عذر للدول المعاصرة أن تصوم وُتفطر كل دولة‬
‫بحسب رؤيتها الخاصة بها‪ ،‬وبزعم أنها لم تر الهلل‬
‫بعد ‪ ..‬فالذي رأى حجة على الذي لم ير ‪ ..‬ول تتوقف‬
‫حجة من رأى على رؤية من لم ير ‪ ..‬فهذا من التفرق‬
‫في الدين‪ ،‬وهو بخلف السنة الثابتة عن النبي ‪.‬‬
‫بل الملحظ في كثير من الحيان يكون تحديد مثل‬
‫هذه الحكام والوقات الشرعية ـ وللسف ـ خاضعا ً‬
‫لهواء الساسة وطواغيت الحكم في بلد المسلمين؛ إذ‬
‫تحملهم الخلفات السياسية الخاصة فيما بينهم على‬
‫الختلف في تحديد وقت دخول رمضان ووقت انتهائه‬
‫ودخول العيد ‪ ..‬لينعكس ذلك على شعوبهم تفرقا ً‬
‫وعداوة وبغضاء ‪ ..‬وهؤلء ليس لهم طاعة ‪ ..‬كما ل‬
‫يجوز للشعوب المسلمة أن تتابعهم في المخالفة‬
‫سنة والطريقة الشرعية الصحيحة التي يثبت بها‬ ‫لل ّ‬
‫شهر رمضان؛ إذ ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق‪.‬‬
‫ثم ترون أيها الناس لو قال لكم طواغيت الحكم‬
‫في بلدكم صلة العصر ُتصلى بعد غروب الشمس ‪..‬‬
‫هل أنتم تطيعونهم في ذلك ‪ ..‬فإن قلتم ل ‪ ..‬ول بد‬

‫‪3‬‬
‫من أن يكون الجواب‪ ،‬ل ‪ ..‬أقول‪ :‬كيف ُتطيعونهم في‬
‫تقديم صيام شهر رمضان أو تأخيره بعد علمكم بثبوته‬
‫وفق الطريقة الشرعية الثابتة عن النبي ‪.. ‬؟!‬
‫فإن قيل قد ثبت أن معاوية قد صام يوم الجمعة‬
‫من شهر رمضان‪ ،‬وكان في الشام ‪ ..‬بينما ابن عباس‬
‫ومن معه في المدينة قد صاموا يوم السبت‪ ،‬فكان لكل‬
‫منهما رؤيته الخاصة به؟‬
‫أقول‪ :‬هذا يحصل في حال تعثر الخبار لتساع‬
‫المصار والبلدان ‪ ..‬فأهل الشام إذ رأوا الهلل يوم‬
‫الجمعة لم يكونوا يستطيعون أن يخبروا أهل المدينة‬
‫برؤيتهم للهلل لبعد الشقة فيما بينهم‪ ،‬ولطبيعة‬
‫ذ ‪..‬‬
‫وسائل التنقل والتصالت التي كانت سائدة يومئ ٍ‬
‫أما في زماننا لم تعد هذه المشكلة موجودة لسهولة‬
‫مثبت لرؤية الهلل عبر وسائل‬ ‫نقل الخبار وشهادة ال ُ‬
‫ن معدودة ‪ ..‬وبالتالي ل‬ ‫عديدة من التصالت خلل ثوا ٍ‬
‫يجوز القياس ول الستدلل بالثر الوارد عن ابن‬
‫عباس ومعاوية إل في حال تعثر الخبار ونقل شهادة‬
‫مثبت في نفس اليوم التي تمت فيه الرؤية ‪ ..‬والله‬ ‫ال ُ‬
‫تعالى أعلم‪.‬‬

‫ـ إذا ثبت دخول رمضان وجب صيامه‪.‬‬


‫ُ‬
‫ه‬
‫في ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ز َ‬‫ذي أن ْ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫هُر َر َ‬ ‫ش ْ‬ ‫لقوله تعالى‪َ  :‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ن َ‬
‫ف َ‬ ‫قا ِ‬ ‫فْر َ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫دى َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫وب َي َّنا ٍ‬ ‫س َ‬ ‫ى ِللّنا ِ‬ ‫هد ً‬ ‫ن ُ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ه ‪ ‬البقرة‪ .185:‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫م ُ‬‫ص ْ‬ ‫فل ْي َ ُ‬ ‫هَر َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫من ْك ُ ُ‬ ‫هدَ ِ‬‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫عَلى‬ ‫َ‬
‫ب َ‬ ‫ما ك ُت ِ َ‬ ‫م كَ َ‬ ‫صَيا ُ‬‫م ال ّ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬‫ب َ‬ ‫مُنوا ك ُت ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫‪َ ‬يا أي ّ َ‬
‫ن ‪ ‬البقرة‪.183:‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬‫م لَ َ‬‫قب ْل ِك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫وهو ركن من أركان السلم الخمسة‪ ،‬كما في‬
‫الحديث المتفق عليه‪ ،‬قال ‪ُ ":‬بني السلم على‬
‫خمس‪ :‬شهادة أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله‪،‬‬
‫وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وحج البيت‪ ،‬وصوم رمضان‬
‫"‪.‬‬
‫ـ على من يجب الصيام ؟‬
‫يجب الصيام على المسلم‪ ،‬العاقل‪ ،‬البالغ‪ ،‬القادر‪.‬‬
‫يجب على المسلم‪ :‬لن الكافر ل ُيقبل منه عمل‪،‬‬
‫ول َ ْ‬
‫و‬ ‫والشرك ُيحبط العمال كلها‪ ،‬لقوله تعالى‪َ  :‬‬

‫‪4‬‬
‫ن ‪‬النعام‪.88:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫ط َ‬ ‫حب ِ َ‬ ‫كوا ل َ َ‬‫شَر ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫ك‬‫قب ْل ِ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫وإ َِلى ال ّ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ي إ ِل َي ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫قدْ ُأو ِ‬ ‫ول َ َ‬ ‫وقوله تعالى‪َ  :‬‬
‫ن‬‫ري َ‬‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ول َت َ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫مل ُ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫حب َطَ ّ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫شَرك ْ َ‬ ‫ن أَ ْ‬‫ل َئ ِ ْ‬
‫‪‬الزمر‪.65:‬‬
‫ويجب على العاقل‪ :‬لن المجنون ُيرفع عنه القلم‪،‬‬
‫ويسقط عنه التكليف‪ ،‬لقوله ‪ُ ":‬رفع القلم عن‬
‫ثلثة‪:‬ـ منها ـ وعن المجنون حتى يعقل "‪.‬‬
‫ويجب على البالغ‪ :‬لن القلم ُيرفع عن الصبي‬
‫وكذلك البنت إلى أن يدركا سن البلوغ‪ ،‬لقوله ‪":‬‬
‫ُرفع القلم عن ثلثة ـ منها ـ وعن الصبي حتى يحتلم "‪.‬‬
‫وفي رواية " عن المعتوه حتى يعقل "‪.‬‬
‫وبالتالي ل ُيستحسن إجبار الطفل في سنين‬
‫مبكرة من طفولته على الصيام ‪ ..‬فهذا قد ُيعطي‬
‫صورة خاطئة عن السلم عند الخرين؛ تحملهم على‬
‫القول بأن السلم ـ وليس أولياء الطفل ـ يظلم‬
‫الطفولة والطفال ‪ ..‬ويجبر الطفال على ما ل طاقة‬
‫لهم به من الصيام ‪ ..‬لكن الذي ُيستحسن أن الطفل‬
‫كلما اقترب سنه من البلوغ ُيستحسن تدريبه وحمله‬
‫على الصيام بحسب استطاعته ‪ ..‬حتى إذا ما بلغ سن‬
‫عدّا ً وجاهزا ً للصيام‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫الحلم يكون ُ‬
‫ويجب على القادر‪ :‬لن العجز ُيسقط التكليف‬
‫باتفاق أهل العلم‪ ،‬إلى أن تتحقق القدرة‪ ،‬لقوله‬
‫ها ‪‬البقرة‪.286:‬‬ ‫ع َ‬ ‫س َ‬ ‫و ْ‬‫فسا ً إ ِّل ُ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫تعالى‪  :‬ل ي ُك َل ّ ُ‬
‫ها ‪‬الطلق‪:‬‬ ‫ما آَتا َ‬ ‫فسا ً إ ِّل َ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫وقوله تعالى‪  :‬ل ي ُك َل ّ ُ‬
‫م ‪‬التغابن‪:‬‬ ‫عت ُ ْ‬‫ست َطَ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫فات ّ ُ‬ ‫‪ .7‬وقوله تعالى‪َ  :‬‬
‫‪.16‬‬
‫وفي الحديث فقد صح عن النبي ‪ ‬أنه قال‪ ":‬وما‬
‫أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم " متفق عليه‪.‬‬
‫والعجز نوعان‪ :‬منه الدائم‪ ،‬كالمرض الدائم‬
‫المستعصي الذي يمنع من الصيام مطلقًا‪ ،‬ونحوه‬
‫الشيخ الكبير الذي ل يستطيع أن يصوم‪ ،‬وهذا على‬
‫صاحبه الطعام عن كل يوم مسكينا ً واحدًا‪ ،‬لقوله‬
‫ن‬‫كي ٍ‬‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عا ُ‬‫ة طَ َ‬ ‫فدْي َ ٌ‬ ‫ه ِ‬ ‫قون َ ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫تعالى‪َ  :‬‬
‫و َ‬
‫‪‬البقرة‪.184:‬‬

‫‪5‬‬
‫قال ابن عباس في هذه الية‪ :‬ليست بمنسوخة؛‬
‫هو الشيخ الكبير‪ ،‬والمرأة الكبيرة ل يستطيعان أن‬
‫يصوما‪ ،‬فليطعمان مكان كل يوم مسكينا ً " البخاري‪.‬‬
‫ومنه الطارئ المؤقت الذي يزول بزوال سببه‪،‬‬
‫كالمرض الطارئ القابل للعلج والشفاء ‪ ..‬وهذا على‬
‫ريضا ً‬‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫صاحبه القضاء‪ ،‬لقوله تعالى‪َ  :‬‬
‫ف َ‬
‫خر ‪‬البقرة‪.184:‬‬ ‫ن أ َّيام ٍ أ ُ َ‬
‫م ْ‬
‫عدّةٌ ِ‬ ‫ر َ‬
‫ف ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫عَلى َ‬
‫س َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫ـ فضل صيام رمضان‪.‬‬
‫شهر رمضان شهر عظيم فيه ُأنزل القرآن‪ ،‬كما‬
‫ه ال ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫قْرآ ُ‬ ‫في ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ز َ‬ ‫ذي أن ْ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫هُر َر َ‬ ‫قال تعالى‪َ  :‬‬
‫ش ْ‬
‫ن ‪‬البقرة ‪.185‬‬ ‫قا ِ‬ ‫فْر َ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫دى َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫وب َي َّنا ٍ‬‫س َ‬ ‫ى ِللّنا ِ‬ ‫هد ً‬ ‫ُ‬
‫أنزله الله تعالى في ليلة من ليالي رمضان هي‬
‫في‬ ‫خير من ألف شهر‪ ،‬كما قال تعالى‪  :‬إ ِّنا أ َن َْزل َْناهُ ِ‬
‫خي ٌْر‬
‫ر َ‬ ‫قدْ ِ‬‫ة ال ْ َ‬ ‫ر ‪ .‬ل َي ْل َ ُ‬ ‫قدْ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫ما ل َي ْل َ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ما أ َدَْرا َ‬ ‫و َ‬‫ر‪َ .‬‬ ‫قدْ ِ‬‫ة ال ْ َ‬ ‫ل َي ْل َ ِ‬
‫َ‬
‫قبلت ـ‬ ‫ر ‪‬القدر‪ .3-1:‬أي العبادة فيها ـ إن ُ‬ ‫ه ٍ‬
‫ش ْ‬‫ف َ‬ ‫ن أل ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫تفضل عبادة ما ُيعادل ثلث وثمانون سنة‪ ،‬وثلثة‬
‫أشهر‪.‬‬
‫قال ابــن كــثير فــي التفســير‪ :‬قــال مجاهــد‪ :‬ليلــة‬
‫القدر خير من ألف شهر‪ ،‬ليس فــي تلــك الشــهور ليلــة‬
‫القدر‪ ،‬وهكذا قال قتادة بن دعامــة‪ ،‬والشــافعي‪ ،‬وغيــر‬
‫واحد ا‪ -‬هـ‪.‬‬
‫والمراد بالنزال هنا إنزال القرآن الكريم إلى‬
‫السماء الدنيا جملة واحدة في ليلة القدر‪ ،‬ليتنزل فيما‬
‫بعد على نبينا ‪ ‬مفرقا ً طيلة فترة النبوة بحسب‬
‫الوقائع والحوادث والمراحل التي كانت تمر بها‬
‫الدعوة‪.‬‬
‫قال ابن كثير في التفسير‪ :‬وأما القرآن فإنما‬
‫نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا‪،‬‬
‫وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه‪ ،‬كما‬
‫ر ‪ .‬ثم نزل بعده‬ ‫قدْ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫في ل َي ْل َ ِ‬ ‫قال تعالى‪  :‬إ ِّنا أ َن َْزل َْناهُ ِ‬
‫مفّرقا ً بحسب الوقائع على رسول الله ‪.‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬إنه أنزل في رمضان في ليلة‬
‫القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة‪ ،‬ثم أنزل على‬
‫مواقع النجوم ترتيل ً في الشهور واليام‪.‬‬
‫وفــي روايــة عكرمــة عــن ابــن عبــاس قــال‪ :‬نــزل‬
‫القرآن فــي شــهر رمضــان فــي ليلــة القــدر إلــى هــذه‬

‫‪6‬‬
‫السماء الدنيا جملة واحدة‪ ،‬وكـان اللــه ُيحـدث لنــبيه مـا‬
‫يشــاء‪ ،‬ول يجيــء المشــركون بمثــل ُيخاصــمون بــه إل‬
‫جاءهم الله بجوابه ا‪ -‬هـ‪.‬‬
‫س ليلة القدر في الوتر من العشر الواخر‬ ‫ُتلَتم ُ‬
‫من رمضان‪ ،‬لقوله ‪ ‬كما في صحيح البخاري‪ ":‬تحروا‬
‫ليلة القدر في الوتر من العشر الواخر من رمضان "‪.‬‬
‫وفي الصحيح كذلك‪ :‬أن رجال ً من أصحاب النبي ‪‬‬
‫أروا ليلة القدر في المنام في السبع الواخر‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله ‪ ":‬أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع‬
‫الواخر‪ ،‬فمن كان متحريها فليتحرها في السبع‬
‫الواخر "‪.‬‬
‫ولختلف الناس في المطالع ورؤية الهلل؛ حيث‬
‫منهم من يقدم الصوم يوما ً ومنهم من يؤخره يوما ً بناء‬
‫على اختلفهم في الرؤية للهلل ‪ُ ..‬يستحسن ـ من‬
‫قبيل ضمان قيامها ـ التماسها في اليام العشر‬
‫الواخر من رمضان؛ الشفع منها والوتر‪ ،‬والله تعالى‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وفي فضل قيامها فقد صح عن النبي ‪ ‬أنه‬
‫غفر له ما‬ ‫قال‪ ":‬من قام ليلة القدر إيمانا ً واحتسابا ً ُ‬
‫تقدم من ذنبه " البخاري‪.‬‬
‫إنه موسم خير قليل وقته كثير خيره ونفعه‪،‬‬
‫سرعان ما يودع؛ فهنيئا ً لمن اغتنمه وأحسن‬
‫استغلله ‪ ..‬وخاب وخسر من لم ُيحسن استغلله‬
‫ويستفد منه!‬
‫تح أبواب الجنة‪ ،‬وُتغلق أبواب النار‪،‬‬ ‫فيه ُتف ّ‬
‫فد الشياطين‪ ،‬كما في الحديث فقد صح عن النبي‬ ‫وُتص ّ‬
‫فّتحت أبواب الجنة‬ ‫‪ ‬أنه قال‪ ":‬إذا جاء رمضان ُ‬
‫صفدت الشياطين "‪.‬‬ ‫غلقت أبواب النيران و ُ‬ ‫و ُ‬
‫وقال ‪ ":‬وإذا كان أول ليلة من شهر رمضان‬
‫صفدت الشياطين ومردة الجن‪ ،‬وغّلقت أبواب النار‬ ‫ُ‬
‫فتحت أبواب الجنة فلم ُيغلق‬ ‫فلم ُيفتح منها باب‪ ،‬و ُ‬
‫منها باب‪ ،‬وُينادي مناٍد‪ :‬يا باغي الخير أقبل‪ ،‬ويا باغي‬
‫الشر أقصر‪ ،‬ولله عتقاء من النار‪ ،‬وذلك كل ليلة "‪.‬‬
‫ض الله‬‫مبارك فر َ‬ ‫وقال ‪ ":‬أتاكم رمضان شهر ُ‬
‫ب السماء وُتغلق فيه‬ ‫‪ ‬عليكم صيامه‪ُ ،‬تفتح فيه أبوا ُ‬
‫أبواب الجحيم‪ ،‬وُتغل فيه مردة الشياطين‪ ،‬لله فيه ليلة‬
‫حرم "‪.‬‬ ‫حرم خيرها فقد ُ‬ ‫ر من ُ‬ ‫خير من ألف شه ٍ‬

‫‪7‬‬
‫فتحت أبواب‬ ‫وقال ‪ ":‬إذا دخل شهر رمضان ُ‬
‫سلت الشياطين "‪.‬‬ ‫سل ِ‬
‫ب جهنم‪ ،‬و ُ‬ ‫غلقت أبوا ُ‬ ‫السماء‪ ،‬و ُ‬
‫فد ‪ ..‬وتبقى شياطين‬ ‫سل وُتص ّ‬‫سل َ‬‫فشياطين الجن ت ُ َ‬
‫النس حرةً لتعمل عملها المضاعف عنها وعن إخوانهم‬
‫من شياطين الجن ‪ ..‬ولتفسد على المسلمين صيامهم‬
‫ذر‪ ،‬الحذر!‬ ‫في هذا الشهر المبارك العظيم ‪ ..‬فالح َ‬
‫فيه ُتغفر الذنوب‪ ،‬كما في الحديث فقد صح عن‬
‫النبي ‪ ‬أنه قال‪ ":‬من صــام رمضــان إيمان ـا ً واحتســابا ً‬
‫فَر له ما تقدم من ذنبه "‪.‬‬ ‫ُ‬
‫غ ِ‬
‫ت مــا‬ ‫وقــال ‪ ":‬ورمضــان إلــى رمضــان مكفــرا ٌ‬
‫ن إذا اجُتنَبت الكبائر "‪.‬‬
‫بينه ّ‬
‫ض لــي فقــال‪ُ :‬بعــدا ً‬ ‫وقــال ‪ ":‬إن جبريــل ‪ ‬عــر َ‬
‫لمن أدرك رمضان فلم ُيغفر له‪ ،‬فقلت‪ :‬آمين "‪.‬‬
‫وفــي فضــل الصــيام عموم ـا ً جــاءت أحــاديث‬
‫عدة‪ :‬منها قوله ‪ ":‬مــن صــام يوم ـا ً فــي ســبيل اللــه‬
‫جعــل اللــه بينــه وبيــن النــار خنــدقا ً كمــا بيــن الســماء‬
‫والرض "‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال ‪ ":‬ومن صام يوما في سبيل اللــه َزحَزحــه‬
‫ه عن النار سبعين خريفا ً "‪.‬‬ ‫الل ُ‬
‫وعن أبي أمامة ‪ ‬قال‪ :‬قلت يا رسول الله‪ ،‬دلني‬
‫على عمل أدخل به الجنة‪ ،‬قال‪ :‬عليك بالصوم؛ فإنه ل‬
‫ل له‬‫عدْ َ‬‫ل له "‪ .‬وفي رواية " عليك بالصوم فإنه ل ِ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ِ‬
‫"‪.‬‬
‫وقال ‪ ":‬كل عمل ابن آدم ُيضاعف الحسن ُ‬
‫ة‬
‫بعشر أمثالها‪ ،‬إلى سبعمائة ضعف‪ ،‬قال الله تعالى‪ :‬إل‬
‫ع شهوته وطعامه من‬ ‫الصوم فإنه لي وأنا أجزي به‪ ،‬يد ُ‬
‫ة عند فطره‪ ،‬وفرحة عند‬ ‫أجلي‪ ،‬وللصائم فرحتان‪ :‬فرح ٌ‬
‫لقاء ربه‪ ،‬ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح‬
‫المسك "‪.‬‬
‫وقال ‪ ":‬الصــيام والقــرآن يشــفعان للعبــد يــوم‬
‫القيامة‪ ،‬يقول الصيام‪ :‬أي رب منعته الطعام والشهوة‪،‬‬
‫فشفعني فيــه‪ ،‬ويقــول القــرآن‪ :‬منعتــه النــوم بالليــل‪،‬‬
‫فشفعني فيه‪ ،‬قال‪ :‬فيشفعان "‪.‬‬
‫وقال ‪ ":‬إن في الجنة بابا ً ُيقال له الريان‪ ،‬يدخل‬
‫منه الصائمون يوم القيامة‪ ،‬ل يدخل منه أحد غيرهم‬
‫فإذا دخلوا أغلق‪ ،‬فلم يدخل منه أحد‪ ،‬فإذا دخل آخرهم‬
‫أغلق‪ ،‬ومن دخل شرب‪ ،‬ومن شرب لم يظمأ أبدا ً "‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وقال ‪ ":‬من قال ل إله إل الله ابتغاء وجه الله‬
‫له بها دخل الجنة‪ ،‬ومن صام يوما ً ابتغاء وجه الله‬ ‫م‬
‫خت َ‬
‫ُ‬
‫دق بصدقة ابتغاء وجه الله‬ ‫بها دخل الجنة‪ ،‬ومن تص ّ‬ ‫ختم‬ ‫ُ‬
‫له بها دخ َ‬
‫ل الجنة "‪.‬‬ ‫ختم‬ ‫ُ‬
‫ـ من يتعمد الفطار في رمضان من غير‬
‫عذر‪:‬‬
‫من تعمد الفطار في رمضان من غير عذر شرعي‬
‫معتبر‪ ،‬فقد وقع في ذنب عظيم‪ ،‬وكبيرة من كبائر‬
‫الذنوب‪ ،‬يستحق الوعيد الشديد يوم القيامة‪ ،‬كما في‬
‫الحديث عن أبي أمامة الباهلي ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول‬
‫الله ‪ ‬يقول‪ ":‬بينما أنا نائم أتاني رجلن فأخذا‬
‫دي ـ فأتيا بي جبل ً وعرا ً فقال‪ :‬اصعد‪،‬‬‫ض َ‬
‫ضُبعي ـ بع ُ‬‫ب َ‬
‫فقلت‪ :‬إني ل أطيقه‪ .‬فقال‪ :‬سنسهله لك‪ .‬فصعدت‪،‬‬
‫ت شديدة‪.‬‬ ‫حتى إذا كنت في سواد الجبل إذا بأصوا ٍ‬
‫قلت‪ :‬ما هذه الصوات؟ قالوا‪ :‬هذا عواء أهل النار‪ ،‬ثم‬
‫انطلق بي‪ ،‬فإذا أنا بقوم ٍ معلقين بعراقيبهم‪ ،‬مشققة‬
‫أشداقهم‪ ،‬تسيل أشداقهم دمًا‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬من هؤلء ؟‬
‫قال‪ :‬الذين يفطرون قبل تحّلة صومهم ‪!"..‬‬
‫قلت‪ :‬هذا فيمن يفطر قبل تحلة الوقت فكيف‬
‫بمن يتعمد الفطار خلل نهار رمضان أو ل يصوم‬
‫مطلقا ً ‪..‬؟!‬
‫مد الفطار في رمضان‬ ‫فإن قيل‪ :‬هل لمن تع ّ‬
‫قضاء أو كفارة؟‬
‫فارة المفطر‬ ‫أقول‪ :‬من أهل العلم من قاس ك ّ‬
‫المتعمد على كفارة الذي ُيجامع زوجته في نهار‬
‫رمضان ‪ ..‬وهذا خطأ؛ لعدم التطابق في علة الفطار ‪..‬‬
‫ولنعدام النص الذي ُيلزم بالكفارة أو القضاء لمن‬
‫فارة‬‫تعمد الفطار ‪ ..‬والراجح أنه ليس عليه قضاء ول ك ّ‬
‫‪ ..‬ولو صام الدهر كله لما كافأ يوما ً من أيام رمضان ‪..‬‬
‫وإنما ُيلَزم بالتوبة النصوح ‪ ..‬كما ُيستحب له الكثار من‬
‫دق في‬ ‫صيام النفل والتطوع ‪ ..‬وكذلك الكثار من التص ّ‬
‫أوجه الخير‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫ـ معنى الصيام‪.‬‬
‫بعد أن بينا حكم صيام شهر رمضان‪ ،‬وفضل‬
‫رع ـ بإذن‬ ‫صيامه‪ ،‬وجزاء من يتعمد الفطار فيه‪ُ ،‬نش ِ‬

‫‪9‬‬
‫الله وتوفيقه ـ في بيان بعض الحكام والمسائل‬
‫التفصيلية ذات العلقة بالصوم‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬الصوم لغة المساك‪ .‬وشرعًا‪ ":‬المساك‬
‫عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب‬
‫الشمس بنية "‪.‬‬
‫ـ مبطلت الصوم‪:‬‬
‫‪ -1‬الردة‪ :‬إن طرأت على المسلم الصائم الردة‬
‫ل أو اعتقاٍد بطل صيامه ‪ ..‬لقوله تعالى‪ :‬‬ ‫ل أو فع ٍ‬ ‫بقو ٍ‬
‫ن ‪‬النعام‪.88:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ما َ‬
‫هم ّ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫ط َ‬ ‫حب ِ َ‬‫كوا ْ ل َ َ‬ ‫و أَ ْ‬
‫شَر ُ‬ ‫ول َ ْ‬
‫َ‬
‫ونحوه لو كان تاركا للصلة ‪ ..‬فصيامه ل ُيقَبل‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪ -2‬تعمد الكل والشرب‪ :‬فمن تعمد أن ُيدخل شيئا ً‬
‫إلى جوفه من طعام أو شراب‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬فقد أفطر‬
‫وبطل صومه‪ ،‬وكذلك لو تناول الحقن والبر المغذية؛‬
‫فحكمها حكم الطعام والشراب‪.‬‬
‫أما من أكل أو شرب ناسيا ً فليس عليه شيء‪،‬‬
‫وليتم صومه‪ ،‬لقوله ‪ُ ":‬رفع عن أمتي الخطأ‪،‬‬
‫والنسيان‪ ،‬وما اسُتكرهوا عليه "‪ .‬وفي الصحيحين‪ ":‬إذا‬
‫ه؛ فإنما أطعمه الله‬ ‫م ُ‬
‫م صو َ‬ ‫ب فليت ّ‬ ‫ر َ‬‫ل وش ِ‬ ‫نسي فأك َ‬
‫وسقاه"‪.‬‬
‫‪ -3‬الجماع‪ :‬فمن واقع زوجته في نهار رمضان‬
‫بطل صومه بالجماع‪ ،‬وكفارته‪ :‬عتق رقبة‪ ،‬فإن لم يجد‬
‫يصوم شهرين متتابعين‪ ،‬فإن لم يقدر ُيطعم ستين‬
‫مسكينا ً ‪ ..‬كما هو مبين في حديث أبي هريرة المتفق‬
‫عليه‪ ،‬قال‪ :‬بينما نحن جلوس عند النبي ‪ ‬إذا جاء‬
‫ت‪ ،‬قال‪ :‬ما لك؟ قال‪:‬‬ ‫ل‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله هلك ُ‬ ‫رج ٌ‬
‫ت على امرأتي وأنا صائم‪ .‬فقال رسول الله ‪:‬‬ ‫وقع ُ‬
‫ة تعتقها؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهل تستطيع أن‬ ‫هل تجد رقب ً‬
‫تصوم شهرين متتابعين؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬هل تجدُ إطعام‬
‫ستين مسكينًا؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فمكث النبي ‪ ‬فبينا‬
‫ُ‬
‫عَرق‪:‬‬ ‫ق فيها تمر ـ وال َ‬ ‫عر ٍ‬ ‫نحن على ذلك أتي النبي ‪ ‬ب ِ َ‬
‫مكتل ـ قال‪ :‬أين السائل؟ فقال‪ :‬أنا‪ .‬قال‪ :‬خذ هذا‬ ‫ال ِ‬
‫دق به‪ .‬فقال الرجل‪ :‬على أفقر مني يا رسول‬ ‫فتص ّ‬
‫ت‬‫الله؟ فوالله ما بين لبتيها ـ يريد الحرتين ـ أهل بي ٍ‬
‫أفقُر من أهل بيتي‪ .‬فضحك النبي ‪ ‬حتى بدت نواجذه‬
‫ك "‪ .‬وفي رواية‪ ":‬وصم يوما ً مكانه‬ ‫ثم قال‪ :‬أطعمه أهل َ‬
‫"‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -4‬تعمد القيء‪ :‬فمن استقاء بطل صومه وعليه‬
‫القضاء‪ ،‬أما من غلبه القيء فل شيء عليه‪ ،‬لقوله ‪":‬‬
‫من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء‪ ،‬وإن‬
‫ض "‪.‬‬
‫استقاء فليق ِ‬
‫‪ -5‬خروج دم الحيض‪ ،‬والنفاس‪ :‬كذلك لو فاجأ‬
‫المرأة الصائم خروج دم الحيض خلل النهار‪ ،‬يبطل‬
‫صيامها ويتعين عليها الفطار‪ ،‬ومن ثم القضاء‪ ،‬كما‬
‫في الحديث عن عائشة رضي الله عنها‪ ،‬قالت‪ ":‬كان‬
‫ُيصيبنا ذلك ـ أي الدورة الشهرية ـ فنؤمر بقضاء‬
‫الصوم‪ ،‬ول نؤمر بقضاء الصلة "‪.‬‬
‫ـ وجوب تبييت النية‪.‬‬
‫لصيام فرض رمضان يجب تبييت النية من الليل‬
‫قبل الفجر‪ ،‬لقوله ‪ ":‬من لم ُيبيت الصيام من الليل‬
‫فل صيام له "‪ .‬وقوله ‪ ":‬من لم ُيجمع الصيام قبل‬
‫الفجر فل صيام له "‪.‬‬
‫ول ُيشترط في تبييت النية التلفظ بها‪ ،‬وإنما‬
‫يكفي انعقادها في القلب‪.‬‬
‫بخلف صوم النافلة فيجوز عقد نية الصوم خلل‬
‫النهار‪ ،‬فقد كان النبي ‪ ‬يحضُر أهَله ولم يطعم شيئا ً‬
‫بعد فيقول‪ ":‬هل عنكم غداء ؟" فيقولون‪ :‬ل‪ ،‬فيقول‪":‬‬
‫إني صائم "‪.‬‬
‫ـ السحور وأهميته‪.‬‬
‫السحور سنة مؤكدة ومستحبة‪ ،‬فقد صح عن‬
‫النبي ‪ ‬أنه قال‪ ":‬هلموا إلى الغداء المبارك "‪ .‬وأراد‬
‫به السحور‪ .‬وقال ‪ ":‬تسحروا فإن السحور بركة "‪.‬‬
‫وقال ‪ ":‬إن الله وملئكته يصلون على المتسحرين "‪.‬‬
‫وقال ‪ ":‬تسحروا ولو بجرعة ماء "‪ .‬وقال ‪":‬‬
‫ة بركة فل تدعوه ولو أن يجرع أحدكم‬ ‫السحور أكل ُ‬
‫جرعة ماء "‪.‬‬
‫كذلك فإن السحور مما يميز صيام المسلمين عن‬
‫صيام غيرهم من أهل الكتاب‪ ،‬كما في الحديث فقد‬
‫ل ما بين صيامنا‬‫صح عن النبي ‪ ‬أنه قال‪ ":‬فص ٌ‬
‫سحر "‪ .‬وهذا التمايز ـ من‬
‫ة ال ّ‬
‫وصيام أهل الكتاب أكل ُ‬
‫قبيل تحقيق المخالفة ـ ل بد من أن يحرص عليه‬
‫المسلمون‪.‬‬
‫ـ وقت السحور‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ُيستحب تأخير السحور إلى ما قبل ظهور الفجر‬
‫حّتى‬ ‫شَرُبوا َ‬ ‫وا ْ‬ ‫وك ُُلوا َ‬
‫الصادق بقليل‪ ،‬لقوله تعالى‪َ  :‬‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ج ِ‬‫ف ْ‬ ‫م َ‬
‫وِد ِ‬‫س َ‬‫ط اْل ْ‬ ‫خي ْ ِ‬‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫ض ِ‬ ‫ط اْلب ْي َ ُ‬‫خي ْ ُ‬‫م ال ْ َ‬
‫ن ل َك ُ ُ‬‫ي َت َب َي ّ َ‬
‫َ‬
‫ل ‪‬البقرة‪.187:‬‬ ‫م إ َِلى الل ّي ْ ِ‬‫صَيا َ‬‫موا ال ّ‬ ‫م أت ِ ّ‬ ‫ثُ ّ‬
‫عن زيد بن ثابت ‪ ‬قال‪ :‬تسحرنا مع النبي ‪ ،‬ثم‬
‫قام إلى الصلة‪ ،‬قلت‪ :‬كم كان بين الذان والسحور؟‬
‫قال‪ :‬قدُر خمسين آية "‪.‬‬
‫واعلم أن الفجر فجران‪ ،‬فجر كاذب ل ُيحل الصلة‬
‫عد في‬ ‫ول ُيحرم الطعام‪ ،‬وصفته بياض ساطع مص ّ‬
‫السماء ثم ينخفض‪ ،‬وفجر صادق يحل الصلة وُيحرم‬
‫الطعام والجماع‪ ،‬وصفته أحمر مستطير منتشر يعم‬
‫الفق يتقدم ظهور الشمس من جهة الشرق‪ ،‬فقد صح‬
‫عن النبي ‪ ‬أنه قال‪ ":‬وكلوا واشربوا‪ ،‬ول يهيدّنكم ـ‬
‫عد‪ ،‬فكلوا‬ ‫أي ل يزعجنكم فيمنعنكم ـ الساطع المص ّ‬
‫واشربوا حتى يعترض لكم الحمُر "‪ .‬وقال ‪ ":‬ل‬
‫ن بلل‪ ،‬ول هذا البياض لعمود الصبح حتى‬ ‫يغرّنكم أذا ُ‬
‫يستطير "‪.‬‬
‫فإن اعتراك الشك ولم تقدر على التمييز بين‬
‫الفجر الصادق من الكاذب‪ ،‬فكل ما شككت حتى تتيقن‬
‫من أن الفجر فجر صادق‪ ،‬فقد صح عن ابن عباس أنه‬
‫ت "‪.‬‬‫قال‪ ":‬أحل الله لك الكل والشرب ما شكك َ‬
‫فالفجر ل يظهر دفعة واحدة ‪ ..‬وإنما يظهر بتدّرج‬
‫وبشكل بطيء فيختلط بياضه بسواد الليل إلى أن‬
‫يغلب بياضه سواد الليل ‪ ..‬ويظهر الفجر الصادق‪.‬‬
‫وكذلك لو سمعت أذان الفجر وفي فمك لقمة أو‬
‫في يدك إناء للشرب‪ ،‬فابتلع لقمتك بهدوء‪ ،‬واقض‬
‫حاجتك من الناء‪ ،‬وليس كما يقول بعض الشيوخ‬
‫الجهلة المتشددين أن المرء إذا سمع النداء وفي فمه‬
‫طعام أو شراب فعليه أن يبصق وُيخرج مما في فمه!‬
‫فقد صح عن النبي ‪ ‬أنه قال‪ ":‬إذا سمع أحدكم‬
‫النداء والناء في يده فل يضعه حتى يقضي حاجته منه‬
‫"‪.‬‬
‫وعن أبي أمامة ‪ ‬قال‪ :‬أقيمت الصلة والناء في‬
‫يد عمر قال‪ :‬أشرُبها يا رسول الله؟ قال‪ ":‬نعم "‪،‬‬
‫فشربها‪.‬‬
‫ومنه نعلم بطلن توقيت المساك الذي ابتليت به‬
‫بعض المصار‪ ،‬حيث يحملون الناس على المساك عن‬

‫‪12‬‬
‫المفطرات قبل الذان الثاني بعشرين دقيقة وربما‬
‫أكثر ‪ ..‬بدعوى الحتياط ‪ ..‬علما ً أن هذا الوقت يكون هو‬
‫الوقت المناسب للسحور المبارك كما تقدم‪.‬‬
‫فقد أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر والقاسم‬
‫بن محمد‪ ،‬عن عائشة رضي الله عنها‪ ،‬أن بلل ً كان‬
‫ل فقال رسول الله ‪ ":‬كلوا واشربوا حتى‬ ‫يؤذن بلي ٍ‬
‫ع الفجر "‪.‬‬ ‫م مكتوم؛ فإنه ل يؤذن حتى يطل َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫يؤذن اب ُ‬
‫قال القاسم‪ :‬ولم يكن بين أذاِنهما إل أن يرقى ذا‬
‫ل ذا ‪.‬‬‫وَينز َ‬
‫قلت‪ :‬رغم هذا الفارق الضئيل جدا ً بين أذان بلل‬
‫وأذان ابن أم مكتوم‪ ،‬وهو ل يتعدى من الوقت سوى‬
‫أن يرقى ذا وينزل ذا‪ ،‬ومع ذلك كان النبي ‪ ‬يأمر‬
‫المسلمين بأن يأكلوا ويشربوا وقت أذان بلل ‪ ..‬ويعد‬
‫أذانه بليل!‬
‫ونستفيد كذلك أن التوقيت الشرعي الثابت‬
‫للمساك ورفع أذان الفجر هو بزوغ الفجر‬
‫عد ـ على‬ ‫الصادق وليس تلك المواقيت الفلكية التي ت ُ َ‬
‫أيدي أناس مجهولي الدين والعدالة ـ قبل سنة من‬
‫حلول شهر رمضان ‪ ..‬والتي تحمل الناس على المتناع‬
‫عن المفطرات‪ ،‬وعلى الذان وإقامة الصلة‪ ،‬قبل‬
‫ظهور الفجر الصادق بعشرين دقيقة وأكثر!‬
‫في الذان الول يمنعون المسلمين من تناول‬
‫الطعام والشراب عشرين دقيقة بزعم المساك‬
‫للحتياط ‪ ..‬وفي الذان الثاني للصلة يؤذنون قبل‬
‫ظهور الفجر الصادق وحلول الوقت الشرعي بعشرين‬
‫دقيقة ‪ ..‬فيكون مجموع الوقت الذي يمنعون فيه‬
‫المسلمين من الطعام والشراب أربعين دقيقة تقريبا ً‬
‫قبل بزوغ الفجر الصادق ‪ ..‬فتأمل!!‬
‫ـ توقيت الفطار‪.‬‬
‫التوقيت الشرعي للفطار غروب قرص الشمس‬
‫فإذا غربت الشمس أفطر الصائم‪ ،‬لقوله ‪ ‬كما في‬
‫الصحيحين‪ ":‬إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر من هاهنا‪،‬‬
‫وغربت الشمس فقد أفطر الصائم "‪.‬‬
‫وإذا كان النبي ‪ ‬صائما ً أمر رجل ً فأوفى على‬
‫س‪ ،‬أفطَر‪.‬‬‫ز‪ ،‬فإذا قال‪ :‬قد غابت الشم ُ‬ ‫ن َ‬
‫ش ٍ‬
‫هذا هو التوقيت الشرعي لتحديد وقت إفطار‬
‫الصائم ‪ ..‬وليس التوقيت الفلكي الذي يكون خطؤه‬

‫‪13‬‬
‫أكثر من صوابه ‪ ..‬ومع ذلك ترى كثيرا ً من المسلمين‬
‫يقدمون توقيت المساكيات الفلكية على التوقيت‬
‫الشرعي رغم علمهم بخطأ التوقيت الفلكي وأنه في‬
‫الغالب يكون بعد غروب الشمس ـ التوقيت الشرعي ـ‬
‫بعشر دقائق وربما أكثر!‬
‫فإن تعسر على المرء تحري غروب الشمس‬
‫بنفسه أو بواسطة غيره من الخوان بحكم تطاول‬
‫البنيان السائد في بلد المسلمين الذي ُيحيل بين المرء‬
‫ورؤيته لغروب الشمس ‪ ..‬أو لغير ذلك من السباب ‪..‬‬
‫ذ أن يعتمد التوقيت الفلكي ‪ ..‬أرجو أن ل يكون‬ ‫له حينئ ٍ‬
‫في ذلك حرجا ً إن شاء الله‪.‬‬
‫ـ استحباب تعجيل الفطور‪.‬‬
‫من السنة تعجيل الفطور‪ ،‬لقوله ‪ ":‬ل تزال‬
‫أمتي بخير ما عجلوا الفطور " ‪ .‬ولقوله ‪ " :‬ل يزال‬
‫جل الناس الفطر؛ لن اليهود‬ ‫الدين ظاهرا ً ما ع ّ‬
‫والنصارى يؤخرون "‪ .‬ولقوله ‪ ‬في الحديث‬
‫القدسي‪ ":‬أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا ً "‪ .‬والعجلة‬
‫هم بتعجيل الفطر قبل التحقق من‬ ‫هنا ل ينبغي أن ُتف َ‬
‫غروب قرص الشمس كام ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ث من أخلق النبوة‪ :‬تعجيل‬ ‫ولقوله ‪ ":‬ثل ٌ‬
‫الفطار‪ ،‬وتأخير السحور‪ ،‬ووضع اليمين‬
‫على الشمال في الصلة "]‪.[2‬‬
‫ولقوله ‪ ":‬ل تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر‬
‫بفطرها النجوم "‪ .‬كما هو حال الشيعة الروافض الذين‬
‫يؤخرون إفطارهم ـ اقتداء باليهود والنصارى ومخالفة‬
‫لهل السنة والجماعة ـ إلى ما بعد غروب الشمس إلى‬
‫حين تضرب النجوم في كبد السماء!‬
‫ـ ـ اســتحباب الفطــور علــى التمــر أو المــاء‪:‬‬
‫لقوله ‪ ":‬من وجد تمرا ً فليفطر عليه‪ ،‬ومن‬
‫لم يجد تمرا ً فليفطر على الماء فإنه طهور "‪ .‬ثم يقوم‬
‫فيصلي الصلة لوقتها ‪..‬‬
‫وكان ‪ ‬يقول‪ ":‬ذهب الظمأ‪ ،‬وابتلت العروق‪،‬‬
‫وثبت الجر إن شاء الله "‪.‬‬
‫ـ أمور ل بأس بها للصائم‪.‬‬

‫صحيح الجامع‪.3038 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪14‬‬
‫هناك أمور ل حرج بها لو فعلها الصائم‪ ،‬منها‪:‬‬
‫التقبيل والمباشرة من غير توسع؛ خشية الوقوع في‬
‫المحظور وهو الجماع‪ ،‬فقد صح في الحديث عن‬
‫عائشة رضي الله عنها قالت‪ ":‬كان النبي ‪ُ ‬يقبل‬
‫وُيباشر وهو صائم‪ ،‬وكان أملككم لربه "‪ .‬وفي رواية "‬
‫ل ََربه " بفتح الهمزة والراء؛ ويعني لحاجته‪.‬‬
‫وعن حكيم بن عقال أنه قال‪ :‬سألت عائشة‪ ":‬ما‬
‫ي من امرأتي وأنا صائم؟ قالت‪ :‬فرجها "‪.‬‬ ‫يحرم عل ّ‬
‫ت‬
‫ت فقّبل ُ‬ ‫ش ُ‬‫ش ْ‬ ‫وعن عمر بن الخطاب ‪ ‬قال‪ :‬ه ِ‬
‫م أمرا ً‬‫ت اليو َ‬ ‫وأنا صائم‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسو َ‬
‫ل الله‪ ،‬صنع ُ‬
‫عظيمًا؛ فقبلت وأنا صائم‪ ،‬قال‪ ":‬أرأيت لو مضمض َ‬
‫ت‬
‫من الماء وأنت صائم؟" قلت‪ :‬ل بأس به‪ ،‬قال‪":‬‬
‫فمه ؟"]‪.[3‬‬
‫لكن من قبيل سد الذرائع ل ُينصح الشباب ومن‬
‫كان حديث عهد بالزواج بالتقبيل والمباشرة‪ ،‬للحديث‬
‫الذي رواه أبو هريرة ‪ ،‬أن رجل ً سأل النبي ‪ ‬عن‬
‫المباشرة للصائم‪ ،‬فرخص له‪ ،‬وأتاه آخر فنهاه؛ فإذا‬
‫خص له شيخ‪ ،‬والذي نهاه شاب]‪.[4‬‬ ‫الذي ر ّ‬
‫ومنها‪ :‬استخدام السواك‪ ،‬ونحوه فرشاة السنان‬
‫من غير مبالغة‪ ،‬روى البخاري في صحيحه عن النبي ‪‬‬
‫أنه استاك وهو صائم‪ .‬وقال ابن عمر‪ :‬يستاك أول‬
‫النهار وآخَره ول يبلع ريقه‪.‬‬
‫قال عطاء‪ :‬إن ازدرد ريقه ل أقول ُيفطر‪ .‬وقال‬
‫ابن سيرين‪ :‬ل بأس بالسواك الرطب‪ .‬قيل‪ :‬له طعم؟‬
‫ض به ا‪ -‬هـ‪.‬‬ ‫قال‪ :‬والماء له طعم وأنت تمضم ُ‬
‫ومنها‪ :‬الحجامة واستخراج الدم الفاسد‪ ،‬ونحوه‬
‫التبرع بالدم‪ ،‬وكذلك غسل الكلى لمن كان مبتلى بها‪،‬‬
‫أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال‪ ":‬احتجم‬
‫النبي ‪ ‬وهو صائم "‪.‬‬
‫عكرمة‪ :‬الصوم مما دخل وليس‬ ‫وقال ابن عباس و ِ‬
‫مما خرج‪.‬‬
‫وقوله ‪ ":‬أفطر الحاجم والمحجوم "‪ .‬منسوخ‬
‫بفعله ‪ ‬كما هو ثابت في حديث البخاري أعله‪،‬‬
‫وبقوله ‪ ‬كما في الحديث عن سعيد الخدري قال‪":‬‬
‫‪ 3‬صحيح سنن أبي داود‪.2089 :‬‬
‫‪ 4‬صحيح سنن أبي داود‪ .2090 :‬وفي الحديث دليل على ضرورة‬
‫مراعاة المآلت ‪ ..‬عندما ُيفتي المفتي الخرين‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫خص رسول الله ‪ ‬في القبلة للصائم‪ ،‬والحجامة "‪.‬‬ ‫ر ّ‬
‫والرخصة تكون بعد العزيمة أو الحظر‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬الستنشاق والمضمضة من غير مبالغة‪،‬‬
‫لقوله ‪ ":‬بالغ في الستنشاق إل أن تكون صائما ًً "‬
‫مفهوم الحديث جواز الستنشاق للصائم لكن من غير‬
‫مبالغة‪.‬‬
‫قال البخــاري‪ :‬قــال الحســن‪ :‬ل بــأس بالمضمضــة‬
‫والتبّرِد للصائم‪.‬‬
‫وقــد تقــدم معنــا حــديث عمــر الــذي يفيــد جــواز‬
‫المضمضة للصائم‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬غســل الــرأس‪ ،‬والســتحمام‪ ،‬والســباحة ‪..‬‬
‫أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة قالت‪ :‬كان النبي‬
‫حلم فيغتسل‬ ‫جنبا ً في رمضان من غير ُ‬ ‫‪ُ ‬يدركه الفجر ُ‬
‫م "‪.‬‬ ‫ويصو َ‬
‫ل ثوبا ً فألقى عليه وهو صائم‪.‬‬ ‫وعن ابن عمر أنه ب ّ‬
‫ي الحمام وهو صائم‪ .‬وقال أنــس‪ :‬إن‬ ‫ودخل الشعب ّ‬
‫م فيه وأنا صائم ا‪ -‬هـ‪ .‬والبزن هــو حجــر‬ ‫ح ُ‬
‫ن أتق ّ‬ ‫لي أبز َ‬
‫مجوف كالحوض‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن دخل الماء الحلق خطأ ؟‬
‫م‬ ‫عل َي ْ ُ‬
‫كــ ْ‬ ‫ول َي ْ ـ َ‬
‫س َ‬ ‫أقول‪ :‬ل حرج عليه لقوله تعالى‪َ  :‬‬
‫ْ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫ت‬
‫مدَ ْ‬
‫ع ّ‬
‫ما ت َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ول َك ِ ْ‬
‫ه َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫خطَأت ُ ْ‬ ‫في َ‬ ‫ح ِ‬‫جَنا ٌ‬‫ُ‬
‫حيم ـا ً ‪‬الحــزاب‪ .5:‬ولقــوله‬ ‫فــورا ً َر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّـ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫قُلوب ُك ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫‪ ":‬رفع عن أمتي الخطأ "‪.‬‬
‫أخرج البخاري فــي صــحيحه عــن عطــاء قــال‪ ":‬إن‬
‫الماء في حلقــه ل بــأس إن لــم يملــك ا‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫استنثر فدخل‬
‫هـ‪ .‬أي إن لم يملك دفعه‪.‬‬
‫ومنهــا‪ :‬تــذوق الطعــام مــن غيــر ازدراده‪ ،‬أخــرج‬
‫البخاري في صحيحه عن ابن عباس ‪ ‬قــوله‪ ":‬ل بــأس‬
‫قدَْر أو الشيء‪.‬‬ ‫م ال ِ‬ ‫ع َ‬ ‫أن يتط ّ‬
‫وقال‪ ":‬ل بأس أن يــذوق الخــل أو الشــيء مــا لــم‬
‫يدخل حلقه وهو صائم "‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬التكحل‪ ،‬والتطيــب‪ ،‬ونحوهـا قطـرة العيــن‪،‬‬
‫س‪ ،‬والحســن‪،‬‬ ‫قــال البخــاري فــي صــحيحه‪ ":‬لــم يــر أنـ ٌ‬
‫وإبراهيم بالكحل للصائم بأسا ً "‪.‬‬
‫م أحـدكم‬ ‫وأخرج عن ابن مسعود قوله‪ :‬إذا كان صو ُ‬
‫فلُيصبح دهينا ً مترج ً‬
‫ل‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫قــال ابــن حجــر فـي الفتــح ‪ :4/183‬فقـد اســتحب‬
‫الســلف للصــائم الــترفه والتجمــل بالترجــل والدهــان‬
‫والكحل ونحو ذلك ا‪ -‬هـ‪.‬‬
‫جــل‪ ،‬والترجيــل‪ :‬تســريح الشــعر‪ ،‬وتنظيفــه‪،‬‬‫والتَر ّ‬
‫وتحسينه‪ ،‬كما في اللسان‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬البر والحقن غير المغذية ‪ ..‬فهذه كــذلك ل‬
‫حرج فيها مادامت ل تصل إلى المعدة‪ ،‬وليــس لهــا أيــة‬
‫قيمة غذائية ‪ ..‬فالصل في مثل هذه المور المســتجدة‬
‫الباحة ما لم يرد نص على حرمتها‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫خص لها الفطار‪.‬‬
‫ـ حالت ُير ّ‬
‫ُيرخص الفطار في رمضان للمريض‪ ،‬والمسافر‪،‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬‫م ُ‬
‫ص ْ‬‫فل ْي َ ُ‬‫هَر َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫من ْك ُ ُ‬
‫هدَ ِ‬ ‫ش ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ف َ‬‫لقوله تعالى‪َ  :‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ريدُ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫خَر ي ُ ِ‬ ‫ن أّيام ٍ أ َ‬‫م ْ‬‫عدّةٌ ِ‬ ‫ف ِ‬‫ر َ‬ ‫س َ‬
‫ف ٍ‬ ‫عَلى َ‬ ‫و َ‬ ‫ريضا ً أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬‫كا َ‬ ‫َ‬
‫سَر ‪‬البقرة‪.185:‬‬ ‫ع ْ‬‫م ال ْ ُ‬‫ريدُ ب ِك ُ ُ‬‫ول ي ُ ِ‬ ‫سَر َ‬ ‫م ال ْي ُ ْ‬‫ب ِك ُ ُ‬
‫وفي الحديث فقد صح عن النبي ‪ ‬أنه قال‪":‬‬
‫ليس من البر الصيام في السفر "‪.‬‬
‫وكذلك يرخص الفطار للمجاهد في حالة القتال‬
‫ومواجهة العدو‪ ،‬لقوله ‪ ":‬إنكم ملقو عدوكم والفطر‬
‫أقوى لكم "‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما صفة المرض والسفر الذي يجيز‬
‫الفطار‪ ،‬وهل الفطار في مثل هذه الحالت رخصة‬
‫ُيندب لها أم أنها عزيمة واجبة؟‬
‫ض يشكل مشقة على الصائم‬ ‫أقول‪ :‬أيما مر ٍ‬
‫فالفطر في حقه رخصة‪ ،‬وأيما مرض يزيده الصيام‬
‫ذ يكون‬ ‫مرضا ً وُيضاعفه على صاحبه فالفطر حينئ ٍ‬
‫واجبًا؛ إذ ل ضرر ول ضرار!‬
‫وكذلك السفر ـ الذي ُيسمى عرفا ً سفرا ً بغض‬
‫النظر عن المسافة المقطوعة ـ فإنه رخصة للفطار ـ‬
‫إن شاء صام وإن شاء أفطر ـ أما إن كان في السفر‬
‫من المشقة ما يؤدي إلى إتلف وهلك المسافر‬
‫ذ يكون الفطار عزيمة وواجبًا‪.‬‬ ‫الصائم فحينئ ٍ‬
‫كما في الحديث عن جابر ‪ ‬أن رسول الله ‪ ‬مّر‬
‫ش عليه الماء‪ ،‬فقال‪ ":‬ما‬ ‫ل شجرة ُير ّ‬ ‫ل في ظ ّ‬ ‫على رج ٍ‬
‫بال صاحبكم ؟"‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول الله صائم‪ .‬قال‪ ":‬إنه‬
‫ليس من البر أن تصوموا في السفر‪ ،‬وعليكم برخصة‬
‫خص لكم فاقبلوها "‪.‬‬ ‫الله التي ر ّ‬

‫‪17‬‬
‫ب أن تؤتى‬ ‫وقال ‪ ":‬إن الله تبارك وتعالى ُيح ّ‬
‫صه كما يكره أن ُتؤَتى معصيُته "‪.‬‬ ‫ُرخ َ‬
‫وكذلك الجهاد كلما كان الفطار للصائم أقوى‬
‫لمواجهة العدو كلما كان أقرب للوجوب وأن يكون‬
‫عزيمة‪ ،‬كما في الحديث عن أبي سعيد الخدري قال‪":‬‬
‫سافرنا مع رسول الله ‪ ‬إلى مكة ونحن صيام‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل‪ ،‬فقال رسول الله ‪ :‬إنكم قد دنوتم من‬ ‫فنزلنا منز ً‬
‫عدوكم‪ ،‬والفطر أقوى لكم‪ ،‬فكانت رخصة‪ ،‬فمنا من‬
‫صام‪ ،‬ومنا من أفطر‪ ،‬ثم نزلنا منزل ً آخر‪ ،‬فقال‪ :‬إنكم‬
‫مصبحوا عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا‪ ،‬فكانت‬
‫عزيمة‪ ،‬ثم رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله ‪ ‬في‬
‫السفر "مسلم‪.‬‬
‫عن حمزة بن عمرو السلمي‪ ،‬قال للنبي ‪‬‬
‫أأصوم في السفر؟ ـ وكان كثير الصيام ـ فقال‪ ":‬إن‬
‫ت فأفطر "‪ .‬فمرد المر لما يترتب‬ ‫صم‪ ،‬وإن شئ َ‬ ‫شئت ف ُ‬
‫على الصيام من مشقة‪ ،‬ونوع هذه المشقة وأثرها ‪..‬‬
‫وعلى ضوء ذلك نحدد متى يكون الفطار رخصة ومتى‬
‫يكون عزيمة‪.‬‬
‫ـ وكذلك المرأة الحائض‪ :‬إذا أدركتها الدورة‬
‫الشهرية وهي صائم يجب عليها الفطار ‪ ..‬ومن ثم‬
‫تقضي أيامها بعد رمضان ‪ ..‬كما في الحديث عن‬
‫عائشة‪ ":‬كان ُيصيبنا ذلك ـ أي الدورة الشهرية ـ فنؤمر‬
‫بقضاء الصوم‪ ،‬ول نؤمر بقضاء الصلة "‪ .‬ونحوها‬
‫المرأة النفساء‪.‬‬
‫ـ وكذلك المرأة الحامل والمرضع‪ :‬يفطران‬
‫وُيطعمان عن كل يوم مسكينا ً من غير قضاء‪ ،‬لقوله‬
‫‪ ":‬إن الله وضع عن المسافر الصوم‪ ،‬وشطر الصلة‪،‬‬
‫وعن الحامل والمرضع الصوم "‪ ].‬الترمذي وقال‪ :‬حديث‬
‫حسن [‪.‬‬
‫وهو مذهب ابن عمر‪ ،‬وابن عباس ‪ ..‬قال ابن‬
‫عباس‪ ":‬إذا خافت الحامل على نفسها‪ ،‬والمرضع على‬
‫ولدها في رمضان‪ ،‬قال‪ :‬يفطران وُيطعمان مكان كل‬
‫يوم ٍ مسكينًا‪ ،‬ول يقضيان صوما ً "‪ .‬ونحوه عن ابن عمر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا إذا كانت الوالدة ترضع وليدها عاما ً‬
‫كامل ً أو حولين كاملين؛ أي عامين كاملين‪ ،‬كما قال‬
‫كا ِ َ‬ ‫ح ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ملي ْ ِ‬ ‫ن َ‬
‫ولي ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ول َدَ ُ‬
‫ه ّ‬ ‫نأ ْ‬‫ع َ‬
‫ض ْ‬‫ت ي ُْر ِ‬
‫دا ُ‬
‫وال ِ َ‬‫وال ْ َ‬
‫تعالى‪َ  :‬‬
‫ة ‪‬البقرة‪ .233:‬فأيامها كلها‬ ‫ع َ‬‫ضا َ‬
‫م الّر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أَرادَ أن ي ُت ِ ّ‬
‫م ْ‬
‫لِ َ‬

‫‪18‬‬
‫بين الحمل والرضاعة ‪ ..‬فينقضي العام كله وهي في‬
‫حالة إرضاع لوليدها ‪ ..‬فهذه التي لها رخصة في أن‬
‫ُتطعم مكان كل يوم تفطره من رمضان مسكينًا؛ إذ ل‬
‫مّتسع ول وقت لها للقضاء ‪ ..‬أما إن كانت ترضع‬
‫وليدها عدة أشهر ـ كما هي عادة غالب نساء هذا‬
‫الزمان ـ ثم بعد ذلك تتوقف عن الرضاعة لتكمل الحول‬
‫أو الحولين معتمدة على حليب البقر ‪ ..‬فهذه لو‬
‫أفطرت في رمضان من أجل الرضاعة ‪ ..‬عليها القضاء‬
‫ول ُيجزئها الطعام؛ لنها تملك الوقت والسعة للقضاء‬
‫من غير حمل ول رضاعة‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫ـ وكذلك الشيخ الكبير والمرأة العجوز‪ :‬إذا كانا ل‬
‫م ‪ ..‬يفطران ‪ ..‬وُيطعمان فقط عن كل‬ ‫ُيطيقان الصو َ‬
‫يوم ٍ مسكينًا‪ ،‬وهو قول ابن عباس وغيره من أهل‬
‫العلم‪.‬‬
‫ن‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ‪َ  :‬‬
‫و َ‬
‫ن ‪ ‬قال ابن عباس‪ :‬ليست‬ ‫كي ٍ‬
‫س ِ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ة طَ َ‬
‫عا ُ‬ ‫فدْي َ ٌ‬
‫ه ِ‬ ‫طي ُ‬
‫قون َ ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫بمنسوخة؛ هو الشيخ الكبير‪ ،‬والمرأة الكبيرة ل‬
‫يستطيعان أن يصوما‪ ،‬فليطعمان مكان كل يوم مسكينا ً‬
‫" البخاري‪.‬‬
‫ـ قضاء الفوات من رمضان‪.‬‬
‫ُتقضى اليام الفائتة من رمضان وجوبا ً على‬
‫التراخي‪ ،‬وبشكل متفرق أو متتابع خلل أيام وأشهر‬
‫السنة‪ ،‬فل حرج إن شاء الله‪ ،‬كما في الحديث المتفق‬
‫عليه عن عائشة رضي الله عنها‬
‫قالت‪ ":‬كان يكون علي الصوم من رمضان فما‬
‫ه إل في شعبان "‪.‬‬ ‫أستطيع أن أقضي َ ُ‬
‫سئل المام أحمد رحمه الله عن قضاء‬ ‫وقد ُ‬
‫رمضان‪ ،‬فقال‪ ":‬إن شاء فّرق وإن شاء تابع "‪.‬‬
‫فإن مات من كان عليه صوم من رمضان ـ أو صوم‬
‫ر ـ صام عنه وليه ول بد‪ ،‬لقوله ‪ ‬في الحديث‬ ‫نذ ٍ‬
‫ه "‪.‬‬
‫م‪ ،‬صام عنه ولي ّ ُ‬ ‫المتفق عليه‪ ":‬من مات وعليه صيا ٌ‬
‫أما إن كان من ذوي العذار الدائمة ممن يدفعون‬
‫فدية إطعام مسكين عن كل يوم ثم مات وعليه أيام لم‬
‫ُيطعم عنها ‪ ..‬فإنه يجب على وليه أن ُيطعم عنه اليام‬
‫التي لم ُيطعم عنها ‪ ..‬ول يجب عليه الصوم ‪ ..‬فالقضاء‬
‫والوفاء يكون من جنس المتروك‪.‬‬
‫ـ أمور ينبغي للصائم اعتزالها‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫ليستفيد الصائم من صيامه يجب عليه ـ إضافة‬
‫إلى ترك الطعام والشراب ـ اعتزال الفواحش‬
‫والمنكرات‪ ،‬والمعاصي‪ ،‬والفحش في القول وسوء‬
‫الخلق ‪ ..‬فهذه الموبقات والمعاصي وإن كان يتعين‬
‫تركها في كل وقت وعلى مدار الشهر واليام إل أنها‬
‫في رمضان ـ ليستفيد الصائم من صيامه ـ يزداد‬
‫التوكيد على اعتزالها وتركها‪ ،‬فقد صح عن النبي ‪‬‬
‫أنه قال‪ ":‬من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله‬
‫حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "‪.‬‬
‫وقال ‪ ":‬من لم يدع الخنا والكذب؛ فل حاجة لله‬
‫أن يدع طعامه وشرابه "‪ .‬والخنا‪ :‬الفحش في القول‪.‬‬
‫م من الكل والشراب‪ ،‬إنما‬ ‫وقال ‪ ":‬ليس الصيا ُ‬
‫ل‬‫ه َ‬ ‫الصيام من اللغو والرفث‪ ،‬فإن ساّبك أحدٌ أو ج ِ‬
‫عليك فقل‪ :‬إني صائم‪ ،‬إني صائم "‪ .‬وهذه عبارة لو‬
‫جر‬‫قيلت فلها بالغ الثر والدللة على الطرف المشا ِ‬ ‫ِ‬
‫المقاِبل‪.‬‬
‫ب وأنت صائم‪ ،‬فإن ساّبك أحد‬ ‫وقال ‪ ":‬ل َتسا ّ‬
‫فقل‪ :‬إني صائم‪ ،‬وإن كنت قائما ً فاجلس "‪.‬‬
‫ع‬‫ظه من صيامه الجو ُ‬ ‫ب صائم ح ّ‬ ‫وقال ‪ُ ":‬ر ّ‬
‫ٍ‬
‫والعطش "‪.‬‬
‫جّنة ـ أي من النار ـ ما لم‬ ‫وقال ‪ ":‬الصوم ُ‬
‫يخرقها "‪ .‬أي يخرقها بالغيبة والنميمة وسوء الخلق‪.‬‬
‫فالصوم الكامل الممدوح والمراد شرعا ً ـ إضافة‬
‫إلى الصوم عن الطعام والشراب ـ هو صوم الجوارح‬
‫الظاهرة والباطنة وإمساكها عن كل ما هو معيب وغير‬
‫شرعي ‪ ..‬ل بد للصائم من أن يتفطن لهذا المعنى‪،‬‬
‫هذا إذا كان حريصا ً على أن يكون من عتقاء شهر‬
‫رمضان المبارك‪.‬‬
‫م يومه في رمضان؟‬
‫ـ كيف يقضي الصائ ُ‬
‫ل يكفي للصائم أن يجتنب الثام والموبقات في‬
‫رمضان وإنما عليه كذلك أن يخص شهر‬
‫د من القبال على العبادة والطاعة‪،‬‬ ‫رمضان بمزي ٍ‬
‫وتلوة القرآن‪ ،‬والتصدق‪ ،‬وإطعام المساكين‪ ،‬كما في‬
‫الحديث المتفق عليه عن ابن عباس ‪ ‬قال‪ ":‬كان‬
‫النبي ‪ ‬أجودَ الناس بالخير‪ ،‬وكان أجودَ ما يكون في‬
‫رمضان حين يلقاه جبريل‪ ،‬وكان جبريل ‪ ‬يلقاه كل‬
‫ض عليه النبي ‪‬‬ ‫ة في رمضان حتى ينسل َ‬
‫خ‪ ،‬يعر ُ‬ ‫ليل ٍ‬

‫‪20‬‬
‫ن‪ ،‬فإذا لقيه جبريل ‪ ‬كان أجود بالخير من الريح‬ ‫القرآ َ‬
‫المرسلة "‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي الله عنها قالت‪ ":‬كان النبي ‪‬‬
‫إذا دخل العشُر شدّ مئزره‪ ،‬وأحيا ليله‪ ،‬وأيقظ أهله "‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫وقالت‪ ":‬كان رسول الله ‪ ‬يجتهد في العشر‬
‫الواخر مال يجتهد في غيره "‪ .‬وهذا بخلف ما عليه‬
‫كثير من المسلمين؛ إذ تراهم ينشطون في أول‬
‫رمضان ويفترون في آخره!‬
‫ً‬
‫طر صائما كان له مثــل أجــره ول‬ ‫وقال ‪ ":‬من ف ّ‬
‫ينقص من أجر الصائم شيئا ً "‪.‬‬
‫وكــان المــام مالــك رحمــه اللــه إذا دخــل رمضــان‬
‫انقطــع عــن التــدريس‪ ،‬وانقطــع عــن الفقــه والفتــوى‬
‫والحديث‪ ،‬واشتغل بمدارسة القرآن‪ ،‬وقـال‪ :‬هـذا شـهر‬
‫القرآن‪.‬‬
‫فإذا عرفت ذلك أيها المسلم الصائم فتأمــل كيــف‬
‫يقضــي كــثير مــن المســلمين فــي أمصــارهم شــهر‬
‫رمضــان؛ تراهــم يعــدون لــه عــدته مــن المسلســلت‬
‫والمســابقات والســهرات التلفزيونيــة‪ ،‬وغيرهــا مــن‬
‫الملهي‪ ،‬وكل ما يشغل عن ذكر الله ‪ ..‬وكــأن رمضــان‬
‫لــم ُيشــرع إل لمثــل هــذه العمــال المشــينة والمخلــة‬
‫بالداب‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله!‬
‫وكأن طواغيت الحكم الظالمين يريــدون مــن وراء‬
‫ذلــك أن ُيبطلــوا فاعليــة رمضــان وأثــره اليمــاني فــي‬
‫النفوس ‪ ..‬فاليمان الذي يزداد ويرقــى بــالنفوس فــي‬
‫رمضــان ينقصــونه وُيبطلــونه بمــا يبثــونه مــن برامــج‬
‫ومسلسلت فاحشة وماجنة عبر شاشات التلفــاز الــتي‬
‫غزت كل بيت ‪ ..‬فليس لصالح الطواغيت الظــالمين أن‬
‫ترقــى الشــعوب بإيمانهــا ‪ ..‬وأن تتحــرر مــن شــهواتها‬
‫ونزواتها ‪ ..‬ويصفى لها ذهنها وتفكيرهــا ‪ ..‬ولــو لشــهر‬
‫واحد!‬
‫يعلمون أن شياطين الجن ُتصفد في رمضان ‪ ..‬لذا‬
‫تــرى شــياطين وطــواغيت النــس ُيضــاعفون جهــدهم‬
‫الفسادي في رمضان ليعوضوا النقص ومــا قــد فــاتهم‬
‫من مدد من قبل إخوانهم من شياطين الجن!‬
‫ـ صلة القيام‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫اختلف الناس حول عدد ركعات صلة القيام في‬
‫رمضان‪ ،‬والصواب الذي نراه موافقا ً للسنة‪ ،‬أن ل تزيد‬
‫صلة القيام عن إحدى عشرة ركعة‪ ،‬للحديث المتفق‬
‫عليه عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ ":‬ما كان النبي‬
‫‪ ‬يزيد في رمضان ول في غيره على إحدى عشرة‬
‫ركعة "‪.‬‬
‫وعن جابر بن عبد الله ‪ ":‬أن النبي ‪ ‬لما أحيى‬
‫ة في رمضان صلى ثماني ركعات ثم أوتر "‪.‬‬ ‫بالناس ليل ً‬
‫وعن السائب بن يزيد أنه قال‪ ":‬أمر عمر بن‬
‫الخطاب ُأبي بن كعب وتميما ً الداري أن يقوما للناس‬
‫بإحدى عشرة ركعة‪ ،‬قال‪ :‬وقد كان القارئ يقرأ‬
‫بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من القيام وما كنا‬
‫ننصرف إل في فروع الفجر " الموطأ]‪.[5‬‬
‫مة‪ :‬من الوبئة القاتلة المنتشرة في‬ ‫ة ها ّ‬
‫مسأل ٌ‬
‫هذه اليام ما ُيعَرف بمرض " انفلوزيا الخنازير " وهو‬
‫ص إلى آخر عن طريق‬ ‫د ‪ ..‬ينتقل من شخ ٍ‬ ‫مع ٍ‬
‫مرض ُ‬
‫التنفس‪ ،‬والعطاس‪ ،‬ونحوه ‪ ..‬وفي كثير من الحيان‬
‫يصعب تمييزه عن مرض " النفلوزيا " العادي ‪ ..‬إل بعد‬
‫أيام ٍ من الصابة ‪ ..‬وعليه أقول‪ :‬من ُيصاب بمرض "‬
‫النفلوزيا " أرى عليه وجوبا ً أن يعتزل مساجد‬
‫المسلمين ‪ ..‬وبخاصة في أوقات صلة التراويح والتي‬
‫تكون فيها مكتظة بالمصلين ‪ ..‬حتى ل يتسبب بالعدوى‬
‫ضرار‬‫لخوانه المسلمين ‪ ..‬عمل ً بقوله ‪ ":‬ل ضرر ول ِ‬
‫مصح "‬ ‫ض على ال ُ‬‫"‪ .‬وقوله ‪ ":‬ل توردوا الممر َ‬
‫البخاري‪ .‬وفي رواية عند مسلم‪ ":‬ل ُيورد الممرض‬
‫ل مجذوم‪،‬‬ ‫على المصح "‪ .‬وكان في وفد ثقيف رج ٌ‬
‫ع " مسلم‪.‬‬ ‫ي ‪ ":‬إنا قد بايعناك فار ِ‬
‫ج ْ‬ ‫ل إليه النب ّ‬ ‫فأرس َ‬
‫وقياسا ً على مرض الطاعون المعدي الذي قضت فيه‬
‫ض‬
‫السنة أن ل يخرج المرء من أرض الوباء إلى أر ٍ‬
‫سليمة من الوباء ‪ ..‬كما قضت بأن ل يدخلها السليم‬
‫ض سليمة من الوباء‪ ،‬كما في صحيح‬ ‫القادم من أر ٍ‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫ل على طائف ٍ‬ ‫س‪ ،‬أرس َ‬‫البخاري‪ ،‬قال ‪ ":‬الطاعون رج ٌ‬
‫‪ 5‬قال الشيخ ناصر رحمه الله في كتابه " صلة التراويح "‪ :‬هذا‬
‫سند صحيح جدًا‪ .‬كما أن الشيخ ـ في كتابه المذكور ـ وغيره من‬
‫سب لعمر ‪ ‬أنــه صــلى‬ ‫عفوا الروايات التي تن َ‬
‫أهل العلم‪ :‬قد ض ّ‬
‫ّ‬
‫في التراويح إحــدى وعشــرين ركعــة أو أمــر أن ُيصـلى بالنــاس‬
‫بإحدى وعشرين ركعة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫من بني إسرائيل‪ ،‬أو على من كان قبلكم‪ ،‬فإذا سمعتم‬
‫ض وأنتم بها‬ ‫ض فل تقدموا عليه‪ ،‬وإذا وقع بار ٍ‬ ‫به بأر ٍ‬
‫د ‪ ..‬أرى‬ ‫مع ٍ‬
‫ض ُ‬ ‫ً‬
‫فل تخرجوا فرارا منه "‪ .‬ونحوه كل مر ٍ‬
‫لصاحبه أن ل يقترب من مساجد المسلمين وبخاصة‬
‫في أوقات اقتظاظها بالمصلين ‪ ..‬أرجو من إخواني‬
‫المسلمين أن يتنّبهوا ـ مشكورين ـ لهذه المسألة ‪..‬‬
‫ويعلموا أن من حبسه المرض عن القيام ‪ ..‬وكان من‬
‫عادته أن ُيصلي القيام في المسجد ‪ ..‬فله أجر القيام‬
‫في المسجد وإن صلى في بيته‪ ،‬لقوله ‪ ":‬إذا مرض‬
‫مقيما ً‬ ‫ب له مثل ما كان يعمل ُ‬ ‫العبدُ أو سافر‪ ،‬ك ُت ِ َ‬
‫صحيحا ً " البخاري‪.‬‬
‫ـ العتكاف‪.‬‬
‫العتكاف‪ :‬صفته أن يعتكف المسلم للعبادة في‬
‫المسجد طيلة الفترة الزمنية التي نوى اعتكافها‪ ،‬ل‬
‫يخرج من المسجد إل لحاجة أو ضرورة ملحة‪ ،‬وهو جائز‬
‫عاك ِ ُ‬ ‫هن َ‬
‫في‬‫ن ِ‬‫فو َ‬ ‫م َ‬ ‫وأن ْت ُ ْ‬
‫شُرو ُ ّ َ‬ ‫لقوله تعالى‪َ  :‬‬
‫ول ت َُبا ِ‬
‫د ‪‬البقرة‪.187:‬‬ ‫ج ِ‬
‫سا ِ‬‫م َ‬‫ال ْ َ‬
‫وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت‪:‬‬
‫ل رأسه وهو في المسجد‬ ‫خ ُ‬‫كان رسول الله ‪ ‬لُيد ِ‬
‫ة إذا كان معتكفا ً‬ ‫ت إل لحاج ٍ‬ ‫جُله‪ ،‬وكان ل يدخل البي َ‬ ‫فأر ّ‬
‫"‪.‬‬
‫وعنها رضي الله عنها قالت‪ ":‬السنة على‬
‫ة‪ ،‬ول يمس‬ ‫المعتكف أن ل يعود مريضًا‪ ،‬ول يشهد جناز ً‬
‫ة‪ ،‬ول يباشرها‪ ،‬ول يخرج لحاجة إل لما ل بد منه‪،‬‬ ‫امرأ ً‬
‫د جامع‬‫ول اعتكاف إل بصوم‪ ،‬ول اعتكاف إل في مسج ٍ‬
‫"] صحيح سنن أبي داود‪ .[ 2160:‬وفي رواية‪ ":‬ول اعتكاف إل‬
‫في مسجد جماعة "‪.‬‬
‫وهو يجوز في كل الشهر واليام‪ ،‬لعتكافه ‪‬‬
‫في العشر الواخر من شوال ‪ ..‬ولكن أفضلها العشر‬
‫الواخر من رمضان؛ لن النبي ‪ ‬كان يعتكفها‬
‫ويواظب على اعتكافها‪ ،‬كما في الصحيحين عن عائشة‬
‫رضي الله عنها قالت‪ ":‬كان النبي ‪ ‬يعتكف العشَر‬
‫الواخر من رمضان حتى قبضه الله‪ ،‬ثم اعتكف أزواجه‬
‫من بعده "‪ .‬والحديث فيه دليل على جواز اعتكاف‬
‫النساء في المساجد‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬أي المساجد هذه التي يجوز العتكاف‬
‫فيها؟‬

‫‪23‬‬
‫أقول‪ :‬قوي الختلف في هذه المسألة والراجح‬
‫عندي أن العتكاف جائز في أي مسجد شريطة أن‬
‫يكون مسجدا ً جامعا ً ُتقام فيه الجمعة والجماعة‪ ،‬لحديث‬
‫عائشة النف الذكر‪ ،‬وحتى ل تفوت المعتكف الجماعة‬
‫أو يضطر للخروج للصلة في مسجد جامع آخر‪ ،‬فيفسد‬
‫اعتكافه ‪ ..‬وبهذا قال بعض السلف‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬كيف نفهم قوله ‪ ":‬ل اعتكاف إل في‬
‫المساجد الثلثة "؟‬
‫أقول‪ :‬ينبغي أن ُيحمل الحديث على العتكاف‬
‫الكمل والفضل؛ أي ل اعتكاف كامل ً وفاضل ً إل في‬
‫المساجد الثلثة‪ :‬المسجد الحرام‪ ،‬والمسجد النبوي‪،‬‬
‫والمسجد القصى‪.‬‬
‫لذا نجد أن ابن مسعود قد خطأ حذيفة عندما‬
‫استدل بالحديث على منع المسلمين من العتكاف في‬
‫مسجد الكوفة الكبر‪ ،‬كما في تمام الحديث‪ ":‬قال‬
‫حذيفة لعبد الله ابن مسعود ‪ :‬قوم عكوف بين دارك‬
‫ودار أبي موسى ل تغير ـ وفي رواية ل تنهاهم ـ ؟!‬
‫وقد علمت أن رسول الله ‪ ‬قال‪ ":‬ل اعتكاف إل في‬
‫المساجد الثلثة "‪ .‬فقال عبد الله‪ :‬لعلك نسيت‬
‫وحفظوا‪ ،‬أو أخطأت وأصابوا "] السلسلة الصحيحة‪:‬‬
‫‪.[ 2786‬‬
‫وقد ذهب الطحاوي في كتابه " مشكل الثار "‬
‫إلى أن إنكار ابن مسعود على حذيفة وجوابه إياه بما‬
‫أجابه هو دليل على أن الحديث منسوخ فحفظ الناس‬
‫ذلك ونسي حذيفة‪ ،‬فقال ‪ :7/205‬تأملنا هذا الحديث‪،‬‬
‫ن مسعود أنه قد علم ما‬ ‫فوجدنا فيه إخبار حذيفة اب َ‬
‫ن مسعود إنكار ذلك‬ ‫ك اب ِ‬ ‫ذكره له عن النبي ‪ ،‬وتر َ‬
‫عليه وجوابه إياه بما أجابه به في ذلك قوله‪ ":‬لعلهم‬
‫حفظوا " نسخ ما قد ذكرته في ذلك‪ ،‬وأصابوا فيما قد‬
‫فعلوا‪ ،‬وكان ظاهر القرآن يدل على ذلك‪ ،‬وهو قوله‬
‫هن َ‬
‫د‪‬‬
‫ج ِ‬‫سا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عاك ِ ُ‬
‫فو َ‬ ‫م َ‬‫وأن ْت ُ ْ‬‫شُرو ُ ّ َ‬ ‫تعالى‪َ  :‬‬
‫ول ت َُبا ِ‬
‫ا‪ -‬هـ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬سكوت حذيفة ‪ ‬على جواب ابن مسعود‬
‫له‪ ،‬ومن ثم عدم إنكاره بنفسه على المسلمين‬
‫المعتكفين في المسجد ‪ ..‬دليل على موافقته له في‬
‫أن الحديث ليس فيه دليل على المنع من العتكاف في‬
‫غير هذه المساجد الثلثة؛ إذ لو كان ابن مسعود مخطئا ً‬

‫‪24‬‬
‫في رده عليه وعلى فهمه للحديث لنكر عليه حذيفة‬
‫وصحح له جوابه‪ ،‬ولذهب بنفسه إلى المسجد لينكر‬
‫على المعتكفين‪.‬‬
‫والغريب في المر أن الشيخ ناصر ـ رحمه الله ـ‬
‫قد أقر بتخطئة ابن مسعود لحذيفة في استدلله‬
‫بالحديث على المنع من العتكاف في غير المساجد‬
‫الثلثة ‪ ..‬ثم بعد ذلك خطأ ابن مسعود ورد فهمه‬
‫للحديث‪ ،‬الذي وافقه عليه حذيفة فيما بعد‪ ،‬واعتبر‬
‫الحديث مخصصا ً للية التي تبيح العتكاف في مطلق‬
‫المساجد‪ ،‬وإليك قوله في السلسلة الصحيحة ‪-6/667‬‬
‫‪ :670‬قول ابن مسعود ليس نصا ً في تخطئته لحذيفة‬
‫في روايته للفظ الحديث‪ ،‬بل لعله خطأه في استدلله‬
‫به على العكوف الذي أنكره حذيفة؛ لحتمال أن يكون‬
‫معنى الحديث عند ابن مسعود‪ :‬ل اعتكاف كامل ً ‪ ...‬إلى‬
‫أن قال‪ :‬الية عامة‪ ،‬والحديث خاص‪ ،‬ومقتضى الصول‬
‫أن ُيحمل العام على الخاص‪ ،‬وعليه فالحديث مخصص‬
‫للية ومبين لها‪ ،‬وعليه يدل كلم حذيفة وحديثه ا‪ -‬هـ‪.‬‬
‫ـ صدقة الفطر وما يتعلق بها من أحكام‪:‬‬
‫يجب إخراج صدقة الفطر ُ‬
‫طعمة ـ وليس مال ً ـ‬
‫طهرة للصائم‪ ،‬وهي ُتخرج عن العبد والحر‪ ،‬والذكر‪،‬‬‫ُ‬
‫والنثى‪ ،‬والصغير والكبير من المسلمين‪ ،‬كما في‬
‫الحديث عن ابن عباس ‪ ‬قال‪ ":‬فرض رسول الله ‪‬‬
‫طعمة‬‫طهرةً للصائم من اللغو والرفث‪ ،‬و ُ‬ ‫صدقة الفطر ُ‬
‫داها قبل الصلة فهي زكاة مقبولة‪،‬‬ ‫للمساكين‪ ،‬فمن أ ّ‬
‫ومن أداها بعد الصلة‪ ،‬فهي صدقة من الصدقات "‬
‫صحيح الترغيب‪.1085:‬‬
‫وعن ابن عمر ‪ ‬قال‪ ":‬فرض رسول الله ‪ ‬زكاة‬
‫الفطر من رمضان صاعا ً من تمر‪ ،‬أو صاعا ً من شعير‪،‬‬
‫على العبد والحر والذكر والنثى‪ ،‬والصغير والكبير من‬
‫المسلمين "‪.‬‬
‫ح‪ ،‬أو صاعا ً من‬ ‫ً‬
‫وقال ‪ ":‬أدوا صاعا من ب ُّر أو قم ٍ‬
‫ر‪ ،‬عن كل حّر وعبد‪ ،‬وصغير‬ ‫تمر‪ ،‬أو صاعا ً من شعي ٍ‬
‫وكبير ‪ ..‬ذكر وأنثى "‪.‬‬
‫حفنة بكفي الرجل‬ ‫والصاع‪ :‬أربعة أمداد؛ والمد ُ‬
‫المعتدل الكفين‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫الشياء التي يجوز التصدق بها‪ :‬القمح‪ ،‬أو الشعير‪،‬‬
‫ط ) لبن‬ ‫أو التمر‪ ،‬أو الزبيب‪ ،‬أو الرز‪ ،‬أو الذرة‪ ،‬أو ال َ ِ‬
‫ق ِ‬
‫مجفف لم ُتزل زبدته (‪.‬‬
‫وقتها‪ُ :‬تخرج قبل صلة العيد وليس بعده‪ ،‬كما في‬
‫الحديث عن ابن عمر قال‪ ":‬أمرنا رسول الله ‪ ‬بزكاة‬
‫الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلة "‬
‫البخاري‪.‬‬
‫وقد ثبت عن ابن عمر أنه كان يؤديها قبل الفطر‬
‫بيوم ٍ أو يومين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إذا تقرر إرسال صدقة الفطر إلى قطر آخر‬
‫لحصول الكفاية في القطر الذي فيه المتصدق ووجود‬
‫الحاجة الماسة في القطر الخر‪ ،‬ل حرج أن يرسلها‬
‫في وقت مبكر لكي يضمن وصولها إلى ذوي الحاجة‬
‫من الفقراء والمساكين في الوقت المحدد والمناسب‪،‬‬
‫إذ لو تأخر في دفعها إلى ما قبل العيد بساعات أو يوم‬
‫أو يومين ‪ ..‬قد ل تصل إلى أيدي الفقراء في القطر‬
‫ذ‬
‫الخر إل بعد صلة العيد بأيام وربما بأسابيع ‪ ..‬فحينئ ٍ‬
‫ل تكون زكاة فطر وإنما صدقة من الصدقات؛ لن‬
‫الحكمة من إخراج صدقة الفطر أن تصل إلى أيدي‬
‫طعمة قبل صلة العيد‪ ،‬ليستفيدوا منها‬ ‫الفقراء ُ‬
‫وأطفالهم في أيام العيد ‪ ..‬وليس مجرد أن ُتخرج من‬
‫د مستأمنة أخرى يحبسها في‬ ‫يد صاحبها لتوضع في ي ٍ‬
‫يده أو يخرجها على الفقراء متى شاء وفي الوقت‬
‫الذي يشاء‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫ـ صيام ستة من شوال‪.‬‬
‫فإذا انتهى رمضان ودخل شوال ُيسن أن يصوم‬
‫المرء ستة أيام من الشهر‪ ،‬لقوله ‪ ":‬من صام‬
‫رمضان ثم أتبعه ستا ً من شوال كان كصيام الدهر "‬
‫مسلم‪.‬‬
‫وله أن يبدأ بالصوم بعد العيد مباشرة؛ أي في‬
‫اليوم الثاني من شوال‪ ،‬لورود النهي عن الصوم في‬
‫العيد‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫وبانتهائنا من هذه الفقرة‪ ،‬ننتهي ـ بفضل الله‬
‫تعالى ومنته ـ من هذا المبحث الموجز "مسائل وأحكام‬
‫رمضانية "‪ ،‬راجيا ً من الله تعالى القبول‪ ،‬وأن ينفع به‬
‫الصائمين في أمصارهم‪ ،‬إنه تعالى سميع قريب‬
‫مجيب‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫وصلى الله على محمد النبي المي وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪.‬‬

‫عبد‬ ‫‪25/8/1424‬هـ‪.‬‬
‫المنعم مصطفى حليمة‬
‫أبو‬ ‫‪ 21/10/2003‬م‪.‬‬
‫بصير الطرطوسي‬

‫‪www.abubaseer.bizland.com‬‬
‫‪tartosi@tiscali.co.uk‬‬

‫‪27‬‬

You might also like