Professional Documents
Culture Documents
1
المتابعة ،وعلى قدر المتابعة تكون المحبة ،والعكس
كذلك.
وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال":
خذوا مناسككم عني " .وقال ":صلوا كما رأيتموني
أصلي ".
وقال ":من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو
ردّ " .وقال ":من صنع أمرا ً على غير أمرنا فهو رد
".
لجل هذا كله سنجتهد ـ بإذن الله ـ أن نتحرى
السنة في كل ما نثبته ونقرره من مسائل وأحكام
تتعلق برمضان ،وصيام شهر رمضان ،والله وحده
المستعان.
ـ قبل حلول شهر رمضان.
قبل شهر رمضان يكون شهر شعبان حيث فيه
ُترفع أعمال العباد ،وُيسن الكثار من الصيام تمهيدا ً
وتدريبا ً للنفس على استقبال وصيام رمضان ،كما في
الحديث ،فقد صح عن النبي أنه قال ":شعبان بين
رجب ورمضان ،يغفل الناس عنهُ ،ترفع فيه أعمال
العباد ،فأحب أن ل ُيرفع عملي إل وأنا صائم ".
ف
ة النص ِ قه ليل َ
ع خل ِ
ه إلى جمي ِ وقال ":ي َطّل ِ ُ
ع الل ُ
حن مشا ِ ك أو ُ من شعبان ،فيغفُر لجميع خلقه إل لمشر ٍ
"]صحيح الترغيب.[1026:
ة
ع على عباده في ليل ِ طل ُن الله ي َ ّ وقال ":إ ّ
ف من شعبان ،فيغفُر للمؤمنين ،وُيملي النص ِ
دعوه "]صحيح د بحقدهم حتى ي َ ل الحق ِ دع أه َ للكافرين ،وي َ
الجامع.[1898:
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها
ر أكثر صياما ً
قالت ":ما رأيت رسول الله في شه ٍ
منه في شعبان ".
لكن ل يجوز وصل شعبان برمضان لقوله ":ل
تقدموا رمضان بصوم يوم ٍ ول يومين إل رجل ً يصوم
صوما ً فليصمه " .وقوله ":من صام اليوم الذي يشك
فيه فقد عصى أبا القاسم " .ويوم الشك هو اليوم
الذي يتقدم شهر رمضان وُيشك هل هو من رمضان أم
ل.
ـ كيف يثبت شهر رمضان؟
2
غمت رؤيتهيثبت شهر رمضان برؤية هلله فإن ُ
في اليوم التاسع والعشرين من شعبان أكملت عدة
شعبان ثلثين يومًا ،لقوله في الصحيحين ":صوموا
م عليكم فأكملوا عدة لرؤيته وأفطروا لرؤيته ،فإن ُ
غ ّ
شعبان ثلثين " .وقوله ":ل تصوموا حتى تروا
ل ،ول تفطروا حتى تروه ،فإن ُأغمي عليكم الهل َ
فاقدروا له " متفق عليه.
من ُيثبت شهر رمضان؟
ـ َ
يثبت شهر رمضان برؤية الهلل من قبل شخص
واحد مسلم عدل ،كما في الحديث ":جاء رجل أعرابي
من البادية فأخبر النبي بأنه رأى الهلل فأمَر
بلل ً أن يؤ ّ
ذن بالصيام ".
تل فأخبر ُ س الهل َ
وعن ابن عمر قال ":تراءى النا ُ
ل الله أني رأيته ،فصام وأمر الناس بالصيام ". رسو َ
وهذه الرؤية والشهادة من هذا المسلم العدل
ُتلزم جميع من يسمع بها من أفراد ومجتمعات المة
على اختلف أمصارهم ودولهم ،وهذا متيسر في
زماننا ـ ولله الحمد ـ بحكم توفر وسائل العلم التي
ن معدودات ،وبالتالي تقدر على نقل الخبار خلل ثوا ٍ
ل عذر للدول المعاصرة أن تصوم وُتفطر كل دولة
بحسب رؤيتها الخاصة بها ،وبزعم أنها لم تر الهلل
بعد ..فالذي رأى حجة على الذي لم ير ..ول تتوقف
حجة من رأى على رؤية من لم ير ..فهذا من التفرق
في الدين ،وهو بخلف السنة الثابتة عن النبي .
بل الملحظ في كثير من الحيان يكون تحديد مثل
هذه الحكام والوقات الشرعية ـ وللسف ـ خاضعا ً
لهواء الساسة وطواغيت الحكم في بلد المسلمين؛ إذ
تحملهم الخلفات السياسية الخاصة فيما بينهم على
الختلف في تحديد وقت دخول رمضان ووقت انتهائه
ودخول العيد ..لينعكس ذلك على شعوبهم تفرقا ً
وعداوة وبغضاء ..وهؤلء ليس لهم طاعة ..كما ل
يجوز للشعوب المسلمة أن تتابعهم في المخالفة
سنة والطريقة الشرعية الصحيحة التي يثبت بها لل ّ
شهر رمضان؛ إذ ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ثم ترون أيها الناس لو قال لكم طواغيت الحكم
في بلدكم صلة العصر ُتصلى بعد غروب الشمس ..
هل أنتم تطيعونهم في ذلك ..فإن قلتم ل ..ول بد
3
من أن يكون الجواب ،ل ..أقول :كيف ُتطيعونهم في
تقديم صيام شهر رمضان أو تأخيره بعد علمكم بثبوته
وفق الطريقة الشرعية الثابتة عن النبي .. ؟!
فإن قيل قد ثبت أن معاوية قد صام يوم الجمعة
من شهر رمضان ،وكان في الشام ..بينما ابن عباس
ومن معه في المدينة قد صاموا يوم السبت ،فكان لكل
منهما رؤيته الخاصة به؟
أقول :هذا يحصل في حال تعثر الخبار لتساع
المصار والبلدان ..فأهل الشام إذ رأوا الهلل يوم
الجمعة لم يكونوا يستطيعون أن يخبروا أهل المدينة
برؤيتهم للهلل لبعد الشقة فيما بينهم ،ولطبيعة
ذ ..
وسائل التنقل والتصالت التي كانت سائدة يومئ ٍ
أما في زماننا لم تعد هذه المشكلة موجودة لسهولة
مثبت لرؤية الهلل عبر وسائل نقل الخبار وشهادة ال ُ
ن معدودة ..وبالتالي ل عديدة من التصالت خلل ثوا ٍ
يجوز القياس ول الستدلل بالثر الوارد عن ابن
عباس ومعاوية إل في حال تعثر الخبار ونقل شهادة
مثبت في نفس اليوم التي تمت فيه الرؤية ..والله ال ُ
تعالى أعلم.
4
ن النعام.88: مُلو َ ع َكاُنوا ي َ ْ ما َ م َ ه ْ عن ْ ُ
ط َ حب ِ َ كوا ل َ َشَر ُ أَ ْ
كقب ْل ِ َن َ م ْن ِ ذي َ وإ َِلى ال ّ ِ ك َ ي إ ِل َي ْ َ ح َ قدْ ُأو ِ ول َ َ وقوله تعالىَ :
نري َس ِخا ِ ن ال ْ َ م َن ِ كون َ ّ ول َت َ ُ ك َ مل ُ َ ع َ ن َ حب َطَ ّ ت ل َي َ ْ شَرك ْ َ ن أَ ْل َئ ِ ْ
الزمر.65:
ويجب على العاقل :لن المجنون ُيرفع عنه القلم،
ويسقط عنه التكليف ،لقوله ُ ":رفع القلم عن
ثلثة:ـ منها ـ وعن المجنون حتى يعقل ".
ويجب على البالغ :لن القلم ُيرفع عن الصبي
وكذلك البنت إلى أن يدركا سن البلوغ ،لقوله ":
ُرفع القلم عن ثلثة ـ منها ـ وعن الصبي حتى يحتلم ".
وفي رواية " عن المعتوه حتى يعقل ".
وبالتالي ل ُيستحسن إجبار الطفل في سنين
مبكرة من طفولته على الصيام ..فهذا قد ُيعطي
صورة خاطئة عن السلم عند الخرين؛ تحملهم على
القول بأن السلم ـ وليس أولياء الطفل ـ يظلم
الطفولة والطفال ..ويجبر الطفال على ما ل طاقة
لهم به من الصيام ..لكن الذي ُيستحسن أن الطفل
كلما اقترب سنه من البلوغ ُيستحسن تدريبه وحمله
على الصيام بحسب استطاعته ..حتى إذا ما بلغ سن
عدّا ً وجاهزا ً للصيام. م َ الحلم يكون ُ
ويجب على القادر :لن العجز ُيسقط التكليف
باتفاق أهل العلم ،إلى أن تتحقق القدرة ،لقوله
ها البقرة.286: ع َ س َ و ْفسا ً إ ِّل ُ ه نَ ْ ف الل ّ ُ تعالى :ل ي ُك َل ّ ُ
ها الطلق: ما آَتا َ فسا ً إ ِّل َ ه نَ ْ ف الل ّ ُ وقوله تعالى :ل ي ُك َل ّ ُ
م التغابن: عت ُ ْست َطَ ْ ما ا ْ ه َ قوا الل ّ َ فات ّ ُ .7وقوله تعالىَ :
.16
وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال ":وما
أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم " متفق عليه.
والعجز نوعان :منه الدائم ،كالمرض الدائم
المستعصي الذي يمنع من الصيام مطلقًا ،ونحوه
الشيخ الكبير الذي ل يستطيع أن يصوم ،وهذا على
صاحبه الطعام عن كل يوم مسكينا ً واحدًا ،لقوله
نكي ٍس ِم ْ م ِ عا ُة طَ َ فدْي َ ٌ ه ِ قون َ ُ طي ُ ن يُ ِ ذي َ عَلى ال ّ ِ تعالىَ :
و َ
البقرة.184:
5
قال ابن عباس في هذه الية :ليست بمنسوخة؛
هو الشيخ الكبير ،والمرأة الكبيرة ل يستطيعان أن
يصوما ،فليطعمان مكان كل يوم مسكينا ً " البخاري.
ومنه الطارئ المؤقت الذي يزول بزوال سببه،
كالمرض الطارئ القابل للعلج والشفاء ..وهذا على
ريضا ًم ِ من ْك ُ ْ
م َ ن ِ ن َ
كا َ م ْ صاحبه القضاء ،لقوله تعالىَ :
ف َ
خر البقرة.184: ن أ َّيام ٍ أ ُ َ
م ْ
عدّةٌ ِ ر َ
ف ِ ف ٍ عَلى َ
س َ و َ َ
أ ْ
ـ فضل صيام رمضان.
شهر رمضان شهر عظيم فيه ُأنزل القرآن ،كما
ه ال ْ ُ ُ
نقْرآ ُ في ِ ل ِ ز َ ذي أن ْ ِ ن ال ّ ِ ضا َ م َ هُر َر َ قال تعالىَ :
ش ْ
ن البقرة .185 قا ِ فْر َ وال ْ ُ دى َ ه َ ن ال ْ ُم َ ت ِ وب َي َّنا ٍس َ ى ِللّنا ِ هد ً ُ
أنزله الله تعالى في ليلة من ليالي رمضان هي
في خير من ألف شهر ،كما قال تعالى :إ ِّنا أ َن َْزل َْناهُ ِ
خي ٌْر
ر َ قدْ ِة ال ْ َ ر .ل َي ْل َ ُ قدْ ِ ة ال ْ َ ما ل َي ْل َ ُ ك َ ما أ َدَْرا َ و َرَ . قدْ ِة ال ْ َ ل َي ْل َ ِ
َ
قبلت ـ ر القدر .3-1:أي العبادة فيها ـ إن ُ ه ٍ
ش ْف َ ن أل ْ ِ م ْ ِ
تفضل عبادة ما ُيعادل ثلث وثمانون سنة ،وثلثة
أشهر.
قال ابــن كــثير فــي التفســير :قــال مجاهــد :ليلــة
القدر خير من ألف شهر ،ليس فــي تلــك الشــهور ليلــة
القدر ،وهكذا قال قتادة بن دعامــة ،والشــافعي ،وغيــر
واحد ا -هـ.
والمراد بالنزال هنا إنزال القرآن الكريم إلى
السماء الدنيا جملة واحدة في ليلة القدر ،ليتنزل فيما
بعد على نبينا مفرقا ً طيلة فترة النبوة بحسب
الوقائع والحوادث والمراحل التي كانت تمر بها
الدعوة.
قال ابن كثير في التفسير :وأما القرآن فإنما
نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا،
وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه ،كما
ر .ثم نزل بعده قدْ ِ ة ال ْ َ في ل َي ْل َ ِ قال تعالى :إ ِّنا أ َن َْزل َْناهُ ِ
مفّرقا ً بحسب الوقائع على رسول الله .
قال ابن عباس :إنه أنزل في رمضان في ليلة
القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة ،ثم أنزل على
مواقع النجوم ترتيل ً في الشهور واليام.
وفــي روايــة عكرمــة عــن ابــن عبــاس قــال :نــزل
القرآن فــي شــهر رمضــان فــي ليلــة القــدر إلــى هــذه
6
السماء الدنيا جملة واحدة ،وكـان اللــه ُيحـدث لنــبيه مـا
يشــاء ،ول يجيــء المشــركون بمثــل ُيخاصــمون بــه إل
جاءهم الله بجوابه ا -هـ.
س ليلة القدر في الوتر من العشر الواخر ُتلَتم ُ
من رمضان ،لقوله كما في صحيح البخاري ":تحروا
ليلة القدر في الوتر من العشر الواخر من رمضان ".
وفي الصحيح كذلك :أن رجال ً من أصحاب النبي
أروا ليلة القدر في المنام في السبع الواخر ،فقال
رسول الله ":أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع
الواخر ،فمن كان متحريها فليتحرها في السبع
الواخر ".
ولختلف الناس في المطالع ورؤية الهلل؛ حيث
منهم من يقدم الصوم يوما ً ومنهم من يؤخره يوما ً بناء
على اختلفهم في الرؤية للهلل ُ ..يستحسن ـ من
قبيل ضمان قيامها ـ التماسها في اليام العشر
الواخر من رمضان؛ الشفع منها والوتر ،والله تعالى
أعلم.
وفي فضل قيامها فقد صح عن النبي أنه
غفر له ما قال ":من قام ليلة القدر إيمانا ً واحتسابا ً ُ
تقدم من ذنبه " البخاري.
إنه موسم خير قليل وقته كثير خيره ونفعه،
سرعان ما يودع؛ فهنيئا ً لمن اغتنمه وأحسن
استغلله ..وخاب وخسر من لم ُيحسن استغلله
ويستفد منه!
تح أبواب الجنة ،وُتغلق أبواب النار، فيه ُتف ّ
فد الشياطين ،كما في الحديث فقد صح عن النبي وُتص ّ
فّتحت أبواب الجنة أنه قال ":إذا جاء رمضان ُ
صفدت الشياطين ". غلقت أبواب النيران و ُ و ُ
وقال ":وإذا كان أول ليلة من شهر رمضان
صفدت الشياطين ومردة الجن ،وغّلقت أبواب النار ُ
فتحت أبواب الجنة فلم ُيغلق فلم ُيفتح منها باب ،و ُ
منها باب ،وُينادي مناٍد :يا باغي الخير أقبل ،ويا باغي
الشر أقصر ،ولله عتقاء من النار ،وذلك كل ليلة ".
ض اللهمبارك فر َ وقال ":أتاكم رمضان شهر ُ
ب السماء وُتغلق فيه عليكم صيامهُ ،تفتح فيه أبوا ُ
أبواب الجحيم ،وُتغل فيه مردة الشياطين ،لله فيه ليلة
حرم ". حرم خيرها فقد ُ ر من ُ خير من ألف شه ٍ
7
فتحت أبواب وقال ":إذا دخل شهر رمضان ُ
سلت الشياطين ". سل ِ
ب جهنم ،و ُ غلقت أبوا ُ السماء ،و ُ
فد ..وتبقى شياطين سل وُتص ّسل َفشياطين الجن ت ُ َ
النس حرةً لتعمل عملها المضاعف عنها وعن إخوانهم
من شياطين الجن ..ولتفسد على المسلمين صيامهم
ذر ،الحذر! في هذا الشهر المبارك العظيم ..فالح َ
فيه ُتغفر الذنوب ،كما في الحديث فقد صح عن
النبي أنه قال ":من صــام رمضــان إيمان ـا ً واحتســابا ً
فَر له ما تقدم من ذنبه ". ُ
غ ِ
ت مــا وقــال ":ورمضــان إلــى رمضــان مكفــرا ٌ
ن إذا اجُتنَبت الكبائر ".
بينه ّ
ض لــي فقــالُ :بعــدا ً وقــال ":إن جبريــل عــر َ
لمن أدرك رمضان فلم ُيغفر له ،فقلت :آمين ".
وفــي فضــل الصــيام عموم ـا ً جــاءت أحــاديث
عدة :منها قوله ":مــن صــام يوم ـا ً فــي ســبيل اللــه
جعــل اللــه بينــه وبيــن النــار خنــدقا ً كمــا بيــن الســماء
والرض ".
ً
وقال ":ومن صام يوما في سبيل اللــه َزحَزحــه
ه عن النار سبعين خريفا ً ". الل ُ
وعن أبي أمامة قال :قلت يا رسول الله ،دلني
على عمل أدخل به الجنة ،قال :عليك بالصوم؛ فإنه ل
ل لهعدْ َل له " .وفي رواية " عليك بالصوم فإنه ل ِ مث ْ َ
ِ
".
وقال ":كل عمل ابن آدم ُيضاعف الحسن ُ
ة
بعشر أمثالها ،إلى سبعمائة ضعف ،قال الله تعالى :إل
ع شهوته وطعامه من الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ،يد ُ
ة عند فطره ،وفرحة عند أجلي ،وللصائم فرحتان :فرح ٌ
لقاء ربه ،ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح
المسك ".
وقال ":الصــيام والقــرآن يشــفعان للعبــد يــوم
القيامة ،يقول الصيام :أي رب منعته الطعام والشهوة،
فشفعني فيــه ،ويقــول القــرآن :منعتــه النــوم بالليــل،
فشفعني فيه ،قال :فيشفعان ".
وقال ":إن في الجنة بابا ً ُيقال له الريان ،يدخل
منه الصائمون يوم القيامة ،ل يدخل منه أحد غيرهم
فإذا دخلوا أغلق ،فلم يدخل منه أحد ،فإذا دخل آخرهم
أغلق ،ومن دخل شرب ،ومن شرب لم يظمأ أبدا ً ".
8
وقال ":من قال ل إله إل الله ابتغاء وجه الله
له بها دخل الجنة ،ومن صام يوما ً ابتغاء وجه الله م
خت َ
ُ
دق بصدقة ابتغاء وجه الله بها دخل الجنة ،ومن تص ّ ختم ُ
له بها دخ َ
ل الجنة ". ختم ُ
ـ من يتعمد الفطار في رمضان من غير
عذر:
من تعمد الفطار في رمضان من غير عذر شرعي
معتبر ،فقد وقع في ذنب عظيم ،وكبيرة من كبائر
الذنوب ،يستحق الوعيد الشديد يوم القيامة ،كما في
الحديث عن أبي أمامة الباهلي قال :سمعت رسول
الله يقول ":بينما أنا نائم أتاني رجلن فأخذا
دي ـ فأتيا بي جبل ً وعرا ً فقال :اصعد،ض َ
ضُبعي ـ بع ُب َ
فقلت :إني ل أطيقه .فقال :سنسهله لك .فصعدت،
ت شديدة. حتى إذا كنت في سواد الجبل إذا بأصوا ٍ
قلت :ما هذه الصوات؟ قالوا :هذا عواء أهل النار ،ثم
انطلق بي ،فإذا أنا بقوم ٍ معلقين بعراقيبهم ،مشققة
أشداقهم ،تسيل أشداقهم دمًا ،قال :قلت :من هؤلء ؟
قال :الذين يفطرون قبل تحّلة صومهم !"..
قلت :هذا فيمن يفطر قبل تحلة الوقت فكيف
بمن يتعمد الفطار خلل نهار رمضان أو ل يصوم
مطلقا ً ..؟!
مد الفطار في رمضان فإن قيل :هل لمن تع ّ
قضاء أو كفارة؟
فارة المفطر أقول :من أهل العلم من قاس ك ّ
المتعمد على كفارة الذي ُيجامع زوجته في نهار
رمضان ..وهذا خطأ؛ لعدم التطابق في علة الفطار ..
ولنعدام النص الذي ُيلزم بالكفارة أو القضاء لمن
فارةتعمد الفطار ..والراجح أنه ليس عليه قضاء ول ك ّ
..ولو صام الدهر كله لما كافأ يوما ً من أيام رمضان ..
وإنما ُيلَزم بالتوبة النصوح ..كما ُيستحب له الكثار من
دق في صيام النفل والتطوع ..وكذلك الكثار من التص ّ
أوجه الخير ،والله تعالى أعلم.
ـ معنى الصيام.
بعد أن بينا حكم صيام شهر رمضان ،وفضل
رع ـ بإذن صيامه ،وجزاء من يتعمد الفطار فيهُ ،نش ِ
9
الله وتوفيقه ـ في بيان بعض الحكام والمسائل
التفصيلية ذات العلقة بالصوم.
فأقول :الصوم لغة المساك .وشرعًا ":المساك
عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب
الشمس بنية ".
ـ مبطلت الصوم:
-1الردة :إن طرأت على المسلم الصائم الردة
ل أو اعتقاٍد بطل صيامه ..لقوله تعالى : ل أو فع ٍ بقو ٍ
ن النعام.88: مُلو َ كاُنوا ْ ي َ ْ
ع َ ما َ
هم ّ عن ْ ُ
ط َ حب ِ َكوا ْ ل َ َ و أَ ْ
شَر ُ ول َ ْ
َ
ونحوه لو كان تاركا للصلة ..فصيامه ل ُيقَبل. ً
-2تعمد الكل والشرب :فمن تعمد أن ُيدخل شيئا ً
إلى جوفه من طعام أو شراب ،أو غير ذلك ،فقد أفطر
وبطل صومه ،وكذلك لو تناول الحقن والبر المغذية؛
فحكمها حكم الطعام والشراب.
أما من أكل أو شرب ناسيا ً فليس عليه شيء،
وليتم صومه ،لقوله ُ ":رفع عن أمتي الخطأ،
والنسيان ،وما اسُتكرهوا عليه " .وفي الصحيحين ":إذا
ه؛ فإنما أطعمه الله م ُ
م صو َ ب فليت ّ ر َل وش ِ نسي فأك َ
وسقاه".
-3الجماع :فمن واقع زوجته في نهار رمضان
بطل صومه بالجماع ،وكفارته :عتق رقبة ،فإن لم يجد
يصوم شهرين متتابعين ،فإن لم يقدر ُيطعم ستين
مسكينا ً ..كما هو مبين في حديث أبي هريرة المتفق
عليه ،قال :بينما نحن جلوس عند النبي إذا جاء
ت ،قال :ما لك؟ قال: ل ،فقال :يا رسول الله هلك ُ رج ٌ
ت على امرأتي وأنا صائم .فقال رسول الله : وقع ُ
ة تعتقها؟ قال :ل ،قال :فهل تستطيع أن هل تجد رقب ً
تصوم شهرين متتابعين؟ قال :ل ،قال :هل تجدُ إطعام
ستين مسكينًا؟ قال :ل .قال :فمكث النبي فبينا
ُ
عَرق: ق فيها تمر ـ وال َ عر ٍ نحن على ذلك أتي النبي ب ِ َ
مكتل ـ قال :أين السائل؟ فقال :أنا .قال :خذ هذا ال ِ
دق به .فقال الرجل :على أفقر مني يا رسول فتص ّ
تالله؟ فوالله ما بين لبتيها ـ يريد الحرتين ـ أهل بي ٍ
أفقُر من أهل بيتي .فضحك النبي حتى بدت نواجذه
ك " .وفي رواية ":وصم يوما ً مكانه ثم قال :أطعمه أهل َ
".
10
-4تعمد القيء :فمن استقاء بطل صومه وعليه
القضاء ،أما من غلبه القيء فل شيء عليه ،لقوله ":
من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء ،وإن
ض ".
استقاء فليق ِ
-5خروج دم الحيض ،والنفاس :كذلك لو فاجأ
المرأة الصائم خروج دم الحيض خلل النهار ،يبطل
صيامها ويتعين عليها الفطار ،ومن ثم القضاء ،كما
في الحديث عن عائشة رضي الله عنها ،قالت ":كان
ُيصيبنا ذلك ـ أي الدورة الشهرية ـ فنؤمر بقضاء
الصوم ،ول نؤمر بقضاء الصلة ".
ـ وجوب تبييت النية.
لصيام فرض رمضان يجب تبييت النية من الليل
قبل الفجر ،لقوله ":من لم ُيبيت الصيام من الليل
فل صيام له " .وقوله ":من لم ُيجمع الصيام قبل
الفجر فل صيام له ".
ول ُيشترط في تبييت النية التلفظ بها ،وإنما
يكفي انعقادها في القلب.
بخلف صوم النافلة فيجوز عقد نية الصوم خلل
النهار ،فقد كان النبي يحضُر أهَله ولم يطعم شيئا ً
بعد فيقول ":هل عنكم غداء ؟" فيقولون :ل ،فيقول":
إني صائم ".
ـ السحور وأهميته.
السحور سنة مؤكدة ومستحبة ،فقد صح عن
النبي أنه قال ":هلموا إلى الغداء المبارك " .وأراد
به السحور .وقال ":تسحروا فإن السحور بركة ".
وقال ":إن الله وملئكته يصلون على المتسحرين ".
وقال ":تسحروا ولو بجرعة ماء " .وقال ":
ة بركة فل تدعوه ولو أن يجرع أحدكم السحور أكل ُ
جرعة ماء ".
كذلك فإن السحور مما يميز صيام المسلمين عن
صيام غيرهم من أهل الكتاب ،كما في الحديث فقد
ل ما بين صيامناصح عن النبي أنه قال ":فص ٌ
سحر " .وهذا التمايز ـ من
ة ال ّ
وصيام أهل الكتاب أكل ُ
قبيل تحقيق المخالفة ـ ل بد من أن يحرص عليه
المسلمون.
ـ وقت السحور.
11
ُيستحب تأخير السحور إلى ما قبل ظهور الفجر
حّتى شَرُبوا َ وا ْ وك ُُلوا َ
الصادق بقليل ،لقوله تعالىَ :
ن ال ْ َ َ َ
ر
ج ِف ْ م َ
وِد ِس َط اْل ْ خي ْ ِن ال ْ َ
م َ
ض ِ ط اْلب ْي َ ُخي ْ ُم ال ْ َ
ن ل َك ُ ُي َت َب َي ّ َ
َ
ل البقرة.187: م إ َِلى الل ّي ْ ِصَيا َموا ال ّ م أت ِ ّ ثُ ّ
عن زيد بن ثابت قال :تسحرنا مع النبي ،ثم
قام إلى الصلة ،قلت :كم كان بين الذان والسحور؟
قال :قدُر خمسين آية ".
واعلم أن الفجر فجران ،فجر كاذب ل ُيحل الصلة
عد في ول ُيحرم الطعام ،وصفته بياض ساطع مص ّ
السماء ثم ينخفض ،وفجر صادق يحل الصلة وُيحرم
الطعام والجماع ،وصفته أحمر مستطير منتشر يعم
الفق يتقدم ظهور الشمس من جهة الشرق ،فقد صح
عن النبي أنه قال ":وكلوا واشربوا ،ول يهيدّنكم ـ
عد ،فكلوا أي ل يزعجنكم فيمنعنكم ـ الساطع المص ّ
واشربوا حتى يعترض لكم الحمُر " .وقال ":ل
ن بلل ،ول هذا البياض لعمود الصبح حتى يغرّنكم أذا ُ
يستطير ".
فإن اعتراك الشك ولم تقدر على التمييز بين
الفجر الصادق من الكاذب ،فكل ما شككت حتى تتيقن
من أن الفجر فجر صادق ،فقد صح عن ابن عباس أنه
ت ".قال ":أحل الله لك الكل والشرب ما شكك َ
فالفجر ل يظهر دفعة واحدة ..وإنما يظهر بتدّرج
وبشكل بطيء فيختلط بياضه بسواد الليل إلى أن
يغلب بياضه سواد الليل ..ويظهر الفجر الصادق.
وكذلك لو سمعت أذان الفجر وفي فمك لقمة أو
في يدك إناء للشرب ،فابتلع لقمتك بهدوء ،واقض
حاجتك من الناء ،وليس كما يقول بعض الشيوخ
الجهلة المتشددين أن المرء إذا سمع النداء وفي فمه
طعام أو شراب فعليه أن يبصق وُيخرج مما في فمه!
فقد صح عن النبي أنه قال ":إذا سمع أحدكم
النداء والناء في يده فل يضعه حتى يقضي حاجته منه
".
وعن أبي أمامة قال :أقيمت الصلة والناء في
يد عمر قال :أشرُبها يا رسول الله؟ قال ":نعم "،
فشربها.
ومنه نعلم بطلن توقيت المساك الذي ابتليت به
بعض المصار ،حيث يحملون الناس على المساك عن
12
المفطرات قبل الذان الثاني بعشرين دقيقة وربما
أكثر ..بدعوى الحتياط ..علما ً أن هذا الوقت يكون هو
الوقت المناسب للسحور المبارك كما تقدم.
فقد أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر والقاسم
بن محمد ،عن عائشة رضي الله عنها ،أن بلل ً كان
ل فقال رسول الله ":كلوا واشربوا حتى يؤذن بلي ٍ
ع الفجر ". م مكتوم؛ فإنه ل يؤذن حتى يطل َ نأ ّ يؤذن اب ُ
قال القاسم :ولم يكن بين أذاِنهما إل أن يرقى ذا
ل ذا .وَينز َ
قلت :رغم هذا الفارق الضئيل جدا ً بين أذان بلل
وأذان ابن أم مكتوم ،وهو ل يتعدى من الوقت سوى
أن يرقى ذا وينزل ذا ،ومع ذلك كان النبي يأمر
المسلمين بأن يأكلوا ويشربوا وقت أذان بلل ..ويعد
أذانه بليل!
ونستفيد كذلك أن التوقيت الشرعي الثابت
للمساك ورفع أذان الفجر هو بزوغ الفجر
عد ـ على الصادق وليس تلك المواقيت الفلكية التي ت ُ َ
أيدي أناس مجهولي الدين والعدالة ـ قبل سنة من
حلول شهر رمضان ..والتي تحمل الناس على المتناع
عن المفطرات ،وعلى الذان وإقامة الصلة ،قبل
ظهور الفجر الصادق بعشرين دقيقة وأكثر!
في الذان الول يمنعون المسلمين من تناول
الطعام والشراب عشرين دقيقة بزعم المساك
للحتياط ..وفي الذان الثاني للصلة يؤذنون قبل
ظهور الفجر الصادق وحلول الوقت الشرعي بعشرين
دقيقة ..فيكون مجموع الوقت الذي يمنعون فيه
المسلمين من الطعام والشراب أربعين دقيقة تقريبا ً
قبل بزوغ الفجر الصادق ..فتأمل!!
ـ توقيت الفطار.
التوقيت الشرعي للفطار غروب قرص الشمس
فإذا غربت الشمس أفطر الصائم ،لقوله كما في
الصحيحين ":إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر من هاهنا،
وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ".
وإذا كان النبي صائما ً أمر رجل ً فأوفى على
س ،أفطَر.ز ،فإذا قال :قد غابت الشم ُ ن َ
ش ٍ
هذا هو التوقيت الشرعي لتحديد وقت إفطار
الصائم ..وليس التوقيت الفلكي الذي يكون خطؤه
13
أكثر من صوابه ..ومع ذلك ترى كثيرا ً من المسلمين
يقدمون توقيت المساكيات الفلكية على التوقيت
الشرعي رغم علمهم بخطأ التوقيت الفلكي وأنه في
الغالب يكون بعد غروب الشمس ـ التوقيت الشرعي ـ
بعشر دقائق وربما أكثر!
فإن تعسر على المرء تحري غروب الشمس
بنفسه أو بواسطة غيره من الخوان بحكم تطاول
البنيان السائد في بلد المسلمين الذي ُيحيل بين المرء
ورؤيته لغروب الشمس ..أو لغير ذلك من السباب ..
ذ أن يعتمد التوقيت الفلكي ..أرجو أن ل يكون له حينئ ٍ
في ذلك حرجا ً إن شاء الله.
ـ استحباب تعجيل الفطور.
من السنة تعجيل الفطور ،لقوله ":ل تزال
أمتي بخير ما عجلوا الفطور " .ولقوله " :ل يزال
جل الناس الفطر؛ لن اليهود الدين ظاهرا ً ما ع ّ
والنصارى يؤخرون " .ولقوله في الحديث
القدسي ":أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا ً " .والعجلة
هم بتعجيل الفطر قبل التحقق من هنا ل ينبغي أن ُتف َ
غروب قرص الشمس كام ً
ل.
ث من أخلق النبوة :تعجيل ولقوله ":ثل ٌ
الفطار ،وتأخير السحور ،ووضع اليمين
على الشمال في الصلة "].[2
ولقوله ":ل تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر
بفطرها النجوم " .كما هو حال الشيعة الروافض الذين
يؤخرون إفطارهم ـ اقتداء باليهود والنصارى ومخالفة
لهل السنة والجماعة ـ إلى ما بعد غروب الشمس إلى
حين تضرب النجوم في كبد السماء!
ـ ـ اســتحباب الفطــور علــى التمــر أو المــاء:
لقوله ":من وجد تمرا ً فليفطر عليه ،ومن
لم يجد تمرا ً فليفطر على الماء فإنه طهور " .ثم يقوم
فيصلي الصلة لوقتها ..
وكان يقول ":ذهب الظمأ ،وابتلت العروق،
وثبت الجر إن شاء الله ".
ـ أمور ل بأس بها للصائم.
14
هناك أمور ل حرج بها لو فعلها الصائم ،منها:
التقبيل والمباشرة من غير توسع؛ خشية الوقوع في
المحظور وهو الجماع ،فقد صح في الحديث عن
عائشة رضي الله عنها قالت ":كان النبي ُ يقبل
وُيباشر وهو صائم ،وكان أملككم لربه " .وفي رواية "
ل ََربه " بفتح الهمزة والراء؛ ويعني لحاجته.
وعن حكيم بن عقال أنه قال :سألت عائشة ":ما
ي من امرأتي وأنا صائم؟ قالت :فرجها ". يحرم عل ّ
ت
ت فقّبل ُ ش ُش ْ وعن عمر بن الخطاب قال :ه ِ
م أمرا ًت اليو َ وأنا صائم ،فقلت :يا رسو َ
ل الله ،صنع ُ
عظيمًا؛ فقبلت وأنا صائم ،قال ":أرأيت لو مضمض َ
ت
من الماء وأنت صائم؟" قلت :ل بأس به ،قال":
فمه ؟"].[3
لكن من قبيل سد الذرائع ل ُينصح الشباب ومن
كان حديث عهد بالزواج بالتقبيل والمباشرة ،للحديث
الذي رواه أبو هريرة ،أن رجل ً سأل النبي عن
المباشرة للصائم ،فرخص له ،وأتاه آخر فنهاه؛ فإذا
خص له شيخ ،والذي نهاه شاب].[4 الذي ر ّ
ومنها :استخدام السواك ،ونحوه فرشاة السنان
من غير مبالغة ،روى البخاري في صحيحه عن النبي
أنه استاك وهو صائم .وقال ابن عمر :يستاك أول
النهار وآخَره ول يبلع ريقه.
قال عطاء :إن ازدرد ريقه ل أقول ُيفطر .وقال
ابن سيرين :ل بأس بالسواك الرطب .قيل :له طعم؟
ض به ا -هـ. قال :والماء له طعم وأنت تمضم ُ
ومنها :الحجامة واستخراج الدم الفاسد ،ونحوه
التبرع بالدم ،وكذلك غسل الكلى لمن كان مبتلى بها،
أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال ":احتجم
النبي وهو صائم ".
عكرمة :الصوم مما دخل وليس وقال ابن عباس و ِ
مما خرج.
وقوله ":أفطر الحاجم والمحجوم " .منسوخ
بفعله كما هو ثابت في حديث البخاري أعله،
وبقوله كما في الحديث عن سعيد الخدري قال":
3صحيح سنن أبي داود.2089 :
4صحيح سنن أبي داود .2090 :وفي الحديث دليل على ضرورة
مراعاة المآلت ..عندما ُيفتي المفتي الخرين.
15
خص رسول الله في القبلة للصائم ،والحجامة ". ر ّ
والرخصة تكون بعد العزيمة أو الحظر.
ومنها :الستنشاق والمضمضة من غير مبالغة،
لقوله ":بالغ في الستنشاق إل أن تكون صائما ًً "
مفهوم الحديث جواز الستنشاق للصائم لكن من غير
مبالغة.
قال البخــاري :قــال الحســن :ل بــأس بالمضمضــة
والتبّرِد للصائم.
وقــد تقــدم معنــا حــديث عمــر الــذي يفيــد جــواز
المضمضة للصائم.
ومنها :غســل الــرأس ،والســتحمام ،والســباحة ..
أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة قالت :كان النبي
حلم فيغتسل جنبا ً في رمضان من غير ُ ُ يدركه الفجر ُ
م ". ويصو َ
ل ثوبا ً فألقى عليه وهو صائم. وعن ابن عمر أنه ب ّ
ي الحمام وهو صائم .وقال أنــس :إن ودخل الشعب ّ
م فيه وأنا صائم ا -هـ .والبزن هــو حجــر ح ُ
ن أتق ّ لي أبز َ
مجوف كالحوض.
فإن قيل :إن دخل الماء الحلق خطأ ؟
م عل َي ْ ُ
كــ ْ ول َي ْ ـ َ
س َ أقول :ل حرج عليه لقوله تعالىَ :
ْ ما أ َ ْ
ت
مدَ ْ
ع ّ
ما ت َ َ
ن َ ول َك ِ ْ
ه َ م بِ ِ خطَأت ُ ْ في َ ح ِجَنا ٌُ
حيم ـا ً الحــزاب .5:ولقــوله فــورا ً َر ِ غ ُ ه َ ن الل ّـ ُ كا َ و َم َ قُلوب ُك ُ ْ ُ
":رفع عن أمتي الخطأ ".
أخرج البخاري فــي صــحيحه عــن عطــاء قــال ":إن
الماء في حلقــه ل بــأس إن لــم يملــك ا- ُ استنثر فدخل
هـ .أي إن لم يملك دفعه.
ومنهــا :تــذوق الطعــام مــن غيــر ازدراده ،أخــرج
البخاري في صحيحه عن ابن عباس قــوله ":ل بــأس
قدَْر أو الشيء. م ال ِ ع َ أن يتط ّ
وقال ":ل بأس أن يــذوق الخــل أو الشــيء مــا لــم
يدخل حلقه وهو صائم ".
ومنها :التكحل ،والتطيــب ،ونحوهـا قطـرة العيــن،
س ،والحســن، قــال البخــاري فــي صــحيحه ":لــم يــر أنـ ٌ
وإبراهيم بالكحل للصائم بأسا ً ".
م أحـدكم وأخرج عن ابن مسعود قوله :إذا كان صو ُ
فلُيصبح دهينا ً مترج ً
ل.
16
قــال ابــن حجــر فـي الفتــح :4/183فقـد اســتحب
الســلف للصــائم الــترفه والتجمــل بالترجــل والدهــان
والكحل ونحو ذلك ا -هـ.
جــل ،والترجيــل :تســريح الشــعر ،وتنظيفــه،والتَر ّ
وتحسينه ،كما في اللسان.
ومنها :البر والحقن غير المغذية ..فهذه كــذلك ل
حرج فيها مادامت ل تصل إلى المعدة ،وليــس لهــا أيــة
قيمة غذائية ..فالصل في مثل هذه المور المســتجدة
الباحة ما لم يرد نص على حرمتها ،والله تعالى أعلم.
خص لها الفطار.
ـ حالت ُير ّ
ُيرخص الفطار في رمضان للمريض ،والمسافر،
نم ْ و َه َم ُ
ص ْفل ْي َ ُهَر َ م ال ّ
ش ْ من ْك ُ ُ
هدَ ِ ش ِن َ م ْ
ف َلقوله تعالىَ :
ُ َ َ
ريدُ الل ّ ُ
ه خَر ي ُ ِ ن أّيام ٍ أ َم ْعدّةٌ ِ ف ِر َ س َ
ف ٍ عَلى َ و َ ريضا ً أ ْ م ِ ن َكا َ َ
سَر البقرة.185: ع ْم ال ْ ُريدُ ب ِك ُ ُول ي ُ ِ سَر َ م ال ْي ُ ْب ِك ُ ُ
وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال":
ليس من البر الصيام في السفر ".
وكذلك يرخص الفطار للمجاهد في حالة القتال
ومواجهة العدو ،لقوله ":إنكم ملقو عدوكم والفطر
أقوى لكم ".
فإن قيل :ما صفة المرض والسفر الذي يجيز
الفطار ،وهل الفطار في مثل هذه الحالت رخصة
ُيندب لها أم أنها عزيمة واجبة؟
ض يشكل مشقة على الصائم أقول :أيما مر ٍ
فالفطر في حقه رخصة ،وأيما مرض يزيده الصيام
ذ يكون مرضا ً وُيضاعفه على صاحبه فالفطر حينئ ٍ
واجبًا؛ إذ ل ضرر ول ضرار!
وكذلك السفر ـ الذي ُيسمى عرفا ً سفرا ً بغض
النظر عن المسافة المقطوعة ـ فإنه رخصة للفطار ـ
إن شاء صام وإن شاء أفطر ـ أما إن كان في السفر
من المشقة ما يؤدي إلى إتلف وهلك المسافر
ذ يكون الفطار عزيمة وواجبًا. الصائم فحينئ ٍ
كما في الحديث عن جابر أن رسول الله مّر
ش عليه الماء ،فقال ":ما ل شجرة ُير ّ ل في ظ ّ على رج ٍ
بال صاحبكم ؟" .قالوا :يا رسول الله صائم .قال ":إنه
ليس من البر أن تصوموا في السفر ،وعليكم برخصة
خص لكم فاقبلوها ". الله التي ر ّ
17
ب أن تؤتى وقال ":إن الله تبارك وتعالى ُيح ّ
صه كما يكره أن ُتؤَتى معصيُته ". ُرخ َ
وكذلك الجهاد كلما كان الفطار للصائم أقوى
لمواجهة العدو كلما كان أقرب للوجوب وأن يكون
عزيمة ،كما في الحديث عن أبي سعيد الخدري قال":
سافرنا مع رسول الله إلى مكة ونحن صيام ،قال:
ل ،فقال رسول الله :إنكم قد دنوتم من فنزلنا منز ً
عدوكم ،والفطر أقوى لكم ،فكانت رخصة ،فمنا من
صام ،ومنا من أفطر ،ثم نزلنا منزل ً آخر ،فقال :إنكم
مصبحوا عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا ،فكانت
عزيمة ،ثم رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله في
السفر "مسلم.
عن حمزة بن عمرو السلمي ،قال للنبي
أأصوم في السفر؟ ـ وكان كثير الصيام ـ فقال ":إن
ت فأفطر " .فمرد المر لما يترتب صم ،وإن شئ َ شئت ف ُ
على الصيام من مشقة ،ونوع هذه المشقة وأثرها ..
وعلى ضوء ذلك نحدد متى يكون الفطار رخصة ومتى
يكون عزيمة.
ـ وكذلك المرأة الحائض :إذا أدركتها الدورة
الشهرية وهي صائم يجب عليها الفطار ..ومن ثم
تقضي أيامها بعد رمضان ..كما في الحديث عن
عائشة ":كان ُيصيبنا ذلك ـ أي الدورة الشهرية ـ فنؤمر
بقضاء الصوم ،ول نؤمر بقضاء الصلة " .ونحوها
المرأة النفساء.
ـ وكذلك المرأة الحامل والمرضع :يفطران
وُيطعمان عن كل يوم مسكينا ً من غير قضاء ،لقوله
":إن الله وضع عن المسافر الصوم ،وشطر الصلة،
وعن الحامل والمرضع الصوم " ].الترمذي وقال :حديث
حسن [.
وهو مذهب ابن عمر ،وابن عباس ..قال ابن
عباس ":إذا خافت الحامل على نفسها ،والمرضع على
ولدها في رمضان ،قال :يفطران وُيطعمان مكان كل
يوم ٍ مسكينًا ،ول يقضيان صوما ً " .ونحوه عن ابن عمر.
قلت :هذا إذا كانت الوالدة ترضع وليدها عاما ً
كامل ً أو حولين كاملين؛ أي عامين كاملين ،كما قال
كا ِ َ ح ْ َ َ
نملي ْ ِ ن َ
ولي ْ ِ ن َ ول َدَ ُ
ه ّ نأ ْع َ
ض ْت ي ُْر ِ
دا ُ
وال ِ َوال ْ َ
تعالىَ :
ة البقرة .233:فأيامها كلها ع َضا َ
م الّر َ َ َ
ن أَرادَ أن ي ُت ِ ّ
م ْ
لِ َ
18
بين الحمل والرضاعة ..فينقضي العام كله وهي في
حالة إرضاع لوليدها ..فهذه التي لها رخصة في أن
ُتطعم مكان كل يوم تفطره من رمضان مسكينًا؛ إذ ل
مّتسع ول وقت لها للقضاء ..أما إن كانت ترضع
وليدها عدة أشهر ـ كما هي عادة غالب نساء هذا
الزمان ـ ثم بعد ذلك تتوقف عن الرضاعة لتكمل الحول
أو الحولين معتمدة على حليب البقر ..فهذه لو
أفطرت في رمضان من أجل الرضاعة ..عليها القضاء
ول ُيجزئها الطعام؛ لنها تملك الوقت والسعة للقضاء
من غير حمل ول رضاعة ،والله تعالى أعلم.
ـ وكذلك الشيخ الكبير والمرأة العجوز :إذا كانا ل
م ..يفطران ..وُيطعمان فقط عن كل ُيطيقان الصو َ
يوم ٍ مسكينًا ،وهو قول ابن عباس وغيره من أهل
العلم.
ن عَلى ال ّ ِ
ذي َ عن عطاء سمع ابن عباس يقرأَ :
و َ
ن قال ابن عباس :ليست كي ٍ
س ِ
م ْ
م ِ ة طَ َ
عا ُ فدْي َ ٌ
ه ِ طي ُ
قون َ ُ يُ ِ
بمنسوخة؛ هو الشيخ الكبير ،والمرأة الكبيرة ل
يستطيعان أن يصوما ،فليطعمان مكان كل يوم مسكينا ً
" البخاري.
ـ قضاء الفوات من رمضان.
ُتقضى اليام الفائتة من رمضان وجوبا ً على
التراخي ،وبشكل متفرق أو متتابع خلل أيام وأشهر
السنة ،فل حرج إن شاء الله ،كما في الحديث المتفق
عليه عن عائشة رضي الله عنها
قالت ":كان يكون علي الصوم من رمضان فما
ه إل في شعبان ". أستطيع أن أقضي َ ُ
سئل المام أحمد رحمه الله عن قضاء وقد ُ
رمضان ،فقال ":إن شاء فّرق وإن شاء تابع ".
فإن مات من كان عليه صوم من رمضان ـ أو صوم
ر ـ صام عنه وليه ول بد ،لقوله في الحديث نذ ٍ
ه ".
م ،صام عنه ولي ّ ُ المتفق عليه ":من مات وعليه صيا ٌ
أما إن كان من ذوي العذار الدائمة ممن يدفعون
فدية إطعام مسكين عن كل يوم ثم مات وعليه أيام لم
ُيطعم عنها ..فإنه يجب على وليه أن ُيطعم عنه اليام
التي لم ُيطعم عنها ..ول يجب عليه الصوم ..فالقضاء
والوفاء يكون من جنس المتروك.
ـ أمور ينبغي للصائم اعتزالها:
19
ليستفيد الصائم من صيامه يجب عليه ـ إضافة
إلى ترك الطعام والشراب ـ اعتزال الفواحش
والمنكرات ،والمعاصي ،والفحش في القول وسوء
الخلق ..فهذه الموبقات والمعاصي وإن كان يتعين
تركها في كل وقت وعلى مدار الشهر واليام إل أنها
في رمضان ـ ليستفيد الصائم من صيامه ـ يزداد
التوكيد على اعتزالها وتركها ،فقد صح عن النبي
أنه قال ":من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله
حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ".
وقال ":من لم يدع الخنا والكذب؛ فل حاجة لله
أن يدع طعامه وشرابه " .والخنا :الفحش في القول.
م من الكل والشراب ،إنما وقال ":ليس الصيا ُ
له َ الصيام من اللغو والرفث ،فإن ساّبك أحدٌ أو ج ِ
عليك فقل :إني صائم ،إني صائم " .وهذه عبارة لو
جرقيلت فلها بالغ الثر والدللة على الطرف المشا ِ ِ
المقاِبل.
ب وأنت صائم ،فإن ساّبك أحد وقال ":ل َتسا ّ
فقل :إني صائم ،وإن كنت قائما ً فاجلس ".
عظه من صيامه الجو ُ ب صائم ح ّ وقال ُ ":ر ّ
ٍ
والعطش ".
جّنة ـ أي من النار ـ ما لم وقال ":الصوم ُ
يخرقها " .أي يخرقها بالغيبة والنميمة وسوء الخلق.
فالصوم الكامل الممدوح والمراد شرعا ً ـ إضافة
إلى الصوم عن الطعام والشراب ـ هو صوم الجوارح
الظاهرة والباطنة وإمساكها عن كل ما هو معيب وغير
شرعي ..ل بد للصائم من أن يتفطن لهذا المعنى،
هذا إذا كان حريصا ً على أن يكون من عتقاء شهر
رمضان المبارك.
م يومه في رمضان؟
ـ كيف يقضي الصائ ُ
ل يكفي للصائم أن يجتنب الثام والموبقات في
رمضان وإنما عليه كذلك أن يخص شهر
د من القبال على العبادة والطاعة، رمضان بمزي ٍ
وتلوة القرآن ،والتصدق ،وإطعام المساكين ،كما في
الحديث المتفق عليه عن ابن عباس قال ":كان
النبي أجودَ الناس بالخير ،وكان أجودَ ما يكون في
رمضان حين يلقاه جبريل ،وكان جبريل يلقاه كل
ض عليه النبي ة في رمضان حتى ينسل َ
خ ،يعر ُ ليل ٍ
20
ن ،فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح القرآ َ
المرسلة ".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت ":كان النبي
إذا دخل العشُر شدّ مئزره ،وأحيا ليله ،وأيقظ أهله "
متفق عليه.
وقالت ":كان رسول الله يجتهد في العشر
الواخر مال يجتهد في غيره " .وهذا بخلف ما عليه
كثير من المسلمين؛ إذ تراهم ينشطون في أول
رمضان ويفترون في آخره!
ً
طر صائما كان له مثــل أجــره ول وقال ":من ف ّ
ينقص من أجر الصائم شيئا ً ".
وكــان المــام مالــك رحمــه اللــه إذا دخــل رمضــان
انقطــع عــن التــدريس ،وانقطــع عــن الفقــه والفتــوى
والحديث ،واشتغل بمدارسة القرآن ،وقـال :هـذا شـهر
القرآن.
فإذا عرفت ذلك أيها المسلم الصائم فتأمــل كيــف
يقضــي كــثير مــن المســلمين فــي أمصــارهم شــهر
رمضــان؛ تراهــم يعــدون لــه عــدته مــن المسلســلت
والمســابقات والســهرات التلفزيونيــة ،وغيرهــا مــن
الملهي ،وكل ما يشغل عن ذكر الله ..وكــأن رمضــان
لــم ُيشــرع إل لمثــل هــذه العمــال المشــينة والمخلــة
بالداب ،ول حول ول قوة إل بالله!
وكأن طواغيت الحكم الظالمين يريــدون مــن وراء
ذلــك أن ُيبطلــوا فاعليــة رمضــان وأثــره اليمــاني فــي
النفوس ..فاليمان الذي يزداد ويرقــى بــالنفوس فــي
رمضــان ينقصــونه وُيبطلــونه بمــا يبثــونه مــن برامــج
ومسلسلت فاحشة وماجنة عبر شاشات التلفــاز الــتي
غزت كل بيت ..فليس لصالح الطواغيت الظــالمين أن
ترقــى الشــعوب بإيمانهــا ..وأن تتحــرر مــن شــهواتها
ونزواتها ..ويصفى لها ذهنها وتفكيرهــا ..ولــو لشــهر
واحد!
يعلمون أن شياطين الجن ُتصفد في رمضان ..لذا
تــرى شــياطين وطــواغيت النــس ُيضــاعفون جهــدهم
الفسادي في رمضان ليعوضوا النقص ومــا قــد فــاتهم
من مدد من قبل إخوانهم من شياطين الجن!
ـ صلة القيام.
21
اختلف الناس حول عدد ركعات صلة القيام في
رمضان ،والصواب الذي نراه موافقا ً للسنة ،أن ل تزيد
صلة القيام عن إحدى عشرة ركعة ،للحديث المتفق
عليه عن عائشة رضي الله عنها قالت ":ما كان النبي
يزيد في رمضان ول في غيره على إحدى عشرة
ركعة ".
وعن جابر بن عبد الله ":أن النبي لما أحيى
ة في رمضان صلى ثماني ركعات ثم أوتر ". بالناس ليل ً
وعن السائب بن يزيد أنه قال ":أمر عمر بن
الخطاب ُأبي بن كعب وتميما ً الداري أن يقوما للناس
بإحدى عشرة ركعة ،قال :وقد كان القارئ يقرأ
بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من القيام وما كنا
ننصرف إل في فروع الفجر " الموطأ].[5
مة :من الوبئة القاتلة المنتشرة في ة ها ّ
مسأل ٌ
هذه اليام ما ُيعَرف بمرض " انفلوزيا الخنازير " وهو
ص إلى آخر عن طريق د ..ينتقل من شخ ٍ مع ٍ
مرض ُ
التنفس ،والعطاس ،ونحوه ..وفي كثير من الحيان
يصعب تمييزه عن مرض " النفلوزيا " العادي ..إل بعد
أيام ٍ من الصابة ..وعليه أقول :من ُيصاب بمرض "
النفلوزيا " أرى عليه وجوبا ً أن يعتزل مساجد
المسلمين ..وبخاصة في أوقات صلة التراويح والتي
تكون فيها مكتظة بالمصلين ..حتى ل يتسبب بالعدوى
ضرارلخوانه المسلمين ..عمل ً بقوله ":ل ضرر ول ِ
مصح " ض على ال ُ" .وقوله ":ل توردوا الممر َ
البخاري .وفي رواية عند مسلم ":ل ُيورد الممرض
ل مجذوم، على المصح " .وكان في وفد ثقيف رج ٌ
ع " مسلم. ي ":إنا قد بايعناك فار ِ
ج ْ ل إليه النب ّ فأرس َ
وقياسا ً على مرض الطاعون المعدي الذي قضت فيه
ض
السنة أن ل يخرج المرء من أرض الوباء إلى أر ٍ
سليمة من الوباء ..كما قضت بأن ل يدخلها السليم
ض سليمة من الوباء ،كما في صحيح القادم من أر ٍ
ُ
ة
ل على طائف ٍ س ،أرس َالبخاري ،قال ":الطاعون رج ٌ
5قال الشيخ ناصر رحمه الله في كتابه " صلة التراويح " :هذا
سند صحيح جدًا .كما أن الشيخ ـ في كتابه المذكور ـ وغيره من
سب لعمر أنــه صــلى عفوا الروايات التي تن َ
أهل العلم :قد ض ّ
ّ
في التراويح إحــدى وعشــرين ركعــة أو أمــر أن ُيصـلى بالنــاس
بإحدى وعشرين ركعة.
22
من بني إسرائيل ،أو على من كان قبلكم ،فإذا سمعتم
ض وأنتم بها ض فل تقدموا عليه ،وإذا وقع بار ٍ به بأر ٍ
د ..أرى مع ٍ
ض ُ ً
فل تخرجوا فرارا منه " .ونحوه كل مر ٍ
لصاحبه أن ل يقترب من مساجد المسلمين وبخاصة
في أوقات اقتظاظها بالمصلين ..أرجو من إخواني
المسلمين أن يتنّبهوا ـ مشكورين ـ لهذه المسألة ..
ويعلموا أن من حبسه المرض عن القيام ..وكان من
عادته أن ُيصلي القيام في المسجد ..فله أجر القيام
في المسجد وإن صلى في بيته ،لقوله ":إذا مرض
مقيما ً ب له مثل ما كان يعمل ُ العبدُ أو سافر ،ك ُت ِ َ
صحيحا ً " البخاري.
ـ العتكاف.
العتكاف :صفته أن يعتكف المسلم للعبادة في
المسجد طيلة الفترة الزمنية التي نوى اعتكافها ،ل
يخرج من المسجد إل لحاجة أو ضرورة ملحة ،وهو جائز
عاك ِ ُ هن َ
فين ِفو َ م َ وأن ْت ُ ْ
شُرو ُ ّ َ لقوله تعالىَ :
ول ت َُبا ِ
د البقرة.187: ج ِ
سا ِم َال ْ َ
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:
ل رأسه وهو في المسجد خ ُكان رسول الله لُيد ِ
ة إذا كان معتكفا ً ت إل لحاج ٍ جُله ،وكان ل يدخل البي َ فأر ّ
".
وعنها رضي الله عنها قالت ":السنة على
ة ،ول يمس المعتكف أن ل يعود مريضًا ،ول يشهد جناز ً
ة ،ول يباشرها ،ول يخرج لحاجة إل لما ل بد منه، امرأ ً
د جامعول اعتكاف إل بصوم ،ول اعتكاف إل في مسج ٍ
"] صحيح سنن أبي داود .[ 2160:وفي رواية ":ول اعتكاف إل
في مسجد جماعة ".
وهو يجوز في كل الشهر واليام ،لعتكافه
في العشر الواخر من شوال ..ولكن أفضلها العشر
الواخر من رمضان؛ لن النبي كان يعتكفها
ويواظب على اعتكافها ،كما في الصحيحين عن عائشة
رضي الله عنها قالت ":كان النبي يعتكف العشَر
الواخر من رمضان حتى قبضه الله ،ثم اعتكف أزواجه
من بعده " .والحديث فيه دليل على جواز اعتكاف
النساء في المساجد.
فإن قيل :أي المساجد هذه التي يجوز العتكاف
فيها؟
23
أقول :قوي الختلف في هذه المسألة والراجح
عندي أن العتكاف جائز في أي مسجد شريطة أن
يكون مسجدا ً جامعا ً ُتقام فيه الجمعة والجماعة ،لحديث
عائشة النف الذكر ،وحتى ل تفوت المعتكف الجماعة
أو يضطر للخروج للصلة في مسجد جامع آخر ،فيفسد
اعتكافه ..وبهذا قال بعض السلف.
فإن قيل :كيف نفهم قوله ":ل اعتكاف إل في
المساجد الثلثة "؟
أقول :ينبغي أن ُيحمل الحديث على العتكاف
الكمل والفضل؛ أي ل اعتكاف كامل ً وفاضل ً إل في
المساجد الثلثة :المسجد الحرام ،والمسجد النبوي،
والمسجد القصى.
لذا نجد أن ابن مسعود قد خطأ حذيفة عندما
استدل بالحديث على منع المسلمين من العتكاف في
مسجد الكوفة الكبر ،كما في تمام الحديث ":قال
حذيفة لعبد الله ابن مسعود :قوم عكوف بين دارك
ودار أبي موسى ل تغير ـ وفي رواية ل تنهاهم ـ ؟!
وقد علمت أن رسول الله قال ":ل اعتكاف إل في
المساجد الثلثة " .فقال عبد الله :لعلك نسيت
وحفظوا ،أو أخطأت وأصابوا "] السلسلة الصحيحة:
.[ 2786
وقد ذهب الطحاوي في كتابه " مشكل الثار "
إلى أن إنكار ابن مسعود على حذيفة وجوابه إياه بما
أجابه هو دليل على أن الحديث منسوخ فحفظ الناس
ذلك ونسي حذيفة ،فقال :7/205تأملنا هذا الحديث،
ن مسعود أنه قد علم ما فوجدنا فيه إخبار حذيفة اب َ
ن مسعود إنكار ذلك ك اب ِ ذكره له عن النبي ،وتر َ
عليه وجوابه إياه بما أجابه به في ذلك قوله ":لعلهم
حفظوا " نسخ ما قد ذكرته في ذلك ،وأصابوا فيما قد
فعلوا ،وكان ظاهر القرآن يدل على ذلك ،وهو قوله
هن َ
د
ج ِسا ِ في ال ْ َ
م َ ن ِ عاك ِ ُ
فو َ م َوأن ْت ُ ْشُرو ُ ّ َ تعالىَ :
ول ت َُبا ِ
ا -هـ.
قلت :سكوت حذيفة على جواب ابن مسعود
له ،ومن ثم عدم إنكاره بنفسه على المسلمين
المعتكفين في المسجد ..دليل على موافقته له في
أن الحديث ليس فيه دليل على المنع من العتكاف في
غير هذه المساجد الثلثة؛ إذ لو كان ابن مسعود مخطئا ً
24
في رده عليه وعلى فهمه للحديث لنكر عليه حذيفة
وصحح له جوابه ،ولذهب بنفسه إلى المسجد لينكر
على المعتكفين.
والغريب في المر أن الشيخ ناصر ـ رحمه الله ـ
قد أقر بتخطئة ابن مسعود لحذيفة في استدلله
بالحديث على المنع من العتكاف في غير المساجد
الثلثة ..ثم بعد ذلك خطأ ابن مسعود ورد فهمه
للحديث ،الذي وافقه عليه حذيفة فيما بعد ،واعتبر
الحديث مخصصا ً للية التي تبيح العتكاف في مطلق
المساجد ،وإليك قوله في السلسلة الصحيحة -6/667
:670قول ابن مسعود ليس نصا ً في تخطئته لحذيفة
في روايته للفظ الحديث ،بل لعله خطأه في استدلله
به على العكوف الذي أنكره حذيفة؛ لحتمال أن يكون
معنى الحديث عند ابن مسعود :ل اعتكاف كامل ً ...إلى
أن قال :الية عامة ،والحديث خاص ،ومقتضى الصول
أن ُيحمل العام على الخاص ،وعليه فالحديث مخصص
للية ومبين لها ،وعليه يدل كلم حذيفة وحديثه ا -هـ.
ـ صدقة الفطر وما يتعلق بها من أحكام:
يجب إخراج صدقة الفطر ُ
طعمة ـ وليس مال ً ـ
طهرة للصائم ،وهي ُتخرج عن العبد والحر ،والذكر،ُ
والنثى ،والصغير والكبير من المسلمين ،كما في
الحديث عن ابن عباس قال ":فرض رسول الله
طعمةطهرةً للصائم من اللغو والرفث ،و ُ صدقة الفطر ُ
داها قبل الصلة فهي زكاة مقبولة، للمساكين ،فمن أ ّ
ومن أداها بعد الصلة ،فهي صدقة من الصدقات "
صحيح الترغيب.1085:
وعن ابن عمر قال ":فرض رسول الله زكاة
الفطر من رمضان صاعا ً من تمر ،أو صاعا ً من شعير،
على العبد والحر والذكر والنثى ،والصغير والكبير من
المسلمين ".
ح ،أو صاعا ً من ً
وقال ":أدوا صاعا من ب ُّر أو قم ٍ
ر ،عن كل حّر وعبد ،وصغير تمر ،أو صاعا ً من شعي ٍ
وكبير ..ذكر وأنثى ".
حفنة بكفي الرجل والصاع :أربعة أمداد؛ والمد ُ
المعتدل الكفين.
25
الشياء التي يجوز التصدق بها :القمح ،أو الشعير،
ط ) لبن أو التمر ،أو الزبيب ،أو الرز ،أو الذرة ،أو ال َ ِ
ق ِ
مجفف لم ُتزل زبدته (.
وقتهاُ :تخرج قبل صلة العيد وليس بعده ،كما في
الحديث عن ابن عمر قال ":أمرنا رسول الله بزكاة
الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلة "
البخاري.
وقد ثبت عن ابن عمر أنه كان يؤديها قبل الفطر
بيوم ٍ أو يومين.
قلت :إذا تقرر إرسال صدقة الفطر إلى قطر آخر
لحصول الكفاية في القطر الذي فيه المتصدق ووجود
الحاجة الماسة في القطر الخر ،ل حرج أن يرسلها
في وقت مبكر لكي يضمن وصولها إلى ذوي الحاجة
من الفقراء والمساكين في الوقت المحدد والمناسب،
إذ لو تأخر في دفعها إلى ما قبل العيد بساعات أو يوم
أو يومين ..قد ل تصل إلى أيدي الفقراء في القطر
ذ
الخر إل بعد صلة العيد بأيام وربما بأسابيع ..فحينئ ٍ
ل تكون زكاة فطر وإنما صدقة من الصدقات؛ لن
الحكمة من إخراج صدقة الفطر أن تصل إلى أيدي
طعمة قبل صلة العيد ،ليستفيدوا منها الفقراء ُ
وأطفالهم في أيام العيد ..وليس مجرد أن ُتخرج من
د مستأمنة أخرى يحبسها في يد صاحبها لتوضع في ي ٍ
يده أو يخرجها على الفقراء متى شاء وفي الوقت
الذي يشاء ،والله تعالى أعلم.
ـ صيام ستة من شوال.
فإذا انتهى رمضان ودخل شوال ُيسن أن يصوم
المرء ستة أيام من الشهر ،لقوله ":من صام
رمضان ثم أتبعه ستا ً من شوال كان كصيام الدهر "
مسلم.
وله أن يبدأ بالصوم بعد العيد مباشرة؛ أي في
اليوم الثاني من شوال ،لورود النهي عن الصوم في
العيد ،والله تعالى أعلم.
وبانتهائنا من هذه الفقرة ،ننتهي ـ بفضل الله
تعالى ومنته ـ من هذا المبحث الموجز "مسائل وأحكام
رمضانية " ،راجيا ً من الله تعالى القبول ،وأن ينفع به
الصائمين في أمصارهم ،إنه تعالى سميع قريب
مجيب.
26
وصلى الله على محمد النبي المي وعلى
آله وصحبه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عبد 25/8/1424هـ.
المنعم مصطفى حليمة
أبو 21/10/2003م.
بصير الطرطوسي
www.abubaseer.bizland.com
tartosi@tiscali.co.uk
27