Professional Documents
Culture Documents
شهيد السماء
شهيد السماء
سعد بن معاذ
إنه الصحابي الجليل سعد بن معاذ -رضي ال عنه ،-سيد الوس،
.أسلم بعد بيعة العقبة الولى ،وحضر بيعة العقبة الثانية
ولسلم سعد قصة طريفة ،فقد بعث النبي ) مصعب بن عمير
-رضي ال عنه -ليدعو أهل المدينة إلى السلم ،وُيعّلم من أسلم
منهم القرآن وأحكام الدين ،وجلس مصعب ومعه الصحابي أسعد
بن زرارة في حديقة
بالمدينة ،وحضر معهما رجال ممن أسلموا ،فلما سمع بذلك سعد
ي قومهما ،ولم يكونا أسلما
بن معاذ وأسيد بن حضير ،وكانا سيد ّ
بعد ،قال سعد لسيد بن حضير :انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد
أتيا ديارنا ليسفها ضعفاءنا ،فازجرهما ،وانههما عن أن يأتيا
ديارنا ،فأخذ أسيد حربته ثم أقبل عليهما ،فلما رآه أسعد بن زراة
.قال لمصعب :هذا سيد قومه قد جاءك ،فاصدق ال فيه
ووقف أسيد يسبهما ،فقال له مصعب :أو تجلس فتسمع ،فإن
رضيت أمًرا قبلته ،وإن كرهته كففنا عنك ما تكره ،فجلس أسيد،
واستمع إلى مصعب ،واقتنع بإسلمه ،فأسلم ،ثم قال لهما :إن
ل إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد
ورائي رج ً
من قومه ،وسأرسله إليكما الن سعد بن معاذ ،ثم أخذ أسيد حربته
وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس ،فقال له :إن بني حارثة قد
خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه ،وكان أسعد ابن خالة سعد،
فقام سعد غاضًبا فأسرع وأخذ الحربة في يده .فلما رآهما جالسين
مطمئنين ،عرف أن أسيًدا إنما قال له ذلك ليأتي به إلى هذا المكان،
فأخذ يشتمهما ،فقال أسعد لمصعب :أي مصعب ،جاءك وال سيٌد
.من ورائه قومه إن يتبعك ل يتخلف عنك منهم أحد
فقال مصعب لسعد :أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمًرا ،ورغبت فيه
قبلته ،وإن كرهته ،عزلنا عنك ما تكره .قال سعد :أنصفت ،ثم
وضع الحربة ،وجلس .فعرض عليه السلم ،وقرأ عليه القرآن
كما فعل مع أسيد ،فلمح مصعب وأسعد السلم في وجه سعد بن
معاذ قبل أن يتكلم؛ فقد أشرق وجهه وتهلل ،ثم قال لهما :كيف
تصنعون إذا أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قال :تغتسل فتطهر
.وتطهر ثوبيك ،ثم تشهد شهادة الحق ،ثم تصلى ركعتين
ففعل سعد ذلك ،ثم أخذ حربته ورجع إلى قومه ،فلما رآه قومه
قالوا :نحلف بال لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به،
فقال لهم سعد :يا بني
عبد الشهل ،كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا :سيدنا وأفضلنا رأّيا.
ي حرام ،حتى تؤمنوا بال قال :فإن كلم رجالكم ونسائكم عل ّ
وبرسوله ،فما أمسى في دار بني عبد الشهل رجل ول امرأة إل
ودخل في السلم .وبعد انتشار السلم في ربوع المدينة ،أذن ال
سبحانه لنبيه ) بالهجرة إلى المدينة ،فكان سعد خير معين لخوانه
.المهاجرين إلى المدينة
وجاءت السنة الثانية من الهجرة ،والتي شهدت أحداث غزوة بدر،
وطلب النبي ) المشورة قبل الحرب ،فقام أبو بكر وتحدث ثم قام،
فتحدث عمر ،ثم قام المقداد بن عمرو ،وقالوا وأحسنوا الكلم،
ولكنهم من المهاجرين ،فقال الرسول )) :أشيروا علي أيها الناس(،
فقال سعد بن معاذ زعيم النصار :وال لكأنك تريدنا يا رسول ال؟
قال :) :أجل( ،فقال سعد :لقد آمنا بك وصدقناك ،وشهدنا أن ما
جئت به هو الحق ،وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ،فامض
يا رسول ال لما أردت ،فنحن معك ،فوالذي بعثك بالحق لو
استعرضت بنا هذا البحر ،فخضته لخضناه معك ،ما تخلف منا
صُبر في
رجل واحد ،وما نكره أن تلقى بنا عدونا غًدا ،إنا ل ُ
صُدق في اللقاء ،لعل ال يريك منا ما تقّر به عينك ،فسر الحربُ ،
.بنا على بركة ال
فسُّر رسول ال ) عندما سمع كلم سعد ،ثم قال) :سيروا وأبشروا،
فإن ال تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ،وال لكأني الن أنظر
].إلى مصارع القوم( ]ابن هشام
وقبل أن تبدأ المعركة قال سعد بن معاذ :يا نبي ال ،أل نبني لك
شا تكون فيه ،ونعد عندك ركائبك ،ثم نلقى عدونا ،فإن أعزنا عري ً
ال وأظهرنا على عدونا؛ كان ذلك ما أحببنا ،وإن كانت الخرى،
جلست على ركائبك ،فلحقت بمن وراءنا ،فأثنى عليه رسول ال )
شا ،فجلس فيه
خيًرا ،ودعا له بخير ،ثم بني لرسول ال ) عري ً
].يدعو ال أن ينصر السلم] .ابن هشام
.وأبلى المسلمون في غزوة بدر بلء حسًنا ،وكان لهم النصر
ويروى أن سعد بن معاذ كان يقول :ثلث أنا فيهن رجل كما
ينبغي ،وما سوى ذلك فأنا رجل من الناس ،ما سمعت من رسول
ال ) حديًثا قط إل علمت أنه حق من ال عز وجل ،ول كنت في
صلة قط فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها ،ول كنت في جنازة
قط ،فحدثت نفسي بغير ما تقول ،ويقال لها ،حتى أنصرف عنها.
وكان سعيد بن المسيب يقول :هذه الخصال ما كنت أحسبها إل في
.نبي
وتأتى غزوة أحد ،ويظهر سعد فيها حماسة شديدة وشجاعة
.عظيمة ،وظل يدافع عن النبي ) حتى عاد المشركون إلى مكة
وفي غزوة الخندق ،تحالف المشركون وتجمعوا من كل مكان
ل بنو غطفان الموقف ،فبعثوا إلى رسوليحاصرون المدينة ،واستغ ّ
ال ) كتاًبا يعرضون فيه أن يتركوا القتال في مقابل أن يحصلوا
.على ثلث ثمار المدينة ،فاستشار الرسول ) صحابته في هذا
فقال سعد :يا رسول ال ،قد كنا نحن وهؤلء القوم على الشرك،
وكانوا ل يطمعون أن يأكلوا منا ثمرة واحدة ،أفحين أكرمنا ال
بالسلم ،نعطيهم أموالنا! وال ما لنا بهذه من حاجة ،وال ل
نعطيهم إل السيف حتى يحكم ال بيننا وبينهم ،فرضي الرسول )
.والصحابة بذلك
وأصيب سعد بن معاذ في غزوة الخندق بسهم حين رماه ابن
العرقة وقال :خذها وأنا ابن العرقة ،فقال سعد :عرق ال وجهك
في النار .ثم دعا سعد ربه فقال :اللهم إن كنت أبقيت من حرب
قريش شيًئا ،فأبقني لها ،فإنه ل قوم أحب إلى من أن أجاهدهم فيك
من قوم آذوا نبيك ،وكذبوه وأخرجوه .اللهم إن كنت وضعت
الحرب بيننا وبينهم ،فاجعلها لي شهادة ،ول تمتني حتى تقر عيني
].من قريظة] .أحمد وابن هشام
وانتهت غزوة الخندق بهزيمة المشركين ،وبعد الغزوة ذهب
الرسول ) هو وصحابته لحصار بني قريظة الذين تآمروا مع
المشركين على المسلمين ،وخانوا عهد الرسول ) ،وغدروا
بالمسلمين ،وجعل الرسول ) سعد بن معاذ هو الذي يحكم فيهم،
فأقبل سعد يحملونه وهو مصاب ،وقال :لقد آن لسعد أن ل تأخذه
في ال لومة لئم .ثم التفت إلى النبي ) وقال :إني أحكم فيهم أن
تقتل الرجال ،وتقسم الموال ،وتسبى ذراريهم ونساؤهم ،فقال
].الرسول )) :لقد حكمت فيهم بحكم ال( ]ابن عبدالبر
ثم يموت سعد بن معاذ -رضي ال عنه ،-ويلقى ربه شهيًدا من أثر
السهم ،وأخبر الرسول ) صحابته أن عرش الرحمن قد اهتز لموت
سعد ،وجاء جبريل إلى رسول ال ) وقال له :من هذا الميت الذي
فتحت له أبواب السماء واستبشر به أهلها؟
وأسرع النبي ) وأصحابه إلى بيت سعد ليغسلوه ويكفنوه ،فلما
فرغوا من تجهيزه والصلة عليه ،حمله الصحابة فوجدوه خفيًفا
ل ،ولما سئل الرسول ) عن ذلك قال: جّدا ،مع أنه كان ضخًما طوي ً
)إن الملئكة كانت تحمله( ]ابن عبد البر[ ،وقال )) :شهده سبعون
].ألًفا من الملئكة( ]ابن عبد البر
وجلس الرسول ) على قبره ،فقال) :سبحان ال( مرتين ،فسبح
القوم ثم قال) :ال أكبر( فكبروا ،وقال النبي )) :لو نجا أحد من
ضغطة القبر ،لنجا منها سعد بن معاذ( ]ابن عبد البر[ .وكانت
وفاته -رضي ال عنه -سنة )5هـ( ،وهو ابن سبع وثلثين سنة،
.ودفن بالبقيع