You are on page 1of 34

‫المواعظ‬

‫لبن الجوزي‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫طيئ َت ِ َ‬
‫ك‬ ‫خ ِ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ك َ‬ ‫الفصل الول اب ِ‬ ‫•‬
‫ة‬
‫م ِ‬
‫قَيا َ‬
‫كر في َيوم ِ ال ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫الفصل الثاني ت َ َ‬ ‫•‬
‫الفصل الثالث بادر بالعمال الصالحة‬ ‫•‬
‫موت‬ ‫كر ال َ‬ ‫الفصل الرابع اذ ُ‬ ‫•‬
‫دنيا‬
‫م ال ّ‬‫الفصل الخامس ِذ ّ‬ ‫•‬
‫ل واترك التكاسل‬ ‫قم ِ اللي َ‬ ‫الفصل السادس ُ‬ ‫•‬
‫الفصل السابع اندم على ذنوبك‬ ‫•‬
‫الفصل الثامن امقت نفسك وازدرها‬ ‫•‬
‫الفصل العاشر جاهد نفسك‬ ‫•‬
‫الفصل الحادي عشر احذر النار‬ ‫•‬
‫الفصل الثاني عشر عليك بالخوف من الله‬ ‫•‬
‫الفصل الثالث عشر عليك بحب الله‬ ‫•‬
‫الفصل الرابع عشر تفاوت النفوس في الخير والشر‬ ‫•‬
‫الفصل الخامس عشر روض نفسك‬ ‫•‬
‫الفصل السادس عشر خالف هواك‬ ‫•‬
‫الفصل السابع عشر تبصر في نفسك‬ ‫•‬
‫الفصل الثامن عشر تذكر يا عامل‬ ‫•‬
‫الفصل التاسع عشر الفائزون‬ ‫•‬
‫الفصل العشرون سارع إلى التوبة والنابة‬ ‫•‬
‫الفصل الثاني والعشرون بعض ثمرات الطاعة‬ ‫•‬
‫الفصل الثالث والعشرون‬ ‫•‬
‫الفصل الخامس والعشرون احذر الغفلة‬ ‫•‬
‫طيئ َت ِ َ‬
‫ك‬ ‫عَلى َ‬
‫خ ِ‬ ‫ك َ‬
‫الفصل الول اب ِ‬
‫سابَها‬‫ح َ‬ ‫ديَها وَت َذ َك َّرت ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ما َبي َ‬
‫س ِفي َ‬
‫كرت الن ُّفو ُ‬ ‫إخواني‪ :‬لو َتف ّ‬
‫فيما لها وعليها لبعث حزنها بريد دمها إليها أما يحق الُبكاء‬
‫خسرانه‬ ‫ه‪ :‬نهاره في المعاصي وقد طال ُ‬ ‫عصيان ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫لمن طا َ‬
‫ف ميزانه وبين يديه الموت الشديد‬ ‫وليله في الخطايا فقد خ ّ‬
‫فيه من العذاب ألوانه ‪ 0‬وروى ابن عمر رضي الله عنهما‬
‫قال‪) :‬استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر‬
‫فاستلمه ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويل ً فالتفت فإذا هو‬
‫ت( ‪ 0‬وقال أبو‬ ‫ب العبرا ُ‬ ‫بعمر يبكي فقال‪ :‬يا عمر ههنا ُتسك ُ‬
‫عمران الجوني‪ :‬بلغني أن جبريل عليه السلم جاء إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال‪ :‬يا رسول‬
‫ك‪ :‬قال‪ :‬أو ما َتبكى أنت فقال‪ :‬يا محمد ما جفت‬ ‫كي َ‬‫الله ما ُيب ِ‬
‫ن منذ خلق الله جهنم مخافة أن أعصيه فيلقيني فيها‬ ‫لي عي ٌ‬
‫‪ 0‬وقال يزيد الرقاشي‪ :‬إن لله ملئكة حول العرش تجرى‬
‫أعينهم مثل النهار إلى يوم القيامة‪ :‬يميدون كأنما تنفضهم‬
‫الريح من خشية الله فيقول لهم الرب عز وجل‪ :‬يا ملئكتي‬
‫ما الذي يخيفكم وأنتم عبيدي‪ :‬فيقولون‪ :‬يا رّبنا لو أن أهل‬
‫الرض اطلعوا من عزتك وعظمتك على ما اطلعنا‪ :‬ما وقال‬
‫ما رماه‬ ‫السدى‪ :‬بكى داود حتى نبت العشب من دموعه فل ّ‬
‫سهم القدر جعل يتخبط في دماء تفريطه ولسان اعتذاره‬
‫ُينادى‪ :‬اغفر لي فأجابه‪ :‬للخطائين فصار يقول‪ :‬اغفر‬
‫ش‬ ‫أفر‬ ‫شى داود سبعة َ‬ ‫خ َ‬ ‫للخطائين ‪ 0‬قال ثابت البناني‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫صدِري‬ ‫من َ‬ ‫صاعَد َ ِ‬ ‫بالّرماد ِ ثم بكى حتى أنفذتها دموعه ‪ 0‬ت َ َ‬
‫َ‬ ‫مقل َِتي فََغال ََبنى َ‬
‫ن في ظلم ِ‬ ‫مِع وَإ ِ ّ‬‫دا ِ‬
‫م َ‬‫ض ال َ‬ ‫شوِقي بَفي ِ‬ ‫م لِ ُ‬
‫الَغرا ُ‬
‫مِع قال‬ ‫دا ِ‬‫م َ‬ ‫طول ال َ‬ ‫دوح ُ‬ ‫ت بَ َ‬
‫ل َقمرية ِإذا بكي ُ‬ ‫الّلي ِ‬
‫كت في ال ّ ِ‬
‫سليمان التيمي‪ :‬ما شرب داود عليه السلم شرابا ً ِإل مزجه‬
‫ل خطيئته‬ ‫بدموع عينيه ‪ 0‬قال مجاهد‪ :‬سأل داود رّبه أن يجع َ‬
‫في ك َّفهِ فكان ل يتناول طعاما ً ول شرابا ً إل أبصر خطيئته‬
‫فبكى وربما أتى بالقدح ثلثاه فمد يده وتناوله فينظر إلى‬
‫خطيئته ول يضعه على شفتيه حتى يفيض من دموعه ‪0‬‬
‫صفرة‬‫وقال بعض أصحاب فتح‪) :‬رأيته ودموعه خالطها ُ‬
‫ت الدموع على تخلفي‬ ‫دم قال‪ :‬بكي ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫فقلت‪ :‬على ماذا بكي َ‬
‫عن واجب حق الله والدم خوفا ً أن ل ُأقبل قال‪ :‬فرأيته في‬
‫المنام فقلت‪ :‬ما صنع الله بك قال‪ :‬غفر لي قلت‪ :‬فدموعك!‬
‫قال‪ :‬قربتني وقال‪ :‬يا فتح على ماذا بكيت الدموع قلت‪ :‬يا‬
‫رب على تخلفي عن واجب حقك قال‪ :‬فالدم قلت‪ :‬بكيت‬
‫على دموعي خوفا ً أن ل تصبح لي قال‪ :‬يا فتح ما أردت بهذا‬
‫كله وعزتي وجللي لقد صعد ِإلى أجارتنا بالغدر والّركب‬
‫َ‬
‫عمَر الليل فيَنا‬ ‫حلُتم و ُ‬ ‫مر َ‬ ‫مت َي ّ ُ‬
‫ل كيف بات ال ُ‬ ‫مّتهم أَيعَلم خا ٍ‬ ‫ُ‬
‫وم ت ََناَءيُتم من َ‬
‫ظاعنين‬ ‫ت وَن ُ ّ‬ ‫ساه َِرا ٌ‬ ‫كن َ‬ ‫كم سواًء ول َ ِ‬ ‫وِفي ُ‬
‫وخّلفوا قُُلوبا ً أ َبت َ‬
‫ما جلى الّتوِديع‬ ‫م وَل َ ّ‬
‫عنهُ ُ‬ ‫صبَر َ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫تع‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫َ‬
‫رمت‬ ‫ت عَلى الواِدي ف ُ‬
‫ح ِ‬ ‫كي َ‬‫ذرته َول َزال نظرة ت ََتغّنم ب َ ِ‬ ‫ما ح ّ‬ ‫عَ ّ‬
‫ماء َأكث ََرهُ دم قال عبد الله بن عمرو‪ :‬كان‬ ‫ف َيحل ال َ‬ ‫ماؤهُ َوكي َ‬
‫دموع‬ ‫َ‬
‫دت أضراسه ‪ 0‬قال مجاهد‪ :‬كانت ال ّ‬ ‫كي حتى ب َ َ‬ ‫يحيى َيب ِ‬
‫خده مجرى ‪ 0‬يا من معاصيه أكثر من أن‬ ‫قد اتخذت في َ‬
‫تحصى يا من رضي أن يطرد ويقصى يا دائم الزلل وكم‬
‫ينهى ويوصى يا جهول ً بقدرنا ومثلنا ل يعصى إن كان قد‬
‫أصابك داء داود فنح نوح نوح تحيا بحياة يحيى ‪ 0‬روى عن‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان في وجهه خطوط‬
‫مسودة من البكاء ‪ 0‬وبكى ابن مسعود حتى أخذ بكفه من‬ ‫ُ‬
‫دموعه فرمى به ‪ 0‬وكان عبد الله بن عمر يطفئ المصباح‬
‫بالليل ثم يبكي حتى تلتصق عينيه ‪ 0‬وقال أبو يونس بن‬
‫عبيد‪ :‬كنا ندخل عليه فيبكي حتى نرحمه ‪ 0‬وكان أبو عمران‬
‫الجوني إذا سمع المؤذن تغير وفاضت عيناه ‪ 0‬وكان أبو بكر‬
‫النهشلي إذا سمع الذان تغير لونه وأرسل عينيه بالبكاء ‪0‬‬
‫وكان نهاد بن مطر العدوى قد بكا حتى عمى ‪ 0‬وبكى ابنه‬
‫الُعل حتى عشى بصره ‪ 0‬وكان منصره قد بكى حتى جردت‬
‫عيناه ‪ 0‬وكانت أمه تقول‪ :‬يا بني لو قتلت قتيل ً ما زدت على‬
‫هذا ‪ 0‬وبكى هشام الدستوائي حتى فسدت عيناه وكانت‬
‫مفتوحة وهو ل يبصر بها ‪ 0‬وبكى يزيد الرقاشي أربعين سنة‬
‫حتى أظلمت عيناه وأحرقت الدموع مجاورتها ‪ 0‬وبكى ثابت‬
‫البناني حتى كاد بصره أن يذهب وقيل له‪ :‬نعالجك على أن ل‬
‫ن‬‫ن ِللّرحم ِ‬ ‫كو َ‬ ‫كى الَبا ُ‬ ‫تبكي فقال‪ :‬ل خير في عين لم تبك‪ :‬ب َ َ‬
‫ض من شوقي ِإليهم‬ ‫لر‬ ‫َليل ً وَباُتوا َدمعُهم ما َيسأ َموَنا بَقاع ُ ا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ف الُبكا حتى ربما‬ ‫َ‬
‫ل قد أل ِ َ‬ ‫جدونا كان الفض ُ‬ ‫عليها َيس ُ‬ ‫ن متى َ‬ ‫ح ّ‬‫تَ ُ‬
‫موعُ العين‬ ‫بكى في نومه حتى يسمع أهل الدار‪ :‬وََرّقت د ُ ُ‬
‫جُفوِني ويقول الحسن بن‬ ‫َ‬
‫موع ُ‬ ‫عي ل د ُ ُ‬ ‫مو ِ‬ ‫موع ُ د ُ‬‫ى كأَنها د ُ ُ‬
‫حت ّ‬
‫عدقة‪ :‬رأيت يزيد بن هارون بواسط من أحسن الناس عينين‬
‫ثم رأيته بعد ذلك مكفوف البصر فقلت له‪ :‬ما فعلت العينان‬
‫حار يا هذا لو علمت ما‬ ‫لس َ‬ ‫الجميلتان قال‪ :‬ذهب بهما بكاء ا َ‬
‫يفوتك في السحر ما حملك النوم تقدم حينئذ قوافل السهر‬
‫على قلوب الذاكرين وتحط رواحل المغفرة على رباع‬
‫المستغفرين من لم يذق حلوة شراب السحر لم يبلغ‬
‫عرفانه بالخير من لم يتفكر في عمره كيف انقرض لم يبلغ‬ ‫ِ‬
‫من الحزن الغرض ‪ 0‬قيل لعطاء السليمي‪ :‬ما تشتهي قال‪:‬‬
‫أشتهي أن أبكي حتى ل َأقدر أن أبكي وكان يبكي الليل‬
‫والنهار وكانت دموعه الدهر سائلة على وجهه ‪ 0‬وبكى مالك‬
‫بن دينار حتى سود طريق الدموع خديه وكان يقول‪ :‬لو‬
‫ملكت البكاء لبكيت أيام الدنيا‪َ :‬أل ما لعين ل ترى قَُلل‬
‫ب بكى ِإذا‬ ‫الحمى ول جبل الدّيان ِإل استهلت لجوِخ ِإذا الح ّ‬
‫حّلت ِإذا كانت القلوب للخوف وََرّقت‬ ‫َ‬ ‫بَ َ‬
‫كت قادت الهوى وأ َ‬
‫رفََعت دموعها ِإلى العين وقت فأعتَقت ِرقابا ً للخطايا َرّقت‬
‫من لم يكن له مثل تقواهم لم يعلم ما الذي أبكاهم من لم‬
‫من َلم يبت والحب‬ ‫يشاهد ُ جمال يوسف‪ :‬لم يعلم ما الذي َ‬
‫لكباد فيا قياسي القلب هَل ّ‬ ‫ف ت َُفت ّت ا َ‬ ‫حشو فؤادهِ َلم يدرِ كي َ‬
‫ُ‬
‫بكيت على قسوتك ويا ذاهل العقل في الهوى هَل ّ ندمت‬
‫على غفلتك ويا مقبل ً على الدنيا فكأنك في حفرتك ويا دائم‬
‫ب معصيتك ويا سيئ العمال ُنح على‬ ‫المعاصي خف من غ ّ‬
‫كاء‬‫مّنا الب ُ َ‬ ‫ل ِ‬‫ح ّ‬ ‫م للذنوب فابكوا فقد َ‬ ‫مأت َ ٌ‬ ‫خطيئتك ومجلسنا َ‬
‫ويوم القيامة ميعادنا لكشف الستور وهتك الغطاء ‪0‬‬
‫ة‬
‫م ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫ف ّ‬
‫كر في َيوم ِ ال ِ‬ ‫الفصل الثاني ت َ َ‬
‫إخواني تفكروا في الحشر والمعاد وتذكروا حين تقوم‬
‫الشهاد‪ :‬إن في القيامة لحسرات وإن في الحشر لزفرات‬
‫وإن عند الصراط لعثرات وإن عند الميزان لعبرات وإن‬
‫الظلم يومئذ ظلمات والكتب تحوى حتى النظرات وإن‬
‫الحسرة العظمى عند السيئات فريق في الجنة يرتقون في‬
‫الدرجات وفريق في السعير يهبطون الدركات وما بينك وبين‬
‫ب ارجعوني فيقال‪:‬‬ ‫هذا إل ّ أن يقال‪ :‬فلن مات وتقول‪َ :‬ر ّ‬
‫فات ‪ 0‬روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫)يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الرض‬
‫سبعين ذراعا ً ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم( ‪ 0‬وأخرجا جميعا ً‬
‫من حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال في حديث‪) :‬ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين‬
‫ظهراني جهنم فقيل‪ :‬يا رسول الله وما الجسر قال‪ :‬مدحه‬
‫كلليب وحسك المؤمن يعبر عليه‬ ‫ومزلة عليه خطاطيف و َ‬
‫كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل فناج مسلم وناج‬
‫مخدوش حتى يمّر آخرهم ُيسحب سحبًا( ‪ 0‬لله دَر أقوام‬
‫أطار ذكر النار عنهم النوم وطال اشتياقهم إلى الجنان‬
‫الصوم فنحلت أجسادهم وتغيرت ألوانهم ولم يقبلوا على‬
‫سماع العذل في حالهم واللوم دافعوا أنفسهم عن شهوات‬
‫الدنيا بغد واليوم دخلوا أسواق الدنيا فما تعرضوا لشراء ول‬
‫لشمام‬ ‫سوم تركوا الخوض في بحارها والعوم ما وقفوا با ِ‬
‫والروم جدوا في الطاعة بالصلة والصوم هل عندكم من‬
‫صفاتهم شئ يا قوم قالت ُأم الربيع ُأم حيثم لولدها‪ :‬يا بني‬
‫ن عليه الليل وهو يخاف الثبات‬ ‫ج‬ ‫من‬ ‫َأل تنام قال‪ :‬يا ُ‬
‫أماه‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫حق له أن ل ينام ‪ 0‬فلما رأت ما يلقى من السهر والبكا‬
‫قالت‪ :‬يا بني لعلك قتلت قتيل ً قال‪ :‬نعم قالت‪ :‬ومن هذا‬
‫القتيل حتى نسأل أهله فيغفرون فوالله لو يعلمون ما تلقى‬
‫من السهر قيل لزيد بن مزيد‪ :‬ما لنا لم نزل نراك باكيا ً وجل ً‬
‫خائفا ً فقال‪ :‬إن الله توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في‬
‫النار والله لو لم يتوعدني أن يسجنني إل في الحمام لبكيت‬
‫حتى ل تجف لي عبرة ‪ 0‬وكان آمد الشامي يبكي وينتحب‬
‫في المسجد حتى يعلو صوته وتسيل دموعه على الحصى‬
‫فأرسل إليه المير‪ :‬إنك تفسد على المصلين صلتهم بكثرة‬
‫بكائك وارتفاع صوتك ولو أمسكت قليل فبكى ثم قال‪ :‬إن‬
‫حزن يوم القيامة أورثني دموعا ً غزارا ً فأنا أستريح إلى ذرها‪:‬‬
‫على الّزَفرات غير حشاكا‬ ‫ه فَإ ِّنه يطوى َ‬
‫مشتاق َدع ُ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫يا عاذ َ‬
‫عند َه ُ حاشاكا وعوتب‬ ‫ما ِ‬
‫ه حاشاك م ّ‬‫ك َقلبه ما لمت ُ ُ‬ ‫ن َقلب ُ َ‬‫َلو كا َ‬
‫عطاء السلمى في كثرة البكاء فقال‪ :‬إني إذا ذكرت أهل‬
‫ل بهم من عذاب الله تعالى مثلت نفسي بينهم‬ ‫النار وما ُينز ُ‬
‫ل يدها وتسحب إلى النار ول تبكي وقيل‬ ‫فكيف لنفس تغ ّ‬
‫لبعضهم‪ :‬ارفق بنفسك فقال‪ :‬الرفق أطلب ‪ 0‬وقال أسلم‬
‫بن عبد الملك‪ :‬صحبت رجل ً شهرين وما رأيته نائما ً بليل ول‬
‫نهار فقلت‪ :‬ما لك ل تنام قال‪ :‬إن عجائب القرآن أطرن‬
‫نومي ما أخرج من ُأعجوبة إل وقعت في أخرى ‪ 0‬كثر فيك‬
‫اللوم فأين سمعي وهم قلبي واللوم عليك منجد ومتهم قال‪:‬‬
‫أسهرت والعيون الساهرات نوم وليس من جسمك إل جلدة‬
‫وأعظم ‪ 00‬وما عليهم سهري ول رقادي لهم وهل سمان‬
‫الحب إّل سهر وسقم خذ أنت في شأنك يا دمعي وخل عنهم‬
‫‪0‬‬
‫الفصل الثالث بادر بالعمال الصالحة‬
‫مر به دار المصير وتهيأ‬ ‫عمره القصير فع ّ‬ ‫طوبى لمن بادر ُ‬
‫لحساب الناقد البصير قبل فوات القدرة وإعراض النصير ‪0‬‬
‫لعمال سبعا ً هل‬ ‫قال عليه الصلة والسلم‪) :‬بادروا با َ‬
‫منسيا ً أو غني مطغيا ً أو مرضا ً مفسدا ً أو‬ ‫تنتظرون إ ِّل فقرا ً ُ‬
‫مفندا ً أو الدجال فشر غائب ُينتظر أو‬ ‫موتا ً مجهزا ً أو هرما ً ُ‬
‫الساعة فالساعة أدهى وأمر( ‪ 0‬كان الحسن يقول‪ :‬عجبت‬
‫لقوام ُأمروا بالزاد ونودي فيهم بالرحيل وجلس أولهم على‬
‫آخرهم وهم يلعبون ‪ 0‬وكان يقول‪ :‬يا بن آدم‪) :‬السكين‬
‫تشحذ والتنور يسجر والكبش يعتلف( ‪ 0‬وقال أبو حازم‪ :‬إن‬
‫بضاعة الخرة كاسدة فاستكثروا منها في أوان كسادها فِإنه‬
‫لو جاء وقت نفاقها لم تصلوا فيها ِإلى قليل ول كثير وكان‬
‫عون بن عبد الله يقول‪ :‬ما ُأنزل الموت كنه منزلته ما قد‬
‫ل لغدٍ‬ ‫غدا من أجلكم مستقبل يوم ل يستكمله وكن من مؤم ٍ‬
‫لمل وغروره‬ ‫جل ومسيره بغضتم ا َ‬ ‫كه إ ِّنكم لو رأيتم ال َ َ‬
‫ل ُيدر ُ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫‪ 0‬وكان أبو بكر بن عياش يقول‪ :‬لو سقط من أحدهم دره ٌ‬
‫لظل يومه يقول‪ :‬إنا لله ذهب درهمي وهو يذهب عمره ول‬
‫يقول‪ :‬ذهب عمري وقد كان لله أقوام يبادرون الوقات‬
‫ويحفظون الساعات ويلزمونها بالطاعات ‪ 0‬فقيل عن عمر‬
‫بن الخطاب رضي الله عنه‪ :‬إنه ما مات حتى سرد الصوم ‪0‬‬
‫وكانت عائشة رضي الله عنها تسرد وسرد أبو طلحة بعد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة وقال نافع‪ :‬ما‬
‫رأيت ابن عمر صائما ً في سفره ول مفطرا ً في حضره ‪0‬‬
‫قال سعيد بن المسيب‪ :‬ما تركت الصلة في جماعة منذ‬
‫أربعين سنة ‪ 0‬وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في ليلتين‬
‫‪ 0‬وكان السود يقوم حتى يخضر ويصفر وحج ثمانين حجة ‪0‬‬
‫وقال ثابت البناني‪ :‬ما تركت في الجامع سادنة إّل وختمت‬
‫القرآن عندها ‪ 0‬وقيل لعمرو بن هانئ‪ :‬ل نرى لسانك يفتر‬
‫من الذكر فكم تسبح كل يوم قال‪ :‬مائة ألف إّل ما تخطئ‬
‫الصابع ‪ 0‬وصام منصور بن المعتمر أربعين سنة وقام ليلها‬
‫وكان الليل كله يبكي فتقول له ُأمه‪ :‬يا بني قال الجماني‪ :‬لما‬
‫حضرت أبو بكر بن عياش الوفاة بكت أخته فقال‪ :‬ل تبك‬
‫وأشار إلى زاوية في البيت إنه قد ختم أخوك في هذه‬
‫الزاوية ثمانية عشر ألف ختمة ‪ 0‬قال الربيع‪ :‬وكان الشافعي‬
‫رضي الله عنه يقرأ في كل شهر ثلثين ختمة وفي كل شهر‬
‫رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلوات واعلم أن‬
‫لمور ل تنال بالفتور ومن‬ ‫الراحة ل تنال بالراحة ومعالي ا ُ‬
‫زرع حصد ومن جد وجد ‪ 0‬لله در أقوام شغلهم تحصيل‬
‫زادهم عن أهاليهم وأولدهم ومال بهم ذكر المال عن المال‬
‫في معادهم وصاحت بهم الدنيا فما أجابوا شغل ً بمرادهم‬
‫وتوسدوا أحزانهم بدل ً عن وسادهم واتخذوا الليل مسلكا ً‬
‫لجهادهم واجتهادهم وحرسوا جوارحهم من النار عن غيهم‬
‫ؤاِدي‬ ‫وفسادهم فيا طالب الهوى جز بناديهم ونادهم‪َ :‬أحَيوا فُ َ‬
‫موا َراحة الّنوم‬ ‫حة من البين ماُتوا جميعا ً حر ُ‬ ‫صي َ‬‫ول َك ِّنهم عَلى َ‬
‫عا ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ش ّ‬ ‫سواعد ُ‬ ‫طول ال ّ‬ ‫أجَفانهم وَل َّفوا عَلى الزفرات ال ّ‬
‫ضلو َ‬
‫طاُبوا فُُروعا َأقبلت قلوبهم تراعى‬ ‫صول ً و َ‬ ‫ُ‬
‫النوف فطاُبوا أ ُ‬
‫ُ‬
‫حق الحق فذهلت بذلك عن مناجاة الخلق ‪ 0‬فالبدان بين‬
‫أهل الدنيا تسعى والُقلوب في رياض الملكوت ترعى نازلهم‬
‫ن‬‫ج ّ‬ ‫الخوف فصاروا والهين وناجاهم الفكر فعادوا خائفين و َ‬
‫ى على‬ ‫صلح ح ّ‬ ‫عليهم الليل فباتوا ساهرين وناداهم منادى ال ّ‬
‫لسحار فتيقظوا‬ ‫الفلح فقاموا متهجدين وهبت عليهم ريح ا َ‬
‫ما‬‫مستغفرين وقطعوا بند المجاهدة فأصبحوا واصلين فل ّ‬
‫لجر بادى الهجر يا خيبة النائمين ‪0‬‬ ‫رجعوا وقت الفجر با َ‬

‫موت‬ ‫الفصل الرابع اذ ُ‬


‫كر ال َ‬
‫إخواني‪ :‬أكثروا من ذكر هاذم اللذات وتفكروا في انحلل بناء‬
‫اللذات وتصوروا مصير الصور إلى الرفات وَأعدوا عدة ً تكفي‬
‫في الكفات واعلموا أن الشيطان ل يتسلط على ذاكر‬
‫الموت وإنما إذا غفل القلب عن ذكر الموت دخل العدو من‬
‫باب الغفلة ‪ 0‬قال الحسن‪ :‬إن الموت فضح الدنيا فلم يترك‬
‫لذي ُلب به فرحا ً ‪ 0‬وقال يزيد بن تميم‪ :‬من لم يردعه‬
‫سئل‬ ‫الموت والقرآن ثم تناطحت عنده الجبال لم يرتدع ‪ُ 0‬‬
‫ابن عياض عن ما بال الدمي ُتستنزع نفسه وهو ساكت وهو‬
‫يضطرب من القرصة قال‪ :‬لن الملئكة توقفه ‪ 0‬يا بن آدم‬
‫مثل تلك الصرعة قبل أن تذر كل غرة فتتمنى الرجعة‬
‫كم من محتضر تمّنى الصحة للعمل هيهات‬ ‫وتسَأل الكرة َ‬
‫لمل َأو ما يكفي في الوعظ مصرعه أو ما‬ ‫حقر عليه بلوغ ا َ‬
‫يشفي من البيان مضجعه ‪ 00‬أما فاته مقدوره بعد ِإمكانه‬
‫َ‬
‫ما احتضر عبد الملك‬ ‫‪ 00‬أما أنت عن قليل في مكانة ‪ 0‬ول َ ّ‬
‫ل من تهامة أرعى‬ ‫بن مروان قال‪ :‬والله لوددت أّني عبد رج ٍ‬
‫ل ‪ 0‬وجعل المعتضد يقول عند‬ ‫غنيمات في جبالها وأني لم أ ِ‬
‫موته‪ :‬ذهبت الحيل فل حيلة حتى صمت ‪ 0‬وقال أبو محمد‬
‫العجلي‪ :‬دخلت على رجل في النزع فقال لي‪ :‬سخرت بي‬
‫الدنيا حتى ذهبت َأيامي وفي الحديث‪) :‬أما ِإنكم لو َأكثرُتم‬
‫ذكر هاذم اللذات!( ‪ 0‬يا من قد امتطى بجهله مطايا المطالع‬
‫لقد مل الواعظ في الصباح المسامع تالله لقد طال المدى‬
‫فَأين المدامع َأين الذين بلغوا المنى فما لهم في المنى‬
‫منازع رمتهم المنايا بسهامها في القوى والقواطع فعلموا أن‬
‫أيام النعم في زمان الخوادع ما زال الموت يدور على الدوام‬
‫حتى طوي الطوالع صار الجندل فراشهم بعد أن كان الحرير‬
‫فيما مضى المضاجع ولقوا والله غاية البلء في تلك البلقع‬
‫جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا وبنوا مساكنهم فما سكنوا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فكأنهم بها ظعنا ً لما استراحوا ساعة ظعنوا ‪ 0‬لقد أمكن َ‬
‫ت‬
‫الفرصة أيها العاجز ولقد زال القاطع وارتفع الحاجز ولح نور‬
‫الهدى فالمجيب فائز وتعاظمت الرغائب وتفاقمت الجوائر‬
‫فَأين الهمم العالية وَأين النجائز َأما تخافون هادم اللذات‬
‫والمنى والمناجز ‪ 0‬أما اعوجاج القناة دليل الغامز ‪ .‬أما‬
‫الطريق طويل وفيه المفاوز ‪ 0‬أما عقاب العتاب تحوى‬
‫الهزاهز ‪َ 0‬أما القبور قنطرة العبور فما للمجاوز ‪ 0‬أما يكفي‬
‫في التنقيص حمل الجنائز ‪َ 0‬أما العدد كثير فَأين المبارز أما‬
‫الحرب صعب والهلك ناجز والقنا مسوغ والطعن واجز‬
‫والمر عزيز والرماح البوس نواكز ‪ 0‬تالله بطلت الشجاعة‬
‫من بني العجائز وتريد ِإصلح نادك والمر ناشز ‪ِ 0‬إن لم يكن‬
‫سبق الصديق فليكن توبة ماعز ‪0‬‬
‫دنيا‬
‫م ال ّ‬
‫الفصل الخامس ِذ ّ‬
‫َأيها العبد‪ :‬تفكر في دنياك كم قتلت وتذكر ما صنعت‬
‫بَأقرانك وما فعلت واحذرها فِإنها عما لبد منه قد شغلت‬
‫وِإياك أن تساكنها فِإنها ِإن حلت رحلت ‪ 0‬وروى عمار بن‬
‫ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ن‬
‫)مّر بشاةٍ ميتةٍ قد ألقاها أهلها فقال‪ :‬والذي نفسي بيده إ ِ ّ‬
‫الدنيا أهون على الله من هذه على َأهلها( ‪ 0‬وكان يقول في‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫صفة الدنيا‪) :‬أولها عناٌء وأخرها فناء ‪ 0‬حللها حسا ٌ‬
‫ب ‪ 0‬من استغنى بها ُفتن ومن افتقر ِإليها حزن‬ ‫وحرامها عقا ٌ‬
‫ومن سعى لها فاتته ومن نأى عنها َأتته ومن نظر ِإليها أعمته‬
‫ة‬
‫ومن بصر بها بصرته( ‪ 0‬وصفها بعض العلماء فقال‪ :‬جم ُ‬
‫ة المشارب ل تفي لصاحب ‪ 0‬وقال يحيى بن‬ ‫المصائب رتق ُ‬
‫معاذ‪ :‬الدنيا خمر الشيطان‪ :‬من شربها لم يفق إل بين‬
‫عساكر الموتى نادما ً بين الخاسرين قد ترك منها لغير ما‬
‫جمع وتعلق بحبل غرورها فانقطع وقدم على من يحاسبه‬
‫على الفتيل والنقير والقطمير فيما انقرض عليه من الصغير‬
‫والكبير يوم تزل بالعصاة القدم ويندم المسئ على ما قدم‬
‫‪ 0‬يا من حيات حياته بالفات لوادغ وَأغراضه المنقلبة ِإليها‬
‫منقلبة زوائغ وشياطين هواه بينه وبين ما هو له نوازع‬
‫وسهام سهوه في لهو دينه بوالغ قد جرحت الحجر على قلبه‬
‫فأنساه الحجر الدامغ إن وعظ فساه وإن قوم فزائغ قلبه‬
‫ملن بالهوى ومن التقى فارغ كأني بك وسيف الممات في‬
‫دم الحياة والغ نازلك فانزلك بالنوى عن العالي النوابغ‬
‫وتقضي التيامن نبات سلب الحلى الصايغ ومر إليك فمر‬
‫عليك الشراب السايغ وطمس شموس عزك المنيرات‬
‫النوازغ وخرق دروع المنيعات السدايغ أين من جمع الموال‬
‫وحماها واها ً لمن جمعها واقتناها تناهى أجله وما تناهى كم‬
‫سلبت الدنيا أقواما ً أقواما ً كانوا فيها وعادت عزهم أحلما ً‬
‫أحلما ً فتفكر في حالهم كيف حال وانظر إلى من مال إلى‬
‫مال وتدبر أحوالهم إلى ماذا آل وتيقن أنك لحق بهم بعد‬
‫عمرك في مدةٍ ونفسك معدود وجمسك بعد مماتك مع‬ ‫ليال ُ‬
‫ملت أمل ً فانقضى الزمان وفاتك وما أراك تفيق‬ ‫دود كم أ ّ‬
‫حتى تلقى وفاتك فاحذر زلل قدمك وخف طول ندمك‬
‫واغتنم وجودك قبل عدمك واقبل نصحى ل تخاطر بدمك ‪0‬‬
‫الفصل السادس ُ‬
‫قم ِ اللي َ‬
‫ل واترك التكاسل‬
‫لله در أقوام هجروا لذيذ المنام وتنصلوا لما نصبوا له القدام‬
‫وانتصبوا للنصب في الظلم يطلبون نصيبا ً من النعام ِإذا‬
‫ن الليل سهروا وإذا جاء النهار اعتبروا وإذا نظروا في‬ ‫ج ّ‬
‫عيوبهم استغفروا واذا تفكروا في ذنوبهم بكوا وانكسروا ‪.‬‬
‫قال عليه الصلة والسلم‪) :‬عليكم بقيام الليل فِإنه دأب‬
‫الصالحين قبلكم وإنه قربة إلى ربكم ومغفرة للسيئات‬
‫ومنهاة عن الثم( ‪ 0‬وفي المسند عن ابن مسعود رضي الله‬
‫عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬عجب ربنا من رجلين‪:‬‬
‫رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلته‬
‫ورجل غزا في سبيل الله فانهزموا فعلم ما عليه في الفرار‬
‫وما له في الرجوع فرجع حتى أهريق دمه( ‪ 0‬قال أبو ذر‬
‫رضي الله عنه‪ :‬سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم )أي‬
‫صلة الليل أفضل قال‪ :‬نصف الليل وقليل فاعله( ‪ 0‬قال‬
‫داود عليه السلم‪ :‬يا رب أي ساعة أقوم لك فأوحى الله‬
‫إليه‪ :‬يا داود ل تقم أول الليل ول آخره ولكن قم في شطر‬
‫ى حوائجك( ‪ 0‬وروى‬ ‫الليل حتى تخلو بي وأخلوا بك وارفع ِإل ّ‬
‫عمر بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫)أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الخر فِإن‬
‫استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن( ‪0‬‬
‫كان همام بن الحارث يدعو‪ :‬اللهم ارزقني سهرا ً في طاعتك‬
‫فما كان ينام ِإل هنيهة وهو قاعد وكان طاوس يتقلب على‬
‫فراشه ثم يدرجه ويقول‪ :‬طير ذكر جهنم نوم العابدين ‪0‬‬
‫وقال القاسم بن راشد الشيباني‪ :‬كان ربيعة نازل ً بيننا وكان‬
‫يصلي ليل ً طويل ً فِإذا كان السحر نادى بَأعلى صوته‪ :‬يا أيها‬
‫الركب المعّرسون‪ :‬أهذا الليل تنامون أل تقومون فترحلون‬
‫قال‪ :‬فيسمع من ههنا باك ومن ههنا داع ‪ 0‬فِإذا طلع الفجر‬
‫نادى بَأعلى صوته‪ :‬عند الصباح يحمد القوم السرى ‪ 0‬قال‬
‫حاك‪ :‬أدركت قوما ً يستحيون من الله في سواد هذا الليل‬ ‫الض ّ‬
‫من طول الضجعة ‪ 0‬يا منازل الحباب‪ :‬أين ساكنوك يا بقاع‬
‫لبرار‪َ :‬أين عامروك يا‬ ‫الخلص‪ :‬أين قاطنوك يا مواطن ا َ‬
‫ِ‬
‫مواضع التهجد‪ :‬أين زائروك خلت والله الديار وباد القوم‬
‫وارتحل أرباب السهر وبقي أهل النوم واستبدل الزمان أكل‬
‫ب َأن َيرى‬‫ص ّ‬ ‫حَزنا ً ِبال َ‬
‫وال ِهِ ال ّ‬ ‫الشهوات يا أهل الصوم‪ :‬ك ََفى َ‬
‫من َيهوى معطلة قفرا لله دّر أقوام اجتهدوا في‬ ‫ل َ‬ ‫منازِ َ‬
‫الطاعة وتاجروا ربهم فربحت البضاعة وبقي الثناء عليهم‬
‫إلى قيام الساعة لو رأيتهم في الظلم وقد لح نورهم وفي‬
‫مناجاة الملك العلم وقد تم سرورهم فِإذا تذكروا ذنبا ً قد‬
‫مضى ضاقت صدورهم وتقطعت قلوبهم أسفا ً على ما‬
‫حملت ظهورهم وبعثوا رسالة الندم والدمع سطورهم ‪0‬‬
‫ل بيَننا دموع ٌ َنهاها الواجدون توقفا ذكرنا‬ ‫ما وَقفنا والرسائ ُ‬ ‫ول َ ّ‬
‫ب تأسفا نسيم‬ ‫لنيق فقطعنا القلو َ‬ ‫الّليالي بالَعقيق وظ ِل َه ا َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ل سلم وب َِلغُهم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صُهم مّني بك ِ‬ ‫خ َ‬ ‫حبتي ف َ‬ ‫ضأ ِ‬ ‫ت أر َ‬ ‫صبا ِإن ُزر َ‬‫ال ّ‬
‫غرام ِ وِإني لَيكفيني‬ ‫غرامي َفوقَ ك ُ َ‬
‫ل َ‬ ‫صبابةٍ وَأن َ‬ ‫هن َ‬ ‫َأني ُبر َ‬
‫من‬ ‫َ‬ ‫طروقُ خياِلهم َلو أ َ‬ ‫ُ‬
‫ت ِ‬ ‫صم ُ‬
‫ُ‬ ‫قد‬ ‫و‬ ‫بمنام‬ ‫متعت‬ ‫ُ‬ ‫جفوني‬ ‫ُ‬ ‫ن‬
‫َ‬
‫ن فطر صيامي جال الفكر‬ ‫كم كا َ‬ ‫َأوقات َنفسي ك َُلها وَيوم ِلقا ُ‬
‫في قلوبهم فلح صوابهم وتذكروا فذكروا كذكر إعجابهم‬
‫وحاسبوا أنفسهم فحققوا حسابهم ونادموا للمخافة فأصبحت‬
‫دموعهم شرابهم وترنموا بالقرآن فهو سمرهم مع أترابهم‬
‫وكلفوا بطاعة الله فانتصبوا بحرابهم وخدموه مبتذلين في‬
‫خدمته شبابهم فيا حسنهم وريح السحار قد حركت أثوابهم‬
‫وحملت قصص غصصهم ثم ردت جوابهم ‪0‬‬
‫الفصل السابع اندم على ذنوبك‬
‫عمر مضى كثيره وفي قدم ما يزال‬ ‫أيها العبد‪ :‬تفكر في ُ‬
‫تعثيره وفي هوى قد هوى أسيره وفي قلب مشتت قد قل‬
‫نظيره وتفكر في صحيفة قد اسودت وفي نفس كلما‬
‫نصحت صدت وفي ذنوب ما تحصى لو أنها عدت ‪ 0‬قال أبو‬
‫الدرداء رضي الله عنه‪ :‬تفكر ساعة خير من قيام ليلة ‪0‬‬
‫وقال أبو يوسف بن أسباط‪ :‬الدنيا لم تخلق لتنظر إليها وإنما‬
‫خلقت لتنظر بها إلى الخرة ‪ 0‬وكان سفيان الثوري من شدة‬
‫تفكيره يبول الدم ‪ 0‬وقال أبو بكر الكتاني‪ :‬روعة عند انتباه‬
‫من غفلة وقال يحيى بن معاذ‪ :‬لو سمع الخلئق صوت‬
‫النائحة على الدنيا في الغيب من ألسنة الفنا تساقطت‬
‫القلوب منهم حزنا ً ولو رأت القلوب بعين اليمان نزهة الجنة‬
‫لذابت النفوس خوفا ً ‪ 0‬ولو رأت القلوب بعين اليمان نزهة‬
‫الجنة لذابت النفوس خوفا ً ‪ 0‬ولو أدركت القلوب كنه محبة‬
‫خالقها لتخلعت مفاصلها ولها ً ولطارت الرواح من أبدانها‬
‫دهشا ً ‪ 0‬سبحان من أغفل الخليقة عن كنه هذه الشياء‬
‫وألهاهم بالوصف عن حقائق هذه النباء ‪ 0‬يا ذاهبا ً في‬
‫شططه يا واقفا ً مع غلطه يا معترضا ً لعقوبة الحد ما سخطه‬
‫يا معرضا ً عن العتبار سمعه يا مطلقا ً لسانه في غلطه يا‬
‫من ل يفرق بين صحيح القول وسقطه أما له عبرة بقرطبة‬
‫أما هناك استدراك لفارطه إلى متى على قبيح غطه هل عبأ‬
‫متاعه في سقطه أل حذر من في يد طاهي كل لو صحا‬
‫لتعظ وأثر فيه اللوم وازدجر لكنه في غاية الغلظ أفسدته‬
‫المعاصي فلم يظهر الشيب وانقرض ل يلتفت إلى من لم‬
‫ول من وعظ سيندم على تضييع ما كان احتفظ سيفر العلج‬
‫إذا زادت الكظظ سيخرس لسان طال ما لفظ من لم يبق‬
‫من عمره إل المل وهو للوزر العظيم قد حمل وأثقل‬
‫سيعرض عليك من المعاصي مما دق وجل تراعى الخلق‬
‫وتنسى حقه عز وجل قد سود صحيفته وملها من قيح‬
‫ل يدعى إلى‬ ‫العمل حملت عليه المانة فتغافل عنها وض ّ‬
‫الستقامة ولكما قوم ذل ل يعرف ول يقبل قد حله رحلة‬
‫نحلة مناحلها من حل قد غره مكر سوف وأوثقه قيد لع ّ‬
‫ل‬
‫إلم تمنى النفس ما ل تناله وتذكر عيشا ً لم يعد متصرما ً وقد‬
‫قالت السبعون للهرى‪ :‬دعاني لشأني واذهبا حيث شئتما ‪0‬‬
‫الفصل الثامن امقت نفسك وازدرها‬
‫إخواني‪ :‬من تفكر في ذنوبه تاب ورجع ومن تذكر قبيح عيوبه‬
‫ذل وتواضع ومن علم أن الهوى يسكن تصبر ومن تلمح‬
‫إساءته لم يتكبر ‪ 0‬كان يزيد الرقاشي يقول‪ :‬والهفاه سبق‬
‫العابدون وقطع بي وكان قد صام أثنين وأربعين سنة ‪ 0‬وقال‬
‫حذيفة المرعشي‪ :‬لو أصبت من يبغضنى حقيقة لوجبت‬
‫عد على نفسك باللوم‬ ‫على نفسي حبة ‪ 0‬فيا أيها العبد ُ‬
‫والمقت واحذرها فكم ضيعت عليك من وقت واندم على‬
‫زمان الهوى فمن كيسك أنفقت ونادها يا محل كل بلية فقد‬
‫والله صدقت ‪ 0‬وروى وهب بن منبه‪ :‬أن رجل ً صام سبعين‬
‫سنة يأكل كل سنة إحدى عشرة تمرة وطلب حاجة من الله‬
‫فلم يعطها فأقبل على نفسه فقال‪ :‬من قبلك بليت لو كان‬
‫فيك خيرا ً أعطيت فنزل إليه ملك فقال‪ :‬إن ساعتك هذه‬
‫التي ازدريت فيها على نفسك خير من عبادتك وقد أعطاك‬
‫الله حاجتك ‪ 0‬وقال فضيل بن عياض‪ :‬أخذت بيد سفيان بن‬
‫عيينة في هذا الوادي فقلت له‪ :‬إن كنت تظن أنه قد بقي‬
‫على وجه الرض شر مني ومنك فبئس ما ترى ‪ 0‬وقال رجل‬
‫لبي الحسن الموسمى‪ :‬كيف أنت فقال‪ :‬خفيت أضراسي‬
‫من أكل نعمة وكل لساني من كثرة ما أشكوه ‪ 0‬يا واقفا ً مع‬
‫هواه وأغراضه يا معرضا ً عن ذكر عوارضه إلى أعراضه يا‬
‫غافل ً عن الموت وقد جد بمقراضه وعلم اندباغ عمر أغراضه‬
‫سيعرف خبره إذ أحاط به أشد أمراضه وأخرج من خرات‬
‫الديار وروضه وألقى في لحد وحيد يخلو برضراضه وعلم أنه‬
‫باع أغراضه يا من بالهوى كلمه وحديثه وفي المعاصي‬
‫قديمه وحديثه وعمره في خطايا خفيفه وأثيثه من له إذا‬
‫ألحد في قبره من يغيثه من له إذا حامت حول حماه الردى‬
‫ليوثه من له من كرب ل يرحم عطاشه من له من جحفل ل‬
‫يهدم كباشه من له من لحدٍ ل يدفع حشاشه من له من‬
‫جدث عمله في فراشه من له من قبرٍ فعل فيه معاشه من‬
‫له من موقف ل يرد بطاشه من له يومئذ ول يقوى نجاشه‬
‫من له من حساب عقاب رذاذه يردى ورشاشه من يخلصه‬
‫اليوم من هوى قد أسرته رشاشه كم عاهد ونكث كم آثر‬
‫الهوى وعبث كم غره غرير بالسحر قد نفث تالله لقد بولغ‬
‫في توبيخه وما أكترث ولقد بعث إليه ولقد بعث إليه النذير‬
‫ل بالهوى ولسانه بالرفث كلما‬ ‫وما يرى من بعث قلبه مشغو ٌ‬
‫أصبح معاهدا ً وأمسى نكث ظاهر صحيح وباطن قبيح خبيث‬
‫سيندم يوم الضريح من القبيح حرث سيبكي ندمان الهوى‬
‫يوم الظمأ عند اللهث سيعرف حيرة المعاصي إذا حل‬
‫الحدث سيرى سيره إذا ناقش السائل أو بحث سيفرغ‬
‫السن ندما ً إذا نادى ولم بعث عجبا ً لجاهل باع تعذيب‬
‫النفوس براحات الجثث القلب أسير بالحزن والدمع غزير‬
‫بالشجن والفكر يذيب القلب فما مثل الفكر على البدن! كم‬
‫بت ودمعي منهم لو يذرأ في وجدى ثمن واها ً لزمان طاب‬
‫لنا وما أسرع ما ولى وفنى ما غردت الوراقى على غصن إل‬
‫وأهاجت حزني يا عيني أعيني قلبا ً قلقا ً بالدمع ليطفئ نار‬
‫الشجن أصبحت أسيرا ً في خطئي وذنوبي قد ملت بدني‬
‫أبكي زللي أبكي خللي أبكي عملي كي يرحمني من لي يوم‬
‫الشدة ينقذني من كرب الموت يخلصني ونزلت وحيدا ً في‬
‫جدث قفر وكأني من لبن أين القران وما قرنوا بالموت‬
‫جميعا ً في قرن كم سرت على ربع لهم وأطلت مسائلة‬
‫الزمن يا دار حبيبي‪ :‬أين هم عهدي بهم قبل المحن قالت لي‬
‫دارهم‪ :‬دارت بهم أماني الزمن أسرتهم قوة فهم أسراء‬
‫الحيرة والحزن تركوا المال لغيرهم ولم يصحبهم غير الكفن‬
‫تالله لقد سئلوا عما قد كانوا فيه من الفتن فتيقظ قبل‬
‫لحاقهم من طول الرقدة والوسن ‪ 0‬سارع إلى الجنة‬
‫إخواني‪ :‬لقد خاب من باع باقيا ً بفان وخطر في ثوبي متوان‬
‫وتغافل عن أمر قريب كان وضيع يوما ً موجودا ً في تأميل ثان‬
‫أما الجنة تشوقت لطالبيها وتزينت لمريديها ونطقت آيات‬
‫القرآن بوصف ما فيها وملت أسماع العباد أصوات واصفيها‬
‫كأنكم بالجنة وقد فتحت أبوابها وتقسمها يوم القيامة‬
‫أصحابها وغنت ألسن الماني قريب قبابها ‪ُ 0‬بشَرها َدليَلها‬
‫جبال روى أبو هريرة رضي الله‬ ‫ح وال ِ‬ ‫ن ال َ‬
‫طل َ‬ ‫غدا ً َتري َ‬
‫وقال‪َ :‬‬
‫عنه قال‪) :‬قلنا‪ :‬يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال‪:‬‬
‫لبنة من ذهب ولبنة من فضة‪ :‬ملطها المسك الذفر‬
‫وحصباؤها الياقوت والجوهر وترابها الزعفران من يدخلها‬
‫ينعم ل ييأس ويخلد ل يموت ل تبلى ثيابه ول يفنى شبابه( ‪0‬‬
‫روى ُأسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‬
‫يومًا‪) :‬ما ذكر الجنة إل مشمر إليها هي ورب الكعبة نور يتلل‬
‫ونهر مطروز وزوجة ل تموت وحبور ونعيم مقام أبدا ً فقالوا‪:‬‬
‫نحن المشمرون لها يا رسول الله فقال‪ :‬قولوا‪ :‬إن شاء‬
‫الله( ‪ 0‬روى سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال‪) :‬إن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما‬
‫بين السماء والرض وإن جنة الفردوس وسطها وأعلها‬
‫سماء وعليها يوضع العرش يوم القيامة ومنها تفجر أنهار‬
‫الجنة قال رجل‪ :‬فداك أبي وأمي يا رسول الله فيها خيل‬
‫قال‪ :‬نعم والذي بعثني بالحق إن فيها لخيل ً من ياقوت أحمر‬
‫يروث بين خلل ورق الجنة يتراءون عليها فجاء رجل فقال‪:‬‬
‫بأبي وأمي فداك هل فيها صوت قال‪ :‬نعم والذي نفسي بيده‬
‫إن الله عز وجل يوحى إلى شجرة في الجنة أن أسمعي‬
‫عبادي الذين شغلهم ذكري في الدنيا عن عزف المزاهر‬
‫والمزامير بالتسبيح والتقديس( ‪ 0‬يا نفس‪ :‬بادري بالوقات‬
‫قبل انصرامها واجتهدي في حراسة ليالي الحياة وأيامها‬
‫فكأنك بالقبور وقد تشققت وبالمور وقد تحققت وبوجوه‬
‫المتقين وقد أشرقت وبرءوس العصاة وقد أطرقت ‪ 0‬يا‬
‫نفس‪ :‬أما الورعون فقد جدلوا وأما الخائفون فد استعدوا‬
‫وأما الصالحون فقد راحوا وأما الواعظون فقد صاحوا ‪ 0‬يا‬
‫نفس‪ :‬اتعبي قليل ً تستريحي في الفردوس كثيرا ً كأنك‬
‫بالتعب قد مضى وبحرصك من اللعب قد مضى وثمر الصبر‬
‫قد أثمر حلوة الرضا ل يطمعن البطال في إدراك البطال‬
‫هيهات أن يدرك البطل المجتهد من غاب حين النزال فما‬
‫شهد حفت الجنة بالمكاره فل يوصل إليها إل بالمضض كذلك‬
‫كل محبوب يلذ وكل عرض من غير مشقة وإل متى لم يبعد‬
‫ب المشقة‪ :‬العلم ل يحصل إل بالنصب والمال ل‬ ‫على طال ٍ‬
‫يجمع إل بالتعب واسم الجواد ل يناله بخيل ول يلقب‬
‫شَقة ساد َ الناس ك ُل َُهم‬ ‫بالشجاع إل بعد تعب طويل ‪َ 0‬لول الم َ‬
‫ل أيها العبد‪ :‬إن عزمت فبادر وإن‬ ‫ل قّتا ُ‬ ‫لقبا ُ‬‫الجود يفقر وا ِ‬
‫هممت فثابر واعلم أنه ل يدرك المفاخر من كان في الصف‬
‫الخر ‪ 0‬سلع المجد كاسدة وكأن قد غلت ومراعى الفضل‬
‫قريبة وكأن قد علت وكأنك بغايات الغفلت قد انجلت‬
‫فأصبحت حلوة البطالة من أفواه الغافلين قد رحلت‬
‫وأصبحت رايات المجاهدين قد حلت وتفاوت في السباق‬
‫مضمار وبطين كما تفاوت في الحراق ماء وطين ‪ 0‬ل‬
‫صبرا‬ ‫ال‬ ‫عق‬ ‫تل‬ ‫حتى‬ ‫د‬ ‫المج‬ ‫لغ‬‫ُ‬ ‫تب‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫آ‬ ‫ت‬ ‫تحسب المجد تمرا ً َ‬
‫أن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫فاصبر للبليا فحينها يسير وأثبت للرزيا فأجرها كثير وأحسن‬
‫قرى ضيف الهم بالصبر الغزير وتجلد على الظمأ فبين يديك‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫منايا ِإذا أَتت واصِبر ِلما تأتي ب ِ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ماٌء غيٌر ‪َ 0‬ل تجَزعّ َ‬
‫شَفت غيايات البل وانجابت الفات‬ ‫لقداُر فكأن َقد انك َ‬ ‫ا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وا َ‬
‫جرى ب َِل أجر ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫سى ف َ‬ ‫مَر ال َ‬ ‫جَنى ث َ َ‬ ‫جزوعُ ِلما َ‬ ‫جرى ال َ‬ ‫لكدار و َ‬
‫معنى الوجود فَأصَبحوا‬ ‫شرا ً َلم يفهموا َ‬ ‫ت معا ِ‬
‫َ‬
‫مقدار إ ِّني رأي ُ‬‫ال ِ‬
‫ذلك ِإن عقلت نهار‪.‬‬ ‫دت ووراء َ‬ ‫ك داٌر للَبليا مهّ َ‬ ‫َقد حاروا ُدنيا َ‬

‫الفصل العاشر جاهد نفسك‬


‫أيها العبد‪ :‬حاسب نفسك في خلوتك وتفكر في انقراض‬
‫مدتك واعمل في زمان فراغك لوقت شدتك وتدبر قبل‬
‫الفعل ما يملى في صحيفتك وانظر‪ :‬هل نفسك معك أو‬
‫عليك في مجاهدتك لقد سعد من حاسبها وفاز والله من‬
‫حاربها وقام باستيفاء الحقوق منها وطالبها وكلما ونت عاتبها‬
‫وكلما تواقفت جذبها وكلما نظرت في آمال هواها غلبها ‪0‬‬
‫قال عليه الصلة والسلم‪) :‬الكيس من دان نفسه وعمل لما‬
‫بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله‬
‫الماني( ‪ 0‬وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪) :‬حاسبوا‬
‫أنفسكم قبل أن تحاسبوا وطالبوا بالصدق في العمال قبل‬
‫أن تطالبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم‬
‫ن َل‬‫ضو َ‬ ‫في الحساب غدا ً وتزينوا للعرض الكبر‪َ) :‬يو َ‬
‫مئ ِذٍ ُتعَر ُ‬
‫ة( ‪ 0‬وقال الحسن البصري رحمة الله‪:‬‬ ‫خافِي َ ٌ‬
‫كم َ‬ ‫من ُ‬‫َتخَفى ِ‬
‫)أيسر الناس حسابا ً يوم القيامة الذين حاسبوا أنفسهم لله‬
‫عز وجل في الدنيا فوقفوا عند همومهم وأعمالهم فإن كان‬
‫الدين لله هموا بالله وإن كان عليهم أمسكوا وإنما يثقل‬
‫الحساب على الذين أهملوا المور فوجدوا الله قد أحصى‬
‫ب َل ي َُغاد ُِر‬‫ذا الك َِتا ِ‬‫ل هَ َ‬ ‫عليهم مثاقيل الذر فقالوا‪َ) :‬يا َويل َت ََنا َ‬
‫ما ِ‬
‫َ‬
‫صاها(( ‪ .‬وقال أبو بكر البخاري‪) :‬من‬ ‫صِغيَرةً وََل ك َِبيرة ً إ ِّل أح َ‬
‫َ‬
‫نفر عن الناس قل أصدقاؤه ومن نفر عن ذنوبه طال بكاؤه‬
‫ومن نفر عن مطعمه طال جوعه وعناؤه ونقل توبة بن‬
‫المعلم أنه نظر يوما ً وكان محاسبا ً لنفسه فإذا هو ابن ستين‬
‫إل عاما ً فحسبها أياما ً فإذا هي إحدى وعشرون ألف يوم‬
‫وخمسمائة يوم فصرخ وقال‪ :‬يا ويلتي! ألقى المليك بإحدى‬
‫وعشرين ألف ذنب وخمسمائة ذنب فكيف ولى في كل يوم‬
‫عشرون ألف ذنب ثم خر مغشيا ً عليه فإذا هو ميت فسمعوا‬
‫هاتفا ً يقول‪ :‬يا لها من ركضة إلى الفردوس العلى ‪0‬‬
‫إخواني‪ :‬المؤمن مع نفسه ل يتوانى عن مجاهدتها وإنما‬
‫يسعى في سعادتها فاحترز عليها واغتنم لها منها فإنها إن‬
‫علمت منك الجد جدت وإن رأتك مائل ً عنها صدت وإن حثها‬
‫الجد بلحاق الصالحين سعت وقفت وإن توانى في حقها قليل ً‬
‫وقفت وإن طالبها بالجد لم تلبث أن صفت وأنصفت وإن‬
‫مال عن العزم أماتها وإن التفت عربدت من صبر على حر‬
‫المجلس خرج إلى روح السعة من رأى التناهي في المبادي‬
‫سلم ومن رأى التناهي هلك لن مشاهدة التناهي تقصير‬
‫أمله ومشاهدة المبادي في التناهي تسوف عمله وفي‬
‫الجملة‪ :‬من راقب العواقب سلم ‪ 0‬يا هذا‪ :‬هلل الهدى ل‬
‫يظهر في غيم الشبع ولكن يبدو في صحو الجوع وترك‬
‫الطمع واحذر أن تميل إلى حب الدنيا فتقع ول تكن من الذي‬
‫قال‪ :‬سمعت وما سمع ول ممن سوف يومه بغده فمات ول‬
‫رجع كل ليندمن على تفريطه وما صنع وليسألن عن تقصيره‬
‫في عمله وما ضيع فيا لها من حسرة وندامة وغصةٍ تجرع‬
‫عند قراءة كتابه وما رأى فيه وما جمع فبكى بكاء شديدا ً فما‬
‫نفع وبقى محزونا ً لما رأى من نور المؤمن يسعى بين يديه‬
‫وقد سمع فل ينفعه الحزن ول الزفير ول البكاء ول الجزع ‪0‬‬
‫الفصل الحادي عشر احذر النار‬
‫إخواني‪ :‬لقد خاب من آثر شهوة من حرام فإن عقباها تجرع‬
‫حميم آن وخسر ‪ -‬والله ‪ -‬من أطلق نفسه فيما تريد بعد أن‬
‫سمع الزبانية وأغلل الحديد وهلك كل الهلك وبار كل البوار‬
‫من اشترى لذة ساعة بعذاب النار ‪ 0‬قال أبو هريرة رضي‬
‫الله عنه‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬أوقد على النار‬
‫ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت‬
‫ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة( ‪.‬‬
‫وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال‪) :‬ناركم هذه مما يوقد بنو آدم جزء واحد من‬
‫سبعين جزءا ً من جهنم( ‪ 0‬وروى ابن مسعود رضي الله‬
‫عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪) :‬يؤتى بجهنم‬
‫يومئذٍ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك‬
‫يجرونها( ‪ 0‬وقال وهب بن منبه‪ :‬إذا سيرات الجبال فسمعت‬
‫حسيس النار نقيضها وزفيرها وشهيقها صرخت الجبال كما‬
‫تصرخ النساء ثم يرجع أوائلها على أواخرها يدق بعضها بعضا ً‬
‫‪ 0‬وفي المسند عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪) :‬يعظم أهل النار حتى إن بين‬
‫شحمة ُأذن أحدهم وعاتقه سبعمائة عام وإن غلظ جلده‬
‫سبعون ذراعا ً وروى الزهري عن أبي هريرة عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪) :‬إن الحميم ليصب على رءوسهم‬
‫فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه فيلهب ما في جوفه‬
‫حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان( ‪ 0‬وقال‬
‫أبو موسى‪ :‬أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع ثم يبكون‬
‫الدماء حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت ‪ 0‬لله در أقوام‬
‫أذهبوا أعمارهم في طلبي وأتعبوا أعضاءهم في فرضي‬
‫ل التعلق بي وحلموا عن‬
‫وواجبي وقطعوا قواطعهم لج ِ‬
‫الجهال خوفا ً من غضبي فإذا مروا على النار قالت‪ :‬جريا ً يا‬
‫مؤمن قد أطفأ نورك لهبي ‪ 0‬إذا رأت النار من جاهد بالخير‬
‫وما خافت خافت وإذا شاهدت نفوسا ً طال ما صافت صافت‬
‫وإذا عاينت أجساما ً ما نبتت من الحرام وعافت عافت ‪ 0‬هل‬
‫تشبهت يا هذا بهؤلء القوم هل تنبهت من هذا الرقاد والنوم‬
‫وأنت وقت العشاء نائم وقلبك في حب شهوات البهائم هائم‬
‫قل للذي ألجأه عاجل لهوه عن حظه يحكى البهائم هائمًا‪:‬‬
‫أمسنا الفنا خذ حكمة تخصنا بها فانظر ول تبغ الفنا يا نائم يا‬
‫هذا‪ :‬المحب ُيطَرد ُ فل يزول وأنت ُتدعى فل تجب ‪ 0‬فَِإن‬
‫م رحم‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫كم فُ ُ‬‫طان ِ ُ‬‫حي َ‬ ‫على ِ‬ ‫م فإ َِنني ل ََغاد ٍ َ‬ ‫سل ُ‬ ‫مَنعوا مّني ال ّ‬ ‫تَ َ‬
‫الله عظما ً طالما نصبت وانتصبت فإذا جن الليل عليهم‬
‫فتمكن وثبت وثبت إن ذكرت عدله رهبت وهربت وإن‬
‫تفكرت فضله فرحت وطربت اعترف عن طاعته أنها قد‬
‫أذنبت وقامت شاكرة لمن جمعها على إحسانه فنبت لحت‬
‫لها ذنوبها فبكت عليها وندبت وصاحت بها ألسن الغفران‬
‫حسَرةً‬ ‫ة َ‬ ‫حب ّ َ‬ ‫هم َتبكي ال َ ِ‬ ‫ديار فََهذهِ آثاُر ُ‬ ‫فاهتزت وربت‪ِ :‬قف بال ِ‬
‫عن َأهِلها َأو صادقا ً أوَ‬ ‫مخِبرا ً َ‬ ‫ُ‬ ‫وقا ً َ‬
‫ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫ت ِبها أسائ ُ‬ ‫كم َقد وَقف ُ‬ ‫وتش ّ‬
‫َ‬
‫من َتهوى‬ ‫ت َ‬ ‫مها فارق ُ‬ ‫مشِفقا ً فأجاَبني داعي الَهوى في رس ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫م َبعد َ فراق‬ ‫دعي أت ََنا ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ملَتقى ط ََرقَ الخيال وقال لي يا ُ‬ ‫فعَّز ال ُ‬
‫كم قسما ً بَأني صادق ل طاب لي من بعد‬ ‫جيران اللقى وحيات ُ ُ‬
‫كم فيكم بقا يا سادة مذ حملوا َأجمالهم ما َأورثوني بعدهم‬
‫إ ِّل الشقا أترى الرض خلت منهم أم لم ترهم كّل لو وصفت‬
‫أعمالهم عرفناهم أما الحياء منهم فالقطرة تجري مجراهم‬
‫أما أمواتهم فمعنى الحبار معناهم ‪ 0‬قف يا هذا على‬
‫قبورهم ونادهم واستنشق ريح فضلهم فهل المعاني في‬
‫ت يقظانا ً‬ ‫َ‬ ‫اجتهادهم ضائر َ‬
‫زلةٍ َتبي ُ‬‫ِ‬ ‫من‬‫ت وأحبابي ب َ‬ ‫كم قد وَقف ُ‬
‫سقيا وَألقى‬ ‫م ِبما َ‬ ‫ولَهانا ً وأهلنا ً فهاجها حين حّيانا الَنسي ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫دونا كوُر المطي َفهل َنح ُ‬ ‫بالجرع حينا َنبكي فَُيسعِ ُ‬
‫طر ا َ‬ ‫من قَ ّ‬ ‫َ‬
‫جدت‬ ‫لشياَء ما و َ‬ ‫شوُّقون فيها أم مطايانا ول َ‬ ‫م َ‬
‫ال ُ‬
‫كوجدنا العيس بل رقت لشكوانا‬
‫الفصل الثاني عشر عليك بالخوف من الله‬
‫إخواني‪ :‬من علم عظمة الله زاد وجله ومن خاف نقم ربه‬
‫حسن عمله فالخوف يستخرج داء البطالة ويشفيه وهو نعم‬
‫المؤدب للمؤمن ويكفيه ‪ 0‬قال الحسن‪ :‬صحبت أقواما ً كانوا‬
‫لحسناتهم أن ُترد ّ عليهم أخوف منكم من سيئاتكم أن تعذبوا‬
‫بها ‪ 0‬ووصف يوسف بن عبد المحسن فقال‪ :‬كان إذا أقبل‬
‫كأنه أقبل من دفن حميمه وإذا جلس كأنه أسير من يضرب‬
‫عنقه وإذا ذكرت النار فكأنما لم تخلق إل له ‪ 0‬وكان سميط‬
‫إذا وصف الخائفون يقول‪ :‬أتاهم من الله وعيد وفدهم فناموا‬
‫ص ‪ 0‬واعلم أن خوف القوم لو‬ ‫على خوف وأكلوا على تنغ ٍ‬
‫انفرد قتل غير أن نسيم الرجاء يروح أرواحهم وتذكر النعام‬
‫ف المؤمن‬ ‫خو ُ‬ ‫ن َ‬‫يحيى أشباحهم ‪ 0‬ولذلك روى‪َ) :‬لو وُزِ َ‬
‫جاؤه لعتدل( ‪ 0‬فالخوف للنفس سائق والرجاء لها قائد‬ ‫ور َ‬
‫إن ونت على قائدها حثها سائقها وإن أبت على سائقها‬
‫حركها قائدها مزيح الرجاء يسكن حر الخوف وسيف الخوف‬
‫يقطع سيف ‪ -‬سوف ‪ -‬وإن تفكر في النعام شكر وأصبح‬
‫للهم قد هجر وإن نظر في الذنوب حذر وبات جوف الليل‬
‫ضاَءت َلنا برقا ً‬ ‫ك يوما ً سحاب ً َ‬ ‫من َ‬ ‫يعتذر وأنشد‪َ :‬أظَلت َ‬
‫ةأ َ‬ ‫َ‬ ‫علينا ِ‬
‫غيَثها باقي فيروى‬ ‫س طامعٌ ول َ‬ ‫وَأم َ‬
‫طرتنا َفل غي َ‬
‫مها فيائ ٌ‬
‫عطاشها‬

‫الفصل الثالث عشر عليك بحب الله‬


‫إخواني‪ :‬الموت في طريق الطلب‪ :‬خير من العطب في‬
‫طريق البطالة ما هذا! أدم السهر والصوم وخل لربابه طول‬
‫النوم وشمر في لحاق القوم فإذا وصلت إلى دوائك‪ :‬أنخت‬
‫بجناب يا هذا‪ :‬عليك بإدمان الذكر لعل ذكرك القليل ينمى‬
‫ذكُر الل َهِ َأكب َُر( أنا جليس من ذكرني ‪ 0‬ل‬
‫ذكره الجليل )وَل َ ِ‬
‫تعجز عن حفر ساقية وإن ربت فإنك إذ ألحقتها بساحل‬
‫البحر فاض من ماء البحر إليها فصارت دجلة أخلص في‬
‫ذكرك لعله يذكرك ‪ 0‬روى البخاري ومسلم في الصحيحين‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسير في طريق‬
‫مكة فمر على جبل يقال له‪ :‬حمدان فقال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬سيروا سبق المفردون قالوا‪ :‬وما المفردون يا‬
‫رسول الله قال‪ :‬الذاكرون الله كثيرا ً والذاكرات( ‪ 0‬روى أبو‬
‫الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول‪:‬‬
‫)َأنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه( ‪ 0‬وقال أبو‬
‫الدرداء‪ :‬الذين ألسنتهم رطبة بذكر الله تعالى يدخل أحدهم‬
‫الجنة وهو يضحك ‪ 0‬يا هذا‪ :‬من علمات المحب انزعاجه عند‬
‫ذكر محبوبه ‪ 0‬لو أحببت شخصا ً من أهل الدنيا فسمعت‬
‫باسمه لنزعج باطنك أما سمعت أن مجنونا ً أحب مخلوقا ً‬
‫ن بالخيف من مني‬ ‫ُ‬ ‫فلما ذكر انزعج فقال‪ :‬وَداٍع َدعا ِإذ َنح‬
‫فَهَّيج َأحزان الفؤاد وَلم يدر دعا بِإسم ليلى غيرها فكَأنما‬
‫َ‬
‫صدري وهذا ذكر الله ُيتلى عليك‬ ‫ن في َ‬ ‫أطار بَقلبي طاِئرا ً كا َ‬
‫وما تتغير وكم تسمع من أوامره ونواهيه ول تتدبر وقد يسره‬
‫الكريم على من اجتهد فيه وما عسر وكم من نظر فيه‬
‫حقيقة النظر وتبصر وعمل ما أمره وترك ما نهى عنه في‬
‫العمل والقول وتحرر وكلما نظر في عمله رأى أنه مقصر‬
‫فيه تفكر ل يلتذ بطعام ول شراب ول نوم إل ذكر وتذكر أما‬
‫سمعت قوله في الكتاب العزيز مسطرا ً إخبارا ً عنهم في‬
‫ن إ َِذا ذ ُك َِر‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ِ‬‫ما ال ُ‬‫ذكرهم له قول ً بليغا ً مفسر‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫صاُبهم( فشكرهم‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫جَلت قُُلوب ُُهم( )َوال ّ‬ ‫الل َ ُ‬
‫ه وَ ِ‬
‫على ذلك وستر بأنه راض عنهم يوم تشقق السماء وتتفطر‪:‬‬
‫خَر( ويبقى العاصي نادما ً على‬ ‫م وَأ َ ّ‬ ‫ما قَد ّ َ‬‫مئ ِذٍ ب ِ َ‬
‫ن َيو َ‬
‫سا ُ‬
‫لن َ‬
‫)ي ُن َّبأ ا ِ‬
‫محسر مثقل بحمل خطاياه وفي ذيل ذنوبه معثر‬ ‫تفريطه ُ‬
‫فإذا دعي لقراءة كتابه رأى ما فيه من السيئات تحير ويرى‬
‫غيره قد أمر به إلى النار مسحوب مجرجر فيندم فل ينفع‬
‫معُ ول ُيرحم ول يعذر فالعذاب الشديد لمن كد‬ ‫ويبكي فل ُيس َ‬
‫وطغى وتجبر ونصحتك فالتوبة التوبة ‪ 00‬فعسى بعد الكسر‬
‫تجبر فهو المعين لمن لجأ إليه فله الحمد على ما قضى‬
‫وقدر ‪0‬‬
‫الفصل الرابع عشر تفاوت النفوس في الخير‬
‫والشر‬
‫روى أبو موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬أن الله خلق آدم من قبضة قبضت من جميع الرض‬
‫فجاءوا بنوا آدم على قدر الرض‪ :‬منهم البيض والحمر‬
‫والسود وبين ذلك والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين‬
‫ذلك( ‪ 0‬وجاء في حديث آخر‪) :‬إن الله خلقهم في ظلمة‬
‫فرش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور اهتدى ومن‬
‫أخطأه ضل( ‪ 0‬فهذا يدل على أن من خلق من الصفا صفا‬
‫له ومن خلق من الكدر كدر عليه فلم يصلح للقرب والرياضة‬
‫وإنما يصلح عبد نجيب ‪ 0‬خلق إبليس من ماء غير طاهر‬
‫فكانت خلعة العبادة عليه عارية فسخن ماء معاملته بإيقاد‬
‫نار الخوف فما أعرض عنه الموقد عاد إلى برودة الغفلة ‪0‬‬
‫وخلق عمر من أصل نقي فكانت أعمال الشرك عليه‬
‫كالعارية فلما عجب نيران حمية الجاهلية أثرت في طبعه‬
‫إلى أن فنى مدد حظها بفناء مدة تقدير إعراضه فعاد سخنه‬
‫صد ّ عن‬ ‫صد ّه ُ ال ّ‬
‫عائ ِد ُ وَِإن َ‬ ‫ل ِإلى َ‬
‫طبعِهِ َ‬ ‫إلى برد العرفان‪ :‬وك ّ‬
‫ن الماَء من بعدِ ِإسخانه سريعا ً يعود ِإلى َبرد ِهِ يا‬ ‫كما أ ّ‬‫قصدِهِ َ‬
‫هذا‪ :‬لحت عقبة المعصية لدم وإبليس فقال لهما لسان‬
‫الحال‪ :‬لبد ّ من سلوكها فسلكا يتخبطان في ظلمها فأما آدم‬
‫فانكسر قلبه في طريقه وبكى لصعوبة مضيقه فهتف به‬
‫سَرةِ قلوبهم من أجلي‬ ‫منك َ ِ‬‫هاتف اللطف‪ :‬ل تجزع أنا عند ال ُ‬
‫وأما إبليس فجاء ضاحكا ً معجبا ً بنفسه فثار الكبر من قلبه‬
‫فتكاثرت ظلمة طريقه فلما ارتفعا إلى رأس العقبة ضرب‬
‫ه‬
‫من قِب َل ِ ِ‬ ‫ة وَ َ‬
‫ظاه ُِره ُ ِ‬ ‫م ُ‬‫ه ِفيهِ الّرح َ‬
‫ب َباط ِن ُ ُ‬ ‫سورٍ ل ّ ُ‬
‫ه َبا ٌ‬ ‫)َبين َُهم ب ِ ُ‬
‫ب( فقال إبليس‪ :‬يا آدم كنا رفيقين في عقبة المعصية‬ ‫العَ َ‬
‫ذا ُ‬
‫سمَنا ‪0‬‬ ‫فكيف افتراقنا فنادى منادى الزل‪ :‬نحن قَ َ‬
‫الفصل الخامس عشر روض نفسك‬
‫ب‬
‫يا هذا‪ :‬طهر قلبك من الشوائب فالمحبة ل تلقى إل في قل ٍ‬
‫طاهر أما رأيت الزارع يتخير الرض الطيبة ويسقيها ويرويها‬
‫ثم يثيرها ويقلبها وكلما رأى حجرا ً ألقاه وكلما شاهد ما يؤذى‬
‫نجاه ثم يلقى فيها البذر ويتعاهدها من طوارق الذى وكذلك‬
‫الحق عز وجل إذا أراد عبدا ً لوداده حصد من قلبه شوك‬
‫الشرك وطهره من أوساخ الرياء والشك ثم يسقيه ماء‬
‫التوبة والنابة ويثيره بمسحأة الخوف والخلص فيستوي‬
‫ظاهره وباطنه في التقى ثم يلقى فيه بذر الهدى فيثمر حب‬
‫المحبة فحينئذ تحمد المعرفة وطنا ً ظاهرا ً وقوتا ً طاهرا ً‬
‫فيسكن لب القلب ويثبت به سلطانها في رستاق البذر‬
‫فيسري من بركاتها إلى العين ما يفضها عن سوى المحبوب‬
‫وإلى الكف ما يكفها عن المطلوب وإلى اللسان ما يحبسه‬
‫عن فضول الكلم وإلى القدم ما يمنعه من سرعة القدام‬
‫فما زالت تلك النفس الطاهرة رائضها العلم ونديمها الحلم‬
‫وسجنها الخوف وميدانها الرجاء وبستانها الخلوة وكنزها‬
‫القناعة وبضاعتها اليقين ومركبها الزهد وطعامها الفكر‬
‫وحلواها النس وهي مشغولة بتوطئة رحلها لرحيلها وعين‬
‫أملها ناظرة إلى سبيلها فإن صعد حافظاها فالصحيفة نقية‬
‫وإن جاء البلء فالنفس صابرة تقية وإن أقبل الموت وجدها‬
‫من الغش خلية فيا طوبى لها إذا نوديت يوم القيامة‪) :‬ياأ َي ّت َُها‬
‫ضّية( ‪.‬‬‫مر ِ‬
‫ة ّ‬ ‫ضي َ ً‬ ‫جِعي إ َِلى َرب ّ ِ‬
‫ك َرا ِ‬ ‫ة ار ِ‬
‫مئ ِن ّ ُ‬
‫مط َ‬
‫س ال ُ‬
‫الّنف ُ‬
‫الفصل السادس عشر خالف هواك‬
‫لله دّر نفس تطهرت من أجناس هواها وتجلببت جلباب‬
‫صبر عند دنياها وشغلها ما رأى قلبها عما رأت عيناها وإن‬‫ال ّ‬
‫مالت إلى الدنيا نهاها ُنهاها وإن مالت إلى الهوى شفاها‬
‫شفاها سهرت تطلب رضى المولى فرضى عنها وأرضاها‬
‫وقامت سوق المجاهدة على سوق هداها فباعت حرصها‬
‫بالقناعة فظفرت بغناها وفوقت سهام العزائم إلى أهداف‬
‫المحارم تبتغي علها ورمت نجائب السحار فساقها حادى‬
‫الستغفار إذ عناها وقطعت بيداء الجد بآلة المستعد فبلغت‬
‫مَناها فمن أجلها ينزل القطر وينبت الزرع من جزاها ولولها‬ ‫ُ‬
‫صباَبة ما‬ ‫لم تثبت الرض بأهل دنياها ‪ 0‬وما أع َ‬
‫طى ال َ‬
‫ضى حق المنازل ملحظها بعين غ ُّرى‬ ‫عليهِ ول قَ َ‬
‫اسَتحَقت َ‬
‫رى وزائراها بجسم غير ناحل‬ ‫َ‬
‫غي ِ‬
‫الفصل السابع عشر تبصر في نفسك‬
‫يا من نسي العهد القديم وخان من الذي سواك في صورة‬
‫النسان من الذي غذاك في أعجب مكان من الذي بقدرته‬
‫استقام الجثمان الذي بحكمته أبصرت العينان من الذي‬
‫بصنعته سمعت الذنان من الذي وهب العقل فاستبان‬
‫للرشد وبان من الذي بارزته بالخطايا وهو يستر العصيان‬
‫ن الذي تركت شكره فلم يؤاخذ بالكفران إلى كم تخالفني‬ ‫م ِ‬
‫َ‬
‫وما يصبر على الخلف البوان وتعاملني بالغدر الذي ل‬
‫عندك وهان ولو‬ ‫خلفي ما ع َّز ِ‬ ‫يرضاه الخوان وتنفق في ِ‬
‫ي‬
‫علم الناس منك ما أعلم‪ :‬ما جالسوك في مكان فارجع إل ّ‬
‫من الهوى ما‬ ‫ت ِ‬ ‫ث شئ َ‬ ‫ك حي ُ‬‫ؤاد َ َ‬
‫في ذلك فأنا المعروف ن َّقل فُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل في الرض َيأل َُف ُ‬
‫ه الَفَتى‬ ‫منزِ ٍ‬ ‫ل َ‬
‫كم َ‬ ‫حِبيب الوّ ِ‬ ‫ب إ ِّل ِلل َ‬
‫الح ّ‬
‫ل يا مبارزا ً بالقبيح مهد عذرك يا مواصل ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫منزِ ِ‬ ‫وحنينه أبدا ً ِلوّ ِ‬
‫ل َ‬
‫نقض العهود جانب غدرك يا مديما ً للتواني تدبر أمرك يا‬
‫مؤثرا ً ما يفني على ما يبقى خالفت خبرك يا لهيا ً في أيام‬
‫العوافي والله ما تترك يا واقفا ً مع الماني ضيعت عمرك يا‬
‫فارحا ً بقصره تذكر قبرك يا حامل ً أثقال الذنوب هل خففت‬
‫ظهرك سار الصالحون إلى ذكرنا وآثرت هجرك وسمعت‬
‫سيرهم وضيعت أجرك ‪ 0‬إن أردت صحبة المتقين فاشرح‬
‫لليقين صدرك وإن أحببت حلوة العواقب فاستعمل صبرك‬
‫إن حل شراب مناجاتنا فبدد خمرك إن طاب لك سماع ذكرنا‬
‫فاكسر زمرك اعتبر عن خل الثرى والكفان وتفكر في البل‬
‫وتذكر ذاك الرفاق فما بينك وبين هذه الفات إل أن تعاين‬
‫الوفا وفات ‪0‬‬
‫الفصل الثامن عشر تذكر يا عامل‬
‫ب ومات يا من كان له وقت وفات أشرف‬ ‫يا من له قل ٌ‬
‫على الموَتى وَيتُر ُ‬
‫ك‬ ‫الشياء قلبك ووقتك فإذا أهملت وََيبكي َ‬
‫نفسه ويزع َ َ‬
‫ل‬‫ى وعق ٍ‬ ‫عنها ع ََزاؤُهُ وَلو كا َ‬
‫ن ذا رأ ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َقد قَ ّ‬
‫مأ ّ‬ ‫ُ‬
‫كاؤ ُهُ ُرئى سمنون يوما ً على‬ ‫عليِهم ب ُ َ‬‫عليهِ ل َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَِفطن َةٍ لكا َ‬
‫ب يضرب به فخذه حتى تبدد لحمه‬ ‫شاطئ دجلة وبيده قضي ٌ‬
‫وهو يقول‪ :‬كان لي قلب أعيش به ضاع مني في تقلبه رب‬
‫فاردده على فقد عيل صبري في تطلبه وأغث ما دام لي‬
‫ك على وقت كان قد صفا‬ ‫ث المستغاث به اب ِ‬ ‫رمقٌ يا غيا َ‬
‫وعلى قلب صار كالصفا وعلى زمان تبدل فيه الوصل بالجفا‬
‫ت َأهواها وآل َُفَها‬ ‫وعلى ربع خل من اليقظة وعفا‪ :‬مَناز َ‬
‫ل كن ُ‬
‫ت على ال َّيام منصورا ً ما تتوفى في سمين بدنك حتى‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫كن ُ‬ ‫أّيا َ‬
‫منى إل‬ ‫نسيت إدراجك في كفنك ول متعت نفسك بمواعيد ال ُ‬
‫حب الهوى أما وعظك الزمان من بسطه‬ ‫بعد أن أسرك ُ‬
‫وقبضه أما أجد لك بجديد بعد العتبار ببعضه أما تدرك الحين‬
‫من طوله وعرضه يا عجبا ً كيف التذ ّ حامل بغمضة وكم طيل‬
‫ن الممات والحساب‬ ‫ُ‬
‫يوم ما أدىَ بعض فرضه أما تعلم أ ّ‬
‫أمامك فتهيأ للرحيل وأصلح خيامك واحفظ مقالتي واقطع‬
‫قطع المدى مدامك واجتهد أن تنشر الخلص في المحل إل‬
‫على أعلمك وصل صلتك في الدجى واهجر للمنام منامك‬
‫ول تترك ولو بت الليل عاصيا ً صيامك وأحضر قلبك وسمعك‬
‫وإن قل من لمك وأفق في زمان المكان قبل انثات العرى‬
‫الفصل التاسع عشر الفائزون‬
‫لله در أقوام أقبلوا بالقلوب على مقلبها وأقاموا النفوس بين‬
‫يدي مؤدبها وسلموها إذا باعوها إلى صاحبها وأحضروا‬
‫ى‬ ‫كلوا ب َِرع ِ‬ ‫الخرة فنظروا إلى غائبها وسهروا الليالي كأنهم وُ ّ‬
‫كواكبها ونادوا أنفسهم صبرا ً على نار حطبها ومقتوا الدنيا‬
‫فما مالوا إلى ملعبها واشتاقوا إلى لقاء حبيبهم فاستطالوا‬
‫ث‬‫كم تلب َ ُ‬ ‫م هجرُتها فَ َ‬ ‫ت الَنفس ث ُ َ‬ ‫ت ُقو َ‬ ‫كن َ‬‫مدة المقام بها ‪ِ 0‬إذا ُ‬
‫ب في الماِء َأو كما‬ ‫ض ِ‬ ‫ت قوتها ستبَقى بقاء ال َ‬
‫َ‬
‫الَنفس التي أن َ‬
‫ش ببيداء المهامه حوتها بعض العابدات كانت تقول‪ :‬والله‬ ‫َيعي ُ‬
‫لقد سئمت الحياة حتى لو وجدت الموت يباع لشتريته شوقا ً‬
‫إلى الله وحبا ً للقائه فقيل لها‪ :‬على ثقةٍ أنت من عملك‬
‫قالت‪ :‬ل والله لحبي إياه وحسن ظني به أفتراه يعذبني وأنا‬
‫هل‬ ‫ك يوما ً و َ‬‫ت عيِنى ِإلي َ‬ ‫هل ناظر َ‬ ‫ن ُقل َ‬ ‫ِ‬ ‫أحبه‪ :‬يا ناظَر العي‬
‫من‬ ‫سَلبوه ُ ِ‬ ‫كم ك طائرٍ َ‬ ‫م َأني بعد َ ُفرقت ُ ُ‬ ‫ه يعل َ ُ‬‫ن البين الل َ ُ‬ ‫م َ‬
‫َتدُنو ِ‬
‫حين لله در أرواح تشتاق إلى روح قربة وتلتذ عند ابتلئه‬ ‫الجَنا َ‬
‫بوقع ضربة ويطول عليها الزمان شوقا ً إليه لحبه إن سألت‬
‫عن صفاتهم فكل منهم مخلص لربه مجتهد في طاعته خائف‬
‫من عتبه قائم على نفسه باستيفاء الحق منها على قلبه‬
‫ن‬
‫كم الخافقا ِ‬ ‫مشتاقٌ بحركةٍ ِإلي ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫ف يقعُد ُ رقي ٌ‬ ‫وأنشد‪ :‬كي َ‬
‫ت‬ ‫غيُر ُ‬ ‫ت فما لي َ‬ ‫َ‬
‫كم وطر وِإن قعد َ‬ ‫الشوق والمل فِإن نهض َ‬
‫ف‬
‫كم فكي َ‬ ‫ت غير ُ‬‫ن لي ي َد ٌ ما اختر ُ‬ ‫كم شغل َلو كا َ‬ ‫عند َ ُ‬
‫فما لي ِ‬
‫لقوام بعدكم يستأ‬ ‫كم بدل ولم تعرض ا َ‬ ‫ك وما لي غير ُ‬ ‫ذا َ‬
‫صلوا‬ ‫ن على َقلبي َفما و َ‬ ‫ذنو ٌ‬
‫الفصل العشرون سارع إلى التوبة والنابة‬
‫أيها العبد‪ :‬راقب من يراك على كل حال وما زال نظره إليك‬
‫في جميع الفعال وطهر سرك فهو عليم بما يخطر بالبال‬
‫المراقبة على ضربين مراقبة الظاهر لجل من يعلم وحفظ‬
‫الجوارح عن رذائل الفعال واستعمالها حذرا ً ممن يرى فأما‬
‫مراقبة الباطن فمعناها أدب القلب من مساكنة خاطر ل‬
‫يرضاه المولى وأجد السير في مراعاة الولى وأما مراقبة‬
‫الظواهر فهي ضبط الجوارح قال سرى‪ :‬الشوق والنس‬
‫يرفرفان على القلب فكان هناك الجلل والهيبة حل ول رحل ً‬
‫ومن ظهر الخشوع على قلبه دخل الوقار على جوارحه ‪0‬‬
‫قال حاتم الصم‪ :‬إذا عملت فانظر نظر الله إليك وإذا‬
‫شكرت فاذكر علم الله فيك ‪ 0‬وقال أبو الفوارس الكرماني‪:‬‬
‫من غض بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات‬
‫وعمر باطنه بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنةِ وعود‬
‫من َ‬
‫ك‬ ‫ن َرقيبا ً ِ‬
‫نفسه أكل الحلل لم تخطئ فله فراسة‪ :‬كا َ‬
‫ري ولساني فما َنظَرت‬ ‫عى َناظ ِ ِ‬ ‫طري وآخٌر َير َ‬ ‫عى خوا ِ‬ ‫َير َ‬
‫ت‪َ :‬قد رمقاني َول ب َد ََرت‬ ‫عينايَ بعدك منظرا ً لعمرك إ ِّل ُقل َ‬
‫خط ََرت‬ ‫ت‪َ :‬قد رمقاني َول َ‬ ‫ك إ ِّل ُقل َ‬ ‫ة ِلغير َ‬ ‫ك َلفظ َ ً‬‫ي َبعد َ َ‬
‫من فِ ّ‬ ‫ِ‬
‫جا بعنان َوفتيان‬ ‫ب إ ِّل َ‬
‫عر َ‬ ‫خطَرة ً على الَقل ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ِفي ِذكرِ غير َ‬
‫جناني َوما‬ ‫طري و ِ‬ ‫عنُهم خا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫مُهم وع ُّف َ‬ ‫كل ُ‬‫ت َ‬ ‫مع َ‬ ‫ق قد س ِ‬ ‫ٍ‬ ‫صد‬‫ِ‬
‫ت تراني ِإلى‬ ‫ك على كل الجها ِ‬ ‫دهُر َأسل ً عنُهم غيَر أ ََنني َأرا َ‬ ‫ال ّ‬
‫متى تميل إلى الزخارف وإلى كم ترغب لسماع الملهي‬
‫المعازف أما آن لك أن تصحب سيدا ً عارف قد قطع الخوف‬
‫قلبه وهو على علمه كاكف يقطع ليله قياما ً ونهاره صياما ً ل‬
‫يميل ول آنف دائم الحزن والبكاء متفرغٌ له ومنه خائف ومع‬
‫ذلك يخشى القطيعة والنتقال إلى صعب المتالف وأنت في‬
‫غمرة هواك وعلى حب دنياك واقف كأني بك وقد هجم‬
‫عليك الحمام العاسف وافترسك من بين خليلك وصديقك‬
‫المؤالف وتخّللى عنك حبيبك وقريبك ومن كنت عليه عاطف‬
‫ل سيتطيعون َرد ّ ما نزل بك ول تجد له كاشف وقد نزلت‬
‫بفناء من له الرحمة والحسان واللطائف فلو عاتبك لكان‬
‫عتبه على نفسك من أخوف المخاوف وإن ناقشك في‬
‫الحساب فأنت تألف أين مقامك من مقام البطال يا بطال يا‬
‫كثير الزلل والخطايا يا قبيح الفعال كيف قنعت لنفسك‬
‫بخساسة الدون يا معنون وغرتك أمانيك بحب الدنيا يا‬
‫مفتون هل تعرضت لوصاف الصدق فاستحليت بها القالب‬
‫ن( إلى متى أنت مريض‬ ‫دو َ‬
‫م ُ‬
‫حا ِ‬
‫ن ال َ‬
‫دو َ‬
‫ن الَعاب ِ ُ‬
‫الحق‪) :‬الّتائ ُِبو َ‬
‫بالزكام ومتى تستنشق ريح قميص يوسف عليه السلم يا‬
‫غلم لعله يرفع عن بصيرتك حجاب العمى وتقف متذلل ً على‬
‫باب إله الرض والسماء خرج قميص يوسف مع يهوذا من‬
‫مصر إلى كنعان فل أهل القافلة علموا بريحه ول حامل‬
‫َ‬
‫ح‬ ‫القميص علم وإنما قال صاحب الوجد‪) :‬إ ِّني َل ِ‬
‫جد ُ ِري َ‬
‫ف( كل واحد منكم في فقد قلبه كيعقوب في فقد‬ ‫س َ‬‫ُيو ُ‬
‫يوسف فلينصب نفسه في مقام يعقوب ويتحسر وليبك على‬
‫ما سلف ول ييَأس كيف طريق التحسس قطع مرحل الليل‬
‫وركوب نجائب العزم إنضاء بعير الجسم ومصاحبة رفقة‬
‫الندم والمستغفرين بالسحار ‪0‬‬
‫الفصل الثاني والعشرون بعض ثمرات الطاعة‬
‫ل عليه‬ ‫إخواني‪ :‬من أراد دوام العافية فليتق الله ما أقبل مقب ٌ‬
‫إل وجد كل خير لديه ول أعرض معرض عن طاعته إل وتعثر‬
‫َ‬
‫ض ُتطوى لي‬ ‫كم َزاِئرا ً إ ِ َّل الر ُ‬ ‫في ثوب غفلته‪ :‬والل َهِ ما ِ‬
‫جئت ُ ُ‬
‫كم إ ِّل ت َعَث َّرت بأذيالي روى أبو هريرة‬ ‫عن باب ِ ُ‬‫عزمي َ‬ ‫َول انث ََنى َ‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪) :‬قال ربكم عّز‬
‫ن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل‬ ‫وجل‪ :‬لو أ ّ‬
‫وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم ُأسمعهم صوت الرعد(‬
‫كدر‬‫‪ 0‬قال أبو سليمان الداراني‪ :‬من صفا صفا له ومن كدر ُ‬
‫عليه ومن أحسن في ليله كفى في نهاره ‪ 0‬فيامن من يريد‬
‫دوام العيش على البقاء دم على الخلص والنقاء وإياك‬
‫والمعاصي فالعاصي في شقاء المعاصي والمعاصي تذل‬
‫النسان وتخرس اللسان وتغير الحال المستقيم وتحمل‬
‫العوجاج مكان التقويم ‪ 0‬قال يحيى بن أبي كثير‪ :‬لما أصاب‬
‫داود الخطيئة نفرت الوحوش من حوله إلهى رد على‬
‫الوحوش كي أستأنس بها فردها الله عليه فأحطن به‬
‫واصطففن إليه فرفع صوته بقرآنه الزبور فنادته هيهات‬
‫هيهات يا داود قد ذهبت الخطيئة بحلوة صوتك فكان يقول‪:‬‬
‫بح صوتي في صفا أصوات الصديقين وأصبحت كالبازي‬
‫ت‬
‫المنتف ريشه يرى حسران كلما طار طائٌر‪َ :‬يرى طاِئرا ُ‬
‫من جناحيهِ وافر َوقد‬‫ن ِفى الَهوىَ فيذكر ِريشا ً ِ‬ ‫فق َ‬ ‫جوِ َيخ ِ‬‫ال َ‬
‫صيدِ‬
‫من ال ّ‬ ‫ل من يهوى ِ‬‫على ك ُ َِ‬ ‫من َّعما ً َ‬
‫ض ُ‬‫ن َدهرا ً في الّرَيا ُ‬ ‫كا َ‬
‫ص‬ ‫َ َ‬
‫مقصو َ‬ ‫ح َ‬‫ة فأصب َ‬ ‫من الدهر َنكب َ ً‬ ‫ه ِ‬‫قادر ِإلى أن أصابت ُ‬
‫صرت‬ ‫الجناحين حاسر مضى السابقو َ َ‬
‫ن الّولون لفورهم وق ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬
‫في أمري وِإني لخاسر‬
‫الفصل الثالث والعشرون‬
‫اعلموا ‪ -‬إخواني ‪ -‬أن الله عز وجل قد قدر الصلوات وقدمها‬
‫على غيرها من العبادات وإنما يحافظ عليها من يعرف قدرها‬
‫ويرجو أجرها ويخاف العقاب على تركها وهذه صفة المؤمن‬
‫وإنما يتوانى عنها ناقص اليمان إن تكاسل وكافر إن تهاون‬
‫‪ 0‬وقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪) :‬بين العبد وبين الكفر ترك‬
‫الصلة( ‪ 0‬وروى في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪) :‬عليك بكثرة السجود فِإنك ل تسجد لله سجدة إل‬
‫رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة( ‪ 0‬وروى أنس‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪) :‬جعلت قرة عيني‬
‫في الصلة( ‪ 0‬وقد كان لله عز وجل عباد يحبون خدمته‬
‫لشدة محبتهم إياه فيحضرون في الصلة قلوبهم ويجمعون‬
‫لدائها هممهم ‪ 0‬وروى عن ابن الزبير أنه كان إذا قام في‬
‫الصلة فكأنه عود من الخشوع وكان يسجد فتنزل العصافير‬
‫على ظهره ل تحسبه إل جزعا ً أو حائطا ً أو وجه حجر أو رحل‬
‫فدقه وهو في الصلة فذهبت ببعض ثوبه فما التفت وكان إذا‬
‫دخل بيته سكت أهل البيت فإذا قام إلى الصلة تحدثوا‬
‫وضحكوا ‪ 0‬واعلموا ‪ -‬إخواني ‪ -‬أن من أحب المخدوم أحب‬
‫الخدمة له لو عرف العبد من يناجى لم يقبل على غيره‬
‫والصلة صلة بين العبد وبين ربه ‪ 0‬الستر الول‪ :‬الذان‬
‫كالذن في الدخول ‪ 0‬وستر التقريب القامة‪ :‬فإذا كشف‬
‫ذلك الغطاء لح للمتقي ُقرة العى فدخل في دائرة دار‬
‫المناجاة )َأرحنا بها يا بلل( فقد )جعلت قرة عيني في‬
‫الصلة( اكشف يا بلل ستر التقريب عن الحبيب ‪ 0‬يا ب ّ‬
‫طال‪:‬‬
‫لو سافرت بلدا ً لم تربح فيه حزنت على فوات ربحك وضياع‬
‫وقتك أفل يبكي من دخل في الصلة على قرة العين ثم‬
‫َ‬
‫ت من‬ ‫سُلها كالطيور ِإذا أرسل َ‬ ‫خرج بغير فائدة ‪ُ 0‬يصلي فُير ِ‬
‫ما‬
‫ب ِإذا َ‬‫طرو ِ‬‫ل ال َ‬ ‫جل ً ك ِ‬
‫مث ِ‬ ‫مسَتع ِ‬ ‫م وُيقعَد ُ ُ‬
‫حصار القفص يقو ُ‬
‫ص إخواني ل تقنعوا بالحركان فإن الله ل ينظر إلى‬ ‫َرقَ َ‬
‫صوركم ‪ 0‬يا هذا‪ :‬إنما يصاد الطائر بمحبوبه من الحب‬
‫ومحبوب القلب الطاهر ذكر الله عز وجل فحرام على قلبك‬
‫ق له حب الذكر على‬ ‫على قلبك الحائم حول جيف الهوى ال ِ‬
‫فخ الصدق في حديقة الصور لعله يقع في شبكة المعرفة ‪0‬‬
‫عد إلى ربك أيها العبد‪ :‬تناه عن قبيح فعلك قبل انبثاث جهلك‬ ‫ُ‬
‫وانظر لنفسك في أمرك قبل حلولك في قبرك ‪ 0‬كتب‬
‫الحسن إلى عمر بن عبد العزيز‪ :‬أما بعد فكأنك بالدنيا لم‬
‫تكن وبالخرة لم تزل ‪ 0‬ووعظ أعرابي ابنه فقال‪ :‬ل الدهر‬
‫يعظك ول الّيام تنذرك والساعات تعد عليك والنفاس تعد‬
‫منك أحب أمريك إليك أردهما بالمضرة عليك ‪ 0‬ووجد على‬
‫حجر مكتوب‪ :‬ابن آدم لو رأيت ما بقى من أجلك لزهدت في‬
‫صرت من‬ ‫طول أملك ولرغبت في الزيادة في عملك ولق ّ‬
‫جهلك وحيلك وإنما يلقاك ندمك إذا زلت قدمك وأسلمك‬
‫أههلك وحشمك وباعدك الولد القريب ورفضك الولد‬
‫والنسيب فل أنت إلى دنياك عائد ول في حسناتك زائد‬
‫فاعمل ليوم القيامة ‪ 0‬قبل الحسرة والندامة ‪ 0‬وقف قوم‬
‫على راهب فقالوا‪ :‬إّنا سائلوك أفمجيبنا أنت فقال‪ :‬ل تكثروا‬
‫ن النهار لم يرجع والعمر لن يعود والطالب حثيث في‬ ‫فإ ّ‬
‫طلبه ذو اجتهاد فقالوا‪ :‬ما على الخلق غدا ً عند مليكهم قال‪:‬‬
‫على نياتهم قالوا‪ :‬فأني الموئل فقال‪ :‬إلى المقدم قالوا‪:‬‬
‫فأوصنا قال‪ :‬تزودا على قدر يا هذا‪ :‬ل تجزع لرؤية ملك‬
‫الموت وائت وأنت تشاهد فيها عملك عمرك قليل وقد‬
‫ضيعت أكثره فكيف شعورك في البقية ولعل هذا اليوم الخر‬
‫والليلة الخيرة ما أرخص ما يباع عمرك وما أغفلك عن‬
‫السرى إنما المرض نهاية الصحة والفراق قرين الوصلة‬
‫ق‬
‫مَفاَر ٌ‬
‫واليام ترحل ول بد من مسة بدن والحبيب مفارِقٌ أو ُ‬
‫والمرء رهن مصائب ‪ 0‬الّيام تنقضي حتى يوارى جسمه في‬
‫رمسه فمؤجل يلقى الردى في غيره ومعجل يلقى الردى‬
‫في نفسه الدنيا لمن فهم قنطرة العبور وسوق التزود‬
‫ومتطهرة التنظيف وزرعت للحصاد فأما للعاقل فهي مفرقة‬
‫المجامع ومحزنة الربوع ومجرية الدموع من نال من دنياه‬
‫أمنيته أسقطت اليام منها اللف اطلب فيها قدر بلغتك وخذ‬
‫مقدار حاجتك خصها خصوص المسافر في طلب علف بعيره‬
‫اطلب الدنيا قدر الحاجة واطلب الخرة على حسب الطاقة‬
‫هذا ولو أنك بلغت إلى الحمى التوكل لستراح قلبك وغذاك‬
‫الله كما يغذي الطير تغدو خماصا ً وتروح بطانا ً ‪0‬‬
‫الفصل الخامس والعشرون احذر الغفلة‬
‫س‬ ‫َ‬
‫م َرب ّهِ وَن ََهى الّنف َ‬
‫مَقا َ‬
‫ف َ‬
‫خا َ‬
‫من َ‬ ‫ما َ‬‫قال الله عز وجل‪) :‬وَأ ّ‬
‫مأَوى( ‪ 0‬أحدهما‪ :‬إنه قيام العبد‬ ‫ي ال َ‬
‫ة هِ َ‬‫جن ّ َ‬ ‫وى فَإ ِ ّ‬
‫ن ال َ‬ ‫ن الهَ َ‬
‫عَ ِ‬
‫بين يدي ربه يوم الجزاء ‪ 0‬والثاني‪ :‬إنه قيام الله تعالى عباده‬
‫فأحصى ما اكتسب والمراد بالهوى ههنا ما يهوى العبد من‬
‫المحارم فيذكر مقامه للحسنات واعلم‪ :‬أن من تفكر عند‬
‫إقدامه على الخطيئة في نظر الحق إليه رده فكره خجل ً مما‬
‫هم به فالناس في ذلك على مراتب فمنهم من يتفكر عند‬
‫جولن الهم بالذنب فيستحي من مساكنة ذلك الخاطر وهذا‬
‫مقام أهل الصفا ومنهم من قويت أسباب غفلته فهو ساكن‬
‫ذلك الهم إل أنه ل يعزم عليه ومنهم من يعزم لقوة غفلته‬
‫فهو يستسقي إقدامه فيما عزم عليه ومنهم من زاد على‬
‫ذلك بمقارنته المحظور ومداناته ثم تدركه اليقظة وإنما‬
‫يكون هذا على مقدار تكاثف الغفلة وقلتها فيفكر عند‬
‫خاطره في عظمته من قد علم وعند يقظه في جلل من قد‬
‫سمع وعند فعله في عزة من قد رأى وهذا الفكر إنما نبت‬
‫عن إصرار راسخ من اليمان في القلب راعاه الحق إليه‬
‫حذار علته ومعاملة صادقة في الخلوة إل أن الغفلة عن‬
‫التذكرة والسعي على جادة الهوى غشى على القلب وران‬
‫عليه فإذا هم بخطيئة أو قاربها اقتلب مراعاة الحق إليه خذ‬
‫مراعاته بحق الحق قبل ذلك كما قال الله عز وجل‪) :‬فََلول‬
‫صاِلحًا( وكما‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫ن أُبوهُ َ‬ ‫ن( وقال‪) :‬وَ َ َ‬ ‫حي َ‬‫سب ّ ِ‬ ‫م َ‬
‫من ال ُ‬ ‫ن ِ‬‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫أن ّ ُ‬
‫جاء في الحديث‪) :‬تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في‬
‫الشدة( ‪ 0‬فما ينفر طائر قلبه من وسخ العزم على الذنب‬
‫ثم عام في بحر الحياة خجل ً مما هم به يخرج نقيا ً بعد الوسخ‬
‫طاهرا ً بعد النجس لن الصل محفوظ بالصدق ومرهون‬
‫باليمان ولول لطف الحق لكشف حجب الغفلة لبراقع الذنب‬
‫غير أنه أراه برهان الهدى فرجع وأقام له هاتف التقوى‬
‫فخشع والقلوب تحن إلى ما اعتادت وألفت وتنازع إلى ما‬
‫ى‪َ :‬بيَنما‬ ‫أب‬‫مرنت عليه وعرفت ‪ 0‬أما سمعت قول عمر بن ُ‬
‫ّ‬
‫خطرت‬ ‫َ‬ ‫ش يهوى هويا ً َ‬ ‫سراعا ً والعي ُ‬ ‫ك فالقاع ُ ِ‬ ‫ن في ولد ِ َ‬ ‫َنح ُ‬
‫َ‬
‫ت‬‫هنا فما أطقت مضيا ّ ُقل ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫من ِذكرا َ‬ ‫ب ِ‬ ‫على القل ِ‬ ‫خطَرةً َ‬
‫هم‬‫هم بعد َ ُ‬ ‫ق ِإذا دعاني لبيك وللحاديين رّدوا المطّيا أثاَر ُ‬ ‫ِ‬ ‫للشو‬
‫ُ‬
‫ب‬‫مكَتئبا ً يند ِ ُ‬ ‫ديارِ ُ‬ ‫صنعوا تخبرنا أُئنا ً ل َُهم تيعُ يا واِقفا ً بال ّ‬ ‫وما َ‬
‫من سادة‬ ‫ة ِ‬ ‫ي خالي ٌ‬ ‫الدارِ فه َ‬ ‫ملكهم ُنزعوا ادخل ِإلى‬ ‫من َ‬ ‫َقوما ً َ‬
‫ظروا َنظرة ً ول‬ ‫ضعوا ِإذا تَأملت ُُهم كأ َن َُهم ما ن َ َ‬ ‫في الُتراب َقد و َ‬
‫سمعوا ول جرى بينهم مذاكرة ول لنصر سعوا ول نفعوا كانوا‬
‫جعوا تم كتابة‬ ‫كركب خطور رحالهم فما اسَتراحوا حَتى َلها ر َ‬
‫الياقوتة عل التمام والكمال والحمد له وحده وصلى الله‬
‫على سيدنا محمد وآله وسلم‬
‫تم نسخه من موقع نداء اليمان‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬

You might also like