You are on page 1of 159

‫*‪*1‬الجزء ‪ 14‬من الطبعة‬

‫*‪*2‬سورة الروم‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 - 1 :‬الم‪ ،‬غلبت الروم‪ ،‬في أدنى الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون‪ ،‬في بضع‬
‫سنين ل المر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون‪ ،‬بنصر ال ينصر من يشاء وهو العزيز‬
‫الرحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الم‪ .‬غلبت الروم‪ .‬في أدنى الرض" روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال‪:‬‬
‫لمفا كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجفب ذلك المؤمنيفن فنزلت‪" :‬الم‪ .‬غلبفت الروم‪ .‬ففي‬
‫أدنففى الرض ‪ -‬إلى قول ‪ -‬يفرح المؤمنون‪ .‬بنصففر ال"‪ .‬قال‪ :‬ففرح المؤمنون بظهور الروم على‬
‫فارس‪ .‬قال‪ :‬هذا حديث غريب من هذا الوجه‪ .‬هكذا قرأ نصر بن علي الجهضمي "غلبت الروم"‪.‬‬
‫ورواه أيضفا مفن حديفث ابفن عباس بأتفم منفه‪ .‬قال ابفن عباس ففي قول ال عفز وجفل‪" :‬الم‪ .‬غلبفت‬
‫الروم‪ .‬ففي أدنفى الرض" قال‪ :‬غلبفت وغلبفت‪ ،‬قال‪ :‬كان المشركون يحبون أن يظهفر أهفل فارس‬
‫على الروم لنهففم وإياهففم أهففل أوثان‪ ،‬وكان المسففلمون يحبون أن تظهففر الروم على فارس لنهففم‬
‫أهفل كتاب؛ فذكروه لبفي بكفر فذكره أبفو بكفر لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فقال‪( :‬أمفا إنهفم‬
‫سيغلبون) فذكره أبو بكر لهم فقالوا‪ :‬اجعل بيننا وبينك أجل‪ ،‬فإن ظهرنا كان لنا كذا‪ ،‬وإن ظهرتم‬
‫كان لكفم كذا وكذا فجعفل أجفل خمفس سفنين‪ ،‬فلم يظهروا؛ فذكفر ذلك للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫فقال‪( :‬أل جعلته إلى دون) ‪ -‬أراه قال العشر ‪ -‬قال قال أبو سعيد‪ :‬والبضع ما دون العشرة‪ .‬قال‪ :‬ثم‬
‫ظهرت الروم بعفد‪ ،‬قال‪ :‬فذلك قوله "الم‪ .‬غلبفت الروم ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬ويومئذ يفرح المؤمنون‪ .‬بنصفر‬
‫ال"‪ .‬قال سففيان‪ :‬سفمعت أنهفم ظهروا عليهفم يوم بدر‪ .‬قال أبفو عيسفى‪ :‬هذا حديفث حسفن صفحيح‬
‫غريففب‪ .‬ورواه أيضففا عففن نيار بففن مكرم السففلمي قال‪ :‬لمففا نزلت "الم‪ .‬غلبففت الروم‪ .‬فففي أدنففى‬
‫الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون‪ .‬في بضع سنين" وكانت فارس يوم نزلت هذه الية قاهرين‬
‫للروم‪ ،‬وكان المسفلمون يحبون ظهور الروم عليهفم لنهفم وإياهفم أهفل كتاب‪ ،‬وففي ذلك نزل قول‬
‫ال تعالى‪" :‬ويومئذ يفرح المؤمنون‪ .‬بنصففر ال ينصففر مففن يشاء وهففو العزيففز الرحيففم" وكانففت‬
‫قريش تحب ظهور فارس لنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ول إيمان ببعث‪ ،‬فلما أنزل ال هذه الية‬
‫خرج أبو بكر الصديق رضي ال عنه يصيح في نواحي مكة‪" :‬الم‪ .‬غلبت الروم‪ .‬في أدنى الرض‬
‫وهم من بعد غلبهم سيغلبون‪ .‬في بضع سنين"‪ .‬قال ناس من قريش لبي بكر‪ :‬فذلك بيننا وبينكم‪،‬‬
‫زعفم صفاحبك أن الروم سفتغلب فارس ففي بضفع سفنين‪ ،‬أفل نراهنفك على ذلك؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬وذلك‬
‫قبفل تحريفم الرهان‪ ،‬فارتهفن أبفو بكفر والمشركون وتواضعوا الرهان‪ .‬وقالوا لبفي بكفر‪ :‬كفم تجعفل‬
‫البضع؟ ثلث سنين أو تسع سنين؟ فسم بيننا وبينك وسطا تنتهي إليه؛ قال فسموا بينهم ست سنين؛‬
‫قال‪ :‬فمضفت السفت سفنين قبفل أن يظهروا‪ ،‬فأخفذ المشركون رهفن أبفي بكففر‪ ،‬فلمفا دخلت السفنة‬
‫السابعة ظهرت الروم على فارس‪ ،‬فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين‪ ،‬قال‪ :‬لن ال‬
‫تعالى قال "ففي بضفع سفنين" قال‪ :‬وأسفلم عنفد ذلك ناس كثيفر‪ .‬قال أبفو عيسفى‪ :‬هذا حديفث حسفن‬
‫صحيح غريب‪ .‬وروى القشيري وابن عطية وغيرهما‪ :‬أنه لما نزلت اليات خرج أبو بكر بها إلى‬
‫المشركيفن فقال‪ :‬أسفركم أن غَلبفت الروم؟ فإن نبينفا أخبرنفا عفن ال تعالى أنهفم سفيغلبون ففي بضفع‬
‫سنين‪ .‬فقال له أبي بن خلف وأمية أخوه ‪ -‬وقيل أبو سفيان بن حرب ‪ : -‬يا أبا فصيل ‪ -‬يعرضون‬
‫بكنيته يا أبا بكر ‪ -‬فلنتناحب ‪ -‬أي نتراهن في ذلك فراهنهم أبو بكر‪ .‬قال قتادة‪ :‬وذلك قبل أن يحرم‬
‫القمار‪ ،‬وجعلوا الرهان خمس قلئص والجل ثلث سنين‪ .‬وقيل‪ :‬جعلوا الرهان ثلث قلئص‪ .‬ثم‬
‫أتفى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فأخفبره فقال‪( :‬فهل احتطفت‪ ،‬فإن البضفع مفا بيفن الثلث والتسفع‬
‫والعشر ولكن ارجع فزدهم في الرهان واستزدهم في الجل) ففعل أبو بكر‪ ،‬فجعلوا القلئص مائة‬
‫والجففل تسففعة أعوام؛ فغلبففت الروم فففي أثناء الجففل‪ .‬وقال الشعففبي‪ :‬فظهروا فففي تسففع سففنين‪.‬‬
‫القشيري‪ :‬المشهور ففي الروايات أن ظهور الروم كان ففي السفابعة مفن غلبفة فارس للروم‪ ،‬ولعفل‬
‫روايفة الشعفبي تصفحيف مفن السفبع إلى التسفع مفن بعفض النقلة‪ .‬وففي بعفض الروايات‪ :‬أنفه جعفل‬
‫القلئص سبعا إلى تسع سنين‪ .‬ويقال‪ :‬إنه آخر فتوح كسرى أبرويز فتح فيه القسطنطينية حتى بنى‬
‫فيها بيت النار؛ فأخبر رسول ال صلى ال عليه وسلم فساءه ذلك‪ ،‬فأنزل ال تعالى هاتين اليتين‪.‬‬
‫وحكى النقاش وغيره‪ :‬أن أبا بكر الصديق رضي ال عنه لما أراد الهجرة مع النبي صلى ال عليه‬
‫وسفلم تعلق بفه أبفي بفن خلف وقال له‪ :‬أعطنفي كفيل بالخطفر إن غلبفت؛ فكففل بفه ابنفه عبدالرحمفن‪،‬‬
‫فلما أراد أبي الخروج إلى أحد طلبه عبدالرحمن بالكفيل فأعطاه كفيل‪ ،‬ثم مات أبي بمكة من جرح‬
‫جرحه النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية على رأس تسع سنين‬
‫من مناحبتهم‪ .‬وقال الشعبي‪ :‬لم تمض تلك المدة حتى غلبت الروم فارس؛ وربطوا خيلهم بالمدائن‪،‬‬
‫وبنوا رومية؛ فقمر أبو بكر أبيا وأخذ مال الخطر من ورثته‪ ،‬فقال له النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(تصدق به) فتصدق به‪.‬‬
‫وقال المفسفرون‪ :‬إن سبب غلبة الروم فارس امرأة كانت في فارس ل تلد إل الملوك والبطال‪،‬‬
‫فقال لها كسرى‪ :‬أريد أن أستعمل أحد بنيك على جيش أجهزه إلى الروم؛ فقالت‪ :‬هذا هرمز أروع‬
‫مفن ثعلب وأحذر مفن صفقر‪ ،‬وهذا فرخان أحفد مفن سفنان وأنففذ مفن نبفل‪ ،‬وهذا شهفر بزان أحلم مفن‬
‫كذا‪ ،‬فاختر؛ قال فاختار الحليم ووله‪ ،‬فسار إلى الروم بأهل فارس فظهر على الروم‪ .‬قال عكرمة‬
‫وغيره‪ :‬إن شهففر بزان لمففا غلب الروم خرب ديارهففا حتففى بلغ الخليففج‪ ،‬فقال أخوه فرخان‪ :‬لقففد‬
‫رأيتني جالسا على سرير كسرى؛ فكتب كسرى إلى شهر بزان أرسل إلي برأس فرخان فلم يفعل؛‬
‫فكتفب كسفرى إلى فارس‪ :‬إنفي قفد اسفتعملت عليكفم فرخان وعزلت شهفر بزان‪ ،‬وكتفب إلى فرخان‬
‫إذا ولي أن يقتل شهر بزان؛ فأراد فرّخان قتل شهر بزان فأخرج له شهر بزان ثلث صحائف من‬
‫كسرى يأمره بقتل فرخان‪ ،‬فقال شهر بزان لفرخان‪ :‬إن كسرى كتب إلي أن أقتلك ثلث صحائف‬
‫وراجعتفه أبدا ففي أمرك‪ ،‬أفتقتلنفي أنفت بكتاب واحفد؟ فرد الملك إلى أخيفه‪ ،‬وكتفب شهفر بزان إلى‬
‫قيصفر ملك الروم فتعاونفا على كسفرى‪ ،‬فغلبفت الروم فارس ومات كسفرى‪ .‬وجاء الخفبر إلى النفبي‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم يوم الحديبيفة ففرح مفن معفه مفن المسفلمين؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬الم‪ .‬غلبفت‬
‫الروم‪ .‬في أدنى الرض" يعني أرض الشام‪ .‬عكرمة‪ :‬بأذرعات‪ ،‬وهي ما بين بلد العرب والشام‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن قيصر كان بعث رجل يدعى يحنس وبعث كسرى شهر بزان فالتقيا بأذرعات وبصرى‬
‫وهففي أدنففى بلد الشام إلى أرض العرب والعجففم‪ .‬مجاهففد‪ :‬بالجزيرة‪ ،‬وهففو موضففع بيففن العراق‬
‫والشام‪ .‬مقاتففل‪ :‬بالردن وفلسففطين‪ .‬و"أدنففى" معناه أقرب‪ .‬قال ابففن عطيففة‪ :‬فإن كانففت الواقعففة‬
‫بأذرعات فهي من أدنى الرض بالقياس إلى مكة‪ ،‬وهي التي ذكرها امرؤ القيس في قوله‪:‬‬
‫بيثرب أدنى دارها نظر عال‬ ‫تنورتها من أذرعات وأهلها‬
‫وإن كانفت الواقعفة بالجزيرة فهفي أدنفى بالقياس إلى أرض كسفرى‪ ،‬وإن كانفت بالردن فهفي أدنفى‬
‫إلى أرض الروم‪ .‬فلمففا طرأ ذلك وغُلبففت الروم سففر الكفار فبشففر ال عباده بأن الروم سففيغلبون‬
‫وتكون الدولة لهم في الحرب‪.‬‬
‫وقفد مضفى الكلم ففي فواتفح السفور‪ .‬وقرأ أبفو سفعيد الخدري وعلي بفن أبفي طالب ومعاويفة بفن‬
‫قرة "غَلَبفت الروم" بفتفح الغيفن واللم‪ .‬وتأويفل ذلك أن الذي طرأ يوم بدر إنمفا كانفت الروم غلبفت‬
‫فعفز ذلك على كفار قريفش وسفر بذلك المسفلمون‪ ،‬فبشفر ال تعالى عباده أنهفم سفيغلبون أيضفا ففي‬
‫بضفع سفنين؛ ذكفر هذا التأويفل أبفو حاتفم‪ .‬قال أبفو جعففر النحاس‪ :‬قراءة أكثفر الناس "غلبفت الروم"‬
‫بضم العين وكسر اللم‪ .‬وروي عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري أنهما قرأ "غَلَبت الروم" وقرأ‬
‫"سفيُغلبون"‪ .‬وحكفى أبو حاتفم أن عصفمة روى عن هارون‪ :‬أن هذه قراءة أهفل الشام؛ وأحمفد بن‬
‫حنبفل يقول‪ :‬إن عصفمة هذا ضعيفف‪ ،‬وأبفو حاتفم كثيفر الحكايفة عنفه‪ ،‬والحديفث يدل على أن القراءة‬
‫"غُلبت" بضم الغين‪ ،‬وكان في هذا الخبار دليل على نبوة محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لن الروم‬
‫غلبتهفا فارس‪ ،‬فأخفبر ال عفز وجفل نفبيه محمدا صفلى ال عليفه وسفلم أن الروم سفتغلب فارس ففي‬
‫بضفع سفنين‪ ،‬وأن المؤمنيفن يفرحون بذلك‪ ،‬لن الروم أهفل كتاب‪ ،‬فكان هذا مفن علم الغيفب الذي‬
‫أخففبر ال عففز وجففل بففه ممففا لم يكففن علموه‪ ،‬وأمففر أبففا بكففر أن يراهنهففم على ذلك وأن يبالغ فففي‬
‫الرهان‪ ،‬ثفم حرم الرهان بعفد ونسفخ بتحريفم القمار‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬والقراءة بضفم الغيفن أصفح‪،‬‬
‫وأجمع الناس على "سفيغلبون" أنه بفتح الياء‪ ،‬يراد به الروم‪ .‬ويروى عن ابن عمر أنفه قرأ أيضا‬
‫بضففم الياء فففي "سففيغلبون"‪ ،‬وفففي هذه القراءة قلب للمعنففى الذي تظاهرت الروايات بففه‪ .‬قال أبففو‬
‫جعفر النحاس‪ :‬ومن قفر "سفيغلبون" فالمعنفى عنده‪ :‬وفارس من بعد غلبهم‪ ،‬أي من بعفد أن غلبوا‪،‬‬
‫سفيغلبون‪ .‬وروي أن إيقاع الروم بالفرس كان يوم بدر؛ كمفا ففي حديفث أبفي سفعيد الخدري حديفث‬
‫الترمذي‪ ،‬وروي أن ذلك كان يوم الحديبيففة‪ ،‬وأن الخففبر وصففل يوم بيعففة الرضوان؛ قاله عكرمففة‬
‫وقتادة‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وففي كل اليوميفن كان نصفر مفن ال للمؤمنيفن‪ .‬وقفد ذكفر الناس أن سفبب‬
‫سرور المسلمين بغلبة الروم وهمهم أن تغلب إنما هو أن الروم أهل كتاب كالمسلمين‪ ،‬وفارس من‬
‫أهل الوثان؛ كما تقدم بيانه في الحديث‪ .‬قال النحاس‪ :‬وقول آخر وهو أولى ‪ -‬أن فرحهم إنما كان‬
‫لنجاز وعفد ال تعالى؛ إذ كان فيفه دليفل على النبوة لنفه أخفبر تبارك وتعالى بمفا يكون ففي بضفع‬
‫سفنين فكان فيفه‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬ويشبفه أن يعلل ذلك بمفا يقتضيفه النظفر مفن محبفة أن يغلب العدو‬
‫الصفغر لنفه أيسفر مؤونفة‪ ،‬ومتفى غلب الكفبر كثفر الخوف منفه؛ فتأمفل هذا المعنفى‪ ،‬مفع مفا كان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ترجاه من ظهور دينه وشرع ال الذي بعثه به وغلبته على المم‪،‬‬
‫وإرادة كفار مكفة أن يرميفه ال بملك يسفتأصله ويريحهفم منفه‪ .‬وقيفل‪ :‬سفرورهم إنمفا كان بنصفر‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم على المشركيفن؛ لن جبريفل أخفبر بذلك النفبي عليفه السفلم يوم‬
‫بدر؛ حكاه القشيري‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويحتمفل أن يكون سفرورهم بالمجموع مفن ذلك‪ ،‬فسفروا بظهورهفم على عدوهفم وبظهور‬
‫الروم أيضا وبإنجاز وعد ال‪ .‬وقرأ أبو حيوة الشامي ومحمد بن السميقع "من بعد غلبهم" بسكون‬
‫اللم‪ ،‬وهمفا لغتان؛ مثفل الظعفن والظعفن‪ .‬وزعفم الفراء أن الصفل "مفن بعفد غلبتهفم" فحذففت التاء‬
‫كما حذفت في قوله عز وجل "وإقام الصلة" وأصله وإقامة الصلة‪ .‬قال النحاس‪" :‬وهذا غلط ل‬
‫يخيفل على كثيفر مفن أهفل النحفو؛ لن "إقام الصفلة" مصفدر قفد حذف منفه لعتلل فعله‪ ،‬فجعلت‬
‫التاء عوضا من المحذوف‪ ،‬و"غلب" ليس بمعتل ول حذف منه شيء‪ .‬وقد حكى الصمعي‪ :‬طرد‬
‫طردا‪ ،‬وجلب جلبا‪ ،‬وحلب حلبا‪ ،‬وغلب غلبا؛ فأي حذف في هذا‪ ،‬وهل يجوز أن يقال في أكل أكل‬
‫ومففا أشبهففه ‪ : -‬حذف منففه" ؟‪" .‬فففي بضففع سففنين" حذفففت الهاء مففن "بضففع" فرقففا بيففن المذكففر‬
‫والمؤنفث‪ ،‬وقفد مضفى الكلم فيفه ففي "يوسفف"‪ .‬وفتحفت النون مفن "سفنين" لنفه جمفع مسفلم‪ .‬ومفن‬
‫العرب مفن يقول "ففي بضفع سفنين" كمفا يقول ففي "غسفلين"‪ .‬وجاز أن يجمفع سفنة جمفع مفن يعقفل‬
‫بالواو والنون والياء والنون‪ ،‬لنفه قفد حذف منهفا شيفء فجعفل هذا الجمفع عوضفا مفن النقفص الذي‬
‫في واحده؛ لن أصل "سنة" سنهة أو سنوة‪ ،‬وكسرت السين منه دللة على أن جمعه‪ .‬خارج عن‬
‫قياسه ونمطه؛ هذا قول البصريين‪ .‬ويلزم الفراء أن يضمها لنه يقول‪ :‬الضمة دليل على الواو وقد‬
‫حذف من سنة واو في أحد القولين‪ ،‬ول يضمها أحد علمناه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل المفر مفن قبفل ومفن بعفد" أخفبر تعالى بانفراده بالقدرة وأن مفا ففي العالم مفن‬
‫غلبة وغيرها إنما هي منه وبإرادته وقدرته فقال "ل المر" أي إنفاذ الحكام‪.‬‬
‫"من قبل ومن بعد" أي من قبل هذه الغلبة ومن بعدها‪ .‬وقيل‪ :‬من قبل كل شيء ومن بعد كل‬
‫شيء‪ .‬و"من قبل ومن بعد" ظرفان بنيا على الضم؛ لنهما تعرفا بحذف ما أضيفا إليهما وصارا‬
‫متضمنيفن مفا حذف فخالففا تعريفف السفماء وأشبهفا الحروف ففي التضميفن فبنِيفا‪ ،‬وخصفا بالضفم‬
‫لشبههمفا بالمنادى المفرد ففي أنفه إذا نكفر وأضيفف زال بناؤه‪ ،‬وكذلك همفا فضمفا‪ .‬ويقال‪" :‬مفن قبفل‬
‫ومفن بعفد"‪ .‬وحكفى الكسفائي عفن بعفض بنفي أسفد "ل المفر مفن قبفل ومفن بعفد" الول مخفوض‬
‫منون‪ ،‬والثانفي مضموم بل تنويفن‪ .‬وحكفى الفراء "مفن قبفل ومفن بعفد" مخفوضيفن بغيفر تنويفن‪.‬‬
‫وأنكره النحاس ورده‪ .‬وقال الفراء فففي كتابفه‪ :‬فففي القرآن أشياء كثيرة‪ ،‬الغلط فيهفا بيفن‪ ،‬منهففا أنفه‬
‫زعفم أنفه يجوز "مفن قبفل ومفن بعفد" وإنمفا يجوز "مفن قبفل ومفن بعفد" على أنهمفا نكرتان‪ .‬قال‬
‫الزجاج‪ :‬المعنفى مفن متقدم ومفن متأخفر‪" .‬ويومئذ يفرح المؤمنون‪ .‬بنصفر ال" تقدم ذكره‪" .‬ينصفر‬
‫مفن يشاء" يعنفي مفن أوليائه؛ لن نصفره مختفص بغلبفة أوليائه لعدائه‪ ،‬فأمفا غلبفة أعدائه لوليائه‬
‫فليس بنصره‪ ،‬وإنما هو ابتلء وقد يسمى ظفرا‪" .‬وهو العزيز" في نقمته "الرحيم" لهل طاعته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 - 6 :‬وعد ال ل يخلف ال وعده ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪ ،‬يعلمون ظاهرا من‬
‫الحياة الدنيا وهم عن الخرة هم غافلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعفد ال ل يخلف ال وعده" لن كلمفه صفدق‪" .‬ولكفن أكثفر الناس ل يعلمون"‬
‫وهفم الكفار وهفم أكثفر‪ .‬وقيفل‪ :‬المراد مشركفو مكفة‪ .‬وانتصفب "وعفد ال" على المصفدر؛ أي وعفد‬
‫ذلك وعدا‪ .‬ثففم بيففن تعالى مقدار مففا يعلمون فقال‪":‬يعلمون ظاهرا مففن الحياة الدنيففا" يعنففي أمففر‬
‫معايشهم ودنياهم‪ :‬متى يزرعون ومتى يحصدون‪ ،‬وكيف يغرسون وكيف يبنون؛ قاله ابن عباس‬
‫وعكرمة وقتادة‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬هو بنيان قصورها‪ ،‬وتشقيق أنهارها وغرس أشجارها؛ والمعنى‬
‫واحد‪ .‬وقيل‪ :‬هو ما تلقيه الشياطين إليهم من أمور الدنيا عند استراقهم السمع من سماء الدنيا؛ قاله‬
‫سعيد بن جبير‪ .‬وقيل‪ :‬الظاهر والباطن؛ كما قال في موضع آخر "أم بظاهر من القول" [الرعد‪:‬‬
‫‪.]33‬‬
‫قلت‪ :‬وقول ابن عباس أشبه بظاهر الحياة الدنيا‪ ،‬حتى لقد قال الحسن‪ :‬بلغ وال من علم أحدهم‬
‫بالدنيا أنه ينقد الدرهم فيخبرك بوزنه ول يحسن أن يصلي‪ .‬وقال أبو العباس المبرد‪ :‬قسم كسرى‬
‫أيامفه فقال‪ :‬يصفلح يوم الريفح للنوم‪ ،‬ويوم الغيفم للصفيد‪ ،‬ويوم المطفر للشرب واللهفو‪ ،‬ويوم الشمفس‬
‫للحوائج‪ .‬قال ابفن خالويفه‪ :‬مفا كان أعرفهفم بسفياسة دنياهفم‪ ،‬يعلمون ظاهرا مفن الحياة الدنيفا‪" .‬وهفم‬
‫عن الخرة" أي عن العلم بها والعمل لها "هم غافلون" قال بعضهم‪:‬‬
‫في صورة الرجل السميع المبصر‬ ‫ومن البلية أن ترى لك صاحبا‬
‫وإذا يصاب بدينه لم يشعر‬ ‫ن بكل مصيبة في ماله‬‫فط ٍ‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 8 :‬أولم يتفكروا ففي أنفسفهم مفا خلق ال السفماوات والرض ومفا بينهمفا إل بالحفق‬
‫وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فففي أنفسففهم" ظرف للتفكيففر وليففس بمفعول‪ ،‬تعدى إليففه "يتفكروا" بحرف جففر؛‬
‫لنهفم لم يؤمروا أن يتفكروا ففي خلق أنفسفهم‪ ،‬إنمفا أمروا أن يسفتعملوا التفكفر ففي خلق السفموات‬
‫والرض وأنفسففهم‪ ،‬حتففى يعلموا أن ال لم يخلق السففموات وغيرهففا إل بالحففق‪ .‬قال الزجاج‪ :‬فففي‬
‫الكلم حذف‪ ،‬أي فيعلموا؛ لن فففي الكلم دليل عليففه‪" .‬إل بالحففق" قال الفراء‪ :‬معناه إل للحففق؛‬
‫يعنفي الثواب والعقاب‪ .‬وقيفل‪ :‬إل لقامفة الحفق‪ .‬وقيفل‪" :‬بالحفق" بالعدل‪ .‬وقيفل‪ :‬بالحكمفة؛ والمعنفى‬
‫متقارب‪ .‬وقيل‪" :‬بالحق" أي أنه هو الحق وللحق خلقها‪ ،‬وهو الدللة على توحيده وقدرته‪" .‬وأجل‬
‫مسففمى" أي للسففموات والرض أجففل ينتهيان إليففه وهففو يوم القيامففة‪ .‬وفففي هذا تنففبيه على الفناء‪،‬‬
‫وعلى أن لكففل مخلوق أجل‪ ،‬وعلى ثواب المحسففن وعقاب المسففيء‪ .‬وقيففل‪" :‬وأجففل مسففمى" أي‬
‫خلق ما خلق في وقت سماه لن يخلق ذلك الشيء فيه‪" .‬وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون"‬
‫اللم للتوكيففد‪ ،‬والتقديففر‪ :‬لكافرون بلقاء ربهففم‪ ،‬على التقديففم والتأخيففر؛ أي لكافرون بالبعففث بعففد‬
‫الموت‪ .‬وتقول‪ :‬إن زيدا فففي الدار لجالس‪ .‬ولو قلت‪ :‬إن زيدا لفففي الدار لجالس جاز‪ .‬فإن قلت‪ :‬إن‬
‫زيدا جالس لفي الدار لم يجز؛ لن اللم إنما يؤتى بها توكيدا لسم إن وخبرها‪ ،‬وإذا جئت بهما لم‬
‫يجز أن تأتي بها‪ .‬وكذا إن قلت‪ :‬إن زيدا لجالس لفي الدار لم يجز‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬أولم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم‬
‫قوة وأثاروا الرض وعمروهفا أكثفر ممفا عمروهفا وجاءتهفم رسفلهم بالبينات فمفا كان ال ليظلمهفم‬
‫ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولم يسفيروا ففي الرض فينظروا" ببصفائرهم وقلوبهفم‪" .‬كيفف كان عاقبفة الذيفن‬
‫مفن قبلهفم كانوا أشفد منهفم قوة وأثاروا الرض" أي قلبوهفا للزراعفة؛ لن أهفل مكفة لم يكونوا أهفل‬
‫حرث؛ قال ال تعالى‪" :‬تثيفففر الرض" [البقرة‪" .]71 :‬وعمروهفففا أكثفففر ممفففا عمروهفففا" أي‬
‫وعمروها أولئك أكثر مما عمروها هؤلء فلم تنفعهم عمارتهم ول طول مدتهم‪" .‬وجاءتهم رسلهم‬
‫بالبينات" أي بالمعجزات‪ .‬وقيفل‪ :‬بالحكام فكفروا ولم يؤمنوا‪" .‬فمفا كان ال ليظلمهفم" بأن أهلكهفم‬
‫بغير ذنب ول رسل ول حجة‪" .‬ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" بالشرك والعصيان‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات ال وكانوا بها يستهزئون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى" السوأى فعلى من السوء تأنيث السوأ وهو‬
‫القبفح‪ ،‬كمفا أن الحسفنى تأنيفث الحسفن‪ ،‬وقيفل‪ :‬يعنفي بهفا هفا هنفا النار؛ قاله ابفن عباس‪ .‬ومعنفى‬
‫"أسفاؤوا" أشركوا؛ دل عليفه "أن كذبوا بآيات ال"‪" .‬السفوأى"‪ :‬اسفم جهنفم؛ كمفا أن الحسفنى اسفم‬
‫الجنفة‪ .‬وقرأ ناففع وابفن كثيفر وأبفو عمرو "ثفم كان عاقبفة الذيفن" بالرففع اسفم كان‪ ،‬وذكرت لن‬
‫تأنيثها غير حقيقي‪ .‬و"السوأى" خبر كان‪ .‬والباقون بالنصب على خبر كان‪" .‬السوأى" بالرفع اسم‬
‫كان‪ .‬ويجوز أن يكون اسمها التكذيب؛ فيكون التقدير‪ :‬ثم كان التكذيب عاقبة الذين أساؤوا ويكون‬
‫السفوأى مصفدرا لسفاؤوا‪ ،‬أو صففة لمحذوف؛ أي الخلة السفوأى‪ .‬وروي عفن العمفش أنفه قرأ "ثفم‬
‫كان عاقبة الذين أساؤوا السوء" برفع السوء‪ .‬قال النحاس‪ :‬السوء أشد الشر؛ والسوأى الفعلى منه‪.‬‬
‫"أن كذبوا بآيات ال" أي لن كذبوا؛ قاله الكسائي‪ .‬وقيل‪ :‬بأن كذبوا‪ .‬وقيل بمحمفد والقرآن؛ قاله‬
‫الكلبي‪ .‬مقاتل‪ :‬بالعذاب أن ينزل بهم‪ .‬الضحاك‪ :‬بمعجزات محمد صلى ال عليه وسلم "وكانوا بها‬
‫يستهزئون"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 13 - 11 :‬ال يبدأ الخلق ثفم يعيده ثفم إليفه ترجعون‪ ،‬ويوم تقوم السفاعة يبلس‬
‫المجرمون‪ ،‬ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين}‬
‫@ قرأ أبففو عمرو وأبففو بكففر "يرجعون" بالياء‪ .‬الباقون بالتاء‪" .‬ويوم تقوم السففاعة يبلس‬
‫المجرمون" وقرأ أبفو عبدالرحمفن السفلمي "يبلس" بفتفح اللم؛ والمعروف ففي اللغفة‪ :‬أبلس الرجفل‬
‫إذا سكت وانقطعت حجته‪ ،‬ولم يؤمل أن يكون له حجة‪ .‬وقريب منه‪ :‬تحير؛ كما قال العجاج‪:‬‬
‫قال نعم أعرفه وأبلسا‬ ‫يا صاح هل تعرف رسما مكرسا‬
‫وقفد زعفم بعفض النحوييفن أن إبليفس مشتفق مفن هذا‪ ،‬وأنفه أبلس لنفه انقطعفت حجتفه‪ .‬النحاس‪ :‬ولو‬
‫كان كمففا قال لوجففب أن ينصففرف‪ ،‬وهففو فففي القرآن غيففر منصففرف‪ .‬الزجاج‪ :‬المبلس السففاكت‬
‫المنقطع في حجته‪ ،‬اليائس من أن يهتدي إليها‪" .‬ولم يكن لهم من شركائهم" أي ما عبدوه من دون‬
‫ال "شفعاء وكانوا بشركائهفم كافريفن" قالوا ليسفوا بآلهفة فتفبرؤوا منهفا وتفبرأت منهفم؛ حسفبما تقدم‬
‫في غير موضع‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 15 - 14 :‬ويوم تقوم السفاعة يومئذ يتفرقون‪ ،‬فأمفا الذيفن آمنوا وعملوا الصففالحات‬
‫فهم في روضة يحبرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم تقوم السفاعة يومئذ يتفرقون" يعنفي المؤمنيفن مفن الكافريفن؛ ثفم بيفن كيفف‬
‫تفريقهفم فقال‪" :‬فأمفا الذيفن آمنوا" قال النحاس‪ :‬سفمعت الزجاج يقول‪ :‬معنفى "أمفا" دع مفا كنفا فيفه‬
‫وخذ في غيره‪ .‬وكذا قال سيبويه‪ :‬إن معناها مهما كنا في شيء فخذ في غير ما كنا فيه‪" .‬فهم في‬
‫روضفة يحفبرون" قال الضحاك‪ :‬الروضفة الجنفة‪ ،‬والرياض الجنان‪ .‬وقال أبفو عبيفد‪ :‬الروضفة مفا‬
‫كان ففي تسففل‪ ،‬فإذا كانفت مرتفعفة فهفي ترعفة‪ .‬وقال غيره‪ :‬أحسفن مفا تكون الروضفة إذا كانفت ففي‬
‫موضع مرتفع غليظ؛ كما قال العشى‪:‬‬
‫خضراء جاد عليها مسبل هطل‬ ‫ما روضة من رياض الحزن معشبة‬
‫مؤزر بعميم النبت مكتهل‬ ‫يضاحك الشمس منها كوكب شرق‬
‫ول بأحسن منها إذ دنا الصل‬ ‫يوما بأطيب منها نشر رائحة‬
‫إل أنفه ل يقال لهفا روضفة إل إذا كان فيهفا نبفت‪ ،‬فإن لم يكفن فيهفا نبفت وكانفت مرتفعفة فهفي ترعفة‪.‬‬
‫وقفد قيفل ففي الترعفة غيفر هذا‪ .‬وقال القشيري‪ :‬والروضفة عنفد العرب مفا ينبفت حول الغديفر مفن‬
‫البقول؛ ولم يكن عند العرب شيء أحسن منه‪ .‬الجوهري‪ :‬والجمع روض ورياض‪ ،‬صارت الواو‬
‫ياء لكسر ما قبلها‪ .‬والروض‪ :‬نحو من نصف القربة ماء‪ .‬وفي الحوض روضة من ماء إذا غطى‬
‫أسفله‪ .‬وأنشد أبو عمرو‪:‬‬
‫وروضة سقيت منها نِضوتي‬
‫"يحفبرون" قال الضحاك وابفن عباس‪ :‬يكرمون‪ .‬وقيفل ينعمون؛ وقاله مجاهفد وقتادة‪ .‬وقيفل‬
‫يسفففرون‪ .‬السفففدي‪ :‬يفرحون‪ .‬والحفففبرة عنفففد العرب‪ :‬السفففرور والفرح؛ ذكره الماوردي‪ .‬وقال‬
‫الجوهري‪ :‬الحفبر‪ :‬الحبور وهفو السفرور؛ ويقال‪ :‬حفبره يحفبره (بالضفم) حفبرا وحفبرة؛ قال تعالى‪:‬‬
‫"فهفم ففي روضفة يحفبرون" أي ينعمون ويكرمون ويسفرون‪ .‬ورجفل يحبور يفعول مفن الحبور‪.‬‬
‫النحاس‪ :‬وحكى الكسائي حبرته أي أكرمته ونعمته‪ .‬وسمعت علي بن سليمان يقول‪ :‬هو مشتق من‬
‫قولهم‪ :‬على أسنانه حبرة أي أثر؛ فف "يحبرون" يتبين عليهم أثر النعيم‪ .‬والحبر مشتق من هذا‪ .‬قال‬
‫الشاعففر‪ :‬ل تمل الدلو وعرق فيهففا أمففا ترى حبار مففن يسففقيها وقيففل‪ :‬أصففله مففن التحففبير وهففو‬
‫التحسفين؛ ففف "يحفبرون" يحسفنون‪ .‬يقال‪ :‬فلن حسفن الحفبر والسفبر إذا كان جميل حسفن الهيئة‪.‬‬
‫ويقال أيضا‪ :‬فلن حسن الحبر والسبر (بالفتح)؛ وهذا كأنه مصدر قولك‪ :‬حبرته حبرا إذا حسنته‪.‬‬
‫والول اسفم؛ ومنفه الحديفث‪( :‬يخرج رجفل مفن النار ذهفب حفبره وسفبره) وقال يحيفى بفن أبفي كثيفر‬
‫"ففي روضفة يحفبرون" قال‪ :‬السفماع ففي الجنفة؛ وقاله الوزاعفي‪ ،‬قال‪ :‬إذا أخفذ أهفل الجنفة ففي‬
‫السماع لم تبق شجرة في الجنة إل رددت الغناء بالتسبيح والتقديس‪ .‬وقال الوزاعي‪ :‬ليس أحد من‬
‫خلق ال أحسفن صفوتا مفن إسفرافيل‪ ،‬فإذا أخفذ ففي السفماع قطفع على أهفل سفبع سفموات صفلتهم‬
‫وتسفبيحهم‪ .‬زاد غيفر الوزاعفي‪ :‬ولم تبفق شجرة ففي الجنفة إل رددت‪ ،‬ولم يبفق سفتر ول باب إل‬
‫ارتج وانفتح‪ ،‬ولم تبق حلقة إل طنت بألوان طنينها‪ ،‬ولم تبق أجمة من أجام الذهب إل وقع أهبوب‬
‫الصوت في مقاصبها فزمرت تلك المقاصب بفنون الزمر‪ ،‬ولم تبق جارية من جوار الحور العين‬
‫إل غنت بأغانيها‪ ،‬والطير بألحانها‪ ،‬ويوحي ال تبارك وتعالى إلى الملئكة أن جاوبوهم وأسمعوا‬
‫عبادي الذيفن نزهوا أسفماعهم عفن مزاميفر الشيطان فيجاوبون بألحان وأصفوات روحانييفن فتختلط‬
‫هذه الصوات فتصير رجة واحدة‪ ،‬ثم يقول ال جل ذكره‪ :‬يا داود قم عند ساق عرشفي فمجدني؛‬
‫فيندفع داود بتمجيد ربه بصوت يغمر الصوات ويجليها وتتضاعف اللذة؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬فهم‬
‫ففي روضفة يحفبرون"‪ .‬ذكره الترمذي الحكيفم رحمفه ال‪ .‬وذكفر الثعلبفي مفن حديفث أبفي الدرداء أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يذكر الناس؛ فذكر الجنة وما فيها من الزواج والنعيم؛ وفي‬
‫أخريات القوم أعرابي فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬هل في الجنة من سماع؟ فقال‪( :‬نعم يا أعرابي‪ ،‬إن في‬
‫الجنفة لنهرا حافتاه البكار مفن كفل بيضاء خمصفانية يتغنيفن بأصفوات لم تسفمع الخلئق بمثلهفا قفط‬
‫فذلك أفضففل نعيففم الجنففة) فسففأل رجففل أبففا الدرداء‪ :‬بماذا يتغنيففن؟ فقال‪ :‬بالتسففبيح‪ .‬والخمصففانية‪:‬‬
‫المرهفة العلى‪ ،‬الخمصانة البطن‪ ،‬الضخمة السفل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا كله من النعيم والسرور والكرام؛ فل تعارض بين تلك القوال‪ .‬وأين هذا من قوله‬
‫الحفق‪" :‬فل تعلم نففس مفا أخففي لهفم مفن قرة أعيفن" [السفجدة‪ ]17 :‬على مفا يأتفي‪ .‬وقوله عليفه‬
‫السلم‪( :‬فيها ما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر)‪ .‬وقد روي‪( :‬إن في الجنة‬
‫لشجارا عليها أجراس من فضة‪ ،‬فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث ال ريحا من تحت العرش فتقع‬
‫ففففي تلك الشجار فتحرك تلك الجراس بأصفففوات لو سفففمعها أهفففل الدنيفففا لماتوا طربفففا)‪ .‬ذكره‬
‫الزمخشري‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الخرة فأولئك في العذاب محضرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأمفا الذيفن كفروا وكذبوا بآياتنفا" تقدم الكلم فيفه‪" .‬ولقاء الخرة" أي بالبعفث‪.‬‬
‫"فأولئك ففي العذاب محضرون" أي مقيمون‪ .‬وقيفل‪ :‬مجموعون‪ .‬وقيفل‪ :‬معذبون‪ .‬وقيفل‪ :‬نازلون؛‬
‫ومنففه قوله تعالى‪" :‬إذا حضففر أحدكففم الموت" [البقرة‪ ]180 :‬أي نزل بففه؛ قاله ابففن شجرة‪،‬‬
‫والمعنى متقارب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 18 - 17 :‬فسفبحان ال حيفن تمسفون وحيفن تصفبحون‪ ،‬وله الحمفد ففي السفماوات‬
‫والرض وعشيا وحين تظهرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فسفبحان ال" اليفة فيفه ثلثفة أقوال‪ :‬الول‪ :‬أنفه خطاب للمؤمنيفن بالمفر بالعبادة‬
‫والحض على الصلة في هذه الوقات‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬الصلوات الخمس في القرآن؛ قيل له‪ :‬أين؟‬
‫فقال‪ :‬قال ال تعالى "فسبحان ال حين تمسون" صلة المغرب والعشاء "وحين تصبحون" صلة‬
‫الفجفر "وعشيفا" العصفر "وحيفن تظهرون" الظهفر؛ وقاله الضحاك وسفعيد بفن جفبير‪ .‬وعفن ابفن‬
‫عباس أيضا وقتادة‪ :‬أن الية تنبيه على أربع صلوات‪ :‬المغرب والصبح والعصر والظهر؛ قالوا‪:‬‬
‫والعشاء الخرة هي في آية أخرى في "وزلفا من الليل" [هود‪ ]114 :‬وفي ذكر أوقات العورة‪.‬‬
‫وقال النحاس‪ :‬أهفل التفسفير على أن هذه اليفة "فسفبحان ال حيفن تمسفون وحيفن تصفبحون" ففي‬
‫الصفلوات‪ .‬وسفمعت على بفن سفليمان يقول‪ :‬حقيقتفه عندي‪ :‬فسفبحوا ال ففي الصفلوات‪ ،‬لن التسفبيح‬
‫ففي الصفلة؛ وهفو القول الثانفي‪ .‬والقول الثالث‪ :‬فسفبحوا ال حيفن تمسفون وحيفن تصفبحون؛ ذكره‬
‫الماوردي‪ .‬وذكفر القول الول‪ ،‬ولفظفه فيفه‪ :‬فصفلوا ل حيفن تمسفون وحيفن تصفبحون‪ .‬وففي تسفمية‬
‫الصفلة بالتسفبيح وجهان‪ :‬أحدهمفا‪ :‬لمفا تضمنهفا مفن ذكفر التسفبيح ففي الركوع والسفجود‪ .‬الثانفي‪:‬‬
‫مأخوذ من السبحة والسبحة الصلة؛ ومنه قول النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬تكون لهم سبحة يوم‬
‫القيامة) أي صلة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وله الحمد في السماوات والرض" اعتراض بين الكلم بدؤوب الحمد على نعمه‬
‫وألئه‪ .‬وقيفل‪ :‬معنفى "وله الحمفد" أي الصفلة له لختصفاصها بقراءة الحمفد‪ .‬والول أظهفر؛ فإن‬
‫الحمفد ل مفن نوع تعظيفم ال تعالى والحفض على عبادتفه ودوام نعمتفه؛ فيكون نوعفا آخفر خلف‬
‫الصلة‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وبدأ بصلة المغرب لن الليل يتقدم النهار‪ .‬وفي سورة "السفراء" بدأ بصلة‬
‫الظهفر إذ هفي أول صفلة صفلها جبريفل بالنفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ .‬الماوردي‪ :‬وخفص صفلة‬
‫الليل باسم التسبيح وصلة النهار باسم الحمد لن للنسان في النهار متقلبا في أحوال توجب حمد‬
‫ال تعالى عليهففا‪ ،‬وفففي الليففل على خلوة توجففب تنزيففه ال مففن السففواء فيهففا؛ فلذلك صففار الحمففد‬
‫بالنهار أخص فسميت به صلة النهار‪ ،‬والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلة الليل‪.‬‬
‫@ قرأ عكرمفة "حينفا تمسفون وحينفا تصفبحون" والمعنفى‪ :‬حينفا تمسفون فيفه وحينفا تصفبحون فيفه؛‬
‫فحذف "فيفه" تخفيففا‪ ،‬والقول فيفه كالقول ففي "واتقوا يومفا ل تجزي نففس عفن نففس شيئا" [البقرة‪:‬‬
‫‪" .]48‬وعشيفا وحين تظهرون" قال الجوهري‪ :‬العشفي والعشيفة مفن صفلة المغرب إلى العتمفة؛‬
‫تقول‪ :‬أتيتفه عشيفة أمفس وعشفي أمفس‪ .‬وتصفغير العشفي‪ :‬عشيان‪ ،‬على غيفر قياس مكفبره؛ كأنهفم‬
‫صففغروا عشيانففا‪ ،‬والجمففع عشيانات‪ .‬وقيففل أيضففا فففي تصففغيره‪ :‬عشيشيان‪ ،‬والجمففع عشيشيات‪.‬‬
‫وتصفغير العشيفة عشيشيفة‪ ،‬والجمفع عشيشيات‪ .‬والعشاء (بالكسفر والمفد) مثفل العشفي‪ .‬والعشاء إن‬
‫المغرب والعتمة‪ .‬وزعم قوم أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر‪ ،‬وأنشدوا‪:‬‬
‫عشاء بعدما انتصف النهار‬ ‫غدونا غدوة سحرا بليل‬
‫الماوردي‪ :‬والفرق بيفن المسفاء والعشاء‪ :‬أن المسفاء بدو الظلم بعفد المغيفب‪ ،‬والعشاء آخفر النهار‬
‫عنفد ميفل الشمفس للمغيفب‪ ،‬وهفو مأخوذ مفن عشفا العيفن وهفو نقفص النور مفن الناظفر كنقفص نور‬
‫الشمس‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 19 :‬يخرج الحفي مفن الميفت ويخرج الميفت مفن الحفي ويحيفي الرض بعفد موتهفا‬
‫وكذلك تخرجون}‬
‫@ بين كمال قدرته؛ أي كما أحيا الرض بإخراج النبات بعد همودها‪ ،‬كذلك يحييكم بالبعث‪ .‬وفي‬
‫هذا دليففل على صففحة القياس؛ وقففد مضففى فففي "آل عمران" بيان "تخرج الحففي مففن الميففت" [آل‬
‫عمران‪.]27 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 26 - 20 :‬ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون‪ ،‬ومن آياته أن‬
‫خلق لكففم مففن أنفسففكم أزواجففا لتسففكنوا إليهففا وجعففل بينكففم مودة ورحمففة إن فففي ذلك ليات لقوم‬
‫يتفكرون‪ ،‬ومففن آياتففه خلق السففماوات والرض واختلف ألسففنتكم وألوانكففم إن فففي ذلك ليات‬
‫للعالميفن‪ ،‬ومفن آياتفه منامكفم بالليفل والنهار وابتغاؤكفم مفن فضله إن ففي ذلك ليات لقوم يسفمعون‪،‬‬
‫ومفن آياتفه يريكفم البرق خوففا وطمعفا وينزل مفن السفماء ماء فيحيفي بفه الرض بعفد موتهفا إن ففي‬
‫ذلك ليات لقوم يعقلون‪ ،‬ومن آياته أن تقوم السماء والرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الرض‬
‫إذا أنتم تخرجون‪ ،‬وله من في السماوات والرض كل له قانتون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن آياته أن خلقكم من تراب" أي من علمات ربوبيته ووحدانيته أن خلقكم من‬
‫تراب؛ أي خلق أباكم منه والفرع كالصل‪ ،‬وقد مضى بيان هذا في "النعام"‪ .‬و"أن" في موضع‬
‫رفع بالبتداء وكذا "أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثفم إذا أنتفم بشفر تنتشرون" ثفم أنتفم عقلء ناطقون تتصفرفون فيمفا هفو قوام‬
‫معايشكم‪ ،‬فلم يكن ليخلقكم عبثا؛ ومن قدر على هذا فهو أهل للعبادة والتسبيح‪ .‬ومعنى‪" :‬خلق لكم‬
‫مفن أنفسفكم أزواجفا لتسفكنوا إليهفا" أزواجفا" أي نسفاء تسفكنون إليهفا‪" .‬مفن أنفسفكم" أي مفن نطفف‬
‫الرجال ومففن جنسففكم‪ .‬وقيففل‪ :‬المراد حواء‪ ،‬خلقهففا مففن ضلع آدم؛ قاله قتادة‪" .‬وجعففل بينكففم مودة‬
‫ورحمففة" قال ابففن عباس ومجاهففد‪ :‬المودة الجماع‪ ،‬والرحمففة الولد؛ وقاله الحسففن‪ .‬وقيففل‪ :‬المودة‬
‫والرحمفة عطفف قلوبهفم بعضهفم على بعفض‪ .‬وقال السفدي‪ :‬المودة‪ :‬المحبفة‪ ،‬والرحمفة‪ :‬الشفقفة؛‬
‫وروي معناه عفن ابفن عباس قال‪ :‬المودة حفب الرجفل امرأتفه‪ ،‬والرحمفة رحمتفه إياهفا أن يصفيبها‬
‫بسفوء‪ .‬ويقال‪ :‬إن الرجفل أصفله مفن الرض‪ ،‬وفيفه قوة الرض‪ ،‬وفيفه الفرج الذي منفه بدئ خلقفه‬
‫فيحتاج إلى سفكن‪ ،‬وخلقفت المرأة سفكنا للرجفل؛ قال ال تعالى‪" :‬ومفن آياتفه أن خلقكفم مفن تراب"‬
‫الية‪ .‬وقال‪" :‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها" فأول ارتفاق الرجل بالمرأة‬
‫سفكونه إليهفا ممفا فيفه مفن غليان القوة‪ ،‬وذلك أن الفرج إذا تحمفل فيفه هيفج ماء الصفلب إليفه‪ ،‬فإليهفا‬
‫يسكن وبها يتخلص من الهياج‪ ،‬وللرجال خلق البضع منهن‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وتذرون ما خلق لكم‬
‫ربكفم مفن أزواجكفم" [الشعراء‪ ]166 :‬فأعلم ال عفز وجفل الرجال أن ذلك الموضفع خلق منهفن‬
‫للرجال‪ ،‬فعليها بذله في كل وقت يدعوها الزوج؛ فإن منعته فهي ظالمة وفي حرج عظيم؛ ويكفيك‬
‫من ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(والذي نفسفي بيده مفا مفن رجفل يدعفو امرأتفه إلى فراشهفا فتأبفى عليفه إل كان الذي ففي السفماء‬
‫سفاخطا عليهفا حتفى يرضفى عنهفا)‪ .‬وففي لففظ آخفر‪( :‬إذا باتفت المرأة هاجرة فراش زوجهفا لعنتهفا‬
‫الملئكفة حتفى تصفبح)‪" .‬ومفن آياتفه خلق السفماوات والرض" تقدم ففي "البقرة"‪ .‬وكانوا يعترفون‬
‫بأن ال هففو الخالق‪" .‬واختلف ألسففنتكم وألوانكففم" اللسففان فففي الفففم؛ وفيففه اختلف اللغات‪ :‬مففن‬
‫العربيففة والعجميففة والتركيففة والروميففة‪ .‬واختلف اللوان فففي الصففور‪ :‬مففن البياض والسففواد‬
‫والحمرة؛ فل تكاد ترى أحدا إل وأنفت تفرق بينفه وبيفن الخفر‪ .‬وليفس هذه الشياء مفن فعفل النطففة‬
‫ول مفن فعفل البويفن؛ فل بفد مفن فاعفل‪ ،‬فعلم أن الفاعفل هفو ال تعالى؛ فهذا مفن أدل دليفل على‬
‫المدبر البارئ‪" .‬إن فففي ذلك ليات للعالميففن" أي للبر والفاجففر‪ .‬وقرأ حفففص‪" :‬للعالِميففن" بكسففر‬
‫اللم جمع عالم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومفن آياتفه منامكفم بالليفل والنهار وابتغاؤكفم مفن فضله" قيفل‪ :‬ففي هذه اليفة تقديفم‬
‫وتأخيففر‪ ،‬والمعنففى‪ :‬ومففن آياتففه منامكففم بالليففل وابتغاؤكففم مففن فضله بالنهار؛ فحذف حرف الجففر‬
‫لتصاله بالليل وعطفه عليه‪ ،‬والواو تقوم مقام حرف الجر إذا اتصلت بالمعطوف عليه في السم‬
‫الظاهفر خاصفة؛ فجعفل النوم بالليفل دليل على الموت‪ ،‬والتصفرف بالنهار دليل على البعفث‪" .‬إن‬
‫ففي ذلك ليات لقوم يسفمعون" يريفد سفماع تفهفم وتدبر‪ .‬وقيفل‪ :‬يسفمعون الحفق فيتبعونفه‪ .‬وقيفل‪:‬‬
‫يسفمعون الوعفظ فيخافونفه‪ .‬وقيفل‪ :‬يسفمعون القرآن فيصفدقونه؛ والمعنفى متقارب‪ .‬وقيفل‪ :‬كان منهفم‬
‫مفن إذا تلي القرآن وهفو حاضفر سفد أذنيفه حتفى ل يسفمع؛ ففبين ال عفز وجفل هذه الدلئل عليفه‪.‬‬
‫"ومفن آياتفه يريكفم البرق خوففا وطمعفا" قيفل‪ :‬المعنفى أن يريكفم‪ ،‬فحذف "أن" لدللة الكلم عليفه؛‬
‫قال طرفة‪:‬‬
‫وأن أشهدَ اللذات هل أنت مخلدي‬ ‫ضرُ الوغى‬ ‫أل أيهذا اللئمي أح ُ‬
‫وقيفل‪ :‬هفو على التقديفم والتأخيفر؛ أي ويريكفم البرق مفن آياتفه‪ .‬وقيفل‪ :‬أي ومفن آياتفه آيفة يريكفم بهفا‬
‫البرق؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح‬ ‫وما الدهر إل تارتان فمنهما‬
‫وقيل‪ :‬أي من آياته أنه يريكم البرق خوفا وطمعا من آياته؛ قاله الزجاج‪ ،‬فيكون عطف جملة على‬
‫جملة‪" .‬خوفففا" أي للمسففافر‪" .‬وطمعففا" للمقيففم؛ قاله قتادة‪ .‬الضحاك‪" :‬خوفففا" مففن الصففواعق‪،‬‬
‫"وطمعا" في الغيث‪ .‬يحيى بن سلم‪" :‬خوفا" من البرد أن يهلك الزرع‪" ،‬وطمعا" في المطر أن‬
‫يحيفي الزرع‪ .‬ابفن بحفر‪" :‬خوففا" أن يكون البرق برقفا خُلّبفا ل يمطفر‪" ،‬وطمعفا" أن يكون ممطرا؛‬
‫وأنشد قول الشاعر‪:‬‬
‫ل يكن برقك برقا خلّبا إن خير البرق ما الغيث معه‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫سوى عدي لها برق الغمام‬ ‫فقد أرد المياه بغير زاد‬
‫والبرق الخلّب‪ :‬الذي ل غيث فيه كأنه خادع؛ ومنه قيل لمن يعد ول ينجز‪ :‬إنما أنت كبرق خلب‪.‬‬
‫والخلب أيضا‪ :‬السحاب الذي ل مطر فيه‪ .‬ويقال‪ :‬برق خلب‪ ،‬بالضافة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وينزل مفن السفماء ماء فيحيفي بفه الرض بعفد موتهفا إن ففي ذلك ليات لقوم‬
‫يعقلون" تقدم‪" .‬ومففن آياتففه أن تقوم السففماء والرض بأمره" "أن" فففي محففل رفففع كمففا تقدم؛ أي‬
‫قيامهفا واسفتمساكها بقدرتفه بل عمفد‪ .‬وقيفل‪ :‬بتدبيره وحكمتفه؛ أي يمسفكها بغيفر عمفد لمناففع الخلق‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬بأمره" بإذنه؛ والمعنى واحد‪" .‬ثم إذا دعاكم دعوة من الرض إذا أنتم تخرجون" أي الذي‬
‫فعفل هذه الشياء قادر على أن يبعثكفم مفن قبوركفم؛ والمراد سفرعة وجود ذلك مفن غيفر توقفف ول‬
‫تلبث؛ كما يجيب الداعي المطاع مدعوه؛ كما قال القائل‪:‬‬
‫دعوت برأس الطود أو هو أسرع‬ ‫دعوت كليبا باسمه فكأنما‬
‫يريفد برأس الطود‪ :‬الصفدى أو الحجفر إذا تدهده‪ .‬وإنمفا عطفف هذا على قيام السفموات والرض بفف‬
‫"ثفم" لعظفم مفا يكون مفن ذلك المفر واقتداره على مثله‪ ،‬وهفو أن يقول‪ :‬يأهفل القبور قوموا؛ فل‬
‫تبقى نسمة من الولين والخرين إل قامت تنظر؛ كما قال تعالى‪" :‬ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام‬
‫ينظرون" [الزمفر‪" .]68 :‬وإذا" الولى ففي قوله تعالى‪" :‬إذا دعاكفم" للشرط‪ ،‬والثانيفة ففي قوله‬
‫تعالى‪" :‬إذا أنتم" للمفاجأة‪ ،‬وهي تنوب مناب الفاء في جواب الشرط‪ .‬وأجمع القراء على فتح التاء‬
‫هنففا فففي "تخرجون"‪ .‬واختلفوا فففي التففي فففي "العراف" فقرأ أهففل المدينففة‪" :‬ومنهففا تخرجون"‬
‫[العراف‪ ]25 :‬بضم التاء‪ ،‬وقرأ أهل العراق‪ :‬بالفتح‪ ،‬وإليه يميل أبو عبيد‪ .‬والمعنيان متقاربان‪،‬‬
‫إل أن أهفل المدينفة فرقوا بينهمفا لنسفق الكلم‪ ،‬فنسفق الكلم ففي التفي ففي "العراف" بالضفم أشبفه؛‬
‫إذ كان الموت ليفس مفن فعلهفم‪ ،‬وكذا الخراج‪ .‬والفتفح ففي سفورة الروم أشبفه بنسفق الكلم؛ أي إذا‬
‫دعاكفم خرجتفم أي أطعتفم؛ فالفعفل بهفم أشبفه‪ .‬وهذا الخروج إنمفا هفو عنفد نفخفة إسفرافيل النفخفة‬
‫الخرة؛ على مففا تقدم ويأتففي‪ .‬وقرئ "تخرجون" بضففم التاء وفتحهففا‪ ،‬ذكره الزمخشري ولم يزد‬
‫على هذا شيئا‪ ،‬ولم يذكر ما ذكرناه من الفرق‪ ،‬وال أعلم‪" .‬وله من في السماوات والرض" خلقا‬
‫وملكفا وعبدا‪" .‬كفل له قانتون" روي عفن أبفي سفعيد الخدري عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال‪:‬‬
‫(كفل قنوت ففي القرآن فهفو طاعفة)‪ .‬قال النحاس‪ :‬مطيعون طاعفة انقياد‪ .‬وقيفل‪" :‬قانتون" مقرون‬
‫بالعبوديففة‪ ،‬إمففا قالة وإمففا دللة؛ قاله عكرمففة وأبففو مالك والسففدي‪ .‬وقال ابففن عباس‪" :‬قانتون"‬
‫مصفلون‪ .‬الربيفع بفن أنفس‪" :‬كفل له قانتون" أي قائم يوم القيامفة؛ كمفا قال‪" :‬يوم يقوم الناس لرب‬
‫العالميفن" [المطففيفن‪ ]6 :‬أي للحسفاب‪ .‬الحسفن‪ :‬كفل له قائم بالشهادة أنفه عبفد له‪ .‬سفعيد بفن جفبير‬
‫"قانتون" مخلصون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل العلى في السماوات‬
‫والرض وهو العزيز الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده" أما بدء خلقه فبعلوقه في الرحم قبل ولدته‪ ،‬وأما‬
‫إعادته فإحياؤه بعد الموت بالنفخة الثانية للبعث؛ فجعل ما علم من ابتداء خلقه دليل على ما يخفى‬
‫مفن إعادتفه؛ اسفتدلل بالشاهفد على الغائب‪ ،‬ثفم أكفد ذلك بقوله "وهفو أهون عليه" وقرأ ابفن مسفعود‬
‫وابن عمر‪" :‬يبدئ الخلق" من أبدأ يبدئ؛ دليله قوله تعالى‪" :‬إنه هو يبدئ ويعيد" [البروج‪.]13 :‬‬
‫ودليفل قراءة العامة قوله سبحانه‪" :‬كما بدأكفم تعودون" [العراف‪ .]29 :‬و"أهون" بمعنى هين؛‬
‫أي العادة هيفن عليفه؛ قاله الربيفع بفن خثيفم والحسفن‪ .‬فأهون بمعنفى هيفن؛ لنفه ليفس شيفء أهون‬
‫على ال مفن شيفء‪ .‬قال أبفو عفبيدة‪ :‬ومفن جعفل أهون يعفبر عفن تفضيفل شيفء على شيفء فقوله‬
‫مردود بقوله تعالى‪" :‬وكان ذلك على ال يسففيرا" [النسففاء‪ ]30:‬وبقوله‪" :‬ول يؤوده حفظهمففا"‬
‫[البقرة‪.]255 :‬‬
‫والعرب تحمل أفعل على فاعل‪ ،‬ومنه قول الفرزدق‪:‬‬
‫بيتا دعائمه أعز وأطول‬ ‫إن الذي سمك السماء بنى لنا‬
‫أي دعائمه عزيزة طويلة‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫على أينا تعدو المنية أول‬ ‫لعمرك ما أدري وإني لوجل‬
‫أراد‪ :‬إني لوجل‪ .‬وأنشد أبو عبيدة أيضا‪:‬‬
‫قسما إليك مع الصدود لميل‬ ‫إني لمنحك الصدود وإنني‬
‫أراد لمائل‪ .‬وأنشد أحمد بن يحيى‪:‬‬
‫فتلك سبيل لست فيها بأوحد‬ ‫تمنى رجال أن أموت وإن أمت‬
‫أراد بواحد‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫لمعروفه عند السنين وأفضل‬ ‫لعمرك إن الزبرقان لباذل‬
‫أي وفاضفل‪ .‬ومنفه قولهفم‪ :‬ال أكفبر؛ إنمفا معناه ال الكفبير‪ .‬وروى معمفر عفن قتادة قال‪ :‬ففي قراءة‬
‫عبدال بفن مسففعود "وهففو عليففه هيففن"‪ .‬وقال مجاهففد وعكرمففة والضحاك‪ :‬إن المعنففى أن العادة‬
‫أهون عليفه ‪ -‬أي على ال ‪ -‬مفن البدايفة؛ أي أيسفر‪ ،‬وإن كان جميعفه على ال تعالى هينفا؛ وقاله ابفن‬
‫عباس‪ .‬ووجهفه أن هذا مثفل ضربفه ال تعالى لعباده؛ يقول‪ :‬إعادة الشيفء على الخلئق أهون مفن‬
‫ابتدائه؛ فينبغفي أن يكون البعفث لمفن قدر على البدايفة عندكفم وفيمفا بينكفم أهون عليفه مفن النشاء‪.‬‬
‫وقيفل‪ :‬الضميفر ففي "عليفه" للمخلوقيفن؛ أي وهفو أهون عليفه‪ ،‬أي على الخلق‪ ،‬يصفاح بهفم صفيحة‬
‫واحدة فيقومون ويقال لهففم‪ :‬كونوا فيكونون؛ فذلك أهون عليهففم مففن أن يكونوا نطفففا ثففم علقففا ثففم‬
‫مضغفا ثفم أجنفة ثفم أطفال ثفم غلمانفا ثفم شبانفا ثفم رجال أو نسفاء‪ .‬وقاله ابفن عباس وقطرب‪ .‬وقيفل‬
‫أهون أسهل؛ قال‪:‬‬
‫يحن إليها واله ويتوق‬ ‫وهان على أسماء أن شطت النوى‬
‫أي سفهل عليهفا‪ ،‬وقال الربيفع بفن خثيفم ففي قوله تعالى‪" :‬وهفو أهون عليفه" قال‪ :‬مفا شيفء على ال‬
‫بعزيفز‪ .‬عكرمفة‪ :‬تعجفب الكفار مفن إحياء ال الموتفى فنزلت هذه اليفة‪" .‬وله المثفل العلى" أي مفا‬
‫أراده جففل وعففز كان‪ .‬وقال الخليففل‪ :‬المثففل الصفففة؛ أي وله الوصففف العلى "فففي السففموات‬
‫والرض" كما قال‪" :‬مثل الجنة التي وعد المتقون" [الرعد‪ ]35 :‬أي صفتها‪ .‬وقد مضى الكلم‬
‫ففي ذلك‪ .‬وعفن مجاهفد‪" :‬المثفل العلى" قول ل إله إل ال؛ ومعناه‪ :‬أي الذي له الوصفف العلى‪،‬‬
‫أي الرففع الذي هفو الوصفف بالوحدانيفة‪ .‬وكذا قال قتادة‪ :‬إن المثفل العلى شهادة أن ل إله إل ال؛‬
‫ويعضده قوله تعالى‪" :‬ضرب لكففم مثل مففن أنفسففكم" على مففا نففبينه آنفففا إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال‬
‫الزجاج‪" :‬وله المثفل العلى ففي السفموات والرض" أي قوله‪" :‬وهفو أهون عليفه" قفد ضربفه لكفم‬
‫مثل فيمففا يصففعب ويسففهل؛ يريففد التفسففير الول‪ .‬وقال ابففن عباس‪ :‬أي ليففس كمثله شيففء "وهففو‬
‫العزيز الحكيم" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 28 :‬ضرب لكفم مثل مفن أنفسفكم هفل لكفم مفن مفا ملكفت أيمانكفم مفن شركاء ففي مفا‬
‫رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل اليات لقوم يعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من أنفسكم" ثم قال‪" :‬من شركاء"؛ ثم قال‪" :‬مما ملكت أيمانكم" فف "من" الولى‬
‫للبتداء؛ كأنففه قال‪ :‬أخففذ مثل وانتزعففه مففن أقرب شيففء منكففم وهففي أنفسففكم‪ .‬والثانيففة للتبعيففض‪،‬‬
‫والثالثفة زائدة لتأكيفد السفتفهام‪ .‬واليفة نزلت ففي كفار قريفش‪ ،‬كانوا يقولون ففي التلبيفة‪ :‬لبيفك ل‬
‫شريك لك إل شريكا هو لك‪ ،‬تملكه وما ملك؛ قال سعيد بن جبير‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هذا مثل ضربه ال‬
‫للمشركيفن؛ والمعنفى‪ :‬هفل يرضفى أحدكفم أن يكون مملوكفه ففي ماله ونفسفه مثله‪ ،‬فإذا لم ترضوا‬
‫بهذا لنفسكم فكيف جعلتم ل شركاء‪.‬‬
‫@ قال بعض العلماء‪ :‬هذه الية أصل في الشركة بين المخلوقين لفتقار بعضهم إلى بعض ونفيها‬
‫عفن ال سفبحانه‪ ،‬وذلك أنفه لمفا قال جفل وعفز‪" :‬ضرب لكفم مثل مفن أنفسفكم هفل لكفم ممفا ملكفت‬
‫أيمانكفم" اليفة‪ ،‬فيجفب أن يقولوا‪ :‬ليفس عبيدنفا شركاءنفا فيمفا رزقتنفا‪ ،‬فيقال لهفم‪ :‬فكيفف يتصفور أن‬
‫تنزهوا نفوسكم عن مشاركة عبيدكم وتجعلوا عبيدي شركائي في خلقي؛ فهذا حكم فاسد وقلة نظر‬
‫وعمى قلب‪ ،‬فإذا بطلت الشركة بين العبيد وسادتهم فيما يملكه السادة والخلق كلهم عبيد ل تعالى‬
‫فيبطل أن يكون شيء من العالم شريكا ل تعالى في شيء من أفعاله؛ فلم يبق إل أنه واحد يستحيل‬
‫أن يكون له شريك‪ ،‬إذ الشركة تقتضي المعاونة‪ ،‬ونحن مفتقرون إلى معاونة بعضنا بعضا بالمال‬
‫والعمل؛ والقديم الزلي منزه عن ذلك جل وعز‪.‬‬
‫وهذه المسألة أفضل للطالب من حفظ ديوان كامل في الفقه؛ لن جميع العبادات البدنية ل تصح‬
‫إل بتصحيح هذه المسألة في القلب‪ ،‬فافهم ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 29 :‬بفل اتبفع الذيفن ظلموا أهواءهفم بغيفر علم فمفن يهدي مفن أضفل ال ومفا لهفم مفن‬
‫ناصرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم" لما قامت عليهم الحجة ذكر أنهم يعبدون‬
‫الصفنام باتباع أهوائهفم ففي عبادتهفا وتقليفد السفلف ففي ذلك‪" .‬فمفن يهدي مفن أضفل ال" أي ل‬
‫هادي لمن أضله ال تعالى‪ .‬وفي هذا رد على القدرية‪" .‬وما لهم من ناصرين"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 :‬فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة ال التي فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال ذلك‬
‫الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة ال التي فطر الناس عليها" قال الزجاج‪" :‬فطرة"‬
‫منصوب بمعنى اتبع فطرة ال‪ .‬قال‪ :‬لن معنى "فأقم وجهك للدين" اتبع الدين الحنيف واتبع فطرة‬
‫ال‪ .‬وقال الطفبري‪" :‬فطرة ال" مصفدر مفن معنفى‪" :‬فأقفم وجهفك" لن معنفى ذلك‪ :‬فطفر ال الناس‬
‫ذلك فطرة‪ .‬وقيففل‪ :‬معنففى ذلك اتبعوا ديففن ال الذي خلق الناس له؛ وعلى هذا القول يكون الوقففف‬
‫على "حنيففا" تامفا‪ .‬وعلى القوليفن الولين يكون متصفل‪ ،‬فل يوقفف على "حنيففا"‪ .‬وسفميت الفطرة‬
‫دينففا لن الناس يخلقون له‪ ،‬قال جففل وعففز‪" :‬ومففا خلقففت الجففن والنففس إل ليعبدون" [الذاريات‪:‬‬
‫‪ .]56‬ويقال‪" :‬عليهفا" بمعنفى لهفا؛ كقوله تعالى‪" :‬وإن أسفأتم فلهفا" [السفراء‪ .]7 :‬والخطاب بفف‬
‫"أقم وجهك" للنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أمره بإقامة وجهه للدين المستقيم؛ كما قال‪" :‬فأقم وجهك‬
‫للدين القيم" [الروم‪ ]43 :‬وهو دين السلم‪ .‬وإقامة الوجه هو تقويم المقصد والقوة على الجد في‬
‫أعمال الديفن؛ وخفص الوجفه بالذكفر لنفه جامفع حواس النسفان وأشرففه‪ .‬ودخفل ففي هذا الخطاب‬
‫أمته باتفاق من أهل التأويل‪ .‬و"حنيفا" معناه معتدل مائل عن جميع الديان المحرفة المنسوخة‪.‬‬
‫@ في الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما من مولود إل يولد‬
‫على الفطرة ‪ -‬ففي روايفة على هذه الملة ‪ -‬أبواه يهودانفه وينصفرانه ويمجسفانه كمفا تنتفج البهيمفة‬
‫بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) ثم يقول أبو هريرة‪ :‬واقرؤوا إن شئتم؛ "فطرة ال التي‬
‫فطفر الناس عليهفا ل تبديفل لخلق ال"‪ ،‬ففي روايفة‪( :‬حتفى تكونوا أنتفم تجدعونهفا) قالوا‪ :‬يفا رسفول‬
‫ال؛ أفرأيت من يموت صغيرا؟ قال‪( :‬ال أعلم بما كانوا عاملين)‪ .‬لفظ مسلم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء ففي معنفى الفطرة المذكورة ففي الكتاب والسفنة على أقوال متعددة؛ منهفا‬
‫السفلم؛ قاله أبفو هريرة وابفن شهاب وغيرهمفا؛ قالوا‪ :‬وهفو المعروف عنفد عامفة السفلف مفن أهفل‬
‫التأويفل؛ واحتجوا باليفة وحديفث أبفي هريرة‪ ،‬وعضدوا ذلك بحديفث عياض بفن حمار المجاشعفي‬
‫أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال للناس يومفا‪( :‬أل أحدثكفم بمفا حدثنفي ال ففي كتابفه‪ ،‬أن ال‬
‫خلق آدم وبنيفه حنفاء مسفلمين‪ ،‬وأعطاهفم المال حلل ل حرام فيفه فجعلوا ممفا أعطاهفم ال حلل‬
‫وحراما‪ )..‬الحديث‪ .‬وبقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬خمس من الفطرة‪ )...‬فذكر منها قص الشارب‪،‬‬
‫وهفو مفن سفنن السفلم‪ ،‬وعلى هذا التأويفل فيكون معنفى الحديفث‪ :‬أن الطففل خلق سفليما مفن الكففر‬
‫على الميثاق الذي أخذه ال على ذرية آدم حين أخرجهم من صلبه‪ ،‬وأنهم إذا ماتوا قبل أن يدركوا‬
‫ففي الجنفة؛ أولد مسفلمين كانوا أو أولد كفار‪ .‬وقال آخرون‪ :‬الفطرة هفي البداءة التفي ابتدأهفم ال‬
‫عليهفا؛ أي على مفا فطفر ال عليفه خلقفه مفن أنفه ابتدأهفم للحياة والموت والسفعادة والشقاء‪ ،‬وإلى مفا‬
‫يصيرون إليه عند البلوغ‪ .‬قالوا‪ :‬والفطرة في كلم العرب البداءة‪ .‬والفاطر‪ :‬المبتدئ؛ واحتجوا بما‬
‫روي عففن ابففن عباس أنففه قال‪ :‬لم أكففن أدري مففا فاطففر السففموات والرض حتففى أتففى أعرابيان‬
‫يختصفمان ففي بئر‪ ،‬فقال أحدهمفا‪ :‬أنفا فطرتهفا؛ أي ابتدأتهفا‪ .‬قال المروزي‪ :‬كان أحمفد بفن حنبفل‬
‫يذهب إلى هذا القول ثم تركه‪ .‬قال أبو عمر في كتاب التمهيد له‪ :‬ما رسمه مالك في موطئه وذكر‬
‫في باب القدر فيه من الثار ‪ -‬يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا‪ ،‬وال أعلم‪ .‬ومما احتجوا به ما‬
‫روي عن كعفب القرظفي ففي قول ال تعالى‪" :‬فريقفا هدى وفريقفا حفق عليهفم الضللة" [العراف‪:‬‬
‫‪ ]30‬قال‪ :‬من ابتدأ ال خلقه للضللة صيره إلى الضللة وإن عمل بأعمال الهدى‪ ،‬ومن ابتدأ ال‬
‫خلقفه على الهدى صفيره إلى الهدى وإن عمفل بأعمال الضللة‪ ،‬ابتدأ ال خلق إبليفس على الضللة‬
‫وعمل بأعمال السعادة مع الملئكة‪ ،‬ثم رده ال إلى ما ابتدأ عليه خلقه‪ ،‬قال‪ :‬وكان من الكافرين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قفد مضفى قول كعفب هذا ففي "العراف" وجاء معناه مرفوعفا مفن حديفث عائشفة رضفي‬
‫ال عنها قالت‪ :‬دعي رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى جنازة غلم من النصار فقلت‪ :‬يا رسول‬
‫ال‪ ،‬طوبفى لهذا عصففور مفن عصفافير الجنفة‪ ،‬لم يعمفل السفوء ولم يدركفه‪ ،‬قال‪( :‬أو غيفر ذلك يفا‬
‫عائشة‪ ،‬إن ال خلق للجنة أهل خلقهم لها وهم في أصلب أبائهم‪ ،‬وخلق للنار أهل خلقهم لها وهم‬
‫في أصلب أبائهم) خرجه ابن ماجة في السنن‪ .‬وخرج أبو عيسى الترمذي عن عبدال بن عمرو‬
‫قال‪ :‬خرج علينفففا رسفففول ال صفففلى ال عليفففه وسفففلم وففففي يده كتابان فقال‪( :‬أتدرون مفففا هذان‬
‫الكتابان)؟ فقلنففا‪ :‬ل يففا رسففول ال‪ ،‬إل أن تخبرنففا؛ فقال للذي فففي يده اليمنففى‪( :‬هذا كتاب مفن رب‬
‫العالميفن فيفه أسفماء أهفل الجنفة وأسفماء أبائهفم وقبائلهفم ثفم أجمفل على أخرهفم فل يزاد فيهفم ول‬
‫ينقففص منهففم أبدا ‪ -‬ثففم قال للذي فففي شماله ‪ -‬هذا كتاب مففن رب العالميففن فيففه أسففماء أهففل النار‬
‫وأسماء أبائهم وقبائلهم ثم أجمل على أخرهم فل يزاد فيهم ول ينقص منهم أبدا‪ )...‬وذكر الحديث‪،‬‬
‫وقال فيه‪ :‬حديث حسن‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬ليس المراد بقوله تعالى‪" :‬فطر الناس عليها" ول قوله عليه‬
‫السفلم‪( :‬كفل مولود يولد على الفطرة) العموم‪ ،‬وإنمفا المراد بالناس المؤمنون؛ إذا لو فطفر الجميفع‬
‫على السفلم لمفا كففر أحفد‪ ،‬وقفد ثبفت أنفه خلق أقوامفا للنار؛ كمفا قال تعالى‪" :‬ولقفد ذرأنفا لجهنفم"‬
‫[العراف‪ ]179 :‬وأخرج الذريفة مفن صفلب آدم سفوداء وبيضاء‪ .‬وقال ففي الغلم الذي قتله‬
‫الخضفر‪ :‬طبع يوم طبع كافرا‪ .‬وروى أبو سعيد الخدري قال‪ :‬صلى بنا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم العصر بنهار؛ وفيه‪ :‬وكان فيما حفظنا أن قال‪( :‬أل إن بني آدم خلقوا طبقات شتى فمنهم من‬
‫يولد مؤمنفا ويحيفا مؤمنفا ويموت مؤمنفا‪ ،‬ومنهفم مفن يولد كافرا ويحيفا كافرا ويموت كافرا‪ ،‬ومنهفم‬
‫مففن يولد مؤمنففا ويحيففا مؤمنففا ويموت كافرا‪ ،‬ومنهففم مففن يولد كافرا ويحيففا كافرا ويموت مؤمنففا‪،‬‬
‫ومنهفم حسفن القضاء حسفن الطلب)‪ .‬ذكره حماد بفن زيفد بفن سفلمة ففي مسفند الطيالسفي قال‪ :‬حدثنفا‬
‫علي بفن زيفد عفن أبفي نضرة عفن أبفي سفعيد‪ .‬قالوا‪ :‬والعموم بمعنفى الخصفوص كثيفر ففي لسفان‬
‫العرب؛ أل ترى إلى قوله عففز وجففل‪" :‬تدمففر كففل شيففء" [الحقاف‪ ]25 :‬ولم تدمففر السففموات‬
‫والرض‪ .‬وقوله‪" :‬فتحنا عليهم أبواب كل شيء" [النعام‪ ]44 :‬ولم تفتح عليهم أبواب الرحمة‪.‬‬
‫وقال إسحاق بن راهويه الحنظلي‪ :‬تم الكلم عند قوله‪" :‬فأقم وجهك للدين حنيفا" ثم قال‪" :‬فطرة‬
‫ال" أي فطفر ال الخلق فطرة إمفا بجنفة أو نار‪ ،‬وإليفه أشار النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي قوله‪:‬‬
‫(كل مولود يولد على الفطرة) ولهذا قال‪" :‬ل تبديل لخلق ال" قال شيخنا أبو العباس‪ :‬من قال هي‬
‫سفابقة السفعادة والشقاوة فهذا إنمفا يليفق بالفطرة المذكورة ففي القرآن؛ لن ال تعالى قال‪" :‬ل تبديفل‬
‫لخلق ال" وأما في الحديث فل؛ لنه قد أخبر في بقية الحديث بأنها تبدل وتغير‪ .‬وقالت طائفة من‬
‫أهفل الفقفه والنظفر‪ :‬الفطرة هفي الخلقفة التفي خلق عليهفا المولود ففي المعرففة بربفه؛ فكأنفه قال‪ :‬كفل‬
‫مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة؛ يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم التي ل‬
‫تصفل بخلقتهفا إلى معرفتفه‪ .‬واحتجوا على أن الفطرة الخلقفة‪ ،‬والفاطفر الخالق؛ لقول ال عفز وجفل‪:‬‬
‫"الحمفد ل فاطفر السفموات والرض" [فاطفر‪ ]1 :‬يعنفي خالقهفن‪ ،‬وبقوله‪" :‬ومفا لي ل أعبفد الذي‬
‫فطرنفي" [يفس‪ ]22 :‬يعنفي خلقنفي‪ ،‬وبقوله‪" :‬الذي فطرهن" [النفبياء‪ ]56 :‬يعنفي خلقهن‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫فالفطرة الخلقة‪ ،‬والفاطفر الخالق؛ وأنكروا أن يكون المولود يفطفر على كففر أو إيمان أو معرففة أو‬
‫إنكار قالوا‪ :‬وإنمفا المولود على السفلمة ففي الغلب خلقفة وطبعفا وبنيفة ليفس معهفا إيمان ول كففر‬
‫ول إنكار ول معرففففة؛ ثفففم يعتقدون الكففففر واليمان بعفففد البلوغ إذا ميزوا‪ .‬واحتجوا بقوله ففففي‬
‫الحديفث‪( :‬كمفا تنتفج البهيمفة بهيمفة جمعاء ‪ -‬يعنفي سفالمة ‪ -‬هفل تحسفون فيهفا مفن جدعاء) يعنفي‬
‫مقطوعفة الذن‪ .‬فمثفل قلوب بنفي آدم بالبهائم لنهفا تولد كاملة الخلق ليفس فيهفا نقصفان‪ ،‬ثفم تقطفع‬
‫آذانهفا بعفد وأنوفهفا؛ فيقال‪ :‬هذه بحائر وهذه سفوائب‪ .‬يقول‪ :‬فكذلك قلوب الطفال ففي حيفن ولدتهفم‬
‫ليفس لهفم كففر ول إيمان‪ ،‬ول معرففة ول إنكار كالبهائم السفائمة‪ ،‬فلمفا بلغوا اسفتهوتهم الشياطيفن‬
‫فكففر أكثرهفم‪ ،‬وعصفم ال أقلهفم‪ .‬قالوا‪ :‬ولو كان الطفال قفد فطروا على شيفء مفن الكففر واليمان‬
‫في أولية أمورهم ما انتقلوا عنه أبدا‪ ،‬وقد نجدهم يؤمنون ثم يكفرون‪ .‬قالوا‪ :‬ويستحيل في المعقول‬
‫أن يكون الطففل ففي حيفن ولدتفه يعقفل كفرا أو إيمانفا‪ ،‬لن ال أخرجهفم ففي حال ل يفقهون معهفا‬
‫شيئا‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وال أخرجكم من بطون أمهاتكم ل تعلمون شيئا" [النحل‪ ]78 :‬فمن ل يعلم‬
‫شيئا استحال منه كفر أو إيمان‪ ،‬أو معرفة أو إنكار‪ .‬قال أبو عمر بن عبدالبر‪ :‬هذا أصح ما قيل في‬
‫معنى الفطرة التي يولد الناس عليها‪ .‬ومن الحجة أيضا في هذا قوله تعالى‪" :‬إنما تجزون ما كنتم‬
‫تعملون" [الطور‪ ]16 :‬و"كل نفس بما كسبت رهينة" [المدثر‪ ]38 :‬ومن لم يبلغ وقت العمل لم‬
‫يرتهن بشيء‪ .‬وقال‪" :‬وما كنا معذبين حتى نبعث رسول" ولما أجمعوا على دفع القود والقصاص‬
‫والحدود والثام عنهفففم ففففي دار الدنيفففا كانفففت الخرة أولى بذلك‪ .‬وال أعلم‪ .‬ويسفففتحيل أن تكون‬
‫الفطرة المذكورة السلم‪ ،‬كما قال ابن شهاب؛ لن السلم واليمان‪ :‬قول باللسان واعتقاد بالقلب‬
‫وعمفل بالجوارح‪ ،‬وهذا معدوم مفن الطففل‪ ،‬ل يجهفل ذلك ذو عقفل‪ .‬وأمفا قول الوزاعفي‪ :‬سفألت‬
‫الزهري عفن رجفل عليه رقبفة أيجزي عنه الصفبي أن يعتقفه وهفو رضيفع؟ قال نعفم؛ لنه ولد على‬
‫الفطرة يعنفي السفلم؛ فإنمفا أجزى عتقفه عنفد مفن أجازه؛ لن حكمفه حكفم أبويفه‪ .‬وخالفهفم آخرون‬
‫فقالوا‪ :‬ل يجزي فففي الرقاب الواجبففة إل مففن صففام وصففلى‪ ،‬وليففس فففي قوله تعالى‪" :‬كمففا بدأكففم‬
‫تعودون" [العراف‪ ]29 :‬ول ففي (أن يختفم ال للعبفد بمفا قضاه له وقدره عليفه)‪ :‬دليفل على أن‬
‫الطففل يولد حيفن يولد مؤمنفا أو كافرا؛ لمفا شهدت له العقول أنفه ففي ذلك الوقفت ليفس ممفن يعقفل‬
‫إيمانا ول كفرا‪ ،‬والحديث الذي جاء فيه‪( :‬أن الناس خلقوا على طبقات) ليس من الحاديث التي ل‬
‫مطعن فيها؛ لنه انفرد به علي بن زيد بن جدعان‪ ،‬وقد كان شعبة يتكلم فيه‪ .‬على أنه يحتمل قوله‪:‬‬
‫(يولد مؤمنا) أي يولد ليكون مؤمنا‪ ،‬ويولد ليكون كافرا على سابق علم ال فيه‪ ،‬وليس في قوله في‬
‫الحديفث (خلقفت هؤلء للجنفة وخلقفت هؤلء للنار) أكثفر مفن مراعاة مفا يختفم بفه لهفم؛ ل أنهفم ففي‬
‫حين طفولتهم ممن يستحق جنة أو نارا‪ ،‬أو يعقل كفرا أو إيمانا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإلى مفا اختاره أبفو عمفر واحتفج له‪ ،‬ذهفب غيفر واحفد مفن المحققيفن منهفم ابفن عطيفة ففي‬
‫تفسفيره ففي معنفى الفطرة‪ ،‬وشيخنفا أبفو العباس‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬والذي يعتمفد عليفه ففي تفسفير هذه‬
‫اللفظة أنها الخلقة والهيئة التي في نفس الطفل التي هي معدة ومهيأة لن يميز بها مصنوعات ال‬
‫تعالى‪ ،‬ويستدل بها على ربه ويعرف شرائعه ويؤمن به؛ فكأنه تعالى قال‪ :‬أقم وجهك للدين الذي‬
‫هو الحنيف‪ ،‬وهو فطرة ال الذي على العداد له فطر البشر‪ ،‬لكن تعرضهم العوارض؛ ومنه قول‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه) فذكر البوين‬
‫إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة‪ .‬وقال شيخنا في عبارته‪ :‬إن ال تعالى خلق قلوب بني آدم‬
‫مؤهلة لقبول الحق‪ ،‬كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات‪ ،‬فما دامت باقية على‬
‫ذلك القبول وعلى تلك الهليفة أدركفت الحفق وديفن السفلم وهفو الديفن الحفق‪ .‬وقفد دل على صفحة‬
‫هذا المعنى قوله‪( :‬كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) يعني أن البهيمة تلد‬
‫ولدها كامل الخلقة سليما من الفات‪ ،‬فلو ترك على أصل تلك الخلقة لبقي كامل بريئا من العيوب‪،‬‬
‫لكفن يتصفرف فيفه فيجدع أذنفه ويوسفم وجهفه فتطرأ عليفه الفات والنقائص فيخرج عفن الصفل؛‬
‫وكذلك النسان‪ ،‬وهو تشبيه واقع ووجهه واضح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا القول مفع القول الول مواففق له ففي المعنفى‪ ،‬وأن ذلك بعفد الدراك حيفن عقلوا أمفر‬
‫الدنيففا‪ ،‬وتأكدت حجففة ال عليهففم بمففا نصففب مففن اليات الظاهرة‪ :‬مففن خلق السففموات والرض‪،‬‬
‫والشمس والقمر‪ ،‬والبر والبحر‪ ،‬واختلف الليل والنهار؛ فلما عملت أهواؤهم فيهم أتتهم الشياطين‬
‫فدعتهفم إلى اليهوديفة والنصفرانية فذهبفت بأهوائهفم يمينفا وشمال‪ ،‬وأنهفم إن ماتوا صفغارا فهفم ففي‬
‫الجنة‪ ،‬أعني جميع الطفال‪ ،‬لن ال تعالى لما أخرج ذرية آدم من صلبه في صورة الذر أقروا له‬
‫بالربوبية وهو قوله تعالى‪" :‬وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم‬
‫ألسفت بربكفم قالوا بلى شهدنفا" [العراف‪ .]172 :‬ثفم أعادهفم ففي صفلب آدم بعفد أن أقروا له‬
‫بالربوبيفة‪ ،‬وأنفه ال ل إله غيره‪ ،‬ثفم يكتفب العبفد ففي بطفن أمفه شقيفا أو سفعيدا على الكتاب الول؛‬
‫فمفن كان ففي الكتاب الول شقيفا عمفر حتفى يجري عليفه القلم فينقفض الميثاق الذي أخفذ عليفه ففي‬
‫صلب آدم بالشرك‪ ،‬ومن كان في الكتاب الول سعيدا عمر حتى يجري عليه القلم فيصير سعيدا‪،‬‬
‫ومن مات صغيرا من أولد المسلمين قبل أن يجري عليه القلم فهم مع آبائهم في الجنة‪ ،‬ومن كان‬
‫مفن أولد المشركيفن فمات قبفل أن يجري عليفه القلم فليفس يكونون مفع آبائهفم؛ لنهفم ماتوا على‬
‫الميثاق الول الذي أخفذ عليهفم ففي صفلب آدم ولم ينقفض الميثاق‪ ،‬ذهفب إلى هذا جماعفة مفن أهفل‬
‫التأويفل‪ ،‬وهفو يجمفع بيفن الحاديفث‪ ،‬ويكون معنفى قوله عليه السفلم لمفا سفئل عن أولد المشركيفن‬
‫فقال‪( :‬ال أعلم بما كانوا عاملين) يعني لو بلغوا‪ .‬ودل على هذا التأويل أيضا حديث البخاري عن‬
‫سفمرة بن جندب عن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ‪ -‬الحديفث الطويفل حديفث الرؤيفا‪ ،‬وفيه قول عليه‬
‫السفلم‪( :‬وأمفا الرجفل الطويفل الذي ففي الروضفة فإبراهيفم عليفه السفلم‪ ،‬وأمفا الولدان حوله فكفل‬
‫مولود يولد على الفطرة)‪ .‬قال فقيفل‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬وأولد المشركيفن؟ فقال رسفول ال صفلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬وأولد المشركين)‪ .‬وهذا نص يرفع الخلف‪ ،‬وهو أصح شيء روي في هذا الباب‪،‬‬
‫وغيره مفن الحاديفث فيهفا علل وليسفت مفن أحاديفث الئمفة الفقهاء؛ قاله أبفو عمفر بفن عبدالبر‪ .‬وقفد‬
‫روي من حديث أنس قال‪ :‬سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أولد المشركين فقال‪( :‬لم تكن‬
‫لهفم حسفنات فيجزوا بهفا فيكونوا مفن ملوك الجنفة‪ ،‬ولم تكفن لهفم سفيئات فيعاقبوا عليهفا فيكونوا مفن‬
‫أهفل النار‪ ،‬فهفم خدم لهفل الجنفة) ذكره يحيفى بفن سفلم ففي التفسفير له‪ .‬وقفد زدنفا هذه المسفألة بيانفا‬
‫في كتاب التذكرة‪ ،‬وذكرنا في كتاب المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس ما ذكره أبو عمر من‬
‫ذلك‪ ،‬والحمفد ل‪ .‬وذكفر إسفحاق بفن راهويفه قال‪ :‬حدثنفا يحيفى بفن آدم قال‪ :‬أخبرنفا جريفر بفن حازم‬
‫عن أبي رجاء العطاردي قال‪ :‬سمعت ابن عباس يقول‪ :‬ل يزال أمر هذه المة مواتيا أو متقاربا ‪-‬‬
‫أو كلمة تشبه هاتين ‪ -‬حتفى يتكلموا أو ينظروا ففي الطفال والقدر‪ .‬قال يحيفى بن آدم فذكرته لبن‬
‫المبارك فقال‪ :‬أيسففكت النسففان على الجهففل؟ قلت‪ :‬فتأمففر بالكلم؟ قال فسففكت‪ .‬وقال أبففو بكففر‬
‫الوراق‪" :‬فطرة ال التي فطر الناس عليها" هي الفقر والفاقة؛ وهذا حسن؛ فإنه منذ ولد إلى حين‬
‫يموت فقير محتاج‪ ،‬نعم‪ ،‬وفي الخرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل تبديل لخلق ال" أي هذه الفطرة ل تبديل لها من جهة الخالق‪ .‬ول يجيء المر‬
‫على خلف هذا بوجففه؛ أي ل يشقففى مففن خلقففه سففعيدا‪ ،‬ول يسففعد مففن خلقففه شقيففا‪ .‬وقال مجاهففد‪:‬‬
‫المعنفى ل تبديفل لديفن ال؛ وقال قتادة وابفن جفبير والضحاك وابفن زيفد والنخعفي‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا معناه‬
‫في المعتقدات‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬وروي عن ابن عباس وعمر بن الخطاب أن المعنى‪ :‬ل تغيير لخلق‬
‫ال من البهائم أن تخصى فحولها؛ فيكون معناه النهي عن خصاء الفحول من الحيوان‪ .‬وقد مضى‬
‫هذا ففي "النسفاء"‪" .‬ذلك الديفن القيفم" أي ذلك القضاء المسفتقيم؛ قاله ابفن عباس‪ .‬وقال مقاتفل‪ :‬ذلك‬
‫الحسفاب البيفن‪ .‬وقيفل‪" :‬ذلك الديفن القيفم" أي ديفن السفلم هفو الديفن القيفم المسفتقيم‪" .‬ولكفن أكثفر‬
‫الناس ل يعلمون" أي ل يتفكرون فيعلمون أن لهففم خالقففا معبودا‪ ،‬وإلهففا قديمففا سففبق قضاؤه ونفففذ‬
‫حكمه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 - 31 :‬منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلة ول تكونوا من المشركين‪ ،‬من الذين‬
‫فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منيبين إليه" اختلف في معناه‪ ،‬فقيل‪ :‬راجعين إليه بالتوبة والخلص‪ .‬وقال يحيى‬
‫بن سلم والفراء‪ :‬مقبلين إليه‪ .‬وقال عبدالرحمن بن زيد‪ :‬مطيعين له‪ .‬وقيل تائبين إليه من الذنوب؛‬
‫ومنه قول أبي قيس بن السلت‪:‬‬
‫وقومهم هوازن قد أنابوا‬ ‫فإن تابوا فإن بني سليم‬
‫والمعنففى واحففد؛ فإن "ناب وتاب وثاب وآب" معناه الرجوع‪ .‬قال الماوردي‪ :‬وفففي أصففل النابففة‬
‫قولن‪ :‬أحدهمفا‪ :‬أن أصفله القطفع؛ ومنفه أخفذ اسفم الناب لنفه قاطفع؛ فكأن النابفة هفي النقطاع إلى‬
‫ال عفز وجفل بالطاعفة‪ .‬الثانفي‪ :‬أصفله الرجوع؛ مأخوذ مفن ناب ينوب إذا رجفع مرة بعفد أخرى؛‬
‫ومنفه النوبفة لنهفا الرجوع إلى عادة‪ .‬الجوهري‪ :‬وأناب إلى ال أقبفل وتاب‪ .‬والنوبفة واحدة النوب‪،‬‬
‫تقول‪ :‬جاءت نوبتففك ونيابتففك‪ ،‬وهففم يتناوبون النوبففة فيمففا بينهففم فففي الماء وغيره‪ .‬وانتصففب على‬
‫الحال‪ .‬قال محمد بن يزيد‪ :‬لن معنى‪" :‬أقم وجهك" فأقيموا وجوهكم منيبين‪ .‬وقال الفراء‪ :‬المعنى‬
‫فأقم وجهك ومن معك منيبين‪ .‬وقيل‪ :‬انتصب على القطع؛ أي فأقم وجهك أنت وأمتك المنيبين إليه؛‬
‫لن المر له‪ ،‬أمر لمته؛ فحسن أن يقول منيبين إليه‪ ،‬وقد قال ال تعالى‪" :‬يا أيها النبي إذا طلقتم‬
‫النساء" [الطلق‪" .]1 :‬واتقوه" أي خافوه وامتثلوا ما أمركم به‪" .‬وأقيموا الصلة ول تكونوا من‬
‫المشركيفن" بيفن أن العبادة ل تنففع إل مفع الخلص؛ فلذلك قال‪" :‬ول تكونوا مفن المشركيفن" وقفد‬
‫مضففى هذا مبينففا "فففي النسففاء والكهففف" وغيرهمففا‪" .‬مففن الذيففن فرقوا دينهففم" تأوله أبففو هريرة‬
‫وعائشة وأبو أمامة‪ :‬أنه لهل القبلة من أهل الهواء والبدع‪ .‬وقد مضى "في النعام" بيانه‪ .‬وقال‬
‫الربيفع بفن أنفس‪ :‬الذيفن فرقوا دينهفم أهفل الكتاب مفن اليهود والنصفارى؛ وقاله قتادة ومعمفر‪ .‬وقرأ‬
‫حمزة والكسفائي‪" :‬فارقوا دينهفم"‪ ،‬وقفد قرأ ذلك علي بفن أبفي طالب؛ أي فارقوا دينهفم الذي يجفب‬
‫اتباعه‪ ،‬وهو التوحيد‪" .‬وكانوا شيعا" أي فرقا؛ قاله الكلبي‪ .‬وقيل أديانا؛ قاله مقاتل‪" .‬كل حزب بما‬
‫لديهفم فرحون" أي مسفرورون معجبون‪ ،‬لنهفم لم يتفبينوا الحفق وعليهفم أن يتفبينوه‪ .‬وقيفل‪ :‬كان هذا‬
‫قبففل أن تنزل الفرائض‪ .‬وقول ثالث‪ :‬أن العاصففي ل عففز وجففل قففد يكون فرحففا بمعصففيته‪ ،‬فكذلك‬
‫الشيطان وقطاع الطريفق وغيرهفم‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وزعفم الفراء أنفه يجوز أن يكون التمام "ول تكونوا‬
‫من المشركين" ويكون المعنى‪ :‬من الذين فارقوا دينهم "وكانوا شيعا" على الستئناف‪ ،‬وأنه يجوز‬
‫أن يكون متصففل بمففا قبله‪ .‬النحاس‪ :‬وإذا كان متصففل بمففا قبله فهففو عنففد البصففريين البدل بإعادة‬
‫الحرف؛ كما قال جل وعز‪" :‬قال المل الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم"‬
‫[العراف‪ ]75 :‬ولو كان بل حرف لجاز‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 33 :‬وإذا مس الناس ضر دعوا ربهفم منيبين إليه ثم إذا أذاقهفم منه رحمة إذا فريق‬
‫منهم بربهم يشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا مس الناس ضر" أي قحط وشدة "دعوا ربهم" أن يرفع ذلك عنهم "منيبين‬
‫إليه" قال ابن عباس‪ :‬مقبلين عليه بكل قلوبهم ل يشركون‪ .‬ومعنى هذا الكلم التعجب‪ ،‬عجب نبيه‬
‫مفن المشركيفن ففي ترك النابفة إلى ال تعالى مفع تتابفع الحجفج عليهفم؛ أي إذا مفس هؤلء الكفار‬
‫ضر من مرض وشدة دعوا ربهم؛ أي استغاثوا به في كشف ما نزل بهم‪ ،‬مقبلين عليه وحده دون‬
‫الصنام‪ ،‬لعلمهم بأنه ل فرج عندها‪" .‬ثم إذا أذاقهم منه رحمة" أي عافية ونعمة‪" .‬إذا فريق منهم‬
‫بربهم يشركون" أي يشركون به في العبادة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 34 :‬ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليكفروا بما آتيناهم" قيل‪ :‬هي لم كي‪ .‬وقيل‪ :‬هي لم أمر فيه معنى التهديد؛ كما‬
‫قال جفل وعفز‪" :‬فمفن شاء فليؤمفن ومفن شاء فليكففر" [الكهفف‪" .]29 :‬فتمتعوا فسفوف تعلمون"‬
‫تهديد ووعيد‪ .‬وفي مصحف عبدال "وليتمتعوا"؛ أي مكناهم من ذلك لكي يتمتعوا‪ ،‬فهو إخبار عن‬
‫غائب؛ مثل‪" :‬ليكفروا"‪ .‬وهو على خفط المصفحف خطاب بعد الخبار عن غائب؛ أي تمتعوا أيهفا‬
‫الفاعلون لهذا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 35 :‬أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم أنزلنا عليهم سلطانا" استفهام فيه معنى التوقيف‪ .‬قال الضحاك‪" :‬سلطانا" أي‬
‫كتابففا؛ وقاله قتادة والربيففع بففن أنففس‪ .‬وأضاف الكلم إلى الكتاب توسففعا‪ .‬وزعففم الفراء أن العرب‬
‫تؤنث السلطان؛ تقول‪ :‬قضت به عليك السلطان‪ .‬فأما البصريون فالتذكير عندهم أفصح‪ ،‬وبه جاء‬
‫القرآن‪ ،‬والتأنيففث عندهففم جائز لنففه بمعنففى الحجففة؛ أي حجففة تنطففق بشرككففم؛ قاله ابففن عباس‬
‫والضحاك أيضفا‪ .‬وقال علي بفن سفليمان عفن أبفي العباس محمفد بفن يزيفد قال‪ :‬سفلطان جمفع سفليط؛‬
‫مثفل رغيفف ورغفان‪ ،‬فتذكيره على معنفى الجمفع وتأنيثه على معنفى الجماعة‪ .‬وقد مضى ففي "آل‬
‫عمران"‪ .‬والسفلطان‪ :‬مفا يدففع بفه النسفان عفن نفسفه أمرا يسفتوجب بفه عقوبفة؛ كمفا قال تعالى‪" :‬أو‬
‫لذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين" [النمل‪.]21 :‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 36 :‬وإذا أذقنفا الناس رحمفة فرحوا بهفا وإن تصفبهم سفيئة بمفا قدمفت أيديهفم إذا هفم‬
‫يقنطون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا أذقنفا الناس رحمفة فرحوا بهفا" يعنفي الخصفب والسفعة والعافيفة؛ قاله يحيفى‬
‫ابففن سففلم‪ .‬النقاش‪ :‬النعمففة والمطففر‪ .‬وقيففل‪ :‬المففن والدعففة؛ والمعنففى متقارب‪" .‬فرحوا بهففا" أي‬
‫بالرحمفة‪" .‬وإن تصفبهم سفيئة" أي بلء وعقوبفة؛ قاله مجاهفد‪ .‬السفدي‪ :‬قحفط المطفر‪" .‬بمفا قدمفت‬
‫أيديهففم" أي بمففا عملوا مففن المعاصففي‪" .‬إذا هففم يقنطون" أي ييأسففون مففن الرحمففة والفرج؛ قاله‬
‫الجمهور‪ .‬وقال الحسفن‪ :‬إن القنوط ترك فرائض ال سفبحانه وتعالى ففي السفر‪ .‬قنفط يقنفط‪ ،‬وهفي‬
‫قراءة العامفة‪ .‬وقنفط يقنفط‪ ،‬وهفي قراءة أبفي عمرو والكسفائي ومعقوب‪ .‬وقرأ العمفش‪ :‬قنِط يقنَط‬
‫[الحجر‪ ]56 :‬بالكسر فيهما؛ مثل حسب يحسب‪ .‬والية صفة للكافر‪ ،‬يقنط عند الشدة‪ ،‬ويبطر عند‬
‫النعمة؛ كما قيل‪:‬‬
‫رمَح الناس وإن جاع نهق‬ ‫كحمار السوء إن أعلفته‬
‫وكثير ممن لم يرسخ اليمان في قلبه بهذه المثابة؛ وقد مضى في غير موضع‪ .‬فأما المؤمن فيشكر‬
‫ربه عند النعمة‪ ،‬ويرجوه عند الشدة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 37 :‬أولم يروا أن ال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولم يروا أن ال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" أي يوسع الخيفر ففي الدنيا لمن‬
‫يشاء أو يضيق؛ فل يجب أن يدعوهم الفقر إلى القنوط‪" .‬إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 38 :‬فآت ذا القربفى حقفه والمسفكين وابفن السفبيل ذلك خيفر للذيفن يريدون وجفه ال‬
‫وأولئك هم المفلحون}‬
‫@ لما تقدم أنه سبحانه يبسفط الرزق لمن يشاء ويقدر أمر من وسع عليه الرزق أن يوصل إلى‬
‫الفقير كفايته ليمتحن شكر الغني‪ .‬والخطاب للنبي عليه السلم والمراد هو وأمته؛ لنه قال‪" :‬ذلك‬
‫خيفر للذيفن يريدون وجفه ال"‪ .‬وأمفر بإيتاء ذي القربفى لقرب رحمفه؛ وخيفر الصفدقة مفا كان على‬
‫القريب‪ ،‬وفيها صلة الرحم‪ .‬وقد فضل رسول ال صلى ال عليه وسلم الصدقة على القارب على‬
‫عتق الرقاب‪ ،‬فقال لميمونة وقد أعتقت وليدة‪( :‬أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لجرك)‪.‬‬
‫@ واختلف في هذه الية؛ فقيل‪ :‬إنها منسوخة بآية المواريث‪ .‬وقيل‪ :‬ل نسخ‪ ،‬بل للقريب حق لزم‬
‫ففي البر على كفل حال؛ وهفو الصفحيح‪ .‬قال مجاهفد وقتادة‪ :‬صفلة الرحفم فرض مفن ال عفز وجفل‪،‬‬
‫حتى قال مجاهد‪ :‬ل تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بالقربى أقرباء النبي صلى‬
‫ال عليفه وسفلم‪ .‬والول أصفح؛ فإن حقهفم مفبين ففي كتاب ال عفز وجفل ففي قوله‪" :‬فأن ل خمسفه‬
‫وللرسفول ولذي القربفى" [النفال‪ .]41 :‬وقيفل‪ :‬إن المفر باليتاء لذي القربفى على جهفة الندب‪.‬‬
‫قال الحسن‪" :‬حقه" المواساة في اليسر‪ ،‬وقول ميسور في العسر‪" .‬والمسكين" قال ابن عباس‪ :‬أي‬
‫أطعفم السفائل الطواف؛ "وابفن السفبيل" الضيفف؛ فجعفل الضياففة فرضفا‪ ،‬وقفد مضفى جميفع هذا‬
‫مبسوطا مبينا في مواضعه والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك خير للذين يريدون وجه ال" أي إعطاء الحق أفضل من المساك إذا أريفد‬
‫بذلك وجففه ال والتقرب إليففه‪" .‬وأولئك هففم المفلحون" أي الفائزون بمطلوبهففم مففن الثواب فففي‬
‫الخرة‪ .‬وقد تقدم في "البقرة" القول فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 :‬وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فل يربوا عند ال وما آتيتم من زكاة‬
‫تريدون وجه ال فأولئك هم المضعفون}‬
‫@ لما ذكر ما يراد به وجهه ويثبت عليه ذكر غير ذلك من الصفة وما يراد به أيضا وجهه‪ .‬وقرأ‬
‫الجمهور‪" :‬آتيتفم" بالمفد بمعنفى أعطيتفم‪ .‬وقرأ ابفن كثيفر ومجاهفد وحميفد بغيفر مفد؛ بمعنفى مفا فعلتفم‬
‫مفن ربفا ليربفو؛ كمفا تقول‪ :‬أتيفت صفوابا وأتيفت خطفأ‪ .‬وأجمعوا على المفد ففي قوله‪" :‬ومفا آتيتفم مفن‬
‫زكاة"‪ .‬والربفا الزيادة وقفد مضفى ففي "البقرة" معناه‪ ،‬وهفو هناك محرم وهفا هنفا حلل‪ .‬وثبفت بهذا‬
‫أنه قسمان‪ :‬منه حلل ومنه حرام‪ .‬قال عكرمة في قوله تعالى‪" :‬وما آتيتم من ربا ليربو في أموال‬
‫الناس" قال‪ :‬الربا ربوان‪ ،‬ربا حلل وربا حرام؛ فأما الربا الحلل فهو الذي يهدى‪ ،‬يلتمس ما هو‬
‫أفضل منه‪ .‬وعن الضحاك في هذه الية‪ :‬هو الربا الحلل الذي يهدى ليثاب ما هو أفضل منه‪ ،‬ل‬
‫له ول عليه‪ ،‬ليس له فيه أجر وليس عليه فيه إثم‪ .‬وكذلك قال ابن عباس‪" :‬وما آتيتم من ربا" يريد‬
‫هديفة الرجفل الشيفء يرجفو أن يثاب أفضفل منفه؛ فذلك الذي ل يربفو عنفد ال ول يؤجفر صفاحبه‬
‫ولكن ل إثم عليه‪ ،‬وفي هذا المعنى نزلت الية‪ .‬قال ابن عباس وابن جبير وطاوس ومجاهد‪ :‬هذه‬
‫آيفة نزلت ففي هبفة الثواب‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬ومفا جرى مجراهفا ممفا يصفنعه النسفان ليجازى عليفه‬
‫كالسفلم وغيره؛ فهفو وإن كان ل إثفم فيفه فل أجفر فيفه ول زيادة عنفد ال تعالى‪ .‬وقاله القاضفي أبفو‬
‫بكر بن العربي‪ .‬وفي كتاب النسائي عن عبدالرحمن بن علقمة قال‪ :‬قدم وفد ثقيف على رسول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم ومعهفم هديفة فقال‪( :‬أهديفة أم صفدقة فإن كانفت هديفة فإنمفا يبتغفى بهفا وجفه‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وقضاء الحاجفة‪ ،‬وإن كانفت صفدقة فإنمفا يبتغفى بهفا وجفه ال عفز‬
‫وجل) قالوا‪ :‬ل بل هدية؛ فقبلها منهم وقعد معهم يسائلهم ويسألونه‪ .‬وقال ابن عباس أيضا وإبراهيم‬
‫النخعفي‪ :‬نزلت ففي قوم يعطون قراباتهفم وإخوانهفم على معنفى نفعهفم وتمويلهفم والتفضفل عليهفم‪،‬‬
‫وليزيدوا ففي أموالهفم على وجفه النففع لهفم‪ .‬وقال الشعفبي‪ :‬معنفى اليفة أن مفا خدم النسفان بفه أحدا‬
‫وخف له لينتفع به في دنياه فإن ذلك النفع الذي يجزي به الخدمة ل يربو عند ال‪ .‬وقيل‪ :‬كان هذا‬
‫حرامففا على النففبي صففلى ال عليففه وسففلم على الخصففوص؛ قال ال تعالى‪" :‬ول تمنففن تسففتكثر"‬
‫[المدثفر‪ ]6 :‬فنهفى أن يعطفي شيئا فيأخفذ أكثفر منفه عوضفا‪ .‬وقيفل‪ :‬إنفه الربفا المحرم؛ فمعنفى‪" :‬ل‬
‫يربو عند ال" على هذا القول ل يحكفم به لخذه بل هو للمأخوذ منه‪ .‬قال السدي‪ :‬نزلت هذه الية‬
‫في ربا ثقيف؛ لنهم كانوا يعملون بالربا وتعمله فيهم قريش‪.‬‬
‫@ قال القاضي أبو بكر بن العربي‪ :‬صريح الية فيمن يهب يطلب الزيادة من أموال الناس في‬
‫المكافأة‪ .‬قال المهلب‪ :‬اختلف العلماء فيمفن وهفب هبفة يطلب ثوابهفا وقال‪ :‬إنمفا أردت الثواب؛ فقال‬
‫مالك‪ :‬ينظففر فيففه؛ فإن كان مثله ممففن يطلب الثواب مففن الموهوب له فله ذلك؛ مثففل هبففة الفقيففر‬
‫للغنفي‪ ،‬وهبفة الخادم لصفاحبه‪ ،‬وهبفة الرجفل لميره ومن فوقفه؛ وهفو أحفد قولي الشافعفي‪ .‬وقال أبفو‬
‫حنيفففة‪ :‬ل يكون له ثواب إذا لم يشترط؛ وهففو قول الشافعففي الخففر‪ .‬قال‪ :‬والهبففة للثواب باطلة ل‬
‫تنفعه؛ لنها بيع بثمن مجهول‪ .‬واحتج الكوفي بأن موضوع الهبة التبرع‪ ،‬فلو أوجبنا فيها العوض‬
‫لبطل معنى التبرع وصارت في معنى المعاوضات‪ ،‬والعرب قد فرقت بين لفظ البيع ولفظ الهبة‪،‬‬
‫فجعلت لفففظ البيففع على مففا يسففتحق فيففه العوض‪ ،‬والهبففة بخلف ذلك‪ .‬ودليلنففا مففا رواه مالك فففي‬
‫موطئه عن عمر ابن الخطاب رضي ال عنه أنه قال‪ :‬أيما رجل وهب هبة يرى أنها للثواب فهو‬
‫على هبته حتى يرضى منها‪ .‬ونحوه عن علّي رضي ال عنه قال‪ :‬المواهب ثلثة‪ :‬موهبة يراد بها‬
‫وجفه ال‪ ،‬وموهبفة يراد بهفا وجوه الناس‪ ،‬وموهبفة يراد بهفا الثواب؛ فموهبفة الثواب يرجفع فيهفا‬
‫صاحبها إذا لم يثب منها‪ .‬وترجم البخاري رحمه ال (باب المكافأة في الهبة) وساق حديث عائشة‬
‫قالت‪ :‬كان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقبفل الهديفة ويثيفب عليهفا‪ ،‬وأثاب على لقحفة ولم ينكفر‬
‫على صففاحبها حيففن طلب الثواب‪ ،‬وإنمففا أنكففر سففخطه للثواب وكان زائدا على القيمففة‪ .‬خرجففه‬
‫الترمذي‪.‬‬
‫@ ما ذكره علّي رضي ال عنه وفصّله من الهبة صحيح؛ وذلك أن الواهب ل يخلو في هبته من‬
‫ثلثفة أحوال‪ :‬أحدهفا‪ :‬أن يريفد بهفا وجفه ال تعالى ويبتغفي عليهفا الثواب منفه‪ .‬والثانفي‪ :‬أن يريفد بهفا‬
‫وجوه الناس رياء ليحمدوه عليها ويثنوا عليه من أجلها‪ .‬والثالث‪ :‬أن يريد بها الثواب من الموهوب‬
‫له؛ وقد مضى الكلم فيه‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم‪( :‬العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)‪.‬‬
‫فأما إذا أراد بهبته وجه ال تعالى وابتغى عليه الثواب من عنده فله ذلك عنفد ال بفضله ورحمته؛‬
‫قال ال عز وجل‪" :‬وما آتيتم من زكاة تريدون وجه ال فأولئك هم المضعفون"‬
‫وكذلك من يصل قرابته ليكون غنيا حتى ل يكون كل فالنية في ذلك متبوعة؛ فإن كان ليتظاهر‬
‫بذلك دنيفا فليفس لوجفه ال‪ ،‬وإن كان لمفا له عليفه مفن حفق القرابفة وبينهمفا مفن وشيجفة الرحفم فإنفه‬
‫لوجه ال‪.‬‬
‫وأمفا مفن أراد بهبتفه وجوه الناس رياء ليحمدوه عليهفا ويثنوا عليفه مفن أجلهفا فل منفعفة له ففي‬
‫هبتفه؛ ل ثواب ففي الدنيفا ول أجفر ففي الخرة؛ قال ال عفز وجفل‪" :‬يفا أيهفا الذيفن آمنوا ل تبطلوا‬
‫صفدقاتكم بالمفن والذى كالذي ينففق ماله رئاء الناس" [البقرة‪ ]264 :‬اليفة‪ .‬وأمفا مفن أراذ بهبتفه‬
‫الثواب مفن الموهوب له فله مفا أراد بهبتفه‪ ،‬وله أن يرجفع فيهفا مفا لم يثفب بقيمتهفا‪ ،‬على مذهفب ابفن‬
‫القاسم‪ ،‬أو ما لم يرض منها بأزيد من قيمتها‪ ،‬على ظاهر قول عمر وعلّي‪ ،‬وهو قول مطرف في‬
‫الواضحفة‪ :‬أن الهبفة مفا كانفت قائمفة العيفن‪ ،‬وإن زادت أو نقصفت فللواهفب الرجوع فيهفا وإن أثابفه‬
‫الموهوب فيهفا أكثفر منهفا‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬إنهفا إذا كانفت قائمفة العيفن لم تتغيفر فإنفه يأخفذ مفا شاء‪ .‬وقيفل‪:‬‬
‫تلزمفه القيمفة كنكاح التفويفض‪ ،‬وأمفا إذا كان بعفد فوت الهبفة فليفس له إل القيمفة اتفاقفا؛ قاله ابفن‬
‫العربي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليربفو" قرأ جمهور الفراء [القراء؟؟] السفبعة‪" :‬ليربفو" بالياء وإسفناد الفعفل إلى‬
‫الربففا‪ .‬وقرأ نافففع وحده‪ :‬بضففم التاء والواو سففاكنة على المخاطبففة؛ بمعنففى تكونوا ذوي زيادات‪،‬‬
‫وهذه قراءة ابففن عباس والحسففن وقتاده والشعففبي‪ .‬قال أبففو حاتففم‪ :‬هففي قراءتنففا‪ .‬وقرأ أبففو مالك‪:‬‬
‫"لتربوها" بضمير مؤنث‪" .‬فل يربو عند ال" أي ل يزكو ول يثيب عليه؛ لنه ل يقبل إل ما أريد‬
‫بفه وجهفه وكان خالصفا له؛ وقفد تقدم ففي "النسفاء"‪" .‬ومفا آتيتفم مفن زكاة" قال ابفن عباس‪ :‬أي مفن‬
‫صفدقة‪" .‬تريدون وجفه ال فأولئك هفم المضعفون" أي ذلك الذي يقبله ويضاعففه له عشرة أضعاففه‬
‫أو أكثففر؛ كمففا قال‪" :‬مففن ذا الذي يقرض ال قرضففا حسففنا فيضاعفففه له أضعافففا كثيرة" [البقرة‪:‬‬
‫‪ .]245‬وقال‪" :‬ومثفل الذيفن ينفقون أموالهفم ابتغاء مرضاة ال وتثبيتفا مفن أنفسفهم كمثفل جنفة‬
‫بربوة" [البقرة‪ .]265 :‬وقال‪"0 :‬فأولئك هم المضعفون" ولم يقل فأنتم المضعفون لنه رجع من‬
‫المخاطبة إلى الغيبة؛ مثل قوله‪" :‬حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم" [يونس‪ .]22 :‬وفي معنى‬
‫المضعفين قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه تضاعف لهم الحسنات ذكرنا‪ .‬والخر‪ :‬أنهم قد أضعف لهم الخير‬
‫والنعيم؛ أي هم أصحاب أضعاف‪ ،‬كما يقال‪ :‬فلن مقو إذا كانت إبله قوية‪ ،‬أو له أصحاب أقوياء‪.‬‬
‫ومسمن إذا كانت إبله سمانا‪ .‬ومعطش إذا كانت إبله عطاشا‪ .‬ومضعف إذا كان إبله ضعيفة؛ ومنه‬
‫قول النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬اللهفم إنفي أعوذ بفك مفن الخفبيث المخبفث الشيطان الرجيفم"‪.‬‬
‫فالمخبففث‪ :‬الذي أصففابه خبففث‪ ،‬يقال‪ :‬فلن رديففء أي هففو رديففء؛ فففي نفسففه‪ .‬ومردئ‪ :‬أصففحابه‬
‫أردئاء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 40 :‬ال الذي خلقكفم ثفم رزقكفم ثفم يميتكفم ثفم يحييكفم هفل مفن شركائكفم مفن يفعفل مفن‬
‫ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال الذي خلقكفم" ابتداء وخفبر‪ .‬وعاد الكلم إلى الحتجاج على المشركيفن وأنفه‬
‫الخالق الرازق المميت المحيي‪ .‬ثم قال على جهة الستفهام‪" :‬هل من شركائكم من يفعل من ذلكم‬
‫من شيء" ل يفعل‪" .‬سبحانه وتعالى عما يشركون" ثم نزه نفسه عن النداد والضداد والصاحبة‬
‫والولد وأضاف الشركاء إليهفففم لنهفففم كانوا يسفففمونهم باللهفففة والشركاء‪ ،‬ويجعلون لهفففم مفففن‬
‫أموالهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 41 :‬ظهفر الفسفاد ففي البر والبحفر بمفا كسفبت أيدي الناس ليذيقهفم بعض الذي عملوا‬
‫لعلهم يرجعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ظهر الفساد في البر والبحر" اختلف العلماء في معنى الفساد والبر والبحر؛ فقال‬
‫قتادة والسدي‪ :‬الفساد الشرك‪ ،‬وهو أعظم الفساد‪ .‬وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد‪ :‬فساد البر قتل‬
‫ابفن آدم أخاه؛ قابيفل قتفل هابيفل‪ .‬وففي البحفر بالملك الذي كان يأخفذ كفل سففينة غصفبا‪ .‬وقيفل‪ :‬الفسفاد‬
‫القحط وقلة النبات وذهاب البركة‪ .‬ونحوه قال ابن عباس قال‪ :‬هو نقصان البركة بأعمال العباد كي‬
‫يتوبوا‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهو أحسن ما قيل في الية‪ .‬وعنه أيضا‪ :‬أن الفساد في البحر انقطاع صيده‬
‫بذنوب بنفي آدم‪ .‬وقال عطيفة‪ :‬فإذا قفل المطفر قفل الغوص عنده‪ ،‬وأخففق الصفيادون‪ ،‬وعميفت دواب‬
‫البحر‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬إذا مطرت السماء تفتحت الصداف في البحر‪ ،‬فما وقع فيها من السماء‬
‫فهو لؤلؤ‪ .‬وقيل‪ :‬الفساد كساد السعار وقلة المعاش‪ .‬وقيل‪ :‬الفساد المعاصي وقطع السبيل والظلم؛‬
‫أي صار هذا العمل مانعفا من الزرع والعمارات والتجارات؛ والمعنفى كله متقارب‪ .‬والبر والبحر‬
‫هما المعروفان المشهوران في اللغة وعند الناس؛ ل ما قاله بعض العباد‪ :‬أن البر اللسان‪ ،‬والبحر‬
‫القلب؛ لظهور مففا على اللسففان وخفاء مففا فففي القلب‪ .‬وقيففل‪ :‬البر‪ :‬الفيافففي‪ ،‬والبحففر‪ :‬القرى؛ قاله‬
‫عكرمففة‪ .‬والعرب تسففمي المصففار البحار‪ .‬وقال قتادة‪ :‬البر أهففل العمود‪ ،‬والبحففر أهففل القرى‬
‫والريفف‪ .‬وقال ابفن عباس‪ :‬إن البر مفا كان مفن المدن والقرى على غيفر نهفر‪ ،‬والبحفر مفا كان على‬
‫شط نهر؛ وقاله مجاهد‪ ،‬قال‪ :‬أما وال ما هو بحركم هذا‪ ،‬ولكن كل قرية على ماء جار فهي بحر‪.‬‬
‫وقال معناه النحاس‪ ،‬قال‪ :‬في معناه قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬ظهر الجذب في البر؛ أي في البوادي وقراها‪،‬‬
‫وفي البحر أي في مدن البحر؛ مثل‪" :‬واسأل القرية" [يوسف‪ .]82 :‬أي ظهر قلة الغيث وغلء‬
‫السفعر‪" .‬بمفا كسفبت أيدي الناس ليذيقهفم بعفض" أي عقاب بعفض "الذيفن عملوا" ثفم حذف‪ .‬والقول‬
‫الخر‪ :‬أنه ظهرت المعاصي من قطع السبيل والظلم‪ ،‬فهذا هو الفساد على الحقيقة‪ ،‬والول مجاز‬
‫إل أنفه على الجواب الثانفي‪ ،‬فيكون ففي الكلم حذف واختصفار دل عليفه مفا بعده‪ ،‬ويكون المعنفى‪:‬‬
‫ظهرت المعاصفي ففي البر والبحفر فحبفس ال عنهمفا الغيفث وأغلى سفعرهم ليذيقهفم عقاب بعفض‬
‫الذي عملوا‪" .‬لعلهفم يرجعون" لعلهفم يتوبون‪ .‬وقال‪" :‬بعفض الذي عملوا" لن معظفم الجزاء ففي‬
‫الخرة‪ .‬والقراءة "ليذيقهففم" بالياء‪ .‬وقرأ ابففن عباس بالنون‪ ،‬وهففي قراءة السففلمي وابففن محيصففن‬
‫وقنبل ويعقوب على التعظيم؛ أي نذيقهم عقوبة بعض ما عملوا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 42 :‬قفل سفيروا ففي الرض فانظروا كيفف كان عاقبفة الذيفن مفن قبفل كان أكثرهفم‬
‫مشركين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قفل سفيروا ففي الرض" أي قفل لهفم يفا محمفد سفيروا ففي الرض ليعتفبروا بمفن‬
‫قبلهم‪ ،‬وينظروا كيف كان عاقبة من كذب الرسل "كان أكثرهم مشركين" أي كافرين فأهلكوا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 43 :‬فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم ل مرد له من ال يومئذ يصدعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأقفم وجهفك للديفن القيفم" قال الزجاج‪ :‬أي أقفم قصفدك‪ ،‬واجعفل جهتفك اتباع الدين‬
‫القيم؛ يعني السلم‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى أوضح الحق وبالغ في العذار‪ ،‬واشتغل بما أنت فيه ول تحزن‬
‫عليهفم‪" .‬مفن قبفل أن يأتفي يوم ل مرد له مفن ال" أي ل يرده ال عنهفم‪ ،‬فإذا لم يرده لم يتهيفأ لحفد‬
‫دفعففه‪ .‬ويجوز عنففد غيففر سففيبويه "ل مرد له" وذلك عنففد سففيبويه بعيففد‪ ،‬إل أن يكون فففي الكلم‬
‫عطف‪ .‬والمراد يوم القيامة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يومئذ يصدعون" قال ابن عباس‪ :‬معناه يتفرقون‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫من الدهر حتى قيل لن يتصدعا‬ ‫وكنا ك َندْمانَي جَذيمة حقبة‬
‫أي لن يتفرقففا؛ نظيره قوله تعالى‪" :‬يومئذ يتفرقون" [الروم‪" ]14 :‬فريففق فففي الجنففة وفريففق فففي‬
‫السفعير"‪ .‬والصفل يتصفدعون؛ ويقال‪ :‬تصفدع القوم إذا تفرقوا؛ ومنفه اشتفق الصفداع‪ ،‬لنفه يفرق‬
‫شعب الرأس‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 44 :‬من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلنفسهم يمهدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من كفر فعليه كفره" أي جزاء كفره‪" .‬ومن عمل صالحا فلنفسهم يمهدون" أي‬
‫يوطئون لنفسفهم ففي الخرة فراشفا ومسفكنا وقرارا بالعمفل الصفالح؛ ومنفه‪ :‬مهفد الصفبي‪ .‬والمهاد‬
‫الفراش‪ ،‬وقفد مهدت الفراش مهدا‪ :‬بسفطته ووطأتفه‪ .‬وتمهيفد المور‪ :‬تسفويتها وإصفلحها‪ .‬وتمهيفد‬
‫العذر‪ :‬بسطه وقبوله‪ .‬والتمهد‪ :‬التمكن‪ .‬وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد "فلنفسهم يمهدون" قال‪:‬‬
‫في القبر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 :‬ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه ل يحب الكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليجزي الذين آمنوا" أي يمهدون لنفسهم ليجزيهم ال من فضله‪ .‬وقيل يصدعون‬
‫ليجزيهم ال؛ أي ليتميز الكافر من المسلم‪" .‬إنه ل يحب الكافرين"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 46 :‬ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره‬
‫ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات" أي ومن أعلم كمال قدرته إرسال الرياح‬
‫مبشرات أي بالمطفر لنهفا تتقدمفه‪ .‬وقفد مضفى ففي "الحجفر" بيانفه‪" .‬وليذيقكفم مفن رحمتفه" يعنفي‬
‫الغيفث والخصفب‪" .‬ولتجري الفلك" أي ففي البحفر عنفد هبوبهفا‪ .‬وإنمفا زاد "بأمره" لن الرياح قفد‬
‫تهفب ول تكون مواتيفة‪ ،‬فل بفد مفن إرسفاء السففن والحتيال بحبسففها‪ ،‬وربمفا عصففت فأغرقتهفا‬
‫بأمره‪" .‬ولتبتغوا مفففن فضله" يعنفففي الرزق بالتجارة "ولعلكفففم تشكرون" هذه النعفففم بالتوحيفففد‬
‫والطاعة‪ .‬وقد مضى هذا كله مبينا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 47 :‬ولقفد أرسفلنا مفن قبلك رسفل إلى قومهفم فجاؤوهفم بالبينات فانتقمنفا مفن الذيفن‬
‫أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد أرسلنا من قبلك رسل إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات" أي المعجزات والحجج‬
‫النيرات "فانتقمنا" أي فكفروا فانتقمنفا ممفن كفر‪" .‬وكان حقفا علينفا نصر المؤمنين" "حقفا" نصفب‬
‫على خفبر كان‪" ،‬ونصفر" اسفمها‪ .‬وكان أبفو بكفر يقفف على "حقفا" أي وكان عقابنفا حقفا‪ ،‬ثفم قال‪:‬‬
‫"علينا نصر المؤمنين" ابتداء وخبر؛ أي أخبر بأنه ل يخلف الميعاد‪ ،‬ول خلف في خبرنا‪ .‬وروي‬
‫من حديث أبي الدرداء قال سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬ما من مسلم يذب عن عرض‬
‫أخيفه إل كان حقفا على ال تعالى أن يرد عنفه نار جهنفم يوم القيامفة ‪ -‬ثفم تل ‪" -‬وكان حقفا علينفا‬
‫نصر المؤمنين")‪ .‬ذكره النحاس والثعلبي والزمخشري وغيرهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 :‬ال الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا‬
‫فترى الودق يخرج من خلله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون‪ ،‬وإن كانوا من‬
‫قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال الذي يرسل الرياح" قرأ ابن محيصن وابن كثير وحمزة والكسائي‪" :‬الريح"‬
‫بالتوحيد‪ .‬والباقون بالجمع‪ .‬قال أبو عمرو‪ :‬وكل ما كان بمعنى الرحمة فهو جمع‪ ،‬وما كان بمعنى‬
‫العذاب فهو موحد‪ .‬وقد مضى في "البقرة" معنى هذه الية وفي غيرها‪" .‬كسفا" جمع كسفة وهي‬
‫القطعة‪ .‬وفي قراءة الحسن وأبي جعفر وعبدالرحمن العرج وابن عامر "كسفا" بإسكان السين‪،‬‬
‫وهي أيضا جمع كسفة؛ كما يقال‪ :‬سدرة وسدر؛ وعلى هذه القراءة يكون المضمر الذي بعده عائدا‬
‫عليه؛ أي فترى الودق أي المطر يخرج من خلل الكسف؛ لن كل جمع بينه وبين واحده الهاء ل‬
‫غيففر فالتذكيففر فيففه حسففن‪ .‬ومففن قرأ‪" :‬كسفففا" فالمضمففر عنده عائد على السففحاب‪ .‬وفففي قراءة‬
‫الضحاك وأبففي العاليففة وابففن عباس‪" :‬فترى الودق يخرج مففن خلله" ويجوز أن يكون خلل جمففع‬
‫خلل‪" .‬فإذا أصففاب بففه" أي بالمطففر‪" .‬مففن يشاء مففن عباده إذا هففم يسففتبشرون" يفرحون بنزول‬
‫المطفر عليهفم‪" .‬وإن كانوا مفن قبفل أن ينزل عليهفم مفن قبله لمبلسفين" أي يائسفين مكتئبيفن قفد ظهفر‬
‫الحزن عليهففم لحتباس المطففر عنهففم‪ .‬و"مففن قبله" تكريففر عنففد الخفففش معناه التأكيففد؛ وأكثففر‬
‫النحوييففن على هذا القول؛ قاله النحاس‪ .‬وقال قطرب‪ :‬إن "قبففل" الولى للنزال والثانيففة للمطففر؛‬
‫أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى من قبل تنزيل الغيث عليهم من قبل‬
‫الزرع‪ ،‬ودل على الزرع المطفر إذ بسفببه يكون‪ .‬ودل عليفه أيضفا "فرأوه مصففرا" على مفا يأتفي‪.‬‬
‫وقيفل‪ :‬المعنفى مفن قبفل السفحاب مفن قبفل رؤيتفه؛ واختار هذا القول النحاس‪ ،‬أي مفن قبفل رؤيفة‬
‫السحاب "لمبلسين" أي ليائسين‪ .‬وقد تقدم ذكر السحاب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 50 :‬فانظر إلى آثار رحمة ال كيف يحيي الرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى‬
‫وهو على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فانظفر إلى آثار رحمفة ال" يعنفي المطفر؛ أي انظروا نظفر اسفتبصار واسفتدلل؛‬
‫أي اسفتدلوا بذلك على أن مفن قدر عليفه قادر على إحياء الموتفى‪ .‬وقرأ ابفن عامفر وحففص وحمزه‬
‫والكسففائي‪" :‬آثار" بالجمففع‪ .‬الباقون "بالتوحيففد؛ لنففه مضاف إلى مفرد‪ .‬والثففر فاعففل "يحيففي"‬
‫ويجوز أن يكون الفاعل اسم ال عز وجل‪ .‬ومن قرأ‪" :‬آثار" بالجمع فلن رحمة ال يجوز أن يراد‬
‫بهفا الكثرة؛ كمفا قال تعالى‪" :‬وإن تعدوا نعمفة ال ل تحصفوها" [إبراهيفم‪ .]34 :‬وقرأ الجحدري‬
‫وأبو حيوة وغيرهما‪" :‬كيف تحيي الرض" بتاء؛ ذهب بالتأنيث إلى لفظ الرحمة؛ لن أثر الرحمة‬
‫يقوم مقامهفا فكأنفه هفو الرحمفة؛ أي كيفف تحيفي الرحمفة الرض أو الثار‪" .‬ويحيفي" أي يحيفي ال‬
‫عفز وجفل أو المطفر أو الثفر فيمفن قرأ بالياء‪ .‬و"كيفف يحيفي الرض" ففي موضفع نصفب على‬
‫الحال على الحمفل على المعنفى لن اللففظ لففظ السفتفهام والحال خفبر؛ والتقديفر‪ :‬فانظفر إلى أثفر‬
‫رحمة ال محيية للرض بعد موتها‪" .‬إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير" استدلل‬
‫بالشاهد على الغائب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 51 :‬ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا" يعني الريح‪ ،‬والريح يجوز تذكيره‪ .‬قال محمد‬
‫بن يزيد‪ :‬ل يمتنع تذكير كل مؤنث غير حقيقي‪ ،‬نحو أعجبني الدار وشبهه‪ .‬وقيل‪ :‬فرأوا السحاب‪.‬‬
‫وقال ابففن عباس‪ :‬الزرع‪ ،‬وهففو الثففر؛ والمعنففى‪ :‬فرأوا الثففر مصفففرا؛ واصفففرار الزرع بعففد‬
‫اخضراره يدل على يبسفه‪ ،‬وكذا السفحاب يدل على أنفه ل يمطفر‪ ،‬والريفح على أنهفا ل تلقفح "لظلوا‬
‫من بعده يكفرون" أي ليظلن؛ وحسن وقوع الماضي في موضع المستقبل لما في الكلم من معنى‬
‫المجازاة‪ ،‬والمجازاة ل تكون إل بالمستقبل؛ قاله الخليل وغيره‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 53 - 52 :‬فإنك ل تسمع الموتى ول تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين‪ ،‬وما أنت‬
‫بهاد العمي عن ضللتهم إن تسمع إل من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإنك ل تسمع الموتى" أي وضحت الحجج يا محمد؛ لكنهم للفهم تقليد السلف‬
‫في الكفر ماتت عقولهم وعميت بصائرهم‪ ،‬فل يتهيأ لك إسماعهم وهدايتهم‪ .‬وهذا رد على القدرية‪.‬‬
‫"إن تسفمع إل مفن يؤمفن بآياتنفا" أي ل تسفمع مواعفظ ال إل المؤمنيفن الذيفن يصفغون إلى أدلة‬
‫التوحيد وخلقت لهم الهداية‪ .‬وقد مضى هذا في "النمل" ووقع قوله "بهاد العمي" هنا بغير ياء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 54 :‬ال الذي خلقكفم مفن ضعفف ثفم جعفل مفن بعفد ضعفف قوة ثفم جعفل مفن بعفد قوة‬
‫ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال الذي خلقكفم مفن ضعفف" ذكفر اسفتدلل آخفر على قدرتفه ففي نففس النسفان‬
‫ليعتبر‪ .‬ومعنى‪" :‬من ضعف" من نطفة ضعيفة‪ .‬وقيل‪" :‬من ضعف" أي في حال ضعف؛ وهو ما‬
‫كانوا عليفه ففي البتداء مفن الطفولة والصفغر‪" .‬ثفم جعفل مفن بعفد ضعفف قوة" يعنفي الشبيبفة‪" .‬ثفم‬
‫جعفل مفن بعفد قوة ضعففا وشيبفة" يعنفي الهرم‪ .‬وقرأ عاصفم وحمزة‪ :‬بفتفح الضاد فيهفن‪ ،‬الباقون‬
‫بالضم‪ ،‬لغتان‪ ،‬والضفم لغة النفبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقرأ الجحدري‪" :‬مفن ضعفف ثفم جعفل من‬
‫بعفد ضعفف" بالفتفح فيهمفا؛ "ضعففا" بالضفم خاصفة‪ .‬أراد أن يجمفع بيفن اللغتيفن‪ .‬قال الفراء‪ :‬الضفم‬
‫لغفة قريفش‪ ،‬والفتفح لغفة تميفم‪ .‬الجوهري‪ :‬الضعفف والضعفف‪ :‬خلف القوة‪ .‬وقيفل‪ :‬الضعفف بالفتفح‬
‫ففي الرأي‪ ،‬وبالضفم ففي الجسفد؛ ومنفه الحديفث ففي الرجفل الذي كان يخدع ففي البيوع‪( :‬أنفه يبتاع‬
‫وفففي عقدتففه ضعففف)‪" .‬وشيبففة" مصففدر كالشيففب‪ ،‬والمصففدر يصففلح للجملة‪ ،‬وكذلك القول فففي‬
‫الضعفف والقوة‪" .‬يخلق مفا يشاء" عنفي مفن قوة وضعفف‪" .‬وهفو العليفم" بتدبيره‪" .‬القديفر" على‬
‫إرادتففه‪ .‬وأجاز النحويون الكوفيون "مففن ضَعَف" بفتففح العيففن‪ ،‬وكذا كففل مففا كان فيففه حرف مففن‬
‫حروف الحلق ثانيا أو ثالثا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 55 :‬ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون" أي يحلف المشركون‪" .‬ما لبثوا غير ساعة"‬
‫ليس ففي هذا رد لعذاب القبر؛ إذ كان قد صح عن النبي صلى ال عليه وسلم من غير طريفق أنه‬
‫تعوذ منه‪ ،‬وأمر أن يتعوذ منه؛ فمن ذلك ما رواه عبدال بن مسعود قال‪ :‬سمع النبي صلى ال عليه‬
‫وسفلم أم حبيبفة وهفي تقول‪ :‬اللهفم أمتعنفي بزوجفي رسفول ال‪ ،‬وبأبفي أبفي سففيان‪ ،‬وبأخفي معاويفة؛‬
‫فقال لها النفبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬لقد سألت ال لجال مضروبة وأرزاق مقسومة ولكن سفليه‬
‫أن يعيذك من عذاب جهنم وعذاب القبر) في أحاديث مشهورة خرجها مسلم والبخاري وغيرهما‪.‬‬
‫وقد ذكرنا منها جملة ففي كتاب (التذكرة)‪ .‬وفي معنفى‪" :‬ما لبثوا غير ساعة" قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه‬
‫ل بد من خمدة قبل يوم القيامة؛ فعلى هذا قالوا‪ :‬ما لبثنا غير ساعة‪ .‬والقول الخر‪ :‬أنهم يعنون في‬
‫الدنيفا لزوالهفا وانقطاعهفا‪ ،‬كمفا قال ال تعالى‪" :‬كأنهفم يوم يرونهفا لم يلبثوا إل عشيفة أو ضحاهفا"‬
‫[النازعات‪ ]46 :‬كأن لم يلبثوا إل ساعة من نهار‪ ،‬وإن كانوا قد أقسموا على غيب وعلى غير ما‬
‫يدرون‪ .‬قال تعالى‪" :‬كذلك كانوا يؤفكون" أي كانوا يكذبون ففففي الدنيفففا؛ يقال‪ :‬أففففك الرجفففل إذا‬
‫صرف عن الصدق والخير‪ .‬وأرض مأفوكة‪ :‬ممنوعة من المطر‪ .‬وقد زعم جماعة من أهل النظر‬
‫أن القيامة ل يجوز أن يكون فيها كذب لما هم فيه‪ ،‬والقرآن يدل على غير ذلك‪ ،‬قال ال عز وجل‪:‬‬
‫"كذلك كانوا يؤفكون" أي كما صرفوا عن الحق في قسمهم أنهم ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا‬
‫يصرفون عن الحق في الدنيا؛ وقال جل وعز‪" :‬يوم يبعثهم ال جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم‬
‫ويحسبون أنهم على شيء أل إنهم هم الكاذبون" [المجادلة‪ ]18 :‬وقال‪" :‬ثم لم تكن فتنتهم إل أن‬
‫قالوا وال ربنا ما كنا مشركين‪ .‬انظر كيف كذبوا" [النعام‪.]23 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 56 :‬وقال الذين أوتوا العلم واليمان لقد لبثتم في كتاب ال إلى يوم البعث فهذا يوم‬
‫البعث ولكنكم كنتم ل تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذين أوتوا العلم واليمان لقد لبثتم في كتاب ال إلى يوم البعث" اختلف في‬
‫الذيفن أوتوا العلم؛ فقيفل الملئكفة‪ .‬وقيفل النفبياء‪ .‬وقيفل علماء المفم‪ .‬وقيفل مؤمنفو هذه المفة‪ .‬وقيفل‬
‫جميفع المؤمنيفن؛ أي يقول المؤمنون للكفار ردا عليهفم لقفد لبثتفم ففي قبوركفم إلى يوم البعفث‪ .‬والفاء‬
‫في قوله‪" :‬فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم ل تعلمون" جواب لشرط محذوف دل عليه الكلم؛ مجازه‪:‬‬
‫إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث‪ .‬وحكى يعقوب عن بعض القراء وهي قراءة الحسن‪" :‬إلى‬
‫يوم البعفث" بالتحريفك؛ وهذا ممفا فيفه حرف مفن حروف الحلق‪ .‬وقيفل‪ :‬معنفى "ففي كتاب ال" ففي‬
‫حكم ال‪ .‬وقيل‪ :‬في الكلم تقديم وتأخير؛ أي وقال الذين أوتوا العلم في كتاب ال واليمان لقد لبثتم‬
‫إلى يوم البعففث؛ قاله مقاتففل وقتادة والسففدي‪ .‬القشيري‪ :‬وعلى هذا "أوتوا العلم" بمعنففى كتاب ال‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الذين حكم لهم في الكتاب بالعلم "فهذا يوم البعث" أي اليوم الذي كنتم تنكرونه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 57 :‬فيومئذ ل ينفع الذين ظلموا معذرتهم ول هم يستعتبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فيومئذ ل ينففع الذيفن ظلموا معذرتهفم" أي ل ينفعهفم العلم بالقيامفة ول العتذار‬
‫يومئذ‪ .‬وقيففل‪ :‬لمففا رد عليهففم المؤمنون سففألوا الرجوع إلى الدنيففا واعتذروا فلم يعذروا‪" .‬ول هففم‬
‫يسففتعتبون" أي ول حالهففم حال مففن يسففتعتب ويرجففع؛ يقال‪ :‬اسففتعتبته فأعتبنففي‪ ،‬أي اسففترضيته‬
‫فأرضانفي‪ ،‬وذلك إذا كنفت جانيفا عليفه‪ .‬وحقيقفة أعتبتفه‪ :‬أزلت عتبفه‪ .‬وسفيأتي ففي "فصفلت" بيانفه‪.‬‬
‫وقرأ عاصم وحمزة والكسائي‪" :‬فيومئذ ل ينفع" بالياء‪ ،‬والباقون بالتاء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 60 - 58 :‬ولقفد ضربنفا للناس ففي هذا القرآن من كفل مثفل ولئن جئتهفم بآيفة ليقولن‬
‫الذيفن كفروا إن أنتفم إل مبطلون‪ ،‬كذلك يطبفع ال على قلوب الذيفن ل يعلمون‪ ،‬فاصفبر إن وعفد ال‬
‫حق ول يستخفنك الذين ل يوقنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقفد ضربنفا للناس ففي هذا القرآن مفن كفل مثفل" أي مفن كفل مثفل يدلهفم على مفا‬
‫يحتاجون إليفه‪ ،‬وينبههفم على التوحيفد وصفدق الرسفل‪" .‬ولئن جئتهفم بآيفة" أي معجزة؛ كفلق البحفر‬
‫والعصففا وغيرهمففا "ليقولن الذيففن كفروا إن أنتففم" يقول الكفار إن أنتففم يففا معشففر المؤمنيففن‪" .‬إل‬
‫مبطلون" أي تتبعون الباطفل والسفحر "كذلك" أي كمفا طبفع ال على قلوبهفم حتفى ل يفهموا اليات‬
‫عفن ال فكذلك "يطبفع ال على قلوب الذيفن ل يعلمون" أدلة التوحيفد"فاصفبر إن وعفد ال حفق" أي‬
‫اصفبر على أذاهفم فإن ال ينصفرك "ول يسفتخفنك" أي ل يسفتفزنك عفن دينفك "الذيفن ل يوقنون"‬
‫قيفل‪ :‬هفو النضفر بفن الحارث‪ .‬والخطاب للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم والمراد أمتفه؛ يقال‪ :‬اسفتخف‬
‫فلن فلنا أي استجهله حتى حمله على اتباعه في الغّي‪ .‬وهو في موضع جزم بالنهي‪ ،‬أكد بالنون‬
‫الثقيلة فبني على الفتح كما يبنى الشيئان إذا ضم أحدهما إلى الخر‪" .‬الذين ل يوقنون" في موضع‬
‫رفع‪ ،‬ومن العرب من يقول‪ :‬الذون في موضع الرفع‪ .‬وقد مضى في "الفاتحة"‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة لقمان‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ وهي مكية‪ ،‬غير آيتين قال قتادة‪ :‬أولهما "ولو أنما في الرض من شجرة أقلم" [لقمان‪]27 :‬‬
‫إلى آخر اليتين‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬ثلث آيات‪ ،‬أولهن "ولو أنما في الرض" [لقمان‪ .]27:‬وهي‬
‫أربع وثلثون آية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 - 1 :‬الم‪ ،‬تلك آيات الكتاب الحكيم‪ ،‬هدى ورحمة للمحسنين‪ ،‬الذين يقيمون الصلة‬
‫ويؤتون الزكاة وهم بالخرة هم يوقنون‪ ،‬أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الم‪ ،‬تلك آيات الكتاب الحكيم" مضى الكلم في فواتح السور‪ .‬و"تلك" في موضع‬
‫رفففع على إضمار مبتدأ‪ ،‬أي هذه تلك‪ .‬ويقال‪" :‬تيففك آيات الكتاب الحكيففم" بدل مففن تلك‪ .‬والكتاب‪:‬‬
‫القرآن‪ .‬والحكيففم‪ :‬المحكففم؛ أي ل خلل فيففه ول تناقففض‪ .‬وقيففل ذو الحكمففة وقيففل الحاكففم "هدى‬
‫ورحمة" بالنصب على الحال؛ مثل‪" :‬هذه ناقة ال لكم آية" [العراف‪ ]73 :‬وهذه قراءة المدنيين‬
‫وأبفي عمرو وعاصفم والكسفائي‪ .‬وقرأ حمزة‪" :‬هدى ورحمفة" بالرففع‪ ،‬وهفو مفن وجهيفن‪ :‬أحدهمفا‪:‬‬
‫على إضمار مبتدأ؛ لنفه أول آيفة‪ .‬والخفر‪ :‬أن يكون خفبر "تلك"‪ .‬والمحسفن‪ :‬الذي يعبفد ال كأنفه‬
‫يراه‪ ،‬فإن لم يكففن يراه فإنففه يراه‪ .‬وقيففل‪ :‬هففم المحسففنون فففي الديففن وهففو السففلم؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫"ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه ل" [النساء‪ ]125 :‬الية‪" .‬الذين يقيمون الصلة" في موضع‬
‫الصفة‪ ،‬ويجوز الرفع على القطع بمعنى‪ :‬هم الذين‪ ،‬والنصب بإضمار أعني‪ .‬وقد مضى الكلم في‬
‫هذه اليات‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل ال بغير علم ويتخذها هزوا‬
‫أولئك لهم عذاب مهين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومفن الناس مفن يشتري لهفو الحديفث" "مفن" ففي موضفع رففع بالبتداء‪ .‬و"لهفو‬
‫الحديففث"‪ :‬الغناء؛ فففي قول ابففن مسففعود وابففن عباس وغيرهمففا‪ .‬وهففو ممنوع بالكتاب والسففنة؛‬
‫والتقدير‪ :‬من يشتري ذا لهو أو ذات لهو؛ مثل‪" :‬واسأل القرية" [يوسف‪ .]82 :‬أو يكون التقدير‪:‬‬
‫لما كان إنما اشتراها يشتريها ويبالغ في ثمنها كأنه اشتراها للهو‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه إحدى اليات الثلث التفي اسفتدل بهفا العلماء على كراهفة الغناء والمنفع منفه‪ .‬واليفة‬
‫الثانية قوله تعالى‪" :‬وأنتم سامدون" [النجم‪ .]61 :‬قال ابن عباس‪ :‬هو الغناء بالحميرية؛ اسمدي‬
‫لنفا؛ أي غنفي لنفا‪ .‬واليفة الثالثفة قوله تعالى‪" :‬واسفتفزز مفن اسفتطعت منهفم بصفوتك" [السفراء‪:‬‬
‫‪ ]64‬قال مجاهفد‪ :‬الغناء والمزاميفر‪ .‬وقفد مضفى ففي "السفراء" الكلم فيفه‪ .‬وروى الترمذي عفن‬
‫أبي أمامة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ل تبيعوا القينات ول تشتروهن ول تعلموهن‬
‫ول خيفر ففي تجارة فيهفن وثمنهفن حرام‪ ،‬ففي مثفل هذا أنزلت هذه اليفة‪" :‬ومفن الناس مفن يشتري‬
‫لهو الحديث ليضل عن سبيل ال") إلى آخر الية‪ .‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث غريب‪ ،‬إنما يروى‬
‫من حديث القاسم عن أبي أمامة‪ ،‬والقاسم ثقة وعلّي ابن يزيد يضعّف في الحديث؛ قاله محمد بن‬
‫إسفماعيل‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وبهذا فسفر ابفن مسفعود وابفن عباس وجابر بفن عبدال ومجاهفد‪ ،‬وذكره‬
‫أبو الفرج الجوزي عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة والنخعّي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا أعلى ما قيل في هذه الية‪ ،‬وحلف على ذلك ابن مسعود بال الذي ل إله إل هو ثلث‬
‫مرات إنه الغناء‪ .‬روى سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري قال‪ :‬سئل عبدال بن مسعود عن‬
‫قوله تعالى‪" :‬ومفن الناس مفن يشتري لهفو الحديفث" فقال‪ :‬الغناء وال الذي ل إله إل هفو؛ يرددهفا‬
‫ثلث مرات‪ .‬وعفن ابفن عمفر أنفه الغناء؛ وكذلك قال عكرمفة وميمون بفن مهران ومكحول‪ .‬وروى‬
‫شعبفة وسففيان عفن الحكفم وحماد عفن إبراهيفم قال قال عبدال بفن مسفعود‪ :‬الغناء ينبفت النفاق ففي‬
‫القلب؛ وقاله مجاهفد‪ ،‬وزاد‪ :‬إن لهفو الحديفث ففي اليفة السفتماع إلى الغناء وإلى مثله مفن الباطفل‪.‬‬
‫وقال الحسن‪ :‬لهو الحديث المعازف والغناء‪ .‬وقال القاسم بن محمد‪ :‬الغناء باطل والباطل في النار‪.‬‬
‫وقال ابن القاسم سألت مالكا عنه فقال‪ :‬قال ال تعالى‪" :‬فماذا بعد الحق إل الضلل" [يونس‪]32 :‬‬
‫أفحق هو؟! وترجم البخاري (باب كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة ال‪ ،‬ومن قال لصاحبه تعالى‬
‫أقامرك)‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬ومففن الناس مففن يشتري لهففو الحديففث ليضففل عففن سففبيل ال بغيففر علم‬
‫ويتخذهفا هزوا" فقوله‪( :‬إذا شغفل عفن طاعفة ال) مأخوذ مفن قوله تعالى‪" :‬ليضفل عفن سفبيل ال"‪.‬‬
‫وعفن الحسفن أيضفا‪ :‬هفو الكففر والشرك‪ .‬وتأوله قوم على الحاديفث التفي يتلهفى بهفا أهفل الباطفل‬
‫واللعب‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت في النضر بن الحارث؛ لنه اشترى كتب العاجم‪ :‬رستم‪ ،‬واسفنديار؛ فكان‬
‫يجلس بمكففة‪ ،‬فإذا قالت قريففش إن محمدا قال كذا ضحففك منففه‪ ،‬وحدثهففم بأحاديففث ملوك الفرس‬
‫ويقول‪ :‬حديثفي هذا أحسفن مفن حديفث محمفد؛ حكاه الفراء والكلبفي وغيرهمفا‪ .‬وقيفل‪ :‬كان يشتري‬
‫المغنيات فل يظفففر بأحففد يريففد السففلم إل انطلق بففه إلى قينتففه فيقول‪ :‬أطعميففه واسففقيه وغنيففه؛‬
‫ويقول‪ :‬هذا خيفر ممفا يدعوك إليفه محمفد مفن الصفلة والصفيام وأن تقاتفل بيفن يديفه‪ .‬وهذا القول‬
‫والول ظاهففر فففي الشراء‪ .‬وقالت طائفففة‪ :‬الشراء فففي هذه اليففة مسففتعار‪ ،‬وإنمففا نزلت اليففة فففي‬
‫أحاديفث قريفش وتلهيهفم بأمفر السفلم وخوضهفم ففي الباطفل‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬فكان ترك مفا يجفب‬
‫فعله وامتثال هذه المنكرات شراء لهفففففا؛ على حفففففد قوله تعالى‪" :‬أولئك الذيفففففن اشتروا الضللة‬
‫بالهدى" [البقرة‪]16 :‬؛ اشتروا الكففر باليمان‪ ،‬أي اسفتبدلوه منفه واختاروه عليفه‪ .‬وقال مطرف‪:‬‬
‫شراء لهو الحديث استحبابه‪ .‬قتادة‪ :‬ولعله ل ينفق فيه مال‪ ،‬ولكن سماعه شراؤه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬القول الول أولى مففا قيففل بففه فففي هذا الباب؛ للحديففث المرفوع فيففه‪ ،‬وقول الصففحابة‬
‫والتابعين فيه‪ .‬وقد زاد الثعلبي والواحدي في حديث أبي أمامة‪( :‬وما من رجل يرفع صوته بالغناء‬
‫إل بعث ال عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والخر على هذا المنكب فل يزالن يضربان‬
‫بأرجلهمفا حتفى يكون هفو الذي يسفكت)‪ .‬وروى الترمذي وغيره مفن حديفث أنفس وغيره عفن النفبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما‪ :‬صوت مزمار ورنة شيطان‬
‫عند نغمة ومرح ورنة عند مصيبة لطم خدود وشق جيوب)‪ .‬وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن‬
‫جده عن علّي عليه السلم قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬بعثت بكسر المزامير) خرجه‬
‫أبو طالب الغيلني‪ .‬وخرج ابن بشران عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬بعثففت بهدم المزاميففر والطبففل)‪ .‬وروى الترمذي مففن حديففث علّي رضففي ال عنففه قال قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلء ‪ -‬فذكر منها‪:‬‬
‫إذا اتخذت القينات والمعازف)‪ .‬وففي حديفث أبفي هريرة‪( :‬وظهرت القيان والمعازف)‪ .‬وروى ابفن‬
‫المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال قال رسول ال صلى ال‬
‫عليفه وسفلم‪( :‬مفن جلس إلى قينفة يسفمع منهفا صفب ففي أذنفه النفك يوم القيامفة)‪ .‬وروى أسفد بفن‬
‫موسففى عففن عبدالعزيففز بففن أبففي سففلمة عففن محمففد بففن المنكدر قال‪ :‬بلغنففا أن ال تعالى يقول يوم‬
‫القيامفة‪( :‬أيفن عبادي الذيفن كانوا ينزهون أنفسفهم وأسفماعهم عفن اللهفو ومزاميفر الشيطان أحلوهفم‬
‫رياض المسك وأخبروهم أني قد أحللت عليهم رضواني)‪ .‬وروى ابن وهب عن مالك عن محمد‬
‫بففن المنكدر مثله‪ ،‬وزاد بعففد قوله (المسففك‪ :‬ثففم يقول للملئكففة أسففمعوهم حمدي وشكري وثنائي‪،‬‬
‫وأخبروهم أل خوف عليهم ول هم يحزنون)‪ .‬وقد روي مرفوعا هذا المعنى من حديث أبي موسى‬
‫الشعري أنه قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن‬
‫يسمع الروحانيين)‪ .‬فقيل‪ :‬ومن الروحانيون يا رسول ال؟ قال‪( :‬قراء أهل الجنة) خرجه الترمذي‬
‫الحكيم أبو عبدال في نوادر الصول‪ ،‬وقد ذكرنا في كتاب التذكرة مع نظائره‪( :‬فمن شرب الخمر‬
‫ففي الدنيا لم يشربها في الخرة‪ ،‬ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الخرة)‪ .‬إلى غير ذلك‪.‬‬
‫وكل ذلك صحيح المعنى على ما بيناه هناك‪ .‬ومن رواية مكحول عن عائشة قالت قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬من مات وعنده جارية مغنية فل تصلوا عليه)‪.‬‬
‫@ ولهذه الثار وغيرها قال العلماء بتحريم الغناء‪ .‬وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين به‪ ،‬الذي‬
‫يحرك النفوس ويبعثهففا على الهوى والغزل‪ ،‬والمجون الذي يحرك السففاكن ويبعففث الكامففن؛ فهذا‬
‫النوع إذا كان ففي شعفر يشبفب فيفه بذكفر النسفاء ووصفف محاسفنهن وذكفر الخمور والمحرمات ل‬
‫يختلف في تحريمه؛ لنه اللهو والغناء المذموم بالتفاق‪ .‬فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في‬
‫أوقات الفرح؛ كالعرس والعيد وعند التنشيط على العمال الشاقة‪ ،‬كما كان في حفر الخندق وحدو‬
‫أنجشة وسلمة بن الكوع‪ .‬فأما ما ابتدعته الصوفية اليوم من الدمان على سماع المغاني باللت‬
‫المطربفة مفن الشبابات والطار والمعازف والوتار فحرام‪ .‬قال ابفن العربّي‪ :‬فأمفا طبفل الحرب فل‬
‫حرج فيفه؛ لنفه يقيفم النفوس ويرهفب العدو‪ .‬وففي اليراعفة تردد‪ .‬والدف مباح‪ .‬الجوهريفّ‪ :‬وربمفا‬
‫سفّموا قصفبة الراعفي التفي يزمفر بهفا هيرعفة ويراعفة‪ .‬قال القشيريفّ‪ :‬ضرب بيفن يدي النفبي صفلى‬
‫ال عليه وسلم يوم دخل المدينة‪ ،‬فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬دعهن‬
‫يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح) فكن يضربن ويقلن‪ :‬نحن بنات النجار‪ ،‬حبذا محمد من‬
‫جار‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن الطبل في النكاح كالدف‪ ،‬وكذلك اللت المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما‬
‫يحسن من الكلم ولم يكن فيه رفث‬
‫@ الشتغال بالغناء على الدوام سفه ترد به الشهادة‪ ،‬فإن لم يدم لم ترد‪ .‬وذكر إسحاق بن عيسى‬
‫الطباع قال‪ :‬سفألت مالك بفن أنفس عمفا يرخفص فيفه أهفل المدينفة مفن الغناء فقال‪ :‬إنمفا يفعله عندنفا‬
‫الفسفاق‪ .‬وذكفر أبفو الطيفب طاهفر بفن عبدال الطفبريّ قال‪ :‬أمفا مالك بفن أنفس فإنفه نهفى عفن الغناء‬
‫وعفن اسفتماعه‪ ،‬وقال‪ :‬إذا اشترى جاريفة ووجدهفا مغنيفة كان له ردهفا بالعيفب؛ وهفو مذهفب سفائر‬
‫أهل المدينة؛ إل إبراهيم بن سعد فإنه حكى عنه زكريا الساجي أنه كان ل يرى به بأسا‪ .‬وقال ابن‬
‫خويز منداد‪ :‬فأما مالك فيقال عنه‪ :‬إنه كان عالما بالصناعة وكان مذهبه تحريمها‪ .‬وروي عنه أنه‬
‫قال‪ :‬تعلمفت هذه الصفناعة وأنفا غلم شاب‪ ،‬فقالت لي أمفي‪ :‬أي بنّي! إن هذه الصفناعة يصفلح لهفا‬
‫من كان صبيح الوجه ولست كذلك‪ ،‬فطلب العلوم الدينية؛ فصحبت ربيعة فجعل ال في ذلك خيرا‪.‬‬
‫قال أبفو الطيفب الطفبري‪ :‬وأمفا مذهفب أبفي حنيففة فإنفه يكره الغناء مفع إباحتفه شرب النفبيذ‪ ،‬ويجمفل‬
‫سففماع الغناء مففن الذنوب‪ .‬وكذلك مذهففب سففائر أهففل الكوفففة‪ :‬إبراهيففم والشعففبي وحماد والثوري‬
‫وغيرهفم‪ ،‬ل اختلف بينهفم ففي ذلك‪ .‬وكذلك ل يعرف بيفن أهفل البصفرة خلف ففي كراهيفة ذلك‬
‫والمنع منه؛ إل ما روي عن عبيدال بن الحسن العنبري أنه كان ل يرى به بأسا‪ .‬قال‪ :‬وأما مذهب‬
‫الشافعّي فقال‪ :‬الغناء مكروه يشبفه الباطفل‪ ،‬ومفن اسفتكثر منفه فهفو سففيه ترد شهادتفه‪ .‬وذكفر أبفو‬
‫الفرج الجوزي عفن إمامفه أحمفد بفن حنبفل ثلث روايات قال‪ :‬وقفد ذكفر أصفحابنا عفن أبفي بكفر‬
‫الخلل وصففاحبه عبدالعزيففز إباحففة الغناء‪ ،‬وإنمففا أشاروا إلى مففا كان فففي زمانهمففا مففن القصففائد‬
‫الزهديات؛ قال‪ :‬وعلى هذا يحمفل مفا لم يكرهفه أحمفد؛ ويدل عليفه أنفه سفئل عفن رجفل مات وخلف‬
‫ولدا وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها فقال‪ :‬تباع على أنها ساذجة ل على أنها مغنية‪ .‬فقيل‬
‫له‪ :‬إنهفا تسفاوي ثلثيفن ألففا؛ ولعلهفا إن بيعفت سفاذجة تسفاوي عشريفن ألففا؟ فقال‪ :‬ل تباع إل على‬
‫أنهفا سفاذجة‪ .‬قال أبفو الفرج‪ :‬وإنمفا قال أحمفد هذا لن هذه الجاريفة المغنيفة ل تغنفي بقصفائد الزهفد‪،‬‬
‫بل بالشعار المطربة المثيرة إلى العشق‪.‬‬
‫@ وهذا دليفل على أن الغناء محظور؛ إذ لو لم يكفن محظورا مفا جاز تفويفت المال على اليتيفم‪.‬‬
‫وصفار هذا كقول أبفي طلحفة للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ :‬عندي خمفر ليتام؟ فقال‪( :‬أ ِرقْهفا)‪ .‬فلو‬
‫جاز اسففتصلحها لمففا أمففر بتضييففع مال اليتامففى‪ .‬قال الطففبري‪ :‬فقففد أجمففع علماء المصففار على‬
‫كراهة الغناء والمنع منه‪ .‬وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيدال العنبري؛ وقد قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬عليكم بالسواد العظم‪ .‬ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية)‪ .‬قال أبو‬
‫الفرج‪ :‬وقال القفال من أصحابنا‪ :‬ل تقبل شهادة المغني والرقاص‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإذ قفد ثبفت أن هذا المفر ل يجوز فأخفذ الجرة عليفه ل تجوز‪ .‬وقفد ادعفى أبفو عمفر بفن‬
‫عبدالبر الجماع على تحريففم الجرة على ذلك‪ .‬وقففد مضففى فففي النعام عنففد قوله‪" :‬وعنده مفاتففح‬
‫الغيب" [النعام‪ ]59 :‬وحسبك‪.‬‬
‫@ قال القاضي أبو بكر بن العربي‪ :‬وأما سماع القينات فيجوز للرجل أن يسمع غناء جاريته؛ إذ‬
‫ليس شيء منها عليه حراما ل من ظاهرها ول من باطنها‪ ،‬فكيف يمنع من التلذذ بصوتها‪ .‬أما أنه‬
‫ل يجوز انكشاف النساء للرجال ول هتك الستار ول سماع الرفث‪ ،‬فإذا خرج ذلك إلى ما ل يحل‬
‫ول يجوز منفع مفن أوله واجتفث مفن أصفله‪ .‬وقال أبفو الطيفب الطفبري‪ :‬أمفا سفماع الغناء مفن المرأة‬
‫التفي ليسفت بمحرم فإن أصفحاب الشافعفي قالوا ل يجوز‪ ،‬سفواء كانفت حرة أو مملوكفة‪ .‬قال‪ :‬وقال‬
‫الشافعفي‪ :‬وصفاحب الجاريفة إذا جمفع الناس لسفماعها فهفو سففيه ترد شهادتفه؛ ثفم غلظ القول فيفه‬
‫فقال‪ :‬فهفي دياثفة‪ .‬وإنمفا جعفل صفاحبها سففيها لنفه دعفا الناس إلى الباطفل‪ ،‬ومفن دعفا الناس إلى‬
‫الباطل كان سفيها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليضفل عفن سفبيل ال" قراءة العامفة بضفم الياء؛ أي ليضفل غيره عفن طريفق‬
‫الهدى‪ ،‬وإذا أضل غيره فقد ضل‪ .‬وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وأبو عمرو ورويس وابن‬
‫أبفي إسفحاق (بفتفح الياء) على اللزم؛ أي ليضفل هفو نفسفه‪" .‬ويتخذهفا هزوا" قراءة المدنييفن وأبفي‬
‫عمرو وعاصفم بالرففع عطففا على "مفن يشتري" ويجوز أن يكون مسفتأنفا‪ .‬وقرأ العمفش وحمزة‬
‫والكسائي‪" :‬ويتخذهفا" بالنصفب عطفا على "ليضل"‪ .‬ومن الوجهين جميعا ل يحسفن الوقفف على‬
‫قوله‪" :‬بغير علم" والوقف على قوله‪" :‬هزوا"‪ ،‬والهاء في "يتخذها" كناية عن اليات‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون كنايفة عفن السفبيل؛ لن السفبيل يؤنفث ويذكفر‪" .‬أولئك لهفم عذاب مهيفن" أي شديفد يهينهفم قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫لقي الصليب من العذاب مهينا‬ ‫ولقد جزعت إلى النصارى بعدما‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 7 :‬وإذا تتلى عليفه آياتنفا ولى مسفتكبرا كأن لم يسفمعها كأن ففي أذنيفه وقرا فبشره‬
‫بعذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا تتلى عليه آياتنا" يعني القرآن‪" .‬ولى" أي أعرض‪" .‬مستكبرا" نصب على‬
‫الحال‪" .‬كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا" ثقل وصمما‪ .‬وقد تقدم‪" .‬فبشره بعذاب أليم" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 - 8 :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم‪ ،‬خالدين فيها وعد ال حقا‬
‫وهو العزيز الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذيفن آمنوا وعملوا الصفالحات لهم جنات النعيفم" لمفا ذكفر عذاب الكفار ذكفر‬
‫نعيم المؤمنين‪".‬خالدين فيها" أي دائمين‪" .‬وعد ال حقا" أي وعدهم ال هذا وعدا حقا ل خلف فيه‪.‬‬
‫"وهو العزيز الحكيم" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 - 10 :‬خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الرض رواسي أن تميد بكم‬
‫وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم‪ ،‬هذا خلق ال فأروني‬
‫ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلل مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خلق السماوات بغير عمد ترونها" تكون "ترونها" في موضع خفض على النعت‬
‫لفف "عمفد" فيمكفن أن يكون ثفم عمفد ولكفن ل ترى‪ .‬ويجوز أن تكون ففي موضفع نصفب على الحال‬
‫مففن "السففماوات" ول عمففد ثففم البتففة‪ .‬النحاس‪ :‬وسففمعت علي بففن سففليمان يقول‪ :‬الولى أن يكون‬
‫مستأنفا‪ ،‬ول عمد ثم؛ قاله مكي‪ .‬ويكون "بغير عمد" التمام‪ .‬وقد مضى في "الرعد" الكلم في هذه‬
‫الية‪" .‬وألقى في الرض رواسي" أي جبال ثوابت‪" .‬أن تميد بكم" في موضع نصب؛ أي كراهية‬
‫أن تميفد‪ .‬والكوفيون يقدرونفه بمعنفى لئل تميفد‪" .‬وبفث فيهفا مفن كفل دابفة وأنزلنفا مفن السفماء ماء‬
‫فأنبتنفا فيهفا مفن كفل زوج كريفم" عفن ابفن عباس‪ :‬مفن كفل لون حسفن‪ .‬وتأوله الشعفبي على الناس؛‬
‫لنهفم مخلوقون مفن الرض؛ قال‪ :‬مفن كان منهفم يصفير إلى الجنفة فهفو الكريفم‪ ،‬ومفن كان منهفم‬
‫يصير إلى النار فهو اللئيم‪ .‬وقد تأول غيره أن النطفة مخلوقة من تراب‪ ،‬وظاهر القرآن يدل على‬
‫ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هذا خلق ال" مبتدأ وخفبر‪ .‬والخلق بمعنفى المخلوق؛ أي هذا الذي ذكرتفه ممفا‬
‫تعاينون "خلق ال" أي مخلوق ال‪ ،‬أي خلقها من غير شريك‪" .‬فأروني" معاشر المشركين "ماذا‬
‫خلق الذيففن مففن دونففه" يعنففي الصففنام‪" .‬بففل الظالمون" أي المشركون "فففي ضلل مففبين" أي‬
‫خسفران ظاهفر‪" .‬ومفا" اسفتفهام ففي موضفع رففع بالبتداء وخفبره "ذا" وذا بمعنفى الذي‪ .‬و"خلق"‬
‫واقع على هاء محذوفة؛ تقديره فأروني أي شيء خلق الذين من دونه؛ والجملة في موضع نصب‬
‫بفف "أرونفي" وتضمفر الهاء مع "خلق" تعود على الذيفن؛ أي فأرونفي الشياء التي خلقها الذين من‬
‫دونه‪ .‬وعلى هذا القول تقول‪ :‬ماذا تعلمت‪ ،‬أنحو أم شعر‪ .‬ويجوز أن تكون "ما" في موضع نصب‬
‫بف "أروني" و"ذا" زائد؛ وعلى هذا القول يقول‪ :‬ماذا تعلمت‪ ،‬أنحوا أم شعرا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر ل ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن‬
‫ال غني حميد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد آتينا لقمان الحكمة" مفعولن‪ .‬ولم ينصرف "لقمان" لن في آخره ألفا ونونا‬
‫زائدتيفن؛ فأشبفه فعلن الذي أنثاه فعلى فلم ينصفرف ففي المعرففة لن ذلك ثقفل ثان‪ ،‬وانصفرف ففي‬
‫النكرة لن أحفد الثقليفن قفد زال؛ قاله النحاس‪ .‬وهفو لقمان بفن باعوراء بفن ناحور بفن تارح‪ ،‬وهفو‬
‫آزر أبو إبراهيم؛ كذا نسبه محمد بن إسحاق‪ .‬وقيل‪ :‬هو لقمان بن عنقاء بن سرون وكان نوبيا من‬
‫أهفل أيلة؛ ذكره السفهيلي‪ .‬قال وهفب‪ :‬كان ابفن أخفت أيوب‪ .‬وقال مقاتفل‪ :‬ذكفر أنفه كان ابفن خالة‬
‫أيوب‪ .‬الزمخشري‪ :‬وهفو لقمان بفن باعوراء ابفن أخفت أيوب أو ابفن خالتفه‪ ،‬وقيفل كان مفن أولد‬
‫آزر‪ ،‬عاش ألف سفنة وأدركفه داود عليفه الصفلة والسفلم وأخفذ عنفه العلم‪ ،‬وكان يفتفي قبفل مبعفث‬
‫داود‪ ،‬فلما بعث قطع الفتوى فقيل له‪ ،‬فقال‪ :‬أل أكتفي إذ كفيت‪ .‬وقال الواقدي‪ :‬كان قاضيا في بني‬
‫إسفرائيل‪ .‬وقال سفعيد ابفن المسفيب‪ :‬كان لقمان أسفود مفن سفودان مصفر ذا مشاففر‪ ،‬أعطاه ال تعالى‬
‫الحكمففة ومنعففه النبوة؛ وعلى هذا جمهور أهففل التأويففل إنففه كان وليففا ولم يكففن نبيففا‪ .‬وقال بنبوتففه‬
‫عكرمففة والشعففبي؛ وعلى هذا تكون الحكمففة النبوة‪ .‬والصففواب أنففه كان رجل حكيمففا بحكمففة ال‬
‫تعالى ‪ -‬وهفي الصفواب ففي المعتقدات والفقفه ففي الديفن والعقفل ‪ -‬قاضيفا ففي بنفي إسفرائيل‪ ،‬أسفود‬
‫مشقق الرجلين ذا مشاففر‪ ،‬أي عظيم الشفتين؛ قاله ابن عباس وغيره‪ .‬وروي من حديث ابن عمر‬
‫قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬لم يكن لقمان نبيا ولكن كان عبدا كثير التفكر‬
‫حسن اليقين‪ ،‬أحب ال تعالى فأحبه‪ ،‬فمّن عليه بالحكمة‪ ،‬وخيره في أن يجعله خليفة يحكم بالحق؛‬
‫فقال‪ :‬رب‪ ،‬إن خيرتنففي قبلت العافيففة وتركففت البلء‪ ،‬وإن عزمففت علّي فسففمعا وطاعففة فإنففك‬
‫ستعصمني؛ ذكره ابن عطية‪ .‬وزاد الثعلبي‪ :‬فقالت له الملئكة بصوت ل يراهم‪ :‬لم يا لقمان؟ قال‪:‬‬
‫لن الحاكفم بأشفد المنازل وأكدرهفا‪ ،‬يغشاه المظلوم مفن كفل مكان‪ ،‬إن يعفن فبالحرى أن ينجفو‪ ،‬وإن‬
‫أخطأ أخطأ طريق الجنة‪ .‬ومن يكن في الدنيا ذليل فذلك خير من أن يكون فيها شريفا‪ .‬ومن يختر‬
‫الدنيفا على الخرة نفتفه الدنيفا ول يصفيب الخرة‪ .‬فعجبفت الملئكفة مفن حسفن منطقفه؛ فنام نومفة‬
‫فأعطي الحكمة فانتبه يتكلم بها‪ .‬ثم نودي داود بعده فقبلها ‪ -‬يعني الخلفة ‪ -‬ولم يشترط ما اشترطه‬
‫لقمان‪ ،‬فهوى ففي الخطيئة غيفر مرة‪ ،‬كفل ذلك يعففو ال عنفه‪ .‬وكان لقمان يوازره بحكمتفه؛ فقال له‬
‫داود‪ :‬طوبففى لك يففا لقمان! أعطيففت الحكمفة وصففرف عنففك البلء‪ ،‬وأعطففى داود الخلفففة وابتلي‬
‫بالبلء والفتنفة‪ .‬وقال قتادة‪ :‬خيفر ال تعالى لقمان بيفن النبوة والحكمفة؛ فاختار الحكمفة على النبوة؛‬
‫فأتاه جبريفل عليفه السفلم وهفو نائم فذر عليفه الحكمفة فأصفبح وهفو ينطفق بهفا؛ فقيفل كيفف اخترت‬
‫الحكمة على النبوة وقد خيرك ربك؟ فقال‪ :‬إنه لو أرسل إلي بالنبوة عزمة لرجوت فيها العون منه‪،‬‬
‫ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة‪ ،‬فكانت الحكمة أحب إلي‪.‬‬
‫واختلف في صنعته؛ فقيل‪ :‬كان خياطا؛ قاله سعيد بن المسيب‪ ،‬وقال لرجل أسود‪ :‬ل تحزن من‬
‫أنفك أسفود‪ ،‬فإنفه كان مفن خيفر الناس ثلثفة مفن السفودان‪ :‬بلل ومهجفع مولى عمفر ولقمان‪ .‬وقيفل‪:‬‬
‫كان يحتطفب كفل يوم لموله حزمفة حطفب‪ .‬وقال لرجفل ينظفر إليفه‪ :‬إن كنفت ترانفي غليفظ الشفتيفن‬
‫فإنفه يخرج مفن بينهمفا كلم رقيفق‪ ،‬وإن كنفت ترانفي أسفود فقلبفي أبيفض‪ .‬وقيفل‪ :‬كان راعيفا‪ ،‬فرآه‬
‫رجفل كان يعرففه قبفل ذلك فقال له‪ :‬ألسفت عبفد بنفي فلن؟ قال بلى‪ .‬قال‪ :‬فمفا بلغ بفك مفا أرى؟ قال‪:‬‬
‫قدر ال‪ ،‬وأدائي المانة‪ ،‬وصدق الحديث‪ ،‬وترك ما ل يعنيني؛ قاله عبدالرحمن بن زيد بن جابر‪.‬‬
‫وقال خالد الربعفي‪ :‬كان نجارا؛ فقال له سفيده‪ :‬اذبفح لي شاة وأتنفي بأطيبهفا مضغتيفن؛ فأتاه باللسفان‬
‫والقلب؛ فقال له‪ :‬مفا كان فيهفا شيفء أطيفب مفن هذيفن؟ فسفكت‪ ،‬ثفم أمره بذبفح شاة أخرى ثفم قال له‪:‬‬
‫ألق أخبثهفا مضغتيفن؛ فألقفى اللسفان والقلب؛ فقال له‪ :‬أمرتفك أن تأتينفي بأطيفب مضغتيفن فأتيتنفي‬
‫باللسفان والقلب‪ ،‬وأمرتفك أن تلقفي أخبثهفا فألقيفت اللسفان والقلب؟! فقال له‪ :‬إنفه ليفس شيفء أطيفب‬
‫منهما إذا طابا‪ ،‬ول أخبث منهما إذا خبثا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا معناه مرفوع ففي غيفر مفا حديفث؛ مفن ذلك قوله صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬أل وإن ففي‬
‫الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب)‪ .‬وجاء في‬
‫اللسان آثار كثيرة صحيحة وشهيرة؛ منها قوله عليه السلم‪( :‬من وقاه ال شر اثنتين ولج الجنة‪ :‬ما‬
‫بين لحييه ورجليه‪ )...‬الحديث‪ .‬وحكم لقمان كثيرة مأثورة هذا منها‪ .‬وقيل له‪ :‬أي الناس شر؟ قال‪:‬‬
‫الذي ل يبالي أن رآه الناس مسيئا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا أيضفا مرفوع معنفى‪ ،‬قال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬كفل أمتفي معاففى إل المجاهرون‬
‫وإن مففن المجاهرة أن يعمففل الرجففل بالليففل عمل ثففم يصففبح وقففد سففتره ال فيقول يففا فلن عملت‬
‫البارحفة كذا وكذا وقفد بات يسفتره ربفه ويصفبح يكشفف سفتر ال عنفه)‪ .‬رواه أبفو هريرة خرجفه‬
‫البخاري‪ .‬وقال وهفب بفن منبفه‪ :‬قرأت مفن حكمفة لقمان أرجفح مفن عشرة آلف باب‪ .‬وروي أنفه‬
‫دخفل على داود عليفه السفلم وهفو يسفرد الدروع‪ ،‬وقفد ليفن ال له الحديفد كالطيفن فأراد أن يسفأل‪،‬‬
‫فأدركتفه الحكمفة فسفكت؛ فلمفا أتمهفا لبسفها وقال‪ :‬نعفم لبوس الحرب أنفت‪ .‬فقال‪ :‬الصفمت حكمفة‪،‬‬
‫وقليل فاعله‪ .‬فقال له داود‪ :‬بحق ما سميت حكيما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن اشكر ل" فيه تقديران‪ :‬أحدهما أن تكون "أن" بمعنى أي مفسرة؛ أي قلنا له‬
‫اشكر‪ .‬والقول الخر أنها في موضع نصب والفعل داخل في صلتها؛ كما حكى سيبويه‪ :‬كتبت إليه‬
‫أن قفم؛ إل أن هذا الوجفه عنده بعيفد‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬المعنفى ولقفد آتينفا لقمان الحكمفة لن يشكفر ال‬
‫تعالى‪ .‬وقيفل‪ :‬أي بأن اشكفر ل تعالى فشكفر؛ فكان حكيمفا بشكره لنفا‪ .‬والشكفر ل‪ :‬طاعتفه فيمفا أمفر‬
‫به‪ .‬وقد مضى القول في حقيقته لغة ومعنى في "البقرة" وغيرها‪" .‬ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه"‬
‫أي من يطع ال تعالى فإنما يعمل لنفسه؛ لن نفع الثواب عائد إليه‪" .‬ومن كفر" أي كفر النعم فلم‬
‫يوحفد ال "فإن ال غنفي" عفن عبادة خلقفه "حميفد" عنفد الخلق؛ أي محمود‪ .‬وقال يحيفى بفن سفلم‪:‬‬
‫"غني" عن خلقه "حميد" في فعله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 :‬وإذ قال لقمان لبنه وهو يعظه يا بني ل تشرك بال إن الشرك لظلم عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ قال لقمان لبنه وهو يعظه" قال السهيلي‪ :‬اسم ابنه ثاران؛ في قول الطبري‬
‫والقتبي‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬مشكم‪ .‬وقيل أنعم؛ حكاه النقاش‪ .‬وذكر القشيري أن ابنه وامرأته كانا كافرين‬
‫فما زال يعظهما حتى أسلما‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ودل على هذا قوله‪ :‬وفي صحيح مسلم وغيره عن عبدال قال‪ :‬لما نزلت "الذين آمنوا ولم‬
‫يلبسفوا إيمانهفم بظلم" [النعام‪ ]82 :‬شفق ذلك على أصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫وقالوا‪ :‬أينا ل يظلم نفسه؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ليس هو كما تظنون إنما هو كما‬
‫قال لقمان لبنه‪ :‬يا بني ل تشرك بال إن الشرك لظلم عظيفم)‪ .‬واختلف ففي قوله‪" :‬إن الشرك لظلم‬
‫عظيفم" فقيفل‪ :‬إنه مفن كلم لقمان‪ .‬وقيل‪ :‬هو خفبر من ال تعالى منقطعفا مفن كلم لقمان متصفل به‬
‫في تأكيد المعنى؛ ويؤيد هذا الحديث المأثور أنه لما نزلت‪" :‬الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"‬
‫[النعام‪ ]82 :‬أشففق أصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وقالوا‪ :‬أينفا لم يظلم؛ فأنزل ال‬
‫تعالى‪" :‬إن الشرك لظلم عظيففم "فسففكن إشفاقهففم‪ ،‬وإنمففا يسففكن إشفاقهففم بأن يكون خففبرا مففن ال‬
‫تعالى؛ وقففد يسففكن الشفاق بأن يذكففر ال ذلك عففن عبففد قففد وصفففه بالحكمففة والسففداد‪ .‬و"إذ" فففي‬
‫موضفع نصفب بمعنفى اذكفر‪ .‬وقال الزجاج ففي كتابفه ففي القرآن‪ :‬إن "إذ" ففي موضفع نصفب بفف‬
‫"آتينا" والمعنى‪ :‬ولقد آتينا لقمان الحكمة إذ قال‪ .‬النحاس‪ :‬وأحسبه غلطا؛ لن في الكلم واوا تمنع‬
‫مفن ذلك‪ .‬وقال‪" :‬يفا بنيّ" بكسفر الياء؛ لنهفا دالة على الياء المحذوففة‪ ،‬ومفن فتحهفا فلخففة الفتحفة‬
‫عنده؛ وقفد مضفى ففي "هود" القول ففي هذا‪ .‬وقوله‪" :‬يفا بنفي" ليفس هفو على حقيقفة التصفغير وإن‬
‫كان على لفظه‪ ،‬وإنما هو على وجه الترقيق؛ كما يقال للرجل‪ :‬يا أخي‪ ،‬وللصبي هو كويس‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 - 14 :‬ووصينا النسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين‬
‫أن اشكففر لي ولوالديففك إلي المصففير‪ ،‬وإن جاهداك على أن تشرك بففي مففا ليففس لك بففه علم فل‬
‫تطعهمفا وصفاحبهما ففي الدنيفا معروففا واتبفع سفبيل مفن أناب إلي ثفم إلي مرجعكفم فأنبئكفم بمفا كنتفم‬
‫تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ووصينا النسان بوالديه" هاتان اليتان اعتراض بين أثناء وصية لقمان‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫إن هذا مما أوصى به لقمان ابنه؛ أخبر ال به عنه؛ أي قال لقمان لبنه‪ :‬ل تشرك بال ول تطع في‬
‫الشرك والديك‪ ،‬فإن ال وصى بهما في طاعتهما مما ل يكون شركا ومعصية ل تعالى‪ .‬وقيل‪ :‬أي‬
‫وإذ قال لقمان لبنه؛ فقلنا للقمان فيما آتيناه من الحكمة ووصينا النسان بوالديه؛ أي قلنا له اشكر‬
‫ل‪ ،‬وقلنا له ووصينا النسان‪ .‬وقيل‪ :‬وإذ قال لقمان لبنه‪ ،‬ل تشرك‪ ،‬ونحن وصينا النسان بوالديه‬
‫حسفنا‪ ،‬وأمرنفا الناس بهذا‪ ،‬وأمفر لقمان بفه ابنفه؛ ذكفر هذه القوال القشيري‪ .‬والصفحيح أن هاتيفن‬
‫اليتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص؛ كما تقدم في "العنكبوت" وعليه جماعة المفسرين‪.‬‬
‫وجملة هذا الباب أن طاعففة البويففن ل تراعففى فففي ركوب كففبيرة ول فففي ترك فريضففة على‬
‫العيان‪ ،‬وتلزم طاعتهمففا فففي المباحات‪ ،‬ويسففتحسن فففي ترك الطاعات الندب؛ ومنففه أمففر الجهاد‬
‫الكفايففة‪ ،‬والجابففة للم فففي الصففلة مففع إمكان العادة؛ على أن هذا أقوى مففن الندب؛ لكففن يعلل‬
‫بخوف هلكفة عليهفا‪ ،‬ونحوه ممفا يبيفح قطفع الصفلة فل يكون أقوى مفن الندب‪ .‬وخالف الحسفن ففي‬
‫هذا التفصيل فقال‪ :‬إن منعته أمه من شهود العشاء شفقة فل يطعها‪.‬‬
‫@ لما خص تعالى الم بدرجة ذكر الحمل وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلث مراتب‪،‬‬
‫وللب واحدة؛ وأشبه ذلك قوله صلى ال عليه وسلم حين قال له رجل من أبّر؟ قال‪( :‬أمك) قال ثم‬
‫من؟ قال‪( :‬أمك) قال ثم من؟ قال‪( :‬أمك) قال ثم من؟ قال‪( :‬أبوك) فجعل له الّربع من المبرة كما‬
‫في هذه الية؛ وقد مضى هذا كله في "السراء"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهنفا على وهفن" أي حملتفه ففي بطنهفا وهفي تزداد كفل يوم ضعففا على ضعفف‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المرأة ضعيفة الخلقة ثم يضعفها الحمل‪ .‬وقرأ عيسى الثقفّي‪" :‬وهنا على وهن" بفتح الهاء‬
‫فيهما؛ ورويت عن أبي عمرو‪ ،‬وهما بمعنى واحد‪ .‬قال قعنب بن أم صاحب‪:‬‬
‫إن العواذل فيها الين والوهن‬ ‫هل للعواذل من ناه فيزجرها‬
‫يقال‪ :‬وهن يهن‪ ،‬ووهن يوهن ووهن‪ ،‬يهن؛ مثل ورم يرم‪ .‬وانتصب "وهنا" على المصدر؛ ذكره‬
‫القشيري‪ .‬النحاس‪ :‬على المفعول الثاني بإسقاط حرف الجر؛ أي حملته بضعف على ضعف‪ .‬وقرأ‬
‫الجمهور‪" :‬وفصففاله" وقرأ الحسففن ويعقوب‪" :‬وفصففله" وهمففا لغتان‪ ،‬أي وفصففاله فففي انقضاء‬
‫عامين؛ والمقصود من الفصال الفطام‪ ،‬فعبّر بغايته ونهايته‪ .‬ويقال‪ :‬انفصل عن كذا أي تميّز؛ وبه‬
‫سمي الفصيل‪.‬‬
‫@ الناس مجمعون على العامين في مدة الرضاع في باب الحكام والنفقات‪ ،‬وأما في تحريم اللبن‬
‫فحّددت فرقة بالعام ل زيادة ول نقص‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬العامان وما اتصل بهما من الشهر ونحوه إذا‬
‫كان متصل الرضاع‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬إن فطم الصبّي قبل العامين وترك اللبن فإن ما شرب بعد ذلك‬
‫في الحولين ل يحّرم؛ وقد مضى هذا في "البقرة" مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن اشكفر لي" "أن" ففي موضفع نصفب ففي قول الزجاج‪ ،‬وأن المعنفى‪ :‬ووصفينا‬
‫النسففان بوالديففه أن اشكففر لي‪ .‬النحاس‪ :‬وأجود منففه أن تكون "أن" مفسففرة‪ ،‬والمعنففى‪ :‬قلنففا له أن‬
‫اشكفر لي ولوالديفك‪ .‬قيفل‪ :‬الشكفر ل على نعمفة اليمان‪ ،‬وللوالديفن على نعمفة التربيفة‪ .‬وقال سففيان‬
‫بفن عيينفة‪ :‬من صفلى الصفلوات الخمفس فقفد شكفر ال تعالى‪ ،‬ومفن دعفا لوالديفه ففي أدبار الصفلوات‬
‫فقد شكرهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فل تطعهما" قد بينا أن هذه‬
‫الية والتي قبلها نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص لما أسلم‪ ،‬وأن أمه وهي حمنة بنت أبي سفيان‬
‫بن أمية حلفت أل تأكل؛ كما تقدم في الية قبلها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وصاحبهما في الدنيا معروفا" نعت لمصدر محذوف؛ أي مصاحبا معروفا؛ يقال‬
‫صاحبته مصاحبة ومصاحبا‪ .‬و"معروفا" أي ما يحسن‪.‬‬
‫والية دليل على صلة البوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقير‪ ،‬وإلنة القول والدعاء‬
‫إلى السلم برفق‪ .‬وقد قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبّي عليه الصلة والسلم وقد قدمت‬
‫عليفه خالتهفا وقيفل أمهفا مفن الرضاعفة فقالت‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬إن أمفي قدمفت علّي وهفي راغبفة‬
‫أفأصلها؟ قال‪( :‬نعم)‪ .‬وراغبة قيل معناه‪ :‬عن السلم‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬والظاهر عندي أنها راغبة‬
‫ففي الصفلة‪ ،‬ومفا كانفت لتقدم على أسفماء لول حاجتهفا‪ .‬ووالدة أسفماء هفي قتيلة بنفت عبفد العّزى بفن‬
‫عبد أسد‪ .‬وأم عائشة وعبدالرحمن هي أم رومان قديمة السلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتبع سبيل من أناب إلي" وصية لجميع العالم؛ كأن المأمور النسان‪ .‬و"أناب"‬
‫معناه مال ورجفع إلى الشيفء؛ وهذه سفبيل النفبياء والصفالحين‪ .‬وحكفى النقاش أن المأمور سفعد‪،‬‬
‫والذي أناب أبو بكر؛ وقال‪ :‬إن أبا بكر لما أسلم أتاه سعد وعبدالرحمن بن عوف وعثمان وطلحة‬
‫وسفعيد والزبيفر فقالوا‪ :‬آمنفت! قال نعفم؛ فنزلت فيفه‪" :‬أمفن هفو قانفت آناء الليفل سفاجدا وقائمفا يحذر‬
‫الخرة ويرجوا رحمة ربه" [الزمر‪ ]9 :‬فلما سمعها الستة آمنوا؛ فأنزل ال تعالى فيهم‪" :‬والذين‬
‫اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوهفففا وأنابوا إلى ال لهفففم البشرى" إلى قوله "أولئك الذيفففن هداهفففم ال"‬
‫[الزمر‪ .]18 - 17 :‬قيل‪ :‬الذي أناب النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬ولما أسلم سعد‬
‫أسفلم معفه أخواه عامفر وعويمفر؛ فلم يبفق منهفم مشرك إل عتبفة‪ .‬ثفم توعفد عفز وجفل ببعفث مفن ففي‬
‫القبور والرجوع إليه للجزاء والتوقيف على صغير العمال وكبيرها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في‬
‫الرض يأت بها ال إن ال لطيف خبير}‬
‫@ المعنى‪ :‬وقال لقمان لبنه يا بنّي‪ .‬وهذا القول من لقمان إنما قصد به إعلم ابنه بقدر قدرة ال‬
‫تعالى‪ .‬وهذه الغايففة التففي أمكنففه أن يفهمففه‪ ،‬لن الخردلة يقال‪ :‬إن الحّفس ل يدرك لهففا ثقل‪ ،‬إذ ل‬
‫ترجففح ميزانففا‪ .‬أي لو كان للنسففان رزق مثقال حّبففة خردل فففي هذه المواضففع جاء ال بهففا حتففى‬
‫يسوقها إلى من هي رزقه؛ أي ل تهتم للرزق حتى تشتغل به عن أداء الفرائض‪ ،‬وعن اتباع سبيل‬
‫من أناب إلّي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومفن هذا المعنفى قول النفبي صفلى ال عليفه وسفلم لعبدال بفن مسفعود‪( :‬ل تكثفر همفك مفا‬
‫يقدر يكون ومففا ترزق يأتيففك)‪ .‬وقففد نطقففت هذه اليففة بأن ال تعالى قففد أحاط بكففل شيففء علمففا‪،‬‬
‫وأحصفى كفل شيفء عددا؛ سفبحانه ل شريفك له‪ .‬وروي أن ابفن لقمان سفأل أباه عفن الحبفة التفي تقفع‬
‫ففي سففل البحفر أيعلمهفا ال؟ فراجعفه لقمان بهذه اليفة‪ .‬وقيفل‪ :‬المعنفى أنفه أراد العمال‪ ،‬المعاصفي‬
‫والطاعات؛ أي إن تففك الحسففنة أو الخطيئة مثقال حبففة يأت بهففا ال؛ أي ل تفوت النسففان المقدر‬
‫وقوعها منه‪ .‬وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة ترجية وتخويف مضاف ذلك إلى تبيين قدرة ال‬
‫تعالى‪ .‬وفي القول الول ليس فيه ترجية ول تخويف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مثقال حبة" عبارة تصلح للجواهر‪ ،‬أي قدر حبة‪ ،‬وتصلح للعمال؛ أي ما يزنه‬
‫على جهفة المماثلة قدر حبفة‪ .‬وممفا يؤيفد قول مفن قال هفي مفن الجواهفر‪ :‬قراءة عبدالكريفم الجزري‬
‫"فتكفن" بكسفر الكاف وشفد النون‪ ،‬مفن الكّن الذي هفو الشيفء المغطفى‪ .‬وقرأ جمهور القّراء‪" :‬إن‬
‫تفك" بالتاء مفن فوق "مثقال" بالنصفب على خفبر كان‪ ،‬واسفمها مضمفر تقديره‪ :‬مسفألتك‪ ،‬على مفا‬
‫روي‪ ،‬أو المعصية والطاعة على القول الثاني؛ ويدل على صحته قول ابن لقمان لبيه‪ :‬يا أبت إن‬
‫عملت الخطيئة حيث ل يراني أحد كيف يعلمها ال؟ فقال لقمان له‪" :‬يا بني إنها إن تك مثقال حبة‬
‫مفن خردل فتكفن ففي صفخرة" اليفة‪ .‬فمفا زال ابنفه يضطرب حتفى مات؛ قاله مقاتفل‪ .‬والضميفر ففي‬
‫"إنهفا" ضميفر القصفة؛ كقولك‪ :‬إنهفا هنفد قائمفة؛ أي القصفة إنهفا إن تفك مثقال حبفة‪ .‬والبصفريون‬
‫يجيزون‪ :‬إنهففا زيففد ضربتففه؛ بمعنففى إن القصففة‪ .‬والكوفيون ل يجيزون هذا إل فففي المؤنففث كمففا‬
‫ذكرنفا‪ .‬وقرأ ناففع‪" :‬مثقال" بالرففع‪ ،‬وعلى هذا "تفك" يرجفع إلى معنفى خردلة؛ أي إن تفك حبفة مفن‬
‫خردل‪ .‬وقيل‪ :‬أسند إلى المثقال فعل فيه علمة التأنيث من حيث انضاف إلى مؤنث هو منه؛ لن‬
‫مثقال الحبفة مفن الخردل إمفا سفيئة أو حسفنة؛ كمفا قال‪" :‬فله عشفر أمثالهفا" [النعام‪ ]160 :‬فأنفث‬
‫وإن كان المثل مذكرا؛ لنه أراد الحسنات‪ .‬ومن هذا قول الشاعر‪:‬‬
‫أعاليها مر الرياح النواسم‬ ‫مشين كما اهتزت رماح تسفهت‬
‫و"تك" ها هنا بمعنى تقع فل تقتضي خبرا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتكن في صخرة" قيل‪ :‬معنى الكلم المبالغة والنتهاء في التفهيم؛ أي أن قدرته‬
‫تعالى تنال مففا يكون فففي تضاعيففف صففخرة ومففا يكون فففي السففماء والرض‪ .‬وقال ابففن عباس‪:‬‬
‫الصفخرة تحفت الرضيفن السفبع وعليهفا الرض‪ .‬وقيفل‪ :‬هفي الصفخرة على ظهفر الحوت‪ .‬وقال‬
‫السفّدي‪ :‬هفي صفخرة ليسفت ففي السفموات والرض‪ ،‬بفل هفي وراء سفبع أرضيفن عليهفا ملك قائم؛‬
‫لنه قال‪" :‬أو في السموات أو في الرض" وفيهما غنية عن قوله‪" :‬فتكن في صخرة"؛ وهذا الذي‬
‫قاله ممكفن‪ ،‬ويمكفن أن يقال‪ :‬قوله‪" :‬فتكفن ففي صفخرة" تأكيفد؛ كقوله‪" :‬اقرأ باسفم ربفك الذي خلق‪.‬‬
‫خلق النسان من علق" [العلق‪ ،]2 :‬وقول‪" :‬سبحان الذي أسرى بعبده ليل" [السراء‪.]1 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬يا بني أقم الصلة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن‬
‫ذلك من عزم المور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يفا بنفي أقم الصفلة" و صّى ابنه بعظفم الطاعات وهفي الصفلة والمفر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ .‬وهذا إنما يريد به بعد أن يمتثل ذلك هو في نفسه ويزدجر عن المنكر‪ ،‬وهنا‬
‫هي الطاعات والفضائل أجمع‪ .‬ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫فإذا انتهت عنه فأنت حكيم‬ ‫وابدأ بنفسك فانهها عن غَيها‬
‫ففي أبيات تقدم ففي "البقرة" ذكرهفا‪" .‬واصفبر على مفا أصفابك" يقتضفي حضفا على تغييفر المنكفر‬
‫وإن نالك ضرر؛ فهفو إشعار بأن المغيفر أحيانفا؛ وهذا القدر على جهفة الندب والقوة ففي ذات ال؛‬
‫وأمفا على اللزوم فل‪ ،‬وقفد مضفى الكلم ففي هذا مسفتوفى ففي "آل عمران والمائدة"‪ .‬وقيفل‪ :‬أمره‬
‫بالصفبر على شدائد الدنيفا كالمراض وغيرهفا‪ ،‬وأل يخرج مفن الجزع إلى معصفية ال عفز وجفل؛‬
‫وهذا قول حسفن لنفه يعّم‪" .‬إن ذلك مفن عزم المور" قال ابفن عباس‪ :‬مفن حقيقفة اليمان الصفبر‬
‫على المكاره‪ .‬وقيل‪ :‬إن إقامة الصلة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عزم المور؛ أي‬
‫مما عزمه ال وأمر به؛ قاله ابن جريج‪ .‬ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الخلق وعزائم أهل‬
‫الحزم السالكين طريق النجاة‪ .‬وقول ابن جريج صوب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬ول تصعر خدك للناس ول تمش في الرض مرحا إن ال ل يحب كل مختال‬
‫فخور}‬
‫@ قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن محيصن‪" :‬تصاعر" باللف بعد الصاد‪ .‬وقرأ ابن‬
‫صعّر" وقرأ الجحدري‪" :‬تُ صْعر" بسكون الصاد؛‬ ‫كثير وعاصم وابن عامر والحسن ومجاهد‪" :‬تُ َ‬
‫والمعنفى متقارب‪ .‬والصفعر‪ :‬الميفل؛ ومنفه قول العرابفي‪ :‬وقفد أقام الدهفر صفعري‪ ،‬بعفد أن أقمفت‬
‫صعره‪ .‬ومنه قول عمرو بن حنّي التغلبي‪:‬‬
‫أقمنا له من ميله فتقومِ‬ ‫وكنا إذا الجبار صعر خده‬
‫وأنشده الطبري‪" :‬فتقوما"‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهو خطأ؛ لن قافية الشعر مخفوضة‪ .‬وفي بيت آخر‪:‬‬
‫أقمنففا له مففن خّده المتصففعر قال الهروي‪" :‬ل تصففاعر" أي ل تعرض عنهففم تكففبرا عليهففم؛ يقال‪:‬‬
‫أصفاب البعيفر صفعر وصفيد إذ أصفابه داء يلوي منفه عنقفه‪ .‬ثفم يقال للمتكفبر‪ :‬فيفه صفعر وصفيد؛‬
‫فمعنى‪" :‬ل تصعر" أي ل تلزم خّدك الصعر‪ .‬وفي الحديث‪( :‬يأتي على الناس زمان ليس فيهم إل‬
‫أصفعر أو أبتفر) والصفعر‪ :‬المعرض بوجهفه كفبرا؛ وأراد رذالة الناس الذيفن ل ديفن لهفم‪ .‬وففي‬
‫الحديث‪( :‬كل صعار ملعون) أي كل ذي أبهة وكبر‪.‬‬
‫@ معنفى اليفة‪ :‬ول تمفل خّدك للناس كفبرا عليهفم وإعجابفا واحتقارا لهفم‪ .‬وهذا تأويفل ابفن عباس‬
‫وجماعفة‪ .‬وقيفل‪ :‬هفو أن تلوي شدقفك إذا ذكفر الرجفل عندك كأنفك تحتقره؛ فالمعنفى‪ :‬أقبفل عليهفم‬
‫متواضعفا مؤنسفا مسفتأنسا‪ ،‬وإذا حدثفك أصفغرهم فاصفغ إليفه حتفى يكمفل حديثفه‪ .‬وكذلك كان النفبي‬
‫صلى ال عليه وسلم يفعل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن هذا المعنى ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬ل تباغضوا ول تدابروا ول تحاسدوا وكونوا عباد ال إخوانا‪ ،‬ول يحل لمسلم أن‬
‫يهجففر أخاه فوق ثلث)‪ .‬فالتدابر العراض وترك الكلم والسففلم ونحوه‪ .‬وإنمففا قيففل للعراض‬
‫تدابر لن من أبغضته أعرضت عنه ووليته دبرك؛ وكذلك يصنع هو بك‪ .‬ومن أحببته أقبلت عليه‬
‫بوجهك وواجهته لتسفره ويسفرك؛ فمعنى التدابر موجود فيمن صفعر خده‪ ،‬وبه فسفر مجاهفد اليفة‪.‬‬
‫وقال ابفن خويفز منداد‪ :‬قوله‪" :‬ول تصفاعر خّدك للناس" كأنفه نهفى أن يذل النسفان نفسفه مفن غيفر‬
‫حاجة؛ ونحو ذلك روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬ليس للنسان أن يذل نفسه)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تمش في الرض مرحا" أي متبخترا متكبرا‪ ،‬مصدر في موضع الحال‪ ،‬وقد‬
‫مضى في "السراء"‪ .‬وهو النشاط والمشي فرحا في غير شغل وفي غير حاجة‪ .‬وأهل هذا الخلق‬
‫ملزمون للفخفر والخيلء؛ فالمرح مختال ففي مشيتفه‪ .‬روى يحيفى بفن جابر الطائي عفن ابفن عائذ‬
‫الزدي عفن غضيففف بففن الحارث قال‪ :‬أتيفت بيففت المقدس أنففا وعبدال بفن عبيفد بفن عميفر قال‪:‬‬
‫فجلسنا إلى عبدال بن عمرو بن العاصي فسمعته يقول‪ :‬إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول‪ :‬يا‬
‫ابن آدم ما غرك بي! ألم تعلم أني بيت الوحدة! ألم تعلم أني بيت الظلمة! ألم تعلم أني بيت الحق!‬
‫يفا ابفن آدم مفا غّرك بفي! لقفد كنفت تمشفي حولي فّدادا‪ .‬قال ابفن عائذ قلت لغُضيفف‪ :‬مفا الفدّاد يفا أبفا‬
‫أسفماء؟ قال‪ :‬كبعفض مشيتفك يفا ابفن أخفي أحيانفا‪ .‬قال أبفو عبيفد‪ :‬والمعنفى ذا مال كثيفر وذا خيلء‪.‬‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من جّر ثوبه خيلء ل ينظر ال إليه يوم القيامة)‪ .‬والفخور‪ :‬هو الذي‬
‫يعدد ما أعطي ول يشكر ال تعالى؛ قاله مجاهد‪ .‬وفي اللفظة الفخر بالنسب وغير ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 19 :‬واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الصوات لصوت الحمير‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واقصد في مشيك" لما نهاه عن الخلق الذميم رسم له الخلق الكريم الذي ينبغي أن‬
‫يسفتعمله فقال‪" :‬واقصفد ففي مشيفك" أي توسفّط فيفه‪ .‬والقصفد‪ :‬مفا بيفن السفراع والبطفء؛ أي ل تدب‬
‫دبيفب المتماوتيفن ول تثفب وثفب الشطار؛ وقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬سفرعة المشفي‬
‫تذهفب بهاء المؤمفن)‪ .‬فأمفا مفا روي عنفه عليفه السفلم أنفه كان إذا مشفى أسفرع‪ ،‬وقول عائشفة ففي‬
‫عمر رضي ال عنهما‪ :‬كان إذا مشى أسرع ‪ -‬فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت؛‬
‫وال أعلم‪ .‬وقد مدح ال سبحانه من هذه صفته حسبما تقّدم بيانه في "الفرقان"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واغضض من صوتك" أي انقص منه؛ أي ل تتكلف رفع الصوت وخذ منه ما‬
‫تحتاج إليفه؛ فإن الجهفر بأكثفر مفن الحاجفة تكلف يؤذي‪ .‬والمراد بذلك كله التواضفع؛ وقفد قال عمفر‬
‫لمؤذن تكلف رفففع الذان بأكثففر مففن طاقتففه‪ :‬لقففد خشيففت أن ينشففق ُم ْريَطاؤك! والمؤذن هففو أبففو‬
‫محذورة سففمرة بففن معيففر‪ .‬والمريطاء‪ :‬مففا بيففن السففرة إلى العانففة‪" .‬إن أنكففر الصففوات لصففوت‬
‫الحميفر" أي أقبحهفا وأوحشهفا؛ ومنفه أتانفا بوجفه منكفر‪ .‬والحمار مثفل ففي الذم البليفغ والشتيمفة‪،‬‬
‫وكذلك نهاقفه؛ ومفن اسفتفحاشهم لذكره مجردا أنهفم يكنون عنفه ويرغبون عفن التصفريح فيقولون‪:‬‬
‫الطويفل الذنيفن؛ كمفا يكنفى عفن الشياء المسفتقذرة‪ .‬وقفد عفد ففي مسفاوئ الداب أن يجري ذكفر‬
‫الحمار ففي مجلس قوم مفن أولي المروءة‪ .‬ومفن العرب مفن ل يركفب الحمار اسفتنكافا وإن بلغفت‬
‫منه الرجلة‪ .‬وكان عليه الصلة والسلم يركبه تواضعا وتذلل ل تبارك وتعالى‪.‬‬
‫@ ففي اليفة دليفل على تعريفف قبفح رففع الصفوت ففي المخاطبفة والملحاة بقبفح أصفوات الحميفر؛‬
‫لنهفا عاليفة‪ .‬وففي الصفحيح عفن النبّي صفلى ال عليفه وسفلم أنفه قال‪( :‬وإذا سفمعتم نهيفق الحميفر‬
‫فتعوذوا بال مفن الشيطان فإنهفا رأت شيطانفا)‪ .‬وقفد روي‪ :‬أنفه مفا صفاح حمار ول نبفح كلب إل أن‬
‫يرى شيطانفا‪ .‬وقال سففيان الثوري‪ :‬صفياح كفل شيفء شيفء تسفبيح إل نهيفق الحميفر‪ .‬وقال عطاء‪:‬‬
‫نهيق الحمير دعاء على الظلمة‪.‬‬
‫@ وهذه اليفة أدب مفن ال تعالى بترك الصفياح ففي وجوه الناس تهاونفا بهفم‪ ،‬أو بترك الصفياح‬
‫جملة؛ وكانفت العرب تفخفر بجهارة الصفوت الجهيفر وغيفر ذلك‪ ،‬فمفن كان منهفم أشفد صفوتا كان‬
‫أعز‪ ،‬ومن كان أخفض كان أذل‪ ،‬حتى قال شاعرهم‪:‬‬
‫جهير الرواء جهير النعم‬ ‫جهير الكلم جهير العطاس‬
‫ويعلو الرجال بخلق عمم‬ ‫ويعد على الين عدوى الظليم‬
‫فنهى ال سفبحانه وتعالى عن هذه الخلق الجاهلية بقوله‪" :‬إن أنكر الصفوات لصفوت الحميفر" أي‬
‫لو أن شيئا يهاب لصوته لكان الحمار؛ فجعلهم في المثل سواء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لصوت الحمير" اللم للتأكيد‪ ،‬ووحد الصوت وإن كان مضافا إلى الجماعة لنه‬
‫مصدر والمصدر يدل على الكثرة‪ ،‬وهو مصدر صات يصوت صوتا فهو صائت‪ .‬ويقال‪ :‬صوت‬
‫تصفويتا فهفو مصفوت‪ .‬ورجفل صفات أي شديفد الصفوت بمعنفى صفائت؛ كقولهفم‪ :‬رجال مال ونال؛‬
‫أي كثير المال والنوال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 - 20 :‬ألم تروا أن ال سخر لكم ما في السماوات وما في الرض وأسبغ عليكم‬
‫نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في ال بغير علم ول هدى ول كتاب منير‪ ،‬إذا قيل لهم‬
‫اتبعوا مففا أنزل ال قالوا بففل نتبففع مففا وجدنففا عليففه آباءنففا أولو كان الشيطان يدعوهففم إلى عذاب‬
‫السعير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تروا أن ال سخر لكم ما في السماوات وما في الرض" ذكر نعمه على بني‬
‫آدم‪ ،‬وأنفه سفخر لهفم "مفا ففي السفموات" مفن شمفس وقمفر ونجوم وملئكفة تحوطهفم وتجفر إليهفم‬
‫منافعهم‪" .‬وما في الرض" عام في الجبال والشجار والثمار وما ل يحصى‪" .‬وأسبغ عليكم نعمه‬
‫ظاهرة وباطنفة" أي أكملهفا وأتمهفا‪ .‬وقرأ ابفن عباس ويحيفى بفن عمارة‪" :‬وأصفبغ" بالصفاد على‬
‫بدلها من السين؛ لن حروف الستعلء تجتذب السين من سفلها إلى علوها فتردها صادا‪ .‬والنعم‪:‬‬
‫جمع نعمة كسدرة وسدر (بفتح الدال) وهي قراءة نافع وأبي عمرو وحفص‪ .‬الباقون‪" :‬نعمة" على‬
‫الفراد؛ والفراد يدل على الكثرة؛ كقوله تعالى‪" :‬وإن تعدوا نعمفففة ال ل تحصفففوها" [إبراهيفففم‪:‬‬
‫‪ .]34‬وهفي قراءة ابفن عباس مفن وجوه صفحاح‪ .‬وقيفل‪ :‬إن معناهفا السفلم؛ قال النفبي صفلى ال‬
‫عليه وسلم لبن عباس وقد سأله عن هذه الية‪( :‬الظاهرة السلم وما حسن من خلقك‪ ،‬والباطنة‬
‫مفا سفتر عليفك مفن سفيئ عملك)‪ .‬قال النحاس‪ :‬وشرح هذا أن سفعيد بفن جفبير قال ففي قول ال عفز‬
‫وجل‪" :‬ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم" [المائدة‪ ]6 :‬قال‪ :‬يدخلكم الجنة‪ .‬وتمام نعمة ال‬
‫عز وجل على العبد أن يدخله الجنة‪ ،‬فكذا لما كان السلم يؤول أمره إلى الجنة سمي نعمة‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫الظاهرة الصفحة وكمال الخلق‪ ،‬والباطنفة المعرففة والعقفل‪ .‬وقال المحاسفبي‪ :‬الظاهرة نعفم الدنيفا‪،‬‬
‫والباطنففة نعففم العقففبى‪ .‬وقيففل‪ :‬الظاهرة مففا يرى بالبصففار مففن المال والجاه والجمال فففي الناس‬
‫وتوفيق الطاعات‪ ،‬والباطنة ما يجده المرء في نفسه من العلم بال وحسن اليقين وما يدفع ال تعالى‬
‫عن العبد من الفات‪ .‬وقد سرد الماوردي في هذا أقوال تسعة‪ ،‬كلها ترجع إلى هذا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن الناس من يجادل في ال" تقدمت‪ .‬نزلت في يهودي جاء إلى النبي صلى ال‬
‫عليفه وسفلم فقال‪ :‬يفا محمفد‪ ،‬أخفبرني عفن ربفك‪ ،‬مفن أي شيفء هفو؟ فجاءت صفاعقة فأخذتفه؛ قاله‬
‫مجاهفد‪ .‬وقفد مضفى هذا ففي "الرعفد"‪ .‬وقيفل‪ :‬إنهفا نزلت ففي النضفر بفن الحارث‪ ،‬كان يقول‪ :‬إن‬
‫الملئكفة بنات ال؛ قاله ابفن عباس‪" .‬يجادل" يخاصفم "بغيفر علم" أي بغيففر حجفة "ول هدى ول‬
‫كتاب منيففر" أي نيففر بيففن؛ إل الشيطان فيمففا يلقففي إليهففم‪" .‬وإن الشياطيففن ليوحون إلى أوليائهففم‬
‫ليجادلوكفم" [النعام‪ ]121 :‬وإل تقليفد السفلف كمفا ففي اليفة بعفد‪" .‬أولو كان الشيطان يدعوهفم‬
‫إلى عذاب السعير" فيتبعونه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 22 :‬ومفن يسفلم وجهفه إلى ال وهفو محسفن فقفد اسفتمسك بالعروة الوثقفى وإلى ال‬
‫عاقبة المور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومفن يسفلم وجهفه إلى ال" أي يخلص عبادتفه وقصفده إلى ال تعالى‪" .‬وهفو‬
‫محسن" لن العبادة من غير إحسان ول معرفة القلب ل تنفع؛ نظيره‪" :‬ومن يعمل من الصالحات‬
‫وهفو مؤمفن" [طفه‪ .]112 :‬وففي حديفث جبريفل قال‪ :‬فأخفبرني عفن الحسفان؟ قال‪( :‬أن تعبفد ال‬
‫كأنفك تراه فإن لم تكفن تراه فإنفه يراك)‪" .‬فقفد اسفتمسك بالعروة الوثقفى" قال ابفن عباس‪ :‬ل إله إل‬
‫ال؛ وقفد مضفى ففي "البقرة"‪ .‬وقفد قرأ علّي بفن أبفي طالب رضفي ال تعالى عنفه والسفلمي وعبدال‬
‫بفن مسفلم بفن يسفار‪" :‬ومفن يسفلم"‪ .‬النحاس‪ :‬و"يسفلم" ففي هذا أعرف؛ كمفا قال عفز وجفل‪" :‬فقفل‬
‫أسفلمت وجهفي ل" [آل عمران‪ ]20 :‬ومعنفى‪" :‬أسفلمت وجهفي ل" قصفدت بعبادتفي إلى ال عفز‬
‫وجل؛ ويكون "يسلم" على التكثير؛ إل أن المستعمل في سلمت أنه بمعنى دفعت؛ يقال سلمت في‬
‫الحنطففة‪ ،‬وقففد يقال أسففلمت‪ .‬الزمخشري‪ :‬قرأ علّي بففن أبففي طالب رضففي ال تعالى عنففه‪" :‬ومففن‬
‫يسفلم" بالتشديفد؛ يقال‪ :‬أسفلم أمرك وسفلم أمرك إلى ال تعالى؛ فإن قلت‪ :‬ماله عدي بإلى‪ ،‬وقفد عدي‬
‫باللم في قول عز وجل‪" :‬بلى من أسلم وجهه ل"؟ [البقرة‪ ]112 :‬قلت‪ :‬معناه مع اللم أنه جعل‬
‫وجهفه وهفو ذاتفه ونفسفه سفالما ل؛ أي خالصفا له‪ .‬ومعناه مفع إلى راجفع إلى أنفه سفلم إليفه نفسفه كمفا‬
‫يسففلم المتاع إلى الرجففل إذا دفففع إليففه‪ .‬والمراد التوكففل عليففه والتفويففض إليففه‪" .‬وإلى ال عاقبففة‬
‫المور" أي مصيرها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 - 23 :‬ومن كفر فل يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن ال عليم‬
‫بذات الصدور‪ ،‬نمتعهم قليل ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومفن كففر فل يحزنفك كفره إلينفا مرجعهفم فننبئهفم بمفا عملوا" أي نجازيهفم بمفا‬
‫عملوا‪" .‬إن ال عليفم بذات الصفدور"‪" .‬نمتعهفم قليل" أي نبقيهفم ففي الدنيفا مدة قليلة يتمتعون بهفا‪.‬‬
‫"ثفم نضطرهفم" أي نلجئهفم ونسفوقهم‪" .‬إلى عذاب غليفظ" وهفو عذاب جهنفم‪ .‬ولففظ "مفن" يصفلح‬
‫للواحد والجمع‪ ،‬فلهذا قال‪" :‬كفره" ثم قال‪" :‬مرجعهم" وما بعده على المعنى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 26 - 25 :‬ولئن سفألتهم مفن خلق السفماوات والرض ليقولن ال قفل الحمفد ل بفل‬
‫أكثرهم ل يعلمون‪ ،‬ل ما في السماوات والرض إن ال هو الغني الحميد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولئن سفألتهم مفن خلق السفماوات والرض ليقولن ال" أي هفم يعترفون بأن ال‬
‫خالقهفن فلم يعبدون غيره‪" .‬قفل الحمفد ل" أي على مفا هدانفا له مفن دينفه‪ ،‬وليفس الحمفد لغيره‪" .‬بفل‬
‫أكثرهفم ل يعلمون" أي ل ينظرون ول يتدبرون‪".‬ل مفا ففي السفماوات والرض" أي ملكفا وخلقفا‪.‬‬
‫"إن ال هو الغني" أي الغني عن خلقه وعن عبادتهم‪ ،‬وإنما أمرهم لينفعهم‪" .‬الحميد" أي المحمود‬
‫على صنعه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬ولو أنما في الرض من شجرة أقلم والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت‬
‫كلمات ال إن ال عزيز حكيم}‬
‫@ لمفا احتفج على المشركيفن بمفا احتفج بيفن أن معانفي كلمفه سفبحانه ل تنففد‪ ،‬وأنهفا ل نهايفة لهفا‪.‬‬
‫وقال القفال‪ :‬لما ذكفر أنه سفخر لهم ما ففي السموات وما ففي الرض وأنه أسبغ النعم نبه على أن‬
‫الشجار لو كانت أقلما‪ ،‬والبحار مدادا فكتب بها عجائب صنع ال الدالة على قدرته ووحدانيته لم‬
‫تنففد تلك العجائب‪ .‬قال القشيري‪ :‬فرد معنفى تلك الكلمات إلى المقدورات‪ ،‬وحمفل اليفة على الكلم‬
‫القديفم أولى؛ والمخلوق ل بفد له مفن نهايفة‪ ،‬فإذا نفيفت النهايفة عفن مقدوراتفه فهفو نففي النهايفة عمفا‬
‫يقدر في المستقبل على إيجاده‪ ،‬فأما ما حصره الوجود وعده فل بد من تناهيه‪ ،‬والقديم ل نهاية له‬
‫على التحقيق‪ .‬وقد مضى الكلم في معنى "كلمات ال" في آخر "الكهف"‪ .‬وقال أبو علّي‪ :‬المراد‬
‫بالكلمات وال أعلم ما في المقدور دون ما خرج منه إلى الوجود‪ .‬وهذا نحو مما قاله القفال‪ ،‬وإنما‬
‫الغرض العلم بكثرة معانفي كلمات ال وهفي ففي نفسفها غيفر متناهيفة‪ ،‬وإنمفا قرب المفر على‬
‫أفهام البشفر بمفا يتناهفى لنفه غايفة مفا يعهده البشفر مفن الكثرة؛ ل أنهفا تنففد بأكثفر مفن هذه القلم‬
‫والبحور‪ .‬ومعنى نزول الية‪ :‬يدل على أن المراد بالكلمات الكلم القديم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬إن سبب‬
‫هذه اليففة أن اليهود قالت‪ :‬يففا محمففد‪ ،‬كيففف عنينففا بهذا القول "ومففا أوتيتففم مففن العلم إل قليل"‬
‫[السراء‪ ]85 :‬ونحن قد أوتينا التوراة فيها كلم ال وأحكامه‪ ،‬وعندك أنها تبيان كل شيء؟ فقال‬
‫لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬التوراة قليل من كثير) ونزلت هذه الية‪ ،‬والية مدنية‪ .‬قال‬
‫أبو جعفر النحاس‪ :‬فقد تبين أن الكلمات ها هنا يراد بها العلم وحقائق الشياء؛ لنه عز وجل علم‬
‫قبفل أن يخلق الخلق مفا هفو خالق ففي السفموات والرض مفن كفل شيفء‪ ،‬وعلم مفا فيفه مفن مثاقيفل‬
‫الذّر‪ ،‬وعلم الجناس كلهفا ومفا فيهفا مفن شعرة وعضفو‪ ،‬ومفا ففي الشجرة مفن ورقفة‪ ،‬ومفا فيهفا مفن‬
‫ضروب الخلق‪ ،‬ومفا يتصفرف فيفه مفن ضروب الطعفم واللون؛ فلو سفمى كفل دابفة وحدهفا‪ ،‬وسفمى‬
‫أجزاءهفا على مفا علم مفن قليلهفا وكثيرهفا ومفا تحولت عليفه مفن الحوال‪ ،‬ومفا زاد فيهفا ففي كفل‬
‫زمان‪ ،‬وبيفن كفل شجرة وحدهفا ومفا تفرعفت إليفه‪ ،‬وقدر مفا ييبفس مفن ذلك ففي كفل زمان‪ ،‬ثفم كتفب‬
‫البيان على كل واحد منها ما أحاط ال جل ثناؤه به منها‪ ،‬ثم كان البحر مدادا لذلك البيان الذي بين‬
‫ال تبارك وتعالى عن تلك الشياء يمده من بعده سبعة أبحر لكان البيان عن تلك الشياء أكثر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا معنفى قول القفال‪ ،‬وهفو قول حسفن إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال قوم‪ :‬إن قريشفا قالت سفيتم‬
‫هذا الكلم لمحمد وينحسر؛ فنزلت وقال السّدي‪ :‬قالت قريش ما أكثر كلم محمد! فنزلت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والبحر يمده" قراءة الجمهور بالرفع على البتداء‪ ،‬وخبره في الجملة التي بعدها‪،‬‬
‫والجملة في موضع الحال؛ كأنه قال‪ :‬والبحر هذه حاله؛ كذا قدرها سيبويه‪ .‬وقال بعض النحويين‪:‬‬
‫هو عطف على "أن" لنها في موضع رفع بالبتداء‪ .‬وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق‪" :‬والبحر"‬
‫بالنصب على العطف على "ما" وهي اسم "أن"‪ .‬وقيل‪ :‬أي ولو أن البحر يمده أي يزيد فيه‪ .‬وقرأ‬
‫ابن هرمز والحسن‪" :‬يمده"؛ من أمّد‪ .‬قالت فرقة‪ :‬هما بمعنى واحد‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬مّد الشيء بعضه‬
‫بعضفا؛ كمفا تقول‪ :‬مّد النيفل الخليفج؛ أي زاد فيفه‪ .‬وأمّد الشيفء مفا ليفس منفه‪ .‬وقفد مضفى هذا ففي‬
‫"البقرة‪ .‬وآل عمران"‪ .‬وقرأ جعففر بن محمفد‪" :‬والبحفر مداده"‪" .‬مفا نفدت كلمات ال" تقدم‪" .‬إن‬
‫ال عزيفز حكيفم"‪ .‬وقال أبفو عفبيدة‪ :‬البحفر هفا هنفا الماء العذب الذي ينبفت القلم‪ ،‬وأمفا الماء الملح‬
‫فل ينبت القلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬ما خلقكم ول بعثكم إل كنفس واحدة إن ال سميع بصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما خلقكم ول بعثكم إل كنفس واحدة" قال الضحاك‪ :‬المعنى ما ابتداء خلقكم جميعا‬
‫إل كخلق نفففس واحدة‪ ،‬ومففا بعثكففم يوم القيامففة إل كبعففث نفففس واحدة‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهكذا قّدره‬
‫النحويون بمعنى إل كخلق نفس واحدة؛ مثفل‪" :‬واسأل القريفة" [يوسفف‪ .]82 :‬وقال مجاهد‪ :‬لنه‬
‫يقول للقليفل والكثيفر كفن فيكون‪ .‬ونزلت اليفة ففي أبفي بفن خلف وأبفي السفدين ومنبّهف ونفبيه ابنفي‬
‫الحجاج بن السباق‪ ،‬قالوا للنبّي صلى ال عليه وسلم‪ :‬إن ال تعالى قد خلقنا أطوارا‪ ،‬نطفة ثم علقة‬
‫ثم مضغة ثم عظاما‪ ،‬ثم تقول إنا نبعث خلقا جديدا جميعفا في ساعة واحدة! فأنزل ال تعالى‪" :‬ما‬
‫خلقكفم ول بعثكفم إل كنففس واحدة"‪ ،‬لن ال تعالى ل يصفعب عليفه مفا يصفعب على العباد‪ ،‬وخلقفه‬
‫للعالم كخلقه لنفس واحدة‪" .‬إن ال سميع" لما يقولون "بصير" بما يفعلون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 - 29 :‬ألم تر أن ال يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس‬
‫والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن ال بما تعملون خبير‪ ،‬ذلك بأن ال هو الحق وأن ما يدعون‬
‫من دونه الباطل وأن ال هو العلي الكبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تر أن ال يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل" تقدم‪" .‬وسخر الشمس‬
‫والقمفر" أي ذللهمفا بالطلوع والفول تقديرا للجال وإتمامفا للمناففع‪" .‬كفل يجري إلى أجفل مسفمى"‬
‫قال الحسن‪ :‬إلى يوم القيامة‪ .‬قتادة‪ :‬إلى وقته في طلوعه وأفوله ل يعدوه ول يقصر عنه‪" .‬وأن ال‬
‫بمفا تعملون خفبير" أي مفن قدر على هذه الشياء فل بفد مفن أن يكون عالمفا بهفا‪ ،‬والعالم بهفا عالم‬
‫بأعمالكم‪ .‬وقراءة العامة "تعملون" بالتاء على الخطاب‪ .‬وقرأ السلمّي ونصر بن عاصم والدوري‬
‫عفن أبفي عمرو بالياء على الخفبر‪".‬ذلك" أي فعفل ال تعالى ذلك لتعلموا وتقروا "بأن ال هفو الحفق‬
‫وأن مفا يدعون مفن دونفه الباطفل" أي الشيطان؛ قاله مجاهفد‪ .‬وقيفل‪ :‬مفا أشركوا بفه ال تعالى مفن‬
‫الصنام والوثان‪" .‬وأن ال هو العلي الكبير" العلّي في مكانته‪ ،‬الكبير في سلطانه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 31 :‬ألم تفر أن الفلك تجري ففي البحفر بنعمة ال ليريكفم من آياتفه إن في ذلك ليات‬
‫لكل صبار شكور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تر أن الفلك" أي السفن "تجري" في موضع الخبر‪" .‬في البحر بنعمة ال" أي‬
‫بلطففه بكفم وبرحمتفه لكفم ففي خلصفكم منفه‪ .‬وقرأ ابفن هرمُز‪" :‬بنعمات ال" جمفع نعمفة وهفو جمفع‬
‫السفلمة‪ ،‬وكان الصفل تحريفك العيفن فأسفكنت‪" .‬ليريكفم مفن آياتفه" "مفن" للتبعيفض‪ ،‬أي ليريكفم‬
‫جري السففن؛ قال يحيفى بفن سفلم‪ .‬وقال ابفن شجرة‪" :‬مفن آياتفه" مفا تشاهدون مفن قدرة ال تعالى‬
‫فيففه‪ .‬النقاش‪ :‬مففا يرزقهففم ال منففه‪ .‬وقال الحسففن‪ :‬مفتاح البحار السفففن‪ ،‬ومفتاح الرض الطرق‪،‬‬
‫ومفتاح السففماء الدعاء‪" .‬إن فففي ذلك ليات لكففل صففبار شكور" أي صففبار لقضائه شكور على‬
‫نعمائه‪ .‬وقال أهفل المعانفي‪ :‬أراد لكفل مؤمفن بهذه الصففة؛ لن الصفبر والشكفر مفن أفضفل خصفال‬
‫اليمان‪ .‬واليفة‪ :‬العلمفة‪ ،‬والعلمفة ل تسفتبين ففي صفدر كفل مؤمفن إنمفا تسفتبين لمفن صفبر على‬
‫البلء وشكفر على الرخاء‪ .‬قال الشعبّي‪ :‬الصفبر نصفف اليمان‪ ،‬والشكفر نصفف اليمان‪ ،‬واليقيفن‬
‫اليمان كله؛ ألم تفر إلى قوله تعالى‪" :‬إن ففي ذلك ليات لكفل صفبار شكور" وقوله‪" :‬وففي الرض‬
‫آيات للموقنين" [الذاريات‪ ]20 :‬وقال عليه السلم‪( :‬اليمان نصفان نصف صبر ونصف شكر)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 :‬وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا ال مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم‬
‫مقتصد وما يجحد بآياتنا إل كل ختار كفور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا غشيهفم موج كالظلل" قال مقاتفل‪ :‬كالجبال‪ .‬وقال الكلبفي‪ :‬كالسفحاب؛ وقاله‬
‫قتادة‪ :‬جمع ظلة؛ شبه الموج بها لكبرها وارتفاعها‪ .‬قال النابغة في وصف بحر‪:‬‬
‫على حافاته فلق الدنان‬ ‫يماشيهن أخضر ذو ظلل‬
‫وإنمفا شبفه الموج وهفو واحفد بالظفل وهفو جمفع؛ لن الموج يأتفي شيئا بعفد شيفء ويركفب بعضفه‬
‫بعضففا كالظلل‪ .‬وقيففل‪ :‬هففو بمعنففى الجمففع‪ ،‬وإنمففا لم يجمففع لنففه مصففدر‪ .‬وأصففله مففن الحركففة‬
‫والزدحام؛ ومنه‪ :‬ماج البحر‪ ،‬والناس يموجون‪ .‬قال كعب‪:‬‬
‫أحابيش منهم حاسر ومقنع‬ ‫فجئنا إلى موج من البحر وسطه‬
‫وقرأ محمد ابن الحنفية‪" :‬موج كالظلل" جمع ظل‪" .‬دعوا ال مخلصين له الدين" موحدين له ل‬
‫يدعون لخلصفهم سفواه؛ وقفد تقدم‪" .‬فلمفا نجاهفم" يعنفي مفن البحفر‪" .‬إلى البر فمنهفم مقتصفد" قال‬
‫ابفن عباس‪ :‬موف بمفا عاهفد عليفه ال ففي البحفر‪ .‬النقاش‪ :‬يعنفي عدل ففي العهفد‪ ،‬وففي ففي البر بمفا‬
‫عاهد عليه ال في البحر‪ .‬وقال الحسن‪" :‬مقتصد" مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة‪ .‬وقال مجاهد‪:‬‬
‫"مقتصد" ففي القول مضمفر للكففر‪ .‬وقيفل‪ :‬في الكلم حذف؛ والمعنفى‪ :‬فمنهفم مقتصد ومنهم كاففر‪.‬‬
‫ودل على المحذوف قوله تعالى‪" :‬ومفا يجحفد بآياتنفا إل كفل ختار كفور" الختار‪ :‬الغدار‪ .‬والختفر‪:‬‬
‫أسوأ الغدر‪ .‬قال عمرو بن معد يكرب‪:‬‬
‫ملت يديك من غدر وختر‬ ‫فإنك لو رأيت أبا عمير‬
‫وقال العشى‪:‬‬
‫حصن حصين وجار غير ختار‬ ‫بالبلق الفرد من تيماء منزله‬
‫قال الجوهري‪ :‬الختفر الغدر؛ يقال‪ :‬ختره فهفو ختار‪ .‬الماوردي‪ :‬وهفو قول الجمهور‪ .‬وقال عطيفة‪:‬‬
‫إنه الجاحد‪ .‬ويقال‪ :‬ختر يختِر ويختُر (بالضم والكسر) خترا؛ ذكره القشيري‪ ،‬وجحد اليات إنكار‬
‫أعيانها‪ .‬والجحد باليات إنكار دلئلها‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 33 :‬يفا أيهفا الناس اتقوا ربكفم واخشوا يومفا ل يجزي والد عفن ولده ول مولود هفو‬
‫جاز عن والده شيئا إن وعد ال حق فل تغرنكم الحياة الدنيا ول يغرنكم بال الغرور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يفا أيهفا الناس اتقوا ربكفم" يعنفي الكاففر والمؤمفن؛ أي خافوه ووحدوه‪" .‬واخشوا‬
‫يومفا ل يجزي والد عفن ولده ول مولود هفو جاز عفن والده شيئا" تقدم معنفى "يجزي" ففي البقرة‬
‫وغيرها‪ .‬فإن قيل‪ :‬فقد قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬من مات له ثلثة من الولد لم يبلغوا الحنث‬
‫لم تمسفه النار إل تحله القسفم)‪ .‬وقال‪( :‬مفن ابتلي بشيفء مفن هذه البنات فأحسفن إليهّن كّن له حجابفا‬
‫من النار)‪ .‬قيل له‪ :‬المعنّي بهذه الية أنه ل يحمل والد ذنب ولده‪ ،‬ول مولود ذنب والده‪ ،‬ول يؤاخذ‬
‫أحدهمفا عفن الخفر‪ .‬والمعنّي بالخبار أن ثواب الصفبر على الموت والحسفان إلى البنات يحجفب‬
‫العبفد عفن النار‪ ،‬ويكون الولد سفابقا له إلى الجنفة‪" .‬إن وعفد ال حفق" أي البعفث "فل تغرنكفم" أي‬
‫تخدعنكم "الحياة الدنيا" بزينتها وما تدعوا إليه فتتكلوا عليها وتركنوا إليها وتتركوا العمل للخرة‬
‫"ول يغرنكفم بال الغرور" قراءة العامفة هنفا وففي سفورة الملئكفة والحديفد بفتفح الغيفن‪ ،‬وهفو‬
‫الشيطان ففي قول مجاهفد وغيره‪ ،‬وهفو الذي يغّر الخلق ويمنيهفم الدنيفا ويلهيهفم عفن الخرة؛ وففي‬
‫سورة "النساء"‪" :‬يعدهم ويمنيهم"‪ .‬وقرأ سماك بن حرب وأبو حيوة وابن السميقع بضم الغين؛ أي‬
‫ل تغتروا‪ .‬كأنفه مصفدر غّر يغفر غرورا‪ .‬قال سفعيد بفن جفبير‪ :‬هفو أن يعمفل بالمعصفية ويتمنفى‬
‫المغفرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 34 :‬إن ال عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الرحام وما تدري نفس ماذا‬
‫تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن ال عليم خبير}‬
‫@ زعم الفراء أن هذا معنى النفي؛ أي ما يعلمه أحد إل ال تعالى‪ .‬قال أبو جعفر النحاس‪ :‬وإنما‬
‫صفار فيفه معنفى النففي واليجاب بتوقيفف الرسفول صفلى ال عليفه وسفلم على ذلك؛ لنفه صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم قال ففي قوله ال عفز وجفل‪" :‬وعنده مفاتفح الغيفب ل يعلمهفا إل هفو" [النعام‪:]59 :‬‬
‫(إنها هذه)‪:‬‬
‫قلت‪ :‬قفد ذكرنفا ففي سفورة "النعام" حديفث ابفن عمفر ففي هذا‪ ،‬خرجفه البخاري‪ .‬وففي حديفث‬
‫جبريففل عليففه السففلم قال‪( :‬أخففبرني عففن السففاعة؟ فقال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬مففا‬
‫المسففؤول عنهففا بأعلم مففن السففائل‪ ،‬هففن خمففس ل يعلمهففن إل ال تعالى‪ :‬إن ال عنده علم السففاعة‬
‫وينزل الغيفث ويعلم مفا ففي الرحام ومفا تدري نففس مفا تكسفب غدا) قال‪( :‬صفدقت)‪ .‬لففظ أبفي داود‬
‫الطيالسّي‪ .‬وقال عبدال بن مسعود‪ :‬كل شيء أوتي نبيكم صلى ال عليه وسلم غير خمس‪" :‬إن ال‬
‫عنده علم السففاعة‪ ،‬اليففة إلى آخرهففا‪ .‬وقال ابففن عباس‪ :‬هذه الخمسففة ل يعلمهففا إل ال تعالى‪ ،‬ول‬
‫يعلمها ملك مقرب ول نبّي مرسل؛ فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه فقد كفر بالقرآن؛ لنه خالفه‪.‬‬
‫ثففم إن النففبياء يعلمون كثيرا مففن الغيففب بتعريففف ال تعالى إياهففم‪ .‬والمراد إبطال كون الكهنففة‬
‫والمنجمين ومن يستسقي بالنواء وقد يعرف بطول التجارب أشياء من ذكورة الحمل وأنوثته إلى‬
‫غيفر ذلك؛ حسفبما تقدم ذكره ففي النعام‪ .‬وقفد تختلف التجربفة وتنكسفر العادة ويبقفى العلم ل تعالى‬
‫وحده‪ .‬وروي أن يهوديفا كان يحسفب حسفاب النجوم‪ ،‬فقال لبفن عباس‪ :‬إن شئت نبأتفك نجفم ابنفك‪،‬‬
‫وأنفه يموت بعفد عشرة أيام‪ ،‬وأنفت ل تموت حتفى تعمفى‪ ،‬وأنفا ل يحول علّي الحول حتفى أموت‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأيففن موتففك يففا يهودّي؟ فقال‪ :‬ل أدري‪ .‬فقال ابففن عباس‪ :‬صففدق ال‪" .‬ومففا تدري نفففس بأي‬
‫أرض تموت" فرجفع ابفن عباس فوجفد ابنفه محمومفا‪ ،‬ومات بعفد عشرة أيام‪ .‬ومات اليهودّي قبفل‬
‫الحول‪ ،‬ومات ابفن عباس أعمفى‪ .‬قال علّي بفن الحسفين راوي هذا الحديفث‪ :‬هذا أعجفب الحاديفث‪.‬‬
‫وقال مقاتل‪ :‬إن هذه الية نزلت في رجل من أهل البادية اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة‪ ،‬أتى‬
‫النبّي صفلى ال عليفه وسفلم فقال‪ :‬إن امرأتفي حبلى فأخفبرني ماذا تلد‪ ،‬وبلدنفا جدبفة فأخفبرني متفى‬
‫ينزل الغيث‪ ،‬وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت‪ ،‬وقد علمت ما عملت اليوم فأخبرني ماذا‬
‫أعمفل غدا‪ ،‬وأخفبرني متفى تقوم السفاعة؟ فأنزل ال تعالى هذه اليفة؛ ذكره القشيري والماوردّي‪.‬‬
‫وروى أبفو المليفح عفن أبفي عّزة الهذلي قال قال رسفول صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬إذا أراد ال تعالى‬
‫قبض روح عبد بأرض جعل له إليها حاجة فلم ينته حتى يقدمها ‪ -‬ثم قرأ رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسفلم ‪" -‬إن ال عنده علم السفاعة ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬بأي أرض تموت") ذكره الماوردّي‪ ،‬وخرجفه ابفن‬
‫ماجفة مفن حديفث ابفن مسفعود بمعناه‪ .‬وقفد ذكرناه ففي كتاب {التذكرة} مسفتوفى‪ .‬وقراءة العامفة‪:‬‬
‫"وينزل" مشددا‪ .‬وقرأ ابفن كثيفر وأبفو عمرو وحمزه والكسفائي مخفففا‪ .‬وقرأ أبفي بفن كعفب‪" :‬بأيفة‬
‫أرض" الباقون "بأي أرض"‪ .‬قال الفراء‪ :‬اكتففففى بتأنيفففث الرض مفففن تأنيفففث أي‪ .‬وقيفففل‪ :‬أراد‬
‫بالرض المكان فذكر‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ول أرض أبقل إبقالها‬ ‫فل مزنة ودقت ودقها‬
‫وقال الخففش‪ :‬يجوز مررت بجاريفة أي جاريفة‪ ،‬وأيفة جاريفة‪ .‬وشبفه سفيبويه تأنيفث "أي" بتأنيفث‬
‫كفل ففي قولهفم‪ :‬كلتهفن‪" .‬إن ال عليفم خفبير" "خفبير" نعفت لفف "عليفم" أو خفبر بعفد خفبر‪ .‬وال تعالى‬
‫أعلم‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة السجدة‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ وهفي مكيفة‪ ،‬غيفر ثلث آيات نزلت بالمدينفة؛ وهفي قوله تعالى‪" :‬أفمفن كان مؤمنفا كمفن كان‬
‫فاسفقا" [السفجدة‪ ]18 :‬تمام ثلث آيات؛ قاله الكلبّي ومقاتفل‪ .‬وقال غيرهمفا‪ :‬إل خمفس آيات‪ ،‬من‬
‫قوله تعالى‪" :‬تتجافى جنوبهم" إلى قوله "الذي كنتم به تكذبون" [السجدة‪ .]16 :‬وهي ثلثون آية‪.‬‬
‫وقيفل تسفع وعشرون‪ .‬وففي الصفحيح عفن ابفن عباس أن النبّي صفلى ال عليفه وسفلم كان يقرأ ففي‬
‫صلة الفجر يوم الجمعة "الم‪ .‬تنزيل" السجدة‪ ،‬و"هل أتى على النسان حين من الدهر" الحديث‪.‬‬
‫وخرج الدارمي أبو محمفد ففي مسنده عن جابر بن عبدال قال‪ :‬كان النبّي صفلى ال عليفه وسفلم ل‬
‫ينام حتفففى يقرأ‪" :‬الم‪ .‬تنزيفففل" السفففجدة‪ .‬و"تبارك الذي بيده الملك" [الملك‪ .]1 :‬قال الدارمفففي‪:‬‬
‫وأخبرنفا أبفو المغيرة قال حدثنفا عبدة عفن خالد بفن معدان قال‪ :‬اقرؤوا المنجيفة‪ ،‬وهفي "الم‪ .‬تنزيفل"‬
‫فإنفه بلغنفي أن رجل كان يقرؤهفا‪ ،‬مفا يقرأ شيئا غيرهفا‪ ،‬وكان كثيفر الخطايفا فنشرت جناحهفا عليفه‬
‫وقالت‪ :‬رب اغففر له فإنفه كان يكثفر مفن قراءتفي؛ فشّفعهفا الرب فيفه وقال (اكتبوا له بكفل خطيئة‬
‫حسنة وارفعوا له درجة)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 - 1 :‬الم‪ ،‬تنزيل الكتاب ل ريب فيه من رب العالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الم‪ .‬تنزيفل الكتاب" الجماع على رففع "تنزيلُ الكتاب" ولو كان منصفوبا على‬
‫المصففدر لجاز؛ كمففا قرأ الكوفيون‪" :‬إنففك لمففن المرسففلين‪ .‬على صففراط مسففتقيم‪ .‬تنزيففل العزيففز‬
‫الرحيفم" [يفس‪ .]5 :‬و"تنزيفل" رففع بالبتداء والخفبر "ل ريفب فيفه"‪ .‬أو خفبر على إضمار مبتدأ؛‬
‫أي هذا تنزيل‪ ،‬أو المتلو تنزيل‪ ،‬أو هذه الحروف تنزيل‪ .‬ودلت‪" :‬الم" على ذكر الحروف‪ .‬ويجوز‬
‫أن يكون "ل ريفب فيفه" ففي موضفع الحال مفن "الكتاب"‪ .‬و"مفن رب العالميفن" الخفبر‪ .‬قال مكّي‪:‬‬
‫وهو أحسنها‪" .‬ل ريب فيه من رب العالمين" ل شك فيه أنفه من عند ال؛ فليفس بسفحر ول شعفر‬
‫ول كهانة ول أساطير الولين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم‬
‫يهتدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم يقولون افتراه" هذه "أم" المنقطعفة التفي تقّدر ببفل وألف السفتفهام؛ أي بفل‬
‫أيقولون‪ .‬وهفي تدل على خروج مفن حديفث إلى حديفث؛ فإنفه عفز وجفل أثبفت أنفه تنزيفل مفن رب‬
‫العالميفن‪ ،‬وأن ذلك ممفا ل ريفب فيفه‪ ،‬ثفم أضرب عفن ذلك إلى قوله‪" :‬أم يقولون افتراه" أي افتعله‬
‫واختلقفه‪" .‬بفل هفو الحفق مفن ربفك" كذبهفم ففي دعوى الفتراء "لتنذر قومفا مفا أتاهفم مفن نذيفر مفن‬
‫قبلك لعلهم يهتدون" قال قتادة‪ :‬يعني قريشا‪ ،‬كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير من قبل محمد صلى ال‬
‫عليفه وسفلم‪ .‬و"لتنذر" متعلق بمفا قبلهفا فل يوقفف على "مفن ربفك"‪ .‬ويجوز أن يتعلق بمحذوف؛‬
‫التقديفر‪ :‬أنزله لتنذر قومفا‪ ،‬فيجوز الوقفف على "مفن ربفك"‪ .‬و"مفا" "مفا أتاهفم" نففي‪" .‬مفن نذيفر"‬
‫صفلة‪ .‬و"نذيفر" ففي محفل الرففع‪ ،‬وهفو المعلم المخوف‪ .‬وقيفل‪ :‬المراد بالقوم أهفل الفترة بيفن عيسفى‬
‫ومحمد عليهما السلم؛ قاله ابن عباس ومقاتل‪ .‬وقيل‪ :‬كانت الحجة ثابتة ل جل وعز عليهم بإنذار‬
‫من تقدم من الرسل وإن لم يروا رسول؛ وقد تقّدم هذا المعنى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬ال الذي خلق السماوات والرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش‬
‫ما لكم من دونه من ولي ول شفيع أفل تتذكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال الذي خلق السماوات والرض وما بينهما في ستة أيام" عرفهم كمال قدرته‬
‫ليسفمعوا القرآن ويتأملوه‪ .‬ومعنفى‪" :‬خلق" أبدع وأوجفد بعفد العدم وبعفد أن لم تكفن شيئا‪" .‬ففي سفتة‬
‫أيام" "ففي سفتة أيام" مفن يوم الحفد إلى آخفر يوم الجمعفة‪ .‬قال الحسفن‪ :‬مفن أيام الدنيفا‪ .‬وقال ابفن‬
‫عباس‪ :‬إن اليوم مفن اليام السفتة التفي خلق ال فيهفا السفموات والرض مقداره ألف سفنة مفن سفني‬
‫الدنيفا‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬ففي سفتة آلف سفنة؛ أي ففي مدة سفتة أيام مفن أيام الخرة‪" .‬ثفم اسفتوى على‬
‫العرش" تقدم‪ .‬وذكرنففا أقوال العلماء فففي ذلك مسففتوفى فففي (الكتاب السففنى فففي شرح أسففماء ال‬
‫الحسنى)‪ .‬وليست "ثم" للترتيب وإنما هي بمعنى الواو‪" .‬ما لكم من دونه من ولي ول شفيع" أي‬
‫ما للكافرين من ولي يمنع من عذابهم ول شفيع‪ .‬ويجوز الرفع على الموضع‪" .‬أفل تتذكرون" في‬
‫قدرته ومخلوقاته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬يدبر المر من السماء إلى الرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما‬
‫تعدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يدبر المر من السماء إلى الرض" قال ابن عباس‪ :‬ينزل القضاء والقدر‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫ينزل الوحفي مفع جبريفل‪ .‬وروى عمرو بفن مرة عفن عبدالرحمفن بفن سفابط قال‪ :‬يدبر أمفر الدنيفا‬
‫أربعفة‪ :‬جبريفل‪ ،‬وميكائيفل‪ ،‬وملك الموت‪ ،‬وإسفرافيل؛ صفلوات ال عليهفم أجمعيفن‪ .‬فأمفا جبريفل‬
‫فموكففل بالرياح والجنود‪ .‬وأمففا ميكائيففل فموكففل بالقطففر والماء‪ .‬وأمففا ملك الموت فموكففل بقبففض‬
‫الرواح‪ .‬وأمفا إسفرافيل فهفو ينزل بالمفر عليهفم‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬إن العرش موضفع التدبيفر؛ كمفا أن مفا‬
‫دون العرش موضع التفصيل؛ قال ال تعالى‪" :‬ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل‬
‫يجري لجففل مسففمى يدبر المففر يفصففل اليات" [الرعففد‪ .]2 :‬ومففا دون السففموات موضففع‬
‫التصريف؛ قال ال تعالى‪" :‬ولقد صرفناه بينهم ليذكروا" [الفرقان‪.]50 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثفم يعرج إليفه" قال يحيفى بفن سفلم‪ :‬هفو جبريفل يصفعد إلى السفماء بعفد نزوله‬
‫بالوحفي‪ .‬وقال النقاش‪ :‬هفو الملك الذي يدبر المفر مفن السفماء إلى الرض‪ .‬وقيفل‪ :‬إنهفا أخبار أهفل‬
‫الرض تصعد إليه مع حملتها من الملئكة؛ قاله ابن شجرة‪ .‬وقيل‪" :‬ثم يعرج إليه" أي يرجع ذلك‬
‫المفر والتدبيفر إليفه بعفد انقضاء الدنيفا "ففي يوم كان مقداره ألف سفنة ممفا تعدون" "ففي يوم كان‬
‫مقداره ألف سنة" وهو يوم القيامة‪ .‬وعلى القوال المتقدمة فالكنايفة في "يعرج" كناية عن الملك‪،‬‬
‫ولم يجر له ذكر لنه مفهوم من المعنى‪ ،‬وقد جاء صريحا في "سأل سائل" قوله‪" :‬تعرج الملئكة‬
‫والروح إليفه" [المعارج‪ .]4 :‬والضميفر ففي "إليفه" يعود على السفماء على لغفة مفن يذكرهفا‪ ،‬أو‬
‫على مكان الملك الذي يرجففع إليففه‪ ،‬أو على اسففم ال تعالى؛ والمراد إلى الموضففع الذي أقره فيففه‪،‬‬
‫وإذا رجعت إلى ال فقد رجعت إلى السماء‪ ،‬أي إلى سدرة المنتهى؛ فإنه إليها يرتفع ما يصعد به‬
‫من الرض ومنها ينزل ما يهبط به إليها؛ ثبت معنى ذلك في صحيح مسلم‪ .‬والهاء في "مقداره"‬
‫راجعة إلى التدبير؛ والمعنى‪ :‬كان مقدار ذلك التدبير ألف سنة من سني الدنيا؛ أي يقضي أمر كل‬
‫شيء للف سنة في يوم واحد‪ ،‬ثم يلقيه إلى ملئكته‪ ،‬فإذا مضت قضى للف سنة أخرى‪ ،‬ثم كذلك‬
‫أبدا؛ قاله مجاهفد‪ .‬وقيفل‪ :‬الهاء للعروج‪ .‬وقيفل‪ :‬المعنفى أنفه يدبر أمفر الدنيفا إلى أن تقوم السفاعة‪ ،‬ثفم‬
‫يعرج إليه ذلك المر فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى يدبر أمر الشمس في‬
‫طلوعها وغروبها ورجوعها إلى موضعها من الطلوع‪ ،‬في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة‪.‬‬
‫وقال ابفففن عباس‪ :‬المعنفففى كان مقداره لو سفففاره غيفففر الملك ألف سفففنة؛ لن النزول خمسفففمائة‬
‫والصعود خمسمائة‪ .‬وروي ذلك عن جماعة من المفسرين‪ ،‬وهو اختيار الطبري؛ ذكره المهدوّي‪.‬‬
‫وهفو معنفى القول الول‪ .‬أي أن جبريفل لسفرعة سفيره يقطفع مسفيرة ألف سفنة ففي يوم مفن أيامكفم؛‬
‫ذكره الزمخشري‪ .‬وذكففر الماوردّي على ابففن عباس والضحاك أن الملك يصففعد فففي يوم مسففيرة‬
‫ألف سفففنة‪ .‬وعفففن قتادة أن الملك ينزل ويصفففعد ففففي يوم مقداره ألف سفففنة؛ فيكون مقدار نزوله‬
‫خمسفففمائة سفففنة‪ ،‬ومقدار صفففعوده خمسفففمائة على قول قتادة والسفففّدي‪ .‬وعلى قول ابفففن عباس‬
‫والضحاك‪ :‬النزول ألف سفنة‪ ،‬والصفعود ألف سفنة‪" .‬ممفا تعدون" أي ممفا تحسفبون مفن أيام الدنيفا‪.‬‬
‫وهذا اليوم عبارة عففن زمان يتقدر بألف سففنة مففن سففني العالم‪ ،‬وليففس بيوم يسففتوعب نهارا بيففن‬
‫ليلتين؛ لن ذلك ليس عند ال‪ .‬والعرب قد تعّبر عن مدة العصر باليوم؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ويوم سير إلى العداء تأويب‬ ‫يومان يوم مقامات وأندية‬
‫وليفس يريفد يوميفن مخصفوصين‪ ،‬وإنمفا أراد أن زمانهفم ينقسفم شطريفن‪ ،‬فعّبر عفن كفل واحفد مفن‬
‫الشطريففن بيوم‪ .‬وقرأ ابففن أبففي عبلة‪" :‬يعرج" على البناء للمفعول‪ .‬وقرئ‪" :‬يعدون" بالياء‪ .‬فأمففا‬
‫قوله تعالى‪" :‬ففي يوم كان مقداره خمسفين ألف سفنة" فمشكفل مفع هذه اليفة‪ .‬وقفد سفأل عبدال بفن‬
‫فيروز الديلمّي عبدال بن عباس عن هذه الية وعن قوله‪" :‬في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة"‬
‫فقال‪ :‬أيام سمّاها سبحانه‪ ،‬وما أدري ما هي؟ فأكره أن أقول فيها ما ل أعلم‪ .‬ثم سئل عنها سعيد بن‬
‫المسّيب فقال‪ :‬ل أدري‪ .‬فأخبرته بقول ابن عباس فقال ابن المسيب للسائل‪ :‬هذا ابن عباس اتقى أن‬
‫يقول فيهفا وهفو أعلم منفي‪ .‬ثفم تكلم العلماء ففي ذلك فقيفل‪ :‬إن آيفة "سفأل سفائل" [المعارج‪ ]1 :‬هفو‬
‫إشارة إلى يوم القيامففة‪ ،‬بخلف هذه اليففة‪ .‬والمعنففى‪ :‬أن ال تعالى جعله فففي صففعوبته على الكفار‬
‫كخمسفين ألف سفنة؛ قاله ابفن عباس‪ .‬والعرب تصفف أيام المكروه بالطول وأيام السفرور بالقصفر‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫دم الزق عنا واصطفاق المزاهر‬ ‫ويوم كظل الرمح قصر طوله‬
‫وقيفل‪ :‬إن يوم القيامفة فيه أيام؛ فمنه مفا مقداره ألف سنة ومنه مفا مقداره خمسفون ألف سنة‪ .‬وقيفل‪:‬‬
‫أوقات القيامفة مختلففة‪ ،‬فيعّذب الكاففر بجنفس مفن العذاب ألف سفنة‪ ،‬ثفم ينتقفل إلى جنفس آخفر مّدتفه‬
‫خمسون ألف سنة‪ .‬وقيل‪ :‬مواقف القيامة خمسون موقفا؛ كل موقف ألف سنة‪ .‬فمعنى‪" :‬يعرج إليه‬
‫ففي يوم كان مقداره ألف سفنة" أي مقدار وقفت‪ ،‬أو موقفف مفن يوم القيامفة‪ .‬وقال النحاس‪ :‬اليوم ففي‬
‫اللغفة بمعنفى الوقفت؛ فالمعنفى‪ :‬تعرج الملئكفة والروح إليفه ففي وقفت كان مقداره ألف سفنة‪ ،‬وففي‬
‫وقفت آخفر كان مقداره خمسفين ألف سفنة‪ .‬وعفن وهفب بفن منّبفه‪" :‬ففي يوم كان مقداره خمسفين ألف‬
‫سنة" قال‪ :‬ما بين أسفل الرض إلى العرش‪ .‬وذكر الثعلبّي عن مجاهد وقتادة والضحاك في قوله‬
‫تعالى‪" :‬تعرج الملئكفة والروح إليفه ففي يوم كان مقداره خمسفين ألف سفنة" [المعارج‪ ]4 :‬أراد‬
‫مفن الرض إلى سفدرة المنتهفى التفي فيهفا جبريفل‪ .‬يقول تعالى‪ :‬يسفير جبريفل والملئكفة الذيفن معفه‬
‫مفن أهفل مقامفه مسفيرة خمسفين ألف سفنة ففي يوم واحفد مفن أيام الدنيفا‪ .‬وقوله‪" :‬إليفه" يعنفي إلى‬
‫المكان الذي أمرهفم ال تعالى أن يعرجوا إليفه‪ .‬وهذا كقول إبراهيفم عليفه الصفلة والسفلم‪" :‬إنفي‬
‫ذاهب إلى ربي سيهدين" [الصافات‪ ]99 :‬أراد أرض الشام‪ .‬وقال تعالى‪" :‬ومن يخرج من بيته‬
‫مهاجرا إلى ال" [النساء‪ ]100 :‬أي إلى المدينة‪ .‬وقال أبو هريرة قال النبّي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(أتاني من ربي عز وجل برسفالة ثم رفع رجله فوضعهفا فوق السماء والخرى على الرض لم‬
‫يرفعها بعد)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك عالم الغيفب والشهادة" أي علم مفا غاب عفن الخلق ومفا حضرهفم‪ .‬و"ذلك"‬
‫بمعنى أنا‪ .‬حسبما تقدم بيانه في أول البقرة‪ .‬وفي الكلم معنى التهديد والوعيد؛ أي أخلصوا أفعالكم‬
‫وأقوالكم فإني أجازي عليها‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 9 - 7 :‬الذي أحسفن كفل شيفء خلقفه وبدأ خلق النسفان مفن طيفن‪ ،‬ثفم جعفل نسفله مفن‬
‫سفللة مفن ماء مهيفن‪ ،‬ثفم سفواه ونففخ فيفه مفن روحفه وجعفل لكفم السفمع والبصفار والفئدة قليل مفا‬
‫تشكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذي أحسفن كفل شيفء خلقفه" قرأ ابفن كثيفر وأبفو عمرو وابفن عامفر‪" :‬خلقفه"‬
‫بإسفكان اللم‪ .‬وفتحهفا الباقون‪ .‬واختاره أبفو عبيفد وأبفو حاتفم طلبفا لسفهولتها‪ .‬وهفو فعفل ماض ففي‬
‫موضع خفض نعت لف "شيء"‪ .‬والمعنى على ما روي عن ابن عباس‪ :‬أحكم كل شيء حلقه‪ ،‬أي‬
‫جاء به على ما أراد‪ ،‬لم يتغير عن إرادته‪ .‬وقول آخر ‪ -‬أن كل شيء خلقه حسن؛ لنه ل يقدر أحد‬
‫أن يأتي بمثله؛ وهو دال على خالقه‪ .‬ومن أسكن اللم فهو مصدر عند سيبويه؛ لن قوله‪" :‬أحسن‬
‫كل شيء خلقه" يدل على‪ :‬خلق كل شيء خلقا؛ فهو مثل‪" :‬صنع ال" [النمل‪ ]88 :‬و"كتاب ال‬
‫عليكم" [النساء‪ .]24 :‬وعند غيره منصوب على البدل من "كل" أي الذي أحسن خلق كل شيء‪.‬‬
‫وهففو مفعول ثان عنففد بعففض النحوييففن‪ ،‬على أن يكون معنففى‪" :‬أحسففن" أفهففم وأعلم؛ فيتعّدى إلى‬
‫مفعوليفن‪ ،‬أي أفهفم كفل شيفء خلقفه‪ .‬وقيفل‪ :‬هفو منصفوب على التفسفير؛ والمعنفى‪ :‬أحسفن كفل شيفء‬
‫خلقفا‪ .‬وقيل‪ :‬هو منصوب بإسفقاط حرف الجر‪ ،‬والمعنفى‪ :‬أحسفن كل شيفء ففي خلقه‪ .‬وروي معناه‬
‫عن ابن عباس و"أحسن" أي أتقن وأحكم؛ فهو أحسن من جهة ما هو لمقاصده التي أريد لها‪ .‬ومن‬
‫هذا المعنفى قال ابفن عباس وعكرمفة‪ :‬ليسفت اسفت القرد بحسفنة‪ ،‬ولكنهفا متقنفة محكمفة‪ .‬وروى ابفن‬
‫أبفي نجيفح عفن مجاهفد "أحسفن كفل شيفء خلقفه" قال‪ :‬أتقنفه‪ .‬وهفو مثفل قوله تبارك وتعالى‪" :‬الذي‬
‫أعطى كل شيء خلقه" [طه‪ ]50 :‬أي لم يخلق النسان على خلق البهيمة‪ ،‬ول خلق البهيمة على‬
‫خلق النسان‪ .‬ويجوز‪" :‬خلقه" بالرفع؛ على تقدير ذلك خلقه‪ .‬وقيل‪ :‬هو عموم في اللفظ خصوص‬
‫ففي المعنفى؛ والمعنفى‪ :‬حسفن خلق كفل شيفء حسفن‪ .‬وقيفل‪ :‬هفو عموم ففي اللففظ والمعنفى‪ ،‬أي جعفل‬
‫كل شيء خلقه حسنا‪ ،‬حتى جعل الكلب في خلقه حسنا؛ قاله ابن عباس‪ .‬وقال قتادة‪ :‬في است القرد‬
‫حسنة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبدأ خلق النسان من طين" يعني آدم‪ " .‬ثم جعل نسله من سللة من ماء مهين"‬
‫تقّدم ففي "المؤمنون" وغيرهفا‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬مفن ماء مهيفن" ضعيفف‪ .‬وقال غيره‪" :‬مهيفن" ل‬
‫خطر له عند الناس‪".‬ثم سواه" رجع إلى آدم‪ ،‬أي سوى خلقه‪" .‬ونفخ فيه من روحه" ثم رجع إلى‬
‫ذريته فقال‪":‬وجعفل لكم السمع والبصار والفئدة" وقيل‪ :‬ثفم جعفل ذلك الماء المهيفن خلقا معتدل‪،‬‬
‫وركفب فيفه الروح وأضاففه إلى نفسفه تشريففا‪ .‬وأيضفا فإنفه مفن فعله وخلقفه كمفا أضاف العبفد إليفه‬
‫بقوله‪" :‬عبدي"‪ .‬وعبر عنه بالنفخ لن الروح في جنس الريح‪ .‬وقد مضى هذا مبينا في "النساء"‬
‫وغيرها‪" .‬قليل ما تشكرون" أي ثم أنتم ل تشكرون بل تكفرون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬وقالوا أئذا ضللنا في الرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا أئذا ضللنا في الرض" هذا قول منكري البعث؛ أي هلكنا وبطلنا وصرنا‬
‫ترابفا‪ .‬وأصفله مفن قول العرب‪ :‬ضفل الماء ففي اللبفن إذا ذهفب‪ .‬والعرب تقول للشيفء غلب عليفه‬
‫حتى فيه أثره‪ :‬قد ضّل‪ .‬قال الخطل‪:‬‬
‫ل ضلل‬ ‫قذف التيّ به فض ّ‬ ‫كنت القذى في موج أكدر مزبد‬
‫وقال قطرب‪ :‬معنى ضللنا غبنا في الرض‪ .‬وأنشد قول النابغة الذبياني‪:‬‬
‫وغودر بالجولن حزم ونائل‬ ‫فآب مضلوه بعين جلية‬
‫وقرأ ابفن محيصفن ويحيفى بفن يعمفر‪" :‬ضلِلنفا" بكسفر اللم‪ ،‬وهفي لغفة‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وقفد ضللت‬
‫أضفل قال ال تعالى‪" :‬قفل إن ضللت فإنمفا أضفل على نفسفي" [سفبأ‪ .]50 :‬فهذه لغفة نجفد وهفي‬
‫الفصفيحة‪ .‬وأهفل العاليفة يقولون‪" :‬ضلِلت" ‪ -‬بكسفر اللم ‪ -‬أضفل‪ .‬وهفو ضال تال‪ ،‬وهفي الضللة‬
‫والتللة‪ .‬وأضّله أي أضاعه وأهلكه‪ .‬يقال‪ :‬أضل الميّت إذا دفن‪ .‬قال‪:‬‬
‫فآب مضلوه‪ ......‬البيت‬
‫ابففن السففكيت‪ .‬أضللت بعيري إذا ذهففب منففك‪ .‬وضللت المسففجد والدار‪ :‬إذا لم تعرف موضعهمففا‪.‬‬
‫وكذلك كل شيء مقيم ل يهتدى له‪ .‬وفي الحديث (لعلي أضل ال) يريد أضل عنه‪ ،‬أي أخفى عليه‪،‬‬
‫من قوله تعالى‪" :‬أإذا ضللنا في الرض" أي خفينا‪ .‬وأضله ال فضل؛ تقول‪ :‬إنك تهدي الضال ول‬
‫تهدي المتضال‪ .‬وقرأ العمففش والحسففن‪" :‬صففللنا" بالصففاد؛ أي أنتنففا‪ .‬وهففي قراءة علّي بففن أبففي‬
‫طالب رضفي ال عنفه‪ .‬النحاس‪ :‬ول يعرف ففي اللغفة صفللنا ولكفن يقال‪ :‬صفل اللحفم وأصفل‪ ،‬وخّم‬
‫وأخّم إذا أنتن‪ .‬الجوهري‪ :‬صّل اللحم يصل ‪ -‬بالكسر ‪ -‬صلول‪ ،‬أي أنتن‪ ،‬مطبوخا كان أو نيئا‪ .‬قال‬
‫الحطيئة‪:‬‬
‫ل يفسد اللحم لديه الصلول‬ ‫ذاك فتى يبذل ذا قدره‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنفا لففي خلق جديفد" وأصفل مثله‪" .‬إنفا لففي خلق جديفد" أي نخلق بعفد ذلك خلقفا‬
‫جديدا؟ ويقرأ‪" :‬أئنفا"‪ .‬النحاس‪ :‬وففي هذا سفؤال صفعب مفن العربيفة؛ يقال‪ :‬مفا العامفل ففي "إذا"؟‬
‫و"إن" ل يعمفل مفا بعدهفا فيمفا قبلهفا‪ .‬والسفؤال ففي السفتفهام أشّد؛ لن مفا بعفد السفتفهام أجدر؛ أل‬
‫يعمففل فيمففا قبله مففن "إن" كيففف وقففد اجتمعففا‪ .‬فالجواب على قراءة مففن قرأ‪" :‬إنففا" أن العامففل‬
‫"ضللنفا"‪ ،‬وعلى قراءة مفن قرأ‪" :‬أإنفا" أن العامفل مضمفر‪ ،‬والتقديفر أنبعفث إذا متنفا‪ .‬وفيفه أيضفا‬
‫سؤال آخر‪ ،‬يقال‪ :‬أين جواب "إذا" على القراءة الولى لن فيها معنى الشرط؟ فالقول في ذلك أن‬
‫بعدهففا فعل ماضيففا؛ فلذلك جاز هذا‪" .‬بففل هففم بلقاء ربهففم كافرون" أي ليففس لهففم جحود قدرة ال‬
‫تعالى عن العادة؛ لنهفم يعترفون بقدرتفه ولكنهفم اعتقدوا أن ل حساب عليهفم‪ ،‬وأنهفم ل يلقون ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قفل يتوفاكفم ملك الموت" لمفا ذكفر اسفتبعادهم للبعفث ذكفر توفيهفم وأنفه يعيدهفم‪.‬‬
‫"يتوفاكم" من توفى العدد والشيء إذا استوفاه وقبضه جميعا‪ .‬يقال‪ :‬توفاه ال أي استوفى روحه ثم‬
‫قبضفه‪ .‬وتوفيفت مالي مفن فلن أي اسفتوفيته‪" .‬ملك الموت" واسفمه عزرائيفل ومعناه عبدال؛ كمفا‬
‫تقدم ففي "البقرة"‪ .‬وتصفرفه كله بأمفر ال تعالى وبخلقفه واختراعفه‪ .‬وروي ففي الحديفث أن (البهائم‬
‫كلها يتوفى ال أرواحها دون ملك الموت) كأنه يعدم حياتها؛ ذكره ابن عطية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقففففد روي خلفففففه‪ ،‬وأن ملك الموت يتوفففففى أرواح جميففففع الخلئق حتففففى البرغوث‬
‫والبعوضفة‪ .‬روى جعففر بفن محمفد عفن أبيفه قال‪ :‬نظفر رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم إلى ملك‬
‫الموت عنفد رأس رجفل مفن النصفار‪ ،‬فقال له النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬ارففق بصفاحبي فإنفه‬
‫مؤمن) فقال ملك الموت عليه السلم‪( :‬يا محمد‪ ،‬طب نفسا وقر عينا فإني بكل مؤمن رفيق‪ .‬واعلم‬
‫أن ما من أهل بيت مدر ول شعر في بر ول بحر إل وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات حتى‬
‫لنا أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم‪ .‬وال يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة‬
‫مفا قدرت على ذلك حتفى يكون ال هفو المفر بقبضهفا)‪ .‬قال جعففر بفن علّي‪ :‬بلغنفي أنفه يتصففحهم‬
‫عند مواقيت الصلوات؛ ذكره الماوردي‪ .‬وذكر الخطيب أبو بكر أحمد بن علّي بن ثابت البغدادي‬
‫قال‪ :‬حدثني أبو محمد الحسن بن محمد الخلل قال‪ :‬حدثنا أبو محمد عبدال بن عثمان الصفار قال‬
‫حّدثنفا أبفو بكفر حامفد المصفري قال حّدثنفا يحيفى ابفن أيوب العلف قال حدثنفا سفليمان بفن مهيفر‬
‫الكلبّي قال‪ :‬حضرت مالك بن أنس رضفي ال عنه فأتاه رجل فسأله‪ :‬أبا عبدال‪ ،‬البراغيث أملك‬
‫الموت يقبفض أرواحهفا؟ قال‪ :‬فأطرق مالك طويل ثفم قال‪ :‬ألهفا أنففس؟ قال نعفم‪ .‬قال‪ :‬ملك الموت‬
‫يقبض أرواحها؛ "ال يتوفى النفس حين موتها" [الزمر‪ .]42:‬قال ابن عطية بعد ذكره الحديث‬
‫وكذلك المفر ففي بنفي آدم‪ ،‬إل أنفه نوع شرف بتصفرف ملك وملئكفة معفه ففي قبفض أرواحهفم‪.‬‬
‫فخلق ال تعالى ملك الموت وخلق على يديففه قبففض الرواح‪ ،‬واسففتللها مففن الجسففام وإخراجهففا‬
‫منهفففا‪ .‬وخلق ال تعالى جندا يكونون معفففه يعملون عمله بأمره؛ فقال تعالى‪" :‬ولو ترى إذ يتوففففى‬
‫الذين كفروا الملئكة"‪[ ،‬النفال‪ ]50 :‬وقال تعالى‪" :‬توفته رسلنا" [النعام‪ ]61 :‬وقد مضى هذا‬
‫المعنفى ففي "النعام"‪ .‬والبارئ خالق الكفل‪ ،‬الفاعفل حقيقفة لكفل فعفل؛ قال ال تعالى‪" :‬ال يتوففى‬
‫النفس حين موتها والتي لم تمت في منامها" [الزمر‪" .]42 :‬الذي خلق الموت والحياة" [الملك‪:‬‬
‫‪" .]2‬يحيفي ويميفت" [العراف‪ .]158 :‬فملك الموت يقبفض والعوان يعالجون وال تعالى‬
‫يزهففق الروح‪ .‬وهذا هففو الجمففع بيففن الي والحاديففث؛ لكنففه لمففا كان ملك الموت متولي ذلك‬
‫بالوسفاطة والمباشرة أضيفف التوففي إليفه كمفا أضيفف الخلق للملك؛ كمفا تقّدم ففي "الحفج"‪ .‬وروي‬
‫عفن مجاهفد أن الدنيفا بيفن يدي ملك الموت كالطسفت بيفن يدي النسفان يأخفذ مفن حيفث شاء‪ .‬وقفد‬
‫روي هذا المعنففى مرفوعففا‪ ،‬وقففد ذكرناه فففي (كتاب التذكرة)‪ .‬وروي أن ملك الموت لمففا وكله ال‬
‫تعالى بقبففض الرواح قال‪ :‬رب جعلتنففي أذكففر بسففوء ويشتمنففي بنففو آدم‪ .‬فقال ال تعالى له‪( :‬إنففي‬
‫أجعل للموت علل وأسبابا من المراض والسقام ينسبون الموت إليها فل يذكرك أحد إل بخير)‪.‬‬
‫وقفد ذكرناه ففي التذكرة مسفتوفى ‪ -‬وقفد ذكرنفا أنفه يدعفو الرواح فتجيئه ويقبضهفا‪ ،‬ثفم يسفلمها إلى‬
‫ملئكة الرحمة أو العذاب ‪ -‬بما فيه شفاء لمن أراد الوقوف على ذلك‪.‬‬
‫@ استدل بهذه الية بعض العلماء على جواز الوكالة من قوله‪" :‬وكل بكم" أي بقبض الرواح‪.‬‬
‫قال ابن العربّي‪" :‬وهذا أخذ من لفظه ل من معناه‪ ،‬ولو اطرد ذلك لقلنا في قوله تعالى‪" :‬قل يا أيها‬
‫الناس إنفي رسفول ال إليكفم جميعفا" [العراف‪ :]158 :‬إنهفا نيابفة عفن ال تبارك وتعالى ووكالة‬
‫في تبليغ رسالته‪ ،‬ولقلنا أيضا في قوله تبارك وتعالى‪" :‬وآتوا الزكاة" [النور‪ ]56 :‬إنه وكالة؛ فإن‬
‫ال تعالى ضمن الرزق لكل دابة وخّص الغنياء بالغذية وأوعز إليهم بأن رزق الفقراء عندهم‪،‬‬
‫وأمر بتسليمه إليهم مقدارا معلوما في وقت معلوم‪ ،‬دّبره بعلمه‪ ،‬وأنفذه من حكمه‪ ،‬وقّدره بحكمته‪.‬‬
‫والحكام ل تتعلق باللفاظ إل أن ترد على موضوعاتهففا الصففلية فففي مقاصففدها المطلوبففة‪ ،‬فإن‬
‫ظهرت في غير مقصدها لم تعلق عليها‪ .‬أل ترى أن البيع والشراء معلوم اللفظ والمعنى‪ ،‬وقد قال‬
‫تعالى‪" :‬إن ال اشترى مفن المؤمنيفن أنفسفهم وأموالهفم بأن لهفم الجنفة" [التوبفة‪ ]111 :‬ول يقال‪:‬‬
‫هذه اليفة دليفل على جواز مبايعفة السفيد لعبده؛ لن المقصفدين مختلفان‪ .‬أمفا إنفه إذا لم يكفن بّد مفن‬
‫المعاني فيقال‪ :‬إن هذه الية دليل على أن للقاضي أن يستنيب من يأخذ الحق ممن هو عليه قسرا‬
‫دون أن يكون له في ذلك فعل‪ ،‬أو يرتبط به رضا إذا وجد ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليففة‪{ 12 :‬ولو ترى إذ المجرمون ناكسففوا رؤوسففهم عنففد ربهففم ربنففا أبصففرنا وسفمعنا‬
‫فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو ترى إذ المجرمون ناكسفو رؤوسفهم عنفد ربهفم" ابتداء وخفبر‪ .‬قال الزجاج‪:‬‬
‫والمخاطبفة للنبي صفلى ال عليه وسفلم مخاطبة لمتفه‪ .‬والمعنفى‪ :‬ولو ترى يفا محمفد منكري البعث‬
‫يوم القيامة لرأيت العجب‪ .‬ومذهب أبي العباس غير هذا‪ ،‬وأن يكون المعنى‪ :‬يا محمد‪ ،‬قل للمجرم‬
‫ولو ترى إذ المجرمون ناكسفو رؤوسفهم عنفد ربهفم لندمفت على مفا كان منفك‪" .‬ناكسفوا رؤوسفهم"‬
‫أي مفن الندم والخزي والحزن والذل والغفم‪" .‬عنفد ربهفم" أي عنفد محاسفبة ربهفم وجزاء أعمالهفم‪.‬‬
‫"ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون" "ربنا" أي يقولون ربنا‪" .‬أبصرنا" أي‬
‫أبصرنا ما كنا نكذب‪" .‬وسمعنا" ما كنا ننكر‪ .‬وقيل‪" :‬أبصرنا" صدق وعيدك‪" .‬وسمعنا" تصديق‬
‫رسلك‪ .‬أبصفروا حين ل ينفعهم البصر‪ ،‬وسمعوا حين ل ينفعهم السمع‪" .‬فأرجعنا" أي إلى الدنيا‪.‬‬
‫"نعمفل صفالحا إنفا موقنون" أي مصفدقون بالبعفث؛ قاله النقاش‪ .‬وقيفل‪ :‬مصفدقون بالذي جاء بفه‬
‫محمفد صفلى ال عليفه وسفلم أنفه حفق؛ قاله يحيفى بفن سفلم‪ .‬قال سففيان الثوري‪ :‬فأكذبهفم ال تعالى‪:‬‬
‫فقال‪" :‬ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون"‪ .‬وقيل‪ :‬معنى "إنا موقنون" أي قد زالت عنا‬
‫الشكوك الن؛ وكانوا يسففمعون ويبصففرون فففي الدنيففا‪ ،‬ولكففن لم يكونوا يتدبرون‪ ،‬وكانوا كمففن ل‬
‫يبصر ول يسمع‪ ،‬فلما تنبهوا في الخرة صاروا حينئذ كأنهم سمعوا وأبصروا‪ .‬وقيل‪ :‬أي ربنا لك‬
‫الحجفة‪ ،‬فقفد أبصفرنا رسفلك وعجائب خلقفك ففي الدنيفا‪ ،‬وسفمعنا كلمهفم فل حجفة لنفا‪ .‬فهذا اعتراف‬
‫منهم‪ ،‬ثم طلبوا أن يردوا إلى الدنيا ليؤمنوا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 13 :‬ولو شئنفا لتينفا كفل نففس هداهفا ولكفن حفق القول منفي لملن جهنفم مفن الجنفة‬
‫والناس أجمعين}‬
‫@ قال محمفد بفن كعفب القرظفي‪ :‬لمفا قالوا‪" :‬ربنفا أبصفرنا وسفمعنا فارجعنفا نعمفل صفالحا إنفا‬
‫موقنون" رّد عليهم بقوله‪" :‬ولو شئنا لتينا كل نفس هداها" يقول‪ :‬لو شئت لهديت الناس جميعا فلم‬
‫يختلف منهم أحد "ولكن حق القول مني" الية؛ ذكره ابن المبارك في (رقائقه) في حديث طويل‪.‬‬
‫وقد ذكرناه في (التذكرة)‪ .‬النحاس‪" :‬ولو شئنا لتينا كل نفس هداها" في معناه قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه‬
‫فففي الدنيففا‪ .‬والخففر‪ :‬أن سففياق الكلم يدل على أنففه فففي الخرة؛ أي لو شئنففا لرددناهففم إلى الدنيففا‬
‫والمحنة كما سألوا "ولكن حق القول مني لملن جهنم من الجنة والناس أجمعين" أي حق القول‬
‫منفي لعّذبفن من عصاني بنار جهنفم‪ .‬وعلم ال تبارك وتعالى أنه لو ردهفم لعادوا؛ كمفا قال تعالى‪:‬‬
‫"ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه" [النعام‪.]28 :‬‬
‫وهذه الهدايففة معناهففا خلق المعرفففة فففي القلب‪ .‬وتأويففل المعتزلة‪ :‬ولو شئنففا لكرهناهففم على‬
‫الهداية بإظهار اليات الهائلة‪ ،‬لكن ل يحسن منه فعله؛ لنه ينقض الغرض المجرى بالتكليف إليه‬
‫وهفو الثواب الذي ل يسفتحق إل بمفا يفعله المكلف باختياره‪ .‬وقالت الماميفة ففي تأويلهفا‪ :‬إنفه يجوز‬
‫أن يريد هداها إلى طريق الجنة في الخرة ولم يعاقب أحدا‪ ،‬لكن حق القول منه أنه يمل جهنم‪ ،‬فل‬
‫يجب على ال تعالى عندنا هداية الكل إليها؛ قالوا‪ :‬بل الواجب هداية المعصومين‪ ،‬فأما من له ذنب‬
‫فجائز هدايتفه إلى النار جزاء على أفعاله‪ .‬وففي جواز ذلك منفع؛ لقطعهفم على أن المراد هداهفا إلى‬
‫اليمان‪ .‬وقد تكلم العلماء عليهم في هذين التأويلين بما فيه كفاية في أصول الدين‪ .‬وأقرب ما لهم‬
‫ففي الجواب أن يقال‪ :‬فقفد بطفل عندنفا وعندكفم أن يهديهفم ال سفبحانه على طريفق اللجاء والجبار‬
‫والكراه‪ ،‬فصفار يؤدي ذلك إلى مذهفب الجبريفة‪ ،‬وهفو مذهفب رذل عندنفا وعندكفم‪ ،‬فلم يبفق إل أن‬
‫المهتدين من المؤمنين إنما هداهم ال تعالى إلى اليمان والطاعة على طريق الختيار حتى يصح‬
‫التكليففف فمففن شاء آمففن وأطاع اختيارا ل جففبرا؛ قال ال تعالى‪" :‬لمففن شاء منكففم أن يسففتقيم"‬
‫[التكوير‪ ،]28 :‬وقال‪" :‬فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيل"‪ .‬ثم عقب هاتين اليتين بقوله تعالى‪" :‬وما‬
‫تشاؤون إل أن يشاء ال" [التكوير‪ .]29 :‬فوقع إيمان المؤمنين بمشيئتهم‪ ،‬ونفي أن يشاؤوا إل أن‬
‫يشاء ال؛ ولهذا فّرطت المجبرة لما رأوا أن هدايتهم إلى اليمان معذوق بمشيئة ال تعالى‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫الخلق مجبورون فففي طاعتهففم كلهففا‪ ،‬التفاتففا إلى قوله‪" :‬ومففا تشاؤون إل أن يشاء ال" [التكويففر‪:‬‬
‫‪ .]29‬وفرطفت القدريفة لمفا رأوا أن هدايتهفم إلى اليمان معذوق بمشيئة العباد‪ ،‬فقالوا‪ :‬الخلق‬
‫خالقون لفعالهففم‪ ،‬التفاتففا منهففم إلى قوله تعالى‪" :‬لمففن شاء منكففم أن يسففتقيم" [التكويففر‪.]28 :‬‬
‫ومذهبنفا هفو القتصفاد ففي العتقاد؛ وهفو مذهفب بيفن مذهفبي المجفبرة والقدريفة؛ وخفبر المور‬
‫أوسفاطها‪ .‬وذلك أن أهفل الحفق قالوا‪ :‬نحفن نفرق بيفن مفا اضطررنفا إليفه وبيفن مفا اخترناه‪ ،‬وهفو أنفا‬
‫ندرك تفرقفة بيففن حركفة الرتعاش الواقعففة ففي يفد النسففان بغيففر محاولتفه وإرادتففه ول مقرونفة‬
‫بقدرتففه‪ ،‬وبيففن حركففة الختيار إذا حّرك يده حركففة مماثلة لحركففة الرتعاش؛ ومففن ل يفرق بيففن‬
‫الحركتيففن‪ :‬حركففة الرتعاش وحركففة الختيار‪ ،‬وهمففا موجودتان فففي ذاتففه ومحسففوستان فففي يده‬
‫بمشاهدته وإدراك حاسته ‪ -‬فهو معتوه في عقله ومختل في حسه‪ ،‬وخارج من حزب العقلء‪ .‬وهذا‬
‫هو الحق المبين‪ ،‬وهو طريق بين طريقي الفراط والتفريط‪ .‬و‪:‬‬
‫كل طرفي قصد المور ذميم‬
‫وبهذا العتبار اختار أهفل النظفر مفن العلماء أن سفموا هذه المنزلة بيفن المنزلتيفن كسفبا‪ ،‬وأخذوا‬
‫هذه التسمية من كتاب ال العزيز‪ ،‬وهو قوله سبحانه‪" :‬لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة‪:‬‬
‫‪.]286‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 14 :‬فذوقوا بمفا نسفيتم لقاء يومكفم هذا إنفا نسفيناكم وذوقوا عذاب الخلد بمفا كنتفم‬
‫تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فذوقوا بمفا نسفيتم لقاء يومكفم هذا" فيفه قولن‪ :‬أحدهمفا‪ :‬أنفه مفن النسفيان الذي ل‬
‫ذكفر معفه؛ أي لم يعملوا لهذا اليوم فكانوا بمنزلة الناسفين‪ .‬والخفر‪ :‬أن "نسفيتم" بمفا تركتفم‪ ،‬وكذا‬
‫"إنفا نسفيناكم"‪ .‬واحتفج محمفد بفن يزيفد بقوله تعالى‪" :‬ولقفد عهدنفا إلى آدم مفن قبفل فنسفي" [طفه‪:‬‬
‫‪ ]115‬قال‪ :‬والدليل على أنه بمعنى ترك أن ال عز وجل أخبر عن إبليس أنه قال‪" :‬ما نهاكما‬
‫ربكمفا عفن هذه الشجرة إل أن تكونفا ملكيفن" [العراف‪ ]20 :‬فلو كان آدم ناسفيا لكان قفد ذكره‪.‬‬
‫وأنشد‪:‬‬
‫سفود شرب نسوه عند مفتأد‬ ‫كأنه خارجا من جنب صفحته‬
‫أي تركوه‪ .‬ولو كان مفن النسفيان لكان قفد عملوا بفه مرة‪ .‬قال الضحاك‪" :‬نسفيتم" أي تركتفم أمري‪.‬‬
‫يحيففى بففن سففلم‪ :‬أي تركتففم اليمان بالبعففث فففي هذا اليوم‪" .‬نسففيناكم" تركناكففم مففن الخيففر؛ قاله‬
‫السفدي‪ .‬مجاهفد‪ :‬تركناكفم ففي العذاب‪ .‬وففي اسفتئناف قوله‪" :‬إنفا نسفيناكم" وبناء الفعفل على "إن"‬
‫واسمها تشديد في النتقام منهم‪ .‬والمعنى‪ :‬فذوقوا هذا؛ أي ما أنتم فيه من نكس الرؤوس والخزي‬
‫والغّم بسبب نسيان ال‪ .‬أو ذوقوا العذاب المخلد‪ ،‬وهو الدائم الذي ل انقطاع له في جهنم‪" .‬بما كنتم‬
‫تعملون" يعنففي فففي الدنيففا مففن المعاصففي‪ .‬وقففد يعّبر بالذوق عمففا يطرأ على النفففس وإن لم يكففن‬
‫مطعوما‪ ،‬لحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم‪ .‬قال عمر بن أبي ربيعة‪:‬‬
‫فساد أل يا ربما كذب الزعم‬ ‫فذق هجرها إن كنت تزعم أنها‬
‫الجوهري‪ :‬وذقت ما عند فلن؛ أي خبرته‪ .‬وذقت القوس إذا جذبت وترها لتنظر ما شّدتها‪ .‬وأذاقه‬
‫ال وبال أمره‪ .‬قال طفيل‪:‬‬
‫من الغيظ في أكبادنا والتحوب‬ ‫فذوقوا كما ذقنا غداة محجر‬
‫وتذوقته أي ذقته شيئا بعد شيء‪ .‬وأمر مستذاق أي مجّرب معلوم‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ونت عنه الجعائل مستذاق‬ ‫وعهد الغانيات كعهد قين‬
‫والذواق‪ :‬الملول‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 15 :‬إنمفا يؤمفن بآياتنفا الذيفن إذا ذكروا بهفا خروا سفجدا وسفبحوا بحمفد ربهفم وهفم ل‬
‫يستكبرون}‬
‫@ هذه تسفلية للنبّي صفلى ال عليفه وسفلم؛ أي أنهفم للفهفم الكففر ل يؤمنون بفك؛ إنمفا يؤمفن بفك‬
‫وبالقرآن المتدبرون له والمتعظون بفه‪ ،‬وهفم الذيفن إذا قرئ عليهفم القرآن "خروا سفجدا" قال ابفن‬
‫عباس‪ :‬ركعا‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وهذا على مذهب من يرى الركوع عند قراءة السجدة؛ واستدل بقوله‬
‫تبارك وتعالى‪" :‬وخفر راكعا وأناب" [ص‪ .]24 :‬وقيفل‪ :‬المراد به السجود‪ ،‬وعليفه أكثر العلماء؛‬
‫أي خروا سجدا ل تعالى على وجوههم تعظيما لياته وخوفا من سطوته وعذابه‪" .‬وسبحوا بحمد‬
‫ربهفم" أي خلطوا التسفبيح بالحمفد؛ أي نزهوه وحمدوه؛ فقالوا ففي سفجودهم‪ :‬سفبحان ال وبحمده‪،‬‬
‫سففبحان ربففي العلى وبحمده؛ أي تنزيهففا ل تعالى عففن قول المشركيففن‪ .‬وقال سفففيان‪" :‬وسففبحوا‬
‫بحمد ربهم" أي صلوا حمدا لربهم‪" .‬وهم ل يستكبرون" عن عبادته؛ قاله يحيى بن سلم‪ .‬النقاش‪:‬‬
‫"ل يستكبرون" كما استكبر أهل مكة عن السجود‪.‬‬
‫*‪*3‬اليففة‪{ 16 :‬تتجافففى جنوبهففم عففن المضاجففع يدعون ربهففم خوفففا وطمعففا وممففا رزقناهففم‬
‫ينفقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تتجاففى جنوبهفم عفن المضاجفع" أي ترتففع وتنبفو عفن مواضفع الضطجاع‪ .‬وهفو‬
‫في موضع نصب على الحال؛ أي متجافية جنوبهم‪ .‬والمضاجع جمع مضجع؛ وهي مواضع النوم‪.‬‬
‫ويحتمل عن وقت الضطجاع‪ ،‬ولكنه مجاز‪ ،‬والحقيقة أولى‪ .‬ومنه قول عبدال بن رواحة‪:‬‬
‫إذا انشق معروف من الصبح ساطع‬ ‫وفينا رسول ال يتلو كتابه‬
‫إذا استثقلت بالمشركين المضاجع‬ ‫يبيت يجافي جنبه عن فراشه‬
‫قال الزجاج والرمانّي‪ :‬التجافي التنحي إلى جهة فوق‪ .‬وكذلك هو في الصفح عن المخطئ في سب‬
‫ونحوه‪ .‬والجنوب جمع جنب‪ .‬وفيما تتجافى جنوبهم عن المضاجع لجله قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬لذكر ال‬
‫تعالى‪ ،‬إما في صلة وإما في غير صلة؛ قاله ابن عباس والضحاك‪ .‬الثاني‪ :‬للصلة‪ .‬وفي الصلة‬
‫التي تتجافى جنوبهم لجلها أربعة أقوال‪ :‬أحدها‪ :‬التنفل بالليل؛ قاله الجمهور من المفسرين وعليه‬
‫أكثفر الناس‪ ،‬وهفو الذي فيفه المدح‪ ،‬وهفو قول مجاهفد والوزاعّي ومالك بفن أنفس والحسفن بفن أبفي‬
‫الحسن وأبي العالية وغيرهم‪ .‬ويدل عليه قوله تعالى‪" :‬فل تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين"‬
‫[السجدة‪ ]17 :‬لنهم جوزوا على ما أخفوا بما خفي‪ .‬وال أعلم‪ .‬وسيأتي بيانه‪.‬‬
‫وففي قيام الليفل أحاديفث كثيرة؛ منهفا حديفث معاذ بفن جبفل أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال له‪:‬‬
‫(أل أدلك على أبواب الخير‪ :‬الصوم جنة‪ ،‬والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار‪ ،‬وصلة‬
‫الرجفل مفن جوف الليفل ‪ -‬قال ثفم تل ‪" -‬تتجاففى جنوبهفم عفن المضاجفع ‪ -‬حتفى بلغ ‪ -‬يعملون")‬
‫أخرجفه أبفو داود الطيالسفي ففي مسفنده والقاضفي إسفماعيل بفن إسفحاق وأبفو عيسفى الترمذي‪ ،‬وقال‬
‫فيفه‪ :‬حديفث حسفن صفحيح‪ .‬الثانفي‪ :‬صفلة العشاء التفي يقال لهفا العتمفة؛ قال الحسفن وعطاء‪ .‬وففي‬
‫الترمذي عن أنس بن مالك أن هذه الية "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" نزلت في انتظار الصلة‬
‫التي تدعى العتمة قال‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪ .‬الثالث‪ :‬التنفل ما بين المغرب والعشاء؛ قاله قتادة‬
‫وعكرمة‪ .‬وروى أبو داود عن أنس بن مالك أن هذه الية "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون‬
‫ربهفم خوففا وطمعفا وممفا رزقناهفم ينفقون" قال‪ :‬كانوا يتنفلون بيفن المغرب والعشاء‪ .‬الرابفع‪ :‬قال‬
‫الضحاك‪ :‬تجافففي الجنففب هففو أن يصففلي الرجففل العشاء والصففبح فففي جماعففة‪ .‬وقاله أبففو الدرداء‬
‫وعبادة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا قول حسن‪ ،‬وهو يجمع القوال بالمعنى‪ .‬وذلك أن منتظر العشاء إلى أن يصليها في‬
‫صلة وذكر ل جل وعز؛ كما قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل يزال الرجل في صلة ما انتظر‬
‫الصفلة)‪ .‬وقال أنفس‪ :‬المراد باليفة انتظار صفلة العشاء الخرة؛ لن رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم كان يؤخرهفا إلى نحفو ثلث الليفل‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وكانفت الجاهليفة ينامون مفن أول الغروب‬
‫ومن أي وقت شاء النسان‪ ،‬فجاء انتظار وقت العشاء غريبا شاقا‪ .‬ومصلي الصبح في جماعة ل‬
‫سيما في أول الوقت؛ كما كان عليه السلم يصليها‪ .‬والعادة أن من حافظ على هذه الصلة في أول‬
‫الوقفت يقوم سفحرا يتوضفأ ويصفلي ويذكفر ال عفز وجفل إلى أن يطلع الفجفر؛ فقفد حصفل التجاففي‬
‫أول الليل وآخره‪ .‬يزيد هذا ما رواه مسلم من حديث عثمان بن عفان قال سمعت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يقول‪( :‬من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل‪ ،‬ومن صلى الصبح في‬
‫جماعفة فكأنمفا قام الليفل كله) ولففظ الترمذي وأبفي داود ففي هذا الحديفث‪( :‬مفن شهففد العشاء فففي‬
‫جماعفة كان له قيام نصففف ليلة‪ ،‬ومفن صفلى العشاء والفجفر فففي جماعفة كان له كقيام ليلة)‪ .‬وقففد‬
‫مضى في سورة "النور" عن كعب فيمن صلى بعد العشاء الخرة أربع ركعات كن له بمنزلة ليلة‬
‫القدر‪.‬‬
‫وجاءت آثار حسان في فضل الصلة بين المغرب والعشاء وقيام الليل‪ .‬ذكر ابن المبارك قال‪:‬‬
‫أخبرنا يحيى بن أيوب قال حدثني محمد بن الحجاج أو ابن أبي الحجاج أنه سمع عبدالكريم يحدث‬
‫أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬مفن ركفع عشفر ركعات بيفن المغرب والعشاء بنفي له‬
‫قصفر ففي الجنفة) فقال له عمفر بفن الخطاب‪ :‬إذا تكثفر قصفورنا وبيوتنفا يفا رسفول ال؟ فقال رسفول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ال أكبر وأفضل ‪ -‬أو قال ‪ -‬أطيب)‪ .‬وعن عبدال بن عمرو بن العاصي‬
‫قال‪ :‬صلة الّوابين الخلوة التي بين المغرب والعشاء حتى تثوب الناس إلى الصلة‪ .‬وكان عبدال‬
‫بفن مسفعود يصفلي ففي تلك السفاعة ويقول‪ :‬صفلة الغفلة بيفن المغرب والعشاء؛ ذكره ابفن المبارك‪.‬‬
‫ورواه الثعلبفي مرفوعفا عفن ابفن عمفر قال قال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬مفن جففت جنباه عفن‬
‫المضاجع ما بين المغرب والعشاء بني له قصران في الجنة مسيرة عام‪ ،‬وفيهما من الشجر ما لو‬
‫نزلهفا أهفل المشرق والمغرب لوسفعتهم فاكهفة)‪ .‬وهفي صفلة الّوابيفن وغفلة الغافليفن‪ .‬وأن مفن‬
‫الدعاء المستجاب الذي ل يرّد الدعاء بين المغرب والعشاء‪.‬‬
‫فصل في فضل التجافي ‪ -‬ذكر ابن المبارك عن ابن عباس قال‪ :‬إذا كان يوم القيامة نادى مناد‪:‬‬
‫سففتعلمون اليوم مففن أصففحاب الكرم؛ ليقففم الحامدون ل على كففل حال‪ ،‬فيقومون فيسففّرحون إلى‬
‫الجنفة‪ .‬ثفم ينادي ثانيفة‪ :‬سفتعلمون اليوم مفن أصفحاب الكرم؛ ليقفم الذيفن كانفت جنوبهفم تتجاففى عفن‬
‫المضاجع "يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون"‪ .‬قال‪ :‬فيقومون فيسرحون إلى الجنة‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم ينادي ثالثة‪ :‬ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم؛ ليقم الذين كانوا "ل تلهيهم تجارة ول بيع‬
‫عن ذكر ال وإقام الصلة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والبصار" [النور‪،]37 :‬‬
‫فيقومون فيسفرحون إلى الجنفة‪ .‬ذكره الثعلبّي مرفوعفا عفن أسفماء بنفت يزيفد قال النبّي صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم‪( :‬إذا جمفع ال الوليفن والخريفن يوم القيامفة جاء مناد فنادى بصفوت تسفمعه الخلئق‬
‫كلهفم‪ :‬سفيعلم أهفل الجمفع اليوم مفن أولى بالكرم‪ ،‬ليقفم الذيفن كانفت تتجاففى جنوبهفم عفن المضاجفع‬
‫فيقومون وهم قليل‪ ،‬ثم ينادي الثانية ستعلمون اليوم من أولى بالكرم ليقم الذين ل تلهيهم تجارة ول‬
‫بيع عن ذكر ال فيقومون‪ ،‬ثم ينادي الثالثة ستعلمون اليوم من أولى بالكرم ليقم الحامدون ل على‬
‫كفل حال ففي السفّراء والضراء فيقومون وهفم قليفل فيسفرحون جميعفا إلى الجنفة‪ ،‬ثفم يحاسفب سفائر‬
‫الناس)‪ .‬وذكفر ابفن المبارك قال أخبرنفا معمفر عفن رجفل عفن أبفي العلء بفن الشخيفر عفن أبفي ذّر‬
‫قال‪ :‬ثلثفة يضحفك ال إليهفم ويسفتبشر ال بهفم‪ :‬رجفل قام مفن الليفل وترك فراشفه ودفئه‪ ،‬ثفم توضفأ‬
‫فأحسن الوضوء‪ ،‬ثم قام إلى الصلة؛ فيقول ال لملئكته‪( :‬ما حمل عبدي على ما صنع) فيقولون‪:‬‬
‫ربنفا أنفت أعلم بفه منفا؛ فيقول‪( :‬أنفا أعلم بفه ولكفن أخفبروني) فيقولون‪ :‬رجيتفه شيئا فرجاه وخوفتفه‬
‫فحاففه‪ .‬فيقول‪( :‬أشهدكفم أنفي قفد أمنتفه ممفا خاف وأوجبفت له مفا رجاه) قال‪ :‬ورجفل كان ففي سفرية‬
‫فلقفي العدو فانهزم أصفحابه وثبفت هفو حتفى يقتفل أو يفتفح ال عليهفم؛ فيقول ال لملئكتفه مثفل هذه‬
‫القصة‪ .‬ورجل سرى في ليلة حتى إذا كان في آخر الليل نزل هو وأصحابه‪ ،‬فنام أصحابه وقام هو‬
‫يصلي؛ فيقول ال لملئكته‪ )...‬وذكر القصة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يدعون ربهم" في موضع نصب على الحال؛ أي داعين‪ .‬ويحتمل أن تكون صفة‬
‫مستأنفة؛ أي تتجافى جنوبهم وهم أيضا في كل حال يدعون ربهم ليلهم ونهارهم‪ .‬و"خوفا" مفعول‬
‫مففن أجله‪ .‬ويجوز أن يكون مصففدرا‪" .‬وطمعففا" مثله؛ أي خوفففا مففن العذاب وطمعففا فففي الثواب‪.‬‬
‫"وممفا رزقناهفم ينفقون" تكون "مفا" بمعنفى الذي وتكون مصفدرا‪ ،‬وففي كل الوجهيفن يجفب أن‬
‫تكون منفصففلة مففن "مففن" و"ينفقون" قيففل‪ :‬معناه الزكاة المفروضففة‪ .‬وقيففل‪ :‬النوافففل؛ وهذا القول‬
‫أمدح‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬فل تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}‬
‫@ قرأ حمزة‪" :‬ما أخفيْ لهم" بإسكان الياء‪ .‬وفتحها الباقون‪ .‬وفي قراءة عبدال "ما نخفي" بالنون‬
‫مضمومفة‪ .‬وروى المفضفل عفن العمفش "مفا يُخففى لهفم" بالياء المضمومفة وفتفح الفاء‪ .‬وقرأ ابفن‬
‫مسفعود وأبفو هريرة‪" :‬مفن قرّات أعيفن"‪ .‬فمفن أسفكن الياء مفن قوله‪" :‬مفا أخففي فهفو مسفتقبل وألففه‬
‫ألف المتكلم‪ .‬و"مففا" فففي موضففع نصففب بفف "أخففي" وهففي اسففتفهام‪ ،‬والجملة فففي موضفع نصفب‬
‫لوقوعهفا موقفع المفعوليفن‪ ،‬والضميفر العائد على "مفا" محذوف‪ .‬ومفن فتفح الياء فهفو فعفل ماض‬
‫مبني للمفعول‪ .‬و"ما" في موضع رفع بالبتداء‪ ،‬والخبر "أخفي" وما بعده‪ ،‬والضمير في "أخفي"‬
‫عائد على "ما"‪ .‬قال الزجاج‪ :‬ويقرأ "ما أخفى لهم" بمعنى ما أخفى ال لهم؛ وهي قراءة محمد بن‬
‫كعب‪ ،‬و"ما" في موضع نصب‪ .‬المهدوّي‪ :‬ومن قرأ‪" :‬قرات أعين" فهو جمع قرة‪ ،‬وحسن الجمع‬
‫فيه لضافته إلى جمع‪ ،‬والفراد لنه مصدر‪ ،‬وهو اسم للجنس‪ .‬وقال أبو بكر النبارّي‪ :‬وهذا غير‬
‫مخالف للمصففحف؛ لن تاء "قرة" تكتففب تاء لغففة مففن يجري الوصففل على الوقففف؛ كمففا كتبوا‬
‫(رحمت ال) بالتاء‪ .‬ول يستنكر سقوط اللف من "قرات" في الخط وهو موجود في اللفظ؛ كما لم‬
‫يستنكر سقوط اللف من السموات وهي ثابتة في اللسان والنطق‪ .‬والمعنى المراد‪ :‬أنه أخبر تعالى‬
‫بما لهم من النعيم الذي لم تعلمه نفس ول بشر ول ملك‪ .‬وفي معنى هذه الية‪ :‬قال النبّي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬قال ال عز وجل أعدت لعبادي الصالحين ما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر‬
‫على قلب بشففر ‪ -‬ثففم قرأ هذه اليففة ‪" -‬تتجافففى جنوبهففم عففن المضاجففع ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬بمففا كانوا‬
‫يعملون") خرجفه الصفحيح مفن حديفث سفهل بفن سفعد السفاعدي‪ .‬وقال ابفن مسفعود‪ :‬ففي التوراة‬
‫مكتوب‪ :‬على ال للذيفن تتجاففى جنوبهفم عفن المضاجفع مفا ل عيفن رأت ول أذن سفمعت ول خطفر‬
‫على قلب بشر‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬المر في هذا أجل وأعظم من أن يعرف تفسيره‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذه الكرامفة إنمفا هفي لعلى أهفل الجنفة منزل؛ كمفا جاء مبينفا ففي صفحيح مسفلم عفن‬
‫المغيرة بفن شعبفة يرفعفه إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬سفأل موسفى عليفه السفلم ربفه‬
‫فقال يفا رب مفا أدنفى أهفل الجنفة منزلة قال هفو رجفل يأتفي بعدمفا يدخفل أهفل الجنفة الجنفة فيقال له‬
‫ادخففل الجنففة فيقول أي رب كيففف وقففد نزل الناس منازلهففم وأخذوا أخذاتهففم فيقال له أترضففى أن‬
‫يكون لك مثفل ملك ملك مفن ملوك الدنيفا فيقول رضيفت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله معفه ومثله‬
‫ومثله ومثله ومثله فقال فففي الخامسففة رضيففت رب فيقال هذا لك وعشرة أمثاله ولك مففا اشتهففت‬
‫نفسففك ولذت عينففك فيقول رضيففت رب قال رب فأعلهففم منزلة قال أولئك الذيففن أردت غرسففت‬
‫كرامتهففم بيدي وختمففت عليهففا فلم تففر عيففن ولم تسففمع أذن ولم يخطففر على قلب بشففر ‪ -‬قال ‪-‬‬
‫ومصفداقه مفن كتاب ال قوله تعالى‪" :‬فل تعلم نففس مفا أخففي لهفم مفن قرة أعيفن جزاء بمفا كانوا‬
‫يعملون"‪ .‬وقفد روي عفن المغيرة موقوففا قوله‪ .‬وخرج مسفلم أيضفا عفن أبفي هريرة قال قال رسفول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬يقول ال تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصفالحين مفا ل عيفن رأت ول‬
‫أذن سمعت ول خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعكم عليه ‪ -‬ثم قرأ ‪" -‬فل تعلم نفس ما أخفي‬
‫لهفم مفن قرة أعيفن"‪ .‬وقال ابفن سفيرين‪ :‬المراد بفه النظفر إلى ال تعالى‪ .‬وقال الحسفن‪ :‬أخففى القوم‬
‫أعمال فأخفى ال تعالى لهم ما ل عين رأت ول أذن سمعت‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ل يستوون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفمفن كان مؤمنفا كمفن كان فاسفقا" أي ليفس المؤمفن كالفاسفق؛ فلهذا آتينفا هؤلء‬
‫المؤمنيفن الثواب العظيفم‪ .‬قال ابفن عباس وعطاء بفن يسفار‪ :‬نزلت اليفة ففي علّي ابفن أبفي طالب‬
‫والوليد بن عقبة بن أبي معيط؛ وذلك أنهما تلحيا فقال له الوليد‪ :‬أنا أبسط منك لسانا وأحد سنانا‬
‫وأرد للكتيبفة ‪ -‬وروي وأمل ففي الكتيبفة ‪ -‬جسفدا‪ .‬فقال له علّي‪ :‬اسفكت! فإنفك فاسفق؛ فنزلت اليفة‪.‬‬
‫وذكفر الزجاج والنحاس أنهفا نزلت ففي علّي وعقبفة بفن أبفي مُعيفط‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وعلى هذا يلزم‬
‫أن تكون اليفة مكيفة؛ لن عقبفة لم يكفن بالمدينفة‪ ،‬وإنمفا قتفل ففي طريفق مكفة منصفرف رسفول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم من بدر‪ .‬ويعترض القول الخر بإطلق اسم الفسق على الوليد‪ .‬وذلك يحتمل‬
‫أن يكون في صدر إسلم الوليد لشيء كان في نفسه‪ ،‬أو لما روي من نقله عن بني المصطلق ما‬
‫لم يكن‪ ،‬حتى نزلت فيه‪" :‬إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" [الحجرات‪ ]6 :‬على ما يأتي في الحجرات‬
‫بيانففه‪ .‬ويحتمفل أن تطلق الشريعفة ذلك عليفه؛ لنفه كان على طرف ممففا يبغففي‪ .‬وهفو الذي شرب‬
‫الخمر في زمن عثمان رضي ال عنه‪ ،‬وصلى الصبح بالناس ثم التفت وقال‪ :‬أتريدون أن أزيدكم‪،‬‬
‫ونحو هذا مما يطول ذكره‪.‬‬
‫@ لما قسم ال تعالى المؤمنين والفاسقين الذين فسقهم بالكفر ‪ -‬لن التكذيب في آخر الية يقتضي‬
‫ذلك ‪ -‬اقتضفى ذلك نففي المسفاواة بيفن المؤمفن والكاففر؛ ولهذا منفع القصفاص بينهمفا؛ إذ مفن شرط‬
‫وجوب القصفاص المسفاواة بيفن القاتفل والمقتول‪ .‬وبذلك احتفج علماؤنفا على أبفي حنيففة ففي قتله‬
‫المسلم بالذمّي‪ .‬وقال‪ :‬أراد نفي المساواة ها هنا في الخرة في الثواب وفي الدنيا في العدالة‪ .‬ونحن‬
‫حملناه على عمومه‪ ،‬وهو أصح‪ ،‬إذ ل دليل يخصه؛ قاله ابن العربي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يسفتوون" قال الزجاج وغيره‪" :‬مفن" يصفلح للواحفد والجمفع‪ .‬النحاس‪ :‬لففظ‬
‫"من" يؤدي عن الجماعة؛ فلهذا قال‪" :‬ل يستوون"؛ هذا قول كثير من النحويين‪ .‬وقال بعضهم‪:‬‬
‫"ل يستوون" الثنين؛ لن الثنين جمع؛ لنه واحد جمع مع آخر‪ .‬وقاله الزجاج أيضا‪ .‬والحديث‬
‫يدل على هذا القول؛ لنفه عفن ابفن عباس وغيره قال‪ :‬نزلت "أفمفن كان مؤمنفا" ففي علي ابفن أبفي‬
‫طالب رضي ال عنه‪" ،‬كمن كان فاسقا" في الوليد بن عقبة بن أبي معيط‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫إذا ماتوا وصاروا في القبور‬ ‫أليس الموت بينهما سواء‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 20 - 19 :‬أمفا الذيفن آمنوا وعملوا الصفالحات فلهفم جنات المأوى نزل بمفا كانوا‬
‫يعملون‪ ،‬وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا‬
‫عذاب النار الذي كنتم به تكذبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أمفا الذيفن آمنوا وعملوا الصفالحات فلهفم جنات المأوى" أخفبر عفن مقفر الفريقيفن‬
‫غدا؛ فللمؤمنيففففففففففن جنات المأوى‪ ،‬أي يأوون إلى الجنات؛ فأضاف الجنات إلى المأوى لن ذلك‬
‫الموضع يتضمن جنات‪" .‬نزل" أي ضيافة‪ .‬والنزل‪ :‬ما يهيأ للنازل والضيف‪ .‬وقد مضى في آخر‬
‫"آل عمران" وهو نصب على الحال من الجنات؛ أي لهم الجنات معّدة‪ ،‬ويجوز أن يكون مفعول‬
‫له‪".‬وأمفا الذيفن فسفقوا" أي خرجوا عفن اليمان إلى الكففر "فمأواهفم النار" أي مقامهفم فيهفا‪" .‬كلمفا‬
‫أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها" أي إذا دفعهم لهب النار إلى أعلها ردوا إلى موضعهم فيها‪،‬‬
‫لنهفم يطمعون ففي الخروج منهفا‪ .‬وقفد مضفى هذا ففي "الحفج"‪" .‬وقيفل لهفم" أي يقول لهفم خزنفة‬
‫جهنففم‪ .‬أو يقول ال لهففم‪" :‬ذوقوا عذاب النار الذي كنتففم بففه تكذبون" والذوق يسففتعمل محسففوسا‬
‫ومعنى‪ .‬وقد مضى في هذه السورة بيانه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬ولنذيقنهم من العذاب الدنى دون العذاب الكبر لعلهم يرجعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولنذيقنهفم من العذاب الدنفى" قال الحسن وأبو العالية والضحاك وأبي بن كعب‬
‫وإبراهيفم النخعّي‪ :‬العذاب الدنفى مصفائب الدنيفا وأسفقامها ممفا يبتلى بفه العبيفد حتفى يتوبوا؛ وقاله‬
‫ابفن عباس‪ .‬وعنه أيضفا أنه الحدود‪ .‬وقال ابفن مسعود والحسفين بن علّي وعبدال بن الحارث‪ :‬هو‬
‫القتل بالسيف يوم بدر‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف؛ وقاله مجاهد‪ .‬وعنه‬
‫أيضفا‪ :‬العذاب الدنفى عذاب القفبر؛ وقاله البراء بفن عازب‪ .‬قالوا‪ :‬والكفبر عذاب يوم القيامفة‪ .‬قال‬
‫القشيري‪ :‬وقيفل عذاب القفبر‪ .‬وفيفه نظفر؛ لقوله‪" :‬لعلهفم يرجعون"‪ .‬قال‪ :‬ومفن حمفل العذاب على‬
‫القتفل قال‪" :‬لعلهفم يرجعون" أي يرجفع مفن بقفي منهفم‪ .‬ول خلف أن العذاب الكفبر عذاب جهنفم؛‬
‫إل مفا روي عفن جعففر بفن محمفد أنفه خروج المهدي بالسفيف‪ .‬والدنفى غلء السفعر‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬إن‬
‫معنففى قوله‪" :‬لعلهففم يرجعون"‪ .‬على قول مجاهففد والبراء‪ :‬أي لعلهففم يريدون الرجوع ويطلبونففه‬
‫كقوله‪" :‬فارجعنا نعمل صالحا" [السجدة‪ .]12 :‬وسميت إرادة الرجوع رجوعا كما سميت إرادة‬
‫القيام قيامففا فففي قوله تعالى‪" :‬إذا قمتففم إلى الصففلة" [المائدة‪ .]6 :‬ويدل عليففه قراءة مففن قرأ‪:‬‬
‫"يرجعون" على البناء للمفعول؛ ذكره الزمخشري‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن أظلم" أي ل أحد أظلم لنفسه‪" .‬ممن ذكر بآيات ربه" أي بحججه وعلماته‪.‬‬
‫"ثم أعرض عنها" بترك القبول‪" .‬إنا من المجرمين منتقمون" لتكذيبهم وإعراضهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 - 23 :‬ولقد آتينا موسى الكتاب فل تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني‬
‫إسفرائيل‪ ،‬وجعلنفا منهفم أئمفة يهدون بأمرنفا لمفا صفبروا وكانوا بآياتنفا يوقنون‪ ،‬إن ربفك هفو يفصفل‬
‫بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد آتينا موسى الكتاب فل تكن في مرية من لقائه" أي فل تكن يا محمد في شك‬
‫من لقاء موسى؛ قال ابن عباس‪ .‬وقد لقيه ليلة السراء‪ .‬قتادة‪ :‬المعنى فل تكن في شك من أنك لقيته‬
‫ليلة السفراء‪ .‬والمعنفى واحفد‪ .‬وقيفل‪ :‬فل تكفن ففي شفك مفن لقاء موسفى ففي القيامفة‪ ،‬وسفتلقاه فيهفا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬فل تكن في شك من لقاء موسى الكتاب بالقبول؛ قال مجاهد والزجاج‪ .‬وعن الحسن أنه قال‬
‫ففي معناه‪" :‬ولقفد آتينفا موسفى الكتاب" فأوذي وكذب‪ ،‬فل تكفن ففي شفك مفن أنفه سفيلقاك مفا لقيفه مفن‬
‫التكذيفففب والذى؛ فالهاء عائدة على مخذوف‪ ،‬والمعنفففى مفففن لقاء مفففا لقفففى‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا قول‬
‫غريب‪ ،‬إل أنه من رواية عمرو بن عبيد‪ .‬وقيل في الكلم تقديم وتأخير؛ والمعنى‪ :‬قل يتوفاكم ملك‬
‫الموت الذي وكفل بكفم فل تكفن ففي مريفة مفن لقائه؛ فجاء معترضفا بيفن "ولقفد آتينفا موسفى الكتاب"‬
‫وبين "وجعلناه هدى لبني إسرائيل"‪ .‬والضمير في "وجعلناه" فيه وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬جعلنا موسى؛‬
‫قاله قتادة‪ .‬الثانفي‪ :‬جعلنفا الكتاب؛ قاله الحسفن‪" .‬وجعلنفا منهفم أئمفة" أي قادة وقدوة يقتدى بهفم ففي‬
‫دينهم‪ .‬والكوفيون يقرؤون "أئمة" النحاس‪ :‬وهو لحن عند جميع النحويين؛ لنه جمع بين همزتين‬
‫في كلمه واحدة‪ ،‬وهو من دقيق النحو‪.‬‬
‫وشرحه‪ :‬أن الصل "أ ْأ ِممَة" ثم ألقيت حركة الميم على الهمزة وأدغمت الميم‪ ،‬وخففت الهمزة‬
‫الثانية لئل يجتمع همزتان‪ ،‬والجمع بين همزتين في حرفين بعيفد؛ فأما في حرف واحد فل يجوز‬
‫إل تخفيف الثانية نحو قولك‪ :‬آدم وآخر‪ .‬ويقال‪ :‬هذا أوم من هذا وأيّم؛ بالواو والياء‪ .‬وقد مضى هذا‬
‫ففففي "التوبفففة" وال تعالى أعلم‪" .‬يهدون بأمرنفففا" أي يدعون الخلق إلى طاعتنفففا‪" .‬بأمرنفففا" أي‬
‫أمرناهفم بذلك‪ .‬وقيفل‪" :‬بأمرنفا" أي لمرنفا؛ أي يهدون الناس لديننفا‪ .‬ثفم قيفل‪ :‬المراد النفبياء عليهفم‬
‫السففلم؛ قاله قتادة‪ .‬وقيففل‪ :‬المراد الفقهاء والعلماء‪" .‬لمففا صففبروا" قراءة العامففة "لمففا" بفتففح اللم‬
‫وتشديد الميم وفتحها؛ أي حين صبروا‪ .‬وقرأ يحيى وحمزة والكسائي وخلف ورويس عن يعقوب‪:‬‬
‫"لمفا صفبروا" أي لصفبرهم جعلناهفم أئمفة‪ .‬واختاره أبفو عبيفد اعتبارا بقراءة ابفن مسفعود "بمفا‬
‫صفبروا" بالباء‪ .‬وهذا الصفبر صفبر على الديفن وعلى البلء‪ .‬وقيفل‪ :‬صفبروا عفن الدنيفا‪" .‬إن ربفك‬
‫هفو يفصفل بينهفم يوم القيامفة" أي يقضفي ويحكفم بيفن المؤمنيفن والكفار‪ ،‬فيجازي كل بمفا يسفتحق‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يقضي بين النبياء وبين قومهم؛ حكاه النقاش‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 26 :‬أولم يهفد لهفم كفم أهلكنفا مفن قبلهفم مفن القرون يمشون ففي مسفاكنهم إن ففي ذلك‬
‫ليات أفل يسمعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولم يهفد لهفم" وقرأ أبفو عبدالرحمفن السفلمّي وقتادة وأبفو زيفد عفن يعقوب "نهفد‬
‫لهفم" بالنون؛ فهذه قراءة بينفة‪ .‬النحاس‪ :‬وبالياء فيهفا إشكال؛ لنفه يقال‪ :‬الفعفل ل يخلو مفن فاعفل‪،‬‬
‫فأين الفاعل لف "يهد"؟ فتكلم النحويون ففي هذا؛ فقال الفراء‪" :‬كم" في موضع رفع بف "يهد" وهذا‬
‫نقض لصول النحويين في قولهم‪ :‬إن الستفهام ل يعمل فيه ما قبله ول في "كم" بوجه؛ أعني ما‬
‫قبلها‪ .‬ومذهب أبي العباس أن "يهد" يدل على الهدى؛ والمعنى أو لم يهد لهم الهدى‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى‬
‫أو لم يهفد ال لهفم؛ فيكون معنفى الياء والنون واحدا؛ أي أو لم نفبين لهفم إهلكنفا القرون الكافرة مفن‬
‫قبلهم‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬كم" هي موضع نصب بف "أهلكنا"‪" .‬يمشون في مساكنهم" يحتمل الضمير‬
‫فففي "يمشون" أن يعود على الماشيففن فففي مسففاكن المهلكيففن؛ أي وهؤلء يمشون ول يعتففبرون‪.‬‬
‫ويحتمل أن يعود على المهلكين فيكون حال؛ والمعنى‪ :‬أهلكناهم ماشين في مساكنهم‪" .‬إن في ذلك‬
‫ليات أفل يسمعون" آيات ال وعظاته فيتعظون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم‬
‫وأنفسهم أفل يبصرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الرض الجرز" أي أولم يعلموا كمال قدرتنا بسوقنا‬
‫الماء إلى الرض اليابسفففة التفففي ل نبات فيهفففا لنحييهفففا‪ .‬الزمخشري‪ :‬الجرز الرض التفففي جرز‬
‫نباتها‪ ،‬أي قطع؛ إما لعدم الماء وإما لنه رعي وأزيل‪ .‬ول يقال للتي ل تنبت كالسباخ جرز؛ ويدل‬
‫عليفه قوله تعالى‪" :‬فنخرج بفه زرعفا" قال ابفن عباس‪ :‬هفي أرض باليمفن‪ .‬وقال مجاهفد‪ :‬هفي أبيفن‪.‬‬
‫وقال عكرمففة‪ :‬هففي الرض الظمأى‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬هففي الرض الميتففة العطشففى‪ .‬وقال الفراء‪:‬‬
‫هفي الرض التفي ل نبات فيهفا‪ .‬وقال الصفمعّي‪ :‬هفي الرض التفي ل تنبفت شيئا‪ .‬وقال محمفد بفن‬
‫يزيفد‪ :‬يبعفد أن تكون لرض بعينهفا لدخول اللف واللم؛ إل أنفه يجوز على قول مفن قال‪ :‬العباس‬
‫والضحاك‪ .‬والسفناد عفن ابفن عباس صفحيح ل مطعفن فيفه‪ .‬وهذا إنمفا هفو نعفت والنعفت للمعرففة‬
‫يكون باللف واللم؛ وهفو مشتفق مفن قولهفم‪ :‬رجفل جروز إذا كان ل يبقفي شيفء شيئا إل أكله‪ .‬قال‬
‫الراجز‪:‬‬
‫ويأكل التمر ول يلقي النوى‬ ‫خب جروز وإذا جاع بكى‬
‫وكذلك ناقففة جروز‪ :‬إذا كانففت تأكففل كففل شيففء تجده‪ .‬وسففيف جراز‪ :‬أي قاطففع ماض‪ .‬وجرزت‬
‫جرْز‬‫جرُز و َ‬
‫جرْز و ُ‬‫الجراد الزرع‪ :‬إذا اسففتأصلته بالكففل‪ .‬وحكففى الفراء وغيره أنففه يقال‪ :‬أرض ُ‬
‫جرَز‪ .‬وكذلك بخفل ورغفب ووهفب؛ ففي الربعفة أربفع لغات‪ .‬وقفد روي أن هذه الرض ل أنهار‬ ‫وَ‬
‫فيهفا‪ ،‬وهفي بعيدة مفن البحفر‪ ،‬وإنمفا يأتيهفا ففي كفل عام ودان فيزرعون ثلث مرات ففي كفل عام‪.‬‬
‫وعن مجاهد أيضا‪ :‬أنها أرض النيل‪" .‬فنخرج به" أي بالماء‪" .‬زرعا تأكل منه أنعامهم" من الكل‬
‫والحشيفش‪" .‬وأنفسفهم" مفن الحفب والخضفر والفواكفه‪" .‬أفل يبصفرون" هذا فيعلمون أنفا نقدر على‬
‫إعادتهفم‪ .‬و"فنخرج" يكون معطوففا على "نسفوق" أو منقطعفا ممفا قبله‪" .‬تأكفل منفه أنعامهفم" ففي‬
‫موضع نصب على النعت‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 28 :‬ويقولون متفى هذا الفتفح إن كنتفم صفادقين‪ ،‬قفل يوم الفتفح ل ينففع الذيفن كفروا‬
‫إيمانهم ول هم ينظرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويقولون متفى هذا الفتفح إن كنتفم صفادقين" "متفى" ففي موضفع رففع‪ ،‬ويجوز أن‬
‫يكون ففي موضفع نصفب على الظرف‪ .‬قال قتادة‪ :‬الفتفح القضاء‪ .‬وقال الفراء والقتبّي‪ :‬يعنفي فتفح‬
‫مكة‪ .‬وأولى من هذا ما قاله مجاهد‪ ،‬قال‪ :‬يعني يوم القيامة‪ .‬ويروى أن المؤمنين قالوا‪ :‬سيحكم ال‬
‫عفز وجفل بيننفا يوم القيامفة فيثيفب المحسفن ويعاقفب المسفيء‪ .‬فقال الكفار على التهزيفء‪ .‬متفى يوم‬
‫الفتففح‪ ،‬أي هذا الحكففم‪ .‬ويقال للحاكففم‪ :‬فاتففح وفتاح؛ لن الشياء تنفتففح على يديففه وتنفصففل‪ .‬وفففي‬
‫القرآن‪" :‬ربنففا افتففح بيننففا وبيففن قومنففا بالحففق" [العراف‪ ]89 :‬وقففد مضففى هذا فففي "البقرة"‬
‫وغيرهفا‪" .‬قفل يوم الفتفح" على الظرف‪ .‬وأجاز الفراء الرففع‪" .‬ل ينففع الذيفن كفروا إيمانهفم ول هفم‬
‫ينظرون" أي يؤخرون ويمهلون للتوبففة؛ إن كان يوم الفتففح يوم بدر أو فتففح مكففة‪ .‬ففففي بدر قتلوا‪،‬‬
‫ويوم الفتح هربوا فلحقهم خالد بن الوليد فقتلهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 :‬فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأعرض عنهم" معناه فأعرض عن سفههم ول تجبهم إل بما أمرت به‪" .‬وانتظر‬
‫إنهفم منتظرون" أي انتظفر يوم الفتفح‪ ،‬يوم يحكفم ال لك عليهفم‪ .‬ابفن عباس‪" :‬فأعرض عنهفم" أي‬
‫عن مشركي قريش مكة‪ ،‬وأن هذا منسوخ بالسيف في "براءة" في قوله‪" :‬فاقتلوا المشركين حيث‬
‫وجدتموهفم" [التوبفة‪" .]5 :‬وانتظفر" أي موعدي لك‪ .‬قيفل‪ :‬يعنفي يوم بدر‪" .‬إنهفم منتظرون" أي‬
‫ينتظرون بكفم حوادث الزمان‪ .‬وقيفل‪ :‬اليفة غيفر منسفوخة؛ إذ قفد يقفع العراض مفع المفر بالقتال‬
‫كالهدنة وغيرها‪ .‬وقيل‪ :‬أعرض عنهم بعدما بلغت الحجة‪ ،‬وانتظر إنهم منتظرون‪ .‬إن قيل‪ :‬كيف‬
‫ينتظرون القيامففة وهففم ل يؤمنون؟ ففففي هذا جوابان‪ :‬أحدهمففا‪ :‬أن يكون المعنففى إنهففم منتظرون‬
‫الموت وهفو مفن أسفباب القيامفة؛ فيكون هذا مجازا‪ .‬والخفر‪ :‬أن فيهفم مفن يشفك وفيهفم مفن يؤمفن‬
‫بالقيامفة؛ فيكون هذا جوابفا لهذيفن الصفنفين‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقرأ ابفن السفميقع‪" :‬إنهفم منتظرون" بفتفح‬
‫الظاء‪ .‬ورويففت عففن مجاهففد وابففن محيصففن‪ .‬قال الفراء‪ :‬ل يصففح هذا إل بإضمار‪ ،‬مجازه‪ :‬إنهففم‬
‫منتظرون بهم‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬الصحيح الكسر؛ أي انتظر عذابهم إنهم منتظرون هلكك‪ .‬وقد قيل‪:‬‬
‫إن قراءة ابن السميقع (بفتح الظاء) معناها‪ :‬وانتظر هلكهم فإنهم أحقاء بأن ينتظر هلكهم؛ يعني‬
‫أنهفم هالكون ل محالة‪ ،‬وانتظفر ذلك فإن الملئكفة ففي السفماء ينتظرونفه؛ ذكره الزمخشري‪ .‬وهفو‬
‫معنى قول الفراء‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الحزاب‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ مدنية في قول جميعهم‪ .‬نزلت في المنافقين وإيذائهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وطعنهم‬
‫فيففه وفففي مناكحتففه وغيرهففا‪ .‬وهففي ثلث وسففبعون آيففة‪ .‬وكانففت هذه السفورة تعدل سففورة البقرة‪.‬‬
‫وكانت فيها آية الرجم‪( :‬الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكال من ال وال عزيز حكيم)؛‬
‫ذكره أبففو بكففر النباري عففن أبففي بففن كعففب‪ .‬وهذا يحمله أهففل العلم على أن ال تعالى رفففع مففن‬
‫الحزاب إليه ما يزيد على ما في أيدينا‪ ،‬وأن آية الرجم رفع لفظها‪ .‬وقد حدثنا أحمد بن الهيثم بن‬
‫خالد قال حدثنفا أبفو عبيفد القاسفم بفن سفلم قال حدثنفا ابفن أبفي مريفم عفن ابفن لهيعفة عفن أبفي السفود‬
‫عن عروة عن عائشة قالت‪ :‬كانت سورة الحزاب تعدل على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫مائتفي آيفة‪ ،‬فلمفا كتفب المصفحف لم يقدر منهفا إل على مفا هفي الن‪ .‬قال أبفو بكفر‪ :‬فمعنفى هذا مفن‬
‫قول أم المؤمنين عائشة‪ :‬أن ال تعالى رفع إليه من سورة الحزاب ما يزيد على ما عندنا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا وجفه مفن وجوه النسفخ‪ ،‬وقفد تقدم ففي "البقرة" القول فيفه مسفتوفى والحمفد ل‪ .‬وروى‬
‫زر قال قال لي أبفي بفن كعفب‪ :‬كفم تعدون سفورة الحزاب؟ قلت ثلثفا وسفبعين آيفة؛ قال‪ :‬فوالذي‬
‫يحلف بفه أبفي بفن كعفب إن كانفت لتعدل سفورة البقرة أو أطول‪ ،‬ولقفد قرأنفا منهفا آيفة الرجفم‪ :‬الشيفخ‬
‫والشيخفة إذا زنيفا فارجموهمفا البتفة نكال مفن ال وال عزيفز حكيفم‪ .‬أراد أبفي أن ذلك مفن جملة مفا‬
‫نسخ من القرآن‪ .‬وأما ما يحكى من أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة فأكلتها الداجن‬
‫فمن تأليف الملحدة والروافض‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬يا أيها النبي اتق ال ول تطع الكافرين والمنافقين إن ال كان عليما حكيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها النبي اتق ال" ضمت "أي" لنه نداء مفرد‪ ،‬والتنبيه لزم لها‪ .‬و"النبي"‬
‫نعفت لي عنفد النحوييفن؛ إل الخففش فإنفه يقول‪ :‬إنفه صفلة لي‪ .‬مكّي‪ :‬ول يعرف ففي كلم العرب‬
‫اسفم مفرد صفلة لشيفء‪ .‬النحاس‪ :‬وهفو خطفأ عنفد أكثفر النحوييفن؛ لن الصفلة ل تكون إل جملة‪،‬‬
‫والحتيال له فيمفا قال إنفه لمفا كان نعتفا لزمفا سفمي صفلة؛ وهكذا الكوفيون يسفمون نعفت النكرة‬
‫صفلة لهفا‪ .‬ول يجوز نصفبه على الموضفع عنفد أكثفر النحوييفن‪ .‬وأجازه المازنّي‪ ،‬جعله كقولك‪ :‬يفا‬
‫زيفد الظريفف‪ ،‬بنصب "الظريفف" على موضفع زيفد‪ .‬مكّي‪ :‬وهذا نعفت يسفتغنى عنه‪ ،‬ونعت "أي"‬
‫ل يستغنى عنه فل يحسن نصبه على الموضع‪ .‬وأيضا فإن نعت "أي" هو المنادى في المعنى فل‬
‫يحسفن نصفبه‪ .‬وروي أن رسفول ال صفلى ال عليه وسفلم لمفا هاجفر إلى المدينة وكان يحب إسفلم‬
‫اليهود‪ :‬قريظفة والنضيفر وبنفي قينقاع؛ وقفد تابعفه ناس منهفم على النفاق‪ ،‬فكان يليفن لهفم جانبفه؛‬
‫ويكرم صغيرهم وكبيرهم‪ ،‬وإذا أتى منهم قبيح تجاوز عنه‪ ،‬وكان يسمع منهم؛ فنزلت‪ .‬وقيل؛ إنها‬
‫نزلت فيمففا ذكففر الواحدي والقشيري والثعلبّفي والماوردي وغيرهففم فففي أبففي سفففيان بففن حرب‬
‫وعكرمة بن أبي جهل وأبي العور عمرو بن سفيان‪ ،‬نزلوا المدينة على عبدال بن أبي ابن سلول‬
‫رأس المنافقين بعد أحد‪ ،‬وقد أعطاهم النبّي صلى ال عليه وسلم المان على أن يكلموه‪ ،‬فقام معهم‬
‫عبدال بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق‪ ،‬فقالوا للنبي صلى ال عليه وسلم وعنده عمر ابن‬
‫الخطاب‪ :‬ارففض ذكفر آلهتنفا اللت والعزى ومناة‪ ،‬وقل إن لها شفاعة ومنعفة لمن عبدها‪ ،‬وندعك‬
‫وربك‪ .‬فشق على النبي صلى ال عليه وسلم ما قالوا‪ .‬فقال عمر‪ :‬يا رسول ال ائذن لي في قتلهم‪.‬‬
‫فقال النففبي صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬إنففي قففد أعطيتهففم المان) فقال عمففر‪ :‬اخرجوا فففي لعنففة ال‬
‫وغضبه‪ .‬فأمر النبي صلى ال عليه وسلم أن يخرجوا من المدينة؛ فنزلت الية‪" .‬يا أيها النبي اتق‬
‫ال" أي خفف ال‪" .‬ول تطفع الكافريفن" مفن أهفل مكفة‪ ،‬يعنفي أبفا سففيان وأبفا العور وعكرمفة‪.‬‬
‫"والمنافقيفن" مفن أهفل المدينفة‪ ،‬يعنفي عبدال بفن أبفي وطعمفة وعبدال بفن سفعد بفن أبفي سفرح فيمفا‬
‫نهيفت عنفه‪ ،‬ول تمفل إليهفم‪" .‬إن ال كان عليمفا" بكفرهفم "حكيمفا" فيمفا يفعفل بهفم‪ .‬الزمخشري‪:‬‬
‫وروي أن أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبا العور السلمّي قدموا على النبي صلى‬
‫ال عليفه وسفلم ففي الموادعفة التفي كانفت بينفه وبينهفم‪ ،‬وقام معهفم عبدال بفن أبفي ومعتفب بفن قشيفر‬
‫والجّد بن قيس‪ ،‬فقالوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬ارفض ذكر آلهتنا‪ .‬وذكر الخبر بمعنى ما‬
‫تقدم‪ .‬وأن اليففة نزلت فففي نقففض العهففد ونبففذ الموادعففة‪" .‬ول تطففع الكافريففن" مففن أهففل مكففة‪.‬‬
‫"والمنافقين" من أهل المدينة فيما طلبوا إليك‪ .‬وروي أن أهل مكة دعوا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم إلى أن يرجع عن دينه ويعطوه شطر أموالهم‪ ،‬ويزوجه شيبة بن ربيعة بنته‪ ،‬وخوفه منافقو‬
‫المدينفة أنهفم يقتلونفه إن لم يرجفع؛ فنزلت‪ .‬النحاس‪ :‬ودل بقوله "إن ال كان عليمفا حكيمفا" على أنفه‬
‫كان يميفل إليهفم اسفتدعاء لهفم إلى السفلم؛ أي لو علم ال عفز وجفل أن ميلك إليهفم فيفه منفعفة لمفا‬
‫نهاك عنه؛ لنه حكيم‪ .‬ثم قيل‪ :‬الخطاب له ولمته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 - 2 :‬واتبع ما يوحى إليك من ربك إن ال كان بما تعملون خبيرا‪ ،‬وتوكل على ال‬
‫وكفى بال وكيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتبفع مفا يوحفى إليفك مفن ربفك" يعنفي القرآن‪ .‬وفيفه زجفر عفن اتباع مراسفم‬
‫الجاهلية‪ ،‬وأمر بجهادهم ومنابذتهم‪ ،‬وفيه دليل على ترك اتباع الراء مع وجود النص‪ .‬والخطاب‬
‫له ولمته‪" .‬إن ال كان بما تعملون خبيرا" قراءة العامة بتاء على الخطاب‪ ،‬وهو اختيار أبي عبيد‬
‫وأبفي حاتفم‪ .‬وقرأ السفلمي وأبفو عمرو وابفن أبفي إسفحاق‪" :‬يعملون" بالياء على الخفبر؛ وكذلك ففي‬
‫قوله‪" :‬بما تعملون بصيرا" [الفتح‪".]24 :‬وتوكل على ال" أي اعتمد عليه في كل أحوالك؛ فهو‬
‫الذي يمنعك ول يضرك من خذلك‪" .‬وكفى بال وكيل" حافظا‪ .‬وقال شيخ من أهل الشام‪ :‬قدم على‬
‫النبّي صلى ال عليه وسلم وفد من ثقيف فطلبوا منه أن يمتعهفم باللت سنة ‪ -‬وهي الطاغية التي‬
‫كانفت ثقيفف تعبدهفا ‪ -‬وقالوا‪ :‬لتعلم قريفش منزلتنفا عندك؛ فهفم النبّي صفلى ال عليفه وسفلم بذلك‪،‬‬
‫فنزلت "وتوكفل على ال وكففى بال وكيل" أي كافيفا لك مفا تخاففه منهفم‪ .‬و"بال" ففي موضفع رففع‬
‫لنه الفاعل‪ .‬و"وكيل" نصب على البيان أو الحال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬ما جعل ال لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللئي تظاهرون منهن‬
‫أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم وال يقول الحق وهو يهدي السبيل}‬
‫@ قال مجاهد‪ :‬نزلت في رجل من قريش كان يدعى ذا القلبين من دهائه‪ ،‬وكان يقول‪ :‬إن لي في‬
‫جوفففي قلبيففن‪ ،‬أعقففل بكففل واحففد منهمففا أفضففل مففن عقففل محمففد‪ .‬قال‪ :‬وكان مففن فهففر‪ .‬الواحدي‬
‫والقشيري وغيرهمففا‪ :‬نزلت فففي جميففل بففن معمففر الفهري‪ ،‬وكان رجل حافظففا لمففا يسففمع‪ .‬فقالت‬
‫قريش‪ :‬ما يحفظ هذه الشياء إل وله قلبان‪ .‬وكان يقول‪ :‬لي قلبان أعقل بهما أفضل من عقل محمد‪.‬‬
‫فلمفا هزم المشركون يوم بدر ومعهفم جميفل بفن معمفر‪ ،‬رآه أبفو سففيان ففي العيفر وهفو معلق إحدى‬
‫نعليففه فففي يده والخرى فففي رجله؛ فقال أبففو سفففيان‪ :‬مففا حال الناس؟ قال انهزموا‪ .‬قال‪ :‬فمففا بال‬
‫إحدى نعليفك ففي يدك والخرى ففي رجلك؟ قال‪ :‬مفا شعرت إل أنهمفا ففي رجلي؛ فعرفوا يومئذ أنفه‬
‫لو كان له قلبان لمفا نسفي نعله ففي يده‪ .‬وقال السفهيلّي‪ :‬كان جميفل بفن معمفر الجمحّي‪ ،‬وهفو ابفن‬
‫معمر بن حبيب بن وهب ابن حذافة بن جمح‪ ،‬واسم جمح‪ :‬تيم؛ وكان يدعى ذا القلبين فنزلت فيه‬
‫الية‪ ،‬وفيه يقول الشاعر‪:‬‬
‫قضى وطرا منها جميل بن معمر‬ ‫وكيف ثوائي بالمدينة بعد ما‬
‫قلت‪ :‬كذا قالوا جميفل بفن معمفر‪ .‬وقال الزمخشري‪ :‬جميفل بفن أسفد الفهري‪ .‬وقال ابفن عباس‪:‬‬
‫سببها أن بعض المنافقين قال‪ :‬إن محمدا له قلبان؛ لنه ربما كان في شيء فنزع في غيره نزعة ثم‬
‫عاد إلى شأنه الول؛ فقالوا ذلك عنه فأكذبهم ال عز وجل‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت في عبدال بن خطل‪ .‬وقال‬
‫الزهري وابفن حبان‪ :‬نزل ذلك تمثيل فففي زيففد بفن حارثفة لمفا تبناه النبّي صفلى ال عليفه وسفلم؛‬
‫فالمعنفففى‪ :‬كمفففا ل يكون لرجفففل قلبان كذلك ل يكون ولد واحفففد لرجليفففن‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا قول‬
‫ضعيفف ل يصفح ففي اللغة‪ ،‬وهو مفن منقطعات الزهري‪ ،‬رواه معمفر عنفه‪ .‬وقيفل‪ :‬هو مثفل ضرب‬
‫للمظاهففر؛ أي كمففا ل يكون للرجففل قلبان كذلك ل تكون امرأة المظاهففر أمففه حتففى تكون له أمان‪.‬‬
‫وقيففل‪ :‬كان الواحففد مففن المنافقيففن يقول‪ :‬لي قلب يأمرنففي بكذا‪ ،‬وقلب يأمرنففي بكذا؛ فالمنافففق ذو‬
‫قلبيفن؛ فالمقصفود رد النفاق‪ .‬وقيفل‪ :‬ل يجتمفع الكففر واليمان بال تعالى ففي قلب‪ ،‬كمفا ل يجتمفع‬
‫قلبان ففي جوف؛ فالمعنفى‪ :‬ل يجتمفع اعتقادان متغايران ففي قلب‪ .‬ويظهفر مفن اليفة بجملتهفا نقفي‬
‫أشياء كانت العرب تعتقدها في ذلك الوقت‪ ،‬وإعلم بحقيقة المر‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ القلب بضعفة صفغيرة على هيئة الصفنوبرة‪ ،‬خلقهفا ال تعالى ففي الدمفي وجعلهفا محل للعلم‪،‬‬
‫فيحصي به العبد من العلوم ما ل يسع في أسفار‪ ،‬يكتبه ال تعالى فيه بالخط اللهّي‪ ،‬ويضبطه فيه‬
‫بالحففظ الربانفي‪ ،‬حتفى يحصفيه ول ينسفى منفه شيئا‪ .‬وهفو بيفن لمتيفن‪ :‬لمفة مفن الملك‪ ،‬ولمفة مفن‬
‫الشيطان؛ كمفا قال صفلى ال عليفه وسفلم‪ .‬خرجفه الترمذي؛ وقفد مضفى ففي "البقرة"‪ .‬وهفو محفل‬
‫الخطرات والوسففاوس ومكان الكفففر واليمان‪ ،‬وموضففع الصففرار والنابففة‪ ،‬ومجرى النزعاج‬
‫والطمأنينة‪ .‬والمعنى في الية‪ :‬أنه ل يجتمع في القلب الكفر واليمان‪ ،‬والهدى والضلل‪ ،‬والنابة‬
‫والصرار‪ ،‬وهذا نفي لكل ما توهمه أحد في ذلك من حقيقة أو مجاز‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ أعلم ال عز وجل في هذه الية أنه ل أحد بقلبين‪ ،‬ويكون في هذا طعن على المنافقين الذين‬
‫تقدم ذكرهففم؛ أي إنمففا هففو قلب واحففد‪ ،‬فإمففا فيففه إيمان وإمففا فيففه كفففر؛ لن درجففة النفاق كأنهففا‬
‫متوسطة‪ ،‬فنفاها ال تعالى وبين أنه قلب واحد‪ .‬وعلى هذا النحو يستشهد النسان بهذه الية‪ ،‬متى‬
‫نسي شيئا أو وهم‪ .‬يقول على جهة العتذار‪ :‬ما جعل ال لرجل من قلبين في جوفه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومفا جعفل أزواجكفم اللئي تظاهرون منهفن أمهاتكفم" يعنفي قول الرجفل لمرأتفه‪:‬‬
‫أنت علّي كظهر أمي‪ .‬وذلك مذكور في سورة "المجادلة" على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومفا جعفل أدعياءكفم أبناءكفم" أجمفع أهفل التفسفير على أن هذا نزل ففي زيفد بفن‬
‫حارثة‪ .‬وروى الئمة أن ابن عمر قال‪ :‬ما كنا ندعو زيد بن حارثة إل زيد بن محمد حتى نزلت‪:‬‬
‫"ادعوهم لبائهم هو أقسط عند ال" [الحزاب‪ ]5 :‬وكان زيد فيما روي عن أنس بن مالك وغيره‬
‫مسفبيا مفن الشأم‪ ،‬سفبته خيفل مفن تهامفة‪ ،‬فابتاعفه حكيفم بفن حزام بفن خويلد‪ ،‬فوهبفه لعمتفه خديجفة‬
‫فوهبتففه خديجففة للنبّي صففلى ال عليففه وسففلم فأعتقففه وتبناه‪ ،‬فأقام عنده مدة‪ ،‬ثففم جاء عمففه وأبوه‬
‫يرغبان ففي فدائه‪ ،‬فقال لهمفا النبّي صفلى ال عليفه وسفلم وذلك قبفل البعفث‪( :‬خيراه فإن اختاركمفا‬
‫فهفو لكمفا دون فداء)‪ .‬فاختار الرق مفع رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم على حريتفه وقومفه؛ فقال‬
‫محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم عند ذلك‪( :‬يا معشر قريش اشهدوا أنه ابني يرثني وأرثه)‬
‫وكان يطوف على حلق قريففش يشهدهففم على ذلك‪ ،‬فرضففي ذلك عمفه وأبوه وانصففرفا‪ .‬وكان أبوه‬
‫لما سبي يدور الشأم ويقول‪:‬‬
‫أحي فيرجى أم أتى دونه الجل‬ ‫بكيت على زيد ولم أدر ما أفعل‬
‫أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل‬ ‫فوال ل أدري وإني لسائل‬
‫فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل‬ ‫فيا ليت شعري هل لك الدهر أوبة‬
‫وتعرض ذكراه إذا غربها أفل‬ ‫تذكرنيه الشمس عند طلوعها‬
‫فيا طول ما حزني عليه وما وجل‬ ‫وإن هفبت الرياح هيجن ذكره‬
‫ول أسأم التطواف أو تسأم البل‬ ‫سأعمل نص العيس في الرض جاهدا‬
‫فكل امرئ فان وإن غره المل‬ ‫حياتيَ أو تأتي علي منيتي‬
‫فأخبر أنه بمكة؛ فجاء إليه فهلك عنده‪ .‬وروي أنه جاء فخيره النبي صلى ال عليه وسلم كما ذكرنا‬
‫وانصففرف‪ .‬وسففيأتي مففن ذكره وفضله وشرفففه شفاء عنففد قوله‪" :‬فلمففا قضففى زيففد منهففا وطرا‬
‫زوجناكهفا" [الحزاب‪ ]37 :‬إن شاء ال تعالى‪ .‬وقتفل زيفد بمؤتفة مفن أرض الشأم سفنة ثمان مفن‬
‫الهجرة‪ ،‬وكان النبّي صلى ال عليه وسلم أمره في تلك الغزاة‪ ،‬وقال‪( :‬إن قتل زيد فجعفر فإن قتل‬
‫جعفر فعبدال بن رواحة)‪ .‬فقتل الثلثة في تلك الغزاة رضوان ال تعالى عليهم أجمعين‪ .‬ولما أتى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم نعي زيد وجعفر بكى وقال‪( :‬أخواي ومؤنساي ومحدثاي)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 5 :‬ادعوهفم لبائهفم هفو أقسفط عنفد ال فإن لم تعلموا آباءهفم فإخوانكفم ففي الديفن‬
‫ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان ال غفورا رحيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ادعوهم لبائهم" نزلت في زيد بن حارثة‪ ،‬على ما تقّدم بيانه‪ .‬وفي قول ابن عمر‪:‬‬
‫مفا كنفا ندعفو زيفد بفن حارثفة إل زيفد بفن محمفد‪ ،‬دليفل على أن التبنفي كان معمول بفه ففي الجاهليفة‬
‫والسفلم‪ ،‬يتوارث بفه ويتناصفر‪ ،‬إلى أن نسفخ ال ذلك بقوله‪" .‬ادعوهفم لبائهفم هفو أقسفط عنفد ال"‬
‫أي أعدل‪ .‬فرففع ال حكفم التبنفي ومنفع مفن إطلق لفظفه‪ ،‬وأرشفد بقوله إلى أن الولى والعدل أن‬
‫ينسفب الرجفل إلى أبيفه نسفبا؛ فيقال‪ :‬كان الرجفل ففي الجاهليفة إذا أعجبفه مفن الرجفل جلده وظرففه‬
‫ضمفه إلى نفسفه‪ ،‬وجعفل له نصفيب الذكفر مفن أولده مفن ميراثفه‪ ،‬وكان ينسفب إليفه فيقال فلن بفن‬
‫فلن‪ .‬وقال النحاس‪ :‬هذه الية ناسخة لما كانوا عليه من التبني‪ ،‬وهو من نسخ السنة بالقرآن؛ فأمر‬
‫أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف‪ ،‬فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولئه‪ ،‬فإن لم يكن له‬
‫ولء معروف قال له يفا أخفي؛ يعنفي ففي الديفن‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬إنمفا المؤمنون إخوة" [الحجرات‪:‬‬
‫‪.]10‬‬
‫@ لو نسبه إنسان إلى أبيه من التبني فإن كان على جهة الخطأ‪ ،‬وهو أن يسبق لسانه إلى ذلك من‬
‫غيفر قصفد فل إثفم ول مؤاخذة؛ لقوله تعالى "وليفس عليكفم جناح فيمفا أخطأتفم بفه ولكفن مفا تعمدت‬
‫قلوبكم" وكذلك لو دعوت رجل إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه فليس عليك بأس؛ قاله قتادة‪ .‬ول‬
‫يجري هذا المجرى مفا غلب عليفه اسفم التبنفي كالحال ففي المقداد بفن عمرو فإنفه كان غلب عليفه‬
‫نسفب التبنفي‪ ،‬فل يكاد يعرف إل بالمقداد بفن السفود؛ فإن السفود بفن عبفد يغوث كان قفد تبناه ففي‬
‫الجاهلية وعرف به‪ .‬فلما نزلت الية قال المقداد‪ :‬أنا ابن عمرو؛ ومع ذلك فبقي الطلق عليه‪ .‬ولم‬
‫يسفمع فيمفن مضفى مفن عصفى مطلق ذلك عليفه وإن كان متعمدا‪ .‬وكذلك سفالم مولى أبفي حذيففة‪،‬‬
‫كان يدعى لبي حذيفة‪ .‬وغير هؤلء ممن تبني وانتسب لغير أبيه وشهر بذلك وغلب عليه‪ .‬وذلك‬
‫بخلف الحال ففي زيفد بفن حارثفة؛ فإنفه ل يجوز أن يقال فيفه زيفد بفن محمفد‪ ،‬فإن قاله أحفد متعمدا‬
‫عصففى لقوله تعالى‪" :‬ولكففن مففا تعمدت قلوبكففم" أي فعليكففم الجناح‪ .‬وال أعلم‪ .‬ولذلك قال بعده‪:‬‬
‫"وكان ال غفورا رحيما" أي "غفورا" للعمد‪" ،‬رحيما" برفع إثم الخطأ‪.‬‬
‫@ وقفد قيفل‪ :‬إن قول ال تبارك وتعالى‪" :‬وليفس عليكفم جناح فيمفا أخطأتفم" مجمفل؛ أي وليفس‬
‫عليكفم جناح ففي شيفء أخطأتفم‪ ،‬وكانفت فتيفا عطاء وكثيفر مفن العلماء‪ .‬على هذا إذا حلف رجفل أل‬
‫يفارق غريمفه حتفى يسفتوفي منفه حقفه‪ ،‬فأخفذ منفه مفا يرى أنه جيفد مفن دنانيفر فوجدهفا زيوففا أنفه ل‬
‫شيفء عليه‪ .‬وكذلك عنده إذا حلف أل يسلم على فلن فسفلم عليه وهو ل يعرفه أنه ل يحنث؛ لنه‬
‫لم يتعمفد ذلك‪ .‬و"مفا" ففي موضفع خففض ردا على "مفا" التفي مفع "أخطأتفم"‪ .‬ويجوز أن تكون ففي‬
‫موضفع رففع على إضمار مبتدأ؛ والتقديفر‪ :‬ولكفن الذي تؤاخذون بفه مفا تعمدت قلوبكفم‪ .‬قال قتادة‬
‫وغيره‪ :‬من نسب رجل إلى غير أبيه‪ ،‬وهو يرى أنه أبوه‪ ،‬خطأ فذلك من الذي رفع ال فيه الجناح‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو أن يقول له في المخاطبة‪ :‬يا بنّي؛ على غير تبن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلكم قولكم بأفواهكم" "بأفواهكم" تأكيد لبطلن القول؛ أي أنه قول ل حقيقة له في‬
‫الوجود‪ ،‬إنما هو قول لسانّي فقط‪ .‬وهذا كما تقول‪ :‬أنا أمشي إليك على قدم؛ فإنما تريد بذلك المبرة‪.‬‬
‫وهذا كثيففر‪ .‬وقففد تقّدم هذا المعنففى فففي غيففر موضففع‪" .‬وال يقول الحففق" "الحففق" نعففت لمصففدر‬
‫محذوف؛ أي يقول القول الحق‪" .‬وهو يهدي السبيل" معناه يبين؛ فهو يتعدى بغير حرف جر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الدعياء جمع دعي وهو الذي يدعي ابنا لغير أبيه أو يدعي غير أبيه والمصدر‬
‫الدّعوة بالكسففر فأمففر تعالى بدعاء الدعياء إلى آبائهففم للصففلب فمففن جهففل ذلك فيففه ولم تشتهففر‬
‫أنسابهم كان مولى وأخا في الدين وذكر الطبري أن أبا بكرة قرأ هذه الية وقال أنا ممن ل يعرف‬
‫أبوه فأنفا أخوكفم ففي الديفن ومولكفم‪ .‬قال الراوي عنفه‪ :‬ولو علم ‪ -‬وال ‪ -‬أن أباه حمارا لنتمفى إليفه‬
‫ورجال الحديث يقولون في أبي بكرة نفيع بن الحارث‪.‬‬
‫@ روي في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة كلهما قال سمعته أذناي ووعاه قلبي‬
‫محمدا صفلى ال عليفه وسفلم يقول‪( :‬مفن ادعفى إلى غيفر أبيفه وهفو يعلم أنفه غيفر أبيفه فالجنفة عليفه‬
‫حرام)‪ .‬وففي حديفث أبفي ذر أنفه سفمع النفبي صفلى ال عليفه وسفلم يقول ليفس مفن رجفل ادعفى لغيفر‬
‫أبيه وهو يعلمه إل كفر)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الرحام بعضهم أولى‬
‫ببعفض ففي كتاب ال مفن المؤمنيفن والمهاجريفن إل أن تفعلوا إلى أوليائكفم معروففا كان ذلك ففي‬
‫الكتاب مسطورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم" هذه الية أزال ال تعالى بها أحكاما كانت في‬
‫صفدر السفلم؛ منهفا‪ :‬أنفه صفلى ال عليفه وسفلم كان ل يصفلي على ميفت عليفه ديفن‪ ،‬فلمفا فتفح ال‬
‫عليفه الفتوح قال‪( :‬أنفا أولى بالمؤمنيفن مفن أنفسفهم فمفن توففي وعليفه ديفن فعلّي قضاؤه ومفن ترك‬
‫مال فلورثتفه) أخرجفه الصفحيحان‪ .‬وفيهمفا أيضفا (فأيكفم ترك دينفا أو ضياعفا فأنفا موله)‪ .‬قال ابفن‬
‫العربّي‪ :‬فانقلبففت الن الحال بالذنوب‪ ،‬فإن تركوا مال ضويففق العصففبة فيففه‪ ،‬وإن تركوا ضياعففا‬
‫أسلموا إليه؛ فهذا تفسير الولية المذكورة في هذه الية بتفسير النبّي صلى ال عليه وسلم وتنبيهه؛‬
‫(ول عطفر بعفد عروس)‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وقال بعفض العلماء العارفيفن هفو أولى بهفم مفن أنفسفهم؛‬
‫لن أنفسفهم تدعوهفم إلى الهلك‪ ،‬وهفو يدعوهفم إلى النجاة‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬ويؤيفد هذا قوله عليفه‬
‫الصلة والسلم‪( :‬أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا قول حسن في معنى الية وتفسيرها‪ ،‬والحديث الذي ذكر أخرجه مسلم في صحيحه‬
‫عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد‬
‫نارا فجعلت الدواب والفراش يقعفن فيفه وأنفا آخفذ بحجزكفم وأنتفم تقحمون فيفه)‪ .‬وعفن جابر مثله؛‬
‫وقال‪( :‬وأنتففم تفلتون مفن يدي)‪ .‬قال العلماء الحجزة للسففراويل‪ ،‬والمعقففد للزار؛ فإذا أراد الرجففل‬
‫إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه‪ .‬وهذا مثل لجتهاد نبينا عليه الصلة والسلم في‬
‫نجاتنا‪ ،‬وحرصه على تخلصنا من الهلكات التي بين أيدينا؛ فهو أولى بنا من أنفسنا؛ ولجهلنا بقدر‬
‫ذلك وغلبفة شهواتنفا علينفا وظففر عدونفا اللعيفن بناصفرنا أحقفر مفن الفراش وأذل مفن الفراش‪ ،‬ول‬
‫حول ول قوة إل بال العلي العظيم! وقيل‪ :‬أولى بهم أي أنه إذا أمر بشيء ودعت النفس إلى غيره‬
‫كان أمفر النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أولى‪ .‬وقيفل أولى بهفم أي هفو أولى بأن يحكفم على المؤمنيفن‬
‫فينفذ حكمه في أنفسهم؛ أي فيما يحكمون به لنفسهم مما يخالف حكمه‪.‬‬
‫@ قال بعفض أهفل العلم‪ :‬يجفب على المام أن يقضفي مفن بيفت المال ديفن الفقراء اقتداء بالنفبي‬
‫صلى ال عليه وسلم؛ فإنه قد صرح بوجوب ذلك عليه حيث قال‪( :‬فعلّي قضاؤه)‪ .‬والضياع (بفتح‬
‫الضاد) مصفدر ضاع‪ ،‬ثفم جعفل اسفما لكفل مفا هفو بصفدد أن يضيفع مفن عيال وبنيفن ل كاففل لهفم‪،‬‬
‫ومال ل قيم له‪ .‬وسميت الرض ضيعة لنها معرضة للضياع‪ ،‬وتجمع ضياعا بكسر الضاد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأزواجه أمهاتهم" شرف ال تعالى أزواج نبيه صلى ال عليه وسلم بأن جعلهن‬
‫أمهات المؤمنين؛ أي في وجوب التعظيم والمبّرة والجلل وحرمة النكاح على الرجال‪ ،‬وحجبهن‬
‫رضفي ال تعالى عنهفن بخلف المهات‪ .‬وقيفل‪ :‬لمفا كانفت شفقتهفن عليهفم كشفقفة المهات أنزلن‬
‫منزلة المهات‪ ،‬ثم هذه المومة ل توجب ميراثا كأمومة التبني‪ .‬وجاز تزويج بناتهن‪ ،‬ول يجعلن‬
‫أخوات للناس‪ .‬وسفيأتي عدد أزواج النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي آيفة التخييفر إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫واختلف الناس هففل هففن أمهات الرجال والنسففاء أم أمهات الرجال خاصففة؛ على قوليففن‪ :‬فروى‬
‫الشعبّي عفن مسفروق عفن عائشفة رضفي ال عنهفا أن امرأة قالت لهفا‪ :‬يفا أمفة؛ فقالت لهفا‪ :‬لسفت لك‬
‫بأم‪ ،‬إنما أنا أم رجالكم‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهو الصحيح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ل فائدة ففي اختصفاص الحصفر ففي الباحفة للرجال دون النسفاء‪ ،‬والذي يظهفر لي أنهفن‬
‫أمهات الرجال والنسفاء؛ تعظيمفا لحقهفن على الرجال والنسفاء‪ .‬يدل عليفه صفدر اليفة‪" :‬النفبي أولى‬
‫بالمؤمنيفن مفن أنفسفهم"‪ ،‬وهذا يشمفل الرجال والنسفاء ضرورة‪ .‬ويدل على ذلك حديفث أبفي هريرة‬
‫وجابر؛ فيكون قوله‪" :‬وأزواجففه أمهاتهففم" عائدا إلى الجميففع‪ .‬ثففم إن فففي مصففحف أبففي بففن كعففب‬
‫"وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم"‪ .‬وقرأ ابن عباس‪" :‬من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم"‪.‬‬
‫وهذا كله يوهن ما رواه مسروق إن صح من جهة الترجيح‪ ،‬وإن لم يصح فيسقط الستدلل به في‬
‫التخصيص‪ ،‬وبقينا على الصل الذي هو العموم الذي يسبق إلى الفهوم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأولو الرحام بعضهفم أولى ببعفض ففي كتاب ال مفن المؤمنيفن والمهاجريفن"‬
‫قيفل‪ :‬إنفه أراد بالمؤمنيفن النصفار‪ ،‬وبالمهاجريفن قريشفا‪ .‬وفيفه قولن‪ :‬أحدهمفا‪ :‬أنفه ناسفخ للتوارث‬
‫بالهجرة‪ .‬حكى سعيد عن قتادة قال‪ :‬كان نزل في سورة النفال "والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم‬
‫مففن وليتهففم مففن شيففء يهاجروا" [النفال‪ ]72 :‬فتوارث المسففلمون بالهجرة؛ فكان ل يرث‬
‫العرابي المسلم من قريبه المسلم المهاجر شيئا حتى يهاجر‪ ،‬ثم نسخ ذلك في هذه السورة بقوله‪:‬‬
‫"وأولو الرحام بعضهفم أولى ببعفض"‪ .‬الثانفي‪ :‬أن ذلك ناسفخ للتوارث بالحلف والمؤاخاة ففي‬
‫الديفن؛ روى هشام بن عروة عن أبيفه عن الزبيفر‪" :‬وأولو الرحام بعضهفم أولى ببعض ففي كتاب‬
‫ال" وذلك أنفا معشفر قريفش لمفا قدمنفا المدينفة قدمنفا ول أموال لنفا‪ ،‬فوجدنفا النصفار نعفم الخوان‬
‫فآخيناهفم فأورثونفا وأورثناهفم؛ فآخفى أبفو بكفر خارجفة بفن زيفد‪ ،‬وآخيفت أنفا كعفب بفن مالك‪ ،‬فجئت‬
‫فوجدت السلح قد أثقله؛ فوال لقد مات عن الدنيا ما ورثه غيري‪ ،‬حتى أنزل ال تعالى هذه الية‬
‫فرجعنفا إلى موارثنفا‪ .‬وثبفت عفن عروة أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم آخفى بيفن الزبيفر وبيفن‬
‫كعفب بفن مالك‪ ،‬فارتفث كعفب يوم أحفد فجاء الزبيفر يقوده بزمام راحلتفه؛ فلو مات يومئذ كعفب عفن‬
‫الضففح والريففح لورثففه الزبيففر‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬وأولو الرحام بعضهففم أولى ببعففض فففي كتاب‬
‫ال"‪ .‬ففبين ال تعالى أن القرابفة أولى مفن الحلف‪ ،‬فتركفت الوراثفة بالحلف وورثوا بالقرابفة‪ .‬وقفد‬
‫مضففى فففي "النفال" الكلم فففي توريففث ذوي الرحام‪ .‬وقوله‪" :‬فففي كتاب ال" يحتمففل أن يريففد‬
‫القرآن‪ ،‬ويحتمفل أن يريفد اللوح المحفوظ الذي قضفى فيفه أحوال خلقفه‪ .‬و"مفن المؤمنيفن" متعلق بفف‬
‫"أولى" ل بقوله‪" :‬وأولو الرحام" بالجماع؛ لن ذلك كان يوجفب تخصفيصا ببعفض المؤمنيفن‪،‬‬
‫ول خلف ففي عمومهفا‪ ،‬وهذا حفل إشكالهفا؛ قاله ابفن العربفي‪ .‬النحاس‪" :‬وأولو الرحام بعضهفم‬
‫أولى ببعفض ففي كتاب ال مفن المؤمنيفن والمهاجريفن" يجوز أن يتعلق "من المؤمنيفن" بفف "أولو "‬
‫فيكون التقديففر‪ :‬وأولو الرحام مففن المؤمنيففن والمهاجريففن‪ .‬ويجوز أن يكون المعنففى أولى مففن‬
‫المؤمنين‪ .‬وقال المهدوي‪ :‬وقيل إن معناه‪ :‬وأولو الرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب ال إل ما‬
‫يجوز لزواج النبي صلى ال عليه وسلم أن يدعين أمهات المؤمنين‪ .‬وال تعالى أعلم‪.‬‬
‫@ واختلف في كونهن كالمهات في المحرم وإباحة النظر؛ على وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬هن محرم‪ ،‬ل‬
‫يحرم النظر إليهن‪ .‬الثاني‪ :‬أن النظر إليهن محرم‪ ،‬لن تحريم نكاحهن إنما كان حفظا لحق رسول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم فيهفن‪ ،‬وكان مفن حففظ حقفه تحريفم النظفر إليهفن؛ ولن عائشفة رضفي ال‬
‫عنهفا كانفت إذا أرادت دخول رجفل عليهفا أمرت أختهفا أسفماء أن ترضعفه ليصفير ابنفا لختهفا مفن‬
‫الرضاعة‪ ،‬فيصير محرما يستبيح النظر‪ .‬وأما اللتي طلقهّن رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫حياته فقد اختلف في ثبوت هذه الحرمة لهن على ثلثة أوجه‪ :‬أحدها‪ :‬ثبتت لهن هذه الحرمة تغليبا‬
‫لحرمة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬الثاني‪ :‬ل يثبت لهن ذلك‪ ،‬بل هن كسائر النساء؛ لن النبي‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم قفد أثبفت عصفمتهن‪ ،‬وقال‪( :‬أزواجفي ففي الدنيفا هفن أزواجفي ففي الخرة)‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬من دخل بها رسول ال صلى ال عليه وسلم منهن ثبتت حرمتها وحرم نكاحها وإن طلقها؛‬
‫حفظفا لحرمتفه وحراسفة لخلوتفه‪ .‬ومفن لم يدخفل بهفا لم تثبفت لهفا هذه الحرمفة؛ وقفد هفم عمفر بفن‬
‫الخطاب رضي ال تعالى عنه برجم امرأة فارقها رسول ال صلى ال عليه وسلم فتزوجت فقالت‪:‬‬
‫لم هذا! وما ضرب علّي رسول ال صلى ال عليه وسلم حجابا ول سميت أم المؤمنين؛ فكّف عنها‬
‫عمر رضي ال عنه‪.‬‬
‫@ قال قوم‪ :‬ل يجوز أن يسمى النبي صلى ال عليه وسلم أبا لقوله تعالى‪" :‬ما كان محمد أبا أحد‬
‫مفن رجالكفم" [الحزاب‪ .]40 :‬ولكفن يقال‪ :‬مثفل الب للمؤمنيفن؛ كمفا قال‪( :‬إنمفا أنفا لكفم بمنزلة‬
‫الوالد أعلمكم‪ )...‬الحديث‪ .‬خرجه أبو داود‪ .‬والصحيح أنه يجوز أن يقال‪ :‬إنه أب للمؤمنين‪ ،‬أي في‬
‫الحرمفة‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬مففا كان محمففد أبفا أحففد مففن رجالكففم" [الحزاب‪ ]40 :‬أي فففي النسففب‪.‬‬
‫وسفيأتي‪ .‬وقرأ ابن عباس‪" :‬من أنفسفهم وهو أب لهم وأزواجفه"‪ .‬وسمع عمر هذه القراءة فأنكرهفا‬
‫وقال‪ :‬حكمها يا غلم؟ فقال‪ :‬إنها في مصحف أبي؛ فذهب إليه فسأله فقال له أبي‪ :‬إنه كان يلهيني‬
‫القرآن ويلهيك الصفق بالسواق؟ وأغلظ لعمر‪ .‬وقد قيل في قول لوط عليه السلم "هؤلء بناتي"‬
‫[الحجر‪ :]71 :‬إنما أراد المؤمنات؛ أي تزوجوهن‪ .‬وقد تقّدم‪.‬‬
‫قال قوم‪ :‬ل يقال بناتفه أخوات المؤمنيفن‪ ،‬ول أخوالهفن أخوال المؤمنيفن وخالتهفم‪ .‬قال الشافعّي‬
‫رضي ال عنه‪ :‬تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر الصديق وهي أخت عائشة‪ ،‬ولم يقل هي خالة‬
‫المؤمنين‪ .‬وأطلق قوم هذا وقالوا‪ :‬معاوية خال المؤمنين؛ يعني في الحرمة ل في النسب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل أن تفعلوا إلى أوليائكفم معروففا" يريفد الحسفان ففي الحياة‪ ،‬والوصفية عنفد‬
‫الموت؛ أي إن ذلك جائز؛ قاله قتادة والحسففن وعطاء‪ .‬وقال محمففد ابففن الحنفيففة‪ ،‬نزلت فففي إجازة‬
‫الوصية لليهودّي والنصرانّي؛ أي يفعل هذا مع الولّي والقريب وإن كان كافرا؛ فالمشرك ولّي في‬
‫النسفب ل ففي الديفن فيوصفى له بوصفية‪ .‬واختلف العلماء هفل يجعفل الكاففر وصفيا؛ فجوز بعفض‬
‫ومنع بعض‪ .‬ورد النظفر إلى السلطان ففي ذلك بعض؛ منهفم مالك رحمه ال تعالى‪ .‬وذهب مجاهفد‬
‫وابفن زيفد والرمانفي إلى أن المعنفى‪ :‬إلى أوليائكفم مفن المؤمنيفن‪ .‬ولففظ اليفة يعضفد هذا المذهفب‪،‬‬
‫وتعميفم الولّي أيضفا حسفن‪ .‬ووليفة النسفب ل تدففع الكاففر‪ ،‬وإنمفا تدففع أن يلقفى إليفه بالمودة كولّي‬
‫السفلم‪" .‬كان ذلك ففي الكتاب مسفطورا" "الكتاب" يحتمفل الوجهيفن المذكوريفن المتقدميفن فففي‬
‫"كتاب ال"‪ .‬و"مسطورا" من قولك سطرت الكتاب إذا أثبته أسطارا‪ .‬وقال قتادة‪ :‬أي مكتوبا عند‬
‫ال عز وجل أل يرث كافر مسلما‪ .‬قال قتادة‪ :‬وفي بعض القراءة "كان ذلك عند ال مكتوبا"‪ .‬وقال‬
‫القرظّي‪ :‬كان ذلك في التوراة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم‬
‫وأخذنا منهم ميثاقا غليظا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ أخذنفا مفن النفبيين ميثاقهفم" أي عهدهفم على الوفاء بمفا حملوا‪ ،‬وأن يبشفر‬
‫بعضهم ببعض‪ ،‬ويصدق بعضهم بعضا؛ أي كان مسطورا حين كتب ال ما هو كائن‪ ،‬وحين أخذ‬
‫ال تعالى المواثيق من النبياء‪" .‬ومنك" يا محمد "ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم"‬
‫وإنما خص هؤلء الخمسة وإن دخلوا في زمرة النبيين تفضيل لهم‪ .‬وقيل‪ :‬لنهم أصحاب الشرائع‬
‫والكتفب‪ ،‬وأولو العزم مفن الرسفل وأئمفة المفم‪ .‬ويحتمفل أن يكون هذا تعظيمفا ففي قطفع الوليفة بيفن‬
‫المسففلمين والكافريففن؛ أي هذا ممففا لم تختلف فيففه الشرائع‪ ،‬أي شرائع النففبياء عليهففم الصففلة‬
‫والسفلم‪ .‬أي كان ففي ابتداء السفلم توارث بالهجرة‪ ،‬والهجرة سفبب متأكفد ففي الديانفة‪ ،‬ثفم توارثوا‬
‫بالقرابفة مفع اليمان وهفو سفبب وكيفد؛ فأمفا التوارث بيفن مؤمفن وكاففر فلم يكفن ففي ديفن أحفد مفن‬
‫النفبياء الذيفن أخفذ عليهفم المواثيفق؛ فل تداهنوا ففي الديفن ول تمالئوا الكفار‪ .‬ونظيره‪" :‬شرع لكفم‬
‫من الدين ما وصى به نوحا" إلى قوله "ول تتفرقوا فيه" [الشورى‪ .]13 :‬ومن ترك التفرق في‬
‫الدين ترك موالة الكفار‪ .‬وقيل‪ :‬أي النبّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كان ذلك في الكتاب مسطورا‬
‫ومأخوذا بفه المواثيفق مفن النفبياء‪" .‬وأخذنفا منهفم ميثاقفا غليظفا" أي عهدا وثيقفا عظيمفا على الوفاء‬
‫بما التزموا من تبليغ الرسالة‪،‬وأن يصدق بعضهم بعضا‪ .‬والميثاق هو اليمين بال تعالى؛ فالميثاق‬
‫الثانفي تأكيفد للميثاق الول باليميفن‪ .‬وقيفل‪ :‬الول هفو القرار بال تعالى‪ ،‬والثانفي ففي أمفر النبوة‪.‬‬
‫ونظيفر هذا قوله تعالى‪" :‬وإذ أخفذ ال ميثاق النفبيين لمفا آتيتكفم مفن كتاب وحكمفة ثفم جاءكفم رسفول‬
‫مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري" [آل عمران‪]81 :‬‬
‫اليفة‪ .‬أي أخفذ عليهفم أن يعلنوا أن محمدا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬ويعلن محمفد صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم أن ل نبّي بعده‪ .‬وقّدم محمدا ففي الذكفر لمفا روى قتادة عفن الحسفن عفن أبفي هريرة أن‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم سفئل عفن قوله تعالى "وإذ أخذنفا مفن النفبيين ميثاقهفم ومنفك ومفن‬
‫نوح" قال‪( :‬كنففت أولهففم فففي الخلق وآخرهففم فففي البعففث)‪ .‬وقال مجاهففد‪ :‬هذا فففي ظهففر آدم عليففه‬
‫الصلة والسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليسأل الصادقين عن صدقهم" فيه أربعة أوجه‪ :‬أحدها‪ :‬ليسأل النبياء عن تبليغهم‬
‫الرسفالة إلى قومهفم؛ حكاه النقاش‪ .‬وففي هذا تنفبيه؛ أي إذا كان النفبياء يسفألون فكيفف مفن سفواهم‪.‬‬
‫الثانفي‪ :‬ليسفأل النفبياء عمفا أجابهفم بفه قومهفم؛ حكاه علّي بفن عيسفى‪ .‬الثالث‪ :‬ليسفأل النفبياء عليهفم‬
‫السفلم عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم؛ حكاه ابفن شجرة‪ .‬الرابفع‪ :‬ليسفأل الفواه الصفادقة عن‬
‫القلوب المخلصفة‪ ،‬وففي التنزيفل‪" :‬فلنسفألن الذيفن أرسفل إليهفم ولنسفألن المرسفلين" [العراف‪.]6 :‬‬
‫وقفد تقّدم‪ .‬وقيفل‪ :‬فائدة سفؤالهم توبيفخ الكفار؛ كمفا قال تعالى‪" :‬أأنفت قلت للناس" [المائدة‪.]116 :‬‬
‫"وأعد للكافرين عذابا أليما" وهو عذاب جهنم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 9 :‬يفا أيهفا الذيفن آمنوا اذكروا نعمفة ال عليكفم إذ جاءتكفم جنود فأرسفلنا عليهفم ريحفا‬
‫وجنودا لم تروها وكان ال بما تعملون بصيرا}‬
‫@ يعني غزوة الخندق والحزاب وبني قريظة‪ ،‬وكانت حال شديدة معقبة بنعمة ورخاء وغبطة‪،‬‬
‫وتضمنفت أحكامفا كثيرة وآيات باهرات عزيزة‪ ،‬ونحن نذكفر مفن ذلك بعون ال تعالى مفا يكففي ففي‬
‫عشر مسائل‪.‬‬
‫@ الولى‪ :‬اختلف في أي سنة كانت؛ فقال ابن إسحاق‪ :‬كانت في شوال من السنة الخامسة‪ .‬وقال‬
‫ابن وهب وابن القاسم عن مالك رحمه ال‪ :‬كانت وقعة الخندق سنة أربع‪ ،‬وهي وبنو قريظة في‬
‫يوم واحد‪ ،‬وبين بني قريظة والنضير أربع سنين‪ .‬قال ابن وهب وسمعت مالكا يقول‪ :‬أمر رسول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم بالقتال مفن المدينفة‪ ،‬وذلك قوله تعالى‪" :‬إذ جاؤوكفم مفن فوقكفم ومفن أسففل‬
‫منكففم وإذ زاغففت البصففار وبلغففت القلوب الحناجففر" [الحزاب‪ .]10 :‬قال‪ :‬ذلك يوم الخندق‪،‬‬
‫جاءت قريش من ها هنا واليهود من ها هنا والنجدية من ها هنا‪ .‬يريد مالك‪ :‬إن الذين جاؤوا من‬
‫فوقهم بنو قريظة‪ ،‬ومن أسفل منهم قريش وغطفان‪ .‬وكان سببها‪ :‬أن نفرا من اليهود منهم كنانة بن‬
‫الربيع بن أبي الحقيق وسلم بن أبي الحقيق وسلم بن مشكم وحيّي بن أخطب النضريون وهوذة‬
‫بفن قيفس وأبفو عمار مفن بنفي وائل‪ ،‬وهفم كلهفم يهود‪ ،‬هفم الذيفن حزبوا الحزاب وألبوا وجمعوا‪،‬‬
‫خرجوا ففي نففر مفن بنفي النضيفر ونففر مفن بنفي وائل فأتوا مكفة فدعوا إلى حرب رسفول ال صفلى‬
‫ال عليفه وسفلم‪ ،‬وواعدوهفم مفن أنفسفهم بعون مفن انتدب إلى ذلك؛ فأجابهفم أهفل مكفة إلى ذلك‪ ،‬ثفم‬
‫خرج اليهود المذكورون إلى غطفان فدعوهفم إلى مثفل ذلك فأجابوهفم؛ فخرجفت قريش يقودهفم أبو‬
‫سففيان بفن حرب‪ ،‬وخرجفت غطفان وقائدهفم عيينفة بفن حصفن بفن حذيففة بفن بدر الفزاري على‬
‫فزارة‪ ،‬والحارث بففن عوف المري على بنففي مرة‪ ،‬ومسففعود بففن رخيلة على أشجففع‪ .‬فلمففا سففمع‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم باجتماعهفم وخروجهفم شاور أصفحابه‪ ،‬فأشار عليفه سفلمان بحففر‬
‫الخندق فرضي رأيه‪ .‬وقال المهاجرون يومئذ‪ :‬سلمان منا‪ .‬وقال النصار‪ :‬سلمان منا! فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬سلمان منا أهل البيت)‪ .‬وكان الخندق أول مشهد شهده سلمان مع رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وهو يومئذ حر‪ .‬فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا؛‬
‫فعمفل المسفلمون ففي الخندق مجتهديفن‪ ،‬ونكفص المنافقون وجعلوا يتسفللون لو إذا فنزلت فيهفم آيات‬
‫من القرآن ذكرها ابن إسحاق وغيره‪ .‬وكان من فرغ من المسلمين من حصته عاد إلى غيره‪ ،‬حتى‬
‫كمل الخندق‪ .‬وكانت فيه آيات بينات وعلمات للنبوات‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ففي هذا الذي ذكرناه من هذا الخبر من الفقه وهي‪:‬‬
‫@ الثانية‪ :‬مشاورة السلطان أصحابه وخاصته ففي أمر القتال؛ وقد مضى ذلك في "آل عمران‪،‬‬
‫والنمفل"‪ .‬وفيفه التحصفن مفن العدو بمفا أمكفن مفن السفباب واسفتعمالها؛ وقفد مضفى ذلك ففي غيفر‬
‫موضففع‪ .‬وفيففه أن حفففر الخندق يكون مقسففوما على الناس؛ فمففن فرغ منهففم عاون مففن لم يفرغ‪،‬‬
‫فالمسففلمون يففد على مففن سففواهم؛ وفففي البخاري ومسففلم عففن البراء بففن عازب قال‪ :‬لمففا كان يوم‬
‫الحزاب وخندق رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم رأيتفه ينقفل مفن تراب الخندق وارى عنفي الغبار‬
‫جلدة بطنه‪ ،‬وكان كثير الشعر‪ ،‬فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة ويقول‪:‬‬
‫ول تصدقنا ول صلينفا‬ ‫اللهم لول أنت ما اهتدينا‬
‫وثبت القدام إن لقينا‬ ‫فأنزلن سكينة علينا‬
‫وأما ما كان فيه من اليات وهي‪:‬‬
‫@ الثالثة‪ :‬فروى النسائي عن أبي سكينة رجل من المحررين عن رجل من أصحاب رسول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم قال‪ :‬لمفا أمفر رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بحففر الخندق عرضفت لهفم‬
‫صخرة حالت بينهم وبين الحفر‪ ،‬فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم وأخذ المعول ووضع رداءه‬
‫ناحيفة الخندق وقال‪" :‬وتمت كلمفة ربك صفدقا" [النعام‪ ]115 :‬الية؛ فندر ثلث الحجفر وسفلمان‬
‫الفارسفي قائم ينظفر‪ ،‬ففبرق مفع ضربفة رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم برقفة‪ ،‬ثفم ضرب الثانيفة‬
‫وقال‪" :‬وتمت" [النعام‪ ]115 :‬اليفة؛ فندر الثلث الخفر؛ فبرقت برقفة فرآهفا سفلمان‪ ،‬ثم ضرب‬
‫الثالثة وقال‪" :‬وتمت كلمة ربك صدقا" الية؛ فندر الثلث الباقي‪ ،‬وخرج رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسفلم فأخفذ رداءه وجلس‪ .‬قال سفلمان‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬رأيتفك حيفن ضربفت! مفا تضرب ضربفة إل‬
‫كانت معها برقة؟ قال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬رأيت ذلك يا سلمان)؟ فقال‪ :‬أي والذي‬
‫بعثك بالحق يا رسول ال! قال‪( :‬فإني حين ضربت الضربة الولى رفعت لي مدائن كسرى وما‬
‫حولهفا ومدائن كثيرة حتفى رأيتهفا بعينفي ‪ -‬قال له مفن حضره مفن أصفحابه‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬ادع ال‬
‫أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ويخرب بأيدينا بلدهم؛ فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ثم‬
‫ضربفت الضربفة الثانيفة فرفعفت لي مدائن قيصفر ومفا حولهفا حتفى رأيتهفا بعينفي ‪ -‬قالوا‪ :‬يفا رسفول‬
‫ال‪ ،‬ادع ال تعالى أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ويخرب بأيدينا بلدهم؛ فدعا رسول ال صلى‬
‫ال عليفه وسفلم ‪ -‬ثفم ضرب الضربفة الثالثفة فرفعفت لي مدائن الحبشفة ومفا حولهفا مفن القرى حتفى‬
‫رأيتهفا بعينفي ‪ -‬قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم عنفد ذلك‪ :‬دعوا الحبشفة مفا ودعوكفم واتركوا‬
‫الترك مفا تركوكفم)‪ .‬وخرجفه أيضفا عفن البراء قال‪ :‬لمفا أمرنفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أن‬
‫نحففر الخندق عرض لنفا صفخرة ل تأخفذ فيهفا المعاول‪ ،‬فاشتكينفا ذلك لرسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم؛ فجاء رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فألقفى ثوبفه وأخفذ المعول وقال‪( :‬باسفم ال) فضرب‬
‫ضربة فكسر ثلث الصخرة ثم قال‪( :‬ال أكبر أعطيت مفاتيح الشام وال إني لبصر إلى قصورها‬
‫الحمراء الن من مكاني هذا) قال‪ :‬ثم ضرب أخرى وقال‪( :‬باسم ال) فكسر ثلثا آخر ثم قال‪( :‬ال‬
‫أكبر أعطيت مفاتيح فارس وال إني لبصر قصر المدائن البيض)‪ .‬ثم ضرب الثالثة وقال‪( :‬باسم‬
‫ال) فقطفع الحجفر وقال‪( :‬ال أكفبر أعطيفت مفاتيفح اليمفن وال إنفي لبصفر باب صفنعاء)‪ .‬صفححه‬
‫أبو محمد عبدالحق‪.‬‬
‫@ الرابعفة‪ :‬فلمفا فرغ رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم مفن حففر الخندق أقبلت قريفش ففي نحفو‬
‫عشرة آلف بمن معهم من كنانة وأهل تهامة‪ ،‬وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد حتى نزلوا‬
‫إلى جانفب أحفد‪ ،‬وخرج رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم والمسفلمون حتفى نزلوا بظهفر سفلع ففي‬
‫ثلثففة آلف وضربوا عسففكرهم والخندق بينهففم وبيففن المشركيففن‪ ،‬واسففتعمل على المدينففة ابففن أم‬
‫مكتوم ‪ -‬ففي قول ابفن شهاب ‪ -‬وخرج عدو ال حيّي بفن أخطفب النضري حتفى أتفى كعفب بفن أسفد‬
‫القرظي‪ ،‬وكان صاحب عقد بني قريظة ورئيسهم‪ ،‬وكان قد وادع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وعاهده؛ فلما سمع كعب بن أسد حيي بن أخطب أغلق دونه باب حصنه وأبى أن يفتح له؛ فقال له‪:‬‬
‫افتففح لي يففا أخففي؛ فقال له‪ :‬ل أفتففح لك‪ ،‬فإنففك رجففل مشؤوم‪ ،‬تدعونففي إلى خلف محمففد وأنففا قففد‬
‫عاقدتفه وعاهدتفه‪ ،‬ولم أر منفه إل وفاء وصفدقا‪ ،‬فلسفت بناقفض مفا بينفي وبينفه‪ .‬فقال حيّي‪ :‬افتفح لي‬
‫حتفى أكلمفك وأنصفرف عنفك؛ فقال‪ :‬ل أفعفل؛ فقال‪ :‬إنمفا تخاف أن آكفل معفك جشيشتفك؛ فغضفب‬
‫كعب وفتح له؛ فقال‪ :‬يا كعب! إنما جئتك بعّز الدهر‪ ،‬جئتك بقريش وسادتها‪ ،‬وغطفان وقادتها؛ قد‬
‫تعاقدوا على أن يستأصلوا محمدا ومن معه؛ فقال له كعب‪ :‬جئتني وال بذل الدهر وبجهام ل غيث‬
‫فيفه! ويحفك يفا حيّي؟ دعنفي فلسفت بفاعفل مفا تدعونفي إليفه؛ فلم يزل حيّي بكعفب يعده ويغره حتفى‬
‫رجع إليه وعاقده على خذلن محمد صلى ال عليه وسلم وأصحابه وأن يسير معهم‪ ،‬وقال له حيّي‬
‫بن أخطب‪ :‬إن انصرفت قريش وغطفان دخلت عندك بمن معي من اليهود‪ .‬فلما انتهى خبر كعب‬
‫وحيّي إلى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بعفث سفعد بفن عبادة وهفو سفيد الخزرج‪ ،‬وسفيد الوس سفعد‬
‫بفن معاذ‪ ،‬وبعفث معهمفا عبدال بفن رواحفة وخوات بفن جفبير‪ ،‬وقال لهفم رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسلم‪( :‬انطلقوا إلى بني قريظة فإن كان ما قيل لنا حقا فالحنوا لنا لحنا ول تفتوا في أعضاد الناس‪.‬‬
‫وإن كان كذبفا فاجهروا بفه للناس) فانطلقوا حتفى أتوهفم فوجدوهفم على أخبفث مفا قيفل لهفم عنهفم‪،‬‬
‫ونالوا مففن رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم وقالوا‪ :‬ل عهففد له عندنففا؛ فشاتمهففم سففعد بففن معاذ‬
‫وشاتموه؛ وكانت فيه حّدة فقال له سعد بن عبادة‪ :‬دع عنك مشاتمتهم‪ ،‬فالذي بيننا وبينهم أكثر من‬
‫ذلك‪ ،‬ثفم أقبفل سفعد وسفعد حتفى أتيفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي جماعفة المسفلمين فقال‪:‬‬
‫عضفل والقارة ‪ -‬يعرضان بغدر عضفل والقارة بأصفحاب الرجيفع خفبيب وأصفحابه ‪ -‬فقال النبّي‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم‪( .‬أبشروا يفا معشفر المسفلمين) وعظفم عنفد ذلك البلء واشتفد الخوف‪ ،‬وأتفى‬
‫المسفلمين عدوهفم مفن فوقهفم؛ يعنفي مفن فوق الوادي مفن قبفل المشرق‪ ،‬ومفن أسففل منهفم مفن بطفن‬
‫الوادي مففن قبففل المغرب‪ ،‬حتففى ظنوا بال الظنونففا؛ وأظهففر المنافقون كثيرا ممففا كانوا يسففرون‪،‬‬
‫فمنهم من قال‪ :‬إن بيوتنا عورة‪ ،‬فلننصرف إليها‪ ،‬فإنا نخاف عليها‪.‬‬
‫وممفن قال ذلك‪ :‬أوس بفن قيظفي‪ .‬ومنهفم مفن قال‪ :‬يعدنفا محمفد أن يفتفح كنوز كسفرى وقيصفر‪،‬‬
‫وأحدنا اليوم ل يأمن على نفسه يذهب إلى الغائط! وممن قال‪ :‬معتب ابن قشير أحد بني عمرو بن‬
‫عوف‪ .‬فأقام رسول ال صلى ال عليه وسلم وأقام المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر‬
‫لم يكن بينهم حرب إل الرمي بالنبل والحصى‪ .‬فلما رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه اشتد‬
‫على المسفلمين البلء بعفث إلى عيينفة بفن حصفن الفزاري‪ ،‬وإلى الحارث بفن عوف المري‪ ،‬وهمفا‬
‫قائدا غطفان‪ ،‬فأعطاهما ثلث ثمار المدينة لينصرفا بمن معهما من غطفان ويخذلن قريشا ويرجعا‬
‫بقومهمفا عنهفم‪ .‬وكانفت هذه المقالة مراوضفة ولم تكفن عقدا؛ فلمفا رأى رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسلم منهما أنهما قد أنابا ورضيفا أتى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر ذلك لهما واستشارهما‬
‫فقال‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬هذا أمفر تحبفه فنصفنعه لك‪ ،‬أو شيفء أمرك ال بفه فنسفمع له ونطيفع‪ ،‬أو أمفر‬
‫تصنعه لنا؟ قال‪( :‬بل أمر أصنعه لكم‪ ،‬وال ما أصنعه إل أني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس‬
‫واحدة) فقال له سففعد بففن معاذ‪ :‬يففا رسففول ال‪ ،‬وال لقففد كنففا نحففن وهؤلء القوم على الشرك بال‬
‫وعبادة الوثان‪ ،‬ل نعبد ال ول نعرفه‪ ،‬وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة إل شراء أو قرى‪ ،‬فحين‬
‫أكرمنا ال بالسلم وهدانا له وأعزنا بك نعطيهم أموالنا! وال ل نعطيهم إل السيف حتى يحكم ال‬
‫بيننففا وبينهففم!! فسففر رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم بذلك وقال‪( :‬أنتففم وذاك)‪ .‬وقال لعيينففة‬
‫والحارث‪( :‬انصرفا فليس لكما عندنا إل السيف)‪ .‬وتناول سعد الصحيفة وليس فيها شهادة فمحاها‪.‬‬
‫@ الخامسففة‪ :‬فأقام رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم والمسففلمون على حالهففم‪ ،‬والمشركون‬
‫يحاصفرونهم ول قتال بينهفم؛ إل أن فوارس مفن قريفش منهفم عمرو بفن عبفد ود العامري مفن بنفي‬
‫عامفر بفن لؤي‪ ،‬وعكرمفة بفن أبفي جهفل‪ ،‬وهفبيرة بفن أبفي وهفب‪ ،‬وضرار بفن الخطاب الفهري‪،‬‬
‫وكانوا فرسفان قريفش وشجعانهفم‪ ،‬أقبلوا حتفى وقفوا على الخندق‪ ،‬فلمفا رأوه قالوا‪ :‬إن هذه لمكيدة‪،‬‬
‫مففا كانففت العرب تكيدهففا‪ .‬ثففم تيمموا مكانففا ضيقففا مففن الخندق‪ ،‬فضربوا خيلهففم فاقتحمففت بهففم‪،‬‬
‫وجاوزوا الخندق وصففاروا بيففن الخندق وبيففن سففلع‪ ،‬وخرج علي بففن أبففي طالب فففي نفففر مففن‬
‫المسفلمين حتفى أخذوا عليهفم الثغرة التفي اقتحموا منهفا‪ ،‬وأقبلت الفرسفان نحوهفم‪ ،‬وكان عمرو بفن‬
‫عبفد ود أثبتتفه الجراح يوم بدر فلم يشهفد أحدا‪ ،‬وأراد يوم الخندق أن يرى مكانفه‪ ،‬فلمفا وقفف هفو‬
‫وخيله؛ نادى‪ :‬مفن يبارز؟ ففبرز له علّي بفن أبففي طالب وقال له‪ :‬يففا عمرو‪ ،‬إنففك عاهدت ال فيمفا‬
‫بلغنففا أنففك ل تدعففى إلى إحدى خلتيففن إل أخذت إحداهمففا؟ قال نعففم‪ .‬قال‪ :‬فإنففي أدعوك إلى ال‬
‫والسفلم‪ .‬قال‪ :‬ل حاجفة لي بذلك‪ .‬قال‪ :‬فأدعوك إلى البراز‪ .‬قال‪ :‬يفا ابفن أخفي‪ ،‬وال مفا أحفب أن‬
‫أقتلك لمفا كان بينفي وبيفن أبيفك‪ .‬فقال له علّي‪ :‬أنفا وال أحفب أن أقتلك‪ .‬فحمفي عمرو بفن عبفد ود‬
‫ونزل عفن فرسفه‪ ،‬فعقره وصفار نحفو علّي‪ ،‬فتنازل وتجاول وثار النقفع بينهمفا حتفى حال دونهمفا‪،‬‬
‫فما انجلى النقع حتى رئي علّي على صدر عمرو يقطع رأسه‪ ،‬فلما رأى أصحابه أنه قد قتله علّي‬
‫اقتحموا بخيلهم الثغرة منهزمين هاربين‪ .‬وقال علّي رضي ال عنه في ذلك‪:‬‬
‫ونصرت دين محمد بضراب‬ ‫نصر الحجارة من سفاهة رأيه‬
‫كالجذع بين دكادك وروابي‬ ‫نازلته فتركته متجدل‬
‫كنت المقطر بزني أثوابي‬ ‫وعففت عن أثواب ولو أنني‬
‫ونبيه يا معشر الحزاب‬ ‫ل تحسبن ال خاذل دينه‬
‫قال ابن هشام‪ :‬أكثر أهل العلم بالسير يشك فيها لعلّي‪ .‬قال ابن هشام‪ :‬وألقى عكرمة بن أبي جهل‬
‫رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو؛ فقال حسان بن ثابت في ذلك‪:‬‬
‫لعلك عكرم لم تفعل‬ ‫فر وألقى لنا رمحه‬
‫ما إن تجور عن المعدل‬ ‫ووليت تعدو كعدو الظليم‬
‫ولم تلق ظهرك مستأنسا كأن قفاك قفا فرعل‬
‫قال ابن هشام‪ :‬فرعفل صغير الضباع‪ .‬وكانفت عائشة رضي ال عنها ففي حصفن بني حارثفة‪ ،‬وأم‬
‫سعد بن معاذ معها‪ ،‬وعلى سعد درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه‪ ،‬وفي يده حربته وهو يقول‪:‬‬
‫ل بأس بالموت إذا كان الجل‬ ‫لبث قليل يلحق الهيجا جمل‬
‫ورمي يومئذ سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الكحل‪ .‬واختلف فيمن رماه؛ فقيل‪ :‬رماه حبان بن قيس‬
‫ابن العرقة‪ ،‬أحد بني عامر بن لؤي‪ ،‬فلما أصابه قال له‪ :‬خذها وأنا ابن العرقة‪ .‬فقال له سعد‪ :‬عّرق‬
‫ال وجهفك ففي النار‪ .‬وقيفل‪ :‬إن الذي رماه خفاجفة بفن عاصفم بفن حبان‪ .‬وقيفل‪ :‬بفل الذي رماه أبفو‬
‫أسامة الجشمّي‪ ،‬حليف بني مخزوم‪ .‬ولحسان مع صفية بنت عبدالمطلب خبر طريف يومئذ؛ ذكره‬
‫ابفن إسفحاق وغيره‪ .‬قالت صففية بنفت عبدالمطلب رضفي ال عنهفا‪ :‬كنفا يوم الحزاب ففي حصفن‬
‫حسفان بفن ثابفت‪ ،‬وحسفان معنفا ففي النسفاء والصفبيان‪ ،‬والنفبي صفلى ال عليفه وسفلم وأصفحابه ففي‬
‫نحر العدّو ل يستطيعون النصراف إلينا‪ ،‬فإذا يهودي يدور‪ ،‬فقلت لحسان‪ :‬انزل إليه فاقتله؛ فقال‪:‬‬
‫ما أنا بصاحب هذا يا ابنة عبدالمطلب! فأخذت عمودا ونزلت من الحصن فقتلته‪ ،‬فقلت‪ :‬يا حسان‪،‬‬
‫انزل فاسلبه‪ ،‬فلم يمنعني من سلبه إل أنه رجل‪ .‬فقال‪ :‬ما لي بسلبه حاجة يا ابنة عبدالمطلب! قال‪:‬‬
‫فنزلت فسلبته‪ .‬قال أبو عمر بن عبدالبر‪ :‬وقد أنكر هذا عن حسان جماعة من أهل السير وقالوا‪ :‬لو‬
‫كان في حسان من الجبن ما وصفتم لهجاه بذلك الذين كان يهاجيهم في الجاهلية والسلم‪ ،‬ولهجي‬
‫بذلك ابنه عبدالرحمن؛ فإنه كان كثيرا ما يهاجي الناس من شعراء العرب؛ مثل النجاشي وغيره‪.‬‬
‫@ السفادسة‪ :‬وأتفى رسفول ال صفلى ال عليه وسفلم نعيفم بفن مسفعود بن عامفر الشجعّي فقال‪ :‬يفا‬
‫رسول ال‪ ،‬إني قد أسلمت ولم يعلم قومي بإسلمي‪ ،‬فمرني بما شئت؛ فقال له رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬إنما أنت رجل واحد من غطفان فلو خرجت فخذلت عنا إن استطعت كان أحب إلينا‬
‫مفن بقائك معنفا فأخرج فإن الحرب خدعفة)‪ .‬فخرج نعيفم بفن مسفعود حتفى أتفى بنفي قريظفة ‪ -‬وكان‬
‫ينادمهم في الجاهلية ‪ -‬فقال‪ :‬يا بني قريظة‪ ،‬قد عرفتم ودي إياكم‪ ،‬وخاصة ما بيني وبينكم؛ قالوا‪:‬‬
‫قل فلست عندنا بمتهم؛ فقال لهم‪ :‬إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم‪ ،‬البلد بلدكم‪ ،‬فيه أموالكم وأبناؤكم‬
‫ونساؤكم‪ ،‬وإن قريشا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه‪ ،‬وقد ظاهرتموهم عليه فإن رأوا‬
‫نهزة أصابوها‪ ،‬وإن كان غير ذلك لحقوا ببلدهم وخلوا بينكم وبين الرجل‪ ،‬ول طاقة لكم به‪ ،‬فل‬
‫تقاتلوا مفع القوم حتفى تأخذوا منهفم رهنفا‪ .‬ثفم خرج حتفى أتفى قريشفا فقال لهفم‪ :‬قفد عرفتفم ودي لكفم‬
‫معشفر قريفش‪ ،‬وفراقفي محمدا‪ ،‬وقفد بلغنفي أمفر أرى مفن الحفق أن أبلغكموه ونصفحا لكفم‪ ،‬فاكتموا‬
‫علّي؛ قالوا نفعفل؛ قال‪ :‬تعلمون أن معشفر يهود‪ ،‬قفد ندموا على مفا كان مفن خذلنهفم محمدا‪ ،‬وقفد‬
‫أرسفلوا إليفه‪ :‬إنفا قفد ندمنفا على مفا فعلنفا‪ ،‬فهفل يرضيفك أن نأخفذ مفن قريفش وغطفان رجال مفن‬
‫أشرافهفم فنعطيكهفم فتضرب أعناقهفم‪ ،‬ثفم نكون معفك على مفا بقفي منهفم حتفى نسفتأصلهم‪ .‬ثفم أتفى‬
‫غطفان فقال مثل ذلك‪ .‬فلما كان ليلة السبت وكان ذلك من صنع ال عز وجل لرسوله والمؤمنين‪،‬‬
‫أرسل أبفو سفيان إلى بنفي قريظة عكرمة بفن أبي جهل ففي نفر من قريفش وغطفان يقول لهم‪ :‬إنا‬
‫لسفنا بدار مقام‪ ،‬قفد هلك الخفف والحاففر‪ ،‬فاغدوا صفبيحة غفد للقتال حتفى نناجفز محمدا؛ فأرسفلوا‬
‫إليهفم‪ :‬إن اليوم يوم السفبت‪ ،‬وقفد علمتفم مفا نال منفا مفن تعّدى ففي السفبت‪ ،‬ومفع ذلك فل نقاتفل معكفم‬
‫حتى تعطونا رهنا؛ فلما رجع الرسول بذلك قالوا‪ :‬صدقنا وال نعيم بن مسعود؛ فردوا إليهم الرسل‬
‫وقالوا‪ :‬وال ل نعطيكففم رهنففا أبدأ فاخرجوا معنففا إن شئتففم وإل فل عهففد بيننففا وبينكففم‪ .‬فقال بنففو‬
‫قريظفة‪ :‬صفدق وال نعيفم بفن مسفعود‪ .‬وخذل ال بينهفم‪ ،‬واختلففت كلمتهفم‪ ،‬وبعفث ال عليهفم ريحفا‬
‫عاصفا في ليال شديدة البرد؛ فجعلت الريح تقلب آنيتهم وتكفأ قدورهم‪.‬‬
‫السابعة‪ :‬فلما اتصل برسول ال صلى ال عليه وسلم اختلف أمرهم‪ ،‬بعث حذيفة بن اليمان ليأتيه‬
‫بخبرهم‪ ،‬فأتاهم واستتر في غمارهم‪ ،‬وسمع أبا سفيان يقول‪ :‬يا معشر قريش‪ ،‬ليتعرف كل امرئ‬
‫جليسه‪ .‬قال حذيفة‪ :‬فأخذت بيد جليسي وقلت‪ :‬ومن أنت؟ فقال أنا فلن‪ .‬ثم قال أبو سفيان‪ :‬ويلكم يا‬
‫معشر قريش إنكم وال ما أصبحتم بدار مقام‪ ،‬ولقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة‪ ،‬ولقينا‬
‫مفن هذه الريفح مفا ترون‪ ،‬مفا يسفتمسك لنفا بناء‪ ،‬ول تثبفت لنفا قدر‪ ،‬ول تقوم لنفا نار‪ ،‬فارتحلوا فإنفي‬
‫مرتحل؛ ووثب على جمله فما حل عقال يده إل وهو قائم‪ .‬قال حذيفة‪ :‬ولول عهد رسول ال صلى‬
‫ال عليفه وسفلم لي إذ بعثنفي‪ ،‬قال لي‪( :‬مفر إلى القوم فاعلم مفا هفم عليفه ول تحدث شيئا) ‪ -‬لقتلتفه‬
‫بسهم؛ ثم أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم عند رحيلهم‪ ،‬فوجدته قائما يصلي في مرط لبعض‬
‫نسائه مراجل ‪ -‬قال ابن هشام‪ :‬المراجل ضرب من وشي اليمن ‪ -‬فأخبرته فحمد ال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وخبر حذيفة هذا مذكور في صحيح مسلم‪ ،‬وفيه آيات عظيمة‪ ،‬رواه جرير عن العمش‬
‫عفن إبراهيفم التيمفي عفن أبيفه قال‪ :‬كنفا عنفد حذيففة فقال رجفل لو أدركفت رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسلم قاتلت معه وأبليت‪ .‬فقال حذيفة‪ :‬أنت كنت تفعل ذلك! لقد رأيتنا مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسفلم ليلة الحزاب وأخذتنفا ريفح شديدة وقّر‪ .‬فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬أل رجفل‬
‫يأتينفي بخفبر القوم جعله ال معفي يوم القيامفة)؟ فسفكتنا فلم يجبفه منفا أحفد‪ ،‬ثفم قال‪( :‬أل رجفل يأتينفا‬
‫بخبر القوم جعله ال معي يوم القيامة)؟ فسكتنا فلم يجبه أحد‪ .‬فقال‪( :‬قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم)‬
‫فلم أجفد بدا إذ دعانفي باسفمي أن أقوم‪ .‬قال‪( :‬اذهفب فأتنفي بخفبر القوم ول تذعرهفم علّي) قال‪ :‬فلمفا‬
‫وليفت مفن عنده جعلت كأنمفا أمشفي ففي حمام حتفى أتيتهفم‪ ،‬فرأيفت أبفا سففيان يصفلي ظهره بالنار‪،‬‬
‫فوضعفت سفهما ففي كبفد القوس فأردت أن أرميفه‪ ،‬فذكرت قول رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪:‬‬
‫(ول تذعرهفم علّي) ولو رميتفه لصفبته‪ :‬فرجعفت وأنفا أمشفي ففي مثفل الحمام‪ ،‬فلمفا أتيتفه فأخفبرته‬
‫بخبر القوم وفرغت قررت‪ ،‬فألبسني رسول ال صلى ال عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه‬
‫يصلي فيها‪ ،‬فلم أزل نائما حتى أصبحت‪ ،‬فلما أصبحت قال‪( :‬قم يا نومان)‪ .‬ولما أصبح رسول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم وقفد ذهفب الحزاب‪ ،‬رجفع إلى المدينفة ووضفع المسفلمون سفلحهم‪ ،‬فأتاه‬
‫جبريل صلى ال عليه وسلم في صورة دحية بن خليفة الكلبّي‪ ،‬على بغلة عليها قطيفه ديباج فقال‬
‫له‪ :‬يفا محمفد‪ ،‬إن كنتفم قفد وضعتفم سفلحكم فمفا وضعفت الملئكفة سفلحها‪ .‬إن ال يأمرك أن تخرج‬
‫إلى بنفي قريظفة‪ ،‬وإنفي متقدم إليهفم فمزلزل بهفم حصفونهم‪ .‬فأمفر رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫وهي‪:‬‬
‫@ الثامنفة‪ :‬مناديفا فنادى‪ :‬ل يصفلين أحفد العصفر إل ففي بنفي قريظفة؛ فتخوف ناس فوت الوقفت‬
‫فصلوا دون بني قريظة‪ .‬وقال آخرون‪ :‬ل نصلّي العصر إل حيث أمرنا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وإن فاتنا الوقت‪ .‬قال‪ :‬فما عنف واحدا من الفريقين‪ .‬وفي هذا من الفقه تصويب المجتهدين‪.‬‬
‫وقفد مضفى بيانه ففي "النبياء"‪ .‬وكان سفعد بن معاذ إذ أصفابه السهم دعا ربه فقال‪ :‬اللهفم إن كنت‬
‫أبقيت من حرب قريش فأبقني لها؛ فإنه ل قوم أحب أن أجاهدكم من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه‪.‬‬
‫اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة‪ ،‬ول تمتني حتى تقر عيني في بني‬
‫قريظة‪ .‬وروى ابن وهب عن مالك قال‪ :‬بلغني أن سعد بن معاذ مر بعائشة رضي ال عنها ونساء‬
‫معها في الطم (فارع)‪ ،‬وعليه درع مقلصة مشمر الكمين‪ ،‬وبه أثر صفرة وهو يرتجز‪:‬‬
‫ل بأس بالموت إذا حان الجل‬ ‫لبث قليل يدرك الهيجا جمل‬
‫فقالت عائشفة رضفي ال عنهفا‪ :‬لسفت أخاف أن يصفاب سفعد اليوم إل ففي أطراففه؛ فأصفيب ففي‬
‫أكحله‪ .‬وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك قالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬ما رأيت رجل أجمل‬
‫مفن سفعد بفن معاذ حاشفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ .‬فأصفيب ففي أكحله ثفم قال‪ :‬اللهفم إن كان‬
‫حرب قريظة لم يبق منه شيفء فاقبضني إليك‪ ،‬وإن كان قفد بقيت منه بقية فأبقنفي حتفى أجاهفد مفع‬
‫رسولك أعداءه؛ فلما حكم في بني قريظة توفي؛ ففرح الناس وقالوا‪ :‬نرجو أن يكون قد استجيبت‬
‫دعوته‪.‬‬
‫@ التاسفعة‪ :‬ولما خرج المسلمون إلى بني قريظة أعطى رسول ال صلى ال عليه وسلم الراية‬
‫علّي بن أبي طالب‪ ،‬واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم‪ ،‬ونهض علّي وطائفة معه حتى أتوا بني‬
‫قريظفة ونازلوهفم‪ ،‬فسفمعوا سفب الرسفول صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬فانصفرف علّي إلى رسفول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم فقال له‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬ل تبلغ إليهفم‪ ،‬وعرض له‪ .‬فقال له‪( :‬أظنفك سفمعت‬
‫منهم شتمي‪ .‬لو رأوني لكفوا عن ذلك) ونهض إليهم فلما رأوه أمسكوا‪ .‬فقال لهم‪( :‬نقضتم العهد يا‬
‫إخوة القرود أخزاكفم ال وأنزل بكفم نقمتفه) فقالوا‪ :‬مفا كنفت جاهل يفا محمفد فل تجهفل علينفا؛ ونزل‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فحاصفرهم بضعفا وعشريفن ليلة‪ .‬وعرض عليهفم سفيدهم كعفب‬
‫ثلث خصفال ليختاروا أيهفا شاؤوا‪ :‬إمفا أن يسفلموا ويتبعوا محمدا على مفا جاء بفه فيسفلموا‪ .‬قال‪:‬‬
‫وتحرزوا أموالكم ونساءكم وأبناءكم‪ ،‬فوال إنكم لتعلمون أنه الذي تجدونه مكتوبا في كتابكم‪ .‬وإما‬
‫أن يقتلوا أبناءهفم ونسفاءهم ثفم يتقدموا؛ فيقاتلون حتفى يموتوا مفن آخرهفم‪ .‬وإمفا أن يفبيتوا المسفلمين‬
‫ليلة السففبت فففي حيففن طمأنينتهففم فيقتلوهففم قتل‪ .‬فقالوا له‪ :‬أمففا السففلم فل نسففلم ول نخالف حكففم‬
‫التوراة‪ ،‬وأما قتل أبنائنا ونسائنا فما جزاؤهم المساكين منا أن نقتلهم‪ ،‬ونحن ل نتعّدى في السبت‪.‬‬
‫ثففم بعثوا إلى أبففي لبابففة‪ ،‬وكانوا حلفاء بنففي عمرو بففن عوف وسففائر الوس‪ ،‬فأتاهففم فجمعوا إليففه‬
‫أبناءهفم ونسفاءهم ورجالهفم وقالوا له‪ :‬يفا أبفا لبابفة‪ ،‬أترى أن ننزل على حكفم محمفد؟ فقال نعفم‪- ،‬‬
‫وأشار بيده إلى حلقه ‪ -‬إنه الذبح إن فعلتم‪ .‬ثم ندم أبو لبابة في الحين‪ ،‬وعلم أنه خان ال ورسوله‪،‬‬
‫وأنه أمر ل يستره ال عليه عن نبيه صلى ال عليه وسلم‪ .‬فانطلق إلى المدينة ولم يرجع إلى النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم فربط نفسه في سارية وأقسم أل يبرح من مكانه حتى يتوب ال عليه فكانت‬
‫امرأته تحله لوقت كل صلة‪ .‬قال ابن عيينة وغيره‪ :‬فيه نزلت‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل تخونوا ال‬
‫والرسفول وتخونوا أماناتكفم" [النفال‪ ]27 :‬اليفة‪ .‬وأقسفم أل يدخفل أرض بنفي قريظفة أبدا مكانفا‬
‫أصاب فيه الذنب‪ .‬فلما بلغ ذلك النبي صلى ال عليه وسلم من فعل أبي لبابة قال‪( :‬أما إنه لو أتاني‬
‫لسفتغفرت له وأمفا إذ فعفل مفا فعفل فل أطلقفه حتفى يطلقفه ال تعالى) فأنزل ال تعالى ففي أمفر أبفي‬
‫لبابفة‪" :‬وآخرون اعترفوا بذنوبهفم" [التوبفة‪ ]102 :‬اليفة‪ .‬فلمفا نزل فيفه القرآن أمفر رسفول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم بإطلقفه‪ ،‬فلمفا أصفبح بنفو قريظفة نزلوا على حكفم رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم‪ ،‬فتواثفب الوس إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وقالوا‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬وقفد علمفت أنهفم‬
‫حلفاؤنفا‪ ،‬وقفد أسفعفت عبدال بفن أبفي ابفن سفلول ففي بنفي النضيفر حلفاء الخزرج‪ ،‬فل يكفن حظنفا‬
‫أوكفس وأنقفص عندك مفن حفظ غيرنفا‪ ،‬فهفم موالينفا‪ .‬فقال لهفم رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬يفا‬
‫معشفر الوس أل ترضون أن يحكم فيهم رجل منكفم ‪ -‬قالوا بلى‪ .‬قال ‪ : -‬فذلك إلى سعد بن معاذ)‪.‬‬
‫وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم قد ضرب له خيمة في المسجد‪ ،‬ليعوده من قريب في مرضه‬
‫مفن جرحفه الذي أصفابه ففي الخندق‪ .‬فحكفم فيهفم بأن تقتفل المقاتلة‪ ،‬وتسفبى الذريفة والنسفاء‪ ،‬وتقسفم‬
‫أموالهفم‪ .‬فقال له رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬لقفد حكمفت فيهفم بحكفم ال تعالى مفن فوق سفبع‬
‫أرقعفة)‪ .‬وأمفر رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فأخرجوا إلى موضفع بسفوق المدينفة اليوم ‪ -‬زمفن‬
‫ابفن إسفحاق ‪ -‬فخندق بهفا خنادق‪ ،‬ثفم أمفر عليفه السفلم فضربفت أعناقهفم ففي تلك الخنادق‪ ،‬وقتفل‬
‫يومئذ حيّي بن أخطب وكعب بن أسد‪ ،‬وكانا رأس القوم‪ ،‬وكانوا من الستمائة إلى السبعمائة‪ .‬وكان‬
‫على حيّي حلة فقاحيفة قفد شققهفا عليفه مفن كفل ناحيفة كموضفع النملة‪ ،‬أنملة أنملة لئل يسفلبها‪ .‬فلمفا‬
‫نظفر إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم حيفن أتفي بفه ويداه مجموعتان إلى عنقفه بحبفل قال‪ :‬أمفا‬
‫وال ما لمت نفسي في عداوتك‪.‬‬
‫ولكنه من يخذل ال يخذل‬
‫ثفم قال‪ :‬يفا أيهفا الناس‪ ،‬ل بأس بأمفر ال كتاب وقدر وملحمفة كتبفت على بنفي إسفرائيل‪ ،‬ثفم جلس‬
‫فضربت عنقه‪ .‬وقتل من نسائهم امرأة‪ ،‬وهي بنانة امرأة الحكم القرظّي التي طرحت الّرحى على‬
‫خلد ابن سويد فقتلته‪ .‬وأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بقتل كل من أنبت منهم وترك من لم‬
‫ينبت‪ .‬وكان عطية القرظّي ممن لم ينبت‪ ،‬فاستحياه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو مذكور‬
‫في الصحابة‪ .‬ووهب رسول ال صلى ال عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس ولد الزبير بن باطا‬
‫فاسفتحياهم؛ منهفم عبدالرحمفن بفن الزبيفر أسفلم وله صفحبة‪ .‬ووهفب أيضفا عليفه السفلم رفاعفة بفن‬
‫سموأل القرظي لم المنذر سلمى بنت قيس‪ ،‬أخت سليط بن قيس من بني النجار‪ ،‬وكانت قد صلت‬
‫إلى القبلتيفن؛ فأسفلم رفاعفة وله صفحبة وروايفة‪ .‬وروى ابفن وهفب وابفن القاسفم عفن مالك قال‪ :‬أتفى‬
‫ثابفت بفن قيفس بفن شماس إلى ابفن باطفا ‪ -‬وكانفت له عنده يفد ‪ -‬وقال‪ :‬قفد اسفتوهبتك مفن رسفول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم ليدك التفي لك عندي‪ ،‬قال‪ :‬ذلك يفعفل الكريفم بالكريفم‪ ،‬ثفم قال‪ :‬وكيفف يعيفش‬
‫رجففل ل ولد له ول أهففل؟ قال‪ :‬فأتففى ثابففت إلى رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم فذكففر ذلك له‪،‬‬
‫فأعطاه أهله وولده؛ فأتفى فأعلمفه فقال‪ :‬كيفف يعيفش رجفل ل مال له؟ فأتفى ثابفت النفبي صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم فطلبفه فأعطاه ماله‪ ،‬فرجفع إليفه فأخفبره؛ قال‪ :‬مفا فعفل ابفن أبفي الحقيفق الذي كأن وجهفه‬
‫مرآة صفينية؟ قال‪ :‬قتفل‪ .‬قال‪ :‬فمفا فعفل المجلسفان‪ ،‬يعنفي بنفي كعفب بفن قريظفة وبنفي عمرو بفن‬
‫قريظة؟ قال‪ :‬قتلوا‪ .‬قال‪ :‬فما فعلت الفئتان؟ قال‪ :‬قتلتا‪ .‬قال‪ :‬برئت ذمتك‪ ،‬ولن أصب فيها دلوا أبدا‪،‬‬
‫يعني النخل‪ ،‬فألحقني بهم‪ ،‬فأبى أن يقتله فقتله غيره‪ .‬واليد التي كانت لبن باطا عند ثابت أنه أسره‬
‫يوم بعاث فجز ناصيته وأطلقه‪.‬‬
‫@ العاشرة‪ :‬وقسفم صفلى ال عليفه وسفلم أموال بنفي قريظفة فأسفهم للفارس ثلثفة أسفهم وللراجفل‬
‫سهما‪ .‬وقد قيل‪ :‬للفارس سهمان وللراجل سهم‪ .‬وكانت الخيل للمسلمين يومئذ ستة وثلثين فرسا‪.‬‬
‫ووقفع للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم مفن سفبيهم ريحانفة بنفت عمرو بفن جناففة أحفد بنفي عمرو بفن‬
‫قريظفة‪ ،‬فلم تزل عنده إلى أن مات صفلى ال عليفه وسفلم‪ .‬وقيفل‪ :‬إن غنيمفة قريظفة هفي أول غنيمفة‬
‫قسفم فيهفا للفارس والراجفل‪ ،‬وأول غنيمفة جعفل فيهفا الخمفس‪ .‬وقفد تقدم أن أول ذلك كان ففي بعفث‬
‫عبدال بن جحش؛ فال أعلم‪ .‬قال‪ :‬أبو عمر‪ :‬وتهذيب ذلك أن تكون غنيمة قريظة أول غنيمة جرى‬
‫فيهفا الخمفس بعفد نزول قوله‪" :‬واعلموا أنمفا غنمتفم مفن شيفء فأن ل خمسفه وللرسفول" [النفال‪:‬‬
‫‪ ]41‬اليفة‪ .‬وكان عبدال بفن جحفش قفد خمفس قبفل ذلك ففي بعثفه‪ ،‬ثفم نزل القرآن بمثفل مفا فعله؛‬
‫وكان ذلك من فضائله رحمة ال عليه‪.‬‬
‫وكان فتفح قريظفة ففي آخفر ذي القعدة وأول ذي الحجفة مفن السفنة الخامسفة مفن الهجرة‪ .‬فلمفا تفم‬
‫أمر بني قريظة أجيبت دعوة الرجل الفاضل الصالح سعد بن معاذ‪ ،‬فانفجر جرحه‪ ،‬وانفتح عرقه‪،‬‬
‫فجرى دمه ومات رضي ال عنه‪ .‬وهو الذي أتى الحديث فيه‪( :‬اهتز لموته عرش الرحمن) يعني‬
‫سفكان العرش مفن الملئكفة فرحوا بقدوم روحفه واهتزوا له‪ .‬وقال ابفن القاسفم عفن مالك‪ :‬حدثنفي‬
‫يحيفى بفن سفعيد قال‪ :‬لقفد نزل لموت سفعد بفن معاذ سفبعون ألف ملك‪ ،‬مفا نزلوا إلى الرض قبلهفا‪.‬‬
‫قال مالك‪ :‬ولم يستشهد يوم الخندق من المسلمين إل أربعة أو خمسة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الذي استشهد يوم الخندق من المسلمين ستة نفر فيما ذكر أهل العلم بالسير‪ :‬سعد بن معاذ‬
‫أبفو عمرو مفن بنفي عبدالشهفل‪ ،‬وأنفس بفن أوس بفن عتيفك‪ ،‬وعبدال بفن سفهل‪ ،‬وكلهمفا أيضفا مفن‬
‫بنفي عبدالشهفل‪ ،‬والطفيفل بفن النعمان‪ ،‬وثعلبفة بفن غنمفة‪ ،‬وكلهمفا مفن بنفي سفلمة‪ ،‬وكعفب بفن زيفد‬
‫مفن بنفي دينار بفن النجار‪ ،‬أصفابه سفهم غرب فقتله‪ ،‬رضفي ال عنهفم‪ .‬وقتفل مفن الكفار ثلثفة‪ :‬منبفه‬
‫بن عثمان ابن عبيد بن السباق بن عبدالدار‪ ،‬أصابه سهم مات منه بمكة‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنما هو عثمان‬
‫بفن أميفة بفن منبفه بفن عبيفد بفن السفباق‪ .‬ونوففل بفن عبدال بفن المغيرة المخزومفي‪ ،‬اقتحفم الخندق‬
‫فتورط فيفه فقتفل‪ ،‬وغلب المسفلمون على جسفده؛ فروي عفن الزهري أنهفم أعطوا رسفول ال صفلى‬
‫ال عليفه وسفلم ففي جسفده عشرة آلف درهفم فقال‪( :‬ل حاجفة لنفا بجسفده ول بثمنفه) فخلى بينهفم‬
‫وبينفه‪ .‬وعمرو بفن عبفد ودّ الذي قتله علّي مبارزة‪ ،‬وقفد تقدم‪ .‬واسفتشهد يوم قريظفة مفن المسفلمين‬
‫خلد بفن سفويد بفن ثعلبفة بفن عمرو مفن بنفي الحارث بفن الخزرج؛ طرحفت عليفه امرأة مفن بنفي‬
‫قريظة رحى فقتلته‪ .‬ومات في الحصار أبو سنان بن محصن بن حرثان السدي‪ ،‬أخو عكاشة بن‬
‫محصفن‪ ،‬فدفنفه رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي مقفبرة بنفي قريظفة التفي يتداففن فيهفا المسفلمون‬
‫السففكان بهففا اليوم‪ .‬ولم يصففب غيففر هذيففن‪ ،‬ولم يغففز كفار قريففش المؤمنيففن بعففد الخندق‪ .‬وأسففند‬
‫الدارمفي أبفو محمففد فففي مسفنده‪ :‬أخبرنففا يزيففد بفن هارون عفن ابفن أبففي ذئب عفن المقففبري عفن‬
‫عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال‪ :‬حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوي من الليل حتى‬
‫كفينففا؛ وذلك قول ال عففز وجففل‪" :‬وكفففى ال المؤمنيففن القتال وكان ال قويففا عزيزا" [الحزاب‪:‬‬
‫‪ ]25‬فأمر النبي صلى ال عليه وسلم بلل فأقام فصلى الظهر فأحسن كما كان يصليها في وقتها‪،‬‬
‫ثففم أمره فأقام العصففر فصففلها‪ ،‬ثففم أمره فأقام المغرب فصففلها‪ ،‬ثففم أمره فأقام العشاء فصففلها‪،‬‬
‫وذلك قبففل أن ينزل‪" :‬فإن خفتففم فرجال أو ركبانففا" [البقرة‪ ]239 :‬خرجففه النسففائي أيضففا‪ .‬وقففد‬
‫مضت هذه المسألة في "طه"‪ .‬وقد ذكرنا في هذه الغزاة أحكاما كثيرة لمن تأملها في مسائل عشر‪.‬‬
‫ثم نرجع إلى أول الي وهي تسع عشرة آية تضمنت ما ذكرناه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ جاءتكم جنود" يعني الحزاب‪" .‬فأرسلنا عليهم ريحا" قال مجاهد‪ :‬هي الصبا‪،‬‬
‫أرسلت على الحزاب يوم الخندق حتى ألقت قدورهم ونزعت فساطيطهم‪ .‬قال‪ :‬والجنود الملئكة‬
‫ولم تقاتفل يومئذ‪ .‬وقال عكرمفة‪ :‬قالت الجنوب للشمال ليلة الحزاب‪ :‬انطلقفي لنصفرة النبّي صفلى‬
‫ال عليفه وسفلم‪ ،‬فقالت الشمال‪ :‬إن محوة ل تسفري بليفل‪ .‬فكانفت الريفح التفي أرسفلت عليهفم الصفبا‪.‬‬
‫وروى سفعيد بفن جفبير عفن ابفن عباس قال قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬نصفرت بالصفبا‬
‫وأهلكفت عاد بالدبور)‪ .‬وكانفت هذه الريفح معجزة للنبّي ال عليفه وسفلم؛ لن النبّي صفلى ال عليفه‬
‫وسلم والمسلمين كانوا قريبا منها‪ ،‬لم يكن بينهم وبينها إل عرض الخندق‪ ،‬وكانوا في عافية منها‪،‬‬
‫ول خفبر عندهففم بهفا‪" .‬وجنودا لم تروهفا" وقرئ بالياء؛ أي لم يرهفا المشركون‪ .‬قال المفسفرون‪:‬‬
‫بعففث ال تعالى عليهففم الملئكففة فقلعففت الوتاد‪ ،‬وقطعففت أطناب الفسففاطيط‪ ،‬وأطفأت النيران‪،‬‬
‫وأكفأت القدور‪ ،‬وجالت الخيل بعضها في بعض‪ ،‬وأرسل ال عليهم الرعب‪ ،‬وكثر تكبير الملئكة‬
‫ففي جوانفب العسفكر؛ حتفى كان سفيد كفل خباء يقول‪ :‬يفا بنفي فلن هلم إلي فإذا اجتمعوا قال لهفم‪:‬‬
‫النجاء النجاء؛ لمففا بعففث ال تعالى عليهففم مففن الرعففب‪" .‬وكان ال بمففا تعملون بصففيرا" وقرئ‪:‬‬
‫"يعملون" بالياء على الخفبر‪ ،‬وهفي قراءة أبفي عمرو‪ .‬الباقون بالتاء؛ يعنفي مفن حففر الخندق‬
‫والتحرز من العدو‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 10 :‬إذ جاؤوكفم مفن فوقكفم ومفن أسففل منكفم وإذ زاغفت البصفار وبلغفت القلوب‬
‫الحناجر وتظنون بال الظنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ جاؤوكفم مفن فوقكفم ومفن أسففل منكفم" "إذ" ففي موضفع نصفب بمعنفى واذكفر‪.‬‬
‫وكذا "وإذ قالت طائففة منهفم"‪" .‬مفن فوقكفم" يعنفي مفن فوق الوادي‪ ،‬وهفو أعله مفن قبفل المشرق‪،‬‬
‫جاء منه عوف بن مالك في بني نصر‪ ،‬وعيينه بن حصن في أهل نجد‪ ،‬وطليحة بن خويلد السدي‬
‫ففي بني أسد‪" .‬ومن أسفل منكفم" يعنفي من بطفن الوادي من قبل المغرب‪ ،‬جاء منه أبو سففيان بن‬
‫حرب على أهفل مكفة‪ ،‬ويزيفد بفن جحفش على قريفش‪ ،‬وجاء أبفو العور السفلمي ومعفه حيفي بفن‬
‫أخطففب اليهودي فففي يهود بنففي قريظففة مففع عامففر بففن الطفيففل مففن وجففه الخندق‪" .‬وإذ زاغففت‬
‫البصفار" أي شخصفت‪ .‬وقيفل‪ :‬مالت؛ فلم تلتففت إل إلى عدوهفا دهشفا مفن فرط الهول‪" .‬وبلغفت‬
‫القلوب الحناجر" أي زالت عن أماكنها من الصفدور حتفى بلغفت الحناجفر وهفي الحلقيفم‪ ،‬واحدهفا‬
‫حنجرة؛ فلول أن الحلوق ضاقفت عنهفا لخرجفت؛ قاله قتادة‪ .‬وقيفل‪ :‬هفو على معنفى المبالغفة على‬
‫مذهب العرب على إضمار كاد؛ قال‪:‬‬
‫هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما‬ ‫إذا ما غضبنا غضبة مضرية‬
‫أي كادت تقطففر‪ .‬ويقال‪ :‬إن الرئة تنفتففح عنففد الخوف فيرتفففع القلب حتففى يكاد يبلغ الحنجرة مثل؛‬
‫ولهذا يقال للجبان‪ :‬انتففخ سفحره‪ .‬وقيفل‪ :‬إنفه مثفل مضروب ففي شدة الخوف ببلوغ القلوب الحناجفر‬
‫وإن لم تزل عففن أماكنهففا مففع بقاء الحياة‪ .‬قال معناه عكرمففة‪ .‬روى حماد بففن زيففد عففن أيوب عففن‬
‫عكرمفة قال‪ :‬بلغ فزعهفا‪ .‬والظهفر أنفه أراد اضطراب القلب وضربانفه‪ ،‬أي كأنفه لشدة اضطرابفه‬
‫بلغ الحنجرة‪ .‬والحنجرة والحنجور (بزيادة النون) حرف الحلق‪" .‬وتظنون بال الظنونفففففففففا" قال‬
‫الحسن‪ :‬ظن المنافقون أن المسلمين يستأصلون‪ ،‬وظن المؤمنون أنهم ينصرون‪ .‬وقيل‪ :‬هو خطاب‬
‫للمنافقيففن؛ أي قلتففم هلك محمففد وأصففحابه‪ .‬واختلف القراء فففي قوله تعالى‪" :‬الظنونففا‪ ،‬والرسففول‪،‬‬
‫والسبيل" آخر السورة؛ فأثبت ألفاتها في الوقف والوصل نافع وابن عامر‪ .‬وروي عن أبي عمرو‬
‫الكسفائي تمسفكا بخفط المصفحف‪ ،‬مصفحف عثمان‪ ،‬وجميفع المصفاحف ففي جميفع البلدان‪ .‬واختاره‬
‫أبففو عبيففد؛ إل أنففه قال‪ :‬ل ينبغففي للقارئ أن يدرج القراءة بعدهففن لكففن يقففف عليهففن‪ .‬قالوا‪ :‬ولن‬
‫العرب تفعل ذلك في قوافي أشعارهم ومصاريعها؛ قال‪:‬‬
‫تستنفر الواخر الوائل‬ ‫نحن جلبنا القرح القوافل‬
‫وقرأ أبو عمرو والجحدري ويعقوب وحمزة بحذفها في الوصل والوقف معا‪ .‬قالوا‪ :‬هي زائدة في‬
‫الخط كما زيدت اللف في قوله تعالى‪" :‬ولوضعوا خللكم" [التوبة‪ ]47 :‬فكتبوها كذلك‪ ،‬وغير‬
‫هذا‪ .‬وأمفا الشعفر فموضفع ضرورة‪ ،‬بخلف القرآن فإنفه أفصفح اللغات ول ضرورة فيفه‪ .‬قال ابفن‬
‫النباري‪ :‬ولم يخالف المصفحف مفن قرأ‪" .‬الظنون‪ .‬والسفبيل‪ .‬والرسفول" بغيفر ألف ففي الحروف‬
‫الثلثفة‪ ،‬وخطهفن ففي المصفحف بألف لن اللف التفي ففي "أطعنفا" والداخلة ففي أول "الرسفول‪.‬‬
‫والظنون‪ .‬والسفبيل" كففى مفن اللف المتطرففة المتأخرة كمفا كففت ألف أبفي جاد مفن ألف هواز‪.‬‬
‫وفيفه حجفة أخرى‪ :‬أن اللف أنزلت منزلة الفتحفة ومفا يلحفق دعامفة للحركفة التفي تسفبق والنيفة فيفه‬
‫السفقوط؛ فلمفا عمفل على هذا كانفت اللف مفع الفتحفة كالشيفء الواحفد يوجفب الوقفف سفقوطهما‬
‫ويعمل على أن صورة اللف في الخط ل توجب موضعا في اللفظ‪ ،‬وأنها كاللف في "سحران"‬
‫وففي "فطفر السفموات والرض" وففي "وعدنفا موسفى" ومفا يشبههفن ممفا يحذف مفن الخفط وهفو‬
‫موجود ففي اللففظ‪ ،‬وهفو مسفقط مفن الخفط‪ .‬وفيفه حجفة ثالثفة هفي أنفه كتفب على لغفة مفن يقول لقيفت‬
‫الرجل‪ .‬وقرئ على لغة من يقول‪ :‬لقيت الرجل‪ ،‬بغير ألف‪ .‬أخبرنا أحمد بن يحيى عن جماعة من‬
‫أهفل اللغفة أنهفم رووا عفن العرب قام الرجلو‪ ،‬بواو‪ ،‬ومررت بالرجلي‪ ،‬بياء‪ ،‬ففي الوصفل والوقفف‪.‬‬
‫ولقيت الرجل؛ بألف في الحالتين كلتيهما‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫خلل الجيش تعترف الركابا‬ ‫أسائلة عميرة عن أبيها‬
‫فأثبت اللف في "الركاب" بناء على هذه اللغة‪ .‬وقال الخر‪:‬‬
‫ظننت بآل فاطمة الظنونا‬ ‫إذا الجوزاء أردفت الثريا‬
‫وعلى هذه اللغفة بنفى ناففع وغيره‪ .‬وقرأ ابفن كثيفر وابفن محيصفن والكسفائي بإثباتهفا ففي الوقفف‬
‫وحذفهفا ففي الوصفل‪ .‬قال ابفن النباري‪ :‬ومفن وصفل بغيفر ألف ووقفف بألف فجائز أن يحتفج بأن‬
‫اللف احتاج إليها عند السكت حرصا على بقاء الفتحة‪ ،‬وأن اللف تدعمها وتقويها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزال شديدا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هنالك ابتلي المؤمنون" "هنفا" للقريفب مفن المكان‪ .‬و"هنالك" للبعيفد‪ .‬و"هناك"‬
‫للوسط‪ .‬ويشار به إلى الوقت؛ أي عند ذلك اختبر المؤمنون ليتبين المخلص من المنافق‪ .‬وكان هذا‬
‫البتلء بالخوف والقتال والجوع والحصفر والنزال‪" .‬وزلزلوا زلزال شديدا" أي حركوا تحريكفا‪.‬‬
‫قال الزجاج‪ :‬كفل مصفدر مفن المضاعفف على فعلل يجوز فيفه الكسفر والفتفح؛ نحفو قلقلتفه قلقال‬
‫وقلقال‪ ،‬وزلزلوا زلزال وزلزال‪ .‬والكسفر أجود؛ لن غيفر المضاعفف على الكسفر نحفو دحرجتفه‬
‫دحراجففا‪ .‬وقراءة العامففة بكسففر الزاي‪ .‬وقرأ عاصففم والجحدري "زلزال" بفتففح الزاي‪ .‬قال ابففن‬
‫سفلم‪ :‬أي حركوا بالخوف تحريكفا شديدا‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬هفو إزاحتهفم عفن أماكنهفم حتفى لم يكفن‬
‫لهم إل موضع الخندق‪ .‬وقيل‪ :‬إنه اضطرابهم عما كانوا عليه؛ فمنهم من اضطرب في نفسه ومنهم‬
‫مفن اضطرب فففي دينفه‪ .‬و"هنالك" يجوز أن يكون العامفل فيفه "ابتلي" فل يوقفف على "هنالك"‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون "وتظنون بال الظنونا" فيوقف على "هنالك"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا ال ورسوله إل غرورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ يقول المنافقون والذيفن ففي قلوبهفم مرض" أي شفك ونفاق‪" .‬مفا وعدنفا ال‬
‫ورسفوله إل غرورا" أي باطل مفن القول‪ .‬وذلك أن طعمفة بفن أبيرق ومعتفب بفن قشيفر وجماعفة‬
‫نحفو مفن سفبعين رجل قالوا يوم الخندق‪ :‬كيفف يعدنفا كنوز كسفرى وقيصفر ول يسفتطيع أحدنفا أن‬
‫يتفبرز؟ وإنمفا قالوا ذلك لمفا فشفا ففي أصفحاب النبّي صفلى ال عليفه وسفلم مفن قوله عنفد ضرب‬
‫الصخرة‪ ،‬على ما تقدم في حديث النسائي؛ فأنزل ال تعالى هذه الية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 13 :‬وإذ قالت طائففة منهفم يفا أهفل يثرب ل مقام لكفم فارجعوا ويسفتأذن فريفق منهفم‬
‫النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إل فرارا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب ل مقام لكم فارجعوا" الطائفة تقع على الواحد‬
‫فما فوقه‪ .‬وعني به هنا أوس بن قيظي والد عرابة بن أوس؛ الذي يقول فيه الشماخ‪:‬‬
‫تلقاها عرابة باليمين‬ ‫إذا ما راية رفعت لمجد‬
‫و "يثرب" هفي المدينفة؛ وسفماها رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم طيبفة وطابفة‪ .‬وقال أبفو عفبيدة‪:‬‬
‫يثرب اسم أرض‪ ،‬والمدينة ناحية منها‪ .‬السهيلّي‪ :‬وسميت يثرب لن الذي نزلها من العماليق اسمه‬
‫يثرب بفن عميفل بفن مهلئيفل بفن عوض بفن عملق بفن لوذ بفن إرم‪ .‬وففي بعفض هذه السفماء‬
‫اختلف‪ .‬وبنو عميل هم الذين سكنوا الجحفة فأجحفت بهم السيول فيها‪ .‬وبها سميت الجحفة‪" .‬ل‬
‫مقام لكم" بفتح الميم قراءة العامة‪ .‬وقرأ حفص والسلمي والجحدري وأبو حيوة‪ :‬بضم الميم؛ يكون‬
‫مصدرا من أقام يقيم؛ أي ل إقامة‪ ،‬أو موضعا يقيمون فيه‪ .‬ومن فتح فهو اسم مكان؛ أي ل موضع‬
‫لكفم تقيمون فيفه‪" .‬فارجعوا" أي إلى منازلكفم‪ .‬أمروهفم بالهروب مفن عسفكر النبّي صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم‪ .‬قال ابفن عباس‪ :‬قالت اليهود لعبدال بفن أبفي ابفن سفلول وأصفحابه مفن المنافقيفن‪ :‬مفا الذي‬
‫يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان وأصحابه! فارجعوا إلى المدينة فإنا مع القوم فأنتم آمنون‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويستأذن فريق منهم النبي" في الرجوع إلى منازلهم بالمدينة‪ ،‬وهم بنو حارثة ابن‬
‫الحارث‪ ،‬ففي قول ابفن عباس‪ .‬وقال يزيفد بفن رومان‪ :‬قال ذلك أوس بفن قيظّي عفن مل مفن قومفه‪.‬‬
‫"يقولون إن بيوتنفا عورة" أي سفائبة ضائعفة ليسفت بحصفينة‪ ،‬وهفي ممفا يلي العدّو‪ .‬وقيفل‪ :‬ممكنفة‬
‫للسففراق لخلوهففا مففن الرجال‪ .‬يقال‪ :‬دار معورة وذات عورة إذا كان يسففهل دخولهففا‪ .‬يقال‪ :‬عور‬
‫المكان عورا فهففو عور‪ .‬وبيوت عورة‪ .‬وأعور فهففو معور‪ .‬وقيففل‪ :‬عورة ذات عورة‪ .‬وكففل مكان‬
‫ليفس بممنوع ول مسفتور فهفو عورة؛ قاله الهروي‪ .‬وقرأ ابفن عباس وعكرمفة ومجاهفد وأبفو رجاء‬
‫العطاردي‪" :‬عورة" بكسفر الواو؛ يعنفي قصفيرة الجدران فيهفا خلل‪ .‬تقول العرب‪ :‬دار فلن عورة‬
‫إذا لم تكن حصينة‪ .‬وقد أعور الفارس إذا بدا فيه خلل للضرب والطعن؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫متى تلقهم لم تلق في البيت معورا ول الضيف مفجوعا ول الجار مرمل‬
‫الجوهري‪ :‬والعورة كفل خلل يتخوف منفه ففي ثغفر أو حرب‪ .‬النحاس‪ :‬يقال أعور المكان إذا تفبينت‬
‫فيه عورة‪ ،‬وأعور الفارس إذا تبين فيه موضع الخلل‪ .‬المهدوي‪ :‬ومن كسر الواو في "عورة" فهو‬
‫شاذ؛ ومثله قولهفففم‪ :‬رجفففل عور؛ أي ل شيفففء له‪ ،‬وكان القياس أن يعفففل فيقال‪ :‬عار؛ كيوم راح‪،‬‬
‫ورجفل مال؛ أصفلهما روح ومول‪ .‬ثفم قال تعالى "ومفا هفي بعورة" تكذيبفا لهفم وردا عليهفم فيمفا‬
‫ذكروه‪" .‬إن يريدون إل فرارا" أي ما يريدون إل الهرب‪ .‬قيل‪ :‬من القتل‪ .‬وقيل‪ :‬من الدين‪ .‬وحكى‬
‫النقاش أن هذه اليفة نزلت ففي قفبيلتين مفن النصفار‪ :‬بنفي حارثفة وبنفي سفلمة؛ وهموا أن يتركوا‬
‫مراكزهففم يوم الخندق‪ ،‬وفيهففم أنزل ال تعالى‪" :‬إذ همففت طائفتان منكففم أن تفشل" [آل عمران‪:‬‬
‫‪ ]122‬الية‪ .‬فلما نزلت هذه الية قالوا‪ :‬وال ما ساءنا ما كنا هممنا به؛ إذ ال ولينا‪ .‬وقال السدي‪:‬‬
‫الذي اسفتأذنه منهفم رجلن مفن النصفار مفن بنفي حارثفة أحدهمفا ‪ -‬أبفو عرابفة بفن أوس‪ ،‬والخفر‬
‫أوس بن قيظّي‪ .‬قال الضحاك‪ :‬ورجع ثمانون رجل بغير إذنه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 14 :‬ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لتوها وما تلبثوا بها إل يسيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو دخلت عليهففم مففن أقطارهففا" وهففي البيوت أو المدينففة؛ أي مففن نواحيهففا‬
‫وجوانبهفا‪ ،‬الواحفد قطفر‪ ،‬وهفو الجانفب والناحيفة‪ .‬وكذلك القتفر لغفة ففي القطفر‪" .‬ثفم سفئلوا الفتنفة‬
‫لتوهفا" أي لجاؤوهفا؛ هذا على قراءة ناففع وابفن كثيفر بالقصفر‪ .‬وقرأ الباقون بالمّد؛ أي لعطوهفا‬
‫مفن أنفسفهم‪ ،‬وهو اختيار أبفي عبيفد وأبفي حاتفم‪ .‬وقفد جاء ففي الحديفث‪ :‬أن أصفحاب النبّي صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم كانوا يعذبون ففي ال ويسفألون الشرك‪ ،‬فكفل أعطفى مفا سفألوه إل بلل‪ .‬وفيفه دليفل على‬
‫قراءة المّد‪ ،‬من العطاء‪ .‬ويدل على قراءة القصر قوله‪" :‬ولقد كانوا عاهدوا ال من قبل ل يولون‬
‫الدبار"؛ فهذا يدل على "لتوهفا" مقصفورا‪ .‬وففي "الفتنفة" هنفا وجهان‪ :‬أحدهمفا‪ :‬سفئلوا القتال ففي‬
‫العصبية لسرعوا إليه؛ قاله الضحاك‪ .‬الثاني‪ :‬ثم سئلوا الشرك لجابوا إليه مسرعين؛ قاله الحسن‪.‬‬
‫"وما تلبثوا بها إل يسيرا" أي بالمدينة بعد إعطاء الكفر إل قليل حتى يهلكوا؛ قال السدي والقتيبّي‬
‫والحسففن والفراء‪ .‬وقال أكثففر المفسففرين‪ :‬أي ومففا احتبسففوا عففن فتنففة الشرك إل قليل ولجابوا‬
‫بالشرك مسرعين؛ وذلك لضعف نياتهم ولفرط نفاقهم؛ فلو اختلطت بهم الحزاب لظهروا الكفر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬ولقد كانوا عاهدوا ال من قبل ل يولون الدبار وكان عهد ال مسؤول}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد كانوا عاهدوا ال من قبل" أي من قبل غزوة الخندق وبعد بدر‪ .‬قال قتادة‪:‬‬
‫وذلك أنهم غابوا عن بدر ورأوا ما أعطى ال أهل بدر من الكرامة والنصر‪ ،‬فقالوا لئن أشهدنا ال‬
‫قتال لنقاتلّن‪ .‬وقال يزيفد بفن رومان‪ :‬هفم بنفو حارثفة‪ ،‬هموا يوم أحفد أن يفشلوا مفع بنفي سفلمة‪ ،‬فلمفا‬
‫نزل فيهم ما نزل عاهدوا ال أل يعودوا لمثلها فذكفر ال لهم الذي أعطوه من أنفسهم‪" .‬وكان عهد‬
‫ال مسفؤول" أي مسفؤول عنفه‪ .‬قال مقاتفل والكلبفي‪ :‬هفم سفبعون رجل بايعوا النبّي صفلى ال عليفه‬
‫وسفففلم ليلة العقبفففة وقالوا‪ :‬اشترط لنفسفففك ولربفففك مفففا شئت‪ .‬فقال‪( :‬أشترط لربفففي أن تعبدوه ول‬
‫تشركوا بفه شيئا وأشترط لنفسفي أن تمنعونفي ممفا تمنعون منفه نسفاءكم وأموالكفم وأولدكفم) فقالوا‪:‬‬
‫فما لنا إذا فعلنا ذلك يا نبّي ال؟ قال‪( :‬لكم النصر في الدنيا والجنة في الخرة)‪ .‬فذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫"وكان عهد ال مسؤول" أي أن ال ليسألهم عنه يوم القيامة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا ل تمتعون إل قليل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل" أي من حضر أجله مات أو‬
‫قتفل؛ فل ينففع الفرار‪" .‬وإذا ل تمتعون إل قليل" أي ففي الدنيفا بعفد الفرار إلى أن تنقضفي آجالكفم؛‬
‫وكل ما هو آت فقريب‪ .‬وروى الساجي عن يعقوب الحضرمّي "وإذا ل يمتعون" بياء‪ .‬وفي بعض‬
‫الروايات "وإذا ل تمتعوا" نصفففب بفففف "إذا" والرففففع بمعنفففى ول تمتعون‪ .‬و"إذا" ملغاة‪ ،‬ويجوز‬
‫إعمالها‪ .‬فهذا حكمها إذا كان قبلها الواو والفاء‪ .‬فإذا كانت مبتدأة نصبت بها فقلت‪ :‬إذا أكرمك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬قل من ذا الذي يعصمكم من ال إن أراد بكم سوء أو أراد بكم رحمة ول يجدون‬
‫لهم من دون ال وليا ول نصيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل من ذا الذي يعصمكم من ال" أي يمنعكم منه‪" .‬إن أراد بكم سوءا" أي هلكا‪.‬‬
‫"أو أراد بكم رحمة" أي خيرا ونصرا وعافية‪" .‬ول يجدون لهم من دون ال وليا ول نصيرا" أي‬
‫ل قريبا ينفعهم ول ناصرا ينصرهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 18 :‬قفد يعلم ال المعوقيفن منكفم والقائليفن لخوانهفم هلم إلينفا ول يأتون البأس إل‬
‫قليل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قفد يعلم ال المعوقيفن منكفم" أي المعترضيفن منكفم لن يصفدوا الناس عفن النبّي‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم؛ وهفو مشتفق مفن عاقنفي عفن كذا أي صفرفني عنفه‪ .‬وعوق‪ ،‬على التكثيفر‬
‫"والقائلين لخوانهم هلم إلينا" على لغة أهل الحجاز‪ .‬وغيرهم يقولون‪" :‬هلموا" للجماعة‪ ،‬وهلمي‬
‫للمرأة؛ لن الصفل‪" :‬هفا" التفي للتنفبيه ضمفت إليهفا "لم" ثفم حذففت اللف اسفتخفافا وبنيفت على‬
‫الفتح‪ .‬ولم يجز فيها الكسر ول الضم لنها ل تنصرف‪ .‬ومعنى "هلم" أقبل؛ وهؤلء طائفتان؛ أي‬
‫منكفم مفن يثبفط ويعوق‪ .‬والعوق المنفع والصفرف؛ يقال‪ :‬عاقفه يعوقفه عوقفا‪ ،‬وعوقفه واعتاقفه بمعنفى‬
‫واحفد‪ .‬قال مقاتفل‪ :‬هفم عبدال بفن أبفي وأصفحابه المنافقون‪" .‬والقائليفن لخوانهفم هلم" فيهفم ثلثفة‬
‫أقوال‪ :‬أحدهفا‪ :‬أنهفم المنافقون؛ قالوا للمسلمين‪ :‬ما محمد وأصفحابه إل أكلة رأس‪ ،‬وهو هالك ومن‬
‫معفه‪ ،‬فهلم إلينفا‪ .‬الثانفي‪ :‬أنهفم اليهود مفن بنفي قريظفة؛ قالوا لخوانهفم مفن المنافقيفن‪ :‬هلم إلينفا؛ أي‬
‫تعالوا إلينفا وفارقوا محمدا فإنفه هالك‪ ،‬وإن أبفا سففيان إن ظففر لم يبفق منكفم أحدا‪ .‬والثالث‪ :‬مفا حكاه‬
‫ابفن زيفد‪ :‬أن رجل مفن أصفحاب النبّي صفلى ال عليفه وسفلم بيفن الرماح والسفيوف؛ فقال أخوه ‪-‬‬
‫وكان مفن أمفه وأبيفه ‪ : -‬هلم إلّي‪ ،‬قفد تبفع بفك وبصفاحبك؛ أي قفد أحيفط بفك وبصفاحبك‪ .‬فقال له‪:‬‬
‫كذبفت‪ ،‬وال لخفبرنه بأمرك؛ وذهفب إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ليخفبره‪ ،‬فوجده قفد نزل‬
‫عليفه جبريفل عليفه السفلم بقوله تعالى‪" :‬قفد يعلم ال المعوقيفن منكفم والقائليفن لخوانهفم هلم إلينفا"‪.‬‬
‫ذكره الماوردي والثعلبي أيضا‪ .‬ولفظه‪ :‬قال ابن زيد هذا يوم الحزاب‪ ،‬انطلق رجل من عند النبّي‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم فوجفد أخاه بيفن يديفه رغيفف وشواء ونفبيذ؛ فقال له‪ :‬أنفت ففي هذا ونحفن بيفن‬
‫الرماح والسيوف؟ فقال‪ :‬هلم إلى هذا فقد تبع لك ولصحابك‪ ،‬والذي تحلف به ل يستقل بها محمد‬
‫أبدا‪ .‬فقال‪ :‬كذبفت‪ .‬فذهفب إلى النبّي صفلى ال عليفه وسفلم يخفبره فوجده قفد نزل عليفه جبريفل بهذه‬
‫الية‪" .‬ول يأتون البأس إل قليل" خوفا من الموت‪ .‬وقيل‪ :‬ل يحضرون القتال إل رياء وسمعة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 19 :‬أشحفة عليكفم فإذا جاء الخوف رأيتهفم ينظرون إليفك تدور أعينهفم كالذي يغشفى‬
‫عليفه مفن الموت فإذا ذهفب الخوف سفلقوكم بألسفنة حداد أشحفة على الخيفر أولئك لم يؤمنوا فأحبفط‬
‫ال أعمالهم وكان ذلك على ال يسيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أشحة عليكم" أي بخلء عليكم؛ أي بالحفر في الخندق والنفقة في سبيل ال؛ قال‬
‫مجاهد وقتادة‪ .‬وقيل‪ :‬بالقتال معكم‪ .‬وقيل‪ :‬بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم‪ .‬وقيل‪ :‬أشحة بالغنائم إذا‬
‫أصفابوها؛ قاله السفدي‪ .‬وانتصفب على الحال‪ .‬قال الزجاج‪ :‬ونصفبه عنفد الفراء مفن أربفع جهات‪:‬‬
‫إحداهفا‪ :‬أن يكون على الذم؛ ويجوز أن يكون عنده نصفبا بمعنفى يعوقون أشحفة‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫التقديفر‪ :‬والقائليفن أشحفة‪ .‬ويجوز عنده "ول يأتون البأس إل قليل" أشحفة؛ أي أنهفم يأتونفه أشحفة‬
‫على الفقراء بالغنيمففة‪ .‬النحاس‪ :‬ول يجوز أن يكون العامففل فيففه "المعوقيففن" ول "القائليففن"؛ لئل‬
‫يفرق بين الصلة والموصول‪ .‬ابن النباري‪" :‬إل قليل" غير تام؛ لن "أشحة" متعلق بالول‪ ،‬فهو‬
‫ينتصب من أربعة أوجه‪ :‬أحدها‪ :‬أن تنصبه على القطع من "المعوقين" كأنه قال‪ :‬قد يعلم ال الذين‬
‫يعوقون عففن القتال ويشحون عففن النفاق على فقراء المسففلمين‪ .‬ويجوز أن يكون منصففوبا على‬
‫القطع من "القائلين" أي وهم أشحة‪ .‬ويجوز أن تنصبه على القطع مما في "يأتون"؛ كأنه قال‪ :‬ول‬
‫يأتون البأس إل جبناء بخلء‪ .‬ويجوز أن تنصفب "أشحفة" على الذّم‪ .‬فمفن هذا الوجفه الرابفع يحسفن‬
‫أن تقفف على قوله‪" :‬إل قليل"‪" .‬أشحفة عليكفم" وقفف حسفن‪ .‬ومثله "أشحفة على الخيفر" حال مفن‬
‫المضمفر ففي "سفلقوكم" وهفو العامفل فيفه‪" .‬فإذا جاء الخوف رأيتهفم ينظرون إليفك تدور أعينهفم‬
‫كالذي يغشففى عليففه مففن الموت" وصفففهم بالجبففن؛ وكذا سففبيل الجبان ينظففر يمينففا وشمال محددا‬
‫بصفره‪ ،‬وربمفا غشفي عليه‪ .‬وففي "الخوف" وجهان‪ :‬أحدهمفا‪ :‬مفن قتال العدو إذا أقبفل؛ قال السفّدي‪.‬‬
‫الثانفي‪ :‬الخوف مفن النبّي صفلى ال عليفه وسفلم إذا غلب؛ قاله ابفن شجرة‪" .‬رأيتهفم ينظرون إليفك"‬
‫خوففا مفن القتال على القول الول‪ .‬ومفن النبّي صفلى ال عليفه وسفلم على الثانفي‪" .‬تدور أعينهفم"‬
‫لذهاب عقولهفم حتفى ل يصفح منهفم النظفر إلى جهفة‪ .‬وقيفل‪ :‬لشّدة خوفهفم حذرا أن يأتيهفم القتفل مفن‬
‫كفل جهفة‪" .‬فإذا ذهفب الخوف سفلقوكم بألسفنة حداد" وحكفى الفراء "صفلقوكم" بالصفاد‪ .‬وخطيفب‬
‫مسفلق ومصفلق إذا كان بليغفا‪ .‬وأصفل الصفلق الصفوت؛ ومنفه قول النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪:‬‬
‫(لعن ال الصالقة والحالقة والشاقة)‪ .‬قال العشى‪:‬‬
‫فدة فيهم والخاطب السلق‬ ‫فيهم المجد والسماحة والنجف‬
‫قال قتادة‪ :‬ومعناه بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة‪ ،‬يقولون‪ :‬أعطنا أعطنا‪ ،‬فإنا قد شهدنا‬
‫معكفم‪ .‬فعنفد الغنيمفة أشفح قوم وأبسفطهم لسفانا‪ ،‬ووقفت البأس أجبفن قوم وأخوفهفم‪ .‬قال النحاس‪ :‬هذا‬
‫قول حسفن؛ لن بعده "أشحفة على الخيفر" وقيفل‪ :‬المعنفى بالغوا ففي مخاصفمتكم والحتجاج عليكفم‪.‬‬
‫وقال القتبي‪ :‬المعنى آذوكم بالكلم الشديد السلق‪ :‬الذى‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫بنواهل حتى انحنينا‬ ‫ولقد سلقنا هوازنا‬
‫"أشحة على الخيفر" أي على الغنيمة؛ قاله يحيى بن سلم‪ .‬وقيل‪ :‬على المال أن ينفقوه ففي سبيل‬
‫ال؛ قاله السفّدي‪" .‬أولئك لم يؤمنوا" يعنفي بقلوبهفم وإن كان ظاهرهفم اليمان؛ والمناففق كاففر على‬
‫الحقيقة لوصف ال عز وجل لهم بالكفر‪" .‬فأحبط ال أعمالهم" أي لم يثبتهم عليها؛ إذا لم يقصدوا‬
‫وجفه ال تعالى بهفا‪" .‬وكان ذلك على ال يسفيرا" يحتمفل وجهيفن‪ :‬أحدهمفا‪ :‬وكان نفاقهفم على ال‬
‫هينا‪ .‬الثاني‪ :‬وكان إحباط عملهم على ال هينا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 20 :‬يحسفبون الحزاب لم يذهبوا وإن يأت الحزاب يودوا لو أنهفم بادون ففي‬
‫العراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إل قليل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يحسفبون الحزاب لم يذهبوا" أي لجبنهفم؛ يظنون الحزاب لم ينصفرفوا وكانوا‬
‫انصففرفوا‪ ،‬ولكنهففم لم يتباعدوا فففي السففير‪" .‬وإن يأت الحزاب" أي وإن يرجففع الحزاب إليهففم‬
‫للقتال‪" .‬يودوا لو أنهم بادون في العراب" تمنوا أن يكونوا مع العراب حذرا من القتل وتربصا‬
‫للدوائر‪ .‬وقرأ طلحفة بن مصفرف "لو أنهم بدى ففي العراب"؛ يقال‪ :‬باد وبدى؛ مثفل غاز وغزى‪.‬‬
‫ويمد مثل صائم وصوام‪ .‬بدا فلن يبدو إذا خرج إلى البادية‪ .‬وهي البداوة والبداوة؛ بالكسر والفتح‪.‬‬
‫وأصفل الكلمفة مفن البدو وهفو الظهور‪" .‬يسفألون" وقرأ يعقوب ففي روايفة رويفس "يتسفاءلون عفن‬
‫أنبائكفم" أي عفن أخبار النبّي صفلى ال عليفه وسفلم‪ .‬يتحدثون‪ :‬أمفا هلك محمفد وأصفحابه‪ ،‬أمفا غلب‬
‫أبفو سففيان وأحزابفه! أي يوّدوا لو أنهفم بادون سفائلون عفن أنبائكفم مفن غيفر مشاهدة القتال لفرط‬
‫جبنهفم‪ .‬وقيل‪ :‬أي هم أبدا لجبنهم يسفألون عن أخبار المؤمنين‪ ،‬وهل أصيبوا‪ .‬وقيل‪ :‬كان منهفم في‬
‫أطراف المدينفة مفن لم يحضفر الخندق‪ ،‬جعلوا يسفألون عفن أخباركفم ويتمنون هزيمفة المسفلمين‪.‬‬
‫"ولو كانوا فيكفم مفا قاتلوا إل قليل" أي رميفا بالنبفل والحجارة على طريفق الرياء والسفمعة؛ ولو‬
‫كان ذلك ل لكان قليله كثيرا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة لمن كان يرجو ال واليوم الخر وذكر‬
‫ال كثيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة" هذا عتاب للمتخلفين عن القتال؛ أي كان‬
‫لكفم قدوة ففي النفبي صفلى ال عليفه وسفلم حيفث بذل نفسفه لنصفرة ديفن ال ففي خروجفه إلى الخندق‪.‬‬
‫والسفوة القدوة‪ .‬وقرأ عاصفم "أسفوة" بضفم الهمزة‪ .‬الباقون بالكسفر؛ وهمفا لغتان‪ .‬والجمفع فيهمفا‬
‫واحفد عنفد الفراء‪ .‬والعلة عنده ففي الضفم على لغفة مفن كسفر ففي الواحدة‪ :‬الفرق بيفن ذوات الواو‬
‫وذوات الياء؛ فيقولون كسفوة وكسفا‪ ،‬ولحيفة ولحفى‪ .‬الجوهري‪ :‬والسفوة والسفوة بالضفم والكسفر‬
‫لغتان‪ .‬والجمفع أسفى وإسفى‪ .‬وروى عقبفة بفن حسفان الهجري عفن مالك بفن أنفس عفن ناففع عفن ابفن‬
‫عمفر"لقفد كان لكفم ففي رسفول ال أسفوة حسفنة" قال‪ :‬ففي جوع النبّي صفلى ال عليفه وسفلم؛ ذكره‬
‫الخطيب أبو بكر أحمد وقال‪ :‬تفرد به عقبة بن حسان عن مالك‪ ،‬ولم أكتبه إل بهذا السناد‪.‬‬
‫@قوله تعالى "أسفوة" السفوة القدوة‪ .‬والسفوة مفا يتأسفى بفه؛ أي يتعزى بفه‪ .‬فيقتدى بفه ففي جميفع‬
‫أفعاله ويتعزى بفه ففي جميفع أحواله؛ فلقفد شفج وجهفه‪ ،‬وكسفرت رباعيتفه‪ ،‬وقتفل عمفه حمزة‪ ،‬وجاع‬
‫بطنه‪ ،‬ولم يلف إل صابرا محتسبا‪ ،‬وشاكرا راضيا‪ .‬وعن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال‪ :‬شكونا‬
‫إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجفر حجفر؛ فرففع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم عن حجرين‪ .‬خرجه أبو عيسى الترمذي وقال فيه‪ :‬حديث غريب‪ .‬وقال صلى‬
‫ال عليه وسلم لما شج‪( :‬اللهم اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون) وقد تقدم‪" .‬لمن كان يرجو ال واليوم‬
‫الخر" قال سعيد بن جبير‪ :‬المعنى لمن كان يرجو لقاء ال بإيمانه ويصدق بالبعث الذي فيه جزاء‬
‫الفعال‪ .‬وقيفل‪ :‬أي لمن كان يرجفو ثواب ال ففي اليوم الخفر‪ .‬ول يجوز عنفد الحذاق من النحوييفن‬
‫أن يكتففب "يرجففو " إل بغيففر ألف إذا كان لواحففد؛ لن العلة التففي فففي الجمففع ليسففت فففي الواحففد‪.‬‬
‫"وذكفر ال كثيرا" خوففا مفن عقابفه‪ ،‬ورجاء لثوابفه‪ .‬وقيفل‪ :‬إن "لمفن" بدل مفن قوله‪" :‬لكفم" ول‬
‫يجيزه البصفريون؛ لن الغائب ل يبدل مفن المخاطفب‪ ،‬وإنمفا اللم مفن "لمفن" متعلقفة بفف "حسفنة"‪،‬‬
‫و"أسففوة" اسففم "كان" و"لكففم" الخففبر‪ .‬واختلف فيمففن أريففد بهذا الخطاب على قوليففن‪ :‬أحدهمففا‪:‬‬
‫المنافقون؛ عطففا على مفا تقدم مفن خطابهفم‪ .‬الثانفي‪ :‬المؤمنون؛ لقوله‪" :‬لمفن كان يرجفو ال واليوم‬
‫الخر"‬
‫واختلف في هذه السوة بالرسول عليه السلم‪ ،‬هل هي على اليجاب أو على الستحباب؛ على‬
‫قولين‪ :‬أحدهما‪ :‬على اليجاب حتى يقوم دليل على الستحباب‪ .‬الثاني‪ :‬على الستحباب حتى يقوم‬
‫دليفل على اليجاب‪ .‬ويحتمفل أن يحمفل على اليجاب ففي أمور الديفن‪ ،‬وعلى السفتحباب ففي أمور‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 22 :‬ولمفا رأى المؤمنون الحزاب قالوا هذا مفا وعدنفا ال ورسفوله وصفدق ال‬
‫ورسوله وما زادهم إل إيمانا وتسليما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولما رأى المؤمنون الحزاب" ومن العرب من يقول‪" :‬راء" على القلب‪" .‬قالوا‬
‫هذا مفا وعدنفا ال" يريفد قوله تعالى ففي سفورة البقرة‪" :‬أم حسفبتم أن تدخلوا الجنفة ولمفا يأتكفم مثفل‬
‫الذين خلوا من قبلكم" [البقرة‪ ]214 :‬الية‪ .‬فلما رأوا الحزاب يوم الخندق فقالوا‪" :‬هذا ما وعدنا‬
‫ال ورسول"‪ ،‬قال قتادة‪ .‬وقول ثان رواه كثير بن عبدال بن عمرو المزني عن أبيه عن جده قال‪:‬‬
‫خطب رسول ال صلى ال عليه وسلم عام ذكرت الحزاب فقال‪( :‬أخبرني جبريل عليه السلم أن‬
‫أمتففي ظاهرة عليهففا ‪ -‬يعنففي على قصففور الحيرة ومدائن كسففرى ‪ -‬فأبشروا بالنصففر فاسففتبشر‬
‫المسفلمون وقالوا‪ :‬الحمفد ل‪ ،‬موعفد صفادق‪ ،‬إذ وعدنفا بالنصفر بعفد الحصفر‪ .‬فطلعفت الحزاب فقال‬
‫المومنون‪":‬هذا مففا وعدنففا ال ورسففوله"‪ .‬ذكره الماوردي‪ .‬و"مففا وعدنففا" إن جعلت "مففا" بمعنففى‬
‫الذي فالهاء محذوففة‪ .‬وإن جعلتهفا مصفدرا لم تحتفج إلى عائد "ومفا زادهفم إل إيمانفا وتسفليما" قال‬
‫الفراء‪ :‬ومفا زادهفم النظفر إلى الحزاب‪ .‬وقال علي بفن سفليمان‪" :‬رأى" يدل على الرؤيفة‪ ،‬وتأنيفث‬
‫الرؤية غير حقيقي‪ ،‬والمعنى‪ :‬ما زادهم الرؤية إل إيمانا بالرب وتسليما‪ ،‬قال الحسن‪ .‬ولو قال‪ :‬ما‬
‫زادوهم لجاز‪ .‬ولما أشتد المر على المسلمين وطال المقام في الخندق‪ ،‬قام عليه السلم على التل‬
‫الذي عليه مسجد الفتح في بعض الليالي‪ ،‬وتوقع ما وعده ال من النصر وقال‪( :‬من يذهب ليأتينا‬
‫بخبرهم وله الجنة) فلم يجبه أحد‪ .‬وقال ثانيا وثالثا فلم يجبه أحد‪ ،‬فنظر إلى جانبه وقال‪( :‬من هذا)؟‬
‫فقال حذيفة‪ .‬فقال‪( :‬ألم تسمع كلمفي منذ الليلة)؟ قال حذيفة‪ :‬فقلت يا رسول ال‪ ،‬منعني أن أجيبك‬
‫الضفر والقر‪ .‬قال‪( :‬انطلق حتفى تدخفل ففي القوم فتسمع كلمهفم وتأتينفي بخفبرهم‪ .‬اللهفم احفظه مفن‬
‫بيفن يديفه ومفن خلففه وعفن يمينفه وعفن شماله حتفى ترده إلي‪ ،‬انطلق ول تحدث شيئا حتفى تأتينفي)‪.‬‬
‫فانطلق حذيفة بسلحه‪ ،‬ورفع رسول ال صلى ال عليه وسلم يده يقول‪( :‬يا صريخ المكروبين ويا‬
‫مجيفب المضطريفن اكشفف همفي وغمفي وكربفي فقفد ترى حالي وحال أصفحابي) فنزل جبريفل‬
‫وقال‪( :‬إن ال قفد سفمع دعوتففك وكفاك هول عدوك) فخفر رسففول ال صفلى ال عليفه وسففلم على‬
‫ركبتيفه وبسفط يديفه وأرخفى عينيفه وهفو يقول‪( :‬شكرا شكرا كمفا رحمتنفي ورحمفت أصفحابي)‪.‬‬
‫وأخفبره جبريفل أن ال تعالى مرسفل عليهفم ريحفا‪ ،‬فبشفر أصفحابه بذلك قال حذيففة‪ :‬فانتهيفت إليهفم‬
‫وإذا نيرانهففم تتقففد‪ ،‬فأقبلت ريففح شديدة فيهففا حصففباء فمففا تركففت لهففم نارا إل أطفأتهففا ول بناء إل‬
‫طرحتفه‪ ،‬وجعلوا يتترسفون مفن الحصفباء‪ .‬وقام أبفو سففيان إلى راحلتفه وصفاح ففي قريفش‪ :‬النجاء‬
‫النجاء! وفعفل كذلك عيينفة بفن حصفن والحارث بفن عوف والقرع بفن حابفس‪ .‬وتفرقفت الحزاب‪،‬‬
‫وأصفبح رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فعاد إلى المدينفة وبفه مفن الشعفث مفا شاء ال‪ ،‬فجاءتفه‬
‫فاطمة بغسول فكانت تغسل رأسه‪ ،‬فأتاه جبريل فقال‪( :‬وضعت السلح ولم تضعه أهل السماء‪ ،‬ما‬
‫زلت أتبعهم حتى‪ ،‬جاوزت بهم الروحاء ‪ -‬ثم قال ‪ -‬انهض إلى بني قريظة)‪ .‬وقال أبو ‪ -‬سفيان‪ :‬ما‬
‫زلت أسمع قعقعة السلح حتى جاوزت الروحاء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 24 - 23 :‬مفن المؤمنيفن رجال صفدقوا مفا عاهدوا ال عليفه فمنهفم مفن قضفى نحبفه‬
‫ومنهففم مففن ينتظففر ومففا بدلوا تبديل‪ ،‬ليجزي ال الصففادقين بصففدقهم ويعذب المنافقيففن إن شاء أو‬
‫يتوب عليهم إن ال كان غفورا رحيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مفن المؤمنيفن رجال" رففع بالبتداء‪ ،‬وصفلح البتداء بالنكرة لن "صفدقوا" ففي‬
‫موضع النعت‪" .‬فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل" "من" في موضع رفع‬
‫بالبتداء‪ .‬وكذا "ومنهم من ينتظر" والخبر في المجرور‪ .‬والنحب‪ :‬النذر والعهد‪ ،‬تقول منه‪ :‬نحبت‬
‫انحب‪ ،‬بالضم‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫أحق بتاج الماجد المتكرم‬ ‫وإذا نحبت كلب على الناس إنهم‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫قد نحب المجد علينا نحبا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫أنحب فيقضى أم ضلل وباطل‬
‫وروى البخاري ومسلم والترمذي عن أنس قال‪ :‬قال عمي أنس بن النضر ‪ -‬سميت به ‪ -‬والم يشهد‬
‫بدرا مفع رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فكفبر عليفه فقال‪ :‬أول مشهفد شهده رسفول ال صفلى ال‬
‫عليه وسلم غبت عنه‪ ،‬أما وال لئن أراني ال مشهدا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما بعد‬
‫ليرين ال ما أصنع‪ .‬قال‪ :‬فهاب أن يقول غيرها‪ ،‬فشهد مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم أحد‬
‫من العام القابل‪ ،‬فاستقبله سعد بن مالك فقال‪ :‬يا أبا عمرو أين؟ قال‪ :‬واها لريح الجنة! أجدها دون‬
‫أحد‪ ،‬فقاتل حتى قتل‪ ،‬فوجد ففي جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورمية‪ .‬فقالت عمتي‬
‫الربيفع بنفت النضفر‪ :‬فمفا عرففت أخفي إل ببنانفه‪ .‬ونزلت هذه اليفة "رجال صفدقوا مفا عاهدوا ال‬
‫عليفه فمنهفم مفن قضفى نحبفه ومنهفم مفن ينتظفر ومفا بدلوا تبديل" لففظ الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديفث‬
‫حسفن صفحيح‪ .‬وقالت عائشفة رضفي ال عنهفا ففي قوله تعالى "مفن المؤمنيفن رجال صفدقوا مفا‬
‫عاهدوا ال عليفه" اليفة‪ :‬منهفم طلحفة بفن عفبيدال ثبفت مفع رسفول‪،‬ال صفلى ال عليفه وسفلم حتفى‬
‫أصفيبت‪ ،‬يده‪ ،‬فقال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬أوجفب طلحفة الجنفة)‪ .‬وففي الترمذي عنفه‪ :‬أن‬
‫أصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قالوا لعرابفي جاهفل‪ :‬سفله عمفن قضفى نحبفه مفن هفو؟‬
‫وكانوا ل يجترئون على مسففألته‪ ،‬يوقرونففه ويهابونففه‪ ،‬فسففأله العرابففي فأعرض عنففه‪ ،‬ثففم سففأل‬
‫فأعرض عنه‪ ،‬ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر‪ ،‬فلما رآني النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬أين السائل عمن قضى نحبه)؟ قال العرابي‪ :‬أنا يا رسول ال‪ .‬قال‪( :‬هذا ممن قضى‬
‫نحبفه) قال‪ :‬هذا حديفث حسفن غريفب ل نعرففه إل مفن حديفث يونفس بفن بكيفر‪ .‬وروى البيهقفي عفن‬
‫أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حين انصرف من أحد‪ ،‬مر على مصعب بن عمير‬
‫وهو مقتول على طريقفه‪ ،‬فوقفف عليفه ودعفا له‪ ،‬ثفم تل هذه اليفة‪" :‬مفن المؤمنيفن رجال صفدقوا مفا‬
‫عاهدوا ال عليه فمنهم من قضى نحبه ‪ -‬إلى ‪ -‬تبديل" ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ال‬
‫عليفه وسفلم‪( :‬أشهفد أن هؤلء شهداء عنفد ال يوم القيامفة فأتوهفم وزوروهفم والذي نفسفي بيده ل‬
‫يسففلم عليهففم أحففد إلى يوم القيامففة إل ردوا عليفه)‪ .‬وقيفل‪ :‬النحففب الموت‪ ،‬أي مات على مففا عاهفد‬
‫عليففه‪ ،‬عففن ابففن عباس‪ .‬والنحففب أيضففا الوقففت والمدة يقال‪ :‬قضففى فلن نحبففه إذا مات‪ .‬وقال ذو‬
‫الرمة‪:‬‬
‫قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبر‬ ‫عشية فر الحارثيون بعد ما‬
‫والنحفب أيضفا الحاجفة والهمفة‪ ،‬يقول قائلهفم مفا لي عندهفم نحفب‪ ،‬وليفس المراد باليفة‪ .‬والمعنفى ففي‬
‫هذا الموضفع بالنحفب النذر كمفا قدمنفا أول‪ ،‬أي منهفم مفن بذل جهده على الوفاء بعهده حتفى قتفل‪،‬‬
‫مثفل حمزة وسفعد بن معاذ وانس بن النضفر وغيرهفم‪ .‬ومنهفم مفن ينتظفر الشهادة وما بدلوا عهدهم‬
‫ونذرهم‪ .‬وقد روي عن ابن عباس أنه قرأ "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومنهم من بدل‬
‫تبديل"‪ .‬قال أبفو بكفر النباري‪ :‬وهذا الحديفث عنفد أهفل العلم مردود‪ ،‬لخلففه الجماع‪ ،‬ولن فيفه‬
‫طعنفا على المؤمنيفن والرجال الذيفن مدحهفم ال وشرفهفم بالصفدق والوفاء‪ ،‬فمفا يعرف فيهفم مغيفر‬
‫ومففا وجففد مففن جماعتهففم مبدل‪ ،‬رضففي ال عنهففم‪".‬ليجزي ال الصففادقين بصففدقهم" أي أمففر ال‬
‫بالجهاد ليجزي الصفادقين ففي الخرة بصفدقهم‪" .‬ويعذب المنافقيفن" ففي الخرة "إن شاء أو يتوب‬
‫عليهفم إن ال كان غفورا رحيمفا" أي إن شاء أن يعذبهفم لم يوفقهفم للتوبفة‪ ،‬لن لم يشفأ أن يعذبهفم‬
‫تاب عليهم قبل الموت‪" .‬إن ال كان غفورا رحيما"‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 :‬ورد ال الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى ال المؤمنين القتال وكان ال‬
‫قويا عزيزا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ورد ال الذيفن كفروا بغيظهفم لم ينالوا خيرا" قال محمفد بفن عمرو يرفعفه إلى‬
‫عائشة‪ :‬قالت "الذين كفروا" ها هنا أبو سفيان وعيينة بن بدر‪ ،‬رجع أبو سفيان إلى تهامة‪ ،‬ورجع‬
‫عيينفة إلى نجفد "وكففى ال المؤمنيفن القتال" بأن أرسفل عليهفم ريحفا وجنودا حتفى رجعوا ورجعفت‬
‫بنو قريظة إلى صياصيهم‪ ،‬فكفى أمر قريظة ‪ -‬بالرعب‪" .‬وكان ال قويا" أمره "عزيزا" ل يغلب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 - 26 :‬وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم‬
‫الرعفب فريقفا تقتلون وتأسفرون فريقفا‪ ،‬وأورثكفم أرضهفم وديارهفم وأموالهفم وأرضفا لم تطؤوهفا‬
‫وكان ال على كل شيء قديرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنزل الذيفن ظاهروهفم مفن أهفل الكتاب مفن صفياصيهم" يعنفي الذيفن عاونوا‬
‫الحزاب‪ :‬قريشفا وغطفان وهفم بنفو قريظفة وقفد مضفى خفبرهم "مفن صفياصيهم" أي حصفونهم‬
‫واحدها صيصة‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫نساء تميم يبتدرن الصياصيا‬ ‫فأصبحت الثيران صرعى وأصبحت‬
‫ومنه قيل لشوكة الحائك التي بها يسوي السداة واللحمة‪ :‬صيصة‪ .‬قال‪ ،‬دريد بن الممدد‪:‬‬
‫كوقع الصياصي في النسيج الممدد‬ ‫فجئت إليه والرماح تنوشه‬
‫ومنفه‪ :‬صفيصة الديفك التفي ففي رجله‪ .‬وصفياصي البقفر قرونهفا‪ ،‬لنهفا تمتنفع بهفا‪ .‬وربمفا كانفت‪،‬‬
‫تركفب ففي‪ ،‬الرماح مكان السفنة‪ ،‬ويقال‪ :‬جفذ ال صفئصئه‪ ،‬أي أصفله "وقذف ففي قلوبهفم الرعفب‬
‫فريقففا تقتلون" وهففم الرجال‪" .‬وتأسففرون فريقففا" وهففم النسففاء والذريففة‪ ،‬على مففا تقدم‪".‬وأورثكففم‬
‫أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها" بعد‪ .‬قال يزيد بن رومان وابن زيد ومقاتل‪ :‬يعني‬
‫حنيفن‪ ،‬ولم يكونوا نالوهفا‪ ،‬فوعدهفم ال إياهفا‪ .‬وقال قتادة‪ :‬كنفا نتحدث أنهفا مكفة‪ .‬وقال الحسفن‪ :‬هفي‬
‫فارس والروم‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬كل أرض تفتح إلى يوم القيامة‪" .‬وكان ال على كل شيء قديرا" فيه‬
‫وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬على ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير‪ ،‬قال محمد بن إسحاق‪ .‬الثاني‪ :‬على ما‬
‫أراد أن يفتحففه مففن الحصففون والقرى قديففر‪ ،‬قال النقاش‪ .‬وقيففل‪" :‬وكان ال على كففل شيففء" ممففا‬
‫وعدكموه "قديرا" ل ترد قدرتفه ول يجوز عليفه العجفز تعالى‪ .‬ويقال تأسفرون وتأسفرون (بكسفر‬
‫السين وضمها) حكاه الفراء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 29 - 28 :‬يفا أيهفا النفبي قفل لزواجفك إن كنتفن تردن الحياة الدنيفا وزينتهفا فتعاليفن‬
‫أمتعكفففن وأسفففرحكن سفففراحا جميل‪ ،‬وإن كنتفففن تردن ال ورسفففوله والدار الخرة فإن ال أعفففد‬
‫للمحسنات منكن أجرا عظيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها النبي" قال علماؤنا‪ :‬هذه الية متصلة‪ :‬بمعنى ما تقدم من المنع من إيذاء‬
‫النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ال عليفه وسفلم‪ ،‬وكان قفد تأذى ببعفض الزوجات‪ .‬قيفل‪ :‬سفألنه شيئا مفن‬
‫عرض الدنيا‪ .‬وقيل‪ :‬زيادة في النفقة‪ .‬وقيل‪ :‬أذينه بغيرة بعضهن على بعض‪ .‬وقيل‪ :‬أمر صلى ال‬
‫عليه وسلم بتلوة هذه الية عليهن وتخييرهن بين الدنيا والخرة‪ .‬وقال الشافعي رحمه ال تعالى‪:،‬‬
‫إن من ملك زوجة فليس عليه تخييرها‪ .‬أمر صلى ال عليه وسلم أن يخير نساءه فاخترنه‪ .‬وجملة‬
‫ذلك أن ال سفبحانه خيفر النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بيفن أن يكون نبيفا ملكفا وعرض عليفه مفاتيفح‬
‫خزائن الدنيفا‪ ،‬وبيفن أن يكون نبيفا مسفكينا‪ ،‬فشاور جبريفل فأشار عليفه بالمسفكنة فاختارهفا‪ ،‬فلمفا‬
‫اختارهفا وهفي أعلى المنزلتيفن‪ ،‬أمره ال عفز وجفل أن يخيفر زوجاتفه‪ ،‬فربمفا كان فيهفن مفن يكره‬
‫المقام معه على الشدة تنزيها له‪ .‬وقيل‪ :‬إن السبب الذي أوجب التخيير لجله‪ ،‬أن امرأة من أزواجه‬
‫سألته أن يصوغ لها حلقة من ذهب‪ ،‬فصاغ لها حلقة من فضة وطلها بالذهب ‪ -‬وقيل بالزعفران‬
‫‪ -‬فأبفت إل أن تكون من ذهفب‪ ،‬فنزلت آية التخييفر فخيرهفن‪ ،‬فقلن اخترنا ال ورسوله‪ .‬وقيل‪ :‬إن‬
‫واحدة منهففن اختارت الفراق‪ .‬فال أعلم‪ .‬روى البخاري ومسففلم واللفففظ لمسففلم ‪ -‬عففن جابر ابففن‬
‫عبدال قال‪ :‬دخفل أبفو بكفر يسفتأذن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬فوجفد الناس جلوسفا ببابفه لم‬
‫يؤذن لحد منهم‪ ،‬قال‪ :‬فأذن لبي بكر فدخل‪ ،‬ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له‪ ،‬فوجد النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا‪ .‬قال‪ - :‬فقال وال لقولن شيئا اضحك رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجدت عنقها‪،‬‬
‫فضحفك رسفول ال صفلى ال عليه وسفلم وقال‪" :‬هن حولي كمفا ترى يسفألنني النفقة) فقام أبو بكفر‬
‫إلى عائشة يجأ عنقها‪ ،‬وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها‪ ،‬كلهما يقول‪ :‬تسألن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ما ليس عنده !! فقلن‪ :‬وال ل نسأل رسول ال شيئا أبدا ليس عنده‪ .‬ثم اعتزلن شهرا أو‬
‫تسعا وعشرين ثم نزلت عليه هذه الية‪" :‬يا أيها النبي قل لزواجك ‪ -‬حتى بلغ ‪ -‬للمحسنات منكن‬
‫أجرا عظيما"‪ .‬قال‪ :‬فبدأ بعائشة فقال‪( :‬يا عائشة‪ ،‬إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أل تعجلي‬
‫فيه حتى تستشيري أبويك) قالت‪ :‬وما هو يا رسول ال؟ فتل عليها الية‪ .‬قالت‪ :‬أفيك يا رسول ال‬
‫أسففتشير أبوي! بففل أختار ال ورسففول والدار الخرة‪ ،‬وأسففألك أل تخففبر امرأة مففن نسففائك بالذي‬
‫قلت‪ .‬قال‪( :‬ل تسألني امرأة منهن إل أخبرتها‪ ،‬إن ال لم يبعثني معنتا ول متعنتا ولكن بعثني معلما‬
‫ميسفرا)‪ .‬وروى الترمذي عفن عائشفة رضفي ال عنهفا قالت‪ :‬أمفر رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫ال عليفه وسفلم بتخييفر أزواجفه بدأ بفي فقال‪( :‬يفا عائشفة‪ ،‬إنفي ذاكفر لك أمرا فل عليفك أل تسفتعجلي‬
‫حتففى تسففتأمري أبويففك) قالت‪ :‬وقففد علم أن أبوي لم يكونففا ليأمرانففي بفراقففه‪ ،‬قال ثففم قال‪( :‬إن ال‬
‫يقول‪" :‬يفا أيهفا النفبي قفل لزواجفك إن كنتفن تردن الحياة الدنيفا وزينتهفا فتعاليفن أمتعكفن وأسفرحكن‬
‫سراحا جميل ‪ -‬حتى بلغ ‪ -‬للمحسنات منكن أجرا عظيما" فقلت‪ :‬أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد‬
‫ال ورسفوله والدار الخرة‪ ،‬وفعفل أزواج النفبي صفلى ال عليفه وسفلم مفا فعلت‪ .‬قال‪ :‬هذا حديفث‬
‫حسفن صفحيح قال العلماء‪ :‬وأمفا أمفر النفبي صفلى ال عليفه وسفلم عائشفة أن تشاور أبويهفا لنفه كان‬
‫يحبهففا‪ ،‬وكان يخاف أن يحملهففا فرط الشباب على أن تختار فراقففه‪ ،‬ويعلم مففن أبويهففا أنهمففا ل‬
‫يشيران عليها بفراقه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل لزواجك" كان للنبي صلى ال عليه وسلم أزواج‪ ،‬منهن من دخل بها‪ ،‬ومنهن‬
‫مفن عقفد عليهفا ولم يدخفل بهفا‪ ،‬ومنهفن من خطبهفا فلم يتفم نكاحه معهفا‪ .‬فأولهن‪ :‬خديجفة بنت خويلد‬
‫بفن أسفد بفن عبفد العزى بفن قصفي بفن كلب‪ .‬وكانفت قبله عنفد أبفي هالة واسفمه زرارة بفن النباش‬
‫السدي‪ ،‬وكانت قبله عند عتيق بن عائذ‪ ،‬ولدت منه غلما اسمه عبد مناف‪ .‬وولدت من أبي هالة‬
‫هنفد بفن أبفي هالة‪ ،‬وعاش إلى زمفن الطاعون فمات فيفه‪ .‬ويقال‪ :‬إن الذي عاش إلى زمفن الطاعون‬
‫هنفد بفن هنفد‪ ،‬وسفمعت نادبتفه تقول حيفن مات‪ :‬واهنفد بفن هنداه‪ ،‬واربيفب رسفول ال‪ .‬ولم يتزوج‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم على خديجفة غيرهفا حتفى ماتفت‪ .‬وكانفت يوم تزوجهفا رسفول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم بنت أربعين سنة‪ ،‬وتوفيت بعد أن مضى من النبوة سبع سنين‪ ،‬وقيل‪ :‬عشر‪.‬‬
‫أو كان لهفا حيفن توفيفت خمفس وسفتون سفنة‪ .‬وهفي أول امرأة آمنفت بفه‪ .‬وجميفع أولده منهفا غيفر‬
‫إبراهيفم‪ .‬قال حكيفم بفن حزام‪ :‬توفيفت خديجفة فخرجنفا بهفا مفن منزلهفا حتفى دفناهفا بالحجون‪ ،‬ونزل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم في حفرتها‪ ،‬ولم تكن يومئذ سنة الجنازة الصلة عليها‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس العامرية‪ ،‬أسلمت قديما وبايعت‪ ،‬وكانت عند‬
‫ابن عم لها يقال له السكران بن عمرو‪ ،‬وأسلم أيضا‪ ،‬وهاجرا جميعا إلى أرض الحبشة في الهجرة‬
‫الثانيفة‪ ،‬فلمفا قدمفا مكفة مات زوجهفا‪ .‬وقيفل‪ :‬مات بالحبشفة‪ ،‬فلمفا حلت خطبهفا رسفول ال صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم ال عليفه وسفلم‪ ،‬فتزوجهفا ودخفل بهفا بمكفة‪ ،‬وهاجفر بهفا إلى المدينفة‪ ،‬فلمفا كفبرت أراد‬
‫طلقها فسألته أل يفعل وأن يدعها في نسائه‪ ،‬وجعلت ليلتها لعائشة حسبما هو مذكور في الصحيح‬
‫فأمسكها‪ ،‬وتوفيت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬عائشة بنت أبي بكر الصديق‪ ،‬وكانت مسماة لجبير بن مطعم‪ ،‬فخطبها رسول ال صلى‬
‫ال عليفه وسفلم اله عليفه وسفلم‪ ،‬فقال أبفو بكفر‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬دعنفي أسفلها مفن‪ ،‬جفبير سفل رفيقفا‪،‬‬
‫فتزوجها رسفول ال صلى ال عليه وسلم بمكة قبفل الهجرة بسنتين‪ ،‬وقيفل بثلث سفنين‪ ،‬وبنفى بهفا‬
‫بالدينة وهي بنت تسع‪ ،‬وبقيت عنده تسع سنين‪ ،‬ومات رسول ال صلى ال عليه وسلم وهي بنت‬
‫ثمان عشرة‪ ،‬ولم يتزوج بكرا غيرها‪ .‬وماتت سنة تسع وخمسين‪ ،‬وقيل ثمان وخمسين‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬حفصة بنت عمر بن الخطاب القرشية العدوية‪ ،‬تزوجها رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ثفم طلقهفا‪ ،‬فأتاه جبريل فقال‪( :‬إن ال يأمرك أن تراجفع حفصفة فإنهفا صفوامة قوامة) فراجعهفا‪ .‬قال‬
‫الواقدي‪ :‬وتوفيت في شعبان سنة خمس وأربعين في خلفة معاوية‪ ،‬وهي ابنة ستين سنة‪ ..‬وقيل‪:‬‬
‫ماتت في خلفة عثمان بالمدينة‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬أم سلمة‪ ،‬واسمها هند بنت أبي أمية المخزومية واسم أبي أمية سهيل تزوجها رسول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم ففي ليال بقيفن مفن شوال سفنة أربفع‪ ،‬زوجهفا منفه ابنهفا سفلمة على الصفحيح‪،‬‬
‫وكان عمر ابنها صغيرا‪ ،‬وتوفيت في سنة تسع وخمسين‪ .‬وقيل‪ :‬سنة ثنتين وستين‪ ،‬والول أصح‪.‬‬
‫وصلى‪ ،‬عليها سعيد ابن زيد‪ .‬وقيل أبو هريرة‪ .‬وقبرت بالبقيع وهي ابنة أربع وثمانين سنة‪.‬‬
‫ومنهن‪ ،‬أم حبيبة‪ ،‬واسمها رملة بنت أبي سفيان‪ .‬بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم عمرو بن‬
‫أميفة الضميري إلى النجاشفي‪ ،‬ليخطفب عليفه أم حبيبفة فزوجفه إياهفا‪ ،‬وذلك سفنة سفبع مفن الهجرة‪،‬‬
‫وأصدق النجاشي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أربعمائة دينار‪ ،‬وبعث بها مع شرحبيل بن‬
‫حسفنة‪ ،‬وتوفيفت سفنة أربفع وأربعيفن‪ .‬وقال الدارقطنفي‪ :‬كانفت أم حبيبفة تحفت عفبيدال بفن جحفش‬
‫فمات بأرض‪ ،‬الحبشفة على النصفرانية‪ ،‬فزوجهفا النجاشفي النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ال عليفه‬
‫وسلم‪ ،‬وأمهرها عنه أربعة آلف‪ ،‬وبعث بها إليه مع شرحبيل بن حسنة‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬زينب بنت جحش بن رئاب السدية‪ ،‬وكان اسمها برة فسماها رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسفلم زينفب‪ ،‬وكان اسفم أبيهفا برة‪ ،‬فقالت‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬بدل اسفم أبفي فإن البرة حقيرة‪ ،‬فقال لهفا‬
‫النفبي صفلى ال عليه وسلم ال عليه وسفلم‪( :‬لو كان أبوك مؤمنا سميناه باسفم رجفل منفا أهل البيفت‬
‫ولكني قد سميته جحشا والجحش من البرة) ذكر هذا الحديث الدارقطني‪ .‬تزوجها رسول ال صلى‬
‫ال عليففه وسففلم بالمدينففة فففي سففنة خمففس مففن الهجرة‪ ،‬وتوفيففت سففنة عشريففن‪ ،‬وهففي بنففت ثلث‬
‫وخمسين‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬زينب بنت خذيمة بن الحارث بن عبدال بن عمرو بن عبد مناف بن هلل بن عامر بن‬
‫صفعصعة الهلليفة‪ ،‬كانفت تسفمى ففي الجاهليفة أم المسفاكين‪ ،‬لطعامهفا إياهفم‪ .‬تزوجهفا رسفول ال‬
‫صففلى ال عليففه وسففلم ال عليففه وسففلم فففي رمضان على رأس واحففد وثلثيففن شهرا مففن الهجرة‪،‬‬
‫فمكثت عنده ثمانية أشهر‪ ،‬وتوفيت في حياته في آخر ربيع الول على رأس تسعة وثلثين شهرا‪،‬‬
‫ودفنت بالبقيع‪.‬‬
‫ومنهفن‪ :‬جويريفة بنفت الحارث بفن أبفي ضرار الخزاعيفة المصفطلقية‪ ،‬أصفابها ففي غزوة بنفي‬
‫المصطلق فوقعت في سهم ثابت بن قيع بن شماس فكاتبها‪ ،‬فقضى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫كتابتهفا وتزوجهفا‪ ،‬وذلك ففي شعبان سفنة سفت‪ ،‬وكان اسفم برة فسفماها رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم جويريفة‪ ،‬وتوفيفت ففي ربيفع الول سفنة سفت وخمسفين‪ .‬وقيفل‪ :‬سفنة خمسفين وهفي ابنفة خمفس‬
‫وستين‪.‬‬
‫ومنهفن‪ :‬صففية بنفت حيفي بفن أخطفب الهارونيفة‪ ،‬سفباها النفبي صفلى ال عليفه وسفلم يوم خيفبر‬
‫واصفطفاها لنفسفه‪ ،‬وأسفلمت وأعتقهفا‪ ،‬وجعفل عتقهفا صفداقها‪ ..‬وففي الصفحيح‪ :‬أنهفا وقعفت ففي سفهم‬
‫دحيفة الكلبفي فاشتراهفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بسفبعة أرؤس‪ ،‬وماتفت ففي سفنة اثنتيفن‬
‫وخمسين‪ .‬وقيل‪ :‬سنة اثنتين وخمسين‪ ،‬ودفنت بالبقيع‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة من بني النضير‪ ،‬سباها رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسفلم وأعتقهفا‪ ،‬وتزوجهفا ففي سفنة سفت‪ ،‬وماتفت مرجعفه مفن حجفة الوداع‪ ،‬فدفنهفا بالبقيفع‪ .‬وقال‬
‫الواقدي‪ :‬ماتت سنة ست عشرة وصلى عليها عمر‪ .‬قال أبو الفرج الجوزي‪ :‬وقد سمعت من يقول‪:‬‬
‫إنه كان يطؤها بملك اليمين ولم يعتقها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولهذا وال أعلم لم يذكرها أبو القاسم عبدالرحمن السهلي في عداد أزواج النبي صلى‪.‬‬
‫ومنهفن‪ :‬ميمونفة بنفت الحارث الهلليفة‪ ،‬تزوجهفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بسفرف على‬
‫عشرة أميال من مكة‪ ،‬وذلك في سنة سبع من الهجرة في عمرة القضية‪ ،‬وهي آخر امرأة تزوجها‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم‪ ،‬وقدر ال تعالى أنها ماتت في المكان الذي بنى فيه‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بهفا‪ ،‬ودفنفت هنالك‪ ،‬وذلك ففي سفنة إحدى وسفتين‪ .‬وقيفل‪ :‬ثلث‬
‫وستين‪ .‬وقيل ثمان وستين‪.‬‬
‫فهؤلء المشهورات من أزواج النبي صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم‪ ،‬وهن اللتي دخل بهن‪،‬‬
‫رضفي ال عنهفن‪ .‬فأمفا مفن تزجهفن ولم يدخفل بهفن فمنهفن‪ :‬الكلبيفة‪ .‬واختلفوا ففي اسفمها‪ ،‬فقيفل‬
‫فاطمفة‪ .‬وقيفل عمرة‪ .‬وقيفل العاليفة‪ .‬قال الزهري‪ :‬تزوج فاطمفة بنفت الضحاك الكلبيفة فاسفتعاذت‬
‫منفه فطلقهفا‪ ،‬وكانفت تقول‪ :‬أنفا الشقيفة‪ .‬تزوجهفا ففي ذي القعدة سفنة ثمان مفن الهجرة‪ ،‬وتوفيفت سفنة‬
‫ستين‪.‬‬
‫ومنهفن‪ :‬أسفماء بنفت النعمان بفن الجون بفن الحارث الكنديفة‪ ،‬وهفي الجونيفة‪ .‬قال قتادة‪ :‬لمفا دخفل‬
‫عليهفا دعاهفا فقالت‪ :‬تعال أنفت‪ ،‬فطلقهفا‪ .‬وقال غيره‪ :‬هفي التفي اسفتعاذت منفه‪ .‬وففي البخاري قال‪:‬‬
‫تزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم أميمة بنت شراحيل‪ ،‬فلما أدخلت عليه بسط يده إليها فكأنها‬
‫كرهفت ذلك‪ ،‬فأمفر أبفا أسفيد أن يجهزهفا ويكسفوها ثوبيفن‪ .‬وففي لففظ آخفر قال أبفو أسفيد‪ :‬أتفى رسفول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم بالجونية‪ ،‬فلما دخل عليها قال‪( :‬هبي لي نفسك) فقالت‪ :‬وهل تهب الملكة‬
‫نفسفها للسفوقة فأهوى بيده ليضعهفا عليهفا لتسفكن‪ ،‬فقالت‪ :‬أعوذ بال منفك فقال‪( :‬قفد عذت بمعاذ) ثفم‬
‫خرج علينا فقال‪( :‬يا أبا أسيد‪ ،‬اكسها رازقيين وألحقها بأهلها)‪.‬‬
‫ومنهففن‪ :‬قتيلة بنففت قيففس‪ ،‬أخففت الشعففث بففن قيففس‪ ،‬زوجهففا إياه الشعففث‪ ،‬ثففم انصففرف إلى‬
‫حضرموت‪ ،‬فحملهفا إليفه فبلغفه وفاة النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فردهفا إلى بلده‪ ،‬فارتفد وارتدت‬
‫معه‪ .‬ثم تزوجها عكرمة بن أبي جهل‪ ،‬فوجد من ذلك أبو بكر وجدا شديدا‪ .‬فقال له عمر‪ :‬إنها وال‬
‫مفا هفي مفن أزواجفه‪ ،‬مفا خيرهفا ول حجبهفا‪ .‬ولقفد برأهفا ال منفه بالرتداد‪ .‬وكان عروة ينكفر أن‬
‫يكون تزوجها‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬أم شريك الزدية‪ ،‬واسمها غزية بنت جابر بن حكيم‪ ،‬وكانت قبله عند أبي بكر بن أبي‬
‫سفلمى‪ ،‬فطلقها النبي صلى ال عليه وسفلم ولم يدخل بها‪ .‬وهفي التفي وهبت نفسفها‪ .‬وقيفل‪ :‬إن التفي‬
‫وهبت نفسها للنبي صلى ال عليه وسلم خولة بنت حكيم‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬خولة بنفت الهزيفل بفن هبيرة‪ ،‬تزوجهفا رسفول ال صلى ال عليه وسفلم‪ ،‬فهلكت قبل أن‬
‫تصل إليه‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬شراف بنت خليفه‪ ،‬أخت دحية‪ ،‬تزوجها ولم يدخل بها‪.‬‬
‫ومنهن ليلى بنت الخطيم‪ ،‬أخت قيس‪ ،‬تزوجها وكانت غيورا فاستقالته فأقالها‪.‬‬
‫ومنهفن‪ :‬عمرة بنفت معاويفة الكنديفة‪ ،‬تزوجهفا النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال الشعفبي‪ :‬تزوج‬
‫امرأة من كندة فجيء بها بعد ما مات‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬ابنة جندب بن ضمرة الجندعية‪ .‬قال بعضهم‪ :‬تزوجها رسول ال صلى ال عليه وأنكر‬
‫بعضهم وجود ذلك‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬الغفارية‪ .‬قال بعضهم‪ :‬تزوج امرأة من غفار‪ ،‬فأمرها فنزعت ثيابها فرأى بياضا فقال‪:‬‬
‫(الحقفي بأهلك)‪ .‬ويقال‪ :‬إنمفا رأى البياض بالكلبيفة‪ .‬فهؤلء اللتفي‪ ،‬عقفد عليهفن ولم يدخفل بهفن‪،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‬
‫فأما من خطبهن فلم يتم نكاحه معهن‪ ،‬ومن وهبت له نفسها‪:‬‬
‫فمنهفن‪ :‬أم هانفئ بنفت أبفي طالب‪ ،‬واسفمها فاختفة‪ .‬خطبهفا النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقالت‪ :‬إنفي‬
‫مرأة مصبية واعتذرت إليه فعذرها‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬ضباعة بنت عامر‪.‬‬
‫ومنهفن‪ :‬صففية بنفت بشامفة بفن نضلة‪ ،‬خطبهفا النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وكان أصفابها سفباء‪،‬‬
‫فخيرهففا النففبي صففلى ال عليففه وسففلم‪ ،‬فقال‪( :‬إن شئت أنففا وإن شئت زوجففك)؟ قالت‪ :‬زوجففي‪.‬‬
‫فأرسلها‪ ،‬فلعنتها بنو تميم‪ ،‬قال ابن عباس‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬أم شريك‪ .‬وقد تقدم ذكرها‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬ليلى بنت الخطيم‪ ،‬وقد تقدم ذكرها‪.‬‬
‫ومنهفن‪ :‬خولة بنفت حكفم بفن أميفة‪ ،‬وهبفت نفسفها للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم فأرجأهفا‪ ،‬فتزوجهفا‬
‫عثمان بن مظعون‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬جمرة بنت الحارث بن عوف المري‪ ،‬خطبها النبي صلى ال عليه وسلم فقال أبوها‪ :‬إن‬
‫بها سوءا ولم يكن بها‪ ،‬فرجع إليها أبوها وقد برصت‪ ،‬وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬سودة القرشية‪ ،‬خطبها رسول ال صلى ال عليه وسلم وكانت مصبية‪ .‬فقالت‪ :‬أخاف أن‬
‫يضغو صبيتي عند رأسك‪ .‬فحمدها ودعا لها‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬امرأة لم يذكفر اسفمها‪ .‬قال مجاهفد‪ :‬خطفب رسفول ال صفلى ال عليه وسفلم امرأة فقالت‪:‬‬
‫أسفتأمر أبفي‪ .‬فلقيفت أباهفا فأذن لهفا‪ ،‬فلقيفت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فقال‪( :‬قفد التحفنفا لحاففا‬
‫غيرك)‪ .‬فهؤلء جميفع أزواج النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وكان له مفن السفراري سفريتان‪ :‬ماريفة‬
‫القبطيففة‪ ،‬وريحانففة‪ ،‬فففي قول قتادة‪ .‬وقال غيره‪ :‬كان له أربففع‪ :‬ماريففة‪ ،‬وريحانففة‪ ،‬وأخرى جميلة‬
‫أصابها في السبي‪ ،‬وجارية وهبتها له زينب بنت جحش‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن كنتفن تردن الحياة الدنيفا وزينتهفا" "إن" شرط‪ ،‬وجوابفه "فتعاليفن"‪ ،‬فعلق‬
‫التخييففر على شرط‪ .‬وهذا يدل على أن التخييففر والطلق المعلقيففن على شرط صففحيحان‪ ،‬فينفذان‬
‫ويمضيان‪ ،‬خلفا للجهال المبتدعة الذين يزعمون أن الرجل إذا قال لزوجته‪ :‬أنت طالق إن دخلت‬
‫الدار‪ ،‬أنه ل يقع الطلق إن دخلت الدار‪ ،‬لن الطلق الشرعي هو المنجز في الحال ل غير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتعالين" هو جواب الشرط‪ ،‬وهو فعل جماعة النساء‪ ،‬من قولك تعالى‪ ،‬وهو دعاء‬
‫إلى القبال إليه يقال‪ :‬تعال بمعنى أقبل‪ ،‬وضع لمن له جللة ورفعة‪ ،‬ثم صار في الستعمال لكل‬
‫داع إلى القبال‪ ،‬وأما في هذا الموضع فهو على أصله‪ ،‬فإن الداعي هو رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسففلم "أمتعكففن" وقرئ "أمتعُكففن" بضففم العيففن‪ .‬وكذا "أسففرحكن" بضففم الحاء على السففتئناف‪.‬‬
‫والسراح الجميل‪ :‬هو أن يكون طلقا للسنة من غير ضرار ول منع واجب لها‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء ففي كيفيفة تخييفر النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أزواجفه على قوليفن‪ :‬الول‪ :‬أنفه‬
‫خيرهفن بإذن ال تعالى ففي البقاء على الزوجيفة أو الطلق‪ ،‬فاخترن البقاء‪ ،‬قالتفه عائشفة ومجاهفد‬
‫وعكرمفة والشعفبي وابفن شهاب وربيعفة‪ .‬ومنهفن مفن قال‪ :‬إنمفا خيرهفن بيفن الدنيفا فيفارقهفن‪ ،‬وبيفن‬
‫الخرة فيمسفكهن‪ ،‬لتكون لهفن المنزلة العليفا كمفا كانفت لزوجهفن‪ ،‬ولم يخيرهفن ففي الطلق‪ ،‬ذكره‬
‫الحسن وقتادة‪ .‬ومن الصحابة علي فيما رواه عنه أحمد بن حنبل أنه قال‪ :‬لم يخير رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم نساءه إل بين الدنيا والخرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬القول الول أصفح‪ ،‬لقول عائشفة رضففي ال عنهفا لمفا سفئلت عفن الرجفل يخيفر امرأتفه‬
‫فقالت‪ :‬قفد خيرنفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أفكان طلقفا ففي روايفة‪ :‬فاخترناه فلم يعده طلقفا‬
‫ولم يثبفت عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم إل التخييفر المأمور بيفن البقاء والطلق‪ ،‬لذلك قال‪:‬‬
‫(يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فل عليك أل تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك) الحديث‪ .‬ومعلوم أنه‬
‫لم يرد الستئمار في اختيار الدنيا وزينتها على الخرة‪ .‬فثبت أن الستئمار إنما وقع في الفرقة‪ ،‬أو‬
‫النكاح‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء ففي المخيرة إذا اختارت زوجهفا‪ ،‬فقال جمهور العلماء مفن السفلف وغيرهفم‬
‫وأئمففة الفتوى‪ :‬إنففه ل يلزمففه طلق‪ ،‬ل واحدة ول أكثففر‪ ،‬هذا قول عمففر بففن الخطاب وعلي وابففن‬
‫مسفعود وزيفد بفن ثابفت وابفن عباس وعائشفة‪ .‬ومفن التابعيفن عطاء ومسفروق وسفليمان بفن يسفار‬
‫وربيعفة وابفن شهاب‪ .‬وروي عفن علي وزيفد أيضفا‪ :‬إن أختارت زوجهفا فواحدة بائنفة‪ ،‬وهفو قول‬
‫الحسفن البصفري والليفث‪ ،‬وحكاه الخطابفي والنقاش عفن مالك‪ .‬وتعلقوا بأن قوله‪ :‬اختاري‪ ،‬كنايفة‬
‫عن إيقاع الطلق‪ ،‬فإذا أضافه إليها وقعت طلقة‪ ،‬كقوله‪ :‬أنت بائن‪ .‬والصحيح الول‪ ،‬لقول عائشة‪:‬‬
‫خيرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فاخترناه فلم يعده علينا طلقا‪ .‬أخرجه الصحيحان‪ .‬قال ابن‬
‫المنذر‪ :‬وحديفث عائشفة دل على أن المخيرة إذا أختارت زوجهفا لم يكفن ذلك طلقفا‪ ،‬ويدل على أن‬
‫اختيارهفا نفسفها يوجفب الطلق‪ ،‬ويدل على معنفى ثالث‪ ،‬وهفو أن المخيرة إذا اختارت نفسفها أنهفا‬
‫تطليقفة يملك زوجهفا رجعتهفا‪ ،‬إذ غيفر جائز أن يطلق رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بخلف مفا‬
‫أمره ال‪ .‬وروي هذا عففن عمففر وابففن مسففعود وابففن عباس‪ .‬وبففه قال ابففن أبففي ليلى والثوري‬
‫والشافعففي‪ .‬وروي عففن علي أنهففا إذا أختارت نفسففها أنهففا واحدة بائنففة‪ .‬وهففو قول أبففي حنيفففة‬
‫وأصحابه‪ .‬ورواه ابن خويز منداد عن مالك‪ .‬وروي عن زيد‪ :‬بن ثابت أنها إذا اختارت نفسها أنها‬
‫ثلث‪ .‬وهفو قول الحسفن البصفري‪ ،‬وبفه قال مالك والليفث‪ ،‬لن الملك إنمفا يكون بذلك‪ .‬وروي عفن‬
‫علي رضفي ال عنفه أنهفا إذا أختارت نفسفها فليفس بشيفء‪ .‬وروي عنفه أنهفا إذا اختارت زوجهفا‬
‫فواحدة رجعية‪.‬‬
‫@ ذهفب جماعة من المدنيين وغيرهفم إلى أن التمليك والتخييفر سواء‪ ،‬والقضاء مفا قضت فيهمفا‬
‫جميعفا‪ ،‬وهفو قول عبدالعزيفز بفن أبفي سفلمة‪ .‬قال ابفن شعبان‪ :‬وقفد اختاره كثيفر مفن أصفحابنا‪ ،‬وهفو‬
‫قول جماعفة مفن أهفل المدينفة‪ .‬قال أبفو عمفر‪ :‬وعلى هذا القول أكثفر الفقهاء‪ .‬والمشهور مفن مذهفب‬
‫مالك الفرق بينهما‪ ،‬وذلك أن التمليك عند مالك وهو قول الرجل لمرأته‪ :‬قد ملكتك‪ ،‬أي قد ملكتك‬
‫مفا جعفل ال لي مفن الطلق واحدة أو اثنتيفن أو ثلثفا‪ ،‬فلمفا جاز أن يملكهفا بعفض ذلك دون بعفض‬
‫وادعفى ذلك‪ ،‬كان القول قوله مفع يمينفه إذا ناكرهفا‪ .‬وقالت طائففة مفن أهفل المدينفة‪ :‬له المناكرة ففي‬
‫التمليفك وففي التخييفر سفواء ففي المدخول بهفا‪ .‬والول قول مالك ففي المشهور‪ .‬وروى ابفن خويفز‬
‫مندد‪ .‬عن مالك أن للزوج أن يناكر المخيرة في الثلث‪ ،‬وتكون طلقة بائنة كما قال أبو حنيفة‪ .‬وبه‬
‫قال أبو الجهم‪ .‬قال سحنون‪ :‬وعليه أكثر أصحابنا‪.‬‬
‫وتحصفيل مذهفب مالك‪ :‬أن المخيرة إذا أختارت نفسفها وهفي مدخول بهفا فهفو الطلق كله‪ ،‬وإن‬
‫أنكفر زوجهفا فل نكرة له‪ .‬وإن أختارت واحدة فليفس بشيفء‪ ،‬وإنمفا الخيار البتات‪ ،‬إمفا أخذتفه وإمفا‬
‫تركتفه‪ ،‬لن معنفى التخييفر التسفريح‪ ،‬قال ال تعالى ففي آيفة التخييفر‪" :‬فتعاليفن أمتعكفن وأسفرحكن‬
‫سفففراحا جميل" فمعنفففى التسفففريح البتات‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬الطلق مرتان فإمسفففاك بمعروف أو‬
‫تسريح بإحسان" [البقرة‪ .]229 :‬والتسريح بإحسان هو الطلقة الثالثة‪ ،‬روي ذلك عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسفلم كما تقدم‪ .‬ومن جهفه المعنى أن قوله‪ :‬اختاريني أو اختاري نفسك يقتضفي أل يكون‬
‫له عليها سبيل إذا أختارت نفسها‪ ،‬ول يملك منها شيئا‪ ،‬إذ قد جعل إليها أن تخرج ما يملكه منها أو‬
‫تقيم معه إذا أختارته‪ ،‬فإذا أختارت البعض من الطلق لم تعمل بمقتضى اللفظ‪ ،‬وكانت به بمنزل‬
‫من خير بين شيئين فاختار غيرهما‪ .‬وأما التي لم يدخل بها فله مناكرتها في التخيير والتمليك إذا‬
‫زادت على واحدة‪ ،‬لنها تبين في الحال‪.‬‬
‫@ واختلفت الرواية عن مالك متى يكون لها الخيار‪ ،‬فقال مرة‪ :‬لها الخيار ما دامت في المجلس‬
‫قبففل القيام أو الشتغال بمففا يدل على العراض‪ .‬فإن لم تختففر ولم تقففض شيئا حتففى أفترقففا مففن‬
‫مجلسهما بطل ما كان من ذلك إليها‪ ،‬وعلى هذا أكثر الفقهاء‪ .‬وقال مرة‪ :‬لها الخيار أبدا ما لم يعلم‬
‫أنها تركت‪ ،‬وذلك يعلم بأن تمكنه من نفسها بوطء أو مباشرة‪ ،‬فعلى هذا إن منعت نفسها ولم تختر‬
‫شيئا كان له رفعهفا على الحاكفم لتوقفع أو‪ ،‬فإن أبفت أسفقط الحاكفم تمليكهفا‪ .‬وعلى القول الول إذا‬
‫أخذت ففي غيفر ذلك مفن حديفث أو عمفل أو مشفي أو مفا ليفس ففي التخييفر بشيفء كمفا ذكرنفا سفقط‬
‫تخييرهففا‪ .‬واحتففج بعففض أصففحابنا لهذا القول بقوله تعالى‪" :‬فل تقعدوا معهففم حتففى يخوضوا فففي‬
‫حديفث غيره" [النسفاء‪ .]140 :‬وأيضفا فإن الزوج أطلق لهفا القول ليعرف الخيار منهفا‪ ،‬فصفار‬
‫كالعقفد بينهمفا‪ ،‬فإن قبلتفه وإل سفقط‪ ،‬كالذي يقول‪ :‬قفد وهبفت لك أو بايعتفك‪ ،‬فإن قبفل وإل كان الملك‬
‫باقيا محال‪ .‬هذا قول الثوري والكوفيين والوزاعي والليث والشافعي وأبى ثور‪ ،‬وهو اختيار ابن‬
‫القاسم ووجه الرواية الثانية أن ذلك قد صار في يدها ملكته على زوجها بتمليكه إياها فلما ملكت‬
‫ذلك وجب أن يبقى في يدها كبقائه في يد زوجها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا هفو الصفحيح لقوله عليفه السفلم لعائشفة‪( :‬إنفي ذاكفر لك أمرا فل عليفك أل تسفتعجلي‬
‫حتفى تسفتأمري أبويفك) رواه الصفحيح‪ ،‬وخرجفه البخاري‪ ،‬وصفححه الترمذي‪ .‬وقفد تقدم ففي أول‬
‫الباب‪ .‬وهفو حجفة لمفن قال‪ :‬إنفه إذا خيفر الرجفل امرأتفه أو ملكهفا أن لهفا أن تقضفي ففي ذلك وإن‬
‫أفترقا من مجلسهما‪ ،‬روي هذا عن الحسن والزهري‪ ،‬وقال مالك في إحدى روايتيه‪ .‬قال أبو عبيد‪:‬‬
‫والذي عندنا في هذا الباب‪ ،‬أتباع السنة في عائشة في هذا الحديث‪ ،‬حين جعل لها التخيير إلى أن‬
‫تسفتأمر أبيهفا‪ ،‬ولم يجعفل قيامهفا مفن مجلسفها خروجفا مفن الم‪ .‬قال المروزي‪ .‬هذا أصفح القاويفل‬
‫عندي‪ ،‬وقال ابن المنذر والطحاوي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 31 - 30 :‬يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين‬
‫وكان ذلك على ال يسففيرا‪ ،‬ومففن يقنففت منكففن ل ورسففوله وتعمففل صففالحا نؤتهففا أجرهففا مرتيففن‬
‫وأعتدنا لها رزقا كريما}‬
‫@ قال العلماء‪ :‬لمفا اختار نسفاء النفبي صفلى ال عليفه وسفلم رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫شكرهفن ال على ذلك فقال تكرمفة لهفن‪" :‬ل يحفل لك النسفاء مفن بعفد ول أن تبدل بهفن مفن أزواج"‬
‫[الحزاب‪ ]52 :‬الية‪ .‬وبين حكمهن عن غيرهن فقال‪" :‬وما كان لكم أن تؤذوا رسول ال ول أن‬
‫تنكحوا أزواجه من بعده أبدا" [الحزاب‪ ]53 :‬وجعل ثواب طاعتهن وعقاب معصيتهن أكثر مما‬
‫لغيرهفن فقال‪" :‬يفا نسفاء النفبي مفن يأت منكفن بفاحشفة مبينفة يضاعفف لهفا العذاب ضعفيفن" فأخفبر‬
‫تعالى أن من جاء من نساء النبي صلى ال عليه وسلم بفاحشة ‪ -‬وال عاصم رسوله عليه السلم‬
‫مففن ذلك كمففا مففر فففي حديففث الفففك ‪ -‬يضاعففف لهففا العذاب ضعفيففن‪ ،‬لشرف منزلتهففن وفضففل‬
‫درجتهن‪ ،‬وتقدمهن على سائر النساء أجمع‪ .‬وكذلك بينت الشريعة في غير ما موضع حسبما تقدم‬
‫بيانفه غيفر مرة ‪ -‬أنفه كلمفا تضاعففت الحرمات فهتكفت تضاعففت العقوبات‪ ،‬ولذلك ضوعفف حفد‬
‫الحفر على العبفد والثيفب على البكفر‪ .‬وقيفل‪ :‬لمفا كان أزوج النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي مهبفط‬
‫الوحفي وففي منزل أوامفر ال ونواهيفه‪ ،‬قوي المفر عليهفن ولزمهفن بسفبب مكانتهفن أكثفر ممفا يلزم‬
‫غيرهن‪ ،‬فضوعف لهن الجر والعذاب‪ .‬وقيل‪ ،‬إنما ذلك لعظم الضرر في جرائمهن بإيذاء رسول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬فكانفت العقوبفة على قدر عظفم الجريمفة ففي إيذاء رسفول ال صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم‪ ،‬وقال تعالى‪" :‬إن الذيفن يؤذون ال ورسفوله لعنهفم ال ففي الدنيفا والخرة" [الحزاب‪:‬‬
‫‪ .]57‬واختار هذا القول الكيا الطبري‪.‬‬
‫@ قال قوم‪ :‬لو قدر الزنى من واحدة منهن ‪ -‬وقد أعاذهن ال من ذلك ‪ -‬لكانت تحد حدين لعظم‬
‫قدرهفا‪ ،‬كمفا يزاد حفد الحرة على المفة‪ .‬والعذاب بمعنفى الحفد‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وليشهفد عذابهمفا‬
‫طائفة من المؤمنين" [النور‪ .]2 :‬وعلى هذا فمعنى الضعفين معنى المثلين أو المرتين‪ ،‬وقال أبو‬
‫عفبيدة‪ :‬ضعفف الشيفء شيئان حتفى يكون ثلثفة‪ .‬وقاله أبفو عمرو فيمفا حكفى الطفبري عنه‪ ،‬فيضاف‬
‫إليه عذابان مثله فيكون ثلثة أعذبة‪ .‬وضعفه الطبري‪ .‬وكذلك هو غير صحيح وإن كان‪ ،‬له باللفظ‬
‫تعلق الحتمال‪ .‬وكون الجر مرتين مما يفسد هذا القول‪ ،‬لن العذاب في الفاحشة بإزاء الجر في‬
‫الطاعة‪ ،‬قال ابن عطية‪ .‬وقال النحاس‪ :‬فرق أبو عمرو بين "يضاعف ويضعف" قال‪" :‬يضاعف"‬
‫للمرار الكثيرة‪ .‬و"يضعف" مرتين‪ .‬وقرأ "يضعف" لهذا‪ .‬وقال أبو عبيدة‪" :‬يضاعف لها العذاب"‬
‫يجعفل ثلثفة أعذبفة‪ .‬قال النحاس‪ :‬التفريفق الذي جاء بفه أبفو عمرو وأبفو عفبيدة ل يعرففه أحفد مفن‪،‬‬
‫أهفل اللغفة علمتفه‪ ،‬والمعنفى ففي "يضاعفف ويضعفف" واحفد‪ ،‬أي يجعفل ضعفيفن‪ ،‬كمفا تقول‪ :‬إن‬
‫دفعفت إلي درهمفا دفعفت إليفك ضعفيفه‪ ،‬أي مثليفه‪ ،‬يعنفي درهميفن‪ .‬ويدل على هذا "نؤتهفا أجرهفا‬
‫مرتيفن" ول يكون العذاب أكثفر مفن الجفر‪ .‬وقال ففي موضفع آخفر "آتهفم ضعفيفن مفن العذاب"‬
‫[الحزاب‪ ]68 :‬أي مثلن‪ .‬وروى معمفر عفن قتادة "يضاعفف لهفا العذاب ضعفيفن" قال‪ :‬عذاب‬
‫الدنيففا وعذاب الخرة‪ .‬قال القشيري أبففو نصففر‪ :‬الظاهففر أنففه أراد بالضعفيففن المثليففن‪ ،‬لنففه قال‪:‬‬
‫"نؤتها أجرها مرتين‪ ."،‬فأما في الوصايا‪ ،‬لو أوصي لنسان بضعفي نصيب ولده فهو وصية بأن‬
‫يعطفي مثفل نصفيبه ثلث مرات‪ ،‬فإن الوصفايا تجري على العرف فيمفا بيفن الناس‪ ،‬وكلم ال يرد‬
‫تفسيره إلى كلم العرب‪ ،‬والضعف في كلم العرب المثل إلى ما زاد‪ ،‬وليس بمقصور على مثلين‪.‬‬
‫يقال‪ :‬هذا ضعفففف هذا‪ ،‬أي مثله‪ .‬وهذا ضعفاه‪ ،‬أي مثله‪ ،‬فالضعفففف ففففي الصفففل زيادة غيفففر‬
‫محصورة‪ ،‬قال‪ ،‬ال تعالى‪" :‬فأولئك لهم جزاء الضعف" [سبأ‪ ]37 :‬ولم يرد مثل ول مثلين‪ .‬كل‬
‫هذا قول الزهري‪ .‬وقد تقدم في "النور" الختلف في حد من قذف واحدة منهن‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫@ قال أبفو راففع‪ :‬كان عمفر رضفي ال عنفه كثيرا مفا يقرأ سفورة يوسفف وسفورة الحزاب ففي‬
‫الصبح‪ ،‬وكان إذا بلغ "يا نساء النبي" رفع بها صوته‪ ،‬فقيل له في ذلك فقال‪( :‬أذكرهن العهد)‪ .‬قرأ‬
‫الجمهور‪" :‬من يأت" بالياء‪ .‬وكذلك "من يقنت" حمل على لفظ "من"‪ .‬والقنوت الطاعة‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫وقرأ يعقوب‪" :‬مففن تأت" و"تقنففت" بالتاء مففن فوق‪ ،‬حمل على المعنففى‪ .‬وقال قوم‪ :‬الفاحشففة إذا‬
‫وردت معرففة فهفي الزنفى واللواط‪ .‬وإذا وردت منكرة فهفي سفائر المعاصفي‪ .‬وإذا وردت منعوتفة‬
‫فهفي عقوق الزوج وفسفاد عشرتفه‪ .‬وقالت فرقفة‪ :‬بفل قوله "فاحشفة مبينفة" تعفم جميفع المعاصفي‪.‬‬
‫وكذلك الفاحشفة كيفف وودت‪ .‬وقرأ ابفن كثيفر "مبينفة" بفتفح الياء‪ .‬وقرأ ناففع وأبفو عمرو بكسفرها‪.‬‬
‫وقرأت فرقفة‪" :‬يضاعفف" بكسفر العيفن على إسفناد الفعفل إلى ال تعالى وقرأ أبفو عمرو فيمفا روى‬
‫خارجفة "يضاعفف" بالنون المضمومفة ونصفب "العذاب" وهذه قراءة ابفن محيصفن‪ .‬وهذه مفاعلة‬
‫مفن واحفد‪ ،‬كطارقفت النعفل وعاقبفت اللص‪ .‬وقرأ ناففع وحمزة والكسفائي "يضاعفف" بالياء وفتفح‬
‫العين‪" ،‬العذاب" رفعا‪ .‬وهي قراءة الحسن وابن كثير وعيسى‪ .‬وقرأ ابن كذ وابن عامر "نضعف"‬
‫بالنون وكسفر العيفن المشددة‪" ،‬العذاب" نصفبا‪ .‬قال مقاتفل هذا التضعيفف ففي عذاب إنمفا هفو ففي‬
‫الخرة‪ ،‬لن إيتاء الجفر مرتيفن أيضفا ففي الخرة‪ .‬وهذا حسفن‪ ،‬لن نسفاء النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم ل يأتيفن بفاحشفة توجفب حدا‪ .‬وقفد قال ابفن عباس‪ :‬مفا بغفت امرأة نفبي قفط‪ ،‬وإنمفا خانفت ففي‬
‫اليمان والطاعففة‪ .‬وقال بعففض المفسففرين‪ :‬العذاب الذي توعدن بففه "ضعفيففن" هففو عذاب الدنيففا‬
‫وعذاب الخرة‪ ،‬فكذلك الجر‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا ضعيف‪ ،‬اللهم إل أن يكون أزواج النبي صلى‬
‫ال عليففه وسففلم ل ترفففع عنهففن حدوة الدنيففا عذاب الخرة‪ ،‬على مففا هففي حال الناس عليففه‪ ،‬بحكففم‬
‫حديث عبادة بن الصامت‪ .‬وهذا أمر لم يرو في أزواج النبي صلى ال عليه وسلم ول حفظ تقرره‪.‬‬
‫وأهل التفسير على أن الرزق الكريم الجنة‪ ،‬ذكره النحاس‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 :‬يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فل تخضعن بالقول فيطمع الذي‬
‫في قلبه مرض وقلن قول معروفا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن" يعني في الفضل والشرف‪ .‬وقال‪:‬‬
‫"كأحد" ولم يقل كواحدة‪ ،‬لن أحدا نفي من المذكر والمؤنث والواحد والجماعة‪ .‬وقد يقال على ما‬
‫ليس بآدمي‪ ،‬يقال‪ :‬ليس فيها أحد‪ ،‬ل شاة ول بعير‪ .‬وإنما خص النساء بالذكر لن فيمن تقدم آسية‬
‫ومريفم‪ .‬وقفد أشار إلى هذا قتادة‪ ،‬وقفد تقدم ففي "آل عمران" الختلف ففي التفضيفل بينهفن‪ ،‬فتأمله‬
‫هناك‪ .‬ثم قال‪" :‬إن اتقيتن" أي خفتن ال‪ .‬فبين أن الفضيلة إنما تتم لهن بشرط التقوى‪ ،‬لما منحهن‬
‫ال من صحبة الرسول وعظيم المحل منه‪ ،‬ونزول القرآن في حقهن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تخضعن بالقول" في موضع جزم بالنهي‪ ،‬إل أنه مبني كما بني الماضي‪ ،‬هذا‬
‫مذهففب سففيبويه‪ ،‬أي ل تلن القول‪ .‬أمرهففن ال أن يكون قولهففن جزل وكلمهففن فصففل‪ ،‬ول يكون‬
‫على وجه يظهر في القلب علقة بما يظهر عليه من اللين‪ ،‬كما كانت الحال عليه في نساء العرب‬
‫من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه‪ ،‬مثل كلم المريبات والمومسات‪ .‬فنهاهن عن مثل هذا‪.‬‬
‫"فيطمع الذي في قلبه مرض" "فيطمع" بالنصب على جواب النهي‪" .‬الذي في قلبه مرض" أي‬
‫شففك ونفاق‪ ،‬عففن قتادة والسففدي‪ .‬وقيففل‪ :‬تشوف الفجور‪ ،‬وهففو الفسففق والغزل‪ ،‬قال عكرمففة‪ .‬وهذا‬
‫أصفوب‪ ،‬وليفس للنفاق مدخفل ففي هذه اليفة‪ .‬وحكفى أبفو حاتفم أن العرج قرأ "فيطمِع" بفتفح الياء‬
‫وكسفر الميفم‪ .‬النحاس‪ :‬أحسفب هذا غلطفا‪ ،‬وأن يكون قرأ "فيطمَعفِ" بفتفح الميفم وكسفر العيفن بعطففه‬
‫على "تخضعن" فهذا وجه جيد حسن‪ .‬ويجوز "فيطمع" بمعنفى فيطمع الخضوع أو القول‪" .‬وقلن‬
‫قول معروفففا" قال ابففن عباس‪ :‬أمرهففن بالمففر بالمعروف والنهففي عففن المنكففر‪ .‬والمرأة تندب إذا‬
‫خاطبت الجانب وكذا المحرمات عليها بالمصفاهرة إلى الغلظة ففي القول‪ ،‬من غير رفع صوت‪،‬‬
‫فإن المرأة مأمورة بخففففض الكلم‪ .‬وعلى الجملة فالقول المعروف‪ :‬هفففو الصفففواب الذي ل تنكره‬
‫الشريعة ول النفوس‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 33 :‬وقرن في بيوتكن ول تبرجن تبرج الجاهلية الولى وأقمن الصلة وآتين الزكاة‬
‫وأطعن ال ورسوله إنما يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقرن ففي بيوتكفن ول تفبرجن تفبرج الجاهليفة الولى" "وقرن" قرأ الجمهور‬
‫"وقرن" بكسر القاف‪ .‬وقرأ عاصم ونافع بفتحها‪ .‬فأما القراءة الولى فتحتمل وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن‬
‫يكون مففن الوقار‪ ،‬تقول‪ :‬وقففر يقففر وقارا أي سففكن‪ ،‬والمففر قففر‪ ،‬وللنسففاء قرن‪ ،‬مثففل عدن وزن‪.‬‬
‫والوجفه الثانفي‪ :‬وهفو قول المفبرد‪ ،‬أن يكون مفن القرار‪ ،‬تقول‪ :‬قررت بالمكان (بفتفح الراء) أقفر‪،‬‬
‫والصل أقررن‪ ،‬بكسر الراء‪ ،‬فحذفت الراء الولى تخفيفا‪ ،‬كما قالوا في ظللت‪ :‬ظللت‪ ،‬ومسست‪:‬‬
‫مست‪ ،‬ونقلوا حركتها إلى القاف‪ ،‬واستغنى عن ألف الوصل لتحرك القاف‪ .‬قال أبو علي‪ :‬بل على‬
‫إن أبدلت الراء ياء كراهفة التضعيفف‪ ،‬كمفا أبدلت ففي قيراط ودينار‪ ،‬ويصفير للياء حركفة الحرف‬
‫المبدل منفه‪ ،‬فالتقديفر‪ :‬إقيرن‪ ،‬ثفم تلقفى حركفة الياء على القاف كراهفة تحرك الياء بالكسفر‪ ،‬فتسفقط‬
‫الياء لجتماع السفاكنين‪ ،‬وتسفقط همزة الوصفل لتحرك مفا بعدهفا فيصفير "قرن"‪ .‬وأمفا قراءة أهفل‬
‫المدينففة وعاصففم‪ ،‬فعلى لغففة العرب‪ :‬قررت فففي المكان إذا أقمففت فيففه (بكسففر الراء) أقففر (بفتففح‬
‫القاف)‪ ،‬من باب حمد يحمد‪ ،‬وهي لغة أهل الحجاز ذكرها أبو عبيد في "الغريب المصنف" عن‬
‫الكسائي‪ ،‬وهو من أجل مشايخه‪ ،‬وذكرها الزجاج وغيره‪ ،‬والصل "اقررن" حذفت الراء الولى‬
‫لثقففل التضعيففف‪ ،‬وألقيففت حركتهففا على القاف فتقول‪ :‬قرن‪ .‬قال الفراء‪ :‬هففو كنففا تقول‪ :‬أحسففت‬
‫صفاحبك‪ ،‬أي هفل أحسفست‪ .‬وقال أبفو عثمان المازنفي‪ :‬قررت بفه عينفا (بالكسفر ل غيفر)‪ ،‬مفن قرة‬
‫العين‪ .‬ول يجوز قررت في المكان (بالكسر) وإنما هو قررت (بفتح الراء)‪ ،‬وما أنكره من هذا ل‬
‫يقدح ففي القراءة إذا ثبتفت عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬فيسفتدل بمفا ثبفت عنفه مفن القراءة على‬
‫صحة اللغة‪ .‬وذهب أبو حاتم أيضا أن "قرن" ل مذهب له في كلم العرب‪ .‬قال النحاس‪ :‬وأما قول‬
‫أبفي حاتفم‪" :‬ل مذهفب له" فقفد خولف فيفه‪ ،‬وفيفه مذهبان‪ :‬أحدهمفا مفا حكاه الكسفائي‪ ،‬والخفر مفا‬
‫سفمعت علي بفن سفليمان يقول‪ ،‬قال‪ :‬وهفو مفن قررت بفه عينفا أقفر‪ ،‬والمعنفى‪ :‬وأقررن بفه عينفا ففي‬
‫بيوتكن‪ .‬وهو وجه حسن‪ ،‬إل أن الحديث يدل على أنه من الول‪ .‬كما روي أن عمارا قال لعائشة‬
‫رضي ال عنها‪ :‬إن ال قد أمرك أن تقري في منزلك‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبا اليقظان‪ ،‬ما زلت قوال بالحق!‬
‫فقال‪ :‬الحمفففد ل الذي جعلنفففي كذلك على لسفففانك‪ .‬وقرأ ابفففن أبفففي عبلة "وأقررن" بألف وصفففل‬
‫وراءين‪ ،‬الولى مكسورة‪.‬‬
‫@ معنفى هذه اليفة المفر بلزوم البيفت‪ ،‬وإن كان الخطاب لنسفاء النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقفد‬
‫دخل غيرهن فيه بالمعنى‪ .‬هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء‪ ،‬كيف والشريعة طافحة بلزوم‬
‫النساء بيوتهن‪ ،‬والنكفاف عن الخروج منها إل لضرورة‪ ،‬على ما تقدم في غير موضع‪ .‬فأمر ال‬
‫تعالى نساء النبي صلى ال عليه وسلم بملزمة بيوتهن‪ ،‬وخاطبهن بذلك تشريفا لهن‪ ،‬ونهاهن عن‬
‫التبرج‪ ،‬وأعلم أنه فعل الجاهلية الولى فقال‪" :‬ول تبرجن تبرج الجاهلية الولى"‪ .‬وقد تقدم معنى‬
‫التبرج في "النور"‪ .‬وحقيقته إظهار ما ستره أحسن‪ ،‬وهو مأخوذ من السعة‪ ،‬يقال‪ :‬في أسنانه برج‬
‫إذا كانت متفرقة‪ ،‬قاله المبرد‪ .‬واختلف الناس في "الجاهلية الولى‪ ،‬فقيل‪ :‬هي الزمن الذي ولد فيه‬
‫إبراهيفم عليفه السفلم‪ ،‬كانفت المرأة تلبفس الدرع مفن اللؤلؤ‪ ،‬فتمشفي وسفط الطريفق تعرض نفسفها‬
‫على الرجال‪ .‬وقال الحكفم بفن عيينفة‪ :‬مفا بيفن آدم ونوح‪ ،‬وهفي ثمانمائة سفنة‪ ،‬وحكيفت لهفم سفير‬
‫ذميمة‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬ما بين نوح وإدريس‪ .‬الكلبي‪ :‬ما بين نوج وإبراهيم‪ .‬قيل‪ :‬إن المرأة كانت‬
‫تلبس الدرع من اللؤلؤ غير مخيط الجانبين‪ ،‬وتلبس الثياب الرقاق ول تواري بدنها‪ .‬وقالت فرقة‪:‬‬
‫ما بين موسى وعيسى‪ .‬الشعبي‪ :‬ما بين عيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم أبو العالية‪ :‬هي زمان‬
‫داود وسفليمان‪ ،‬كان فيفه للمرأة قميصفي مفن الدر غيفر مخيفط الجانفبين‪ .‬وقال أبفو العباس المفبرد‪:‬‬
‫والجاهليفة الولى كمفا تقول الجاهليفة الجهلء‪ ،‬قال‪ :‬وكان النسفاء ففي الجاهليفة الجهلء يظهرن مفا‬
‫يقبففح إظهاره‪ ،‬حتففى كانففت المرأة تجلس مففع زوجهففا وخلهففا‪ ،‬فينفرد خلهففا بمففا فوق الزار إلى‬
‫العلى‪ ،‬وينفرد زوجهففا بمففا دون الزار إلى السفففل‪ ،‬وبمففا سففأل أحدهمففا صففاحبه البدل‪ .‬وقال‬
‫مجاهفد‪ :‬كان النسفاء يتمشيفن بيفن الرجال‪ ،‬فذلك التفبرج‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬والذي يظهفر عندي أنفه‬
‫أشار للجاهليفة التفي لحقنهفا‪ ،‬فأمرن بالنقلة عفن سفيرتهن فيهفا‪ ،‬وهفي مفا كان قبفل الشرع مفن سفيرة‬
‫الكفرة‪ ،‬لنهفم كانوا ل غيرة كان أمفر النسفاء دون حجاب‪ ،‬وجعلهفا أولى بالنسفبة إلى مفا كان عليفه‪،‬‬
‫وليس المعنى أن ثم جاهلية أخرى وقد أوقع اسم الجاهلية على تلك المدة التي قبل السلم‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫جاهلي في الشعراء وقال ابن عباس في البخاري‪ :‬سمعت أبي في الجاهلية يقول‪ ،‬إلى غير هذا‬
‫قلت‪ :‬وهذا قول حسفن‪ .‬ويعترض بأن العرب كانفت أهفل قشفف وضنفك ففي الغالب‪ ،‬وأن التنعفم‬
‫وإظهار الزينفة إنمفا جرى ففي الزمان السفابقة‪ ،‬وهفي المراد بالجاهليفة الولى‪ ،‬وأن المقصفود مفن‬
‫اليفة مخالففة مفن قبلهفن مفن المشيفة على تغنيفج وتكسفير وإظهار المحاسفن للرجال‪ ،‬إلى غيفر ذلك‬
‫ممففا ل يجوز شرعففا‪ .‬وذلك يشمففل القوال كلهففا ويعمهففا فيلزمففن البيوت‪ ،‬فإن مسففت الحاجففة إلى‬
‫الخروج فليكن على تبذل وتستر تام‪ .‬وال الموفق‪.‬‬
‫@ ذكفر الثعلبفي وغيره‪ :‬أن عائشفة رضفي ال عنهفا كانفت إذا قرأت هذه اليفة تبكفي حتفى تبفل‬
‫خمارها‪ .‬وذكر أن سودة قيل لها‪ :‬لم ل تحجين ول تعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت‪ :‬قد حججت‬
‫واعتمرت‪ ،‬وأمرنفي ال أن أقفر ففي بيتفي‪ .‬قال الراوي‪ :‬فوال مفا خرجفت مفن باب حجرتهفا حتفى‬
‫أخرجفت جنازتهفا‪ .‬رضوان ال عليهفا قال ابفن العربفي‪ :‬لقفد دخلت نيففا على ألف قريفة فمفا رأيفت‬
‫نسفاء أصفون عيال ول أعفف نسفاء مفن نسفاء نابلس‪ ،‬التفي رمفي بهفا الخليفل صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫النار‪ ،‬فإنفي أقمفت فيهفا فمفا رأيفت امرأة ففي طريفق نهارا إل يوم الجمعفة فإنهفن يخرجفن إليهفا حتفى‬
‫يمتلئ المسجد منهن‪ ،‬فإذا قضيت الصلة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلى‬
‫الجمعة الخرى‪ .‬وقد رأيت بالمسجد القصى عفائف ما خرجن معتكفهن حتى استشهدن فيه‪.‬‬
‫@ قال ابن عطية‪ :‬بكاء عائشة رضي ال عنها إنما كان بسبب سفرها أيام الجمل‪ ،‬وحينئذ قال لها‬
‫عمار‪ :‬إن ال قفد أمرك أن تقري ففي بيتفك‪ .‬قال ابفن العربفي‪ :‬تعلق الرافضفة لعنهفم ال ‪ -‬بهذه اليفة‬
‫على أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها إذ قالوا‪ :‬إنها خالفت أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حيففن خرجففت تقود الجيوش‪ ،‬وتباشففر الحروب‪ ،‬وتقتحففم مأزق الطعففن والضرب فيمففا لم يفرض‪،‬‬
‫عليها ول يجوز لها‪ .‬قالوا‪ :‬ولقد حصر عثمان‪ ،‬فلما رأت ذلك أمرت برواحلها فقربت لتخرج إلى‬
‫مكفة‪ ،‬فقال لهفا مروان‪ :‬أقيمفي هنفا يفا أم المؤمنيفن‪ ،‬وردي هؤلء الرعاع‪ ،‬فإن الصفلح بيفن الناس‬
‫خيفر مفن حجفك‪ .‬قال ابفن العربفي قال علماؤنفا رحمفة ال عليهفم‪ :‬إن عائشفة رضفي ال عنهفا نذرت‬
‫عنهفا‪ ،‬نذرت الحفج قبفل الفتنفة‪ ،‬فلم تفر التخلف عفن نذرهفا‪ ،‬ولو خرجفت ففي تلك الثائرة لكان ذلك‬
‫صفوابا لهفا‪ .‬وأمفا خروجهفا إلى حرب الجمفل فمفا خرجفت لحرب‪ ،‬ولكفن تعلق الناس بهفا‪ ،‬وشكوا‬
‫إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة وتهارج الناس‪ ،‬ورجوا بركتها‪ ،‬وطمعوا في الستحياء منها‬
‫إذا وقفت إلى الخلق‪ ،‬وظنت هي ذلك فخرجت مقتدية بال في قوله‪" :‬ل خير في كثير من نجواهم‬
‫إل من أمر بصدقة أو معروف أو إصلح بين الناس" [النساء‪ ،]114 :‬وقوله‪" :‬وإن طائفتان من‬
‫المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما" [الحجرات‪ ]9 :‬والمر بالصلح مخاطب به جميع الناس من‬
‫ذكر وأنثى؛ حر أو عبد فلم يرد ال تعالى بسابق قضائه ونافذ حكمه أن يقع إصلح‪ ،‬ولكن جرت‬
‫مففه لطاعنات وجراحات حتففى كاد يفنففي الفريقان‪ ،‬فعمففد بعضهففم إلى الجمففل فعرقبففه‪ ،‬فلمففا سففقط‬
‫الجمففل لجنبففه أدرك محمففد بففن أبففي بكففر عائشففة رضففى ال تعالى عنهففا‪ ،‬فاحتملهففا إلى البصففرة‪،‬‬
‫وخرجفت ففي ثلثيفن امرأة‪ ،‬قرنهفن علي بهفا حتفى أوصفلوها إلى المدينفة برة تقيفة مجتهدة‪ ،‬مصفيبة‬
‫مثابفة فيمفا تأولت‪ ،‬مأجورة فيمفا فعلت‪ ،‬إذ كفل مجتهفد ففي الحكام مصفيب‪ .‬وقفد تقدم ففي "النحفل"‬
‫اسم هذا الجمل‪ ،‬وبه يعرف ذلك اليوم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأقمن الصلة وآتين الزكاة وأطعن ال ورسوله" أي فيما أمر ونهى "إنما يريد‬
‫ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" قال الزجاج‪ :‬قيل يراد به نساء النبي صلى‬
‫ال عليفه وسفلم وقيفل‪ :‬يراد بفه نسفاؤه وأهله الذيفن هفم أهفل بيتفه‪ ،‬على مفا يأتفي بيانفه بعفد و"أهفل‬
‫البيفت" نصفب على المدح قال‪ :‬وإن شئت على البدل‪ .‬قال‪ :‬ويجوز الرففع والخففض‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫إن خفض على أنه بدل من الكاف والميم لم يجز عند أبي العباس محمد بن يزيد‪ ،‬قال ل يبدل من‬
‫المخاطبة ول من المخاطب‪ ،‬لنهما ل يحتاجان إلى تبيين‪" .‬ويطهركم تطهيرا" مصدر فيه معنى‬
‫التوكيد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 34 :‬واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات ال والحكمة إن ال كان لطيفا خبيرا}‬
‫@وله تعالى‪" :‬واذكرن مفا يتلى ففي بيوتكفن مفن آيات ال والحكمفة" هذه اللفاظ تعطفي أن أهفل‬
‫البيت نساؤه‪ .‬وقد اختلف أهل العلم في أهل البيت‪ ،‬من هم؟ فقال عطاء وعكرمة وابن عباس‪ :‬هم‬
‫زوجاته خاصة‪ ،‬ل رجل معهن‪ .‬وذهبوا إلى أن البيت أريد به مسكن النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫لقوله تعالى‪" :‬واذكرن مفا يتلى ففي بيوتكفن"‪ .‬وقالت فرقفة منهفم الكلبفي‪ :‬هفم علي وفاطمفة والحسفن‬
‫والحسين خاصة‪ ،‬وفي هذا أحاديث‪ .‬عن النبي عليه السلم‪ ،‬واحتجوا بقوله تعالى‪" :‬ليذهب عنكم‬
‫الرجفس أهفل البيفت ويطهركفم" بالميفم ولو كان للنسفاء خاصفة لكان "عنكفن ويطهركفن"‪ ،‬إل أنفه‬
‫يحتمففل أن يكون خرج على لفففظ الهففل‪ ،‬كمففا يقول الرجففل لصففاحبه‪ :‬كيففف أهلك‪ ،‬أي امرأتففك‬
‫ونسفاؤك‪ ،‬فيقول‪ :‬هفم بخيفر‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬قالوا أتعجفبين مفن أمفر ال رحمفة ال وبركاتفه عليكفم‬
‫أهل البيت" [هود‪.]73 :‬‬
‫والذي يظهففر مفن اليففة أنهففا عامففة فففي جميففع أهففل البيففت مففن الزواج وغيرهففم‪ .‬وإنمففا قال‪:‬‬
‫"ويطهركفم" لن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وعليفا وحسفنا وحسفينا كان فيهفم‪ ،‬وإذا اجتمفع‬
‫المذكففر والمؤنففث غلب المذكففر‪ ،‬فاقتضففت اليففة أن الزوجات مففن أهففل البيففت‪ ،‬لن اليففة فيهففن‪،‬‬
‫والمخاطبة لهن يدل عليه سياق الكلم‪ .‬وال أعلم‪ .‬أما أن أم سلمة قالت‪ :‬نزلت هذه الية في بيتي‪،‬‬
‫فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسنا‪ ،‬فدخل معهم تحت كساء خيبري‬
‫وقال‪( :‬هؤلء أهل بيتي) ‪ -‬وقرأ الية ‪ -‬وقال‪( :‬اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فقالت‬
‫أم سففلمة‪ :‬وأنففا معهففم يففا رسففول ال؟ قال‪( :‬أنففت على مكانففك وأنففت على خيففر) أخرجففه الترمذي‬
‫وغيره وقال‪ :‬هذا حديفث غريفب‪ .‬وقال القشيري‪ :‬وقالت أم سفلمة أدخلت رأسفي ففي الكسفاء وقلت‪:‬‬
‫أنفا منهفم يفا رسفول ال؟ قال‪( :‬نعفم)‪ .‬وقال الثعالبفي‪ :‬هفم بنفو هاشفم‪ ،‬فهذا يدل على أن البيفت يراد بفه‬
‫بيت النسب‪ ،‬فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم‪ .‬وروي نحوه عن زيد بن أرقم رضي ال‬
‫عنهففم أجمعيففن‪ .‬وعلى قول الكلبففي يكون قوله‪" :‬واذكرن" ابتداء مخاطبففة ال تعالى‪ ،‬أي مخاطبففة‬
‫أمفر ال عفز وجفل أزواج النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬على جهفة الموعظفة وتعديفد النعمفة بذكفر مفا‬
‫يتلى ففففي بيوتهفففن مفففن آيات ال تعالى والحكمفففة قال أهفففل العلم بالتأويفففل‪" :‬آيات ال" القرآن‪.‬‬
‫"والحكمة" السنة‪ .‬والصحيح أن قوله‪" :‬واذكرن" منسوق على ما قبله‪ .‬وقال "عنكم" لقوله "أهل"‬
‫فالهفل مذكفر‪ ،‬فسفماهن وإن كفن إناثفا باسفم التذكيفر فلذلك صفار "عنكفم"‪ .‬ول اعتبار بقول الكلبفي‬
‫وأشباهفه‪ ،‬فإنفه توجفد له أشياء ففي هذا التفسفير مفا لو كان ففي زمفن السفلف الصفالح لمنعوه مفن ذلك‬
‫وحجروا عليفه‪ .‬فاليات كلهفا مفن قوله‪" :‬يفا أيهفا النفبي قفل لزواجفك ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬إن ال كان لطيففا‬
‫خفبيرا" منسفوق بعضهفا على بعفض‪ ،‬فكيفف صفار ففي الوسفط كلمفا منفصفل لغيرهفن وإنمفا هذا‬
‫شيء جرى في الخبار أن النبي عليه السلم لما نزلت عليه هذه الية دعا عليا وفاطمة والحسن‬
‫والحسفين‪ ،‬فعمفد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم إلى كسفاء فلفهفا عليهفم‪ ،‬ثفم ألوى بيده إلى السفماء فقال‪:‬‬
‫(اللهم هؤلء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)‪ .‬فهذه دعوة من‪ ،‬النبي صلى‬
‫ال عليفه وسفلم لهفم بعفد نزول اليفة‪ ،‬أحفب أن يدخلهفم ففي اليفة التفي خوطفب بهفا الزواج‪ ،‬فذهفب‬
‫الكلبي ومن وافقه فصيرها لهم خاصة‪ ،‬وهي دعوة لهم خارجة من التنزيل‪.‬‬
‫@ لفظ الذكر يحتمل ثلثة معان‪ :‬أحدها‪ :‬أي أذكرن موضع النعمة‪ ،‬إذ صيركن ال في بيوت تتلى‬
‫فيهفا آيات ال والحكمفة‪ .‬الثانفي‪ :‬أذكرن آيات ال وأقدرن‪ ،‬قدرهفا‪ ،‬وفكرن فيهفا حتفى تكون منكفن‬
‫على بال لتتعظفن بمواعفظ ال تعالى‪ ،‬ومفن كان هذا حال ينبغفي أن تحسفن أفعال‪ .‬الثالث‪" :‬أذكرن"‬
‫بمعنى أحفظن وأقرأن والزمنه اللسنة‪ ،‬فكأنه يقول‪ :‬أحفظن أوامر ال تعالى‪ ،‬ونواهيه‪ ،‬وذلك هو‬
‫الذي يتلى ففي بيوتكفن مفن آيات ال‪ .‬فأمفر ال سفبحانه وتعالى أن يخفبرن بمفا ينزل مفن القرآن ففي‬
‫بيوتهن‪ ،‬وما يرين من أفعال النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬ويسمعن من أقواله حتى يبلغن ذلك إلى‬
‫الناس‪ ،‬فيعملوا ويقتدوا‪ .‬وهذا يدل على جواز قبول خبر الواحد من الرجال والنساء في الدين‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬في هذه الية مسألة بديعة‪ ،‬وهي أن ال تعالى أمر نبيه عليه الصلة والسلم‬
‫بتبليغ ما أنزل عليه من القرآن‪ ،‬وتعليم ما علمه من الدين‪ ،‬فكان إذا قرأ على واحد أو ما اتفق سقط‬
‫عنفه الفرض‪ ،‬وكان على مفن سفمعه أن يبلغفه إلى غيره‪ ،‬ول يلزمفه أن يذكره لجميفع أصفحابة‪ ،‬ول‬
‫كان عليففه إذا علم ذلك أزواجففه أن يخرج إلى الناس فيقول لهففم نزل كذا ول كان كذا‪ ،‬ولهذا قلنففا‪:‬‬
‫يجوز العمفل بخفبر بسفرة ففي إيجاب الوضوء مفن مفس الذكفر‪ ،‬لنهفا روت مفا سفمعت وبلغفت مفا‬
‫وعت‪ .‬ول يلزم أن يبلغ ذلك الرجال‪ ،‬كما قال أبو حنيفة‪ ،‬على أنه قد نقل عن سعد بن أبي وقاص‬
‫وابن عمر‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 35 :‬إن المسلمين والمسلمات والمؤمنيفن والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين‬
‫والصفففادقات والصفففابرين والصفففابرات والخاشعيفففن والخاشعات والمتصفففدقين والمتصفففدقات‬
‫والصفائمين والصفائمات والحافظيفن فروجهفم والحافظات والذاكريفن ال كثيرا والذاكرات أعفد ال‬
‫لهم مغفرة وأجرا عظيما}‬
‫@ روى الترمذي عن أم عمارة النصارية أنها أتت النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقالت‪ :‬ما أرى‬
‫كفل شيفء إل للرجال‪ ،‬ومفا أرى النسفاء يذكرن بشيفء! فنزلت هذه اليفة‪":‬إن المسفلمين والمسفلمات‬
‫والمؤمنيفن والمؤمنات" اليفة‪ .‬هذا حديفث حسفن غريفب‪ .‬و"المسفلمين" اسفم "إن"‪" .‬والمسفلمات"‬
‫عطففف عليففه‪ .‬ويجوز رفعهففن عنففد البصففريين‪ ،‬فأمففا الفراء فل يجوز عنده إل فيمففا ل يتففبين فيففه‬
‫العراب‪.‬‬
‫بدأ تعالى فففي هذه اليففة بذكففر السففلم الذي يعففم اليمان وعمففل الجوارح‪ ،‬ثففم ذكففر اليمان‬
‫تخصفيصا له وتنبيهفا على أنفه عظفم السفلم ودعامتفه‪ .‬والقانفت‪ :‬العابفد المطيفع‪ .‬والصفادق‪ :‬معناه‬
‫فيمففا عوهففد عليففه أن يفففي بففه‪ .‬والصففابر عففن الشهوات وعلى‪ ،‬الطاعات فففي المكره والمنشففط‪.‬‬
‫والخاشع‪ :‬الخائف ل‪ .‬والمتصدق بالفرض والنفل‪ .‬وقيل‪ .‬بالفرض خاصة‪ ،‬والول أماح‪ .‬والصائم‬
‫كذلك‪" .‬والحافظيفففن فروجهفففم والحافظات" أي عمفففا ل يحفففل مفففن الزنفففى وغيره‪ .‬وففففي قوله‪:‬‬
‫"والحافظات" حذف يدل عليفه المتقدم‪ ،‬تقديره‪ :‬والحافظاتهفا‪ ،‬فاكتففى بمفا تقدم‪ .‬وففي "الذاكرات"‬
‫أيضا مثله‪ ،‬ونظيره قول الشاعر‪:‬‬
‫جرى فوقها واستشعرت لون مذهب‬ ‫وكمتا مدماة كأن متونها‬
‫وروى سفففيبويه‪" :‬لون مذهفففب" بالنصفففب‪ .‬وإنمفففا يجوز الرففففع على حذف الهاء‪ ،‬كأنفففه قال‪:‬‬
‫واستشعرته‪ ،‬فيمن رفع لونا‪ .‬والذاكر قيل في أدبار الصلوات وغدوا وعشيا‪ ،‬وفي المضاجع وعند‬
‫النتباه مفن النوم‪ .‬وقفد تقدم هذا كله مفصفل ففي مواضعفه‪ ،‬ومفا يترتفب عليفه مفن الفوائد والحكام‪،‬‬
‫فأغنففى عففن العادة‪ .‬والحمففد ل رب العالميففن‪ .‬قال مجاهففد‪ :‬ل يكون ذاكرا ل تعالى كثيرا حتففى‬
‫يذكره قائمفا وجالسفا ومضطجعفا‪ .‬وقال أبفو سفعيد الخدري رضفي ال عنفه‪ :‬مفن أيقفظ أهله بالليفل‬
‫وصليا أربع ركعات كتبا من الذاكرين ال كثيرا والذاكرات‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 36 :‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من‬
‫أمرهم ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضلل مبينا}‬
‫@ روى قتادة وابن عباس ومجاهد في سبب نزول هذه الية‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫خطب زينب بنت جحش‪ ،‬وكانت بنت عمته‪ ،‬فظنت أن الخطبة لنفسه‪ ،‬فلما تبين أنه يريدها لزيد‪،‬‬
‫كرهت وأبت وامتنعت‪ ،‬فنزلت الية‪ .‬فأذعنت زينب حينئذ وتزوجته‪ .‬في رواية‪ :‬فامتنعت وامتنع‬
‫أخوهففا عبدال لنسففبها مففن قريففش‪ ،‬وأن زيدا كان بالمففس عبدا‪ ،‬إلى أن نزلت هذه اليففة‪ ،‬فقال له‬
‫أخوها‪ :‬مرني بما شئت‪ ،‬فزوجها من زيد‪ .‬وقيل‪ :‬إنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط‪،‬‬
‫وكانفت وهبفت نفسفها للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬فزوجهفا مفن زيفد بفن حارثفة‪ ،‬فكرهفت ذلك هفي‬
‫وأخوها وقال‪ :‬إنما أردنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فزوجنا غيره‪ ،‬فنزلت الية بسبب ذلك‪،‬‬
‫فأجابفا إلى تزويفج زيفد‪ ،‬قال ابفن زيفد‪ .‬وقال الحسفن‪ :‬ليفس لمؤمفن ول مؤمنفة إذا أمفر ال عفز وجفل‬
‫ورسوله صلى ال عليه وسلم بأمر أن يعصياه‪.‬‬
‫لفظة "ما كان‪ ،‬وما ينبغي" ونحوهما‪ ،‬معناها الحظر والمنع‪ .‬فتجيء لحظر الشيء والحكم بأنه‬
‫ل يكون‪ ،‬كما في هذه الية وربما كان امتناع ذلك الشيء عقل كقوله تعالى‪" :‬ما كان لكم أن تنبتوا‬
‫شجرها" [النمل‪ ]60 :‬وربما كان العلم بامتناعه شرعا كقوله تعالى‪" :‬وما كان لبشر أن يكلمه ال‬
‫إل وحيا أو من وراء حجاب" [الشورى‪ .]51 :‬وربما كان في المندوبات‪ ،‬كما تقول‪ :‬ما كان لك‬
‫يا فلن أن تترك النوافل‪ ،‬ونحو هذا‪.‬‬
‫في هذه الية دليل بل نص في أن الكفاءة ل تعتبر في الحساب وإنما تعتبر في الديان‪ ،‬خلفا‬
‫لمالك والشافعفي والمغيرة وسفحنون‪ .‬وذلك أن الموالي تزوجفت ففي قريفش‪ ،‬تزوج زيفد زينفب بنفت‬
‫جحفش‪ .‬وتزوج المقداد بفن السفود ضباعفة بنفت الزبيفر‪ .‬وزوج أبفو حذيففة سفالما مفن فاطمفة بنفت‬
‫الوليد بن عتبة‪ .‬وتزوج بلل أخت عبدالرحمن بن عوف‪ .‬وقد تقدم هذا المعنى في غير موضع‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬أن يكون لهففم الخيرة مففن أمرهففم" قرأ الكوفيون‪" :‬أن يكون" بالياء‪ .‬وهففو اختيار‬
‫أبي عبيد‪ ،‬لنه قد فرق بين المؤنث وبين فعله‪ .‬الباقون بالتاء‪ ،‬لن اللفظ مؤنث فتأنيث فعله حسن‪.‬‬
‫والتذكيففر على أن الخيرة بمعنففى التخييففر‪ ،‬فالخيرة مصففدر بمعنففى الختيار‪ .‬وقرأ ابففن السففميقع‬
‫"الخيرة" بإسفكان الياء‪ .‬وهذه اليفة ففي ضمفن قوله تعالى‪" :‬النفبي أولى بالمؤمنيفن مفن أنفسفهم"‬
‫[الحزاب‪ .]6 :‬ثم توعد تعالى وأخبر أن من يعصى ال ورسول فقد ضل‪ .‬وهذا أدل دليل على ما‬
‫ذهب إليه الجمهور من فقهائنا‪ ،‬وفقهاء أصحاب المام الشافعي وبعض الصوليين‪ ،‬من أن صيغة‬
‫"أفعفل" للوجوب ففي أصفل وضعهفا‪ ،‬لن ال تبارك وتعالى نففى خيرة‪ :‬المكلف عنفد سفماع أمره‬
‫وأمر رسول ال‪ ،‬ثم أطلق على من بقيت له خيرة عند صدور المر اسم المعصية‪ ،‬ثم علق على‬
‫المعصية بذلك الضلل‪ ،‬فلزم حمل المر على الوجوب‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 37 :‬وإذ تقول للذي أنعم ال عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق ال وتخفي‬
‫ففي نفسفك مفا ال مبديفه وتخشفى الناس وال أحفق أن تخشاه فلمفا قضفى زيفد منهفا وطرا زوجناكهفا‬
‫لكففي ل يكون على المؤمنيففن حرج ففففي أزواج أدعيائهففم إذا قضوا منهففن وطرا وكان أمفففر ال‬
‫مفعول}‬
‫@ روى الترمذي قال‪ :‬حدثنا علي بن حجر قال حدثنا داود بن الزبرقان عن داود بن أبي هند عن‬
‫الشعبي عن عائشة رضي ال تعالى عنها قالت‪ :‬لو كان رسول ال صلى ال عليه وسلم كاتما شيئا‬
‫من الوحي لكتم هذه الية‪" :‬وإذ تقول للذي أنعم ال عليه" يعنفي بالسفلم "وأنعمت عليه" بالعتق‬
‫فأعتقته‪" .‬أمسك عليك زوجك واتق ال وتخفي في نفسك ما ال مبديه وتخشى الناس وال أحق أن‬
‫تخشاه ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬وكان أمر ال مفعول" وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما تزوجها قالوا‪:‬‬
‫تزوج حليلة ابنفه‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬مفا كان محمفد أبفا أحفد مفن رجالكفم ولكفن رسفول ال وخاتفم‬
‫النفبيين" [الحزاب‪ .]40 :‬وكان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم تبناه وهفو صفغير‪ ،‬فلبفث حتفى‬
‫صار رجل يقال له زيد بن محمد‪ ،‬فأنزل ال تبارك وتعالى "ادعوهم لبائهم هو أقسط عند ال فإن‬
‫لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم" [الحزاب‪ ]5 :‬فلن مولى فلن‪ ،‬وفلن أخو فلن‪،‬‬
‫هفو أقسفط عنفد ال يعنفي أعدل‪ .‬قال أبفو عيسفى‪ :‬هذا حديفث غريفب قفد روي عفن داود بفن أبفي هنفد‬
‫عفن الشعفبي عفن مسفروق عفن عائشفة رضفي ال عنهفا‪ .‬قالت‪ :‬لو كان النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫كاتمفا شيئا مفن الوحفي لكتفم هذه اليفة "وإذ تقول للذي أنعفم ال عليفه وأنعمفت عليفه" هذا الحرف لم‬
‫يرو بطوله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا القدر هفو الذي أخرجفه مسفلم ففي صفحيحه‪ ،‬وهفو الذي صفححه الترمذي ففي جامعفه‪.‬‬
‫وففي البخاري عفن أنفس بفن مالك أن هذه اليفة "وتخففي ففي نفسفك مفا ال مبديفه" نزلت ففي شأن‬
‫زينفب بنفت جحفش وزيفد بفن حارثفة‪ .‬وقال عمرو بفن مسفعود وعائشفة والحسفن‪ :‬مفا أنزل ال على‬
‫رسوله آية أشد عليه من هذه الية‪ .‬وقال الحسن وعائشة‪ :‬لو كان رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫كاتمفا شيئا مفن الوحفي لكتفم هذه اليفة لشدتهفا عليفه‪ .‬وروي ففي الخفبر أنفه‪ :‬أمسفى زيفد فأوى إلى‬
‫فراشه‪ ،‬قالت زينب‪ :‬ولم يستطعني زيد‪ ،‬وما أمتنع منه غير ما منعه ال مني‪ ،‬فل يقدر على‪ .‬هذه‬
‫روايففة أبففي عصففمة نوح بففن أبففي مريففم‪ ،‬رفففع الحديففث إلى زينففب أنهففا قالت ذلك‪ .‬وفففي بعففض‬
‫الروايات‪ :‬أن زيدا تورم ذلك منه حين أراد أن يقربها‪ ،‬فهذا قريب من ذلك‪ .‬وجاء زيد إلى رسول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم فقال‪ :‬إن زينفب تؤذينفي بلسفانها وتفعفل! وإنفي أريفد أن أطلقهفا‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫(أمسك عليك زوجك واتق ال) الية‪ .‬فطلقها زيد فنزلت‪" :‬وإذ تقول للذي أنعم ال عليه وأنعمت‬
‫عليه" الية‪.‬‬
‫واختلف الناس فففي تأويففل هذه اليففة‪ ،‬فذهففب قتادة وابففن زيففد وجماعففة مففن المفسففرين‪ ،‬منهففم‬
‫الطبري وغيره ‪ -‬إلى أن النبي صلى ال عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب بنت جحش‪ ،‬وهي‬
‫في عصمة زيد‪ ،‬وكان حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو ثم إن زيدا لما أخبره بأنه يريد‬
‫فراقها‪ ،‬ويشكوا منها غلظة قول وعصيان أمر‪ ،‬وأذى باللسان وتعظما‪ .‬بالشرف‪ ،‬قال له‪( :‬اتق ال‬
‫أي فيمفا تقول عنهفا وأمسفك عليفك زوجفك) وهفو يخففي الحرص على طلق زيفد إياهفا‪ .‬وهذا الذي‬
‫كان يخففي ففي نفسفه‪ ،‬ولكنفه لزم مفا يجفب مفن المفر بالمعروف‪ .‬وقال مقاتفل زوج النفبي صفلى ال‬
‫عليه وسلم زينب بنت جحش من زيد فمكثت عنده حينا‪ ،‬ثم إنه عليه السلم أتى زيدا يوما‪ ،‬فأبصر‬
‫زينفب قائمفة‪ ،‬كانفت بيضاء جميلة جسفيمة مفن أتفم نسفاء قريفش‪ ،‬فهويهفا وقال‪( :‬سفبحان ال مقلب‬
‫القلوب)! فسفمعت زينفب بالتسفبيحة فذكرتهفا لزيفد‪ ،‬ففطفن زيفد فقال‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬ائذن لي ففي‬
‫طلقها‪ ،‬فإن فيها كبرا‪ ،‬تعظم علي وتؤذيني بلسانها‪ ،‬فقال عليه السلم‪( :‬أمسك عليك زوجك واتق‬
‫ال)‪ .‬وقيفل‪ :‬إن ال بعفث ريحفا فرفعت السفتر وزينب متفضلة في منزلهفا‪ ،‬فرأى زينب فوقعت ففي‬
‫نفسفه‪ ،‬ووقفع ففي نففس زينفب أنهفا وقعفت ففي نففس النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وذلك لمفا جاء يطلب‬
‫زيدا‪ ،‬فأخفبرته بذلك‪ ،‬فوقفع ففي نففس زيفد أن يطلقهفا‪ .‬وقال ابفن عباس‪" :‬وتخففي ففي نفسفك" الحفب‬
‫لهفا‪" .‬وتخشفى الناس" أي تسفتحييهم وقيفل‪ :‬تخاف وتكره لئمفة المسفلمين لو قلت طلقهفا‪ ،‬ويقولون‬
‫أمر رجل بطلق امرأته ثم نكحها حين طلقها‪" .‬وال أحق أن تخشاه" في كل الحوال‪ .‬وقيل وال‬
‫أحفق أن تسفتحي منفه‪ ،‬ول تأمفر زيدا بإمسفاك زوجتفه بعفد أن أعلمفك ال أنهفا سفتكون زوجتفك‪،‬‬
‫فعاتبفه‪ .‬ال على جميفع هذا‪ .‬وروي عفن علي بفن الحسفين‪ :‬أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم كان قفد‬
‫أوحفى ال تعالى إليفه أن زيدا يطلق زينفب‪ ،‬وأنفه يتزوجهفا بتزويفج ال إياهفا‪ ،‬فلمفا تشكفى زيفد للنفبي‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم خلق زينفب‪ ،‬وأنهفا ل تطيعفه‪ ،‬وأعلمفه أنفه يريفد طلقهفا‪ ،‬قال له رسفول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم على جهفة الدب والوصفية‪( :‬اتفق ال ففي قولك وأمسفك عليفك زوجفك) وهفو‬
‫يعلم أنه سيفارها ويتزوجها‪ ،‬وهذا هو الذي أخفى في نفسه‪ ،‬ولم يرد أن يأمره بالطلق لما علم أنه‬
‫سيتزوجها‪ ،‬وخشي رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب‬
‫بعفد زيفد‪ ،‬وهفو موله‪ ،‬وقفد أمره بطلقهفا‪ ،‬فعاتبفه ال تعالى على هذا القدر مفن أن خشفي الناس ففي‬
‫شيء قد أباحه ال له‪ ،‬بأن قال‪" :‬أمسك" مع علمه بأنه يطلق‪ .‬وأعلمه أن ال أحق بالخشية‪ ،‬أي في‬
‫كل حال‪ .‬قال علماؤنا رحمة ال عليهم‪ :‬وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الية‪ ،‬وهو الذي‬
‫عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين‪ ،‬كالزهري والقاضي بكر بن العلء القشيري‪،‬‬
‫والقاضفي أبفي بكفر بفن العربفي وغيرهفم‪ .‬والمراد بقوله تعالى‪" :‬وتخشفى الناس" إنمفا هفو إرجاف‬
‫المنافقيفن بأنفه نهفى عفن تزويفج نسفاء البناء وتزوج بزوجفة ابنفه‪ .‬فأمفا مفا روي أن النفبي صفلى ال‬
‫عليه وسلم هوي زينب امرأة زيد وربما أطلق بعض المجان لفظ عشق فهذا إنما يصدر عن جاهل‬
‫بعصفمة النفبي صفلى ال عليفه وسفلم عفن مثفل هذا‪ ،‬أو مسفتخف بحرمتفه‪ .‬قال الترمذي الحكيفم ففي‬
‫نوادر الصففول‪ ،‬وأسففند إلى علي بففن الحسففين قوله‪ :‬فعلي بففن الحسففين جاء بهذا مففن خزانففة العلم‬
‫جوهرا من الجواهر‪ ،‬ودرأ من الدرر‪ ،‬أنه إنما عتب ال عليه في أنه قد أعلمه أن ستكون هذه من‬
‫أزواجفك‪ ،‬فكيفف قال بعفد ذلك لزيفد‪( :‬أمسفك عليفك زوجفك) وأخذتفك خشيفة الناس أن يقولوا‪ :‬تزوج‬
‫امرأة ابنفه‪ ،‬وال أحفق أن تخشاه‪ .‬وقال النحاس‪ :‬قال بعفض العلماء‪ :‬ليفس هذا مفن النفبي صفلى ال‬
‫عليه وسلم خطيئة‪ ،‬أل ترى أنه لم يؤمر بالتوبة ول بالستغفار منه‪ .‬وقد يكون الشيء ليس بخطيئة‬
‫إل أن غيره أحسن منه‪ ،‬وأخفى ذلك في نفسه خشية أن يفتتن الناس‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬فإن قيل لي معنى قال له‪( :‬أمسك عليك زوجك) وقد أخبره ال أنها زوجه‪.‬‬
‫قلنفا‪ :‬أراد أن يختفبر منفه مفا لم يعلمفه ال مفن رغبتفه فيهفا أو رغبتفه عنهفا‪ ،‬فأبدى له زيفد مفن النفرة‬
‫عنها والكراهة فيها ما لم يكن علمه منه في أمرها‪ .‬فإن قيل‪ :‬كيف‪ ،‬يأمره بالتمسك بها وقد علم أن‬
‫الفراق ل بفد منفه؟ وهذا تناقفض‪ .‬قلنفا‪ :‬بفل هفو صفحيح للمقاصفد الصفحيحة‪ ،‬لقامفة الحجفة ومعرففة‬
‫العاقبفة‪ ،‬أل ترى أن ال تعالى يأمفر العبفد باليمان وقفد علم أنفه ل يكون‪ ،‬فليفس ففي مخالففة متعلق‬
‫المفر لمتعلق العلم ما يمنع من المفر به عقل وحكما‪ .‬وهذا مفن نفيفس العلم فتيقنوه وتقبلوه وقول‪:‬‬
‫"وأتفق ال" أي ففي طلقهفا‪ ،‬فل تطلقهفا‪ .‬وأراد نهفي تنزيفه ل نهفي تحريفم‪ ،‬لن الولى أل يطلق‪.‬‬
‫وقيفل‪" :‬اتفق ال" فل تذمهفا بالنسفبة إلى الكفبر وأذى الزوج‪" .‬وتخففي ففي نفسفك" قيفل تعلق قلبفه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬مفارقة زيد إياها‪ .‬وقيل‪ :‬علمه بأن زيدا سيطلقها‪ ،‬لن ال قد أعلمه بذلك‪.‬‬
‫@ روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال لزيد‪( :‬ما أجد في نفسي أوثق منك فاخطب زينب‬
‫عليّ) قال‪ :‬فذهبت ووليتها ظهري توقيرا للنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وخطبتها ففرحت وقالت‪ :‬ما‬
‫أنفا بصفانعة شيئا حتفى أوامفر ربفي‪ ،‬فقامفت إلى مسفجدها ونزل القرآن‪ ،‬فتزوجهفا النفبي صفلى ال‬
‫عليه وسلم ودخل بها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬معنففى هذا الحديففث ثابففت فففي الصففحيح‪ .‬وترجففم له النسففائي (صففلة المرأة إذا خطبففت‬
‫واستخارتها ربها) روى الئمة ‪ -‬واللفظ لمسلم ‪ -‬عن أنس قال‪ :‬لما انقضت عدة زينب قال رسول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم لزبفد‪( :‬فاذكرهفا عليفّ) قال‪ :‬فانطلق زيفد حتفى أتاهفا وهفي تخمفر عجينهفا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فلما رأيتها عظمت في صدري‪ ،‬حتى ما أستطيع أن أنظر إليها‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسفلم ذكرهفا فوليتهفا ظهري‪ ،‬ونكصفت على عقفبي‪ ،‬فقلت‪ :‬يفا زينفب‪ ،‬أرسفل رسفول ال صفلى ال‬
‫عليففه وسففلم يذكرك‪ ،‬قالت‪ :،‬مففا أنففا بصففانعة شيئا حتففى أوامففر ربففي‪ ،‬فقامففت إلى مسففجدها ونزل‬
‫القرآن‪ .‬وجاء رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فدخفل عليهفا بغيفر إذن‪ .‬قال‪ :‬فقال ولقفد رأيتنفا أن‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أطعمنفا الخبفز واللحفم حيفن امتفد النهار الحديفث‪ .‬ففي روايفة (حتفى‬
‫تركوه)‪ .‬وفي رواية عن أنسى أيضا قال‪ :‬ما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم أولم على امرأة‬
‫من نسائه ما أولم على زينب‪ ،‬فإنه ذبح شاة‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬فقوله عليه السلم لزيد‪( :‬فاذكرها علي)‬
‫أي اخطبهفا‪ ،‬كمفا بينفه الحديفث الول‪ .‬وهذا امتحان لزيفد واختبار له‪ ،‬حتفى يظهفر صفبره وانقياده‬
‫وطوعه‪.‬‬
‫ي فلنفة‪ ،‬لزوجه المطلقة منه‪،‬‬ ‫قلت‪ :‬وقد يستنبط من هذا أن يقول النسان لصاحبه‪ :‬اخطب عل ّ‬
‫ول حرج في ذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ لما وكلت أمرها إلى ال وصح تفويضها إليه تولى ال إنكاحها‪ ،‬ولذلك قال‪" :‬فلما قضى زيد‬
‫منهفا وطرا زوجناكهفا"‪ .‬وروى المام جعففر بفن محمفد عفن آبائه عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫"وطرا زوجتكها"‪ .‬ولما أعلمه ال بذلك دخل عليها بغير إذن‪ ،‬ول تجديد عقد ول تقرير صداق‪،‬‬
‫ول شيفء ممفا يكون شرطفا ففي حقوقنفا ومشروعفا لنفا وهذا مفن خصفوصياته صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫التي ل يشاركه فيها أحد بإجماع من المسلمين‪ .‬ولهذا كانت زينب تفاخر نساء النبي صلى ال عليه‬
‫وسفلم وتقول‪ :‬زوجكفن آباؤكفن وزوجنفي ال تعالى‪ .‬أخرجفه النسفائي عفن أنفس بفن مالك قال‪ :‬كانفت‬
‫زينفب تفخفر على نسفاء النفبي صفلى ال عليفه وسفلم تقول‪ .‬إن ال عفز وجفل أنكحنفي مفن السفماء‪.‬‬
‫وفيها نزلت آية الحجاب‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬
‫@ المنعَم عليه في هذه الية هو زيد بن حارثة‪ ،‬كما بيناه‪ ،‬وقد تقدم خبره في أول السورة‪ .‬وروي‬
‫أن عمفه لقيفه يومفا وكان قفد‪ .‬ورد مكفة ففي شغفل له‪ ،‬فقال‪ :‬مفا أسفمك يفا غلم؟ قال‪ :‬زيفد‪ ،‬قال‪ :‬ابفن‬
‫مفن؟ قال‪ :‬ابفن حارثفة‪ .‬قال ابفن مفن؟ قال‪ :‬ابفن شراحيفل الكلبفي‪ .‬قال‪ :‬فمفا اسفم أمفك؟ قال‪ :‬سفعدى‪،‬‬
‫وكنفت ففي أخوالي طفي‪ ،‬فضمفه إلى صفدوه‪ .‬وأرسفل إلى أخيفه وقومفه فحضروا‪ ،‬وأرادوا منفه أن‬
‫يقيففم معهففم‪ ،‬فقالوا‪ :‬لمففن أنففت؟ قال‪ :‬لمحمففد بففن عبدال‪ ،‬فأتوه وقالوا‪ :‬هذا ابننففا فرده علينففا‪ .‬فقال‪:‬‬
‫(أعرض عليه فإن اختاركم فخذوا بيده) فبعث إلى زيد وقال‪( :‬هل تعرف هؤلء)؟ قال نعما هذا‬
‫أبفي‪ ،‬وهذا أخفي‪ ،‬وهذا عمفي‪ .‬فقال له النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬فأي صفاحب كنفت لك)؟ فبكفى‬
‫وقال‪ :‬لم سفألتني عفن ذلك؟ قال‪( :‬أخيرك فإن أحببفت أن تلحفق بهفم فألحفق وإن أردت أن تقيفم فأنفا‬
‫مفن قفد عرففت) فقال‪ :‬مفا أختار عليفك أحدا‪ .‬فجذبفه عمفه وقال‪ :‬زيفد‪ ،‬اخترت العبوديفة على أبيفك‬
‫وعمك! فقال‪ :‬أي وال العبودية عند محمد أحب إليّ من أن أكون عندكم‪ .‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليفه وسفلم‪( :‬اشهدوا أنفي وارث وموروث)‪ .‬فلم يزل يقال‪ :‬زيفد بفن محمفد إلى أن نزل قوله تعالى‪:‬‬
‫"ادعوهم لبائهم" [الحزاب‪ ]5 :‬ونزل "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم" [الحزاب‪.]40 :‬‬
‫@ قال المام أبو القاسم عبدالرحمفن السهلي رضفي ال عنه‪ :‬كان يقال زيد بن محمفد حتفى نزل‬
‫"ادعوهفم لبائهفم" [الحزاب‪ ]5 :‬فقال‪ :‬أنفا زيفد بفن حارثفة‪ .‬وحرم عليفه أن يقول‪ :‬أنفا زيفد ابفن‬
‫محمفد‪ .‬فلما نرع عنه هذا الشرف وهذا الفخفر‪ ،‬وعلم ال وحشتفه من ذلك شرففه بخصفيصة لم يكن‬
‫يخفص بهفا أحدا مفن أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وهفي أنفه سفماه ففي القرآن‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫"فلما قضى زيد منها وطرا" يعني من زينب‪ .‬ومن ذكره ال تعالى باسمه في الذكر الحكيم حتى‬
‫صفار لسفمه قرآنفا يتلى ففي المحاريفب‪ ،‬نوه بفه غايفة التنويفه‪ ،‬فكان ففي هذا تأنيفس له وعوض مفن‬
‫الفخر بأبوة محمد صلى ال عليه وسلم له أل ترى إلى قول أبي بن كعب حين قال له النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬إن ال أمرني أن أقرأ عليك سورة كذا) فبكى وقال‪ :‬أوذكرت هنالك؟ وكان بكاؤه‬
‫من الفرح حين أخبر أن ال تعالى ذكره‪ ،‬فكيف بمن صار اسمه قرآنا يتلى مخلدا؟ هل يبيد‪ ،‬يتلوه‬
‫أهففل الدنيففا إذا قرؤوا القرآن‪ ،‬وأهففل الجنففة كذلك أبدا‪ ،‬ل يزال على ألسففنة المؤمنيففن‪ ،‬كمففا لم يزل‬
‫مذكورا على الخصوص عند رب العالمين‪ ،‬إذ القرآن كلم ال القديم‪ ،‬وهو باق ل يبيد‪ ،‬فاسم زيد‬
‫هذا في الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة‪ ،‬تذكره في التلوة السفرة الكرام البررة‪ .‬وليس ذلك‬
‫لسم من أسماء المؤمنين إل لنبي من النبياء‪ ،‬ولزيد بن حارثة تعويضا من ال تعالى له مما نزع‬
‫عنفه‪ .‬وزاد ففي اليفة أن قال‪" :‬وإذ تقول للذي أنعفم ال عليفه" أي باليمان‪ ،‬فدل على أنفه مفن أهفل‬
‫الجنة‪ ،‬علم ذلك قبل أن يموت‪ ،‬وهذه فضيلة أخرى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وطرا" الوطفر كفل حاجفة للمرء له فيهفا همفة‪ ،‬والجمفع الوطار‪ .‬قال ابفن عباس‪:‬‬
‫أي بلغ مففا أراد مففن حاجتففه‪ ،‬يعنففي الجماع‪ .‬وفيففه إضمار‪ ،‬أي لمففا قضففى وطرا منهففا وطلقهففا‬
‫"زوجناكها"‪ .‬وقراءة أهل البيت "زوجتكها"‪ .‬وقيل‪ :‬الوطر عبارة عن الطلق‪ ،‬قال قتادة‪.‬‬
‫@ ذهب بعض الناس من هذه الية‪ ،‬ومن قول شعيب‪" :‬إني أريد أن أنكحفك" [القصص‪]27 :‬‬
‫إلى أن ترتيب هذا المعنى في المهور ينبغي أن يكون‪" :‬أنكحه إياها" فتقدم ضمير الزوج كما في‬
‫اليتيفن‪ .‬وكذلك قوله عليفه السفلم لصفاحب الرداء (اذهفب فقفد أنكحتكهفا بمفا معفك مفن القرآن)‪ .‬قال‬
‫ابفن عطيفة‪ :‬وهذا غيفر لزم‪ ،‬لن الزوج ففي اليفة مخاطفب فحسفن تقديمفه‪ ،‬وففي المهور الزوجان‬
‫سواء‪ ،‬فقدم من شئت‪ ،‬ولم يبق ترجيح إل بدرجة الرجال‪ ،‬وأنهم القوامون‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬زوجناكها" دليل على ثبوت الوارث في النكاح‪ ،‬وقد‪ :‬تقدم الخلف في ذلك‪ .‬روي‬
‫أن عائشة وزينب تفاخرتا‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬أنا التي جاء بي الملك إلى النبي صلى ال عليه وسلم في‬
‫سفرقة مفن حريفر فيقول‪( :‬هذه امرأتفك) خرجفه الصفحيح‪ .‬وقالت زينفب‪ :‬أنفا التفي زوجنفي ال مفن‬
‫فوق سفبع سفموات‪ .‬وقال الشعفبي‪ :‬كانفت زينفب تقول لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم إنفي أنكحفت‬
‫عليففك بثلث‪ ،‬مففا مففن نسففائك امرأة تدل بهففن‪ :‬إن جدي وجدك واحففد‪ ،‬وإن ال أنكحففك إياي مففن‬
‫السفماء‪ ،‬وإن السففير ففي ذلك جبريفل‪ .‬وروي عفن زينفب أنهفا قالت‪ :‬لمفا وقعفت ففي قلب رسفول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم لم يستطعني زيد‪ ،‬وما أمتنع منه غير ما يمنعه ال تعالى مني فل يقدر علي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 - 38 :‬ما كان على النبي من حرج فيما فرض ال له سنة ال في الذين خلوا من‬
‫قبففل وكان أمففر ال قدرا مقدورا‪ ،‬الذيففن يبلغون رسففالت ال ويخشونففه ول يخشون أحدا إل ال‬
‫وكفى بال حسيبا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سنة ال في الذين خلوا من قبل" هذه مخاطبة من ال تعالى لجميع المة‪ .‬أعلمهم‬
‫أن هذا ونحوه هفو السفنن القدم ففي النفبياء أن ينالوا مفا أحله لهفم‪ ،‬أي سفن لمحمفد صفلى ال عليفه‬
‫وسففلم التوسففعة عليففه فففي النكاح سففنة النففبياء الماضيففة‪ ،‬كداود وسففليمان‪ .‬فكان لداود مائة امرأة‬
‫وثلثمائة سفرية‪ ،‬ولسفليمان ثلثمائة امرأة وسفبعمائة سفرية‪ .‬وذكفر الثعلبفي عفن مقاتفل وابفن الكلبفي‬
‫أن الشارة إلى داود عليفه السفلم‪ ،‬حيفث جمفع ال بينفه وبيفن مفن فتفن بهفا‪ .‬و"سفنة" نصفب على‬
‫المصفدر‪ ،‬أي سفن ال له سفنة واسفعة و"الذيفن خلوا" هفم النفبياء‪ ،‬بدليفل وصففهم بعفد بقوله‪" :‬الذيفن‬
‫يبلغون رسالت ال"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول ال وخاتم النبيين وكان ال بكل‬
‫شيء عليما}‬
‫@ لما تزوج زينب قال الناس‪ :‬تزوج امرأة ابنه‪ ،‬فنزلت الية‪ ،‬أي ليس هو بابنه حتى تحرم عليه‬
‫حليلته‪ ،‬ولكنه أبو أمته في التبجيل والتعظيم‪ ،‬وأن نساءه عليهم حرام فأذهب ال بهذه الية ما وقع‬
‫فففي نفوس المنافقيففن وغيرهففم‪ ،‬وأعلم أن محمدا لم يكففن أبففا أحففد مففن الرجال المعاصففرين له فففي‬
‫الحقيقففة‪ .‬ولم يقصففد بهذه اليففة أن النففبي صففلى ال عليففه وسففلم لم يكففن له ولد‪ ،‬فقففد ولد له ذكور‪.‬‬
‫إبراهيفم‪ ،‬والقاسفم‪ ،‬والطيفب‪ ،‬والمطهفر‪ ،‬ولكفن لم يعفش له ابفن حتفى يصفير رجل‪ .‬وأمفا الحسفن‬
‫والحسين فكانا طفلين‪ ،‬ولم يكونا رجلين معاصرين له‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولكن رسول ال" قال الخفش والفراء‪ :‬أي ولكن كان رسول ال‪ .‬وأجازا "ولكن‬
‫رسول ال وخاتم" بالرفع وكذلك قرأ ابن أبي عبلة وبعض الناس "ولكن رسول ال" بالرفع‪ ،‬على‬
‫معنى هو رسول ال وخاتم النبيين‪ .‬وقرأت فرقة "ولكن" بتشديد النون‪ ،‬ونصب "رسول ال" على‬
‫أنه اسم "لكن" والخبر محذوف "وخاتم" قرأ عاصم وحده بفتح التاء‪ ،‬بمعنى أنهم به ختموا‪ ،‬فهو‬
‫كالخاتفم والطابفع لهفم‪ .‬وقرأ الجمهور بكسفر التاء بمعنفى أنفه ختمهفم‪ ،‬أي جاء آخرهفم‪ .‬وقيفل‪ :‬الخاتفم‬
‫والخاتم لغتان‪ ،‬مثل طابع وطابع‪ ،‬ودانق ودانق‪ ،‬وطابق من اللحم وطابق‬
‫@ قال ابفن عطيفة‪ :‬هذه اللفاظ عنفه جماعفة علماء المفة خلففا وسفلفا متلقاة على العموم التام‬
‫مقتضية نصا أنه ل نبي بعده صلى ال عليه وسلم وما ذكره القاضي أبو الطيب في كتابه المسمى‬
‫بالهدايفة‪ :‬مفن تجويفز الحتمال ففي ألفاظ هذه اليفة ضعيفف مفا ذكره الغزالي ففي هذه اليفة‪ ،‬وهذا‬
‫المعنفى ففي كتابفه الذي سفماه بالقتصفاد‪ ،‬إلحاد عندي‪ ،‬وتطرق خفبيث إلى تشويفش عقيدة المسفلمين‬
‫في ختم محمد صلى ال عليه وسلم النبوة‪ ،‬فالحذر الحذر منه! وال الهادي‪ .‬برحمته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬ل نبوة بعدي إل ما شاء ال)‪ .‬قال أبو‬
‫عمفر‪ :‬يعنفي الرؤيفا وال أعلم التفي هفي جزء منهفا‪ ،‬كمفا قال عليفه السفلم‪( :‬ليفس يبقفى بعدي مفن‬
‫النبوة إل الرؤيفا الصفالحة)‪ .‬وقرأ ابفن مسفعود "مفن رجالكفم ولكفن نبيفا ختفم النفبيين"‪ .‬قال الرمانفي‪:‬‬
‫ختم به عليه الصلة والسلم الستصلح‪ ،‬فمن لم يصلح به فميؤوس من صلحه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن هذا المعنى قوله عليه السلم‪( :‬بعثت لتمم مكارم الخلق)‪ .‬وفي صحيح مسلم عن‬
‫جابر قال قال رسففول ال صففلى‪( :‬مثلي ومثففل النففبياء كمثففل رجففل بنففى دارا فأتمهففا وأكملهففا إل‬
‫موضفع لبنفة فجعفل الناس يدخلونهفا ويتعجبون‪ .‬منهفا ويقولون لول موضفع اللبنفة قال رسفول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فأنا موضع اللبنة جئت فختمت النبياء)‪ .‬نحوه عن أبي هريرة‪ ،‬غير أنه قال‪:‬‬
‫فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 41 :‬يا أيها الذين آمنوا اذكروا ال ذكرا كثيرا}‬
‫@ أمفر ال تعالى عباده بأن يذكروه ويشكروه‪ ،‬ويكثروا من ذلك على مفا أنعفم به عليهفم‪ .‬وجعفل‬
‫تعالى ذلك دون حفد لسفهولته على العبفد‪ .‬ولعظفم الجفر فيفه قال ابفن عباس‪ :‬لم يعذر أحفد ففي ترك‬
‫ذكر ال إل من غلب على عقله‪ .‬وروى أبو سعيد عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أكثروا ذكر ال‬
‫حتى يقولوا مجنون)‪ .‬وقيل‪ :‬الذكر الكثير ما جرى على الخلص من القلب‪ ،‬والقليل ما يقع على‬
‫حكم النفاق كالذكر باللسان‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 42 :‬وسبحوه بكرة وأصيل}‬
‫@ أي اشغلوا ألسنتكم في معظم أحوالكم بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير‪ .‬قال‪ ،‬مجاهد‪ :‬وهذه‬
‫كلمات يقولهن الطاهر والمحدث والجنب‪ .‬وقيل‪ :‬ادعوه‪ .‬قال جرير‪:‬‬
‫دعا ربه فاختاره حين سبحا‬ ‫فل تنس تسبيح الضحى إن يوسفا‬
‫وقيفل‪ :‬المراد صلوا ل بكرة وأصفيل‪ ،‬والصلة تسفمى تسبيحا‪ .‬وخصفر‪ ،‬الفجر والمغرب والعشاء‬
‫بالذكفر لنهفا أحفق بالتحريفض عليهفا‪ ،‬لتصفالها بأطراف الليفل‪ .‬وقال قتادة والطفبري‪ :‬الشارة إلى‬
‫صلة الغداة وصلة العصر‪ .‬والصيل‪ :‬العشي وجمعه أصائل‪ .‬والصل بمعنى الصيل‪ ،‬وجمعه‬
‫آصال‪ ،‬قاله المبرد‪ .‬وقال غيره‪ :‬أصل جمع أصيل‪ ،‬كرغيف ورغف‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫مسفألة‪ :‬هذه اليفة مدنيفة‪ ،‬فل تعلق بهفا لمفن زعفم أن الصفلة إنمفا فرضفت أول صفلتين‪ ،‬ففي‬
‫طرفففي النهار‪ .‬والروايففة بذلك ضعيفففة فل التفات إليهففا ول معول عليهففا‪ .‬وقال مضففى الكلم فففي‬
‫كيفية فرض الصلة وما للعلماء في ذلك في "السراء" والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليففة‪{ 43 :‬هففو الذي يصففلي عليكففم وملئكتففه ليخرجكففم مففن الظلمات إلى النور وكان‬
‫بالمؤمنين رحيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هفو الذي يصفلي عليكفم" قال ابن عباس‪ :‬لمفا نزل"إن ال وملئكتفه يصفلون على‬
‫النفبي" [الحزاب‪ ]56 :‬قال المهاجرون والنصفار‪ :‬هذا لك يفا رسفول ال خاصفة‪ ،‬وليفس لنفا فيفه‬
‫شيء‪ ،‬فأنزل ال تعالى هذه الية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذه نعمفة مفن ال تعالى على هذه المفة مفن أكفبر النعفم‪ ،‬ودليفل على فضلهفا على سفائر‬
‫المم‪ .‬وقد قال‪" :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس" [آل عمران‪ .]110 :‬والصلة من ال على العبد‬
‫هففي رحمتففه له وبركتففه لديففه‪ .‬وصففلة الملئكففة‪ :‬دعاؤهففم للمؤمنيففن واسففتغفارهم لهففم‪ ،‬كمففا قال‪:‬‬
‫"ويستغفرون للذين آمنوا" [غافر‪ ]7 :‬وسيأتي‪ .‬وفي الحديث‪ :‬أن بني إسرائيل سألوا موسى عليه‬
‫السلم‪ :‬أيصلي ربك جل وعز؟ فأعظم ذلك‪ ،‬فأوحى ال جل وعز‪" :‬إن صلتي بأن رحمتي سبقت‬
‫غضفبي" ذكره النحاس‪ .‬وقال ابفن عطيفة‪ :‬وروت فرقفة أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قيفل له‪ :‬يفا‬
‫رسول ال‪ ،‬كيف صلة ال على عباده‪ .‬قال‪( :‬سبوح قدوس ‪ -‬رحمتي سبقت غضبي)‪ .‬واختلف في‬
‫تأويفل هذا القول‪ ،‬فقيفل‪ :‬إنفه كلمفة مفن كلم ال تعالى وهفي صفلته على عباده‪ .‬وقيفل سفبوح قدوس‬
‫من كلم محمد صلى ال عليه وسلم وقدمه بين يدي نطقه باللفظ الذي هو صلة ال وهو (رحمتي‬
‫سبقت غضبي) من حيث فهم من السائل أنه توهم في صلة ال على عباده وجها ل يليق بال عز‬
‫وجل‪ ،‬فقدم التنزيه والتعظيم بين يدي إخباره‪" .‬ليخرجكم من الظلمات إلى النور" أي من الضللة‬
‫إلى الهدى‪ .‬ومعنفى هذا التثفبيت على الهدايفة‪ ،‬لنهفم كانوا ففي وقفت الخطاب على الهدايفة‪" .‬وكان‬
‫بالمؤمنين رحيما" أخبر تعالى برحمته بالمؤمنين تأنيسا لهم فقال‪" :‬وكان بالمؤمنين رحيما"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 44 :‬تحيتهم يوم يلقونه سلم وأعد لهم أجرا كريم}‬
‫@ اختلف في الضمير الذي في "يلقونه" على من يعود‪ ،‬فقيل على ال تعالى‪ ،‬أي كان بالمؤمنين‬
‫رحيما‪ ،‬فهو يؤمنهم من عذاب ال يوم القيامة‪ .‬وفي ذلك اليوم يلقونه‪ .‬و"تحيتهم" أي تحية بعضهم‬
‫لبعض‪" .‬سلم" أي سلمة‪ .‬ولكم من عذاب ال‪ .‬وقيل‪ :‬هذه التحية من ال تعالى‪ ،‬المعنى‪ :‬فيسلمهم‬
‫مفن الفات‪ ،‬أو يبشرهفم بالمفن مفن المخافات "يوم يلقونفه" أي يوم القيامفة بعفد دخول الجنفة‪ .‬قال‬
‫معناه الزجاج‪ ،‬واسففتشهد بقوله جففل وعففز‪" :‬وتحيتهففم فيهففا سففلم" [يونففس‪ .]10 :‬وقيففل‪" :‬يوم‬
‫يلقونفه" أي يوم‪ :‬يلقون ملك الموت‪ ،‬وقفد ورد أنفه ل يقبفض روح مؤمفن إل سفلم عليفه‪ .‬روي عفن‬
‫البراء بففن عازب قال‪" :‬تحيتهففم يوم يلقونففه سففلم" فيسففلم ملك الموت على المؤمففن عنففد قبففض‬
‫روحه‪ ،‬ل يقبض روحه حتى عليه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 46 - 45 :‬يفا أيهفا النفبي إنفا أرسفلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا‪ ،‬وداعيفا إلى ال بإذنفه‬
‫وسراجا منيرا}‬
‫@ هذه الية فيها تأنيس للنبي صلى ال عليه وسلم وللمؤمنين‪ ،‬وتكريم لجميعهم‪ .‬وهذه الية من‬
‫أسمائه صلى ال عليه وسلم ست أسماء ولنبينفا صلى ال عليه وسلم أسماء كثيرة وسمات جليلة‪،‬‬
‫ورد ذكرها في الكتاب والسنة والكتب المتقدمة‪ .‬وقد سماه ال في كتابه محمدا وأحمد‪ .‬وقال صلى‬
‫ال عليفه وسفلم فيمفا روى عنفه الثقات العدول‪( :‬لي خمسفة أسفماء أنفا محمفد وأنفا أحمفد وأنفا الماحفي‬
‫الذي يمحفو ال بفي الكففر وأنفا الحاشفر الذي يحشفر الناس على قدمفي وأنفا العاقفب)‪ .‬وففي صفحيح‬
‫مسلم حديث جبير بن مطعم‪ :‬وقد سماه ال "رؤوفا رحيما"‪ .‬وفيه أيضا عن أبي موسى الشعري‬
‫قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء‪ ،‬فيقول‪( :‬أنا محمد وأحمد والمقفي‬
‫والحاشفر ونفبي التوبفة ونفبي الرحمفة)‪ .‬وقفد تتبفع القاضفي أبفو الفضفل عياض ففي كتابفه المسفمى‬
‫(بالشفا) ما جاء في كتاب ال وفي سنة رسول صلى ال عليه وسلم ومما نقل في الكتب المتقدمة‪،‬‬
‫وإطلق المفة أسففماء كثيرة وصفففات عديدة‪ ،‬قففد صففدقت عليففه صفلى ال عليفه وسفلم مسفمياتها‪،‬‬
‫ووجدت فيفه معانيهفا‪ .‬وقفد ذكفر القاضفي أبفو بكفر بفن العربفي ففي أحكامفه ففي هذه اليفة مفن أسفماء‬
‫النفبي صفلى ال عليفه وسفلم سفبعة وسفتين أسفما وذكفر صفاحب (وسفيلة المتعبديفن إلى متابعفة سفيد‬
‫المرسفلين) عفن ابفن عباس أن لمحمفد صفلى ال عليفه وسفلم مائة وثمانيفن آسفما‪ ،‬مفن أرادهفا وجدهفا‬
‫هناك‪ .‬وقال ابفن عباس‪ :‬لمفا نزلت هذه اليفة دعفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم عليفا ومعاذا‪،‬‬
‫فبعثهمفا إلى اليمن‪ ،‬وقال‪( :‬اذهبفا فبشرا ول تنفرا‪ ،‬ويسفرا ول تعسفرا فإنفه قد أنزل عل يّ) وقرأ هذه‬
‫الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬شاهدا" قال سعيد عن قتادة‪" :‬شاهدا" على أمته بالتبليغ إليهم‪ ،‬وعلى سائر المم‬
‫بتبليفغ أنفبيائهم‪ ،‬ونحفو ذلك "ومبشرا" معناه للمؤمنيفن برحمفة ال وبالجنفة "ونذيرا" معناه للعصفاة‬
‫والمكذبيفن مفن النار وعذاب الخلد‪".‬وداعيفا إلى ال" الدعاء إلى ال هفو تبليفغ التوحيفد والخفذ بفه‪،‬‬
‫ومكافحفة الكفرة‪" .‬بإذنفه" هنفا معناه‪ :‬بأمره إياك‪ ،‬وتقديره ذلك ففي وقتفه وأوانفه‪" .‬وسفراجا منيرا"‬
‫هنففا اسففتعارة للنور الذي يتضمنفه شرعففه‪ .‬وقيفل‪" :‬وسفراجا" أي هاديففا مفن ظلم الضللة‪ ،‬وأنففت‬
‫كالمصفباح المضيفء‪ .‬ووصففه بالنارة لن مفن السفرج مفا ل يضيفء‪ ،‬إذا قفل سفليطه ودقفت فتيلتفه‪.‬‬
‫وففي كلم بعضهفم‪ :‬عفن الموحشيفن‪ .‬رسفول بطيفء‪ ،‬وسفراج ل يضيفء‪ ،‬ومائدة ينتظفر لهفا مفن‬
‫يجيفء‪ .‬وسفئل بعضهفم عفن الموحشيفن فقال‪ :‬ظلم سفاتر وسفراج فاتفر‪ ،‬وأسفند النحاس قال‪ :‬حدثنفا‬
‫محمفد بفن إبراهيفم الرازي قال حدثنفا عبدالرحمفن بفن صفالح الزدي قال حدثنفا عبدالرحمفن‪ ،‬بفن‬
‫محمد المحاربي عن شيبان النحوي قال حدثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال‪ :‬لما نزلت "يا‬
‫أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا‪ .‬وداعيا إلى ال بإذنه وسراجا منيرا" دعا رسول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم عليفا ومعاذا فقال‪( :‬انطلقفا فبشرا ول تعسفرا فإنفه قفد نزل عليّف الليلة آيفة "يفا‬
‫أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا‪ .‬ومبشرا ونذيرا ‪ -‬من النار ‪ -‬وداعيا إلى ال ‪ -‬قال ‪ -‬شهادة أن ل إله‬
‫إل ال ‪ -‬بإذنه ‪ -‬بأمره ‪ -‬وسراجا منيرا ‪ -‬قال ‪ -‬بالقرآن"‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬وسراجا" أي وذا سراج‬
‫منير‪ ،‬أي كتاب نير‪ .‬وأجاز أيضا أن يكون بمعنى‪ :‬وتاليا كتاب ال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليففة‪{ 48 - 47 :‬وبشففر المؤمنيففن بأن لهففم مففن ال فضل كففبيرا‪ ،‬ول تطففع الكافريففن‬
‫والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على ال وكفى بال وكيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبشفر المؤمنيفن" الواو عاطفة جملة على جملة‪ ،‬والمعنفى منقطفع مفن الذي قبله‪.‬‬
‫أمره تعالى أن يبشفر المؤمنيفن بالفضفل الكفبير مفن ال تعالى‪ .‬وعلى قول الزجاج‪ :‬ذا سفراج منيفر‪،‬‬
‫أو وتاليفا سفراجا منيرا‪ ،‬يكون معطوففا على الكاف ل ففي "أرسفلناك"‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬قال لنفا أبفي‬
‫رضفي ال عنفه‪ :‬هذه مفن أرجفى آيفة عندي ففي كتاب ال تعالى‪ ،‬لن ال عفز وجفل قفد أمفر نفبيه أن‬
‫يبشفر المؤمنيفن بأن لهفم عنده فضل كفبيرا‪ ،‬وقفد بيفن تعالى الفضفل الكفبير ففي قوله تعالى‪" :‬والذيفن‬
‫آمنوا وعملوا الصفالحات ففي روضات الجنات لهفم مفا يشاؤون عنفد ربهفم ذلك هفو الفضفل الكفبير"‬
‫[الشورى‪ .]22 :‬فاليفة التفي ففي هذه السفورة خفبر‪ ،‬والتفي ففي حفم‪ .‬عسفق" تفسفير لهفا‪" .‬ول تطفع‬
‫الكافريففن والمنافقيففن" أي ل تطعهففم فيمففا يشيرون عليففك مففن المداهنففة فففي الديففن ول تمالئهففم‪.‬‬
‫"الكافريفن"‪ :‬أبفي سففيان وعكرمفة وأبفي العور السفلمي‪ ،‬قالوا‪ :‬يفا محمفد‪ ،‬ل تذكفر آلهتنفا بسفوء‬
‫نتبعفك‪" .‬والمنافقيفن"‪ :‬عبدال بفن أبفي وعبدال بفن سفعد وطعمفة بفن أبيرق‪ ،‬حثوا النفبي صفلى ال‬
‫عليففه وسففلم على إجابتهففم بتعلة المصففلحة‪" .‬ودع أذاهففم" أي دع أن تؤذيهففم مجازاة على إذايتهففم‬
‫إياك‪ .‬فأمره تبارك وتعالى بترك معاقبتهففم‪ ،‬والصفففح عفن زللهففم؛ فالمصففدر على هذا مضاف إلى‬
‫المفعول‪ .‬ونسفخ مفن اليفة على هذا التأويفل مفا يخفص الكافريفن‪ ،‬وناسفخه آيفة السفيف‪ .‬وفيفه معنفى‬
‫ثان‪ :‬أي أعرض عن أقوالهم وما يؤذونك‪ ،‬ول تشتغل به‪ ،‬فالمصدر على هذا التأويل مضاف إلى‬
‫الفاعل‪ .‬وهذا تأويل مجاهد‪ ،‬والية منسوخة بآية السيف‪" .‬وتوكل على ال وكفى بال وكيل" أمره‬
‫بالتوكل عليه وآنسه بقوله "وكفى بال وكيل" وفي قوة الكلم وعد بنصر‪ .‬والوكيل‪ :‬الحافظ القاسم‬
‫على المر‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 49 :‬يفا أيهفا الذيفن آمنوا إذا نكحتفم المؤمنات ثفم طلقتموهفن مفن قبفل أن تمسفوهن فمفا‬
‫لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يفا أيهفا الذيفن آمنوا إذا نكحتفم المؤمنات ثفم طلقتموهفن" لمفا جرت قصفة زيفد‬
‫وتطليقه زينب‪ ،‬وكانت مدخول بها‪ ،‬وخطبها النبي صلى ال عليه وسلم بعد انقضاء عدتها ‪ -‬كما‬
‫بيناه ‪ -‬خاطب ال المؤمنين بحكم الزوجة تطلق قبل البناء‪ ،‬وبين ذلك الحكم للمة‪ ،‬فالمطلقة إذا لم‬
‫تكففن ممسففوسة ل عدة عليهففا بنففص الكتاب وإجماع المففة على ذلك‪ .‬فإن دخففل بهففا فعليهففا العدة‬
‫إجماعا‪.‬‬
‫النكاح حقيقفة ففي الوطفء‪ ،‬وتسفمية العقفد نكاحفا لملبسفته له مفن حيفث إنفه طريفق إليفه‪ .‬ونظيره‬
‫تسفميتهم الخمفر إثمفا لنفه سفبب ففي اقتراف الثفم‪ .‬ولم يرد لففظ النكاح ففي كتاب ال إل ففي معنفى‬
‫العقد‪ ،‬لنه في معنى الوطء‪ ،‬وهو من آداب القرآن‪ ،‬الكناية عنه بلفظ‪ :‬الملمسة والمماسة والقربان‬
‫والتغشي والتيان‪.‬‬
‫@ استدل بعض العلماء بقوله تعالى‪" :‬ثم طلقتموهن" وبمهلة "ثم" على أن الطلق ل يكون إل‬
‫بعففد نكاح وأن مففن طلق المرأة قبففل نكاحهففا وإن عينهففا‪ ،‬فإن ذلك ل يلزمففه‪ .‬وقال هذا نيففف على‬
‫ثلثيفن مفن صفاحب وتابفع وإمام‪ .‬سفمى البخاري منهفم اثنيفن وعشريفن‪ .‬وقفد روى عفن النفبي صفلى‬
‫ال عليه وسفلم (ل طلق قبل نكاح) ومعناه‪ :‬أن الطلق ل يقع حتفى يحصل النكاح‪ .‬قال حبيب بفن‬
‫أبي ثابت‪ :‬سئل علي بن الحسين رضي ال عنهما عن رجل قال لمرأة‪ :‬إن تزوجتك فأنت طالق؟‬
‫فقال‪ :‬ليفس بشيفء‪ ،‬ذكفر ال عفز وجفل النكاح قبفل الطلق‪ .‬وقالت طائففة مفن أهفل العلم‪ :‬إن طلق‬
‫المعينة الشخص أو القبيلة أو البلد لزم قبل النكاح‪ ،‬منهم مالك وجميع أصحابه‪ ،‬وجمع عظيم من‬
‫علماء المفة‪ .‬وقفد مضفى ففي "التوبفة" الكلم فيهفا ودليفل الفريقيفن‪ .‬والحمفد ل‪ .‬فإذا قال‪ :‬كفل امرأة‬
‫أتزوجهفا طالق وكفل عبفد أشتريفه حفر‪ ،‬لم يلزمفه شيفء‪ .‬وإن قال كفل امرأة أتزوجهفا إلى عشريفن‬
‫سفنة‪ ،‬أو إن تزوجفت مفن بلد فلن أو مفن بنفي فلن فهفي طالق‪ ،‬لزمفه الطلق مفا لم يخفف العنفت‬
‫على نفسه في طول السنين‪ ،‬أو يكون عمره في الغالب ل يبلغ ذلك‪ ،‬فله أن يتزوج‪ .‬وإنما لم يلزمه‬
‫الطلق إذا عمفم لنفه ضيفق على نفسفه المناكفح‪ ،‬فلو منعناه أل يتزوج لحرج وخيفف عليفه العنفت‪.‬‬
‫وقفد قال بعفض أصفحابنا‪ :‬إنفه إن وجفد مفا يتسفرر بفه لم ينكفح‪ ،‬وليفس بشيفء وذلك أن الضرورات‬
‫والعذار ترفع الحكام‪ ،‬فيصير هذا من حيث الضرورة كمن لم يحلف‪ ،‬قاله ابن خويز منداد‪.‬‬
‫@ استدل داود ‪ -‬ومن قال بقوله ‪ -‬إن المطلقة الرجعية إذا راجعها زوجها قبل أن تنقضي عدتها‬
‫ثفم فارقهفا قبفل أن يمسفها‪ ،‬أنه ليفس عليهفا أن تتفم عدتهفا ول عدة مسفتقبلة‪ ،‬لنهفا مطلقة قبفل الدخول‬
‫بهفا‪ .‬وقال عطاء بفن أبفي رباح وفرقفة‪ :‬تمضفى ففي عدتهفا مفن طلقهفا الول ‪ -‬وهفو أحفد قولي‪،‬‬
‫الشافعي ‪ -‬؛ لن طلقه لها إذا لم يمسها في حكم من طلقها في عدتها قبل أن يراجعها‪ .‬ومن طلق‪،‬‬
‫امرأته في كل طهر مره بنت ولم تستأنف‪ .‬وقال مالك‪ :‬إذا فارقها قبل أن يمسها إنها ل تبني على‬
‫ما مضى من عدتها‪ ،‬وإنها تنشئ من يوم طلقها عدة مستقبلة‪ .‬وقد ظلم زوجها نفسه وأخطأ إن كان‬
‫أرتجعهفا ول حاجفة له بهفا‪ .‬وعلى هذا أكثفر أهفل العلم‪ ،‬لنهفا ففي حكفم الزوجات المدخول بهفن ففي‬
‫النفقفة والسفكنى وغيفر ذلك‪ ،‬ولذلك تسفتأنف العدة مفن يوم طلقفت‪ ،‬وهفو قول جمهور فقهاء البصفرة‬
‫والكوفة ومكة والمدينة والشام‪ .‬وقال الثوري‪ :‬أجمع الفقهاء عندنا على ذلك‪.‬‬
‫@ فلو كانت بائنة غير مبتوتة فتزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول فقد اختلفوا في ذلك أيضا‪،‬‬
‫فقال مالك والشافعفي وزففر وعثمان البتفي‪ :‬لهفا نصفف الصفداق وتتفم بقيفة العدة الولى‪ .‬وهفو قول‬
‫الحسن وعطاء وعكرمة وابن شهاب‪ .‬وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والثوري والوزاعي‪ :،‬لها مهر‬
‫كامفل للنكاح الثانفي وعدة مسفتقبلة‪ .‬جعلوهفا ففي حكفم المدخول بهفا لعتدادهفا مفن مائه‪ .‬وقال داود‪:‬‬
‫لهففا نصففف الصففداق‪ ،‬وليففس عليهففا بقيففة العدة الولى ول عدة مسففتقبلة‪( .‬والولى مففا قاله مالك‬
‫والشافعي‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ هذه اليففة مخصففصة لقوله تعالى‪" :‬والمطلقات يتربصففن بأنفسففهن ثلثففة قروء" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]228‬ولقوله‪" :‬واللئي يئسففن مففن المحيففض مففن نسففائكم إن ارتبتففم فعدتهففن ثلثففة أشهففر"‬
‫[الطلق‪ .]4 :‬وقفد مضفى ففي "البقرة"‪ ،‬ومضفى فيهفا الكلم ففي المتعفة‪ ،‬فأغنفى عفن العادة هنفا‪.‬‬
‫"وسفرحوهن سفراحا جميل" فيفه وجهان‪ :‬أحدهمفا‪ :‬أنفه دففع المتعفة بحسفب الميسفرة والعسفرة‪ ،‬قال‬
‫ابن عباس‪ .‬الثاني‪ :‬أنه طلقها طاهرا من غير جماع‪ ،‬قال قتادة وقيل‪ :‬فسرحوهن بعد الطلق إلى‬
‫أهلهن‪ ،‬فل يجتمع الرجل والمطلقة في موضع واحد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمتعوهفن" قال سفعيد‪ :‬هفي منسفوخة باليفة التفي ففي البقرة‪ ،‬وهفي قوله‪" :‬وإن‬
‫طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم" [البقرة‪ ]237 :‬أي‬
‫فلم يذكر المتعة‪ .‬وقد مضى الكلم فيه‪ .‬وقوله "وسرحوهن" طلقوهن‪ .‬والتسريح كناية عن الطلق‬
‫عنفد أبفي حنيففة‪ ،‬لنفه يسفتعمل ففي غيره فيحتاج إلى النيفة‪ .‬وعنفد الشافعفي صفريح‪" .‬جميل" سفنة‪،‬‬
‫غير بدعة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 50 :‬يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما‬
‫أفاء ال عليفك وبنات عمفك وبنات عماتفك وبنات خالك وبنات خالتفك اللتفي هاجرن معفك وامرأة‬
‫مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما‬
‫فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيل يكون عليك حرج وكان ال غفورا رحيما}‬
‫@ روى السدي عن أبي صالح عن أم هانئ بنت أبى طالب قالت‪ :‬خطبني رسول ال صلى ال‬
‫عليففه وسففلم فاعتذرت إليففه فعذرنففي‪ ،‬ثففم أنزل ال تعالى‪" :‬إنففا أحللنففا لك أزواجففك اللتففي آتيففت‬
‫أجورهففن ومففا ملكففت يمينففك ممففا أفاء ال عليففك وبنات عمففك وبنات عماتففك وبنات خالك وبنات‬
‫خالتك اللتي هاجرن معك" قالت‪ :‬فلم أكن أحل له؛ لني لم أهاجر‪ ،‬كنت من الطلقاء‪ .‬خرجه أبو‬
‫عيسى وقال‪ :‬هذا حديث حسن ل نعرفه إل من هذا الوجه‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهو ضعيف جدا ولم‬
‫يأت هذا الحديث من طريق صحيح يحتج بها‪.‬‬
‫@ لمففا خيففر رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم نسففاءه فاخترنففه‪ ،‬حرم عليففه التزوج بغيرهففن‬
‫والسفتبدال بهفن‪ ،‬مكافأة لهفن على فعلهفن‪ .‬والدليفل على ذلك قوله تعالى‪" :‬ل يحفل لك النسفاء مفن‬
‫بعد" الية‪ .‬وهل كان يحل له أن يطلق واحدة منهن بعه ذلك؟ فقيل‪ :‬ل يحل له ذلك عزاء لهن على‬
‫اختيارهن له‪ .‬وقيل‪ :‬كان يحل له ذلك كغيره من النساء ولكن ل يتزوج بدلها‪ .‬ثم نسخ هذا التحريم‬
‫فأباح له أن يتزوج بمن شاء عليهن من النساء‪ ،‬والدليل عليه قوله تعالى‪" :‬إنا أحللنا لك أزواجك"‬
‫والحلل يقتضفي تقدم حظفر‪ .‬وزوجاتفه اللتفي ففي حياتفه لم يكفن محرمات عليفه‪ ،‬وإنمفا كان حرم‬
‫عليه التزويج بالجنبيات فانصرف الحلل إليهن‪ ،‬ولنه‪ .‬قال في سياق الية "وبنات عمك وبتات‬
‫عماتك" الية‪ .‬ومعلوم أنه لم يكن تحته أحد من بنات عمه ول من بنات عماته ول من بنات خاله‬
‫ول من بنات خالته‪ ،‬فثبت أنه أحل له التزويج بهذا ابتداء‪ .‬وهذه الية وإن كانت مقدمة في التلوة‬
‫فهي متأخرة النزول على الية المنسوخة بها‪ ،‬كآيتي الوفاة في "البقرة"‪.‬‬
‫وقفد اختلف الناس ففي تأويفل قوله تعالى‪":‬إنفا أحللنفا لك أزواجفك" فقيفل‪ :‬المراد بهفا أن ال تعالى‬
‫أحفل له أن يتزوج كفل امرأة يؤتيهفا مهرهفا‪ ،‬قال ابفن زيفد والضحاك‪ .‬فعلى هذا تكون اليفة مبيحفة‬
‫جميع النساء حاشا ذوات المحارم‪ .‬وقيل‪ :‬المراد أحللنا لك أزواجك‪ ،‬أي الكائنات عندك‪ ،‬لنهن قد‬
‫اخترتك على الدنيا والخرة‪ ،‬قال الجمهور من العلماء‪ .‬وهو الظاهر‪ ،‬لن قوله‪" :‬آتيت أجورهن"‬
‫ماض‪ ،‬ول يكون الفعل الماضي بمعنى الستقبال إل بشروط‪ .‬ومجيء الم على هذا التأويل ضيقا‬
‫على النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ .‬ويؤيفد هذا التأويفل مفا قاله ابفن عباس‪ :‬كان رسفول ال صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم يتزوج ففي أي الناس شاء‪ ،‬وكان يشفق ذلك على نسفائه‪ ،‬فلمفا نزلت‪ .‬هذه اليفة وحرم‬
‫عليه بها النساء إل من سمى‪ ،‬سر نساؤه بذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والقول الول أصح لما ذكرناه ويدل أيضا على صحته ما خرجه الترمذي عن عطاء قال‬
‫قالت عائشفة رضفي ال عنهفا‪ :‬مفا مات رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم حتفى أحفل ال تعالى له‬
‫النساء‪ .‬قال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومفا ملكفت يمينفك" أحفل ال تعالى السفراري لنفبيه صفلى ال عليفه وسفلم ولمتفه‬
‫مطلقا‪ ،‬وأحل الزواج لنبيه عليه الصلة والسلم مطلقا‪ ،‬وأحله للخلق بعدد‪" .‬مما أفاء ال عليك"‬
‫أي رده عليفك مفن الكفار‪ .‬والغنيمفة قفد تسفمى فيئا‪ ،‬أي ممفا أفاء ال عليفك مفن النسفاء بالمأخوذ على‬
‫وجه القهر والغلبة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبنات عمفك وبنات عماتفك" أي أحللنفا لك ذلك زائدا مفن الزواج اللتفي أتيفت‬
‫أجورهفن ومفا ملكفت يمينفك‪ ،‬على قول الجمهور‪ ،‬لنفه لو أراد أحللنفا لك كفل امرأة تزوجفت وأتيفت‬
‫أجرها‪ ،‬لما قال بعد ذلك‪" :‬وبنات عمك وبنات عماتك" لن ذلك داخل فيما تقدم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا ل يلزم‪ ،‬وإنمفا خفص هؤلء بالذكفر تشريففا‪ ،‬كمفا قال تعالى‪" :‬فيهمفا فاكهفة ونخفل‬
‫ورمان" [الرحمن‪ .]68 :‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اللتفي هاجرن معفك" فيفه قولن‪ :‬الول‪ :‬ل يحفل لك مفن قرابتفك كبنات عمفك‬
‫العباس وغيره مففن أولد عبدالمطلب‪ ،‬وبنات أولد بنات عبدالمطلب‪ ،‬وبنات الخال مففن ولد بنات‬
‫عبد مناف بن زهرة إل من أسلم‪ ،‬لقوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬المسلم من سلم المسلمون من لسانه‬
‫ويده والمهاجفر مفن هجفر مفا نهفى ال تعالى عنفه)‪ .‬الثانفي‪ :‬ل يحفل لك منهفن إل مفن هاجفر إلى‬
‫المدينة‪ ،‬لقوله تعالى‪" .‬والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من وليتهم من شيء‪ .‬حتى يهاجروا" ومن‬
‫لم يهاجفر لم يكمفل‪ ،‬ومفن لم يكمفل لم يصفلح للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم الذي كمفل وشرف وعظفم‪،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى "معفك" المعيفة هنفا الشتراك ففي الهجرة ل ففي الصفحة فيهفا‪ ،‬ومفن هاجفر حفل له‪،‬‬
‫كان في صحبته إذ هاجر أو لم يكن‪ .‬يقال‪ :‬دخل فلن معي وخرج معي‪ ،‬أي كان عمله كعملي لن‬
‫لم يقترن فيفه عملكمفا‪ .‬ولو قلت‪ :‬خرجنفا معفا لقتضفى ذلك المعنييفن جميعفا‪ :‬الشتراك ففي الفعفل‪،‬‬
‫والقتران فيه‪.‬‬
‫@ذكر ال تبارك وتعالى العم فردا والعمات جحه‪ .‬وكذلك قال‪" :‬خالك"‪" ،‬وخالتك" والحكمة في‬
‫ذلك‪ :‬أن العم والخال ففي الطلق اسفم جنس كالشاعر والراجز‪ ،‬وليس كذلك العمة والخالة‪ .‬وهذا‬
‫عرف لغوي‪ ،‬فجاء الكلم عليه بغاية البيان لرفع الشكال‪ ،‬وهذا دقيق فتأملوه‪ ،‬قاله ابن العربي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وامرأة مؤمنفة" عطفف على "أحللنفا" المعنفى وأحللنفا كفل امرأة تهفب نفسفها مفن‬
‫غيفر صفداق‪ .‬وقفد اختلف ففي هذا المعنفى‪ ،‬فروي عفن ابفن عباس أنفه قال‪ :‬لم تكفن‪ .‬عنفد رسفول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم امرأة إل بعقفد نكاح أو ملك يميفن‪ .‬فأمفا الهبفة فلم يكفن عنده منهفن أحفد‪ .‬وقال‬
‫قوم‪ :‬كانت عنده موهوبة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والذي ففي الصفحيحين يقوي هذا القول ويعضده‪ ،‬روى مسفلم عفن عائشفة رضفي ال عنهفا‬
‫أنهفا قالت‪ :‬كنفت أغار على اللتففي وهبفن أنفسفهن لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وأقول‪ :‬أمفا‬
‫تسفتحي امرأة تهفب نفسفها لرجفل! حتفى أنزل ال تعالى "ترجفي مفن تشاء منهفن وتؤوي إليفك مفن‬
‫تشاء" [الحزاب‪ ]51 :‬فقلت‪ :‬وال مفا أرى ربفك إل يسفارع ففي هواك‪ .‬وروى البخاري عفن‬
‫عائشة أنها قالت‪ :‬كانت خولة بنت حكيم من اللئي وهبن أنفسهن لرسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فدل هذا على أنهفن كفن غيفر واحدة‪ .‬وال تعالى أعلم‪ .‬الزمخشري‪ :‬وقيفل الموهبات أربفع‪ :‬ميمونفة‬
‫بنفت الحارث‪ ،‬وزينفب بنفت خزيمفة أم المسفاكين النصفارية‪ ،‬وأم شريفك بنفت جابر‪ ،‬وخولة بنفت‬
‫حكيم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وففي بعفض هذا اختلف‪ .‬قال قتادة‪ :‬هفي ميمونفة بنفت الحارث‪ .‬وقال الشعفبي‪ :‬هفي زينفب‬
‫بنفت خزيمفة أم المسفاكين امرأة مفن النصفار‪ .‬وقال علي بفن الحسفين والضحاك ومقاتفل‪ :‬هفي أم‬
‫شريك بنت جابر السدية‪ .‬وقال عروة‪ .‬بن الزبير‪ :‬أم حكيم بنت الوقص السلمية‪.‬‬
‫@ وقد اختلف في اسم الواهبة نفسها‪ ،‬فقيل هي أم شريك النصارية‪ ،‬اسمها غزية‪ .‬وقيل غزيلة‪.‬‬
‫وقيفل ليلى بنفت حكيفم‪ .‬وقيفل‪ :‬هفي ميمونفة بنفت الحارث حيفن خطبهفا النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪،‬‬
‫فجاءها الخاطب وهي على بعيرها فقالت‪ :‬البعير وما عليه لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫هفي أم شريفك العامريفة‪ ،‬وكانفت عنفد أبفي العكفر الزدي‪ .‬وقيفل عنفد‪ .‬الطفيفل بفن الحارث فولدت له‬
‫شريكا‪ .‬وقيل‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم تزوجها‪ ،‬ولم يثبت ذلك‪ .‬وال تعالى أعلم‪ ،‬ذكره‬
‫أبفو عمفر بفن عبدالبر‪ .‬وقال الشعفبي وعروة‪ :‬وهفي زينفب بنفت خزيمفة أم المسفاكين‪ .‬وال تعالى‬
‫أعلم‪.‬‬
‫@ قرأ جمهور الناس "إن وهبفت" بكسفر اللف‪ ،‬وهذا يقتضفي اسفتئناف المفر‪ ،‬أي إن وقفع فهفو‬
‫حلل له‪ .‬وقفد روي عفن ابفن عباس ومجاهفد أنهمفا قال‪ :‬لم يكفن عنفد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫امرأة موهوبة‪ ،‬وقد دللنا على خلفه‪ .‬وروى الئمة من طريق سهل وغيره في الصحاح‪ :‬أن امرأة‬
‫قالت لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬جئت أهب لك نفسي‪ ،‬فسكت حتى قام رجل فقال‪ :‬زوجنيها‬
‫إن لم يكن لك بها حاجة‪ .‬فلو كانت هذه الهبة غير جائزة لما سكت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫لنه ل يقر على الباطل إذا سمعه‪ ،‬أنه يحتمل أن يكون سكوته منتظرا بيانا‪ ،‬فنزلت الية‪ .‬بالتحليل‬
‫والتخييففر‪ ،‬فاختار تركهففا وزوجهففا مففن غيره‪ .‬ويحتمففل أن يكون سففكت ناظرا فففي ذلك حتففى قام‬
‫الرجل لها طالبا‪ .‬وقرأ الحسن البصري وأبى بن كعب والشعبي "أن" يفتح اللف‪ .‬وقرأ العمش‬
‫"وامرأة مؤمنة وهبت"‪ .‬قال النحاس‪ :‬وكسر "إن" أجمع للمعاني‪ ،‬لنه قيل إنهن نساء‪ .‬وإذا فتح‬
‫كان المعنى‪ .‬على واحدة بعينها‪ ،‬لن الفتح على البدل من امرأة‪ ،‬أو بمعنى لن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مؤمنة" يدل على أن الكافرة ل تحل له‪ .‬قال إمام الحرمين‪ :‬وقد اختلف في تحريم‬
‫الحرة الكافرة عليفه‪ .‬قال ابفن العربفي‪ :‬والصفحيح عندي تحريمهفا عليفه‪ .‬وبهذا يتميفز علينفا‪ ،‬فإنفه مفا‬
‫كان مفن جانفب الفضائل والكرامفة فحظفه فيفه أكثفر‪ ،‬ومفا كان جانفب النقائص فجانبفه عنهفا أطهفر؛‬
‫فجوز لنفا نكاح الحرائر الكتابيات‪ ،‬وقصفر هفو صفلى ال عليفه وسفلم لجللتفه على المؤمنات‪ .‬وبهذا‬
‫كان ل يحفل له مفن لم تهاجفر لنقصفان فضفل الهجرة فأحرى أل تحفل له الكافرة الكتابيفة لنقصفان‬
‫الكفر‪.‬‬
‫و "إن وهبفت نفسفها" دليفل على أن النكاح عقفد معاوضفة على صففات مخصفوصة‪ ،‬قفد تقدمفت ففي‬
‫"النساء" وغيرها‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬معنى "إن وهبت نفسها للنبي" حلت‪ .‬وقرأ الحسن‪" :‬إن وهبت"‬
‫بفتفففح الهمزة‪ .‬و"أن" ففففي موضفففع نصفففب‪ .‬قال الزجاج‪ :‬أي لن‪ .‬وقال غيره‪" :‬إن وهبفففت" بدل‬
‫اشتمال من "امرأة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن أراد النفبي أن يسفتنكحها" أي إذا وهبفت المرأة نفسفها وقبلهفا النفبي صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم حلت له‪ ،‬وإن لم يقبلهفا لم يلزم ذلك‪ .‬كمفا إذا وهبفت لرجفل‪ ،‬شيئا فل يجفب عليفه القبول‪،‬‬
‫بفد أن مفن مكارم أخلق نبينفا أن يقبفل مفن الواهفب هبتفه‪ .‬ويرى الكارم أن ردهفا هجنفة ففي العادة‪،‬‬
‫ووصمة على الواهب وأذية لقلبه‪ ،‬فبين ال ذلك في حق رسول صلى ال عليه وسلم وجعله قرآنا‬
‫يتلى‪ ،‬ليرفع عنه الحرج‪ ،‬ومبطل بطل الناس في عادتهم وقولهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى "خالصة لك" أي هبة النسفاء أنفسهن خالصة ومزية ل تجوز‪ ،‬فل يجوز أن تهب‬
‫المرأة نفسها لرجل‪ .‬ووجه الخاصية أنها لو طلبت فرض المهر قبل الدخول لم يكن لها ذلك‪ .‬فأما‬
‫فيما بيننا فللمفوضة طلب المهر قبل الدخول‪ ،‬ومهر المثل بعد الدخول‪.‬‬
‫@أجمع العلماء على أن هبة المرأة نفسها غير جائز‪ ،‬وأن هذا اللفظ من الهبة ل يتم عليه نكاح‪،‬‬
‫إل مفا روي عفن أبفي حنيففة وصفاحبيه فإنهفم قالوا‪ :‬إذا وهبفت فأشهفد هفو على‪ ،‬نفسفه بمهفر فذلك‬
‫جائز‪ .‬قال ابففن عطيففة‪ :‬فليففس فففي قولهففم إل تجويففز العبارة ولفظففة الهبففة‪ ،‬وإل فالفعال التففي‬
‫أشترطوها هي أفعال النكاح بعينه‪ ،‬وقد تقدمت هذه المسألة في "القصص" مستوفاة‪ .‬والحمد ل‪.‬‬
‫@خفص ال تعالى رسفوله ففي أحكام الشريعفة بمعان لم يشاركفه فيهفا أحفد ‪ -‬ففي باب الفرض‬
‫والتحريففم والتحليفل ‪ -‬مزيفة على المفة وهبفت له‪ ،‬ومرتبفة خفص بهفا‪ ،‬ففرضفت عليفه أشياء مفا‬
‫فرضففت على غيره‪ ،‬وحرمففت عليففه أفعال لم تحرم عليهففم‪ ،‬وحللت له‪ .‬أشياء لم تحلل لهففم‪ ،‬منهففا‬
‫متفق عليه ومختلف فيه‪.‬‬
‫فأمفا مفا فرض عليفه فتسفعة‪ :‬الول ‪ -‬التهجفد بالليفل‪ ،‬يقال‪ :‬إن قيام الليفل كان واجبفا عليفه إلى أن‬
‫مات‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬يفا أيهفا المزمفل قفم الليفل" [المزمفل‪ ]2 - 1 :‬اليفة‪ .‬والمنصفوص أنفه كان‪،‬‬
‫واجبا عليه ثم نسخ بقوله تعالى‪" :‬ومن الليل فتهجد به نافلة لك" [السراء‪ ]79 :‬وسيأتي‪ .‬الثاني‪:‬‬
‫الضحى‪ .‬الثالث‪ :‬الضحى‪ .‬الرابع‪ :‬الوتر‪ ،‬وهو يدخل في قسم التهجد‪ .‬الخامس‪ :‬السواك‪ .‬السادس‪:‬‬
‫قضاء دين من مات معسرا‪ .‬السابع‪ :‬مشاورة ذوي الحلم في غير الشرائع‪ .‬الثامن‪ :‬تخير النساء‪.‬‬
‫التاسففع‪ :‬إذا عمففل عمل أثبتففه‪ .‬زاد غيره‪ :‬وكان يجففب عليففه إذا رأى منكرا أنكره وأظهره‪ ،‬لن‬
‫إقراره لغيره على ذلك يدل على جوازه‪ ،‬ذكره صاحب البيان‪.‬‬
‫وأمفا مفا حرم عليفه فجملتفه عشرة‪ :‬الول‪ :‬تحريفم الزكاة عليفه وعلى آله‪ .‬الثانفي‪ :‬صفدقة التطوع‬
‫عليففه‪ ،‬وفففي آله تفصففيل باختلف‪ .‬الثالث‪ :‬خائنففة العيففن‪ ،‬وهففو أن يظهففر خلف مففا يضمففر‪ ،‬أو‬
‫ينخدع عما يجب‪ .‬وقد ذم بعض الكفار عند إذنه ثم ألن له القول عند دخول‪ .‬الرابع‪ :‬حرم ال عليه‬
‫إذا ليس بأمته أن يخلعها عنه أو يحكم ال بينه وبين محاربه‪ .‬الخامس‪ :‬الكل متكئا‪ .‬السادس‪ :‬أكل‬
‫الطعمفة الكريهفة الرائحفة‪ .‬السفابع‪ :‬التبدل بأزواجفه‪ ،‬وسفيأتي‪ .‬الثامفن‪ :‬نكاح امرأة تكره صفحبته‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬نكاح الحرة الكتابية‪ .‬العاشر‪ :‬نكاح المة‪.‬‬
‫وحرم ال عليفه أشياء لم يحرمهفا غيره تنزيهفا له وتطهيرا‪ .‬فحرم ال عليفه الكتابفة وقول الشعفر‬
‫وتعليمه‪ ،‬تأكيدا لحجته وبيانا لمعجزته قال ال تعالى‪" :‬وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ول تخطه‬
‫بيمينفك" [العنكبوت‪ .]48 :‬وذكفر النقاش أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم مفا مات حتفى كتفب‪،‬‬
‫والول هفو المشهور‪ .‬وحرم عليفه أن يمفد عينيفه إلى مفا متفع بفه الناس‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ل تمدن‬
‫عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم" [الحجر‪ ]88 :‬الية‪.‬‬
‫وأما ما أحل له صلى ال عليه وسلم فجملته ستة عشر‪ :‬الول‪ :‬صفي المغنم‪ .‬الثاني‪ :‬الستبداد‬
‫بخمس الخمس أو الخمس‪ .‬الثالث‪ :‬الوصال‪ .‬الرابع‪ :‬الزيادة على أربع نسوة‪ .‬الخامس‪ :‬النكاح بلفظ‬
‫الهبفة‪ .‬السفادس‪ :‬النكاح بغيفر ولي‪ .‬السفابع‪ :‬النكاح بغيفر صفداق‪ .‬الثامفن‪ :‬نكاحفه ففي حالة الحرام‪.‬‬
‫التاسفع‪ :‬سفقوط القسفم بيفن الزواج عنفه‪ ،‬وسفيأتي‪ .‬العاشفر‪ :‬إذا وقفع بصفره على امرأة وجفب على‬
‫زوجهفا طلقهفا‪ ،‬وحفل له نكاحهفا‪ .‬قال ابفن العربفي‪ :‬هكذا قال إمام الحرميفن‪ ،‬وقفد مضفى مفا للعلماء‬
‫في قصة زيد من هذا المعنى‪ .‬الحادي عشر‪ :‬أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها‪ .‬الثاني عشر‪:‬‬
‫دخول مكفة بغيفر إحرام‪ ،‬وففي حقنفا فيفه اختلف‪ .‬الثالث عشفر‪ :‬القتال بمكفة‪ .‬الرابفع عشفر‪ :‬أنفه ل‬
‫يورث‪ .‬وإنمفا ذكفر هذا ففي قسفم التحليفل لن الرجفل إذا قال الموت بالمرض زال عنفه أكثفر ملكفه‪،‬‬
‫ولم يبق له إل الثلث خالصا‪ ،‬وبقي ملك رسول ال صلى ال عليه وسلم على ما تقرر بيانه في آية‬
‫المواريث‪ ،‬وسورة "مريم" بيانه أيضا‪.‬‬
‫بقاء زوجيتفه مفن بعفد الموت‪ .‬السفادس عشفر‪ :‬إذا طلق امرأة تبقفى حرمتفه عليهفا فل تنكفح‪ .‬وهذه‬
‫القسففام الثلثففة تقدم مفصففل فففي مواضعهففا‪ .‬وسففيأتي إن شاء ال تعالى‪ .‬وأبيففح له عليففه الصففلة‬
‫والسففلم أخففذ الطعام‪ ،‬والشراب مففن الجائع والعطشان‪ ،‬وإن كان مففن هففو معففه يخاف على نفسففه‬
‫الهلك‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬النففبي أولى بالمؤمنيففن مففن أنفسففهم" [الحزاب‪ .]6 :‬وعلى كففل أحففد مففن‬
‫المسلمين أن يقي النبي صلى ال عليه وسلم بنفسه‪ .‬وأبيح له أن يحمي لنفسه‪ .‬وأكرمه ال بتحليل‬
‫الغنائم‪ .‬وجعلت الرض له ولمتفه‪ .‬مسفجدا وطهورا‪ .‬وكان مفن النفبياء مفن ل تصفح صفلتهم إل‬
‫في المساجد‪ .‬ونصر بالرعب‪ ،‬فكان يخافه العدو من مسيرة شهر‪ .‬وبعث إلى كافة الخلق‪ ،‬وقد كان‬
‫مفن قبله مفن النفبياء يبعفث‪ .‬الواحفد إلى بعفض الناس دون بعفض‪ .‬وجعلت معجزاتفه‪ .‬كمعجزات‬
‫النفبياء قبله وزيادة‪ .‬وكانفت معجزة موسفى عليفه السفلم العصفا وانفجار الماء مفن الصفخرة وقفد‬
‫أنشق القمر للنبي صلى ال عليه وسلم وخرج الماء من أبين أصابعه صلى ال عليه وسلم وكانت‬
‫معجزة عيسى صلى ال عليه وسلم ال إحياء الموتى وإبراء الكمه والبرص‪ .‬وقد سبح الحصى‬
‫في يد النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وحن الجذع إليه‪ ،‬وهذا أبلغ‪ .‬وفضله ال عليهم بأن جعل القرآن‬
‫معجزة له‪ ،‬وجعفل معجزتفه فيفه باقيفة إلى يوم القيامفة‪ ،‬ولهذا جعلت نبوتفه مؤبدة ل تنسفخ إلى يوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫قوله تعالى "من دون المؤمنين" فائدته أن الكفار وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة عندنا فليس‬
‫لهم في ذلك دخول لن تصريف الحكام إنما يكون فيهم على تقدير السلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن يسفتنكحها" أي ينكحهفا‪ ،‬يقال‪ :‬نكفح واسفتنكح‪ ،‬مثفل عجفب واسفتعجب‪ ،‬وعجفل‬
‫واستعجل‪ .‬ويجوز أن يرد الستنكاح بمعنى طلب النكاح‪ ،‬أو طلب الوطء‪ .‬و"خالصة" نصب على‬
‫الحال‪ ،‬قال الزجاج‪ .‬وقيل‪ :‬حال من ضمير متصل بفعل مضمر دل عليه المضمر‪ ،‬تقديره‪ :‬أحللنا‬
‫لك أزواجك‪ ،‬وأحللنا لك امرأة مؤمنة أحللناها خالصة‪ ،‬بلفظ الهبة وبغير صداق وبغير ولي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مفن دون المؤمنيفن" فائدتفه أن الكفار وإن كانوا مخاطفبين بفروع الشريعفة عندنفا‬
‫فليس لهم في ذلك دخول‪ ،‬لن تصريف الحكام إنما يكون فيهم على تقدير السلم‪ .‬أي ما أوجبنا‬
‫على المؤمنيفن‪ ،‬وهفو أل يتزوجوا إل أربفع نسفوة بمهفر وبينفة وولي‪ .‬قال معناه أبفي بفن كعفب وقتاه‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لكيل يكون عليفك حرج" أي ضيفق ففي أمفر أنفت فيفه محتاج إلى السفعة‪ ،‬أي بينفا‬
‫هذا البيان وشرحنففا هذا الشرح "لكيل يكون عليففك حرج"‪ .‬فففف "لكيل" متعلق بقوله‪" :‬إنففا أحللنففا‬
‫أزواجفك" أي فل يضيفق قلبفك حتفى يظهفر منفك أنفك قفد أثمفت عنفد ربفك‪ ،‬ففي شيفء‪" .‬وكان ال‬
‫غفورا رحيمففا" ثففم آنففس تعالى جميففع المؤمنيففن بغفرانففه ورحمتففه فقال تعالى‪" :‬وكان ال غفورا‬
‫رحيما"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 51 :‬ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فل جناح‬
‫عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ول يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن وال يعلم ما في قلوبكم وكان‬
‫ال عليما حليما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ترجي من تشاء" قرئ مهموزا وغير مهموز‪ ،‬وهما لغتان‪ ،‬يقال‪ :‬أرجيت المر‬
‫وأرجأته إذا أخرته‪" .‬وتؤوي" تضم‪ ،‬يقال‪ :‬آوى إليه‪( .‬ممدودة اللف) ضم إليه‪ .‬وأوى (مقصورة‬
‫اللف) انضم إليه‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في تأويل هذه الية‪ ،‬وأصح ما قيل فيها‪ .‬التوسعة على النبي صلى ال عليه‬
‫وسفلم فففي ترك القسفم‪ ،‬فكان ل يجفب عليفه القسفم بيفن زوجاتفه‪ .‬وهذا القول هفو الذي يناسفب مفا‬
‫مضفى‪ ،‬وهفو الذي ثبفت معناه ففي الصفحيح عفن عائشفة رضفي ال عنهفا‪ ،‬قالت‪ :‬كنفت‪ ،‬أغار على‬
‫اللئي وهبفن أنفسفهن لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وأقول‪ :‬أو تهفب المرأة نفسفها لرجفل؟ فلمفا‬
‫أنزل ال عز وجل "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن أبتغيت ممن عزلت" قالت‪:‬‬
‫قلت وال ما أرى ربك إل يسارع في هواك‪ .‬فالبن العربي‪ :‬هذا الذي ثبت في الصحيح هو الذي‬
‫ينبغي أن يعول عليه‪ .‬والمعنى المراد‪ :‬هو أن النبي صلى ال عليه وسلم كان مخيرا في أزواجه‪،‬‬
‫إن شاء أن يقسم قسم‪ ،‬وإن وشاء أن يترك القسم ترك‪ .‬فخص النبي صلى ال عليه وسلم بأن جعل‬
‫المفر إليفه فيفه‪ ،‬لكنفه كان يقسفم مفن قبفل نفسفه دون أن فرض ذلك عليفه‪ ،‬تطييبفا لنفوسفهن‪ ،‬وصفونا‬
‫لهفن عفن أقوال الغيرة التفي تؤدي إلى مفا ل ينبغفي‪ .‬وقيفل‪ :‬كان القسفم واجبفا على النفبي صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم ثفم نسفخ الوجوب عنفه بهذه اليفة‪ .‬قال أبفو رزيفن‪ :‬كان رسفول ال قفد هفم بطلق بعفض‬
‫نسائه فقلن له‪ :‬اقسم لنا ما شئت‪ .‬فكان ممن آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب‪ ،‬فكان قسمتهن‬
‫من نفسه وماله سواء بينهن‪ .‬وكان ممن أرجى سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية‪ ،‬فكان‬
‫يقسفم لهفن مفا شاء‪ .‬وقيفل‪ :‬المراد الواهبات‪ .‬ورى هشام بفن عروة عفن أبيفه عفن عائشفة ففي قوله‪:‬‬
‫"ترجفي مفن تشاء منهفن" قالت‪ :‬هذا ففي الواهبات أنفسفهن‪ .‬قال الشعفبي‪ :‬هفن الواهبات أنفسفهن‪،‬‬
‫تزوج) رسول ال صلى ال عليه وسلم منهن وترك منهن‪ .‬وقال الزهري‪ :‬ما علمنا أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أرجأ أحدا من أزواجه‪ ،‬بل آواهن كلهن‪ .‬وقال ابن عباس وغيره‪ :‬المعنى في‬
‫طلق من شاء ممن حصل في عصمته‪ ،‬وإمساك من شاء‪ .‬وقيل غير هذا‪ .‬وعلى كل معنى فالية‬
‫معناها التوسعة على رسول ال صلى ال عليه وسلم والباحة‪ .‬وما أخترناه أصح وال أعلم‪.‬‬
‫@ ذهفب هبفة ال ففي الناسفخ والمنسفوخ إلى أن قوله‪" :‬ترجفي مفن تشاء" اليفة‪ ،‬ناسفخ لقوله‪" :‬ل‬
‫يحفل لك النسفاء مفن بعفد" [الحزاب‪ ]52 :‬اليفة‪ .‬وقال‪ :‬ليفس ففي كتاب ال ناسفخ تقدم المنسفوخ‬
‫سفوى هذا‪ .‬وكلمفه يضعفف مفن‪ ،‬جهات‪ .‬وففي "البقرة" عدة المتوففي عنهفا أربعفة أشهفر وعشفر‪،‬‬
‫وهو ناسخ للحول وقد تقدم عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومفن ابتغيفت ممفن عزلت" "لمفن ابغفت" طلبفت‪ ،‬والبتغاء الطلب‪ .‬و"عزلت"‬
‫أزلت‪ ،‬والعزلة الزالة‪ ،‬أي إن أردت أن تؤوي إليك أمراة ممن عزلتهن من القسمة وتضمها إليك‬
‫فل بأس عليك في ذلك‪ .‬كذلك حكم الرجاء‪ ،‬فدل أحد الطرفين على الثاني‪" .‬فل جناح عليك" أي‬
‫ل ميل‪ ،‬يقال‪ :‬جنحت السفينة أي مالت إلى الرض‪ .‬أي ل ميل عليك باللوم والتوبيخ‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك أدنفى أن تقفر أعينهفن ول يحزن" قال قتادة وغيره‪ :‬أي ذلك التخييفر الذي‬
‫خيرناك في صحبتهن أدنى إلى رضاهن إذ كان من عندنا‪ ،‬لنهن إذا علمن أن الفعل من ال قرت‬
‫أعينهفن بذلك ورضيفن‪ ،‬لن المرء إذا علم أنفه ل حفق له ففي شيفء كان راضيفا بمفا أوتفي منفه وإن‬
‫قفل‪ .‬وإن علم أن له حقفا لم يقنعفه مفا أوتفي منفه‪ ،‬واشتدت غيرتفه عليفه وعظفم حرصفه فيفه‪ .‬فكان مفا‬
‫فعل ال لرسوله من تفويض المر إليه في أحوال أزواجه أقرب إلى رضاهن معه‪ ،‬وإلى استقرار‬
‫أعينهفن بمفا يسفمح بفه لهفن‪ ،‬دون أن تتعلق قلوبهفن بأكثفر منفه وقرئ‪" :‬تقفر أعينهفن" بضفم التاء‬
‫ونصفب العيفن‪" .‬وتقفر أعينهفن" على البناء للمفعول‪ .‬وكان ‪ -‬السفلم مفع هذا يشدد على نفسفه ففي‬
‫رعايفة التسفوية بينهفن‪ ،‬تطييبفا لقلوبهفن كمفا قدمناه ‪ -‬ويقول‪( :‬اللهفم هذه قدرتفي فيمفا أملك فل تلمنفي‬
‫فيما تملك ول أملك) يعني قلبه‪ ،‬ليثاره عائشة رضي ال عنها دون أن يكون يظهر ذلك في شيء‬
‫مففن فعله‪ ..‬وكان فففي مرضففه الذي توفففي فيففه يطاف بففه محمول على بيوت أزواجففه‪ ،‬إلى أن‬
‫استأذنهن أن يقيم في بيت عائشة‪ .‬قالت عائشة‪ :‬أول ما اشتكى رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫بيفت ميمونفة‪ ،‬فاسفتأذن أزواجفه أن يمرض ففي بيتهفا ‪ -‬يعنفي ففي بيفت عائشفة ‪ -‬فأذن له‪ ...‬الحديفث‪،‬‬
‫خرجه الصحيح‪ .‬وفي الصحيح أيضا عن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬إن كان رسول ال صلى‬
‫ال عليفه وسفلم ليتفقفد‪ ،‬يقول‪( :‬أيفن أنفا اليوم أيفن أنفا غدا) اسفتبطاء ليوم عائشفة رضفي ال عنهفا‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فلما كان يومي قبضه ال تعالى بين سحري ونحري‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@ على الرجفل أن يعدل بيفن نسائه لكفل واحدة منهفن يوما وليلة‪ ،‬هذا قول عامة العلماء‪ .‬وذهفب‬
‫بعضهففم إلى وجوب ذلك فففي الليففل دون النهار‪ .‬ول يسففقط حففق الزوجففة مرضهففا ول حيضهففا‪،‬‬
‫ويلزمفه المقام عندهفا ففي يومهفا وليلتهفا وعليفه أن يعدل‪ ...‬كمفا يفعفل ففي صفحته‪ ،‬إل أن يعجفز عفن‬
‫الحركفة فيقيففم حيففث غلب عليفه المرض‪ ،‬فإذا صففح اسفتأنف القسففم‪ .‬والماء والحرائر والكتابيات‬
‫والمسفلمات ففي ذلك سفواء‪ .‬قال عبدالملك‪ :‬للحرة ليلتان وللمفة ليلة‪ .‬وأمفا السفراري فل قسفم بينهفن‬
‫وبين الحرائر‪ ،‬ول حظ لهن فيه‪.‬‬
‫ول يجمع بينهن في منزل واحد إل برضاهن‪ ،‬ول يدخل لحداهن في يوم الخرى وليلتها لغير‬
‫حاجة‪ .‬واختلف في دخول لحاجة وضرورة‪ ،‬فالكثرون على جوازه‪ ،‬مالك وغيره‪ .‬وفي كتاب ابن‬
‫حبيب منعه‪ .‬وروى ابن بكير عن مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان‪ ،‬فإذا‬
‫كان يوم هذه لم يشرب من بيت الخرى الماء‪ .‬قال ابن بكير‪ :‬وحدثنا مالك عن يحيى بن سعيد أن‬
‫معاذ بن جبل كانت له امرأتان ماتتا في الطاعون‪ .‬فأسهم بينهما أيهما تدلى أول‪.‬‬
‫قال مالك‪ :‬ويعدل بينهن في النفقة والكسوة إذا كن معتدلت الحال‪( ،‬ول يلزم ذلك في المختلفات‬
‫المناصفب‪ .‬وأجاز مالك أن يفضفل إحداهمفا ففي الكسفوة على غيفر وجه الميفل‪ .‬فأمفا الحفب والبغفض‬
‫فخارجان عفن الكسفب فل يتأتفى العدل فهمفا‪ ،‬وهفو المعنفي بقوله صفلى ال عليفه وسفلم ففي قسفمه‬
‫(اللهم هذا فعلي فيما أملك فل تلمني فيما تملك ول أملك)‪ .‬أخرجه النسائي وأبو داود عن عائشة‬
‫رضفي ال عنهفا‪ .‬وففي كتاب أبفي داود "يعنفي القلب"‪ ،‬وإليفه الشارة بقوله تعالى‪" :‬ولن تسفتطيعوا‬
‫أن تعدلوا بيفن النسفاء ولو حرصفتم" [النسفاء‪ ]129 :‬وقوله تعالى‪" :‬وال يعلم مفا ففي قلوبكفم"‪.‬‬
‫وهذا هو وجه تخصيصه بالذكر هنا‪ ،‬تنبيها منه لنا على أنه يعلم ما في قلوبنا من ميل بعضنا إلى‬
‫بعفض مفن عندنفا مفن النسفاء دون بعفض‪ ،‬وهفو العالم بكفل شيفء "ل يخففى عليفه شيفء ففي الرض‬
‫ول في السماء" [آل عمران‪" ]5 :‬يعلم السر وأخفى" [طه‪ ]7 :‬لكنه سمح في ذلك‪ ،‬إذ ل يستطيع‬
‫العبد أن يصرف قلبه عن ذلك الميل‪ ،‬وإلى ذلك يعود قوله‪" :‬وكان ال غفورا رحيما"‪ .‬وقد قيل في‬
‫قوله‪" :‬ذلك أدنففى أن تقففر أعينهففن" أي ذلك أقرب أل يحزن إذا لم يجمففع إحداهففن مففع الخرى‬
‫ويعايفن الثرة والميفل‪ .‬وروى أبفو داود عفن أبفي هريره عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬مفن‬
‫كانففت له امرأتان فمال إلى إحداهمففا جاء يوم القيامففة وشقفه مائل) "ويرضيفن بمففا آتيتهفن كلهففن"‬
‫توكيفد للضميفر‪ ،‬أي ويرضيفن كلهفن‪ .‬وأجاز أبفو حاتفم والزجاج "ويرضيفن بمفا آتيتهفن كلهفن" على‬
‫التوكيففد للمضمففر الذي فففي "آتيتهففن"‪ .‬والفراء ل يجيزه‪ ،‬لن المعنففى ليففس عليففه‪ ،‬إذ كان المعنففى‬
‫وترضى كل واحدة منهن‪ ،‬وليس المعنى بما أعطيتهن كلهن‪ .‬النحاس‪ :‬والذي قاله حسن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال يعلم مفا ففي قلوبكفم وكان ال عليما حليما" خبر عام‪ ،‬والشارة إلى‪ ،‬مفا ففي‬
‫قلب رسول ال صلى ال عليه وسلم من محبة شخص دون شخص‪ .‬وكذلك يدخل في المعنى أيضا‬
‫المؤمنون‪ .‬وففي البخاري عفن عمرو بفن العاص أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بعثفه على جيفش‬
‫ذات السففلسل‪ ،‬فأتيتففه فقلت‪ :،‬أي الناس أحففب إليففك؟ فقال‪( :‬عائشففة) فقلت‪ :‬مففن الرجال؟ قال‪:‬‬
‫(أبوهفا) قلت‪ :‬ثفم مفن؟ قال‪( :‬عمفر بفن الخطاب‪ )...‬فعفد رجال‪ .‬وقفد تقدم القول ففي القلب بمفا فيفه‬
‫كفايففة فففي أول "البقرة"‪ ،‬وفففي أول هذه السففورة‪ .‬يروى أن لقمان الحكيففم كان عبدا نجارا قال له‬
‫سفيده‪ :‬اذبفح شاة وائتنفي بأطيبهفا بضعتيفن‪ ،‬فأتاه باللسفان والقلب‪ .‬ثفم أمره بذبفح شاة أخرى فقال له‪:‬‬
‫ألق أخبثها بضعتين‪ ،‬فألقى اللسان والقلب‪ .‬فقال‪ :‬أمرتك أن تأتيني بأطيبها بضمتين فأتيتني باللسان‬
‫والقلب‪ ،‬وأمرتك أن تلقي بأخبثها بضعتين فألقيت اللسان والقلب؟ فقال‪ :‬ليس شيء أطيب منهما إذا‬
‫طابا‪ ،‬ول أخبث منهما إذا خبثا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 52 :‬ل يحل لك النساء من بعد ول أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إل‬
‫ما ملكت يمينك وكان ال على كل شيء رقيبا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يحل لك النساء من بعد" اختلف العلماء في تأويل قوله‪" :‬ل يحل لك النساء‬
‫مفن بعفد" على أقوال سفبعة‪ :‬الولى‪ :‬إنهفا منسفوخة بالسفنة‪ ،‬والناسفخ لهفا حديفث عائشفة‪ ،‬قالت‪ :‬مفا‬
‫مات رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم حتفى أحفل له النسفاء وقفد تقدم‪ .‬الثانفي‪ :‬أنهفا منسفوخة بآيفة‬
‫أخرى‪ ،‬روى الطحاوي عن أم سلمة قالت‪ :‬لم يمت رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أحل ال‬
‫له أن يتزوج مفن النسفاء مفن شاء‪ ،‬إل ذات محرم‪ ،‬وذلك قوله عفز وجفل‪" :‬ترجفى مفن تشاء منهفن‬
‫وتؤوي إليفك مفن تشاء"‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا وال أعلم أولى مفا قيفل ففي اليفة‪ ،‬وهفو وقول عائشفة‬
‫واحفد ففي النسفخ‪ .‬وقفد يجوز أحفل ‪ -‬له عائشفة أرادت أحفل له ذلك بالقرآن‪ .‬وهفو مفع هذا قول علي‬
‫بفن أبفي طالب وابفن عباس وعلي بن الحسفين والضحاك‪ .‬وقفد عارض بعفض فقهاء الكوفييفن فقال‪:‬‬
‫محال أن تنسفخ هذه اليفة يعنفي "ترجفي مفن تشاء منهفن" "ل يحفل لك النسفاء مفن بعفد" وهفي قبلهفا‬
‫ففي المصفحف الذي أجمفع عليفه المسفلمون ورجفح قول مفن قال نسفخت بالسفنة‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذه‬
‫المعاوضة ل تلزم وقائلها غالط‪ ،‬لن القرآن بمنزلة صورة واحدة‪ ،‬كما صح عن ابن عباس‪ :‬أنزل‬
‫ال القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان‪ .‬ومبين لك أن اعتراض هذا المعترض‬
‫ل يلزم أن قوله عفز وجفل‪" :‬والذيفن يتوفون منكفم ويذرون أزواجفا وصفية لزواجهفم متاعفا إلى‬
‫الحول غير إخراج" [البقرة‪ ]240 :‬منسوخة على قول أهل التأويل ‪ -‬ل نعلم بينهم خلفا ‪ -‬بالية‬
‫التي قبلها "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا" [البقرة‪:‬‬
‫‪ .]234‬الثالث‪ :‬أنفه صفلى ال عليفه وسفلم حظفر عليفه أن يتزوج على نسفائه‪ ،‬لنهفن اخترن ال‬
‫ورسفوله والدار الخرة‪ ،‬هذا قول الحسفن وابفن سفيرين وأبفي بكفر بفن‪ .‬الرحمفن بفن الحارث بفن‬
‫هشام‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا القول يجوز أن يكون هكذا ثففم نسففخ‪ .‬الرابففع‪ :‬أنففه لمففا حرم عليهففن أن‬
‫يتزوجن بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن‪ ،‬قاله أبو أمامة بن سهل ابن حنيف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يحفل لك النسفاء مفن بعفد" أي مفن بعفد الصفناف التفي سفميت‪ ،‬قاله أبفي بفن بفن‬
‫كعب وعكرمة وأبو رزين‪ ،‬وهو اختيار محمد بن جرير‪ .‬ومن قال إن الباحة كانت له مطلقة قال‬
‫هنففا‪" :‬ل يحففل لك السففعاة" معناه ل تحففل لك اليهوديات ول النصففرانيات‪ .‬وهذا تأويففل فيففه بعففد‪.‬‬
‫وروي عفن مجاهفد وسفعيد بفن جفبير وعكرمفة أيضفا‪ .‬وهفو القول السفادس‪ .‬قال مجاهفد‪ :‬لئل تكون‬
‫كافرة أمفا للمؤمنيفن‪ .‬وهذا القول يبعفد‪ ،‬لنفه يقدره‪ :‬مفن بعفد المسفلمات‪ ،‬ولم يجفر للمسفلمات ذكفر‪.‬‬
‫وكذلك قدر "ول أن تبدل بهن" أي ول أن تطلق مسلمة لتستبدل بها كتابية‪.‬‬
‫@ أن النبي صلى ال عليه وسلم كان له حلل أن يتزوج من شاء ثم نسخ ذلك‪ .‬قال‪ :‬وكذلك كانت‬
‫النبياء قبله صلى ال عليه وسلم قال محمد بن كعب القرظي‪" .‬ول أن تبدل بهن من أزواج" قال‬
‫ابففن زيففد‪ :‬هذا شيففء كانففت العرب تفعله‪ ،‬يقول أحدهففم‪ :‬خففذ زوجتففي وأعطنففي زوجتففك‪ ،‬روى‬
‫الدارقطنففي عففن أبففي هريرة قال‪ :‬كان البدل فففي الجاهليففة أن يقول الرجففل للرجففل‪ :‬انزل لي عففن‬
‫امرأتفك وأنزل لك عفن امرأتففي وأزيدك‪ ،‬فأنزل ال عفز وجفل "ول أن تبدل بهففن مفن أزواج ولو‬
‫أعجبك حسنهن" قال‪ :‬فدخل عيينة بن حصن الفزاري على رسول ال صلى ال عليه وسلم وعنده‬
‫عائشة‪ ،‬فدخل بغير إذن‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬يا عيينة فأين الستئذان)؟ فقال‪:‬‬
‫يفا رسفول ال‪ ،‬مفا اسفتأذنت على رجفل مفن مضفر منفذ أدركفت‪ .‬قال‪ :‬مفن هذه الحميراء إلى جنبفك؟‬
‫قال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬هذه عائشففة أم المؤمنيففن) قال‪ :‬أفل أنزل لك عففن أحسففن‬
‫الخلق‪ .‬فقال‪( :‬يا عيينة‪ ،‬إن ال قد حرم ذلك)‪ .‬قال فلما خرج قالت عائشة‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬من هذا؟‬
‫قال‪( :‬أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه)‪ .‬وقد أنكر الطبري والنحاس وغيرهما ما حكاه‬
‫ابن زيد عن العرب‪ ،‬من أنها كانت تبادل بأزواجها‪ .‬قال الطبري‪ :‬وما فعلت العرب قط هذا‪ .‬وما‬
‫روي مففن حديففث عيينففة بففن حصففن مففن أنففه دخففل على رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم وعنده‬
‫عائشفة‪ ...‬الحديفث‪ ،‬فليفس بتبديفل‪ ،‬ول أراد ذلك‪ ،‬وإنمفا احتقفر عائشفة لنهفا كانفت صفبية فقال هذا‬
‫القول‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وما ذكرناه من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة من أن البدل كان‬
‫فففي الجاهليففة يدل على خلف مففا أنكففر مففن ذلك‪ ،‬وال أعلم‪ .‬قال المففبرد‪ :‬وقرئ "ل يحففل" بالياء‬
‫والتاء‪ .‬فمن قرأ بالتاء فعلى معنى جماعة النساء‪ ،‬وبالياء من تحت على معنى جميع النساء‪ .‬وزعم‬
‫الفراء قال‪ :‬اجتمعففت القراء على أن القراءة بالياء‪ ،‬وهذا غلط‪ ،‬وكيففف يقال‪ :‬اجتمعففت القراء وقففد‬
‫قرأ أبو عمرو بالتاء بل اختلف عنه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو أعجبك حسنهن" قال ابن عباس‪ :‬نزل ذلك بسبب أسماء بنت عميس‪ ،‬أعجب‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم حيفن مات عنهفا جعففر بفن أبفي طالب حسفنها‪ ،‬فأراد أن يتزوجهفا‪،‬‬
‫فنزلت الية‪ ،‬وهذا حديث ضعيف قال ابن العربي‪.‬‬
‫@ ففي هذه اليفة دليفل على جواز أن ينظفر الرجفل إلى مفن يريفد زواجهفا‪ .‬وقفد أراد المغيرة بفن‬
‫شعبفة زواج امرأة‪ ،‬فقال له النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬انظفر إليهفا فإنفه أجدر أن يؤدم بينكمفا)‪.‬‬
‫وقال عليه السلم لخر‪( :‬انظر إليها فإن في أعين النصار شيئا) أخرجه الصحيح‪ .‬قال الحميدي‬
‫وأبو الفرج الجوزي‪ .‬يعني صفراء أو زرقاء‪ .‬وقيل رمصاء‪.‬‬
‫المر بالنظر إلى المخطوبة إنما هو على جهة الرشاد إلى المصلحة‪ ،‬فإنه إذا نظر إليها فلعله‬
‫يرى منهفا مفا يرغبفه ففي نكاحهفا‪ .‬وممفا يدل على أن الم على جهفة الرشاد مفا ذكره أبفو داود مفن‬
‫حديفث جابر عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أنفه قال‪( :‬إذا خطفب أحدكفم المرأة فإن اسفتطاع أن‬
‫ينظففر منهففا إلى مففا يدعوه إلى نكاحهففا فليفعففل)‪ .‬فقوله‪( :‬فإن اسففتطاع فليفعففل) ل يقال مثله فففي‬
‫الواجفب‪ .‬وبهذا قال جمهور الفقهاء مالك والشافعفي والكوفيون وغيرهفم وأهفل الظاهفر‪ .‬وقفد كره‬
‫ذلك قوم ل مبالة بقولهفم‪ ،‬للحاديفث الصفحيحة‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬ولو أعجبفك حسفنهن"‪ .‬وقال سفهل‬
‫بفن أبفي خيثمفة‪ :‬رأيفت محمفد بفن مسفلمة يطارد ثبيتفة بنفت الضحاك على إجار مفن أجاجيفر المدينفة‬
‫فقلت له‪ :‬أتفعل هذا؟ فقال نعم! قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا ألقى ال في قلب أحدكم خطبة‬
‫امرأة فل بأس أن ينظفر إليهفا)‪ .‬الجار‪ :‬السفطح‪ ،‬بلغفة أهفل الشام والحجاز‪ .‬قال أبفو عبيفد‪ :‬وجمفع‬
‫الجار أجاجير وأجاجرة‪.‬‬
‫اختلف فيمفا يجوز أن ينظفر منهفا‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ينظفر إلى وجههفا وكفيهفا‪ ،‬ول ينظفر إل بإذنهفا‪.‬‬
‫وقال الشافعفي وأحمفد‪ :‬بإذنهفا وبغيفر إذنهفا إذا كانفت مسفتترة‪ .‬وقال الوزاعفي‪ :‬ينظفر إليهفا ويجتهفد‬
‫وينظفر مواضفع اللحفم منهفا‪ .‬قال داود‪ :‬ينظفر إلى سفائر جسفدها‪ ،‬تمسفكا بظاهفر اللففظ‪ .‬وأصفول‬
‫الشريعة تردّ عليه في تحريم الطلع على العورة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل ما ملكت يمينك وكان ال على كل شيء رقيبا" اختلف العلماء في إحلل المة‬
‫الكافرة للنففبي صففلى ال عليففه وسففلم على قوليففن‪ :‬تحففل لعموم قوله‪" :‬إل مففا ملكففت يمينففك"‪ ،‬قاله‬
‫مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم‪ .‬قالوا‪ :‬قوله تعالى "ل يحل لك النساء من بعد" أي ل تحل‬
‫لك النساء من غير المسلمات‪ ،‬فأما اليهوديات والنصرانيات والمشركات فحرام عليك‪ ،‬أي ل يحل‬
‫لك أن تتزوج كافرة فتكون أمففا للمؤمنيففن ولو أعجبففك حسففنها‪ ،‬إل مففا ملكففت يمينففك‪ ،‬فإن له أن‬
‫يتسففرى بهففا‪ .‬القول الثانففي‪ :‬ل تحففل‪ ،‬تنزيهففا لقدره عففن مباشرة الكافرة‪ ،‬وقففد قال ال تعالى‪" :‬ول‬
‫تمسكوا بعصم الكوافر" [الممتحنة‪ ]10 :‬فكيف به صلى ال عليه وسلم‪ .‬و"ما" في قوله‪" :‬إل ما‬
‫ملكففت يمينففك" فففي موضففع رفففع بدل مففن "النسففاء"‪ .‬ويجوز أن يكون فففي موضففع نصففب على‬
‫استثناء‪ ،‬وفيه ضعف‪ .‬ويجوز أن تكون مصدرية‪ ،‬والتقدير‪ :‬إل ملك يمينك‪ ،‬وملك بمعنى مملوك‪،‬‬
‫وهو في موضع نصب لنه استثناء من غير الجنس الول‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 53 :‬يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوت النبي إل أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين‬
‫إناه ولكفن إذا دعيتفم فادخلوا فإذا طعمتفم فانتشروا ول مسفتأنسين لحديفث إن ذلكفم كان يؤذي النفبي‬
‫فيسفتحيي منكفم وال ل يسفتحيي مفن الحفق وإذا سفألتموهن متاعفا فاسفألوهن مفن وراء حجاب ذلكفم‬
‫أطهفر لقلوبكفم وقلوبهفن ومفا كان لكفم أن تؤذوا رسفول ال ول أن تنكحوا أزواجفه مفن بعده أبدا إن‬
‫ذلكم كان عند ال عظيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يفا أيهفا الذيفن آمنوا ل تدخلوا بيوت النفبي إل أن يؤذن لكفم" "أن" ففي موضفع‬
‫نصب على معنى‪ :‬إل بأن يؤذن لكم‪ ،‬ويكون الستثناء‪ .‬ليس من الول‪" .‬غير ناظرين إناه" نصب‬
‫على الحال‪ ،‬أي ل تدخلوا فففي هذه الحال‪ .‬ول يجوز فففي "غيففر" الخفففض على النعففت ل للطعام‪،‬‬
‫لنه لو كان نعتا لم يكن بد من إظهار الفاعلين‪ ،‬وكان يقول‪ :‬غير ناظرين إناه أنتم‪ .‬ونظير هذا من‬
‫النحو‪ :‬هذا رجل مع رجل ملزم له‪ ،‬وإن شئت قلت‪ :‬هذا رجل مع رجل ملزم له هو‪ .‬وهذه الية‬
‫تضمنت قصتين‪ :‬إحداهما‪ :‬الدب في أمر الطعام والجلوس‪ .‬والثانية‪ :‬أمر الحجاب‪ .‬وقال حماد بن‬
‫زيفد‪ :‬هذه اليفة نزلت ففي الثقلء‪ .‬فأمفا القصفة الولى فالجمهور مفن المفسفرين على أن‪ :‬سفببها أن‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم لمفا تزوج زينفب بنفت جحفش امرأة زيفد أولم عليهفا‪ ،‬فدعفا الناس‪،‬‬
‫فلمفا طعموا جلس طوائف منهفم يتحدثون ففي بيفت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وزوجتفه موليفة‬
‫وجههفا إلى الحائط‪ ،‬فثقلوا على رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ .‬قال أنفس‪ :‬فمفا أدري أأنفا أخفبرت‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أن القوم قد خرجوا أو أخبرني‪ .‬قال‪ :‬فانطلق حتى دخل البيت‪ ،‬فذهبت‬
‫أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب‪ .‬قال‪ :‬ووعظ القوم بما وعظوا به‪ ،‬وأنزل ال عز‬
‫وجفل "يفا أيهفا الذيفن آمنوا ل تدخلوا بيوت النفبي إلى قوله إن ذلكفم كان عنفد ال عظيمفا" أخرجفه‬
‫الصفحيح‪ .‬وقال قتادة ومقاتفل ففي كتاب الثعلبففي‪ :‬إن هذا السفبب جرى ففي بيفت أم سفلمة‪ .‬والول‬
‫الصفحيح‪ ،‬كمفا رواه الصفحيح‪ .‬وقال ابفن عباس‪ :‬نزلت ففي ناس مفن المؤمنيفن كانوا يتحينون طعام‬
‫النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فيدخلون قبفل أن يدرك الطعام‪ ،‬فيقعدون إلى أن يدرك‪ ،‬ثفم يأكلون ول‬
‫يخرجون‪ .‬وقال إسفماعيل بن أبفي حكيفم‪ :‬وأدب أدب ال به الثقلء‪ .‬وقال ابن أبي عائشة ففي كتاب‬
‫الثعلبي‪ :‬حسبك من الثقلء أن الشرع لم يحتملهم‪ .‬وأما قصة الحجاب فقال أنس بن مالك وجماعة‪:‬‬
‫سفببها أمفر القعود ففي بيفت زينفب‪ ،‬القصفة المذكورة آنففا‪ .‬وقالت عائشفة رضفي ال عنهفا وجماعفة‪:‬‬
‫سفببها أن عمفر قال قلت‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬إن نسفاءك يدخفل‪ ،‬عليهفن البر والفاجفر‪ ،‬فلو أمرتهفن أن‬
‫يحتجبفن‪ ،‬فنزلت اليفة‪ .‬وروى الصفحيح عفن ابفن عمفر قال‪ :‬قال‪ ،‬عمفر وافقفت ربفي ففي ثلث‪ :‬ففي‬
‫مقام إبراهيم‪ ،‬وفي الحجاب‪ ،‬وفي أسارى بدر‪ .‬هذا أصح ما قيل في أمر الحجاب‪ ،‬وما عدا هذين‬
‫القولين مفن القوال والروايات فواهية‪ ،‬ل يقوم شيفء منهفا على سفاق‪ ،‬وأضعفهفا مفا روي عفن ابن‬
‫مسعود‪ :‬أن عمر أمر نساء النبي صلى ال عليه وسلم بالحجاب‪ ،‬فقالت زينب بنت جحش‪ :‬يا ابن‬
‫الخطاب‪ ،‬إنففك تغار علينففا والوحففي ينزل فففي بيوتنففا فأنزل ال تعالى‪" :‬وإذا سففألتموهن متاعففا‬
‫فاسفألوهن مفن وراء حجاب" وهذا باطفل‪ ،‬لن الحجاب نزل يوم البناء بزينفب‪ ،‬كمفا بيناه‪ .‬أخرجفه‬
‫البخاري ومسفلم والترمذي وغيرهفم‪ .‬وقيفل‪ :‬إن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم كان يطعفم ومعفه‬
‫بعفض أصفحابه‪ ،‬فأصفاب يفد رجفل منهفم يفد عائشفة‪ ،‬فكره النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فنزلت آيفة‬
‫الحجاب‪ .‬قال‪ ،‬ابفن عطيفة‪ :‬وكانفت سفيرة القوم إذا كان لهفم طعام وليمفة أو نحوه أن يبكفر مفن شاء‬
‫إلى الدعوة ينتظرون طبخ الطعام ونضجه‪ .‬وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك‪ ،‬فنهى ال المؤمنين‬
‫عن أمثال ذلك في بيت النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ودخل في النهي سائر المؤمنين‪ ،‬والتزم الناس‬
‫أدب ال تعالى لهم في ذلك‪ ،‬فمنعهم من الدخول إل بإذن عند الكل‪ ،‬ل قبله لنتظار نضج الطعام‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬بيوت النفبي" دليفل على أن البيفت للرجفل‪ ،‬ومحكفم له بفه‪ ،‬فإن ال تعالى أضاففه إليفه‪.‬‬
‫فإن قيفل‪ :‬فقفد قال ال تعالى‪" :‬واذكرن مفا يتلى ففي بيوتكفن مفن آيات ال والحكمفة إن ال كان لطيففا‬
‫خبيرا" [الحزاب‪ ]34 :‬قلنا‪ :‬إضافة البيوت إلى النبي صلى ال عليه وسلم إضافة ملك‪ ،‬وإضافة‬
‫البيوت إلى الزواج إضافة محل‪ ،‬بدليل أنه جعل فيها الذن للنبي صلى ال عليه وسلم والذن إنما‬
‫يكون للمالك‪.‬‬
‫واختلف العلماء في بيوت النبي صلى ال عليه وسلم إذ كان يسكن فيها أهله بعد موته‪ ،‬هل هي‬
‫ملك لهفن أم ل على قوليفن‪ :‬فقالت طائففة‪ :‬كانفت ملكفا لهفن‪ ،‬بدليفل أنهفن سفكن فيهفا بعفد موت النفبي‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم إلى وفاتهفن‪ ،‬وذلك أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وهفب ذلك لهفن ففي حياتفه‪.‬‬
‫الثانفي‪ :‬أن ذلك كان إسفكانا كمفا يسفكن الرجفل أهله ولم يكن هبفة‪ ،‬وتمادى سفكناهن بهفا إلى الموت‪.‬‬
‫وهذا هفو الصفحيح‪ ،‬وهفو الذي ارتضاه أبفو عمفر بفن عبدالبر وابفن العربفي وغيرهفم‪ ،‬فإن ذلك مفن‬
‫مؤونتهفن التفي كان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم اسفتثناها لهفن‪ ،‬كمفا اسفتثنى لهفن نفقاتهفن حيفن‬
‫قال‪( :‬ل تقسم ورثتي دينارا ول درهما‪ ،‬ما تركت بعد نفقة أهلي ومؤونة عاملي فهو صدقة)‪ .‬هكذا‬
‫قال أهففل العلم‪ ،‬قالوا‪ :‬ويدل على ذلك أن مسففاكنهن لم يرثهففا عنهففن ورثتهففن‪ .‬قالوا‪ :‬ولو كان ذلك‬
‫ملكا لهن كان ل شك قد ورثه عنهن ورثتهن‪ .‬قالوا‪ :‬وفي ترك ورثتهن ذلك دليل على أنها لم تكن‬
‫لهن ملكا‪ .‬وإنما كان لهن سكن حياتهن‪ ،‬فلما توفين جعل ذلك زيادة في المسجد الذي يعم المسلمين‬
‫نفعفه‪ ،‬كمفا جعفل ذلك الذي كان لهفن مفن النفقات ففي تركفة رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم لمفا‬
‫مضيفن لسفبيلهن‪ ،‬فزيفد إلى أصفل المال فصفرف ففي مناففع المسفلمين ممفا يعفم جميعهفم نفعفه‪ .‬وال‬
‫الموفق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬غير ناظرين إناه" أي غير منتظرين وقت نضجه‪ .‬و"إناه" مقصور‪ ،‬وفيه لغات‪:‬‬
‫"إنى" بكسر الهمزة‪ .‬قال الشيباني‪:‬‬
‫بأسياف كما اقتسم اللحام‬ ‫وكسرى إذ تقسمه بنوه‬
‫أنى ولكل حاملة تمام‬ ‫تمخضت المنون له بيوم‬
‫وقرأ ابفن أبفي عبلة‪" :‬غيفر ناظريفن إناه"‪ .‬مجرورا صففة لفف "طعام"‪ .‬الزمخشري‪ :‬وليفس بالوجفه‪،‬‬
‫لنففه جرى على غيففر مففا هففو له‪ ،‬فمففن حففق‪ .‬ضميففر مففا هففو له أن يففبرز إلى اللفففظ‪ ،‬فيقال‪ :‬غيففر‬
‫ناظريفن‪ ،‬إناه أنتفم‪ ،‬كقولك‪ :‬هنفد زيفد ضاربتفه هفي‪ .‬وأنفى (بفتحهفا)‪ ،‬وأناء (بفتفح الهمزة والمفد) قال‬
‫الحطيئة‪:‬‬
‫أو الشعري فطال بي الناء‬ ‫وأخرت العشاء إلى سهيل‬
‫يعني إلى طلوع سهيل‪ .‬وإناه مصدر أنى الشيء يأنى إذا فرغ وحان وأدرك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولكن إذا دعيتم فادخلوا" فأكد المنع‪ ،‬وخص وقت الدخول بأن يكون عند الذن‬
‫على جهففة الدب‪ ،‬وحفففظ الحضرة الكريمففة مففن المباسففطة المكروهففة‪ .‬قال ابففن العربففي‪ :‬وتقديففر‬
‫الكلم‪ :‬ولكفن إذا دعيتفم وأذن لكفم ففي الدخول فأدخلوا‪ ،‬وإل فنففس الدعوة ل تكون إذنفا كافيفا ففي‬
‫الدخول‪ .‬والفاء ففي جواب "إذا" لزمفة لمفا فيهفا مفن معنفى المجازاة‪" .‬فإذا طعمتفم فانتشروا" أمفر‬
‫تعالى بعففد الطعام بأن يتفرق جميعهففم وينتشروا‪ .‬والمراد إلزام الخروج مففن المنزل عنففد انقضاء‬
‫المقصففود مففن الكففل‪ .‬والدليففل على ذلك أن الدخول حرام‪ ،‬وإنمففا جاز لجففل الكففل‪ ،‬فإذا انقضففى‬
‫الكل زال السبب المبيح وعاد التحريم إلى أصله‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على أن الضيف يأكل على ملك المضيف ل على ملك نفسه‪ ،‬لنه قال‪" :‬فإذا‬
‫طعمتم فانتشروا" فلم يجعل له أكثر من الكل‪ ،‬ول أضاف إليه سواه‪ ،‬وبقي الملك على أصله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول مستأنسين لحديث" عطف على قوله‪" :‬غير ناظرين" و"غير" منصوبة على‬
‫الحال من الكاف والميم في "لكم" أي غير ناظرين ول مستأنسين‪ ،‬والمعنى‪ ،‬المقصود‪ :‬ل تمكثوا‬
‫مستأنسين بالحديث كما فعل أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم في وليمة زينب‪" .‬إن ذلكم‬
‫كان يؤذي النبي فيستحي منكم وال ل يستحي من الحق" أي ل يمتنع من بيانه وإظهاره‪ .‬ولما كان‬
‫ذلك يقع من البشر لعلة الستحياء نفي عن ال تعالى العلة الموجبة لذلك‪ ،‬في البشر‪ .‬وفي الصحيح‬
‫عفن أم سفلمة قالت‪ :‬جاءت أم سفليم إلى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقالت‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬إن ال ل‬
‫يستحي من الحق‪ ،‬فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول ال صلى‪( :‬إذا رأت الماء)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا سألتموهن متاعا" روى أبو داود الطيالسي عن أنس بن مالك قال قال عمر‪:‬‬
‫وافقت ربي في أربع‪ ،...‬الحديث‪ .‬وفيه‪ :‬قلت يا رسول ال‪ ،‬لو ضربت على نسائك الحجاب‪ ،‬مائه‬
‫يدخل عليهن البر والفاجر‪ ،‬فأنزل ال عز وجل "وإذا سألتموهن متاعا فاسألوه من وراء حجاب "‪.‬‬
‫واختلف في المتاع‪ ،‬فقيل‪ :‬ما يتمتع به من العواري وقال فتوى‪ .‬وقيل صحف القرآن‪ .‬والصواب‬
‫أنه عام في جميع ما يمكن أن يطلب من المواعين وسائر المرافق للدين والدنيا‪.‬‬
‫ففي هذه اليفة دليفل على أن ال تعالى أذن ففي مسفألتهن مفن وراء حجاب‪ ،‬ففي حاجفة تعرض‪ ،‬أو‬
‫مسألة يستفتين فيها‪ ،‬ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى‪ ،‬وبما تضمنته أصول الشريعة من أن‬
‫المرأة كلها عورة‪ ،‬بدنها وصوتها‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬فل يجوز كشف‪ ،‬ذلك إل لحاجة كالشهادة عليها‪ ،‬أو‬
‫داء يكون ببدنها‪ ،‬أو سؤالها عما يعرض وتعين عندها‪.‬‬
‫@ استدل بعض العلماء بأخذ الناس عن أزواج النبي صلى ال عليه وسلم من وراء حجاب على‬
‫جواز شهادة العمففى‪ ،‬وبأن العمففى يطففأ زوجتففه بمعرفتففه بكلمهففا‪ .‬وعلى إجازة شهادتففه أكثففر‬
‫العلماء‪ ،‬ولم يجزهففا أبففو حنيفففة والشافعففي وغيرهمففا‪ .‬قال أبففو حنيفففة‪ :‬تجوز فففي النسففاب‪ .‬وقال‬
‫الشافعي‪ :‬ل تجوز إل فيما رأه قبل ذهاب بصره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلكفم أطهفر لقلوبكفم وقلوبهفن" يريفد مفن الخواطفر التفي تعرض للرجال ففي أمفر‬
‫النسفاء‪ ،‬وللنسفاء ففي أمفر الرجال‪ ،‬أي ذلك أنففى للريبفة وأبعفد للتهمفة وأقوى ففي الحمايفة‪ .‬وهذا يدل‬
‫على أنفه ل ينبغفي لحفد أن يثفق بنفسفه ففي الخلوة مفع مفن ل تحفل له فإن مجانبفة ذلك أحسفن لحال‬
‫وأحصفن لنفسفه وأتفم لعصفمته‪" .‬ومفا كان لكفم أن تؤذوا رسفول ال" اليفة‪ .‬هذا تكرار للعلة وتأكيفد‬
‫لحكمها‪ ،‬وتأكيد العلل أقوى في الحكام‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا" روى إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد‬
‫بن عبيد قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة أن رجل قال‪ :‬لو قبض رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم تزوجت عائشة‪ ،‬فأنزل‪ ،‬ال تعالى‪" :‬وما كان لكم أن تؤذوا رسول ال" الية‪ .‬ونزلت‪:‬‬
‫"وأزواجفه أمهاتهفم" [الحزاب ‪ .]6‬وقال القشيري أبفو نصفر عبدالرحمفن‪ :‬قال ابفن عباس قال‬
‫رجفل مفن سفادات قريفش مفن العشرة الذيفن كانوا مفع رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم على حراء ‪-‬‬
‫في نفسه ‪ -‬لو توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم لتزوجت عائشة‪ ،‬وهي بنت عمي‪ .‬قال مقاتل‪:‬‬
‫هو طلحة بن عبيدال‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬وندم هذا الرجل على ما حدث به في نفسه‪ ،‬فمشى إلى مكة‬
‫على رجليه وحمل على عشرة أفراس في سبيل ال‪ ،‬وأعتق رقيقا فكفر ال عنه‪ .‬وقال ابن عطية‪:‬‬
‫روي أنها نزلت بسبب أن بعض الصحابة قال‪ :‬لو مات رسول ال صلى ال عليه وسلم لتزوجت‬
‫عائشفة‪ ،‬فبلغ ذلك رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فتأذى بفه‪ ،‬هكذا كنفي عنفه ابفن عباس ببعفض‬
‫الصحابة‪ .‬وحكى مكي عن معمر أنه قال‪ :‬هو طلحة بن عبيدال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكذا حكفى النحاس عفن معمفر أنفه طلحفة‪ ،‬ول يصفح‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬ل در ابفن عباس!‬
‫وهذا عندي ل يصفح على طلحفة بفن عفبيدال‪ .‬قال شيخنفا المام أبفو العباس‪ :‬وقفد حكفى هذا القول‬
‫عفن بعفض فضلء الصفحابة‪ ،‬وحاشاهفم عفن مثله! والكذب ففي نقله‪ ،‬وإنمفا يليفق مثفل هذا القول‬
‫بالمنافقين الجهال‪ .‬يروى أن رجل من المنافقين قال حين تزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم أم‬
‫سلمة بعد أبي سلمة‪ ،‬وحفصة بعد خنيس بن حذافة‪ :‬ما بال محمد يتزوج نساءنا! وال لو قد مات‬
‫لجلنا السهام على نسائه‪ ،‬فنزلت الية في هذا‪ ،‬فحرم ال نكاح أزواجه من بعده‪ ،‬وجعل لهن حكم‬
‫المهات‪ .‬وهذا مففن خصففائصه تمييزا لشرفففه وتنبيهففا على مرتبتففه صففلى ال عليففه وسففلم‪ .‬قال‬
‫الشافعي رحمه ال‪ :‬وأزواجه صلى ال عليه وسلم اللتي مات عنهن ل يحل لحد نكاحهن‪ ،‬ومن‬
‫استحل ذلك كان كافرا‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬وما كان لكم أن تؤذوا رسول ال ول أن تنكحوا أزواجه من‬
‫بعده أبدا"‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنما منع من التزوج بزوجاته‪ ،‬لنهن أزواجه في الجنة‪ ،‬وأن المرأة في الجنة‬
‫لخفر أزواجهفا‪ .‬قال حذيففة لمرأتفه‪ :‬إن سفرك أن تكونفي زوجفة ففي الجنفة إن جمعنفا ال فيهفا فل‬
‫تزوجفي مفن بعدي‪ ،‬فإن المرأة لخفر أزواجهفا‪ .‬وقفد ذكرنفا مفا للعلماء ففي هذا ففي (كتاب التذكرة)‬
‫من أبواب الجنة‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في أزواج النبي صلى ال عليه وسلم بعد موته‪ ،‬هل بقين أزواجه أم زال النكاح‬
‫بالموت‪ ،‬وإذا زال النكاح بالموت فهفل عليهفن عدة أم ل؟ فقيفل‪ :‬عليهفن العدة‪ ،‬لنفه توففي عنهفن‪،‬‬
‫والعدة عبادة‪ .‬وقيفل‪ :‬ل عدة عليهفن‪ ،‬لنهفا مدة تربفص ل ينتظفر بهفا الباحفة‪ .‬وهفو الصفحيح‪ ،‬لقوله‬
‫عليه السلم‪( :‬ما تركت بعد نفقة عيالي) وروي (أهلي) وهذا اسم خاص بالزوجية‪ ،‬فأبقى عليهن‬
‫النفقة والسكنى مدة حياتهن لكونهن نساءه‪ ،‬وحرمن على غيره‪ ،‬وهذا هو معنى بقاء النكاح‪ .‬وإنما‬
‫جعل الموت في حقه عليه السلم لهن بمنزلة المغيب في حق غيره‪ ،‬لكونهن أزواجا له في الخرة‬
‫قطعا بخلف سائر الناس‪ ،‬لن الرجل ل يعلم كونه مع أهله في دار واحدة‪ ،‬فربما كان أحدهما في‬
‫الجنفة والخفر ففي النار‪ ،‬فبهذا انقطفع السفبب ففي حفق الخلق وبقفي ففي حفق النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسلم وقد قال عليه السلم‪( :‬زوجاتي في الدنيا هن زوجاتي في الخرة)‪ .‬وقال عليه السلم‪( :‬كل‬
‫سفبب ونسفب ينقطفع إل سفببي ونسفبي فإنفه باق إلى يوم القيامفة)‪ .‬فرع ‪ -‬فأمفا زوجاتفه عليفه السفلم‬
‫اللتي فارقهن في حياته مثل الكلبية وغيرها‪ ،‬فهل كان يحل لغيره نكاحهن؟ فيه خلف‪ .‬والصحيح‬
‫جواز ذلك‪ ،‬لمفا روي أن الكلبيفة التفي فارقهفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم تزوجهفا عكرمفة بفن‬
‫أبي جهل على ما تقدم‪ .‬وقيل‪ :‬إن الذي تزوجها الشعث بن قيس الكندي‪ .‬قال‪ ،‬القاضي أبو الطيب‪:‬‬
‫الذي تزوجها مهاجر بن أبي أمية‪ ،‬ولم ينكر ذلك أحد‪ ،‬فدل على أنه إجماع‪" .‬إن ذلكم كان عند ال‬
‫عظيمفا" يعنفي أذيفة رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أونكاح أزواجفه‪ ،‬فجعفل ذلك مفن جملة الكبائر‬
‫ول ذنب أعظم منه‪.‬‬
‫@ قد بينا سبب نزول الحجاب من حديث أنس وقول عمر‪ ،‬وكان يقول لسودة إذا خرجت وكانت‬
‫امرأة طويلة‪ :‬قفد رأيناك يفا سفودة‪ ،‬حرصفا على أن ينزل الحجاب‪ ،‬فأنزل ال آيفة الحجاب‪ .‬ول بعفد‬
‫ففي نزول اليفة عنفد هذه السفباب كلهفا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬بيفد أنفه لمفا ماتفت زينفب بنفت جحفش قال‪ :‬ل‬
‫يشهد جنازتها إل ذو محرم منها‪ ،‬مراعاة للحجاب الذي نزل بسببها‪ .‬فدلته أسماء بنت عميس على‬
‫سترها ففي النعش في القبة‪ ،‬وأعلمته أنها رأت ذلك في بلد الحبشة فصنعه عمر‪ .‬وروي أن ذلك‬
‫صنع في جنازة فاطمة بنت النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 54 :‬إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن ال كان بكل شيء عليما}‬
‫@ البارئ سفبحانه وتعالى عالم بمفا بدا ومفا خففي ومفا كان ومفا لم يكفن‪ ،‬ل يخففى عليفه ماض‬
‫تقضى‪ ،‬ول مستقبل يأتي‪ .‬وهذا على العموم تمدح به‪ ،‬وهو أهل المدح والحمد‪ .‬والمراد به ها هنا‬
‫التوبيخ والوعيد لمن تقدم التعريض به في الية قبلها‪ ،‬ممن أشير إليه بقوله‪" :‬ذلكم أطهر لقلوبكم‬
‫وقلوبهن"‪ ،‬ومن أشير إليه في قوله‪" :‬وما كان لكم أن تؤذوا رسول ال ول أن تنكحوا أزواجه من‬
‫بعده أبدا" فقيففل لهففم فففي هذه اليففة‪ :‬إن ال تعالى يعلم مففا تخفونففه مففن هذه المعتقدات والخواطففر‬
‫المكروهة ويجازيكم عليها‪ .‬فصارت هذه الية منعطفة على ما قبلها مبينة لها‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 55 :‬ل جناح عليهن في آبائهن ول أبنائهن ول إخوانهن ول أبناء إخوانهن ول أبناء‬
‫أخواتهن ول نسائهن ول ما ملكت أيمانهن واتقين ال إن ال كان على كل شيء شهيدا}‬
‫@ لمفا نزلت آيفة الحجاب قال الباء والبناء والقارب لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ :‬ونحفن‬
‫أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الية‪.‬‬
‫@ ذكر ال تعالى في هذه الية من يحل للمرأة البروز له‪ ،‬ولم يذكر العم والخال لنهما يجريان‬
‫مجرى الوالديفن‪ .‬وقفد يسفمى العفم أبفا‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬نعبفد إلهفك وإله آبائك إبراهيفم وإسفماعيل"‬
‫[البقرة‪ ]133 :‬وإسماعيل كان العم‪ .‬قال الزجاج‪ :‬العم والخال ربما يصفان المرأة لولديهما‪ ،‬فإن‬
‫المرأة تحفل لبفن العفم وابفن الخال فكره لهمفا الرؤيفة‪ .‬وقفد كره الشعفبي وعكرمفة أن تضفع المرأة‬
‫خمارهفا عنفد عمهفا أو خالهفا‪ .‬وقفد ذكفر ففي هذه اليفة بعفض المحارم وذكفر الجميفع ففي سفورة‬
‫"النور"‪ ،‬فهذه الية بعض تلك‪ ،‬وقد مضى الكلم هناك مستوفى‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتقيفن ال" لمفا ذكفر ال تعالى الرخصفة ففي هذه الصفناف وانجزمفت الباحفة‪،‬‬
‫عطفف بأمرهفن بالتقوى عطفف جملة‪ .‬وهذا ففي غايفة البلغفة واليجاز‪ ،‬كأنفه قال‪ :‬اقتصفرن على‬
‫هذا واتقين ال فيه أن تتعدينه إلى غيره‪ .‬وخص النساء بالذكر وعنهن في هذا المر‪ ،‬لقلة تحفظهن‬
‫وكثرة استرسالهن‪ .‬وال أعلم‪ .‬ثن توعد تعالى بقوله‪" :‬إن ال كان على كل شيء شهيدا"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 56 :‬إن ال وملئكتفه يصفلون على النفبي يفا أيهفا الذيفن آمنوا صفلوا عليفه وسفلموا‬
‫تسليما}‬
‫@ هذه الية شرف ال بها رسوله عليه السلم حياته وموته‪ ،‬وذكر منزلته منه‪ ،‬وطهر بها سوء‬
‫فعل من استصحب في جهته فكرة سوء‪ ،‬أو في أمر زوجاته ونحو ذلك‪ .‬والصلة من ال رحمته‬
‫ورضوانه‪ ،‬ومن الملئكة الدعاء والستغفار‪ ،‬ومن لمة الدعاء والتعظيم لمره‬
‫@ مسففألة‪ :‬واختلف العلماء فففي الضميففر فففي قوله‪" :‬يصففلون" فقالت فرقففة‪ :‬الضميففر فيففه ل‬
‫والملئكفة‪ ،‬وهذا قول مفن ال تعالى شرف بفه ملئكتفه‪ ،‬فل يصفحبه العتراض الذي جاء ففي قول‬
‫الخطيفب‪ :‬مفن يطفع ال ورسفوله فقفد رشفد‪ ،‬ومفن يعصفهما فقفد غوى‪ .‬فقال له رسفول ال صفلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬بئس الخطيب أنت‪ ،‬قل ومن يعصى ال ورسوله) أخرجه الصحيح‪ .‬قالوا‪ :‬لنه ليس‬
‫لحد أن يجمع ذكر ال تعالى مع غيره في ضمير‪ ،‬ول أن يقع في ذلك ما يشاء‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬في‬
‫الكلم حذف‪ ،‬تقديره إن ال يصفلي وملئكتفه يصفلون‪ ،‬وليفس ففي اليفة اجتماع ففي ضميفر‪ ،‬وذلك‬
‫جائز للبشر فعله‪ .‬ولم يقل رسول ال صلى ال عليه وسلم (بئس الخطيب أنت) لهذا المعنى‪ ،‬وإنما‬
‫قال لن الخطيفب وقفف على ومفن يعصفهما‪ ،‬وسفكت سفكتة‪ .‬واسفتدلوا بمفا رواه أبفو داود عفن عدي‬
‫بففن حاتففم أن خطيبففا خطففب عنففد النففبي صففلى ال عليففه وسففلم فقال‪ :‬مففن يطففع ال ورسففول ومففن‬
‫يعصفهما‪ .‬فقال‪( :‬قفم ‪ -‬أو اذهفب ‪ -‬بئس الخطيفب أنفت)‪ .‬إل أنفه يحتمفل أن يكون لمفا خطأه ففي وقففه‬
‫وقال له‪( :‬بئس الخطيب) أصلح له بعد ذلك جميع كلمه‪ ،‬فقال‪( :‬قل ومن يعص ال ورسول) كما‬
‫فففي كتاب مسففلم‪ .‬وهففو يؤيففد القول الول بأنففه لم يقففف على "ومففن يعصففهما"‪ .‬وقرأ ابففن عباس‪:‬‬
‫"وملئكه" بالرفع على موضع اسم ال قبل دخول "إن"‪ .‬والجمهور بالنصب عطفا على المكتوبة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يفا أيهفا الذيفن آمنوا صفلوا عليفه" أمفر ال تعالى عباده بالصفلة على نفبيه محمفد‬
‫صلى ال عليه وسلم دون أنبيائه تشريفا له‪ ،‬ول خلف في أن الصلة عليه فرض في العمر مرة‪،‬‬
‫وففي كفل حيفن مفن الواجبات وجوب السفنن المؤكدة التفي ل يسفع تركهفا ول يغفلهفا إل مفن ل خيفر‬
‫فيفه‪ .‬الزمخشري‪ :‬فإن قلت الصفلة على رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم واجبفة أم مندوب إليهفا؟‬
‫قلت‪ :‬بفل واجبفة‪ .‬وقفد اختلفوا ففي حال وجوبهفا‪ ،‬فمنهفم من أوجبهفا كلمفا جرى ذكره‪ .‬وففي الحديفث‪:‬‬
‫(من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده ال)‪ .‬وروى أنه قيل له‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أرأيت‬
‫قول ال عفز وجفل‪" :‬إن ال وملئكتفه يصفلون على النفبي" فقال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬هذا‬
‫مفن العلم المكنون ولول أنكفم سفألتموني عنه مفا أخفبرتكم به إن ال تعالى وكفل بفي ملكيفن فل أذكفر‬
‫عنفد مسفلم فيصفلي‪ .‬علي إل قال ذلك الملكان غففر‪ .‬ال لك وقال ال تعالى وملئكتفه جوابفا لذينفك‬
‫الملكيفن أميفن‪ .‬ول أذكفر‪ .‬عنفد عبفد مسفلم فل يصفلي علي إل قال ذلك الملكان ل غففر ال لك وقال‬
‫ال تعالى وملئكتفه لذينفك الملكيفن أميفن)‪ .‬ومنهفم مفن قال‪ :‬تجفب ففي كفل مجلس مرة وإن تكرر‬
‫ذكره‪ ،‬كمفا قال ففي آيفة السفجدة وتشميفت العاطفس‪ .‬وكذلك ففي كفل دعاء ففي أوله وأخره ومنهفم من‬
‫أوجبهفا ففي العمفر‪ .‬وكذلك قال ففي إظهار الشهادتيفن‪ .‬والذي يقتضيفه الحتياط‪ :‬الصفلة عنفد كفل‬
‫ذكر‪ ،‬لما ورد من الخبار في ذلك‪.‬‬
‫@ واختلففت الثار ففي صففة الصفلة عليفه صفلى ال عليفه وسفلم فروى مالك عفن أبفي مسفعود‬
‫النصفاري قال‪ :‬أتانفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ونحفن ففي مجلس سفعد بفن عبادة‪ ،‬فقال له‬
‫بشيفر بفن سفعد‪ :‬أمرنفا ال أن نصفلي عليفك يفا رسفول ال‪ ،‬فكيفف نصفلي عليفك؟ قال‪ :‬فسفكت رسفول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم حتى‪ ،‬تمنينا أنه لم يسأله‪ ،‬ثم قال رسول ال صلى‪( :‬قولوا اللهم صل على‬
‫محمفد وعلى آل محمفد كمفا صفليت على إبراهيفم وبارك على محمفد وعلى آل محمفد كمفا باركفت‬
‫على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلم كما قد علمتم)‪ .‬ورواه النسائي‬
‫عن طلحة مثله‪ ،‬بإسقاط قوله‪( :‬في العالمين) وقوله‪( :‬والسلم كما قد علمتم)‪ .‬وفي الباب عن كعب‬
‫بفن عجرة وأبفي حميفد‪ .‬السفاعدي وأبفي سفعيد الخدري وعلي بفن أبفي طالب وأبفي هريرة وبريدة‬
‫الخزاعفي وزيفد بفن خارجفة‪ ،‬ويقال ابفن حارثفة أخرجهفا أئمفة أهفل الحديفث ففي كتبهفم‪ .‬وصفحح‬
‫الترمذي حديث كعب بن عجرة‪ .‬أخرجه مسلم في صحيحه مع حديث أبي حميد الساعدي‪ .‬قال أبو‬
‫عمر‪ :‬روى شعبة والثوري عن الحكم ابن عبدالرحمن بن ابن ليلى عن كعب بن عجرة قال‪ :‬لما‬
‫نزل قوله‪ :‬تعالى‪" :‬يفا أيهفا الذيفن آمنوا صفلوا عليفه وسفلموا تسفليما" جاء رجفل إلى النفبي صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم فقال‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬هذا السفلم عليفك قفد عرفناه فكيفف الصفلة؟ فقال‪( :‬قفل الهفم صفل‬
‫على محمففد‪ .‬وعلى آل محمففد كمففا صففليت على إبراهيففم وبارك على محمففد وعلى آل محمففد كمففا‬
‫باركفت على إبراهيفم وعلى آل إبراهيفم إنفك حميفد مجيفد) وهذا لففظ حديفث الثوري ل حديفث شعبفة‬
‫وهفو يدخفل ففي التفسفير المسفند إليفه لقول ال تعالى‪" :‬إن ال وملئكتفه يصفلون على النفبي يفا أيهفا‬
‫الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" فبين كيف الصلة عليه وعلمهم في التحيات كيف السلم‪.‬‬
‫عليفه‪ ،‬وهو قوله‪( :‬السفلم عليفك أيهفا النفبي ورحمفة ال وبركاتفه)‪ .‬وروى المسفعودي عفن عون بفن‬
‫عبدال عن أبي فاختة عن السود عن عبدال أنه قال‪ :‬إذا صليتم على النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فأحسففنوا الصففلة عليففه‪ ،‬فإنكففم ل تدرون لعففل ذلك يعرض عليففه‪ .‬قالوا فعلمنففا‪ ،‬قال‪( :‬قولوا اللهففم‬
‫اجعففل صففلواتك ورحمتففك وبركاتففك على سففيد المرسففلين وإمام أبعثففه مقامففا محمودا يغبطففه بففه‬
‫الولون والخرون‪ .‬اللهففم صففل على محمففد وعلى آل محمففد كمففا صففليت على إبراهيففم وعلى آل‬
‫إبراهيم إنك حميد مجيد‪ .‬اللهم بارك على محمد وعلى آل حمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل‬
‫إبراهيم إنك حمد مجيد)‪ .‬ورويناه بالسناد المتصل في كتاب (الشفا) للقاضي عياض عن علي بن‬
‫أبي طالب رضي ال عنه قال‪ :‬عدهن في يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال‪( :‬عدهن ففي‬
‫يدي جبريففل وقال هكذا أنزلت مففن عنففد رب العزة اللهففم صففل على محمففد وعلى آل محمففد كمففا‬
‫صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ .‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫باركفت على إبراهيفم وعلى آل إبراهيفم إنفك حميفد مجيفد‪ .‬اللهفم وترحفم على محمفد وعلى آل محمفد‬
‫كمفا ترحمفت على إبراهيفم وعلى آل إبراهيفم إنفك حميفد مجيفد‪ .‬اللهفم وتحنفن على محمفد وعلى آل‬
‫محمفد كمفا تحننفت على إبراهيفم وعلى آل إبراهيفم إنفك حميفد مجيفد)‪ .‬قال ابفن العربفي‪ :‬مفن هذه‬
‫الروايات صففحيح ومنهفا سفقيم‪ ،‬وأصففحها مفا رواه مالك فاعتمدوه‪ .‬وروايفة غيفر مالك مفن زيادة‬
‫الرحمة مع الصلة وغيرها ل يقوى‪ ،‬وإنما على الناس أن ينظروا في أديانهم نظرهم في أموالهم‪،‬‬
‫وهم ل يأخذون في البيع دينارا معيبا‪ ،‬وإنما يختارون السالم الطيب‪ ،‬كذلك ل يؤخذ من الروايات‬
‫عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم إل مفا صفح عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم سفنده‪ ،‬لئل يدخفل ففي‬
‫حيز الكذب على رسول ال صلى ال عليه وسلم فبينما هو يطلب الفضل إذا به قد أصاب النقص‪،‬‬
‫بل ربما أصاب الخسران المبين‪.‬‬
‫@ في فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم ثبت عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬من‬
‫صلى علي صلة صلى ال عليه بها عشرا)‪ .‬وقال سهل بن عبدال‪ :‬الصلة على محمد صلى ال‬
‫عليفه وسفلم أفضفل العبادات‪ ،‬لن ال تعالى تولهفا هفو وملئكفه‪ ،‬ثفم أمفر بهفا المؤمنيفن‪ ،‬وسفائر‬
‫العبادات ليفس كذلك‪ .‬قال أبفو سفليمان الدارانفي‪ :‬مفن أراد أن يسفأل ال حاجفة فليبدأ بالصفلة على‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم يسأل ال حاجته‪ ،‬ثم يختم بالصلة على النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فإن ال تعالى يقبل الصلتين وهو أكرم من أن يرد ما بينهما‪ .‬وروى سعيد بن المسيب عن عمر‬
‫بن الخطاب رضي عنه أنه قال‪ :‬الدعاء يحجب دون السماء حتى يصلى على النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فإذا جاءت الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم رفع الدعاء‪ .‬وقال النبي صلى ال عليه‬
‫وسفلم‪( :‬مفن صفلى علي وسفلم علي ففي كتاب لم تزل الملئكفة يصفلون عليفه مفا دام اسفمي ففي ذلك‬
‫الكتاب)‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء ففي الصفلة على النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي الصفلة‪ ،‬فالذي عليفه الجفم‬
‫الغفير والجمهور الكثير‪ :‬أن ذلك من سنن الصلة ومستحباتها‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬يستحب أل يصلي‬
‫أحد صلة إل صلى ال عليه وسلم فيها على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإن ترك ذلك تارك‬
‫فصفلته مجزيفة ففي مذاهفب مالك وأهفل المدينفة وسففيان الثوري وأهفل الكوففة مفن أصفحاب الرأي‬
‫وغيرهم‪ .‬وهو قول جل أهل العلم‪ .‬وحكي عن مالك وسفيان أنها في التشهد الخير مستحبة‪ ،‬وأن‬
‫تاركهفا ففي التشهفد مسفيء وشفذ الشافعفي فأوجفب على تاركهفا ففي الصفلة العادة وأوجفب إسفحاق‬
‫العادة مفع تعمفد تركهفا دون النسفيان‪ .‬وقال أبفو عمفر‪ :‬قال الشافعفي إذا لم يصفل على النفبي صفلى‬
‫ال عليفه وسفلم ففي التشهفد الخيفر بعفد التشهفد وقبفل التسفليم أعاد الصفلة‪ .‬قال‪ :‬وإن صفلى ال عليفه‬
‫وسففلم عليففه قبففل ذلك لم تجزه‪ .‬وهذا قول حكاه عنففه حرملة بففن يحيففى‪ ،‬ل يكاد يوجففد هكذا عففن‬
‫الشافعفي إل مفن ورايفة حرملة عنفه‪ ،‬وهفو مفن كبار أصفحابه الذيفن كتبوا كتبفه‪ .‬وقفد تقلده أصفحاب‬
‫الشافعفي ومالوا إليفه وناظروا عليفه‪ ،‬وهفو عندهفم تحصفيل مذهبفه‪ .‬وزعفم الطحاوي أنفه لم يقفل بفه‬
‫أحد من أهل العلم غيره‪ .‬وقال الخطابي وهو من أصحاب الشافعي‪ :‬وليست بواجبة في‪ ،‬الصلة‪،‬‬
‫وهو قول جماعة الفقهاء إل الشافعي‪ ،‬ول أعلم له فيها قدوة‪ .‬والدليل على أنها ليست من فروض‪،‬‬
‫الصفلة عمفل السفلف الصفالح قبفل الشافعفي وإجماعهفم عليفه‪ ،‬وقفد شنفع عليفه ففي هذه المسفألة جدا‪.‬‬
‫وهذا تشهد ابن مسعود الذي اختاره الشافعي وهو الذي علمه النبي صلى ال عليه وسلم ليس فيه‬
‫الصفلة على النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وكذلك كفل مفن روي التشهفد عنفه صفلى ال عليفه وسفلم‪.‬‬
‫وقال ابفن عمفر‪ :‬فإن أبفو بكفر يعلمنفا الشهفد على المنفبر كمفا تعلمون الصفبيان ففي الكتاب‪ .‬وعلمفه‬
‫أيضا على المنبر عمر‪ ،‬وليس فيه ذكر الصلة على‪ ،‬النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد قال بوجوب الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم في الصلة محمد‪ .‬بن المواز من‬
‫أصحابنا فيما ذكر ابن القصار وعبدالوهاب‪ ،‬واختاره ابن العربي للحديث الصحيح‪ :‬إن ال أمرنا‬
‫أن نصفلي عليفك فكيفف نصفلي عليفك؟ فعلم الصفلة ووقتهفا فتعينفت كيفيفة ووقتفا‪ .‬وذكفر الدارقطنفي‬
‫عن أبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين أنه قال‪ :‬لو صليت صلة لم أصل فيها على النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ول على أهل بيته لرأيت أنها ل تتم‪ .‬وروي مرفوعا عنه عن ابن مسعود عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬والصواب أنه قول أبي جعفر‪ ،‬قال الدارقطني‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وسلموا تسليما" قال القاضي أبو بكر بن بكير‪ :‬نزلت هذه الية على النبي صلى‬
‫ال عليفه وسفلم فأمفر ال أصفحابه أن يسفلموا عليفه‪ .‬وكذلك مفن بعدهفم امروا أن يسفلموا عليفه عنفد‬
‫حضورهفم قفبره وعنفد ذكره‪ .‬وروى النسفائي عفن عبدال بفن أبفي طلحفة عفن أبيفه أن رسفول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم جاء ذات يوم والبشفر يرى ففي وجهفه‪ ،‬فقلت‪ :‬إنفا لنرى البشرى ففي وجهفك!‬
‫فقال‪( :‬إنه أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك إنه ل يصلي عليك أحد إل صليت‬
‫عليه عشرا ول يسلم عليك أحد إل سلمت عليه عشرا)‪ .‬وعن محمد بن عبدالرحمن أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ما منكم من أحد يسلم علي إذا مت إل جاءني سلمه مع جبريل يقول يا‬
‫محمففد هذا فلن بففن فلن يقرأ عليففك السففلم فأقول وعليففه السففلم ورحمففة ال وبركاتففه) وروى‬
‫النسائي عن عبدال قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن ل ملئكة سياحين في الرض‬
‫يبلغوني من أمتي السلم)‪ .‬قال القشيري والتسليم قولك‪ :‬سلم عليك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 57 :‬إن الذين يؤذون ال ورسوله لعنهم ال في الدنيا والخرة وأعد لهم عذابا مهينا}‬
‫@ اختلف العلماء ففي أذيفة ال بماذا تكون؟ فقال الجمهور مفن العلماء‪ :‬معناه بالكففر ونسفبة‬
‫الصفاحبة والولد والشريفك إليفه‪ ،‬ووصففه بمفا ل يليفق بفه‪ ،‬كقول اليهود لعنهفم ال‪ :‬وقالت اليهود يفد‬
‫ال مغلولة‪ .‬والنصفارى‪ :‬المسفيح ابفن ال‪ .‬والمشركون‪ :‬الملئكفة بنات ال والصفنام شركاؤه‪ .‬وففي‬
‫صففحيح البخاري قال ال تعالى‪( :‬كذبنففي ابففن آدم ولم يكففن له ذلك وشتمنففي ولم يكففن له ذلك‪)...‬‬
‫الحديث‪ .‬وقد تقدم في سورة "مريم" وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال ال تبارك وتعالى‪:‬‬
‫(يؤذينفي ابفن آدم يقول يفا خيبفة الدهفر فل يقولن أحدكفم يفا خيبفة الدهفر فإنفي أنفا الدهفر أقلب ليله‬
‫ونهاره فإذا شئت قبضتهمفا)‪ .‬هكذا جاء هذا الحديفث موقوففا على أبفي هريرة ففي هذه الروايفة‪ .‬وقفد‬
‫جاء مرفوعا عنه (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار) أخرجه أيضا مسلم‪.‬‬
‫وقال عكرمة‪ :‬معناه بالتصوير والتعرض لفعل ما ل يفعله إل ال بنحت الصور وغيرها‪ ،‬وقد قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم‪( :‬لعن ال المصورين)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا ممفا يقوي قول مجاهفد ففي المنفع مفن تصفوير الشجفر وغيرهفا؛ إذ كفل ذلك صففة‬
‫اختراع وتشبه بفعل ال الذي انفرد به سبحانه وتعالى‪ .‬وقد تقدم هذا في سورة "النمل" والحمد ل‪.‬‬
‫وقالت فرقفة‪ :‬ذلك على حذف مضاف‪ ،‬تقديره‪ :‬يؤذون أولياء ال‪ .‬وأمفا أذيفة رسفوله صفلى ال عليفه‬
‫وسلم فهي كل ما يؤذيه من القوال في غير معنى واحد‪ ،‬ومن الفعال أيضا‪ .‬أما قولهم‪" :‬فساحر‬
‫شاعفر‪ .‬كاهفن مجنون‪ .‬وأمفا فعلهفم‪ :‬فكسفر رباعيتفه وشفج وجهفه يوم أحفد‪ ،‬وبمكفة إلقاء السفلى على‬
‫ظهره وهفو سفاجد" إلى غيفر ذلك‪ .‬وقال ابفن عباس‪ :‬نزلت ففي الذيفن طعنوا عليفه حيفن اتخفذ صففية‬
‫بنت أبي حيي‪ .‬وأطلق إيذاء ال ورسوله وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات‪ ،‬لن إيذاء ال ورسول ل‬
‫يكون إل بغير حق أبدا‪ .‬وأما إيذاء المؤمنين والمؤمنات فمنه ‪ ..‬ومنه‪..‬‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬والطعن في تأمير أسامة بن زيد أذية له عليه السلم‪ .‬وروى الصحيح عن ابن‬
‫عمفر قال‪ :‬بعفث رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بعثفا وأمفر عليهفم أسفامة بفن زيفد فطعفن الناس ففي‬
‫إمرتفه؛ فقام رسفول ال صفلى فقال‪( :‬إن تطعنوا ففي إمرتفه فقفد كنتفم تطعنون ففي إمرة أبيفه مفن قبفل‬
‫وايفم ال إن كان لخليقفا للمارة وإن كان لمفن أحفب الناس إلي وإن هذا لمفن أحفب الناس إلى بعده)‪.‬‬
‫وهذا البعث ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬هو الذي جهزه رسول ال صلى ال عليه وسلم مع أسامة وأمره عليهم‬
‫وأمره أن يغزوا "أبنى" وهي القرية التي عند موتة‪ ،‬الموضع الذي قتل فيه زيد أبوه جعفر بن أبي‬
‫طالب وعبدال بن رواحة‪ .‬فأمره أن يأخذ بثأر أبيه فطعن من في قلبه ريب ففي إمرته؛ من حيث‬
‫إنفه كان مفن الموالي‪ ،‬ومفن حيفث إنفه كان صفغير السفن؛ لنفه كان إذ ذاك ابفن ثمان عشرة سفنة؛‬
‫فمات النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وقفد برز هذا البعفث عن المدينفة ولم ينفصفل بعفد عنهفا؛ فنفذه أبفو‬
‫بكر بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@ في هذا الحديث أوضح دليل على جواز إمامة المولى والمفضول على غيرهما ما عدا المامة‬
‫الكبرى‪ .‬وقدم رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم مولى أبي حذيفة على الصلة‬
‫بقباء‪ ،‬فكان يؤمهم وفيهم أبو بكر وعمر وغيرهم من كبراء قريش‪ .‬وروى الصحيح عن عامر بن‬
‫واثلة أن نافففع بففن عبففد الحارث لقففي عمففر بعسفففان‪ ،‬وكان عمففر يسففتعمله محلى مكففة فقال‪ :‬مففن‬
‫اسففتعملت على هذا الوادي؟ قال‪ :‬ابففن أبزى‪ .‬قال‪ :‬ومففن ابففن أبزى؟ قال‪ :‬مولى مففن موالينففا‪ .‬قال‪:‬‬
‫فاسفتخلفت عليهفم مولى! قال‪ :‬إنفه لقارئ لكتاب ال لنفه لعالم بالفرائض ‪ -‬قال ‪ -‬أمفا إن نفبيكم قفد‬
‫قال‪( :‬إن ال يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين)‪.‬‬
‫@ كان أسامة رضي ال عنه الحب ابن الحب وبذلك كان يدعي‪ ،‬وكان أسود شديد السواد‪ ،‬وكأن‬
‫زيفد أبوه أبيفض مفن القطفن‪ .‬هكذا ذكره أبفو داود عفن أحمفد بفن صفالح‪ .‬وقال غيفر أحمفد‪ :‬كان زيفد‬
‫أزهفر اللون وكان أسفامة شديفد الدمفة‪ .‬ويروى أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم كان يحسفن أسفامة‬
‫وهو صغير ويمسح مخاطه‪ ،‬وينقي أنفه ويقول‪( :‬لو كان أسامة جارية لزيناه وجهزناه وحببناه إلى‬
‫الزواج)‪ .‬وقفد ذكفر أن سفبب ارتداد العرب بعفد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬أنفه لمفا كان عليفه‬
‫السلم في حجة الوداع بجبل عرفة عشية عرفة عند النفر‪ ،‬احتبس النبي صلى ال عليه وسلم قليل‬
‫بسففبب أسففامة إلى أن أتاه؛ فقالوا‪ :‬مففا أحتبففس إل لجففل هذا! تحقيرا له‪ .‬فكان قولهففم هذا سففبب‬
‫ارتدادهم‪ .‬ذكره البخاري في التاريخ بمعناه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ كان عمر رضي ال عنه يفرض لسامة في العطاء خمسة آلف‪ ،‬ولبنه عبدال ألفين؛ فقال له‬
‫عبدال‪ :‬فضلت علي أسامة وقد شهدت ما لم يشهد! فقال‪ :‬إن أسامة كان أحب إلى رسول ال صلى‬
‫ال عليفه وسفلم منفك‪ ،‬وأباه كان أحفب إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ال عليفه وسفلم‪ ،‬أبيفك‪،‬‬
‫ففضفل رضفي ال عنفه من محبوب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم على محبوبفه‪ .‬وهكذا يجفب أن‬
‫يحفب مفا أحفب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ويبغفض مفن أبغفض‪ .‬وقفد قابفل مروان هذا الحفب‬
‫بنقيضه؛ وذلك أنه مر بأسامة بن زيد وهو يصلي عند باب بيت النبي صلى ال عليه وسلم فقال له‬
‫مروان‪ :‬إنما أردت أن نرى مكانك‪ ،‬فقد رأينا مكانك‪ ،‬فعل ال بك! وقال قول قبيحا‪ .‬فقال له أسامة‪:‬‬
‫إنك أذيتني‪ ،‬وإنك فاحش متفحش‪ ،‬وقد سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪(:‬إن ال تعالى‬
‫يبغفض الفاحفش المتفحفش)‪ .‬فانظفر مفا بيفن الفعليفن وقفس مفا بيفن الرجليفن‪ ،‬فقفد أذى بنفو أميفة النفبي‬
‫صلى ال عليه وسلم في أحبابه‪ ،‬وناقضوه في محابه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لعنهفم ال" معناه أبعدوا مفن كفل خيفر‪ .‬واللعفن ففي اللغفة‪ :‬البعاد‪ ،‬ومنفه اللعان‪.‬‬
‫"وأعد لهم عذابا مهينا" تقدم معناه في غير موضع‪ .‬والحمد ل رب العالمين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 58 :‬والذيفن يؤذون المؤمنيفن والمؤمنات بغيفر مفا اكتسفبوا فقفد احتملوا بهتانفا وإثمفا‬
‫مبينا}‬
‫@ أذيفة المؤمنيفن والمؤمنات هفي أيضفا بالفعال والقوال القبيحفة‪ ،‬كالبهتان والتكذيفب الفاحفش‬
‫المختلق‪ .‬وهذه اليفة نظيفر اليفة التفي ففي النسفاء‪" :‬ومن يكسفب خطيئة أو إثمفا ثفم يرم به بريئا فقفد‬
‫احتمفل بهتانفا وإثمفا مبينفا" [النسفاء‪ ]112 :‬كمفا قال هنفا‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬إن مفن الذيفة تعييره بحسفب‬
‫مذموم‪ ،‬أو حرففة مذمومفة‪ ،‬أو شيفء يثقفل عليفه إذا سفمعه‪ ،‬لن أذاه ففي الجملة حرام‪ .‬وقفد ميفز ال‬
‫تعالى بيففن أذاه وأذى الرسففول وأذى المؤمنيففن فجعففل الول كفرا والثانففي كففبيرة‪ ،‬فقال فففي أذى‬
‫المؤمنيفن‪" :‬فقفد احتملوا بهتانفا وإثمفا مبينفا" وقفد بيناه‪ .‬وروي أن عمفر بفن الخطاب قال لبفي بفن‬
‫كعففب‪ :‬قرأت البارحففة هذه اليففة ففزعففت منهففا "والذيففن يؤذون المؤمنيففن والمؤمنات بغيففر مففا‬
‫اكتسبوا" الية‪ ،‬وال إني لضربهم وأنهرهم‪ .‬فقال له أبي‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬لست منهم‪ ،‬إنما أنت‬
‫معلم ومقوم‪ .‬وقفد قال‪ :‬إن سفبب نزول هذه اليفة أن عمفر رأى جاريفة مفن النصفار فضربهفا وكره‬
‫مفا رأى مفن زينتهفا‪ ،‬فخرج أهلهفا فآذوا عمفر بالسفان؛ فأنزل ال هذه اليفة‪ .‬وقيفل‪ :‬نزلت ففي علي‪،‬‬
‫فإن المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه‪ .‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 59 :‬يفا أيهفا النفبي قفل لزواجفك وبناتفك ونسفاء المؤمنيفن يدنيفن عليهفن مفن جلبيبهفن‬
‫ذلك أدنى أن يعرفن فل يؤذين وكان ال غفورا رحيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قفل لزواجفك وبناتفك" قفد مضفى الكلم ففي تفضيفل أزواجفه واحدة واحدة‪ .‬قال‬
‫قتادة‪ :‬مات رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي تسفع‪ .‬خمفس مفن قريفش‪ :‬عائشفة‪ ،‬وحفصفة‪ ،‬وأم‬
‫حبيبفة‪ ،‬وسفودة‪ ،‬وأم سفلمة‪ .‬وثلث مفن سفائر العرب‪ :‬ميمونفة‪ ،‬وزينفب بنفت جحفش‪ ،‬وجويريفة‪.‬‬
‫وواحدة من بني هارون‪ :‬صفية‪ .‬وأما أولده فكان للنبي صلى ال عليه وسلم أولد ذكور وإناث‪.‬‬
‫فالذكور من أولده‪ :‬القاسم‪ ،‬أمه خديجة‪ ،‬وبه كان يكنى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو أول من مات‬
‫مفن أولده‪ ،‬وعاش سفنتين‪ .‬وقال عروة‪ :‬ولدت خديجفة للنفبي صفلى ال ليفه وسفلم القاصفم والطاهفر‬
‫وعبدال والطيفب‪ .‬وقال أبفو بكفر البرقفي‪ :‬ويقال إن الطاهفر هفو الطيفب وهفو عبدال‪ .‬وإبراهيفم أمفه‬
‫مارية القبطية‪ ،‬ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة‪ ،‬وتوفي ابن ستة عشر شهرا‪ ،‬وقيل ثمانية‬
‫عشر؛ ذكره الدارقطني‪ .‬ودفن بالبقيع‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن له موضعا تتم رضاعه في‬
‫الجنفة)‪ .‬وجميفع أولد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم مفن خديجفة سفوى إبراهيفم‪ .‬وكفل أولده ماتوا ففي‬
‫حياته غير فاطمة‪.‬‬
‫وأما الناث من أولده فمنهن‪ :‬فاطمة الزهراء بنت خديجة‪ ،‬ولدتها وقريش تبني النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قبل النبوة بخمس سنين‪ ،‬وهي أصغر بناته‪ ،‬وتزوجها علي رضي ال عنهما في السنة‬
‫الثانيفة من الهجرة ففي رمضان‪ ،‬وبنى بها ففي ذي الحجة‪ .‬وقيفل‪ :‬تزوجها ففي رجفب‪ ،‬وتوفيفت بعد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بيسير‪ ،‬وهي أول من لحقه من أهل بيته‪ .‬رضى ال عنها‪..‬‬
‫ومنهن‪ :‬زينب ‪ -‬أمها خديجة ‪ -‬تزوجها ابن خالتها أبو العاصفي بن الربيع‪ ،‬وكانت أم العاصي‬
‫هالة بنفت خويلد أخفت خديجفة‪ .‬واسفم أبفي العاصفي لقيفط‪ .‬وقيفل هاشفم‪ .‬وقيفل هشيفم وقيفل مقسفم‪.‬‬
‫وكانفت أكفبر بنات رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ال عليفه وسفلم‪ ،‬وتوفيفت ‪ -‬ثمان مفن الهجرة‪،‬‬
‫ونزل رسول ال صلى ال عليه وسلم في قبرها‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬رقة ‪ -‬أمها خديجة ‪ -‬تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل النبوة‪ ،‬فلما بعث رسول ال صلى‬
‫ال عليفه وسفلم اله عليفه وسفلم وأنزل عليفه‪" :‬تبفت يدا أبفي لهفب" [المسفد‪ ]1 :‬قال أبفو لهفب لبنفه‪:‬‬
‫رأسفي مفن رأسفك حرام إن لم تطلق ابنتفه؛ ففارقهفا ولم يكفن بنفى بهفا‪ .‬وسفلمت حيفن أسفلمت أمهفا‬
‫خديجة‪ ،‬وبايعت رسول ال صلى ال عليه وسلم هي وأخواتها حين بايعه النساء‪ ،‬وتزوجها عثمان‬
‫بن عفان‪ ،‬وكانت نساء قريش يقلن حين تزوجها عثمان‪:‬‬
‫رقية وبعلها عثمان‬ ‫أحسن شخصين رأى إنسان‬
‫وهاجرت معفه إلى أرض الحبشفة الهجرتيفن‪ ،‬وكانفت قفد أسفقطت مفن عثمان سفقطا‪ ،‬ثفم ولدت بعفد‬
‫ذلك عبدال‪ ،‬وكان عثمان يكنفى بفه ففي السفلم‪ ،‬وبلغ سفت سفنين فنقره ديفك ففي وجهفه فمات‪ ،‬ولم‬
‫تلد له شيئا بعد ذلك‪ .‬وهاجرت إلى المدينة ومرضت ورسول ال صلى ال عليه وسلم يتجهز إلى‬
‫بدر فخلف عثمان عليهفا‪ ،‬فتوفيفت ورسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ببدر‪ ،‬على رأس سفبعة عشفر‬
‫شهرا من الهجرة‪ .‬وقدم زيد بن حارثة بشيرا من بدر‪ ،‬فدخل المدينة حين سوي التراب على بقية‪.‬‬
‫ولم يشهد دفنها رسول ال صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ومنهن‪ :‬أم كلثوم ‪ -‬أمهفا خديجة ‪ -‬تزوجها عتيبة بن أبفي لهفب ‪ -‬أخو عتبة ‪ -‬قبفل النبوة‪ ،‬وأمره‬
‫أبوه أن يفارقهفا للسفبب المذكور ففي أمفر رقيفة‪ ،‬ولم يكفن دخفل بهفا‪ ،‬حتفى نزل بمكفة مفع رسفول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم وأسلمت حين أسلمت أمها‪ ،‬وبايعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسفلم مفع أخواتهفا حيفن بايعفه النسفاء‪ ،‬وهاجرت إلى المدينفة حيفن هاجفر رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسلم ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فلما توفيت رقية تزوجها عثمان‪ ،‬وبذلك سمي ذا النورين‪ .‬وتوقيت‬
‫ففي حياة النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي شعبان سفنة تسفع مفن الهجرة‪ .‬وجلس رسفول ال صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم على قبرهفا‪ ،‬ونزل ففي حفرتهفا علي والفضفل وأسفامة‪ .‬وذكفر الزبيفر بفن بكار أن أكفبر‬
‫ولد النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬القاسم‪ ،‬ثم زينب‪ ،‬ثم عبدال‪ ،‬وكان يقال له الطيب والطاهر‪ ،‬وولد‬
‫بعد النبوة ومات صغيرا ثم أم كلثوم‪ ،‬ثم فاطمة‪ ،‬ثم رقية‪ .‬فمات القاسم بمكة ثم مات عبدال‪.‬‬
‫@ لما كانت عادة العربيات التبذل‪ ،‬وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الماء‪ ،‬وكان ذلك داعية إلى‬
‫نظر الرجال إليهن‪ ،‬وتشعب الفكرة فيهن‪ ،‬أمر ال رسوله صلى ال عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء‬
‫الجلبيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن‪ ،‬وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف‬
‫‪ -‬فيقع الفرق بينهن وبين الماء‪ ،‬فتعرف الحرائر بسترهن‪ ،‬فيكف عن معارضتهن من كان عزبا‬
‫أو شابفا‪ .‬وكانت المرأة من نساء المؤمنيفن قبفل نزول هذه الية تتفبرز للحاجة فيتعرض لها بعفض‬
‫الفجار‪ .‬يظن أنها أمة‪ ،‬فتصيح به فيذهب‪ ،‬فشكوا ذلك إلى النبي صلى ال عليه وسلم ونزلت الية‬
‫بسبب ذلك‪ .‬قال معناه الحسن وغيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مفن جلبيبهفن" الجلبيفب جمفع جلباب‪ ،‬وهفو ثوب أكفبر مفن الخمار‪ .‬وروى عفن‬
‫ابفن عباس وابفن مسفعود أنفه الرداء‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬إنفه القناع‪ .‬والصفحيح أنفه الثوب الذي يسفتر جميفع‬
‫البدن‪ .‬وففي صفحيح مسفلم عفن أم عطيفة‪ :‬قلت‪ :‬يفا رسفول ال‪ .‬إحدانفا ل يكون لهفا‪ .‬جلباب؟ قال‪:‬‬
‫(لتلبسها أختها من جلبابها)‪.‬‬
‫واختلف الناس في صورة إرخائه؛ فقال ابن عباس وزبيدة السلماني‪ :‬ذلك أن تلويه المرأة حتى‬
‫ل يظهفر منهفا إل عيفن واحدة تبصفر بهفا‪ .‬وقال ابفن عباس أيضفا وقتادة‪ :‬ذلك أن تلويفه فوق الجفبين‬
‫وتشده‪ ،‬ثم تعطفه على النف‪ ،‬وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه‪ .‬وقال الحسن‪:‬‬
‫تغطي نصف وجهها‪.‬‬
‫أمر ال سبحانه جميع النساء بالستر‪ ،‬أو ذلك ل يكون إل بما ل يصف جلدها‪ ،‬إل إذا كانت مع‬
‫زوجهفا فلهفا أن تلبفس مفا شاءت؛ لن له أن يسفتمتع بهفا كيفف شاء‪ .‬ثبفت أن النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم اسفتيقظ ليلة فقال‪( :‬سفبحان ال ماذا أنزل الليلة مفن الفتفن وماذا فتفح مفن الخزائن مفن يوقفظ‬
‫صفواحب الحجفر رب كاسفية ففي الدنيفا عاريفة ففي الخرة)‪ .‬وروي أن دحيفة الكلبفي لمفا رجفع مفن‬
‫عنفد هرقفل فأعطاه النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قبطيفة؛ فقال‪( :‬اجعفل صفديعا لك قميصفا وأعفط‬
‫صاحبتك صديعا تختمر به)‪ .‬والصديع النصف‪ .‬ثم قال له‪( :‬مرها تجعل تحتها شيئا لئل يصف)‪.‬‬
‫وذكر أبو هريرة رقة الثياب للنساء فقال‪ :‬الكاسيات العاريات الناعمات الشقيات‪ .‬ودخل نسوة من‬
‫بنفي تميفم على عائشفة رضفي ال عنهفا عليهفن ثياب رقاق‪ ،‬فقالت عائشفة‪ :‬إن كنتفن مؤمنات فليفس‬
‫هذا بلباس المؤمنات‪ ،‬وإن كنتن غير مؤمنات فتمتعينه‪ .‬وأدخلت امرأة عروس على عائشة رضي‬
‫ال عنها وعليها خمار قبطي معصفر‪ ،‬فلما رأتها قالت‪ :‬لم تؤمن بسورة "النور" امرأة تلبس هذا‪.‬‬
‫وثبت عن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أنه قال‪( :‬نساء كاسيات عاريات مائلت مميلت رؤوسفهن‬
‫مثفل أسفنمة البخفت ل يدخلن الجنفة ول يجدن ريحهفا)‪ .‬وقال عمفر رضفي ال عنفه‪ :‬مفا يمنفع المرأة‬
‫المسفلمة إذ كانفت لهفا حاجفة أن تخرج ففي أطمارهفا أو أطمار جارتهفا مسفتخفية‪ ،‬ل يعلم بهفا أحفد‬
‫حتى ترجع إلى بيتها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك أدنى أن يعرفن" أي الحراس‪ ،‬حتى ل يختلط بالماء؛ فإذا عرفن لم يقابلن‬
‫بأدنى من المعارضة مراقبة لرتبة الحرية‪ ،‬فتنقطع الطماع عنهن‪ .‬وليس المعنى أن تعرف المرأة‬
‫حتى تعلم من هي‪ .‬وكان عمر رضي ال عنه إذا رأى أمة قد تقنعت ضربها بالدرة‪ ،‬محافظة على‬
‫زي الحرائر‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنه يجب الستر والتقنع الن في حق الجميع من الحرائر والماء‪ .‬وهذا كما‬
‫أن أصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم منعوا النسفاء المسفاجد بعفد وفاة رسفول ال صفلى ال‬
‫عليه وسلم مع قوله‪( :‬ل تمنعوا إماء ال مساجد ال) حتى قالت ‪ -‬عائشة رضي ال عنها‪ :‬لو عاش‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم إلى وقتنفا هذا لمنعهفن مفن الخروج إلى المسفاجد كمفا منعفت نسفاء‬
‫بني إسرائيل‪" .‬وكان ال غفورا رحيما" تأنيس للنساء في ترك الجلبيب قبل هذا المر المشروع‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 62 - 60 :‬لئن لم ينتفه المنافقون والذيفن ففي قلوبهفم مرض والمرجفون ففي المدينفة‬
‫لنغرينفك بهفم ثفم ل يجاورونفك فيهفا إل قليل‪ ،‬ملعونيفن أينمفا ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيل‪ ،‬سفنة ال ففي‬
‫الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة ال تبديل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لئن لم ينته المنافقون" الية‪ .‬أهل التفسير على أن الوصاف الثلثة لشيء واحد؛‬
‫كمفا روى سفيان بن سفعيد عن منصور عن أبفي رزين قال‪" :‬المنافقون والذيفن ففي قلوبهفم مرض‬
‫والمرجفون ففي المدينفة" قال‪ :‬هفم شيفء واحفد‪ ،‬يعنفي أنهفم قفد جمعوا هذه الشياء‪ .‬والواو مقحمفة‪،‬‬
‫كما قال‪:‬‬
‫وليث الكتيبة في المزدحم‬ ‫إلى الملك القرم وابن الهمام‬
‫أراد إلى الملك القرم ابففن الهمام ليففث الكتيبففة‪ ،‬وقففد مضففى فففي "البقرة"‪ .‬وقيففل‪ :‬كان منهففم قوم‬
‫يرجفون‪ ،‬وقوم يتبعون النسففاء للريبففة وقوم يشككون المسفلمين‪ .‬قال عكرمفة وشهففر بففن حوشففب‪:‬‬
‫"الذيفن ففي قلوبهفم مرض" يعنفي الذيفن هفي قلوبهفم الزنفى‪ .‬وقال طاوس‪ :‬نزلت هذه اليفة ففي أمفر‬
‫النسفاء‪ .‬وقال سفلمة بفن كهيفل‪ :‬نزلت ففي أصفحاب الفواحفش‪ ،‬والمعنفى متقارب‪ .‬وقيفل‪ :‬المنافقون‬
‫والذيفن ففي قلوبهفم مرض شيفء واحفد‪ ،‬عفبر عنهفم بلفظيفن؛ دليله آيفة المنافقيفن ففي أول سفورة‬
‫"البقرة"‪ .‬والمرجفون ففي المدينفة قوم كانوا يخفبرون المؤمنيفن بمفا يسفوءهم مفن عدوهفم‪ ،‬فيقولون‬
‫إذا خرجفت سفرايا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ال عليفه وسفلم‪ :‬إنهفم قفد قتلوا أو هزموا‪ ،‬وإن‬
‫العدو قففد أتاكففم‪ ،‬قال قتادة وغيره‪ .‬وقيففل كانوا يقولون‪ :‬أصففحاب الصفففة قوم عزاب‪ ،‬فهففم الذيففن‬
‫يتعرضون للنسفاء‪ .‬وقيفل‪ :‬هفم قوم مفن المسفلمين ينطقون بالخبار الكاذبفة حبفا للفتنفة‪ .‬وقفد كان ففي‬
‫أصحاب الفك قوم مسلمون ولكنهم خاضوا حبا للفتنة‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬الرجاف التماس الفتنة‪،‬‬
‫والرجاف‪ :‬إشاعة الكذب والباطل للغتمام به‪ .‬وقيل‪ :‬تحريك القلوب‪ ،‬يقال‪ :‬رجفت الرض ‪ -‬أي‬
‫تحركفت وتزلزلت ‪ -‬ترجففف رجففا‪ .‬والرجفان‪ :‬الضطراب الشديفد‪ .‬والرجاف‪ :‬البحفر‪ ،‬سفمي بفه‬
‫لضطرابه‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫حتى تغيب الشمس في الرجاف‬ ‫المطعمون اللحم كل عشية‬
‫والرجاف‪ :‬واحد أراجيف الخبار‪ .‬وقد أرجفوا في الشيء‪ ،‬أي خاضوا فيه‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وأرجف بالسلم باغ وحاسد‬ ‫فإنا وإن عيرتمونا بقتله‬
‫وقال آخفر‪ :‬أبفس الراجيفف يفا ابفن اللؤم توعدنفي وففي الراجيفف خلت اللؤم والخور فالرجاف‬
‫حرام‪ ،‬لن فيه إذاية‪ .‬فدلت الية على تحريم اليذاء بالرجاف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لنغرينك بهم" أي لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬لم ينتهوا‬
‫عن إيذاء النساء وأن ال عز وجل قد أغراه بهم‪ .‬ثم إنه قال عز وجل‪" :‬ول تصل على أحد منهم‬
‫مات أبدا ول تقفم على قفبره" [التوبفة‪ ]84 :‬وإنفه أمره بلعنهفم‪ ،‬وهذا هفو الغراء؛ وقال محمفد بفن‬
‫يزيد‪ :‬قد أغراه بهم في الية التي تلي هذه مع اتصال الكلم بها‪ ،‬وهو قوله عز وجل‪" :‬أينما ثقفوا‬
‫أخذوا وقتلوا تقتيل"‪ .‬فهذا فيفه معنفى المفر بقتلهفم وأخذهفم؛ أي هذا حكمهفم إذا كانوا مقيميفن على‬
‫النفاق والرجاف وففي الحديفث عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬خمفس يقتلن ففي الحفل والحرم)‪.‬‬
‫فهذا فيه معنى المر كالية سواء‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا من أحسن ما قيل في الية‪ .‬وقيل‪ :‬إنهم قد انتهوا‬
‫عفن الرجاف فلم يغفر بهفم‪ .‬ولم "لنغرينفك" لم القسفم‪ ،‬واليميفن واقعفة عليهفا‪ ،‬وأدخلت اللم ففي‬
‫"إن" توطئة لهفا‪" .‬ثفم ل يجاورونفك فيهفا إل قليل" أي ففي المدينفة‪" .‬إل قليل" نصفب على الحال‬
‫من الضمير في "يجاورونك"؛ فكان المر كما قال تبارك وتعالى؛ لنهم لم يكونوا إل أقلء‪ .‬فهذا‬
‫أحفد جوابفي الفراء‪ ،‬وهفو الولى عنده‪ ،‬أي ل يجاورونفك إل ففي حال قلتهفم‪ .‬والجواب الخفر‪ :‬أن‬
‫يكون المعنففى إل وقتففا قليل‪ ،‬أي ل يبقون معففك إل مدة يسففيرة‪ ،‬أي ل يجاورونففك فيهففا إل جوارا‬
‫قليل حتففى يهلكوا‪ ،‬فيكون نعتففا لمصففدر أو ظرف محذوف‪ .‬ودل على أن مففن كان معففك سففاكنا‬
‫بالمدينة فهو جار‪ .‬وقد مضى في "النساء"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ملعونيفن" هذا تمام الكلم عنفد محمفد بفن يزيفد‪ ،‬وهو منصفوب على الحال‪ .‬وقال‬
‫ابفن النباري‪" :‬قليل ملعونيفن" وقفف حسفن‪ .‬النحاس‪ :‬ويجوز أن يكون التمام "إل قليل" وتنصفب‬
‫"ملعونين" على الشتم‪ .‬كما قرأ عيسى بن عمر‪" :‬وامرأته حمالة الحطب"‪ .‬وقد حكي عن بعض‬
‫النحويين أنه قال‪ :‬يكون المعنى أينما ثقفوا أخذوا ملعونين‪ .‬وهذا خطأ ل يعمل ما كان مع المجازاة‬
‫فيمفا قبله وقيفل‪ :‬معنفى اليفة إن أصفروا على النفاق لم يكفن لهفم مقام بالمدنيفة إل وهفم مطرودون‬
‫ملعونون‪ .‬وقفد فعفل بهفم هذا‪ ،‬فإنفه لمفا نزلت سفورة "التوبفة" جمعوا‪ ،‬فقال النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسلم‪( :‬يا فلن قم فاخرج فإنك منافق ويا فلن قم) فقام إخوانهم من المسلمين وتولوا إخراجهم من‬
‫المسجد‪" .‬سنة ال" نصب على المصدر؛ أي سن ال جل وعز فيمن أرجف بالنبياء وأظهر نفاقه‬
‫أن يؤخفذ ويقتفل‪" .‬ولن تجفد لسفنة ال تبديل" أي تحويل وتغييرا‪ ،‬حكاه النقاش‪ .‬وقال السفدي‪ :‬يعنفي‬
‫أن مففن قتففل بحففق فل ديففة على قاتله‪ .‬المهدوي‪ :‬وفففي اليففة دليففل على جواز ترك إنفاذ الوعيففد‪،‬‬
‫والدليل على ذلك بقاء المنافقين معه حتى مات‪ .‬والمعروف من أهل الفضل إتمام وعدهم وتأخير‬
‫وعيدهم‪ ،‬وقد مضى هذا في "آل عمران" وغيرها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 63 :‬يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند ال وما يدريك لعل الساعة تكون‬
‫قريبا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يسفألك الناس عن السفاعة" هؤلء المؤذون لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم لمفا‬
‫توعدوا بالعذاب سألوا عن الساعة‪ ،‬استبعادا وتكذيبفا‪ ،‬موهمين أنها ل تكون‪" .‬قل إنما علمها عند‬
‫ال" أي أجبهم عن سؤالهم وقل علمها عند ال‪ ،‬وليس إخفاء ال وقتها عني ما يبطل نبوتي‪ ،‬وليس‬
‫مفن شرط النفبي أن يعلم الغيفب بغيفر تعليفم مفن ال جفل وعفز‪" .‬ومفا يدريفك" أي مفا يعلمفك‪" .‬لعفل‬
‫الساعة تكون قريبا" أي في زمان قريب‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم‪( :‬بعثت أنا والساعة كهاتين)‬
‫وأشار إلى السفبابة والوسفطى‪ ،‬خرجفه أهل الصفحيح‪ .‬وقيفل‪ :‬أي ليسفت الساعة تكون قريبفا‪ ،‬فحذف‬
‫هاء التأنيففث ذهابففا بالسففاعة إلى اليوم؛ كقوله‪" :‬إن رحمففة ال قريففب مففن المحسففنين" [العراف‪:‬‬
‫‪ ]56‬ولم يقفل قريبفة ذهابفا بالرحمفة إلى العففو‪ ،‬إذ ليفس تأنيثهفا أصفليا‪ .‬وقفد مضفى هذا مسفتوفى‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنما أخفى وقت الساعة ليكون العبد مستعدا لها في كل وقت‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 65 - 64 :‬إن ال لعفن الكافريفن وأعفد لهفم سفعيرا‪ ،‬خالديفن فيهفا أبدا ل يجدون وليفا‬
‫ول نصيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال لعن الكافرين" أي طردهم وأبعدهم‪ .‬واللعن‪ :‬الطرد والبعاد عن الرحمة‪.‬‬
‫وقد مضى في "البقرة" بيانه‪" .‬وأعد لهم سعيرا" أنث السعير لنها بمعنى النار‪" .‬ل يجدون وليا‬
‫ول نصيرا" خالدين في السعير ل يجدون من ينجيهم من عذاب ال والخلود فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 67 - 66 :‬يوم تقلب وجوههم ففي النار يقولون يا ليتنا أطعنا ال وأطعنفا الرسول‪،‬‬
‫وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم تقلب وجوههفم ففي النار" قراءة العامفة بضفم التاء وفتفح اللم‪ ،‬على الفعفل‬
‫المجهول‪ .‬وقرأ عيسفى الهمدانفي وابفن إسفحاق‪" :‬نقلب" بنون وكسفر ‪ -‬اللم‪" .‬وجوههفم" نصفبا‪.‬‬
‫وقرأ عيسى أيضا‪" :‬تقلب" بضم التاء وكسر اللم على معنى تقلب السعير وجوههم‪ .‬وهذا التقليب‬
‫تغيير ألوانهم بلفح النار‪ ،‬فتسود مرة وتخضر أخرى‪ .‬وإذا بدلت جلودهم بجلود أخر فحينئذ يتمنون‬
‫أنهفم مفا كفروا "يقولون ياليتنفا" ويجوز أن يكون المعنفى‪ :‬يقولون يوم تقلب وجوههفم ففي النار يفا‬
‫ليتنفا‪" .‬أطعنفا ال وأطعنفا الرسفول" أي لم نكففر فننجفو مفن هذا العذاب كمفا نجفا المؤمنون‪ .‬وهذه‬
‫اللف تقع في الفواصل فيوقف عليها ول يوصل بها‪ .‬وكذا "السبيل" وقد مضى في أول السورة‪.‬‬
‫وقرأ الحسفن‪" :‬سفاداتنا" بكسفر التاء‪ ،‬جمفع سفادة‪ .‬وكان ففي هذا زجفر عفن التقليفد‪ .‬والسفادة جمفع‬
‫السيد‪ ،‬وهو فعلة‪ ،‬مثل كتبة وفجرة‪ .‬وساداتنا جمع الجمع‪ .‬والسادة والكبراء بمعنى‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هم‬
‫المطعمون في غزوة بدر‪ .‬والظهر العموم في القادة والرؤساء في الشرك والضللة‪ ،‬أي أطعناهم‬
‫ففي معصفيتك ومفا دعونفا إليفه "فأضلونفا السفبيل" أي عفن السفبيل وهفو التوحيفد‪ ،‬فلمفا حذف الجار‬
‫وصفل الفعفل فنصفب‪ .‬والضلل ل يتعدى إلى مفعوليفن مفن غيفر توسفط حرف الجفر‪ ،‬قوله‪ :‬كقوله‬
‫"لقد أضلني عن الذكر" [الفرقان‪.]92:‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 68 :‬ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ربنفا آتهفم ضعفيفن مفن العذاب" قال قتادة‪ :‬عذاب الدنيفا وعذاب الخرة‪ .‬وقيفل‪:‬‬
‫عذاب الكفففر وعذاب الضلل؛ أي عذبهففم مثلي مففا تعذبنففا فإنهففم ضلوا وأضلوا‪" .‬والعنهففم لعنففا‬
‫كفبيرا" قرأ ابفن مسفعود وأصفحابه ويحيفى وعاصفم بالباء‪ .‬الباقون بالثاء‪ ،‬واختاره أبفو حاتفم وأبفو‬
‫عبيفد والنحاس‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬أولئك يلعنهفم ال ويلعنهفم اللعنون" [البقرة‪ ]159 :‬وهذا المعنفى‬
‫كثير‪ .‬وقال محمد بن أبي السري‪ :‬رأيت في المنام كأني في مسجد عسقلن وكأن رجل يناظرني‬
‫فيمفن يبغفض أصفحاب محمفد فقال‪ :‬وألعنهفم لعنفا كثيرا‪ ،‬ثفم كررهفا حتفى غاب عنفي‪ ،‬ل يقولهفا إل‬
‫بالثاء‪ .‬وقراءة الباء ترجع في المعنى إلى الثاء؛ لن ما كبر كان كثيرا عظيم المقدار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 69 :‬يا أيها الذين آمنوا ل تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه ال مما قالوا وكان عند ال‬
‫وجيها}‬
‫@ لمفا ذكفر ال تعالى المنافقيفن والكفار الذيفن آذوا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم والمؤمنيفن‪،‬‬
‫حذر المؤمنيفن مفن التعرض لليذاء‪ ،‬ونهاهفم عفن التشبفه ببنفي إسفرائيل ففي أذيتهفم نفبيهم موسفى‪.‬‬
‫واختلف الناس فيمفا أوذي بفه محمد صلى ال عليه وسفلم وموسفى‪ ،‬فحكفى النقاش أن أذيتهفم محمدا‬
‫عليفه السفلم قولهفم‪ :‬زيفد بفن محمفد‪ .‬وقال أبفو وائل‪ :‬أذيتفه أنفه صفلى ال عليفه وسفلم قسفم قسفما فقال‬
‫رجفل مفن النصفار‪ :‬إن هذه القسفمة مفا أريفد بهفا وجفه ال‪ ،‬فذكفر ذلك للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫فغضب وقال‪( :‬رحم ال لقد أوذي لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر‪ .‬وأما أذية موسى صلى ال عليه‬
‫وسلم فقال ابن عباس وجماعة‪ :‬هي ما تضمنه حديث أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى‬
‫ال عليفه وسفلم‪ ،‬وذلك أنفه قال‪( :‬كان بنفو إسفرائيل يغتسفلون عراة وكان موسفى عليفه السفلم يتسفتر‬
‫كثيرا ويخففي بدنفه فقال قوم هفو آدر وأبرص أو بفه آففة‪ ،‬فانطلق ذات يوم يغتسفل ففي عيفن بأرض‬
‫الشام وجعفل ثيابفه على صفخرة فففر الحجفر بثيابفه واتبعفه موسفى عريانفا يقول ثوبفي حجفر ثوبفي‬
‫حجفر حتفى انتهفى إلى مل مفن بنفي إسفرائيل فنظروا إليفه وهفو مفن أحسفنهم خلقفا وأعدلهفم صفورة‬
‫وليفس بفه الذي قالوا فهفو قوله تبارك "ففبرأه ال ممفا قالوا" أخرجفه البخاري ومسفلم بمعناه‪ .‬ولففظ‬
‫مسلم‪ :‬قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم‬
‫إلى سوأة بعض وكان موسى عليه السلم يغتسل وحده فقالوا وال ما يمنع موسى أن يغتسل معنا‬
‫إل أنه آدر قال فذهب يوما يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه قال فجمح موسى عليه‬
‫السفلم بإثره يقول ثوبفي حجفر ثوبفي حجفر حتفى نظرت بنفو إسفرائيل إلى سفوأة موسفى وقالوا وال‬
‫مفا بموسفى مفن بأس فقام الحجفر حتفى نظفر إليفه قال فأخفذ ثوبفه فطففق بالحجفر ضربفا) قال أبفو‬
‫هريرة‪ :‬وال إنفه بالحجفر ندب سفتة أو سفبعة ضرب موسفى بالحجفر‪ .‬فهذا قول‪ .‬وروي عفن ابفن‬
‫عباس عن علي‪ ،‬بن أبي طالب رضي ال تعالى عنه أنه قال‪ :‬آذوا موسى بأن قالوا‪ :‬قتل هارون؛‬
‫وذلك أن موسفى وهرون خرجفا مفن فحفص التيفه إلى جبفل فمات هارون فيفه‪ ،‬فجاء موسفى فقالت‬
‫بنو إسرائيل لموسى‪ :‬أنت قتلته وكان ألين لنا منك وأشد حبا‪ .‬فأذوه بذلك فأمر ال تعالى الملئكة‬
‫فحملته حتى طافوا به في بني إسرائيل‪ ،‬ورأوا آية عظيمة دلتهم على صدق موسى‪ ،‬ولم يكن فيه‬
‫أثر القتل‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن الملئكة تكليما بموته ولم يعرف موضع قبره إل الرخم‪ ،‬وإنه تعالى جعله‬
‫أصففم أبكفم‪ .‬ومات هارون قبففل موسففى فففي التيففه‪ ،‬ومات موسفى قبففل انقضاء مدة التيففه بشهريففن‪.‬‬
‫وحكى القشيري عن علي بن أبي طالب رضي ال تعالى عنه‪ :‬أن ال تعالى أحيا هارون فأخبرهم‬
‫أنه لم يقتله‪ ،‬ثم مات‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن أذية موسى عليه السلم رميهم إياه بالسحر والجنون‪ .‬والصحيح‬
‫الول‪ .‬ويحتمل أن فعلوا كل ذلك فبرأه ال من جميع ذلك‪.‬‬
‫مسفألة‪ :‬ففي وضفع موسفى عليفه السفلم ثوبفه على الحجفر ودخول ففي الماء عريانفا دليفل على‬
‫جواز ذلك‪ ،‬وهفو مذهفب الجمهور‪ .‬ومنعفه ابفن أبفي ليلى واحتفج بحديفث لم يصفح؛ وهفو قوله صفلى‬
‫ال عليففه وسففلم‪(:‬ل تدخلوا الماء إل بمئزر فإن للماء عامرا)‪ .‬قال القاضففي عياض‪ :‬وهففو ضعيففف‬
‫عند أهل العلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أما إنفه يستحب التستر لمفا رواه إسرائيل عن عبدالعلى أن الحسفن بن علي دخفل غديرا‬
‫وعليفه برد له متوشحفا بفه‪ ،‬فلمفا خرج قيفل له‪ ،‬قال‪ :‬إنمفا تسفترت ممفن يرانفي ول أراه؛ يعنفي مفن‬
‫ربفي والملئكفة‪ .‬فإن قيفل‪ :‬كيفف نادى موسفى عليفه السفلم الحجفر نداء مفن يعقفل؟ قيفل‪ :‬لنفه صفدر‬
‫عفن الحجفر فعفل مفن يعقفل‪ .‬و"حجفر" منادى مفرد محذوف حرف النداء‪ ،‬كمفا قال تعالى‪" :‬يوسفف‬
‫أعرض عفن هذا" [يوسفف‪ .]29 :‬و"ثوبفي" منصفوب بفعفل مضمفر؛ التقديفر‪ :‬أعطنفي ثوبفي‪ ،‬أو‬
‫اترك ثوبي‪ ،‬فحذف الفعل لدللة الحال عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكان عنفد ال وجيهفا" أي عظيمفا‪ .‬والوجيفه عنفد العرب‪ :‬العظيفم القدر الرفيفع‬
‫المنزلة‪ .‬ويروى أنفه كان إذا سفأل ال شيئا أعطاه إياه‪ .‬وقرأ ابفن مسفعود‪" :‬وكان عبدا ل"‪ .‬وقيفل‪:‬‬
‫معنى "وجيها" أي كلمه تكليما‪ .‬قال أبو بكر النباري في (كتاب الرد)‪ :‬زعم من طعن في‪ ،‬القرآن‬
‫أن المسلمين صحفوا "وكان عند ال وجيها" وأن الصواب عنده "وكان عبدا ل وجيها" وذلك يدل‬
‫على ضعف مقصده ونقصان فهمه وقلة علمه‪ ،‬وذلك أن الية لو حملت على قول وقرئت‪" :‬وكان‬
‫عبدا" نقص الثناء على موسى عليه السلم؛ وذلك أن "وجيهفا" يكون عند‪ .‬أهل الدنيا وعند أهل‪،‬‬
‫زمانه وعند أهل الخرة‪ ،‬فل يوقف على مكان المدح‪ ،‬لنه إن كان وجيها عند بني الدنيا كان ذلك‬
‫إنعامفا مفن ال عليفه ل يفبين عليفه معفه ثناء مفن ال‪ .‬فلمفا أوضفح ال تعالى موضفع المدح بقوله‪:‬‬
‫"وكان عنفد ال وجيهفا" اسفتحق الشرف وأعظفم الرفعفة بأن الوجاهفة عنفد ال‪ ،‬فمفن غيفر اللففظ‬
‫صرف عن نبي ال أفخر الثناء وأعظم المدح‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 71 - 70 :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قول سديدا‪ ،‬يصلح لكم أعمالكم ويغفر‬
‫لكم ذنوبكم ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قول سديدا" أي قصدا وحقا‪ .‬وقال ابن عباس‪:‬‬
‫أي صوابا‪ .‬وقال قتادة ومقاتل‪ :‬يعني قولوا قول سديدا في شأن زينب وزيد‪ ،‬ول تنسبوا النبي إلى‬
‫مفا ل يحفل‪ .‬وقال عكرمفة وابفن عباس أيضفا‪ :‬القول السفداد ل إله إل ال‪ .‬وقيفل‪ :‬هفو الذي يواففق‬
‫ظاهره باطنفه‪ .‬وقيفل‪ :‬هفو مفا أريفد بفه وجفه ال دون غيره‪ .‬وقيفل‪ :‬هفو الصفلح بيفن المتشاجريفن‪.‬‬
‫وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض‪ .‬والقول السداد يعم الخيرات‪ ،‬فهو عام في جميع‬
‫ما ذكر وغير ذلك‪.‬‬
‫وظاهر الية يعطي أنه إنما أشار إلى ما يكون خلفا للذى الذي قيل في جهة الرسول وجهة‬
‫المؤمنيفن‪ .‬ثفم وعفد جفل وعفز بأنفه يجازي على القول السفداد بإصفلح العمال وغفران الذنوب؛‬
‫وحسبك بذلك درجة ورفعة منزلة‪" .‬ومن يطع ال ورسوله" أي فيما أمر به ونهى عنه "فقد فاز‬
‫فوزا عظيما"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 73 - 72 :‬إنا عرضنفا المانفة على السماوات والرض والجبال فأبيفن أن يحملنهفا‬
‫وأشفقفن منهفا وحملهفا النسفان إنفه كان ظلومفا جهول‪ ،‬ليعذب ال المنافقيفن والمنافقات والمشركيفن‬
‫والمشركات ويتوب ال على المؤمنين والمؤمنات وكان ال غفورا رحيما}‬
‫@ لمفا بيفن تعالى ففي هذه السفورة مفن الحكام مفا بيفن‪ ،‬أمفر بالتزام أوامره‪ .‬والمانفة تعفم جميفع‬
‫وظائف الديفن على الصفحيح مفن القوال‪ ،‬وهفو قول الجمهور‪ .‬روى الترمذي الحكيفم أبفو عبدال‪:‬‬
‫حدثنا إسماعيل بن نصر عن صالح بن عبدال عن محمد بن يزيد بن جوهر عن الضحاك عن ابن‬
‫عباس قال قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬قال ال تعالى لدم يفا آدم إنفي عرضفت المانفة‬
‫على السفموات والرض فلم تطقهفا فهفل أنفت حاملهفا بمفا فيهفا فقال ومفا فيهفا يفا رب قال إن حملتهفا‬
‫أجرت وإن ضيعتهفا عذبفت فاحتملهفا بمفا فيهفا فلم يلبفث ففي الجنفة إل قدر مفا بيفن صفلة الولى إلى‬
‫العصففر حتففى أخرجففه الشيطان منهففا)‪ .‬فالمانففة هففي الفرائض التففي ائتمففن ال عليهففا العباد‪ .‬وقففد‬
‫اختلف فففي تفاصففيل بعضهففا على أقوال؛ فقال ابففن مسففعود‪ :‬هففي فففي أمانات الموال كالودائع‬
‫وغيرهفا‪ .‬وروي عنفه أنهفا ففي كفل الفرائض‪ ،‬وأشدهفا أمانفة المال‪ .‬وقال أبفي بفن كعفب‪ :‬مفن المانفة‬
‫أن ائتمنفت المرأة على فرجهفا‪ .‬وقال أبفو الدرداء‪ :‬غسفل الجنابفة أمانفة‪ ،‬وإن ال تعالى لم يأمفن ابفن‬
‫آدم على شيء من دينه غيرها‪ .‬وفي حديث مرفوع (المانة الصلة) إن شئت قلت قد صليت وإن‬
‫شئت قلت لم أصل‪ .‬وكذلك الصيام وغسل الجنابة‪ .‬وقال عبدال بن عمرو بن العاص‪ :‬أول ما خلق‬
‫ال تعالى من النسان فرجه وقال هذه أمانة استودعتكها‪ ،‬فل تلبسها إل بحق‪ .‬فإن حفظتها حفظتك‬
‫فالفرج أمانفة‪ ،‬والذن أمانفة‪ ،‬والعيفن أمانفة‪ ،‬واللسفان أمانفة‪ ،‬والبطفن أمانفة‪ ،‬واليفد أمانفة‪ ،‬والرجفل‬
‫أمانة‪ ،‬ول إيمان لمن ل أمانة له‪ .‬وقال السدي‪ :‬هي ائتمان آدم ابنه قابيل على ولده وأهله‪ ،‬وخيانته‬
‫إياه في قتل أخيه‪ .‬وذلك أن ال تعالى قال له‪(:‬يا آدم‪ ،‬هل تعلم أن لي بيتا في الرض) قال‪(:‬اللهم ل‬
‫قال‪( :‬فإن لي بيتفا بمكفة فأتفه) فقال للسفماء‪ :‬احفظفي ولدي بالمانفة؟ فأبفت‪ ،‬وقال للرض‪ :‬احفظفي‬
‫ولدي بالمانفة فأبفت‪ ،‬وقال للجبال كذلك فأبفت‪ .‬فقال لقابيفل‪ :‬احففظ ولدي بالمانفة‪ ،‬فقال نعفم‪ ،‬تذهفب‬
‫وترجع فتجد ولدك كما يسرك‪ .‬فرجع فوجده قد قتل أخاه‪ ،‬فذلك قوله تبارك وتعالى‪" :‬إنا عرضنفا‬
‫المانفة على السفموات والرض والجبال فأبيفن أن يحملنهفا"‪ .‬اليفة‪ .‬وروى معمفر عفن الحسفن أن‬
‫المانفة عرضفت على السفموات والرض والجبال‪ ،‬قالت‪ :‬ومفا فيهفا؟ قيفل لهفا‪ :‬إن أحسفنت جوزيفت‬
‫وإن أسفأت عوقبفت‪ .‬فقالت ل‪ .‬قال مجاهفد‪ :‬فلمفا خلق ال تعالى آدم عرضهفا عليفه‪ ،‬قال‪ :‬ومفا هفي؟‬
‫قال‪ :‬إن حسفنت أجرتفك وإن أسفأت عذبتفك‪ .‬قال‪ :‬فقفد تحملتهفا يفا رب‪ .‬قال مجاهفد‪ :‬فمفا كان بيفن أن‬
‫تحملهفا إلى أن أخرج مفن الجنفة إل قدر مفا بيفن الظهفر والعصفر‪ .‬وروى علي بفن طلحفة عفن ابفن‬
‫عباس ففففي قوله تعالى‪" :‬إنففا عرضنفففا المانفففة على السففموات والرض والجبال" قال‪ :‬المانففة‬
‫الفرائض‪ ،‬عرضها ال عز وجل على السموات والرض والجبال‪ ،‬إن أدوها أثابهم‪ ،‬وإن ضيعوها‬
‫عذبهم‪ .‬فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية‪ ،‬ولكن تعظيما لدين ال عز وجل أل يقوموا به‪ .‬ثم‬
‫عرضهفا على آدم فقبلهفا بمفا فيهفا‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا القول هفو الذي عليفه أهفل التفسفير‪ .‬وقيفل‪ :‬لمفا‬
‫حضرت آدم صلى ال عليه وسلم أمر أن يعرض المانة على الخلق‪ ،‬فعرضها فلم يقبلها إل بنوه‪.‬‬
‫وقيفل‪ :‬هذه ألمانفة هفي مفا أودعفه ال تعالى ففي السفموات والرض والجبال والخلق‪ ،‬مفن الدلئل‬
‫على ربوبيتفه أن يظهروهفا فأظهروهفا‪ ،‬إل النسفان فإنفه كتمهفا وجحدهفا؛ قال بعفض المتكلميفن‪.‬‬
‫ومعنفى "عرضنفا" أظهرنفا‪ ،‬كمفا تقول‪ :‬عرضفت الجاريفة على البيفع‪ .‬والمعنفى إنفا عرضنفا المانفة‬
‫وتضييعها على أهل السموات وأهل الرض من الملئكة والنس والجن "فأبين أن يحملنها" أي‬
‫أن يحملن وزرها‪ ،‬كما قال جل وعز‪" :‬وليحملن أثقالهم وأثقال مع أثقالهم" [العنكبوت‪.]13 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وحملهفا النسفان" قال الحسفن‪ :‬المراد الكاففر والمناففق‪" .‬إنفه كان ظلومفا" لنفسفه‬
‫"جهول" بربفه‪ .‬فيكون على هذا الجواب مجازا‪ ،‬مثفل‪" :‬واسفأل القريفة" [يوسفف‪ .]82 :‬وفيفه‬
‫جواب آخفر على أن يكون حقيقفة أنفه عرض على السفموات والرض والجبال المانفة وتضييعهفا‬
‫وهي الثواب والعقاب‪ ،‬أي أظهر‪ .‬لهن ذلك فلم يحملن وزرها‪ ،‬وأشفقت وقالت‪ :‬ل أبتغي ثوابا ول‬
‫عقابا‪ ،‬وكل يقول‪ :‬هذا أمر ل نطيقه‪ ،‬ونحن لك سامعون ومطيعون فيما أمرن به وسخرن له‪ ،‬قال‬
‫الحسن وغيره‪ .‬قال العلماء‪ :‬معلوم أن الجماد ل يفهم ول يجيب‪ ،‬فل بد من تقدير الحياة على القول‬
‫الخيففر‪ .‬وهذا العرض عرض تخييففر ل إلزام‪ .‬والعرض على النسففان إلزام‪ .‬وقال القفال وغيره‪:‬‬
‫العرض في هذه الية ضرب مثل‪ ،‬أي أن السموات والرض على كبر أجرامها‪ ،‬لو كانت بحيث‬
‫يجوز تكليفهفا لثقفل عليهفا تقلد‪ .‬الشرائع‪ ،‬لمفا فيهفا مفن الثواب والعقاب‪ ،‬أي أن التكليفف أمفر حقفه أن‬
‫تعجز عنه السموات والرض والجبال‪ ،‬وقد كلفه النسان وهو ظلوم جهول لو عقل‪ .‬وهذا كقول‪:‬‬
‫"لو أنزلنفا هذا القرآن على جبفل" [الحشفر‪ - ]21 :‬ثفم قال‪" - :‬وتلك المثال نضربهفا للناس"‬
‫[الحشر‪ .]21 :‬قال القفال‪ :‬فإذا تقرر في أنه تعالى يضرب المثال‪ ،‬وورد علينا من الخبر ما ل‬
‫يخرج إل على ضرب المثفل‪ ،‬وجفب حمله عليفه‪ .‬وقال قوم‪ :‬إن اليفة مفن المجاز‪ ،‬أي إنفا إذا قايسفنا‬
‫ثقل المانة بقوة السموات والرض والجبال‪ ،‬رأينا أنها ل تطيقها‪ ،‬وأنها لو تكلمت لبت وأشفقت‪،‬‬
‫فعبر عن هذا المعنى بقوله‪" :‬إنا عرضنا المانة" الية‪.‬‬
‫وهذا كما تقول‪ :‬عرضت الحمل على البعير فأباه‪ ،‬وأنت تريد قايست‪ ،‬قوته بثقل الحمل‪ ،‬فرأيت‬
‫أنها تقصر عنه‪ .‬وقيل‪" :‬عرضنا" بمعنى عارضنا المامة بالسموات والرض والجبال فضعفت‬
‫هذه الشياء عفن المانفة‪ ،‬ورجحفت المانفة بثقلهفا عليهفا‪ .‬وقيفل‪ :‬إن عرض المانفة على السفموات‬
‫والرض والجبال‪ ،‬إنمففا كان مففن آدم عليففه السففلم‪ .‬وذلك أن ال تعالى لمففا اسففتخلفه على ذريتففه‪،‬‬
‫وسفلطه على جميفع مفا ففي الرض مفن النعام والطيفر والوحفش‪ ،‬وعهفد إليفه عهدا أمره فيفه ونهاه‬
‫وحرم وأحل‪ ،‬فقبله ولم يزل عامل به‪ .‬فلما أن حضرته الوفاة سأل ال أن يعلمه من يستخلف بعده‪،‬‬
‫ويقلده مففن المانففة مففا تقلده‪ ،‬فأمره أن يعرض ذلك على السففموات بالشرط الذي أخففذ عليففه مففن‬
‫الثواب إن أطاع ومفن العقاب إن عصفى‪ ،‬فأبيفن أن يقبلنفه شفقفا مفن عذاب ال‪ .‬ثفم أمره أن يعرض‬
‫ذلك على الرض والجبال كلهفففا فأبياه‪ .‬ثفففم أمره أن يعرض ذلك على ولده فعرضفففه عليفففه فقبله‬
‫بالشرط‪ ،‬ولم يهفب منفه مفا تهيبفت السفموات والرض والجبال‪" .‬إنفه كان ظلومفا" لنفسفه "جهول"‬
‫بعاقبة ما تقلد لربه‪ .‬قال الترمذي الحكيم أبو عبدال محمد بن علي‪ :‬عجبت من هذا القائل من أين‬
‫أتفى بهذه القصفة! فإن نظرنفا إلى الثار وجدناهفا بخلف‪ ،‬مفا قال‪ ،‬وإن نظرنفا إلى ظاهره وجدناه‬
‫بخلف ما قال‪ ،‬وإن نظرنا إلى‪ ،‬باطنه وجدناه بعيدا مما قال! وذلك أنه ردد ذكر المانة ولم يذكر‬
‫ما المانة‪ ،‬إل أنه يومئ في مقالته‪ .‬إلى أنه سلطه على جميع ما في‪ ،‬الرض‪ ،‬وعهد ال إليه عهدا‬
‫فيه أمره ونهيه وحله وحرامه‪ ،‬وزعم أنه أمره أن يعرض ذلك على‪ ،‬السموات والرض والجبال؛‬
‫فمفففا تصفففنع السفففموات والرض والجبال بالحلل والحرام؟ ومفففا التسفففليط على النعام والطيفففر‬
‫والوحففش! وكيففف إذا عرضففه على ولده فقبله فففي أعناق ذريتففه مففن بعده‪ .‬وفففي مبتدأ الخففبر فففي‬
‫التنزيفل أنفه عرض المانفة على السفموات والرض والجبال ‪ -‬حتفى ظهفر الباء منهفم‪ ،‬ثفم ذكفر أن‬
‫النسان حصلها‪ ،‬أي من قبل نفسه ل أنه حمل ذلك‪ ،‬فسماه "ظلوما" أي لنفسه‪" ،‬جهول" بما فيها‪.‬‬
‫وأما الثار التي هي بخلف ما ذكر‪ ،‬فحدثني أبي رحمه ال قال حدثنا الفيض بن الفضل الكوفي‬
‫حدثنا السري بن إسماعيل عن عامر الشعبي عن مسروق عن عبدال بن مسعود قال‪ :‬لما خلق ال‬
‫المانة مثلها صخرة‪ ،‬ثم وضعها حيث شاء ثم دعا لها السموات والرض والجبال ليحملنها‪ ،‬وقال‬
‫لهفن‪ :‬إن هذه "المانفة"‪ ،‬ولهفا ثواب وعليهفا عقاب؛ قالوا‪ :‬يفا رب‪ ،‬ل طاقفة لنفا بهفا؛ وأقبفل النسفان‬
‫مفن قبفل أن يدعفي فقال للسفموات والرض والجبال‪ :‬مفا وقوفكفم؟ قالوا‪ :‬دعانفا ربنفا أن نحمفل هذه‬
‫فأشفقنا منها ولم نطقها؛ قال‪ :‬فحركها بيده وقال‪ :‬وال لو شئت أن أحملها لحملتها؛ فحملها حتى بلغ‬
‫بهفا إلى ركبتيفه‪ ،‬ثفم وضعهفا وقال‪ :‬وال لو شئت أن أزداد لزددت؛ قالوا‪ :‬دونفك! فحملهفا حتفى بلغ‬
‫بهفا حقويفه‪ ،‬ثفم وضعهفا وقال‪ :‬وال لو شئت أن أزداد لزددت؛ قالوا‪ :‬دونفك‪ ،‬فحملهفا حتفى وضعهفا‬
‫على عاتقه‪ ،‬فلما أهوى ليضعها‪ ،‬قالوا‪ :‬مكانك! إن هذه "المانة" ولها ثواب وعليها عقاب وأمرنا‬
‫ربنفا أن نحملهفا فأشفقنفا منهفا‪ ،‬وحملتهفا أنفت مفن غيفر أن تدعفي لهفا‪ ،‬فهفي ففي عنقفك وففي أعناق‬
‫ذريتك إلى يوم القيامة‪ ،‬إنك كنت ظلوما جهول‪ .‬وذكر أخبارا عن الصحابة والتابعين تقدم أكثرها‪.‬‬
‫"وحملهفا النسفان" أي التزم القيام بحقهفا‪ ،‬وهفو ففي ذلك ظلوم لنفسفه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬للمانفة‪ ،‬جهول‬
‫بقدر مفا دخفل فيفه‪ .‬وهذا تأويفل ابفن عباس وابفن جفبير‪ .‬وقال الحسفن‪ :‬جهول بربفه‪ .‬قال‪ :‬ومعنفى‬
‫"حملهفا" خان فيهفا‪ .‬وقال الزجاج واليفة ففي الكاففر والمناففق والعصفاة على قدرهفم على هذا‬
‫التأويل‪ .‬وقال ابن عباس وأصحابه والضحاك وغيره‪" :‬النسان" آدم‪ ،‬تحمل المانة فما تم له يوم‬
‫حتفى عصفى المعصفية التفي أخرجتفه مفن الجنفة‪ .‬وعفن ابفن عباس أن ال تعالى قال له‪ :‬أتحمفل هذه‬
‫المانة بما فيها‪ .‬قال وما فيها؟ قال‪ :‬إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت‪ .‬قال‪ :‬أنا أحملها بما فيها‬
‫بيفن أذنفي وعاتقفي‪ .‬فقال ال تعالى له‪ :‬إنفي سفأعينك‪ ،‬قفد جعلت لبصفرك حجابفا فأغلقفه عمفا ل يحفل‬
‫لك‪ ،‬ولفرجفك لباسفا فل تكشففه إل على مفا أحللت لك‪ .‬وقال قوم‪" :‬النسفان" النوع كله‪ .‬وهذا حسفن‬
‫مع عموم المانة كما ذكرناه أول‪ .‬وقال السدي‪ :‬النسان قابيل‪ .‬فال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليعذب ال المنافقيفن والمنافقات والمشركيفن والمشركات" اللم ففي "ليعذب"‬
‫متعلقفة بفف "حمفل" أي حملهفا ليعذب العاصفي ويثبفت المطيفع؛ فهفي لم التعليفل؛ لن العذاب نتيجفة‬
‫حمل المانة‪ .‬وقيل بف "عرضنا"؛ أي عرضنا المانة على الجميع ثم قلدناها النسان ليظهر شرك‬
‫المشرك ونفاق المنافقيفففن ليعذبهفففم‪ :‬ال‪ ،‬وإيمان المؤمفففن ليثيبفففه ال‪" .‬ويتوب ال على المؤمنيفففن‬
‫والمؤمنات" قراءة الحسففن بالرفففع‪ ،‬يقطعففه مففن الول؛ أي يتوب ال عليهففم بكففل حال‪" .‬وكان ال‬
‫غفورا رحيمففا" خففبر بعففد خففبر" لكان"‪ .‬ويجوز أن يكون نعتففا لغفور‪ ،‬ويجوز أن يكون حال مففن‬
‫المضمر‪ .‬وال أعلم بالصواب‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة سبأ‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@مكية في قول الجميع‪ ،‬إل آية واحدة اختلف فيها‪ ،‬وهي قوله تعالى‪" :‬ويرى الذين أوتوا العلم"‬
‫الية‪ .‬فقالت فرقة‪ :‬هي مكية‪ ،‬والمراد المؤمنون أصحاب النبي صلى‬
‫ال عليفه وسفلم؛ قاله ابفن عباس‪ .‬وقالت فرقفة‪ :‬هفي مدنيفة‪ ،‬والمراد بالمؤمنيفن مفن أسفلم بالمدينفة؛‬
‫كعبدال بن سلم وغيره؛ قال مقاتل‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هم أمة محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم المؤمنون به كائنا من كان‪ .‬وهي أربع وخمسون أية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 1 :‬الحمفد ل الذي له مفا ففي السفماوات ومفا ففي الرض وله الحمفد ففي الخرة وهفو‬
‫الحكيم الخبير‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الحمفد ل الذي له ما في السماوات وما في الرض" "الذي" في موضع خفض‬
‫على النعفت أو البدل‪ .‬ويجوز أن يكون ففي موضفع رففع على إضمار مبتدأ‪ ،‬وأن يكون ففي موضفع‬
‫نصب بمعنى أعني‪ .‬وحكى سيبويه "الحمد ل‬
‫أهفل الحمفد" بالرففع والنصفب والخففض‪ .‬والحمفد الكامفل والثناء الشامفل كله ل؛ إذ النعفم كلهفا منفه‪.‬‬
‫وقفد مضفى الكلم فيفه ففي أول الفاتحفة‪" .‬وله الحمفد ففي الخرة " قيفل‪ :‬هفو قوله تعالى‪" :‬وقالوا‬
‫الحمفد ل الذي صفدقنا وعده" [الزمفر‪ .]47 :‬وقيفل‪ :‬هفو قوله "وآخفر دعواهفم أن الحمفد ل رب‬
‫العالمين" [يونس‪ ]10 :‬فهو المحمود في‬
‫الخرة كما أنه المحمود في الدنيا‪ ،‬وهو المالك للخرة كما أنه المالك للولى‪ " .‬وهو الحكيم " في‬
‫فعله "الخبير" بأمرخلقه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬يعلم ما يلج في الرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو‬
‫الرحيم الغفور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يعلم مفا يلج ففي الرض" أي مفا يدخفل فيهفا مفن قطفر وغيره‪ ،‬كمفا قال‪" :‬فسفلكه‬
‫ينابيع في الرض" [الزمر‪ ]21 :‬من الكنوز والدفائن والموات وما هي له كفات‪" .‬وما يخرج‬
‫منها" من نبات وغيره "وما ينزل من السماء" من المطار والثلوج والبرد والصواعق والرزاق‬
‫والمقادير والبركات‪ .‬وقرأ علي بن أبي طالب "وما ننزل" بالنون والتشديد‪" .‬وما يعرج فيها" من‬
‫الملئكة وأعمال العباد؛ قاله الحسن وغيره "وهو الرحيم الغفور"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 - 3 :‬وقال الذين كفروا ل تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب ل يعزب‬
‫عنفه مثقال ذرة ففي السفماوات ول ففي الرض ول أصفغر مفن ذلك ول أكفبر إل ففي كتاب مفبين‪،‬‬
‫ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذيفن كفروا ل تأتينفا السفاعة" قيفل‪ :‬المراد أهفل مكفة‪ .‬قال مقاتفل‪ :‬قال أبفو‬
‫سفيان لكفار مكة‪ :‬واللت والعزى ل تأتينا الساعة أبدا ول نبعث‪" .‬قل بلى وربي لتأتينكم" "قل"‬
‫يفا محمفد "بلى وربفي لتأتينكفم" وروى هارون عفن طلق المعلم قال‪ :‬سفمعت أشياخنفا يقرؤون "قفل‬
‫بلى وربفي ليأتينكفم" بياء‪ ،‬حملوه على المعنفى‪ ،‬كأنفه قال‪ :‬ليأتينكفم البعفث أو أمره‪ .‬كمفا قال‪" :‬هفل‬
‫ينظرون إل أن تأتيهففم الملئكففة أو يأتففي أمففر ربففك" [النعام‪ .]158 :‬فهؤلء الكفار مقرون‬
‫بالبتداء منكرون العادة‪ ،‬وهفو نقفض لمفا اعترفوا بالقدرة على البعفث‪ ،‬وقالوا‪ :‬وإن قدر ل يفعفل‪.‬‬
‫فهذا تحكفم بعد أن أخفبر على ألسفنة الرسفل أن يبعث لخلق‪ ،‬وإذا ورد الخبر بشيفء وهو ممكفن ففي‬
‫الفعفل مقدور‪ ،‬فتكذيفب مفن وجفب صفدقه محال‪" .‬عالم الغيفب" بالرففع قراءة ناففع وابفن كثيفر على‬
‫البتداء‪ ،‬وخبره وقرأ عاصم وأبو عمرو "عالم" بالخفض‪ ،‬أي الحمد ل عالم‪ ،‬فعلى هذه القراءة ل‬
‫يحسفن الوقفف على قوله‪" :‬لتأتينكفم"‪ .‬وقرأ حمزة والكسفائي‪" :‬علم الغيفب" على المبالغفة والنعفت‪.‬‬
‫"ل يعزب عنه" أي ل يغيب عنه‪" ،‬ويعزب" أيضا‪ .‬قال الفراء‪ :‬والكسر أحب إلى‪ .‬النحاس وهي‬
‫قراءة يحيفى بفن وثاب‪ ،‬وهفي لغفة معروففة‪ .‬يقال عزَب يعزِب ويعزُب إذا بعفد وغاب‪" .‬مثقال ذرة‬
‫ففي السفماوات ول ففي الرض" أي قدر نملة صفغيرة‪" .‬ول أصفغر مفن ذلك ول أكفبر" وففي قراءة‬
‫العمفش "ول أصفغ َر مفن ذلك ول أكفبرَ" بالفتفح فيهمفا عطففا على "ذرة"‪ .‬وقراءة العامفة بالرففع‬
‫عطففا على "مثقال"‪" .‬إل ففي كتاب مفبين" فهفو العالم بمفا خلق ول يخففى عليفه شيفء‪".‬ليجزي"‬
‫منصفففوب بلم كفففي‪ ،‬والتقديفففر‪ :‬لتأتينكفففم ليجزي‪" .‬الذيفففن آمنوا وعملوا الصفففالحات" بالثواب‪،‬‬
‫والكافرين بالعقاب‪" .‬أولئك" يعني المؤمنين‪" .‬لهم مغفرة" لذنوبهم‪" .‬ورزق كريم" وهو الجنة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيففن سففعوا فففي آياتنففا" أي فففي إبطال أدلتنففا والتكذيففب بآياتنففا‪" .‬معاجزيففن"‬
‫مسفابقين يحسفبون أنهفم يفتوننفا‪ ،‬وأن ال ل يقدر على بعثهفم ففي الخرة‪ ،‬وظنوا أنفا نهملهفم؛ فهؤلء‬
‫"لهفم عذاب مفن رجفز أليفم" يقال‪ :‬عاجزه وأعجزه إذا غالبفه وسفبقه "أولئك لهفم عذاب مفن رجفز‬
‫أليم" "أليم" قراءة نافع بالكسر نعتا للرجز‪ ،‬فإن ال هو العذاب‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬فأنزلنا على الذين‬
‫ظلموا رجزا من السماء" [البقرة‪ .]59:‬وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم "عذاب من رجز أليم"‬
‫يرفع الميم هنا وفي "الجاثية" نعتا للعذاب‪ .‬وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد بن قيس ومجاهد‬
‫وأبو عمرو "معجزين" مثبطين؛ أي ثبطوا الناس عن اليمان بالمعجزات وآيات القرآن‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 6 :‬ويرى الذيفن أوتوا العلم الذي أنزل إليفك مفن ربفك هفو الحفق ويهدي إلى صفراط‬
‫العزيز الحميد}‬
‫@ لما ذكر الذين سعوا في إبطال النبوة بين أن الذين أوتوا العلم يرون أن القرآن حق‪ .‬قال مقاتل‪:‬‬
‫"الذيفن أوتوا العلم" هفم مؤمنفو أهفل الكتاب‪ .‬وقال ابفن عباس‪ :‬هفم أصفحاب محمفد صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم وقيفل جميفع المسفلمين‪ ،‬وهفو أصفح لعمومفه‪ .‬والرؤيفة بمعنفى العلم‪ ،‬وهفو ففي موضفع نصفب‬
‫عطفففا على "ليجزى" أي ليجزي وليرى‪ ،‬قال الزجاج والفراء‪ .‬وفيففه نظففر‪ ،‬لن قوله‪" :‬ليجزي"‬
‫متعلق بقول‪" :‬لتأتينكفم السفاعة"‪ ،‬ول يقال‪ :‬لتأتينكفم السفاعة ليرى الذيفن أوتوا العلم أن القرآن حفق‪،‬‬
‫فإنهم يرون القرآن حقا وإن لم تأتهم الساعة‪ .‬والصحيح أنه رفع على الستئناف‪ ،‬ذكره القشيري‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإذا كان "ليجزي" متعلقا بمعنى أثبت ذلك في كتاب مبين‪ ،‬فيحسن عطف "ويرى" عليه‪،‬‬
‫أي وأثبففت أيضففا ليرى الذيففن أوتوا العلم أن القرآن حففق‪ .‬ويجوز أن يكون مسففتأنفا‪" .‬الذي" فففي‬
‫موضففع نصففب على أنففه مفعول أول لففف "يرى" "وهففو الحففق" مفعول ثان‪ ،‬و"هففو" فاصففلة‪.‬‬
‫والكوفيون يقولون "هو" عماد‪ .‬ويجوز الرفع على أنه مبتدأ‪ .‬و"الحق" خبره‪ ،‬والجملة في موضع‬
‫نصب على المفعول الثاني‪ ،‬والنصب أكثر فيما كانت فيه اللف واللم عند جميع النحويين‪ ،‬وكذا‬
‫مفا كان نكرة ل يدخله اللف واللم فيشبفه المعرففة‪ .‬فإن كان الخفبر اسفما معروففا نحفو قوله‪ :‬كان‬
‫أخوك هو زيد‪ ،‬فزعم الفراء أن الختيار فيه الرفع‪ .‬وكذا كان محمد هو عمرو‪ .‬وعلته في اختياره‬
‫الرفع أنه لم تكن فيه اللف واللم أشبه النكرة في قولك‪ :‬كان زيد هو جالس‪ ،‬لن هذا ل يجوز فيه‬
‫إل الرفع‪" .‬ويهدي إلى صراط العزيز الحميد" أي يهدي القرآن إلى طريق السلم الذي هو دين‬
‫ال‪ .‬ودل بقوله‪" :‬العزيز" على أنه ل يغالب‪ .‬وبقوله‪" :‬الحميد" على أنه ل يليق به صفة العجز‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق‬
‫جديد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل" وإن شئت أدغمت اللم في النون لقربها‬
‫منهفا "ينبئكفم إذا مزقتفم كفل ممزق" هذا إخبار عمفن قال‪" :‬ل تأتينفا السفاعة" [سفبأ‪ ]3 :‬أي هفل‬
‫نرشدكفم إلى رجفل ينبكفم‪ ،‬أي يقول لكفم‪ :‬إنكفم تبعثون بعفد‪ .‬البلي ففي القبور‪ .‬وهذا صفادر عفن فرط‬
‫إنكارهفم‪ .‬الزمخشري‪" :‬فإن قلت‪ :‬كان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم مشهورا علمفا ففي قريفش‪،‬‬
‫وكان إنباؤه بالبعفث شائعفا عندهفم‪ ،‬فمفا معنفى قولهفم‪" :‬هفل ندلكفم على رجفل ينبئكفم" فنكروه لهفم‬
‫عرضوا عليهفم الدللة عليفه‪ ،‬كمفا يدل على‪ .‬مجهول ففي أمفر مجهول‪ .‬قلت‪ :‬كانوا يقصفدون بذلك‬
‫الطنفز والهزؤ والسفخرية‪ ،‬فأخرجوه مخرج التحكفي ببعفض الحاجفي التفي يتحاجفى بهفا للضحفك‬
‫والتلهفي‪ ،‬متجاهليفن به وبأمره‪ .‬و"إذا" ففي موضفع نصفب والعامفل فيهفا "مزقتفم" قاله النحاس‪ .‬ول‬
‫يجوز أن يكون العامفل فيهفا "ينبئكفم"‪ ،‬لنفه ليفس يخفبرهم ذلك الوقفت‪ .‬ول يجوز أن يكون العامفل‬
‫فيها ما بعد "إن"‪ ،‬لنه ل يعمل فيما قبله‪ ،‬وأل يتقدم عليها ما بعدها ومعمولها‪ .‬وأجاز الزجاج أن‬
‫يكون العامفل فيهفا محذوففا؛ التقديفر‪ :‬إذا مزقتفم كفل ممزق بعثتفم‪ ،‬أو ينبكفم بأنكفم تبعثون إذا مزقتفم‪.‬‬
‫المهدوي‪ :‬ول يعمل فيه "مزقتم"؛ لنه مضاف إليه‪ ،‬والمضاف إليه ل يعمل في المضاف‪ .‬وأجازه‬
‫بعضهم على أن يجعل "إذا" للمجازاة‪ ،‬فيعمل فيها حينئذ ما بعدها لنها غير مضافة إليه‪ .‬وأكثر ما‬
‫تقففع "إذا" للمجازاة فففي الشعففر‪ .‬ومعنففى "مزقتففم كففل ممزق" فرقتففم كففل تفريففق‪ .‬والمزق خرق‬
‫الشياء؛ يقال‪ :‬ثوب مزيق وممزوق ومتمزق وممزق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬أفترى على ال كذبا أم به جنة بل الذين ل يؤمنون بالخرة في العذاب والضلل‬
‫البعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفترى على ال كذبا" لما دخلت ألف الستفهام استغني عن ألف الوصل فحذفتها‪،‬‬
‫وكان فتح ألف الستفهام فرقا بينها وبين ألف الوصل‪ .‬وقد مضى هذا في سورة "مريم" عند قوله‬
‫تعالى‪" :‬أطلع الغيب" [مريم‪ ]78 :‬مستوفى‪" .‬أم به جنة " وقيل هذا مردود على ما تقدم من قول‬
‫المشركين‪ ،‬والمعنى‪ :‬قال المشركون "افترى على ال كذبا"‪ .‬والفتراء الختلق‪" .‬أم به جنة" أي‬
‫جنون‪ ،‬فهو يتكلم بما ل يدري‪" .‬بل الذين ل يؤمنون بالخرة في العذاب والضلل البعيد" أي ليس‬
‫المفر كمفا قالوا‪ ،‬بفل هفو أصفدق الصفادقين‪ ،‬ومفن ينكفر البعفث فهفو غدا ففي العذاب‪ ،‬واليوم ففي‬
‫الضلل عن الصواب؛ إذ صاروا إلى تعجيز الله ونسبة الفتراء إلى من أيده ال بالمعجزات‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 9 :‬أفلم يروا إلى مفا بيفن أيديهفم ومفا خلفهفم مفن السفماء والرض إن نشفأ نخسفف بهفم‬
‫الرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لية لكل عبد منيب}‬
‫@ أعلم ال تعالى أن الذي قدر علي خلق السموات والرض وما فيهن قادر على البعث وعلى‬
‫تعجيل العقوبة لهم‪ ،‬فاستدل بقدرته عليهم‪ ،‬وأن السموات والرض ملكه‪ ،‬وأنهما محيطتان بهم من‬
‫كففل جانففب‪ ،‬فكيففف يأمنون الخسففف والكسففف‪ .‬كمففا فعففل بقارون وأصففحاب اليكففة‪ .‬وقرأ حمزة‬
‫والكسفائي إن يشفأ يخسفف بهفم الرض أو يسفقط" بالياء ففي الثلث؛ أي إن يشفأ ال أمفر الرض‬
‫فتنخسفف بهفم‪ ،‬أو السفماء فتسفقط عليهفم كسففا‪ .‬الباقون بالنون على التعظيفم‪ .‬وقرأ السفلمي وحففص‬
‫"كسفا" بفتح السين‪ .‬الباقون بالسكان‪ .‬وقد تقدم بيانه في "السراء" وغيرها‪" .‬إن في ذلك لية"‬
‫أي في هذا الذي ذكرناه من قدرتنا "لية" أي دللة ظاهرة‪" .‬لكل عبد منيب" أي تائب رجاع إلى‬
‫ال بقلبه‪ .‬وخص المنيب بالذكر لنه المنتفع بالفكرة في حجج ال وآياته‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬ولقد آتينا داود منا فضل يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد آتينا داود منا فضل" بين لمنكري نبوة محمد صلى ال عليه وسلم أن إرسال‬
‫الرسل ليس أمرا بدعا‪ ،‬بل أرسلنا الرسل وأيدناهم بالمعجزات‪ ،‬وأحللنا بمن خالفهم العقاب‪" .‬آتينا"‬
‫أعطينا‪" .‬فضل" أي أمرا فضلناه به على غيره‪ .‬واختلف في هذا الفضل على تسعة أقوال‪ :‬الول‪:‬‬
‫النبوة‪ .‬الثانففي‪ :‬الزبور‪ .‬الثالث‪ :‬العلم‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ولقففد آتينففا داود وسففليمان علمففا" [النمففل‪:‬‬
‫‪ .]15‬الرابع ‪ -‬القوة‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬واذكر عبدنا داود ذا اليد" [ص‪ .]17 :‬الخامس‪::‬تسخير‬
‫الجبال والناس‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬يا جبال أوبي معه"‪ .‬السادس‪ :‬التروية‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬فغفرنا له‬
‫ذلك" [ص‪ .]25 :‬السابع‪ :‬الحكم بالعدل‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬يا داود إنا جعلناك خليفة في الرض"‬
‫[ص‪ ]26 :‬اليفة‪ .‬الثامفن‪ :‬إلنفة الحديفد‪ ،‬قال تعالى‪" :‬وألنفا له الحديفد"‪ .‬التاسفع‪ :‬حسفن الصفوت‪،‬‬
‫وكان‪ ،‬داود عليه السلم ذا صوت حسن ووجه حسن‪ .‬وحسن الصوت هبة من ال تعالى وتفضل‬
‫منه‪ ،‬وهو المراد بقوله تبارك وتعالى‪" :‬يزيد في الخلق ما يشاء" [فاطر‪ ]1 :‬على ما يأتي إن شاء‬
‫ال تعالى‪ .‬وقال صفلى ال عليه وسلم لبفي موسفى‪( :‬لقد أوتيت مزمارا من مزاميفر آل داود)‪ .‬قال‬
‫العلماء‪ :‬المزمار والمزمور الصوت الحسن‪ ،‬وبه سميت آلة الزمر مزمارا‪ .‬وقد استحسن كثير من‬
‫فقهاء المصار القراءة بالتزيين والترجيع‪ .‬وقد مضى هذا في مقدمة الكتاب والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ياجبال أوبي معه" أي وقلنا يا جبال أوبي معه‪ ،‬أي سبحي معه‪ ،‬لنه قال تبارك‬
‫وتعالى‪" :‬إنفا سفخرنا الجبال معفه" يسفبحن بالعشفي والشراق" [ص‪ .]18 :‬قال أبفو ميسفرة‪ :‬هفو‬
‫التسبيح بلسان الحبشة‪ ،‬ومعنى تسبيح الجبال‪ :‬هو أن ال تعالى خلق‪ ،‬فيها تسبيحا كما خلق الكلم‬
‫ففي الشجرة‪ ،‬فسفمع منهفا مفا يسفمع مفن المسفبح معجزة لداود عليفه الصفلة والسفلم‪ .‬وقيفل‪ :‬المعنفى‬
‫سيري معه حيث شاء؛ من التأويب الذي هو سير النهار أجمع ومنزل الليل‪ .‬قال ابن مقبل‪:‬‬
‫دفعنا شعاع الشمس والطرف يجنح‬ ‫لحقنا بحي أوبوا السير بعدما‬
‫وقرأ الحسفن وقتادة وغيرهمفا‪" :‬أوبفي معفه" أي رجعفي معفه؛ مفن آب يؤوب إذا رجفع‪ ،‬أوبفا وأوبفة‬
‫وإيابففا‪ .‬وقيففل‪ :‬المعنففى تصففرفي معففه على مففا يتصففرف عليففه داود بالنهار‪ ،‬فكان إذا قرأ الزبور‬
‫صوتت الجبال معه‪ ،‬وأصغت إليه الطير‪ ،‬فكأنها فعلت ما فعل‪ .‬وقال وهب بن منبه‪ :‬المعنى نوحي‬
‫معه والطير تساعده على ذلك‪ ،‬فكان إذا نادى بالنياحة أجابته الجبال بصداها‪ ،‬وعكفت الطير عليه‬
‫من فوقه‪ .‬فصدى الجبال الذي يسمعه الناس إنما كان من ذلك اليوم إلى هذه الساعة؛ فأيد بمساعدة‬
‫الجبال والطيففر لئل يجففد فترة‪ ،‬فإذا دخلت الفترة اهتاج‪ ،‬أي ثار وتحرك‪ ،‬وقوي بمسففاعدة الجبال‬
‫والطيفر‪ .‬وكان قفد أعطفي مفن الصفوت مفا يتزاحفم الوحوش مفن الجبال على حسفن صفوته‪ ،‬وكان‬
‫الماء الجاري ينقطفع عفن الجري وقوففا لصفوته‪" .‬والطيفر" بالرففع قراءة ابفن أبفي إسفحاق ونصفر‬
‫عففن عاصففم وابففن هرمففز ومسففلمة بففن عبدالملك‪ ،‬عطفففا على لفففظ الجبال‪ ،‬أو على المضمففر فففي‬
‫"أوبفي" وحسفنه الفصفل بمفع‪ .‬الباقون بالنصفب عطففا على موضفع "يفا جبال" أي نادينفا الجبال‬
‫والطير‪ ،‬قال سيبويه‪ .‬وعند أبي عمرو بن العلء بإضمار فعل على معنى وسخرنا له الطير‪ .‬وقال‬
‫الكسائي‪ :‬هو معطوف‪ ،‬أي وآتيناه الطير‪ ،‬حمل على "ولقد آتينا داود ما فضل"‪ .‬النحاس‪ :‬ويجوز‬
‫أن يكون مفعول معففه‪ ،‬كمففا تقول‪ :‬اسففتوى الماء والخشبففة‪ .‬وسففمعت الزجاج يجيففز‪ :‬قمففت وزيدا‪،‬‬
‫فالمعنى أوبي معه ومع الطير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وألنفا له الحديفد" قال ابفن عباس‪ :‬صفار عنده كالشمفع‪ .‬وقال الحسفن‪ :‬كالعجيفن‪،‬‬
‫فكان يعمله مفن غيفر نار‪ .‬وقال السففدي‪ :‬كان الحديففد ففي يده كالطيفن المبلول والعجييفن والشمفع‪،‬‬
‫يصفرفه كيفف شاء‪ ،‬مفن غيفر إدخال نار ول ضرب بمطرقفة‪ .‬وقاله مقاتفل‪ .‬وكان يفرغ مفن الدرع‬
‫ففي بعفض اليوم أو بعفض الليفل‪ ،‬ثمنهفا ألف درهفم‪ .‬وقيفل‪ :‬أعطفي قوة يثنفي بهفا الحديفد‪ ،‬وسفبب ذلك‬
‫أن داود عليه السلم‪ ،‬لما ملك بني إسرائيل لقي ملكا وداود يظنه إنسانا‪ ،‬وداود متنكر خرج يسأل‬
‫عن نفسه وسيرته في بني إسرائيل في خفاء‪ ،‬فقال داود لذلك الشخص الذي تمثل له‪(:‬ما قولك في‬
‫هذا الملك داود)؟ فقال له الملك (نعفم العبفد لول خلة فيفه) قال داود‪( :‬ومفا هفي)؟ قال‪(:‬يرتزق مفن‬
‫بيفت المال ولو أكفل مفن عمفل يده لتمفت فضائله)‪ .‬فرجفع فدعفا ال ففي أن يعلمفه صفنعة ويسفهلها‬
‫عليفه‪ ،‬فعلمفه صفنعة لبوس كمفا قال جفل وعفز ففي سفورة النفبياء‪ ،‬فألن له الحديفد فصفنع الدروع‪،‬‬
‫فكان يصفنع الدرع فيمفا بيفن يومفه وليلتفه يسفاوي ألف درهفم‪ ،‬حتفى ادخفر منهفا كثيرا وتوسفعت‬
‫معيشة منزله‪ ،‬وتصدق على الفقراء والمساكين‪ ،‬وكان ينفق ثلث المال في مصالح المسلمين‪ ،‬وهو‬
‫أول من اتخذ الدروع وصنعها وكانت قبل ذلك صفائح‪ .‬ويقال‪ :‬إنه كان يبيع كل درع منها بأربعة‬
‫آلف‪ .‬والدرع مؤنثفة إذا كانفت للحرب‪ .‬ودرع المرأة مذكفر‪ .‬مسفألة‪ :‬ففي هذه اليفة دليفل على تعلم‬
‫أهففل الفضففل الصففنائع‪ ،‬وأن التحرف بهففا ل ينقففص مففن مناصففبهم‪ ،‬بففل ذلك زيادة فففي فضلهففم‬
‫وفضائلهم؛ إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم والستغناء عن غيرهم‪ ،‬وكسب الحلل الخلي عن‬
‫المتنان‪ .‬وفي الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن خيفر ما أكل المرء من عمل يده‬
‫وإن نبي ال داود كان يأكل من عمل يده)‪ .‬وقد مضى هذا في "النبياء" مجودا والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن اعمفل سفابغات" أي دروعفا سفابغات‪ ،‬أي كوامفل تامات واسفعات؛ يقال‪ :‬سفبغ‬
‫الدرع والثوب وغيرهما إذا غطى كل ما هو عليه وفضل منه‪" .‬وقدر في السرد" قال قتادة‪ :‬كانت‬
‫الدروع قبله صفائح فكانت ثقال؛ فلذلك أمر هو بالتقديفر فيما يجمع من الخفة والحصانة‪ .‬أي قدر‬
‫ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه‪ .‬أي ل تقصد الحصانة فتثقل‪ ،‬ول الخفة فتزيل المنعة‪ .‬وقال ابن‬
‫زيد‪ :‬التقدير الذي أمر به هو في قدر الحلقة‪ ،‬أي ل تعملها صغيرة فتضعف فل تقوى الدروع على‬
‫الدفاع‪ ،‬ول تعملها كبيرة فينال لبسها‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬التقدير الذي أمر به هو في المسار‪ ،‬أي ل‬
‫تجعفل مسفمار الدرع رقيقفا فيقلق‪ ،‬ول غليظفا فيفصفم الحلق‪ .‬روي "يقصفم" بالقاف‪ ،‬والفاء أيضفا‬
‫روايفة‪" .‬ففي السفرد" السفرد نسفج حلق الدروع‪ ،‬ومنفه قيفل لصفانع حلق الدروع‪ :‬السفراد والزراد‪،‬‬
‫تبدل مففن السففين الزاي‪ ،‬كمففا قيففل‪ :‬سففراط وزراط‪ .‬والسففرد‪ :‬الخرز‪ ،‬يقال‪ :‬سففرد يسففرد إذا خرز‪.‬‬
‫والمسرد‪ :‬الشفى‪ ،‬ويقال سراد؛ قال الشماخ‪:‬‬
‫كما تابعت سرد العنان الخوارز‬ ‫فظلت تباعا خيلنا في بيوتكم‬
‫والسراد‪ :‬السير الذي يخرز به؛ قال لبيد‪:‬‬
‫كما خرج السراد من النقال‬ ‫يشك صفائحها بالروق شزرا‬
‫ويقال‪ :‬قفد سفرد الحديفث والصفوم؛ فالسفرد فيهمفا أن يجيفء بهمفا ولء ففي نسفق واحفد‪ ،‬ومنفه سفرد‬
‫الكلم‪ .‬وفي حديث عائشة‪ :‬لم يكن النبي صلى ال عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم‪ ،‬وكان يحدث‬
‫الحديففث لو أراد العاد أن يعده لحصففاه‪ .‬قال سففيبويه‪ :‬ومنففه رجففل سففردي أي جريففء‪ ،‬قال‪ :‬لنففه‬
‫يمضى قوما‪ .‬وأصل ذلك في سرد الدرع‪ ،‬وهو أن يحكمها ويجعل نظام حلقها ولء غير مختلف‪.‬‬
‫قال لبيد‪:‬‬
‫لينال طول العيش غير مروم‬ ‫صنع الحديد مضاعفا أسراده‬
‫وقال أبو ذؤيب‪:‬‬
‫داودُ أو صَنفَ ُع السوابغ تبّع‬ ‫وعليهما مسرودتان قضاهما‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واعملوا صالحا" أي عمل صالحا‪ .‬وهذا خطاب لداود وأهله‪ ،‬كما قال‪" :‬اعملوا‬
‫آل داود شكرا" [سفبأ‪" .]13 :‬إنفي بمفا تعملون بصفير" وقال العلماء‪ :‬وصفف ال عفز وجفل نفسفه‬
‫بأنه بصير على معنى أنه عالم بخفيات المور‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 12 :‬ولسفليمان الريفح غدوهفا شهفر ورواحهفا شهفر وأسفلنا له عيفن القطفر ومفن الجفن‬
‫من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولسليمان الريح" قال الزجاج‪ ،‬التقدير وسخرنا لسليمان الريح‪ .‬وقرأ عاصم في‬
‫رواية أبي بكر عنه‪" :‬الري حُ" بالرفع على البتداء‪ ،‬والمعنى له تسخير الريح‪ ،‬أو بالستقرار‪ ،‬أي‬
‫ولسليمان الريح ثابتة‪ ،‬وفيه ذلك المعنى الول‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬إذا قلت أعطيت زيدا درهما ولعمرو‬
‫دينار؛ فرفعتفه فلم يكفن فيفه معنفى الول‪ ،‬وجاز أن يكون لم تعطفه الدينار‪ .‬وقيفل‪ :‬المفر كذا ولكفن‬
‫الية على خلف هذا من جهة المعنى‪ ،‬لنه قد علم أنه لم يسخرها أحد إل ال عز وجل‪" .‬غدوها‬
‫شهر ورواحها شهر" أي مسيرة شهر‪ .‬قال الحسن‪ :‬كان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر‪ ،‬وبينهما‬
‫مسفيرة شهفر للمسفرع‪ ،‬ثفم يروح مفن إصفطخر ويفبيت بكابفل‪ ،‬وبينهمفا شهفر للمسفرع‪ .‬قال السفدي‪:‬‬
‫كانت تسير به في اليوم مسيرة شهرين‪ .‬وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‪ :‬كان سليمان إذا‬
‫جلس نصفبت حواليفه أربعمائة ألف كرسفي‪ ،‬ثفم جلس رؤسفاء النفس ممفا يليفه‪ ،‬وجلس سففلة النفس‬
‫مما يليهم‪ ،‬وجلس رؤساء النس مما يلي سفلة النس‪ ،‬وجلس سفلة الجن مما يليهم‪ ،‬وموكل بكل‬
‫كرسفي طائر لعمفل قفد عرففه‪ ،‬ثفم تقلهفم الريفح‪ ،‬والطيفر تظلهفم من الشمفس‪ ،‬فيغدو من بيت المقدس‬
‫إلى إصطخر‪ ،‬فيبيت ببيت المقدس‪ ،‬ثم قرأ ابن عباس‪" :‬غدوها شهر ورواحها شهر"‪ .‬وقال وهب‬
‫بن منبه‪ :‬ذكر لي أن منزل بناحية دجلة مكتوبا فيه كتبه بعض صحابة سليمان؛ إما من الجن وإما‬
‫من النس ‪ : -‬نحن نزلنا وما بنيناه‪ ،‬ومبينا وجدناه‪ ،‬غدونا من اصطخر فقلناه‪ ،‬ونحن رائحون منه‬
‫إن شاء ال تعالى فبائتون في الشام‪ .‬وقال الحسن‪ :‬شغلت سليمان الخيل حتى فاتته صلة العصر‪،‬‬
‫فعقففر الخيففل فأبدله ال خيرا منهففا وأسففرع‪ ،‬أبدل الريففح تجري بأمره حيففث شاء‪ ،‬غدوهففا شهففر‬
‫ورواحهففا شهففر‪ .‬وقال ابففن زيففد‪ :‬كان مسففتقر سففليمان بمدينففة تؤمففر‪ ،‬وكان أمففر الشياطيففن قبففل‬
‫شخوصه من الشام إلى العراق‪ ،‬فبنوها له بالصفاح والعمد والرخام البيض والصفر‪ .‬وفيه يقول‬
‫النابغة‪:‬‬
‫قم في البرية فأحددها عن الفند‬ ‫إل سليمان إذ قال الله له‬
‫يبنون تدمر بالصفاح والعمد‬ ‫وخيس الجن إني قد أذنت لهم‬
‫كما أطاعك وأدل على الرشد‬ ‫فمن أطاعك فانفعه بطاعته‬
‫تنهى الظلوم ول تقعد على ضمد‬ ‫ومن عصاك فعاقبه معاقبة‬
‫ووجدت هذه البيات منقورة فففي صففخرة بأرض يشكففر‪ ،‬أنشأهففن بعففض أصففحاب سففليمان عليففه‬
‫الصلة والسلم‪:‬‬
‫نروح إلى الوطان من أرض تدمر‬ ‫ونحن ول حول سوى حول ربنا‬
‫مسيرة شهر والغدو لخر‬ ‫إذا نحن رحنا كان ريث رواحنا‬
‫بنصر ابن داود النبي المطهر‬ ‫أناس شروا ل طوعا نفوسهم‬
‫وإن نسوا يوما فمن خير معشر‬ ‫لهم في معالي الدين فضل رفعة‬
‫مبادرة عن شهرها لم تقصر‬ ‫متى يركبوا الريح المطيعة أسرعت‬
‫متى رفرفت من فوقهم لم تنفر‬ ‫تظلهم طير صفوف عليهم‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأسلنا له عين القطر" القطر‪ :‬النحاس؛ عن ابن عباس وغيره‪ .‬أسيلت له مسيرة‬
‫ثلثفة أيام كمفا يسفيل الماء‪ ،‬وكانفت بأرض اليمفن‪ ،‬ولم يذب النحاس فيمفا روي لحفد قبله‪ ،‬وكان ل‬
‫يذوب‪ ،‬ومفن وقتفه ذاب؛ وإنمفا ينتففع الناس اليوم بمفا أخرج ال تعالى لسفليمان‪ .‬قال قتادة‪ :‬أسفأل ال‬
‫عينا يستعملها فيما يريد‪ .‬وقيل لعكرمة‪ :‬إلى أين سالت؟ فقال‪ :‬ل أدري! وقال ابن عباس ومجاهد‬
‫والسدي‪ :‬أجريت له عين الصفر ثلثة أيام بلياليهن‪ .‬قال القشيري‪ :‬وتخصيص السفالة بثلثة أيام‬
‫ل يدرى ما حده‪ ،‬ولعله وهم من الناقل؛ إذ في رواية عن مجاهد‪ :‬أنها سألت من صنعاء ثلث ليال‬
‫مما يليها؛ وهذا يشير إلى بيان الموضع ل إلى بيان المدة‪ .‬والظاهر أنه جعل النحاس لسليمان في‬
‫معدته عينا تسيل كعيون المياه‪ ،‬دللة على نبوته أو قال الخليل‪ :‬القطر‪ :‬النحاس المذاب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬دليله قراءة من قرأ‪" :‬من قطرٍ آن"‪" .‬ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه" أي بأمره‬
‫"ومن يزغ منهم عن أمرنا" الذي أمرناه به من طاعة سليمان‪" .‬نذقه من عذاب السعير" أي في‬
‫الخرة‪ ،‬قال أكثر المفسرين‪ .‬وقيل ذلك في الدنيا‪ ،‬وذلك أن ال تعالى وكل بهم فيما روى السدي ‪-‬‬
‫ملكفا بيده سفوط مفن نار‪ ،‬فمفن زاغ عفن أم سفليمان ضربفه بذلك السفوط ضربفة مفن حيفث ل يراه‬
‫فأحرقتفه‪ .‬و"مفن" ففي موضفع نصفب بمعنفى وسفخرنا له مفن الجفن مفن يعمفل‪ .‬ويجوز أن يكون ففي‬
‫موضع رفع‪ ،‬كما تقدم في الريح‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 13 :‬يعملون له مفا يشاء مفن محاريفب وتماثيفل وجفان كالجواب وقدور راسفيات‬
‫اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من محاريب وتماثيل " المحراب في اللغة‪ :‬كل موضع مرتفع‪ .‬وقيل للذي يصلي‬
‫فيفه‪ :‬محراب؛ لنفه يجفب أن يرففع ومعظفم‪ .‬وقال الضحاك‪" :‬مفن محاريفب" أي مفن مسفاجد‪ .‬وكذا‬
‫قال قتادة‪ .‬وقال مجاهفد‪ :‬المحاريفب دون القصفور‪ .‬وقال أبفو عفبيدة‪ :‬المحراب أشرف بيوت الدار‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫كغزلن رمل في محاريب أقيال‬ ‫وماذا عليه أن ذكرت أوانسا‬
‫وقال عدي بن زيد‪:‬‬
‫فبيض في الروض زهره مستنير‬ ‫كدمى العاج في المحاريب أوكالف‬
‫وقيفل‪ :‬هفو مفا يرقفى إليفه بالدرج كالغرففة الحسفنة؛ كمفا قال‪" :‬إذ تسفوروا المحراب" [ص‪]21 :‬‬
‫وقوله‪" :‬فخرج على قومه من المحراب" [مريم‪ ]11 :‬أي أشرف عليهم‪ .‬وفي الخبر (أنه أمر أن‬
‫يعمفل حول كرسفيه ألف محراب فيهفا ألف رجفل عليهفم المسفوح يخرجون إلى ال دائبفا‪ ،‬وهفو على‬
‫الكرسففي فففي موكبففه والمحاريففب حوله‪ ،‬ويقول لجنوده إذا ركففب‪ :‬سففبحوا ال إلى ذلك العلم‪ ،‬فإذا‬
‫بلغوه قال‪ :‬هللوه إلى ذلك العلم فإذا بلغوه قال‪ :‬كففبروه إلى ذلك العلم الخففر‪ ،‬فتلج الجنود بالتسففبيح‬
‫(والتهليل لجة واحدة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتماثيفل" جمفع تمثال‪ .‬وهفو كفل مفا صفور على مثفل صفورة مفن حيوان أو غيفر‬
‫حيوان‪ .‬وقيفل‪ :‬كانفت مفن زجاج ونحاس ورخام تماثيفل أشياه‪ .‬ليسفت بحيوان‪ .‬وذكفر أنهفا صفور‬
‫النبياء والعلماء‪ ،‬وكانت تصور في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة واجتهادا‪ ،‬قال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬إن أولئك كان إذا مات فيهفم الرجل الصالح بنوا على قفبره مسفجدا وصوروا فيه تلك‬
‫الصفور)‪ .‬أي ليتذكروا عبادتهفم فيجتهدوا ففي العبادة‪ .‬وهذا يدل على أن التصفوير كان مباحفا ففي‬
‫ذلك الزمان‪ ،‬ونسفخ ذلك بشرع محمفد صفلى ال عليفه وسفلم‪ .‬وسفيأتي لهذا مزيفد بيان ففي سفورة‬
‫"نوح" عليه السلم‪ .‬وقيفل‪ :‬التماثيل طلسفمات كان يعملهفا‪ ،‬ويحرم على كل مصفور أن يتجاوزهفا‬
‫فل يتجاوزهفا‪ ،‬فيعمفل تمثال للذباب أو للبعوض أو للتماسفيح ففي مكان‪ ،‬ويأمرهفم أل يتجاوزه فل‬
‫يتجاوزه واحد أبدا ما دام ذلك التماثل قائما‪ .‬وواحد التماثيل تمثال بكسر التاء‪ .‬قال‪:‬‬
‫بآنسة كأنها خط تمثال‬ ‫ويا رب يوم قد لهوت وليلة‬
‫وقيفل‪ :‬إن هذه التماثيفل رجال اتخذهفم مفن نحاس وسفأل ربفه أن ينففخ فيهفا الروح ليقاتلوا ففي سفبيل‬
‫ال ول يحيك فيهم السلح‪ .‬ويقال‪ :‬إن اسفنديار كان منهم؛ وال أعلم‪ .‬وروي أنهم عملوا له أسدين‬
‫ففي أسففل كرسفيه ونسفرين فوقفه‪ ،‬فإذا أراد أن يصفعد بسفط السفدان له ذراعيهمفا‪ ،‬وإذا قعفد أطلق‬
‫النسران أجنحتهما‪.‬‬
‫@ حكى مكي في الهداية له‪ :‬أن فرقة تجوز التصوير‪ ،‬وتحتج بهذه الية‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وذلك‬
‫خطأ‪ ،‬وما أحفظ عن أحد من أئمة العلم من يجوزه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مففا حكاه مكففي ذكره النحاس قبله‪ ،‬قال النحاس‪ :‬قال قوم عمففل الصففور جائز لهذه اليففة‪،‬‬
‫ولما أخبر ال عز وجل عن المسيح‪ .‬وقال قوم‪ :‬قد صح النهي عن النبي صلى ال عليه وسلم عنها‬
‫والتوعد لمن عملها أو أتخذها‪ ،‬فنسخ ال عز وجل بهذا ما كان مباحا قبله‪ ،‬وكانت الحكمة في ذلك‬
‫لنه بعث عليه السلم والصور تعبد‪ ،‬فكان الصلح إزالتها‪.‬‬
‫@ التمثال على قسمين‪ :‬حيوان وموات‪ .‬والموات على قسمين‪ :‬جماد ونام؛ وقد كانت الجن تصنع‬
‫لسفليمان جميعفه؛ لعموم قوله‪" :‬وتماثيفل"‪ .‬وففي السفرائيليات‪ :‬أن التماثيفل مفن الطيفر كانفت على‬
‫كرسفي سفليمان‪ .‬فإن قيفل‪ :‬ل عموم لقوله‪" :‬وتماثيفل" فإنفه إثبات ففي نكره‪ ،‬والثبات ففي النكرة ل‬
‫عموم له‪ ،‬إنمفا العموم ففي النففي النكرة‪ .‬قلنفا‪ :‬كذلك هفو‪ ،‬بيفد أنفه قفد اقتفر بهذا الثبات ففي النكرة مفا‬
‫يقتضفي حمله على العموم‪ ،‬وهفو قوله‪" :‬مفا يشاء" فاقتران المشيفة بفه يقتضفي العموم له‪ .‬فإن قيفل‪:‬‬
‫كيف استجاز الصور‪ .‬المنهي عنها؟ قلنا‪ :‬كان ذلك جائزا في شرعه ونسخ ذلك بشرعنا كما بينا‪،‬‬
‫وال أعلم‪ .‬وعن أبي العالية‪ :‬لم يكن اتخاذ الصور إذ ذاك محرما‪.‬‬
‫@ مقتضفى الحاديفث يدل أن الصفور ممنوعفة‪ ،‬ثفم جاء (إل مفا كان رقمفا ففي ثوب) فخفص مفن‬
‫جملة الصور‪ ،‬ثم ثبتت الكراهية فيه بقوله عليه السلم لعائشة في الثوب‪( :‬أخريه عني فإني كلما‬
‫رأيته ذكرت الدنيا)‪ .‬ثم بهتكه الثوب المصور على عائشة منع منه‪ ،‬ثم بقطعها له وسادتين تغيرت‬
‫الصفورة وخرجفت عفن هيئتهفا‪ ،‬فإن جواز ذلك إذا لم تكفن الصفورة فيفه متصفلة الهيئة‪ ،‬ولو كانفت‬
‫متصلة الهية لم يجز‪ ،‬لقولها في النمرقة المصورة‪ :‬اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها‪ ،‬فمنع منه‬
‫وتوعفد عليفه‪ .‬وتفبين بحديث الصلة إلى الصور أن ذلك جائز ففي الرقفم في الثوب ثفم نسفخه المنفع‬
‫منه‪ .‬فهكذا استقر المر فيه وال أعلم؛ قال ابن العربي‪.‬‬
‫@ روى مسلم عن عائشة قالت‪ :‬كان لنا ستر فيه تمثال طائر وكان الداخل إذا دخل استقبله‪ ،‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم‪( :‬حولي هذا فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا)‪.‬‬
‫قالت‪ :‬وكانفت لنفا قطيففة كنفا نقول علمهفا حريفر‪ ،‬فكنفا نلبسفها‪ .‬وعنهفا قالت‪ :‬دخفل علي رسفول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صورة‪ ،‬فتلون وجهه‪ ،‬ثم تناول الستر فهتكه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫(إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق ال عز وجل)‪ .‬وعنها‪ :‬أنه كان لها ثوب‬
‫فيفه تصفاوير ممدود إلى سفهوة‪ ،‬فكان النفبي صفلى ال عليفه وسفلم يصفلي إليفه فقال‪( :‬أخريفه عنفي)‬
‫قالت‪ :‬فأخرتفه فجعلتفه وسفادتين‪ .‬قال بعفض العلماء‪ :‬ويمكفن أن يكون تهتيكفه عليفه السفلم الثوب‬
‫وأمره بتأخيره ورعا؛ لن محل النبوة والرسالة الكمال‪ .‬فتأمله‪.‬‬
‫@ قال المزني عن الشافعي‪ :‬إن دعي رجل إلى عرس فرأى صورة ذات روح أو صورا ذات‬
‫أرواح‪ ،‬لم يدخففل إن كانففت منصففوبة‪ .‬وإن كانففت توطففأ فل بأس‪ ،‬وإن كانففت صففور الشجففر‪ .‬ولم‬
‫يختلفوا أن التصفاوير ففي السفتور المعلقفة مكروهفة غيفر محرمفة‪ .‬وكذلك عندهفم مفا كان خرطفا أو‬
‫نقشا في البناء‪ .‬واستثنى بعضهم (ما كان رقما في ثوب)‪ ،‬لحديث سهل بن حنيف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لعفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم المصفورين ولم يسفتثن‪ .‬وقوله‪( :‬إن أصفحاب هذه‬
‫الصفور يعذبون يوم القيامفة ويقال لهفم أحيوا مفا خلقتفم) ولم يسفتثن‪ .‬وففي الترمذي عفن أبفي هريرة‬
‫قال قال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم ال عليففه وسففلم‪( :‬يخرج عنففق مففن النار يوم القيامففة له‬
‫عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول‪ :‬إني وكلت بثلث‪ :‬بكل جبار عنيد‪ ،‬وبكل من‬
‫دعففا مففع ال إلهففا آخففر وبالمصففورين) قال أبففو عيسففى‪ :‬هذا حديففث حسففن غريففب صففحيح‪ .‬وفففي‬
‫البخاري ومسففلم عففن عبدال بففن مسففعود‪ .‬قال قال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم ال عليففه‬
‫وسفلم‪(:‬أشفد الناس عذابفا يوم القيامفة المصفورون)‪ .‬يدل على المنفع مفن تصفوير شيفء‪ ،‬أي شيفء‬
‫كان‪ .‬وقد قال جل وعز‪" :‬ما كان لكم أن تنبتوا شجرها" [النمل‪ ]60 :‬على ما تقدم بيانه فأعلمه‪.‬‬
‫وقفد اسفتثني من هذا الباب لعفب البنات‪ ،‬لما ثبت‪ ،‬عن عائشفة رضفي ال عنها أن النفبي تزوجهفا‬
‫وهي بنت سبع سنين‪ ،‬وزفت إليه وهي بنت تسع ولعبها معها‪ ،‬ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة‬
‫سفنة‪ .‬وعنهفا أيضفا قالت‪ :‬كنفت ألعفب بالبنات عنفد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وكان لي صفواحب‬
‫يلعبن معي‪ ،‬فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي‬
‫خرجهمففا مسففلم‪ .‬قال العلماء‪ :‬وذلك للضرورة إلى ذلك وحاجففة البنات حتففى يتدربففن على تربيففة‬
‫أولدهن‪ .‬ثم إنه ل بقاء لذلك‪ ،‬وكذلك ما يصنع من الحلوة أو من العجين ل بقاء له‪ ،‬فرخص في‬
‫ذاك‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجفان كالجواب" قال ابن عرفة‪ :‬الجوابي جمع الجابية‪ ،‬وهي حفيرة كالحوض‪.‬‬
‫وقال‪ :‬كحياض البفل‪ .‬وقال ابفن القاسفم عفن مالك‪ :‬كالجوبفة مفن الرض‪ ،‬والمعنفى متقارب‪ .‬وكان‬
‫يقعففد على الجفنففة الواحدة ألف رجففل‪ .‬النحاس‪" :‬وجفان كالجواب" الولى أن تكون بالياء‪ ،‬ومففن‬
‫حذف الياء قال سففبيل اللف واللم أن تدخففل على النكرة فل يغيرهففا عففن حالهففا‪ ،‬فلمففا كان يقال‬
‫جواب ودخلت اللف واللم أقفففر على حال فحذف الياء‪ .‬وواحفففد الجوابفففي جابيفففة‪ ،‬وهفففي القدر‬
‫العظيمة‪ ،‬والحوض العظيم الكبير الذي يجبى فيه الشيء أي يجمع؛ ومنه جبيت الخراج‪ ،‬وجبيت‬
‫الجراد؛ أي جعلت الكسفاء فجمعتفه فيفه‪ .‬إل أن ليثفا روى عفن مجاهفد قال‪ :‬الجوابفي جمفع جوبفة‪،‬‬
‫والجوبة الحفرة الكبيرة تكون في الجبل فيها ماء المطر‪ .‬وقال الكسائي‪ :‬جبوت الماء في الحوض‬
‫وجبيته أي جمعته‪ ،‬والجابية‪ :‬الحوض الذي يجبى فيه الماء للبل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كجابية الشيخ العراقي تفهق‬ ‫تروج على آل الملحق جفنة‬
‫ويروى أيضا‪:‬‬
‫كجابية السيح‪... ... ...‬‬ ‫نفي الذم عن آل المحلق جفنة‬
‫ذكره النحاس‪" .‬وقدور راسففيات" قال سففعيد بففن جففبير‪ :‬هففي قدور النحاس تكون بفارس‪ .‬وقال‬
‫الضحاك‪ :‬هفي قدور تعمفل مفن الجبال‪ .‬غيره‪ :‬قفد نحتفت مفن الجبال الصفم ممفا عملت له الشياطيفن‪،‬‬
‫أثافيها منها منحوتة هكذا من الجبال‪ .‬ومعنى "راسيات" ثوابت‪ ،‬ل تحمل ول تحرك لعظمها‪ .‬قال‬
‫ابفن العربفي‪ :‬وكذلك كانفت قدور عبدال بفن ال بفن جدعان‪ ،‬يصفعد إليهفا ففي الجاهليفة بسفلم‪ .‬وعنهفا‬
‫عبر طرفة بن العبد بقول‪:‬‬
‫لقرى الضياف أو للمحتضر‬ ‫كالجوابي ل تني مترعة‬
‫قال ابفن العربفي‪ :‬ورأيفت برباط أبفي سفعيد قدور الصفوفية على نحفو ذلك‪ ،‬فإنهفم يطبخون جميعفا‬
‫ويأكلون جميعا من غير استئثار واحد منهم على أحد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اعملوا آل داود شكرا" قفد مضفى معنى الشكفر ففي "البقرة" وغيرهفا‪ .‬وروي أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم صعد المنبر فتل هذه الية ثم قال‪(:‬ثلث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما‬
‫أوتفي آل داود) قال فقلنفا‪ :‬مفا هفن‪ .‬فقال‪( :‬العدل ففي الرضفا والغضفب‪ .‬والقصفد ففي الفقفر والغنفى‪.‬‬
‫وخشيفة ال ففي السفر والعلنيفة)‪ .‬خرجفه الترمذي الحكيفم أبفو عبدال عفن عطاء بفن يسفار عفن أبفي‬
‫هريرة‪ .‬وروي أن داود عليه السلم قال‪( :‬يا رب كيف أطيق شكرك على نعمك‪ .‬وإلهامي وقدرتي‬
‫على شكرك نعمة لك) فقال‪( :‬يا داود الن عرفتني)‪ .‬وقد مضى هذا المعنى في سورة "إبراهيم"‪.‬‬
‫وأن الشكففر حقيقتففه العتراف بالنعمففة للمنعففم واسففتعمالها فففي طاعتففه‪ ،‬والكفران اسففتعمالها فففي‬
‫المعصية‪ .‬وقليل من يفعل ذلك؛ لن الخير أقل من الشر‪ ،‬والطاعة أقل من المعصية‪ ،‬بحسب سابق‬
‫التقديففر‪ .‬وقال مجاهففد‪ :‬لمففا قال ال تعالى "أعملوا آل داود شكرا" قال داود لسففليمان‪ :‬أن ال عففز‬
‫وجفل قففد ذكفر الشكففر فاكفنفي صففلة النهار أكفففك صففلة الليفل‪ ،‬قال‪ :‬ل أقدر‪ ،‬قال‪ :‬فاكفنففي ‪ -‬قال‬
‫الفاريابي‪ ،‬أراه قال إلى صلة الظهر ‪ -‬قال نعم‪ ،‬فكفاه‪ .‬وقال الزهري‪" :‬أعملوا آل داود شكرا" أي‬
‫قولوا الحمفد ل‪ .‬و"شكرا" نصفب على جهفة المفعول؛ أي اعملوا عمل هفو الشكفر‪ .‬وكأن الصفلة‬
‫والصفيام والعبادات كلهفا هفي ففي نفسفها الشكفر إذ سفدت مسفدة‪ ،‬ويفبين هذا قوله تعالى‪" :‬إل الذيفن‬
‫آمنوا وعملوا الصففالحات وقليففل مففا هففم" [ص‪ ]24 :‬وهففو المراد بقوله "وقليففل مففن عبادي‬
‫الشكور"‪ .‬وقفد قال سففيان بفن عينفة ففي تأويفل قوله تعالى "أن اشكفر لي" [لقمان‪ ]14 :‬أن المراد‬
‫بالشكفر الصفلوات الخمفس‪ .‬وففي صفحيح مسفلم عفن عائشفة رضفي ال تعالى عنهفا أن رسفول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تفطر قدماه؛ فقالت له عائشة رضي ال عنها‪ :‬أتصنع‬
‫هذا وقفد غففر ال لك مفا تقدم مفن ذنبفك ومفا تأخفر؟ فقال‪( :‬أفل أكون عبدا شكورا)‪ .‬انفرد بإخراجفه‬
‫مسفلم‪ .‬فظاهفر القرآن والسفنة أن الشكفر بعمفل البدان دون القتصفار على عمفل اللسفان؛ فالشكفر‬
‫بالفعال عمل الركان‪ ،‬والشكر بالقوال عمل اللسان‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقليل من عبادي الشكور" يحتمل أن يكون‪ ،‬مخاطبة لل داود‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫مخاطبفة لمحمفد صفلى ال ال عليفه وسفلم قال ابفن عطيفة‪ :‬وعلى كفل وجفه ففيفه تنفبيه وتحريفض‪.‬‬
‫وسمع عمر بن الخطاب رضي ال تعالى عنه رجل يقول‪ :‬اللهم اجعلني من القليل؛ فقال عمر‪ :‬ما‬
‫هذا الدعاء؟ فقال الرجففل‪ :‬أردت قوله تعالى "وقليففل مففن عبادي الشكور"‪ .‬فقال عمففر رضففي ال‬
‫عنفه‪ :‬كفل الناس أعلم منفك يفا عمفر! وروي أن سفليمان عليفه السفلم كان يأكفل الشعيفر ويطعفم أهله‬
‫الخشكار ويطعفم المسفاكين الدرمفك‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬إنفه كان يأكفل الرماد ويتوسفده‪ ،‬والول أصفح‪ ،‬إذ‬
‫الرماد ليففس بقوت‪ .‬وروي أنففه مففا شبففع قففط‪ ،‬فقيففل له فففي ذلك فقال‪ :‬أخاف إن شبعففت أن أنسففى‬
‫الجياع‪ .‬وهذا من الشكر ومن القليل‪ ،‬فتأمله‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 14 :‬فلمفا قضينفا عليفه الموت مفا دلهفم على موتفه إل دابفة الرض تأكفل منسفأته فلمفا‬
‫خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما قضينا عليه الموت" أي فلما حكمنا على سليمان بالموت حتى صار كالمر‬
‫المفروغ منفه ووقفع بفه الموت "مفا دلهفم على موتفه إل دابفة الرض تأكفل منسفأته" وذلك أنفه كان‬
‫متكئا على المنسفأة (وهفي العصفا بلسفان الحبشفة‪ ،‬ففي قول السفدي‪ .‬وقيفل‪ :‬هفي بلغفة اليمفن‪ ،‬ذكره‬
‫القشيري) فمات كذلك وبقفي خاففي الحال إلى أن سفقط ميتفا لنكسفار العصفا لكفل الرض إياهفا‪،‬‬
‫فعلم موتفه بذلك‪ ،‬فكانفت الرضفة دالة على موتفه‪ ،‬أي سفببا لظهور موتفه‪ ،‬وكان سفأل ال تعالى أل‬
‫يعلموا بموتفه حتفى تمضفى عليفه سفنة‪ .‬واختلفوا ففي سفبب سفؤاله لذلك على قوليفن‪ :‬أحدهمفا مفا قاله‬
‫قتادة وغيره‪ ،‬قال‪ :‬كانت الجن تدعي علم الغيب‪ ،‬فلما مات سليمان عليه السلم وخفي موته عليهم‬
‫"تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب" ابن مسعود‪ :‬أقام حول والجن تعمل بين يديه حتى أكلت‬
‫الرضفة منسفأته فسفقط‪ .‬ويروى أنفه لمفا سفقط لم يعلم منفذ مات؛ فوضعفت الرضفة على العصفا‬
‫فأكلت منهفا يومفا وليلة ثفم حسفبوا على ذلك فوجدوه قفد مات منفذ سفنة‪ .‬وقيفل‪ :‬كان رؤسفاء الجفن‬
‫سبعة‪ ،‬وكانوا منقادين لسليمان عليه السلم‪ ،‬وكان داود عليه السلم أسس بيت المقدس فلما مات‬
‫أوصى إلى سليمان في إتمام مسجد بيت المقدس‪ ،‬فأمر سليمان الجن به؛ فلما دنا وفاته قال لهله‪:‬‬
‫ل تخفبروهم بموتفي حتفى يتموا بناء المسفجد‪ ،‬وكان بقفي لتمامفه سفنة‪ .‬وففي الخفبر أن ملك الموت‬
‫كان صديقه فسأل عن آية موته فقال‪ :‬أن تخرج من موضع سجودك شجرة يقال لها الخرنوبة‪ ،‬فلم‬
‫يكن يوم يصبح فيه إل تنبت في بيت المقدس شجرة فيسألها‪ :‬ما اسمك؟ فتقول الشجرة‪ :‬اسمي كذا‬
‫وكذا؛ فيقول‪ :‬ولي شيففء أنففت؟ فتقول‪ :‬لكذا ولكذا؛ فيأمففر بهففا فتقطففع‪ ،‬ويغرسففها فففي بسففتان له‪،‬‬
‫ويأمفر بكتفب منافعهفا ومضارهفا واسفمها ومفا تصفلح له ففي الطفب؛ فبينمفا هفو يصفلي ذات يوم إذا‬
‫رأى شجرة نبتففت بيففن يديففه فقال لهففا‪ :‬مففا اسففمك؟ قالت‪ :‬الخرنوبففة؛ قال‪ :‬ولي شيففء أنففت؟ قال‪:‬‬
‫لخراب هذا المسفجد‪ ،‬فقال سفليمان‪ :‬مفا كان ال ليخربفه وأنفا حفي‪ ،‬أنفت التفي على وجهفك هلكفي‬
‫وهلك بيفت المقدس فنزعهفا وغرسفها ففي حائطفه ثفم قال‪ .‬اللهفم عفم عفن الجفن موتفي حتفى تعلم‬
‫النس أن الجن ل يعلمون الغيب‪ .‬وكانت الجن تخبر أنهم يعلمون من الغيب أشياء‪ ،‬وأنهم يعلمون‬
‫ما في غد؛ ثم لبس كفنه وتحنط ودخل المحراب وقام يصلي واتكأ على عصاه على كرسيه‪ ،‬فمات‬
‫ولم تعلم الجن إلى أن مضت سنة وتم بناء المسجد‪ .‬قال أبو جعفر النحاس‪ :‬وهذا أحسن ما قيل في‬
‫اليفة‪ ،‬ويدل على صفحته الحديفث المرفوع‪ ،‬روى إبراهيفم بفن طهمان عفن عطاء بفن السفائب عفن‬
‫سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬كان نبي ال سليمان بن دواد‬
‫عليهمفا السفلم إذا صفلى رأى شجرة نابتفة بيفن يديفه فيسفألها مفا اسفمك؟ فإن كانفت لغرس غرسفت‬
‫وإن كانفت لدواء كتبفت؛ فبينمفا هفو يصفلي ذات يوم إذا شجرة نابتفة بيفن يديفه قال مفا اسفمك؟ قالت‪:‬‬
‫الخرنوبة؛ فقال‪ :‬لي شيفء أنفت؟ فقالت‪ :‬لخراب هذا البيفت؛ فقال‪ :‬اللهم عم الجفن موتفي حتفى تعلم‬
‫النس أن الجن ل يعلمون الغيب؛ فنحتها عصا فتوكأ عليها حول ل يعلمون فسقطت‪ ،‬فعلم النس‬
‫أن الجن ل يعلمون الغيب فنظروا مقدار ذلك فوجدوه سنة‪.‬‬
‫وفففي قراءة ابففن مسففعود وابففن عباس "تففبينت النففس أن لو كان الجففن يعلمون الغيففب"‪ .‬وقرأ‬
‫يعقوب ففي روايفة رويفس "تبنفت الجفن" غيفر مسفمى الفاعفل‪ .‬وناففع وأبفو عمرو "تأكفل منسفاته"‬
‫بألف بيفن السفين والتاء مفن غيفر همفز‪ .‬والباقون بهمزة مفتوحفة موضفع اللف‪ ،‬لغتان‪ ،‬إل أن ابفن‬
‫ذكوان أسكن الهمزة تخفيفا‪ ،‬قال الشاعر في ترك الهمزة‪:‬‬
‫تباعد عنك اللهو والغزل‬ ‫إذا دببت على المنساة من كبر فقد‬
‫وقال آخر فهمز وفتح‪:‬‬
‫فصار بذاك مهينا ذليل‬ ‫ضربنا بمنسأة وجهه‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫بمنسأة قد جر حبلك أحبل‬ ‫أمن أجل حبل ل أباك ضربته‬
‫وقال آخر فسكن همزها‪:‬‬
‫كقومة الشيخ إلى منسأته‬ ‫وقائم قد قام من تكأته‬
‫وأصلها من‪ :‬نسأت الغنم أي زجرتها وسقتها‪ ،‬فسميت العصا بذلك لنه يزجر بها الشيء وساق‪.‬‬
‫وقال طرفة‪:‬‬
‫على لحب كأنه ظهر برجد‬ ‫أمون كألواح الران نسئتها‬
‫فسفكن همزهفا‪ .‬قال النحاس‪ :‬واشتقاقهفا يدل على أنهفا مهموزة؛ لنهفا مشتقفة مفن نسفأته أي أخرتفه‬
‫ودفعتفه فقيفل لهفا منسفأة لنهفا يدففع بهفا الشيفء ويؤخفر‪ .‬وقال مجاهفد وعكرمفة‪ :‬هفي العصفا‪ ،‬ثفم قرأ‬
‫"منساته" أبدل من الهمزة ألففا‪ ،‬فإن قيل‪ :‬البدل من الهمزة قبيح جدا وإنمفا يجوز ففي الشعفر على‬
‫بعفد وشذوذ‪ ،‬وأبفو عمرو بن العلء ل يغيب عنه مثفل هذا ل سفيما وأهفل المدينة على هذه القراءة‪.‬‬
‫فالجواب على هذا أن العرب اسفتعملت ففي هذه الكلمفة البدل ونطقوا بهفا هكذا كمفا يقفع البدل ففي‬
‫غيفر هذا ول يقاس عليفه حتفى قال أبفو عمور‪ :‬ولسفت أدري ممفن هفو إل أنهفا غيفر مهموزة لنهفا‬
‫لن مفا كان مهموزا فقفد يترك همزه ومفا لم يكفن مهموزا لم يجفز همزه بوجفه‪ .‬المهدوي‪ :‬ومفن قرأ‬
‫بهمزة سفاكنة فهفو شاذ بعيفد؛ لن هاء التأنيفث ل يكون مفا قبلهفا إل متحركفا أو ألففا‪ ،‬لكنفه يجوز أن‬
‫يكون مفا سفكن مفن المفتوح اسفتخفافا‪ ،‬ويجوز أن يكون لمفا أبدل الهمزة ألففا على غيفر قياس قلب‬
‫اللف همزة كمفا قلبوهفا ففي قولهفم العألم والخأتفم‪ ،‬وروي عفن صفعيد بفن جفبير "مفن" مفصفولة‬
‫"سأته" مهموزة مكسورة التاء؛ فقيل‪ :‬إنه من سئة القوس في لغة من همزها‪ ،‬وقد روي همز سية‬
‫القوس عففن رؤيففة‪ .‬قال الجوهري‪ :‬سففية القوس مففا عطففف مففن طرفيهففا‪ ،‬والجمففع سففيات‪ ،‬والهاء‬
‫عوض عفن الواو‪ ،‬والنسفبة إليهفا سفيوي‪ .‬قال أبفو عفبيدة‪ :‬كان رؤبفة يهمفز "سفية القوس" وسفائر‬
‫العرب ل يهمزونهففا‪ .‬وفففي دابففة الرض قولن‪ :‬أحدهمففا‪ :‬أنهففا أرضففة؛ قال ابففن عباس ومجاهففد‬
‫وغيرهما‪ .‬وقد قرئ "دابة الرض" بفتح الراء‪ ،‬وهو جمع الرضة؛ ذكره الماوردي‪ .‬الثاني‪ :‬أنها‬
‫دابففة تأكففل العيدان‪ .‬قال الجوهري‪ :‬والرضففة (بالتحريففك)‪ :‬دويبففة تأكففل الخشففب؛ يقال‪ :‬أرضففت‬
‫الخشبة تؤرض أرضا (بالتسكين) فهي مأروضة إذا أكلتها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما خر" أي سقط "تبينت الجن" قال الزجاج‪ :‬أي تبينت الجن موته‪ .‬وقال غيره‪:‬‬
‫المعنفى تبين أمر الجن؛ مثل‪" :‬واسأل القرية" [يوسف‪ .]82 :‬وفي التفسير ‪ -‬بالسانيد الصحاح‬
‫عفن ابفن عباس قال‪ :‬أقام سفليمان بفن داود عليهمفا الصفلة والسفلم حول ل يعلم بموتفه وهفو متكفئ‬
‫على عصاه‪ ،‬والجن منصرفة فيما كان أمرها به‪ ،‬ثم سقط بعد حول؛ فلما خر تبينت‪ ،‬النس أن لو‬
‫كان الجففن يعلمون الغيففب مففا لبثوا فففي العذاب المهيففن‪ .‬وهذه القراءة مففن ابففن عباس على جهففة‬
‫التفسففير‪ .‬وفففي الخففبر‪ :‬أن الجففن شكرت ذلك للرضففة فأينمففا كانففت‪ ،‬يأتونهففا بالماء‪ .‬قال السففدي‪:‬‬
‫والطيففن‪ ،‬ألم تففر إلى الطيففن الذي يكون فففي جوف الخشففب فإنففه ممففا يأتيهففا بففه الشياطيففن شكرا؛‬
‫وقالت‪ :‬لو كنففت تأكليففن الطعام والشراب لتيناك بهمففا‪ .‬و"أن" فففي موضففع رفففع على البدل مففن‬
‫الجن‪ ،‬والتقدير‪ :‬تبين أمر الجن‪ ،‬فحذف المضاف‪ ،‬أي تبين وظهر للنس وانكشف لهم أمر الجن‬
‫أنهفم ل يعلمون الغيفب‪ .‬وهذا بدل الشتمال‪ .‬ويجوز أن تكون ففي موضفع نصفب على‪ ،‬تقديفر حذف‬
‫اللم‪" .‬ما لبثوا" أقاموا‪" .‬في العذاب المهين" السخرة والحمل والبنيان وغير ذلك‪ .‬وعمر سليمان‬
‫ثلثفا وخمسفين سفنة‪ ،‬ومدة ملكفه أربعون سفنة؛ فملك وهفو ابفن ثلث عشرة سفنة‪ ،‬وابتدأ ففي بنيان‬
‫بيت المقدس وهو ابن سبع عشره سنة‪ .‬وقال السدي وغيره‪ :‬كان عمر سليمان سبعا وستين ستة‪،‬‬
‫وملك وهو ابفن سفبع عشرة سفنة‪ .‬وابتدأ ففي بنيان بيفت المقدس وهفو ابن عشريفن سفنة‪ ،‬وكان ملكه‬
‫خمسفين سفنة‪ .‬وحكفي أن سفليمان عليفه السفلم ابتدأ بنيان بيفت المقدس ففي السفنة الرابعفة مفن ملكفه‪،‬‬
‫وقرب بعفد فراغفه منفه اثنفي عشفر ألف ثور ومائة وعشريفن ألف شاة‪ ،‬واتخفذ اليوم الذي فرغ فيفه‬
‫من بنائه عيدا‪ ،‬وقام على الصخرة رافعا يديه إلى ال تعالى بالدعاء فقال‪ :‬اللهم أنت وهبت لي هذا‬
‫السلطان وقويتني‪ ،‬على بناء هذا المسجد‪ ،‬اللهم فأوزعني شكرك على ما أنعمت علي وتوفني على‬
‫ملتك ول تزغ قلبي بعد إذ هديتني‪ ،‬اللهم إني أسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال‪ :‬ل يدخله‬
‫مذنب دخل‪ ،‬للتوبة إل غفرت له وتبت عليه‪ .‬ول خائف إل أمنته‪ .‬ول سقيم إل شفيته‪ .‬ول فقير إل‬
‫أغنيته‪ .‬والخامسة‪ :‬أل تصرف نظرك عمن دخله حتى يخرج منه؛ إل من أراد إلحادا أو ظلما‪ ،‬يا‬
‫رب العالمين؛ ذكره الماوردي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا أصفح ممفا تقدم أنفه لم يفرغ بناؤه إل بعفد موتفه بسفنة‪ ،‬والدليفل على صفحة هذا مفا‬
‫خرج النسفائي وغيره بإسفناد صفحيح مفن حديفث عبدال بفن عمرو عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫(أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل ال تعالى خلل ثلثة‪ :‬حكما يصادف حكمه فأوتيه‪،‬‬
‫وسفأل ال تعالى ملكفا ل ينبغفي لحفد مفن بعده فأوتيفه‪ ،‬وسفأل ال تعالى حيفن فرغ مفن بنائه المسفجد‬
‫أل يأتيه أحد ل ينهزه إل الصلة فيه أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه) وقد ذكرنا هذا الحديث‬
‫في "آل عمران" وذكرنا بناءه في "السراء"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 15 :‬لقفد كان لسفبأ ففي مسفكنهم آيفة جنتان عفن يميفن وشمال كلوا مفن رزق ربكفم‬
‫واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقفد كان لسفبأ ففي مسفكنهم آيفة" قرأ ناففع وغيره بالصفرف والتنويفن على أنه اسفم‬
‫حي‪ ،‬وهو في الصل اسم رجل؛ جاء بذلك التوقيف عن النبي صلى ال عليه وسلم روى الترمذي‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبو كريب وعبد بن حميد قال حدثنا أبو أسامة عن الحسن بن الحكم النخعي قال حدثنا‬
‫أبفو سفبرة النخعفي عفن فروة بفن مسفيك المرادي قال‪ :‬أتيفت النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقلت‪ :‬يفا‬
‫رسول ال‪ ،‬أل أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؛ فأذن لي في قتالهم وأمر؛ فلما خرجت من‬
‫عنده سأل عني‪( :‬ما فعل الغطيفي)؟ فأخبر أني قد سرت‪ ،‬قال‪ :‬فأرسل في أثري فردني فأتيته وهو‬
‫في نفر من أصحابه فقال‪( :‬ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه ومن لم يسلم فل تعجل حتى أحدث‬
‫إليك؛ قال‪ :‬وأنزل في سبأ ما أنزل؛ فقال رجل‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬وما سبأ؟ أرض أو امرأة؟ قال‪ :‬ليس‬
‫بأرض ول بامرأة ولكنفه رجفل ولد عشرة مفن العرب فتيامفن منهفم سفتة وتشاءم منهفم أربعفة‪ .‬فأمفا‬
‫الذيفن تشاءموا فلخفم وجذام وغسفان وعاملة‪ .‬وأمفا الذيفن تيامنوا فالزد والشعريون وحميفر وكندة‬
‫ومذحج وأنمار‪ .‬فقال رجل‪ :‬يا رسول ال وما أنمار؟ قال‪( :‬الذين منهم خثعفم وبجيلة)‪ .‬وروي هذا‬
‫عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪ .‬وقرأ ابن‬
‫كثير وأبو عمرو "لسبأَ" بغير صرف‪ ،‬جعله اسما للقبيلة‪ ،‬وهو اختيار أبي عبيد‪ ،‬واستدل على أنه‬
‫اسفم قفبيلة بأن بعده "ففي مسفاكنهم"‪ .‬النحاس‪ :‬ولو كان كمفا قال لكان ففي مسفاكنها‪ .‬وقفد مضفى ففي‬
‫"النمل" زيادة بيان لهذا المعنى‪ .‬وقال الشاعر في الصرف‪:‬‬
‫قد عض أعناقهم جلد الجواميس‬ ‫الواردون وتم في ذرى سبأ‬
‫وقال آخر في غير الصرف‪:‬‬
‫يبنون من دون سيلها العرما‬ ‫من سبأ الحاضرين مأرب إذ‬
‫وقرأ قنبل وأبو حيوة والجحدري "لسبأْ" بإسكان الهمزة‪" .‬في مساكنهم" قراءة العامة على الجمع‪،‬‬
‫وهففي اختيار أبففي عبيففد وأبففي حاتففم؛ لن لهففم مسففاكن كثيرة وليففس بمسففكن واحففد‪ .‬وقرأ إبراهيففم‬
‫وحمزة وحففص "مسفكنهم" موحدا‪ ،‬إل أنهفم فتحوا الكاف‪ .‬وقرأ يحيفى والعمفش والكسفائي موحدا‬
‫كذلك‪ ،‬إل أنهم كسروا الكاف‪ .‬قال النحاس‪ :‬والساكن في هذا أبين؛ لنه يجمع اللفظ والمعنى‪ ،‬فإذا‬
‫قلت "مسفكنهم" كان فيفه تقديران‪ :‬أحدهمفا‪ :‬أن يكون واحدا يؤدي عفن الجمفع‪ .‬والخفر‪ :‬أن يكون‬
‫مصفففدرا ل يثنفففي ول يجمفففع؛ كمفففا قال ال تعالى‪" :‬ختفففم ال على قلوبهفففم وعلى سفففمعهم وعلى‬
‫أبصفارهم" [البقرة‪ ]7 :‬فجاء بالسفمع موحدا‪ .‬وكذا "مقعفد صفدق" [القمفر‪ ]55 :‬و"مسفكن" مثفل‬
‫مسفجد‪ ،‬خارج عفن القياس‪ ،‬ول يوجفد مثله إل سفماعا‪" .‬آيفة" اسفم كان‪ ،‬أي علمفة دالة على قدرة‬
‫ال تعالى على أن لهم خالقا خلقهم‪ ،‬وأن كل الخلئق لو اجتمعوا على أن يخرجوا من الخشبة ثمرة‬
‫لم يمكنهففم ذلك‪ ،‬ولم يهتدوا إلى اختلف أجناس الثمار وألوانهففا وطعومهففا وروائحهففا وأزهارهففا‪،‬‬
‫وففي ذلك مفا يدل على أنهفا ل تكون إل مفن عالم قادر‪" .‬جنتان عفن يميفن وشمال" يجوز أن يكون‬
‫بدل مفن "آيفة"‪ ،‬ويجوز أن يكون خففبر ابتداء محذوف‪،‬فوقففف على هذا الوجفه على "آيفة" وليفس‬
‫بتمام‪ .‬قال الزجاج‪ :‬أي اليففة جنتان‪ ،‬فجنتان رفففع لنففه خففبر ابتداء محذوف‪ .‬وقال الفراء‪ :‬رفففع‬
‫تفسيرا للية‪ ،‬ويجوز أن تنصب "آية" على أنها خبر كان‪ ،‬ويجوز أن تنصب الجنتين على الخبر‬
‫أيضا في غير القرآن‪ .‬وقال عبدالرحمن بن زيد‪ :‬إن الية التي كانت لهل سبأ في مساكنهم أنهم لم‬
‫يروا فيهفا بعوضفة قفط ول ذبابفا ول برغوثفا ول قملة ول عقربفا ول حيفة ول غيرهفا مفن الهوام‪،‬‬
‫وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل والدواب فإذا نظروا إلى بيوتهم ماتت الدواب‪ .‬وقيل‪ :‬إن الية‬
‫هفي الجنتان‪ ،‬كانفت المرأة تمشفي فيهمفا وعلى رأسفها مكتفل فيمتلئ مفن أنواع الفواكفه مفن غيفر أن‬
‫تمسها بيدها؛ قال قتادة‪ .‬وروى أن الجنتين كانتا بين جبلين باليمن‪ .‬قال سفيان‪ :‬وجد فيهما قصران‬
‫مكتوب على أحدهما‪ :‬نحن بنينا سلحين في سبعين خريفا دائبين‪ ،‬وعلى الخر مكتوب‪ :‬نحن بنينا‬
‫صروح‪ ،‬مقيل ومراح؛ فكانت إحدى الجنتين عن يمين الوادي والخرى عن شماله قال القشيري‪:‬‬
‫ولم يرد جنتيفن اثنيفن بفل أراد مفن الجنتيفن يمنفة ويسفرة؛ أي كانفت بلدهفم ذات بسفاتين وأشجار‬
‫وثمار؛ تسفتتر الناس بظللهفا‪".‬كلوا مفن رزق ربكفم"أي قيفل لهفم كلوا‪ ،‬ولم يكفن ثفم أمفر‪ ،‬ولكنهفم‬
‫تمكنوا من تلك النعم‪ .‬وقيل‪ :‬أي قالت الرسل لهم قد أباح ال تعالى لهم ذلك؛ أي أباح لكم هذه النعم‬
‫فاشكروه بالطاعففة‪" .‬كلوا مففن رزق ربكففم" أي مففن ثمار الجنتيففن‪" .‬واشكروا له" يعنففي على مففا‬
‫رزقكفم‪" .‬بلدة طيبفة" هذا كلم مسفتأنف؛ أي هذه بلدة طيبفة أي كثيرة الثمار‪ .‬وقيفل‪ :‬غيفر سفبخة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬طيبة ليس فيها هوام لطيب هوائها‪ .‬قال مجاهد‪ :‬هي صنعاء‪" .‬ورب غفور" أي والمنعم بها‬
‫عليكفم رب غفور يسفتر ذنوبكفم‪ ،‬فجمفع لهفم بيفن مغفرة ذنوبهفم وطيفب بلدهفم ولم يجمفع ذلك لجميفع‬
‫خلقه‪ .‬وقيل‪ :‬إنما ذكر المغفرة مشيرا إلى أن الرزق قد‪ .‬يكون فيه حرام‪ .‬وقد‪ .‬مضى القول في هذا‬
‫في أول "البقرة"‪ .‬وقيل‪ :‬إنما امتن عليهم بعفوه عن عذاب الستئصال بتكذيب من كذبوه من سالف‬
‫النبياء إلى أن استداموا الصرار فاستؤصلوا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 16 :‬فأعرضوا فأرسفلنا عليهفم سفيل العرم وبدلناهفم بجنتيهفم جنتيفن ذواتفي أكفل خمفط‬
‫وأثل وشيء من سدر قليل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأعرضوا" يعني عن أمره واتباع رسله بعد أن كانوا مسلمين قال السدي ووهب‪:‬‬
‫بعث إلى أهل سبأ ثلثة عشر نبيا فكذبوهم‪ .‬قال القشيري‪ :‬وكان لهم رئيس يلقب بالحمار‪ ،‬وكانوا‬
‫في زمن الفترة بين عيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم وقيل‪ :‬كان له ولد فمات فرفع رأسه إلى‪،‬‬
‫السفماء فبزق وكففر؛ ولهذا يقال‪ :‬أكففر مفن حمار‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬وقولهفم "أكففر مفن حمار" هفو‬
‫رجففل‪ ،‬مففن عاد مات له أولد فكفففر كفرا عظيمففا‪ ،‬فل يمففر بأرضففه أحففد إل دعاه إلى الكفففر‪ ،‬فإن‬
‫أجابفه وإل قتله‪ .‬ثفم لمفا سفال السفيل بجنتيهفم تفرقوا ففي البلد؛ على مفا يأتفي بيانفه‪ .‬ولهذا قيفل ففي‬
‫المثفل‪" :‬تفرقوا أيادي سفبا"‪ .‬وقيفل‪ :‬الوس والخزرج منهفم‪" .‬فأرسفلنا عليهفم سفيل العرم" والعرم‬
‫فيمفا روي عفن ابفن عباس‪ :‬السفد فالتقديفر‪ :‬سفيل السفد العرم‪ .‬وقال عطاء‪ :‬العرم اسفم الوادي‪ .‬قتادة‪:‬‬
‫العرم وادي سبأ؛ كانت تجتمع إليه مسايل من الودية‪ ،‬قيل من البحر وأودية اليمن؛ فردموا ردما‬
‫بين جبلين وجعلوا في ذلك الردم ثلثة أبواب بعضها فوق بعض‪ ،‬فكانوا يسقون من العلى ثم من‬
‫الثانفي ثفم مفن الثالث على قدر حاجاتهفم؛ فأخصفبوا وكثرت أموالهفم‪ ،‬فلمفا كذبوا الرسفل سفلط ال‬
‫عليهفم الفأر فنقفب الردم‪ .‬قال وهفب‪ :‬كانوا يزعمون أنهفم يجدون ففي علمهفم وكهانتهفم أنفه يخرب‬
‫سدهم فأرة فلم يتركوا فرجة بين صخرتين إل ربطوا إلى جانبها هرة؛ فلما جاء ما أراد ال تعالى‬
‫بهفم أقبلت فأرة حمراء إلى بعفض تلك الهرر فسفاورتها حتفى اسفتأخرت عفن الصفخرة ودخلت ففي‬
‫الفرجة التي كانت عندها ونقبت السد حتى أوهنته للسيل وهم ل يدرون؛ فلما جاء السيل دخل تلك‬
‫الخلل حتففى بلغ السففد وفاض الماء على أموالهففم فغرقهففا ودفففن بيوتهففم‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬العرم اسففم‬
‫الجرذ الذي نقب السكر عليهم‪ ،‬وهو الذي يقال له الخلد ‪ -‬وقال قتادة أيضا ‪ -‬فنسب السيل إليه لنه‬
‫بسفببه‪ .‬وقفد قال ابفن العرابفي أيضفا‪ :‬العرم مفن أسفماء الفأر‪ .‬وقال مجاهفد وابفن أبفي‪ :‬العرم ماء‬
‫أحمر أرسله ال تعالى في العد فشقه وهدمه‪ .‬وعن ابن عباس أيضا أن العرم المطر الشديد‪ .‬وقيل‬
‫العرم بسكون الراء‪ .‬وعن الضحاك كانوا في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلم‪ .‬وقال عمرو‬
‫بن شرحبيل‪ :‬العرم المسناة؛ وقاله الجوهري‪ ،‬قال‪ :‬ول واحد لها من لفظها‪ ،‬ويقال واحدها عرمة‪.‬‬
‫وقال محمفد بفن يزيفد‪ :‬العرم كفل شيفء حاجفز بيفن شيئيفن‪ ،‬وهفو الذي يسفمى السفكر‪ ،‬وهفو جمفع‬
‫عرمة‪ .‬النحاس‪ :‬وما يجتمع من مطر بين جبلين وفي وجهه مسناة فهو العرم‪ ،‬والمسناة هي التي‬
‫يسفميها أهفل مصفر الجسفر؛ فكانوا يفتحونهفا إذا شاؤوا فإذا رويفت جنتاهفم سفدوها‪ .‬قال الهروي‪:‬‬
‫المسفناة الضفيرة تبنفي للسفيل ترده‪ ،‬سفميت مسفناة لن فيهفا مفاتفح الماء‪ .‬وروي أن العرم سفد بنتفه‬
‫بلقيفس صفاحبة سفليمان عليفه الصفلة والسفلم‪ ،‬وهفو المسفناة بلغفة حميفر‪ ،‬بنتفه بالصفخر والقار‪،‬‬
‫وجعلت له أبوابفا ثلثفة ببعضهفا فوق بعفض‪ ،‬وهفو مشتفق مفن العرامفة وهفي الشدة‪ ،‬ومنفه‪ :‬رجفل‬
‫عارم‪ ،‬أي شديفد‪ ،‬وعرمفت العظفم أعرمفه وأعرمفه عرمفا إذا عرقتفه‪ ،‬وكذلك عرمفت البفل الشجفر‬
‫أي نالت منفه‪ .‬والعرام بالضفم‪ :‬العراق مفن العظفم والشجفر‪ .‬وتعرمفت العظفم تعرقتفه‪ .‬وصفبي عارم‬
‫بيففن العرام (بالضففم) أي شرس‪ .‬وقففد عرم يعرم ويعرم عرامففة (بالفتففح)‪ .‬والعرم العارم؛ عففن‬
‫الجوهري‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبدلناهفم بجنتيهفم جنتيفن ذواتفى أكفل خمفط" وقرأ أبفو عمرو (أكفل خمفط) بغيفر‬
‫تنويفن مضاففا‪ .‬قال أهفل التفسفير والخليفل‪ :‬الخمفط الراك‪ .‬الجوهري‪ :‬الخمفط ضرب من الراك له‬
‫حمفل يؤكفل‪ .‬وقال أبفو عفبيدة‪ :‬هفو كفل ذي شوك فيفه مرارة‪ .‬الزجاج‪ :‬كفل نبفت فيفه مرارة ل يمكفن‬
‫أكله‪ .‬المفبرد‪ :‬الخمفط كفل مفا تغيفر إلى مفا ل يشتهفي‪ .‬واللبفن خمفط إذا حمفض‪ .‬والولى عنده ففي‬
‫القراءة "ذواتفي أكفل خمفط" بالتنويفن على أنفه نعفت لفف "أكفل" أو بدل منفه؛ لن الكفل هفو الخمفط‬
‫بعينفه عنده‪ ،‬فأمفا الضاففة فباب جوازهفا أن يكون تقديرهفا ذواتفي أكفل حموضفة أو أكفل مرارة‪.‬‬
‫وقال الخففش‪ :‬والضاففة أحسفن ففي كلم العرب؛ نحفو قولهفم‪ :‬ثوب خفز والخمفط‪ :‬اللبفن الحامفض‬
‫وذكر أبو عبيد أن اللبن إذا ذهب عنه حلوة الحلب ولم يتغير طعمه فهو سامط؛ وإن أخذ شيئا من‬
‫الريح فهو خامط وخميط‪ ،‬فإن أخذ شيئا من طعم فهو ممحل‪ ،‬فإذا كان فيه طعم الحلوة فهو فوهة‪.‬‬
‫وتخمفط الفحفل‪ :‬هدر‪ .‬وتخمفط فلن أي غضفب وتكفبر‪ .‬وتخمفط البحفر أي التطفم‪ .‬وخمطفت الشاة‬
‫أخمطهفا خمطفا‪ :‬إذا نزعفت جلدهفا وشويتهفا فهفي خميفط‪ ،‬فإن نزعفت شعرهفا وشويتهفا فهفي سفميط‪.‬‬
‫والخمطفة‪ :‬الخمفر التفي قفد أخذت ريفح الدراك كريفح التفاح ولم تدرك بعفد‪ .‬ويقال هفي الحامضفة؛‬
‫قاله الجوهري‪ .‬وقال القتبي في أدب الكاتب‪ .‬يقال للحامضة خمطة‪ ،‬ويقال‪ :‬الخمطة التي قد أخذت‬
‫شيئا من الريح؛ وأنشد‪:‬‬
‫ول خلة يكوي الشروب شهابها‬ ‫عقار كماء النيء ليست بخمطة‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأثفل" قال الفراء‪ :‬هفو شفبيه بالطرفاء إل أنفه أعظفم منفه طول؛ (منفه اتخفذ منفبر‬
‫النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬وللثفل أصفول غليظفة يتخفذ منفه البواب‪ ،‬وورقفه كورق الطرفاء‪،‬‬
‫الواحدة أثلة والجمففع أثلث‪ .‬وقال الحسففن‪ :‬الثففل الخشففب‪ .‬قتادة‪ :‬هففو ضرب مففن الخشففب يشبففه‬
‫الطرفاء رأيتففه بفيففد‪ .‬وقيففل هففو السففمر‪ .‬وقال أبففو عففبيدة‪ :‬هففو شجففر النضار‪ .‬النضار‪ :‬الذهففب‪.‬‬
‫والنضار‪ :‬خشفب يعمفل منفه قصفاع‪ ،‬ومنفه‪ :‬قدح نضار‪" .‬وشيفء مفن سفدر قليفل" قال الفراء‪ :‬هفو‬
‫السففمر؛ ذكره النحاس‪ .‬وقال الزهري‪ :‬السفدر مفن الشجففر سفدران‪ :‬بري ل ينتففع بفه ول يصفلح‬
‫ورقفه للغسفول وله ثمفر عففص ل يؤكفل‪ ،‬وهفو الذي يسفمى الضال‪ .‬والثانفي‪ :‬سفدر ينبفت على الماء‬
‫وثمره النبق وورقه غسول يشبه شجر العناب‪ .‬قال قتادة‪ :‬بينما شجر القوم من خير شجر إذ صيره‬
‫ال تعالى مففن شففر الشجففر بأعمالهففم‪ ،‬فأهلك أشجارهففم المثمرة وأنبففت بدلهففا الراك والطرفاء‬
‫والسدر‪ .‬القشري‪ :‬وأشجار البوادي ل تسمى جنة وبستانا ولكن لما وقعت الثانية في مقابلة الولى‬
‫أطلق لفففظ الجنففة‪ ،‬وهففو كقوله تعالى‪" :‬وجزاء سففيئة سففيئة مثلهففا" [الشورى‪ .]40 :‬ويحتمففل أن‬
‫يرجع قوله "قليل" إلى جملة ما ذكر من الخمط والثل والسدر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إل الكفور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك جزيناهم بما كفروا" أي هذا التبديل جزاء كفرهفم‪ .‬وموضع "ذلك" نصب؛‬
‫أي جزيناهفم ذلك بكفرهفم‪" .‬وهفل يجازى إل الكفور" قراءة العامفة "يجازى بياء مضمومفة وزاي‬
‫مفتوحة‪" ،‬الكفور" رفعا على ما لم يسم فاعله‪ .‬وقرأ يعقوب وحفص وحمزة والكسائي‪" :‬نجازي"‬
‫بالنون وكسفر الزاي‪" ،‬الكفور" بالنصفب‪ ،‬واختاره أبفو عبيفد وأبفو حاتفم‪ ،‬قال‪ :‬لن قبله "جزيناهفم"‬
‫ولم يقفل جوزوا‪ .‬النحاس‪ :‬والمفر ففي هذا واسفع‪ ،‬والمعنفى فيفه بيفن‪ ،‬ولو قال قائل‪ :‬خلق ال تعالى‬
‫آدم صلى ال عليه وسلم من طين‪ ،‬وقال آخر‪ :‬خلق آدم من طين‪ ،‬لكان المعنى واحدا‪.‬‬
‫مسفألة‪ :‬ففي هذه اليفة سفؤال ليفس ففي هذه السفورة أشفد منفه‪ ،‬وهفو أن يقال‪ :‬لم خفص ال تعالى‬
‫المجازاة بالكفور ولم يذكر أصحاب المعاصي؟ فتكلم العلماء في هذا؛ فقال قوم‪ :‬ليس يجازى بهذا‬
‫الجزاء الذي هفو الصفطلم والهلك إل مفن كففر‪ .‬وقال مجاهفد‪ :‬يجازى بمعنفى يعاقفب؛ وذلك أن‬
‫المؤمفن يكففر ال تعالى عنفه سفيئاته‪ ،‬والكاففر يجازى بكفل سفوء عمله؛ فالمؤمفن يجزى ول يجازى‬
‫لنه يئاب‪ .‬وقال طاوس‪ :‬هو المناقشة في الحساب‪ ،‬وأما المؤمن فل يناقش الحساب‪ .‬وقال قطرب‬
‫خلف هذا‪ ،‬فجهلهفا ففي أهفل المعاصفي غيفر الكفار‪ ،‬وقال‪ :‬المعنفى على مفن كففر بالنعفم وعمفل‬
‫بالكبائر‪ .‬النحاس‪ :‬وأولى ما قيل في هذه الية وأجل ما روي فيها‪ :‬أن الحسن قال مثل بمثل‪ .‬وعن‬
‫عائشفة رضفي ال عنهفا قالت‪ :‬سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقول‪( :‬مفن حوسفب هلك)‬
‫فقلت‪ :‬يا نبي ال‪ ،‬فأين قوله جل وعز‪" :‬فسوف يحاسب حسابا يسيرا" [النشقاق‪]8 :‬؟ قال‪(:‬إنما‬
‫ذلك العرض ومن نوقش الحساب هلك)‪ .‬وهذا إسناد صحيح‪ ،‬وشرحه‪ :‬أن الكافر يكافأ على أعماله‬
‫ويحاسفب عليهفا ويحبفط مفا عمفل مفن خيفر؛ ويفبين هذا قوله تعالى ففي الول‪" :‬ذلك جزيناهفم بمفا‬
‫كفروا" وففي الثانفي‪ :‬وهفل يجازى إل الكفور" ومعنفى "يجازى"‪ :‬يكاففأ بكفل عمفل عمله‪ ،‬ومعنفى‬
‫"جزيناهم"‪ .‬وفيناهم؛ فهذا حقيقة اللغة‪ ،‬وإن كان "جازى" يقع بمعنى "جزى"‪ .‬مجازا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا‬
‫فيها ليالي وأياما آمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعلنفا بينهفم وبيفن القرى التفي باركنفا فيهفا قرى ظاهرة" قال الحسفن‪ :‬يعنفي بيفن‬
‫اليمفن والشأم‪ .‬والقرى التفي بورك فيهفا‪ :‬الشام والردن وفلسفطين‪ .‬والبركفة‪ :‬قيفل إنهفا كانفت أربعفة‬
‫آلف وسفبعمائة قريفة بورك فيهفا بالشجفر والثمفر والماء‪ .‬ويحتمفل أن يكون "باركنفا فيهفا" بكثرة‬
‫العدد‪" .‬قرى ظاهرة" قال ابففن عباس‪ :‬يريففد بيففن المدينففة والشام‪ .‬وقال قتادة‪ :‬معنففى "ظاهرة"‪:‬‬
‫متصفلة على طريفق‪ ،‬يغدون فيقيلون ففي قريفة ويروحون فيفبيتون ففي قريفة‪ .‬وقيفل‪ :‬كان على كفل‬
‫ميفل قريفة بسفوق‪ ،‬وهفو سفبب أمفن الطريفق‪ .‬قال الحسفن‪ :‬كانفت المرأة تخرج معهفا مغزلهفا وعلى‬
‫رأسها مكتلها ثم تلتهي بمغزلها فل تأتي بيتها حتى يمتلئ مكتلها من كل الثمار‪ ،‬فكان ما بين الشام‬
‫واليمن كذلك‪ .‬وقيل "ظاهرة" أي مرتفعة‪ ،‬قال المبرد‪ .‬وقيل‪ :‬إنما قيل لها "ظاهرة" لظهورها‪ ،‬أي‬
‫إذا خرجفت عفن هذه ظهرت لك الخرى‪ ،‬فكانفت قرى ظاهرة أي معروففة‪ ،‬يقال‪ :‬هذا أمفر ظاهفر‬
‫أي معروف‪" .‬وقدرنفا فيهفا السفير" أي جعلنفا السفير بيفن قراهفم وبيفن القرى التفي باركنفا فيهفا سفيرا‬
‫مقدرا من منزل إلى منزل‪ ،‬ومن قرية إلى قرية‪ ،‬أي جعلنا بين كل قريتين نصف يوم حتى يكون‬
‫المقيل في قرية والمبيت في قرية أخرى‪ .‬وإنما يبالغ النسان في السير لعدم الزاد والهاء ولخوف‬
‫الطريفق‪ ،‬فإذا وجفد الزاد والمفن لم يحمفل على نفسفه المشقفة ونزل أينمفا أراد‪" .‬سفيروا فيهفا" أي‬
‫وقلنفا لهفم سفيروا فيهفا‪ ،‬أي ففي هذه المسفافة فهفو أمفر تمكيفن‪ ،‬أي كانوا يسفيرون فيهفا إلى مقاصفدهم‬
‫إذا أرادوا آمنين‪ ،‬فهو أمر بمعنى الخبر‪ ،‬وفيه إضمار القول‪" .‬ليالي وأياما آمنين" ظرفان "آمنين"‬
‫نصففب على الحال‪ .‬وقال‪" :‬ليالي وأيامففا" بلفففظ النكرة تنبيهففا على قصففر أسفففارهم؛ أي كانوا ل‬
‫يحتاجون إلى طول السفففر لوجود مففا يحتاجون إليففه‪ .‬قال قتادة‪ :‬كانوا يسففيرون غيففر خائفيففن ول‬
‫جياع ول ظلماء‪ ،‬وكانوا يسفيرون مسفيرة أربعفة أشهفر ففي أمان ل يحرك بعضهفم بعضفا‪ ،‬ولو لقفي‬
‫الرجل قاتل أبيه ل يحركه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 19 :‬فقالوا ربنفا باعفد بيفن أسففارنا وظلموا أنفسفهم فجعلناهفم أحاديفث ومزقناهفم كفل‬
‫ممزق إن في ذلك ليات لكل صبار شكور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقالوا ربنفا باعفد بيفن أسففارنا" لمفا بطروا وطغوا وسفئموا الراحفة ولم يصفبروا‬
‫على العافيفة تمنوا طول السففار والكدح ففي المعيشفة؛ كقول بنفي إسفرائيل‪" :،‬فادع لنفا ربفك يخرج‬
‫لنفا ممفا تنبفت الرض مفن بقلهفا" [البقرة‪ ]61 :‬اليفة‪ .‬وكالنضفر بفن الحارث حيفن قال‪" :‬اللهفم إن‬
‫كان هذا هفو الحفق مفن عندك فأمطفر علينفا حجارة مفن السفماء" [النفال‪ ]32 :‬فأجابفه ال تبارك‬
‫وتعالى‪ ،‬وقتفل يوم بدر بالسفيف صفبرا؛ فكذلك هؤلء تبددوا ففي الدنيفا ومزقوا كفل ممزق‪ ،‬وجعفل‬
‫بينهفم وبيفن الشام فلوات ومفاوز يركبون فيهفا الرواحفل ويتزودون الزواد‪ .‬وقراءة العامفة "ربنفا"‬
‫بالنصب على أنه نداء مضاف‪ ،‬وهو منصوب لنه مفعول به‪ ،‬لن معناه‪ :‬ناديت ودعوت‪" .‬باعد"‬
‫سفألوا المباعدة ففي أسففارهم‪ .‬وقرأ ابفن كثيفر وأبفو عمرو وابفن محيصفن وهشام عفن ابفن عامفر‪:‬‬
‫"ربنفا" كذلك على الدعاء "بعفد" مفن التبعيفد‪ .‬النحاس‪ :‬وباعفد وبعفد واحفد ففي المعنفى‪ ،‬كمفا تقول‪:‬‬
‫قارب وقرب‪ .‬وقرأ أبو صالح ومحمد ابن الحنفية وأبو العالية ونصر بن عاصم ويعقوب‪ ،‬ويروى‬
‫عفن ابفن عباس‪" :‬ربنفا" رفعفا "باعفد" بفتفح العيفن والدال على الخفبر‪ ،‬تقديره‪ :‬لقفد باعفد ربنفا بيفن‬
‫أسففارنا‪ ،‬كأن ال تعالى يقول‪ :‬قربنفا لهفم أسففارهم فقالوا أشرا وبطرا‪ :‬لقفد بوعدت علينفا أسففارنا‪.‬‬
‫واختار هذه القراءة أبفو حاتفم قال‪ :‬لنهفم مفا طلبوا التبعيفد إنمفا طلبوا أقرب مفن ذلك القرب بطرا‬
‫وعجبا مع كفرهم‪ .‬وقراءة يحيى بن يعمر وعيسى بن عمر وتروى عن ابن عباس "ربنا بعد بين‬
‫أسففارنا" بشفد العيفن مفن غيفر ألف‪ ،‬وفسفرها ابفن عباس قال‪ :‬شكوا أن ربهفم باعفد بيفن أسففارهم‪.‬‬
‫وقراءة سعيد بن أبي الحسن أخى الحسن البصري "ربنا بعد بن أسفارنا‪" .‬ربنا" نداء مضاف‪ ،‬ثم‬
‫أخبروا بعد ذلك فقالوا‪" :‬بعد بين أسفارنا" ورفع "بين" بالفعل‪ ،‬أي‪ ،‬بعدما يتصل بأسفارنا‪ .‬وروى‬
‫الفراء وأبو إسحاق قراءة سادسة مثل التي قبلها في ضم العين إل أنك تنصب "بين" على ظرف‪،‬‬
‫وتقديره ففي العربيفة‪ :‬بعفد سفيرنا بيفن أسففارنا‪ .‬النحاس‪ :‬وهذه القراءات إذا اختلففت معانيهفا لم يجفز‬
‫أن يقال إحداهفا أجود مفن الخرى‪ ،‬كمفا ل يقال ذلك ففي أخبار الحاد إذا اختلففت معانيهفا‪ ،‬ولكفن‬
‫خبر عنهم أنهم دعوا ربهم أن يبعد بين أسفارهم بطرا وأشرا‪ ،‬وخبر عنهم أنهم لما فعل ذلك بهم‬
‫خففبروا بففه وشكوا‪ ،‬كمففا قال ابففن عباس‪" .‬وظلموا أنفسففهم" أي بكفرهففم "فجعلناهففم أحاديففث" أي‬
‫يتحدث بأخبارهفم‪ ،‬وتقديره ففي العربيفة‪ :‬ذوي أحاديفث‪" .‬ومزقناهفم كفل ممزق" أي لمفا لحقهفم مفا‬
‫لحقهففم تفرقوا‪ .‬وتمزقوا‪ .‬قال الشعففبي‪ :‬فلحقففت النصففار بيثرب‪ ،‬وغسففان بالشام‪ ،‬والسففد بعمان‪،‬‬
‫وخزاعففة بتهامففة‪ ،‬وكانففت العرب تضرب بهففم المثففل فتقول‪ :‬تفرقوا أيدي سففبأ وأيادي سففبأ‪ ،‬أي‬
‫مذاهفب سفبأ وطرقها‪" .‬إن في ذلك ليات لكل صفبار شكور" الصبار الذي يصفبر عن المعاصفي‪،‬‬
‫وهفو تكثيفر صفابر يمدح بهذا السفم‪ .‬فإن أردت أنفه صفبر عفن المعصفية لم يسفتعمل فيفه إل صفبار‬
‫عن كذا‪" .‬شكور" لنعمه؛ وقد مضى هذا المعنى في "البقرة"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إل فريقا من المؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقفد صفدق عليهفم إبليفس ظنفه فاتبعوه" فيفه أربفع قراءات‪ :‬قرأ أبفو جعففر وشيبفة‬
‫وناففع وأبفو عمرو وابفن كثيفر وابفن عامفر ويروى عفن مجاهفد‪" ،‬ولقفد صفدق عليهفم" بالتخفيفف‬
‫"إبليس" بالرفع "ظنه" بالنصب؛ أي في ظنه‪ .‬قال الزجاج‪ :‬وهو على المصدر أي "صدق عليهم‬
‫ظنا ظنه إذ صدق في ظنه؛ فنصب على المصدر أو على الظرف‪ .‬وقال أبو علي‪" :‬ظنه" نصب‬
‫لنفه مفعول بفه؛ أي صفدق الظفن الذي ظنفه إذ قال‪" :‬لقعدن لهفم صفراطك المسفتقيم" [العراف‪:‬‬
‫‪ ]16‬وقال‪" :‬لغوينهفم أجمعين" [الحجفر‪]39 :‬؛ ويجوز تعدية الصفدق إلى المفعول به‪ ،‬ويقال‪:‬‬
‫صففدق الحديففث‪ ،‬أي فففي الحديففث‪ .‬وقرأ ابففن عباس يحيففى بففن وثاب والعمففش وعاصففم وحمزة‬
‫والكسفائي‪" :‬صفدق" بالتشديفد "ظنفه" بالنصفب بوقوع الفعفل عليفه‪ .‬قال مجاهفد‪ :‬ظفن ظنفا فكان كمفا‬
‫ظن فصدق ظنه‪ .‬وقرأ جعفر بن محمد وأبو الهجهاج "صدق عليهم" بالتخفيف "إبليس" بالنصب‬
‫"ظنه" بالرفع‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬ل وجه لهذه القراءة عندي‪ ،‬وال تعالى أعلم‪ .‬وقد أجاز هذه القراءة‬
‫الفراء وذكرها الزجاج وجعل الظن فاعل "صدق" "إبليس" مفعول به؛ والمعنى‪ :‬أن إبليس سول‬
‫له ظنففه فيهففم شيئا فصففدق ظنففه‪ ،‬فكأنففه قال‪ :‬ولقففد صففدق عليهففم ظففن إبليففس‪ .‬و"على" متعلقففة بفف‬
‫"صفدق"‪ ،‬كمفا تقول‪ :‬صفدقت عليفك فيمفا ظننتفه بفك‪ ،‬ول تتعلق بالظفن لسفتحالة تقدم شيفء‪ .‬مفن‬
‫الصلة على الموصول‪ .‬والقراءة الرابعة‪" :‬ولقد صدق عليهم إبليس ظنه" برفع إبليس والظن‪ ،‬مع‬
‫التخفيف في "صدق" على أن يكون ظنه بدل من إبليس وهو بدل الشتمال‪ .‬ثم قيل‪ :‬هذا في أهل‬
‫سبأ‪ ،‬أي كفروا وغيروا وبدلوا بعد أن كانوا مسلمين إل قوما منهم آمنوا برسلهم‪ .‬وقيل‪ :‬هذا عالم‪،‬‬
‫أي صدق إبليس ظنه على الناس كلهم إل من أطاع ال تعالى؛ قال مجاهد‪ .‬وقال الحسن‪ :‬لما أهبط‬
‫آدم عليه السلم من الجنة ومعه حواء وهبط إبليس قال إبليس‪ :‬أما إذ أصبت من البوين ما أصبت‬
‫فالذريفة أضعفف وأضعفف! فكان ذلك ظنفا مفن إبليفس‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬ولقفد صفدق عليهفم إبليفس‬
‫ظنفه"‪ .‬وقال ابفن عباس‪ :‬إن إبليفس قال‪ :‬خلقفت مفن نار وخلق آدم مفن طيفن والنار تحرق كفل شيفء‬
‫"لحتنكن ذريته إل قليل" [السراء‪ ]62 :‬فصدق ظنه عليهم‪ .‬وقال زيد بن أسلم‪ :‬إن إبليس قال يا‬
‫رب أرأيت هؤلء الذين كرمتهم وشرفتهم وفضلتهم علي ل تجد أكثرهم شاكرين‪ ،‬ظنا منه فصدق‬
‫عليهم إبليس ظنه‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬إنه ظن أنه إن أغواهم أجابوه وإن أضلهم أطاعوه‪ ،‬فصدق ظنه‪.‬‬
‫"فاتبعوه" قال الحسفن‪ :‬ما ضربهفم بسوء ول بعصفا وإنما ظن ظنفا فكان كما ظن بوسوسته‪" .‬إل‬
‫فريقا من المؤمنين" نصب على الستثناء‪ ،‬وفيه قولن‪ :‬أحدهما أنه يراد به بعض المؤمنين‪ ،‬لن‬
‫كثيرا من المؤمنين من يذنب وينقاد لبليس في بعض المعاصي‪ ،‬أي ما سلم من المؤمنين أيضا إل‬
‫فريفق وهفو المعنفى بقوله تعالى‪" :‬إن عبادي ليفس لك عليهفم سفلطان" [الحجفر‪ .]42 :‬فأمفا ابفن‬
‫عباس فعنه أنه قال‪ :‬هم المؤمنون كلهم‪ ،‬فف "من" على هذا للتبيين ل للتبعيض‪ ،‬فإن قيل‪ :‬كيف علم‬
‫إبليس صدق ظنه وهو ل يعلم الغيب؟ قيل ل‪ :‬لما نفذ له في آدم ما نفذ غلب على ظنه أنه ينفذ له‬
‫مثفل ذلك ففي ذريتفه‪ ،‬وقفد وقفع له تحقيفق مفا ظفن‪ .‬وجواب آخفر وهفو مفا أجيفب مفن قوله تعالى‬
‫"واسفتفزز مفن اسفتطعت منهفم بصفوتك وأجلب عليهفم بخيلك ورجلك" [السفراء‪ ]64 :‬فأعطفي‬
‫القوة والسفتطاعة‪ ،‬فظفن أنفه يملكهفم كلهفم بذلك‪ ،‬فلمفا رأى أنفه تأب على آدم وأنفه سفيكون له نسفل‪.‬‬
‫يتبعونفه إلى الجنفة وقال‪" :‬إن عبادي ليفس لك عليهفم سفلطان إل مفن اتبعفك مفن الغاويفن" [الحجفر‪:‬‬
‫‪ ]42‬علم أن له تبعفا ولدم تبعفا؛ فظفن أن تبعفه أكثفر مفن تبفع آدم‪ ،‬لمفا وضفع ففي يديفه من سفلطان‬
‫الشهوات‪ ،‬ووضعت الشهوات في أجواف الدميين‪ ،‬فخرج على ما ظن حيث نفخ فيهم وزين في‬
‫أعينهم تلك الشهوات‪ ،‬ومدهم إليها بالماني والخدائع‪ ،‬فصدق عليهم الذي ظنه‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬وما كان له عليهم من سلطان إل لنعلم من يؤمن بالخرة ممن هو منها في شك‬
‫وربك على كل شيء حفيظ}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما كان له عليهفم من سلطان" أي لم يقهرهفم إبليس على الكفر‪ ،‬وإنما كان منه‬
‫الدعاء والتزييفن‪ .‬والسفلطان‪ :‬القوة‪ .‬وقيفل الحجفة‪ ،‬أي لم تكفن له حجفة يسفتتبعهم بهفا‪ ،‬وإنمفا اتبعوه‬
‫بشهوة وتقليفد وهوى نففس؛ ل عفن حجفة ودليفل‪" .‬إل لنعلم مفن يؤمفن بالخرة ممفن هفو منهفا ففي‬
‫شك" يريد علم الشهادة الذي يقع به الثواب والعقاب‪ ،‬فأما الغيب فقد علمه تبارك وتعالى‪ .‬ومذهب‬
‫الفراء أن يكون المعنى‪ :‬إل لنعلم ذلك عندكم؛ كما قال‪" :‬أين شركائي" [النحل‪ ،]27 :‬على قولكم‬
‫وعندكففم‪ ،‬وليففس قوله‪" :‬إل لنعلم" جواب "ومففا كان له عليهففم مففن سففلطان" فففي ظاهره إنمففا هففو‬
‫محمول على المعنى؛ أي وما جعلنا له سلطانا إل لنعلم‪ ،‬فالستثناء منقطع‪ ،‬أي ل سلطان له عليهم‬
‫ولكنفا ابتليناهفم بوسفوسته لنعلم‪ ،‬ففف "إل" بمعنفى لكفن‪ .‬وقيفل هفو متصفل‪ ،‬أي مفا كان له عليهفم مفن‬
‫سفلطان‪ ،‬غيفر أنفا سفلطناه عليهفم ليتفم البتلء‪ .‬وقيفل‪" :‬كان" زائدة؛ أي وماله عليهفم مفن سفلطان‪،‬‬
‫كقوله‪" :‬كنتم خير أمة" [آل عمران‪ ]110 :‬أي أنتم خير أمة‪ .‬وقيل‪ :‬لما اتصل طرف منه بقصة‬
‫سفبأ قال‪ :‬ومفا كان لبليفس على أولئك الكفار مفن سفلطان‪ .‬وقيفل‪ :‬ومفا كان له ففي قضائنفا السفابق‬
‫سفلطان عليهفم‪ .‬وقيفل‪" :‬إل لنعلم" إل لنظهفر‪ ،‬وهفو كمفا تقول‪ :‬النار تحرق الحطفب‪ ،‬فيقول آخفر ل‬
‫بل الحطب يحرق النار؛ فيقول الول تعال حتى نجرب النار والحطب لنعلم أيهما يحرق صاحبه‪،‬‬
‫أي لنظهفففر ذلك وإن كان معلومفففا لهفففم ذلك‪ .‬وقيفففل‪ :‬إل لتعلموا أنتفففم‪ .‬وقيفففل‪ :‬أي ليعلم أولياؤنفففا‬
‫والملئكة؛ كقوله‪" :‬إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسول" [المائدة‪ ]33 :‬أي يحاربون أولياء ال‬
‫ورسفوله‪ .‬وقيفل‪ :‬أي ليميفز؛ كقوله‪" :‬ليميفز ال الخفبيث مفن الطيفب" [النفال‪ ]37 :‬وقفد مضفى هذا‬
‫المعنفى ففي "البقرة" وغيرهفا‪ .‬وقرأ الزهري "إل ليعلم" على مفا لم يسفم فاعله‪" .‬وربفك على كفل‬
‫شيء حفيظ" أي أنه عالم بكل شيء‪ .‬وقيل‪ :‬يحفظ كل شيء على العبد حتى يجازيه عليه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬قل ادعوا الذين زعمتم من دون ال ل يملكون مثقال ذرة في السماوات ول في‬
‫الرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قفل ادعوا الذيفن زعمتفم مفن دون ال" أي هذا الذي مضفى ذكره مفن أمفر داود‬
‫وسليمان وقصة سبأ من آثار قدرتي‪ ،‬فقل يا محمد لهؤلء المشركين هل عند‪ .‬شركائكم قدرة على‬
‫شيفء مفن ذلك‪ .‬وهذا خطاب توبيفخ‪ ،‬وفيفه إضمار‪ :‬أي ادعوا الذيفن زعمتفم أنهفم آلهفة لكفم مفن دون‬
‫ال لتنفعكفم أو لتدففع عنكفم مفا قضاه ال تبارك وتعالى عليكفم‪ ،‬فإنهفم ل يملكون ذلك‪" ،‬ومفا له منهفم‬
‫مفن ظهيفر" أي مفا ل مفن هؤلء مفن معيفن على خلق شيفء‪ ،‬بفل ال المنفرد باليجاد؛ فهفو الذي‬
‫يعبد‪ ،‬وعبادة غيره محال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 23 :‬ول تنفع الشفاعة عنده إل لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال‬
‫ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تنففع الشفاعفة" أي شفاعفة الملئكفة وغيرهفم‪" .‬عنده" أي عنفد ال‪" .‬إل لمفن‬
‫أذن له" قراءة العامفة "أذن" بفتفح الهمزة؛ لذكفر ال تعالى أول‪ .‬وقرأ أبفو عمرو وحمزة والكسفائي‬
‫"أذن" بضفم الهمزة على مفا لم يسفم فاعله‪ .‬والذن هفو ال تعالى‪ .‬و"مفن يجوز أن ترجفع إلى‬
‫الشافعيفن‪ ،‬ويجوز أن ترجفع إلى المشفوع لهفم‪" .‬حتفى إذا فزع عفن قلوبهفم" قال ابفن عباس‪ :‬خلي‬
‫عففن قلوبهففم الفزع‪ .‬قطرب‪ :‬أخرج مففا فيهففا مففن الخوف‪ .‬مجاهففد‪ :‬كشففف عففن قلوبهففم الغطاء يوم‬
‫القيامفة؛ أي إن الشفاعفة ل تكون مفن أحفد هؤلء المعبوديفن مفن دون ال مفن الملئكفة والنفبياء‬
‫والصنام؛ إل أن ال تعالى يأذن للنبياء والملئكة في الشفاعة وهم على غاية الفزع من ال؛ كما‬
‫قال‪" :‬وهم من خشيته مشفقون" [النبياء‪ ]28 :‬والمعنى‪ :‬أنه إذا أذن لهم في الشفاعة وورد عليهم‬
‫كلم ال فزعوا؛ لمفا يقترن بتلك الحال مفن المفر الهائل والخوف أن يقفع ففي تنفيفذ مفا أذن لهفم فيفه‬
‫تقصفير‪ ،‬فإذا سفري عنهفم قالوا للملئكفة فوقهفم وهفم الذيفن يوردون عليهفم الوحفي بالذن‪ :‬ماذا قال‬
‫ربكفم" أي ماذا أمفر ال بفه‪ ،‬فيقولون لهفم‪" :‬قالوا الحفق" وهفو أنفه أذن لكفم ففي الشفاعفة للمؤمنيفن‪.‬‬
‫"وهو العلي الكبير" فله أن يحكم في عباده بما يريد‪ .‬ثم يجوز أن يكون هذا إذنا لهم في الدنيا في‬
‫شفاعة أقوام‪ ،‬ويجوز أن يكون في الخرة‪ .‬وفي الكلم إضمار؛ أي ول تنفع الشفاعة عنده إل لمن‬
‫أذن له ففزع لما ورد عليه من الذن تهيبا لكلم ال تعالى‪ ،‬حتى إذا ذهب الفزع عن قلوبهم أجاب‬
‫بالنقياد‪ .‬وقيففل‪ :‬هذا الفزع يكون اليوم للملئكففة فففي كففل أمففر يأمففر بففه الرب تعالى؛ أي ل تنفففع‬
‫الشفاعفة إل مفن الملئكفة الذيفن هفم اليوم فزعون‪ ،‬مطيعون ل تعالى دون الجمادات والشياطيفن‪.‬‬
‫وففي صفحيح الترمذي عفن أبفي هريرة عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬إذا قضفى ال ففي السفماء‬
‫أمرا ضربت الملئكة بأجنحتها خضعانا لقول كأنها سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا‬
‫ماذا قال ربكفم قالوا الحفق وهفو العلي الكفبير ‪ -‬قال ‪ -‬والشياطيفن بعضهفم فوق بعفض) قال‪ :‬حديفث‬
‫حسن صحيح‪ .‬وقال النواس بن سمعان قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن ال إذا أراد أن يوحي‬
‫بالمفر تكلم بالوحفي أخذت السفموات منفه رجففة أو رعدة شديدة خوففا مفن ال تعالى فإذا سفمع أهفل‬
‫السفموات ذلك صفعقوا وخروا ل تعالى سفجدا فيكون أول مفن يرففع رأسفه جبريفل فيكلمفه ال تعالى‬
‫ويقول له من وحيه ما أراد ثم يمر جبريل بالملئكة كلما مر بسماء سأله ملئكتها ماذا قال ربنا يا‬
‫جبريل فيقول جبريل قال الحق وهو العلى الكبير ‪ -‬قال فيقول كلهم كما قال جبريل فينتهي جبريل‬
‫بالوحي حيث‪ ،‬أمره ال تعالى)‪.‬‬
‫وذكفر البيهقفي عفن ابفن عباس ففي قوله تعالى‪" :‬حتفى إذا فُزّع عفن قلوبهفم" قال‪ :‬كان لكفل قبيفل‬
‫مفن الجفن مقعفه مفن السفماء يسفتمعون منفه الوحفي‪ ،‬وكان إذا نزل الوحفي سفمع له صفوت كإمرار‬
‫السفلسلة على الصففوان‪ ،‬فل ينزل على أهفل سفماء إل صفعقوا فإذا فزع عفن قلوبهفم قالوا ماذا قال‬
‫ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير‪ ،‬ثم يقول يكون العام كذا ويكون كذا فتسمعه الجن فيخبرون به‬
‫الكهنفة والكهنفة الناس يقولون يكون العام كذا وكذا فيجدونفه كذلك؛ فلمفا بعفث ال محمدا صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم دحروا بالشهفب فقالت العرب حيفن لم تخفبرهم الجفن بذلك‪ :‬هلك مفن ففي السفماء‪ ،‬فجعفل‬
‫صفاحب البفل ينحفر كفل يوم بعيرا‪ ،‬وصفاحب البقفر ينحفر كفل يوم بقرة‪ ،‬وصفاحب الغنفم ينحفر كفل‬
‫يوم شاة؛ حتفى أسفرعوا ففي أموالهفم فقالت ثقيفف وكانفت أعقفل العرب‪ :‬أيهفا الناس! أمسفكوا على‬
‫أموالكم‪ ،‬فإنه لم يمت من حيث السماء‪ ،‬وإن هذا ليس بانتثار‪ ،‬ألستم ترون معالمكم من النجوم كما‬
‫هفي والشمفس والقمفر والليفل والنهار! قال فقال إبليفس‪ :‬لقفد حدث ففي الرض اليوم حدث‪ ،‬فأتونفي‬
‫من تربة كل أرض فأتوه بها‪ ،‬فجعل يشمها فلما شم تربة مكة قال من ها هنا جاء الحدث؛ فنصتوا‬
‫فإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم قد بعث‪ .‬وقد مضى هذا المعنى مرفوعا مختصرا في صورة‬
‫"الحجفر"‪ ،‬ومعنفى القول أيضفا ففي رميهفم بالشهفب وإحراقهفم بهفا‪ ،‬ويأتفي ففي سفورة "الجفن" بيان‬
‫ذلك إن شاء ال تعالى‪ .‬وقيفل‪ :‬إنمفا يفزعون مفن قيام السفاعة‪ .‬وقال الكلبفي وكعفب‪ :‬كان بيفن عيسفى‬
‫ومحمفد عليهمفا السفلم فترة خمسفمائة وخمسفون سفنة ل يجيفء فيهفا الرسفل‪ ،‬فلمفا بعفث ال تعالى‬
‫محمدا صفلى ال عليه وسفلم كلم ال تعالى جبريفل بالرسالة‪ ،‬فلمفا سفمعت الملئكفة الكلم ظنوا أنهفا‬
‫السفاعة قفد قامفت‪ ،‬فصفعقوا ممفا سفمعوا‪ ،‬فلمفا انحدر جبريفل عليفه السفلم جعفل يمفر بكفل سفماء‬
‫فيكشفف عنهفم فيرفعون رؤوسفهم ويقول بعضهفم لبعفض ماذا قال ربكفم فلم يدروا مفا قال ولكنهفم‬
‫قالوا قال الحفق وهفو العلي الكفبير‪ ،‬وذلك أن محمدا عليفه السفلم عنفد أهفل السفموات مفن أشراط‬
‫السفاعة‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬إن الملئكفة المعقبات الذيفن يختلفون إلى أهفل الرض يكتبون أعمالهفم‪،‬‬
‫يرسفلهم الرب تبارك وتعالى‪ ،‬فإذا انحدروا سفمع لهفم صفوت شديفد فيحسفب الذيفن هفم أسففل مفن‬
‫الملئكفة أنفه مفن أمفر السفاعة‪ ،‬فيخرون سفجدا ويصفعقون حتفى يعلموا أنفه ليفس مفن أمفر السفاعة‪.‬‬
‫وهذا تنبيه من ال تعالى وإخبار أن الملئكة مع اصطفائهم ورفعتهم ل يمكن أن يشفعوا لحد حتى‬
‫يؤذن لهفم‪ ،‬فإذا أذن لهفم وسفمعوا صفعقوا‪ ،‬وكان هذه حالهفم‪ ،‬فكيفف تشففع الصفنام أو كيفف تؤملون‬
‫أنتفم الشفاعفة ول تعترفون بالقيامفة‪ .‬وقال الحسفن وابفن زيفد ومجاهفد‪ :‬حتفى إذا كشفف الفزع عفن‬
‫قلوب المشركين‪ .‬قال الحسن ومجاهد وابن زيد‪ :‬في الخرة عند نزول الموت‪ ،‬إقامة للحجة عليهم‬
‫قالت الملئكفة لهفم‪ :‬ماذا قال ربكفم ففي الدنيفا قالوا الحفق وهفو العلي الكفبير‪ ،‬فأقروا حيفن ل ينفعهفم‬
‫القرار‪ ،‬أي قالوا قال الحق‪.‬‬
‫وقراءة العامفة "فزع عفن قلوبهفم"‪ .‬وقرأ ابفن عباس "فزع عفن قلوبهفم" مسفمى الفاعفل وفاعله‬
‫ضمير يرجع إلى اسم ال تعالى‪ .‬ومن بناه للمفعول فالجار والمجرور في موضع رفع‪ ،‬والفعل في‬
‫المعنففى ل تبارك وتعالى‪ ،‬والمعنففى فففي القراءتيففن‪ :‬أزيففل الفزع عففن قلوبهففم‪ ،‬حسففبما تقدم بيانففه‪.‬‬
‫ومثله‪ :‬أشكاه‪ ،‬إذا أزال عنففه مففا يشكوه‪ .‬وقرأ الحسففن‪" :‬فزع" مثففل قراءة العامففة‪ ،‬إل أنففه خفففف‬
‫الزاي‪ ،‬والجار والمجرور ففي موضفع رففع أيضفا؛ وهفو كقولك‪ :‬انصفرف عفن كذا إلى كذا‪ .‬وكذا‬
‫معنفى "فزع" بالراء والغيفن المعجمفة والتخفيفف‪ ،‬غيفر مسفمى الفاعفل‪ ،‬رويفت عفن الحسفن أيضفا‬
‫وقتادة‪ .‬وعنهمففا أيضففا "فرغ" بالراء والغيففن المعجمففة مسففمى الفاعففل‪ ،‬والمعنففى‪ :‬فرغ ال تعالى‬
‫قلوبهفم أي كشفف عنهفا‪ ،‬أي فرغهفا مفن الفزع والخوف‪ ،‬وإلى ذلك يرجفع البناء للمفعول‪ ،‬على هذه‬
‫القراءة وعن الحسن أيضا "فرغ" بالتشديد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 :‬قل من يرزقكم من السماوات والرض قل ال وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في‬
‫ضلل مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل من يرزقكم من السماوات والرض" لما ذكر أن آلهتهم ل يملكون مثقال ذرة‬
‫مما يقدر عليه الرب قرر ذلك فقال‪ :‬قل يا محمد للمشركين "من يرزقكم من السموات والرض"‬
‫أي من يخلق لكم هذه الرزاق الكائنة من السموات؛ أي عن المطر والشمس والقمر والنجوم وما‬
‫فيهفا مفن المناففع‪" .‬والرض" أي الخارجفة مفن الرض عفن الماء والنبات أي ل يمكنهفم أن يقولوا‬
‫هذا فعفل آلهتنفا ‪ -‬فيقولون ل ندري‪ ،‬فقفل إن ال يفعفل ذلك الذي يعلم مفا ففي نفوسفكم وإن قالوا‪ :‬إن‬
‫ال يرزقنفا فقفد تقررت الحجفة بأنفه الذي ينبغفي أن يعبفد‪" .‬وإنفا أو إياكفم لعلى هدى أو ففي ضلل‬
‫مفبين" هذا على وجفه النصفاف ففي الحجفة؛ كمفا يقول القائل‪ :‬أحدنفا كاذب‪ ،‬وهفو يعلم أنفه صفادق‬
‫وأن صفاحبه كاذب‪ .‬والمعنفى‪ :‬مفا نحفن وأنتفم على أمفر واحفد‪ ،‬بفل على أمريفن متضاديفن‪ ،‬وأحفد‬
‫الفريقين مهتد وهو نحن والخر ضال وهو أنتم؛ فكذبهم بأحسن من تاريخ التكذيب‪ ،‬والمعنى‪ :‬أنتم‬
‫الضالون حين أشركتم بالذي يرزقكم من السموات والرض‪" .‬أو إياكم" معطوف على اسم "إن"‬
‫ولو عطف على الموضع لكان "أو أنتم" ويكون "لعلى هدى" للول ل غير وإذا قلت‪" :‬أو إياكم"‬
‫كان للثانفي أولى‪ ،‬وحذففت مفن الول أن يكون للول‪ ،‬وهفو اختيار المفبرد‪ ،‬قال‪ :‬ومعناه معنفى قول‬
‫المسفتبصر لصفاحبه على صفحة الوعيفد والسفتظهار بالحجفة الواضحفة‪ :‬أحدنفا كاذب‪ ،‬قفد عرف‬
‫المعنى‪ ،‬كما تقول‪ :‬أنا أفعل كذا وتفعل أنت كذا وأحدنا مخطئ‪ ،‬وقد عرف أنه هو المخطئ‪ ،‬فهكذا‬
‫"وإنفا أو إياكفم لعلى هدى أو ففي ضلل مفبين"‪ .‬و"أو" عنفد البصفريين على بابهفا وليسفت للشفك‪،‬‬
‫ولكنها على ما تستعمل العرب في مثل هذا إذا لم يرد المخبر أن يبين وهو عالم بالمعنى‪ .‬وقال أبو‬
‫عبيدة والفراء‪ :‬هي بمعنى الواو‪ ،‬وتقديره‪ :‬وإنا على هدى وإياكم لفي ضلل مبين‪ .‬وقال جرير‪:‬‬
‫عدلت بهم طهية والربابا‬ ‫أثعلبة الفوارس أو رياحا‬
‫يعني أثعلبة ورياحا وقال آخر‪:‬‬
‫تأملنا رياحا أو رزاما‬ ‫فلما اشتد أمر الحرب فينا‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 :‬قل ل تسألون عما أجرمنا ول نسأل عما تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل ل تسألون عما أجرمنا" أي اكتسبنا‪" ،‬ول نسأل" نحن أيضا "عما تعملون"‬
‫أي إنمفا أقصفد بمفا أدعوكفم إليفه الخيفر لكفم‪ ،‬ل أنفه ينالنفي ضرر كفركفم‪ ،‬وهذا كمفا قال‪" :‬لكفم دينكفم‬
‫ولي دين" [الكافرون‪ ]6 :‬وال مجازي الجميع‪ .‬فهذه آية مهادنة ومتاركة‪ ،‬وهي منسوخة بالسيف‬
‫وقيل‪ :‬نزل هذا قبل آية السيف‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 26 :‬قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قفل يجمفع بيننفا ربنفا" يريفد يوم القيامفة "ثفم يفتفح بيننفا بالحفق" أي يقضفي فيثيفب‬
‫المهتدي ويعاقفففب الضال "وهفففو الفتاح" أي القاضفففي بالحفففق "العليفففم" بأحوال الخلق‪ .‬وهذا كله‬
‫منسوخ بآية السيف‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كل بل هو ال العزيز الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أروني الذين ألحقتم به شركاء" يكون "أروني" هنا من رؤية القلب‪ ،‬فيكون‬
‫"شركاء" المفعول الثالث‪ ،‬أي عرفونفي الصفنام والوثان التفي‪ ،‬جعلتموهفا شركاء ل عفز وجفل‪،‬‬
‫وهل شاركت في خلق شيء‪ ،‬فبينوا ما هو؟ وإل فلم تعبدونها‪ .‬وجوز أن تكون من رؤية البصر‪،‬‬
‫فيكون "شركاء" حال‪" .‬كل" أي ليس المر كما زعمتم‪ .‬وقيل‪ :‬إن "كل" رد لجوابهفم المحذوف‪،‬‬
‫كأنفه قال‪ :‬أرونفي الذيفن ألحقتفم بفه شركاء‪ .‬قالوا‪ :‬هفي الصفنام‪ .‬فقال كل‪ ،‬أي ليفس له شركاء "بفل‬
‫هو ال العزيز الحكيم"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 - 28 :‬وما أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪،‬‬
‫ويقولون متففى هذا الوعففد إن كنتففم صففادقين‪ ،‬قففل لكففم ميعاد يوم ل تسففتأخرون عنففه سففاعة ول‬
‫تستقدمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومفا أرسفلناك إل كاففة للناس" أي ومفا أرسفلناك إل للناس كاففة أي عامفة؛ ففي‬
‫الكلم تقديففم وتأخيففر‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬أي ومففا أرسففلنا إل جامعففا للناس بالنذار والبلغ‪ .‬والكافففة‬
‫بمعنى الجامع‪ .‬وقيل‪ :‬معناه كافا للناس‪ ،‬تكفهم عما هم فيه من الكفر وتدعوهم إلى السلم‪ .‬والهاء‬
‫للمبالغة‪ .‬وقيل‪ :‬أي إل ذا كافة‪ ،‬فحذف المضاف‪ ،‬أي ذا منع للناس من أن يشذوا عن تبليغك‪ ،‬أو ذا‬
‫منع لهم من الكفر‪ ،‬ومنه‪ :‬كف الثوب‪ ،‬لنه ضم طرفيه‪" .‬بشيرا" أي بالجنة لمن أطاع‪" .‬ونذيرا"‬
‫مفن النار لمفن كففر‪" .‬ولكفن أكثفر الناس ل يعلمون" ل يعلمون مفا عنفد ال وهفم المشركون؛ وكانوا‬
‫في ذلك الوقت أكثر من المؤمنين عددا‪" .‬ويقولون متى هذا الوعد" يعني موعدكم لنا بقيام الساعة‪.‬‬
‫"إن كنتم صادقين" فقال تعالى‪" :‬قل" أي قل لهم يا محمد "لكم ميعاد يوم ل تستأخرون عنه ساعة‬
‫ول تسفتقدمون" فل يغرنكفم تأخيره‪ .‬والميعاد الميقات‪ .‬ويعنفي بهذا الميعاد وقفت البعفث وقيفل وقفت‬
‫حضور الموت؛ أي لكفم قبفل يوم القيامفة وقفت معيفن تموتون فيفه فتعلمون حقيقفة قولي‪ .‬وقيفل‪ :‬أراد‬
‫بهذا اليوم يوم بدر؛ لن ذلك اليوم كان ميعاد عذابهم في الدنيا في حكم ال تعالى‪ .‬وأجاز النحويون‬
‫"ميعاد يوم" على أن "ميعاد" ابتداء و"يوم" بدل منفه‪ ،‬والخفبر "لكفم"‪ .‬وأجازوا "ميعاد يومفا"‬
‫يكون ظرفا‪ ،‬وتكون الهاء في "عنه" ترجع إلى "يوم" ول يصح "ميعاد يوم ل تستأخرون" بغير‬
‫تنويففن‪ ،‬وإضافففة "يوم" إلى مففا بعده إذا قدرت الهاء عائدة على اليوم‪ ،‬لن ذلك يكون مففن إضافففة‬
‫الشيء إلى نفسه من أجل الهاء التي في الجملة‪ .‬ويجوز ذلك على أن تكون الهاء للميعاد ل لليوم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 33 - 31 :‬وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ول بالذي بين يديه ولو ترى إذ‬
‫الظالمون موقوفون عنففد ربهففم يرجففع بعضهففم إلى بعففض القول يقول الذيففن اسففتضعفوا للذيففن‬
‫اسفتكبروا لول أنتفم لكنفا مؤمنيفن‪ ،‬قال الذيفن اسفتكبروا للذيفن اسفتضعفوا أنحفن صفددناكم عفن الهدى‬
‫بعفد إذ جاءكفم بفل كنتفم مجرميفن‪ ،‬وقال الذيفن اسفتضعفوا للذيفن اسفتكبروا بفل مكفر الليفل والنهار إذ‬
‫تأمروننا أن نكفر بال ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الغلل في أعناق‬
‫الذين كفروا هل يجزون إل ما كانوا يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذين كفروا" يريد كفار قريش‪" .‬لن نؤمن بهذا القرآن ول بالذي بين يديه"‬
‫قال سفعيد عفن قتادة‪" :‬ول بالذي بيفن يديفه" مفن الكتفب والنفبياء عليهفم الصفلة والسفلم‪ .‬وقيفل مفن‬
‫الخرة‪ .‬وقال ابن جريج‪ :‬قائل ذلك أبو جهل بن هشام‪ .‬وقيل‪ :‬إن أهل الكتاب قالوا للمشركين صفة‬
‫محمد في كتابنا فسلوه‪ ،‬فلما سألوه فوافق ما قال أهل الكتاب قال المشركون‪ :‬لن نؤمن بهذا القرآن‬
‫ول بالذي أنزل قبله من التوراة والنجيل بل نكفر بالجميع؛ وكانوا قبل ذلك يراجعون أهل الكتاب‬
‫ويحتجون بقولهم‪ ،‬فظهر بهذا تناقضهم وقلة علمهم‪ .‬ثم أخبر ال تبارك وتعالى عن حالهم فيما لهم‬
‫فقال "ولو ترى" يفا محمفد "إذ الظالمون موقوفون عنفد ربهفم يرجفع بعضهفم إلى بعفض القول" أي‬
‫محبوسون في موقف الحساب‪ ،‬يتراجعون الكلم فيما بينهم باللوم والعتاب بعد أن كانوا في الدنيا‬
‫أخلء متناصفرين‪ .‬وجواب "لو" محذوف؛ أي لرأيفت أمرا هائل فظيعفا‪ .‬ثفم ذكفر أي شيفء يرجفع‬
‫من القول بينهم قال‪" :‬يقول الذين استضعفوا" في الدنيا من الكافرين "للذين استكبروا" وهم القادة‬
‫والرؤسفاء "لول أنتفم لكنفا مؤمنيفن" أي أنتفم أغويتمونفا وأضللتمونفا‪ .‬واللغفة الفصفيحة "لول أنتفم"‬
‫ومفن العرب مفن يقول "لولكفم" حكاهفا سفيبويه؛ تكون "لول" تخففض المضمفر ويرتففع المظهفر‬
‫بعدهففا بالبتداء ويحذف خففبره‪ .‬ومحمففد بففن يزيففد يقول‪ :‬ل يجوز "لولكففم" لن المضمففر عقيففب‬
‫المظهفر‪ ،‬فلمفا كان المظهفر مرفوعفا بالجماع وجفب أن يكون المضمفر أيضفا مرفوعفا‪".‬قال الذيفن‬
‫استكبروا للذين استضعفوا أنحن صفددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم" هو استفهام بمعنفى النكار‪،‬‬
‫أي مفا رددناكفم نحفن عفن الهدى بعفد إذ جاءكفم‪ ،‬ول أكرهناكفم‪" .‬بفل كنتفم مجرميفن" أي مشركيفن‬
‫مصفرين على الكففر‪".‬وقال الذيفن اسفتضعفوا للذيفن اسفتكبروا بفل مكفر الليفل والنهار" المكفر أصفله‬
‫ففي كلم العرب الحتيال والخديعفة‪ ،‬وقفد مكفر بفه يمكفر فهفو ماكفر ومكار‪ .‬قال الخففش‪ :‬هفو على‬
‫تقديفر‪ :‬هذا مكفر الليفل والنهار‪ .‬قال النحاس‪ :‬والمعنفى ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬بفل مكركفم ففي الليفل والنهار‪،‬‬
‫أي مساواتكم إيانا ودعاؤكم لنا إلى الكفر حملنا على هذا‪ .‬وقال سفيان الثوري‪ :‬بل عملكم في الليل‬
‫والنهار‪ .‬قتادة‪ :‬بفل مكركفم بالليفل والنهار صفدنا؛ فأضيفف المكفر إليهمفا لوقوعفه فيهمفا‪ ،‬وهفو كقوله‬
‫تعالى‪" :‬إن أجفل ال إذا جاء ل يؤخفر" [نوح‪ ]4 :‬فأضاف الجفل إلى نفسفه‪ ،‬ثفم قال‪" :‬فإذا جاء‬
‫أجلهفم ل يستأخرون‪ ،‬سفاعة" [العراف‪ ]34 :‬إذ كان الجل لهفم‪ .‬وهذا من قبيل قولك‪ :‬ليله قائم‬
‫ونهاره صائم‪ .‬قال المبرد‪ :‬أي بل مكركم الليل والنهار‪ ،‬كما تقول العرب‪ :‬نهاره صائم وليله قائم‪.‬‬
‫وأنشد لجرير‪:‬‬
‫ونمت وما ليل المطي بنائم‬ ‫لقد لمتنا يا أم غيلن في السرى‬
‫وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫فنام ليلي وتجلى همي‬
‫أي نمفت فيفه‪ .‬ونظيره‪" :‬والنهار مبصفرا" [يونفس‪ .]67 :‬وقرأ قتادة‪" :‬بفل مكرٌ الليلَ والنهارَ"‬
‫بتنويفن "مكفر" ونصفب "الليفل والنهار"‪ ،‬والتقديفر‪ :‬بفل مكفر كائن ففي الليفل والنهار‪ ،‬فحذف‪ .‬وقرأ‬
‫سففعيد بففن جففبير "بففل م َكرّ" بفتففح الكاف وشففد الراء بمعنففى الكرور‪ ،‬وارتفاعففه بالبتداء والخففبر‬
‫محذوف‪ .‬ويجوز أن يرتففع بفعفل مضمفر دل عليفه "أنحفن صفددناكم" كأنهفم لمفا قالوا لهفم أنحفن‬
‫صددناكم عن الهدى قالوا بل صدنا مكر الليل والنهار‪ .‬وروي عن سعيد بن جبير "بل مكر الليل‬
‫والنهار" قال‪ :‬مففر الليففل والنهار عليهففم فغفلوا‪ .‬وقيففل‪ :‬طول السففلمة فيهمففا كقوله "فطال عليهففم‬
‫المد" [الحديد‪ .]16 :‬وقرأ راشد "بل م َكرّ الليل والنهار" بالنصب‪ ،‬كما تقول‪ :‬رأيته مقدم الحاج‪،‬‬
‫وإنما يجوز هذا فيما يعرف‪ ،‬لو قلت‪ :‬رأيته مقدم زيد‪ ،‬لم يجز؛ ذكره النحاس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ تأمروننا أن نكفر بال ونجعل له أندادا" أي أشباها وأمثال ونظراء‪ .‬قال محمد‬
‫بن يزيد‪ :‬فلن ند فلن‪ ،‬أي مثله‪ .‬ويقال نديد؛ وأنشد‪:‬‬
‫وما أنتم لذي حسب نديد‬ ‫أينما تجعلون إلي ندا‬
‫وقفد مضفى هذا ففي "البقرة"‪" .‬وأسفروا الندامفة" أي أظهروهفا‪ ،‬وهفو مفن الضداد يكون بمعنفى‬
‫الخفاء والبداء‪ .‬قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫علي حراصا لو يسرون مقتلي‬ ‫تجاوزت أحراسا وأهوال معشر‬
‫وروي "يشرون"‪ .‬وقيل‪" :‬وأسروا الندامة" أي تبينت الندامة في أسرار وجوههم‪ .‬قيل‪ :‬الندامة ل‬
‫تظهر‪ ،‬وإنما تكون في القلب‪ ،‬وإنما يظهر ما يتولد عنها‪ ،‬حسبما تقدم بيانه في سورة "يونس‪ ،‬وآل‬
‫عمران"‪ .‬وقيل‪ :‬إظهارهم الندامة قولهم‪" :‬فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين" [الشعراء‪.]102 :‬‬
‫وقيل‪ :‬أسروا الندامة فيما بينهم ولم يجهروا القول بها؛ كما قال‪" :‬وأسروا النجوى" [النبياء‪.]3 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعلنا الغلل في أعناق الذين كفروا" الغلل جمع غل‪ ،‬يقال‪ :‬في رقبته غل‬
‫من حديد‪ .‬ومنه قيل للمرأة السيئة الخلق‪ :‬غل قمل‪ ،‬وأصله أن الغل كان يكون من قد وعليه شعر‬
‫فيقمل وغللت يده إلى عنقه؛ وقد غل فهو مغلول‪ ،‬يقال‪ :‬ما له ؟؟ وغل‪ .‬والغل أيضا والغلة‪ :‬حرارة‬
‫العطفش‪ ،‬وكذلك الغليفل؛ يقال منفه‪ :‬غفل الرجفل يغفل غلل فهفو مغلول‪ ،‬على مفا لم يسفم فاعله؛ عفن‬
‫الجوهري‪ .‬أي جعلت الجوامع في أعناق التابعين والمتبوعين‪ .‬قيل من غير هؤلء الفريقين‪ .‬وقيل‬
‫يرجفع "الذيفن كفروا" إليهفم‪ .‬وقيفل‪ :‬تفم الكلم عنفد قوله‪" :‬لمفا رأوا العذاب" ثفم ابتدأ فقال‪" :‬وجعلنفا‬
‫الغلل" بعد ذلك في أعناق سائر الكفار‪" .‬هل يجزون إل ما كانوا يعملون" في الدنيا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 38 - 34 :‬وما أرسلنا في قرية من نذير إل قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون‪،‬‬
‫وقالوا نحفن أكثفر أموال وأولدا ومفا نحفن بمعذبيفن‪ ،‬قفل إن ربفي يبسفط الرزق لمفن يشاء ويقدر‬
‫ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪ ،‬وما أموالكم ول أولدكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إل من آمن وعمل‬
‫صفالحا فأولئك لهفم جزاء الضعفف بمفا عملوا وهفم ففي الغرفات آمنون‪ ،‬والذيفن يسفعون ففي آياتنفا‬
‫معاجزين أولئك في العذاب محضرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومففا أرسففلنا فففي قريففة مففن نذيففر إل قال مترفوهففا" قال قتادة‪ :‬أي أغنياؤهففا‬
‫ورؤسفاؤها وجبابرتهفا وقادة الشفر للرسفل‪" :‬إنفا بمفا أرسفلتم بفه كافرون‪ .‬وقالوا نحفن أكثفر أموال‬
‫وأولدا" أي فضلنفا عليكفم بالموال والولد‪ ،‬ولو لم يكفن ربكفم راضيفا بمفا نحفن عليفه مفن الديفن‬
‫والفضفل لم يخولنفا ذلك‪" .‬ومفا نحفن بمعذبيفن" لن مفن أحسفن إليفه فل يعذبفه‪ ،‬فرد ال عليهفم قولهفم‬
‫ومفا احتجوا بفه مفن الغنفى فقال لنفبيه صفلى ال عليفه وسفلم‪":‬قفل إن ربفي يبسفط الرزق" أي يوسفعه‬
‫"لمن يشاء ويقدر" أي إن ال هو الذي يفاضل بين عباده في الرزاق امتحانا لهم‪ ،‬فل يدل شيء‬
‫من ذلك على ما في العواقب‪ ،‬فسعة الرزق في الدنيا ل تدل على سعادة الخرة فل تظنوا أموالكم‬
‫وأولدكم تغنى عنكم غدا شيئا‪" .‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون" ل يعلمون هذا لنهم ل يتأملون‪ .‬ثم‬
‫قال تأكيدا‪" :‬ومفا أموالكفم ول أولدكفم بالتفي تقربكفم عندنفا زلففى" قال مجاهفد‪ :‬أي قربفى‪ .‬والزلففة‬
‫القربة‪ .‬وقال الخفش‪ :‬أي إزلفا‪ ،‬وهو اسم المصدر‪ ،‬فيكون موضع "قربى" نصبا كأنه قال بالتي‬
‫تقربكفم عندنفا تقريبفا‪ .‬وزعفم الفراء أن التفي" تكون للموال والولد جميعفا‪ .‬وله قول آخفر وهفو‬
‫مذهفب أبفي إسفحاق الزجاج‪ ،‬يكون المعنفى‪ :‬ومفا أموالكفم بالتفي تقربكفم عندنفا‪ ،‬ول أولدكفم بالتفي‬
‫تقربكم عندنا زلفى‪ ،‬ثم حذف خبر الول لدللة الثاني عليه‪ .‬وأنشد الفراء‪:‬‬
‫عندك راض والرأي مختلف‬ ‫نحن بما عندنا وأنت بما‬
‫ويجوز في غير القرآن‪ :‬باللتين وباللتي وباللواتي وباللذين وبالذين؛ للولد خاصة أي ل تزيدكم‬
‫الموال عندنا رفعة ودرجة‪ ،‬ول تقربكم تقريبا‪" .‬إل من آمن وعمل صالحا" قال سعيد بن جبير‪:‬‬
‫المعنى إل من أمن وعمل صالحا فلن يضره ماله وولده في الدنيا‪ .‬وروى ليث عن طاوس أنه كان‬
‫يقول‪ :‬اللهم ارزقني اليمان والعمل‪ ،‬وجنبني المال والولد‪ ،‬فإني سمعت فيما أوحيت "وما أموالكم‬
‫ول أولدكم بالتي تقربكم عدنا زلفى إل من آمن وعمل صالحا"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول طاوس فيه نظر‪ ،‬والمعنى وال أعلم‪ :‬جنبني المال والولد المطغيين أو اللذين ل خير‬
‫فيهما؛ فأما المال الصالح والولد الصالح للرجل الصالح فنعم هذا وقد مضى هذ! في "آل عمران‬
‫ومريفم والفرقان"‪ .‬و"مفن" ففي موضفع نصفب على السفتثناء المنقطفع‪ ،‬أي لكفن مفن آمفن وعمفل‬
‫صالحا فإيمانه وعمله يقربانه مني‪ .‬وزعم الزجاج أنه في موضع نصب بالستثناء على البدل من‬
‫الكاف والميم التي في "تقربكم"‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا القول غلط؛ لن الكاف والميم للمخاطب فل يجوز‬
‫البدل‪ ،‬ولو جاز هذا لجاز‪ :‬رأيتففك زيدا‪ .‬وقول أبففي إسففحاق هذا هففو قول الفراء‪ .‬إل أن الفراء ل‬
‫يقول بدل لنفه ليفس مفن لففظ الكوفييفن‪ ،‬ولكفن قول يؤول إل ذلك‪ ،‬وزعفم أن مثله "إل مفن أتفى ال‬
‫بقلب سليم" يكون منصوبا عنده بف "ينفع"‪ .‬وأجاز الفراء أن يكون "من" ففي موضع رفع بمعنى‪:‬‬
‫مفا هفو إل مفن أمفن‪ ،‬كذا قال‪ ،‬ولسفت أحصفل معناه‪" .‬فأولئك لهفم جزاء الضعفف بمفا عملوا" يعنفي‬
‫قوله‪" :‬مففن جاء بالحسففنة فله عشففر أمثالهففا" [النعام‪ ]160 :‬فالضعففف الزيادة‪ ،‬أي لهففم جزاء‬
‫التضعيف‪ ،‬وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول‪ .‬وقيل‪ :‬لهم جزاء الضعاف‪ ،‬فالضعف في‬
‫معنفى الجمفع‪ ،‬وإضاففة الضعفف إلى الجزاء كإضاففة الشيفء إلى نفسفه‪ ،‬نحفو‪ :‬حفق اليقيفن‪ ،‬وصفلة‬
‫الولى‪ .‬أي لهم الجزاء المضعف‪ ،‬للواحد عشرة إلى ما يريد ال من الزيادة‪.‬‬
‫وبهذه اليفة اسفتدل مفن فضفل الغنفى على الفقفر‪ .‬وقال محمفد بفن كعفب‪ :‬إن المؤمفن إذا كان غنيفا‬
‫تقيففا أتاه ال أجره مرتيففن بهذه اليففة‪ .‬قراءة العامففة "جزاء الضعففف" بالضافففة‪ .‬وقرأ الزهري‬
‫ويعقوب ونصففر بففن عاصففم "جزاء" منونففا منصففوبا "الضعففف" رفعفا؛ أي فأولئك لهففم الضعففف‬
‫جزاء‪ ،‬على التقديففم والتأخيففر‪" .‬وجزاء الضعففف" على أن يجازوا الضعففف‪ .‬و"جزاء الضعففف"‬
‫مرفوعان‪ ،‬الضعفف بدل مفن جزاء‪ .‬وقرأ الجمهور "ففي الغرفات" على الجمفع‪ ،‬وهفو اختيار أبفى‬
‫عبيفد؛ لقوله‪" :‬لنبوئنهفم مفن الجنفة غرففا" [العنكبوت‪ .]58 :‬الزمخشري‪ :‬وقرئ "ففي الغرفات"‬
‫بضفم الراء وفتحهفا وسفكونها‪ .‬وقرأ العمفش ويحيفى بفن وثاب وحمزة وخلف "ففي الغرففة" على‬
‫التوحيفد؛ لقوله تعالى‪" :‬أولئك يجزون الغرففة" [الفرقان‪ .]75 :‬والغرففة قفد يراد بهفا اسفم الجمفع‬
‫واسم الجنس‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬هي غرف من ياقوت وزبرجد ودر وقد مضى بيان ذلك‪" .‬آمنون"‬
‫أي مفن العذاب والموت والسفقام والحزان‪" .‬والذيفن يسفعون ففي آياتنفا" ففي إبطال أدلتنفا وحجتنفا‬
‫وكتابنا‪" .‬معاجزين" معاندين‪ ،‬يحسبون أنهم يفوتوننا بأنفسهم‪" .‬أولئك في العذاب محضرون" أي‬
‫في جهنم تحضرهم الزبانية فيها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 :‬قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو‬
‫يخلفه وهو خير الرازقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له" كرر تأكيدا‪" .‬وما أنفقتم‬
‫مفن شيفء فهفو يخلففه" أي قفل يفا محمفد لهؤلء المغتريفن بالموال والولد إن ال يوسفع على مفن‬
‫يشاء ويضيق على من يشاء‪ ،‬فل تغتروا بالموال والولد بل أنفقوها في طاعة ال‪ ،‬فإن ما أنفقتم‬
‫ففي طاعفة ال فهفو يخلففه‪ .‬وفيفه إضمار‪ ،‬أي فهفو يخلففه عليكفم؛ يقال‪ :‬أخلف له وأخلف عليفه‪ ،‬أي‬
‫يعطيكم خلفه وبدله‪ ،‬وذلك البدل إما في الدنيا وإما في الخرة‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة‬
‫قال قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ال عليفه وسفلم‪( :‬مفا مفن يوم يصفبح العباد فيفه إل وملكان‬
‫ينزلن فيقول أحدهمفا اللهفم أعفط منفقفا خلففا وأعفط ممسفكا تلففا‪ .‬وفيفه أيضفا عفن أبفي هريرة عفن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن ال قال لي أنفق أنفق عليك‪ )...‬الحديث‪ .‬وهذه إشارة إلى‬
‫الخلف ففي الدنيفا بمثفل المنففق فيهفا إذا كانفت النفقفة ففي طاعفة ال‪ .‬وقفد ل يكون الخلف ففي الدنيفا‬
‫فيكون كالدعاء كما تقدم سواء في الجابة أو التكفير أو الدخار؛ والدخار ها هنا مثله في الجر‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬روى الدارقُطني وأبو أحمد بن عدي عن عبدالحميد الهللي عن محمد بن المنكدر عن‬
‫جابر قال قال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم ال عليففه وسففلم‪( :‬كففل معروف صففدقة ومففا أنفففق‬
‫الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة وما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة وما أنفق الرجل من‬
‫نفقة فعلى ال خلفها إل ما كان من نفقة ففي بنيان أو معصية)‪ .‬قال عبدالحميد‪ :‬قلت لبن المنكدر‪:‬‬
‫"ما وقى الرجل عرضه"؟ قال‪ :‬يعطي الشاعر وذا اللسان‪ .‬عبدالحميد وثقه ابن معين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أمفا مفا أنففق ففي معصفية فل خلف أنفه غيفر مثاب عليفه ول مخلوف له‪ .‬وأمفا البنيان فمفا‬
‫كان منه ضروريا يكن النسان ويحفظه فذلك‪ ،‬مخلوف عليه ومأجور ببنيانه‪ .‬وكذلك كحفظ بنيته‬
‫وستر عورته‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ليس لبن آدم حق في سوى هذه الخصال‪ ،‬بيت يسكنه‬
‫وثوب يواري عورته وجلف الخبز والماء)‪ .‬وقد مضى هذا المعنى في "العراف" مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهفو خيفر الرازقيفن" لمفا كان يقال ففي النسفان‪ :‬إنفه يرزق عياله والميفر جنده؛‬
‫قال‪" :‬وهفو خيفر الرازقيفن" والرازق مفن الخلق يرزق‪ ،‬لكفن ذلك مفن مال يملك عليهفم ثفم ينقطفع‪،‬‬
‫وال تعالى يرزق مفن خزائن ل تفنفى ول تتناهفى‪ .‬ومفن أخرج مفن عدم إلى الوجود فهفو الرازق‬
‫على الحقيقة‪ ،‬كما قال‪" :‬إن ال هو الرزاق ذو القوة المتين" [الذاريات‪.]58 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 41 - 40 :‬ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملئكة أهؤلء إياكم كانوا يعبدون‪ ،‬قالوا‬
‫سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم يحشرهفم جميعفا" هذا متصفل بقوله‪" :‬ولو ترى إذ الظالمون موقوفون"‬
‫[سبأ‪ .]31 :‬أي لو تراهم في هذه الحالة لرأيت أمرا فظيعا‪ .‬والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫والمراد هففو وأمتففه ثففم قال ولو تراهففم أيضففا "يوم نحشرهففم جميعففا" العابديففن والمعبوديففن‪ ،‬أي‬
‫نجمعهم للحساب "ثم يقول للملئكة أهؤلء إياكم كانوا يعبدون" قال سعيد عن قتادة‪ :‬هذا استفهام؛‬
‫كقول عفز وجفل لعيسفى‪" :‬أأنفت قلت للناس اتخذونفي وأمفي إلهيفن مفن دون ال" [المائدة‪]116 :‬‬
‫قال النحاس‪ :‬فالمعنففى أن الملئكففة صففلوات ال عليهففم إذا كذبتهففم كان فففي ذلك تبكيففت لهففم؛ فهففو‬
‫استفهام توبيخ للعابدين‪".‬قالوا سبحانك" أي تنزيها لك‪" .‬أنت ولينا من دونهفم" أي أنت ربنا الذي‬
‫نتوله ونطيعفه ونعبده ونخلص ففي العبادة له‪" .‬بفل كانوا يعبدون الجفن أكثرهفم بهفم مؤمنون" أي‬
‫يطيعون إبليس وأعوانه‪ .‬وفي التفاسير‪ :‬أن حيا يقال لهم بنو مليح من خزاعة كانوا يعبدون الجن‪،‬‬
‫ويزعمون أن الجفن تتراءى لهفم‪ ،‬وأنهفم ملئكفة‪ ،‬وأنهفم بنات ال؛ وهفو قوله‪" :‬وجعلوا بينفه وبيفن‬
‫الجنة نسبا" [الصافات‪.]158 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 42 :‬فاليوم ل يملك بعضكفم لبعض نفعا ول ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب‬
‫النار التي كنتم بها تكذبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاليوم ل يملك بعضكفم لبعفض نفعفا" أي شفاعفة ونجاة‪" .‬ول ضرا" أي عذابفا‬
‫وهلكا‪ .‬وقيل‪ :‬أي ل تملك الملئكة دفع ضر عن عابديهم؛ فحذف المضاف "ونقول للذين ظلموا‬
‫ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون" يجوز أن يقول ال لهم أو الملئكة‪ :‬ذوقوا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 43 :‬وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إل رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد‬
‫آباؤكم وقالوا ما هذا إل إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إل سحر مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات" يعني القرآن‪" .‬قالوا ما هذا إل رجل" يعنون محمدا‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم‪" .‬يريفد أن يصفدكم عمفا كان يعبفد آباؤكفم" أي أسفلفكم مفن اللهفة التفي كانوا‬
‫يعبدونهفا‪" .‬وقالوا مفا هذا إل إففك مفترى" يعنون القرآن؛ أي مفا هفو إل كذب مختلق‪" .‬وقال الذيفن‬
‫كفروا للحفق لمفا جاءهفم إن هذا إل سفحر مفبين" فتارة قالوا سفحر‪ ،‬وتارة قالوا إففك‪ .‬ويحتمفل أن‬
‫يكون منهم من قال سحر ومنهم من قال إفك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 - 44 :‬وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذيفر‪ ،‬وكذب‬
‫الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما آتيناهم من كتب يدرسونها" أي لم يقرؤوا في كتاب أوتوه بطلن ما جئت به‪،‬‬
‫ول سففمعوه مففن رسففول بعففث إليهففم‪ ،‬كمففا قال‪" :‬أم آتيناهففم كتابففا مففن قبله فهففم بففه مسففتمسكون"‬
‫[الزخرف‪ ]21 :‬فليس لتكذيبهم وجه يتشبث به ول شبهة متعلق كما يقول أهل الكتاب وإن كانوا‬
‫مبطليفن‪ :‬نحفن أهفل كتاب وشرائع ومسفتندون إلى رسفل مفن رسفل ال‪ ،‬ثفم توعدهفم على تكذيبهفم‬
‫بقوله الحق‪":‬وكذب الذين من قبلهم" أي كذب قبلهم أقوام كانوا أشد من هؤلء بطشا وأكثر أموال‬
‫وأولدا وأوسع عيشا‪ ،‬فأهلكتهم كثمود وعاد‪" .‬وما بلغوا" أي ما بلغ أهل مكة "معشار ما آتيناهم"‬
‫تلك المففم‪ .‬والمعشار والعشففر سففواء‪ ،‬لغتان‪ .‬وقيففل‪ :‬المعشار عشففر العشففر‪ .‬الجوهري‪ :‬ومعشار‬
‫الشيفء عشره‪ ،‬ول يقولون هذا ففي شيفء سفوى العشفر‪ .‬وقال‪ :‬مفا بلغ الذيفن مفن قبلهفم معشار شكفر‬
‫مففا أعطيناهففم؛ حكاه النقاش‪ .‬وقيففل‪ :‬مفا أعطففى ال تعالى مففن قبلهففم معشار مفا أعطاهففم مففن العلم‬
‫والبيان والحجة والبرهان‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬فليس أمة أعلم من أمة‪ ،‬ول كتاب أبين من كتابه‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫المعشار هو عشر العشير‪ ،‬والعشير هو عشر العشر فيكون جزءا من ألف جزء‪ .‬الماوردي‪ :‬وهو‬
‫الظهر‪ ،‬لن المراد به المبالغة في التقليل‪" .‬فكذبوا رسلي فكيف كان نكير" أي عقابي في المم‪،‬‬
‫وفيه محذوف وتقديره‪ :‬فأهلكناهم فكيف كان نكيري‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 46 :‬قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا ل مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من‬
‫جنة إن هو إل نذير لكم بين يدي عذاب شديد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قفل إنمفا أعظكفم بواحدة" تمفم الحجفة على المشركيفن؛ أي قفل لهفم يفا محمفد‪" :‬إنمفا‬
‫أعظكفم" أي أذكركفم وأحذركفم سفوء عاقبفة مفا أنتفم فيفه‪" .‬بواحدة" أي بكلمفة واحدة مشتملة على‬
‫جميفع الكلم‪ ،‬تقتضفي نففي الشرك لثبات الله قال مجاهفد‪ :‬هفي ل إله إل ال وهذا قول ابفن عباس‬
‫والسفدي‪ .‬وعفن مجاهفد أيضفا‪ :‬بطاعفة ال‪ .‬وقيفل‪ :‬بالقرآن؛ لنفه يجمفع كفل المواعفظ‪ .‬وقيفل‪ :‬تقديره‬
‫بخصفلة واحدة‪" ،‬أن تقوموا ل مثنفى وفرادى" "أن" ففي موضفع خففض على البدل مفن "واحدة"‪،‬‬
‫أو في موضع رفع على إضمار مبتدأ‪ ،‬أي هي أن تقوموا‪ .‬ومذهب الزجاج أنها في موضع نصب‬
‫بمعنى لن تقوموا‪ .‬وهذا القيام معناه القيام إلى طلب الحق ل القيام الذي هو ضد القعود‪ ،‬وهو كما‬
‫يقال‪ :‬قام فلن بأمفففر كذا؛ أي لوجفففه ال والتقرب إليفففه‪ .‬وكمفففا قال تعالى‪" :‬وأن تقوموا لليتامفففى‬
‫بالقسط" [النساء‪" .]127 :‬مثنى وفرادى" أي وحدانا ومجتمعين قاله السدي‪ .‬وقيل‪ :‬منفردا برأيه‬
‫ومشاورا لغيره‪ ،‬وهذا قول مأثور‪ .‬وقال القتبي‪ :‬مناظرا مع غيره ومفكرا في نفسه‪ ،‬وكله متقارب‪.‬‬
‫ويحتمل رابعا أن المثنى عمل النهار والفرادى عمل الليل‪ ،‬لنه في النهار معان وفي الليل وحيد‪،‬‬
‫قال الماوردي‪ .‬وقيففل‪ :‬إنمففا قال‪" :‬مثنففى وفرادى" لن الذهففن حجففة ال على العباد وهففو العقففل‪،‬‬
‫فأوفرهفم عقل أوفرهفم حظفا مفن ال‪ ،‬فإذا كانوا فرادى كانفت فكرة واحدة‪ ،‬وإذا كانوا مثنفى تقابفل‬
‫الذهنان فتراءى مفن العلم لهمفا مفا أضعفف على النفراد؛ وال أعلم‪" .‬ثفم تتفكروا مفا بصفاحبكم مفن‬
‫جنة" الوقف عند أبي حاتم وابن النباري على "ثم تتفكروا"‪ .‬وقيل‪ :‬ليس هو بوقف لن المعنى‪:‬‬
‫ثفم تتفكروا هفل جربتفم على صفاحبكم كذبفا‪ ،‬أو رأيتفم فيفه جنفة‪ ،‬أو ففي أحواله مفن فسفاد‪ ،‬أو اختلف‬
‫إلى أحففد ممففن يدعففي العلم بالسففحر‪ ،‬أو تعلم القاصففيص وقرأ الكتففب‪ ،‬أو عرفتموه بالطمففع فففي‬
‫أموالكفم‪ ،‬أو تقدرون على معارضتفه ففي سفورة واحدة؛ فإذا عرفتفم بهذا الفكفر صفدقه فمفا بال هذه‬
‫المعاندة‪" .‬إن هفو إل نذيفر لكفم بيفن يدي عذاب شديفد" وففي صفحيح مسفلم عفن ابفن عباس قال‪ :‬لمفا‬
‫نزلت هذه اليفة "وأنذر عشيرتفك القربيفن" [الشعراء‪ ]214 :‬ورهطفك منهفم المخلصفين‪ ،‬خرج‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف‪ :‬يا صباحاه؟ فقالوا‪ :‬من هذا الذي يهتف!؟‬
‫قالوا محمفد؛ فاجتمعوا إليفه فقال‪( :‬يفا بنفي فلن يفا بنفي فلن يفا بنفي عبفد مناف يفا بنفي عبدالمطلب‬
‫فاجتمعوا إليه فقال أرأيتم لو أخبرتكم أن خيل تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي)؟ قالوا‪ :‬ما‬
‫جربنفا عليفك كذبفا‪ .‬قال‪( :‬فإنفي نذيفر لكفم بيفن يدي عذاب شديفد)‪ .‬قال فقال أبفو لهفب‪ :‬تبفا لك! أمفا‬
‫جمعتنففا إل لهذا؟ ثففم قال فنزلت هذه السففورة‪" :‬تبففت يدا أبففي لهففب وتففب" [المسففد‪ ]1 :‬كذا قرأ‬
‫العمش إلى آخر السورة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 47 :‬قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إل على ال وهو على كل شيء شهيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل ما سألتكم من أجر" أي جعل على تبليغ الرسالة "فهو لكم" أي ذلك الجعل لكم‬
‫إن كنفت سفألتكموه "إن أجري إل على ال وهفو على كفل شيفء شهيفد" أي رقيفب وعالم وحاضفر‬
‫لعمالي وأعمالكم‪ ،‬ل يخفى عليه شيء فهو يجازي الجميع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 :‬قل إن ربي يقذف بالحق علم الغيوب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قفل إن ربفي يقذف بالحفق" أي يفبين الحجة ويظهرهفا‪ .‬قال قتادة‪ :‬بالحفق بالوحفي‪.‬‬
‫وعنه‪ :‬الحق القرآن‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬أي يقذف الباطل بالحق علم الغيوب‪ .‬وقرأ عيسى بن عمر‬
‫"علم الغيوب" على أنه بدل‪ ،‬أي قل إن ربي علم الغيوب يقذف بالحق‪ .‬قال الزجاج‪ .‬والرفع من‬
‫وجهيفن على الموضفع‪ ،‬لن الموضفع موضفع رففع‪ ،‬أو على البدل ممفا ففي يقذف‪ .‬النحاس‪ :‬وففي‬
‫الرفع وجهان آخران‪ :‬يكون خبرا بعد خبر‪ ،‬ويكون على إضمار مبتدأ‪ .‬وزعم الفراء أن الرفع في‬
‫مثفل هذا أكثفر ففي كلم العرب إذا أتفى بعفد خفبر "إن" ومثله "إن ذلك لحفق تخاصفم أهفل النار"‬
‫[ص‪ ]64 :‬وقرئ‪" :‬الغيوب" بالحركات الثلث‪ ،‬فالغيوب كالبيوت‪ ،‬والغيوب كالصفبور‪ ،‬وهفو‬
‫المر الذي غاب وخفي جدا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 49 :‬قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل جاء الحق" قال سعيد عن قتادة‪ :‬يريد القرآن‪ .‬النحاس‪ :‬والتقدير جاء صاحب‬
‫الحق أي الكتاب الذي فيه البراهين والحجج‪" .‬وما يبدئ الباطل" قال قتادة‪ :‬الشيطان؛ أي ما يخلق‬
‫الشيطان أحدا "وما يعيد" فف "ما" نفي‪ .‬ويجوز أن يكون استفهاما بمعنى أي شيء؛ أي جاء الحق‬
‫فأي شيفء بقفي للباطفل حتفى يعيده ويبدئه أي فلم يبفق منفه شيفء‪ ،‬كقوله‪" :‬فهفل ترى لهفم مفن باقيفة"‬
‫[الحاقة‪ ]8 :‬أي ل ترى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 50 :‬قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع‬
‫قريب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قفل إن ضللت فإنمفا أضفل على نفسفي" وذلك أن الكفار قالوا تركفت ديفن آبائك‬
‫فضللت‪ .‬فقال له‪ :‬قففل يففا محمففد إن ضللت كمففا تزعمون فإنمففا أضففل على نفسففي‪ .‬وقراءه العامففة‬
‫"ضللت" بفتفح اللم‪ .‬وقرأ يحيفى بفن وثاب وغيره‪" :‬قفل إن ضللت" بكسفر اللم وفتفح الضاد من‬
‫"أضل"‪ ،‬والضلل والضللة ضد الرشاد‪ .‬وقد ضللت (بفتح اللم) أضل (بكسر الضاد)‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى‪" :‬قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي" فهذه لغة نجد وهي الفصيحة‪ .‬وأهل العالية يقولون‬
‫"ضللت" بالكسفر "أضل"‪ ،‬أي إثم ضللتي على نفسفي‪" .‬وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربفي" من‬
‫الحكمفة والبيان "إنفه سفميع قريفب" أي سفميع ممفن دعاه قريفب الجابفة‪ .‬وقيفل وجفه النظفم‪ :‬قفل إن‬
‫ربي يقذف بالحق ويبين الحجة‪ ،‬وضلل من ضل ل يبطل الحجة‪ ،‬ولو ضللت لضررت بنفسي‪،‬‬
‫ل أنه يبطل حجة ال‪ ،‬وإذا اهتديت فذلك فضل ال إذ ثبتني على الحجة إنه سميع قريب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 51 :‬ولو ترى إذ فزعوا فل فوت وأخذوا من مكان قريب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو ترى إذ فزعوا فل فوت" ذكر أحوال الكفار في وقت ما يضطرون فيه إلى‬
‫معرفة الحق‪ .‬والمعنى‪ :‬لو ترى إذا فزعوا في الدنيا عند نزول الموت أو غيره من بأس ال تعالى‬
‫بهم‪ ،‬روي معناه عن ابن عباس‪ .‬الحسن‪ :‬هو فزعهم في القبور من الصيحة‪ .‬وعنه أن ذلك الفزع‬
‫إنمففا هففو إذا خرجوا مففن قبورهففم؛ وقاله قتادة‪ .‬وقال ابففن مغفففل‪ :‬إذا عاينوا عقاب ال يوم القيامففة‪.‬‬
‫السففدي‪ :‬هففو فزعهففم يوم بدر حيففن ضربففت أعناقهففم بسففيوف الملئكففة فلم يسففتطيعوا فرارا ول‬
‫رجوعفا إلى التوبفة‪ .‬سفعيد ابفن جفبير‪ :‬هفو الجيفش الذي يخسفف بهفم ففي البيداء فيبقفى منهفم رجفل‬
‫فيخفبر الناس بمفا لقفي أصفحابه فيفزعون‪ ،‬فهذا هفو فزعهفم‪" .‬فل فوت" "فل فوت" فل نجاة؛ قاله‬
‫ابفن عباس‪ .‬مجاهفد‪ :‬فل مهرب‪" .‬وأخذوا مفن مكان قريفب" أي من القبور‪ .‬وقيفل‪ :‬مفن حيفث كانوا‪،‬‬
‫فهم من ال قريب ل يعزبون عنه ول يفوتونه‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬نزلت في‪ ،‬ثمانين ألفا يغزون في‬
‫آخر الزمان الكعبة ليخربوها‪ ،‬وكما يدخلون البيداء يخسف بهم؛ فهو الخذ من مكان قريب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وففي هذا المعنفى خفبر مرفوع عفن حذيففة وقفد ذكرناه ففي كتاب التذكرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسفول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ :‬وذكفر فتنفة تكون بيفن أهفل المشرق والمغرب‪( :‬فبينفا هفم كذلك إذ خرج‬
‫عليهفم السففياني مفن الوادي اليابفس ففي فورة ذلك حتفى ينزل دمشفق فيبعفث جيشيفن‪ ،‬جيشفا إلى‬
‫المشرق؛ وجيشفا إلى المدينفة‪ ،‬فيسفير الجيفش نحفو المشرق حتفى ينزلوا بأرض بابفل ففي المدينفة‬
‫الملعونة والبقعة الحبيبة يعني مدينة بغداد‪ ،‬قال ‪ -‬فيقتلون أكثر من ثلثة آلف ويفتضون أكثر من‬
‫مائة امرأة ويقتلون بهففا ثلثمائة كبففش مففن ولد العباس‪ ،‬ثففم يخرجون متوجهيففن إلى الشام فتخرج‬
‫راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش منها على ليلتين فيقتلونهم ل يفلت منهم مخبر ويستنقذون‬
‫مفا ففي أيديهفم مفن السفبي والغنائم ومحفل جيشفه الثانفي بالمدينفة فينتهبونهفا ثلثفة أيام ولياليهفا ثفم‬
‫يخرجون متوجهيفن إلى مكفة حتفى إذا كانوا بالبيداء بعفث ال جبريفل عليفه السفلم فيقول يفا جبريفل‬
‫أذهفب فأبدهفم فيضربهفا برجله ضربفة يخسفف ال بهفم‪ ،‬وذلك قوله تعالى‪" :‬ولو ترى إذ فزعوا فل‬
‫فوت وأخذوا مفن مكان قريفب" فل يبقفى منهفم إل رجلن أحدهمفا بشيفر والخفر نذيفر وهمفا مفن‬
‫جهينفة‪ ،‬ولذلك جاء القول وعنفد جهينفة الخفبر اليقيفن وقيفل‪" :‬أخذوا مفن مكان قريفب" أي قبضفت‬
‫أرواحهففم فففي أماكنهففا فلم يمكنهففم الفرار مففن الموت‪ ،‬وهذا على قول مففن يقول‪ :‬هذا الفزع عنففد‬
‫النزع‪ .‬ويحتمففل أن يكون هذا مففن الفزع الذي هففو بمعنففى الجابففة؛ يقال‪ :‬فزع الرجففل أي أجاب‬
‫الصارخ الذي يستغيث به إذا نزل به خوف‪ .‬ومنه الخبر إذ قال للنصار‪( :‬إنكم لتقلون عند الطمع‬
‫وتكثرون عنفد الفزع)‪ .‬ومفن قال‪ :‬أراد الخسفف أو القتفل ففي الدنيفا كيوم بدر قال‪ :‬أخذوا ففي الدنيفا‬
‫قبففل أن يؤخذوا فففي الخرة‪ .‬ومففن قال‪ :‬هففو فزع يوم القيامففة قال‪ :‬أخذوا مففن بطففن الرض إلى‬
‫ظهرها‪ .‬وقيل‪" :‬اخذوا من مكان قريب" من جهنم فألقوا فيها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 52 :‬وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا آمنفا بفه" أي القرآن‪ .‬وقال مجاهفد‪ :‬بال عفز وجفل‪ .‬الحسفن‪ :‬بالبعفث‪ .‬قتادة‪:‬‬
‫بالرسفول صفلى ال عليفه وسفلم "وأنفى لهفم التناوش مفن مكان بعيفد" قال ابفن عباس والضحاك‪:‬‬
‫التناوش الرجعة؛ أي يطلبون الرجعة إلى الدنيا ليؤمنوا‪ ،‬وهيهات من ذلك! ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫إلى تناوشها سبيل‬ ‫تمنى أن تؤوب إلي وليس‬
‫وقال السفدي‪ :‬هفي التوبفة؛ أي طلبوهفا وقفد بعدت‪ ،‬لنفه إنمفا تقبفل التوبفة ففي الدنيفا‪ .‬وقيفل‪ :‬التناوش‬
‫التناول؛ قال ابفن السفكيت‪ :‬يقال للرجفل إذا تناول رجل ليأخفذ برأسفه ولحيتفه‪ :‬ناشفه ينوشفه نوشفا‪.‬‬
‫وأنشد‪:‬‬
‫نوشا به تقطع أجواز الفل‬ ‫فهي تنوش الحوض نوشا من عل‬
‫أي تتناول ماء الحوض مفن فوق وتشرب شربفا كثيرا‪ ،‬وتقطفع بذلك الشرب فلوات فل تحتاج إلى‬
‫ماء آخفر‪ .‬قال‪ :‬ومنفه المناوشفة ففي القتال؛ وذلك إذا تدانفى الفريقان‪ .‬ورجفل نووش أي ذو بطفش‪.‬‬
‫والتناوش‪ .‬التناول‪ :‬والنتياش مثله‪ .‬قال الراجز‪:‬‬
‫كانت تنوش العنق انتياشا‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنفى لهفم التناوش من مكان بعيفد" يقول‪ :‬أنفى لهفم تناول اليمان ففي الخرة وقد‬
‫كفروا فففي الدنيففا‪ .‬وقرأ أبففو عمرو والكسففائي والعمففش وحمزة‪" :‬وأنففى لهففم التناوش" بالهمففز‪.‬‬
‫النحاس‪ :‬وأبفو عفبيدة يسفتبعد هذه القراءة؛ لن "التناوش" بالهمفز البعفد‪ ،‬فكيفف يكون‪ :‬وأنفى لهفم‬
‫البعفد مفن مكان بعيفد‪ .‬قال أبفو جعففر‪ :‬والقراءة جائزة حسفنة‪ ،‬ولهفا وجهان ففي كلم العرب‪ ،‬ول‬
‫يتأول بهفا هذا المتأول البعيفد‪ .‬فأحفد الوجهيفن أن يكون الصفل غيفر مهموز‪ ،‬ثفم همزت الواو لن‬
‫الحركة فيها خفية‪ ،‬وذلك كثير في كلم العرب‪ .‬وفي المصحف الذي نقلته الجماعة عن الجماعة‬
‫"وإذا الرسل أقتت" [المرسلت‪ ]11 :‬والصفل "وقتت" لنه مشتفق من الوقت‪ .‬ويقال ففي جمع‬
‫دار‪ :‬أدؤر‪ .‬والوجه الخر ذكره أبو إسحاق قال‪ :‬يكون مشتقا من النئيش وهو الحركة في إبطاء؛‬
‫أي من أين لهم الحركة فيما قد بعد‪ ،‬يقال‪ :‬نأشت الشيء أخذته من بعد والنئيش‪ :‬الشيء البطيء‪.‬‬
‫قال الجوهري‪ :‬التناؤش (بالهفم) التأخفر والتباعفد‪ .‬وقفد نأشفت المفر أنأشفه نأشفا أخرتفه؛ فانتأش‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬فعله نئيشا أي أخيرا‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وقد حدثت بعد المور أمور‬ ‫تمنى نئيشا أن يكون أطاعني‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫وجئت نئيشا بعدما فاتك الخُبر‬ ‫قعدت زمانا عن طلبك للعل‬
‫وقال الفراء‪ :‬الهمفز وترك الهمفز ففي التناؤش متقارب؛ مثفل‪ :‬ذمفت الرجفل وذأمتفه أي عبتفه‪" .‬مفن‬
‫مكان بعيد" أي من الخرة‪ .‬وروى أبو إسحاق عن التميمي عن ابن عباس قال‪" :‬وأنى لهم" قال‪:‬‬
‫الرد‪ ،‬سألوه وليس بحين رد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 53 :‬وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقفد كفروا بفه" أي بال عفز وجفل وقيفل‪ :‬بمحمفد "مفن قبفل" يعنفي ففي الدنيفا‪.‬‬
‫"ويقذفون بالغيب من مكان بعيد" العرب تقول لكل من تكلم بما ل يحقه‪ :‬هو يقذف ويرجم بالغيب‪.‬‬
‫"من مكان بعيد" على جهة التمثيل لمن يرجم ول يصيب‪ ،‬أي يرمون بالظن فيقولون‪ :‬ل بعث ول‬
‫نشور ول جنففة ول نار‪ ،‬رجمففا منهففم بالظففن؛ قال قتادة‪ .‬وقيففل‪" :‬يقذفون" أي يرمون فففي القرآن‬
‫فيقولون‪ :‬سفحر وشعفر وأسفاطير الوليفن‪ .‬وقيفل‪ :‬ففي محمفد؛ فيقولون سفاحر شاعفر كاهفن مجنون‪.‬‬
‫"من مكان بعيد" أي إن ال بعد لهم أن يعلموا صدق محمد‪ .‬وقيل‪ :‬أراد البعد عن القلب‪ ،‬أي من‬
‫مكان بعيد عن قلوبهم‪ .‬وقرأ مجاهد "ويقذفون بالغيب" غير مسمى الفاعل‪ ،‬أي يرمون به‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫يقذف به إليهم من يغويهم ويضلهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 54 :‬وحيفل بينهفم وبيفن مفا يشتهون كمفا فعفل بأشياعهفم مفن قبفل إنهفم كانوا ففي شفك‬
‫مريب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وحيفل بينهفم وبيفن مفا يشتهون" قيفل‪ :‬حيفل بينهفم وبيفن النجاة مفن العذاب‪ .‬وقيفل‪:‬‬
‫حيفل بينهفم وبيفن مفا يشتهون ففي الدنيفا مفن أموالهفم وأهليهفم‪ .‬ومذهفب قتادة أن المعنفى أنهفم كانوا‬
‫يشتهون لما رأوا العذاب أن يقبل منهم أن يطيعوا ال جل وعز وينتهوا إلى ما يأمرهم به ال فحيل‬
‫بينهفم وبيفن ذلك؛ لن ذلك إنمفا كان ففي الدنيفا أو قفد زالت ففي ذلك الوقفت‪ .‬والصفل "حول" فقلبفت‬
‫حركفة الواو على الحاء فانقلبفت ياء ثفم حذففت حركتهفا لثقلهفا‪" .‬كمفا فعفل بأشياعهفم" الشياع جمفع‬
‫شيفع‪ ،‬وشيفع جمفع شيعفة‪" .‬مفن قبفل" أي بمفن مضفى مفن القرون السفالفة الكافرة‪" .‬إنهفم كانوا ففي‬
‫شك" أي من أمر الرسل والبعث والجنة والنار‪ .‬قيل‪ :‬في الدين والتوحيد‪ ،‬والمعنى واحد‪" .‬مريب"‬
‫أي يسفتراب بفه‪ ،‬يقال‪ :‬أراب الرجفل أي صفار ذا ريبفة‪ ،‬فهفو مريفب‪ .‬ومفن قال هفو مفن الريفب الذي‬
‫هو الشك والتهمة قال‪ :‬يقال شك مريب؛ كما يقال‪ :‬عجب عجيب وشعر شاعر؛ في التأكيد‪ .‬ختمت‬
‫السور‪ ،‬والحمد ل رب العالمين‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة فاطر‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 1 :‬الحمفد ل فاطفر السفماوات والرض جاعفل الملئكفة رسفل أولي أجنحفة مثنفى‬
‫وثلث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن ال على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الحمد ل فاطر السماوات والرض" يجوز في "فاطر" ثلثة أوجه‪ :‬الخفض على‬
‫النعت‪ ،‬والرفع على إضمار مبتدأ‪ ،‬والنصب على المدح‪ .‬وحكى سيبويه‪ :‬الحمد ل أهل الحمد مثله‬
‫وكذا "جاعفل الملئكفة"‪ .‬والفاطفر‪ :‬الخالق‪ .‬وقفد مضفى ففي "يوسفف" وغيرهفا‪ .‬والفطفر‪ .‬الشفق عفن‬
‫الشيء؛ يقال‪ :‬فطرته فانفطر‪ .‬ومنه‪ :‬فطر ناب البعير طلع‪ ،‬فهو بعير فاطر‪ .‬وتفطر الشيء تشقق‪.‬‬
‫وسيف فطار‪ ،‬أي فيه تشقق‪ .‬قال عنترة‪:‬‬
‫سلحي ل أفل ول فطارا‬ ‫وسيفي كالعقيقة فهو كمعي‬
‫والفطفر‪ :‬البتداء والختراع‪ .‬قال ابفن عباس‪ :‬كنفت ل أدري مفا "فاطفر السفموات والرض" حتفى‬
‫أتانفي أعرابيان يختصفمان ففي بر‪ ،‬فقال أحدهمفا‪ :‬أنفا فطرتهفا‪ ،‬أي أنفا ابتدأتهفا‪ .‬والفطفر‪ .‬حلب الناقفة‬
‫بالسففبابة والبهام‪ .‬والمراد بذكففر السففموات والرض العالم كله‪ ،‬ونبففه بهذا على أن مففن قدر على‬
‫البتداء قادر على العادة‪" .‬جاعففل الملئكففة" ل يجوز فيففه التنويففن‪ ،‬لنففه لمففا مضففى‪" .‬رسففل"‬
‫مفعول ثان‪ ،‬ويقال على إضمار فعفل؛ لن "فاعل" إذا كان لمفا مضفى لم يعمفل فيفه شيئا‪ ،‬وإعمال‬
‫على أنه مستقبل حذف التوين منه تخفيفا‪ .‬وقرأ الضحاك "الحمد ل فطر السموات والرض" على‬
‫الفصفل الماضفي‪" .‬جاعل الملئكفة رسفل" الرسفل منهفم جبريفل وميكائيفل وإسفرافيل وملك الموت‪،‬‬
‫صفلى ال عليهفم أجمعيفن‪ .‬وقرأ الحسفن‪" :‬جاعفل الملئكفة" بالرففع‪ .‬وقرأ خليفد بفن نشيفط "جعفل‬
‫الملئكة" وكله ظاهر‪" .‬أولي أجنحة" نعت‪ ،‬أي أصحاب أجنحة‪" .‬مثنى وثلث ورباع" أي اثنين‬
‫اثنيففن‪ ،‬وثلثففة ثلثففة‪ ،‬وأربعففة أربعففة‪ .‬قال قتادة‪ :‬بعضهففم له جناحان‪ ،‬وبعضهففم ثلثففة‪ ،‬وبعضهففم‬
‫أربعة؛ ينزلون بهما من السماء إلى الرض‪ ،‬ويعرجون من الرض إلى السماء‪ ،‬وهي مسيرة كذا‬
‫في وقت واحد‪ ،‬أي جعلهم رسل‪ .‬قال يحيى بن سلم‪ :‬إلى النبياء‪ .‬وقال السدي‪ :‬إلى العباد برحمة‬
‫أو نقمة‪ .‬وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى جبريل عليه السلم‬
‫له ستمائة جناح‪ .‬وعن الزهري أن جبريل عليه السلم قال له‪( :‬يا محمد‪ ،‬لو رأيت إسرافيل إن له‬
‫لثنففي عشففر ألف جناح منهففا جناح بالمشرق وجناح بالمغرب وإن العرش لعلى كاهله وإنففه فففي‬
‫الحاييفن ليتضاءل لعظمفة ال حتفى يعود مثفل الوصفع والوصفع عصففور صفغير حتفى مفا يحمفل‬
‫عرش ربففك إل عظمتففه)‪ .‬و"أولو" اسففم جمففع لذو‪ ،‬كمففا أن هؤلء اسففم جمففع لذا‪ ،‬ونظيرهمففا فففي‬
‫المتمكنفة‪ :‬المخاض والخلففة‪ .‬وقفد مضفى الكلم ففي "مثنفى وثلث ورباع" ففي "النسفاء" وأنفه غيفر‬
‫منصرف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يزيفد ففي الخلق مفا يشاء" أي ففي خلق الملئكفة‪ ،‬ففي قول أكثفر المفسفرين؛ ذكره‬
‫المهدوي‪ .‬وقال الحسفن‪" :‬يزيفد ففي الخلق" أي ففي أجنحفة الملئكفة مفا يشاء‪ .‬وقال الزهري وابفن‬
‫جريج‪ :‬يعني حسن الصوت‪ .‬وقد مضى القول فيه في مقدمة الكتاب‪ .‬وقال الهيثم الفارسي‪ :‬رأيت‬
‫النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي منامفي‪ ،‬فقال‪( :‬أنفت الهيثفم الذي تزيفن القرآن بصفوتك جزاك ال‬
‫خيرا)‪ .‬وقال قتادة‪" :‬يزيد في الخلق ما يشاء" الملحة في العينين والحسن في النف والحلوة في‬
‫الففم‪ .‬وقيفل‪ :‬الخفط الحسفن‪ .‬وقال مهاجفر الكلعفي قال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬الخفط الحسفن‬
‫يزيفد الكلم وضوحفا)‪ .‬وقيفل‪ :‬الوجفه الحسفن‪ .‬وقيفل ففي الخفبر ففي هذه اليفة‪ :‬هفو الوجفه الحسفن‬
‫والصوت الحسن والشعر الحسن؛ ذكره القشيري‪ .‬النقاش هو الشعر الجعد‪ .‬وقيل‪ :‬العقل والتمييز‪.‬‬
‫وقيفل‪ :‬العلوم والصفنائع‪" .‬إن ال على كفل شيفء قديفر" مفن النقصفان والزيادة‪ .‬الزمخشري‪ :‬واليفة‬
‫مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق؛ من طول قامة‪ ،‬واعتدال صورة‪ ،‬وتمام في العضاء‪ ،‬وقوة في‬
‫البطش‪ ،‬وحصافة في العقل‪ ،‬وجزالة في الرأي‪ ،‬وجرأة في القلب‪ ،‬وسماحة في النفس‪ ،‬وذلقة في‬
‫اللسان‪ ،‬ولباقة في التكلم‪ ،‬وحسن تأت في مزاولة المور؛ وما أشبه ذلك مما ل يحيط به وصف‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬ما يفتح ال للناس من رحمة فل ممسك لها وما يمسك فل مرسل له من بعده وهو‬
‫العزيز الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مفا يفتفح ال للناس مفن رحمفة فل ممسفك لهفا" وأجاز النحويون ففي غيفر القرآن‬
‫"فل ممسفك له" على لففظ "مفا" و"لهفا" على المعنفى‪ .‬وأجازوا "ومفا يمسفك فل مرسفل لهفا"‬
‫وأجازوا "مفا يفتفح ال للناس مفن رحمفة" (بالرففع) تكون "مفا" بمعنفى الذي‪ .‬أي إن الرسفل بعثوا‬
‫رحمفة للناس فل يقدر على إرسفالهم غيفر ال‪ .‬وقيفل‪ :‬مفا يأتيهفم بفه ال مفن مطفر أو رزق فل يقدر‬
‫أحد أن يمسكه‪ ،‬وما يمسك من ذلك فل يقدر أحد على أن يرسله‪ .‬وقيل‪ :‬هو الدعاء‪ :‬قاله الضحاك‪.‬‬
‫ابن عباس‪ :‬من توبة‪ .‬وقيل‪ :‬من توفيق وهداية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولففظ الرحمفة يجمفع ذلك إذ هفي منكرة للشاعفة والبهام‪ ،‬فهفي متناولة لكفل رحمفة على‬
‫البدل‪ ،‬فهو عام في جميع ما ذكر‪ .‬وفي موطأ مالك‪ :‬أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول إذا أصبح وقد‬
‫مطفر الناس‪ :‬مطرنفا بنوء الفتفح‪ ،‬ثفم يتلو هذه اليفة "مفا يفتفح ال للناس مفن رحمفة فل ممسفك لهفا"‪.‬‬
‫"وهو العزيز الحكيم" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 3 :‬يفا أيهفا الناس اذكروا نعمفة ال عليكفم هفل مفن خالق غيفر ال يرزقكفم مفن السفماء‬
‫والرض ل إله إل هو فأنى تؤفكون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الناس اذكروا نعمة ال عليكم" معنى هذا الذكر الشكر‪" .‬هل من خالق غير‬
‫ال" يجوز في "غير" الرفع والنصب والخفض‪ ،‬فالرفع من وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬بمعنى هل من خالق‬
‫إل ال؛ بمعنى ما خالق إل ال‪ .‬والوجه الثاني‪ :‬أن يكون نعتا على الموضع؛ لن المعنى‪ :‬هل خاق‬
‫غيفر ال‪ ،‬و"مفن" زائدة‪ .‬والنصفب على السفتثناء‪ .‬والخففض‪ ،‬على اللففظ‪ .‬قال حميفد الطويفل‪ :‬قلت‬
‫للحسفن‪ :‬مفن خلق الشفر؟ فقال سفبحان ال! هفل مفن خالق غيفر ال جفل وعفز‪ ،‬خلق الخيفر والشفر‪.‬‬
‫وقرأ حمزة والكسفائي‪" :‬هفل مفن خالق غيفر ال" بالخففض‪ .‬الباقون بالرففع‪" .‬يرزقكفم مفن السفماء"‬
‫أي المطفففر‪" .‬والرض" أي النبات‪" .‬ل إله إل هفففو فأنفففى تؤفكون" مفففن الففففك (بالفتفففح) وهفففو‬
‫الصفرف؛ يقال‪ :‬مفا أفكفك عفن كذا‪ ،‬أي مفا صفرفك عنفه‪ .‬وقيفل‪ :‬مفن الففك (بالكسفر) وهفو الكذب‪،‬‬
‫ويرجفع هذا أيضفا إلى مفا تقدم؛ لنفه قول مصفروف عفن الصفدق والصفواب‪ ،‬أي مفن أيفن يقفع لكفم‬
‫التكذيفب بتوحيفد ال‪ .‬واليفة حجفة على القدريفة لنفه نففى خالقفا غيفر ال وهفم يثبتون معفه خالقيفن‪،‬‬
‫على ما تقدم في غير موضع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى ال ترجع المور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يكذبوك" يعني كفار قريش‪" .‬فقد كذبت رسل من قبلك" يعزي نبيه ويسليه‬
‫صلى ال عليه وسلم وليتأسى بمن قبله في الصبر‪" .‬وإلى ال ترجع المور" قرأ الحسن والعرج‬
‫ويعقوب وابن عامر وأبو حيوة وابن محيصن وحميد والعمش وحمزة ويحيى والكسائي وخلف‬
‫(بفتفح التاء) على أنفه مسفمى الفاعفل‪ .‬واختاره أبفو عبيفد لقوله تعالى‪" :‬أل إلى ال تصفير المور"‬
‫[الشورى‪ ]53 :‬الباقون " ُت ْرجَع" على الفعل المجهول‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬يا أيها الناس إن وعد ال حق فل تغرنكم الحياة الدنيا ول يغرنكم بال الغرور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يفا أيهفا الناس إن وعفد ال حفق" هذا وعفظ للمكذبيفن للرسفول بعفد إيضاح الدليفل‬
‫على صحة قوله‪ :‬إن البعث والثواب والعقاب حق‪" .‬فل تغرنكم الحياة الدنيا" قال سعيد بن جبير‪:‬‬
‫غرور الحياة الدنيا أن يشتغل النسان بنعيمها ولذاتها عن عمل الخرة‪ ،‬حتى يقول‪ :‬يا ليتني قدمت‬
‫لحياتي‪" .‬ول يغرنكم بال الغرور" قال ابن السكيت وأبو حاتم‪" :‬الغرور" الشيطان‪ .‬وغرور جمع‬
‫غفر‪ ،‬وغفر مصفدر‪ .‬ويكون "الغرور" مصفدرا وهفو بعيفد عنفد غيفر أبفي إسفحاق؛ لن "غررتفه"‬
‫متعفد‪ ،‬والمصفدر المتعدي إنمفا هفو على فعفل؛ نحفو‪ :‬ضربتفه ضربفا‪ ،‬إل ففي أشياء يسفيرة ل يقاس‬
‫عليهفا؛ قالوا‪ :‬لزمتفه لزومفا‪ ،‬ونهكفه المرض نهوكفا‪ .‬فأمفا معنفى الحرف فأحسفن مفا قيفل فيفه مفا قاله‬
‫سفعيد بفن جفبير‪ ،‬قال‪ :‬الغرور بال أن يكون النسفان يعمفل بالمعاصفي ثفم يتمنفى على ال المغفرة‪.‬‬
‫وقراءة العامفة "الغرور" (بفتفح الغيفن) وهفو الشيطان؛ أي ل يغرنكففم بوسفاوسه فففي أنفه يتجاوز‬
‫عنكفم لفضلكفم‪ .‬وقرأ أبفو حيوة وأبفو المال العدوي ومحمفد بفن المقفع "الغرور" (برففع الغيفن) وهفو‬
‫الباطفل؛ أي ل يغرنكفم الباطفل‪ .‬وقال ابفن السفكيت‪ :‬والغرور (بالضفم) مفا اغتفر بفه مفن متاع الدنيفا‪.‬‬
‫قال الزجاج‪ :‬ويجوز أن يكون الغرور جمع غار؛ مثل قاعد وقعود‪ .‬النحاس‪ :‬أو جمع غر‪ ،‬أو يشبه‬
‫بقولهم‪ :‬نهكه المرض نهوكا ولزمه لزوما‪ .‬الزمخشري‪ :‬أو مصدر "غره" كاللزوم والنهوك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 7 - 6 :‬إن الشيطان لكفم عدو فاتخذوه عدوا إنمفا يدعفو حزبفه ليكونوا مفن أصفحاب‬
‫السعير‪ ،‬الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا" أي فعادوه ول تطيعوه‪ .‬ويدلكم على عداوته‬
‫إخراجفه أباكفم مفن الجنفة‪ ،‬وضمانفه إضللكفم ففي قوله‪" :‬ولضلنهفم ولمنينهفم" [النسفاء‪]119 :‬‬
‫الية‪ .‬وقوله‪" :‬لقعدن لهم صراطك المستقيم‪ .‬ثم لتينهم من بين أيديهم" [العراف‪]17 - 16 :‬‬
‫الية‪ .‬فأخبرنا جل وعز أن الشيطان لنا عدو مبين؛ واقتص علينا قصته‪ ،‬وما فعل بأبينا آدم صلى‬
‫ال عليفه وسفلم‪ ،‬وكيفف أنتدب لعداوتنفا وغرورنفا مفن قبفل وجودنفا وبعده‪ ،‬ونحفن على ذلك نتوله‬
‫ونطيعفه فيمفا يريفد منفا ممفا فيفه هلكنفا‪ .‬وكان الفضيفل بفن عياض يقول‪ :‬يفا كذاب يفا مفتفر‪ ،‬أتفق ال‬
‫ول تسفب الشيطان ففي العلنيفة وأنفت صفديقه ففي السفر‪ .‬وقال ابفن السفماك‪ :‬يفا عجبفا لمفن عصفى‬
‫المحسفن بعفد معرفتفه بإحسفانه! وأطاع اللعيفن بعفد معرفتفه بعداوتفه! وقفد مضفى هذا المعنفى ففي‬
‫"البقرة" مجودا‪ .‬و"عدو" ففي قوله‪" :‬إن الشيطان لكفم عدو" يجوز أن يكون بمعنفى معاد‪ ،‬فيثنفى‬
‫ويجمع ويؤنث‪ .‬ويكون بمعنى النسب فيكون موحدا بكل حال؛ كما قال جل وعز‪" :‬فإنهم عدو لي"‬
‫[الشعراء‪ .]77 :‬وفي المؤنث على هذا أيضا عدو‪ .‬النحاس‪ :‬فأما قول بعض النحويين إن الواو‬
‫خفيفة فجاؤوا بالهاء فخطفأ‪ ،‬بفل الواو حرف جلد‪" .‬إنمفا يدعفو حزبفه" كففت "مفا" "إن" عفن العمفل‬
‫فوقفع بعدهفا الفعفل‪" .‬حزبفه" أي أشياعفه‪" .‬ليكونوا مفن أصفحاب السفعير" فهذه عداوتفه‪" .‬الذيفن‬
‫كفروا لهم عذاب شديد" "الذين كفروا لهم عذاب شديد" يكون "الذين" بدل "من أصحاب" فيكون‬
‫ففي موضفع خففض‪ ،‬أو يكون بدل مفن "حزبفه" فيكون ففي موضفع نصفب‪ ،‬أو يكون بدل مفن الواو‬
‫فكون ففي موضفع رففع وقول رابفع وهفو أحسفنها يكون ففي موضفع رففع بالبتداء ويكون خفبره لهفم‬
‫عذاب شديفد"؛ وكأنفه‪ .‬سفبحانه بيفن حال موافقتفه ومخالفتفه‪ ،‬ويكون الكلم قفد تفم ففي قوله‪" :‬مفن‬
‫أصحاب السعير" ثم ابتدأ فقال "الذين كفروا لهم عذاب شديد"‪" .‬والذين آمنوا وعملوا الصالحات"‬
‫في موضع رفع بالبتداء أيضا‪ ،‬وخبره "لهم مغفرة" أي لذنوبهم‪" .‬وأجر كبير" وهو الجنة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن ال يضل من يشاء ويهدي من يشاء فل‬
‫تذهب نفسك عليهم حسرات إن ال عليم بما يصنعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفمفن زيفن له سفوء عمله فرآه حسفنا فإن ال يضفل مفن يشاء ويهدي مفن يشاء"‬
‫"من" في موضع رفع بالبتداء‪ ،‬وخبره محذوف‪ .‬قال الكسائي‪ :‬والذي يدل عليه قوله تعالى‪" :‬فل‬
‫تذهفب نفسفك عليهفم حسفرات" فالمعنفى‪ :‬أفمفن زيفن له سفوء عمله فرآه حسفنا ذهبفت نفسفك عليهفم‬
‫حسفرات‪ .‬قال‪ :‬وهذا كلم عربفي طريفف ل يعرففه إل قليفل‪ .‬وذكره الزمخشري عفن الزجاج‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬والذي قال الكسائي أحسن ما قيل في الية‪ ،‬لما ذكره من الدللة على المحذوف‪ ،‬والمعنى‬
‫أن ال جل وعز نهى نبيه عن شدة الغتمام بهم والحزن عليهم‪ ،‬كما قال جل وعز‪" :‬فلعلك باخع‬
‫نفسك" [الكهف‪ ]6 :‬قال أهل التفسير‪ :‬قاتل‪ .‬قال نصر ابن علي‪ :‬سألت الصمعي عن قول النبي‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم ففي أهفل اليمفن‪( :‬هفم أرق قلوبفا وأبخفع طاعفة) مفا معنفى أبخفع؟ فقال‪ :‬أنصفح‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬إن أهل التفسير مجاهدا وغيره يقولون في قول ال عز وجل‪" :‬لعلك باخع نفسك"‪ :‬معناه‬
‫قاتل نفسك‪ .‬فقال‪ :‬هو من ذاك بعينه‪ ،‬كأنه من شدة النصح لهم قاتل نفسه‪ .‬وقال الحسين بن الفضل‪:‬‬
‫فيفه تقديفم وتأخيفر‪ ،‬مجازه‪ :‬أفمفن زيفن له سفوء عمله فرآه حسفنا‪ ،‬فل تذهفب نفسفك عليهفم حسفرات‪،‬‬
‫فإن ال يضل من يشاء ويهدي من يشاء‪ .‬وقيل‪ :‬الجواب محذوف؛ المعنى أفمن زين له سوء عمله‬
‫كمن هدي‪ ،‬ويكون يدل على هذا المحذوف "فإن ال يضل من‪ ،‬يشاء ويهدي من يشاء"‪ .‬وقرأ يزيد‬
‫بفن القعقاع‪" :‬فل تذهفب نفسفك" وففي "أفمفن زيفن له سفوء عمله" أربعفة أقوال‪ ،‬أحدهفا‪ :‬أنهفم اليهود‬
‫والنصارى والمجوس؛ قال أبو قلبة‪ .‬ويكون‪" ،‬سوء عمله" معاندة الرسول عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫الثانففي‪ :‬أنهففم الخوارج؛ رواه عمففر بففن القاسففم‪ .‬يكون "سففوء عمله" تحريففف التأويففل‪ .‬الثالث‪:‬‬
‫الشيطان؛ قال الحسففن‪ .‬ويكون "سففوء عمله" الغواء‪ .‬الرابففع‪ :‬كفار قريففش؛ قاله الكلبففي‪ .‬ويكون‬
‫"سفوء عمله" الشرك‪ .‬وقال‪ :‬إنهفا نزلت ففي العاص بفن وائل السفهمي والسفود بفن المطلب‪ .‬وقال‬
‫غيره‪ :‬نزلت في أبي جهل بن هشام‪" .‬فرآه حسنا" أي صوابا؛ قال الكلبي‪ .‬وقال‪ :‬جميل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والقول بأن المراد كفار قريفش أظهفر القوال؛ لقوله تعالى‪" :‬ليفس عليفك هداهفم" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]272‬وقوله‪" :‬ول يحزنفك الذيفن يسفارعون ففي الكففر" [آل عمران‪ ،]176 :‬وقال‪" :‬فلعلك‬
‫باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا" [الكهف‪ ،]6 :‬وقوله‪" :‬لعلك باخع نفسك‬
‫أل يكونوا مؤمنين"‪ ،‬وقوله في هذه الية‪" :‬فل تذهب نفسك عليهم حسرات" وهذا ظاهر بين‪ ،‬أي‬
‫ل ينففع تأسففك على مقامهفم على كفرهفم‪ ،‬فإن ال أضلهفم‪ .‬وهذه اليفة ترد على القدريفة قولهفم على‬
‫مفا تقدم؛ أي أفمفن زيفن له سفوء عمله فرآه حسفنا تريفد أن تهديفه‪ ،‬وإنمفا ذلك إلى ال ل إليفك‪ ،‬والذي‬
‫إليففك هففو التبليففغ‪ .‬وقرأ أبففو جعفففر وشيبففة وابففن محيصففن‪" :‬فل تُذهِب" بضففم التاء وكسففر الهاء‬
‫"نفسك" نصبا على المفعول‪ ،‬والمعنيان متقاربان‪" .‬حسرات" منصوب مفعول من أجله؛ أي فل‬
‫تذهفب نفسفك للحسفرات‪ .‬و"عليهفم" صفلة "تذهفب"‪ ،‬كمفا تقول‪ :‬هلك عليفه حبفا ومات عليفه حزنفا‪.‬‬
‫وهففو بيان للمتحسففر عليففه‪ .‬ول يجوز أن يتعلق بالحسففرات؛ لن المصففدر ل يتقدم عليففه صففلته‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون حال كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر؛ كما قال جرير‪:‬‬
‫حتى ذهبن كلكل وصدورا‬ ‫ق الهواجر لحمَهن مع السّرى‬ ‫َمشَ َ‬
‫يريد‪ :‬رجعن كلكل وصدورا؛ أي لم يبق إل كلكلها وصدورها‪ .‬ومنه قول الخر‪:‬‬
‫حسرات وذكرهم لي سقام‬ ‫فعلى إثرهم تساقط نفسي‬
‫أو مصدرا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 9 :‬وال الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميفت فأحيينا به الرض بعفد‬
‫موتها كذلك النشور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت" ميّت وميْت واحد‪ ،‬وكذا‬
‫ميتفة وميتفة؛ هذا قول الحذاق مفن النحوييفن‪ .‬وقال محمفد بفن يزيفه‪ :‬هذا قول البصفريين‪ ،‬ولم يسفتثن‬
‫أحدا‪ ،‬واستدل على ذلك بدلئل قاطعة‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫إنما الميْت ميّت الحياء‬ ‫ليس من مات فاستراح بميت‬
‫كاسفا باله قليل الرجاء‬ ‫إنما المت من يعيش كئيبا‬
‫قال‪ :‬فهل ترى بين ميت وميت فرقا‪ ،‬وأنشد‪:‬‬
‫سواس مكرمة أبناء أيسار‬ ‫هينون لينون أيسار بنو َيسَر‬
‫قال‪ :‬فقفد أجمعوا على أن هينون ولينون واحفد‪ ،‬وكذا ميّت وميْت‪ ،‬وسفيد وسفيد‪ .‬قال‪" :‬فسفقناه" بعفد‬
‫أن قال‪" :‬وال الذي أرسفففل الرياح" وهفففو مفففن باب تلويفففن الخطاب‪ .‬وقال ابفففن عفففبيدة‪ :‬سفففبيله‬
‫"فتسوقه"‪ ،‬لنه قال‪" :‬فتثير سحابا"‪ .‬الزمخشري‪ :‬فإن قلت‪ :‬لم جاء "فتثير" على المضارعة دون‬
‫ما قبله وما بعده؟ قلت‪ :‬لتحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب‪ ،‬وتستحضر تلك الصورة‬
‫البديعة الدالة على القدوة الربانية؛ وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب‪،‬‬
‫أو تهم المخاطب أو غير ذلك؛ كما قال تأبط شرا‪:‬‬
‫بسهب كالصحيفة صحصحان‬ ‫بأني قد لقيت الغول تهوي‬
‫صريعا لليدين وللجران‬ ‫فأضربها بل دهش فخرت‬
‫لنفه قصفد أن يصفور لقومفه الحالة التفي تشجفع فيهفا بزعمفه على ضرب الغول‪ ،‬كأنفه يبصفرهم‬
‫إياها‪ ،‬ويطلعهم على كنهها مشاهدة للتعجب‪ .‬من جرأته على كل هول‪ ،‬وثباته عند كل شدة وكذلك‬
‫سفوق السفحاب إلى البلد الميفت‪ ،‬لمفا كانفا مفن الدلئل على القدرة الباهرة قيفل‪" :‬فسفقنا" و"أحيينفا"‬
‫معدول بهمففا عففن لفظففة الغيبففة إلى مففا هففو أدخففل فففي الختصففاص وأدل عليففه‪ .‬وقراءة العامففة‬
‫"الرياح"‪ .‬وقرأ ابن محيصن وابن كثير والعمش ويحيى وحمزة والكسائي "الريح" توحيدا‪ .‬وقد‬
‫مضى بيان هذه الية والكلم فيها مستوفى‪" .‬كذلك النشور" أي كذلك تحيون بعدما متم؛ من نشر‬
‫النسفان نشورا‪ .‬فالكاف ففي محفل الرففع؛ أي مثفل إحياء الموات نشفر الموات‪ .‬وعفن أبفي رزيفن‬
‫العقيلي قال‪ :‬قلت يفا رسفول ال‪ ،‬كيفف يحيفي ال الموتفى‪ ،‬ومفا آيفة ذلك ففي خلقفه؟ قال‪( :‬أمفا مررت‬
‫بوادي أهلك ممحل ثففم مررت بففه يهتففز خضرا) قلت‪ :‬نعففم يففا رسففول ال‪ .‬قال (فكذلك يحيففي ال‬
‫الموتى وتلك آيته في خلقه) وقد ذكرنا هذا الخبر في "العراف" وغيرها‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 10 :‬مفن كان يريفد العزة فلله العزة جميعفا إليفه يصفعد الكلم الطيفب والعمفل الصفالح‬
‫يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مفن كان يريفد العزة فلله العزة جميعفا" التقديفر عنفد الفراء‪ :‬مفن كان يريفد علم‬
‫العزة‪ .‬وكذا قال غيره مفن أهفل العلم‪ .‬أي مفن كان يريفد علم العزة التفي ل ذلة معهفا؛ لن العزة إذا‬
‫كانففت تودى إلى ذلة فإنمففا هففي تعرض للذلة‪ ،‬والعزة التففي ل ذل معهففا ل عففز وجففل‪" .‬جميعففا"‬
‫منصففوب على الحال‪ .‬وقدر الزجاج معناه‪ :‬مففن كان يريففد بعبادتففه ال عففز وجففل العزة والعزة له‬
‫سبحانه فإن ال عز وجل يعزه في الخرة والدنيا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا أحسفففن‪ ،‬وروي مرفوعفففا على مفففا يأتفففي‪" .‬فلله العزة جميعفففا" ظاهفففر هذا إيئاس‬
‫السفامعين مفن عزتفه‪ ،‬وتعريفهفم أن مفا وجفب له مفن ذلك ل مطمفع فيفه لغيره؛ فتكون اللف واللم‬
‫للعهفد عنفد العالميفن بفه سفبحانه وبمفا وجفب له مفن ذلك‪ ،‬وهفو المفهوم مفن قوله الحفق ففي سفورة‬
‫يونفس‪" :‬ول يحزنفك قولهفم إن العزة ل" [يونفس‪ .]65 :‬ويحتمفل أن يريفد سفبحانه أن ينبفه ذوي‬
‫القدار والهمم من أين تنال العزة ومن أين تستحق؛ فتكون اللف واللم للستغراق‪ ،‬وهو المفهوم‬
‫من آيات هذه السورة‪ .‬فمن طلب العزة من ال وصدقه في طلبها بافتقار وذل‪ ،‬وسكون وخضوع‪،‬‬
‫وجدها عنده إن شاء ال غير ممنوعة ول محجوبة عنه؛ قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من تواضع ل‬
‫رفعفه ال)‪ .‬ومفن طلبهفا مفن غيره وكله إلى مفن طلبهفا عنده‪ .‬وقفد ذكفر قومفا طلبوا العزة عنفد مفن‬
‫سفواه فقال‪" :‬الذيفن يتخذون الكافريفن أولياء مفن دون المؤمنيفن أيبتغون عندهفم العزة فإن العزة ل‬
‫جميعفا" [النسفاء‪ .]139 :‬فأنبأك صفريحا ل إشكال فيفه أن العزة له يعفز بهفا مفن يشاء ويذل مفن‬
‫يشاء‪ .‬وقال صفلى ال عليفه وسفلم مفسفرا لقوله "مفن كان يريفد العزة فلله العزة جميعفا"‪( :‬مفن أراد‬
‫عز الدارين فليطع العزيز‪ .‬وهذا معنى قول الزجاج‪ .‬ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫منا إليك فعزها في ذلها‬ ‫وإذا تذللت الرقاب تواضعا‬
‫فمفن كان يريفد العزة لينال الفوز الكفبر‪ ،‬ويدخفل دار العزة ول العزة فليقصفد بالعزة ال سفبحانه‬
‫والعتزاز به؛ فإنه من اعتز بالعبد أذل ال‪ ،‬ومن اعتز بال أعزه ال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إليفه يصفعد الكلم الطيفب" وتفم الكلم‪ .‬ثفم تبتدئ "والعمفل الصفالح يرفعفه" على‬
‫معنفى‪ :‬يرفعه ال‪ ،‬أو يرفع صاحبه‪ .‬ويجوز أن يكون المعنى‪ :‬والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب؛‬
‫فيكون الكلم متصل على ما يأتي بيانه‪ .‬والصعود هو الحركة إلى فوق‪ ،‬وهو العروج أيضا‪ .‬ول‬
‫يتصفور ذلك ففي الكلم لنفه عرض‪ ،‬لكفن ضرب صفعوده مثل لقبوله؛ لن موضفع الثواب فوق‪،‬‬
‫وموضفع العذاب أسففل‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬يقال ارتففع المفر إلى القاضفي أي علمفه؛ فهفو بمعنفى العلم‪.‬‬
‫وخص الكلم والطب بالذكر لبيان الثواب عليه‪ .‬وقوله "إليه" أي إلى ال يصعد‪ .‬وقيل‪ :‬يصعد إلى‬
‫سمائه والمحل الذي ل يجري فيه لحد غيره حكم‪ .‬وقيل‪ :‬أي يحمل الكتاب الذي كتب فيه طاعات‬
‫العبففد إلى السففماء‪ .‬و"الكلم الطيففب" هففو التوحيففد الصففادر عففن عقيدة طيبففة‪ .‬وقيففل‪ :‬هففو التحميففد‬
‫والتمجيد‪ ،‬وذكر ال ونحوه‪ .‬وأنشدوا‪:‬‬
‫حتى يزين ما يقول فعال‬ ‫ل ترض من رجل حلوة قوله‬
‫فتوازنا فإخاء ذاك جمال‬ ‫فإذا وزنت فعاله بمقاله‬
‫وقال ابن المقفع‪ :‬قول بل عمل‪ ،‬كثريد بل دسم‪ ،‬وسحاب بل مطر‪ ،‬وقوس بل وتر‪ .‬وفيه قيل‪:‬‬
‫كل قول بل فعالٍ هباء‬ ‫ل يكون المقال إل بفعل‬
‫ونكاحا بل ولي سواء‬ ‫إن قول بل فعال جميل‬
‫وقرأ الضحاك "يُصعد" بضم الياء‪ .‬وقرأ‪ .‬جمهور الناس "الكلم" جمع كلمة‪ .‬وقرأ أبو عبدالرحمن‬
‫"الكلم"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فالكلم على هذا قفد يطلق بمعنفى الكلم وبالعكفس؛ وعليفه يخرج قول أبفي القاسفم‪ :‬أقسفام‬
‫الكلم ثلثففة؛ فوضففع الكلم موضففع الكلم‪ ،‬وال أعلم‪" .‬والعمففل الصففالح يرفعففه" قال ابففن عباس‬
‫ومجاهفد وغيرهمفا‪ :‬المعنفى والعمفل الصفالح يرففع الكلم الطيفب‪ .‬وففي الحديفث (ل يقبفل ال قول إل‬
‫بعمل‪ ،‬ول يقبل قول وعمل إل بنية‪ ،‬ول يقبل قول وعمل ونية إل بإصابة السنة)‪ .‬قال ابن عباس‪:‬‬
‫فإذا ذكفر العبفد ال وقال كلمفا طيبفا وأدى فرائضفه‪ ،‬ارتففع قوله مفع عمله وإذا قال ابفن قوله على‬
‫عمله‪ .‬قال ابففن عطيففة‪ :‬وهذا قول يرده معتقففد أهففل السففنة ول يصففح عففن ابففن عباس‪ .‬والحففق أن‬
‫العاصفي التارك للفرائض إذا ذكفر ال وقال كلمفا طيبفا فإنفه مكتوب له متقبفل منفه‪ ،‬وله حسفناته‬
‫وعليفه سفيئاته‪ ،‬وال تعالى يتقبفل مفن كفل مفن أتقفى الشرك‪ .‬وأيضفا فإن الكلم الطيفب عمفل صفالح‪،‬‬
‫وإنما يستقيم قول من يقول‪ :‬إن العمل هو الرافع للكلم‪ ،‬بأن يتأول أنه يزيده في رفعه وحسن موقعه‬
‫إذا تعاضد معه‪ .‬كما أن صاحب العمال من صلة وصيام وغير ذلك‪ ،‬إذا تخلل أعماله كلم طيب‬
‫وذكففر ال تعالى كانففت العمال أشرف؛ فيكون قوله‪" :‬والعمففل الصففالح يرفعففه" موعظففة وتذكرة‬
‫وحضفا على العمال‪ .‬وأمفا القوال التفي هفي أعمال ففي نفوسفها؛ كالتوحيفد والتسفبيح فمقبولة‪ .‬قال‬
‫ابفن العربفي‪" :‬إن كلم المرء بذكفر ال إن لم يقترن بفه عمفل صفالح لم ينففع؛ لن مفن خالف قوله‬
‫فعله فهفو وبال عليفه‪ .‬وتحقيفق هذا‪ :‬أن العمفل إذا وقفع شرطفا ففي قبول القول أو مرتبطفا‪ ،‬فإنفه ل‬
‫قبول له إل بفه وإن لم يكفن شرطفا فيفه فإن كلمفه الطيفب يكتفب له‪ ،‬وعمله السفيء يكتفب عليه‪ ،‬وتقفع‬
‫الموازنة بينهما‪ ،‬ثم يحكم ال بالفوز والربح والخسران"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما قال ابن العربي تحقيق‪ .‬والظاهر أن العمل الصالح شرط في قبول القول الطيب‪ .‬وقد‬
‫جاء فففي الثار (أن العبففد إذا قال‪ :‬ل إله إل ال بنيففة صففادقة نظرت الملئكففة إلى عمله‪ ،‬فإن كان‬
‫العمفل موافقفا لقوله صفعدا جميعفا‪ ،‬وإن كان عمله‪ .‬مخالففا وقفف قوله حتفى يتوب مفن عمله)‪ .‬فعلى‬
‫هذا العمفل الصفالح يرففع الكلم الطيفب إلى ال‪ .‬والكنايفة ففي "يرفعفه" ترجفع إلى الكلم الطيفب‪ .‬وهذا‬
‫قول ابن عباس وشهر بن حوشب وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وأبي العالية والضحاك‪ .‬وعلى‬
‫أن "الكلم الطيفب" هفو التوحيفد‪ ،‬فهفو الراففع للعمفل الصفالح؛ لنفه ل يقبفل العمفل الصفالح إل مفع‬
‫اليمان والتوحيففد‪ .‬أي والعمففل الصففالح يرفعففه الكلم الطيففب؛ فالكنايففة تعود على العمففل الصففالح‪.‬‬
‫وروي هذا القول عففن شهففر بففن حوشففب قال‪" :‬الكلم الطيففب" القرآن "والعمففل الصففالح يرفعففه"‬
‫القرآن‪ .‬وقيفل‪ :‬تعود على ال جفل وعفز؛ أي أن العمفل الصفالح يرفعفه ال على الكلم الطيفب؛ لن‬
‫العمففل تحقيففق الكلم‪ ،‬والعامففل أكثففر تعبففا مففن القائل‪ ،‬وهذا هففو حقيقففة الكلم؛ لن ال هففو الرافففع‬
‫الخافففض‪ .‬والثانففي والول مجاز‪ ،‬ولكنففه سففائغ جائز‪ .‬قال النحاس‪ :‬القول الول أولهففا وأصففحها‬
‫لعلو مفن قال بفه‪ ،‬وأنفه ففي العربيفة أولى؛ لن القراء على رففع العمفل‪ .‬ولو كان المعنفى‪ :‬والعمفل‬
‫الصفالح يرفعفه ال‪ ،‬أو العمفل الصفالح يرفعفه الكلم الطيفب‪ ،‬لكان الختيار نصفف العمفل‪ .‬ول نعلم‬
‫أحدا قرأه منصوبا إل شيئا روي عن عيسى‪ ،‬بن عمر أنه قال‪ :‬قرأه أناس "والعمل الصالح يرفعه‬
‫ال"‪ .‬وقيفل‪ :‬والعمفل الصفالح يرففع صفاحبه‪ ،‬وهفو الذي أراد العزة وعلم أنهفا تطلب مفن ال تعالى؛‬
‫ذكره القشيري‪.‬‬
‫@ ذكروا عنفد ابفن عباس أن الكلب يقطفع الصفلة‪ ،‬فقرأ هذه اليفة‪" :‬إليفه يصفعد الكلم الطيفب‬
‫والعمفل الصفالح يرفعفه"‪ .‬وهذا اسفتدلل بعموم على مذهفب السفلف ففي القول بالعموم‪( ،‬وقفد دخفل‬
‫في الصلة بشروطها‪ ،‬فل يقطعها عليه شيء إل بثبوت ما يوجب ذلك؛ من مثل ما انعقدت به من‬
‫قرآن أو سنة أو إجماع‪ .‬وقد تعلق من رأى‪ ،‬ذلك بقوله عليه السلم‪( :‬يقطع الصلة المرأة والحمار‬
‫والكلب السففود) فقلت‪ :‬مففا بال الكلب السففود مففن الكلب البيففض مففن الكلب الحمففر؟ فقال‪( :‬إن‬
‫السود شيطان) خرجه مسلم‪ .‬وقد جاء ما يعارض هذا‪ ،‬وهو ما خرجه البخاري عن ابن أخي ابن‬
‫شهاب أنه سأل عمه عن الصلة يقطعها شيء؟ فقال‪ :‬ل يقطعها شيء‪ ،‬أخبرني عروة بن الزبير‬
‫أن عائشفة زوج النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قالت‪ :‬لقفد كان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقوم‬
‫فيصلي من الليل‪ ،‬وإني لمعترضة بينه وبين القبلة على فراش أهله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذين يمكرون السيئات" ذكر الطبري في (كتاب آداب النفوس)‪ :‬حدثني يونس‬
‫بن عبدالعلى قال حدثنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب الشعري في قوله عز‬
‫وجل‪" :‬والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور" قال‪ :‬هم أصحاب الرياء؛‬
‫وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة‪ .‬وقال أبو العالية‪ :‬هم الذين مكروا بالنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫لما اجتمعوا في دار الندوة‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬يعني الذين يعملون السيئات في السيئات في الدنيا مقاتل‪:‬‬
‫يعنفففي الشرك‪ ،‬فتكون "السفففيئات" مفعولة‪ .‬ويقال‪ :‬بار يبور إذا هلك وبطفففل‪ .‬وبارت السفففوق أي‬
‫كسففدت‪ ،‬ومنففه‪ :‬نعوذ بال مففن بوار اليففم‪ .‬وقوله‪" :‬وكنتففم قومففا بورا" [الفتففح‪ ]12 :‬أي هلكففى‪.‬‬
‫والمكر‪ :‬ما عمل على سبيل احتيال وخديعة‪ .‬وقد مضى في "سبأ"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 11 :‬وال خلقكفم مفن تراب ثفم مفن نطففة ثفم جعلكفم أزواجفا ومفا تحمفل مفن أنثفى ول‬
‫تضع إل بعلمه وما يعمر من معمر ول ينقص من عمره إل في كتاب إن ذلك على ال يسير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال خلقكفم مفن تراب ثفم مفن نطففة" قال سفعيد عفن قتادة قال‪ :‬يعنفي آدم عليفه‬
‫السففلم‪ ،‬والتقديفر على هذا‪ :‬خلق أصفلكم مفن تراب‪" .‬ثفم مفن نطفففة" قال‪ :‬أي التفي أخرجهففا مفن‬
‫ظهور آبائكم‪" .‬ثم جعلكم أزواجا" قال‪ :‬أي زوج بعضكم بعضا‪ ،‬فالذكر زوج النثى ليتم البقاء في‬
‫الدنيفا إلى انقضاء مدتهفا‪" .‬ومفا تحمفل مفن أنثفى ول تضفع إل بعلمفه" أي جعلكفم أزواجفا فيتزوج‬
‫الذكر بالنثى فيتناسلن بعلم ال‪ ،‬فل يكون حمل ول وضع إل وال عالم به‪ ،‬فل يخرج شيء عن‬
‫تدبيره‪" .‬وما يعمر من معمر ول ينقص من عمره إل في كتاب" سماه معمرا بما هو صائر إليه‪.‬‬
‫قال سفعيد بفن جفبير عفن ابفن عباس‪" :‬ومفا يعمفر مفن معمفر" إل كتفب عمره‪ ،‬كفم هفو سفنة كفم هفو‬
‫شهرا كم هو يوما كم هو ساعة ثم يكتب في كتاب آخر‪ :‬نقص من عمره يوم‪ ،‬نقص شهر‪ ،‬نقص‬
‫سنة‪ ،‬حتى يستوفي أجله‪ .‬وقال سعيد بن جبير أيضا‪ ،‬قال‪ :‬فما مضى من أجله فهو النقصان‪ ،‬وما‬
‫يستقبل فهو الذي يعمره؛ فالهاء على هذا للمعمر‪ .‬وعن سعيد أيضا‪ :‬يكتب عمره كذا وكذا سنة‪ ،‬ثم‬
‫يكتفب ففي أسففل ذلك‪ :‬ذهفب يوم‪ ،‬ذهفب يومان‪ ،‬حتفى يأتفي على آخره‪ .‬وعفن قتادة‪ :‬المعمفر مفن بلغ‬
‫سفتين سفنة‪ ،‬والمنقوص مفن عمره مفن يموت قبفل سفتين سفنة‪ .‬ويذهفب الفراء ففي معنفى "ومفا يعمفر‬
‫من معمر" أي ما يكون من عمره "ول ينقص من عمره" بمعنى آخر‪ ،‬أي ول ينقص الخر من‬
‫عمره إل في كتاب‪ .‬فالكناية في "عمره" ترجع إلى آخر غير الول‪ .‬وكنى عنه بالهاء كأنه الول‪،‬‬
‫ومثله قولك‪ :‬عندي درهفم ونصففه‪ ،‬أي نصفف أخفر‪ .‬وقيفل‪ :‬إن ال كتفب عمفر النسفان مائة سفنة إن‬
‫أطاع‪ ،‬وتسفعين إن عصفى‪ ،‬فأيهمفا بلغ فهفو ففي كتاب‪ .‬وهذا مثفل قوله عليفه الصفلة والسفلم‪( :‬مفن‬
‫أحفب أن يبسفط له ففي زرقفه وينسفأ له ففي أثره فليصفل رحمفه) أي أنفه يكتفب ففي اللوح المحفوظ‪:‬‬
‫عمر فلن كذا سنة‪ ،‬فإن وصل رحمه زيد في عمره كذا سنة‪ .‬فبين ذلك في موضع آخر من اللوح‬
‫المحفوظ‪ ،‬إنه سيصل رحمه فمن أطلع على الول دون الثاني ظن أنه زيادة أو نقصان وقد مضى‬
‫هذا المعنفى عنفد قوله تعالى‪" :‬يمحوا ال مفا يشاء ويثبفت" [الرعفد‪ ]39 :‬والكنايفة على هذا ترجفع‬
‫إلى العمفر‪ .‬وقيفل‪ :‬المعنفى ومفا يعمفر مفن معمفر أي هرم‪ ،‬ول ينقفص آخفر مفن عمفر الهرم إل ففي‬
‫كتاب؛ أي بقضاء من ال جل وعز‪ .‬روي معناه عن الضحاك واختاره النحاس‪ ،‬قال‪ :‬وهو أشبهها‬
‫بظاهفر التنزيفل‪ .‬وروي نحوه عفن ابفن عباس‪ .‬فالهاء على هذا يجوز أن تكون للمعمفر‪ ،‬ويجوز أن‬
‫تكون لغير المعمر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ذلك على ال يسفير" أي كتابفة العمال والجال غيفر متعذر عليفه‪ .‬وقراءة‬
‫العامففة "ينقففص" بضففم الياء وفتففح القاف وقرأت فرقففة منهففم يعقوب "ينقففص" بفتففح الياء وضففم‬
‫القاف‪ ،‬أي ل ينقفص مفن عمره شيفء‪ .‬يقال‪ ،‬نقفص الشيفء بنفسفه ونقصفه غيره‪ ،‬وزاد بنفسفه وزاده‬
‫غيره‪ ،‬متعففد ولزم‪ .‬وقرأ العرج والزهري "مففن عمْره" بتخفيففف الميففم وضمهففا الباقون‪ .‬وهمففا‬
‫لغتان مثفل السفحْق والسفحُق‪ .‬و"يسفير" أي إحصفاء طويفل العمار وقصفيرها ل يتعذر عليفه شيفء‬
‫منها ول يعزب‪ .‬والفضل منه‪ :‬يسر ولو سميت به إنسانا انصرف؛ لنه فعيل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 12 :‬ومفا يسفتوي البحران هذا عذب فرات سفائغ شرابفه وهذا ملح أجاج ومفن كفل‬
‫تأكلون لحمفا طريفا وتسفتخرجون حليفة تلبسفونها وترى الفلك فيفه مواخفر لتبتغوا مفن فضله ولعلكفم‬
‫تشكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما يستوي البحران هذا عذب فرات" قال ابن عباس‪" :‬فرات" حلو‪ ،‬و"أجاج"‬
‫مفر‪ .‬وقرأ طلحفة‪" :‬هذا مَلِح أجاج" بفتفح الميفم وكسفر اللم بغيفر ألف‪ .‬وأمفا المالح فهفو الذي يجعفل‬
‫فيفه الملح‪ .‬وقرأ عيسفى وابفن أبفي إسفحاق "سفيغ شرابفه" مثفل سفيد وميفت‪" .‬ومفن كفل تأكلون لحمفا‬
‫طريا" ل اختلف في أنه منهما جميعا‪ .‬وقد مضى في "النحل" الكلم فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتسفتخرجون حليفة تلبسفونها" مذهفب أبفي إسفحاق أن الحليفة إنمفا تسفتخرج مفن‬
‫الملح‪ ،‬فقيل منهما لنهما مختلطان‪ .‬وقال غيره‪ :‬إنما تستخرج الصداف التي فيها الحلية من الدر‬
‫وغيره من المواضع التي فيها العذب والملح نحو العيون‪ ،‬فهو مأخوذ منهما؛ لن في البحر عيونا‬
‫عذبة‪ ،‬وبينهما يخرج اللؤلؤ عند التمازج‪ .‬وقيل‪ :‬من مطر السماء‪ .‬وقال محمد بن يزيد قول رابعا‪،‬‬
‫قال‪ :‬إنمففا تسففتخرج الحليففة مففن الملح خاصففة‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا أحسففنها وليففس هذا عنده‪ ،‬لنهمففا‬
‫مختلطان‪ ،‬ولكفن جمعفا ثفم أخفبر عفن أحدهمفا كمفا قال جفل وعفز‪" :‬ومفن رحمتفه جعفل لكفم الليفل‬
‫والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله" [القصص‪ .]73 :‬وكما تقول‪ :‬لو رأيت الحسن والحجاج‬
‫لرأيففت خيرا وشرا‪ .‬وكمففا تقول‪ :‬لو رأيففت العمففش وسففيبويه لملت يدك لغففة ونحوا‪ .‬فقففد عرف‬
‫معنففى هذا‪ ،‬وهففو كلم فصففيح كثيففر‪ ،‬فكذا‪" :‬ومففن كففل تأكلون لحمففا طريففا وتسففتخرجون حليففة‬
‫تلبسونها" فاجتمعا في الول وانفرد الملح بالثاني‪.‬‬
‫وفففي قوله‪" :‬تلبسففونها"‪ ،‬دليففل على أن لباس كففل شيففء بحسففبه؛ فالخاتففم يجعففل فففي الصففبع‪،‬‬
‫والسفوار ففي الذراع‪ ،‬والقلدة ففي العنفق‪ ،‬والخلخال ففي الرجفل‪ .‬وففي البخاري والنسفائي عفن ابفن‬
‫سفيرين قال قلت لعفبيدة‪ :‬افتراش الحريفر كلبسفه؟ فال نعفم‪ .‬وففي‪ ،‬الصفحاح عفن أنفس (فقمفت على‬
‫حصير لنا قد اسود من طول ما لبس)‪ .‬الحديث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وترى الفلك فيفه مواخفر" قال النحاس‪ :‬أي ماء الملح خاصفة‪ ،‬ولول ذلك لقال‬
‫فيهما‪ .‬وقد مخرت السفينة تمخر إذا شقت الماء‪ .‬وقد مضى هذا في "النحل"‪" .‬لتبتغوا من فضله"‬
‫فال مجاهفد‪ :‬التجارة ففي الفلك إلى البلدان البعيدة‪ :‬ففي مدة قريبفة؛ كمفا تقدم ففي "البقرة"‪ .‬وقيفل‪ :‬مفا‬
‫يستخرج من حليته ويصاد من حيتانه‪" .‬ولعلكم تشكرون" على ما آتاكم من فضله‪ .‬وقيل‪ :‬على ما‬
‫أنجاكم من هوله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 :‬يولج الليل في النهار ويولج النهار ففي الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري‬
‫لجل مسمى ذلكم ال ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يولج الليفل ففي النهار ويولج النهار ففي الليفل" تقدم‪" .‬وسفخر الشمفس والقمفر كفل‬
‫يجري لجل مسمى" تقدم في "لقمان" بيانه‪" .‬ذلكم ال ربكم له الملك" أي هذا الذي من صنعه ما‬
‫تقرر هففو الخالق المدبر‪ ،‬والقادر المقتدر؛ فهففو الذي يعبففد‪" .‬والذيففن تدعون مففن دونففه" يعنففي‬
‫الصفنام‪" .‬مفا يملكون مفن قطميفر" أي ل يقدرون عليفه ول على خلقفه‪ .‬والقطميفر القشرة الرقيقفة‬
‫البيضاء التففي بيففن التمرة والنواة؛ قاله أكثففر المفسففرين‪ .‬وقال ابففن عباس‪ :‬هففو شففق النواة؛ وهففو‬
‫اختيار المففبرد‪ ،‬وقال قتادة‪ .‬وعففن قتادة أيضففا‪ :‬القطميففر القمففع الذي على رأس النواة‪ .‬الجوهري‪:‬‬
‫ويقال‪ :‬هي النكتة البيضاء التي في ظهر النواة‪ ،‬تنبت منها النخلة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 14 :‬إن تدعوهم ل يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون‬
‫بشرككم ول ينبئك مثل خبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن تدعوهفم ل يسفمعوا دعاءكفم" أي إن تسفتغيثوا بهفم ففي النوائب ل يسفمعوا‬
‫دعاءكفم؛ لنهفا جمادات ل تبصفر ول تسفمع‪" .‬ولو سفمعوا مفا اسفتجابوا لكفم" إذ ليفس كفل سفامع‬
‫ناطقففا‪ .‬وقال قتادة‪ :‬المعنففى لو سففمعوا لم ينفعوكففم‪ .‬وقيففل‪ :‬أي لو جعلنففا لهففم عقول وحياة فسففمعوا‬
‫دعاءكم لكانوا أطوع ل منكم‪ ،‬ولما استجابوا لكم على الكفر‪" .‬ويوم القيامة يكفرون بشرككم" أي‬
‫يجحدون أنكففم عبدتموهففم‪ ،‬ويتففبرؤون منكففم‪ .‬ثففم يجوز أن يرجففع هذا إلى المعبوديففن ممففا يعقففل؛‬
‫كالملئكففة والجففن والنففبياء والشياطيففن أي يجحدون أن يكون مففا فعلتموه حقففا‪ ،‬وأنهففم أمروكففم‬
‫بعبادتهفم؛ كمفا أخفبر عفن عيسفى بقوله‪" :‬مفا يكون لي أن أقول مفا ليفس لي بحفق" [المائدة‪]116 :‬‬
‫ويجوز أن يندرج فيه الصنام أيضا‪ ،‬أي يحييها ال حتى تخبر أنها ليست أهل للعبادة‪" .‬ول ينبئك‬
‫مثل خبير" هو ال جل وعز؛ أي ل أحد يخبر بخلق ال من ال‪ ،‬فل ينبئك مثله في عمله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى ال وال هو الغني الحميد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يفا أيهفا الناس أنتفم الفقراء إلى ال" أي المحتاجون إليفه ففي بقائكفم وكفل أحوالكفم‪.‬‬
‫الزمخشري‪" :‬فإن قلت لم عرف الفقراء؟ قلت‪ :‬قصفد بذلك أن يريهفم أنهفم لشدة افتقارهفم إليفه هفم‬
‫جنففس الفقراء‪ ،‬وإن كانففت الخلئق كلهففم مفتقريففن إليففه مففن الناس وغيرهففم لن الفقففر ممففا يتبففع‬
‫الضعف‪ ،‬وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر كلهم وقد شهد ال سبحانه على النسان بالضعف في‬
‫قوله‪" :‬وخلق النسان ضعيفا" [النساء‪ ،]28 :‬وقال‪" :‬ال الذي خلقكم من ضعف" [الروم‪]54 :‬‬
‫ولو نكففر لكان المعنففى‪ :‬أنتففم بعففض الفقراء‪ .‬فإن قلت‪ :‬قففد قوبففل "الفقراء" بف ف "الغنففي" فمففا فائدة‬
‫"الحميفد"؟ قلت‪ :‬لمفا أثبفت فقرهفم إليفه وغناه عنهفم‪ ،‬وليفس كفل غنفى نافعفا بغناه إل إذا كان الغنفي‬
‫جوادا منعما‪ ،‬وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم واستحق عليهم الحج ذكر "الحميد" ليدل به على‬
‫أنفه الغنفي الناففع بغناه خلقفه‪ ،‬الجواد المنعفم عليهفم‪ ،‬المسفتحق بإنعامفه عليهفم أن يحمدوه"‪ .‬وتخفيفف‬
‫الهمزة الثانيففة أجود الوجوه عنففد الخليففل‪ ،‬ويجوز تخفيففف الولى وحدهففا وتخفيفهمففا وتحقيقهمففا‬
‫جميعففا‪" .‬وال هففو الغنففي الحميففد" تكون "هففو" زائدة‪ ،‬فيكون لهففا موضففع مففن العراب‪ ،‬وتكون‬
‫مبتدأة فيكون موضعها رفعا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 - 16 :‬إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد‪ ،‬وما ذلك على ال بعزيز}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن يشأ يذهبكم" فيه حذف؛ المعنى إن يشأ أن يذهبكم يذهبكم؛ أي يفنيكم‪" .‬ويأت‬
‫بخلق جديفد" أي أطوع منكفم وأزكفى‪" .‬ومفا ذلك على ال بعزيفز" أي ممتنفع عسفير متعذر‪ .‬وقفد‬
‫مضى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬ول تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها ل يحمل منه شيء ولو‬
‫كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه‬
‫وإلى ال المصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تزر وازرة وزر أخرى" تقدم الكلم فيفه‪ ،‬وهفو مقطوع ممفا قبله‪ .‬والصفل‬
‫"توزر" حذفت الواو اتباعا ليزر‪" .‬وازرة" نعت لمحذوف‪ ،‬أي نفس وازرة‪ .‬وكذا "وإن تدع مثقلة‬
‫إلى حملهفا" قال الفراء‪ :‬أي نففس مثقلة أو دابفة‪ .‬قال‪ :‬وهذا يقفع للمذكفر والمؤنفث‪ .‬قال الخففش‪ :‬أي‬
‫وإن تدع مثقلة إنسفانا إلى حملهفا وهفو ذنوبهفا‪ .‬والحمفل مفا كان على الظهفر‪ ،‬والحمفل حمفل المرأة‬
‫وحمفل النخلة؛ حكاهمفا الكسفائي بالفتفح ل غيفر‪ .‬وحكفى ابفن السفكيت أن حمفل النخلة يفتفح ويكسفر‪.‬‬
‫"ل يحمفل منفه شيفء ولو كان ذا قربفى" التقديفر على قول الخففش‪ :‬ولو كان النسفان المدعفو ذا‬
‫قربففى‪ .‬وأجاز الفراء ولو كان ذو قربففى‪ .‬وهذا جائز عنففد سففيبويه‪ ،‬ومثله "وإن كان ذو عسففرة"‬
‫[البقرة‪ ]280 :‬فتكون "كان" بمعنفى وقفع‪ ،‬أو يكون الخفبر محذوفا؛ أي وإن كان فيمفن تطالبون‬
‫ذو عسفرة‪ .‬وحكفى سفيبويه‪ :‬الناس مجزيون بأعمالهفم إن خيفر فخيفر؛ على هذا‪ .‬وخيرا فخيفر؛ على‬
‫الول‪ .‬وروي عن عكرمة أنه قال‪ :‬بلغني أن اليهودي والنصراني يرى الرجل المسلم يوم القيامة‬
‫فيقول له‪ :‬ألم أكفن قفد أسفديت إليفك يدا‪ ،‬ألم أكفن قفد أحسفنت إليفك؟ فيقول بلى‪ .‬فيقول‪ :‬أنفعنفي؛ فل‬
‫يزال المسلم يسأل ال تعالى حتى ينقص‪ ،‬من عذابه‪ .‬وأن الرجل ليأتي إلى أبيه يوم القيامة فيقول‪:‬‬
‫ألم أكن بك بارا‪ ،‬وعليك مشفقا‪ ،‬وإليك محسنا‪ ،‬وأنت ترى ما أنا فيه‪ ،‬فهب لي حسنة من حسناتك‪،‬‬
‫أو احمفل عنفي سفيئة؛ فيقول‪ :‬إن الذي سفألتني يسفير؛ ولكنفي أخاف مثفل مفا تخاف‪ .‬وأن الب ليقول‬
‫لبنفه مثفل ذلك فيرد عليفه نحوا مفن هذا‪ .‬وأن الرجفل ليقول لزوجتفه‪ :‬ألم أكفن أحسفن العشرة لك‪،‬‬
‫فاحملي عنففي خطيئة لعلي أنجففو؛ فتقول‪ :‬إن ذلك ليسففير ولكنففي أخاف ممففا تخاف منففه‪ .‬ثففم تل‬
‫عكرمففة‪" :‬وإن تدع مثقلة إلى حملهففا ل يحمففل منففه شيففء ولو كان ذا قربففى"‪ .‬وقال الفضيففل بففن‬
‫عياض‪ :‬هفي المرأة تلقفى ولدهفا فتقول‪ :‬يفا ولدي‪ ،‬ألم يكفن بطنفي لك وعاء‪ ،‬ألم يكفن ثديفي لك سفقاء‪،‬‬
‫ألم يكفن حجري لك وطاء؛ يقول‪ :‬بلى يفا أماه؛ فتقول‪ :‬يفا بنفي‪ ،‬قفد أثقلتنفي ذنوبفي فاحمفل عنفي منهفا‬
‫ذنبا واحدا؛ فيقول‪ :‬إليك عني يا أماه‪ ،‬فإني بذنبي عنك مشغول‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنمفا تنذر الذيفن يخشون ربهفم بالغيفب وأقاموا الصفلة" أي إنمفا يقبفل إنذارك مفن‬
‫يخشفى عقاب ال تعالى‪ ،‬وهفو كقوله تعالى‪" :‬إنمفا تنذر مفن اتبفع الذكفر وخشفي الرحمفن بالغيفب"‬
‫[يفس‪" .]11 :‬ومفن تزكفى فإنمفا يتزكفى لنفسفه" أي مفن اهتدى فإنمفا يهتدي لنفسفه‪ .‬وقرئ‪" :‬ومفن‬
‫أزكى فإنما يزكى لنفسه"‪" .‬وإلى ال المصير" أي إليه مرجع جميع الخلق‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 22 - 19 :‬ومفا يسفتوي العمفى والبصفير‪ ،‬ول الظلمات ول النور‪ ،‬ول الظفل ول‬
‫الحرور‪ ،‬وما يستوي الحياء ول الموات إن ال يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما يستوي العمى والبصير" أي الكافر والمؤمن والجاهل والعالم‪ .‬مثل‪" :‬قل ل‬
‫يسفتوي الخفبيث والطيفب" [المائدة‪" .]100 :‬ول الظلمات ول النور" قال الخففش سفعيد‪" :‬ل"‬
‫زائدة؛ والمعنفى ول الظلمات والنور‪ ،‬ول الظفل والحرور‪ .‬قال الخففش‪ :‬والحرور ل يكون إل مفع‬
‫شمففس النهار‪ ،‬والسففموم يكون بالليففل‪ ،‬أو قيففل بالعكففس‪ .‬وقال رؤبففة بففن العجاج‪ :‬الحرور تكون‬
‫بالنهار خاصففة‪ ،‬والسففموم يكون بالليففل خاصففة‪ ،‬حكاه المهدوي‪ .‬وقال الفراء‪ :‬السففموم ل يكون إل‬
‫بالنهار‪ ،‬والحرور يكون فيهمففا‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا أصففح؛ لن الحرور فعول مففن الحففر‪ ،‬وفيففه معنففى‬
‫التكثير‪ ،‬أي الحر المؤذي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفي صفحيح مسفلم عن أبفي هريرة عن رسول ال صفلى ال عليه وسلم قال‪( :‬قالت النار‬
‫رب أكفل بعضفي بعضفا فأذن لي أتنففس فأذن لهفا بنفسفين نففس ففي الشتاء ونففس ففي الصفيف فمفا‬
‫وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم)‪ .‬وروي‬
‫من حديث الزهري عن سعيد عن أبي هريرة‪( :‬فما تجدون من الحر فمن سمومها وشدة ما تجدون‬
‫مفن البرد فمفن زمهريرهفا) وهذا يجمفع تلك القوال‪ ،‬وأن السفموم والحرور يكون بالليفل والنهار؛‬
‫فتأمله‪ .‬وقيفل‪ :‬المراد بالظفل والحرور الجنفة والنار؛ فالجنفة ذات ظفل دائم‪ ،‬كمفا قال تعالى‪" :‬أكلهفا‬
‫دائم وظلها" [الرعد‪ ]35 :‬والنار ذات حرور‪ ،‬وقال معناه الذي‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬أي ظل الليل‪،‬‬
‫وحر السموم بالنهار‪ .‬قطرب‪ :‬الحرور الحر‪ ،‬والظل البرد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومفا يسفتوي الحياء ول الموات" قال ابفن قتيبفة‪ :‬الحياء العقلء‪ ،‬والموات‬
‫الجهال‪ .‬قال قتادة‪ :‬هذه كلهفففا أمثال؛ أي كمفففا ل تسفففتوي هذه الشياء كذلك ل يسفففتوي الكاففففر‬
‫والمؤمن‪" .‬إن ال يسمع من يشاء" أي يسمع أولياءه الذين خلقهم لجنته‪" .‬وما أنت بمسمع من في‬
‫القبور" أي الكفار الذيفن أمات الكففر قلوبهفم؛ أي كمفا ل تسفمع مفن مات‪ ،‬كذلك ل تسفمع مفن مات‬
‫قلبفه‪ .‬وقرأ الحسفن وعيسفى الثقففي وعمرو بفن ميمون‪" :‬بمسفمع مفن ففي القبور" بحذف التنويفن‬
‫تخفيفا؛ أي هم بمنزلة أهل القبور في أنهم ل ينتفعون بما يسمعونه ول يقبلونه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 23 :‬إن أنت إل نذير}‬
‫@ أي رسفول منذر؛ فليفس عليفك إل التبليفغ‪ ،‬ليفس لك مفن الهدي شيفء إنمفا الهدى بيفد ال تبارك‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 :‬إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إل خل فيها نذير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنفا أرسفلناك بالحفق بشيرا ونذيرا" أي بشيرا بالجنفة أهفل طاعتفه‪ ،‬ونذيرا بالنار‬
‫أهل معصيته‪" .‬وإن من أمة إل خل فيها نذير" أي سلف فيها نبي‪ .‬قال ابن جريج‪ :‬إل العرب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 26 - 25 :‬وإن يكذبوك فقفد كذب الذيفن مفن قبلهفم جاءتهفم رسفلهم بالبينات وبالزبر‬
‫وبالكتاب المنير‪ ،‬ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يكذبوك" يعنفي كفار قريفش‪" .‬فقفد كذب الذيفن مفن قبلهفم" أنفبياءهم‪ ،‬يسفلي‬
‫رسففوله صففلى ال عليففه وسففلم‪" .‬جاءتهففم رسففلهم بالبينات" أي بالمعجزات الظاهرات والشرائع‬
‫الواضحات‪" .‬وبالزبر" أي الكتب المكتوبة‪" .‬وبالكتاب المنير" أي الواضح‪ .‬وكرر الزبر والكتاب‬
‫وهمفا واحفد لختلف اللفظيفن‪ .‬وقيفل‪ :‬يرجفع البينات والزبر والكتاب إلى‪ ،‬معنفى واحفد‪ ،‬وهفو مفا‬
‫أنزل على النفبياء مفن الكتفب‪" .‬ثفم أخذت الذيفن كفروا فكيفف كان نكيفر" أي كيفف كانفت عقوبتفي‬
‫لهم‪ .‬وأثبت ورش عن نافع وشيبة الياء في "نكيري" حيث وقعت في الوصل دون الوقف‪ .‬وأثبتها‬
‫يعقوب في الحالين‪ ،‬وحذفها الباقون في الحالين‪ .‬وقد مضى هذا كله‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 - 27 :‬ألم تر أن ال أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن‬
‫الجبال جدد بيففض وحمففر مختلف ألوانهففا وغرابيففب سففود‪ ،‬ومففن الناس والدواب والنعام مختلف‬
‫ألوانه كذلك إنما يخشى ال من عباده العلماء إن ال عزيز غفور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تر أن ال أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها" هذه الرؤية‬
‫رؤيفة القلب والعلم؛ أي ألم ينتفه علمفك ورأيفت بقلبفك أن ال أنزل؛ ففف "أن" واسفمها وخبرهفا سفدت‬
‫مسفد مفعولي الرؤية‪" .‬فأخرجنا به ثمرات" هو من باب تلوين الخطاب‪" .‬مختلفا ألوانها" نصبت‬
‫"مختلففا" نعتفا لفف "ثمرات"‪" .‬ألوانهفا" رففع بمختلف‪ ،‬وصفلح أن يكون نعتفا ل‪" .‬ثمرات" لمفا دعفا‬
‫عليفه مفن ذكره‪ .‬ويجوز ففي غيفر القرآن رفعفه؛ ومثله رأيفت رجل خارجفا أبوه‪" .‬بفه" أي بالماء‬
‫وهفو واحفد‪ ،‬والثمرات مختلففة‪" .‬ومفن الجبال جدد بيفض وحمفر مختلف ألوانهفا" الجدد جمفع جدة‪،‬‬
‫وهففي الطرائق المختلفففة اللوان‪ ،‬وإن كان الجميففع حجرا أو ترابففا‪ .‬قال الخفففش‪ :‬ولو كان جمففع‬
‫جديد لقال‪ :‬جدد (بقسم الجيم والدال) نحو سرير وسرر‪ .‬وقال زهير‪:‬‬
‫طاو ويرتفع بعد الصيف عريانا‬ ‫كأنه أسفع الخدين ذو جدد‬
‫وقيل‪ :‬إن الجدد القطع‪ ،‬مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته؛ حكاه ابن بحر قال الجوهري‪ :‬والجدة‬
‫الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه‪ .‬والجدة الطريقة‪ ،‬والجمع جدد؛ قال تعالى‪" :‬ومن الجبال‬
‫جدد بيض وحمر مختلف ألوانها" أي طرائق تخالف لون الجبل‪ .‬ومنه قولهم‪ :‬ركب فلن جدة من‬
‫المففر؛ إذا رأى فيفه رأيفا‪ .‬وكسفاء مجدد‪ :‬فيفه خطوط مختلففة‪ .‬الزمخشري‪ :‬وقرأ الزهري "جدد"‬
‫بالضم جمع جديدة‪ ،‬هي الجدة؛ يقال‪ :‬جديدة وجدد وجدائد كسفينة وسفن وسفائن‪ .‬وقد فسربها قول‬
‫أبي ذؤيب‪:‬‬
‫جون السراة له جدائد أربع‬
‫وروي عنفه "جدد بفتحتيفن‪ ،‬وهفو الطريفق الواضفح المسففر‪ ،‬وضعفه موضفع الطرائق والخطوط‬
‫الواضحفة المنفصفل بعضهفا مفن بعفض‪" .‬ومفن الناس والدواب" وقرئ‪" :‬والدواب" مخفففا‪ .‬ونظيفر‬
‫هذا التخفيفف قراءة مفن قرأ‪" :‬ول الضأليفن" لن كفل واحفد منهمفا ففر مفن التقاء السفاكنين‪ ،‬فحرك‬
‫ذلك أولهمففا‪ ،‬وحذف هذا آخرهمففا؛ قاله الزمخشري‪" .‬والنعام مختلف ألوانففه" أي فيهففم الحمففر‬
‫والبيفض والسفود وغيفر ذلك‪ ،‬وكفل ذلك دليفل على صفانع مختار‪ .‬وقال‪" :‬مختلف ألوانفه" فذكفر‬
‫الضميفر مراعاة لفف "مفن"؛ قاله المؤرج‪ .‬وقال أبفو بكفر بفن عياش‪ :‬إنمفا ذكفر الكنايفة لجفل أنهفا‬
‫مردودة إلى "مفا" مضمرة؛ مجازه‪ :‬ومفن الناس ومفن الدواب ومفن النعام مفا هفو مختلف ألوانفه‪،‬‬
‫أي أبيفض وأحمفر وأسفود‪" .‬وغرابيفب سفود" قال أبفو عفبيدة‪ :‬الغربيفب الشديفد السفواد؛ فففي الكلم‬
‫تقديفم وتأخيفر‪ ،‬والمعنفى‪ :‬ومن الجبال سود غرابيب‪ .‬والعرب تقول للشديفد السواد الذي لونه كلون‬
‫الغراب‪ :‬أسففود غربيففب‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وتقول هذا أسففود غربيففب؛ أي شديففد السففواد‪ .‬وإذا قلت‪:‬‬
‫غرابيفب سفود‪ ،‬تجعفل السفود بدل مفن غرابيفب لن توكيفد اللوان ل يتقدم‪ .‬وففي الحديفث عفن النفبي‬
‫صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬إن ال يبغففض الشيففخ الغربيففب) يعنففي الذي يخضففب بالسففواد‪ .‬قال امرؤ‬
‫القيس‪:‬‬
‫والرجل لفحة والوجه غربيب‬ ‫العين طامحة واليد سابحة‬
‫وقال آخر يصف كرما‪:‬‬
‫يعصر منها ملحي وغربيب‬ ‫ومن تعاجيب خلق ال غاطية‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذلك" هنا تمام الكلم؛ أي كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية‪" ،‬إنما يخشفى‬
‫ال مففن عباده العلماء" يعنففي بالعلماء الذيففن يخافون قدرتففه؛ فمففن علم أنففه عففز وجففل قديففر أيقففن‬
‫بمعاقبتفه على المعصفية‪ ،‬كمفا روى علي بفن أبفي طلحفة عفن ابفن عباس "إنمفا يخشفى ال مفن عباده‬
‫العلماء" قال‪ :‬الذين علموا أن ال على كل شيء قدير‪ .‬وقال الربيع بن أنس من لم يخش ال تعالى‬
‫فليفس بعالم‪ .‬وقال مجاهفد‪ :‬إنمفا العالم مفن خشفي ال عفز وجفل‪ .‬وعفن ابفن مسفعود‪ :‬كففى بخشيفة ال‬
‫تعالى علمفا وبالغترار جهل‪ .‬وقيفل لسفعد بفن إبراهيفم‪ :‬مفن أفقفه أهفل المدينفة؟ قال أتقاهفم لربفه عفز‬
‫وجفل‪ .‬وعفن مجاهفد قال‪ :‬إنمفا الفقيفه مفن يخاف ال عفز وجفل‪ .‬وعفن علي رضفي ال عنفه قال‪ :‬إن‬
‫الفقيفه حفق الفقيفه مفن لم يقنفط الناس مفن رحمفة ال‪ ،‬ولم يرخفص لهفم ففي معاصفي ال تعالى‪ ،‬ولم‬
‫يؤمنهم من عذاب ال‪ ،‬ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره؛ إنه ل خير في عبادة ل علم فيها‪ ،‬ول‬
‫علم ل فقه فيه‪ ،‬ول قراءة ل تدبر فيها‪ .‬وأسند الدارمي أبو محمد عن مكحول قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬إن فضفل العالم على العابفد كفضلي على أدناكفم ‪ -‬ثفم تل هذه اليفة ‪ -‬إنمفا‬
‫يخشففى ال مففن عباده العلماء‪ .‬إن ال وملئكتففه وأهففل سففمواته وأهففل أرضيففه والنون فففي البحففر‬
‫يصفلون على الذيفن يعلمون الناس الخيفر الخفبر مرسفل‪ .‬قال الدارمفي‪ :‬وحدثنفي أبفو النعمان حدثنفا‬
‫حماد بفن زيفد عفن يزيفد بفن حازم قال حدثنفي عمفي جريفر بفن زيفد أنفه سفمع تبيعفا يحدث عفن كعفب‬
‫قال‪ :‬إنففي لجففد نعففت قوم يتعلمون لغيففر العمففل‪ ،‬ويتفقهون لغيففر العبادة‪ ،‬ويطلبون الدنيففا بعمففل‬
‫الخرة‪ ،‬ويلبسففون جلود الضأن‪ ،‬قلوبهففم أمففر مففن الصففبر؛ فففبي يغترون‪ ،‬وإياي يخادعون‪ ،‬فففبي‬
‫حلففت لتيحفن لهفم فتنفة تذر الحليفم فيهفم حيران‪ .‬خرجفه الترمذي مرفوعفا مفن حديفث أبفي الدرداء‬
‫وقفد كتبناه ففي مقدمفة الكتاب‪ .‬الزمخشري‪ :‬فإن قلت‪ :‬فمفا وجفه قراءة مفن قرأ "إنمفا يخشفى الُ"‬
‫بالرففع "مفن عباده العلماءَ" بالنصفب‪ ،‬وهفو عمفر بفن عبدالعزيفز‪ .‬وتحكفى عفن أبفي حنيففة‪ .‬قلت‪:‬‬
‫الخشيفة ففي هذه القراءة اسفتعارة‪ ،‬والمعنفى‪ :‬إنمفا يجلهفم ويعظمهفم كمفا يجفل المهيفب المخشفي مفن‬
‫الرجال بين الناس من بين جميع عباده‪" .‬إن ال عزيز غفور" تعليل لوجوب الخشية‪ ،‬لدلله على‬
‫عقوبة العصاة وقهرهم‪ ،‬وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم‪ .‬والمعاقب والمثيب حقه أن يخشى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 30 - 29 :‬إن الذيفن يتلون كتاب ال وأقاموا الصفلة وأنفقوا ممفا رزقناهفم سفرا‬
‫وعلنية يرجون تجارة لن تبور‪ ،‬ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين يتلون كتاب ال وأقاموا الصلة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلنية" هذه‬
‫آية القراء العاملين العالمين الذين يقيمون الصلة الفرض والنفل‪ ،‬وكذا في النفاق‪ .‬وقد مضى في‬
‫مقدمفة الكتاب مفا ينبغفي أن يتخلق بفه قارئ القرآن‪" .‬يرجون تجارة لن تبور" قال أحمفد بفن يحيفى‪:‬‬
‫خفبر "إن" "يرجون"‪" .‬ويزيدهفم مفن فضله" قيفل‪ :‬الزيادة الشفاعفة ففي الخرة‪ .‬وهذا مثفل اليفة‬
‫الخرى‪" :‬رجال ل تلهيهفم تجارة ول بيفع عفن ذكفر ال" إلى قوله" ويزيدهفم مفن فضله" [النور‪:‬‬
‫‪ ،]38 - 37‬وقوله ففي آخفر النسفاء‪" :‬فأمفا الذيفن آمنوا وعملوا الصفالحات فيوفيهفم أجورهفم‬
‫ويزيدهم من فضله" [النساء‪ ]173 :‬وهناك بيناه‪" .‬إنه غفور" للذنوب‪" .‬شكور" يقبل القليل من‬
‫العمل الخالص‪ ،‬ويثيب عليه الجزيل من الثواب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 31 :‬والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن ال بعباده لخبير‬
‫بصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذي أوحينا إليك من الكتاب" يعني القرآن‪" .‬هو الحق مصدقا لما بين يديه" أي‬
‫من الكتب "إن ال بعباده لخبير بصير"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 35 - 32 :‬ثفم أورثنفا الكتاب الذيفن اصفطفينا مفن عبادنفا فمنهفم ظالم لنفسفه ومنهفم‬
‫مقتصفد ومنهفم سفابق بالخيرات بإذن ال ذلك هفو الفضفل الكفبير‪ ،‬جنات عدن يدخلونهفا يحلون فيهفا‬
‫مفن أسفاور مفن ذهفب ولؤلؤا ولباسفهم فيهفا حريفر‪ ،‬وقالوا الحمفد ل الذي أذهفب عنفا الحزن إن ربنفا‬
‫لغفور شكور‪ ،‬الذي أحلنا دار المقامة من فضله ل يمسنا فيها نصب ول يمسنا فيها لغوب}‬
‫@ هذه الية مشكلة؛ لنه قال جل وعز‪" :‬اصطفينا من عبادنا" ثم قال‪" :‬فمنهم ظالم لنفسه" وقد‬
‫تكلم العلماء فيها من الصفحابة والتابعين ومن بعدهفم‪ .‬قال النحاس‪ :‬فإن أصح مفا روي ففي ذلك مفا‬
‫روي عفن ابفن عباس "فمنهفم ظالم لنفسفه" قال‪ :‬الكاففر؛ رواه ابفن عيينفة عفن عمرو بفن دينار عفن‬
‫عطاء عن ابن عباس أيضا‪ .‬وعن ابن عباس أيضا "فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق‬
‫بالخيرات" قال‪ :‬نجت فرقتان‪ ،‬ويكون التقدير في العربية‪ :‬فمنهم من عبادنا ظالم لنفسه؛ أي كافر‪.‬‬
‫وقال الحسن‪ :‬أي فاسق‪ .‬ويكون الضمير الذي في "يدخلونها" يعود على المقتصد والسابق ل على‬
‫الظالم‪ .‬وعن عكرمة وقتادة والضحاك والفراء أن المقتصفد المؤمن العاصي‪ ،‬والسابق التقي على‬
‫الطلق‪ .‬قالوا‪ :‬وهذه الية نظير قوله تعالى في سورة الواقعة "وكنتم أزواجا ثلثة" [الواقعة‪]7 :‬‬
‫الية‪ .‬قالوا وبعيد أن يكون ممن يصطفي ظالم‪ .‬ورواه مجاهد عن ابن عباس‪ .‬قال مجاهد‪" :‬فمنهم‬
‫ظالم لنفسفه" أصفحاب المشاهدة‪" ،‬ومنهفم مقتصفد" أصفحاب الميمنفة‪" ،‬ومنهفم سفابق بالخيرات"‬
‫السفابقون مفن الناس كلهفم‪ .‬وقيفل‪ :‬الضميفر ففي "يدخلونهفا" يعود على الثلثفة الصفناف‪ ،‬على أل‬
‫يكون الظالم ها هنا كافرا ول فاسقا‪ .‬وممن روي عنه هذا القول عمر وعثمان وأبو الدرداء‪ ،‬وابن‬
‫مسففعود وعقبففة بففن عمرو ومنففة‪ ،‬والتقديففر على هذا القول‪ :‬أن يكون الظالم لنفسففه الذي عمففل‬
‫الصفغائر‪ .‬و"المقتصفد" قال محمفد بفن يزيفد‪ :‬هفو الذي يعطفي الدنيفا حقهفا والخرة حقهفا؛ فيكون‬
‫"جنات عدن يدخلونهفا" عائدا على الجميفع على هذا الشرح والتفبيين؛ وروي عفن أبفي سفعيد‬
‫الخدري‪ .‬وقال كعفب الحبار‪ :‬اسفتوت مناكبهفم ورب الكعبفة وتفاضلوا بأعمالهفم‪ .‬وقال أبفو إسفحاق‬
‫السبيعي‪ :‬أما الذي سمعت منذ ستين سنة فكلهم ناج‪ .‬وروى أسامة بن زيد أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسفلم قرأ هذه اليفة وقال‪( :‬كلهفم ففي الجنفة)‪ .‬وقرأ عمفر بفن الخطاب هذه اليفة ثفم قال‪ :‬قال رسفول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬سفابقنا سفابق ومقصفدنا ناج وظالمنفا مغفور له)‪ .‬فعلى هذا القول يقدر‬
‫مفعول الصفطفاء مفن قوله‪" :‬أورثنفا الكتاب الذيفن أصفطفينا مفن عبادنفا" مضاففا حذف كمفا حذف‬
‫المضاف في "واسأل القريفة" [يوسفف‪ ]82 :‬أي اصفطفينا دينهفم فبقى اصفطفيناهم؛ فحذف العائد‬
‫إلى الموصفول كمفا حذف ففي قوله‪" :‬ول أقول للذيفن تزدري أعينكفم" [هود‪ ]31 :‬أي تزدريهفم‪،‬‬
‫فالصطفاء إذا موجه إلى دينهم‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬إن ال اصطفى لكم الدين" [البقرة‪ .]132 :‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وقوله ثالث‪ :‬يكون الظالم صفففاحب الكبائر‪ ،‬والمقتصفففد الذي لم يسفففتحق الجنفففة بزيادة‬
‫حسففناته على سففيئاته؛ فيكون‪" :‬جنات عدن يدخلونهففا" للذيففن سففبقوا بالخيرات ل غيففر‪ .‬وهذا قول‬
‫جماعة من أهل النظر؛ لن الضمير في حقيقة النظر بما يليه أولى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬القول الوسط أولها وأصحها إن شاء ال؛ لن الكافر والمنافق لم يصطفوا بحمد ال‪ ،‬ول‬
‫اصطفى دينهم‪ .‬وهذا قول ستة من الصحابة‪ ،‬وحسبك‪ .‬وسنزيده بيانا وإيضاحا في باقي الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم أورثنا الكتاب" أي أعطينا‪ .‬والميراث‪ ،‬عطاء حقيقة أو مجازا؛ فإنه يقال فيما‬
‫صار للنسان بعد موت آخر‪ .‬و"الكتاب" ها هنا يريد به معاني الكتاب وعلمه وأحكامه وعقائده‪،‬‬
‫وكأن ال تعالى لمفا أعطفى أمفة محمفد صفلى القرآن‪ ،‬وهفو قفد تضمفن معانفي الكتفب المنزلة‪ ،‬فكأنفه‬
‫ورث أمة محمد عليه السلم الكتاب الذي كان في المم قبلنا‪" .‬اصطفينا" أي اخترنا‪ .‬واشتقاقه من‬
‫الصفففو‪ ،‬وهففو الخلوص مففن شوائب الكدر‪ .‬وأصففله اصففتفونا‪ ،‬فأبدلت التاء طاء والواو ياء‪" .‬مففن‬
‫عبادنفا" قيفل المراد أمفة محمفد صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬قال ابفن عباس وغيره‪ .‬وكان اللففظ يحتمفل‬
‫جميفع المؤمنيفن مفن كفل أمفة‪ ،‬إل أن عباره توريفث الكتاب لم تكفن إل لمفة محمفد صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم‪ ،‬وورث سفليمان يرثوه‪ .‬وقيفل‪ :‬المصفطفون النفبياء‪ ،‬توارثوا الكتاب بمعنفى أنفه انتقفل عفن‬
‫بعضهم إلى آخر‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وورث سليمان داود" [النمل‪ ،]16 :‬وقال‪" :‬يرثني ويرث من‬
‫آل يعقوب" [مريم‪ ]6 :‬فإذا جاز أن تكون النبوة موروثة فكذلك الكتاب‪" .‬فمنهم ظالم لنفسه" من‬
‫وقع في صغيرة‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا قول مردود من غير ما وجه‪ .‬قال الضحاك‪ :‬معنى "فمنهم‬
‫ظالم لنفسه" أي من ذريتهفم ظالم لنفسه وهو المشرك‪ .‬الحسن‪ :‬مفن أممهفم‪ ،‬على ما تقدم ذكره مفن‬
‫الخلف في الظالم‪ .‬والية في أمة محمد صلى ال عليه وسلم وقد اختلفت عبارات أرباب القلوب‬
‫فففي الظالم والمقتصففد والسففابق‪ ،‬فقال سففهل بففن عبدال‪ :‬السففابق العالم‪ ،‬والمقتصففد المعلم‪ ،‬والظالم‬
‫الجاهل‪ .‬وقال ذو النون المصري‪ :‬الظالم الذاكر ال بلسانه فقط‪ ،‬والمقتصد الذاكر بقلبه‪ ،‬والسابق‬
‫الذي ل ينسففاه‪ .‬وقال النطاكففي‪ :‬الظالم صففاحب القوال‪ ،‬والمقتصففد صففاحب الفعال‪ ،‬والسففابق‬
‫صاحب الحوال‪ .‬وقال ابن عطاء‪ :‬الظالم الذي يحب ال من أجل الدنيا‪ ،‬والمقتصد الذي يحبه من‬
‫أجفل العقفبى‪ ،‬والسفابق الذي أسفقط مراده بمراد الحفق‪ .‬وقيفل‪ :‬الظالم الذي يعبفد ال خوففا مفن النار‪،‬‬
‫والمقتصفد الذي يعبفد ال طمعفا ففي الجنفة‪ ،‬والسفابق الذي يعبفد ال لوجهفه ل لسفبب‪ .‬وقيفل‪ :‬الظالم‬
‫الزاهففد فففي الدنيففا‪ ،‬لنفه ظلم نفسفه فترك لهففا حظففا وهفي المعرفففة والمحبففة‪ ،‬والمقتصففد العارف‪،‬‬
‫والسفابق المحفب‪ .‬وقيفل‪ :‬الظالم الذي يجزع عنفد البلء‪ ،‬والمقتصفد الصفابر على البلء‪ ،‬والسفابق‬
‫المتلذذ بالبلء‪ .‬وقيفل‪ :‬الظالم الذي يعبفد ال على الغفلة والعادة‪ ،‬والمقتصفد الذي يعبده على الرغبفة‬
‫والرهبة‪ ،‬والسابق الذي يعبده على الهيبة‪ .‬وقيل‪ :‬الظالم الذي أعطي فمنع‪ ،‬والمقتصد الذي أعطي‬
‫فبذل‪ ،‬والسابق الذي يمنع فشكر وآثر‪.‬‬
‫يروى أن عابديفن التقيفا فقال‪ :‬كيفف حال إخوانكفم بالبصفرة؟ قال‪ :‬بخيفر‪ ،‬إن أعطوا شكروا وإن‬
‫منعوا صفففبروا‪ .‬فقال‪ :‬هذه حالة الكلب عندنفففا ببلخ! عبادنفففا إن منعوا شكروا وإن أعطوا آثروا‪.‬‬
‫وقيفل‪ :‬الظالم مفن اسفتغنى بماله‪ ،‬والمقتصفد مفن اسفتغنى بدينفه‪ ،‬والسفابق مفن اسفتغنى بربفه‪ .‬وقيفل‪:‬‬
‫الظالم التالي للقرآن ول يعمففل بففه‪ ،‬والمقتصففد التالي للقرآن ويعمففل بففه‪ ،‬والسففابق القارئ للقرآن‬
‫العامفل به والعالم به‪ .‬وقيفل‪ :‬السفابق الذي يدخفل المسفجد قبفل تأذيفن المؤذن‪ ،‬والمقتصفد الذي يدخفل‬
‫المسجد وقد أذن‪ ،‬والظالم الذي يدخل المسجد وقد أقيمت الصلة؛ لنه ظلم نفسه الجر فلم يحصل‬
‫لهفا مفا حصفله غيره‪ .‬وقال بعفض أهفل المسفجد ففي هذا‪ :‬بفل السفابق الذي يدرك الوقفت والجماعفة‬
‫فيدرك الفضيلتيففن‪ ،‬والمقتصففد الذي إن فاتتففه الجماعففة لم يفرط فففي الوقففت‪ ،‬والظالم الغافففل عففن‬
‫الصلة حتفى يفوت الوقت والجماعة‪ ،‬فهو أولى بالظلم‪ .‬وقيل‪ :‬الظالم الذي يحب نفسه‪ ،‬والمقتصد‬
‫الذي يحب دينه‪ ،‬والسابق الذي يحب ربه‪ .‬وقيل‪ :‬الظالم الذي ينتصف ول ينصف‪ ،‬والمقتصد الذي‬
‫ينتصف وينصف‪ ،‬والسابق الذي ينصف ول ينصف‪ .‬وقالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬السابق الذي‬
‫أسفلم قبفل الهجرة‪ ،‬والمقتصفد مفن أسفلم بعفد الهجرة‪ ،‬والظالم مفن لم يسفلم إل بالسفيف؛ وهفم كلهفم‬
‫مغفور لهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ذكفر هذه القوال وزيادة عليهفا الثعلبفي ففي تفسفيره‪ .‬وبالجملة فهفم طرفان وواسفطة‪ ،‬وهفو‬
‫حنَي التغلبي‪:‬‬
‫المقتصد الملزم للقصد وهو ترك الميل؛ ومنه قول جابر بن ُ‬
‫وليس علينا قتلهم بمحرم‬ ‫نعاطي الملوك السلم ما قصدوا لنا‬
‫أي نعاطيهفم الصفلح مفا ركبوا بنفا القصفد‪ ،‬أي مفا لم يجوروا‪ ،‬وليفس قتلهفم بمحرم علينفا إن جاروا؛‬
‫فلذلك كان المقتصد منزلة بين المنزلتين‪ ،‬فهو فوق الظالم لنفسه ودون السابق بالخيرات‪" .‬ذلك هو‬
‫الفضفل الكفبير" يعنفي إتياننفا الكتاب لهفم‪ .‬وقيفل‪ :‬ذلك الصفطفاء مفع علمنفا بعيوبهفم هفو الفضفل‬
‫الكبير‪ .‬وقيل‪ :‬وعد الجنة لهؤلء الثلث فضل كبير‪.‬‬
‫@ وتكلم الناس في تقديم الظالم على المقتصد والسابق فقيل‪ :‬التقدير في الذكر ل يقتضي تشريفا؛‬
‫كقوله تعالى‪" :‬ل يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة" [الحشر‪ .]20 :‬وقيل‪ :‬قدم الظالم لكثرة‬
‫الفاسفقين منهفم وغلبتهفم وأن المقتصفدين قليفل بالضاففة إليهفم‪ ،‬والسفابقين أقفل مفن القليفل؛ ذكره‬
‫الزمخشري ولم يذكره غيره وقيفل‪ :‬قدم الظالم لتأكيفد الرجاء ففي حقفه‪ ،‬إذ ليفس له شيفء يتكفل عليفه‬
‫إل رحمة ربه‪ .‬واتكل المقتصد على حسن ظنه‪ ،‬والسابق على طاعته‪ .‬وقيل‪ :‬قدم الظالم لئل ييأس‬
‫من رحمة ال‪ ،‬وأخر السابق لئل يعجب بعمله‪ .‬وقال جعفر بن محمد بن علي الصادق رضي ال‬
‫عنففه‪ :‬قدم الظالم ليدبر أنففه ل يتقرب إليففه إل بصففرف رحمتففه وكرمففه‪ ،‬وأن الظلم ل يؤثففر فففي‬
‫الصطفائية إذا كانت ثم عناية‪ ،‬ثم ثنى بالمقتصدين لنهم بين الخوف والرجاء‪ ،‬ثم ختم بالسابقين‬
‫لئل يأمن أحد مكر ال‪ ،‬وكلهم في الجنة بحرمة كلمة الخلص‪" :‬ل إله إل ال محمد رسول ال"‪.‬‬
‫وقال محمففد بففن علي الترمذي‪ :‬جمعهففم فففي الصففطفاء إزالة للعلل عففن العطاء؛ لن الصففطفاء‬
‫يوجفب الرث‪ ،‬ل الرث يوجفب الصفطفاء‪ ،‬ولذلك قيفل ففي الحكمفة‪ :‬صفحح النسفبة ثفم النسفبة ادع‬
‫ففي الميراث‪ .‬وقيفل‪ :‬أخفر السفابق ليكون أقرب إلى الجنات والثواب‪ ،‬كمفا قدم الصفوامع والبيفع ففي‬
‫سفورة الحفج" على المسفاجد‪ ،‬لتكون الصفوامع أقرب إلى الهدم والخراب‪ ،‬وتكون المسفاجد أقرب‬
‫إلى ذكفر ال‪ .‬وقيفل‪ :‬إن الملوك إذا أرادوا الجمفع بيفن الشياء بالذكفر قدموا الدنفى؛ كقوله تعالى‪:‬‬
‫"لسفريع العقاب وإنفه لغفور رحيفم" العراف‪ ،]167 :‬وقوله‪" :‬يهفب لمفن يشاء إناثفا ويهفب لمفن‬
‫يشاء الذكور" [الشورى‪ ،]49 :‬وقوله‪" :‬ل يسفتوي أصفحاب النار وأصفحاب الجنفة" [الحشفر‪:‬‬
‫‪]20‬‬
‫قلت‪ :‬ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫يوافي إلى الغايات في آخر المر‬ ‫وغاية هذا الجود أنت وإنما‬
‫@قوله تعالى‪" :‬جنات عدن يدخلونهففا" جمعهففم فففي الدخول لنففه ميراث‪ ،‬والعاق والبار فففي‬
‫الميراث سواء إذا كانوا معترفين بالنسب؛ فالعاصي والمطيع مقرّون بالرب‪ .‬وقرئ‪" :‬جنة عدن"‬
‫على الفراد‪ ،‬كأنهفا جنفة مختصفة بالسفابقين لقلتهفم؛ على مفا تقدم‪ .‬و"جنات عدن" بالنصفب على‪،‬‬
‫إضمار فعفل يفسفره الظاهفر؛ أي يدخلون جنات عدن يدخلونهفا‪ .‬وهذا للجميفع‪ ،‬وهفو الصفحيح إن‬
‫شاء ال تعالى‪ .‬وقرأ أبو عمرو "يُدخلونها" بضم الياء وفتح الخاء‪ .‬قال‪ :‬لقوله "يحلون"‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا الحمد ل الذي أذهب عنا الحزن" قال أبو ثابت‪ :‬دخل رجل المسجد‪ .‬فقال‬
‫اللهم ارحم غربتي وأنس وحدتي يسر لي جليسا صالحا‪ .‬فقال أبو الدرداء‪ :‬لئن كنت صادقا فلنا‬
‫أسفعد بذلك منفك‪ ،‬سفمعت النفبي صفلى ال عليفه وسفلم يقول‪" :‬ثفم أورثنفا الكتاب الذيفن أصفطفينا مفن‬
‫عبادنفا فمنهفم ظالم لنفسفه ومنهفم مقتصفد ومنهفم سفابق بالخيرات" قال فيجيفء هذا السفابق فيدخفل‬
‫الجنفة بغيفر حسفاب‪ ،‬وأمفا المقتصفد فيحاسفب حسفابا يسفيرا‪ ،‬وأمفا الظالم لنفسفه فيحبفس ففي المقام‬
‫ويوبفخ ويقرع ثفم يدخفل الجنفة فهفم الذيفن قالوا‪" :‬الحمفد ل الذي أذهفب عنفا الحزن إن ربنفا لغفور‬
‫شكور" وففي لففظ آخفر وأمفا الذيفن ظلموا أنفسفهم فأولئك يحبسفون ففي طول المحشفر ثفم هفم الذيفن‬
‫يتلقاهفم ال برحمتفه فهفم الذيفن يقولون "الحمفد ل الذي أذهفب عنفا الحزن إن ربنفا لغفور شكور إلى‬
‫قوله "ول يمسنا فيها لغوب"‪ .‬وقيل‪ :‬هو الذي يؤخذ منه في مقامه؛ يعني يكفر عنه بما يصيبه من‬
‫الهفم والحزن‪ ،‬ومنفه قوله تعالى "مفن يعمفل سفوءا يجفز بفه" [النسفاء‪ ]123 :‬يعنفي ففي الدنيفا‪ .‬قال‬
‫الثعلبفي‪ :‬وهذا التأويفل أشبفه بالظاهفر؛ لنفه قال‪" :‬جنات عدن يدخلونهفا"‪ ،‬ولقوله‪" :‬الذيفن اصفطفينا‬
‫من عبادنا" والكافر والمنافق لم يصطفوا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا هفو الصفحيح‪ ،‬وقفد قال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬ومثفل المناففق الذي يقرأ القرآن مثفل‬
‫الريحانفة‪ ،‬ريحهفا وطيفب وطعمهفا مفر‪ .‬فأخفبر أن المناففق يقرؤه‪ ،‬وأخفبر الحفق سفبحانه وتعالى أن‬
‫المنافق في الدرك السفل من النار‪ ،‬وكثير من الكفار واليهود والنصارى يقرؤونه في زماننا هذا‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬قد يقر القرآن من ل خير فيه‪ .‬والنصب‪ :‬التعب‪ .‬واللغوب‪ :‬العياء‬
‫*‪*3‬الية‪{ 37 - 36 :‬والذين كفروا لهم نار جهنم ل يقضى عليهم فيموتوا ول يخفف عنهم من‬
‫عذابهفا كذلك نجزي كفل كفور‪ ،‬وهفم يصفطرخون فيهفا ربنفا أخرجنفا نعمفل صفالحا غيفر الذي كنفا‬
‫نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيفن كفروا لهفم نار جهنفم" لمفا ذكفر أهفل الجنفة وأحوالهفم ومقالتهفم‪ ،‬ذكفر أهفل‬
‫النار وأحوالهففم ومقالتهففم‪" .‬ل يقضففى عليهففم فيموتوا" مثففل‪" :‬ل يموت فيهففا ول يحيففا" [العلى‪:‬‬
‫‪" .]13‬ول يخففف عنهفم مفن عذابهفا" مثفل‪" :‬كلمفا نضجفت جلودهفم بدلناهفم جلودا غيرهفا ليذوقوا‬
‫العذاب" [النساء‪" .]56 :‬كذلك نجزي كل كفور" أي كافر بال ورسوله‪ .‬وقرأ الحسن "فيموتون"‬
‫بالنون‪ ،‬ول يكون للنفففي حينئذ جواب‪ ،‬ويكون "فيموتون" عطفففا على "يقضففى" تقديره ل يقضففى‬
‫عليهففم ول يموتون؛ كقوله تعالى‪" :‬ول يؤذن لهففم فيعتذرون" [المرسففلت‪ .]36 :‬قال الكسففائي‪:‬‬
‫"ول يؤذن لهفم فيعتذرون" بالنون ففي المصفحف لنفه رأس آيفة "ل يقضفى عليهفم فيموتوا" لنفه‬
‫ليفس رأس آيفة‪ .‬للجوز ففي كفل واحفد منهمفا مفا جاز ففي صفاحبه‪" .‬وهفم يصفطرخون فيهفا" أي‬
‫يستغيثون في النار بالصوت العالي‪ .‬والصراخ الصوت العالي‪ ،‬والصارخ المستغيث‪ ،‬والمصرخ‬
‫المغيث‪ .‬قال‪:‬‬
‫كان الصراخ له قرع الظنابيب‬ ‫كنا إذا ما أتانا صارخ فزع‬
‫"ربنفا أخرجنفا" أي يقولون ربنفا أخرجنفا مفن جهنفم وردنفا إلى الدنيفا‪" .‬نعمفل صفالحا" قال ابفن‬
‫عباس‪ :‬أي نقل‪ :‬ل إله إل ال‪" .‬غير الذي كنا نعمل" أي من الشرك‪ ،‬أي نؤمن بدل الكفر‪ ،‬ونطيع‬
‫بدل المعصية‪ ،‬ونمتثل أمر الرسل‪" .‬أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر" هذا جواب دعائهم؛ أي‬
‫فيقال لهفم‪ ،‬فالقول مضمفر‪ .‬وترجفم البخاري‪( :‬باب مفن بلغ سفتين سفنة فقفد أعذر ال إليفه ففي العمفر‬
‫لقوله عففز وجففل "أولم نعمركففم مففا يتذكففر قيففه مففن تذكففر وجاءكففم النذيففر" يعنففي الشيففب) حدثنففا‬
‫عبدالسلم بن مطهر قال حدثنا عمر بن علي قال حدثنا معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي‬
‫سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬أعذر ال إلى امرئ أخر أجله‬
‫حتفى بلغفه ستين سنة)‪ .‬قال الخطابي‪" :‬أعذر إليه" أي بلغ به أقصفى العذر‪ ،‬ومنه قولهفم‪ :‬قفد أعذر‬
‫مفن أنذر؛ أي أقام عذر نفسفه ففي تقديفم نذارتفه‪ .‬والمعنفى‪ :‬أن مفن عمره ال سفتين سفنة لم يبفق له‬
‫عذر؛ لن السفتين قريفب مفن معترك المنايفا‪ ،‬وهفو سفن النابفة والخشوع وترقفب المنيفة ولقاء ال‬
‫تعالى؛ ففيه إعذار بعد إعذار‪ ،‬الول بالنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والموتان في الربعين والستين‪.‬‬
‫قال علي وابفن عباس وأبفو هريرة ففي تأويفل قوله تعالى "أو لم نعمركفم مفا يتذكفر فيفه مفن تذكفر"‪:‬‬
‫إنفه سفتون سفنة‪ .‬وقفد روي عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أنفه قال ففي موعظتفه‪( :‬ولقفد أبلغ ففي‬
‫العذار مفن تقدم ففي النذار وإنفه لينادي مناد مفن قبفل ال تعالى أبناء السفتين "أو لم نعمركفم مفا‬
‫يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير")‪ .‬وذكر الترمذي الحكيم من حديث عطاء ابن أبي رباح عن‬
‫ابن عباس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا كان يوم القيامة نودي أبناء الستين وهو‬
‫العمفر الذي قال ال "أو لم نعمركفم مفا يتذكفر فيفه مفن تذكفر")‪ .‬وعفن ابفن عباس أيضفا أنفه أربعون‬
‫سنة‪ .‬وعن الحسن البصري ومسروق مثله‪ .‬ولهذا القول أيضا وجه‪ ،‬وهو صحيح؛ والحجة له قوله‬
‫تعالى‪" :‬حتفى إذا بلغ أشده وبلغ أربعيفن سفنة" [الحقاف ‪ ]15‬اليفة‪ .‬فففي الربعيفن تناهفي العقفل‪،‬‬
‫ومفا قبفل ذلك ومفا بعده منتقفص عنفه‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقال مالك‪ :‬أدركفت أهفل العلم ببلدنفا وهفم يطلبون‬
‫الدنيفا والعلم ويخالطون الناس‪ ،‬حتفى يأتفي لحدهفم أربعون سفنة‪ ،‬فإذا أتفت عليهفم اعتزلوا الناس‬
‫واشتغلوا بالقيامفة حتفى يأتيهفم الموت‪ .‬وقفد مضفى هذا المعنفى ففي سفورة "العراف"‪ .‬وخرج ابفن‬
‫ماجفة عفن أبفي هريرة أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬أعمار أمتفي مفا بيفن السفتين إلى‬
‫السبعين وأقلهم من تجاوز ذلك)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجاءكففم النذيففر" وقرئ "وجاءتكففم النذر" واختلف فيففه؛ فقيففل القرآن‪ .‬وقيففل‬
‫الرسفول؛ قال زيفد بفن علي وابفن زيفد‪ .‬وقال ابفن عباس وعكرمفة وسففيان ووكيفع والحسفين بفن‬
‫الفضفل والفراء والطفبري‪ :‬هفو الشيفب‪ .‬وقيفل‪ :‬النذيفر الحمفى‪ .‬وقيفل‪ :‬موت الهفل والقارب‪ .‬وقيفل‪:‬‬
‫كمال العقل‪ .‬والنذير بمعنى النذار‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فالشيب والحمى وموت الهل كله إنذار بالموت؛ قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬الحمى رائد‬
‫الموت)‪ .‬قال الزهري‪ :‬معناه أن الحمففى رسففول الموت‪ ،‬أي كأنهففا تشعففر بقدومففه وتنذر بمجيئه‪.‬‬
‫والشيفب نذيفر أيضفا؛ لنفه يأتفي ففي سفن الكتهال‪ ،‬وهفو علمفة لمفارقفة سفن الصفبا الذي هفو سفن‬
‫اللهو واللعب‪ .‬قال‪:‬‬
‫لصاحبه وحسبك من نذير‬ ‫رأيت الشيب من نذر المنايا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ولست مسودا وجه النذير‬ ‫فقلت لها المشيب نذير عمري‬
‫وأمفا موت الهفل والقارب والصفحاب والخوان فإنذار بالرحيفل ففي كفل وقفت وأوان‪ ،‬وحيفن‬
‫وزمان‪ .‬قال‪:‬‬
‫فكأنني بك قد حملت فلم ترد‬ ‫وأراك تحملهم ولست تردهم‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ونحن في غفلة عما يراد بنا‬ ‫الموت في كل حين ينشر الكفنا‬
‫وأما كمال العقل فبه تعرف حقائق المور ومفصل بين الحسنات والسيئات؛ فالعاقل يعمل لخرته‬
‫ويرغفب فيمفا عنفد ربفه؛ فهفو نذيفر‪ .‬وأمفا محمفد صفلى ال عليفه وسفلم فبعثفه ال بشيرا ونذيرا إلى‬
‫عباده قطعففا لحججهففم؛ قال ال تعالى‪" :‬لئل يكون للناس على ال حجففة بعففد الرسففل" [النسففاء‪:‬‬
‫‪ ]165‬وقال‪" :‬وما كنا معذبين حتى نبعث رسول" [السراء‪" .]15 :‬فذوقوا" يريد عذاب جهنم؛‬
‫لنكم ما اعتبرتم ول اتعظتم‪" .‬فما للظالمين من نصير" أي مانع من عذاب ال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 38 :‬إن ال عالم غيب السماوات والرض إنه عليم بذات الصدور}‬
‫@ تقدم معناه ففي غير موضع‪ .‬والمعنفى‪ :‬علم أنه لو ردكفم إلى الدنيفا لم تعملوا صفالحا‪ ،‬كما قال‬
‫"ولو ردوا لعادوا لمفا نهوا عنفه" [النعام‪ .]28 :‬و"عالم" إذا كان بغيفر تنويفن صفلح أن يكون‬
‫للماضي والمستقبل‪ ،‬وإذا كان منونا لم يجز أن يكون للماضي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 39 :‬هفو الذي جعلكفم خلئف ففي الرض فمفن كففر فعليفه كفره ول يزيفد الكافريفن‬
‫كفرهم عند ربهم إل مقتا ول يزيد الكافرين كفرهم إل خسارا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هفو الذي جعلكفم خلئف ففي الرض" قال قتادة‪ :‬خلففا بعد خلف‪ ،‬قرنا بعفد قرن‪.‬‬
‫والخلف هو التالي للمتقدم‪ ،‬ولذلك قيل لبي بكر‪ :‬يا خليفة ال؛ فقال‪ :‬لست بخليفة ال‪ ،‬ولكني خليفة‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬وأنفا راض بذلك‪" .‬فمفن كففر فعليفه كفره" أي جزاء كفره وهفو‬
‫العقاب والعذاب‪" .‬ول يزيفد الكافريفن كفرهفم عنفد ربهفم إل مقتفا" أي بغضفا وغضبفا‪" .‬ول يزيفد‬
‫الكافرين كفرهم إل خسارا" أي هلكا وضلل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون ال أروني ماذا خلقوا من الرض أم‬
‫لهفم شرك ففي السفماوات أم آتيناهفم كتابفا فهفم على بينفة منه بفل إن يعفد الظالمون بعضهفم بعضفا إل‬
‫غرورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قفل أرأيتفم شركاءكفم الذيفن تدعون" "شركاءكفم" منصفوب بالرؤيفة‪ ،‬ول يجوز‬
‫رفعفه‪ ،‬وقفد يجوز الرففع عنفد سفيبويه ففي قولهفم‪ :‬قفد علمفت زيدا أبفو مفن هفو؟ لن زيدا ففي المعنفى‬
‫مسففتفهم عنففه‪ .‬ولو قلت‪ :‬أرأيففت زيدا أبففو مففن هففو؟ لم يجففز الرفففع‪ .‬والفرق بينهمففا أن معنففى هذا‬
‫أخفبرني عنفه‪ ،‬وكذا معنفى هذا أخفبروني عفن شركائكفم الذي تدعون مفن دون ال‪ ،‬أعبدتموهفم لن‬
‫لهفم شركفة ففي خلق السفموات‪ ،‬أم خلقوا مفن الرض شيئا "أم آتيناهفم كتابفا" أي أم عندهفم كتاب‬
‫أنزلناه إليهم بالشركة‪ .‬وكان في هذا رد على من عبد غير ال عز وجل؛ لنهم ل يجدون في كتاب‬
‫مفن الكتفب أن ال عفز وجفل أمفر أن يعبفد غيره‪" .‬فهفم على بينفة منفه" قرأ ابفن كثيفر وأبفو عمرو‬
‫وحمزة وحفص عن عاصم "على بينة" بالتوحيد‪ ،‬وجمع الباقون‪ .‬والمعنيان متقاربان إل أن قراءة‬
‫الجمفع أولى؛ لنه ل يخلو من قرأه "على بينة" مفن أن يكون خالف السفواد العظم‪ ،‬أو يكون جاء‬
‫بفه على لغفة مفن قال‪ :‬جاءنفي طلحفت‪ ،‬فوقفف بالتاء‪ ،‬وهذه لغفة شاذة قليلة؛ قال النحاس‪ .‬وقال أبفو‬
‫حاتم وأبو عبيد‪ :‬الجمع أولى لموافقته الخط‪ ،‬لنها في مصحف عثمان "بينات" باللف والتاء‪" .‬بل‬
‫إن يعفد الظالمون بعضهففم بعضففا إل غرورا" أي أباطيففل تغففر‪ ،‬وهفو قول السففادة للسفففلة‪ :‬إن هذه‬
‫اللهفة تنفعكفم وتقربكفم‪ .‬وقبفل‪ :‬إن الشيطان يعفد المشركيفن ذلك‪ .‬وقيفل‪ :‬وعدهفم بأنهفم ينصفرون‬
‫عليهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 41 :‬إن ال يمسك السماوات والرض أن تزول ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من‬
‫بعده إنه كان حليما غفورا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال يمسك السماوات والرض أن تزول" لما بين أن ألهتهم ل تقدر على خلق‬
‫شيفء مفن السفموات والرض بيفن أن القهمفا وممسفكهما هفو ال‪ ،‬فل يوجفد حادث إل بإيجاده‪ ،‬ول‬
‫يبقفى إل ببقائه‪ .‬و"أن" ففي موضفع نصفب بمعنفى كراهفة أن تزول‪ ،‬أو لئل تزول‪ ،‬أو يحمفل على‬
‫المعنفى؛ لن المعنفى أن ال يمنفع السفموات والرض أن تزول‪ ،‬فل حاجفة على هذا إلى إضمار‪،‬‬
‫وهذا قول الزجاج‪" .‬ولئن زالتفا إن أمسفكهما مفن أحفد مفن بعده إنفه كان حليمفا غفورا" قال الفراء‪:‬‬
‫أي ولو زالتفا مفا أمسفكهما مفن أحفد‪ .‬و"إن" بمعنفى مفا‪ .‬قال‪ :‬وهفو مثفل قوله‪" :‬ولئن أرسفلنا ريحفا‬
‫فرأوه مصففرا لظلوا مفن بعده يكفرون" [الروم‪ .]51 :‬وقيفل‪ :‬المراد زوالهمفا يوم القيامفة‪ .‬وعفن‬
‫إبراهيم قال‪ :‬دخل رجل من أصحاب ابن مسعود إلى كعب الحبار يتعلم منه العلم‪ ،‬فلما رجع قال‬
‫له ابن مسعود‪ :‬ما الذي أصبت من كعب؟ قال سمعت كعبا يقول‪ :‬إن السماء تدور على قطب مثل‬
‫قطفب الرحفى‪ ،‬ففي عمود على منكفب ملك؛ فقال له عبدال‪ :‬وددت أنفك انقلبفت براحلتفك ورحلهفا‪،‬‬
‫كذب كعب‪ ،‬ما ترك يهوديته! إن ال تعالى يقول‪" :‬إن ال يمسك السموات والرض أن تزول" إن‬
‫السفموات ل تدور‪ ،‬ولو كانفت تدور لكانفت قفد زالت‪ .‬وعفن ابفن عباس نحوه‪ ،‬وأنفه قال لرجفل مقبفل‬
‫مفن الشام‪ :‬مفن‪ ،‬لقيفت بفه؟ قال كعبفا‪ .‬قال‪ :‬ومفا سفمعته يقول؟ قال‪ :‬سفمعته يقول‪ :‬إن السفموات على‬
‫منكفب ملك‪ .‬فال‪ :‬كذب كعفب‪ ،‬أمفا ترك يهوديتفه بعفد! إن ال تعالى يقول‪" :‬إن ال يمسفك السفموات‬
‫والرض أن تزول" والسموات سبع والرضون سبع‪ ،‬ولكن لما ذكرهما أجراهما مجرى شيئين‪،‬‬
‫فعادت الكنايفة إليهمفا‪ ،‬وهفو كقوله تعالى‪" :‬أن السفموات والرض كانتفا رتقفا ففتقناهمفا" [النفبياء‪:‬‬
‫‪ ]30‬ثم ختم الية بقوله‪" :‬إنه كان حليما غفورا" لن المعنى فيما ذكره بعض أهل التأويل‪ :‬أن ال‬
‫يمسك السموات والرض أن تزول من كفر الكافرين‪ ،‬وقولهم اتخذ ال ولدا‪ .‬قال الكلبي‪ :‬لما قالت‬
‫اليهود عزيفر ابفن ال وقالت النصفارى المسفيح ابفن ال‪ ،‬كادت السفموات والرض أن تزول عفن‬
‫أمكنتهمفا‪ ،‬فمنعهمفا ال‪ ،‬وأنزل هذه اليفة فيفه؛ وهفو كقوله تعالى‪" :‬لقفد جئتفم شيئا إدا تكاد السفموات‬
‫يتفطرن منه" [مريم‪ ]90:‬الية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 43 - 42 :‬وأقسموا بال جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى المم‬
‫فلمفا جاءهم نذير ما زادهم إل نفورا‪ ،‬استكبارا في الرض ومكر السفيء ول يحيفق المكفر السيء‬
‫إل بأهله فهل ينظرون إل سنة الولين فلن تجد لسنة ال تبديل ولن تجد لسنة ال تحويل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأقسفموا بال جهد أيمانهم لئن جاءهم نذيفر" هم قريش أقسموا قبل أن يبعث ال‬
‫رسول محمدا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬حين بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم‪ ،‬فلعنوا من كذب نبيه‬
‫منهفم‪ ،‬وأقسفموا بال جفل اسفمه "لئن جاءهفم نذيفر" أي نفبي "ليكونفن أهدى مفن إحدى المفم فلمفا‬
‫جاءهم نذير ما زادهم إل نفورا" يعني ممن كذب الرسل من أهل الكتاب‪ .‬وكانت العرب تتمنى أن‬
‫يكون منهفم رسفول كمفا كانفت الرسفل مفن بنفي إسفرائيل‪ ،‬فلمفا جاءهفم مفا تمنوه وهفو النذيفر مفن‬
‫أنفسهم‪ ،‬نفروا عنه ولم يؤمنوا به‪".‬استكبارا" أي عتوا عن اليمان "ومكر السيئ" أي مكر العمل‬
‫السفيئ وهفو الكففر وخدع الضعفاء‪ ،‬وصفدهم عفن اليمان ليكثفر أتباعهفم‪ .‬وأنفث "مفن إحدى المفم"‬
‫لتأنيفث أمفة؛ قاله الخففش‪ .‬وقرأ حمزة والخففش "ومكفر السفيئ ول يحيفق المكفر السفيئ" فحذف‬
‫العراب مففن الول وأثبتففه فففي الثانففي‪ .‬قال الزجاج‪ :‬وهففو لحففن؛ وإنمففا صففار لحنففا لنففه حذف‬
‫العراب منفه‪ .‬وزعفم المفبرد أنفه ل يجوز ففي كلم ول ففي شعفر؛ لن حركات العراب ل يجوز‬
‫حذفها‪ ،‬لنها دخلت للفرق بين المعاني‪ .‬وقد أعظم بعض النحويين أن يكون العمش على جللته‬
‫ومحله يقرأ بهذا‪ ،‬قال‪ :‬إنمففا كان يقففف عليففه‪ ،‬فغلط مففن أدى عنفه‪ ،‬قال‪ :‬والدليففل على هذا أنففه تمام‬
‫الكلم‪ ،‬وأن الثانفي لمفا لم يكفن تمام الكلم أعرب باتفاق‪ ،‬والحركفة ففي الثانفي أثقفل منهفا ففي الول‬
‫لنهفا ضمفة بيفن كسفرتين‪ .‬وقفد احتفج بعفض النحوييفن لحمزة ففي هذا بقول سفيبويه‪ ،‬وأنفه أنشفد هفو‬
‫وغيره‪:‬‬
‫إذا اعوججن قلت صاحِبْ قَوّم‬
‫وقال الخر‪:‬‬
‫إثما من ال ول واغل‬ ‫فاليوم أشربْ غير مستحقب‬
‫وهذا لحجة فيه؛ لن سيبويه لم يجزه‪ ،‬وإنما حكاه عن بعض النحويين‪ ،‬والحديث إذا قيل فيه عن‬
‫بعفض العلماء لم يكفن فيفه حجفة‪ ،‬فكيفف وإنمفا جاء بفه على وجفه الشذوذ ولضرورة الشعفر وقفد‬
‫خولف فيه‪ .‬وزعم الزجاج أن أبا العباس أنشده‪:‬‬
‫إذا اعوججن قلت صاح قوم‬
‫وأنه أنشد‪:‬‬
‫فاليوم اشرب غير مستحقب‬
‫بوصفل اللف على المفر؛ ذكفر جميعفه النحاس‪ .‬الزمخشري‪ :‬وقرأ حمزة "ومكفر السفيئ" بسفكون‬
‫الهمزة‪ ،‬وذلك لسفتثقاله الحركات‪ ،‬ولعله اختلس فظفن سفكونا‪ ،‬أو وقفف وقففة خفيففة ثفم ابتدأ "ول‬
‫يحيففق"‪ .‬وقرأ ابففن مسففعود "ومكرا سففيئا" وقال المهدوي‪ :‬ومففن سففكن الهمزة مففن قوله‪" :‬ومكففر‬
‫السفيئ" فهفو على تقديفر الوقفف عليفه‪ ،‬ثفم أجرى الوصفل مجرى الوقفف‪ ،‬أو على أنفه أسفكن الهمزة‬
‫لتوالي الكسرات والياءات‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫فاليوم اشرب غير مستحقب‬
‫قال القشيري‪ :‬وقرأ حمزة "ومكفر السفيئ بسفكون الهمزة‪ ،‬وخطأه أقوام‪ .‬وقال قوم‪ :‬لعله وقفف عليفه‬
‫لنه تمام الكلم‪ ،‬فغلط الراوي وروى ذلك عنه في الدراج‪ ،‬وقد سبق الكلم في أمثال هذا‪ ،‬وقلنا‪:‬‬
‫ما ثبت بالستفاضة أو التواتر أن النبي صلى ال عليه وسلم قرأه فل بد من جوازه‪ ،‬ول يجوز أن‬
‫يقال‪ :‬إنفه لحفن‪ ،‬ولعفل مراد من صفار إلى الخطفة أن غيره أفصفح منفه‪ ،‬وإن كان هفو فصفيحا‪" .‬ول‬
‫يحيق المكر السيء إل بأهله" أي ل ينزل عاقبه الشرك إل بمن أشرك‪ .‬وقيل‪ :‬هذا إشارة إلى قتلهم‬
‫ببدر‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫ذراعا بعد ما كانت تحيق‬ ‫وقد دفعوا المنية فاستقلت‬
‫أي تنزل‪ ،‬وهذا قول قطرب‪ .‬وقال الكلبى‪" :‬يحيق" بمعنى يحيط‪ .‬والحوق الحاطة‪ ،‬يقال‪ :‬حاق به‬
‫كذا أي أحاط به‪ .‬وعن ابن عباس أن كعبا قال له‪ :‬إني أجد في التوراة "من حفر لخيه حفرة وقع‬
‫فيهففا"؟ فقال ابففن عباس‪ :‬فانففي أوجدك فففي القرآن ذلك‪ .‬قال‪ :‬وأيففن؟ قال‪ :‬فاقرأ "ول يحيففق المكففر‬
‫السيئ إل بأهله" ومن أمثال العرب "من حفر لخيه جبا وقع فيه منكبا" وروى الزهري أن النبي‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬ل تمكفر ول تعفن ماكرا فإن ال تعالى يقول‪" :‬ول يحيفق المكفر السفيئ‬
‫إل بأهله"‪ ،‬ول تبغ ول تعن باغيا فإن ال تعالى يقول‪" :‬فمن نكث فإنما ينكث على نفسه" [الفتح‪:‬‬
‫‪ ]10‬وقال تعالى‪" :‬إنما بغيكم على أنفسكم" [يونس‪ ]23 :‬وقال بعض الحكماء‪:‬‬
‫والظلم مردود على من ظلم‬ ‫يا أيها الظالم في فعله‬
‫تحصي المصائب وتنسى النعم‬ ‫إلى متى أنت وحتى متى‬
‫وففي الحديفث (المكفر والخديعفة ففي النار)‪ .‬فقوله‪( :‬ففي النار) يعنفي ففي الخرة تدخفل أصفحابها ففي‬
‫النار؛ لنها من أخلق الكفار ل من أخلق المؤمنين الخيار؛ ولهذا قال عليه الصلة والسلم في‬
‫سياق هذا الحديث‪( :‬وليس من أخلق المؤمن المكر والخديعة والخيانة)‪ .‬وفي هذا أبلغ تحذير عن‬
‫التخلق بهذه الخلق الذميمة‪ ،‬والخروج عن أخلق اليمان الكريمة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فهفل ينظرون إل سفنة الوليفن" أي إنمفا ينتظرون العذاب الذي نزل بالكفار‬
‫الوليفن‪" .‬فلن تجفد لسفنة ال تبديل ولن تجفد لسفنة ال تحويل" أي أجرى ال العذاب على الكفار‪،‬‬
‫وجعففل ذلك سففنة فيهففم‪ ،‬فهففو يعذب بمثله مففن اسففتحقه‪ ،‬ل يقدر أحففد أن يبدل ذلك‪ ،‬ول أن يحول‬
‫العذاب عن نفسه إلى غيره‪ .‬والسنة الطريقة‪ ،‬والجمع سنن‪ .‬وقد مضى في "آل عمران" وأضافها‬
‫إلى ال عفز وجل‪ .‬وقال ففي موضفع آخفر‪" :‬سفنة مفن قفد أرسفلنا قبلك من رسفلنا" فأضاف إلى القوم‬
‫لتعلق المففر بالجانففبين؛ وهففو كالجففل‪ ،‬تارة يضاف إلى ال‪ ،‬تارة إلى القوم؛ قال ال تعالى‪" :‬فإن‬
‫أجل ال لت" [العنكبوت‪ ]5 :‬وقال‪" :‬فإذا جاء أجلهم"‪[ .‬النحل‪.]61 :‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 44 :‬أولم يسفيروا ففي الرض فينظروا كيفف كان عاقبفة الذيفن مفن قبلهفم وكانوا أشفد‬
‫منهم قوة وما كان ال ليعجزه من شيء في السماوات ول في الرض إنه كان عليما قديرا}‬
‫@ بين السنة التي ذكرها؛ أي أو لم يروا ما أنزلنا بعاد وثمود‪ ،‬ومدين وأمثالهم لما كذبوا الرسل‪،‬‬
‫فتدبروا ذلك بنظرهفم إلى مسفاكنهم ودورهفم‪ ،‬وبمفا سفمعوا على التواتفر بمفا حفل بهفم‪ ،‬أفليفس فيفه‬
‫عفبرة وبيان لهفم؛ ليسفوا خيرا مفن أولئك ول أقوى‪ ،‬بفل كان أولئك أقوى؛ دليله قوله‪" :‬وكانوا أشفد‬
‫منهفم قوة ومفا كان ال ليعجزه مفن شيفء ففي السفموات ول ففي الرض" أي إذا أراد إنزال عذاب‬
‫بقوم لم يعجزه ذلك‪" .‬إنه كان عليما قديرا"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 :‬ولو يؤاخذ ال الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى‬
‫أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن ال كان بعباده بصيرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو يؤاخفذ ال الناس بمفا كسفبوا" يعنفي مفن الذنوب‪" .‬مفا ترك على ظهرهفا مفن‬
‫دابة" قال ابن مسعود‪ :‬يريد جميع الحيوان مما دب ودرج‪ .‬قال قتادة‪ :‬وقد فعل ذلك ومن نوح عليه‬
‫السلم‪ .‬وقال الكلبي‪" :‬من دابة" يريد الجن والنس دون غيرهما؛ لنهما مكلفان بالعقل‪ .‬وقال ابن‬
‫جرير والخفش والحسين بن الفضل‪ :‬أراد بالدابة هنا الناس هنا وحدهم دون غيرهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والول أظهفر؛ لنفه عفن صفحابي كفبير‪ .‬قال ابفن مسفعود‪ :‬كاد الجعفل أن يعذب ففي حجره‬
‫بذنفب ابفن آدم‪ .‬وقال يحيفى بفن أبفي كثيفر‪ :‬أمفر رجفل بالمعروف ونهفى عفن المنكفر‪ ،‬فقال له رجفل‪:‬‬
‫عليك بنفسك فإن الظالم ل يضر إل نفسه‪ .‬فقال أبو هريرة‪ :‬كذبت؟ وال الذي ل إله إل هو ثم قال‬
‫والذي نفسفي بيده إن الحبارى لتموت هزل ففي وكرهفا بظلم الظالم‪ .‬وقال الثمالي ويحيفى بفن سفلم‬
‫ففي هذه اليفة‪ :‬يحبفس ال المطفر فيهلك كفل شيفء‪ .‬وقفد مضفى ففي "البقرة" نحفو هذا عفن عكرمفة‬
‫ومجاهد في تفسير "ويلعنهم اللعنون" هم الحشرات والبهائم يصيبهم الجدب بذنوب علماء السوء‬
‫الكاتمين فيلعنونهم‪ .‬وذكرنا هناك حديث البراء بن عازب قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ففي قوله‪" :‬ويلعنهفم اللعنون" قال‪( :‬دواب الرض)‪" .‬ولكفن يؤخرهفم إلى أجفل مسفمى فإذا جاء‬
‫أجلهم" قال مقاتل‪ :‬الجل المسمى هو ما وعدهم في اللوح المحفوظ‪ .‬وقال يحيى‪ :‬هو يوم القيامة‪.‬‬
‫"فإن ال كان بعباده" أي بمن يستحق العقاب منهم "بصيرا" ول يجوز أن يكون العامل في "إذا"‬
‫"بصيرا" كما ل يجوز‪ :‬اليوم إن زيدا خارج‪ .‬ولكن العامل فيها "جاء" لشبهها بحروف المجازاة‪،‬‬
‫والسماء التي يجازى بها يعمل فيهفا ما بعدهفا‪ .‬وسيبويه ل يرى المجازاة بف "إذا" إل في الشعر‪،‬‬
‫كما قال‪:‬‬
‫خطانا إلى أعدائنا فنضارب‬ ‫إذا قصرت أسيافنا كان وصلها‬
‫ختمت سورة "فاطر" والحمد ل‪.‬‬

You might also like