Professional Documents
Culture Documents
**2سورة الروم
**3الية{ 5 - 1 :الم ،غلبت الروم ،في أدنى الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ،في بضع
سنين ل المر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ،بنصر ال ينصر من يشاء وهو العزيز
الرحيم}
@قوله تعالى" :الم .غلبت الروم .في أدنى الرض" روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال:
لمفا كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجفب ذلك المؤمنيفن فنزلت" :الم .غلبفت الروم .ففي
أدنففى الرض -إلى قول -يفرح المؤمنون .بنصففر ال" .قال :ففرح المؤمنون بظهور الروم على
فارس .قال :هذا حديث غريب من هذا الوجه .هكذا قرأ نصر بن علي الجهضمي "غلبت الروم".
ورواه أيضفا مفن حديفث ابفن عباس بأتفم منفه .قال ابفن عباس ففي قول ال عفز وجفل" :الم .غلبفت
الروم .ففي أدنفى الرض" قال :غلبفت وغلبفت ،قال :كان المشركون يحبون أن يظهفر أهفل فارس
على الروم لنهففم وإياهففم أهففل أوثان ،وكان المسففلمون يحبون أن تظهففر الروم على فارس لنهففم
أهفل كتاب؛ فذكروه لبفي بكفر فذكره أبفو بكفر لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فقال( :أمفا إنهفم
سيغلبون) فذكره أبو بكر لهم فقالوا :اجعل بيننا وبينك أجل ،فإن ظهرنا كان لنا كذا ،وإن ظهرتم
كان لكفم كذا وكذا فجعفل أجفل خمفس سفنين ،فلم يظهروا؛ فذكفر ذلك للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم
فقال( :أل جعلته إلى دون) -أراه قال العشر -قال قال أبو سعيد :والبضع ما دون العشرة .قال :ثم
ظهرت الروم بعفد ،قال :فذلك قوله "الم .غلبفت الروم -إلى قوله -ويومئذ يفرح المؤمنون .بنصفر
ال" .قال سففيان :سفمعت أنهفم ظهروا عليهفم يوم بدر .قال أبفو عيسفى :هذا حديفث حسفن صفحيح
غريففب .ورواه أيضففا عففن نيار بففن مكرم السففلمي قال :لمففا نزلت "الم .غلبففت الروم .فففي أدنففى
الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون .في بضع سنين" وكانت فارس يوم نزلت هذه الية قاهرين
للروم ،وكان المسفلمون يحبون ظهور الروم عليهفم لنهفم وإياهفم أهفل كتاب ،وففي ذلك نزل قول
ال تعالى" :ويومئذ يفرح المؤمنون .بنصففر ال ينصففر مففن يشاء وهففو العزيففز الرحيففم" وكانففت
قريش تحب ظهور فارس لنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ول إيمان ببعث ،فلما أنزل ال هذه الية
خرج أبو بكر الصديق رضي ال عنه يصيح في نواحي مكة" :الم .غلبت الروم .في أدنى الرض
وهم من بعد غلبهم سيغلبون .في بضع سنين" .قال ناس من قريش لبي بكر :فذلك بيننا وبينكم،
زعفم صفاحبك أن الروم سفتغلب فارس ففي بضفع سفنين ،أفل نراهنفك على ذلك؟ قال :بلى .وذلك
قبفل تحريفم الرهان ،فارتهفن أبفو بكفر والمشركون وتواضعوا الرهان .وقالوا لبفي بكفر :كفم تجعفل
البضع؟ ثلث سنين أو تسع سنين؟ فسم بيننا وبينك وسطا تنتهي إليه؛ قال فسموا بينهم ست سنين؛
قال :فمضفت السفت سفنين قبفل أن يظهروا ،فأخفذ المشركون رهفن أبفي بكففر ،فلمفا دخلت السفنة
السابعة ظهرت الروم على فارس ،فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين ،قال :لن ال
تعالى قال "ففي بضفع سفنين" قال :وأسفلم عنفد ذلك ناس كثيفر .قال أبفو عيسفى :هذا حديفث حسفن
صحيح غريب .وروى القشيري وابن عطية وغيرهما :أنه لما نزلت اليات خرج أبو بكر بها إلى
المشركيفن فقال :أسفركم أن غَلبفت الروم؟ فإن نبينفا أخبرنفا عفن ال تعالى أنهفم سفيغلبون ففي بضفع
سنين .فقال له أبي بن خلف وأمية أخوه -وقيل أبو سفيان بن حرب : -يا أبا فصيل -يعرضون
بكنيته يا أبا بكر -فلنتناحب -أي نتراهن في ذلك فراهنهم أبو بكر .قال قتادة :وذلك قبل أن يحرم
القمار ،وجعلوا الرهان خمس قلئص والجل ثلث سنين .وقيل :جعلوا الرهان ثلث قلئص .ثم
أتفى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فأخفبره فقال( :فهل احتطفت ،فإن البضفع مفا بيفن الثلث والتسفع
والعشر ولكن ارجع فزدهم في الرهان واستزدهم في الجل) ففعل أبو بكر ،فجعلوا القلئص مائة
والجففل تسففعة أعوام؛ فغلبففت الروم فففي أثناء الجففل .وقال الشعففبي :فظهروا فففي تسففع سففنين.
القشيري :المشهور ففي الروايات أن ظهور الروم كان ففي السفابعة مفن غلبفة فارس للروم ،ولعفل
روايفة الشعفبي تصفحيف مفن السفبع إلى التسفع مفن بعفض النقلة .وففي بعفض الروايات :أنفه جعفل
القلئص سبعا إلى تسع سنين .ويقال :إنه آخر فتوح كسرى أبرويز فتح فيه القسطنطينية حتى بنى
فيها بيت النار؛ فأخبر رسول ال صلى ال عليه وسلم فساءه ذلك ،فأنزل ال تعالى هاتين اليتين.
وحكى النقاش وغيره :أن أبا بكر الصديق رضي ال عنه لما أراد الهجرة مع النبي صلى ال عليه
وسفلم تعلق بفه أبفي بفن خلف وقال له :أعطنفي كفيل بالخطفر إن غلبفت؛ فكففل بفه ابنفه عبدالرحمفن،
فلما أراد أبي الخروج إلى أحد طلبه عبدالرحمن بالكفيل فأعطاه كفيل ،ثم مات أبي بمكة من جرح
جرحه النبي صلى ال عليه وسلم ،وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية على رأس تسع سنين
من مناحبتهم .وقال الشعبي :لم تمض تلك المدة حتى غلبت الروم فارس؛ وربطوا خيلهم بالمدائن،
وبنوا رومية؛ فقمر أبو بكر أبيا وأخذ مال الخطر من ورثته ،فقال له النبي صلى ال عليه وسلم:
(تصدق به) فتصدق به.
وقال المفسفرون :إن سبب غلبة الروم فارس امرأة كانت في فارس ل تلد إل الملوك والبطال،
فقال لها كسرى :أريد أن أستعمل أحد بنيك على جيش أجهزه إلى الروم؛ فقالت :هذا هرمز أروع
مفن ثعلب وأحذر مفن صفقر ،وهذا فرخان أحفد مفن سفنان وأنففذ مفن نبفل ،وهذا شهفر بزان أحلم مفن
كذا ،فاختر؛ قال فاختار الحليم ووله ،فسار إلى الروم بأهل فارس فظهر على الروم .قال عكرمة
وغيره :إن شهففر بزان لمففا غلب الروم خرب ديارهففا حتففى بلغ الخليففج ،فقال أخوه فرخان :لقففد
رأيتني جالسا على سرير كسرى؛ فكتب كسرى إلى شهر بزان أرسل إلي برأس فرخان فلم يفعل؛
فكتفب كسفرى إلى فارس :إنفي قفد اسفتعملت عليكفم فرخان وعزلت شهفر بزان ،وكتفب إلى فرخان
إذا ولي أن يقتل شهر بزان؛ فأراد فرّخان قتل شهر بزان فأخرج له شهر بزان ثلث صحائف من
كسرى يأمره بقتل فرخان ،فقال شهر بزان لفرخان :إن كسرى كتب إلي أن أقتلك ثلث صحائف
وراجعتفه أبدا ففي أمرك ،أفتقتلنفي أنفت بكتاب واحفد؟ فرد الملك إلى أخيفه ،وكتفب شهفر بزان إلى
قيصفر ملك الروم فتعاونفا على كسفرى ،فغلبفت الروم فارس ومات كسفرى .وجاء الخفبر إلى النفبي
صفلى ال عليفه وسفلم يوم الحديبيفة ففرح مفن معفه مفن المسفلمين؛ فذلك قوله تعالى" :الم .غلبفت
الروم .في أدنى الرض" يعني أرض الشام .عكرمة :بأذرعات ،وهي ما بين بلد العرب والشام.
وقيل :إن قيصر كان بعث رجل يدعى يحنس وبعث كسرى شهر بزان فالتقيا بأذرعات وبصرى
وهففي أدنففى بلد الشام إلى أرض العرب والعجففم .مجاهففد :بالجزيرة ،وهففو موضففع بيففن العراق
والشام .مقاتففل :بالردن وفلسففطين .و"أدنففى" معناه أقرب .قال ابففن عطيففة :فإن كانففت الواقعففة
بأذرعات فهي من أدنى الرض بالقياس إلى مكة ،وهي التي ذكرها امرؤ القيس في قوله:
بيثرب أدنى دارها نظر عال تنورتها من أذرعات وأهلها
وإن كانفت الواقعفة بالجزيرة فهفي أدنفى بالقياس إلى أرض كسفرى ،وإن كانفت بالردن فهفي أدنفى
إلى أرض الروم .فلمففا طرأ ذلك وغُلبففت الروم سففر الكفار فبشففر ال عباده بأن الروم سففيغلبون
وتكون الدولة لهم في الحرب.
وقفد مضفى الكلم ففي فواتفح السفور .وقرأ أبفو سفعيد الخدري وعلي بفن أبفي طالب ومعاويفة بفن
قرة "غَلَبفت الروم" بفتفح الغيفن واللم .وتأويفل ذلك أن الذي طرأ يوم بدر إنمفا كانفت الروم غلبفت
فعفز ذلك على كفار قريفش وسفر بذلك المسفلمون ،فبشفر ال تعالى عباده أنهفم سفيغلبون أيضفا ففي
بضفع سفنين؛ ذكفر هذا التأويفل أبفو حاتفم .قال أبفو جعففر النحاس :قراءة أكثفر الناس "غلبفت الروم"
بضم العين وكسر اللم .وروي عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري أنهما قرأ "غَلَبت الروم" وقرأ
"سفيُغلبون" .وحكفى أبو حاتفم أن عصفمة روى عن هارون :أن هذه قراءة أهفل الشام؛ وأحمفد بن
حنبفل يقول :إن عصفمة هذا ضعيفف ،وأبفو حاتفم كثيفر الحكايفة عنفه ،والحديفث يدل على أن القراءة
"غُلبت" بضم الغين ،وكان في هذا الخبار دليل على نبوة محمد صلى ال عليه وسلم ،لن الروم
غلبتهفا فارس ،فأخفبر ال عفز وجفل نفبيه محمدا صفلى ال عليفه وسفلم أن الروم سفتغلب فارس ففي
بضفع سفنين ،وأن المؤمنيفن يفرحون بذلك ،لن الروم أهفل كتاب ،فكان هذا مفن علم الغيفب الذي
أخففبر ال عففز وجففل بففه ممففا لم يكففن علموه ،وأمففر أبففا بكففر أن يراهنهففم على ذلك وأن يبالغ فففي
الرهان ،ثفم حرم الرهان بعفد ونسفخ بتحريفم القمار .قال ابفن عطيفة :والقراءة بضفم الغيفن أصفح،
وأجمع الناس على "سفيغلبون" أنه بفتح الياء ،يراد به الروم .ويروى عن ابن عمر أنفه قرأ أيضا
بضففم الياء فففي "سففيغلبون" ،وفففي هذه القراءة قلب للمعنففى الذي تظاهرت الروايات بففه .قال أبففو
جعفر النحاس :ومن قفر "سفيغلبون" فالمعنفى عنده :وفارس من بعد غلبهم ،أي من بعفد أن غلبوا،
سفيغلبون .وروي أن إيقاع الروم بالفرس كان يوم بدر؛ كمفا ففي حديفث أبفي سفعيد الخدري حديفث
الترمذي ،وروي أن ذلك كان يوم الحديبيففة ،وأن الخففبر وصففل يوم بيعففة الرضوان؛ قاله عكرمففة
وقتادة .قال ابفن عطيفة :وففي كل اليوميفن كان نصفر مفن ال للمؤمنيفن .وقفد ذكفر الناس أن سفبب
سرور المسلمين بغلبة الروم وهمهم أن تغلب إنما هو أن الروم أهل كتاب كالمسلمين ،وفارس من
أهل الوثان؛ كما تقدم بيانه في الحديث .قال النحاس :وقول آخر وهو أولى -أن فرحهم إنما كان
لنجاز وعفد ال تعالى؛ إذ كان فيفه دليفل على النبوة لنفه أخفبر تبارك وتعالى بمفا يكون ففي بضفع
سفنين فكان فيفه .قال ابفن عطيفة :ويشبفه أن يعلل ذلك بمفا يقتضيفه النظفر مفن محبفة أن يغلب العدو
الصفغر لنفه أيسفر مؤونفة ،ومتفى غلب الكفبر كثفر الخوف منفه؛ فتأمفل هذا المعنفى ،مفع مفا كان
رسول ال صلى ال عليه وسلم ترجاه من ظهور دينه وشرع ال الذي بعثه به وغلبته على المم،
وإرادة كفار مكفة أن يرميفه ال بملك يسفتأصله ويريحهفم منفه .وقيفل :سفرورهم إنمفا كان بنصفر
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم على المشركيفن؛ لن جبريفل أخفبر بذلك النفبي عليفه السفلم يوم
بدر؛ حكاه القشيري.
قلت :ويحتمفل أن يكون سفرورهم بالمجموع مفن ذلك ،فسفروا بظهورهفم على عدوهفم وبظهور
الروم أيضا وبإنجاز وعد ال .وقرأ أبو حيوة الشامي ومحمد بن السميقع "من بعد غلبهم" بسكون
اللم ،وهمفا لغتان؛ مثفل الظعفن والظعفن .وزعفم الفراء أن الصفل "مفن بعفد غلبتهفم" فحذففت التاء
كما حذفت في قوله عز وجل "وإقام الصلة" وأصله وإقامة الصلة .قال النحاس" :وهذا غلط ل
يخيفل على كثيفر مفن أهفل النحفو؛ لن "إقام الصفلة" مصفدر قفد حذف منفه لعتلل فعله ،فجعلت
التاء عوضا من المحذوف ،و"غلب" ليس بمعتل ول حذف منه شيء .وقد حكى الصمعي :طرد
طردا ،وجلب جلبا ،وحلب حلبا ،وغلب غلبا؛ فأي حذف في هذا ،وهل يجوز أن يقال في أكل أكل
ومففا أشبهففه : -حذف منففه" ؟" .فففي بضففع سففنين" حذفففت الهاء مففن "بضففع" فرقففا بيففن المذكففر
والمؤنفث ،وقفد مضفى الكلم فيفه ففي "يوسفف" .وفتحفت النون مفن "سفنين" لنفه جمفع مسفلم .ومفن
العرب مفن يقول "ففي بضفع سفنين" كمفا يقول ففي "غسفلين" .وجاز أن يجمفع سفنة جمفع مفن يعقفل
بالواو والنون والياء والنون ،لنفه قفد حذف منهفا شيفء فجعفل هذا الجمفع عوضفا مفن النقفص الذي
في واحده؛ لن أصل "سنة" سنهة أو سنوة ،وكسرت السين منه دللة على أن جمعه .خارج عن
قياسه ونمطه؛ هذا قول البصريين .ويلزم الفراء أن يضمها لنه يقول :الضمة دليل على الواو وقد
حذف من سنة واو في أحد القولين ،ول يضمها أحد علمناه.
@قوله تعالى" :ل المفر مفن قبفل ومفن بعفد" أخفبر تعالى بانفراده بالقدرة وأن مفا ففي العالم مفن
غلبة وغيرها إنما هي منه وبإرادته وقدرته فقال "ل المر" أي إنفاذ الحكام.
"من قبل ومن بعد" أي من قبل هذه الغلبة ومن بعدها .وقيل :من قبل كل شيء ومن بعد كل
شيء .و"من قبل ومن بعد" ظرفان بنيا على الضم؛ لنهما تعرفا بحذف ما أضيفا إليهما وصارا
متضمنيفن مفا حذف فخالففا تعريفف السفماء وأشبهفا الحروف ففي التضميفن فبنِيفا ،وخصفا بالضفم
لشبههمفا بالمنادى المفرد ففي أنفه إذا نكفر وأضيفف زال بناؤه ،وكذلك همفا فضمفا .ويقال" :مفن قبفل
ومفن بعفد" .وحكفى الكسفائي عفن بعفض بنفي أسفد "ل المفر مفن قبفل ومفن بعفد" الول مخفوض
منون ،والثانفي مضموم بل تنويفن .وحكفى الفراء "مفن قبفل ومفن بعفد" مخفوضيفن بغيفر تنويفن.
وأنكره النحاس ورده .وقال الفراء فففي كتابفه :فففي القرآن أشياء كثيرة ،الغلط فيهفا بيفن ،منهففا أنفه
زعفم أنفه يجوز "مفن قبفل ومفن بعفد" وإنمفا يجوز "مفن قبفل ومفن بعفد" على أنهمفا نكرتان .قال
الزجاج :المعنفى مفن متقدم ومفن متأخفر" .ويومئذ يفرح المؤمنون .بنصفر ال" تقدم ذكره" .ينصفر
مفن يشاء" يعنفي مفن أوليائه؛ لن نصفره مختفص بغلبفة أوليائه لعدائه ،فأمفا غلبفة أعدائه لوليائه
فليس بنصره ،وإنما هو ابتلء وقد يسمى ظفرا" .وهو العزيز" في نقمته "الرحيم" لهل طاعته.
**3الية{ 7 - 6 :وعد ال ل يخلف ال وعده ولكن أكثر الناس ل يعلمون ،يعلمون ظاهرا من
الحياة الدنيا وهم عن الخرة هم غافلون}
@قوله تعالى" :وعفد ال ل يخلف ال وعده" لن كلمفه صفدق" .ولكفن أكثفر الناس ل يعلمون"
وهفم الكفار وهفم أكثفر .وقيفل :المراد مشركفو مكفة .وانتصفب "وعفد ال" على المصفدر؛ أي وعفد
ذلك وعدا .ثففم بيففن تعالى مقدار مففا يعلمون فقال":يعلمون ظاهرا مففن الحياة الدنيففا" يعنففي أمففر
معايشهم ودنياهم :متى يزرعون ومتى يحصدون ،وكيف يغرسون وكيف يبنون؛ قاله ابن عباس
وعكرمة وقتادة .وقال الضحاك :هو بنيان قصورها ،وتشقيق أنهارها وغرس أشجارها؛ والمعنى
واحد .وقيل :هو ما تلقيه الشياطين إليهم من أمور الدنيا عند استراقهم السمع من سماء الدنيا؛ قاله
سعيد بن جبير .وقيل :الظاهر والباطن؛ كما قال في موضع آخر "أم بظاهر من القول" [الرعد:
.]33
قلت :وقول ابن عباس أشبه بظاهر الحياة الدنيا ،حتى لقد قال الحسن :بلغ وال من علم أحدهم
بالدنيا أنه ينقد الدرهم فيخبرك بوزنه ول يحسن أن يصلي .وقال أبو العباس المبرد :قسم كسرى
أيامفه فقال :يصفلح يوم الريفح للنوم ،ويوم الغيفم للصفيد ،ويوم المطفر للشرب واللهفو ،ويوم الشمفس
للحوائج .قال ابفن خالويفه :مفا كان أعرفهفم بسفياسة دنياهفم ،يعلمون ظاهرا مفن الحياة الدنيفا" .وهفم
عن الخرة" أي عن العلم بها والعمل لها "هم غافلون" قال بعضهم:
في صورة الرجل السميع المبصر ومن البلية أن ترى لك صاحبا
وإذا يصاب بدينه لم يشعر ن بكل مصيبة في مالهفط ٍ
**3اليفة{ 8 :أولم يتفكروا ففي أنفسفهم مفا خلق ال السفماوات والرض ومفا بينهمفا إل بالحفق
وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون}
@قوله تعالى" :فففي أنفسففهم" ظرف للتفكيففر وليففس بمفعول ،تعدى إليففه "يتفكروا" بحرف جففر؛
لنهفم لم يؤمروا أن يتفكروا ففي خلق أنفسفهم ،إنمفا أمروا أن يسفتعملوا التفكفر ففي خلق السفموات
والرض وأنفسففهم ،حتففى يعلموا أن ال لم يخلق السففموات وغيرهففا إل بالحففق .قال الزجاج :فففي
الكلم حذف ،أي فيعلموا؛ لن فففي الكلم دليل عليففه" .إل بالحففق" قال الفراء :معناه إل للحففق؛
يعنفي الثواب والعقاب .وقيفل :إل لقامفة الحفق .وقيفل" :بالحفق" بالعدل .وقيفل :بالحكمفة؛ والمعنفى
متقارب .وقيل" :بالحق" أي أنه هو الحق وللحق خلقها ،وهو الدللة على توحيده وقدرته" .وأجل
مسففمى" أي للسففموات والرض أجففل ينتهيان إليففه وهففو يوم القيامففة .وفففي هذا تنففبيه على الفناء،
وعلى أن لكففل مخلوق أجل ،وعلى ثواب المحسففن وعقاب المسففيء .وقيففل" :وأجففل مسففمى" أي
خلق ما خلق في وقت سماه لن يخلق ذلك الشيء فيه" .وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون"
اللم للتوكيففد ،والتقديففر :لكافرون بلقاء ربهففم ،على التقديففم والتأخيففر؛ أي لكافرون بالبعففث بعففد
الموت .وتقول :إن زيدا فففي الدار لجالس .ولو قلت :إن زيدا لفففي الدار لجالس جاز .فإن قلت :إن
زيدا جالس لفي الدار لم يجز؛ لن اللم إنما يؤتى بها توكيدا لسم إن وخبرها ،وإذا جئت بهما لم
يجز أن تأتي بها .وكذا إن قلت :إن زيدا لجالس لفي الدار لم يجز.
**3الية{ 9 :أولم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم
قوة وأثاروا الرض وعمروهفا أكثفر ممفا عمروهفا وجاءتهفم رسفلهم بالبينات فمفا كان ال ليظلمهفم
ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}
@قوله تعالى" :أولم يسفيروا ففي الرض فينظروا" ببصفائرهم وقلوبهفم" .كيفف كان عاقبفة الذيفن
مفن قبلهفم كانوا أشفد منهفم قوة وأثاروا الرض" أي قلبوهفا للزراعفة؛ لن أهفل مكفة لم يكونوا أهفل
حرث؛ قال ال تعالى" :تثيفففر الرض" [البقرة" .]71 :وعمروهفففا أكثفففر ممفففا عمروهفففا" أي
وعمروها أولئك أكثر مما عمروها هؤلء فلم تنفعهم عمارتهم ول طول مدتهم" .وجاءتهم رسلهم
بالبينات" أي بالمعجزات .وقيفل :بالحكام فكفروا ولم يؤمنوا" .فمفا كان ال ليظلمهفم" بأن أهلكهفم
بغير ذنب ول رسل ول حجة" .ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" بالشرك والعصيان.
**3الية{ 10 :ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات ال وكانوا بها يستهزئون}
@قوله تعالى" :ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى" السوأى فعلى من السوء تأنيث السوأ وهو
القبفح ،كمفا أن الحسفنى تأنيفث الحسفن ،وقيفل :يعنفي بهفا هفا هنفا النار؛ قاله ابفن عباس .ومعنفى
"أسفاؤوا" أشركوا؛ دل عليفه "أن كذبوا بآيات ال"" .السفوأى" :اسفم جهنفم؛ كمفا أن الحسفنى اسفم
الجنفة .وقرأ ناففع وابفن كثيفر وأبفو عمرو "ثفم كان عاقبفة الذيفن" بالرففع اسفم كان ،وذكرت لن
تأنيثها غير حقيقي .و"السوأى" خبر كان .والباقون بالنصب على خبر كان" .السوأى" بالرفع اسم
كان .ويجوز أن يكون اسمها التكذيب؛ فيكون التقدير :ثم كان التكذيب عاقبة الذين أساؤوا ويكون
السفوأى مصفدرا لسفاؤوا ،أو صففة لمحذوف؛ أي الخلة السفوأى .وروي عفن العمفش أنفه قرأ "ثفم
كان عاقبة الذين أساؤوا السوء" برفع السوء .قال النحاس :السوء أشد الشر؛ والسوأى الفعلى منه.
"أن كذبوا بآيات ال" أي لن كذبوا؛ قاله الكسائي .وقيل :بأن كذبوا .وقيل بمحمفد والقرآن؛ قاله
الكلبي .مقاتل :بالعذاب أن ينزل بهم .الضحاك :بمعجزات محمد صلى ال عليه وسلم "وكانوا بها
يستهزئون".
**3اليفة{ 13 - 11 :ال يبدأ الخلق ثفم يعيده ثفم إليفه ترجعون ،ويوم تقوم السفاعة يبلس
المجرمون ،ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين}
@ قرأ أبففو عمرو وأبففو بكففر "يرجعون" بالياء .الباقون بالتاء" .ويوم تقوم السففاعة يبلس
المجرمون" وقرأ أبفو عبدالرحمفن السفلمي "يبلس" بفتفح اللم؛ والمعروف ففي اللغفة :أبلس الرجفل
إذا سكت وانقطعت حجته ،ولم يؤمل أن يكون له حجة .وقريب منه :تحير؛ كما قال العجاج:
قال نعم أعرفه وأبلسا يا صاح هل تعرف رسما مكرسا
وقفد زعفم بعفض النحوييفن أن إبليفس مشتفق مفن هذا ،وأنفه أبلس لنفه انقطعفت حجتفه .النحاس :ولو
كان كمففا قال لوجففب أن ينصففرف ،وهففو فففي القرآن غيففر منصففرف .الزجاج :المبلس السففاكت
المنقطع في حجته ،اليائس من أن يهتدي إليها" .ولم يكن لهم من شركائهم" أي ما عبدوه من دون
ال "شفعاء وكانوا بشركائهفم كافريفن" قالوا ليسفوا بآلهفة فتفبرؤوا منهفا وتفبرأت منهفم؛ حسفبما تقدم
في غير موضع.
**3اليفة{ 15 - 14 :ويوم تقوم السفاعة يومئذ يتفرقون ،فأمفا الذيفن آمنوا وعملوا الصففالحات
فهم في روضة يحبرون}
@قوله تعالى" :ويوم تقوم السفاعة يومئذ يتفرقون" يعنفي المؤمنيفن مفن الكافريفن؛ ثفم بيفن كيفف
تفريقهفم فقال" :فأمفا الذيفن آمنوا" قال النحاس :سفمعت الزجاج يقول :معنفى "أمفا" دع مفا كنفا فيفه
وخذ في غيره .وكذا قال سيبويه :إن معناها مهما كنا في شيء فخذ في غير ما كنا فيه" .فهم في
روضفة يحفبرون" قال الضحاك :الروضفة الجنفة ،والرياض الجنان .وقال أبفو عبيفد :الروضفة مفا
كان ففي تسففل ،فإذا كانفت مرتفعفة فهفي ترعفة .وقال غيره :أحسفن مفا تكون الروضفة إذا كانفت ففي
موضع مرتفع غليظ؛ كما قال العشى:
خضراء جاد عليها مسبل هطل ما روضة من رياض الحزن معشبة
مؤزر بعميم النبت مكتهل يضاحك الشمس منها كوكب شرق
ول بأحسن منها إذ دنا الصل يوما بأطيب منها نشر رائحة
إل أنفه ل يقال لهفا روضفة إل إذا كان فيهفا نبفت ،فإن لم يكفن فيهفا نبفت وكانفت مرتفعفة فهفي ترعفة.
وقفد قيفل ففي الترعفة غيفر هذا .وقال القشيري :والروضفة عنفد العرب مفا ينبفت حول الغديفر مفن
البقول؛ ولم يكن عند العرب شيء أحسن منه .الجوهري :والجمع روض ورياض ،صارت الواو
ياء لكسر ما قبلها .والروض :نحو من نصف القربة ماء .وفي الحوض روضة من ماء إذا غطى
أسفله .وأنشد أبو عمرو:
وروضة سقيت منها نِضوتي
"يحفبرون" قال الضحاك وابفن عباس :يكرمون .وقيفل ينعمون؛ وقاله مجاهفد وقتادة .وقيفل
يسفففرون .السفففدي :يفرحون .والحفففبرة عنفففد العرب :السفففرور والفرح؛ ذكره الماوردي .وقال
الجوهري :الحفبر :الحبور وهفو السفرور؛ ويقال :حفبره يحفبره (بالضفم) حفبرا وحفبرة؛ قال تعالى:
"فهفم ففي روضفة يحفبرون" أي ينعمون ويكرمون ويسفرون .ورجفل يحبور يفعول مفن الحبور.
النحاس :وحكى الكسائي حبرته أي أكرمته ونعمته .وسمعت علي بن سليمان يقول :هو مشتق من
قولهم :على أسنانه حبرة أي أثر؛ فف "يحبرون" يتبين عليهم أثر النعيم .والحبر مشتق من هذا .قال
الشاعففر :ل تمل الدلو وعرق فيهففا أمففا ترى حبار مففن يسففقيها وقيففل :أصففله مففن التحففبير وهففو
التحسفين؛ ففف "يحفبرون" يحسفنون .يقال :فلن حسفن الحفبر والسفبر إذا كان جميل حسفن الهيئة.
ويقال أيضا :فلن حسن الحبر والسبر (بالفتح)؛ وهذا كأنه مصدر قولك :حبرته حبرا إذا حسنته.
والول اسفم؛ ومنفه الحديفث( :يخرج رجفل مفن النار ذهفب حفبره وسفبره) وقال يحيفى بفن أبفي كثيفر
"ففي روضفة يحفبرون" قال :السفماع ففي الجنفة؛ وقاله الوزاعفي ،قال :إذا أخفذ أهفل الجنفة ففي
السماع لم تبق شجرة في الجنة إل رددت الغناء بالتسبيح والتقديس .وقال الوزاعي :ليس أحد من
خلق ال أحسفن صفوتا مفن إسفرافيل ،فإذا أخفذ ففي السفماع قطفع على أهفل سفبع سفموات صفلتهم
وتسفبيحهم .زاد غيفر الوزاعفي :ولم تبفق شجرة ففي الجنفة إل رددت ،ولم يبفق سفتر ول باب إل
ارتج وانفتح ،ولم تبق حلقة إل طنت بألوان طنينها ،ولم تبق أجمة من أجام الذهب إل وقع أهبوب
الصوت في مقاصبها فزمرت تلك المقاصب بفنون الزمر ،ولم تبق جارية من جوار الحور العين
إل غنت بأغانيها ،والطير بألحانها ،ويوحي ال تبارك وتعالى إلى الملئكة أن جاوبوهم وأسمعوا
عبادي الذيفن نزهوا أسفماعهم عفن مزاميفر الشيطان فيجاوبون بألحان وأصفوات روحانييفن فتختلط
هذه الصوات فتصير رجة واحدة ،ثم يقول ال جل ذكره :يا داود قم عند ساق عرشفي فمجدني؛
فيندفع داود بتمجيد ربه بصوت يغمر الصوات ويجليها وتتضاعف اللذة؛ فذلك قوله تعالى" :فهم
ففي روضفة يحفبرون" .ذكره الترمذي الحكيفم رحمفه ال .وذكفر الثعلبفي مفن حديفث أبفي الدرداء أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يذكر الناس؛ فذكر الجنة وما فيها من الزواج والنعيم؛ وفي
أخريات القوم أعرابي فقال :يا رسول ال ،هل في الجنة من سماع؟ فقال( :نعم يا أعرابي ،إن في
الجنفة لنهرا حافتاه البكار مفن كفل بيضاء خمصفانية يتغنيفن بأصفوات لم تسفمع الخلئق بمثلهفا قفط
فذلك أفضففل نعيففم الجنففة) فسففأل رجففل أبففا الدرداء :بماذا يتغنيففن؟ فقال :بالتسففبيح .والخمصففانية:
المرهفة العلى ،الخمصانة البطن ،الضخمة السفل.
قلت :وهذا كله من النعيم والسرور والكرام؛ فل تعارض بين تلك القوال .وأين هذا من قوله
الحفق" :فل تعلم نففس مفا أخففي لهفم مفن قرة أعيفن" [السفجدة ]17 :على مفا يأتفي .وقوله عليفه
السلم( :فيها ما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر) .وقد روي( :إن في الجنة
لشجارا عليها أجراس من فضة ،فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث ال ريحا من تحت العرش فتقع
ففففي تلك الشجار فتحرك تلك الجراس بأصفففوات لو سفففمعها أهفففل الدنيفففا لماتوا طربفففا) .ذكره
الزمخشري.
**3الية{ 16 :وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الخرة فأولئك في العذاب محضرون}
@قوله تعالى" :وأمفا الذيفن كفروا وكذبوا بآياتنفا" تقدم الكلم فيفه" .ولقاء الخرة" أي بالبعفث.
"فأولئك ففي العذاب محضرون" أي مقيمون .وقيفل :مجموعون .وقيفل :معذبون .وقيفل :نازلون؛
ومنففه قوله تعالى" :إذا حضففر أحدكففم الموت" [البقرة ]180 :أي نزل بففه؛ قاله ابففن شجرة،
والمعنى متقارب.
**3اليفة{ 18 - 17 :فسفبحان ال حيفن تمسفون وحيفن تصفبحون ،وله الحمفد ففي السفماوات
والرض وعشيا وحين تظهرون}
@قوله تعالى" :فسفبحان ال" اليفة فيفه ثلثفة أقوال :الول :أنفه خطاب للمؤمنيفن بالمفر بالعبادة
والحض على الصلة في هذه الوقات .قال ابن عباس :الصلوات الخمس في القرآن؛ قيل له :أين؟
فقال :قال ال تعالى "فسبحان ال حين تمسون" صلة المغرب والعشاء "وحين تصبحون" صلة
الفجفر "وعشيفا" العصفر "وحيفن تظهرون" الظهفر؛ وقاله الضحاك وسفعيد بفن جفبير .وعفن ابفن
عباس أيضا وقتادة :أن الية تنبيه على أربع صلوات :المغرب والصبح والعصر والظهر؛ قالوا:
والعشاء الخرة هي في آية أخرى في "وزلفا من الليل" [هود ]114 :وفي ذكر أوقات العورة.
وقال النحاس :أهفل التفسفير على أن هذه اليفة "فسفبحان ال حيفن تمسفون وحيفن تصفبحون" ففي
الصفلوات .وسفمعت على بفن سفليمان يقول :حقيقتفه عندي :فسفبحوا ال ففي الصفلوات ،لن التسفبيح
ففي الصفلة؛ وهفو القول الثانفي .والقول الثالث :فسفبحوا ال حيفن تمسفون وحيفن تصفبحون؛ ذكره
الماوردي .وذكفر القول الول ،ولفظفه فيفه :فصفلوا ل حيفن تمسفون وحيفن تصفبحون .وففي تسفمية
الصفلة بالتسفبيح وجهان :أحدهمفا :لمفا تضمنهفا مفن ذكفر التسفبيح ففي الركوع والسفجود .الثانفي:
مأخوذ من السبحة والسبحة الصلة؛ ومنه قول النبي صلى ال عليه وسلم( :تكون لهم سبحة يوم
القيامة) أي صلة.
@قوله تعالى" :وله الحمد في السماوات والرض" اعتراض بين الكلم بدؤوب الحمد على نعمه
وألئه .وقيفل :معنفى "وله الحمفد" أي الصفلة له لختصفاصها بقراءة الحمفد .والول أظهفر؛ فإن
الحمفد ل مفن نوع تعظيفم ال تعالى والحفض على عبادتفه ودوام نعمتفه؛ فيكون نوعفا آخفر خلف
الصلة ،وال أعلم .وبدأ بصلة المغرب لن الليل يتقدم النهار .وفي سورة "السفراء" بدأ بصلة
الظهفر إذ هفي أول صفلة صفلها جبريفل بالنفبي صفلى ال عليفه وسفلم .الماوردي :وخفص صفلة
الليل باسم التسبيح وصلة النهار باسم الحمد لن للنسان في النهار متقلبا في أحوال توجب حمد
ال تعالى عليهففا ،وفففي الليففل على خلوة توجففب تنزيففه ال مففن السففواء فيهففا؛ فلذلك صففار الحمففد
بالنهار أخص فسميت به صلة النهار ،والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلة الليل.
@ قرأ عكرمفة "حينفا تمسفون وحينفا تصفبحون" والمعنفى :حينفا تمسفون فيفه وحينفا تصفبحون فيفه؛
فحذف "فيفه" تخفيففا ،والقول فيفه كالقول ففي "واتقوا يومفا ل تجزي نففس عفن نففس شيئا" [البقرة:
" .]48وعشيفا وحين تظهرون" قال الجوهري :العشفي والعشيفة مفن صفلة المغرب إلى العتمفة؛
تقول :أتيتفه عشيفة أمفس وعشفي أمفس .وتصفغير العشفي :عشيان ،على غيفر قياس مكفبره؛ كأنهفم
صففغروا عشيانففا ،والجمففع عشيانات .وقيففل أيضففا فففي تصففغيره :عشيشيان ،والجمففع عشيشيات.
وتصفغير العشيفة عشيشيفة ،والجمفع عشيشيات .والعشاء (بالكسفر والمفد) مثفل العشفي .والعشاء إن
المغرب والعتمة .وزعم قوم أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ،وأنشدوا:
عشاء بعدما انتصف النهار غدونا غدوة سحرا بليل
الماوردي :والفرق بيفن المسفاء والعشاء :أن المسفاء بدو الظلم بعفد المغيفب ،والعشاء آخفر النهار
عنفد ميفل الشمفس للمغيفب ،وهفو مأخوذ مفن عشفا العيفن وهفو نقفص النور مفن الناظفر كنقفص نور
الشمس.
**3اليفة{ 19 :يخرج الحفي مفن الميفت ويخرج الميفت مفن الحفي ويحيفي الرض بعفد موتهفا
وكذلك تخرجون}
@ بين كمال قدرته؛ أي كما أحيا الرض بإخراج النبات بعد همودها ،كذلك يحييكم بالبعث .وفي
هذا دليففل على صففحة القياس؛ وقففد مضففى فففي "آل عمران" بيان "تخرج الحففي مففن الميففت" [آل
عمران.]27 :
**3الية{ 26 - 20 :ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ،ومن آياته أن
خلق لكففم مففن أنفسففكم أزواجففا لتسففكنوا إليهففا وجعففل بينكففم مودة ورحمففة إن فففي ذلك ليات لقوم
يتفكرون ،ومففن آياتففه خلق السففماوات والرض واختلف ألسففنتكم وألوانكففم إن فففي ذلك ليات
للعالميفن ،ومفن آياتفه منامكفم بالليفل والنهار وابتغاؤكفم مفن فضله إن ففي ذلك ليات لقوم يسفمعون،
ومفن آياتفه يريكفم البرق خوففا وطمعفا وينزل مفن السفماء ماء فيحيفي بفه الرض بعفد موتهفا إن ففي
ذلك ليات لقوم يعقلون ،ومن آياته أن تقوم السماء والرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الرض
إذا أنتم تخرجون ،وله من في السماوات والرض كل له قانتون}
@قوله تعالى" :ومن آياته أن خلقكم من تراب" أي من علمات ربوبيته ووحدانيته أن خلقكم من
تراب؛ أي خلق أباكم منه والفرع كالصل ،وقد مضى بيان هذا في "النعام" .و"أن" في موضع
رفع بالبتداء وكذا "أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا".
@قوله تعالى" :ثفم إذا أنتفم بشفر تنتشرون" ثفم أنتفم عقلء ناطقون تتصفرفون فيمفا هفو قوام
معايشكم ،فلم يكن ليخلقكم عبثا؛ ومن قدر على هذا فهو أهل للعبادة والتسبيح .ومعنى" :خلق لكم
مفن أنفسفكم أزواجفا لتسفكنوا إليهفا" أزواجفا" أي نسفاء تسفكنون إليهفا" .مفن أنفسفكم" أي مفن نطفف
الرجال ومففن جنسففكم .وقيففل :المراد حواء ،خلقهففا مففن ضلع آدم؛ قاله قتادة" .وجعففل بينكففم مودة
ورحمففة" قال ابففن عباس ومجاهففد :المودة الجماع ،والرحمففة الولد؛ وقاله الحسففن .وقيففل :المودة
والرحمفة عطفف قلوبهفم بعضهفم على بعفض .وقال السفدي :المودة :المحبفة ،والرحمفة :الشفقفة؛
وروي معناه عفن ابفن عباس قال :المودة حفب الرجفل امرأتفه ،والرحمفة رحمتفه إياهفا أن يصفيبها
بسفوء .ويقال :إن الرجفل أصفله مفن الرض ،وفيفه قوة الرض ،وفيفه الفرج الذي منفه بدئ خلقفه
فيحتاج إلى سفكن ،وخلقفت المرأة سفكنا للرجفل؛ قال ال تعالى" :ومفن آياتفه أن خلقكفم مفن تراب"
الية .وقال" :ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها" فأول ارتفاق الرجل بالمرأة
سفكونه إليهفا ممفا فيفه مفن غليان القوة ،وذلك أن الفرج إذا تحمفل فيفه هيفج ماء الصفلب إليفه ،فإليهفا
يسكن وبها يتخلص من الهياج ،وللرجال خلق البضع منهن ،قال ال تعالى" :وتذرون ما خلق لكم
ربكفم مفن أزواجكفم" [الشعراء ]166 :فأعلم ال عفز وجفل الرجال أن ذلك الموضفع خلق منهفن
للرجال ،فعليها بذله في كل وقت يدعوها الزوج؛ فإن منعته فهي ظالمة وفي حرج عظيم؛ ويكفيك
من ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(والذي نفسفي بيده مفا مفن رجفل يدعفو امرأتفه إلى فراشهفا فتأبفى عليفه إل كان الذي ففي السفماء
سفاخطا عليهفا حتفى يرضفى عنهفا) .وففي لففظ آخفر( :إذا باتفت المرأة هاجرة فراش زوجهفا لعنتهفا
الملئكفة حتفى تصفبح)" .ومفن آياتفه خلق السفماوات والرض" تقدم ففي "البقرة" .وكانوا يعترفون
بأن ال هففو الخالق" .واختلف ألسففنتكم وألوانكففم" اللسففان فففي الفففم؛ وفيففه اختلف اللغات :مففن
العربيففة والعجميففة والتركيففة والروميففة .واختلف اللوان فففي الصففور :مففن البياض والسففواد
والحمرة؛ فل تكاد ترى أحدا إل وأنفت تفرق بينفه وبيفن الخفر .وليفس هذه الشياء مفن فعفل النطففة
ول مفن فعفل البويفن؛ فل بفد مفن فاعفل ،فعلم أن الفاعفل هفو ال تعالى؛ فهذا مفن أدل دليفل على
المدبر البارئ" .إن فففي ذلك ليات للعالميففن" أي للبر والفاجففر .وقرأ حفففص" :للعالِميففن" بكسففر
اللم جمع عالم.
@قوله تعالى" :ومفن آياتفه منامكفم بالليفل والنهار وابتغاؤكفم مفن فضله" قيفل :ففي هذه اليفة تقديفم
وتأخيففر ،والمعنففى :ومففن آياتففه منامكففم بالليففل وابتغاؤكففم مففن فضله بالنهار؛ فحذف حرف الجففر
لتصاله بالليل وعطفه عليه ،والواو تقوم مقام حرف الجر إذا اتصلت بالمعطوف عليه في السم
الظاهفر خاصفة؛ فجعفل النوم بالليفل دليل على الموت ،والتصفرف بالنهار دليل على البعفث" .إن
ففي ذلك ليات لقوم يسفمعون" يريفد سفماع تفهفم وتدبر .وقيفل :يسفمعون الحفق فيتبعونفه .وقيفل:
يسفمعون الوعفظ فيخافونفه .وقيفل :يسفمعون القرآن فيصفدقونه؛ والمعنفى متقارب .وقيفل :كان منهفم
مفن إذا تلي القرآن وهفو حاضفر سفد أذنيفه حتفى ل يسفمع؛ ففبين ال عفز وجفل هذه الدلئل عليفه.
"ومفن آياتفه يريكفم البرق خوففا وطمعفا" قيفل :المعنفى أن يريكفم ،فحذف "أن" لدللة الكلم عليفه؛
قال طرفة:
وأن أشهدَ اللذات هل أنت مخلدي ضرُ الوغى أل أيهذا اللئمي أح ُ
وقيفل :هفو على التقديفم والتأخيفر؛ أي ويريكفم البرق مفن آياتفه .وقيفل :أي ومفن آياتفه آيفة يريكفم بهفا
البرق؛ كما قال الشاعر:
أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح وما الدهر إل تارتان فمنهما
وقيل :أي من آياته أنه يريكم البرق خوفا وطمعا من آياته؛ قاله الزجاج ،فيكون عطف جملة على
جملة" .خوفففا" أي للمسففافر" .وطمعففا" للمقيففم؛ قاله قتادة .الضحاك" :خوفففا" مففن الصففواعق،
"وطمعا" في الغيث .يحيى بن سلم" :خوفا" من البرد أن يهلك الزرع" ،وطمعا" في المطر أن
يحيفي الزرع .ابفن بحفر" :خوففا" أن يكون البرق برقفا خُلّبفا ل يمطفر" ،وطمعفا" أن يكون ممطرا؛
وأنشد قول الشاعر:
ل يكن برقك برقا خلّبا إن خير البرق ما الغيث معه
وقال آخر:
سوى عدي لها برق الغمام فقد أرد المياه بغير زاد
والبرق الخلّب :الذي ل غيث فيه كأنه خادع؛ ومنه قيل لمن يعد ول ينجز :إنما أنت كبرق خلب.
والخلب أيضا :السحاب الذي ل مطر فيه .ويقال :برق خلب ،بالضافة.
@قوله تعالى" :وينزل مفن السفماء ماء فيحيفي بفه الرض بعفد موتهفا إن ففي ذلك ليات لقوم
يعقلون" تقدم" .ومففن آياتففه أن تقوم السففماء والرض بأمره" "أن" فففي محففل رفففع كمففا تقدم؛ أي
قيامهفا واسفتمساكها بقدرتفه بل عمفد .وقيفل :بتدبيره وحكمتفه؛ أي يمسفكها بغيفر عمفد لمناففع الخلق.
وقيل" :بأمره" بإذنه؛ والمعنى واحد" .ثم إذا دعاكم دعوة من الرض إذا أنتم تخرجون" أي الذي
فعفل هذه الشياء قادر على أن يبعثكفم مفن قبوركفم؛ والمراد سفرعة وجود ذلك مفن غيفر توقفف ول
تلبث؛ كما يجيب الداعي المطاع مدعوه؛ كما قال القائل:
دعوت برأس الطود أو هو أسرع دعوت كليبا باسمه فكأنما
يريفد برأس الطود :الصفدى أو الحجفر إذا تدهده .وإنمفا عطفف هذا على قيام السفموات والرض بفف
"ثفم" لعظفم مفا يكون مفن ذلك المفر واقتداره على مثله ،وهفو أن يقول :يأهفل القبور قوموا؛ فل
تبقى نسمة من الولين والخرين إل قامت تنظر؛ كما قال تعالى" :ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام
ينظرون" [الزمفر" .]68 :وإذا" الولى ففي قوله تعالى" :إذا دعاكفم" للشرط ،والثانيفة ففي قوله
تعالى" :إذا أنتم" للمفاجأة ،وهي تنوب مناب الفاء في جواب الشرط .وأجمع القراء على فتح التاء
هنففا فففي "تخرجون" .واختلفوا فففي التففي فففي "العراف" فقرأ أهففل المدينففة" :ومنهففا تخرجون"
[العراف ]25 :بضم التاء ،وقرأ أهل العراق :بالفتح ،وإليه يميل أبو عبيد .والمعنيان متقاربان،
إل أن أهفل المدينفة فرقوا بينهمفا لنسفق الكلم ،فنسفق الكلم ففي التفي ففي "العراف" بالضفم أشبفه؛
إذ كان الموت ليفس مفن فعلهفم ،وكذا الخراج .والفتفح ففي سفورة الروم أشبفه بنسفق الكلم؛ أي إذا
دعاكفم خرجتفم أي أطعتفم؛ فالفعفل بهفم أشبفه .وهذا الخروج إنمفا هفو عنفد نفخفة إسفرافيل النفخفة
الخرة؛ على مففا تقدم ويأتففي .وقرئ "تخرجون" بضففم التاء وفتحهففا ،ذكره الزمخشري ولم يزد
على هذا شيئا ،ولم يذكر ما ذكرناه من الفرق ،وال أعلم" .وله من في السماوات والرض" خلقا
وملكفا وعبدا" .كفل له قانتون" روي عفن أبفي سفعيد الخدري عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال:
(كفل قنوت ففي القرآن فهفو طاعفة) .قال النحاس :مطيعون طاعفة انقياد .وقيفل" :قانتون" مقرون
بالعبوديففة ،إمففا قالة وإمففا دللة؛ قاله عكرمففة وأبففو مالك والسففدي .وقال ابففن عباس" :قانتون"
مصفلون .الربيفع بفن أنفس" :كفل له قانتون" أي قائم يوم القيامفة؛ كمفا قال" :يوم يقوم الناس لرب
العالميفن" [المطففيفن ]6 :أي للحسفاب .الحسفن :كفل له قائم بالشهادة أنفه عبفد له .سفعيد بفن جفبير
"قانتون" مخلصون.
**3الية{ 27 :وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل العلى في السماوات
والرض وهو العزيز الحكيم}
@قوله تعالى" :وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده" أما بدء خلقه فبعلوقه في الرحم قبل ولدته ،وأما
إعادته فإحياؤه بعد الموت بالنفخة الثانية للبعث؛ فجعل ما علم من ابتداء خلقه دليل على ما يخفى
مفن إعادتفه؛ اسفتدلل بالشاهفد على الغائب ،ثفم أكفد ذلك بقوله "وهفو أهون عليه" وقرأ ابفن مسفعود
وابن عمر" :يبدئ الخلق" من أبدأ يبدئ؛ دليله قوله تعالى" :إنه هو يبدئ ويعيد" [البروج.]13 :
ودليفل قراءة العامة قوله سبحانه" :كما بدأكفم تعودون" [العراف .]29 :و"أهون" بمعنى هين؛
أي العادة هيفن عليفه؛ قاله الربيفع بفن خثيفم والحسفن .فأهون بمعنفى هيفن؛ لنفه ليفس شيفء أهون
على ال مفن شيفء .قال أبفو عفبيدة :ومفن جعفل أهون يعفبر عفن تفضيفل شيفء على شيفء فقوله
مردود بقوله تعالى" :وكان ذلك على ال يسففيرا" [النسففاء ]30:وبقوله" :ول يؤوده حفظهمففا"
[البقرة.]255 :
والعرب تحمل أفعل على فاعل ،ومنه قول الفرزدق:
بيتا دعائمه أعز وأطول إن الذي سمك السماء بنى لنا
أي دعائمه عزيزة طويلة .وقال آخر:
على أينا تعدو المنية أول لعمرك ما أدري وإني لوجل
أراد :إني لوجل .وأنشد أبو عبيدة أيضا:
قسما إليك مع الصدود لميل إني لمنحك الصدود وإنني
أراد لمائل .وأنشد أحمد بن يحيى:
فتلك سبيل لست فيها بأوحد تمنى رجال أن أموت وإن أمت
أراد بواحد .وقال آخر:
لمعروفه عند السنين وأفضل لعمرك إن الزبرقان لباذل
أي وفاضفل .ومنفه قولهفم :ال أكفبر؛ إنمفا معناه ال الكفبير .وروى معمفر عفن قتادة قال :ففي قراءة
عبدال بفن مسففعود "وهففو عليففه هيففن" .وقال مجاهففد وعكرمففة والضحاك :إن المعنففى أن العادة
أهون عليفه -أي على ال -مفن البدايفة؛ أي أيسفر ،وإن كان جميعفه على ال تعالى هينفا؛ وقاله ابفن
عباس .ووجهفه أن هذا مثفل ضربفه ال تعالى لعباده؛ يقول :إعادة الشيفء على الخلئق أهون مفن
ابتدائه؛ فينبغفي أن يكون البعفث لمفن قدر على البدايفة عندكفم وفيمفا بينكفم أهون عليفه مفن النشاء.
وقيفل :الضميفر ففي "عليفه" للمخلوقيفن؛ أي وهفو أهون عليفه ،أي على الخلق ،يصفاح بهفم صفيحة
واحدة فيقومون ويقال لهففم :كونوا فيكونون؛ فذلك أهون عليهففم مففن أن يكونوا نطفففا ثففم علقففا ثففم
مضغفا ثفم أجنفة ثفم أطفال ثفم غلمانفا ثفم شبانفا ثفم رجال أو نسفاء .وقاله ابفن عباس وقطرب .وقيفل
أهون أسهل؛ قال:
يحن إليها واله ويتوق وهان على أسماء أن شطت النوى
أي سفهل عليهفا ،وقال الربيفع بفن خثيفم ففي قوله تعالى" :وهفو أهون عليفه" قال :مفا شيفء على ال
بعزيفز .عكرمفة :تعجفب الكفار مفن إحياء ال الموتفى فنزلت هذه اليفة" .وله المثفل العلى" أي مفا
أراده جففل وعففز كان .وقال الخليففل :المثففل الصفففة؛ أي وله الوصففف العلى "فففي السففموات
والرض" كما قال" :مثل الجنة التي وعد المتقون" [الرعد ]35 :أي صفتها .وقد مضى الكلم
ففي ذلك .وعفن مجاهفد" :المثفل العلى" قول ل إله إل ال؛ ومعناه :أي الذي له الوصفف العلى،
أي الرففع الذي هفو الوصفف بالوحدانيفة .وكذا قال قتادة :إن المثفل العلى شهادة أن ل إله إل ال؛
ويعضده قوله تعالى" :ضرب لكففم مثل مففن أنفسففكم" على مففا نففبينه آنفففا إن شاء ال تعالى .وقال
الزجاج" :وله المثفل العلى ففي السفموات والرض" أي قوله" :وهفو أهون عليفه" قفد ضربفه لكفم
مثل فيمففا يصففعب ويسففهل؛ يريففد التفسففير الول .وقال ابففن عباس :أي ليففس كمثله شيففء "وهففو
العزيز الحكيم" تقدم.
**3اليفة{ 28 :ضرب لكفم مثل مفن أنفسفكم هفل لكفم مفن مفا ملكفت أيمانكفم مفن شركاء ففي مفا
رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل اليات لقوم يعقلون}
@قوله تعالى" :من أنفسكم" ثم قال" :من شركاء"؛ ثم قال" :مما ملكت أيمانكم" فف "من" الولى
للبتداء؛ كأنففه قال :أخففذ مثل وانتزعففه مففن أقرب شيففء منكففم وهففي أنفسففكم .والثانيففة للتبعيففض،
والثالثفة زائدة لتأكيفد السفتفهام .واليفة نزلت ففي كفار قريفش ،كانوا يقولون ففي التلبيفة :لبيفك ل
شريك لك إل شريكا هو لك ،تملكه وما ملك؛ قال سعيد بن جبير .وقال قتادة :هذا مثل ضربه ال
للمشركيفن؛ والمعنفى :هفل يرضفى أحدكفم أن يكون مملوكفه ففي ماله ونفسفه مثله ،فإذا لم ترضوا
بهذا لنفسكم فكيف جعلتم ل شركاء.
@ قال بعض العلماء :هذه الية أصل في الشركة بين المخلوقين لفتقار بعضهم إلى بعض ونفيها
عفن ال سفبحانه ،وذلك أنفه لمفا قال جفل وعفز" :ضرب لكفم مثل مفن أنفسفكم هفل لكفم ممفا ملكفت
أيمانكفم" اليفة ،فيجفب أن يقولوا :ليفس عبيدنفا شركاءنفا فيمفا رزقتنفا ،فيقال لهفم :فكيفف يتصفور أن
تنزهوا نفوسكم عن مشاركة عبيدكم وتجعلوا عبيدي شركائي في خلقي؛ فهذا حكم فاسد وقلة نظر
وعمى قلب ،فإذا بطلت الشركة بين العبيد وسادتهم فيما يملكه السادة والخلق كلهم عبيد ل تعالى
فيبطل أن يكون شيء من العالم شريكا ل تعالى في شيء من أفعاله؛ فلم يبق إل أنه واحد يستحيل
أن يكون له شريك ،إذ الشركة تقتضي المعاونة ،ونحن مفتقرون إلى معاونة بعضنا بعضا بالمال
والعمل؛ والقديم الزلي منزه عن ذلك جل وعز.
وهذه المسألة أفضل للطالب من حفظ ديوان كامل في الفقه؛ لن جميع العبادات البدنية ل تصح
إل بتصحيح هذه المسألة في القلب ،فافهم ذلك.
**3اليفة{ 29 :بفل اتبفع الذيفن ظلموا أهواءهفم بغيفر علم فمفن يهدي مفن أضفل ال ومفا لهفم مفن
ناصرين}
@قوله تعالى" :بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم" لما قامت عليهم الحجة ذكر أنهم يعبدون
الصفنام باتباع أهوائهفم ففي عبادتهفا وتقليفد السفلف ففي ذلك" .فمفن يهدي مفن أضفل ال" أي ل
هادي لمن أضله ال تعالى .وفي هذا رد على القدرية" .وما لهم من ناصرين".
**3الية{ 30 :فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة ال التي فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال ذلك
الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون}
@قوله تعالى" :فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة ال التي فطر الناس عليها" قال الزجاج" :فطرة"
منصوب بمعنى اتبع فطرة ال .قال :لن معنى "فأقم وجهك للدين" اتبع الدين الحنيف واتبع فطرة
ال .وقال الطفبري" :فطرة ال" مصفدر مفن معنفى" :فأقفم وجهفك" لن معنفى ذلك :فطفر ال الناس
ذلك فطرة .وقيففل :معنففى ذلك اتبعوا ديففن ال الذي خلق الناس له؛ وعلى هذا القول يكون الوقففف
على "حنيففا" تامفا .وعلى القوليفن الولين يكون متصفل ،فل يوقفف على "حنيففا" .وسفميت الفطرة
دينففا لن الناس يخلقون له ،قال جففل وعففز" :ومففا خلقففت الجففن والنففس إل ليعبدون" [الذاريات:
.]56ويقال" :عليهفا" بمعنفى لهفا؛ كقوله تعالى" :وإن أسفأتم فلهفا" [السفراء .]7 :والخطاب بفف
"أقم وجهك" للنبي صلى ال عليه وسلم ،أمره بإقامة وجهه للدين المستقيم؛ كما قال" :فأقم وجهك
للدين القيم" [الروم ]43 :وهو دين السلم .وإقامة الوجه هو تقويم المقصد والقوة على الجد في
أعمال الديفن؛ وخفص الوجفه بالذكفر لنفه جامفع حواس النسفان وأشرففه .ودخفل ففي هذا الخطاب
أمته باتفاق من أهل التأويل .و"حنيفا" معناه معتدل مائل عن جميع الديان المحرفة المنسوخة.
@ في الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ما من مولود إل يولد
على الفطرة -ففي روايفة على هذه الملة -أبواه يهودانفه وينصفرانه ويمجسفانه كمفا تنتفج البهيمفة
بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) ثم يقول أبو هريرة :واقرؤوا إن شئتم؛ "فطرة ال التي
فطفر الناس عليهفا ل تبديفل لخلق ال" ،ففي روايفة( :حتفى تكونوا أنتفم تجدعونهفا) قالوا :يفا رسفول
ال؛ أفرأيت من يموت صغيرا؟ قال( :ال أعلم بما كانوا عاملين) .لفظ مسلم.
@ واختلف العلماء ففي معنفى الفطرة المذكورة ففي الكتاب والسفنة على أقوال متعددة؛ منهفا
السفلم؛ قاله أبفو هريرة وابفن شهاب وغيرهمفا؛ قالوا :وهفو المعروف عنفد عامفة السفلف مفن أهفل
التأويفل؛ واحتجوا باليفة وحديفث أبفي هريرة ،وعضدوا ذلك بحديفث عياض بفن حمار المجاشعفي
أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال للناس يومفا( :أل أحدثكفم بمفا حدثنفي ال ففي كتابفه ،أن ال
خلق آدم وبنيفه حنفاء مسفلمين ،وأعطاهفم المال حلل ل حرام فيفه فجعلوا ممفا أعطاهفم ال حلل
وحراما )..الحديث .وبقوله صلى ال عليه وسلم( :خمس من الفطرة )...فذكر منها قص الشارب،
وهفو مفن سفنن السفلم ،وعلى هذا التأويفل فيكون معنفى الحديفث :أن الطففل خلق سفليما مفن الكففر
على الميثاق الذي أخذه ال على ذرية آدم حين أخرجهم من صلبه ،وأنهم إذا ماتوا قبل أن يدركوا
ففي الجنفة؛ أولد مسفلمين كانوا أو أولد كفار .وقال آخرون :الفطرة هفي البداءة التفي ابتدأهفم ال
عليهفا؛ أي على مفا فطفر ال عليفه خلقفه مفن أنفه ابتدأهفم للحياة والموت والسفعادة والشقاء ،وإلى مفا
يصيرون إليه عند البلوغ .قالوا :والفطرة في كلم العرب البداءة .والفاطر :المبتدئ؛ واحتجوا بما
روي عففن ابففن عباس أنففه قال :لم أكففن أدري مففا فاطففر السففموات والرض حتففى أتففى أعرابيان
يختصفمان ففي بئر ،فقال أحدهمفا :أنفا فطرتهفا؛ أي ابتدأتهفا .قال المروزي :كان أحمفد بفن حنبفل
يذهب إلى هذا القول ثم تركه .قال أبو عمر في كتاب التمهيد له :ما رسمه مالك في موطئه وذكر
في باب القدر فيه من الثار -يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا ،وال أعلم .ومما احتجوا به ما
روي عن كعفب القرظفي ففي قول ال تعالى" :فريقفا هدى وفريقفا حفق عليهفم الضللة" [العراف:
]30قال :من ابتدأ ال خلقه للضللة صيره إلى الضللة وإن عمل بأعمال الهدى ،ومن ابتدأ ال
خلقفه على الهدى صفيره إلى الهدى وإن عمفل بأعمال الضللة ،ابتدأ ال خلق إبليفس على الضللة
وعمل بأعمال السعادة مع الملئكة ،ثم رده ال إلى ما ابتدأ عليه خلقه ،قال :وكان من الكافرين.
قلت :قفد مضفى قول كعفب هذا ففي "العراف" وجاء معناه مرفوعفا مفن حديفث عائشفة رضفي
ال عنها قالت :دعي رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى جنازة غلم من النصار فقلت :يا رسول
ال ،طوبفى لهذا عصففور مفن عصفافير الجنفة ،لم يعمفل السفوء ولم يدركفه ،قال( :أو غيفر ذلك يفا
عائشة ،إن ال خلق للجنة أهل خلقهم لها وهم في أصلب أبائهم ،وخلق للنار أهل خلقهم لها وهم
في أصلب أبائهم) خرجه ابن ماجة في السنن .وخرج أبو عيسى الترمذي عن عبدال بن عمرو
قال :خرج علينفففا رسفففول ال صفففلى ال عليفففه وسفففلم وففففي يده كتابان فقال( :أتدرون مفففا هذان
الكتابان)؟ فقلنففا :ل يففا رسففول ال ،إل أن تخبرنففا؛ فقال للذي فففي يده اليمنففى( :هذا كتاب مفن رب
العالميفن فيفه أسفماء أهفل الجنفة وأسفماء أبائهفم وقبائلهفم ثفم أجمفل على أخرهفم فل يزاد فيهفم ول
ينقففص منهففم أبدا -ثففم قال للذي فففي شماله -هذا كتاب مففن رب العالميففن فيففه أسففماء أهففل النار
وأسماء أبائهم وقبائلهم ثم أجمل على أخرهم فل يزاد فيهم ول ينقص منهم أبدا )...وذكر الحديث،
وقال فيه :حديث حسن .وقالت فرقة :ليس المراد بقوله تعالى" :فطر الناس عليها" ول قوله عليه
السفلم( :كفل مولود يولد على الفطرة) العموم ،وإنمفا المراد بالناس المؤمنون؛ إذا لو فطفر الجميفع
على السفلم لمفا كففر أحفد ،وقفد ثبفت أنفه خلق أقوامفا للنار؛ كمفا قال تعالى" :ولقفد ذرأنفا لجهنفم"
[العراف ]179 :وأخرج الذريفة مفن صفلب آدم سفوداء وبيضاء .وقال ففي الغلم الذي قتله
الخضفر :طبع يوم طبع كافرا .وروى أبو سعيد الخدري قال :صلى بنا رسول ال صلى ال عليه
وسلم العصر بنهار؛ وفيه :وكان فيما حفظنا أن قال( :أل إن بني آدم خلقوا طبقات شتى فمنهم من
يولد مؤمنفا ويحيفا مؤمنفا ويموت مؤمنفا ،ومنهفم مفن يولد كافرا ويحيفا كافرا ويموت كافرا ،ومنهفم
مففن يولد مؤمنففا ويحيففا مؤمنففا ويموت كافرا ،ومنهففم مففن يولد كافرا ويحيففا كافرا ويموت مؤمنففا،
ومنهفم حسفن القضاء حسفن الطلب) .ذكره حماد بفن زيفد بفن سفلمة ففي مسفند الطيالسفي قال :حدثنفا
علي بفن زيفد عفن أبفي نضرة عفن أبفي سفعيد .قالوا :والعموم بمعنفى الخصفوص كثيفر ففي لسفان
العرب؛ أل ترى إلى قوله عففز وجففل" :تدمففر كففل شيففء" [الحقاف ]25 :ولم تدمففر السففموات
والرض .وقوله" :فتحنا عليهم أبواب كل شيء" [النعام ]44 :ولم تفتح عليهم أبواب الرحمة.
وقال إسحاق بن راهويه الحنظلي :تم الكلم عند قوله" :فأقم وجهك للدين حنيفا" ثم قال" :فطرة
ال" أي فطفر ال الخلق فطرة إمفا بجنفة أو نار ،وإليفه أشار النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي قوله:
(كل مولود يولد على الفطرة) ولهذا قال" :ل تبديل لخلق ال" قال شيخنا أبو العباس :من قال هي
سفابقة السفعادة والشقاوة فهذا إنمفا يليفق بالفطرة المذكورة ففي القرآن؛ لن ال تعالى قال" :ل تبديفل
لخلق ال" وأما في الحديث فل؛ لنه قد أخبر في بقية الحديث بأنها تبدل وتغير .وقالت طائفة من
أهفل الفقفه والنظفر :الفطرة هفي الخلقفة التفي خلق عليهفا المولود ففي المعرففة بربفه؛ فكأنفه قال :كفل
مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة؛ يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم التي ل
تصفل بخلقتهفا إلى معرفتفه .واحتجوا على أن الفطرة الخلقفة ،والفاطفر الخالق؛ لقول ال عفز وجفل:
"الحمفد ل فاطفر السفموات والرض" [فاطفر ]1 :يعنفي خالقهفن ،وبقوله" :ومفا لي ل أعبفد الذي
فطرنفي" [يفس ]22 :يعنفي خلقنفي ،وبقوله" :الذي فطرهن" [النفبياء ]56 :يعنفي خلقهن .قالوا:
فالفطرة الخلقة ،والفاطفر الخالق؛ وأنكروا أن يكون المولود يفطفر على كففر أو إيمان أو معرففة أو
إنكار قالوا :وإنمفا المولود على السفلمة ففي الغلب خلقفة وطبعفا وبنيفة ليفس معهفا إيمان ول كففر
ول إنكار ول معرففففة؛ ثفففم يعتقدون الكففففر واليمان بعفففد البلوغ إذا ميزوا .واحتجوا بقوله ففففي
الحديفث( :كمفا تنتفج البهيمفة بهيمفة جمعاء -يعنفي سفالمة -هفل تحسفون فيهفا مفن جدعاء) يعنفي
مقطوعفة الذن .فمثفل قلوب بنفي آدم بالبهائم لنهفا تولد كاملة الخلق ليفس فيهفا نقصفان ،ثفم تقطفع
آذانهفا بعفد وأنوفهفا؛ فيقال :هذه بحائر وهذه سفوائب .يقول :فكذلك قلوب الطفال ففي حيفن ولدتهفم
ليفس لهفم كففر ول إيمان ،ول معرففة ول إنكار كالبهائم السفائمة ،فلمفا بلغوا اسفتهوتهم الشياطيفن
فكففر أكثرهفم ،وعصفم ال أقلهفم .قالوا :ولو كان الطفال قفد فطروا على شيفء مفن الكففر واليمان
في أولية أمورهم ما انتقلوا عنه أبدا ،وقد نجدهم يؤمنون ثم يكفرون .قالوا :ويستحيل في المعقول
أن يكون الطففل ففي حيفن ولدتفه يعقفل كفرا أو إيمانفا ،لن ال أخرجهفم ففي حال ل يفقهون معهفا
شيئا ،قال ال تعالى" :وال أخرجكم من بطون أمهاتكم ل تعلمون شيئا" [النحل ]78 :فمن ل يعلم
شيئا استحال منه كفر أو إيمان ،أو معرفة أو إنكار .قال أبو عمر بن عبدالبر :هذا أصح ما قيل في
معنى الفطرة التي يولد الناس عليها .ومن الحجة أيضا في هذا قوله تعالى" :إنما تجزون ما كنتم
تعملون" [الطور ]16 :و"كل نفس بما كسبت رهينة" [المدثر ]38 :ومن لم يبلغ وقت العمل لم
يرتهن بشيء .وقال" :وما كنا معذبين حتى نبعث رسول" ولما أجمعوا على دفع القود والقصاص
والحدود والثام عنهفففم ففففي دار الدنيفففا كانفففت الخرة أولى بذلك .وال أعلم .ويسفففتحيل أن تكون
الفطرة المذكورة السلم ،كما قال ابن شهاب؛ لن السلم واليمان :قول باللسان واعتقاد بالقلب
وعمفل بالجوارح ،وهذا معدوم مفن الطففل ،ل يجهفل ذلك ذو عقفل .وأمفا قول الوزاعفي :سفألت
الزهري عفن رجفل عليه رقبفة أيجزي عنه الصفبي أن يعتقفه وهفو رضيفع؟ قال نعفم؛ لنه ولد على
الفطرة يعنفي السفلم؛ فإنمفا أجزى عتقفه عنفد مفن أجازه؛ لن حكمفه حكفم أبويفه .وخالفهفم آخرون
فقالوا :ل يجزي فففي الرقاب الواجبففة إل مففن صففام وصففلى ،وليففس فففي قوله تعالى" :كمففا بدأكففم
تعودون" [العراف ]29 :ول ففي (أن يختفم ال للعبفد بمفا قضاه له وقدره عليفه) :دليفل على أن
الطففل يولد حيفن يولد مؤمنفا أو كافرا؛ لمفا شهدت له العقول أنفه ففي ذلك الوقفت ليفس ممفن يعقفل
إيمانا ول كفرا ،والحديث الذي جاء فيه( :أن الناس خلقوا على طبقات) ليس من الحاديث التي ل
مطعن فيها؛ لنه انفرد به علي بن زيد بن جدعان ،وقد كان شعبة يتكلم فيه .على أنه يحتمل قوله:
(يولد مؤمنا) أي يولد ليكون مؤمنا ،ويولد ليكون كافرا على سابق علم ال فيه ،وليس في قوله في
الحديفث (خلقفت هؤلء للجنفة وخلقفت هؤلء للنار) أكثفر مفن مراعاة مفا يختفم بفه لهفم؛ ل أنهفم ففي
حين طفولتهم ممن يستحق جنة أو نارا ،أو يعقل كفرا أو إيمانا.
قلت :وإلى مفا اختاره أبفو عمفر واحتفج له ،ذهفب غيفر واحفد مفن المحققيفن منهفم ابفن عطيفة ففي
تفسفيره ففي معنفى الفطرة ،وشيخنفا أبفو العباس .قال ابفن عطيفة :والذي يعتمفد عليفه ففي تفسفير هذه
اللفظة أنها الخلقة والهيئة التي في نفس الطفل التي هي معدة ومهيأة لن يميز بها مصنوعات ال
تعالى ،ويستدل بها على ربه ويعرف شرائعه ويؤمن به؛ فكأنه تعالى قال :أقم وجهك للدين الذي
هو الحنيف ،وهو فطرة ال الذي على العداد له فطر البشر ،لكن تعرضهم العوارض؛ ومنه قول
النبي صلى ال عليه وسلم( :كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه) فذكر البوين
إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة .وقال شيخنا في عبارته :إن ال تعالى خلق قلوب بني آدم
مؤهلة لقبول الحق ،كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات ،فما دامت باقية على
ذلك القبول وعلى تلك الهليفة أدركفت الحفق وديفن السفلم وهفو الديفن الحفق .وقفد دل على صفحة
هذا المعنى قوله( :كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) يعني أن البهيمة تلد
ولدها كامل الخلقة سليما من الفات ،فلو ترك على أصل تلك الخلقة لبقي كامل بريئا من العيوب،
لكفن يتصفرف فيفه فيجدع أذنفه ويوسفم وجهفه فتطرأ عليفه الفات والنقائص فيخرج عفن الصفل؛
وكذلك النسان ،وهو تشبيه واقع ووجهه واضح.
قلت :وهذا القول مفع القول الول مواففق له ففي المعنفى ،وأن ذلك بعفد الدراك حيفن عقلوا أمفر
الدنيففا ،وتأكدت حجففة ال عليهففم بمففا نصففب مففن اليات الظاهرة :مففن خلق السففموات والرض،
والشمس والقمر ،والبر والبحر ،واختلف الليل والنهار؛ فلما عملت أهواؤهم فيهم أتتهم الشياطين
فدعتهفم إلى اليهوديفة والنصفرانية فذهبفت بأهوائهفم يمينفا وشمال ،وأنهفم إن ماتوا صفغارا فهفم ففي
الجنة ،أعني جميع الطفال ،لن ال تعالى لما أخرج ذرية آدم من صلبه في صورة الذر أقروا له
بالربوبية وهو قوله تعالى" :وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم
ألسفت بربكفم قالوا بلى شهدنفا" [العراف .]172 :ثفم أعادهفم ففي صفلب آدم بعفد أن أقروا له
بالربوبيفة ،وأنفه ال ل إله غيره ،ثفم يكتفب العبفد ففي بطفن أمفه شقيفا أو سفعيدا على الكتاب الول؛
فمفن كان ففي الكتاب الول شقيفا عمفر حتفى يجري عليفه القلم فينقفض الميثاق الذي أخفذ عليفه ففي
صلب آدم بالشرك ،ومن كان في الكتاب الول سعيدا عمر حتى يجري عليه القلم فيصير سعيدا،
ومن مات صغيرا من أولد المسلمين قبل أن يجري عليه القلم فهم مع آبائهم في الجنة ،ومن كان
مفن أولد المشركيفن فمات قبفل أن يجري عليفه القلم فليفس يكونون مفع آبائهفم؛ لنهفم ماتوا على
الميثاق الول الذي أخفذ عليهفم ففي صفلب آدم ولم ينقفض الميثاق ،ذهفب إلى هذا جماعفة مفن أهفل
التأويفل ،وهفو يجمفع بيفن الحاديفث ،ويكون معنفى قوله عليه السفلم لمفا سفئل عن أولد المشركيفن
فقال( :ال أعلم بما كانوا عاملين) يعني لو بلغوا .ودل على هذا التأويل أيضا حديث البخاري عن
سفمرة بن جندب عن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم -الحديفث الطويفل حديفث الرؤيفا ،وفيه قول عليه
السفلم( :وأمفا الرجفل الطويفل الذي ففي الروضفة فإبراهيفم عليفه السفلم ،وأمفا الولدان حوله فكفل
مولود يولد على الفطرة) .قال فقيفل :يفا رسفول ال ،وأولد المشركيفن؟ فقال رسفول ال صفلى ال
عليه وسلم( :وأولد المشركين) .وهذا نص يرفع الخلف ،وهو أصح شيء روي في هذا الباب،
وغيره مفن الحاديفث فيهفا علل وليسفت مفن أحاديفث الئمفة الفقهاء؛ قاله أبفو عمفر بفن عبدالبر .وقفد
روي من حديث أنس قال :سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أولد المشركين فقال( :لم تكن
لهفم حسفنات فيجزوا بهفا فيكونوا مفن ملوك الجنفة ،ولم تكفن لهفم سفيئات فيعاقبوا عليهفا فيكونوا مفن
أهفل النار ،فهفم خدم لهفل الجنفة) ذكره يحيفى بفن سفلم ففي التفسفير له .وقفد زدنفا هذه المسفألة بيانفا
في كتاب التذكرة ،وذكرنا في كتاب المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس ما ذكره أبو عمر من
ذلك ،والحمفد ل .وذكفر إسفحاق بفن راهويفه قال :حدثنفا يحيفى بفن آدم قال :أخبرنفا جريفر بفن حازم
عن أبي رجاء العطاردي قال :سمعت ابن عباس يقول :ل يزال أمر هذه المة مواتيا أو متقاربا -
أو كلمة تشبه هاتين -حتفى يتكلموا أو ينظروا ففي الطفال والقدر .قال يحيفى بن آدم فذكرته لبن
المبارك فقال :أيسففكت النسففان على الجهففل؟ قلت :فتأمففر بالكلم؟ قال فسففكت .وقال أبففو بكففر
الوراق" :فطرة ال التي فطر الناس عليها" هي الفقر والفاقة؛ وهذا حسن؛ فإنه منذ ولد إلى حين
يموت فقير محتاج ،نعم ،وفي الخرة.
@قوله تعالى" :ل تبديل لخلق ال" أي هذه الفطرة ل تبديل لها من جهة الخالق .ول يجيء المر
على خلف هذا بوجففه؛ أي ل يشقففى مففن خلقففه سففعيدا ،ول يسففعد مففن خلقففه شقيففا .وقال مجاهففد:
المعنفى ل تبديفل لديفن ال؛ وقال قتادة وابفن جفبير والضحاك وابفن زيفد والنخعفي ،قالوا :هذا معناه
في المعتقدات .وقال عكرمة :وروي عن ابن عباس وعمر بن الخطاب أن المعنى :ل تغيير لخلق
ال من البهائم أن تخصى فحولها؛ فيكون معناه النهي عن خصاء الفحول من الحيوان .وقد مضى
هذا ففي "النسفاء"" .ذلك الديفن القيفم" أي ذلك القضاء المسفتقيم؛ قاله ابفن عباس .وقال مقاتفل :ذلك
الحسفاب البيفن .وقيفل" :ذلك الديفن القيفم" أي ديفن السفلم هفو الديفن القيفم المسفتقيم" .ولكفن أكثفر
الناس ل يعلمون" أي ل يتفكرون فيعلمون أن لهففم خالقففا معبودا ،وإلهففا قديمففا سففبق قضاؤه ونفففذ
حكمه.
**3الية{ 32 - 31 :منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلة ول تكونوا من المشركين ،من الذين
فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون}
@قوله تعالى" :منيبين إليه" اختلف في معناه ،فقيل :راجعين إليه بالتوبة والخلص .وقال يحيى
بن سلم والفراء :مقبلين إليه .وقال عبدالرحمن بن زيد :مطيعين له .وقيل تائبين إليه من الذنوب؛
ومنه قول أبي قيس بن السلت:
وقومهم هوازن قد أنابوا فإن تابوا فإن بني سليم
والمعنففى واحففد؛ فإن "ناب وتاب وثاب وآب" معناه الرجوع .قال الماوردي :وفففي أصففل النابففة
قولن :أحدهمفا :أن أصفله القطفع؛ ومنفه أخفذ اسفم الناب لنفه قاطفع؛ فكأن النابفة هفي النقطاع إلى
ال عفز وجفل بالطاعفة .الثانفي :أصفله الرجوع؛ مأخوذ مفن ناب ينوب إذا رجفع مرة بعفد أخرى؛
ومنفه النوبفة لنهفا الرجوع إلى عادة .الجوهري :وأناب إلى ال أقبفل وتاب .والنوبفة واحدة النوب،
تقول :جاءت نوبتففك ونيابتففك ،وهففم يتناوبون النوبففة فيمففا بينهففم فففي الماء وغيره .وانتصففب على
الحال .قال محمد بن يزيد :لن معنى" :أقم وجهك" فأقيموا وجوهكم منيبين .وقال الفراء :المعنى
فأقم وجهك ومن معك منيبين .وقيل :انتصب على القطع؛ أي فأقم وجهك أنت وأمتك المنيبين إليه؛
لن المر له ،أمر لمته؛ فحسن أن يقول منيبين إليه ،وقد قال ال تعالى" :يا أيها النبي إذا طلقتم
النساء" [الطلق" .]1 :واتقوه" أي خافوه وامتثلوا ما أمركم به" .وأقيموا الصلة ول تكونوا من
المشركيفن" بيفن أن العبادة ل تنففع إل مفع الخلص؛ فلذلك قال" :ول تكونوا مفن المشركيفن" وقفد
مضففى هذا مبينففا "فففي النسففاء والكهففف" وغيرهمففا" .مففن الذيففن فرقوا دينهففم" تأوله أبففو هريرة
وعائشة وأبو أمامة :أنه لهل القبلة من أهل الهواء والبدع .وقد مضى "في النعام" بيانه .وقال
الربيفع بفن أنفس :الذيفن فرقوا دينهفم أهفل الكتاب مفن اليهود والنصفارى؛ وقاله قتادة ومعمفر .وقرأ
حمزة والكسفائي" :فارقوا دينهفم" ،وقفد قرأ ذلك علي بفن أبفي طالب؛ أي فارقوا دينهفم الذي يجفب
اتباعه ،وهو التوحيد" .وكانوا شيعا" أي فرقا؛ قاله الكلبي .وقيل أديانا؛ قاله مقاتل" .كل حزب بما
لديهفم فرحون" أي مسفرورون معجبون ،لنهفم لم يتفبينوا الحفق وعليهفم أن يتفبينوه .وقيفل :كان هذا
قبففل أن تنزل الفرائض .وقول ثالث :أن العاصففي ل عففز وجففل قففد يكون فرحففا بمعصففيته ،فكذلك
الشيطان وقطاع الطريفق وغيرهفم ،وال أعلم .وزعفم الفراء أنفه يجوز أن يكون التمام "ول تكونوا
من المشركين" ويكون المعنى :من الذين فارقوا دينهم "وكانوا شيعا" على الستئناف ،وأنه يجوز
أن يكون متصففل بمففا قبله .النحاس :وإذا كان متصففل بمففا قبله فهففو عنففد البصففريين البدل بإعادة
الحرف؛ كما قال جل وعز" :قال المل الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم"
[العراف ]75 :ولو كان بل حرف لجاز.
**3الية{ 33 :وإذا مس الناس ضر دعوا ربهفم منيبين إليه ثم إذا أذاقهفم منه رحمة إذا فريق
منهم بربهم يشركون}
@قوله تعالى" :وإذا مس الناس ضر" أي قحط وشدة "دعوا ربهم" أن يرفع ذلك عنهم "منيبين
إليه" قال ابن عباس :مقبلين عليه بكل قلوبهم ل يشركون .ومعنى هذا الكلم التعجب ،عجب نبيه
مفن المشركيفن ففي ترك النابفة إلى ال تعالى مفع تتابفع الحجفج عليهفم؛ أي إذا مفس هؤلء الكفار
ضر من مرض وشدة دعوا ربهم؛ أي استغاثوا به في كشف ما نزل بهم ،مقبلين عليه وحده دون
الصنام ،لعلمهم بأنه ل فرج عندها" .ثم إذا أذاقهم منه رحمة" أي عافية ونعمة" .إذا فريق منهم
بربهم يشركون" أي يشركون به في العبادة.
**3الية{ 34 :ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون}
@قوله تعالى" :ليكفروا بما آتيناهم" قيل :هي لم كي .وقيل :هي لم أمر فيه معنى التهديد؛ كما
قال جفل وعفز" :فمفن شاء فليؤمفن ومفن شاء فليكففر" [الكهفف" .]29 :فتمتعوا فسفوف تعلمون"
تهديد ووعيد .وفي مصحف عبدال "وليتمتعوا"؛ أي مكناهم من ذلك لكي يتمتعوا ،فهو إخبار عن
غائب؛ مثل" :ليكفروا" .وهو على خفط المصفحف خطاب بعد الخبار عن غائب؛ أي تمتعوا أيهفا
الفاعلون لهذا.
**3الية{ 35 :أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون}
@قوله تعالى" :أم أنزلنا عليهم سلطانا" استفهام فيه معنى التوقيف .قال الضحاك" :سلطانا" أي
كتابففا؛ وقاله قتادة والربيففع بففن أنففس .وأضاف الكلم إلى الكتاب توسففعا .وزعففم الفراء أن العرب
تؤنث السلطان؛ تقول :قضت به عليك السلطان .فأما البصريون فالتذكير عندهم أفصح ،وبه جاء
القرآن ،والتأنيففث عندهففم جائز لنففه بمعنففى الحجففة؛ أي حجففة تنطففق بشرككففم؛ قاله ابففن عباس
والضحاك أيضفا .وقال علي بفن سفليمان عفن أبفي العباس محمفد بفن يزيفد قال :سفلطان جمفع سفليط؛
مثفل رغيفف ورغفان ،فتذكيره على معنفى الجمفع وتأنيثه على معنفى الجماعة .وقد مضى ففي "آل
عمران" .والسفلطان :مفا يدففع بفه النسفان عفن نفسفه أمرا يسفتوجب بفه عقوبفة؛ كمفا قال تعالى" :أو
لذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين" [النمل.]21 :
**3اليفة{ 36 :وإذا أذقنفا الناس رحمفة فرحوا بهفا وإن تصفبهم سفيئة بمفا قدمفت أيديهفم إذا هفم
يقنطون}
@قوله تعالى" :وإذا أذقنفا الناس رحمفة فرحوا بهفا" يعنفي الخصفب والسفعة والعافيفة؛ قاله يحيفى
ابففن سففلم .النقاش :النعمففة والمطففر .وقيففل :المففن والدعففة؛ والمعنففى متقارب" .فرحوا بهففا" أي
بالرحمفة" .وإن تصفبهم سفيئة" أي بلء وعقوبفة؛ قاله مجاهفد .السفدي :قحفط المطفر" .بمفا قدمفت
أيديهففم" أي بمففا عملوا مففن المعاصففي" .إذا هففم يقنطون" أي ييأسففون مففن الرحمففة والفرج؛ قاله
الجمهور .وقال الحسفن :إن القنوط ترك فرائض ال سفبحانه وتعالى ففي السفر .قنفط يقنفط ،وهفي
قراءة العامفة .وقنفط يقنفط ،وهفي قراءة أبفي عمرو والكسفائي ومعقوب .وقرأ العمفش :قنِط يقنَط
[الحجر ]56 :بالكسر فيهما؛ مثل حسب يحسب .والية صفة للكافر ،يقنط عند الشدة ،ويبطر عند
النعمة؛ كما قيل:
رمَح الناس وإن جاع نهق كحمار السوء إن أعلفته
وكثير ممن لم يرسخ اليمان في قلبه بهذه المثابة؛ وقد مضى في غير موضع .فأما المؤمن فيشكر
ربه عند النعمة ،ويرجوه عند الشدة.
**3الية{ 37 :أولم يروا أن ال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون}
@قوله تعالى" :أولم يروا أن ال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر" أي يوسع الخيفر ففي الدنيا لمن
يشاء أو يضيق؛ فل يجب أن يدعوهم الفقر إلى القنوط" .إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون".
**3اليفة{ 38 :فآت ذا القربفى حقفه والمسفكين وابفن السفبيل ذلك خيفر للذيفن يريدون وجفه ال
وأولئك هم المفلحون}
@ لما تقدم أنه سبحانه يبسفط الرزق لمن يشاء ويقدر أمر من وسع عليه الرزق أن يوصل إلى
الفقير كفايته ليمتحن شكر الغني .والخطاب للنبي عليه السلم والمراد هو وأمته؛ لنه قال" :ذلك
خيفر للذيفن يريدون وجفه ال" .وأمفر بإيتاء ذي القربفى لقرب رحمفه؛ وخيفر الصفدقة مفا كان على
القريب ،وفيها صلة الرحم .وقد فضل رسول ال صلى ال عليه وسلم الصدقة على القارب على
عتق الرقاب ،فقال لميمونة وقد أعتقت وليدة( :أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لجرك).
@ واختلف في هذه الية؛ فقيل :إنها منسوخة بآية المواريث .وقيل :ل نسخ ،بل للقريب حق لزم
ففي البر على كفل حال؛ وهفو الصفحيح .قال مجاهفد وقتادة :صفلة الرحفم فرض مفن ال عفز وجفل،
حتى قال مجاهد :ل تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة .وقيل :المراد بالقربى أقرباء النبي صلى
ال عليفه وسفلم .والول أصفح؛ فإن حقهفم مفبين ففي كتاب ال عفز وجفل ففي قوله" :فأن ل خمسفه
وللرسفول ولذي القربفى" [النفال .]41 :وقيفل :إن المفر باليتاء لذي القربفى على جهفة الندب.
قال الحسن" :حقه" المواساة في اليسر ،وقول ميسور في العسر" .والمسكين" قال ابن عباس :أي
أطعفم السفائل الطواف؛ "وابفن السفبيل" الضيفف؛ فجعفل الضياففة فرضفا ،وقفد مضفى جميفع هذا
مبسوطا مبينا في مواضعه والحمد ل.
@قوله تعالى" :ذلك خير للذين يريدون وجه ال" أي إعطاء الحق أفضل من المساك إذا أريفد
بذلك وجففه ال والتقرب إليففه" .وأولئك هففم المفلحون" أي الفائزون بمطلوبهففم مففن الثواب فففي
الخرة .وقد تقدم في "البقرة" القول فيه.
**3الية{ 39 :وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فل يربوا عند ال وما آتيتم من زكاة
تريدون وجه ال فأولئك هم المضعفون}
@ لما ذكر ما يراد به وجهه ويثبت عليه ذكر غير ذلك من الصفة وما يراد به أيضا وجهه .وقرأ
الجمهور" :آتيتفم" بالمفد بمعنفى أعطيتفم .وقرأ ابفن كثيفر ومجاهفد وحميفد بغيفر مفد؛ بمعنفى مفا فعلتفم
مفن ربفا ليربفو؛ كمفا تقول :أتيفت صفوابا وأتيفت خطفأ .وأجمعوا على المفد ففي قوله" :ومفا آتيتفم مفن
زكاة" .والربفا الزيادة وقفد مضفى ففي "البقرة" معناه ،وهفو هناك محرم وهفا هنفا حلل .وثبفت بهذا
أنه قسمان :منه حلل ومنه حرام .قال عكرمة في قوله تعالى" :وما آتيتم من ربا ليربو في أموال
الناس" قال :الربا ربوان ،ربا حلل وربا حرام؛ فأما الربا الحلل فهو الذي يهدى ،يلتمس ما هو
أفضل منه .وعن الضحاك في هذه الية :هو الربا الحلل الذي يهدى ليثاب ما هو أفضل منه ،ل
له ول عليه ،ليس له فيه أجر وليس عليه فيه إثم .وكذلك قال ابن عباس" :وما آتيتم من ربا" يريد
هديفة الرجفل الشيفء يرجفو أن يثاب أفضفل منفه؛ فذلك الذي ل يربفو عنفد ال ول يؤجفر صفاحبه
ولكن ل إثم عليه ،وفي هذا المعنى نزلت الية .قال ابن عباس وابن جبير وطاوس ومجاهد :هذه
آيفة نزلت ففي هبفة الثواب .قال ابفن عطيفة :ومفا جرى مجراهفا ممفا يصفنعه النسفان ليجازى عليفه
كالسفلم وغيره؛ فهفو وإن كان ل إثفم فيفه فل أجفر فيفه ول زيادة عنفد ال تعالى .وقاله القاضفي أبفو
بكر بن العربي .وفي كتاب النسائي عن عبدالرحمن بن علقمة قال :قدم وفد ثقيف على رسول ال
صفلى ال عليفه وسفلم ومعهفم هديفة فقال( :أهديفة أم صفدقة فإن كانفت هديفة فإنمفا يبتغفى بهفا وجفه
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وقضاء الحاجفة ،وإن كانفت صفدقة فإنمفا يبتغفى بهفا وجفه ال عفز
وجل) قالوا :ل بل هدية؛ فقبلها منهم وقعد معهم يسائلهم ويسألونه .وقال ابن عباس أيضا وإبراهيم
النخعفي :نزلت ففي قوم يعطون قراباتهفم وإخوانهفم على معنفى نفعهفم وتمويلهفم والتفضفل عليهفم،
وليزيدوا ففي أموالهفم على وجفه النففع لهفم .وقال الشعفبي :معنفى اليفة أن مفا خدم النسفان بفه أحدا
وخف له لينتفع به في دنياه فإن ذلك النفع الذي يجزي به الخدمة ل يربو عند ال .وقيل :كان هذا
حرامففا على النففبي صففلى ال عليففه وسففلم على الخصففوص؛ قال ال تعالى" :ول تمنففن تسففتكثر"
[المدثفر ]6 :فنهفى أن يعطفي شيئا فيأخفذ أكثفر منفه عوضفا .وقيفل :إنفه الربفا المحرم؛ فمعنفى" :ل
يربو عند ال" على هذا القول ل يحكفم به لخذه بل هو للمأخوذ منه .قال السدي :نزلت هذه الية
في ربا ثقيف؛ لنهم كانوا يعملون بالربا وتعمله فيهم قريش.
@ قال القاضي أبو بكر بن العربي :صريح الية فيمن يهب يطلب الزيادة من أموال الناس في
المكافأة .قال المهلب :اختلف العلماء فيمفن وهفب هبفة يطلب ثوابهفا وقال :إنمفا أردت الثواب؛ فقال
مالك :ينظففر فيففه؛ فإن كان مثله ممففن يطلب الثواب مففن الموهوب له فله ذلك؛ مثففل هبففة الفقيففر
للغنفي ،وهبفة الخادم لصفاحبه ،وهبفة الرجفل لميره ومن فوقفه؛ وهفو أحفد قولي الشافعفي .وقال أبفو
حنيفففة :ل يكون له ثواب إذا لم يشترط؛ وهففو قول الشافعففي الخففر .قال :والهبففة للثواب باطلة ل
تنفعه؛ لنها بيع بثمن مجهول .واحتج الكوفي بأن موضوع الهبة التبرع ،فلو أوجبنا فيها العوض
لبطل معنى التبرع وصارت في معنى المعاوضات ،والعرب قد فرقت بين لفظ البيع ولفظ الهبة،
فجعلت لفففظ البيففع على مففا يسففتحق فيففه العوض ،والهبففة بخلف ذلك .ودليلنففا مففا رواه مالك فففي
موطئه عن عمر ابن الخطاب رضي ال عنه أنه قال :أيما رجل وهب هبة يرى أنها للثواب فهو
على هبته حتى يرضى منها .ونحوه عن علّي رضي ال عنه قال :المواهب ثلثة :موهبة يراد بها
وجفه ال ،وموهبفة يراد بهفا وجوه الناس ،وموهبفة يراد بهفا الثواب؛ فموهبفة الثواب يرجفع فيهفا
صاحبها إذا لم يثب منها .وترجم البخاري رحمه ال (باب المكافأة في الهبة) وساق حديث عائشة
قالت :كان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقبفل الهديفة ويثيفب عليهفا ،وأثاب على لقحفة ولم ينكفر
على صففاحبها حيففن طلب الثواب ،وإنمففا أنكففر سففخطه للثواب وكان زائدا على القيمففة .خرجففه
الترمذي.
@ ما ذكره علّي رضي ال عنه وفصّله من الهبة صحيح؛ وذلك أن الواهب ل يخلو في هبته من
ثلثفة أحوال :أحدهفا :أن يريفد بهفا وجفه ال تعالى ويبتغفي عليهفا الثواب منفه .والثانفي :أن يريفد بهفا
وجوه الناس رياء ليحمدوه عليها ويثنوا عليه من أجلها .والثالث :أن يريد بها الثواب من الموهوب
له؛ وقد مضى الكلم فيه .وقال صلى ال عليه وسلم( :العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).
فأما إذا أراد بهبته وجه ال تعالى وابتغى عليه الثواب من عنده فله ذلك عنفد ال بفضله ورحمته؛
قال ال عز وجل" :وما آتيتم من زكاة تريدون وجه ال فأولئك هم المضعفون"
وكذلك من يصل قرابته ليكون غنيا حتى ل يكون كل فالنية في ذلك متبوعة؛ فإن كان ليتظاهر
بذلك دنيفا فليفس لوجفه ال ،وإن كان لمفا له عليفه مفن حفق القرابفة وبينهمفا مفن وشيجفة الرحفم فإنفه
لوجه ال.
وأمفا مفن أراد بهبتفه وجوه الناس رياء ليحمدوه عليهفا ويثنوا عليفه مفن أجلهفا فل منفعفة له ففي
هبتفه؛ ل ثواب ففي الدنيفا ول أجفر ففي الخرة؛ قال ال عفز وجفل" :يفا أيهفا الذيفن آمنوا ل تبطلوا
صفدقاتكم بالمفن والذى كالذي ينففق ماله رئاء الناس" [البقرة ]264 :اليفة .وأمفا مفن أراذ بهبتفه
الثواب مفن الموهوب له فله مفا أراد بهبتفه ،وله أن يرجفع فيهفا مفا لم يثفب بقيمتهفا ،على مذهفب ابفن
القاسم ،أو ما لم يرض منها بأزيد من قيمتها ،على ظاهر قول عمر وعلّي ،وهو قول مطرف في
الواضحفة :أن الهبفة مفا كانفت قائمفة العيفن ،وإن زادت أو نقصفت فللواهفب الرجوع فيهفا وإن أثابفه
الموهوب فيهفا أكثفر منهفا .وقفد قيفل :إنهفا إذا كانفت قائمفة العيفن لم تتغيفر فإنفه يأخفذ مفا شاء .وقيفل:
تلزمفه القيمفة كنكاح التفويفض ،وأمفا إذا كان بعفد فوت الهبفة فليفس له إل القيمفة اتفاقفا؛ قاله ابفن
العربي.
@قوله تعالى" :ليربفو" قرأ جمهور الفراء [القراء؟؟] السفبعة" :ليربفو" بالياء وإسفناد الفعفل إلى
الربففا .وقرأ نافففع وحده :بضففم التاء والواو سففاكنة على المخاطبففة؛ بمعنففى تكونوا ذوي زيادات،
وهذه قراءة ابففن عباس والحسففن وقتاده والشعففبي .قال أبففو حاتففم :هففي قراءتنففا .وقرأ أبففو مالك:
"لتربوها" بضمير مؤنث" .فل يربو عند ال" أي ل يزكو ول يثيب عليه؛ لنه ل يقبل إل ما أريد
بفه وجهفه وكان خالصفا له؛ وقفد تقدم ففي "النسفاء"" .ومفا آتيتفم مفن زكاة" قال ابفن عباس :أي مفن
صفدقة" .تريدون وجفه ال فأولئك هفم المضعفون" أي ذلك الذي يقبله ويضاعففه له عشرة أضعاففه
أو أكثففر؛ كمففا قال" :مففن ذا الذي يقرض ال قرضففا حسففنا فيضاعفففه له أضعافففا كثيرة" [البقرة:
.]245وقال" :ومثفل الذيفن ينفقون أموالهفم ابتغاء مرضاة ال وتثبيتفا مفن أنفسفهم كمثفل جنفة
بربوة" [البقرة .]265 :وقال"0 :فأولئك هم المضعفون" ولم يقل فأنتم المضعفون لنه رجع من
المخاطبة إلى الغيبة؛ مثل قوله" :حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم" [يونس .]22 :وفي معنى
المضعفين قولن :أحدهما :أنه تضاعف لهم الحسنات ذكرنا .والخر :أنهم قد أضعف لهم الخير
والنعيم؛ أي هم أصحاب أضعاف ،كما يقال :فلن مقو إذا كانت إبله قوية ،أو له أصحاب أقوياء.
ومسمن إذا كانت إبله سمانا .ومعطش إذا كانت إبله عطاشا .ومضعف إذا كان إبله ضعيفة؛ ومنه
قول النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :اللهفم إنفي أعوذ بفك مفن الخفبيث المخبفث الشيطان الرجيفم".
فالمخبففث :الذي أصففابه خبففث ،يقال :فلن رديففء أي هففو رديففء؛ فففي نفسففه .ومردئ :أصففحابه
أردئاء.
**3اليفة{ 40 :ال الذي خلقكفم ثفم رزقكفم ثفم يميتكفم ثفم يحييكفم هفل مفن شركائكفم مفن يفعفل مفن
ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون}
@قوله تعالى" :ال الذي خلقكفم" ابتداء وخفبر .وعاد الكلم إلى الحتجاج على المشركيفن وأنفه
الخالق الرازق المميت المحيي .ثم قال على جهة الستفهام" :هل من شركائكم من يفعل من ذلكم
من شيء" ل يفعل" .سبحانه وتعالى عما يشركون" ثم نزه نفسه عن النداد والضداد والصاحبة
والولد وأضاف الشركاء إليهفففم لنهفففم كانوا يسفففمونهم باللهفففة والشركاء ،ويجعلون لهفففم مفففن
أموالهم.
**3اليفة{ 41 :ظهفر الفسفاد ففي البر والبحفر بمفا كسفبت أيدي الناس ليذيقهفم بعض الذي عملوا
لعلهم يرجعون}
@قوله تعالى" :ظهر الفساد في البر والبحر" اختلف العلماء في معنى الفساد والبر والبحر؛ فقال
قتادة والسدي :الفساد الشرك ،وهو أعظم الفساد .وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد :فساد البر قتل
ابفن آدم أخاه؛ قابيفل قتفل هابيفل .وففي البحفر بالملك الذي كان يأخفذ كفل سففينة غصفبا .وقيفل :الفسفاد
القحط وقلة النبات وذهاب البركة .ونحوه قال ابن عباس قال :هو نقصان البركة بأعمال العباد كي
يتوبوا .قال النحاس :وهو أحسن ما قيل في الية .وعنه أيضا :أن الفساد في البحر انقطاع صيده
بذنوب بنفي آدم .وقال عطيفة :فإذا قفل المطفر قفل الغوص عنده ،وأخففق الصفيادون ،وعميفت دواب
البحر .وقال ابن عباس :إذا مطرت السماء تفتحت الصداف في البحر ،فما وقع فيها من السماء
فهو لؤلؤ .وقيل :الفساد كساد السعار وقلة المعاش .وقيل :الفساد المعاصي وقطع السبيل والظلم؛
أي صار هذا العمل مانعفا من الزرع والعمارات والتجارات؛ والمعنفى كله متقارب .والبر والبحر
هما المعروفان المشهوران في اللغة وعند الناس؛ ل ما قاله بعض العباد :أن البر اللسان ،والبحر
القلب؛ لظهور مففا على اللسففان وخفاء مففا فففي القلب .وقيففل :البر :الفيافففي ،والبحففر :القرى؛ قاله
عكرمففة .والعرب تسففمي المصففار البحار .وقال قتادة :البر أهففل العمود ،والبحففر أهففل القرى
والريفف .وقال ابفن عباس :إن البر مفا كان مفن المدن والقرى على غيفر نهفر ،والبحفر مفا كان على
شط نهر؛ وقاله مجاهد ،قال :أما وال ما هو بحركم هذا ،ولكن كل قرية على ماء جار فهي بحر.
وقال معناه النحاس ،قال :في معناه قولن :أحدهما :ظهر الجذب في البر؛ أي في البوادي وقراها،
وفي البحر أي في مدن البحر؛ مثل" :واسأل القرية" [يوسف .]82 :أي ظهر قلة الغيث وغلء
السفعر" .بمفا كسفبت أيدي الناس ليذيقهفم بعفض" أي عقاب بعفض "الذيفن عملوا" ثفم حذف .والقول
الخر :أنه ظهرت المعاصي من قطع السبيل والظلم ،فهذا هو الفساد على الحقيقة ،والول مجاز
إل أنفه على الجواب الثانفي ،فيكون ففي الكلم حذف واختصفار دل عليفه مفا بعده ،ويكون المعنفى:
ظهرت المعاصفي ففي البر والبحفر فحبفس ال عنهمفا الغيفث وأغلى سفعرهم ليذيقهفم عقاب بعفض
الذي عملوا" .لعلهفم يرجعون" لعلهفم يتوبون .وقال" :بعفض الذي عملوا" لن معظفم الجزاء ففي
الخرة .والقراءة "ليذيقهففم" بالياء .وقرأ ابففن عباس بالنون ،وهففي قراءة السففلمي وابففن محيصففن
وقنبل ويعقوب على التعظيم؛ أي نذيقهم عقوبة بعض ما عملوا.
**3اليفة{ 42 :قفل سفيروا ففي الرض فانظروا كيفف كان عاقبفة الذيفن مفن قبفل كان أكثرهفم
مشركين}
@قوله تعالى" :قفل سفيروا ففي الرض" أي قفل لهفم يفا محمفد سفيروا ففي الرض ليعتفبروا بمفن
قبلهم ،وينظروا كيف كان عاقبة من كذب الرسل "كان أكثرهم مشركين" أي كافرين فأهلكوا.
**3الية{ 43 :فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم ل مرد له من ال يومئذ يصدعون}
@قوله تعالى" :فأقفم وجهفك للديفن القيفم" قال الزجاج :أي أقفم قصفدك ،واجعفل جهتفك اتباع الدين
القيم؛ يعني السلم .وقيل :المعنى أوضح الحق وبالغ في العذار ،واشتغل بما أنت فيه ول تحزن
عليهفم" .مفن قبفل أن يأتفي يوم ل مرد له مفن ال" أي ل يرده ال عنهفم ،فإذا لم يرده لم يتهيفأ لحفد
دفعففه .ويجوز عنففد غيففر سففيبويه "ل مرد له" وذلك عنففد سففيبويه بعيففد ،إل أن يكون فففي الكلم
عطف .والمراد يوم القيامة.
@قوله تعالى" :يومئذ يصدعون" قال ابن عباس :معناه يتفرقون .وقال الشاعر:
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا وكنا ك َندْمانَي جَذيمة حقبة
أي لن يتفرقففا؛ نظيره قوله تعالى" :يومئذ يتفرقون" [الروم" ]14 :فريففق فففي الجنففة وفريففق فففي
السفعير" .والصفل يتصفدعون؛ ويقال :تصفدع القوم إذا تفرقوا؛ ومنفه اشتفق الصفداع ،لنفه يفرق
شعب الرأس.
**3الية{ 44 :من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلنفسهم يمهدون}
@قوله تعالى" :من كفر فعليه كفره" أي جزاء كفره" .ومن عمل صالحا فلنفسهم يمهدون" أي
يوطئون لنفسفهم ففي الخرة فراشفا ومسفكنا وقرارا بالعمفل الصفالح؛ ومنفه :مهفد الصفبي .والمهاد
الفراش ،وقفد مهدت الفراش مهدا :بسفطته ووطأتفه .وتمهيفد المور :تسفويتها وإصفلحها .وتمهيفد
العذر :بسطه وقبوله .والتمهد :التمكن .وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد "فلنفسهم يمهدون" قال:
في القبر.
**3الية{ 45 :ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه ل يحب الكافرين}
@قوله تعالى" :ليجزي الذين آمنوا" أي يمهدون لنفسهم ليجزيهم ال من فضله .وقيل يصدعون
ليجزيهم ال؛ أي ليتميز الكافر من المسلم" .إنه ل يحب الكافرين".
**3الية{ 46 :ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره
ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}
@قوله تعالى" :ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات" أي ومن أعلم كمال قدرته إرسال الرياح
مبشرات أي بالمطفر لنهفا تتقدمفه .وقفد مضفى ففي "الحجفر" بيانفه" .وليذيقكفم مفن رحمتفه" يعنفي
الغيفث والخصفب" .ولتجري الفلك" أي ففي البحفر عنفد هبوبهفا .وإنمفا زاد "بأمره" لن الرياح قفد
تهفب ول تكون مواتيفة ،فل بفد مفن إرسفاء السففن والحتيال بحبسففها ،وربمفا عصففت فأغرقتهفا
بأمره" .ولتبتغوا مفففن فضله" يعنفففي الرزق بالتجارة "ولعلكفففم تشكرون" هذه النعفففم بالتوحيفففد
والطاعة .وقد مضى هذا كله مبينا.
**3اليفة{ 47 :ولقفد أرسفلنا مفن قبلك رسفل إلى قومهفم فجاؤوهفم بالبينات فانتقمنفا مفن الذيفن
أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين}
@قوله تعالى" :ولقد أرسلنا من قبلك رسل إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات" أي المعجزات والحجج
النيرات "فانتقمنا" أي فكفروا فانتقمنفا ممفن كفر" .وكان حقفا علينفا نصر المؤمنين" "حقفا" نصفب
على خفبر كان" ،ونصفر" اسفمها .وكان أبفو بكفر يقفف على "حقفا" أي وكان عقابنفا حقفا ،ثفم قال:
"علينا نصر المؤمنين" ابتداء وخبر؛ أي أخبر بأنه ل يخلف الميعاد ،ول خلف في خبرنا .وروي
من حديث أبي الدرداء قال سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول( :ما من مسلم يذب عن عرض
أخيفه إل كان حقفا على ال تعالى أن يرد عنفه نار جهنفم يوم القيامفة -ثفم تل " -وكان حقفا علينفا
نصر المؤمنين") .ذكره النحاس والثعلبي والزمخشري وغيرهم.
**3الية{ 48 :ال الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا
فترى الودق يخرج من خلله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ،وإن كانوا من
قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين}
@قوله تعالى" :ال الذي يرسل الرياح" قرأ ابن محيصن وابن كثير وحمزة والكسائي" :الريح"
بالتوحيد .والباقون بالجمع .قال أبو عمرو :وكل ما كان بمعنى الرحمة فهو جمع ،وما كان بمعنى
العذاب فهو موحد .وقد مضى في "البقرة" معنى هذه الية وفي غيرها" .كسفا" جمع كسفة وهي
القطعة .وفي قراءة الحسن وأبي جعفر وعبدالرحمن العرج وابن عامر "كسفا" بإسكان السين،
وهي أيضا جمع كسفة؛ كما يقال :سدرة وسدر؛ وعلى هذه القراءة يكون المضمر الذي بعده عائدا
عليه؛ أي فترى الودق أي المطر يخرج من خلل الكسف؛ لن كل جمع بينه وبين واحده الهاء ل
غيففر فالتذكيففر فيففه حسففن .ومففن قرأ" :كسفففا" فالمضمففر عنده عائد على السففحاب .وفففي قراءة
الضحاك وأبففي العاليففة وابففن عباس" :فترى الودق يخرج مففن خلله" ويجوز أن يكون خلل جمففع
خلل" .فإذا أصففاب بففه" أي بالمطففر" .مففن يشاء مففن عباده إذا هففم يسففتبشرون" يفرحون بنزول
المطفر عليهفم" .وإن كانوا مفن قبفل أن ينزل عليهفم مفن قبله لمبلسفين" أي يائسفين مكتئبيفن قفد ظهفر
الحزن عليهففم لحتباس المطففر عنهففم .و"مففن قبله" تكريففر عنففد الخفففش معناه التأكيففد؛ وأكثففر
النحوييففن على هذا القول؛ قاله النحاس .وقال قطرب :إن "قبففل" الولى للنزال والثانيففة للمطففر؛
أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر .وقيل :المعنى من قبل تنزيل الغيث عليهم من قبل
الزرع ،ودل على الزرع المطفر إذ بسفببه يكون .ودل عليفه أيضفا "فرأوه مصففرا" على مفا يأتفي.
وقيفل :المعنفى مفن قبفل السفحاب مفن قبفل رؤيتفه؛ واختار هذا القول النحاس ،أي مفن قبفل رؤيفة
السحاب "لمبلسين" أي ليائسين .وقد تقدم ذكر السحاب.
**3الية{ 50 :فانظر إلى آثار رحمة ال كيف يحيي الرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى
وهو على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :فانظفر إلى آثار رحمفة ال" يعنفي المطفر؛ أي انظروا نظفر اسفتبصار واسفتدلل؛
أي اسفتدلوا بذلك على أن مفن قدر عليفه قادر على إحياء الموتفى .وقرأ ابفن عامفر وحففص وحمزه
والكسففائي" :آثار" بالجمففع .الباقون "بالتوحيففد؛ لنففه مضاف إلى مفرد .والثففر فاعففل "يحيففي"
ويجوز أن يكون الفاعل اسم ال عز وجل .ومن قرأ" :آثار" بالجمع فلن رحمة ال يجوز أن يراد
بهفا الكثرة؛ كمفا قال تعالى" :وإن تعدوا نعمفة ال ل تحصفوها" [إبراهيفم .]34 :وقرأ الجحدري
وأبو حيوة وغيرهما" :كيف تحيي الرض" بتاء؛ ذهب بالتأنيث إلى لفظ الرحمة؛ لن أثر الرحمة
يقوم مقامهفا فكأنفه هفو الرحمفة؛ أي كيفف تحيفي الرحمفة الرض أو الثار" .ويحيفي" أي يحيفي ال
عفز وجفل أو المطفر أو الثفر فيمفن قرأ بالياء .و"كيفف يحيفي الرض" ففي موضفع نصفب على
الحال على الحمفل على المعنفى لن اللففظ لففظ السفتفهام والحال خفبر؛ والتقديفر :فانظفر إلى أثفر
رحمة ال محيية للرض بعد موتها" .إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير" استدلل
بالشاهد على الغائب.
**3الية{ 51 :ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون}
@قوله تعالى" :ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا" يعني الريح ،والريح يجوز تذكيره .قال محمد
بن يزيد :ل يمتنع تذكير كل مؤنث غير حقيقي ،نحو أعجبني الدار وشبهه .وقيل :فرأوا السحاب.
وقال ابففن عباس :الزرع ،وهففو الثففر؛ والمعنففى :فرأوا الثففر مصفففرا؛ واصفففرار الزرع بعففد
اخضراره يدل على يبسفه ،وكذا السفحاب يدل على أنفه ل يمطفر ،والريفح على أنهفا ل تلقفح "لظلوا
من بعده يكفرون" أي ليظلن؛ وحسن وقوع الماضي في موضع المستقبل لما في الكلم من معنى
المجازاة ،والمجازاة ل تكون إل بالمستقبل؛ قاله الخليل وغيره.
**3الية{ 53 - 52 :فإنك ل تسمع الموتى ول تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ،وما أنت
بهاد العمي عن ضللتهم إن تسمع إل من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون}
@قوله تعالى" :فإنك ل تسمع الموتى" أي وضحت الحجج يا محمد؛ لكنهم للفهم تقليد السلف
في الكفر ماتت عقولهم وعميت بصائرهم ،فل يتهيأ لك إسماعهم وهدايتهم .وهذا رد على القدرية.
"إن تسفمع إل مفن يؤمفن بآياتنفا" أي ل تسفمع مواعفظ ال إل المؤمنيفن الذيفن يصفغون إلى أدلة
التوحيد وخلقت لهم الهداية .وقد مضى هذا في "النمل" ووقع قوله "بهاد العمي" هنا بغير ياء.
**3اليفة{ 54 :ال الذي خلقكفم مفن ضعفف ثفم جعفل مفن بعفد ضعفف قوة ثفم جعفل مفن بعفد قوة
ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير}
@قوله تعالى" :ال الذي خلقكفم مفن ضعفف" ذكفر اسفتدلل آخفر على قدرتفه ففي نففس النسفان
ليعتبر .ومعنى" :من ضعف" من نطفة ضعيفة .وقيل" :من ضعف" أي في حال ضعف؛ وهو ما
كانوا عليفه ففي البتداء مفن الطفولة والصفغر" .ثفم جعفل مفن بعفد ضعفف قوة" يعنفي الشبيبفة" .ثفم
جعفل مفن بعفد قوة ضعففا وشيبفة" يعنفي الهرم .وقرأ عاصفم وحمزة :بفتفح الضاد فيهفن ،الباقون
بالضم ،لغتان ،والضفم لغة النفبي صلى ال عليه وسلم .وقرأ الجحدري" :مفن ضعفف ثفم جعفل من
بعفد ضعفف" بالفتفح فيهمفا؛ "ضعففا" بالضفم خاصفة .أراد أن يجمفع بيفن اللغتيفن .قال الفراء :الضفم
لغفة قريفش ،والفتفح لغفة تميفم .الجوهري :الضعفف والضعفف :خلف القوة .وقيفل :الضعفف بالفتفح
ففي الرأي ،وبالضفم ففي الجسفد؛ ومنفه الحديفث ففي الرجفل الذي كان يخدع ففي البيوع( :أنفه يبتاع
وفففي عقدتففه ضعففف)" .وشيبففة" مصففدر كالشيففب ،والمصففدر يصففلح للجملة ،وكذلك القول فففي
الضعفف والقوة" .يخلق مفا يشاء" عنفي مفن قوة وضعفف" .وهفو العليفم" بتدبيره" .القديفر" على
إرادتففه .وأجاز النحويون الكوفيون "مففن ضَعَف" بفتففح العيففن ،وكذا كففل مففا كان فيففه حرف مففن
حروف الحلق ثانيا أو ثالثا.
**3الية{ 55 :ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون}
@قوله تعالى" :ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون" أي يحلف المشركون" .ما لبثوا غير ساعة"
ليس ففي هذا رد لعذاب القبر؛ إذ كان قد صح عن النبي صلى ال عليه وسلم من غير طريفق أنه
تعوذ منه ،وأمر أن يتعوذ منه؛ فمن ذلك ما رواه عبدال بن مسعود قال :سمع النبي صلى ال عليه
وسفلم أم حبيبفة وهفي تقول :اللهفم أمتعنفي بزوجفي رسفول ال ،وبأبفي أبفي سففيان ،وبأخفي معاويفة؛
فقال لها النفبي صلى ال عليه وسلم( :لقد سألت ال لجال مضروبة وأرزاق مقسومة ولكن سفليه
أن يعيذك من عذاب جهنم وعذاب القبر) في أحاديث مشهورة خرجها مسلم والبخاري وغيرهما.
وقد ذكرنا منها جملة ففي كتاب (التذكرة) .وفي معنفى" :ما لبثوا غير ساعة" قولن :أحدهما :أنه
ل بد من خمدة قبل يوم القيامة؛ فعلى هذا قالوا :ما لبثنا غير ساعة .والقول الخر :أنهم يعنون في
الدنيفا لزوالهفا وانقطاعهفا ،كمفا قال ال تعالى" :كأنهفم يوم يرونهفا لم يلبثوا إل عشيفة أو ضحاهفا"
[النازعات ]46 :كأن لم يلبثوا إل ساعة من نهار ،وإن كانوا قد أقسموا على غيب وعلى غير ما
يدرون .قال تعالى" :كذلك كانوا يؤفكون" أي كانوا يكذبون ففففي الدنيفففا؛ يقال :أففففك الرجفففل إذا
صرف عن الصدق والخير .وأرض مأفوكة :ممنوعة من المطر .وقد زعم جماعة من أهل النظر
أن القيامة ل يجوز أن يكون فيها كذب لما هم فيه ،والقرآن يدل على غير ذلك ،قال ال عز وجل:
"كذلك كانوا يؤفكون" أي كما صرفوا عن الحق في قسمهم أنهم ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا
يصرفون عن الحق في الدنيا؛ وقال جل وعز" :يوم يبعثهم ال جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم
ويحسبون أنهم على شيء أل إنهم هم الكاذبون" [المجادلة ]18 :وقال" :ثم لم تكن فتنتهم إل أن
قالوا وال ربنا ما كنا مشركين .انظر كيف كذبوا" [النعام.]23 :
**3الية{ 56 :وقال الذين أوتوا العلم واليمان لقد لبثتم في كتاب ال إلى يوم البعث فهذا يوم
البعث ولكنكم كنتم ل تعلمون}
@قوله تعالى" :وقال الذين أوتوا العلم واليمان لقد لبثتم في كتاب ال إلى يوم البعث" اختلف في
الذيفن أوتوا العلم؛ فقيفل الملئكفة .وقيفل النفبياء .وقيفل علماء المفم .وقيفل مؤمنفو هذه المفة .وقيفل
جميفع المؤمنيفن؛ أي يقول المؤمنون للكفار ردا عليهفم لقفد لبثتفم ففي قبوركفم إلى يوم البعفث .والفاء
في قوله" :فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم ل تعلمون" جواب لشرط محذوف دل عليه الكلم؛ مجازه:
إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث .وحكى يعقوب عن بعض القراء وهي قراءة الحسن" :إلى
يوم البعفث" بالتحريفك؛ وهذا ممفا فيفه حرف مفن حروف الحلق .وقيفل :معنفى "ففي كتاب ال" ففي
حكم ال .وقيل :في الكلم تقديم وتأخير؛ أي وقال الذين أوتوا العلم في كتاب ال واليمان لقد لبثتم
إلى يوم البعففث؛ قاله مقاتففل وقتادة والسففدي .القشيري :وعلى هذا "أوتوا العلم" بمعنففى كتاب ال.
وقيل :الذين حكم لهم في الكتاب بالعلم "فهذا يوم البعث" أي اليوم الذي كنتم تنكرونه.
**3الية{ 57 :فيومئذ ل ينفع الذين ظلموا معذرتهم ول هم يستعتبون}
@قوله تعالى" :فيومئذ ل ينففع الذيفن ظلموا معذرتهفم" أي ل ينفعهفم العلم بالقيامفة ول العتذار
يومئذ .وقيففل :لمففا رد عليهففم المؤمنون سففألوا الرجوع إلى الدنيففا واعتذروا فلم يعذروا" .ول هففم
يسففتعتبون" أي ول حالهففم حال مففن يسففتعتب ويرجففع؛ يقال :اسففتعتبته فأعتبنففي ،أي اسففترضيته
فأرضانفي ،وذلك إذا كنفت جانيفا عليفه .وحقيقفة أعتبتفه :أزلت عتبفه .وسفيأتي ففي "فصفلت" بيانفه.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي" :فيومئذ ل ينفع" بالياء ،والباقون بالتاء.
**3اليفة{ 60 - 58 :ولقفد ضربنفا للناس ففي هذا القرآن من كفل مثفل ولئن جئتهفم بآيفة ليقولن
الذيفن كفروا إن أنتفم إل مبطلون ،كذلك يطبفع ال على قلوب الذيفن ل يعلمون ،فاصفبر إن وعفد ال
حق ول يستخفنك الذين ل يوقنون}
@قوله تعالى" :ولقفد ضربنفا للناس ففي هذا القرآن مفن كفل مثفل" أي مفن كفل مثفل يدلهفم على مفا
يحتاجون إليفه ،وينبههفم على التوحيفد وصفدق الرسفل" .ولئن جئتهفم بآيفة" أي معجزة؛ كفلق البحفر
والعصففا وغيرهمففا "ليقولن الذيففن كفروا إن أنتففم" يقول الكفار إن أنتففم يففا معشففر المؤمنيففن" .إل
مبطلون" أي تتبعون الباطفل والسفحر "كذلك" أي كمفا طبفع ال على قلوبهفم حتفى ل يفهموا اليات
عفن ال فكذلك "يطبفع ال على قلوب الذيفن ل يعلمون" أدلة التوحيفد"فاصفبر إن وعفد ال حفق" أي
اصفبر على أذاهفم فإن ال ينصفرك "ول يسفتخفنك" أي ل يسفتفزنك عفن دينفك "الذيفن ل يوقنون"
قيفل :هفو النضفر بفن الحارث .والخطاب للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم والمراد أمتفه؛ يقال :اسفتخف
فلن فلنا أي استجهله حتى حمله على اتباعه في الغّي .وهو في موضع جزم بالنهي ،أكد بالنون
الثقيلة فبني على الفتح كما يبنى الشيئان إذا ضم أحدهما إلى الخر" .الذين ل يوقنون" في موضع
رفع ،ومن العرب من يقول :الذون في موضع الرفع .وقد مضى في "الفاتحة".
**2سورة لقمان
**3مقدمة السورة
@ وهي مكية ،غير آيتين قال قتادة :أولهما "ولو أنما في الرض من شجرة أقلم" [لقمان]27 :
إلى آخر اليتين .وقال ابن عباس :ثلث آيات ،أولهن "ولو أنما في الرض" [لقمان .]27:وهي
أربع وثلثون آية.
**3الية{ 5 - 1 :الم ،تلك آيات الكتاب الحكيم ،هدى ورحمة للمحسنين ،الذين يقيمون الصلة
ويؤتون الزكاة وهم بالخرة هم يوقنون ،أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}
@قوله تعالى" :الم ،تلك آيات الكتاب الحكيم" مضى الكلم في فواتح السور .و"تلك" في موضع
رفففع على إضمار مبتدأ ،أي هذه تلك .ويقال" :تيففك آيات الكتاب الحكيففم" بدل مففن تلك .والكتاب:
القرآن .والحكيففم :المحكففم؛ أي ل خلل فيففه ول تناقففض .وقيففل ذو الحكمففة وقيففل الحاكففم "هدى
ورحمة" بالنصب على الحال؛ مثل" :هذه ناقة ال لكم آية" [العراف ]73 :وهذه قراءة المدنيين
وأبفي عمرو وعاصفم والكسفائي .وقرأ حمزة" :هدى ورحمفة" بالرففع ،وهفو مفن وجهيفن :أحدهمفا:
على إضمار مبتدأ؛ لنفه أول آيفة .والخفر :أن يكون خفبر "تلك" .والمحسفن :الذي يعبفد ال كأنفه
يراه ،فإن لم يكففن يراه فإنففه يراه .وقيففل :هففم المحسففنون فففي الديففن وهففو السففلم؛ قال ال تعالى:
"ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه ل" [النساء ]125 :الية" .الذين يقيمون الصلة" في موضع
الصفة ،ويجوز الرفع على القطع بمعنى :هم الذين ،والنصب بإضمار أعني .وقد مضى الكلم في
هذه اليات.
**3الية{ 6 :ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل ال بغير علم ويتخذها هزوا
أولئك لهم عذاب مهين}
@قوله تعالى" :ومفن الناس مفن يشتري لهفو الحديفث" "مفن" ففي موضفع رففع بالبتداء .و"لهفو
الحديففث" :الغناء؛ فففي قول ابففن مسففعود وابففن عباس وغيرهمففا .وهففو ممنوع بالكتاب والسففنة؛
والتقدير :من يشتري ذا لهو أو ذات لهو؛ مثل" :واسأل القرية" [يوسف .]82 :أو يكون التقدير:
لما كان إنما اشتراها يشتريها ويبالغ في ثمنها كأنه اشتراها للهو.
قلت :هذه إحدى اليات الثلث التفي اسفتدل بهفا العلماء على كراهفة الغناء والمنفع منفه .واليفة
الثانية قوله تعالى" :وأنتم سامدون" [النجم .]61 :قال ابن عباس :هو الغناء بالحميرية؛ اسمدي
لنفا؛ أي غنفي لنفا .واليفة الثالثفة قوله تعالى" :واسفتفزز مفن اسفتطعت منهفم بصفوتك" [السفراء:
]64قال مجاهفد :الغناء والمزاميفر .وقفد مضفى ففي "السفراء" الكلم فيفه .وروى الترمذي عفن
أبي أمامة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :ل تبيعوا القينات ول تشتروهن ول تعلموهن
ول خيفر ففي تجارة فيهفن وثمنهفن حرام ،ففي مثفل هذا أنزلت هذه اليفة" :ومفن الناس مفن يشتري
لهو الحديث ليضل عن سبيل ال") إلى آخر الية .قال أبو عيسى :هذا حديث غريب ،إنما يروى
من حديث القاسم عن أبي أمامة ،والقاسم ثقة وعلّي ابن يزيد يضعّف في الحديث؛ قاله محمد بن
إسفماعيل .قال ابفن عطيفة :وبهذا فسفر ابفن مسفعود وابفن عباس وجابر بفن عبدال ومجاهفد ،وذكره
أبو الفرج الجوزي عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة والنخعّي.
قلت :هذا أعلى ما قيل في هذه الية ،وحلف على ذلك ابن مسعود بال الذي ل إله إل هو ثلث
مرات إنه الغناء .روى سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري قال :سئل عبدال بن مسعود عن
قوله تعالى" :ومفن الناس مفن يشتري لهفو الحديفث" فقال :الغناء وال الذي ل إله إل هفو؛ يرددهفا
ثلث مرات .وعفن ابفن عمفر أنفه الغناء؛ وكذلك قال عكرمفة وميمون بفن مهران ومكحول .وروى
شعبفة وسففيان عفن الحكفم وحماد عفن إبراهيفم قال قال عبدال بفن مسفعود :الغناء ينبفت النفاق ففي
القلب؛ وقاله مجاهفد ،وزاد :إن لهفو الحديفث ففي اليفة السفتماع إلى الغناء وإلى مثله مفن الباطفل.
وقال الحسن :لهو الحديث المعازف والغناء .وقال القاسم بن محمد :الغناء باطل والباطل في النار.
وقال ابن القاسم سألت مالكا عنه فقال :قال ال تعالى" :فماذا بعد الحق إل الضلل" [يونس]32 :
أفحق هو؟! وترجم البخاري (باب كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة ال ،ومن قال لصاحبه تعالى
أقامرك) ،وقوله تعالى" :ومففن الناس مففن يشتري لهففو الحديففث ليضففل عففن سففبيل ال بغيففر علم
ويتخذهفا هزوا" فقوله( :إذا شغفل عفن طاعفة ال) مأخوذ مفن قوله تعالى" :ليضفل عفن سفبيل ال".
وعفن الحسفن أيضفا :هفو الكففر والشرك .وتأوله قوم على الحاديفث التفي يتلهفى بهفا أهفل الباطفل
واللعب .وقيل :نزلت في النضر بن الحارث؛ لنه اشترى كتب العاجم :رستم ،واسفنديار؛ فكان
يجلس بمكففة ،فإذا قالت قريففش إن محمدا قال كذا ضحففك منففه ،وحدثهففم بأحاديففث ملوك الفرس
ويقول :حديثفي هذا أحسفن مفن حديفث محمفد؛ حكاه الفراء والكلبفي وغيرهمفا .وقيفل :كان يشتري
المغنيات فل يظفففر بأحففد يريففد السففلم إل انطلق بففه إلى قينتففه فيقول :أطعميففه واسففقيه وغنيففه؛
ويقول :هذا خيفر ممفا يدعوك إليفه محمفد مفن الصفلة والصفيام وأن تقاتفل بيفن يديفه .وهذا القول
والول ظاهففر فففي الشراء .وقالت طائفففة :الشراء فففي هذه اليففة مسففتعار ،وإنمففا نزلت اليففة فففي
أحاديفث قريفش وتلهيهفم بأمفر السفلم وخوضهفم ففي الباطفل .قال ابفن عطيفة :فكان ترك مفا يجفب
فعله وامتثال هذه المنكرات شراء لهفففففا؛ على حفففففد قوله تعالى" :أولئك الذيفففففن اشتروا الضللة
بالهدى" [البقرة]16 :؛ اشتروا الكففر باليمان ،أي اسفتبدلوه منفه واختاروه عليفه .وقال مطرف:
شراء لهو الحديث استحبابه .قتادة :ولعله ل ينفق فيه مال ،ولكن سماعه شراؤه.
قلت :القول الول أولى مففا قيففل بففه فففي هذا الباب؛ للحديففث المرفوع فيففه ،وقول الصففحابة
والتابعين فيه .وقد زاد الثعلبي والواحدي في حديث أبي أمامة( :وما من رجل يرفع صوته بالغناء
إل بعث ال عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والخر على هذا المنكب فل يزالن يضربان
بأرجلهمفا حتفى يكون هفو الذي يسفكت) .وروى الترمذي وغيره مفن حديفث أنفس وغيره عفن النفبي
صلى ال عليه وسلم أنه قال( :صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما :صوت مزمار ورنة شيطان
عند نغمة ومرح ورنة عند مصيبة لطم خدود وشق جيوب) .وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن
جده عن علّي عليه السلم قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :بعثت بكسر المزامير) خرجه
أبو طالب الغيلني .وخرج ابن بشران عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم
قال( :بعثففت بهدم المزاميففر والطبففل) .وروى الترمذي مففن حديففث علّي رضففي ال عنففه قال قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلء -فذكر منها:
إذا اتخذت القينات والمعازف) .وففي حديفث أبفي هريرة( :وظهرت القيان والمعازف) .وروى ابفن
المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال قال رسول ال صلى ال
عليفه وسفلم( :مفن جلس إلى قينفة يسفمع منهفا صفب ففي أذنفه النفك يوم القيامفة) .وروى أسفد بفن
موسففى عففن عبدالعزيففز بففن أبففي سففلمة عففن محمففد بففن المنكدر قال :بلغنففا أن ال تعالى يقول يوم
القيامفة( :أيفن عبادي الذيفن كانوا ينزهون أنفسفهم وأسفماعهم عفن اللهفو ومزاميفر الشيطان أحلوهفم
رياض المسك وأخبروهم أني قد أحللت عليهم رضواني) .وروى ابن وهب عن مالك عن محمد
بففن المنكدر مثله ،وزاد بعففد قوله (المسففك :ثففم يقول للملئكففة أسففمعوهم حمدي وشكري وثنائي،
وأخبروهم أل خوف عليهم ول هم يحزنون) .وقد روي مرفوعا هذا المعنى من حديث أبي موسى
الشعري أنه قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن
يسمع الروحانيين) .فقيل :ومن الروحانيون يا رسول ال؟ قال( :قراء أهل الجنة) خرجه الترمذي
الحكيم أبو عبدال في نوادر الصول ،وقد ذكرنا في كتاب التذكرة مع نظائره( :فمن شرب الخمر
ففي الدنيا لم يشربها في الخرة ،ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الخرة) .إلى غير ذلك.
وكل ذلك صحيح المعنى على ما بيناه هناك .ومن رواية مكحول عن عائشة قالت قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم( :من مات وعنده جارية مغنية فل تصلوا عليه).
@ ولهذه الثار وغيرها قال العلماء بتحريم الغناء .وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين به ،الذي
يحرك النفوس ويبعثهففا على الهوى والغزل ،والمجون الذي يحرك السففاكن ويبعففث الكامففن؛ فهذا
النوع إذا كان ففي شعفر يشبفب فيفه بذكفر النسفاء ووصفف محاسفنهن وذكفر الخمور والمحرمات ل
يختلف في تحريمه؛ لنه اللهو والغناء المذموم بالتفاق .فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في
أوقات الفرح؛ كالعرس والعيد وعند التنشيط على العمال الشاقة ،كما كان في حفر الخندق وحدو
أنجشة وسلمة بن الكوع .فأما ما ابتدعته الصوفية اليوم من الدمان على سماع المغاني باللت
المطربفة مفن الشبابات والطار والمعازف والوتار فحرام .قال ابفن العربّي :فأمفا طبفل الحرب فل
حرج فيفه؛ لنفه يقيفم النفوس ويرهفب العدو .وففي اليراعفة تردد .والدف مباح .الجوهريفّ :وربمفا
سفّموا قصفبة الراعفي التفي يزمفر بهفا هيرعفة ويراعفة .قال القشيريفّ :ضرب بيفن يدي النفبي صفلى
ال عليه وسلم يوم دخل المدينة ،فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :دعهن
يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح) فكن يضربن ويقلن :نحن بنات النجار ،حبذا محمد من
جار .وقد قيل :إن الطبل في النكاح كالدف ،وكذلك اللت المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما
يحسن من الكلم ولم يكن فيه رفث
@ الشتغال بالغناء على الدوام سفه ترد به الشهادة ،فإن لم يدم لم ترد .وذكر إسحاق بن عيسى
الطباع قال :سفألت مالك بفن أنفس عمفا يرخفص فيفه أهفل المدينفة مفن الغناء فقال :إنمفا يفعله عندنفا
الفسفاق .وذكفر أبفو الطيفب طاهفر بفن عبدال الطفبريّ قال :أمفا مالك بفن أنفس فإنفه نهفى عفن الغناء
وعفن اسفتماعه ،وقال :إذا اشترى جاريفة ووجدهفا مغنيفة كان له ردهفا بالعيفب؛ وهفو مذهفب سفائر
أهل المدينة؛ إل إبراهيم بن سعد فإنه حكى عنه زكريا الساجي أنه كان ل يرى به بأسا .وقال ابن
خويز منداد :فأما مالك فيقال عنه :إنه كان عالما بالصناعة وكان مذهبه تحريمها .وروي عنه أنه
قال :تعلمفت هذه الصفناعة وأنفا غلم شاب ،فقالت لي أمفي :أي بنّي! إن هذه الصفناعة يصفلح لهفا
من كان صبيح الوجه ولست كذلك ،فطلب العلوم الدينية؛ فصحبت ربيعة فجعل ال في ذلك خيرا.
قال أبفو الطيفب الطفبري :وأمفا مذهفب أبفي حنيففة فإنفه يكره الغناء مفع إباحتفه شرب النفبيذ ،ويجمفل
سففماع الغناء مففن الذنوب .وكذلك مذهففب سففائر أهففل الكوفففة :إبراهيففم والشعففبي وحماد والثوري
وغيرهفم ،ل اختلف بينهفم ففي ذلك .وكذلك ل يعرف بيفن أهفل البصفرة خلف ففي كراهيفة ذلك
والمنع منه؛ إل ما روي عن عبيدال بن الحسن العنبري أنه كان ل يرى به بأسا .قال :وأما مذهب
الشافعّي فقال :الغناء مكروه يشبفه الباطفل ،ومفن اسفتكثر منفه فهفو سففيه ترد شهادتفه .وذكفر أبفو
الفرج الجوزي عفن إمامفه أحمفد بفن حنبفل ثلث روايات قال :وقفد ذكفر أصفحابنا عفن أبفي بكفر
الخلل وصففاحبه عبدالعزيففز إباحففة الغناء ،وإنمففا أشاروا إلى مففا كان فففي زمانهمففا مففن القصففائد
الزهديات؛ قال :وعلى هذا يحمفل مفا لم يكرهفه أحمفد؛ ويدل عليفه أنفه سفئل عفن رجفل مات وخلف
ولدا وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها فقال :تباع على أنها ساذجة ل على أنها مغنية .فقيل
له :إنهفا تسفاوي ثلثيفن ألففا؛ ولعلهفا إن بيعفت سفاذجة تسفاوي عشريفن ألففا؟ فقال :ل تباع إل على
أنهفا سفاذجة .قال أبفو الفرج :وإنمفا قال أحمفد هذا لن هذه الجاريفة المغنيفة ل تغنفي بقصفائد الزهفد،
بل بالشعار المطربة المثيرة إلى العشق.
@ وهذا دليفل على أن الغناء محظور؛ إذ لو لم يكفن محظورا مفا جاز تفويفت المال على اليتيفم.
وصفار هذا كقول أبفي طلحفة للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم :عندي خمفر ليتام؟ فقال( :أ ِرقْهفا) .فلو
جاز اسففتصلحها لمففا أمففر بتضييففع مال اليتامففى .قال الطففبري :فقففد أجمففع علماء المصففار على
كراهة الغناء والمنع منه .وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيدال العنبري؛ وقد قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم( :عليكم بالسواد العظم .ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية) .قال أبو
الفرج :وقال القفال من أصحابنا :ل تقبل شهادة المغني والرقاص.
قلت :وإذ قفد ثبفت أن هذا المفر ل يجوز فأخفذ الجرة عليفه ل تجوز .وقفد ادعفى أبفو عمفر بفن
عبدالبر الجماع على تحريففم الجرة على ذلك .وقففد مضففى فففي النعام عنففد قوله" :وعنده مفاتففح
الغيب" [النعام ]59 :وحسبك.
@ قال القاضي أبو بكر بن العربي :وأما سماع القينات فيجوز للرجل أن يسمع غناء جاريته؛ إذ
ليس شيء منها عليه حراما ل من ظاهرها ول من باطنها ،فكيف يمنع من التلذذ بصوتها .أما أنه
ل يجوز انكشاف النساء للرجال ول هتك الستار ول سماع الرفث ،فإذا خرج ذلك إلى ما ل يحل
ول يجوز منفع مفن أوله واجتفث مفن أصفله .وقال أبفو الطيفب الطفبري :أمفا سفماع الغناء مفن المرأة
التفي ليسفت بمحرم فإن أصفحاب الشافعفي قالوا ل يجوز ،سفواء كانفت حرة أو مملوكفة .قال :وقال
الشافعفي :وصفاحب الجاريفة إذا جمفع الناس لسفماعها فهفو سففيه ترد شهادتفه؛ ثفم غلظ القول فيفه
فقال :فهفي دياثفة .وإنمفا جعفل صفاحبها سففيها لنفه دعفا الناس إلى الباطفل ،ومفن دعفا الناس إلى
الباطل كان سفيها.
@قوله تعالى" :ليضفل عفن سفبيل ال" قراءة العامفة بضفم الياء؛ أي ليضفل غيره عفن طريفق
الهدى ،وإذا أضل غيره فقد ضل .وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وأبو عمرو ورويس وابن
أبفي إسفحاق (بفتفح الياء) على اللزم؛ أي ليضفل هفو نفسفه" .ويتخذهفا هزوا" قراءة المدنييفن وأبفي
عمرو وعاصفم بالرففع عطففا على "مفن يشتري" ويجوز أن يكون مسفتأنفا .وقرأ العمفش وحمزة
والكسائي" :ويتخذهفا" بالنصفب عطفا على "ليضل" .ومن الوجهين جميعا ل يحسفن الوقفف على
قوله" :بغير علم" والوقف على قوله" :هزوا" ،والهاء في "يتخذها" كناية عن اليات .ويجوز أن
يكون كنايفة عفن السفبيل؛ لن السفبيل يؤنفث ويذكفر" .أولئك لهفم عذاب مهيفن" أي شديفد يهينهفم قال
الشاعر:
لقي الصليب من العذاب مهينا ولقد جزعت إلى النصارى بعدما
**3اليفة{ 7 :وإذا تتلى عليفه آياتنفا ولى مسفتكبرا كأن لم يسفمعها كأن ففي أذنيفه وقرا فبشره
بعذاب أليم}
@قوله تعالى" :وإذا تتلى عليه آياتنا" يعني القرآن" .ولى" أي أعرض" .مستكبرا" نصب على
الحال" .كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا" ثقل وصمما .وقد تقدم" .فبشره بعذاب أليم" تقدم.
**3الية{ 9 - 8 :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم ،خالدين فيها وعد ال حقا
وهو العزيز الحكيم}
@قوله تعالى" :إن الذيفن آمنوا وعملوا الصفالحات لهم جنات النعيفم" لمفا ذكفر عذاب الكفار ذكفر
نعيم المؤمنين".خالدين فيها" أي دائمين" .وعد ال حقا" أي وعدهم ال هذا وعدا حقا ل خلف فيه.
"وهو العزيز الحكيم" تقدم.
**3الية{ 11 - 10 :خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الرض رواسي أن تميد بكم
وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ،هذا خلق ال فأروني
ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلل مبين}
@قوله تعالى" :خلق السماوات بغير عمد ترونها" تكون "ترونها" في موضع خفض على النعت
لفف "عمفد" فيمكفن أن يكون ثفم عمفد ولكفن ل ترى .ويجوز أن تكون ففي موضفع نصفب على الحال
مففن "السففماوات" ول عمففد ثففم البتففة .النحاس :وسففمعت علي بففن سففليمان يقول :الولى أن يكون
مستأنفا ،ول عمد ثم؛ قاله مكي .ويكون "بغير عمد" التمام .وقد مضى في "الرعد" الكلم في هذه
الية" .وألقى في الرض رواسي" أي جبال ثوابت" .أن تميد بكم" في موضع نصب؛ أي كراهية
أن تميفد .والكوفيون يقدرونفه بمعنفى لئل تميفد" .وبفث فيهفا مفن كفل دابفة وأنزلنفا مفن السفماء ماء
فأنبتنفا فيهفا مفن كفل زوج كريفم" عفن ابفن عباس :مفن كفل لون حسفن .وتأوله الشعفبي على الناس؛
لنهفم مخلوقون مفن الرض؛ قال :مفن كان منهفم يصفير إلى الجنفة فهفو الكريفم ،ومفن كان منهفم
يصير إلى النار فهو اللئيم .وقد تأول غيره أن النطفة مخلوقة من تراب ،وظاهر القرآن يدل على
ذلك.
@قوله تعالى" :هذا خلق ال" مبتدأ وخفبر .والخلق بمعنفى المخلوق؛ أي هذا الذي ذكرتفه ممفا
تعاينون "خلق ال" أي مخلوق ال ،أي خلقها من غير شريك" .فأروني" معاشر المشركين "ماذا
خلق الذيففن مففن دونففه" يعنففي الصففنام" .بففل الظالمون" أي المشركون "فففي ضلل مففبين" أي
خسفران ظاهفر" .ومفا" اسفتفهام ففي موضفع رففع بالبتداء وخفبره "ذا" وذا بمعنفى الذي .و"خلق"
واقع على هاء محذوفة؛ تقديره فأروني أي شيء خلق الذين من دونه؛ والجملة في موضع نصب
بفف "أرونفي" وتضمفر الهاء مع "خلق" تعود على الذيفن؛ أي فأرونفي الشياء التي خلقها الذين من
دونه .وعلى هذا القول تقول :ماذا تعلمت ،أنحو أم شعر .ويجوز أن تكون "ما" في موضع نصب
بف "أروني" و"ذا" زائد؛ وعلى هذا القول يقول :ماذا تعلمت ،أنحوا أم شعرا.
**3الية{ 12 :ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر ل ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن
ال غني حميد}
@قوله تعالى" :ولقد آتينا لقمان الحكمة" مفعولن .ولم ينصرف "لقمان" لن في آخره ألفا ونونا
زائدتيفن؛ فأشبفه فعلن الذي أنثاه فعلى فلم ينصفرف ففي المعرففة لن ذلك ثقفل ثان ،وانصفرف ففي
النكرة لن أحفد الثقليفن قفد زال؛ قاله النحاس .وهفو لقمان بفن باعوراء بفن ناحور بفن تارح ،وهفو
آزر أبو إبراهيم؛ كذا نسبه محمد بن إسحاق .وقيل :هو لقمان بن عنقاء بن سرون وكان نوبيا من
أهفل أيلة؛ ذكره السفهيلي .قال وهفب :كان ابفن أخفت أيوب .وقال مقاتفل :ذكفر أنفه كان ابفن خالة
أيوب .الزمخشري :وهفو لقمان بفن باعوراء ابفن أخفت أيوب أو ابفن خالتفه ،وقيفل كان مفن أولد
آزر ،عاش ألف سفنة وأدركفه داود عليفه الصفلة والسفلم وأخفذ عنفه العلم ،وكان يفتفي قبفل مبعفث
داود ،فلما بعث قطع الفتوى فقيل له ،فقال :أل أكتفي إذ كفيت .وقال الواقدي :كان قاضيا في بني
إسفرائيل .وقال سفعيد ابفن المسفيب :كان لقمان أسفود مفن سفودان مصفر ذا مشاففر ،أعطاه ال تعالى
الحكمففة ومنعففه النبوة؛ وعلى هذا جمهور أهففل التأويففل إنففه كان وليففا ولم يكففن نبيففا .وقال بنبوتففه
عكرمففة والشعففبي؛ وعلى هذا تكون الحكمففة النبوة .والصففواب أنففه كان رجل حكيمففا بحكمففة ال
تعالى -وهفي الصفواب ففي المعتقدات والفقفه ففي الديفن والعقفل -قاضيفا ففي بنفي إسفرائيل ،أسفود
مشقق الرجلين ذا مشاففر ،أي عظيم الشفتين؛ قاله ابن عباس وغيره .وروي من حديث ابن عمر
قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :لم يكن لقمان نبيا ولكن كان عبدا كثير التفكر
حسن اليقين ،أحب ال تعالى فأحبه ،فمّن عليه بالحكمة ،وخيره في أن يجعله خليفة يحكم بالحق؛
فقال :رب ،إن خيرتنففي قبلت العافيففة وتركففت البلء ،وإن عزمففت علّي فسففمعا وطاعففة فإنففك
ستعصمني؛ ذكره ابن عطية .وزاد الثعلبي :فقالت له الملئكة بصوت ل يراهم :لم يا لقمان؟ قال:
لن الحاكفم بأشفد المنازل وأكدرهفا ،يغشاه المظلوم مفن كفل مكان ،إن يعفن فبالحرى أن ينجفو ،وإن
أخطأ أخطأ طريق الجنة .ومن يكن في الدنيا ذليل فذلك خير من أن يكون فيها شريفا .ومن يختر
الدنيفا على الخرة نفتفه الدنيفا ول يصفيب الخرة .فعجبفت الملئكفة مفن حسفن منطقفه؛ فنام نومفة
فأعطي الحكمة فانتبه يتكلم بها .ثم نودي داود بعده فقبلها -يعني الخلفة -ولم يشترط ما اشترطه
لقمان ،فهوى ففي الخطيئة غيفر مرة ،كفل ذلك يعففو ال عنفه .وكان لقمان يوازره بحكمتفه؛ فقال له
داود :طوبففى لك يففا لقمان! أعطيففت الحكمفة وصففرف عنففك البلء ،وأعطففى داود الخلفففة وابتلي
بالبلء والفتنفة .وقال قتادة :خيفر ال تعالى لقمان بيفن النبوة والحكمفة؛ فاختار الحكمفة على النبوة؛
فأتاه جبريفل عليفه السفلم وهفو نائم فذر عليفه الحكمفة فأصفبح وهفو ينطفق بهفا؛ فقيفل كيفف اخترت
الحكمة على النبوة وقد خيرك ربك؟ فقال :إنه لو أرسل إلي بالنبوة عزمة لرجوت فيها العون منه،
ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة ،فكانت الحكمة أحب إلي.
واختلف في صنعته؛ فقيل :كان خياطا؛ قاله سعيد بن المسيب ،وقال لرجل أسود :ل تحزن من
أنفك أسفود ،فإنفه كان مفن خيفر الناس ثلثفة مفن السفودان :بلل ومهجفع مولى عمفر ولقمان .وقيفل:
كان يحتطفب كفل يوم لموله حزمفة حطفب .وقال لرجفل ينظفر إليفه :إن كنفت ترانفي غليفظ الشفتيفن
فإنفه يخرج مفن بينهمفا كلم رقيفق ،وإن كنفت ترانفي أسفود فقلبفي أبيفض .وقيفل :كان راعيفا ،فرآه
رجفل كان يعرففه قبفل ذلك فقال له :ألسفت عبفد بنفي فلن؟ قال بلى .قال :فمفا بلغ بفك مفا أرى؟ قال:
قدر ال ،وأدائي المانة ،وصدق الحديث ،وترك ما ل يعنيني؛ قاله عبدالرحمن بن زيد بن جابر.
وقال خالد الربعفي :كان نجارا؛ فقال له سفيده :اذبفح لي شاة وأتنفي بأطيبهفا مضغتيفن؛ فأتاه باللسفان
والقلب؛ فقال له :مفا كان فيهفا شيفء أطيفب مفن هذيفن؟ فسفكت ،ثفم أمره بذبفح شاة أخرى ثفم قال له:
ألق أخبثهفا مضغتيفن؛ فألقفى اللسفان والقلب؛ فقال له :أمرتفك أن تأتينفي بأطيفب مضغتيفن فأتيتنفي
باللسفان والقلب ،وأمرتفك أن تلقفي أخبثهفا فألقيفت اللسفان والقلب؟! فقال له :إنفه ليفس شيفء أطيفب
منهما إذا طابا ،ول أخبث منهما إذا خبثا.
قلت :هذا معناه مرفوع ففي غيفر مفا حديفث؛ مفن ذلك قوله صفلى ال عليفه وسفلم( :أل وإن ففي
الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب) .وجاء في
اللسان آثار كثيرة صحيحة وشهيرة؛ منها قوله عليه السلم( :من وقاه ال شر اثنتين ولج الجنة :ما
بين لحييه ورجليه )...الحديث .وحكم لقمان كثيرة مأثورة هذا منها .وقيل له :أي الناس شر؟ قال:
الذي ل يبالي أن رآه الناس مسيئا.
قلت :وهذا أيضفا مرفوع معنفى ،قال صفلى ال عليفه وسفلم( :كفل أمتفي معاففى إل المجاهرون
وإن مففن المجاهرة أن يعمففل الرجففل بالليففل عمل ثففم يصففبح وقففد سففتره ال فيقول يففا فلن عملت
البارحفة كذا وكذا وقفد بات يسفتره ربفه ويصفبح يكشفف سفتر ال عنفه) .رواه أبفو هريرة خرجفه
البخاري .وقال وهفب بفن منبفه :قرأت مفن حكمفة لقمان أرجفح مفن عشرة آلف باب .وروي أنفه
دخفل على داود عليفه السفلم وهفو يسفرد الدروع ،وقفد ليفن ال له الحديفد كالطيفن فأراد أن يسفأل،
فأدركتفه الحكمفة فسفكت؛ فلمفا أتمهفا لبسفها وقال :نعفم لبوس الحرب أنفت .فقال :الصفمت حكمفة،
وقليل فاعله .فقال له داود :بحق ما سميت حكيما.
@قوله تعالى" :أن اشكر ل" فيه تقديران :أحدهما أن تكون "أن" بمعنى أي مفسرة؛ أي قلنا له
اشكر .والقول الخر أنها في موضع نصب والفعل داخل في صلتها؛ كما حكى سيبويه :كتبت إليه
أن قفم؛ إل أن هذا الوجفه عنده بعيفد .وقال الزجاج :المعنفى ولقفد آتينفا لقمان الحكمفة لن يشكفر ال
تعالى .وقيفل :أي بأن اشكفر ل تعالى فشكفر؛ فكان حكيمفا بشكره لنفا .والشكفر ل :طاعتفه فيمفا أمفر
به .وقد مضى القول في حقيقته لغة ومعنى في "البقرة" وغيرها" .ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه"
أي من يطع ال تعالى فإنما يعمل لنفسه؛ لن نفع الثواب عائد إليه" .ومن كفر" أي كفر النعم فلم
يوحفد ال "فإن ال غنفي" عفن عبادة خلقفه "حميفد" عنفد الخلق؛ أي محمود .وقال يحيفى بفن سفلم:
"غني" عن خلقه "حميد" في فعله.
**3الية{ 13 :وإذ قال لقمان لبنه وهو يعظه يا بني ل تشرك بال إن الشرك لظلم عظيم}
@قوله تعالى" :وإذ قال لقمان لبنه وهو يعظه" قال السهيلي :اسم ابنه ثاران؛ في قول الطبري
والقتبي .وقال الكلبي :مشكم .وقيل أنعم؛ حكاه النقاش .وذكر القشيري أن ابنه وامرأته كانا كافرين
فما زال يعظهما حتى أسلما.
قلت :ودل على هذا قوله :وفي صحيح مسلم وغيره عن عبدال قال :لما نزلت "الذين آمنوا ولم
يلبسفوا إيمانهفم بظلم" [النعام ]82 :شفق ذلك على أصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم
وقالوا :أينا ل يظلم نفسه؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ليس هو كما تظنون إنما هو كما
قال لقمان لبنه :يا بني ل تشرك بال إن الشرك لظلم عظيفم) .واختلف ففي قوله" :إن الشرك لظلم
عظيفم" فقيفل :إنه مفن كلم لقمان .وقيل :هو خفبر من ال تعالى منقطعفا مفن كلم لقمان متصفل به
في تأكيد المعنى؛ ويؤيد هذا الحديث المأثور أنه لما نزلت" :الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم"
[النعام ]82 :أشففق أصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وقالوا :أينفا لم يظلم؛ فأنزل ال
تعالى" :إن الشرك لظلم عظيففم "فسففكن إشفاقهففم ،وإنمففا يسففكن إشفاقهففم بأن يكون خففبرا مففن ال
تعالى؛ وقففد يسففكن الشفاق بأن يذكففر ال ذلك عففن عبففد قففد وصفففه بالحكمففة والسففداد .و"إذ" فففي
موضفع نصفب بمعنفى اذكفر .وقال الزجاج ففي كتابفه ففي القرآن :إن "إذ" ففي موضفع نصفب بفف
"آتينا" والمعنى :ولقد آتينا لقمان الحكمة إذ قال .النحاس :وأحسبه غلطا؛ لن في الكلم واوا تمنع
مفن ذلك .وقال" :يفا بنيّ" بكسفر الياء؛ لنهفا دالة على الياء المحذوففة ،ومفن فتحهفا فلخففة الفتحفة
عنده؛ وقفد مضفى ففي "هود" القول ففي هذا .وقوله" :يفا بنفي" ليفس هفو على حقيقفة التصفغير وإن
كان على لفظه ،وإنما هو على وجه الترقيق؛ كما يقال للرجل :يا أخي ،وللصبي هو كويس.
**3الية{ 15 - 14 :ووصينا النسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين
أن اشكففر لي ولوالديففك إلي المصففير ،وإن جاهداك على أن تشرك بففي مففا ليففس لك بففه علم فل
تطعهمفا وصفاحبهما ففي الدنيفا معروففا واتبفع سفبيل مفن أناب إلي ثفم إلي مرجعكفم فأنبئكفم بمفا كنتفم
تعملون}
@قوله تعالى" :ووصينا النسان بوالديه" هاتان اليتان اعتراض بين أثناء وصية لقمان .وقيل:
إن هذا مما أوصى به لقمان ابنه؛ أخبر ال به عنه؛ أي قال لقمان لبنه :ل تشرك بال ول تطع في
الشرك والديك ،فإن ال وصى بهما في طاعتهما مما ل يكون شركا ومعصية ل تعالى .وقيل :أي
وإذ قال لقمان لبنه؛ فقلنا للقمان فيما آتيناه من الحكمة ووصينا النسان بوالديه؛ أي قلنا له اشكر
ل ،وقلنا له ووصينا النسان .وقيل :وإذ قال لقمان لبنه ،ل تشرك ،ونحن وصينا النسان بوالديه
حسفنا ،وأمرنفا الناس بهذا ،وأمفر لقمان بفه ابنفه؛ ذكفر هذه القوال القشيري .والصفحيح أن هاتيفن
اليتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص؛ كما تقدم في "العنكبوت" وعليه جماعة المفسرين.
وجملة هذا الباب أن طاعففة البويففن ل تراعففى فففي ركوب كففبيرة ول فففي ترك فريضففة على
العيان ،وتلزم طاعتهمففا فففي المباحات ،ويسففتحسن فففي ترك الطاعات الندب؛ ومنففه أمففر الجهاد
الكفايففة ،والجابففة للم فففي الصففلة مففع إمكان العادة؛ على أن هذا أقوى مففن الندب؛ لكففن يعلل
بخوف هلكفة عليهفا ،ونحوه ممفا يبيفح قطفع الصفلة فل يكون أقوى مفن الندب .وخالف الحسفن ففي
هذا التفصيل فقال :إن منعته أمه من شهود العشاء شفقة فل يطعها.
@ لما خص تعالى الم بدرجة ذكر الحمل وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلث مراتب،
وللب واحدة؛ وأشبه ذلك قوله صلى ال عليه وسلم حين قال له رجل من أبّر؟ قال( :أمك) قال ثم
من؟ قال( :أمك) قال ثم من؟ قال( :أمك) قال ثم من؟ قال( :أبوك) فجعل له الّربع من المبرة كما
في هذه الية؛ وقد مضى هذا كله في "السراء".
@قوله تعالى" :وهنفا على وهفن" أي حملتفه ففي بطنهفا وهفي تزداد كفل يوم ضعففا على ضعفف.
وقيل :المرأة ضعيفة الخلقة ثم يضعفها الحمل .وقرأ عيسى الثقفّي" :وهنا على وهن" بفتح الهاء
فيهما؛ ورويت عن أبي عمرو ،وهما بمعنى واحد .قال قعنب بن أم صاحب:
إن العواذل فيها الين والوهن هل للعواذل من ناه فيزجرها
يقال :وهن يهن ،ووهن يوهن ووهن ،يهن؛ مثل ورم يرم .وانتصب "وهنا" على المصدر؛ ذكره
القشيري .النحاس :على المفعول الثاني بإسقاط حرف الجر؛ أي حملته بضعف على ضعف .وقرأ
الجمهور" :وفصففاله" وقرأ الحسففن ويعقوب" :وفصففله" وهمففا لغتان ،أي وفصففاله فففي انقضاء
عامين؛ والمقصود من الفصال الفطام ،فعبّر بغايته ونهايته .ويقال :انفصل عن كذا أي تميّز؛ وبه
سمي الفصيل.
@ الناس مجمعون على العامين في مدة الرضاع في باب الحكام والنفقات ،وأما في تحريم اللبن
فحّددت فرقة بالعام ل زيادة ول نقص .وقالت فرقة :العامان وما اتصل بهما من الشهر ونحوه إذا
كان متصل الرضاع .وقالت فرقة :إن فطم الصبّي قبل العامين وترك اللبن فإن ما شرب بعد ذلك
في الحولين ل يحّرم؛ وقد مضى هذا في "البقرة" مستوفى.
@قوله تعالى" :أن اشكفر لي" "أن" ففي موضفع نصفب ففي قول الزجاج ،وأن المعنفى :ووصفينا
النسففان بوالديففه أن اشكففر لي .النحاس :وأجود منففه أن تكون "أن" مفسففرة ،والمعنففى :قلنففا له أن
اشكفر لي ولوالديفك .قيفل :الشكفر ل على نعمفة اليمان ،وللوالديفن على نعمفة التربيفة .وقال سففيان
بفن عيينفة :من صفلى الصفلوات الخمفس فقفد شكفر ال تعالى ،ومفن دعفا لوالديفه ففي أدبار الصفلوات
فقد شكرهما.
@قوله تعالى" :وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فل تطعهما" قد بينا أن هذه
الية والتي قبلها نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص لما أسلم ،وأن أمه وهي حمنة بنت أبي سفيان
بن أمية حلفت أل تأكل؛ كما تقدم في الية قبلها.
@قوله تعالى" :وصاحبهما في الدنيا معروفا" نعت لمصدر محذوف؛ أي مصاحبا معروفا؛ يقال
صاحبته مصاحبة ومصاحبا .و"معروفا" أي ما يحسن.
والية دليل على صلة البوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقير ،وإلنة القول والدعاء
إلى السلم برفق .وقد قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبّي عليه الصلة والسلم وقد قدمت
عليفه خالتهفا وقيفل أمهفا مفن الرضاعفة فقالت :يفا رسفول ال ،إن أمفي قدمفت علّي وهفي راغبفة
أفأصلها؟ قال( :نعم) .وراغبة قيل معناه :عن السلم .قال ابن عطية :والظاهر عندي أنها راغبة
ففي الصفلة ،ومفا كانفت لتقدم على أسفماء لول حاجتهفا .ووالدة أسفماء هفي قتيلة بنفت عبفد العّزى بفن
عبد أسد .وأم عائشة وعبدالرحمن هي أم رومان قديمة السلم.
@قوله تعالى" :واتبع سبيل من أناب إلي" وصية لجميع العالم؛ كأن المأمور النسان .و"أناب"
معناه مال ورجفع إلى الشيفء؛ وهذه سفبيل النفبياء والصفالحين .وحكفى النقاش أن المأمور سفعد،
والذي أناب أبو بكر؛ وقال :إن أبا بكر لما أسلم أتاه سعد وعبدالرحمن بن عوف وعثمان وطلحة
وسفعيد والزبيفر فقالوا :آمنفت! قال نعفم؛ فنزلت فيفه" :أمفن هفو قانفت آناء الليفل سفاجدا وقائمفا يحذر
الخرة ويرجوا رحمة ربه" [الزمر ]9 :فلما سمعها الستة آمنوا؛ فأنزل ال تعالى فيهم" :والذين
اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوهفففا وأنابوا إلى ال لهفففم البشرى" إلى قوله "أولئك الذيفففن هداهفففم ال"
[الزمر .]18 - 17 :قيل :الذي أناب النبي صلى ال عليه وسلم .وقال ابن عباس :ولما أسلم سعد
أسفلم معفه أخواه عامفر وعويمفر؛ فلم يبفق منهفم مشرك إل عتبفة .ثفم توعفد عفز وجفل ببعفث مفن ففي
القبور والرجوع إليه للجزاء والتوقيف على صغير العمال وكبيرها.
**3الية{ 16 :يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في
الرض يأت بها ال إن ال لطيف خبير}
@ المعنى :وقال لقمان لبنه يا بنّي .وهذا القول من لقمان إنما قصد به إعلم ابنه بقدر قدرة ال
تعالى .وهذه الغايففة التففي أمكنففه أن يفهمففه ،لن الخردلة يقال :إن الحّفس ل يدرك لهففا ثقل ،إذ ل
ترجففح ميزانففا .أي لو كان للنسففان رزق مثقال حّبففة خردل فففي هذه المواضففع جاء ال بهففا حتففى
يسوقها إلى من هي رزقه؛ أي ل تهتم للرزق حتى تشتغل به عن أداء الفرائض ،وعن اتباع سبيل
من أناب إلّي.
قلت :ومفن هذا المعنفى قول النفبي صفلى ال عليفه وسفلم لعبدال بفن مسفعود( :ل تكثفر همفك مفا
يقدر يكون ومففا ترزق يأتيففك) .وقففد نطقففت هذه اليففة بأن ال تعالى قففد أحاط بكففل شيففء علمففا،
وأحصفى كفل شيفء عددا؛ سفبحانه ل شريفك له .وروي أن ابفن لقمان سفأل أباه عفن الحبفة التفي تقفع
ففي سففل البحفر أيعلمهفا ال؟ فراجعفه لقمان بهذه اليفة .وقيفل :المعنفى أنفه أراد العمال ،المعاصفي
والطاعات؛ أي إن تففك الحسففنة أو الخطيئة مثقال حبففة يأت بهففا ال؛ أي ل تفوت النسففان المقدر
وقوعها منه .وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة ترجية وتخويف مضاف ذلك إلى تبيين قدرة ال
تعالى .وفي القول الول ليس فيه ترجية ول تخويف.
@قوله تعالى" :مثقال حبة" عبارة تصلح للجواهر ،أي قدر حبة ،وتصلح للعمال؛ أي ما يزنه
على جهفة المماثلة قدر حبفة .وممفا يؤيفد قول مفن قال هفي مفن الجواهفر :قراءة عبدالكريفم الجزري
"فتكفن" بكسفر الكاف وشفد النون ،مفن الكّن الذي هفو الشيفء المغطفى .وقرأ جمهور القّراء" :إن
تفك" بالتاء مفن فوق "مثقال" بالنصفب على خفبر كان ،واسفمها مضمفر تقديره :مسفألتك ،على مفا
روي ،أو المعصية والطاعة على القول الثاني؛ ويدل على صحته قول ابن لقمان لبيه :يا أبت إن
عملت الخطيئة حيث ل يراني أحد كيف يعلمها ال؟ فقال لقمان له" :يا بني إنها إن تك مثقال حبة
مفن خردل فتكفن ففي صفخرة" اليفة .فمفا زال ابنفه يضطرب حتفى مات؛ قاله مقاتفل .والضميفر ففي
"إنهفا" ضميفر القصفة؛ كقولك :إنهفا هنفد قائمفة؛ أي القصفة إنهفا إن تفك مثقال حبفة .والبصفريون
يجيزون :إنهففا زيففد ضربتففه؛ بمعنففى إن القصففة .والكوفيون ل يجيزون هذا إل فففي المؤنففث كمففا
ذكرنفا .وقرأ ناففع" :مثقال" بالرففع ،وعلى هذا "تفك" يرجفع إلى معنفى خردلة؛ أي إن تفك حبفة مفن
خردل .وقيل :أسند إلى المثقال فعل فيه علمة التأنيث من حيث انضاف إلى مؤنث هو منه؛ لن
مثقال الحبفة مفن الخردل إمفا سفيئة أو حسفنة؛ كمفا قال" :فله عشفر أمثالهفا" [النعام ]160 :فأنفث
وإن كان المثل مذكرا؛ لنه أراد الحسنات .ومن هذا قول الشاعر:
أعاليها مر الرياح النواسم مشين كما اهتزت رماح تسفهت
و"تك" ها هنا بمعنى تقع فل تقتضي خبرا.
@قوله تعالى" :فتكن في صخرة" قيل :معنى الكلم المبالغة والنتهاء في التفهيم؛ أي أن قدرته
تعالى تنال مففا يكون فففي تضاعيففف صففخرة ومففا يكون فففي السففماء والرض .وقال ابففن عباس:
الصفخرة تحفت الرضيفن السفبع وعليهفا الرض .وقيفل :هفي الصفخرة على ظهفر الحوت .وقال
السفّدي :هفي صفخرة ليسفت ففي السفموات والرض ،بفل هفي وراء سفبع أرضيفن عليهفا ملك قائم؛
لنه قال" :أو في السموات أو في الرض" وفيهما غنية عن قوله" :فتكن في صخرة"؛ وهذا الذي
قاله ممكفن ،ويمكفن أن يقال :قوله" :فتكفن ففي صفخرة" تأكيفد؛ كقوله" :اقرأ باسفم ربفك الذي خلق.
خلق النسان من علق" [العلق ،]2 :وقول" :سبحان الذي أسرى بعبده ليل" [السراء.]1 :
**3الية{ 17 :يا بني أقم الصلة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن
ذلك من عزم المور}
@قوله تعالى" :يفا بنفي أقم الصفلة" و صّى ابنه بعظفم الطاعات وهفي الصفلة والمفر بالمعروف
والنهي عن المنكر .وهذا إنما يريد به بعد أن يمتثل ذلك هو في نفسه ويزدجر عن المنكر ،وهنا
هي الطاعات والفضائل أجمع .ولقد أحسن من قال:
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم وابدأ بنفسك فانهها عن غَيها
ففي أبيات تقدم ففي "البقرة" ذكرهفا" .واصفبر على مفا أصفابك" يقتضفي حضفا على تغييفر المنكفر
وإن نالك ضرر؛ فهفو إشعار بأن المغيفر أحيانفا؛ وهذا القدر على جهفة الندب والقوة ففي ذات ال؛
وأمفا على اللزوم فل ،وقفد مضفى الكلم ففي هذا مسفتوفى ففي "آل عمران والمائدة" .وقيفل :أمره
بالصفبر على شدائد الدنيفا كالمراض وغيرهفا ،وأل يخرج مفن الجزع إلى معصفية ال عفز وجفل؛
وهذا قول حسفن لنفه يعّم" .إن ذلك مفن عزم المور" قال ابفن عباس :مفن حقيقفة اليمان الصفبر
على المكاره .وقيل :إن إقامة الصلة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عزم المور؛ أي
مما عزمه ال وأمر به؛ قاله ابن جريج .ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الخلق وعزائم أهل
الحزم السالكين طريق النجاة .وقول ابن جريج صوب.
**3الية{ 18 :ول تصعر خدك للناس ول تمش في الرض مرحا إن ال ل يحب كل مختال
فخور}
@ قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن محيصن" :تصاعر" باللف بعد الصاد .وقرأ ابن
صعّر" وقرأ الجحدري" :تُ صْعر" بسكون الصاد؛ كثير وعاصم وابن عامر والحسن ومجاهد" :تُ َ
والمعنفى متقارب .والصفعر :الميفل؛ ومنفه قول العرابفي :وقفد أقام الدهفر صفعري ،بعفد أن أقمفت
صعره .ومنه قول عمرو بن حنّي التغلبي:
أقمنا له من ميله فتقومِ وكنا إذا الجبار صعر خده
وأنشده الطبري" :فتقوما" .قال ابن عطية :وهو خطأ؛ لن قافية الشعر مخفوضة .وفي بيت آخر:
أقمنففا له مففن خّده المتصففعر قال الهروي" :ل تصففاعر" أي ل تعرض عنهففم تكففبرا عليهففم؛ يقال:
أصفاب البعيفر صفعر وصفيد إذ أصفابه داء يلوي منفه عنقفه .ثفم يقال للمتكفبر :فيفه صفعر وصفيد؛
فمعنى" :ل تصعر" أي ل تلزم خّدك الصعر .وفي الحديث( :يأتي على الناس زمان ليس فيهم إل
أصفعر أو أبتفر) والصفعر :المعرض بوجهفه كفبرا؛ وأراد رذالة الناس الذيفن ل ديفن لهفم .وففي
الحديث( :كل صعار ملعون) أي كل ذي أبهة وكبر.
@ معنفى اليفة :ول تمفل خّدك للناس كفبرا عليهفم وإعجابفا واحتقارا لهفم .وهذا تأويفل ابفن عباس
وجماعفة .وقيفل :هفو أن تلوي شدقفك إذا ذكفر الرجفل عندك كأنفك تحتقره؛ فالمعنفى :أقبفل عليهفم
متواضعفا مؤنسفا مسفتأنسا ،وإذا حدثفك أصفغرهم فاصفغ إليفه حتفى يكمفل حديثفه .وكذلك كان النفبي
صلى ال عليه وسلم يفعل.
قلت :ومن هذا المعنى ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال( :ل تباغضوا ول تدابروا ول تحاسدوا وكونوا عباد ال إخوانا ،ول يحل لمسلم أن
يهجففر أخاه فوق ثلث) .فالتدابر العراض وترك الكلم والسففلم ونحوه .وإنمففا قيففل للعراض
تدابر لن من أبغضته أعرضت عنه ووليته دبرك؛ وكذلك يصنع هو بك .ومن أحببته أقبلت عليه
بوجهك وواجهته لتسفره ويسفرك؛ فمعنى التدابر موجود فيمن صفعر خده ،وبه فسفر مجاهفد اليفة.
وقال ابفن خويفز منداد :قوله" :ول تصفاعر خّدك للناس" كأنفه نهفى أن يذل النسفان نفسفه مفن غيفر
حاجة؛ ونحو ذلك روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :ليس للنسان أن يذل نفسه).
@قوله تعالى" :ول تمش في الرض مرحا" أي متبخترا متكبرا ،مصدر في موضع الحال ،وقد
مضى في "السراء" .وهو النشاط والمشي فرحا في غير شغل وفي غير حاجة .وأهل هذا الخلق
ملزمون للفخفر والخيلء؛ فالمرح مختال ففي مشيتفه .روى يحيفى بفن جابر الطائي عفن ابفن عائذ
الزدي عفن غضيففف بففن الحارث قال :أتيفت بيففت المقدس أنففا وعبدال بفن عبيفد بفن عميفر قال:
فجلسنا إلى عبدال بن عمرو بن العاصي فسمعته يقول :إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول :يا
ابن آدم ما غرك بي! ألم تعلم أني بيت الوحدة! ألم تعلم أني بيت الظلمة! ألم تعلم أني بيت الحق!
يفا ابفن آدم مفا غّرك بفي! لقفد كنفت تمشفي حولي فّدادا .قال ابفن عائذ قلت لغُضيفف :مفا الفدّاد يفا أبفا
أسفماء؟ قال :كبعفض مشيتفك يفا ابفن أخفي أحيانفا .قال أبفو عبيفد :والمعنفى ذا مال كثيفر وذا خيلء.
وقال صلى ال عليه وسلم( :من جّر ثوبه خيلء ل ينظر ال إليه يوم القيامة) .والفخور :هو الذي
يعدد ما أعطي ول يشكر ال تعالى؛ قاله مجاهد .وفي اللفظة الفخر بالنسب وغير ذلك.
**3الية{ 19 :واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الصوات لصوت الحمير
@قوله تعالى" :واقصد في مشيك" لما نهاه عن الخلق الذميم رسم له الخلق الكريم الذي ينبغي أن
يسفتعمله فقال" :واقصفد ففي مشيفك" أي توسفّط فيفه .والقصفد :مفا بيفن السفراع والبطفء؛ أي ل تدب
دبيفب المتماوتيفن ول تثفب وثفب الشطار؛ وقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :سفرعة المشفي
تذهفب بهاء المؤمفن) .فأمفا مفا روي عنفه عليفه السفلم أنفه كان إذا مشفى أسفرع ،وقول عائشفة ففي
عمر رضي ال عنهما :كان إذا مشى أسرع -فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت؛
وال أعلم .وقد مدح ال سبحانه من هذه صفته حسبما تقّدم بيانه في "الفرقان".
@قوله تعالى" :واغضض من صوتك" أي انقص منه؛ أي ل تتكلف رفع الصوت وخذ منه ما
تحتاج إليفه؛ فإن الجهفر بأكثفر مفن الحاجفة تكلف يؤذي .والمراد بذلك كله التواضفع؛ وقفد قال عمفر
لمؤذن تكلف رفففع الذان بأكثففر مففن طاقتففه :لقففد خشيففت أن ينشففق ُم ْريَطاؤك! والمؤذن هففو أبففو
محذورة سففمرة بففن معيففر .والمريطاء :مففا بيففن السففرة إلى العانففة" .إن أنكففر الصففوات لصففوت
الحميفر" أي أقبحهفا وأوحشهفا؛ ومنفه أتانفا بوجفه منكفر .والحمار مثفل ففي الذم البليفغ والشتيمفة،
وكذلك نهاقفه؛ ومفن اسفتفحاشهم لذكره مجردا أنهفم يكنون عنفه ويرغبون عفن التصفريح فيقولون:
الطويفل الذنيفن؛ كمفا يكنفى عفن الشياء المسفتقذرة .وقفد عفد ففي مسفاوئ الداب أن يجري ذكفر
الحمار ففي مجلس قوم مفن أولي المروءة .ومفن العرب مفن ل يركفب الحمار اسفتنكافا وإن بلغفت
منه الرجلة .وكان عليه الصلة والسلم يركبه تواضعا وتذلل ل تبارك وتعالى.
@ ففي اليفة دليفل على تعريفف قبفح رففع الصفوت ففي المخاطبفة والملحاة بقبفح أصفوات الحميفر؛
لنهفا عاليفة .وففي الصفحيح عفن النبّي صفلى ال عليفه وسفلم أنفه قال( :وإذا سفمعتم نهيفق الحميفر
فتعوذوا بال مفن الشيطان فإنهفا رأت شيطانفا) .وقفد روي :أنفه مفا صفاح حمار ول نبفح كلب إل أن
يرى شيطانفا .وقال سففيان الثوري :صفياح كفل شيفء شيفء تسفبيح إل نهيفق الحميفر .وقال عطاء:
نهيق الحمير دعاء على الظلمة.
@ وهذه اليفة أدب مفن ال تعالى بترك الصفياح ففي وجوه الناس تهاونفا بهفم ،أو بترك الصفياح
جملة؛ وكانفت العرب تفخفر بجهارة الصفوت الجهيفر وغيفر ذلك ،فمفن كان منهفم أشفد صفوتا كان
أعز ،ومن كان أخفض كان أذل ،حتى قال شاعرهم:
جهير الرواء جهير النعم جهير الكلم جهير العطاس
ويعلو الرجال بخلق عمم ويعد على الين عدوى الظليم
فنهى ال سفبحانه وتعالى عن هذه الخلق الجاهلية بقوله" :إن أنكر الصفوات لصفوت الحميفر" أي
لو أن شيئا يهاب لصوته لكان الحمار؛ فجعلهم في المثل سواء.
@قوله تعالى" :لصوت الحمير" اللم للتأكيد ،ووحد الصوت وإن كان مضافا إلى الجماعة لنه
مصدر والمصدر يدل على الكثرة ،وهو مصدر صات يصوت صوتا فهو صائت .ويقال :صوت
تصفويتا فهفو مصفوت .ورجفل صفات أي شديفد الصفوت بمعنفى صفائت؛ كقولهفم :رجال مال ونال؛
أي كثير المال والنوال.
**3الية{ 21 - 20 :ألم تروا أن ال سخر لكم ما في السماوات وما في الرض وأسبغ عليكم
نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في ال بغير علم ول هدى ول كتاب منير ،إذا قيل لهم
اتبعوا مففا أنزل ال قالوا بففل نتبففع مففا وجدنففا عليففه آباءنففا أولو كان الشيطان يدعوهففم إلى عذاب
السعير}
@قوله تعالى" :ألم تروا أن ال سخر لكم ما في السماوات وما في الرض" ذكر نعمه على بني
آدم ،وأنفه سفخر لهفم "مفا ففي السفموات" مفن شمفس وقمفر ونجوم وملئكفة تحوطهفم وتجفر إليهفم
منافعهم" .وما في الرض" عام في الجبال والشجار والثمار وما ل يحصى" .وأسبغ عليكم نعمه
ظاهرة وباطنفة" أي أكملهفا وأتمهفا .وقرأ ابفن عباس ويحيفى بفن عمارة" :وأصفبغ" بالصفاد على
بدلها من السين؛ لن حروف الستعلء تجتذب السين من سفلها إلى علوها فتردها صادا .والنعم:
جمع نعمة كسدرة وسدر (بفتح الدال) وهي قراءة نافع وأبي عمرو وحفص .الباقون" :نعمة" على
الفراد؛ والفراد يدل على الكثرة؛ كقوله تعالى" :وإن تعدوا نعمفففة ال ل تحصفففوها" [إبراهيفففم:
.]34وهفي قراءة ابفن عباس مفن وجوه صفحاح .وقيفل :إن معناهفا السفلم؛ قال النفبي صفلى ال
عليه وسلم لبن عباس وقد سأله عن هذه الية( :الظاهرة السلم وما حسن من خلقك ،والباطنة
مفا سفتر عليفك مفن سفيئ عملك) .قال النحاس :وشرح هذا أن سفعيد بفن جفبير قال ففي قول ال عفز
وجل" :ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم" [المائدة ]6 :قال :يدخلكم الجنة .وتمام نعمة ال
عز وجل على العبد أن يدخله الجنة ،فكذا لما كان السلم يؤول أمره إلى الجنة سمي نعمة .وقيل:
الظاهرة الصفحة وكمال الخلق ،والباطنفة المعرففة والعقفل .وقال المحاسفبي :الظاهرة نعفم الدنيفا،
والباطنففة نعففم العقففبى .وقيففل :الظاهرة مففا يرى بالبصففار مففن المال والجاه والجمال فففي الناس
وتوفيق الطاعات ،والباطنة ما يجده المرء في نفسه من العلم بال وحسن اليقين وما يدفع ال تعالى
عن العبد من الفات .وقد سرد الماوردي في هذا أقوال تسعة ،كلها ترجع إلى هذا.
@قوله تعالى" :ومن الناس من يجادل في ال" تقدمت .نزلت في يهودي جاء إلى النبي صلى ال
عليفه وسفلم فقال :يفا محمفد ،أخفبرني عفن ربفك ،مفن أي شيفء هفو؟ فجاءت صفاعقة فأخذتفه؛ قاله
مجاهفد .وقفد مضفى هذا ففي "الرعفد" .وقيفل :إنهفا نزلت ففي النضفر بفن الحارث ،كان يقول :إن
الملئكفة بنات ال؛ قاله ابفن عباس" .يجادل" يخاصفم "بغيفر علم" أي بغيففر حجفة "ول هدى ول
كتاب منيففر" أي نيففر بيففن؛ إل الشيطان فيمففا يلقففي إليهففم" .وإن الشياطيففن ليوحون إلى أوليائهففم
ليجادلوكفم" [النعام ]121 :وإل تقليفد السفلف كمفا ففي اليفة بعفد" .أولو كان الشيطان يدعوهفم
إلى عذاب السعير" فيتبعونه.
**3اليفة{ 22 :ومفن يسفلم وجهفه إلى ال وهفو محسفن فقفد اسفتمسك بالعروة الوثقفى وإلى ال
عاقبة المور}
@قوله تعالى" :ومفن يسفلم وجهفه إلى ال" أي يخلص عبادتفه وقصفده إلى ال تعالى" .وهفو
محسن" لن العبادة من غير إحسان ول معرفة القلب ل تنفع؛ نظيره" :ومن يعمل من الصالحات
وهفو مؤمفن" [طفه .]112 :وففي حديفث جبريفل قال :فأخفبرني عفن الحسفان؟ قال( :أن تعبفد ال
كأنفك تراه فإن لم تكفن تراه فإنفه يراك)" .فقفد اسفتمسك بالعروة الوثقفى" قال ابفن عباس :ل إله إل
ال؛ وقفد مضفى ففي "البقرة" .وقفد قرأ علّي بفن أبفي طالب رضفي ال تعالى عنفه والسفلمي وعبدال
بفن مسفلم بفن يسفار" :ومفن يسفلم" .النحاس :و"يسفلم" ففي هذا أعرف؛ كمفا قال عفز وجفل" :فقفل
أسفلمت وجهفي ل" [آل عمران ]20 :ومعنفى" :أسفلمت وجهفي ل" قصفدت بعبادتفي إلى ال عفز
وجل؛ ويكون "يسلم" على التكثير؛ إل أن المستعمل في سلمت أنه بمعنى دفعت؛ يقال سلمت في
الحنطففة ،وقففد يقال أسففلمت .الزمخشري :قرأ علّي بففن أبففي طالب رضففي ال تعالى عنففه" :ومففن
يسفلم" بالتشديفد؛ يقال :أسفلم أمرك وسفلم أمرك إلى ال تعالى؛ فإن قلت :ماله عدي بإلى ،وقفد عدي
باللم في قول عز وجل" :بلى من أسلم وجهه ل"؟ [البقرة ]112 :قلت :معناه مع اللم أنه جعل
وجهفه وهفو ذاتفه ونفسفه سفالما ل؛ أي خالصفا له .ومعناه مفع إلى راجفع إلى أنفه سفلم إليفه نفسفه كمفا
يسففلم المتاع إلى الرجففل إذا دفففع إليففه .والمراد التوكففل عليففه والتفويففض إليففه" .وإلى ال عاقبففة
المور" أي مصيرها.
**3الية{ 24 - 23 :ومن كفر فل يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن ال عليم
بذات الصدور ،نمتعهم قليل ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ}
@قوله تعالى" :ومفن كففر فل يحزنفك كفره إلينفا مرجعهفم فننبئهفم بمفا عملوا" أي نجازيهفم بمفا
عملوا" .إن ال عليفم بذات الصفدور"" .نمتعهفم قليل" أي نبقيهفم ففي الدنيفا مدة قليلة يتمتعون بهفا.
"ثفم نضطرهفم" أي نلجئهفم ونسفوقهم" .إلى عذاب غليفظ" وهفو عذاب جهنفم .ولففظ "مفن" يصفلح
للواحد والجمع ،فلهذا قال" :كفره" ثم قال" :مرجعهم" وما بعده على المعنى.
**3اليفة{ 26 - 25 :ولئن سفألتهم مفن خلق السفماوات والرض ليقولن ال قفل الحمفد ل بفل
أكثرهم ل يعلمون ،ل ما في السماوات والرض إن ال هو الغني الحميد}
@قوله تعالى" :ولئن سفألتهم مفن خلق السفماوات والرض ليقولن ال" أي هفم يعترفون بأن ال
خالقهفن فلم يعبدون غيره" .قفل الحمفد ل" أي على مفا هدانفا له مفن دينفه ،وليفس الحمفد لغيره" .بفل
أكثرهفم ل يعلمون" أي ل ينظرون ول يتدبرون".ل مفا ففي السفماوات والرض" أي ملكفا وخلقفا.
"إن ال هو الغني" أي الغني عن خلقه وعن عبادتهم ،وإنما أمرهم لينفعهم" .الحميد" أي المحمود
على صنعه.
**3الية{ 27 :ولو أنما في الرض من شجرة أقلم والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت
كلمات ال إن ال عزيز حكيم}
@ لمفا احتفج على المشركيفن بمفا احتفج بيفن أن معانفي كلمفه سفبحانه ل تنففد ،وأنهفا ل نهايفة لهفا.
وقال القفال :لما ذكفر أنه سفخر لهم ما ففي السموات وما ففي الرض وأنه أسبغ النعم نبه على أن
الشجار لو كانت أقلما ،والبحار مدادا فكتب بها عجائب صنع ال الدالة على قدرته ووحدانيته لم
تنففد تلك العجائب .قال القشيري :فرد معنفى تلك الكلمات إلى المقدورات ،وحمفل اليفة على الكلم
القديفم أولى؛ والمخلوق ل بفد له مفن نهايفة ،فإذا نفيفت النهايفة عفن مقدوراتفه فهفو نففي النهايفة عمفا
يقدر في المستقبل على إيجاده ،فأما ما حصره الوجود وعده فل بد من تناهيه ،والقديم ل نهاية له
على التحقيق .وقد مضى الكلم في معنى "كلمات ال" في آخر "الكهف" .وقال أبو علّي :المراد
بالكلمات وال أعلم ما في المقدور دون ما خرج منه إلى الوجود .وهذا نحو مما قاله القفال ،وإنما
الغرض العلم بكثرة معانفي كلمات ال وهفي ففي نفسفها غيفر متناهيفة ،وإنمفا قرب المفر على
أفهام البشفر بمفا يتناهفى لنفه غايفة مفا يعهده البشفر مفن الكثرة؛ ل أنهفا تنففد بأكثفر مفن هذه القلم
والبحور .ومعنى نزول الية :يدل على أن المراد بالكلمات الكلم القديم .قال ابن عباس :إن سبب
هذه اليففة أن اليهود قالت :يففا محمففد ،كيففف عنينففا بهذا القول "ومففا أوتيتففم مففن العلم إل قليل"
[السراء ]85 :ونحن قد أوتينا التوراة فيها كلم ال وأحكامه ،وعندك أنها تبيان كل شيء؟ فقال
لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم( :التوراة قليل من كثير) ونزلت هذه الية ،والية مدنية .قال
أبو جعفر النحاس :فقد تبين أن الكلمات ها هنا يراد بها العلم وحقائق الشياء؛ لنه عز وجل علم
قبفل أن يخلق الخلق مفا هفو خالق ففي السفموات والرض مفن كفل شيفء ،وعلم مفا فيفه مفن مثاقيفل
الذّر ،وعلم الجناس كلهفا ومفا فيهفا مفن شعرة وعضفو ،ومفا ففي الشجرة مفن ورقفة ،ومفا فيهفا مفن
ضروب الخلق ،ومفا يتصفرف فيفه مفن ضروب الطعفم واللون؛ فلو سفمى كفل دابفة وحدهفا ،وسفمى
أجزاءهفا على مفا علم مفن قليلهفا وكثيرهفا ومفا تحولت عليفه مفن الحوال ،ومفا زاد فيهفا ففي كفل
زمان ،وبيفن كفل شجرة وحدهفا ومفا تفرعفت إليفه ،وقدر مفا ييبفس مفن ذلك ففي كفل زمان ،ثفم كتفب
البيان على كل واحد منها ما أحاط ال جل ثناؤه به منها ،ثم كان البحر مدادا لذلك البيان الذي بين
ال تبارك وتعالى عن تلك الشياء يمده من بعده سبعة أبحر لكان البيان عن تلك الشياء أكثر.
قلت :هذا معنفى قول القفال ،وهفو قول حسفن إن شاء ال تعالى .وقال قوم :إن قريشفا قالت سفيتم
هذا الكلم لمحمد وينحسر؛ فنزلت وقال السّدي :قالت قريش ما أكثر كلم محمد! فنزلت.
@قوله تعالى" :والبحر يمده" قراءة الجمهور بالرفع على البتداء ،وخبره في الجملة التي بعدها،
والجملة في موضع الحال؛ كأنه قال :والبحر هذه حاله؛ كذا قدرها سيبويه .وقال بعض النحويين:
هو عطف على "أن" لنها في موضع رفع بالبتداء .وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق" :والبحر"
بالنصب على العطف على "ما" وهي اسم "أن" .وقيل :أي ولو أن البحر يمده أي يزيد فيه .وقرأ
ابن هرمز والحسن" :يمده"؛ من أمّد .قالت فرقة :هما بمعنى واحد .وقالت فرقة :مّد الشيء بعضه
بعضفا؛ كمفا تقول :مّد النيفل الخليفج؛ أي زاد فيفه .وأمّد الشيفء مفا ليفس منفه .وقفد مضفى هذا ففي
"البقرة .وآل عمران" .وقرأ جعففر بن محمفد" :والبحفر مداده"" .مفا نفدت كلمات ال" تقدم" .إن
ال عزيفز حكيفم" .وقال أبفو عفبيدة :البحفر هفا هنفا الماء العذب الذي ينبفت القلم ،وأمفا الماء الملح
فل ينبت القلم.
**3الية{ 28 :ما خلقكم ول بعثكم إل كنفس واحدة إن ال سميع بصير}
@قوله تعالى" :ما خلقكم ول بعثكم إل كنفس واحدة" قال الضحاك :المعنى ما ابتداء خلقكم جميعا
إل كخلق نفففس واحدة ،ومففا بعثكففم يوم القيامففة إل كبعففث نفففس واحدة .قال النحاس :وهكذا قّدره
النحويون بمعنى إل كخلق نفس واحدة؛ مثفل" :واسأل القريفة" [يوسفف .]82 :وقال مجاهد :لنه
يقول للقليفل والكثيفر كفن فيكون .ونزلت اليفة ففي أبفي بفن خلف وأبفي السفدين ومنبّهف ونفبيه ابنفي
الحجاج بن السباق ،قالوا للنبّي صلى ال عليه وسلم :إن ال تعالى قد خلقنا أطوارا ،نطفة ثم علقة
ثم مضغة ثم عظاما ،ثم تقول إنا نبعث خلقا جديدا جميعفا في ساعة واحدة! فأنزل ال تعالى" :ما
خلقكفم ول بعثكفم إل كنففس واحدة" ،لن ال تعالى ل يصفعب عليفه مفا يصفعب على العباد ،وخلقفه
للعالم كخلقه لنفس واحدة" .إن ال سميع" لما يقولون "بصير" بما يفعلون.
**3الية{ 30 - 29 :ألم تر أن ال يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس
والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن ال بما تعملون خبير ،ذلك بأن ال هو الحق وأن ما يدعون
من دونه الباطل وأن ال هو العلي الكبير}
@قوله تعالى" :ألم تر أن ال يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل" تقدم" .وسخر الشمس
والقمفر" أي ذللهمفا بالطلوع والفول تقديرا للجال وإتمامفا للمناففع" .كفل يجري إلى أجفل مسفمى"
قال الحسن :إلى يوم القيامة .قتادة :إلى وقته في طلوعه وأفوله ل يعدوه ول يقصر عنه" .وأن ال
بمفا تعملون خفبير" أي مفن قدر على هذه الشياء فل بفد مفن أن يكون عالمفا بهفا ،والعالم بهفا عالم
بأعمالكم .وقراءة العامة "تعملون" بالتاء على الخطاب .وقرأ السلمّي ونصر بن عاصم والدوري
عفن أبفي عمرو بالياء على الخفبر".ذلك" أي فعفل ال تعالى ذلك لتعلموا وتقروا "بأن ال هفو الحفق
وأن مفا يدعون مفن دونفه الباطفل" أي الشيطان؛ قاله مجاهفد .وقيفل :مفا أشركوا بفه ال تعالى مفن
الصنام والوثان" .وأن ال هو العلي الكبير" العلّي في مكانته ،الكبير في سلطانه.
**3اليفة{ 31 :ألم تفر أن الفلك تجري ففي البحفر بنعمة ال ليريكفم من آياتفه إن في ذلك ليات
لكل صبار شكور}
@قوله تعالى" :ألم تر أن الفلك" أي السفن "تجري" في موضع الخبر" .في البحر بنعمة ال" أي
بلطففه بكفم وبرحمتفه لكفم ففي خلصفكم منفه .وقرأ ابفن هرمُز" :بنعمات ال" جمفع نعمفة وهفو جمفع
السفلمة ،وكان الصفل تحريفك العيفن فأسفكنت" .ليريكفم مفن آياتفه" "مفن" للتبعيفض ،أي ليريكفم
جري السففن؛ قال يحيفى بفن سفلم .وقال ابفن شجرة" :مفن آياتفه" مفا تشاهدون مفن قدرة ال تعالى
فيففه .النقاش :مففا يرزقهففم ال منففه .وقال الحسففن :مفتاح البحار السفففن ،ومفتاح الرض الطرق،
ومفتاح السففماء الدعاء" .إن فففي ذلك ليات لكففل صففبار شكور" أي صففبار لقضائه شكور على
نعمائه .وقال أهفل المعانفي :أراد لكفل مؤمفن بهذه الصففة؛ لن الصفبر والشكفر مفن أفضفل خصفال
اليمان .واليفة :العلمفة ،والعلمفة ل تسفتبين ففي صفدر كفل مؤمفن إنمفا تسفتبين لمفن صفبر على
البلء وشكفر على الرخاء .قال الشعبّي :الصفبر نصفف اليمان ،والشكفر نصفف اليمان ،واليقيفن
اليمان كله؛ ألم تفر إلى قوله تعالى" :إن ففي ذلك ليات لكفل صفبار شكور" وقوله" :وففي الرض
آيات للموقنين" [الذاريات ]20 :وقال عليه السلم( :اليمان نصفان نصف صبر ونصف شكر).
**3الية{ 32 :وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا ال مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم
مقتصد وما يجحد بآياتنا إل كل ختار كفور}
@قوله تعالى" :وإذا غشيهفم موج كالظلل" قال مقاتفل :كالجبال .وقال الكلبفي :كالسفحاب؛ وقاله
قتادة :جمع ظلة؛ شبه الموج بها لكبرها وارتفاعها .قال النابغة في وصف بحر:
على حافاته فلق الدنان يماشيهن أخضر ذو ظلل
وإنمفا شبفه الموج وهفو واحفد بالظفل وهفو جمفع؛ لن الموج يأتفي شيئا بعفد شيفء ويركفب بعضفه
بعضففا كالظلل .وقيففل :هففو بمعنففى الجمففع ،وإنمففا لم يجمففع لنففه مصففدر .وأصففله مففن الحركففة
والزدحام؛ ومنه :ماج البحر ،والناس يموجون .قال كعب:
أحابيش منهم حاسر ومقنع فجئنا إلى موج من البحر وسطه
وقرأ محمد ابن الحنفية" :موج كالظلل" جمع ظل" .دعوا ال مخلصين له الدين" موحدين له ل
يدعون لخلصفهم سفواه؛ وقفد تقدم" .فلمفا نجاهفم" يعنفي مفن البحفر" .إلى البر فمنهفم مقتصفد" قال
ابفن عباس :موف بمفا عاهفد عليفه ال ففي البحفر .النقاش :يعنفي عدل ففي العهفد ،وففي ففي البر بمفا
عاهد عليه ال في البحر .وقال الحسن" :مقتصد" مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة .وقال مجاهد:
"مقتصد" ففي القول مضمفر للكففر .وقيفل :في الكلم حذف؛ والمعنفى :فمنهفم مقتصد ومنهم كاففر.
ودل على المحذوف قوله تعالى" :ومفا يجحفد بآياتنفا إل كفل ختار كفور" الختار :الغدار .والختفر:
أسوأ الغدر .قال عمرو بن معد يكرب:
ملت يديك من غدر وختر فإنك لو رأيت أبا عمير
وقال العشى:
حصن حصين وجار غير ختار بالبلق الفرد من تيماء منزله
قال الجوهري :الختفر الغدر؛ يقال :ختره فهفو ختار .الماوردي :وهفو قول الجمهور .وقال عطيفة:
إنه الجاحد .ويقال :ختر يختِر ويختُر (بالضم والكسر) خترا؛ ذكره القشيري ،وجحد اليات إنكار
أعيانها .والجحد باليات إنكار دلئلها.
**3اليفة{ 33 :يفا أيهفا الناس اتقوا ربكفم واخشوا يومفا ل يجزي والد عفن ولده ول مولود هفو
جاز عن والده شيئا إن وعد ال حق فل تغرنكم الحياة الدنيا ول يغرنكم بال الغرور}
@قوله تعالى" :يفا أيهفا الناس اتقوا ربكفم" يعنفي الكاففر والمؤمفن؛ أي خافوه ووحدوه" .واخشوا
يومفا ل يجزي والد عفن ولده ول مولود هفو جاز عفن والده شيئا" تقدم معنفى "يجزي" ففي البقرة
وغيرها .فإن قيل :فقد قال النبي صلى ال عليه وسلم( :من مات له ثلثة من الولد لم يبلغوا الحنث
لم تمسفه النار إل تحله القسفم) .وقال( :مفن ابتلي بشيفء مفن هذه البنات فأحسفن إليهّن كّن له حجابفا
من النار) .قيل له :المعنّي بهذه الية أنه ل يحمل والد ذنب ولده ،ول مولود ذنب والده ،ول يؤاخذ
أحدهمفا عفن الخفر .والمعنّي بالخبار أن ثواب الصفبر على الموت والحسفان إلى البنات يحجفب
العبفد عفن النار ،ويكون الولد سفابقا له إلى الجنفة" .إن وعفد ال حفق" أي البعفث "فل تغرنكفم" أي
تخدعنكم "الحياة الدنيا" بزينتها وما تدعوا إليه فتتكلوا عليها وتركنوا إليها وتتركوا العمل للخرة
"ول يغرنكفم بال الغرور" قراءة العامفة هنفا وففي سفورة الملئكفة والحديفد بفتفح الغيفن ،وهفو
الشيطان ففي قول مجاهفد وغيره ،وهفو الذي يغّر الخلق ويمنيهفم الدنيفا ويلهيهفم عفن الخرة؛ وففي
سورة "النساء"" :يعدهم ويمنيهم" .وقرأ سماك بن حرب وأبو حيوة وابن السميقع بضم الغين؛ أي
ل تغتروا .كأنفه مصفدر غّر يغفر غرورا .قال سفعيد بفن جفبير :هفو أن يعمفل بالمعصفية ويتمنفى
المغفرة.
**3الية{ 34 :إن ال عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الرحام وما تدري نفس ماذا
تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن ال عليم خبير}
@ زعم الفراء أن هذا معنى النفي؛ أي ما يعلمه أحد إل ال تعالى .قال أبو جعفر النحاس :وإنما
صفار فيفه معنفى النففي واليجاب بتوقيفف الرسفول صفلى ال عليفه وسفلم على ذلك؛ لنفه صفلى ال
عليفه وسفلم قال ففي قوله ال عفز وجفل" :وعنده مفاتفح الغيفب ل يعلمهفا إل هفو" [النعام:]59 :
(إنها هذه):
قلت :قفد ذكرنفا ففي سفورة "النعام" حديفث ابفن عمفر ففي هذا ،خرجفه البخاري .وففي حديفث
جبريففل عليففه السففلم قال( :أخففبرني عففن السففاعة؟ فقال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم( :مففا
المسففؤول عنهففا بأعلم مففن السففائل ،هففن خمففس ل يعلمهففن إل ال تعالى :إن ال عنده علم السففاعة
وينزل الغيفث ويعلم مفا ففي الرحام ومفا تدري نففس مفا تكسفب غدا) قال( :صفدقت) .لففظ أبفي داود
الطيالسّي .وقال عبدال بن مسعود :كل شيء أوتي نبيكم صلى ال عليه وسلم غير خمس" :إن ال
عنده علم السففاعة ،اليففة إلى آخرهففا .وقال ابففن عباس :هذه الخمسففة ل يعلمهففا إل ال تعالى ،ول
يعلمها ملك مقرب ول نبّي مرسل؛ فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه فقد كفر بالقرآن؛ لنه خالفه.
ثففم إن النففبياء يعلمون كثيرا مففن الغيففب بتعريففف ال تعالى إياهففم .والمراد إبطال كون الكهنففة
والمنجمين ومن يستسقي بالنواء وقد يعرف بطول التجارب أشياء من ذكورة الحمل وأنوثته إلى
غيفر ذلك؛ حسفبما تقدم ذكره ففي النعام .وقفد تختلف التجربفة وتنكسفر العادة ويبقفى العلم ل تعالى
وحده .وروي أن يهوديفا كان يحسفب حسفاب النجوم ،فقال لبفن عباس :إن شئت نبأتفك نجفم ابنفك،
وأنفه يموت بعفد عشرة أيام ،وأنفت ل تموت حتفى تعمفى ،وأنفا ل يحول علّي الحول حتفى أموت.
قال :فأيففن موتففك يففا يهودّي؟ فقال :ل أدري .فقال ابففن عباس :صففدق ال" .ومففا تدري نفففس بأي
أرض تموت" فرجفع ابفن عباس فوجفد ابنفه محمومفا ،ومات بعفد عشرة أيام .ومات اليهودّي قبفل
الحول ،ومات ابفن عباس أعمفى .قال علّي بفن الحسفين راوي هذا الحديفث :هذا أعجفب الحاديفث.
وقال مقاتل :إن هذه الية نزلت في رجل من أهل البادية اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة ،أتى
النبّي صفلى ال عليفه وسفلم فقال :إن امرأتفي حبلى فأخفبرني ماذا تلد ،وبلدنفا جدبفة فأخفبرني متفى
ينزل الغيث ،وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت ،وقد علمت ما عملت اليوم فأخبرني ماذا
أعمفل غدا ،وأخفبرني متفى تقوم السفاعة؟ فأنزل ال تعالى هذه اليفة؛ ذكره القشيري والماوردّي.
وروى أبفو المليفح عفن أبفي عّزة الهذلي قال قال رسفول صفلى ال عليفه وسفلم( :إذا أراد ال تعالى
قبض روح عبد بأرض جعل له إليها حاجة فلم ينته حتى يقدمها -ثم قرأ رسول ال صلى ال عليه
وسفلم " -إن ال عنده علم السفاعة -إلى قوله -بأي أرض تموت") ذكره الماوردّي ،وخرجفه ابفن
ماجفة مفن حديفث ابفن مسفعود بمعناه .وقفد ذكرناه ففي كتاب {التذكرة} مسفتوفى .وقراءة العامفة:
"وينزل" مشددا .وقرأ ابفن كثيفر وأبفو عمرو وحمزه والكسفائي مخفففا .وقرأ أبفي بفن كعفب" :بأيفة
أرض" الباقون "بأي أرض" .قال الفراء :اكتففففى بتأنيفففث الرض مفففن تأنيفففث أي .وقيفففل :أراد
بالرض المكان فذكر .قال الشاعر:
ول أرض أبقل إبقالها فل مزنة ودقت ودقها
وقال الخففش :يجوز مررت بجاريفة أي جاريفة ،وأيفة جاريفة .وشبفه سفيبويه تأنيفث "أي" بتأنيفث
كفل ففي قولهفم :كلتهفن" .إن ال عليفم خفبير" "خفبير" نعفت لفف "عليفم" أو خفبر بعفد خفبر .وال تعالى
أعلم.
**2سورة السجدة
**3مقدمة السورة
@ وهفي مكيفة ،غيفر ثلث آيات نزلت بالمدينفة؛ وهفي قوله تعالى" :أفمفن كان مؤمنفا كمفن كان
فاسفقا" [السفجدة ]18 :تمام ثلث آيات؛ قاله الكلبّي ومقاتفل .وقال غيرهمفا :إل خمفس آيات ،من
قوله تعالى" :تتجافى جنوبهم" إلى قوله "الذي كنتم به تكذبون" [السجدة .]16 :وهي ثلثون آية.
وقيفل تسفع وعشرون .وففي الصفحيح عفن ابفن عباس أن النبّي صفلى ال عليفه وسفلم كان يقرأ ففي
صلة الفجر يوم الجمعة "الم .تنزيل" السجدة ،و"هل أتى على النسان حين من الدهر" الحديث.
وخرج الدارمي أبو محمفد ففي مسنده عن جابر بن عبدال قال :كان النبّي صفلى ال عليفه وسفلم ل
ينام حتفففى يقرأ" :الم .تنزيفففل" السفففجدة .و"تبارك الذي بيده الملك" [الملك .]1 :قال الدارمفففي:
وأخبرنفا أبفو المغيرة قال حدثنفا عبدة عفن خالد بفن معدان قال :اقرؤوا المنجيفة ،وهفي "الم .تنزيفل"
فإنفه بلغنفي أن رجل كان يقرؤهفا ،مفا يقرأ شيئا غيرهفا ،وكان كثيفر الخطايفا فنشرت جناحهفا عليفه
وقالت :رب اغففر له فإنفه كان يكثفر مفن قراءتفي؛ فشّفعهفا الرب فيفه وقال (اكتبوا له بكفل خطيئة
حسنة وارفعوا له درجة).
**3الية{ 2 - 1 :الم ،تنزيل الكتاب ل ريب فيه من رب العالمين}
@قوله تعالى" :الم .تنزيفل الكتاب" الجماع على رففع "تنزيلُ الكتاب" ولو كان منصفوبا على
المصففدر لجاز؛ كمففا قرأ الكوفيون" :إنففك لمففن المرسففلين .على صففراط مسففتقيم .تنزيففل العزيففز
الرحيفم" [يفس .]5 :و"تنزيفل" رففع بالبتداء والخفبر "ل ريفب فيفه" .أو خفبر على إضمار مبتدأ؛
أي هذا تنزيل ،أو المتلو تنزيل ،أو هذه الحروف تنزيل .ودلت" :الم" على ذكر الحروف .ويجوز
أن يكون "ل ريفب فيفه" ففي موضفع الحال مفن "الكتاب" .و"مفن رب العالميفن" الخفبر .قال مكّي:
وهو أحسنها" .ل ريب فيه من رب العالمين" ل شك فيه أنفه من عند ال؛ فليفس بسفحر ول شعفر
ول كهانة ول أساطير الولين.
**3الية{ 3 :أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم
يهتدون}
@قوله تعالى" :أم يقولون افتراه" هذه "أم" المنقطعفة التفي تقّدر ببفل وألف السفتفهام؛ أي بفل
أيقولون .وهفي تدل على خروج مفن حديفث إلى حديفث؛ فإنفه عفز وجفل أثبفت أنفه تنزيفل مفن رب
العالميفن ،وأن ذلك ممفا ل ريفب فيفه ،ثفم أضرب عفن ذلك إلى قوله" :أم يقولون افتراه" أي افتعله
واختلقفه" .بفل هفو الحفق مفن ربفك" كذبهفم ففي دعوى الفتراء "لتنذر قومفا مفا أتاهفم مفن نذيفر مفن
قبلك لعلهم يهتدون" قال قتادة :يعني قريشا ،كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير من قبل محمد صلى ال
عليفه وسفلم .و"لتنذر" متعلق بمفا قبلهفا فل يوقفف على "مفن ربفك" .ويجوز أن يتعلق بمحذوف؛
التقديفر :أنزله لتنذر قومفا ،فيجوز الوقفف على "مفن ربفك" .و"مفا" "مفا أتاهفم" نففي" .مفن نذيفر"
صفلة .و"نذيفر" ففي محفل الرففع ،وهفو المعلم المخوف .وقيفل :المراد بالقوم أهفل الفترة بيفن عيسفى
ومحمد عليهما السلم؛ قاله ابن عباس ومقاتل .وقيل :كانت الحجة ثابتة ل جل وعز عليهم بإنذار
من تقدم من الرسل وإن لم يروا رسول؛ وقد تقّدم هذا المعنى.
**3الية{ 4 :ال الذي خلق السماوات والرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش
ما لكم من دونه من ولي ول شفيع أفل تتذكرون}
@قوله تعالى" :ال الذي خلق السماوات والرض وما بينهما في ستة أيام" عرفهم كمال قدرته
ليسفمعوا القرآن ويتأملوه .ومعنفى" :خلق" أبدع وأوجفد بعفد العدم وبعفد أن لم تكفن شيئا" .ففي سفتة
أيام" "ففي سفتة أيام" مفن يوم الحفد إلى آخفر يوم الجمعفة .قال الحسفن :مفن أيام الدنيفا .وقال ابفن
عباس :إن اليوم مفن اليام السفتة التفي خلق ال فيهفا السفموات والرض مقداره ألف سفنة مفن سفني
الدنيفا .وقال الضحاك :ففي سفتة آلف سفنة؛ أي ففي مدة سفتة أيام مفن أيام الخرة" .ثفم اسفتوى على
العرش" تقدم .وذكرنففا أقوال العلماء فففي ذلك مسففتوفى فففي (الكتاب السففنى فففي شرح أسففماء ال
الحسنى) .وليست "ثم" للترتيب وإنما هي بمعنى الواو" .ما لكم من دونه من ولي ول شفيع" أي
ما للكافرين من ولي يمنع من عذابهم ول شفيع .ويجوز الرفع على الموضع" .أفل تتذكرون" في
قدرته ومخلوقاته.
**3الية{ 5 :يدبر المر من السماء إلى الرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما
تعدون}
@قوله تعالى" :يدبر المر من السماء إلى الرض" قال ابن عباس :ينزل القضاء والقدر .وقيل:
ينزل الوحفي مفع جبريفل .وروى عمرو بفن مرة عفن عبدالرحمفن بفن سفابط قال :يدبر أمفر الدنيفا
أربعفة :جبريفل ،وميكائيفل ،وملك الموت ،وإسفرافيل؛ صفلوات ال عليهفم أجمعيفن .فأمفا جبريفل
فموكففل بالرياح والجنود .وأمففا ميكائيففل فموكففل بالقطففر والماء .وأمففا ملك الموت فموكففل بقبففض
الرواح .وأمفا إسفرافيل فهفو ينزل بالمفر عليهفم .وقفد قيفل :إن العرش موضفع التدبيفر؛ كمفا أن مفا
دون العرش موضع التفصيل؛ قال ال تعالى" :ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل
يجري لجففل مسففمى يدبر المففر يفصففل اليات" [الرعففد .]2 :ومففا دون السففموات موضففع
التصريف؛ قال ال تعالى" :ولقد صرفناه بينهم ليذكروا" [الفرقان.]50 :
@قوله تعالى" :ثفم يعرج إليفه" قال يحيفى بفن سفلم :هفو جبريفل يصفعد إلى السفماء بعفد نزوله
بالوحفي .وقال النقاش :هفو الملك الذي يدبر المفر مفن السفماء إلى الرض .وقيفل :إنهفا أخبار أهفل
الرض تصعد إليه مع حملتها من الملئكة؛ قاله ابن شجرة .وقيل" :ثم يعرج إليه" أي يرجع ذلك
المفر والتدبيفر إليفه بعفد انقضاء الدنيفا "ففي يوم كان مقداره ألف سفنة ممفا تعدون" "ففي يوم كان
مقداره ألف سنة" وهو يوم القيامة .وعلى القوال المتقدمة فالكنايفة في "يعرج" كناية عن الملك،
ولم يجر له ذكر لنه مفهوم من المعنى ،وقد جاء صريحا في "سأل سائل" قوله" :تعرج الملئكة
والروح إليفه" [المعارج .]4 :والضميفر ففي "إليفه" يعود على السفماء على لغفة مفن يذكرهفا ،أو
على مكان الملك الذي يرجففع إليففه ،أو على اسففم ال تعالى؛ والمراد إلى الموضففع الذي أقره فيففه،
وإذا رجعت إلى ال فقد رجعت إلى السماء ،أي إلى سدرة المنتهى؛ فإنه إليها يرتفع ما يصعد به
من الرض ومنها ينزل ما يهبط به إليها؛ ثبت معنى ذلك في صحيح مسلم .والهاء في "مقداره"
راجعة إلى التدبير؛ والمعنى :كان مقدار ذلك التدبير ألف سنة من سني الدنيا؛ أي يقضي أمر كل
شيء للف سنة في يوم واحد ،ثم يلقيه إلى ملئكته ،فإذا مضت قضى للف سنة أخرى ،ثم كذلك
أبدا؛ قاله مجاهفد .وقيفل :الهاء للعروج .وقيفل :المعنفى أنفه يدبر أمفر الدنيفا إلى أن تقوم السفاعة ،ثفم
يعرج إليه ذلك المر فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة .وقيل :المعنى يدبر أمر الشمس في
طلوعها وغروبها ورجوعها إلى موضعها من الطلوع ،في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة.
وقال ابفففن عباس :المعنفففى كان مقداره لو سفففاره غيفففر الملك ألف سفففنة؛ لن النزول خمسفففمائة
والصعود خمسمائة .وروي ذلك عن جماعة من المفسرين ،وهو اختيار الطبري؛ ذكره المهدوّي.
وهفو معنفى القول الول .أي أن جبريفل لسفرعة سفيره يقطفع مسفيرة ألف سفنة ففي يوم مفن أيامكفم؛
ذكره الزمخشري .وذكففر الماوردّي على ابففن عباس والضحاك أن الملك يصففعد فففي يوم مسففيرة
ألف سفففنة .وعفففن قتادة أن الملك ينزل ويصفففعد ففففي يوم مقداره ألف سفففنة؛ فيكون مقدار نزوله
خمسفففمائة سفففنة ،ومقدار صفففعوده خمسفففمائة على قول قتادة والسفففّدي .وعلى قول ابفففن عباس
والضحاك :النزول ألف سفنة ،والصفعود ألف سفنة" .ممفا تعدون" أي ممفا تحسفبون مفن أيام الدنيفا.
وهذا اليوم عبارة عففن زمان يتقدر بألف سففنة مففن سففني العالم ،وليففس بيوم يسففتوعب نهارا بيففن
ليلتين؛ لن ذلك ليس عند ال .والعرب قد تعّبر عن مدة العصر باليوم؛ كما قال الشاعر:
ويوم سير إلى العداء تأويب يومان يوم مقامات وأندية
وليفس يريفد يوميفن مخصفوصين ،وإنمفا أراد أن زمانهفم ينقسفم شطريفن ،فعّبر عفن كفل واحفد مفن
الشطريففن بيوم .وقرأ ابففن أبففي عبلة" :يعرج" على البناء للمفعول .وقرئ" :يعدون" بالياء .فأمففا
قوله تعالى" :ففي يوم كان مقداره خمسفين ألف سفنة" فمشكفل مفع هذه اليفة .وقفد سفأل عبدال بفن
فيروز الديلمّي عبدال بن عباس عن هذه الية وعن قوله" :في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة"
فقال :أيام سمّاها سبحانه ،وما أدري ما هي؟ فأكره أن أقول فيها ما ل أعلم .ثم سئل عنها سعيد بن
المسّيب فقال :ل أدري .فأخبرته بقول ابن عباس فقال ابن المسيب للسائل :هذا ابن عباس اتقى أن
يقول فيهفا وهفو أعلم منفي .ثفم تكلم العلماء ففي ذلك فقيفل :إن آيفة "سفأل سفائل" [المعارج ]1 :هفو
إشارة إلى يوم القيامففة ،بخلف هذه اليففة .والمعنففى :أن ال تعالى جعله فففي صففعوبته على الكفار
كخمسفين ألف سفنة؛ قاله ابفن عباس .والعرب تصفف أيام المكروه بالطول وأيام السفرور بالقصفر.
قال:
دم الزق عنا واصطفاق المزاهر ويوم كظل الرمح قصر طوله
وقيفل :إن يوم القيامفة فيه أيام؛ فمنه مفا مقداره ألف سنة ومنه مفا مقداره خمسفون ألف سنة .وقيفل:
أوقات القيامفة مختلففة ،فيعّذب الكاففر بجنفس مفن العذاب ألف سفنة ،ثفم ينتقفل إلى جنفس آخفر مّدتفه
خمسون ألف سنة .وقيل :مواقف القيامة خمسون موقفا؛ كل موقف ألف سنة .فمعنى" :يعرج إليه
ففي يوم كان مقداره ألف سفنة" أي مقدار وقفت ،أو موقفف مفن يوم القيامفة .وقال النحاس :اليوم ففي
اللغفة بمعنفى الوقفت؛ فالمعنفى :تعرج الملئكفة والروح إليفه ففي وقفت كان مقداره ألف سفنة ،وففي
وقفت آخفر كان مقداره خمسفين ألف سفنة .وعفن وهفب بفن منّبفه" :ففي يوم كان مقداره خمسفين ألف
سنة" قال :ما بين أسفل الرض إلى العرش .وذكر الثعلبّي عن مجاهد وقتادة والضحاك في قوله
تعالى" :تعرج الملئكفة والروح إليفه ففي يوم كان مقداره خمسفين ألف سفنة" [المعارج ]4 :أراد
مفن الرض إلى سفدرة المنتهفى التفي فيهفا جبريفل .يقول تعالى :يسفير جبريفل والملئكفة الذيفن معفه
مفن أهفل مقامفه مسفيرة خمسفين ألف سفنة ففي يوم واحفد مفن أيام الدنيفا .وقوله" :إليفه" يعنفي إلى
المكان الذي أمرهفم ال تعالى أن يعرجوا إليفه .وهذا كقول إبراهيفم عليفه الصفلة والسفلم" :إنفي
ذاهب إلى ربي سيهدين" [الصافات ]99 :أراد أرض الشام .وقال تعالى" :ومن يخرج من بيته
مهاجرا إلى ال" [النساء ]100 :أي إلى المدينة .وقال أبو هريرة قال النبّي صلى ال عليه وسلم:
(أتاني من ربي عز وجل برسفالة ثم رفع رجله فوضعهفا فوق السماء والخرى على الرض لم
يرفعها بعد).
**3الية{ 6 :ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم}
@قوله تعالى" :ذلك عالم الغيفب والشهادة" أي علم مفا غاب عفن الخلق ومفا حضرهفم .و"ذلك"
بمعنى أنا .حسبما تقدم بيانه في أول البقرة .وفي الكلم معنى التهديد والوعيد؛ أي أخلصوا أفعالكم
وأقوالكم فإني أجازي عليها.
**3اليفة{ 9 - 7 :الذي أحسفن كفل شيفء خلقفه وبدأ خلق النسفان مفن طيفن ،ثفم جعفل نسفله مفن
سفللة مفن ماء مهيفن ،ثفم سفواه ونففخ فيفه مفن روحفه وجعفل لكفم السفمع والبصفار والفئدة قليل مفا
تشكرون}
@قوله تعالى" :الذي أحسفن كفل شيفء خلقفه" قرأ ابفن كثيفر وأبفو عمرو وابفن عامفر" :خلقفه"
بإسفكان اللم .وفتحهفا الباقون .واختاره أبفو عبيفد وأبفو حاتفم طلبفا لسفهولتها .وهفو فعفل ماض ففي
موضع خفض نعت لف "شيء" .والمعنى على ما روي عن ابن عباس :أحكم كل شيء حلقه ،أي
جاء به على ما أراد ،لم يتغير عن إرادته .وقول آخر -أن كل شيء خلقه حسن؛ لنه ل يقدر أحد
أن يأتي بمثله؛ وهو دال على خالقه .ومن أسكن اللم فهو مصدر عند سيبويه؛ لن قوله" :أحسن
كل شيء خلقه" يدل على :خلق كل شيء خلقا؛ فهو مثل" :صنع ال" [النمل ]88 :و"كتاب ال
عليكم" [النساء .]24 :وعند غيره منصوب على البدل من "كل" أي الذي أحسن خلق كل شيء.
وهففو مفعول ثان عنففد بعففض النحوييففن ،على أن يكون معنففى" :أحسففن" أفهففم وأعلم؛ فيتعّدى إلى
مفعوليفن ،أي أفهفم كفل شيفء خلقفه .وقيفل :هفو منصفوب على التفسفير؛ والمعنفى :أحسفن كفل شيفء
خلقفا .وقيل :هو منصوب بإسفقاط حرف الجر ،والمعنفى :أحسفن كل شيفء ففي خلقه .وروي معناه
عن ابن عباس و"أحسن" أي أتقن وأحكم؛ فهو أحسن من جهة ما هو لمقاصده التي أريد لها .ومن
هذا المعنفى قال ابفن عباس وعكرمفة :ليسفت اسفت القرد بحسفنة ،ولكنهفا متقنفة محكمفة .وروى ابفن
أبفي نجيفح عفن مجاهفد "أحسفن كفل شيفء خلقفه" قال :أتقنفه .وهفو مثفل قوله تبارك وتعالى" :الذي
أعطى كل شيء خلقه" [طه ]50 :أي لم يخلق النسان على خلق البهيمة ،ول خلق البهيمة على
خلق النسان .ويجوز" :خلقه" بالرفع؛ على تقدير ذلك خلقه .وقيل :هو عموم في اللفظ خصوص
ففي المعنفى؛ والمعنفى :حسفن خلق كفل شيفء حسفن .وقيفل :هفو عموم ففي اللففظ والمعنفى ،أي جعفل
كل شيء خلقه حسنا ،حتى جعل الكلب في خلقه حسنا؛ قاله ابن عباس .وقال قتادة :في است القرد
حسنة.
@قوله تعالى" :وبدأ خلق النسان من طين" يعني آدم " .ثم جعل نسله من سللة من ماء مهين"
تقّدم ففي "المؤمنون" وغيرهفا .وقال الزجاج" :مفن ماء مهيفن" ضعيفف .وقال غيره" :مهيفن" ل
خطر له عند الناس".ثم سواه" رجع إلى آدم ،أي سوى خلقه" .ونفخ فيه من روحه" ثم رجع إلى
ذريته فقال":وجعفل لكم السمع والبصار والفئدة" وقيل :ثفم جعفل ذلك الماء المهيفن خلقا معتدل،
وركفب فيفه الروح وأضاففه إلى نفسفه تشريففا .وأيضفا فإنفه مفن فعله وخلقفه كمفا أضاف العبفد إليفه
بقوله" :عبدي" .وعبر عنه بالنفخ لن الروح في جنس الريح .وقد مضى هذا مبينا في "النساء"
وغيرها" .قليل ما تشكرون" أي ثم أنتم ل تشكرون بل تكفرون.
**3الية{ 10 :وقالوا أئذا ضللنا في الرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون}
@قوله تعالى" :وقالوا أئذا ضللنا في الرض" هذا قول منكري البعث؛ أي هلكنا وبطلنا وصرنا
ترابفا .وأصفله مفن قول العرب :ضفل الماء ففي اللبفن إذا ذهفب .والعرب تقول للشيفء غلب عليفه
حتى فيه أثره :قد ضّل .قال الخطل:
ل ضلل قذف التيّ به فض ّ كنت القذى في موج أكدر مزبد
وقال قطرب :معنى ضللنا غبنا في الرض .وأنشد قول النابغة الذبياني:
وغودر بالجولن حزم ونائل فآب مضلوه بعين جلية
وقرأ ابفن محيصفن ويحيفى بفن يعمفر" :ضلِلنفا" بكسفر اللم ،وهفي لغفة .قال الجوهري :وقفد ضللت
أضفل قال ال تعالى" :قفل إن ضللت فإنمفا أضفل على نفسفي" [سفبأ .]50 :فهذه لغفة نجفد وهفي
الفصفيحة .وأهفل العاليفة يقولون" :ضلِلت" -بكسفر اللم -أضفل .وهفو ضال تال ،وهفي الضللة
والتللة .وأضّله أي أضاعه وأهلكه .يقال :أضل الميّت إذا دفن .قال:
فآب مضلوه ......البيت
ابففن السففكيت .أضللت بعيري إذا ذهففب منففك .وضللت المسففجد والدار :إذا لم تعرف موضعهمففا.
وكذلك كل شيء مقيم ل يهتدى له .وفي الحديث (لعلي أضل ال) يريد أضل عنه ،أي أخفى عليه،
من قوله تعالى" :أإذا ضللنا في الرض" أي خفينا .وأضله ال فضل؛ تقول :إنك تهدي الضال ول
تهدي المتضال .وقرأ العمففش والحسففن" :صففللنا" بالصففاد؛ أي أنتنففا .وهففي قراءة علّي بففن أبففي
طالب رضفي ال عنفه .النحاس :ول يعرف ففي اللغفة صفللنا ولكفن يقال :صفل اللحفم وأصفل ،وخّم
وأخّم إذا أنتن .الجوهري :صّل اللحم يصل -بالكسر -صلول ،أي أنتن ،مطبوخا كان أو نيئا .قال
الحطيئة:
ل يفسد اللحم لديه الصلول ذاك فتى يبذل ذا قدره
@قوله تعالى" :إنفا لففي خلق جديفد" وأصفل مثله" .إنفا لففي خلق جديفد" أي نخلق بعفد ذلك خلقفا
جديدا؟ ويقرأ" :أئنفا" .النحاس :وففي هذا سفؤال صفعب مفن العربيفة؛ يقال :مفا العامفل ففي "إذا"؟
و"إن" ل يعمفل مفا بعدهفا فيمفا قبلهفا .والسفؤال ففي السفتفهام أشّد؛ لن مفا بعفد السفتفهام أجدر؛ أل
يعمففل فيمففا قبله مففن "إن" كيففف وقففد اجتمعففا .فالجواب على قراءة مففن قرأ" :إنففا" أن العامففل
"ضللنفا" ،وعلى قراءة مفن قرأ" :أإنفا" أن العامفل مضمفر ،والتقديفر أنبعفث إذا متنفا .وفيفه أيضفا
سؤال آخر ،يقال :أين جواب "إذا" على القراءة الولى لن فيها معنى الشرط؟ فالقول في ذلك أن
بعدهففا فعل ماضيففا؛ فلذلك جاز هذا" .بففل هففم بلقاء ربهففم كافرون" أي ليففس لهففم جحود قدرة ال
تعالى عن العادة؛ لنهفم يعترفون بقدرتفه ولكنهفم اعتقدوا أن ل حساب عليهفم ،وأنهفم ل يلقون ال
تعالى.
**3الية{ 11 :قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون}
@قوله تعالى" :قفل يتوفاكفم ملك الموت" لمفا ذكفر اسفتبعادهم للبعفث ذكفر توفيهفم وأنفه يعيدهفم.
"يتوفاكم" من توفى العدد والشيء إذا استوفاه وقبضه جميعا .يقال :توفاه ال أي استوفى روحه ثم
قبضفه .وتوفيفت مالي مفن فلن أي اسفتوفيته" .ملك الموت" واسفمه عزرائيفل ومعناه عبدال؛ كمفا
تقدم ففي "البقرة" .وتصفرفه كله بأمفر ال تعالى وبخلقفه واختراعفه .وروي ففي الحديفث أن (البهائم
كلها يتوفى ال أرواحها دون ملك الموت) كأنه يعدم حياتها؛ ذكره ابن عطية.
قلت :وقففففد روي خلفففففه ،وأن ملك الموت يتوفففففى أرواح جميففففع الخلئق حتففففى البرغوث
والبعوضفة .روى جعففر بفن محمفد عفن أبيفه قال :نظفر رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم إلى ملك
الموت عنفد رأس رجفل مفن النصفار ،فقال له النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :ارففق بصفاحبي فإنفه
مؤمن) فقال ملك الموت عليه السلم( :يا محمد ،طب نفسا وقر عينا فإني بكل مؤمن رفيق .واعلم
أن ما من أهل بيت مدر ول شعر في بر ول بحر إل وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات حتى
لنا أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم .وال يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة
مفا قدرت على ذلك حتفى يكون ال هفو المفر بقبضهفا) .قال جعففر بفن علّي :بلغنفي أنفه يتصففحهم
عند مواقيت الصلوات؛ ذكره الماوردي .وذكر الخطيب أبو بكر أحمد بن علّي بن ثابت البغدادي
قال :حدثني أبو محمد الحسن بن محمد الخلل قال :حدثنا أبو محمد عبدال بن عثمان الصفار قال
حّدثنفا أبفو بكفر حامفد المصفري قال حّدثنفا يحيفى ابفن أيوب العلف قال حدثنفا سفليمان بفن مهيفر
الكلبّي قال :حضرت مالك بن أنس رضفي ال عنه فأتاه رجل فسأله :أبا عبدال ،البراغيث أملك
الموت يقبفض أرواحهفا؟ قال :فأطرق مالك طويل ثفم قال :ألهفا أنففس؟ قال نعفم .قال :ملك الموت
يقبض أرواحها؛ "ال يتوفى النفس حين موتها" [الزمر .]42:قال ابن عطية بعد ذكره الحديث
وكذلك المفر ففي بنفي آدم ،إل أنفه نوع شرف بتصفرف ملك وملئكفة معفه ففي قبفض أرواحهفم.
فخلق ال تعالى ملك الموت وخلق على يديففه قبففض الرواح ،واسففتللها مففن الجسففام وإخراجهففا
منهفففا .وخلق ال تعالى جندا يكونون معفففه يعملون عمله بأمره؛ فقال تعالى" :ولو ترى إذ يتوففففى
الذين كفروا الملئكة"[ ،النفال ]50 :وقال تعالى" :توفته رسلنا" [النعام ]61 :وقد مضى هذا
المعنفى ففي "النعام" .والبارئ خالق الكفل ،الفاعفل حقيقفة لكفل فعفل؛ قال ال تعالى" :ال يتوففى
النفس حين موتها والتي لم تمت في منامها" [الزمر" .]42 :الذي خلق الموت والحياة" [الملك:
" .]2يحيفي ويميفت" [العراف .]158 :فملك الموت يقبفض والعوان يعالجون وال تعالى
يزهففق الروح .وهذا هففو الجمففع بيففن الي والحاديففث؛ لكنففه لمففا كان ملك الموت متولي ذلك
بالوسفاطة والمباشرة أضيفف التوففي إليفه كمفا أضيفف الخلق للملك؛ كمفا تقّدم ففي "الحفج" .وروي
عفن مجاهفد أن الدنيفا بيفن يدي ملك الموت كالطسفت بيفن يدي النسفان يأخفذ مفن حيفث شاء .وقفد
روي هذا المعنففى مرفوعففا ،وقففد ذكرناه فففي (كتاب التذكرة) .وروي أن ملك الموت لمففا وكله ال
تعالى بقبففض الرواح قال :رب جعلتنففي أذكففر بسففوء ويشتمنففي بنففو آدم .فقال ال تعالى له( :إنففي
أجعل للموت علل وأسبابا من المراض والسقام ينسبون الموت إليها فل يذكرك أحد إل بخير).
وقفد ذكرناه ففي التذكرة مسفتوفى -وقفد ذكرنفا أنفه يدعفو الرواح فتجيئه ويقبضهفا ،ثفم يسفلمها إلى
ملئكة الرحمة أو العذاب -بما فيه شفاء لمن أراد الوقوف على ذلك.
@ استدل بهذه الية بعض العلماء على جواز الوكالة من قوله" :وكل بكم" أي بقبض الرواح.
قال ابن العربّي" :وهذا أخذ من لفظه ل من معناه ،ولو اطرد ذلك لقلنا في قوله تعالى" :قل يا أيها
الناس إنفي رسفول ال إليكفم جميعفا" [العراف :]158 :إنهفا نيابفة عفن ال تبارك وتعالى ووكالة
في تبليغ رسالته ،ولقلنا أيضا في قوله تبارك وتعالى" :وآتوا الزكاة" [النور ]56 :إنه وكالة؛ فإن
ال تعالى ضمن الرزق لكل دابة وخّص الغنياء بالغذية وأوعز إليهم بأن رزق الفقراء عندهم،
وأمر بتسليمه إليهم مقدارا معلوما في وقت معلوم ،دّبره بعلمه ،وأنفذه من حكمه ،وقّدره بحكمته.
والحكام ل تتعلق باللفاظ إل أن ترد على موضوعاتهففا الصففلية فففي مقاصففدها المطلوبففة ،فإن
ظهرت في غير مقصدها لم تعلق عليها .أل ترى أن البيع والشراء معلوم اللفظ والمعنى ،وقد قال
تعالى" :إن ال اشترى مفن المؤمنيفن أنفسفهم وأموالهفم بأن لهفم الجنفة" [التوبفة ]111 :ول يقال:
هذه اليفة دليفل على جواز مبايعفة السفيد لعبده؛ لن المقصفدين مختلفان .أمفا إنفه إذا لم يكفن بّد مفن
المعاني فيقال :إن هذه الية دليل على أن للقاضي أن يستنيب من يأخذ الحق ممن هو عليه قسرا
دون أن يكون له في ذلك فعل ،أو يرتبط به رضا إذا وجد ذلك.
**3اليففة{ 12 :ولو ترى إذ المجرمون ناكسففوا رؤوسففهم عنففد ربهففم ربنففا أبصففرنا وسفمعنا
فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون}
@قوله تعالى" :ولو ترى إذ المجرمون ناكسفو رؤوسفهم عنفد ربهفم" ابتداء وخفبر .قال الزجاج:
والمخاطبفة للنبي صفلى ال عليه وسفلم مخاطبة لمتفه .والمعنفى :ولو ترى يفا محمفد منكري البعث
يوم القيامة لرأيت العجب .ومذهب أبي العباس غير هذا ،وأن يكون المعنى :يا محمد ،قل للمجرم
ولو ترى إذ المجرمون ناكسفو رؤوسفهم عنفد ربهفم لندمفت على مفا كان منفك" .ناكسفوا رؤوسفهم"
أي مفن الندم والخزي والحزن والذل والغفم" .عنفد ربهفم" أي عنفد محاسفبة ربهفم وجزاء أعمالهفم.
"ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون" "ربنا" أي يقولون ربنا" .أبصرنا" أي
أبصرنا ما كنا نكذب" .وسمعنا" ما كنا ننكر .وقيل" :أبصرنا" صدق وعيدك" .وسمعنا" تصديق
رسلك .أبصفروا حين ل ينفعهم البصر ،وسمعوا حين ل ينفعهم السمع" .فأرجعنا" أي إلى الدنيا.
"نعمفل صفالحا إنفا موقنون" أي مصفدقون بالبعفث؛ قاله النقاش .وقيفل :مصفدقون بالذي جاء بفه
محمفد صفلى ال عليفه وسفلم أنفه حفق؛ قاله يحيفى بفن سفلم .قال سففيان الثوري :فأكذبهفم ال تعالى:
فقال" :ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون" .وقيل :معنى "إنا موقنون" أي قد زالت عنا
الشكوك الن؛ وكانوا يسففمعون ويبصففرون فففي الدنيففا ،ولكففن لم يكونوا يتدبرون ،وكانوا كمففن ل
يبصر ول يسمع ،فلما تنبهوا في الخرة صاروا حينئذ كأنهم سمعوا وأبصروا .وقيل :أي ربنا لك
الحجفة ،فقفد أبصفرنا رسفلك وعجائب خلقفك ففي الدنيفا ،وسفمعنا كلمهفم فل حجفة لنفا .فهذا اعتراف
منهم ،ثم طلبوا أن يردوا إلى الدنيا ليؤمنوا.
**3اليفة{ 13 :ولو شئنفا لتينفا كفل نففس هداهفا ولكفن حفق القول منفي لملن جهنفم مفن الجنفة
والناس أجمعين}
@ قال محمفد بفن كعفب القرظفي :لمفا قالوا" :ربنفا أبصفرنا وسفمعنا فارجعنفا نعمفل صفالحا إنفا
موقنون" رّد عليهم بقوله" :ولو شئنا لتينا كل نفس هداها" يقول :لو شئت لهديت الناس جميعا فلم
يختلف منهم أحد "ولكن حق القول مني" الية؛ ذكره ابن المبارك في (رقائقه) في حديث طويل.
وقد ذكرناه في (التذكرة) .النحاس" :ولو شئنا لتينا كل نفس هداها" في معناه قولن :أحدهما :أنه
فففي الدنيففا .والخففر :أن سففياق الكلم يدل على أنففه فففي الخرة؛ أي لو شئنففا لرددناهففم إلى الدنيففا
والمحنة كما سألوا "ولكن حق القول مني لملن جهنم من الجنة والناس أجمعين" أي حق القول
منفي لعّذبفن من عصاني بنار جهنفم .وعلم ال تبارك وتعالى أنه لو ردهفم لعادوا؛ كمفا قال تعالى:
"ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه" [النعام.]28 :
وهذه الهدايففة معناهففا خلق المعرفففة فففي القلب .وتأويففل المعتزلة :ولو شئنففا لكرهناهففم على
الهداية بإظهار اليات الهائلة ،لكن ل يحسن منه فعله؛ لنه ينقض الغرض المجرى بالتكليف إليه
وهفو الثواب الذي ل يسفتحق إل بمفا يفعله المكلف باختياره .وقالت الماميفة ففي تأويلهفا :إنفه يجوز
أن يريد هداها إلى طريق الجنة في الخرة ولم يعاقب أحدا ،لكن حق القول منه أنه يمل جهنم ،فل
يجب على ال تعالى عندنا هداية الكل إليها؛ قالوا :بل الواجب هداية المعصومين ،فأما من له ذنب
فجائز هدايتفه إلى النار جزاء على أفعاله .وففي جواز ذلك منفع؛ لقطعهفم على أن المراد هداهفا إلى
اليمان .وقد تكلم العلماء عليهم في هذين التأويلين بما فيه كفاية في أصول الدين .وأقرب ما لهم
ففي الجواب أن يقال :فقفد بطفل عندنفا وعندكفم أن يهديهفم ال سفبحانه على طريفق اللجاء والجبار
والكراه ،فصفار يؤدي ذلك إلى مذهفب الجبريفة ،وهفو مذهفب رذل عندنفا وعندكفم ،فلم يبفق إل أن
المهتدين من المؤمنين إنما هداهم ال تعالى إلى اليمان والطاعة على طريق الختيار حتى يصح
التكليففف فمففن شاء آمففن وأطاع اختيارا ل جففبرا؛ قال ال تعالى" :لمففن شاء منكففم أن يسففتقيم"
[التكوير ،]28 :وقال" :فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيل" .ثم عقب هاتين اليتين بقوله تعالى" :وما
تشاؤون إل أن يشاء ال" [التكوير .]29 :فوقع إيمان المؤمنين بمشيئتهم ،ونفي أن يشاؤوا إل أن
يشاء ال؛ ولهذا فّرطت المجبرة لما رأوا أن هدايتهم إلى اليمان معذوق بمشيئة ال تعالى ،فقالوا:
الخلق مجبورون فففي طاعتهففم كلهففا ،التفاتففا إلى قوله" :ومففا تشاؤون إل أن يشاء ال" [التكويففر:
.]29وفرطفت القدريفة لمفا رأوا أن هدايتهفم إلى اليمان معذوق بمشيئة العباد ،فقالوا :الخلق
خالقون لفعالهففم ،التفاتففا منهففم إلى قوله تعالى" :لمففن شاء منكففم أن يسففتقيم" [التكويففر.]28 :
ومذهبنفا هفو القتصفاد ففي العتقاد؛ وهفو مذهفب بيفن مذهفبي المجفبرة والقدريفة؛ وخفبر المور
أوسفاطها .وذلك أن أهفل الحفق قالوا :نحفن نفرق بيفن مفا اضطررنفا إليفه وبيفن مفا اخترناه ،وهفو أنفا
ندرك تفرقفة بيففن حركفة الرتعاش الواقعففة ففي يفد النسففان بغيففر محاولتفه وإرادتففه ول مقرونفة
بقدرتففه ،وبيففن حركففة الختيار إذا حّرك يده حركففة مماثلة لحركففة الرتعاش؛ ومففن ل يفرق بيففن
الحركتيففن :حركففة الرتعاش وحركففة الختيار ،وهمففا موجودتان فففي ذاتففه ومحسففوستان فففي يده
بمشاهدته وإدراك حاسته -فهو معتوه في عقله ومختل في حسه ،وخارج من حزب العقلء .وهذا
هو الحق المبين ،وهو طريق بين طريقي الفراط والتفريط .و:
كل طرفي قصد المور ذميم
وبهذا العتبار اختار أهفل النظفر مفن العلماء أن سفموا هذه المنزلة بيفن المنزلتيفن كسفبا ،وأخذوا
هذه التسمية من كتاب ال العزيز ،وهو قوله سبحانه" :لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" [البقرة:
.]286
**3اليفة{ 14 :فذوقوا بمفا نسفيتم لقاء يومكفم هذا إنفا نسفيناكم وذوقوا عذاب الخلد بمفا كنتفم
تعملون}
@قوله تعالى" :فذوقوا بمفا نسفيتم لقاء يومكفم هذا" فيفه قولن :أحدهمفا :أنفه مفن النسفيان الذي ل
ذكفر معفه؛ أي لم يعملوا لهذا اليوم فكانوا بمنزلة الناسفين .والخفر :أن "نسفيتم" بمفا تركتفم ،وكذا
"إنفا نسفيناكم" .واحتفج محمفد بفن يزيفد بقوله تعالى" :ولقفد عهدنفا إلى آدم مفن قبفل فنسفي" [طفه:
]115قال :والدليل على أنه بمعنى ترك أن ال عز وجل أخبر عن إبليس أنه قال" :ما نهاكما
ربكمفا عفن هذه الشجرة إل أن تكونفا ملكيفن" [العراف ]20 :فلو كان آدم ناسفيا لكان قفد ذكره.
وأنشد:
سفود شرب نسوه عند مفتأد كأنه خارجا من جنب صفحته
أي تركوه .ولو كان مفن النسفيان لكان قفد عملوا بفه مرة .قال الضحاك" :نسفيتم" أي تركتفم أمري.
يحيففى بففن سففلم :أي تركتففم اليمان بالبعففث فففي هذا اليوم" .نسففيناكم" تركناكففم مففن الخيففر؛ قاله
السفدي .مجاهفد :تركناكفم ففي العذاب .وففي اسفتئناف قوله" :إنفا نسفيناكم" وبناء الفعفل على "إن"
واسمها تشديد في النتقام منهم .والمعنى :فذوقوا هذا؛ أي ما أنتم فيه من نكس الرؤوس والخزي
والغّم بسبب نسيان ال .أو ذوقوا العذاب المخلد ،وهو الدائم الذي ل انقطاع له في جهنم" .بما كنتم
تعملون" يعنففي فففي الدنيففا مففن المعاصففي .وقففد يعّبر بالذوق عمففا يطرأ على النفففس وإن لم يكففن
مطعوما ،لحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم .قال عمر بن أبي ربيعة:
فساد أل يا ربما كذب الزعم فذق هجرها إن كنت تزعم أنها
الجوهري :وذقت ما عند فلن؛ أي خبرته .وذقت القوس إذا جذبت وترها لتنظر ما شّدتها .وأذاقه
ال وبال أمره .قال طفيل:
من الغيظ في أكبادنا والتحوب فذوقوا كما ذقنا غداة محجر
وتذوقته أي ذقته شيئا بعد شيء .وأمر مستذاق أي مجّرب معلوم .قال الشاعر:
ونت عنه الجعائل مستذاق وعهد الغانيات كعهد قين
والذواق :الملول.
**3اليفة{ 15 :إنمفا يؤمفن بآياتنفا الذيفن إذا ذكروا بهفا خروا سفجدا وسفبحوا بحمفد ربهفم وهفم ل
يستكبرون}
@ هذه تسفلية للنبّي صفلى ال عليفه وسفلم؛ أي أنهفم للفهفم الكففر ل يؤمنون بفك؛ إنمفا يؤمفن بفك
وبالقرآن المتدبرون له والمتعظون بفه ،وهفم الذيفن إذا قرئ عليهفم القرآن "خروا سفجدا" قال ابفن
عباس :ركعا .قال المهدوي :وهذا على مذهب من يرى الركوع عند قراءة السجدة؛ واستدل بقوله
تبارك وتعالى" :وخفر راكعا وأناب" [ص .]24 :وقيفل :المراد به السجود ،وعليفه أكثر العلماء؛
أي خروا سجدا ل تعالى على وجوههم تعظيما لياته وخوفا من سطوته وعذابه" .وسبحوا بحمد
ربهفم" أي خلطوا التسفبيح بالحمفد؛ أي نزهوه وحمدوه؛ فقالوا ففي سفجودهم :سفبحان ال وبحمده،
سففبحان ربففي العلى وبحمده؛ أي تنزيهففا ل تعالى عففن قول المشركيففن .وقال سفففيان" :وسففبحوا
بحمد ربهم" أي صلوا حمدا لربهم" .وهم ل يستكبرون" عن عبادته؛ قاله يحيى بن سلم .النقاش:
"ل يستكبرون" كما استكبر أهل مكة عن السجود.
**3اليففة{ 16 :تتجافففى جنوبهففم عففن المضاجففع يدعون ربهففم خوفففا وطمعففا وممففا رزقناهففم
ينفقون}
@قوله تعالى" :تتجاففى جنوبهفم عفن المضاجفع" أي ترتففع وتنبفو عفن مواضفع الضطجاع .وهفو
في موضع نصب على الحال؛ أي متجافية جنوبهم .والمضاجع جمع مضجع؛ وهي مواضع النوم.
ويحتمل عن وقت الضطجاع ،ولكنه مجاز ،والحقيقة أولى .ومنه قول عبدال بن رواحة:
إذا انشق معروف من الصبح ساطع وفينا رسول ال يتلو كتابه
إذا استثقلت بالمشركين المضاجع يبيت يجافي جنبه عن فراشه
قال الزجاج والرمانّي :التجافي التنحي إلى جهة فوق .وكذلك هو في الصفح عن المخطئ في سب
ونحوه .والجنوب جمع جنب .وفيما تتجافى جنوبهم عن المضاجع لجله قولن :أحدهما :لذكر ال
تعالى ،إما في صلة وإما في غير صلة؛ قاله ابن عباس والضحاك .الثاني :للصلة .وفي الصلة
التي تتجافى جنوبهم لجلها أربعة أقوال :أحدها :التنفل بالليل؛ قاله الجمهور من المفسرين وعليه
أكثفر الناس ،وهفو الذي فيفه المدح ،وهفو قول مجاهفد والوزاعّي ومالك بفن أنفس والحسفن بفن أبفي
الحسن وأبي العالية وغيرهم .ويدل عليه قوله تعالى" :فل تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين"
[السجدة ]17 :لنهم جوزوا على ما أخفوا بما خفي .وال أعلم .وسيأتي بيانه.
وففي قيام الليفل أحاديفث كثيرة؛ منهفا حديفث معاذ بفن جبفل أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال له:
(أل أدلك على أبواب الخير :الصوم جنة ،والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ،وصلة
الرجفل مفن جوف الليفل -قال ثفم تل " -تتجاففى جنوبهفم عفن المضاجفع -حتفى بلغ -يعملون")
أخرجفه أبفو داود الطيالسفي ففي مسفنده والقاضفي إسفماعيل بفن إسفحاق وأبفو عيسفى الترمذي ،وقال
فيفه :حديفث حسفن صفحيح .الثانفي :صفلة العشاء التفي يقال لهفا العتمفة؛ قال الحسفن وعطاء .وففي
الترمذي عن أنس بن مالك أن هذه الية "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" نزلت في انتظار الصلة
التي تدعى العتمة قال :هذا حديث حسن غريب .الثالث :التنفل ما بين المغرب والعشاء؛ قاله قتادة
وعكرمة .وروى أبو داود عن أنس بن مالك أن هذه الية "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون
ربهفم خوففا وطمعفا وممفا رزقناهفم ينفقون" قال :كانوا يتنفلون بيفن المغرب والعشاء .الرابفع :قال
الضحاك :تجافففي الجنففب هففو أن يصففلي الرجففل العشاء والصففبح فففي جماعففة .وقاله أبففو الدرداء
وعبادة.
قلت :وهذا قول حسن ،وهو يجمع القوال بالمعنى .وذلك أن منتظر العشاء إلى أن يصليها في
صلة وذكر ل جل وعز؛ كما قال النبي صلى ال عليه وسلم( :ل يزال الرجل في صلة ما انتظر
الصفلة) .وقال أنفس :المراد باليفة انتظار صفلة العشاء الخرة؛ لن رسفول ال صفلى ال عليفه
وسفلم كان يؤخرهفا إلى نحفو ثلث الليفل .قال ابفن عطيفة :وكانفت الجاهليفة ينامون مفن أول الغروب
ومن أي وقت شاء النسان ،فجاء انتظار وقت العشاء غريبا شاقا .ومصلي الصبح في جماعة ل
سيما في أول الوقت؛ كما كان عليه السلم يصليها .والعادة أن من حافظ على هذه الصلة في أول
الوقفت يقوم سفحرا يتوضفأ ويصفلي ويذكفر ال عفز وجفل إلى أن يطلع الفجفر؛ فقفد حصفل التجاففي
أول الليل وآخره .يزيد هذا ما رواه مسلم من حديث عثمان بن عفان قال سمعت رسول ال صلى
ال عليه وسلم يقول( :من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ،ومن صلى الصبح في
جماعفة فكأنمفا قام الليفل كله) ولففظ الترمذي وأبفي داود ففي هذا الحديفث( :مفن شهففد العشاء فففي
جماعفة كان له قيام نصففف ليلة ،ومفن صفلى العشاء والفجفر فففي جماعفة كان له كقيام ليلة) .وقففد
مضى في سورة "النور" عن كعب فيمن صلى بعد العشاء الخرة أربع ركعات كن له بمنزلة ليلة
القدر.
وجاءت آثار حسان في فضل الصلة بين المغرب والعشاء وقيام الليل .ذكر ابن المبارك قال:
أخبرنا يحيى بن أيوب قال حدثني محمد بن الحجاج أو ابن أبي الحجاج أنه سمع عبدالكريم يحدث
أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال( :مفن ركفع عشفر ركعات بيفن المغرب والعشاء بنفي له
قصفر ففي الجنفة) فقال له عمفر بفن الخطاب :إذا تكثفر قصفورنا وبيوتنفا يفا رسفول ال؟ فقال رسفول
ال صلى ال عليه وسلم( :ال أكبر وأفضل -أو قال -أطيب) .وعن عبدال بن عمرو بن العاصي
قال :صلة الّوابين الخلوة التي بين المغرب والعشاء حتى تثوب الناس إلى الصلة .وكان عبدال
بفن مسفعود يصفلي ففي تلك السفاعة ويقول :صفلة الغفلة بيفن المغرب والعشاء؛ ذكره ابفن المبارك.
ورواه الثعلبفي مرفوعفا عفن ابفن عمفر قال قال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :مفن جففت جنباه عفن
المضاجع ما بين المغرب والعشاء بني له قصران في الجنة مسيرة عام ،وفيهما من الشجر ما لو
نزلهفا أهفل المشرق والمغرب لوسفعتهم فاكهفة) .وهفي صفلة الّوابيفن وغفلة الغافليفن .وأن مفن
الدعاء المستجاب الذي ل يرّد الدعاء بين المغرب والعشاء.
فصل في فضل التجافي -ذكر ابن المبارك عن ابن عباس قال :إذا كان يوم القيامة نادى مناد:
سففتعلمون اليوم مففن أصففحاب الكرم؛ ليقففم الحامدون ل على كففل حال ،فيقومون فيسففّرحون إلى
الجنفة .ثفم ينادي ثانيفة :سفتعلمون اليوم مفن أصفحاب الكرم؛ ليقفم الذيفن كانفت جنوبهفم تتجاففى عفن
المضاجع "يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون" .قال :فيقومون فيسرحون إلى الجنة.
قال :ثم ينادي ثالثة :ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم؛ ليقم الذين كانوا "ل تلهيهم تجارة ول بيع
عن ذكر ال وإقام الصلة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والبصار" [النور،]37 :
فيقومون فيسفرحون إلى الجنفة .ذكره الثعلبّي مرفوعفا عفن أسفماء بنفت يزيفد قال النبّي صفلى ال
عليفه وسفلم( :إذا جمفع ال الوليفن والخريفن يوم القيامفة جاء مناد فنادى بصفوت تسفمعه الخلئق
كلهفم :سفيعلم أهفل الجمفع اليوم مفن أولى بالكرم ،ليقفم الذيفن كانفت تتجاففى جنوبهفم عفن المضاجفع
فيقومون وهم قليل ،ثم ينادي الثانية ستعلمون اليوم من أولى بالكرم ليقم الذين ل تلهيهم تجارة ول
بيع عن ذكر ال فيقومون ،ثم ينادي الثالثة ستعلمون اليوم من أولى بالكرم ليقم الحامدون ل على
كفل حال ففي السفّراء والضراء فيقومون وهفم قليفل فيسفرحون جميعفا إلى الجنفة ،ثفم يحاسفب سفائر
الناس) .وذكفر ابفن المبارك قال أخبرنفا معمفر عفن رجفل عفن أبفي العلء بفن الشخيفر عفن أبفي ذّر
قال :ثلثفة يضحفك ال إليهفم ويسفتبشر ال بهفم :رجفل قام مفن الليفل وترك فراشفه ودفئه ،ثفم توضفأ
فأحسن الوضوء ،ثم قام إلى الصلة؛ فيقول ال لملئكته( :ما حمل عبدي على ما صنع) فيقولون:
ربنفا أنفت أعلم بفه منفا؛ فيقول( :أنفا أعلم بفه ولكفن أخفبروني) فيقولون :رجيتفه شيئا فرجاه وخوفتفه
فحاففه .فيقول( :أشهدكفم أنفي قفد أمنتفه ممفا خاف وأوجبفت له مفا رجاه) قال :ورجفل كان ففي سفرية
فلقفي العدو فانهزم أصفحابه وثبفت هفو حتفى يقتفل أو يفتفح ال عليهفم؛ فيقول ال لملئكتفه مثفل هذه
القصة .ورجل سرى في ليلة حتى إذا كان في آخر الليل نزل هو وأصحابه ،فنام أصحابه وقام هو
يصلي؛ فيقول ال لملئكته )...وذكر القصة.
@قوله تعالى" :يدعون ربهم" في موضع نصب على الحال؛ أي داعين .ويحتمل أن تكون صفة
مستأنفة؛ أي تتجافى جنوبهم وهم أيضا في كل حال يدعون ربهم ليلهم ونهارهم .و"خوفا" مفعول
مففن أجله .ويجوز أن يكون مصففدرا" .وطمعففا" مثله؛ أي خوفففا مففن العذاب وطمعففا فففي الثواب.
"وممفا رزقناهفم ينفقون" تكون "مفا" بمعنفى الذي وتكون مصفدرا ،وففي كل الوجهيفن يجفب أن
تكون منفصففلة مففن "مففن" و"ينفقون" قيففل :معناه الزكاة المفروضففة .وقيففل :النوافففل؛ وهذا القول
أمدح.
**3الية{ 17 :فل تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}
@ قرأ حمزة" :ما أخفيْ لهم" بإسكان الياء .وفتحها الباقون .وفي قراءة عبدال "ما نخفي" بالنون
مضمومفة .وروى المفضفل عفن العمفش "مفا يُخففى لهفم" بالياء المضمومفة وفتفح الفاء .وقرأ ابفن
مسفعود وأبفو هريرة" :مفن قرّات أعيفن" .فمفن أسفكن الياء مفن قوله" :مفا أخففي فهفو مسفتقبل وألففه
ألف المتكلم .و"مففا" فففي موضففع نصففب بفف "أخففي" وهففي اسففتفهام ،والجملة فففي موضفع نصفب
لوقوعهفا موقفع المفعوليفن ،والضميفر العائد على "مفا" محذوف .ومفن فتفح الياء فهفو فعفل ماض
مبني للمفعول .و"ما" في موضع رفع بالبتداء ،والخبر "أخفي" وما بعده ،والضمير في "أخفي"
عائد على "ما" .قال الزجاج :ويقرأ "ما أخفى لهم" بمعنى ما أخفى ال لهم؛ وهي قراءة محمد بن
كعب ،و"ما" في موضع نصب .المهدوّي :ومن قرأ" :قرات أعين" فهو جمع قرة ،وحسن الجمع
فيه لضافته إلى جمع ،والفراد لنه مصدر ،وهو اسم للجنس .وقال أبو بكر النبارّي :وهذا غير
مخالف للمصففحف؛ لن تاء "قرة" تكتففب تاء لغففة مففن يجري الوصففل على الوقففف؛ كمففا كتبوا
(رحمت ال) بالتاء .ول يستنكر سقوط اللف من "قرات" في الخط وهو موجود في اللفظ؛ كما لم
يستنكر سقوط اللف من السموات وهي ثابتة في اللسان والنطق .والمعنى المراد :أنه أخبر تعالى
بما لهم من النعيم الذي لم تعلمه نفس ول بشر ول ملك .وفي معنى هذه الية :قال النبّي صلى ال
عليه وسلم( :قال ال عز وجل أعدت لعبادي الصالحين ما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر
على قلب بشففر -ثففم قرأ هذه اليففة " -تتجافففى جنوبهففم عففن المضاجففع -إلى قوله -بمففا كانوا
يعملون") خرجفه الصفحيح مفن حديفث سفهل بفن سفعد السفاعدي .وقال ابفن مسفعود :ففي التوراة
مكتوب :على ال للذيفن تتجاففى جنوبهفم عفن المضاجفع مفا ل عيفن رأت ول أذن سفمعت ول خطفر
على قلب بشر .وقال ابن عباس :المر في هذا أجل وأعظم من أن يعرف تفسيره.
قلت :وهذه الكرامفة إنمفا هفي لعلى أهفل الجنفة منزل؛ كمفا جاء مبينفا ففي صفحيح مسفلم عفن
المغيرة بفن شعبفة يرفعفه إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال( :سفأل موسفى عليفه السفلم ربفه
فقال يفا رب مفا أدنفى أهفل الجنفة منزلة قال هفو رجفل يأتفي بعدمفا يدخفل أهفل الجنفة الجنفة فيقال له
ادخففل الجنففة فيقول أي رب كيففف وقففد نزل الناس منازلهففم وأخذوا أخذاتهففم فيقال له أترضففى أن
يكون لك مثفل ملك ملك مفن ملوك الدنيفا فيقول رضيفت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله معفه ومثله
ومثله ومثله ومثله فقال فففي الخامسففة رضيففت رب فيقال هذا لك وعشرة أمثاله ولك مففا اشتهففت
نفسففك ولذت عينففك فيقول رضيففت رب قال رب فأعلهففم منزلة قال أولئك الذيففن أردت غرسففت
كرامتهففم بيدي وختمففت عليهففا فلم تففر عيففن ولم تسففمع أذن ولم يخطففر على قلب بشففر -قال -
ومصفداقه مفن كتاب ال قوله تعالى" :فل تعلم نففس مفا أخففي لهفم مفن قرة أعيفن جزاء بمفا كانوا
يعملون" .وقفد روي عفن المغيرة موقوففا قوله .وخرج مسفلم أيضفا عفن أبفي هريرة قال قال رسفول
ال صفلى ال عليفه وسفلم( :يقول ال تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصفالحين مفا ل عيفن رأت ول
أذن سمعت ول خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعكم عليه -ثم قرأ " -فل تعلم نفس ما أخفي
لهفم مفن قرة أعيفن" .وقال ابفن سفيرين :المراد بفه النظفر إلى ال تعالى .وقال الحسفن :أخففى القوم
أعمال فأخفى ال تعالى لهم ما ل عين رأت ول أذن سمعت.
**3الية{ 18 :أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ل يستوون}
@قوله تعالى" :أفمفن كان مؤمنفا كمفن كان فاسفقا" أي ليفس المؤمفن كالفاسفق؛ فلهذا آتينفا هؤلء
المؤمنيفن الثواب العظيفم .قال ابفن عباس وعطاء بفن يسفار :نزلت اليفة ففي علّي ابفن أبفي طالب
والوليد بن عقبة بن أبي معيط؛ وذلك أنهما تلحيا فقال له الوليد :أنا أبسط منك لسانا وأحد سنانا
وأرد للكتيبفة -وروي وأمل ففي الكتيبفة -جسفدا .فقال له علّي :اسفكت! فإنفك فاسفق؛ فنزلت اليفة.
وذكفر الزجاج والنحاس أنهفا نزلت ففي علّي وعقبفة بفن أبفي مُعيفط .قال ابفن عطيفة :وعلى هذا يلزم
أن تكون اليفة مكيفة؛ لن عقبفة لم يكفن بالمدينفة ،وإنمفا قتفل ففي طريفق مكفة منصفرف رسفول ال
صلى ال عليه وسلم من بدر .ويعترض القول الخر بإطلق اسم الفسق على الوليد .وذلك يحتمل
أن يكون في صدر إسلم الوليد لشيء كان في نفسه ،أو لما روي من نقله عن بني المصطلق ما
لم يكن ،حتى نزلت فيه" :إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" [الحجرات ]6 :على ما يأتي في الحجرات
بيانففه .ويحتمفل أن تطلق الشريعفة ذلك عليفه؛ لنفه كان على طرف ممففا يبغففي .وهفو الذي شرب
الخمر في زمن عثمان رضي ال عنه ،وصلى الصبح بالناس ثم التفت وقال :أتريدون أن أزيدكم،
ونحو هذا مما يطول ذكره.
@ لما قسم ال تعالى المؤمنين والفاسقين الذين فسقهم بالكفر -لن التكذيب في آخر الية يقتضي
ذلك -اقتضفى ذلك نففي المسفاواة بيفن المؤمفن والكاففر؛ ولهذا منفع القصفاص بينهمفا؛ إذ مفن شرط
وجوب القصفاص المسفاواة بيفن القاتفل والمقتول .وبذلك احتفج علماؤنفا على أبفي حنيففة ففي قتله
المسلم بالذمّي .وقال :أراد نفي المساواة ها هنا في الخرة في الثواب وفي الدنيا في العدالة .ونحن
حملناه على عمومه ،وهو أصح ،إذ ل دليل يخصه؛ قاله ابن العربي.
@قوله تعالى" :ل يسفتوون" قال الزجاج وغيره" :مفن" يصفلح للواحفد والجمفع .النحاس :لففظ
"من" يؤدي عن الجماعة؛ فلهذا قال" :ل يستوون"؛ هذا قول كثير من النحويين .وقال بعضهم:
"ل يستوون" الثنين؛ لن الثنين جمع؛ لنه واحد جمع مع آخر .وقاله الزجاج أيضا .والحديث
يدل على هذا القول؛ لنفه عفن ابفن عباس وغيره قال :نزلت "أفمفن كان مؤمنفا" ففي علي ابفن أبفي
طالب رضي ال عنه" ،كمن كان فاسقا" في الوليد بن عقبة بن أبي معيط .وقال الشاعر:
إذا ماتوا وصاروا في القبور أليس الموت بينهما سواء
**3اليفة{ 20 - 19 :أمفا الذيفن آمنوا وعملوا الصفالحات فلهفم جنات المأوى نزل بمفا كانوا
يعملون ،وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا
عذاب النار الذي كنتم به تكذبون}
@قوله تعالى" :أمفا الذيفن آمنوا وعملوا الصفالحات فلهفم جنات المأوى" أخفبر عفن مقفر الفريقيفن
غدا؛ فللمؤمنيففففففففففن جنات المأوى ،أي يأوون إلى الجنات؛ فأضاف الجنات إلى المأوى لن ذلك
الموضع يتضمن جنات" .نزل" أي ضيافة .والنزل :ما يهيأ للنازل والضيف .وقد مضى في آخر
"آل عمران" وهو نصب على الحال من الجنات؛ أي لهم الجنات معّدة ،ويجوز أن يكون مفعول
له".وأمفا الذيفن فسفقوا" أي خرجوا عفن اليمان إلى الكففر "فمأواهفم النار" أي مقامهفم فيهفا" .كلمفا
أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها" أي إذا دفعهم لهب النار إلى أعلها ردوا إلى موضعهم فيها،
لنهفم يطمعون ففي الخروج منهفا .وقفد مضفى هذا ففي "الحفج"" .وقيفل لهفم" أي يقول لهفم خزنفة
جهنففم .أو يقول ال لهففم" :ذوقوا عذاب النار الذي كنتففم بففه تكذبون" والذوق يسففتعمل محسففوسا
ومعنى .وقد مضى في هذه السورة بيانه.
**3الية{ 21 :ولنذيقنهم من العذاب الدنى دون العذاب الكبر لعلهم يرجعون}
@قوله تعالى" :ولنذيقنهفم من العذاب الدنفى" قال الحسن وأبو العالية والضحاك وأبي بن كعب
وإبراهيفم النخعّي :العذاب الدنفى مصفائب الدنيفا وأسفقامها ممفا يبتلى بفه العبيفد حتفى يتوبوا؛ وقاله
ابفن عباس .وعنه أيضفا أنه الحدود .وقال ابفن مسعود والحسفين بن علّي وعبدال بن الحارث :هو
القتل بالسيف يوم بدر .وقال مقاتل :الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف؛ وقاله مجاهد .وعنه
أيضفا :العذاب الدنفى عذاب القفبر؛ وقاله البراء بفن عازب .قالوا :والكفبر عذاب يوم القيامفة .قال
القشيري :وقيفل عذاب القفبر .وفيفه نظفر؛ لقوله" :لعلهفم يرجعون" .قال :ومفن حمفل العذاب على
القتفل قال" :لعلهفم يرجعون" أي يرجفع مفن بقفي منهفم .ول خلف أن العذاب الكفبر عذاب جهنفم؛
إل مفا روي عفن جعففر بفن محمفد أنفه خروج المهدي بالسفيف .والدنفى غلء السفعر .وقفد قيفل :إن
معنففى قوله" :لعلهففم يرجعون" .على قول مجاهففد والبراء :أي لعلهففم يريدون الرجوع ويطلبونففه
كقوله" :فارجعنا نعمل صالحا" [السجدة .]12 :وسميت إرادة الرجوع رجوعا كما سميت إرادة
القيام قيامففا فففي قوله تعالى" :إذا قمتففم إلى الصففلة" [المائدة .]6 :ويدل عليففه قراءة مففن قرأ:
"يرجعون" على البناء للمفعول؛ ذكره الزمخشري.
**3الية{ 22 :ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون}
@قوله تعالى" :ومن أظلم" أي ل أحد أظلم لنفسه" .ممن ذكر بآيات ربه" أي بحججه وعلماته.
"ثم أعرض عنها" بترك القبول" .إنا من المجرمين منتقمون" لتكذيبهم وإعراضهم.
**3الية{ 25 - 23 :ولقد آتينا موسى الكتاب فل تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني
إسفرائيل ،وجعلنفا منهفم أئمفة يهدون بأمرنفا لمفا صفبروا وكانوا بآياتنفا يوقنون ،إن ربفك هفو يفصفل
بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}
@قوله تعالى" :ولقد آتينا موسى الكتاب فل تكن في مرية من لقائه" أي فل تكن يا محمد في شك
من لقاء موسى؛ قال ابن عباس .وقد لقيه ليلة السراء .قتادة :المعنى فل تكن في شك من أنك لقيته
ليلة السفراء .والمعنفى واحفد .وقيفل :فل تكفن ففي شفك مفن لقاء موسفى ففي القيامفة ،وسفتلقاه فيهفا.
وقيل :فل تكن في شك من لقاء موسى الكتاب بالقبول؛ قال مجاهد والزجاج .وعن الحسن أنه قال
ففي معناه" :ولقفد آتينفا موسفى الكتاب" فأوذي وكذب ،فل تكفن ففي شفك مفن أنفه سفيلقاك مفا لقيفه مفن
التكذيفففب والذى؛ فالهاء عائدة على مخذوف ،والمعنفففى مفففن لقاء مفففا لقفففى .النحاس :وهذا قول
غريب ،إل أنه من رواية عمرو بن عبيد .وقيل في الكلم تقديم وتأخير؛ والمعنى :قل يتوفاكم ملك
الموت الذي وكفل بكفم فل تكفن ففي مريفة مفن لقائه؛ فجاء معترضفا بيفن "ولقفد آتينفا موسفى الكتاب"
وبين "وجعلناه هدى لبني إسرائيل" .والضمير في "وجعلناه" فيه وجهان :أحدهما :جعلنا موسى؛
قاله قتادة .الثانفي :جعلنفا الكتاب؛ قاله الحسفن" .وجعلنفا منهفم أئمفة" أي قادة وقدوة يقتدى بهفم ففي
دينهم .والكوفيون يقرؤون "أئمة" النحاس :وهو لحن عند جميع النحويين؛ لنه جمع بين همزتين
في كلمه واحدة ،وهو من دقيق النحو.
وشرحه :أن الصل "أ ْأ ِممَة" ثم ألقيت حركة الميم على الهمزة وأدغمت الميم ،وخففت الهمزة
الثانية لئل يجتمع همزتان ،والجمع بين همزتين في حرفين بعيفد؛ فأما في حرف واحد فل يجوز
إل تخفيف الثانية نحو قولك :آدم وآخر .ويقال :هذا أوم من هذا وأيّم؛ بالواو والياء .وقد مضى هذا
ففففي "التوبفففة" وال تعالى أعلم" .يهدون بأمرنفففا" أي يدعون الخلق إلى طاعتنفففا" .بأمرنفففا" أي
أمرناهفم بذلك .وقيفل" :بأمرنفا" أي لمرنفا؛ أي يهدون الناس لديننفا .ثفم قيفل :المراد النفبياء عليهفم
السففلم؛ قاله قتادة .وقيففل :المراد الفقهاء والعلماء" .لمففا صففبروا" قراءة العامففة "لمففا" بفتففح اللم
وتشديد الميم وفتحها؛ أي حين صبروا .وقرأ يحيى وحمزة والكسائي وخلف ورويس عن يعقوب:
"لمفا صفبروا" أي لصفبرهم جعلناهفم أئمفة .واختاره أبفو عبيفد اعتبارا بقراءة ابفن مسفعود "بمفا
صفبروا" بالباء .وهذا الصفبر صفبر على الديفن وعلى البلء .وقيفل :صفبروا عفن الدنيفا" .إن ربفك
هفو يفصفل بينهفم يوم القيامفة" أي يقضفي ويحكفم بيفن المؤمنيفن والكفار ،فيجازي كل بمفا يسفتحق.
وقيل :يقضي بين النبياء وبين قومهم؛ حكاه النقاش.
**3اليفة{ 26 :أولم يهفد لهفم كفم أهلكنفا مفن قبلهفم مفن القرون يمشون ففي مسفاكنهم إن ففي ذلك
ليات أفل يسمعون}
@قوله تعالى" :أولم يهفد لهفم" وقرأ أبفو عبدالرحمفن السفلمّي وقتادة وأبفو زيفد عفن يعقوب "نهفد
لهفم" بالنون؛ فهذه قراءة بينفة .النحاس :وبالياء فيهفا إشكال؛ لنفه يقال :الفعفل ل يخلو مفن فاعفل،
فأين الفاعل لف "يهد"؟ فتكلم النحويون ففي هذا؛ فقال الفراء" :كم" في موضع رفع بف "يهد" وهذا
نقض لصول النحويين في قولهم :إن الستفهام ل يعمل فيه ما قبله ول في "كم" بوجه؛ أعني ما
قبلها .ومذهب أبي العباس أن "يهد" يدل على الهدى؛ والمعنى أو لم يهد لهم الهدى .وقيل :المعنى
أو لم يهفد ال لهفم؛ فيكون معنفى الياء والنون واحدا؛ أي أو لم نفبين لهفم إهلكنفا القرون الكافرة مفن
قبلهم .وقال الزجاج" :كم" هي موضع نصب بف "أهلكنا"" .يمشون في مساكنهم" يحتمل الضمير
فففي "يمشون" أن يعود على الماشيففن فففي مسففاكن المهلكيففن؛ أي وهؤلء يمشون ول يعتففبرون.
ويحتمل أن يعود على المهلكين فيكون حال؛ والمعنى :أهلكناهم ماشين في مساكنهم" .إن في ذلك
ليات أفل يسمعون" آيات ال وعظاته فيتعظون.
**3الية{ 27 :أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم
وأنفسهم أفل يبصرون}
@قوله تعالى" :أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الرض الجرز" أي أولم يعلموا كمال قدرتنا بسوقنا
الماء إلى الرض اليابسفففة التفففي ل نبات فيهفففا لنحييهفففا .الزمخشري :الجرز الرض التفففي جرز
نباتها ،أي قطع؛ إما لعدم الماء وإما لنه رعي وأزيل .ول يقال للتي ل تنبت كالسباخ جرز؛ ويدل
عليفه قوله تعالى" :فنخرج بفه زرعفا" قال ابفن عباس :هفي أرض باليمفن .وقال مجاهفد :هفي أبيفن.
وقال عكرمففة :هففي الرض الظمأى .وقال الضحاك :هففي الرض الميتففة العطشففى .وقال الفراء:
هفي الرض التفي ل نبات فيهفا .وقال الصفمعّي :هفي الرض التفي ل تنبفت شيئا .وقال محمفد بفن
يزيفد :يبعفد أن تكون لرض بعينهفا لدخول اللف واللم؛ إل أنفه يجوز على قول مفن قال :العباس
والضحاك .والسفناد عفن ابفن عباس صفحيح ل مطعفن فيفه .وهذا إنمفا هفو نعفت والنعفت للمعرففة
يكون باللف واللم؛ وهفو مشتفق مفن قولهفم :رجفل جروز إذا كان ل يبقفي شيفء شيئا إل أكله .قال
الراجز:
ويأكل التمر ول يلقي النوى خب جروز وإذا جاع بكى
وكذلك ناقففة جروز :إذا كانففت تأكففل كففل شيففء تجده .وسففيف جراز :أي قاطففع ماض .وجرزت
جرْزجرُز و َ
جرْز و ُالجراد الزرع :إذا اسففتأصلته بالكففل .وحكففى الفراء وغيره أنففه يقال :أرض ُ
جرَز .وكذلك بخفل ورغفب ووهفب؛ ففي الربعفة أربفع لغات .وقفد روي أن هذه الرض ل أنهار وَ
فيهفا ،وهفي بعيدة مفن البحفر ،وإنمفا يأتيهفا ففي كفل عام ودان فيزرعون ثلث مرات ففي كفل عام.
وعن مجاهد أيضا :أنها أرض النيل" .فنخرج به" أي بالماء" .زرعا تأكل منه أنعامهم" من الكل
والحشيفش" .وأنفسفهم" مفن الحفب والخضفر والفواكفه" .أفل يبصفرون" هذا فيعلمون أنفا نقدر على
إعادتهفم .و"فنخرج" يكون معطوففا على "نسفوق" أو منقطعفا ممفا قبله" .تأكفل منفه أنعامهفم" ففي
موضع نصب على النعت.
**3اليفة{ 28 :ويقولون متفى هذا الفتفح إن كنتفم صفادقين ،قفل يوم الفتفح ل ينففع الذيفن كفروا
إيمانهم ول هم ينظرون}
@قوله تعالى" :ويقولون متفى هذا الفتفح إن كنتفم صفادقين" "متفى" ففي موضفع رففع ،ويجوز أن
يكون ففي موضفع نصفب على الظرف .قال قتادة :الفتفح القضاء .وقال الفراء والقتبّي :يعنفي فتفح
مكة .وأولى من هذا ما قاله مجاهد ،قال :يعني يوم القيامة .ويروى أن المؤمنين قالوا :سيحكم ال
عفز وجفل بيننفا يوم القيامفة فيثيفب المحسفن ويعاقفب المسفيء .فقال الكفار على التهزيفء .متفى يوم
الفتففح ،أي هذا الحكففم .ويقال للحاكففم :فاتففح وفتاح؛ لن الشياء تنفتففح على يديففه وتنفصففل .وفففي
القرآن" :ربنففا افتففح بيننففا وبيففن قومنففا بالحففق" [العراف ]89 :وقففد مضففى هذا فففي "البقرة"
وغيرهفا" .قفل يوم الفتفح" على الظرف .وأجاز الفراء الرففع" .ل ينففع الذيفن كفروا إيمانهفم ول هفم
ينظرون" أي يؤخرون ويمهلون للتوبففة؛ إن كان يوم الفتففح يوم بدر أو فتففح مكففة .ففففي بدر قتلوا،
ويوم الفتح هربوا فلحقهم خالد بن الوليد فقتلهم.
**3الية{ 30 :فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون}
@قوله تعالى" :فأعرض عنهم" معناه فأعرض عن سفههم ول تجبهم إل بما أمرت به" .وانتظر
إنهفم منتظرون" أي انتظفر يوم الفتفح ،يوم يحكفم ال لك عليهفم .ابفن عباس" :فأعرض عنهفم" أي
عن مشركي قريش مكة ،وأن هذا منسوخ بالسيف في "براءة" في قوله" :فاقتلوا المشركين حيث
وجدتموهفم" [التوبفة" .]5 :وانتظفر" أي موعدي لك .قيفل :يعنفي يوم بدر" .إنهفم منتظرون" أي
ينتظرون بكفم حوادث الزمان .وقيفل :اليفة غيفر منسفوخة؛ إذ قفد يقفع العراض مفع المفر بالقتال
كالهدنة وغيرها .وقيل :أعرض عنهم بعدما بلغت الحجة ،وانتظر إنهم منتظرون .إن قيل :كيف
ينتظرون القيامففة وهففم ل يؤمنون؟ ففففي هذا جوابان :أحدهمففا :أن يكون المعنففى إنهففم منتظرون
الموت وهفو مفن أسفباب القيامفة؛ فيكون هذا مجازا .والخفر :أن فيهفم مفن يشفك وفيهفم مفن يؤمفن
بالقيامفة؛ فيكون هذا جوابفا لهذيفن الصفنفين .وال أعلم .وقرأ ابفن السفميقع" :إنهفم منتظرون" بفتفح
الظاء .ورويففت عففن مجاهففد وابففن محيصففن .قال الفراء :ل يصففح هذا إل بإضمار ،مجازه :إنهففم
منتظرون بهم .قال أبو حاتم :الصحيح الكسر؛ أي انتظر عذابهم إنهم منتظرون هلكك .وقد قيل:
إن قراءة ابن السميقع (بفتح الظاء) معناها :وانتظر هلكهم فإنهم أحقاء بأن ينتظر هلكهم؛ يعني
أنهفم هالكون ل محالة ،وانتظفر ذلك فإن الملئكفة ففي السفماء ينتظرونفه؛ ذكره الزمخشري .وهفو
معنى قول الفراء .وال أعلم.
**2سورة الحزاب
**3مقدمة السورة
@ مدنية في قول جميعهم .نزلت في المنافقين وإيذائهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وطعنهم
فيففه وفففي مناكحتففه وغيرهففا .وهففي ثلث وسففبعون آيففة .وكانففت هذه السفورة تعدل سففورة البقرة.
وكانت فيها آية الرجم( :الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكال من ال وال عزيز حكيم)؛
ذكره أبففو بكففر النباري عففن أبففي بففن كعففب .وهذا يحمله أهففل العلم على أن ال تعالى رفففع مففن
الحزاب إليه ما يزيد على ما في أيدينا ،وأن آية الرجم رفع لفظها .وقد حدثنا أحمد بن الهيثم بن
خالد قال حدثنفا أبفو عبيفد القاسفم بفن سفلم قال حدثنفا ابفن أبفي مريفم عفن ابفن لهيعفة عفن أبفي السفود
عن عروة عن عائشة قالت :كانت سورة الحزاب تعدل على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم
مائتفي آيفة ،فلمفا كتفب المصفحف لم يقدر منهفا إل على مفا هفي الن .قال أبفو بكفر :فمعنفى هذا مفن
قول أم المؤمنين عائشة :أن ال تعالى رفع إليه من سورة الحزاب ما يزيد على ما عندنا.
قلت :هذا وجفه مفن وجوه النسفخ ،وقفد تقدم ففي "البقرة" القول فيفه مسفتوفى والحمفد ل .وروى
زر قال قال لي أبفي بفن كعفب :كفم تعدون سفورة الحزاب؟ قلت ثلثفا وسفبعين آيفة؛ قال :فوالذي
يحلف بفه أبفي بفن كعفب إن كانفت لتعدل سفورة البقرة أو أطول ،ولقفد قرأنفا منهفا آيفة الرجفم :الشيفخ
والشيخفة إذا زنيفا فارجموهمفا البتفة نكال مفن ال وال عزيفز حكيفم .أراد أبفي أن ذلك مفن جملة مفا
نسخ من القرآن .وأما ما يحكى من أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة فأكلتها الداجن
فمن تأليف الملحدة والروافض.
**3الية{ 1 :يا أيها النبي اتق ال ول تطع الكافرين والمنافقين إن ال كان عليما حكيما}
@قوله تعالى" :يا أيها النبي اتق ال" ضمت "أي" لنه نداء مفرد ،والتنبيه لزم لها .و"النبي"
نعفت لي عنفد النحوييفن؛ إل الخففش فإنفه يقول :إنفه صفلة لي .مكّي :ول يعرف ففي كلم العرب
اسفم مفرد صفلة لشيفء .النحاس :وهفو خطفأ عنفد أكثفر النحوييفن؛ لن الصفلة ل تكون إل جملة،
والحتيال له فيمفا قال إنفه لمفا كان نعتفا لزمفا سفمي صفلة؛ وهكذا الكوفيون يسفمون نعفت النكرة
صفلة لهفا .ول يجوز نصفبه على الموضفع عنفد أكثفر النحوييفن .وأجازه المازنّي ،جعله كقولك :يفا
زيفد الظريفف ،بنصب "الظريفف" على موضفع زيفد .مكّي :وهذا نعفت يسفتغنى عنه ،ونعت "أي"
ل يستغنى عنه فل يحسن نصبه على الموضع .وأيضا فإن نعت "أي" هو المنادى في المعنى فل
يحسفن نصفبه .وروي أن رسفول ال صفلى ال عليه وسفلم لمفا هاجفر إلى المدينة وكان يحب إسفلم
اليهود :قريظفة والنضيفر وبنفي قينقاع؛ وقفد تابعفه ناس منهفم على النفاق ،فكان يليفن لهفم جانبفه؛
ويكرم صغيرهم وكبيرهم ،وإذا أتى منهم قبيح تجاوز عنه ،وكان يسمع منهم؛ فنزلت .وقيل؛ إنها
نزلت فيمففا ذكففر الواحدي والقشيري والثعلبّفي والماوردي وغيرهففم فففي أبففي سفففيان بففن حرب
وعكرمة بن أبي جهل وأبي العور عمرو بن سفيان ،نزلوا المدينة على عبدال بن أبي ابن سلول
رأس المنافقين بعد أحد ،وقد أعطاهم النبّي صلى ال عليه وسلم المان على أن يكلموه ،فقام معهم
عبدال بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق ،فقالوا للنبي صلى ال عليه وسلم وعنده عمر ابن
الخطاب :ارففض ذكفر آلهتنفا اللت والعزى ومناة ،وقل إن لها شفاعة ومنعفة لمن عبدها ،وندعك
وربك .فشق على النبي صلى ال عليه وسلم ما قالوا .فقال عمر :يا رسول ال ائذن لي في قتلهم.
فقال النففبي صففلى ال عليففه وسففلم( :إنففي قففد أعطيتهففم المان) فقال عمففر :اخرجوا فففي لعنففة ال
وغضبه .فأمر النبي صلى ال عليه وسلم أن يخرجوا من المدينة؛ فنزلت الية" .يا أيها النبي اتق
ال" أي خفف ال" .ول تطفع الكافريفن" مفن أهفل مكفة ،يعنفي أبفا سففيان وأبفا العور وعكرمفة.
"والمنافقيفن" مفن أهفل المدينفة ،يعنفي عبدال بفن أبفي وطعمفة وعبدال بفن سفعد بفن أبفي سفرح فيمفا
نهيفت عنفه ،ول تمفل إليهفم" .إن ال كان عليمفا" بكفرهفم "حكيمفا" فيمفا يفعفل بهفم .الزمخشري:
وروي أن أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبا العور السلمّي قدموا على النبي صلى
ال عليفه وسفلم ففي الموادعفة التفي كانفت بينفه وبينهفم ،وقام معهفم عبدال بفن أبفي ومعتفب بفن قشيفر
والجّد بن قيس ،فقالوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم :ارفض ذكر آلهتنا .وذكر الخبر بمعنى ما
تقدم .وأن اليففة نزلت فففي نقففض العهففد ونبففذ الموادعففة" .ول تطففع الكافريففن" مففن أهففل مكففة.
"والمنافقين" من أهل المدينة فيما طلبوا إليك .وروي أن أهل مكة دعوا رسول ال صلى ال عليه
وسلم إلى أن يرجع عن دينه ويعطوه شطر أموالهم ،ويزوجه شيبة بن ربيعة بنته ،وخوفه منافقو
المدينفة أنهفم يقتلونفه إن لم يرجفع؛ فنزلت .النحاس :ودل بقوله "إن ال كان عليمفا حكيمفا" على أنفه
كان يميفل إليهفم اسفتدعاء لهفم إلى السفلم؛ أي لو علم ال عفز وجفل أن ميلك إليهفم فيفه منفعفة لمفا
نهاك عنه؛ لنه حكيم .ثم قيل :الخطاب له ولمته.
**3الية{ 3 - 2 :واتبع ما يوحى إليك من ربك إن ال كان بما تعملون خبيرا ،وتوكل على ال
وكفى بال وكيل}
@قوله تعالى" :واتبفع مفا يوحفى إليفك مفن ربفك" يعنفي القرآن .وفيفه زجفر عفن اتباع مراسفم
الجاهلية ،وأمر بجهادهم ومنابذتهم ،وفيه دليل على ترك اتباع الراء مع وجود النص .والخطاب
له ولمته" .إن ال كان بما تعملون خبيرا" قراءة العامة بتاء على الخطاب ،وهو اختيار أبي عبيد
وأبفي حاتفم .وقرأ السفلمي وأبفو عمرو وابفن أبفي إسفحاق" :يعملون" بالياء على الخفبر؛ وكذلك ففي
قوله" :بما تعملون بصيرا" [الفتح".]24 :وتوكل على ال" أي اعتمد عليه في كل أحوالك؛ فهو
الذي يمنعك ول يضرك من خذلك" .وكفى بال وكيل" حافظا .وقال شيخ من أهل الشام :قدم على
النبّي صلى ال عليه وسلم وفد من ثقيف فطلبوا منه أن يمتعهفم باللت سنة -وهي الطاغية التي
كانفت ثقيفف تعبدهفا -وقالوا :لتعلم قريفش منزلتنفا عندك؛ فهفم النبّي صفلى ال عليفه وسفلم بذلك،
فنزلت "وتوكفل على ال وكففى بال وكيل" أي كافيفا لك مفا تخاففه منهفم .و"بال" ففي موضفع رففع
لنه الفاعل .و"وكيل" نصب على البيان أو الحال.
**3الية{ 4 :ما جعل ال لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللئي تظاهرون منهن
أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم وال يقول الحق وهو يهدي السبيل}
@ قال مجاهد :نزلت في رجل من قريش كان يدعى ذا القلبين من دهائه ،وكان يقول :إن لي في
جوفففي قلبيففن ،أعقففل بكففل واحففد منهمففا أفضففل مففن عقففل محمففد .قال :وكان مففن فهففر .الواحدي
والقشيري وغيرهمففا :نزلت فففي جميففل بففن معمففر الفهري ،وكان رجل حافظففا لمففا يسففمع .فقالت
قريش :ما يحفظ هذه الشياء إل وله قلبان .وكان يقول :لي قلبان أعقل بهما أفضل من عقل محمد.
فلمفا هزم المشركون يوم بدر ومعهفم جميفل بفن معمفر ،رآه أبفو سففيان ففي العيفر وهفو معلق إحدى
نعليففه فففي يده والخرى فففي رجله؛ فقال أبففو سفففيان :مففا حال الناس؟ قال انهزموا .قال :فمففا بال
إحدى نعليفك ففي يدك والخرى ففي رجلك؟ قال :مفا شعرت إل أنهمفا ففي رجلي؛ فعرفوا يومئذ أنفه
لو كان له قلبان لمفا نسفي نعله ففي يده .وقال السفهيلّي :كان جميفل بفن معمفر الجمحّي ،وهفو ابفن
معمر بن حبيب بن وهب ابن حذافة بن جمح ،واسم جمح :تيم؛ وكان يدعى ذا القلبين فنزلت فيه
الية ،وفيه يقول الشاعر:
قضى وطرا منها جميل بن معمر وكيف ثوائي بالمدينة بعد ما
قلت :كذا قالوا جميفل بفن معمفر .وقال الزمخشري :جميفل بفن أسفد الفهري .وقال ابفن عباس:
سببها أن بعض المنافقين قال :إن محمدا له قلبان؛ لنه ربما كان في شيء فنزع في غيره نزعة ثم
عاد إلى شأنه الول؛ فقالوا ذلك عنه فأكذبهم ال عز وجل .وقيل :نزلت في عبدال بن خطل .وقال
الزهري وابفن حبان :نزل ذلك تمثيل فففي زيففد بفن حارثفة لمفا تبناه النبّي صفلى ال عليفه وسفلم؛
فالمعنفففى :كمفففا ل يكون لرجفففل قلبان كذلك ل يكون ولد واحفففد لرجليفففن .قال النحاس :وهذا قول
ضعيفف ل يصفح ففي اللغة ،وهو مفن منقطعات الزهري ،رواه معمفر عنفه .وقيفل :هو مثفل ضرب
للمظاهففر؛ أي كمففا ل يكون للرجففل قلبان كذلك ل تكون امرأة المظاهففر أمففه حتففى تكون له أمان.
وقيففل :كان الواحففد مففن المنافقيففن يقول :لي قلب يأمرنففي بكذا ،وقلب يأمرنففي بكذا؛ فالمنافففق ذو
قلبيفن؛ فالمقصفود رد النفاق .وقيفل :ل يجتمفع الكففر واليمان بال تعالى ففي قلب ،كمفا ل يجتمفع
قلبان ففي جوف؛ فالمعنفى :ل يجتمفع اعتقادان متغايران ففي قلب .ويظهفر مفن اليفة بجملتهفا نقفي
أشياء كانت العرب تعتقدها في ذلك الوقت ،وإعلم بحقيقة المر ،وال أعلم.
@ القلب بضعفة صفغيرة على هيئة الصفنوبرة ،خلقهفا ال تعالى ففي الدمفي وجعلهفا محل للعلم،
فيحصي به العبد من العلوم ما ل يسع في أسفار ،يكتبه ال تعالى فيه بالخط اللهّي ،ويضبطه فيه
بالحففظ الربانفي ،حتفى يحصفيه ول ينسفى منفه شيئا .وهفو بيفن لمتيفن :لمفة مفن الملك ،ولمفة مفن
الشيطان؛ كمفا قال صفلى ال عليفه وسفلم .خرجفه الترمذي؛ وقفد مضفى ففي "البقرة" .وهفو محفل
الخطرات والوسففاوس ومكان الكفففر واليمان ،وموضففع الصففرار والنابففة ،ومجرى النزعاج
والطمأنينة .والمعنى في الية :أنه ل يجتمع في القلب الكفر واليمان ،والهدى والضلل ،والنابة
والصرار ،وهذا نفي لكل ما توهمه أحد في ذلك من حقيقة أو مجاز ،وال أعلم.
@ أعلم ال عز وجل في هذه الية أنه ل أحد بقلبين ،ويكون في هذا طعن على المنافقين الذين
تقدم ذكرهففم؛ أي إنمففا هففو قلب واحففد ،فإمففا فيففه إيمان وإمففا فيففه كفففر؛ لن درجففة النفاق كأنهففا
متوسطة ،فنفاها ال تعالى وبين أنه قلب واحد .وعلى هذا النحو يستشهد النسان بهذه الية ،متى
نسي شيئا أو وهم .يقول على جهة العتذار :ما جعل ال لرجل من قلبين في جوفه.
@قوله تعالى" :ومفا جعفل أزواجكفم اللئي تظاهرون منهفن أمهاتكفم" يعنفي قول الرجفل لمرأتفه:
أنت علّي كظهر أمي .وذلك مذكور في سورة "المجادلة" على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :ومفا جعفل أدعياءكفم أبناءكفم" أجمفع أهفل التفسفير على أن هذا نزل ففي زيفد بفن
حارثة .وروى الئمة أن ابن عمر قال :ما كنا ندعو زيد بن حارثة إل زيد بن محمد حتى نزلت:
"ادعوهم لبائهم هو أقسط عند ال" [الحزاب ]5 :وكان زيد فيما روي عن أنس بن مالك وغيره
مسفبيا مفن الشأم ،سفبته خيفل مفن تهامفة ،فابتاعفه حكيفم بفن حزام بفن خويلد ،فوهبفه لعمتفه خديجفة
فوهبتففه خديجففة للنبّي صففلى ال عليففه وسففلم فأعتقففه وتبناه ،فأقام عنده مدة ،ثففم جاء عمففه وأبوه
يرغبان ففي فدائه ،فقال لهمفا النبّي صفلى ال عليفه وسفلم وذلك قبفل البعفث( :خيراه فإن اختاركمفا
فهفو لكمفا دون فداء) .فاختار الرق مفع رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم على حريتفه وقومفه؛ فقال
محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم عند ذلك( :يا معشر قريش اشهدوا أنه ابني يرثني وأرثه)
وكان يطوف على حلق قريففش يشهدهففم على ذلك ،فرضففي ذلك عمفه وأبوه وانصففرفا .وكان أبوه
لما سبي يدور الشأم ويقول:
أحي فيرجى أم أتى دونه الجل بكيت على زيد ولم أدر ما أفعل
أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل فوال ل أدري وإني لسائل
فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل فيا ليت شعري هل لك الدهر أوبة
وتعرض ذكراه إذا غربها أفل تذكرنيه الشمس عند طلوعها
فيا طول ما حزني عليه وما وجل وإن هفبت الرياح هيجن ذكره
ول أسأم التطواف أو تسأم البل سأعمل نص العيس في الرض جاهدا
فكل امرئ فان وإن غره المل حياتيَ أو تأتي علي منيتي
فأخبر أنه بمكة؛ فجاء إليه فهلك عنده .وروي أنه جاء فخيره النبي صلى ال عليه وسلم كما ذكرنا
وانصففرف .وسففيأتي مففن ذكره وفضله وشرفففه شفاء عنففد قوله" :فلمففا قضففى زيففد منهففا وطرا
زوجناكهفا" [الحزاب ]37 :إن شاء ال تعالى .وقتفل زيفد بمؤتفة مفن أرض الشأم سفنة ثمان مفن
الهجرة ،وكان النبّي صلى ال عليه وسلم أمره في تلك الغزاة ،وقال( :إن قتل زيد فجعفر فإن قتل
جعفر فعبدال بن رواحة) .فقتل الثلثة في تلك الغزاة رضوان ال تعالى عليهم أجمعين .ولما أتى
رسول ال صلى ال عليه وسلم نعي زيد وجعفر بكى وقال( :أخواي ومؤنساي ومحدثاي).
**3اليفة{ 5 :ادعوهفم لبائهفم هفو أقسفط عنفد ال فإن لم تعلموا آباءهفم فإخوانكفم ففي الديفن
ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان ال غفورا رحيما}
@قوله تعالى" :ادعوهم لبائهم" نزلت في زيد بن حارثة ،على ما تقّدم بيانه .وفي قول ابن عمر:
مفا كنفا ندعفو زيفد بفن حارثفة إل زيفد بفن محمفد ،دليفل على أن التبنفي كان معمول بفه ففي الجاهليفة
والسفلم ،يتوارث بفه ويتناصفر ،إلى أن نسفخ ال ذلك بقوله" .ادعوهفم لبائهفم هفو أقسفط عنفد ال"
أي أعدل .فرففع ال حكفم التبنفي ومنفع مفن إطلق لفظفه ،وأرشفد بقوله إلى أن الولى والعدل أن
ينسفب الرجفل إلى أبيفه نسفبا؛ فيقال :كان الرجفل ففي الجاهليفة إذا أعجبفه مفن الرجفل جلده وظرففه
ضمفه إلى نفسفه ،وجعفل له نصفيب الذكفر مفن أولده مفن ميراثفه ،وكان ينسفب إليفه فيقال فلن بفن
فلن .وقال النحاس :هذه الية ناسخة لما كانوا عليه من التبني ،وهو من نسخ السنة بالقرآن؛ فأمر
أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف ،فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولئه ،فإن لم يكن له
ولء معروف قال له يفا أخفي؛ يعنفي ففي الديفن ،قال ال تعالى" :إنمفا المؤمنون إخوة" [الحجرات:
.]10
@ لو نسبه إنسان إلى أبيه من التبني فإن كان على جهة الخطأ ،وهو أن يسبق لسانه إلى ذلك من
غيفر قصفد فل إثفم ول مؤاخذة؛ لقوله تعالى "وليفس عليكفم جناح فيمفا أخطأتفم بفه ولكفن مفا تعمدت
قلوبكم" وكذلك لو دعوت رجل إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه فليس عليك بأس؛ قاله قتادة .ول
يجري هذا المجرى مفا غلب عليفه اسفم التبنفي كالحال ففي المقداد بفن عمرو فإنفه كان غلب عليفه
نسفب التبنفي ،فل يكاد يعرف إل بالمقداد بفن السفود؛ فإن السفود بفن عبفد يغوث كان قفد تبناه ففي
الجاهلية وعرف به .فلما نزلت الية قال المقداد :أنا ابن عمرو؛ ومع ذلك فبقي الطلق عليه .ولم
يسفمع فيمفن مضفى مفن عصفى مطلق ذلك عليفه وإن كان متعمدا .وكذلك سفالم مولى أبفي حذيففة،
كان يدعى لبي حذيفة .وغير هؤلء ممن تبني وانتسب لغير أبيه وشهر بذلك وغلب عليه .وذلك
بخلف الحال ففي زيفد بفن حارثفة؛ فإنفه ل يجوز أن يقال فيفه زيفد بفن محمفد ،فإن قاله أحفد متعمدا
عصففى لقوله تعالى" :ولكففن مففا تعمدت قلوبكففم" أي فعليكففم الجناح .وال أعلم .ولذلك قال بعده:
"وكان ال غفورا رحيما" أي "غفورا" للعمد" ،رحيما" برفع إثم الخطأ.
@ وقفد قيفل :إن قول ال تبارك وتعالى" :وليفس عليكفم جناح فيمفا أخطأتفم" مجمفل؛ أي وليفس
عليكفم جناح ففي شيفء أخطأتفم ،وكانفت فتيفا عطاء وكثيفر مفن العلماء .على هذا إذا حلف رجفل أل
يفارق غريمفه حتفى يسفتوفي منفه حقفه ،فأخفذ منفه مفا يرى أنه جيفد مفن دنانيفر فوجدهفا زيوففا أنفه ل
شيفء عليه .وكذلك عنده إذا حلف أل يسلم على فلن فسفلم عليه وهو ل يعرفه أنه ل يحنث؛ لنه
لم يتعمفد ذلك .و"مفا" ففي موضفع خففض ردا على "مفا" التفي مفع "أخطأتفم" .ويجوز أن تكون ففي
موضفع رففع على إضمار مبتدأ؛ والتقديفر :ولكفن الذي تؤاخذون بفه مفا تعمدت قلوبكفم .قال قتادة
وغيره :من نسب رجل إلى غير أبيه ،وهو يرى أنه أبوه ،خطأ فذلك من الذي رفع ال فيه الجناح.
وقيل :هو أن يقول له في المخاطبة :يا بنّي؛ على غير تبن.
@قوله تعالى" :ذلكم قولكم بأفواهكم" "بأفواهكم" تأكيد لبطلن القول؛ أي أنه قول ل حقيقة له في
الوجود ،إنما هو قول لسانّي فقط .وهذا كما تقول :أنا أمشي إليك على قدم؛ فإنما تريد بذلك المبرة.
وهذا كثيففر .وقففد تقّدم هذا المعنففى فففي غيففر موضففع" .وال يقول الحففق" "الحففق" نعففت لمصففدر
محذوف؛ أي يقول القول الحق" .وهو يهدي السبيل" معناه يبين؛ فهو يتعدى بغير حرف جر.
@قوله تعالى" :الدعياء جمع دعي وهو الذي يدعي ابنا لغير أبيه أو يدعي غير أبيه والمصدر
الدّعوة بالكسففر فأمففر تعالى بدعاء الدعياء إلى آبائهففم للصففلب فمففن جهففل ذلك فيففه ولم تشتهففر
أنسابهم كان مولى وأخا في الدين وذكر الطبري أن أبا بكرة قرأ هذه الية وقال أنا ممن ل يعرف
أبوه فأنفا أخوكفم ففي الديفن ومولكفم .قال الراوي عنفه :ولو علم -وال -أن أباه حمارا لنتمفى إليفه
ورجال الحديث يقولون في أبي بكرة نفيع بن الحارث.
@ روي في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة كلهما قال سمعته أذناي ووعاه قلبي
محمدا صفلى ال عليفه وسفلم يقول( :مفن ادعفى إلى غيفر أبيفه وهفو يعلم أنفه غيفر أبيفه فالجنفة عليفه
حرام) .وففي حديفث أبفي ذر أنفه سفمع النفبي صفلى ال عليفه وسفلم يقول ليفس مفن رجفل ادعفى لغيفر
أبيه وهو يعلمه إل كفر).
**3الية{ 6 :النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الرحام بعضهم أولى
ببعفض ففي كتاب ال مفن المؤمنيفن والمهاجريفن إل أن تفعلوا إلى أوليائكفم معروففا كان ذلك ففي
الكتاب مسطورا}
@قوله تعالى" :النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم" هذه الية أزال ال تعالى بها أحكاما كانت في
صفدر السفلم؛ منهفا :أنفه صفلى ال عليفه وسفلم كان ل يصفلي على ميفت عليفه ديفن ،فلمفا فتفح ال
عليفه الفتوح قال( :أنفا أولى بالمؤمنيفن مفن أنفسفهم فمفن توففي وعليفه ديفن فعلّي قضاؤه ومفن ترك
مال فلورثتفه) أخرجفه الصفحيحان .وفيهمفا أيضفا (فأيكفم ترك دينفا أو ضياعفا فأنفا موله) .قال ابفن
العربّي :فانقلبففت الن الحال بالذنوب ،فإن تركوا مال ضويففق العصففبة فيففه ،وإن تركوا ضياعففا
أسلموا إليه؛ فهذا تفسير الولية المذكورة في هذه الية بتفسير النبّي صلى ال عليه وسلم وتنبيهه؛
(ول عطفر بعفد عروس) .قال ابفن عطيفة :وقال بعفض العلماء العارفيفن هفو أولى بهفم مفن أنفسفهم؛
لن أنفسفهم تدعوهفم إلى الهلك ،وهفو يدعوهفم إلى النجاة .قال ابفن عطيفة :ويؤيفد هذا قوله عليفه
الصلة والسلم( :أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش).
قلت :هذا قول حسن في معنى الية وتفسيرها ،والحديث الذي ذكر أخرجه مسلم في صحيحه
عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد
نارا فجعلت الدواب والفراش يقعفن فيفه وأنفا آخفذ بحجزكفم وأنتفم تقحمون فيفه) .وعفن جابر مثله؛
وقال( :وأنتففم تفلتون مفن يدي) .قال العلماء الحجزة للسففراويل ،والمعقففد للزار؛ فإذا أراد الرجففل
إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه .وهذا مثل لجتهاد نبينا عليه الصلة والسلم في
نجاتنا ،وحرصه على تخلصنا من الهلكات التي بين أيدينا؛ فهو أولى بنا من أنفسنا؛ ولجهلنا بقدر
ذلك وغلبفة شهواتنفا علينفا وظففر عدونفا اللعيفن بناصفرنا أحقفر مفن الفراش وأذل مفن الفراش ،ول
حول ول قوة إل بال العلي العظيم! وقيل :أولى بهم أي أنه إذا أمر بشيء ودعت النفس إلى غيره
كان أمفر النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أولى .وقيفل أولى بهفم أي هفو أولى بأن يحكفم على المؤمنيفن
فينفذ حكمه في أنفسهم؛ أي فيما يحكمون به لنفسهم مما يخالف حكمه.
@ قال بعفض أهفل العلم :يجفب على المام أن يقضفي مفن بيفت المال ديفن الفقراء اقتداء بالنفبي
صلى ال عليه وسلم؛ فإنه قد صرح بوجوب ذلك عليه حيث قال( :فعلّي قضاؤه) .والضياع (بفتح
الضاد) مصفدر ضاع ،ثفم جعفل اسفما لكفل مفا هفو بصفدد أن يضيفع مفن عيال وبنيفن ل كاففل لهفم،
ومال ل قيم له .وسميت الرض ضيعة لنها معرضة للضياع ،وتجمع ضياعا بكسر الضاد.
@قوله تعالى" :وأزواجه أمهاتهم" شرف ال تعالى أزواج نبيه صلى ال عليه وسلم بأن جعلهن
أمهات المؤمنين؛ أي في وجوب التعظيم والمبّرة والجلل وحرمة النكاح على الرجال ،وحجبهن
رضفي ال تعالى عنهفن بخلف المهات .وقيفل :لمفا كانفت شفقتهفن عليهفم كشفقفة المهات أنزلن
منزلة المهات ،ثم هذه المومة ل توجب ميراثا كأمومة التبني .وجاز تزويج بناتهن ،ول يجعلن
أخوات للناس .وسفيأتي عدد أزواج النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي آيفة التخييفر إن شاء ال تعالى.
واختلف الناس هففل هففن أمهات الرجال والنسففاء أم أمهات الرجال خاصففة؛ على قوليففن :فروى
الشعبّي عفن مسفروق عفن عائشفة رضفي ال عنهفا أن امرأة قالت لهفا :يفا أمفة؛ فقالت لهفا :لسفت لك
بأم ،إنما أنا أم رجالكم .قال ابن العربي :وهو الصحيح.
قلت :ل فائدة ففي اختصفاص الحصفر ففي الباحفة للرجال دون النسفاء ،والذي يظهفر لي أنهفن
أمهات الرجال والنسفاء؛ تعظيمفا لحقهفن على الرجال والنسفاء .يدل عليفه صفدر اليفة" :النفبي أولى
بالمؤمنيفن مفن أنفسفهم" ،وهذا يشمفل الرجال والنسفاء ضرورة .ويدل على ذلك حديفث أبفي هريرة
وجابر؛ فيكون قوله" :وأزواجففه أمهاتهففم" عائدا إلى الجميففع .ثففم إن فففي مصففحف أبففي بففن كعففب
"وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم" .وقرأ ابن عباس" :من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم".
وهذا كله يوهن ما رواه مسروق إن صح من جهة الترجيح ،وإن لم يصح فيسقط الستدلل به في
التخصيص ،وبقينا على الصل الذي هو العموم الذي يسبق إلى الفهوم .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وأولو الرحام بعضهفم أولى ببعفض ففي كتاب ال مفن المؤمنيفن والمهاجريفن"
قيفل :إنفه أراد بالمؤمنيفن النصفار ،وبالمهاجريفن قريشفا .وفيفه قولن :أحدهمفا :أنفه ناسفخ للتوارث
بالهجرة .حكى سعيد عن قتادة قال :كان نزل في سورة النفال "والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم
مففن وليتهففم مففن شيففء يهاجروا" [النفال ]72 :فتوارث المسففلمون بالهجرة؛ فكان ل يرث
العرابي المسلم من قريبه المسلم المهاجر شيئا حتى يهاجر ،ثم نسخ ذلك في هذه السورة بقوله:
"وأولو الرحام بعضهفم أولى ببعفض" .الثانفي :أن ذلك ناسفخ للتوارث بالحلف والمؤاخاة ففي
الديفن؛ روى هشام بن عروة عن أبيفه عن الزبيفر" :وأولو الرحام بعضهفم أولى ببعض ففي كتاب
ال" وذلك أنفا معشفر قريفش لمفا قدمنفا المدينفة قدمنفا ول أموال لنفا ،فوجدنفا النصفار نعفم الخوان
فآخيناهفم فأورثونفا وأورثناهفم؛ فآخفى أبفو بكفر خارجفة بفن زيفد ،وآخيفت أنفا كعفب بفن مالك ،فجئت
فوجدت السلح قد أثقله؛ فوال لقد مات عن الدنيا ما ورثه غيري ،حتى أنزل ال تعالى هذه الية
فرجعنفا إلى موارثنفا .وثبفت عفن عروة أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم آخفى بيفن الزبيفر وبيفن
كعفب بفن مالك ،فارتفث كعفب يوم أحفد فجاء الزبيفر يقوده بزمام راحلتفه؛ فلو مات يومئذ كعفب عفن
الضففح والريففح لورثففه الزبيففر ،فأنزل ال تعالى" :وأولو الرحام بعضهففم أولى ببعففض فففي كتاب
ال" .ففبين ال تعالى أن القرابفة أولى مفن الحلف ،فتركفت الوراثفة بالحلف وورثوا بالقرابفة .وقفد
مضففى فففي "النفال" الكلم فففي توريففث ذوي الرحام .وقوله" :فففي كتاب ال" يحتمففل أن يريففد
القرآن ،ويحتمفل أن يريفد اللوح المحفوظ الذي قضفى فيفه أحوال خلقفه .و"مفن المؤمنيفن" متعلق بفف
"أولى" ل بقوله" :وأولو الرحام" بالجماع؛ لن ذلك كان يوجفب تخصفيصا ببعفض المؤمنيفن،
ول خلف ففي عمومهفا ،وهذا حفل إشكالهفا؛ قاله ابفن العربفي .النحاس" :وأولو الرحام بعضهفم
أولى ببعفض ففي كتاب ال مفن المؤمنيفن والمهاجريفن" يجوز أن يتعلق "من المؤمنيفن" بفف "أولو "
فيكون التقديففر :وأولو الرحام مففن المؤمنيففن والمهاجريففن .ويجوز أن يكون المعنففى أولى مففن
المؤمنين .وقال المهدوي :وقيل إن معناه :وأولو الرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب ال إل ما
يجوز لزواج النبي صلى ال عليه وسلم أن يدعين أمهات المؤمنين .وال تعالى أعلم.
@ واختلف في كونهن كالمهات في المحرم وإباحة النظر؛ على وجهين :أحدهما :هن محرم ،ل
يحرم النظر إليهن .الثاني :أن النظر إليهن محرم ،لن تحريم نكاحهن إنما كان حفظا لحق رسول
ال صفلى ال عليفه وسفلم فيهفن ،وكان مفن حففظ حقفه تحريفم النظفر إليهفن؛ ولن عائشفة رضفي ال
عنهفا كانفت إذا أرادت دخول رجفل عليهفا أمرت أختهفا أسفماء أن ترضعفه ليصفير ابنفا لختهفا مفن
الرضاعة ،فيصير محرما يستبيح النظر .وأما اللتي طلقهّن رسول ال صلى ال عليه وسلم في
حياته فقد اختلف في ثبوت هذه الحرمة لهن على ثلثة أوجه :أحدها :ثبتت لهن هذه الحرمة تغليبا
لحرمة رسول ال صلى ال عليه وسلم .الثاني :ل يثبت لهن ذلك ،بل هن كسائر النساء؛ لن النبي
صفلى ال عليفه وسفلم قفد أثبفت عصفمتهن ،وقال( :أزواجفي ففي الدنيفا هفن أزواجفي ففي الخرة).
الثالث :من دخل بها رسول ال صلى ال عليه وسلم منهن ثبتت حرمتها وحرم نكاحها وإن طلقها؛
حفظفا لحرمتفه وحراسفة لخلوتفه .ومفن لم يدخفل بهفا لم تثبفت لهفا هذه الحرمفة؛ وقفد هفم عمفر بفن
الخطاب رضي ال تعالى عنه برجم امرأة فارقها رسول ال صلى ال عليه وسلم فتزوجت فقالت:
لم هذا! وما ضرب علّي رسول ال صلى ال عليه وسلم حجابا ول سميت أم المؤمنين؛ فكّف عنها
عمر رضي ال عنه.
@ قال قوم :ل يجوز أن يسمى النبي صلى ال عليه وسلم أبا لقوله تعالى" :ما كان محمد أبا أحد
مفن رجالكفم" [الحزاب .]40 :ولكفن يقال :مثفل الب للمؤمنيفن؛ كمفا قال( :إنمفا أنفا لكفم بمنزلة
الوالد أعلمكم )...الحديث .خرجه أبو داود .والصحيح أنه يجوز أن يقال :إنه أب للمؤمنين ،أي في
الحرمفة ،وقوله تعالى" :مففا كان محمففد أبفا أحففد مففن رجالكففم" [الحزاب ]40 :أي فففي النسففب.
وسفيأتي .وقرأ ابن عباس" :من أنفسفهم وهو أب لهم وأزواجفه" .وسمع عمر هذه القراءة فأنكرهفا
وقال :حكمها يا غلم؟ فقال :إنها في مصحف أبي؛ فذهب إليه فسأله فقال له أبي :إنه كان يلهيني
القرآن ويلهيك الصفق بالسواق؟ وأغلظ لعمر .وقد قيل في قول لوط عليه السلم "هؤلء بناتي"
[الحجر :]71 :إنما أراد المؤمنات؛ أي تزوجوهن .وقد تقّدم.
قال قوم :ل يقال بناتفه أخوات المؤمنيفن ،ول أخوالهفن أخوال المؤمنيفن وخالتهفم .قال الشافعّي
رضي ال عنه :تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر الصديق وهي أخت عائشة ،ولم يقل هي خالة
المؤمنين .وأطلق قوم هذا وقالوا :معاوية خال المؤمنين؛ يعني في الحرمة ل في النسب.
@قوله تعالى" :إل أن تفعلوا إلى أوليائكفم معروففا" يريفد الحسفان ففي الحياة ،والوصفية عنفد
الموت؛ أي إن ذلك جائز؛ قاله قتادة والحسففن وعطاء .وقال محمففد ابففن الحنفيففة ،نزلت فففي إجازة
الوصية لليهودّي والنصرانّي؛ أي يفعل هذا مع الولّي والقريب وإن كان كافرا؛ فالمشرك ولّي في
النسفب ل ففي الديفن فيوصفى له بوصفية .واختلف العلماء هفل يجعفل الكاففر وصفيا؛ فجوز بعفض
ومنع بعض .ورد النظفر إلى السلطان ففي ذلك بعض؛ منهفم مالك رحمه ال تعالى .وذهب مجاهفد
وابفن زيفد والرمانفي إلى أن المعنفى :إلى أوليائكفم مفن المؤمنيفن .ولففظ اليفة يعضفد هذا المذهفب،
وتعميفم الولّي أيضفا حسفن .ووليفة النسفب ل تدففع الكاففر ،وإنمفا تدففع أن يلقفى إليفه بالمودة كولّي
السفلم" .كان ذلك ففي الكتاب مسفطورا" "الكتاب" يحتمفل الوجهيفن المذكوريفن المتقدميفن فففي
"كتاب ال" .و"مسطورا" من قولك سطرت الكتاب إذا أثبته أسطارا .وقال قتادة :أي مكتوبا عند
ال عز وجل أل يرث كافر مسلما .قال قتادة :وفي بعض القراءة "كان ذلك عند ال مكتوبا" .وقال
القرظّي :كان ذلك في التوراة.
**3الية{ 7 :وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم
وأخذنا منهم ميثاقا غليظا}
@قوله تعالى" :وإذ أخذنفا مفن النفبيين ميثاقهفم" أي عهدهفم على الوفاء بمفا حملوا ،وأن يبشفر
بعضهم ببعض ،ويصدق بعضهم بعضا؛ أي كان مسطورا حين كتب ال ما هو كائن ،وحين أخذ
ال تعالى المواثيق من النبياء" .ومنك" يا محمد "ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم"
وإنما خص هؤلء الخمسة وإن دخلوا في زمرة النبيين تفضيل لهم .وقيل :لنهم أصحاب الشرائع
والكتفب ،وأولو العزم مفن الرسفل وأئمفة المفم .ويحتمفل أن يكون هذا تعظيمفا ففي قطفع الوليفة بيفن
المسففلمين والكافريففن؛ أي هذا ممففا لم تختلف فيففه الشرائع ،أي شرائع النففبياء عليهففم الصففلة
والسفلم .أي كان ففي ابتداء السفلم توارث بالهجرة ،والهجرة سفبب متأكفد ففي الديانفة ،ثفم توارثوا
بالقرابفة مفع اليمان وهفو سفبب وكيفد؛ فأمفا التوارث بيفن مؤمفن وكاففر فلم يكفن ففي ديفن أحفد مفن
النفبياء الذيفن أخفذ عليهفم المواثيفق؛ فل تداهنوا ففي الديفن ول تمالئوا الكفار .ونظيره" :شرع لكفم
من الدين ما وصى به نوحا" إلى قوله "ول تتفرقوا فيه" [الشورى .]13 :ومن ترك التفرق في
الدين ترك موالة الكفار .وقيل :أي النبّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كان ذلك في الكتاب مسطورا
ومأخوذا بفه المواثيفق مفن النفبياء" .وأخذنفا منهفم ميثاقفا غليظفا" أي عهدا وثيقفا عظيمفا على الوفاء
بما التزموا من تبليغ الرسالة،وأن يصدق بعضهم بعضا .والميثاق هو اليمين بال تعالى؛ فالميثاق
الثانفي تأكيفد للميثاق الول باليميفن .وقيفل :الول هفو القرار بال تعالى ،والثانفي ففي أمفر النبوة.
ونظيفر هذا قوله تعالى" :وإذ أخفذ ال ميثاق النفبيين لمفا آتيتكفم مفن كتاب وحكمفة ثفم جاءكفم رسفول
مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري" [آل عمران]81 :
اليفة .أي أخفذ عليهفم أن يعلنوا أن محمدا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ،ويعلن محمفد صفلى ال
عليفه وسفلم أن ل نبّي بعده .وقّدم محمدا ففي الذكفر لمفا روى قتادة عفن الحسفن عفن أبفي هريرة أن
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم سفئل عفن قوله تعالى "وإذ أخذنفا مفن النفبيين ميثاقهفم ومنفك ومفن
نوح" قال( :كنففت أولهففم فففي الخلق وآخرهففم فففي البعففث) .وقال مجاهففد :هذا فففي ظهففر آدم عليففه
الصلة والسلم.
**3الية{ 8 :ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما}
@قوله تعالى" :ليسأل الصادقين عن صدقهم" فيه أربعة أوجه :أحدها :ليسأل النبياء عن تبليغهم
الرسفالة إلى قومهفم؛ حكاه النقاش .وففي هذا تنفبيه؛ أي إذا كان النفبياء يسفألون فكيفف مفن سفواهم.
الثانفي :ليسفأل النفبياء عمفا أجابهفم بفه قومهفم؛ حكاه علّي بفن عيسفى .الثالث :ليسفأل النفبياء عليهفم
السفلم عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم؛ حكاه ابفن شجرة .الرابفع :ليسفأل الفواه الصفادقة عن
القلوب المخلصفة ،وففي التنزيفل" :فلنسفألن الذيفن أرسفل إليهفم ولنسفألن المرسفلين" [العراف.]6 :
وقفد تقّدم .وقيفل :فائدة سفؤالهم توبيفخ الكفار؛ كمفا قال تعالى" :أأنفت قلت للناس" [المائدة.]116 :
"وأعد للكافرين عذابا أليما" وهو عذاب جهنم.
**3اليفة{ 9 :يفا أيهفا الذيفن آمنوا اذكروا نعمفة ال عليكفم إذ جاءتكفم جنود فأرسفلنا عليهفم ريحفا
وجنودا لم تروها وكان ال بما تعملون بصيرا}
@ يعني غزوة الخندق والحزاب وبني قريظة ،وكانت حال شديدة معقبة بنعمة ورخاء وغبطة،
وتضمنفت أحكامفا كثيرة وآيات باهرات عزيزة ،ونحن نذكفر مفن ذلك بعون ال تعالى مفا يكففي ففي
عشر مسائل.
@ الولى :اختلف في أي سنة كانت؛ فقال ابن إسحاق :كانت في شوال من السنة الخامسة .وقال
ابن وهب وابن القاسم عن مالك رحمه ال :كانت وقعة الخندق سنة أربع ،وهي وبنو قريظة في
يوم واحد ،وبين بني قريظة والنضير أربع سنين .قال ابن وهب وسمعت مالكا يقول :أمر رسول
ال صفلى ال عليفه وسفلم بالقتال مفن المدينفة ،وذلك قوله تعالى" :إذ جاؤوكفم مفن فوقكفم ومفن أسففل
منكففم وإذ زاغففت البصففار وبلغففت القلوب الحناجففر" [الحزاب .]10 :قال :ذلك يوم الخندق،
جاءت قريش من ها هنا واليهود من ها هنا والنجدية من ها هنا .يريد مالك :إن الذين جاؤوا من
فوقهم بنو قريظة ،ومن أسفل منهم قريش وغطفان .وكان سببها :أن نفرا من اليهود منهم كنانة بن
الربيع بن أبي الحقيق وسلم بن أبي الحقيق وسلم بن مشكم وحيّي بن أخطب النضريون وهوذة
بفن قيفس وأبفو عمار مفن بنفي وائل ،وهفم كلهفم يهود ،هفم الذيفن حزبوا الحزاب وألبوا وجمعوا،
خرجوا ففي نففر مفن بنفي النضيفر ونففر مفن بنفي وائل فأتوا مكفة فدعوا إلى حرب رسفول ال صفلى
ال عليفه وسفلم ،وواعدوهفم مفن أنفسفهم بعون مفن انتدب إلى ذلك؛ فأجابهفم أهفل مكفة إلى ذلك ،ثفم
خرج اليهود المذكورون إلى غطفان فدعوهفم إلى مثفل ذلك فأجابوهفم؛ فخرجفت قريش يقودهفم أبو
سففيان بفن حرب ،وخرجفت غطفان وقائدهفم عيينفة بفن حصفن بفن حذيففة بفن بدر الفزاري على
فزارة ،والحارث بففن عوف المري على بنففي مرة ،ومسففعود بففن رخيلة على أشجففع .فلمففا سففمع
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم باجتماعهفم وخروجهفم شاور أصفحابه ،فأشار عليفه سفلمان بحففر
الخندق فرضي رأيه .وقال المهاجرون يومئذ :سلمان منا .وقال النصار :سلمان منا! فقال رسول
ال صلى ال عليه وسلم( :سلمان منا أهل البيت) .وكان الخندق أول مشهد شهده سلمان مع رسول
ال صلى ال عليه وسلم وهو يومئذ حر .فقال :يا رسول ال ،إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا؛
فعمفل المسفلمون ففي الخندق مجتهديفن ،ونكفص المنافقون وجعلوا يتسفللون لو إذا فنزلت فيهفم آيات
من القرآن ذكرها ابن إسحاق وغيره .وكان من فرغ من المسلمين من حصته عاد إلى غيره ،حتى
كمل الخندق .وكانت فيه آيات بينات وعلمات للنبوات.
قلت :ففي هذا الذي ذكرناه من هذا الخبر من الفقه وهي:
@ الثانية :مشاورة السلطان أصحابه وخاصته ففي أمر القتال؛ وقد مضى ذلك في "آل عمران،
والنمفل" .وفيفه التحصفن مفن العدو بمفا أمكفن مفن السفباب واسفتعمالها؛ وقفد مضفى ذلك ففي غيفر
موضففع .وفيففه أن حفففر الخندق يكون مقسففوما على الناس؛ فمففن فرغ منهففم عاون مففن لم يفرغ،
فالمسففلمون يففد على مففن سففواهم؛ وفففي البخاري ومسففلم عففن البراء بففن عازب قال :لمففا كان يوم
الحزاب وخندق رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم رأيتفه ينقفل مفن تراب الخندق وارى عنفي الغبار
جلدة بطنه ،وكان كثير الشعر ،فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة ويقول:
ول تصدقنا ول صلينفا اللهم لول أنت ما اهتدينا
وثبت القدام إن لقينا فأنزلن سكينة علينا
وأما ما كان فيه من اليات وهي:
@ الثالثة :فروى النسائي عن أبي سكينة رجل من المحررين عن رجل من أصحاب رسول ال
صفلى ال عليفه وسفلم قال :لمفا أمفر رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بحففر الخندق عرضفت لهفم
صخرة حالت بينهم وبين الحفر ،فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم وأخذ المعول ووضع رداءه
ناحيفة الخندق وقال" :وتمت كلمفة ربك صفدقا" [النعام ]115 :الية؛ فندر ثلث الحجفر وسفلمان
الفارسفي قائم ينظفر ،ففبرق مفع ضربفة رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم برقفة ،ثفم ضرب الثانيفة
وقال" :وتمت" [النعام ]115 :اليفة؛ فندر الثلث الخفر؛ فبرقت برقفة فرآهفا سفلمان ،ثم ضرب
الثالثة وقال" :وتمت كلمة ربك صدقا" الية؛ فندر الثلث الباقي ،وخرج رسول ال صلى ال عليه
وسفلم فأخفذ رداءه وجلس .قال سفلمان :يفا رسفول ال ،رأيتفك حيفن ضربفت! مفا تضرب ضربفة إل
كانت معها برقة؟ قال له رسول ال صلى ال عليه وسلم( :رأيت ذلك يا سلمان)؟ فقال :أي والذي
بعثك بالحق يا رسول ال! قال( :فإني حين ضربت الضربة الولى رفعت لي مدائن كسرى وما
حولهفا ومدائن كثيرة حتفى رأيتهفا بعينفي -قال له مفن حضره مفن أصفحابه :يفا رسفول ال ،ادع ال
أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ويخرب بأيدينا بلدهم؛ فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم -ثم
ضربفت الضربفة الثانيفة فرفعفت لي مدائن قيصفر ومفا حولهفا حتفى رأيتهفا بعينفي -قالوا :يفا رسفول
ال ،ادع ال تعالى أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ويخرب بأيدينا بلدهم؛ فدعا رسول ال صلى
ال عليفه وسفلم -ثفم ضرب الضربفة الثالثفة فرفعفت لي مدائن الحبشفة ومفا حولهفا مفن القرى حتفى
رأيتهفا بعينفي -قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم عنفد ذلك :دعوا الحبشفة مفا ودعوكفم واتركوا
الترك مفا تركوكفم) .وخرجفه أيضفا عفن البراء قال :لمفا أمرنفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أن
نحففر الخندق عرض لنفا صفخرة ل تأخفذ فيهفا المعاول ،فاشتكينفا ذلك لرسفول ال صفلى ال عليفه
وسفلم؛ فجاء رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فألقفى ثوبفه وأخفذ المعول وقال( :باسفم ال) فضرب
ضربة فكسر ثلث الصخرة ثم قال( :ال أكبر أعطيت مفاتيح الشام وال إني لبصر إلى قصورها
الحمراء الن من مكاني هذا) قال :ثم ضرب أخرى وقال( :باسم ال) فكسر ثلثا آخر ثم قال( :ال
أكبر أعطيت مفاتيح فارس وال إني لبصر قصر المدائن البيض) .ثم ضرب الثالثة وقال( :باسم
ال) فقطفع الحجفر وقال( :ال أكفبر أعطيفت مفاتيفح اليمفن وال إنفي لبصفر باب صفنعاء) .صفححه
أبو محمد عبدالحق.
@ الرابعفة :فلمفا فرغ رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم مفن حففر الخندق أقبلت قريفش ففي نحفو
عشرة آلف بمن معهم من كنانة وأهل تهامة ،وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد حتى نزلوا
إلى جانفب أحفد ،وخرج رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم والمسفلمون حتفى نزلوا بظهفر سفلع ففي
ثلثففة آلف وضربوا عسففكرهم والخندق بينهففم وبيففن المشركيففن ،واسففتعمل على المدينففة ابففن أم
مكتوم -ففي قول ابفن شهاب -وخرج عدو ال حيّي بفن أخطفب النضري حتفى أتفى كعفب بفن أسفد
القرظي ،وكان صاحب عقد بني قريظة ورئيسهم ،وكان قد وادع رسول ال صلى ال عليه وسلم
وعاهده؛ فلما سمع كعب بن أسد حيي بن أخطب أغلق دونه باب حصنه وأبى أن يفتح له؛ فقال له:
افتففح لي يففا أخففي؛ فقال له :ل أفتففح لك ،فإنففك رجففل مشؤوم ،تدعونففي إلى خلف محمففد وأنففا قففد
عاقدتفه وعاهدتفه ،ولم أر منفه إل وفاء وصفدقا ،فلسفت بناقفض مفا بينفي وبينفه .فقال حيّي :افتفح لي
حتفى أكلمفك وأنصفرف عنفك؛ فقال :ل أفعفل؛ فقال :إنمفا تخاف أن آكفل معفك جشيشتفك؛ فغضفب
كعب وفتح له؛ فقال :يا كعب! إنما جئتك بعّز الدهر ،جئتك بقريش وسادتها ،وغطفان وقادتها؛ قد
تعاقدوا على أن يستأصلوا محمدا ومن معه؛ فقال له كعب :جئتني وال بذل الدهر وبجهام ل غيث
فيفه! ويحفك يفا حيّي؟ دعنفي فلسفت بفاعفل مفا تدعونفي إليفه؛ فلم يزل حيّي بكعفب يعده ويغره حتفى
رجع إليه وعاقده على خذلن محمد صلى ال عليه وسلم وأصحابه وأن يسير معهم ،وقال له حيّي
بن أخطب :إن انصرفت قريش وغطفان دخلت عندك بمن معي من اليهود .فلما انتهى خبر كعب
وحيّي إلى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بعفث سفعد بفن عبادة وهفو سفيد الخزرج ،وسفيد الوس سفعد
بفن معاذ ،وبعفث معهمفا عبدال بفن رواحفة وخوات بفن جفبير ،وقال لهفم رسفول ال صفلى ال عليفه
وسلم( :انطلقوا إلى بني قريظة فإن كان ما قيل لنا حقا فالحنوا لنا لحنا ول تفتوا في أعضاد الناس.
وإن كان كذبفا فاجهروا بفه للناس) فانطلقوا حتفى أتوهفم فوجدوهفم على أخبفث مفا قيفل لهفم عنهفم،
ونالوا مففن رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم وقالوا :ل عهففد له عندنففا؛ فشاتمهففم سففعد بففن معاذ
وشاتموه؛ وكانت فيه حّدة فقال له سعد بن عبادة :دع عنك مشاتمتهم ،فالذي بيننا وبينهم أكثر من
ذلك ،ثفم أقبفل سفعد وسفعد حتفى أتيفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي جماعفة المسفلمين فقال:
عضفل والقارة -يعرضان بغدر عضفل والقارة بأصفحاب الرجيفع خفبيب وأصفحابه -فقال النبّي
صفلى ال عليفه وسفلم( .أبشروا يفا معشفر المسفلمين) وعظفم عنفد ذلك البلء واشتفد الخوف ،وأتفى
المسفلمين عدوهفم مفن فوقهفم؛ يعنفي مفن فوق الوادي مفن قبفل المشرق ،ومفن أسففل منهفم مفن بطفن
الوادي مففن قبففل المغرب ،حتففى ظنوا بال الظنونففا؛ وأظهففر المنافقون كثيرا ممففا كانوا يسففرون،
فمنهم من قال :إن بيوتنا عورة ،فلننصرف إليها ،فإنا نخاف عليها.
وممفن قال ذلك :أوس بفن قيظفي .ومنهفم مفن قال :يعدنفا محمفد أن يفتفح كنوز كسفرى وقيصفر،
وأحدنا اليوم ل يأمن على نفسه يذهب إلى الغائط! وممن قال :معتب ابن قشير أحد بني عمرو بن
عوف .فأقام رسول ال صلى ال عليه وسلم وأقام المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر
لم يكن بينهم حرب إل الرمي بالنبل والحصى .فلما رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه اشتد
على المسفلمين البلء بعفث إلى عيينفة بفن حصفن الفزاري ،وإلى الحارث بفن عوف المري ،وهمفا
قائدا غطفان ،فأعطاهما ثلث ثمار المدينة لينصرفا بمن معهما من غطفان ويخذلن قريشا ويرجعا
بقومهمفا عنهفم .وكانفت هذه المقالة مراوضفة ولم تكفن عقدا؛ فلمفا رأى رسفول ال صفلى ال عليفه
وسلم منهما أنهما قد أنابا ورضيفا أتى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر ذلك لهما واستشارهما
فقال :يفا رسفول ال ،هذا أمفر تحبفه فنصفنعه لك ،أو شيفء أمرك ال بفه فنسفمع له ونطيفع ،أو أمفر
تصنعه لنا؟ قال( :بل أمر أصنعه لكم ،وال ما أصنعه إل أني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس
واحدة) فقال له سففعد بففن معاذ :يففا رسففول ال ،وال لقففد كنففا نحففن وهؤلء القوم على الشرك بال
وعبادة الوثان ،ل نعبد ال ول نعرفه ،وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة إل شراء أو قرى ،فحين
أكرمنا ال بالسلم وهدانا له وأعزنا بك نعطيهم أموالنا! وال ل نعطيهم إل السيف حتى يحكم ال
بيننففا وبينهففم!! فسففر رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم بذلك وقال( :أنتففم وذاك) .وقال لعيينففة
والحارث( :انصرفا فليس لكما عندنا إل السيف) .وتناول سعد الصحيفة وليس فيها شهادة فمحاها.
@ الخامسففة :فأقام رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم والمسففلمون على حالهففم ،والمشركون
يحاصفرونهم ول قتال بينهفم؛ إل أن فوارس مفن قريفش منهفم عمرو بفن عبفد ود العامري مفن بنفي
عامفر بفن لؤي ،وعكرمفة بفن أبفي جهفل ،وهفبيرة بفن أبفي وهفب ،وضرار بفن الخطاب الفهري،
وكانوا فرسفان قريفش وشجعانهفم ،أقبلوا حتفى وقفوا على الخندق ،فلمفا رأوه قالوا :إن هذه لمكيدة،
مففا كانففت العرب تكيدهففا .ثففم تيمموا مكانففا ضيقففا مففن الخندق ،فضربوا خيلهففم فاقتحمففت بهففم،
وجاوزوا الخندق وصففاروا بيففن الخندق وبيففن سففلع ،وخرج علي بففن أبففي طالب فففي نفففر مففن
المسفلمين حتفى أخذوا عليهفم الثغرة التفي اقتحموا منهفا ،وأقبلت الفرسفان نحوهفم ،وكان عمرو بفن
عبفد ود أثبتتفه الجراح يوم بدر فلم يشهفد أحدا ،وأراد يوم الخندق أن يرى مكانفه ،فلمفا وقفف هفو
وخيله؛ نادى :مفن يبارز؟ ففبرز له علّي بفن أبففي طالب وقال له :يففا عمرو ،إنففك عاهدت ال فيمفا
بلغنففا أنففك ل تدعففى إلى إحدى خلتيففن إل أخذت إحداهمففا؟ قال نعففم .قال :فإنففي أدعوك إلى ال
والسفلم .قال :ل حاجفة لي بذلك .قال :فأدعوك إلى البراز .قال :يفا ابفن أخفي ،وال مفا أحفب أن
أقتلك لمفا كان بينفي وبيفن أبيفك .فقال له علّي :أنفا وال أحفب أن أقتلك .فحمفي عمرو بفن عبفد ود
ونزل عفن فرسفه ،فعقره وصفار نحفو علّي ،فتنازل وتجاول وثار النقفع بينهمفا حتفى حال دونهمفا،
فما انجلى النقع حتى رئي علّي على صدر عمرو يقطع رأسه ،فلما رأى أصحابه أنه قد قتله علّي
اقتحموا بخيلهم الثغرة منهزمين هاربين .وقال علّي رضي ال عنه في ذلك:
ونصرت دين محمد بضراب نصر الحجارة من سفاهة رأيه
كالجذع بين دكادك وروابي نازلته فتركته متجدل
كنت المقطر بزني أثوابي وعففت عن أثواب ولو أنني
ونبيه يا معشر الحزاب ل تحسبن ال خاذل دينه
قال ابن هشام :أكثر أهل العلم بالسير يشك فيها لعلّي .قال ابن هشام :وألقى عكرمة بن أبي جهل
رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو؛ فقال حسان بن ثابت في ذلك:
لعلك عكرم لم تفعل فر وألقى لنا رمحه
ما إن تجور عن المعدل ووليت تعدو كعدو الظليم
ولم تلق ظهرك مستأنسا كأن قفاك قفا فرعل
قال ابن هشام :فرعفل صغير الضباع .وكانفت عائشة رضي ال عنها ففي حصفن بني حارثفة ،وأم
سعد بن معاذ معها ،وعلى سعد درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه ،وفي يده حربته وهو يقول:
ل بأس بالموت إذا كان الجل لبث قليل يلحق الهيجا جمل
ورمي يومئذ سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الكحل .واختلف فيمن رماه؛ فقيل :رماه حبان بن قيس
ابن العرقة ،أحد بني عامر بن لؤي ،فلما أصابه قال له :خذها وأنا ابن العرقة .فقال له سعد :عّرق
ال وجهفك ففي النار .وقيفل :إن الذي رماه خفاجفة بفن عاصفم بفن حبان .وقيفل :بفل الذي رماه أبفو
أسامة الجشمّي ،حليف بني مخزوم .ولحسان مع صفية بنت عبدالمطلب خبر طريف يومئذ؛ ذكره
ابفن إسفحاق وغيره .قالت صففية بنفت عبدالمطلب رضفي ال عنهفا :كنفا يوم الحزاب ففي حصفن
حسفان بفن ثابفت ،وحسفان معنفا ففي النسفاء والصفبيان ،والنفبي صفلى ال عليفه وسفلم وأصفحابه ففي
نحر العدّو ل يستطيعون النصراف إلينا ،فإذا يهودي يدور ،فقلت لحسان :انزل إليه فاقتله؛ فقال:
ما أنا بصاحب هذا يا ابنة عبدالمطلب! فأخذت عمودا ونزلت من الحصن فقتلته ،فقلت :يا حسان،
انزل فاسلبه ،فلم يمنعني من سلبه إل أنه رجل .فقال :ما لي بسلبه حاجة يا ابنة عبدالمطلب! قال:
فنزلت فسلبته .قال أبو عمر بن عبدالبر :وقد أنكر هذا عن حسان جماعة من أهل السير وقالوا :لو
كان في حسان من الجبن ما وصفتم لهجاه بذلك الذين كان يهاجيهم في الجاهلية والسلم ،ولهجي
بذلك ابنه عبدالرحمن؛ فإنه كان كثيرا ما يهاجي الناس من شعراء العرب؛ مثل النجاشي وغيره.
@ السفادسة :وأتفى رسفول ال صفلى ال عليه وسفلم نعيفم بفن مسفعود بن عامفر الشجعّي فقال :يفا
رسول ال ،إني قد أسلمت ولم يعلم قومي بإسلمي ،فمرني بما شئت؛ فقال له رسول ال صلى ال
عليه وسلم( :إنما أنت رجل واحد من غطفان فلو خرجت فخذلت عنا إن استطعت كان أحب إلينا
مفن بقائك معنفا فأخرج فإن الحرب خدعفة) .فخرج نعيفم بفن مسفعود حتفى أتفى بنفي قريظفة -وكان
ينادمهم في الجاهلية -فقال :يا بني قريظة ،قد عرفتم ودي إياكم ،وخاصة ما بيني وبينكم؛ قالوا:
قل فلست عندنا بمتهم؛ فقال لهم :إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم ،البلد بلدكم ،فيه أموالكم وأبناؤكم
ونساؤكم ،وإن قريشا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه ،وقد ظاهرتموهم عليه فإن رأوا
نهزة أصابوها ،وإن كان غير ذلك لحقوا ببلدهم وخلوا بينكم وبين الرجل ،ول طاقة لكم به ،فل
تقاتلوا مفع القوم حتفى تأخذوا منهفم رهنفا .ثفم خرج حتفى أتفى قريشفا فقال لهفم :قفد عرفتفم ودي لكفم
معشفر قريفش ،وفراقفي محمدا ،وقفد بلغنفي أمفر أرى مفن الحفق أن أبلغكموه ونصفحا لكفم ،فاكتموا
علّي؛ قالوا نفعفل؛ قال :تعلمون أن معشفر يهود ،قفد ندموا على مفا كان مفن خذلنهفم محمدا ،وقفد
أرسفلوا إليفه :إنفا قفد ندمنفا على مفا فعلنفا ،فهفل يرضيفك أن نأخفذ مفن قريفش وغطفان رجال مفن
أشرافهفم فنعطيكهفم فتضرب أعناقهفم ،ثفم نكون معفك على مفا بقفي منهفم حتفى نسفتأصلهم .ثفم أتفى
غطفان فقال مثل ذلك .فلما كان ليلة السبت وكان ذلك من صنع ال عز وجل لرسوله والمؤمنين،
أرسل أبفو سفيان إلى بنفي قريظة عكرمة بفن أبي جهل ففي نفر من قريفش وغطفان يقول لهم :إنا
لسفنا بدار مقام ،قفد هلك الخفف والحاففر ،فاغدوا صفبيحة غفد للقتال حتفى نناجفز محمدا؛ فأرسفلوا
إليهفم :إن اليوم يوم السفبت ،وقفد علمتفم مفا نال منفا مفن تعّدى ففي السفبت ،ومفع ذلك فل نقاتفل معكفم
حتى تعطونا رهنا؛ فلما رجع الرسول بذلك قالوا :صدقنا وال نعيم بن مسعود؛ فردوا إليهم الرسل
وقالوا :وال ل نعطيكففم رهنففا أبدأ فاخرجوا معنففا إن شئتففم وإل فل عهففد بيننففا وبينكففم .فقال بنففو
قريظفة :صفدق وال نعيفم بفن مسفعود .وخذل ال بينهفم ،واختلففت كلمتهفم ،وبعفث ال عليهفم ريحفا
عاصفا في ليال شديدة البرد؛ فجعلت الريح تقلب آنيتهم وتكفأ قدورهم.
السابعة :فلما اتصل برسول ال صلى ال عليه وسلم اختلف أمرهم ،بعث حذيفة بن اليمان ليأتيه
بخبرهم ،فأتاهم واستتر في غمارهم ،وسمع أبا سفيان يقول :يا معشر قريش ،ليتعرف كل امرئ
جليسه .قال حذيفة :فأخذت بيد جليسي وقلت :ومن أنت؟ فقال أنا فلن .ثم قال أبو سفيان :ويلكم يا
معشر قريش إنكم وال ما أصبحتم بدار مقام ،ولقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة ،ولقينا
مفن هذه الريفح مفا ترون ،مفا يسفتمسك لنفا بناء ،ول تثبفت لنفا قدر ،ول تقوم لنفا نار ،فارتحلوا فإنفي
مرتحل؛ ووثب على جمله فما حل عقال يده إل وهو قائم .قال حذيفة :ولول عهد رسول ال صلى
ال عليفه وسفلم لي إذ بعثنفي ،قال لي( :مفر إلى القوم فاعلم مفا هفم عليفه ول تحدث شيئا) -لقتلتفه
بسهم؛ ثم أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم عند رحيلهم ،فوجدته قائما يصلي في مرط لبعض
نسائه مراجل -قال ابن هشام :المراجل ضرب من وشي اليمن -فأخبرته فحمد ال.
قلت :وخبر حذيفة هذا مذكور في صحيح مسلم ،وفيه آيات عظيمة ،رواه جرير عن العمش
عفن إبراهيفم التيمفي عفن أبيفه قال :كنفا عنفد حذيففة فقال رجفل لو أدركفت رسفول ال صفلى ال عليفه
وسلم قاتلت معه وأبليت .فقال حذيفة :أنت كنت تفعل ذلك! لقد رأيتنا مع رسول ال صلى ال عليه
وسفلم ليلة الحزاب وأخذتنفا ريفح شديدة وقّر .فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :أل رجفل
يأتينفي بخفبر القوم جعله ال معفي يوم القيامفة)؟ فسفكتنا فلم يجبفه منفا أحفد ،ثفم قال( :أل رجفل يأتينفا
بخبر القوم جعله ال معي يوم القيامة)؟ فسكتنا فلم يجبه أحد .فقال( :قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم)
فلم أجفد بدا إذ دعانفي باسفمي أن أقوم .قال( :اذهفب فأتنفي بخفبر القوم ول تذعرهفم علّي) قال :فلمفا
وليفت مفن عنده جعلت كأنمفا أمشفي ففي حمام حتفى أتيتهفم ،فرأيفت أبفا سففيان يصفلي ظهره بالنار،
فوضعفت سفهما ففي كبفد القوس فأردت أن أرميفه ،فذكرت قول رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم:
(ول تذعرهفم علّي) ولو رميتفه لصفبته :فرجعفت وأنفا أمشفي ففي مثفل الحمام ،فلمفا أتيتفه فأخفبرته
بخبر القوم وفرغت قررت ،فألبسني رسول ال صلى ال عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه
يصلي فيها ،فلم أزل نائما حتى أصبحت ،فلما أصبحت قال( :قم يا نومان) .ولما أصبح رسول ال
صفلى ال عليفه وسفلم وقفد ذهفب الحزاب ،رجفع إلى المدينفة ووضفع المسفلمون سفلحهم ،فأتاه
جبريل صلى ال عليه وسلم في صورة دحية بن خليفة الكلبّي ،على بغلة عليها قطيفه ديباج فقال
له :يفا محمفد ،إن كنتفم قفد وضعتفم سفلحكم فمفا وضعفت الملئكفة سفلحها .إن ال يأمرك أن تخرج
إلى بنفي قريظفة ،وإنفي متقدم إليهفم فمزلزل بهفم حصفونهم .فأمفر رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم
وهي:
@ الثامنفة :مناديفا فنادى :ل يصفلين أحفد العصفر إل ففي بنفي قريظفة؛ فتخوف ناس فوت الوقفت
فصلوا دون بني قريظة .وقال آخرون :ل نصلّي العصر إل حيث أمرنا رسول ال صلى ال عليه
وسلم وإن فاتنا الوقت .قال :فما عنف واحدا من الفريقين .وفي هذا من الفقه تصويب المجتهدين.
وقفد مضفى بيانه ففي "النبياء" .وكان سفعد بن معاذ إذ أصفابه السهم دعا ربه فقال :اللهفم إن كنت
أبقيت من حرب قريش فأبقني لها؛ فإنه ل قوم أحب أن أجاهدكم من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه.
اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ،ول تمتني حتى تقر عيني في بني
قريظة .وروى ابن وهب عن مالك قال :بلغني أن سعد بن معاذ مر بعائشة رضي ال عنها ونساء
معها في الطم (فارع) ،وعليه درع مقلصة مشمر الكمين ،وبه أثر صفرة وهو يرتجز:
ل بأس بالموت إذا حان الجل لبث قليل يدرك الهيجا جمل
فقالت عائشفة رضفي ال عنهفا :لسفت أخاف أن يصفاب سفعد اليوم إل ففي أطراففه؛ فأصفيب ففي
أكحله .وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك قالت عائشة رضي ال عنها :ما رأيت رجل أجمل
مفن سفعد بفن معاذ حاشفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم .فأصفيب ففي أكحله ثفم قال :اللهفم إن كان
حرب قريظة لم يبق منه شيفء فاقبضني إليك ،وإن كان قفد بقيت منه بقية فأبقنفي حتفى أجاهفد مفع
رسولك أعداءه؛ فلما حكم في بني قريظة توفي؛ ففرح الناس وقالوا :نرجو أن يكون قد استجيبت
دعوته.
@ التاسفعة :ولما خرج المسلمون إلى بني قريظة أعطى رسول ال صلى ال عليه وسلم الراية
علّي بن أبي طالب ،واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ،ونهض علّي وطائفة معه حتى أتوا بني
قريظفة ونازلوهفم ،فسفمعوا سفب الرسفول صفلى ال عليفه وسفلم ،فانصفرف علّي إلى رسفول ال
صفلى ال عليفه وسفلم فقال له :يفا رسفول ال ،ل تبلغ إليهفم ،وعرض له .فقال له( :أظنفك سفمعت
منهم شتمي .لو رأوني لكفوا عن ذلك) ونهض إليهم فلما رأوه أمسكوا .فقال لهم( :نقضتم العهد يا
إخوة القرود أخزاكفم ال وأنزل بكفم نقمتفه) فقالوا :مفا كنفت جاهل يفا محمفد فل تجهفل علينفا؛ ونزل
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فحاصفرهم بضعفا وعشريفن ليلة .وعرض عليهفم سفيدهم كعفب
ثلث خصفال ليختاروا أيهفا شاؤوا :إمفا أن يسفلموا ويتبعوا محمدا على مفا جاء بفه فيسفلموا .قال:
وتحرزوا أموالكم ونساءكم وأبناءكم ،فوال إنكم لتعلمون أنه الذي تجدونه مكتوبا في كتابكم .وإما
أن يقتلوا أبناءهفم ونسفاءهم ثفم يتقدموا؛ فيقاتلون حتفى يموتوا مفن آخرهفم .وإمفا أن يفبيتوا المسفلمين
ليلة السففبت فففي حيففن طمأنينتهففم فيقتلوهففم قتل .فقالوا له :أمففا السففلم فل نسففلم ول نخالف حكففم
التوراة ،وأما قتل أبنائنا ونسائنا فما جزاؤهم المساكين منا أن نقتلهم ،ونحن ل نتعّدى في السبت.
ثففم بعثوا إلى أبففي لبابففة ،وكانوا حلفاء بنففي عمرو بففن عوف وسففائر الوس ،فأتاهففم فجمعوا إليففه
أبناءهفم ونسفاءهم ورجالهفم وقالوا له :يفا أبفا لبابفة ،أترى أن ننزل على حكفم محمفد؟ فقال نعفم- ،
وأشار بيده إلى حلقه -إنه الذبح إن فعلتم .ثم ندم أبو لبابة في الحين ،وعلم أنه خان ال ورسوله،
وأنه أمر ل يستره ال عليه عن نبيه صلى ال عليه وسلم .فانطلق إلى المدينة ولم يرجع إلى النبي
صلى ال عليه وسلم فربط نفسه في سارية وأقسم أل يبرح من مكانه حتى يتوب ال عليه فكانت
امرأته تحله لوقت كل صلة .قال ابن عيينة وغيره :فيه نزلت" :يا أيها الذين آمنوا ل تخونوا ال
والرسفول وتخونوا أماناتكفم" [النفال ]27 :اليفة .وأقسفم أل يدخفل أرض بنفي قريظفة أبدا مكانفا
أصاب فيه الذنب .فلما بلغ ذلك النبي صلى ال عليه وسلم من فعل أبي لبابة قال( :أما إنه لو أتاني
لسفتغفرت له وأمفا إذ فعفل مفا فعفل فل أطلقفه حتفى يطلقفه ال تعالى) فأنزل ال تعالى ففي أمفر أبفي
لبابفة" :وآخرون اعترفوا بذنوبهفم" [التوبفة ]102 :اليفة .فلمفا نزل فيفه القرآن أمفر رسفول ال
صفلى ال عليفه وسفلم بإطلقفه ،فلمفا أصفبح بنفو قريظفة نزلوا على حكفم رسفول ال صفلى ال عليفه
وسفلم ،فتواثفب الوس إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وقالوا :يفا رسفول ال ،وقفد علمفت أنهفم
حلفاؤنفا ،وقفد أسفعفت عبدال بفن أبفي ابفن سفلول ففي بنفي النضيفر حلفاء الخزرج ،فل يكفن حظنفا
أوكفس وأنقفص عندك مفن حفظ غيرنفا ،فهفم موالينفا .فقال لهفم رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :يفا
معشفر الوس أل ترضون أن يحكم فيهم رجل منكفم -قالوا بلى .قال : -فذلك إلى سعد بن معاذ).
وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم قد ضرب له خيمة في المسجد ،ليعوده من قريب في مرضه
مفن جرحفه الذي أصفابه ففي الخندق .فحكفم فيهفم بأن تقتفل المقاتلة ،وتسفبى الذريفة والنسفاء ،وتقسفم
أموالهفم .فقال له رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :لقفد حكمفت فيهفم بحكفم ال تعالى مفن فوق سفبع
أرقعفة) .وأمفر رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فأخرجوا إلى موضفع بسفوق المدينفة اليوم -زمفن
ابفن إسفحاق -فخندق بهفا خنادق ،ثفم أمفر عليفه السفلم فضربفت أعناقهفم ففي تلك الخنادق ،وقتفل
يومئذ حيّي بن أخطب وكعب بن أسد ،وكانا رأس القوم ،وكانوا من الستمائة إلى السبعمائة .وكان
على حيّي حلة فقاحيفة قفد شققهفا عليفه مفن كفل ناحيفة كموضفع النملة ،أنملة أنملة لئل يسفلبها .فلمفا
نظفر إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم حيفن أتفي بفه ويداه مجموعتان إلى عنقفه بحبفل قال :أمفا
وال ما لمت نفسي في عداوتك.
ولكنه من يخذل ال يخذل
ثفم قال :يفا أيهفا الناس ،ل بأس بأمفر ال كتاب وقدر وملحمفة كتبفت على بنفي إسفرائيل ،ثفم جلس
فضربت عنقه .وقتل من نسائهم امرأة ،وهي بنانة امرأة الحكم القرظّي التي طرحت الّرحى على
خلد ابن سويد فقتلته .وأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بقتل كل من أنبت منهم وترك من لم
ينبت .وكان عطية القرظّي ممن لم ينبت ،فاستحياه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وهو مذكور
في الصحابة .ووهب رسول ال صلى ال عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس ولد الزبير بن باطا
فاسفتحياهم؛ منهفم عبدالرحمفن بفن الزبيفر أسفلم وله صفحبة .ووهفب أيضفا عليفه السفلم رفاعفة بفن
سموأل القرظي لم المنذر سلمى بنت قيس ،أخت سليط بن قيس من بني النجار ،وكانت قد صلت
إلى القبلتيفن؛ فأسفلم رفاعفة وله صفحبة وروايفة .وروى ابفن وهفب وابفن القاسفم عفن مالك قال :أتفى
ثابفت بفن قيفس بفن شماس إلى ابفن باطفا -وكانفت له عنده يفد -وقال :قفد اسفتوهبتك مفن رسفول ال
صفلى ال عليفه وسفلم ليدك التفي لك عندي ،قال :ذلك يفعفل الكريفم بالكريفم ،ثفم قال :وكيفف يعيفش
رجففل ل ولد له ول أهففل؟ قال :فأتففى ثابففت إلى رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم فذكففر ذلك له،
فأعطاه أهله وولده؛ فأتفى فأعلمفه فقال :كيفف يعيفش رجفل ل مال له؟ فأتفى ثابفت النفبي صفلى ال
عليفه وسفلم فطلبفه فأعطاه ماله ،فرجفع إليفه فأخفبره؛ قال :مفا فعفل ابفن أبفي الحقيفق الذي كأن وجهفه
مرآة صفينية؟ قال :قتفل .قال :فمفا فعفل المجلسفان ،يعنفي بنفي كعفب بفن قريظفة وبنفي عمرو بفن
قريظة؟ قال :قتلوا .قال :فما فعلت الفئتان؟ قال :قتلتا .قال :برئت ذمتك ،ولن أصب فيها دلوا أبدا،
يعني النخل ،فألحقني بهم ،فأبى أن يقتله فقتله غيره .واليد التي كانت لبن باطا عند ثابت أنه أسره
يوم بعاث فجز ناصيته وأطلقه.
@ العاشرة :وقسفم صفلى ال عليفه وسفلم أموال بنفي قريظفة فأسفهم للفارس ثلثفة أسفهم وللراجفل
سهما .وقد قيل :للفارس سهمان وللراجل سهم .وكانت الخيل للمسلمين يومئذ ستة وثلثين فرسا.
ووقفع للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم مفن سفبيهم ريحانفة بنفت عمرو بفن جناففة أحفد بنفي عمرو بفن
قريظفة ،فلم تزل عنده إلى أن مات صفلى ال عليفه وسفلم .وقيفل :إن غنيمفة قريظفة هفي أول غنيمفة
قسفم فيهفا للفارس والراجفل ،وأول غنيمفة جعفل فيهفا الخمفس .وقفد تقدم أن أول ذلك كان ففي بعفث
عبدال بن جحش؛ فال أعلم .قال :أبو عمر :وتهذيب ذلك أن تكون غنيمة قريظة أول غنيمة جرى
فيهفا الخمفس بعفد نزول قوله" :واعلموا أنمفا غنمتفم مفن شيفء فأن ل خمسفه وللرسفول" [النفال:
]41اليفة .وكان عبدال بفن جحفش قفد خمفس قبفل ذلك ففي بعثفه ،ثفم نزل القرآن بمثفل مفا فعله؛
وكان ذلك من فضائله رحمة ال عليه.
وكان فتفح قريظفة ففي آخفر ذي القعدة وأول ذي الحجفة مفن السفنة الخامسفة مفن الهجرة .فلمفا تفم
أمر بني قريظة أجيبت دعوة الرجل الفاضل الصالح سعد بن معاذ ،فانفجر جرحه ،وانفتح عرقه،
فجرى دمه ومات رضي ال عنه .وهو الذي أتى الحديث فيه( :اهتز لموته عرش الرحمن) يعني
سفكان العرش مفن الملئكفة فرحوا بقدوم روحفه واهتزوا له .وقال ابفن القاسفم عفن مالك :حدثنفي
يحيفى بفن سفعيد قال :لقفد نزل لموت سفعد بفن معاذ سفبعون ألف ملك ،مفا نزلوا إلى الرض قبلهفا.
قال مالك :ولم يستشهد يوم الخندق من المسلمين إل أربعة أو خمسة.
قلت :الذي استشهد يوم الخندق من المسلمين ستة نفر فيما ذكر أهل العلم بالسير :سعد بن معاذ
أبفو عمرو مفن بنفي عبدالشهفل ،وأنفس بفن أوس بفن عتيفك ،وعبدال بفن سفهل ،وكلهمفا أيضفا مفن
بنفي عبدالشهفل ،والطفيفل بفن النعمان ،وثعلبفة بفن غنمفة ،وكلهمفا مفن بنفي سفلمة ،وكعفب بفن زيفد
مفن بنفي دينار بفن النجار ،أصفابه سفهم غرب فقتله ،رضفي ال عنهفم .وقتفل مفن الكفار ثلثفة :منبفه
بن عثمان ابن عبيد بن السباق بن عبدالدار ،أصابه سهم مات منه بمكة .وقد قيل :إنما هو عثمان
بفن أميفة بفن منبفه بفن عبيفد بفن السفباق .ونوففل بفن عبدال بفن المغيرة المخزومفي ،اقتحفم الخندق
فتورط فيفه فقتفل ،وغلب المسفلمون على جسفده؛ فروي عفن الزهري أنهفم أعطوا رسفول ال صفلى
ال عليفه وسفلم ففي جسفده عشرة آلف درهفم فقال( :ل حاجفة لنفا بجسفده ول بثمنفه) فخلى بينهفم
وبينفه .وعمرو بفن عبفد ودّ الذي قتله علّي مبارزة ،وقفد تقدم .واسفتشهد يوم قريظفة مفن المسفلمين
خلد بفن سفويد بفن ثعلبفة بفن عمرو مفن بنفي الحارث بفن الخزرج؛ طرحفت عليفه امرأة مفن بنفي
قريظة رحى فقتلته .ومات في الحصار أبو سنان بن محصن بن حرثان السدي ،أخو عكاشة بن
محصفن ،فدفنفه رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي مقفبرة بنفي قريظفة التفي يتداففن فيهفا المسفلمون
السففكان بهففا اليوم .ولم يصففب غيففر هذيففن ،ولم يغففز كفار قريففش المؤمنيففن بعففد الخندق .وأسففند
الدارمفي أبفو محمففد فففي مسفنده :أخبرنففا يزيففد بفن هارون عفن ابفن أبففي ذئب عفن المقففبري عفن
عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال :حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوي من الليل حتى
كفينففا؛ وذلك قول ال عففز وجففل" :وكفففى ال المؤمنيففن القتال وكان ال قويففا عزيزا" [الحزاب:
]25فأمر النبي صلى ال عليه وسلم بلل فأقام فصلى الظهر فأحسن كما كان يصليها في وقتها،
ثففم أمره فأقام العصففر فصففلها ،ثففم أمره فأقام المغرب فصففلها ،ثففم أمره فأقام العشاء فصففلها،
وذلك قبففل أن ينزل" :فإن خفتففم فرجال أو ركبانففا" [البقرة ]239 :خرجففه النسففائي أيضففا .وقففد
مضت هذه المسألة في "طه" .وقد ذكرنا في هذه الغزاة أحكاما كثيرة لمن تأملها في مسائل عشر.
ثم نرجع إلى أول الي وهي تسع عشرة آية تضمنت ما ذكرناه.
@قوله تعالى" :إذ جاءتكم جنود" يعني الحزاب" .فأرسلنا عليهم ريحا" قال مجاهد :هي الصبا،
أرسلت على الحزاب يوم الخندق حتى ألقت قدورهم ونزعت فساطيطهم .قال :والجنود الملئكة
ولم تقاتفل يومئذ .وقال عكرمفة :قالت الجنوب للشمال ليلة الحزاب :انطلقفي لنصفرة النبّي صفلى
ال عليفه وسفلم ،فقالت الشمال :إن محوة ل تسفري بليفل .فكانفت الريفح التفي أرسفلت عليهفم الصفبا.
وروى سفعيد بفن جفبير عفن ابفن عباس قال قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :نصفرت بالصفبا
وأهلكفت عاد بالدبور) .وكانفت هذه الريفح معجزة للنبّي ال عليفه وسفلم؛ لن النبّي صفلى ال عليفه
وسلم والمسلمين كانوا قريبا منها ،لم يكن بينهم وبينها إل عرض الخندق ،وكانوا في عافية منها،
ول خفبر عندهففم بهفا" .وجنودا لم تروهفا" وقرئ بالياء؛ أي لم يرهفا المشركون .قال المفسفرون:
بعففث ال تعالى عليهففم الملئكففة فقلعففت الوتاد ،وقطعففت أطناب الفسففاطيط ،وأطفأت النيران،
وأكفأت القدور ،وجالت الخيل بعضها في بعض ،وأرسل ال عليهم الرعب ،وكثر تكبير الملئكة
ففي جوانفب العسفكر؛ حتفى كان سفيد كفل خباء يقول :يفا بنفي فلن هلم إلي فإذا اجتمعوا قال لهفم:
النجاء النجاء؛ لمففا بعففث ال تعالى عليهففم مففن الرعففب" .وكان ال بمففا تعملون بصففيرا" وقرئ:
"يعملون" بالياء على الخفبر ،وهفي قراءة أبفي عمرو .الباقون بالتاء؛ يعنفي مفن حففر الخندق
والتحرز من العدو.
**3اليفة{ 10 :إذ جاؤوكفم مفن فوقكفم ومفن أسففل منكفم وإذ زاغفت البصفار وبلغفت القلوب
الحناجر وتظنون بال الظنون}
@قوله تعالى" :إذ جاؤوكفم مفن فوقكفم ومفن أسففل منكفم" "إذ" ففي موضفع نصفب بمعنفى واذكفر.
وكذا "وإذ قالت طائففة منهفم"" .مفن فوقكفم" يعنفي مفن فوق الوادي ،وهفو أعله مفن قبفل المشرق،
جاء منه عوف بن مالك في بني نصر ،وعيينه بن حصن في أهل نجد ،وطليحة بن خويلد السدي
ففي بني أسد" .ومن أسفل منكفم" يعنفي من بطفن الوادي من قبل المغرب ،جاء منه أبو سففيان بن
حرب على أهفل مكفة ،ويزيفد بفن جحفش على قريفش ،وجاء أبفو العور السفلمي ومعفه حيفي بفن
أخطففب اليهودي فففي يهود بنففي قريظففة مففع عامففر بففن الطفيففل مففن وجففه الخندق" .وإذ زاغففت
البصفار" أي شخصفت .وقيفل :مالت؛ فلم تلتففت إل إلى عدوهفا دهشفا مفن فرط الهول" .وبلغفت
القلوب الحناجر" أي زالت عن أماكنها من الصفدور حتفى بلغفت الحناجفر وهفي الحلقيفم ،واحدهفا
حنجرة؛ فلول أن الحلوق ضاقفت عنهفا لخرجفت؛ قاله قتادة .وقيفل :هفو على معنفى المبالغفة على
مذهب العرب على إضمار كاد؛ قال:
هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما إذا ما غضبنا غضبة مضرية
أي كادت تقطففر .ويقال :إن الرئة تنفتففح عنففد الخوف فيرتفففع القلب حتففى يكاد يبلغ الحنجرة مثل؛
ولهذا يقال للجبان :انتففخ سفحره .وقيفل :إنفه مثفل مضروب ففي شدة الخوف ببلوغ القلوب الحناجفر
وإن لم تزل عففن أماكنهففا مففع بقاء الحياة .قال معناه عكرمففة .روى حماد بففن زيففد عففن أيوب عففن
عكرمفة قال :بلغ فزعهفا .والظهفر أنفه أراد اضطراب القلب وضربانفه ،أي كأنفه لشدة اضطرابفه
بلغ الحنجرة .والحنجرة والحنجور (بزيادة النون) حرف الحلق" .وتظنون بال الظنونفففففففففا" قال
الحسن :ظن المنافقون أن المسلمين يستأصلون ،وظن المؤمنون أنهم ينصرون .وقيل :هو خطاب
للمنافقيففن؛ أي قلتففم هلك محمففد وأصففحابه .واختلف القراء فففي قوله تعالى" :الظنونففا ،والرسففول،
والسبيل" آخر السورة؛ فأثبت ألفاتها في الوقف والوصل نافع وابن عامر .وروي عن أبي عمرو
الكسفائي تمسفكا بخفط المصفحف ،مصفحف عثمان ،وجميفع المصفاحف ففي جميفع البلدان .واختاره
أبففو عبيففد؛ إل أنففه قال :ل ينبغففي للقارئ أن يدرج القراءة بعدهففن لكففن يقففف عليهففن .قالوا :ولن
العرب تفعل ذلك في قوافي أشعارهم ومصاريعها؛ قال:
تستنفر الواخر الوائل نحن جلبنا القرح القوافل
وقرأ أبو عمرو والجحدري ويعقوب وحمزة بحذفها في الوصل والوقف معا .قالوا :هي زائدة في
الخط كما زيدت اللف في قوله تعالى" :ولوضعوا خللكم" [التوبة ]47 :فكتبوها كذلك ،وغير
هذا .وأمفا الشعفر فموضفع ضرورة ،بخلف القرآن فإنفه أفصفح اللغات ول ضرورة فيفه .قال ابفن
النباري :ولم يخالف المصفحف مفن قرأ" .الظنون .والسفبيل .والرسفول" بغيفر ألف ففي الحروف
الثلثفة ،وخطهفن ففي المصفحف بألف لن اللف التفي ففي "أطعنفا" والداخلة ففي أول "الرسفول.
والظنون .والسفبيل" كففى مفن اللف المتطرففة المتأخرة كمفا كففت ألف أبفي جاد مفن ألف هواز.
وفيفه حجفة أخرى :أن اللف أنزلت منزلة الفتحفة ومفا يلحفق دعامفة للحركفة التفي تسفبق والنيفة فيفه
السفقوط؛ فلمفا عمفل على هذا كانفت اللف مفع الفتحفة كالشيفء الواحفد يوجفب الوقفف سفقوطهما
ويعمل على أن صورة اللف في الخط ل توجب موضعا في اللفظ ،وأنها كاللف في "سحران"
وففي "فطفر السفموات والرض" وففي "وعدنفا موسفى" ومفا يشبههفن ممفا يحذف مفن الخفط وهفو
موجود ففي اللففظ ،وهفو مسفقط مفن الخفط .وفيفه حجفة ثالثفة هفي أنفه كتفب على لغفة مفن يقول لقيفت
الرجل .وقرئ على لغة من يقول :لقيت الرجل ،بغير ألف .أخبرنا أحمد بن يحيى عن جماعة من
أهفل اللغفة أنهفم رووا عفن العرب قام الرجلو ،بواو ،ومررت بالرجلي ،بياء ،ففي الوصفل والوقفف.
ولقيت الرجل؛ بألف في الحالتين كلتيهما .قال الشاعر:
خلل الجيش تعترف الركابا أسائلة عميرة عن أبيها
فأثبت اللف في "الركاب" بناء على هذه اللغة .وقال الخر:
ظننت بآل فاطمة الظنونا إذا الجوزاء أردفت الثريا
وعلى هذه اللغفة بنفى ناففع وغيره .وقرأ ابفن كثيفر وابفن محيصفن والكسفائي بإثباتهفا ففي الوقفف
وحذفهفا ففي الوصفل .قال ابفن النباري :ومفن وصفل بغيفر ألف ووقفف بألف فجائز أن يحتفج بأن
اللف احتاج إليها عند السكت حرصا على بقاء الفتحة ،وأن اللف تدعمها وتقويها.
**3الية{ 11 :هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزال شديدا}
@قوله تعالى" :هنالك ابتلي المؤمنون" "هنفا" للقريفب مفن المكان .و"هنالك" للبعيفد .و"هناك"
للوسط .ويشار به إلى الوقت؛ أي عند ذلك اختبر المؤمنون ليتبين المخلص من المنافق .وكان هذا
البتلء بالخوف والقتال والجوع والحصفر والنزال" .وزلزلوا زلزال شديدا" أي حركوا تحريكفا.
قال الزجاج :كفل مصفدر مفن المضاعفف على فعلل يجوز فيفه الكسفر والفتفح؛ نحفو قلقلتفه قلقال
وقلقال ،وزلزلوا زلزال وزلزال .والكسفر أجود؛ لن غيفر المضاعفف على الكسفر نحفو دحرجتفه
دحراجففا .وقراءة العامففة بكسففر الزاي .وقرأ عاصففم والجحدري "زلزال" بفتففح الزاي .قال ابففن
سفلم :أي حركوا بالخوف تحريكفا شديدا .وقال الضحاك :هفو إزاحتهفم عفن أماكنهفم حتفى لم يكفن
لهم إل موضع الخندق .وقيل :إنه اضطرابهم عما كانوا عليه؛ فمنهم من اضطرب في نفسه ومنهم
مفن اضطرب فففي دينفه .و"هنالك" يجوز أن يكون العامفل فيفه "ابتلي" فل يوقفف على "هنالك".
ويجوز أن يكون "وتظنون بال الظنونا" فيوقف على "هنالك".
**3الية{ 12 :وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا ال ورسوله إل غرورا}
@قوله تعالى" :وإذ يقول المنافقون والذيفن ففي قلوبهفم مرض" أي شفك ونفاق" .مفا وعدنفا ال
ورسفوله إل غرورا" أي باطل مفن القول .وذلك أن طعمفة بفن أبيرق ومعتفب بفن قشيفر وجماعفة
نحفو مفن سفبعين رجل قالوا يوم الخندق :كيفف يعدنفا كنوز كسفرى وقيصفر ول يسفتطيع أحدنفا أن
يتفبرز؟ وإنمفا قالوا ذلك لمفا فشفا ففي أصفحاب النبّي صفلى ال عليفه وسفلم مفن قوله عنفد ضرب
الصخرة ،على ما تقدم في حديث النسائي؛ فأنزل ال تعالى هذه الية.
**3اليفة{ 13 :وإذ قالت طائففة منهفم يفا أهفل يثرب ل مقام لكفم فارجعوا ويسفتأذن فريفق منهفم
النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إل فرارا}
@قوله تعالى" :وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب ل مقام لكم فارجعوا" الطائفة تقع على الواحد
فما فوقه .وعني به هنا أوس بن قيظي والد عرابة بن أوس؛ الذي يقول فيه الشماخ:
تلقاها عرابة باليمين إذا ما راية رفعت لمجد
و "يثرب" هفي المدينفة؛ وسفماها رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم طيبفة وطابفة .وقال أبفو عفبيدة:
يثرب اسم أرض ،والمدينة ناحية منها .السهيلّي :وسميت يثرب لن الذي نزلها من العماليق اسمه
يثرب بفن عميفل بفن مهلئيفل بفن عوض بفن عملق بفن لوذ بفن إرم .وففي بعفض هذه السفماء
اختلف .وبنو عميل هم الذين سكنوا الجحفة فأجحفت بهم السيول فيها .وبها سميت الجحفة" .ل
مقام لكم" بفتح الميم قراءة العامة .وقرأ حفص والسلمي والجحدري وأبو حيوة :بضم الميم؛ يكون
مصدرا من أقام يقيم؛ أي ل إقامة ،أو موضعا يقيمون فيه .ومن فتح فهو اسم مكان؛ أي ل موضع
لكفم تقيمون فيفه" .فارجعوا" أي إلى منازلكفم .أمروهفم بالهروب مفن عسفكر النبّي صفلى ال عليفه
وسفلم .قال ابفن عباس :قالت اليهود لعبدال بفن أبفي ابفن سفلول وأصفحابه مفن المنافقيفن :مفا الذي
يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان وأصحابه! فارجعوا إلى المدينة فإنا مع القوم فأنتم آمنون.
@قوله تعالى" :ويستأذن فريق منهم النبي" في الرجوع إلى منازلهم بالمدينة ،وهم بنو حارثة ابن
الحارث ،ففي قول ابفن عباس .وقال يزيفد بفن رومان :قال ذلك أوس بفن قيظّي عفن مل مفن قومفه.
"يقولون إن بيوتنفا عورة" أي سفائبة ضائعفة ليسفت بحصفينة ،وهفي ممفا يلي العدّو .وقيفل :ممكنفة
للسففراق لخلوهففا مففن الرجال .يقال :دار معورة وذات عورة إذا كان يسففهل دخولهففا .يقال :عور
المكان عورا فهففو عور .وبيوت عورة .وأعور فهففو معور .وقيففل :عورة ذات عورة .وكففل مكان
ليفس بممنوع ول مسفتور فهفو عورة؛ قاله الهروي .وقرأ ابفن عباس وعكرمفة ومجاهفد وأبفو رجاء
العطاردي" :عورة" بكسفر الواو؛ يعنفي قصفيرة الجدران فيهفا خلل .تقول العرب :دار فلن عورة
إذا لم تكن حصينة .وقد أعور الفارس إذا بدا فيه خلل للضرب والطعن؛ قال الشاعر:
متى تلقهم لم تلق في البيت معورا ول الضيف مفجوعا ول الجار مرمل
الجوهري :والعورة كفل خلل يتخوف منفه ففي ثغفر أو حرب .النحاس :يقال أعور المكان إذا تفبينت
فيه عورة ،وأعور الفارس إذا تبين فيه موضع الخلل .المهدوي :ومن كسر الواو في "عورة" فهو
شاذ؛ ومثله قولهفففم :رجفففل عور؛ أي ل شيفففء له ،وكان القياس أن يعفففل فيقال :عار؛ كيوم راح،
ورجفل مال؛ أصفلهما روح ومول .ثفم قال تعالى "ومفا هفي بعورة" تكذيبفا لهفم وردا عليهفم فيمفا
ذكروه" .إن يريدون إل فرارا" أي ما يريدون إل الهرب .قيل :من القتل .وقيل :من الدين .وحكى
النقاش أن هذه اليفة نزلت ففي قفبيلتين مفن النصفار :بنفي حارثفة وبنفي سفلمة؛ وهموا أن يتركوا
مراكزهففم يوم الخندق ،وفيهففم أنزل ال تعالى" :إذ همففت طائفتان منكففم أن تفشل" [آل عمران:
]122الية .فلما نزلت هذه الية قالوا :وال ما ساءنا ما كنا هممنا به؛ إذ ال ولينا .وقال السدي:
الذي اسفتأذنه منهفم رجلن مفن النصفار مفن بنفي حارثفة أحدهمفا -أبفو عرابفة بفن أوس ،والخفر
أوس بن قيظّي .قال الضحاك :ورجع ثمانون رجل بغير إذنه.
**3الية{ 14 :ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لتوها وما تلبثوا بها إل يسيرا}
@قوله تعالى" :ولو دخلت عليهففم مففن أقطارهففا" وهففي البيوت أو المدينففة؛ أي مففن نواحيهففا
وجوانبهفا ،الواحفد قطفر ،وهفو الجانفب والناحيفة .وكذلك القتفر لغفة ففي القطفر" .ثفم سفئلوا الفتنفة
لتوهفا" أي لجاؤوهفا؛ هذا على قراءة ناففع وابفن كثيفر بالقصفر .وقرأ الباقون بالمّد؛ أي لعطوهفا
مفن أنفسفهم ،وهو اختيار أبفي عبيفد وأبفي حاتفم .وقفد جاء ففي الحديفث :أن أصفحاب النبّي صفلى ال
عليفه وسفلم كانوا يعذبون ففي ال ويسفألون الشرك ،فكفل أعطفى مفا سفألوه إل بلل .وفيفه دليفل على
قراءة المّد ،من العطاء .ويدل على قراءة القصر قوله" :ولقد كانوا عاهدوا ال من قبل ل يولون
الدبار"؛ فهذا يدل على "لتوهفا" مقصفورا .وففي "الفتنفة" هنفا وجهان :أحدهمفا :سفئلوا القتال ففي
العصبية لسرعوا إليه؛ قاله الضحاك .الثاني :ثم سئلوا الشرك لجابوا إليه مسرعين؛ قاله الحسن.
"وما تلبثوا بها إل يسيرا" أي بالمدينة بعد إعطاء الكفر إل قليل حتى يهلكوا؛ قال السدي والقتيبّي
والحسففن والفراء .وقال أكثففر المفسففرين :أي ومففا احتبسففوا عففن فتنففة الشرك إل قليل ولجابوا
بالشرك مسرعين؛ وذلك لضعف نياتهم ولفرط نفاقهم؛ فلو اختلطت بهم الحزاب لظهروا الكفر.
**3الية{ 15 :ولقد كانوا عاهدوا ال من قبل ل يولون الدبار وكان عهد ال مسؤول}
@قوله تعالى" :ولقد كانوا عاهدوا ال من قبل" أي من قبل غزوة الخندق وبعد بدر .قال قتادة:
وذلك أنهم غابوا عن بدر ورأوا ما أعطى ال أهل بدر من الكرامة والنصر ،فقالوا لئن أشهدنا ال
قتال لنقاتلّن .وقال يزيفد بفن رومان :هفم بنفو حارثفة ،هموا يوم أحفد أن يفشلوا مفع بنفي سفلمة ،فلمفا
نزل فيهم ما نزل عاهدوا ال أل يعودوا لمثلها فذكفر ال لهم الذي أعطوه من أنفسهم" .وكان عهد
ال مسفؤول" أي مسفؤول عنفه .قال مقاتفل والكلبفي :هفم سفبعون رجل بايعوا النبّي صفلى ال عليفه
وسفففلم ليلة العقبفففة وقالوا :اشترط لنفسفففك ولربفففك مفففا شئت .فقال( :أشترط لربفففي أن تعبدوه ول
تشركوا بفه شيئا وأشترط لنفسفي أن تمنعونفي ممفا تمنعون منفه نسفاءكم وأموالكفم وأولدكفم) فقالوا:
فما لنا إذا فعلنا ذلك يا نبّي ال؟ قال( :لكم النصر في الدنيا والجنة في الخرة) .فذلك قوله تعالى:
"وكان عهد ال مسؤول" أي أن ال ليسألهم عنه يوم القيامة.
**3الية{ 16 :قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا ل تمتعون إل قليل}
@قوله تعالى" :قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل" أي من حضر أجله مات أو
قتفل؛ فل ينففع الفرار" .وإذا ل تمتعون إل قليل" أي ففي الدنيفا بعفد الفرار إلى أن تنقضفي آجالكفم؛
وكل ما هو آت فقريب .وروى الساجي عن يعقوب الحضرمّي "وإذا ل يمتعون" بياء .وفي بعض
الروايات "وإذا ل تمتعوا" نصفففب بفففف "إذا" والرففففع بمعنفففى ول تمتعون .و"إذا" ملغاة ،ويجوز
إعمالها .فهذا حكمها إذا كان قبلها الواو والفاء .فإذا كانت مبتدأة نصبت بها فقلت :إذا أكرمك.
**3الية{ 17 :قل من ذا الذي يعصمكم من ال إن أراد بكم سوء أو أراد بكم رحمة ول يجدون
لهم من دون ال وليا ول نصيرا}
@قوله تعالى" :قل من ذا الذي يعصمكم من ال" أي يمنعكم منه" .إن أراد بكم سوءا" أي هلكا.
"أو أراد بكم رحمة" أي خيرا ونصرا وعافية" .ول يجدون لهم من دون ال وليا ول نصيرا" أي
ل قريبا ينفعهم ول ناصرا ينصرهم.
**3اليفة{ 18 :قفد يعلم ال المعوقيفن منكفم والقائليفن لخوانهفم هلم إلينفا ول يأتون البأس إل
قليل}
@قوله تعالى" :قفد يعلم ال المعوقيفن منكفم" أي المعترضيفن منكفم لن يصفدوا الناس عفن النبّي
صفلى ال عليفه وسفلم؛ وهفو مشتفق مفن عاقنفي عفن كذا أي صفرفني عنفه .وعوق ،على التكثيفر
"والقائلين لخوانهم هلم إلينا" على لغة أهل الحجاز .وغيرهم يقولون" :هلموا" للجماعة ،وهلمي
للمرأة؛ لن الصفل" :هفا" التفي للتنفبيه ضمفت إليهفا "لم" ثفم حذففت اللف اسفتخفافا وبنيفت على
الفتح .ولم يجز فيها الكسر ول الضم لنها ل تنصرف .ومعنى "هلم" أقبل؛ وهؤلء طائفتان؛ أي
منكفم مفن يثبفط ويعوق .والعوق المنفع والصفرف؛ يقال :عاقفه يعوقفه عوقفا ،وعوقفه واعتاقفه بمعنفى
واحفد .قال مقاتفل :هفم عبدال بفن أبفي وأصفحابه المنافقون" .والقائليفن لخوانهفم هلم" فيهفم ثلثفة
أقوال :أحدهفا :أنهفم المنافقون؛ قالوا للمسلمين :ما محمد وأصفحابه إل أكلة رأس ،وهو هالك ومن
معفه ،فهلم إلينفا .الثانفي :أنهفم اليهود مفن بنفي قريظفة؛ قالوا لخوانهفم مفن المنافقيفن :هلم إلينفا؛ أي
تعالوا إلينفا وفارقوا محمدا فإنفه هالك ،وإن أبفا سففيان إن ظففر لم يبفق منكفم أحدا .والثالث :مفا حكاه
ابفن زيفد :أن رجل مفن أصفحاب النبّي صفلى ال عليفه وسفلم بيفن الرماح والسفيوف؛ فقال أخوه -
وكان مفن أمفه وأبيفه : -هلم إلّي ،قفد تبفع بفك وبصفاحبك؛ أي قفد أحيفط بفك وبصفاحبك .فقال له:
كذبفت ،وال لخفبرنه بأمرك؛ وذهفب إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ليخفبره ،فوجده قفد نزل
عليفه جبريفل عليفه السفلم بقوله تعالى" :قفد يعلم ال المعوقيفن منكفم والقائليفن لخوانهفم هلم إلينفا".
ذكره الماوردي والثعلبي أيضا .ولفظه :قال ابن زيد هذا يوم الحزاب ،انطلق رجل من عند النبّي
صفلى ال عليفه وسفلم فوجفد أخاه بيفن يديفه رغيفف وشواء ونفبيذ؛ فقال له :أنفت ففي هذا ونحفن بيفن
الرماح والسيوف؟ فقال :هلم إلى هذا فقد تبع لك ولصحابك ،والذي تحلف به ل يستقل بها محمد
أبدا .فقال :كذبفت .فذهفب إلى النبّي صفلى ال عليفه وسفلم يخفبره فوجده قفد نزل عليفه جبريفل بهذه
الية" .ول يأتون البأس إل قليل" خوفا من الموت .وقيل :ل يحضرون القتال إل رياء وسمعة.
**3اليفة{ 19 :أشحفة عليكفم فإذا جاء الخوف رأيتهفم ينظرون إليفك تدور أعينهفم كالذي يغشفى
عليفه مفن الموت فإذا ذهفب الخوف سفلقوكم بألسفنة حداد أشحفة على الخيفر أولئك لم يؤمنوا فأحبفط
ال أعمالهم وكان ذلك على ال يسيرا}
@قوله تعالى" :أشحة عليكم" أي بخلء عليكم؛ أي بالحفر في الخندق والنفقة في سبيل ال؛ قال
مجاهد وقتادة .وقيل :بالقتال معكم .وقيل :بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم .وقيل :أشحة بالغنائم إذا
أصفابوها؛ قاله السفدي .وانتصفب على الحال .قال الزجاج :ونصفبه عنفد الفراء مفن أربفع جهات:
إحداهفا :أن يكون على الذم؛ ويجوز أن يكون عنده نصفبا بمعنفى يعوقون أشحفة .ويجوز أن يكون
التقديفر :والقائليفن أشحفة .ويجوز عنده "ول يأتون البأس إل قليل" أشحفة؛ أي أنهفم يأتونفه أشحفة
على الفقراء بالغنيمففة .النحاس :ول يجوز أن يكون العامففل فيففه "المعوقيففن" ول "القائليففن"؛ لئل
يفرق بين الصلة والموصول .ابن النباري" :إل قليل" غير تام؛ لن "أشحة" متعلق بالول ،فهو
ينتصب من أربعة أوجه :أحدها :أن تنصبه على القطع من "المعوقين" كأنه قال :قد يعلم ال الذين
يعوقون عففن القتال ويشحون عففن النفاق على فقراء المسففلمين .ويجوز أن يكون منصففوبا على
القطع من "القائلين" أي وهم أشحة .ويجوز أن تنصبه على القطع مما في "يأتون"؛ كأنه قال :ول
يأتون البأس إل جبناء بخلء .ويجوز أن تنصفب "أشحفة" على الذّم .فمفن هذا الوجفه الرابفع يحسفن
أن تقفف على قوله" :إل قليل"" .أشحفة عليكفم" وقفف حسفن .ومثله "أشحفة على الخيفر" حال مفن
المضمفر ففي "سفلقوكم" وهفو العامفل فيفه" .فإذا جاء الخوف رأيتهفم ينظرون إليفك تدور أعينهفم
كالذي يغشففى عليففه مففن الموت" وصفففهم بالجبففن؛ وكذا سففبيل الجبان ينظففر يمينففا وشمال محددا
بصفره ،وربمفا غشفي عليه .وففي "الخوف" وجهان :أحدهمفا :مفن قتال العدو إذا أقبفل؛ قال السفّدي.
الثانفي :الخوف مفن النبّي صفلى ال عليفه وسفلم إذا غلب؛ قاله ابفن شجرة" .رأيتهفم ينظرون إليفك"
خوففا مفن القتال على القول الول .ومفن النبّي صفلى ال عليفه وسفلم على الثانفي" .تدور أعينهفم"
لذهاب عقولهفم حتفى ل يصفح منهفم النظفر إلى جهفة .وقيفل :لشّدة خوفهفم حذرا أن يأتيهفم القتفل مفن
كفل جهفة" .فإذا ذهفب الخوف سفلقوكم بألسفنة حداد" وحكفى الفراء "صفلقوكم" بالصفاد .وخطيفب
مسفلق ومصفلق إذا كان بليغفا .وأصفل الصفلق الصفوت؛ ومنفه قول النفبي صفلى ال عليفه وسفلم:
(لعن ال الصالقة والحالقة والشاقة) .قال العشى:
فدة فيهم والخاطب السلق فيهم المجد والسماحة والنجف
قال قتادة :ومعناه بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة ،يقولون :أعطنا أعطنا ،فإنا قد شهدنا
معكفم .فعنفد الغنيمفة أشفح قوم وأبسفطهم لسفانا ،ووقفت البأس أجبفن قوم وأخوفهفم .قال النحاس :هذا
قول حسفن؛ لن بعده "أشحفة على الخيفر" وقيفل :المعنفى بالغوا ففي مخاصفمتكم والحتجاج عليكفم.
وقال القتبي :المعنى آذوكم بالكلم الشديد السلق :الذى .ومنه قول الشاعر:
بنواهل حتى انحنينا ولقد سلقنا هوازنا
"أشحة على الخيفر" أي على الغنيمة؛ قاله يحيى بن سلم .وقيل :على المال أن ينفقوه ففي سبيل
ال؛ قاله السفّدي" .أولئك لم يؤمنوا" يعنفي بقلوبهفم وإن كان ظاهرهفم اليمان؛ والمناففق كاففر على
الحقيقة لوصف ال عز وجل لهم بالكفر" .فأحبط ال أعمالهم" أي لم يثبتهم عليها؛ إذا لم يقصدوا
وجفه ال تعالى بهفا" .وكان ذلك على ال يسفيرا" يحتمفل وجهيفن :أحدهمفا :وكان نفاقهفم على ال
هينا .الثاني :وكان إحباط عملهم على ال هينا.
**3اليفة{ 20 :يحسفبون الحزاب لم يذهبوا وإن يأت الحزاب يودوا لو أنهفم بادون ففي
العراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إل قليل}
@قوله تعالى" :يحسفبون الحزاب لم يذهبوا" أي لجبنهفم؛ يظنون الحزاب لم ينصفرفوا وكانوا
انصففرفوا ،ولكنهففم لم يتباعدوا فففي السففير" .وإن يأت الحزاب" أي وإن يرجففع الحزاب إليهففم
للقتال" .يودوا لو أنهم بادون في العراب" تمنوا أن يكونوا مع العراب حذرا من القتل وتربصا
للدوائر .وقرأ طلحفة بن مصفرف "لو أنهم بدى ففي العراب"؛ يقال :باد وبدى؛ مثفل غاز وغزى.
ويمد مثل صائم وصوام .بدا فلن يبدو إذا خرج إلى البادية .وهي البداوة والبداوة؛ بالكسر والفتح.
وأصفل الكلمفة مفن البدو وهفو الظهور" .يسفألون" وقرأ يعقوب ففي روايفة رويفس "يتسفاءلون عفن
أنبائكفم" أي عفن أخبار النبّي صفلى ال عليفه وسفلم .يتحدثون :أمفا هلك محمفد وأصفحابه ،أمفا غلب
أبفو سففيان وأحزابفه! أي يوّدوا لو أنهفم بادون سفائلون عفن أنبائكفم مفن غيفر مشاهدة القتال لفرط
جبنهفم .وقيل :أي هم أبدا لجبنهم يسفألون عن أخبار المؤمنين ،وهل أصيبوا .وقيل :كان منهفم في
أطراف المدينفة مفن لم يحضفر الخندق ،جعلوا يسفألون عفن أخباركفم ويتمنون هزيمفة المسفلمين.
"ولو كانوا فيكفم مفا قاتلوا إل قليل" أي رميفا بالنبفل والحجارة على طريفق الرياء والسفمعة؛ ولو
كان ذلك ل لكان قليله كثيرا.
**3الية{ 21 :لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة لمن كان يرجو ال واليوم الخر وذكر
ال كثيرا}
@قوله تعالى" :لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة" هذا عتاب للمتخلفين عن القتال؛ أي كان
لكفم قدوة ففي النفبي صفلى ال عليفه وسفلم حيفث بذل نفسفه لنصفرة ديفن ال ففي خروجفه إلى الخندق.
والسفوة القدوة .وقرأ عاصفم "أسفوة" بضفم الهمزة .الباقون بالكسفر؛ وهمفا لغتان .والجمفع فيهمفا
واحفد عنفد الفراء .والعلة عنده ففي الضفم على لغفة مفن كسفر ففي الواحدة :الفرق بيفن ذوات الواو
وذوات الياء؛ فيقولون كسفوة وكسفا ،ولحيفة ولحفى .الجوهري :والسفوة والسفوة بالضفم والكسفر
لغتان .والجمفع أسفى وإسفى .وروى عقبفة بفن حسفان الهجري عفن مالك بفن أنفس عفن ناففع عفن ابفن
عمفر"لقفد كان لكفم ففي رسفول ال أسفوة حسفنة" قال :ففي جوع النبّي صفلى ال عليفه وسفلم؛ ذكره
الخطيب أبو بكر أحمد وقال :تفرد به عقبة بن حسان عن مالك ،ولم أكتبه إل بهذا السناد.
@قوله تعالى "أسفوة" السفوة القدوة .والسفوة مفا يتأسفى بفه؛ أي يتعزى بفه .فيقتدى بفه ففي جميفع
أفعاله ويتعزى بفه ففي جميفع أحواله؛ فلقفد شفج وجهفه ،وكسفرت رباعيتفه ،وقتفل عمفه حمزة ،وجاع
بطنه ،ولم يلف إل صابرا محتسبا ،وشاكرا راضيا .وعن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال :شكونا
إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجفر حجفر؛ فرففع رسول ال
صلى ال عليه وسلم عن حجرين .خرجه أبو عيسى الترمذي وقال فيه :حديث غريب .وقال صلى
ال عليه وسلم لما شج( :اللهم اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون) وقد تقدم" .لمن كان يرجو ال واليوم
الخر" قال سعيد بن جبير :المعنى لمن كان يرجو لقاء ال بإيمانه ويصدق بالبعث الذي فيه جزاء
الفعال .وقيفل :أي لمن كان يرجفو ثواب ال ففي اليوم الخفر .ول يجوز عنفد الحذاق من النحوييفن
أن يكتففب "يرجففو " إل بغيففر ألف إذا كان لواحففد؛ لن العلة التففي فففي الجمففع ليسففت فففي الواحففد.
"وذكفر ال كثيرا" خوففا مفن عقابفه ،ورجاء لثوابفه .وقيفل :إن "لمفن" بدل مفن قوله" :لكفم" ول
يجيزه البصفريون؛ لن الغائب ل يبدل مفن المخاطفب ،وإنمفا اللم مفن "لمفن" متعلقفة بفف "حسفنة"،
و"أسففوة" اسففم "كان" و"لكففم" الخففبر .واختلف فيمففن أريففد بهذا الخطاب على قوليففن :أحدهمففا:
المنافقون؛ عطففا على مفا تقدم مفن خطابهفم .الثانفي :المؤمنون؛ لقوله" :لمفن كان يرجفو ال واليوم
الخر"
واختلف في هذه السوة بالرسول عليه السلم ،هل هي على اليجاب أو على الستحباب؛ على
قولين :أحدهما :على اليجاب حتى يقوم دليل على الستحباب .الثاني :على الستحباب حتى يقوم
دليفل على اليجاب .ويحتمفل أن يحمفل على اليجاب ففي أمور الديفن ،وعلى السفتحباب ففي أمور
الدنيا.
**3اليفة{ 22 :ولمفا رأى المؤمنون الحزاب قالوا هذا مفا وعدنفا ال ورسفوله وصفدق ال
ورسوله وما زادهم إل إيمانا وتسليما}
@قوله تعالى" :ولما رأى المؤمنون الحزاب" ومن العرب من يقول" :راء" على القلب" .قالوا
هذا مفا وعدنفا ال" يريفد قوله تعالى ففي سفورة البقرة" :أم حسفبتم أن تدخلوا الجنفة ولمفا يأتكفم مثفل
الذين خلوا من قبلكم" [البقرة ]214 :الية .فلما رأوا الحزاب يوم الخندق فقالوا" :هذا ما وعدنا
ال ورسول" ،قال قتادة .وقول ثان رواه كثير بن عبدال بن عمرو المزني عن أبيه عن جده قال:
خطب رسول ال صلى ال عليه وسلم عام ذكرت الحزاب فقال( :أخبرني جبريل عليه السلم أن
أمتففي ظاهرة عليهففا -يعنففي على قصففور الحيرة ومدائن كسففرى -فأبشروا بالنصففر فاسففتبشر
المسفلمون وقالوا :الحمفد ل ،موعفد صفادق ،إذ وعدنفا بالنصفر بعفد الحصفر .فطلعفت الحزاب فقال
المومنون":هذا مففا وعدنففا ال ورسففوله" .ذكره الماوردي .و"مففا وعدنففا" إن جعلت "مففا" بمعنففى
الذي فالهاء محذوففة .وإن جعلتهفا مصفدرا لم تحتفج إلى عائد "ومفا زادهفم إل إيمانفا وتسفليما" قال
الفراء :ومفا زادهفم النظفر إلى الحزاب .وقال علي بفن سفليمان" :رأى" يدل على الرؤيفة ،وتأنيفث
الرؤية غير حقيقي ،والمعنى :ما زادهم الرؤية إل إيمانا بالرب وتسليما ،قال الحسن .ولو قال :ما
زادوهم لجاز .ولما أشتد المر على المسلمين وطال المقام في الخندق ،قام عليه السلم على التل
الذي عليه مسجد الفتح في بعض الليالي ،وتوقع ما وعده ال من النصر وقال( :من يذهب ليأتينا
بخبرهم وله الجنة) فلم يجبه أحد .وقال ثانيا وثالثا فلم يجبه أحد ،فنظر إلى جانبه وقال( :من هذا)؟
فقال حذيفة .فقال( :ألم تسمع كلمفي منذ الليلة)؟ قال حذيفة :فقلت يا رسول ال ،منعني أن أجيبك
الضفر والقر .قال( :انطلق حتفى تدخفل ففي القوم فتسمع كلمهفم وتأتينفي بخفبرهم .اللهفم احفظه مفن
بيفن يديفه ومفن خلففه وعفن يمينفه وعفن شماله حتفى ترده إلي ،انطلق ول تحدث شيئا حتفى تأتينفي).
فانطلق حذيفة بسلحه ،ورفع رسول ال صلى ال عليه وسلم يده يقول( :يا صريخ المكروبين ويا
مجيفب المضطريفن اكشفف همفي وغمفي وكربفي فقفد ترى حالي وحال أصفحابي) فنزل جبريفل
وقال( :إن ال قفد سفمع دعوتففك وكفاك هول عدوك) فخفر رسففول ال صفلى ال عليفه وسففلم على
ركبتيفه وبسفط يديفه وأرخفى عينيفه وهفو يقول( :شكرا شكرا كمفا رحمتنفي ورحمفت أصفحابي).
وأخفبره جبريفل أن ال تعالى مرسفل عليهفم ريحفا ،فبشفر أصفحابه بذلك قال حذيففة :فانتهيفت إليهفم
وإذا نيرانهففم تتقففد ،فأقبلت ريففح شديدة فيهففا حصففباء فمففا تركففت لهففم نارا إل أطفأتهففا ول بناء إل
طرحتفه ،وجعلوا يتترسفون مفن الحصفباء .وقام أبفو سففيان إلى راحلتفه وصفاح ففي قريفش :النجاء
النجاء! وفعفل كذلك عيينفة بفن حصفن والحارث بفن عوف والقرع بفن حابفس .وتفرقفت الحزاب،
وأصفبح رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فعاد إلى المدينفة وبفه مفن الشعفث مفا شاء ال ،فجاءتفه
فاطمة بغسول فكانت تغسل رأسه ،فأتاه جبريل فقال( :وضعت السلح ولم تضعه أهل السماء ،ما
زلت أتبعهم حتى ،جاوزت بهم الروحاء -ثم قال -انهض إلى بني قريظة) .وقال أبو -سفيان :ما
زلت أسمع قعقعة السلح حتى جاوزت الروحاء.
**3اليفة{ 24 - 23 :مفن المؤمنيفن رجال صفدقوا مفا عاهدوا ال عليفه فمنهفم مفن قضفى نحبفه
ومنهففم مففن ينتظففر ومففا بدلوا تبديل ،ليجزي ال الصففادقين بصففدقهم ويعذب المنافقيففن إن شاء أو
يتوب عليهم إن ال كان غفورا رحيما}
@قوله تعالى" :مفن المؤمنيفن رجال" رففع بالبتداء ،وصفلح البتداء بالنكرة لن "صفدقوا" ففي
موضع النعت" .فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل" "من" في موضع رفع
بالبتداء .وكذا "ومنهم من ينتظر" والخبر في المجرور .والنحب :النذر والعهد ،تقول منه :نحبت
انحب ،بالضم .قال الشاعر:
أحق بتاج الماجد المتكرم وإذا نحبت كلب على الناس إنهم
وقال آخر:
قد نحب المجد علينا نحبا
وقال آخر:
أنحب فيقضى أم ضلل وباطل
وروى البخاري ومسلم والترمذي عن أنس قال :قال عمي أنس بن النضر -سميت به -والم يشهد
بدرا مفع رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فكفبر عليفه فقال :أول مشهفد شهده رسفول ال صفلى ال
عليه وسلم غبت عنه ،أما وال لئن أراني ال مشهدا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما بعد
ليرين ال ما أصنع .قال :فهاب أن يقول غيرها ،فشهد مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم أحد
من العام القابل ،فاستقبله سعد بن مالك فقال :يا أبا عمرو أين؟ قال :واها لريح الجنة! أجدها دون
أحد ،فقاتل حتى قتل ،فوجد ففي جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورمية .فقالت عمتي
الربيفع بنفت النضفر :فمفا عرففت أخفي إل ببنانفه .ونزلت هذه اليفة "رجال صفدقوا مفا عاهدوا ال
عليفه فمنهفم مفن قضفى نحبفه ومنهفم مفن ينتظفر ومفا بدلوا تبديل" لففظ الترمذي ،وقال :هذا حديفث
حسفن صفحيح .وقالت عائشفة رضفي ال عنهفا ففي قوله تعالى "مفن المؤمنيفن رجال صفدقوا مفا
عاهدوا ال عليفه" اليفة :منهفم طلحفة بفن عفبيدال ثبفت مفع رسفول،ال صفلى ال عليفه وسفلم حتفى
أصفيبت ،يده ،فقال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :أوجفب طلحفة الجنفة) .وففي الترمذي عنفه :أن
أصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قالوا لعرابفي جاهفل :سفله عمفن قضفى نحبفه مفن هفو؟
وكانوا ل يجترئون على مسففألته ،يوقرونففه ويهابونففه ،فسففأله العرابففي فأعرض عنففه ،ثففم سففأل
فأعرض عنه ،ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر ،فلما رآني النبي صلى ال عليه
وسلم قال( :أين السائل عمن قضى نحبه)؟ قال العرابي :أنا يا رسول ال .قال( :هذا ممن قضى
نحبفه) قال :هذا حديفث حسفن غريفب ل نعرففه إل مفن حديفث يونفس بفن بكيفر .وروى البيهقفي عفن
أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حين انصرف من أحد ،مر على مصعب بن عمير
وهو مقتول على طريقفه ،فوقفف عليفه ودعفا له ،ثفم تل هذه اليفة" :مفن المؤمنيفن رجال صفدقوا مفا
عاهدوا ال عليه فمنهم من قضى نحبه -إلى -تبديل" ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ال
عليفه وسفلم( :أشهفد أن هؤلء شهداء عنفد ال يوم القيامفة فأتوهفم وزوروهفم والذي نفسفي بيده ل
يسففلم عليهففم أحففد إلى يوم القيامففة إل ردوا عليفه) .وقيفل :النحففب الموت ،أي مات على مففا عاهفد
عليففه ،عففن ابففن عباس .والنحففب أيضففا الوقففت والمدة يقال :قضففى فلن نحبففه إذا مات .وقال ذو
الرمة:
قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبر عشية فر الحارثيون بعد ما
والنحفب أيضفا الحاجفة والهمفة ،يقول قائلهفم مفا لي عندهفم نحفب ،وليفس المراد باليفة .والمعنفى ففي
هذا الموضفع بالنحفب النذر كمفا قدمنفا أول ،أي منهفم مفن بذل جهده على الوفاء بعهده حتفى قتفل،
مثفل حمزة وسفعد بن معاذ وانس بن النضفر وغيرهفم .ومنهفم مفن ينتظفر الشهادة وما بدلوا عهدهم
ونذرهم .وقد روي عن ابن عباس أنه قرأ "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومنهم من بدل
تبديل" .قال أبفو بكفر النباري :وهذا الحديفث عنفد أهفل العلم مردود ،لخلففه الجماع ،ولن فيفه
طعنفا على المؤمنيفن والرجال الذيفن مدحهفم ال وشرفهفم بالصفدق والوفاء ،فمفا يعرف فيهفم مغيفر
ومففا وجففد مففن جماعتهففم مبدل ،رضففي ال عنهففم".ليجزي ال الصففادقين بصففدقهم" أي أمففر ال
بالجهاد ليجزي الصفادقين ففي الخرة بصفدقهم" .ويعذب المنافقيفن" ففي الخرة "إن شاء أو يتوب
عليهفم إن ال كان غفورا رحيمفا" أي إن شاء أن يعذبهفم لم يوفقهفم للتوبفة ،لن لم يشفأ أن يعذبهفم
تاب عليهم قبل الموت" .إن ال كان غفورا رحيما"
**3الية{ 25 :ورد ال الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى ال المؤمنين القتال وكان ال
قويا عزيزا}
@قوله تعالى" :ورد ال الذيفن كفروا بغيظهفم لم ينالوا خيرا" قال محمفد بفن عمرو يرفعفه إلى
عائشة :قالت "الذين كفروا" ها هنا أبو سفيان وعيينة بن بدر ،رجع أبو سفيان إلى تهامة ،ورجع
عيينفة إلى نجفد "وكففى ال المؤمنيفن القتال" بأن أرسفل عليهفم ريحفا وجنودا حتفى رجعوا ورجعفت
بنو قريظة إلى صياصيهم ،فكفى أمر قريظة -بالرعب" .وكان ال قويا" أمره "عزيزا" ل يغلب.
**3الية{ 27 - 26 :وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم
الرعفب فريقفا تقتلون وتأسفرون فريقفا ،وأورثكفم أرضهفم وديارهفم وأموالهفم وأرضفا لم تطؤوهفا
وكان ال على كل شيء قديرا}
@قوله تعالى" :وأنزل الذيفن ظاهروهفم مفن أهفل الكتاب مفن صفياصيهم" يعنفي الذيفن عاونوا
الحزاب :قريشفا وغطفان وهفم بنفو قريظفة وقفد مضفى خفبرهم "مفن صفياصيهم" أي حصفونهم
واحدها صيصة .قال الشاعر:
نساء تميم يبتدرن الصياصيا فأصبحت الثيران صرعى وأصبحت
ومنه قيل لشوكة الحائك التي بها يسوي السداة واللحمة :صيصة .قال ،دريد بن الممدد:
كوقع الصياصي في النسيج الممدد فجئت إليه والرماح تنوشه
ومنفه :صفيصة الديفك التفي ففي رجله .وصفياصي البقفر قرونهفا ،لنهفا تمتنفع بهفا .وربمفا كانفت،
تركفب ففي ،الرماح مكان السفنة ،ويقال :جفذ ال صفئصئه ،أي أصفله "وقذف ففي قلوبهفم الرعفب
فريقففا تقتلون" وهففم الرجال" .وتأسففرون فريقففا" وهففم النسففاء والذريففة ،على مففا تقدم".وأورثكففم
أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها" بعد .قال يزيد بن رومان وابن زيد ومقاتل :يعني
حنيفن ،ولم يكونوا نالوهفا ،فوعدهفم ال إياهفا .وقال قتادة :كنفا نتحدث أنهفا مكفة .وقال الحسفن :هفي
فارس والروم .وقال عكرمة :كل أرض تفتح إلى يوم القيامة" .وكان ال على كل شيء قديرا" فيه
وجهان :أحدهما :على ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير ،قال محمد بن إسحاق .الثاني :على ما
أراد أن يفتحففه مففن الحصففون والقرى قديففر ،قال النقاش .وقيففل" :وكان ال على كففل شيففء" ممففا
وعدكموه "قديرا" ل ترد قدرتفه ول يجوز عليفه العجفز تعالى .ويقال تأسفرون وتأسفرون (بكسفر
السين وضمها) حكاه الفراء.
**3اليفة{ 29 - 28 :يفا أيهفا النفبي قفل لزواجفك إن كنتفن تردن الحياة الدنيفا وزينتهفا فتعاليفن
أمتعكفففن وأسفففرحكن سفففراحا جميل ،وإن كنتفففن تردن ال ورسفففوله والدار الخرة فإن ال أعفففد
للمحسنات منكن أجرا عظيما}
@قوله تعالى" :يا أيها النبي" قال علماؤنا :هذه الية متصلة :بمعنى ما تقدم من المنع من إيذاء
النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ال عليفه وسفلم ،وكان قفد تأذى ببعفض الزوجات .قيفل :سفألنه شيئا مفن
عرض الدنيا .وقيل :زيادة في النفقة .وقيل :أذينه بغيرة بعضهن على بعض .وقيل :أمر صلى ال
عليه وسلم بتلوة هذه الية عليهن وتخييرهن بين الدنيا والخرة .وقال الشافعي رحمه ال تعالى:،
إن من ملك زوجة فليس عليه تخييرها .أمر صلى ال عليه وسلم أن يخير نساءه فاخترنه .وجملة
ذلك أن ال سفبحانه خيفر النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بيفن أن يكون نبيفا ملكفا وعرض عليفه مفاتيفح
خزائن الدنيفا ،وبيفن أن يكون نبيفا مسفكينا ،فشاور جبريفل فأشار عليفه بالمسفكنة فاختارهفا ،فلمفا
اختارهفا وهفي أعلى المنزلتيفن ،أمره ال عفز وجفل أن يخيفر زوجاتفه ،فربمفا كان فيهفن مفن يكره
المقام معه على الشدة تنزيها له .وقيل :إن السبب الذي أوجب التخيير لجله ،أن امرأة من أزواجه
سألته أن يصوغ لها حلقة من ذهب ،فصاغ لها حلقة من فضة وطلها بالذهب -وقيل بالزعفران
-فأبفت إل أن تكون من ذهفب ،فنزلت آية التخييفر فخيرهفن ،فقلن اخترنا ال ورسوله .وقيل :إن
واحدة منهففن اختارت الفراق .فال أعلم .روى البخاري ومسففلم واللفففظ لمسففلم -عففن جابر ابففن
عبدال قال :دخفل أبفو بكفر يسفتأذن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ،فوجفد الناس جلوسفا ببابفه لم
يؤذن لحد منهم ،قال :فأذن لبي بكر فدخل ،ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له ،فوجد النبي صلى ال
عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا .قال - :فقال وال لقولن شيئا اضحك رسول ال صلى
ال عليه وسلم ،فقال :يا رسول ال ،لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجدت عنقها،
فضحفك رسفول ال صفلى ال عليه وسفلم وقال" :هن حولي كمفا ترى يسفألنني النفقة) فقام أبو بكفر
إلى عائشة يجأ عنقها ،وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها ،كلهما يقول :تسألن رسول ال صلى ال
عليه وسلم ما ليس عنده !! فقلن :وال ل نسأل رسول ال شيئا أبدا ليس عنده .ثم اعتزلن شهرا أو
تسعا وعشرين ثم نزلت عليه هذه الية" :يا أيها النبي قل لزواجك -حتى بلغ -للمحسنات منكن
أجرا عظيما" .قال :فبدأ بعائشة فقال( :يا عائشة ،إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أل تعجلي
فيه حتى تستشيري أبويك) قالت :وما هو يا رسول ال؟ فتل عليها الية .قالت :أفيك يا رسول ال
أسففتشير أبوي! بففل أختار ال ورسففول والدار الخرة ،وأسففألك أل تخففبر امرأة مففن نسففائك بالذي
قلت .قال( :ل تسألني امرأة منهن إل أخبرتها ،إن ال لم يبعثني معنتا ول متعنتا ولكن بعثني معلما
ميسفرا) .وروى الترمذي عفن عائشفة رضفي ال عنهفا قالت :أمفر رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم
ال عليفه وسفلم بتخييفر أزواجفه بدأ بفي فقال( :يفا عائشفة ،إنفي ذاكفر لك أمرا فل عليفك أل تسفتعجلي
حتففى تسففتأمري أبويففك) قالت :وقففد علم أن أبوي لم يكونففا ليأمرانففي بفراقففه ،قال ثففم قال( :إن ال
يقول" :يفا أيهفا النفبي قفل لزواجفك إن كنتفن تردن الحياة الدنيفا وزينتهفا فتعاليفن أمتعكفن وأسفرحكن
سراحا جميل -حتى بلغ -للمحسنات منكن أجرا عظيما" فقلت :أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد
ال ورسفوله والدار الخرة ،وفعفل أزواج النفبي صفلى ال عليفه وسفلم مفا فعلت .قال :هذا حديفث
حسفن صفحيح قال العلماء :وأمفا أمفر النفبي صفلى ال عليفه وسفلم عائشفة أن تشاور أبويهفا لنفه كان
يحبهففا ،وكان يخاف أن يحملهففا فرط الشباب على أن تختار فراقففه ،ويعلم مففن أبويهففا أنهمففا ل
يشيران عليها بفراقه.
@قوله تعالى" :قل لزواجك" كان للنبي صلى ال عليه وسلم أزواج ،منهن من دخل بها ،ومنهن
مفن عقفد عليهفا ولم يدخفل بهفا ،ومنهفن من خطبهفا فلم يتفم نكاحه معهفا .فأولهن :خديجفة بنت خويلد
بفن أسفد بفن عبفد العزى بفن قصفي بفن كلب .وكانفت قبله عنفد أبفي هالة واسفمه زرارة بفن النباش
السدي ،وكانت قبله عند عتيق بن عائذ ،ولدت منه غلما اسمه عبد مناف .وولدت من أبي هالة
هنفد بفن أبفي هالة ،وعاش إلى زمفن الطاعون فمات فيفه .ويقال :إن الذي عاش إلى زمفن الطاعون
هنفد بفن هنفد ،وسفمعت نادبتفه تقول حيفن مات :واهنفد بفن هنداه ،واربيفب رسفول ال .ولم يتزوج
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم على خديجفة غيرهفا حتفى ماتفت .وكانفت يوم تزوجهفا رسفول ال
صلى ال عليه وسلم بنت أربعين سنة ،وتوفيت بعد أن مضى من النبوة سبع سنين ،وقيل :عشر.
أو كان لهفا حيفن توفيفت خمفس وسفتون سفنة .وهفي أول امرأة آمنفت بفه .وجميفع أولده منهفا غيفر
إبراهيفم .قال حكيفم بفن حزام :توفيفت خديجفة فخرجنفا بهفا مفن منزلهفا حتفى دفناهفا بالحجون ،ونزل
رسول ال صلى ال عليه وسلم في حفرتها ،ولم تكن يومئذ سنة الجنازة الصلة عليها.
ومنهن :سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس العامرية ،أسلمت قديما وبايعت ،وكانت عند
ابن عم لها يقال له السكران بن عمرو ،وأسلم أيضا ،وهاجرا جميعا إلى أرض الحبشة في الهجرة
الثانيفة ،فلمفا قدمفا مكفة مات زوجهفا .وقيفل :مات بالحبشفة ،فلمفا حلت خطبهفا رسفول ال صفلى ال
عليفه وسفلم ال عليفه وسفلم ،فتزوجهفا ودخفل بهفا بمكفة ،وهاجفر بهفا إلى المدينفة ،فلمفا كفبرت أراد
طلقها فسألته أل يفعل وأن يدعها في نسائه ،وجعلت ليلتها لعائشة حسبما هو مذكور في الصحيح
فأمسكها ،وتوفيت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين.
ومنهن :عائشة بنت أبي بكر الصديق ،وكانت مسماة لجبير بن مطعم ،فخطبها رسول ال صلى
ال عليفه وسفلم اله عليفه وسفلم ،فقال أبفو بكفر :يفا رسفول ال ،دعنفي أسفلها مفن ،جفبير سفل رفيقفا،
فتزوجها رسفول ال صلى ال عليه وسلم بمكة قبفل الهجرة بسنتين ،وقيفل بثلث سفنين ،وبنفى بهفا
بالدينة وهي بنت تسع ،وبقيت عنده تسع سنين ،ومات رسول ال صلى ال عليه وسلم وهي بنت
ثمان عشرة ،ولم يتزوج بكرا غيرها .وماتت سنة تسع وخمسين ،وقيل ثمان وخمسين.
ومنهن :حفصة بنت عمر بن الخطاب القرشية العدوية ،تزوجها رسول ال صلى ال عليه وسلم
ثفم طلقهفا ،فأتاه جبريل فقال( :إن ال يأمرك أن تراجفع حفصفة فإنهفا صفوامة قوامة) فراجعهفا .قال
الواقدي :وتوفيت في شعبان سنة خمس وأربعين في خلفة معاوية ،وهي ابنة ستين سنة ..وقيل:
ماتت في خلفة عثمان بالمدينة.
ومنهن :أم سلمة ،واسمها هند بنت أبي أمية المخزومية واسم أبي أمية سهيل تزوجها رسول ال
صفلى ال عليفه وسفلم ففي ليال بقيفن مفن شوال سفنة أربفع ،زوجهفا منفه ابنهفا سفلمة على الصفحيح،
وكان عمر ابنها صغيرا ،وتوفيت في سنة تسع وخمسين .وقيل :سنة ثنتين وستين ،والول أصح.
وصلى ،عليها سعيد ابن زيد .وقيل أبو هريرة .وقبرت بالبقيع وهي ابنة أربع وثمانين سنة.
ومنهن ،أم حبيبة ،واسمها رملة بنت أبي سفيان .بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم عمرو بن
أميفة الضميري إلى النجاشفي ،ليخطفب عليفه أم حبيبفة فزوجفه إياهفا ،وذلك سفنة سفبع مفن الهجرة،
وأصدق النجاشي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أربعمائة دينار ،وبعث بها مع شرحبيل بن
حسفنة ،وتوفيفت سفنة أربفع وأربعيفن .وقال الدارقطنفي :كانفت أم حبيبفة تحفت عفبيدال بفن جحفش
فمات بأرض ،الحبشفة على النصفرانية ،فزوجهفا النجاشفي النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ال عليفه
وسلم ،وأمهرها عنه أربعة آلف ،وبعث بها إليه مع شرحبيل بن حسنة.
ومنهن :زينب بنت جحش بن رئاب السدية ،وكان اسمها برة فسماها رسول ال صلى ال عليه
وسفلم زينفب ،وكان اسفم أبيهفا برة ،فقالت :يفا رسفول ال ،بدل اسفم أبفي فإن البرة حقيرة ،فقال لهفا
النفبي صفلى ال عليه وسلم ال عليه وسفلم( :لو كان أبوك مؤمنا سميناه باسفم رجفل منفا أهل البيفت
ولكني قد سميته جحشا والجحش من البرة) ذكر هذا الحديث الدارقطني .تزوجها رسول ال صلى
ال عليففه وسففلم بالمدينففة فففي سففنة خمففس مففن الهجرة ،وتوفيففت سففنة عشريففن ،وهففي بنففت ثلث
وخمسين.
ومنهن :زينب بنت خذيمة بن الحارث بن عبدال بن عمرو بن عبد مناف بن هلل بن عامر بن
صفعصعة الهلليفة ،كانفت تسفمى ففي الجاهليفة أم المسفاكين ،لطعامهفا إياهفم .تزوجهفا رسفول ال
صففلى ال عليففه وسففلم ال عليففه وسففلم فففي رمضان على رأس واحففد وثلثيففن شهرا مففن الهجرة،
فمكثت عنده ثمانية أشهر ،وتوفيت في حياته في آخر ربيع الول على رأس تسعة وثلثين شهرا،
ودفنت بالبقيع.
ومنهفن :جويريفة بنفت الحارث بفن أبفي ضرار الخزاعيفة المصفطلقية ،أصفابها ففي غزوة بنفي
المصطلق فوقعت في سهم ثابت بن قيع بن شماس فكاتبها ،فقضى رسول ال صلى ال عليه وسلم
كتابتهفا وتزوجهفا ،وذلك ففي شعبان سفنة سفت ،وكان اسفم برة فسفماها رسفول ال صفلى ال عليفه
وسفلم جويريفة ،وتوفيفت ففي ربيفع الول سفنة سفت وخمسفين .وقيفل :سفنة خمسفين وهفي ابنفة خمفس
وستين.
ومنهفن :صففية بنفت حيفي بفن أخطفب الهارونيفة ،سفباها النفبي صفلى ال عليفه وسفلم يوم خيفبر
واصفطفاها لنفسفه ،وأسفلمت وأعتقهفا ،وجعفل عتقهفا صفداقها ..وففي الصفحيح :أنهفا وقعفت ففي سفهم
دحيفة الكلبفي فاشتراهفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بسفبعة أرؤس ،وماتفت ففي سفنة اثنتيفن
وخمسين .وقيل :سنة اثنتين وخمسين ،ودفنت بالبقيع.
ومنهن :ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة من بني النضير ،سباها رسول ال صلى ال عليه
وسفلم وأعتقهفا ،وتزوجهفا ففي سفنة سفت ،وماتفت مرجعفه مفن حجفة الوداع ،فدفنهفا بالبقيفع .وقال
الواقدي :ماتت سنة ست عشرة وصلى عليها عمر .قال أبو الفرج الجوزي :وقد سمعت من يقول:
إنه كان يطؤها بملك اليمين ولم يعتقها.
قلت :ولهذا وال أعلم لم يذكرها أبو القاسم عبدالرحمن السهلي في عداد أزواج النبي صلى.
ومنهفن :ميمونفة بنفت الحارث الهلليفة ،تزوجهفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بسفرف على
عشرة أميال من مكة ،وذلك في سنة سبع من الهجرة في عمرة القضية ،وهي آخر امرأة تزوجها
رسول ال صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم ،وقدر ال تعالى أنها ماتت في المكان الذي بنى فيه
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بهفا ،ودفنفت هنالك ،وذلك ففي سفنة إحدى وسفتين .وقيفل :ثلث
وستين .وقيل ثمان وستين.
فهؤلء المشهورات من أزواج النبي صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم ،وهن اللتي دخل بهن،
رضفي ال عنهفن .فأمفا مفن تزجهفن ولم يدخفل بهفن فمنهفن :الكلبيفة .واختلفوا ففي اسفمها ،فقيفل
فاطمفة .وقيفل عمرة .وقيفل العاليفة .قال الزهري :تزوج فاطمفة بنفت الضحاك الكلبيفة فاسفتعاذت
منفه فطلقهفا ،وكانفت تقول :أنفا الشقيفة .تزوجهفا ففي ذي القعدة سفنة ثمان مفن الهجرة ،وتوفيفت سفنة
ستين.
ومنهفن :أسفماء بنفت النعمان بفن الجون بفن الحارث الكنديفة ،وهفي الجونيفة .قال قتادة :لمفا دخفل
عليهفا دعاهفا فقالت :تعال أنفت ،فطلقهفا .وقال غيره :هفي التفي اسفتعاذت منفه .وففي البخاري قال:
تزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم أميمة بنت شراحيل ،فلما أدخلت عليه بسط يده إليها فكأنها
كرهفت ذلك ،فأمفر أبفا أسفيد أن يجهزهفا ويكسفوها ثوبيفن .وففي لففظ آخفر قال أبفو أسفيد :أتفى رسفول
ال صلى ال عليه وسلم بالجونية ،فلما دخل عليها قال( :هبي لي نفسك) فقالت :وهل تهب الملكة
نفسفها للسفوقة فأهوى بيده ليضعهفا عليهفا لتسفكن ،فقالت :أعوذ بال منفك فقال( :قفد عذت بمعاذ) ثفم
خرج علينا فقال( :يا أبا أسيد ،اكسها رازقيين وألحقها بأهلها).
ومنهففن :قتيلة بنففت قيففس ،أخففت الشعففث بففن قيففس ،زوجهففا إياه الشعففث ،ثففم انصففرف إلى
حضرموت ،فحملهفا إليفه فبلغفه وفاة النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فردهفا إلى بلده ،فارتفد وارتدت
معه .ثم تزوجها عكرمة بن أبي جهل ،فوجد من ذلك أبو بكر وجدا شديدا .فقال له عمر :إنها وال
مفا هفي مفن أزواجفه ،مفا خيرهفا ول حجبهفا .ولقفد برأهفا ال منفه بالرتداد .وكان عروة ينكفر أن
يكون تزوجها.
ومنهن :أم شريك الزدية ،واسمها غزية بنت جابر بن حكيم ،وكانت قبله عند أبي بكر بن أبي
سفلمى ،فطلقها النبي صلى ال عليه وسفلم ولم يدخل بها .وهفي التفي وهبت نفسفها .وقيفل :إن التفي
وهبت نفسها للنبي صلى ال عليه وسلم خولة بنت حكيم.
ومنهن :خولة بنفت الهزيفل بفن هبيرة ،تزوجهفا رسفول ال صلى ال عليه وسفلم ،فهلكت قبل أن
تصل إليه.
ومنهن :شراف بنت خليفه ،أخت دحية ،تزوجها ولم يدخل بها.
ومنهن ليلى بنت الخطيم ،أخت قيس ،تزوجها وكانت غيورا فاستقالته فأقالها.
ومنهفن :عمرة بنفت معاويفة الكنديفة ،تزوجهفا النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال الشعفبي :تزوج
امرأة من كندة فجيء بها بعد ما مات.
ومنهن :ابنة جندب بن ضمرة الجندعية .قال بعضهم :تزوجها رسول ال صلى ال عليه وأنكر
بعضهم وجود ذلك.
ومنهن :الغفارية .قال بعضهم :تزوج امرأة من غفار ،فأمرها فنزعت ثيابها فرأى بياضا فقال:
(الحقفي بأهلك) .ويقال :إنمفا رأى البياض بالكلبيفة .فهؤلء اللتفي ،عقفد عليهفن ولم يدخفل بهفن،
صلى ال عليه وسلم
فأما من خطبهن فلم يتم نكاحه معهن ،ومن وهبت له نفسها:
فمنهفن :أم هانفئ بنفت أبفي طالب ،واسفمها فاختفة .خطبهفا النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقالت :إنفي
مرأة مصبية واعتذرت إليه فعذرها.
ومنهن :ضباعة بنت عامر.
ومنهفن :صففية بنفت بشامفة بفن نضلة ،خطبهفا النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وكان أصفابها سفباء،
فخيرهففا النففبي صففلى ال عليففه وسففلم ،فقال( :إن شئت أنففا وإن شئت زوجففك)؟ قالت :زوجففي.
فأرسلها ،فلعنتها بنو تميم ،قال ابن عباس.
ومنهن :أم شريك .وقد تقدم ذكرها.
ومنهن :ليلى بنت الخطيم ،وقد تقدم ذكرها.
ومنهفن :خولة بنفت حكفم بفن أميفة ،وهبفت نفسفها للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم فأرجأهفا ،فتزوجهفا
عثمان بن مظعون.
ومنهن :جمرة بنت الحارث بن عوف المري ،خطبها النبي صلى ال عليه وسلم فقال أبوها :إن
بها سوءا ولم يكن بها ،فرجع إليها أبوها وقد برصت ،وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر.
ومنهن :سودة القرشية ،خطبها رسول ال صلى ال عليه وسلم وكانت مصبية .فقالت :أخاف أن
يضغو صبيتي عند رأسك .فحمدها ودعا لها.
ومنهن :امرأة لم يذكفر اسفمها .قال مجاهفد :خطفب رسفول ال صفلى ال عليه وسفلم امرأة فقالت:
أسفتأمر أبفي .فلقيفت أباهفا فأذن لهفا ،فلقيفت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فقال( :قفد التحفنفا لحاففا
غيرك) .فهؤلء جميفع أزواج النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وكان له مفن السفراري سفريتان :ماريفة
القبطيففة ،وريحانففة ،فففي قول قتادة .وقال غيره :كان له أربففع :ماريففة ،وريحانففة ،وأخرى جميلة
أصابها في السبي ،وجارية وهبتها له زينب بنت جحش.
@قوله تعالى" :إن كنتفن تردن الحياة الدنيفا وزينتهفا" "إن" شرط ،وجوابفه "فتعاليفن" ،فعلق
التخييففر على شرط .وهذا يدل على أن التخييففر والطلق المعلقيففن على شرط صففحيحان ،فينفذان
ويمضيان ،خلفا للجهال المبتدعة الذين يزعمون أن الرجل إذا قال لزوجته :أنت طالق إن دخلت
الدار ،أنه ل يقع الطلق إن دخلت الدار ،لن الطلق الشرعي هو المنجز في الحال ل غير.
@قوله تعالى" :فتعالين" هو جواب الشرط ،وهو فعل جماعة النساء ،من قولك تعالى ،وهو دعاء
إلى القبال إليه يقال :تعال بمعنى أقبل ،وضع لمن له جللة ورفعة ،ثم صار في الستعمال لكل
داع إلى القبال ،وأما في هذا الموضع فهو على أصله ،فإن الداعي هو رسول ال صلى ال عليه
وسففلم "أمتعكففن" وقرئ "أمتعُكففن" بضففم العيففن .وكذا "أسففرحكن" بضففم الحاء على السففتئناف.
والسراح الجميل :هو أن يكون طلقا للسنة من غير ضرار ول منع واجب لها.
@ اختلف العلماء ففي كيفيفة تخييفر النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أزواجفه على قوليفن :الول :أنفه
خيرهفن بإذن ال تعالى ففي البقاء على الزوجيفة أو الطلق ،فاخترن البقاء ،قالتفه عائشفة ومجاهفد
وعكرمفة والشعفبي وابفن شهاب وربيعفة .ومنهفن مفن قال :إنمفا خيرهفن بيفن الدنيفا فيفارقهفن ،وبيفن
الخرة فيمسفكهن ،لتكون لهفن المنزلة العليفا كمفا كانفت لزوجهفن ،ولم يخيرهفن ففي الطلق ،ذكره
الحسن وقتادة .ومن الصحابة علي فيما رواه عنه أحمد بن حنبل أنه قال :لم يخير رسول ال صلى
ال عليه وسلم نساءه إل بين الدنيا والخرة.
قلت :القول الول أصفح ،لقول عائشفة رضففي ال عنهفا لمفا سفئلت عفن الرجفل يخيفر امرأتفه
فقالت :قفد خيرنفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أفكان طلقفا ففي روايفة :فاخترناه فلم يعده طلقفا
ولم يثبفت عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم إل التخييفر المأمور بيفن البقاء والطلق ،لذلك قال:
(يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فل عليك أل تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك) الحديث .ومعلوم أنه
لم يرد الستئمار في اختيار الدنيا وزينتها على الخرة .فثبت أن الستئمار إنما وقع في الفرقة ،أو
النكاح .وال أعلم.
@ واختلف العلماء ففي المخيرة إذا اختارت زوجهفا ،فقال جمهور العلماء مفن السفلف وغيرهفم
وأئمففة الفتوى :إنففه ل يلزمففه طلق ،ل واحدة ول أكثففر ،هذا قول عمففر بففن الخطاب وعلي وابففن
مسفعود وزيفد بفن ثابفت وابفن عباس وعائشفة .ومفن التابعيفن عطاء ومسفروق وسفليمان بفن يسفار
وربيعفة وابفن شهاب .وروي عفن علي وزيفد أيضفا :إن أختارت زوجهفا فواحدة بائنفة ،وهفو قول
الحسفن البصفري والليفث ،وحكاه الخطابفي والنقاش عفن مالك .وتعلقوا بأن قوله :اختاري ،كنايفة
عن إيقاع الطلق ،فإذا أضافه إليها وقعت طلقة ،كقوله :أنت بائن .والصحيح الول ،لقول عائشة:
خيرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فاخترناه فلم يعده علينا طلقا .أخرجه الصحيحان .قال ابن
المنذر :وحديفث عائشفة دل على أن المخيرة إذا أختارت زوجهفا لم يكفن ذلك طلقفا ،ويدل على أن
اختيارهفا نفسفها يوجفب الطلق ،ويدل على معنفى ثالث ،وهفو أن المخيرة إذا اختارت نفسفها أنهفا
تطليقفة يملك زوجهفا رجعتهفا ،إذ غيفر جائز أن يطلق رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بخلف مفا
أمره ال .وروي هذا عففن عمففر وابففن مسففعود وابففن عباس .وبففه قال ابففن أبففي ليلى والثوري
والشافعففي .وروي عففن علي أنهففا إذا أختارت نفسففها أنهففا واحدة بائنففة .وهففو قول أبففي حنيفففة
وأصحابه .ورواه ابن خويز منداد عن مالك .وروي عن زيد :بن ثابت أنها إذا اختارت نفسها أنها
ثلث .وهفو قول الحسفن البصفري ،وبفه قال مالك والليفث ،لن الملك إنمفا يكون بذلك .وروي عفن
علي رضفي ال عنفه أنهفا إذا أختارت نفسفها فليفس بشيفء .وروي عنفه أنهفا إذا اختارت زوجهفا
فواحدة رجعية.
@ ذهفب جماعة من المدنيين وغيرهفم إلى أن التمليك والتخييفر سواء ،والقضاء مفا قضت فيهمفا
جميعفا ،وهفو قول عبدالعزيفز بفن أبفي سفلمة .قال ابفن شعبان :وقفد اختاره كثيفر مفن أصفحابنا ،وهفو
قول جماعفة مفن أهفل المدينفة .قال أبفو عمفر :وعلى هذا القول أكثفر الفقهاء .والمشهور مفن مذهفب
مالك الفرق بينهما ،وذلك أن التمليك عند مالك وهو قول الرجل لمرأته :قد ملكتك ،أي قد ملكتك
مفا جعفل ال لي مفن الطلق واحدة أو اثنتيفن أو ثلثفا ،فلمفا جاز أن يملكهفا بعفض ذلك دون بعفض
وادعفى ذلك ،كان القول قوله مفع يمينفه إذا ناكرهفا .وقالت طائففة مفن أهفل المدينفة :له المناكرة ففي
التمليفك وففي التخييفر سفواء ففي المدخول بهفا .والول قول مالك ففي المشهور .وروى ابفن خويفز
مندد .عن مالك أن للزوج أن يناكر المخيرة في الثلث ،وتكون طلقة بائنة كما قال أبو حنيفة .وبه
قال أبو الجهم .قال سحنون :وعليه أكثر أصحابنا.
وتحصفيل مذهفب مالك :أن المخيرة إذا أختارت نفسفها وهفي مدخول بهفا فهفو الطلق كله ،وإن
أنكفر زوجهفا فل نكرة له .وإن أختارت واحدة فليفس بشيفء ،وإنمفا الخيار البتات ،إمفا أخذتفه وإمفا
تركتفه ،لن معنفى التخييفر التسفريح ،قال ال تعالى ففي آيفة التخييفر" :فتعاليفن أمتعكفن وأسفرحكن
سفففراحا جميل" فمعنفففى التسفففريح البتات ،قال ال تعالى" :الطلق مرتان فإمسفففاك بمعروف أو
تسريح بإحسان" [البقرة .]229 :والتسريح بإحسان هو الطلقة الثالثة ،روي ذلك عن النبي صلى
ال عليه وسفلم كما تقدم .ومن جهفه المعنى أن قوله :اختاريني أو اختاري نفسك يقتضفي أل يكون
له عليها سبيل إذا أختارت نفسها ،ول يملك منها شيئا ،إذ قد جعل إليها أن تخرج ما يملكه منها أو
تقيم معه إذا أختارته ،فإذا أختارت البعض من الطلق لم تعمل بمقتضى اللفظ ،وكانت به بمنزل
من خير بين شيئين فاختار غيرهما .وأما التي لم يدخل بها فله مناكرتها في التخيير والتمليك إذا
زادت على واحدة ،لنها تبين في الحال.
@ واختلفت الرواية عن مالك متى يكون لها الخيار ،فقال مرة :لها الخيار ما دامت في المجلس
قبففل القيام أو الشتغال بمففا يدل على العراض .فإن لم تختففر ولم تقففض شيئا حتففى أفترقففا مففن
مجلسهما بطل ما كان من ذلك إليها ،وعلى هذا أكثر الفقهاء .وقال مرة :لها الخيار أبدا ما لم يعلم
أنها تركت ،وذلك يعلم بأن تمكنه من نفسها بوطء أو مباشرة ،فعلى هذا إن منعت نفسها ولم تختر
شيئا كان له رفعهفا على الحاكفم لتوقفع أو ،فإن أبفت أسفقط الحاكفم تمليكهفا .وعلى القول الول إذا
أخذت ففي غيفر ذلك مفن حديفث أو عمفل أو مشفي أو مفا ليفس ففي التخييفر بشيفء كمفا ذكرنفا سفقط
تخييرهففا .واحتففج بعففض أصففحابنا لهذا القول بقوله تعالى" :فل تقعدوا معهففم حتففى يخوضوا فففي
حديفث غيره" [النسفاء .]140 :وأيضفا فإن الزوج أطلق لهفا القول ليعرف الخيار منهفا ،فصفار
كالعقفد بينهمفا ،فإن قبلتفه وإل سفقط ،كالذي يقول :قفد وهبفت لك أو بايعتفك ،فإن قبفل وإل كان الملك
باقيا محال .هذا قول الثوري والكوفيين والوزاعي والليث والشافعي وأبى ثور ،وهو اختيار ابن
القاسم ووجه الرواية الثانية أن ذلك قد صار في يدها ملكته على زوجها بتمليكه إياها فلما ملكت
ذلك وجب أن يبقى في يدها كبقائه في يد زوجها.
قلت :وهذا هفو الصفحيح لقوله عليفه السفلم لعائشفة( :إنفي ذاكفر لك أمرا فل عليفك أل تسفتعجلي
حتفى تسفتأمري أبويفك) رواه الصفحيح ،وخرجفه البخاري ،وصفححه الترمذي .وقفد تقدم ففي أول
الباب .وهفو حجفة لمفن قال :إنفه إذا خيفر الرجفل امرأتفه أو ملكهفا أن لهفا أن تقضفي ففي ذلك وإن
أفترقا من مجلسهما ،روي هذا عن الحسن والزهري ،وقال مالك في إحدى روايتيه .قال أبو عبيد:
والذي عندنا في هذا الباب ،أتباع السنة في عائشة في هذا الحديث ،حين جعل لها التخيير إلى أن
تسفتأمر أبيهفا ،ولم يجعفل قيامهفا مفن مجلسفها خروجفا مفن الم .قال المروزي .هذا أصفح القاويفل
عندي ،وقال ابن المنذر والطحاوي.
**3الية{ 31 - 30 :يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين
وكان ذلك على ال يسففيرا ،ومففن يقنففت منكففن ل ورسففوله وتعمففل صففالحا نؤتهففا أجرهففا مرتيففن
وأعتدنا لها رزقا كريما}
@ قال العلماء :لمفا اختار نسفاء النفبي صفلى ال عليفه وسفلم رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم
شكرهفن ال على ذلك فقال تكرمفة لهفن" :ل يحفل لك النسفاء مفن بعفد ول أن تبدل بهفن مفن أزواج"
[الحزاب ]52 :الية .وبين حكمهن عن غيرهن فقال" :وما كان لكم أن تؤذوا رسول ال ول أن
تنكحوا أزواجه من بعده أبدا" [الحزاب ]53 :وجعل ثواب طاعتهن وعقاب معصيتهن أكثر مما
لغيرهفن فقال" :يفا نسفاء النفبي مفن يأت منكفن بفاحشفة مبينفة يضاعفف لهفا العذاب ضعفيفن" فأخفبر
تعالى أن من جاء من نساء النبي صلى ال عليه وسلم بفاحشة -وال عاصم رسوله عليه السلم
مففن ذلك كمففا مففر فففي حديففث الفففك -يضاعففف لهففا العذاب ضعفيففن ،لشرف منزلتهففن وفضففل
درجتهن ،وتقدمهن على سائر النساء أجمع .وكذلك بينت الشريعة في غير ما موضع حسبما تقدم
بيانفه غيفر مرة -أنفه كلمفا تضاعففت الحرمات فهتكفت تضاعففت العقوبات ،ولذلك ضوعفف حفد
الحفر على العبفد والثيفب على البكفر .وقيفل :لمفا كان أزوج النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي مهبفط
الوحفي وففي منزل أوامفر ال ونواهيفه ،قوي المفر عليهفن ولزمهفن بسفبب مكانتهفن أكثفر ممفا يلزم
غيرهن ،فضوعف لهن الجر والعذاب .وقيل ،إنما ذلك لعظم الضرر في جرائمهن بإيذاء رسول
ال صفلى ال عليفه وسفلم ،فكانفت العقوبفة على قدر عظفم الجريمفة ففي إيذاء رسفول ال صفلى ال
عليفه وسفلم ،وقال تعالى" :إن الذيفن يؤذون ال ورسفوله لعنهفم ال ففي الدنيفا والخرة" [الحزاب:
.]57واختار هذا القول الكيا الطبري.
@ قال قوم :لو قدر الزنى من واحدة منهن -وقد أعاذهن ال من ذلك -لكانت تحد حدين لعظم
قدرهفا ،كمفا يزاد حفد الحرة على المفة .والعذاب بمعنفى الحفد ،قال ال تعالى" :وليشهفد عذابهمفا
طائفة من المؤمنين" [النور .]2 :وعلى هذا فمعنى الضعفين معنى المثلين أو المرتين ،وقال أبو
عفبيدة :ضعفف الشيفء شيئان حتفى يكون ثلثفة .وقاله أبفو عمرو فيمفا حكفى الطفبري عنه ،فيضاف
إليه عذابان مثله فيكون ثلثة أعذبة .وضعفه الطبري .وكذلك هو غير صحيح وإن كان ،له باللفظ
تعلق الحتمال .وكون الجر مرتين مما يفسد هذا القول ،لن العذاب في الفاحشة بإزاء الجر في
الطاعة ،قال ابن عطية .وقال النحاس :فرق أبو عمرو بين "يضاعف ويضعف" قال" :يضاعف"
للمرار الكثيرة .و"يضعف" مرتين .وقرأ "يضعف" لهذا .وقال أبو عبيدة" :يضاعف لها العذاب"
يجعفل ثلثفة أعذبفة .قال النحاس :التفريفق الذي جاء بفه أبفو عمرو وأبفو عفبيدة ل يعرففه أحفد مفن،
أهفل اللغفة علمتفه ،والمعنفى ففي "يضاعفف ويضعفف" واحفد ،أي يجعفل ضعفيفن ،كمفا تقول :إن
دفعفت إلي درهمفا دفعفت إليفك ضعفيفه ،أي مثليفه ،يعنفي درهميفن .ويدل على هذا "نؤتهفا أجرهفا
مرتيفن" ول يكون العذاب أكثفر مفن الجفر .وقال ففي موضفع آخفر "آتهفم ضعفيفن مفن العذاب"
[الحزاب ]68 :أي مثلن .وروى معمفر عفن قتادة "يضاعفف لهفا العذاب ضعفيفن" قال :عذاب
الدنيففا وعذاب الخرة .قال القشيري أبففو نصففر :الظاهففر أنففه أراد بالضعفيففن المثليففن ،لنففه قال:
"نؤتها أجرها مرتين ."،فأما في الوصايا ،لو أوصي لنسان بضعفي نصيب ولده فهو وصية بأن
يعطفي مثفل نصفيبه ثلث مرات ،فإن الوصفايا تجري على العرف فيمفا بيفن الناس ،وكلم ال يرد
تفسيره إلى كلم العرب ،والضعف في كلم العرب المثل إلى ما زاد ،وليس بمقصور على مثلين.
يقال :هذا ضعفففف هذا ،أي مثله .وهذا ضعفاه ،أي مثله ،فالضعفففف ففففي الصفففل زيادة غيفففر
محصورة ،قال ،ال تعالى" :فأولئك لهم جزاء الضعف" [سبأ ]37 :ولم يرد مثل ول مثلين .كل
هذا قول الزهري .وقد تقدم في "النور" الختلف في حد من قذف واحدة منهن ،والحمد ل.
@ قال أبفو راففع :كان عمفر رضفي ال عنفه كثيرا مفا يقرأ سفورة يوسفف وسفورة الحزاب ففي
الصبح ،وكان إذا بلغ "يا نساء النبي" رفع بها صوته ،فقيل له في ذلك فقال( :أذكرهن العهد) .قرأ
الجمهور" :من يأت" بالياء .وكذلك "من يقنت" حمل على لفظ "من" .والقنوت الطاعة ،وقد تقدم.
وقرأ يعقوب" :مففن تأت" و"تقنففت" بالتاء مففن فوق ،حمل على المعنففى .وقال قوم :الفاحشففة إذا
وردت معرففة فهفي الزنفى واللواط .وإذا وردت منكرة فهفي سفائر المعاصفي .وإذا وردت منعوتفة
فهفي عقوق الزوج وفسفاد عشرتفه .وقالت فرقفة :بفل قوله "فاحشفة مبينفة" تعفم جميفع المعاصفي.
وكذلك الفاحشفة كيفف وودت .وقرأ ابفن كثيفر "مبينفة" بفتفح الياء .وقرأ ناففع وأبفو عمرو بكسفرها.
وقرأت فرقفة" :يضاعفف" بكسفر العيفن على إسفناد الفعفل إلى ال تعالى وقرأ أبفو عمرو فيمفا روى
خارجفة "يضاعفف" بالنون المضمومفة ونصفب "العذاب" وهذه قراءة ابفن محيصفن .وهذه مفاعلة
مفن واحفد ،كطارقفت النعفل وعاقبفت اللص .وقرأ ناففع وحمزة والكسفائي "يضاعفف" بالياء وفتفح
العين" ،العذاب" رفعا .وهي قراءة الحسن وابن كثير وعيسى .وقرأ ابن كذ وابن عامر "نضعف"
بالنون وكسفر العيفن المشددة" ،العذاب" نصفبا .قال مقاتفل هذا التضعيفف ففي عذاب إنمفا هفو ففي
الخرة ،لن إيتاء الجفر مرتيفن أيضفا ففي الخرة .وهذا حسفن ،لن نسفاء النفبي صفلى ال عليفه
وسفلم ل يأتيفن بفاحشفة توجفب حدا .وقفد قال ابفن عباس :مفا بغفت امرأة نفبي قفط ،وإنمفا خانفت ففي
اليمان والطاعففة .وقال بعففض المفسففرين :العذاب الذي توعدن بففه "ضعفيففن" هففو عذاب الدنيففا
وعذاب الخرة ،فكذلك الجر .قال ابن عطية :وهذا ضعيف ،اللهم إل أن يكون أزواج النبي صلى
ال عليففه وسففلم ل ترفففع عنهففن حدوة الدنيففا عذاب الخرة ،على مففا هففي حال الناس عليففه ،بحكففم
حديث عبادة بن الصامت .وهذا أمر لم يرو في أزواج النبي صلى ال عليه وسلم ول حفظ تقرره.
وأهل التفسير على أن الرزق الكريم الجنة ،ذكره النحاس.
**3الية{ 32 :يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فل تخضعن بالقول فيطمع الذي
في قلبه مرض وقلن قول معروفا}
@قوله تعالى" :يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن" يعني في الفضل والشرف .وقال:
"كأحد" ولم يقل كواحدة ،لن أحدا نفي من المذكر والمؤنث والواحد والجماعة .وقد يقال على ما
ليس بآدمي ،يقال :ليس فيها أحد ،ل شاة ول بعير .وإنما خص النساء بالذكر لن فيمن تقدم آسية
ومريفم .وقفد أشار إلى هذا قتادة ،وقفد تقدم ففي "آل عمران" الختلف ففي التفضيفل بينهفن ،فتأمله
هناك .ثم قال" :إن اتقيتن" أي خفتن ال .فبين أن الفضيلة إنما تتم لهن بشرط التقوى ،لما منحهن
ال من صحبة الرسول وعظيم المحل منه ،ونزول القرآن في حقهن.
@قوله تعالى" :فل تخضعن بالقول" في موضع جزم بالنهي ،إل أنه مبني كما بني الماضي ،هذا
مذهففب سففيبويه ،أي ل تلن القول .أمرهففن ال أن يكون قولهففن جزل وكلمهففن فصففل ،ول يكون
على وجه يظهر في القلب علقة بما يظهر عليه من اللين ،كما كانت الحال عليه في نساء العرب
من مكالمة الرجال بترخيم الصوت ولينه ،مثل كلم المريبات والمومسات .فنهاهن عن مثل هذا.
"فيطمع الذي في قلبه مرض" "فيطمع" بالنصب على جواب النهي" .الذي في قلبه مرض" أي
شففك ونفاق ،عففن قتادة والسففدي .وقيففل :تشوف الفجور ،وهففو الفسففق والغزل ،قال عكرمففة .وهذا
أصفوب ،وليفس للنفاق مدخفل ففي هذه اليفة .وحكفى أبفو حاتفم أن العرج قرأ "فيطمِع" بفتفح الياء
وكسفر الميفم .النحاس :أحسفب هذا غلطفا ،وأن يكون قرأ "فيطمَعفِ" بفتفح الميفم وكسفر العيفن بعطففه
على "تخضعن" فهذا وجه جيد حسن .ويجوز "فيطمع" بمعنفى فيطمع الخضوع أو القول" .وقلن
قول معروفففا" قال ابففن عباس :أمرهففن بالمففر بالمعروف والنهففي عففن المنكففر .والمرأة تندب إذا
خاطبت الجانب وكذا المحرمات عليها بالمصفاهرة إلى الغلظة ففي القول ،من غير رفع صوت،
فإن المرأة مأمورة بخففففض الكلم .وعلى الجملة فالقول المعروف :هفففو الصفففواب الذي ل تنكره
الشريعة ول النفوس.
**3الية{ 33 :وقرن في بيوتكن ول تبرجن تبرج الجاهلية الولى وأقمن الصلة وآتين الزكاة
وأطعن ال ورسوله إنما يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}
@قوله تعالى" :وقرن ففي بيوتكفن ول تفبرجن تفبرج الجاهليفة الولى" "وقرن" قرأ الجمهور
"وقرن" بكسر القاف .وقرأ عاصم ونافع بفتحها .فأما القراءة الولى فتحتمل وجهين :أحدهما :أن
يكون مففن الوقار ،تقول :وقففر يقففر وقارا أي سففكن ،والمففر قففر ،وللنسففاء قرن ،مثففل عدن وزن.
والوجفه الثانفي :وهفو قول المفبرد ،أن يكون مفن القرار ،تقول :قررت بالمكان (بفتفح الراء) أقفر،
والصل أقررن ،بكسر الراء ،فحذفت الراء الولى تخفيفا ،كما قالوا في ظللت :ظللت ،ومسست:
مست ،ونقلوا حركتها إلى القاف ،واستغنى عن ألف الوصل لتحرك القاف .قال أبو علي :بل على
إن أبدلت الراء ياء كراهفة التضعيفف ،كمفا أبدلت ففي قيراط ودينار ،ويصفير للياء حركفة الحرف
المبدل منفه ،فالتقديفر :إقيرن ،ثفم تلقفى حركفة الياء على القاف كراهفة تحرك الياء بالكسفر ،فتسفقط
الياء لجتماع السفاكنين ،وتسفقط همزة الوصفل لتحرك مفا بعدهفا فيصفير "قرن" .وأمفا قراءة أهفل
المدينففة وعاصففم ،فعلى لغففة العرب :قررت فففي المكان إذا أقمففت فيففه (بكسففر الراء) أقففر (بفتففح
القاف) ،من باب حمد يحمد ،وهي لغة أهل الحجاز ذكرها أبو عبيد في "الغريب المصنف" عن
الكسائي ،وهو من أجل مشايخه ،وذكرها الزجاج وغيره ،والصل "اقررن" حذفت الراء الولى
لثقففل التضعيففف ،وألقيففت حركتهففا على القاف فتقول :قرن .قال الفراء :هففو كنففا تقول :أحسففت
صفاحبك ،أي هفل أحسفست .وقال أبفو عثمان المازنفي :قررت بفه عينفا (بالكسفر ل غيفر) ،مفن قرة
العين .ول يجوز قررت في المكان (بالكسر) وإنما هو قررت (بفتح الراء) ،وما أنكره من هذا ل
يقدح ففي القراءة إذا ثبتفت عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ،فيسفتدل بمفا ثبفت عنفه مفن القراءة على
صحة اللغة .وذهب أبو حاتم أيضا أن "قرن" ل مذهب له في كلم العرب .قال النحاس :وأما قول
أبفي حاتفم" :ل مذهفب له" فقفد خولف فيفه ،وفيفه مذهبان :أحدهمفا مفا حكاه الكسفائي ،والخفر مفا
سفمعت علي بفن سفليمان يقول ،قال :وهفو مفن قررت بفه عينفا أقفر ،والمعنفى :وأقررن بفه عينفا ففي
بيوتكن .وهو وجه حسن ،إل أن الحديث يدل على أنه من الول .كما روي أن عمارا قال لعائشة
رضي ال عنها :إن ال قد أمرك أن تقري في منزلك ،فقالت :يا أبا اليقظان ،ما زلت قوال بالحق!
فقال :الحمفففد ل الذي جعلنفففي كذلك على لسفففانك .وقرأ ابفففن أبفففي عبلة "وأقررن" بألف وصفففل
وراءين ،الولى مكسورة.
@ معنفى هذه اليفة المفر بلزوم البيفت ،وإن كان الخطاب لنسفاء النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقفد
دخل غيرهن فيه بالمعنى .هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء ،كيف والشريعة طافحة بلزوم
النساء بيوتهن ،والنكفاف عن الخروج منها إل لضرورة ،على ما تقدم في غير موضع .فأمر ال
تعالى نساء النبي صلى ال عليه وسلم بملزمة بيوتهن ،وخاطبهن بذلك تشريفا لهن ،ونهاهن عن
التبرج ،وأعلم أنه فعل الجاهلية الولى فقال" :ول تبرجن تبرج الجاهلية الولى" .وقد تقدم معنى
التبرج في "النور" .وحقيقته إظهار ما ستره أحسن ،وهو مأخوذ من السعة ،يقال :في أسنانه برج
إذا كانت متفرقة ،قاله المبرد .واختلف الناس في "الجاهلية الولى ،فقيل :هي الزمن الذي ولد فيه
إبراهيفم عليفه السفلم ،كانفت المرأة تلبفس الدرع مفن اللؤلؤ ،فتمشفي وسفط الطريفق تعرض نفسفها
على الرجال .وقال الحكفم بفن عيينفة :مفا بيفن آدم ونوح ،وهفي ثمانمائة سفنة ،وحكيفت لهفم سفير
ذميمة .وقال ابن عباس :ما بين نوح وإدريس .الكلبي :ما بين نوج وإبراهيم .قيل :إن المرأة كانت
تلبس الدرع من اللؤلؤ غير مخيط الجانبين ،وتلبس الثياب الرقاق ول تواري بدنها .وقالت فرقة:
ما بين موسى وعيسى .الشعبي :ما بين عيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم أبو العالية :هي زمان
داود وسفليمان ،كان فيفه للمرأة قميصفي مفن الدر غيفر مخيفط الجانفبين .وقال أبفو العباس المفبرد:
والجاهليفة الولى كمفا تقول الجاهليفة الجهلء ،قال :وكان النسفاء ففي الجاهليفة الجهلء يظهرن مفا
يقبففح إظهاره ،حتففى كانففت المرأة تجلس مففع زوجهففا وخلهففا ،فينفرد خلهففا بمففا فوق الزار إلى
العلى ،وينفرد زوجهففا بمففا دون الزار إلى السفففل ،وبمففا سففأل أحدهمففا صففاحبه البدل .وقال
مجاهفد :كان النسفاء يتمشيفن بيفن الرجال ،فذلك التفبرج .قال ابفن عطيفة :والذي يظهفر عندي أنفه
أشار للجاهليفة التفي لحقنهفا ،فأمرن بالنقلة عفن سفيرتهن فيهفا ،وهفي مفا كان قبفل الشرع مفن سفيرة
الكفرة ،لنهفم كانوا ل غيرة كان أمفر النسفاء دون حجاب ،وجعلهفا أولى بالنسفبة إلى مفا كان عليفه،
وليس المعنى أن ثم جاهلية أخرى وقد أوقع اسم الجاهلية على تلك المدة التي قبل السلم ،فقالوا:
جاهلي في الشعراء وقال ابن عباس في البخاري :سمعت أبي في الجاهلية يقول ،إلى غير هذا
قلت :وهذا قول حسفن .ويعترض بأن العرب كانفت أهفل قشفف وضنفك ففي الغالب ،وأن التنعفم
وإظهار الزينفة إنمفا جرى ففي الزمان السفابقة ،وهفي المراد بالجاهليفة الولى ،وأن المقصفود مفن
اليفة مخالففة مفن قبلهفن مفن المشيفة على تغنيفج وتكسفير وإظهار المحاسفن للرجال ،إلى غيفر ذلك
ممففا ل يجوز شرعففا .وذلك يشمففل القوال كلهففا ويعمهففا فيلزمففن البيوت ،فإن مسففت الحاجففة إلى
الخروج فليكن على تبذل وتستر تام .وال الموفق.
@ ذكفر الثعلبفي وغيره :أن عائشفة رضفي ال عنهفا كانفت إذا قرأت هذه اليفة تبكفي حتفى تبفل
خمارها .وذكر أن سودة قيل لها :لم ل تحجين ول تعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت :قد حججت
واعتمرت ،وأمرنفي ال أن أقفر ففي بيتفي .قال الراوي :فوال مفا خرجفت مفن باب حجرتهفا حتفى
أخرجفت جنازتهفا .رضوان ال عليهفا قال ابفن العربفي :لقفد دخلت نيففا على ألف قريفة فمفا رأيفت
نسفاء أصفون عيال ول أعفف نسفاء مفن نسفاء نابلس ،التفي رمفي بهفا الخليفل صفلى ال عليفه وسفلم
النار ،فإنفي أقمفت فيهفا فمفا رأيفت امرأة ففي طريفق نهارا إل يوم الجمعفة فإنهفن يخرجفن إليهفا حتفى
يمتلئ المسجد منهن ،فإذا قضيت الصلة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلى
الجمعة الخرى .وقد رأيت بالمسجد القصى عفائف ما خرجن معتكفهن حتى استشهدن فيه.
@ قال ابن عطية :بكاء عائشة رضي ال عنها إنما كان بسبب سفرها أيام الجمل ،وحينئذ قال لها
عمار :إن ال قفد أمرك أن تقري ففي بيتفك .قال ابفن العربفي :تعلق الرافضفة لعنهفم ال -بهذه اليفة
على أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها إذ قالوا :إنها خالفت أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم
حيففن خرجففت تقود الجيوش ،وتباشففر الحروب ،وتقتحففم مأزق الطعففن والضرب فيمففا لم يفرض،
عليها ول يجوز لها .قالوا :ولقد حصر عثمان ،فلما رأت ذلك أمرت برواحلها فقربت لتخرج إلى
مكفة ،فقال لهفا مروان :أقيمفي هنفا يفا أم المؤمنيفن ،وردي هؤلء الرعاع ،فإن الصفلح بيفن الناس
خيفر مفن حجفك .قال ابفن العربفي قال علماؤنفا رحمفة ال عليهفم :إن عائشفة رضفي ال عنهفا نذرت
عنهفا ،نذرت الحفج قبفل الفتنفة ،فلم تفر التخلف عفن نذرهفا ،ولو خرجفت ففي تلك الثائرة لكان ذلك
صفوابا لهفا .وأمفا خروجهفا إلى حرب الجمفل فمفا خرجفت لحرب ،ولكفن تعلق الناس بهفا ،وشكوا
إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة وتهارج الناس ،ورجوا بركتها ،وطمعوا في الستحياء منها
إذا وقفت إلى الخلق ،وظنت هي ذلك فخرجت مقتدية بال في قوله" :ل خير في كثير من نجواهم
إل من أمر بصدقة أو معروف أو إصلح بين الناس" [النساء ،]114 :وقوله" :وإن طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما" [الحجرات ]9 :والمر بالصلح مخاطب به جميع الناس من
ذكر وأنثى؛ حر أو عبد فلم يرد ال تعالى بسابق قضائه ونافذ حكمه أن يقع إصلح ،ولكن جرت
مففه لطاعنات وجراحات حتففى كاد يفنففي الفريقان ،فعمففد بعضهففم إلى الجمففل فعرقبففه ،فلمففا سففقط
الجمففل لجنبففه أدرك محمففد بففن أبففي بكففر عائشففة رضففى ال تعالى عنهففا ،فاحتملهففا إلى البصففرة،
وخرجفت ففي ثلثيفن امرأة ،قرنهفن علي بهفا حتفى أوصفلوها إلى المدينفة برة تقيفة مجتهدة ،مصفيبة
مثابفة فيمفا تأولت ،مأجورة فيمفا فعلت ،إذ كفل مجتهفد ففي الحكام مصفيب .وقفد تقدم ففي "النحفل"
اسم هذا الجمل ،وبه يعرف ذلك اليوم.
@قوله تعالى" :وأقمن الصلة وآتين الزكاة وأطعن ال ورسوله" أي فيما أمر ونهى "إنما يريد
ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" قال الزجاج :قيل يراد به نساء النبي صلى
ال عليفه وسفلم وقيفل :يراد بفه نسفاؤه وأهله الذيفن هفم أهفل بيتفه ،على مفا يأتفي بيانفه بعفد و"أهفل
البيفت" نصفب على المدح قال :وإن شئت على البدل .قال :ويجوز الرففع والخففض .قال النحاس:
إن خفض على أنه بدل من الكاف والميم لم يجز عند أبي العباس محمد بن يزيد ،قال ل يبدل من
المخاطبة ول من المخاطب ،لنهما ل يحتاجان إلى تبيين" .ويطهركم تطهيرا" مصدر فيه معنى
التوكيد.
**3الية{ 34 :واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات ال والحكمة إن ال كان لطيفا خبيرا}
@وله تعالى" :واذكرن مفا يتلى ففي بيوتكفن مفن آيات ال والحكمفة" هذه اللفاظ تعطفي أن أهفل
البيت نساؤه .وقد اختلف أهل العلم في أهل البيت ،من هم؟ فقال عطاء وعكرمة وابن عباس :هم
زوجاته خاصة ،ل رجل معهن .وذهبوا إلى أن البيت أريد به مسكن النبي صلى ال عليه وسلم،
لقوله تعالى" :واذكرن مفا يتلى ففي بيوتكفن" .وقالت فرقفة منهفم الكلبفي :هفم علي وفاطمفة والحسفن
والحسين خاصة ،وفي هذا أحاديث .عن النبي عليه السلم ،واحتجوا بقوله تعالى" :ليذهب عنكم
الرجفس أهفل البيفت ويطهركفم" بالميفم ولو كان للنسفاء خاصفة لكان "عنكفن ويطهركفن" ،إل أنفه
يحتمففل أن يكون خرج على لفففظ الهففل ،كمففا يقول الرجففل لصففاحبه :كيففف أهلك ،أي امرأتففك
ونسفاؤك ،فيقول :هفم بخيفر ،قال ال تعالى" :قالوا أتعجفبين مفن أمفر ال رحمفة ال وبركاتفه عليكفم
أهل البيت" [هود.]73 :
والذي يظهففر مفن اليففة أنهففا عامففة فففي جميففع أهففل البيففت مففن الزواج وغيرهففم .وإنمففا قال:
"ويطهركفم" لن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وعليفا وحسفنا وحسفينا كان فيهفم ،وإذا اجتمفع
المذكففر والمؤنففث غلب المذكففر ،فاقتضففت اليففة أن الزوجات مففن أهففل البيففت ،لن اليففة فيهففن،
والمخاطبة لهن يدل عليه سياق الكلم .وال أعلم .أما أن أم سلمة قالت :نزلت هذه الية في بيتي،
فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسنا ،فدخل معهم تحت كساء خيبري
وقال( :هؤلء أهل بيتي) -وقرأ الية -وقال( :اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فقالت
أم سففلمة :وأنففا معهففم يففا رسففول ال؟ قال( :أنففت على مكانففك وأنففت على خيففر) أخرجففه الترمذي
وغيره وقال :هذا حديفث غريفب .وقال القشيري :وقالت أم سفلمة أدخلت رأسفي ففي الكسفاء وقلت:
أنفا منهفم يفا رسفول ال؟ قال( :نعفم) .وقال الثعالبفي :هفم بنفو هاشفم ،فهذا يدل على أن البيفت يراد بفه
بيت النسب ،فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم .وروي نحوه عن زيد بن أرقم رضي ال
عنهففم أجمعيففن .وعلى قول الكلبففي يكون قوله" :واذكرن" ابتداء مخاطبففة ال تعالى ،أي مخاطبففة
أمفر ال عفز وجفل أزواج النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ،على جهفة الموعظفة وتعديفد النعمفة بذكفر مفا
يتلى ففففي بيوتهفففن مفففن آيات ال تعالى والحكمفففة قال أهفففل العلم بالتأويفففل" :آيات ال" القرآن.
"والحكمة" السنة .والصحيح أن قوله" :واذكرن" منسوق على ما قبله .وقال "عنكم" لقوله "أهل"
فالهفل مذكفر ،فسفماهن وإن كفن إناثفا باسفم التذكيفر فلذلك صفار "عنكفم" .ول اعتبار بقول الكلبفي
وأشباهفه ،فإنفه توجفد له أشياء ففي هذا التفسفير مفا لو كان ففي زمفن السفلف الصفالح لمنعوه مفن ذلك
وحجروا عليفه .فاليات كلهفا مفن قوله" :يفا أيهفا النفبي قفل لزواجفك -إلى قوله -إن ال كان لطيففا
خفبيرا" منسفوق بعضهفا على بعفض ،فكيفف صفار ففي الوسفط كلمفا منفصفل لغيرهفن وإنمفا هذا
شيء جرى في الخبار أن النبي عليه السلم لما نزلت عليه هذه الية دعا عليا وفاطمة والحسن
والحسفين ،فعمفد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم إلى كسفاء فلفهفا عليهفم ،ثفم ألوى بيده إلى السفماء فقال:
(اللهم هؤلء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) .فهذه دعوة من ،النبي صلى
ال عليفه وسفلم لهفم بعفد نزول اليفة ،أحفب أن يدخلهفم ففي اليفة التفي خوطفب بهفا الزواج ،فذهفب
الكلبي ومن وافقه فصيرها لهم خاصة ،وهي دعوة لهم خارجة من التنزيل.
@ لفظ الذكر يحتمل ثلثة معان :أحدها :أي أذكرن موضع النعمة ،إذ صيركن ال في بيوت تتلى
فيهفا آيات ال والحكمفة .الثانفي :أذكرن آيات ال وأقدرن ،قدرهفا ،وفكرن فيهفا حتفى تكون منكفن
على بال لتتعظفن بمواعفظ ال تعالى ،ومفن كان هذا حال ينبغفي أن تحسفن أفعال .الثالث" :أذكرن"
بمعنى أحفظن وأقرأن والزمنه اللسنة ،فكأنه يقول :أحفظن أوامر ال تعالى ،ونواهيه ،وذلك هو
الذي يتلى ففي بيوتكفن مفن آيات ال .فأمفر ال سفبحانه وتعالى أن يخفبرن بمفا ينزل مفن القرآن ففي
بيوتهن ،وما يرين من أفعال النبي عليه الصلة والسلم ،ويسمعن من أقواله حتى يبلغن ذلك إلى
الناس ،فيعملوا ويقتدوا .وهذا يدل على جواز قبول خبر الواحد من الرجال والنساء في الدين.
@ قال ابن العربي :في هذه الية مسألة بديعة ،وهي أن ال تعالى أمر نبيه عليه الصلة والسلم
بتبليغ ما أنزل عليه من القرآن ،وتعليم ما علمه من الدين ،فكان إذا قرأ على واحد أو ما اتفق سقط
عنفه الفرض ،وكان على مفن سفمعه أن يبلغفه إلى غيره ،ول يلزمفه أن يذكره لجميفع أصفحابة ،ول
كان عليففه إذا علم ذلك أزواجففه أن يخرج إلى الناس فيقول لهففم نزل كذا ول كان كذا ،ولهذا قلنففا:
يجوز العمفل بخفبر بسفرة ففي إيجاب الوضوء مفن مفس الذكفر ،لنهفا روت مفا سفمعت وبلغفت مفا
وعت .ول يلزم أن يبلغ ذلك الرجال ،كما قال أبو حنيفة ،على أنه قد نقل عن سعد بن أبي وقاص
وابن عمر.
**3اليفة{ 35 :إن المسلمين والمسلمات والمؤمنيفن والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين
والصفففادقات والصفففابرين والصفففابرات والخاشعيفففن والخاشعات والمتصفففدقين والمتصفففدقات
والصفائمين والصفائمات والحافظيفن فروجهفم والحافظات والذاكريفن ال كثيرا والذاكرات أعفد ال
لهم مغفرة وأجرا عظيما}
@ روى الترمذي عن أم عمارة النصارية أنها أتت النبي صلى ال عليه وسلم ،فقالت :ما أرى
كفل شيفء إل للرجال ،ومفا أرى النسفاء يذكرن بشيفء! فنزلت هذه اليفة":إن المسفلمين والمسفلمات
والمؤمنيفن والمؤمنات" اليفة .هذا حديفث حسفن غريفب .و"المسفلمين" اسفم "إن"" .والمسفلمات"
عطففف عليففه .ويجوز رفعهففن عنففد البصففريين ،فأمففا الفراء فل يجوز عنده إل فيمففا ل يتففبين فيففه
العراب.
بدأ تعالى فففي هذه اليففة بذكففر السففلم الذي يعففم اليمان وعمففل الجوارح ،ثففم ذكففر اليمان
تخصفيصا له وتنبيهفا على أنفه عظفم السفلم ودعامتفه .والقانفت :العابفد المطيفع .والصفادق :معناه
فيمففا عوهففد عليففه أن يفففي بففه .والصففابر عففن الشهوات وعلى ،الطاعات فففي المكره والمنشففط.
والخاشع :الخائف ل .والمتصدق بالفرض والنفل .وقيل .بالفرض خاصة ،والول أماح .والصائم
كذلك" .والحافظيفففن فروجهفففم والحافظات" أي عمفففا ل يحفففل مفففن الزنفففى وغيره .وففففي قوله:
"والحافظات" حذف يدل عليفه المتقدم ،تقديره :والحافظاتهفا ،فاكتففى بمفا تقدم .وففي "الذاكرات"
أيضا مثله ،ونظيره قول الشاعر:
جرى فوقها واستشعرت لون مذهب وكمتا مدماة كأن متونها
وروى سفففيبويه" :لون مذهفففب" بالنصفففب .وإنمفففا يجوز الرففففع على حذف الهاء ،كأنفففه قال:
واستشعرته ،فيمن رفع لونا .والذاكر قيل في أدبار الصلوات وغدوا وعشيا ،وفي المضاجع وعند
النتباه مفن النوم .وقفد تقدم هذا كله مفصفل ففي مواضعفه ،ومفا يترتفب عليفه مفن الفوائد والحكام،
فأغنففى عففن العادة .والحمففد ل رب العالميففن .قال مجاهففد :ل يكون ذاكرا ل تعالى كثيرا حتففى
يذكره قائمفا وجالسفا ومضطجعفا .وقال أبفو سفعيد الخدري رضفي ال عنفه :مفن أيقفظ أهله بالليفل
وصليا أربع ركعات كتبا من الذاكرين ال كثيرا والذاكرات.
**3الية{ 36 :وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من
أمرهم ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضلل مبينا}
@ روى قتادة وابن عباس ومجاهد في سبب نزول هذه الية :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم
خطب زينب بنت جحش ،وكانت بنت عمته ،فظنت أن الخطبة لنفسه ،فلما تبين أنه يريدها لزيد،
كرهت وأبت وامتنعت ،فنزلت الية .فأذعنت زينب حينئذ وتزوجته .في رواية :فامتنعت وامتنع
أخوهففا عبدال لنسففبها مففن قريففش ،وأن زيدا كان بالمففس عبدا ،إلى أن نزلت هذه اليففة ،فقال له
أخوها :مرني بما شئت ،فزوجها من زيد .وقيل :إنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط،
وكانفت وهبفت نفسفها للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم ،فزوجهفا مفن زيفد بفن حارثفة ،فكرهفت ذلك هفي
وأخوها وقال :إنما أردنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فزوجنا غيره ،فنزلت الية بسبب ذلك،
فأجابفا إلى تزويفج زيفد ،قال ابفن زيفد .وقال الحسفن :ليفس لمؤمفن ول مؤمنفة إذا أمفر ال عفز وجفل
ورسوله صلى ال عليه وسلم بأمر أن يعصياه.
لفظة "ما كان ،وما ينبغي" ونحوهما ،معناها الحظر والمنع .فتجيء لحظر الشيء والحكم بأنه
ل يكون ،كما في هذه الية وربما كان امتناع ذلك الشيء عقل كقوله تعالى" :ما كان لكم أن تنبتوا
شجرها" [النمل ]60 :وربما كان العلم بامتناعه شرعا كقوله تعالى" :وما كان لبشر أن يكلمه ال
إل وحيا أو من وراء حجاب" [الشورى .]51 :وربما كان في المندوبات ،كما تقول :ما كان لك
يا فلن أن تترك النوافل ،ونحو هذا.
في هذه الية دليل بل نص في أن الكفاءة ل تعتبر في الحساب وإنما تعتبر في الديان ،خلفا
لمالك والشافعفي والمغيرة وسفحنون .وذلك أن الموالي تزوجفت ففي قريفش ،تزوج زيفد زينفب بنفت
جحفش .وتزوج المقداد بفن السفود ضباعفة بنفت الزبيفر .وزوج أبفو حذيففة سفالما مفن فاطمفة بنفت
الوليد بن عتبة .وتزوج بلل أخت عبدالرحمن بن عوف .وقد تقدم هذا المعنى في غير موضع.
قوله تعالى" :أن يكون لهففم الخيرة مففن أمرهففم" قرأ الكوفيون" :أن يكون" بالياء .وهففو اختيار
أبي عبيد ،لنه قد فرق بين المؤنث وبين فعله .الباقون بالتاء ،لن اللفظ مؤنث فتأنيث فعله حسن.
والتذكيففر على أن الخيرة بمعنففى التخييففر ،فالخيرة مصففدر بمعنففى الختيار .وقرأ ابففن السففميقع
"الخيرة" بإسفكان الياء .وهذه اليفة ففي ضمفن قوله تعالى" :النفبي أولى بالمؤمنيفن مفن أنفسفهم"
[الحزاب .]6 :ثم توعد تعالى وأخبر أن من يعصى ال ورسول فقد ضل .وهذا أدل دليل على ما
ذهب إليه الجمهور من فقهائنا ،وفقهاء أصحاب المام الشافعي وبعض الصوليين ،من أن صيغة
"أفعفل" للوجوب ففي أصفل وضعهفا ،لن ال تبارك وتعالى نففى خيرة :المكلف عنفد سفماع أمره
وأمر رسول ال ،ثم أطلق على من بقيت له خيرة عند صدور المر اسم المعصية ،ثم علق على
المعصية بذلك الضلل ،فلزم حمل المر على الوجوب .وال أعلم.
**3الية{ 37 :وإذ تقول للذي أنعم ال عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق ال وتخفي
ففي نفسفك مفا ال مبديفه وتخشفى الناس وال أحفق أن تخشاه فلمفا قضفى زيفد منهفا وطرا زوجناكهفا
لكففي ل يكون على المؤمنيففن حرج ففففي أزواج أدعيائهففم إذا قضوا منهففن وطرا وكان أمفففر ال
مفعول}
@ روى الترمذي قال :حدثنا علي بن حجر قال حدثنا داود بن الزبرقان عن داود بن أبي هند عن
الشعبي عن عائشة رضي ال تعالى عنها قالت :لو كان رسول ال صلى ال عليه وسلم كاتما شيئا
من الوحي لكتم هذه الية" :وإذ تقول للذي أنعم ال عليه" يعنفي بالسفلم "وأنعمت عليه" بالعتق
فأعتقته" .أمسك عليك زوجك واتق ال وتخفي في نفسك ما ال مبديه وتخشى الناس وال أحق أن
تخشاه -إلى قوله -وكان أمر ال مفعول" وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما تزوجها قالوا:
تزوج حليلة ابنفه ،فأنزل ال تعالى" :مفا كان محمفد أبفا أحفد مفن رجالكفم ولكفن رسفول ال وخاتفم
النفبيين" [الحزاب .]40 :وكان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم تبناه وهفو صفغير ،فلبفث حتفى
صار رجل يقال له زيد بن محمد ،فأنزل ال تبارك وتعالى "ادعوهم لبائهم هو أقسط عند ال فإن
لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم" [الحزاب ]5 :فلن مولى فلن ،وفلن أخو فلن،
هفو أقسفط عنفد ال يعنفي أعدل .قال أبفو عيسفى :هذا حديفث غريفب قفد روي عفن داود بفن أبفي هنفد
عفن الشعفبي عفن مسفروق عفن عائشفة رضفي ال عنهفا .قالت :لو كان النفبي صفلى ال عليفه وسفلم
كاتمفا شيئا مفن الوحفي لكتفم هذه اليفة "وإذ تقول للذي أنعفم ال عليفه وأنعمفت عليفه" هذا الحرف لم
يرو بطوله.
قلت :هذا القدر هفو الذي أخرجفه مسفلم ففي صفحيحه ،وهفو الذي صفححه الترمذي ففي جامعفه.
وففي البخاري عفن أنفس بفن مالك أن هذه اليفة "وتخففي ففي نفسفك مفا ال مبديفه" نزلت ففي شأن
زينفب بنفت جحفش وزيفد بفن حارثفة .وقال عمرو بفن مسفعود وعائشفة والحسفن :مفا أنزل ال على
رسوله آية أشد عليه من هذه الية .وقال الحسن وعائشة :لو كان رسول ال صلى ال عليه وسلم
كاتمفا شيئا مفن الوحفي لكتفم هذه اليفة لشدتهفا عليفه .وروي ففي الخفبر أنفه :أمسفى زيفد فأوى إلى
فراشه ،قالت زينب :ولم يستطعني زيد ،وما أمتنع منه غير ما منعه ال مني ،فل يقدر على .هذه
روايففة أبففي عصففمة نوح بففن أبففي مريففم ،رفففع الحديففث إلى زينففب أنهففا قالت ذلك .وفففي بعففض
الروايات :أن زيدا تورم ذلك منه حين أراد أن يقربها ،فهذا قريب من ذلك .وجاء زيد إلى رسول
ال صفلى ال عليفه وسفلم فقال :إن زينفب تؤذينفي بلسفانها وتفعفل! وإنفي أريفد أن أطلقهفا ،فقال له:
(أمسك عليك زوجك واتق ال) الية .فطلقها زيد فنزلت" :وإذ تقول للذي أنعم ال عليه وأنعمت
عليه" الية.
واختلف الناس فففي تأويففل هذه اليففة ،فذهففب قتادة وابففن زيففد وجماعففة مففن المفسففرين ،منهففم
الطبري وغيره -إلى أن النبي صلى ال عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب بنت جحش ،وهي
في عصمة زيد ،وكان حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو ثم إن زيدا لما أخبره بأنه يريد
فراقها ،ويشكوا منها غلظة قول وعصيان أمر ،وأذى باللسان وتعظما .بالشرف ،قال له( :اتق ال
أي فيمفا تقول عنهفا وأمسفك عليفك زوجفك) وهفو يخففي الحرص على طلق زيفد إياهفا .وهذا الذي
كان يخففي ففي نفسفه ،ولكنفه لزم مفا يجفب مفن المفر بالمعروف .وقال مقاتفل زوج النفبي صفلى ال
عليه وسلم زينب بنت جحش من زيد فمكثت عنده حينا ،ثم إنه عليه السلم أتى زيدا يوما ،فأبصر
زينفب قائمفة ،كانفت بيضاء جميلة جسفيمة مفن أتفم نسفاء قريفش ،فهويهفا وقال( :سفبحان ال مقلب
القلوب)! فسفمعت زينفب بالتسفبيحة فذكرتهفا لزيفد ،ففطفن زيفد فقال :يفا رسفول ال ،ائذن لي ففي
طلقها ،فإن فيها كبرا ،تعظم علي وتؤذيني بلسانها ،فقال عليه السلم( :أمسك عليك زوجك واتق
ال) .وقيفل :إن ال بعفث ريحفا فرفعت السفتر وزينب متفضلة في منزلهفا ،فرأى زينب فوقعت ففي
نفسفه ،ووقفع ففي نففس زينفب أنهفا وقعفت ففي نففس النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وذلك لمفا جاء يطلب
زيدا ،فأخفبرته بذلك ،فوقفع ففي نففس زيفد أن يطلقهفا .وقال ابفن عباس" :وتخففي ففي نفسفك" الحفب
لهفا" .وتخشفى الناس" أي تسفتحييهم وقيفل :تخاف وتكره لئمفة المسفلمين لو قلت طلقهفا ،ويقولون
أمر رجل بطلق امرأته ثم نكحها حين طلقها" .وال أحق أن تخشاه" في كل الحوال .وقيل وال
أحفق أن تسفتحي منفه ،ول تأمفر زيدا بإمسفاك زوجتفه بعفد أن أعلمفك ال أنهفا سفتكون زوجتفك،
فعاتبفه .ال على جميفع هذا .وروي عفن علي بفن الحسفين :أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم كان قفد
أوحفى ال تعالى إليفه أن زيدا يطلق زينفب ،وأنفه يتزوجهفا بتزويفج ال إياهفا ،فلمفا تشكفى زيفد للنفبي
صفلى ال عليفه وسفلم خلق زينفب ،وأنهفا ل تطيعفه ،وأعلمفه أنفه يريفد طلقهفا ،قال له رسفول ال
صفلى ال عليفه وسفلم على جهفة الدب والوصفية( :اتفق ال ففي قولك وأمسفك عليفك زوجفك) وهفو
يعلم أنه سيفارها ويتزوجها ،وهذا هو الذي أخفى في نفسه ،ولم يرد أن يأمره بالطلق لما علم أنه
سيتزوجها ،وخشي رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب
بعفد زيفد ،وهفو موله ،وقفد أمره بطلقهفا ،فعاتبفه ال تعالى على هذا القدر مفن أن خشفي الناس ففي
شيء قد أباحه ال له ،بأن قال" :أمسك" مع علمه بأنه يطلق .وأعلمه أن ال أحق بالخشية ،أي في
كل حال .قال علماؤنا رحمة ال عليهم :وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الية ،وهو الذي
عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين ،كالزهري والقاضي بكر بن العلء القشيري،
والقاضفي أبفي بكفر بفن العربفي وغيرهفم .والمراد بقوله تعالى" :وتخشفى الناس" إنمفا هفو إرجاف
المنافقيفن بأنفه نهفى عفن تزويفج نسفاء البناء وتزوج بزوجفة ابنفه .فأمفا مفا روي أن النفبي صفلى ال
عليه وسلم هوي زينب امرأة زيد وربما أطلق بعض المجان لفظ عشق فهذا إنما يصدر عن جاهل
بعصفمة النفبي صفلى ال عليفه وسفلم عفن مثفل هذا ،أو مسفتخف بحرمتفه .قال الترمذي الحكيفم ففي
نوادر الصففول ،وأسففند إلى علي بففن الحسففين قوله :فعلي بففن الحسففين جاء بهذا مففن خزانففة العلم
جوهرا من الجواهر ،ودرأ من الدرر ،أنه إنما عتب ال عليه في أنه قد أعلمه أن ستكون هذه من
أزواجفك ،فكيفف قال بعفد ذلك لزيفد( :أمسفك عليفك زوجفك) وأخذتفك خشيفة الناس أن يقولوا :تزوج
امرأة ابنفه ،وال أحفق أن تخشاه .وقال النحاس :قال بعفض العلماء :ليفس هذا مفن النفبي صفلى ال
عليه وسلم خطيئة ،أل ترى أنه لم يؤمر بالتوبة ول بالستغفار منه .وقد يكون الشيء ليس بخطيئة
إل أن غيره أحسن منه ،وأخفى ذلك في نفسه خشية أن يفتتن الناس.
@ قال ابن العربي :فإن قيل لي معنى قال له( :أمسك عليك زوجك) وقد أخبره ال أنها زوجه.
قلنفا :أراد أن يختفبر منفه مفا لم يعلمفه ال مفن رغبتفه فيهفا أو رغبتفه عنهفا ،فأبدى له زيفد مفن النفرة
عنها والكراهة فيها ما لم يكن علمه منه في أمرها .فإن قيل :كيف ،يأمره بالتمسك بها وقد علم أن
الفراق ل بفد منفه؟ وهذا تناقفض .قلنفا :بفل هفو صفحيح للمقاصفد الصفحيحة ،لقامفة الحجفة ومعرففة
العاقبفة ،أل ترى أن ال تعالى يأمفر العبفد باليمان وقفد علم أنفه ل يكون ،فليفس ففي مخالففة متعلق
المفر لمتعلق العلم ما يمنع من المفر به عقل وحكما .وهذا مفن نفيفس العلم فتيقنوه وتقبلوه وقول:
"وأتفق ال" أي ففي طلقهفا ،فل تطلقهفا .وأراد نهفي تنزيفه ل نهفي تحريفم ،لن الولى أل يطلق.
وقيفل" :اتفق ال" فل تذمهفا بالنسفبة إلى الكفبر وأذى الزوج" .وتخففي ففي نفسفك" قيفل تعلق قلبفه.
وقيل :مفارقة زيد إياها .وقيل :علمه بأن زيدا سيطلقها ،لن ال قد أعلمه بذلك.
@ روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال لزيد( :ما أجد في نفسي أوثق منك فاخطب زينب
عليّ) قال :فذهبت ووليتها ظهري توقيرا للنبي صلى ال عليه وسلم ،وخطبتها ففرحت وقالت :ما
أنفا بصفانعة شيئا حتفى أوامفر ربفي ،فقامفت إلى مسفجدها ونزل القرآن ،فتزوجهفا النفبي صفلى ال
عليه وسلم ودخل بها.
قلت :معنففى هذا الحديففث ثابففت فففي الصففحيح .وترجففم له النسففائي (صففلة المرأة إذا خطبففت
واستخارتها ربها) روى الئمة -واللفظ لمسلم -عن أنس قال :لما انقضت عدة زينب قال رسول
ال صفلى ال عليفه وسفلم لزبفد( :فاذكرهفا عليفّ) قال :فانطلق زيفد حتفى أتاهفا وهفي تخمفر عجينهفا.
قال :فلما رأيتها عظمت في صدري ،حتى ما أستطيع أن أنظر إليها ،أن رسول ال صلى ال عليه
وسفلم ذكرهفا فوليتهفا ظهري ،ونكصفت على عقفبي ،فقلت :يفا زينفب ،أرسفل رسفول ال صفلى ال
عليففه وسففلم يذكرك ،قالت :،مففا أنففا بصففانعة شيئا حتففى أوامففر ربففي ،فقامففت إلى مسففجدها ونزل
القرآن .وجاء رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فدخفل عليهفا بغيفر إذن .قال :فقال ولقفد رأيتنفا أن
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أطعمنفا الخبفز واللحفم حيفن امتفد النهار الحديفث .ففي روايفة (حتفى
تركوه) .وفي رواية عن أنسى أيضا قال :ما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم أولم على امرأة
من نسائه ما أولم على زينب ،فإنه ذبح شاة .قال علماؤنا :فقوله عليه السلم لزيد( :فاذكرها علي)
أي اخطبهفا ،كمفا بينفه الحديفث الول .وهذا امتحان لزيفد واختبار له ،حتفى يظهفر صفبره وانقياده
وطوعه.
ي فلنفة ،لزوجه المطلقة منه، قلت :وقد يستنبط من هذا أن يقول النسان لصاحبه :اخطب عل ّ
ول حرج في ذلك .وال أعلم.
@ لما وكلت أمرها إلى ال وصح تفويضها إليه تولى ال إنكاحها ،ولذلك قال" :فلما قضى زيد
منهفا وطرا زوجناكهفا" .وروى المام جعففر بفن محمفد عفن آبائه عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم
"وطرا زوجتكها" .ولما أعلمه ال بذلك دخل عليها بغير إذن ،ول تجديد عقد ول تقرير صداق،
ول شيفء ممفا يكون شرطفا ففي حقوقنفا ومشروعفا لنفا وهذا مفن خصفوصياته صفلى ال عليفه وسفلم
التي ل يشاركه فيها أحد بإجماع من المسلمين .ولهذا كانت زينب تفاخر نساء النبي صلى ال عليه
وسفلم وتقول :زوجكفن آباؤكفن وزوجنفي ال تعالى .أخرجفه النسفائي عفن أنفس بفن مالك قال :كانفت
زينفب تفخفر على نسفاء النفبي صفلى ال عليفه وسفلم تقول .إن ال عفز وجفل أنكحنفي مفن السفماء.
وفيها نزلت آية الحجاب ،وسيأتي.
@ المنعَم عليه في هذه الية هو زيد بن حارثة ،كما بيناه ،وقد تقدم خبره في أول السورة .وروي
أن عمفه لقيفه يومفا وكان قفد .ورد مكفة ففي شغفل له ،فقال :مفا أسفمك يفا غلم؟ قال :زيفد ،قال :ابفن
مفن؟ قال :ابفن حارثفة .قال ابفن مفن؟ قال :ابفن شراحيفل الكلبفي .قال :فمفا اسفم أمفك؟ قال :سفعدى،
وكنفت ففي أخوالي طفي ،فضمفه إلى صفدوه .وأرسفل إلى أخيفه وقومفه فحضروا ،وأرادوا منفه أن
يقيففم معهففم ،فقالوا :لمففن أنففت؟ قال :لمحمففد بففن عبدال ،فأتوه وقالوا :هذا ابننففا فرده علينففا .فقال:
(أعرض عليه فإن اختاركم فخذوا بيده) فبعث إلى زيد وقال( :هل تعرف هؤلء)؟ قال نعما هذا
أبفي ،وهذا أخفي ،وهذا عمفي .فقال له النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :فأي صفاحب كنفت لك)؟ فبكفى
وقال :لم سفألتني عفن ذلك؟ قال( :أخيرك فإن أحببفت أن تلحفق بهفم فألحفق وإن أردت أن تقيفم فأنفا
مفن قفد عرففت) فقال :مفا أختار عليفك أحدا .فجذبفه عمفه وقال :زيفد ،اخترت العبوديفة على أبيفك
وعمك! فقال :أي وال العبودية عند محمد أحب إليّ من أن أكون عندكم .فقال رسول ال صلى ال
عليفه وسفلم( :اشهدوا أنفي وارث وموروث) .فلم يزل يقال :زيفد بفن محمفد إلى أن نزل قوله تعالى:
"ادعوهم لبائهم" [الحزاب ]5 :ونزل "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم" [الحزاب.]40 :
@ قال المام أبو القاسم عبدالرحمفن السهلي رضفي ال عنه :كان يقال زيد بن محمفد حتفى نزل
"ادعوهفم لبائهفم" [الحزاب ]5 :فقال :أنفا زيفد بفن حارثفة .وحرم عليفه أن يقول :أنفا زيفد ابفن
محمفد .فلما نرع عنه هذا الشرف وهذا الفخفر ،وعلم ال وحشتفه من ذلك شرففه بخصفيصة لم يكن
يخفص بهفا أحدا مفن أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وهفي أنفه سفماه ففي القرآن ،فقال تعالى:
"فلما قضى زيد منها وطرا" يعني من زينب .ومن ذكره ال تعالى باسمه في الذكر الحكيم حتى
صفار لسفمه قرآنفا يتلى ففي المحاريفب ،نوه بفه غايفة التنويفه ،فكان ففي هذا تأنيفس له وعوض مفن
الفخر بأبوة محمد صلى ال عليه وسلم له أل ترى إلى قول أبي بن كعب حين قال له النبي صلى
ال عليه وسلم( :إن ال أمرني أن أقرأ عليك سورة كذا) فبكى وقال :أوذكرت هنالك؟ وكان بكاؤه
من الفرح حين أخبر أن ال تعالى ذكره ،فكيف بمن صار اسمه قرآنا يتلى مخلدا؟ هل يبيد ،يتلوه
أهففل الدنيففا إذا قرؤوا القرآن ،وأهففل الجنففة كذلك أبدا ،ل يزال على ألسففنة المؤمنيففن ،كمففا لم يزل
مذكورا على الخصوص عند رب العالمين ،إذ القرآن كلم ال القديم ،وهو باق ل يبيد ،فاسم زيد
هذا في الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة ،تذكره في التلوة السفرة الكرام البررة .وليس ذلك
لسم من أسماء المؤمنين إل لنبي من النبياء ،ولزيد بن حارثة تعويضا من ال تعالى له مما نزع
عنفه .وزاد ففي اليفة أن قال" :وإذ تقول للذي أنعفم ال عليفه" أي باليمان ،فدل على أنفه مفن أهفل
الجنة ،علم ذلك قبل أن يموت ،وهذه فضيلة أخرى.
@قوله تعالى" :وطرا" الوطفر كفل حاجفة للمرء له فيهفا همفة ،والجمفع الوطار .قال ابفن عباس:
أي بلغ مففا أراد مففن حاجتففه ،يعنففي الجماع .وفيففه إضمار ،أي لمففا قضففى وطرا منهففا وطلقهففا
"زوجناكها" .وقراءة أهل البيت "زوجتكها" .وقيل :الوطر عبارة عن الطلق ،قال قتادة.
@ ذهب بعض الناس من هذه الية ،ومن قول شعيب" :إني أريد أن أنكحفك" [القصص]27 :
إلى أن ترتيب هذا المعنى في المهور ينبغي أن يكون" :أنكحه إياها" فتقدم ضمير الزوج كما في
اليتيفن .وكذلك قوله عليفه السفلم لصفاحب الرداء (اذهفب فقفد أنكحتكهفا بمفا معفك مفن القرآن) .قال
ابفن عطيفة :وهذا غيفر لزم ،لن الزوج ففي اليفة مخاطفب فحسفن تقديمفه ،وففي المهور الزوجان
سواء ،فقدم من شئت ،ولم يبق ترجيح إل بدرجة الرجال ،وأنهم القوامون.
@قوله تعالى" :زوجناكها" دليل على ثبوت الوارث في النكاح ،وقد :تقدم الخلف في ذلك .روي
أن عائشة وزينب تفاخرتا ،فقالت عائشة :أنا التي جاء بي الملك إلى النبي صلى ال عليه وسلم في
سفرقة مفن حريفر فيقول( :هذه امرأتفك) خرجفه الصفحيح .وقالت زينفب :أنفا التفي زوجنفي ال مفن
فوق سفبع سفموات .وقال الشعفبي :كانفت زينفب تقول لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم إنفي أنكحفت
عليففك بثلث ،مففا مففن نسففائك امرأة تدل بهففن :إن جدي وجدك واحففد ،وإن ال أنكحففك إياي مففن
السفماء ،وإن السففير ففي ذلك جبريفل .وروي عفن زينفب أنهفا قالت :لمفا وقعفت ففي قلب رسفول ال
صلى ال عليه وسلم لم يستطعني زيد ،وما أمتنع منه غير ما يمنعه ال تعالى مني فل يقدر علي.
**3الية{ 39 - 38 :ما كان على النبي من حرج فيما فرض ال له سنة ال في الذين خلوا من
قبففل وكان أمففر ال قدرا مقدورا ،الذيففن يبلغون رسففالت ال ويخشونففه ول يخشون أحدا إل ال
وكفى بال حسيبا}
@قوله تعالى" :سنة ال في الذين خلوا من قبل" هذه مخاطبة من ال تعالى لجميع المة .أعلمهم
أن هذا ونحوه هفو السفنن القدم ففي النفبياء أن ينالوا مفا أحله لهفم ،أي سفن لمحمفد صفلى ال عليفه
وسففلم التوسففعة عليففه فففي النكاح سففنة النففبياء الماضيففة ،كداود وسففليمان .فكان لداود مائة امرأة
وثلثمائة سفرية ،ولسفليمان ثلثمائة امرأة وسفبعمائة سفرية .وذكفر الثعلبفي عفن مقاتفل وابفن الكلبفي
أن الشارة إلى داود عليفه السفلم ،حيفث جمفع ال بينفه وبيفن مفن فتفن بهفا .و"سفنة" نصفب على
المصفدر ،أي سفن ال له سفنة واسفعة و"الذيفن خلوا" هفم النفبياء ،بدليفل وصففهم بعفد بقوله" :الذيفن
يبلغون رسالت ال".
**3الية{ 40 :ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول ال وخاتم النبيين وكان ال بكل
شيء عليما}
@ لما تزوج زينب قال الناس :تزوج امرأة ابنه ،فنزلت الية ،أي ليس هو بابنه حتى تحرم عليه
حليلته ،ولكنه أبو أمته في التبجيل والتعظيم ،وأن نساءه عليهم حرام فأذهب ال بهذه الية ما وقع
فففي نفوس المنافقيففن وغيرهففم ،وأعلم أن محمدا لم يكففن أبففا أحففد مففن الرجال المعاصففرين له فففي
الحقيقففة .ولم يقصففد بهذه اليففة أن النففبي صففلى ال عليففه وسففلم لم يكففن له ولد ،فقففد ولد له ذكور.
إبراهيفم ،والقاسفم ،والطيفب ،والمطهفر ،ولكفن لم يعفش له ابفن حتفى يصفير رجل .وأمفا الحسفن
والحسين فكانا طفلين ،ولم يكونا رجلين معاصرين له.
@قوله تعالى" :ولكن رسول ال" قال الخفش والفراء :أي ولكن كان رسول ال .وأجازا "ولكن
رسول ال وخاتم" بالرفع وكذلك قرأ ابن أبي عبلة وبعض الناس "ولكن رسول ال" بالرفع ،على
معنى هو رسول ال وخاتم النبيين .وقرأت فرقة "ولكن" بتشديد النون ،ونصب "رسول ال" على
أنه اسم "لكن" والخبر محذوف "وخاتم" قرأ عاصم وحده بفتح التاء ،بمعنى أنهم به ختموا ،فهو
كالخاتفم والطابفع لهفم .وقرأ الجمهور بكسفر التاء بمعنفى أنفه ختمهفم ،أي جاء آخرهفم .وقيفل :الخاتفم
والخاتم لغتان ،مثل طابع وطابع ،ودانق ودانق ،وطابق من اللحم وطابق
@ قال ابفن عطيفة :هذه اللفاظ عنفه جماعفة علماء المفة خلففا وسفلفا متلقاة على العموم التام
مقتضية نصا أنه ل نبي بعده صلى ال عليه وسلم وما ذكره القاضي أبو الطيب في كتابه المسمى
بالهدايفة :مفن تجويفز الحتمال ففي ألفاظ هذه اليفة ضعيفف مفا ذكره الغزالي ففي هذه اليفة ،وهذا
المعنفى ففي كتابفه الذي سفماه بالقتصفاد ،إلحاد عندي ،وتطرق خفبيث إلى تشويفش عقيدة المسفلمين
في ختم محمد صلى ال عليه وسلم النبوة ،فالحذر الحذر منه! وال الهادي .برحمته.
قلت :وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :ل نبوة بعدي إل ما شاء ال) .قال أبو
عمفر :يعنفي الرؤيفا وال أعلم التفي هفي جزء منهفا ،كمفا قال عليفه السفلم( :ليفس يبقفى بعدي مفن
النبوة إل الرؤيفا الصفالحة) .وقرأ ابفن مسفعود "مفن رجالكفم ولكفن نبيفا ختفم النفبيين" .قال الرمانفي:
ختم به عليه الصلة والسلم الستصلح ،فمن لم يصلح به فميؤوس من صلحه.
قلت :ومن هذا المعنى قوله عليه السلم( :بعثت لتمم مكارم الخلق) .وفي صحيح مسلم عن
جابر قال قال رسففول ال صففلى( :مثلي ومثففل النففبياء كمثففل رجففل بنففى دارا فأتمهففا وأكملهففا إل
موضفع لبنفة فجعفل الناس يدخلونهفا ويتعجبون .منهفا ويقولون لول موضفع اللبنفة قال رسفول ال
صلى ال عليه وسلم فأنا موضع اللبنة جئت فختمت النبياء) .نحوه عن أبي هريرة ،غير أنه قال:
فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين).
**3الية{ 41 :يا أيها الذين آمنوا اذكروا ال ذكرا كثيرا}
@ أمفر ال تعالى عباده بأن يذكروه ويشكروه ،ويكثروا من ذلك على مفا أنعفم به عليهفم .وجعفل
تعالى ذلك دون حفد لسفهولته على العبفد .ولعظفم الجفر فيفه قال ابفن عباس :لم يعذر أحفد ففي ترك
ذكر ال إل من غلب على عقله .وروى أبو سعيد عن النبي صلى ال عليه وسلم( :أكثروا ذكر ال
حتى يقولوا مجنون) .وقيل :الذكر الكثير ما جرى على الخلص من القلب ،والقليل ما يقع على
حكم النفاق كالذكر باللسان.
**3الية{ 42 :وسبحوه بكرة وأصيل}
@ أي اشغلوا ألسنتكم في معظم أحوالكم بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير .قال ،مجاهد :وهذه
كلمات يقولهن الطاهر والمحدث والجنب .وقيل :ادعوه .قال جرير:
دعا ربه فاختاره حين سبحا فل تنس تسبيح الضحى إن يوسفا
وقيفل :المراد صلوا ل بكرة وأصفيل ،والصلة تسفمى تسبيحا .وخصفر ،الفجر والمغرب والعشاء
بالذكفر لنهفا أحفق بالتحريفض عليهفا ،لتصفالها بأطراف الليفل .وقال قتادة والطفبري :الشارة إلى
صلة الغداة وصلة العصر .والصيل :العشي وجمعه أصائل .والصل بمعنى الصيل ،وجمعه
آصال ،قاله المبرد .وقال غيره :أصل جمع أصيل ،كرغيف ورغف .وقد تقدم.
مسفألة :هذه اليفة مدنيفة ،فل تعلق بهفا لمفن زعفم أن الصفلة إنمفا فرضفت أول صفلتين ،ففي
طرفففي النهار .والروايففة بذلك ضعيفففة فل التفات إليهففا ول معول عليهففا .وقال مضففى الكلم فففي
كيفية فرض الصلة وما للعلماء في ذلك في "السراء" والحمد ل.
**3اليففة{ 43 :هففو الذي يصففلي عليكففم وملئكتففه ليخرجكففم مففن الظلمات إلى النور وكان
بالمؤمنين رحيما}
@قوله تعالى" :هفو الذي يصفلي عليكفم" قال ابن عباس :لمفا نزل"إن ال وملئكتفه يصفلون على
النفبي" [الحزاب ]56 :قال المهاجرون والنصفار :هذا لك يفا رسفول ال خاصفة ،وليفس لنفا فيفه
شيء ،فأنزل ال تعالى هذه الية.
قلت :وهذه نعمفة مفن ال تعالى على هذه المفة مفن أكفبر النعفم ،ودليفل على فضلهفا على سفائر
المم .وقد قال" :كنتم خير أمة أخرجت للناس" [آل عمران .]110 :والصلة من ال على العبد
هففي رحمتففه له وبركتففه لديففه .وصففلة الملئكففة :دعاؤهففم للمؤمنيففن واسففتغفارهم لهففم ،كمففا قال:
"ويستغفرون للذين آمنوا" [غافر ]7 :وسيأتي .وفي الحديث :أن بني إسرائيل سألوا موسى عليه
السلم :أيصلي ربك جل وعز؟ فأعظم ذلك ،فأوحى ال جل وعز" :إن صلتي بأن رحمتي سبقت
غضفبي" ذكره النحاس .وقال ابفن عطيفة :وروت فرقفة أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قيفل له :يفا
رسول ال ،كيف صلة ال على عباده .قال( :سبوح قدوس -رحمتي سبقت غضبي) .واختلف في
تأويفل هذا القول ،فقيفل :إنفه كلمفة مفن كلم ال تعالى وهفي صفلته على عباده .وقيفل سفبوح قدوس
من كلم محمد صلى ال عليه وسلم وقدمه بين يدي نطقه باللفظ الذي هو صلة ال وهو (رحمتي
سبقت غضبي) من حيث فهم من السائل أنه توهم في صلة ال على عباده وجها ل يليق بال عز
وجل ،فقدم التنزيه والتعظيم بين يدي إخباره" .ليخرجكم من الظلمات إلى النور" أي من الضللة
إلى الهدى .ومعنفى هذا التثفبيت على الهدايفة ،لنهفم كانوا ففي وقفت الخطاب على الهدايفة" .وكان
بالمؤمنين رحيما" أخبر تعالى برحمته بالمؤمنين تأنيسا لهم فقال" :وكان بالمؤمنين رحيما".
**3الية{ 44 :تحيتهم يوم يلقونه سلم وأعد لهم أجرا كريم}
@ اختلف في الضمير الذي في "يلقونه" على من يعود ،فقيل على ال تعالى ،أي كان بالمؤمنين
رحيما ،فهو يؤمنهم من عذاب ال يوم القيامة .وفي ذلك اليوم يلقونه .و"تحيتهم" أي تحية بعضهم
لبعض" .سلم" أي سلمة .ولكم من عذاب ال .وقيل :هذه التحية من ال تعالى ،المعنى :فيسلمهم
مفن الفات ،أو يبشرهفم بالمفن مفن المخافات "يوم يلقونفه" أي يوم القيامفة بعفد دخول الجنفة .قال
معناه الزجاج ،واسففتشهد بقوله جففل وعففز" :وتحيتهففم فيهففا سففلم" [يونففس .]10 :وقيففل" :يوم
يلقونفه" أي يوم :يلقون ملك الموت ،وقفد ورد أنفه ل يقبفض روح مؤمفن إل سفلم عليفه .روي عفن
البراء بففن عازب قال" :تحيتهففم يوم يلقونففه سففلم" فيسففلم ملك الموت على المؤمففن عنففد قبففض
روحه ،ل يقبض روحه حتى عليه.
**3اليفة{ 46 - 45 :يفا أيهفا النفبي إنفا أرسفلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ،وداعيفا إلى ال بإذنفه
وسراجا منيرا}
@ هذه الية فيها تأنيس للنبي صلى ال عليه وسلم وللمؤمنين ،وتكريم لجميعهم .وهذه الية من
أسمائه صلى ال عليه وسلم ست أسماء ولنبينفا صلى ال عليه وسلم أسماء كثيرة وسمات جليلة،
ورد ذكرها في الكتاب والسنة والكتب المتقدمة .وقد سماه ال في كتابه محمدا وأحمد .وقال صلى
ال عليفه وسفلم فيمفا روى عنفه الثقات العدول( :لي خمسفة أسفماء أنفا محمفد وأنفا أحمفد وأنفا الماحفي
الذي يمحفو ال بفي الكففر وأنفا الحاشفر الذي يحشفر الناس على قدمفي وأنفا العاقفب) .وففي صفحيح
مسلم حديث جبير بن مطعم :وقد سماه ال "رؤوفا رحيما" .وفيه أيضا عن أبي موسى الشعري
قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء ،فيقول( :أنا محمد وأحمد والمقفي
والحاشفر ونفبي التوبفة ونفبي الرحمفة) .وقفد تتبفع القاضفي أبفو الفضفل عياض ففي كتابفه المسفمى
(بالشفا) ما جاء في كتاب ال وفي سنة رسول صلى ال عليه وسلم ومما نقل في الكتب المتقدمة،
وإطلق المفة أسففماء كثيرة وصفففات عديدة ،قففد صففدقت عليففه صفلى ال عليفه وسفلم مسفمياتها،
ووجدت فيفه معانيهفا .وقفد ذكفر القاضفي أبفو بكفر بفن العربفي ففي أحكامفه ففي هذه اليفة مفن أسفماء
النفبي صفلى ال عليفه وسفلم سفبعة وسفتين أسفما وذكفر صفاحب (وسفيلة المتعبديفن إلى متابعفة سفيد
المرسفلين) عفن ابفن عباس أن لمحمفد صفلى ال عليفه وسفلم مائة وثمانيفن آسفما ،مفن أرادهفا وجدهفا
هناك .وقال ابفن عباس :لمفا نزلت هذه اليفة دعفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم عليفا ومعاذا،
فبعثهمفا إلى اليمن ،وقال( :اذهبفا فبشرا ول تنفرا ،ويسفرا ول تعسفرا فإنفه قد أنزل عل يّ) وقرأ هذه
الية.
@قوله تعالى" :شاهدا" قال سعيد عن قتادة" :شاهدا" على أمته بالتبليغ إليهم ،وعلى سائر المم
بتبليفغ أنفبيائهم ،ونحفو ذلك "ومبشرا" معناه للمؤمنيفن برحمفة ال وبالجنفة "ونذيرا" معناه للعصفاة
والمكذبيفن مفن النار وعذاب الخلد".وداعيفا إلى ال" الدعاء إلى ال هفو تبليفغ التوحيفد والخفذ بفه،
ومكافحفة الكفرة" .بإذنفه" هنفا معناه :بأمره إياك ،وتقديره ذلك ففي وقتفه وأوانفه" .وسفراجا منيرا"
هنففا اسففتعارة للنور الذي يتضمنفه شرعففه .وقيفل" :وسفراجا" أي هاديففا مفن ظلم الضللة ،وأنففت
كالمصفباح المضيفء .ووصففه بالنارة لن مفن السفرج مفا ل يضيفء ،إذا قفل سفليطه ودقفت فتيلتفه.
وففي كلم بعضهفم :عفن الموحشيفن .رسفول بطيفء ،وسفراج ل يضيفء ،ومائدة ينتظفر لهفا مفن
يجيفء .وسفئل بعضهفم عفن الموحشيفن فقال :ظلم سفاتر وسفراج فاتفر ،وأسفند النحاس قال :حدثنفا
محمفد بفن إبراهيفم الرازي قال حدثنفا عبدالرحمفن بفن صفالح الزدي قال حدثنفا عبدالرحمفن ،بفن
محمد المحاربي عن شيبان النحوي قال حدثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال :لما نزلت "يا
أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا .وداعيا إلى ال بإذنه وسراجا منيرا" دعا رسول ال
صفلى ال عليفه وسفلم عليفا ومعاذا فقال( :انطلقفا فبشرا ول تعسفرا فإنفه قفد نزل عليّف الليلة آيفة "يفا
أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا .ومبشرا ونذيرا -من النار -وداعيا إلى ال -قال -شهادة أن ل إله
إل ال -بإذنه -بأمره -وسراجا منيرا -قال -بالقرآن" .وقال الزجاج" :وسراجا" أي وذا سراج
منير ،أي كتاب نير .وأجاز أيضا أن يكون بمعنى :وتاليا كتاب ال.
**3اليففة{ 48 - 47 :وبشففر المؤمنيففن بأن لهففم مففن ال فضل كففبيرا ،ول تطففع الكافريففن
والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على ال وكفى بال وكيل}
@قوله تعالى" :وبشفر المؤمنيفن" الواو عاطفة جملة على جملة ،والمعنفى منقطفع مفن الذي قبله.
أمره تعالى أن يبشفر المؤمنيفن بالفضفل الكفبير مفن ال تعالى .وعلى قول الزجاج :ذا سفراج منيفر،
أو وتاليفا سفراجا منيرا ،يكون معطوففا على الكاف ل ففي "أرسفلناك" .قال ابفن عطيفة :قال لنفا أبفي
رضفي ال عنفه :هذه مفن أرجفى آيفة عندي ففي كتاب ال تعالى ،لن ال عفز وجفل قفد أمفر نفبيه أن
يبشفر المؤمنيفن بأن لهفم عنده فضل كفبيرا ،وقفد بيفن تعالى الفضفل الكفبير ففي قوله تعالى" :والذيفن
آمنوا وعملوا الصفالحات ففي روضات الجنات لهفم مفا يشاؤون عنفد ربهفم ذلك هفو الفضفل الكفبير"
[الشورى .]22 :فاليفة التفي ففي هذه السفورة خفبر ،والتفي ففي حفم .عسفق" تفسفير لهفا" .ول تطفع
الكافريففن والمنافقيففن" أي ل تطعهففم فيمففا يشيرون عليففك مففن المداهنففة فففي الديففن ول تمالئهففم.
"الكافريفن" :أبفي سففيان وعكرمفة وأبفي العور السفلمي ،قالوا :يفا محمفد ،ل تذكفر آلهتنفا بسفوء
نتبعفك" .والمنافقيفن" :عبدال بفن أبفي وعبدال بفن سفعد وطعمفة بفن أبيرق ،حثوا النفبي صفلى ال
عليففه وسففلم على إجابتهففم بتعلة المصففلحة" .ودع أذاهففم" أي دع أن تؤذيهففم مجازاة على إذايتهففم
إياك .فأمره تبارك وتعالى بترك معاقبتهففم ،والصفففح عفن زللهففم؛ فالمصففدر على هذا مضاف إلى
المفعول .ونسفخ مفن اليفة على هذا التأويفل مفا يخفص الكافريفن ،وناسفخه آيفة السفيف .وفيفه معنفى
ثان :أي أعرض عن أقوالهم وما يؤذونك ،ول تشتغل به ،فالمصدر على هذا التأويل مضاف إلى
الفاعل .وهذا تأويل مجاهد ،والية منسوخة بآية السيف" .وتوكل على ال وكفى بال وكيل" أمره
بالتوكل عليه وآنسه بقوله "وكفى بال وكيل" وفي قوة الكلم وعد بنصر .والوكيل :الحافظ القاسم
على المر.
**3اليفة{ 49 :يفا أيهفا الذيفن آمنوا إذا نكحتفم المؤمنات ثفم طلقتموهفن مفن قبفل أن تمسفوهن فمفا
لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميل}
@قوله تعالى" :يفا أيهفا الذيفن آمنوا إذا نكحتفم المؤمنات ثفم طلقتموهفن" لمفا جرت قصفة زيفد
وتطليقه زينب ،وكانت مدخول بها ،وخطبها النبي صلى ال عليه وسلم بعد انقضاء عدتها -كما
بيناه -خاطب ال المؤمنين بحكم الزوجة تطلق قبل البناء ،وبين ذلك الحكم للمة ،فالمطلقة إذا لم
تكففن ممسففوسة ل عدة عليهففا بنففص الكتاب وإجماع المففة على ذلك .فإن دخففل بهففا فعليهففا العدة
إجماعا.
النكاح حقيقفة ففي الوطفء ،وتسفمية العقفد نكاحفا لملبسفته له مفن حيفث إنفه طريفق إليفه .ونظيره
تسفميتهم الخمفر إثمفا لنفه سفبب ففي اقتراف الثفم .ولم يرد لففظ النكاح ففي كتاب ال إل ففي معنفى
العقد ،لنه في معنى الوطء ،وهو من آداب القرآن ،الكناية عنه بلفظ :الملمسة والمماسة والقربان
والتغشي والتيان.
@ استدل بعض العلماء بقوله تعالى" :ثم طلقتموهن" وبمهلة "ثم" على أن الطلق ل يكون إل
بعففد نكاح وأن مففن طلق المرأة قبففل نكاحهففا وإن عينهففا ،فإن ذلك ل يلزمففه .وقال هذا نيففف على
ثلثيفن مفن صفاحب وتابفع وإمام .سفمى البخاري منهفم اثنيفن وعشريفن .وقفد روى عفن النفبي صفلى
ال عليه وسفلم (ل طلق قبل نكاح) ومعناه :أن الطلق ل يقع حتفى يحصل النكاح .قال حبيب بفن
أبي ثابت :سئل علي بن الحسين رضي ال عنهما عن رجل قال لمرأة :إن تزوجتك فأنت طالق؟
فقال :ليفس بشيفء ،ذكفر ال عفز وجفل النكاح قبفل الطلق .وقالت طائففة مفن أهفل العلم :إن طلق
المعينة الشخص أو القبيلة أو البلد لزم قبل النكاح ،منهم مالك وجميع أصحابه ،وجمع عظيم من
علماء المفة .وقفد مضفى ففي "التوبفة" الكلم فيهفا ودليفل الفريقيفن .والحمفد ل .فإذا قال :كفل امرأة
أتزوجهفا طالق وكفل عبفد أشتريفه حفر ،لم يلزمفه شيفء .وإن قال كفل امرأة أتزوجهفا إلى عشريفن
سفنة ،أو إن تزوجفت مفن بلد فلن أو مفن بنفي فلن فهفي طالق ،لزمفه الطلق مفا لم يخفف العنفت
على نفسه في طول السنين ،أو يكون عمره في الغالب ل يبلغ ذلك ،فله أن يتزوج .وإنما لم يلزمه
الطلق إذا عمفم لنفه ضيفق على نفسفه المناكفح ،فلو منعناه أل يتزوج لحرج وخيفف عليفه العنفت.
وقفد قال بعفض أصفحابنا :إنفه إن وجفد مفا يتسفرر بفه لم ينكفح ،وليفس بشيفء وذلك أن الضرورات
والعذار ترفع الحكام ،فيصير هذا من حيث الضرورة كمن لم يحلف ،قاله ابن خويز منداد.
@ استدل داود -ومن قال بقوله -إن المطلقة الرجعية إذا راجعها زوجها قبل أن تنقضي عدتها
ثفم فارقهفا قبفل أن يمسفها ،أنه ليفس عليهفا أن تتفم عدتهفا ول عدة مسفتقبلة ،لنهفا مطلقة قبفل الدخول
بهفا .وقال عطاء بفن أبفي رباح وفرقفة :تمضفى ففي عدتهفا مفن طلقهفا الول -وهفو أحفد قولي،
الشافعي -؛ لن طلقه لها إذا لم يمسها في حكم من طلقها في عدتها قبل أن يراجعها .ومن طلق،
امرأته في كل طهر مره بنت ولم تستأنف .وقال مالك :إذا فارقها قبل أن يمسها إنها ل تبني على
ما مضى من عدتها ،وإنها تنشئ من يوم طلقها عدة مستقبلة .وقد ظلم زوجها نفسه وأخطأ إن كان
أرتجعهفا ول حاجفة له بهفا .وعلى هذا أكثفر أهفل العلم ،لنهفا ففي حكفم الزوجات المدخول بهفن ففي
النفقفة والسفكنى وغيفر ذلك ،ولذلك تسفتأنف العدة مفن يوم طلقفت ،وهفو قول جمهور فقهاء البصفرة
والكوفة ومكة والمدينة والشام .وقال الثوري :أجمع الفقهاء عندنا على ذلك.
@ فلو كانت بائنة غير مبتوتة فتزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول فقد اختلفوا في ذلك أيضا،
فقال مالك والشافعفي وزففر وعثمان البتفي :لهفا نصفف الصفداق وتتفم بقيفة العدة الولى .وهفو قول
الحسن وعطاء وعكرمة وابن شهاب .وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والثوري والوزاعي :،لها مهر
كامفل للنكاح الثانفي وعدة مسفتقبلة .جعلوهفا ففي حكفم المدخول بهفا لعتدادهفا مفن مائه .وقال داود:
لهففا نصففف الصففداق ،وليففس عليهففا بقيففة العدة الولى ول عدة مسففتقبلة( .والولى مففا قاله مالك
والشافعي ،وال أعلم.
@ هذه اليففة مخصففصة لقوله تعالى" :والمطلقات يتربصففن بأنفسففهن ثلثففة قروء" [البقرة:
،]228ولقوله" :واللئي يئسففن مففن المحيففض مففن نسففائكم إن ارتبتففم فعدتهففن ثلثففة أشهففر"
[الطلق .]4 :وقفد مضفى ففي "البقرة" ،ومضفى فيهفا الكلم ففي المتعفة ،فأغنفى عفن العادة هنفا.
"وسفرحوهن سفراحا جميل" فيفه وجهان :أحدهمفا :أنفه دففع المتعفة بحسفب الميسفرة والعسفرة ،قال
ابن عباس .الثاني :أنه طلقها طاهرا من غير جماع ،قال قتادة وقيل :فسرحوهن بعد الطلق إلى
أهلهن ،فل يجتمع الرجل والمطلقة في موضع واحد.
@قوله تعالى" :فمتعوهفن" قال سفعيد :هفي منسفوخة باليفة التفي ففي البقرة ،وهفي قوله" :وإن
طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم" [البقرة ]237 :أي
فلم يذكر المتعة .وقد مضى الكلم فيه .وقوله "وسرحوهن" طلقوهن .والتسريح كناية عن الطلق
عنفد أبفي حنيففة ،لنفه يسفتعمل ففي غيره فيحتاج إلى النيفة .وعنفد الشافعفي صفريح" .جميل" سفنة،
غير بدعة.
**3الية{ 50 :يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما
أفاء ال عليفك وبنات عمفك وبنات عماتفك وبنات خالك وبنات خالتفك اللتفي هاجرن معفك وامرأة
مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما
فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيل يكون عليك حرج وكان ال غفورا رحيما}
@ روى السدي عن أبي صالح عن أم هانئ بنت أبى طالب قالت :خطبني رسول ال صلى ال
عليففه وسففلم فاعتذرت إليففه فعذرنففي ،ثففم أنزل ال تعالى" :إنففا أحللنففا لك أزواجففك اللتففي آتيففت
أجورهففن ومففا ملكففت يمينففك ممففا أفاء ال عليففك وبنات عمففك وبنات عماتففك وبنات خالك وبنات
خالتك اللتي هاجرن معك" قالت :فلم أكن أحل له؛ لني لم أهاجر ،كنت من الطلقاء .خرجه أبو
عيسى وقال :هذا حديث حسن ل نعرفه إل من هذا الوجه .قال ابن العربي :وهو ضعيف جدا ولم
يأت هذا الحديث من طريق صحيح يحتج بها.
@ لمففا خيففر رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم نسففاءه فاخترنففه ،حرم عليففه التزوج بغيرهففن
والسفتبدال بهفن ،مكافأة لهفن على فعلهفن .والدليفل على ذلك قوله تعالى" :ل يحفل لك النسفاء مفن
بعد" الية .وهل كان يحل له أن يطلق واحدة منهن بعه ذلك؟ فقيل :ل يحل له ذلك عزاء لهن على
اختيارهن له .وقيل :كان يحل له ذلك كغيره من النساء ولكن ل يتزوج بدلها .ثم نسخ هذا التحريم
فأباح له أن يتزوج بمن شاء عليهن من النساء ،والدليل عليه قوله تعالى" :إنا أحللنا لك أزواجك"
والحلل يقتضفي تقدم حظفر .وزوجاتفه اللتفي ففي حياتفه لم يكفن محرمات عليفه ،وإنمفا كان حرم
عليه التزويج بالجنبيات فانصرف الحلل إليهن ،ولنه .قال في سياق الية "وبنات عمك وبتات
عماتك" الية .ومعلوم أنه لم يكن تحته أحد من بنات عمه ول من بنات عماته ول من بنات خاله
ول من بنات خالته ،فثبت أنه أحل له التزويج بهذا ابتداء .وهذه الية وإن كانت مقدمة في التلوة
فهي متأخرة النزول على الية المنسوخة بها ،كآيتي الوفاة في "البقرة".
وقفد اختلف الناس ففي تأويفل قوله تعالى":إنفا أحللنفا لك أزواجفك" فقيفل :المراد بهفا أن ال تعالى
أحفل له أن يتزوج كفل امرأة يؤتيهفا مهرهفا ،قال ابفن زيفد والضحاك .فعلى هذا تكون اليفة مبيحفة
جميع النساء حاشا ذوات المحارم .وقيل :المراد أحللنا لك أزواجك ،أي الكائنات عندك ،لنهن قد
اخترتك على الدنيا والخرة ،قال الجمهور من العلماء .وهو الظاهر ،لن قوله" :آتيت أجورهن"
ماض ،ول يكون الفعل الماضي بمعنى الستقبال إل بشروط .ومجيء الم على هذا التأويل ضيقا
على النفبي صفلى ال عليفه وسفلم .ويؤيفد هذا التأويفل مفا قاله ابفن عباس :كان رسفول ال صفلى ال
عليفه وسفلم يتزوج ففي أي الناس شاء ،وكان يشفق ذلك على نسفائه ،فلمفا نزلت .هذه اليفة وحرم
عليه بها النساء إل من سمى ،سر نساؤه بذلك.
قلت :والقول الول أصح لما ذكرناه ويدل أيضا على صحته ما خرجه الترمذي عن عطاء قال
قالت عائشفة رضفي ال عنهفا :مفا مات رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم حتفى أحفل ال تعالى له
النساء .قال :هذا حديث حسن صحيح.
@قوله تعالى" :ومفا ملكفت يمينفك" أحفل ال تعالى السفراري لنفبيه صفلى ال عليفه وسفلم ولمتفه
مطلقا ،وأحل الزواج لنبيه عليه الصلة والسلم مطلقا ،وأحله للخلق بعدد" .مما أفاء ال عليك"
أي رده عليفك مفن الكفار .والغنيمفة قفد تسفمى فيئا ،أي ممفا أفاء ال عليفك مفن النسفاء بالمأخوذ على
وجه القهر والغلبة.
@قوله تعالى" :وبنات عمفك وبنات عماتفك" أي أحللنفا لك ذلك زائدا مفن الزواج اللتفي أتيفت
أجورهفن ومفا ملكفت يمينفك ،على قول الجمهور ،لنفه لو أراد أحللنفا لك كفل امرأة تزوجفت وأتيفت
أجرها ،لما قال بعد ذلك" :وبنات عمك وبنات عماتك" لن ذلك داخل فيما تقدم.
قلت :وهذا ل يلزم ،وإنمفا خفص هؤلء بالذكفر تشريففا ،كمفا قال تعالى" :فيهمفا فاكهفة ونخفل
ورمان" [الرحمن .]68 :وال أعلم.
@قوله تعالى" :اللتفي هاجرن معفك" فيفه قولن :الول :ل يحفل لك مفن قرابتفك كبنات عمفك
العباس وغيره مففن أولد عبدالمطلب ،وبنات أولد بنات عبدالمطلب ،وبنات الخال مففن ولد بنات
عبد مناف بن زهرة إل من أسلم ،لقوله صلى ال عليه وسلم( :المسلم من سلم المسلمون من لسانه
ويده والمهاجفر مفن هجفر مفا نهفى ال تعالى عنفه) .الثانفي :ل يحفل لك منهفن إل مفن هاجفر إلى
المدينة ،لقوله تعالى" .والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من وليتهم من شيء .حتى يهاجروا" ومن
لم يهاجفر لم يكمفل ،ومفن لم يكمفل لم يصفلح للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم الذي كمفل وشرف وعظفم،
صلى ال عليه وسلم.
@قوله تعالى "معفك" المعيفة هنفا الشتراك ففي الهجرة ل ففي الصفحة فيهفا ،ومفن هاجفر حفل له،
كان في صحبته إذ هاجر أو لم يكن .يقال :دخل فلن معي وخرج معي ،أي كان عمله كعملي لن
لم يقترن فيفه عملكمفا .ولو قلت :خرجنفا معفا لقتضفى ذلك المعنييفن جميعفا :الشتراك ففي الفعفل،
والقتران فيه.
@ذكر ال تبارك وتعالى العم فردا والعمات جحه .وكذلك قال" :خالك"" ،وخالتك" والحكمة في
ذلك :أن العم والخال ففي الطلق اسفم جنس كالشاعر والراجز ،وليس كذلك العمة والخالة .وهذا
عرف لغوي ،فجاء الكلم عليه بغاية البيان لرفع الشكال ،وهذا دقيق فتأملوه ،قاله ابن العربي.
@قوله تعالى" :وامرأة مؤمنفة" عطفف على "أحللنفا" المعنفى وأحللنفا كفل امرأة تهفب نفسفها مفن
غيفر صفداق .وقفد اختلف ففي هذا المعنفى ،فروي عفن ابفن عباس أنفه قال :لم تكفن .عنفد رسفول ال
صفلى ال عليفه وسفلم امرأة إل بعقفد نكاح أو ملك يميفن .فأمفا الهبفة فلم يكفن عنده منهفن أحفد .وقال
قوم :كانت عنده موهوبة.
قلت :والذي ففي الصفحيحين يقوي هذا القول ويعضده ،روى مسفلم عفن عائشفة رضفي ال عنهفا
أنهفا قالت :كنفت أغار على اللتففي وهبفن أنفسفهن لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وأقول :أمفا
تسفتحي امرأة تهفب نفسفها لرجفل! حتفى أنزل ال تعالى "ترجفي مفن تشاء منهفن وتؤوي إليفك مفن
تشاء" [الحزاب ]51 :فقلت :وال مفا أرى ربفك إل يسفارع ففي هواك .وروى البخاري عفن
عائشة أنها قالت :كانت خولة بنت حكيم من اللئي وهبن أنفسهن لرسول ال صلى ال عليه وسلم
فدل هذا على أنهفن كفن غيفر واحدة .وال تعالى أعلم .الزمخشري :وقيفل الموهبات أربفع :ميمونفة
بنفت الحارث ،وزينفب بنفت خزيمفة أم المسفاكين النصفارية ،وأم شريفك بنفت جابر ،وخولة بنفت
حكيم.
قلت :وففي بعفض هذا اختلف .قال قتادة :هفي ميمونفة بنفت الحارث .وقال الشعفبي :هفي زينفب
بنفت خزيمفة أم المسفاكين امرأة مفن النصفار .وقال علي بفن الحسفين والضحاك ومقاتفل :هفي أم
شريك بنت جابر السدية .وقال عروة .بن الزبير :أم حكيم بنت الوقص السلمية.
@ وقد اختلف في اسم الواهبة نفسها ،فقيل هي أم شريك النصارية ،اسمها غزية .وقيل غزيلة.
وقيفل ليلى بنفت حكيفم .وقيفل :هفي ميمونفة بنفت الحارث حيفن خطبهفا النفبي صفلى ال عليفه وسفلم،
فجاءها الخاطب وهي على بعيرها فقالت :البعير وما عليه لرسول ال صلى ال عليه وسلم .وقيل:
هفي أم شريفك العامريفة ،وكانفت عنفد أبفي العكفر الزدي .وقيفل عنفد .الطفيفل بفن الحارث فولدت له
شريكا .وقيل :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم تزوجها ،ولم يثبت ذلك .وال تعالى أعلم ،ذكره
أبفو عمفر بفن عبدالبر .وقال الشعفبي وعروة :وهفي زينفب بنفت خزيمفة أم المسفاكين .وال تعالى
أعلم.
@ قرأ جمهور الناس "إن وهبفت" بكسفر اللف ،وهذا يقتضفي اسفتئناف المفر ،أي إن وقفع فهفو
حلل له .وقفد روي عفن ابفن عباس ومجاهفد أنهمفا قال :لم يكفن عنفد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم
امرأة موهوبة ،وقد دللنا على خلفه .وروى الئمة من طريق سهل وغيره في الصحاح :أن امرأة
قالت لرسول ال صلى ال عليه وسلم :جئت أهب لك نفسي ،فسكت حتى قام رجل فقال :زوجنيها
إن لم يكن لك بها حاجة .فلو كانت هذه الهبة غير جائزة لما سكت رسول ال صلى ال عليه وسلم
لنه ل يقر على الباطل إذا سمعه ،أنه يحتمل أن يكون سكوته منتظرا بيانا ،فنزلت الية .بالتحليل
والتخييففر ،فاختار تركهففا وزوجهففا مففن غيره .ويحتمففل أن يكون سففكت ناظرا فففي ذلك حتففى قام
الرجل لها طالبا .وقرأ الحسن البصري وأبى بن كعب والشعبي "أن" يفتح اللف .وقرأ العمش
"وامرأة مؤمنة وهبت" .قال النحاس :وكسر "إن" أجمع للمعاني ،لنه قيل إنهن نساء .وإذا فتح
كان المعنى .على واحدة بعينها ،لن الفتح على البدل من امرأة ،أو بمعنى لن.
@قوله تعالى" :مؤمنة" يدل على أن الكافرة ل تحل له .قال إمام الحرمين :وقد اختلف في تحريم
الحرة الكافرة عليفه .قال ابفن العربفي :والصفحيح عندي تحريمهفا عليفه .وبهذا يتميفز علينفا ،فإنفه مفا
كان مفن جانفب الفضائل والكرامفة فحظفه فيفه أكثفر ،ومفا كان جانفب النقائص فجانبفه عنهفا أطهفر؛
فجوز لنفا نكاح الحرائر الكتابيات ،وقصفر هفو صفلى ال عليفه وسفلم لجللتفه على المؤمنات .وبهذا
كان ل يحفل له مفن لم تهاجفر لنقصفان فضفل الهجرة فأحرى أل تحفل له الكافرة الكتابيفة لنقصفان
الكفر.
و "إن وهبفت نفسفها" دليفل على أن النكاح عقفد معاوضفة على صففات مخصفوصة ،قفد تقدمفت ففي
"النساء" وغيرها .وقال الزجاج :معنى "إن وهبت نفسها للنبي" حلت .وقرأ الحسن" :إن وهبت"
بفتفففح الهمزة .و"أن" ففففي موضفففع نصفففب .قال الزجاج :أي لن .وقال غيره" :إن وهبفففت" بدل
اشتمال من "امرأة".
@قوله تعالى" :إن أراد النفبي أن يسفتنكحها" أي إذا وهبفت المرأة نفسفها وقبلهفا النفبي صفلى ال
عليفه وسفلم حلت له ،وإن لم يقبلهفا لم يلزم ذلك .كمفا إذا وهبفت لرجفل ،شيئا فل يجفب عليفه القبول،
بفد أن مفن مكارم أخلق نبينفا أن يقبفل مفن الواهفب هبتفه .ويرى الكارم أن ردهفا هجنفة ففي العادة،
ووصمة على الواهب وأذية لقلبه ،فبين ال ذلك في حق رسول صلى ال عليه وسلم وجعله قرآنا
يتلى ،ليرفع عنه الحرج ،ومبطل بطل الناس في عادتهم وقولهم.
@قوله تعالى "خالصة لك" أي هبة النسفاء أنفسهن خالصة ومزية ل تجوز ،فل يجوز أن تهب
المرأة نفسها لرجل .ووجه الخاصية أنها لو طلبت فرض المهر قبل الدخول لم يكن لها ذلك .فأما
فيما بيننا فللمفوضة طلب المهر قبل الدخول ،ومهر المثل بعد الدخول.
@أجمع العلماء على أن هبة المرأة نفسها غير جائز ،وأن هذا اللفظ من الهبة ل يتم عليه نكاح،
إل مفا روي عفن أبفي حنيففة وصفاحبيه فإنهفم قالوا :إذا وهبفت فأشهفد هفو على ،نفسفه بمهفر فذلك
جائز .قال ابففن عطيففة :فليففس فففي قولهففم إل تجويففز العبارة ولفظففة الهبففة ،وإل فالفعال التففي
أشترطوها هي أفعال النكاح بعينه ،وقد تقدمت هذه المسألة في "القصص" مستوفاة .والحمد ل.
@خفص ال تعالى رسفوله ففي أحكام الشريعفة بمعان لم يشاركفه فيهفا أحفد -ففي باب الفرض
والتحريففم والتحليفل -مزيفة على المفة وهبفت له ،ومرتبفة خفص بهفا ،ففرضفت عليفه أشياء مفا
فرضففت على غيره ،وحرمففت عليففه أفعال لم تحرم عليهففم ،وحللت له .أشياء لم تحلل لهففم ،منهففا
متفق عليه ومختلف فيه.
فأمفا مفا فرض عليفه فتسفعة :الول -التهجفد بالليفل ،يقال :إن قيام الليفل كان واجبفا عليفه إلى أن
مات ،لقوله تعالى" :يفا أيهفا المزمفل قفم الليفل" [المزمفل ]2 - 1 :اليفة .والمنصفوص أنفه كان،
واجبا عليه ثم نسخ بقوله تعالى" :ومن الليل فتهجد به نافلة لك" [السراء ]79 :وسيأتي .الثاني:
الضحى .الثالث :الضحى .الرابع :الوتر ،وهو يدخل في قسم التهجد .الخامس :السواك .السادس:
قضاء دين من مات معسرا .السابع :مشاورة ذوي الحلم في غير الشرائع .الثامن :تخير النساء.
التاسففع :إذا عمففل عمل أثبتففه .زاد غيره :وكان يجففب عليففه إذا رأى منكرا أنكره وأظهره ،لن
إقراره لغيره على ذلك يدل على جوازه ،ذكره صاحب البيان.
وأمفا مفا حرم عليفه فجملتفه عشرة :الول :تحريفم الزكاة عليفه وعلى آله .الثانفي :صفدقة التطوع
عليففه ،وفففي آله تفصففيل باختلف .الثالث :خائنففة العيففن ،وهففو أن يظهففر خلف مففا يضمففر ،أو
ينخدع عما يجب .وقد ذم بعض الكفار عند إذنه ثم ألن له القول عند دخول .الرابع :حرم ال عليه
إذا ليس بأمته أن يخلعها عنه أو يحكم ال بينه وبين محاربه .الخامس :الكل متكئا .السادس :أكل
الطعمفة الكريهفة الرائحفة .السفابع :التبدل بأزواجفه ،وسفيأتي .الثامفن :نكاح امرأة تكره صفحبته.
التاسع :نكاح الحرة الكتابية .العاشر :نكاح المة.
وحرم ال عليفه أشياء لم يحرمهفا غيره تنزيهفا له وتطهيرا .فحرم ال عليفه الكتابفة وقول الشعفر
وتعليمه ،تأكيدا لحجته وبيانا لمعجزته قال ال تعالى" :وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ول تخطه
بيمينفك" [العنكبوت .]48 :وذكفر النقاش أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم مفا مات حتفى كتفب،
والول هفو المشهور .وحرم عليفه أن يمفد عينيفه إلى مفا متفع بفه الناس ،قال ال تعالى" :ل تمدن
عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم" [الحجر ]88 :الية.
وأما ما أحل له صلى ال عليه وسلم فجملته ستة عشر :الول :صفي المغنم .الثاني :الستبداد
بخمس الخمس أو الخمس .الثالث :الوصال .الرابع :الزيادة على أربع نسوة .الخامس :النكاح بلفظ
الهبفة .السفادس :النكاح بغيفر ولي .السفابع :النكاح بغيفر صفداق .الثامفن :نكاحفه ففي حالة الحرام.
التاسفع :سفقوط القسفم بيفن الزواج عنفه ،وسفيأتي .العاشفر :إذا وقفع بصفره على امرأة وجفب على
زوجهفا طلقهفا ،وحفل له نكاحهفا .قال ابفن العربفي :هكذا قال إمام الحرميفن ،وقفد مضفى مفا للعلماء
في قصة زيد من هذا المعنى .الحادي عشر :أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها .الثاني عشر:
دخول مكفة بغيفر إحرام ،وففي حقنفا فيفه اختلف .الثالث عشفر :القتال بمكفة .الرابفع عشفر :أنفه ل
يورث .وإنمفا ذكفر هذا ففي قسفم التحليفل لن الرجفل إذا قال الموت بالمرض زال عنفه أكثفر ملكفه،
ولم يبق له إل الثلث خالصا ،وبقي ملك رسول ال صلى ال عليه وسلم على ما تقرر بيانه في آية
المواريث ،وسورة "مريم" بيانه أيضا.
بقاء زوجيتفه مفن بعفد الموت .السفادس عشفر :إذا طلق امرأة تبقفى حرمتفه عليهفا فل تنكفح .وهذه
القسففام الثلثففة تقدم مفصففل فففي مواضعهففا .وسففيأتي إن شاء ال تعالى .وأبيففح له عليففه الصففلة
والسففلم أخففذ الطعام ،والشراب مففن الجائع والعطشان ،وإن كان مففن هففو معففه يخاف على نفسففه
الهلك ،لقوله تعالى" :النففبي أولى بالمؤمنيففن مففن أنفسففهم" [الحزاب .]6 :وعلى كففل أحففد مففن
المسلمين أن يقي النبي صلى ال عليه وسلم بنفسه .وأبيح له أن يحمي لنفسه .وأكرمه ال بتحليل
الغنائم .وجعلت الرض له ولمتفه .مسفجدا وطهورا .وكان مفن النفبياء مفن ل تصفح صفلتهم إل
في المساجد .ونصر بالرعب ،فكان يخافه العدو من مسيرة شهر .وبعث إلى كافة الخلق ،وقد كان
مفن قبله مفن النفبياء يبعفث .الواحفد إلى بعفض الناس دون بعفض .وجعلت معجزاتفه .كمعجزات
النفبياء قبله وزيادة .وكانفت معجزة موسفى عليفه السفلم العصفا وانفجار الماء مفن الصفخرة وقفد
أنشق القمر للنبي صلى ال عليه وسلم وخرج الماء من أبين أصابعه صلى ال عليه وسلم وكانت
معجزة عيسى صلى ال عليه وسلم ال إحياء الموتى وإبراء الكمه والبرص .وقد سبح الحصى
في يد النبي صلى ال عليه وسلم ،وحن الجذع إليه ،وهذا أبلغ .وفضله ال عليهم بأن جعل القرآن
معجزة له ،وجعفل معجزتفه فيفه باقيفة إلى يوم القيامفة ،ولهذا جعلت نبوتفه مؤبدة ل تنسفخ إلى يوم
القيامة.
قوله تعالى "من دون المؤمنين" فائدته أن الكفار وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة عندنا فليس
لهم في ذلك دخول لن تصريف الحكام إنما يكون فيهم على تقدير السلم.
@قوله تعالى" :أن يسفتنكحها" أي ينكحهفا ،يقال :نكفح واسفتنكح ،مثفل عجفب واسفتعجب ،وعجفل
واستعجل .ويجوز أن يرد الستنكاح بمعنى طلب النكاح ،أو طلب الوطء .و"خالصة" نصب على
الحال ،قال الزجاج .وقيل :حال من ضمير متصل بفعل مضمر دل عليه المضمر ،تقديره :أحللنا
لك أزواجك ،وأحللنا لك امرأة مؤمنة أحللناها خالصة ،بلفظ الهبة وبغير صداق وبغير ولي.
@قوله تعالى" :مفن دون المؤمنيفن" فائدتفه أن الكفار وإن كانوا مخاطفبين بفروع الشريعفة عندنفا
فليس لهم في ذلك دخول ،لن تصريف الحكام إنما يكون فيهم على تقدير السلم .أي ما أوجبنا
على المؤمنيفن ،وهفو أل يتزوجوا إل أربفع نسفوة بمهفر وبينفة وولي .قال معناه أبفي بفن كعفب وقتاه
وغيرهما.
@قوله تعالى" :لكيل يكون عليفك حرج" أي ضيفق ففي أمفر أنفت فيفه محتاج إلى السفعة ،أي بينفا
هذا البيان وشرحنففا هذا الشرح "لكيل يكون عليففك حرج" .فففف "لكيل" متعلق بقوله" :إنففا أحللنففا
أزواجفك" أي فل يضيفق قلبفك حتفى يظهفر منفك أنفك قفد أثمفت عنفد ربفك ،ففي شيفء" .وكان ال
غفورا رحيمففا" ثففم آنففس تعالى جميففع المؤمنيففن بغفرانففه ورحمتففه فقال تعالى" :وكان ال غفورا
رحيما".
**3الية{ 51 :ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فل جناح
عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ول يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن وال يعلم ما في قلوبكم وكان
ال عليما حليما}
@قوله تعالى" :ترجي من تشاء" قرئ مهموزا وغير مهموز ،وهما لغتان ،يقال :أرجيت المر
وأرجأته إذا أخرته" .وتؤوي" تضم ،يقال :آوى إليه( .ممدودة اللف) ضم إليه .وأوى (مقصورة
اللف) انضم إليه.
@ واختلف العلماء في تأويل هذه الية ،وأصح ما قيل فيها .التوسعة على النبي صلى ال عليه
وسفلم فففي ترك القسفم ،فكان ل يجفب عليفه القسفم بيفن زوجاتفه .وهذا القول هفو الذي يناسفب مفا
مضفى ،وهفو الذي ثبفت معناه ففي الصفحيح عفن عائشفة رضفي ال عنهفا ،قالت :كنفت ،أغار على
اللئي وهبفن أنفسفهن لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وأقول :أو تهفب المرأة نفسفها لرجفل؟ فلمفا
أنزل ال عز وجل "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن أبتغيت ممن عزلت" قالت:
قلت وال ما أرى ربك إل يسارع في هواك .فالبن العربي :هذا الذي ثبت في الصحيح هو الذي
ينبغي أن يعول عليه .والمعنى المراد :هو أن النبي صلى ال عليه وسلم كان مخيرا في أزواجه،
إن شاء أن يقسم قسم ،وإن وشاء أن يترك القسم ترك .فخص النبي صلى ال عليه وسلم بأن جعل
المفر إليفه فيفه ،لكنفه كان يقسفم مفن قبفل نفسفه دون أن فرض ذلك عليفه ،تطييبفا لنفوسفهن ،وصفونا
لهفن عفن أقوال الغيرة التفي تؤدي إلى مفا ل ينبغفي .وقيفل :كان القسفم واجبفا على النفبي صفلى ال
عليفه وسفلم ثفم نسفخ الوجوب عنفه بهذه اليفة .قال أبفو رزيفن :كان رسفول ال قفد هفم بطلق بعفض
نسائه فقلن له :اقسم لنا ما شئت .فكان ممن آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب ،فكان قسمتهن
من نفسه وماله سواء بينهن .وكان ممن أرجى سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية ،فكان
يقسفم لهفن مفا شاء .وقيفل :المراد الواهبات .ورى هشام بفن عروة عفن أبيفه عفن عائشفة ففي قوله:
"ترجفي مفن تشاء منهفن" قالت :هذا ففي الواهبات أنفسفهن .قال الشعفبي :هفن الواهبات أنفسفهن،
تزوج) رسول ال صلى ال عليه وسلم منهن وترك منهن .وقال الزهري :ما علمنا أن رسول ال
صلى ال عليه وسلم أرجأ أحدا من أزواجه ،بل آواهن كلهن .وقال ابن عباس وغيره :المعنى في
طلق من شاء ممن حصل في عصمته ،وإمساك من شاء .وقيل غير هذا .وعلى كل معنى فالية
معناها التوسعة على رسول ال صلى ال عليه وسلم والباحة .وما أخترناه أصح وال أعلم.
@ ذهفب هبفة ال ففي الناسفخ والمنسفوخ إلى أن قوله" :ترجفي مفن تشاء" اليفة ،ناسفخ لقوله" :ل
يحفل لك النسفاء مفن بعفد" [الحزاب ]52 :اليفة .وقال :ليفس ففي كتاب ال ناسفخ تقدم المنسفوخ
سفوى هذا .وكلمفه يضعفف مفن ،جهات .وففي "البقرة" عدة المتوففي عنهفا أربعفة أشهفر وعشفر،
وهو ناسخ للحول وقد تقدم عليه.
@قوله تعالى" :ومفن ابتغيفت ممفن عزلت" "لمفن ابغفت" طلبفت ،والبتغاء الطلب .و"عزلت"
أزلت ،والعزلة الزالة ،أي إن أردت أن تؤوي إليك أمراة ممن عزلتهن من القسمة وتضمها إليك
فل بأس عليك في ذلك .كذلك حكم الرجاء ،فدل أحد الطرفين على الثاني" .فل جناح عليك" أي
ل ميل ،يقال :جنحت السفينة أي مالت إلى الرض .أي ل ميل عليك باللوم والتوبيخ.
@قوله تعالى" :ذلك أدنفى أن تقفر أعينهفن ول يحزن" قال قتادة وغيره :أي ذلك التخييفر الذي
خيرناك في صحبتهن أدنى إلى رضاهن إذ كان من عندنا ،لنهن إذا علمن أن الفعل من ال قرت
أعينهفن بذلك ورضيفن ،لن المرء إذا علم أنفه ل حفق له ففي شيفء كان راضيفا بمفا أوتفي منفه وإن
قفل .وإن علم أن له حقفا لم يقنعفه مفا أوتفي منفه ،واشتدت غيرتفه عليفه وعظفم حرصفه فيفه .فكان مفا
فعل ال لرسوله من تفويض المر إليه في أحوال أزواجه أقرب إلى رضاهن معه ،وإلى استقرار
أعينهفن بمفا يسفمح بفه لهفن ،دون أن تتعلق قلوبهفن بأكثفر منفه وقرئ" :تقفر أعينهفن" بضفم التاء
ونصفب العيفن" .وتقفر أعينهفن" على البناء للمفعول .وكان -السفلم مفع هذا يشدد على نفسفه ففي
رعايفة التسفوية بينهفن ،تطييبفا لقلوبهفن كمفا قدمناه -ويقول( :اللهفم هذه قدرتفي فيمفا أملك فل تلمنفي
فيما تملك ول أملك) يعني قلبه ،ليثاره عائشة رضي ال عنها دون أن يكون يظهر ذلك في شيء
مففن فعله ..وكان فففي مرضففه الذي توفففي فيففه يطاف بففه محمول على بيوت أزواجففه ،إلى أن
استأذنهن أن يقيم في بيت عائشة .قالت عائشة :أول ما اشتكى رسول ال صلى ال عليه وسلم في
بيفت ميمونفة ،فاسفتأذن أزواجفه أن يمرض ففي بيتهفا -يعنفي ففي بيفت عائشفة -فأذن له ...الحديفث،
خرجه الصحيح .وفي الصحيح أيضا عن عائشة رضي ال عنها قالت :إن كان رسول ال صلى
ال عليفه وسفلم ليتفقفد ،يقول( :أيفن أنفا اليوم أيفن أنفا غدا) اسفتبطاء ليوم عائشفة رضفي ال عنهفا.
قالت :فلما كان يومي قبضه ال تعالى بين سحري ونحري ،صلى ال عليه وسلم.
@ على الرجفل أن يعدل بيفن نسائه لكفل واحدة منهفن يوما وليلة ،هذا قول عامة العلماء .وذهفب
بعضهففم إلى وجوب ذلك فففي الليففل دون النهار .ول يسففقط حففق الزوجففة مرضهففا ول حيضهففا،
ويلزمفه المقام عندهفا ففي يومهفا وليلتهفا وعليفه أن يعدل ...كمفا يفعفل ففي صفحته ،إل أن يعجفز عفن
الحركفة فيقيففم حيففث غلب عليفه المرض ،فإذا صففح اسفتأنف القسففم .والماء والحرائر والكتابيات
والمسفلمات ففي ذلك سفواء .قال عبدالملك :للحرة ليلتان وللمفة ليلة .وأمفا السفراري فل قسفم بينهفن
وبين الحرائر ،ول حظ لهن فيه.
ول يجمع بينهن في منزل واحد إل برضاهن ،ول يدخل لحداهن في يوم الخرى وليلتها لغير
حاجة .واختلف في دخول لحاجة وضرورة ،فالكثرون على جوازه ،مالك وغيره .وفي كتاب ابن
حبيب منعه .وروى ابن بكير عن مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان ،فإذا
كان يوم هذه لم يشرب من بيت الخرى الماء .قال ابن بكير :وحدثنا مالك عن يحيى بن سعيد أن
معاذ بن جبل كانت له امرأتان ماتتا في الطاعون .فأسهم بينهما أيهما تدلى أول.
قال مالك :ويعدل بينهن في النفقة والكسوة إذا كن معتدلت الحال( ،ول يلزم ذلك في المختلفات
المناصفب .وأجاز مالك أن يفضفل إحداهمفا ففي الكسفوة على غيفر وجه الميفل .فأمفا الحفب والبغفض
فخارجان عفن الكسفب فل يتأتفى العدل فهمفا ،وهفو المعنفي بقوله صفلى ال عليفه وسفلم ففي قسفمه
(اللهم هذا فعلي فيما أملك فل تلمني فيما تملك ول أملك) .أخرجه النسائي وأبو داود عن عائشة
رضفي ال عنهفا .وففي كتاب أبفي داود "يعنفي القلب" ،وإليفه الشارة بقوله تعالى" :ولن تسفتطيعوا
أن تعدلوا بيفن النسفاء ولو حرصفتم" [النسفاء ]129 :وقوله تعالى" :وال يعلم مفا ففي قلوبكفم".
وهذا هو وجه تخصيصه بالذكر هنا ،تنبيها منه لنا على أنه يعلم ما في قلوبنا من ميل بعضنا إلى
بعفض مفن عندنفا مفن النسفاء دون بعفض ،وهفو العالم بكفل شيفء "ل يخففى عليفه شيفء ففي الرض
ول في السماء" [آل عمران" ]5 :يعلم السر وأخفى" [طه ]7 :لكنه سمح في ذلك ،إذ ل يستطيع
العبد أن يصرف قلبه عن ذلك الميل ،وإلى ذلك يعود قوله" :وكان ال غفورا رحيما" .وقد قيل في
قوله" :ذلك أدنففى أن تقففر أعينهففن" أي ذلك أقرب أل يحزن إذا لم يجمففع إحداهففن مففع الخرى
ويعايفن الثرة والميفل .وروى أبفو داود عفن أبفي هريره عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال( :مفن
كانففت له امرأتان فمال إلى إحداهمففا جاء يوم القيامففة وشقفه مائل) "ويرضيفن بمففا آتيتهفن كلهففن"
توكيفد للضميفر ،أي ويرضيفن كلهفن .وأجاز أبفو حاتفم والزجاج "ويرضيفن بمفا آتيتهفن كلهفن" على
التوكيففد للمضمففر الذي فففي "آتيتهففن" .والفراء ل يجيزه ،لن المعنففى ليففس عليففه ،إذ كان المعنففى
وترضى كل واحدة منهن ،وليس المعنى بما أعطيتهن كلهن .النحاس :والذي قاله حسن.
@قوله تعالى" :وال يعلم مفا ففي قلوبكفم وكان ال عليما حليما" خبر عام ،والشارة إلى ،مفا ففي
قلب رسول ال صلى ال عليه وسلم من محبة شخص دون شخص .وكذلك يدخل في المعنى أيضا
المؤمنون .وففي البخاري عفن عمرو بفن العاص أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بعثفه على جيفش
ذات السففلسل ،فأتيتففه فقلت :،أي الناس أحففب إليففك؟ فقال( :عائشففة) فقلت :مففن الرجال؟ قال:
(أبوهفا) قلت :ثفم مفن؟ قال( :عمفر بفن الخطاب )...فعفد رجال .وقفد تقدم القول ففي القلب بمفا فيفه
كفايففة فففي أول "البقرة" ،وفففي أول هذه السففورة .يروى أن لقمان الحكيففم كان عبدا نجارا قال له
سفيده :اذبفح شاة وائتنفي بأطيبهفا بضعتيفن ،فأتاه باللسفان والقلب .ثفم أمره بذبفح شاة أخرى فقال له:
ألق أخبثها بضعتين ،فألقى اللسان والقلب .فقال :أمرتك أن تأتيني بأطيبها بضمتين فأتيتني باللسان
والقلب ،وأمرتك أن تلقي بأخبثها بضعتين فألقيت اللسان والقلب؟ فقال :ليس شيء أطيب منهما إذا
طابا ،ول أخبث منهما إذا خبثا.
**3الية{ 52 :ل يحل لك النساء من بعد ول أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إل
ما ملكت يمينك وكان ال على كل شيء رقيبا}
@قوله تعالى" :ل يحل لك النساء من بعد" اختلف العلماء في تأويل قوله" :ل يحل لك النساء
مفن بعفد" على أقوال سفبعة :الولى :إنهفا منسفوخة بالسفنة ،والناسفخ لهفا حديفث عائشفة ،قالت :مفا
مات رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم حتفى أحفل له النسفاء وقفد تقدم .الثانفي :أنهفا منسفوخة بآيفة
أخرى ،روى الطحاوي عن أم سلمة قالت :لم يمت رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أحل ال
له أن يتزوج مفن النسفاء مفن شاء ،إل ذات محرم ،وذلك قوله عفز وجفل" :ترجفى مفن تشاء منهفن
وتؤوي إليفك مفن تشاء" .قال النحاس :وهذا وال أعلم أولى مفا قيفل ففي اليفة ،وهفو وقول عائشفة
واحفد ففي النسفخ .وقفد يجوز أحفل -له عائشفة أرادت أحفل له ذلك بالقرآن .وهفو مفع هذا قول علي
بفن أبفي طالب وابفن عباس وعلي بن الحسفين والضحاك .وقفد عارض بعفض فقهاء الكوفييفن فقال:
محال أن تنسفخ هذه اليفة يعنفي "ترجفي مفن تشاء منهفن" "ل يحفل لك النسفاء مفن بعفد" وهفي قبلهفا
ففي المصفحف الذي أجمفع عليفه المسفلمون ورجفح قول مفن قال نسفخت بالسفنة .قال النحاس :وهذه
المعاوضة ل تلزم وقائلها غالط ،لن القرآن بمنزلة صورة واحدة ،كما صح عن ابن عباس :أنزل
ال القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان .ومبين لك أن اعتراض هذا المعترض
ل يلزم أن قوله عفز وجفل" :والذيفن يتوفون منكفم ويذرون أزواجفا وصفية لزواجهفم متاعفا إلى
الحول غير إخراج" [البقرة ]240 :منسوخة على قول أهل التأويل -ل نعلم بينهم خلفا -بالية
التي قبلها "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا" [البقرة:
.]234الثالث :أنفه صفلى ال عليفه وسفلم حظفر عليفه أن يتزوج على نسفائه ،لنهفن اخترن ال
ورسفوله والدار الخرة ،هذا قول الحسفن وابفن سفيرين وأبفي بكفر بفن .الرحمفن بفن الحارث بفن
هشام .قال النحاس :وهذا القول يجوز أن يكون هكذا ثففم نسففخ .الرابففع :أنففه لمففا حرم عليهففن أن
يتزوجن بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن ،قاله أبو أمامة بن سهل ابن حنيف.
@قوله تعالى" :ل يحفل لك النسفاء مفن بعفد" أي مفن بعفد الصفناف التفي سفميت ،قاله أبفي بفن بفن
كعب وعكرمة وأبو رزين ،وهو اختيار محمد بن جرير .ومن قال إن الباحة كانت له مطلقة قال
هنففا" :ل يحففل لك السففعاة" معناه ل تحففل لك اليهوديات ول النصففرانيات .وهذا تأويففل فيففه بعففد.
وروي عفن مجاهفد وسفعيد بفن جفبير وعكرمفة أيضفا .وهفو القول السفادس .قال مجاهفد :لئل تكون
كافرة أمفا للمؤمنيفن .وهذا القول يبعفد ،لنفه يقدره :مفن بعفد المسفلمات ،ولم يجفر للمسفلمات ذكفر.
وكذلك قدر "ول أن تبدل بهن" أي ول أن تطلق مسلمة لتستبدل بها كتابية.
@ أن النبي صلى ال عليه وسلم كان له حلل أن يتزوج من شاء ثم نسخ ذلك .قال :وكذلك كانت
النبياء قبله صلى ال عليه وسلم قال محمد بن كعب القرظي" .ول أن تبدل بهن من أزواج" قال
ابففن زيففد :هذا شيففء كانففت العرب تفعله ،يقول أحدهففم :خففذ زوجتففي وأعطنففي زوجتففك ،روى
الدارقطنففي عففن أبففي هريرة قال :كان البدل فففي الجاهليففة أن يقول الرجففل للرجففل :انزل لي عففن
امرأتفك وأنزل لك عفن امرأتففي وأزيدك ،فأنزل ال عفز وجفل "ول أن تبدل بهففن مفن أزواج ولو
أعجبك حسنهن" قال :فدخل عيينة بن حصن الفزاري على رسول ال صلى ال عليه وسلم وعنده
عائشة ،فدخل بغير إذن ،فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم( :يا عيينة فأين الستئذان)؟ فقال:
يفا رسفول ال ،مفا اسفتأذنت على رجفل مفن مضفر منفذ أدركفت .قال :مفن هذه الحميراء إلى جنبفك؟
قال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم( :هذه عائشففة أم المؤمنيففن) قال :أفل أنزل لك عففن أحسففن
الخلق .فقال( :يا عيينة ،إن ال قد حرم ذلك) .قال فلما خرج قالت عائشة :يا رسول ال ،من هذا؟
قال( :أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه) .وقد أنكر الطبري والنحاس وغيرهما ما حكاه
ابن زيد عن العرب ،من أنها كانت تبادل بأزواجها .قال الطبري :وما فعلت العرب قط هذا .وما
روي مففن حديففث عيينففة بففن حصففن مففن أنففه دخففل على رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم وعنده
عائشفة ...الحديفث ،فليفس بتبديفل ،ول أراد ذلك ،وإنمفا احتقفر عائشفة لنهفا كانفت صفبية فقال هذا
القول.
قلت :وما ذكرناه من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة من أن البدل كان
فففي الجاهليففة يدل على خلف مففا أنكففر مففن ذلك ،وال أعلم .قال المففبرد :وقرئ "ل يحففل" بالياء
والتاء .فمن قرأ بالتاء فعلى معنى جماعة النساء ،وبالياء من تحت على معنى جميع النساء .وزعم
الفراء قال :اجتمعففت القراء على أن القراءة بالياء ،وهذا غلط ،وكيففف يقال :اجتمعففت القراء وقففد
قرأ أبو عمرو بالتاء بل اختلف عنه.
@قوله تعالى" :ولو أعجبك حسنهن" قال ابن عباس :نزل ذلك بسبب أسماء بنت عميس ،أعجب
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم حيفن مات عنهفا جعففر بفن أبفي طالب حسفنها ،فأراد أن يتزوجهفا،
فنزلت الية ،وهذا حديث ضعيف قال ابن العربي.
@ ففي هذه اليفة دليفل على جواز أن ينظفر الرجفل إلى مفن يريفد زواجهفا .وقفد أراد المغيرة بفن
شعبفة زواج امرأة ،فقال له النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :انظفر إليهفا فإنفه أجدر أن يؤدم بينكمفا).
وقال عليه السلم لخر( :انظر إليها فإن في أعين النصار شيئا) أخرجه الصحيح .قال الحميدي
وأبو الفرج الجوزي .يعني صفراء أو زرقاء .وقيل رمصاء.
المر بالنظر إلى المخطوبة إنما هو على جهة الرشاد إلى المصلحة ،فإنه إذا نظر إليها فلعله
يرى منهفا مفا يرغبفه ففي نكاحهفا .وممفا يدل على أن الم على جهفة الرشاد مفا ذكره أبفو داود مفن
حديفث جابر عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أنفه قال( :إذا خطفب أحدكفم المرأة فإن اسفتطاع أن
ينظففر منهففا إلى مففا يدعوه إلى نكاحهففا فليفعففل) .فقوله( :فإن اسففتطاع فليفعففل) ل يقال مثله فففي
الواجفب .وبهذا قال جمهور الفقهاء مالك والشافعفي والكوفيون وغيرهفم وأهفل الظاهفر .وقفد كره
ذلك قوم ل مبالة بقولهفم ،للحاديفث الصفحيحة ،وقوله تعالى" :ولو أعجبفك حسفنهن" .وقال سفهل
بفن أبفي خيثمفة :رأيفت محمفد بفن مسفلمة يطارد ثبيتفة بنفت الضحاك على إجار مفن أجاجيفر المدينفة
فقلت له :أتفعل هذا؟ فقال نعم! قال النبي صلى ال عليه وسلم( :إذا ألقى ال في قلب أحدكم خطبة
امرأة فل بأس أن ينظفر إليهفا) .الجار :السفطح ،بلغفة أهفل الشام والحجاز .قال أبفو عبيفد :وجمفع
الجار أجاجير وأجاجرة.
اختلف فيمفا يجوز أن ينظفر منهفا ،فقال مالك :ينظفر إلى وجههفا وكفيهفا ،ول ينظفر إل بإذنهفا.
وقال الشافعفي وأحمفد :بإذنهفا وبغيفر إذنهفا إذا كانفت مسفتترة .وقال الوزاعفي :ينظفر إليهفا ويجتهفد
وينظفر مواضفع اللحفم منهفا .قال داود :ينظفر إلى سفائر جسفدها ،تمسفكا بظاهفر اللففظ .وأصفول
الشريعة تردّ عليه في تحريم الطلع على العورة .وال أعلم.
@قوله تعالى" :إل ما ملكت يمينك وكان ال على كل شيء رقيبا" اختلف العلماء في إحلل المة
الكافرة للنففبي صففلى ال عليففه وسففلم على قوليففن :تحففل لعموم قوله" :إل مففا ملكففت يمينففك" ،قاله
مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم .قالوا :قوله تعالى "ل يحل لك النساء من بعد" أي ل تحل
لك النساء من غير المسلمات ،فأما اليهوديات والنصرانيات والمشركات فحرام عليك ،أي ل يحل
لك أن تتزوج كافرة فتكون أمففا للمؤمنيففن ولو أعجبففك حسففنها ،إل مففا ملكففت يمينففك ،فإن له أن
يتسففرى بهففا .القول الثانففي :ل تحففل ،تنزيهففا لقدره عففن مباشرة الكافرة ،وقففد قال ال تعالى" :ول
تمسكوا بعصم الكوافر" [الممتحنة ]10 :فكيف به صلى ال عليه وسلم .و"ما" في قوله" :إل ما
ملكففت يمينففك" فففي موضففع رفففع بدل مففن "النسففاء" .ويجوز أن يكون فففي موضففع نصففب على
استثناء ،وفيه ضعف .ويجوز أن تكون مصدرية ،والتقدير :إل ملك يمينك ،وملك بمعنى مملوك،
وهو في موضع نصب لنه استثناء من غير الجنس الول.
**3الية{ 53 :يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوت النبي إل أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين
إناه ولكفن إذا دعيتفم فادخلوا فإذا طعمتفم فانتشروا ول مسفتأنسين لحديفث إن ذلكفم كان يؤذي النفبي
فيسفتحيي منكفم وال ل يسفتحيي مفن الحفق وإذا سفألتموهن متاعفا فاسفألوهن مفن وراء حجاب ذلكفم
أطهفر لقلوبكفم وقلوبهفن ومفا كان لكفم أن تؤذوا رسفول ال ول أن تنكحوا أزواجفه مفن بعده أبدا إن
ذلكم كان عند ال عظيما}
@قوله تعالى" :يفا أيهفا الذيفن آمنوا ل تدخلوا بيوت النفبي إل أن يؤذن لكفم" "أن" ففي موضفع
نصب على معنى :إل بأن يؤذن لكم ،ويكون الستثناء .ليس من الول" .غير ناظرين إناه" نصب
على الحال ،أي ل تدخلوا فففي هذه الحال .ول يجوز فففي "غيففر" الخفففض على النعففت ل للطعام،
لنه لو كان نعتا لم يكن بد من إظهار الفاعلين ،وكان يقول :غير ناظرين إناه أنتم .ونظير هذا من
النحو :هذا رجل مع رجل ملزم له ،وإن شئت قلت :هذا رجل مع رجل ملزم له هو .وهذه الية
تضمنت قصتين :إحداهما :الدب في أمر الطعام والجلوس .والثانية :أمر الحجاب .وقال حماد بن
زيفد :هذه اليفة نزلت ففي الثقلء .فأمفا القصفة الولى فالجمهور مفن المفسفرين على أن :سفببها أن
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم لمفا تزوج زينفب بنفت جحفش امرأة زيفد أولم عليهفا ،فدعفا الناس،
فلمفا طعموا جلس طوائف منهفم يتحدثون ففي بيفت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وزوجتفه موليفة
وجههفا إلى الحائط ،فثقلوا على رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم .قال أنفس :فمفا أدري أأنفا أخفبرت
النبي صلى ال عليه وسلم أن القوم قد خرجوا أو أخبرني .قال :فانطلق حتى دخل البيت ،فذهبت
أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب .قال :ووعظ القوم بما وعظوا به ،وأنزل ال عز
وجفل "يفا أيهفا الذيفن آمنوا ل تدخلوا بيوت النفبي إلى قوله إن ذلكفم كان عنفد ال عظيمفا" أخرجفه
الصفحيح .وقال قتادة ومقاتفل ففي كتاب الثعلبففي :إن هذا السفبب جرى ففي بيفت أم سفلمة .والول
الصفحيح ،كمفا رواه الصفحيح .وقال ابفن عباس :نزلت ففي ناس مفن المؤمنيفن كانوا يتحينون طعام
النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فيدخلون قبفل أن يدرك الطعام ،فيقعدون إلى أن يدرك ،ثفم يأكلون ول
يخرجون .وقال إسفماعيل بن أبفي حكيفم :وأدب أدب ال به الثقلء .وقال ابن أبي عائشة ففي كتاب
الثعلبي :حسبك من الثقلء أن الشرع لم يحتملهم .وأما قصة الحجاب فقال أنس بن مالك وجماعة:
سفببها أمفر القعود ففي بيفت زينفب ،القصفة المذكورة آنففا .وقالت عائشفة رضفي ال عنهفا وجماعفة:
سفببها أن عمفر قال قلت :يفا رسفول ال ،إن نسفاءك يدخفل ،عليهفن البر والفاجفر ،فلو أمرتهفن أن
يحتجبفن ،فنزلت اليفة .وروى الصفحيح عفن ابفن عمفر قال :قال ،عمفر وافقفت ربفي ففي ثلث :ففي
مقام إبراهيم ،وفي الحجاب ،وفي أسارى بدر .هذا أصح ما قيل في أمر الحجاب ،وما عدا هذين
القولين مفن القوال والروايات فواهية ،ل يقوم شيفء منهفا على سفاق ،وأضعفهفا مفا روي عفن ابن
مسعود :أن عمر أمر نساء النبي صلى ال عليه وسلم بالحجاب ،فقالت زينب بنت جحش :يا ابن
الخطاب ،إنففك تغار علينففا والوحففي ينزل فففي بيوتنففا فأنزل ال تعالى" :وإذا سففألتموهن متاعففا
فاسفألوهن مفن وراء حجاب" وهذا باطفل ،لن الحجاب نزل يوم البناء بزينفب ،كمفا بيناه .أخرجفه
البخاري ومسفلم والترمذي وغيرهفم .وقيفل :إن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم كان يطعفم ومعفه
بعفض أصفحابه ،فأصفاب يفد رجفل منهفم يفد عائشفة ،فكره النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فنزلت آيفة
الحجاب .قال ،ابفن عطيفة :وكانفت سفيرة القوم إذا كان لهفم طعام وليمفة أو نحوه أن يبكفر مفن شاء
إلى الدعوة ينتظرون طبخ الطعام ونضجه .وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك ،فنهى ال المؤمنين
عن أمثال ذلك في بيت النبي صلى ال عليه وسلم ،ودخل في النهي سائر المؤمنين ،والتزم الناس
أدب ال تعالى لهم في ذلك ،فمنعهم من الدخول إل بإذن عند الكل ،ل قبله لنتظار نضج الطعام.
قوله تعالى" :بيوت النفبي" دليفل على أن البيفت للرجفل ،ومحكفم له بفه ،فإن ال تعالى أضاففه إليفه.
فإن قيفل :فقفد قال ال تعالى" :واذكرن مفا يتلى ففي بيوتكفن مفن آيات ال والحكمفة إن ال كان لطيففا
خبيرا" [الحزاب ]34 :قلنا :إضافة البيوت إلى النبي صلى ال عليه وسلم إضافة ملك ،وإضافة
البيوت إلى الزواج إضافة محل ،بدليل أنه جعل فيها الذن للنبي صلى ال عليه وسلم والذن إنما
يكون للمالك.
واختلف العلماء في بيوت النبي صلى ال عليه وسلم إذ كان يسكن فيها أهله بعد موته ،هل هي
ملك لهفن أم ل على قوليفن :فقالت طائففة :كانفت ملكفا لهفن ،بدليفل أنهفن سفكن فيهفا بعفد موت النفبي
صفلى ال عليفه وسفلم إلى وفاتهفن ،وذلك أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وهفب ذلك لهفن ففي حياتفه.
الثانفي :أن ذلك كان إسفكانا كمفا يسفكن الرجفل أهله ولم يكن هبفة ،وتمادى سفكناهن بهفا إلى الموت.
وهذا هفو الصفحيح ،وهفو الذي ارتضاه أبفو عمفر بفن عبدالبر وابفن العربفي وغيرهفم ،فإن ذلك مفن
مؤونتهفن التفي كان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم اسفتثناها لهفن ،كمفا اسفتثنى لهفن نفقاتهفن حيفن
قال( :ل تقسم ورثتي دينارا ول درهما ،ما تركت بعد نفقة أهلي ومؤونة عاملي فهو صدقة) .هكذا
قال أهففل العلم ،قالوا :ويدل على ذلك أن مسففاكنهن لم يرثهففا عنهففن ورثتهففن .قالوا :ولو كان ذلك
ملكا لهن كان ل شك قد ورثه عنهن ورثتهن .قالوا :وفي ترك ورثتهن ذلك دليل على أنها لم تكن
لهن ملكا .وإنما كان لهن سكن حياتهن ،فلما توفين جعل ذلك زيادة في المسجد الذي يعم المسلمين
نفعفه ،كمفا جعفل ذلك الذي كان لهفن مفن النفقات ففي تركفة رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم لمفا
مضيفن لسفبيلهن ،فزيفد إلى أصفل المال فصفرف ففي مناففع المسفلمين ممفا يعفم جميعهفم نفعفه .وال
الموفق.
@قوله تعالى" :غير ناظرين إناه" أي غير منتظرين وقت نضجه .و"إناه" مقصور ،وفيه لغات:
"إنى" بكسر الهمزة .قال الشيباني:
بأسياف كما اقتسم اللحام وكسرى إذ تقسمه بنوه
أنى ولكل حاملة تمام تمخضت المنون له بيوم
وقرأ ابفن أبفي عبلة" :غيفر ناظريفن إناه" .مجرورا صففة لفف "طعام" .الزمخشري :وليفس بالوجفه،
لنففه جرى على غيففر مففا هففو له ،فمففن حففق .ضميففر مففا هففو له أن يففبرز إلى اللفففظ ،فيقال :غيففر
ناظريفن ،إناه أنتفم ،كقولك :هنفد زيفد ضاربتفه هفي .وأنفى (بفتحهفا) ،وأناء (بفتفح الهمزة والمفد) قال
الحطيئة:
أو الشعري فطال بي الناء وأخرت العشاء إلى سهيل
يعني إلى طلوع سهيل .وإناه مصدر أنى الشيء يأنى إذا فرغ وحان وأدرك.
@قوله تعالى" :ولكن إذا دعيتم فادخلوا" فأكد المنع ،وخص وقت الدخول بأن يكون عند الذن
على جهففة الدب ،وحفففظ الحضرة الكريمففة مففن المباسففطة المكروهففة .قال ابففن العربففي :وتقديففر
الكلم :ولكفن إذا دعيتفم وأذن لكفم ففي الدخول فأدخلوا ،وإل فنففس الدعوة ل تكون إذنفا كافيفا ففي
الدخول .والفاء ففي جواب "إذا" لزمفة لمفا فيهفا مفن معنفى المجازاة" .فإذا طعمتفم فانتشروا" أمفر
تعالى بعففد الطعام بأن يتفرق جميعهففم وينتشروا .والمراد إلزام الخروج مففن المنزل عنففد انقضاء
المقصففود مففن الكففل .والدليففل على ذلك أن الدخول حرام ،وإنمففا جاز لجففل الكففل ،فإذا انقضففى
الكل زال السبب المبيح وعاد التحريم إلى أصله.
@ في هذه الية دليل على أن الضيف يأكل على ملك المضيف ل على ملك نفسه ،لنه قال" :فإذا
طعمتم فانتشروا" فلم يجعل له أكثر من الكل ،ول أضاف إليه سواه ،وبقي الملك على أصله.
@قوله تعالى" :ول مستأنسين لحديث" عطف على قوله" :غير ناظرين" و"غير" منصوبة على
الحال من الكاف والميم في "لكم" أي غير ناظرين ول مستأنسين ،والمعنى ،المقصود :ل تمكثوا
مستأنسين بالحديث كما فعل أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم في وليمة زينب" .إن ذلكم
كان يؤذي النبي فيستحي منكم وال ل يستحي من الحق" أي ل يمتنع من بيانه وإظهاره .ولما كان
ذلك يقع من البشر لعلة الستحياء نفي عن ال تعالى العلة الموجبة لذلك ،في البشر .وفي الصحيح
عفن أم سفلمة قالت :جاءت أم سفليم إلى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقالت :يفا رسفول ال ،إن ال ل
يستحي من الحق ،فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول ال صلى( :إذا رأت الماء).
@قوله تعالى" :وإذا سألتموهن متاعا" روى أبو داود الطيالسي عن أنس بن مالك قال قال عمر:
وافقت ربي في أربع ،...الحديث .وفيه :قلت يا رسول ال ،لو ضربت على نسائك الحجاب ،مائه
يدخل عليهن البر والفاجر ،فأنزل ال عز وجل "وإذا سألتموهن متاعا فاسألوه من وراء حجاب ".
واختلف في المتاع ،فقيل :ما يتمتع به من العواري وقال فتوى .وقيل صحف القرآن .والصواب
أنه عام في جميع ما يمكن أن يطلب من المواعين وسائر المرافق للدين والدنيا.
ففي هذه اليفة دليفل على أن ال تعالى أذن ففي مسفألتهن مفن وراء حجاب ،ففي حاجفة تعرض ،أو
مسألة يستفتين فيها ،ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى ،وبما تضمنته أصول الشريعة من أن
المرأة كلها عورة ،بدنها وصوتها ،كما تقدم ،فل يجوز كشف ،ذلك إل لحاجة كالشهادة عليها ،أو
داء يكون ببدنها ،أو سؤالها عما يعرض وتعين عندها.
@ استدل بعض العلماء بأخذ الناس عن أزواج النبي صلى ال عليه وسلم من وراء حجاب على
جواز شهادة العمففى ،وبأن العمففى يطففأ زوجتففه بمعرفتففه بكلمهففا .وعلى إجازة شهادتففه أكثففر
العلماء ،ولم يجزهففا أبففو حنيفففة والشافعففي وغيرهمففا .قال أبففو حنيفففة :تجوز فففي النسففاب .وقال
الشافعي :ل تجوز إل فيما رأه قبل ذهاب بصره.
@قوله تعالى" :ذلكفم أطهفر لقلوبكفم وقلوبهفن" يريفد مفن الخواطفر التفي تعرض للرجال ففي أمفر
النسفاء ،وللنسفاء ففي أمفر الرجال ،أي ذلك أنففى للريبفة وأبعفد للتهمفة وأقوى ففي الحمايفة .وهذا يدل
على أنفه ل ينبغفي لحفد أن يثفق بنفسفه ففي الخلوة مفع مفن ل تحفل له فإن مجانبفة ذلك أحسفن لحال
وأحصفن لنفسفه وأتفم لعصفمته" .ومفا كان لكفم أن تؤذوا رسفول ال" اليفة .هذا تكرار للعلة وتأكيفد
لحكمها ،وتأكيد العلل أقوى في الحكام.
@قوله تعالى" :ول أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا" روى إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد
بن عبيد قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة أن رجل قال :لو قبض رسول ال صلى ال
عليه وسلم تزوجت عائشة ،فأنزل ،ال تعالى" :وما كان لكم أن تؤذوا رسول ال" الية .ونزلت:
"وأزواجفه أمهاتهفم" [الحزاب .]6وقال القشيري أبفو نصفر عبدالرحمفن :قال ابفن عباس قال
رجفل مفن سفادات قريفش مفن العشرة الذيفن كانوا مفع رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم على حراء -
في نفسه -لو توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم لتزوجت عائشة ،وهي بنت عمي .قال مقاتل:
هو طلحة بن عبيدال .قال ابن عباس :وندم هذا الرجل على ما حدث به في نفسه ،فمشى إلى مكة
على رجليه وحمل على عشرة أفراس في سبيل ال ،وأعتق رقيقا فكفر ال عنه .وقال ابن عطية:
روي أنها نزلت بسبب أن بعض الصحابة قال :لو مات رسول ال صلى ال عليه وسلم لتزوجت
عائشفة ،فبلغ ذلك رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فتأذى بفه ،هكذا كنفي عنفه ابفن عباس ببعفض
الصحابة .وحكى مكي عن معمر أنه قال :هو طلحة بن عبيدال.
قلت :وكذا حكفى النحاس عفن معمفر أنفه طلحفة ،ول يصفح .قال ابفن عطيفة :ل در ابفن عباس!
وهذا عندي ل يصفح على طلحفة بفن عفبيدال .قال شيخنفا المام أبفو العباس :وقفد حكفى هذا القول
عفن بعفض فضلء الصفحابة ،وحاشاهفم عفن مثله! والكذب ففي نقله ،وإنمفا يليفق مثفل هذا القول
بالمنافقين الجهال .يروى أن رجل من المنافقين قال حين تزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم أم
سلمة بعد أبي سلمة ،وحفصة بعد خنيس بن حذافة :ما بال محمد يتزوج نساءنا! وال لو قد مات
لجلنا السهام على نسائه ،فنزلت الية في هذا ،فحرم ال نكاح أزواجه من بعده ،وجعل لهن حكم
المهات .وهذا مففن خصففائصه تمييزا لشرفففه وتنبيهففا على مرتبتففه صففلى ال عليففه وسففلم .قال
الشافعي رحمه ال :وأزواجه صلى ال عليه وسلم اللتي مات عنهن ل يحل لحد نكاحهن ،ومن
استحل ذلك كان كافرا ،لقوله تعالى" :وما كان لكم أن تؤذوا رسول ال ول أن تنكحوا أزواجه من
بعده أبدا" .وقد قيل :إنما منع من التزوج بزوجاته ،لنهن أزواجه في الجنة ،وأن المرأة في الجنة
لخفر أزواجهفا .قال حذيففة لمرأتفه :إن سفرك أن تكونفي زوجفة ففي الجنفة إن جمعنفا ال فيهفا فل
تزوجفي مفن بعدي ،فإن المرأة لخفر أزواجهفا .وقفد ذكرنفا مفا للعلماء ففي هذا ففي (كتاب التذكرة)
من أبواب الجنة.
@ اختلف العلماء في أزواج النبي صلى ال عليه وسلم بعد موته ،هل بقين أزواجه أم زال النكاح
بالموت ،وإذا زال النكاح بالموت فهفل عليهفن عدة أم ل؟ فقيفل :عليهفن العدة ،لنفه توففي عنهفن،
والعدة عبادة .وقيفل :ل عدة عليهفن ،لنهفا مدة تربفص ل ينتظفر بهفا الباحفة .وهفو الصفحيح ،لقوله
عليه السلم( :ما تركت بعد نفقة عيالي) وروي (أهلي) وهذا اسم خاص بالزوجية ،فأبقى عليهن
النفقة والسكنى مدة حياتهن لكونهن نساءه ،وحرمن على غيره ،وهذا هو معنى بقاء النكاح .وإنما
جعل الموت في حقه عليه السلم لهن بمنزلة المغيب في حق غيره ،لكونهن أزواجا له في الخرة
قطعا بخلف سائر الناس ،لن الرجل ل يعلم كونه مع أهله في دار واحدة ،فربما كان أحدهما في
الجنفة والخفر ففي النار ،فبهذا انقطفع السفبب ففي حفق الخلق وبقفي ففي حفق النفبي صفلى ال عليفه
وسلم وقد قال عليه السلم( :زوجاتي في الدنيا هن زوجاتي في الخرة) .وقال عليه السلم( :كل
سفبب ونسفب ينقطفع إل سفببي ونسفبي فإنفه باق إلى يوم القيامفة) .فرع -فأمفا زوجاتفه عليفه السفلم
اللتي فارقهن في حياته مثل الكلبية وغيرها ،فهل كان يحل لغيره نكاحهن؟ فيه خلف .والصحيح
جواز ذلك ،لمفا روي أن الكلبيفة التفي فارقهفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم تزوجهفا عكرمفة بفن
أبي جهل على ما تقدم .وقيل :إن الذي تزوجها الشعث بن قيس الكندي .قال ،القاضي أبو الطيب:
الذي تزوجها مهاجر بن أبي أمية ،ولم ينكر ذلك أحد ،فدل على أنه إجماع" .إن ذلكم كان عند ال
عظيمفا" يعنفي أذيفة رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أونكاح أزواجفه ،فجعفل ذلك مفن جملة الكبائر
ول ذنب أعظم منه.
@ قد بينا سبب نزول الحجاب من حديث أنس وقول عمر ،وكان يقول لسودة إذا خرجت وكانت
امرأة طويلة :قفد رأيناك يفا سفودة ،حرصفا على أن ينزل الحجاب ،فأنزل ال آيفة الحجاب .ول بعفد
ففي نزول اليفة عنفد هذه السفباب كلهفا -وال أعلم -بيفد أنفه لمفا ماتفت زينفب بنفت جحفش قال :ل
يشهد جنازتها إل ذو محرم منها ،مراعاة للحجاب الذي نزل بسببها .فدلته أسماء بنت عميس على
سترها ففي النعش في القبة ،وأعلمته أنها رأت ذلك في بلد الحبشة فصنعه عمر .وروي أن ذلك
صنع في جنازة فاطمة بنت النبي صلى ال عليه وسلم.
**3الية{ 54 :إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن ال كان بكل شيء عليما}
@ البارئ سفبحانه وتعالى عالم بمفا بدا ومفا خففي ومفا كان ومفا لم يكفن ،ل يخففى عليفه ماض
تقضى ،ول مستقبل يأتي .وهذا على العموم تمدح به ،وهو أهل المدح والحمد .والمراد به ها هنا
التوبيخ والوعيد لمن تقدم التعريض به في الية قبلها ،ممن أشير إليه بقوله" :ذلكم أطهر لقلوبكم
وقلوبهن" ،ومن أشير إليه في قوله" :وما كان لكم أن تؤذوا رسول ال ول أن تنكحوا أزواجه من
بعده أبدا" فقيففل لهففم فففي هذه اليففة :إن ال تعالى يعلم مففا تخفونففه مففن هذه المعتقدات والخواطففر
المكروهة ويجازيكم عليها .فصارت هذه الية منعطفة على ما قبلها مبينة لها .وال أعلم.
**3الية{ 55 :ل جناح عليهن في آبائهن ول أبنائهن ول إخوانهن ول أبناء إخوانهن ول أبناء
أخواتهن ول نسائهن ول ما ملكت أيمانهن واتقين ال إن ال كان على كل شيء شهيدا}
@ لمفا نزلت آيفة الحجاب قال الباء والبناء والقارب لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم :ونحفن
أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الية.
@ ذكر ال تعالى في هذه الية من يحل للمرأة البروز له ،ولم يذكر العم والخال لنهما يجريان
مجرى الوالديفن .وقفد يسفمى العفم أبفا ،قال ال تعالى" :نعبفد إلهفك وإله آبائك إبراهيفم وإسفماعيل"
[البقرة ]133 :وإسماعيل كان العم .قال الزجاج :العم والخال ربما يصفان المرأة لولديهما ،فإن
المرأة تحفل لبفن العفم وابفن الخال فكره لهمفا الرؤيفة .وقفد كره الشعفبي وعكرمفة أن تضفع المرأة
خمارهفا عنفد عمهفا أو خالهفا .وقفد ذكفر ففي هذه اليفة بعفض المحارم وذكفر الجميفع ففي سفورة
"النور" ،فهذه الية بعض تلك ،وقد مضى الكلم هناك مستوفى ،والحمد ل.
@قوله تعالى" :واتقيفن ال" لمفا ذكفر ال تعالى الرخصفة ففي هذه الصفناف وانجزمفت الباحفة،
عطفف بأمرهفن بالتقوى عطفف جملة .وهذا ففي غايفة البلغفة واليجاز ،كأنفه قال :اقتصفرن على
هذا واتقين ال فيه أن تتعدينه إلى غيره .وخص النساء بالذكر وعنهن في هذا المر ،لقلة تحفظهن
وكثرة استرسالهن .وال أعلم .ثن توعد تعالى بقوله" :إن ال كان على كل شيء شهيدا".
**3اليفة{ 56 :إن ال وملئكتفه يصفلون على النفبي يفا أيهفا الذيفن آمنوا صفلوا عليفه وسفلموا
تسليما}
@ هذه الية شرف ال بها رسوله عليه السلم حياته وموته ،وذكر منزلته منه ،وطهر بها سوء
فعل من استصحب في جهته فكرة سوء ،أو في أمر زوجاته ونحو ذلك .والصلة من ال رحمته
ورضوانه ،ومن الملئكة الدعاء والستغفار ،ومن لمة الدعاء والتعظيم لمره
@ مسففألة :واختلف العلماء فففي الضميففر فففي قوله" :يصففلون" فقالت فرقففة :الضميففر فيففه ل
والملئكفة ،وهذا قول مفن ال تعالى شرف بفه ملئكتفه ،فل يصفحبه العتراض الذي جاء ففي قول
الخطيفب :مفن يطفع ال ورسفوله فقفد رشفد ،ومفن يعصفهما فقفد غوى .فقال له رسفول ال صفلى ال
عليه وسلم( :بئس الخطيب أنت ،قل ومن يعصى ال ورسوله) أخرجه الصحيح .قالوا :لنه ليس
لحد أن يجمع ذكر ال تعالى مع غيره في ضمير ،ول أن يقع في ذلك ما يشاء .وقالت فرقة :في
الكلم حذف ،تقديره إن ال يصفلي وملئكتفه يصفلون ،وليفس ففي اليفة اجتماع ففي ضميفر ،وذلك
جائز للبشر فعله .ولم يقل رسول ال صلى ال عليه وسلم (بئس الخطيب أنت) لهذا المعنى ،وإنما
قال لن الخطيفب وقفف على ومفن يعصفهما ،وسفكت سفكتة .واسفتدلوا بمفا رواه أبفو داود عفن عدي
بففن حاتففم أن خطيبففا خطففب عنففد النففبي صففلى ال عليففه وسففلم فقال :مففن يطففع ال ورسففول ومففن
يعصفهما .فقال( :قفم -أو اذهفب -بئس الخطيفب أنفت) .إل أنفه يحتمفل أن يكون لمفا خطأه ففي وقففه
وقال له( :بئس الخطيب) أصلح له بعد ذلك جميع كلمه ،فقال( :قل ومن يعص ال ورسول) كما
فففي كتاب مسففلم .وهففو يؤيففد القول الول بأنففه لم يقففف على "ومففن يعصففهما" .وقرأ ابففن عباس:
"وملئكه" بالرفع على موضع اسم ال قبل دخول "إن" .والجمهور بالنصب عطفا على المكتوبة.
@قوله تعالى" :يفا أيهفا الذيفن آمنوا صفلوا عليفه" أمفر ال تعالى عباده بالصفلة على نفبيه محمفد
صلى ال عليه وسلم دون أنبيائه تشريفا له ،ول خلف في أن الصلة عليه فرض في العمر مرة،
وففي كفل حيفن مفن الواجبات وجوب السفنن المؤكدة التفي ل يسفع تركهفا ول يغفلهفا إل مفن ل خيفر
فيفه .الزمخشري :فإن قلت الصفلة على رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم واجبفة أم مندوب إليهفا؟
قلت :بفل واجبفة .وقفد اختلفوا ففي حال وجوبهفا ،فمنهفم من أوجبهفا كلمفا جرى ذكره .وففي الحديفث:
(من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده ال) .وروى أنه قيل له :يا رسول ال ،أرأيت
قول ال عفز وجفل" :إن ال وملئكتفه يصفلون على النفبي" فقال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :هذا
مفن العلم المكنون ولول أنكفم سفألتموني عنه مفا أخفبرتكم به إن ال تعالى وكفل بفي ملكيفن فل أذكفر
عنفد مسفلم فيصفلي .علي إل قال ذلك الملكان غففر .ال لك وقال ال تعالى وملئكتفه جوابفا لذينفك
الملكيفن أميفن .ول أذكفر .عنفد عبفد مسفلم فل يصفلي علي إل قال ذلك الملكان ل غففر ال لك وقال
ال تعالى وملئكتفه لذينفك الملكيفن أميفن) .ومنهفم مفن قال :تجفب ففي كفل مجلس مرة وإن تكرر
ذكره ،كمفا قال ففي آيفة السفجدة وتشميفت العاطفس .وكذلك ففي كفل دعاء ففي أوله وأخره ومنهفم من
أوجبهفا ففي العمفر .وكذلك قال ففي إظهار الشهادتيفن .والذي يقتضيفه الحتياط :الصفلة عنفد كفل
ذكر ،لما ورد من الخبار في ذلك.
@ واختلففت الثار ففي صففة الصفلة عليفه صفلى ال عليفه وسفلم فروى مالك عفن أبفي مسفعود
النصفاري قال :أتانفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ونحفن ففي مجلس سفعد بفن عبادة ،فقال له
بشيفر بفن سفعد :أمرنفا ال أن نصفلي عليفك يفا رسفول ال ،فكيفف نصفلي عليفك؟ قال :فسفكت رسفول
ال صلى ال عليه وسلم حتى ،تمنينا أنه لم يسأله ،ثم قال رسول ال صلى( :قولوا اللهم صل على
محمفد وعلى آل محمفد كمفا صفليت على إبراهيفم وبارك على محمفد وعلى آل محمفد كمفا باركفت
على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلم كما قد علمتم) .ورواه النسائي
عن طلحة مثله ،بإسقاط قوله( :في العالمين) وقوله( :والسلم كما قد علمتم) .وفي الباب عن كعب
بفن عجرة وأبفي حميفد .السفاعدي وأبفي سفعيد الخدري وعلي بفن أبفي طالب وأبفي هريرة وبريدة
الخزاعفي وزيفد بفن خارجفة ،ويقال ابفن حارثفة أخرجهفا أئمفة أهفل الحديفث ففي كتبهفم .وصفحح
الترمذي حديث كعب بن عجرة .أخرجه مسلم في صحيحه مع حديث أبي حميد الساعدي .قال أبو
عمر :روى شعبة والثوري عن الحكم ابن عبدالرحمن بن ابن ليلى عن كعب بن عجرة قال :لما
نزل قوله :تعالى" :يفا أيهفا الذيفن آمنوا صفلوا عليفه وسفلموا تسفليما" جاء رجفل إلى النفبي صفلى ال
عليفه وسفلم فقال :يفا رسفول ال ،هذا السفلم عليفك قفد عرفناه فكيفف الصفلة؟ فقال( :قفل الهفم صفل
على محمففد .وعلى آل محمففد كمففا صففليت على إبراهيففم وبارك على محمففد وعلى آل محمففد كمففا
باركفت على إبراهيفم وعلى آل إبراهيفم إنفك حميفد مجيفد) وهذا لففظ حديفث الثوري ل حديفث شعبفة
وهفو يدخفل ففي التفسفير المسفند إليفه لقول ال تعالى" :إن ال وملئكتفه يصفلون على النفبي يفا أيهفا
الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" فبين كيف الصلة عليه وعلمهم في التحيات كيف السلم.
عليفه ،وهو قوله( :السفلم عليفك أيهفا النفبي ورحمفة ال وبركاتفه) .وروى المسفعودي عفن عون بفن
عبدال عن أبي فاختة عن السود عن عبدال أنه قال :إذا صليتم على النبي صلى ال عليه وسلم
فأحسففنوا الصففلة عليففه ،فإنكففم ل تدرون لعففل ذلك يعرض عليففه .قالوا فعلمنففا ،قال( :قولوا اللهففم
اجعففل صففلواتك ورحمتففك وبركاتففك على سففيد المرسففلين وإمام أبعثففه مقامففا محمودا يغبطففه بففه
الولون والخرون .اللهففم صففل على محمففد وعلى آل محمففد كمففا صففليت على إبراهيففم وعلى آل
إبراهيم إنك حميد مجيد .اللهم بارك على محمد وعلى آل حمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنك حمد مجيد) .ورويناه بالسناد المتصل في كتاب (الشفا) للقاضي عياض عن علي بن
أبي طالب رضي ال عنه قال :عدهن في يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال( :عدهن ففي
يدي جبريففل وقال هكذا أنزلت مففن عنففد رب العزة اللهففم صففل على محمففد وعلى آل محمففد كمففا
صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما
باركفت على إبراهيفم وعلى آل إبراهيفم إنفك حميفد مجيفد .اللهفم وترحفم على محمفد وعلى آل محمفد
كمفا ترحمفت على إبراهيفم وعلى آل إبراهيفم إنفك حميفد مجيفد .اللهفم وتحنفن على محمفد وعلى آل
محمفد كمفا تحننفت على إبراهيفم وعلى آل إبراهيفم إنفك حميفد مجيفد) .قال ابفن العربفي :مفن هذه
الروايات صففحيح ومنهفا سفقيم ،وأصففحها مفا رواه مالك فاعتمدوه .وروايفة غيفر مالك مفن زيادة
الرحمة مع الصلة وغيرها ل يقوى ،وإنما على الناس أن ينظروا في أديانهم نظرهم في أموالهم،
وهم ل يأخذون في البيع دينارا معيبا ،وإنما يختارون السالم الطيب ،كذلك ل يؤخذ من الروايات
عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم إل مفا صفح عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم سفنده ،لئل يدخفل ففي
حيز الكذب على رسول ال صلى ال عليه وسلم فبينما هو يطلب الفضل إذا به قد أصاب النقص،
بل ربما أصاب الخسران المبين.
@ في فضل الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم ثبت عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال( :من
صلى علي صلة صلى ال عليه بها عشرا) .وقال سهل بن عبدال :الصلة على محمد صلى ال
عليفه وسفلم أفضفل العبادات ،لن ال تعالى تولهفا هفو وملئكفه ،ثفم أمفر بهفا المؤمنيفن ،وسفائر
العبادات ليفس كذلك .قال أبفو سفليمان الدارانفي :مفن أراد أن يسفأل ال حاجفة فليبدأ بالصفلة على
النبي صلى ال عليه وسلم ،ثم يسأل ال حاجته ،ثم يختم بالصلة على النبي صلى ال عليه وسلم
فإن ال تعالى يقبل الصلتين وهو أكرم من أن يرد ما بينهما .وروى سعيد بن المسيب عن عمر
بن الخطاب رضي عنه أنه قال :الدعاء يحجب دون السماء حتى يصلى على النبي صلى ال عليه
وسلم ،فإذا جاءت الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم رفع الدعاء .وقال النبي صلى ال عليه
وسفلم( :مفن صفلى علي وسفلم علي ففي كتاب لم تزل الملئكفة يصفلون عليفه مفا دام اسفمي ففي ذلك
الكتاب).
@ واختلف العلماء ففي الصفلة على النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي الصفلة ،فالذي عليفه الجفم
الغفير والجمهور الكثير :أن ذلك من سنن الصلة ومستحباتها .قال ابن المنذر :يستحب أل يصلي
أحد صلة إل صلى ال عليه وسلم فيها على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فإن ترك ذلك تارك
فصفلته مجزيفة ففي مذاهفب مالك وأهفل المدينفة وسففيان الثوري وأهفل الكوففة مفن أصفحاب الرأي
وغيرهم .وهو قول جل أهل العلم .وحكي عن مالك وسفيان أنها في التشهد الخير مستحبة ،وأن
تاركهفا ففي التشهفد مسفيء وشفذ الشافعفي فأوجفب على تاركهفا ففي الصفلة العادة وأوجفب إسفحاق
العادة مفع تعمفد تركهفا دون النسفيان .وقال أبفو عمفر :قال الشافعفي إذا لم يصفل على النفبي صفلى
ال عليفه وسفلم ففي التشهفد الخيفر بعفد التشهفد وقبفل التسفليم أعاد الصفلة .قال :وإن صفلى ال عليفه
وسففلم عليففه قبففل ذلك لم تجزه .وهذا قول حكاه عنففه حرملة بففن يحيففى ،ل يكاد يوجففد هكذا عففن
الشافعفي إل مفن ورايفة حرملة عنفه ،وهفو مفن كبار أصفحابه الذيفن كتبوا كتبفه .وقفد تقلده أصفحاب
الشافعفي ومالوا إليفه وناظروا عليفه ،وهفو عندهفم تحصفيل مذهبفه .وزعفم الطحاوي أنفه لم يقفل بفه
أحد من أهل العلم غيره .وقال الخطابي وهو من أصحاب الشافعي :وليست بواجبة في ،الصلة،
وهو قول جماعة الفقهاء إل الشافعي ،ول أعلم له فيها قدوة .والدليل على أنها ليست من فروض،
الصفلة عمفل السفلف الصفالح قبفل الشافعفي وإجماعهفم عليفه ،وقفد شنفع عليفه ففي هذه المسفألة جدا.
وهذا تشهد ابن مسعود الذي اختاره الشافعي وهو الذي علمه النبي صلى ال عليه وسلم ليس فيه
الصفلة على النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وكذلك كفل مفن روي التشهفد عنفه صفلى ال عليفه وسفلم.
وقال ابفن عمفر :فإن أبفو بكفر يعلمنفا الشهفد على المنفبر كمفا تعلمون الصفبيان ففي الكتاب .وعلمفه
أيضا على المنبر عمر ،وليس فيه ذكر الصلة على ،النبي صلى ال عليه وسلم.
قلت :قد قال بوجوب الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم في الصلة محمد .بن المواز من
أصحابنا فيما ذكر ابن القصار وعبدالوهاب ،واختاره ابن العربي للحديث الصحيح :إن ال أمرنا
أن نصفلي عليفك فكيفف نصفلي عليفك؟ فعلم الصفلة ووقتهفا فتعينفت كيفيفة ووقتفا .وذكفر الدارقطنفي
عن أبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين أنه قال :لو صليت صلة لم أصل فيها على النبي صلى
ال عليه وسلم ول على أهل بيته لرأيت أنها ل تتم .وروي مرفوعا عنه عن ابن مسعود عن النبي
صلى ال عليه وسلم .والصواب أنه قول أبي جعفر ،قال الدارقطني.
@قوله تعالى" :وسلموا تسليما" قال القاضي أبو بكر بن بكير :نزلت هذه الية على النبي صلى
ال عليفه وسفلم فأمفر ال أصفحابه أن يسفلموا عليفه .وكذلك مفن بعدهفم امروا أن يسفلموا عليفه عنفد
حضورهفم قفبره وعنفد ذكره .وروى النسفائي عفن عبدال بفن أبفي طلحفة عفن أبيفه أن رسفول ال
صفلى ال عليفه وسفلم جاء ذات يوم والبشفر يرى ففي وجهفه ،فقلت :إنفا لنرى البشرى ففي وجهفك!
فقال( :إنه أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك إنه ل يصلي عليك أحد إل صليت
عليه عشرا ول يسلم عليك أحد إل سلمت عليه عشرا) .وعن محمد بن عبدالرحمن أن رسول ال
صلى ال عليه وسلم قال( :ما منكم من أحد يسلم علي إذا مت إل جاءني سلمه مع جبريل يقول يا
محمففد هذا فلن بففن فلن يقرأ عليففك السففلم فأقول وعليففه السففلم ورحمففة ال وبركاتففه) وروى
النسائي عن عبدال قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إن ل ملئكة سياحين في الرض
يبلغوني من أمتي السلم) .قال القشيري والتسليم قولك :سلم عليك.
**3الية{ 57 :إن الذين يؤذون ال ورسوله لعنهم ال في الدنيا والخرة وأعد لهم عذابا مهينا}
@ اختلف العلماء ففي أذيفة ال بماذا تكون؟ فقال الجمهور مفن العلماء :معناه بالكففر ونسفبة
الصفاحبة والولد والشريفك إليفه ،ووصففه بمفا ل يليفق بفه ،كقول اليهود لعنهفم ال :وقالت اليهود يفد
ال مغلولة .والنصفارى :المسفيح ابفن ال .والمشركون :الملئكفة بنات ال والصفنام شركاؤه .وففي
صففحيح البخاري قال ال تعالى( :كذبنففي ابففن آدم ولم يكففن له ذلك وشتمنففي ولم يكففن له ذلك)...
الحديث .وقد تقدم في سورة "مريم" وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال ال تبارك وتعالى:
(يؤذينفي ابفن آدم يقول يفا خيبفة الدهفر فل يقولن أحدكفم يفا خيبفة الدهفر فإنفي أنفا الدهفر أقلب ليله
ونهاره فإذا شئت قبضتهمفا) .هكذا جاء هذا الحديفث موقوففا على أبفي هريرة ففي هذه الروايفة .وقفد
جاء مرفوعا عنه (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار) أخرجه أيضا مسلم.
وقال عكرمة :معناه بالتصوير والتعرض لفعل ما ل يفعله إل ال بنحت الصور وغيرها ،وقد قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم( :لعن ال المصورين).
قلت :وهذا ممفا يقوي قول مجاهفد ففي المنفع مفن تصفوير الشجفر وغيرهفا؛ إذ كفل ذلك صففة
اختراع وتشبه بفعل ال الذي انفرد به سبحانه وتعالى .وقد تقدم هذا في سورة "النمل" والحمد ل.
وقالت فرقفة :ذلك على حذف مضاف ،تقديره :يؤذون أولياء ال .وأمفا أذيفة رسفوله صفلى ال عليفه
وسلم فهي كل ما يؤذيه من القوال في غير معنى واحد ،ومن الفعال أيضا .أما قولهم" :فساحر
شاعفر .كاهفن مجنون .وأمفا فعلهفم :فكسفر رباعيتفه وشفج وجهفه يوم أحفد ،وبمكفة إلقاء السفلى على
ظهره وهفو سفاجد" إلى غيفر ذلك .وقال ابفن عباس :نزلت ففي الذيفن طعنوا عليفه حيفن اتخفذ صففية
بنت أبي حيي .وأطلق إيذاء ال ورسوله وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات ،لن إيذاء ال ورسول ل
يكون إل بغير حق أبدا .وأما إيذاء المؤمنين والمؤمنات فمنه ..ومنه..
@ قال علماؤنا :والطعن في تأمير أسامة بن زيد أذية له عليه السلم .وروى الصحيح عن ابن
عمفر قال :بعفث رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بعثفا وأمفر عليهفم أسفامة بفن زيفد فطعفن الناس ففي
إمرتفه؛ فقام رسفول ال صفلى فقال( :إن تطعنوا ففي إمرتفه فقفد كنتفم تطعنون ففي إمرة أبيفه مفن قبفل
وايفم ال إن كان لخليقفا للمارة وإن كان لمفن أحفب الناس إلي وإن هذا لمفن أحفب الناس إلى بعده).
وهذا البعث -وال أعلم -هو الذي جهزه رسول ال صلى ال عليه وسلم مع أسامة وأمره عليهم
وأمره أن يغزوا "أبنى" وهي القرية التي عند موتة ،الموضع الذي قتل فيه زيد أبوه جعفر بن أبي
طالب وعبدال بن رواحة .فأمره أن يأخذ بثأر أبيه فطعن من في قلبه ريب ففي إمرته؛ من حيث
إنفه كان مفن الموالي ،ومفن حيفث إنفه كان صفغير السفن؛ لنفه كان إذ ذاك ابفن ثمان عشرة سفنة؛
فمات النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وقفد برز هذا البعفث عن المدينفة ولم ينفصفل بعفد عنهفا؛ فنفذه أبفو
بكر بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم.
@ في هذا الحديث أوضح دليل على جواز إمامة المولى والمفضول على غيرهما ما عدا المامة
الكبرى .وقدم رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم مولى أبي حذيفة على الصلة
بقباء ،فكان يؤمهم وفيهم أبو بكر وعمر وغيرهم من كبراء قريش .وروى الصحيح عن عامر بن
واثلة أن نافففع بففن عبففد الحارث لقففي عمففر بعسفففان ،وكان عمففر يسففتعمله محلى مكففة فقال :مففن
اسففتعملت على هذا الوادي؟ قال :ابففن أبزى .قال :ومففن ابففن أبزى؟ قال :مولى مففن موالينففا .قال:
فاسفتخلفت عليهفم مولى! قال :إنفه لقارئ لكتاب ال لنفه لعالم بالفرائض -قال -أمفا إن نفبيكم قفد
قال( :إن ال يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين).
@ كان أسامة رضي ال عنه الحب ابن الحب وبذلك كان يدعي ،وكان أسود شديد السواد ،وكأن
زيفد أبوه أبيفض مفن القطفن .هكذا ذكره أبفو داود عفن أحمفد بفن صفالح .وقال غيفر أحمفد :كان زيفد
أزهفر اللون وكان أسفامة شديفد الدمفة .ويروى أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم كان يحسفن أسفامة
وهو صغير ويمسح مخاطه ،وينقي أنفه ويقول( :لو كان أسامة جارية لزيناه وجهزناه وحببناه إلى
الزواج) .وقفد ذكفر أن سفبب ارتداد العرب بعفد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ،أنفه لمفا كان عليفه
السلم في حجة الوداع بجبل عرفة عشية عرفة عند النفر ،احتبس النبي صلى ال عليه وسلم قليل
بسففبب أسففامة إلى أن أتاه؛ فقالوا :مففا أحتبففس إل لجففل هذا! تحقيرا له .فكان قولهففم هذا سففبب
ارتدادهم .ذكره البخاري في التاريخ بمعناه .وال أعلم.
@ كان عمر رضي ال عنه يفرض لسامة في العطاء خمسة آلف ،ولبنه عبدال ألفين؛ فقال له
عبدال :فضلت علي أسامة وقد شهدت ما لم يشهد! فقال :إن أسامة كان أحب إلى رسول ال صلى
ال عليفه وسفلم منفك ،وأباه كان أحفب إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ال عليفه وسفلم ،أبيفك،
ففضفل رضفي ال عنفه من محبوب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم على محبوبفه .وهكذا يجفب أن
يحفب مفا أحفب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ويبغفض مفن أبغفض .وقفد قابفل مروان هذا الحفب
بنقيضه؛ وذلك أنه مر بأسامة بن زيد وهو يصلي عند باب بيت النبي صلى ال عليه وسلم فقال له
مروان :إنما أردت أن نرى مكانك ،فقد رأينا مكانك ،فعل ال بك! وقال قول قبيحا .فقال له أسامة:
إنك أذيتني ،وإنك فاحش متفحش ،وقد سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول(:إن ال تعالى
يبغفض الفاحفش المتفحفش) .فانظفر مفا بيفن الفعليفن وقفس مفا بيفن الرجليفن ،فقفد أذى بنفو أميفة النفبي
صلى ال عليه وسلم في أحبابه ،وناقضوه في محابه.
@قوله تعالى" :لعنهفم ال" معناه أبعدوا مفن كفل خيفر .واللعفن ففي اللغفة :البعاد ،ومنفه اللعان.
"وأعد لهم عذابا مهينا" تقدم معناه في غير موضع .والحمد ل رب العالمين.
**3اليفة{ 58 :والذيفن يؤذون المؤمنيفن والمؤمنات بغيفر مفا اكتسفبوا فقفد احتملوا بهتانفا وإثمفا
مبينا}
@ أذيفة المؤمنيفن والمؤمنات هفي أيضفا بالفعال والقوال القبيحفة ،كالبهتان والتكذيفب الفاحفش
المختلق .وهذه اليفة نظيفر اليفة التفي ففي النسفاء" :ومن يكسفب خطيئة أو إثمفا ثفم يرم به بريئا فقفد
احتمفل بهتانفا وإثمفا مبينفا" [النسفاء ]112 :كمفا قال هنفا .وقفد قيفل :إن مفن الذيفة تعييره بحسفب
مذموم ،أو حرففة مذمومفة ،أو شيفء يثقفل عليفه إذا سفمعه ،لن أذاه ففي الجملة حرام .وقفد ميفز ال
تعالى بيففن أذاه وأذى الرسففول وأذى المؤمنيففن فجعففل الول كفرا والثانففي كففبيرة ،فقال فففي أذى
المؤمنيفن" :فقفد احتملوا بهتانفا وإثمفا مبينفا" وقفد بيناه .وروي أن عمفر بفن الخطاب قال لبفي بفن
كعففب :قرأت البارحففة هذه اليففة ففزعففت منهففا "والذيففن يؤذون المؤمنيففن والمؤمنات بغيففر مففا
اكتسبوا" الية ،وال إني لضربهم وأنهرهم .فقال له أبي :يا أمير المؤمنين ،لست منهم ،إنما أنت
معلم ومقوم .وقفد قال :إن سفبب نزول هذه اليفة أن عمفر رأى جاريفة مفن النصفار فضربهفا وكره
مفا رأى مفن زينتهفا ،فخرج أهلهفا فآذوا عمفر بالسفان؛ فأنزل ال هذه اليفة .وقيفل :نزلت ففي علي،
فإن المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه .رضي ال عنه.
**3اليفة{ 59 :يفا أيهفا النفبي قفل لزواجفك وبناتفك ونسفاء المؤمنيفن يدنيفن عليهفن مفن جلبيبهفن
ذلك أدنى أن يعرفن فل يؤذين وكان ال غفورا رحيما}
@قوله تعالى" :قفل لزواجفك وبناتفك" قفد مضفى الكلم ففي تفضيفل أزواجفه واحدة واحدة .قال
قتادة :مات رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي تسفع .خمفس مفن قريفش :عائشفة ،وحفصفة ،وأم
حبيبفة ،وسفودة ،وأم سفلمة .وثلث مفن سفائر العرب :ميمونفة ،وزينفب بنفت جحفش ،وجويريفة.
وواحدة من بني هارون :صفية .وأما أولده فكان للنبي صلى ال عليه وسلم أولد ذكور وإناث.
فالذكور من أولده :القاسم ،أمه خديجة ،وبه كان يكنى صلى ال عليه وسلم ،وهو أول من مات
مفن أولده ،وعاش سفنتين .وقال عروة :ولدت خديجفة للنفبي صفلى ال ليفه وسفلم القاصفم والطاهفر
وعبدال والطيفب .وقال أبفو بكفر البرقفي :ويقال إن الطاهفر هفو الطيفب وهفو عبدال .وإبراهيفم أمفه
مارية القبطية ،ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة ،وتوفي ابن ستة عشر شهرا ،وقيل ثمانية
عشر؛ ذكره الدارقطني .ودفن بالبقيع .وقال صلى ال عليه وسلم( :إن له موضعا تتم رضاعه في
الجنفة) .وجميفع أولد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم مفن خديجفة سفوى إبراهيفم .وكفل أولده ماتوا ففي
حياته غير فاطمة.
وأما الناث من أولده فمنهن :فاطمة الزهراء بنت خديجة ،ولدتها وقريش تبني النبي صلى ال
عليه وسلم قبل النبوة بخمس سنين ،وهي أصغر بناته ،وتزوجها علي رضي ال عنهما في السنة
الثانيفة من الهجرة ففي رمضان ،وبنى بها ففي ذي الحجة .وقيفل :تزوجها ففي رجفب ،وتوفيفت بعد
رسول ال صلى ال عليه وسلم بيسير ،وهي أول من لحقه من أهل بيته .رضى ال عنها..
ومنهن :زينب -أمها خديجة -تزوجها ابن خالتها أبو العاصفي بن الربيع ،وكانت أم العاصي
هالة بنفت خويلد أخفت خديجفة .واسفم أبفي العاصفي لقيفط .وقيفل هاشفم .وقيفل هشيفم وقيفل مقسفم.
وكانفت أكفبر بنات رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ال عليفه وسفلم ،وتوفيفت -ثمان مفن الهجرة،
ونزل رسول ال صلى ال عليه وسلم في قبرها.
ومنهن :رقة -أمها خديجة -تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل النبوة ،فلما بعث رسول ال صلى
ال عليفه وسفلم اله عليفه وسفلم وأنزل عليفه" :تبفت يدا أبفي لهفب" [المسفد ]1 :قال أبفو لهفب لبنفه:
رأسفي مفن رأسفك حرام إن لم تطلق ابنتفه؛ ففارقهفا ولم يكفن بنفى بهفا .وسفلمت حيفن أسفلمت أمهفا
خديجة ،وبايعت رسول ال صلى ال عليه وسلم هي وأخواتها حين بايعه النساء ،وتزوجها عثمان
بن عفان ،وكانت نساء قريش يقلن حين تزوجها عثمان:
رقية وبعلها عثمان أحسن شخصين رأى إنسان
وهاجرت معفه إلى أرض الحبشفة الهجرتيفن ،وكانفت قفد أسفقطت مفن عثمان سفقطا ،ثفم ولدت بعفد
ذلك عبدال ،وكان عثمان يكنفى بفه ففي السفلم ،وبلغ سفت سفنين فنقره ديفك ففي وجهفه فمات ،ولم
تلد له شيئا بعد ذلك .وهاجرت إلى المدينة ومرضت ورسول ال صلى ال عليه وسلم يتجهز إلى
بدر فخلف عثمان عليهفا ،فتوفيفت ورسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ببدر ،على رأس سفبعة عشفر
شهرا من الهجرة .وقدم زيد بن حارثة بشيرا من بدر ،فدخل المدينة حين سوي التراب على بقية.
ولم يشهد دفنها رسول ال صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم.
ومنهن :أم كلثوم -أمهفا خديجة -تزوجها عتيبة بن أبفي لهفب -أخو عتبة -قبفل النبوة ،وأمره
أبوه أن يفارقهفا للسفبب المذكور ففي أمفر رقيفة ،ولم يكفن دخفل بهفا ،حتفى نزل بمكفة مفع رسفول ال
صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم وأسلمت حين أسلمت أمها ،وبايعت رسول ال صلى ال عليه
وسفلم مفع أخواتهفا حيفن بايعفه النسفاء ،وهاجرت إلى المدينفة حيفن هاجفر رسفول ال صفلى ال عليفه
وسلم ال صلى ال عليه وسلم .فلما توفيت رقية تزوجها عثمان ،وبذلك سمي ذا النورين .وتوقيت
ففي حياة النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي شعبان سفنة تسفع مفن الهجرة .وجلس رسفول ال صفلى ال
عليفه وسفلم على قبرهفا ،ونزل ففي حفرتهفا علي والفضفل وأسفامة .وذكفر الزبيفر بفن بكار أن أكفبر
ولد النبي صلى ال عليه وسلم :القاسم ،ثم زينب ،ثم عبدال ،وكان يقال له الطيب والطاهر ،وولد
بعد النبوة ومات صغيرا ثم أم كلثوم ،ثم فاطمة ،ثم رقية .فمات القاسم بمكة ثم مات عبدال.
@ لما كانت عادة العربيات التبذل ،وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الماء ،وكان ذلك داعية إلى
نظر الرجال إليهن ،وتشعب الفكرة فيهن ،أمر ال رسوله صلى ال عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء
الجلبيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن ،وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف
-فيقع الفرق بينهن وبين الماء ،فتعرف الحرائر بسترهن ،فيكف عن معارضتهن من كان عزبا
أو شابفا .وكانت المرأة من نساء المؤمنيفن قبفل نزول هذه الية تتفبرز للحاجة فيتعرض لها بعفض
الفجار .يظن أنها أمة ،فتصيح به فيذهب ،فشكوا ذلك إلى النبي صلى ال عليه وسلم ونزلت الية
بسبب ذلك .قال معناه الحسن وغيره.
@قوله تعالى" :مفن جلبيبهفن" الجلبيفب جمفع جلباب ،وهفو ثوب أكفبر مفن الخمار .وروى عفن
ابفن عباس وابفن مسفعود أنفه الرداء .وقفد قيفل :إنفه القناع .والصفحيح أنفه الثوب الذي يسفتر جميفع
البدن .وففي صفحيح مسفلم عفن أم عطيفة :قلت :يفا رسفول ال .إحدانفا ل يكون لهفا .جلباب؟ قال:
(لتلبسها أختها من جلبابها).
واختلف الناس في صورة إرخائه؛ فقال ابن عباس وزبيدة السلماني :ذلك أن تلويه المرأة حتى
ل يظهفر منهفا إل عيفن واحدة تبصفر بهفا .وقال ابفن عباس أيضفا وقتادة :ذلك أن تلويفه فوق الجفبين
وتشده ،ثم تعطفه على النف ،وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه .وقال الحسن:
تغطي نصف وجهها.
أمر ال سبحانه جميع النساء بالستر ،أو ذلك ل يكون إل بما ل يصف جلدها ،إل إذا كانت مع
زوجهفا فلهفا أن تلبفس مفا شاءت؛ لن له أن يسفتمتع بهفا كيفف شاء .ثبفت أن النفبي صفلى ال عليفه
وسفلم اسفتيقظ ليلة فقال( :سفبحان ال ماذا أنزل الليلة مفن الفتفن وماذا فتفح مفن الخزائن مفن يوقفظ
صفواحب الحجفر رب كاسفية ففي الدنيفا عاريفة ففي الخرة) .وروي أن دحيفة الكلبفي لمفا رجفع مفن
عنفد هرقفل فأعطاه النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قبطيفة؛ فقال( :اجعفل صفديعا لك قميصفا وأعفط
صاحبتك صديعا تختمر به) .والصديع النصف .ثم قال له( :مرها تجعل تحتها شيئا لئل يصف).
وذكر أبو هريرة رقة الثياب للنساء فقال :الكاسيات العاريات الناعمات الشقيات .ودخل نسوة من
بنفي تميفم على عائشفة رضفي ال عنهفا عليهفن ثياب رقاق ،فقالت عائشفة :إن كنتفن مؤمنات فليفس
هذا بلباس المؤمنات ،وإن كنتن غير مؤمنات فتمتعينه .وأدخلت امرأة عروس على عائشة رضي
ال عنها وعليها خمار قبطي معصفر ،فلما رأتها قالت :لم تؤمن بسورة "النور" امرأة تلبس هذا.
وثبت عن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أنه قال( :نساء كاسيات عاريات مائلت مميلت رؤوسفهن
مثفل أسفنمة البخفت ل يدخلن الجنفة ول يجدن ريحهفا) .وقال عمفر رضفي ال عنفه :مفا يمنفع المرأة
المسفلمة إذ كانفت لهفا حاجفة أن تخرج ففي أطمارهفا أو أطمار جارتهفا مسفتخفية ،ل يعلم بهفا أحفد
حتى ترجع إلى بيتها.
@قوله تعالى" :ذلك أدنى أن يعرفن" أي الحراس ،حتى ل يختلط بالماء؛ فإذا عرفن لم يقابلن
بأدنى من المعارضة مراقبة لرتبة الحرية ،فتنقطع الطماع عنهن .وليس المعنى أن تعرف المرأة
حتى تعلم من هي .وكان عمر رضي ال عنه إذا رأى أمة قد تقنعت ضربها بالدرة ،محافظة على
زي الحرائر .وقد قيل :إنه يجب الستر والتقنع الن في حق الجميع من الحرائر والماء .وهذا كما
أن أصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم منعوا النسفاء المسفاجد بعفد وفاة رسفول ال صفلى ال
عليه وسلم مع قوله( :ل تمنعوا إماء ال مساجد ال) حتى قالت -عائشة رضي ال عنها :لو عاش
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم إلى وقتنفا هذا لمنعهفن مفن الخروج إلى المسفاجد كمفا منعفت نسفاء
بني إسرائيل" .وكان ال غفورا رحيما" تأنيس للنساء في ترك الجلبيب قبل هذا المر المشروع.
**3اليفة{ 62 - 60 :لئن لم ينتفه المنافقون والذيفن ففي قلوبهفم مرض والمرجفون ففي المدينفة
لنغرينفك بهفم ثفم ل يجاورونفك فيهفا إل قليل ،ملعونيفن أينمفا ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيل ،سفنة ال ففي
الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة ال تبديل}
@قوله تعالى" :لئن لم ينته المنافقون" الية .أهل التفسير على أن الوصاف الثلثة لشيء واحد؛
كمفا روى سفيان بن سفعيد عن منصور عن أبفي رزين قال" :المنافقون والذيفن ففي قلوبهفم مرض
والمرجفون ففي المدينفة" قال :هفم شيفء واحفد ،يعنفي أنهفم قفد جمعوا هذه الشياء .والواو مقحمفة،
كما قال:
وليث الكتيبة في المزدحم إلى الملك القرم وابن الهمام
أراد إلى الملك القرم ابففن الهمام ليففث الكتيبففة ،وقففد مضففى فففي "البقرة" .وقيففل :كان منهففم قوم
يرجفون ،وقوم يتبعون النسففاء للريبففة وقوم يشككون المسفلمين .قال عكرمفة وشهففر بففن حوشففب:
"الذيفن ففي قلوبهفم مرض" يعنفي الذيفن هفي قلوبهفم الزنفى .وقال طاوس :نزلت هذه اليفة ففي أمفر
النسفاء .وقال سفلمة بفن كهيفل :نزلت ففي أصفحاب الفواحفش ،والمعنفى متقارب .وقيفل :المنافقون
والذيفن ففي قلوبهفم مرض شيفء واحفد ،عفبر عنهفم بلفظيفن؛ دليله آيفة المنافقيفن ففي أول سفورة
"البقرة" .والمرجفون ففي المدينفة قوم كانوا يخفبرون المؤمنيفن بمفا يسفوءهم مفن عدوهفم ،فيقولون
إذا خرجفت سفرايا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ال عليفه وسفلم :إنهفم قفد قتلوا أو هزموا ،وإن
العدو قففد أتاكففم ،قال قتادة وغيره .وقيففل كانوا يقولون :أصففحاب الصفففة قوم عزاب ،فهففم الذيففن
يتعرضون للنسفاء .وقيفل :هفم قوم مفن المسفلمين ينطقون بالخبار الكاذبفة حبفا للفتنفة .وقفد كان ففي
أصحاب الفك قوم مسلمون ولكنهم خاضوا حبا للفتنة .وقال ابن عباس :الرجاف التماس الفتنة،
والرجاف :إشاعة الكذب والباطل للغتمام به .وقيل :تحريك القلوب ،يقال :رجفت الرض -أي
تحركفت وتزلزلت -ترجففف رجففا .والرجفان :الضطراب الشديفد .والرجاف :البحفر ،سفمي بفه
لضطرابه .قال الشاعر:
حتى تغيب الشمس في الرجاف المطعمون اللحم كل عشية
والرجاف :واحد أراجيف الخبار .وقد أرجفوا في الشيء ،أي خاضوا فيه .قال الشاعر:
وأرجف بالسلم باغ وحاسد فإنا وإن عيرتمونا بقتله
وقال آخفر :أبفس الراجيفف يفا ابفن اللؤم توعدنفي وففي الراجيفف خلت اللؤم والخور فالرجاف
حرام ،لن فيه إذاية .فدلت الية على تحريم اليذاء بالرجاف.
@قوله تعالى" :لنغرينك بهم" أي لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل .وقال ابن عباس :لم ينتهوا
عن إيذاء النساء وأن ال عز وجل قد أغراه بهم .ثم إنه قال عز وجل" :ول تصل على أحد منهم
مات أبدا ول تقفم على قفبره" [التوبفة ]84 :وإنفه أمره بلعنهفم ،وهذا هفو الغراء؛ وقال محمفد بفن
يزيد :قد أغراه بهم في الية التي تلي هذه مع اتصال الكلم بها ،وهو قوله عز وجل" :أينما ثقفوا
أخذوا وقتلوا تقتيل" .فهذا فيفه معنفى المفر بقتلهفم وأخذهفم؛ أي هذا حكمهفم إذا كانوا مقيميفن على
النفاق والرجاف وففي الحديفث عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :خمفس يقتلن ففي الحفل والحرم).
فهذا فيه معنى المر كالية سواء .النحاس :وهذا من أحسن ما قيل في الية .وقيل :إنهم قد انتهوا
عفن الرجاف فلم يغفر بهفم .ولم "لنغرينفك" لم القسفم ،واليميفن واقعفة عليهفا ،وأدخلت اللم ففي
"إن" توطئة لهفا" .ثفم ل يجاورونفك فيهفا إل قليل" أي ففي المدينفة" .إل قليل" نصفب على الحال
من الضمير في "يجاورونك"؛ فكان المر كما قال تبارك وتعالى؛ لنهم لم يكونوا إل أقلء .فهذا
أحفد جوابفي الفراء ،وهفو الولى عنده ،أي ل يجاورونفك إل ففي حال قلتهفم .والجواب الخفر :أن
يكون المعنففى إل وقتففا قليل ،أي ل يبقون معففك إل مدة يسففيرة ،أي ل يجاورونففك فيهففا إل جوارا
قليل حتففى يهلكوا ،فيكون نعتففا لمصففدر أو ظرف محذوف .ودل على أن مففن كان معففك سففاكنا
بالمدينة فهو جار .وقد مضى في "النساء".
@قوله تعالى" :ملعونيفن" هذا تمام الكلم عنفد محمفد بفن يزيفد ،وهو منصفوب على الحال .وقال
ابفن النباري" :قليل ملعونيفن" وقفف حسفن .النحاس :ويجوز أن يكون التمام "إل قليل" وتنصفب
"ملعونين" على الشتم .كما قرأ عيسى بن عمر" :وامرأته حمالة الحطب" .وقد حكي عن بعض
النحويين أنه قال :يكون المعنى أينما ثقفوا أخذوا ملعونين .وهذا خطأ ل يعمل ما كان مع المجازاة
فيمفا قبله وقيفل :معنفى اليفة إن أصفروا على النفاق لم يكفن لهفم مقام بالمدنيفة إل وهفم مطرودون
ملعونون .وقفد فعفل بهفم هذا ،فإنفه لمفا نزلت سفورة "التوبفة" جمعوا ،فقال النفبي صفلى ال عليفه
وسلم( :يا فلن قم فاخرج فإنك منافق ويا فلن قم) فقام إخوانهم من المسلمين وتولوا إخراجهم من
المسجد" .سنة ال" نصب على المصدر؛ أي سن ال جل وعز فيمن أرجف بالنبياء وأظهر نفاقه
أن يؤخفذ ويقتفل" .ولن تجفد لسفنة ال تبديل" أي تحويل وتغييرا ،حكاه النقاش .وقال السفدي :يعنفي
أن مففن قتففل بحففق فل ديففة على قاتله .المهدوي :وفففي اليففة دليففل على جواز ترك إنفاذ الوعيففد،
والدليل على ذلك بقاء المنافقين معه حتى مات .والمعروف من أهل الفضل إتمام وعدهم وتأخير
وعيدهم ،وقد مضى هذا في "آل عمران" وغيرها.
**3الية{ 63 :يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند ال وما يدريك لعل الساعة تكون
قريبا}
@قوله تعالى" :يسفألك الناس عن السفاعة" هؤلء المؤذون لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم لمفا
توعدوا بالعذاب سألوا عن الساعة ،استبعادا وتكذيبفا ،موهمين أنها ل تكون" .قل إنما علمها عند
ال" أي أجبهم عن سؤالهم وقل علمها عند ال ،وليس إخفاء ال وقتها عني ما يبطل نبوتي ،وليس
مفن شرط النفبي أن يعلم الغيفب بغيفر تعليفم مفن ال جفل وعفز" .ومفا يدريفك" أي مفا يعلمفك" .لعفل
الساعة تكون قريبا" أي في زمان قريب .وقال صلى ال عليه وسلم( :بعثت أنا والساعة كهاتين)
وأشار إلى السفبابة والوسفطى ،خرجفه أهل الصفحيح .وقيفل :أي ليسفت الساعة تكون قريبفا ،فحذف
هاء التأنيففث ذهابففا بالسففاعة إلى اليوم؛ كقوله" :إن رحمففة ال قريففب مففن المحسففنين" [العراف:
]56ولم يقفل قريبفة ذهابفا بالرحمفة إلى العففو ،إذ ليفس تأنيثهفا أصفليا .وقفد مضفى هذا مسفتوفى.
وقيل :إنما أخفى وقت الساعة ليكون العبد مستعدا لها في كل وقت.
**3اليفة{ 65 - 64 :إن ال لعفن الكافريفن وأعفد لهفم سفعيرا ،خالديفن فيهفا أبدا ل يجدون وليفا
ول نصيرا}
@قوله تعالى" :إن ال لعن الكافرين" أي طردهم وأبعدهم .واللعن :الطرد والبعاد عن الرحمة.
وقد مضى في "البقرة" بيانه" .وأعد لهم سعيرا" أنث السعير لنها بمعنى النار" .ل يجدون وليا
ول نصيرا" خالدين في السعير ل يجدون من ينجيهم من عذاب ال والخلود فيه.
**3الية{ 67 - 66 :يوم تقلب وجوههم ففي النار يقولون يا ليتنا أطعنا ال وأطعنفا الرسول،
وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل}
@قوله تعالى" :يوم تقلب وجوههفم ففي النار" قراءة العامفة بضفم التاء وفتفح اللم ،على الفعفل
المجهول .وقرأ عيسفى الهمدانفي وابفن إسفحاق" :نقلب" بنون وكسفر -اللم" .وجوههفم" نصفبا.
وقرأ عيسى أيضا" :تقلب" بضم التاء وكسر اللم على معنى تقلب السعير وجوههم .وهذا التقليب
تغيير ألوانهم بلفح النار ،فتسود مرة وتخضر أخرى .وإذا بدلت جلودهم بجلود أخر فحينئذ يتمنون
أنهفم مفا كفروا "يقولون ياليتنفا" ويجوز أن يكون المعنفى :يقولون يوم تقلب وجوههفم ففي النار يفا
ليتنفا" .أطعنفا ال وأطعنفا الرسفول" أي لم نكففر فننجفو مفن هذا العذاب كمفا نجفا المؤمنون .وهذه
اللف تقع في الفواصل فيوقف عليها ول يوصل بها .وكذا "السبيل" وقد مضى في أول السورة.
وقرأ الحسفن" :سفاداتنا" بكسفر التاء ،جمفع سفادة .وكان ففي هذا زجفر عفن التقليفد .والسفادة جمفع
السيد ،وهو فعلة ،مثل كتبة وفجرة .وساداتنا جمع الجمع .والسادة والكبراء بمعنى .وقال قتادة :هم
المطعمون في غزوة بدر .والظهر العموم في القادة والرؤساء في الشرك والضللة ،أي أطعناهم
ففي معصفيتك ومفا دعونفا إليفه "فأضلونفا السفبيل" أي عفن السفبيل وهفو التوحيفد ،فلمفا حذف الجار
وصفل الفعفل فنصفب .والضلل ل يتعدى إلى مفعوليفن مفن غيفر توسفط حرف الجفر ،قوله :كقوله
"لقد أضلني عن الذكر" [الفرقان.]92:
**3الية{ 68 :ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا}
@قوله تعالى" :ربنفا آتهفم ضعفيفن مفن العذاب" قال قتادة :عذاب الدنيفا وعذاب الخرة .وقيفل:
عذاب الكفففر وعذاب الضلل؛ أي عذبهففم مثلي مففا تعذبنففا فإنهففم ضلوا وأضلوا" .والعنهففم لعنففا
كفبيرا" قرأ ابفن مسفعود وأصفحابه ويحيفى وعاصفم بالباء .الباقون بالثاء ،واختاره أبفو حاتفم وأبفو
عبيفد والنحاس ،لقوله تعالى" :أولئك يلعنهفم ال ويلعنهفم اللعنون" [البقرة ]159 :وهذا المعنفى
كثير .وقال محمد بن أبي السري :رأيت في المنام كأني في مسجد عسقلن وكأن رجل يناظرني
فيمفن يبغفض أصفحاب محمفد فقال :وألعنهفم لعنفا كثيرا ،ثفم كررهفا حتفى غاب عنفي ،ل يقولهفا إل
بالثاء .وقراءة الباء ترجع في المعنى إلى الثاء؛ لن ما كبر كان كثيرا عظيم المقدار.
**3الية{ 69 :يا أيها الذين آمنوا ل تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه ال مما قالوا وكان عند ال
وجيها}
@ لمفا ذكفر ال تعالى المنافقيفن والكفار الذيفن آذوا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم والمؤمنيفن،
حذر المؤمنيفن مفن التعرض لليذاء ،ونهاهفم عفن التشبفه ببنفي إسفرائيل ففي أذيتهفم نفبيهم موسفى.
واختلف الناس فيمفا أوذي بفه محمد صلى ال عليه وسفلم وموسفى ،فحكفى النقاش أن أذيتهفم محمدا
عليفه السفلم قولهفم :زيفد بفن محمفد .وقال أبفو وائل :أذيتفه أنفه صفلى ال عليفه وسفلم قسفم قسفما فقال
رجفل مفن النصفار :إن هذه القسفمة مفا أريفد بهفا وجفه ال ،فذكفر ذلك للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم
فغضب وقال( :رحم ال لقد أوذي لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر .وأما أذية موسى صلى ال عليه
وسلم فقال ابن عباس وجماعة :هي ما تضمنه حديث أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى
ال عليفه وسفلم ،وذلك أنفه قال( :كان بنفو إسفرائيل يغتسفلون عراة وكان موسفى عليفه السفلم يتسفتر
كثيرا ويخففي بدنفه فقال قوم هفو آدر وأبرص أو بفه آففة ،فانطلق ذات يوم يغتسفل ففي عيفن بأرض
الشام وجعفل ثيابفه على صفخرة فففر الحجفر بثيابفه واتبعفه موسفى عريانفا يقول ثوبفي حجفر ثوبفي
حجفر حتفى انتهفى إلى مل مفن بنفي إسفرائيل فنظروا إليفه وهفو مفن أحسفنهم خلقفا وأعدلهفم صفورة
وليفس بفه الذي قالوا فهفو قوله تبارك "ففبرأه ال ممفا قالوا" أخرجفه البخاري ومسفلم بمعناه .ولففظ
مسلم :قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم
إلى سوأة بعض وكان موسى عليه السلم يغتسل وحده فقالوا وال ما يمنع موسى أن يغتسل معنا
إل أنه آدر قال فذهب يوما يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه قال فجمح موسى عليه
السفلم بإثره يقول ثوبفي حجفر ثوبفي حجفر حتفى نظرت بنفو إسفرائيل إلى سفوأة موسفى وقالوا وال
مفا بموسفى مفن بأس فقام الحجفر حتفى نظفر إليفه قال فأخفذ ثوبفه فطففق بالحجفر ضربفا) قال أبفو
هريرة :وال إنفه بالحجفر ندب سفتة أو سفبعة ضرب موسفى بالحجفر .فهذا قول .وروي عفن ابفن
عباس عن علي ،بن أبي طالب رضي ال تعالى عنه أنه قال :آذوا موسى بأن قالوا :قتل هارون؛
وذلك أن موسفى وهرون خرجفا مفن فحفص التيفه إلى جبفل فمات هارون فيفه ،فجاء موسفى فقالت
بنو إسرائيل لموسى :أنت قتلته وكان ألين لنا منك وأشد حبا .فأذوه بذلك فأمر ال تعالى الملئكة
فحملته حتى طافوا به في بني إسرائيل ،ورأوا آية عظيمة دلتهم على صدق موسى ،ولم يكن فيه
أثر القتل .وقد قيل :إن الملئكة تكليما بموته ولم يعرف موضع قبره إل الرخم ،وإنه تعالى جعله
أصففم أبكفم .ومات هارون قبففل موسففى فففي التيففه ،ومات موسفى قبففل انقضاء مدة التيففه بشهريففن.
وحكى القشيري عن علي بن أبي طالب رضي ال تعالى عنه :أن ال تعالى أحيا هارون فأخبرهم
أنه لم يقتله ،ثم مات .وقد قيل :إن أذية موسى عليه السلم رميهم إياه بالسحر والجنون .والصحيح
الول .ويحتمل أن فعلوا كل ذلك فبرأه ال من جميع ذلك.
مسفألة :ففي وضفع موسفى عليفه السفلم ثوبفه على الحجفر ودخول ففي الماء عريانفا دليفل على
جواز ذلك ،وهفو مذهفب الجمهور .ومنعفه ابفن أبفي ليلى واحتفج بحديفث لم يصفح؛ وهفو قوله صفلى
ال عليففه وسففلم(:ل تدخلوا الماء إل بمئزر فإن للماء عامرا) .قال القاضففي عياض :وهففو ضعيففف
عند أهل العلم.
قلت :أما إنفه يستحب التستر لمفا رواه إسرائيل عن عبدالعلى أن الحسفن بن علي دخفل غديرا
وعليفه برد له متوشحفا بفه ،فلمفا خرج قيفل له ،قال :إنمفا تسفترت ممفن يرانفي ول أراه؛ يعنفي مفن
ربفي والملئكفة .فإن قيفل :كيفف نادى موسفى عليفه السفلم الحجفر نداء مفن يعقفل؟ قيفل :لنفه صفدر
عفن الحجفر فعفل مفن يعقفل .و"حجفر" منادى مفرد محذوف حرف النداء ،كمفا قال تعالى" :يوسفف
أعرض عفن هذا" [يوسفف .]29 :و"ثوبفي" منصفوب بفعفل مضمفر؛ التقديفر :أعطنفي ثوبفي ،أو
اترك ثوبي ،فحذف الفعل لدللة الحال عليه.
@قوله تعالى" :وكان عنفد ال وجيهفا" أي عظيمفا .والوجيفه عنفد العرب :العظيفم القدر الرفيفع
المنزلة .ويروى أنفه كان إذا سفأل ال شيئا أعطاه إياه .وقرأ ابفن مسفعود" :وكان عبدا ل" .وقيفل:
معنى "وجيها" أي كلمه تكليما .قال أبو بكر النباري في (كتاب الرد) :زعم من طعن في ،القرآن
أن المسلمين صحفوا "وكان عند ال وجيها" وأن الصواب عنده "وكان عبدا ل وجيها" وذلك يدل
على ضعف مقصده ونقصان فهمه وقلة علمه ،وذلك أن الية لو حملت على قول وقرئت" :وكان
عبدا" نقص الثناء على موسى عليه السلم؛ وذلك أن "وجيهفا" يكون عند .أهل الدنيا وعند أهل،
زمانه وعند أهل الخرة ،فل يوقف على مكان المدح ،لنه إن كان وجيها عند بني الدنيا كان ذلك
إنعامفا مفن ال عليفه ل يفبين عليفه معفه ثناء مفن ال .فلمفا أوضفح ال تعالى موضفع المدح بقوله:
"وكان عنفد ال وجيهفا" اسفتحق الشرف وأعظفم الرفعفة بأن الوجاهفة عنفد ال ،فمفن غيفر اللففظ
صرف عن نبي ال أفخر الثناء وأعظم المدح.
**3الية{ 71 - 70 :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قول سديدا ،يصلح لكم أعمالكم ويغفر
لكم ذنوبكم ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قول سديدا" أي قصدا وحقا .وقال ابن عباس:
أي صوابا .وقال قتادة ومقاتل :يعني قولوا قول سديدا في شأن زينب وزيد ،ول تنسبوا النبي إلى
مفا ل يحفل .وقال عكرمفة وابفن عباس أيضفا :القول السفداد ل إله إل ال .وقيفل :هفو الذي يواففق
ظاهره باطنفه .وقيفل :هفو مفا أريفد بفه وجفه ال دون غيره .وقيفل :هفو الصفلح بيفن المتشاجريفن.
وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض .والقول السداد يعم الخيرات ،فهو عام في جميع
ما ذكر وغير ذلك.
وظاهر الية يعطي أنه إنما أشار إلى ما يكون خلفا للذى الذي قيل في جهة الرسول وجهة
المؤمنيفن .ثفم وعفد جفل وعفز بأنفه يجازي على القول السفداد بإصفلح العمال وغفران الذنوب؛
وحسبك بذلك درجة ورفعة منزلة" .ومن يطع ال ورسوله" أي فيما أمر به ونهى عنه "فقد فاز
فوزا عظيما".
**3اليفة{ 73 - 72 :إنا عرضنفا المانفة على السماوات والرض والجبال فأبيفن أن يحملنهفا
وأشفقفن منهفا وحملهفا النسفان إنفه كان ظلومفا جهول ،ليعذب ال المنافقيفن والمنافقات والمشركيفن
والمشركات ويتوب ال على المؤمنين والمؤمنات وكان ال غفورا رحيما}
@ لمفا بيفن تعالى ففي هذه السفورة مفن الحكام مفا بيفن ،أمفر بالتزام أوامره .والمانفة تعفم جميفع
وظائف الديفن على الصفحيح مفن القوال ،وهفو قول الجمهور .روى الترمذي الحكيفم أبفو عبدال:
حدثنا إسماعيل بن نصر عن صالح بن عبدال عن محمد بن يزيد بن جوهر عن الضحاك عن ابن
عباس قال قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :قال ال تعالى لدم يفا آدم إنفي عرضفت المانفة
على السفموات والرض فلم تطقهفا فهفل أنفت حاملهفا بمفا فيهفا فقال ومفا فيهفا يفا رب قال إن حملتهفا
أجرت وإن ضيعتهفا عذبفت فاحتملهفا بمفا فيهفا فلم يلبفث ففي الجنفة إل قدر مفا بيفن صفلة الولى إلى
العصففر حتففى أخرجففه الشيطان منهففا) .فالمانففة هففي الفرائض التففي ائتمففن ال عليهففا العباد .وقففد
اختلف فففي تفاصففيل بعضهففا على أقوال؛ فقال ابففن مسففعود :هففي فففي أمانات الموال كالودائع
وغيرهفا .وروي عنفه أنهفا ففي كفل الفرائض ،وأشدهفا أمانفة المال .وقال أبفي بفن كعفب :مفن المانفة
أن ائتمنفت المرأة على فرجهفا .وقال أبفو الدرداء :غسفل الجنابفة أمانفة ،وإن ال تعالى لم يأمفن ابفن
آدم على شيء من دينه غيرها .وفي حديث مرفوع (المانة الصلة) إن شئت قلت قد صليت وإن
شئت قلت لم أصل .وكذلك الصيام وغسل الجنابة .وقال عبدال بن عمرو بن العاص :أول ما خلق
ال تعالى من النسان فرجه وقال هذه أمانة استودعتكها ،فل تلبسها إل بحق .فإن حفظتها حفظتك
فالفرج أمانفة ،والذن أمانفة ،والعيفن أمانفة ،واللسفان أمانفة ،والبطفن أمانفة ،واليفد أمانفة ،والرجفل
أمانة ،ول إيمان لمن ل أمانة له .وقال السدي :هي ائتمان آدم ابنه قابيل على ولده وأهله ،وخيانته
إياه في قتل أخيه .وذلك أن ال تعالى قال له(:يا آدم ،هل تعلم أن لي بيتا في الرض) قال(:اللهم ل
قال( :فإن لي بيتفا بمكفة فأتفه) فقال للسفماء :احفظفي ولدي بالمانفة؟ فأبفت ،وقال للرض :احفظفي
ولدي بالمانفة فأبفت ،وقال للجبال كذلك فأبفت .فقال لقابيفل :احففظ ولدي بالمانفة ،فقال نعفم ،تذهفب
وترجع فتجد ولدك كما يسرك .فرجع فوجده قد قتل أخاه ،فذلك قوله تبارك وتعالى" :إنا عرضنفا
المانفة على السفموات والرض والجبال فأبيفن أن يحملنهفا" .اليفة .وروى معمفر عفن الحسفن أن
المانفة عرضفت على السفموات والرض والجبال ،قالت :ومفا فيهفا؟ قيفل لهفا :إن أحسفنت جوزيفت
وإن أسفأت عوقبفت .فقالت ل .قال مجاهفد :فلمفا خلق ال تعالى آدم عرضهفا عليفه ،قال :ومفا هفي؟
قال :إن حسفنت أجرتفك وإن أسفأت عذبتفك .قال :فقفد تحملتهفا يفا رب .قال مجاهفد :فمفا كان بيفن أن
تحملهفا إلى أن أخرج مفن الجنفة إل قدر مفا بيفن الظهفر والعصفر .وروى علي بفن طلحفة عفن ابفن
عباس ففففي قوله تعالى" :إنففا عرضنفففا المانفففة على السففموات والرض والجبال" قال :المانففة
الفرائض ،عرضها ال عز وجل على السموات والرض والجبال ،إن أدوها أثابهم ،وإن ضيعوها
عذبهم .فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية ،ولكن تعظيما لدين ال عز وجل أل يقوموا به .ثم
عرضهفا على آدم فقبلهفا بمفا فيهفا .قال النحاس :وهذا القول هفو الذي عليفه أهفل التفسفير .وقيفل :لمفا
حضرت آدم صلى ال عليه وسلم أمر أن يعرض المانة على الخلق ،فعرضها فلم يقبلها إل بنوه.
وقيفل :هذه ألمانفة هفي مفا أودعفه ال تعالى ففي السفموات والرض والجبال والخلق ،مفن الدلئل
على ربوبيتفه أن يظهروهفا فأظهروهفا ،إل النسفان فإنفه كتمهفا وجحدهفا؛ قال بعفض المتكلميفن.
ومعنفى "عرضنفا" أظهرنفا ،كمفا تقول :عرضفت الجاريفة على البيفع .والمعنفى إنفا عرضنفا المانفة
وتضييعها على أهل السموات وأهل الرض من الملئكة والنس والجن "فأبين أن يحملنها" أي
أن يحملن وزرها ،كما قال جل وعز" :وليحملن أثقالهم وأثقال مع أثقالهم" [العنكبوت.]13 :
@قوله تعالى" :وحملهفا النسفان" قال الحسفن :المراد الكاففر والمناففق" .إنفه كان ظلومفا" لنفسفه
"جهول" بربفه .فيكون على هذا الجواب مجازا ،مثفل" :واسفأل القريفة" [يوسفف .]82 :وفيفه
جواب آخفر على أن يكون حقيقفة أنفه عرض على السفموات والرض والجبال المانفة وتضييعهفا
وهي الثواب والعقاب ،أي أظهر .لهن ذلك فلم يحملن وزرها ،وأشفقت وقالت :ل أبتغي ثوابا ول
عقابا ،وكل يقول :هذا أمر ل نطيقه ،ونحن لك سامعون ومطيعون فيما أمرن به وسخرن له ،قال
الحسن وغيره .قال العلماء :معلوم أن الجماد ل يفهم ول يجيب ،فل بد من تقدير الحياة على القول
الخيففر .وهذا العرض عرض تخييففر ل إلزام .والعرض على النسففان إلزام .وقال القفال وغيره:
العرض في هذه الية ضرب مثل ،أي أن السموات والرض على كبر أجرامها ،لو كانت بحيث
يجوز تكليفهفا لثقفل عليهفا تقلد .الشرائع ،لمفا فيهفا مفن الثواب والعقاب ،أي أن التكليفف أمفر حقفه أن
تعجز عنه السموات والرض والجبال ،وقد كلفه النسان وهو ظلوم جهول لو عقل .وهذا كقول:
"لو أنزلنفا هذا القرآن على جبفل" [الحشفر - ]21 :ثفم قال" - :وتلك المثال نضربهفا للناس"
[الحشر .]21 :قال القفال :فإذا تقرر في أنه تعالى يضرب المثال ،وورد علينا من الخبر ما ل
يخرج إل على ضرب المثفل ،وجفب حمله عليفه .وقال قوم :إن اليفة مفن المجاز ،أي إنفا إذا قايسفنا
ثقل المانة بقوة السموات والرض والجبال ،رأينا أنها ل تطيقها ،وأنها لو تكلمت لبت وأشفقت،
فعبر عن هذا المعنى بقوله" :إنا عرضنا المانة" الية.
وهذا كما تقول :عرضت الحمل على البعير فأباه ،وأنت تريد قايست ،قوته بثقل الحمل ،فرأيت
أنها تقصر عنه .وقيل" :عرضنا" بمعنى عارضنا المامة بالسموات والرض والجبال فضعفت
هذه الشياء عفن المانفة ،ورجحفت المانفة بثقلهفا عليهفا .وقيفل :إن عرض المانفة على السفموات
والرض والجبال ،إنمففا كان مففن آدم عليففه السففلم .وذلك أن ال تعالى لمففا اسففتخلفه على ذريتففه،
وسفلطه على جميفع مفا ففي الرض مفن النعام والطيفر والوحفش ،وعهفد إليفه عهدا أمره فيفه ونهاه
وحرم وأحل ،فقبله ولم يزل عامل به .فلما أن حضرته الوفاة سأل ال أن يعلمه من يستخلف بعده،
ويقلده مففن المانففة مففا تقلده ،فأمره أن يعرض ذلك على السففموات بالشرط الذي أخففذ عليففه مففن
الثواب إن أطاع ومفن العقاب إن عصفى ،فأبيفن أن يقبلنفه شفقفا مفن عذاب ال .ثفم أمره أن يعرض
ذلك على الرض والجبال كلهفففا فأبياه .ثفففم أمره أن يعرض ذلك على ولده فعرضفففه عليفففه فقبله
بالشرط ،ولم يهفب منفه مفا تهيبفت السفموات والرض والجبال" .إنفه كان ظلومفا" لنفسفه "جهول"
بعاقبة ما تقلد لربه .قال الترمذي الحكيم أبو عبدال محمد بن علي :عجبت من هذا القائل من أين
أتفى بهذه القصفة! فإن نظرنفا إلى الثار وجدناهفا بخلف ،مفا قال ،وإن نظرنفا إلى ظاهره وجدناه
بخلف ما قال ،وإن نظرنا إلى ،باطنه وجدناه بعيدا مما قال! وذلك أنه ردد ذكر المانة ولم يذكر
ما المانة ،إل أنه يومئ في مقالته .إلى أنه سلطه على جميع ما في ،الرض ،وعهد ال إليه عهدا
فيه أمره ونهيه وحله وحرامه ،وزعم أنه أمره أن يعرض ذلك على ،السموات والرض والجبال؛
فمفففا تصفففنع السفففموات والرض والجبال بالحلل والحرام؟ ومفففا التسفففليط على النعام والطيفففر
والوحففش! وكيففف إذا عرضففه على ولده فقبله فففي أعناق ذريتففه مففن بعده .وفففي مبتدأ الخففبر فففي
التنزيفل أنفه عرض المانفة على السفموات والرض والجبال -حتفى ظهفر الباء منهفم ،ثفم ذكفر أن
النسان حصلها ،أي من قبل نفسه ل أنه حمل ذلك ،فسماه "ظلوما" أي لنفسه" ،جهول" بما فيها.
وأما الثار التي هي بخلف ما ذكر ،فحدثني أبي رحمه ال قال حدثنا الفيض بن الفضل الكوفي
حدثنا السري بن إسماعيل عن عامر الشعبي عن مسروق عن عبدال بن مسعود قال :لما خلق ال
المانة مثلها صخرة ،ثم وضعها حيث شاء ثم دعا لها السموات والرض والجبال ليحملنها ،وقال
لهفن :إن هذه "المانفة" ،ولهفا ثواب وعليهفا عقاب؛ قالوا :يفا رب ،ل طاقفة لنفا بهفا؛ وأقبفل النسفان
مفن قبفل أن يدعفي فقال للسفموات والرض والجبال :مفا وقوفكفم؟ قالوا :دعانفا ربنفا أن نحمفل هذه
فأشفقنا منها ولم نطقها؛ قال :فحركها بيده وقال :وال لو شئت أن أحملها لحملتها؛ فحملها حتى بلغ
بهفا إلى ركبتيفه ،ثفم وضعهفا وقال :وال لو شئت أن أزداد لزددت؛ قالوا :دونفك! فحملهفا حتفى بلغ
بهفا حقويفه ،ثفم وضعهفا وقال :وال لو شئت أن أزداد لزددت؛ قالوا :دونفك ،فحملهفا حتفى وضعهفا
على عاتقه ،فلما أهوى ليضعها ،قالوا :مكانك! إن هذه "المانة" ولها ثواب وعليها عقاب وأمرنا
ربنفا أن نحملهفا فأشفقنفا منهفا ،وحملتهفا أنفت مفن غيفر أن تدعفي لهفا ،فهفي ففي عنقفك وففي أعناق
ذريتك إلى يوم القيامة ،إنك كنت ظلوما جهول .وذكر أخبارا عن الصحابة والتابعين تقدم أكثرها.
"وحملهفا النسفان" أي التزم القيام بحقهفا ،وهفو ففي ذلك ظلوم لنفسفه .وقال قتادة :للمانفة ،جهول
بقدر مفا دخفل فيفه .وهذا تأويفل ابفن عباس وابفن جفبير .وقال الحسفن :جهول بربفه .قال :ومعنفى
"حملهفا" خان فيهفا .وقال الزجاج واليفة ففي الكاففر والمناففق والعصفاة على قدرهفم على هذا
التأويل .وقال ابن عباس وأصحابه والضحاك وغيره" :النسان" آدم ،تحمل المانة فما تم له يوم
حتفى عصفى المعصفية التفي أخرجتفه مفن الجنفة .وعفن ابفن عباس أن ال تعالى قال له :أتحمفل هذه
المانة بما فيها .قال وما فيها؟ قال :إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت .قال :أنا أحملها بما فيها
بيفن أذنفي وعاتقفي .فقال ال تعالى له :إنفي سفأعينك ،قفد جعلت لبصفرك حجابفا فأغلقفه عمفا ل يحفل
لك ،ولفرجفك لباسفا فل تكشففه إل على مفا أحللت لك .وقال قوم" :النسفان" النوع كله .وهذا حسفن
مع عموم المانة كما ذكرناه أول .وقال السدي :النسان قابيل .فال أعلم.
@قوله تعالى" :ليعذب ال المنافقيفن والمنافقات والمشركيفن والمشركات" اللم ففي "ليعذب"
متعلقفة بفف "حمفل" أي حملهفا ليعذب العاصفي ويثبفت المطيفع؛ فهفي لم التعليفل؛ لن العذاب نتيجفة
حمل المانة .وقيل بف "عرضنا"؛ أي عرضنا المانة على الجميع ثم قلدناها النسان ليظهر شرك
المشرك ونفاق المنافقيفففن ليعذبهفففم :ال ،وإيمان المؤمفففن ليثيبفففه ال" .ويتوب ال على المؤمنيفففن
والمؤمنات" قراءة الحسففن بالرفففع ،يقطعففه مففن الول؛ أي يتوب ال عليهففم بكففل حال" .وكان ال
غفورا رحيمففا" خففبر بعففد خففبر" لكان" .ويجوز أن يكون نعتففا لغفور ،ويجوز أن يكون حال مففن
المضمر .وال أعلم بالصواب.
**2سورة سبأ
**3مقدمة السورة
@مكية في قول الجميع ،إل آية واحدة اختلف فيها ،وهي قوله تعالى" :ويرى الذين أوتوا العلم"
الية .فقالت فرقة :هي مكية ،والمراد المؤمنون أصحاب النبي صلى
ال عليفه وسفلم؛ قاله ابفن عباس .وقالت فرقفة :هفي مدنيفة ،والمراد بالمؤمنيفن مفن أسفلم بالمدينفة؛
كعبدال بن سلم وغيره؛ قال مقاتل .وقال قتادة :هم أمة محمد
صلى ال عليه وسلم المؤمنون به كائنا من كان .وهي أربع وخمسون أية.
**3اليفة{ 1 :الحمفد ل الذي له مفا ففي السفماوات ومفا ففي الرض وله الحمفد ففي الخرة وهفو
الحكيم الخبير
@قوله تعالى" :الحمفد ل الذي له ما في السماوات وما في الرض" "الذي" في موضع خفض
على النعفت أو البدل .ويجوز أن يكون ففي موضفع رففع على إضمار مبتدأ ،وأن يكون ففي موضفع
نصب بمعنى أعني .وحكى سيبويه "الحمد ل
أهفل الحمفد" بالرففع والنصفب والخففض .والحمفد الكامفل والثناء الشامفل كله ل؛ إذ النعفم كلهفا منفه.
وقفد مضفى الكلم فيفه ففي أول الفاتحفة" .وله الحمفد ففي الخرة " قيفل :هفو قوله تعالى" :وقالوا
الحمفد ل الذي صفدقنا وعده" [الزمفر .]47 :وقيفل :هفو قوله "وآخفر دعواهفم أن الحمفد ل رب
العالمين" [يونس ]10 :فهو المحمود في
الخرة كما أنه المحمود في الدنيا ،وهو المالك للخرة كما أنه المالك للولى " .وهو الحكيم " في
فعله "الخبير" بأمرخلقه.
**3الية{ 2 :يعلم ما يلج في الرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو
الرحيم الغفور}
@قوله تعالى" :يعلم مفا يلج ففي الرض" أي مفا يدخفل فيهفا مفن قطفر وغيره ،كمفا قال" :فسفلكه
ينابيع في الرض" [الزمر ]21 :من الكنوز والدفائن والموات وما هي له كفات" .وما يخرج
منها" من نبات وغيره "وما ينزل من السماء" من المطار والثلوج والبرد والصواعق والرزاق
والمقادير والبركات .وقرأ علي بن أبي طالب "وما ننزل" بالنون والتشديد" .وما يعرج فيها" من
الملئكة وأعمال العباد؛ قاله الحسن وغيره "وهو الرحيم الغفور".
**3الية{ 4 - 3 :وقال الذين كفروا ل تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب ل يعزب
عنفه مثقال ذرة ففي السفماوات ول ففي الرض ول أصفغر مفن ذلك ول أكفبر إل ففي كتاب مفبين،
ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم}
@قوله تعالى" :وقال الذيفن كفروا ل تأتينفا السفاعة" قيفل :المراد أهفل مكفة .قال مقاتفل :قال أبفو
سفيان لكفار مكة :واللت والعزى ل تأتينا الساعة أبدا ول نبعث" .قل بلى وربي لتأتينكم" "قل"
يفا محمفد "بلى وربفي لتأتينكفم" وروى هارون عفن طلق المعلم قال :سفمعت أشياخنفا يقرؤون "قفل
بلى وربفي ليأتينكفم" بياء ،حملوه على المعنفى ،كأنفه قال :ليأتينكفم البعفث أو أمره .كمفا قال" :هفل
ينظرون إل أن تأتيهففم الملئكففة أو يأتففي أمففر ربففك" [النعام .]158 :فهؤلء الكفار مقرون
بالبتداء منكرون العادة ،وهفو نقفض لمفا اعترفوا بالقدرة على البعفث ،وقالوا :وإن قدر ل يفعفل.
فهذا تحكفم بعد أن أخفبر على ألسفنة الرسفل أن يبعث لخلق ،وإذا ورد الخبر بشيفء وهو ممكفن ففي
الفعفل مقدور ،فتكذيفب مفن وجفب صفدقه محال" .عالم الغيفب" بالرففع قراءة ناففع وابفن كثيفر على
البتداء ،وخبره وقرأ عاصم وأبو عمرو "عالم" بالخفض ،أي الحمد ل عالم ،فعلى هذه القراءة ل
يحسفن الوقفف على قوله" :لتأتينكفم" .وقرأ حمزة والكسفائي" :علم الغيفب" على المبالغفة والنعفت.
"ل يعزب عنه" أي ل يغيب عنه" ،ويعزب" أيضا .قال الفراء :والكسر أحب إلى .النحاس وهي
قراءة يحيفى بفن وثاب ،وهفي لغفة معروففة .يقال عزَب يعزِب ويعزُب إذا بعفد وغاب" .مثقال ذرة
ففي السفماوات ول ففي الرض" أي قدر نملة صفغيرة" .ول أصفغر مفن ذلك ول أكفبر" وففي قراءة
العمفش "ول أصفغ َر مفن ذلك ول أكفبرَ" بالفتفح فيهمفا عطففا على "ذرة" .وقراءة العامفة بالرففع
عطففا على "مثقال"" .إل ففي كتاب مفبين" فهفو العالم بمفا خلق ول يخففى عليفه شيفء".ليجزي"
منصفففوب بلم كفففي ،والتقديفففر :لتأتينكفففم ليجزي" .الذيفففن آمنوا وعملوا الصفففالحات" بالثواب،
والكافرين بالعقاب" .أولئك" يعني المؤمنين" .لهم مغفرة" لذنوبهم" .ورزق كريم" وهو الجنة.
**3الية{ 5 :والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم}
@قوله تعالى" :والذيففن سففعوا فففي آياتنففا" أي فففي إبطال أدلتنففا والتكذيففب بآياتنففا" .معاجزيففن"
مسفابقين يحسفبون أنهفم يفتوننفا ،وأن ال ل يقدر على بعثهفم ففي الخرة ،وظنوا أنفا نهملهفم؛ فهؤلء
"لهفم عذاب مفن رجفز أليفم" يقال :عاجزه وأعجزه إذا غالبفه وسفبقه "أولئك لهفم عذاب مفن رجفز
أليم" "أليم" قراءة نافع بالكسر نعتا للرجز ،فإن ال هو العذاب ،قال ال تعالى" :فأنزلنا على الذين
ظلموا رجزا من السماء" [البقرة .]59:وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم "عذاب من رجز أليم"
يرفع الميم هنا وفي "الجاثية" نعتا للعذاب .وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد بن قيس ومجاهد
وأبو عمرو "معجزين" مثبطين؛ أي ثبطوا الناس عن اليمان بالمعجزات وآيات القرآن.
**3اليفة{ 6 :ويرى الذيفن أوتوا العلم الذي أنزل إليفك مفن ربفك هفو الحفق ويهدي إلى صفراط
العزيز الحميد}
@ لما ذكر الذين سعوا في إبطال النبوة بين أن الذين أوتوا العلم يرون أن القرآن حق .قال مقاتل:
"الذيفن أوتوا العلم" هفم مؤمنفو أهفل الكتاب .وقال ابفن عباس :هفم أصفحاب محمفد صفلى ال عليفه
وسفلم وقيفل جميفع المسفلمين ،وهفو أصفح لعمومفه .والرؤيفة بمعنفى العلم ،وهفو ففي موضفع نصفب
عطفففا على "ليجزى" أي ليجزي وليرى ،قال الزجاج والفراء .وفيففه نظففر ،لن قوله" :ليجزي"
متعلق بقول" :لتأتينكفم السفاعة" ،ول يقال :لتأتينكفم السفاعة ليرى الذيفن أوتوا العلم أن القرآن حفق،
فإنهم يرون القرآن حقا وإن لم تأتهم الساعة .والصحيح أنه رفع على الستئناف ،ذكره القشيري.
قلت :وإذا كان "ليجزي" متعلقا بمعنى أثبت ذلك في كتاب مبين ،فيحسن عطف "ويرى" عليه،
أي وأثبففت أيضففا ليرى الذيففن أوتوا العلم أن القرآن حففق .ويجوز أن يكون مسففتأنفا" .الذي" فففي
موضففع نصففب على أنففه مفعول أول لففف "يرى" "وهففو الحففق" مفعول ثان ،و"هففو" فاصففلة.
والكوفيون يقولون "هو" عماد .ويجوز الرفع على أنه مبتدأ .و"الحق" خبره ،والجملة في موضع
نصب على المفعول الثاني ،والنصب أكثر فيما كانت فيه اللف واللم عند جميع النحويين ،وكذا
مفا كان نكرة ل يدخله اللف واللم فيشبفه المعرففة .فإن كان الخفبر اسفما معروففا نحفو قوله :كان
أخوك هو زيد ،فزعم الفراء أن الختيار فيه الرفع .وكذا كان محمد هو عمرو .وعلته في اختياره
الرفع أنه لم تكن فيه اللف واللم أشبه النكرة في قولك :كان زيد هو جالس ،لن هذا ل يجوز فيه
إل الرفع" .ويهدي إلى صراط العزيز الحميد" أي يهدي القرآن إلى طريق السلم الذي هو دين
ال .ودل بقوله" :العزيز" على أنه ل يغالب .وبقوله" :الحميد" على أنه ل يليق به صفة العجز.
**3الية{ 7 :وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق
جديد}
@قوله تعالى" :وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل" وإن شئت أدغمت اللم في النون لقربها
منهفا "ينبئكفم إذا مزقتفم كفل ممزق" هذا إخبار عمفن قال" :ل تأتينفا السفاعة" [سفبأ ]3 :أي هفل
نرشدكفم إلى رجفل ينبكفم ،أي يقول لكفم :إنكفم تبعثون بعفد .البلي ففي القبور .وهذا صفادر عفن فرط
إنكارهفم .الزمخشري" :فإن قلت :كان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم مشهورا علمفا ففي قريفش،
وكان إنباؤه بالبعفث شائعفا عندهفم ،فمفا معنفى قولهفم" :هفل ندلكفم على رجفل ينبئكفم" فنكروه لهفم
عرضوا عليهفم الدللة عليفه ،كمفا يدل على .مجهول ففي أمفر مجهول .قلت :كانوا يقصفدون بذلك
الطنفز والهزؤ والسفخرية ،فأخرجوه مخرج التحكفي ببعفض الحاجفي التفي يتحاجفى بهفا للضحفك
والتلهفي ،متجاهليفن به وبأمره .و"إذا" ففي موضفع نصفب والعامفل فيهفا "مزقتفم" قاله النحاس .ول
يجوز أن يكون العامفل فيهفا "ينبئكفم" ،لنفه ليفس يخفبرهم ذلك الوقفت .ول يجوز أن يكون العامفل
فيها ما بعد "إن" ،لنه ل يعمل فيما قبله ،وأل يتقدم عليها ما بعدها ومعمولها .وأجاز الزجاج أن
يكون العامفل فيهفا محذوففا؛ التقديفر :إذا مزقتفم كفل ممزق بعثتفم ،أو ينبكفم بأنكفم تبعثون إذا مزقتفم.
المهدوي :ول يعمل فيه "مزقتم"؛ لنه مضاف إليه ،والمضاف إليه ل يعمل في المضاف .وأجازه
بعضهم على أن يجعل "إذا" للمجازاة ،فيعمل فيها حينئذ ما بعدها لنها غير مضافة إليه .وأكثر ما
تقففع "إذا" للمجازاة فففي الشعففر .ومعنففى "مزقتففم كففل ممزق" فرقتففم كففل تفريففق .والمزق خرق
الشياء؛ يقال :ثوب مزيق وممزوق ومتمزق وممزق.
**3الية{ 8 :أفترى على ال كذبا أم به جنة بل الذين ل يؤمنون بالخرة في العذاب والضلل
البعيد}
@قوله تعالى" :أفترى على ال كذبا" لما دخلت ألف الستفهام استغني عن ألف الوصل فحذفتها،
وكان فتح ألف الستفهام فرقا بينها وبين ألف الوصل .وقد مضى هذا في سورة "مريم" عند قوله
تعالى" :أطلع الغيب" [مريم ]78 :مستوفى" .أم به جنة " وقيل هذا مردود على ما تقدم من قول
المشركين ،والمعنى :قال المشركون "افترى على ال كذبا" .والفتراء الختلق" .أم به جنة" أي
جنون ،فهو يتكلم بما ل يدري" .بل الذين ل يؤمنون بالخرة في العذاب والضلل البعيد" أي ليس
المفر كمفا قالوا ،بفل هفو أصفدق الصفادقين ،ومفن ينكفر البعفث فهفو غدا ففي العذاب ،واليوم ففي
الضلل عن الصواب؛ إذ صاروا إلى تعجيز الله ونسبة الفتراء إلى من أيده ال بالمعجزات.
**3اليفة{ 9 :أفلم يروا إلى مفا بيفن أيديهفم ومفا خلفهفم مفن السفماء والرض إن نشفأ نخسفف بهفم
الرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لية لكل عبد منيب}
@ أعلم ال تعالى أن الذي قدر علي خلق السموات والرض وما فيهن قادر على البعث وعلى
تعجيل العقوبة لهم ،فاستدل بقدرته عليهم ،وأن السموات والرض ملكه ،وأنهما محيطتان بهم من
كففل جانففب ،فكيففف يأمنون الخسففف والكسففف .كمففا فعففل بقارون وأصففحاب اليكففة .وقرأ حمزة
والكسفائي إن يشفأ يخسفف بهفم الرض أو يسفقط" بالياء ففي الثلث؛ أي إن يشفأ ال أمفر الرض
فتنخسفف بهفم ،أو السفماء فتسفقط عليهفم كسففا .الباقون بالنون على التعظيفم .وقرأ السفلمي وحففص
"كسفا" بفتح السين .الباقون بالسكان .وقد تقدم بيانه في "السراء" وغيرها" .إن في ذلك لية"
أي في هذا الذي ذكرناه من قدرتنا "لية" أي دللة ظاهرة" .لكل عبد منيب" أي تائب رجاع إلى
ال بقلبه .وخص المنيب بالذكر لنه المنتفع بالفكرة في حجج ال وآياته.
**3الية{ 10 :ولقد آتينا داود منا فضل يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد}
@قوله تعالى" :ولقد آتينا داود منا فضل" بين لمنكري نبوة محمد صلى ال عليه وسلم أن إرسال
الرسل ليس أمرا بدعا ،بل أرسلنا الرسل وأيدناهم بالمعجزات ،وأحللنا بمن خالفهم العقاب" .آتينا"
أعطينا" .فضل" أي أمرا فضلناه به على غيره .واختلف في هذا الفضل على تسعة أقوال :الول:
النبوة .الثانففي :الزبور .الثالث :العلم ،قال ال تعالى" :ولقففد آتينففا داود وسففليمان علمففا" [النمففل:
.]15الرابع -القوة ،قال ال تعالى" :واذكر عبدنا داود ذا اليد" [ص .]17 :الخامس::تسخير
الجبال والناس ،قال ال تعالى" :يا جبال أوبي معه" .السادس :التروية ،قال ال تعالى" :فغفرنا له
ذلك" [ص .]25 :السابع :الحكم بالعدل ،قال ال تعالى" :يا داود إنا جعلناك خليفة في الرض"
[ص ]26 :اليفة .الثامفن :إلنفة الحديفد ،قال تعالى" :وألنفا له الحديفد" .التاسفع :حسفن الصفوت،
وكان ،داود عليه السلم ذا صوت حسن ووجه حسن .وحسن الصوت هبة من ال تعالى وتفضل
منه ،وهو المراد بقوله تبارك وتعالى" :يزيد في الخلق ما يشاء" [فاطر ]1 :على ما يأتي إن شاء
ال تعالى .وقال صفلى ال عليه وسلم لبفي موسفى( :لقد أوتيت مزمارا من مزاميفر آل داود) .قال
العلماء :المزمار والمزمور الصوت الحسن ،وبه سميت آلة الزمر مزمارا .وقد استحسن كثير من
فقهاء المصار القراءة بالتزيين والترجيع .وقد مضى هذا في مقدمة الكتاب والحمد ل.
@قوله تعالى" :ياجبال أوبي معه" أي وقلنا يا جبال أوبي معه ،أي سبحي معه ،لنه قال تبارك
وتعالى" :إنفا سفخرنا الجبال معفه" يسفبحن بالعشفي والشراق" [ص .]18 :قال أبفو ميسفرة :هفو
التسبيح بلسان الحبشة ،ومعنى تسبيح الجبال :هو أن ال تعالى خلق ،فيها تسبيحا كما خلق الكلم
ففي الشجرة ،فسفمع منهفا مفا يسفمع مفن المسفبح معجزة لداود عليفه الصفلة والسفلم .وقيفل :المعنفى
سيري معه حيث شاء؛ من التأويب الذي هو سير النهار أجمع ومنزل الليل .قال ابن مقبل:
دفعنا شعاع الشمس والطرف يجنح لحقنا بحي أوبوا السير بعدما
وقرأ الحسفن وقتادة وغيرهمفا" :أوبفي معفه" أي رجعفي معفه؛ مفن آب يؤوب إذا رجفع ،أوبفا وأوبفة
وإيابففا .وقيففل :المعنففى تصففرفي معففه على مففا يتصففرف عليففه داود بالنهار ،فكان إذا قرأ الزبور
صوتت الجبال معه ،وأصغت إليه الطير ،فكأنها فعلت ما فعل .وقال وهب بن منبه :المعنى نوحي
معه والطير تساعده على ذلك ،فكان إذا نادى بالنياحة أجابته الجبال بصداها ،وعكفت الطير عليه
من فوقه .فصدى الجبال الذي يسمعه الناس إنما كان من ذلك اليوم إلى هذه الساعة؛ فأيد بمساعدة
الجبال والطيففر لئل يجففد فترة ،فإذا دخلت الفترة اهتاج ،أي ثار وتحرك ،وقوي بمسففاعدة الجبال
والطيفر .وكان قفد أعطفي مفن الصفوت مفا يتزاحفم الوحوش مفن الجبال على حسفن صفوته ،وكان
الماء الجاري ينقطفع عفن الجري وقوففا لصفوته" .والطيفر" بالرففع قراءة ابفن أبفي إسفحاق ونصفر
عففن عاصففم وابففن هرمففز ومسففلمة بففن عبدالملك ،عطفففا على لفففظ الجبال ،أو على المضمففر فففي
"أوبفي" وحسفنه الفصفل بمفع .الباقون بالنصفب عطففا على موضفع "يفا جبال" أي نادينفا الجبال
والطير ،قال سيبويه .وعند أبي عمرو بن العلء بإضمار فعل على معنى وسخرنا له الطير .وقال
الكسائي :هو معطوف ،أي وآتيناه الطير ،حمل على "ولقد آتينا داود ما فضل" .النحاس :ويجوز
أن يكون مفعول معففه ،كمففا تقول :اسففتوى الماء والخشبففة .وسففمعت الزجاج يجيففز :قمففت وزيدا،
فالمعنى أوبي معه ومع الطير.
@قوله تعالى" :وألنفا له الحديفد" قال ابفن عباس :صفار عنده كالشمفع .وقال الحسفن :كالعجيفن،
فكان يعمله مفن غيفر نار .وقال السففدي :كان الحديففد ففي يده كالطيفن المبلول والعجييفن والشمفع،
يصفرفه كيفف شاء ،مفن غيفر إدخال نار ول ضرب بمطرقفة .وقاله مقاتفل .وكان يفرغ مفن الدرع
ففي بعفض اليوم أو بعفض الليفل ،ثمنهفا ألف درهفم .وقيفل :أعطفي قوة يثنفي بهفا الحديفد ،وسفبب ذلك
أن داود عليه السلم ،لما ملك بني إسرائيل لقي ملكا وداود يظنه إنسانا ،وداود متنكر خرج يسأل
عن نفسه وسيرته في بني إسرائيل في خفاء ،فقال داود لذلك الشخص الذي تمثل له(:ما قولك في
هذا الملك داود)؟ فقال له الملك (نعفم العبفد لول خلة فيفه) قال داود( :ومفا هفي)؟ قال(:يرتزق مفن
بيفت المال ولو أكفل مفن عمفل يده لتمفت فضائله) .فرجفع فدعفا ال ففي أن يعلمفه صفنعة ويسفهلها
عليفه ،فعلمفه صفنعة لبوس كمفا قال جفل وعفز ففي سفورة النفبياء ،فألن له الحديفد فصفنع الدروع،
فكان يصفنع الدرع فيمفا بيفن يومفه وليلتفه يسفاوي ألف درهفم ،حتفى ادخفر منهفا كثيرا وتوسفعت
معيشة منزله ،وتصدق على الفقراء والمساكين ،وكان ينفق ثلث المال في مصالح المسلمين ،وهو
أول من اتخذ الدروع وصنعها وكانت قبل ذلك صفائح .ويقال :إنه كان يبيع كل درع منها بأربعة
آلف .والدرع مؤنثفة إذا كانفت للحرب .ودرع المرأة مذكفر .مسفألة :ففي هذه اليفة دليفل على تعلم
أهففل الفضففل الصففنائع ،وأن التحرف بهففا ل ينقففص مففن مناصففبهم ،بففل ذلك زيادة فففي فضلهففم
وفضائلهم؛ إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم والستغناء عن غيرهم ،وكسب الحلل الخلي عن
المتنان .وفي الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إن خيفر ما أكل المرء من عمل يده
وإن نبي ال داود كان يأكل من عمل يده) .وقد مضى هذا في "النبياء" مجودا والحمد ل.
**3الية{ 11 :أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير}
@قوله تعالى" :أن اعمفل سفابغات" أي دروعفا سفابغات ،أي كوامفل تامات واسفعات؛ يقال :سفبغ
الدرع والثوب وغيرهما إذا غطى كل ما هو عليه وفضل منه" .وقدر في السرد" قال قتادة :كانت
الدروع قبله صفائح فكانت ثقال؛ فلذلك أمر هو بالتقديفر فيما يجمع من الخفة والحصانة .أي قدر
ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه .أي ل تقصد الحصانة فتثقل ،ول الخفة فتزيل المنعة .وقال ابن
زيد :التقدير الذي أمر به هو في قدر الحلقة ،أي ل تعملها صغيرة فتضعف فل تقوى الدروع على
الدفاع ،ول تعملها كبيرة فينال لبسها .وقال ابن عباس :التقدير الذي أمر به هو في المسار ،أي ل
تجعفل مسفمار الدرع رقيقفا فيقلق ،ول غليظفا فيفصفم الحلق .روي "يقصفم" بالقاف ،والفاء أيضفا
روايفة" .ففي السفرد" السفرد نسفج حلق الدروع ،ومنفه قيفل لصفانع حلق الدروع :السفراد والزراد،
تبدل مففن السففين الزاي ،كمففا قيففل :سففراط وزراط .والسففرد :الخرز ،يقال :سففرد يسففرد إذا خرز.
والمسرد :الشفى ،ويقال سراد؛ قال الشماخ:
كما تابعت سرد العنان الخوارز فظلت تباعا خيلنا في بيوتكم
والسراد :السير الذي يخرز به؛ قال لبيد:
كما خرج السراد من النقال يشك صفائحها بالروق شزرا
ويقال :قفد سفرد الحديفث والصفوم؛ فالسفرد فيهمفا أن يجيفء بهمفا ولء ففي نسفق واحفد ،ومنفه سفرد
الكلم .وفي حديث عائشة :لم يكن النبي صلى ال عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم ،وكان يحدث
الحديففث لو أراد العاد أن يعده لحصففاه .قال سففيبويه :ومنففه رجففل سففردي أي جريففء ،قال :لنففه
يمضى قوما .وأصل ذلك في سرد الدرع ،وهو أن يحكمها ويجعل نظام حلقها ولء غير مختلف.
قال لبيد:
لينال طول العيش غير مروم صنع الحديد مضاعفا أسراده
وقال أبو ذؤيب:
داودُ أو صَنفَ ُع السوابغ تبّع وعليهما مسرودتان قضاهما
@قوله تعالى" :واعملوا صالحا" أي عمل صالحا .وهذا خطاب لداود وأهله ،كما قال" :اعملوا
آل داود شكرا" [سفبأ" .]13 :إنفي بمفا تعملون بصفير" وقال العلماء :وصفف ال عفز وجفل نفسفه
بأنه بصير على معنى أنه عالم بخفيات المور.
**3اليفة{ 12 :ولسفليمان الريفح غدوهفا شهفر ورواحهفا شهفر وأسفلنا له عيفن القطفر ومفن الجفن
من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير}
@قوله تعالى" :ولسليمان الريح" قال الزجاج ،التقدير وسخرنا لسليمان الريح .وقرأ عاصم في
رواية أبي بكر عنه" :الري حُ" بالرفع على البتداء ،والمعنى له تسخير الريح ،أو بالستقرار ،أي
ولسليمان الريح ثابتة ،وفيه ذلك المعنى الول .فإن قال قائل :إذا قلت أعطيت زيدا درهما ولعمرو
دينار؛ فرفعتفه فلم يكفن فيفه معنفى الول ،وجاز أن يكون لم تعطفه الدينار .وقيفل :المفر كذا ولكفن
الية على خلف هذا من جهة المعنى ،لنه قد علم أنه لم يسخرها أحد إل ال عز وجل" .غدوها
شهر ورواحها شهر" أي مسيرة شهر .قال الحسن :كان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر ،وبينهما
مسفيرة شهفر للمسفرع ،ثفم يروح مفن إصفطخر ويفبيت بكابفل ،وبينهمفا شهفر للمسفرع .قال السفدي:
كانت تسير به في اليوم مسيرة شهرين .وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :كان سليمان إذا
جلس نصفبت حواليفه أربعمائة ألف كرسفي ،ثفم جلس رؤسفاء النفس ممفا يليفه ،وجلس سففلة النفس
مما يليهم ،وجلس رؤساء النس مما يلي سفلة النس ،وجلس سفلة الجن مما يليهم ،وموكل بكل
كرسفي طائر لعمفل قفد عرففه ،ثفم تقلهفم الريفح ،والطيفر تظلهفم من الشمفس ،فيغدو من بيت المقدس
إلى إصطخر ،فيبيت ببيت المقدس ،ثم قرأ ابن عباس" :غدوها شهر ورواحها شهر" .وقال وهب
بن منبه :ذكر لي أن منزل بناحية دجلة مكتوبا فيه كتبه بعض صحابة سليمان؛ إما من الجن وإما
من النس : -نحن نزلنا وما بنيناه ،ومبينا وجدناه ،غدونا من اصطخر فقلناه ،ونحن رائحون منه
إن شاء ال تعالى فبائتون في الشام .وقال الحسن :شغلت سليمان الخيل حتى فاتته صلة العصر،
فعقففر الخيففل فأبدله ال خيرا منهففا وأسففرع ،أبدل الريففح تجري بأمره حيففث شاء ،غدوهففا شهففر
ورواحهففا شهففر .وقال ابففن زيففد :كان مسففتقر سففليمان بمدينففة تؤمففر ،وكان أمففر الشياطيففن قبففل
شخوصه من الشام إلى العراق ،فبنوها له بالصفاح والعمد والرخام البيض والصفر .وفيه يقول
النابغة:
قم في البرية فأحددها عن الفند إل سليمان إذ قال الله له
يبنون تدمر بالصفاح والعمد وخيس الجن إني قد أذنت لهم
كما أطاعك وأدل على الرشد فمن أطاعك فانفعه بطاعته
تنهى الظلوم ول تقعد على ضمد ومن عصاك فعاقبه معاقبة
ووجدت هذه البيات منقورة فففي صففخرة بأرض يشكففر ،أنشأهففن بعففض أصففحاب سففليمان عليففه
الصلة والسلم:
نروح إلى الوطان من أرض تدمر ونحن ول حول سوى حول ربنا
مسيرة شهر والغدو لخر إذا نحن رحنا كان ريث رواحنا
بنصر ابن داود النبي المطهر أناس شروا ل طوعا نفوسهم
وإن نسوا يوما فمن خير معشر لهم في معالي الدين فضل رفعة
مبادرة عن شهرها لم تقصر متى يركبوا الريح المطيعة أسرعت
متى رفرفت من فوقهم لم تنفر تظلهم طير صفوف عليهم
@قوله تعالى" :وأسلنا له عين القطر" القطر :النحاس؛ عن ابن عباس وغيره .أسيلت له مسيرة
ثلثفة أيام كمفا يسفيل الماء ،وكانفت بأرض اليمفن ،ولم يذب النحاس فيمفا روي لحفد قبله ،وكان ل
يذوب ،ومفن وقتفه ذاب؛ وإنمفا ينتففع الناس اليوم بمفا أخرج ال تعالى لسفليمان .قال قتادة :أسفأل ال
عينا يستعملها فيما يريد .وقيل لعكرمة :إلى أين سالت؟ فقال :ل أدري! وقال ابن عباس ومجاهد
والسدي :أجريت له عين الصفر ثلثة أيام بلياليهن .قال القشيري :وتخصيص السفالة بثلثة أيام
ل يدرى ما حده ،ولعله وهم من الناقل؛ إذ في رواية عن مجاهد :أنها سألت من صنعاء ثلث ليال
مما يليها؛ وهذا يشير إلى بيان الموضع ل إلى بيان المدة .والظاهر أنه جعل النحاس لسليمان في
معدته عينا تسيل كعيون المياه ،دللة على نبوته أو قال الخليل :القطر :النحاس المذاب.
قلت :دليله قراءة من قرأ" :من قطرٍ آن"" .ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه" أي بأمره
"ومن يزغ منهم عن أمرنا" الذي أمرناه به من طاعة سليمان" .نذقه من عذاب السعير" أي في
الخرة ،قال أكثر المفسرين .وقيل ذلك في الدنيا ،وذلك أن ال تعالى وكل بهم فيما روى السدي -
ملكفا بيده سفوط مفن نار ،فمفن زاغ عفن أم سفليمان ضربفه بذلك السفوط ضربفة مفن حيفث ل يراه
فأحرقتفه .و"مفن" ففي موضفع نصفب بمعنفى وسفخرنا له مفن الجفن مفن يعمفل .ويجوز أن يكون ففي
موضع رفع ،كما تقدم في الريح.
**3اليفة{ 13 :يعملون له مفا يشاء مفن محاريفب وتماثيفل وجفان كالجواب وقدور راسفيات
اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور}
@قوله تعالى" :من محاريب وتماثيل " المحراب في اللغة :كل موضع مرتفع .وقيل للذي يصلي
فيفه :محراب؛ لنفه يجفب أن يرففع ومعظفم .وقال الضحاك" :مفن محاريفب" أي مفن مسفاجد .وكذا
قال قتادة .وقال مجاهفد :المحاريفب دون القصفور .وقال أبفو عفبيدة :المحراب أشرف بيوت الدار.
قال:
كغزلن رمل في محاريب أقيال وماذا عليه أن ذكرت أوانسا
وقال عدي بن زيد:
فبيض في الروض زهره مستنير كدمى العاج في المحاريب أوكالف
وقيفل :هفو مفا يرقفى إليفه بالدرج كالغرففة الحسفنة؛ كمفا قال" :إذ تسفوروا المحراب" [ص]21 :
وقوله" :فخرج على قومه من المحراب" [مريم ]11 :أي أشرف عليهم .وفي الخبر (أنه أمر أن
يعمفل حول كرسفيه ألف محراب فيهفا ألف رجفل عليهفم المسفوح يخرجون إلى ال دائبفا ،وهفو على
الكرسففي فففي موكبففه والمحاريففب حوله ،ويقول لجنوده إذا ركففب :سففبحوا ال إلى ذلك العلم ،فإذا
بلغوه قال :هللوه إلى ذلك العلم فإذا بلغوه قال :كففبروه إلى ذلك العلم الخففر ،فتلج الجنود بالتسففبيح
(والتهليل لجة واحدة.
@قوله تعالى" :وتماثيفل" جمفع تمثال .وهفو كفل مفا صفور على مثفل صفورة مفن حيوان أو غيفر
حيوان .وقيفل :كانفت مفن زجاج ونحاس ورخام تماثيفل أشياه .ليسفت بحيوان .وذكفر أنهفا صفور
النبياء والعلماء ،وكانت تصور في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة واجتهادا ،قال صلى ال
عليه وسلم( :إن أولئك كان إذا مات فيهفم الرجل الصالح بنوا على قفبره مسفجدا وصوروا فيه تلك
الصفور) .أي ليتذكروا عبادتهفم فيجتهدوا ففي العبادة .وهذا يدل على أن التصفوير كان مباحفا ففي
ذلك الزمان ،ونسفخ ذلك بشرع محمفد صفلى ال عليفه وسفلم .وسفيأتي لهذا مزيفد بيان ففي سفورة
"نوح" عليه السلم .وقيفل :التماثيل طلسفمات كان يعملهفا ،ويحرم على كل مصفور أن يتجاوزهفا
فل يتجاوزهفا ،فيعمفل تمثال للذباب أو للبعوض أو للتماسفيح ففي مكان ،ويأمرهفم أل يتجاوزه فل
يتجاوزه واحد أبدا ما دام ذلك التماثل قائما .وواحد التماثيل تمثال بكسر التاء .قال:
بآنسة كأنها خط تمثال ويا رب يوم قد لهوت وليلة
وقيفل :إن هذه التماثيفل رجال اتخذهفم مفن نحاس وسفأل ربفه أن ينففخ فيهفا الروح ليقاتلوا ففي سفبيل
ال ول يحيك فيهم السلح .ويقال :إن اسفنديار كان منهم؛ وال أعلم .وروي أنهم عملوا له أسدين
ففي أسففل كرسفيه ونسفرين فوقفه ،فإذا أراد أن يصفعد بسفط السفدان له ذراعيهمفا ،وإذا قعفد أطلق
النسران أجنحتهما.
@ حكى مكي في الهداية له :أن فرقة تجوز التصوير ،وتحتج بهذه الية .قال ابن عطية :وذلك
خطأ ،وما أحفظ عن أحد من أئمة العلم من يجوزه.
قلت :مففا حكاه مكففي ذكره النحاس قبله ،قال النحاس :قال قوم عمففل الصففور جائز لهذه اليففة،
ولما أخبر ال عز وجل عن المسيح .وقال قوم :قد صح النهي عن النبي صلى ال عليه وسلم عنها
والتوعد لمن عملها أو أتخذها ،فنسخ ال عز وجل بهذا ما كان مباحا قبله ،وكانت الحكمة في ذلك
لنه بعث عليه السلم والصور تعبد ،فكان الصلح إزالتها.
@ التمثال على قسمين :حيوان وموات .والموات على قسمين :جماد ونام؛ وقد كانت الجن تصنع
لسفليمان جميعفه؛ لعموم قوله" :وتماثيفل" .وففي السفرائيليات :أن التماثيفل مفن الطيفر كانفت على
كرسفي سفليمان .فإن قيفل :ل عموم لقوله" :وتماثيفل" فإنفه إثبات ففي نكره ،والثبات ففي النكرة ل
عموم له ،إنمفا العموم ففي النففي النكرة .قلنفا :كذلك هفو ،بيفد أنفه قفد اقتفر بهذا الثبات ففي النكرة مفا
يقتضفي حمله على العموم ،وهفو قوله" :مفا يشاء" فاقتران المشيفة بفه يقتضفي العموم له .فإن قيفل:
كيف استجاز الصور .المنهي عنها؟ قلنا :كان ذلك جائزا في شرعه ونسخ ذلك بشرعنا كما بينا،
وال أعلم .وعن أبي العالية :لم يكن اتخاذ الصور إذ ذاك محرما.
@ مقتضفى الحاديفث يدل أن الصفور ممنوعفة ،ثفم جاء (إل مفا كان رقمفا ففي ثوب) فخفص مفن
جملة الصور ،ثم ثبتت الكراهية فيه بقوله عليه السلم لعائشة في الثوب( :أخريه عني فإني كلما
رأيته ذكرت الدنيا) .ثم بهتكه الثوب المصور على عائشة منع منه ،ثم بقطعها له وسادتين تغيرت
الصفورة وخرجفت عفن هيئتهفا ،فإن جواز ذلك إذا لم تكفن الصفورة فيفه متصفلة الهيئة ،ولو كانفت
متصلة الهية لم يجز ،لقولها في النمرقة المصورة :اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها ،فمنع منه
وتوعفد عليفه .وتفبين بحديث الصلة إلى الصور أن ذلك جائز ففي الرقفم في الثوب ثفم نسفخه المنفع
منه .فهكذا استقر المر فيه وال أعلم؛ قال ابن العربي.
@ روى مسلم عن عائشة قالت :كان لنا ستر فيه تمثال طائر وكان الداخل إذا دخل استقبله ،فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم ال عليه وسلم( :حولي هذا فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا).
قالت :وكانفت لنفا قطيففة كنفا نقول علمهفا حريفر ،فكنفا نلبسفها .وعنهفا قالت :دخفل علي رسفول ال
صلى ال عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صورة ،فتلون وجهه ،ثم تناول الستر فهتكه ،ثم قال:
(إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق ال عز وجل) .وعنها :أنه كان لها ثوب
فيفه تصفاوير ممدود إلى سفهوة ،فكان النفبي صفلى ال عليفه وسفلم يصفلي إليفه فقال( :أخريفه عنفي)
قالت :فأخرتفه فجعلتفه وسفادتين .قال بعفض العلماء :ويمكفن أن يكون تهتيكفه عليفه السفلم الثوب
وأمره بتأخيره ورعا؛ لن محل النبوة والرسالة الكمال .فتأمله.
@ قال المزني عن الشافعي :إن دعي رجل إلى عرس فرأى صورة ذات روح أو صورا ذات
أرواح ،لم يدخففل إن كانففت منصففوبة .وإن كانففت توطففأ فل بأس ،وإن كانففت صففور الشجففر .ولم
يختلفوا أن التصفاوير ففي السفتور المعلقفة مكروهفة غيفر محرمفة .وكذلك عندهفم مفا كان خرطفا أو
نقشا في البناء .واستثنى بعضهم (ما كان رقما في ثوب) ،لحديث سهل بن حنيف.
قلت :لعفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم المصفورين ولم يسفتثن .وقوله( :إن أصفحاب هذه
الصفور يعذبون يوم القيامفة ويقال لهفم أحيوا مفا خلقتفم) ولم يسفتثن .وففي الترمذي عفن أبفي هريرة
قال قال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم ال عليففه وسففلم( :يخرج عنففق مففن النار يوم القيامففة له
عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول :إني وكلت بثلث :بكل جبار عنيد ،وبكل من
دعففا مففع ال إلهففا آخففر وبالمصففورين) قال أبففو عيسففى :هذا حديففث حسففن غريففب صففحيح .وفففي
البخاري ومسففلم عففن عبدال بففن مسففعود .قال قال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم ال عليففه
وسفلم(:أشفد الناس عذابفا يوم القيامفة المصفورون) .يدل على المنفع مفن تصفوير شيفء ،أي شيفء
كان .وقد قال جل وعز" :ما كان لكم أن تنبتوا شجرها" [النمل ]60 :على ما تقدم بيانه فأعلمه.
وقفد اسفتثني من هذا الباب لعفب البنات ،لما ثبت ،عن عائشفة رضفي ال عنها أن النفبي تزوجهفا
وهي بنت سبع سنين ،وزفت إليه وهي بنت تسع ولعبها معها ،ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة
سفنة .وعنهفا أيضفا قالت :كنفت ألعفب بالبنات عنفد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وكان لي صفواحب
يلعبن معي ،فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي
خرجهمففا مسففلم .قال العلماء :وذلك للضرورة إلى ذلك وحاجففة البنات حتففى يتدربففن على تربيففة
أولدهن .ثم إنه ل بقاء لذلك ،وكذلك ما يصنع من الحلوة أو من العجين ل بقاء له ،فرخص في
ذاك ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :وجفان كالجواب" قال ابن عرفة :الجوابي جمع الجابية ،وهي حفيرة كالحوض.
وقال :كحياض البفل .وقال ابفن القاسفم عفن مالك :كالجوبفة مفن الرض ،والمعنفى متقارب .وكان
يقعففد على الجفنففة الواحدة ألف رجففل .النحاس" :وجفان كالجواب" الولى أن تكون بالياء ،ومففن
حذف الياء قال سففبيل اللف واللم أن تدخففل على النكرة فل يغيرهففا عففن حالهففا ،فلمففا كان يقال
جواب ودخلت اللف واللم أقفففر على حال فحذف الياء .وواحفففد الجوابفففي جابيفففة ،وهفففي القدر
العظيمة ،والحوض العظيم الكبير الذي يجبى فيه الشيء أي يجمع؛ ومنه جبيت الخراج ،وجبيت
الجراد؛ أي جعلت الكسفاء فجمعتفه فيفه .إل أن ليثفا روى عفن مجاهفد قال :الجوابفي جمفع جوبفة،
والجوبة الحفرة الكبيرة تكون في الجبل فيها ماء المطر .وقال الكسائي :جبوت الماء في الحوض
وجبيته أي جمعته ،والجابية :الحوض الذي يجبى فيه الماء للبل ،قال:
كجابية الشيخ العراقي تفهق تروج على آل الملحق جفنة
ويروى أيضا:
كجابية السيح... ... ... نفي الذم عن آل المحلق جفنة
ذكره النحاس" .وقدور راسففيات" قال سففعيد بففن جففبير :هففي قدور النحاس تكون بفارس .وقال
الضحاك :هفي قدور تعمفل مفن الجبال .غيره :قفد نحتفت مفن الجبال الصفم ممفا عملت له الشياطيفن،
أثافيها منها منحوتة هكذا من الجبال .ومعنى "راسيات" ثوابت ،ل تحمل ول تحرك لعظمها .قال
ابفن العربفي :وكذلك كانفت قدور عبدال بفن ال بفن جدعان ،يصفعد إليهفا ففي الجاهليفة بسفلم .وعنهفا
عبر طرفة بن العبد بقول:
لقرى الضياف أو للمحتضر كالجوابي ل تني مترعة
قال ابفن العربفي :ورأيفت برباط أبفي سفعيد قدور الصفوفية على نحفو ذلك ،فإنهفم يطبخون جميعفا
ويأكلون جميعا من غير استئثار واحد منهم على أحد.
@قوله تعالى" :اعملوا آل داود شكرا" قفد مضفى معنى الشكفر ففي "البقرة" وغيرهفا .وروي أن
النبي صلى ال عليه وسلم صعد المنبر فتل هذه الية ثم قال(:ثلث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما
أوتفي آل داود) قال فقلنفا :مفا هفن .فقال( :العدل ففي الرضفا والغضفب .والقصفد ففي الفقفر والغنفى.
وخشيفة ال ففي السفر والعلنيفة) .خرجفه الترمذي الحكيفم أبفو عبدال عفن عطاء بفن يسفار عفن أبفي
هريرة .وروي أن داود عليه السلم قال( :يا رب كيف أطيق شكرك على نعمك .وإلهامي وقدرتي
على شكرك نعمة لك) فقال( :يا داود الن عرفتني) .وقد مضى هذا المعنى في سورة "إبراهيم".
وأن الشكففر حقيقتففه العتراف بالنعمففة للمنعففم واسففتعمالها فففي طاعتففه ،والكفران اسففتعمالها فففي
المعصية .وقليل من يفعل ذلك؛ لن الخير أقل من الشر ،والطاعة أقل من المعصية ،بحسب سابق
التقديففر .وقال مجاهففد :لمففا قال ال تعالى "أعملوا آل داود شكرا" قال داود لسففليمان :أن ال عففز
وجفل قففد ذكفر الشكففر فاكفنفي صففلة النهار أكفففك صففلة الليفل ،قال :ل أقدر ،قال :فاكفنففي -قال
الفاريابي ،أراه قال إلى صلة الظهر -قال نعم ،فكفاه .وقال الزهري" :أعملوا آل داود شكرا" أي
قولوا الحمفد ل .و"شكرا" نصفب على جهفة المفعول؛ أي اعملوا عمل هفو الشكفر .وكأن الصفلة
والصفيام والعبادات كلهفا هفي ففي نفسفها الشكفر إذ سفدت مسفدة ،ويفبين هذا قوله تعالى" :إل الذيفن
آمنوا وعملوا الصففالحات وقليففل مففا هففم" [ص ]24 :وهففو المراد بقوله "وقليففل مففن عبادي
الشكور" .وقفد قال سففيان بفن عينفة ففي تأويفل قوله تعالى "أن اشكفر لي" [لقمان ]14 :أن المراد
بالشكفر الصفلوات الخمفس .وففي صفحيح مسفلم عفن عائشفة رضفي ال تعالى عنهفا أن رسفول ال
صلى ال عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تفطر قدماه؛ فقالت له عائشة رضي ال عنها :أتصنع
هذا وقفد غففر ال لك مفا تقدم مفن ذنبفك ومفا تأخفر؟ فقال( :أفل أكون عبدا شكورا) .انفرد بإخراجفه
مسفلم .فظاهفر القرآن والسفنة أن الشكفر بعمفل البدان دون القتصفار على عمفل اللسفان؛ فالشكفر
بالفعال عمل الركان ،والشكر بالقوال عمل اللسان .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وقليل من عبادي الشكور" يحتمل أن يكون ،مخاطبة لل داود ،ويحتمل أن يكون
مخاطبفة لمحمفد صفلى ال ال عليفه وسفلم قال ابفن عطيفة :وعلى كفل وجفه ففيفه تنفبيه وتحريفض.
وسمع عمر بن الخطاب رضي ال تعالى عنه رجل يقول :اللهم اجعلني من القليل؛ فقال عمر :ما
هذا الدعاء؟ فقال الرجففل :أردت قوله تعالى "وقليففل مففن عبادي الشكور" .فقال عمففر رضففي ال
عنفه :كفل الناس أعلم منفك يفا عمفر! وروي أن سفليمان عليفه السفلم كان يأكفل الشعيفر ويطعفم أهله
الخشكار ويطعفم المسفاكين الدرمفك .وقفد قيفل :إنفه كان يأكفل الرماد ويتوسفده ،والول أصفح ،إذ
الرماد ليففس بقوت .وروي أنففه مففا شبففع قففط ،فقيففل له فففي ذلك فقال :أخاف إن شبعففت أن أنسففى
الجياع .وهذا من الشكر ومن القليل ،فتأمله ،وال أعلم.
**3اليفة{ 14 :فلمفا قضينفا عليفه الموت مفا دلهفم على موتفه إل دابفة الرض تأكفل منسفأته فلمفا
خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}
@قوله تعالى" :فلما قضينا عليه الموت" أي فلما حكمنا على سليمان بالموت حتى صار كالمر
المفروغ منفه ووقفع بفه الموت "مفا دلهفم على موتفه إل دابفة الرض تأكفل منسفأته" وذلك أنفه كان
متكئا على المنسفأة (وهفي العصفا بلسفان الحبشفة ،ففي قول السفدي .وقيفل :هفي بلغفة اليمفن ،ذكره
القشيري) فمات كذلك وبقفي خاففي الحال إلى أن سفقط ميتفا لنكسفار العصفا لكفل الرض إياهفا،
فعلم موتفه بذلك ،فكانفت الرضفة دالة على موتفه ،أي سفببا لظهور موتفه ،وكان سفأل ال تعالى أل
يعلموا بموتفه حتفى تمضفى عليفه سفنة .واختلفوا ففي سفبب سفؤاله لذلك على قوليفن :أحدهمفا مفا قاله
قتادة وغيره ،قال :كانت الجن تدعي علم الغيب ،فلما مات سليمان عليه السلم وخفي موته عليهم
"تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب" ابن مسعود :أقام حول والجن تعمل بين يديه حتى أكلت
الرضفة منسفأته فسفقط .ويروى أنفه لمفا سفقط لم يعلم منفذ مات؛ فوضعفت الرضفة على العصفا
فأكلت منهفا يومفا وليلة ثفم حسفبوا على ذلك فوجدوه قفد مات منفذ سفنة .وقيفل :كان رؤسفاء الجفن
سبعة ،وكانوا منقادين لسليمان عليه السلم ،وكان داود عليه السلم أسس بيت المقدس فلما مات
أوصى إلى سليمان في إتمام مسجد بيت المقدس ،فأمر سليمان الجن به؛ فلما دنا وفاته قال لهله:
ل تخفبروهم بموتفي حتفى يتموا بناء المسفجد ،وكان بقفي لتمامفه سفنة .وففي الخفبر أن ملك الموت
كان صديقه فسأل عن آية موته فقال :أن تخرج من موضع سجودك شجرة يقال لها الخرنوبة ،فلم
يكن يوم يصبح فيه إل تنبت في بيت المقدس شجرة فيسألها :ما اسمك؟ فتقول الشجرة :اسمي كذا
وكذا؛ فيقول :ولي شيففء أنففت؟ فتقول :لكذا ولكذا؛ فيأمففر بهففا فتقطففع ،ويغرسففها فففي بسففتان له،
ويأمفر بكتفب منافعهفا ومضارهفا واسفمها ومفا تصفلح له ففي الطفب؛ فبينمفا هفو يصفلي ذات يوم إذا
رأى شجرة نبتففت بيففن يديففه فقال لهففا :مففا اسففمك؟ قالت :الخرنوبففة؛ قال :ولي شيففء أنففت؟ قال:
لخراب هذا المسفجد ،فقال سفليمان :مفا كان ال ليخربفه وأنفا حفي ،أنفت التفي على وجهفك هلكفي
وهلك بيفت المقدس فنزعهفا وغرسفها ففي حائطفه ثفم قال .اللهفم عفم عفن الجفن موتفي حتفى تعلم
النس أن الجن ل يعلمون الغيب .وكانت الجن تخبر أنهم يعلمون من الغيب أشياء ،وأنهم يعلمون
ما في غد؛ ثم لبس كفنه وتحنط ودخل المحراب وقام يصلي واتكأ على عصاه على كرسيه ،فمات
ولم تعلم الجن إلى أن مضت سنة وتم بناء المسجد .قال أبو جعفر النحاس :وهذا أحسن ما قيل في
اليفة ،ويدل على صفحته الحديفث المرفوع ،روى إبراهيفم بفن طهمان عفن عطاء بفن السفائب عفن
سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :كان نبي ال سليمان بن دواد
عليهمفا السفلم إذا صفلى رأى شجرة نابتفة بيفن يديفه فيسفألها مفا اسفمك؟ فإن كانفت لغرس غرسفت
وإن كانفت لدواء كتبفت؛ فبينمفا هفو يصفلي ذات يوم إذا شجرة نابتفة بيفن يديفه قال مفا اسفمك؟ قالت:
الخرنوبة؛ فقال :لي شيفء أنفت؟ فقالت :لخراب هذا البيفت؛ فقال :اللهم عم الجفن موتفي حتفى تعلم
النس أن الجن ل يعلمون الغيب؛ فنحتها عصا فتوكأ عليها حول ل يعلمون فسقطت ،فعلم النس
أن الجن ل يعلمون الغيب فنظروا مقدار ذلك فوجدوه سنة.
وفففي قراءة ابففن مسففعود وابففن عباس "تففبينت النففس أن لو كان الجففن يعلمون الغيففب" .وقرأ
يعقوب ففي روايفة رويفس "تبنفت الجفن" غيفر مسفمى الفاعفل .وناففع وأبفو عمرو "تأكفل منسفاته"
بألف بيفن السفين والتاء مفن غيفر همفز .والباقون بهمزة مفتوحفة موضفع اللف ،لغتان ،إل أن ابفن
ذكوان أسكن الهمزة تخفيفا ،قال الشاعر في ترك الهمزة:
تباعد عنك اللهو والغزل إذا دببت على المنساة من كبر فقد
وقال آخر فهمز وفتح:
فصار بذاك مهينا ذليل ضربنا بمنسأة وجهه
وقال آخر:
بمنسأة قد جر حبلك أحبل أمن أجل حبل ل أباك ضربته
وقال آخر فسكن همزها:
كقومة الشيخ إلى منسأته وقائم قد قام من تكأته
وأصلها من :نسأت الغنم أي زجرتها وسقتها ،فسميت العصا بذلك لنه يزجر بها الشيء وساق.
وقال طرفة:
على لحب كأنه ظهر برجد أمون كألواح الران نسئتها
فسفكن همزهفا .قال النحاس :واشتقاقهفا يدل على أنهفا مهموزة؛ لنهفا مشتقفة مفن نسفأته أي أخرتفه
ودفعتفه فقيفل لهفا منسفأة لنهفا يدففع بهفا الشيفء ويؤخفر .وقال مجاهفد وعكرمفة :هفي العصفا ،ثفم قرأ
"منساته" أبدل من الهمزة ألففا ،فإن قيل :البدل من الهمزة قبيح جدا وإنمفا يجوز ففي الشعفر على
بعفد وشذوذ ،وأبفو عمرو بن العلء ل يغيب عنه مثفل هذا ل سفيما وأهفل المدينة على هذه القراءة.
فالجواب على هذا أن العرب اسفتعملت ففي هذه الكلمفة البدل ونطقوا بهفا هكذا كمفا يقفع البدل ففي
غيفر هذا ول يقاس عليفه حتفى قال أبفو عمور :ولسفت أدري ممفن هفو إل أنهفا غيفر مهموزة لنهفا
لن مفا كان مهموزا فقفد يترك همزه ومفا لم يكفن مهموزا لم يجفز همزه بوجفه .المهدوي :ومفن قرأ
بهمزة سفاكنة فهفو شاذ بعيفد؛ لن هاء التأنيفث ل يكون مفا قبلهفا إل متحركفا أو ألففا ،لكنفه يجوز أن
يكون مفا سفكن مفن المفتوح اسفتخفافا ،ويجوز أن يكون لمفا أبدل الهمزة ألففا على غيفر قياس قلب
اللف همزة كمفا قلبوهفا ففي قولهفم العألم والخأتفم ،وروي عفن صفعيد بفن جفبير "مفن" مفصفولة
"سأته" مهموزة مكسورة التاء؛ فقيل :إنه من سئة القوس في لغة من همزها ،وقد روي همز سية
القوس عففن رؤيففة .قال الجوهري :سففية القوس مففا عطففف مففن طرفيهففا ،والجمففع سففيات ،والهاء
عوض عفن الواو ،والنسفبة إليهفا سفيوي .قال أبفو عفبيدة :كان رؤبفة يهمفز "سفية القوس" وسفائر
العرب ل يهمزونهففا .وفففي دابففة الرض قولن :أحدهمففا :أنهففا أرضففة؛ قال ابففن عباس ومجاهففد
وغيرهما .وقد قرئ "دابة الرض" بفتح الراء ،وهو جمع الرضة؛ ذكره الماوردي .الثاني :أنها
دابففة تأكففل العيدان .قال الجوهري :والرضففة (بالتحريففك) :دويبففة تأكففل الخشففب؛ يقال :أرضففت
الخشبة تؤرض أرضا (بالتسكين) فهي مأروضة إذا أكلتها.
@قوله تعالى" :فلما خر" أي سقط "تبينت الجن" قال الزجاج :أي تبينت الجن موته .وقال غيره:
المعنفى تبين أمر الجن؛ مثل" :واسأل القرية" [يوسف .]82 :وفي التفسير -بالسانيد الصحاح
عفن ابفن عباس قال :أقام سفليمان بفن داود عليهمفا الصفلة والسفلم حول ل يعلم بموتفه وهفو متكفئ
على عصاه ،والجن منصرفة فيما كان أمرها به ،ثم سقط بعد حول؛ فلما خر تبينت ،النس أن لو
كان الجففن يعلمون الغيففب مففا لبثوا فففي العذاب المهيففن .وهذه القراءة مففن ابففن عباس على جهففة
التفسففير .وفففي الخففبر :أن الجففن شكرت ذلك للرضففة فأينمففا كانففت ،يأتونهففا بالماء .قال السففدي:
والطيففن ،ألم تففر إلى الطيففن الذي يكون فففي جوف الخشففب فإنففه ممففا يأتيهففا بففه الشياطيففن شكرا؛
وقالت :لو كنففت تأكليففن الطعام والشراب لتيناك بهمففا .و"أن" فففي موضففع رفففع على البدل مففن
الجن ،والتقدير :تبين أمر الجن ،فحذف المضاف ،أي تبين وظهر للنس وانكشف لهم أمر الجن
أنهفم ل يعلمون الغيفب .وهذا بدل الشتمال .ويجوز أن تكون ففي موضفع نصفب على ،تقديفر حذف
اللم" .ما لبثوا" أقاموا" .في العذاب المهين" السخرة والحمل والبنيان وغير ذلك .وعمر سليمان
ثلثفا وخمسفين سفنة ،ومدة ملكفه أربعون سفنة؛ فملك وهفو ابفن ثلث عشرة سفنة ،وابتدأ ففي بنيان
بيت المقدس وهو ابن سبع عشره سنة .وقال السدي وغيره :كان عمر سليمان سبعا وستين ستة،
وملك وهو ابفن سفبع عشرة سفنة .وابتدأ ففي بنيان بيفت المقدس وهفو ابن عشريفن سفنة ،وكان ملكه
خمسفين سفنة .وحكفي أن سفليمان عليفه السفلم ابتدأ بنيان بيفت المقدس ففي السفنة الرابعفة مفن ملكفه،
وقرب بعفد فراغفه منفه اثنفي عشفر ألف ثور ومائة وعشريفن ألف شاة ،واتخفذ اليوم الذي فرغ فيفه
من بنائه عيدا ،وقام على الصخرة رافعا يديه إلى ال تعالى بالدعاء فقال :اللهم أنت وهبت لي هذا
السلطان وقويتني ،على بناء هذا المسجد ،اللهم فأوزعني شكرك على ما أنعمت علي وتوفني على
ملتك ول تزغ قلبي بعد إذ هديتني ،اللهم إني أسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال :ل يدخله
مذنب دخل ،للتوبة إل غفرت له وتبت عليه .ول خائف إل أمنته .ول سقيم إل شفيته .ول فقير إل
أغنيته .والخامسة :أل تصرف نظرك عمن دخله حتى يخرج منه؛ إل من أراد إلحادا أو ظلما ،يا
رب العالمين؛ ذكره الماوردي.
قلت :وهذا أصفح ممفا تقدم أنفه لم يفرغ بناؤه إل بعفد موتفه بسفنة ،والدليفل على صفحة هذا مفا
خرج النسفائي وغيره بإسفناد صفحيح مفن حديفث عبدال بفن عمرو عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم
(أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل ال تعالى خلل ثلثة :حكما يصادف حكمه فأوتيه،
وسفأل ال تعالى ملكفا ل ينبغفي لحفد مفن بعده فأوتيفه ،وسفأل ال تعالى حيفن فرغ مفن بنائه المسفجد
أل يأتيه أحد ل ينهزه إل الصلة فيه أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه) وقد ذكرنا هذا الحديث
في "آل عمران" وذكرنا بناءه في "السراء".
**3اليفة{ 15 :لقفد كان لسفبأ ففي مسفكنهم آيفة جنتان عفن يميفن وشمال كلوا مفن رزق ربكفم
واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور}
@قوله تعالى" :لقفد كان لسفبأ ففي مسفكنهم آيفة" قرأ ناففع وغيره بالصفرف والتنويفن على أنه اسفم
حي ،وهو في الصل اسم رجل؛ جاء بذلك التوقيف عن النبي صلى ال عليه وسلم روى الترمذي
قال :حدثنا أبو كريب وعبد بن حميد قال حدثنا أبو أسامة عن الحسن بن الحكم النخعي قال حدثنا
أبفو سفبرة النخعفي عفن فروة بفن مسفيك المرادي قال :أتيفت النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقلت :يفا
رسول ال ،أل أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؛ فأذن لي في قتالهم وأمر؛ فلما خرجت من
عنده سأل عني( :ما فعل الغطيفي)؟ فأخبر أني قد سرت ،قال :فأرسل في أثري فردني فأتيته وهو
في نفر من أصحابه فقال( :ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه ومن لم يسلم فل تعجل حتى أحدث
إليك؛ قال :وأنزل في سبأ ما أنزل؛ فقال رجل :يا رسول ال ،وما سبأ؟ أرض أو امرأة؟ قال :ليس
بأرض ول بامرأة ولكنفه رجفل ولد عشرة مفن العرب فتيامفن منهفم سفتة وتشاءم منهفم أربعفة .فأمفا
الذيفن تشاءموا فلخفم وجذام وغسفان وعاملة .وأمفا الذيفن تيامنوا فالزد والشعريون وحميفر وكندة
ومذحج وأنمار .فقال رجل :يا رسول ال وما أنمار؟ قال( :الذين منهم خثعفم وبجيلة) .وروي هذا
عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم .قال أبو عيسى :هذا حديث حسن غريب .وقرأ ابن
كثير وأبو عمرو "لسبأَ" بغير صرف ،جعله اسما للقبيلة ،وهو اختيار أبي عبيد ،واستدل على أنه
اسفم قفبيلة بأن بعده "ففي مسفاكنهم" .النحاس :ولو كان كمفا قال لكان ففي مسفاكنها .وقفد مضفى ففي
"النمل" زيادة بيان لهذا المعنى .وقال الشاعر في الصرف:
قد عض أعناقهم جلد الجواميس الواردون وتم في ذرى سبأ
وقال آخر في غير الصرف:
يبنون من دون سيلها العرما من سبأ الحاضرين مأرب إذ
وقرأ قنبل وأبو حيوة والجحدري "لسبأْ" بإسكان الهمزة" .في مساكنهم" قراءة العامة على الجمع،
وهففي اختيار أبففي عبيففد وأبففي حاتففم؛ لن لهففم مسففاكن كثيرة وليففس بمسففكن واحففد .وقرأ إبراهيففم
وحمزة وحففص "مسفكنهم" موحدا ،إل أنهفم فتحوا الكاف .وقرأ يحيفى والعمفش والكسفائي موحدا
كذلك ،إل أنهم كسروا الكاف .قال النحاس :والساكن في هذا أبين؛ لنه يجمع اللفظ والمعنى ،فإذا
قلت "مسفكنهم" كان فيفه تقديران :أحدهمفا :أن يكون واحدا يؤدي عفن الجمفع .والخفر :أن يكون
مصفففدرا ل يثنفففي ول يجمفففع؛ كمفففا قال ال تعالى" :ختفففم ال على قلوبهفففم وعلى سفففمعهم وعلى
أبصفارهم" [البقرة ]7 :فجاء بالسفمع موحدا .وكذا "مقعفد صفدق" [القمفر ]55 :و"مسفكن" مثفل
مسفجد ،خارج عفن القياس ،ول يوجفد مثله إل سفماعا" .آيفة" اسفم كان ،أي علمفة دالة على قدرة
ال تعالى على أن لهم خالقا خلقهم ،وأن كل الخلئق لو اجتمعوا على أن يخرجوا من الخشبة ثمرة
لم يمكنهففم ذلك ،ولم يهتدوا إلى اختلف أجناس الثمار وألوانهففا وطعومهففا وروائحهففا وأزهارهففا،
وففي ذلك مفا يدل على أنهفا ل تكون إل مفن عالم قادر" .جنتان عفن يميفن وشمال" يجوز أن يكون
بدل مفن "آيفة" ،ويجوز أن يكون خففبر ابتداء محذوف،فوقففف على هذا الوجفه على "آيفة" وليفس
بتمام .قال الزجاج :أي اليففة جنتان ،فجنتان رفففع لنففه خففبر ابتداء محذوف .وقال الفراء :رفففع
تفسيرا للية ،ويجوز أن تنصب "آية" على أنها خبر كان ،ويجوز أن تنصب الجنتين على الخبر
أيضا في غير القرآن .وقال عبدالرحمن بن زيد :إن الية التي كانت لهل سبأ في مساكنهم أنهم لم
يروا فيهفا بعوضفة قفط ول ذبابفا ول برغوثفا ول قملة ول عقربفا ول حيفة ول غيرهفا مفن الهوام،
وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل والدواب فإذا نظروا إلى بيوتهم ماتت الدواب .وقيل :إن الية
هفي الجنتان ،كانفت المرأة تمشفي فيهمفا وعلى رأسفها مكتفل فيمتلئ مفن أنواع الفواكفه مفن غيفر أن
تمسها بيدها؛ قال قتادة .وروى أن الجنتين كانتا بين جبلين باليمن .قال سفيان :وجد فيهما قصران
مكتوب على أحدهما :نحن بنينا سلحين في سبعين خريفا دائبين ،وعلى الخر مكتوب :نحن بنينا
صروح ،مقيل ومراح؛ فكانت إحدى الجنتين عن يمين الوادي والخرى عن شماله قال القشيري:
ولم يرد جنتيفن اثنيفن بفل أراد مفن الجنتيفن يمنفة ويسفرة؛ أي كانفت بلدهفم ذات بسفاتين وأشجار
وثمار؛ تسفتتر الناس بظللهفا".كلوا مفن رزق ربكفم"أي قيفل لهفم كلوا ،ولم يكفن ثفم أمفر ،ولكنهفم
تمكنوا من تلك النعم .وقيل :أي قالت الرسل لهم قد أباح ال تعالى لهم ذلك؛ أي أباح لكم هذه النعم
فاشكروه بالطاعففة" .كلوا مففن رزق ربكففم" أي مففن ثمار الجنتيففن" .واشكروا له" يعنففي على مففا
رزقكفم" .بلدة طيبفة" هذا كلم مسفتأنف؛ أي هذه بلدة طيبفة أي كثيرة الثمار .وقيفل :غيفر سفبخة.
وقيل :طيبة ليس فيها هوام لطيب هوائها .قال مجاهد :هي صنعاء" .ورب غفور" أي والمنعم بها
عليكفم رب غفور يسفتر ذنوبكفم ،فجمفع لهفم بيفن مغفرة ذنوبهفم وطيفب بلدهفم ولم يجمفع ذلك لجميفع
خلقه .وقيل :إنما ذكر المغفرة مشيرا إلى أن الرزق قد .يكون فيه حرام .وقد .مضى القول في هذا
في أول "البقرة" .وقيل :إنما امتن عليهم بعفوه عن عذاب الستئصال بتكذيب من كذبوه من سالف
النبياء إلى أن استداموا الصرار فاستؤصلوا.
**3اليفة{ 16 :فأعرضوا فأرسفلنا عليهفم سفيل العرم وبدلناهفم بجنتيهفم جنتيفن ذواتفي أكفل خمفط
وأثل وشيء من سدر قليل}
@قوله تعالى" :فأعرضوا" يعني عن أمره واتباع رسله بعد أن كانوا مسلمين قال السدي ووهب:
بعث إلى أهل سبأ ثلثة عشر نبيا فكذبوهم .قال القشيري :وكان لهم رئيس يلقب بالحمار ،وكانوا
في زمن الفترة بين عيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم وقيل :كان له ولد فمات فرفع رأسه إلى،
السفماء فبزق وكففر؛ ولهذا يقال :أكففر مفن حمار .وقال الجوهري :وقولهفم "أكففر مفن حمار" هفو
رجففل ،مففن عاد مات له أولد فكفففر كفرا عظيمففا ،فل يمففر بأرضففه أحففد إل دعاه إلى الكفففر ،فإن
أجابفه وإل قتله .ثفم لمفا سفال السفيل بجنتيهفم تفرقوا ففي البلد؛ على مفا يأتفي بيانفه .ولهذا قيفل ففي
المثفل" :تفرقوا أيادي سفبا" .وقيفل :الوس والخزرج منهفم" .فأرسفلنا عليهفم سفيل العرم" والعرم
فيمفا روي عفن ابفن عباس :السفد فالتقديفر :سفيل السفد العرم .وقال عطاء :العرم اسفم الوادي .قتادة:
العرم وادي سبأ؛ كانت تجتمع إليه مسايل من الودية ،قيل من البحر وأودية اليمن؛ فردموا ردما
بين جبلين وجعلوا في ذلك الردم ثلثة أبواب بعضها فوق بعض ،فكانوا يسقون من العلى ثم من
الثانفي ثفم مفن الثالث على قدر حاجاتهفم؛ فأخصفبوا وكثرت أموالهفم ،فلمفا كذبوا الرسفل سفلط ال
عليهفم الفأر فنقفب الردم .قال وهفب :كانوا يزعمون أنهفم يجدون ففي علمهفم وكهانتهفم أنفه يخرب
سدهم فأرة فلم يتركوا فرجة بين صخرتين إل ربطوا إلى جانبها هرة؛ فلما جاء ما أراد ال تعالى
بهفم أقبلت فأرة حمراء إلى بعفض تلك الهرر فسفاورتها حتفى اسفتأخرت عفن الصفخرة ودخلت ففي
الفرجة التي كانت عندها ونقبت السد حتى أوهنته للسيل وهم ل يدرون؛ فلما جاء السيل دخل تلك
الخلل حتففى بلغ السففد وفاض الماء على أموالهففم فغرقهففا ودفففن بيوتهففم .وقال الزجاج :العرم اسففم
الجرذ الذي نقب السكر عليهم ،وهو الذي يقال له الخلد -وقال قتادة أيضا -فنسب السيل إليه لنه
بسفببه .وقفد قال ابفن العرابفي أيضفا :العرم مفن أسفماء الفأر .وقال مجاهفد وابفن أبفي :العرم ماء
أحمر أرسله ال تعالى في العد فشقه وهدمه .وعن ابن عباس أيضا أن العرم المطر الشديد .وقيل
العرم بسكون الراء .وعن الضحاك كانوا في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلم .وقال عمرو
بن شرحبيل :العرم المسناة؛ وقاله الجوهري ،قال :ول واحد لها من لفظها ،ويقال واحدها عرمة.
وقال محمفد بفن يزيفد :العرم كفل شيفء حاجفز بيفن شيئيفن ،وهفو الذي يسفمى السفكر ،وهفو جمفع
عرمة .النحاس :وما يجتمع من مطر بين جبلين وفي وجهه مسناة فهو العرم ،والمسناة هي التي
يسفميها أهفل مصفر الجسفر؛ فكانوا يفتحونهفا إذا شاؤوا فإذا رويفت جنتاهفم سفدوها .قال الهروي:
المسفناة الضفيرة تبنفي للسفيل ترده ،سفميت مسفناة لن فيهفا مفاتفح الماء .وروي أن العرم سفد بنتفه
بلقيفس صفاحبة سفليمان عليفه الصفلة والسفلم ،وهفو المسفناة بلغفة حميفر ،بنتفه بالصفخر والقار،
وجعلت له أبوابفا ثلثفة ببعضهفا فوق بعفض ،وهفو مشتفق مفن العرامفة وهفي الشدة ،ومنفه :رجفل
عارم ،أي شديفد ،وعرمفت العظفم أعرمفه وأعرمفه عرمفا إذا عرقتفه ،وكذلك عرمفت البفل الشجفر
أي نالت منفه .والعرام بالضفم :العراق مفن العظفم والشجفر .وتعرمفت العظفم تعرقتفه .وصفبي عارم
بيففن العرام (بالضففم) أي شرس .وقففد عرم يعرم ويعرم عرامففة (بالفتففح) .والعرم العارم؛ عففن
الجوهري.
@قوله تعالى" :وبدلناهفم بجنتيهفم جنتيفن ذواتفى أكفل خمفط" وقرأ أبفو عمرو (أكفل خمفط) بغيفر
تنويفن مضاففا .قال أهفل التفسفير والخليفل :الخمفط الراك .الجوهري :الخمفط ضرب من الراك له
حمفل يؤكفل .وقال أبفو عفبيدة :هفو كفل ذي شوك فيفه مرارة .الزجاج :كفل نبفت فيفه مرارة ل يمكفن
أكله .المفبرد :الخمفط كفل مفا تغيفر إلى مفا ل يشتهفي .واللبفن خمفط إذا حمفض .والولى عنده ففي
القراءة "ذواتفي أكفل خمفط" بالتنويفن على أنفه نعفت لفف "أكفل" أو بدل منفه؛ لن الكفل هفو الخمفط
بعينفه عنده ،فأمفا الضاففة فباب جوازهفا أن يكون تقديرهفا ذواتفي أكفل حموضفة أو أكفل مرارة.
وقال الخففش :والضاففة أحسفن ففي كلم العرب؛ نحفو قولهفم :ثوب خفز والخمفط :اللبفن الحامفض
وذكر أبو عبيد أن اللبن إذا ذهب عنه حلوة الحلب ولم يتغير طعمه فهو سامط؛ وإن أخذ شيئا من
الريح فهو خامط وخميط ،فإن أخذ شيئا من طعم فهو ممحل ،فإذا كان فيه طعم الحلوة فهو فوهة.
وتخمفط الفحفل :هدر .وتخمفط فلن أي غضفب وتكفبر .وتخمفط البحفر أي التطفم .وخمطفت الشاة
أخمطهفا خمطفا :إذا نزعفت جلدهفا وشويتهفا فهفي خميفط ،فإن نزعفت شعرهفا وشويتهفا فهفي سفميط.
والخمطفة :الخمفر التفي قفد أخذت ريفح الدراك كريفح التفاح ولم تدرك بعفد .ويقال هفي الحامضفة؛
قاله الجوهري .وقال القتبي في أدب الكاتب .يقال للحامضة خمطة ،ويقال :الخمطة التي قد أخذت
شيئا من الريح؛ وأنشد:
ول خلة يكوي الشروب شهابها عقار كماء النيء ليست بخمطة
@قوله تعالى" :وأثفل" قال الفراء :هفو شفبيه بالطرفاء إل أنفه أعظفم منفه طول؛ (منفه اتخفذ منفبر
النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ،وللثفل أصفول غليظفة يتخفذ منفه البواب ،وورقفه كورق الطرفاء،
الواحدة أثلة والجمففع أثلث .وقال الحسففن :الثففل الخشففب .قتادة :هففو ضرب مففن الخشففب يشبففه
الطرفاء رأيتففه بفيففد .وقيففل هففو السففمر .وقال أبففو عففبيدة :هففو شجففر النضار .النضار :الذهففب.
والنضار :خشفب يعمفل منفه قصفاع ،ومنفه :قدح نضار" .وشيفء مفن سفدر قليفل" قال الفراء :هفو
السففمر؛ ذكره النحاس .وقال الزهري :السفدر مفن الشجففر سفدران :بري ل ينتففع بفه ول يصفلح
ورقفه للغسفول وله ثمفر عففص ل يؤكفل ،وهفو الذي يسفمى الضال .والثانفي :سفدر ينبفت على الماء
وثمره النبق وورقه غسول يشبه شجر العناب .قال قتادة :بينما شجر القوم من خير شجر إذ صيره
ال تعالى مففن شففر الشجففر بأعمالهففم ،فأهلك أشجارهففم المثمرة وأنبففت بدلهففا الراك والطرفاء
والسدر .القشري :وأشجار البوادي ل تسمى جنة وبستانا ولكن لما وقعت الثانية في مقابلة الولى
أطلق لفففظ الجنففة ،وهففو كقوله تعالى" :وجزاء سففيئة سففيئة مثلهففا" [الشورى .]40 :ويحتمففل أن
يرجع قوله "قليل" إلى جملة ما ذكر من الخمط والثل والسدر.
**3الية{ 17 :ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إل الكفور}
@قوله تعالى" :ذلك جزيناهم بما كفروا" أي هذا التبديل جزاء كفرهفم .وموضع "ذلك" نصب؛
أي جزيناهفم ذلك بكفرهفم" .وهفل يجازى إل الكفور" قراءة العامفة "يجازى بياء مضمومفة وزاي
مفتوحة" ،الكفور" رفعا على ما لم يسم فاعله .وقرأ يعقوب وحفص وحمزة والكسائي" :نجازي"
بالنون وكسفر الزاي" ،الكفور" بالنصفب ،واختاره أبفو عبيفد وأبفو حاتفم ،قال :لن قبله "جزيناهفم"
ولم يقفل جوزوا .النحاس :والمفر ففي هذا واسفع ،والمعنفى فيفه بيفن ،ولو قال قائل :خلق ال تعالى
آدم صلى ال عليه وسلم من طين ،وقال آخر :خلق آدم من طين ،لكان المعنى واحدا.
مسفألة :ففي هذه اليفة سفؤال ليفس ففي هذه السفورة أشفد منفه ،وهفو أن يقال :لم خفص ال تعالى
المجازاة بالكفور ولم يذكر أصحاب المعاصي؟ فتكلم العلماء في هذا؛ فقال قوم :ليس يجازى بهذا
الجزاء الذي هفو الصفطلم والهلك إل مفن كففر .وقال مجاهفد :يجازى بمعنفى يعاقفب؛ وذلك أن
المؤمفن يكففر ال تعالى عنفه سفيئاته ،والكاففر يجازى بكفل سفوء عمله؛ فالمؤمفن يجزى ول يجازى
لنه يئاب .وقال طاوس :هو المناقشة في الحساب ،وأما المؤمن فل يناقش الحساب .وقال قطرب
خلف هذا ،فجهلهفا ففي أهفل المعاصفي غيفر الكفار ،وقال :المعنفى على مفن كففر بالنعفم وعمفل
بالكبائر .النحاس :وأولى ما قيل في هذه الية وأجل ما روي فيها :أن الحسن قال مثل بمثل .وعن
عائشفة رضفي ال عنهفا قالت :سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقول( :مفن حوسفب هلك)
فقلت :يا نبي ال ،فأين قوله جل وعز" :فسوف يحاسب حسابا يسيرا" [النشقاق]8 :؟ قال(:إنما
ذلك العرض ومن نوقش الحساب هلك) .وهذا إسناد صحيح ،وشرحه :أن الكافر يكافأ على أعماله
ويحاسفب عليهفا ويحبفط مفا عمفل مفن خيفر؛ ويفبين هذا قوله تعالى ففي الول" :ذلك جزيناهفم بمفا
كفروا" وففي الثانفي :وهفل يجازى إل الكفور" ومعنفى "يجازى" :يكاففأ بكفل عمفل عمله ،ومعنفى
"جزيناهم" .وفيناهم؛ فهذا حقيقة اللغة ،وإن كان "جازى" يقع بمعنى "جزى" .مجازا.
**3الية{ 18 :وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا
فيها ليالي وأياما آمنين}
@قوله تعالى" :وجعلنفا بينهفم وبيفن القرى التفي باركنفا فيهفا قرى ظاهرة" قال الحسفن :يعنفي بيفن
اليمفن والشأم .والقرى التفي بورك فيهفا :الشام والردن وفلسفطين .والبركفة :قيفل إنهفا كانفت أربعفة
آلف وسفبعمائة قريفة بورك فيهفا بالشجفر والثمفر والماء .ويحتمفل أن يكون "باركنفا فيهفا" بكثرة
العدد" .قرى ظاهرة" قال ابففن عباس :يريففد بيففن المدينففة والشام .وقال قتادة :معنففى "ظاهرة":
متصفلة على طريفق ،يغدون فيقيلون ففي قريفة ويروحون فيفبيتون ففي قريفة .وقيفل :كان على كفل
ميفل قريفة بسفوق ،وهفو سفبب أمفن الطريفق .قال الحسفن :كانفت المرأة تخرج معهفا مغزلهفا وعلى
رأسها مكتلها ثم تلتهي بمغزلها فل تأتي بيتها حتى يمتلئ مكتلها من كل الثمار ،فكان ما بين الشام
واليمن كذلك .وقيل "ظاهرة" أي مرتفعة ،قال المبرد .وقيل :إنما قيل لها "ظاهرة" لظهورها ،أي
إذا خرجفت عفن هذه ظهرت لك الخرى ،فكانفت قرى ظاهرة أي معروففة ،يقال :هذا أمفر ظاهفر
أي معروف" .وقدرنفا فيهفا السفير" أي جعلنفا السفير بيفن قراهفم وبيفن القرى التفي باركنفا فيهفا سفيرا
مقدرا من منزل إلى منزل ،ومن قرية إلى قرية ،أي جعلنا بين كل قريتين نصف يوم حتى يكون
المقيل في قرية والمبيت في قرية أخرى .وإنما يبالغ النسان في السير لعدم الزاد والهاء ولخوف
الطريفق ،فإذا وجفد الزاد والمفن لم يحمفل على نفسفه المشقفة ونزل أينمفا أراد" .سفيروا فيهفا" أي
وقلنفا لهفم سفيروا فيهفا ،أي ففي هذه المسفافة فهفو أمفر تمكيفن ،أي كانوا يسفيرون فيهفا إلى مقاصفدهم
إذا أرادوا آمنين ،فهو أمر بمعنى الخبر ،وفيه إضمار القول" .ليالي وأياما آمنين" ظرفان "آمنين"
نصففب على الحال .وقال" :ليالي وأيامففا" بلفففظ النكرة تنبيهففا على قصففر أسفففارهم؛ أي كانوا ل
يحتاجون إلى طول السفففر لوجود مففا يحتاجون إليففه .قال قتادة :كانوا يسففيرون غيففر خائفيففن ول
جياع ول ظلماء ،وكانوا يسفيرون مسفيرة أربعفة أشهفر ففي أمان ل يحرك بعضهفم بعضفا ،ولو لقفي
الرجل قاتل أبيه ل يحركه.
**3اليفة{ 19 :فقالوا ربنفا باعفد بيفن أسففارنا وظلموا أنفسفهم فجعلناهفم أحاديفث ومزقناهفم كفل
ممزق إن في ذلك ليات لكل صبار شكور}
@قوله تعالى" :فقالوا ربنفا باعفد بيفن أسففارنا" لمفا بطروا وطغوا وسفئموا الراحفة ولم يصفبروا
على العافيفة تمنوا طول السففار والكدح ففي المعيشفة؛ كقول بنفي إسفرائيل" :،فادع لنفا ربفك يخرج
لنفا ممفا تنبفت الرض مفن بقلهفا" [البقرة ]61 :اليفة .وكالنضفر بفن الحارث حيفن قال" :اللهفم إن
كان هذا هفو الحفق مفن عندك فأمطفر علينفا حجارة مفن السفماء" [النفال ]32 :فأجابفه ال تبارك
وتعالى ،وقتفل يوم بدر بالسفيف صفبرا؛ فكذلك هؤلء تبددوا ففي الدنيفا ومزقوا كفل ممزق ،وجعفل
بينهفم وبيفن الشام فلوات ومفاوز يركبون فيهفا الرواحفل ويتزودون الزواد .وقراءة العامفة "ربنفا"
بالنصب على أنه نداء مضاف ،وهو منصوب لنه مفعول به ،لن معناه :ناديت ودعوت" .باعد"
سفألوا المباعدة ففي أسففارهم .وقرأ ابفن كثيفر وأبفو عمرو وابفن محيصفن وهشام عفن ابفن عامفر:
"ربنفا" كذلك على الدعاء "بعفد" مفن التبعيفد .النحاس :وباعفد وبعفد واحفد ففي المعنفى ،كمفا تقول:
قارب وقرب .وقرأ أبو صالح ومحمد ابن الحنفية وأبو العالية ونصر بن عاصم ويعقوب ،ويروى
عفن ابفن عباس" :ربنفا" رفعفا "باعفد" بفتفح العيفن والدال على الخفبر ،تقديره :لقفد باعفد ربنفا بيفن
أسففارنا ،كأن ال تعالى يقول :قربنفا لهفم أسففارهم فقالوا أشرا وبطرا :لقفد بوعدت علينفا أسففارنا.
واختار هذه القراءة أبفو حاتفم قال :لنهفم مفا طلبوا التبعيفد إنمفا طلبوا أقرب مفن ذلك القرب بطرا
وعجبا مع كفرهم .وقراءة يحيى بن يعمر وعيسى بن عمر وتروى عن ابن عباس "ربنا بعد بين
أسففارنا" بشفد العيفن مفن غيفر ألف ،وفسفرها ابفن عباس قال :شكوا أن ربهفم باعفد بيفن أسففارهم.
وقراءة سعيد بن أبي الحسن أخى الحسن البصري "ربنا بعد بن أسفارنا" .ربنا" نداء مضاف ،ثم
أخبروا بعد ذلك فقالوا" :بعد بين أسفارنا" ورفع "بين" بالفعل ،أي ،بعدما يتصل بأسفارنا .وروى
الفراء وأبو إسحاق قراءة سادسة مثل التي قبلها في ضم العين إل أنك تنصب "بين" على ظرف،
وتقديره ففي العربيفة :بعفد سفيرنا بيفن أسففارنا .النحاس :وهذه القراءات إذا اختلففت معانيهفا لم يجفز
أن يقال إحداهفا أجود مفن الخرى ،كمفا ل يقال ذلك ففي أخبار الحاد إذا اختلففت معانيهفا ،ولكفن
خبر عنهم أنهم دعوا ربهم أن يبعد بين أسفارهم بطرا وأشرا ،وخبر عنهم أنهم لما فعل ذلك بهم
خففبروا بففه وشكوا ،كمففا قال ابففن عباس" .وظلموا أنفسففهم" أي بكفرهففم "فجعلناهففم أحاديففث" أي
يتحدث بأخبارهفم ،وتقديره ففي العربيفة :ذوي أحاديفث" .ومزقناهفم كفل ممزق" أي لمفا لحقهفم مفا
لحقهففم تفرقوا .وتمزقوا .قال الشعففبي :فلحقففت النصففار بيثرب ،وغسففان بالشام ،والسففد بعمان،
وخزاعففة بتهامففة ،وكانففت العرب تضرب بهففم المثففل فتقول :تفرقوا أيدي سففبأ وأيادي سففبأ ،أي
مذاهفب سفبأ وطرقها" .إن في ذلك ليات لكل صفبار شكور" الصبار الذي يصفبر عن المعاصفي،
وهفو تكثيفر صفابر يمدح بهذا السفم .فإن أردت أنفه صفبر عفن المعصفية لم يسفتعمل فيفه إل صفبار
عن كذا" .شكور" لنعمه؛ وقد مضى هذا المعنى في "البقرة".
**3الية{ 20 :ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إل فريقا من المؤمنين}
@قوله تعالى" :ولقفد صفدق عليهفم إبليفس ظنفه فاتبعوه" فيفه أربفع قراءات :قرأ أبفو جعففر وشيبفة
وناففع وأبفو عمرو وابفن كثيفر وابفن عامفر ويروى عفن مجاهفد" ،ولقفد صفدق عليهفم" بالتخفيفف
"إبليس" بالرفع "ظنه" بالنصب؛ أي في ظنه .قال الزجاج :وهو على المصدر أي "صدق عليهم
ظنا ظنه إذ صدق في ظنه؛ فنصب على المصدر أو على الظرف .وقال أبو علي" :ظنه" نصب
لنفه مفعول بفه؛ أي صفدق الظفن الذي ظنفه إذ قال" :لقعدن لهفم صفراطك المسفتقيم" [العراف:
]16وقال" :لغوينهفم أجمعين" [الحجفر]39 :؛ ويجوز تعدية الصفدق إلى المفعول به ،ويقال:
صففدق الحديففث ،أي فففي الحديففث .وقرأ ابففن عباس يحيففى بففن وثاب والعمففش وعاصففم وحمزة
والكسفائي" :صفدق" بالتشديفد "ظنفه" بالنصفب بوقوع الفعفل عليفه .قال مجاهفد :ظفن ظنفا فكان كمفا
ظن فصدق ظنه .وقرأ جعفر بن محمد وأبو الهجهاج "صدق عليهم" بالتخفيف "إبليس" بالنصب
"ظنه" بالرفع .قال أبو حاتم :ل وجه لهذه القراءة عندي ،وال تعالى أعلم .وقد أجاز هذه القراءة
الفراء وذكرها الزجاج وجعل الظن فاعل "صدق" "إبليس" مفعول به؛ والمعنى :أن إبليس سول
له ظنففه فيهففم شيئا فصففدق ظنففه ،فكأنففه قال :ولقففد صففدق عليهففم ظففن إبليففس .و"على" متعلقففة بفف
"صفدق" ،كمفا تقول :صفدقت عليفك فيمفا ظننتفه بفك ،ول تتعلق بالظفن لسفتحالة تقدم شيفء .مفن
الصلة على الموصول .والقراءة الرابعة" :ولقد صدق عليهم إبليس ظنه" برفع إبليس والظن ،مع
التخفيف في "صدق" على أن يكون ظنه بدل من إبليس وهو بدل الشتمال .ثم قيل :هذا في أهل
سبأ ،أي كفروا وغيروا وبدلوا بعد أن كانوا مسلمين إل قوما منهم آمنوا برسلهم .وقيل :هذا عالم،
أي صدق إبليس ظنه على الناس كلهم إل من أطاع ال تعالى؛ قال مجاهد .وقال الحسن :لما أهبط
آدم عليه السلم من الجنة ومعه حواء وهبط إبليس قال إبليس :أما إذ أصبت من البوين ما أصبت
فالذريفة أضعفف وأضعفف! فكان ذلك ظنفا مفن إبليفس ،فأنزل ال تعالى" :ولقفد صفدق عليهفم إبليفس
ظنفه" .وقال ابفن عباس :إن إبليفس قال :خلقفت مفن نار وخلق آدم مفن طيفن والنار تحرق كفل شيفء
"لحتنكن ذريته إل قليل" [السراء ]62 :فصدق ظنه عليهم .وقال زيد بن أسلم :إن إبليس قال يا
رب أرأيت هؤلء الذين كرمتهم وشرفتهم وفضلتهم علي ل تجد أكثرهم شاكرين ،ظنا منه فصدق
عليهم إبليس ظنه .وقال الكلبي :إنه ظن أنه إن أغواهم أجابوه وإن أضلهم أطاعوه ،فصدق ظنه.
"فاتبعوه" قال الحسفن :ما ضربهفم بسوء ول بعصفا وإنما ظن ظنفا فكان كما ظن بوسوسته" .إل
فريقا من المؤمنين" نصب على الستثناء ،وفيه قولن :أحدهما أنه يراد به بعض المؤمنين ،لن
كثيرا من المؤمنين من يذنب وينقاد لبليس في بعض المعاصي ،أي ما سلم من المؤمنين أيضا إل
فريفق وهفو المعنفى بقوله تعالى" :إن عبادي ليفس لك عليهفم سفلطان" [الحجفر .]42 :فأمفا ابفن
عباس فعنه أنه قال :هم المؤمنون كلهم ،فف "من" على هذا للتبيين ل للتبعيض ،فإن قيل :كيف علم
إبليس صدق ظنه وهو ل يعلم الغيب؟ قيل ل :لما نفذ له في آدم ما نفذ غلب على ظنه أنه ينفذ له
مثفل ذلك ففي ذريتفه ،وقفد وقفع له تحقيفق مفا ظفن .وجواب آخفر وهفو مفا أجيفب مفن قوله تعالى
"واسفتفزز مفن اسفتطعت منهفم بصفوتك وأجلب عليهفم بخيلك ورجلك" [السفراء ]64 :فأعطفي
القوة والسفتطاعة ،فظفن أنفه يملكهفم كلهفم بذلك ،فلمفا رأى أنفه تأب على آدم وأنفه سفيكون له نسفل.
يتبعونفه إلى الجنفة وقال" :إن عبادي ليفس لك عليهفم سفلطان إل مفن اتبعفك مفن الغاويفن" [الحجفر:
]42علم أن له تبعفا ولدم تبعفا؛ فظفن أن تبعفه أكثفر مفن تبفع آدم ،لمفا وضفع ففي يديفه من سفلطان
الشهوات ،ووضعت الشهوات في أجواف الدميين ،فخرج على ما ظن حيث نفخ فيهم وزين في
أعينهم تلك الشهوات ،ومدهم إليها بالماني والخدائع ،فصدق عليهم الذي ظنه ،وال أعلم.
**3الية{ 21 :وما كان له عليهم من سلطان إل لنعلم من يؤمن بالخرة ممن هو منها في شك
وربك على كل شيء حفيظ}
@قوله تعالى" :وما كان له عليهفم من سلطان" أي لم يقهرهفم إبليس على الكفر ،وإنما كان منه
الدعاء والتزييفن .والسفلطان :القوة .وقيفل الحجفة ،أي لم تكفن له حجفة يسفتتبعهم بهفا ،وإنمفا اتبعوه
بشهوة وتقليفد وهوى نففس؛ ل عفن حجفة ودليفل" .إل لنعلم مفن يؤمفن بالخرة ممفن هفو منهفا ففي
شك" يريد علم الشهادة الذي يقع به الثواب والعقاب ،فأما الغيب فقد علمه تبارك وتعالى .ومذهب
الفراء أن يكون المعنى :إل لنعلم ذلك عندكم؛ كما قال" :أين شركائي" [النحل ،]27 :على قولكم
وعندكففم ،وليففس قوله" :إل لنعلم" جواب "ومففا كان له عليهففم مففن سففلطان" فففي ظاهره إنمففا هففو
محمول على المعنى؛ أي وما جعلنا له سلطانا إل لنعلم ،فالستثناء منقطع ،أي ل سلطان له عليهم
ولكنفا ابتليناهفم بوسفوسته لنعلم ،ففف "إل" بمعنفى لكفن .وقيفل هفو متصفل ،أي مفا كان له عليهفم مفن
سفلطان ،غيفر أنفا سفلطناه عليهفم ليتفم البتلء .وقيفل" :كان" زائدة؛ أي وماله عليهفم مفن سفلطان،
كقوله" :كنتم خير أمة" [آل عمران ]110 :أي أنتم خير أمة .وقيل :لما اتصل طرف منه بقصة
سفبأ قال :ومفا كان لبليفس على أولئك الكفار مفن سفلطان .وقيفل :ومفا كان له ففي قضائنفا السفابق
سفلطان عليهفم .وقيفل" :إل لنعلم" إل لنظهفر ،وهفو كمفا تقول :النار تحرق الحطفب ،فيقول آخفر ل
بل الحطب يحرق النار؛ فيقول الول تعال حتى نجرب النار والحطب لنعلم أيهما يحرق صاحبه،
أي لنظهفففر ذلك وإن كان معلومفففا لهفففم ذلك .وقيفففل :إل لتعلموا أنتفففم .وقيفففل :أي ليعلم أولياؤنفففا
والملئكة؛ كقوله" :إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسول" [المائدة ]33 :أي يحاربون أولياء ال
ورسفوله .وقيفل :أي ليميفز؛ كقوله" :ليميفز ال الخفبيث مفن الطيفب" [النفال ]37 :وقفد مضفى هذا
المعنفى ففي "البقرة" وغيرهفا .وقرأ الزهري "إل ليعلم" على مفا لم يسفم فاعله" .وربفك على كفل
شيء حفيظ" أي أنه عالم بكل شيء .وقيل :يحفظ كل شيء على العبد حتى يجازيه عليه.
**3الية{ 22 :قل ادعوا الذين زعمتم من دون ال ل يملكون مثقال ذرة في السماوات ول في
الرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير}
@قوله تعالى" :قفل ادعوا الذيفن زعمتفم مفن دون ال" أي هذا الذي مضفى ذكره مفن أمفر داود
وسليمان وقصة سبأ من آثار قدرتي ،فقل يا محمد لهؤلء المشركين هل عند .شركائكم قدرة على
شيفء مفن ذلك .وهذا خطاب توبيفخ ،وفيفه إضمار :أي ادعوا الذيفن زعمتفم أنهفم آلهفة لكفم مفن دون
ال لتنفعكفم أو لتدففع عنكفم مفا قضاه ال تبارك وتعالى عليكفم ،فإنهفم ل يملكون ذلك" ،ومفا له منهفم
مفن ظهيفر" أي مفا ل مفن هؤلء مفن معيفن على خلق شيفء ،بفل ال المنفرد باليجاد؛ فهفو الذي
يعبد ،وعبادة غيره محال.
**3الية{ 23 :ول تنفع الشفاعة عنده إل لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال
ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير}
@قوله تعالى" :ول تنففع الشفاعفة" أي شفاعفة الملئكفة وغيرهفم" .عنده" أي عنفد ال" .إل لمفن
أذن له" قراءة العامفة "أذن" بفتفح الهمزة؛ لذكفر ال تعالى أول .وقرأ أبفو عمرو وحمزة والكسفائي
"أذن" بضفم الهمزة على مفا لم يسفم فاعله .والذن هفو ال تعالى .و"مفن يجوز أن ترجفع إلى
الشافعيفن ،ويجوز أن ترجفع إلى المشفوع لهفم" .حتفى إذا فزع عفن قلوبهفم" قال ابفن عباس :خلي
عففن قلوبهففم الفزع .قطرب :أخرج مففا فيهففا مففن الخوف .مجاهففد :كشففف عففن قلوبهففم الغطاء يوم
القيامفة؛ أي إن الشفاعفة ل تكون مفن أحفد هؤلء المعبوديفن مفن دون ال مفن الملئكفة والنفبياء
والصنام؛ إل أن ال تعالى يأذن للنبياء والملئكة في الشفاعة وهم على غاية الفزع من ال؛ كما
قال" :وهم من خشيته مشفقون" [النبياء ]28 :والمعنى :أنه إذا أذن لهم في الشفاعة وورد عليهم
كلم ال فزعوا؛ لمفا يقترن بتلك الحال مفن المفر الهائل والخوف أن يقفع ففي تنفيفذ مفا أذن لهفم فيفه
تقصفير ،فإذا سفري عنهفم قالوا للملئكفة فوقهفم وهفم الذيفن يوردون عليهفم الوحفي بالذن :ماذا قال
ربكفم" أي ماذا أمفر ال بفه ،فيقولون لهفم" :قالوا الحفق" وهفو أنفه أذن لكفم ففي الشفاعفة للمؤمنيفن.
"وهو العلي الكبير" فله أن يحكم في عباده بما يريد .ثم يجوز أن يكون هذا إذنا لهم في الدنيا في
شفاعة أقوام ،ويجوز أن يكون في الخرة .وفي الكلم إضمار؛ أي ول تنفع الشفاعة عنده إل لمن
أذن له ففزع لما ورد عليه من الذن تهيبا لكلم ال تعالى ،حتى إذا ذهب الفزع عن قلوبهم أجاب
بالنقياد .وقيففل :هذا الفزع يكون اليوم للملئكففة فففي كففل أمففر يأمففر بففه الرب تعالى؛ أي ل تنفففع
الشفاعفة إل مفن الملئكفة الذيفن هفم اليوم فزعون ،مطيعون ل تعالى دون الجمادات والشياطيفن.
وففي صفحيح الترمذي عفن أبفي هريرة عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :إذا قضفى ال ففي السفماء
أمرا ضربت الملئكة بأجنحتها خضعانا لقول كأنها سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا
ماذا قال ربكفم قالوا الحفق وهفو العلي الكفبير -قال -والشياطيفن بعضهفم فوق بعفض) قال :حديفث
حسن صحيح .وقال النواس بن سمعان قال النبي صلى ال عليه وسلم( :إن ال إذا أراد أن يوحي
بالمفر تكلم بالوحفي أخذت السفموات منفه رجففة أو رعدة شديدة خوففا مفن ال تعالى فإذا سفمع أهفل
السفموات ذلك صفعقوا وخروا ل تعالى سفجدا فيكون أول مفن يرففع رأسفه جبريفل فيكلمفه ال تعالى
ويقول له من وحيه ما أراد ثم يمر جبريل بالملئكة كلما مر بسماء سأله ملئكتها ماذا قال ربنا يا
جبريل فيقول جبريل قال الحق وهو العلى الكبير -قال فيقول كلهم كما قال جبريل فينتهي جبريل
بالوحي حيث ،أمره ال تعالى).
وذكفر البيهقفي عفن ابفن عباس ففي قوله تعالى" :حتفى إذا فُزّع عفن قلوبهفم" قال :كان لكفل قبيفل
مفن الجفن مقعفه مفن السفماء يسفتمعون منفه الوحفي ،وكان إذا نزل الوحفي سفمع له صفوت كإمرار
السفلسلة على الصففوان ،فل ينزل على أهفل سفماء إل صفعقوا فإذا فزع عفن قلوبهفم قالوا ماذا قال
ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ،ثم يقول يكون العام كذا ويكون كذا فتسمعه الجن فيخبرون به
الكهنفة والكهنفة الناس يقولون يكون العام كذا وكذا فيجدونفه كذلك؛ فلمفا بعفث ال محمدا صفلى ال
عليفه وسفلم دحروا بالشهفب فقالت العرب حيفن لم تخفبرهم الجفن بذلك :هلك مفن ففي السفماء ،فجعفل
صفاحب البفل ينحفر كفل يوم بعيرا ،وصفاحب البقفر ينحفر كفل يوم بقرة ،وصفاحب الغنفم ينحفر كفل
يوم شاة؛ حتفى أسفرعوا ففي أموالهفم فقالت ثقيفف وكانفت أعقفل العرب :أيهفا الناس! أمسفكوا على
أموالكم ،فإنه لم يمت من حيث السماء ،وإن هذا ليس بانتثار ،ألستم ترون معالمكم من النجوم كما
هفي والشمفس والقمفر والليفل والنهار! قال فقال إبليفس :لقفد حدث ففي الرض اليوم حدث ،فأتونفي
من تربة كل أرض فأتوه بها ،فجعل يشمها فلما شم تربة مكة قال من ها هنا جاء الحدث؛ فنصتوا
فإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم قد بعث .وقد مضى هذا المعنى مرفوعا مختصرا في صورة
"الحجفر" ،ومعنفى القول أيضفا ففي رميهفم بالشهفب وإحراقهفم بهفا ،ويأتفي ففي سفورة "الجفن" بيان
ذلك إن شاء ال تعالى .وقيفل :إنمفا يفزعون مفن قيام السفاعة .وقال الكلبفي وكعفب :كان بيفن عيسفى
ومحمفد عليهمفا السفلم فترة خمسفمائة وخمسفون سفنة ل يجيفء فيهفا الرسفل ،فلمفا بعفث ال تعالى
محمدا صفلى ال عليه وسفلم كلم ال تعالى جبريفل بالرسالة ،فلمفا سفمعت الملئكفة الكلم ظنوا أنهفا
السفاعة قفد قامفت ،فصفعقوا ممفا سفمعوا ،فلمفا انحدر جبريفل عليفه السفلم جعفل يمفر بكفل سفماء
فيكشفف عنهفم فيرفعون رؤوسفهم ويقول بعضهفم لبعفض ماذا قال ربكفم فلم يدروا مفا قال ولكنهفم
قالوا قال الحفق وهفو العلي الكفبير ،وذلك أن محمدا عليفه السفلم عنفد أهفل السفموات مفن أشراط
السفاعة .وقال الضحاك :إن الملئكفة المعقبات الذيفن يختلفون إلى أهفل الرض يكتبون أعمالهفم،
يرسفلهم الرب تبارك وتعالى ،فإذا انحدروا سفمع لهفم صفوت شديفد فيحسفب الذيفن هفم أسففل مفن
الملئكفة أنفه مفن أمفر السفاعة ،فيخرون سفجدا ويصفعقون حتفى يعلموا أنفه ليفس مفن أمفر السفاعة.
وهذا تنبيه من ال تعالى وإخبار أن الملئكة مع اصطفائهم ورفعتهم ل يمكن أن يشفعوا لحد حتى
يؤذن لهفم ،فإذا أذن لهفم وسفمعوا صفعقوا ،وكان هذه حالهفم ،فكيفف تشففع الصفنام أو كيفف تؤملون
أنتفم الشفاعفة ول تعترفون بالقيامفة .وقال الحسفن وابفن زيفد ومجاهفد :حتفى إذا كشفف الفزع عفن
قلوب المشركين .قال الحسن ومجاهد وابن زيد :في الخرة عند نزول الموت ،إقامة للحجة عليهم
قالت الملئكفة لهفم :ماذا قال ربكفم ففي الدنيفا قالوا الحفق وهفو العلي الكفبير ،فأقروا حيفن ل ينفعهفم
القرار ،أي قالوا قال الحق.
وقراءة العامفة "فزع عفن قلوبهفم" .وقرأ ابفن عباس "فزع عفن قلوبهفم" مسفمى الفاعفل وفاعله
ضمير يرجع إلى اسم ال تعالى .ومن بناه للمفعول فالجار والمجرور في موضع رفع ،والفعل في
المعنففى ل تبارك وتعالى ،والمعنففى فففي القراءتيففن :أزيففل الفزع عففن قلوبهففم ،حسففبما تقدم بيانففه.
ومثله :أشكاه ،إذا أزال عنففه مففا يشكوه .وقرأ الحسففن" :فزع" مثففل قراءة العامففة ،إل أنففه خفففف
الزاي ،والجار والمجرور ففي موضفع رففع أيضفا؛ وهفو كقولك :انصفرف عفن كذا إلى كذا .وكذا
معنفى "فزع" بالراء والغيفن المعجمفة والتخفيفف ،غيفر مسفمى الفاعفل ،رويفت عفن الحسفن أيضفا
وقتادة .وعنهمففا أيضففا "فرغ" بالراء والغيففن المعجمففة مسففمى الفاعففل ،والمعنففى :فرغ ال تعالى
قلوبهفم أي كشفف عنهفا ،أي فرغهفا مفن الفزع والخوف ،وإلى ذلك يرجفع البناء للمفعول ،على هذه
القراءة وعن الحسن أيضا "فرغ" بالتشديد.
**3الية{ 24 :قل من يرزقكم من السماوات والرض قل ال وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في
ضلل مبين}
@قوله تعالى" :قل من يرزقكم من السماوات والرض" لما ذكر أن آلهتهم ل يملكون مثقال ذرة
مما يقدر عليه الرب قرر ذلك فقال :قل يا محمد للمشركين "من يرزقكم من السموات والرض"
أي من يخلق لكم هذه الرزاق الكائنة من السموات؛ أي عن المطر والشمس والقمر والنجوم وما
فيهفا مفن المناففع" .والرض" أي الخارجفة مفن الرض عفن الماء والنبات أي ل يمكنهفم أن يقولوا
هذا فعفل آلهتنفا -فيقولون ل ندري ،فقفل إن ال يفعفل ذلك الذي يعلم مفا ففي نفوسفكم وإن قالوا :إن
ال يرزقنفا فقفد تقررت الحجفة بأنفه الذي ينبغفي أن يعبفد" .وإنفا أو إياكفم لعلى هدى أو ففي ضلل
مفبين" هذا على وجفه النصفاف ففي الحجفة؛ كمفا يقول القائل :أحدنفا كاذب ،وهفو يعلم أنفه صفادق
وأن صفاحبه كاذب .والمعنفى :مفا نحفن وأنتفم على أمفر واحفد ،بفل على أمريفن متضاديفن ،وأحفد
الفريقين مهتد وهو نحن والخر ضال وهو أنتم؛ فكذبهم بأحسن من تاريخ التكذيب ،والمعنى :أنتم
الضالون حين أشركتم بالذي يرزقكم من السموات والرض" .أو إياكم" معطوف على اسم "إن"
ولو عطف على الموضع لكان "أو أنتم" ويكون "لعلى هدى" للول ل غير وإذا قلت" :أو إياكم"
كان للثانفي أولى ،وحذففت مفن الول أن يكون للول ،وهفو اختيار المفبرد ،قال :ومعناه معنفى قول
المسفتبصر لصفاحبه على صفحة الوعيفد والسفتظهار بالحجفة الواضحفة :أحدنفا كاذب ،قفد عرف
المعنى ،كما تقول :أنا أفعل كذا وتفعل أنت كذا وأحدنا مخطئ ،وقد عرف أنه هو المخطئ ،فهكذا
"وإنفا أو إياكفم لعلى هدى أو ففي ضلل مفبين" .و"أو" عنفد البصفريين على بابهفا وليسفت للشفك،
ولكنها على ما تستعمل العرب في مثل هذا إذا لم يرد المخبر أن يبين وهو عالم بالمعنى .وقال أبو
عبيدة والفراء :هي بمعنى الواو ،وتقديره :وإنا على هدى وإياكم لفي ضلل مبين .وقال جرير:
عدلت بهم طهية والربابا أثعلبة الفوارس أو رياحا
يعني أثعلبة ورياحا وقال آخر:
تأملنا رياحا أو رزاما فلما اشتد أمر الحرب فينا
**3الية{ 25 :قل ل تسألون عما أجرمنا ول نسأل عما تعملون}
@قوله تعالى" :قل ل تسألون عما أجرمنا" أي اكتسبنا" ،ول نسأل" نحن أيضا "عما تعملون"
أي إنمفا أقصفد بمفا أدعوكفم إليفه الخيفر لكفم ،ل أنفه ينالنفي ضرر كفركفم ،وهذا كمفا قال" :لكفم دينكفم
ولي دين" [الكافرون ]6 :وال مجازي الجميع .فهذه آية مهادنة ومتاركة ،وهي منسوخة بالسيف
وقيل :نزل هذا قبل آية السيف.
**3الية{ 26 :قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم}
@قوله تعالى" :قفل يجمفع بيننفا ربنفا" يريفد يوم القيامفة "ثفم يفتفح بيننفا بالحفق" أي يقضفي فيثيفب
المهتدي ويعاقفففب الضال "وهفففو الفتاح" أي القاضفففي بالحفففق "العليفففم" بأحوال الخلق .وهذا كله
منسوخ بآية السيف.
**3الية{ 27 :قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كل بل هو ال العزيز الحكيم}
@قوله تعالى" :قل أروني الذين ألحقتم به شركاء" يكون "أروني" هنا من رؤية القلب ،فيكون
"شركاء" المفعول الثالث ،أي عرفونفي الصفنام والوثان التفي ،جعلتموهفا شركاء ل عفز وجفل،
وهل شاركت في خلق شيء ،فبينوا ما هو؟ وإل فلم تعبدونها .وجوز أن تكون من رؤية البصر،
فيكون "شركاء" حال" .كل" أي ليس المر كما زعمتم .وقيل :إن "كل" رد لجوابهفم المحذوف،
كأنفه قال :أرونفي الذيفن ألحقتفم بفه شركاء .قالوا :هفي الصفنام .فقال كل ،أي ليفس له شركاء "بفل
هو ال العزيز الحكيم".
**3الية{ 30 - 28 :وما أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس ل يعلمون،
ويقولون متففى هذا الوعففد إن كنتففم صففادقين ،قففل لكففم ميعاد يوم ل تسففتأخرون عنففه سففاعة ول
تستقدمون}
@قوله تعالى" :ومفا أرسفلناك إل كاففة للناس" أي ومفا أرسفلناك إل للناس كاففة أي عامفة؛ ففي
الكلم تقديففم وتأخيففر .وقال الزجاج :أي ومففا أرسففلنا إل جامعففا للناس بالنذار والبلغ .والكافففة
بمعنى الجامع .وقيل :معناه كافا للناس ،تكفهم عما هم فيه من الكفر وتدعوهم إلى السلم .والهاء
للمبالغة .وقيل :أي إل ذا كافة ،فحذف المضاف ،أي ذا منع للناس من أن يشذوا عن تبليغك ،أو ذا
منع لهم من الكفر ،ومنه :كف الثوب ،لنه ضم طرفيه" .بشيرا" أي بالجنة لمن أطاع" .ونذيرا"
مفن النار لمفن كففر" .ولكفن أكثفر الناس ل يعلمون" ل يعلمون مفا عنفد ال وهفم المشركون؛ وكانوا
في ذلك الوقت أكثر من المؤمنين عددا" .ويقولون متى هذا الوعد" يعني موعدكم لنا بقيام الساعة.
"إن كنتم صادقين" فقال تعالى" :قل" أي قل لهم يا محمد "لكم ميعاد يوم ل تستأخرون عنه ساعة
ول تسفتقدمون" فل يغرنكفم تأخيره .والميعاد الميقات .ويعنفي بهذا الميعاد وقفت البعفث وقيفل وقفت
حضور الموت؛ أي لكفم قبفل يوم القيامفة وقفت معيفن تموتون فيفه فتعلمون حقيقفة قولي .وقيفل :أراد
بهذا اليوم يوم بدر؛ لن ذلك اليوم كان ميعاد عذابهم في الدنيا في حكم ال تعالى .وأجاز النحويون
"ميعاد يوم" على أن "ميعاد" ابتداء و"يوم" بدل منفه ،والخفبر "لكفم" .وأجازوا "ميعاد يومفا"
يكون ظرفا ،وتكون الهاء في "عنه" ترجع إلى "يوم" ول يصح "ميعاد يوم ل تستأخرون" بغير
تنويففن ،وإضافففة "يوم" إلى مففا بعده إذا قدرت الهاء عائدة على اليوم ،لن ذلك يكون مففن إضافففة
الشيء إلى نفسه من أجل الهاء التي في الجملة .ويجوز ذلك على أن تكون الهاء للميعاد ل لليوم.
**3الية{ 33 - 31 :وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ول بالذي بين يديه ولو ترى إذ
الظالمون موقوفون عنففد ربهففم يرجففع بعضهففم إلى بعففض القول يقول الذيففن اسففتضعفوا للذيففن
اسفتكبروا لول أنتفم لكنفا مؤمنيفن ،قال الذيفن اسفتكبروا للذيفن اسفتضعفوا أنحفن صفددناكم عفن الهدى
بعفد إذ جاءكفم بفل كنتفم مجرميفن ،وقال الذيفن اسفتضعفوا للذيفن اسفتكبروا بفل مكفر الليفل والنهار إذ
تأمروننا أن نكفر بال ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الغلل في أعناق
الذين كفروا هل يجزون إل ما كانوا يعملون}
@قوله تعالى" :وقال الذين كفروا" يريد كفار قريش" .لن نؤمن بهذا القرآن ول بالذي بين يديه"
قال سفعيد عفن قتادة" :ول بالذي بيفن يديفه" مفن الكتفب والنفبياء عليهفم الصفلة والسفلم .وقيفل مفن
الخرة .وقال ابن جريج :قائل ذلك أبو جهل بن هشام .وقيل :إن أهل الكتاب قالوا للمشركين صفة
محمد في كتابنا فسلوه ،فلما سألوه فوافق ما قال أهل الكتاب قال المشركون :لن نؤمن بهذا القرآن
ول بالذي أنزل قبله من التوراة والنجيل بل نكفر بالجميع؛ وكانوا قبل ذلك يراجعون أهل الكتاب
ويحتجون بقولهم ،فظهر بهذا تناقضهم وقلة علمهم .ثم أخبر ال تبارك وتعالى عن حالهم فيما لهم
فقال "ولو ترى" يفا محمفد "إذ الظالمون موقوفون عنفد ربهفم يرجفع بعضهفم إلى بعفض القول" أي
محبوسون في موقف الحساب ،يتراجعون الكلم فيما بينهم باللوم والعتاب بعد أن كانوا في الدنيا
أخلء متناصفرين .وجواب "لو" محذوف؛ أي لرأيفت أمرا هائل فظيعفا .ثفم ذكفر أي شيفء يرجفع
من القول بينهم قال" :يقول الذين استضعفوا" في الدنيا من الكافرين "للذين استكبروا" وهم القادة
والرؤسفاء "لول أنتفم لكنفا مؤمنيفن" أي أنتفم أغويتمونفا وأضللتمونفا .واللغفة الفصفيحة "لول أنتفم"
ومفن العرب مفن يقول "لولكفم" حكاهفا سفيبويه؛ تكون "لول" تخففض المضمفر ويرتففع المظهفر
بعدهففا بالبتداء ويحذف خففبره .ومحمففد بففن يزيففد يقول :ل يجوز "لولكففم" لن المضمففر عقيففب
المظهفر ،فلمفا كان المظهفر مرفوعفا بالجماع وجفب أن يكون المضمفر أيضفا مرفوعفا".قال الذيفن
استكبروا للذين استضعفوا أنحن صفددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم" هو استفهام بمعنفى النكار،
أي مفا رددناكفم نحفن عفن الهدى بعفد إذ جاءكفم ،ول أكرهناكفم" .بفل كنتفم مجرميفن" أي مشركيفن
مصفرين على الكففر".وقال الذيفن اسفتضعفوا للذيفن اسفتكبروا بفل مكفر الليفل والنهار" المكفر أصفله
ففي كلم العرب الحتيال والخديعفة ،وقفد مكفر بفه يمكفر فهفو ماكفر ومكار .قال الخففش :هفو على
تقديفر :هذا مكفر الليفل والنهار .قال النحاس :والمعنفى -وال أعلم -بفل مكركفم ففي الليفل والنهار،
أي مساواتكم إيانا ودعاؤكم لنا إلى الكفر حملنا على هذا .وقال سفيان الثوري :بل عملكم في الليل
والنهار .قتادة :بفل مكركفم بالليفل والنهار صفدنا؛ فأضيفف المكفر إليهمفا لوقوعفه فيهمفا ،وهفو كقوله
تعالى" :إن أجفل ال إذا جاء ل يؤخفر" [نوح ]4 :فأضاف الجفل إلى نفسفه ،ثفم قال" :فإذا جاء
أجلهفم ل يستأخرون ،سفاعة" [العراف ]34 :إذ كان الجل لهفم .وهذا من قبيل قولك :ليله قائم
ونهاره صائم .قال المبرد :أي بل مكركم الليل والنهار ،كما تقول العرب :نهاره صائم وليله قائم.
وأنشد لجرير:
ونمت وما ليل المطي بنائم لقد لمتنا يا أم غيلن في السرى
وأنشد سيبويه:
فنام ليلي وتجلى همي
أي نمفت فيفه .ونظيره" :والنهار مبصفرا" [يونفس .]67 :وقرأ قتادة" :بفل مكرٌ الليلَ والنهارَ"
بتنويفن "مكفر" ونصفب "الليفل والنهار" ،والتقديفر :بفل مكفر كائن ففي الليفل والنهار ،فحذف .وقرأ
سففعيد بففن جففبير "بففل م َكرّ" بفتففح الكاف وشففد الراء بمعنففى الكرور ،وارتفاعففه بالبتداء والخففبر
محذوف .ويجوز أن يرتففع بفعفل مضمفر دل عليفه "أنحفن صفددناكم" كأنهفم لمفا قالوا لهفم أنحفن
صددناكم عن الهدى قالوا بل صدنا مكر الليل والنهار .وروي عن سعيد بن جبير "بل مكر الليل
والنهار" قال :مففر الليففل والنهار عليهففم فغفلوا .وقيففل :طول السففلمة فيهمففا كقوله "فطال عليهففم
المد" [الحديد .]16 :وقرأ راشد "بل م َكرّ الليل والنهار" بالنصب ،كما تقول :رأيته مقدم الحاج،
وإنما يجوز هذا فيما يعرف ،لو قلت :رأيته مقدم زيد ،لم يجز؛ ذكره النحاس.
@قوله تعالى" :إذ تأمروننا أن نكفر بال ونجعل له أندادا" أي أشباها وأمثال ونظراء .قال محمد
بن يزيد :فلن ند فلن ،أي مثله .ويقال نديد؛ وأنشد:
وما أنتم لذي حسب نديد أينما تجعلون إلي ندا
وقفد مضفى هذا ففي "البقرة"" .وأسفروا الندامفة" أي أظهروهفا ،وهفو مفن الضداد يكون بمعنفى
الخفاء والبداء .قال امرؤ القيس:
علي حراصا لو يسرون مقتلي تجاوزت أحراسا وأهوال معشر
وروي "يشرون" .وقيل" :وأسروا الندامة" أي تبينت الندامة في أسرار وجوههم .قيل :الندامة ل
تظهر ،وإنما تكون في القلب ،وإنما يظهر ما يتولد عنها ،حسبما تقدم بيانه في سورة "يونس ،وآل
عمران" .وقيل :إظهارهم الندامة قولهم" :فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين" [الشعراء.]102 :
وقيل :أسروا الندامة فيما بينهم ولم يجهروا القول بها؛ كما قال" :وأسروا النجوى" [النبياء.]3 :
@قوله تعالى" :وجعلنا الغلل في أعناق الذين كفروا" الغلل جمع غل ،يقال :في رقبته غل
من حديد .ومنه قيل للمرأة السيئة الخلق :غل قمل ،وأصله أن الغل كان يكون من قد وعليه شعر
فيقمل وغللت يده إلى عنقه؛ وقد غل فهو مغلول ،يقال :ما له ؟؟ وغل .والغل أيضا والغلة :حرارة
العطفش ،وكذلك الغليفل؛ يقال منفه :غفل الرجفل يغفل غلل فهفو مغلول ،على مفا لم يسفم فاعله؛ عفن
الجوهري .أي جعلت الجوامع في أعناق التابعين والمتبوعين .قيل من غير هؤلء الفريقين .وقيل
يرجفع "الذيفن كفروا" إليهفم .وقيفل :تفم الكلم عنفد قوله" :لمفا رأوا العذاب" ثفم ابتدأ فقال" :وجعلنفا
الغلل" بعد ذلك في أعناق سائر الكفار" .هل يجزون إل ما كانوا يعملون" في الدنيا.
**3الية{ 38 - 34 :وما أرسلنا في قرية من نذير إل قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون،
وقالوا نحفن أكثفر أموال وأولدا ومفا نحفن بمعذبيفن ،قفل إن ربفي يبسفط الرزق لمفن يشاء ويقدر
ولكن أكثر الناس ل يعلمون ،وما أموالكم ول أولدكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إل من آمن وعمل
صفالحا فأولئك لهفم جزاء الضعفف بمفا عملوا وهفم ففي الغرفات آمنون ،والذيفن يسفعون ففي آياتنفا
معاجزين أولئك في العذاب محضرون}
@قوله تعالى" :ومففا أرسففلنا فففي قريففة مففن نذيففر إل قال مترفوهففا" قال قتادة :أي أغنياؤهففا
ورؤسفاؤها وجبابرتهفا وقادة الشفر للرسفل" :إنفا بمفا أرسفلتم بفه كافرون .وقالوا نحفن أكثفر أموال
وأولدا" أي فضلنفا عليكفم بالموال والولد ،ولو لم يكفن ربكفم راضيفا بمفا نحفن عليفه مفن الديفن
والفضفل لم يخولنفا ذلك" .ومفا نحفن بمعذبيفن" لن مفن أحسفن إليفه فل يعذبفه ،فرد ال عليهفم قولهفم
ومفا احتجوا بفه مفن الغنفى فقال لنفبيه صفلى ال عليفه وسفلم":قفل إن ربفي يبسفط الرزق" أي يوسفعه
"لمن يشاء ويقدر" أي إن ال هو الذي يفاضل بين عباده في الرزاق امتحانا لهم ،فل يدل شيء
من ذلك على ما في العواقب ،فسعة الرزق في الدنيا ل تدل على سعادة الخرة فل تظنوا أموالكم
وأولدكم تغنى عنكم غدا شيئا" .ولكن أكثر الناس ل يعلمون" ل يعلمون هذا لنهم ل يتأملون .ثم
قال تأكيدا" :ومفا أموالكفم ول أولدكفم بالتفي تقربكفم عندنفا زلففى" قال مجاهفد :أي قربفى .والزلففة
القربة .وقال الخفش :أي إزلفا ،وهو اسم المصدر ،فيكون موضع "قربى" نصبا كأنه قال بالتي
تقربكفم عندنفا تقريبفا .وزعفم الفراء أن التفي" تكون للموال والولد جميعفا .وله قول آخفر وهفو
مذهفب أبفي إسفحاق الزجاج ،يكون المعنفى :ومفا أموالكفم بالتفي تقربكفم عندنفا ،ول أولدكفم بالتفي
تقربكم عندنا زلفى ،ثم حذف خبر الول لدللة الثاني عليه .وأنشد الفراء:
عندك راض والرأي مختلف نحن بما عندنا وأنت بما
ويجوز في غير القرآن :باللتين وباللتي وباللواتي وباللذين وبالذين؛ للولد خاصة أي ل تزيدكم
الموال عندنا رفعة ودرجة ،ول تقربكم تقريبا" .إل من آمن وعمل صالحا" قال سعيد بن جبير:
المعنى إل من أمن وعمل صالحا فلن يضره ماله وولده في الدنيا .وروى ليث عن طاوس أنه كان
يقول :اللهم ارزقني اليمان والعمل ،وجنبني المال والولد ،فإني سمعت فيما أوحيت "وما أموالكم
ول أولدكم بالتي تقربكم عدنا زلفى إل من آمن وعمل صالحا".
قلت :قول طاوس فيه نظر ،والمعنى وال أعلم :جنبني المال والولد المطغيين أو اللذين ل خير
فيهما؛ فأما المال الصالح والولد الصالح للرجل الصالح فنعم هذا وقد مضى هذ! في "آل عمران
ومريفم والفرقان" .و"مفن" ففي موضفع نصفب على السفتثناء المنقطفع ،أي لكفن مفن آمفن وعمفل
صالحا فإيمانه وعمله يقربانه مني .وزعم الزجاج أنه في موضع نصب بالستثناء على البدل من
الكاف والميم التي في "تقربكم" .النحاس :وهذا القول غلط؛ لن الكاف والميم للمخاطب فل يجوز
البدل ،ولو جاز هذا لجاز :رأيتففك زيدا .وقول أبففي إسففحاق هذا هففو قول الفراء .إل أن الفراء ل
يقول بدل لنفه ليفس مفن لففظ الكوفييفن ،ولكفن قول يؤول إل ذلك ،وزعفم أن مثله "إل مفن أتفى ال
بقلب سليم" يكون منصوبا عنده بف "ينفع" .وأجاز الفراء أن يكون "من" ففي موضع رفع بمعنى:
مفا هفو إل مفن أمفن ،كذا قال ،ولسفت أحصفل معناه" .فأولئك لهفم جزاء الضعفف بمفا عملوا" يعنفي
قوله" :مففن جاء بالحسففنة فله عشففر أمثالهففا" [النعام ]160 :فالضعففف الزيادة ،أي لهففم جزاء
التضعيف ،وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول .وقيل :لهم جزاء الضعاف ،فالضعف في
معنفى الجمفع ،وإضاففة الضعفف إلى الجزاء كإضاففة الشيفء إلى نفسفه ،نحفو :حفق اليقيفن ،وصفلة
الولى .أي لهم الجزاء المضعف ،للواحد عشرة إلى ما يريد ال من الزيادة.
وبهذه اليفة اسفتدل مفن فضفل الغنفى على الفقفر .وقال محمفد بفن كعفب :إن المؤمفن إذا كان غنيفا
تقيففا أتاه ال أجره مرتيففن بهذه اليففة .قراءة العامففة "جزاء الضعففف" بالضافففة .وقرأ الزهري
ويعقوب ونصففر بففن عاصففم "جزاء" منونففا منصففوبا "الضعففف" رفعفا؛ أي فأولئك لهففم الضعففف
جزاء ،على التقديففم والتأخيففر" .وجزاء الضعففف" على أن يجازوا الضعففف .و"جزاء الضعففف"
مرفوعان ،الضعفف بدل مفن جزاء .وقرأ الجمهور "ففي الغرفات" على الجمفع ،وهفو اختيار أبفى
عبيفد؛ لقوله" :لنبوئنهفم مفن الجنفة غرففا" [العنكبوت .]58 :الزمخشري :وقرئ "ففي الغرفات"
بضفم الراء وفتحهفا وسفكونها .وقرأ العمفش ويحيفى بفن وثاب وحمزة وخلف "ففي الغرففة" على
التوحيفد؛ لقوله تعالى" :أولئك يجزون الغرففة" [الفرقان .]75 :والغرففة قفد يراد بهفا اسفم الجمفع
واسم الجنس .قال ابن عباس :هي غرف من ياقوت وزبرجد ودر وقد مضى بيان ذلك" .آمنون"
أي مفن العذاب والموت والسفقام والحزان" .والذيفن يسفعون ففي آياتنفا" ففي إبطال أدلتنفا وحجتنفا
وكتابنا" .معاجزين" معاندين ،يحسبون أنهم يفوتوننا بأنفسهم" .أولئك في العذاب محضرون" أي
في جهنم تحضرهم الزبانية فيها.
**3الية{ 39 :قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو
يخلفه وهو خير الرازقين}
@قوله تعالى" :قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له" كرر تأكيدا" .وما أنفقتم
مفن شيفء فهفو يخلففه" أي قفل يفا محمفد لهؤلء المغتريفن بالموال والولد إن ال يوسفع على مفن
يشاء ويضيق على من يشاء ،فل تغتروا بالموال والولد بل أنفقوها في طاعة ال ،فإن ما أنفقتم
ففي طاعفة ال فهفو يخلففه .وفيفه إضمار ،أي فهفو يخلففه عليكفم؛ يقال :أخلف له وأخلف عليفه ،أي
يعطيكم خلفه وبدله ،وذلك البدل إما في الدنيا وإما في الخرة .وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة
قال قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ال عليفه وسفلم( :مفا مفن يوم يصفبح العباد فيفه إل وملكان
ينزلن فيقول أحدهمفا اللهفم أعفط منفقفا خلففا وأعفط ممسفكا تلففا .وفيفه أيضفا عفن أبفي هريرة عفن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :إن ال قال لي أنفق أنفق عليك )...الحديث .وهذه إشارة إلى
الخلف ففي الدنيفا بمثفل المنففق فيهفا إذا كانفت النفقفة ففي طاعفة ال .وقفد ل يكون الخلف ففي الدنيفا
فيكون كالدعاء كما تقدم سواء في الجابة أو التكفير أو الدخار؛ والدخار ها هنا مثله في الجر.
مسألة :روى الدارقُطني وأبو أحمد بن عدي عن عبدالحميد الهللي عن محمد بن المنكدر عن
جابر قال قال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم ال عليففه وسففلم( :كففل معروف صففدقة ومففا أنفففق
الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة وما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة وما أنفق الرجل من
نفقة فعلى ال خلفها إل ما كان من نفقة ففي بنيان أو معصية) .قال عبدالحميد :قلت لبن المنكدر:
"ما وقى الرجل عرضه"؟ قال :يعطي الشاعر وذا اللسان .عبدالحميد وثقه ابن معين.
قلت :أمفا مفا أنففق ففي معصفية فل خلف أنفه غيفر مثاب عليفه ول مخلوف له .وأمفا البنيان فمفا
كان منه ضروريا يكن النسان ويحفظه فذلك ،مخلوف عليه ومأجور ببنيانه .وكذلك كحفظ بنيته
وستر عورته ،قال صلى ال عليه وسلم( :ليس لبن آدم حق في سوى هذه الخصال ،بيت يسكنه
وثوب يواري عورته وجلف الخبز والماء) .وقد مضى هذا المعنى في "العراف" مستوفى.
@قوله تعالى" :وهفو خيفر الرازقيفن" لمفا كان يقال ففي النسفان :إنفه يرزق عياله والميفر جنده؛
قال" :وهفو خيفر الرازقيفن" والرازق مفن الخلق يرزق ،لكفن ذلك مفن مال يملك عليهفم ثفم ينقطفع،
وال تعالى يرزق مفن خزائن ل تفنفى ول تتناهفى .ومفن أخرج مفن عدم إلى الوجود فهفو الرازق
على الحقيقة ،كما قال" :إن ال هو الرزاق ذو القوة المتين" [الذاريات.]58 :
**3الية{ 41 - 40 :ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملئكة أهؤلء إياكم كانوا يعبدون ،قالوا
سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون}
@قوله تعالى" :ويوم يحشرهفم جميعفا" هذا متصفل بقوله" :ولو ترى إذ الظالمون موقوفون"
[سبأ .]31 :أي لو تراهم في هذه الحالة لرأيت أمرا فظيعا .والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم
والمراد هففو وأمتففه ثففم قال ولو تراهففم أيضففا "يوم نحشرهففم جميعففا" العابديففن والمعبوديففن ،أي
نجمعهم للحساب "ثم يقول للملئكة أهؤلء إياكم كانوا يعبدون" قال سعيد عن قتادة :هذا استفهام؛
كقول عفز وجفل لعيسفى" :أأنفت قلت للناس اتخذونفي وأمفي إلهيفن مفن دون ال" [المائدة]116 :
قال النحاس :فالمعنففى أن الملئكففة صففلوات ال عليهففم إذا كذبتهففم كان فففي ذلك تبكيففت لهففم؛ فهففو
استفهام توبيخ للعابدين".قالوا سبحانك" أي تنزيها لك" .أنت ولينا من دونهفم" أي أنت ربنا الذي
نتوله ونطيعفه ونعبده ونخلص ففي العبادة له" .بفل كانوا يعبدون الجفن أكثرهفم بهفم مؤمنون" أي
يطيعون إبليس وأعوانه .وفي التفاسير :أن حيا يقال لهم بنو مليح من خزاعة كانوا يعبدون الجن،
ويزعمون أن الجفن تتراءى لهفم ،وأنهفم ملئكفة ،وأنهفم بنات ال؛ وهفو قوله" :وجعلوا بينفه وبيفن
الجنة نسبا" [الصافات.]158 :
**3الية{ 42 :فاليوم ل يملك بعضكفم لبعض نفعا ول ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب
النار التي كنتم بها تكذبون}
@قوله تعالى" :فاليوم ل يملك بعضكفم لبعفض نفعفا" أي شفاعفة ونجاة" .ول ضرا" أي عذابفا
وهلكا .وقيل :أي ل تملك الملئكة دفع ضر عن عابديهم؛ فحذف المضاف "ونقول للذين ظلموا
ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون" يجوز أن يقول ال لهم أو الملئكة :ذوقوا.
**3الية{ 43 :وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إل رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد
آباؤكم وقالوا ما هذا إل إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إل سحر مبين}
@قوله تعالى" :وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات" يعني القرآن" .قالوا ما هذا إل رجل" يعنون محمدا
صفلى ال عليفه وسفلم" .يريفد أن يصفدكم عمفا كان يعبفد آباؤكفم" أي أسفلفكم مفن اللهفة التفي كانوا
يعبدونهفا" .وقالوا مفا هذا إل إففك مفترى" يعنون القرآن؛ أي مفا هفو إل كذب مختلق" .وقال الذيفن
كفروا للحفق لمفا جاءهفم إن هذا إل سفحر مفبين" فتارة قالوا سفحر ،وتارة قالوا إففك .ويحتمفل أن
يكون منهم من قال سحر ومنهم من قال إفك.
**3الية{ 45 - 44 :وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذيفر ،وكذب
الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير}
@قوله تعالى" :وما آتيناهم من كتب يدرسونها" أي لم يقرؤوا في كتاب أوتوه بطلن ما جئت به،
ول سففمعوه مففن رسففول بعففث إليهففم ،كمففا قال" :أم آتيناهففم كتابففا مففن قبله فهففم بففه مسففتمسكون"
[الزخرف ]21 :فليس لتكذيبهم وجه يتشبث به ول شبهة متعلق كما يقول أهل الكتاب وإن كانوا
مبطليفن :نحفن أهفل كتاب وشرائع ومسفتندون إلى رسفل مفن رسفل ال ،ثفم توعدهفم على تكذيبهفم
بقوله الحق":وكذب الذين من قبلهم" أي كذب قبلهم أقوام كانوا أشد من هؤلء بطشا وأكثر أموال
وأولدا وأوسع عيشا ،فأهلكتهم كثمود وعاد" .وما بلغوا" أي ما بلغ أهل مكة "معشار ما آتيناهم"
تلك المففم .والمعشار والعشففر سففواء ،لغتان .وقيففل :المعشار عشففر العشففر .الجوهري :ومعشار
الشيفء عشره ،ول يقولون هذا ففي شيفء سفوى العشفر .وقال :مفا بلغ الذيفن مفن قبلهفم معشار شكفر
مففا أعطيناهففم؛ حكاه النقاش .وقيففل :مفا أعطففى ال تعالى مففن قبلهففم معشار مفا أعطاهففم مففن العلم
والبيان والحجة والبرهان .قال ابن عباس :فليس أمة أعلم من أمة ،ول كتاب أبين من كتابه .وقيل:
المعشار هو عشر العشير ،والعشير هو عشر العشر فيكون جزءا من ألف جزء .الماوردي :وهو
الظهر ،لن المراد به المبالغة في التقليل" .فكذبوا رسلي فكيف كان نكير" أي عقابي في المم،
وفيه محذوف وتقديره :فأهلكناهم فكيف كان نكيري.
**3الية{ 46 :قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا ل مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من
جنة إن هو إل نذير لكم بين يدي عذاب شديد}
@قوله تعالى" :قفل إنمفا أعظكفم بواحدة" تمفم الحجفة على المشركيفن؛ أي قفل لهفم يفا محمفد" :إنمفا
أعظكفم" أي أذكركفم وأحذركفم سفوء عاقبفة مفا أنتفم فيفه" .بواحدة" أي بكلمفة واحدة مشتملة على
جميفع الكلم ،تقتضفي نففي الشرك لثبات الله قال مجاهفد :هفي ل إله إل ال وهذا قول ابفن عباس
والسفدي .وعفن مجاهفد أيضفا :بطاعفة ال .وقيفل :بالقرآن؛ لنفه يجمفع كفل المواعفظ .وقيفل :تقديره
بخصفلة واحدة" ،أن تقوموا ل مثنفى وفرادى" "أن" ففي موضفع خففض على البدل مفن "واحدة"،
أو في موضع رفع على إضمار مبتدأ ،أي هي أن تقوموا .ومذهب الزجاج أنها في موضع نصب
بمعنى لن تقوموا .وهذا القيام معناه القيام إلى طلب الحق ل القيام الذي هو ضد القعود ،وهو كما
يقال :قام فلن بأمفففر كذا؛ أي لوجفففه ال والتقرب إليفففه .وكمفففا قال تعالى" :وأن تقوموا لليتامفففى
بالقسط" [النساء" .]127 :مثنى وفرادى" أي وحدانا ومجتمعين قاله السدي .وقيل :منفردا برأيه
ومشاورا لغيره ،وهذا قول مأثور .وقال القتبي :مناظرا مع غيره ومفكرا في نفسه ،وكله متقارب.
ويحتمل رابعا أن المثنى عمل النهار والفرادى عمل الليل ،لنه في النهار معان وفي الليل وحيد،
قال الماوردي .وقيففل :إنمففا قال" :مثنففى وفرادى" لن الذهففن حجففة ال على العباد وهففو العقففل،
فأوفرهفم عقل أوفرهفم حظفا مفن ال ،فإذا كانوا فرادى كانفت فكرة واحدة ،وإذا كانوا مثنفى تقابفل
الذهنان فتراءى مفن العلم لهمفا مفا أضعفف على النفراد؛ وال أعلم" .ثفم تتفكروا مفا بصفاحبكم مفن
جنة" الوقف عند أبي حاتم وابن النباري على "ثم تتفكروا" .وقيل :ليس هو بوقف لن المعنى:
ثفم تتفكروا هفل جربتفم على صفاحبكم كذبفا ،أو رأيتفم فيفه جنفة ،أو ففي أحواله مفن فسفاد ،أو اختلف
إلى أحففد ممففن يدعففي العلم بالسففحر ،أو تعلم القاصففيص وقرأ الكتففب ،أو عرفتموه بالطمففع فففي
أموالكفم ،أو تقدرون على معارضتفه ففي سفورة واحدة؛ فإذا عرفتفم بهذا الفكفر صفدقه فمفا بال هذه
المعاندة" .إن هفو إل نذيفر لكفم بيفن يدي عذاب شديفد" وففي صفحيح مسفلم عفن ابفن عباس قال :لمفا
نزلت هذه اليفة "وأنذر عشيرتفك القربيفن" [الشعراء ]214 :ورهطفك منهفم المخلصفين ،خرج
رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف :يا صباحاه؟ فقالوا :من هذا الذي يهتف!؟
قالوا محمفد؛ فاجتمعوا إليفه فقال( :يفا بنفي فلن يفا بنفي فلن يفا بنفي عبفد مناف يفا بنفي عبدالمطلب
فاجتمعوا إليه فقال أرأيتم لو أخبرتكم أن خيل تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي)؟ قالوا :ما
جربنفا عليفك كذبفا .قال( :فإنفي نذيفر لكفم بيفن يدي عذاب شديفد) .قال فقال أبفو لهفب :تبفا لك! أمفا
جمعتنففا إل لهذا؟ ثففم قال فنزلت هذه السففورة" :تبففت يدا أبففي لهففب وتففب" [المسففد ]1 :كذا قرأ
العمش إلى آخر السورة.
**3الية{ 47 :قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إل على ال وهو على كل شيء شهيد}
@قوله تعالى" :قل ما سألتكم من أجر" أي جعل على تبليغ الرسالة "فهو لكم" أي ذلك الجعل لكم
إن كنفت سفألتكموه "إن أجري إل على ال وهفو على كفل شيفء شهيفد" أي رقيفب وعالم وحاضفر
لعمالي وأعمالكم ،ل يخفى عليه شيء فهو يجازي الجميع.
**3الية{ 48 :قل إن ربي يقذف بالحق علم الغيوب}
@قوله تعالى" :قفل إن ربفي يقذف بالحفق" أي يفبين الحجة ويظهرهفا .قال قتادة :بالحفق بالوحفي.
وعنه :الحق القرآن .وقال ابن عباس :أي يقذف الباطل بالحق علم الغيوب .وقرأ عيسى بن عمر
"علم الغيوب" على أنه بدل ،أي قل إن ربي علم الغيوب يقذف بالحق .قال الزجاج .والرفع من
وجهيفن على الموضفع ،لن الموضفع موضفع رففع ،أو على البدل ممفا ففي يقذف .النحاس :وففي
الرفع وجهان آخران :يكون خبرا بعد خبر ،ويكون على إضمار مبتدأ .وزعم الفراء أن الرفع في
مثفل هذا أكثفر ففي كلم العرب إذا أتفى بعفد خفبر "إن" ومثله "إن ذلك لحفق تخاصفم أهفل النار"
[ص ]64 :وقرئ" :الغيوب" بالحركات الثلث ،فالغيوب كالبيوت ،والغيوب كالصفبور ،وهفو
المر الذي غاب وخفي جدا.
**3الية{ 49 :قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد}
@قوله تعالى" :قل جاء الحق" قال سعيد عن قتادة :يريد القرآن .النحاس :والتقدير جاء صاحب
الحق أي الكتاب الذي فيه البراهين والحجج" .وما يبدئ الباطل" قال قتادة :الشيطان؛ أي ما يخلق
الشيطان أحدا "وما يعيد" فف "ما" نفي .ويجوز أن يكون استفهاما بمعنى أي شيء؛ أي جاء الحق
فأي شيفء بقفي للباطفل حتفى يعيده ويبدئه أي فلم يبفق منفه شيفء ،كقوله" :فهفل ترى لهفم مفن باقيفة"
[الحاقة ]8 :أي ل ترى.
**3الية{ 50 :قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع
قريب}
@قوله تعالى" :قفل إن ضللت فإنمفا أضفل على نفسفي" وذلك أن الكفار قالوا تركفت ديفن آبائك
فضللت .فقال له :قففل يففا محمففد إن ضللت كمففا تزعمون فإنمففا أضففل على نفسففي .وقراءه العامففة
"ضللت" بفتفح اللم .وقرأ يحيفى بفن وثاب وغيره" :قفل إن ضللت" بكسفر اللم وفتفح الضاد من
"أضل" ،والضلل والضللة ضد الرشاد .وقد ضللت (بفتح اللم) أضل (بكسر الضاد) ،قال ال
تعالى" :قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي" فهذه لغة نجد وهي الفصيحة .وأهل العالية يقولون
"ضللت" بالكسفر "أضل" ،أي إثم ضللتي على نفسفي" .وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربفي" من
الحكمفة والبيان "إنفه سفميع قريفب" أي سفميع ممفن دعاه قريفب الجابفة .وقيفل وجفه النظفم :قفل إن
ربي يقذف بالحق ويبين الحجة ،وضلل من ضل ل يبطل الحجة ،ولو ضللت لضررت بنفسي،
ل أنه يبطل حجة ال ،وإذا اهتديت فذلك فضل ال إذ ثبتني على الحجة إنه سميع قريب.
**3الية{ 51 :ولو ترى إذ فزعوا فل فوت وأخذوا من مكان قريب}
@قوله تعالى" :ولو ترى إذ فزعوا فل فوت" ذكر أحوال الكفار في وقت ما يضطرون فيه إلى
معرفة الحق .والمعنى :لو ترى إذا فزعوا في الدنيا عند نزول الموت أو غيره من بأس ال تعالى
بهم ،روي معناه عن ابن عباس .الحسن :هو فزعهم في القبور من الصيحة .وعنه أن ذلك الفزع
إنمففا هففو إذا خرجوا مففن قبورهففم؛ وقاله قتادة .وقال ابففن مغفففل :إذا عاينوا عقاب ال يوم القيامففة.
السففدي :هففو فزعهففم يوم بدر حيففن ضربففت أعناقهففم بسففيوف الملئكففة فلم يسففتطيعوا فرارا ول
رجوعفا إلى التوبفة .سفعيد ابفن جفبير :هفو الجيفش الذي يخسفف بهفم ففي البيداء فيبقفى منهفم رجفل
فيخفبر الناس بمفا لقفي أصفحابه فيفزعون ،فهذا هفو فزعهفم" .فل فوت" "فل فوت" فل نجاة؛ قاله
ابفن عباس .مجاهفد :فل مهرب" .وأخذوا مفن مكان قريفب" أي من القبور .وقيفل :مفن حيفث كانوا،
فهم من ال قريب ل يعزبون عنه ول يفوتونه .وقال ابن عباس :نزلت في ،ثمانين ألفا يغزون في
آخر الزمان الكعبة ليخربوها ،وكما يدخلون البيداء يخسف بهم؛ فهو الخذ من مكان قريب.
قلت :وففي هذا المعنفى خفبر مرفوع عفن حذيففة وقفد ذكرناه ففي كتاب التذكرة ،قال :قال رسفول
ال صفلى ال عليفه وسفلم :وذكفر فتنفة تكون بيفن أهفل المشرق والمغرب( :فبينفا هفم كذلك إذ خرج
عليهفم السففياني مفن الوادي اليابفس ففي فورة ذلك حتفى ينزل دمشفق فيبعفث جيشيفن ،جيشفا إلى
المشرق؛ وجيشفا إلى المدينفة ،فيسفير الجيفش نحفو المشرق حتفى ينزلوا بأرض بابفل ففي المدينفة
الملعونة والبقعة الحبيبة يعني مدينة بغداد ،قال -فيقتلون أكثر من ثلثة آلف ويفتضون أكثر من
مائة امرأة ويقتلون بهففا ثلثمائة كبففش مففن ولد العباس ،ثففم يخرجون متوجهيففن إلى الشام فتخرج
راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش منها على ليلتين فيقتلونهم ل يفلت منهم مخبر ويستنقذون
مفا ففي أيديهفم مفن السفبي والغنائم ومحفل جيشفه الثانفي بالمدينفة فينتهبونهفا ثلثفة أيام ولياليهفا ثفم
يخرجون متوجهيفن إلى مكفة حتفى إذا كانوا بالبيداء بعفث ال جبريفل عليفه السفلم فيقول يفا جبريفل
أذهفب فأبدهفم فيضربهفا برجله ضربفة يخسفف ال بهفم ،وذلك قوله تعالى" :ولو ترى إذ فزعوا فل
فوت وأخذوا مفن مكان قريفب" فل يبقفى منهفم إل رجلن أحدهمفا بشيفر والخفر نذيفر وهمفا مفن
جهينفة ،ولذلك جاء القول وعنفد جهينفة الخفبر اليقيفن وقيفل" :أخذوا مفن مكان قريفب" أي قبضفت
أرواحهففم فففي أماكنهففا فلم يمكنهففم الفرار مففن الموت ،وهذا على قول مففن يقول :هذا الفزع عنففد
النزع .ويحتمففل أن يكون هذا مففن الفزع الذي هففو بمعنففى الجابففة؛ يقال :فزع الرجففل أي أجاب
الصارخ الذي يستغيث به إذا نزل به خوف .ومنه الخبر إذ قال للنصار( :إنكم لتقلون عند الطمع
وتكثرون عنفد الفزع) .ومفن قال :أراد الخسفف أو القتفل ففي الدنيفا كيوم بدر قال :أخذوا ففي الدنيفا
قبففل أن يؤخذوا فففي الخرة .ومففن قال :هففو فزع يوم القيامففة قال :أخذوا مففن بطففن الرض إلى
ظهرها .وقيل" :اخذوا من مكان قريب" من جهنم فألقوا فيها.
**3الية{ 52 :وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد}
@قوله تعالى" :وقالوا آمنفا بفه" أي القرآن .وقال مجاهفد :بال عفز وجفل .الحسفن :بالبعفث .قتادة:
بالرسفول صفلى ال عليفه وسفلم "وأنفى لهفم التناوش مفن مكان بعيفد" قال ابفن عباس والضحاك:
التناوش الرجعة؛ أي يطلبون الرجعة إلى الدنيا ليؤمنوا ،وهيهات من ذلك! ومنه قول الشاعر:
إلى تناوشها سبيل تمنى أن تؤوب إلي وليس
وقال السفدي :هفي التوبفة؛ أي طلبوهفا وقفد بعدت ،لنفه إنمفا تقبفل التوبفة ففي الدنيفا .وقيفل :التناوش
التناول؛ قال ابفن السفكيت :يقال للرجفل إذا تناول رجل ليأخفذ برأسفه ولحيتفه :ناشفه ينوشفه نوشفا.
وأنشد:
نوشا به تقطع أجواز الفل فهي تنوش الحوض نوشا من عل
أي تتناول ماء الحوض مفن فوق وتشرب شربفا كثيرا ،وتقطفع بذلك الشرب فلوات فل تحتاج إلى
ماء آخفر .قال :ومنفه المناوشفة ففي القتال؛ وذلك إذا تدانفى الفريقان .ورجفل نووش أي ذو بطفش.
والتناوش .التناول :والنتياش مثله .قال الراجز:
كانت تنوش العنق انتياشا
@قوله تعالى" :وأنفى لهفم التناوش من مكان بعيفد" يقول :أنفى لهفم تناول اليمان ففي الخرة وقد
كفروا فففي الدنيففا .وقرأ أبففو عمرو والكسففائي والعمففش وحمزة" :وأنففى لهففم التناوش" بالهمففز.
النحاس :وأبفو عفبيدة يسفتبعد هذه القراءة؛ لن "التناوش" بالهمفز البعفد ،فكيفف يكون :وأنفى لهفم
البعفد مفن مكان بعيفد .قال أبفو جعففر :والقراءة جائزة حسفنة ،ولهفا وجهان ففي كلم العرب ،ول
يتأول بهفا هذا المتأول البعيفد .فأحفد الوجهيفن أن يكون الصفل غيفر مهموز ،ثفم همزت الواو لن
الحركة فيها خفية ،وذلك كثير في كلم العرب .وفي المصحف الذي نقلته الجماعة عن الجماعة
"وإذا الرسل أقتت" [المرسلت ]11 :والصفل "وقتت" لنه مشتفق من الوقت .ويقال ففي جمع
دار :أدؤر .والوجه الخر ذكره أبو إسحاق قال :يكون مشتقا من النئيش وهو الحركة في إبطاء؛
أي من أين لهم الحركة فيما قد بعد ،يقال :نأشت الشيء أخذته من بعد والنئيش :الشيء البطيء.
قال الجوهري :التناؤش (بالهفم) التأخفر والتباعفد .وقفد نأشفت المفر أنأشفه نأشفا أخرتفه؛ فانتأش.
ويقال :فعله نئيشا أي أخيرا .قال الشاعر:
وقد حدثت بعد المور أمور تمنى نئيشا أن يكون أطاعني
وقال آخر:
وجئت نئيشا بعدما فاتك الخُبر قعدت زمانا عن طلبك للعل
وقال الفراء :الهمفز وترك الهمفز ففي التناؤش متقارب؛ مثفل :ذمفت الرجفل وذأمتفه أي عبتفه" .مفن
مكان بعيد" أي من الخرة .وروى أبو إسحاق عن التميمي عن ابن عباس قال" :وأنى لهم" قال:
الرد ،سألوه وليس بحين رد.
**3الية{ 53 :وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد}
@قوله تعالى" :وقفد كفروا بفه" أي بال عفز وجفل وقيفل :بمحمفد "مفن قبفل" يعنفي ففي الدنيفا.
"ويقذفون بالغيب من مكان بعيد" العرب تقول لكل من تكلم بما ل يحقه :هو يقذف ويرجم بالغيب.
"من مكان بعيد" على جهة التمثيل لمن يرجم ول يصيب ،أي يرمون بالظن فيقولون :ل بعث ول
نشور ول جنففة ول نار ،رجمففا منهففم بالظففن؛ قال قتادة .وقيففل" :يقذفون" أي يرمون فففي القرآن
فيقولون :سفحر وشعفر وأسفاطير الوليفن .وقيفل :ففي محمفد؛ فيقولون سفاحر شاعفر كاهفن مجنون.
"من مكان بعيد" أي إن ال بعد لهم أن يعلموا صدق محمد .وقيل :أراد البعد عن القلب ،أي من
مكان بعيد عن قلوبهم .وقرأ مجاهد "ويقذفون بالغيب" غير مسمى الفاعل ،أي يرمون به .وقيل:
يقذف به إليهم من يغويهم ويضلهم.
**3اليفة{ 54 :وحيفل بينهفم وبيفن مفا يشتهون كمفا فعفل بأشياعهفم مفن قبفل إنهفم كانوا ففي شفك
مريب}
@قوله تعالى" :وحيفل بينهفم وبيفن مفا يشتهون" قيفل :حيفل بينهفم وبيفن النجاة مفن العذاب .وقيفل:
حيفل بينهفم وبيفن مفا يشتهون ففي الدنيفا مفن أموالهفم وأهليهفم .ومذهفب قتادة أن المعنفى أنهفم كانوا
يشتهون لما رأوا العذاب أن يقبل منهم أن يطيعوا ال جل وعز وينتهوا إلى ما يأمرهم به ال فحيل
بينهفم وبيفن ذلك؛ لن ذلك إنمفا كان ففي الدنيفا أو قفد زالت ففي ذلك الوقفت .والصفل "حول" فقلبفت
حركفة الواو على الحاء فانقلبفت ياء ثفم حذففت حركتهفا لثقلهفا" .كمفا فعفل بأشياعهفم" الشياع جمفع
شيفع ،وشيفع جمفع شيعفة" .مفن قبفل" أي بمفن مضفى مفن القرون السفالفة الكافرة" .إنهفم كانوا ففي
شك" أي من أمر الرسل والبعث والجنة والنار .قيل :في الدين والتوحيد ،والمعنى واحد" .مريب"
أي يسفتراب بفه ،يقال :أراب الرجفل أي صفار ذا ريبفة ،فهفو مريفب .ومفن قال هفو مفن الريفب الذي
هو الشك والتهمة قال :يقال شك مريب؛ كما يقال :عجب عجيب وشعر شاعر؛ في التأكيد .ختمت
السور ،والحمد ل رب العالمين.
**2سورة فاطر
**3اليفة{ 1 :الحمفد ل فاطفر السفماوات والرض جاعفل الملئكفة رسفل أولي أجنحفة مثنفى
وثلث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن ال على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :الحمد ل فاطر السماوات والرض" يجوز في "فاطر" ثلثة أوجه :الخفض على
النعت ،والرفع على إضمار مبتدأ ،والنصب على المدح .وحكى سيبويه :الحمد ل أهل الحمد مثله
وكذا "جاعفل الملئكفة" .والفاطفر :الخالق .وقفد مضفى ففي "يوسفف" وغيرهفا .والفطفر .الشفق عفن
الشيء؛ يقال :فطرته فانفطر .ومنه :فطر ناب البعير طلع ،فهو بعير فاطر .وتفطر الشيء تشقق.
وسيف فطار ،أي فيه تشقق .قال عنترة:
سلحي ل أفل ول فطارا وسيفي كالعقيقة فهو كمعي
والفطفر :البتداء والختراع .قال ابفن عباس :كنفت ل أدري مفا "فاطفر السفموات والرض" حتفى
أتانفي أعرابيان يختصفمان ففي بر ،فقال أحدهمفا :أنفا فطرتهفا ،أي أنفا ابتدأتهفا .والفطفر .حلب الناقفة
بالسففبابة والبهام .والمراد بذكففر السففموات والرض العالم كله ،ونبففه بهذا على أن مففن قدر على
البتداء قادر على العادة" .جاعففل الملئكففة" ل يجوز فيففه التنويففن ،لنففه لمففا مضففى" .رسففل"
مفعول ثان ،ويقال على إضمار فعفل؛ لن "فاعل" إذا كان لمفا مضفى لم يعمفل فيفه شيئا ،وإعمال
على أنه مستقبل حذف التوين منه تخفيفا .وقرأ الضحاك "الحمد ل فطر السموات والرض" على
الفصفل الماضفي" .جاعل الملئكفة رسفل" الرسفل منهفم جبريفل وميكائيفل وإسفرافيل وملك الموت،
صفلى ال عليهفم أجمعيفن .وقرأ الحسفن" :جاعفل الملئكفة" بالرففع .وقرأ خليفد بفن نشيفط "جعفل
الملئكة" وكله ظاهر" .أولي أجنحة" نعت ،أي أصحاب أجنحة" .مثنى وثلث ورباع" أي اثنين
اثنيففن ،وثلثففة ثلثففة ،وأربعففة أربعففة .قال قتادة :بعضهففم له جناحان ،وبعضهففم ثلثففة ،وبعضهففم
أربعة؛ ينزلون بهما من السماء إلى الرض ،ويعرجون من الرض إلى السماء ،وهي مسيرة كذا
في وقت واحد ،أي جعلهم رسل .قال يحيى بن سلم :إلى النبياء .وقال السدي :إلى العباد برحمة
أو نقمة .وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى جبريل عليه السلم
له ستمائة جناح .وعن الزهري أن جبريل عليه السلم قال له( :يا محمد ،لو رأيت إسرافيل إن له
لثنففي عشففر ألف جناح منهففا جناح بالمشرق وجناح بالمغرب وإن العرش لعلى كاهله وإنففه فففي
الحاييفن ليتضاءل لعظمفة ال حتفى يعود مثفل الوصفع والوصفع عصففور صفغير حتفى مفا يحمفل
عرش ربففك إل عظمتففه) .و"أولو" اسففم جمففع لذو ،كمففا أن هؤلء اسففم جمففع لذا ،ونظيرهمففا فففي
المتمكنفة :المخاض والخلففة .وقفد مضفى الكلم ففي "مثنفى وثلث ورباع" ففي "النسفاء" وأنفه غيفر
منصرف.
@قوله تعالى" :يزيفد ففي الخلق مفا يشاء" أي ففي خلق الملئكفة ،ففي قول أكثفر المفسفرين؛ ذكره
المهدوي .وقال الحسفن" :يزيفد ففي الخلق" أي ففي أجنحفة الملئكفة مفا يشاء .وقال الزهري وابفن
جريج :يعني حسن الصوت .وقد مضى القول فيه في مقدمة الكتاب .وقال الهيثم الفارسي :رأيت
النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي منامفي ،فقال( :أنفت الهيثفم الذي تزيفن القرآن بصفوتك جزاك ال
خيرا) .وقال قتادة" :يزيد في الخلق ما يشاء" الملحة في العينين والحسن في النف والحلوة في
الففم .وقيفل :الخفط الحسفن .وقال مهاجفر الكلعفي قال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :الخفط الحسفن
يزيفد الكلم وضوحفا) .وقيفل :الوجفه الحسفن .وقيفل ففي الخفبر ففي هذه اليفة :هفو الوجفه الحسفن
والصوت الحسن والشعر الحسن؛ ذكره القشيري .النقاش هو الشعر الجعد .وقيل :العقل والتمييز.
وقيفل :العلوم والصفنائع" .إن ال على كفل شيفء قديفر" مفن النقصفان والزيادة .الزمخشري :واليفة
مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق؛ من طول قامة ،واعتدال صورة ،وتمام في العضاء ،وقوة في
البطش ،وحصافة في العقل ،وجزالة في الرأي ،وجرأة في القلب ،وسماحة في النفس ،وذلقة في
اللسان ،ولباقة في التكلم ،وحسن تأت في مزاولة المور؛ وما أشبه ذلك مما ل يحيط به وصف.
**3الية{ 2 :ما يفتح ال للناس من رحمة فل ممسك لها وما يمسك فل مرسل له من بعده وهو
العزيز الحكيم}
@قوله تعالى" :مفا يفتفح ال للناس مفن رحمفة فل ممسفك لهفا" وأجاز النحويون ففي غيفر القرآن
"فل ممسفك له" على لففظ "مفا" و"لهفا" على المعنفى .وأجازوا "ومفا يمسفك فل مرسفل لهفا"
وأجازوا "مفا يفتفح ال للناس مفن رحمفة" (بالرففع) تكون "مفا" بمعنفى الذي .أي إن الرسفل بعثوا
رحمفة للناس فل يقدر على إرسفالهم غيفر ال .وقيفل :مفا يأتيهفم بفه ال مفن مطفر أو رزق فل يقدر
أحد أن يمسكه ،وما يمسك من ذلك فل يقدر أحد على أن يرسله .وقيل :هو الدعاء :قاله الضحاك.
ابن عباس :من توبة .وقيل :من توفيق وهداية.
قلت :ولففظ الرحمفة يجمفع ذلك إذ هفي منكرة للشاعفة والبهام ،فهفي متناولة لكفل رحمفة على
البدل ،فهو عام في جميع ما ذكر .وفي موطأ مالك :أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول إذا أصبح وقد
مطفر الناس :مطرنفا بنوء الفتفح ،ثفم يتلو هذه اليفة "مفا يفتفح ال للناس مفن رحمفة فل ممسفك لهفا".
"وهو العزيز الحكيم" تقدم.
**3اليفة{ 3 :يفا أيهفا الناس اذكروا نعمفة ال عليكفم هفل مفن خالق غيفر ال يرزقكفم مفن السفماء
والرض ل إله إل هو فأنى تؤفكون}
@قوله تعالى" :يا أيها الناس اذكروا نعمة ال عليكم" معنى هذا الذكر الشكر" .هل من خالق غير
ال" يجوز في "غير" الرفع والنصب والخفض ،فالرفع من وجهين :أحدهما :بمعنى هل من خالق
إل ال؛ بمعنى ما خالق إل ال .والوجه الثاني :أن يكون نعتا على الموضع؛ لن المعنى :هل خاق
غيفر ال ،و"مفن" زائدة .والنصفب على السفتثناء .والخففض ،على اللففظ .قال حميفد الطويفل :قلت
للحسفن :مفن خلق الشفر؟ فقال سفبحان ال! هفل مفن خالق غيفر ال جفل وعفز ،خلق الخيفر والشفر.
وقرأ حمزة والكسفائي" :هفل مفن خالق غيفر ال" بالخففض .الباقون بالرففع" .يرزقكفم مفن السفماء"
أي المطفففر" .والرض" أي النبات" .ل إله إل هفففو فأنفففى تؤفكون" مفففن الففففك (بالفتفففح) وهفففو
الصفرف؛ يقال :مفا أفكفك عفن كذا ،أي مفا صفرفك عنفه .وقيفل :مفن الففك (بالكسفر) وهفو الكذب،
ويرجفع هذا أيضفا إلى مفا تقدم؛ لنفه قول مصفروف عفن الصفدق والصفواب ،أي مفن أيفن يقفع لكفم
التكذيفب بتوحيفد ال .واليفة حجفة على القدريفة لنفه نففى خالقفا غيفر ال وهفم يثبتون معفه خالقيفن،
على ما تقدم في غير موضع.
**3الية{ 4 :وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى ال ترجع المور}
@قوله تعالى" :وإن يكذبوك" يعني كفار قريش" .فقد كذبت رسل من قبلك" يعزي نبيه ويسليه
صلى ال عليه وسلم وليتأسى بمن قبله في الصبر" .وإلى ال ترجع المور" قرأ الحسن والعرج
ويعقوب وابن عامر وأبو حيوة وابن محيصن وحميد والعمش وحمزة ويحيى والكسائي وخلف
(بفتفح التاء) على أنفه مسفمى الفاعفل .واختاره أبفو عبيفد لقوله تعالى" :أل إلى ال تصفير المور"
[الشورى ]53 :الباقون " ُت ْرجَع" على الفعل المجهول.
**3الية{ 5 :يا أيها الناس إن وعد ال حق فل تغرنكم الحياة الدنيا ول يغرنكم بال الغرور}
@قوله تعالى" :يفا أيهفا الناس إن وعفد ال حفق" هذا وعفظ للمكذبيفن للرسفول بعفد إيضاح الدليفل
على صحة قوله :إن البعث والثواب والعقاب حق" .فل تغرنكم الحياة الدنيا" قال سعيد بن جبير:
غرور الحياة الدنيا أن يشتغل النسان بنعيمها ولذاتها عن عمل الخرة ،حتى يقول :يا ليتني قدمت
لحياتي" .ول يغرنكم بال الغرور" قال ابن السكيت وأبو حاتم" :الغرور" الشيطان .وغرور جمع
غفر ،وغفر مصفدر .ويكون "الغرور" مصفدرا وهفو بعيفد عنفد غيفر أبفي إسفحاق؛ لن "غررتفه"
متعفد ،والمصفدر المتعدي إنمفا هفو على فعفل؛ نحفو :ضربتفه ضربفا ،إل ففي أشياء يسفيرة ل يقاس
عليهفا؛ قالوا :لزمتفه لزومفا ،ونهكفه المرض نهوكفا .فأمفا معنفى الحرف فأحسفن مفا قيفل فيفه مفا قاله
سفعيد بفن جفبير ،قال :الغرور بال أن يكون النسفان يعمفل بالمعاصفي ثفم يتمنفى على ال المغفرة.
وقراءة العامفة "الغرور" (بفتفح الغيفن) وهفو الشيطان؛ أي ل يغرنكففم بوسفاوسه فففي أنفه يتجاوز
عنكفم لفضلكفم .وقرأ أبفو حيوة وأبفو المال العدوي ومحمفد بفن المقفع "الغرور" (برففع الغيفن) وهفو
الباطفل؛ أي ل يغرنكفم الباطفل .وقال ابفن السفكيت :والغرور (بالضفم) مفا اغتفر بفه مفن متاع الدنيفا.
قال الزجاج :ويجوز أن يكون الغرور جمع غار؛ مثل قاعد وقعود .النحاس :أو جمع غر ،أو يشبه
بقولهم :نهكه المرض نهوكا ولزمه لزوما .الزمخشري :أو مصدر "غره" كاللزوم والنهوك.
**3اليفة{ 7 - 6 :إن الشيطان لكفم عدو فاتخذوه عدوا إنمفا يدعفو حزبفه ليكونوا مفن أصفحاب
السعير ،الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير}
@قوله تعالى" :إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا" أي فعادوه ول تطيعوه .ويدلكم على عداوته
إخراجفه أباكفم مفن الجنفة ،وضمانفه إضللكفم ففي قوله" :ولضلنهفم ولمنينهفم" [النسفاء]119 :
الية .وقوله" :لقعدن لهم صراطك المستقيم .ثم لتينهم من بين أيديهم" [العراف]17 - 16 :
الية .فأخبرنا جل وعز أن الشيطان لنا عدو مبين؛ واقتص علينا قصته ،وما فعل بأبينا آدم صلى
ال عليفه وسفلم ،وكيفف أنتدب لعداوتنفا وغرورنفا مفن قبفل وجودنفا وبعده ،ونحفن على ذلك نتوله
ونطيعفه فيمفا يريفد منفا ممفا فيفه هلكنفا .وكان الفضيفل بفن عياض يقول :يفا كذاب يفا مفتفر ،أتفق ال
ول تسفب الشيطان ففي العلنيفة وأنفت صفديقه ففي السفر .وقال ابفن السفماك :يفا عجبفا لمفن عصفى
المحسفن بعفد معرفتفه بإحسفانه! وأطاع اللعيفن بعفد معرفتفه بعداوتفه! وقفد مضفى هذا المعنفى ففي
"البقرة" مجودا .و"عدو" ففي قوله" :إن الشيطان لكفم عدو" يجوز أن يكون بمعنفى معاد ،فيثنفى
ويجمع ويؤنث .ويكون بمعنى النسب فيكون موحدا بكل حال؛ كما قال جل وعز" :فإنهم عدو لي"
[الشعراء .]77 :وفي المؤنث على هذا أيضا عدو .النحاس :فأما قول بعض النحويين إن الواو
خفيفة فجاؤوا بالهاء فخطفأ ،بفل الواو حرف جلد" .إنمفا يدعفو حزبفه" كففت "مفا" "إن" عفن العمفل
فوقفع بعدهفا الفعفل" .حزبفه" أي أشياعفه" .ليكونوا مفن أصفحاب السفعير" فهذه عداوتفه" .الذيفن
كفروا لهم عذاب شديد" "الذين كفروا لهم عذاب شديد" يكون "الذين" بدل "من أصحاب" فيكون
ففي موضفع خففض ،أو يكون بدل مفن "حزبفه" فيكون ففي موضفع نصفب ،أو يكون بدل مفن الواو
فكون ففي موضفع رففع وقول رابفع وهفو أحسفنها يكون ففي موضفع رففع بالبتداء ويكون خفبره لهفم
عذاب شديفد"؛ وكأنفه .سفبحانه بيفن حال موافقتفه ومخالفتفه ،ويكون الكلم قفد تفم ففي قوله" :مفن
أصحاب السعير" ثم ابتدأ فقال "الذين كفروا لهم عذاب شديد"" .والذين آمنوا وعملوا الصالحات"
في موضع رفع بالبتداء أيضا ،وخبره "لهم مغفرة" أي لذنوبهم" .وأجر كبير" وهو الجنة.
**3الية{ 8 :أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن ال يضل من يشاء ويهدي من يشاء فل
تذهب نفسك عليهم حسرات إن ال عليم بما يصنعون}
@قوله تعالى" :أفمفن زيفن له سفوء عمله فرآه حسفنا فإن ال يضفل مفن يشاء ويهدي مفن يشاء"
"من" في موضع رفع بالبتداء ،وخبره محذوف .قال الكسائي :والذي يدل عليه قوله تعالى" :فل
تذهفب نفسفك عليهفم حسفرات" فالمعنفى :أفمفن زيفن له سفوء عمله فرآه حسفنا ذهبفت نفسفك عليهفم
حسفرات .قال :وهذا كلم عربفي طريفف ل يعرففه إل قليفل .وذكره الزمخشري عفن الزجاج .قال
النحاس :والذي قال الكسائي أحسن ما قيل في الية ،لما ذكره من الدللة على المحذوف ،والمعنى
أن ال جل وعز نهى نبيه عن شدة الغتمام بهم والحزن عليهم ،كما قال جل وعز" :فلعلك باخع
نفسك" [الكهف ]6 :قال أهل التفسير :قاتل .قال نصر ابن علي :سألت الصمعي عن قول النبي
صفلى ال عليفه وسفلم ففي أهفل اليمفن( :هفم أرق قلوبفا وأبخفع طاعفة) مفا معنفى أبخفع؟ فقال :أنصفح.
فقلت له :إن أهل التفسير مجاهدا وغيره يقولون في قول ال عز وجل" :لعلك باخع نفسك" :معناه
قاتل نفسك .فقال :هو من ذاك بعينه ،كأنه من شدة النصح لهم قاتل نفسه .وقال الحسين بن الفضل:
فيفه تقديفم وتأخيفر ،مجازه :أفمفن زيفن له سفوء عمله فرآه حسفنا ،فل تذهفب نفسفك عليهفم حسفرات،
فإن ال يضل من يشاء ويهدي من يشاء .وقيل :الجواب محذوف؛ المعنى أفمن زين له سوء عمله
كمن هدي ،ويكون يدل على هذا المحذوف "فإن ال يضل من ،يشاء ويهدي من يشاء" .وقرأ يزيد
بفن القعقاع" :فل تذهفب نفسفك" وففي "أفمفن زيفن له سفوء عمله" أربعفة أقوال ،أحدهفا :أنهفم اليهود
والنصارى والمجوس؛ قال أبو قلبة .ويكون" ،سوء عمله" معاندة الرسول عليه الصلة والسلم.
الثانففي :أنهففم الخوارج؛ رواه عمففر بففن القاسففم .يكون "سففوء عمله" تحريففف التأويففل .الثالث:
الشيطان؛ قال الحسففن .ويكون "سففوء عمله" الغواء .الرابففع :كفار قريففش؛ قاله الكلبففي .ويكون
"سفوء عمله" الشرك .وقال :إنهفا نزلت ففي العاص بفن وائل السفهمي والسفود بفن المطلب .وقال
غيره :نزلت في أبي جهل بن هشام" .فرآه حسنا" أي صوابا؛ قال الكلبي .وقال :جميل.
قلت :والقول بأن المراد كفار قريفش أظهفر القوال؛ لقوله تعالى" :ليفس عليفك هداهفم" [البقرة:
،]272وقوله" :ول يحزنفك الذيفن يسفارعون ففي الكففر" [آل عمران ،]176 :وقال" :فلعلك
باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا" [الكهف ،]6 :وقوله" :لعلك باخع نفسك
أل يكونوا مؤمنين" ،وقوله في هذه الية" :فل تذهب نفسك عليهم حسرات" وهذا ظاهر بين ،أي
ل ينففع تأسففك على مقامهفم على كفرهفم ،فإن ال أضلهفم .وهذه اليفة ترد على القدريفة قولهفم على
مفا تقدم؛ أي أفمفن زيفن له سفوء عمله فرآه حسفنا تريفد أن تهديفه ،وإنمفا ذلك إلى ال ل إليفك ،والذي
إليففك هففو التبليففغ .وقرأ أبففو جعفففر وشيبففة وابففن محيصففن" :فل تُذهِب" بضففم التاء وكسففر الهاء
"نفسك" نصبا على المفعول ،والمعنيان متقاربان" .حسرات" منصوب مفعول من أجله؛ أي فل
تذهفب نفسفك للحسفرات .و"عليهفم" صفلة "تذهفب" ،كمفا تقول :هلك عليفه حبفا ومات عليفه حزنفا.
وهففو بيان للمتحسففر عليففه .ول يجوز أن يتعلق بالحسففرات؛ لن المصففدر ل يتقدم عليففه صففلته.
ويجوز أن يكون حال كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر؛ كما قال جرير:
حتى ذهبن كلكل وصدورا ق الهواجر لحمَهن مع السّرى َمشَ َ
يريد :رجعن كلكل وصدورا؛ أي لم يبق إل كلكلها وصدورها .ومنه قول الخر:
حسرات وذكرهم لي سقام فعلى إثرهم تساقط نفسي
أو مصدرا.
**3اليفة{ 9 :وال الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميفت فأحيينا به الرض بعفد
موتها كذلك النشور}
@قوله تعالى" :وال الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت" ميّت وميْت واحد ،وكذا
ميتفة وميتفة؛ هذا قول الحذاق مفن النحوييفن .وقال محمفد بفن يزيفه :هذا قول البصفريين ،ولم يسفتثن
أحدا ،واستدل على ذلك بدلئل قاطعة .وأنشد:
إنما الميْت ميّت الحياء ليس من مات فاستراح بميت
كاسفا باله قليل الرجاء إنما المت من يعيش كئيبا
قال :فهل ترى بين ميت وميت فرقا ،وأنشد:
سواس مكرمة أبناء أيسار هينون لينون أيسار بنو َيسَر
قال :فقفد أجمعوا على أن هينون ولينون واحفد ،وكذا ميّت وميْت ،وسفيد وسفيد .قال" :فسفقناه" بعفد
أن قال" :وال الذي أرسفففل الرياح" وهفففو مفففن باب تلويفففن الخطاب .وقال ابفففن عفففبيدة :سفففبيله
"فتسوقه" ،لنه قال" :فتثير سحابا" .الزمخشري :فإن قلت :لم جاء "فتثير" على المضارعة دون
ما قبله وما بعده؟ قلت :لتحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب ،وتستحضر تلك الصورة
البديعة الدالة على القدوة الربانية؛ وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب،
أو تهم المخاطب أو غير ذلك؛ كما قال تأبط شرا:
بسهب كالصحيفة صحصحان بأني قد لقيت الغول تهوي
صريعا لليدين وللجران فأضربها بل دهش فخرت
لنفه قصفد أن يصفور لقومفه الحالة التفي تشجفع فيهفا بزعمفه على ضرب الغول ،كأنفه يبصفرهم
إياها ،ويطلعهم على كنهها مشاهدة للتعجب .من جرأته على كل هول ،وثباته عند كل شدة وكذلك
سفوق السفحاب إلى البلد الميفت ،لمفا كانفا مفن الدلئل على القدرة الباهرة قيفل" :فسفقنا" و"أحيينفا"
معدول بهمففا عففن لفظففة الغيبففة إلى مففا هففو أدخففل فففي الختصففاص وأدل عليففه .وقراءة العامففة
"الرياح" .وقرأ ابن محيصن وابن كثير والعمش ويحيى وحمزة والكسائي "الريح" توحيدا .وقد
مضى بيان هذه الية والكلم فيها مستوفى" .كذلك النشور" أي كذلك تحيون بعدما متم؛ من نشر
النسفان نشورا .فالكاف ففي محفل الرففع؛ أي مثفل إحياء الموات نشفر الموات .وعفن أبفي رزيفن
العقيلي قال :قلت يفا رسفول ال ،كيفف يحيفي ال الموتفى ،ومفا آيفة ذلك ففي خلقفه؟ قال( :أمفا مررت
بوادي أهلك ممحل ثففم مررت بففه يهتففز خضرا) قلت :نعففم يففا رسففول ال .قال (فكذلك يحيففي ال
الموتى وتلك آيته في خلقه) وقد ذكرنا هذا الخبر في "العراف" وغيرها.
**3اليفة{ 10 :مفن كان يريفد العزة فلله العزة جميعفا إليفه يصفعد الكلم الطيفب والعمفل الصفالح
يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور}
@قوله تعالى" :مفن كان يريفد العزة فلله العزة جميعفا" التقديفر عنفد الفراء :مفن كان يريفد علم
العزة .وكذا قال غيره مفن أهفل العلم .أي مفن كان يريفد علم العزة التفي ل ذلة معهفا؛ لن العزة إذا
كانففت تودى إلى ذلة فإنمففا هففي تعرض للذلة ،والعزة التففي ل ذل معهففا ل عففز وجففل" .جميعففا"
منصففوب على الحال .وقدر الزجاج معناه :مففن كان يريففد بعبادتففه ال عففز وجففل العزة والعزة له
سبحانه فإن ال عز وجل يعزه في الخرة والدنيا.
قلت :وهذا أحسفففن ،وروي مرفوعفففا على مفففا يأتفففي" .فلله العزة جميعفففا" ظاهفففر هذا إيئاس
السفامعين مفن عزتفه ،وتعريفهفم أن مفا وجفب له مفن ذلك ل مطمفع فيفه لغيره؛ فتكون اللف واللم
للعهفد عنفد العالميفن بفه سفبحانه وبمفا وجفب له مفن ذلك ،وهفو المفهوم مفن قوله الحفق ففي سفورة
يونفس" :ول يحزنفك قولهفم إن العزة ل" [يونفس .]65 :ويحتمفل أن يريفد سفبحانه أن ينبفه ذوي
القدار والهمم من أين تنال العزة ومن أين تستحق؛ فتكون اللف واللم للستغراق ،وهو المفهوم
من آيات هذه السورة .فمن طلب العزة من ال وصدقه في طلبها بافتقار وذل ،وسكون وخضوع،
وجدها عنده إن شاء ال غير ممنوعة ول محجوبة عنه؛ قال صلى ال عليه وسلم( :من تواضع ل
رفعفه ال) .ومفن طلبهفا مفن غيره وكله إلى مفن طلبهفا عنده .وقفد ذكفر قومفا طلبوا العزة عنفد مفن
سفواه فقال" :الذيفن يتخذون الكافريفن أولياء مفن دون المؤمنيفن أيبتغون عندهفم العزة فإن العزة ل
جميعفا" [النسفاء .]139 :فأنبأك صفريحا ل إشكال فيفه أن العزة له يعفز بهفا مفن يشاء ويذل مفن
يشاء .وقال صفلى ال عليفه وسفلم مفسفرا لقوله "مفن كان يريفد العزة فلله العزة جميعفا"( :مفن أراد
عز الدارين فليطع العزيز .وهذا معنى قول الزجاج .ولقد أحسن من قال:
منا إليك فعزها في ذلها وإذا تذللت الرقاب تواضعا
فمفن كان يريفد العزة لينال الفوز الكفبر ،ويدخفل دار العزة ول العزة فليقصفد بالعزة ال سفبحانه
والعتزاز به؛ فإنه من اعتز بالعبد أذل ال ،ومن اعتز بال أعزه ال.
@قوله تعالى" :إليفه يصفعد الكلم الطيفب" وتفم الكلم .ثفم تبتدئ "والعمفل الصفالح يرفعفه" على
معنفى :يرفعه ال ،أو يرفع صاحبه .ويجوز أن يكون المعنى :والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب؛
فيكون الكلم متصل على ما يأتي بيانه .والصعود هو الحركة إلى فوق ،وهو العروج أيضا .ول
يتصفور ذلك ففي الكلم لنفه عرض ،لكفن ضرب صفعوده مثل لقبوله؛ لن موضفع الثواب فوق،
وموضفع العذاب أسففل .وقال الزجاج :يقال ارتففع المفر إلى القاضفي أي علمفه؛ فهفو بمعنفى العلم.
وخص الكلم والطب بالذكر لبيان الثواب عليه .وقوله "إليه" أي إلى ال يصعد .وقيل :يصعد إلى
سمائه والمحل الذي ل يجري فيه لحد غيره حكم .وقيل :أي يحمل الكتاب الذي كتب فيه طاعات
العبففد إلى السففماء .و"الكلم الطيففب" هففو التوحيففد الصففادر عففن عقيدة طيبففة .وقيففل :هففو التحميففد
والتمجيد ،وذكر ال ونحوه .وأنشدوا:
حتى يزين ما يقول فعال ل ترض من رجل حلوة قوله
فتوازنا فإخاء ذاك جمال فإذا وزنت فعاله بمقاله
وقال ابن المقفع :قول بل عمل ،كثريد بل دسم ،وسحاب بل مطر ،وقوس بل وتر .وفيه قيل:
كل قول بل فعالٍ هباء ل يكون المقال إل بفعل
ونكاحا بل ولي سواء إن قول بل فعال جميل
وقرأ الضحاك "يُصعد" بضم الياء .وقرأ .جمهور الناس "الكلم" جمع كلمة .وقرأ أبو عبدالرحمن
"الكلم".
قلت :فالكلم على هذا قفد يطلق بمعنفى الكلم وبالعكفس؛ وعليفه يخرج قول أبفي القاسفم :أقسفام
الكلم ثلثففة؛ فوضففع الكلم موضففع الكلم ،وال أعلم" .والعمففل الصففالح يرفعففه" قال ابففن عباس
ومجاهفد وغيرهمفا :المعنفى والعمفل الصفالح يرففع الكلم الطيفب .وففي الحديفث (ل يقبفل ال قول إل
بعمل ،ول يقبل قول وعمل إل بنية ،ول يقبل قول وعمل ونية إل بإصابة السنة) .قال ابن عباس:
فإذا ذكفر العبفد ال وقال كلمفا طيبفا وأدى فرائضفه ،ارتففع قوله مفع عمله وإذا قال ابفن قوله على
عمله .قال ابففن عطيففة :وهذا قول يرده معتقففد أهففل السففنة ول يصففح عففن ابففن عباس .والحففق أن
العاصفي التارك للفرائض إذا ذكفر ال وقال كلمفا طيبفا فإنفه مكتوب له متقبفل منفه ،وله حسفناته
وعليفه سفيئاته ،وال تعالى يتقبفل مفن كفل مفن أتقفى الشرك .وأيضفا فإن الكلم الطيفب عمفل صفالح،
وإنما يستقيم قول من يقول :إن العمل هو الرافع للكلم ،بأن يتأول أنه يزيده في رفعه وحسن موقعه
إذا تعاضد معه .كما أن صاحب العمال من صلة وصيام وغير ذلك ،إذا تخلل أعماله كلم طيب
وذكففر ال تعالى كانففت العمال أشرف؛ فيكون قوله" :والعمففل الصففالح يرفعففه" موعظففة وتذكرة
وحضفا على العمال .وأمفا القوال التفي هفي أعمال ففي نفوسفها؛ كالتوحيفد والتسفبيح فمقبولة .قال
ابفن العربفي" :إن كلم المرء بذكفر ال إن لم يقترن بفه عمفل صفالح لم ينففع؛ لن مفن خالف قوله
فعله فهفو وبال عليفه .وتحقيفق هذا :أن العمفل إذا وقفع شرطفا ففي قبول القول أو مرتبطفا ،فإنفه ل
قبول له إل بفه وإن لم يكفن شرطفا فيفه فإن كلمفه الطيفب يكتفب له ،وعمله السفيء يكتفب عليه ،وتقفع
الموازنة بينهما ،ثم يحكم ال بالفوز والربح والخسران".
قلت :ما قال ابن العربي تحقيق .والظاهر أن العمل الصالح شرط في قبول القول الطيب .وقد
جاء فففي الثار (أن العبففد إذا قال :ل إله إل ال بنيففة صففادقة نظرت الملئكففة إلى عمله ،فإن كان
العمفل موافقفا لقوله صفعدا جميعفا ،وإن كان عمله .مخالففا وقفف قوله حتفى يتوب مفن عمله) .فعلى
هذا العمفل الصفالح يرففع الكلم الطيفب إلى ال .والكنايفة ففي "يرفعفه" ترجفع إلى الكلم الطيفب .وهذا
قول ابن عباس وشهر بن حوشب وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وأبي العالية والضحاك .وعلى
أن "الكلم الطيفب" هفو التوحيفد ،فهفو الراففع للعمفل الصفالح؛ لنفه ل يقبفل العمفل الصفالح إل مفع
اليمان والتوحيففد .أي والعمففل الصففالح يرفعففه الكلم الطيففب؛ فالكنايففة تعود على العمففل الصففالح.
وروي هذا القول عففن شهففر بففن حوشففب قال" :الكلم الطيففب" القرآن "والعمففل الصففالح يرفعففه"
القرآن .وقيفل :تعود على ال جفل وعفز؛ أي أن العمفل الصفالح يرفعفه ال على الكلم الطيفب؛ لن
العمففل تحقيففق الكلم ،والعامففل أكثففر تعبففا مففن القائل ،وهذا هففو حقيقففة الكلم؛ لن ال هففو الرافففع
الخافففض .والثانففي والول مجاز ،ولكنففه سففائغ جائز .قال النحاس :القول الول أولهففا وأصففحها
لعلو مفن قال بفه ،وأنفه ففي العربيفة أولى؛ لن القراء على رففع العمفل .ولو كان المعنفى :والعمفل
الصفالح يرفعفه ال ،أو العمفل الصفالح يرفعفه الكلم الطيفب ،لكان الختيار نصفف العمفل .ول نعلم
أحدا قرأه منصوبا إل شيئا روي عن عيسى ،بن عمر أنه قال :قرأه أناس "والعمل الصالح يرفعه
ال" .وقيفل :والعمفل الصفالح يرففع صفاحبه ،وهفو الذي أراد العزة وعلم أنهفا تطلب مفن ال تعالى؛
ذكره القشيري.
@ ذكروا عنفد ابفن عباس أن الكلب يقطفع الصفلة ،فقرأ هذه اليفة" :إليفه يصفعد الكلم الطيفب
والعمفل الصفالح يرفعفه" .وهذا اسفتدلل بعموم على مذهفب السفلف ففي القول بالعموم( ،وقفد دخفل
في الصلة بشروطها ،فل يقطعها عليه شيء إل بثبوت ما يوجب ذلك؛ من مثل ما انعقدت به من
قرآن أو سنة أو إجماع .وقد تعلق من رأى ،ذلك بقوله عليه السلم( :يقطع الصلة المرأة والحمار
والكلب السففود) فقلت :مففا بال الكلب السففود مففن الكلب البيففض مففن الكلب الحمففر؟ فقال( :إن
السود شيطان) خرجه مسلم .وقد جاء ما يعارض هذا ،وهو ما خرجه البخاري عن ابن أخي ابن
شهاب أنه سأل عمه عن الصلة يقطعها شيء؟ فقال :ل يقطعها شيء ،أخبرني عروة بن الزبير
أن عائشفة زوج النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قالت :لقفد كان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقوم
فيصلي من الليل ،وإني لمعترضة بينه وبين القبلة على فراش أهله.
@قوله تعالى" :والذين يمكرون السيئات" ذكر الطبري في (كتاب آداب النفوس) :حدثني يونس
بن عبدالعلى قال حدثنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب الشعري في قوله عز
وجل" :والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور" قال :هم أصحاب الرياء؛
وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة .وقال أبو العالية :هم الذين مكروا بالنبي صلى ال عليه وسلم
لما اجتمعوا في دار الندوة .وقال الكلبي :يعني الذين يعملون السيئات في السيئات في الدنيا مقاتل:
يعنفففي الشرك ،فتكون "السفففيئات" مفعولة .ويقال :بار يبور إذا هلك وبطفففل .وبارت السفففوق أي
كسففدت ،ومنففه :نعوذ بال مففن بوار اليففم .وقوله" :وكنتففم قومففا بورا" [الفتففح ]12 :أي هلكففى.
والمكر :ما عمل على سبيل احتيال وخديعة .وقد مضى في "سبأ".
**3اليفة{ 11 :وال خلقكفم مفن تراب ثفم مفن نطففة ثفم جعلكفم أزواجفا ومفا تحمفل مفن أنثفى ول
تضع إل بعلمه وما يعمر من معمر ول ينقص من عمره إل في كتاب إن ذلك على ال يسير}
@قوله تعالى" :وال خلقكفم مفن تراب ثفم مفن نطففة" قال سفعيد عفن قتادة قال :يعنفي آدم عليفه
السففلم ،والتقديفر على هذا :خلق أصفلكم مفن تراب" .ثفم مفن نطفففة" قال :أي التفي أخرجهففا مفن
ظهور آبائكم" .ثم جعلكم أزواجا" قال :أي زوج بعضكم بعضا ،فالذكر زوج النثى ليتم البقاء في
الدنيفا إلى انقضاء مدتهفا" .ومفا تحمفل مفن أنثفى ول تضفع إل بعلمفه" أي جعلكفم أزواجفا فيتزوج
الذكر بالنثى فيتناسلن بعلم ال ،فل يكون حمل ول وضع إل وال عالم به ،فل يخرج شيء عن
تدبيره" .وما يعمر من معمر ول ينقص من عمره إل في كتاب" سماه معمرا بما هو صائر إليه.
قال سفعيد بفن جفبير عفن ابفن عباس" :ومفا يعمفر مفن معمفر" إل كتفب عمره ،كفم هفو سفنة كفم هفو
شهرا كم هو يوما كم هو ساعة ثم يكتب في كتاب آخر :نقص من عمره يوم ،نقص شهر ،نقص
سنة ،حتى يستوفي أجله .وقال سعيد بن جبير أيضا ،قال :فما مضى من أجله فهو النقصان ،وما
يستقبل فهو الذي يعمره؛ فالهاء على هذا للمعمر .وعن سعيد أيضا :يكتب عمره كذا وكذا سنة ،ثم
يكتفب ففي أسففل ذلك :ذهفب يوم ،ذهفب يومان ،حتفى يأتفي على آخره .وعفن قتادة :المعمفر مفن بلغ
سفتين سفنة ،والمنقوص مفن عمره مفن يموت قبفل سفتين سفنة .ويذهفب الفراء ففي معنفى "ومفا يعمفر
من معمر" أي ما يكون من عمره "ول ينقص من عمره" بمعنى آخر ،أي ول ينقص الخر من
عمره إل في كتاب .فالكناية في "عمره" ترجع إلى آخر غير الول .وكنى عنه بالهاء كأنه الول،
ومثله قولك :عندي درهفم ونصففه ،أي نصفف أخفر .وقيفل :إن ال كتفب عمفر النسفان مائة سفنة إن
أطاع ،وتسفعين إن عصفى ،فأيهمفا بلغ فهفو ففي كتاب .وهذا مثفل قوله عليفه الصفلة والسفلم( :مفن
أحفب أن يبسفط له ففي زرقفه وينسفأ له ففي أثره فليصفل رحمفه) أي أنفه يكتفب ففي اللوح المحفوظ:
عمر فلن كذا سنة ،فإن وصل رحمه زيد في عمره كذا سنة .فبين ذلك في موضع آخر من اللوح
المحفوظ ،إنه سيصل رحمه فمن أطلع على الول دون الثاني ظن أنه زيادة أو نقصان وقد مضى
هذا المعنفى عنفد قوله تعالى" :يمحوا ال مفا يشاء ويثبفت" [الرعفد ]39 :والكنايفة على هذا ترجفع
إلى العمفر .وقيفل :المعنفى ومفا يعمفر مفن معمفر أي هرم ،ول ينقفص آخفر مفن عمفر الهرم إل ففي
كتاب؛ أي بقضاء من ال جل وعز .روي معناه عن الضحاك واختاره النحاس ،قال :وهو أشبهها
بظاهفر التنزيفل .وروي نحوه عفن ابفن عباس .فالهاء على هذا يجوز أن تكون للمعمفر ،ويجوز أن
تكون لغير المعمر.
@قوله تعالى" :إن ذلك على ال يسفير" أي كتابفة العمال والجال غيفر متعذر عليفه .وقراءة
العامففة "ينقففص" بضففم الياء وفتففح القاف وقرأت فرقففة منهففم يعقوب "ينقففص" بفتففح الياء وضففم
القاف ،أي ل ينقفص مفن عمره شيفء .يقال ،نقفص الشيفء بنفسفه ونقصفه غيره ،وزاد بنفسفه وزاده
غيره ،متعففد ولزم .وقرأ العرج والزهري "مففن عمْره" بتخفيففف الميففم وضمهففا الباقون .وهمففا
لغتان مثفل السفحْق والسفحُق .و"يسفير" أي إحصفاء طويفل العمار وقصفيرها ل يتعذر عليفه شيفء
منها ول يعزب .والفضل منه :يسر ولو سميت به إنسانا انصرف؛ لنه فعيل.
**3اليفة{ 12 :ومفا يسفتوي البحران هذا عذب فرات سفائغ شرابفه وهذا ملح أجاج ومفن كفل
تأكلون لحمفا طريفا وتسفتخرجون حليفة تلبسفونها وترى الفلك فيفه مواخفر لتبتغوا مفن فضله ولعلكفم
تشكرون}
@قوله تعالى" :وما يستوي البحران هذا عذب فرات" قال ابن عباس" :فرات" حلو ،و"أجاج"
مفر .وقرأ طلحفة" :هذا مَلِح أجاج" بفتفح الميفم وكسفر اللم بغيفر ألف .وأمفا المالح فهفو الذي يجعفل
فيفه الملح .وقرأ عيسفى وابفن أبفي إسفحاق "سفيغ شرابفه" مثفل سفيد وميفت" .ومفن كفل تأكلون لحمفا
طريا" ل اختلف في أنه منهما جميعا .وقد مضى في "النحل" الكلم فيه.
@قوله تعالى" :وتسفتخرجون حليفة تلبسفونها" مذهفب أبفي إسفحاق أن الحليفة إنمفا تسفتخرج مفن
الملح ،فقيل منهما لنهما مختلطان .وقال غيره :إنما تستخرج الصداف التي فيها الحلية من الدر
وغيره من المواضع التي فيها العذب والملح نحو العيون ،فهو مأخوذ منهما؛ لن في البحر عيونا
عذبة ،وبينهما يخرج اللؤلؤ عند التمازج .وقيل :من مطر السماء .وقال محمد بن يزيد قول رابعا،
قال :إنمففا تسففتخرج الحليففة مففن الملح خاصففة .النحاس :وهذا أحسففنها وليففس هذا عنده ،لنهمففا
مختلطان ،ولكفن جمعفا ثفم أخفبر عفن أحدهمفا كمفا قال جفل وعفز" :ومفن رحمتفه جعفل لكفم الليفل
والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله" [القصص .]73 :وكما تقول :لو رأيت الحسن والحجاج
لرأيففت خيرا وشرا .وكمففا تقول :لو رأيففت العمففش وسففيبويه لملت يدك لغففة ونحوا .فقففد عرف
معنففى هذا ،وهففو كلم فصففيح كثيففر ،فكذا" :ومففن كففل تأكلون لحمففا طريففا وتسففتخرجون حليففة
تلبسونها" فاجتمعا في الول وانفرد الملح بالثاني.
وفففي قوله" :تلبسففونها" ،دليففل على أن لباس كففل شيففء بحسففبه؛ فالخاتففم يجعففل فففي الصففبع،
والسفوار ففي الذراع ،والقلدة ففي العنفق ،والخلخال ففي الرجفل .وففي البخاري والنسفائي عفن ابفن
سفيرين قال قلت لعفبيدة :افتراش الحريفر كلبسفه؟ فال نعفم .وففي ،الصفحاح عفن أنفس (فقمفت على
حصير لنا قد اسود من طول ما لبس) .الحديث.
@قوله تعالى" :وترى الفلك فيفه مواخفر" قال النحاس :أي ماء الملح خاصفة ،ولول ذلك لقال
فيهما .وقد مخرت السفينة تمخر إذا شقت الماء .وقد مضى هذا في "النحل"" .لتبتغوا من فضله"
فال مجاهفد :التجارة ففي الفلك إلى البلدان البعيدة :ففي مدة قريبفة؛ كمفا تقدم ففي "البقرة" .وقيفل :مفا
يستخرج من حليته ويصاد من حيتانه" .ولعلكم تشكرون" على ما آتاكم من فضله .وقيل :على ما
أنجاكم من هوله.
**3الية{ 13 :يولج الليل في النهار ويولج النهار ففي الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري
لجل مسمى ذلكم ال ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير}
@قوله تعالى" :يولج الليفل ففي النهار ويولج النهار ففي الليفل" تقدم" .وسفخر الشمفس والقمفر كفل
يجري لجل مسمى" تقدم في "لقمان" بيانه" .ذلكم ال ربكم له الملك" أي هذا الذي من صنعه ما
تقرر هففو الخالق المدبر ،والقادر المقتدر؛ فهففو الذي يعبففد" .والذيففن تدعون مففن دونففه" يعنففي
الصفنام" .مفا يملكون مفن قطميفر" أي ل يقدرون عليفه ول على خلقفه .والقطميفر القشرة الرقيقفة
البيضاء التففي بيففن التمرة والنواة؛ قاله أكثففر المفسففرين .وقال ابففن عباس :هففو شففق النواة؛ وهففو
اختيار المففبرد ،وقال قتادة .وعففن قتادة أيضففا :القطميففر القمففع الذي على رأس النواة .الجوهري:
ويقال :هي النكتة البيضاء التي في ظهر النواة ،تنبت منها النخلة.
**3الية{ 14 :إن تدعوهم ل يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون
بشرككم ول ينبئك مثل خبير}
@قوله تعالى" :إن تدعوهفم ل يسفمعوا دعاءكفم" أي إن تسفتغيثوا بهفم ففي النوائب ل يسفمعوا
دعاءكفم؛ لنهفا جمادات ل تبصفر ول تسفمع" .ولو سفمعوا مفا اسفتجابوا لكفم" إذ ليفس كفل سفامع
ناطقففا .وقال قتادة :المعنففى لو سففمعوا لم ينفعوكففم .وقيففل :أي لو جعلنففا لهففم عقول وحياة فسففمعوا
دعاءكم لكانوا أطوع ل منكم ،ولما استجابوا لكم على الكفر" .ويوم القيامة يكفرون بشرككم" أي
يجحدون أنكففم عبدتموهففم ،ويتففبرؤون منكففم .ثففم يجوز أن يرجففع هذا إلى المعبوديففن ممففا يعقففل؛
كالملئكففة والجففن والنففبياء والشياطيففن أي يجحدون أن يكون مففا فعلتموه حقففا ،وأنهففم أمروكففم
بعبادتهفم؛ كمفا أخفبر عفن عيسفى بقوله" :مفا يكون لي أن أقول مفا ليفس لي بحفق" [المائدة]116 :
ويجوز أن يندرج فيه الصنام أيضا ،أي يحييها ال حتى تخبر أنها ليست أهل للعبادة" .ول ينبئك
مثل خبير" هو ال جل وعز؛ أي ل أحد يخبر بخلق ال من ال ،فل ينبئك مثله في عمله.
**3الية{ 15 :يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى ال وال هو الغني الحميد}
@قوله تعالى" :يفا أيهفا الناس أنتفم الفقراء إلى ال" أي المحتاجون إليفه ففي بقائكفم وكفل أحوالكفم.
الزمخشري" :فإن قلت لم عرف الفقراء؟ قلت :قصفد بذلك أن يريهفم أنهفم لشدة افتقارهفم إليفه هفم
جنففس الفقراء ،وإن كانففت الخلئق كلهففم مفتقريففن إليففه مففن الناس وغيرهففم لن الفقففر ممففا يتبففع
الضعف ،وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر كلهم وقد شهد ال سبحانه على النسان بالضعف في
قوله" :وخلق النسان ضعيفا" [النساء ،]28 :وقال" :ال الذي خلقكم من ضعف" [الروم]54 :
ولو نكففر لكان المعنففى :أنتففم بعففض الفقراء .فإن قلت :قففد قوبففل "الفقراء" بف ف "الغنففي" فمففا فائدة
"الحميفد"؟ قلت :لمفا أثبفت فقرهفم إليفه وغناه عنهفم ،وليفس كفل غنفى نافعفا بغناه إل إذا كان الغنفي
جوادا منعما ،وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم واستحق عليهم الحج ذكر "الحميد" ليدل به على
أنفه الغنفي الناففع بغناه خلقفه ،الجواد المنعفم عليهفم ،المسفتحق بإنعامفه عليهفم أن يحمدوه" .وتخفيفف
الهمزة الثانيففة أجود الوجوه عنففد الخليففل ،ويجوز تخفيففف الولى وحدهففا وتخفيفهمففا وتحقيقهمففا
جميعففا" .وال هففو الغنففي الحميففد" تكون "هففو" زائدة ،فيكون لهففا موضففع مففن العراب ،وتكون
مبتدأة فيكون موضعها رفعا.
**3الية{ 17 - 16 :إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ،وما ذلك على ال بعزيز}
@قوله تعالى" :إن يشأ يذهبكم" فيه حذف؛ المعنى إن يشأ أن يذهبكم يذهبكم؛ أي يفنيكم" .ويأت
بخلق جديفد" أي أطوع منكفم وأزكفى" .ومفا ذلك على ال بعزيفز" أي ممتنفع عسفير متعذر .وقفد
مضى.
**3الية{ 18 :ول تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها ل يحمل منه شيء ولو
كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه
وإلى ال المصير}
@قوله تعالى" :ول تزر وازرة وزر أخرى" تقدم الكلم فيفه ،وهفو مقطوع ممفا قبله .والصفل
"توزر" حذفت الواو اتباعا ليزر" .وازرة" نعت لمحذوف ،أي نفس وازرة .وكذا "وإن تدع مثقلة
إلى حملهفا" قال الفراء :أي نففس مثقلة أو دابفة .قال :وهذا يقفع للمذكفر والمؤنفث .قال الخففش :أي
وإن تدع مثقلة إنسفانا إلى حملهفا وهفو ذنوبهفا .والحمفل مفا كان على الظهفر ،والحمفل حمفل المرأة
وحمفل النخلة؛ حكاهمفا الكسفائي بالفتفح ل غيفر .وحكفى ابفن السفكيت أن حمفل النخلة يفتفح ويكسفر.
"ل يحمفل منفه شيفء ولو كان ذا قربفى" التقديفر على قول الخففش :ولو كان النسفان المدعفو ذا
قربففى .وأجاز الفراء ولو كان ذو قربففى .وهذا جائز عنففد سففيبويه ،ومثله "وإن كان ذو عسففرة"
[البقرة ]280 :فتكون "كان" بمعنفى وقفع ،أو يكون الخفبر محذوفا؛ أي وإن كان فيمفن تطالبون
ذو عسفرة .وحكفى سفيبويه :الناس مجزيون بأعمالهفم إن خيفر فخيفر؛ على هذا .وخيرا فخيفر؛ على
الول .وروي عن عكرمة أنه قال :بلغني أن اليهودي والنصراني يرى الرجل المسلم يوم القيامة
فيقول له :ألم أكفن قفد أسفديت إليفك يدا ،ألم أكفن قفد أحسفنت إليفك؟ فيقول بلى .فيقول :أنفعنفي؛ فل
يزال المسلم يسأل ال تعالى حتى ينقص ،من عذابه .وأن الرجل ليأتي إلى أبيه يوم القيامة فيقول:
ألم أكن بك بارا ،وعليك مشفقا ،وإليك محسنا ،وأنت ترى ما أنا فيه ،فهب لي حسنة من حسناتك،
أو احمفل عنفي سفيئة؛ فيقول :إن الذي سفألتني يسفير؛ ولكنفي أخاف مثفل مفا تخاف .وأن الب ليقول
لبنفه مثفل ذلك فيرد عليفه نحوا مفن هذا .وأن الرجفل ليقول لزوجتفه :ألم أكفن أحسفن العشرة لك،
فاحملي عنففي خطيئة لعلي أنجففو؛ فتقول :إن ذلك ليسففير ولكنففي أخاف ممففا تخاف منففه .ثففم تل
عكرمففة" :وإن تدع مثقلة إلى حملهففا ل يحمففل منففه شيففء ولو كان ذا قربففى" .وقال الفضيففل بففن
عياض :هفي المرأة تلقفى ولدهفا فتقول :يفا ولدي ،ألم يكفن بطنفي لك وعاء ،ألم يكفن ثديفي لك سفقاء،
ألم يكفن حجري لك وطاء؛ يقول :بلى يفا أماه؛ فتقول :يفا بنفي ،قفد أثقلتنفي ذنوبفي فاحمفل عنفي منهفا
ذنبا واحدا؛ فيقول :إليك عني يا أماه ،فإني بذنبي عنك مشغول.
@قوله تعالى" :إنمفا تنذر الذيفن يخشون ربهفم بالغيفب وأقاموا الصفلة" أي إنمفا يقبفل إنذارك مفن
يخشفى عقاب ال تعالى ،وهفو كقوله تعالى" :إنمفا تنذر مفن اتبفع الذكفر وخشفي الرحمفن بالغيفب"
[يفس" .]11 :ومفن تزكفى فإنمفا يتزكفى لنفسفه" أي مفن اهتدى فإنمفا يهتدي لنفسفه .وقرئ" :ومفن
أزكى فإنما يزكى لنفسه"" .وإلى ال المصير" أي إليه مرجع جميع الخلق.
**3اليفة{ 22 - 19 :ومفا يسفتوي العمفى والبصفير ،ول الظلمات ول النور ،ول الظفل ول
الحرور ،وما يستوي الحياء ول الموات إن ال يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور}
@قوله تعالى" :وما يستوي العمى والبصير" أي الكافر والمؤمن والجاهل والعالم .مثل" :قل ل
يسفتوي الخفبيث والطيفب" [المائدة" .]100 :ول الظلمات ول النور" قال الخففش سفعيد" :ل"
زائدة؛ والمعنفى ول الظلمات والنور ،ول الظفل والحرور .قال الخففش :والحرور ل يكون إل مفع
شمففس النهار ،والسففموم يكون بالليففل ،أو قيففل بالعكففس .وقال رؤبففة بففن العجاج :الحرور تكون
بالنهار خاصففة ،والسففموم يكون بالليففل خاصففة ،حكاه المهدوي .وقال الفراء :السففموم ل يكون إل
بالنهار ،والحرور يكون فيهمففا .النحاس :وهذا أصففح؛ لن الحرور فعول مففن الحففر ،وفيففه معنففى
التكثير ،أي الحر المؤذي.
قلت :وفي صفحيح مسفلم عن أبفي هريرة عن رسول ال صفلى ال عليه وسلم قال( :قالت النار
رب أكفل بعضفي بعضفا فأذن لي أتنففس فأذن لهفا بنفسفين نففس ففي الشتاء ونففس ففي الصفيف فمفا
وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم) .وروي
من حديث الزهري عن سعيد عن أبي هريرة( :فما تجدون من الحر فمن سمومها وشدة ما تجدون
مفن البرد فمفن زمهريرهفا) وهذا يجمفع تلك القوال ،وأن السفموم والحرور يكون بالليفل والنهار؛
فتأمله .وقيفل :المراد بالظفل والحرور الجنفة والنار؛ فالجنفة ذات ظفل دائم ،كمفا قال تعالى" :أكلهفا
دائم وظلها" [الرعد ]35 :والنار ذات حرور ،وقال معناه الذي .وقال ابن عباس :أي ظل الليل،
وحر السموم بالنهار .قطرب :الحرور الحر ،والظل البرد.
@قوله تعالى" :ومفا يسفتوي الحياء ول الموات" قال ابفن قتيبفة :الحياء العقلء ،والموات
الجهال .قال قتادة :هذه كلهفففا أمثال؛ أي كمفففا ل تسفففتوي هذه الشياء كذلك ل يسفففتوي الكاففففر
والمؤمن" .إن ال يسمع من يشاء" أي يسمع أولياءه الذين خلقهم لجنته" .وما أنت بمسمع من في
القبور" أي الكفار الذيفن أمات الكففر قلوبهفم؛ أي كمفا ل تسفمع مفن مات ،كذلك ل تسفمع مفن مات
قلبفه .وقرأ الحسفن وعيسفى الثقففي وعمرو بفن ميمون" :بمسفمع مفن ففي القبور" بحذف التنويفن
تخفيفا؛ أي هم بمنزلة أهل القبور في أنهم ل ينتفعون بما يسمعونه ول يقبلونه.
**3الية{ 23 :إن أنت إل نذير}
@ أي رسفول منذر؛ فليفس عليفك إل التبليفغ ،ليفس لك مفن الهدي شيفء إنمفا الهدى بيفد ال تبارك
وتعالى.
**3الية{ 24 :إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إل خل فيها نذير}
@قوله تعالى" :إنفا أرسفلناك بالحفق بشيرا ونذيرا" أي بشيرا بالجنفة أهفل طاعتفه ،ونذيرا بالنار
أهل معصيته" .وإن من أمة إل خل فيها نذير" أي سلف فيها نبي .قال ابن جريج :إل العرب.
**3اليفة{ 26 - 25 :وإن يكذبوك فقفد كذب الذيفن مفن قبلهفم جاءتهفم رسفلهم بالبينات وبالزبر
وبالكتاب المنير ،ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير}
@قوله تعالى" :وإن يكذبوك" يعنفي كفار قريفش" .فقفد كذب الذيفن مفن قبلهفم" أنفبياءهم ،يسفلي
رسففوله صففلى ال عليففه وسففلم" .جاءتهففم رسففلهم بالبينات" أي بالمعجزات الظاهرات والشرائع
الواضحات" .وبالزبر" أي الكتب المكتوبة" .وبالكتاب المنير" أي الواضح .وكرر الزبر والكتاب
وهمفا واحفد لختلف اللفظيفن .وقيفل :يرجفع البينات والزبر والكتاب إلى ،معنفى واحفد ،وهفو مفا
أنزل على النفبياء مفن الكتفب" .ثفم أخذت الذيفن كفروا فكيفف كان نكيفر" أي كيفف كانفت عقوبتفي
لهم .وأثبت ورش عن نافع وشيبة الياء في "نكيري" حيث وقعت في الوصل دون الوقف .وأثبتها
يعقوب في الحالين ،وحذفها الباقون في الحالين .وقد مضى هذا كله ،والحمد ل.
**3الية{ 28 - 27 :ألم تر أن ال أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن
الجبال جدد بيففض وحمففر مختلف ألوانهففا وغرابيففب سففود ،ومففن الناس والدواب والنعام مختلف
ألوانه كذلك إنما يخشى ال من عباده العلماء إن ال عزيز غفور}
@قوله تعالى" :ألم تر أن ال أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها" هذه الرؤية
رؤيفة القلب والعلم؛ أي ألم ينتفه علمفك ورأيفت بقلبفك أن ال أنزل؛ ففف "أن" واسفمها وخبرهفا سفدت
مسفد مفعولي الرؤية" .فأخرجنا به ثمرات" هو من باب تلوين الخطاب" .مختلفا ألوانها" نصبت
"مختلففا" نعتفا لفف "ثمرات"" .ألوانهفا" رففع بمختلف ،وصفلح أن يكون نعتفا ل" .ثمرات" لمفا دعفا
عليفه مفن ذكره .ويجوز ففي غيفر القرآن رفعفه؛ ومثله رأيفت رجل خارجفا أبوه" .بفه" أي بالماء
وهفو واحفد ،والثمرات مختلففة" .ومفن الجبال جدد بيفض وحمفر مختلف ألوانهفا" الجدد جمفع جدة،
وهففي الطرائق المختلفففة اللوان ،وإن كان الجميففع حجرا أو ترابففا .قال الخفففش :ولو كان جمففع
جديد لقال :جدد (بقسم الجيم والدال) نحو سرير وسرر .وقال زهير:
طاو ويرتفع بعد الصيف عريانا كأنه أسفع الخدين ذو جدد
وقيل :إن الجدد القطع ،مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته؛ حكاه ابن بحر قال الجوهري :والجدة
الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه .والجدة الطريقة ،والجمع جدد؛ قال تعالى" :ومن الجبال
جدد بيض وحمر مختلف ألوانها" أي طرائق تخالف لون الجبل .ومنه قولهم :ركب فلن جدة من
المففر؛ إذا رأى فيفه رأيفا .وكسفاء مجدد :فيفه خطوط مختلففة .الزمخشري :وقرأ الزهري "جدد"
بالضم جمع جديدة ،هي الجدة؛ يقال :جديدة وجدد وجدائد كسفينة وسفن وسفائن .وقد فسربها قول
أبي ذؤيب:
جون السراة له جدائد أربع
وروي عنفه "جدد بفتحتيفن ،وهفو الطريفق الواضفح المسففر ،وضعفه موضفع الطرائق والخطوط
الواضحفة المنفصفل بعضهفا مفن بعفض" .ومفن الناس والدواب" وقرئ" :والدواب" مخفففا .ونظيفر
هذا التخفيفف قراءة مفن قرأ" :ول الضأليفن" لن كفل واحفد منهمفا ففر مفن التقاء السفاكنين ،فحرك
ذلك أولهمففا ،وحذف هذا آخرهمففا؛ قاله الزمخشري" .والنعام مختلف ألوانففه" أي فيهففم الحمففر
والبيفض والسفود وغيفر ذلك ،وكفل ذلك دليفل على صفانع مختار .وقال" :مختلف ألوانفه" فذكفر
الضميفر مراعاة لفف "مفن"؛ قاله المؤرج .وقال أبفو بكفر بفن عياش :إنمفا ذكفر الكنايفة لجفل أنهفا
مردودة إلى "مفا" مضمرة؛ مجازه :ومفن الناس ومفن الدواب ومفن النعام مفا هفو مختلف ألوانفه،
أي أبيفض وأحمفر وأسفود" .وغرابيفب سفود" قال أبفو عفبيدة :الغربيفب الشديفد السفواد؛ فففي الكلم
تقديفم وتأخيفر ،والمعنفى :ومن الجبال سود غرابيب .والعرب تقول للشديفد السواد الذي لونه كلون
الغراب :أسففود غربيففب .قال الجوهري :وتقول هذا أسففود غربيففب؛ أي شديففد السففواد .وإذا قلت:
غرابيفب سفود ،تجعفل السفود بدل مفن غرابيفب لن توكيفد اللوان ل يتقدم .وففي الحديفث عفن النفبي
صففلى ال عليففه وسففلم( :إن ال يبغففض الشيففخ الغربيففب) يعنففي الذي يخضففب بالسففواد .قال امرؤ
القيس:
والرجل لفحة والوجه غربيب العين طامحة واليد سابحة
وقال آخر يصف كرما:
يعصر منها ملحي وغربيب ومن تعاجيب خلق ال غاطية
@قوله تعالى" :كذلك" هنا تمام الكلم؛ أي كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية" ،إنما يخشفى
ال مففن عباده العلماء" يعنففي بالعلماء الذيففن يخافون قدرتففه؛ فمففن علم أنففه عففز وجففل قديففر أيقففن
بمعاقبتفه على المعصفية ،كمفا روى علي بفن أبفي طلحفة عفن ابفن عباس "إنمفا يخشفى ال مفن عباده
العلماء" قال :الذين علموا أن ال على كل شيء قدير .وقال الربيع بن أنس من لم يخش ال تعالى
فليفس بعالم .وقال مجاهفد :إنمفا العالم مفن خشفي ال عفز وجفل .وعفن ابفن مسفعود :كففى بخشيفة ال
تعالى علمفا وبالغترار جهل .وقيفل لسفعد بفن إبراهيفم :مفن أفقفه أهفل المدينفة؟ قال أتقاهفم لربفه عفز
وجفل .وعفن مجاهفد قال :إنمفا الفقيفه مفن يخاف ال عفز وجفل .وعفن علي رضفي ال عنفه قال :إن
الفقيفه حفق الفقيفه مفن لم يقنفط الناس مفن رحمفة ال ،ولم يرخفص لهفم ففي معاصفي ال تعالى ،ولم
يؤمنهم من عذاب ال ،ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره؛ إنه ل خير في عبادة ل علم فيها ،ول
علم ل فقه فيه ،ول قراءة ل تدبر فيها .وأسند الدارمي أبو محمد عن مكحول قال :قال رسول ال
صفلى ال عليفه وسفلم( :إن فضفل العالم على العابفد كفضلي على أدناكفم -ثفم تل هذه اليفة -إنمفا
يخشففى ال مففن عباده العلماء .إن ال وملئكتففه وأهففل سففمواته وأهففل أرضيففه والنون فففي البحففر
يصفلون على الذيفن يعلمون الناس الخيفر الخفبر مرسفل .قال الدارمفي :وحدثنفي أبفو النعمان حدثنفا
حماد بفن زيفد عفن يزيفد بفن حازم قال حدثنفي عمفي جريفر بفن زيفد أنفه سفمع تبيعفا يحدث عفن كعفب
قال :إنففي لجففد نعففت قوم يتعلمون لغيففر العمففل ،ويتفقهون لغيففر العبادة ،ويطلبون الدنيففا بعمففل
الخرة ،ويلبسففون جلود الضأن ،قلوبهففم أمففر مففن الصففبر؛ فففبي يغترون ،وإياي يخادعون ،فففبي
حلففت لتيحفن لهفم فتنفة تذر الحليفم فيهفم حيران .خرجفه الترمذي مرفوعفا مفن حديفث أبفي الدرداء
وقفد كتبناه ففي مقدمفة الكتاب .الزمخشري :فإن قلت :فمفا وجفه قراءة مفن قرأ "إنمفا يخشفى الُ"
بالرففع "مفن عباده العلماءَ" بالنصفب ،وهفو عمفر بفن عبدالعزيفز .وتحكفى عفن أبفي حنيففة .قلت:
الخشيفة ففي هذه القراءة اسفتعارة ،والمعنفى :إنمفا يجلهفم ويعظمهفم كمفا يجفل المهيفب المخشفي مفن
الرجال بين الناس من بين جميع عباده" .إن ال عزيز غفور" تعليل لوجوب الخشية ،لدلله على
عقوبة العصاة وقهرهم ،وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم .والمعاقب والمثيب حقه أن يخشى.
**3اليفة{ 30 - 29 :إن الذيفن يتلون كتاب ال وأقاموا الصفلة وأنفقوا ممفا رزقناهفم سفرا
وعلنية يرجون تجارة لن تبور ،ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور}
@قوله تعالى" :إن الذين يتلون كتاب ال وأقاموا الصلة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلنية" هذه
آية القراء العاملين العالمين الذين يقيمون الصلة الفرض والنفل ،وكذا في النفاق .وقد مضى في
مقدمفة الكتاب مفا ينبغفي أن يتخلق بفه قارئ القرآن" .يرجون تجارة لن تبور" قال أحمفد بفن يحيفى:
خفبر "إن" "يرجون"" .ويزيدهفم مفن فضله" قيفل :الزيادة الشفاعفة ففي الخرة .وهذا مثفل اليفة
الخرى" :رجال ل تلهيهفم تجارة ول بيفع عفن ذكفر ال" إلى قوله" ويزيدهفم مفن فضله" [النور:
،]38 - 37وقوله ففي آخفر النسفاء" :فأمفا الذيفن آمنوا وعملوا الصفالحات فيوفيهفم أجورهفم
ويزيدهم من فضله" [النساء ]173 :وهناك بيناه" .إنه غفور" للذنوب" .شكور" يقبل القليل من
العمل الخالص ،ويثيب عليه الجزيل من الثواب.
**3الية{ 31 :والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن ال بعباده لخبير
بصير}
@قوله تعالى" :والذي أوحينا إليك من الكتاب" يعني القرآن" .هو الحق مصدقا لما بين يديه" أي
من الكتب "إن ال بعباده لخبير بصير".
**3اليفة{ 35 - 32 :ثفم أورثنفا الكتاب الذيفن اصفطفينا مفن عبادنفا فمنهفم ظالم لنفسفه ومنهفم
مقتصفد ومنهفم سفابق بالخيرات بإذن ال ذلك هفو الفضفل الكفبير ،جنات عدن يدخلونهفا يحلون فيهفا
مفن أسفاور مفن ذهفب ولؤلؤا ولباسفهم فيهفا حريفر ،وقالوا الحمفد ل الذي أذهفب عنفا الحزن إن ربنفا
لغفور شكور ،الذي أحلنا دار المقامة من فضله ل يمسنا فيها نصب ول يمسنا فيها لغوب}
@ هذه الية مشكلة؛ لنه قال جل وعز" :اصطفينا من عبادنا" ثم قال" :فمنهم ظالم لنفسه" وقد
تكلم العلماء فيها من الصفحابة والتابعين ومن بعدهفم .قال النحاس :فإن أصح مفا روي ففي ذلك مفا
روي عفن ابفن عباس "فمنهفم ظالم لنفسفه" قال :الكاففر؛ رواه ابفن عيينفة عفن عمرو بفن دينار عفن
عطاء عن ابن عباس أيضا .وعن ابن عباس أيضا "فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق
بالخيرات" قال :نجت فرقتان ،ويكون التقدير في العربية :فمنهم من عبادنا ظالم لنفسه؛ أي كافر.
وقال الحسن :أي فاسق .ويكون الضمير الذي في "يدخلونها" يعود على المقتصد والسابق ل على
الظالم .وعن عكرمة وقتادة والضحاك والفراء أن المقتصفد المؤمن العاصي ،والسابق التقي على
الطلق .قالوا :وهذه الية نظير قوله تعالى في سورة الواقعة "وكنتم أزواجا ثلثة" [الواقعة]7 :
الية .قالوا وبعيد أن يكون ممن يصطفي ظالم .ورواه مجاهد عن ابن عباس .قال مجاهد" :فمنهم
ظالم لنفسفه" أصفحاب المشاهدة" ،ومنهفم مقتصفد" أصفحاب الميمنفة" ،ومنهفم سفابق بالخيرات"
السفابقون مفن الناس كلهفم .وقيفل :الضميفر ففي "يدخلونهفا" يعود على الثلثفة الصفناف ،على أل
يكون الظالم ها هنا كافرا ول فاسقا .وممن روي عنه هذا القول عمر وعثمان وأبو الدرداء ،وابن
مسففعود وعقبففة بففن عمرو ومنففة ،والتقديففر على هذا القول :أن يكون الظالم لنفسففه الذي عمففل
الصفغائر .و"المقتصفد" قال محمفد بفن يزيفد :هفو الذي يعطفي الدنيفا حقهفا والخرة حقهفا؛ فيكون
"جنات عدن يدخلونهفا" عائدا على الجميفع على هذا الشرح والتفبيين؛ وروي عفن أبفي سفعيد
الخدري .وقال كعفب الحبار :اسفتوت مناكبهفم ورب الكعبفة وتفاضلوا بأعمالهفم .وقال أبفو إسفحاق
السبيعي :أما الذي سمعت منذ ستين سنة فكلهم ناج .وروى أسامة بن زيد أن النبي صلى ال عليه
وسفلم قرأ هذه اليفة وقال( :كلهفم ففي الجنفة) .وقرأ عمفر بفن الخطاب هذه اليفة ثفم قال :قال رسفول
ال صفلى ال عليفه وسفلم( :سفابقنا سفابق ومقصفدنا ناج وظالمنفا مغفور له) .فعلى هذا القول يقدر
مفعول الصفطفاء مفن قوله" :أورثنفا الكتاب الذيفن أصفطفينا مفن عبادنفا" مضاففا حذف كمفا حذف
المضاف في "واسأل القريفة" [يوسفف ]82 :أي اصفطفينا دينهفم فبقى اصفطفيناهم؛ فحذف العائد
إلى الموصفول كمفا حذف ففي قوله" :ول أقول للذيفن تزدري أعينكفم" [هود ]31 :أي تزدريهفم،
فالصطفاء إذا موجه إلى دينهم ،كما قال تعالى" :إن ال اصطفى لكم الدين" [البقرة .]132 :قال
النحاس :وقوله ثالث :يكون الظالم صفففاحب الكبائر ،والمقتصفففد الذي لم يسفففتحق الجنفففة بزيادة
حسففناته على سففيئاته؛ فيكون" :جنات عدن يدخلونهففا" للذيففن سففبقوا بالخيرات ل غيففر .وهذا قول
جماعة من أهل النظر؛ لن الضمير في حقيقة النظر بما يليه أولى.
قلت :القول الوسط أولها وأصحها إن شاء ال؛ لن الكافر والمنافق لم يصطفوا بحمد ال ،ول
اصطفى دينهم .وهذا قول ستة من الصحابة ،وحسبك .وسنزيده بيانا وإيضاحا في باقي الية.
@قوله تعالى" :ثم أورثنا الكتاب" أي أعطينا .والميراث ،عطاء حقيقة أو مجازا؛ فإنه يقال فيما
صار للنسان بعد موت آخر .و"الكتاب" ها هنا يريد به معاني الكتاب وعلمه وأحكامه وعقائده،
وكأن ال تعالى لمفا أعطفى أمفة محمفد صفلى القرآن ،وهفو قفد تضمفن معانفي الكتفب المنزلة ،فكأنفه
ورث أمة محمد عليه السلم الكتاب الذي كان في المم قبلنا" .اصطفينا" أي اخترنا .واشتقاقه من
الصفففو ،وهففو الخلوص مففن شوائب الكدر .وأصففله اصففتفونا ،فأبدلت التاء طاء والواو ياء" .مففن
عبادنفا" قيفل المراد أمفة محمفد صفلى ال عليفه وسفلم ،قال ابفن عباس وغيره .وكان اللففظ يحتمفل
جميفع المؤمنيفن مفن كفل أمفة ،إل أن عباره توريفث الكتاب لم تكفن إل لمفة محمفد صفلى ال عليفه
وسفلم ،وورث سفليمان يرثوه .وقيفل :المصفطفون النفبياء ،توارثوا الكتاب بمعنفى أنفه انتقفل عفن
بعضهم إلى آخر ،قال ال تعالى" :وورث سليمان داود" [النمل ،]16 :وقال" :يرثني ويرث من
آل يعقوب" [مريم ]6 :فإذا جاز أن تكون النبوة موروثة فكذلك الكتاب" .فمنهم ظالم لنفسه" من
وقع في صغيرة .قال ابن عطية :وهذا قول مردود من غير ما وجه .قال الضحاك :معنى "فمنهم
ظالم لنفسه" أي من ذريتهفم ظالم لنفسه وهو المشرك .الحسن :مفن أممهفم ،على ما تقدم ذكره مفن
الخلف في الظالم .والية في أمة محمد صلى ال عليه وسلم وقد اختلفت عبارات أرباب القلوب
فففي الظالم والمقتصففد والسففابق ،فقال سففهل بففن عبدال :السففابق العالم ،والمقتصففد المعلم ،والظالم
الجاهل .وقال ذو النون المصري :الظالم الذاكر ال بلسانه فقط ،والمقتصد الذاكر بقلبه ،والسابق
الذي ل ينسففاه .وقال النطاكففي :الظالم صففاحب القوال ،والمقتصففد صففاحب الفعال ،والسففابق
صاحب الحوال .وقال ابن عطاء :الظالم الذي يحب ال من أجل الدنيا ،والمقتصد الذي يحبه من
أجفل العقفبى ،والسفابق الذي أسفقط مراده بمراد الحفق .وقيفل :الظالم الذي يعبفد ال خوففا مفن النار،
والمقتصفد الذي يعبفد ال طمعفا ففي الجنفة ،والسفابق الذي يعبفد ال لوجهفه ل لسفبب .وقيفل :الظالم
الزاهففد فففي الدنيففا ،لنفه ظلم نفسفه فترك لهففا حظففا وهفي المعرفففة والمحبففة ،والمقتصففد العارف،
والسفابق المحفب .وقيفل :الظالم الذي يجزع عنفد البلء ،والمقتصفد الصفابر على البلء ،والسفابق
المتلذذ بالبلء .وقيفل :الظالم الذي يعبفد ال على الغفلة والعادة ،والمقتصفد الذي يعبده على الرغبفة
والرهبة ،والسابق الذي يعبده على الهيبة .وقيل :الظالم الذي أعطي فمنع ،والمقتصد الذي أعطي
فبذل ،والسابق الذي يمنع فشكر وآثر.
يروى أن عابديفن التقيفا فقال :كيفف حال إخوانكفم بالبصفرة؟ قال :بخيفر ،إن أعطوا شكروا وإن
منعوا صفففبروا .فقال :هذه حالة الكلب عندنفففا ببلخ! عبادنفففا إن منعوا شكروا وإن أعطوا آثروا.
وقيفل :الظالم مفن اسفتغنى بماله ،والمقتصفد مفن اسفتغنى بدينفه ،والسفابق مفن اسفتغنى بربفه .وقيفل:
الظالم التالي للقرآن ول يعمففل بففه ،والمقتصففد التالي للقرآن ويعمففل بففه ،والسففابق القارئ للقرآن
العامفل به والعالم به .وقيفل :السفابق الذي يدخفل المسفجد قبفل تأذيفن المؤذن ،والمقتصفد الذي يدخفل
المسجد وقد أذن ،والظالم الذي يدخل المسجد وقد أقيمت الصلة؛ لنه ظلم نفسه الجر فلم يحصل
لهفا مفا حصفله غيره .وقال بعفض أهفل المسفجد ففي هذا :بفل السفابق الذي يدرك الوقفت والجماعفة
فيدرك الفضيلتيففن ،والمقتصففد الذي إن فاتتففه الجماعففة لم يفرط فففي الوقففت ،والظالم الغافففل عففن
الصلة حتفى يفوت الوقت والجماعة ،فهو أولى بالظلم .وقيل :الظالم الذي يحب نفسه ،والمقتصد
الذي يحب دينه ،والسابق الذي يحب ربه .وقيل :الظالم الذي ينتصف ول ينصف ،والمقتصد الذي
ينتصف وينصف ،والسابق الذي ينصف ول ينصف .وقالت عائشة رضي ال عنها :السابق الذي
أسفلم قبفل الهجرة ،والمقتصفد مفن أسفلم بعفد الهجرة ،والظالم مفن لم يسفلم إل بالسفيف؛ وهفم كلهفم
مغفور لهم.
قلت :ذكفر هذه القوال وزيادة عليهفا الثعلبفي ففي تفسفيره .وبالجملة فهفم طرفان وواسفطة ،وهفو
حنَي التغلبي:
المقتصد الملزم للقصد وهو ترك الميل؛ ومنه قول جابر بن ُ
وليس علينا قتلهم بمحرم نعاطي الملوك السلم ما قصدوا لنا
أي نعاطيهفم الصفلح مفا ركبوا بنفا القصفد ،أي مفا لم يجوروا ،وليفس قتلهفم بمحرم علينفا إن جاروا؛
فلذلك كان المقتصد منزلة بين المنزلتين ،فهو فوق الظالم لنفسه ودون السابق بالخيرات" .ذلك هو
الفضفل الكفبير" يعنفي إتياننفا الكتاب لهفم .وقيفل :ذلك الصفطفاء مفع علمنفا بعيوبهفم هفو الفضفل
الكبير .وقيل :وعد الجنة لهؤلء الثلث فضل كبير.
@ وتكلم الناس في تقديم الظالم على المقتصد والسابق فقيل :التقدير في الذكر ل يقتضي تشريفا؛
كقوله تعالى" :ل يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة" [الحشر .]20 :وقيل :قدم الظالم لكثرة
الفاسفقين منهفم وغلبتهفم وأن المقتصفدين قليفل بالضاففة إليهفم ،والسفابقين أقفل مفن القليفل؛ ذكره
الزمخشري ولم يذكره غيره وقيفل :قدم الظالم لتأكيفد الرجاء ففي حقفه ،إذ ليفس له شيفء يتكفل عليفه
إل رحمة ربه .واتكل المقتصد على حسن ظنه ،والسابق على طاعته .وقيل :قدم الظالم لئل ييأس
من رحمة ال ،وأخر السابق لئل يعجب بعمله .وقال جعفر بن محمد بن علي الصادق رضي ال
عنففه :قدم الظالم ليدبر أنففه ل يتقرب إليففه إل بصففرف رحمتففه وكرمففه ،وأن الظلم ل يؤثففر فففي
الصطفائية إذا كانت ثم عناية ،ثم ثنى بالمقتصدين لنهم بين الخوف والرجاء ،ثم ختم بالسابقين
لئل يأمن أحد مكر ال ،وكلهم في الجنة بحرمة كلمة الخلص" :ل إله إل ال محمد رسول ال".
وقال محمففد بففن علي الترمذي :جمعهففم فففي الصففطفاء إزالة للعلل عففن العطاء؛ لن الصففطفاء
يوجفب الرث ،ل الرث يوجفب الصفطفاء ،ولذلك قيفل ففي الحكمفة :صفحح النسفبة ثفم النسفبة ادع
ففي الميراث .وقيفل :أخفر السفابق ليكون أقرب إلى الجنات والثواب ،كمفا قدم الصفوامع والبيفع ففي
سفورة الحفج" على المسفاجد ،لتكون الصفوامع أقرب إلى الهدم والخراب ،وتكون المسفاجد أقرب
إلى ذكفر ال .وقيفل :إن الملوك إذا أرادوا الجمفع بيفن الشياء بالذكفر قدموا الدنفى؛ كقوله تعالى:
"لسفريع العقاب وإنفه لغفور رحيفم" العراف ،]167 :وقوله" :يهفب لمفن يشاء إناثفا ويهفب لمفن
يشاء الذكور" [الشورى ،]49 :وقوله" :ل يسفتوي أصفحاب النار وأصفحاب الجنفة" [الحشفر:
]20
قلت :ولقد أحسن من قال:
يوافي إلى الغايات في آخر المر وغاية هذا الجود أنت وإنما
@قوله تعالى" :جنات عدن يدخلونهففا" جمعهففم فففي الدخول لنففه ميراث ،والعاق والبار فففي
الميراث سواء إذا كانوا معترفين بالنسب؛ فالعاصي والمطيع مقرّون بالرب .وقرئ" :جنة عدن"
على الفراد ،كأنهفا جنفة مختصفة بالسفابقين لقلتهفم؛ على مفا تقدم .و"جنات عدن" بالنصفب على،
إضمار فعفل يفسفره الظاهفر؛ أي يدخلون جنات عدن يدخلونهفا .وهذا للجميفع ،وهفو الصفحيح إن
شاء ال تعالى .وقرأ أبو عمرو "يُدخلونها" بضم الياء وفتح الخاء .قال :لقوله "يحلون" .وقد تقدم.
@قوله تعالى" :وقالوا الحمد ل الذي أذهب عنا الحزن" قال أبو ثابت :دخل رجل المسجد .فقال
اللهم ارحم غربتي وأنس وحدتي يسر لي جليسا صالحا .فقال أبو الدرداء :لئن كنت صادقا فلنا
أسفعد بذلك منفك ،سفمعت النفبي صفلى ال عليفه وسفلم يقول" :ثفم أورثنفا الكتاب الذيفن أصفطفينا مفن
عبادنفا فمنهفم ظالم لنفسفه ومنهفم مقتصفد ومنهفم سفابق بالخيرات" قال فيجيفء هذا السفابق فيدخفل
الجنفة بغيفر حسفاب ،وأمفا المقتصفد فيحاسفب حسفابا يسفيرا ،وأمفا الظالم لنفسفه فيحبفس ففي المقام
ويوبفخ ويقرع ثفم يدخفل الجنفة فهفم الذيفن قالوا" :الحمفد ل الذي أذهفب عنفا الحزن إن ربنفا لغفور
شكور" وففي لففظ آخفر وأمفا الذيفن ظلموا أنفسفهم فأولئك يحبسفون ففي طول المحشفر ثفم هفم الذيفن
يتلقاهفم ال برحمتفه فهفم الذيفن يقولون "الحمفد ل الذي أذهفب عنفا الحزن إن ربنفا لغفور شكور إلى
قوله "ول يمسنا فيها لغوب" .وقيل :هو الذي يؤخذ منه في مقامه؛ يعني يكفر عنه بما يصيبه من
الهفم والحزن ،ومنفه قوله تعالى "مفن يعمفل سفوءا يجفز بفه" [النسفاء ]123 :يعنفي ففي الدنيفا .قال
الثعلبفي :وهذا التأويفل أشبفه بالظاهفر؛ لنفه قال" :جنات عدن يدخلونهفا" ،ولقوله" :الذيفن اصفطفينا
من عبادنا" والكافر والمنافق لم يصطفوا.
قلت :وهذا هفو الصفحيح ،وقفد قال صفلى ال عليفه وسفلم( :ومثفل المناففق الذي يقرأ القرآن مثفل
الريحانفة ،ريحهفا وطيفب وطعمهفا مفر .فأخفبر أن المناففق يقرؤه ،وأخفبر الحفق سفبحانه وتعالى أن
المنافق في الدرك السفل من النار ،وكثير من الكفار واليهود والنصارى يقرؤونه في زماننا هذا.
وقال مالك :قد يقر القرآن من ل خير فيه .والنصب :التعب .واللغوب :العياء
**3الية{ 37 - 36 :والذين كفروا لهم نار جهنم ل يقضى عليهم فيموتوا ول يخفف عنهم من
عذابهفا كذلك نجزي كفل كفور ،وهفم يصفطرخون فيهفا ربنفا أخرجنفا نعمفل صفالحا غيفر الذي كنفا
نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير}
@قوله تعالى" :والذيفن كفروا لهفم نار جهنفم" لمفا ذكفر أهفل الجنفة وأحوالهفم ومقالتهفم ،ذكفر أهفل
النار وأحوالهففم ومقالتهففم" .ل يقضففى عليهففم فيموتوا" مثففل" :ل يموت فيهففا ول يحيففا" [العلى:
" .]13ول يخففف عنهفم مفن عذابهفا" مثفل" :كلمفا نضجفت جلودهفم بدلناهفم جلودا غيرهفا ليذوقوا
العذاب" [النساء" .]56 :كذلك نجزي كل كفور" أي كافر بال ورسوله .وقرأ الحسن "فيموتون"
بالنون ،ول يكون للنفففي حينئذ جواب ،ويكون "فيموتون" عطفففا على "يقضففى" تقديره ل يقضففى
عليهففم ول يموتون؛ كقوله تعالى" :ول يؤذن لهففم فيعتذرون" [المرسففلت .]36 :قال الكسففائي:
"ول يؤذن لهفم فيعتذرون" بالنون ففي المصفحف لنفه رأس آيفة "ل يقضفى عليهفم فيموتوا" لنفه
ليفس رأس آيفة .للجوز ففي كفل واحفد منهمفا مفا جاز ففي صفاحبه" .وهفم يصفطرخون فيهفا" أي
يستغيثون في النار بالصوت العالي .والصراخ الصوت العالي ،والصارخ المستغيث ،والمصرخ
المغيث .قال:
كان الصراخ له قرع الظنابيب كنا إذا ما أتانا صارخ فزع
"ربنفا أخرجنفا" أي يقولون ربنفا أخرجنفا مفن جهنفم وردنفا إلى الدنيفا" .نعمفل صفالحا" قال ابفن
عباس :أي نقل :ل إله إل ال" .غير الذي كنا نعمل" أي من الشرك ،أي نؤمن بدل الكفر ،ونطيع
بدل المعصية ،ونمتثل أمر الرسل" .أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر" هذا جواب دعائهم؛ أي
فيقال لهفم ،فالقول مضمفر .وترجفم البخاري( :باب مفن بلغ سفتين سفنة فقفد أعذر ال إليفه ففي العمفر
لقوله عففز وجففل "أولم نعمركففم مففا يتذكففر قيففه مففن تذكففر وجاءكففم النذيففر" يعنففي الشيففب) حدثنففا
عبدالسلم بن مطهر قال حدثنا عمر بن علي قال حدثنا معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي
سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :أعذر ال إلى امرئ أخر أجله
حتفى بلغفه ستين سنة) .قال الخطابي" :أعذر إليه" أي بلغ به أقصفى العذر ،ومنه قولهفم :قفد أعذر
مفن أنذر؛ أي أقام عذر نفسفه ففي تقديفم نذارتفه .والمعنفى :أن مفن عمره ال سفتين سفنة لم يبفق له
عذر؛ لن السفتين قريفب مفن معترك المنايفا ،وهفو سفن النابفة والخشوع وترقفب المنيفة ولقاء ال
تعالى؛ ففيه إعذار بعد إعذار ،الول بالنبي صلى ال عليه وسلم ،والموتان في الربعين والستين.
قال علي وابفن عباس وأبفو هريرة ففي تأويفل قوله تعالى "أو لم نعمركفم مفا يتذكفر فيفه مفن تذكفر":
إنفه سفتون سفنة .وقفد روي عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أنفه قال ففي موعظتفه( :ولقفد أبلغ ففي
العذار مفن تقدم ففي النذار وإنفه لينادي مناد مفن قبفل ال تعالى أبناء السفتين "أو لم نعمركفم مفا
يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير") .وذكر الترمذي الحكيم من حديث عطاء ابن أبي رباح عن
ابن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إذا كان يوم القيامة نودي أبناء الستين وهو
العمفر الذي قال ال "أو لم نعمركفم مفا يتذكفر فيفه مفن تذكفر") .وعفن ابفن عباس أيضفا أنفه أربعون
سنة .وعن الحسن البصري ومسروق مثله .ولهذا القول أيضا وجه ،وهو صحيح؛ والحجة له قوله
تعالى" :حتفى إذا بلغ أشده وبلغ أربعيفن سفنة" [الحقاف ]15اليفة .فففي الربعيفن تناهفي العقفل،
ومفا قبفل ذلك ومفا بعده منتقفص عنفه ،وال أعلم .وقال مالك :أدركفت أهفل العلم ببلدنفا وهفم يطلبون
الدنيفا والعلم ويخالطون الناس ،حتفى يأتفي لحدهفم أربعون سفنة ،فإذا أتفت عليهفم اعتزلوا الناس
واشتغلوا بالقيامفة حتفى يأتيهفم الموت .وقفد مضفى هذا المعنفى ففي سفورة "العراف" .وخرج ابفن
ماجفة عفن أبفي هريرة أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال( :أعمار أمتفي مفا بيفن السفتين إلى
السبعين وأقلهم من تجاوز ذلك).
@قوله تعالى" :وجاءكففم النذيففر" وقرئ "وجاءتكففم النذر" واختلف فيففه؛ فقيففل القرآن .وقيففل
الرسفول؛ قال زيفد بفن علي وابفن زيفد .وقال ابفن عباس وعكرمفة وسففيان ووكيفع والحسفين بفن
الفضفل والفراء والطفبري :هفو الشيفب .وقيفل :النذيفر الحمفى .وقيفل :موت الهفل والقارب .وقيفل:
كمال العقل .والنذير بمعنى النذار.
قلت :فالشيب والحمى وموت الهل كله إنذار بالموت؛ قال صلى ال عليه وسلم( :الحمى رائد
الموت) .قال الزهري :معناه أن الحمففى رسففول الموت ،أي كأنهففا تشعففر بقدومففه وتنذر بمجيئه.
والشيفب نذيفر أيضفا؛ لنفه يأتفي ففي سفن الكتهال ،وهفو علمفة لمفارقفة سفن الصفبا الذي هفو سفن
اللهو واللعب .قال:
لصاحبه وحسبك من نذير رأيت الشيب من نذر المنايا
وقال آخر:
ولست مسودا وجه النذير فقلت لها المشيب نذير عمري
وأمفا موت الهفل والقارب والصفحاب والخوان فإنذار بالرحيفل ففي كفل وقفت وأوان ،وحيفن
وزمان .قال:
فكأنني بك قد حملت فلم ترد وأراك تحملهم ولست تردهم
وقال آخر:
ونحن في غفلة عما يراد بنا الموت في كل حين ينشر الكفنا
وأما كمال العقل فبه تعرف حقائق المور ومفصل بين الحسنات والسيئات؛ فالعاقل يعمل لخرته
ويرغفب فيمفا عنفد ربفه؛ فهفو نذيفر .وأمفا محمفد صفلى ال عليفه وسفلم فبعثفه ال بشيرا ونذيرا إلى
عباده قطعففا لحججهففم؛ قال ال تعالى" :لئل يكون للناس على ال حجففة بعففد الرسففل" [النسففاء:
]165وقال" :وما كنا معذبين حتى نبعث رسول" [السراء" .]15 :فذوقوا" يريد عذاب جهنم؛
لنكم ما اعتبرتم ول اتعظتم" .فما للظالمين من نصير" أي مانع من عذاب ال.
**3الية{ 38 :إن ال عالم غيب السماوات والرض إنه عليم بذات الصدور}
@ تقدم معناه ففي غير موضع .والمعنفى :علم أنه لو ردكفم إلى الدنيفا لم تعملوا صفالحا ،كما قال
"ولو ردوا لعادوا لمفا نهوا عنفه" [النعام .]28 :و"عالم" إذا كان بغيفر تنويفن صفلح أن يكون
للماضي والمستقبل ،وإذا كان منونا لم يجز أن يكون للماضي.
**3اليفة{ 39 :هفو الذي جعلكفم خلئف ففي الرض فمفن كففر فعليفه كفره ول يزيفد الكافريفن
كفرهم عند ربهم إل مقتا ول يزيد الكافرين كفرهم إل خسارا}
@قوله تعالى" :هفو الذي جعلكفم خلئف ففي الرض" قال قتادة :خلففا بعد خلف ،قرنا بعفد قرن.
والخلف هو التالي للمتقدم ،ولذلك قيل لبي بكر :يا خليفة ال؛ فقال :لست بخليفة ال ،ولكني خليفة
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ،وأنفا راض بذلك" .فمفن كففر فعليفه كفره" أي جزاء كفره وهفو
العقاب والعذاب" .ول يزيفد الكافريفن كفرهفم عنفد ربهفم إل مقتفا" أي بغضفا وغضبفا" .ول يزيفد
الكافرين كفرهم إل خسارا" أي هلكا وضلل.
**3الية{ 40 :قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون ال أروني ماذا خلقوا من الرض أم
لهفم شرك ففي السفماوات أم آتيناهفم كتابفا فهفم على بينفة منه بفل إن يعفد الظالمون بعضهفم بعضفا إل
غرورا}
@قوله تعالى" :قفل أرأيتفم شركاءكفم الذيفن تدعون" "شركاءكفم" منصفوب بالرؤيفة ،ول يجوز
رفعفه ،وقفد يجوز الرففع عنفد سفيبويه ففي قولهفم :قفد علمفت زيدا أبفو مفن هفو؟ لن زيدا ففي المعنفى
مسففتفهم عنففه .ولو قلت :أرأيففت زيدا أبففو مففن هففو؟ لم يجففز الرفففع .والفرق بينهمففا أن معنففى هذا
أخفبرني عنفه ،وكذا معنفى هذا أخفبروني عفن شركائكفم الذي تدعون مفن دون ال ،أعبدتموهفم لن
لهفم شركفة ففي خلق السفموات ،أم خلقوا مفن الرض شيئا "أم آتيناهفم كتابفا" أي أم عندهفم كتاب
أنزلناه إليهم بالشركة .وكان في هذا رد على من عبد غير ال عز وجل؛ لنهم ل يجدون في كتاب
مفن الكتفب أن ال عفز وجفل أمفر أن يعبفد غيره" .فهفم على بينفة منفه" قرأ ابفن كثيفر وأبفو عمرو
وحمزة وحفص عن عاصم "على بينة" بالتوحيد ،وجمع الباقون .والمعنيان متقاربان إل أن قراءة
الجمفع أولى؛ لنه ل يخلو من قرأه "على بينة" مفن أن يكون خالف السفواد العظم ،أو يكون جاء
بفه على لغفة مفن قال :جاءنفي طلحفت ،فوقفف بالتاء ،وهذه لغفة شاذة قليلة؛ قال النحاس .وقال أبفو
حاتم وأبو عبيد :الجمع أولى لموافقته الخط ،لنها في مصحف عثمان "بينات" باللف والتاء" .بل
إن يعفد الظالمون بعضهففم بعضففا إل غرورا" أي أباطيففل تغففر ،وهفو قول السففادة للسفففلة :إن هذه
اللهفة تنفعكفم وتقربكفم .وقبفل :إن الشيطان يعفد المشركيفن ذلك .وقيفل :وعدهفم بأنهفم ينصفرون
عليهم.
**3الية{ 41 :إن ال يمسك السماوات والرض أن تزول ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من
بعده إنه كان حليما غفورا}
@قوله تعالى" :إن ال يمسك السماوات والرض أن تزول" لما بين أن ألهتهم ل تقدر على خلق
شيفء مفن السفموات والرض بيفن أن القهمفا وممسفكهما هفو ال ،فل يوجفد حادث إل بإيجاده ،ول
يبقفى إل ببقائه .و"أن" ففي موضفع نصفب بمعنفى كراهفة أن تزول ،أو لئل تزول ،أو يحمفل على
المعنفى؛ لن المعنفى أن ال يمنفع السفموات والرض أن تزول ،فل حاجفة على هذا إلى إضمار،
وهذا قول الزجاج" .ولئن زالتفا إن أمسفكهما مفن أحفد مفن بعده إنفه كان حليمفا غفورا" قال الفراء:
أي ولو زالتفا مفا أمسفكهما مفن أحفد .و"إن" بمعنفى مفا .قال :وهفو مثفل قوله" :ولئن أرسفلنا ريحفا
فرأوه مصففرا لظلوا مفن بعده يكفرون" [الروم .]51 :وقيفل :المراد زوالهمفا يوم القيامفة .وعفن
إبراهيم قال :دخل رجل من أصحاب ابن مسعود إلى كعب الحبار يتعلم منه العلم ،فلما رجع قال
له ابن مسعود :ما الذي أصبت من كعب؟ قال سمعت كعبا يقول :إن السماء تدور على قطب مثل
قطفب الرحفى ،ففي عمود على منكفب ملك؛ فقال له عبدال :وددت أنفك انقلبفت براحلتفك ورحلهفا،
كذب كعب ،ما ترك يهوديته! إن ال تعالى يقول" :إن ال يمسك السموات والرض أن تزول" إن
السفموات ل تدور ،ولو كانفت تدور لكانفت قفد زالت .وعفن ابفن عباس نحوه ،وأنفه قال لرجفل مقبفل
مفن الشام :مفن ،لقيفت بفه؟ قال كعبفا .قال :ومفا سفمعته يقول؟ قال :سفمعته يقول :إن السفموات على
منكفب ملك .فال :كذب كعفب ،أمفا ترك يهوديتفه بعفد! إن ال تعالى يقول" :إن ال يمسفك السفموات
والرض أن تزول" والسموات سبع والرضون سبع ،ولكن لما ذكرهما أجراهما مجرى شيئين،
فعادت الكنايفة إليهمفا ،وهفو كقوله تعالى" :أن السفموات والرض كانتفا رتقفا ففتقناهمفا" [النفبياء:
]30ثم ختم الية بقوله" :إنه كان حليما غفورا" لن المعنى فيما ذكره بعض أهل التأويل :أن ال
يمسك السموات والرض أن تزول من كفر الكافرين ،وقولهم اتخذ ال ولدا .قال الكلبي :لما قالت
اليهود عزيفر ابفن ال وقالت النصفارى المسفيح ابفن ال ،كادت السفموات والرض أن تزول عفن
أمكنتهمفا ،فمنعهمفا ال ،وأنزل هذه اليفة فيفه؛ وهفو كقوله تعالى" :لقفد جئتفم شيئا إدا تكاد السفموات
يتفطرن منه" [مريم ]90:الية.
**3الية{ 43 - 42 :وأقسموا بال جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى المم
فلمفا جاءهم نذير ما زادهم إل نفورا ،استكبارا في الرض ومكر السفيء ول يحيفق المكفر السيء
إل بأهله فهل ينظرون إل سنة الولين فلن تجد لسنة ال تبديل ولن تجد لسنة ال تحويل}
@قوله تعالى" :وأقسفموا بال جهد أيمانهم لئن جاءهم نذيفر" هم قريش أقسموا قبل أن يبعث ال
رسول محمدا صلى ال عليه وسلم ،حين بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم ،فلعنوا من كذب نبيه
منهفم ،وأقسفموا بال جفل اسفمه "لئن جاءهفم نذيفر" أي نفبي "ليكونفن أهدى مفن إحدى المفم فلمفا
جاءهم نذير ما زادهم إل نفورا" يعني ممن كذب الرسل من أهل الكتاب .وكانت العرب تتمنى أن
يكون منهفم رسفول كمفا كانفت الرسفل مفن بنفي إسفرائيل ،فلمفا جاءهفم مفا تمنوه وهفو النذيفر مفن
أنفسهم ،نفروا عنه ولم يؤمنوا به".استكبارا" أي عتوا عن اليمان "ومكر السيئ" أي مكر العمل
السفيئ وهفو الكففر وخدع الضعفاء ،وصفدهم عفن اليمان ليكثفر أتباعهفم .وأنفث "مفن إحدى المفم"
لتأنيفث أمفة؛ قاله الخففش .وقرأ حمزة والخففش "ومكفر السفيئ ول يحيفق المكفر السفيئ" فحذف
العراب مففن الول وأثبتففه فففي الثانففي .قال الزجاج :وهففو لحففن؛ وإنمففا صففار لحنففا لنففه حذف
العراب منفه .وزعفم المفبرد أنفه ل يجوز ففي كلم ول ففي شعفر؛ لن حركات العراب ل يجوز
حذفها ،لنها دخلت للفرق بين المعاني .وقد أعظم بعض النحويين أن يكون العمش على جللته
ومحله يقرأ بهذا ،قال :إنمففا كان يقففف عليففه ،فغلط مففن أدى عنفه ،قال :والدليففل على هذا أنففه تمام
الكلم ،وأن الثانفي لمفا لم يكفن تمام الكلم أعرب باتفاق ،والحركفة ففي الثانفي أثقفل منهفا ففي الول
لنهفا ضمفة بيفن كسفرتين .وقفد احتفج بعفض النحوييفن لحمزة ففي هذا بقول سفيبويه ،وأنفه أنشفد هفو
وغيره:
إذا اعوججن قلت صاحِبْ قَوّم
وقال الخر:
إثما من ال ول واغل فاليوم أشربْ غير مستحقب
وهذا لحجة فيه؛ لن سيبويه لم يجزه ،وإنما حكاه عن بعض النحويين ،والحديث إذا قيل فيه عن
بعفض العلماء لم يكفن فيفه حجفة ،فكيفف وإنمفا جاء بفه على وجفه الشذوذ ولضرورة الشعفر وقفد
خولف فيه .وزعم الزجاج أن أبا العباس أنشده:
إذا اعوججن قلت صاح قوم
وأنه أنشد:
فاليوم اشرب غير مستحقب
بوصفل اللف على المفر؛ ذكفر جميعفه النحاس .الزمخشري :وقرأ حمزة "ومكفر السفيئ" بسفكون
الهمزة ،وذلك لسفتثقاله الحركات ،ولعله اختلس فظفن سفكونا ،أو وقفف وقففة خفيففة ثفم ابتدأ "ول
يحيففق" .وقرأ ابففن مسففعود "ومكرا سففيئا" وقال المهدوي :ومففن سففكن الهمزة مففن قوله" :ومكففر
السفيئ" فهفو على تقديفر الوقفف عليفه ،ثفم أجرى الوصفل مجرى الوقفف ،أو على أنفه أسفكن الهمزة
لتوالي الكسرات والياءات ،كما قال:
فاليوم اشرب غير مستحقب
قال القشيري :وقرأ حمزة "ومكفر السفيئ بسفكون الهمزة ،وخطأه أقوام .وقال قوم :لعله وقفف عليفه
لنه تمام الكلم ،فغلط الراوي وروى ذلك عنه في الدراج ،وقد سبق الكلم في أمثال هذا ،وقلنا:
ما ثبت بالستفاضة أو التواتر أن النبي صلى ال عليه وسلم قرأه فل بد من جوازه ،ول يجوز أن
يقال :إنفه لحفن ،ولعفل مراد من صفار إلى الخطفة أن غيره أفصفح منفه ،وإن كان هفو فصفيحا" .ول
يحيق المكر السيء إل بأهله" أي ل ينزل عاقبه الشرك إل بمن أشرك .وقيل :هذا إشارة إلى قتلهم
ببدر .وقال الشاعر:
ذراعا بعد ما كانت تحيق وقد دفعوا المنية فاستقلت
أي تنزل ،وهذا قول قطرب .وقال الكلبى" :يحيق" بمعنى يحيط .والحوق الحاطة ،يقال :حاق به
كذا أي أحاط به .وعن ابن عباس أن كعبا قال له :إني أجد في التوراة "من حفر لخيه حفرة وقع
فيهففا"؟ فقال ابففن عباس :فانففي أوجدك فففي القرآن ذلك .قال :وأيففن؟ قال :فاقرأ "ول يحيففق المكففر
السيئ إل بأهله" ومن أمثال العرب "من حفر لخيه جبا وقع فيه منكبا" وروى الزهري أن النبي
صفلى ال عليفه وسفلم قال( :ل تمكفر ول تعفن ماكرا فإن ال تعالى يقول" :ول يحيفق المكفر السفيئ
إل بأهله" ،ول تبغ ول تعن باغيا فإن ال تعالى يقول" :فمن نكث فإنما ينكث على نفسه" [الفتح:
]10وقال تعالى" :إنما بغيكم على أنفسكم" [يونس ]23 :وقال بعض الحكماء:
والظلم مردود على من ظلم يا أيها الظالم في فعله
تحصي المصائب وتنسى النعم إلى متى أنت وحتى متى
وففي الحديفث (المكفر والخديعفة ففي النار) .فقوله( :ففي النار) يعنفي ففي الخرة تدخفل أصفحابها ففي
النار؛ لنها من أخلق الكفار ل من أخلق المؤمنين الخيار؛ ولهذا قال عليه الصلة والسلم في
سياق هذا الحديث( :وليس من أخلق المؤمن المكر والخديعة والخيانة) .وفي هذا أبلغ تحذير عن
التخلق بهذه الخلق الذميمة ،والخروج عن أخلق اليمان الكريمة.
@قوله تعالى" :فهفل ينظرون إل سفنة الوليفن" أي إنمفا ينتظرون العذاب الذي نزل بالكفار
الوليفن" .فلن تجفد لسفنة ال تبديل ولن تجفد لسفنة ال تحويل" أي أجرى ال العذاب على الكفار،
وجعففل ذلك سففنة فيهففم ،فهففو يعذب بمثله مففن اسففتحقه ،ل يقدر أحففد أن يبدل ذلك ،ول أن يحول
العذاب عن نفسه إلى غيره .والسنة الطريقة ،والجمع سنن .وقد مضى في "آل عمران" وأضافها
إلى ال عفز وجل .وقال ففي موضفع آخفر" :سفنة مفن قفد أرسفلنا قبلك من رسفلنا" فأضاف إلى القوم
لتعلق المففر بالجانففبين؛ وهففو كالجففل ،تارة يضاف إلى ال ،تارة إلى القوم؛ قال ال تعالى" :فإن
أجل ال لت" [العنكبوت ]5 :وقال" :فإذا جاء أجلهم"[ .النحل.]61 :
**3اليفة{ 44 :أولم يسفيروا ففي الرض فينظروا كيفف كان عاقبفة الذيفن مفن قبلهفم وكانوا أشفد
منهم قوة وما كان ال ليعجزه من شيء في السماوات ول في الرض إنه كان عليما قديرا}
@ بين السنة التي ذكرها؛ أي أو لم يروا ما أنزلنا بعاد وثمود ،ومدين وأمثالهم لما كذبوا الرسل،
فتدبروا ذلك بنظرهفم إلى مسفاكنهم ودورهفم ،وبمفا سفمعوا على التواتفر بمفا حفل بهفم ،أفليفس فيفه
عفبرة وبيان لهفم؛ ليسفوا خيرا مفن أولئك ول أقوى ،بفل كان أولئك أقوى؛ دليله قوله" :وكانوا أشفد
منهفم قوة ومفا كان ال ليعجزه مفن شيفء ففي السفموات ول ففي الرض" أي إذا أراد إنزال عذاب
بقوم لم يعجزه ذلك" .إنه كان عليما قديرا".
**3الية{ 45 :ولو يؤاخذ ال الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى
أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن ال كان بعباده بصيرا}
@قوله تعالى" :ولو يؤاخفذ ال الناس بمفا كسفبوا" يعنفي مفن الذنوب" .مفا ترك على ظهرهفا مفن
دابة" قال ابن مسعود :يريد جميع الحيوان مما دب ودرج .قال قتادة :وقد فعل ذلك ومن نوح عليه
السلم .وقال الكلبي" :من دابة" يريد الجن والنس دون غيرهما؛ لنهما مكلفان بالعقل .وقال ابن
جرير والخفش والحسين بن الفضل :أراد بالدابة هنا الناس هنا وحدهم دون غيرهم.
قلت :والول أظهفر؛ لنفه عفن صفحابي كفبير .قال ابفن مسفعود :كاد الجعفل أن يعذب ففي حجره
بذنفب ابفن آدم .وقال يحيفى بفن أبفي كثيفر :أمفر رجفل بالمعروف ونهفى عفن المنكفر ،فقال له رجفل:
عليك بنفسك فإن الظالم ل يضر إل نفسه .فقال أبو هريرة :كذبت؟ وال الذي ل إله إل هو ثم قال
والذي نفسفي بيده إن الحبارى لتموت هزل ففي وكرهفا بظلم الظالم .وقال الثمالي ويحيفى بفن سفلم
ففي هذه اليفة :يحبفس ال المطفر فيهلك كفل شيفء .وقفد مضفى ففي "البقرة" نحفو هذا عفن عكرمفة
ومجاهد في تفسير "ويلعنهم اللعنون" هم الحشرات والبهائم يصيبهم الجدب بذنوب علماء السوء
الكاتمين فيلعنونهم .وذكرنا هناك حديث البراء بن عازب قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم
ففي قوله" :ويلعنهفم اللعنون" قال( :دواب الرض)" .ولكفن يؤخرهفم إلى أجفل مسفمى فإذا جاء
أجلهم" قال مقاتل :الجل المسمى هو ما وعدهم في اللوح المحفوظ .وقال يحيى :هو يوم القيامة.
"فإن ال كان بعباده" أي بمن يستحق العقاب منهم "بصيرا" ول يجوز أن يكون العامل في "إذا"
"بصيرا" كما ل يجوز :اليوم إن زيدا خارج .ولكن العامل فيها "جاء" لشبهها بحروف المجازاة،
والسماء التي يجازى بها يعمل فيهفا ما بعدهفا .وسيبويه ل يرى المجازاة بف "إذا" إل في الشعر،
كما قال:
خطانا إلى أعدائنا فنضارب إذا قصرت أسيافنا كان وصلها
ختمت سورة "فاطر" والحمد ل.