You are on page 1of 301

‫َش ْر ُح‬

‫العـَِقي َـد ِة ال َـو ِاس ِطـيَّ ِة‬


‫لشيخ اإلسالم‬ ‫ِ‬
‫أمحد بن عبداحلليم بن عبدالسالمـ ابن تيميَّة‬

‫تأليف‬
‫العالَّمة حممد خليل َّ‬
‫هراس‬

‫وخرج أحاديثه‬
‫ضبط نصه َّ‬
‫علوي بن عبدالقادر ال َّسقَّاف‬
‫مقدمة الطبعة الرابعة‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالةـ والسالم على أشرف األنبياءـ واملرسلني‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إىل يوم‬ ‫ومن تبعهم‬ ‫َّ ٍ ِ‬
‫حممد‪ ،‬عبد اهلل ورسوله‪ ،‬وعلى آله وصحبه َ‬
‫الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فهذه هي الطبعة الرابعة من كتاب ((شرح العقيدةـ الواسطيَّة)) للعالَّمة‬
‫هراس‪ ،‬ويليه ((ملحق الواسطيَّة))‪ ،‬حيث متتاز عن سابقتها مبا‬ ‫حممد خليل َّ‬
‫يلي‪:‬‬
‫مراجعة ضبط النَّص والتحقيق والتخريج‪.‬‬
‫إضافات يف هوامشـ التعليق وخباصة على الفرق الضالة‪.‬‬
‫إضافات يف مسائل اإلميان والكفر وعالمات اإلرجاء والغلو‪.‬‬
‫التشريع العام وعالقته مبسألة احلكم بغري ما أنزل اهلل‪.‬‬
‫وضع نص املنت كامالً مضبوطاً بالشكل يف بداية الكتاب‪.‬‬
‫وضع ملخص ملنت العقيدةـ يف صفحتني آخر الكتاب‪.‬‬
‫وضع فهرس للمفردات‪.‬‬

‫وجل أن يتقبله خالصاً لوجهه الكرمي‪.‬‬


‫عز َّ‬
‫هذا وأسأل اهلل َّ‬
‫أبو محمد‬
‫الس َّقاف‬
‫علوي بن عبدالقادر َّ‬
‫‪aasaggaf@hotmail.com‬‬

‫‪2‬‬
‫املقـدمة‬
‫حنمده‪ ،‬ونستعينُه‪،‬ـ ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور ِ‬
‫أنفسنا‬ ‫إن احلمد هلل؛ ُ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫ومن يُضلِل فال هادي‬ ‫مضل لـه‪َ ،‬‬
‫ومن سيِّئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال َّ‬
‫حمم ًدا عبده‬
‫وأشهد أن َّ‬
‫ُ‬ ‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫له‪،‬‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫حممد ‪ ،‬وشر‬ ‫أما بعد؛ فإن أصدق احلديث كتاب اهلل‪ ،‬وخري اهلدي هدي َّ‬
‫وكل ضاللة يف‬
‫بدعة ضاللة‪َّ ،‬‬ ‫وكل ٍ‬‫وكل حمدثة بدعة‪َّ ،‬‬ ‫األمور حمدثَاهُت ا‪َّ ،‬‬
‫النار‪.‬‬
‫إن من نعم اهلل على هذه األمة أن أكمل هلا دينها‪ ،‬وأمتَّ عليها نعمته‪،‬‬ ‫مثَّ َّ‬
‫ورضي هلا اإلسالمـ دينًا‪.‬‬
‫احملج ِة البيضاء؛ ليلها‬
‫ض إال وقد تركها على َّ‬ ‫وإن رسول اهلل ‪ ‬ما قُبِ َ‬ ‫َّ‬
‫يقرهبا إىل اجلنة ويُْبعِدها‬‫خريا ِّ‬
‫كنهارها‪ ،‬ال يزيغ عنها إال هالك‪ ،‬وما ترك ً‬
‫ك من هلك عن‬ ‫ِ‬ ‫عن النار؛ إال ودهَّل ا عليه‪ ،‬وال ًّ‬
‫شرا إال وحذرها منه؛ َلي ْهل َ‬
‫ِّبينَ ٍة وحَيْيَا من َح َّي عن بيِّنة‪.‬‬
‫نرجع عند االختالف ونتحا َك َم عند النزاع إليه‬ ‫وجل أن َ‬ ‫عز َّ‬ ‫وقد أمرنا اهلل َّ‬
‫عز من قائل‪:‬‬ ‫وإىل رسوله ‪ ‬فقال َّ‬

‫‪3‬‬
‫َِلى ِ‬
‫هَّللا‬ ‫هإ‬ ‫دوُ‬
‫ُُّ‬‫َر‬
‫ءف‬ ‫ِي شَيٍْ‬‫ْف‬ ‫ُم‬‫ْت‬‫َع‬ ‫َاز‬ ‫تن‬ ‫إن َ‬ ‫َِ‬ ‫‪‬ف‬
‫ِ‬‫ْم‬‫َو‬ ‫الي‬ ‫َ ْ‬‫ِو‬ ‫ِاهَّلل‬‫نب‬‫ُوَ‬ ‫ِن‬‫ْم‬ ‫تؤ‬‫ُْ‬‫ُم‬‫ُنت‬ ‫ِن ك‬ ‫ِإ‬ ‫َّسُول‬ ‫َالر‬ ‫و‬
‫ِيالً ‪.)1(‬‬ ‫ْو‬‫تأ‬
‫َُ‬ ‫ْسَن‬‫َح‬‫َأ‬‫ٌو‬ ‫ْر‬ ‫َي‬‫ِكَ خ‬ ‫َل‬ ‫ِذ‬ ‫اآلخِر‬
‫ومن سلك‬ ‫وعلى هذا النَّهج سار سلف هذه األمة من الصحابة والتابعني‪َ ،‬‬
‫خطاهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هنجهم وخطى‬ ‫َ‬
‫أمهيَّة العقيدة السلفية بني العقائد األخرى‪:‬‬
‫إن أمهية دراسة العقيدة السلفيَّة تنبع من أمهية العقيدة نفسها‪ ،‬وضرورة‬
‫العمل اجلاد ال ّدؤوب إلعادة الناس إليها‪ ،‬وذلك ألمور‪:‬‬
‫تتوحد صفوف املسلمني والدُّعاة‪ ،‬وعليها جتتمع كلمتهم‪،‬‬ ‫أوالً‪ :‬أنه هبا َّ‬
‫تتفكك؛ ذلك أهنا عقيدة الكتاب والسنة واجليل األول من‬ ‫وبدوهنا َّ‬
‫ُّ‬
‫والتفكك‪.‬‬ ‫جتمع على غريها مصريه الفشل‬‫الصحابة‪ ،‬وكل ُّ‬
‫ثانيًا‪ :‬أن العقيدة السلفية جتعل املسلم يعظِّم نصوصـ الكتاب والسنة‪،‬‬
‫رد معانيها‪ ،‬أو التّالعبـ يف تفسريها مبا يوافق اهلوى‪.‬‬‫ص ُمه من ِّ‬‫وتع ِ‬
‫ْ‬
‫عزة‬
‫ومن تبعهم‪ ،‬فتزيده َّ‬ ‫بالسلف من الصحابة َ‬‫ثالثًا‪ :‬أهنا تربط املسلم َّ‬
‫وأئمة األتقياء‪،‬ـ واألمر كما قال ابن‬
‫وافتخارا‪ ،‬فهم سادةُ األولياء‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫وإميانًا‬
‫مسعود رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫خري قلوب العباد‪،‬‬ ‫((إن اهلل نظر يف قلوب العباد‪ ،‬فوجد قلب ٍ‬
‫حممد ‪َ ‬‬ ‫َ َ ّ‬ ‫َ‬
‫فاصطفاهُ لنفسه‪ ،‬فابتعثه برسالته‪ ،‬مث نظر يف قلوب العباد بعد قلب حممد‬
‫‪ ،‬فوجد قلوب أصحابه خري قلوب العباد‪ ،‬فجعلهم وزراء نبيِّه‪ ،‬يقاتِلون‬

‫النساء‪.59 :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪4‬‬
‫رأوهُ سيِّئًا‬
‫حسن‪ ،‬وما ْ‬ ‫على دينه‪ ،‬فما َرأى املسلمون حسنًا فهو عند اهلل ٌ‬
‫فهو عند اهلل سيئ))(‪.)1‬‬
‫ي عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه قال‪:‬‬ ‫أو كما ُر ِو َ‬
‫حممد ‪‬؛ كانوا‬ ‫فليسنت مبَن قد مات‪ ،‬أولئك أصحاب ّ‬ ‫َّ‬ ‫((من كان مستنًّا؛‬ ‫َ‬
‫قوم اختارهم‬ ‫علما‪ ،‬وأقلَّها تكلًُّفا‪ٌ ،‬‬
‫أبرها قلوبًا‪ ،‬وأعم َقها ً‬ ‫خري هذه األمة؛ َّ‬ ‫َ‬
‫اهلل لصحبة نبيِّه ‪ ،‬ونقل دينه‪ ،‬فتشبهوا بأخالقهم وطرائقهم‪ ،‬فهم‬
‫رب الكعبة))(‪.)2‬‬ ‫أصحاب حممد ‪ ‬كانوا على اهلدى املستقيم‪ ،‬واهلل ِّ‬
‫متيُز َها بالوضوح؛ حيث إهنا تتَّخذ الكتاب والسنة منطل ًقا يف‬ ‫رابعا‪ُّ :‬‬
‫ً‬
‫املتمسك هبا‬‫بعيدا عن التأْويل والتعطيل والتَّ ْشبيه‪،‬ـ وتنجي ِّ‬ ‫التصور والفهم‪ً ،‬‬ ‫ُّ‬
‫ورد نصوصـ كتاب اهلل وسنَّة نبيِّه ‪ ،‬ومن‬ ‫كة اخلوض يف ذات اهلل‪ِّ ،‬‬ ‫من هلَ ِ‬
‫َ‬
‫الرضا واالطمئنانـ لقدر اهلل‪ ،‬وتقدير ِعظَ ِم اهلل‪ ،‬وال‬ ‫مَثَّ تكسب صاحبها ِّ‬
‫تكلِّف العقل التَّفكري فيما ال طاقة له به من الغيبيَّات؛ فالعقيدة السلفيَّة‬
‫ميسرة‪ ،‬بعيدة عن التّعقيدـ والتّعجيز‪.‬‬ ‫سهلةٌ َّ‬

‫السلفيّة‪:‬‬
‫أمهيَّة ((العقيدة الواسطية))ـ بني العقائد ّ‬

‫وصحح إسناده الشيخ‬


‫رواه اإلمـام أمحد يف ((املسند)) (‪ّ ،)1/379‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أمحد شاكر (رقم‪.)3600‬‬

‫انظر‪(( :‬احللية)) أليب نعيم (‪.)1/305‬‬


‫‪)(2‬‬

‫‪5‬‬
‫إن ((العقيدة الواسطية))ـ لشيخ اإلسالم ابن تيميّة من أكثر العقائد السلفية‬
‫وصح ٍة يف االستدالل‪ ،‬واختصا ٍر يف‬ ‫وضوح يف العبارة‪َّ ،‬‬‫ٍ‬ ‫ويسرا‪ ،‬مع‬
‫سهولة ً‬
‫الكلمات‪ ,‬وقد ُو ِض َع هلا ال َقبول يف األرض‪ ،‬فتلقَّفها طالب العلم‬
‫حبق‬
‫درسوها‪ ،‬وحفظوها جيالً بعد جيل‪ ،‬وهي ٍّ‬ ‫وتدارسوها مث َّ‬
‫ودرسوها َ‬
‫من أمجع وأخصر ما ُكتِب يف عقيدة أهل السنة واجلماعة‪.‬‬
‫أما ملاذا مُسِّيَت بـ((العقيدةـ الواسطية))؟ فهذا سؤال جييب عليه مؤلِّفها‬
‫وواضعها شيخ اإلسالمـ رمحه اهلل‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫شيخ يقال لـه‪ :‬رضي‬ ‫((قدم علي من أرض ٍ‬
‫واسط بعض قضاة نواحيها ـ ٌ‬ ‫َّ‬
‫حاجا‪ ،‬وكان من أهل‬ ‫قدم علينا ًّ‬ ‫الدين الواسطي‪،‬ـ من أصحاب الشافعي ـ‪ِ ،‬‬
‫اخلري والدِّين‪ ،‬وشكا ما الناس فيه بتلك البالد ويف دولة التَّرت؛ من غلبة‬
‫ودروس(‪ )1‬الدِّين والعلم‪ ،‬وسألين أن أكتب له عقيدة تكون‬ ‫اجلهل والظلم‪ُ ،‬‬
‫وقلت‪ :‬قد كتب الناس عقائد‬ ‫فاستعفيت من ذلك‪ُ ،‬‬‫ُ‬ ‫عمد ًة له وألهل بيته‪،‬‬
‫أحب‬
‫السنّة‪ .‬فأحلَّ يف السؤال‪ ،‬وقال‪ :‬ما ُّ‬ ‫متعدِّدة‪ ،‬فخذ بعض عقائد أئمة ُّ‬
‫إال عقيدة تكتبهاـ أنت‪ .‬فكتبت لـه هذه العقيدة وأنا قاع ٌد بعد العصر‪ ،‬وقد‬
‫نسخ كثرية؛ يف مصر والعراق‪ ،‬وغ ِريمها))(‪.)2‬‬ ‫انتشرت هبا ٌ‬
‫ومن توفيق اهلل وقدره أن كان هذا الرجل من واسط‪ ،‬فسميت العقيدةـ‬
‫الواسطية‪.‬‬

‫العلم‪ :‬امنحى‪ ،‬وزالت أعالمه‪.‬‬


‫س ُ‬ ‫َد َر َ‬ ‫‪)(1‬‬
‫((جمموع الفتاوى)) (‪.)3/164‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪6‬‬
‫أيضا ـ كما قال شيخ اإلسالم يف أوهلا‪(( :‬بل هم ـ يعين‪ :‬أهل السنة‬ ‫وهي ـ ً‬
‫ط يف فرق األمة؛ كما أن األمة هي الوسط يف األمم‪ ،‬فهم‬ ‫واجلماعة ـ وس ٌ‬
‫ط يف باب صفات اهلل سبحانه وتعاىل بني أهل التّعطيل اجلهميّة وأهل‬ ‫وس ٌ‬
‫ط يف باب أفعال اهلل بني اجلربيّة وال َق َدريّة‬
‫التّمثيل املشبّهة‪ ،‬وهم وس ٌ‬
‫وغريهم‪ ..‬إخل))؛ فهي ـ إذن ـ واسطيّة وسطيّة‪.‬‬
‫هراس لـ((العقيدة الواسطيّة))بني شروحها‪:‬‬ ‫أمهيّة شرح الشيخ ّ‬
‫هراس لـ((العقيدة الواسطية))بالوضوح‬ ‫حممد خليل َّ‬‫ميتاز شرح العالّمة ّ‬
‫واالختصار‪ ،‬وكما قال الشيخ عبد الرزاق عفيفي‪ :‬إنه‪:‬‬
‫((من أنفس الشروح‪ ،‬وأوضحها بيانًا‪ ،‬وأخصرها عبارة))‪ .‬اهـ‬
‫فالشيخ رمحه اهلل مل يرتك كلمة يف العقيدة إال وشرحها ووضَّحها ـ يف‬
‫الغالب األعم ـ‪ ،‬واستشهد يف مواضع كثرية بالقرآن الكرمي‪ ،‬وبأحاديث‬
‫املصطفى ‪ ،‬وبأقوالـ الصحابة واملفسرين‪ ،‬وبأقوالـ السلف؛ كاإلمام‬
‫أمحد‪ ،‬والبخاري‪ ،‬ونُ َعْيم بن محاد‪ ..‬وغريهم ممَّن جاء بعدهم واقتفىـ‬
‫أثرهم؛ كشيخ اإلسالم يف مواضع أخرى من كتبه‪ ،‬وتلميذيه ابن القيّم‬
‫والذهيب‪ ،‬وباملتأخرين؛ كالشيخ عبد الرمحن بن سعدي‪ ،‬وحممد بن مانع؛‬

‫احلجاج بن يوسف الثقفي‪ ،‬عامل اخلليفة‬


‫و(واسط)‪ :‬بلدة أنشأها َّ‬
‫األموي عبد امللك بن مروان‪ ،‬يف موضع جنويب العراق‪ ،‬يتوسط بني‬
‫الكوفة والبصرة‪ ،‬ومسيت واسطًا لتوسطها‪.‬‬
‫انظر‪(( :‬تاريخ واسط)) لبحشل (ص‪.)22‬‬

‫‪7‬‬
‫ورد على شبههم؛ كاجلهميّة‪ ،‬والقدريّة‪،‬‬‫كما أنه ذكر مقاالت الفرق‪ّ ،‬‬
‫واجلربيّة‪ ،‬واملعتزلة‪ ،‬واألشاعرة‪..‬ـ وغريهم‪ ،‬وبنَّي ضالل أئمتهم يف القدمي؛‬
‫كغيالن الدمشقي‪ ،‬وبشر املريسي‪ ..‬وغريمها‪ ،‬مث َمن بعدمها؛ كالرازي‪,‬‬
‫َ‬
‫التجهم يف عصرنا هذا املدعو زاهد الكوثري‪ ،‬كل‬ ‫والغزايل‪ ،‬مث رافع راية ُّ‬
‫امليسر‪.‬‬
‫ذلك يف هذا الشرح الصغري‪ ،‬السهل َّ‬
‫فح َّق هلذا الشرح أن يكونـ من أنفس الشروح‪ ،‬وأخصرها‪ ،‬وال يعرف‬ ‫ُ‬
‫حقيقة ذلك إال من طالعه‪ ،‬ودرسه‪ ،‬وتدارسه‪ ،‬واطَّلع على غريه من‬
‫الشروح‪.‬‬
‫((العقيدة الواسطيَّة))ـ وشروحها‪:‬‬
‫للعقيدة الواسطيةـ ـ عقيدة الفرقة الناجية ـ طبعات عدَّة‪ ،‬وشروح كثرية‪،‬‬
‫فمن ذلك مثالً‪:‬‬
‫‪ (( -1‬التنبيهات اللطيفة فيما احتـوت عليـه الواسـطية من املبـاحث املنيفـة‬
‫))‪:‬‬
‫تأليف العالمة عبد الرمحن بن ناصر السعدي‪ ،‬وعليها منتخبات من تقارير‬
‫الشيخ عبد العزيز بن عبد اهلل بن باز‪ ،‬وقد قام بنشرها أوالً وأشرف على‬
‫طبعها األستاذان‪ :‬عبد الرمحن بن رويشد‪ ،‬وسليمان بن محاد‪ ،‬وقد طبعت‬
‫يف (‪ 64‬صفحة) من احلجم املتوسط‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫مث طبعتـ طبعة أخرى مضبوطةـ النص واألحاديث‪ ،‬ونُ ِشَرت بدار ابن‬
‫بالدمام‪ ،‬وعدد صفحاهتا (‪ 107‬صفحة) من القطع الكبري‪ ،‬وذلك‬ ‫القيم ّ‬
‫يف عام (‪ 1410‬هـ)‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪(( -2‬العقيدةـ الواسطية))‪:‬‬
‫علَّق على حواشيها وأشرف على تصحيحها فضيلة العالّمةـ حممد بن‬
‫جدا‪،‬‬
‫عبدالعزيز بن مانع؛ مدير املعارف العام ساب ًقا؛ وهو تعليق خمتصر ً‬
‫بلغت صفحاته (‪ 32‬صفحة) من احلجم املتوسط‪ ،‬وطُبعتـ الطبعة األوىل‬
‫يف مطبوعات سعد الراشد بالرياض‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪(( -3‬شرح العقيدة الواسطية))‪:‬ـ‬
‫هراس ـ وهو كتابنا هذا ـ وراجعه الشيخ عبدالرزاق‬ ‫للعالَّمة حممد خليل َّ‬
‫عفيفي‪ ،‬طُبع يف اجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورةـ يف (‪ 176‬صفحة) من‬
‫احلجم الصغري‪،‬ـ مث طُبع مرة أخرى طبعةً قام بتصحيحها والتعليق عليها‬
‫العامة إلدارات‬
‫الشيخ إمساعيل األنصاري‪ ،‬وقامت بنشرها الرئاسة َّ‬
‫البحوث العلميَّة واإلفتاء والدعوة واإلرشاد يف (‪ 187‬صفحة) من احلجم‬
‫كثريا؛ إال‬
‫الصغري‪ ،‬وذلك عام (‪1403‬هـ)‪ ،‬وهي ال ختتلف عن سابقتها ً‬
‫يف مواضع يسرية‪ ،‬علَّق عليها الشيخ إمساعيل األنصاري‪.‬‬
‫‪(( -4‬التَّنبيهات السنيَّةـ على العقيدةـ الواسطية))‪:‬‬
‫للشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد‪ ،‬رئيس حمكمة التمييز بالرياض‪ ،‬وهو‬
‫موسع‪ ،‬يقع يف (‪ 388‬صفحة) من احلجم الكبري‪ ،‬كتبه نزوالً على‬ ‫شرح َّ‬ ‫ٌ‬
‫رغبة طلبته يف املعهد العلمي‪ ،‬وقام بنشره دار الرشيد للنشر والتوزيع؛‬
‫بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪(( -5‬الكواشف اجلليَّة عن معاين الواسطية))‪:‬ـ‬

‫‪9‬‬
‫للشيخ عبد العزيز احملمد السلمان‪ ،‬املدرس يف معهد إمام الدعوة بالرياض‬
‫شرح كبري‪ ،‬يقع يف (‪ 471‬صفحة)‪ ،‬وقد طُبع عدة‬ ‫(ساب ًقا)‪ ،‬وهو ٌ‬
‫طبعات‪ُ ،‬و ِّز َعت جمانًا‪ ،‬آخرها الطبعة السابعة عشرة عام (‪1410‬هـ)‪،‬‬
‫وتقع يف (‪ 807‬صفحة)‪.‬‬

‫‪(( -6‬األسئلة واألجوبة األصولية على العقيدة الواسطية))‪:‬ـ‬


‫أيضا‪ ،‬وهو على طريقة السؤال واجلواب‪ ،‬ويقع يف (‪ 340‬صفحة) من‬ ‫له ً‬
‫مرات عديدة على نفقة بعض احملسنني‪ ،‬وقد‬ ‫ووزع جمانًا ٍ‬ ‫احلجم الكبري‪،‬ـ ِّ‬
‫اختصره املؤلف نفسه‪.‬‬
‫‪(( -7‬شرح العقيدة الواسطية))‪:‬ـ‬
‫للشيخ صاحل بن فوزان الفوزان‪،‬ـ مدير املعهد العايل للقضاء بالرياض‪ ،‬وهو‬
‫وخمتصر؛ يقع يف (‪ 222‬صفحة)‪ ،‬اعتمد فيه مؤلِّفه على‬ ‫ٌ‬ ‫يسٌر‬
‫شرح ُم َّ‬
‫ٌ‬
‫السنيَِّة)) للشيخ عبد العزيز الرشيد‪ ،‬و((الروضة الندية شرح‬ ‫((التَّنبيهاتـ َّ‬
‫العقيدة الواسطية))ـ للشيخ زيد بن عبد العزيز بن فيّاض‪ ،‬وقد طُبِ َع يف‬
‫مكتبة املعارف بالرياض عدة طبعات‪.‬‬
‫‪(( -8‬العقيدةـ الواسطية))‪:‬‬
‫خمتصر لبعض الكلمات صغريٌ‬ ‫للعالّمة حممد بن صاحل العثيمني‪ ،‬وهو شرح ٌ‬
‫وتعريف لبعض املصطلحـات الواردة يف الكتاب ‪ ،‬ويقع يف (‬ ‫ٌ‬ ‫جـدًّا ‪،‬‬
‫‪55‬صفحة) من احلجم املتوسط‪،‬ـ وقد طُبع الطبعة األوىل عام (‪1406‬هـ)‬
‫يف مكتبةـ اهلدى مبدينة الثقبة يف املنطقة الشرقية‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫((التعليقات املفيدة على العقيدة الواسطية))‪:‬ـ‬
‫تعليق وختريج عبد اهلل بن عبد الرمحن بن علي الشريف‪ ،‬وهو أحسن ما‬
‫رأيت يف ضبط منت العقيدة‪،‬ـ مع إحالة آياهتا وختريج أحاديثها خترجيًا‬
‫خمتصرا‪ ،‬وبعض التعليقات املختصرة املفيدة؛ كما مسّاها صاحبها‪ ،‬ويقع يف‬ ‫ً‬
‫املتوسط‪،‬ـ وكانت الطبعة األوىل منه يف عام (‬
‫(‪ 89‬صفحة) من احلجم ِّ‬
‫‪1404‬هـ) بدار طيبة بالرياض‪.‬‬
‫‪(( -10‬العقيدةـ الواسطية وجملس املناظرةـ فيها بني شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫وعلماء عصره))‪:‬‬
‫حتقيق للمنت فقط‪ ،‬وقد اعتمد ـ كما‬ ‫حتقيق األستاذ‪ /‬زهري الشاويش‪ ،‬وهو ٌ‬
‫إخراجا جيِّ ًدا؛ أحال فيه‬
‫ً‬ ‫يقول ـ على خمطوطة عنده‪ ،‬وكان إخراجه هلا‬
‫خمتصرا‬
‫ً‬ ‫وخرج األحاديث خترجيًا‬
‫اآليات إىل مواضعها من القرآن الكرمي‪َّ ،‬‬
‫جدا‪ ،‬مث أعقبـ ذلك بذكر املناظرة اليت جرت بني شيخ اإلسالم‬ ‫ً‬
‫وخصومه بسبب هذه العقيـدة ‪ ،‬وقد بلغ عدد صفحات املنت مع املناظرة‬
‫(‪ 100‬صفحة) من القطع املتوسـط ‪ ،‬وقد طبعها يف مكتبه اإلسالمي عام‬
‫(‪1405‬هـ)‪.‬‬
‫‪(( -11‬شرح العقيدة الواسطية))‪:‬ـ‬
‫للشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاين‪ ،‬راجعه له الشيخ الدكتور‬
‫وميسر‪ ،‬يقع يف‬ ‫وسهل َّ‬
‫ٌ‬ ‫عبداهلل بن عبد الرمحن اجلربين‪ ،‬وهو شرح خمتصر‬
‫(‪ 87‬صفحة) من احلجم الصغري‪،‬ـ اعتمد فيها صاحبه على من سبقه ممّن‬
‫ذكرناهم‪ ،‬وقد طُبع عام (‪ 1409‬هـ)‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪(( -12‬الروضة النديَّة شرح العقيدةـ الواسطية))‪:‬‬
‫جدا‪ ،‬طُبعتـ‬
‫للشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض‪ ،‬وهو شرح موسع ً‬
‫الطبعة األوىل منه عام (‪1377‬هـ)‪ ،‬والطبعة الثانيةـ عام (‪1378‬هـ)‪ ،‬وتقع‬
‫يف (‪ 516‬صفحة)‪.‬‬
‫‪(( -13‬شرح الواسطية))‪:‬‬
‫للشيخ احلجة حممد بن صاحل العثيمني‪ ،‬وهو مسجل على أشرطة‬
‫((كاسيت))‪ ،‬مث كتبه أحد تالمذته‪ ،‬وتداوله طلبة العلم‪ ،‬وهو شرح نفيس‬
‫ال يُعلى عليه(‪.)1‬‬
‫‪(( -14‬التعليقاتـ الزكية على العقيدة الواسطية))‪:‬ـ‬
‫موسع جدًّا‪ ،‬وطبعت‬
‫للشيخ عبد اهلل بن عبد الرمحن اجلربين‪ ،‬وهو شرح َّ‬
‫الطبعة األوىل منه عام (‪1419‬هـ)‪ ،‬وتقع يف جملدين عدد صفحاهتما (‬
‫‪618‬صفحة) بدار الوطن بالرياض‪ ،‬باعتناء األخ أيب أنس علي بن حسني‬
‫أبو لوز‪.‬‬
‫‪(( -15‬شرح العقيدة الواسطيةـ من كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية))‪:‬‬

‫مؤخرا مبكتبة طربية باعتناء األخ أيب حممد أشرف بن عبد‬


‫وقد طُبع ً‬ ‫‪)(1‬‬
‫املقصود طبعة جيدة‪ ،‬مث طُبع مرة أخرى عام (‪1415‬هـ) بعد أن راجعها‬

‫الصميل‪ ،‬وتقع هذه الطبعة يف‬


‫الشيخ نفسه باعتناء األخ سعد بن فواز ُّ‬

‫جملدين عدد صفحاهتما (‪894‬صفحة)‪ ،‬نشر دار ابن اجلوزي بالدمام‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫مجع وترتيب األخ خالد بن عبد اهلل املصلح‪ ،‬وهو مجع لطيف لكالم شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية يوضح ما اشتملت عليه العقيدة الواسطية‪،‬ـ ويقع يف (‬
‫‪ 216‬صفحة)‪ ،‬طبعتـ الطبعة األوىل منه عام (‪1421‬هـ) بدار ابن‬
‫اجلوزي بالدمام‪.‬‬
‫‪‬‬
‫من هنا نعلم أمهيَّة هذه العقيدة؛ حيث قام بعض أهل العلم بضبطها‪،‬‬
‫شرحا‬
‫وآخرون بتخريج أحاديثها‪ ،‬وآخرون بالتعليق عليها‪ ،‬أو شرحها ً‬
‫مطوالً؛ كل هذا خدمة للعقيدة السلفيّة املتمثّلة يف‬‫شرحا َّ‬ ‫خمتصرا‪ ،‬أو ً‬
‫ً‬
‫((العقيدة الواسطية))‪.‬ـ‬
‫اهلراس رمحه اهلل؛‬‫إال أنين مل أجد من قام خبدمة شرحها الذي ألّفه الشيخ ّ‬
‫إال ما قام به الشيخان؛ عبد الرزاق عفيفي‪ ،‬وإمساعيل األنصاري (رمحهما‬
‫اهلل) من مراجعة وتعليقات قصرية‪.‬‬
‫لذلك؛ فإنين رغبت يف أن أحظى بشرف االعتناء هبذا الشرح‪ ،‬وأسأل اهلل‬
‫نافعا متقبالًـ عنده‪.‬‬
‫أن يكون عمالً ً‬
‫وصف النسخة اخلطيّة للمنت‪:‬‬
‫توجد هذه النسخة يف برلني الغربية‪.‬‬
‫وهناك صورة منها يف مركز املخطوطات والرتاث والوثائق جبمعيّة إحياء‬
‫الرتاث اإلسالميـ بالكويت برقم (‪2/12147‬ـ عقيدة)‪ ،‬وقد قام املركز‬
‫مشكورا‪.‬‬
‫ً‬ ‫بإرساهلا يل‬
‫وعدد أوراق هذه النسخة (‪ )11‬ورقة‪ ،‬ومقاسها (‪ )18.5×10.5‬سم‪،‬‬
‫سطرا‪.‬‬
‫وأسطرها (‪ً )23‬‬

‫‪13‬‬
‫وقد ُكتِبت خبط نسخ جيد وواضح داخل إطارات‪ ،‬واستمر اخلط ـ الذي‬
‫ناسخه‪ ،‬وال مىت نُ ِس َخ ـ من أول الكتاب إىل آخره‪.‬‬
‫ال يُ ْعلَم ُ‬
‫وهذه النسخة ـ رغم جودة خطها ـ كثرية السقطات واألغالط‪ ،‬حىت يف‬
‫اآليات‪ ،‬ولذلك ما استطعت أن أجعلها أصالً ـ كما هو املعتاد عند‬
‫التحقيق ـ‪ ،‬بل جعلت النص املطبوع مع الشرح هو األصل(‪)1‬؛ ألن الشرح‬
‫كاملرجح بني الطبعات عند‬
‫ِّ‬ ‫جعلت هذه النسخة‬
‫متمش معه‪َ ،‬و ُ‬‫ٍّ‬ ‫تابع له‬
‫ٌ‬
‫اختالفها‪ ،‬وخاصةً االختالف الواقع بني الطبعة اليت جعلتُها أصالً والطبعة‬
‫فاكتفيت باإلشارة إىل االختالفات املهمة‬
‫ُ‬ ‫اليت هي ضمن جمموع الفتاوى‪،‬‬
‫اليت قد يتغرَّي هبا املعىن‪ ،‬وأعرضت عن كثري من االختالفات اليت ال جدوى‬
‫يشوش إيرادها على القارئ‪.‬‬‫من ذكرها‪ ،‬وقد ِّ‬

‫‪‬‬

‫إال يف حاالت نادرة يكون ما يف املخطوط أضبط مما يف املطبوع‪ ،‬أو‬


‫‪)(1‬‬
‫ال يستقيم املعىن إال به‪ ،‬فأعتمد ما يف املخطوط‪ ،‬وخباصة إذا مل يعتمده‬

‫الشارح يف الشرح‪.‬‬

‫‪14‬‬
15
‫عملي يف الكتاب‪:‬‬
‫ضبطت نص املنت ضبطًا متقنًا من خالل الطبعات الكثرية لـه املستقلة‬‫ُ‬ ‫‪-1‬‬
‫واملقرونة ببعضـ التعليقات أو الشروح آنفة الذكر‪ ،‬وقابلته باملخطوط؛‬
‫تسهل قراءتُه‬
‫جمموعا يف أول الكتاب وضبطتُـه بالشكل حىت ُ‬ ‫ً‬ ‫كما جعلتـه‬
‫وحفظه‪ ،‬مث متفرقًا حسب الشرح‪ ،‬مث خلصته يف صفحتني آخر الكتاب‪.‬‬
‫جدا ـ بني طبعيت اجلامعة‬‫نص الشرح ـ وهو قليل ً‬‫‪ -2‬تتبّعتـ االختالف يف ّ‬
‫اإلسالميةـ واإلفتاء‪ ،‬وبيّنت ذلك يف مواضعه‪.‬‬
‫ضبطت األلفاظ املشكلة واملومهةـ يف الشرح بالشكل؛ ليسهل على‬ ‫ُ‬ ‫‪-3‬‬
‫ُ‬
‫القارئ فهمها‪.‬‬
‫ضبطت اآليات‪ ،‬وعزوهُت ا إىل مواضعها من القرآن الكرمي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪-4‬‬
‫جت مجيع األحاديث واآلثار‪.‬‬ ‫خر ُ‬ ‫‪َّ -5‬‬
‫وطريقيت يف التخريج هي‪:‬‬
‫‪ -‬أبدأ باحلكم على احلديث من حيث الصحة والضعف‪ ،‬وأجعله بني‬
‫قوسني‪.‬‬
‫خرجه؛ مبتدئًا بالبخاري ومسلم‪ ،‬مث بقية الستة‪ ،‬مث أمحد يف‬ ‫‪ -‬مث أذكر من َّ‬
‫((املسند))أو مالك يف ((املوطأ))‪ ،‬مث غريهم؛ كالبيهقي‪،‬ـ أو احلاكم‪ ..‬أو‬
‫غريمها‪ ،‬وقد أكتفيـ أحيانًا بذكر موضعه يف ثالثة كتب أو أربعة؛ مبتدئًا‬
‫بالرتتيب السابق؛ إال ما ندر‪.‬‬
‫موجودا يف الكتبـ الستة أو بعضها؛ فأشري إىل‬
‫ً‬ ‫‪ -‬وإذا كان احلديث‬
‫موضعه بذكر الكتاب والباب؛ الختالف الطبعات‪ ،‬وبذكر موضعه يف‬

‫‪16‬‬
‫أماكن شروحه‪ ،‬فإن كان يف البخاري؛ فإنين أذكر موضعه يف ((الفتح))‬
‫(الطبعة السلفية)‪ ،‬وإن كان يف مسلم؛ ففي ((شرح النووي))‪ ،‬وإن كان‬
‫يف الرتمذي؛ ففي ((حتفة األحوذي))‪ ،‬وإن كان يف أيب داود؛ ففي ((عون‬
‫املعبود))‪ ،‬وإن كان يف النسائي؛ ففي النسخة اليت حقَّقها أبو غدة وعليها‬
‫شرح السيوطي وحاشية السندي‪ ،‬وإن كان يف ابن ماجة؛ فنسخة عبد‬
‫الباقي‪ ،‬وإن كان يف ((املسند))؛ ففي ((الفتح الرباين))‪ ،‬وقد أكتفيـ‬
‫مبوضعني أو ثالثة‪.‬‬
‫‪ -‬أما بالنسبة للحكم على احلديث؛ فإن كان يف البخاري ومسلم أو‬
‫صحح‬‫أحدمها؛ فأكتفيـ بالعزو إليهما‪ ،‬وإن كان يف غريمها؛ أذكر من َّ‬
‫ضعفه من أئمة هذا الفن؛ كالذهيب‪ ،‬وابن حجر‪ ،‬واأللباين‪ ،‬أو‬ ‫احلديث أو َّ‬
‫غريهم أحيانًا؛ كاألرناؤوط مثالً‪ .‬وقد أضطر أحيانًا إىل الكالم على السند‬
‫مبا تقتضيهـ الصناعة احلديثية‪ ،‬وهذا قليل جدًّا‪.‬‬
‫أحلت أغلب األقوال اليت نسبها الشارح ألصحاهبا إىل مواضعها من‬ ‫‪ُ -6‬‬
‫كتبهم أو كتب غريهم‪.‬‬
‫أترجم للمعروفني‬‫‪ -7‬ترمجت ألهم األعالمـ الذين ورد ذكرهم ومل ِ‬
‫ُ‬
‫املشهورين؛ كالصحابة‪ ،‬وبعض التابعني واملتأخرين‪.‬‬
‫فت جبميع الفرق اليت ورد ذكرها يف املنت أو الشرح؛ كاجلهمية‪،‬‬ ‫عر ُ‬
‫‪َّ -8‬‬
‫واملعتزلة‪ ،‬واألشاعرة‪..‬ـ وغريهم‪.‬‬
‫شرحت بعض الكلمات الغريبة؛ ككلمة‪( :‬الدستور)‪ ،‬و(املِلِّي)‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-9‬‬
‫جدا‪.‬‬
‫وغريها مما هو قليل ً‬

‫‪17‬‬
‫قت تعليقات قليلة رأيت أهنا ضرورية‪.‬‬ ‫‪ -10‬علَّ ُ‬
‫أبقيت النَّص كما هو؛ سواء املنت أم الشرح؛ إال يف مواضع قليلة‬ ‫‪ُ -11‬ـ‬
‫جدا سببها أخطاء مطبعية يف النسخ السابقة‪.‬‬ ‫ً‬
‫تيسرياـ على القارئ‪،‬‬
‫‪ -12‬وضعت عناوين لبعض الفقرات‪ ،‬وذلك ً‬
‫وجعلتها خارج النص يف أطراف الصفحات حىت ال أدخل على النص‬
‫شيئًا من عندي‪.‬‬
‫صا من مشكلة عدم تطابق مواضع الشرح واملنت يف الطبعات‬ ‫‪ -13‬وختلُّ ً‬
‫مت منت العقيدةـ إىل أقسام متعددة؛ كل قسم‬ ‫قس ُ‬‫السابقة للكتاب؛ فقد َّ‬
‫جعلت شرحه بعده مباشرة مسبوقًا‬ ‫ُ‬ ‫منها هو فكرة كاملة يف حد ذاته‪ ،‬مث‬
‫كل منهما خمتل ًفا عن حرف اآلخر‪ ،‬حىت‬ ‫حرف ٍّ‬‫حبرف ‪/‬ش‪ ،/‬وجعلت َ‬
‫يستطيع القارئ أن يتابع شرح كل قسم من أقسام املنت بسهولة ويس ٍر‬
‫تامةً‪.‬‬
‫ومطابقة َّ‬
‫ترمجت لشيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ترمجة موجزة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-14‬‬
‫جدا‪.‬‬
‫هراس ترمجة موجزة ً‬ ‫ترمجت للشارح العالَّمة حممد خليل َّ‬
‫ُ‬ ‫‪-15‬‬
‫قمت بعمل بعض الفهارس الفنيَّة‪ ،‬وهي كالتايل‪:‬‬ ‫‪ُ -16‬‬
‫فهرس لآليات حسب موضعها يف القرآن الكرمي‪.‬‬
‫فهرس لألحاديث واآلثار على حروف املعجم‪.‬‬
‫فهرس للفرق‪.‬‬
‫املرتجم هلم‪.‬‬
‫فهرس لألعالمـ َ‬
‫فهرس للمفردات‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫فهرس للمصادر واملراجع‪.‬‬
‫فهرس للموضوعات‪.‬‬
‫رب العرش العظيم أن جيعل هذا العمل يف‬ ‫هذا؛ وأسأل اهلل العلي الكرمي َّ‬
‫ميزان حسنايت يوم القيامة‪،‬ـ وأن ينفع به إخواين طلبة العلم واملسلمني‪،‬‬
‫الناظر فيه النظر‪ ،‬وليوسع العذر؛ إن اللبيب من‬ ‫ِ‬
‫جهد املقل‪(( ،‬فليُ ْمعن ُ‬ ‫وهو ُ‬
‫َع َذر‪ ،‬ويأىب اهلل العصمة لكتاب غري كتابه‪ ،‬واملنصف من اغتفر قليل خطأ‬
‫املرء يف كثري صوابه))(‪.)1‬‬
‫حممد وعلى آله وصحبه وسلَّم‪.‬‬‫واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل على نبيِّناـ َّ‬

‫(‪) 2‬‬
‫هراس‬
‫ترمجة موجزة للشيخ حممد خليل َّ‬
‫هراس‪.‬‬
‫السلفي‪ ،‬احملقِّق‪ ،‬حممد خليل َّ‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬هو العالَّمة‪،‬ـ‬

‫‪1‬‬

‫أفادنا هبا الشيخان السلفيان عبد الرزاق عفيفي‪،‬ـ وعبد الفتاح سالمة‪،‬‬
‫‪)(2‬‬
‫ومها من معاصريه‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ -‬من حمافظة الغربيَّة جبمهورية مصر العربية‪.‬‬
‫وخترج من األزهر يف األربعيناتـ من كلية‬ ‫‪ -‬ولد بطنطا عام (‪1916‬م)‪َّ ،‬‬
‫أصول الدين‪ ،‬وحاز على الشهادة العاملية العالية (الدكتوراه)ـ يف التوحيد‬
‫واملنطق‪.‬‬
‫‪ -‬عمل أستا ًذا بكلِّيَّة أصول الدين يف جامعة األزهر‪.‬‬
‫ودرس يف جامعة اإلمام حممد ابن‬ ‫‪ -‬أُعري إىل اململكة العربية السعودية‪َّ ،‬‬
‫رئيسا لشعبة‬
‫مرةً أخرى‪ ،‬وأصبح ً‬ ‫سعود اإلسالميةـ بالرياض‪ ،‬مثّ أُعري َّ‬
‫العقيدة يف قسم الدِّراسات العليا يف (كلية الشريعة ساب ًقا ‪ /‬جامعة أم‬
‫القرى حاليًا) مبكة املكرمة‪.‬‬
‫‪ -‬عاد إىل مصر‪ ،‬وشغل منصبـ نائب الرئيس العام جلماعة أنصار السنة‬
‫النبوية‪،‬ـ مث الرئيس العام هلا بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬ويف عام (‪1973‬م) ـ قبل وفاته بسنتني ـ اشرتكـ مع الدكتور عبد‬
‫الفتاح سالمة يف تأسيس مجاعة الدعوة اإلسالميةـ يف حمافظة الغربية‪ ،‬وكان‬
‫أول رئيس هلا‪.‬‬
‫‪ -‬تويف رمحه اهلل تعاىل عام (‪1975‬م) عن عُمر يناهز الستني‪.‬‬
‫احلجة والبيان‪ ،‬أفىن‬
‫قوي ّ‬ ‫احلق‪ّ ،‬‬
‫شديدا يف ّ‬‫‪ -‬كان رمحه اهلل سلفي املعتقد‪ً ،‬‬
‫حياته يف التعليم والتأليف ونشر السنة وعقيدة أهل السنة واجلماعة‪.‬‬
‫‪ -‬له مؤلفات عدة؛ منها‪:‬‬
‫‪ -1‬حتقيق كتاب ((املغين)) البن قدامة‪ ،‬وقد طُبع ألول مرة يف مطبعة‬
‫اإلمام مبصر‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ -2‬حتقيق وتعليق على كتاب ((التوحيد)) البن خزمية‪.‬‬
‫‪ -3‬حتقيق وتعليق على كتاب ((األموال)) أليب عُبيد القاسم بن سالم‪.‬‬
‫‪ -4‬حتقيق ونقد كتاب ((اخلصائص الكربى)) للسيوطي‪.‬‬
‫‪ -5‬حتقيق وتعليق على كتاب ((السرية النبوية)) البن هشام‪.‬‬
‫‪ -6‬شرح ((القصيدة النونية)) البن القيم يف جملّدين‪.‬‬
‫‪ -7‬تأليف كتاب ((ابن تيمية ونقده ملسالك املتكلمني يف مسائل‬
‫اإلهليات))‪.‬‬
‫‪ -8‬شرح ((العقيدة الواسطية))ـ البن تيمية‪ ,‬وهو كتابنا هذا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫مقدمة الشـارح‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬الرمحن الرحيم‪ ،‬مالك يوم الدين‪ ،‬والصالة والسالم‬
‫حممد‪ ،‬عبد اهلل ورسوله‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫على أشرف املرسلني‪ ،‬نبيناـ َّ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إىل يوم الدين‪.‬‬ ‫ومن تبعهم‬
‫َ‬
‫أما بعد‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫فلما كانت ((العقيدة الواسطية))ـ لشيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل من‬
‫ب يف عقيدة أهل السنة واجلماعة‪ ،‬مع اختصا ٍر يف اللفظة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أمجع ما ُكت َ‬
‫ودقَّة يف العبارة‪ ،‬وكانت حتتاج يف كثري من مواضعها إىل شرح جيلِّي‬
‫شرحا‬
‫غوامضها‪ ،‬ويزيح الستار عن مكنون جواهرها‪ ،‬ويكون مع ذلك ً‬
‫بعيدا عن اإلسهاب والتطويل واإلمالل بكثرة النُّقول‪ ،‬حىت يالئم مدارك‬ ‫ً‬
‫استخرت اهلل‬
‫ُ‬ ‫الناشئني‪ ،‬ويعطيهم زبدة املوضوعـ يف سهولة ويسر؛ فقد‬
‫وأقدمت على هذا العمل؛ رغم كثرة الشواغل‪،‬ـ وزمحة‬ ‫ُ‬ ‫تبارك وتعاىل‪،‬‬
‫الصوارف؛ سائالً اهلل عز وجل أن ينفع به كل من قرأه‪ ،‬وأن جيعله‬
‫جميب‪.‬‬
‫قريب ٌ‬
‫خالصا لوجهه؛ إنه ٌ‬ ‫ً‬
‫هراس‬‫حممد خليل ّ‬
‫‪‬‬
‫الر ِحي ِم)‬ ‫(بِس ِم ِ‬
‫اهلل الرَّمْح َ ِن َّ‬ ‫ْ‬
‫‪/‬ش‪ /‬اختلف العلماء يف البسملة؛ هل هي آية من كل سورة افتُتِحت هبا؟‬
‫وللتربك باالبتداء هبا(‪)1‬؟‬
‫أو هي آية مستقلة أُنزلت للفصل هبا بني السور ُّ‬
‫واملختار‪ :‬القول الثاين‪.‬‬

‫حتريرا مطوالً يف (( اجلامع‬


‫حرر هذه املسألةـ الشيخ أمحـد شاكر ً‬
‫َّ‬ ‫‪)(1‬‬
‫(‪)25-2/16‬؛ خلص فيه إىل أن البسملة آية من‬ ‫))‬ ‫الصحيح للرتمذي‬

‫كل سورة سوى براءة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫واتَّفقواـ على أهنا جزء آية من سورة النمل‪ ،‬وعلى تركها يف أول سورة‬
‫براءة؛ ألهنا ُجعِلَت هي واألنفال كسورة واحدة‪.‬‬
‫والباء يف ((بسم)) لالستعانة‪،‬ـ وهي متعلقة مبحذوف‪ ،‬قدَّره بعضهم فعالً‪،‬‬
‫وبكل ورد يف القرآن؛ قال تعاىل‪:‬‬ ‫وقدَّره بعضهم امسًا‪ ،‬والقوالنـ متقاربان‪ٍّ ،‬‬
‫بكَ ‪.)1(‬‬‫َِّ‬‫ِر‬ ‫ِاسْم‬ ‫ْب‬ ‫َأ‬ ‫ْر‬‫‪ ‬اق‬
‫ها ‪.)2(‬‬‫ْسَاَ‬‫مر‬‫َُ‬ ‫ها و‬ ‫َاَ‬ ‫ْر‬ ‫مج‬‫َِ‬ ‫ِ هَّللا‬
‫ِسْم‬‫وقال‪  :‬ب‬
‫متأخرا؛ ((ألن االسم أحق بالتقدمي‪ ،‬وألن‬ ‫ً‬ ‫وحيسن جعل املقدَّر‬
‫تقدمي اجلار واجملرور يفيد اختصاص االسم الكرمي بكونهـ متَربَّ ًكا‬
‫متييزا))‪.‬‬
‫به‪ ،‬واالسم هو اللفظ املوضوع ملعىن تعيينًاـ له أو ً‬
‫ف يف أصل اشتقاقه‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه من السمة؛ مبعىن‪ :‬العالمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واختُل َ‬
‫وقيل‪ :‬من السمو‪ .‬وهو املختار‪.‬‬
‫ومهزته مهزة وصل‪.‬‬
‫املسمى؛ كما زعم بعضهم‪ ،‬فإن االسم هو‬ ‫َّ‬ ‫وليس االسم نفس‬
‫واملسمى هو املعىن املدلول عليه بذلك االسم‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫اللفظ الد ُّ‬
‫َّال‪،‬‬
‫مسيت‬
‫املسمي؛ يقال‪ُ :‬‬ ‫ِّ‬ ‫وليس هو كذلك نفس التسمية؛ فإهنا فعل‬
‫حممدا؛ مثالً‪.‬‬‫ولدي ً‬

‫العلق‪.)1( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫هود‪.)41( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪23‬‬
‫وقول بعضهم‪ :‬إن لفظ االسم هنا ُم ْق َح ٌم؛ ألن االستعانةـ إمنا‬
‫وجل ال بامسه‪ .‬ليس بشيء؛ ألن املراد ذكر‬ ‫َّ‬ ‫عز‬
‫تكون باهلل َّ‬
‫االسم الكرمي باللسان؛ كما يف قوله‪:‬‬
‫لى ‪.)1(‬‬ ‫َْ‬ ‫بكَ األَع‬ ‫َِّ‬‫َر‬ ‫ِّحِ اسْم‬ ‫‪ ‬سَب‬
‫التربكـ باالبتداء بذكر‬ ‫أي‪ :‬سبِّ ْحهُ ناط ًقا باسم ربك‪ ،‬متكلِّ ًما به‪ ،‬فاملراد ُّ‬
‫امسه تعاىل‪.‬‬
‫مشتق؛ ألن االشتقاقـ يستلزم مادة‬ ‫واسم اجلاللة؛ قيل‪ :‬إنه اسم جام ٌد غري ٍّ‬
‫مادة له‪ ،‬فهو كسائر األعالمـ‬ ‫يُ ْشتَ ُّق منها‪ ،‬وامسه تعاىل قدمي‪ ،‬والقدمي ال َّ‬
‫مبسمياهِت ا‪.‬‬
‫صفات تقوم َّ‬ ‫ٍ‬ ‫تتضمن‬
‫ضة‪ ،‬اليت ال َّ‬ ‫امل ْح َ‬
‫َ‬
‫مشتق‪.‬‬
‫والصحيح أنه ٌّ‬
‫واختلِف يف مبدأ اشتقاقه‪ ،‬فقيل‪ :‬من أَلَه يأْلَه أُلوهةً وإِالهةً وأُ ِ‬
‫لوهيةً؛ـ مبعىن‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫عبد ِعبَاد ًة‪.‬‬
‫َ‬
‫وقيل‪:‬من أَلِهَ ‪ -‬بكسر الالم ‪ -‬يَأْلَهُ ‪ -‬بفتحها ‪ -‬أَهَلًا؛ إذا حترَّي ‪.‬‬
‫لوه؛ـ أي‪ :‬معبود‪ .‬وهلذا قال ابن عباس‬ ‫األول‪ ،‬فهو إله؛ مبعىن مأْ ٍ‬‫والصحيح َّ‬
‫ٌ‬
‫عنهما‪:‬‬
‫رضي اهلل ُ‬
‫اإلهلية والعُبوديةُـ على خلقه أمجعني))(‪.)2‬‬‫((اهلل ذُو ِ‬
‫ُ‬
‫األعلى‪.1 :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫روى هذا األثر ابن جرير يف تفسري البسملة‪ ،‬وقال الشيخ أمحد‬
‫‪)(2‬‬
‫شاكر‪(( :‬إسناد هذا اخلرب ضعيف))‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ت عليه‬
‫وعلى القول باالشتقاق يكونـ وص ًفا يف األصل‪ ،‬ولكن َغلَبَ ْ‬
‫رحيم‬ ‫ِ‬
‫رمحن ٌ‬ ‫أخبارا وأوصافًا؛ يقال‪ :‬اهلل ٌ‬ ‫العلَميَّة‪ ،‬فتجري عليه بقية األمساء ً‬ ‫َ‬
‫الرحيم… إخل‪.‬‬ ‫الرمحن َّ‬
‫عليم؛ كما يقال‪ :‬اهلل َّ‬
‫مسيع ٌ‬ ‫ٌ‬
‫و((الرمحن الرحيم))‪ :‬امسان كرميان من أمسائه احلسىن‪ ،‬داالَّن على اتِّصافه‬
‫[الرمحن‬
‫تعاىل بصفة الرمحة‪ ،‬وهي صفة حقيقيَّة له سبحانه‪ ،‬على ما يليق جبالله‪،‬‬
‫الرحيم]‬
‫وال جيوز القول بأن املراد هبا الزمها؛ كإرادة اإلحسان وحنوه؛ كما يزعم‬
‫املعطلة‪ ،‬وسيأيت مزيد بيان لذلك إن شاء اهلل‪.‬‬
‫ف يف اجلمع بينهما‪:‬‬ ‫ِ‬
‫واختُل َ‬
‫فقيل‪ :‬املراد بـ(الرمحن) الذي وسعت رمحته كل شيء يف الدنيا؛ ألن صيغة‬
‫خيتص برمحته‬
‫تدل على االمتالء والكثرة‪،‬ـ و(الرحيم) الذي ُّ‬ ‫( َف ْعالن) ُّ‬
‫املؤمنني يف اآلخرة‪.‬‬
‫وقيل العكس‪.‬ـ‬
‫دال على الصفة‬ ‫وقد ذهب العالَّمةـ ابن القيم رمحه اهلل إىل أن (الرمحن) ٌّ‬
‫دال على تعلُّقها باملرحوم‪ ،‬وهلذا مل جيئ االسم‬ ‫القائمة بالذات‪ ،‬و(الرحيم) ٌّ‬
‫الرمحن متعدِّيًا يف القرآن؛ قال تعاىل‪:‬‬
‫ًا ‪.)1(‬‬ ‫َحِيم‬ ‫َر‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫ُؤ‬ ‫ِالم‬
‫نب ْ‬ ‫َاَ‬ ‫َك‬‫‪‬و‬

‫انظر‪(( :‬تفسري الطربي))‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد شاكر (‪.)1/123‬‬

‫ُم‬
‫ْ‬ ‫ْك‬
‫لي‬‫ََ‬
‫ِّي ع‬
‫َل‬‫يص‬
‫ِي ُ‬
‫الذ‬
‫َ َّ‬
‫هو‬‫ُ‬ ‫األحزاب‪:)43( :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫َِلى‬
‫َاتِ إ‬
‫لم‬‫ُُّ‬
‫َ الظ‬
‫من‬‫ُم ِّ‬
‫َك‬‫ِج‬
‫ُخْر‬
‫لي‬‫هِ‬
‫ُُ‬ ‫ِك‬
‫َت‬ ‫مالئ‬
‫ََ‬‫و‬

‫‪25‬‬
‫ومل يقل‪ :‬رمحانًا‪.‬‬
‫وهذا أحسن ما قيل يف الفرق بينهما‪.‬‬
‫وروي عن ابن عباس أنه قال‪:‬‬
‫أرق من اآلخر))(‪.)1‬‬ ‫((مها امسان رقيقان؛ أحدمها ُّ‬
‫ومنع بعضهم كون (الرمحن) يف البسملة نعتًا السم اجلاللة؛ ألنه َعلَ ٌم آخر‬
‫ت هبا‪.‬‬
‫ال يُطلق على غريه‪ ،‬واألعالم ال يُْن َع ُ‬

‫ًا‪. ‬‬ ‫ِن‬


‫َحِيم (‬
‫َر‬‫ِين‬ ‫ْم‬
‫ُؤ‬‫ِالم‬
‫نب ْ‬‫َاَ‬
‫َك‬‫ِو‬
‫ُّور‬
‫الن‬

‫(موضوع)‪ .‬رواه البيهقي يف ((األمساء والصفات)) (ص‪ ،)71‬وهو‬


‫‪)(1‬‬
‫مسلس ٌل بالكذابني‪ ،‬فقد رواه حممد بن مروان عن الكليب عن أيب صاحل‬
‫َ‬
‫عن ابن عباس به‪.‬‬

‫قال السيوطي يف ((اإلتقان)) (‪:)2/242‬‬

‫((وأوهى طرقه ـ يعين‪ :‬تفسري ابن عباس ـ طريق الكليب عن أيب‬

‫السدِّي‬
‫انضم إىل ذلك رواية حممد بن مروان ُّ‬
‫صاحل عن ابن عباس‪ ،‬فإذا ّ‬
‫الصغري؛ فهي سلسلة الكذب))‪.‬‬

‫وانظر‪(( :‬تفسري ابن عباس ومروياته يف التفسري من كتب السنة)) (‬

‫‪.)1/26‬‬

‫‪26‬‬
‫نعت له باعتبار ما فيه من معىن الوصفية‪،‬ـ فـ(الرمحن) امسه‬
‫والصحيح أنه ٌ‬
‫تابعا‬
‫تعاىل ووصفه‪ ،‬وال تُنايف امسيَّتُهُ وصفيَّتَهُ‪ ،‬فمن حيث هو صفةٌ جرى ً‬
‫اسم ورد يف القرآن غري تابع‪ ،‬بل ورود‬‫حيث هو ٌ‬ ‫على اسم اهلل‪ ،‬ومن ُ‬
‫االسم العلم؛ كقوله تعاىل‪:‬‬
‫َى ‪.)1( ‬‬ ‫َو‬
‫ْشِ اسْت‬ ‫َر‬ ‫الع‬
‫لى ْ‬ ‫ََ‬ ‫ُع‬ ‫َن‬‫ْم‬‫َّح‬
‫‪ ‬الر‬

‫وروى البيهقيـ يف ((اجلامع لشعب اإلميان)) (‪ )5/299‬عن مقاتل‬

‫مرفوعا‪:‬‬
‫ً‬ ‫بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس‬

‫((… فإذا قال العبد‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم؛ قال اهلل عز وجل‪:‬‬

‫أرق من اآلخر‪ ،‬فالرحيم أرق من‬


‫عبدي دعاين بامسني رقيقني؛ أحدمها ّ‬
‫الرمحن‪ ،‬وكالمها رقيقان))‪.‬‬

‫قال البيهقي‪:‬‬

‫((وقولـه‪( :‬رقيقان)؛ قيل‪ :‬هذا تصحيف وقع يف األصل‪ ،‬وإمنا مها‪:‬‬

‫(رفيقان)‪ ،‬والرفيق من أمساء اهلل تعاىل))‪.‬‬

‫قال حمققه عبد العلي حامد‪:‬‬

‫=‬

‫‪27‬‬
‫(احلمد هلل الَّذي أ َْر َس َل َر ُسولَهُ بِاهْلَُدى َو ِدي ِن احْلَ ِّق لِيُظْ ِهَرهُ َعلَى‬
‫الدِّي ِن ُكلِّ ِه و َك َفى بِ ِ‬
‫اهلل َش ِه ً‬
‫يدا)‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪/‬ش‪(( /‬احلمد هلل))‪ :‬روي عن النيب ‪ ‬أنه قال‪:‬‬
‫علي؛ فهو أقطع‪ ،‬أبرت‪ ،‬ممحوق‬ ‫كالم ال يُْب َدأُ فيه حبمد اهلل والصالة َّ‬‫((كل ٍ‬‫ُّ‬
‫الربكة))(‪.)1‬‬
‫وورد مثل ذلك يف البسملة‪.‬‬

‫((إسناده ضعيف‪ ،‬وفيه جهالة‪ ،‬ومقاتل بن سليمان متهم‪،‬‬ ‫=‬

‫والضحاك مل يسمع من ابن عباس))‪.‬‬

‫طه‪.)5( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫(ضعيف)‪ .‬رواه أبو داود يف األدب (باب‪ :‬اهلدي يف الكالم) (‬
‫‪)(1‬‬
‫‪-13/184‬عون)‪،‬ـ وابن ماجه‪ ،‬واإلمام أمحد‪ ..‬وغريهم‪.‬‬

‫وحسنه النووي يف ((األذكار)) رقم (‪.)339‬‬

‫وأورده األلباين يف ((السلسلة الضعيفة)) رقم (‪ ،)902‬بلفظ‪(( :‬كل‬

‫علي؛ فهو أقطع‪ ،‬أبرت‪ ،‬مسحوق‬


‫أمر ذي بال ال يُبدأ فيه حبمد اهلل والصالة َّ‬
‫من كل بركة))‪ ،‬وقال عنه‪(( :‬موضوع))‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫تعارض بينهما؛ فإن االبتداءـ‬ ‫وهلذا مجع املؤلف بينهما عمالً بالروايتني‪ ،‬وال ُ‬
‫محدت الرجل أمْح َ ُدهُ‬
‫ُ‬ ‫ضد َّ‬
‫الذ ِّم‪ .‬يُقال‪:‬‬ ‫قسمان‪ :‬حقيقي وإضايف‪ ،‬واحلمد ُّ‬
‫حممود ومحي ٌد‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫محدا وحَمْ َم ًدا وحَمْ َم َد ًة‪ ،‬فهو‬
‫ً‬
‫ويقال‪ :‬محَّد اهلل ـ بالتشديد ـ‪ :‬أثىن عليه املرة بعد األخرى‪ ،‬وقال‪ :‬احلمد‬
‫هلل‪.‬‬
‫االختياري‪ ،‬نعمةً كا َن أو غريها؛‬
‫ِّ‬ ‫واحلمد‪ :‬هو الثناء باللسان على اجلميل‬
‫الرجل على إنعامه‪ ،‬ومحدتُه على شجاعته‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يقال‪:‬محدت‬
‫ُ‬
‫وأما الشكر؛ فعلى النعمة خاصة‪ ،‬ويكون بالقلب واللسان واجلوارح؛ قال‬
‫الشاعر‪:‬‬

‫أيضا يف ((ضعيف اجلامع)) (‪ )4218-4216‬بألفاظ‬


‫وأورده ً‬
‫خمتلفة‪ ،‬وقال عنه‪(( :‬ضعيف))‪.‬‬

‫=‬

‫وانظر‪(( :‬اإلرواء)) رقم (‪)2 ،1‬؛ فقد أطال يف خترجيه هناك‪ ،‬وبنَّي‬ ‫=‬

‫سبب ضعفه‪.‬‬

‫وقال األرناؤوط يف ((جامع األصول)) (‪:)3980‬‬

‫((يف سنده قرة بن عبد الرمحن‪ ،‬وهو صدوق‪ ،‬له مناكري))‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫أَفَ َادتْ ُك ُم الن َّْع َماءُ ِميِّن ثَالَثَةً‬
‫ي ِدي ولِسايِن والض ِ‬
‫َّمْيَر الْ ُم َح َّجبا‬ ‫َ َ َ َ‬
‫وخصوص من وجه‪ ،‬جيتمعان يف‬ ‫ٌ‬ ‫عموم‬
‫وعلى هذا؛ فبني احلمد والشكر ٌ‬
‫وينفرد احلمد يف الثناء باللسان على ما ليس‬ ‫ُ‬ ‫الثناء باللسان على النعمة‪،‬‬
‫وينفرد الشكر بالثناء بالقلب واجلوارح على‬ ‫ُ‬ ‫االختياري‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫بنعمة من اجلميل‬
‫خصوص النعمة‪.‬‬
‫وأخص آلةً‪ ،‬والشكر بالعكس‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫أعم متعلَّ ًقا‪،‬‬
‫فاحلمد ُّ‬
‫وأما الفرق بني احلمد واملدح؛ فقد قال ابن القيم‪:‬‬
‫بد فيه من‬ ‫((إن احلمد إخبار عن حماسن احملمود‪ ،‬مع حبه‪ ،‬وتعظيمه‪ ،‬فال َّ‬
‫جمر ٌد))(‪.)1‬‬
‫اقرتان اإلرادة باخلري؛ خبالف املدح؛ فإنه إخبار َّ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫للحي وامليِّت وللجماد ً‬ ‫أوس َع تناوالً؛ ألنه يكونـ ِّ‬‫املدح َ‬
‫ولذلك كان ُ‬
‫َّرة‪،‬‬ ‫و(ال) يف احلمد لالستغراق؛ـ ليتناول كل أفراد احلمد املُ َح َّق َقة واملَُقد َ‬
‫(‪) 2‬‬
‫ثابت هلل‪ ،‬وهذا يقتضيـ‬ ‫وقيل‪ :‬للجنس‪ ،‬ومعناه ‪(( :‬أن احلمد الكامل ٌ‬
‫ثبوت ُك ِّل ما حُيْ َم ُد عليه من صفات كماله ونعوت مجاله؛ إذ َم ْن َع ِد َم‬ ‫َ‬
‫حممود من‬
‫ٌ‬ ‫ِصفات الكمال؛ فليس مبحمود على اإلطالق‪،‬ـ ولكن غايته [أنه‬

‫((بدائع الفوائدـ)) (‪.)2/93‬‬


‫‪)(1‬‬
‫الكالم من قوله‪" :‬ومعناه…"ـ البن القيم‪.‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪30‬‬
‫حممودا من كل وجه وبكل اعتبار جبميع‬ ‫وجه‪ ،‬وال] (‪ )1‬يكون‬‫وجه دون ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫أنواع احلمد؛ إال َمن حاز صفات الكمال مجيعها‪[ ،‬فلو َع ِد َم منها صفة‬
‫واحدة؛ لنقص من محده بسببها]ـ (‪.)))2‬‬
‫ث بالرسالة ؛ يقال ‪ :‬أرسله بكذا ؛ إذا طلب‬ ‫الرسـول يف اللغـة هو َمن بُعِ َ‬
‫ور ُسل ـ بضمها ـ‪.‬‬ ‫إليه تأديته وتبليغه ‪ .‬ومجعه ‪ُ :‬ر ْسل ـ بسكون السني ـ ُ‬
‫بشرع‪ ،‬وأ ُِمَر بتبليغه‪.‬‬
‫ُوح َي إليه ٍ‬ ‫حر‪ ،‬أ ِ‬‫ذكر‪ٌّ ،‬‬‫ويف لسان الشرع‪ :‬إنسا ٌن‪ٌ ،‬‬
‫نيب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فإن أوح َي إليه‪ ،‬ومل يؤمر بالتبليغ؛ فهو ٌّ‬
‫نيب‪ ،‬وال عكس‪ ،‬فقد يكونـ نبيًّا غري رسول(‪.)3‬‬ ‫فكل رسول ٌّ‬

‫زيادة يقتضيها السياق‪ ،‬سقطت من نقل الشارح هلا‪ ،‬وقد أشار لذلك‬
‫‪)(1‬‬
‫الشيخ األنصاري يف طبعة اإلفتاء‪.‬‬

‫تتمة كالم احلافظ ابن القيم‪ ،‬وانظر‪(( :‬مدارج السالكني)) (‪.)1/64‬‬


‫‪)(2‬‬
‫ذكر الشيخ عمر األشقر يف كتابه ((الرسل والرساالت)) (ص‪ )14‬أن‬
‫‪)(3‬‬
‫نص على أنه أرسل‬
‫هذا القول هو الشائع عند العلماء‪ ،‬وأنه بعيد؛ ألن اهلل َّ‬

‫األنبياء يف قوله‪ :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي‬


‫‪ 000‬وأنه لا يمكن أن ينزِّل الله وحيًا لإنسان‬
‫واحدٍ فقط‪ ،‬ولا يبلغه أحدًا‪ ،‬والنبي ‪ ‬يقول‪:‬‬
‫((عُرِضَتْ عليَّ الأمم‪ ،‬فرأيتُ النبيِّ ومعه الرهط‪،‬‬
‫والنبيَّ ومعه الرجل والرجلان‪ ،‬والنبي وليس معه‬

‫‪31‬‬
‫واملراد بالرسول املضاف إىل ضمري الرب هنا حُم مد ‪.‬‬
‫ُ‬
‫و((اهلدى)) يف اللغة‪ :‬البيان والداللة؛ كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ُّوا‬‫َب‬ ‫َح‬‫َاسْت‬ ‫ْف‬ ‫هم‬‫َاُ‬ ‫ين‬ ‫دْ‬
‫هَ‬ ‫دف‬
‫ََ‬ ‫ُوُ‬ ‫ثم‬ ‫ما َ‬ ‫ََّ‬
‫َأ‬ ‫‪‬و‬
‫دى ‪.)1( ‬‬‫هَ‬ ‫الُ‬
‫لى ْ‬ ‫ََ‬ ‫َى ع‬ ‫َم‬‫الع‬ ‫ْ‬
‫فإن املعىن‪َ :‬بَّينَّا هلم‪.‬‬
‫وكما يف قوله‪:‬‬
‫ما‬ ‫َإ‬
‫َِّ‬ ‫ًا و‬ ‫ِر‬
‫ما شَاك‬ ‫َإ‬
‫َِّ‬ ‫ِيل‬ ‫ه السَّب‬ ‫َاُ‬ ‫ين‬ ‫دْ‬‫هَ‬ ‫َّا َ‬ ‫ِن‬‫‪ ‬إ‬
‫ًا ‪.)2( ‬‬ ‫ُور‬ ‫َف‬ ‫ك‬
‫ف به القرآن؛ كما يف‬
‫يوص ُ‬
‫واهلُدى هبذا املعىن عامٌّ جلميع الناس‪ ،‬وهلذا َ‬
‫ِيَ‬
‫ِي ه‬ ‫ِي لَّ‬
‫ِلت‬ ‫هد‬ ‫ِْ‬‫ني‬ ‫ْآَ‬ ‫ُر‬‫الق‬‫َا ْ‬ ‫هـذ‬‫نَ‬ ‫قوله تعاىل‪  :‬إ‬
‫َِّ‬
‫ُ ‪. ) 3( ‬‬ ‫َم‬‫ْو‬ ‫َق‬ ‫أ‬
‫ويوصف به الرسول ‪‬؛ كما يف قوله تعاىل‪:‬‬

‫أحد…)) رواه البخاري ومسلم‪.‬‬


‫والذي رجَّحه في الفرق بين النبي والرسول‪ :‬أن‬
‫الرسول من أُوحي إليه بشرع جديد‪ ،‬والنبي هو‬
‫المبعوث لتقرير شرعِ مَن قبله‪ ،‬وأكثر أنبياء بني‬
‫إسرائيل كذلك‪ ،‬وهو الأقرب للصواب‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫فصلت‪.)17( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫اإلنسان‪.)3( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫اإلسراء‪.)9( :‬‬
‫‪)(3‬‬

‫‪32‬‬
‫ِيمٍ ‪.)1(‬‬ ‫َق‬ ‫مسْت‬ ‫ٍ ُّ‬ ‫َاط‬ ‫ِر‬ ‫َِلى ص‬ ‫ِي إ‬ ‫هد‬ ‫َْ‬ ‫َّكَ َلت‬‫ِن‬‫َإ‬ ‫‪‬و‬
‫خاصا مبَن يشاء اهلل هدايته؛‬ ‫وقد يأيت اهلُدى مبعىن التوفيق واإلهلام‪ ،‬فيكون ًّ‬
‫قال تعاىل‪:‬‬
‫ِسْالَمِ‬ ‫لإل‬‫هِ‬ ‫َُ‬‫در‬ ‫َْ‬ ‫ْص‬ ‫َح‬
‫يشْر‬ ‫هَ‬ ‫يُ‬ ‫َِ‬‫هد‬ ‫يْ‬ ‫َن َ‬ ‫ُأ‬ ‫ِ هَّللا‬
‫ِد‬‫ير‬‫َن ُ‬ ‫َم‬ ‫‪‬ف‬
‫‪.)2(‬‬
‫وهلذا نفاهُ اهلل عن رسوله؛ قال تعاىل‪:‬‬
‫من‬ ‫ِي َ‬ ‫هد‬‫يْ‬ ‫ََ‬ ‫َّ هَّللا‬
‫ِن‬ ‫ََلك‬‫َو‬ ‫ْت‬ ‫َب‬ ‫ْب‬ ‫َح‬ ‫ْأ‬ ‫من‬ ‫ِي َ‬ ‫هد‬ ‫تْ‬‫َّكَ ال َ‬‫ِن‬ ‫‪‬إ‬
‫يشَاء ‪.)3(‬‬ ‫َ‬
‫النيب ‪ ‬من اإلخبارات الصادقة‪،‬‬ ‫كل ما جاء به ُّ‬ ‫واملراد باهلُدى هنا‪ُّ :‬‬
‫واإلميان الصحيح‪ ،‬والعلم النافع‪ ،‬والعمل الصاحل‪.‬‬
‫والدِّين يأيت لعدة ٍ‬
‫معان‪:‬‬
‫ك َي ْوِم الدِّي ِن ‪.)4( ‬‬
‫منها‪ :‬اجلزاء؛ كما يف قوله تعاىل‪  :‬مـلِ ِ‬
‫َ‬
‫ين ال َفىت يُ َدا ُن(‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫ومنهُ قوهُل م‪َ :‬كما يَد ُ‬
‫ذل وخضع‪ ،‬ويقال‪ :‬دا َن‬ ‫ومنها‪ :‬اخلضوع واالنقياد؛ يقال‪ :‬دان لـه؛ مبعىن‪َّ :‬‬
‫اهللَ بكذا‪ ،‬أو كذا؛ مبعىن اخَّت ذه دينًا يعبده به‪.‬‬

‫الشورى‪.)52( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫األنعام‪.)125( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫القصص‪.)56( :‬‬
‫‪)(3‬‬
‫الفاحتة‪.)4( :‬‬
‫‪)(4‬‬

‫‪33‬‬
‫واملراد بالدِّين هنا‪:‬مجيع ما أرسل اهلل به رسول اهلل ‪ ‬من األحكام‬
‫والشرائع؛ اعتقاديةـ كانت‪ ،‬أم قولية‪ ،‬أم فعلية‪.‬‬
‫وإضافته إىل احلق من إضافة املوصوف إىل صفته؛ أي‪ :‬الدين احلق‪.‬‬
‫مصدر َح َّق حَيِ ُّق إذا ثبت ووجب‪ .‬فاملراد به‪ :‬الثابت‪ ،‬الواقع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫واحلق‪:‬‬
‫ُّ‬
‫ويقابله‪ :‬الباطل الذي ال حقيقة له‪.‬‬
‫الالم يف قولـه‪(( :‬ليظهره)) الم التعليل‪ ،‬وهي متعلقة بـ(أرسل)‪ ،‬وهو من‬
‫العلو والغلبة؛ أي‪ :‬ليجعله عاليًا على األديان كلها باحلجة‬
‫الظهور؛ مبعىن‪ِّ :‬‬
‫والربهان‪.‬‬
‫و(ال) يف ((الدين)) للجنس‪ ،‬فيدخل فيه كل دين باطل‪ ،‬وهو ما عدا‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫روى البيهقي يف ((الزهد)) (ص‪ ،)297‬وابن عدي يف ((الكامل)) (‬


‫‪)(5‬‬
‫مرفوعا‪(( :‬الرب ال يبلى‪ ،‬واإلمث ال ينسى‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪)2/2168‬؛ من حديث ابن عمر‬

‫َّ‬
‫والديَّان ال ينام‪ ،‬فكن كما شئت كما تدين تُدان))؛ بإسناد ضعيف‪.‬‬

‫ورواه أمحد يف ((الزهد)) (ص‪ )176‬موقوفًا على أيب الدَّرداء؛‬

‫أيضا‪.‬‬
‫بإسناد ضعيف ً‬
‫انظر‪(( :‬ضعيف اجلامع)) (‪ ،)4274‬و((الدرر املنتثرةـ يف األحاديث‬

‫املشتهرة)) للسيوطي‪ ،‬حتقيق‪ :‬الصباغ‪ ،‬رقم (‪.)328‬‬

‫‪34‬‬
‫فعيل‪ ،‬وهو مبالغةٌ من شهد‪ ،‬وهو إما من الشهادة؛ مبعىن‬ ‫والشهيد‪ٌ :‬‬
‫اإلخبار واإلعالم‪،‬ـ أو من الشهادة؛ مبعىن احلضور‪ .‬واملعىن‪ :‬و َك َفى ِ‬
‫باهلل‬
‫حاضرا مطَّلِ ًعا ال يغيب عنه شيءٌ‪.‬‬
‫ً‬ ‫خمربا بصدق رسوله‪ ،‬أو‬‫يدا ً‬ ‫َش ِه ً‬
‫واملعىن اإلمجايل ملا تقدم أن مجيع أوصاف الكمال ثابتةٌ هلل على أكمل‬
‫الوجوه وأمتِّها‪.‬‬
‫ومما حُيْ َم ُد عليه سبحانه نعمه على عباده‪ ،‬اليت ال حيصي أح ٌد من اخللق‬
‫حممدا ‪ ‬باهلدى ودين احلق رمحةً للعاملني‪،‬‬
‫عدَّها‪ ،‬وأعظمها إرساله ً‬
‫وبشرى للمتَّقني؛ ليظهره على مجيع األديان باحلجة والربهان‪،‬ـ والعز‬
‫شهيدا على صدق رسوله‪ ،‬وحقيقة ما‬ ‫والتمكني والسلطان‪ ،‬وكفى باهلل ً‬
‫جاء به‪.‬‬
‫وشهادته سبحانه تكون بقوله وفعله وتأييدهـ لرسوله بالنصر واملعجزات‬
‫املتنوعة على أن ما جاء به هو احلق املبني‪.‬‬
‫والرباهني ِّ‬

‫يك لَهُ إِ ْقَر ًارا بِِه‬


‫(وأَ ْش َه ُد أَن الَّ إلَهَ إالَّ اهللُ َو ْح َدهُ ال َش ِر َ‬
‫يدا)‪.‬‬‫َوَت ْو ِح ً‬
‫‪/‬ش‪(( /‬الشهادة))‪ :‬اإلخبار بالشيء عن علم به‪ ،‬واعتقاد لصحته وثبوته‪،‬ـ‬
‫وال تعترب الشهادة إال إذا كانت مصحوبة باإلقرار واإلذعان‪ ,‬وواطأ‬

‫‪35‬‬
‫د‬
‫هُ‬ ‫َشَْ‬ ‫القلب عليها اللسان؛ فإن اهلل قد َك َّذب املنافقني يف قوهلم‪  :‬ن‬ ‫ُ‬
‫ِ ‪ ، ‬مع أهنم قالوا بألسنتهم ‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫ل هَّللا‬
‫َسُوُ‬‫َّكَ َلر‬ ‫ِن‬ ‫إ‬
‫و((ال إله إال اهلل))‪ :‬هي كلمة التوحيد‪ ،‬اليت اتَّفقت عليها كلمة الرسل‬
‫صلوات اهلل وسالمه عليهم أمجعني؛ بل هي خالصة دعواهتم وزبدة‬
‫رساالهتم‪ ،‬وما من رسول منهم إال جعلها مفتتح أمره‪ ،‬وقطب رحاه؛‬
‫كما قال نبيُّناـ ‪:‬‬
‫ت أن أقاتل الناس حىت يقولوا‪:‬ـ ال إله إال اهلل‪ ،‬فإذا قالوها؛ فقد‬ ‫ِ‬
‫((أُم ْر ُ‬
‫عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها‪ ،‬وحساهبم على اهلل عز وجل))(‪.)2‬‬

‫يعين الشارح تكذيب اهلل هلم يف اآلية األوىل من سورة املنافقونـ يف‬
‫‪)(1‬‬

‫د‬
‫هُ‬‫َشَْ‬
‫َالوا ن‬
‫نق ُ‬ ‫ِق‬
‫ُوَ‬ ‫َاف‬
‫ُن‬‫الم‬ ‫َا ج‬
‫َاءكَ ْ‬ ‫ِذ‬‫قوله‪  :‬إ‬
‫َُ‬
‫هَّللا‬ ‫هو‬
‫ولُ‬ ‫َّكَ َلر‬
‫َسُ ُ‬ ‫ِن‬‫ُإ‬‫لم‬‫َْ‬
‫يع‬‫َُ‬
‫َهَّللا‬
‫ِو‬‫ل هَّللا‬ ‫َّكَ َلر‬
‫َسُوُ‬ ‫ِن‬
‫إ‬
‫ن‪.‬‬ ‫بوَ‬‫ُِ‬‫َاذ‬‫َ َلك‬
‫ِين‬‫ِق‬
‫َاف‬ ‫ُن‬ ‫الم‬ ‫ن ْ‬ ‫دإ‬
‫َِّ‬ ‫هُ‬‫يشَْ‬‫َ‬
‫رواه بألفاظ خمتلفة‪ :‬البخاري يف أول الزكاة (‪-3/262‬فتح)‪ ،‬ويف‬
‫‪)(2‬‬
‫استتابة املرتدين‪ ،‬ومسلم يف اإلميان ‪( ،‬باب األمر بقتال الناس حىت يقولوا‪:‬‬

‫ال إله إال اهلل حممد رسول اهلل) (‪-1/314‬نووي)‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬والنسائي‪،‬‬

‫وأبو داود‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬جامع األصول)) رقم (‪.)42-35‬‬

‫‪36‬‬
‫وداللة هذه الكلمة على التوحيد باعتبار اشتماهلا على النفي واإلثباتـ‬
‫اجملرد؛ كقولنا‪ :‬اهلل واحد‪ .‬مثالً‬ ‫املقتضيـ للحصر‪ ،‬وهو أبلغ من اإلثبات َّ‬
‫وتدل بعجزها‬‫عما سوى اهلل تعاىل‪ُّ ،‬‬ ‫تدل بصدرها على نفي اإلهلية َّ‬ ‫فهي ُّ‬
‫على إثبات اإلهلية له وحده‪.‬‬
‫موجود(‪ -)1‬إال اهلل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حبق ‪-‬‬ ‫بد فيها من إضمار خ ٍرب تقديره‪ :‬ال َ‬
‫معبود ٍّ‬ ‫وال َّ‬
‫وأما قولـه‪(( :‬وحده ال شريك له))؛ فهو تأكيد ملا دلَّت عليه كلمة‬
‫التوحيد‪.‬‬
‫مؤك ٌد ملعىن الفعل‪(( :‬أشهد))‪ ،‬واملراد‪ :‬إقرار‬ ‫مصدر ِّ‬
‫ٌ‬ ‫((إقرارا به))‬
‫ً‬ ‫وقولـه‪:‬‬
‫القلب واللسان‪.‬‬
‫إخالصا هلل عز وجل يف العبادة‪ ،‬فاملراد به‬ ‫ً‬ ‫((توحيدا))؛ أي‪:‬‬
‫ً‬ ‫وقولـه‪:‬‬
‫التوحيد اإلرادي الطليب املبين على توحيد املعرفة واإلثبات‪.‬ـ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َعلَى آلِِه‬ ‫َن حُمَ َّم ًدا َعْب ُدهُ َو َر ُسولُهُ َ‬‫(وأَ ْش َه ُد أ َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫و ِِ‬
‫يما َم ِز ً‬
‫يدا)‪.‬‬ ‫ص ْحبه َو َسلَّ َم تَ ْسل ً‬
‫َ َ‬
‫‪/‬ش‪ /‬وجعل الشهادة للرسول ‪ ‬بالرسالة والعبودية مقرونًا بالشهادة هلل‬
‫كل منهما‪ ،‬فال تُغين إحدامها عن‬ ‫بالتوحيد؛ لإلشارة إىل أنـه ال بد من ٍّ‬
‫األخرى‪ ،‬وهلذا قرن بينهما يف األذان‪ ،‬ويف التشهد‪.‬‬
‫َكَ‬‫ْر‬ ‫ِك‬ ‫َا َلكَ ذ‬ ‫ْن‬ ‫َع‬ ‫َف‬ ‫َر‬‫وقال بعضهم يف تفسري قوله تعاىل‪  :‬و‬
‫‪:)2(‬‬

‫يعين املؤلِّف أن هذه الكلمة تقدير خلرب مسترت؛ لال النافية للجنس‪.‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪37‬‬
‫ِ‬
‫رت معي))(‪.)3‬‬ ‫((يعين‪ :‬ال أُ ْذ َكُر إالَّ ذُك َ‬
‫وإمنا مجع له بني وصفي الرسالة والعبودية؛ إلهنما أعلى ما يوصف به‬
‫العبد‪.‬‬
‫والعبادة‪ :‬هي احلكمة اليت َخلَ َق اهلل اخلَْل َق ألجلها؛ كما قال تعاىل‪ :‬‬
‫دونِ ‪.)2( ‬‬ ‫ُُ‬‫ْب‬‫َع‬ ‫لي‬‫ِالَّ ِ‬
‫ِنسَ إ‬ ‫َاإل‬ ‫َّ و‬ ‫الجِن‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْت‬ ‫لق‬ ‫ََ‬ ‫ما خ‬ ‫ََ‬‫و‬
‫الشرح‪.)4( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫صح عن جماهد أنه قال يف تفسري هذه اآلية‪:‬‬
‫‪)(3‬‬
‫ِ‬
‫حممدا‬ ‫((ال أُذْ َكُر إال ذُك ْر َ‬
‫ت معي‪ :‬أشهد أال إله إال اهلل‪ ،‬أشهد أن ً‬
‫رسول اهلل))‪.‬‬

‫وقال األلباين يف ((فضل الصالة على النيب)) البن إسحاق القاضي‬

‫(ص‪:)86‬‬

‫مرسل))‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫((إسناده مرسل صحيح‪ ،‬فهو حديث قدسي‬

‫وروى أبو يعلى (‪ )2/522‬بإسناد ضعيف‪ ،‬من حديث أيب سعيد‬

‫ذكرت معي))‪.‬‬
‫َ‬ ‫كرت‬
‫اخلدري رفعه‪(( :‬إذا ذُ ُ‬
‫وانظر ‪(( :‬الدُّر املنثور)) (‪.)8/549‬‬

‫الذاريات‪.)56( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪38‬‬
‫فكمال املخلوق يف حتقيق تلك الغاية‪ ،‬وكلما ازداد العبد حتقي ًقا للعبودية؛‬
‫ازداد كماله‪ ،‬وعلت درجته‪.‬‬
‫وهلذا ذكر اهلل نبيَّه بلقب العبد يف أمسى أحواله وأشرف مقاماته؛‬
‫كاإلسراء به‪ ،‬وقيامه بالدعوة إىل اهلل‪ ،‬واإلحياء إليه‪ ،‬والتحدِّي بالذي أُنْ ِز َل‬
‫عليه‪.‬‬
‫الغلو الَّذين قد‬‫أيضا إىل الرد على أهل ّ‬ ‫ونبَّه بوصف العبودية ً‬
‫يتجاوزون بالرسول قدره‪ ،‬ويرفعونه إىل مرتبة األلوهية؛ كما يفعل‬
‫صح عنه ‪ ‬أنه قال‪:‬‬ ‫ضالّل الصوفية قبّحهم اهلل‪ ،‬وقد َّ‬
‫((ال تطروين كما أطرت النصاري ابن مرمي‪ ،‬وإمنا أنا عب ٌد‪،‬‬
‫عبد اهلل ورسوله))(‪.)1‬‬
‫فقولوا ُ‬
‫واملقصود أن هذه الشهادة تتضمن اعرتاف العبد بكمال عبوديته ‪ ‬لربه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫خصلة كمالُه‪.‬‬ ‫مجيع البش ِر يف ِّ‬
‫كل‬ ‫وكمال رسالته‪ ،‬وأنه فاق َ‬
‫وال تتم هذه الشهادة حىت يصدقه العبد يف كل ما أخرب به‪ ،‬ويطيعه يف‬
‫كل ما أمر به‪ ،‬وينتهي عما هنى عنه‪.‬‬
‫الصالة يف اللغة‪ :‬الدعاء؛ قال تعاىل‪:‬‬

‫رواه البخاري من حديث عمر بن اخلطاب ـ رضي اهلل عنه ـ يف‬


‫‪)(1‬‬
‫احلدود‪( ،‬باب‪ :‬رجم احلبلى من الزنا إذا أحصنت) (‪-12/144‬فتح)‪،‬‬

‫ِت‬
‫َابِ‬ ‫الك‬
‫ِي ْ‬
‫ْف‬ ‫ْك‬
‫ُر‬ ‫ويف األنبياء‪،‬ـ ( باب‪ :‬قول اهلل ‪  :‬و‬
‫َاذ‬
‫يم‬
‫َ ‪-6/478( )‬فتح)‪.‬‬ ‫مر‬
‫َْ‬ ‫َ‬

‫‪39‬‬
‫ْ ‪. ) 1( ‬‬ ‫هم‬‫ٌ َّلُ‬
‫َن‬ ‫تكَ سَك‬ ‫َالََ‬
‫نص‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫ِم‬‫ْه‬ ‫لي‬‫ََ‬‫ِّ ع‬
‫َل‬ ‫َص‬ ‫‪ ‬و‬
‫وأصح ما قيل يف صالة اهلل على رسوله هو ما ذكره البخاري‬ ‫ُّ‬
‫يف ((صحيحه)) عن أيب العالية؛ قال‪:‬‬
‫((صالة اهلل على رسوله‪ :‬ثناؤه عليه عند املالئكة))(‪.)2‬‬
‫واملشهور أن الصالة من املالئكة االستغفار؛ـ كما يف احلديث الصحيح‪:‬‬
‫((واملالئكةـ يصلُّون على أحدكم ما دام يف جملسه الذي صلَّى فيه؛‬
‫يقولون‪ :‬اللهم اغفر له‪ ،‬اللهم ارمحه))(‪.)3‬‬
‫التوبة‪.)103( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫ن هَّللا‬
‫َ‬ ‫رواه البخاري معلَّ ًقا بصيغة اجلزم يف التفسري‪( ،‬باب‪ :‬إ‬
‫َِّ‬ ‫‪)(2‬‬
‫ِيِّ ‪-8/532( )‬‬‫َّب‬
‫لى الن‬ ‫ََ‬‫نع‬‫ُّوَ‬‫َل‬
‫يص‬‫هُ‬‫َُ‬ ‫ِك‬
‫َت‬ ‫مالئ‬
‫ََ‬‫و‬
‫فتح)‪ ،‬ووصله ابن إسحاق القاضي في كتابه ((فضل‬
‫الصلاة على النبي ‪( ))‬ص‪ ،)82‬وقال الألباني‪:‬‬
‫((إسناده موقوف حسن))‪.‬‬
‫جزء من حديث رواه البخاري يف األذان ‪ ( ،‬باب‪ :‬من جلس يف‬
‫‪)(3‬‬
‫املسجد ينتظر الصالة)ـ (‪-2/142‬فتح)‪ ،‬ويف املساجد‪ ،‬ويف بدء اخللق‪،‬‬

‫ومسلم يف املساجد‪( ،‬باب‪ :‬فضل صالة اجلماعة وانتظار الصالة) (‬

‫أيضا‪ :‬أبو داود‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬والنسائي‪،‬ـ وأمحد يف‬


‫‪-5/171‬نووي)‪ ،‬ورواه ً‬
‫((املسند))‪ ،‬ومالك يف ((املوطأـ))؛ بألفاظ متقاربة‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫التضرع والدُّعاء‪.‬‬ ‫ومن اآلدميني‪ُّ :‬‬
‫وآل الشخص هم من ميتُّون إله بصلة وثيقة من قرابة وحنوها‪.‬‬
‫وآله ‪ ‬يُراد هبم أحيانًا َمن َحُر َمت عليهم الصدقة‪ ،‬وهم بنو هاشم وبنو‬
‫املطَّلب‪ ،‬ويراد هبم أحيانًا كل َمن تبعه على دينه‪.‬‬
‫ت الثانية منهما‬‫ت اهلاء مهزة‪ ،‬فتوالتـ مهزتان‪ ،‬ف ُقلِب ِ‬ ‫وأصل (آل)‪ :‬أهل‪ ،‬أُب ِدلَ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫أل ًفا‪ ،‬ويصغر على أ َُهيل أو أ َُويْل‪ ،‬وال يستعمل إال فيما شرف غالبًا‪ ،‬فال‬
‫يقال‪ :‬آل اإلسكاف وآل احلجام‪.‬‬
‫واملراد بالصحب أصحابه ‪ ،‬وهم كل من لقيه حال حياته مؤمنًا‪ ،‬ومات‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫تسليما عليه ؛ مبعىن طلب لـه السالمة من‬ ‫والسالم ‪ :‬اسم مصدر من سلَّم ً‬
‫كل مكروه‪ ،‬وهو اسم من أمسائه تعاىل‪ ،‬ومعناه‪:‬ـ الرباءة واخلالص من‬
‫النقائص والعيوب‪،‬ـ أو الذي يسلِّم على عباده املؤمنني يف اآلخرة‪.‬‬
‫ـ(تسليما)‪ ،‬وهو اسم مفعول من (زاد) املتعدِّي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫((مزيدا)) صفةٌ ل‬
‫و ً‬
‫مزيدا فيه‪.‬‬
‫والتقدير‪ً :‬‬

‫‪41‬‬
‫ور ِة إِىَل قِيَ ِام‬
‫صَ‬
‫ِ ِ‬
‫النَّاجيَة الْ َمْن ُ‬ ‫اد](‪ )1‬الْ ِف ْرقَِة‬ ‫ِ‬
‫([أ ََّما َب ْع ُد؛ َف َه َذا ْاعت َق ُ‬
‫اع ِة)(‪.)2‬‬
‫َواجْلَ َم َ‬ ‫السن َِّة‬
‫اع ِة‪ :‬أ َْه ِل ُّ‬ ‫الس َ‬
‫َّ‬

‫سقطت من املخطوط‪.‬‬
‫‪)(1‬‬
‫قال الشيخ ابن عثيمني يف شرحه لـ ((الواسطية)) (‪(( :)1/53‬عُلِ َم من‬
‫‪)(2‬‬
‫كالم املؤلف رمحه اهلل أنه ال يدخل فيهم من خالفهم يف طريقتهم‪،‬‬

‫فاألشاعرة مثالً واملاتريدية ال يُ َعدُّون من أهل السنة واجلماعة يف هذا‬

‫الباب؛ ألهنم خمالفون ملا كان عليه النيب ‪ ‬وأصحابه يف إجراء صفات اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل على حقيقتها‪ ،‬وهلذا خيطئ من يقول‪ :‬إن أهل السنة‬

‫واجلماعة ثالثة‪ :‬سلفيُّون‪ ،‬وأشعريُّون‪،‬ـ وماتريديُّون‪ ،‬فهذا خطأ؛ نقول‪:‬‬

‫احلق إال‬
‫كيف يكونـ اجلميع أهل سنة وهم خمتلفون؟! فماذا بعد ِّ‬

‫يرد على اآلخر‪،‬‬


‫منهم ُّ‬ ‫الضالل؟! وكيف يكونونـ أهل سن ٍَّة ُّ ٍ‬
‫وكل واحد ُ‬
‫الضدين؛ فنعم! وإال؛ فال شك أن‬
‫هذا ال ميكن؛ إال إذا أمكن اجلمع بني ِّ‬

‫أحدهم وحده هو صاحب السنة‪ ،‬فمن هو؟ األشعرية أم املاتريدية أم‬

‫‪42‬‬
‫‪/‬ش‪(( /‬أما بعد))‪ :‬كلمة يُؤتَىـ هبا للدِّاللة على الشروع يف املقصود‪،‬‬
‫كثريا يف خطبه وكتبه‪ ،‬وتقديرها عند النحويِّني‪:‬‬ ‫وكان النيب ‪ ‬يستعملها ً‬
‫مهما يكن من شيء بعد‪.‬‬
‫تضمنه هذا املُؤلَّ ُ‬
‫ف من العقائد اإلميانية‬ ‫واإلشارة بقولـه‪(( :‬هذا)) إىل ما َّ‬
‫اليت أمجلها يف قوله‪(( :‬وهو اإلميان باهلل…))‪.‬‬
‫واالعتقاد‪ :‬مصدر اعتقد كذا؛ إذا اخَّتَذه عقيدة له؛ مبعىن عقد عليه الضمري‬
‫است ْعمل يف التصميم‬‫والقلب‪ ،‬ودان هلل به‪ ،‬وأصله من (عقد احلبل)‪ ،‬مث ُ‬
‫واالعتقاد اجلازم‪.‬‬
‫((الفرقة)) ـ بكسر الفاء ـ الطائفة من الناس‪.‬‬
‫ووصفها بأهنا ((الناجية املنصورة))ـ أخ ًذا من قوله ‪ -‬عليه السالم ‪:-‬‬

‫ومن خالف السنة؛‬


‫السلفية؟ نقول َمن وافق السنَّة؛ فهو صاحب السنة‪َ ،‬‬
‫فليس صاحب سنة‪ ،‬فنحن نقول‪ :‬السلف هم أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وال‬

‫أبدا‪ ،‬والكلمات تعترب مبعانيها‪ ،‬لننظر كيف‬


‫يصدق الوصف على غريهم ً‬
‫نسمي من خالف السنة أهل سنة؟ ال ميكن! وكيف ميكن أن نقول عن‬

‫ثالث طوائفـ خمتلفة‪ ،‬إهنم جمتمعون؟ فأين االجتماع؟ فأهل السنة‬

‫معتقدا‪ ،‬حىت املتأخر إىل يوم القيامةـ إذا كان على‬


‫واجلماعة هم السلف ً‬
‫طريقة النيب ‪ ‬وأصحابه؛ فإنه سلفي))‪ .‬اهـ‬

‫‪43‬‬
‫يضرهم من َخذهلم‪ ،‬حىت‬ ‫احلق منصور ًة‪،‬ـ ال ُّ‬
‫تزال طائفةٌ من أ َُّميت على ِّ‬
‫((ال ُ‬
‫يأيت أمر اهلل))(‪.)1‬‬
‫ومن قوله يف احلديث اآلخر‪:‬‬
‫((ستفرتق هذه األمة على ثالث وسبعني فرقةً‪ :‬كلهم يف النّار إىل واحدة‪،‬‬
‫وهي َمن كان على مثل ما أنا عليه اليومـ وأصحايب))(‪.)2‬‬
‫وقوله‪(( :‬أهل السنة واجلماعة))؛ بدل من الفرقة‪.‬‬

‫رواه البخاري يف االعتصامـ بالسنة‪ ( ،‬باب ‪ :‬قول النيب ‪ (( :‬ال تزال‬


‫‪)(1‬‬
‫طائفة‪ -13/293( ) )) ..‬فتح ) ‪ ،‬ومسلم يف اإلمارة‪( ،‬باب‪ :‬قول النيب‬

‫‪(( :‬ال تزال طائفة‪ -13/70( )))..‬نووي) ‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬وابن‬

‫ماجه‪ ،‬وأمحد‪ ..‬وغريهم‪.‬‬

‫(حسن)‪ .‬رواه الرتمذي عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص يف اإلميان‪،‬‬


‫‪)(2‬‬
‫(باب‪ :‬ما جاء يف افرتاقـ هذه األمة) (‪-7/397‬حتفة)‪.‬‬

‫قال العراقي يف ((ختريج اإلحياء)) (‪(( :)3/230‬حديث افرتاق‬

‫األمة أسانيدها جياد))‪.‬اهـ‬

‫وحسن إسنادها احلافظ يف ((ختريج الكشاف)) (ص‪ 63‬رقم ‪.)17‬‬

‫‪44‬‬
‫واملراد بالسنة‪ :‬الطريقة اليت كان عليها رسول اهلل ‪ ‬وأصحابه قبل ظهور‬
‫البدع واملقاالت‪.‬‬
‫واجلماعة يف األصل‪ :‬القوم اجملتمعون‪ ،‬واملراد هبم هنا سلف هذه األمة من‬
‫الصحابة والتابعني‪ ،‬الذين اجتمعوا على احلق الصريح من كتاب اهلل تعاىل‬
‫وسنة رسوله ‪.‬‬
‫اهلل ومالَئِ َكتِ ِه‪،‬ـ و ُكتُبِ ِه‪ ،‬ورسلِ ِه‪ ،‬والْبع ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ث َب ْع َد‬ ‫َُ ُ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫(و ُه َو ا ِإلميا ُن ب َ َ‬
‫َ‬
‫ان بِالْ َق َد ِر ِخرْيِ ِه َو َشِّر ِه)‪.‬‬
‫الْمو ِت‪ ،‬وا ِإلميَ ِ‬
‫َْ‬
‫يتم إميا ُن ٍ‬
‫أحد إال إذا آمن‬ ‫‪/‬ش‪ /‬هذه األمور الستة هي أركان اإلميان‪ ،‬فال ُّ‬
‫فم ْن َج َح َد‬
‫دل عليه الكتاب والسنة‪َ ،‬‬ ‫مجيعا على الوجه الصحيح الذي َّ‬
‫هبا ً‬
‫شيئًا منها أو آمن به على غري هذا الوجه؛ فقد كفر‪.‬‬
‫وقد ذُكَِرت كلها يف حديث جربيل املشهور‪ ،‬حني جاء إىل النيب ‪ ‬يف‬
‫صورة أعرايب يسأله عن اإلسالمـ واإلميان واإلحسان؟ فقال‪:‬‬
‫((أن تؤمن باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ,‬ورسله‪ ،‬وتؤمن بالبعثـ بعد املوت‪،‬‬
‫وبالقدر خريه وشره))(‪)1‬؛ حلوه ومره من اهلل تعاىل‪.‬‬
‫واملالئكة‪:‬ـ مجع َملَك‪ ،‬وأصله مألك؛ من األلوكة‪ ،‬وهي الرسالة‪ ،‬وهم‬
‫نوعٌ من خلق اهلل عز وجل‪ ،‬أسكنهم مساواته‪ ،‬ووكلهم بشؤون خلقه‪,‬‬

‫وعن حديث االفرتاقـ انظر كتاب‪(( :‬حديث افرتاقـ األمة إىل نيف‬

‫وسبعني فرقة)) للعالمة حممد بن إمساعيل األمري الصنعاين)) حتقيق سعد بن‬

‫عبد اهلل السعدان‪.‬ـ‬

‫‪45‬‬
‫ووصفهم يف كتابه بأهنم ال يعصون اهلل ما أمرهم ويفعلونـ ما يؤمرون‪،‬‬
‫وأهنم يسبِّحون له بالليل والنهار ال يفرتون‪.‬ـ‬
‫فيجب علينا اإلميان مبا ورد يف حقهم من صفات وأعمال يف الكتاب‬
‫عما وراء ذلك؛ فإن هذا من شؤون الغيبـ اليت ال نعلم‬ ‫والسنَّة‪ ،‬واإلمساك َّ‬
‫منها إال ما علَّمنا اهلل ورسوله‪.‬‬
‫والكتب‪:‬مجع كتاب‪ ،‬وهو ِمن ال َكْتب؛ مبعىن‪ :‬اجلمع والضم‪ ،‬واملراد هبا‬
‫املنزلة من السماء على الرسل عليهم الصالة والسالم‪.‬‬ ‫الكتب َّ‬
‫واملعلوم لنا منها‪ :‬صحف إبراهيم‪ ،‬والتوراةـ اليت أُنزلت على موسى يف‬
‫والزبور الذي أُنزل على داود‪،‬‬
‫األلواح‪ ،‬واإلجنيل الذي أُنزل على عيسى‪َّ ،‬‬

‫هذا جزءٌ من حديث جربيل املشهور ؛ رواه مسلم‪ ،‬وهو أول حديث‬
‫‪)(1‬‬
‫يفتتح به الصحيح (‪-1/259‬نووي)‪ ،‬ورواه أبو داود يف السنة‪( ،‬باب‪:‬‬

‫أيضا‪،‬‬
‫القدر) (‪-12/459‬عون)‪،‬ـ والرتمذي يف اإلميان‪ ،‬والنسائيـ فيه ً‬
‫(باب‪ :‬نعت اإلسالم)؛ كلهم من حديث عمر ابن اخلطاب رضي اهلل‬

‫عنه‪.‬‬

‫كما رواه البخاري‪ ،‬ومسلم‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬وابن ماجه؛ من حديث‬


‫أيب هريرة وأيب ذر رضي اهلل عنهما‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫والقرآن الكرمي الذي هو آخرها نزوالً‪ ،‬وهو املصدِّق هلا‪ ،‬واملهيمن عليها‪،‬‬
‫وما عداها جيب اإلميان به إمجاالً‪.‬‬
‫والرسل‪ :‬مجع رسول‪ ،‬وقد تقدم أنه من أوحى اهلل إليه بشرع وأمره‬
‫بتبليغه‪.‬‬
‫وعلينا أن نؤمن تفصيالًـ مبَن مسَّى اهلل يف كتابه منهم‪ ،‬وهم مخسة‬
‫وعشرون‪ ،‬ذكرهم الشاعر يف قوله‪:‬‬

‫َا‪ِ )1( ‬مْن ُه ْم مَثَانِيَة‬


‫ُن‬‫َّت‬
‫ُج‬ ‫ْكَ ح‬‫يفَ‪‬ت‬
‫ِل‬

‫ِل‬
‫ْكَ‬‫َت‬‫يعين الشاعر قوله تعاىل يف سورة األنعام (‪  :)86-83‬و‬ ‫‪)(1‬‬
‫ِ‬
‫ِه‬ ‫َو‬
‫ْم‬ ‫ََ‬
‫لى ق‬‫َع‬ ‫ِيم‬‫َاه‬‫بر‬ ‫ها(‪)1‬إ‬
‫ِْ‬ ‫َاَ‬ ‫ْن‬
‫تي‬‫َا آَ‬
‫ُن‬‫َّت‬
‫ُج‬ ‫ح‬
‫ِيم‬
‫ٌ‬ ‫َك‬
‫بكَ ح‬ ‫نر‬
‫ََّ‬ ‫َّشَاء إ‬
‫َِّ‬ ‫َاتٍ َّ‬
‫من ن‬ ‫َج‬‫در‬
‫َُ‬‫َع‬‫ْف‬
‫نر‬ ‫َ‬
‫َ(‪)3‬‬‫َق‬
‫ِسْح‬ ‫َا َلُ‬
‫ه(‪)2‬إ‬ ‫ْن‬‫هب‬
‫ََ‬‫َو‬ ‫ٌ* و‬‫ِيم‬‫َل‬‫ع‬
‫ِن‬
‫َا م‬
‫ين‬‫دْ‬‫هَ‬
‫ًا َ‬
‫ُوح‬‫َن‬
‫َا(‪)4‬و‬
‫ين‬‫دْ‬
‫هَ‬‫ُالًّ َ‬
‫َك‬‫ُوب‬
‫ْق‬‫يع‬
‫ََ‬‫و‬
‫َان(‬
‫ْم‬ ‫َسَُ‬
‫لي‬ ‫د(‪)6‬و‬‫ُوَ‬
‫داو‬
‫ِه(‪َ)5‬‬ ‫يت‬ ‫ُر‬
‫َِّّ‬ ‫ِن ذ‬‫َم‬‫ُو‬ ‫َب‬
‫ْل‬ ‫ق‬
‫موسَى(‬
‫َُ‬‫َ(‪)9‬و‬
‫يوسُف‬
‫َُ‬‫َ(‪)8‬و‬ ‫يوب‬ ‫َُّ‬
‫َأ‬‫‪ )7‬و‬
‫َ *(‬ ‫ِن‬
‫ِين‬ ‫ْس‬
‫ُح‬‫الم‬
‫ِي ْ‬
‫ْز‬‫نج‬
‫ِكَ َ‬‫ََ‬
‫ذل‬ ‫َك‬
‫نو‬‫ُوَ‬
‫هار‬
‫ََ‬‫‪)10‬و‬
‫ِيسَى(‬
‫َع‬‫َى(‪)13‬و‬
‫ْي‬‫يح‬
‫ََ‬‫يا (‪)12‬و‬ ‫َر‬
‫َِّ‬ ‫َك‬
‫َز‬‫‪)11‬و‬
‫َ *(‬
‫ِحِين‬
‫َّال‬
‫َ الص‬
‫من‬ ‫ُل‬
‫ٌّ ِّ‬ ‫َاسَ ك‬
‫ِْلي‬
‫َإ‬‫‪)14‬و‬
‫َ(‬
‫َسَع‬
‫الي‬ ‫َ(‪)16‬و‬
‫َ ْ‬ ‫ِيل‬
‫َاع‬
‫ِسْم‬
‫َإ‬‫‪)15‬و‬

‫‪47‬‬
‫ِ ِ‬
‫وه ُم‬ ‫م ْن َب ْعد َع ْش ٍر َ‬
‫ويْب َقى َسْب َعةٌ ُ‬
‫صالِ ٌح و َكذا‬
‫ب َ‬
‫ود ُش َعْي ٌ‬
‫يس ُه ُ‬ ‫ِ‬
‫ْإدر ُ‬
‫آد ُم بامل ْختَا ِر قَ ْد ُختِ ُموا‬
‫َ‬
‫ذُو ِ‬
‫الك ْف ِل‬
‫ُ‬
‫وأما َمن عدا هؤالء من الرسل واألنبياء؛ فنؤمن هبم إمجاالً على معىن‬
‫بنبوهِت م ورسالتهم‪ ،‬دون أن نكلِّف أنفسنا البحث عن عدهتم‬ ‫االعتقاد َّ‬
‫اختص اهلل بعلمه؛ قال تعاىل‪:‬‬
‫َّ‬ ‫وأمسائهم‪ ،‬فإن ذلك مما‬
‫ُسُالً‬‫َر‬‫ُو‬ ‫ْل‬‫َب‬ ‫ِن ق‬ ‫ْكَ م‬ ‫لي‬ ‫ََ‬‫ْع‬ ‫هم‬ ‫َاُ‬ ‫ْن‬ ‫َص‬
‫َص‬ ‫دق‬ ‫َْ‬‫ُسُالً ق‬ ‫َر‬
‫‪ ‬و‬
‫ْكَ ‪.)1( ‬‬ ‫ََ‬
‫لي‬ ‫ْع‬ ‫هم‬
‫ُْ‬ ‫ُص‬‫ْص‬ ‫نق‬ ‫َْ‬‫َّلم‬
‫مجيع ما أُرسلوا به على ما أمرهم اهلل عز وجل‪،‬‬ ‫وجيب اإلميان بأهنم بلَّغوا َ‬
‫أحدا ممَّن أُرسلوا إليه جهله‪ ،‬وأهنم معصومونـ من‬
‫وبيَّنوهـ بيانًا ال يسع ً‬
‫الكذب واخليانة‪ ،‬والكتمانـ والبالدة‪.‬‬
‫وأن أفضلهم أولو العزم‪ ،‬واملشهور أهنم‪ :‬حممد‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬وموسى‪،‬‬
‫معا يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫وعيسى‪ ،‬ونوح؛ ألهنم ذُكروا ً‬

‫ََ‬
‫لى‬ ‫َا ع‬
‫لن‬‫َّْ‬
‫ُالًّ فض‬
‫َك‬‫ًا و‬
‫َُلوط‬
‫ُسَ(‪)18‬و‬
‫يون‬
‫َُ‬‫‪)17‬و‬
‫َ ‪ ‬فهؤلاء ثمانية عشر نبيًّا‪ ،‬وبقي‬‫ِين‬ ‫َ َ‬
‫الم‬ ‫الع‬
‫ْ‬
‫سبعة أنبياء ذكرهم في البيت الثاني‪.‬‬
‫النساء‪.)164( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪48‬‬
‫هم‬
‫ْ‬ ‫َُ‬‫َاق‬ ‫ِيث‬ ‫َم‬ ‫ِّين‬ ‫ِي‬ ‫َّب‬
‫َ الن‬ ‫ِن‬ ‫َا م‬ ‫ذن‬ ‫َْ‬‫َخ‬ ‫ْأ‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬ ‫‪ ‬و‬
‫ِيسَى‬ ‫َع‬
‫موسَى و‬ ‫َُ‬‫َو‬ ‫ِيم‬ ‫َاه‬ ‫بر‬‫ِْ‬‫َإ‬
‫ُّوحٍ و‬ ‫ِن ن‬ ‫َم‬ ‫ِنكَ و‬ ‫َم‬‫و‬
‫َ ‪. ) 1( ‬‬ ‫يم‬‫َْ‬ ‫مر‬ ‫بنِ َ‬ ‫اْ‬
‫ِ‬
‫ِه‬‫َّى ب‬‫َص‬ ‫ما و‬ ‫الدينِ َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫من‬‫ُم ِّ‬ ‫َ َلك‬ ‫َع‬‫وقوله‪  :‬شَر‬
‫َا‬ ‫ْن‬‫َّي‬
‫َص‬‫ما و‬ ‫ََ‬ ‫ْكَ و‬ ‫َِلي‬ ‫َا إ‬ ‫ْن‬‫َي‬
‫ْح‬‫َو‬ ‫ِي أ‬ ‫الذ‬ ‫َ َّ‬ ‫ًا و‬ ‫ُوح‬ ‫ن‬
‫ُوا‬ ‫ِيم‬ ‫َق‬‫نأ‬ ‫َْ‬ ‫ِيسَى أ‬ ‫َع‬ ‫موسَى و‬ ‫َُ‬ ‫َو‬ ‫ِيم‬ ‫َاه‬ ‫بر‬ ‫ِْ‬‫ِإ‬ ‫ِه‬‫ب‬
‫ِيه ‪.)2( ‬‬ ‫ُوا ف‬ ‫َّق‬
‫َر‬ ‫َف‬ ‫تت‬ ‫َال َ‬ ‫َو‬ ‫الدين‬ ‫ِّ‬
‫و((البعث)) يف األصل‪ :‬اإلثارة والتحريك ‪ ،‬واملـراد به يف لسـان الشرع‪:‬‬
‫إخراج املوتى من قبورهم أحياء يوم القيامة؛ لفصل القضاء بينهم‪ ،‬فمن‬
‫ذر ٍة ًّ‬
‫شرا يره‪.‬‬ ‫ومن يعمل مثقال َّ‬ ‫خريا يره‪َ ،‬‬‫ذرة ً‬ ‫يعمل مثقال َّ‬
‫مجع ما‬
‫وجيب اإلميان بالبعثـ على الصفة اليت بيَّنها اهلل يف كتابه‪،‬وهو أنه ُ‬
‫حتلَّل من أجزاء األجساد اليت كانت يف الدنيا‪ ،‬وإنشاؤها خل ًقا ً‬
‫جديدا‪،‬‬
‫وإعادةُ احلياة إليها‪.‬‬
‫أقر به‬
‫وأما َمن َّ‬
‫ومنكر البعثـ اجلسماين ـ كالفالسفة والنصارى ـ كافر‪ّ ،‬‬
‫أجسام غري األجسام اليت كانت يف‬ ‫ٍ‬ ‫ولكنه زعم أن اهلل يبعث األرواح يف‬
‫وفاسق‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الدنيا؛ فهو مبتدعٌ‬
‫قدرت الشيء ‪ -‬بفتح‬
‫ُ‬ ‫وأما ((القدر))؛ فهو يف األصل‪ ،‬مصدر تقول‪:‬‬
‫أحطت مبقداره‪.‬‬
‫َ‬ ‫الدال وختفيفهاـ ‪ -‬أقْ ِد ُرهُ ‪ -‬بكسرها ‪ -‬قَ ْد ًرا وقَ َد ًرا؛ إذا‬

‫األحزاب‪.)7( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫الشورى‪.)13( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪49‬‬
‫واملراد به يف لسان الشرع أن اهلل عز وجل علم مقادير األشياء وأزماهنا‬
‫أزالً‪ ،‬مث أوجدها بقدرته ومشيئته على وفق ما علمه منها‪ ،‬وأنه كتبها يف‬
‫اللوح قبل إحداثها؛ كما يف احلديث‪:‬‬
‫((أول ما خلق اهلل القلم‪ ،‬فقال لـه‪ :‬اكتب‪.‬ـ قال‪ :‬وما أكتب؟ قال‪ :‬اكتب‬
‫كل ما هو كائن))(‪.)1‬‬
‫َال‬ ‫ضو‬ ‫ِْ‬ ‫ِي األَر‬ ‫ٍف‬ ‫َة‬ ‫ِيب‬ ‫مص‬ ‫ِن ُّ‬ ‫َم‬ ‫َاب‬ ‫َص‬ ‫ما أ‬ ‫وقال تعاىل‪َ  :‬‬
‫َن‬ ‫ِأ‬
‫ْل‬ ‫َب‬ ‫من ق‬ ‫َابٍ ِّ‬ ‫ِت‬‫ِي ك‬ ‫ِالَّ ف‬
‫ْإ‬ ‫ُم‬ ‫ِك‬ ‫ُس‬‫َنف‬ ‫ِي أ‬ ‫ف‬
‫ها ‪.)2( ‬‬ ‫ََ‬ ‫َأ‬‫ْر‬ ‫نب‬ ‫َّ‬
‫ف بِِه َن ْف َسهُ يِف كِتِابِِه الْ َع ِزي ِز‪،‬‬ ‫ص َ‬
‫مِب‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫(وم َن اإلميَان بِاهلل‪ :‬ا ِإلميَا ُن َا َو َ‬
‫َ‬
‫يف َوالَ َت ْع ِط ٍيل‪،‬‬ ‫ومِبَا وص َفهُ بِِه رسولُهُ حُمَ َّم ٌد ‪‬؛ ِمن َغرْيِ حَتْ ِر ٍ‬
‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ َ‬
‫يف َوالَ مَتْثِ ٍيل)‪.‬‬‫و ِمن َغرْيِ تَ ْكيِ ٍ‬
‫َ ْ‬
‫‪/‬ش‪ /‬وقولـه‪(( :‬ومن اإلميان باهلل… إخل))‪ :‬هذا شروعٌ يف التفصيل بعد‬
‫اإلمجال‪ ،‬و(من) هنا للتبعيض‪،‬ـ واملعىن ومن مجلة إميان أهل السنة واجلماعة‬
‫باألصل األول الذي هو أعظم األصول وأساسها‪ ،‬وهو اإلميان باهلل‪ :‬أهنم‬
‫يؤمنونـ مبا وصف به نفسه… إخل‪.‬‬

‫(صحيح)‪ .‬سيأيت خترجيه (ص‪.)254‬‬


‫‪)(1‬‬
‫احلديد‪.)22( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪50‬‬
‫وقولـه‪(( :‬من غري حتريف)) متعلِّ ٌق باإلميان قبله؛ يعين أهنم يؤمنون‬
‫بالصفات اإلهلية على هذا الوجه اخلايل من كل هذه املعاين الباطلة؛ إثباتًا‬
‫وتنزيها بال تعطيل‪.‬‬
‫ً‬ ‫بال متثيل‪،‬‬
‫حرفت الشيء عن وجهه حرفًا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫والتحريف يف األصل مأخوذ من قوهلم‪:‬‬
‫من باب ضرب؛ إذا أملته وغريته‪ ،‬والتشديد للمبالغة‪.‬‬
‫وحتريف الكالم‪ :‬إمالته عن املعىن املتبادر منه إىل معىن آخر ال ُّ‬
‫يدل عليه‬
‫مرجوح‪ ،‬فال بد فيه من ٍ‬
‫قرينة تبنِّي أنه املراد(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫اللفظ إال باحتمال‬
‫اخللو والفراغ والرتك‪،‬‬
‫وأما التعطيل؛ فهو مأخوذ من العطل‪ ،‬الذي هو ُّ‬
‫ومنه قوله تعاىل‪:‬‬
‫لة ‪.)2(‬‬ ‫ََّ‬‫َط‬‫مع‬ ‫ْر‬
‫ٍ ُّ‬ ‫ِئ‬‫َب‬ ‫‪ ‬و‬
‫أي‪ :‬أمهلها أهلها‪ ،‬وتركوا ِو ْردها‪.‬‬
‫واملراد به هنا نفي الصفات اإلهلية‪ ،‬وإنكار قيامها بذاته تعاىل(‪.)3‬‬

‫والتحريف يكون يف اللفظ واملعىن‪ ،‬أما يف اللفظ؛ فمثاله نصب اسم‬


‫‪)(1‬‬

‫ِيم‬
‫ً‬ ‫ْل‬‫تك‬
‫موسَى َ‬
‫ُُ‬‫َ هَّللا‬
‫َلم‬ ‫اجلاللة بدل رفعه يف قوله تعاىل ‪  :‬و‬
‫َكَّ‬
‫َى‪‬؛ أي‪:‬‬
‫َو‬‫‪ ،‬وأما في المعنى؛ فمثاله قولهم‪ :‬اسْت‬
‫استوىل‪ ،‬ويده؛ أي‪ :‬قدرته‪.‬‬

‫احلج‪.)45( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪51‬‬
‫فالفرق بني التحريف والتعطيل‪ :‬أن التعطيل نفي للمعىن احلق الذي َّ‬
‫دل‬ ‫ٌ‬
‫وأما التحريف؛ فهو تفسري النصوص باملعاين الباطلة‬ ‫عليه الكتاب والسنة‪ّ ،‬‬
‫اليت ال ُّ‬
‫تدل عليها‪.‬‬
‫أعم مطل ًقا من‬
‫والنسبة بينهما العموم واخلصوصـ املطلق‪ ،‬فإن التعطيل ُّ‬
‫التحريف؛ مبعىن أنه كلما وجد التحريف؛ وجد التعطيل؛ دون العكس‪،‬ـ‬
‫معا فيمن أثبت املعىن الباطل ونفى املعىن احلق‪ ،‬ويوجد‬ ‫وبذلك يوجدان ً‬
‫التعطيل بدون التحريف فيمن نفي الصفات الواردة يف الكتاب والسنة‪،‬‬
‫وزعم أن ظاهرها غري مرادها‪ ،‬ولكنه مل يُ َعنِّي هلا معىًن آخر‪ ،‬وهو ما‬
‫يسمونه بالتفويض‪.‬‬
‫السلف؛ كما نسب ذلك إليهم‬ ‫ومن اخلطأ القول بأن هذا هو مذهب َّ‬
‫(‪) 1‬‬
‫يفوضون يف‬ ‫املتأخرون من األشاعرة وغريهم‪ ،‬فإن السلف مل يكونواـ ِّ‬
‫كالما ال يفهمون معناه؛ بل كانوا يفهمون‬ ‫علم املعىن‪ ،‬وال كانوا يقرؤون ً‬
‫يفوضونـ‬ ‫معاين النصوصـ من الكتاب والسنة‪ ،‬ويثبتوهنا هلل عز وجل‪ ،‬مث ِّ‬

‫التعطيل قسمان‪ :‬كلي؛ كما فعل نفاة الصفات من اجلهمية واملعتزلة‪،‬ـ‬


‫‪)(3‬‬
‫وجزئي كما فعل األشاعرة الذين يثبتون سبع صفات فقط‪ ،‬وينفونـ‬

‫الباقي‪.‬‬

‫سيأيت التعريف هبم (ص‪.)130‬‬


‫‪)(1‬‬

‫‪52‬‬
‫فيما وراء ذلك من ُكْن ِه الصفات أو كيفيَّاهتا(‪)1‬؛ كما قال مالك حني ُسئِ َل‬
‫عن كيفية استوائهـ تعاىل على العرش‪:‬‬
‫جمهول))(‪.)2‬‬
‫ٌ‬ ‫والكيف‬
‫ُ‬ ‫معلوم‪،‬‬
‫((االستواء ٌ‬
‫وأما قوله‪(( :‬ومن غري تكييف وال متثيل))؛ فالفرق بينهما أن التكييفـ أن‬
‫يعتقد أن صفاته تعاىل على كيفية كذا‪،‬أو يسأل عنها بكيف‪.‬‬

‫املفوضة‪ :‬هم الذين يُثْبِتُونـ الصفات‪ِّ ،‬‬


‫ويفوضون علم معانيها إىل اهلل‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪)(1‬‬

‫وأهل السنّة واجلماعة يُثْبِتُون الصفات وعلم معانيها‪ِّ ،‬‬


‫ويفوضونـ‬
‫علم كيفيتهاـ إىل اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ض علمها إىل اهلل؛ قلنا لـه‪ :‬ماذا‬
‫وأفو ُ‬
‫ومن قال‪ :‬أنا أثبت الصفات ِّ‬
‫َ‬
‫تعين بعلمها؟ علم املعىن؟ أم علم الكيفية؟‬

‫ذكره البيهقي يف ((األمساء والصفات)) (‪ )515‬عن اإلمام مالك‬


‫‪)(2‬‬

‫=‬ ‫جوده احلافظ يف ((الفتح)) (‪.)13/407‬‬


‫بإسناد َّ‬
‫وورد عن ربيعة الرأي‪ ،‬شيخ مالك‪ .‬ذكره‪ :‬البيهقي يف ((األمساء‬

‫والصفات)) (ص‪ ،)516‬والاللكائي يف ((شرح اعتقاد أهل السنة)) (‬

‫‪.)3/398‬‬

‫مرفوعا وموقوفًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أيضا عن أم سلمة‬
‫وورد ً‬

‫‪53‬‬
‫وأما التمثيل؛ فهو اعتقاد أهنا مثل صفات املخلوقني‪.‬‬
‫وليس املراد من قوله‪(( :‬من غري تكييف))ـ أهنم ينفون الكيف مطل ًقا؛ فإن‬
‫كل شيء ال بد أن يكونـ على كيفية ما‪ ،‬ولكن املراد أهنم ينفون علمهم‬
‫بالكيف؛ إذ ال يعلم كيفية ذاته وصفاته إال هو سبحانه‪.‬‬
‫يع‬ ‫َن اهلل ‪‬لَيس َك ِمثْلِ ِه َشيء وهو َّ ِ‬ ‫(بَ ْل يُ ْؤ ِمنُو َـن بِأ َّ‬
‫السم ُ‬ ‫ْ ٌ َ َُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫الب ِ‬
‫صريُـ‪.))1(‬‬ ‫َ‬
‫ِه ‪‬؛ هذه اآلية احملكمة من كتاب اهلل عز‬ ‫ْل‬‫ِث‬
‫َم‬ ‫ْسَ ك‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪َ :‬لي‬
‫وجل هي دستور(‪ )2‬أهل السنة واجلماعة يف باب الصفات‪ ،‬فإن اهلل عز‬
‫وجل قد مجع فيها بني النفي واإلثبات‪،‬ـ فنفى عن نفسه املثل‪ ،‬وأثبتـ‬
‫ولكن قال ابن تيمية يف ((الفتاوى)) (‪:)5/365‬‬

‫((وقد ُر ِو َ‬
‫ي هذا اجلواب عن أم سلمة رضي اهلل عنها موقوفًا‬

‫ومرفوعا‪ ،‬ولكن ليس إسناده مما يُ ْعتَ َم ُد عليه))‪.‬‬


‫ً‬
‫وقال األلباين عن املرفوع يف ((شرح الطحاوية)) (ص‪:)281‬‬

‫((ال يصح))‪.‬‬

‫مث قال‪:‬‬

‫((والصواب عن مالك أو أم سلمة‪ ،‬واألول أشهر))‪.‬‬

‫الشورى‪.)11( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪54‬‬
‫فدل هذا على أن املذهبـ احلق ليس هو نفي الصفات‬ ‫مسعا وبصرا‪َّ ،‬‬ ‫لنفسه ً‬
‫ً‬
‫مطل ًقا؛ كما هو شأن املعطِّلة‪ ،‬وال إثباهتا مطل ًقا؛ كما هو شأن املمثِّلة؛ بل‬
‫إثباهتا بال متثيل‪.‬‬
‫ء ‪ ‬على وجوه ؛‬ ‫ف يف إعراب ‪َ  :‬لي‬ ‫ِ‬
‫ِ شَيٌْ‬ ‫ِه‬‫ْل‬ ‫ِث‬‫َم‬ ‫ْسَ ك‬ ‫وقد اختُل َ‬
‫زيدت للتأكيد؛ كما يف قول الشاعر‪:‬‬ ‫الكاف صلةٌ َ‬‫َ‬ ‫أصحها‪ :‬أن‬
‫ُّ‬

‫لَْيس َك ِمثْ ِل الْ َفىَت ُزهَرْيٍ‬


‫َ‬
‫ضائِ ِل‬ ‫ِ‬
‫َخ ْل ٌق يُ َوا ِزيه يِف ال َف َ‬
‫(فَالَ يْن ُفو َن عْنه ما وصف بِِه نَ ْفسه‪ ،‬والَ حُي ِّرفُو َن الْ َكلِم عن َّمو ِ‬
‫اضعِ ِه‪َ ،‬والَ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫ََُ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ص َف ِ‬
‫ات‬ ‫ي ْل ِح ُدو َن يِف أَمْس ِاء ِ‬
‫اهلل وآياتِِه‪ ،‬والَ ي َكِّي ُفو َن والَ مُيَِّثلُو َن ِص َفاتِِه بِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َخ ْل ِق ِه)‪.‬‬
‫تفريع على ما قبله؛ فإهنم إذا كانوا‬ ‫‪/‬ش‪/‬وقوله‪(( :‬فال َيْنفو َـن عنه‪..‬إخل)) ٌ‬
‫حيرفو َن ‪ ،‬وال يكيِّفونـ وال‬ ‫يؤمنونـ باهلل على هذا الوجه ؛ فال ينفون وال ِّ‬
‫ميثلُون‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫واملواضع‪ :‬مجع موضع‪ ،‬واملراد هبا املعاين اليت جيب تنزيل الكالمـ عليها؛‬
‫يعدلون به عنها‪.‬‬ ‫ألهنا هي املتبادرة منه عند اإلطالق‪،‬ـ فهم ال ِ‬

‫كلمة فارسية مبعىن قانون أو أساس‪ ،‬ويف ((التاج))‪(( :‬النسخة املعمولة‬


‫‪)(2‬‬
‫للجماعات))‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫وأما قولـه‪(( :‬وال يُْل ِحدون يف أمساء اهلل وآياته))؛ فقد قال العالمة ابن‬
‫القيِّم رمحه اهلل‪:‬‬
‫((واإلحلاد يف أمسائه هو العدول هبا وحبقائقها ومعانيها عن احلق الثابتـ‬
‫هلا؛ مأخوذٌ من امليل؛ كما يدل عليه مادة (ل ح د)‪ ،‬فمنه اللحد‪ ،‬وهو‬
‫الشق يف جانب القرب‪ ،‬الذي قد مال عن الوسط‪ ،‬ومنه امل ْل ِحد يف الدين‪:‬‬
‫ُ‬
‫املائل عن احلق‪ ،‬امل ْد ِخل فيه ما ليس منه))‪ .‬اهـ‬
‫ُ‬
‫فاإلحلاد فيها إما أن يكونـ جبحدها وإنكارها بالكليَّة‪ ،‬وإما جبحد معانيها‬
‫وتعطيلها‪ ،‬وإما بتحريفها عن الصوابـ وإخراجها عن احلق بالتأويالتـ‬
‫الفاسدة‪ ،‬وإما جبعلها أمساء لبعض املبتَ َدعات؛ كإحلاد أهل االحتاد‪.‬‬
‫ُ‬
‫وخالصة ما تقدم‪:‬‬
‫أن السلف رضي اهلل عنهم يؤمنون بكل ما أخرب اهلل به عن نفسه يف‬
‫كتابه‪ ،‬وبكل ما أخرب به عنه رسوله ‪ ‬إميانًا ساملا من التحريف والتعطيل‪،‬‬
‫ً‬
‫ومن التكييفـ والتمثيل‪ ،‬وجيعلون الكالم يف ذات الباري وصفاته بابًا‬
‫واحدا؛ فإن الكالم يف الصفات فرعُ الكالم يف الذات‪ ،‬حُيْتَ َذى فيه َح ْذ ُوه‪،‬‬ ‫ً‬
‫وجود ال إثبات تكييف؛ـ فكذلك إثبات‬ ‫ٍ‬ ‫إثبات‬
‫فإذا كان إثبات الذات َ‬
‫الصفات‪.‬‬
‫ومن مل‬ ‫وقد يعرِّب ون عن ذلك بقوهلم‪(( :‬مُتَُّر َكما جاءت بال تأويل))‪َ ،‬‬
‫التعرض‬
‫ظن أ ّن غرضهم هبذه العبارة هو قراءة اللفظ دون ُّ‬ ‫يفهم كالمهم؛ َّ‬

‫‪56‬‬
‫للمعىن‪ ،‬وهو باطل‪ ،‬فإن املراد بالتأويلـ املنفيـ هنا هو حقيقة املعىن وكنهه‬
‫وكيفيته(‪.)1‬‬
‫قال اإلمام أمحد رمحه اهلل‪:‬‬
‫ف اهلل إال مبا وصف به نفسه‪ ،‬أو وصفه به رسوله‪ ،‬وال يتجاوز‬ ‫يوص ُ‬
‫((ال َ‬
‫القرآن واحلديث))(‪.)2‬‬
‫وقال نُعيم بن محَّاد (شيخ البخاري)‪:‬‬
‫ومن جحد ما وصف اهلل به نفسه؛ كفر‪،‬‬ ‫((من شبَّه اهللَ خبلقه؛ كفر‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫متثيل))(‪.)3‬‬
‫وليس فيما وصف اهلل به نفسه أو وصفه به رسوله تشبيهٌ وال ٌ‬

‫ومما يؤيِّد ذلك أهنم كانوا يقولونـ أحيانًا‪(( :‬مُتَُّر كما جاءت؛ بال‬
‫‪)(1‬‬
‫كيف))‪ ،‬وما كانوا يقولون‪(( :‬مُتَُّر كما جاءت بال معىن))‪ ،‬فعُلِ َم من ذلك‬

‫أهنم يُثْبِتُونـ املعىن‪ ،‬وينفون الكيف‪.‬‬

‫والشارح يعين بقولـه‪(( :‬حقيقة املعىن))؛ أي‪ :‬الكيفية؛ يفرق بني‬

‫املعىن وحقيقة املعىن‪ ،‬فيثبتونـ املعىن وينفون حقيقته‪ ،‬وهي الكيفية‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬جمموع الفتاوى)) (‪.)5/26‬‬


‫‪)(2‬‬
‫أورده الذهيب بإسناده يف كتاب ((العلو))‪ ،‬وقال األلباين يف ((خمتصر‬
‫‪)(3‬‬
‫العلو)) (ص‪:)184‬‬

‫‪57‬‬
‫فءَ لَهُ‪َ ،‬والَ نِ َّد لهُ)‪.‬‬ ‫(ألَنَّهُ ُسْب َحانَهُ‪ :‬الَ مَسِ َّي لَهُ‪َ ،‬والَ ُك ْ‬
‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪(( :‬ألنه سبحانه ال مسي لـه… إخل))؛ تعليل لقوله فيما تقدم‬
‫إخبارا عن أهل السنة واجلماعة‪(( :‬ال يكيِّفون وال ميثِّلون))‪.‬‬ ‫ً‬
‫(‪) 1‬‬
‫يستحق مثل امسه ‪ ،‬أو ال‬ ‫ُّ‬ ‫مسي لـه )) أي ‪ :‬ال نظري لـه‬‫ومعىن ‪ (( :‬ال َّ‬
‫دل على نفيه قوله تعاىل يف سورة مرمي‪:‬‬ ‫مسامي له يساميه‪ ،‬وقد َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ًّا ‪.)2( ‬‬ ‫ِي‬ ‫ه سَم‬ ‫ُ َلُ‬ ‫لم‬ ‫َْ‬ ‫تع‬ ‫َْ‬ ‫هل‬ ‫‪َِ‬‬
‫إنكاري‪ ،‬معناه النفي‪.‬ـ‬
‫ٌّ‬ ‫فإن االستفهام هنا‬

‫صحيح))‪ .‬اهـ‬
‫ٌ‬ ‫إسناد‬
‫((وهذا ٌ‬
‫ونُ َعيم بن محاد‪ :‬هو أبو عبد هلل نعيم بن محاد بن معاوية بن‬

‫احلارث اخلُزاعي املروزي‪ ،‬قال اخلطيب‪(( :‬يقال إنه َّأول من مجع املسند يف‬

‫احلديث))‪ .‬وهو أعلم الناس بالفرائض‪ ،‬كان شديد الرد على اجلهمية وأهل‬

‫األهواء‪ ،‬تويف سنة (‪228‬هـ)‪.‬‬

‫انظر‪( :‬ص‪.)163‬‬
‫‪)(1‬‬

‫ما‬
‫ََ‬‫ضو‬‫َاألَر‬
‫ِْ‬ ‫َاتِ و‬
‫َاو‬
‫ُّ السَّم‬
‫َب‬ ‫ر‬ ‫مرمي‪:)65( :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫هل‬
‫ْ‬ ‫َِ‬
‫ِه‬‫دت‬ ‫ِب‬
‫َاَ‬ ‫ِْ‬
‫لع‬ ‫ِر‬
‫َب‬‫ْط‬
‫َاص‬
‫هو‬‫دُ‬
‫ُْ‬‫ْب‬
‫َاع‬
‫َا ف‬
‫هم‬ ‫ْن‬
‫َُ‬ ‫بي‬
‫َ‬
‫ًّا ‪.‬‬
‫ِي‬ ‫ُ َلُ‬
‫ه سَم‬ ‫لم‬‫َْ‬
‫تع‬‫َ‬

‫‪58‬‬
‫يسمى مبثل أمسائه‪ ،‬فإن هناك أمساء‬ ‫السمي أن غريه ال َّ‬ ‫ِّ‬ ‫وليس املراد من نفي‬
‫ولكن املقصود أن هذه األمساء إذا مسِّي اهلل هبا؛‬ ‫مشرتكة بينه وبني خلقه‪َّ ،‬‬
‫خمتصا به ال يَ ْشَر ُكهُ فيه غريه‪ ،‬فإن االشرتاكـ إمنا هو يف مفهوم‬ ‫كان معناها ًّ‬
‫االسم الكلِّي‪ ،‬وهذا ال وجود لـه إالَّ يف الذهن‪ ،‬وأما يف اخلارج؛ فال‬
‫خمتصا‪ ،‬وذلك حبسب ما يضاف إليه‪ ،‬فإن أضيف‬ ‫يكون املعىن إال جزئيًّا ًّ‬
‫خمتصا به‪ ،‬ال يشاركه فيه العبد‪ ،‬وإن أضيف إىل العبد‬ ‫ب؛ كان ًّ‬ ‫الر ِّ‬
‫إىل َّ‬
‫خمتصا به ال يشاركه فيه الرب‪.‬‬ ‫كان ًّ‬
‫دل على نفيه قوله تعاىل‪:‬‬ ‫وأما الكفء؛ فهو املكافئـ املساوي‪ ،‬وقد َّ‬
‫د ‪.)1(‬‬ ‫ٌَ‬ ‫َح‬‫ًا أ‬ ‫ُو‬ ‫ُف‬ ‫هك‬ ‫ُن َّلُ‬ ‫يك‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬ ‫‪ ‬و‬
‫وأما النِّدُّ؛ فمعناه املساوي املناوئ؛ قال تعاىل‪:‬‬
‫‪ ‬فَالَ جَتْ َعلُواْ لِلّ ِه أ َ‬
‫َنداداً َوأَنتُ ْم َت ْعلَ ُمو َن ‪.)2(‬‬
‫اس خِب َْل ِق ِه ُسْب َحانَهَ َوَت َعاىَل )‪.‬‬‫(والَ يُ َق ُ‬
‫‪/‬ش‪ /‬وأما قولـه‪(( :‬يقاس خبلقه))؛ فاملقصود به أنه ال جيوز استعمال ٍ‬
‫شيء‬ ‫ُ ُ‬
‫من األقيسة اليت تقتضي املماثلة واملساواةـ بني امل ِقيس وامل ِقيسـ عليه يف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الشؤون اإلهلية‪.‬‬

‫اإلخالص‪.)4( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫البقرة‪.)22( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪59‬‬
‫يعرفه علماء األصول بأنه إحلاق فرع بأصل‬ ‫وذلك مثل قياس التمثيل الذي ِّ‬
‫يف حك ٍم جامع؛ كإحلاق النبيذ باخلمر يف احلرمة الشرتاكهما يف علة‬
‫احلكم‪ ،‬وهي اإلسكار‪.‬‬
‫وجل‬
‫مبين على وجود مماثلة بني الفرع واألصل‪ ،‬واهلل عز َّ‬ ‫فقياس التمثيل ٌّ‬
‫ال جيوز أن ميثِّل بشيء من خلقه‪.‬‬
‫بكلي على‬
‫ومثل قياس الشمول املعروف عند املناطقةـ بأنه االستدالل ٍّ‬
‫جزئي بواسطة اندراج ذلك اجلزئي مع غريه حتت هذا ال ُكلِّي‪.‬‬ ‫ٍّ‬
‫مبين على استواء األفراد املْن َد ِرجة حتت هذا ال ُكلِّي‪ ،‬ولذلك‬‫فهذا القياس ٌّ‬
‫ُ‬
‫ومعلوم أنه ال مساواة بني اهلل عز‬
‫ٌ‬ ‫حُي َكم على كل منها مبا ُح ِك َم به عليه‪.‬‬
‫وجل وبني شيء من خلقه‪.‬‬
‫كل كمال ثبت‬ ‫األوىل‪ ،‬ومضمونه أن َّ‬ ‫وإمنا يُستعمل يف حقه تعاىل قياس ْ‬
‫وكل‬
‫للمخلوق وأمكن أن يتَّصف به اخلالق؛ فاخلالق أوىل به من املخلوق‪َّ ،‬‬
‫بالتنزه عنه‪.‬‬
‫نقص َتَنَّز َه عنه املخلوق؛ فاخلالق أحق ُّ‬ ‫ٍ‬
‫وكذلك قاعدة الكمال اليت تقول‪ :‬إنه إذا قُدِّر اثنان‪:‬ـ أحدمها موصوف‬
‫بصفة كمال‪ ،‬واآلخر ميتنع عليه أن يتصف بتلك الصفة؛ كان األول‬
‫أكمل من الثاين‪ ،‬فيجب إثبات مثل تلك الصفة هلل ما دام وجودها كماالً‬
‫نقصا‪.‬‬
‫وعدمها ً‬

‫‪60‬‬
‫َح َس ُن َح ِديثًا ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫َص َد ُق قيالً‪َ ،‬وأ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫(فَإنَّهُ أ َْعلَ ُم بَِن ْفسه َوبِغَرْيِ ه‪َ ،‬وأ ْ‬
‫َخ ْل ِق ِه‪.‬‬
‫ين َي ُقولُو َن َعلَْي ِه َما‬ ‫ف الَّ ِ‬
‫ذ‬ ‫مُثَّ رسلُه ص ِادقُو َن [مصدَّقون]ـ(‪)1‬؛ خِبِ الَ ِ‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ُُ َ‬
‫الَ َي ْعلَ ُمو َن)‪.‬‬
‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪(( :‬فإنه أعلم بنفسه وبغريه…)) إىل قوله‪ …(( :‬مث رسله‬
‫لصحة مذهب السلف يف اإلميان جبميع‬ ‫تعليل َّ‬
‫صادقون مصدوقون))؛ ٌ‬
‫الصفات الواردة يف الكتاب والسنة؛ فإنه إذا كان اهلل عز وجل أعلم‬
‫بنفسه وبغريه‪ ،‬وكان أصدق قوالً وأحسن حديثًا‪ ،‬وكان رسله عليهم‬
‫الصالة والسالم صادقني يف كل ما خيربون به عنه‪ ،‬معصومني من الكذب‬
‫عليه واإلخبار عنه مبا خيالف الواقع؛ وجب التعويل إذًا يف باب الصفات‬
‫نفيًا وإثباتًا على ما قاله اهلل وقاله رسوله الذي هو أعلم خلقه به‪ ،‬وأن ال‬
‫يُرْت ك ذلك إىل قول َمن يفرتون على اهلل الكذب ويقولونـ عليه ما ال‬
‫يعلمون‪.‬‬
‫صر داللته على املعاين املرادة منه ألحد ثالثة‬
‫وبيان ذلك أن الكالم إمنا َت ْق ُ‬
‫ُ‬
‫أسباب‪ :‬إما جلهل املتكلم وعدم علمه مبا يتكلَّم به‪ ،‬وإما لعدم فصاحته‬
‫وقدرته على البيان‪،‬ـ وإما لكذبه وغشه وتدليسه‪ .‬ونصوص الكتاب والسنة‬
‫بريئة من هذه األمور الثالثة من كل وجه‪ ،‬فكالم اهلل وكالم رسوله يف‬
‫غاية الوضوح والبيان؛ كما أنه املثل األعلى يف الصدق واملطابقةـ للواقع؛‬

‫يف املخطوط و((الفتاوى))‪[ :‬مصدوقون]‪.‬ـ‬


‫‪)(1‬‬

‫‪61‬‬
‫لصدوره عن كمال العلم بالنسب اخلارجية‪ ،‬وهو كذلك صادر عن متام‬
‫النصح‪ ،‬والشفقة‪ ،‬واحلرص على هداية اخللق وإرشادهم‪.‬‬
‫فقد اجتمعت له األمور الثالثة اليت هي عناصر الداللة واإلفهام على أكمل‬
‫وجه‪.‬‬
‫فالرسول ‪ ‬أعلم اخللق مبا يريد إخبارهم به‪ ،‬وهو أقدرهم على بيان ذلك‬
‫واإلفصاح عنه‪ ،‬وهو أحرصهم على هداية اخللق‪ ،‬وأشدُّهم إرادة لذلك‪،‬‬
‫فال ميكن أن يقع يف كالمه شيء من النقص والقصور؛ خبالف كالم‬
‫غريه؛ فإنه ال خيلو من نقص يف أحد هذه األمور أو مجيعها‪ ،‬فال يصح أن‬
‫يُ ْع َد َل بكالمهـ كالم غريه؛ فضالً عن أن يُ ْع َد َل عنه إىل كالم غريه؛ فإن‬
‫هذا هو غاية الضالل‪ ،‬ومنتهى اخلذالن‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ك ر ِّ ِ‬ ‫هِل‬
‫ب الْعَّز ِة َع َّما يَص ُفو َـن * َو َس ٌ‬
‫الم‬ ‫(و ََذا قَ َال‪ُ  :‬سْب َحا َن َربِّ َ َ‬ ‫َ‬
‫ب الْ َعالَ ِمنيَ ‪. ‬‬
‫(‪) 1‬‬ ‫ِ‬
‫ني * َواحْلَ ْم ُد للَّ ِه َر ِّ‬ ‫ِ‬
‫َعلَى الْ ُم ْر َسل َ‬
‫ص َفهُ بِِه الْ ُم َخالُِفو َن لِ ُّلر ُس ِل‪َ ،‬و َسلَّ َم َعلَى‬ ‫فَ َسبَّ َح نَ ْف َسهُ َع َّما َو َ‬
‫ب)‪.‬‬ ‫ص والْ َعْي ِ‬ ‫ني؛ لِ َسالََم ِة َما قَالُوهُ ِم َن َّ‬
‫الن ْق ِ َ‬
‫ِ‬
‫الْ ُم ْر َسل َ‬
‫تعليل ملا تق ّدم من كون كالم اهلل‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬وهلذا قال… إخل))؛ ٌ‬
‫ونصحا‪ ،‬وأبعد عن العيوبـ‬ ‫ً‬ ‫وكالم رسولـه أكمل صدقًا‪ ،‬وأمتُّ بيانًا‬
‫واآلفات من كالم كل أحد‪.‬‬

‫الصافات‪.)182-180( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪62‬‬
‫و((سبحان))؛ اسم مصدر من التسبيح‪ ،‬الذي هو التنزيه واإلبعاد عن‬
‫السوء‪ ،‬وأصله من السبح‪ ،‬الذي هو السرعة واالنطالق واإلبعاد‪ ،‬ومنه‬
‫فرس سبوح؛ إذا كانت شديدة العدو‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫وإضافة الرب إىل العزة من إضافة املوصوف إىل صفته‪ ،‬وهو بدل من‬
‫الرب قبله‪.‬‬
‫الصاحبة‬
‫ينزه نفسه عما ينسبه إليه املشركون من اختاذ َّ‬ ‫فهو سبحانه ِّ‬
‫والولد‪ ،‬وعن كل نقص وعيب‪ ،‬مث يسلِّم على رسله عليهم الصالةـ‬
‫والسالم بعد ذلك؛ لإلشارة إىل أنه كما جيب تنزيه اهلل عز وجل وإبعاده‬
‫عن كل شائبة نقص وعيب‪ ،‬فيجب اعتقاد سالمة الرسل يف أقواهلم‬
‫وأفعاهلم من كل عيب كذلك‪ ،‬فال يكذبون على اهلل‪ ،‬وال يشركون به‪،‬‬
‫وال يغشُّونـ أممهم‪ ،‬وال يقولون على اهلل إال احلق‪.‬‬
‫((واحلمد هلل رب العاملني))؛ ثناءٌ منه سبحانه على نفسه مباله من‬ ‫ُ‬ ‫قوله‪:‬‬
‫نعوت الكمال‪ ،‬وأوصاف اجلالل‪ ،‬ومحيد الفعال‪ ،‬وقد تقدم الكالمـ على‬
‫معىن احلمد‪ ،‬فأغىن عن إعادته‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الن ْف ِي‬
‫بني َّ‬ ‫ف َومَسَّى بِه َن ْف َسهُ َ‬ ‫ص َ‬‫(و ُه َو ُسْب َحانَهُ قَ ْد مَجَ َع فيما َو َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َوا ِإل ْثبَات)‪.‬‬
‫‪/‬ش‪ /‬ملا بنَّي فيما سبق أن أهل السنة واجلماعة يصفونـ اهلل عز وجل مبا‬
‫َّ‬
‫وصف به نفسه‪ ،‬ومبا وصفه به رسوله‪ ،‬ومل يكن ذلك كله إثباتًا وال كله‬
‫نفيًا؛ نبَّه على ذلك بقوله‪(( :‬وهو سبحانه قد مجع… إخل))‪.‬‬
‫ومفص ٌل‪.‬‬
‫َّ‬ ‫أن كالًّ من النفيـ واإلثبات يف األمساء والصفات ٌ‬
‫جممل‬ ‫واعلم َّ‬

‫‪63‬‬
‫يضاد كمالـه‬
‫كل ما ُّ‬ ‫أما اإلمجال يف النفي؛ـ فهو أن يُن َفىـ عن اهلل عز وجل ُّ‬
‫من أنواع العيوبـ والنقائص؛ـ مثل قولـه تعاىل‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ًّا‪‬‬ ‫ِي‬ ‫ه سَم‬ ‫ُ َلُ‬ ‫لم‬‫َْ‬
‫تع‬ ‫َْ‬ ‫هل‬ ‫ء ‪َ ، ‬‬ ‫ِ شَيٌْ‬ ‫ِه‬ ‫ْل‬‫ِث‬‫َم‬ ‫‪َ ‬لي‬
‫ْسَ ك‬
‫ن ‪. ) 3( ‬‬ ‫ُوَ‬ ‫ِف‬ ‫يص‬‫َّا َ‬‫َم‬‫ِع‬ ‫ن هَّللا‬
‫َاَ‬ ‫‪(2)،‬سُب‬
‫ْح‬
‫وأما التفصيل يف النفي؛ـ فهو أن يَُنَّز َه اهلل عن كل واحد من هذه العيوب‬
‫فينَّزهُ عن الوالد‪ ،‬والولد‪ ،‬والشريك‪ ،‬والصاحبة‪،‬‬ ‫والنقائصـ خبصوصه‪َ ،‬‬
‫والسنة‪ ،‬والنوم‪،‬ـ‬
‫والند‪ ،‬والضد‪ ،‬واجلهل‪ ،‬والعجز‪ ،‬والضالل‪،‬والنسيان‪ِّ ،‬‬
‫والعبث‪ ،‬والباطل… إخل‪.‬‬
‫حمض؛ فإن النفي‬ ‫نفي ٌ‬ ‫ولكن ليس يف كتاب اهلل وال يف السنة ٌ‬
‫الصرف ال مدح فيه‪ ،‬وإمنا يُراد بكل نف ٍي فيهما إثبات ما‬
‫يضاده من الكمال‪ :‬فنفي الشريك والند؛ إلثبات كمال عظمته‬
‫وتفرده بصفات الكمال‪ ،‬ونفي العجز؛ إلثبات كمال قدرته‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫ونفي اجلهل؛ إلثبات سعة علمه وإحاطته‪ ،‬ونفي الظلم؛ إلثبات‬
‫السنة‬
‫كمال عدلـه‪ ،‬ونفي العبث؛ـ إلثبات كمال حكمته‪،‬ونفيـ ِّ‬
‫وميَّتِه‪..‬ـ وهكذا‪.‬‬
‫والنوم واملوت؛ إلثبات كمال حياته وقيُّ ِ‬

‫الشورى‪.)11( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫مرمي‪.)65( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫الصافات‪ ،)159( :‬املؤمنونـ (‪.)91‬‬
‫‪)(3‬‬

‫‪64‬‬
‫وهلذا كان النَّفي يف الكتاب والسنة إمنا يأيت جممالً يف أكثر‬
‫أحواله؛ خبالف اإلثبات؛ فإن التفصيل فيه أكثر من اإلمجال؛ ألنه‬
‫مقصود لذاته‪.‬‬
‫وأما اإلمجال يف اإلثبات ؛ فمثل إثبات الكمال املطلق ‪ ،‬واحلمد‬
‫املطلق ‪ ،‬واملـجد املطلق ‪ ،‬وحنـو ذلـك ؛ كما يشـري إليه مثل‬
‫ني‪(1)،‬و‬ ‫قوله تعاىل ‪:‬احْل م ُد للَّ ِه ر ِّ ِ‬
‫َل‬
‫ُ‬ ‫َث‬‫الم‬
‫ِ ْ‬ ‫َهّلِل‬ ‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫لىَ ‪.)2(‬‬ ‫األَع‬
‫َْ‬
‫وأما التفصيل يف اإلثبات؛ فهو متنا ِو ٌل لكل اسم أو صفة وردت يف‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وهو من الكثرة حبيث ال ميكن ألحد أن حيصيه؛ فإن منها‬
‫ما اختص اهلل عز وجل بعلمه؛ كما قال عليه الصالةـ والسالم‪:‬‬
‫أثنيت على نفسك))(‪.)3‬‬ ‫عليك أنت كما َـ‬ ‫((سبحانك ال حنصي ثناءً َ‬
‫ويف حديث دعاء املكروب‪:‬‬
‫الفاحتة‪.)2( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫النحل‪.)60( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫رواه مسلم يف الصالة‪،‬ـ ‪0‬باب‪ :‬ما يُقال يف الركوع والسجود) (‬
‫‪)(3‬‬
‫مرفوعا‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪-4/450‬نووي) عن عائشة‬

‫الله َّم إين أعوذ برضاك من َس َخ ِط َ‬


‫ك‪ ،‬ومبعافاتك من عقوبتك‪،‬‬ ‫(( ُ‬
‫أثنيت على نفسك))‪.‬‬
‫وأعوذ بك منك ال أحصي ثناءً عليك أنت كما َ‬

‫‪65‬‬
‫مسيت به نفسك‪ ،‬أو أنزلته يف كتابك أو‬ ‫((أسألك بكل اسم هو لك؛ َ‬
‫أحدا من خلقك أو استأثرت به يف علم الغيب عندك))(‪.)1‬‬ ‫علَّمته ً‬
‫اع ِة َع َّما َجاءَ بِِه الْ ُم ْر َسلُو َن؛‬ ‫ول أل َْه ِل ُّ‬
‫السنَّةٌ َواجْلَ َم َ‬ ‫(فَالَ عُ ُد َ‬
‫ين أَْن َع َم اهلل َعلَْي ِهم ِّم َن‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَِإنَّهُ ِّ‬
‫يم‪ ،‬صَرا ُط الذ َ‬ ‫الصَرا ُط الْ ُم ْستَق ُ‬
‫ني)‪.‬‬ ‫حِلِ‬
‫والصا َ‬‫َ‬ ‫ُّه َد ِاء‬
‫ني َوالش َ‬
‫النَّبِيِّني و ِّ ِ‬
‫الصدِّيق َ‬ ‫َ َ‬
‫ِّب على ما تقدم من بيان أن‬ ‫دول… إخل))؛ هذا مرتت ٌ‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪(( :‬فال عُ َ‬
‫ما جاء به الرسل عليهم الصالة والسالم هو احلق الذي جيب اتِّباعه‪،‬ـ وال‬
‫السوي‬
‫ّ‬ ‫يصح العدول عنه‪ ،‬وقد علل بأنه الصراط املستقيم‪ ،‬يعين الطريق‬ ‫ُّ‬
‫القاصد الذي ال عوج فيه وال احنراف‪.‬‬
‫واحدا؛ من زاغ عنه أو احنرف وقع يف‬ ‫والصراط املستقيم ال يكون إال ً‬
‫طريق من طرق الضالل واجلَور؛ كما قال تعاىل‪:‬‬ ‫ٍ‬

‫واحلديث رواه األربعة واإلمام أمحد‪.‬‬

‫(صحيح)‪ .‬رواه أمحد يف ((املسند)) (‪ 1/391‬و‪-14/262()452‬‬


‫‪)(1‬‬
‫ساعايت)‪ ،‬واحلاكم يف ((املستدرك (‪ ،)1/509‬وابن حبان يف ((صحيحه))‪،‬‬

‫وصححه أمحد شاكر يف ((املسند)) (‪ ،)5/266‬واأللباين يف ((السلسلة‬

‫الصحيحة)) (‪.)198‬‬

‫وانظر‪(( :‬جامع األصول)) (‪.)2300‬‬

‫‪66‬‬
‫ه‬
‫ُوُ‬ ‫ِع‬‫َاتب‬‫ًا ف َّ‬ ‫ِيم‬ ‫َق‬‫مسْت‬ ‫ِي ُ‬ ‫َاط‬ ‫ِر‬
‫َا ص‬ ‫هـذ‬ ‫نَ‬ ‫ََّ‬
‫َأ‬ ‫‪ ‬و‬
‫ِ‬‫ِه‬ ‫ِيل‬ ‫َن سَب‬ ‫ْع‬‫ُم‬ ‫ِك‬ ‫َب‬ ‫َّق‬
‫َر‬‫َف‬ ‫َت‬‫َف‬ ‫ُل‬‫ْ السُّب‬ ‫ُوا‬ ‫ِع‬ ‫َّب‬‫تت‬‫َالَ َ‬ ‫و‬
‫‪.)1(‬‬
‫والصراط املستقيم هو طريق األمة الوسط‪ ،‬الواقع بني طريف اإلفراط‬
‫والتفريط‪ ،‬وهلذا أمرنا اهلل عز وجل وعلَّمنا أن نسأله أن يهدينا هذا‬
‫الصراط املستقيم يف كل ركعة من الصالة؛ أي‪ :‬يلهمنا ويوفقنا لسلوكه‬
‫ِ‬
‫والشهداء‬ ‫واتباعه‪ ،‬فإنه صراط الذين أنعم اهلل عليهم من النَّبيِّني والصدِّيقني‬
‫وح ُس َن أُولئك رفي ًقا‪.‬‬‫والصاحلني َ‬
‫ور ِة‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ف اهلل به َن ْف َسهُ يِف ُس َ‬ ‫ص َ‬‫(وقَ ْد َد َخ َل يِف هذه اجْلُ ْملَة َما َو َ‬ ‫َ‬
‫ث الْ ُقر ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‪  :‬قُ ْل ُه َو اللَّهُ‬ ‫يث َي ُق ُ‬ ‫آن‪َ ،‬ح ُ‬ ‫ص الَّيِت َت ْعد ُل ثُلُ َ ْ‬ ‫ا ِإل ْخالَ ِ‬
‫الص َم ُد * مَلْ يَلِ ْد َومَلْ يُولَ ْد * َومَلْ يَ ُكن لَّهُ ُك ُف ًوا‬‫َح ٌد * اللَّهُ َّ‬ ‫أَ‬
‫َح ٌد ‪.)‬‬‫أَ‬
‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪(( :‬وقد دخل… إخل))؛ شروعٌ يف إيراد النصوص من الكتاب‬
‫املتضمنة ملا جيب اإلميان به من األمساء والصفات يف النفي‬ ‫ِّ‬ ‫والسنة‬
‫واإلثبات‪.‬‬
‫وابتدأ بتلك السورة العظيمة؛ ألهنا اشتملت من ذلك على ما مل يشتمل‬
‫ت ُسورة اإلخالص؛ لتجريدها التوحيد من شوائبـ‬ ‫عليه غريها‪ ،‬وهلذا مُسِّيَ ْ‬
‫الشرك والوثنية‪.‬‬

‫األنعام‪.)153( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪67‬‬
‫أيب بن كعب رضي اهلل عنه يف سبب‬ ‫روى اإلمام أمحد يف ((مسنده)) عن ّ‬
‫نزوهلا‪ :‬أن املشركني قالوا‪ :‬يا حممد! انسب لنا ربك‪ .‬فأنزل اهلل تبارك‬
‫د ‪ ‬إخل السورة(‪.)1‬‬ ‫َُ‬ ‫َّم‬
‫ُ الص‬ ‫د * هَّللا‬
‫ٌَ‬‫َح‬‫ُأ‬‫َ هَّللا‬
‫هو‬ ‫ُل‬
‫ُْ‬ ‫وتعاىل‪  :‬ق‬
‫وقد ثبت يف الصحيح أهنا تعدل ثلث القرآن(‪.)2‬‬

‫(حسن)‪ .‬رواه الرتمذي يف التفسري‪( ،‬باب‪ :‬ومن سورة اإلخالص)‬


‫‪)(1‬‬
‫(حتفة ‪ ،)9/299‬وأمحد يف ((املسند)) (‪ ،)5/133‬وابن أيب عاصم يف‬

‫((السنة)) (‪.)1/297‬‬

‫وحسنه األلباين يف ((صحيح سنن الرتمذي)) (‪.)2680‬‬


‫َّ‬
‫وانظر كتاب ((العظمة)) أليب الشيخ (‪ ، )1/375‬وكتاب ((شعب‬

‫اإلميان)) للبيهقي (‪.)1/276‬‬

‫((البخاري)) يف التوحيد‪( ،‬باب‪ :‬ما جاء يف دعاء النيب ‪ ‬أمته إىل‬


‫‪)(2‬‬
‫التوحيد) قول النيب ‪ :‬والذي نفسي بيده؛ إهنا لَت ِ‬
‫عدل ثلث القرآن))‪.‬‬‫َ‬ ‫((‬

‫‪68‬‬
‫وقد اختلف العلماء يف تأويل ذلك على أقوال؛ أقرهبا [ما نقله شيخ‬
‫اإلسالم عن أيب العباس]ـ(‪ ،)1‬وحاصله أن القرآن الكرمي اشتمل على ثالثة‬
‫مقاصد أساسية‪:‬‬
‫املتضمنة لألحكام والشرائع العملية اليت هي‬
‫ِّ‬ ‫أوهلا‪ :‬األوامر والنواهيـ‬
‫موضوع علم الفقه واألخالق‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬القصص واألخبار املتضمنة ألحوال الرسل عليهم الصالةـ والسالم‬
‫مع أممهم‪ ،‬وأنواعـ اهلالك اليت حاقت ِّ‬
‫باملكذبني هلم‪ ،‬وأحوال الوعد‬
‫والوعيد‪ ،‬وتفاصيل الثواب والعقاب‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬علم التوحيد‪ ،‬وما جيب على العباد من معرفة اهلل بأمسائه وصفاته‪،‬‬
‫وهذا هو أشرف الثالثة‪.‬‬
‫تضمنَت أُصول هذا العلم‪ ،‬واشتملت عليه‬ ‫وملا كانت سورة اإلخالص قد َّ‬
‫صح أن يقال‪ :‬إهنا تعدل ثلث القرآن‪.‬‬
‫إمجاالً؛ َّ‬
‫وتضمنتـ‬
‫َّ‬ ‫وأما كيف اشتملت هذا السورة على علوم التوحيد كلها‪،‬‬
‫األصول اليت هي جمامع التوحيد العلمي االعتقادي؟ فنقول‪:‬‬

‫يف طبعة اجلامعة اإلسالمية‪[ :‬ما نقله شيخ اإلسالم أبو العباس]‪.‬ـ‬
‫‪)(1‬‬
‫والصواب ما هو مثبت هنا‪ ،‬وكذا يف طبعة ((اإلفتاء))‪ ،‬وأبو العباس هو أبو‬

‫العباس بن سريج‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬جمموع الفتاوى)) (‪.)17/103‬‬

‫‪69‬‬
‫د ‪ ‬دلَّت على نفي الشريك من كل ٍ‬
‫وجه‪ :‬يف‬ ‫ٌَ‬ ‫َح‬‫ُأ‬ ‫إن قوله تعاىل‪:‬اهَّلل‬
‫تفرده سبحانه‬‫الذات‪ ،‬ويف الصفات‪ ،‬ويف األفعال؛ كما دلَّت على ُّ‬
‫د‬
‫ٌَ‬ ‫َح‬‫بالعظمة والكمال واجملد واجلالل والكربياءـ ‪ ،‬وهلذا ال يُطلَق لفظ ‪‬أ‬
‫‪ ‬يف اإلثبات إال على اهلل عز وجل‪ ،‬وهو أبلغ من واحد‪.‬‬
‫فسرها ابن عباس رضي اهلل عنه بقوله‪:‬‬ ‫َد ‪‬قد َّ‬ ‫َّم‬‫ُ الص‬ ‫وقوله‪ :‬هَّللا‬
‫((السيد الذي كمل يف سؤدده‪ ،‬والشريف الذي كمل يف شرفه‪ ،‬والعظيم‬
‫كمل يف حلمه‪ ،‬والغين الذي‬ ‫الذي قد كمل يف عظمته‪ ،‬واحلليم الذي قد ُ‬
‫قد كمل يف غناه‪ ،‬واجلبَّار الذي قد كمل يف جربوته‪ ،‬والعليم الذي قد‬
‫كمل يف حكمته‪ ،‬وهو الذي قد كمل‬ ‫كمل يف علمه‪ ،‬واحلكيم الذي قد ُ‬
‫يف أنواعـ الشرف والسؤدد ‪ ،‬وهو اهلل عز وجل ‪ ،‬هذه صفته ‪ ،‬ال تنبغيـ‬
‫إال له‪ ،‬ليس له كفءٌ‪ ،‬وليس كمثله شيء))(‪.)1‬‬

‫رواه ابن جرير يف تفسري سورة اإلخالص بسنده‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫‪)(1‬‬
‫((حدثنا علي‪ :‬حدثنا أبو صاحل‪ :‬حدثنا معاوية عن علي عن ابن‬

‫عباس‪ ،‬به))‪.‬‬

‫وعلي (الراوي عن ابن عباس)‪ :‬هو ابن أيب طلحة؛ كما يف‬

‫لق ابن عباس‪ ،‬وإمنا أخذ تفسريه‬


‫((تفسري ابن كثري))‪ ،‬وهو صدوق‪ ،‬ومل يَ َ‬
‫من جماهد‪ ،‬فروايتهـ عنه منقطعة‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫أيضا بأنه الذي ال جوف له(‪ ،)1‬وبأنه الذي تصمد إليه‬
‫وقد فُ ِّسر الصمد ً‬
‫ومهماهتا(‪.)2‬‬
‫اخلليقة كلها وتقصده يف مجيع حاجاهتا َّ‬
‫تضمن نفي املشاركة واملماثلة‪.‬‬
‫فإثبات األحدية هلل َّ‬
‫وإثبات الصمديَّة بكل معانيها املتقدمة تتضمن إثبات مجيع تفاصيل األمساء‬
‫احلسىن والصفات العلى‪ .‬وهذا هو توحيد اإلثبات‪.‬‬
‫واحلديث أخرجه أبو الشيخ يف ((العظمة)) (‪ )1/383‬بالسند‬

‫ضعفه حمققه املباركفوري‪.‬‬


‫نفسه‪ ،‬وقد َّ‬

‫ولكن قال احلافظ ابن حجر يف ((التهذيبـ))‪(( :‬بعد أن عُرفت‬

‫جماهدا ـ فال ضري يف ذلك))‪.‬‬


‫الواسطة‪ ،‬وهو ثقة ـ يعين ً‬
‫=‬

‫انظر‪(( :‬تفسري ابن عباس ومروياته يف التفسري من كتب السنة)) (‬ ‫=‬

‫‪.)1/25‬‬

‫مرفوعا‪ ،‬ولكن ال‬


‫ً‬ ‫صح ذلك عن‪ :‬جماهد‪ ،‬واحلسن‪ ،‬والضحاك‪ ،‬وورد‬
‫َّ‬ ‫‪)(1‬‬
‫يصح‪.‬‬
‫ّ‬
‫انظر‪(( :‬العظمة)) أليب الشيخ (‪ ،)1/379‬و((السنة)) البن أيب‬

‫عاصم‪ ،‬ومعه ((ظالل اجلنة)) لأللباين (رقم‪،680 ،675 ،674 ،673‬‬

‫‪71‬‬
‫ْ‬‫وأما النوعـ الثاين ـ وهو توحيد التنزيه ـ ؛ فيؤخـذ من قولـه تعاىل‪َ  :‬لم‬
‫د‬
‫ٌَ‬ ‫َح‬ ‫ًا أ‬ ‫ُو‬ ‫ُف‬
‫هك‬ ‫ُن َّلُ‬‫يك‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬ ‫د* و‬ ‫ولْ‬‫ي َ‬ ‫ُْ‬ ‫ََلم‬
‫دو‬ ‫ِْ‬
‫يل‬‫َ‬
‫يتفرع عنه شيء‪،‬‬ ‫د ‪‬؛ أي‪ :‬مل َّ‬‫ٌَ‬‫َح‬ ‫ُأ‬ ‫‪‬؛ كما يؤخذ إمجاالً من قولـه‪ :‬هَّللا‬
‫يتفرع هو عن شيء‪ ،‬وليس لـه مكافئ وال مماثل وال نظري‪.‬‬ ‫ومل َّ‬
‫تضمنت هذه السورة توحيد االعتقاد واملعرفة‪ ،‬وما جيب‬ ‫فانظر كيف َّ‬
‫والصم ِديَِّة املثْبِتَة لـه‬
‫َ‬ ‫َح ِديَّة املنافيةـ ملطلق املشاركة‪،‬‬
‫َ‬ ‫ب تعاىل من األ‬
‫للر ِّ‬
‫إثباته َّ‬
‫ُ‬
‫نقص بوجه من الوجوه‪ ،‬ونفي الولد‬ ‫مجيع صفات الكمال الذي ال يلحقه ٌ‬
‫َحديَّتِه‪ ،‬مث نفي الكفء‬ ‫والوالد الذي هو من لوازم غناه وصم ِديَّتِه وأ ِ‬
‫َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫املتضمن لنفي التشبيه والتمثيل والنظري ؟‬
‫تضمنت هذه املعارف كلها أن تعدل ثلث القرآن‪.‬‬ ‫فح َّق لسورة َّ‬
‫ُ‬

‫‪.)689 ،688‬‬

‫صح ذلك عن إبراهيم النخعي‪ .‬انظر‪(( :‬السنة)) البن أيب عاصم (رقم‬
‫َّ‬ ‫‪)(2‬‬
‫‪.)687‬‬

‫وورد عن ابن عباس بإسناد ضعيف‪ .‬انظر ((العظمة)) (‪.)1/380‬‬

‫كذا يف املطبوع‪،‬ـ واألوىل أن يقال‪(( :‬الكفء املتضمن لنفي الشبيه‬


‫‪)(1‬‬
‫واملثيل والنظري))‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫ول‪:‬‬
‫َي ُق ُ‬ ‫ث‬‫ف بِِه َن ْف َسهُ يِف أ َْعظَ ِم آيٍَة يِف كِتِابِِه؛ َحْي ُ‬ ‫ص َ‬ ‫(و َما َو َ‬ ‫َ‬
‫َوالَ‬ ‫ومـ الَ تَأْ ُخ ُذهُ ِسنَةٌ‬ ‫‪ ‬اللَّهُ الَ إِلَـهَ إِالَّ ُه َو احْلَ ُّي الْ َقيُّ ُ‬
‫َن ْوم ٌ‬
‫‪....‬‬
‫ض َمن ذَا الَّ ِذي يَ ْش َف ُع ِعْن َدهُ إِالَّ بِِإ ْذنِِه َي ْعلَ ُم‬ ‫ات َو َما يِف األ َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫لهُ َما يِف َّ َ َ‬
‫َّ‬
‫َما َبنْي َ أَيْ ِدي ِه ْم َو َما َخ ْل َف ُه ْم َوالَ حُيِ يطُو َن بِ َش ْي ٍء ِّم ْن ِع ْل ِم ِه إِالَّ مِب َا َشاء َو ِس َع‬
‫يم ‪))1( ‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات واألَرض والَ يؤ ِ‬ ‫ُكر ِسيُّه َّ ِ‬
‫ودهُ ح ْفظُ ُه َما َو ُه َو الْ َعل ُّي الْ َعظ ُ‬ ‫الس َم َاو َ ْ َ َ َ ُ ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫(‪. ) 2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫النيب ‪ ‬سأله‪:‬‬
‫ُيب بن كعب أن َّ‬
‫‪/‬ش‪ /‬روى مسلم يف ((صحيحه)) عن أ ّ‬
‫((أي آية يف كتاب اهلل أعظم؟))‪.‬‬

‫البقرة‪.)255( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫زاد يف املخطوط ‪(( :‬وهلذا كان من قرأ هذه اآلية يف ليلة ؛ مل يزل‬
‫‪)(2‬‬
‫عليه من اهلل حافظ ‪ ،‬وال يقربه شيطان حىت يصبح))‪ ،‬وكذا يف‬

‫((الفتاوى))‪.‬‬

‫يف صالة املسافرين‪( ،‬باب‪ :‬فضل سورة الكهف وآية الكرسي) (‬


‫‪)(3‬‬
‫‪-6/341‬نووي)‪ ،‬ورواه أبو داود يف الصالة‪( ،‬باب‪ :‬ما جاء يف آية‬

‫الكرسي) (‪-4/334‬عون)‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫قال‪ :‬اهلل ورسولـه أعلم‪.‬‬
‫ُيب‪ :‬آية الكرسي‪.‬‬
‫مرارا‪ ،‬مث قال أ ٌّ‬
‫فرددها ً‬‫َّ‬
‫فوضع النيب يده على كتفه‪ ،‬وقال‪(( :‬ليهنك هذا العلم أبا املنذر))‪.‬‬
‫ويف رواية عند أمحد‪:‬‬

‫((والذي نفسي بيده؛ إن هلا لسانًا وشفتني تقدِّس امللك عند ساق‬
‫العرش))(‪.)1‬‬
‫الرب وصفاته على ما‬‫وال غرو‪ ،‬فقد اشتملت هذه اآلية العظيمة من أمساء ِّ‬
‫مل تشتمل عليه آية أخرى‪.‬‬
‫املتوحد يف إهليَّتِه‪ ،‬الذي ال تنبغي العبادة‬
‫فقد أخرب اهلل فيها عن نفسه بأنه ِّ‬
‫جبميع أنواعها وسائر صورها إال له‪.‬‬

‫(إسنادها صحيح)‪ .‬روى هذه الزيادة عبد بن محيد يف ((مسنده)) (‬


‫‪)(1‬‬
‫‪ )1/199‬من طريق مسلم نفسه‪ ،‬كما رواها أمحد يف ((املسند)) (‬

‫‪-18/92()5/141‬ساعايت)‪ ،‬والبغوي يف ((شرح السنة)) (‪،)4/459‬‬

‫والبيهقيـ يف ((شعب اإلميان)) (‪ ،)5/323‬واحلكيم الرتمذي يف ((نوادر‬

‫األصول)) (ص‪ .)337‬وانظر‪(( :‬موسوعة فضائل سور القرآن)) (‬

‫‪.)1/141‬‬

‫‪74‬‬
‫مث أردف قضية التوحيد مبا يشهد هلا من ذكر خصائصه وصفاته الكاملة‪،‬‬
‫فذكر أنه احلي الذي لـه كمال احلياة؛ ألن حياته من لوازم ذاته‪ ،‬فهي أزليَّة‬
‫أبديَّة‪ ،‬وكمال حياته يستلزم ثبوت مجيع صفات الكمال الذاتيَّة له‪ ،‬من‬
‫العزة والقدرة والعلم واحلكمة والسمع والبصر واإلرادة واملشيئةـ وغريها؛‬ ‫َّ‬
‫لنقص يف احلياة‪ ،‬فالكمال يف احلياة يتبعه‬ ‫إذ ال يتخلّف شيء منها إال ِ‬
‫للحي‪.‬‬
‫الكمال يف سائر الصفات الالزمة ّ‬
‫مث قرن ذلك بامسه القيوم‪ ،‬ومعناهـ الذي قام بنفسه‪ ،‬واستغىن عن مجيع‬
‫حاجة أصالً؛ ألنه غىًن ذايتٌّ‪ ،‬وبه قامت‬ ‫ٍ‬ ‫خلقه غىًن مطل ًقا ال تشوبُه شائبةُ‬
‫فقرا ذاتيًا‪ ،‬حبيث ال تستغين عنه حلظة‪،‬‬ ‫املوجودات كلها‪ ،‬فهي فقرية إليه ً‬
‫فهو الذي ابتدأ إجيادها على هذا النحو من اإلحكام واإلتقان‪،‬ـ وهو الذي‬
‫يدبِّر أمورها‪ ،‬وميدها بكل ما حتتاج إليه يف بقائها‪ ،‬ويف بلوغ الكمال‬
‫الذي قدره هلا‪.‬‬
‫متضم ٌن جلميع صفات الكمال الفعليَّة‪ ،‬كما أن امسه احلي‬ ‫فهذا االسم ِّ‬
‫متضمن جلميع صفات الكمال الذاتية‪،‬ـ وهلذا ورد أن احلي القيوم مها اسم‬ ‫ِّ‬
‫اهلل األعظم الذي إذا سئل به أعطى‪ ،‬وإذا ُدعي به أجاب‪.‬‬
‫يدل على كمال حياته وقيُّوميَّتهـ ‪ ،‬فقال ‪:‬الَ تَأْ ُخ ُذه ُ‪ ‬؛‬ ‫مث أعقبـ ذلك مبا ُّ‬
‫نعاس ‪َ ‬والَ َن ْو ٌم ‪‬؛ فإن ذلك ينايف القيومية؛ـ إذ‬ ‫ِ‬
‫أي ال تغلبه ‪‬سنَةٌ‪‬؛ أي ٌ‬
‫النوم أخو املوت‪،‬وهلذاـ كان أهل اجلنَّة ال ينامون‪.‬‬
‫مجيعا حتت قهره‬ ‫مِل‬
‫والسفلية‪ ،‬وأهنا ً‬ ‫مث ذكر عموم ملكه جلميع العوا العُ ْلوية ُّ‬
‫ات َو َما يِف األ َْرض‪.‬‬‫السماو ِ‬ ‫َّ‬
‫وسلطانه‪ ،‬فقال‪ :‬لهُ َما يِف َّ َ َ‬

‫‪75‬‬
‫يدل على متام ملكه‪ ،‬وهو أن الشفاعة كلها لـه‪ ،‬فال‬ ‫مث أردف ذلك مبا ُّ‬
‫يشفع عنده أح ٌد إال بإذنه‪.‬‬
‫تضمن هذا النفيـ واالستثناءـ أمرين‪:‬‬ ‫وقد َّ‬
‫أحدمها‪ :‬إثبات الشفاعة الصحيحة‪ ،‬وهي أهنا تقع بإذنه سبحانه ملن يرضى‬
‫قوله وعمله‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬إبطال الشفاعة الشركيَّة اليت كان يعتقدها املشركون ألصنامهم‪،‬‬
‫وهي أهنا تشفع هلم بغري إذن اهلل ورضاه‪.‬‬
‫مث ذكر سعة علمه وإحاطته‪ ،‬وأنه ال خيفى عليه شيء من األمور املستقبلة‬
‫واملاضية‪.‬‬
‫وأما اخللق فإهنم ‪َ ‬والَ حُيِ يطُو َن بِ َش ْي ٍء ِّم ْن ِع ْل ِمه‪ ‬؛ قيل‪ :‬يعين من‬
‫معلومه‪ .‬وقيل‪ :‬من علم أمسائه وصفاته؛‪ ‬إِالَّ مِب َا َشاء ‪‬اهلل سبحانه أن‬
‫يعلمهم إياه على ألسنة رسله‪ ،‬أو بغري ذلك من طرق البحث والنظر‬
‫واالستنتاج والتجربة‪.‬‬
‫مث ذكر ما يدل على عظيم ملكه‪ ،‬وواسع سلطانه‪ ،‬فأخرب أن كرسيَّه قد‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫وسع السماوات واألرض ً‬
‫والصحيح يف الكرسي أنه غري العرش‪ ،‬وأنه موضع القدمني‪ ،‬وأنه يف‬
‫العرش كح ْلقة ملقاة يف فالة‪.‬‬
‫وأما ما أورده ابن كثري عن ابن عباس يف تفسري الكرسي بالعلم؛ فإنه ال‬
‫يصح(‪ ،)1‬ويفضيـ إىل التكرار يف اآلية‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫ألنه من رواية جعفر بن أيب املغرية عن سعيد بن جبري عن ابن عباس‪.‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪76‬‬
‫مث أخرب سبحانه بعد ذلك عن عظيم قدرته وكمال قوته بقوله‪َ :‬والَ‬
‫ودهُ ِح ْفظُ ُه َما ‪ ‬؛ أي‪ :‬السموات واألرض وما فيهما‪.‬‬ ‫َي ُؤ ُ‬
‫وده‪ ‬بـ‪( :‬يثقله ويُ ْك ِرثُه)‪ ،‬وهو من آده األمر‪:‬‬
‫وفسر الشيخ رمحه اهلل ‪َ ‬ي ُؤ ُ‬
‫إذا ثقل عليه‪.‬‬

‫قال الدارمي يف رده على بشر املريسي (‪ ،1/411‬حتقيق األملعي)‪:‬ـ‬

‫((ليس جعفر ممن يُعتمد على روايته‪ ،‬إذ قد خالفته الرواة الثقات املتقنون))‪.‬‬

‫قال الذهيب يف ((امليزان)) (‪:)1/417‬‬

‫((قال ابن مندة‪ :‬ليس هو بالقوي يف سعيد بن جبري‪ .‬وقال عن‬

‫سند هذه الرواية‪ :‬مل يُتابع عليه))‪.‬‬

‫مث قال الذهيب‪:‬‬

‫عمار الدُّهين عن سعيد بن ُجبري عن ابن عباس؛ قال‪:‬‬


‫((فقد روى ٌ‬
‫كرسيُّه‪ :‬موضع قدمه‪ ..‬والعرش ال يقدر قدره))‪ .‬اهـ‬

‫وقال أمحد شاكر يف ((عمدة التفسري)) (‪:)2/162‬‬

‫((إسناده جيد‪ ،‬ولكنه شاذٌّ مبرة‪ٌ ،‬‬


‫خمالف للثابت الصحيح عن ابن‬

‫عباس))‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫مث وصف نفسه سبحانه يف ختام تلك اآلية الكرمية هبذين الوصفني‬
‫اجلليلني؛ ومها‪  :‬الْ َعلِ ُّي ‪ ، ‬و ‪ ‬الْ َع ِظيمُ‪.‬‬
‫العلو املطلق من مجيع الوجوه‪:‬‬ ‫فالعلِ ُّي‪ :‬هو الذي لـه ُّ‬ ‫َ‬
‫علو ال َذات‪ :‬وكونه فوق مجيع املخلوقات مستويًا على عرشه‪.‬‬
‫وعلو ال َق ْدر‪ :‬إذ كان لـه كل صفة كمال‪ ،‬ولـه من تلك الصفة أعالها‬
‫وغايتها‪.‬‬
‫وعلو ال َق ْهر‪ :‬إذ كان هو القاهر فوق عباده وهو احلكيم اخلبري‪.‬‬
‫وأما العظيم؛ فمعناه املوصوف بالعظمة‪ ،‬الذي ال شيء أعظم منه‪ ،‬وال‬
‫أجل‪ ،‬وال أكرب‪ ،‬ولـه سبحانه التعظيم الكامل يف قلوب أنبيائهـ ومالئكتهـ‬
‫وأصفيائه‪.‬‬

‫مثّ علَّق على رواية ابن عباس يف تفسريه بأنه موضع القدمني‪،‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫((وهذا هو الصحيح الثابتـ عن ابن عباس‪ ،‬وأما الرواية السابقة‬

‫دليل من‬ ‫َّ‬


‫عنه بتأويل الكرسي بالعلم؛ فهي رواية شاذّة‪ ،‬ال يقوم عليها ٌ‬
‫األزهري الرواية الصحيحة عن‬
‫ُّ‬ ‫رجح أبو منصور‬
‫كالم العرب‪ ،‬ولذلك َّ‬
‫ابن عباس‪،‬وقال‪(( :‬وهذه رواية اتَّفق أهل العلم على صحتها‪ ،‬ومن روي‬

‫عنه يف الكرسي أنه العلم؛ فقد أبطل)))‪ .‬اهـ‬

‫‪78‬‬
‫ِ‬
‫اهر والْب ِ‬ ‫ِ‬
‫اط ُن َو ُه َو‬‫َواآلخ ُر َوالظَّ ُ َ َ‬ ‫األ ََّو ُل‬
‫(و َق ْولـه ُسْب َحانَهُ‪ُ  :‬ه َو‬
‫َ‬
‫يم ‪.)1( ‬‬ ‫ِ‬
‫َعل ٌ‬ ‫َش ْي ٍء‬
‫بِ ُك ِّل‬
‫ل ‪‬؛ اجلملة هنا جاءت معرفة الطرفني؛‬ ‫َُّ‬‫َ األَو‬ ‫هو‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪ُ  :‬‬
‫فهي تفيد اختصاصه سبحانه هبذه األمساء األربعة ومعانيهاـ على ما يليق‬
‫جبالله وعظمته‪ ،‬فال يُثْبَت لغريه من ذلك شيء‪.‬‬
‫وقد اضطربت عبارات املتكلِّمني يف تفسري هذه األمساء‪ ،‬وال داعي هلذه‬
‫التفسريات بعدما ورد تفسريها عن املعصوم صلوات اهلل وسالمه عليه‪،‬‬
‫فقد روى مسلم يف ((صحيحه)) عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب ‪‬‬
‫أنه كان يقول إذا أوى إىل فراشه‪:‬‬
‫رب كل شيء‪ ،‬فالق احلب‬ ‫ِ‬
‫األرض‪َّ ،‬‬ ‫ورب‬
‫السماوات السبع‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫رب‬
‫((اللهم َّ‬
‫َّ‬
‫شر‬
‫والنوى‪ ،‬منزل التوراة واإلجنيل والقرآن؛ أعوذ بك من شر كل ذي ٍّ‬
‫أنت آخذ بناصيته‪ ،‬أنت األول فليس قبلك شيء‪ ،‬وأنت اآلخر فليس‬
‫بعدك شيء‪ ،‬وأنت الظاهر فليس فوقك شيء‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك‬
‫اقض عين الدين وأ ْغنِين من الفقر))(‪.)2‬‬ ‫شيء‪ِ ،‬‬

‫احلديد‪.)3( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫أخرجه مسلم يف الذكر والدعاء‪( ،‬باب ‪ :‬ما يقول عند النوم وأخذ‬
‫‪)(2‬‬
‫أيضا أبو داود و الرتمذي بألفاظ‬
‫املضجع) (‪-39-17‬نووي)‪ ،‬ورواه ً‬
‫متقاربة‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ط‬
‫يدل على كمال عظمته سبحانه‪ ،‬وأنه حمي ٌ‬ ‫جامع ُّ‬ ‫واضح ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫فهذا تفسري‬
‫باألشياء من كل وجه‪.‬‬
‫فاألول واآلخر‪ :‬بيان إلحاطته الزمانية‪.‬‬
‫والظاهر والباطن‪ :‬بيان إلحاطته املكانية‪.‬ـ‬
‫كما أن امسه الظاهر يدل على أنه العايل فوق مجيع خلقه‪ ،‬فال شيء منها‬
‫فوقه‪.‬‬
‫فمدار هذه األمساء األربعة على اإلحاطة‪ ،‬فأحاطت َّأوليَّتُهُ وآخريَّتُهُ‬
‫باألوائل واألواخر‪ ،‬وأحاطت ظاهريَّتُه وباطنيَّتُهُـ بكل ظاه ٍر وباط ٍن‪.‬‬
‫دال على قِ َد ِم ِه وأزليَّتِ ِه‪.‬‬
‫فامسه األول‪ٌّ :‬‬
‫دال على بقائِِه وأبديَّتِه‪.‬‬ ‫وامسه اآلخر‪ٌّ :‬‬
‫علوه وعظمته‪.‬‬ ‫دال على ِّ‬ ‫وامسه الظاهر‪ٌّ :‬‬
‫دال على قربِه ومعيَّتِه‪.‬‬ ‫وامسه الباطن‪ٌّ :‬‬
‫مث ُختِ َمت اآلية مبا يفيد إحاطة علمه بكل شيء من األمور املاضية‬
‫والسفلي‪ ،‬ومن الواجبات‬ ‫واحلاضرة واملستقبلة‪ ،‬ومن العامل العُلوي ُّ‬
‫ذرة يف األرض وال‬ ‫واجلائزات واملستحيالتـ ‪ ،‬فال يغيبـ عن علمه مثقال َّ‬
‫يف السماء‪.‬‬
‫فاآلية كلها [يف](‪ )1‬شأن إحاطة الرب سبحانه جبميع خلقه من كل وجه‪،‬‬
‫وأن العوامل كلها يف قبضة يده؛ كخردلة يف يد العبد‪ ،‬ال يفوته منها شيء‪،‬‬
‫وإمنا أتى بني هذه الصفات بالواو مع أهنا جارية على موصوف واحد؛‬

‫ليست يف األصل‪ ،‬ولكن يقتضيها السياق‪.‬‬


‫‪)(1‬‬

‫‪80‬‬
‫لزيادة التقرير والتأكيد؛ ألن الواوـ تقتضي حتقيق الوصف املتقدمـ وتقريره‪،‬‬
‫َو َح ُس َن ذلك جمليئها بني أوصاف متقابلة قد يسبق إىل الوهم استبعاد‬
‫مجيعا؛ فإن األوليةـ تنايف اآلخرية يف الظاهر‪ ،‬وكذلك الظاهرية‬ ‫االتصال هبا ً‬
‫توهم اإلنكار بذلك التأكيد‪.‬‬ ‫والباطنية‪،‬ـ فاندفع ُّ‬
‫ِ‬
‫وت‪.))1( ‬‬‫(و َق ْوله ُسْب َحانَهُ‪َ  :‬وَت َو َّك ْل َعلَى احْلَ ِّي الَّذي ال مَيُ ُ‬
‫َ‬
‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪َ  :‬وَت َو َّك ْل‪ ... ‬إخل؛ هذه اجلملة من اآليات ساقها املؤلف‬
‫إلثبات بعض األمساء والصفات‪.‬‬
‫تضمنت سلب املوت الذي هو‬ ‫احلي‪ ،‬كما َّ‬ ‫فاآلية األوىل فيها إثبات امسه ِّ‬
‫حي حبياة هي صفة لـه الزمة لذاته‪،‬‬ ‫ضد احلياة عنه‪ ،‬وقد قدَّمنا أنه سبحانه ٌّ‬
‫فال يعرض هلا موت وال زوال أصالً‪ ،‬وأن حياته أكمل حياة وأمتها‪،‬‬
‫كمال احلياة‪.‬‬
‫يضاد نفيُه َ‬‫كل كمال ُّ‬ ‫ثبوت ِّ‬ ‫فيستلزم ثبوهُت ا لـه َ‬
‫وأما اآليات الباقية؛ ففيها إثبات صفة العلم وما اشتُ َّق منها؛ ككونه‬
‫علما… إخل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫عليما‪ ،‬ويعلم وأحاط بكل شيء ً‬ ‫ً‬

‫الفرقان‪.)58( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪81‬‬
‫يم ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم احْلَك ُ‬ ‫(و َق ْولُهُ ‪َ  :‬و ُه َو الْ َعل ُ‬ ‫َ‬
‫ض َو َما خَي ُْر ُج‬ ‫يم اخْلَبِريُ * َي ْعلَ ُم َما يَلِ ُج يِف األ َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ،‬و ُه َو احْلَك ُ‬
‫(‪) 1‬‬

‫(‪) 2‬‬
‫الس َماء َو َما َي ْع ُر ُج فِ َيها ‪‬‬ ‫ِمْن َها َو َما يَن ِز ُل ِم َن َّ‬
‫ب الَ َي ْعلَ ُم َها إِالَّ ُه َو َو َي ْعلَ ُم َما يِف الَْبِّر َوالْبَ ْح ِر َو َما‬ ‫ندهُ َم َفاتِح الْغَْي ِ‬‫‪َ ،‬و ِع َ‬
‫ُ‬
‫ض والَ رطْ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍِ‬ ‫تَس ُق ُ ِ‬
‫ب َوالَ‬ ‫ط من َو َرقَة إالَّ َي ْعلَ ُم َها َوالَ َحبَّة يِف ظُلُ َمات األ َْر ِ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫س إِالَّ يِف كِتَ ٍ‬
‫ض ُع إِالَّ‬ ‫ني ‪َ ‬و َق ْولُهُ‪َ  :‬و َما حَتْ ِم ُل م ْن أُنثَى َوال تَ َ‬ ‫اب ُّمبِ ٍ‬ ‫يَابِ ٍ‬
‫)‬ ‫‪3‬‬ ‫(‬

‫َن اللَّهَ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير َوأ َّ‬


‫َن اللَّهَ قَ ْد‬ ‫‪،‬و َق ْولُهُ‪ :‬لَِت ْعلَ ُموا أ َّ‬ ‫(‪) 4‬‬
‫بع ْلمه ‪َ ‬‬
‫ِِ ِ‬
‫َحا َط بِ ُك ِّل َش ْي ٍء ِع ْل ًما ‪.)5( ‬‬ ‫أَ‬
‫‪/‬ش‪ /‬والعلم صفة هلل عز وجل‪ ،‬هبا يدرك مجيع املعلومات على ما هي به‪،‬‬
‫فال خيفى عليه منها شيء؛ كما قدمنا‪.‬‬
‫وفيها إثبات امسه احلكيم‪ ،‬وهـو مأخوذٌ من احلكمة‪ ،‬ومعناه‪ :‬الذي ال‬
‫باطل‪ ،‬بل كل ما‬ ‫عبث وال ٌ‬ ‫يقول وال يفعل إال الصواب‪ ،‬فال يقع منه ٌ‬
‫تابع حلكمته‪.‬‬ ‫خيلقه أو يأمر به فهو ٌ‬

‫التحرمي‪.)2( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫سبأ‪.)2 ،1( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫األنعام‪.)59( :‬‬
‫‪)(3‬‬
‫فصلت‪.)47( :‬‬
‫‪)(4‬‬
‫الطالق‪.)12( :‬‬
‫‪)(5‬‬

‫‪82‬‬
‫وقيل‪ :‬هو من فعيل مبعىن ُم ْفعِل‪ ،‬ومعناه‪:‬ـ امل ْح ِكم لألشياء‪ ،‬من اإلحكام‪:‬‬
‫ُ‬
‫خلل‬
‫ٌ‬ ‫تدبريه‬ ‫يف‬ ‫يقع‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬ ‫فطور‬
‫تفاوت وال ٌ‬‫ٌ‬ ‫وهو اإلتقان‪ ،‬فال يقع يف خلقه‬
‫اضطراب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أو‬
‫وفيها كذلك إثبات امسه اخلبري‪ ،‬وهو من اخلربة؛ مبعىن كمال العلم‪،‬‬
‫ووثوقه‪ ،‬واإلحاطة باألشياء على وجه التفصيل‪ ،‬ووصول علمه إىل ما‬
‫ودق من احلسيات واملعنويات‪.‬ـ‬ ‫خفي َّ‬
‫علمه؛ للداللة على‬ ‫وقد ذكر سبحانه يف هذه اآليات بعض ما يتعلَّق به ُ‬
‫مشولـه وإحاطته مبا ال تبلغه علوم خلقه‪:‬‬
‫ْض‪‬‬ ‫ِي األَر‬ ‫ُ‪‬؛ أي‪ :‬يدخل‪ ‬ف‬ ‫ِج‬ ‫يل‬ ‫ما َ‬ ‫َُ‬ ‫لم‬ ‫َْ‬ ‫يع‬ ‫فذكر أنه‪َ :‬‬
‫ها‬ ‫َْ‬ ‫ِن‬
‫ُم‬ ‫ُج‬ ‫يخْر‬ ‫ما َ‬ ‫ََ‬‫حب وبذ ٍر ومياه وحشرات ومعادن‪،‬و‬ ‫من ٍّ‬
‫ما‬‫ََ‬‫جارية ومعادن نافعة كذلك‪ ،‬و‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وعيون‬ ‫زرع وأشجا ٍر‬ ‫‪‬من ٍ‬
‫ٍ‬
‫ومالئكة‪،‬‬ ‫وصواعق‬ ‫ثلج وأمطار‬
‫َاء ‪‬من ٍ‬ ‫َ السَّم‬ ‫ِن‬‫لم‬ ‫ُِ‬ ‫ينز‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ها‪ ‬كذلك من مالئكةـ‬ ‫ِيَ‬ ‫ُ‪ ‬؛ أي‪ :‬يصعد ‪‬ف‬ ‫ُج‬ ‫ْر‬ ‫يع‬‫ما َ‬ ‫‪‬و‬
‫ََ‬
‫صواف… إىل غري ذلك مما يعلمه جل شأنه‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وأعمال وطري‬
‫ْبِ الَ‬ ‫َي‬
‫الغ‬‫ُ ْ‬ ‫ِح‬ ‫َات‬ ‫مف‬ ‫هَ‬ ‫دُ‬‫ِنَ‬ ‫أيضا أن ‪ ‬ع‬ ‫وذكر فيها ً‬
‫َ ‪ ،‬ومفاتح الغيب؛ قيل‪ :‬خزائنه‪ .‬وقيل‪ :‬طرقه‬ ‫هو‬‫ِالَّ ُ‬ ‫ها إ‬ ‫َُ‬ ‫لم‬ ‫َْ‬
‫يع‬‫َ‬
‫وأسبابه اليت يتوصل هبا إليه‪ ،‬مجع ِمفتح؛ بكسر امليم‪ ،‬أو مفتاح؛ حبذف‬
‫ياء مفاعيل‪.‬‬
‫النيب ‪ ‬بقولـه‪:‬‬
‫وقد فسرها ُّ‬
‫ن هَّللا‬
‫َ‬ ‫َِّ‬ ‫((مفاتيح الغيب مخس ال يعلمهن إال اهلل))‪ ،‬مث تال قوله تعاىل ‪:‬إ‬
‫ُ‬‫لم‬ ‫َْ‬ ‫يع‬‫ََ‬‫َو‬ ‫ْث‬ ‫َي‬
‫الغ‬‫ل ْ‬ ‫ُِّ‬‫َز‬‫ين‬ ‫َُ‬ ‫ِو‬ ‫َة‬‫ُ السَّاع‬ ‫لم‬ ‫ِْ‬‫هع‬ ‫دُ‬ ‫ِنَ‬‫ع‬

‫‪83‬‬
‫ِب‬
‫ُ‬ ‫ْس‬ ‫تك‬ ‫َا َ‬ ‫ماذ‬ ‫ْسٌ َّ‬
‫نف‬‫ِي َ‬ ‫در‬ ‫تْ‬‫ما َ‬‫ََ‬‫ِو‬ ‫َام‬ ‫ْح‬ ‫ِي األَر‬ ‫ما ف‬ ‫َ‬
‫ن هَّللا‬
‫َ‬ ‫ُإ‬
‫َِّ‬ ‫ُوت‬ ‫تم‬ ‫ضَ‬ ‫َر‬
‫ٍْ‬ ‫َيِّ أ‬‫ِأ‬‫ْسٌ ب‬‫نف‬ ‫ِي َ‬ ‫در‬ ‫تْ‬‫ما َ‬ ‫ََ‬ ‫دا و‬ ‫ًَ‬ ‫غ‬
‫ٌ ‪.)1(‬‬‫ِير‬ ‫َب‬‫ٌخ‬ ‫ِيم‬ ‫َل‬ ‫ع‬
‫وقد دلّت اآليتان األخريتان على أنه سبحانه عامل بعلم هو صفة لـه‪ ،‬قائم‬
‫بذاته؛ خالفًا للمعتزلة(‪ )2‬الذين نفوا صفاته‪ ،‬فمنهم من قال‪ :‬إنه عامل‬

‫ه‬
‫دُ‬‫ِنَ‬
‫َع‬‫و‬ ‫رواه البخاري يف تفسري سورة األنعام‪،‬ـ (باب‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫ْبِ ‪ -8/91(‬فتح)‪ ،‬ويف تفسري سورة لقمان‪،‬‬
‫َي‬‫الغ‬
‫ُ ْ‬‫ِح‬
‫َات‬
‫مف‬‫َ‬
‫والرعد‪ ،‬ويف التوحيد (‪ -13/361‬فتح)‪.‬‬

‫واآلية يف سورة لقمان‪ ،‬رقم ‪.34‬‬

‫املعتزلة‪ :‬هم يف الصفات جهمية ينفوهنا‪ ،‬ويف القدر قدريَّة يقولون‪:‬ـ‬


‫‪)(2‬‬
‫أعمال العباد خملوقةٌ هلم‪ِ ،‬‬
‫وينكرونـ رؤية املؤمنني لرهبم يوم القيامة‪،‬ـ‬

‫ويوجبون على اهلل الثواب والعقاب والصالح واألصلح‪ ،‬ويقولونـ بالعدل‪،‬‬

‫واملنزلة بني املنزلتني‪ ،‬ويقدمونـ العقل على النقل‪ ،‬وهم أتباع واصل بن‬

‫عطاء الذي اعتزل جملس احلسن البصري‪ ،‬وهم عشرون فرقة‪ ،‬وأصل‬
‫معتقدهم ٍ‬
‫باق إىل اليوم‪،‬ـ متمثل بوجه أو بآخر يف كل من الشيعة والزيدية‬

‫سم ْون بالعقالنيني أو العصرانيني‪ ،‬ويلحق هبم من مُسُّوا‬


‫واإلباضية‪ ،‬وفيمن يُ َّ‬

‫‪84‬‬
‫بذاته‪ ،‬وقادر بذاته‪ ..‬إخل‪ ،‬ومنهم من فسر أمساءه ٍ‬
‫مبعان سلبية‪ ،‬فقال‪ :‬عليم؛‬ ‫َ‬
‫وقادر؛ معناه‪ :‬ال يعجز‪ ..‬إخل‪.‬‬
‫معناه‪ :‬ال جيهل‪ٌ .‬‬
‫وهذه اآليات حجة عليهم‪ ،‬فقد أخرب فيها سبحانه عن إحاطة علمه حبمل‬
‫كل أنثى ووضعها من حيث املعىن والكيف؛ كما أخرب عن عموم قدرته‪،‬‬
‫وتعلقها بكل ممكن‪ ،‬وعن إحاطة علمه جبميع األشياء‪.‬‬
‫وما أحسن ما قالـه اإلمام عبد العزيز املكي(‪ )1‬يف كتابه ((احليدة)) لبشر‬
‫امل ِر ِ‬
‫يس ِّي(‪ )2‬املعتزيل وهو يناظره يف مسألة العلم‪:‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫َ‬
‫مقربًا وال نبيًا مرسالً] وال‬
‫[ملَ ًكا َّ‬
‫((إن اهلل عز وجل مل ميدح يف كتابه َ‬
‫مؤمنًا تقيًّا بنفي اجلهل عنه؛ ليدل على إثبات العلم لـه‪ ،‬وإمنا مدحهم‬

‫زورا بالتنويريني أو املستنريين‪.‬‬


‫ً‬
‫هو عبد العزيز بن حيىي الكناين املكي الفقيه‪،‬ـ كان من أهل العلم‬
‫‪)(1‬‬
‫والفضل‪ ،‬تفقَّه على الشافعي وصاحبه‪ ،‬تويف سنة (‪240‬هـ)‪.‬‬

‫متكلِّم مناظر من موايل آل زيد بن اخلطاب‪ ،‬من الداعني خبلق‬


‫‪)(2‬‬
‫القرآن‪ ،‬وكان عامل اجلهمية يف عصره‪ ،‬مات سنة (‪218‬هـ)‪.‬‬

‫كذا يف طبعة اجلامعة اإلسالمية‪ ،‬وكتاب ((احليدة)) نشر عبد العزيز آل‬
‫‪)(3‬‬

‫))‬ ‫الشيخ (ص‪ ،)32‬ويف طبعة اإلفتاء بدون [مقربًا]‪ ،‬ويف كتاب ((احليدة‬

‫حتقيق الدكتــور علي الفقيهيـ (ص‪[ :)46‬مل ًكا وال نبيًا]‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫فمن أثبتـ العلم نفي‬
‫بإثبات العلم هلم‪ ،‬فنفى بذلك اجلهل عنهم‪َ ...‬‬
‫ومن نفى اجلهل مل يثبت العلم))(‪.)1‬‬
‫اجلهل‪َ ،‬‬
‫والدليل العقلي على علمه تعاىل أنه يستحيل إجياده األشياء مع اجلهل؛ ألن‬
‫إجياده األشياء بإرادته‪ ،‬واإلرادة تستلزم العلم باملراد‪ ،‬وهلذا قال سبحانه‪:‬‬
‫ُ‬
‫ُ‪‬‬ ‫ِير‬ ‫الخَب‬‫ُ ْ‬ ‫ِيف‬ ‫َ َّ‬
‫اللط‬ ‫هو‬‫َُ‬‫َو‬ ‫لق‬‫ََ‬ ‫ْخ‬ ‫من‬‫َُ‬ ‫لم‬ ‫َْ‬‫يع‬‫َال َ‬‫‪‬أ‬
‫(‪. ) 2‬‬
‫وألن املخلوقات فيها من اإلحكام واإلتقان وعجيب الصنعةـ ودقيق اخللقة‬
‫ما يشهد بعلم الفاعل هلا؛ المتناع صدور ذلك عن غري علم‪.‬‬
‫وألن من املخلوقات من هو عامِلٌ‪ ،‬والعلم صفة كمال‪ ،‬فلو مل يكن اهلل‬
‫عاملا؛ لكان يف املخلوقات َمن هو أكمل منه‪.‬‬
‫ً‬
‫وكل علم يف املخلوق إمنا استفاده من خالقه‪ ،‬وواهب الكمال أحق به‪،‬‬
‫وفاقد الشيء ال يعطيه‪.‬‬

‫((احليدة)) (ص‪ )30‬طبعة اجلامعة اإلسالمية‪،‬ـ و(ص‪ )46‬بتحقيق‬


‫‪)(1‬‬
‫الفقيهي‪.‬ـ‬

‫امللك‪.)14( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪86‬‬
‫وأنكرت الفالسفةـ(‪ )1‬علمه تعاىل باجلزئيات‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنه يعلم األشياء على‬
‫ثابت‪ ،‬وحقيقة قوهلم أنه ال يعلم شيئًا؛ فإن كل ما يف اخلارج‬‫وجه كلي ٍ‬
‫ٍّ‬
‫هو جزئي‪.‬‬
‫القد ِريَّة(‪ )2‬علمه تعاىل بأفعال العباد حىت يعملوها؛‬
‫كما أنكر الغُالةـ من َ‬
‫تومُّهًا منهم أن علمه هبا يفضي إىل اجلرب‪ ،‬وقوهلم معلوم البطالنـ بالضرورة‬
‫يف مجيع األديان‪.‬‬

‫الفالسفة‪ :‬هم الذين ينكرون علم اهلل تعاىل‪ ،‬وينكرون حشر‬


‫‪)(1‬‬
‫األجساد‪ ،‬ومذهبهم أن العامل قدمي‪ ،‬وعلته مؤثرة باإلجياب‪ ،‬وليست فاعلة‬

‫باالختيار‪.‬‬

‫وانظر‪( :‬ص‪.)254‬‬
‫القدرية‪ :‬هم أتباع ٍ‬
‫معبد اجلُ َهيِن ّ‪ ،‬وغيالن الدمشقي‪ ،‬املنكرون للقدر‪،‬‬
‫‪)(2‬‬
‫مستأنف‬
‫ٌ‬ ‫املكذبونـ بتقدير اهلل تعاىل ألفعال العباد‪ ،‬الذين قالوا‪ :‬إن علم اهلل‬
‫ليس بقدمي‪ ،‬وإن العباد هم ِ‬
‫املوجدون ألعماهلم‪ .‬وبقوهلم قالت املعتزلة‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫ني ‪.))1(‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫(و َق ْولـه‪  :‬إِ َّن اللَّهَ ُه َو َّ‬
‫َّاق ذُو الْ ُق َّوة الْ َمت ُ‬
‫الرز ُ‬ ‫َ‬
‫الرزَّاق‪ ،‬وهو مبالغة‬ ‫ت إثبات امسه َّ‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪ :‬إِ َّن اللَّهَ‪  ...‬إخل؛ َّ‬
‫تضمنَ ْ‬
‫من الرزق‪ ،‬ومعناه‪ :‬الذي يرزق عباده رزقًا بعد رزق يف إكثار وسعة‪.‬‬
‫مباحا كان أو‬
‫رزق؛ ً‬ ‫وكل ما وصل منه سبحانه من نف ٍع إىل عباده فهو ٌ‬
‫ومعاشا؛ قال تعاىل‪:‬‬
‫ً‬ ‫غري مباح‪ ،‬على معىن أنه قد جعلـه هلم قوتًا‬
‫د*‬ ‫ِيٌ‬ ‫نض‬ ‫ٌ َّ‬ ‫لع‬ ‫َْ‬
‫ها ط‬ ‫َاتٍ َّلَ‬ ‫ِق‬ ‫باس‬ ‫ََ‬ ‫َّخْل‬‫َالن‬ ‫‪‬و‬
‫َاد‪.)2( ‬‬ ‫ِب‬ ‫لع‬ ‫ًا ِّلْ‬ ‫ْق‬‫ِز‬‫ر‬
‫دون‪‬‬ ‫َُ‬‫توع‬ ‫ما ُ‬ ‫ََ‬ ‫ْو‬‫ُم‬ ‫ُك‬‫ْق‬ ‫ِز‬ ‫َاء ر‬ ‫ِي السَّم‬ ‫َف‬ ‫وقال‪ :‬و‬
‫‪.)3((‬‬
‫حكما‪،‬‬
‫ً‬ ‫حالل‬
‫ٌ‬ ‫إال أن الشيء إذا كان مأذونًا يف تناوله؛ فهو‬
‫رزق‪.‬‬
‫حراما‪ ،‬ومجيع ذلك ٌ‬ ‫ً‬ ‫وإال كان‬
‫وتعريف اجلملة االمسية واإلتيان فيها بضمري الفصل؛ إلفادة‬
‫اختصاصه سبحانه بإيصال الرزق إىل عباده‪.‬‬
‫وروي عن ابن مسعود رضي اهلل عنه قال‪:‬‬
‫((أقرأين رسول اهلل ‪ :‬إيِّن أنا الرزاق ذو القوةـ املتني))(‪.)4‬‬

‫الذاريات‪.)58( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫ق‪.)10( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫الذاريات‪.)22( :‬‬
‫‪)(3‬‬

‫‪88‬‬
‫َّة‪ ‬؛ أي صاحب القوة؛ـ فهو مبعىن امسه‬ ‫ُو‬ ‫ُو ْ‬
‫الق‬ ‫وأما قوله‪):‬ذ‬
‫القوي؛ إال أنه أبلغ يف املعىن‪ ،‬فهو ُّ‬
‫يدل على أن قوته سبحانه [ال تتناقصـ‬
‫فيَ ِه ُن أو يَ ُ‬
‫فت ُر](‪.)1‬‬
‫ُ‪‬؛ فهو اسم له من املتانة‪ ،‬وقد فسره ابن عباس بـ‪:‬‬ ‫ِين‬ ‫َت‬‫الم‬ ‫وأما ‪ْ ‬‬
‫((الشديد))(‪.)2‬‬

‫(حسن)‪ .‬رواه الرتمذي يف القراءات (‪ -8/261‬حتفة)‪ ،‬وقال‪:‬‬


‫‪)(4‬‬
‫((حديث حسن صحيح))‪.‬‬

‫أيضا‪.‬‬
‫ورواه أبو داود يف القراءات ً‬
‫انظر‪(( .‬جامع األصول)) (‪.)965‬‬

‫وقال األلباين يف ((صحيح الرتمذي)) (‪:)2343‬‬

‫((صحيح املنت‪ ،‬وهذه قراءه شاذّة))‪.‬‬

‫علّق الشيخ عبد الرزاق عفيفي يف طبعة اجلامعة اإلسالميةـ بقولـه‪:‬‬


‫‪)(1‬‬
‫((هكذا باألصل‪ ،‬والصواب أن يقال‪[ :‬ال نقص فيها وال فتور]))‪.‬‬

‫اهـ‬

‫‪89‬‬
‫‪.)3( ‬‬ ‫الس ِميع الب ِ‬
‫صريُـ‬ ‫ِ ِِ‬
‫س َكمثْله َش ْيءٌ َو ُه َو َّ ُ َ‬ ‫(و َق ْوله‪  :‬لَْي َ‬
‫َ‬
‫بِ‬
‫ص ًريا‪.))4(‬‬‫َ‬ ‫َو َق ْوله‪:‬إِ َّن اللَّهَ نِعِ َّما يَعِظُ ُكم بِِه إِ َّن اللَّهَ َكا َن مَسِ ًيعا‬
‫إثبات صفيت السمع‬ ‫دل ُ‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪) :‬لَْيس َك ِمثْلِ ِه َشيءٌ ‪  ...‬إخل؛ َّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫والبصر لـه سبحانه بعد نفي املثل عنه‪ ،‬على أنه ليس املراد من نفي املثل‬
‫نفي الصفات؛ كما يدَّعي ذلك املعطِّلة‪ ،‬وحيتجون به باطالً‪ ،‬بل املراد‬
‫إثبات الصفات مع نفي مماثلتها لصفات املخلوقني‪.‬‬
‫قال العالَّمةـ ابن القيم رمحه اللـه‪:‬‬
‫شريك‬
‫ٌ‬ ‫س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ‪ ...‬إمنا قصد به نفي أن يكون معه‬ ‫((قوله ‪ :‬لَْي َ‬
‫يستحق العبادة والتعظيم؛ كما يفعله املشبهون واملشركون‪،‬ـ ومل‬ ‫ُّ‬ ‫معبود‬
‫أو ٌ‬
‫وعلوه على خلقه‪ ،‬وتكلمه بكتبه‪ ،‬وتكلمه‬ ‫يقصد به نفي صفات‪ :‬كماله‪ِّ ،‬‬
‫لرسله‪ ،‬ورؤية املؤمنني له جهرة بأبصارهم كما ترى الشمس والقمر يف‬
‫الصحو…)) اهـ‪.‬‬

‫رواه ابن جرير بسنده يف تفسري اآلية (‪ )58‬من سورة الذاريات‪ ،‬عن‬
‫‪)(2‬‬
‫علي بن أيب طلحة‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬وقد تقدم الكالمـ (ص‪ )114‬عن‬

‫رواية علي عن ابن عباس‪.‬‬

‫الشورى‪.)11( :‬‬
‫‪)(3‬‬
‫النساء‪.)58( :‬‬
‫‪)(4‬‬

‫‪90‬‬
‫الس ِميعُ‪ :‬املدرك جلميع األصوات مهما خفتت‪ ،‬فهو يسمع السر‬ ‫ومعىن ‪َّ ‬‬
‫والنجوى بسمع هو صفة ال مياثل أمساع خلقه‪.‬‬
‫صريُ‪ :‬املدرك جلميع املرئيات من األشخاص واأللوانـ مهما‬ ‫ومعىن ‪‬الب ِ‬
‫َ‬
‫لطفت أو بعدت‪ ،‬فال تؤثر على رؤيته احلواجز واألستار‪ ،‬وهو من فعيل‬
‫دال على ثبوت صفة البصر لـه سبحانه على الوجه الذي‬ ‫مبعىن ُم ْفعِل‪ ،‬وهو ٌّ‬
‫يليق به‪.‬‬
‫روى أبو داود يف ((سننه)) عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قرأ‬
‫هذه اآلية‪  :‬إِ َّن اللَّه َكا َن مَسِ يعا ب ِ‬
‫ص ًرياـ ‪ ،)1( ‬فوضع إهبامه على أذنه‪ ،‬واليت‬ ‫ً َ‬ ‫َ‬
‫تليها على عينيه(‪.)2‬‬

‫النساء‪.)58( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫(صحيح)‪ .‬رواه أبو داود يف السنة‪( ،‬باب‪ :‬يف اجلهمية) (‪-13/37‬‬
‫‪)(2‬‬
‫عون)‪ ،‬وصحح إسناده األلباين واألرناؤوط‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬صحيح سنن أيب داود)) (‪.)3/895‬‬

‫و((جامع األصول)) (‪.)5020‬‬

‫وقال احلافظ ابن حجر يف ((الفتح)) (‪.)13/373‬‬

‫((أخرجه أبو داود بسند قوي على شرط مسلم))‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫ومعىن احلديث أنه سبحانه يسمع بسمع‪ ،‬ويرى بعني‪ ،‬فهو حجة على‬
‫بعض األشاعرة(‪ )1‬الذين جيعلون مسعه علمه باملسموعات‪ ،‬وبصره علمه‬
‫باملبصرات‪ ،‬وهو تفسري خاطئ؛ فإن األعمى يعلم بوجود السماء وال‬
‫يراها‪ ،‬واألصم يعلم بوجود األصوات وال يسمعها‪.‬‬

‫مسعت رسول اهلل ‪‬‬


‫مث ذكر حديث عقبة بن عامر عند البيهقي‪:‬ـ (( ُ‬
‫يقول على املنرب‪(( :‬إن ربنا مسيع بصري))‪ ،‬وأشار بيده إىل عينه))‪.‬‬

‫وقال احلافظ‪(( :‬سنده حسن))‪.‬‬

‫األشاعرة‪ :‬هم أتباع أيب احلسن األشعري؛ الذي كان معتزليًّا‪ ،‬مث ترك‬
‫‪)(1‬‬
‫االعتزال‪ ،‬واخَّت ذ لـه مذهبًا بني االعتزال ومذهب أهل السنة واجلماعة‪ ،‬مث‬

‫رجع وتاب‪ ،‬ووافق اإلمام أمحد وأهل السنة واجلماعة يف معتقداهتم‪ ،‬وبقي‬

‫مؤولة‬
‫بعض أتباعه إىل اليومـ حيملون معتقده الثاين‪ ،‬وهم مرجئة يف اإلميان‪ِّ ،‬‬
‫يف الصفات‪ ،‬أقرب فرق البدع والضالل ألهل السنة واجلماعة‪ ،‬وليسو‬

‫منهم‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫ت َما َشاء اللَّهُ ال‬ ‫ك ُق ْل َ‬ ‫ت َجنَّتَ َ‬ ‫( َو َق ْولـه ‪َ ):‬ولَ ْوال إِ ْذ َد َخ ْل َ‬
‫ِ ِ (‪) 1‬‬
‫ُق َّوةَ إِالَّ باللَّه‪‬‬
‫ـك َّن اللَّهَ َي ْف َع ُل َما يُِر ُ‬
‫يد‬ ‫‪ ،‬و َقولـه‪  :‬ولَو َشاء اللَّه ما ا ْقتََتلُواْ ولَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ‬
‫‪‬‬
‫يمةُ األَْن َع ِام إِالَّ َما يُْتلَى َعلَْي ُك ْم َغْيَر حُمِ لِّي‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ،‬و َق ْولـه‪  :‬أُحلَّ ْ‬
‫ت لَ ُكم هَب َ‬
‫(‪) 2‬‬

‫الصْي ِد َوأَنتُ ْم ُحُر ٌم إِ َّن اللَّهَ حَيْ ُك ُم َما يُِريدُ ‪َ ،)3( ‬و َق ْولـه‪  :‬فَ َمن يُِر ِد اللَّهُ أَن‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضِّي ًقا َحَر ًجا‬ ‫ص ْد َرهُ َ‬‫ص ْد َرهُ ل ِإل ْسالَم َو َمن يُِر ْد أَن يُضلَّهُ جَيْ َع ْل َ‬ ‫َي ْهديَهُ يَ ْشَر ْح َ‬
‫ص َّع ُد يِف َّ‬
‫الس َماء ‪.)5())4( ‬‬ ‫َكأَمَّنَا يَ َّ‬

‫الكهف‪.)39( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫البقرة‪.)253( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫املائدة‪.)1( :‬‬
‫‪)(3‬‬
‫األنعام‪.)125( :‬‬
‫‪)(4‬‬
‫وردت اآلية يف املخطوط بدءًا من قولـه تعاىل‪َ  :‬ولَ ْو َشاءَ اللَّهُ َما‬
‫‪)(5‬‬
‫اخَتلَ ُفواْ فَ ِمْن ُهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْقتتل الَّ ِذ ِ ِ ِ‬
‫ات َولَـك ِن ْ‬
‫ين من َب ْعدهم ِّمن َب ْعد َما َجاءَْت ُه ُم الَْبِّينَ ُ‬
‫ََ َ َ‬
‫َّم ْن َآم َن َو ِمْن ُهم َّمن َك َفَر َولَ ْو َشاءَ اللَّهُ َما ا ْقتََتلُواْ ‪[ ‬البقرة‪،]253 :‬‬

‫وكذا يف ((الفتاوى))‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫ت‪ ...‬إخل‪ .‬هذه اآليات دلَّت على إثبات صفيت‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪َ  :‬ولَ ْوال إِ ْذ َد َخ ْل َ‬
‫اإلرادة واملشيئة‪ ،‬والنصوص يف ذلك ال حتصى كثرة‪.‬‬
‫و األشاعرة يثبتونـ إرادة واحدة قدمية تعلَّقت يف األزل بكل املرادات‪،‬‬
‫فيلزمهم ختلُّف املراد عن اإلرادة‪.‬‬
‫وأما املعتزلة؛ فعلى مذهبهم يف نفي الصفات ال يثبتونـ صفة اإلرادة‪،‬‬
‫ويقولون‪ :‬إنه يريد بإرادة حادثة ال يف حمل‪ ،‬فيلزمهم قيام الصفة بنفسها‪،‬‬
‫وهو من أبطل الباطل‪.‬‬
‫وأما أهل احلق؛ فيقولون‪ :‬إن اإلرادة على نوعني‪:‬‬
‫‪ -1‬إرادة كونية ترادفها املشيئة‪ ،‬ومها تتعلَّقان بكل ما يشاء اهلل فعله‬
‫وإحداثه‪ ،‬فهو سبحانه إذا أراد شيئًا وشاءه؛ كان عقب إرادته لـه؛‬
‫ًا‬‫ْئ‬‫د شَي‬ ‫َاَ‬ ‫َر‬ ‫َا أ‬‫ِذ‬ ‫هإ‬ ‫ُُ‬ ‫مر‬ ‫َْ‬‫َا أ‬ ‫نم‬ ‫َِّ‬ ‫كما قال تعـاىل ‪  :‬إ‬
‫ن‪.)1(‬‬‫ُوُ‬ ‫َك‬‫َي‬‫ْف‬ ‫ُن‬ ‫هك‬ ‫ل َلُ‬ ‫ُوَ‬ ‫يق‬ ‫نَ‬ ‫َْ‬
‫أ‬
‫ويف احلديث الصحيح‪:‬‬
‫((ما شاء اهلل كان‪ ،‬وما مل يشأ مل يكن))(‪.)2‬‬

‫يس‪.)82( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫هذا جزء من حديث ضعيف ؛ رواه أبو داود ‪ ،‬يف األدب ‪( ،‬باب ‪:‬‬
‫‪)(2‬‬

‫))‬ ‫ما يقول إذا أصبح) (‪-13/415‬عون)‪ ،‬والنسائيـ يف ((عمل اليومـ والليلة‬

‫(ص‪ 140‬رقم‪ ،)12‬وابن السين من طريقه يف ((عمل اليوم والليلة)) (ص‬

‫‪94‬‬
‫‪ -2‬وإرادة شرعية تتعلق مبا يأمر اهلل به عباده مما حيبه ويرضاه‪ ،‬وهي‬
‫يد بِ ُك ُم الْعُ ْسَر‬
‫يد اللَّهُ بِ ُك ُم الْيُ ْسَر َوالَ يُِر ُ‬
‫املذكورة يف مثل قولـه تعاىل‪  :‬يُِر ُ‬
‫‪. ) 3( ‬‬
‫وال تالزم بني اإلرادتني؛ بل قد تتعلَّق كل منهما مبا ال تتعلق به األخرى‪،‬‬
‫وخصوص من وجه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫عموم‬
‫فبينهما ٌ‬
‫أعم من جهة تعلُّقها مبا ال حيبُّه اهلل ويرضاه من الكفر‬ ‫فاإلرادة الكونيةـ ُّ‬
‫وأخص من جهة أهنا ال تتعلق مبثل إميان الكافر وطاعة الفاسق‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫واملعاصي‪،‬‬
‫واقعا كان أو غري‬ ‫أعم من جهة تعلُّقها بكل مأمور به ً‬ ‫واإلرادة الشرعية ُّ‬
‫وأخص من جهة أن الواقع باإلرادة الكونية قد يكون غري مأمور‬ ‫ُّ‬ ‫واقع‪،‬‬
‫به‪.‬‬
‫معا يف مثل إميان املؤمن‪ ،‬وطاعة املطيع‪.‬‬ ‫واحلاصل أن اإلرادتني قد جتتمعان ً‬
‫وتنفرد الكونيةـ يف مثل كفر الكافر‪ ،‬ومعصيةـ العاصي‪.‬‬
‫‪ 25‬رقم‪ ،)46‬قال احلافظ‪:‬‬

‫((حديث غريب))‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬الفتوحات الربانية)) (‪ ،)2/121‬و((األذكار)) للنووي‪،‬‬

‫ختريج بشري عيون (رقم‪ ،)232‬و((ضعيف اجلامع))) (‪.)4121‬‬

‫حتما‪.‬‬
‫لكن معناه صحيح ً‬
‫ّ‬
‫البقرة‪.)185( :‬‬
‫‪)(3‬‬

‫‪95‬‬
‫وتنفرد الشرعية يف مثل إميان الكافر‪ ،‬وطاعة العاصي‪.‬‬
‫َكَ ‪ ...‬اآلية؛ هذا‬ ‫َّت‬
‫َن‬ ‫َج‬ ‫لت‬‫َْ‬‫دخ‬ ‫َْ‬ ‫ِذ‬‫ْال إ‬ ‫ََلو‬ ‫وقوله تعاىل‪ :‬و‬
‫من قول اهلل حكاية عن الرجل املؤمن لزميله الكافر صاحب اجلنَّتني؛ يعظه‬
‫ويردها إىل مشيئة اهلل‪ ،‬ويربأ من حوله وقوته؛‬
‫به أن يشكر نعمة اهلل عليه‪َّ ،‬‬
‫فإنه ال قوة إال باهلل‪.‬‬
‫عما وقع بني أتباع‬ ‫وقوله‪َ :‬ولَ ْو َشاءَ اللَّهُ َما ا ْقتََتلُواْ‪ ...‬اآلية؛ ٌ‬
‫إخبار ّ‬
‫وحسدا‪َّ ،‬‬
‫وأن ذلك‬ ‫ً‬ ‫الرسل من بعدهم‪ :‬من التنازع‪ ،‬والتعادي بغيًا بينهم‬
‫إمنا كان مبشيئة اهلل عز وجل‪ ،‬ولو شاء عدم حصولـه ما حصل‪ ،‬ولكنه‬
‫شاءه فوقع‪.‬‬
‫وقوله‪:‬فَ َمن يُِر ِد اللَّهُ أَن َي ْه ِديَهُ‪(...‬إخل؛ اآلية تدل على أن كالًّ من‬
‫اهلداية والضالل خبلق اهلل عز وجل‪،‬فمن يرد هدايته أي‪:‬إهلامه وتوفيقه‬
‫نورا‪ ،‬فيتسع له‪ ،‬وينبسط؛ كما‬ ‫يشرح صدره لإلسالم‪ ،‬بأنـ يقذف يف قلبه ً‬
‫ورد يف احلديث‪ ،‬ومن يرد إضالله وخذالنه جيعل صدره يف غاية الضيق‬
‫واحلرج‪ ،‬فال ينفذ إليه نور اإلميان‪ ،‬وشبَّه ذلك مبن يصعد يف السماء‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫‪َ ‬وأَقْ ِسطُوا‬ ‫)‪( 1‬‬
‫ني ‪، ‬‬ ‫ِِ‬
‫ب الْ ُم ْحسن َ‬ ‫َح ِسُن َواْ إِ َّن اللَّهَ حُيِ ُّ‬ ‫(و َق ْولُـهُ‪َ :‬وأ ْ‬ ‫َ‬
‫(‪) 2‬‬
‫ني‪‬‬ ‫ِِ‬ ‫إِ َّن اللَّهَ حُيِ ُّ‬
‫ب الْ ُم ْقسط َ‬
‫ني‪ (3)،‬إِ َّن‬ ‫‪  ،‬فَما است َقامواْـ لَ ُكم فَاست ِقيمواْـ هَل م إِ َّن اللَّه حُيِ ُّ ِ‬
‫ب الْ ُمتَّق َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َ ُ ُْ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ني َوحُيِ ُّ‬ ‫اللَّهَ حُيِ ُّ‬
‫ين ‪َ ، ‬و َق ْولُهُ‪ :‬قُ ْل إِن ُكنتُ ْم حُت بُّو َن اللَّهَ‬ ‫ب الْ ُمتَطَ ِّه ِر َ‬ ‫ب الت ََّّوابِ َ‬
‫)‬ ‫‪4‬‬ ‫(‬

‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ف يَأْيِت اللَّهُ بَِق ْوم حُي ُّب ُه ْم َوحُي بُّونَهُ‬
‫فَاتَّبِعُويِن حُيْبِْب ُك ُم اللَّهُ‪َ ، ‬و َق ْولُهُ‪ :‬فَ َس ْو َ‬
‫(‪) 5‬‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،)6(‬و َقولُه‪ :‬إِ َّن اللَّه حُيِ ُّ َّ ِ‬


‫صفًّا َكأَن َُّهم بُنيَا ٌن‬ ‫ين يُ َقاتلُو َن يِف َسبِيله َ‬ ‫ب الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ‬
‫وص ‪.))7( ‬‬ ‫ص ٌ‬ ‫َّم ْر ُ‬
‫أفعال لـه تعاىل ناشئة عن صفة احملبة‪،‬ـ‬ ‫تضمنت هذه اآليات إثبات ٍ‬ ‫‪/‬ش‪َّ /‬‬
‫وحمبة اهلل عز وجل لبعض األشخاص واألعمال واألخالق صفة له قائمة‬

‫البقرة‪.)195( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫احلجرات‪.)9( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫التوبة‪.)7( :‬‬
‫‪)(3‬‬
‫البقرة‪.)222( :‬‬
‫‪)(4‬‬
‫آل عمران‪.)31( :‬‬
‫‪)(5‬‬
‫املائدة‪.)54( :‬‬
‫‪)(6‬‬
‫الصف‪.)4( :‬‬
‫ّ‬ ‫‪)(7‬‬

‫‪97‬‬
‫حيب بعض‬ ‫به‪ ،‬وهي من صفات الفعل االختيارية اليت تتعلق مبشيئته‪ ،‬فهو ُّ‬
‫األشياء دون بعض على ما تقتضيهـ احلكمة البالغة‪.‬‬
‫نقصا؛ إذ احملبة يف‬
‫وينفي األشاعرة واملعتزلةـ صفة احملبة؛ـ بدعوى أهنا توهم ً‬
‫املخلوق معناها ميله إىل ما يناسبه أو ُّ‬
‫يستلذه‪.‬‬
‫فأما األشاعرة؛ فرُي جعوهنا إىل صفة اإلرادة‪ ،‬فيقولون‪:‬ـ إن حمبة اهلل لعبده ال‬
‫معىن هلا إال إرادته إلكرامه ومثوبته‪.‬ـ‬
‫وكذلك يقولون يف صفات الرضا والغضب والكراهية والسخط؛ كلها‬
‫عندهم مبعىن إرادة الثوابـ والعقاب‪.‬‬
‫وأما املعتزلة؛ فألهنم ال يثبتونـ إرادة قائمة به‪ ،‬فيفسرون احملبة بأهنا نفس‬
‫الثواب الواجب عندهم على اهلل هلؤالء؛ بناء على مذهبهم يف وجوب‬
‫إثابة املطيع وعقاب العاصي‪.‬‬
‫وأما أهل احلق؛ فيثبتونـ احملبة صفة حقيقية هلل عز وجل على ما يليق به‪،‬‬
‫تشبيها‪.‬‬
‫نقصا وال ً‬ ‫فال تقتضيـ عندهم ً‬
‫كما يثبتونـ الزم تلك احملبة‪ ،‬وهي إرادته سبحانه إكرام من حيبه وإثابتهـ(‪.)1‬‬
‫وليت شعري مباذا جييب النافونـ للمحبَّة عن مثل قوله عليه السالم يف‬
‫عبدا؛ قال جلربيل عليه السالم‪ :‬إين‬ ‫أحب ً‬
‫حديث أيب هريرة‪(( :‬إن اهلل إذا َّ‬

‫الصواب أن يقال‪(( :‬كما يثبتون الزم تلك احملبة؛ـ وهي إكرام من حيبه‬
‫‪)(1‬‬
‫تفسر الصفة بصفة أخرى‪ ،‬فاإلرادة صفة واإلكرام صفة‬
‫وإثابته)) حىت ال َّ‬
‫فال يقال إرادة اإلكرام‪ ،‬بل الزم احملبةـ إكرام من حيبه‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫أحب فالنًا فأحبَّه‪ .‬قال‪ :‬فيقول جربيل عليه السالم ألهل السماء‪ :‬إن‬
‫ربكم عز وجل حيب فالنًا فأحبوه‪ .‬قال‪ :‬فيحبه أهل السماء‪ ،‬ويوضع لـه‬
‫القبول يف األرض‪ ،‬وإذا أبغضه فمثيل ذلك))(‪ ،)1‬رواه الشيخان؟!‬
‫أمر باإلحسان العام يف كل‬ ‫وقولـه تعاىل يف اآلية األوىل‪  :‬وأ ِ‬
‫َحسنُواْ ‪ٌ ‬‬‫َ ْ‬
‫شيء؛ ال سيما يف النفقة املأمورـ هبا قبل ذلك‪ ،‬واإلحسان فيها يكونـ‬
‫بالبذل وعدم اإلمساك‪ ،‬أو بالتوسط بني التقتري والتبذير‪ ،‬وهو القوامـ الذي‬
‫أمر اهلل به يف سورة الفرقان(‪.)2‬‬
‫روى مسلم يف ((صحيحه)) عن شداد بن أوس أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪:‬‬
‫((إن اهلل كتب اإلحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة‪ ،‬وإذا‬
‫وليحد أحدكم شفرته‪ ،‬ولريح ذبيحته))(‪.)3‬‬‫َّ‬ ‫ذحبتم فأحسنوا الذحبة‪،‬‬

‫رواه البخاري يف التوحيد‪( ،‬باب‪ :‬كالم الرب مع جربيل‪ ،‬ونداء اهلل‬


‫‪)(1‬‬
‫املالئكة)ـ (‪-13/461‬فتح)‪ ،‬ويف األدب‪ ،‬ومسلم يف الرب والصلة‪( ،‬باب‪:‬‬

‫عبدا حبَّبه إىل عبـاده) (‪-16/422‬نووي)‪ ،‬والرتمذي يف‬


‫إذا أحب اهلل ً‬
‫التفسري‪( ،‬باب‪ :‬ومن سورة مرمي)‪.‬‬

‫يشري إىل قولـه تعاىل يف سورة الفرقان (‪:)67‬‬


‫‪)(2‬‬
‫ُوا‬
‫ِف‬‫يسْر‬
‫ُْ‬‫ُوا َلم‬
‫َق‬‫َنف‬
‫َا أ‬
‫ِذ‬‫َإ‬
‫ِين‬
‫الذ‬
‫َ َّ‬
‫و‬ ‫‪‬‬

‫ما ‪.‬‬ ‫َو‬


‫َاً‬ ‫َل‬
‫ِكَ ق‬‫َذ‬‫ْن‬
‫بي‬‫نَ‬
‫َاَ‬
‫َك‬‫ُوا و‬
‫ُر‬‫ْت‬
‫يق‬ ‫ََلم‬
‫َْ‬ ‫و‬

‫‪99‬‬
‫ني‪ (‬فهو تعليل لألمر باإلحسان‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫وأما قولـه‪ :‬إِ َّن اللَّهَ حُيِ ُّ‬
‫ب الْ ُم ْحسن َ‬
‫موجب حملبَّته؛ سارعوا إىل امتثال األمر به‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فإهنم إذا علموا أن اإلحسان‬
‫ِ‬
‫أمر باإلقساط‪ ،‬وهو العدل‬ ‫وأما قوله يف اآلية الثانية‪:‬ـ ‪َ ‬وأَقْسطُوا ‪‬؛ فهو ٌ‬
‫يف احلكم بني الطائفتني املتنازعتني من املؤمنني‪ ،‬وهو من قَ َس َط؛ إذا جار‪،‬‬
‫فاهلمزة فيه للسلب‪ ،‬ومن أمسائه تعاىل‪ :‬امل ْق ِسط‪.‬‬
‫ُ‬
‫ويف اآلية احلث على العدل وفضله‪ ،‬وأنه سبب حملبة اهلل عز وجل‪.‬‬
‫يمواْـ هَلُ ْم‪‬؛ فمعناه‪ :‬إذا كان‬ ‫وأما قوله تعاىل‪ :‬فَما است َقامواْـ لَ ُكم فَ ِ‬
‫استَق ُ‬‫ْ ْ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫أحد عه ٌد كهؤالء الذين عاهدمتوهم عند املسجد احلرام؛‬ ‫بينكم وبني ٍ‬
‫فاستقيموا هلم على عهدهم مدة استقامتهم لكم‪ ،‬فـ(ما) هنا مصدرية‬
‫ظرفية‪.‬‬
‫حيب الذين‬
‫ني‪ ‬؛ أي‪ُّ :‬‬ ‫مث علَّل ذلك األمر بقولـه‪  :‬إِ َّن اللَّه حُيِ ُّ ِ‬
‫ب الْ ُمتَّق َ‬ ‫َ‬
‫يتَّقون اهلل يف كل شيء‪ ،‬ومنه عدم نقض العهود‪.‬‬
‫ني‪  ...‬إخل؛ فهو إخبار من اهلل سبحانه‬ ‫وأما قوله‪ :‬إِ َّن اللَّهَ حُيِ ُّ‬
‫ب الت ََّّوابِ َ‬
‫وتعاىل عن حمبته هلذين الصنفني من عباده‪.‬‬

‫رواه مسلم يف الصيد‪( ،‬باب‪ :‬األمر بإحسان الذبح والقتل) (‬


‫‪)(3‬‬
‫‪ -13/113‬نووي)‪ ،‬والرتمذي يف الديات‪( ،‬باب‪ :‬النهيـ عن املثلة) (‬

‫‪ – 4/664‬حتفة)‪ ،‬وأبو داود يف األضاحي (باب‪ :‬النهي أن تُصْرَب البهائم‪،‬‬

‫والرفق بالذبيحة)‪ ،‬والنسائيـ يف الضحايا‪( ،‬باب‪ :‬األمر بإحداد الشفرة)‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫أما األول‪ :‬فهم الت ََّّوابون؛ـ أي‪ :‬الذين يكثرونـ التوبة والرجوع إىل اهلل عز‬
‫وجل باالستغفار مما أَلَ ُّموا به على ما تقتضيه صيغة املبالغة‪ ،‬فهم بكثرة‬
‫تطهروا من األقذار والنجاسات املعنوية اليت هي الذنوب‬ ‫التوبة قد َّ‬
‫واملعاصي‪.‬‬
‫وأما الثاين‪ :‬فهم املتطهرون؛ـ الذين يبالغونـ يف التطهر‪ ،‬وهو التنظيف‬
‫بالوضوء أو بالغسل من األحداث والنجاسات احلسية‪ .‬وقيل‪ :‬املراد‬
‫باملتطهرين هنا الذين يتنزهونـ من إتيان النساء يف زمن احليض أو يف‬
‫أدبارهن‪ ،‬واحلمل على العموم أوىل‪.‬‬
‫ِ يِن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي عن‬ ‫وأما قوله‪ :‬قُ ْل إن ُكنتُ ْم حُت بُّو َن اللَّهَ فَاتَّبعُو حُيْبْب ُك ُم اللَّهُ‪‬؛ فقد ُر ِو َ‬
‫قوما َّادعوا أهنم حيبِّون اهلل‪ ،‬فأنزل اهلل هذه اآلية‬ ‫احلسن يف سبب نزوهلا أن ً‬
‫حمنة هلم(‪.)1‬‬

‫رواه ابن أيب حامت يف ((التفسري)) رقم (‪ ،)379‬وابن جرير موقوفًا‬


‫‪)(1‬‬
‫على احلسن‪ ،‬وقال ابن جرير‪:‬‬

‫((وأما ما روى احلسن يف ذلك مما قد ذكرناه؛ فال خرب به عندنا‬

‫يصح))‪.‬‬

‫رجح أهنا نزلت يف وفد نصارى جنران‪.‬‬


‫مثّ َّ‬
‫انظر ((تفسري الطربي))‪ ،‬حتقيق‪ :‬شاكر‪.)324-6/322( ،‬‬

‫‪101‬‬
‫ويف هذه اآلية قد شرط اهلل حملبَّته اتباع نبيه ‪ ،‬فال ينال تلك احملبة؛ـ إال من‬
‫أحسن االتباعـ واالستمساك هبديه عليه السالم‪.‬‬

‫ود ‪َ ، )1( ‬و َق ْولهُ ‪ :‬بسم اهلل‬ ‫ور الْ َو ُد ُ‬ ‫( َو َق ْولهُ ‪َ  :‬و ُه َو الْغَ ُف ُ‬
‫(‪) 2‬‬
‫ت ُك َّل َش ْي ٍء رَّمْح َةً َو ِع ْل ًما ‪‬‬ ‫ِ‬
‫الرمحن الرحيم‪َ  ،‬ربَّنَا َوس ْع َ‬
‫ٍ )‪(4‬‬ ‫‪ ،‬و َكا َن بِالْم ْؤ ِمنِني ر ِحيما ‪(3) ، ‬ورمْح يِت و ِ‬
‫ب‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ء‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫ل‬‫َّ‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫ْ‬ ‫ع‬ ‫س‬
‫ََ َ َ َ‬ ‫ُ ََ ً‬ ‫َ‬
‫يم ‪ ، ‬فَاللَّهُ َخْيٌر‬
‫)‪6‬‬ ‫ربُّ ُكم علَى َن ْف ِس ِه الرَّمْح ةَ ‪ ،‬وهو الْغَ ُفور َّ ِ‬
‫‪5‬‬
‫الرح ُ‬
‫(‬ ‫(‬ ‫)‬
‫ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫َ ‪. ) ) 7( ‬‬ ‫الرامِحِ ني‬
‫َحافِظًا َو ُه َو أ َْر َح ُم َّ‬
‫ور … ‪ ‬إخل؛ تضمنت اآلية إثبات امسني من‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪َ  :‬و ُه َو الْغَ ُف ُ‬
‫األمساء احلسىن‪ ،‬ومها‪ :‬الغفور‪ ،‬والودود‪.‬‬

‫الربوج‪.)14( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫غافر‪)7( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫األحزاب‪.)43( :‬‬
‫‪)(3‬‬
‫األعراف‪.)156( :‬‬
‫‪)(4‬‬
‫األنعام‪.)54( :‬‬
‫‪)(5‬‬
‫األحقاف‪ ،)8( :‬ويونس‪.)107( :‬‬
‫‪)(6‬‬
‫يوسف‪.)64( :‬‬
‫‪)(7‬‬

‫‪102‬‬
‫أما األول‪ :‬فهو مبالغة يف الغفر‪ ،‬ومعناهـ الذي يكثر منه السرت على املذنبني‬
‫من عباده‪ ،‬والتجاوز عن مؤاخذهتم‪.‬‬
‫وأصل الغفر‪ :‬السرت‪ ،‬ومنه يقال‪ :‬الصبغ أغفر للوسخ‪ .‬ومنه‪ :‬املغفر لسرتة‬
‫الرأس‪.‬‬
‫الود الذي هو خالص احلب وألطفه‪ ،‬وهو إما من‬ ‫وأما الثاين‪ :‬فهو من ِّ‬
‫فعول مبعىن فاعل‪ ،‬فيكونـ معناه‪ :‬الكثري الود ألهل طاعته‪ ،‬واملتقرب إليهم‬
‫بنصره هلم ومعونته‪ .‬وإما من فعول مبعىن مفعول‪ ،‬فيكون معناه‪ :‬املودود‬
‫لكثرة إحسانه‪ ،‬املستَ ِح ُّق ألن َي َو َّده خلقه فيعبدوه وحيمدوه‪.‬‬
‫وأما قولـه‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ‬وما بعدها من اآليات؛ فقد‬
‫تضمنت إثبات امسيه الرمحن والرحيم‪ ،‬وإثبات صفيت الرمحة والعلم‪.‬‬
‫وقد تقدم يف تفسري ‪‬بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ‬الكالمـ على هذين االمسني‪،‬‬
‫دال على صفة الذات والثاين ٌّ‬
‫دال على‬ ‫وبيان الفرق بينهما‪ ،‬وأن أوهلما ٌّ‬
‫صفة الفعل‪.‬‬
‫وقد أنكرت األشاعرة واملعتزلةـ صفة الرمحة بدعوى أهنا يف املخلوق‬
‫وخ َوٌر وتأمُّل للمرحوم‪ ،‬وهذا من أقبح اجلهل‪ ،‬فإن الرمحة إمنا تكون‬ ‫ضعف َ‬ ‫ٌ‬
‫خورا؛ بل قد تكونـ مع غاية‬
‫من األقوياء للضعفاء‪ ،‬فال تستلزم ضع ًفا وال ً‬
‫ومن‬
‫العزة والقدرة‪ ،‬فاإلنسان القوي يرحم ولده الصغري وأبويهـ الكبريين َ‬
‫هو أضعف منه‪ ،‬وأين الضعف واخلور ـ ومها من أذم الصفات ـ من الرمحة‬
‫اليت وصف اهلل نفسه هبا‪ ،‬وأثىن على أوليائه املتصفني هبا‪ ،‬وأمرهم أن‬
‫يتواص ْواـ هبا؟!‬
‫َ‬

‫‪103‬‬
‫ت …‪ ‬إخل؛ من كالم اهلل عز وجل حكاية عن محلة‬ ‫ِ‬
‫وقولـه‪َ  :‬ربَّنَا َوس ْع َ‬
‫يتوسلون إىل اهلل عز وجل بربوبيّته وسعة علمه‬ ‫العرش والذين حوله‪َّ ،‬‬
‫التوسالت اليت يُْر َجى معها‬
‫ورمحته يف دعائهم للمؤمنني‪ ،‬وهو من أحسن ُّ‬
‫اإلجابة‪.‬‬
‫ونصب قولـه‪ :‬رَّمْح َةً َو ِع ْل ًما‪ ‬على التمييز َّ‬
‫احملول عن الفاعل‪ ،‬والتقدير‪:‬‬
‫وعلمك كل شيء‪ .‬فرمحته سبحانه وسعت يف الدنيا‬ ‫وسعت رمحتُك ُ‬
‫املؤمن والكافر والرب والفاجر‪ ،‬ولكنها يوم القيامةـ تكون خاصة باملتَّقني؛‬
‫كما قال تعاىل‪:‬‬
‫ِِ‬
‫‪‬فَ َسأَ ْكتُُب َها للَّذ َ‬
‫ين َيَّت ُقو َن َويُ ْؤتُو َـن َّ‬
‫الز َكـا َة‪ (...‬اآلية(‪.)1‬‬
‫ب َربُّ ُك ْم َعلَى َن ْف ِس ِه الرَّمْح َةَ ‪)2( ‬؛ أي‪ :‬أوجبها على‬‫وقولـه تعاىل‪َ  :‬كتَ َ‬
‫تفضالً وإحسانًا‪ ،‬ومل يوجبها عليه أح ٌد‪.‬‬ ‫نفسه ُّ‬
‫ويف حديث أيب هريرة يف ((الصحيحني))‪:‬‬
‫((إن اهلل ملا خلق اخللق كتب كتابًا‪ ،‬فهو عنده فوق العرش‪ :‬إن رمحيت‬
‫(‪) 3‬‬
‫ّ‬
‫سبقت ـ أو تسبق ـ غضيب)) ‪.‬‬

‫األعراف‪.)156( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫األنعام‪.)54( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫رواه بألفاظ خمتلفة‪ :‬البخاري يف التوحيد‪( ،‬باب‪ :‬قول اهلل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫َوحُيَ ِّذ ُر ُك ُم اللَّهُ نَ ْف َسهُ ‪-13/384( ‬فتح)‪ ،‬وأبـواب أخرى منه‪ ،‬ويف‬

‫‪104‬‬
‫وأما قوله‪  :‬فَاللَّهُ َخْيٌر َحافِظًا‪ ‬؛ فاحلافظ واحلفيظ مأخوذ من احلفظ‪،‬‬
‫وهو الصيانة‪ ،‬ومعناه‪:‬ـ الذي حيفظ عباده باحلفظ العام‪ ،‬فييسر هلم أقواهتم‪،‬‬
‫ويقيهم أسباب اهلالك والعطب‪ ،‬وكذلك حيفظ عليهم أعماهلم‪ ،‬وحيصي‬
‫أقواهلم‪ ،‬وحيفظ أولياءه باحلفظ اخلاص‪ ،‬فيعصمهم عن مواقعة الذنوب‪،‬‬
‫يضرهم يف دينهم ودنياهم‪.‬‬ ‫وحيرسهم من مكايد الشيطان‪ ،‬وعن كل ما ُّ‬
‫متييزا لـ ‪ ‬خَرْي ‪ ‬الذي هو أفعل تفضيل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وانتصبـ ‪َ ‬حافظًا ‪ً ‬‬
‫ضواْ َعْنهُ‪َ  (1) ، ‬و َمن َي ْقتُ ْل‬ ‫( قـولـه ‪َّ  :‬ر ِض َي اللَّهُ َعْن ُه ْم َو َر ُ‬
‫ب اللَّهُ َعلَْي ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّم َخال ًدا ف َيها َو َغض َ‬ ‫ُم ْؤمنًا ُّمَت َع ِّم ًدا فَ َجَز ُآؤهُ َج َهن ُ‬
‫(‪) 2‬‬
‫َولَ َعنَهُ ‪‬‬

‫ُ‬
‫دأ‬ ‫يب‬
‫َْ‬ ‫ِي َ‬
‫الذ‬
‫َ َّ‬
‫هو‬ ‫بَدء اخللق‪( ،‬باب‪ :‬ما جاء يف قولـه تعاىل‪ :‬و‬
‫َُ‬
‫ه‪-6/287( ‬فتح)‪ ،‬ومسلم يف التوبة‪،‬ـ‬
‫دُ‬‫ِيُ‬
‫يع‬ ‫ثم‬
‫َّ ُ‬ ‫َُ‬
‫لق‬‫الخَْ‬
‫ْ‬
‫(باب يف سعة رمحة اهلل تعاىل‪ ،‬وأهنا سبقتـ غضبه) (‪-17/74‬نووي)‪،‬‬

‫والرتمذي يف الدعوات‪.‬‬

‫املائدة‪ ،)119( :‬والتوبة‪ ،)100( :‬واجملادلة‪ ،)22( :‬والبينة‪.)8( :‬‬


‫‪)(1‬‬
‫النساء‪.)93( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪105‬‬
‫ِ‬
‫ُ‪َ (1)،‬فلَ َّما‬ ‫َس َخ َط اللَّهَ َو َك ِر ُهوا ِر ْ‬
‫ض َوانَه‬ ‫ك بِأَن َُّه ُم اتََّبعُواـ َما أ ْ‬
‫‪َ ،‬وقوله‪َ :‬ذل َ‬
‫ـكن َك ِر َه اللَّهُ انبِ َعا َث ُه ْم َفثَبَّطَ ُه ْم ‪، )3( ‬‬ ‫ْ ‪،)2(‬وقوله‪:‬ولَ ِ‬ ‫انت َق ْمنَا ِمْن ُهم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫آس ُفونَا َ‬
‫َ‬
‫ند اللَّ ِه أَن َت ُقولُوا َما ال َت ْف َعلُو َن ‪.) ‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫َوقـولـه‪َ  :‬كُبَر َم ْقتًا ِع َ‬
‫تضمنت هذه اآليات إثبات‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪َّ  :‬ر ِض َي اللَّهُ َعْن ُه ْم ‪  ...‬إخل؛ َّ‬
‫عن‪َ ،‬وال ُكر ِه‪،‬‬ ‫ضب‪ ،‬واللَّ ُ‬ ‫الرضى هلل‪ ،‬والغَ َ‬ ‫بعض صفات الفعل من ِّ‬
‫َسف‪.‬‬ ‫والس ْخط‪ ،‬واملَْقت‪ ،‬واأل َ‬ ‫َّ‬
‫وهي عند أهل احلق صفات حقيقية هلل عز وجل‪ ،‬على ما يليق به‪ ،‬وال‬
‫تشبه ما يتصف به املخلوق من ذلك‪ ،‬وال يلزم منها ما يلزم يف املخلوق‪.‬‬
‫فال حجة لألشاعرة واملعتزلة على نفيها‪ ،‬ولكنهم ظنُّوا أن اتصاف اهلل عز‬
‫وجل هبا يلزمه أن تكونـ هذه الصفات فيه على حنو ما هي يف املخلوق‪،‬‬
‫الظن الذي ظنوهـ يف رهبم أرداهم فأوقعهم يف محأة النفيـ والتعطيل‪.‬‬ ‫وهذا ُّ‬
‫واألشاعرة يُْرجعون هذه الصفات كلها إىل اإلرادة؛ كما علمت ساب ًقا‪،‬‬
‫فالرضا عندهم إرادة الثواب‪،‬ـ والغضب والسخط‪ ..‬إخل إرادة العقاب‪.‬‬
‫وأما املعتزلة؛ فريجعوهنا إىل نفس الثواب والعقاب‪.‬‬

‫حممد‪.)28( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫الزخرف‪.)55( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫التوبة‪.)46( :‬‬
‫‪)(3‬‬
‫الصف‪.)3( :‬‬
‫‪)(4‬‬

‫‪106‬‬
‫عما يكونـ بينه‬
‫إخبار َّ‬
‫ضواْ َعْنهُ ‪ٌ ‬‬ ‫وقوله سبحانه‪َّ  :‬ر ِض َي اللَّهُ َعْن ُه ْم َو َر ُ‬
‫وبني أوليائه من تبادل الرضا واحملبة‪.‬‬
‫وأجل من كل ما أُعطوا من النعيم؛ كما قال‬ ‫أما رضاه عنهم؛ فهو أعظم ُّ‬
‫سبحانه‪:‬‬
‫ُ ‪. ) 1( ‬‬ ‫َر‬ ‫ْب‬ ‫َك‬ ‫ِأ‬ ‫َ هَّللا‬
‫من‬‫ن ِّ‬ ‫َاٌ‬ ‫ْو‬‫ِض‬‫َر‬ ‫‪‬و‬
‫وأما رضاهم عنه؛ فهو رضا كل منهم مبنزلته مهما كان‪ ،‬وسروره هبا؛‬
‫خريا ممَّا أُويت‪ ،‬وذلك يف اجلنة‪.‬‬ ‫حىت يظن أنه مل يؤت أح ٌد ً‬
‫دا ‪‬اآلية؛ فقد‬ ‫َم‬
‫ًِّ‬ ‫َع‬ ‫مت‬
‫ًا ُّ‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬ ‫مؤ‬ ‫ُْ‬ ‫ُل‬ ‫ْت‬ ‫يق‬ ‫من َ‬ ‫ََ‬‫وأما قوله‪ :‬و‬
‫دا ‪-‬‬ ‫ًِّ‬‫َم‬‫َع‬‫مت‬ ‫ًا‪ ‬عن قتل الكافر‪ ،‬وبقوله‪ُّ :‬‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫مؤ‬ ‫احرتز بقوله‪ُ :‬‬
‫معصوما‪ ،‬فيقتلـه مبا يغلب‬
‫ً‬ ‫قاصدا لذلك‪ ،‬بأن يقصد َمن يعلمه آدميًّا‬ ‫أي‪ً :‬‬
‫على الظن موته به ‪ -‬عن القتل اخلطإ‪.‬‬
‫مقيما على جهة التأبيد‪ ،‬وقيل‬ ‫ها ‪ ‬؛ أي‪ً :‬‬ ‫ِيَ‬ ‫دا ف‬ ‫لً‬ ‫َاِ‬ ‫وقوله‪  :‬خ‬
‫اخللود‪ :‬املكثـ الطويل‪.‬‬
‫واللعن‪ :‬هو الطرد واإلبعاد عن رمحة اهلل‪ ،‬واللعني وامللعون‪:‬ـ من َحقَّت‬
‫عليه اللعنة‪ ،‬أو ُد ِعي عليه هبا‪.‬‬
‫تدل على أن القاتل‬‫وقد استشكل العلماء هذه اآليات من حيث إهنا ُّ‬
‫ن هَّللا‬
‫َ‬ ‫َِّ‬‫معارض لقولـه تعاىل‪ :‬إ‬
‫ٌ‬ ‫عمدا ال توبة له‪ ،‬وأنه خملَّد يف النار‪ ،‬وهذا‬ ‫ً‬

‫التوبة‪.)72( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪107‬‬
‫ِكَ‬‫َل‬ ‫نذ‬‫دوَ‬ ‫ما ُ‬ ‫َُ‬‫ِر‬ ‫ْف‬‫يغ‬ ‫ََ‬‫ِو‬ ‫ِه‬‫َكَ ب‬ ‫يشْر‬ ‫َن ُ‬ ‫ُأ‬‫ِر‬‫ْف‬ ‫يغ‬‫الَ َ‬
‫يشَاء ‪.)1( ‬‬ ‫َن َ‬‫لم‬ ‫ِ‬
‫وقد أجابوا عن ذلك بعدة أجوبة؛ منها‪:‬‬
‫أن هذا اجلزاء ملن كان مستحالًّ قتل املؤمن ً‬
‫عمدا‪.‬‬
‫أن هذا هو اجلزاء الذي يستحقُّه لو جوزي ‪ ،‬مع إمكانـ أن ال جيازى‪،‬‬
‫بأن يتوب أو يعمل صاحلًا يرجح بعمله السيئ‪.‬ـ‬
‫أن اآلية واردة مورد التغليظ والزجر‪.‬‬
‫أن املراد باخللود املكث الطويل كما قدمنا‪.‬‬
‫عمدا ال توبة له‪ ،‬حىت قال ابن‬
‫وقد ذهب ابن عباس ومجاعة إىل أن القاتل ً‬
‫عباس‪:‬‬
‫((إن هذه اآلية من آخر ما نزل‪ ،‬ومل ينسخها شيءٌ))(‪.)2‬‬
‫والصحيح أن على القاتل حقوقًا ثالثة‪ :‬حقًّا هلل‪ ،‬وحقًّا للورثة‪ ،‬وحقًّا‬
‫للقتيل‪..‬‬

‫النساء‪.)48( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫رواه البخاري يف تفسري سورة النساء ‪( ،‬باب‪ :‬قولـه تعاىل ‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫دا ‪-8/257( ‬فتح)‪ ،‬ويف‬ ‫َم‬
‫ًِّ‬ ‫َع‬
‫مت‬ ‫ِن‬
‫ًا ُّ‬ ‫ْم‬
‫مؤ‬ ‫ُل‬
‫ُْ‬ ‫ْت‬
‫يق‬‫من َ‬
‫ََ‬‫و‬
‫تفسري سورة الفرقان‪ ،‬ومسلم يف التفسري (‪-18/365‬نووي)‪ ،‬وأبو‬

‫داود‪ ،‬والنسائي‪.‬ـ‬

‫‪108‬‬
‫فحق اهلل يسقط بالتوبة‪.‬‬
‫وحق الورثة يسقط باالستيفاء يف الدُّنيا أو العفو‪.‬‬
‫وأما حق القتيل؛ فال يسقط حىت جيتمع بقاتله يوم القيامة‪،‬ـ ويأيت رأسه يف‬
‫فيم قتلين؟‬‫يده‪ ،‬ويقول‪ :‬يا رب! سل هذا َ‬
‫َا‪ ...‬إخل؛ فاألسف يستعمل مبعىن‬ ‫ُون‬ ‫َّا آسَف‬ ‫لم‬ ‫ََ‬‫وأما قوله‪ :‬ف‬
‫شدة احلزن‪ ،‬ومبعىن شدة الغضب والسخط‪ ،‬وهو املراد يف اآلية‪.‬‬
‫واالنتقام‪:‬ـ اجملازاة بالعقوبة‪ ،‬مأخوذ من النقمة‪ ،‬وهي شدة الكراهة‬
‫والسخط‪.‬‬

‫وانظر إن شئت كتاب (( تفسري ابن عباس ومروياته يف التفسري من‬

‫(‪ ،)264-1/259‬ففيه مبحث لطيف عن هذه‬ ‫))‬ ‫كتب السنة‬

‫املسألة‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫(وقولـه‪َ  :‬ه ْل يَنظُُرو َن إِالَّ أَن يَأْتَِي ُه ُم اللَّهُ يِف ظُلَ ٍل ِّم َن الْغَ َم ِام‬ ‫َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫ض َي األ َْم ُر‪‬‬ ‫والْمآلئِ َكةُـ وقُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ك أَو يأْيِت بعض آي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫‪َ ،‬ه ْل يَنظُُرو َن إالَّ أَن تَأْت ُيه ُـم الْ َمآلئ َكةُ أ َْو يَأْيِت َ َربُّ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ‬
‫صفًّا‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬‫ل‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫ب‬
‫ُّ‬ ‫ر‬ ‫اء‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ا‬ ‫ًّ‬
‫ك‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ًّ‬
‫ك‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫ض‬ ‫َر‬
‫أل‬ ‫ا‬ ‫ك‪َ  (2)،‬كالَّ إِ َذا ُد َّك ِ‬
‫ت‬ ‫َربِّ َ‬
‫َ‬ ‫ََ َ َ َ‬ ‫ْ ُ‬
‫الس َماء بِالْغَ َم ِام َونُِّز َل الْ َمالئِ َكةُ تَن ِزيالً ‪.)4(‬‬
‫َّق َّ‬
‫)‪(3‬‬
‫صفًّا‪َ  ، ‬و َي ْو َم تَ َشق ُ‬ ‫َ‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪َ  :‬ه ْل يَنظُُرو َن‪  ...‬يف هذه اآليات إثبات صفتني من صفات‬
‫الفعل لـه سبحانه‪ ،‬ومها صفتا اإلتيانـ واجمليء‪ ،‬والذي عليه أهل السنة‬
‫واجلماعة اإلميان بذلك على حقيقته‪ ،‬واالبتعاد عن التأويل الذي هو يف‬
‫إحلاد وتعطيل‪.‬‬ ‫احلقيقة ٌ‬
‫التجهم‬
‫ولعل من املناسب أن ننقل إىل القارئ هنا ما كتبه حامل لواء ُّ‬ ‫َّ‬
‫والتعطيل يف هذا العصر‪ ،‬وهو املدعو بزاهد الكوثري(‪)5‬؛ قال يف حاشيته‬
‫على كتاب ((األمساء والصفات)) للبيهقي(‪ )6‬ما نصه‪:‬‬

‫البقرة‪.)210( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫األنعام‪.)158( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫الفجر‪.)22 ،21( :‬‬
‫‪)(3‬‬
‫الفرقان‪.)25( :‬‬
‫‪)(4‬‬
‫ستأيت ترمجته (ص‪.)173‬‬
‫‪)(5‬‬

‫‪110‬‬
‫ٍ‬
‫بعذاب يف الغمام الذي يُْنتَظَُر منه‬ ‫((قال الزخمشري(‪ )7‬ما معناه‪ :‬إن اهلل يأيت‬
‫الرمحة‪ ،‬فيكون جميء العذاب من حيث تُنتظر الرمحة أفظع وأهول‪.‬‬
‫وقال إمام احلرمني يف معىن الباء كما سبق‪.‬‬
‫وقال الفخر الرازي‪ :‬أن يأتيهم أمر اهلل))‪ .‬اهـ‬
‫فأنت ترى من نقل هذا الرجل عن أسالفه يف التعطيل مدى اضطراهبم يف‬
‫التخريج والتأويل‪.‬‬
‫على أن اآليات صرحية يف باهبا‪ ،‬ال تقبل شيئًا من تلك التأويالت‪..‬ـ‬
‫املصِّرين على كفرهم وعنادهم واتباعهم‬ ‫تتوعد هؤالء ِ‬ ‫فاآلية األوىل َّ‬
‫وجل يف ظلَ ٍل من الغمام‬
‫عز َّ‬ ‫للشيطان بأهنم ما ينتظرون إال أن يأتيهمـ اهلل َّ‬
‫لفصل القضاء بينهم‪ ،‬وذلك يوم القيامة‪،‬ـ وهلذا قال بعد ذلك‪ :‬وقُ ِ‬
‫ض َي‬ ‫َ‬
‫األ َْم ُر ‪‬‬
‫واآلية الثانية أشد صراحة؛ إذ ال ميكن تأويل اإلتيانـ فيها بأنه إتيانـ األمر‬
‫ردد فيها بني إتيانـ املالئكةـ وإتيان الرب‪ ،‬وإتيانـ بعض‬ ‫أو العذاب؛ ألنه َّ‬
‫آيات الرب سبحانه‪.‬‬

‫(ص‪.)563‬‬
‫‪)(6‬‬
‫هو أبو القاسم‪ ،‬حممود بن عمر بن حممد اخلوارزمي الزخمشري‪،‬‬
‫‪)(7‬‬
‫لغوي‪ ،‬معتزيلٌّ‪ ،‬صاحب ((الكشاف)) يف التفسري‪،‬ـ و((الفائق)) يف‬
‫مفسر‪ٌّ ،‬‬
‫َّ‬
‫غريب احلديث‪ ،‬تويف سنة (‪538‬هـ)‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫صفًّا‪ ‬ال ميكن‬
‫صفًّا َ‬
‫ك َ‬ ‫ك َوالْ َملَ ُ‬ ‫وقولـه يف اآلية اليت بعدها ‪َ  :‬و َجاء َربُّ َ‬
‫محلها على جميء العذاب؛ ألن املراد جميئه سبحانه يوم القيامة لفصل‬
‫وتعظيما له‪ ،‬وعند جميئه تنشق السماء‬ ‫ً‬ ‫القضاء‪ ،‬واملالئكةـ صفوف؛ إجالالً‬
‫بالغمام؛ كما أفادته اآلية األخرية‪.‬‬
‫وهو سبحانه جييء ويأيت وينزل ويدنو وهو فوق عرشه بائن من خلقه‪.‬‬
‫تعطيل له عن‬
‫ٌ‬ ‫فهذه كلها أفعال له سبحانه على احلقيقة‪،‬ـ ودعوى اجملاز‬
‫واعتقاد أن ذلك اجمليء واإلتيان من جنس جميء املخلوقني وإتياهنم‬ ‫ُ‬ ‫فعله‪،‬‬
‫نزوعٌ إىل التشبيهـ يفضي إىل اإلنكار والتعطيل‪.‬‬
‫الل َوا ِإل ْكَر ِام ‪ُ (1)، ‬ك ُّل‬ ‫ك ذُو اجْل ِ‬ ‫(وقولـه‪َ  :‬و َيْب َقى َو ْجهُ َربِّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫ك إِالَّ َو ْج َههُ‪.))2(‬‬ ‫َش ْيء َهالِ ٌ‬
‫تضمنت هاتان اآليتان إثبات صفة‬ ‫ك ‪ ‬إخل‪َّ ،‬‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪َ :‬و َيْب َقى َو ْجهُ َربِّ َ‬
‫الوجه هلل عز وجل‪.‬‬
‫والنصوصـ يف إثبات الوجه من الكتاب والسنة ال حُت صى كثر ًة‪ ،‬وكلها‬
‫تنفي تأويل املعطِّلة الذين يفسرون الوجه باجلهة أو الثواب أو الذات‪،‬‬
‫والذي عليه أهل احلق أن الوجه صفةٌ غريُ الذات‪ ،‬وال يقتضي إثباته كونه‬
‫اجملسمة‪ ،‬بل هو صفة هلل على ما يليق‬ ‫تعاىل مركبًا من أعضاء‪ ،‬كما يقوله ِّ‬
‫وجها وال يشبهه وجه‪.‬‬ ‫به‪ ،‬فال يشبه ً‬

‫الرمحن‪.)27( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫القصص‪.)88( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪112‬‬
‫واستدلَّت املعطِّلة هباتني اآليتني على أن املراد بالوجه الــذات ؛ إذ ال‬
‫خصوص للوجه يف البقاء وعدم اهلالك‪.‬‬
‫وحنن نعارض هذا االستدالل بأنه لو مل يكن هلل عز وجل وجهٌ على‬
‫احلقيقة ملا جاء استعمال هذا اللفظ يف معىن الذات؛ فإن اللفظ املوضوع‬
‫ملعىن ال ميكن أن يستعمل يف معىن آخر إال إذا كان املعىن األصلي ثابتًا‬
‫للموصوف‪ ،‬حىت ميكن للذهن أن ينتقل من امللزوم إىل الزمه‪.‬‬
‫على أنه ميكن دفع جمازهم بطريق آخر؛ فيقال‪ :‬إنه أسند البقاء إىل الوجه‪،‬‬
‫ويلزم منه بقاء الذات؛ بدالً من أن يقال‪ :‬أطلق الوجه وأراد الذات‪.‬‬
‫وقد ذكر البيهقيـ نقالً عن اخلطايب أنه تعاىل ملا أضاف الوجه إىل الذات‪،‬‬
‫ك ذُو اجْل ِ‬
‫الل‬ ‫وأضاف النعت إىل الوجه‪ ،‬فقال‪َ  :‬و َيْب َقى َو ْجهُ َربِّ َ‬
‫َ‬
‫دل على أن ذكر الوجه [ليس بصلة] (‪ ،)1‬وأن قولـه‪  :‬ذُو‬ ‫وا ِإل ْكرام‪‬؛ َّ‬
‫َ َ‬
‫للذات‪.‬‬ ‫الل َوا ِإل ْكرام‪ ‬صفةٌ للوجه‪ ،‬والوجه صفةٌ َّ‬ ‫اجْل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وكيف ميكن تأويل الوجه بالذات أو بغريها يف مثل قولـه عليه السالم يف‬
‫أشرقت لـه الظُّلُمات…))‬
‫ْ‬ ‫ك الذي‬ ‫حديث الطائف‪(( :‬أعوذُ بنو ِر وج ِه َ‬

‫كذا يف املطبوع‪،‬ـ ولعله‪[ :‬ليس بصفة]‪.‬‬


‫‪)(1‬‬

‫‪113‬‬
‫إخل(‪ ،)1‬وقولـه فيما رواه أبو موسى األشعري‪(( :‬حجابه النور أو النار‪ ،‬لو‬
‫كشفه ألحرقت ُسبُ َحات وجهه ما انتهىـ إليه بصره من خلقه))(‪)2‬؟!‬
‫ي‪  (3)،‬وقَالَ ِ‬
‫ت‬ ‫ت بِيَ َد َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ك أَن تَ ْس ُج َد ل َما َخلَ ْق ُ‬ ‫(وقوله‪َ :‬ما َمَن َع َ‬ ‫َ‬
‫ِ مِب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت أَيْدي ِه ْم َولُعنُواْـ َا قَالُواْ بَ ْل يَ َداهُ‬ ‫ود يَ ُد اللَّه َم ْغلُولَةٌ غُلَّ ْ‬‫الَْي ُه ُ‬
‫ف يَ َشاء ‪.))4( ‬‬ ‫مبسوطَت ِـ ِ‬
‫ان يُنف ُق َكْي َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫ت هاتان اآليتانـ إثبات اليدين صفة‬ ‫تضمنَ ْ‬
‫ك ‪‬إخل؛ َّ‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪َ  :‬ما َمَن َع َ‬
‫حقيقية له سبحانه على ما يليق به‪ ،‬فهو يف اآلية األوىل يوبخ إبليس على‬
‫امتناعه عن السجود آلدم الذي خلقه بيديه‪.‬‬

‫(ضعيف)‪ .‬ذكره ابن إسحاق بدون سند يف قصة الطائف‪ّ ،‬‬


‫وضعفه‬
‫‪)(1‬‬
‫األلباين يف ((فقه السرية)) للغزايل (ص‪.)132‬‬

‫رواه مسلم يف اإلميان‪( ،‬باب يف قوله عليه السالم‪(( :‬إ ّن اهلل ال ينام)))‬
‫‪)(2‬‬
‫(‪ -3/16‬نووي)‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬معىن‪ُ (( :‬سبُحات وجهه))‪ :‬نوره وجالله‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬جامع األصول)) (‪.)5016‬‬

‫سورة ص‪.75 :‬‬


‫‪)(3‬‬
‫املائدة‪.)64( :‬‬
‫‪)(4‬‬

‫‪114‬‬
‫مجيعا ـ حىت إبليس ـ‬
‫وال ميكن محل اليدين هنا على القدرة؛ فإن األشياء ً‬
‫خلقها اهلل بقدرته‪ ،‬فال يبقىـ آلدم خصوصية يتميز هبا‪.‬‬
‫ويف حديث عبد اهلل بن عمرو‪:‬‬
‫((إن اهلل عز وجل خلق ثالثة أشياء بيده‪ :‬خلق آدم بيده‪ ،‬وكتب التوراةـ‬
‫بيده‪ ،‬وغرس جنة عدن بيده))(‪.)1‬‬
‫فتخصيص هذه الثالثةـ بالذكر مع مشاركتها لبقية املخلوقات يف وقوعها‬
‫دال على اختصاصها بأمر زائد‪.‬‬‫بالقدرة ٌّ‬

‫رواه الدارقطين يف ((الصفات)) (ص‪ )45‬بتحقيق الفقيهي‪.‬ـ والبيهقيـ‬


‫‪)(1‬‬
‫مرفوعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫يف ((األمساء والصفات)) (ص‪)403‬؛ من حديث احلارث بن نوفل‬

‫وصح عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه قال‪:‬‬


‫ّ‬
‫((خلق اهلل أربعة أشياء بيده‪ :‬العرش‪ ،‬والقلم‪ ،‬وآدم‪ ،‬وجنة عدن‪ .‬مث‬

‫قال لسائر اخللق‪ :‬كن‪ .‬فكان))‪.‬‬

‫قال الذهيب يف ((العلو))‪:‬‬

‫((إسناده جيد))‪.‬‬

‫وقال األلباين يف ((خمتصر العلو)) (ص‪:)105‬‬

‫((سنده صحيح على شرط مسلم))‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫وأيضا؛ فلفظ اليدين بالتثنية مل يُعرف استعمالـه إال يف اليد احلقيقية‪،‬ـ ومل‬ ‫ً‬
‫يرد قط مبعىن القدرة أو النعمة؛ فإنه ال يسوغ أن يقال‪ :‬خلقه اهلل بقدرتني‬
‫أو بنعمتني‪ .‬على أنه ال جيوز إطالق اليدين مبعىن النعمة أو القدرة أو‬
‫غريمها إال يف حق من اتصف باليدين على احلقيقة‪ ،‬ولذلك ال يقال‪ :‬للريح‬
‫يد‪ ،‬وال للماء يد‪.‬‬
‫وأما احتجاج املعطِّلة بأنـ اليد قد أفردت يف بعض اآليات‪ ،‬وجاءت بلفظ‬
‫اجلمع يف بعضها؛ فال دليل فيه؛ فإن ما يصنع باالثنني قد يُنسب إىل‬
‫الواحد؛ تقول‪ :‬رأيت بعيين‪ ،‬ومسعت بأذين‪ ،‬واملراد‪ :‬عيناي‪ ،‬وأذناي‪.‬‬
‫وكذلك اجلمع يأيت مبعىن املثىن أحيانًا؛ كقوله تعاىل‪  :‬إِن َتتُوبَا إِىَل اللَّ ِه‬
‫ت ُقلُوبُ ُك َما‪ ،)1(‬واملراد‪ :‬قلباكما‪.‬‬
‫صغَ ْ‬
‫َف َق ْد َ‬
‫محل اليد على القدرة أو النعمة؛ مع ما ورد من إثبات‬ ‫وكيف يتأتَّى ُ‬
‫الكف واألصابع واليمني والشمال والقبض والبسط وغري ذلك مما ال‬ ‫ّ‬
‫يكون إال لليد احلقيقيَّة؟!‬
‫ويف اآلية الثانيةـ حيكي اهلل سبحانه مقالة اليهود قبَّحهم اهلل يف رهبم‪،‬‬
‫ووصفهم إياه ـ حاشاه ـ بأنـ يده مغلولة؛ أي‪ :‬ممسكة عن اإلنفاق‪.‬‬
‫مث أثبتـ لنفسه سبحانه عكس ما قالوا‪ ،‬وهو أن يديه مبسوطتانـ بالعطاء؛‬
‫ينفق كيف يشاء؛ كما جاء يف احلديث‪:‬‬
‫غيضها َن َفقةٌ))(‪.)2‬‬
‫والنهار؛ ال تَ ُ‬
‫َ‬ ‫الليل‬
‫سحاء َ‬ ‫((إن ميني اهلل مألى َّ‬

‫التحرمي‪.)4( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪116‬‬
‫ترى لو مل يكن هلل يدان على احلقيقة؛ هل كان حيسن هذا التعبري ببسط‬
‫اليدين؟!‬
‫املتأولني!!‬
‫ت ُوجوهُ ِّ‬‫شاه ْ‬
‫أال َ‬

‫ت‬ ‫ِ‬
‫رواه البخاري يف التوحيد‪( ،‬باب‪ :‬قول اهلل تعاىل‪  :‬ل َما َخلَ ْق ُ‬ ‫‪)(2‬‬
‫بِيَ َديَّ ‪13/393( ‬فتح)‪ ،‬و(باب‪َ  :‬و َكا َن َع ْر ُشهُ َعلَى الْ َماء‪( )‬‬

‫احلث على‬
‫‪-13/403‬فتح)‪ ،‬ويف التفسري‪ ،‬ومسلم يف الزكاة‪( ،‬باب‪ّ :‬‬
‫النفقة) (‪-7/84‬نووي)‪ ،‬ولفظه‪:‬‬

‫سحاء الليل والنهار‪ ،‬أرأيتم ما أنفق‬


‫((ميني اهلل مألى ال يغيضها؛ـ َّ‬
‫مذ خلق السموات واألرض؟ فإنه مل يغض ما يف ميينه))‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫َّك بِأ َْعيُنِنَا‪‬‬ ‫حِل‬
‫(‪، ) 1‬‬ ‫ك فَِإن َ‬ ‫اصرِب ْ ُ ْك ِم َربِّ َ‬ ‫( َوقَولـه‪َ  :‬و ْ‬
‫َجَزاء لِّ َمن‬‫اح َو ُد ُس ٍر * جَتْ ِري بِأ َْعيُنِنَا‬ ‫ات أَلْ َو ٍ‬ ‫‪ ‬ومَح ْلنَاه علَى َذ ِ‬
‫َ َ ُ َ‬
‫َعلَى َعْييِن‬‫صنَ َع‬ ‫ِ‬ ‫َكا َن ُك ِفَر ‪َ ( )،‬وأَلْ َقْي ُـ‬
‫‪2‬‬
‫ك حَمَبَّةً مِّيِّن َولتُ ْ‬ ‫ت َعلَْي َ‬
‫‪.))3( ‬‬
‫ك ‪ … ‬إخل؛ يف هذه اآليات الثالث يثبتـ‬ ‫اصرِب ْ حِلُ ْك ِم َربِّ َ‬
‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪َ  :‬و ْ‬
‫اهلل سبحانه لنفسه عينًا يرى هبا مجيع املرئيات‪ ،‬وهي صفة حقيقية هلل عز‬
‫مركبة من شحم‬ ‫وجل على ما يليق به‪ ،‬فال يقتضي إثباهتا كوهنا جارحة َّ‬
‫وعصب وغريمها‪.‬‬
‫وتعطيل‪.‬‬ ‫نفي‬ ‫ِّ‬
‫ٌ‬ ‫وتفسري املعطلة هلا بالرؤية أو باحلفظ والرعاية ٌ‬
‫وأما إفرادها يف بعض النصوصـ ومجعها يف البعض اآلخر؛ فال حجة هلم‬
‫فيه على نفيها؛ فإن لغة العرب تتسع لذلك‪ ،‬فقد يعرَّب فيها عن االثنني‬
‫بلفظ اجلمع‪ ،‬ويقوم فيها الواحد مقام االثنني كما قدَّمنا يف اليدين‪.‬‬

‫‪1‬قال النووي‪:‬‬

‫الصب‪ ،‬الدائم))‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫السح‪:‬‬
‫(( ُّ‬
‫الطور‪.)48( :‬‬
‫()‬
‫القمر‪.)14 ،13( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫طه‪.)39( :‬‬
‫‪)(3‬‬

‫‪118‬‬
‫على أنه ال ميكن استعمال لفظ العني يف شيء من هذه املعاين اليت ذكروها‬
‫إال بالنسبة ملن له عني حقيقية‪.‬‬
‫فهل يريد هؤالء املعطَّلة أن يقولوا‪ :‬إن اهلل يتمدَّح مبا ليس فيه‪ ،‬فيثبت‬
‫عاطل عنها؟! وهل يريدون أن يقولوا‪ :‬إن رؤيته لألشياء‬ ‫لنفسه عينًا وهو ٌ‬
‫ال تقع بصفة خاصة هبا؛ بل هو يراها بذاته كلها ـ كما تقول املعتزلة‪ :‬إنه‬
‫قادر بذاته‪ ،‬مريد بذاته… إخل؟!‬
‫ويف اآلية األوىل يأمر اهلل نبيَّه ‪ ‬بالصرب حلكمه‪ ،‬واالحتمال ملا يلقاه من‬
‫أذى قومه‪ ،‬ويعلِّل ذلك األمر بأنه مبرأى منه‪ ،‬ويف كالءته وحفظه‪.‬‬
‫نوح عليه السالم أنه ملا َّ‬
‫كذبه‬ ‫ويف اآلية الثانيةـ خيرب اهلل عز وجل عن نبيِّه ٍ‬
‫قومه‪ ،‬وحقَّت عليهم كلمة العذاب‪ ،‬وأخذهم اهلل بالطوفان؛ محلـه هو‬
‫ود ُس ٍر؛‬
‫ألواح عظيمة من اخلشب ُ‬ ‫ومن معه من املؤمنني على سفينة ذات ٍ‬ ‫َ‬
‫أي‪ :‬مسامري‪ ،‬مجع ِد َسار‪ ،‬تُ َش ُّد هبا األلواح‪ ،‬وأهنا كانت جتري بعني اهلل‬
‫وحراسته‪.‬‬
‫خطاب من اهلل لنبيِّه موسى عليه السالم بأنه ألقى عليه‬
‫ٌ‬ ‫ويف اآلية الثالثةـ‬
‫حمبَّةً منه؛ يعين‪ :‬أحبه هو سبحانه وحبَّبه إىل خلقه‪ ،‬وأنه صنعه على عينه‪،‬‬
‫وربَّاه تربية استعد هبا للقيام مبا محله من رسالة إىل فرعون وقومه‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫ك يِف َز ْو ِج َها َوتَ ْشتَ ِكي‬ ‫ِ‬
‫(و َق ْولُهُ‪ :‬قَ ْد مَسِ َع اللَّهُ َق ْو َل الَّيِت جُتَادلُ َ‬ ‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫صريٌ ‪‬‬ ‫إِىَل اللَّ ِه واللَّه يسمع حَت اور ُكما إِ َّن اللَّه مَسِ يع ب ِ‬
‫َ ٌ َ‬ ‫َ ُ َ ْ َ ُ َ َُ َ‬
‫ين قَالُواْ إِ َّن اللَّهَ فَِقريٌ َوحَنْ ُن أَ ْغنِيَاء ‪(‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫‪َ ،‬و َق ْولُهُ‪  :‬ل َق ْد مَس َع اللَّهُ َق ْو َل الذ َ‬
‫(‪َ ،)2‬و َق ْولُهُ‪  :‬أ َْم حَيْ َسبُو َن أَنَّا ال نَ ْس َم ُع ِسَّر ُه ْم َوجَنْ َو ُاهم َبلَى َو ُر ُسلُنَا لَ َديْ ِه ْم‬
‫َن اللَّهَ َيَرى ‪‬‬ ‫َ ‪  (3)،‬إِنَّيِن َم َع ُك َما أَمْسَ ُع َوأ ََرى‪  (4)،‬أَمَلْ َي ْعلَ ْم بِأ َّ‬ ‫يَكْتُبُونـ‬
‫يع‬ ‫م‬‫الس ِ‬
‫َّ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َّه‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫*‬ ‫ين‬ ‫اج ِ‬
‫د‬ ‫الس ِ‬
‫َّ‬ ‫يِف‬ ‫ك‬ ‫ب‬‫ُّ‬
‫ل‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫وم‬‫ق‬‫ُ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ني‬ ‫ح‬‫‪ (5)،‬الَّ ِذي ير َاك ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫ََ‬
‫يم ‪َ  (6)،‬وقُ ِل ْاع َملُواْ فَ َسَيَرى اللَّهُ َع َملَ ُك ْم َو َر ُسولُهُ َوالْ ُم ْؤ ِمنُو َن ‪. ‬‬
‫(‪)7‬‬ ‫ِ‬
‫الْ َعل ُ‬
‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪ ) :‬قَ ْد مَسِ َع اللَّهُ‪  ...‬إخل؛ هذه اآليات ساقها املؤلف إلثبات‬
‫صفات السمع والبصر والرؤية‪.‬‬
‫أما السمع؛ فقد عرَّب ت عنه اآليات بكل صيغ االشتقاق‪،‬ـ وهي‪ :‬مَسِ َع‪،‬‬
‫ومسيع‪ ،‬ونَ ْس َم ُع‪َ ،‬وأمسَ ُع‪ ،‬فهو صفة حقيقية هلل‪ ،‬يدرك هبا‬ ‫ويَ ْس َم ُع‪ٌ ،‬‬
‫األصوات؛ كما قدمنا‪.‬‬
‫وأما البصر؛ فهو الصفة اليت يدرك هبا األشخاص واأللوان‪ ،‬والرؤية الزمة‬
‫له‪ ،‬وقد جاء يف حديث أيب موسى‪:‬‬
‫اجملادلة‪.)1( :‬‬
‫آل عمران‪.)181( :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الزخرف‪.)80( :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫طه‪.)46( :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫العلق‪.)14( :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪)(5‬‬
‫الشعراء‪ ،218( :‬و‪ ،219‬و‪.)220‬‬
‫‪)(6‬‬
‫التوبة‪.)105( :‬‬
‫‪)(7‬‬

‫‪120‬‬
‫أصم وال غائبًا‪،‬‬
‫(( يا أيها الناس ! اربعواـ على أنفسكم ؛ إنكم ال تدعون َّ‬
‫إن الذي تدعون أقرب إىل أحدكم من عنق‬ ‫بصريا‪،‬ـ َّ‬
‫مسيعا ً‬
‫ولكن تدعون ً‬
‫راحلته ))(‪.)1‬‬
‫وكلٌّ من السمع والبصر صفة كمال‪ ،‬وقد عاب اهلل على املشركني‬
‫عبادهتم ما ال يسمع وال يبصر‪.‬‬
‫وقد نزلت األوىل يف شأن خولة بنت ثعلبة حني ظاهر منها زوجها‪،‬‬
‫فجاءت تشكو إىل رسول اهلل ‪ ‬وحتا ِو ُرهُ‪ ،‬وهو يقول هلا‪(( :‬ما أراك إال‬
‫قد حرمت عليه))(‪.)2‬‬
‫أخرج البخاري يف ((صحيحه)) عن عروة عن عائشة رضي اهلل عنها؛‬
‫األصوات؛ لقد جاءت اجملادلة تشكو‬
‫َ‬ ‫وسع مسعُهُ‬
‫قالت‪(( :‬احلمد هلل الذي َ‬

‫رواه بألفاظ متقاربة ‪ :‬البخاري يف الدعوات ‪ (،‬باب ‪ :‬الدعاء إذا عال‬


‫‪)(1‬‬
‫عقبة ) (‪-11/18‬فتح)‪ ،‬و(باب قول‪((:‬ال حول وال قوة إال باهلل)))‪ ،‬ويف‬

‫ًا ‪ ،‬ويف القدر‪،‬‬


‫ِير‬
‫بص‬‫ًا َ‬
‫ِيع‬
‫ُ سَم‬
‫ن هَّللا‬
‫َاَ‬
‫َك‬‫التوحيد‪( ،‬باب‪ :‬و‬
‫واجلهاد‪ ،‬واملغازي‪ ،‬ومسلم يف الذكر والدعاء والتوبة‪،‬ـ (باب‪ :‬استحباب‬

‫أيضا أبو داود‪،‬‬


‫خفض الصوت بالذكر) (‪-17/29‬نووي)‪ ،‬كما رواه ً‬
‫والرتمذي‪.‬‬

‫انظر الذي بعده‪.‬‬


‫‪)(2‬‬

‫‪121‬‬
‫البيت ما أمسع ما تقول‪ ،‬فأنزل اهلل عز‬ ‫ناحية من ِـ‬ ‫إىل رسول اهلل ‪ ‬وأنا يف ٍ‬
‫ك يِف َز ْو ِج َها‪ ...‬اآليات))(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫وجل‪:‬قَ ْد مَسِ َع اللَّهُ َق ْو َل الَّيِت جُتَادلُ َ‬
‫وأما اآلية الثانية؛ـ فقد نزلت يف فنحاص اليهودي اخلبيث‪،‬ـ حني قال أليب‬
‫بكر رضي اهلل عنه ملا دعاه إىل اإلسالم‪:‬ـ واهلل يا أبا بكر ما بنا إىل اهلل من‬
‫ضنا(‪!)2‬‬
‫است ْقَر َ‬
‫حاجة من فقر‪ ،‬وإنه إلينا لفقري‪ ،‬ولو كان غنيًّا ما َ‬
‫وأما اآلية الثالثة؛ـ فـ(أم) مبعىن (بل)‪ ،‬واهلمزة لالستفهام‪ ،‬فهي (أم)‬
‫أيظن‬
‫يتضمن معىن التوبيخ‪ ،‬واملعىن‪ :‬بل ُّ‬ ‫انكاري َّ‬‫ٌّ‬ ‫املنقطعة‪ ،‬واالستفهام‬

‫ن هَّللا‬
‫ُ‬ ‫َاَ‬
‫َك‬‫و‬ ‫رواه البخاري يف التوحيد‪( .‬باب‪ :‬قول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫ًا ‪ ‬تعليقـًا (‪-13/372‬فتح)‪ ،‬ووصله النسائي يف‬
‫ِير‬
‫بص‬‫ًا َ‬
‫ِيع‬
‫سَم‬
‫النكاح‪( ،‬باب‪ :‬الظهار) (‪ ،)6/168‬ووصله من طريقه احلافظ يف‬

‫وصححه‪ ،‬وأمحد يف ((املسند)) (‪ ،)6/46‬وابن‬


‫((التعليق)) (‪َّ )5/339‬‬
‫ماجه‪ ،‬واحلاكم يف ((املستدرك))‪ ،‬وفيه‪:‬‬

‫((قال النيب ‪ ‬خلولة‪ :‬ما أراك إال قد حرمت عليه))‪.‬‬

‫=‬

‫انظر‪(( :‬جامع األصول)) (‪ ،)835‬وانظر‪(( :‬صحيح النسائيـ)) (‬ ‫=‬

‫‪ ،)3237‬و((صحيح ابن ماجه)) (‪.)155‬‬

‫‪122‬‬
‫هؤالء يف ختفِّي ِهم واستتارهمـ أنا ال نسمع سرهم وجنواهم؛ بلى نسمع‬
‫ذلك‪ ،‬وحفظتنا لديهم يكتبونـ ما يقولون وما يفعلون‪.‬‬
‫خطاب من اهلل عز وجل ملوسى وهارون عليهما‬ ‫ٌ‬ ‫وأما اآلية الرابعة؛ فهي‬
‫الصالة والسالم حني شكوا إىل اهلل خوفهما من بطش فرعون هبما‪ ،‬فقال‬
‫َى( ‪‬‬ ‫َر‬‫َأ‬ ‫ُو‬ ‫َع‬‫َسْم‬‫َا أ‬ ‫ُم‬‫َك‬‫مع‬‫ِي َ‬ ‫نن‬ ‫هلما‪  :‬ال تخافا إ‬
‫َِّ‬
‫وأما اآلية اخلامسة؛ فقد نزلت يف شأن أيب جهل لعنه اهلل حني هنى النيب ‪‬‬
‫ِي‬‫الذ‬‫َ َّ‬ ‫يت‬‫َْ‬‫َأ‬‫َر‬‫عن الصالة عند البيت‪ ،‬فنزل قولـه تعاىل‪  :‬أ‬
‫ن‬
‫َاَ‬ ‫ِن ك‬ ‫َإ‬ ‫يت‬‫َْ‬‫َأ‬‫َر‬‫لى * أ‬ ‫َا ص‬
‫ََّ‬ ‫ِذ‬‫دا إ‬ ‫ًْ‬‫َب‬‫هى * ع‬ ‫َْ‬‫ين‬ ‫َ‬
‫يت‬
‫َ‬ ‫َْ‬‫َأ‬ ‫َر‬
‫َى * أ‬ ‫ْو‬‫َّق‬
‫ِالت‬ ‫َب‬ ‫مر‬‫ََ‬‫ْأ‬ ‫َو‬‫دى * أ‬ ‫هَ‬‫الُ‬‫لى ْ‬ ‫ََ‬ ‫ع‬
‫َى‪‬إخل‬ ‫ير‬‫ََ‬ ‫ََّ‬
‫ن هَّللا‬ ‫ِأ‬‫ْب‬‫لم‬ ‫َْ‬‫يع‬‫َْ‬ ‫ََلم‬‫ََّلى * أ‬ ‫تو‬‫ََ‬‫َو‬ ‫َذب‬‫ِن كَّ‬ ‫إ‬
‫السورة(‪.)1‬‬

‫(إسناده ضعيف)‪ .‬رواه ابن جرير بسنده يف ((التفسري)) (رقم‬


‫‪)(2‬‬
‫‪-8301 ،8300‬شاكر)‪ ،‬وفيه حممد بن أيب حممد األنصاري موىل زيد‬

‫جرحا وال‬
‫بن ثابت‪ ،‬ذكره البخاري يف ((التاريخ الكبري)) ومل يذكر فيه ً‬
‫تعديالً‪ ،‬وذكره ابن حبان يف ((الثقات))‪ ،‬وقال عنه الذهيب يف ((امليزان)) (ال‬

‫يعرف)‪ ،‬وقال احلافظ‪ :‬جمهول‪.‬‬

‫ن‬ ‫إ‬
‫َِّ‬ ‫رواه مسلم يف صفات املنافقني‪( ،‬باب‪ :‬قولـه تعاىل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫َى‪( ‬‬
‫ْن‬‫َغ‬
‫ه اسْت‬ ‫َن ر‬
‫َّآُ‬ ‫َى * أ‬
‫ْغ‬ ‫ن َلي‬
‫َط‬ ‫ِنسَاَ‬
‫اإل‬

‫‪123‬‬
‫(و َقولُه‪:‬وهو َش ِد ُ ِ ِ‬
‫‪،‬و َق ْولُهُ‪َ :‬و َم َك ُرواْ َو َم َكَر اللَّهُ‬
‫(‪) 1‬‬
‫يد الْم َحال ‪َ ‬‬ ‫َ ْ ُ َ َُ‬
‫ِ‬
‫َواللَّهُ َخْيُر الْ َماك ِر َ‬
‫(‪) 2‬‬
‫ين ‪‬‬
‫ْ ال‬ ‫هم‬ ‫َُ‬‫ًا و‬ ‫ْر‬ ‫مك‬ ‫َا َ‬ ‫ْن‬
‫َر‬ ‫مك‬ ‫ََ‬ ‫ًا و‬ ‫ْر‬‫مك‬ ‫ُوا َ‬ ‫َر‬
‫مك‬ ‫‪َ ،‬و َق ْولُهُ‪  :‬و‬
‫ََ‬
‫دا *‬
‫ًْ‬‫َي‬
‫نك‬‫دوَ‬
‫ِيُ‬
‫يك‬ ‫هم‬
‫َْ‬ ‫نُ‬ ‫ن(‪َ ،)3( ‬و َق ْولُهُ‪  :‬إ‬
‫َِّ‬ ‫ُوَ‬‫ُر‬
‫يشْع‬
‫َ‬
‫دا‪.))4( ‬‬ ‫ًْ‬ ‫َي‬
‫دك‬ ‫َك‬
‫ِيُ‬ ‫َأ‬
‫و‬

‫=‬ ‫‪-17/145‬نووي)‪ ،‬وأمحد يف ((املسند)) (‪.)2/370‬‬

‫وانظر ((الصحيح املسند من أسباب النزول)) (ص‪.)174‬‬

‫الرعد‪.)13( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫آل عمران‪.)54( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫ِ‬
‫َة‬‫ِين‬
‫َد‬‫الم‬
‫ِي ْ‬
‫نف‬‫َاَ‬
‫َك‬‫النمل‪ ،)50( :‬واآليتان قبلها‪  :‬و‬ ‫‪)(3‬‬
‫ن*‬ ‫ُوَ‬‫ِح‬
‫ْل‬‫يص‬
‫َال ُ‬
‫ضو‬ ‫ِْ‬‫ِي األَر‬ ‫نف‬ ‫دوَ‬‫ُِ‬
‫ْس‬‫يف‬‫ٍُ‬
‫هط‬ ‫ةر‬
‫َْ‬ ‫َُ‬
‫ِسْع‬
‫ت‬
‫ثم‬
‫َّ‬ ‫هُ‬
‫لُ‬ ‫َْ‬
‫هَ‬ ‫َأ‬
‫هو‬ ‫َن‬
‫َُّ‬ ‫ِّت‬
‫َي‬‫ُب‬‫ِ َلن‬
‫ِاهَّلل‬
‫ُوا ب‬‫َاسَم‬
‫تق‬‫َالوا َ‬
‫ق ُ‬
‫ِ‬
‫ِه‬ ‫َْ‬
‫هل‬ ‫ِكَ أ‬
‫هل‬‫مْ‬
‫َا َ‬
‫دن‬
‫ِْ‬ ‫َِ‬
‫ما شَه‬ ‫ِّه‬
‫ِي‬ ‫َل‬
‫لو‬‫َّ ِ‬ ‫َق َ‬
‫ُولن‬ ‫َلن‬
‫ُون‪.‬‬
‫ِق‬ ‫َّا َلص‬
‫َاد‬ ‫ِن‬‫َإ‬
‫و‬
‫الطارق‪.)15( :‬‬
‫‪)(4‬‬

‫‪124‬‬
‫َال‪ (...‬إخل؛‬ ‫ِح‬‫الم‬
‫د ْ‬ ‫ِيُ‬ ‫َ شَد‬ ‫هو‬‫َُ‬‫‪/‬ش‪ /‬وقوله‪  :‬و‬
‫تضمنت هذه اآليات إثبات صفيت املكر والكيد‪ ،‬ومها من صفات الفعل‬ ‫َّ‬
‫االختيارية‪.‬‬
‫يشتق له من هاتني الصفتني اسم‪ ،‬فيقال‪ :‬ماكر‪،‬‬ ‫ولكن ال ينبغيـ أن َّ‬
‫وكائد؛ بل يوقف عند ما ورد به النص من أنه خري املاكرين‪ ،‬وأنه يكيد‬
‫ألعدائه الكافرين‪.‬‬
‫ِ‪‬؛فمعناه‪ :‬شديد‬ ‫َال‬ ‫ِح‬ ‫الم‬‫د ْ‬ ‫ِيُ‬‫َ شَد‬ ‫هو‬ ‫َُ‬‫أما قوله سبحانه‪ :‬و‬
‫د‬
‫ِيٌ‬‫بكَ َلشَد‬ ‫ْشَ ر‬
‫َِّ‬ ‫بط‬ ‫نَ‬ ‫األخذ بالعقوبة؛ كما يف قوله تعاىل‪ :‬إ‬
‫َِّ‬
‫د ‪. ) 2( ‬‬
‫ِيٌ‬ ‫ٌ شَد‬
‫ِيم‬ ‫َل‬ ‫هأ‬ ‫ذُ‬‫َْ‬‫َخ‬ ‫نأ‬‫َِّ‬‫‪ (1)،‬إ‬
‫وقال ابن عباس‪:‬‬
‫((معناه‪ :‬شديد احلَْول))‪.‬‬
‫وقال جماهد‪:‬‬
‫القوة))‪.‬‬
‫((شديد َّ‬
‫واألقوال متقاربة‪.‬‬
‫َ‪‬؛ فمعناه‪ :‬أنفذهم‬ ‫ِين‬ ‫ِر‬‫َاك‬‫الم‬‫ُ ْ‬ ‫ْر‬‫َي‬ ‫ُخ‬ ‫وأما قوله‪  :‬و‬
‫َهَّللا‬
‫مكرا‪.‬‬
‫وأسرعهم ً‬

‫الربوج‪.)12( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫هود‪.)102( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪125‬‬
‫فسر بعض السلف مكر اهلل بعباده بأنه استدراجهم بالنِّعم من حيث‬ ‫وقد َّ‬
‫ال يعلمون‪ ،‬فكلما أحدثوا ذنبًا أحدث هلم نعمة؛ ويف احلديث‪:‬‬
‫مقيم على معصيته؛ـ‬
‫حيب وهو ٌ‬‫رأيت اهلل يُعطي العبد من الدنيا ما ُّ‬‫((إذا َ‬
‫فاعلم أمنا ذلك منه استدراج))(‪.)1‬‬
‫وقد نزلت هذه اآلية يف شأن عيسى عليه السالم حني أراد اليهود قتلـه‪،‬‬
‫كوةٌ‪ ،‬وقد أيَّده اهلل جبربيل عليه السالم‪ ،‬فرفعه إىل السماء‬
‫فدخل بيتًا فيه َّ‬
‫الكوة‪ ،‬فدخل عليه يهوذا؛ ليدهَّل م عليه فيقتلوه‪ ،‬فألقى اهلل شبهَ عيسى‬ ‫من ّ‬
‫على ذلك اخلائن‪ ،‬فلما دخل البيتـ فلم جيد فيه عيسى؛ خرج إليهم وهو‬
‫يقول‪ :‬ما يف البيت أح ٌد‪ .‬فقتلوه وهم يرون أنه عيسى‪ ،‬فذلك قوله تعاىل‪:‬‬
‫ُ ‪. ) 2( ‬‬
‫َ هَّللا‬
‫َر‬‫مك‬
‫ََ‬‫ْو‬ ‫ُوا‬‫َر‬ ‫مك‬ ‫ََ‬‫‪‬و‬

‫(صحيح)‪ .‬رواه أمحد يف ((املسند)) (‪ ،)4/145‬وتتمته‪:‬‬


‫‪)(1‬‬

‫ِ‬
‫ِه‬‫ْب‬
‫ُوا‬ ‫ُك‬
‫ِّر‬ ‫َْ‬
‫ما ذ‬ ‫َسُوا‬
‫َّا ن‬
‫لم‬ ‫((مث تال‪  :‬ف‬
‫ََ‬
‫َا‬‫ِذ‬‫َّى إ‬
‫َت‬‫ءح‬‫ِّ شَيٍْ‬
‫ُل‬ ‫َك‬‫َاب‬
‫بو‬‫َْ‬
‫ْأ‬‫ِم‬
‫ْه‬ ‫ََ‬
‫لي‬ ‫َا ع‬
‫ْن‬‫َح‬
‫َت‬‫ف‬
‫َا‬
‫إذ‬ ‫ةف‬
‫َِ‬ ‫ًَ‬‫ْت‬‫بغ‬
‫هم َ‬ ‫َاُ‬‫ذن‬ ‫َخ‬
‫َْ‬ ‫ْأ‬
‫توا‬‫ُوُ‬ ‫ِم‬
‫َا أ‬ ‫ْب‬‫ُوا‬‫ِح‬
‫َر‬‫ف‬
‫ن ‪ .))‬األنعام‪.)44( :‬‬
‫ِسُوَ‬
‫ْل‬‫مب‬
‫هم ُّ‬
‫ُ‬
‫وصححه‬
‫حسن إسناده العراقي يف ((ختريج اإلحياء)) (‪َّ ،)4/132‬‬
‫َّ‬
‫األلباين يف ((السلسلة الصحيحة)) (‪.)413‬‬

‫‪126‬‬
‫ًا‪ ...‬إخل؛ فهي يف‬ ‫ْر‬ ‫مك‬‫ُوا َ‬ ‫َر‬ ‫مك‬ ‫ََ‬‫وأما قوله تعاىل‪):‬و‬
‫ُوا‬ ‫َاسَم‬ ‫تق‬‫شأن الرهط التسعة من قوم صاحل عليه السالم حني ‪َ‬‬
‫ه‪ ‬أي‪ :‬لََي ْقُتلُنَّه بياتًا هو وأهلـه‪،‬‬ ‫لُ‬ ‫هَ‬ ‫َْ‬‫َأ‬ ‫هو‬ ‫َُّ‬ ‫َن‬
‫ِّت‬‫َي‬ ‫ِ َلن‬
‫ُب‬ ‫ِاهَّلل‬ ‫ب‬
‫ِكَ‬‫هل‬‫مْ‬‫َا َ‬ ‫دن‬ ‫ِْ‬ ‫ما شَه‬ ‫َِ‬ ‫ِّه‬‫ِي‬ ‫َل‬ ‫لو‬‫َّ ِ‬ ‫َق َ‬
‫ُولن‬ ‫َّ َلن‬ ‫ثم‬ ‫‪ُ‬‬
‫فدمرهم‬ ‫ِ‪ ، ‬فكا َن عاقبةُ هذا املكر منهم أن مكر اهلل هبم َّ‬ ‫ِه‬
‫هل‬ ‫َْ‬ ‫أ‬
‫وقومهم أمجعني(‪.)1‬‬
‫(و َق ْولُهُ‪  :‬إِن تُْب ُدواْ َخْيًرا أ َْو خُتْ ُفوهُ أ َْو َت ْع ُفواْ َعن ُس َو ٍء فَِإ َّن‬ ‫َ‬
‫ص َف ُحوا أَال حُتِ بُّو َن‬ ‫ِ‬
‫اللَّهَ َكا َن َع ُف ًّواـ قَد ًيرا ‪َ  ،‬ولَْي ْع ُفواـ َولْيَ ْ‬
‫‪2‬‬
‫) (‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ‪.))3( ‬‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫أَن َي ْغفَر اللَّهُ لَ ُك ْم َواللَّهُ َغ ُف ٌ‬
‫ًا‪ ...‬إخل؛ هذه اآليات‬ ‫ْر‬
‫َي‬ ‫ْخ‬ ‫دوا‬ ‫ُْ‬‫تب‬ ‫ِن ُ‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪  :‬إ‬
‫تضمنت إثبات صفات العفو والقدرة واملغفرة والرمحة والعزة والتبارك‬ ‫َّ‬
‫واجلالل واإلكرام‪.‬‬

‫ذكر هذا املعىن ابن كثري يف ((التفسري)) (‪ )2/37‬دون أن يعزوه‬


‫‪)(2‬‬
‫السدي (‪-6/454‬شاكر)‪ ،‬وعزاه‬
‫ألحد‪ ،‬وذكره ابن جرير بسنده إىل ُّ‬
‫ابن اجلوزي يف ((زاد املسري)) (‪ )1/395‬البن عبَّاس‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬تفسري ابن كثري)) (‪.)6/207‬‬


‫‪)(1‬‬
‫النساء‪.)149( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫النور‪.)22( :‬‬
‫‪)(3‬‬

‫‪127‬‬
‫فالع ُف ُّو الذي هو امسه تعاىل؛ معناه‪ :‬املتجاوز عن عقوبةـ عباده إذا هم تابوا‬‫َ‬
‫إليه وأنابوا؛ـ كما قال تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬‫ِه‬‫َاد‬ ‫ِب‬‫ْع‬ ‫َن‬‫ةع‬ ‫بَ‬‫َْ‬ ‫َّو‬
‫ُ الت‬ ‫َل‬‫ْب‬ ‫يق‬ ‫ِي َ‬‫الذ‬
‫َ َّ‬ ‫هو‬ ‫َُ‬‫‪‬و‬
‫َات‪.)1( ‬‬ ‫ِّئ‬‫َنِ السَّي‬ ‫ُو ع‬ ‫ْف‬ ‫يع‬ ‫ََ‬ ‫و‬
‫تامة على االنتقام واملؤاخذة؛ـ‬‫وملا كان أكمل العفو هو ما كان عن قدرة َّ‬
‫الع ُف ُّو والقدير مقرتنني يف هذه اآلية ويف‬
‫جاء هذان االمسان الكرميان‪َ :‬‬
‫غريها‪.‬‬
‫فكل ما‬
‫وإعداما‪ُّ ،‬‬
‫ً‬ ‫وأما القدرة؛ فهي الصفة اليت تتعلَّق باملمكنات ً‬
‫إجيادا‬
‫كان ووقع من الكائناتـ واقع مبشيئته وقدرته؛ كما يف احلديث‪:‬‬
‫((ما شاء اهلل كا َن وما مل يشأ مل يكن))(‪.)2‬‬
‫ُوا‪ ...‬اآلية؛ فقد‬ ‫َح‬ ‫ْف‬ ‫َص‬
‫َْلي‬ ‫ُوا و‬ ‫ْف‬‫َع‬ ‫َْلي‬ ‫وأما قوله تعاىل‪ :‬و‬
‫نزلت يف شأن أيب بكر رضي اهلل عنه حني حلف ال ينفق على مسطح بن‬
‫أثاثة‪ ،‬وكان ممَّن خاضوا يف اإلفك‪ ،‬وكانت أم مسطح بنت خالة أيب‬
‫بكر‪ ،‬فلما نزلت هذه اآلية قال أبو بكر‪(( :‬واهلل إين ألحب أن يغفر اهلل‬
‫مسطحا (‪.)3‬‬
‫ً‬ ‫يل))‪ ،‬ووصل‬

‫الشورى‪.)25( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫سبق خترجيه (ص‪.)132‬‬
‫‪)(2‬‬
‫جزء من حديث حادثة اإلفك‪ ،‬وقد رواه البخاري يف الشهادات‪,‬‬
‫‪)(3‬‬
‫بعضا) (‪-5/269‬فتح)‪ ،‬ويف اجلهاد (باب‪:‬‬
‫(باب‪ :‬تعديل النساء بعضهن ً‬

‫‪128‬‬
‫يس‪:‬‬‫(و َقولُه‪:‬ولِلَّ ِه الْعَِّزةُ ولِرسولِِه ولِْلمؤ ِمنِني‪ ،)1( ‬و َقولُه عن إِبلِ‬
‫َ ْ ُ َْ ْ َ‬ ‫َ َ ُ َ ُْ َ‬ ‫َ ُْ َ‬
‫ِ‬ ‫‪‬فَبِعَِّزتِ َ‬
‫ك أل ْغ ِو َين ُ‬
‫َّه ْم أَمْج َع َ‬
‫ني‪.))2( ‬‬
‫ِ‬
‫له‬ ‫َسُوِ‬ ‫لر‬‫َِ‬‫ةو‬ ‫ِز‬
‫َُّ‬ ‫الع‬‫ِ ْ‬ ‫‪/‬ش‪ /‬وأما قوله تعاىل‪ :‬و‬
‫َهَّلِل‬
‫ُيب ابن سلول‬ ‫َ ‪ ‬؛ فقد [نزلت يف شأن عبد اهلل بن أ ِّ‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫ُؤ‬‫لم‬ ‫لْ‬‫َِ‬‫و‬
‫ليخرجن رسول اهلل ‪‬‬
‫َّ‬ ‫رئيس املنافقني‪ ،‬وكان يف بعض الغزوات قد أقسم‬
‫ِن‬‫ن َلئ‬ ‫ُولوَ‬‫يق ُ‬ ‫هو وأصحابه من املدينة‪،‬ـ فنزل قول تعاىل‪َ :‬‬
‫ها‬‫َْ‬ ‫ِن‬ ‫ُّ م‬
‫َز‬ ‫َّ األَع‬ ‫َن‬ ‫ِج‬‫ُخْر‬ ‫ِ َلي‬‫َة‬‫ِين‬‫َد‬ ‫الم‬ ‫َِلى ْ‬ ‫َا إ‬ ‫ْن‬ ‫َع‬‫َّج‬
‫ر‬
‫ل ‪ ‬؛ يقصد باألعز ـ قبَّحه اهلل ـ نفسه وأصحابه ‪ ،‬ويقصد باألذل‬ ‫ََّ‬‫األَذ‬
‫وجل عليه بقوله‪ :‬و‬
‫َهَّلِل‬
‫ِ‬ ‫عز ّ‬ ‫فرد اهلل ّ‬
‫رسول اهلل ومن معه من املؤمنني‪ّ ،‬‬
‫ِن‬
‫َّ‬ ‫ََلك‬‫َو‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫ُؤ‬‫لم‬ ‫لْ‬‫َِ‬‫ِو‬‫له‬ ‫َسُوِ‬‫لر‬‫َِ‬ ‫ةو‬ ‫ِز‬
‫َُّ‬ ‫الع‬
‫ْ‬
‫ن ‪.)3(]‬‬
‫ُوَ‬ ‫لم‬‫َْ‬
‫يع‬ ‫َ ال َ‬‫ِين‬ ‫ِق‬ ‫َاف‬ ‫ُن‬ ‫الم‬‫ْ‬
‫محل الرجل امرأته يف الغزو)‪ ،‬ويف املغازي‪ ،‬والتفسري‪،‬ـ واألميان والنذور‪،‬‬

‫واالعتصام‪،‬ـ والتوحيد‪ .‬ومسلم يف التوبة (باب‪ :‬حديث اإلفك) (‬

‫‪-17/108‬نووي)‪ ،‬ورواه الرتمذي‪ ،‬والنسائي‪.‬‬

‫املنافقون‪:‬ـ (‪.)8‬‬
‫‪)(1‬‬
‫ص‪.)82( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫أورد سبب النزول البخاري يف تفسري سورة املنافقونـ (‪-8/644‬‬
‫‪)(3‬‬
‫فتح)‪ ،‬ومسلم يف صفات املنافقني (‪-17/125‬نووي)‪ ،‬والرتمذي يف‬

‫‪129‬‬
‫والعزة صفةٌ أثبتها هلل عز وجل لنفسه؛ قال تعاىل‪:‬‬‫َّ‬
‫ُ ‪. ) 1( ‬‬
‫ِيم‬ ‫َك‬
‫الح‬
‫ُ ْ‬ ‫ِيز‬ ‫َز‬‫الع‬
‫َ ْ‬ ‫هو‬‫َُ‬ ‫‪‬و‬
‫ًا ‪.)2( ‬‬ ‫ِيز‬ ‫َز‬
‫يا ع‬ ‫َو‬
‫ًِّ‬ ‫ُق‬ ‫ن هَّللا‬
‫َاَ‬
‫َك‬ ‫وقال‪ :‬و‬
‫وأقسم هبا سبحانه؛ كما يف حديث الشفاعة‪:‬‬
‫ألخرجن منها َمن قال‪ :‬ال إله إال اهلل))(‪.)3‬‬
‫َّ‬ ‫((وعزيت وكِرْب يائيـ وعظميت؛‬
‫َّ‬
‫ْ‬‫هم‬‫َُّ‬‫ين‬ ‫َِ‬‫ْو‬ ‫ِكَ ألغ‬ ‫َّت‬‫ِز‬‫ِع‬ ‫وأخرب عن إبليس أنه قال‪ :‬ف‬
‫َب‬
‫َ‪‬‬ ‫ِين‬ ‫لص‬ ‫ُخَْ‬ ‫الم‬‫ُ ْ‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬ ‫ِن‬ ‫دكَ م‬ ‫َاَ‬‫ِب‬
‫ِالَّ ع‬
‫َ* إ‬ ‫ِين‬ ‫َع‬‫ْم‬ ‫َج‬ ‫أ‬
‫(‪. ) 4‬‬

‫ويف ((صحيح البخاري)) وغريه عن أيب هريرة‪:‬‬

‫التفسري‪( ،‬باب‪ :‬ومن سورة املنافقون)‪.‬‬

‫إبراهيم‪.)4( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫األحزاب‪.)25( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫رواه مسلم يف اإلميان‪( ،‬باب‪ :‬أدىن أهل اجلنة منزلة فيها) (‪-3/65‬‬
‫‪)(3‬‬
‫نووي) بلفظ مقارب‪ ،‬وابن أيب عاصم يف ((السنة)) (‪.)828‬‬

‫ص‪.)83-82( :‬‬
‫‪)(4‬‬

‫‪130‬‬
‫خر عليه جراد من ذهب‪ ،‬فجعل‬ ‫((بينما أيُّوب عليه السالم يغتسل عريانًا َّ‬
‫حيثي يف ثوبه‪ ،‬فناداه ربُّه‪ :‬يا أيُّوب! أمل أكن أغنيتك عما ترى؟ قال‪ :‬بلى؛‬
‫وعزتك‪ ،‬ولكن ال غىن يل عن بركتك))(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫وقد جاء يف حديث الدعاء الذي علَّمه ُّ‬
‫النيب ‪ ‬ملن كان به وجع‪(( :‬أعوذ‬
‫شر ما أجد وأُحاذر))(‪.)2‬‬ ‫بعزة اهلل وقدرته من ِّ‬ ‫َّ‬
‫عز يعُُّز ـ بضم العني يف املضارع ـ‬
‫والعزة تأيت مبعىن الغلبة والقهر؛ من َّ‬
‫عزه؛ إذا غلبه‪.‬‬
‫يقال‪َّ :‬‬
‫عز َيعُّز ـ بفتحها ـ‪ ،‬ومنه أرض عزاز؛‬
‫وتأيت مبعىن القوة والصالبة؛ـ من َّ‬
‫للصلبة الشديدة‪.‬‬

‫رواه البخاري يف الغسل‪( ،‬باب‪ :‬من اغتسل عريانًا وحده يف اخللوة)‬


‫‪)(1‬‬
‫(‪-1/387‬فتح)‪ ،‬ويف األنبياء‪،‬ـ ويف التوحيد‪.‬‬

‫والنسائي يف الغسل‪( ،‬باب‪ :‬االستتارـ عند االغتسال)‪.‬‬

‫ورواه اإلمام أمحد يف ((املسند))‪.‬‬

‫رواه مسلم يف السالم‪( ،‬باب‪ :‬استحباب وضع يده على موضع األمل‬
‫‪)(2‬‬
‫مع الدعاء)(‪-14/439‬نووي)‪ ،‬وأبو داود يف الطب‪ ،‬والرتمذي فيه‬

‫أيضا‪ ،‬و((املوطأـ)) يف العني‪ .‬وهي عند مسلم بدون ذكر العزة‪ ،‬وغريه‬
‫ً‬
‫ذكرها‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫؛من‪:‬عز يَعُِّز ‪ -‬بكسرها ‪. -‬‬
‫َّ‬ ‫علو القدر واالمتناعـ عن األعداء‬
‫وتأيت مبعىن ِّ‬
‫وهذه املعاين كلها ثابتة هلل عز وجل‪.‬‬

‫ك ِذي اجْل ِ‬
‫الل َوا ِإل ْكَر ِام ‪.))1( ‬‬ ‫اس ُم َربِّ َ‬
‫َ‬ ‫(و َق ْولُهُ‪َ:‬تبَ َار َك ْ‬
‫َ‬
‫َِّبكَ ‪ ) ...‬فإنه‬ ‫ُر‬ ‫َكَ اسْم‬ ‫َار‬ ‫تب‬ ‫‪/‬ش‪ /‬وأما قولـه تعاىل‪َ :‬‬
‫من الربكة مبعىن دوام اخلري وكثرته‪.‬‬
‫ِ ‪‬؛ أي‪ :‬صاحب اجلالل والعظمة سبحانه‪،‬‬ ‫َالل‬‫الج‬ ‫ِي ْ‬ ‫وقوله‪:‬ذ‬
‫أجل وال أعظم منه‪.‬‬ ‫الذي ال شيء َّ‬
‫ِ‪ :‬الذي يكرم(‪ )2‬عما ال يليق به‪ ،‬وقيل‪ :‬الذي يكرم‬ ‫َام‬ ‫ْر‬ ‫ِك‬ ‫َاإل‬ ‫و ‪‬و‬
‫عباده الصاحلني بأنواعـ الكرامة يف الدنيا واآلخرة‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫الرمحن‪.)78( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫يتنزه؛ قال ابن منظور يف ((لسان العرب))‪:‬‬
‫أي‪َّ :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫تنزه))‪.‬‬
‫تكرم عن الشيء وتكارم‪َّ :‬‬
‫(( َّ‬

‫‪132‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫اصطَرِب ْ لعبَ َادته َه ْل َت ْعلَ ُم لَهُ مَس يًّا ‪َ  ،‬ومَلْ‬
‫)‪(1‬‬
‫اعبُ ْدهُ َو ْ‬
‫(و َق ْولُهُ‪ :‬فَ ْ‬
‫َ‬
‫َح ٌد ‪َ ، ‬و َق ْولُهُ‪ :‬فَالَ جَتْ َعلُواْ لِلّ ِه أ َ‬ ‫يَ ُكن لَّهُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫)‬ ‫‪2‬‬ ‫(‬
‫َنداداً َوأَنتُ ْم‬
‫(‪)3‬‬
‫َت ْعلَ ُمو َن ‪‬‬
‫ً‬
‫دادا‬ ‫َنَ‬ ‫ِأ‬‫دونِ هَّللا‬ ‫ِن ُ‬ ‫ذم‬ ‫َّخُِ‬ ‫يت‬ ‫من َ‬ ‫َّاسِ َ‬ ‫َ الن‬ ‫ِن‬‫َم‬ ‫‪ ،‬و‬
‫دِ‬
‫هّلِل‬ ‫ُْ‬ ‫َم‬ ‫الح‬‫ِ ْ‬ ‫ُل‬‫َق‬ ‫ِِ‪َ ،)4( ‬و َق ْولُهُ‪ :‬و‬
‫ِّ هَّللا‬
‫ُب‬ ‫َح‬
‫ْك‬ ‫هم‬
‫نُ‬‫ُّوَ‬
‫يحِب‬ ‫ُ‬
‫ِيكٌ‬ ‫ه شَر‬ ‫ُن َّلُ‬‫يك‬ ‫ََلم َ‬ ‫دا و‬ ‫ََلً‬ ‫ذو‬ ‫َّخِْ‬‫يت‬
‫َْ‬ ‫ِي َلم‬
‫الذ‬‫َّ‬
‫ُّل‬
‫َ الذَّ‬ ‫من‬
‫ِيٌّ ِّ‬ ‫َل‬‫هو‬ ‫ُن َّلُ‬ ‫يك‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬ ‫ْكِ و‬‫ُل‬
‫الم‬
‫ِي ْ‬ ‫ف‬
‫)‪(5‬‬
‫ِي‬ ‫ما ف‬ ‫َِ‬ ‫ُ هَّلِل‬
‫ِّح‬
‫يسَب‬ ‫ًا ‪ُ ، ‬‬ ‫ِير‬ ‫ْب‬‫تك‬‫هَ‬‫ُْ‬‫ِّر‬
‫َب‬ ‫َك‬‫و‬
‫ََلُ‬
‫ه‬ ‫ْكُ و‬ ‫ُل‬‫الم‬‫ه ْ‬ ‫ض َلُ‬ ‫ِْ‬‫ِي األَر‬ ‫ما ف‬ ‫ََ‬‫َاتِ و‬‫َاو‬ ‫السَّم‬
‫ٌ ‪َ ،)6(‬و َق ْولُهُ‪:‬‬
‫ِير‬ ‫َد‬ ‫ءق‬ ‫ِّ شَيٍْ‬ ‫ُل‬ ‫لى ك‬ ‫ََ‬‫َع‬ ‫هو‬‫َُ‬‫دو‬‫مُ‬ ‫الح‬
‫َْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِه‬ ‫ْد‬ ‫َب‬ ‫لى ع‬ ‫ََ‬‫نع‬‫َاَ‬ ‫ْق‬‫ُر‬‫الف‬ ‫ل ْ‬ ‫ََّ‬‫َز‬ ‫ِي ن‬ ‫الذ‬
‫َكَ َّ‬‫َار‬ ‫تب‬‫‪َ‬‬
‫ْكُ‬
‫مل‬‫هُ‬ ‫ِي َلُ‬ ‫الذ‬‫ًا * َّ‬ ‫ِير‬ ‫نذ‬ ‫ََ‬ ‫ِين‬ ‫الم‬ ‫َ َ‬‫لع‬‫لْ‬‫نِ‬‫ُوَ‬‫َك‬ ‫لي‬‫ِ‬
‫ََلم‬
‫ْ‬ ‫دا و‬ ‫ََلً‬‫ذو‬ ‫َّخِْ‬ ‫يت‬‫َْ‬ ‫ََلم‬ ‫ضو‬ ‫ِْ‬ ‫َاألَر‬ ‫َاتِ و‬‫َاو‬ ‫السَّم‬

‫مرمي‪.)65( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫اإلخالص‪.)4( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫البقرة‪.)22( :‬‬
‫‪)(3‬‬
‫البقرة‪.)165( :‬‬
‫‪)(4‬‬
‫اإلسراء‪.)111( :‬‬
‫‪)(5‬‬
‫التغابن‪.)1( :‬‬
‫‪)(6‬‬

‫‪133‬‬
‫ء‬‫َّ شَيٍْ‬ ‫ُل‬‫َك‬ ‫لق‬ ‫ََ‬ ‫َخ‬‫ْكِ و‬ ‫ُل‬ ‫الم‬ ‫ِي ْ‬ ‫ِيكٌ ف‬ ‫ه شَر‬ ‫ُن َّلُ‬‫يك‬‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ِن‬ ‫ُم‬ ‫اتخََ‬
‫ذ هَّللا‬ ‫ما َّ‬ ‫ًا‪َ ، ‬و َق ْولُهُ‪َ  :‬‬ ‫ِير‬ ‫ْد‬‫تق‬ ‫هَ‬ ‫َُ‬‫َدر‬
‫َقَّ‬‫ف‬
‫ُل‬
‫ُّ‬ ‫َك‬ ‫هب‬ ‫ذَ‬ ‫ًا َّلَ‬ ‫ِذ‬ ‫ٍإ‬ ‫َِله‬ ‫ْإ‬ ‫ِن‬ ‫هم‬ ‫َُ‬ ‫مع‬
‫نَ‬ ‫َاَ‬ ‫ما ك‬ ‫ََ‬‫ٍو‬ ‫ََلد‬‫و‬
‫ض‬
‫ٍْ‬ ‫بع‬‫لى َ‬ ‫ََ‬ ‫ْع‬ ‫هم‬
‫ُُ‬‫ْض‬ ‫بع‬ ‫َال َ‬ ‫ََلع‬ ‫َو‬ ‫لق‬‫ََ‬‫َا خ‬ ‫ِم‬‫ٍب‬ ‫َِله‬‫إ‬
‫ْبِ‬ ‫َي‬‫الغ‬‫ِ ْ‬ ‫لم‬‫َاِ‬ ‫ن *ع‬ ‫ُوَ‬ ‫ِف‬ ‫يص‬
‫َّا َ‬‫َم‬‫ِع‬ ‫ن هَّللا‬
‫َاَ‬ ‫ْح‬‫سُب‬
‫ن ‪  (2)، ‬ف‬
‫َالَ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِك‬ ‫يشْر‬ ‫َّا ُ‬ ‫َم‬ ‫الى ع‬ ‫َ َ‬ ‫َع‬‫َت‬‫ِف‬ ‫دة‬ ‫هاَ‬ ‫َالشََّ‬ ‫و‬
‫ْ الَ‬ ‫ُم‬ ‫َنت‬ ‫َأ‬‫ُو‬ ‫لم‬ ‫َْ‬ ‫يع‬‫ََ‬‫ن هَّللا‬ ‫لإ‬
‫َِّ‬ ‫َاَ‬ ‫مث‬‫ِ األَْ‬‫ْ هّلِل‬ ‫بوا‬ ‫ُِ‬‫ْر‬‫تض‬‫َ‬
‫َاحِشَ‬ ‫َو‬ ‫الف‬ ‫بيَ ْ‬ ‫َِّ‬ ‫َر‬ ‫َّم‬
‫َر‬‫َا ح‬ ‫نم‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫ُل‬‫ن‪  (3)، ‬ق‬ ‫ُوَ‬ ‫لم‬‫َْ‬‫تع‬‫َ‬
‫ْيَ‬ ‫َغ‬ ‫الب‬ ‫َ ْ‬‫َو‬ ‫ثم‬ ‫ِْ‬‫َاإل‬‫َو‬ ‫َن‬‫بط‬ ‫ما َ‬ ‫ها و‬
‫ََ‬ ‫َْ‬‫ِن‬ ‫َم‬ ‫هر‬‫ََ‬ ‫ما ظ‬‫َ‬
‫ل‬
‫ِّْ‬‫َز‬‫ين‬ ‫ُْ‬ ‫ما َلم‬ ‫َِ‬ ‫ِاهَّلل‬‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫ِك‬ ‫تشْر‬ ‫َأن ُ‬‫َ‬ ‫ِّ و‬
‫َق‬ ‫الح‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْر‬‫َي‬‫ِغ‬‫ب‬
‫ما الَ‬ ‫َِ‬‫لى هَّللا‬ ‫ََ‬‫ْع‬‫ُولوا‬ ‫تق ُ‬ ‫َن َ‬ ‫َأ‬‫ًا و‬ ‫َان‬ ‫لط‬‫ِ سُْ‬‫ِه‬‫ب‬
‫ن ‪.))4( ‬‬ ‫ُوَ‬ ‫لم‬‫َْ‬‫تع‬‫َ‬
‫تضمنت هذه اآليات‬ ‫ه‪  ...‬إخل؛ َّ‬ ‫دُ‬ ‫ْب‬
‫ُْ‬ ‫َاع‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪  :‬ف‬
‫الكرمية مجلة من صفات السلوب‪ ،‬وهي نفي السمي والكفء والنِّد‬
‫تضمنت بعض صفات‬ ‫ذل وحاجة؛ كما َّ‬ ‫والولد والشريك والويل من ٍّ‬
‫اإلثبات؛ من‪ :‬امللك‪ ،‬واحلمد‪ ،‬والقدرة والكربياء‪،‬ـ والتبارك‪.‬‬

‫الفرقان‪.)2 ،1( :‬‬


‫‪)(1‬‬
‫املؤمنون‪:‬ـ (‪.)92 ،91‬‬
‫‪)(2‬‬
‫النحل‪.)74( :‬‬
‫‪)(3‬‬
‫األعراف‪.)33( :‬‬
‫‪)(4‬‬

‫‪134‬‬
‫ًّا‪‬؛ فقد قال شيخ اإلسالمـ رمحه‬ ‫ِي‬‫ه سَم‬ ‫ُ َلُ‬‫لم‬ ‫َْ‬
‫تع‬ ‫َْ‬ ‫هل‬ ‫أما قولـه‪َ :‬‬
‫نظريا‬
‫ًّا‪‬؛ أي‪ً :‬‬ ‫ِي‬ ‫ه سَم‬‫ُ َلُ‬‫لم‬‫َْ‬ ‫تع‬‫َْ‬ ‫هل‬ ‫اهلل‪(( :‬قال أهل اللغة‪َ :‬‬
‫استحق مثل امسه‪ ،‬ويقال‪ :‬مساميًا يساميه‪ .‬وهذا معىن ما يروى عن ابن‬ ‫َّ‬
‫شبيها))(‪.)1‬‬
‫ًّا‪‬؛ مثالً أو ً‬ ‫ِي‬
‫ه سَم‬ ‫ُ َلُ‬‫لم‬ ‫َْ‬
‫تع‬‫َْ‬ ‫هل‬‫عباس‪َ :‬‬
‫واالستفهامـ يف اآلية إنكاري‪ ،‬معناه النفي؛ أي‪ :‬ال تعلم لـه مسيًّا‪.‬‬
‫د‪ ‬؛ فاملراد بالكفء‪:‬‬ ‫ٌَ‬ ‫َح‬‫ًا أ‬ ‫ُو‬‫ُف‬‫هك‬ ‫ُن َّلُ‬ ‫يك‬‫َْ‬‫ََلم‬ ‫وأما قولـه‪ :‬و‬
‫املكافئ املساوي‪.‬‬
‫فهذه اآلية تنفيـ عنه سبحانه النظري والشبيهـ من كل وجه؛ ألن ‪‬أحد‪‬‬
‫وقع نكرة يف سياق النفي‪ ،‬فيعم‪ ،‬وقد تقدم الكالمـ على تفسري سورة‬
‫اإلخالص كلها‪ ،‬فلريجع إليها‪.‬‬
‫ً‪ ...‬إخل‪.‬‬ ‫دادا‬ ‫َنَ‬ ‫ِأ‬ ‫ْ هّلِل‬
‫ُوا‬ ‫َل‬ ‫ْع‬‫تج‬‫َالَ َ‬‫وأما قولـه‪ :‬ف‬
‫فاألنداد مجع نِدٍّ‪ ،‬ومعناهـ ـ كما قيل ـ‪ :‬النظري املناوئ‪ .‬ويقال‪ :‬ليس هلل ٌّ‬
‫ند‬
‫وال ضدٌّ‪ ،‬واملراد نفي ما يكافئه ويناوئه‪،‬ـ ونفي ما يضاده وينافيه‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬الفتاوى)) (‪.)3/4‬‬


‫‪)(1‬‬
‫وأثر ابن عباس أورده ابن جرير يف تفسري اآلية بسنده عن علي بن‬

‫أيب طلحة عن ابن عباس‪ ،‬وقد تقدَّم الكالم (ص‪ )114‬عن رواية علي‬
‫عن ابن عباس رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫أيضا‪(( :‬تفسري ابن كثري)) (‪.)5/245‬‬
‫وانظر ً‬

‫‪135‬‬
‫َ‪ ‬وقعت حاالً من الواو يف‪‬‬ ‫ُون‬ ‫لم‬ ‫َْ‬‫تع‬ ‫َْ‬‫ُم‬ ‫َنت‬ ‫َأ‬‫ومجلة‪:‬و‬
‫ْ‪ ، ‬واملعىن‪ :‬إذا كنتم تعلمون أن اهلل هو وحده الذي‬ ‫ُوا‬ ‫َل‬ ‫ْع‬
‫تج‬ ‫َ‬
‫خلقكم ورزقكم‪ ،‬وأن هذه اآلهلة اليت جعلتموها لـه نظراء وأمثاالً‬
‫وساويتموها به يف استحقاق العبادة ال ختلق شيئًا‪ ،‬بل هي خملوقة‪ ،‬وال‬
‫نفعا؛ فاتركوا عبادهتا‪ ،‬وأف ِردوه سبحانه بالعبادة‬ ‫ضرا وال ً‬
‫متلك لكم ًّ‬
‫والتعظيم‪.‬‬
‫ذ‪ ...‬إخل؛ فهو‬ ‫َّخُِ‬
‫يت‬‫من َ‬ ‫َّاسِ َ‬ ‫َ الن‬ ‫ِن‬ ‫َم‬‫وأما قولـه‪ :‬و‬
‫إخبار من اهلل عن املشركني بأهنم حيبُّون آهلتهم كحبهم هلل عز وجل؛‬ ‫ٌ‬
‫َشُّ‬
‫َد‬ ‫ْأ‬ ‫ُوا‬ ‫من‬‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬
‫َ َّ‬ ‫يعين‪ :‬جيعلوهنا مساوية لـه يف احلب‪ .‬و‬
‫ِ‪ ‬من حب املشركني آلهلتهم؛ ألهنم أخلصوا لـه احلب‪ ،‬وأفردوه‬ ‫ًّا هّلِّل‬
‫ُب‬ ‫ح‬
‫احلب إذا‬
‫به‪ ،‬أما حب املشركني آلهلتهم؛ فهو موزَّعٌ بينها‪ ،‬وال شك أن َّ‬
‫كان جلهة واحدة كان أمكن وأقوى‪.‬‬
‫أشد حبًّا‬‫وقيل‪ :‬املعىن‪ :‬أهنم حيبُّون آهلتهم كحب املؤمنني هلل‪ ،‬والذين آمنواـ ُّ‬
‫هلل من الكفار ألندادهم‪.‬‬
‫َّخِْ‬
‫ذ‬ ‫يت‬ ‫َْ‬ ‫ِي َلم‬ ‫الذ‬‫ِ َّ‬ ‫د هّلِل‬‫ُْ‬ ‫َم‬‫الح‬
‫ِ ْ‬ ‫ُل‬ ‫َق‬‫وأما قوله تعاىل‪ :‬و‬
‫دا‪...‬اآلية؛ فقد تقدم الكالمـ يف معىن احلمد(‪ ،)1‬وأنه الثناء‬ ‫ََلً‬‫و‬
‫متضم ٌن‬
‫باللسان على النعمة وغريها‪ ،‬وقلنا‪ :‬إن إثبات احلمد له سبحانه ِّ‬
‫يستحق احلمد املطلق إال من بلغ غايتها‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫إلثبات مجيع الكماالت اليت ال‬

‫صفحة‪.)81( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪136‬‬
‫مث نفى سبحانه عن نفسه ما ينايف كمال احلمد من الولد والشريك والويل‬
‫أحدا من خلقه من‬ ‫الذل ـ أي‪ :‬من فقر وحاجة ـ‪ ،‬فهو سبحانه ال يوايل ً‬ ‫من ِّ‬
‫أجل ذلة وحاجة إليه‪.‬‬
‫تعظيما ويَُنِّز َههُ عن‬
‫تكبريا؛ـ أي‪ :‬يعظمه ً‬
‫مث أمر عبده ورسوله أن يكربه ً‬
‫كل صفة نقص وصفه هبا أعداؤهـ من املشركني‪.‬‬
‫‪ ...‬إخل؛ فالتسبيح هو التنزيه واإلبعاد عن‬ ‫ُ هَّلِل ِ‬‫ِّح‬
‫يسَب‬ ‫وأما قوله‪ُ:‬‬
‫السوء؛ كما تقدم‪.‬‬
‫شك أن مجيع األشياء يف السموات ويف األرض تسبِّح حبمد رهبا‪،‬‬ ‫وال ّ‬
‫والعزة واحلكمة والتدبري والرمحة؛ قال‬‫وتشهد له بكمال العلم والقدرة َّ‬
‫تعاىل‪:‬‬
‫ِن الَّ‬ ‫ََلـك‬ ‫ِو‬‫ده‬ ‫مَ‬‫َْ‬‫ِح‬‫ُب‬ ‫ِّح‬‫يسَب‬ ‫ِالَّ ُ‬
‫ءإ‬ ‫من شَيٍْ‬ ‫ِن ِّ‬ ‫َإ‬ ‫‪‬و‬
‫هم‪.)1( ‬‬ ‫َُ‬‫ِيح‬ ‫تسْب‬ ‫نَ‬ ‫هوَ‬‫َُ‬ ‫ْق‬‫تف‬ ‫َ‬
‫وقد اختُلف يف تسبيح اجلمادات اليت ال تنطق؛ هل هو بلسان احلال أو‬
‫ِن‬ ‫ََلـك‬ ‫بلسان املقال؟ وعندي أن الثاين أرجح؛ بدليل قوله تعاىل‪ :‬و‬
‫هم‪ ‬؛ إذ لو كان املراد تسبيحها بلسان‬ ‫َُ‬‫ِيح‬ ‫تسْب‬ ‫نَ‬ ‫هوَ‬ ‫َُ‬‫ْق‬‫تف‬ ‫الَّ َ‬
‫يصح االستدراك‪.‬‬
‫معلوما‪ ،‬فال ُّ‬
‫احلال؛ لكان ذلك ً‬
‫السالم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫داود عليه‬
‫خربا عن َ‬ ‫قال تعاىل ً‬‫وقد َ‬

‫اإلسراء‪.)44( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪137‬‬
‫ِي‬
‫ِّ‬ ‫َش‬ ‫ِالع‬
‫َب ْ‬ ‫ْن‬‫ِّح‬ ‫يسَب‬ ‫هُ‬ ‫َُ‬ ‫مع‬ ‫لَ‬‫َاَ‬ ‫الجِب‬‫َا ْ‬ ‫ْن‬ ‫َّا سَخَّر‬
‫ِن‬ ‫‪‬إ‬
‫َّاب‬
‫ٌ‬ ‫َو‬ ‫هأ‬ ‫ٌّ َّلُ‬ ‫ُل‬
‫ةك‬ ‫ًَ‬ ‫ْشُور‬ ‫مح‬ ‫ََ‬ ‫ْر‬‫َّي‬‫َالط‬ ‫ِ* و‬ ‫َاق‬ ‫ِشْر‬
‫َاإل‬ ‫و‬
‫‪. ) 1( ‬‬
‫ِي‪ ...‬إخل؛ فقد قلنا‪ :‬إن‬ ‫الذ‬‫َكَ َّ‬ ‫َار‬ ‫تب‬‫وأما قولـه تعاىل‪َ :‬‬
‫َكَ ‪‬من الربكة؛ وهي دوام اخلري وكثرته‪ ،‬ولكن ال يلزم‬ ‫َار‬ ‫تب‬‫معىن ‪َ‬‬
‫من تلك الزيادة سبق النقص‪،‬ـ فإن املراد جتدُّد الكماالت االختيارية التابعة‬
‫فاخللو عنها قبل‬
‫ملشيئته وقدرته‪ ،‬فإهنا تتجدَّد يف ذاته على وفق حكمته‪ُّ ،‬‬
‫نقصا(‪. )2‬‬
‫اقتضاء احلكمة هلا ال يعتربُ ً‬
‫فسر بعضهم التباركـ بالثبات وعدم التغرُّي ‪،‬ـ ومنه مسِّيت الرِب ْ َكة؛ لثبوت‬‫وقد ّ‬
‫مائها‪ .‬وهو بعيد‪.‬‬
‫لقوة تفرقته بني احلق‬ ‫ن‪ ‬القرآن‪ ،‬مسي بذلك َّ‬ ‫َاَ‬‫ْق‬ ‫ُر‬ ‫واملراد بـ ‪ْ ‬‬
‫الف‬
‫والباطل واهلدى والضالل‪.‬‬

‫ص‪.)19 ،18( :‬‬


‫‪)(1‬‬
‫قال الشيخ صاحل الفوزان يف شرحه لـ((الواسطيةـ)) (ص‪:)72‬‬
‫‪)(2‬‬
‫((تبارك‪ :‬فعل ٍ‬
‫ماض مأخوذ من الربكة‪ ،‬وهي النماء‬

‫والزيادة املستقرةـ الثابتة الدائمة‪ ،‬وهذه اللفظة ال تستعمل إال هلل سبحانه‪،‬‬

‫وال تستعمل إال بلفظ املاضي))‪ .‬اهـ‬

‫‪138‬‬
‫التدرج يف النزول‪ ،‬وأنه مل ينزل‬
‫ل‪ ‬بالتشديد؛ إلفادة ُّ‬ ‫نز‬
‫ََّ‬ ‫والتعبري بـ ‪َ‬‬
‫مجلة واحدة‪.‬‬
‫ِ‪ ‬حممد ‪ ،‬والتعبري عنه بلقب العبودية للتشريف ـ كما‬ ‫ِه‬ ‫ْد‬ ‫واملراد بـ ‪‬ع‬
‫َب‬
‫سبق ـ‪.‬‬
‫َ‪‬؛ مجع عامَل ‪ ،‬وهو مجع ملا يعقل‪ ،‬واختُلِف يف املراد‬ ‫ِين‬ ‫الم‬ ‫َ َ‬‫ِلع‬ ‫و‪‬اْ‬
‫به‪ ،‬فقيل‪ :‬اإلنس‪ .‬وقيل‪ :‬اإلنس واجلن‪ .‬وهو الصحيح؛ فقد ثبت أن النيب‬
‫أيضا‪ ،‬وأنه جيتمع هبم‪ ،‬ويقرأ عليهم القرآن‪ ،‬وأن منهم‬ ‫مرسل إىل اجلن ً‬ ‫ٌ‬ ‫‪‬‬
‫نفرا أسلم حني مسع القرآن وذهب ينذر قومه به؛ كما قال تعاىل‪:‬‬ ‫ً‬
‫الجِن‬
‫ِّ‬ ‫َ ْ‬ ‫من‬ ‫ًا ِّ‬ ‫َر‬ ‫نف‬ ‫ْكَ َ‬‫َِلي‬ ‫َا إ‬ ‫ْن‬ ‫َف‬ ‫َر‬‫ْص‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬ ‫‪‬و‬
‫َالوا‬ ‫هق ُ‬ ‫ُوُ‬ ‫َر‬ ‫َض‬ ‫َّا ح‬ ‫ََ‬
‫لم‬ ‫نف‬ ‫ْآَ‬ ‫ُر‬ ‫الق‬
‫ن ْ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِع‬‫َم‬ ‫يسْت‬ ‫َ‬
‫ِم‬ ‫ِه‬‫ْم‬ ‫َو‬
‫َِلى ق‬ ‫ْا إ‬ ‫ََّلو‬‫ِيَ و‬ ‫ُض‬‫َّا ق‬ ‫لم‬ ‫ََ‬ ‫ُوا ف‬ ‫ِت‬ ‫َنص‬ ‫أ‬
‫َ ‪. ) 1( ‬‬‫ِين‬ ‫ِر‬ ‫منذ‬ ‫ُّ‬
‫والنّذير واملنذر هو من يُ ْعلِم بالشيء مع التخويف‪ ،‬وضده البشري أو‬
‫يسرك‪.‬‬
‫وهو من خيربك مبا ُّ‬ ‫املبشِّر‪َ ،‬‬
‫تضمنت هذه‬‫ََلد‪ ...‬إخل؛ َّ‬ ‫ِن و‬ ‫ُم‬ ‫اتخََ‬
‫ذ هَّللا‬ ‫ما َّ‬ ‫وقولـه‪َ :‬‬
‫أيضا مجلة من صفات التنزيه اليت يُراد هبا نفي ما ال يليق باهلل‬ ‫اآلية الكرمية ً‬
‫عز وجل عنه‪ ،‬فقد َّنزه سبحانه نفسه فيها عن اخِّت اذ الولد وعن وجود إله‬
‫الكذابون؛ـ كما هنى عن ضرب‬ ‫وعما وصفه به املفرتونـ َّ‬ ‫خالق معه‪َّ ،‬‬‫ٍ‬

‫األحقاف‪.)29( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪139‬‬
‫األمثال له‪ ،‬واإلشراك به بال حجة وال برهان‪ ،‬والقول عليه سبحانه بال‬
‫علم وال دليل‪.‬‬
‫الربوبية‪،‬ـ فإن اهلل‬
‫تضمنت إثبات توحيد اإلهلية‪ ،‬وإثبات توحيد ُّ‬ ‫فهذه اآلية َّ‬
‫بعدما أخرب عن نفسه بعدم وجود إلـه معه أوضح ذلك بالربهان القاطع‬
‫ًا‪ ‬؛ أي‪ :‬إذ لو كان معه آهلةٌ كما يقول‬ ‫ِذ‬ ‫واحلجة الباهرة‪ ،‬فقال‪ :‬إ‬
‫ََلع‬
‫َال‬ ‫َو‬ ‫لق‬ ‫ََ‬ ‫َا خ‬ ‫ِم‬
‫ٍب‬ ‫َِله‬ ‫ُّ إ‬
‫ُل‬‫َك‬ ‫هب‬‫ذَ‬‫هؤالء املشركون؛‪َّ‬لَ‬
‫ٍ‪.‬‬ ‫ْض‬‫بع‬
‫لى َ‬ ‫ََ‬
‫ْع‬ ‫هم‬‫ُُ‬ ‫ْض‬‫بع‬
‫َ‬
‫بد أن يكونـ لكل‬ ‫وتوضيح هذا الدليل أن يقال‪ :‬إذا تعدَّدت اآلهلة؛ فال َّ‬
‫منهم خلق وفعل‪ ،‬وال سبيل إىل التعاونـ فيما بينهم؛ فإن االختالف بينهم‬
‫ضروري‪ ،‬كما أن التعاونـ بينهم يف اخللق يقتضي عجز كل منهم عند‬ ‫ٌّ‬
‫يستقل كلٌّ منهم خبلقه وفعله‪،‬‬
‫َّ‬ ‫االنفراد‪ ،‬والعاجز ال يصلح إهلًا‪ ،‬فال بد أن‬
‫وحينئذ؛ فإما أن يكونوا متكافئني يف القدرة‪ ،‬ال يستطيع كل منهم أن‬ ‫ٍ‬
‫يقهر اآلخرين ويغلبهم‪ ،‬فيذهب كل منهم مبا خلق‪ ،‬وخيتص مبلكه؛ كما‬
‫يفعل ملوك الدنيا من انفراد كل مبملكته إذا مل جيد سبيالً لقهر اآلخرين‪،‬‬
‫وإما أن يكونـ أحدهم أقوى من اآلخرين‪ ،‬فيغلبهم‪ ،‬ويقهرهم‪ ،‬وينفرد‬
‫دوهنم باخللق والتدبري‪ ،‬فال بد إذًا مع تعدُّد اآلهلة من أحد هذين األمرين‪:‬‬
‫إما ذهاب كل مبا خلق‪ ،‬أو علو بعضهم على بعض‪.‬‬
‫كل مبا خلق غري واقع؛ ألنه يقتضي التنافر واالنفصال بني أجزاء‬ ‫وذهاب ٍّ‬
‫العامل‪ ،‬مع أن املشاهدةـ تثبت أن العامل كله كجسم واحد مرتابط األجزاء‪،‬‬
‫أثرا إلله واحد‪.‬‬
‫متَّسق األحناء‪ ،‬فال ميكن أن يكون إال ً‬
‫وعلو بعضهم على بعض يقتضي أن يكونـ اإلله هو العايل وحده‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫هني هلم‬
‫ل ‪‬؛ فهو ٌ‬ ‫َاَ‬ ‫مث‬ ‫ِ األَْ‬ ‫ْ هّلِل‬
‫بوا‬‫ُِ‬‫ْر‬‫تض‬ ‫َالَ َ‬ ‫وأما قوله تعاىل‪ :‬ف‬
‫أن يشبِّهوه بشيء من خلقه؛ فإنه سبحانه له املثل األعلى الذي ال يشركه‬
‫فيه خملوق‪.‬‬
‫وقد قدَّمنا أنه ال جيوز أن يستعمل يف حقه من األقيسة ما يقتضيـ املماثلة‬
‫أو املساواة بينه وبني غريه؛ كقياس التمثيل وقياس الشمول‪.‬‬
‫وجودي‬
‫ٍّ‬ ‫وإمنا يستعمل يف ذلك قياس األوىل الذي مضمونه أن كل ٍ‬
‫كمال‬
‫بوجه من الوجوه اتَّصف به املخلوق‬ ‫مستلزم للعدم وال للنقص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫غ ِري‬
‫فاخلالق أوىل أن يتَّصف به؛ ألنه هو الذي وهب املخلوق ذلك الكمال‪،‬‬
‫وألنه لو مل يتَّصف بذلك الكمال ـ مع إمكان أن يُتَّصف به ـ لكان يف‬
‫يتنزه عنه‬ ‫حمال‪ ،‬وكذلك كل ٍ‬
‫نقص َّ‬ ‫املمكنات من هو أكمل منه‪ ،‬وهو ٌ‬
‫بالتنزه عنه‪.‬‬
‫املخلوق‪ ،‬فاخلالق أوىل ُّ‬
‫َا‪ ‬أداة‬ ‫نم‬ ‫َ‪ ...‬إخل؛ فـ ‪‬إ‬
‫َِّ‬ ‫َّم‬
‫َر‬ ‫َا ح‬ ‫نم‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫وأما قولـه‪ :‬قل‬
‫حص ٍر تفيد اختصاص األشياء املذكورة باحلرمة‪ ،‬فيفهم أن َمن عداها من‬
‫مباح ال حرج فيه؛ كما أفادته اآلية اليت قبلها‪.‬‬ ‫الطَّيِّبات فهو ٌ‬
‫َاحِشَ‪ ‬مجع فاحشة؛ وهي الفعلة املتناهيةـ يف القبح‪،‬‬ ‫َو‬ ‫و‪ْ ‬‬
‫الف‬
‫تضمن شهوة ولذة من املعاصي؛ـ كالزنا‪ ،‬واللواط‪،‬‬ ‫وخصها بعضهم مبا َّ‬ ‫َّ‬
‫وحنومها من الفواحش الظاهرة‪ ،‬وكالكرب والعجب وحب الرياسة من‬
‫الفواحش الباطنة‪.‬‬
‫َ‪ ‬؛ فمنهم َمن فسره مبطلق املعصية‪،‬ـ فيكون املراد منه‬ ‫ثم‬ ‫ِْ‬‫َاإل‬ ‫وأما ‪‬و‬
‫خصه باخلمر؛ فإهنا مِج اع اإلمث‪.‬‬
‫ما دون الفاحشة‪ ،‬ومنهم َمن َّ‬

‫‪141‬‬
‫ِّ ‪‬؛ فهو التسلُّط واالعتداء على‬ ‫َق‬‫الح‬ ‫ِ ْ‬‫ْر‬‫َي‬ ‫ِغ‬‫ْيَ ب‬ ‫َغ‬
‫الب‬‫َ ْ‬ ‫وأما ‪‬و‬
‫الناس من غري أن يكونـ ذلك على جهة القصاص واملماثلة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ِه‬ ‫لب‬ ‫ِّْ‬‫َز‬‫ين‬ ‫ُْ‬ ‫ما َلم‬ ‫َِ‬ ‫ْب‬
‫ِاهَّلل‬ ‫ُوا‬ ‫ِك‬‫تشْر‬ ‫َن ُ‬‫َأ‬‫وقولـه‪ :‬و‬
‫وتتقربواـ إليه بأي نوع‬
‫وحرم أن تعبدوا مع اهلل غريه‪َّ ،‬‬ ‫ًا‪َّ ،‬‬ ‫َان‬ ‫لط‬‫سُْ‬
‫من أنواع العبادات والقربات؛ كالدعاء‪ ،‬والنذر‪،‬والذبح‪ ،‬واخلوف‪،‬‬
‫ِ‬
‫وجهه للـه‪،‬‬ ‫والرجاء‪ ،‬وحنو ذلك مما جيب أن خُيْلِص فيه ُ‬
‫العبد قلبَه ويُ ْسل َم َ‬
‫يشرعون هلم من الدين ما مل‬ ‫وحرم أن تتَّخذوا من دونه سبحانه أولياء ِّ‬ ‫َّ‬
‫يأذن به اهلل يف عباداهتم ومعامالهتم؛ كما فعل أهل الكتاب مع األحبار‬
‫والرهبان؛ حيث اخَّت ذوهم أربابًا من دون اهلل يف التشريع‪ ،‬فأحلُّوا ما َّ‬
‫حرم‬
‫أحل اهلل‪ ،‬فاتَّبعوهم يف ذلك‪.‬‬
‫وحر ُموا ما َّ‬
‫اهلل‪َّ ،‬‬
‫ًا‪ ‬قي ٌد لبيان الواقع؛ فإن‬ ‫َان‬ ‫ِ سُْ‬
‫لط‬ ‫ِه‬
‫لب‬‫ِّْ‬ ‫َز‬‫ين‬ ‫ُْ‬ ‫ما َلم‬‫وقولـه‪َ :‬‬
‫كل ما عُبِ َد أو اتّبع أو أُطيع من دون اهلل قد فعل به ذلك من غري سلطان‪.‬‬
‫واسع جدًّا يدخل فيه كل خرب عن‬ ‫باب ٌ‬ ‫وأما القول على اهلل بال علم؛ فهو ٌ‬
‫اهلل بال دليل وال حجة؛ كنفي ما أثبته‪ ،‬أو إثبات ما نفاه‪ ،‬أو اإلحلاد يف‬
‫آياته بالتحريف والتأويل‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫حرم اهلل‬
‫قال العالّمةـ ابن القيم يف كتابه ((إعالم املوقعني)) ‪(( :‬وقد َّ‬
‫احملرمات؛ بل‬
‫القول عليه بغري علم يف الفتيا والقضاء وجعله من أعظم َّ‬
‫بيَ‬ ‫َِّ‬‫َر‬ ‫َّم‬‫َر‬‫َا ح‬ ‫نم‬ ‫َِّ‬‫ْإ‬ ‫جعله يف املرتبة العليا منها؛ قال تعاىل‪ :‬قل‬
‫َ‪ ...‬‬ ‫َن‬‫بط‬ ‫ما َ‬ ‫ََ‬ ‫ها و‬ ‫َْ‬ ‫ِن‬‫َم‬‫هر‬ ‫ََ‬‫ما ظ‬ ‫َاحِشَ َ‬ ‫َو‬‫الف‬
‫ْ‬
‫اآلية‪ ،‬فرتَّب احملرمات أربع مراتب‪ ،‬وبدأ بأسهلها‪ ،‬وهو الفواحش‪ ،‬وثىّن‬
‫‪.)1/38( 1‬‬
‫()‬

‫‪142‬‬
‫مبا هو أشد حترميًا منه‪ ،‬وهو اإلمث والظلم‪ ،‬مث ثلَّث مبا هو أعظم حترميًا‬
‫منهما‪ ،‬وهو الشرك به سبحانه‪ ،‬مث ربَّع مبا هو أعظم حترميًا من ذلك كله‪،‬‬
‫يعم القول عليه سبحانه بال علم يف أمسائه‬ ‫وهو القول عليه بال علم‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫وصفاته وأفعاله ويف دينه وشرعه))‪.‬‬
‫اض َع‪[ :‬يِف‬‫(و َقولُه‪ :‬الرَّمْح ن علَى الْعر ِش اسَتوى ‪ ‬يِف [سبع ِة](‪ )1‬مو ِ‬
‫ََ‬ ‫َْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫السماو ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُس ِ‬
‫ات‬ ‫ورة األ َْعَراف؛ َق ْولُهُ‪ :‬إ َّن َربَّ ُك ُم اللَّهُ الذي َخلَ َق َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬
‫اسَت َوى َعلَى الْ َع ْر ِش ‪. ‬‬ ‫ض يِف ستَّة أَيَّ ٍام مُثَّ ْ‬
‫(‪) 2‬‬
‫َواأل َْر َ‬
‫ِي‬ ‫الذ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ هَّللا‬
‫ُم‬‫بك‬ ‫نر‬
‫ََّ‬ ‫َِّ‬ ‫س ـ َعلَْي ِه َّ‬
‫السالَ ُم ـ ‪  :‬إ‬ ‫ال يِف ُس ِ‬
‫ورة يُونُ َ‬‫َ‬ ‫َوقَ َ‬
‫ثم‬
‫َّ‬ ‫ٍُ‬ ‫يام‬ ‫ََّ‬ ‫ِأ‬ ‫َّة‬‫ِت‬‫ِي س‬ ‫ْضَ ف‬‫َاألَر‬ ‫َاتِ و‬ ‫َاو‬ ‫َ السَّم‬ ‫لق‬ ‫ََ‬ ‫خ‬
‫ْشِ‪.)3( ‬‬ ‫َر‬ ‫الع‬ ‫لى ْ‬ ‫ََ‬ ‫َى ع‬ ‫َو‬ ‫اسْت‬
‫َاتِ‬ ‫َاو‬ ‫َ السَّم‬ ‫َع‬
‫َف‬‫ِي ر‬ ‫الذ‬‫ُ َّ‬ ‫الر ْع ِد‪ :‬هَّللا‬
‫ور ِة َّ‬
‫ال يَف ُس َ‬ ‫َوقَ َ‬
‫ْشِ‬ ‫َر‬ ‫الع‬ ‫لى ْ‬ ‫ََ‬ ‫َى ع‬ ‫َو‬ ‫َّ اسْت‬‫ثم‬ ‫ها ُ‬ ‫نَ‬ ‫َْ‬ ‫َو‬ ‫تر‬‫ٍَ‬ ‫َد‬ ‫َم‬ ‫ِع‬ ‫ْر‬ ‫َي‬ ‫ِغ‬ ‫ب‬
‫‪. ) 4( ‬‬
‫َى‬ ‫َو‬ ‫ْشِ اسْت‬ ‫َر‬ ‫الع‬‫لى ْ‬ ‫ََ‬
‫ُع‬ ‫َن‬ ‫ْم‬ ‫َّح‬‫ور ِة طَهَ‪  :‬الر‬ ‫ال يِف ُس َ‬ ‫َوقَ َ‬
‫‪. ) 5( ‬‬

‫‪ 1‬هكذا يف املطبوعـ مع الشرح‪ ،‬والذي يف املخطوط و((الفتاوى))‪:‬‬


‫ثم‬‫َى ‪ُ، ‬‬ ‫َو‬ ‫ْشِ اسْت‬ ‫َر‬‫الع‬
‫لى ْ‬ ‫ََ‬‫ُع‬ ‫َن‬ ‫ْم‬ ‫َّح‬ ‫[وقوله‪ :‬الر‬ ‫()‬
‫َّ‬
‫مواضع… إخل]‪ ،‬وهذا‬
‫َ‬ ‫ِ‪ : ‬يف ستَّة‬
‫ْش‬ ‫َر‬‫الع‬‫لى ْ‬ ‫ََ‬‫َى ع‬ ‫َو‬‫اسْت‬
‫أصح؛ ألن اآلية الثانيةـ مل ترد يف القرآن إال يف ستة مواضع‪.‬‬
‫‪ّ 2‬األعراف‪.)54( :‬‬
‫‪ )(3‬يونس‪.)3( :‬‬
‫‪ )(4‬الرعد‪.)2( :‬‬
‫‪ )(5‬طه‪.)5( :‬‬
‫()‬

‫‪143‬‬
‫ْشِ‬ ‫َر‬ ‫الع‬ ‫لى ْ‬ ‫ََ‬‫َى ع‬ ‫َو‬‫َّ اسْت‬ ‫ثم‬ ‫ور ِة الْ ُف ْرقَـان ِ‪ُ  :‬‬
‫ال يِف ُس َ‬
‫َوقَ َ‬
‫ُ ‪. ) 1( ‬‬
‫َن‬ ‫ْم‬‫َّح‬
‫الر‬
‫لق‬
‫َ‬ ‫ََ‬‫ِي خ‬ ‫الذ‬‫ُ َّ‬ ‫الس ْج َد ِة‪  :‬هَّللا‬
‫ور ِة آمل َّ‬ ‫ال يِف ُس َ‬
‫َوقَ َ‬
‫ِ‬
‫َّة‬‫ِت‬ ‫ِي س‬ ‫َا ف‬ ‫هم‬ ‫َُ‬‫ْن‬‫بي‬‫ما َ‬ ‫ََ‬‫ْضَ و‬ ‫َاألَر‬ ‫َاتِ و‬ ‫َاو‬ ‫السَّم‬
‫ور ِة‬
‫ال يِف ُس َ‬ ‫ْش‪َ ،)2( ‬وقَ َ‬‫َر‬‫الع‬‫لى ْ‬ ‫ََ‬ ‫َى ع‬ ‫َو‬ ‫َّ اسْت‬ ‫ثم‬ ‫ٍُ‬ ‫يام‬ ‫ََّ‬‫أ‬
‫ِي‬‫ْضَ ف‬ ‫َاألَر‬ ‫َاتِ و‬ ‫َاو‬ ‫َ السَّم‬ ‫لق‬‫ََ‬‫ِي خ‬ ‫الذ‬‫َ َّ‬ ‫هو‬ ‫يد‪ُ :‬‬‫احْل ِد ِ‬
‫َ‬
‫ََّ‬
‫(‪) 4( ) 3‬‬
‫ْشِ‪.) ] ‬‬ ‫َر‬ ‫الع‬‫لى ْ‬ ‫ََ‬ ‫َى ع‬ ‫َو‬ ‫َّ اسْت‬ ‫ثم‬ ‫ٍُ‬ ‫يام‬ ‫ِأ‬‫َّة‬ ‫ِت‬ ‫س‬
‫َى‪ ...‬‬ ‫َو‬ ‫ْشِ اسْت‬ ‫َر‬ ‫الع‬‫لى ْ‬ ‫ََ‬ ‫ُع‬ ‫َن‬‫ْم‬ ‫َّح‬‫‪/‬ش‪ /‬وقولـه‪ :‬الر‬
‫إخل؛ هذه هي املواضع السبعة اليت أخرب فيها سبحانه باستوائهـ على العرش‪،‬‬
‫اجلهمي املعطِّل هلا‬
‫ُّ‬ ‫وكلها قطعية الثبوت؛ـ ألهنا من كتاب اهلل‪ ،‬فال ميلك‬
‫إنكارا‪ ،‬كما أهنا صرحية يف باهبا‪ ،‬ال حتتمل تأويالً‪ ،‬فإن لفظ‪:‬‬ ‫ردا وال ً‬ ‫ًّ‬
‫َى ‪ ‬يف اللغة إذا عُدِّي بـ(على) ال ميكن أن يُ ْف َه َم منه إال العلو‬ ‫َو‬‫‪‬اسْت‬
‫واالرتفاع‪ ،‬وهلذا مل خترج تفسريات السلف هلذا اللفظ عن أربع عبارات؛‬
‫ذكرها العالَّمةـ ابن القيم يف ((النُّونية))ـ(‪)5‬؛ حيث قال‪:‬‬

‫ات َعلَْي َها أ َْربَ ٌع‬ ‫ِ‬


‫َفلَ ُه ْم عبَ َار ٌ‬

‫‪ 1‬الفرقان‪.)59( :‬‬
‫‪ )(2‬السجدة‪.)4( :‬‬
‫‪ )(3‬احلديد‪.)4( :‬‬
‫‪ )(4‬هذه اآليات السبع سقطت كلها من املخطوط‪.‬‬
‫‪ )(5‬انظر‪(( :‬شرح اهلراس)) (‪ ،)1/215‬و((شرح أمحد بن عيسى)) (‬
‫‪.)1/440‬‬‫()‬

‫‪144‬‬
‫ت لِْل َفا ِر ِس الطَّ َّع ِ‬
‫ان‬ ‫صلَ ْ‬
‫قَ ْد ُح ِّ‬

‫ك ْار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اسَت َقَّر َوقَ ْد َعالَ َو َكذل َ‬
‫َوه َي ْ‬
‫َت َف َع الَّ ِذي َما فِ ِيه ِمن نُّكَْر ِان‬

‫صعِ َد الَّ ِذي ُه َو َرابِ ٌع‬


‫َو َك َذ َاك قَ ْد َ‬
‫وأَبو عبي َد َة ِ‬
‫احب الشِّيبَايِن‬
‫ص ُ‬ ‫َ ُ َُ ْ َ‬
‫خَي ْتَ ُار َه َذا ال َق ْو َل يِف َت ْف ِس ِري ِه‬

‫أ َْدرى ِمن اجْل ه ِمي بِالْ ُق ِ‬


‫رآن‬ ‫َ َ َ ْ ِّ‬
‫فأهل السنة واجلماعة يؤمنونـ مبا أخرب به سبحانه عن نفسه من أنه مست ٍو‬
‫جل شأنه؛ كما قال‬ ‫على عرشه‪ ،‬بائن من خلقه بالكيفية اليت يعلمها هو َّ‬
‫مالك وغريه‪:‬‬
‫جمهول))(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫والكيف‬
‫ُ‬ ‫معلوم‪،‬‬
‫((االستواء ٌ‬
‫وأما ما يشغِّب به أهل التعطيل من إيراد اللوازم الفاسدة على تقرير‬
‫االستواء؛ فهي ال تلزمنا؛ ألننا ال نقول بأنـ فوقيَّتَهُ على العرش كفوقِيَّة‬
‫املخلوق على املخلوق‪.‬‬
‫وأما ما حياولون به صرف هذه اآليات الصرحية عن ظواهرهاـ بالتأويالتـ‬
‫َى‬ ‫َو‬ ‫تد ُّل على حريهتم واضطراهبم؛ كتفسريهم ‪) :‬اسْت‬ ‫الفاسدة اليت ُ‬
‫‪ 1‬انظر‪( :‬ص‪.)100‬‬
‫()‬

‫‪145‬‬
‫لى‪ ‬على معىن ( إىل ) ‪ ،‬و‬ ‫ََ‬‫‪ ‬بـ( اسـتوىل ) ‪ ،‬أو محلهم ‪‬ع‬
‫َى‪ ‬؛ مبعىن‪( :‬قصد)… إىل آخر ما نقله عنهم حامل لواء‬ ‫َو‬‫‪‬اسْت‬
‫تشغيب بالباطل‪ ،‬وتغيريٌ يف‬
‫ٌـ‬ ‫التجهم والتعطيل زاهد الكوثري(‪)1‬؛ فكلها‬
‫ُّ‬
‫قليل وال كث ٍري‪.‬‬
‫وجه احلق ال يغين عنهم يف ٍ‬
‫وليت شعري! ماذا يريد هؤالء املعطِّلة أن يقولوا؟!‬
‫ص ُد‪ ،‬وال فوق العرش إله‬‫رب يُ ْق َ‬‫أيريدون أن يقولوا‪ :‬ليس يف السماء ٌّ‬
‫يُ ْعبَ ُد؟!‬
‫فأين يكونـ إذن؟!‬
‫ولعلَّهم يضحكون منا حني نسأل عنه بـ(أين)! ونسوا أن أكمل اخللق‬
‫وأعلمهم برهبم صلوات اهلل عليه وسالمه قد سأل عنه بـ(أين) حني قال‬
‫للجارية‪(( :‬أين اهلل؟))‪.‬ورضي جواهبا حني قالت‪ :‬يف السماء(‪.)2‬‬
‫وقد أجاب كذلك َمن سأله بـ‪ :‬أين كان ربنا قبل أن خيلق السموات‬
‫واألرض؟ بأنه كان يف عماء‪ ..‬احلديث(‪.)3‬‬

‫‪ 1‬هو حممد زاهد بن احلسن بن علي الكوثري‪ ،‬فقيه حنفي متعصب‪،‬‬


‫جركسي األصل‪ ،‬جهمي املعتقد‪،‬ـ حاقد على أهل السنة‪ ،‬كتبه تطفح‬ ‫()‬
‫بسبهم وشتمهم‪ ،‬ولد سنة (‪1296‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪1371‬هـ)‪.‬‬
‫‪( 2‬صحيح)‪ .‬سيأيت خترجيه‪( .‬ص‪.)209‬‬
‫قلت‪ :‬يا‬ ‫()‬
‫‪ )(3‬يشري إىل حديث أيب رزين العقيلي رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪ُ :‬‬
‫رسول اهلل! أين كان ربُّنا قبل أن خيلق خلقه؟ قال‪:‬‬
‫((كان يف عماء‪ ،‬ما حتته هواء‪ ،‬وما فوقه هواء‪ ،‬وخلق عرشه على‬
‫املاء))‪.‬‬
‫أخرجه الرتمذي يف التفسري‪( ،‬باب‪ :‬ومن سورة هود) (‪-8/528‬‬
‫حتفة)‪ ،‬وحسنه‪ ،‬وابن ماجه يف املقدمة‪( ،‬باب‪ :‬فيما أنكرت اجلهمية)‪،‬‬
‫وأمحد يف ((املسند)) (‪.)4/11‬‬
‫قال األرناؤوط‪:‬‬

‫‪146‬‬
‫ومل يُْر َو عنه أنه زجر السائل‪ ،‬وال قال له‪ :‬إنك غلطت يف السؤال‪.‬‬
‫إن قصارى ما يقوله املتحذلق منهم يف هذا الباب‪ :‬إن اهلل تعاىل كان وال‬
‫مكان‪ ،‬مث خلق املكان‪،‬ـ وهو اآلن على ما كان قبل املكان‪.‬‬
‫فماذا يعين هذا امل َخِّرف باملكانـ الذي كان اهلل ومل يكن؟!‬
‫ُ‬
‫هل يعين به تلك األمكنةـ الوجودية اليت هي داخل حميط العامل؟!‬
‫فهذه أمكنةـ حـادثة ‪ ،‬وحنن ال نقول بوجود اهلل يف ٍ‬
‫شيء منها ؛ إذ ال‬
‫حيصره وال حييط به شيء من خملوقاته‪.‬‬
‫حمض ال وجود فيه؛ فهذا‬‫مي الذي هو خالءٌ ٌ‬ ‫الع َد َّ‬
‫وأما إذا أراد هبا املكان َ‬
‫عدمي‪ ،‬فإذا‬
‫ال يقال‪ :‬إنه مل يكن مث خلق؛ إذ ال يتعلق به اخللق‪ ،‬فإنه أمر ٌّ‬
‫قيل‪ :‬إن اهلل يف مكان هبذا املعىن؛ كما دلَّت عليه اآليات واألحاديث؛‬
‫فأي حمذو ٍر يف هذا؟!‬
‫بل احلق أن يقال‪ :‬كان اهلل ومل يكن شيء قبله‪ ،‬مث خلق السموات‬
‫واألرض يف ستة أيام‪ ،‬وكان عرشه على املاء‪ ،‬مث استوى على العرش‪ ،‬ومث‬
‫جملرد العطف‪.‬‬ ‫هنا للرتتيب الزماين ال َّ‬

‫((ويف سنده وكيع بن عُ ُدس ـ أو ُح ُدس ـ مل يوثِّقه غري ابن حبان‪،‬‬


‫وباقي رجالـه ثقات‪ ،‬ومع ذلك فقد حسنه الرتمذي وغريه))‪.‬‬
‫ضعفه األلباين يف‬
‫انظر‪(( :‬جامع األصول)) (‪ ،)1989‬واحلديث َّ‬
‫ختريج كتاب ((السنة)) (رقم ‪ .)612‬قال يزيد بن هارون‪:‬‬
‫((العماء؛ أي‪ :‬ليس معه شيء))‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫ك إِيَلَّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسى إِيِّن ُمَت َوفِّ َ‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ ،‬بَل َّر َف َعهُ‬ ‫يك َو َرافعُ َ‬ ‫ع َ‬ ‫(و َق ْولُهُ‪ :‬يَا‬
‫َ‬
‫الصالِ ُح‬
‫َوالْ َع َم ُل َّ‬ ‫ِ‬
‫ص َع ُد الْ َكل ُم الطَّيِّ ُ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫‪‬إِلَْيه يَ ْ‬
‫)‪( 2‬‬
‫‪،‬‬ ‫اللَّهُ إِلَْي ِه‪‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫َي ْر َفعُهُ‪‬‬
‫لغ‬
‫ُ‬ ‫بُ‬ ‫َْ‬ ‫ِّي أ‬ ‫َل‬‫ًا َّلع‬ ‫ْح‬ ‫َر‬ ‫ِي ص‬ ‫بنِ ل‬ ‫ن اْ‬ ‫ماُ‬ ‫هاَ‬ ‫يا َ‬ ‫‪َ ،‬‬
‫َِلى‬ ‫َإ‬ ‫ِع‬ ‫َّل‬ ‫َط‬ ‫َأ‬ ‫َاتِ ف‬ ‫َاو‬ ‫َ السَّم‬ ‫َاب‬ ‫َسْب‬
‫َ* أ‬ ‫َاب‬ ‫األَسْب‬
‫با‪َ ،)4( ‬و َق ْولُهُ‪:‬‬‫ًِ‬ ‫َاذ‬ ‫هك‬ ‫ُن‬
‫ُُّ‬ ‫ِّي ألَظ‬‫ِن‬‫َإ‬
‫موسَى و‬ ‫ُِ‬‫َِله‬‫إ‬
‫ُم‬
‫ُ‬ ‫ِك‬ ‫َب‬ ‫ِف‬‫يخْس‬ ‫َن َ‬ ‫َاء أ‬ ‫ِي السَّم‬ ‫من ف‬‫ُم َّ‬ ‫ِنت‬ ‫َم‬‫َأ‬‫‪‬أ‬
‫ِي‬ ‫من ف‬ ‫ُم َّ‬ ‫ِنت‬ ‫َم‬‫ْأ‬ ‫َم‬‫ُ* أ‬ ‫ُور‬ ‫تم‬ ‫ِيَ َ‬‫َا ه‬‫إذ‬ ‫َِ‬‫ْضَ ف‬ ‫األَر‬
‫ًا‬ ‫ِب‬‫َاص‬ ‫ْح‬ ‫ُم‬ ‫ْك‬ ‫لي‬‫ََ‬ ‫َع‬ ‫ِل‬ ‫ْس‬‫ير‬‫َن ُ‬ ‫َاء أ‬ ‫السَّم‬
‫ِ ‪.))5( ‬‬‫ِير‬ ‫نذ‬‫ََ‬ ‫ْف‬ ‫َي‬‫نك‬‫ُوَ‬ ‫لم‬‫َْ‬ ‫َع‬‫َسَت‬‫ف‬
‫ِيسَى‪ (...‬إخل؛ هذه اآليات جاءت مؤيِّدة ملا‬ ‫يا ع‬ ‫‪/‬ش‪ /‬وقولـه‪َ :‬‬
‫علوه تعاىل وارتفاعه فوق العرش مباينًا‬ ‫دلَّت عليه اآليات السابقة من ِّ‬
‫للخلق‪ ،‬وناعيةـ على املعطِّلة جحودهم وإنكارهم لذلك‪ ،‬تعاىل اهلل َّ‬
‫عما‬
‫كبريا‪.‬‬
‫علوا ً‬‫يقولون ًّ‬
‫ففي اآلية األوىل ينادي اهلل رسوله وكلمته عيسى ابن مرمي عليه الصالة‬
‫والسالم بأنَّه متوفِّيه ورافعه إليه حني دبَّر اليهود قتله‪ ،‬والضمري يف قوله ‪:‬‬
‫جل شأنه‪ ،‬ال حيتمل غري ذلك‪ ،‬فتأويله بأنـ‬ ‫َِليَّ‪ ‬هو ضمري الرب َّ‬ ‫إ‬
‫املراد‪ :‬إىل حمل رمحيت‪ ،‬أو مكان مالئكيت‪ ...‬إخل ال معىن له‪.‬‬
‫آل عمران‪.)55( :‬‬
‫النساء‪.)158( :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫فاطر‪.)10( :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫غافر‪.)37 ،36( :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫امللك‪.)17 ،16( :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪)(5‬‬

‫‪148‬‬
‫ردا على ما َّادعاه اليهود من قتل‬ ‫أيضا يف قوله سبحانه ًّ‬‫ومثل ذلك يقال ً‬
‫ِ‪. ‬‬ ‫َِلي‬
‫ْه‬ ‫ُإ‬ ‫ه هَّللا‬
‫َُ‬‫َع‬
‫َّف‬
‫بل ر‬ ‫عيسى وصلبه‪َ :‬‬
‫ف يف املراد بالتويِّف املذكور يف اآلية‪ ،‬فحملـه بعضهم على‬ ‫ِ‬
‫وقد اختُل َ‬
‫املوت‪ ،‬واألكثرون على َّ‬
‫أن املراد به النوم‪ ،‬ولفظ املتوىَّف يُ ْسَت ْع َمل فيه؛ قال‬
‫تعاىل‪:‬‬
‫ما‬ ‫َُ‬‫لم‬‫َْ‬ ‫يع‬ ‫ََ‬‫ِو‬ ‫ْل‬ ‫ُم ب َّ‬
‫ِاللي‬ ‫َّاك‬ ‫َف‬
‫َو‬‫يت‬ ‫ِي َ‬ ‫الذ‬‫َ َّ‬‫هو‬ ‫َُ‬‫‪‬و‬
‫ِ‪.)1( ‬‬ ‫هار‬ ‫ِالن‬
‫ََّ‬ ‫ُم ب‬ ‫ْت‬ ‫َح‬ ‫َر‬
‫ج‬
‫وأن التقدير‪ :‬إيِّن رافعك‬ ‫وتأخريا‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫ومنهم َمن زعم َّ‬
‫أن يف الكالم تقدميًا‬
‫ومتوفيك؛ أي‪ :‬مميتك بعد ذلك‪.‬‬
‫لصحة‬
‫واحلق أنَّه عليه السالم ُرفع حيًّا‪ ،‬وأنَّه سينزل قرب قيام الساعة؛ َّ‬
‫احلديث بذلك(‪.)2‬‬
‫ُ ‪‬؛ فهو‬ ‫ِّب‬
‫َّي‬‫ُ الط‬ ‫ِم‬ ‫َل‬ ‫الك‬
‫د ْ‬ ‫ْع‬
‫َُ‬ ‫يص‬ ‫َِ‬ ‫َِلي‬
‫ْه‬ ‫وأما قولـه سبحانه‪:‬إ‬
‫أيضا يف صعود أقوال العباد وأعماهلم إىل اهلل عز وجل‪ ،‬يصعد هبا‬ ‫صريح ً‬
‫ٌ‬
‫الكرام الكاتبونـ كل يوم عقب صالة العصر‪ ،‬وعقب صالة الفجر؛ كما‬
‫جاء يف احلديث‪:‬‬

‫‪ 1‬األنعام‪.)60( :‬‬
‫‪ )(2‬يشري إىل حديث‪:‬‬
‫حكما‬
‫ً‬ ‫() ((والذي نفسي بيده؛ ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مرمي‬
‫مقسطًا‪ ،‬فيكسر الصليب‪ ،‬ويقتل اخلنزير‪ ،‬ويضع اجلزية‪ ،‬ويفيضـ املال حىت‬
‫ال يقبلـه أح ٌد))‪.‬‬
‫رواه البخاري يف املظامل‪( ،‬باب‪ :‬كسر الصليب)(‪-5/121‬فتح)‪،‬‬
‫ويف األنبياء‪،‬ـ (باب‪ :‬نزول عيسى بن مرمي)‪ ،‬ومسلم يف اإلميان‪( ،‬باب‪:‬‬
‫حاكما بشريعة حممد ‪-2/548()‬نووي)‪ ،‬وأبو‬ ‫ً‬ ‫نزول عيسى بن مرمي‬
‫داود‪ ،‬والرتمذي‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫((فيعرج الذين باتوا فيكم‪ ،‬فيسأهلم رهبم ـ وهو أعلم ـ كيف تركتم‬
‫عبادي؟ فيقولون‪:‬ـ يا ربنا! أتيناهم وهم يصلُّون‪ ,‬وتركناهم وهم يصلُّون))‬
‫(‪. ) 1‬‬
‫ن‪ ...‬إخل؛‬ ‫ماُ‬ ‫هاَ‬ ‫يا َ‬ ‫وأما قوله سبحانه حكايةً عن فرعون‪َ :‬‬
‫أن موسى عليه السالم أخرب فرعون الطاغية َّ‬
‫بأن إهله يف‬ ‫فهو دليل على َّ‬
‫متويها على قومه‪ ،‬فأمر‬
‫يتلمس األسباب للوصول إليه ً‬‫السماء‪ ،‬فأراد أ ْن َّ‬
‫ِّي‬
‫ِن‬ ‫َإ‬‫وزيره هامان أ ْن يبين له الصرح‪ ،‬مث عقَّب على ذلك بقوله ‪ :‬و‬
‫با‪ ‬فيما أخرب به من كون إهله يف‬ ‫ًِ‬
‫َاذ‬ ‫ه ‪(‬؛ أي‪ :‬موسى‪‬ك‬ ‫ُُّ‬‫ُن‬‫ألَظ‬
‫حنن أم هؤالء املعطِّلة؟!‬
‫فمن إ ًذا أشبه بفرعون وأقرب إليه نسبًا؛ ُ‬‫السماء‪َ ،‬‬
‫ب موسى يف كون إهله يف السماء‪ ،‬وهو نفس ما يقوله‬ ‫إن فرعو َن َك َّذ َ‬
‫َّ‬
‫هؤالء‪.‬‬
‫ُم‪...‬إخل؛ هاتان اآليتان فيهما التصريح َّ‬
‫بأن اهلل‬ ‫ِنت‬ ‫َم‬‫َأ‬‫قولـه‪:‬أ‬
‫عز وجل يف السماء‪ ،‬وال جيوز محل ذلك على َّ‬
‫أن املراد به‪ :‬العذاب‪ ،‬أو‬
‫من ‪ ، ‬وهي [للعاقل]‬ ‫األمر‪ ،‬أو امللَك؛ كما يفعل املعطلة؛ ألنَّه قال‪َّ):‬‬
‫َ‬
‫إخراج اللفظ عن ظاهره بال قرينة توجب ذلك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫(‪ ،)2‬ومَح ْلُها على امللَك‬
‫َ‬
‫‪ 1‬جزء من حديث رواه البخاري يف مواقيتـ الصالة‪( ،‬باب‪ :‬فضل‬
‫صالة العصر)(‪-2/33‬فتح)‪ ،‬ويف بدء اخللق‪( ،‬باب‪ :‬ذكر املالئكة)‪ ،‬ويف‬ ‫()‬
‫التوحيد‪ ،‬ومسلم يف املساجد‪( ،‬باب‪ :‬فضل صاليت الصبح والعصر‬
‫واحملافظة عليهما) (‪-5/138‬نووي)‪ ،‬والنسائي‪ ،‬ومالك يف ((املوطأ))‪،‬‬
‫وأولـه‪(( :‬يتعاقبون فيكم مالئكة‪.)) ..‬‬
‫‪ 2‬علّق الشيخ إمساعيل األنصاري هنا بقولـه‪:‬‬
‫() (لو عرَّب املؤلف هنا بلفظ‪(( :‬للعامل))؛ بدل قولـه‪(( :‬للعاقل))؛‬
‫ألصاب)‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫ظرف له‬‫أن السماء ٌ‬ ‫َاء‪َّ ‬‬ ‫ِي السَّم‬ ‫وال جيوز أ ْن يُفهم من قوله‪ :‬ف‬
‫ِي‪ ‬مبعىن على؛ كما يف‬ ‫سبحانه؛ بل إ ْن أُريد بالسماء هذه املعروفة؛ فـ‪‬ف‬
‫ِ‪ ،)1( ‬وإ ْن‬ ‫َّخْل‬ ‫ِ الن‬ ‫ُوع‬ ‫ُذ‬ ‫ِي ج‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬
‫َّك‬
‫َن‬ ‫لب‬ ‫َِّ‬
‫َألص‬ ‫قوله تعاىل‪ :‬و‬
‫العلو‪.‬‬
‫ِي‪ ‬على حقيقتها؛ فإنَّه سبحانه يف أعلى ِّ‬ ‫أريد هبا جهة العلو؛ فـ ‪‬ف‬
‫ِِ‬ ‫‪‬هو الَّ ِذي خلَق َّ ِ‬
‫اسَت َوى‬ ‫ض يِف ستَّة أَيَّ ٍام مُثَّ ْ‬ ‫الس َم َاوات َواأل َْر َ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ‬
‫ض َو َما خَي ُْر ُج ِمْن َها َو َما‬ ‫َعلَى الْ َع ْر ِش َي ْعلَ ُم َما يَلِ ُج يِف األ َْر ِ‬
‫الس َماء َو َما َي ْع ُر ُج فِ َيها َو ُه َو َم َع ُك ْم أَيْ َن َما ُكنتُ ْم‬ ‫يَن ِز ُل ِم َن َّ‬
‫(‪) 2‬‬
‫صريٌ‪‬‬‫واللَّه مِب َا َتعملُو َن ب ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ‬
‫هو‬
‫َ‬ ‫ِالَّ ُ‬ ‫ٍإ‬ ‫ثة‬ ‫ثالَ‬ ‫َى َ‬ ‫ْو‬ ‫نج‬ ‫ِن َّ‬
‫نم‬ ‫ُوُ‬ ‫يك‬ ‫ما َ‬ ‫‪َ ،‬و َق ْولُهُ‪َ :‬‬
‫َال‬
‫ْو‬ ‫هم‬ ‫ِسُُ‬ ‫َ سَاد‬ ‫هو‬ ‫ِالَّ ُ‬ ‫ٍإ‬ ‫مسَة‬‫َْ‬ ‫َال خ‬ ‫ْو‬ ‫هم‬‫ُُ‬ ‫ِع‬‫َاب‬ ‫ر‬
‫ين‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ْأ‬ ‫هم‬‫َُ‬ ‫مع‬ ‫ََ‬ ‫هو‬ ‫ِالَّ ُ‬ ‫َإ‬ ‫َر‬ ‫ْث‬ ‫َك‬ ‫َال أ‬
‫ِكَ و‬ ‫َل‬‫ِن ذ‬ ‫َى م‬ ‫دن‬ ‫َْ‬ ‫أ‬
‫ْم‬
‫َ‬ ‫يو‬‫ُوا َ‬ ‫ِل‬ ‫َم‬ ‫َا ع‬ ‫ِم‬ ‫هم ب‬ ‫ُُ‬ ‫ِّئ‬
‫َب‬‫ين‬‫َّ ُ‬ ‫ثم‬ ‫ُوا ُ‬ ‫َان‬ ‫ما ك‬ ‫َ‬
‫)‪( 3‬‬
‫ٌ‪ ، ‬الَ‬ ‫ِيم‬ ‫َل‬ ‫ءع‬ ‫ِّ شَيٍْ‬ ‫ُل‬‫ِك‬‫َب‬ ‫ن هَّللا‬ ‫ِإ‬
‫َِّ‬ ‫مة‬ ‫َاَ‬ ‫ِي‬‫الق‬ ‫ْ‬
‫َا‬ ‫ُم‬ ‫َك‬
‫مع‬ ‫ِي َ‬ ‫نن‬ ‫َا‪َ ،)4( ‬و َق ْولُهُ ‪ :‬إ‬
‫َِّ‬ ‫َن‬ ‫مع‬ ‫ََ‬ ‫ن هَّللا‬ ‫نإ‬
‫َِّ‬ ‫َْ‬‫ْز‬ ‫تح‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫َوا‬ ‫اتق‬
‫َ َّ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َ َّ‬ ‫مع‬ ‫ََ‬ ‫ن هَّللا‬ ‫َى ‪ (5)، ‬إ‬
‫َِّ‬ ‫َر‬ ‫َأ‬‫ُو‬ ‫َع‬‫َسْم‬ ‫أ‬
‫ن هَّللا‬
‫َ‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫ُوا‬ ‫ِر‬ ‫ْب‬ ‫َاص‬ ‫ن ‪(6)،‬و‬ ‫ُوَ‬ ‫ِن‬‫ْس‬‫مح‬ ‫هم ُّ‬ ‫َُ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َّ َّ‬ ‫و‬

‫طه‪.)71( :‬‬
‫احلديد‪.)4( :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫اجملادلة‪.)7( :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التوبة‪.)40( :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫طه‪.)46( :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫النحل‪.)128( :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪)(6‬‬

‫‪151‬‬
‫َت‬
‫ْ‬ ‫لب‬ ‫ََ‬
‫ٍغ‬ ‫لة‬‫ِيَ‬ ‫َل‬ ‫ٍق‬ ‫َة‬‫ِئ‬ ‫من ف‬ ‫َم ِّ‬ ‫َ‪ (1)،‬ك‬ ‫ِين‬ ‫ِر‬ ‫َّاب‬ ‫َ الص‬ ‫مع‬‫َ‬
‫َ‪.))2( ‬‬‫ِين‬ ‫ِر‬‫َّاب‬ ‫َ الص‬ ‫مع‬ ‫َُ‬‫َهَّللا‬
‫ِو‬‫ْنِ هَّللا‬
‫إذ‬‫ِِ‬
‫ةب‬ ‫ًَ‬‫ِير‬ ‫َث‬‫ةك‬ ‫ًَ‬‫ِئ‬‫ف‬
‫َات‪(ِ ...‬‬ ‫َاو‬ ‫َ السَّم‬ ‫لق‬‫ََ‬ ‫ِي خ‬ ‫الذ‬
‫َ َّ‬ ‫هو‬‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪ُ :‬‬
‫وجل‪ ،‬وهي على‬ ‫عز َّ‬ ‫تضمنت هذه اآلية الكرمية إثبات صفة املعيَّةـ له َّ‬ ‫إخل؛ َّ‬
‫نوعني‪.‬‬
‫عامة‪ :‬شاملة جلميع املخلوقات‪ ،‬فهو سبحانه مع كل شيء‬ ‫‪ -17‬معيَّة َّ‬
‫بعلمه وقدرته وقهره وإحاطته‪ ،‬ال يغيبـ عنه شيء‪ ،‬وال يعجزه‪ ،‬وهذه‬
‫املعيَّة املذكورة يف اآلية‪.‬‬
‫ففي هذه اآلية خيرب عن نفسه سبحانه بأنه هو وحده الذي خلق السموات‬
‫واألرض ـ يعين‪ :‬أوجدمها على تقدير وترتيب سابق يف مدة ستة أيام ـ‪ ،‬مث‬
‫عال بعد ذلك وارتفع على عرشه؛ لتدبري أمور خلقه‪ .‬وهو مع كونه فوق‬
‫لم‬
‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫يع‬ ‫فلي؛ فهو‪َ ‬‬
‫والس ِّ‬
‫لوي ُّ‬ ‫عرشه ال يغيب عنه شيءٌ من العالَ َمنْي العُ ِّ‬
‫ها‬‫َْ‬ ‫ِن‬
‫ُم‬ ‫ُج‬‫يخْر‬‫ما َ‬ ‫ََ‬‫ضو‬ ‫ِْ‬ ‫ِي األَر‬ ‫ُ‪ ‬؛ أي‪ :‬يدخل‪‬ف‬ ‫ِج‬‫يل‬ ‫ما َ‬‫َ‬
‫ُ‪ ‬؛ أي‪ :‬يصعد‪‬‬ ‫ُج‬‫ْر‬ ‫يع‬ ‫ما َ‬ ‫ََ‬‫َاء و‬ ‫َ السَّم‬ ‫ِن‬ ‫لم‬ ‫ُِ‬‫ينز‬ ‫ما َ‬ ‫ََ‬‫و‬
‫ك أن َمن كان علمه وقدرته حميطَنْي جبميع األشياء؛‬ ‫ها‪ ، ‬وال َش َّ‬ ‫ِيَ‬ ‫ف‬
‫ما‬ ‫ََ‬ ‫ين‬‫َْ‬
‫ْأ‬ ‫ُم‬ ‫َك‬‫مع‬ ‫ََ‬ ‫هو‬‫َُ‬ ‫فهو مع كل شيء‪ ،‬ولذلك قال‪ :‬و‬
‫ٌ‪.‬‬‫ِير‬ ‫بص‬ ‫نَ‬ ‫ُوَ‬ ‫َل‬ ‫ْم‬ ‫تع‬
‫َا َ‬ ‫ِم‬ ‫ُب‬ ‫َهَّللا‬
‫ْو‬‫ُم‬ ‫ُنت‬ ‫ك‬

‫األنفال‪.)46( :‬‬
‫البقرة‪.)249( :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪152‬‬
‫َى ‪  ...‬إخل؛ يثبتـ سبحانه‬ ‫ْو‬ ‫نج‬ ‫ِن َّ‬
‫نم‬ ‫ُوُ‬ ‫يك‬ ‫ما َ‬‫قولـه‪َ :‬‬
‫مشول علمه وأحاطته جبميع األشياء‪ ،‬وأنه ال خيفى عليه جنوى املتناجني‪،‬‬
‫وأنه شهي ٌد على األشياء كلها‪ ،‬مطَّلِع عليها‪.‬‬
‫َى ‪ ‬إىل ثالثة من إضافة الصفة إىل املوصوف‪،‬‬ ‫ْو‬ ‫نج‬‫وإضافة ‪َّ ‬‬
‫والتقدير‪ :‬ما يكون من ثالثة جنوى؛ أي‪ :‬متناجني‪.‬‬
‫اخلاصة اليت هي معيَّتُه لرسلـه‬
‫‪ -2‬وأما اآليات الباقية؛ فهي يف إثبات املعيَّة َّ‬
‫تعاىل وأوليائه بالنصر والتأييدـ واحملبة والتوفيقـ واإلهلام‪.‬‬
‫َا‪ ‬حكايةٌ عما قالـه عليه‬ ‫َن‬‫مع‬ ‫ََ‬ ‫ن هَّللا‬ ‫نإ‬
‫َِّ‬ ‫َْ‬
‫ْز‬ ‫تح‬ ‫فقولـه تعاىل‪:‬الَ َ‬
‫الصالة والسالم أليب بك ٍر الصدِّيق ومها يف الغار‪ ،‬فقد أحاط املشركون‬
‫بفم الغار عندما خرجوا يف طلبه عليه السالم‪ ،‬فلما رأى أبو بكر ذلك‬
‫انزعج‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫((واهلل يا رسول اهلل! لو نظر أحدهم حتت قدمه ألبصرنا))‪.‬‬
‫فقال لـه الرسول ‪ ‬ما حكاه اهلل عز وجل هنا‪:‬‬
‫َا‪.)1( ‬‬ ‫َن‬‫مع‬‫ََ‬‫ن هَّللا‬ ‫نإ‬
‫َِّ‬ ‫َْ‬‫ْز‬‫تح‬ ‫‪‬الَ َ‬
‫فاملراد باملعيَّة هنا معية النصر والعصمة من األعداء‪.‬‬

‫‪ 1‬رواه البخاري يف فضائل أصحاب النيب ‪( ،‬باب‪ :‬مناقب املهاجرين)‬


‫(()‪-7/8‬فتح)‪ ،‬و(باب‪ :‬هجرة النيب إىل املدينة)‪ ،‬ويف تفسري سورة براءة‪،‬‬
‫ومسلم يف فضائل الصحابة‪( ،‬باب‪ :‬من فضل أيب بكر)(‪-15/158‬‬
‫نووي)‪ ،‬والرتمذي يف التفسري‪،‬ـ (باب‪ :‬ومن سورة التوبة)؛ بألفاظ‬
‫متقاربة‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫َى‪‬؛ فقد تقدَّم‬ ‫َر‬
‫َأ‬ ‫ُو‬ ‫َع‬‫َسْم‬ ‫َا أ‬ ‫ُم‬‫َك‬ ‫مع‬ ‫ِي َ‬ ‫نن‬ ‫َِّ‬ ‫وأما قولـه‪ :‬إ‬
‫خطاب ملوسىـ وهارون عليهما السالم أن ال خيافا‬ ‫ٌ‬ ‫الكالم عليه‪ ،‬وأهَّن ا‬
‫ألن اهلل عز وجل معهما بنصره وتأييده‪.‬‬ ‫بطش فرعون هبما؛ َّ‬
‫وكذلك بقيَّة اآليات خيرب اهلل فيها عن معيته للمتَّقني الذين يراقبون اهلل عز‬
‫وجل يف أمره وهنيه‪ ،‬وحيفظون حدوده‪ ،‬وللمحسنني الذين يلتزمون‬
‫اإلحسان يف كل شيء‪ ،‬واإلحسان يكونـ يف كل شيء حبسبه‪ ،‬فهو يف‬
‫العبادة ـ مثالً ـ أن تعبد اهلل كأنك تراه؛ فإن مل تكن تراه فإنه يراك؛ كما‬
‫جاء يف حديث جربيل عليه السالم(‪.)1‬‬
‫وكذلك خيرب عن معيَّته للصابرين الذي حيبسون أنفسهم على ما تكره‪،‬‬
‫صربا على طاعة‬ ‫املشاق واألذى يف سبيل اهلل وابتغاءـ وجهه؛ ً‬ ‫َّ‬ ‫ويتحملون‬
‫َّ‬
‫وصربا على قضائه‪.‬‬
‫وصربا عن معصيته‪،‬ـ ً‬ ‫اهلل‪ً ،‬‬
‫َص َد ُق ِم َن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َص َد ُق م َن اللَّه َحديثًا ‪َ  ،‬و َم ْن أ ْ‬
‫)‪( 2‬‬
‫(و َق ْولُـهُ‪َ :‬و َم ْن أ ْ‬
‫َ‬
‫(‪) 4‬‬
‫يسى ابْ َن َم ْرمَيَ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫اللَّ ِه قِيالً‪َ  (3) ، ‬وإِ ْذ قَ َ َّ‬
‫ال اللهُ يَا ع َ‬
‫دالً ‪َ ،)5( ‬و َق ْولُهُ‪:‬‬ ‫َْ‬‫َع‬ ‫ًا و‬‫دق‬ ‫ِْ‬‫بكَ ص‬ ‫ةر‬
‫َِّ‬ ‫َُ‬
‫ِم‬ ‫َل‬‫ْك‬ ‫َّت‬ ‫تم‬ ‫ََ‬‫‪ ،‬و‬
‫َُ‬
‫هَّللا‬ ‫َلم‬ ‫من كَّ‬ ‫هم َّ‬ ‫ُْ‬‫من‬ ‫ًا‪ِّ ، ‬‬ ‫ِيم‬ ‫ْل‬
‫تك‬ ‫موسَى َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ هَّللا‬ ‫َكَّ‬
‫َلم‬ ‫‪‬و‬
‫ه‬
‫َُ‬ ‫َلم‬ ‫َكَّ‬ ‫َا و‬ ‫ِن‬ ‫َات‬ ‫ِيق‬ ‫لم‬ ‫موسَى ِ‬ ‫َاء ُ‬ ‫َّا ج‬ ‫ََلم‬ ‫‪(6)، ‬و‬

‫سبق خترجيه (ص‪.)94‬‬


‫النساء‪.)87( :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫النساء‪.)122( :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫املائدة‪.)116( :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫األنعام‪.)115( :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫البقرة‪.)253( :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪)(6‬‬

‫‪154‬‬
‫ُّور‬
‫ِ‬ ‫ِبِ الط‬ ‫َان‬ ‫ِن ج‬ ‫هم‬ ‫َاُ‬ ‫ين‬‫دْ‬‫َاَ‬ ‫َن‬‫ه‪ (1)،‬و‬‫بُ‬ ‫َُّ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫ِذ‬ ‫َإ‬ ‫ًّا‪َ ، )2( ‬و َق ْولـه ‪ :‬و‬
‫َجِي‬ ‫هن‬ ‫َاُ‬‫بن‬ ‫َر‬
‫َّْ‬ ‫َق‬‫َنِ و‬ ‫األَْ‬
‫يم‬
‫َ‬‫ْم‬ ‫َو‬ ‫الق‬ ‫ْتِ ْ‬ ‫َنِ ائ‬ ‫موسَى أ‬ ‫بكَ ُ‬ ‫دى ر‬
‫َُّ‬ ‫َاَ‬ ‫ن‬
‫ََلم‬
‫ْ‬ ‫َا أ‬ ‫هم‬‫بُ‬ ‫َُّ‬ ‫َا ر‬ ‫هم‬ ‫داُ‬ ‫َاَ‬ ‫َن‬‫َ‪ (3) ‬و‬‫ِين‬ ‫لم‬‫َّاِ‬ ‫الظ‬
‫ْم‬
‫َ‬ ‫يو‬ ‫ََ‬ ‫ِ ‪َ ،)4(‬و َق ْولُهُ‪ :‬و‬ ‫َة‬ ‫َر‬‫َا الشَّج‬ ‫ُم‬‫لك‬‫ِْ‬‫َن ت‬ ‫َا ع‬ ‫ُم‬ ‫هك‬
‫نَ‬ ‫َْ‬ ‫أ‬
‫ِين‬
‫َ‪‬‬ ‫ْسَل‬ ‫ُر‬ ‫الم‬‫ُ ْ‬ ‫ُم‬ ‫ْت‬ ‫َب‬ ‫َج‬‫َا أ‬ ‫ماذ‬ ‫لَ‬ ‫ُوُ‬ ‫َق‬‫َي‬‫ْف‬ ‫ِم‬‫ِيه‬ ‫َاد‬ ‫ين‬ ‫ُ‬
‫(‪. ) 6( ) ) 5‬‬
‫وجل‪.‬‬
‫عز ّ‬ ‫تضمنت هذه اآليات إثبات صفة الكالمـ هلل ّ‬ ‫‪/‬ش‪َّ /‬‬
‫كبريا‪:‬‬
‫نزاعا ً‬‫وقد تنازع الناس حول هذه املسألةـ ً‬
‫فمنهم من جعل كالمه سبحانه خملوقًا منفصالًـ منه‪ ،‬وقال‪ :‬إن معىن‬
‫(متكلِّم)‪ٌ :‬‬
‫خالق للكالم‪ .‬وهم املعتزلة‪.‬‬
‫وأبدا‪ ،‬ال يتعلَّق مبشيئته وقدرته‪ ،‬ونفى‬ ‫الزما لذاته أزالً ً‬
‫ومنهم من جعلـه ً‬
‫(‪) 7‬‬
‫عنه احلرف والصوت‪ ،‬وقال‪ :‬إنه معىن واحد يف األزل‪ .‬وهم ال ُكالَّبيَّةـ‬
‫واألشعرية‪.‬‬
‫‪ 1‬األعراف‪.)143( :‬‬
‫‪ )(2‬مرمي‪.)52( :‬‬
‫‪ )(3‬الشعراء‪.)10( :‬‬
‫‪ )(4‬األعراف‪.)22( :‬‬
‫‪ )(5‬القصص‪.)65( :‬‬
‫ِم‬
‫ْ‬ ‫ِيه‬ ‫َاد‬ ‫ين‬ ‫َُ‬ ‫ْم‬‫يو‬ ‫ََ‬‫‪ ))((6‬زاد يف املخطوط قولـه تعاىل‪  :‬و‬
‫ن‬
‫ُوَ‬ ‫ُم‬ ‫ْع‬ ‫تز‬ ‫َْ‬ ‫ُم‬‫ُنت‬ ‫َك‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ِيَ َّ‬ ‫َائ‬ ‫َك‬‫َ شُر‬‫ين‬ ‫َْ‬
‫لأ‬ ‫ُوُ‬ ‫َق‬ ‫َي‬ ‫ف‬
‫‪[ ‬القصص‪:‬ـ (‪ ،62‬و‪ ،])74‬وكذا يف ((الفتاوى))‪.‬‬
‫‪ 7‬هم أتباع عبد اهلل بن سعيد بن ُكالّب‪ ،‬وهم يزعمون أن صفاته‬
‫تعاىل‪ :‬ال هي هو‪ ،‬وال غريه‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن أمساء اهلل هي صفاته‪ ،‬ومل‬ ‫()‬
‫يفرقوا بني صفات الذات وصفات األفعال‪.‬‬
‫انظر‪(( :‬الصواعق املرسلة)) (‪.)1/231‬‬

‫‪155‬‬
‫للذات‪ ،‬وقال‪ :‬إهنا‬ ‫وأصوات قدميةٌ الزمة َّ‬
‫ٌ‬ ‫حروف‬
‫ٌ‬ ‫ومنهم َمن زعم أنه‬
‫مقرتنة يف األزل‪ ،‬فهو سبحانه ال يتكلم هبا شيئًا بعد شيء‪ .‬وهم بعض‬
‫الغالة‪.‬‬
‫قائما بذاته تعاىل‪ ،‬ومتعلِّ ًقا مبشيئته وقدرته‪ ،‬ولكن‬ ‫ومنهم من جعلـه حادثًا ً‬
‫زعم أن لـه ابتداء يف ذاته‪ ،‬وأن اهلل مل يكن متكلِّ ًما يف األزل‪ .‬وهم‬
‫الكرامية(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫ويطول بنا القول لو اشتغلنا مبناقشة هذه األقول وإفسادها‪ ،‬على أن‬
‫فسادها بنِّي ٌ لكل ذي فه ٍم سلي ٍم‪ ،‬ونظ ٍر مستقي ٍم‪.‬‬
‫وخالصةُ مذهب أهل السنة واجلماعة يف هذه املسألة أن اهلل تعاىل مل يزل‬
‫متكلِّ ًما إذا شاء‪ ،‬وأن الكالم صفة لـه قائمة بذاته‪ ،‬يتكلَّم هبا مبشيئته‬
‫وقدرته‪ ،‬فهو مل يزل وال يزال متكلِّ ًما إذا شاء‪ ،‬وما تكلَّم اهلل به فهو ٌ‬
‫قائم‬
‫الزما لذاته لزوم‬
‫به ليس خملوقًا منفصالً عنه؛ كما تقول املعتزلة‪ ،‬وال ً‬
‫تابع ملشيئتهـ وقدرته‪.‬‬‫احلياة هلا؛ كما تقول األشاعرة؛ بل هو ٌ‬
‫ٍ‬
‫بصوت‪ ،‬وينادي‬ ‫بصوت‪ ،‬ونادى آدم وحواء‬ ‫ٍ‬ ‫واهلل سبحانه نادى موسى‬
‫بصوت‪ ،‬ولكن احلروف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بصوت‪ ،‬ويتكلَّم بالوحي‬ ‫عباده يوم القيامةـ‬
‫واألصوات اليت تكلَّم اهلل هبا صفة لـه غري خملوقة‪ ،‬وال تشبه أصوات‬
‫املخلوقني وحروفهم؛ كما أن علم اهلل القائم بذاته ليس مثل علم عباده؛‬
‫فإن اهلل ال مياثل املخلوقني يف شيء من صفاته‪.‬‬

‫كرام السجستاين‪ ،‬املتوىف سنة (‬


‫‪ )(1‬هم أتباع أيب عبد اهلل حممد بن َّ‬
‫جمسمة مرجئة‪ ،‬ينقسمونـ إىل اثنيت عشرة فرقة‪.‬‬
‫‪255‬هـ)‪ ،‬وهم مشبِّهة ِّ‬

‫‪156‬‬
‫واآليتانـ األوليان هنا ـ ومها من سورة النساء ـ تنفيانـ أن يكون أح ٌد‬
‫أصدق حديثًا وقوالً من اهلل عز وجل‪ ،‬بل هو سبحانه أصدق من كل‬ ‫َ‬
‫أحد يف كل ما خيرب به‪ ،‬وذلك ألن علمه باحلقائق املخرَبِ عنها أمشل‬ ‫ٍ‬
‫وأضبط‪ ،‬فهو يعلمها على ما هي به من كل وجه‪ ،‬وعلم غريه ليس‬
‫كذلك‪.‬‬
‫ِيسَى‪ ....‬إخل؛ فهو‬ ‫يا ع‬ ‫َُ‬ ‫ل هَّللا‬‫َاَ‬ ‫ْق‬ ‫ِذ‬‫َإ‬‫وأما قوله‪ :‬و‬
‫عما‬
‫حكايةٌ ملا سيكون يوم القيامةـ من سؤال اهلل لرسولـه وكلمته عيسى َّ‬
‫نسبه إليه الَّذين أهَّل وه وأمه من النصارى من أنه هو الذي أمرهم بأن‬
‫ني من دون اهلل‪.‬‬ ‫وأمه إهل ِ‬
‫َّخذوه َّ‬‫يت ِ‬
‫وهذا السؤال إلظهار براءة عيسى عليه السالم‪ ،‬وتسجيل الكذب والبهتان‬
‫على هؤالء الضالِّني األغبياء‪.‬ـ‬
‫دالً‪ ‬؛ فاملراد‬ ‫َْ‬‫َع‬‫ًا و‬ ‫دق‬‫ِْ‬‫بكَ ص‬ ‫ةر‬
‫َِّ‬ ‫َُ‬ ‫ِم‬ ‫َل‬‫ْك‬ ‫َّت‬
‫تم‬ ‫ََ‬‫وأما قولـه‪ :‬و‬
‫صدقًا يف أخباره‪ ،‬وعدالً يف أحكامه؛ ألن كالمه تعاىل إما أخبار‪ ،‬وهي‬
‫كلها يف غاية الصدق‪ ،‬وإما أمر وهني‪ ،‬وكلها يف غاية العدل الذي ال‬
‫جور فيه؛ البتنائها على احلكمة والرمحة‪.‬‬
‫واملراد بالكلمة هنا الكلمات؛ ألهنا أُضيفت إىل معرفة‪ ،‬فتفيد معىن اجلمع؛‬
‫كما يف قولنا‪ :‬رمحة اهلل ونعمة اهلل‪.‬‬
‫ًا‪ ‬وما بعدها من‬ ‫ِيم‬ ‫ْل‬ ‫تك‬ ‫موسَى َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ هَّللا‬ ‫َكَّ‬
‫َلم‬ ‫وأما قوله‪ :‬و‬
‫تكليما‪ ،‬وناجاه‬
‫اآليات اليت تدل على أن اهلل قد نادى موسى وكلمه ً‬

‫‪157‬‬
‫ترد على األشاعرة‬ ‫ك؛ فهي ُّ‬ ‫حقيقة من وراء حجاب‪ ،‬وبال واسطة ملَ ٍ‬
‫قائما بالنفس؛ بال حرف‪ ،‬وال صوت!‬ ‫الذين جيعلون الكالم معىن ً‬
‫النفسي؟‬
‫َّ‬ ‫الكالم‬
‫َ‬ ‫فيقال هلم‪ :‬كيف مسع موسى هذا‬
‫علما ضروريًّا باملعاين اليت يريد أن يكلِّ َمه هبا؛‬‫فإن قالوا‪ :‬ألقى اهلل يف قلبه ً‬
‫مل يكن هناك خصوصية ملوسى يف ذلك‪.‬‬
‫كالما يف الشجرة أو يف اهلواء‪ ،‬وحنو ذلك؛ لزم أن‬ ‫وإن قالوا‪ :‬إن اهلل خلق ً‬
‫بكَ‪.‬‬ ‫َا ر‬
‫َُّ‬ ‫َن‬
‫ِّي أ‬ ‫ِن‬ ‫تكون الشجرة هي اليت قالت ملوسى‪ :‬إ‬
‫واحدا يف األزل‪،‬‬‫ترد عليهم هذه اآليات يف جعلهم الكالم معىن ً‬ ‫وكذلك ُّ‬
‫موسَى‬ ‫َاء ُ‬ ‫َّا ج‬ ‫ََلم‬ ‫ال حيدث منه يف ذاته شيءٌ‪ ،‬فإن اهلل يقول‪ :‬و‬
‫ه ‪‬؛ فهي تفيد حدوث الكالمـ عند‬ ‫بُ‬ ‫هر‬
‫َُّ‬ ‫َُ‬ ‫َكَّ‬
‫َلم‬ ‫َا و‬ ‫ِن‬
‫َات‬ ‫ِيق‬ ‫لم‬‫ِ‬
‫ِبِ‬ ‫َان‬ ‫ِن ج‬ ‫هم‬ ‫َاُ‬ ‫ين‬ ‫دْ‬‫َاَ‬ ‫َن‬‫جميء موسى للميقات‪ ،‬ويقول‪ :‬و‬
‫َنِ‪ ‬؛ فهذا يدل حدوث النداء عند جانب الطور‬ ‫يم‬‫ِ األَْ‬ ‫ُّور‬‫الط‬
‫األمين‪.‬‬
‫مسموعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫والنداء ال يكون إال صوتًا‬
‫َا‬‫هم‬‫داُ‬ ‫َاَ‬ ‫وكذلك قوله تعاىل يف شأن آدم وحواء‪ :‬و‬
‫َن‬
‫َا‪(...‬اآلية؛ فإن هذا النداء مل يكن إال بعد الوقوع يف‬ ‫هم‬‫بُ‬ ‫ر‬
‫َُّ‬
‫قطعا‪.‬‬
‫اخلطيئة‪ ،‬فهو حادث ً‬
‫ْ ‪  ...‬إخل؛ فإن‬ ‫ِم‬ ‫ِيه‬ ‫َاد‬ ‫ين‬ ‫َُ‬ ‫ْم‬‫يو‬
‫ََ‬ ‫وكذلك قوله تعاىل‪ :‬و‬
‫هذا النداء والقول سيكونـ يوم القيامة‪.‬‬
‫ويف احلديث‪:‬‬

‫‪158‬‬
‫ٍ‬
‫يوم القيامةـ ليس بينَهُ وبينَه تَرمجان))(‪.)1‬‬ ‫((ما من عبد إالَّ سيكلِّ ُمهُ اهلل َ‬
‫استَ َج َار َك فَأ َِج ْرهُ َحىَّت يَ ْس َم َع َكالَ َم‬ ‫ني ْ‬
‫ِ‬
‫َح ٌد ِّم َن الْ ُم ْش ِرك َ‬ ‫ِ‬
‫(‪َ ‬وإ ْن أ َ‬
‫يق ِّمْن ُه ْم يَ ْس َمعُو َن َكالَ َم اللَّ ِه مُثَّ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫د‬
‫ْ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫َّ ِ )‪(2‬‬
‫الله‪،‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫حُيَِّرفُونَهُ ِمن َب ْع ِد َما َع َقلُوهُ َو ُه ْم َي ْعلَ ُمو َن ‪‬‬
‫ُل َّلن‬ ‫ِق‬ ‫َ هَّللا‬
‫َالم‬ ‫دُلوا ك‬ ‫َِّ‬ ‫يب‬ ‫َن ُ‬ ‫نأ‬ ‫دوَ‬ ‫ِيُ‬ ‫ير‬‫‪ُ ،‬‬
‫تل‬
‫ُ‬ ‫َاْ‬ ‫ُ ‪(4)، ‬و‬ ‫ْل‬‫َب‬ ‫ِن ق‬ ‫ُم‬ ‫ل هَّللا‬‫َاَ‬ ‫ْق‬ ‫ُم‬ ‫لك‬ ‫ذِ‬‫ََ‬ ‫َا ك‬ ‫ُون‬ ‫ِع‬
‫َّب‬ ‫تت‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫دَ‬ ‫مب‬
‫َِّ‬ ‫بكَ ال ُ‬ ‫َابِ ر‬
‫َِّ‬ ‫ِت‬ ‫ِن ك‬ ‫ْكَ م‬ ‫َِلي‬ ‫ُوحِيَ إ‬ ‫ما أ‬ ‫َ‬
‫ُصُّ‬ ‫يق‬‫نَ‬ ‫ْآَ‬ ‫ُر‬‫الق‬‫َا ْ‬ ‫هذ‬‫نَ‬ ‫َِّ‬‫ِ‪َ ،)5( ‬و َق ْولُهُ‪  :‬إ‬ ‫ِه‬‫َات‬ ‫ِم‬
‫َل‬ ‫لك‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِيه‬ ‫ْف‬ ‫هم‬ ‫ِي ُ‬ ‫الذ‬ ‫َ َّ‬ ‫َر‬‫ْث‬ ‫َك‬ ‫َأ‬ ‫ِيل‬ ‫َائ‬ ‫ِسْر‬ ‫ِي إ‬ ‫بن‬ ‫لى َ‬ ‫ََ‬ ‫ع‬
‫ه‬
‫َاُ‬ ‫َلن‬ ‫َنزْ‬ ‫ٌأ‬ ‫َاب‬ ‫ِت‬‫َا ك‬ ‫هـذ‬ ‫ََ‬ ‫ن ‪ (6)، ‬و‬ ‫ُوَ‬ ‫ِف‬‫َل‬
‫يخْت‬ ‫َ‬
‫لى‬ ‫ََ‬ ‫نع‬ ‫ْآَ‬ ‫ُر‬ ‫الق‬‫َا ْ‬ ‫هذ‬‫َا َ‬ ‫َلن‬ ‫َنزْ‬ ‫ْأ‬ ‫َكٌ ‪َ  (7)، ‬لو‬ ‫َار‬ ‫مب‬ ‫ُ‬
‫ِ‪‬‬‫ِ هَّللا‬
‫َة‬ ‫َشْي‬ ‫ْخ‬ ‫من‬‫ًا ِّ‬ ‫دع‬‫َِّ‬‫َص‬‫مت‬ ‫ًا ُّ‬ ‫ِع‬ ‫َاش‬ ‫هخ‬ ‫َُ‬ ‫يت‬ ‫َْ‬‫َأ‬‫ٍ َّلر‬
‫َل‬ ‫َب‬ ‫ج‬

‫عز‬
‫الرب ّ‬
‫‪ )(1‬رواه بألفاظ خمتلفة‪ :‬البخاري يف التوحيد‪( ،‬باب‪ :‬كالم ّ‬
‫ٌ‪) ‬‬ ‫َة‬‫ِر‬ ‫ٍن‬
‫َّاض‬ ‫ِذ‬ ‫مئ‬ ‫َْ‬‫يو‬‫هَ‬ ‫ُوٌ‬
‫ُج‬‫وجل)‪ ،‬و(باب‪ :‬يف قوله تعاىل‪:‬و‬ ‫( ّ‬
‫‪-13/423‬فتح)‪ ،‬ويف الزكاة‪ ،‬واألنبياء‪ ،‬واألدب‪ ،‬والرقاق‪ ،‬ومسلم يف‬
‫الزكاة‪( ،‬باب‪ :‬احلث على الصدقة ولو بشق مترة)(‪-7/106‬نووي)‪،‬‬
‫والرتمذي يف صفة القيامة‪.‬ـ‬
‫و(تَرمجان)؛ بفتح التاء واجليم‪ ،‬وضم اجليم (تَرمُج ان)‪ ،‬وبضم التاء‬
‫واجليم (تُرمُج ان)؛ ثالث لغات صحيحة‪ .‬انظر‪(( :‬الصحاح)) (مادة‪ :‬ر ج‬
‫م)‪.‬‬
‫‪ 2‬التوبة‪.)6( :‬‬
‫‪ )(3‬البقرة‪.)75( :‬‬
‫‪ )(4‬الفتح‪.)15( :‬‬
‫‪ )(5‬الكهف‪.)27( :‬‬
‫‪ )(6‬النمل‪.)76( :‬‬
‫‪ )(7‬األنعام‪.)155 ،92( :‬‬
‫()‬

‫‪159‬‬
‫لم‬
‫ُ‬ ‫َْ‬‫َع‬ ‫ُأ‬ ‫ٍو‬
‫َهَّللا‬ ‫ية‬ ‫ن آَ‬ ‫َاَ‬ ‫مك‬ ‫يً‬
‫ة َّ‬ ‫َا آَ‬ ‫دْلن‬‫بَّ‬ ‫َا َ‬ ‫ِذ‬
‫َإ‬‫‪ (1)،‬و‬
‫بل‬
‫ْ‬ ‫ٍَ‬ ‫َر‬‫ْت‬ ‫مف‬‫َُ‬ ‫َنت‬ ‫َا أ‬ ‫نم‬ ‫ْإ‬
‫َِّ‬ ‫َالوا‬‫لق ُ‬ ‫َز‬
‫ُِّ‬ ‫ين‬‫َا ُ‬ ‫ِم‬ ‫ب‬
‫ُوح‬
‫ُ‬ ‫هر‬ ‫َزَ‬
‫َّلُ‬ ‫ْن‬ ‫ُل‬ ‫ن* ق‬ ‫ُوَ‬ ‫لم‬‫َْ‬‫يع‬‫ْ الَ َ‬ ‫هم‬
‫ُُ‬‫َر‬ ‫ْث‬‫َك‬ ‫أ‬
‫ِين‬
‫َ‬ ‫الذ‬ ‫َ َّ‬ ‫َب‬
‫ِّت‬ ‫ُث‬‫لي‬ ‫ِّ ِ‬
‫َق‬‫ِالح‬‫بكَ ب ْ‬ ‫ِن ر‬
‫َِّّ‬ ‫دسِ م‬ ‫ُُ‬‫الق‬‫ْ‬
‫َْ‬
‫د‬ ‫ََلق‬ ‫َ* و‬ ‫ِين‬ ‫ِم‬ ‫ُسْل‬ ‫لم‬‫لْ‬‫َى ِ‬ ‫بشْر‬ ‫دى و‬
‫َُ‬ ‫هً‬ ‫َُ‬‫ْو‬ ‫ُوا‬ ‫من‬‫آَ‬
‫بشَر‬
‫ٌ‬ ‫هَ‬ ‫ُُ‬ ‫لم‬ ‫َِّ‬
‫يع‬‫َا ُ‬ ‫نم‬ ‫نإ‬
‫َِّ‬ ‫ُولوَ‬ ‫يق ُ‬ ‫َْ‬ ‫هم‬ ‫نُ‬‫ََّ‬‫ُأ‬‫لم‬ ‫َْ‬‫نع‬ ‫َ‬
‫َا‬ ‫هـذ‬ ‫ََ‬‫ٌّ و‬ ‫ِي‬ ‫َم‬ ‫ْج‬‫َع‬‫ِأ‬ ‫ْه‬ ‫َِلي‬‫نإ‬ ‫دوَ‬ ‫ْحُِ‬‫يل‬ ‫ِي ُ‬ ‫الذ‬‫ن َّ‬‫ِّلسَاُ‬
‫ٌ ‪.))2( ‬‬‫ِين‬ ‫مب‬‫ِيٌّ ُّ‬ ‫َب‬‫َر‬ ‫نع‬‫ِسَاٌ‬ ‫ل‬
‫َ‪ ...‬إخل؛ هذه‬ ‫ِين‬ ‫ِك‬ ‫ُشْر‬ ‫الم‬‫َ ْ‬ ‫من‬ ‫د ِّ‬
‫ٌَ‬‫َح‬‫نأ‬ ‫ِْ‬ ‫َإ‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪  :‬و‬
‫املتلو املسموع املكتوب بني دفَّيت املصحف‬ ‫اآليات الكرمية تفيد أن القرآن ّ‬
‫هو كالم اهلل على احلقيقة‪،‬ـ وليس فقط عبارة أو حكاية عن كالم اهلل؛‬
‫كما تقول األشعريَّة‪.‬‬
‫تدل على أنه صفةٌ لـه قائمة به‪ ،‬وليست كإضافة‬ ‫عز وجل ُّ‬
‫وإضافته إىل اهلل ّ ّ‬
‫تدل على ثبوت املعىن لتلك‬ ‫البيت أو الناقة؛ فإهنا إضافة معىن إىل الذات‪ُّ ،‬‬
‫يرد على‬‫الذات؛ خبالف إضافة البيت أو الناقة؛ فإهَّن ا إضافة أعيان‪،‬ـ وهذا ُّ‬
‫منفصل عن اهلل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫املعتزلة يف قوهلم‪ :‬إنه خملوق‬
‫منز ٌل من عند اهلل‪ ،‬مبعىن أن اهلل‬‫أيضا على أن القرآن َّ‬‫ودلَّـت هذه اآليات ً‬
‫وأداه إىل رسول اهلل‬ ‫بصوت مسعه جربيل عليه السالم‪ ،‬فنزل به‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تكلَّم به‬
‫الرب جل شأنه‪.‬‬
‫‪ ‬كما مسعه من ِّ‬

‫احلشر‪.)21( :‬‬
‫النحل‪.)103-101( :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪160‬‬
‫منز ٌل‪ ،‬غري خملوق‪،‬‬
‫وخالصة القول يف ذلك‪ :‬أن القرآن العريب كالم اهلل‪َّ ،‬‬
‫منه بدأ‪ ،‬وإليه يعود‪ ،‬واهلل تكلَّم به على احلقيقة‪،‬ـ فهو كالمه حقيقة ال‬
‫كالم غريه‪ ،‬وإذا قرأ الناس القرآن أو كتبوهـ يف املصاحف مل خيرجه ذلك‬
‫عن أن يكون كالم اهلل؛ فإن الكالمـ إمنا يضاف حقيقةً إىل َمن قاله مبتدئًا‪،‬‬
‫مؤديًا‪ ،‬واهلل تكلَّم حبروفه ومعانيه بلفظ نفسه‪ ،‬ليس شيء‬ ‫ال إىل َمن بلغه ِّ‬
‫أيضا‬
‫كالما لغريه‪ ،‬ال جلربيل‪ ،‬وال حملمد‪ ،‬وال لغريمها‪ ،‬واهلل تكلم به ً‬ ‫منه ً‬
‫بصوت نفسه‪ ،‬فإذا قرأه العباد قرؤوه بصوت أنفسهم‪ ،‬فإذا قال القارئ‬
‫ِين‪‬؛كان هذا الكالمـ‬ ‫َ َ‬
‫الم‬ ‫الع‬
‫ِّ ْ‬ ‫َب‬‫ِر‬ ‫د هَّلل‬ ‫َم‬
‫ُْ‬ ‫الح‬‫مثالً‪ْ :‬‬
‫املسموع منه كالم اهلل ‪ ،‬ال كالم نفسه ‪ ،‬وكان هو قرأه بصوت نفسه ال‬
‫بصوت اهلل‪.‬‬
‫وكما أن القرآن كالم اهلل‪ ،‬فكذلك هو كتابه؛ ألنه كتبه يف اللوح‬
‫مكتوب يف املصاحف؛ قال تعاىل‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫احملفوظ‪ ،‬وألنه‬
‫ُونٍ‪.)1( ‬‬ ‫ْن‬ ‫مك‬‫َابٍ َّ‬ ‫ِت‬‫ِي ك‬ ‫ٌ* ف‬ ‫ِيم‬ ‫َر‬ ‫نك‬ ‫ْآٌ‬ ‫ه َلق‬
‫ُر‬ ‫نُ‬ ‫‪‬إ‬
‫َِّ‬
‫ٍ‪‬‬ ‫ُوظ‬ ‫ْف‬‫مح‬ ‫ْحٍ َّ‬ ‫ِي َلو‬ ‫د* ف‬ ‫مجِيٌ‬‫ن َّ‬
‫ْآٌ‬ ‫ُر‬‫َق‬ ‫هو‬ ‫ُْ‬‫بل‬ ‫وقال‪َ :‬‬
‫(‪. ) 2‬‬
‫ٍ*‬ ‫َة‬ ‫َهر‬
‫مطَّ‬ ‫ٍ ُّ‬ ‫َة‬ ‫ُوع‬ ‫ْف‬‫مر‬ ‫ٍ * َّ‬‫مة‬ ‫َر‬
‫ََّ‬ ‫مك‬‫ُفٍ ُّ‬ ‫ُح‬‫ِي ص‬ ‫وقال‪ :‬ف‬
‫ٍ ‪. ) 3( ‬‬
‫َة‬‫َر‬ ‫بر‬ ‫ٍَ‬‫َام‬‫ِر‬‫ٍ* ك‬ ‫َة‬ ‫َر‬ ‫ِي سَف‬ ‫يد‬ ‫َْ‬
‫ِأ‬ ‫ب‬
‫مصدر كالقراءة؛ كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫والقرآن يف األصل‬

‫الواقعة‪.)78 ،77( :‬‬


‫الربوج‪.)22 ،21( :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫عبس‪.)16-13( :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫‪)(3‬‬

‫‪161‬‬
‫دا‪.)1( ‬‬ ‫هوً‬ ‫مشُْ‬ ‫نَ‬ ‫َاَ‬ ‫ِك‬ ‫ْر‬‫َج‬‫الف‬‫ن ْ‬ ‫ْآَ‬ ‫ُر‬ ‫نق‬ ‫َِّ‬ ‫‪‬إ‬
‫املنزل من عند اهلل‪ ،‬املكتوبـ بني‬ ‫ويراد به هنا أن يكو َن َعلَ ًما على هذا َّ‬
‫دفَّيت املصحف‪ ،‬املتعبَّد بتالوته‪ ،‬املتحدَّى بأقصر سورة منه‪.‬‬
‫بكَ‬ ‫ِن ر‬
‫َِّّ‬ ‫دسِ م‬ ‫ُُ‬ ‫الق‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُوح‬ ‫هر‬ ‫َزَ‬
‫َّلُ‬ ‫ْن‬‫ُل‬ ‫وقولـه‪  :‬ق‬
‫يدل أن ابتداء نزولـه من عند اهلل عز وجل‪ ،‬وأن روح‬ ‫ّ‪ُّ ‬‬ ‫َق‬‫ِالح‬ ‫ب ْ‬
‫القدس جربيل عليه السالم تلقَّاه عن اهلل سبحانه بالكيفيَّةـ اليت يعلمها‪.‬‬
‫اظَرةٌ ‪َ (2)،‬علَى‬ ‫َّاضرةٌ * إِىَل ر ِّبها نَ ِ‬ ‫ٍِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫( َو َق ْولُهُ‪ُ :‬و ُجوهٌ َي ْو َمئذ ن َ‬
‫َح َسنُواْ احْلُ ْسىَن َو ِزيَ َادةٌ ‪،)4( ‬‬ ‫ك ينظُرو َن ‪  (3)،‬لِّلَّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫األ ََرائ َ ُ‬
‫ِ‬
‫َو َق ْولُهُ‪  :‬هَلُم َّما يَ َش ُاؤو َن ف َيها َولَ َد ْينَا َم ِزي ٌد ‪َ ، ‬و َه َذا الْبَ ُ‬
‫(‪) 5‬‬
‫اب‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يِف كِتَ ِ ِ ِ‬
‫اب اهلل َكثريٌ‪َ ،‬م ْن تَ َدبََّر الْ ُق ْرآ َن طَالبًا ل ْل ُه َدى مْنهُ؛ َتَبنَّي َ‬
‫يق احْلَ ِّق)‪.‬‬
‫لَهُ طَُر ُ‬
‫ة‪  ...‬إخل؛ هذه‬ ‫ٌَ‬‫ِر‬ ‫َّاض‬ ‫ٍن‬ ‫ِذ‬ ‫مئ‬ ‫يو‬
‫َْ‬ ‫هَ‬ ‫ُوٌ‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قوله‪ :‬و‬
‫ُج‬
‫اآليات تثبت رؤية املؤمنني هلل عز وجل يوم القيامة يف اجلنة‪.‬‬
‫وقد نفاها املعتزلة؛ بناء على نفيهم اجلهة عن اهلل؛ ألن املرئي جيب أن‬
‫يكون يف جهة من الرائي‪ ،‬وما دامت اجلهة مستحيلة‪ ،‬وهي شرط يف‬
‫الرؤية؛ فالرؤية كذلك مستحيلة‪.‬‬

‫اإلسراء‪.)78( :‬‬
‫القيامة‪.)22( :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫املطففني‪ ،23( :‬و‪.)35‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫يونس‪.)26( :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫ق‪.)35( :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪)(5‬‬

‫‪162‬‬
‫ُ ‪، ) 1( ‬‬‫َار‬ ‫بص‬ ‫ه األَْ‬‫ُُ‬ ‫ِك‬‫در‬‫تْ‬‫واحتجوا من النقل بقولـه تعاىل‪  :‬الَّ ُ‬
‫ُّ‬
‫ِي‬ ‫َان‬ ‫تر‬ ‫وقوله ملوسىـ عليه السالم حني سألـه الرؤية‪َ  :‬لن َ‬
‫َر‬
‫َّ‬ ‫َق‬‫إنِ اسْت‬ ‫َِ‬‫ِف‬ ‫َل‬ ‫َب‬‫الج‬‫َِلى ْ‬ ‫ْإ‬ ‫ُر‬‫ِنِ انظ‬ ‫ََلـك‬ ‫و‬
‫ِي ‪.)2( ‬‬
‫َان‬ ‫تر‬‫ََ‬ ‫ْف‬ ‫َسَو‬‫هف‬ ‫نُ‬ ‫َاَ‬ ‫مك‬
‫َ‬
‫وأما األشاعرة؛ فهم مع نفيهم اجلهة كاملعتزلة يثبتونـ الرؤية‪ ،‬ولذلك‬
‫حاروا يف تفسري تلك الرؤية‪ ،‬فمنهم َمن قال‪ :‬يرونه من مجيع اجلهات‪،‬‬
‫ومنهم من جعلها رؤية بالبصريةـ ال بالبصر‪ ،‬وقال‪ :‬املقصود زيادة‬
‫االنكشاف والتجلي حىت كأهنا رؤية عني‪.‬‬
‫وهذه اآليات اليت أوردها املؤلِّف حجة على املعتزلة يف نفيهم الرؤيـة ؛ فإن‬
‫َِلى‪ ، ‬فيكون مبعىن اإلبصار؛ يقال‪:‬‬ ‫اآلية األوىل عُدِّي النظر فيها بـ ‪‬إ‬
‫جل شأنه‪.‬‬ ‫نظرت إليه وأبصرتُه مبعىن‪ ،‬ومتعلِّق النظر هو ّ‬
‫الرب ّ‬ ‫ُ‬
‫ة ‪‬مبعىن منتظرة ‪ ،‬و‬ ‫ٌَ‬‫ِر‬‫َاظ‬ ‫وأما ما يتكلَّفه املعتزلة من جعلهم ‪ ‬ن‬
‫َِلى‪ ‬مبعىن النعمة‪ .‬والتقدير‪ :‬ثواب رهبا منتظرة؛ فهو تأويل‬ ‫‪‬إ‬
‫مضحك‪.‬‬
‫وأما اآلية الثانية؛ـ فتفيد أن أهل اجلنة‪ ،‬وهم على أرائكهم ـ يعين‪ :‬أ َِسَّرهَت م‪،‬‬
‫مجع أريكة ـ ينظرون إىل رهبم‪.‬‬
‫صح عن النيب ‪ e‬تفسري الزيادة بالنظر إىل وجه‬ ‫وأما اآليتانـ األخريتان؛ فقد َّ‬
‫اهلل عز وجل(‪.)3‬‬
‫‪ 1‬األنعام‪.)103( :‬‬
‫‪ )(2‬األعراف‪.)143( :‬‬
‫‪ )(3‬يشري إىل ما رواه مسلم يف اإلميان‪( ،‬باب‪ :‬إثبات رؤية املؤمنني يف‬
‫اآلخرة رهَّب م عز وجل)(‪-3/20‬نووي)‪ ،‬والرتمذي يف صفة اجلنة‪( ،‬باب‪:‬‬ ‫()‬

‫‪163‬‬
‫َن‬ ‫ْع‬ ‫هم‬‫نُ‬ ‫َالَّ إ‬
‫َِّ‬ ‫أيضا قوله تعاىل يف حق الكفار‪:‬ك‬ ‫ويشهد لذلك ً‬
‫فدل حجب هؤالء على‬ ‫ن‪َّ ،)4( ‬‬ ‫بوَ‬ ‫ُوُ‬ ‫ْج‬‫َح‬ ‫ٍ َّلم‬ ‫ِذ‬‫مئ‬‫َْ‬ ‫يو‬ ‫َْ‬ ‫ِم‬ ‫به‬ ‫ر‬
‫َِّّ‬
‫أن أولياءَه يرونه‪.‬‬
‫وأحاديث الرؤية متواترة يف هذا املعىن عند أهل العلم باحلديث‪ ،‬ال ينكرها‬
‫إال ملحد زنديق‪.‬‬
‫ُ؛‬
‫َار‬ ‫بص‬ ‫ه األَْ‬ ‫ُُ‬‫ِك‬ ‫در‬ ‫تْ‬‫احتج به املعتزلة من قوله تعاىل‪:‬الَّ ُ‬
‫وأما ما َّ‬
‫‪ ‬؛ فال حجة هلم فيه؛ ألن نفي اإلدراك ال يستلزم نفي الرؤية‪ ،‬فاملراد أن‬
‫األبصار تراه ‪ ،‬ولكن ال حتيط به رؤية ؛ كما أن العقول تعلمه ولكن ال‬
‫علما؛ ألن اإلدراك هو الرؤية على جهة اإلحاطة‪ ،‬فهو رؤية‬ ‫حتيط به ً‬
‫خاصة‪ ،‬ونفي اخلاص ال يستلزم نفي مطلق الرؤية‪.‬‬
‫وكذلك استدالهلم على نفي الرؤية بقولـه تعاىل ملوسى عليه‬
‫ِي‪ ‬ال يصلح دليالً‪ ،‬بل اآلية تدل على‬ ‫َان‬‫تر‬ ‫السالم ‪َ:‬لن َ‬
‫ٍ‬
‫كثرية؛ منها‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫وجوه‬ ‫الرؤية من‬
‫أعلم مبا‬
‫‪ -1‬وقوع السؤال من موسى‪ ،‬وهو رسول اهلل وكليمه‪ ،‬وهو ُ‬
‫يستحيل يف حق اهلل من هؤالء املعتزلة‪ ،‬فلو كانت الرؤية ممتنعة ملا طلبها‪.‬‬
‫وجل علّق الرؤية على استقرار اجلبل حال التجلِّي وهو‬ ‫‪ -2‬أن اهلل عز َّ‬
‫ممكن‪ ،‬واملعلَّق على املمكن ٌ‬
‫ممكن‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ما جاء يف رؤية الرب تبارك وتعاىل)(‪-7/267‬حتفة)‪ ،‬وابن ماجة يف‬
‫املقدمة‪( ،‬باب‪ :‬فيما أنكرت اجلهمية)‪ ،‬وأمحد يف ((املسند))(‪،)4/332‬‬
‫أحب إليهم من‬
‫وفيه أنه ‪ e‬قال‪ …(( :‬فيكشف احلجاب‪ ،‬فما أ ُْعطُوا شيئًا َّ‬
‫ْ‬
‫ُوا‬ ‫ْسَن‬ ‫َح‬‫َأ‬ ‫ِين‬ ‫لذ‬ ‫وجل‪ ،‬مثَّ تال هذه اآلية‪ِّ :‬لَّ‬
‫عز ّ‬ ‫النَّظَر إىل رهِّب م َّ‬
‫ة‪.‬‬
‫دٌ‬ ‫ياَ‬ ‫َِ‬‫َز‬‫َى و‬ ‫ُسْن‬ ‫الح‬‫ْ‬
‫سورة املطففني‪.)15( :‬‬
‫()‬‫‪4‬‬

‫‪164‬‬
‫مجاد‪ ،‬فال ميتنع إ ًذا أن يتجلَّى ألهل‬
‫‪ -3‬أن اهلل جتلَّى للجبل بالفعل‪ ،‬وهو ٌ‬
‫حمبَّته وأصفيائه‪.‬‬
‫وأما قولـهم ‪ :‬إن ‪َ‬لن ‪ ،‬لتأبيد النفي ‪ ،‬وإنـها تدل على عدم وقوع‬
‫الرؤية أصالً؛ فهو كذب على اللغة فقد قال تعاىل حكايةً عن الكفار‪:‬‬
‫ِكُ‬ ‫مال‬ ‫يا َ‬ ‫ْا َ‬ ‫دو‬ ‫َاَ‬ ‫َن‬‫‪َ ‬ولَن َيتَ َمن َّْوهُ أَبَ ًدا‪ ،)1( ‬مث قـال‪ :‬و‬
‫بكَ ‪ ،)2( ‬فأخرب عن عدم متنِّيهم للموت بـ‬ ‫َا ر‬
‫َُّ‬ ‫ْن‬‫لي‬ ‫ََ‬ ‫ضع‬ ‫ِْ‬ ‫َق‬‫لي‬ ‫ِ‬
‫‪َ‬لن‪ ، ‬مث أخرب عن متنِّيهم له وهم يف النار‪.‬‬
‫ِي‪ : ‬لن تستطيع رؤييت يف الدنيا؛‬ ‫َان‬ ‫تر‬ ‫وإذًا؛ فمعىن قوله‪َ :‬لن َ‬
‫لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته سبحانه‪ ،‬ولو كانت الرؤية ممتنعة‬
‫مبرئي… وحنو‬‫لذاهتا؛ لقال‪ :‬إيِّن ال أُرى‪ ،‬أو ال جيوز رؤييت‪ ،‬أو لست ٍّ‬
‫ذلك‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫عامة حول آيات الصفات‬ ‫مباحث َّ‬
‫إن الناظر يف آيات الصفات اليت ساقها املؤلِّف رمحه اهلل يستطيع أن‬
‫هامة جيب الرجوع إليها يف هذا الباب‪:‬‬ ‫قواعد وأصوالً َّ‬
‫يستنبط منها َ‬
‫األول‪ :‬اتفق السلف على أنه جيب اإلميان جبميع األمساء احلسىن‪،‬‬ ‫األصل َّ‬
‫وما دلَّت عليه من الصفات‪ ،‬وما ينشأ عنها من األفعال‪.‬‬
‫مثال ذلك القدرة مثالً‪ ،‬جيب اإلميان بأنه سبحانه على كل شيء قدير‪،‬‬
‫واإلميان بكمال قدرته‪ ،‬واإلميان بأن قدرته نشأت عنها مجيع الكائنات‪..‬ـ‬
‫وهكذا بقية األمساء احلسىن على هذا النمط‪.‬‬
‫البقرة‪.)95( :‬‬
‫الزخرف‪.)77( :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪165‬‬
‫وعلى هذا؛ فما ورد يف هذه اآليات اليت ساقها املصنِّفـ من األمساء‬
‫احلسىن؛ فإهنا داخلةٌ يف اإلميان باالسم‪.‬‬
‫عزة اهلل‪ ،‬وقدرته‪ ،‬وعلمه‪ ،‬وحكمته‪،‬‬ ‫وما فيها من ذكر الصفات؛ مثل‪َّ :‬‬
‫وإرادته‪ ،‬ومشيئته‪،‬ـ فإهنا داخلة يف اإلميان بالصفات‪.‬‬
‫وما فيها من ذكر األفعال املطلقة واملقيَّدة‪ ،‬مثل‪ :‬يعلم كذا‪ ،‬وحيكم ما‬
‫يريد‪ ،‬ويرى‪ ،‬ويسمع‪ ،‬وينادي‪ ،‬ويناجي‪ ،‬وكلَّم‪ ،‬ويكلِّم؛ فإهنا داخلةٌ يف‬
‫اإلميان باألفعال‪.‬‬
‫األصل الثاين‪ :‬دلَّت هذه النصوص القرآنية على أن صفات الباري‬
‫قسمان‪:‬‬
‫وأبدا‪ ،‬وال‬
‫تنفك عنها الذات‪ ،‬بل هي الزمة هلا أزالً ً‬ ‫‪ -1‬صفات ذاتيَّة ال ُّ‬
‫تتعلَّق هبا مشيئته تعاىل وقدرته‪ ،‬وذلك كصفات‪ :‬احلياة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والقدرة‪،‬‬
‫والعزة‪ ،‬وامللك‪ ،‬والعظمة‪ ،‬والكربياء‪،‬ـ واجملد‪ ،‬واجلالل… إخل‪.‬‬ ‫والقوة‪َّ ،‬‬
‫‪ -2‬صفات فعليَّة تتعلق هبا مشيئته وقدرته كل وقت وآن‪ ،‬وحتدث‬
‫مبشيئته وقدرته آحاد تلك الصفات من األفعال‪ ،‬وإن كان هو مل يزل‬
‫موصوفًا هبا‪ ،‬مبعىن أن نوعها قدمي‪ ،‬وأفرادها حادثة‪ ،‬فهو سبحانه مل يزل‬
‫فعاالً ملا يريد‪ ،‬ومل يزل وال يزال يقول ويتكلَّم وخيلق ويدبِّر األمور‪،‬‬ ‫ّ‬
‫تبعا حلكمته وإرادته‪.‬‬
‫وأفعالـه تقع شيئًا فشيئًا‪ً ،‬‬
‫فعلى املؤمن اإلميان بكل مانسبه اهلل لنفسه من األفعال املتعلِّقةـ بذاته؛‬
‫كاالستواء على العرش‪ ،‬واجمليء‪،‬ـ واإلتيان‪،‬ـ والنزول إىل السماء الدنيا‪،‬‬

‫‪166‬‬
‫والضحك‪ ،‬والرضى‪ ،‬والغضب‪ ،‬والكراهية‪ ،‬واحملبة‪.‬ـ واملتعلِّقة خبلقه؛‬
‫كاخللق‪ ,‬والرزق‪ ،‬واإلحياء‪ ،‬واإلماتة‪ ،‬وأنواعـ التدبري املختلفة‪.‬‬
‫جل شأنه بكل صفة كمال‪ ،‬وأنه ليس‬ ‫الرب َّ‬
‫تفرد ِّ‬ ‫األصل الثالثـ‪ :‬إثبات ُّ‬
‫لـه شريك أو مثيل يف ٍ‬
‫شيء منها‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫وما ورد يف اآليات السابقة من إثبات املثل األعلى لـه وحده‪ ،‬ونفي الند‬
‫والسمي والشريك عنه يدل على ذلك؛كما يدل على أنه‬ ‫ّ‬ ‫واملثل والكفء‬
‫وعيب ٍ‬
‫وآفة‪.‬‬ ‫نقص ٍـ‬‫منزه عن كل ٍ‬ ‫َّ‬
‫األصل الرابع‪ :‬إثبات مجيع ما ورد به الكتاب والسنة من الصفات‪ ،‬ال‬
‫فرق بني الذاتية منها؛ كالعلم والقدرة واإلرادة واحلياة والسمع والبصر‬
‫وحنوها‪ ،‬والفعلية؛ كالرضا واحملبةـ والغضب والكراهة‪،‬ـ وكذلك ال فرق‬
‫بني إثبات الوجه واليدين وحنومها‪ ،‬وبني االستواء على العرش والنزول‪،‬‬
‫فكلها مما اتفق السلف على إثباته بال تأويل وال تعطيل‪ ،‬وبال تشبيه‬
‫ومتثيل‪.‬‬
‫واملخالف يف هذا األصل فريقان‪:‬‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫‪ -1‬اجلهميَّة‪ :‬ينفون األمساء والصفات ً‬
‫‪ -2‬املعتزلة‪:‬فإهنم ينفونـ مجيع الصفات‪،‬ويثبتونـ األمساء واألحكام‪،‬‬
‫وحي بال حياة… إخل‪.‬‬ ‫فيقولون‪ :‬عليم بال علم‪ ،‬وقدير بال قدرة‪ٌّ ،‬‬
‫وهذا القول يف غاية الفساد؛ فإن إثبات موصوف بال صفة‪ ،‬وإثبات ما‬
‫باطل يف الشرع‪.‬‬ ‫حمال يف العقل؛ كما هو ٌ‬ ‫اجملردة ٌ‬
‫للصفة للذات َّ‬

‫‪167‬‬
‫ومن تبعهم؛ فإهنم يوافقون أهل السنة يف إثبات سبع صفات‬ ‫أما األشعرية َ‬
‫يسموهنا صفات املعاين‪ ،‬ويدَّعون ثبوهتا بالعقل‪ ،‬وهي‪ :‬احلياة‪ ،‬والعلم‪،‬‬
‫والقدرة‪ ،‬و اإلرادة‪ ،‬والسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والكالم‪.‬ـ‬
‫ولكنهم وافقوا املعتزلة يف نفي ما عدا هذه السبع من الصفات اخلربية اليت‬
‫صح هبا اخلرب‪.‬‬ ‫َّ‬
‫والكل حمجوجون بالكتاب والسنة وإمجاع الصحابة والقرون املفضَّلة على‬
‫اإلثبات العام‪.‬‬
‫السنَّةُ ُت َف ِّس ُر الْ ُقرآ َن‪،‬‬
‫اهلل ‪ ،e‬فَ ُّ‬ ‫ول ِ‬ ‫(فَصل‪ :‬مُثَّ يِف سن َِّة رس ِ‬
‫ُ َُ‬ ‫ٌْ‬
‫الرس ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول بِه َربَّهُ‬ ‫ف َّ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫وتَُبِّينُهُ‪ ،‬وتَ ُد ُّل َعلَْيه‪ ،‬وتُ َعِّب ُر َعْنهُ‪َ ،‬و َما َو َ‬
‫َّاها أ َْه ُل الْ َم ْع ِرفَِة‬ ‫عَّز وج َّل ِمن األَح ِاد ِ‬
‫اح الَّيِت َتلَق َ‬
‫الص َح ِ‬
‫يث ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫ِ‬
‫ك)‪.‬‬ ‫ب اإلميَا ُن هِبَا َك َذل َ‬ ‫ِ ِ‬
‫بالْ َقبُول؛ َو َج َ‬
‫عطف على قولـه فيما تقدَّم(‪:)1‬‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬مث يف سنة رسول اهلل)) ٌ‬
‫((وقد دخل يف هذه اجلملة ما وصف اهلل به نفسه يف سورة‬
‫اإلخالص… إخل))؛ يعىن‪ :‬ودخل فيها ما وصف به الرسول ‪ e‬ربَّه فيما‬
‫وردت به السنة الصحيحة‪.‬‬
‫والسنَّة هي األصل الثاين الذي جيب الرجوع إليه‪ ،‬والتَّعويل عليه بعد‬
‫كتاب اهلل عز وجل؛ قال تعاىل‪:‬‬
‫ة ‪. ) 2( ‬‬
‫ََ‬ ‫ْم‬ ‫الحِك‬ ‫َ ْ‬ ‫َو‬ ‫َاب‬ ‫ِت‬ ‫الك‬
‫ْكَ ْ‬ ‫لي‬ ‫ََ‬ ‫ُع‬ ‫ل هَّللا‬
‫ََ‬‫َنز‬ ‫َأ‬ ‫‪‬و‬
‫واملراد باحلكمة‪ :‬السنة‪.‬‬
‫‪( 1‬ص‪.)112‬‬
‫‪ )(2‬النساء‪.)113( :‬‬
‫()‬

‫‪168‬‬
‫ة ‪. ) 1( ‬‬
‫ََ‬ ‫ْم‬‫الحِك‬‫َ ْ‬ ‫َو‬ ‫َاب‬ ‫ِت‬ ‫الك‬ ‫ُ ْ‬ ‫هم‬ ‫ُُ‬‫لم‬ ‫َِّ‬‫يع‬‫َُ‬ ‫وقال‪ :‬و‬
‫ِي‬ ‫لى ف‬ ‫َْ‬‫يت‬ ‫ما ُ‬ ‫نَ‬ ‫َْ‬‫ُر‬ ‫ْك‬ ‫َاذ‬ ‫آمرا لنساء نبيِّه‪ :‬و‬
‫وقال ً‬
‫ِ ‪. ) 2( ‬‬
‫َة‬‫ْم‬‫الحِك‬ ‫َ ْ‬ ‫ِو‬ ‫ياتِ هَّللا‬‫ْ آَ‬ ‫ِن‬‫َّ م‬‫ُن‬ ‫ِك‬‫ُوت‬ ‫بي‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫ََ‬‫هو‬ ‫ُوُ‬ ‫َخُذ‬ ‫لف‬ ‫َّسُوُ‬ ‫ُ الر‬ ‫ُم‬‫تاك‬ ‫ما آَ‬ ‫ََ‬‫وقال سبحانه‪ :‬و‬
‫هوا‪.)3( ‬‬ ‫َُ‬ ‫َانت‬ ‫هف‬ ‫ُْ‬‫َن‬ ‫ْع‬ ‫ُم‬‫هاك‬ ‫نَ‬ ‫َ‬
‫عليه وآلـه‪(( :‬أال إين أوتيت القرآن ومثلـه معه))‬ ‫وقال صلوات اهلل وسالمه ِ‬
‫ُُ‬ ‫ُ‬
‫(‪. ) 4‬‬
‫وحكم السنة حكم القرآن يف ثبوت العلم واليقني واالعتقاد والعمل؛ فإن‬
‫تفصل جمملـه‪ ،‬وتقيِّد مطلقه‪,‬‬ ‫السنة توضيح للقرآن‪ ،‬وبيا ٌـن للمراد منه‪ِّ :‬‬
‫وختصص عمومه؛ كما قال تعاىل‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫ما‬ ‫َّاسِ َ‬ ‫ِلن‬ ‫َل‬ ‫ِّن‬
‫َي‬ ‫ُب‬‫لت‬‫َِ‬ ‫ْر‬ ‫ْكَ ِّ‬
‫الذك‬ ‫َِلي‬ ‫َا إ‬ ‫َنزْ‬
‫َلن‬ ‫َأ‬ ‫‪‬و‬
‫ْ ‪. ) 5( ‬‬
‫ِم‬‫ْه‬ ‫َِلي‬ ‫لإ‬‫َِّ‬‫ُز‬ ‫ن‬
‫وأهل البدع واألهواء بإزاء السنة الصحيحة فريقان‪:‬‬
‫يتورع عن ردها وإنكارها إذا وردت مبا خيالف مذهبه؛‬ ‫فريق ال َّ‬
‫‪ٌ -1‬‬
‫الظن‪ ،‬والواجب يف باب االعتقاد‬ ‫بدعوى أهنا أحاديث آحاد ال تفيد إالَّ َّ‬
‫اليقني‪ ،‬وهؤالء هم املعتزلة والفالسفة‪.‬‬

‫‪ 1‬البقرة‪.)129( :‬‬
‫‪ )(2‬األحزاب‪.)34( :‬‬
‫‪ )(3‬احلشر‪.)7( :‬‬
‫‪( )(4‬صحيح)‪ .‬رواه أبو داود يف ((السنة)) (باب‪ :‬يف لزوم السنة) (‬
‫‪-12/355‬عون)‪،‬ـ وأمحد يف ((املسند)) (‪-1/191()4/131‬ساعايت)‪.‬‬ ‫()‬
‫انظر‪(( :‬املشكاة)) (‪ ،)163‬و((جامع األصول)) (‪.)1/281‬‬
‫‪ 5‬النحل‪.)44( :‬‬
‫()‬

‫‪169‬‬
‫‪ -2‬وفريق يُثبتهاـ ويعتقد بصحة النقل‪ ،‬ولكنه يشتغل بتأويلها؛ كما‬
‫يشتغل بتأويلـ آيات الكتاب‪ ،‬حىت خي ِر َجها عن معانيها الظاهرة إىل ما‬
‫متأخرو األشعرية‪،‬‬
‫معان باإلحلاد والتحريف‪ ،‬وهؤالء هم ِّ‬ ‫يريده من ٍ‬
‫والرازي(‪.)2‬‬ ‫(‪) 1‬‬
‫توس ًعا يف هذا الباب الغزايل ‪َّ ،‬‬
‫وأكثرهم ُّ‬
‫قولـه‪(( :‬وما وصف الرسول به…)) إخل؛ يعين‪ :‬أنه كما وجب اإلميان‬
‫حتريف وال ٍ‬
‫تعطيل وال‬ ‫ٍ‬ ‫بكل ما وصف اهلل به نفسه يف كتابه من غري‬
‫متثيل؛ كذلك جيب اإلميان بكل ما وصفه به أعلم اخللق بربه‬ ‫ٍ‬
‫تكييف وال ٍ‬
‫ومبا جيب لـه‪،‬وهو رسولـه الصادق املصدوق صلوات اهلل وسالمه عليه‬
‫وآلـه‪.‬‬
‫قولـه‪(( :‬كذلك))؛ أي‪ :‬إميانًا مثل ذلك اإلميان‪ ،‬خاليًا من التحريف‬
‫والتعطيل‪ ،‬ومن التكييفـ والتمثيل بل إثبات هلا على الوجه الالئق بعظمة‬
‫جل شأنه‪.‬‬
‫الرب ّ‬

‫‪ 1‬هو أبو حامد حممد بن حممد بن حممد بن أمحد الطوسي‪ ،‬الشافعي‪،‬‬


‫املتصوف‪ ،‬الفقيه‪،‬ـ األصويل‪ ،‬تاه يف متاهات علم الكالمـ‬ ‫()‬
‫املتكلم‪ِّ ،‬‬
‫وأضل‪ ،‬وقيل‪ :‬رجع قبل وفاته‪.‬‬
‫َّ‬ ‫والتصوف فضَّل‬
‫ولد بطوس سنة (‪450‬هـ)‪ ،‬ومن أشهر تصانيفه‪(( :‬إحياء علوم‬
‫الدين)‪.‬‬
‫‪ 2‬هو فخر الدين حممد بن ضياء الدين عمر بن احلسني القرشي البكري‬
‫الطربستاين‪ ،‬ولد سنة (‪544‬هـ)‪ ،‬أصويل‪ ،‬متكلم‪ ،‬مفسر‪ ،‬لـه تصانيف‬ ‫()‬
‫كثرية مليئة بالضالالت والبدع واخلرافات والسحر‪ ،‬منها ((التفسري الكبري))‬
‫أو ((مفاتيح الغيبـ))‪ ،‬مات سنة (‪606‬هـ) بعد أن رجع وتاب‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫الس َم ِاء ُّ‬
‫الد ْنيَا ُك َّل‬ ‫إىَل َّ‬ ‫ك‪ِ :‬مثْ ُل َق ْولِِه ‪َ (( :e‬يْن ِز ُل َربُّنَا‬ ‫ِ‬
‫(فَ ِم ْن ذَل َ‬
‫ول‪َ :‬م ْن يَ ْدعُويِن‬
‫َفَي ُق ُ‬ ‫ث اللَّي ِل ِ‬
‫اآلخ ُر‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫حني َيْب َقى ثُلُ ُ ْ‬ ‫لَْيلَة َ‬
‫يَ ْسَت ْغ ِف ُريِن فَأَ ْغ ِفَر لَهُ؟))‪.‬‬ ‫يب لَهُ؟ َم ْن يَ ْسأَلُيِن فَأ ُْع ِطيَهُ‪َ ،‬م ْن‬ ‫أستَ ِج َـ‬
‫فَ ْ‬
‫ُمَّت َف ٌق َعلَْي ِه(‪.))1‬‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬فمن ذلك مثل قولـه ‪ ))…e‬إخل؛ الكالمـ على هذا احلديث‬
‫من جهتني‪:‬‬
‫صحته من جهة النقل؛ وقد ذكر املؤلِّف رمحه اهلل أنه متَّفق عليه‪.‬‬ ‫األوىل‪َّ :‬‬
‫للعلي الغفار))(‪:)2‬‬
‫ويقول الذهيب يف كتابه ((العلو ِّ‬
‫((إن أحاديث النزول متواترة‪،‬ـ تفيد القطع))‪.‬‬
‫وعلى هذا؛ فال جمال إلنكار أو جحود‪.‬‬
‫الرب تبارك وتعاىل‬
‫الثانية‪ :‬ما يفيده هذا احلديث؛ وهو إخباره ‪ e‬بنزول ِّ‬
‫كل ليلة… إخل‪.‬‬
‫ومعىن هذا أن النزول صفة هلل عز وجل على ما يليق جبالله وعظمته‪ ،‬فهو‬
‫ال مياثل نزول اخللق؛ كما أن استواءهـ ال مياثل استواءـ اخللق‪.‬‬

‫ن‬
‫دوَ‬‫ِيُ‬ ‫ير‬ ‫‪ )َ(1‬رواه البخاري يف التوحيد ‪( ،‬باب ‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ُ :‬‬
‫التهجد‪،‬‬
‫ِ‪-13/464( ‬فتح)‪ ،‬ويف ُّ‬ ‫َ هَّللا‬
‫َالم‬
‫دُلوا ك‬ ‫يب‬
‫َِّ‬ ‫أن ُ‬
‫(باب‪ :‬الدعاء والصالةـ من آخر الليل) (‪-3/29‬فتح)‪ ،‬ويف الدعوات‪،‬‬
‫(باب‪ :‬الدعاء نصف الليل)‪ ،‬ومسلم يف صالة املسافرين‪( ،‬باب‪ :‬الرتغيبـ‬
‫يف الدعاء) (‪-6/282‬نووي)‪ ،‬كما رواه مالك يف ((املوطأـ))‪ ،‬والرتمذي‪،‬‬
‫وأبو داود‪.‬‬
‫للعلي الغفَّار)) (ص‪ ،)79 ،73‬و((خمتصره)) (ص‪،110‬‬ ‫‪ )(2‬انظر‪(( :‬العلو ِّ‬
‫‪ ،)116‬ونص عبارته‪(( :‬وأحاديث نزول الباري متواترةـ))‪ ،‬ويف املوضع‬
‫متواتر أقطع‬
‫فت أحاديث النزول يف جزء‪ ،‬وذلك ٌ‬ ‫اآلخر؛ قال‪(( :‬وقد ألَّ ُ‬
‫به))‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم رمحه اهلل يف تفسريه سورة اإلخالص‪:‬‬
‫فالرب سبحانه إذا وصفه رسولـه بأنه ينزل إىل مساء الدنيا كل ليلة‪ ،‬وأنه‬
‫(( ُّ‬
‫يدنو عشية عرفة إىل احلجاج‪ ،‬وأنه كلَّم موسى بالوادي األمين يف البقعةـ‬
‫املباركة من الشجرة‪ ،‬وأنه استوى إىل السماء وهي دخا ٌن‪ ،‬فقال هلا‬
‫كرها؛ مل يلزم من ذلك أن تكونـ هذه األفعال من‬ ‫طوعا أو ً‬‫ولألرض ائتياـ ً‬
‫جنس ما نشاهده من نزول هذه األعيان املشهودة حىت يُقال‪ :‬ذلك‬
‫يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر))(‪.)1‬‬
‫فأهل السنة واجلماعة يؤمنونـ بالنزول صفة حقيقية هلل عز وجل‪ ،‬على‬
‫الكيفيةـ اليت يشاء‪ ،‬فيثبتونـ النزول كما يثبتون مجيع الصفات اليت ثبتتـ يف‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬ويقفون عند ذلك‪ ،‬فال يكيِّفونـ وال ميثِّلون وال ينفون وال‬
‫يعطِّلون‪ ،‬ويقولون‪:‬ـ إن الرسول أخربنا أنه ينزل‪،‬ولكنه مل خيربنا كيف‬
‫فعال ملا يريد‪ ،‬وأنه على كل شيء قدير‪.‬‬ ‫ينزل‪ ،‬وقد علمنا أنه َّ‬
‫يتعرضون يف هذا الوقت اجلليل أللطاف رهبم‬ ‫خواص املؤمنني َّ‬
‫َّ‬ ‫وهلذا ترى‬
‫متضرعني‪ ،‬يرجون‬ ‫ومواهبه‪،‬ـ فيقومون لعبوديته؛ خاضعني خاشعني‪ ،‬داعني ِّ‬
‫منه حصول مطالبهم اليت وعدهم هبا على لسان رسولـه ‪.e‬‬

‫انظر‪(( :‬دقائق التفسري)) (‪.)6/424‬‬


‫‪)(1‬‬

‫‪172‬‬
‫َفَر ًحا بَِت ْوبَِة َعْب ِد ِه الْ ُم ْؤ ِم ِن التَّائِ ِـ‬
‫ب ِم ْن‬ ‫(و َق ْولُهُ ‪(( :e‬لَلَّهُ أ َ‬
‫َش ُّد‬ ‫َ‬
‫احلَتِ ِه))‪ُ .‬مَّت َف ٌق َعلَْي ِه(‪.))1‬‬
‫بِر ِ‬
‫َ‬ ‫َح ِد ُك ْم‬
‫أَ‬
‫َش ُّد َفَر ًحا…)) إخل؛ تتمة هذا احلديث؛ كما يف‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬هلل أ َ‬
‫البخاري وغريه‪:‬‬
‫فرحا بتوبةـ عبده املؤمن من رجل بأرض فالة دويَّة مهلكة ومعه‬ ‫أشد ً‬‫((هلل ُّ‬
‫راحلته عليها طعامه وشرابه‪ ،‬فنزل عنها‪ ،‬فنام وراحلته عند رأسه‪،‬‬
‫فاستيقظ وقد ذهبت‪ ،‬فذهب يف طلبها‪ ،‬فلم يقدر عليها‪ ،‬حىت أدركه‬
‫املوت من العطش‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل ألرجعن فألموتن حيث كان رحلي‪،‬‬
‫اللهم أنت عبدي‬‫فرجع‪ ،‬فنام‪ ،‬فاستيقظ‪ ،‬فإذا راحلته عند رأسه‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫وأنا ربك‪ .‬أخطأ من شدة الفرح))(‪.)2‬‬
‫وجل‪ ،‬والكالمـ فيه كالكالم يف‬ ‫عز ّ‬ ‫ويف هذا احلديث إثبات صفة الفرح هلل ّ‬
‫وجل‪ ،‬على ما يليق به‪ ،‬وهو‬ ‫عز ّ‬ ‫غريه من الصفات‪ :‬أنه صفة حقيقة هلل ّ‬
‫من صفات الفعل التابعة ملشيئتهـ تعاىل وقدرته‪ ،‬فيَ ْح ُدث لـه هذا املعىن املعرَّب‬
‫مستلزم لرضاه عن‬ ‫عبده التوبةَ واإلنابةَـ إليه‪ ،‬وهو‬
‫ث ُ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫عنه بالفرح عندما حُي د ُ‬
‫عبده التائب‪ ،‬وقبولـه توبته‪.‬‬
‫وإذا كان الفرح يف املخلوق على أنواع؛ـ فقد يكون فرح خفة وسرور‬
‫منزه عن ذلك كلـه‪،‬‬ ‫وجل َّ‬
‫عز َّ‬ ‫وطرب‪ ،‬وقد يكون فرح أش ٍر وبط ٍر؛ فاهلل َّ‬
‫ففرحـهُ ال يشبه فرح أحد من خلقه‪ ،‬ال يف ذاته‪ ،‬وال يف أسبابه‪ ،‬وال يف‬
‫‪ 1‬رواه البخاري يف الدعوات‪( ،‬باب‪ :‬التوبة)(ـ‪-11/102‬فتح)‪ ،‬ومسلم‬
‫احلض على التوبة)(ـ‪-17/65‬نووي)‪ ،‬والرتمذي يف‬ ‫(يف) التوبة‪،‬ـ (باب‪ِّ :‬‬
‫صفة القيامة‪،‬ـ (باب‪ :‬املؤمن يرى ذنبه كاجلبل فوقه)؛ بألفاظ خمتلفة‪.‬‬
‫‪ 2‬تقدم خترجيه آن ًفا‪.‬‬
‫()‬

‫‪173‬‬
‫يتعرضوا هلا‪،‬‬‫غاياته‪ ،‬فسببه كمال رمحته وإحسانه اليت حيب من عباده أن َّ‬
‫وغايته إمتام نعمته على التائبني املنيبني‪.‬‬
‫فكل‬
‫وأما تفسري الفرح بالزمه‪،‬وهوـ الرضا‪ ،‬وتفسري الرضا بإرادة الثواب؛ـ ُّ‬
‫ظن هؤالء املعطِّلة‬‫وتعطيل لفرحه ورضاه سبحانه‪ ،‬أوجبه سوءُ ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫نفي‬
‫ذلك ٌ‬
‫برهبم‪ ،‬حيث تومَّه واـ أن هذه املعاين تكون فيه كما هي يف املخلوق‪ ،‬تعاىل‬
‫اهلل عن تشبيههم وتعطيلهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫اآلخَر؛‬
‫َح ُدمُهَا َ‬ ‫ك اهللُ إىَل َر ُجلَنْي ِ َي ْقتُ ُل أ َ‬ ‫ض َح ُ‬ ‫(و َق ْولُهُ‪(( :e :‬يَ ْ‬
‫َ‬
‫كِالمُهَا يَ ْد ُخ ُل اجْلَنَّةَ))‪ُ .‬مَّت َف ٌق َعلَْيه )‪.‬‬
‫ِ (‪) 1‬‬

‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬يضحك اهلل إىل رجلني…)) إخل؛ يثبت أهل السنة‬
‫واجلماعة الضحك هلل عز وجل ـ كما أفاده هذا احلديث وغريه ـ على‬
‫املعىن الذي يليق به سبحانه‪ ،‬والذي ال يشبهه ضحك املخلوقني عندما‬
‫يستفزهم الطرب؛ بل هو معىن حيدث يف ذاته عند‬ ‫يستخفُّهم الفرح‪ ،‬أو ُّ‬
‫وجود مقتضيه‪،‬ـ وإمنا حيدث مبشيئته وحكمته؛ فإن الضحك إمنا ينشأ يف‬
‫عجيب خيرج عن نظائره‪ ،‬وهذه احلالة‬ ‫ٍ‬ ‫املخلوق عند إدراكه ألم ٍر‬
‫املذكورة يف هذا احلديث كذلك؛ فإن تسليط الكافر على قتل املسلم‬
‫َمدعاةٌ يف بادئ الرأي لسخط اهلل على هذا الكافر‪ ،‬وخذالنه‪ ،‬ومعاقبتهـ يف‬
‫من اهلل على هذا الكافر بعد ذلك بالتوبة‪ ،‬وهداه‬ ‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬فإذا َّ‬
‫‪ 1‬رواه البخاري يف اجلهاد‪( ،‬باب‪ :‬الكافر يقتل املسلم مث يسلم) (‬
‫‪-6/39‬فتح)‪ ،‬ومسلم يف اإلمارة‪( ،‬باب‪ :‬بيان الرجلني يقتل أحدمها‬ ‫()‬
‫اآلخر يدخالن اجلنة) (‪-13/39‬نووي)‪ ،‬ومالك يف ((املوطأ))‪ ،‬والنسائيـ‬
‫يف ((سننه))‪ ،‬وتتمة احلديث‪(( :‬يقاتل هذا يف سبيل اهلل‪ ،‬مث يستشهد‪ ،‬فيتوب‬
‫اهلل على القاتل‪ ،‬فيسلم‪ ،‬فيقاتل يف سبيل اهلل‪ ،‬فيستشهد))‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫للدخول يف اإلسالم‪،‬ـ وقاتل يف سبيل اهلل حىت يستشهد فيدخل اجلنة؛‬
‫كان ذلك من األمور العجيبة حقًّا‪.‬‬
‫وهذا من كمال رمحته وإحسانه وسعة فضلـه على عباده سبحانه؛ فإن‬
‫املسلم يقاتل يف سبيل اهلل‪ ،‬ويقتله الكافر‪ ،‬فيكرم اهلل املسلم بالشهادة‪ ،‬مث‬
‫مين على ذلك القاتل‪ ،‬فيهديه لإلسالم واالستشهاد يف سبيله‪ ،‬فيدخالن‬ ‫ُّ‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫اجلنة ً‬
‫حل عنده‬‫وأما تأويل ضحكه سبحانه بالرضا أو القبول أو أ ّن الشيء َّ‬
‫نفي ملا أثبتهـ‬
‫مبحل ما يضحك منه‪ ،‬وليس هناك يف احلقيقةـ ضحك؛ فهو ٌ‬ ‫ِّ‬
‫ت إليه‪.‬‬‫رسول اهلل ‪ e‬لربه‪ ،‬فال يُْلَت َف ُ‬

‫‪175‬‬
‫وط ِعبَ ِاد ِه‬
‫َو ُق ْر ِب خَرْيِ ِه‪َ ،‬يْنظُُر‬ ‫(و َقولُه‪(( :‬ع ِجب ربُّنَا ِمن ُقنُ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ُْ َ َ َ‬
‫ِِ‬
‫يب))‬‫َن َفَر َج ُك ْم قَ ِر ٌ‬
‫أ َّ‬
‫ك َي ْعلَ ُم‬ ‫ض َح ُ‬
‫ني‪َ ،‬فيَظَ ُّل يَ ْ‬ ‫إِلَْي ُك ْم آ ِز َ‬
‫لني قَنط َ‬
‫‪َ .‬ح ِد ٌ‬
‫(‪) 1‬‬
‫يث َح َس ٌن)‪.‬‬
‫ب َربُّنا…)) إخل؛ هذا احلديث يثبت هلل عز وجل صفة‬ ‫ِ‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪َ (( :‬عج َ‬
‫الع َجب‪ ،‬ويف معناه قولـه عليه الصالةـ والسالم‪:‬‬ ‫َ‬
‫(‪)3()2‬‬
‫شاب ليس لـه صبوة)) ‪.‬‬ ‫((عجب ربك من ٍّ‬
‫‪( 1‬ضعيف)‪ .‬مل أجده هبذا اللفظ‪ ،‬ولكن بلفظ‪(( :‬يضحك))‪ ،‬أو‪:‬‬
‫((()ضحك ربنا))‪ ،‬وبلفظ‪َ (( :‬غرَيِ ه))؛ بدل‪(( :‬خريه))‪.‬‬
‫واحلديث رواه ابن ماجة يف املقدمة‪( ،‬باب ‪ :‬فيما أنكرت‬
‫اجلهمية)‪ ،‬وأمحد يف ((املسند)) (‪ ،)4/11‬والطرباين يف ((الكبري)) (‬
‫‪ ،)19/208‬واآلجري يف ((الشريعة)) (ص‪ ،)279‬والبيهقيـ يف ((األمساء‬
‫والصفات))‪ ،‬والاللكائيـ يف ((شرح أصول االعتقاد)) (‪)3/426‬؛ كلهم‬
‫من طريق وكيع بن ُح ُدس ـ وقيل‪ :‬عُ ُدس ـ عن عمه أيب رزين‪.‬‬
‫ووكيع؛ قال عنه الذهيب‪(( :‬ال يعرف))‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫وقال احلافظ‪:‬‬
‫((مقبول))‪.‬‬
‫واحلديث قال عنه األلباين يف ((ضعيف اجلامع)) (‪:)3585‬‬
‫جدا))‪.‬‬
‫((ضعيف ً‬
‫وانظر‪(( :‬السنة)) البن أيب عاصم (‪.)1/244‬‬
‫‪( 2‬ضعيف)‪ .‬رواه أمحد يف ((املسند)) (‪ ،)4/151‬وأبو يعلى يف‬
‫((()مسنده)) (‪ ،)3/288‬والقضاعي يف ((مسند الشهاب)) (‪،)1/336‬‬
‫والطرباين يف ((الكبري))؛ كلهم من طريق ابن هليعة عن أيب َعشَّانة‪ ،‬به‪.‬‬
‫وقال عنه السخاوي يف ((املقاصد)) (ص‪:)123‬‬
‫شيخنا ـ يعين‪ :‬احلافظ ابن حجر ـ يف فتاويه ألجل ابن‬ ‫ضعفه ُ‬ ‫(( َّ‬
‫هليعة))‪ .‬اهـ‬
‫وضعفه األلباين يف ((السلسلة الضعيفة)) (رقم‪.)1658‬‬ ‫َّ‬
‫‪ 3‬ليت املصنِّف والشارح اكتفياـ مبا رواه البخاري يف اجلهاد‪( ،‬باب‪:‬‬
‫مرفوعا‪:‬‬ ‫األسارى يف السالسل) (‪-6/145‬فتح) عن أيب هريرة‬ ‫()‬
‫ً‬
‫((عجب اهلل من قوم يدخلون اجلنة يف السالسل))‪.‬‬
‫مرفوعا‪:‬‬
‫ً‬ ‫أو ما رواه البخاري (رقم‪ )4889‬عن أيب هريرة‬
‫((لقد عجب اهلل من فالن وفالنة))‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫ن ‪ ) 4( ‬؛‬
‫ُوَ‬ ‫يسْخَر‬ ‫َو‬
‫ََ‬ ‫ْت‬‫َجِب‬‫ْع‬ ‫بل‬ ‫وقرأ ابن مسعود رضي اهلل عنه‪َ :‬‬
‫جل شأنه‪.‬‬
‫ب ّ‬ ‫بضم التاء على أهَّن ا ضمريٌ َّ‬
‫للر ِّ‬
‫وليس عجبه سبحانه ناشئًا عن خفاء يف األسباب أو جهل‬
‫حبقائق األمور؛ كما هو احلال يف عجب املخلوقني؛ بل هو معىن‬
‫حيدث لـه سبحانه على مقتضى مشيئتهـ وحكمته وعند وجود‬
‫يستحق أن يتعجب منه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مقتضيه‪ ،‬وهو الشيء الذي‬
‫الرسول ربَّه هنا من آثار رمحته‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الع َجب الذي وصف به‬ ‫وهذا َ‬
‫تأخر الغيثـ عن العباد مع فقرهم‬ ‫وهو من كمالـه تعاىل‪ ،‬فإذا َّ‬
‫وشدَّة حاجتهم‪ ،‬واستوىل عليهم اليأس والقنوط‪ ،‬وصار نظرهم‬
‫فرج‬
‫قاصرا على األسباب الظاهرة‪ ،‬وحسبوا أن ال يكون وراءها ٌ‬ ‫ً‬
‫من القريب اجمليب؛ فيعجب اهلل منهم‪.‬‬
‫كل‬
‫عجيب حقًّا؛ إذ كيف يقنطون ورمحته وسعت َّ‬ ‫ٌ‬ ‫وهذا حملٌّ‬
‫شيء‪ ،‬واألسبابـ حلصوهلا قد توفَّرت؟! فإن حاجة العباد‬
‫وضرورهتم من أسباب رمحته‪ ،‬وكذا الدعاء حبصول الغيثـ‬
‫والرجاء يف اهلل من أسباهبا‪ ،‬وقد جرت عادته سبحانه يف خلقه‬
‫وهو عند مسلم (‪ )2054‬بلفظ‪:‬‬
‫ِ‬
‫ب اهلل من صنيعكما بضيفكما الليلة))‪.‬‬ ‫قد ِ‬
‫عج‬
‫الع َجب هلل‬ ‫صفة‬ ‫ـ‬
‫ت‬ ‫تثب‬ ‫اليت‬ ‫الصحيحة‬ ‫األحاديث‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫غريها‬
‫((‬
‫أو‬
‫َ‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫‪ 4‬الصافات‪ .)12( :‬وقد ثبتت هذه القراءة عند احلاكم (‪)2/430‬‬
‫بسند صحيح‪ ،‬ومن طريقه البيهقي يف ((األمساء والصفات)) (‪.)2/225‬‬‫()‬
‫قال احلاكم‪:‬‬
‫((هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ومل خيرجاه ووافقه‬
‫الذهيب))‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫أن الفرج مع الكرب‪ ،‬وأن اليسر مع العسر‪ ،‬وأن الشدة ال‬
‫انضم إىل ذلك ّقوة التجاء وطمع يف فضل اهلل ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تدوم‪ ،‬فإذا‬
‫وتضرع إليه ودعاء ؛ فتح اللهم عليهم من خزائن رمحته ما ال‬
‫خيطر على البال‪.‬‬
‫والقنوط مصدر ( َقنَط)‪ ،‬وهو اليأس من رمحة اهلل؛ قال تعاىل‪:‬‬
‫ن ‪. ) 1( ‬‬‫آلوَ‬‫َّ ُّ‬ ‫ِالَّ الض‬ ‫ِإ‬ ‫به‬ ‫ِر‬
‫َِّ‬ ‫َة‬ ‫ْم‬ ‫َّح‬‫ِن ر‬ ‫ُم‬ ‫َط‬ ‫ْن‬‫يق‬‫من َ‬ ‫ََ‬‫‪‬و‬
‫ي‪ِ (( :‬غرَيِ ه))‪ .‬والغِرَي ‪:‬‬
‫قولـه‪(( :‬وقُرب خريه))؛ أي‪ :‬فضلـه ورمحته‪ .‬وقد ُر ِو َ‬
‫اسم من قولك‪َ :‬غَّيَر الشيء فتغرَّي ‪.‬‬
‫ويف حديث االستسقاءـ‪:‬‬
‫يلق الغِرَي ))(‪)2‬؛ أي‪ :‬تغرّي احلال‪ ،‬وانتقاهلاـ من الصالح إىل‬ ‫(( َمن يكفر باهلل َ‬
‫الفساد‪.‬‬
‫قولـه‪(( :‬آزلني قنطني))‪ :‬حاالن من الضمري اجملرور يف ((إليكم))‪.‬‬
‫األزل؛ مبعىن الشِّدة والضيق‪ .‬يقال‪:‬‬ ‫و((آ ِزلني))‪ :‬مجع آ ِزل‪ ،‬اسم فاعل من ْ‬
‫يأزل َأزالً‪ ،‬من باب فرح؛ أي‪ :‬صار يف ضيق وجدب‪.‬‬ ‫أَ ِز َل الرجل َ‬

‫‪ 1‬احلجر‪.)56( :‬‬
‫‪( )(2‬ضعيف)‪ .‬رواه الطرباين يف ((املعجم الكبري)) (‪ ،)25/244‬ويف‬
‫((()الدعاء)) (‪ ،)3/1775‬والبيهقيـ يف ((دالئل النبوة))(‪ )6/141‬من‬
‫حديث أنس رضي اهلل عنه الطويل يف االستسقاء‪،‬ـ وفيه أن رجالً أنشد‬
‫بني يدي النيب ‪ e‬قصيدة آخرها‪:‬‬
‫يلق الغــري‬
‫َ‬ ‫اهلل‬ ‫ـر‬ ‫ف‬‫يك‬ ‫ـن‬ ‫م‬‫و‬ ‫املزيد‬ ‫فمن يشكر اهلل يلقى‬
‫وعلة إسنادمها‪ :‬مسلم بن كيسان املالئي؛ وهو ضعيف‪.‬‬
‫ُ‬

‫‪178‬‬
‫ول‪َ :‬ه ْل ِم ْن‬ ‫َت ُق ُ‬ ‫َّم يُْل َقى فِ َيها َو ِه َي‬ ‫(و َق ْولُهُ ‪(( :e‬ال َتَز ُال َج َهن ُ‬ ‫َ‬
‫ِر َوايٍَة‪َ :‬علَْي َها‬ ‫[ويِف‬ ‫ض َع ر ُّ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ب الْعَّزة ف َيها ر ْجلَهُ َ‬ ‫َم ِزيد؟ َحىَّت يَ َ َ‬
‫قَط))(‪ُ .)1‬مَّت َف ٌق‬ ‫ول‪ :‬قَط‬ ‫ض َها إىَل َب ْع ٍ‬
‫ض‪َ ،‬فَت ُق ُ‬ ‫قَ َد َمهُ] َفَيْنَز ِوي َب ْع ُ‬
‫َعلَْي ِه)‪.‬‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬ال تزال جهنَّم…)) إخل؛ يف هذا احلديث إثبات الرجل‬
‫والقدم هلل عز وجل‪ ،‬وهذه الصفة جُت رى جمرى بقيَّة الصفات‪ ،‬فتُثبتـ هلل‬
‫َ‬
‫علي الوجه الالئق بعظمته سبحانه‪.‬‬
‫واحلكمة من وضع رجلـه سبحانه يف النار أنه قد وعد أن ميألها؛ كما يف‬
‫َّاسِ‬ ‫َالن‬ ‫ِو‬ ‫َّة‬‫الجِن‬‫َ ْ‬ ‫ِن‬‫َم‬ ‫َّم‬
‫هن‬ ‫نج‬
‫ََ‬ ‫قولـه تعاىل‪ :‬ألَْ‬
‫مألََّ‬
‫َ ‪.‬‬
‫ِين‬ ‫َع‬‫ْم‬‫َج‬ ‫أ‬
‫ذنب‪ ،‬وكانت‬ ‫أحدا بغري ٍ‬
‫ب ً‬ ‫وملا كان مقتضى رمحته وعدلـه أن ال ِّ‬
‫يعذ َ‬
‫النار يف غاية العمق والسعة؛ حقَّق وعده تعاىل‪ ،‬فوضع فيها قدمه‪ ،‬فحينئذ‬
‫يتالقى طرفاها‪ ،‬وال يبقىـ فيها فضل عن أهلها‪.‬‬
‫فضل عن أهلها مع كثرة ما أعطاهم وأوسع‬ ‫وأما اجلنة؛ فإنه يبقى فيها ٌ‬
‫هلم‪ ،‬فينشئ اهلل هلا خل ًقا آخرين؛ كما ثبت بذلك احلديث(‪.)2‬‬

‫‪ 1‬رواه البخــاري يف تفسري سورة ق‪( ،‬باب قول اهلل تعاىل‪:‬‬


‫ٍ ‪-8/594( ‬فتح)‪ ،‬ويف األميان‬ ‫ِيد‬‫مز‬ ‫ِن َّ‬ ‫ْم‬‫هل‬‫لَ‬ ‫ُوُ‬ ‫تق‬
‫ََ‬‫‪)(‬و‬
‫والنذور‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬ومسلم يف اجلنة‪( ،‬باب‪ :‬النار يدخلها اجلبارون‪،‬‬
‫واجلنة يدخلها الضعفاء) (‪-17/189‬نووي)‪ ،‬ورواه الرتمذي يف تفسري‬
‫سورة ق‪.‬‬
‫‪ 2‬يشري إىل ما رواه الشيخان‪:‬‬
‫() ((ال تزال جهنم يُلقى فيها…))‪ ،‬وقد تقدَّم خترجيه‪.‬‬
‫وتتمة احلديث‪:‬‬

‫‪179‬‬
‫ك‪َ .‬فُينَ ِادي‬ ‫ك َو َس ْع َديْ َ‬ ‫ول‪ :‬لََّبْي َ‬
‫آد ُم! َفَي ُق ُ‬
‫ول َت َعاىَل ‪ :‬يَا َ‬ ‫(و َق ْولُهُ‪َ " :‬ي ُق ُ‬
‫َ‬
‫ك َب ْعثًا إىَل النَّا ِر))‪.‬‬ ‫ِج ِمن ذُِّريَّتِ َ‬ ‫بِ َ ٍ ِ‬
‫صوت‪ :‬إ َّن اهللَ يَأْ ُم ُر َك أَ ْن خُتْر َ‬
‫َح ٍد إالَّ َسيُ َكلِّ ُمهُ َربُّ ُه‬ ‫أ‬
‫ْ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫متَّفق علَي ِه(‪ .)1‬و َقولُه‪(( :‬ما ِمْن ُكم ِ‬
‫م‬ ‫ُ ٌ َْ َ ْ ُ َ‬
‫س َبْينَهُ َو َبْينَهُ َت ْرمُجَا ٌن))(‪.))2‬‬
‫َولَْي َ‬
‫إثبات‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬يقول تعاىل‪ :‬يا آدم…)) إخل؛ يف هذين احلديثني ُ‬
‫القول والنداء والتكليم هلل عز وجل‪ ،‬وقد سبق أن َّبينَّا مذهب أهل السنة‬
‫واجلماعة يف ذلك‪ ،‬وأهنم يؤمنونـ بأن هذه صفات أفعال لـه سبحانه تابعة‬
‫ملشيئته وحكمته‪ ،‬فهو قال‪ ،‬ويقول‪ ،‬ونادى‪ ،‬وينادي‪ ،‬وكلَّم‪ ،‬ويكلِّم‪،‬‬
‫وأن قولـه ونداءه وتكليمه إمنا يكون حبروف وأصوات يسمعها من يناديه‬
‫ويكلِّمه‪ ،‬ويف هذا ردٌّ على األشاعرة يف قولـهم‪ :‬إن كالمه قدمي‪ ،‬وإنه بال‬
‫حرف وال ٍ‬
‫صوت‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫((… وال تزال اجلنة تفضل حىت ينشئ اهلل هلا خل ًقا‪ ،‬فيسكنهم‬
‫فضل اجلنة))‪.‬‬
‫‪ 1‬تتمة احلديث‪:‬‬
‫() ((… قال‪ :‬يا رب! وما بعث النار؟ قال‪ :‬من كل ألف تسع مئة‬
‫َى‬ ‫تر‬ ‫ََ‬‫وتسعة وتسعون‪ ،‬فحينئذ تضع احلامل محلها‪ ،‬ويشيب الوليد‪ ،‬و‬
‫ِن‬
‫َّ‬ ‫ََلك‬
‫َى و‬ ‫َار‬ ‫ِسُك‬
‫هم ب‬ ‫ما ُ‬ ‫ََ‬‫َى و‬ ‫َار‬ ‫َّاسَ سُك‬ ‫الن‬
‫د ‪.))‬‬
‫ِيٌ‬ ‫ِ شَد‬‫َ هَّللا‬
‫َاب‬‫َذ‬
‫ع‬
‫فشق ذلك عى الناس حىت تغرَّي ت وجوههم‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل!‬
‫أينا ذلك الرجل؟ فقال رسول اهلل ‪(( :e‬من يأجوج ومأجوج تسع مئة‬
‫وتسعة وتسعون‪ ،‬ومنكم واحد))‪.‬‬
‫وللحديث روايات أخرى‪.‬‬
‫رواه البخاري يف ((األنبياءـ))‪( ،‬باب‪ :‬قصة يأجوج ومأجوج)) (‬
‫‪-6/382‬فتح)‪ ،‬ويف الرقاق والتوحيد‪ ،‬ومسلم يف اإلميان‪( ،‬باب‪ :‬قوله‪:‬‬
‫((يقول اهلل آلدم‪ :‬أخرج بعث النار))) (‪-3/97‬نووي)‪.‬‬
‫‪( 2‬صحيح)‪ .‬سبق خترجيه (ص‪.)185‬‬
‫()‬

‫‪180‬‬
‫دل احلديث الثاين على أنه سبحانه سيكلِّم مجيع عباده بال واسطة‪،‬‬ ‫وقد َّ‬
‫والكافر والرب‬ ‫املؤمن‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫يشمل َ‬ ‫ُ‬ ‫حماسبة‪ ،‬فهو‬ ‫تكليم‬
‫تكليم عامٌّ؛ ألنه ُ‬‫وهذا ٌ‬
‫والفاجر‪ ،‬وال ينافيه قولـه تعاىل‪َ  :‬والَ يُ َكلِّ ُم ُه ُم اللَّهُ‪ ‬؛ ألن َّ‬
‫(‪) 1‬‬
‫املنفي هنا‬
‫خاص‪ ،‬ويقابلـه تكليمه سبحانه‬
‫تكليم ٌّ‬ ‫يسر املكلَّم‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫هو التكليم مبا ُّ‬
‫تكليم حمبة ورضوان وإحسان‪.‬‬ ‫ألهل اجلنة َ‬

‫البقرة‪ ،)174( :‬وآل عمران‪.)77( :‬‬


‫‪)(1‬‬

‫‪181‬‬
‫َّس‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫‪،‬‬ ‫السم ِ‬
‫اء‬ ‫يض‪َ ((:‬ربَّنَا اهللَ الَّ ِذي يِف‬ ‫(و َق ْولُهُ يِف ُر ْقيَ ِة الْ َم ِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫الس َم ِاء‬
‫َّ‬ ‫ك يِف‬ ‫ض‪َ ،‬ك َما َرمْح َتُ َ‬ ‫الس َم ِاء َواأل َْر ِ‬
‫َّ‬ ‫ك‪ ،‬أ َْمر َك يِف‬
‫ُ‬ ‫امْسُ َ‬
‫ِ‬ ‫ك يِف األ َْر ِ‬
‫ت‬ ‫وبنَا َو َخطَايَانَا‪ ،‬أَنْ َ‬ ‫ض‪ ،‬ا ْغف ْر لَنَا ُح َ‬ ‫اج َع ْل َرمْح َتَ َ‬
‫ْ‬
‫ك َعلَى‬ ‫ك‪َ ،‬و ِش َفاءً ِم ْن ِش َفائِ َ‬ ‫ني‪ ،‬أَنْ ِز ْل َرمْح َةً ِم ْن َرمْح َتِ َ‬ ‫ب الطَّيِّبِ َ‬ ‫َر ُّ‬
‫َه َذا الْ َو ِج ِع؛ [ َفيَْبَرأَ] ))‬
‫(‪) 2( ) 1‬‬

‫‪ 1‬ليست يف املخطوط‪.‬‬
‫‪ ( )(2‬ضعيـف‪ ،‬أو ضعيف جـ ًدا ) ‪ .‬رواه أبو داود يف الطب ‪( ،‬باب ‪:‬‬
‫()‬
‫كيف الرقى) (‪-10/385‬عون)ـ من حديث أيب الدرداء‪.‬‬
‫وفيه زيادة بن حممد األنصاري‪..‬‬
‫قال عنه البخاري والنسائي‪:‬ـ‬
‫((منكر احلديث))‪.‬‬
‫انظر‪(( :‬امليزان)) (‪.)2/98‬‬
‫وقال الذهيب فيه‪:‬‬
‫((وقد انفرد حبديث الرقية‪ :‬ربنا اهلل الذي يف السماء))‪.‬‬ ‫=‬
‫وقد رواه احلاكم من هذا الوجه‪.‬‬
‫انظر‪(( :‬ضعيف اجلامع)) (‪ )5422‬ـ وفيه قال األلباين‪(( :‬ضعيف‬
‫جدا))‪ ،‬و((مشكاة املصابيح)) (‪ ،)1555‬و((جامع األصول)) (‪.)5717‬‬ ‫ً‬
‫ورواه اإلمام أمحد يف ((املسند)) (‪ )6/21‬من حديث فضالة بن‬
‫عبيد األنصاري‪ ،‬ويف سنده أبو بكر بن أيب مرمي الغساين‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫انظر‪(( :‬زاد املعاد)) (‪.)4/175‬‬
‫وهو يف ((الكامل)) البن عدي (‪ )3/1054‬من طريق فضالة عن‬
‫أيب الدرداء به‪.‬‬
‫واحلديث أورده ابن القيسراين يف ((معرفة التذكرة يف األحاديث‬
‫املوضوعة)) (ص‪.)202‬‬

‫‪182‬‬
‫[و َغريُهُ](‪.)4‬‬ ‫[ح ِد ٌ‬
‫(‪) 3‬‬
‫يث َح َس ٌن] ‪َ ،‬ر َواهُ أَبُو َد ُاو َد َ‬ ‫َ‬
‫يث ِ‬ ‫السم ِاء)) ‪ِ .‬‬ ‫ِ‬
‫ني َم ْن يِف َّ َ‬ ‫َو َق ْولُهُ‪(( :‬أَالَ تَأْ َمنُويِن َوأَنَا أَم ُ‬
‫(‪) 4‬‬ ‫)‬ ‫‪3‬‬ ‫(‬
‫يح] ‪.‬‬ ‫صح ٌ‬ ‫[حد ٌ َ‬ ‫َ‬
‫ش َف ْو َق [الْ َم ِاء](‪َ ،)5‬واهللُ َف ْو َق الْ َع ْر ِش‪َ ،‬و ُه َو َي ْعلَ ُم َما أَْنتُ ْم‬ ‫َو َق ْولُهُ‪َ (( :‬والْ َع ْر ُ‬
‫ِ (‪) 6‬‬
‫َعلَْيه))‬
‫يث َح َس ٌن‪َ ،‬ر َواهُ أَبُو َد ُاو َد َو َغْي ُرهُ] (‪.)7‬‬ ‫[ح ِد ٌ‬‫َ‬

‫‪ 3‬ليست يف املخطوطة‪.‬‬
‫‪ )(4‬ليست يف املخطوطة‪.‬‬
‫‪ )(3‬رواه البخاري يف املغازي‪( ،‬باب‪ :‬بعث علي وخالد إىل اليمن) (‬
‫()‬
‫‪-8/67‬فتح)‪ ،‬ومسلم يف الزكاة‪( ،‬باب‪ :‬ذكر اخلوارج وصفاهتم)(‬
‫‪-7/168‬نووي)‪.‬‬
‫‪ 4‬يف املخطوط‪[ :‬رواه البخاري وغريه]؛ـ بدل‪[ :‬حديث صحيح]‪.‬‬
‫‪ )(5‬يف املخطوط‪[ :‬ذلك]؛ بدل‪[ :‬املاء]‪.‬‬
‫مرفوعا هبذا اللفظ؛ بل موقوفًا على ابن‬
‫ً‬ ‫‪( )(6‬صحيح موقوفًا)‪ .‬مل أجده‬
‫()‬
‫مسعود‪ ،‬وله حكم الرفع‪ ،‬بلفظ‪:‬‬
‫((العرش فوق املاء‪ ،‬واهلل فوق العرش‪ ،‬ال خيفى عليه شيء من‬
‫أعمالكم))‪.‬‬
‫قال الذهيب يف ((العلو))‪(( :‬إسناده صحيح))‪.‬‬
‫ووافقه األلباين‪.‬‬
‫انظر‪(( :‬خمتصر العلو)) (ص‪ ،)103‬و((التوحيد)) البن خزمية (‬
‫‪ ،)1/243‬و((الرد على اجلهمي)) للدارمي‪ ،‬حتقيق‪ :‬بدر البدر‪( ،‬ص‪.)46‬‬
‫والذي يف ((سنن أيب داود)) (‪-13/14‬عون) بلفظ‪(( :‬إن اهلل فوق‬
‫عرشه‪ ،‬وعرشه فوق مساواته))‪.‬‬
‫‪)1( 7‬يف املخطوط‪[ :‬رواه أبو داود والرتمذي وغريمها]‪ ،‬وليس فيه‪:‬‬
‫[حديث حسن]‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫الس َم ِاء‪ .‬قَ َال‪َ (( :‬م ْن أَنَا؟))‪.‬‬
‫ت‪ :‬يِف َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َق ْولُهُ ل ْل َجا ِريَة‪(( :‬أَيْ َن اهللُ؟))‪ .‬قَالَ ْ‬
‫ال‪(( :‬أ َْعتِ ْق َها فَِإن ََّها ُم ْؤ ِمنَةٌ)) (‪َ .)1‬ر َواهُ ُم ْسلِ ٌم)‪.‬‬ ‫ول ِ‬
‫اهلل‪ .‬قَ َ‬ ‫ت َر ُس ُ‬ ‫ت‪ :‬أَنْ َ‬ ‫قَالَ ْ‬
‫السماء…)) إخل؛ احلديث األول [والثاين]‬ ‫‪/‬ش‪/‬قولـه‪(( :‬ربّنا اهلل الذي يف ّ‬
‫ُم‬ ‫ِنت‬ ‫َم‬ ‫َأ‬ ‫علوه تعاىل وفوقيّته؛ فهو كقولـه تعاىل‪ :‬أ‬ ‫صريح يف ِّ‬ ‫ٌ‬
‫(‪) 2‬‬

‫َاء ‪.)3( ‬‬ ‫ِي السَّم‬ ‫من ف‬ ‫َّ‬


‫ظرف‬
‫وقد سبق أن قلنا‪ :‬إن هذه النصوص ليس املراد منها أن السماء ٌ‬
‫حا ٍو لـه سبحانه؛ بل (يف) إما أن تكونـ مبعىن (على)؛ كما قالـه كثري من‬
‫كثرية؛ مثل قولـه‬‫أهل العلم واللغة‪ ،‬و(يف) تكونـ مبعىن (على) يف مواضع ٍ‬
‫ِ‪ ،)4( ‬وإما أن‬ ‫َّخْل‬ ‫ِ الن‬ ‫ُوع‬ ‫ُذ‬ ‫ِي ج‬ ‫ْف‬ ‫ُم‬ ‫َّك‬‫َن‬ ‫لب‬ ‫َِّ‬‫َألص‬ ‫تعاىل‪ :‬و‬
‫علوه‬
‫نص يف ِّ‬ ‫يكون املراد من السماء جهة العلو‪ ،‬وعلى الوجهني فهي ٌّ‬
‫تعاىل على خلقه‪.‬‬
‫وجل بالثناء عليه بربوبيَّته‬ ‫عز ّ‬ ‫توس ٌل إىل اهلل ّ‬ ‫ويف حديث الرقية املذكور ُّ‬
‫وعلوه على خلقه وعموم أمره الشرعي وأمره‬ ‫وإالهيَّته وتقديس امسه ِّ‬
‫مجيعا أن جيعل ألهل‬ ‫توسل إليه برمحته اليت مشلت أهل مساواته ً‬ ‫القدري‪ ،‬مث ٌ‬
‫توسل إليه بسؤال مغفرة احلُوب ـ وهو الذنب‬ ‫األرض نصيبًاـ منها‪ ،‬مث ٌ‬
‫اخلاصة للطَّيِّبني‬
‫توسل إليه بربوبيتهـ َّ‬ ‫العظيم ـ‪ ،‬مث اخلطايا اليت هي دونه‪ ،‬مث ٌ‬

‫‪ 1‬رواه مسلم يف املساجد‪( ،‬باب‪ :‬حترمي الكالمـ يف الصالة)ـ (‪-5/25‬‬


‫نووي)‪ ،‬ورواه مالك‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والنسائي‪.‬ـ‬
‫()‬
‫‪ 2‬زيادة يقتضيها السياق‪.‬‬
‫‪ )(3‬امللك‪.)16( :‬‬
‫‪ )(4‬طه‪.)71( :‬‬
‫()‬

‫‪184‬‬
‫من عباده‪ ،‬وهم األنبياء وأتباعهم‪،‬ـ اليت كان من آثارها أن غمرهم بنعم‬
‫الدِّين والدُّنيا الظاهرة والباطنةـ‪.‬‬
‫توسل هبا‪،‬وهلذا دعا‬ ‫املتنوعة إىل اهلل ال يكاد يَُر ُّد دعاء َمن َّ‬ ‫فهذه الوسائل ِّ‬
‫مرضا إال أزاله‪ ،‬وال‬‫اهلل بعدها بالشفاء الذي هو شفاءُ اهلل الذي ال يدع ً‬
‫تعلُّق فيه لغري اهلل‪.‬‬
‫املتوسلني بالذوات واألشخاص واحلق‬ ‫فهل يفقه هذا عُبَّاد القبور من ِّ‬
‫واجلاه واحلرمة وحنو ذلك؟!‬
‫(‪) 1‬‬
‫بعلوه‬
‫وأما قولـه‪(( :‬والعرش فوق املاء…)) إخل؛ ففيه اجلمع بني اإلميان ِّ‬
‫تعاىل على عرشه‪ ،‬وبإحاطة علمه باملوجودات كلها‪.‬‬
‫علوه‪.‬‬
‫قريب يف ِّ‬ ‫دنوه‪ٌ ،‬‬ ‫علي يف ِّ‬
‫فسبحان َمن هو ٌّ‬
‫(‪) 2‬‬
‫تضمن شهادة الرسول ‪ e‬باإلميان للجارية اليت‬ ‫وأما احلديث الرابع ؛ فقد َّ‬
‫العلو من أعظم‬
‫فدل ذلك على أن وصف ِّ‬ ‫اعرتفت بعلوه تعاىل على خلقه‪َّ ،‬‬
‫خصه بالسؤال عنه دون بقيَّة‬ ‫أوصاف الباري جل شأنه‪ ،‬حيث َّ‬
‫بعلوه املطلق من كل وجه هو من‬ ‫أيضا على أن اإلميان ِّ‬ ‫ودل ً‬ ‫األوصاف‪َّ ،‬‬
‫فمن أنكره؛ فقد ُح ِرم اإلميان الصحيح‪.‬‬ ‫أعظم أصول اإلميان‪َ ،‬‬

‫هذا هو احلديث الثالث‪.‬‬


‫‪)(1‬‬
‫يف املطبوعة‪:‬ـ ((الثاين))‪ ،‬والصوابـ ما أثبتُّه‪ ،‬وفيها تقدمي شرح احلديث‬
‫‪)(2‬‬
‫الرابع على الثالث‪ ،‬وجعلناه هنا مرتَّبًا حسب ما يف املنت‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫والعجب من هؤالء احلمقى من املعطِّلة النفاةـ زعمهم أهنم أعلم باهلل من‬
‫رسوله‪ ،‬فينفونـ عنه األين بعدما وقع هذا اللفظ بعينه من الرسول مرة‬
‫سائالً غريه ـ كما يف هذا احلديث ـ‪ ،‬ومرة جميبًا ملن سألـه بقولـه‪ :‬أين كان‬
‫ربنا؟‬

‫‪186‬‬
‫ان أَ ْن َت ْعلَ َم أ َّ‬ ‫ضل ا ِإلميَ ِ‬
‫ت))‬
‫ك َحْيثُ َما ُكْن َ‬ ‫َن اهللَ َم َع َ‬ ‫(و َق ْولُهُ‪(( :‬أَفْ َ ُ‬‫َ‬
‫‪َ .‬ح ِد ٌ‬
‫(‪) 1‬‬
‫يث َح َس ٌن‪.‬‬
‫ص َق َّن قِبَ َل َو ْج ِه ِه‪َ ،‬والَ َع ْن‬ ‫و َقولُه‪(( :‬إِذَا قَام أَح ُد ُكم إِىَل َّ ِ‬
‫الصالة؛ـ فَالَ َيْب ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ ُْ‬
‫ِ ِ (‪) 2‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ت قَ َدمه)) ‪ُ .‬مَّت َف ٌق‬ ‫مَي ينه؛ فَِإ َّن اهللَ قبَ َل َو ْج ِهه‪َ ،‬ولَك ْن َع ْن يَ َسا ِر ِه‪ ،‬أ َْو حَتْ َ‬
‫َعلَْي ِه‪.‬‬

‫(ضعيف)‪ .‬قال اهليثميـ يف ((جممع الزوائد)) (‪(( :)1/60‬روا الطرباين‬


‫‪)(1‬‬
‫يف األوسط والكبري))‪ ،‬وقال‪ :‬تفرد به عثمان بن كثري‪ .‬قلت‪ :‬ومل َأر َمن‬

‫ذكره بثقة وال جرح))‪ .‬اهـ‬

‫وهو يف ((األمساء والصفات)) للبيهقي (ص‪ )541‬من رواية عثمان‬

‫أيضا‪ ،‬ولكنه يف ((مسند الشاميني)) للطرباين (‪ )1/305‬من رواية‬


‫بن كثري ً‬
‫عثمان بن سعيد بن كثري؛ قال عنه يف ((التقريب((‪(( :‬ثقة عابد))‪.‬‬

‫أيضا نعيم بن محاد الراوي عنه‪ .‬انظر ((احللية)) (‬


‫ويف سنده ً‬
‫‪)6/124‬؛ قال عنه الذهيب يف ((امليزان((‪(( :‬من األئمة األعالم‪ ،‬على ل ٍ‬
‫ني يف‬

‫كثريا))‪.‬‬
‫حديثه))‪ ،‬وقال احلافظ يف ((التقريبـ))‪(( :‬صدوق خيطئ ً‬
‫ضعفه األلباين يف ((ضعيف اجلامع)) (‪.)1002‬‬
‫واحلديث َّ‬

‫‪187‬‬
‫ب الْ َع ْر ِش‬ ‫(‪) 1‬‬
‫ض]ـ َو َر َّ‬ ‫[واأل َْر ِ‬ ‫السمو ِ‬
‫السْب ِع َ‬
‫ات َّ‬ ‫ب َّ َ َ‬ ‫الله َّم َر َّ‬
‫َو َق ْولُهُ ‪ُ (( :e‬‬
‫ب َوالن ََّوى‪ُ ،‬مْن ِز َل الت َّْو َر ِاة َوا ِإلجْنِ ِيل‬ ‫ب ُك ِّل َش ْي ٍء‪ ،‬فَالِ َق احْلَ ِّ‬ ‫الْ َع ِظي ِم‪َ ،‬ربَّنَا َو َر َّ‬
‫ك ِمن َشِّر [ َن ْف ِسي و ِمن َشِّر](‪ُ )2‬ك ِّل دابٍَّة أَنْت ِ‬
‫آخ ٌذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َوالْ ُق ْرآن‪ ،‬أَعُوذُ ب َ ْ‬
‫س َب ْع َد َك َشيءٌ‪،‬‬ ‫ي‬‫َ‬‫ل‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ك َشيء‪ ،‬وأَنْت ِ‬
‫اآلخ‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫س‬ ‫ي‬‫َ‬‫ل‬‫ف‬‫َ‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫َو‬
‫َّ‬ ‫أل‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ْ‬‫َ‬‫أ‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ه‬ ‫اصيتِ‬
‫بِنَ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك َشيءٌ؛ اقْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ض‬ ‫س ُدونَ َ ْ‬ ‫ت الْبَاط ُن َفلَْي َ‬ ‫ك َش ْيءٌ‪َ ،‬وأَنْ َ‬ ‫س َف ْوقَ َ‬ ‫ت الظاه ُر َفلَْي َ‬ ‫َوأَنْ َ‬
‫َعيِّن الدَّيْ َن َوأَ ْغنِيِن ِم َن الْ َف ْق ِر))(‪ِ [ .)3‬ر َوايَةُ](‪ُ )4‬م ْسلِ ٌم‪.‬‬

‫رواه بألفاظ خمتلفة ‪ :‬البخاري يف الصالة‪( ،‬باب ‪ :‬حك البزاق باليد‬


‫‪)(2‬‬
‫(‪-1/507‬فتح)‪ ،‬ويف صفة الصالة‪،‬ـ ويف األدب‪،‬‬ ‫من املسجد)‬

‫ومسلم يف املساجد‪( ،‬باب‪ :‬النهي عن البصاقـ يف املسجد)(‪-/5‬‬

‫‪41‬نووي)‪ ،‬ومالك يف ((املوطأـ))‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والنسائي‪.‬ـ‬

‫ليست يف املخطوط وال ((الفتاوى))‪.‬‬


‫‪)(1‬‬
‫ليست يف املخطوط وال ((الفتاوى))‪.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫(صحيح)‪ .‬سبق خترجيه (‪.)121‬‬
‫‪)(3‬‬
‫يف املخطوط‪[ :‬رواه]‪،‬ـ وكذا يف ((الفتاوى))‪.‬‬
‫‪)(4‬‬

‫‪188‬‬
‫َّاس! ْاربِعُواـ‬ ‫ِ ِّ ِ‬
‫َص َواَت ُه ْم بالذ ْكر‪(( :‬أَيُّ َها الن ُ‬
‫(‪) 1‬‬
‫[الص َحابَةُ] أ ْ‬‫َو َق ْولُهُ ‪ :e‬لَ َّما َرفَ َع َّ‬
‫ص ًريا]ـ‬‫علَى أَْن ُف ِس ُكم؛ فَِإنَّ ُكم الَ تَ ْدعو َن أَص َّم والَ َغائِبا‪ ،‬إِمَّنَا تَ ْدعو َن مَسِ يعا [ب ِ‬
‫ً َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫(‪ )2‬قَ ِريبا‪ .‬إِ َّن الَّذي تَ ْدعونَه أَْقرب إِىَل أَح ِد ُكم ِمن عنُ ِق ر ِ‬
‫احلَتِ ِه))(‪ُ .)3‬مَّت َف ٌق‬ ‫َ ْ ْ ُ َ‬ ‫ُ ُ َ ُ‬ ‫ً‬
‫َعلَْي ِه)‪.‬‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬أفضل اإلميان أن تعلم…)) إخل؛ فيه داللة على أن أفضل‬
‫العبد ربَّه كأنَّه يراه‬ ‫اإلميان هو مقام اإلحسان واملراقبة‪ ،‬وهو أن ُ‬
‫ويشاهده‪ ،‬ويعلم أن اهلل معه حيث كان‪ ،‬فال يتكلَّم وال يفعل وال خيوض‬
‫رقيب مطَّلع عليه؛‬ ‫يف أم ٍر إال واهلل ٌ‬
‫قال تعاىل‪:‬‬
‫ِن‬
‫هم‬ ‫ُْ‬ ‫ِن‬ ‫ُو م‬ ‫ْل‬‫تت‬ ‫ما َ‬ ‫ََ‬ ‫ْنٍ و‬ ‫ِي شَأ‬ ‫نف‬ ‫ُوُ‬ ‫تك‬ ‫ما َ‬ ‫ََ‬ ‫‪‬و‬
‫ُم‬
‫ْ‬ ‫ْك‬ ‫لي‬ ‫ََ‬‫َّا ع‬ ‫ُن‬ ‫ِالَّ ك‬ ‫ٍإ‬ ‫َل‬ ‫َم‬ ‫ْع‬ ‫ِن‬ ‫نم‬ ‫ُوَ‬ ‫َل‬ ‫ْم‬ ‫تع‬‫َالَ َ‬ ‫ْآنٍ و‬ ‫ُر‬ ‫ق‬
‫ِ‪.)4( ‬‬ ‫ِيه‬ ‫نف‬ ‫ُوَ‬ ‫ِيض‬ ‫تف‬‫ُْ‬ ‫ِذ‬ ‫دا إ‬ ‫هوً‬ ‫شُُ‬

‫يف املخطوط‪[ :‬أصحابه]‪ ،‬وكذا يف [الفتاوى]‪.‬ـ‬


‫‪)(1‬‬
‫ليست يف املخطوط ـ كما هي رواية مسلم ـ‪ ،‬والذي يف املطبوع رواية‬
‫‪)(2‬‬
‫البخاري‪.‬‬

‫(صحيح)‪ .‬سبق خترجيه (ص‪.)153‬‬


‫‪)(3‬‬
‫يونس‪.)61( :‬‬
‫‪)(4‬‬

‫‪189‬‬
‫شك أن هذه املعيَّةـ إذا استحضرها العبد يف كل أحواله؛ فإنه يستحيي‬ ‫وال َّ‬
‫وجل أن يراه حيث هناه‪ ،‬أو أن يفتقده حيث أمره‪ ،‬فتكونـ‬ ‫عز َّ‬ ‫من اهلل َّ‬
‫حرم اهلل‪ ،‬واملسارعة إىل فعل ما أمر به من‬ ‫عونًا لـه على اجتناب ما َّ‬
‫ظاهرا وباطنًا‪ ،‬وال سيما إذا دخل يف الصالةـ‬ ‫الطاعات على وجه الكمال ً‬
‫اليت هي أعظم صلة ومناجاة بني العبد وربه‪ ،‬فيخشع قلبه‪ ،‬ويستحضر‬
‫فتقل حركاته‪ ،‬وال يسيء األدب مع ربه بالبصق أمامه‬ ‫عظمة اهلل وجالله‪ُّ ،‬‬
‫أو عن ميينه‪.‬‬
‫دل على أن اهلل عز وجل‬ ‫قولـه‪(( :‬إذا قام أحدكم إىل الصالة…))ـ إخل؛ َّ‬
‫جه املصلِّي‪.‬‬ ‫يكو ُن قِبل و ِ‬
‫(‪) 1‬‬
‫ََ َ ُ‬
‫قال شيخ اإلسالم يف ((العقيدة احلموية)) ‪.‬‬
‫حق على ظاهره‪ ،‬وهو سبحانه فوق العرش‪ ،‬وهو قِبَل وجه‬ ‫((إن احلديث ٌّ‬
‫ت للمخلوقات؛ فإن اإلنسان لو أنه يناجي‬ ‫املصلي‪ ،‬بل هذا الوصف يثـبُ ُ‬
‫السماء أو يناجي الشمس والقمر؛ لكانت السماء والشمس والقمر فوقه‪،‬‬
‫أيضا قِبل وجهه))‪ .‬اهـ‬ ‫وكانت ً‬
‫تضمن احلديث إثبات أمسائه‬ ‫رب السموات…)) إخل؛ َّ‬ ‫الله َّم َّ‬
‫قولـه‪ُ (( :‬‬
‫تعاىل‪ :‬األول‪ ،‬واآلخر‪ ،‬والظاهر‪ ،‬والباطن‪ ،‬وهي من األمساء احلسىن‪ ،‬وقد‬
‫مجيعا بأمساء ربه‬
‫لقائل‪ ،‬فهو أعلم اخللق ً‬ ‫النيب ‪ e‬مبا ال يدعُ جماالً ٍ‬ ‫فسرها ُّ‬
‫يصح أن يُْلَت َفت إىل قول غريه أيًّا كان‪.‬‬
‫تدل عليها‪ ،‬فال ُّ‬ ‫وباملعاين اليت ُّ‬

‫انظر‪(( :‬جمموع الفتاوى)) (‪.)5/107‬‬


‫‪)(1‬‬

‫‪190‬‬
‫أيضا يعلِّمنا نبيُّناـ صلوات اهلل وسالمه عليه وآلـه كيف نثين‬ ‫ويف احلديث ً‬
‫وجل قبل السؤال‪ ،‬فهو يثين عليه بربوبيَّتهـ العامة اليت انتظمت‬ ‫عز ّ‬ ‫على ربِّنا ّ‬
‫كل شيء‪ ،‬مث بربوبيَّتِه اخلاصة املمثَّلة يف إنزالـه هذه الكتب الثالثةـ حتمل‬
‫اهلدى والنور إىل عباده‪ ،‬مث يعوذ ويعتصم به سبحانه من شر نفسه ومن‬
‫شر كل ذي شر من خلقه‪ ،‬مث يسألـه يف آخر احلديث أن يقضي عنه دينه‪،‬‬
‫وأن يغنيه من فق ٍر‪.‬‬
‫قولـه‪(( :‬أيُّها النَّاس! اربعواـ على أنفسكم…)) إخل؛ أفاد هذا احلديث قربه‬
‫سبحانه من عباده‪ ،‬وأنه ليس حباجة إىل أن يرفعوا إليه أصواهتم؛ فإنه يعلم‬
‫السر والنَّجوى‪ ،‬وهذا القرب املذكور يف احلديث قرب إحاطة‪ ،‬وعلم‪،‬‬ ‫َّ‬
‫علوه على خلقه‪.‬‬
‫ومسع‪ ،‬ورؤية‪ ،‬فال ينايف َّ‬

‫‪191‬‬
‫تَ َـر ْو َن الْ َق َم َـر لَْيلَةَ الْبَ ْد ِر‪ ،‬الَ‬ ‫َس َـتَر ْو َن َربَّ ُك ْم َك َما‬ ‫( َق ْولُهُ‪(( :‬إِنَّ ُك ْم‬
‫أَن الَّ تُ ْغلَبوا علَى ص ٍ‬ ‫ِِ ِ‬
‫الة‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُر ْؤيَته‪ ،‬فَِإن ْ‬
‫استَطَ ْعتُ ْم‬ ‫ض ُامو َـن يِف‬‫تُ َ‬
‫غُُروهِبَا؛ فَا ْف َعلُوا)) ‪ُ .‬مَّت َف ٌق‬ ‫س وص ٍ‬
‫َّم ِ َ َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫الة َقْب َل‬ ‫الش ْ‬ ‫وع‬
‫َقْب َل طُلُ ِ‬
‫َعلَْي ِه)‪.‬‬
‫‪/‬ش‪ /‬هذا احلديث الصحيح املتواتر يشهد ملا دلَّت عليه اآليات السابقة‬
‫وجل يف اجلنة‪ ،‬ومتتُّعهم بالنظر إىل وجهه الكرمي‪.‬‬
‫عز ّ‬ ‫من رؤية املؤمنني هلل ّ‬
‫تدل على أمرين‪:‬‬‫وهذه النصوص من اآليات واألحاديث ُّ‬
‫علوه تعاىل علىخلقه؛ ألهنا صرحية يف أهنم يرونه من فوقهم‪.‬‬ ‫أوهلما‪ُّ :‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أن أعظم أنواعـ النعيم هو النظر إىل وجه اهلل الكرمي‪.‬‬
‫وقولـه‪(( :‬كما ترون القمر ليلة البدر))؛ املراد تشبيه الرؤية بالرؤية‪ ،‬ال‬
‫تشبيه املرئي باملرئي؛ يعين‪ :‬أن رؤيتهم لرهبم تكونـ من الظهور والوضوح‬
‫بدرا‪ ،‬وال حيجبه سحاب‪،‬‬ ‫كرؤية القمر يف أكمل حاالته‪ ،‬وهي كونه ً‬
‫وهلذا قال بعد ذلك‪(( :‬ال تُضامون يف رؤيته))؛ روي بتشديد امليم من‬
‫الضم والفتح‪ ،‬على أن‬
‫َّضام؛ مبعىن‪ :‬التزاحم والتالصق‪ ،‬والتاء جيوز فيها ّ‬ ‫الت ِّ‬

‫رواه البخاري يف مواقيتـ الصالة‪( ،‬باب‪ :‬فضل صالة العصر)(‬


‫‪)(1‬‬
‫‪-2/33‬فتح)‪ ،‬ويف تفسري سورة ق‪ ،‬ويف التوحيد‪ ،‬ومسلم يف املساجد‪،‬‬

‫(باب‪ :‬فضل صاليت الصبح والعصر واحملافظة عليهما)(‪-5/138‬نووي)‪،‬‬

‫ورواه أبو داود والرتمذي‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫تتضامون‪ ،‬فحذفت إحدى التاءين ختفي ًفا‪ ،‬وروي بتخفيف امليم‬ ‫األصل ُّ‬
‫غنب‪.‬‬
‫ضيم وال ٌ‬ ‫من الضيم؛ مبعىن‪ :‬الظلم؛ يعين‪ :‬ال يلحقكم يف رؤيته ٌ‬
‫ويف حثِّه ‪ e‬يف هذا احلديث على صالة العصر وصالة الفجر خاصة إشارة‬
‫يضمحل‬
‫ُّ‬ ‫إىل أن َمن حافظ عليهما يف مجاعة نال هذا النعيم الكامل‪ ،‬الذي‬
‫دل على ذلك‬ ‫يدل على تأكيد هاتني الصالتني كما َّ‬ ‫بإزائه كل نعيم‪ ،‬وهو ُّ‬
‫احلديث اآلخر‪:‬‬
‫((يتعاقبونـ فيكم مالئكةٌـ بالليل ومالئكةـ بالنهار‪ ،‬وجيتمعونـ يف صالة‬
‫الصبح وصالة العصر))(‪ .)1‬متفق عليه‪.‬‬
‫اهلل ‪e‬‬‫ول ِ‬ ‫يث الَّيِت خُيْرِب ُ فِ َيها ِر ُس ُ‬ ‫(… إِىَل أَمثَ ِال ه ِذ ِه األَح ِاد ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫اع ِة‬ ‫َّاجيةَ أَهل ُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ مِب رِب ِِ ِ ِ‬
‫السنَّة َواجْلَ َم َ‬ ‫َعن َّربه َا خُيْ ُ به؛ فَإ َّن الْف ْرقَةَ الن َ ْ َ‬
‫َخَبَر اهللُ بِِه يِف كِتَابِِه؛ ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مِب‬
‫ك؛ َك َما يُ ْؤمنُو َـن َا أ ْ‬ ‫يُ ْؤ ِمنُو َن بِ َذل َ‬
‫يف َوالَ مَتْثِ ٍيل‪ ،‬بَ ْل ُه ُم‬ ‫يف وال َت ْع ِط ٍيل‪ ،‬و ِمن َغرْيِ تَ ْكيِ ٍ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫َغرْيِ حَتْ ِر ٍ‬
‫ط يِف األ َُم ِم)‪.‬‬ ‫َن األ َُّمةَ ِه َي الْ َو َس ُ‬
‫ط يِف فَِر ِق األ َُّم ِة؛ َك َما أ َّ‬ ‫الْ َو َس ُ‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬إىل أمثال هذه األحاديث…)) إخل‪ .‬ملا كان ما ذكره‬
‫املؤلف من األحاديث ليس هو كل ما ورد يف باب الصفات من األخبار؛‬
‫نبَّه على أن أمثال هذه األحاديث اليت ذكرها ممَّا خيرب فيه الرسول ‪ e‬عن‬
‫يتضمنه من‬ ‫ربه مبا خيبر به‪ ،‬فإن حكمه كذلك‪ ،‬وهو وجوب اإلميان مبا َّ‬
‫أمساء اهلل وصفاته‪.‬‬

‫(صحيح)‪ .‬جزء من حديث تق ّدم خترجيه (ص‪.)177‬‬


‫‪)(1‬‬

‫‪193‬‬
‫فأكد معتقد أهل السنة واجلماعة‪ .‬وهو أهنم يؤمنون مبا وردت به‬ ‫مث عاد َّ‬
‫السنة الصحيحة من صفات؛ كإمياهنم مبا أخرب اهلل به يف كتابه‪ ،‬من غري‬
‫حتريف‪ ،‬وال تعطيل‪ ،‬ومن غري تكييف‪،‬ـ وال متثيل‪.‬‬
‫ط بني فَِرق الضالل َّ‬
‫والزيغ من‬ ‫مث أخرب عن أهل السنة واجلماعة بأهنم وس ٌ‬
‫ط بني األمم السابقة؛ قال تعاىل‪:‬‬ ‫هذه األمة؛ كما أن هذه األمة وس ٌ‬
‫ول‬
‫الر ُس ُ‬ ‫ك َج َع ْلنَا ُك ْم أ َُّمةً َو َسطًا لِّتَ ُكونُواْ ُش َه َداءَ َعلَى الن ِ‬
‫َّاس َويَ ُكو َـن َّ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ‬و َك َذل َ‬
‫يدا ‪.)1( ‬‬ ‫َعلَْي ُك ْم َش ِه ً‬
‫ورد احلديث بذلك(‪.)2‬‬ ‫خيارا؛ كما َ‬ ‫ومعىن ‪َ ‬و َسطًا‪ :‬عُدوالً ً‬

‫البقرة‪.)143( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫ك‬ ‫ِ‬
‫يشري إىل ما رواه البخاري يف التفسري‪( ،‬باب‪ :‬قوله تعاىل‪َ  :‬و َك َذل َ‬ ‫‪)(2‬‬
‫َج َع ْلنَا ُك ْم أ َُّمةً َو َسطًا‪-8/171( ‬فتح)‪ ،‬ويف األنبياء‪ ،‬ويف االعتصام‪،‬ـ‬

‫والرتمذي يف التفسري‪( ،‬باب‪ :‬ومن سورة البقرة)(‪-8/297‬حتفة)؛ عن أيب‬

‫مرفوعا‪:‬‬
‫ً‬ ‫سعيد اخلدري‬

‫((يُدعى نوح يوم القيامة‪ ،‬فيقول‪ :‬لبيك وسعديك يا رب! فيقول‪:‬‬

‫غت؟ فيقول‪ :‬نعم‪ .‬فيقال ألمته‪ :‬هل بلَّغكم؟ فيقولون‪ :‬ما أتانا من‬
‫هل َبلَّ َ‬
‫نذير‪ .‬فيقول‪َ :‬من يشهد لك؟ فيقول‪ :‬حممد وأمته‪ .‬فيشهدون أنه قد بلَّغ‪،‬‬

‫‪194‬‬
‫متيل إىل‬
‫الضار واألمم اليت ُ‬‫الغلو ِّ‬ ‫ط بني األمم اليت جتنَ ُح إىل ِّ‬ ‫فهذه األمـَّة وس ٌ‬
‫ك‪.‬‬‫التَّفريط املهلِ ِ‬
‫ُْ‬
‫فإ ّن من األمم َمن غال يف املخلوقني‪ ،‬وجعل هلم من صفات اخلالق‬
‫والرهبان‪.‬‬
‫وحقوقه ما جعل؛ كالنصارى الذين َغلَوا يف املسيح ُّ‬
‫ورد دعوهتم ؛ كاليهود‬ ‫قتلهم ‪َّ ،‬‬ ‫وأتباعهم ‪ ،‬حىت ُ‬
‫ومنهم َمن جفا األنبياءـ َ‬
‫ور َم ْوه بالبُهتان‪.‬‬
‫الذين قتلوا زكريا وحيىي‪ ،‬وحاولوا قتل املسيح‪َ ،‬‬
‫وأما هذه األمة؛ فقد آمنت بكل رسول أرسله اهلل‪ ،‬واعتقدتـ رسالتهم‪،‬‬
‫الرفيعة اليت فضَّلهم اهلل هبا‪.‬‬ ‫وعرفت هلم مقاماهتم َّ‬
‫ب‪.‬‬ ‫كل ٍ‬
‫خبيث وطيِّ ٍ‬ ‫أيضا َمن استحلَّت َّ‬ ‫ومن األمم ً‬
‫حرم الطَّيِّبات ًّ‬
‫غلوا وجماوز ًة‪.‬‬ ‫ومنها َمن َّ‬
‫وحرم عليها اخلبائث‪..‬ـ‬ ‫أح َّل اهلل هلا الطَّيِّبات‪َّ ،‬‬
‫وأما هذه األمة؛ فقد َ‬

‫ك‬ ‫ِ‬
‫جل ذكره‪َ  :‬و َك َذل َ‬
‫شهيدا‪ ،‬فذلك قوله ّ‬
‫ويكون الرسول عليكم ً‬
‫ول َعلَْي ُك ْم‬
‫الر ُس ُ‬ ‫َج َع ْلنَا ُك ْم أ َُّمةً َو َسطًا لِّتَ ُكونُواْ ُش َه َداءَ َعلَى الن ِ‬
‫َّاس َويَ ُكو َـن َّ‬

‫َش ِه ً‬
‫يدا‪.))‬‬

‫قال احلافظ يف ((الفتح)) (‪:)8/172‬‬

‫((قولـه‪(( :‬والوسط‪ :‬العدل)) هو مرفوع من نفس اخلرب‪ ،‬وليس‬

‫مبدرج من قول بعض الرواة؛ كما وهم فيه بعضهم))‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫بالتوسط‬
‫ُّ‬ ‫إىل غري ذلك من األمور اليت َم َّن اهلل على هذه األمة الكاملة‬
‫فيها‪.‬‬
‫متوسطون بني فرق األمة املبتدعةـ اليت‬ ‫فكذلك أهل السنة واجلماعة ِّ‬
‫احنرفت عن الصراط املستقيم‪.‬‬ ‫ْ‬
‫اهلل ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل َبنْي َ ْأه ِل‬ ‫ات ِ‬ ‫اب ِص َف ِ‬ ‫ط يِف ب ِ‬ ‫( َف ُه ْم َو َس ٌ‬
‫َ‬
‫الت َّْع ِط ِيل اجْلَ ْه ِميَّ ِة(‪َ ،)1‬وأ َْه ِل الت َّْمثِ ِيل الْ ُم َشِّب َه ِة)(‪.)2‬‬
‫فهم وس ٌط يف باب صفات اهلل…)) إخل؛ يعين‪ :‬أن أهل‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪ُ (( :‬‬
‫وس ٌط يف باب الصفات بني َمن ينفيها ويعطِّل الذات‬ ‫السنة واجلماعة َ‬
‫وحيرف ما ورد فيها من اآليات واألحاديث عن معانيها‬ ‫العليَّة عنها‪ِّ ،‬‬
‫عقل صريح؛‬ ‫دليل صحيح‪ ،‬وال ٍ‬ ‫معان بال ٍ‬ ‫الصحيحة إىل ما يعتقدهـ هو من ٍ‬ ‫َّ‬
‫كقوهلم‪ :‬رمحة اهلل‪ :‬إرادته اإلحسان‪ ،‬ويده‪ :‬قدرتُه‪ ،‬وعينُه‪ :‬حفظه‬

‫اجلهميَّة‪ :‬طائفة انتشرت يف أواخر دولة بين أمية‪ ،‬تنتسبـ إىل اجلهم‬
‫‪)(1‬‬
‫بن صفوان الرتمذي‪ ،‬ومذهبهم نفي األمساء والصفات؛ كما أهنم من غُالة‬

‫املرجئة واجلربية‪.‬‬

‫اجملسمة‪ ،‬وهم على النقيضـ من اجلهمية يف إثبات‬


‫ويسم ْون‪ِّ :‬‬
‫املشبِّهة‪َّ :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫ومسعا كسمعهم‪،‬‬
‫يدا كيد املخلوقني‪ً ،‬‬
‫األمساء والصفات‪ ،‬فقد قالوا‪ :‬إن للـه ً‬
‫كبريا‪.‬‬
‫علوا ً‬
‫عما يقول الظاملون ًّ‬
‫وبصرا كبصرهم‪ ،‬تعاىل اهلل َّ‬
‫ً‬

‫‪196‬‬
‫ورعايته‪ ،‬واستواؤه على العرش‪ :‬استيالؤه… إىل أمثال ذلك من أنواعـ‬
‫النفي والتَّعطيل اليت أوقعهم فيها سوء ظنِّهم برهِّب م‪ ،‬وتومُّهِهم أن قيام هذه‬
‫الصفات به ال يُ ْع َقل إال على النحو املوجود يف قيامها باملخلوق‪.‬‬
‫ولقد أحسن القائل حيث يقول‪:‬‬

‫ص َارى أ َْم ِر َم ْن أ ََّو َل أَ ْن ظَنُّوا الظُّنُونَا‬


‫َوقُ َ‬
‫َفَي ُقولُو َـن َعلَى الرَّمْح َ ِن َما الَ َي ْعلَ ُمونَا‬

‫وإمنا مُسِّي أهل التعطيل جهمية نسبة إىل اجلهم بن صفوانـ الرتمذي رأس‬
‫الفتنة والضالل‪ ،‬وقد تُ ُو ِّسع يف هذا اللفظ حىت أصبح يُطلق على كل من‬
‫نفى شيئًا من األمساء والصفات‪ ،‬فهو شامل جلميع فرق النُّفاة؛ من‬
‫فالسفة‪ ،‬ومعتزلة‪ ،‬وأشعرية‪ ،‬وقرامطة باطنيةـ(‪.)1‬‬
‫فأهل السنة واجلماعة وسط بني هؤالء اجلهمية النفاةـ وبني أهل التمثيل‬
‫املشبِّهة الذين شبّهوا اهلل خبلقه‪ ،‬ومثَّلوه بعباده‪.‬‬
‫ء‪ ، ‬فهذا‬‫ِ شَيٌْ‬ ‫ِه‬ ‫ْل‬ ‫ِث‬‫َم‬ ‫ْسَ ك‬ ‫رد اهلل على الطائفتني بقولـه‪َ :‬لي‬ ‫وقد ّ‬
‫يرد‬
‫ُ‪ُّ ‬‬ ‫ِير‬ ‫َص‬‫ُ الب‬ ‫ِيع‬ ‫َ السَّم‬ ‫هو‬‫َُ‬‫يرد على املشبِّهة‪ .‬وقولـه‪ :‬و‬ ‫ُّ‬
‫على املعطِّلة‪.‬‬
‫وأما أهل احلق؛ فهم الذين يثبتون الصفات للـه تعاىل إثباتًا بال متثيل‪،‬‬
‫تنزيها بال تعطيل‪ ،‬فجمعوا أحسن ما عند‬ ‫وينز ُهونه عن مشاهبة املخلوقات ً‬ ‫ِّ‬

‫يعين الشارح أن نقول عنهم‪ :‬هم جهمية يف األمساء والصفات‪.‬‬


‫‪)(1‬‬

‫‪197‬‬
‫الفريقني؛ أعين‪ :‬التنزيه واإلثبات‪،‬ـ وتركوا ما أخطؤوا وأساؤواـ فيه من‬
‫التعطيل والتشبيه‪.‬‬
‫ِ ِ (‪) 1‬‬
‫ـاب أَْف َع ِال اهلل َبنْي َ اجْلَرْب يَّة‬
‫ط يِف ب ِ‬
‫َ‬ ‫(و ُه ْـم َو َسـ ٌ‬
‫َ‬
‫ِ ِ (‪)3()2‬‬
‫َوالْ َق َدريَّة )‪.‬‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪َ (( :‬و ُه ْم َو َس ٌط…)) إخل؛ قال الشيخ العالَّمةـ حممد بن‬
‫عبدالعزيز بن مانع يف تعليقه على هذه العبارة ما نصه(‪:)4‬‬
‫((اعلم أن الناس اختلفوا يف أفعال العباد؛ هل هي مقدورةٌ للرب أم ال؟‬
‫للرب ال للعبد‪.‬‬ ‫ـدور َّ‬‫جهم وأتباعهـ ـ وهم اجلربية ـ ‪ :‬إن ذلك الفعل مق ٌ‬ ‫فقال ٌ‬

‫اجلربيَّة‪ :‬هم اجلهمية ومن وافقهم؛ القائلون‪ :‬إن العباد ال إرادة هلم وال‬
‫‪)(1‬‬
‫قدرة هلم على فعل الطاعات وال ترك املنهيات‪ ،‬وهم جمبورون على فعل‬

‫ذلك كله‪ ،‬وهم نقيض القدرية‪.‬‬

‫سبق التعريف هبم (ص‪.)127‬‬


‫‪)(2‬‬
‫يف املطبوعـ زيادة‪[ :‬وغريهم]‪ ،‬وهي ليست يف املخطوط‪ ،‬وال‬
‫‪)(3‬‬
‫((الفتاوى))‪.‬‬

‫انظر تعليقه على ((الواسطيةـ)) (ص‪ )14‬من طبعة سعد الراشد‬


‫‪)(4‬‬
‫بالرياض‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫وكذلك قال األشعري وأتباعه‪ :‬إن املؤثر يف املقدور قدرة الرب دون‬
‫قدرة العبد‪.‬‬
‫وقال مجهور املعتزلة ـ وهم القدرية؛ أي‪ :‬نفاة القدر ـ‪ :‬إن الرب ال يقدر‬
‫على عني مقدور العبد‪ .‬واختلفوا‪ :‬هل يقدر على مثل مقدوره؟ فأثبتهـ‬
‫الكعيب وأتباعه البغداديُّون‪.‬ـ‬
‫ُّ‬ ‫البصريون؛ كأيب علي‪ ،‬وأيب هاشم‪ ،‬ونفاه‬
‫وقال أهل احلق‪ :‬أفعال العباد هبا صاروا مطيعني وعصاة‪،‬ـ وهي خملوقة هلل‬
‫منفرد خبلق املخلوقات‪ ،‬ال خالق هلا سواه‪.‬‬ ‫تعاىل‪ ،‬واحلق سبحانه ٌ‬
‫فاجلربية غلَ ْوا يف إثبات القدر‪َ ،‬فن َف ْوا فعل العبد أصالً‪.‬‬
‫واملعتزلة نفاة القدر جعلوا العباد خالقني مع اهلل‪ ،‬وهلذا كانوا جموس هذه‬
‫األمة‪.‬‬
‫وهدى اهلل املؤمنني أهل السنة ملا اختلفوا فيه من احلق بإذنه‪ ،‬واهلل يهدي‬
‫صراط مستقي ٍم‪ ،‬فقالوا‪ :‬العباد فاعلون‪ ،‬واهلل خالقهم وخالق‬ ‫من يشاء إىل ٍ‬
‫ن‪‬‬‫ُوَ‬ ‫َل‬‫ْم‬ ‫تع‬‫ما َ‬ ‫ْو‬
‫ََ‬ ‫ُم‬‫َك‬‫لق‬‫ََ‬ ‫ُخ‬ ‫أفعاهلم؛كما قال تعاىل‪:‬و‬
‫َهَّللا‬
‫(‪)))2‬اهـ‬
‫تلخيص جيِّ ٌد ملذاهب املتكلِّمني يف‬
‫ٌ‬ ‫وإمنا نقلنا هذه العبارة بنصها؛ ألهنا‬
‫القدر وأفعال العباد‪.‬‬

‫يف طبعة الراشد‪(( :‬ال))؛ بدل‪(( :‬دون))‪.‬‬


‫‪)(1‬‬
‫الصافات‪.)96( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪199‬‬
‫اهلل ب الْمر ِجئ ِة‪[)1(t‬و](‪)2‬الْو ِع ِ‬
‫يديَِّـة(‪ِ )3‬م َن الْ َق َد ِريَِّة‬ ‫يد ِ‬ ‫اب و ِع ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َنْي َ ُ ْ َ‬ ‫(ويِف بَ َ‬
‫َ‬
‫َو ِغرْيِ ِه ْم)‪.‬‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬ويف باب وعيد اهلل…)) إخل؛ يعين‪ :‬أن أهل السنة واجلماعة‬
‫يضر مع‬ ‫املفرطني من املرجئة الذين قالوا‪ :‬ال ُّ‬ ‫وسط يف باب الوعيد بني ِّ‬
‫جمرد‬
‫ذنب‪ ،‬كما ال تنفع مع الكفر طاعة‪ .‬وزعموا أن اإلميان َّ‬ ‫اإلميان ٌ‬
‫التصديق بالقلب‪ ،‬وإن مل ينطق به‪ ،‬ومُسُّوا بذلك نسبةً إىل اإلرجاء؛ أي‬
‫التأخري؛ ألهنم أخروا األعمال عن اإلميان‪.‬‬

‫املرجئة‪ :‬هم القائلون‪:‬ـ اإلميان تصديق بالقلب‪ ،‬ونطق باللسان‪،‬‬


‫‪)(1‬‬
‫جمرد‬
‫والكرامية منهم يقولون‪ :‬إن اإلميان هو َّ‬
‫واألعمال ليست من اإلميان‪ّ .‬‬
‫النطق باللسان‪ ،‬وغالهتم يقولون‪ :‬هو تصديق بالقلب فقط‪،‬وإن مل ينطق‬

‫يضر مع اإلميان ذنب‪ ،‬كما ال ينفع مع الكفر‬


‫بالشهادتني‪ .‬وقالوا‪ :‬ال ّ‬
‫طاعة‪ .‬وانظر‪( :‬ص‪.)182‬‬

‫يف املخطوط‪[ :‬وبني]‪.‬‬


‫‪)(2‬‬
‫الوعيدية‪ :‬هم قدرية يقولونـ بإنفاذ الوعيد‪ ،‬وأن مرتكب الكبرية إذا‬
‫‪)(3‬‬
‫مات ومل يتب؛ فهو خملَّد يف النار‪ .‬وقالوا‪ :‬إن اهلل َّ‬
‫توعد العاصني بالنار‬

‫والعذاب‪ ،‬وهو ال خيلف امليعاد‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫شك أن اإلرجاء هبذا املعىن كفر خيرج ِ‬
‫صاحبَهُ عن امللَّة؛ فإنه البد يف‬ ‫وال َّ‬
‫ٌ ُ‬
‫اختل‬
‫وعمل باألركان‪ ،‬فإذا َّ‬ ‫ٍ‬
‫واعتقاد باجلَنَان‪ٍ ،‬‬ ‫اإلميان من ٍ‬
‫قول باللسان‪،‬‬
‫واح ٌد منها مل يكن الرجل مؤمنًا‪.‬‬
‫وأما اإلرجاء الذي نسب إىل بعض األئمة من أهل الكوفة؛ كأيب حنيفة‬ ‫ّ‬
‫وغريه‪ ،‬وهو قوهلم‪ :‬إن األعمال ليست من اإلميان‪ ،‬ولكنهم مع ذلك‬
‫يعذب من أهل الكبائر بالنار‪،‬‬ ‫يعذب َمن ِّ‬‫يوافقونـ أهل السنة على أن اهلل ِّ‬
‫مث خيرجهم منها بالشفاعة وغريها‪ ،‬وعلى أنه ال ب ّد يف اإلميان من ٍ‬
‫نطق‬
‫الذم‬
‫يستحق تاركها َّ‬‫ُّ‬ ‫باللسان‪ ،‬وعلى أن األعمال املفروضة واجبة‬
‫كفرا‪ ،‬وإن كان قوالً باطالً‬ ‫والعقاب؛ فهذا النوعـ من اإلرجاء ليس ً‬
‫دعا؛ إلخراجهم األعمال عن اإلميان‪.‬‬ ‫مبتَ ً‬
‫يعذب العاصي؛‬ ‫وأما الوعيدية؛ـ فهم القائلون بأنـ اهلل جيب عليه عقالً أن ِّ‬
‫كما جيب عليه أن يُثيب املطيع‪ ،‬فمن مات على كبرية ومل يتب منها ال‬
‫خمالف للكتاب والسنة؛ قال‬ ‫ِ‬
‫باطل ٌ‬ ‫جيوز عندهم أن َي ْغفَر اهلل لـه‪ ،‬ومذهبهم ٌ‬
‫تعاىل‪:‬‬
‫ن‬
‫دوَ‬ ‫ما ُ‬ ‫َُ‬ ‫ِر‬ ‫ْف‬ ‫يغ‬‫ََ‬ ‫ِو‬ ‫ِه‬ ‫َكَ ب‬‫يشْر‬ ‫َن ُ‬ ‫ُأ‬‫ِر‬‫ْف‬‫يغ‬ ‫َ الَ َ‬‫ن هَّللا‬ ‫‪‬إ‬
‫َِّ‬
‫يشَاء‪.)1(‬‬ ‫َن َ‬‫لم‬ ‫ِكَ ِ‬ ‫َل‬‫ذ‬
‫املوحدين من النار ودخوهلم‬ ‫وقد استفاضت األحاديث يف خروج عصاة ِّ‬
‫اجلنة‪.‬‬

‫النساء‪ ،48( :‬و‪.)116‬‬


‫‪)(1‬‬

‫‪201‬‬
‫ط بني نفاة الوعيد من املرجئة وبني‬ ‫فمذهب أهل السنة واجلماعة وس ٌ‬
‫ض إىل اهلل‪،‬‬ ‫موجبيه من القدريَّة‪ ،‬فمن مات على ٍ‬
‫مفو ٌ‬ ‫كبرية عندهم؛ فأمره َّ‬ ‫َ‬
‫إن شاء عاقبه‪ ،‬وإن شاء عفا عنه؛ كما دلَّت عليه اآلية السابقة‪.‬‬
‫وإذا عاقبه هبا؛ فإنه ال خيلد خلود الكفار‪ ،‬بل خيرج من النار‪ ،‬ويدخل‬
‫اجلنة‪.‬‬
‫ان والدِّي ِن َبنْي َ احْلَُرو ِريَِّة(‪َ )2‬والْ ُم ْعتَ ِزلَِة(‪،)3‬‬ ‫اب [أَمْس ِاء](‪ )1‬ا ِإلميَ ِ‬
‫(ويِف ب ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َو َبنْي َ الْ ُم ْر ِجئَ ِة َواجْلَ ْهميَّة )‪.‬‬
‫ِ ِ (‪) 4‬‬

‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬ويف باب أمساء اإلميان…)) إخل؛ كانت مسألة األمساء‬
‫واألحكام من أول ماوقع فيه النزاع يف اإلسالم بني الطوائف املختلفة‪،‬‬
‫علي ومعاوية رضي‬ ‫وكان لألحداث السياسية واحلروب اليت جرت بني ٍّ‬

‫ليست يف املخطوط‪.‬‬
‫‪)(1‬‬
‫علي رضي اهلل عنه حينما‬
‫احلرورية‪ :‬هم اخلوارج الذين خرجوا على ٍّ‬ ‫‪)(2‬‬
‫قَبِل التحكيم بينه وبني معاوية رضي اهلل عنه‪ ،‬فنزلوا‪ ،‬واجتمعوا حبروراء ـ‬

‫وهي بلد قرب الكوفة على ميلني منها ـ‪ ،‬ومُسُّوا بذلك نسبة إليها‪ .‬وانظر‪:‬‬

‫(ص‪.)225‬‬

‫سبق التعريف هبم (ص‪.)125‬‬


‫‪)(3‬‬
‫سبق التعريف هبم (ص‪.)218‬‬
‫‪)(4‬‬

‫‪202‬‬
‫اهلل عنهما يف ذلك احلني‪ ،‬وما ترتب عليها من ظهور اخلوارج والرافضة‬
‫والقدريَّة أثر كبري يف ذلك النزاع‪.‬‬
‫واملراد باألمساء هنا أمساء الدين‪ ،‬مثل‪ :‬مؤمن‪ ،‬ومسلم‪ ،‬وكافر‪ ،‬وفاسق…‬
‫إخل‪.‬‬
‫واملراد باألحكام أحكام أصحاهبا يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫اسم اإلميان إالّ َمن‬
‫يستحق َ‬
‫ُّ‬ ‫فاخلوارج احلرورية واملعتزلةـ ذهبوا إىل أنه ال‬
‫وأقر بلسانه‪ ،‬وقام جبميع الواجبات‪ ،‬واجتنبـ مجيع الكبائر‪.‬‬ ‫صدَّق جبَنانه‪َّ ،‬‬
‫فمرتكب الكبرية عندهم ال يسمى مؤمنًا باتفاق بني الفريقني‪.‬‬
‫كافرا أو ال؟‬
‫يسمى ً‬ ‫ولكنهم اختلفوا‪ :‬هل َّ‬
‫كافرا‪ ،‬ويستحلِّون دمه وماله‪ ،‬وهلذا كفَّروا عليًّا‬ ‫فاخلوارج يسمونه ً‬
‫ومعاوية وأصحاهبما‪ ،‬واستحلُّوا منهم ما يستحلُّون من الك ّفار‪.‬‬
‫وأما املعتزلة؛ فقالوا‪ :‬إن مرتكب الكبريةـ خرج من اإلميان ومل يدخل يف‬
‫الكفر؛ فهو مبنزلة بني املنزلتني‪ ،‬وهذا أحد األصول اليت قام عليها مذهب‬
‫االعتزال‪.‬‬
‫أيضا على أن َمن مات على كبرية ومل يتب منها فهو خملَّد‬ ‫واتَّفق الفريقان ً‬
‫يف النار‪.‬‬
‫فوقع االتفاق بينهما يف أمرين‪:‬‬
‫‪ -1‬نفي اإلميان عن مرتكب الكبرية‪.‬ـ‬
‫‪ -2‬خلوده يف النار مع الك ّفار‪.‬‬
‫أيضا يف موضعني‪:‬‬‫ووقع اخلالف ً‬

‫‪203‬‬
‫كافرا‪.‬‬
‫أحدمها‪ :‬تسميته ً‬
‫والثاين‪ :‬استحالل دمه وماله‪ ،‬وهو احلكم الدنيوي‪.‬‬
‫وأما املرجئة؛ فقد سبق بيان مذهبهم‪ ،‬وهو أنه ال يضر مع اإلميان معصية؛‬
‫يستحق دخول النار‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫مؤمن كامل اإلميان‪ ،‬وال‬
‫فمرتكب الكبرية عندهم ٌ‬
‫ط بني هذين املذهبني؛ فمرتكبـ الكبريةـ‬ ‫فمذهب أهل السنة واجلماعة وس ٌ‬
‫مؤمن ناقص اإلميان‪ ،‬قد نقص من إميانه بقدر ما ارتكبـ من‬ ‫عندهم ٌ‬
‫معصية‪ ،‬فال ينفون عنه اإلميان أصالً؛ كاخلوارج واملعتزلة‪،‬ـ وال يقولونـ بأنه‬
‫كامل اإلميان؛ كاملرجئة واجلهمية‪ .‬وحكمه يف اآلخرة عندهم أنه قد يعفو‬
‫يعذبه بقدر معصيته‪ ،‬مث خيرجه‬ ‫اهلل عز وجل عنه فيدخل اجلنة ابتداءً‪ ،‬أو ِّ‬
‫أيضا وسط بني َمن يقول خبلوده يف‬ ‫ويدخلـه اجلنة كما سبق‪ ،‬وهذا احلكم ً‬
‫النار‪ ،‬وبني َمن يقول‪ :‬إنه ال يستحق على املعصيةـ عقابًا‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫ض ِة]ـ(‪[)1‬و](‪ )2‬اخْلََوار ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اب رس ِ ِ‬ ‫َصح ِ‬
‫ِج)(‪.)3‬‬ ‫[الراف َ‬ ‫ول اهلل ‪َ e‬بنْي َ‬ ‫َُ‬ ‫(ويِف أ ْ َ‬ ‫َ‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬ويف أصحاب رسول اهلل…)) إخل‪ .‬املعروف أن الرافضة ـ‬
‫قبَّحهم اهلل ـ يسبون الصحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬ويلعنوهنم‪ ،‬ورمبا كفَّروهم‬
‫أو كفَّروا بعضهم‪ ،‬والغالبية منهم ـ مع سبهم لكثري من الصحابة واخللفاء ـ‬
‫علي وأوالده‪ ،‬ويعتقدونـ فيهم اإلهلية‪.‬‬ ‫يغلون يف ٍّ‬
‫علي رضي اهلل عنه بزعامة عبد اهلل بن سبأ الذي‬ ‫وقد ظهر هؤالء يف حياة ٍّ‬
‫كان يهوديًّا وأسلم وأراد أن يكيد لإلسالم وأهله؛ كما كاد اليهود من‬
‫حرقهم علي بالنار إلطفاء‬ ‫قبل للنصرانيةـ وأفسدوها على أهلها‪ ،‬وقد َّ‬
‫فتنتهم‪ ،‬وروي عنه يف ذلك قولـه‪:‬‬
‫ت األ َْمَر أ َْمًرا ُمْن َكًرا‬
‫لَ َّما َرأَيْ ُ‬
‫ت نَا ِري َو َد َع ْو ُ‬
‫(‪) 4‬‬
‫ت َقْنَبًرا‬ ‫َج ْج ُ‬ ‫أ َّ‬

‫يف املخطوط‪[ :‬الروافض]‪،‬ـ وكذا يف ((الفتاوى))‪.‬‬


‫‪)(1‬‬
‫يف املخطوط‪[ :‬وبني]‪.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫الرافضة‪ :‬هم غالة فرق الشيعة الذين رفضوا زيد بن علي بن احلسني‬
‫َّ‬ ‫‪)(3‬‬
‫ملا توىَّل أبا بكر وعمر‪ ،‬فخذلوه بالكوفة كما خذلوا جده من قبل‪.‬‬

‫وأما اخلوارج فهم احلرورية‪ ،‬وقد سبق التعريف هبم (ص‪.)223‬‬

‫‪205‬‬
‫ومن‬‫وأما اخلوارج؛ فقد قابلوا هؤالء الروافض‪ ،‬فكفَّروا عليًّا ومعاوية َ‬
‫معهما من الصحابة‪ ،‬وقاتلوهم واستحلُّوا دماءهم وأمواهلم‪.‬‬
‫غلو هؤالء وتقصري أولئك‪،‬‬ ‫وأما أهل السنة واجلماعة؛ فكانواـ وسطًا بني ِّ‬
‫وهداهم اهلل إىل االعرتاف بفضل أصحاب نبيِّهم‪ ،‬وأهنم أكمل هذه األمة‬
‫وعلما وحكمةً‪ ،‬ولكنهم مل يغلوا فيهم‪ ،‬ومل يعتقدوا‬
‫وإسالما ً‬
‫ً‬ ‫إميانًا‬
‫حسنه احلافظ ابن حجر يف ((الفتح)) (‬
‫ورد هذا اخلرب بسند َّ‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪ ،)12/270‬وخرب اإلحراق ثابت يف ((صحيح البخاري)) عن عكرمة‪،‬‬

‫قال‪:‬‬

‫((أُيِت ٌّ‬
‫علي رضي اهلل عنه بزنادقة‪ ،‬فأحرقهم‪ ،‬فبلغ ذلك ابن عباس؛‬

‫كنت أنا مل أحرقهم؛ لنهي رسول اهلل ‪(( :e‬ال ُت َع ِّذبوا بعذاب‬
‫فقال‪ :‬لو ُ‬
‫اهلل))‪ ،‬ولقتلتهم؛ لقول رسول اهلل ‪(( :e‬من بدَّل دينه فاقتلوه))‪(( .‬الفتح)) (‬

‫‪( ،)12/267‬كتاب‪ :‬استتابة املرتدين‪/‬باب‪ :‬حكم املرتد واملرتدة‬

‫واستتابتهم))‪.‬‬

‫وممن روى ذلك‪ :‬أبو داود‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬

‫وانظر يف ذلك حبثًا قيِّ ًما يف كتاب ((عبد اهلل بن سبأ وأثره يف‬

‫إحداث الفتنة يف صدر اإلسالمـ)) (ص‪ )214‬لسليمان العودة‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫عصمتهم؛ بل قاموا حبقوقهم‪ ،‬وأحبُّوهم لعظيم سابقتهم وحسن بالئهم يف‬
‫نصرة اإلسالمـ وجهادهم مع رسول اهلل ‪.e‬‬
‫ان بِ ِ‬
‫اهلل ا ِإلميَا ُن مِب َا‬ ‫(فَصل‪ :‬وقَ ْد دخل فِيما ذَ َكرنَاه ِمن ا ِإلميَ ِ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫ٌْ َ َََ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َخَبَر اهللُ بِه يِف كتَابِه‪َ ،‬وَت َواَتَر َعن َّر ُسوله‪َ ،‬وأَمْج َ َع َعلَْيه َسلَ ُ‬
‫ف‬ ‫أْ‬
‫األ َُّم ِة؛ ِم ْن أَنَّهُ ُسْب َحانَهُ َف ْو َق مَسَ َاواتِِه‪َ ،‬علَى َع ْر ِش ِه‪َ ،‬علِ ٌّي(‪َ )1‬علَى‬
‫َخ ْل ِق ِه‪َ ،‬و ُه َو ُسْب َحانَهُ َم َع ُه ْم أ َْينَ َما َكانُوا‪َ ،‬ي ْعلَ ُم َما ُه ْم َع ِاملُو َن؛‬
‫ك يف َ َق ْولِِه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َك َما مَجَ َع َبنْي َ َذل َ‬
‫ِ‬
‫َّة‬ ‫ِت‬ ‫ِي س‬ ‫ْضَ ف‬ ‫َاألَر‬ ‫َاتِ و‬ ‫َاو‬ ‫َ السَّم‬ ‫لق‬‫ََ‬‫ِي خ‬ ‫الذ‬‫َ َّ‬ ‫هو‬ ‫‪ُ‬‬
‫ما‬ ‫َُ‬ ‫َْ‬
‫لم‬ ‫يع‬ ‫ْشِ َ‬ ‫َر‬‫الع‬‫لى ْ‬ ‫ََ‬ ‫َى ع‬ ‫َو‬‫َّ اسْت‬‫ثم‬ ‫ٍُ‬ ‫يام‬ ‫ََّ‬ ‫أ‬
‫ل‬
‫ُِ‬ ‫ينز‬ ‫ما َ‬ ‫ََ‬ ‫ها و‬ ‫َْ‬ ‫ِن‬ ‫ُم‬ ‫ُج‬ ‫يخْر‬ ‫ما َ‬ ‫ََ‬ ‫ضو‬ ‫ِْ‬‫ِي األَر‬ ‫ُف‬ ‫ِج‬ ‫يل‬ ‫َ‬
‫ُم‬
‫ْ‬ ‫َك‬ ‫مع‬ ‫ََ‬‫هو‬ ‫َُ‬ ‫ها و‬ ‫ِيَ‬ ‫ُف‬ ‫ُج‬
‫ْر‬ ‫يع‬ ‫ما َ‬ ‫ََ‬‫َاء و‬ ‫َ السَّم‬ ‫ِن‬ ‫م‬
‫ٌ ‪. ) 2( ‬‬ ‫ِير‬ ‫بص‬ ‫نَ‬ ‫ُوَ‬ ‫َل‬ ‫ْم‬‫تع‬ ‫َا َ‬ ‫ِم‬ ‫ُب‬ ‫َهَّللا‬
‫ْو‬ ‫ُم‬‫ُنت‬ ‫ما ك‬ ‫ََ‬ ‫ين‬ ‫َْ‬ ‫أ‬

‫هذه اللفظة هي اليت أثبتهاـ األنصاري يف طبعة اإلفتاء‪ ،‬وقال‪ :‬إنه‬


‫‪)(1‬‬
‫وجدها يف عدة نسخ من العقيدة الواسطية‪،‬ـ وأثبتها كذلك زهري الشاويش‬

‫يف طبعتهـ (ص‪)35‬؛ وهي املثبتةـ يف ((الفتاوى))‪ ،‬بدل كلمة ((بائن)) املثبتة‬

‫يف طبعة اجلامعة اإلسالمية‪ ،‬واإلفتاء‪ ،‬وطبعةـ دار طيبةـ بتعليق‪ :‬عبد اهلل‬

‫الشريف‪ ،‬وقد سقطت من املخطوط‪.‬‬

‫احلديد‪.)4( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪207‬‬
‫ط بِاخْلَْل ِق؛ فَِإ َّن َه َذا الَ‬ ‫ْ‪ ‬أَنَّهُ خُمْتَلِ ٌ‬ ‫ُم‬‫َك‬ ‫مع‬ ‫ََ‬ ‫هو‬ ‫َُ‬ ‫س َم ْعىَن َق ْولِِه‪ :‬و‬ ‫َولَْي َ‬
‫ِ (‪) 1‬‬
‫َصغَ ِر خَمْلُوقَاتِِه‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫تُوجبُهُ ‪ ،‬اللُّغَةُ ‪ ،‬بَ ِل الْ َق َم ُر آيَةٌ م ْن آيَات اهلل م ْن أ ْ‬
‫(‪) 2‬‬

‫الس َم ِاء‪َ ،‬و ُه َو َم َع الْ ُم َسافِ ِر َو َغرْيِ الْ ُم َسافِ ِر أ َْينَ َما َكا َن‪.‬‬ ‫ضوعٌ يِف َّ‬ ‫َم ْو ُ‬
‫يب َعلَى َخ ْل ِق ِه‪ُ ،‬م َهْي ِم ٌن َعلَْي ِه ْم‪ُ ،‬مطَّلِ ٌع‬ ‫ِِ ِ‬
‫َو ُه َو ُسْب َحانَهُ َف ْو َق َع ْرشه‪َ ،‬رق ٌ‬
‫ك ِمن َّم َعايِن ُربُوبِيَّتِ ِه‪.‬ـ‬ ‫ِ‬
‫[علَْي ِهم] … إِىَل َغرْيِ َذل َ‬
‫(‪) 3‬‬
‫َ‬
‫الم الَّ ِذي ذَ َكَرهُ اهللُ ـ ِم ْن أَنَّهُ َف ْو َق الْ َع ْر ِش َوأَنَّهُ َم َعنَا ـ َح ٌّق‬ ‫َو ُك ُّل َه َذا الْ َك ِـ‬
‫ون الْ َك ِاذبَِة؛ ِمثْ ِل‬ ‫صا ُن َع ِن الظُّنُ ِـ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِِ‬
‫اج إَىَل حَتْ ِريف‪َ ،‬ولَك ْن يُ َ‬ ‫َعلَى َحقي َقته‪ ،‬الَ حَيْتَ ُ‬
‫الس َماءَ تُ ِظلُّهُ أ َْو‬
‫َن َّ‬ ‫َاء‪ ‬؛ أ َّ‬ ‫اهَر َق ْولِِه‪ :‬في السَّم‬ ‫َن ظَ ِ‬ ‫أَ ْن يُظَ َّن أ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان؛ فَ َّ‬ ‫اع أ َْه ِل الْعِْل ِم وا ِإلميَ ِ‬
‫اط ٌل بِِإمْج َ ِ‬‫تُِقلُّه‪ ،‬وه َذا ب ِ‬
‫إن اهللَ قَ ْد َوس َع ُك ْرسيُّهُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ََ َ‬
‫ك‬‫ض أَ ْن َت ُزوالَ‪َ ،‬ومُيْ ِس ُ‬ ‫ك َّ ِ‬
‫الس َم َوات َواأل َْر َ‬ ‫ض‪َ ،‬و ُه َو مُيْ ِس ُ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫السمو ِ‬
‫َّ َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫الس َماءُ‬
‫وم َّ‬ ‫ض؛ إالَّ بِِإ ْذنه‪َ ،‬و َم ْن آيَاته أَ ْن َت ُق َ‬ ‫الس َماءَ أَ ْن َت َق َع َعلَى األ َْر ِ‬ ‫َّ‬
‫ض بِأ َْم ِر ِه)‪.‬‬‫َواأل َْر ُ‬

‫يف طبعة اجلامعة اإلسالمية‪(( :‬ال توجهه))‪.‬‬


‫‪)(1‬‬
‫زاد يف املخطوط‪[ :‬وهو خالف ما أمجع عليه سلف األمة‪ ،‬وخالف‬
‫‪)(2‬‬
‫أيضا يف الفتاوى]‪.‬ـ ويف طبعيت‬
‫ما فطر اهلل عليه اخللق‪ ،‬وهي مثبتةـ ً‬
‫الشاويش والشريف‪ ،‬ولكنها ليست يف الطبعة املشروحة‪.‬‬

‫يف املخطوط‪[ :‬إليهم]‪ ،‬وكذا يف ((الفتاوى))‪.‬‬


‫‪)(3‬‬

‫‪208‬‬
‫صرح املؤلِّف‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬وقد دخل فيما ذكرناه من اإلميان…)) إخل‪َّ .‬‬
‫علو اهلل تعاىل واستوائه على عرشه بائنًا من خلقه؛ كما أخرب‬ ‫هنا مبسألة ِّ‬
‫اهلل عن ذلك يف كتابه‪ ،‬وكما تواتر اخلرب بذلك عن رسوله‪ ،‬وكما أمجع‬
‫مؤك ًدا بذلك ما سبق أن‬ ‫علما وإميانًا‪ِّ ،‬‬
‫عليه سلف األمة الذين هم أكملها ً‬
‫ِّدا النكري على َمن أنكر ذلك من اجلهمية‬ ‫ذكره يف هذا الصدد‪ ،‬ومشد ً‬
‫ومن تبعهم من األشاعرة‪.‬‬ ‫واملعتزلة َ‬
‫مث َبنَّي َ أن استواءهـ على عرشه ال ينايف معيَّته وقربه من خلقه؛ فإن املعيَّةـ‬
‫ليس معناها االختالط واجملاورة احلسيَّة‪.‬‬
‫وضرب لذلك مثالً بالقمر الذي هو موضوع يف السماء‪ ،‬وهو مع املسافر‬
‫وغريه أينما كان؛ بظهوره واتصال نوره‪ ،‬فإذا جاز هذا بالنسبة للقمر‪،‬‬
‫وهو من أصغر خملوقات اهلل؛ أفال جيوز بالنسبة إىل اللطيف اخلبري الذي‬
‫علما وقدرة‪ ،‬والذي هو شهي ٌد مطَّلع عليهم‪ ,‬يسمعهم‪،‬‬ ‫أحاط بعباده ً‬
‫سرهم وجنواهم‪ ،‬بل العامل كلـه مساواته وأرضه من العرش‬ ‫ويراهم‪ ،‬ويعلم َّ‬
‫إىل الفرش كلـه بني يديه سبحانه؛ كأنه بندقةٌ(‪ )1‬يف يد أحدنا؛ أفال جيوز‬
‫ملن هذا شأنه أن يقال‪ :‬إنه مع خلقه مع كونه عاليًا عليهم بائنًا منهم فوق‬
‫عرشه؟!‬

‫روي عن ابن عباس رضي اهلل عنه أنه قال‪(( :‬ما السموات السبع‬
‫‪)(1‬‬
‫واألرضون السبع وما فيهن وما بينهن يف يد الرمحن إال كخردلة يف يد‬

‫أحدكم))‪ .‬انظر‪(( :‬شرح الطحاوية)) (ص‪.)281‬‬

‫‪209‬‬
‫حق‬
‫علوه تعاىل ومعيِّته‪،‬ـ واعتقاده أن ذلك كلـه ٌّ‬ ‫بكل من ِّ‬ ‫بلى؛ جيب اإلميان ٍّ‬
‫معان فاسدة؛‬ ‫على حقيقته‪ ،‬من غري أن يساء فهم ذلك‪ ،‬أو حُي مل على ٍ‬
‫ُ‬
‫ْ ‪‬معيَّةَ االختالط واالمتزاج؛‬ ‫ُم‬‫َك‬ ‫مع‬ ‫ََ‬ ‫هو‬ ‫َُ‬‫كأن يُ ْف َه َم من قوله‪ :‬و‬
‫َاء‪ ‬أن‬ ‫كما يزعمه احللولية(‪ !)1‬أو يفهم من قولـه‪ :‬في السَّم‬
‫ط به! كيف وقد وسع كرسيُّه السموات‬ ‫ظرف حا ٍو له حمي ٌ‬
‫السماء ٌ‬
‫مجيعا؟! وهو الذي ميسك السماء أن تقع على األرض إال‬ ‫واألرض ً‬
‫بإذنه؟!‬
‫فسبحان َمن ال يبلغه وهم الوامهني‪ ،‬وال تدركه أفهام العاملني‪.‬‬
‫ك ا ِإلميَا ُن بِأَنَّه قَ ِر (‪ِ )2‬‬ ‫ِ‬
‫يب؛ َك َما‬ ‫يب جُم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ص ٌل‪َ :‬وقَد َّد َخ َل يِف َذل َ‬ ‫(فَ ْ‬
‫ك ِعبَ ِادي َعيِّن فَِإيِّن‬ ‫ُِ‬ ‫ِ‬
‫ك يف َق ْوِلُـِهُ‪َ  :‬وإِ َذا َسأَلَ َ‬ ‫بني َذل َ‬
‫مَجَ َع َ‬
‫يب‪  ...‬اآليَة(‪،)3‬‬ ‫قَ ِر ٌ‬
‫احلَتِ ِه))(‪.)4‬‬‫و َقولُه ‪(( :e‬إِ َّن الَّ ِذي تَ ْدعونَه أَْقرب إِىَل أَح ِد ُكم ِّمن ع ِنق ر ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َ ُ‬ ‫َ ُْ‬

‫حل يف أشخاص بأعياهنم ـ‬


‫احللولية‪ :‬هم الذين قالوا‪ :‬إن اهلل تعاىل َّ‬ ‫‪)(1‬‬
‫عما يقولون ـ وهم من غالة املشبهة‪.‬ـ‬
‫تعاىل اهلل ّ‬
‫[قريب من خلقه]‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يف املخطوط والفتاوى‪:‬ـ‬
‫‪)(2‬‬
‫َّاع إِ َذا دع ِ‬
‫ان‬ ‫ِ‬
‫يب َد ْع َو َة الد ِ َ َ‬
‫البقرة‪ ،)186( :‬وتتمة اآلية‪ :‬أُج ُ‬ ‫‪)(3‬‬
‫َف ْليَ ْستَ ِجيبُواْ يِل َولُْي ْؤ ِمنُواْـ يِب لَ َعلَّ ُه ْم َي ْر ُش ُدو َن ‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫السن َِّة ِم ْن ُق ْربِِه َو َمعِيَّتِ ِـه الَ يُنَايِف َما ذُكَِر ِم ْن عُلُِّو ِه‬
‫اب َو ُّ‬ ‫وما ذُكِر يِف الْ ِكتِ ِ‬
‫ََ َ‬
‫َو َف ْوقِيَّتِ ِه؛ فَِإنَّهُ ُسْب َحانَهُ لَْيس َك ِمثْلِ ِه َشيءٌ يِف مَجِ ي ِع نُعُوتِِه‪َ ،‬و ُهو َعلِ ٌّي يِف‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫يب يِف عُلُِّو ِه)‪.‬‬
‫ُدنُ ِّوه‪ ،‬قَ ِر ٌ‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬وقد دخل يف ذلك(‪ )1‬اإلميان…)) إخل‪ .‬جيب اإلميان مبا‬
‫قريب ممَّن يدعوه‬ ‫جميب‪ ،‬فهو سبحانه ٌ‬ ‫قريب ٌ‬ ‫وصف اهلل به نفسه من أنه ٌ‬
‫ويناجيه‪ ،‬يسمع دعاءه وجنواه‪،‬ـ وجييب دعاءه مىت شاء وكيف شاء‪ ،‬فهو‬
‫قرب العلم واإلحاطة؛ كما قال تعاىل‪:‬‬ ‫قريب َ‬‫تعاىل ٌ‬
‫ِسُ‬ ‫َسْو‬ ‫تو‬ ‫ما ُ‬ ‫َُ‬ ‫لم‬ ‫َْ‬ ‫نع‬ ‫ََ‬ ‫نو‬ ‫ِنسَاَ‬ ‫َا اإل‬ ‫ْن‬ ‫لق‬ ‫ََ‬ ‫دخ‬ ‫َْ‬
‫ََلق‬ ‫‪ ‬و‬
‫ْل‬
‫ِ‬ ‫َب‬ ‫ْح‬ ‫ِن‬ ‫ِم‬ ‫ْه‬ ‫َِلي‬ ‫ُإ‬ ‫َب‬ ‫ْر‬ ‫َق‬ ‫ُأ‬ ‫ْن‬ ‫نح‬ ‫ََ‬ ‫هو‬ ‫ْسُُ‬ ‫نف‬ ‫َِ‬ ‫ِه‬ ‫ب‬
‫ِ ‪. ) 2( ‬‬ ‫ِيد‬ ‫َر‬ ‫الو‬ ‫ْ‬
‫وهبذا يتبنَّي أنه ال منافاة أصالً بني ما ذُكر يف الكتاب والسنة من قربه‬
‫علوه تعاىل وفوقيَّته‪.‬‬ ‫تعاىل ومعيَّته وبني ما فيهما من ِّ‬
‫فهذه كلها نعوت لـه على ما يليق به سبحانه‪ ،‬ليس كمثلـه شيء يف ٍ‬
‫شيء‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫منها‪.‬‬

‫(صحيح)‪ .‬سبق خترجيه (ص‪.)153‬‬


‫‪)(4‬‬
‫أي‪ :‬اإلميان باهلل‪.‬‬
‫‪)(1‬‬
‫ق‪.)16( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪211‬‬
‫َن الْ ُقرآ َن َكالم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪ُ ،‬مَنَّز ٌل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫(وم َن ا ِإلميَان باهلل َو ُكتُبه اإلميا ُن بأ َّ ْ‬ ‫َ‬
‫َن اهللَ تَ َكلَّ َم بِِه َح ِقي َقةً‪،‬‬ ‫ود‪َ ،‬وأ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫َغْي ُر خَمْلُوق‪ ،‬مْنهُ بَ َدأَ‪َ ،‬وإِلَْيه َيعُ ُ‬
‫َن ه َذا الْ ُقرآ َن الَّ ِذي أَْنزلَه علَى حُم َّم ٍد ‪ e‬هو َكالم ِ‬
‫اهلل‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َوأ َّ َ‬
‫الم َغرْيِ ِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َحقي َقةً‪ ،‬الَ َك َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وز إِطْ ُـ ِ‬
‫الق الْ َق ْول بِأَنَّهُ ح َكايَةٌ َع ْن َكالَم اهلل‪ ،‬أ َْو عبَ َارةٌ‪ ،‬بَ ْل إِ َذا َقَرأَهُ‬ ‫َوال جَيُ ُ‬
‫ك عن أَ ْن ي ُكو َن َكالم ِ‬
‫اهلل‬ ‫ِِ‬ ‫النَّاس أَو َكتَبوهـ يِف الْم ِ ِ‬
‫َ‬ ‫صاحف؛ مَلْ خَي ُْر ْج ب َذل َ َ ْ َ‬ ‫ُ ْ ُُ َ َ‬
‫اف َح ِقي َقةً إِىَل َم ْن قَالَهُ ُمْبتَ ِدئًا‪ ،‬الَ إىَل َم ْن‬ ‫ِ‬
‫َت َعاىَل َحقي َقةً‪ ،‬فَِإ َّن الْ َكالَ َـم إِمَّنَا يُ َ‬
‫ض ُ‬
‫قَالَهُ ُمَبلِّغًا ُم َؤ ِّديًا‪.‬‬
‫وف ُدو َن الْ َم َعايِن ‪،‬‬ ‫اهلل احْلُُر َ‬‫اهلل؛ حروفُه‪ ،‬ومعانِ ِيه‪ ،‬لَيس َكالم ِ‬ ‫وهو َكالم ِ‬
‫ْ َ ُ‬ ‫ُُ ُ َ َ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫وف)‪.‬‬‫والَ الْمعايِن دو َن احْل ر ِ‬
‫ُُ‬ ‫َ ََ َ ُ‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬ومن اإلميان باهلل وكتبه…)) إخل‪ .‬جعل املصنِّفـ اإلميان بأنـ‬
‫يتم‬
‫القرآن كالم اهلل داخالً يف اإلميان باهلل؛ ألنه صفةٌ من صفاته‪ ،‬فال ُّ‬
‫اإلميان به سبحانه إال هبا‪ ،‬إذ الكالمـ ال يكون إال صفةً للمتكلِّم‪ ،‬واهلل‬
‫موصوف بأنه متكلِّم مبا شاء مىت شاء‪ ،‬وأنه مل يزل وال يزال‬ ‫ٌ‬ ‫سبحانه‬
‫يتكلَّم؛ مبعىن أن نوع كالمه قدميٌ وإن كانت آحاده ال تزال تقع شيئًا بعد‬
‫شيء حبسب حكمته‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وقد قلنا فيما سبق‪ :‬إن اإلضافة يف قولنا‪ :‬القرآن كالم اهلل؛ هي من إضافة‬
‫الصفة للموصوف‪ ،‬فتفيد أن القرآن صفة الرب سبحانه‪ ،‬وأنه تكلم به‬
‫حقيقة بألفاظهـ ومعانيه‪ ،‬بصوت نفسه‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫الفرية على اهلل‪ ،‬ونفى‬ ‫خملوق من املعتزلة؛ فقد أعظم ِ‬ ‫فمن زعم أن القرآن ٌ‬
‫أيضا متجنِّيًا على‬
‫كالم اهلل عن اهلل وص ًفا‪ ،‬وجعلـه وص ًفا ملخلوق‪ ،‬وكان ً‬
‫اللغة‪ ،‬فليس فيها متكلِّم مبعىن خالق للكالم‪.‬‬
‫ومن زعم أن القرآن املوجود بينناـ حكاية عن كالم اهلل؛ كما تقولـه‬ ‫َ‬
‫ال ُكالَّبية‪،‬ـ أو أنه عبارة عنه؛ كما تقولـه األشعرية؛ فقد قال بنصف قول‬
‫املعتزلة؛ حيث َّفرق بني األلفاظ واملعاين‪ ،‬فجعل األلفاظ خملوقة‪ ،‬واملعاين‬
‫عبارة عن الصفة القدمية؛ كما أنه ضاهى النصارى يف قوهلم حبلول‬
‫الالهوت ـ وهو الكلمة ـ يف الناسوت ـ وهو جسد عيسى عليه السالم ـ؛‬
‫إذ قال حبلول املعاين اليت هي الصفة القدمية يف هذه األلفاظ املخلوقة‪،‬‬
‫فجعل األلفاظ ناسوتًا هلا‪.‬‬
‫تصرف‪ ،‬فمهما كتبناهـ يف املصاحف‪ ،‬أو تلوناه‬ ‫والقرآن كالم اهلل؛ حيث َّ‬
‫باأللسنة؛ مل خيرج بذلك عن أن يكون كالم اهلل؛ ألن الكالمـ ـ كما قال‬
‫املصنّف ـ إمنا يضاف إىل َمن قاله مبتدئًا؛ ال إىل َمن قالـه مبلِّغًا ِّ‬
‫مؤديًا‪.‬‬
‫وأما معىن قول السلف‪(( :‬منه بدأ وإليه يعود))؛ فهو من البدء؛ يعين‪ :‬أن‬
‫اهلل هو الذي تكلَّم به ابتداء‪ ،‬مل يُْبتَ َدأْ من غريه‪ ،‬وحيتمل أن يكونـ من‬
‫البُ ُدو؛ مبعىن الظهور؛ يعين أنه هو الذي تكلَّم به وظهر منه‪ ،‬مل يظهر من‬
‫غريه‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫ومعىن‪(( :‬إليه يعود))؛ أي‪ :‬يرجع إليه وص ًفا؛ ألنه وصفه القائم به‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫معناه يعود إليه يف آخر الزمان‪ ،‬حني يرفع من املصاحف والصدور؛ كما‬
‫ورد يف أشراط الساعة(‪.)1‬‬
‫وأما كون اإلميان بأن القرآن كالم اهلل داخالً يف اإلميان بالكتب؛ فإن‬
‫صحيحا يقتضي إميان العبد بأنـ اهلل تكلَّم هبا بألفاظهاـ‬
‫ً‬ ‫اإلميان هبا إميانًا‬

‫يشري إىل ما رواه ابن ماجه (‪ ،)2/1344‬واحلاكم يف ((املستدرك)) (‬


‫‪)(1‬‬
‫مرفوعا‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪ 4/473‬و‪)5450‬؛ عن حذيفة بن اليمان‬

‫((يَ ْد ُرس اإلسالم كما يدرس َو ْش ُي الثوب؛ حىت ال يُ ْدرى ما صيام‬

‫وال صالة وال نسك وال صدقة‪ ،‬ولَيُسرى على كتاب اهلل عز وجل يف‬

‫ليلة فال يبقىـ يف األرض منه آية‪ ،‬وتبقى طوائفـ من الناس‪ :‬الشيخ الكبري‪،‬‬

‫والعجوز؛ يقولون‪:‬ـ أدركنا آبـاءنا على هذه الكلمة‪( :‬ال إلـه إال اهلل)؛‬

‫فنحن نقوهلا))؛ صححه احلاكم‪ ،‬ووافقه الذهيب واأللباين‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬السلسلة الصحيحة)) (‪.)87‬‬

‫ويدرس؛ يعين‪ :‬ينقرض‪ .‬ووشي الثوب‪ :‬نقشه‪.‬‬

‫قال األلباين تعلي ًقا على احلديث‪:‬‬

‫‪214‬‬
‫مجيعا كالمه هو؛ ال كالم غريه‪ ،‬فهو الذي تكلَّم بالتوراة‬ ‫ومعانيها‪ ،‬وأهنا ً‬
‫عريب مبني‪.‬‬ ‫بالعربانية‪،‬ـ وباإلجنيل بالسريانية‪ ،‬وبالقرآن بلسان ٍّ‬
‫ان بِِه َوبِ ُكتُبِ ِه َومِبَالَئِ َكتَ ِه‬ ‫ضا فِيما ذَ َكرنَاه ِمن ا ِإلميَ ِ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫(وقَد َّد َخ َل أيْ ً َ‬ ‫َ‬
‫َوبُِر ُسلِ ِه‪:‬‬
‫صا ِر ِه ْم َك َما َيَر ْو َن‬ ‫ِ ِ‬
‫ني َيَر ْونَهُ َي ْو َم الْقيَ َامة َعيَانًا بِأَبْ َ‬
‫اإلميَا ُن بِأ َّ ِ ِ‬
‫َن الْ ُم ْؤمن َ‬
‫هِب (‪)1‬‬
‫اب‪َ ،‬و َك َما َيَر ْو َن الْ َق َمَر لَْيلَةَ الْبَ ْد ِر الَ‬ ‫س [ َا] َس َح ٌ‬ ‫ص ْح ًوا لَْي َ‬‫س َ‬ ‫َّم َ‬
‫الش ْ‬
‫ض ُامو َن يِف ُر ْؤيَتِ ِه‪.‬‬
‫يُ َ‬
‫ول اجْلَن َِّة؛ َك َما‬ ‫ات الْ ِقيام ِة‪،‬ـ مُثَّ يرونَه بع َد ُدخ ِ‬ ‫يرونَه سبحانَه وهم يِف عرص ِ‬
‫ََ ْ ُ َ ْ ُ‬ ‫ََ‬ ‫ََ ْ ُ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ َ‬
‫يَ َشاءُ اهللُ َت َعاىَل )‪.‬‬
‫أيضا فيما ذكرناه…)) إخل؛ تقدم الكالمـ على‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬وقد دخل ً‬
‫رؤية املؤمنني لرهِّب م عز وجل يف اجلنة؛ كما دلّت على ذلك اآليات‬
‫واألحاديث الصرحية‪ ،‬فال حاجة بنا إىل إعادة الكالم فيها‪.‬‬
‫غري أن قولـه‪(( :‬يرونه سبحانه وهم يف عرصات القيامة))ـ قد يوهم أن‬
‫عامة جلميع أهل‬ ‫أيضا خاصة باملؤمنني‪ ،‬ولكن احلق أهنا َّ‬ ‫هذه الرؤية ً‬

‫قطعا إال بعد أن يسيطر اإلسالمـ على الكرة‬


‫((وذلك ال يكون ً‬
‫األرضية مجيعها‪ ،‬وتكون كلمته هي العليا))‪.‬‬

‫يف املخطوط‪[ :‬دوهنا]‪ ،‬وكذا يف ((الفتاوى))‪.‬‬


‫‪)(1‬‬

‫‪215‬‬
‫املوقف؛ حني جييء الرب لفصل القضاء بينهم(‪)1‬؛ كما يدل عليه قوله‬
‫تعاىل‪َ :‬ه ْل يَنظُُرو َن إِالَّ أَن يَأْتَِي ُه ُم اللَّهُ يِف ظُلَ ٍل ِّم َن الْغَ َم ِام‪ )2(‬اآلية‪.‬‬
‫صات‪ :‬مجع َعَرصة‪ ،‬وهي كل موضع واسع ال بناء فيه‪.‬‬ ‫والعَر َ‬
‫َ‬
‫َخَبَر بِِه النَّيِب ُّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ٌل‪َ :‬وم َن ا ِإلميَان بِالَْي ْوم اآلخ ِر اإلميَا ُن بِ ُك ِّل َما أ ْ‬ ‫(فَ ْ‬
‫اب الْ َقرْبِ‬ ‫‪ ‬مِم َّا ي ُكو ُـن ب ْع َد الْمو ِت‪َ ،‬في ْؤ ِمنُو َن بِِفْتنَ ِة الْ َقرْبِ ‪ ،‬وبِع َذ ِ‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يم ِه‪.‬‬
‫ونَعِ ِ‬
‫َ‬

‫للر ُج ِل‪َ :‬من َّربُ َ‬


‫ك؟‬ ‫َّاس [مُيْتَ َحنُو َن]ـ(‪ )3‬يِف ُقبُو ِر ِه ْم‪َ ،‬فُي َق ُ‬
‫ال ِّ‬ ‫ِ ِ‬
‫فَأ ََّما الْفْتنَةُ؛ فَإ َّن الن َ‬
‫[من](‪ )4‬نَّبِيُّك؟‬ ‫ِ‬
‫ك؟ َو َ‬ ‫َو َما دينُ َ‬

‫انظر‪ :‬رسالة شيخ اإلسالمـ ألهل البحرين يف رؤية الكفار رهبم من‬
‫‪)(1‬‬
‫فصل فيها الشيخ رمحه اهلل‪ ،‬ويف‬
‫((اجملموع)) (‪ ،)507-6/485‬فقد َّ‬

‫الرسالة فوائد تربوية عظيمة‪.‬‬

‫وانظر الفصل الثالث من كتاب ((داللة القرآن واألثر على رؤية‬

‫اهلل تعاىل بالبصر)) لألستاذ عبد العزيز الرومي‪.‬‬

‫البقرة‪.)210( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫يف املخطوط‪[ :‬يفتنون]‪،‬ـ وكذا يف ((الفتاوى))‪.‬‬
‫‪)(3‬‬

‫‪216‬‬
‫الد ْنيا ويِف ِ‬
‫اآلخَر ِة‪َ ،‬فَي ُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ول‬ ‫ين َآمنُوا بالْ َق ْول الثَّابت يِف احْلَيَاة ُّ َ َ‬ ‫ت اهللُ الذ َ‬ ‫فيُثَبِّ ُ‬
‫[ريِّبَ اهللُ](‪َ ،)1‬وا ِإل ْسالَ ُمـ ِدييِن ‪َ ،‬وحُمَ َّم ٌد ‪ ‬نَبِيِّي‪.‬‬‫مؤم ُن‪َ :‬‬
‫الْ ْ ِ‬
‫َّاس َي ُقولُو َن َشْيئًا‬ ‫ِ‬
‫ت الن َ‬ ‫ول‪َ :‬هاه َهاه؛ الَ أ َْدري‪ ،‬مَس ْع ُ‬ ‫اب؛ َفَي ُق ُ‬‫َوأ ََّما الْ ُم ْرتَ ُ‬
‫صْي َحةً يَ ْس َمعُ َها ُك ُّل َشي ٍء؛ إالَّ‬ ‫َ‬ ‫يح‬
‫ُ‬
‫يد‪َ ،‬في ِ‬
‫ص‬ ‫َ‬
‫ضرب مِبِرزب ٍة ِمن ح ِد ٍ‬
‫َف ُق ْلتُهُ‪َ ،‬فيُ ْ َ ُ ْ َ َ ْ َ‬
‫ْ‬
‫صعِ َق(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫ا ِإلنْ َسا َن‪َ ،‬ولَ ْو مَس َع َها ا ِإلنْ َسا ُن؛ لَ َ‬
‫وم الْ ِقيَ َامةُ الْ ُكرْب ى‪،‬‬
‫اب‪ ،‬إِىَل أَ ْن َت ُق َ‬ ‫يم َوإِ َّما َع َذ ٌ‬
‫ِِ ِ ِ ِ‬
‫مُثَّ َب ْع َد ّهذه الْفْتنَة َّإما نَع ٌ‬
‫األج َس ِاد)‪.‬‬
‫اح إِىَل ْ‬ ‫اد األ َْر َو ُ‬‫َفُت َع ُ‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬ومن اإلميان باليوم اآلخر…)) إخل؛ إذا كان اإلميان باليوم‬
‫تاما‬
‫اآلخر أحد األركان الستة اليت يقوم عليها اإلميان؛ فإن اإلميان به إميانًا ًّ‬

‫يف طبعة اإلفتاء واجلامعة اإلسالمية‪[ :‬ما]‪ ،‬والذي أثبتُّهـ هو الصحيح‪،‬‬


‫‪)(4‬‬
‫وهو املثبتـ يف املخطوط و((الفتاوى))‪.‬‬

‫يف املخطوط‪[ :‬اهلل ريب]‪ ،‬وكذا يف ((الفتاوى))‪.‬‬


‫‪)(1‬‬
‫يشري ملا رواه البخاري يف اجلنائز‪( ،‬باب‪ :‬ما جاء يف عذاب القرب) (‬
‫‪)(2‬‬
‫‪-3/232‬فتح)‪ ،‬ومسلم يف اجلنة‪( ،‬باب‪ :‬عرض مقعد امليت من اجلنة‬

‫والنار)(‪-17/208‬نووي)‪ ،‬والنسائي يف اجلنائز‪( ،‬باب‪ :‬مسألة الكافر)(‬

‫‪-4/197‬أبو غدة)‪ ،‬واإلمام أمحد؛ بألفاظ خمتلفة‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫النيب ‪ ‬من أمور‬‫كامالً ال يتحقق إالّ إذا آمن العبد بكل ما أخرب به ُّ‬
‫الغيب اليت تكونـ بعد املوت‪.‬‬
‫أمور ممكنةٌ أخرب هبا الصادق صلوات اهلل عليه‬ ‫والضابط يف ذلك أهنا ٌ‬
‫وسالمه وآلِه‪ ،‬وكل ممكن أخرب به الصادق جيب اإلميان بوقوعه كما‬
‫أخرب؛ فإن هذه األمور ال تستفاد إال من خرب الرسول‪ ،‬فأهل السنة‬
‫واجلماعة يؤمنون بذلك كله‪.‬‬
‫وأما أهل املروق واإلحلاد من الفالسفة واملعتزلة؛ـ فينكرون هذه األمور؛‬
‫من سؤال القرب‪ ،‬ومن نعيم القرب‪ ،‬وعذابه‪ ،‬والصراط‪ ،‬وامليزان‪ ،‬وغري ذلك؛‬
‫األول الذي ال‬‫بدعوى أهنا مل تثبتـ بالعقل‪ ،‬والعقل عندهم هو احلاكم َّ‬
‫يردون األحاديث الواردة يف هذه‬ ‫جيوز اإلميان بشيء إالَّ عن طريقه‪ ،‬وهم ُّ‬
‫األمور بدعوى أهنا أحاديث آحاد ال تُقبل يف باب االعتقاد‪ ،‬وأما اآليات‪،‬‬
‫فيؤولوهنا مبا يصرفها عن معانيها‪.‬‬
‫ِّ‬
‫واإلضافة يف قولـه‪(( :‬بفتنة القرب)) على معىن يف؛ أي‪ :‬بالفتنةـ اليت تكون يف‬
‫القرب‪.‬‬
‫وأصل الفتنة وضع ال ّذهب وحنوه على النار لتخليصه من األوضار‬
‫ت يف االختبار واالمتحان‪.‬ـ‬‫است ْع ِملَ ْ‬
‫والعناصر الغريبة‪ ،‬مث ُ‬
‫حق آل فرعون‪:‬‬ ‫وأما عذاب القرب ونعيمه؛ فيدل عليه قولـه تعاىل يف ِّ‬
‫ًّا‪،)1( ‬‬‫ِي‬ ‫َش‬‫َع‬ ‫ًّا و‬
‫دو‬‫ُُ‬ ‫ها غ‬ ‫َْ‬‫لي‬ ‫ََ‬‫نع‬ ‫ُوَ‬ ‫َض‬ ‫ْر‬
‫يع‬‫ُُ‬ ‫َّار‬ ‫‪‬الن‬
‫ِم‬
‫ْ‬ ‫ِه‬
‫َات‬ ‫ِيئ‬ ‫َط‬ ‫َّا خ‬ ‫ِم‬‫وقولـه سبحانه عن قوم نوح‪ :‬م‬

‫غافر‪.)46( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪218‬‬
‫ًا ‪ ،)1( ‬وقولـه عليه الصالةـ‬ ‫َار‬ ‫ُوا ن‬ ‫دخِل‬ ‫ُْ‬‫َأ‬‫ُوا ف‬ ‫ِق‬ ‫ْر‬ ‫ُغ‬ ‫أ‬
‫والسالم‪(( :‬القرب إما روضة من رياض اجلنة‪ ،‬أو حفرة من حفر النار))(‪.)2‬‬
‫أيضا‪ :‬إِ ْر َزبَّة؛ باهلمزة‬ ‫ِ‬
‫وامل ْر َزبَة ـ بالتخفيف ـ‪ :‬املطرقة الكبرية‪ ،‬ويقال هلا ً‬
‫والتشديد‪.‬‬

‫نوح‪.)25( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫(ضعيف)‪ .‬رواه الرتمذي يف صفة القيامةـ (‪-7/160‬حتفة)‪ ،‬قال‬
‫‪)(2‬‬
‫اهليثمي يف ((جممع الزوائد)) (‪(( :)3/46‬رواه الطرباين يف ((األوسط))‪ ،‬وفيه‬

‫حممد بن أيوب بن سويد‪ ،‬وهو ضعيف))‪ .‬اهـ‬

‫وقال ابن حجر يف ((ختريج الكشاف)) (ص‪()35‬رقم‪:)291‬‬

‫((رواه الرتمذي من حديث أيب سعيد‪ ،‬وهو ضعيف))‪ .‬اهـ‬

‫ضعفه من قبلـه شيخ العراقي يف ((ختريج اإلحياء)) (‪.)1/302‬‬


‫وقد ّ‬
‫وضعف إسناده كلٌّ من السخاوي يف ((املقاصد احلسنة)) (ص‬
‫ّ‬
‫‪ 302‬رقم‪ ،)758‬واهلندي يف ((تذكرة املوضوعاتـ)) (ص‪.)216‬‬

‫ضعفه األلباين يف ((ضعيف اجلامع)) (‪،)1231‬‬


‫واحلديث َّ‬

‫واألرناؤوط يف ((جامع األصول)) (‪.)8696‬‬

‫‪219‬‬
‫(وَت ُقوم الْ ِقيامةُ الَّيِت أَخبر اهلل هِب ا يِف كِتَابِِه‪ ،‬وعلَى لِس ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ََ ُ َ‬ ‫َ ُ ََ‬
‫َر ُسولِهُ‪َ ،‬وأَمْج َ َع َعلَْي َها الْ ُم ْسلِ ُمو َن‪.‬‬
‫ني ُح َفاةً عَُراةً غُ ْرالً‪َ ،‬وتَ ْدنُو ِمْن ُه ُم‬ ‫َفي ُقوم النَّاس ِمن ُقبو ِر ِهم لِر ِّ ِ‬
‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫َ ُ ُ ْ ُ ْ َ‬
‫س‪َ ،‬ويُْل ِج ُم ُه ُم الْ َعَر ُق‪.‬‬‫َّم ُ‬
‫الش ْ‬
‫لت‬
‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫ثق‬ ‫َن َ‬ ‫َم‬ ‫ال الْعِبَ ِاد‪ ،‬ف‬‫وز ُن هِبَا أ َْع َم ُ‬
‫ين‪َ ،‬فتُ َ‬ ‫ِ‬
‫ب الْ َم َواز ُ‬‫ص ُـ‬
‫َفُتْن َ‬
‫من‬
‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ن* و‬ ‫ُوَ‬ ‫ِح‬ ‫ْل‬ ‫ُف‬ ‫الم‬‫ُ ْ‬ ‫هم‬ ‫ِكَ ُ‬ ‫َْلئ‬ ‫ُو‬ ‫َأ‬ ‫هف‬ ‫ُُ‬ ‫ِين‬ ‫َاز‬ ‫مو‬ ‫َ‬
‫ُوا‬ ‫ِر‬ ‫َس‬ ‫َخ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ِكَ َّ‬ ‫َْلئ‬ ‫َأو‬ ‫ُ‬ ‫هف‬ ‫ُُ‬ ‫ِين‬ ‫َاز‬ ‫مو‬ ‫َْ‬ ‫َّت‬‫َف‬ ‫خ‬
‫ن ‪. ) 1( ‬‬
‫دوَ‬ ‫لُ‬ ‫َاِ‬ ‫َخ‬ ‫َّم‬‫هن‬ ‫ََ‬ ‫ِي ج‬ ‫ْف‬ ‫هم‬ ‫ُسَُ‬ ‫َنف‬ ‫أ‬
‫آخ ٌذ كِتَابه بِي ِمينِ ِه‪ِ ،‬‬
‫وآخ ٌذ‬ ‫و ُتْن َشر الدَّوا ِوين‪ ،‬و ِهي صحائِف األ َْعم ِال‪ ،‬فَ ِ‬
‫َُ َ‬ ‫َ ُ َ ُ َ َ ََ ُ َ‬
‫ُل‬
‫َّ‬ ‫َك‬ ‫كِتَابَهُ بِ ِش َمالِِه أ َْو ِم ْن َو َر ِاء ظَ ْه ِر ِه؛ َك َما قَ َال ُسْب َحانَهُ َوَت َعاىَل ‪  :‬و‬
‫ُ‬‫ِج‬ ‫ُخْر‬ ‫َن‬‫ِو‬ ‫ِه‬ ‫ُق‬ ‫ُن‬ ‫ِي ع‬ ‫هف‬ ‫َُ‬ ‫ِر‬ ‫َآئ‬ ‫هط‬ ‫َاُ‬ ‫من‬ ‫َْ‬ ‫َْلز‬ ‫ِنسَانٍ أ‬ ‫إ‬
‫ًا‬ ‫منشُور‬ ‫هَ‬ ‫َاُ‬ ‫لق‬ ‫يْ‬‫با َ‬ ‫َاً‬ ‫ِت‬ ‫ِك‬ ‫مة‬ ‫َاَ‬ ‫ِي‬ ‫الق‬ ‫َ ْ‬ ‫ْم‬ ‫يو‬ ‫هَ‬ ‫َلُ‬
‫ْكَ‬‫لي‬ ‫ََ‬ ‫َع‬ ‫ْم‬ ‫َو‬ ‫الي‬‫ِكَ ْ‬ ‫ْس‬ ‫َف‬ ‫ِن‬‫َى ب‬ ‫َف‬ ‫بكَ ك‬ ‫َاَ‬ ‫َت‬ ‫ْك‬ ‫َأ‬ ‫ْر‬ ‫* اق‬
‫ًا ‪.))2( ‬‬ ‫ِيب‬ ‫َس‬ ‫ح‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬وتقوم القيامة‪))..‬ـ إخل؛ يعين‪ :‬القيامةـ الكربى‪ ،‬وهذا الوصف‬
‫للتخصيص‪ ،‬احرتز به عن القيامة الصغرى اليت تكون عند املوت؛ كما يف‬
‫اخلرب‪:‬‬

‫املؤمنون‪:‬ـ (‪.)103 ،102‬‬


‫‪)(1‬‬
‫اإلسراء‪.)14 ،13( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪220‬‬
‫((من مات فقد قامت قيامته))(‪.)3‬‬
‫وذلك أن اهلل عز وجل إذا أذن بانقضاء هذه الدنيا؛ أمر إسرافيل عليه‬
‫ص َع ُق كل من يف السموات‬ ‫السالم أن ينفخ يف الصور النفخة األوىل‪ ،‬فيَ ْ‬
‫صعيدا ُجُر ًزا‪ ،‬واجلبال‬
‫ومن يف األرض إال َمن شاء اهلل‪ ،‬وتصبح األرض ً‬
‫كثيبًا مهيالً‪ ،‬وحيدث كل ما أخرب اهلل به يف كتابه‪ ،‬ال سيما يف سوريت‬
‫التكوير واالنفطار‪ ،‬وهذا هو آخر أيام الدنيا‪.‬‬
‫يوما‪ ،‬فينبت منه‬ ‫كمين الرجال أربعني ً‬ ‫مطرا ِّ‬ ‫مث يأمر اهلل السماء‪ ،‬فتمطر ً‬
‫ب أذناهبم‪ ،‬وكل ابن آدم يبلى إالَّ عجب‬ ‫الناس يف قبورهم من َع ْج ِ‬
‫الذنب(‪.)2‬‬
‫ضعفه العراقي يف ((ختريج اإلحياء)) (‪،)4/64‬‬ ‫مرفوعا)‪ّ .‬‬‫ً‬ ‫‪( 3‬ضعيف‬
‫()‬
‫وعزاه البن أيب الدنيا يف كتاب ((املوت))؛ من حديث انس‪.‬‬
‫ووافقه األلباين يف ((السلسلة الضعيفةـ)) (‪.)1166‬‬
‫وقال مؤلف ((تبييضـ الصحيفة)) (ص‪:)128‬‬
‫((روى الدواليب يف الكىن واألمساء)) (‪ )2/89‬عن املغرية؛ قال‪:‬‬
‫((يقولون القيامة‪،‬ـ القيامة‪ ،‬وإمنا قيامة أحدكم موته))‪ ،‬وإسناده حسن))‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫مث ذكر رواية عن عمر بن عبد العزيز يف ((احللية)) (‪ )5/325‬أنه‬
‫قال‪:‬‬
‫((فإنه َمن وافته منيته؛ـ فقد قامت قيامته))‪.‬‬
‫وصحح إسناده‪.‬‬‫َّ‬
‫ِي‬‫َف‬ ‫ِخ‬ ‫نف‬‫َُ‬‫‪‬و‬ ‫(باب‪:‬‬ ‫))‬ ‫التفسري‬‫((‬ ‫يف‬ ‫البخاري‬ ‫رواه‬ ‫‪ 2‬يشري ملا‬
‫ِ‪-8/551() ‬فتح)‪ ،‬ومسلم يف الفنت‪( ،‬باب‪ :‬ما بني‬ ‫()‬
‫ُّور‬ ‫الص‬
‫النفختني)(‪-18/303‬نووي)‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والنسائي؛ـ من حديث أيب‬
‫هريرة بألفاظ متقاربة‪.‬‬
‫و(الع ْجب) ـ بفتح العني ـ‪ :‬هو العظم اللطيف الذي يف أسفل‬ ‫َ‬
‫الصلب‪ ،‬وهو رأس العصعص‪ ،‬وهو مكان رأس الذنب من ذوات األربع‪.‬‬
‫وتشبيه املطر مبين الرجال ورد يف حديث ضعيف‪ .‬انظر‪:‬‬
‫يوما ورد يف‬
‫((الطحاوية)) (ص‪-410‬ختريج األلباين)‪ .‬وتقييدهـ بأربعني ً‬
‫أيضا‪ .‬انظر‪(( :‬البعث)) البن أيب داود ‪ -‬ختريج احلَُويين (ص‬ ‫حديث ضعيف ً‬

‫‪221‬‬
‫حىت إذا متَّ خل ُق ُهم وتركيبُهم؛ أمر اهلل إسرافيل بأن ينفخ يف الصور النفخة‬
‫الثانية‪ ،‬فيقوم الناس من األجداث أحياء‪ ،‬فيقول الك ّفار واملنافقون حينئذ‪:‬‬
‫َا‪ ، á‬ويقول‬ ‫ِن‬ ‫َد‬ ‫ْق‬‫مر‬ ‫ِن َّ‬ ‫َا م‬‫َن‬ ‫َث‬‫بع‬‫من َ‬ ‫َا َ‬ ‫لن‬‫يَ‬
‫َْ‬‫يا و‬ ‫‪َ â‬‬
‫َ‬‫دق‬‫ََ‬ ‫َص‬ ‫ُو‬ ‫َن‬ ‫ْم‬‫َّح‬
‫د الر‬ ‫َع‬
‫ََ‬ ‫ما و‬ ‫َا َ‬ ‫املؤمنون‪َâ :‬‬
‫هذ‬
‫ن ‪. ) 1( á‬‬
‫ُوَ‬‫ْسَل‬
‫ُر‬ ‫الم‬‫ْ‬
‫مث حتشرهم املالئكة إىل املوقف حفا ًة غري ُمْنتَعلني‪ ،‬عُرا ًة غري مكتسني‪،‬‬
‫غُرالً غري خمتتنني؛ مجع أغرل‪ ،‬وهو األقلف‪ ،‬والغُرلة‪ :‬ال َقلَفة‪.‬‬
‫وأول من يكتسيـ يوم القيامة إبراهيم؛ كما يف احلديث(‪.)2‬‬
‫وهناك يف املوقف تدنو الشمس من رؤوس اخلالئق‪ ،‬ويُْل ِج ُمهم‬
‫العرق‪ ،‬فمنهم َمن يبلغ كعبيه‪ ،‬ومنهم من يبلغ ركبتيه‪ ،‬ومنهم‬
‫‪.)79‬‬
‫والذي ثبت يف الصحيحني من حديث أيب هريرة‪(( :‬ما بني‬

‫النفختني أربعونـ))‪ ،‬وأىَب أبوهريرة أن حيدِّدها بيوم أو شهر أو سنة‪ .‬واهلل‬

‫أعلم‪.‬‬

‫يس‪.)52( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫يشري إىل حديث ابن عباس عن رسول اهلل ‪:‬‬
‫‪)(2‬‬
‫((إن أول اخلالئق يكسى يوم القيامةـ إبراهيم اخلليل))‪.‬‬

‫رواه البخاري يف الرقاق‪( ،‬باب‪ :‬احلشر) (‪-11/377‬فتح)‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫َمن يبلغ ثدييه‪ ،‬ومنهم من يبلغ ترقوته؛ كلٌّ على قدر عمله‪،‬‬
‫وجل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عز‬
‫ظل اهلل ّ‬
‫أناس يف ِّ‬
‫ويكون ٌ‬
‫وجل‬
‫ّ‬ ‫عز‬
‫اشتد هبم األمر‪ ،‬وعظُ َم الكرب؛ استشفعواـ إىل اهلل ّ‬‫فإذا َّ‬
‫ٍ‬
‫رسول حييلهم‬ ‫وكل‬
‫ُّ‬ ‫بالرسل واألنبياء أن ينقذهم مما هم فيه‪،‬‬
‫على َمن بعده؛ حىت يأتوا نبيّناـ ‪ ،‬فيقول‪(( :‬أنا هلا))‪ ،‬ويشفع‬
‫فيهم‪ ،‬فينصرفون إىل فصل القضاء‪.‬‬
‫فتوز ُن هبا أعمال العباد‪ ،‬وهي موازين‬‫ب املوازين‪،‬ـ َ‬‫صُ‬‫وهناك ُتْن َ‬
‫ب اهلل أعمال‬ ‫ِ‬ ‫حقيقية ‪ ،‬كل ميزان منها له لسا ٌن َّ‬
‫وكفتـان ‪ ،‬ويقل ُ‬
‫ثقل‪ ،‬فتوضع احلسنات يف‬ ‫أجساما؛ هلا ٌ‬
‫ً‬ ‫أعراض ـ‬
‫ٌ‬ ‫العباد ـ وهي‬
‫كفة‪ ،‬والسيئاتـ يف كفة؛ كما قال تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬
‫مة‬ ‫َاَ‬ ‫ِي‬‫الق‬‫ِ ْ‬ ‫ْم‬‫َو‬ ‫َِ‬
‫لي‬ ‫ِسْط‬ ‫الق‬
‫َ ْ‬ ‫ِين‬ ‫َاز‬ ‫َو‬
‫الم‬
‫ُ ْ‬ ‫َع‬ ‫نض‬
‫ََ‬‫‪‬و‬
‫ٍ‬
‫َّة‬ ‫َب‬‫لح‬ ‫َاَ‬ ‫ْق‬‫ِث‬
‫نم‬ ‫َاَ‬
‫ِن ك‬ ‫َإ‬‫ًا و‬ ‫ْئ‬ ‫ْسٌ شَي‬ ‫نف‬
‫َُ‬ ‫لم‬‫َْ‬‫تظ‬ ‫َال ُ‬‫ف‬
‫َ‪‬‬‫ِين‬ ‫ِب‬ ‫َاس‬ ‫َا ح‬‫ِن‬ ‫َى ب‬ ‫َف‬‫َك‬‫ها و‬ ‫َِ‬ ‫َا ب‬ ‫ْن‬‫تي‬ ‫ََ‬
‫ٍأ‬‫دل‬ ‫َْ‬‫َر‬ ‫ْخ‬‫من‬ ‫ِّ‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪.‬‬
‫مث ُتْن َشر الدواوين‪ ،‬وهي صحائف األعمال‪ ،‬فأما َمن أُويت كتابه‬
‫مسرورا‪،‬‬
‫ً‬ ‫يسريا‪ ،‬وينقلب إىل أهله‬
‫بيمينه؛ فسوف حياسب حسابًا ً‬
‫[وأما من أويت كتابه بشماله أو من وراء ظهره](‪ ،)2‬فسوف‬
‫األنبياء‪.)47( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫األوىل أن يقول‪(( :‬وأما َمن أويت كتابه بشماله من وراء ظهره]؛ كما‬
‫‪)(2‬‬
‫قال ابن كثري وغريه؛ أنه يُعطى كتابه بشماله من وراء ظهره‪ ،‬تُثىَن يده إىل‬

‫‪223‬‬
‫أوت كتابيه‪ ،‬ومل‬
‫سعريا‪ ،‬ويقول‪ :‬يا ليتين مل َ‬ ‫ً‬ ‫ثبورا‪ ،‬ويصلى‬
‫يدعو ً‬
‫أد ِر ما حسابيه؛ قال تعاىل‪:‬‬
‫ِين‬
‫َ‬ ‫ِق‬‫مشْف‬‫َُ‬ ‫ِين‬ ‫ِم‬‫ْر‬‫ُج‬‫الم‬‫َى ْ‬ ‫َر‬‫َت‬ ‫ُف‬ ‫َاب‬‫ِت‬‫الك‬‫َ ْ‬ ‫ِع‬‫ُض‬‫َو‬
‫‪‬و‬
‫َا‬ ‫هذ‬ ‫َِ‬‫مال‬ ‫َا َ‬ ‫َن‬ ‫يَ‬
‫لت‬ ‫َْ‬‫يا و‬ ‫نَ‬ ‫ُولوَ‬ ‫يق ُ‬ ‫ََ‬‫ِو‬ ‫ِيه‬ ‫َّا ف‬
‫ِم‬‫م‬
‫ِالَّ‬
‫ةإ‬ ‫ًَ‬‫ِير‬ ‫َب‬‫َال ك‬‫ةو‬ ‫ًَ‬ ‫ِير‬ ‫َغ‬‫ُص‬ ‫ِر‬‫َاد‬ ‫يغ‬‫َابِ ال ُ‬ ‫ِت‬‫الك‬
‫ْ‬
‫َال‬
‫ًا و‬ ‫ِر‬‫َاض‬ ‫ُوا ح‬ ‫ِل‬‫َم‬‫ما ع‬ ‫دوا َ‬ ‫َُ‬‫َج‬‫َو‬‫ها و‬ ‫َاَ‬ ‫ْص‬‫َح‬‫أ‬
‫دا ‪.)1( ‬‬ ‫َح‬
‫ًَ‬ ‫بكَ أ‬ ‫ُر‬
‫َُّ‬ ‫ِم‬‫ْل‬‫يظ‬‫َ‬
‫ه‬
‫َُ‬‫ِر‬ ‫َآئ‬ ‫هط‬ ‫َاُ‬‫من‬ ‫َْ‬‫َْلز‬‫ِنسَانٍ أ‬ ‫َّ إ‬‫ُل‬‫َك‬‫وأما قوله تعاىل‪ :‬و‬
‫ِ‪ ‬؛ فقد قال الراغب‪:‬ـ‬‫ِه‬‫ُق‬ ‫ُن‬
‫ِي ع‬ ‫ف‬
‫((أي‪ :‬عمله الذي طار عنه من خ ٍري ٍّ‬
‫وشر))(‪.)2‬‬
‫ولكن الظاهر أن املراد بالطائر هنا نصيبهـ يف هذه الدنيا‪ ،‬وما‬
‫ُكتِب له فيها من رزق وعمل(‪)3‬؛ كما يف قوله تعاىل‪:‬‬

‫ورائه‪ ،‬ويُعطى هبا‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬تفسري ابن كثري))‪ ،‬سورة االنشقاق‪،‬ـ آية (‪.)10‬‬

‫الكهف‪.)49( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫وهذا الذي رجحه ابن كثري يف تفسري اآلية‪.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫انظر‪(( :‬زاد املسري)) (‪ ،)5/15‬وقد ذكر ملعىن اآلية أربعة أقوال‪ ،‬وهذا‬
‫‪)(3‬‬
‫رجحه الشارح هنا نسبه ابن اجلوزي أليب عبيدة وابن قتيبة‪.‬‬
‫الذي َّ‬

‫‪224‬‬
‫َابِ‪‬‬ ‫ِت‬ ‫الك‬ ‫َ ْ‬ ‫من‬ ‫هم ِّ‬ ‫ُُ‬ ‫ِيب‬ ‫نص‬ ‫َْ‬ ‫هم‬ ‫الُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ين‬ ‫ِكَ َ‬ ‫َْلـئ‬ ‫ُو‬ ‫‪ ‬أ‬
‫(‪. ) 1‬‬
‫ب عليهم فيه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يعين‪ :‬ما ُكت َ‬
‫ب اهللُ اخلَالئِ َق‪َ ،‬وخَي ْلُو بِ َعْب ِد ِه الْ ُم ْؤ ِم ِن‪َ ،‬فُي َقِّر ُرهُ بِ ُذنُوبِِه؛‬ ‫ِ‬
‫(وحُيَاس ُ‬ ‫َ‬
‫السن َِّة‪.‬‬
‫اب َو ُّ‬ ‫ك يِف الْ ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َذل َ‬ ‫َك َما ُوص َ‬
‫وز ُن َح َسنَاتُهُ َو َسيِّئَاتُهُ؛ـ فَِإنَّهُ الَ‬
‫اسبَةَ َم ْن تُ َ‬‫اسبُو َن حُمَ َ‬ ‫َّار؛ فَال حُيَ َ‬
‫َوأ ََّما الْ ُكف ُ‬
‫ِ‬
‫صى‪َ ،‬فيُو َق ُفو َـن َعلَْي َها َويُ َقَّر ُرو َن‬ ‫ات هَلُ ْم‪َ ،‬ولَك ْن ُت َع ُّد أ َْع َماهُلُ ْم‪َ ،‬فتُ ْح َ‬‫َح َسنَ َ‬
‫هِبَا(‪.))2‬‬
‫اخلالئق…)) إخل؛ املراد بتلك احملاسبةـ‬ ‫َ‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬وحياسب اهلل‬
‫أحصاه اهلل ونسوه؛ قال‬ ‫وشر َ‬ ‫تذكريهم وإنباؤهمـ مبا قدَّموه من خري ٍّ‬
‫تعاىل‪:‬‬
‫َا‬ ‫ِم‬ ‫هم ب‬ ‫ُُ‬ ‫ِّئ‬‫َب‬ ‫ُن‬ ‫َي‬ ‫ْف‬ ‫هم‬ ‫ُُ‬ ‫ْجِع‬ ‫مر‬ ‫ِم َّ‬ ‫به‬ ‫َِلى ر‬
‫َِّ‬ ‫َّ إ‬ ‫ثم‬ ‫‪ُ ‬‬
‫ن ‪. ) 3( ‬‬ ‫ُوَ‬ ‫َل‬ ‫ْم‬ ‫يع‬ ‫َْ‬ ‫ُوا‬ ‫َان‬ ‫ك‬
‫ويف احلديث الصحيح‪:‬‬
‫ش احلساب عُ ِّذب))‪.‬‬ ‫ِ‬
‫((من نوق َ‬ ‫َ‬
‫األعراف‪.)37( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫[وخُيَْزو َن هبا]‪ ،‬ويف طبعة الشاويش‪:‬‬
‫زاد يف املخطوط‪ ،‬و((الفتاوى))‪َ :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫[وجُيَْز ْو َن هبا]؛ باجليم‪.‬‬

‫األنعام‪.)108( :‬‬
‫‪)(3‬‬

‫‪225‬‬
‫فقالت عائشة رضي اهلل عنها‪ :‬يا رسول اهلل! أوليس اهلل يقول‪:‬‬
‫ًا ْ‪ ‬؟‬
‫ِير‬ ‫يس‬ ‫با َ‬ ‫ُ حِسَاً‬ ‫َاسَب‬ ‫يح‬‫َُ‬ ‫ْف‬ ‫َسَو‬‫‪‬ف‬
‫فقال‪(( :‬إمَّن ا ذلك العرض‪ ،‬ولكن َمن نوقش احلساب يهلك))(‪.)1‬‬
‫وأما قولـه‪(( :‬وخيلو بعبده املؤمن))؛ فقد ورد عن ابن عمر رضي اهلل‬
‫عنهما أن اهلل عز وجل يُدين منه عبده املؤمن‪ ،‬فيضع عليه َكَن َفه‪ ،‬وحياسبه‬
‫ويقرره بذنوبه‪ ،‬فيقول‪ :‬أمل تفعل كذا يوم كذا؟ أمل تفعل‬ ‫فيما بينه وبينه‪ِّ ،‬‬
‫كذا يوم كذا؟ حىت إذا َّقرره بذنوبه‪ ،‬وأيقن أنه قد هلك؛ قال لـه‪ :‬سرتهُت ا‬
‫عليك يف الدِّنيا وأنا أغفرها لك اليومـ(‪.)2‬‬
‫وأما قولـه‪(( :‬فإنه ال حسنات هلم))؛ يعين‪ :‬الكفار؛ لقوله تعاىل‪:‬‬

‫رواه البخاري يف العلم‪( ،‬باب‪ :‬من مسع شيئًا فراجعه حىت يعرفه)(‬
‫‪)(1‬‬
‫‪-1/197‬فتح)‪ ،‬ويف التفسري‪،‬ـ ويف الرقاق‪ ،‬ومسلم يف اجلنة‪( ،‬باب‪ :‬إثبات‬

‫احلساب)(‪-17/213‬نووي)‪ ،‬وأبوداود‪ ،‬والرتمذي‪.‬‬

‫َُ‬
‫ة‬ ‫ْن‬ ‫رواه البخ ــاري يف املظــامل ‪ ( ،‬باب‪ :‬قول اهلل تعاىل ‪ :‬أ‬
‫َالَ َلع‬ ‫‪)(2‬‬
‫َ‪-5/96( )‬فتح)‪ ،‬ويف تفسري سورة هود‪،‬‬
‫ِين‬
‫لم‬‫َّاِ‬ ‫ََ‬
‫لى الظ‬ ‫ِع‬
‫هَّللا‬
‫ويف األدب‪ ،‬ويف التوحيد‪ ،‬ومسلم يف التوبة‪،‬ـ (باب‪ :‬قبول توبة القاتل وإن‬

‫كثر قتله)(‪-17/93‬نووي)‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫ه‬
‫َاُ‬ ‫لن‬‫َْ‬ ‫َع‬‫َج‬‫ٍف‬ ‫َل‬ ‫َم‬‫ْع‬ ‫ِن‬‫ُوا م‬ ‫ِل‬
‫َم‬‫ما ع‬ ‫َِلى َ‬‫َا إ‬‫من‬ ‫َد‬
‫ِْ‬ ‫َق‬ ‫‪‬و‬
‫ًا‪،)1( ‬‬
‫ُور‬ ‫منث‬‫َاء َّ‬ ‫هب‬ ‫َ‬
‫ْ‬‫هم‬‫الُ‬‫َ ُ‬ ‫ْم‬‫َع‬
‫ْأ‬ ‫ِم‬ ‫به‬ ‫ِر‬
‫َِّ‬ ‫ْب‬ ‫ُوا‬ ‫َر‬
‫َف‬‫َك‬‫ِين‬ ‫الذ‬
‫ُ َّ‬‫َل‬
‫مث‬ ‫وقولـه‪َّ :‬‬
‫ِفٍ الَّ‬‫َاص‬ ‫ٍع‬ ‫ْم‬ ‫يو‬ ‫ِي َ‬ ‫ُف‬ ‫ِّيح‬‫ِ الر‬‫ِه‬ ‫ْب‬ ‫دت‬ ‫ٍ اشْت‬
‫ََّ‬ ‫ماد‬ ‫ََ‬‫َر‬ ‫ك‬
‫ء ‪. ) 2( ‬‬
‫ٍْ‬‫لى شَي‬ ‫ََ‬‫ْع‬‫ُوا‬‫َسَب‬ ‫َّا ك‬
‫ِم‬‫نم‬‫ُوَ‬ ‫ِر‬‫ْد‬‫يق‬ ‫َ‬
‫والصحيح [أن]ـ(‪ )3‬أعمال اخلري اليت يعملها الكافر جيازى هبا يف‬
‫الدنيا فقط‪ ،‬حىت إذا جاء يوم القيامةـ وجد صحيفة حسناته‬
‫بيضاء‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬خيفَّف هبا عنه من عذاب غري الكفر‪.‬‬

‫الفرقان‪.)23( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫إبراهيم‪.)18( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫لفظة يقتضيها السياق‪ ،‬ليست يف األصل؛ كما ذكر ذلك األنصاري‬
‫‪)(3‬‬
‫يف طبعة اإلفتاء‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫ات](‪ )1‬الْ ِقيام ِـة احْل وض الْمور ِ‬ ‫[عرص ِ‬ ‫(ويِف‬
‫َش ُّد‬
‫ماؤه أ َ‬‫ود للنَّيِب ِّ ‪ُ ،‬‬ ‫َ َ َ ُ َْ ُ ُ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬
‫الس َم ِاء‪،‬‬
‫وم َّ‬ ‫ِمن اللَّ ِ ‪ ،‬وأَحلَى ِمن الْعس ِل‪ ،‬آنِيته عدد جُن ِ‬ ‫اضا‬
‫َُ ُ َ َ ُ ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ نَب َ ْ‬ ‫َبيَ ً‬
‫ب ِمْنهُ َش ْربَةً؛ الَ يَظْ َمأُ‬‫ضهُ َش ْهٌر‪َ ،‬من يَّ ْشَر ُ‬ ‫َش ْهٌر‪َ ،‬و َع ْر ُ‬ ‫طُولُهُ‬
‫َب ْع َد َها أَبَ ًدا(‪.))2‬‬
‫صات القيامة…))؛ـ فإن األحاديث الواردة يف‬ ‫‪/‬ش‪ /‬وأما قولـه‪(( :‬يف َعَر َ‬
‫بضع وثالثون‬
‫حد التواتر‪ ،‬رواها من الصحابة ٌ‬ ‫ذكر احلوض تبلغ َّ‬
‫َخلِق به أن حُي َال بينه وبني وروده يوم‬‫فمن أنكره؛ فأ ْ‬ ‫صحابيًّا ‪َ ،‬‬
‫(‪) 3‬‬

‫العطش األكرب‪ ،‬وقد ورد يف أحاديث‪:‬‬


‫حوضا))(‪.)4‬‬
‫نيب ً‬ ‫((إن لكل ٍّ‬
‫صة]؛ باإلفراد‪.‬‬
‫[عَر َ‬
‫يف املخطوط و((الفتاوى))‪َ :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫يشري إىل ما رواه البخاري يف الرقاق‪( ،‬باب‪ :‬يف احلوض)(‬
‫‪)(2‬‬
‫‪-11/463‬فتح)‪ ،‬ومسلم يف الفضائل‪( ،‬باب‪ :‬إثبات حوض نبيّناـ ‪()‬‬

‫‪-15/60، 67، 68‬نووي)‪.‬‬

‫ذكر ذلك احلافظ يف ((الفتح)) (‪ ،،)11/467‬وقال‪(( :‬منهم يف‬


‫‪)(3‬‬
‫الصحيحني ما ينيف على العشرين‪ ،‬ويف غريمها بقية ذلك))‪.‬‬

‫(حسن أو صحيح)‪ .‬روى الرتمذي يف صفة القيامة‪( ،‬باب ما جاء يف‬


‫‪)(4‬‬
‫مرفوعا‪:‬‬
‫ً‬ ‫صفة احلوض)(‪-7/133‬حتفة) عن احلسن عن مسرة‬

‫‪228‬‬
‫واردا‪.‬‬
‫ولكن حوض نبيِّناـ ‪ ‬أعظمها وأحالها وأكثرها ً‬
‫جعلنا اهلل منهم بفضله وكرمه‪.‬‬

‫يتباه ْون أيهم أكثر واردة‪ ،‬وإين أرجو‬


‫حوضا‪ ،‬وإهنم َ‬
‫نيب ً‬
‫((إن لكل ٍّ‬
‫أن أكون أكثرهم واردة))‪.‬‬

‫واحلديث رواه الطرباين يف ((الكبري)) (‪ ،)7/256‬والبخاري يف‬

‫((التاريخ)) (‪ ،)1/44‬وابن أيب عاصم يف ((السنة)) (‪)734‬؛ كلهم من‬

‫طريق احلسن عن مسرة‪.‬‬

‫ويف مساع احلسن من مسرة خالف‪ ،‬واحلسن البصري مدلِّس‪ ،‬ومل‬


‫يصرح هنا بالسماع‪.‬‬
‫ِّ‬
‫إال أن للحديث شواهد كثرية؛ لذا قال األلباين يف ((الصحيحة)) (‬

‫‪:)1589‬‬

‫((ومجلة القول‪ :‬أن احلديث مبجموع طرقه حسن أو صحيح))‪ .‬أهـ‬

‫وانظر‪(( :‬الفتح)) (‪.)11/467‬‬

‫‪229‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّم‪َ ،‬و ُه َو اجْل ْس ُر الَّذي َبنْي َ‬ ‫وب َعلَى َمنْت َج َهن َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫الصَرا ُط َمْن ُ‬ ‫(و ِّ‬ ‫َ‬
‫[علَْي ِه](‪َ )1‬علَى قَ ْد ِر أ َْع َماهِلِم‬ ‫َّاس َ‬ ‫ِ‬
‫اجْلَنَّة َوالنَّار‪ ،‬مَيُُّر الن ُ‬
‫ِ‬
‫ص ِر‪َ ،‬و ِمْن ُهم َمن مَيُُّر َكالَْب ْر ِق‪َ ،‬و ِمْن ُهم‬ ‫ِ‬
‫ْ‪ ،‬فَمْن ُه ْم َم ْن مَيُُّر َكلَ ْم ِح الْبَ َ‬
‫ومْن ُهم َمن مَيُُّر َكالْ َفَر ِس اجْلََو ِاد‪َ ،‬و ِمْن ُهم َمن مَيُُّر‬ ‫يح‪ِ ،‬‬ ‫الر ِ‬
‫َمن مَيُُّر َك ِّ‬
‫ومْن ُهم َمن َي ْع ُدو َع ْد ًوا‪َ ،‬و ِمْن ُهم َمن مَيْ ِشي َم ْشيًا‪،‬‬ ‫اب ا ِإلبِ ِل‪ِ ،‬‬ ‫َك ِر َك ِ‬
‫ف َخطْ ًفا َويُْل َقى يِف‬ ‫ِ‬
‫ف َز ْح ًفا‪َ ،‬و َمْن ُهم َمن خُيْطَ ُ‬ ‫َومْن ُهم َمن َي ْز َح ُ‬
‫َّاس بِأ َْع َماهِلِم‪ ،‬فَ َم ْن َمَّر‬ ‫ف الن َ‬ ‫يب خَت ْطَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سر َعلَْيه َكالَل ُ‬
‫جهن ِ ِ‬
‫َّم؛ فَإ َّن اجْل َ‬ ‫ََ َ‬
‫اط؛ َد َخ َل اجْلَنَّةَ‪.‬‬ ‫الصر ِ‬
‫َعلَى ِّ َ‬
‫ص‬‫فَِإ َذا َعَب ُروا َعلَْي ِه؛ َو َق ُفوا َعلَى َقْنطََر ٍة َبنْي َ اجْلَن َِّة َوالنَّا ِر‪َ ،‬فُي ْقتَ ُّ‬
‫ول‬‫ض‪ ،‬فَِإذَا ه ِّذبوا ونُقُّوا؛ أ ُِذ َن هَل م يِف ُدخ ِ‬ ‫ض ِهم ِّمن َب ْع ٍ‬ ‫لِبع ِ‬
‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َْ‬
‫اجْلَن َِّة(‪.))2‬‬
‫منصوب…)) إخل‪ .‬أصل الصراط الطريق الواسع؛‬ ‫ٌ‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬والصراط‬
‫قيل‪ :‬مسي بذلك ألنه يسرتط السابلة؛ أي‪ :‬يبتلعهم إذا سلكوه‪ ،‬وقد‬

‫))‬ ‫(فائدة)‪ :‬عن مساع احلسن من مَسُرة‪ .‬انظر‪(( :‬املعجم الكبري‬

‫تفصيل جيِّد‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫للطرباين (‪-236-7/231‬هامش)؛ ففيه‬

‫ايضا‪.‬‬
‫زيادة من املخطوط مثبتة يف ((الفتاوى)) ً‬ ‫‪)(1‬‬
‫روى البخاري حنوه يف الرقاق‪( ،‬باب‪ :‬الصراط جسر جهنم)(‬
‫‪)(2‬‬
‫‪-11/444‬فتح)‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫َا‬ ‫هـذ‬ ‫نَ‬ ‫ََّ‬
‫َأ‬‫يستعمل يف الطريق املعنوي؛ كما يف قوله تعاىل‪ :‬و‬
‫ه ‪. ) 1( ‬‬
‫ُوُ‬
‫ِع‬‫َاتب‬
‫ًا ف َّ‬ ‫ِيم‬ ‫َق‬ ‫مسْت‬‫ِي ُ‬ ‫َاط‬ ‫ِر‬‫ص‬
‫والصراط األخروي الذي هو اجلسر املمدود على ظهر جهنَّم بني اجلنة‬
‫(‪) 2‬‬
‫ومن استقامـ‬ ‫حق ال ريب فيه؛ لورود خرب الصادق به‪َ ،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫والنار‬
‫على صراط اهلل الذي هو دينه احلق يف الدنيا استقام على هذا‬
‫الصراط يف اآلخرة‪ ،‬وقد ورد يف وصفه أنه‪(( :‬أدق من الشعرة‪،‬‬
‫وأحد من السيف))(‪.)3‬‬ ‫ُّ‬

‫األنعام‪.)153( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫مل أجد يف السنة ما يثبتـ أنه بني اجلنة والنار‪،‬والذي ثبت أنه بني‬
‫‪)(2‬‬
‫ظهراين جهنم‪ .‬انظر‪(( :‬الفتح)) (‪.)2/292 ،13/419‬‬

‫مرفوعا)‪ .‬لذلك قال البيهقي يف ((شعب اإلميان)) (‬


‫ً‬ ‫يصح‬
‫(لم َّ‬
‫‪)(3‬‬
‫‪:)2/247‬‬

‫((وهذا اللفظ من احلديث مل أجده يف الروايات الصحيحة))‪ .‬اهـ‬

‫ولكن روى مسلم يف ((صحيحه)) يف اإلميان‪( ،‬باب‪ :‬معرفة طريق‬

‫=‬ ‫الرؤية)(‪-3/36‬نووي) عن سعيد بن أيب هالل عن زيد بن أسلم عن‬

‫عطاء بن يسار عن أيب سعيد اخلدري أنه قال‪:‬‬

‫‪231‬‬
‫اب اجْلَن َِّة حُمَ َّم ٌد ‪َ ،‬وأ ََّو ُل َمن يَّ ْد ُخ ُل‬ ‫ِ‬
‫(وأ ََّو ُل َمن يَّ ْسَت ْفت ُح بَ َ‬
‫َ‬
‫اجْلَنَّةَ ِم َن األ َُم ِم أ َُّمتُهُ)‪.‬‬
‫حممد ‪))‬؛ يعين‪ :‬أول من‬ ‫((وأول من يستفتح باب اجلنة ّ‬ ‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪ّ :‬‬
‫حيرك حلقها طالبًا أن يُ ْفتَح له باهبا؛ كما قال عليه السالم‪:‬‬

‫((قلنا‪ :‬يا رسول اهلل! أنرى ربنا؟‪.))..‬‬

‫إىل أن قال‪:‬‬

‫((قال أبو سعيد‪ :‬بلغين أن اجلسر ُّ‬


‫أدق من الشعرة‪ ،‬وأحد من‬

‫السيف))‪.‬‬

‫ورواه ابن منده يف ((كتاب اإلميان)) (‪ )2/802‬بتمامه وبالسند‬

‫نفسه‪ ،‬ولكن قال‪(( :‬قال سعيد بن أيب هالل‪ :‬بلغين أن اجلسر أدق من‬

‫الشعرة‪ ،‬وأحد من السيف))‪.‬‬

‫وقد وصله البيهقي يف ((شعب اإلميان)) (‪ )2/246‬عن أنس عن‬

‫النيب ‪ ،‬وفيه سعيد بن زرىب ويزيد الرقاشي‪ ،‬ومها ضعيفان؛ لذا قال‬

‫احلافظ يف ((الفتح)) (‪:)11/454‬‬

‫((ويف سنده لني))‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫تنشق َعنه األرض‬
‫((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وال فخر‪ ،‬وأنا َّأول َمن ُّ‬
‫حيرك حلَق اجلنة‪ ،‬فأدخلها ويدخلها معي فقراء‬
‫وال فخر‪ ،‬وأنا َّأول من ِّ‬
‫َّأميت))(‪.)1‬‬
‫يعين‪ :‬بعد دخول الرسل واألنبياء عليهم الصالة والسالم يكونـ‬
‫فقراء هذه األمة أول الناس دخوالً اجلنة‪.‬‬

‫مرفوعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُّمرْي ي عن أنس‬
‫ايضا عن زياد الن َ‬
‫وروي ً‬
‫وزياد ضعيف؛ لذا قال البيهقي يف ((الشعب)) (‪:)2/248‬‬

‫أيضا رواية ضعيفة (‪.)2/248‬‬


‫((وهي ً‬
‫تصحفت يف ((كشف اخلفاء)) (‬
‫ومن عجائب التصحيف أهنا َّ‬
‫أيضا رواية صحيحة))!!‬
‫‪-2/24‬رقم‪ )1599‬إىل‪(( :‬وهي ً‬
‫وروي عن عبيد بن عمري عن النيب ‪ ‬مرسالً‪ ،‬وكذا عن سعيد بن‬

‫أيب هالل رواية أخرى مرسلة أو معضلة‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬الفتح)) (‪.)11/454‬‬

‫صح عن ابن مسعود موقوفًا عليه أنه قال‪:‬‬


‫ولكن َّ‬
‫دحض مزل ِةٌ))‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫((والصراط كحد السيف‪،‬‬

‫‪233‬‬
‫الث َش َفاع ٍ‬ ‫ِ‬
‫ات‪:‬‬ ‫َ‬ ‫(ولَه ‪ ‬يِف الْقيَ َام ِـة ثَ ُ‬ ‫َ‬
‫ضى َبْيَن ُه ْم َب ْع َد أَ ْن‬ ‫ف َحىَّت يُ ْق َ‬ ‫اعةُ األُوىَل ؛ َفيش َفع يَف أ َْه ِل الْموقِ ِ‬
‫َْ‬ ‫الش َف َ ْ َ ُ‬ ‫أ ََّما َّ‬
‫وسى‪َ ،‬و ِعيسىـ ابْ ُن َم ْرمَيَ َع ِن‬ ‫ِ ِ‬
‫يم‪َ ،‬و ُم َ‬ ‫وح‪َ ،‬وإ ْبَراه ُ‬ ‫آد ُم‪َ ،‬ونُ ٌ‬ ‫اج َع األَنْبِيَاءُ؛ـ َ‬ ‫َيَتَر َ‬
‫اع ِة َحىَّت َتْنتَ ِه َي إلَْي ِه‪.‬‬
‫الش َف َ‬
‫َّ‬
‫اعةُ الثَّانِيَةُ؛ـ َفيَ ْش َف ُع يِف أ َْه ِل اجْلَن َِّة أَن يَّ ْد ُخلُوا اجْلَنَّة‪.‬‬
‫الش َف َ‬
‫َوأ ََّما َّ‬
‫اصتَ ِ‬
‫ان لَهُ‪.‬‬ ‫ان َخ َّ‬ ‫الش َفاعتَ ِ‬
‫َو َهاتَا َن َّ َ‬

‫أخرجه احلاكم (‪ .)2/276‬انظر ((الطحاوية)) (ص‪-415‬ختريج‬

‫األلباين)‪.‬‬

‫مرفوعا‪:‬‬
‫ً‬ ‫صح وصفه أنه كحد املوسى من حديث سلمان‬
‫كما ّ‬
‫((… ويوضع الصراط مثل حد املوسيـ))‪.‬‬

‫أخرجه احلاكم (‪ ،)4/586‬وصححه األلباين يف ((الصحيحة)) (‬

‫‪.)941‬‬

‫(إسناده ضعيف)‪ .‬رواه الرتمذي يف املناقبـ (‪-10/84‬حتفة) عن ابن‬


‫‪)(1‬‬
‫عباس‪ ،‬ويف سنده زمعة بن صاحل‪ ،‬وهو ضعيف‪ .‬وقال الرتمذي‪(( :‬هذا‬

‫حديث غريب))‪ .‬انظر‪(( :‬جامع األصول)) (‪ ،)3624‬و((ضعيف اجلامع)) (‬

‫‪.)4077‬‬

‫‪234‬‬
‫اعةُ لَهُ َولِ َسائِِر‬ ‫َّار‪َ ،‬و َه ِذ ِه َّ‬
‫الش َف َ‬ ‫يم ِن ْ‬
‫استَ َح َّق الن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعةُ الثَّالثَةُ؛ـ َفيَ ْش َف ُع ف َ‬
‫الش َف َ‬
‫َوأ ََّما َّ‬
‫َّار أَن الَّ يَ ْد ُخلَ َها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫النَّبِيِّني و ِّ ِ‬
‫يم ِن ْ‬
‫استَ َح َّق الن َ‬ ‫ني َو َغرْي ه ْم‪َ ،‬فيَ ْش َف ُع ف َ‬ ‫الصدِّيق َ‬ ‫ََ‬
‫يم ْن َد َخلَ َها أَن خَّيُْر َج ِمْن َها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َويَ ْش َف ُع ف َ‬

‫لكن يشهد ألولـه أحاديث أخرى‪ :‬منها حديث‪(( :‬أنا أكثر األنبياءـ‬

‫تبعا‪ ،‬وأنا أول َمن يقرع باب اجلنة))‪ ،‬وحديث‪(( :‬آيت باب اجلنة يوم‬
‫ً‬
‫القيامة‪ ،‬فاستفتح‪ ،‬فيقول اخلازن‪َ :‬من أنت؟ فأقول‪ :‬حممد‪ .‬فيقول‪ :‬بك‬

‫أمرت‪ ،‬ال أفتح ألحد قبلك))؛ روامها مسلم يف اإلميان‪( ،‬باب‪ :‬قول النيب‬
‫ُ‬
‫‪ :‬أنا أول الناس يشفع يف اجلنة)(‪-3/72‬نووي)‪.‬‬

‫مرفوعا‪(( :‬أنا ّأول َمن يأخذ حبلقة‬


‫ً‬ ‫ويشهد لوسطه حديث أنس‬

‫باب اجلنة‪ ،‬فأقعقعهاـ))؛ رواه أمحد والرتمذي والدارمي وغريهم‪ .‬انظر‪:‬‬

‫((السلسلة الصحيحة)) (‪.)4/97‬‬

‫ويشهد آلخره ما رواه أمحد وابن ماجه والرتمذي واللفظ لـه من رواية أيب‬

‫هريرة‪(( :‬يدخل الفقراء اجلنة قبل األغنياءـ خبمس مئة عام))‪ .‬انظر‪((:‬صحيح‬

‫الرتمذي)) (‪.)2/275‬‬

‫‪235‬‬
‫ضلِ ِه َو َرمْح َتِ ِه‪َ ،‬و َيْب َقى يِف اجْلَنَّةِ‬ ‫اع ٍة؛ بَ ْل بَِف ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِج اهللُ م َن النَّا ِر أَْق َو ًاما بِغ ِري َش َف َ‬ ‫َوخُيْر ُ‬
‫الد ْنيَا‪َ ،‬فُيْن ِش ُئ اهللُ هَلَا أَْق َو ًاما َفيُ ْد ِخلُ ُه ُم اجْلَنَّةَ)‬
‫ض ٌل َع َّم ْن َد َخلَ َها ِم ْن أ َْه ِل ُّ‬ ‫فَ ْ‬
‫(‪. ) 1‬‬
‫‪/‬ش‪ /‬وأما قولـه‪(( :‬وله ‪ ‬يف القيامةـ ثالث شفاعات))؛ فأصل الشفاعة‬
‫يضم‬
‫شافعا ألنه ُّ‬ ‫ضمه إليه‪ ،‬ومسي الشافع ً‬ ‫من قولنا‪ :‬شفع كذا بكذا إذا ّ‬
‫طلبه ورجاءه إىل طلب املشفوع له‪.‬‬
‫والشفاعة من األمور اليت ثبتتـ بالكتاب والسنة‪ ،‬وأحاديثها متواترة؛ـ قال‬
‫تعاىل‪:‬‬
‫‪َ ‬من َذا الَّ ِذي يَ ْش َف ُع ِعْن َدهُ إِالَّ بِِإ ْذنِِه‪‬‬
‫إثبات للشفاعة من بعد اإلذن‪.‬‬ ‫فنفي الشفاعة بال إذن ٌ‬
‫قال تعاىل عن املالئكة‪:‬‬
‫ِي‬ ‫ْن‬ ‫تغ‬ ‫َاتِ ال ُ‬ ‫َاو‬ ‫ِي السَّم‬ ‫لكٍ ف‬ ‫مَ‬ ‫من َّ‬ ‫َم ِّ‬ ‫َك‬‫‪‬و‬
‫ََ‬
‫ن هَّللا‬
‫ُ‬ ‫ْذ‬ ‫يأ‬ ‫َن َ‬ ‫ِأ‬ ‫ْد‬ ‫بع‬ ‫ِن َ‬ ‫ِالَّ م‬ ‫ًا إ‬ ‫ْئ‬ ‫ْ شَي‬ ‫هم‬ ‫ُُ‬‫َت‬ ‫َاع‬ ‫شَف‬
‫َى‪.)2( ‬‬ ‫ْض‬ ‫ير‬ ‫ََ‬ ‫يشَاء و‬ ‫َن َ‬ ‫لم‬ ‫ِ‬

‫عن الشفاعة انظر كتاب ((الشفاعة عند أهل السنة والرد على‬
‫‪)(1‬‬
‫املخالفني فيها)) للدكتور ناصر اجلديع ‪ ،‬وكتاب ((القيامة الكربى)) للشيخ‬

‫عمر األشقر (ص‪.)191-173‬‬

‫النجم‪.)26( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪236‬‬
‫فبنَّي اهلل الشفاعة الصحيحة‪ ،‬وهي اليت تكونـ بإذنه‪ ،‬وملن يرتضي‬
‫قوله وعمله‪.‬‬
‫يتمسك به اخلوارج واملعتزلةـ يف نفي الشفاعة من مثل‬ ‫َّ‬ ‫وأما ما‬
‫ِين‬
‫َ‪‬‬ ‫ِع‬‫ة الشَّاف‬ ‫َُ‬‫َاع‬ ‫ْ شَف‬ ‫هم‬ ‫ُُ‬ ‫َع‬ ‫تنف‬ ‫َا َ‬ ‫َم‬ ‫قوله تعاىل‪ :‬ف‬
‫َا‬ ‫َا َلن‬ ‫َم‬ ‫اعةٌ ‪ (2)،‬ف‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ع‬‫ف‬‫َ‬ ‫ن‬‫ت‬
‫َ‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫ٌ‬ ‫د‬
‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ن‬‫ْ‬ ‫‪ (1)،‬والَ ي ْقبل ِ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َُُ َ َ َ‬
‫َ ‪ ..)3(‬إخل؛ فإن الشفاعة املنفيَّة هنا هي الشفاعة‬ ‫ِين‬ ‫ِع‬ ‫ِن شَاف‬ ‫م‬
‫يف أهل الشرك‪ ،‬وكذلك الشفاعة الشركية اليت يثبتها املشركون‬
‫ألصنامهم‪ ،‬ويثبتهاـ النصارى للمسيح والرهبان‪،‬ـ وهي اليت تكون‬
‫بغري إذن اهلل ورضاه‪.‬‬
‫وأما قولـه‪(( :‬أما الشفاعة األوىل؛ فيشفع يف أهل املوقف حىت‬
‫يُقضى بينهم))؛ فهذه هي الشفاعة العظمى‪ ،‬وهي املقامـ احملمود‬
‫الذي يغبطه به النبيُّون‪،‬ـ والذي وعده اهلل أن يبعثه إياه بقولـه‪:‬‬
‫دا ‪.)4( ‬‬ ‫ُوً‬ ‫ْم‬‫مح‬
‫ما َّ‬ ‫َاً‬ ‫مق‬ ‫بكَ َ‬ ‫َكَ ر‬
‫َُّ‬ ‫َث‬ ‫ْع‬ ‫يب‬ ‫َن َ‬ ‫َسَى أ‬ ‫‪‬ع‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫يعين‪ :‬حيمده عليه أهل املوقف ً‬

‫املدثر‪.)48( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫البقرة‪.)123( :‬‬
‫‪)(2‬‬
‫الشعراء‪.)100( :‬‬
‫‪)(3‬‬
‫اإلسراء‪.)79( :‬‬
‫‪)(4‬‬

‫‪237‬‬
‫وقد أمرنا نبيُّناـ ‪ ‬إذا مسعنا النداء أن نقول بعد الصالة عليه‪:‬‬
‫حممدا الوسيلة‬
‫َّامة‪ ،‬والصالةـ القائمة‪ ،‬آت ً‬‫رب هذه الدعوة الت َّ‬ ‫((اللهم َّ‬
‫حممودا الذي وعدتَه))(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫مقاما‬
‫والفضيلة‪ ،‬وابعثهـ ً‬
‫وأما قولـه‪(( :‬وأما الشفاعة الثانية؛ فيشفع يف أهل اجلنة أن يدخلوا‬
‫اجلنة))؛ يعين‪ :‬أهنم ـ وقد استحقُّوا دخول اجلنة ـ ال يؤذن هلم‬
‫بدخوهلا إال بعد شفاعته(‪.)2‬‬

‫رواه البخاري يف األذان‪( ،‬باب‪ :‬الدعاء عند النداء)(‪-2/94‬فتح)‪،‬‬


‫‪)(1‬‬
‫ويف تفسري سورة اإلسراء‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬والنسائي‪.‬ـ‬

‫(صحيح)‪ .‬ملا رواه مسلم يف اإلميان‪( ،‬باب‪ :‬أدىن أهل اجلنة منزلة‬
‫‪)(2‬‬
‫فيها)(‪-3/70‬نووي)‪ ،‬عن حذيفة بن اليمان وأيب هريرة رضي اهلل عنهما‬

‫مرفوعا‪:‬‬
‫ً‬
‫ف هلم‬
‫((جيمع اهلل تبارك وتعاىل الناس‪ ،‬فيقوم املؤمنونـ حىت تُ ْزلَ َ‬
‫اجلنة‪ ،‬فيأتونـ آدم‪ ،‬فيقولون‪ :‬يا أبانا! استفتح لنا…))‪.‬‬

‫مث ذكر يف احلديث إتياهَن م إبراهيم وموسى وعيسى…ـ إىل أن‬


‫قال‪:‬‬
‫حممدا ‪ ،‬فيقوم‪ ،‬فيؤذن له))‪.‬‬
‫((فيأتونـ ً‬

‫‪238‬‬
‫خاصتان لـه))؛ يعين‪ :‬الشفاعة يف أهل‬
‫َّ‬ ‫وأما قولـه‪(( :‬وهاتانـ الشفاعتانـ‬
‫املوقف‪ ،‬والشفاعة يف أهل اجلنة أن يدخلوها‪.‬‬
‫وتنضم إليهما ثالثة‪ ،‬وهي شفاعته يف ختفيف العذاب عن بعض املشركني؛‬ ‫ُّ‬
‫كما يف شفاعته لعمه أيب طالب‪ ،‬فيكونـ يف ضحضاح من نار؛ كما ورد‬
‫بذلك احلديث(‪.)1‬‬
‫استحق النار…))‬
‫َّ‬ ‫وأما قولـه‪(( :‬وأما الشفاعة الثالثة؛ فيشفع فيمن‬
‫إخل‪ .‬وهذه هي الشفاعة اليت ينكرها اخلوارج واملعتزلة؛ فإن‬
‫يدخلَها‪ ،‬ومن دخلها؛‬‫بد أن ُ‬ ‫استحق النار؛ ال َّ‬
‫َّ‬ ‫مذهبهم أن َمن‬
‫ال خيرج منها ال بشفاعة وال بغريها‪.‬‬
‫ترد على زعمهم وتبطله(‪.)2‬‬ ‫واألحاديث املستفيضة املتواترة ُّ‬

‫من ذلك ما رواه البخاري يف مناقب األنصار‪( ،‬باب‪ :‬قصة أيب‬


‫‪)(1‬‬
‫طالب)(‪-7/193‬فتح)‪ ،‬ويف الرقاق‪ ،‬ومسلم يف اإلميان‪( ،‬باب‪ :‬شفاعة‬

‫النيب ‪ ‬أليب طالب)(‪-3/85‬نووي) عن أيب سعيد اخلدري أنه مسع رسول‬

‫اهلل ‪ ‬ـ وذكر عنده عمه أبو طالب ـ فقال‪:‬‬

‫((لعله تنفعه شفاعيت يوم القيامة…ـ)) احلديث‪.‬‬

‫منها ما رواه البخاري يف الرقاق‪( ،‬باب‪ :‬صفة اجلنة والنار)(‬


‫‪)(2‬‬
‫مرفوعا‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪-11/418‬فتح)‪ ،‬عن عمران بن حصني‬

‫‪239‬‬
‫اب‬‫اب َوالث ََّو ِـ‬ ‫اآلخرةُ ِمن احْلِس ِ‬ ‫اف ما تَض َّمنَْته الدَّار ِ‬
‫َصنَ ُ َ َ ُ‬ ‫(وأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ورةٌ يِف الْ ُكتُ ِـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك َم ْذ ُك َ‬ ‫يل ذَل َ‬ ‫َوالْع َقاب َواجْلَنَّة َوالنَّار َوَت َفاص ُ‬
‫الس َم ِاء‬
‫الْ ُمَنَّزلَِة ِم َن َّ‬
‫‪ ،‬واآلثَا ِر ِمن الْعِْل ِم الْمأْثُو ِر ع ِن األَنْبِي ِاء‪ ،‬ويِف الْعِْل ِم الْمور ِ‬
‫وث َع ْن حُمَ َّم ٍد ‪‬‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِمن َذلِك ما ي ْش ِفي ويك ِ‬
‫ْفي‪،‬ـ فَ َم ِن ْابَتغَاهُ َو َج َدهُ)‪.‬‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ َ َ‬
‫تضمنَْتهُ الدار اآلخرة من احلساب…))‬ ‫‪/‬ش‪ /‬وأما قولـه‪(( :‬وأصناف ما َّ‬
‫ثابت بالعقل كما‬ ‫وشرها ٌ‬ ‫إخل؛ فاعلم أن أصل اجلزاء على األعمال خريها ّ‬
‫ثابت بالسمع‪ ،‬وقد نبَّه اهلل العقول إىل ذلك يف مواضع كثرية من‬ ‫هو ٌ‬
‫كتابه؛ مثل قوله تعاىل‪:‬‬
‫ْ‬‫ُم‬ ‫نك‬ ‫ََّ‬‫َأ‬ ‫ًا و‬ ‫َث‬ ‫َب‬ ‫ْع‬ ‫ُم‬ ‫َاك‬ ‫ْن‬ ‫لق‬ ‫ََ‬ ‫َا خ‬ ‫نم‬‫ََّ‬
‫ْأ‬ ‫ُم‬ ‫ْت‬ ‫ِب‬ ‫َس‬‫َح‬ ‫َف‬‫‪‬أ‬
‫َن‬ ‫نأ‬ ‫ِنسَاُ‬ ‫ُ اإل‬ ‫ْسَب‬ ‫يح‬ ‫ََ‬‫ن ‪(1)، ‬أ‬ ‫ُوَ‬ ‫َع‬ ‫ْج‬ ‫تر‬ ‫َا ال ُ‬ ‫ْن‬ ‫َِلي‬ ‫إ‬
‫دى‪.)2( ‬‬ ‫َكَ سًُ‬ ‫ْر‬ ‫يت‬ ‫ُ‬
‫مهملني‪ ،‬وال‬
‫فإنه ال يليق يف حكمة احلكيم أن يـرتك النـاس ُس ًدى َ‬
‫يؤمرون‪ ،‬وال يُْن َهون‪ ،‬وال يُثابون وال يُعاقبون؛ كما ال يليق بعدله‬
‫وحكمته أن يسوي بني املؤمن والكافر‪ ،‬والرب والفاجر؛ كما قال تعاىل‪:‬‬
‫قوم من النار بشفاعة حممد ‪ ،‬فيدخلون اجلنة‪ ،‬يسمون‬
‫((خيرج ٌ‬
‫اجلهنَّميني))‪.‬‬

‫املؤمنون‪:‬ـ (‪.)115‬‬
‫‪)(1‬‬
‫القيامة‪.)36( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪240‬‬
‫ُوا‬ ‫ِل‬ ‫َم‬ ‫َع‬‫ُوا و‬ ‫من‬ ‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ُ َّ‬ ‫َل‬ ‫ْع‬‫نج‬ ‫َْ‬ ‫َم‬ ‫‪‬أ‬
‫َم‬
‫ْ‬ ‫ضأ‬ ‫ِْ‬ ‫ِي األَر‬ ‫َف‬ ‫ِين‬ ‫ِد‬ ‫ْس‬ ‫ُف‬ ‫َاتِ ك ْ‬
‫َالم‬ ‫لح‬ ‫َّاِ‬ ‫الص‬
‫ِ ‪. ) 1( ‬‬
‫َّار‬ ‫ُج‬ ‫َالف‬ ‫َك ْ‬ ‫ِين‬ ‫َّق‬
‫ُت‬ ‫الم‬ ‫ُ ْ‬ ‫َل‬ ‫ْع‬ ‫نج‬ ‫َ‬
‫أشد اإلنكار‪.‬‬ ‫فإن العقول الصحيحة تأىب ذلك وتنكره َّ‬
‫ههم اهلل على ذلك مبا أوقعه من أيامه يف الدنيا من‬ ‫وكذلك نبَّ ُ‬
‫إكرام الطائعني‪ ،‬وخذالن الطاغني‪.‬‬
‫وأما تفاصيل األجزية ومقاديرها؛ فال يدرك إال بالسمع والنقول‬
‫الصحيحة عن املعصوم الذي ال َيْن ِط ُق عن اهلوى صلوات اهلل‬
‫وسالمه عليه وعلى آله‪.‬‬
‫اع ِة بِالْ َق َد ِر خَرْيِ ِه‬ ‫َّاجيةُ ِمن أَه ِل ُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫السنَّة َواجْلَ َم َ‬ ‫(و ُت ْؤم ُن الْف ْرقَةُ الن َ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫َو َشِّر ِه‪.‬‬
‫ض َّم ُن َشْيئَنْي ِ )‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وا ِإلميَا ُن بِالْ َق َد ِر َعلَى َدر َجتَ ِ‬
‫ني؛ ُك ُّل َد َر َجة َتتَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫أحد األركان‬
‫‪/‬ش‪ /‬واإلميان بالقدر خريه وشره من اهلل تبارك وتعاىل ُ‬
‫دل عليه حديث جربيل وغريه‪،‬‬ ‫ك اإلميان؛ كما َّ‬
‫الستَّة اليت يدور عليها َفلَ ُ‬
‫وجل‪.‬‬
‫عز ّ‬ ‫وكما دلَّت عليه اآليات الصرحية من كتاب اهلل ّ‬
‫وقد ذكر املؤلِّف هنا أن اإلميان بالقدر على درجتني‪ ،‬وأ ّن كالًّ منهما‬
‫تتضمن شيئني‪:‬‬

‫ص‪.)28( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪241‬‬
‫يم بِاخْلَْل ِق َو ُه ْم]‬
‫(‪) 1‬‬ ‫ِ‬ ‫َّر َجةُ األُوىَل ‪ :‬اإلميَا ُن بِأ َّ‬
‫[عل ٌ‬‫َن اهللَ َت َعاىَل َ‬ ‫(فَالد َ‬
‫وف بِِه أ ََزالً َوأَبَ ًدا‬ ‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ٌ‬ ‫َعاملُو َن بِع ْلمه الْ َقد ِمي الَّذي ُه َو َم ْو ُ‬
‫اآلج ِال‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،‬وعلِم مَجِ يع أَحواهِلِم ِّمن الطَّ ِ‬
‫اعات َوالْ َم َعاصي َواأل َْر َزاق َو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َْ‬
‫وظ َم َق ِاد َير اخْلَْل ِق‪.‬‬ ‫مُثَّ َكتَب اهلل يِف اللَّو ِح الْمح ُف ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ال‪:‬‬
‫ب؟ قَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ك‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫‪.‬‬ ‫ب‬
‫ْ‬ ‫ُ‬‫ت‬‫ك‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫َ‬‫ق‬ ‫(‪) 3‬‬
‫م‬
‫ُ َ‬‫ل‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫اهلل‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫(‪) 2‬‬
‫فَأ ََّو َل َ‬
‫ب َما ُه َو َكائِ ٌن إِىَل َي ْوِم الْ ِقيَ َام ِة‪.‬ـ‬ ‫ا ْكتُ ْ‬
‫ِ‬
‫َخطَأَهُ مَلْ يَ ُكن‬ ‫اب ا ِإلنْ َسا َـن مَلْ يَ ُكن لِّيُ ْخطئَهُ‪َ ،‬و َما أ ْ‬ ‫َص َ‬ ‫فَ َما أ َ‬
‫َّت األَقْالَم‪ ،‬وطُ ِوي ِ‬ ‫صيبه‪ ،‬جف ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َت َعاىَل ‪:‬‬ ‫ف؛ َك َما قَ َ‬ ‫الص ُح ُ‬ ‫ت ُّ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫لِّيُ َ ُ َ‬
‫َاء‬ ‫ِي السَّم‬ ‫ما ف‬ ‫َُ‬ ‫لم‬ ‫َْ‬ ‫يع‬ ‫ََ‬ ‫ن هَّللا‬‫ََّ‬ ‫ْأ‬ ‫لم‬ ‫َْ‬ ‫تع‬ ‫َْ‬ ‫ََلم‬ ‫‪‬أ‬
‫لى هَّللا‬
‫ِ‬ ‫ََ‬ ‫ِكَ ع‬ ‫َل‬ ‫نذ‬ ‫َِّ‬‫َابٍ إ‬ ‫ِت‬ ‫ِي ك‬ ‫ِكَ ف‬ ‫َل‬ ‫نذ‬ ‫َِّ‬‫ضإ‬ ‫ِْ‬‫َاألَر‬ ‫و‬
‫ِي‬ ‫ٍف‬ ‫َة‬ ‫ِيب‬ ‫مص‬ ‫ِن ُّ‬ ‫َم‬ ‫َاب‬ ‫َص‬ ‫ما أ‬ ‫ال‪َ:‬‬ ‫ٌ ‪َ ،)4(‬وقَ َ‬ ‫ِير‬ ‫يس‬ ‫َ‬
‫ْل‬
‫ِ‬ ‫َب‬ ‫من ق‬ ‫َابٍ ِّ‬ ‫ِت‬ ‫ِي ك‬ ‫ِالَّ ف‬ ‫ْإ‬ ‫ُم‬ ‫ِك‬ ‫ُس‬ ‫َنف‬ ‫ِي أ‬ ‫َال ف‬ ‫ضو‬ ‫ِْ‬ ‫األَر‬
‫ٌ ‪. ) 5( ‬‬‫ِير‬ ‫يس‬ ‫َِ‬ ‫لى هَّللا‬ ‫ََ‬ ‫ِكَ ع‬ ‫َل‬ ‫نذ‬ ‫َِّ‬ ‫ها إ‬ ‫ََ‬ ‫َأ‬ ‫ْر‬‫نب‬ ‫َن َّ‬ ‫أ‬
‫اض َع مُجْلَةً َوَت ْفصيِالً‪:‬‬ ‫الت ْق ِدير التَّابِع لِعِْل ِم ِه سبحانَه ي ُكو ُـن يِف مو ِ‬
‫ََ‬ ‫ُْ َ ُ َ‬ ‫َو َه َذا َّ ُ ُ‬
‫يف املخطوط‪[ :‬علم ما اخللق]‪ ،‬وكذا يف ((الفتاوى))‪.‬‬
‫‪)(1‬‬
‫منصوب على الظرفية‪.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫منصوب على املفعولية‪.‬‬
‫‪)(3‬‬
‫احلج‪.)70( :‬‬
‫‪)(4‬‬
‫احلديد‪.)22( :‬‬
‫‪)(5‬‬

‫‪242‬‬
‫وظ َما َشاءَ‪.‬‬ ‫َف َق ْد َكتَب يِف اللَّو ِح الْمح ُف ِ‬
‫ْ َْ‬ ‫َ‬
‫ث إِلَْي ِه َملَ ًكا‪َ ،‬فُي ْؤ َم ُر بِأْ ْربَ ِع‬ ‫الر ِ ِ‬
‫وح ف ِيه؛ َب َع َ‬ ‫وإِ َذا َخلَ َق َجس َد اجْلَنِ ِ‬
‫ني َقْب َل َن ْف ِخ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َجلَهُ‪َ ،‬و َع َملَهُ‪َ ،‬و َش ِق ٌّي أ َْم َسعِي ٌد‪َ .‬وحَنْ َو‬ ‫ب‪ِ :‬ر ْزقَهُ‪َ ،‬وأ َ‬ ‫ال لَهُ‪ :‬ا ْكتُ ْ‬‫ات‪َ ،‬فُي َق ُ‬‫َكلِم ٍ‬
‫َ‬
‫ك…‬ ‫ِ‬
‫َذل َ‬
‫يل)(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفه َذا َّ ِ‬
‫الت ْقد ُير قَ ْد َكا َن يُْنك ُرهُ غُالةُ الْ َق َدريَّة قَدميًا‪َ ،‬و ُمْنك ُرهُ الَْي ْو َم قَل ٌ‬ ‫َ‬
‫تتضمن‪:‬‬
‫‪/‬ش‪ /‬فالدرجة األوىل َّ‬
‫أ ََّوالً‪ :‬اإلميــان بعلمه القدمي احمليط جبميع األشياء‪ ،‬وأنه تعاىل َعلم هبذا العلم‬
‫كل ما سيعمله اخللق فيما ال يزال‪ ،‬وعلم‬ ‫وأبدا َّ‬ ‫القدمي املوصوف به أزالً ً‬
‫به مجيع أحواهلم من الطاعات واملعاصيـ واألرزاق واآلجال‪.‬‬

‫وج ْعل القدر أربع مراتب مل يكن معروفًا‬


‫هذا التقسيم هبذه الصورة َ‬ ‫‪)(1‬‬
‫فصله هو شيخ اإلسالمـ رمحه اهلل‪ ،‬فزعم‬
‫من قبل‪ ،‬وقد يكون أول من َّ‬

‫بعض املغرضني أهنا بدعة ابتدعها‪،‬ـ لكن من قرأ كالم السلف علم أهنم‬

‫يعنون باإلميان بالقدر اإلميان هبذه املراتب‪ ،‬وعدم اإلميان بواحدة منها ال‬

‫حيقِّق اإلميان بالقدر‪ ،‬واملراتبـ هي‪ :‬علم اهلل بكل شيء‪ ،‬وكتابته‪،‬ـ ومشيئته‬

‫النافذة وأنه خالق كل شيء‪ .‬فال حرج من التقسيم والتبويب من أجل‬

‫التوضيح‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫مطابق‬
‫ٌ‬ ‫فكل ما يوجد من أعيان وأوصاف ويقع من أفعال وأحداث فهو‬
‫ملا علمه اهلل عز وجل أزالً‪.‬‬
‫وسجله يف اللوح احملفوظ‪ ،‬فما علم اهلل كونه‬‫ثانيًا‪ :‬أن اهلل كتب ذلك كله َّ‬
‫ووقوعه من مقادير اخلالئق وأصناف املوجودات وما يتبع ذلك من‬
‫األحوال واألوصاف واألفعال ودقيق األمور وجليلها قد أمر القلم‬
‫بكتابته؛ كما قال ‪:‬‬
‫((قدَّر اهلل مقادير اخلالئق قبل أن خيلق السموات واألرض خبمسني ألف‬
‫سنة‪ ،‬وكان عرشه على املاء))(‪.)1‬‬
‫وكما قال يف احلديث الذي ذكره املؤلف‪:‬‬
‫((إن أول ما خلق اهلل القلم؛ قال لـه‪ :‬اكتب‪ .‬قال‪ :‬وما أكتب؟‬
‫قال‪ :‬اكتبـ ما هو كائن إىل يوم القيامة))ـ(‪.)2‬‬

‫رواه مسلم يف القدر‪( ،‬باب‪ :‬حجاج آدم وموسىـ عليهما السالم)(‬


‫‪)(1‬‬
‫‪-16/442‬نووي)؛ بلفظ‪(( :‬كتب اهلل مقادير‪ ،))..‬والرتمذي يف القدر‬

‫أيضا‪.‬‬
‫ً‬
‫(صحيح)‪ .‬رواه أبو داود يف السنة‪( ،‬باب‪ :‬القدر)(‪-12/468‬‬
‫‪)(2‬‬
‫عون)‪ ،‬والرتمذي يف القدر (‪-6/369‬حتفة)‪ ،‬وأمحد يف ((املسند))(‬

‫‪.)5/317‬‬

‫‪244‬‬
‫و(أول) هنا بالنصب على الظرفية‪ ،‬والعامل فيه (قال)؛ أي‪ :‬قال له‬ ‫َ‬
‫ذلك أول ما خلقه‪.‬‬
‫وقد روي بالرفع على أنه مبتدأ‪ ،‬وخربه القلم‪.‬‬
‫وهلذا اختلف العلماء يف العرش والقلم؛ أيهما ُخلَ َق أوالً(‪.)1‬‬
‫وحكى العالمةـ ابن القيّم يف ذلك قولني‪ ،‬واختار أن العرش‬
‫خملوق قبل القلم‪ .‬قال يف ((النونية))ـ(‪:)2‬‬
‫ٌ‬

‫َّاس خُمْتَلِ ُفو َن يِف الْ َقلَ ِم الَّذي‬


‫((والن ُ‬
‫َ‬

‫انظر‪(( :‬جامع األصول))(‪ ،)7576‬و((السنة)) البن أيب عاصم (‬

‫‪.)1/48‬‬

‫رجح فيه زيادة (الفاء)‬


‫للشيخ األلباين ختريج لطيف للحديث السابق‪َّ ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫رجح أسبقية خلق القلم‬
‫أو (مث) عند قوله‪(( :‬قال له‪ :‬اكتب))‪ ،‬وعليه فقد َّ‬
‫على العرش‪ ،‬وأسبقية خلق العرش على الكتابةـ ‪ِ ،‬‬
‫فراج ْعه إن شئت يف‬

‫((الطحاوية)) (ص‪ ، )264‬وانظر ((السلسلة الصحيحة))(‪ .)133‬وانظر‬

‫كتاب ((القدر)) للقرشي (هامش صفحة‪.)122‬‬

‫انظر‪(( :‬شرح النونية)) للهراس (‪ ،)1/165‬والبن عيسى (‪.)1/374‬‬


‫‪)(2‬‬

‫‪245‬‬
‫ان‬ ‫ضاءُ بِِه ِم َن َّ‬
‫الديَّ ِ‬ ‫ب الْ َق َ‬
‫ِ‬
‫ُكت َ‬

‫َه ْل َكا َن َقْب َل الْ َع ْر ِش أ َْو ُه َو َب ْع َدهُ‬


‫الن ِعْن َد أَيِب الْ َعالَ اهْلََم َدايِن‬
‫َقو ِ‬
‫ْ‬

‫ش َقْب ُل ألَنَّهُ‬ ‫َواحْلَ ُّق أ َّ‬


‫َن الْ َع ْر َ‬
‫[وقْت](‪ )1‬الْ ِكتَاب ِـة َكا َن َذا أَر َك ِ‬
‫ان‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ت‬ ‫الش ِر ِ‬
‫يف َت َعقَّبَ ْ‬ ‫َو َكتَابَةُ الْ َقلَ ِم َّ‬

‫إِجياده ِمن َغ ِ فَص ِل َزم ِ‬


‫ان))‬ ‫َ َ ُ ْ رْي ْ َ‬
‫كائن إىل يوم القيامةـ بكل ما يقع‬
‫بكل ما هو ٌ‬
‫وإذا كان القلم قد جرى ِّ‬
‫من كائنات وأحداث؛ فهو مطابق ملا كتب فيه‪ ،‬فما أصاب اإلنسانـ مل‬
‫يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه مل يكن ليصيبه؛ كما جاء يف حديث ابن عباس‬
‫رضي اهلل عنهما وغريه(‪.)2‬‬

‫يف املرجعني السابقني‪[ :‬قبل]؛ بدل‪[ :‬وقت]‪.‬ـ‬


‫‪)(1‬‬
‫(صحيح)‪ .‬جزء من حديث رواه الرتمذي يف القدر‪( ،‬باب‪ :‬ما جاء‬
‫‪)(2‬‬
‫يف اإلميان بالقدر خريه وشره)(‪-6/356‬حتفة) عن جابر بن عبد اهلل‬

‫مرفوعا‪(( :‬ال يؤمن عبد‪ ،‬حىت يؤمن بالقدر خريه وشره من اهلل‪ ،‬وحىت‬
‫ً‬

‫‪246‬‬
‫وهذا التقدير التابع للعلم القدمي تارة يكونـ مجلةً؛ كما يف اللوح احملفوظ؛‬
‫خيص كل ٍ‬
‫فرد؛ كما‬ ‫فإن فيه مقادير كل شيء‪ ،‬ويكونـ يف مواضع تفصيالً ُّ‬
‫يف الكلمات األربع اليت يؤمر امللك بكتابتهاـ عند نفخ الروح يف اجلنني؛‬
‫وشقي أم سعيد(‪.)1‬‬
‫ٌّ‬ ‫يكتب رزقه‪ ،‬وأجله‪ ،‬وعمله‪،‬‬

‫يعلم أن ما أصابه مل يكن ليخطئه‪ ،‬وأن ما أخطأه مل يكن ليصيبه))‪ .‬انظر‪:‬‬

‫((صحيح اجلامع)) (‪.)7461‬‬

‫كما رواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬وغريمها؛ عن ابن عباس‪ ،‬وأيب بن‬

‫مرفوعا وموقوفًا‪ .‬انظر‪:‬‬


‫ً‬ ‫كعب‪ ،‬وعبادة بن الصامت رضي اهلل عنهم‬

‫((جامع األصول))(‪.)7576 ،7575 ،7574‬‬

‫ملا رواه البخاري يف بدء اخللق‪( ،‬باب‪ :‬ذكر املالئكة)(‪-6/303‬‬


‫‪)(1‬‬
‫فتح)‪ ،‬ومسلم يف القدر‪( ،‬باب‪ :‬كيفية اخللق اآلدمي)(‪-16/429‬نووي)‪،‬‬

‫وأمحد يف ((املسند)) (‪ ،)1/374‬وأبو داود‪ ،‬والرتمذي‪.‬‬

‫=‬

‫وهو جزء من حديث ابن مسعود املشهور‪:‬‬ ‫=‬

‫((إن خلق أحدكم جيمع يف بطن أمه…)) احلديث‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫خاص‪ ،‬وهذا التقدير السابق على وجود األشياء قد‬ ‫ٌّ‬ ‫تقدير‬
‫ٌ‬ ‫فهذا‬
‫كان ينكره غالة القدرية قدميًا؛ مثل‪ :‬معبد اجلهين(‪ ،)1‬و َغيالن‬
‫الدِّمشقي(‪ ،)2‬وكانوا يقولون‪ :‬إن األمر أنف‪.‬‬
‫معلوما من الدين‬
‫ً‬ ‫ومنكر هذه الدرجة من القدر كافر؛ ألنه أنكر‬
‫بالضرورة‪ ،‬وقد ثبت بالكتاب والسنة واإلمجاع‪.‬‬

‫هو معبد بن عبد اهلل بن عليم اجلهين البصري‪ ،‬أول من قال بالقدر‪،‬‬
‫‪)(1‬‬
‫هنى احلسن عن جمالسته‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫((هو ٌّ‬
‫ضال مضلٌّ))‪.‬‬

‫صلَبه عبد امللك بن مروان‪.‬‬


‫احلجاج سنة (‪80‬هـ)‪ ،‬وقيل‪َ :‬‬
‫قتله َّ‬
‫انظر‪(( :‬ميزان االعتدال)) (‪ ،)4/141‬و((األعالم)) (‪.)7/264‬‬

‫هو غيالنـ بن مسلم بن أيب غيالن‪،‬ـ أبو مروان الدمشقي‪،‬كاتبـ بليغ‪،‬‬


‫‪)(2‬‬
‫صلَبه هشام بن عبد امللك‬
‫ثاين َمن تكلم يف القدر‪ ،‬أخذه عن معبد اجلهين‪َ ،‬‬
‫بدمشق بعد عام (‪105‬هـ)‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬األعالم)) (‪.)5/124‬‬

‫‪248‬‬
‫اهلل النَّافِ َذةُ‪ ،‬وقُ ْدرتُه الش ِ‬
‫َّاملَةُ‬ ‫(وأ ََّما الدَّرجةُ الثَّانِيةُ؛ فَ ِهي م ِشيئةُ ِ‬
‫َ َُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫َن َما َشاء اهللُ َكا َن‪َ ،‬و َما مَلْ يَ َشأْ مَلْ يَ ُك ْن‪َ ،‬وأَنَّهُ َما يِف‬
‫َ‬ ‫‪َ ،‬و ُه َو‪ :‬ا ِإلميَا ُن بِأ َّ‬
‫ون؛ـ إالَّ مِب َ ِشيئ ِة ِ‬ ‫ض ِمن حر َك ٍة والَ س ُك ٍ‬ ‫َّ ِ‬
‫اهلل ُسْب َحانَهُ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الس َم َوات َو َما يِف األ َْر ِ ْ َ َ َ ُ‬
‫يد](‪َ ،)3‬وأَنَّهُ ُسْب َحانَهُ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء‬ ‫[الَ يَ ُكو ُـن يِف ُم ْل ِك ِه َما الَ يُِر ُ‬
‫ض‬‫وق يِف األ َْر ِ‬ ‫ات‪ ،‬فَما ِمن خَمْلُ ٍ‬ ‫ات والْمع ُدوم ِ‬ ‫قَ ِدير ِمن الْموج ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ود َ َ ْ َ‬ ‫ٌ َ َْ ُ َ‬
‫الس َم ِاء إالَّ اهللُ َخالُِقهُ ُسْب َحانَهُ‪ ،‬ال َخالِ َق َغْي ُرهُ‪َ ،‬والَ َر َّ‬
‫ب‬ ‫َوالَ يِف َّ‬
‫ِس َواهُ‪.‬‬
‫اه ْم َع ْن‬ ‫ك؛ َف َق ْد أَمر الْعِباد بِطَاعتِ ِه وطَ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اعة ُر ُسله‪َ ،‬و َن َه ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َو َم َع َذل َ‬
‫صيَتِ ِه‪.‬‬‫مع ِ‬
‫َْ‬
‫ضى َع ِن‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َو ُه َو ُسْب َحانَهُ حُيِ ُّ‬
‫ني‪َ ،‬و َي ْر َ‬ ‫ني َوالْ ُم ْقسط َ‬ ‫ني َوالْ ُم ْحسن َ‬ ‫ب الْ ُمتَّق َ‬
‫ِ‬ ‫ات‪َ ،‬وال حُيِ ُّ‬ ‫الصاحِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ضى‬ ‫ين‪َ ،‬والَ َي ْر َ‬ ‫ب الْ َكاف ِر َ‬ ‫ين َآمنُواـ َو َعملُوا َّ َ‬ ‫الذ َ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ضى لعبَادهُ‬ ‫ني‪َ ،‬والَ يَأْ ُم ُر بِالْ َف ْح َشاء‪َ ،‬والَ َي ْر َ‬ ‫َع ِن الْ َق ْوم الْ َفاسق َ‬
‫ب الْ َف َس َاد)‪.‬‬ ‫الْ ُك ْفَر‪َ ،‬والَ حُيِ ُّ‬
‫‪/‬ش‪/‬قولـه‪((:‬وأما الدرجة الثانيةـ من القدر‪ ))..‬إخل؛ فهي تتضمن شيئني‬
‫أيضا‪:‬‬
‫ً‬
‫أوهلما‪ :‬اإلميان بعموم مشيئته تعاىل‪ ،‬وأن ما شاء اهلل كان وما مل يشأ مل‬
‫يكن‪ ،‬وأنه ال يقع يف ملكه ما ال يريد‪ ،‬وأن أفعال العباد من الطاعات‬

‫يف املخطوط‪[ :‬وال يكون يف ملكه إال ما يريد]‪ ،‬وكذا يف‬


‫‪)(3‬‬
‫((الفتاوى))‪ ،‬لكن بدون حرف العطف الواو‪.‬ـ‬

‫‪249‬‬
‫كائن؛ سواءً كان‬
‫واملعاصي واقعة بتلك املشيئة العامة اليت ال خيرج عنها ٌ‬
‫مما حيبه اهلل ويرضاه أم ال‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬اإلميان بأنـ مجيع األشياء واقعة بقدرة اهلل تعاىل‪ ،‬وأهنا خملوقة لـه؛‬
‫ال خالق هلا سواه‪،‬ـ ال فرق يف ذلك بني أفعال العباد وغريها؛ كما قال‬
‫تعاىل‪:‬‬
‫ن ‪. ) 1( ‬‬
‫ُوَ‬ ‫َل‬‫ْم‬ ‫تع‬‫ما َ‬ ‫ََ‬‫ْو‬ ‫ُم‬‫َك‬ ‫لق‬‫ََ‬ ‫ُخ‬ ‫َهَّللا‬
‫‪‬و‬
‫الشرعي‪ ،‬وأن اهلل تعاىل كلَّف العباد‪ ،‬فأمرهم بطاعته‬ ‫ّ‬ ‫وجيب اإلميان باألمر‬
‫ُ‬
‫وطاعة رسله‪ ،‬وهناهم عن معصيته‪.‬ـ‬
‫وال منافاة أصالً بني ما ثبت من عموم مشيئتهـ سبحانه جلميع األشياء وبني‬
‫تكليفه العباد مبا شاء من أمر وهن ٍي؛ فإن تلك املشيئةـ ال تنايف حرية العبد‬
‫واختياره للفعل‪ ،‬وهلذا مجع اهلل بني املشيئتني بقولـه‪:‬‬
‫ما‬‫ََ‬ ‫َ* و‬ ‫ِيم‬ ‫َق‬ ‫يسْت‬ ‫َن َ‬ ‫ْأ‬ ‫ُم‬‫ِنك‬ ‫َن شَاء م‬ ‫لم‬ ‫‪ِ‬‬
‫َ ‪. ) 2( ‬‬
‫ِين‬ ‫َ َ‬
‫الم‬ ‫الع‬‫ُّ ْ‬ ‫َب‬ ‫ُر‬ ‫يشَاء هَّللا‬ ‫َن َ‬ ‫ِالَّ أ‬
‫نإ‬ ‫ُوَ‬ ‫تشَاؤ‬ ‫َ‬
‫الشرعي املتعلِّق مبا‬
‫ّ‬ ‫تالزم بني تلك املشيئة وبني األمر‬ ‫َ‬ ‫كما أنه ال‬
‫وحيب ما ال يشاء‬ ‫ُّ‬ ‫حيبه اهلل ويرضاه‪ ،‬فقد يشاء اهلل ما ال حيبُّه‪،‬‬
‫كونه‪:‬‬
‫فاألول‪ :‬كمشيئته وجود إبليس وجنوده‪.‬‬

‫الصافات‪.)96( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫التكوير‪.)29 ،28( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪250‬‬
‫الفجار‪ ،‬وعدل الظاملني‪،‬‬ ‫والثاين‪ :‬كمحبة إميان الكفار‪ ،‬وطاعات َّ‬
‫وتوبة الفاسقني‪ ،‬ولو شاء ذلك؛ لوجد كله؛ فإنه ما شاء كان‪،‬‬
‫وما مل يشأ مل يكن‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اد فَاعلُو َن َحقي َقةً‪َ ،‬واللَّهُ َ‬
‫[خلَ َق](‪ )1‬أَْف َعاهَلُ ْم‪.‬‬ ‫(والْعبَ ُ‬
‫َ‬
‫الصائِ ُم‪.‬‬
‫صلِّي‪َ ،‬و َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوالْ َعْب ُد ُه َو‪ :‬الْ ُم ْؤم ُن‪َ ،‬والْ َكاف ُر‪َ ،‬والَْبُّر‪َ ،‬والْ َفاج ُر‪َ ،‬والْ ُم َ‬
‫[وهَلُ ْم إَِر َادةٌ‪َ ،‬واهللُ َخالُِق ُه ْم َوقُ ْد َرهِتِ ْم‬ ‫هِلِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ِول ْلعبَاد قُ ْد َرةٌ َعلَى أ َْع َما ْم‪َ ،‬‬
‫َن‬ ‫ْأ‬ ‫ُم‬ ‫ِنك‬ ‫َن شَاء م‬ ‫لم‬ ‫ال َت َعاىَل ‪ِ :‬‬ ‫َوإَِر َادهِتِ ْم](‪)2‬؛ َك َما قَ َ‬
‫َب‬
‫ُّ‬ ‫ُر‬ ‫يشَاء هَّللا‬ ‫َن َ‬ ‫ِالَّ أ‬ ‫نإ‬ ‫ُوَ‬ ‫تشَاؤ‬ ‫ما َ‬ ‫ََ‬ ‫َ* و‬ ‫ِيم‬ ‫َق‬‫يسْت‬ ‫َ‬
‫(‪) 3‬‬
‫َ ‪.) ‬‬ ‫ِين‬ ‫الم‬‫َ َ‬ ‫الع‬ ‫ْ‬
‫‪/‬ش‪ /‬وكذلك ال منافاة بني عموم خلقه تعاىل جلميع األشياء‪ ،‬وبني كون‬
‫ف بفعله‪ ،‬فهو املؤمن والكافر‪،‬‬ ‫يوص ُ‬
‫العبد فاعالً لفعله؛ فالعبد هو الذي َ‬
‫والرب والفاجر‪ ،‬واملصلي والصائم‪ ،‬واهلل خالقه‪ ،‬وخالق فعله؛ ألنه هو‬
‫الذي خلق فيه القدرة واإلرادة اللتني هبما يفعل‪.‬‬
‫يقول العالمةـ الشيخ عبد الرمحن بن ناصر آل سعدي(‪ )4‬غفر اهلل له‬
‫وأجزل مثوبته‪:‬ـ‬
‫يف املخطوط‪[ :‬خالق]‪ ،‬وكذا يف ((الفتاوى)) وطبعةـ اجلامعة‬
‫‪)(1‬‬
‫اإلسالمية‪.‬ـ‬

‫يف املخطوط‪[ :‬وإرادهتم‪ ،‬واهلل خالقهم وخالق قدرهتم وإرادهتم]‪.‬‬


‫‪)(2‬‬
‫التكوير‪.)29 ،28( :‬‬
‫‪)(3‬‬

‫‪251‬‬
‫((إن العبد إذا صلَّى‪ ،‬وصام‪ ،‬وفعل اخلري‪ ،‬أو عمل شيئًا من‬
‫املعاصي؛ كان هو الفاعل لذلك العمل الصاحل‪ ،‬وذلك العمل‬
‫حيس‬
‫السيء‪ ,‬وفعله املذكور بال ريب قد وقع باختياره‪ ،‬وهو ُّ‬
‫ضرورة أنه غري جمبور على الفعل أو الرتك‪ ،‬وأنه لو شاء مل‬
‫نص اهلل عليه يف كتابه‪،‬‬ ‫يفعل‪ ،‬وكان هذا هو الواقع؛ فهو الذي َّ‬
‫ونص عليه رسوله؛ حيث أضاف األعمال صاحلها وسيئها إىل‬ ‫َّ‬
‫العباد‪ ،‬وأخرب أهنم الفاعلونـ هلا‪ ،‬وأهنم ممدوحون عليها ـ إن‬
‫كانت صاحلة ـ ومثابون‪،‬ـ وملومون عليها ـ إن كانت سيئة ـ‬
‫ومعاقبون عليها‪.‬‬
‫فقد تبنَّي بال ريب أهنا واقعة منهم باختيارهم‪ ،‬وأهنم إذا شاؤوا‬
‫وحسا‬
‫ًّ‬ ‫فعلوا‪ ،‬وإذا شاؤوا تركوا‪ ،‬وأن هذا األمر ثابت عقالً‬
‫وشرعا ومشاهد ًة‪.‬‬
‫ً‬
‫ومع ذلك؛ إذا أردت أن تعرف أهنا وإن كانت كذلك واقعة‬
‫منهم كيف تكون داخلة يف القدر‪ ،‬وكيف تشملها املشيئة؟!‬
‫فيقال‪ :‬بأي شيء وقعت هذه األعمال الصادرة من العباد خريها‬
‫وشرها؟ فيقال‪ :‬بقدرهتم وإرادهتم؛ هذا يعرتف به كل أحد‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬التنبيهات اللطيفة)) (ص‪ ،)47‬مع تغيريات يسرية فيما نقله‬


‫‪)(4‬‬
‫الشارح هنا وفيما هو مثبتـ يف الطبعة اليت أشرف عليها األستاذان عبد‬

‫الرمحن بن رويشد وسليمان بن محاد‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫فيقال‪ :‬ومن خلق قدرهتم وإرادهتم ومشيئتهم؟ فاجلواب الذي‬
‫يعرتف به كل أحد أن اهلل هو الذي خلق قدرهتم وإرادهتم‪،‬‬
‫والذي خلق ما به تقع األفعال هو اخلالق لألفعال‪.‬‬
‫ويتمكن العبد أن يعقل بقلبه‬‫َّ‬ ‫حيل اإلشكال‪،‬‬
‫فهذا هو الذي ُّ‬
‫اجتماع القدر والقضاء واالختيار‪.‬‬
‫أمد املؤمنني بأسباب وألطاف وإعانات‬ ‫ومع ذلك فهو تعاىل َّ‬
‫متنوعة وصرف عنهم املوانع؛ كما قال ‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫((أما من كان من أهل السعادة؛ فسييسر لعمل أهل السعادة))‬
‫(‪. ) 1‬‬
‫وكذلك خذل الفاسقني‪،‬ووكلهم إىل أنفسهم؛ ألهنم مل يؤمنواـ به‪،‬‬
‫يتوكلوا عليه‪ ،‬فوالَّهم ما تولَّوا ألنفسهم))‪ .‬اهـ‬
‫ومل َّ‬
‫وخالصة مذهب أهل السنة واجلماعة يف القدر وأفعال العباد ما‬
‫دلَّت عليه نصوصـ الكتاب والسنة من أن اهلل سبحانه هو اخلالق‬
‫لكل شيء من األعيانـ واألوصاف واألفعال وغريها‪ ،‬وأن مشيئته‬
‫تعاىل عامة شاملة جلميع الكائنات‪ ،‬فال يقع منها شيء إال بتلك‬
‫املشيئة‪ ،‬وأن خلقه سبحانه األشياء مبشيئته إمنا يكونـ وف ًقا ملا‬
‫علمه منها بعلمه القدمي‪ ،‬وملا كتبه وقدَّره يف اللوح احملفوظ‪ ،‬وأن‬
‫للعباد قدرة وإرادة تقع هبا أفعاهلم‪ ،‬وأهنم الفاعلون حقيقة هلذه‬
‫األفعال مبحض اختيارهم‪ ،‬وأهنم هلذا يستحقُّون عليها اجلزاء‪ :‬إما‬

‫‪.)256‬‬ ‫جزء من حديث ابن مسعود الذي تقدَّم خترجيه (ص‬


‫‪)(1‬‬

‫‪253‬‬
‫باملدح واملثوبة‪،‬ـ وإما بالذم والعقوبة‪،‬ـ وأن نسبة هذه األفعال إىل‬
‫إجيادا وخل ًقا؛ ألنه هو اخلالق‬ ‫العباد فعالً ال ينايف نسبتها إىل اهلل ً‬
‫جلميع األسباب اليت وقعت هبا‪.‬‬
‫ين‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫(وه ِذ ِه الدَّرجةُ ِمن الْ َق َد ِر ي َك ِّذ هِب‬
‫ب َا َع َّامةُ الْ َق َدريَّة الذ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ََ َ‬ ‫ََ‬
‫وم ِم ْن أ َْه ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مَسَّاهم النَّيِب ‪ :‬جَم َِـ ِ ِ‬
‫وِس َهذه األ َُّمة‪َ ،‬و َي ْغلُو ف َيها قَ ٌ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ُ ُّ‬
‫اختِيَ َارهُ‪َ ،‬وخُي ِر ُجو َن َع ْن‬ ‫ِ‬
‫اإل ْثبَات‪َ ،‬حىَّت َسلَبُوا الْ َعْب َد قُ ْد َرتَهُ َو ْ‬
‫صاحِلَ َها)‪.‬‬
‫ْم َها َو َم َ‬
‫اهلل وأ ِ ِ‬
‫َح َكامه ُحك َ‬ ‫َ ْ‬
‫أَْفع ِال ِ‬
‫َ‬
‫وضل يف القدر طائفتان؛ـ كما تقدم‪:‬‬ ‫‪/‬ش‪َّ /‬‬
‫الطائفة األوىل‪ :‬القدرية نفاة القدر‪ ،‬الذين هم جموس هذه األمة؛ كما ورد‬
‫مرفوعا وموقوفًا(‪ ،)1‬وهؤالء ضلُّوا بالتفريط‬ ‫ً‬ ‫ذلك يف بعض األحاديث‬
‫وإنكار القدر‪ ،‬وزعموا أنه ال ميكن اجلمع بني ما هو ثابت‬

‫من ذلك ما رواه أبو داود يف السنة‪( ،‬باب‪ :‬يف القدر)(‪-12/452‬‬


‫‪)(1‬‬
‫عون) من حديث ابن عمر عن رسول اهلل ‪ ‬أنه قال‪(( :‬القدريَّة جموس هذه‬

‫األمة‪ ،‬إن مرضوا؛ فال تعودوهم‪ ،‬وإن ماتوا؛ فال تشهدوهم))‪.‬‬

‫ويف سنده زكريا بن منصور‪.‬‬

‫قال اهليثميـ يف ((جممع الزوائد)) (‪.)7/205‬‬

‫وضعفه مجاعة))‪ .‬اهـ‬


‫((وثقه أمحد بن صاحل وغريه َّ‬

‫‪254‬‬
‫بالضرورة من اختيار العبد يف فعله ومسؤوليتهـ عنه‪ ،‬وبني ما‬
‫دلَّت عليه النصوص من عموم خلقه تعاىل ومشيئته؛ـ ألن ذلك‬
‫وهدم‬
‫ٌ‬ ‫العموم يف زعمهم إبطال ملسؤولية العبد عن فعله‪،‬‬
‫وخصصوا النصوص‬ ‫َّ‬ ‫للتكاليف‪ ،‬فرجحوا جانب األمر والنهي‪،‬‬
‫الدَّالة على عموم اخللق واملشيئة مبا عدا أفعال العباد‪ ،‬وأثبتواـ أن‬
‫العبد خالق لفعله بقدرته وإرادته‪ ،‬فأثبتوا خالقني غري اهلل‪ ،‬وهلذا‬
‫مسُّوا جموس هذه األمة؛ ألن اجملوس يزعمون أن الشيطان خيلق‬
‫الشر واألشياء املؤذية‪ ،‬فجعلوه خال ًقا مع اهلل‪ ،‬فكذلك هؤالء‬
‫جعلوا العباد خالقني مع اهلل‪.‬‬

‫واحلديث أورده الاللكائيـ يف ((شرح أصول االعتقاد)) (‪)3/693‬‬

‫ضعفها كلَّها حم َِق ُقه‪.‬‬


‫بأسانيد َّ‬

‫وقال ابن أيب العز يف ((شرح الطحاوية)) (ص‪:)273‬‬

‫يصح املوقوف‬
‫((كل أحاديث القدريَّة املرفوعة ضعيفة‪ ،‬وإمنا ُّ‬
‫منها))‪.‬‬

‫ولكن حسن األلباين احلديث مبجموع طرقه‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬الطحاوية)) (ص‪ ،)273‬و((السنة)) البن أيب عاصم (‬

‫‪.)1/149‬‬

‫‪255‬‬
‫والطائفة الثانية‪ :‬يقال هلا‪ :‬اجلربية‪ ،‬وهؤالء َغلَوا يف إثبات القدر‪،‬‬
‫حىت أنكروا أن يكون للعبد فعل حقيقة‪ ،‬بل هو يف زعمهم ال‬
‫مهب الرياح‪ ،‬وإمنا‬
‫ِّ‬ ‫حرية له‪ ،‬وال اختيار‪ ،‬وال فعل؛ كالريشة يف‬
‫جمازا‪ ،‬فيقال‪ :‬صلى‪ ،‬وصام‪ ،‬وقتل‪ ،‬وسرق؛ كما‬ ‫تُ ْسنَ ُد األفعال إليه ً‬
‫يقال‪ :‬طلعت الشمس‪ ،‬وجرت الريح‪ ،‬ونزل املطر‪ ،‬فاهتموا رهبم‬
‫بالظلم وتكليف العباد مبا ال قدرة هلم عليه‪ ،‬وجمازاهتم على ما‬
‫ليس من فعلهم‪ ،‬واهّت موه بالعبثـ يف تكليف العباد‪ ،‬وأبطلوا‬
‫احلكمة من األمر والنهي‪ ،‬أال ساء ما حيكمون‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫ِّين َوا ِإلميَا َن‬
‫َن الد َ‬ ‫اع ِة](‪ )1‬أ َّ‬ ‫ول [أَه ِل ُّ ِ‬
‫السنَّة َواجْلَ َم َ‬ ‫ُص ِ ْ‬ ‫أُ‬ ‫ص ٌل‪َ :‬و ِم ْن‬
‫(فَ ْ‬
‫ِ (‪) 5‬‬ ‫ان(‪ ،)3‬و َعمل الْ َق ْل ِ‬ ‫ب(‪ )2‬واللِّس ِ‬‫َق ْو ٌل الْ َق ْل ِ‬
‫ب(‪َ )4‬واللِّ َسان‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫َق ْو ٌل َو َع َم ٌل‪،‬‬
‫ِح(‪.)6‬‬ ‫َواجْلََوار ِ‬
‫يد بِالطَّاع ِة‪ ،‬ويْن ُقص بِالْمع ِ‬
‫صيَة)(‪.)7‬‬ ‫اإلميَا َن يَِز ُ‬ ‫َوأ َّ‬
‫َن‬
‫َ ََ ُ َْ‬

‫يف املخطوط‪[ :‬الفرقة الناجية]‪.‬‬


‫‪)(1‬‬
‫قول القلب‪ :‬تصديقه وإيقانه‪.‬ـ‬
‫‪)(2‬‬
‫قول اللسان‪ :‬النطق بالشهادتني‪.‬‬
‫‪)(3‬‬
‫عمل القلب‪ :‬النية‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬واحملبةـ واالنقياد…‬
‫‪)(4‬‬
‫عمل اللسان‪ :‬ما ال يؤدى إال به؛ كتالوة القرآن وسائر األذكار‪.‬‬
‫‪)(5‬‬
‫عمل اجلوارح‪ :‬ما ال يؤدى إال هبا؛ مثل‪ :‬القيام‪ ،‬والركوع‪،‬‬
‫‪)(6‬‬
‫والسجود‪.‬‬

‫انظره وما قبله يف‪(( :‬معارج القبول)) (‪.)20-2/17‬‬

‫اعلم أن من قال بإحدى هذه العبارات فقد وقع يف اإلرجاء أو‬


‫‪)(7‬‬
‫دخلت عليه شبهته‪:‬‬

‫‪ -1‬اإلميان تصديق بالقلب فقط‪( .‬جهمية)‬

‫‪257‬‬
‫‪/‬ش‪ /‬سبق أن ذكرنا يف مسألة األمساء واألحكام أن أهل السنة واجلماعة‬
‫يعتقدون أن اإلميان قول باللسان واعتقاد باجلنان وعمل باألركان‪ ،‬وأن‬
‫هذه الثالثةـ داخلة يف مسمى اإلميان املطلق‪.‬‬
‫ظاهره وباطنُه‪ ،‬أصولُه وفروعُه‪ ،‬فال‬
‫فاإلميان املطلق يدخل فيه مجيع الدين‪ُ :‬‬
‫يستحق اسم اإلميان املطلق إال من مجع ذلك كله ومل ينقصـ منه شيئًا‪.‬‬
‫ُّ‬

‫(كرامية)‬
‫‪ -2‬اإلميان نطق باللسان فقط‪َّ .‬‬
‫‪ -3‬اإلميان تصديق بالقلب ونطق باللسان (مرجئة الفقهاء)‬

‫‪ -4‬اإلميان تصديق بالقلب ‪ ،‬وقول باللسان‪ ،‬وعمل بالقلب دون‬


‫اجلوارح‪.‬‬
‫‪ -5‬اإلميان ال يزيد وال ينقصـ والناس يف أصله سواء‪.‬‬

‫‪ -6‬الكفر تكذيب فقط (جهمية)‬

‫‪ -7‬الكفر ال يكون إال باالعتقاد أواجلحود واالستحالل‪ ،‬ويستشهدون‬

‫بقول الطحاوي رمحه اهلل يف عقيدته‪(( :‬وال نكفر أحداً من أهل القبلة‬

‫بذنب ‪ ،‬مامل يستحله))‪.‬‬

‫(والصواب أن يقال ‪ :‬الكفر يكونـ بالقول أو الفعل أو االعتقاد‪ ،‬وال‬

‫نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب –دون الشرك أو الكفر‪ ،-‬مامل‬

‫‪258‬‬
‫وملا كانت األعمال واألقوال داخلة يف مسمى اإلميان؛ كان اإلميا ُن قابالً‬
‫للزيادة والنقص‪،‬ـ فهو يزيد بالطاعة وينقص باملعصية؛ـ كما هو صريح‬
‫ظاهر مشاه ٌد من تفاوت املؤمنني يف‬ ‫األدلة من الكتاب والسنة‪ ،‬وكما هو ٌ‬
‫عقائدهم وأعمال قلوهبم وأعمال جوارحهم‪.‬‬
‫قسم املؤمنني ثالث طبقات‪،‬‬ ‫ومن األدلّة على زيادة اإلميان ونقصه أن اهلل ّ‬
‫فقال سبحانه‪:‬‬
‫ِن‬
‫ْ‬ ‫َا م‬ ‫ْن‬
‫َي‬ ‫َف‬ ‫ْط‬‫َ اص‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َ َّ‬‫َاب‬‫ِت‬‫الك‬‫َا ْ‬ ‫ثن‬‫َْ‬‫ْر‬‫َو‬‫َّ أ‬ ‫ثم‬ ‫‪ُ‬‬
‫هم‬‫ُْ‬ ‫ِن‬ ‫ِو‬
‫َم‬ ‫ِه‬ ‫ْس‬‫َف‬‫ٌ ِّلن‬
‫لم‬‫َاِ‬ ‫ْظ‬‫هم‬ ‫ُْ‬ ‫ِن‬‫َم‬‫َا ف‬ ‫ِن‬ ‫َاد‬ ‫ِب‬ ‫ع‬
‫ِ‪‬‬‫ْنِ هَّللا‬
‫إذ‬‫ِِ‬ ‫َاتِ ب‬‫ْر‬ ‫ِالخَي‬‫ٌب ْ‬ ‫ِق‬
‫ْ سَاب‬ ‫هم‬ ‫ُْ‬‫ِن‬‫َم‬‫دو‬ ‫ٌِ‬ ‫َص‬ ‫ْت‬ ‫مق‬ ‫ُّ‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪.‬‬
‫فالسابقون باخلريات هم الذين َّأدوا الواجبات واملستحبات وتركوا‬
‫املقربون‪.‬‬
‫احملرمات واملكروهات‪،‬ـ وهؤالء هم َّ‬ ‫َّ‬
‫واملقتصدون هم الذين اقتصروا على أداء الواجبات وترك‬
‫احملرمات‪.‬‬‫َّ‬
‫احملرمات‬
‫والظاملون ألنفسهم هم الذين اجرتؤوا على بعض َّ‬
‫وقصروا ببعضـ الواجبات مع بقاء أصل اإلميان معهم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ومن وجوه زيادته ونقصه كذلك أن املؤمنني متفاوتون يف علوم‬
‫اإلميان‪ ،‬فمنهم من وصل إليه من تفاصيله وعقائده خريٌ كثريٌ‪،‬‬

‫يستحله)‪.‬‬

‫فاطر‪.)32( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪259‬‬
‫فازداد به إميانه‪ ،‬ومتَّ يقينُه‪،‬ـ ومنهم من هو دون ذلك‪ ،‬حىت يبلغ‬
‫يتيسر له‬
‫احلال ببعضهم أن ال يكون معه إال إميا ٌن إمجايلٌّ مل ّ‬ ‫ُ‬
‫من التفاصيل شيء‪ ،‬وهو مع ذلك مؤمن‪.‬‬
‫وكذلك هم متفاوتونـ يف كثري من أعمال القلوب واجلوارح‪،‬‬
‫وكثرة الطاعات وقلتها‪.‬‬
‫جمرد التصديق بالقلب‪ ،‬وأنه غري‬ ‫وأما من ذهب إىل أن اإلميان َّ‬
‫قابل للزيادة أو النقص؛ كما يُروى عن أيب حنيفة وغريه؛ فهو‬
‫حمجوج مبا ذكرنا من األدلة‪ ،‬قال عليه السالم‪:‬‬
‫ٌ‬
‫بضع وسبعون شعبةً؛ أعالها‪:‬ـ قول‪ :‬ال إله إالّ اهلل‪،‬‬‫((اإلميان ٌ‬
‫وأدناها إماطة األذى عن الطريق))(‪.)1‬‬

‫رواه البخاري يف اإلميان‪( ،‬باب‪ :‬أمور اإلميان)(‪-1/51‬فتح)‪،‬‬


‫‪)(1‬‬
‫ومسلم يف اإلميان (باب‪ :‬بيانـ عدد شعب اإلميان)(‪-2/363‬نووي)‪ ،‬وأبو‬

‫داود يف ((السنة))‪( ،‬باب‪ :‬رد اإلرجاء) (‪-12/432‬عون)‪ ،‬والرتمذي‪،‬‬

‫والنسائي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وغريهم‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫ك ال ي َكفِّرو َن أَهل الْ ِقبلَ ِة مِب ُطْلَ ِق الْمع ِ‬
‫اصي‬ ‫ِ‬
‫َم َع ذَل َ‬ ‫(و ُه ْم‬
‫ََ‬ ‫َْ ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ُخ َّوةُ ا ِإلميَانِيَّةُ ثَابِتَةٌ َم َع‬
‫َك َما َي ْف َعلُهُ اخْلََو َار ُج ؛ بَ ِل األ ُ‬
‫(‪) 1‬‬
‫َوالْ َكبَائِِر؛‬
‫َكما قَ َال سبحانَه(‪:)2‬فَمن ع ِفي لَه ِمن أ ِ‬
‫َخ ِيه َش ْي ٌء‬ ‫اصي؛‬ ‫الْمع ِ‬
‫َْ ُ َ ُ ْ‬ ‫ُْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫(‪) 3‬‬
‫فَاتِّبَاعٌ بِالْ َم ْع ُروفِ‪‬‬
‫ِين‬
‫َ‬ ‫ِن‬‫ْم‬
‫ُؤ‬‫الم‬
‫َ ْ‬ ‫ِن‬‫َانِ م‬‫َت‬‫ِف‬‫َائ‬‫ِن ط‬ ‫ال‪ :‬و‬
‫َإ‬ ‫‪َ ،‬وقَ َ‬
‫َت‬
‫ْ‬ ‫بغ‬
‫إن َ‬ ‫َا ف‬
‫َِ‬ ‫هم‬ ‫ْن‬
‫َُ‬ ‫بي‬‫ُوا َ‬ ‫ِح‬
‫ْل‬‫َص‬
‫َأ‬‫ُوا ف‬ ‫َل‬ ‫ْت‬
‫َت‬ ‫اق‬
‫ِي‬‫الت‬
‫ُوا َّ‬ ‫ِل‬
‫َات‬ ‫َق‬
‫َى ف‬‫ْر‬‫لى األُخ‬
‫ََ‬‫َا ع‬‫هم‬‫داُ‬ ‫َْ‬ ‫ِح‬‫إ‬
‫َاءت‬
‫ْ‬ ‫إن ف‬ ‫ِف‬
‫َِ‬ ‫ِ هَّللا‬
‫مر‬‫َْ‬
‫َِلى أ‬‫ءإ‬ ‫ِيَ‬‫تف‬‫َّى َ‬
‫َت‬ ‫ِي ح‬
‫ْغ‬ ‫تب‬ ‫َ‬
‫ن هَّللا‬
‫َ‬ ‫ُوا إ‬
‫َِّ‬ ‫ِط‬
‫ْس‬ ‫َ‬
‫َأق‬‫ِو‬ ‫دل‬ ‫ِالع‬
‫َْ‬ ‫َا ب ْ‬ ‫هم‬
‫َُ‬‫ْن‬
‫بي‬‫ُوا َ‬ ‫ِح‬‫ْل‬
‫َأص‬ ‫َ‬ ‫ف‬

‫مسات من اتسم هبا أو ببعضها فهو خارجي ‪ ،‬أو وقع‬ ‫اعلم أن هناك ٍ‬
‫‪)(1‬‬
‫فيما وقعت فيه اخلوارج من الغلو ‪:‬‬
‫‪ -1‬تكفري صاحب الكبرية‬
‫‪ -2‬تكفري من وقع يف معصية وأصر عليها‪.‬‬
‫‪ -3‬القول بأن اإلميان شيء واحد ال ينقصـ ‪ ،‬فإذا ذهب بعضه ذهب‬
‫كله‪= .‬‬
‫= ‪ -4‬جواز اخلروج على احلاكم املسلم جلوره وظلمه‪ ،‬وإن لو يَُر‬
‫بواح‪.‬‬
‫كفر ٌ‬ ‫منه ٌ‬
‫(ووجه كونه خارجية‪ ،‬أنه قد استقر رأي أهل السنة واجلماعة على عدم‬
‫جواز ذلك‪ ،‬وخالفت اخلوارج)‬
‫‪ -5‬عدم العذر باجلهل مطلقاً‪.‬‬
‫‪ -6‬تكفري كل من حكم بغري ما أنزل اهلل ولو يف قضية معينة‪.‬ـ‬
‫ملزما وبني‬
‫متبعا وقانونًا ً‬
‫والصواب‪ :‬التفريق بني التشريع العام ِوجعله دينًا ً‬
‫جعل الشريعة اإلسالميةـ هي الدين امل ْلزم‪ ،‬وخمالفتها وعدم احلكم هبا يف‬
‫قضية أو قضايا معينة‪ .‬وانظر (ص ُ‬
‫‪.)316‬‬
‫‪ -7‬التسرع يف تكفري املعني دون مراعاة لتحقق الشروط وانتفاء املوانع‪.‬‬
‫‪ 2‬زاد يف املخطوط والفتاوى‪[ :‬يف آية القصاص]‪.‬‬
‫‪ )(3‬البقرة‪.)178( :‬‬
‫()‬

‫‪261‬‬
‫ن‬‫ُوَ‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫ُؤ‬‫الم‬‫َا ْ‬ ‫نم‬ ‫َ‪ (1)،‬إ‬
‫َِّ‬ ‫ِين‬ ‫ِط‬ ‫ْس‬‫ُق‬‫الم‬‫ُّ ْ‬‫يحِب‬ ‫ُ‬
‫ُم ‪.))2( ‬‬‫يك‬ ‫َو‬
‫َْ‬ ‫َخ‬ ‫َأ‬ ‫ْن‬‫بي‬ ‫ُوا َ‬ ‫ِح‬ ‫ْل‬‫َص‬ ‫َأ‬‫ةف‬‫ٌَ‬‫ْو‬ ‫ِخ‬ ‫إ‬
‫مركب من األقوال واألعمال واالعتقادات؛‬ ‫‪/‬ش‪ /‬ومع أن اإلميان املطلق َّ‬
‫فمن أنكر‬‫أصل يف اإلميان‪َ ،‬‬
‫فهي ليست كلها بدرجة واحدة؛ بل العقائد ٌ‬
‫شيئًا مما جيب اعتقادهـ يف اهلل أو مالئكته أو كتبه أو رسله أو اليومـ اآلخر‬
‫معلوم من الدين بالضرورة؛ كوجوب الصالة‪،‬ـ والزكاة‪ ،‬وحرمة‬ ‫أو مما هو ٌ‬
‫كافر‪ ،‬قد خرج من اإلميان هبذا اإلنكار‪.‬‬
‫الزنا والقتل… إخل؛ فهو ٌ‬

‫احلجرات‪.)9( :‬‬
‫احلجرات‪.)10( :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪262‬‬
‫ان] بِالْ ُكلِّيَّ ِة‪َ ،‬والَ‬ ‫ِ‬
‫ِ (‪) 2‬‬ ‫ِ (‪) 1‬‬
‫اس َم ا ِإلميَ‬ ‫(والَ يَ ْسلُبُو َن الْ َفاس َق الْملِّ َّي [ ْ‬ ‫َ‬
‫ول الْ ُم ْعتَ ِزلَةُ‪.‬‬ ‫خُيَلِّ ُدونَهُ يِف النَّار؛ َك َما َت ُق ُ‬
‫ان(‪)3‬؛ َك َما يِف َق ْولِِه‪:‬‬ ‫اسق ي ْدخل يِف اس ِم اإلميَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب ِل الْ َف ِ‬
‫َ‬
‫(‪) 4‬‬
‫ٍ‪. ‬‬ ‫َة‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬ ‫مؤ‬ ‫ٍ ُّ‬ ‫َة‬ ‫َب‬‫َق‬
‫ُر‬ ‫ِير‬ ‫ْر‬ ‫َح‬ ‫َت‬ ‫‪‬ف‬
‫ان الْ ُمطْلَ ِق؛ َك َما يِف َق ْولِِه َت َعاىَل ‪:‬‬ ‫وقَ ْد الَ ي ْدخل يِف اس ِم ا ِإلميَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ‬
‫لت‬
‫ْ‬ ‫َجَِ‬ ‫ُو‬ ‫ِر‬
‫َ هَّللا‬ ‫ُك‬ ‫َا ذ‬ ‫ِذ‬ ‫َإ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫ن َّ‬ ‫ُوَ‬ ‫ِن‬ ‫ْم‬‫ُؤ‬
‫الم‬ ‫َا ْ‬ ‫نم‬ ‫َِّ‬ ‫‪‬إ‬
‫ه‬
‫تُ‬ ‫ياُ‬ ‫ْ آَ‬ ‫ِم‬‫ْه‬ ‫لي‬ ‫ََ‬
‫ْع‬ ‫َت‬‫ِي‬ ‫تل‬ ‫َا ُ‬ ‫ِذ‬
‫َإ‬‫ْو‬ ‫هم‬ ‫بُ‬ ‫ُوُ‬ ‫ُل‬
‫ق‬

‫أي‪ :‬الذي على ملة اإلسالم‪.‬ـ‬


‫‪)(1‬‬
‫كذا يف املخطوط والفتاوىـ ‪ ،‬وهو أصح كما أوردها الشارح ‪ ،‬ويف‬
‫‪)(2‬‬
‫املطبوع‪[ :‬اإلسالم]‪.‬‬

‫يف النسخ املطبوعة‪(( :‬اإلميان املطلق))‪ ،‬وهو ال يستقيم هنا‪.‬‬


‫‪)(3‬‬
‫ويف املخطوط و((جمموع الفتاوى)) (‪ )3/151‬كما أثبتُّه‪،‬ـ وبه‬

‫يصح املعىن‪.‬‬

‫رجح الشريف يف تعليقه على الواسطية‪(( :‬مطلق اإلميان))‪،‬‬


‫وقد َّ‬
‫أيضا‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ويصح املعىن به ً‬
‫النساء‪.)92( :‬‬
‫‪)(4‬‬

‫‪263‬‬
‫ًا ‪ ،)1(‬و َقولُه ‪(( :‬الَ يزيِن َّ ِ‬
‫الزايِن ح َ‬
‫ني‬ ‫َْ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َان‬ ‫ِيم‬ ‫ْإ‬ ‫هم‬
‫تُ‬ ‫دْ‬ ‫َاَ‬ ‫ز‬
‫ني يَ ْس ِر ُق َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫السا ِر ُق ح َ‬ ‫َي ْزيِن َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن‪َ ،‬وال يَ ْس ِر ُق َّ‬
‫ب َن ْهبَةً‬‫ني يَ ْشَربُ َها َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن‪َ ،‬والَ َيْنتَ ِه ُـ‬ ‫ِ‬
‫ب اخْلَ ْمَر ح َ‬ ‫َوالَ يَ ْشَر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ني َيْنتَ ِهُب َها َو ُه َو‬‫ص َار ُه ْم ح َ‬‫َّاس إِلَْيه ف َيها أَبْ َ‬
‫ات َشَرف َي ْرفَ ُع الن ُ‬ ‫َذ َ‬
‫ُم ْؤ ِم ٌن))(‪.)2‬‬
‫اس ٌق‬‫ان‪ ،‬أَو م ْؤ ِمن بِِإميَانِِه فَ ِ‬ ‫[وي ُقولُو َن]ـ(‪ :)3‬هو م ْؤ ِمن نَاقِص ا ِإلميَ ِ‬
‫ْ ُ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ُ ٌ‬ ‫ََ‬
‫ِِ‬
‫االس ِم)‪.‬‬ ‫ب ُمطْلَ َق ْ‬ ‫بِ َكبِ َريته‪ ،‬فَالَ يُ ْعطَى ْ‬
‫االس َم الْ ُمطْلَ َق‪َ ،‬والَ يُ ْسلَ ُ‬
‫‪/‬ش‪ /‬وأما الفاسق املِلِّي الذي يرتكب بعض الكبائر مع اعتقادهـ حرمتها؛‬
‫فأهل السنة واجلماعة ال يسلبون عنه اسم اإلميان بالكلِّيَّة‪ ،‬وال خيلِّدونه يف‬
‫مؤمن ناقص اإلميان‪،‬‬ ‫النار؛ كما تقول املعتزلة واخلوارج‪ ،‬بل هو عندهم ٌ‬
‫فاسق‪ ،‬ال يعطونه اسم‬ ‫مؤمن ٌ‬ ‫قد نقص من إميانه بقدر معصيته‪،‬ـ أو هو ٌ‬
‫اإلميان املطلق‪،‬وال يسلبونه مطلق اإلميان‪.‬‬
‫االنفال‪.)2( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫رواه البخاري يف املظامل‪( ،‬باب‪ :‬النهـىب بغري إذن صاحبه)(‪-5/119‬‬
‫‪)(2‬‬
‫فتح)‪ ،‬ويف األشربة‪ ،‬واحلدود‪ ،‬واحملاربني‪ ،‬ومسلم يف اإلميان‪( ،‬باب‪ :‬بيانـ‬

‫نقصان اإلميان باملعاصي ونفيه عن املتلبِّس باملعصية)(‪-2/401‬نووي)‪،‬‬

‫ورواه أبو داود‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬والنسائي‪.‬‬

‫يف املطبوع‪:‬ـ [ونقول]‪.‬‬


‫‪)(3‬‬

‫‪264‬‬
‫وأدلَّة الكتاب والسنَّة دالَّةٌ على ما ذكره املؤلف رمحه اهلل من ثبوت مطلق‬
‫اإلميان مع املعصية؛ قال تعاىل‪:‬‬
‫ِّي‬
‫دو‬ ‫َُ‬‫ُوا ع‬ ‫َّخِذ‬‫تت‬ ‫ُوا ال َ‬ ‫من‬‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫ها َّ‬ ‫يَ‬ ‫َُّ‬
‫يا أ‬ ‫‪َ‬‬
‫َاء ‪.)1(‬‬ ‫لي‬ ‫ِْ‬‫َو‬‫ْأ‬ ‫ُم‬‫َّك‬‫دو‬‫َُ‬‫َع‬ ‫و‬
‫فناداهم باسم اإلميان‪ ،‬مع وجود املعصية‪ ،‬وهي مواالةـ الكفار‬
‫منهم‪ ..‬إخل‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬اإلميان واإلسالم الشرعيَّان متالزمانـ يف الوجود‪ ،‬فال يوجد أحدمها‬
‫إسالم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫صحيح ٌّ‬
‫معتد به‪ُ ،‬وج َد معه ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بدون اآلخر‪ ،‬بل كلما وجد إميا ٌن‬
‫وكذلك العكس‪ ،‬وهلذا قد يُ ْسَت ْغىن بذكر أحدمها عن اآلخر؛ ألن أحدمها‬
‫معا مقرتنني؛ أُريد‬ ‫ِ‬
‫إذا أفرد بالذكر؛ دخل فيه اآلخر‪ ،‬وأما إذا ذُكرا ً‬
‫باإلميان التصديق واالعتقاد‪ ،‬وأُريد باإلسالم االنقياد الظاهري من اإلقرار‬
‫باللسان وعمل اجلوارح‪.‬‬
‫أخص مطل ًقا‬
‫ولكن هذا بالنسبة إىل مطلق اإلميان‪ ،‬أما اإلميان املطلق؛ فهو ُّ‬
‫من اإلسالم‪ ،‬وقد يوجد اإلسالمـ بدونه؛ كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ُوا‬ ‫ِن‬‫ْم‬ ‫تؤ‬‫ُْ‬ ‫ُل َّلم‬ ‫َّا ق‬ ‫من‬ ‫ُ آَ‬ ‫َاب‬ ‫ْر‬‫َالتِ األَع‬ ‫‪‬ق َ‬
‫َا ‪.)2( ‬‬‫من‬ ‫لْ‬ ‫َسَْ‬ ‫ُولوا أ‬ ‫ِن ق ُ‬ ‫ََلك‬ ‫و‬
‫فأخرب بإسالمهم مع نفي اإلميان عنهم(‪.)3‬‬

‫املمتحنة‪.)1( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫احلجرات‪.)14( :‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪265‬‬
‫ويف حديث جربيل ذكر املراتبـ الثالث‪ :‬اإلسالم‪ ،‬واإلميان‪،‬‬
‫أخص مما قبله‪.‬‬‫ُّ‬ ‫واإلحسان‪ ،‬فدل على أن كالًّ منها‬
‫اع ِة َسالََمةُ ُقلُوهِبِ ْم‬ ‫ول أَه ِل ُّ ِ‬
‫السنَّة َواجْلَ َم َ‬ ‫ُص ِ ْ‬
‫ِ‬
‫ص ٌل‪َ :‬وم ْن أ ُ‬ ‫(فَ ْ‬
‫ول ِ‬ ‫اب رس ِ‬ ‫َصح ِ‬ ‫ِِ‬
‫اهلل‬ ‫َُ‬ ‫َوأَلْسنَت ِه ْم أل ْ َ‬
‫ِن‬‫ُو م‬ ‫َاؤ‬ ‫َج‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬‫َ َّ‬ ‫ص َف ُه ُم اهللُ بِِه يِف َق ْولِِه َت َعاىَل ‪ :‬و‬
‫‪َ ،‬ك َما َو َ‬
‫َا‬ ‫ْ َلن‬ ‫ِر‬ ‫ْف‬ ‫َا اغ‬ ‫بن‬ ‫ََّ‬‫نر‬ ‫ُولوَ‬ ‫يق ُ‬ ‫َْ‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ْد‬ ‫بع‬ ‫َ‬
‫َال‬‫َانِ و‬ ‫ِيم‬ ‫ِاإل‬ ‫َا ب‬ ‫ُون‬ ‫َق‬ ‫َ سَب‬ ‫ِين‬ ‫الذ‬ ‫َا َّ‬ ‫ِن‬ ‫َان‬ ‫ْو‬ ‫ِخ‬ ‫َإل‬ ‫و‬
‫َا‬
‫بن‬ ‫ََّ‬ ‫ُوا ر‬ ‫من‬‫َ آَ‬ ‫ِين‬ ‫لذ‬ ‫ِالًّ ِّلَّ‬ ‫َا غ‬ ‫ِن‬‫ُوب‬ ‫ُل‬ ‫ِي ق‬ ‫ْف‬ ‫َل‬ ‫ْع‬ ‫تج‬ ‫َ‬
‫اعةُ النَّيِب ِّ ‪ ‬يِف َق ْولِِه‪(( :‬الَ‬
‫)‬ ‫‪1‬‬ ‫(‬
‫ٌ ‪َ ، ‬وطَ َ‬ ‫َّحِيم‬ ‫ٌر‬ ‫ُوف‬ ‫َؤ‬ ‫َّكَ ر‬ ‫ِن‬ ‫إ‬
‫َح َد ُك ْم أَْن َف َق ِمثْ َل‬
‫َن أ َ‬‫َص َحايِب َف َوالَّ ِذي َن ْف ِسي بِيَ ِدهُ لَ ْو أ َّ‬ ‫تَ ُسبُّوا أ ْ‬
‫صي َفهُ))(‪.)2‬‬ ‫أُح ٍد ذَهبا ما بلَ َغ م َّد أَح ِد ِهم وال نَ ِ‬
‫ُ ًَ َ َ ُ َ ْ َ‬
‫ضائِلِ ِه ْم‬ ‫ِ‬
‫السنَّةُ َوا ِإلمْج َاعُ م ْن فَ َ‬
‫اب َو َّ‬ ‫ِِ ِ‬
‫َو َي ْقَبلُو َن َما َجاءَ به الْكتَ ُ‬
‫َو َمَراتِبِ ِه ْم)‪.‬‬

‫أي‪ :‬اإلميان املطلق‪.‬‬


‫‪)(3‬‬
‫احلشر‪.)10( :‬‬
‫‪)(1‬‬
‫رواه البخاري يف فضائل الصحابة‪( ،‬باب‪(( :‬لو كنت متخ ًذا خليالً)))‬
‫‪)(2‬‬
‫(‪-7/21‬فتح)‪ ،‬ومسلم يف فضائل الصحابة‪( ،‬باب‪ :‬حترمي سب الصحابة)‬

‫(‪-16/326‬نووي)‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫‪/‬ش‪ /‬يقول املؤلِّف ‪ :‬إن من أصول أهل السنة واجلماعة اليت فارقوا هبا َمن‬
‫عداهم من أهل الزيغ والضالل أهنم ال يُْزرون بأحد من أصحاب رسول‬
‫احتقارا‪،‬‬
‫ً‬ ‫بغضا وال‬‫حقدا وال ً‬ ‫اهلل ‪ ،‬وال يطعنون عليه‪ ،‬وال حيملون له ً‬
‫فقلوهبم وألسنتهم من ذلك كله براء‪ ،‬وال يقولونـ فيهم إال ما حكاه اهلل‬
‫عنهم بقولـه‪:‬‬
‫ِين‬
‫َ‬ ‫الذ‬ ‫َا َّ‬ ‫ِن‬ ‫َان‬ ‫ْو‬‫ِخ‬ ‫َإل‬ ‫َا و‬ ‫ْ َلن‬ ‫ِر‬‫ْف‬ ‫َا اغ‬ ‫بن‬ ‫ََّ‬ ‫‪‬ر‬
‫َانِ ‪ )1( ‬اآلية‪.‬‬ ‫ِيم‬ ‫ِاإل‬ ‫َا ب‬ ‫ُون‬ ‫َق‬ ‫سَب‬
‫يدل على‬ ‫فهذا الدعاء الصادر ممَّن جاء بعدهم ممَّن اتَّبعوهم بإحسان ُّ‬
‫كمال حمبَّتهم ألصحاب رسول اهلل ‪ ،‬وثنائهم عليهم‪ ،‬وهم أهل لذلك‬
‫احلب والتكرمي؛ لفضلهم‪ ،‬وسبقهم‪ ،‬وعظيم سابقتهم‪ ،‬واختصاصهم‬
‫بالرسول ‪ ،‬وإلحساهنم إىل مجيع األمة؛ ألهنم ُه ْم املبلِّغونـ هلم مجيع ما‬
‫علم وال خربٌ إال بواسطتهم‪ ،‬وهم‬ ‫ٍ‬
‫جاء به نبيُّهم ‪ ،‬فما وصل ألحد ٌ‬
‫والغض منهم‪ ،‬وبنَّي‬ ‫ِّ‬ ‫أيضا طاعةً للنيب ‪‬؛ حيث هنى عن سبهم‬ ‫يوقُروهنم ً‬ ‫ِّ‬
‫أن العمل القليل من أحد أصحابه يفضل العمل الكثري من غريهم‪ ،‬وذلك‬
‫لكمال إخالصهم‪ ،‬وصادق إمياهنم‪.‬‬
‫ص ْل ُح احْلُ َديْبِيَ ِة ـ‬ ‫ِ‬
‫ضلُو َن َم ْن أَْن َف َق م ْن َقْب ِل الْ َفْت ِح ـ َو ُه َو ُ‬ ‫(ويُ َف ِّ‬
‫َ‬
‫َوقَاتَ َل َعلَى َم ْن أَْن َف َق ِم ْن َب ْع ُد َوقَاتَ َل‪.‬‬
‫صا ِر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِّمو َن الْ ُم َهاج ِر َ‬
‫ين َعلَى األَنْ َ‬ ‫َويُ َقد ُ‬

‫احلشر‪.)10( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪267‬‬
‫الث ِمئَ ٍة َوبِ ْ‬
‫ض َعةَ َع َشَرـ‪:‬‬ ‫ال أل َْه ِل بَ ْد ٍر ـ َو َكانُوا ثَ َ‬ ‫َويُ ْؤ ِمنُو َن بِأ َّ‬
‫َن اهللَ قَ َ‬
‫ت لَ ُك ْم))(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫((اع َملُوا َما شْئتُم‪َ .‬ف َق ْد َغ َف ْر ُ‬ ‫ْ‬

‫بدرا)(‪-7/304‬‬
‫رواه البخاري يف املغازي‪( ،‬باب‪ :‬فضل َمن شهد ً‬ ‫‪)(1‬‬
‫فتح)‪ ،‬ومسلم يف فضائل الصحابة‪( ،‬باب‪ :‬من فضائل أهل بدر)(‬

‫‪-16/287‬نووي)‪.‬‬

‫وانظر قصة حاطب بن أيب بلتعة رضي اهلل عنه‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫بِِه‬ ‫َّجَر ِة؛ َك َما أ ْ‬
‫َخَبَر‬ ‫ت الش َ‬ ‫بَايَ َع حَتْ َ‬
‫َح ٌد‬ ‫َوبِأَنَّهُ الَ يَ ْد ُخ ُل الن َ‬
‫َّار أ َ‬
‫أَ ْكَثَر‬ ‫النَّيِب ُّ ‪ ، ‬بَ ْل لََق ْد َر َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫ضوا َعْنهُ‪َ ،‬و َكانُوا‬
‫اهللُ َعْن ُه ْم َو َر ُ‬
‫ض َي‬
‫ف َوأ َْربَ ِع ِمئَ ٍة(‪.)2‬‬ ‫ِمن أَلْ ٍ‬
‫ْ‬
‫ول ِ‬
‫اهلل ‪َ ،‬كالْع َشر ِة‪ ،‬وثَابِ ِ‬
‫ت‬ ‫َ َ َ‬ ‫َويَ ْش َه ُدو َن بِاجْلَن َِّة لِ َم ْن َش ِه َد لَهُ َر ُس ُ‬
‫اس‪َ ،‬و َغرْيِ ِهم ِّم َن َّ‬
‫الص َحابَِة)‪.‬‬ ‫س ب ِن مَشَّ ٍ‬ ‫بْ ِن قِْي ِ‬
‫يشري ملا رواه مسلم يف فضائل الصحابة‪( ،‬باب‪ :‬من فضائل أصحاب‬
‫‪)(1‬‬
‫الشجرة وأهل بيعة الرضوان)(‪-16/290‬نووي)‪ ،‬وأبو داود يف السنة‪،‬‬

‫والرتمذي يف املناقب؛ من حديث جابر بن عبد اهلل قال‪ :‬قال رسول اهلل‬

‫‪:‬‬

‫((ال يدخل النار إن شاء اهلل من أصحاب الشجرة أحد‪ ،‬الذين‬

‫بايعوا حتتها))‪.‬‬

‫واللفظ ملسلم‪.‬‬

‫صح هـذا العدد يف البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد اهلل ؛‬


‫‪)(2‬‬
‫قال ‪ :‬قال لنا رسول اهلل ‪ ‬يوم احلديبية‪(( :‬أنتم خري أهل األرض))‪ ،‬وكنا‬

‫أل ًفاوأربع مئة‪ ،‬ولو كنت أبصر اليوم؛ ألريتكم مكان الشجرة‪ .‬انظر‪:‬‬

‫((اللؤلؤ واملرجان)) (‪.)2/250‬‬

‫‪269‬‬
‫((ويفضلون َمن أنفق من قبل الفتح ـ وهو صلح احلديبية‬
‫ِّ‬ ‫‪/‬ش‪ /‬وأما قولـه‪:‬‬
‫ـ وقاتل على َمن أنفق من بعده وقاتل))؛ فلورود النص القرآن بذلك‪ ،‬قال‬
‫تعاىل يف سورة احلديد‪:‬‬
‫ْحِ‬‫َت‬ ‫الف‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْل‬‫َب‬‫ِن ق‬‫َم‬ ‫َنف‬
‫َق‬ ‫ْأ‬ ‫من‬ ‫ُم َّ‬ ‫ِنك‬ ‫ِي م‬ ‫َو‬ ‫يسْت‬ ‫‪‬ال َ‬
‫ِين‬
‫َ‬ ‫الذ‬‫َ َّ‬‫من‬ ‫ًَ‬
‫ة ِّ‬ ‫َج‬
‫در‬‫َُ‬‫َم‬‫ْظ‬‫َع‬ ‫ِكَ أ‬ ‫َْلئ‬ ‫ُو‬ ‫َأ‬ ‫تل‬ ‫َاَ‬ ‫َق‬
‫و‬
‫د هَّللا‬
‫ُ‬ ‫َع‬
‫ََ‬ ‫ُالًّ و‬
‫َك‬‫ُوا و‬‫تل‬‫َاَ‬‫َق‬ ‫دو‬ ‫ُْ‬ ‫بع‬ ‫ِن َ‬ ‫ُوا م‬ ‫َق‬ ‫َنف‬‫أ‬
‫َى‪.)1(‬‬ ‫ُسْن‬ ‫الح‬
‫ْ‬
‫صح أن سورة‬ ‫وأما تفسري الفتح بصلح احلُديبية؛ فذلك هو املشهور‪ ،‬وقد َّ‬
‫الفتح نزلت عقيبهـ(‪.)2‬‬
‫فتحا؛ ملا ترتَّب عليه من نتائج بعيدة املدى‬ ‫ومسي هذا الصلح ً‬
‫وقوته وانتشاره‪ ،‬ودخول الناس فيه‪.‬‬ ‫عزة اإلسالم‪َّ ،‬‬ ‫يف َّ‬
‫وأما قولـه‪(( :‬ويقدِّمونـ املهاجرين على األنصار))؛ فألن املهاجرين‬
‫مجعوا الوصفني‪ :‬النصرة واهلجرة‪ ،‬وهلذا كان اخللفاء الراشدون‬
‫وبقية العشرة من املهاجرين‪ ،‬وقد جاء القرآن بتقدمي املهاجرين‬

‫احلديد‪.)10( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫َا َلكَ‬
‫ْن‬‫َح‬
‫َت‬‫َّا ف‬
‫ِن‬‫إ‬ ‫‪â‬‬
‫ملا رواه البخاري يف التفسري‪،‬ـ (باب‪:‬‬
‫‪)(2‬‬
‫ًا ‪-8/582()á‬فتح) بإسناد ظاهره اإلرسال‪-‬ووصلـه‬
‫ِين‬
‫مب‬‫ًا ُّ‬
‫ْح‬‫َت‬
‫ف‬
‫الرتمذي؛ انظر ((الصحيح املسند)) (ص‪ ،)139‬ومسلم يف اجلهاد والسري‪،‬‬

‫(باب‪ :‬صلح احلديبية)(‪-12/381‬نووي)‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫على األنصار يف سورة التوبةـ(‪ )1‬واحلشر(‪ ،)2‬وهذا التفضيل إمنا هو‬
‫للجملة على اجلملة‪ ،‬فال ينايف أن يف األنصار َمن هو أفضل من‬
‫بعض املهاجرين‪.‬‬
‫وقد ُروي عن أيب بكر أنه قال يف خطبته يوم السقيفة‪:‬‬
‫ِّمنا يف‬
‫إسالما‪ ،‬أسلمنا قبلكم‪ ،‬وقُد ْ‬
‫ً‬ ‫((حنن املهاجرون‪ ،‬وأول الناس‬
‫القرآن عليكم‪ ،‬فنحن األمراء‪ ،‬وأنتم الوزراء))(‪.)3‬‬

‫ْ‬
‫ُوا‬
‫َر‬‫هاج‬
‫ََ‬‫ْو‬
‫ُوا‬
‫من‬‫َ آَ‬
‫ِين‬ ‫التوبة‪)20( :‬؛ ‪َّ ‬‬
‫الذ‬ ‫‪)(1‬‬
‫ِم‬
‫ْ‬ ‫ِه‬
‫ُس‬‫َنف‬
‫َأ‬‫ْو‬
‫ِم‬ ‫َاِ‬
‫له‬ ‫َْ‬
‫مو‬ ‫ِأ‬
‫ِب‬‫ِ هَّللا‬
‫ِيل‬ ‫ْف‬
‫ِي سَب‬ ‫دوا‬‫هُ‬
‫َاَ‬‫َج‬
‫و‬
‫ن‬
‫ُوَ‬‫ِز‬‫َائ‬
‫الف‬
‫ُ ْ‬‫هم‬
‫ِكَ ُ‬ ‫ُو‬
‫َْلئ‬ ‫َأ‬ ‫ِو‬ ‫د هَّللا‬
‫ِنَ‬‫ةع‬‫ًَ‬‫َج‬‫در‬
‫َُ‬‫َم‬
‫ْظ‬‫َع‬
‫أ‬
‫‪.‬‬

‫ِين‬
‫َ‬ ‫الذ‬
‫َ َّ‬
‫ِين‬
‫هاجِر‬‫الم‬
‫َُ‬ ‫َر‬
‫َاء ْ‬ ‫ُق‬
‫لف‬ ‫احلشر‪)8( :‬؛ ‪ِ ‬‬
‫لْ‬ ‫‪)(2‬‬
‫ن‬
‫ُوَ‬
‫َغ‬‫ْت‬
‫يب‬ ‫ِم‬
‫َْ‬ ‫َاِ‬
‫له‬ ‫مو‬‫َْ‬
‫َأ‬ ‫ِم‬
‫ْو‬ ‫ِه‬
‫ِيار‬
‫ِن د‬
‫ُوا م‬
‫ِج‬ ‫ُخ‬
‫ْر‬ ‫أ‬
‫ه‬ ‫َسُ َ‬
‫ولُ‬ ‫َر‬‫َو‬
‫ن هَّللا‬
‫ُوَ‬
‫ُر‬‫ينص‬‫ًا و‬
‫ََ‬ ‫َان‬
‫ْو‬‫ِض‬
‫َر‬‫ِو‬
‫َ هَّللا‬
‫من‬‫ْالً ِّ‬
‫َض‬‫ف‬
‫ن ‪.‬‬ ‫ِق‬
‫ُوَ‬ ‫َّاد‬
‫ُ الص‬
‫هم‬‫ِكَ ُ‬ ‫ُو‬
‫َْلئ‬ ‫أ‬
‫صح عن أيب بكر الصديق رضي اهلل عنه أنه قال يوم السقيفةـ‬
‫َّ‬ ‫‪)(3‬‬
‫لألنصار‪(( :‬حنن األمراء‪ ،‬وأنتم الوزراء))‪ .‬رواه البخاري يف فضائل‬

‫أصحاب النيب ‪( ،‬باب‪ :‬قول النيب ‪(( :‬لو كنت متخ ًذا خليالً)))(‬

‫‪271‬‬
‫وأما قولـه‪(( :‬ويؤمنون بأنـ اهلل قال ألهل بدر‪ ))...‬إخل؛ فقد ورد‬
‫أن عمر رضي اهلل عنه ملا أراد قتل حاطب بن أيب بلتعة وكان‬
‫بدرا لكتابتهـ كتابًا إىل قريش خيربهم فيه مبسري الرسول‬ ‫قد شهد ً‬
‫‪ ،‬فقال لـه الرسول ‪:‬‬
‫لعل اهلل اطَّلع على أهل بد ٍر فقال‪:‬‬
‫((وما يُدريك يا عمر؟ َّ‬
‫اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))‪.‬‬
‫وأما قوله‪(( :‬وبأنهـ ال يدخل النار أح ٌد بايع حتت الشجرة…))‬
‫إخل؛ فإلخباره ‪ ‬بذلك‪ ،‬ولقوله تعاىل‪:‬‬
‫َكَ‬‫ُون‬ ‫ِع‬‫َاي‬ ‫يب‬‫ُْ‬‫ِذ‬‫َإ‬ ‫ِين‬ ‫ِن‬‫ْم‬ ‫ُؤ‬‫الم‬‫َنِ ْ‬ ‫ُع‬‫ِيَ هَّللا‬
‫َض‬ ‫َْ‬
‫در‬ ‫‪َ‬لق‬
‫َةِ‪ )1(‬اآلية‬‫َر‬ ‫َ الشَّج‬
‫ْت‬ ‫تح‬‫َ‬
‫ومستلزم إلكرامهم ومثوبتهم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مانع من إرادة تعذيبهم‪،‬‬ ‫فهذا الرضا ٌ‬
‫وأما قولـه‪(( :‬ويشهدون باجلنة ملن شهد لـه الرسول ‪‬؛ كالعشرة‪ ،‬وثابت‬
‫بن قيس بن مشاس‪ ،‬وغريهم من الصحابة))‪.‬‬

‫أما العشرة؛ فهم‪ :‬أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬وطلحة‪ ،‬والزبري‪،‬‬
‫وسعد بن أيب وقاص‪ ،‬وسعيد بن زيد‪ ،‬وعبد الرمحن بن عوف‪ ،‬وأبو‬
‫عُبيدة بن اجلراح(‪.)2‬‬

‫‪-7/20‬فتح)‪ ،‬ويف اجلنائز‪ ،‬واملغازي‪.‬‬

‫الفتح‪.)18( :‬‬
‫‪)(1‬‬

‫‪272‬‬
‫وأما غريهم؛ فكثابت بن قيس(‪ ،)1‬وعُ َّكاشة بن حمصن(‪ ،)2‬وعبد‬
‫اهلل بن سالم(‪ ،)3‬وكل َمن ورد اخلرب الصحيح بأنه من أهل‬
‫اجلنة(‪.)4‬‬

‫روى ذلك الرتمذي يف املناقب‪( ،‬باب‪ :‬مناقب عبد الرمحن بن‬


‫‪)(2‬‬
‫عوف)(‪-10/249‬حتفة‪ 9‬عن عبد الرمحن بن عوف‪ ،‬وقال‪(( :‬حسن‬

‫صحيح))‪ ،‬وأمحد يف ((املسند)) (‪ ،)1/187‬وأبو داود يف ((السنة)) (باب‪:‬‬

‫يف اخللفاء)(‪-12/400‬عون)؛ عن سعيد بن زيد‪ ،‬ولكنه جعل العاشر‬

‫رسول اهلل ‪ ‬بدل أيب عُبيدة بن اجلراح‪ .‬انظر‪ (( :‬صحيح اجلامع )) (رقم‬
‫َ‬

‫‪ ،)50‬و((جامع األصول)) (‪.)8/560‬‬

‫ملا رواه مسلم يف اإلميان‪( ،‬باب‪ :‬خمافة املؤمن أن حيبط عمله)(‬


‫‪)(1‬‬
‫‪-2/493‬نووي)‪ ،‬وأمحد يف ((املسند)) (‪:)3/137‬‬

‫ُوا‬
‫من‬‫َ آَ‬
‫ِين‬
‫الذ‬
‫ها َّ‬
‫يَ‬‫َُّ‬ ‫((ملا نزل قولـه تعاىل‪َ  :‬‬
‫يا أ‬
‫ِيِّ ‪ ‬؛‬ ‫ْتِ الن‬
‫َّب‬ ‫َو‬‫َص‬
‫ْق‬‫َو‬
‫ْف‬‫ُم‬
‫تك‬‫َاَ‬
‫ْو‬‫َص‬
‫ُوا أ‬
‫َع‬‫ْف‬
‫تر‬‫ال َ‬
‫قال ثابت‪ :‬أنزلت هذه اآلية ولقد علمتُم أين من أرفعكم صوتًا على‬

‫‪273‬‬
‫ني َعلِ ِّي بْ ِن أَيِب‬ ‫ِِ‬
‫الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫(ويُِقُّرو َن مِب َا َت َواَتَر بِِه َّ‬
‫الن ْق ُل َع ْن أ َِم ِري‬ ‫َ‬
‫َخْيَر َه ِذ ِه األ َُّم ِة َب ْع َد‬ ‫ب َر ِضي اهللُ َعْنهُ َو َغرْيِ ِه ِم ْن أ َّ‬
‫َن‬ ‫َ‬
‫طَالِ ٍ‬
‫عُ َمُر‪.‬‬ ‫نَبِيِّهـَا ‪ :‬أَبُو بَ ْك ٍر‪ ،‬مُثَّ‬

‫للنيب ‪ ،‬فقال‪ :‬بل هو‬


‫رسول اهلل ‪ ،‬فأنا من أهل النار‪ .‬فذكر ذلك سع ٌد ِّ‬
‫من أهل اجلنة))‪.‬‬

‫للحديث املشهور‪:‬‬
‫‪)(2‬‬
‫((سبقك هبا عُ َّكاشة))‪.‬‬

‫رواه البخاري يف الرقاق‪( ،‬باب‪ :‬يدخل اجلنة سبعون أل ًفا بغري‬


‫حساب)(‪-11/405‬فتح)‪ ،‬ومسلم يف اإلميان‪( ،‬باب‪ :‬مواالةـ املؤمنني‬
‫ومقاطعة غريهم والرباءة منهم)(‪-3/90‬نووي)‪.‬‬
‫ملا رواه البخاري يف مناقب األنصار‪( ،‬باب‪ :‬مناقب عبد اهلل بن‬
‫‪)(3‬‬
‫سالم)(‪-7/128‬فتح)‪ ،‬ومسلم يف فضائل الصحابة‪( ،‬باب‪ :‬فضائل عبد‬

‫اهلل بن سالم)(‪-16/274‬نووي)‪ ،‬واللفظ له؛ من حديث سعد بن أيب‬

‫وقَّاص رضي اهلل عنه؛ قال‪:‬‬

‫‪274‬‬
‫ت َعلَْي ِه اآلثَ ُار‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َويَُثلِّثُو َن بِعُثْ َما َن‪َ ،‬ويَُر ِّبعُو َن بِ َعل ٍّي َر ِض َي اهللُ َعْن ُه ْم؛ َك َما َدلَّ ْ‬
‫الص َحابَةُ َعلَى َت ْق ِد ِمي عُثْ َما َن يِف الَْبْي َع ِة‪.‬‬‫َو َك َما أَمْج َ َع َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َن بعض أَه ِل ُّ ِ‬
‫ض َي اهللُ‬‫اخَتلَ ُفوا يِف عُثْ َما َن َو َعل ٍّي َر َ‬ ‫السنَّة َكانُوا قَد ْ‬ ‫َم َع أ َّ َ ْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّم َق ْو ٌم‬ ‫ض ُل؟ َف َقد َ‬ ‫َعْن ُه َما ـ َب ْع َد ِّات َفاق ِه ْم َعلَى َت ْقد ِمي أَيِب بَ ْك ٍر َوعُ َمَر ـ أَيُّ ُه َما أَفْ َ‬
‫عُثْ َما َن‪َ :‬و َس َكتُوا‪ ،‬أ َْو َربَّعُوا بِ َعلِ ٍّي‪َ ،‬وقَدَّم َق ْو ٌم َعلِيًّا‪َ ،‬و َق ْو ٌم َت َو َّق ُفوا‪.‬‬
‫السن َِّة َعلَى َت ْق ِد ِمي عُثْ َما َن‪ ،‬مُثَّ َعلِ ٍّي‪.‬‬ ‫لَك ِن ْ‬
‫اسَت َقَّر أ َْم ُر أ َْه ِل ُّ‬ ‫ِ‬
‫ول الَّيِت‬ ‫ت ِمن األُص ِ‬ ‫ِ‬ ‫وإِ ْن َكانَ ِ‬
‫ت َهذه الْ َم ْسأَلَةُ ـ َم ْسأَلَةُ عُثْ َما َن َو َعل ٍّي ـ لَْي َس ْ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف فِ َيها ِعْن َد مُجْ ُهو ِر أ َْه ِل ُّ‬
‫السن َِّة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ضلَّ ُل الْ ُم َخال ُ‬
‫يُ َ‬
‫ك أَن َُّه ْم يُ ْؤ ِمنُو َـن أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضلَّ ُل ف َيها‪َ :‬م ْسأَلَةُ] اخْلِالَفَِة‪َ ،‬و َذل َ‬ ‫ِ‬
‫[لَك ِن الَّيِت يُ َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫َن‬
‫اهلل ‪ :‬أَبُو بَ ْك ٍر‪َ ،‬وعُ َم ُر‪ ،‬مُثَّ عُثْ َما ُن‪ ،‬مُثَّ َعلِ ٌّي‪.‬‬ ‫ول ِ‬ ‫اخْلَلِي َفةَ بع َد رس ِ‬
‫َْ َ ُ‬

‫حلي ميشي على األرض‪ :‬إنه يف‬


‫مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول ٍّ‬
‫((ما ُ‬
‫اجلنة؛ إال لعبد اهلل بن سالم))‪.‬‬

‫مثل خدجية بنت خويلد‪،‬وفاطمة بنت حممد ‪ ،‬واحلسن واحلسني‬


‫‪)(4‬‬
‫ابين علي بن أيب طالب‪ ،‬وبالل بن رباح؛ رضي اهلل عنهم أمجعني‪..‬‬

‫وغريهم كثري‪.‬‬

‫يف املخطوط‪[ :‬لكن املسألة اليت يضلل فيها املخالف]‪ ،‬وقريب منها‬
‫‪)(1‬‬
‫يف ((الفتاوى))‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫َض ُّل ِم ْن مِح َا ِر‬ ‫ِ‬ ‫ومن طَعن يِف ِخالَفَِة أ ٍ ِ‬
‫َحد م ْن َه ُؤالء؛ َف ُه َو أ َ‬
‫َ‬ ‫ََ ْ ََ‬
‫أ َْهلِ ِه)‪.‬‬
‫‪/‬ش‪ /‬وأما قولـه‪(( :‬ويؤمنونـ مبا تواتر به النقل عن أمري املؤمنني علي بن‬
‫أيب طالب وغريه من أن خري هذه األمة بعد نبيِّها أبو بكر وعمر))؛ فقد‬
‫ورد أن عليًّا رضي اهلل عنه قال ذلك على منرب الكوفة‪ ،‬ومسعه منه اجلم‬
‫الغفري؛ وكان يقول‪:‬‬
‫((ما مات رسول اهلل ‪ ‬حىت علمنا أن أفضلنا بعده أبو بكر‪ ،‬وما مات أبو‬
‫بكر حىت علمنا أن أفضلنا بعده عمر))(‪.)1‬‬
‫بعلي‪ ))..‬إخل؛ فمذهب مجهور‬ ‫وأما قولـه‪(( :‬ويَُثلِّثون بعثمان‪ ،‬ويربَّعونـ ٍّ‬
‫أهل السنة أن ترتيب اخللفاء الراشدين يف الفضل على حسب ترتيبهم يف‬

‫رواه ابن أيب عاصم يف ((السنة)) (‪ ،)2/570‬وقال األلباين‪(( :‬إسناده‬


‫‪)(1‬‬
‫صح عنده عنه أنه قال‪ :‬خري هذه األمة بعد نبيها أبو‬
‫ضعيف))‪ ،‬ولكن َّ‬
‫بكر‪ ،‬وبعد أيب بكر عمر‪ ،‬ولو شئت أن أمسي لكم الثالثـ لفعلت))‪.‬‬

‫ويف ((صحيح البخاري))(‪-7/54‬فتح) عن ابن عمر رضي اهلل‬

‫أحدا‪ ،‬مث عمر‪ ،‬مث‬


‫عنهما؛ قال‪ :‬كنا يف زمن النيب ‪ ‬ال نعدل بأيب بكر ً‬
‫عثمان‪ ،‬مث نرتك أصحاب النيب ‪ ‬ال نفاضل بينهم))‪.‬‬

‫وانظر‪(( :‬فضائل الصحابة)) (‪ )1/76‬لإلمام أمحد بن حنبل‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫حمتجني بتقدمي الصحابة‬ ‫يفضلون عثمان على علي‪ِّ ،‬‬ ‫اخلالفة‪ ،‬وهم هلذا ِّ‬
‫علي‪.‬‬
‫عثمان يف البيعةـ على ٍّ‬
‫يفضل عليًّا؛ ألنه يرى أن ما ورد من اآلثار يف مزايا‬ ‫وبعض أهل السنة ِّ‬
‫علي ومناقبه أكثر‪.‬‬ ‫ٍّ‬
‫وبعضهم يتوقَّف يف ذلك‪.‬‬
‫حال؛ فمسألة التفضيل ليست ـ كما قال املؤلف ـ من مسائل‬ ‫وعلى كل ٍ‬
‫األصول اليت يُضلَّل فيها املخالف‪ ،‬وإمنا هي مسألة فرعيَّة يتَّسع هلا‬
‫اخلالف‪.‬‬
‫وأما مسألة اخلالفة؛ فيجب االعتقاد بأنـ خالفة عثمان كانت صحيحة؛‬
‫ألهنا كانت مبشورة من الستة(‪ ،)1‬الذين عيَّنهم عمر رضي اهلل عنه‬
‫ليختاروا اخلليفة من بعده‪ ،‬فمن زعم أن خالفة عثمان كانت‬
‫ضال يغلب‬ ‫باطلة‪ ،‬وأن عليًّا كان أحق باخلالفة منه؛ فهو مبتدعٌ ٌّ‬
‫إزراء باملهاجرين واألنصار‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عليه التشيُّع؛ مع ما يف قولـه من‬
‫اهلل ‪َ ،‬و َيَت َولَّْو َن ُه ْم‪َ ،‬وحَيْ َفظُو َن فِي ِه ْم‬
‫ول ِ‬ ‫ت رس ِ‬ ‫ِ‬
‫(وحُي بُّو َن أ َْه َل َبْي َ ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫اهلل ‪:‬‬ ‫ول ِ‬‫و ِصيَّ ِة رس ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬
‫ال َي ْو َم َغ ِدي ِر ُخ ٍّم‪:‬‬
‫ث قَ َ‬
‫َحْي ُ‬
‫وهم‪ :‬علي‪ ،‬وعثمان‪ ،‬والزبري‪ ،‬وطلحة‪ ،‬وسعد‪ ،‬وعبد الرمحن‪ .‬رضي‬
‫‪)(1‬‬
‫اهلل عنهم أمجعني‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬صحيح البخاري)) (‪-7/61‬فتح)‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫(([أُذَ ِّك ُر ُك ُم اهللَ يِف أ َْه ِل َبْييِت ](‪.)2()))1‬‬
‫ض ُقَريْ ٍ‬
‫ش جَيْ ُفو‬ ‫َن َب ْع َ‬ ‫اس َع ِّمه ـ َوقَ ِد ا ْشتَ َكى إِلَْي ِه أ َّ‬ ‫ضا لِْل َعبَّ ِ‬
‫ال أَيْ ً‬ ‫َوقَ َ‬
‫ال‪َ (( :‬والَّ ِذي َن ْف ِسي بِيَ ِد ِه؛ الَ يُ ْؤ ِمنُو َن َحىَّت‬ ‫اش ٍم ـ َف َق َ‬ ‫بيِن ه ِ‬
‫َ َ‬
‫هلل َولَِقَرابَيِت ))(‪.)3‬‬ ‫حُيِ بُّو ُكم؛ ِ‬
‫ْ‬

‫تكررت يف املخطوط‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪)(1‬‬
‫رواه مسلم يف فضائل الصحابة‪( ،‬باب‪ :‬من فضل علي بن أيب‬
‫‪)(2‬‬
‫طالب)(‪-15/188‬نووي)‪ ،‬وابن أيب عاصم يف ((السنة)) (‪.)2/643‬‬

‫روى الرتمذي يف املناقب‪،‬ـ (باب‪ :‬مناقب العباس رضي اهلل عنه)(‬


‫‪)(3‬‬
‫مرفوعا‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪-10/264‬حتفة) عن عبد املطلب بن ربيعة‬

‫((والذي نفسي بيده؛ ال يدخل قلب رجل إميا ٌن حىت حيبَّكم للـه‬

‫ولرسوله))‪.‬‬

‫وقال الرتمذي‪(( :‬حسن صحيح))‪ ،‬ووافقه األرناؤوط يف ((جامع‬

‫األصول)) (‪.)6543‬‬

‫ورواه اإلمام أمحد هبذا اللفظ (‪ ،1772‬و‪-1773‬شاكر)‪،‬‬

‫وبلفظ‪(( :‬لقرابيت)) (‪ ،)1777‬وصحح إسنادمها أمحد شاكر‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اصطََفى م ْن بَيِن إمْسَاع َ‬
‫يل‬ ‫اصطََفى بَيِن إمْسَاع َ‬
‫يل‪َ ،‬و ْ‬ ‫ال‪(( :‬إِ َّن اهللَ ْ‬
‫َوقَ َ‬
‫اصطََفى ِم ْن ُقَريْ ٍ‬
‫ش بَيِن‬ ‫ِ ِ‬
‫اصطََفى م ْن كنَانَةَ ُقَريْ ًشا‪َ ،‬و ْ‬
‫ِ‬
‫كنَانَةَ‪َ ،‬و ْ‬
‫اش ٍم‪ ،‬واصطََفايِن ِمن بيِن ه ِ‬
‫اش ٍم))(‪.))4‬‬ ‫هِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬

‫وضعفه األلباين يف ((ضعيف اجلامع)) (‪.)6112‬‬


‫َّ‬

‫=‬

‫لكن رواه اإلمام أمحد يف ((فضائل الصحابة)) (‪ )1756‬بلفظ‪:‬‬ ‫=‬

‫((حىت حيبوكم للـه ولقرابيت))‪.‬‬

‫بإسناد مرسل ضعيف‪ ،‬ولكن قال حمققه وصي اهلل عباس‪:‬‬

‫الزينيب (‪88‬ب) من طريق‬


‫طراد َّ‬
‫((ووجدته موصوالً يف أمايل َّ‬
‫سفيان عن أبيه عن أيب الضحى عن ابن عباس؛ قال‪ :‬قال العباس‪ ..‬وهذا‬

‫إسناد موصول صحيح))‪ .‬اهـ‬

‫واهلل أعلم‪.‬‬

‫رواه مسلم يف الفضائل‪( ،‬باب‪ :‬فضل نسب النيب ‪-15/41()‬‬


‫‪)(4‬‬
‫نووي)‪ ،‬والرتمذي يف املناقب‪،‬ـ (باب‪ :‬ماجاء يف فضل النيب ‪-10/74()‬‬

‫‪279‬‬
‫حترم عليهم الصدقة‪ ،‬وهم‪ :‬آل علي‪ ،‬وآل‬
‫‪/‬ش‪ /‬أهل بيته ‪ ‬هم َمن ُ‬
‫جعفر‪ ،‬وآل عقيل‪ ،‬وآل العباس‪ ،‬وكلهم من بين هاشم‪ ،‬ويلحق هبم بنو‬
‫املطلب؛ لقوله عليه السالم‪:‬‬
‫إسالما))(‪.)1‬‬
‫((إهنم مل يفارقونا جاهليَّةً وال ً‬

‫حتفة)‪.‬‬

‫(صحيح)‪ .‬ومتام احلديث‪:‬‬


‫‪)(1‬‬
‫((إهنم مل يفارقوين يف جاهلية وال إسالم‪ ،‬إمنا بنو هاشم وبنو‬

‫املطلب شيء واحد‪ ،‬وشبك بني أصابعه))‪.‬‬

‫رواه النسائي يف قَ ْسم الفيء (‪ ،)7/131‬واللفظ لـه‪ ،‬وبنحوه رواه‬

‫أبو داود يف اخلراج‪( ،‬باب‪ :‬يف بيان مواضع قَ ْسم اخلمس)(‪-8/202‬‬

‫عون)‪.‬‬

‫وروى البخاري اجلزء األخري منه فقط‪(( :‬إمنا بنو هاشم وبنو‬
‫املطَّلب شيء ِ‬
‫واحد ـ والشاهد فيه أقوى ـ يف املغازي‪( ،‬باب‪ :‬غزوة خيرب)‬

‫(‪-7/484‬فتح)‪ ،‬ويف فرض اخلمس‪( ،‬باب‪ :‬ومن الدليل على أن اخلمس‬

‫لإلمام)(‪-6/244‬فتح)‪ ،‬ويف املناقب‪،‬ـ (باب‪ :‬مناقب قريش)(‪-6/533‬‬

‫‪280‬‬
‫فأهل السنة واجلماعة يرعون هلم حرمتهم وقرابتهم من رسول اهلل‬
‫‪‬؛ كما حيبوهنم إلسالمهم‪ ،‬وسبقهم‪ ،‬وحسن بالئهم يف نصرة‬
‫دين اهلل عز وجل‪.‬‬
‫و((غدير ُخم)) ـ بضم اخلاء ـ؛ قيل‪ :‬اسم رجل صباغ أضيف إليه‬
‫ض ٍة‬
‫مكة واملدينةـ باجلحفة‪ .‬وقيل‪ُ :‬خم اسم َغْي َ‬ ‫الغدير الذي بني َّ‬
‫ضة‪:‬ـ الشجر امللتف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫هناك نُسب إليها الغدير‪ ،‬والغَْي َ‬
‫وأما قولـه عليه السالم لعمه‪(( :‬والذي نفسي بيده ال يؤمنون حىت‬
‫أحد حىت حيب أهل‬ ‫حيبُّوكم للـه ولقرابيت))؛ فمعناه‪ :‬ال يتم إميان ٍ‬
‫بيت رسول اهلل ‪ ‬هلل؛ أوالً‪ :‬ألهنم من أوليائه وأهل طاعته الذين‬
‫جتب حمبتهم ومواالهتم فيه‪ .‬وثانيًا‪ :‬ملكاهنم من رسول اهلل‪ ،‬واتصال‬
‫نسبهم به‪.‬‬
‫ني‪َ ،‬ويُ ْؤ ِمنُو َن‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ‪ ‬أ َُّم َهات الْ ُم ْؤمن َ‬
‫(ويَتولَّو َن أ َْزواج رس ِ ِ‬
‫َ َ َُ‬ ‫ََ َ ْ‬
‫ِ‬
‫اآلخَر ِة‪:‬‬ ‫اجهُ يِف‬ ‫بَأَن َُّه َّن أ َْز َو ُ‬
‫وصا َخ ِدجيَةَ َر ِض َي اهللُ َعْن َها أ َُّم أَ ْكثَ ِر أ َْوالَ ِد ِه‪َ ،‬وأ ََّو َل َم ْن َآم َن بِِه‬ ‫ص ً‬ ‫ُخ ُ‬
‫ض َدهُ َعلَى أ َْم ِره‪َ ،‬و َكا َن هَلَا ِمْنهُ الْ َمْن ِزلَةُ الْ َعالِيَةُ‪.‬‬
‫َو َعاَ َ‬

‫فتح)‪.‬‬

‫وهاشم واملطَّلب أخوان؛ أبومها عبد مناف بن قُ َ‬


‫ص ٍّي بن كالب‪،‬‬
‫فبنومها أبناء عمومة‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫ال فِ َيها النَّيِب ُّ ‪(( :‬فَ ْ‬
‫ض ُل‬ ‫ِّيق َر ِض َي اهللُ َعْن َها‪ ،‬الَّيِت قَ َ‬
‫الصد ِ‬‫ت ِّ‬ ‫الصدِّي َقةَ بِْن َ‬
‫َو ِّ‬
‫يد َعلَى َسائِِر الطَّ َع ِام))(‪.))1‬‬ ‫ض ِل الثَّ ِر ِ‬ ‫عائِشةَ علَى الن ِ‬
‫ِّساء َك َف ْ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫تزوجه َّن بنكاح‪ ،‬فأوهلن خدجية بنت خويلد‬ ‫ُ‬ ‫‪/‬ش‪ /‬أزواجه ‪ ‬هن َمن‬
‫مخسا وعشرين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تزوجها مبكة قبل البعثة‪ ،‬وكانت سنُّهُ ً‬ ‫رضي اهلل عنها‪َّ ،‬‬
‫يتزوج عليها حىت توفِّيت‪،‬ـ وقد‬ ‫عاما‪ ،‬ومل َّ‬ ‫وكانت هي تكربه خبمسة عشر ً‬
‫وقواه على‬ ‫ُر ِز َق منها بكل أوالده إال إبراهيم‪ ،‬وكانت أول من آمن به‪َّ ،‬‬
‫احتمال أعباء الرسالة‪ ،‬وقد ماتت قبل اهلجرة بثالث سنني عن مخس‬
‫وستني سنة‪ ،‬فتزوج بعدها سودة بنت زمعة (رضي اهلل عنها)‪.‬‬
‫وعقد على عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬وكانت بنت ست سنني‪ ،‬حىت إذا‬
‫هاجر إىل املدينةـ بىن هبا وهي بنت تسع‪.‬‬
‫أيضا أم سلمة رضي اهلل عنها‪ ،‬تزوجها بعد زوجها أيب‬ ‫ومن زوجاته ً‬
‫سلمة‪.‬‬

‫ت الْ َمالَئِ َكةُ يَا‬


‫رواه البخاري يف األنبياء‪(،‬باب‪:‬قول اهلل تعاىل‪ :‬وإِ ْذ قَالَ ِ‬
‫‪َâ‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫َم ْرمَي ‪-6/471(á‬فتح)‪ ،‬ويف فضائل الصحابة‪( ،‬باب‪ :‬فضل عائشة رضي‬

‫اهلل عنها)(‪-7/106‬فتح)‪ ،‬ومسلم يف فضائل الصحابة‪( ،‬باب‪ :‬فضائل‬

‫خدجية أم املؤمنني)(‪-15/208‬نووي)‪ ،‬و(باب‪ :‬فضل عائشة رضي اهلل‬

‫عنها) (‪-15/219‬نووي)‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬والنسائي‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫وزينب بنت جحش تزوجها بعد تطليق زيد بن حارثة هلا‪ ،‬أو على‬
‫األصح زوجه اهلل إياها‪.‬‬
‫وجويرية بنت احلارث‪ ،‬وصفية بنت حيي‪ ،‬وحفصة بنت عمر‪ ،‬وزينب‬
‫بنت خزمية‪ ،‬وكلهن أمهات املؤمنني‪ ،‬وهن أزواجه ‪ ‬يف اآلخرة‪،‬‬
‫وأفضلهن على اإلطالق خدجية وعائشة رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الروافِ ِ (‪ِ َّ )1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َحابَةَ‬
‫ضو َن َّ‬‫ين يُْبغ ُ‬
‫ض الذ َ‬ ‫(و َيتََبَّر ُؤو َن م ْن طَ ِري َقة َّ َ‬
‫َ‬
‫َويَ ُسبُّو َن ُه ْم‪.‬‬
‫ت بَِق ْو ٍل [أ َْو](‪َ )3‬ع َم ٍل‪.‬‬ ‫ين يُ ْؤذُو َن أ َْه َل الَْبْي ِـ‬ ‫ب(‪ )2‬الَّ ِ‬
‫ذ‬ ‫اص ِ‬ ‫وطَ ِري َق ِة النَّو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الص َحابَِة‪َ ،‬و َي ُقولُو َن‪:‬ـ إِ َّن َه ِذ ِه اآلثَ َار الْ َم ْر ِويَّةَ يِف‬ ‫ومُيْ ِس ُكو َـن َع َّما َش َجَر َبنْي َ َّ‬
‫ص َوغُِّيَر َع ْن‬ ‫مسا ِوي ِهم ِمْنها ما هو َك ِذب‪ ،‬ومْنها ما قَ ْد ِز َ ِ ِ ِ‬
‫يد فيه َونُق َ‬ ‫ٌ ََ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َُ‬
‫صيبُو َن‪َ ،‬وإِ َّما‬ ‫الص ِحيح ِمْنه هم فِ ِيه مع ُذورو َن‪ :‬إِ َّما جُمْتَ ِه ُدو َن م ِ‬ ‫ِِ‬
‫ُ‬ ‫َو ْجهه‪َ ،‬و َّ ُ ُ ُ ْ َ ْ ُ‬
‫جُمْتَ ِه ُدو َن خُمْ ِطئُو َن‪.‬‬
‫وم َع ْن َكبَائِِر‬ ‫اح ٍد ِمن َّ ِ‬ ‫َن ُك َّل و ِ‬ ‫ك الَ َي ْعتَ ِق ُدو َن أ َّ‬ ‫ِ‬
‫ص ٌ‬ ‫الص َحابَة َم ْع ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو ُهم َّم َع َذل َ‬
‫وب يِف اجْلُ ْملَ ِة‪.‬‬ ‫الذنُ ُ‬ ‫وز َعلَْي ِهم ُّ‬
‫ُ‬
‫ا ِإلمْثِ و ِ‬
‫صغَائ ِر ِه‪ ،‬بَ ْل جَيُ ُ‬ ‫َ َ‬

‫سبق التعريف هبم (ص‪.)225‬‬


‫‪)(1‬‬
‫النواصب‪ :‬هم الذين ناصبوا العداوة ألهل البيت‪ ،‬وطعنوا فيهم‪،‬‬
‫‪)(2‬‬
‫وكفَّروهم‪ ،‬وهم ضد الروافض‪.‬‬

‫يف املخطوط‪[ :‬و]؛ بدون ختيري‪.‬‬


‫‪)(3‬‬

‫‪283‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السوابِ ِق والْ َف ِ‬
‫ص َد َر ـ‪،‬‬ ‫ص ُد ُر مْن ُه ْم ـ إِ ْن َ‬ ‫ب َم ْغفَر َة َما يَ ْ‬ ‫ضائ ِل َما يُوج ُ‬ ‫َوهَلُم ِّم َن َّ َ َ َ‬
‫ات َما الَ يُ ْغ َف ُر لِ َم ْن َب ْع َد ُه ْم؛‬ ‫السيِّئ ِ‬ ‫(‪) 1‬‬
‫[حىَّت إن َُّه ْم] يُ ْغ َف ُر هَلُم ِّم َن َّ َ‬ ‫َ‬
‫س لِ َم ْن َب ْع َد ُه ْم‪.‬‬ ‫ات الَّيِت مَتْحو َّ ِ‬
‫السيِّئَات َما لَْي َ‬ ‫ُ‬
‫َن هَل م ِّمن احْل سنَ ِ‬
‫أل َّ ُ َ َ َ‬
‫َن الْ ُم َّد ِم ْن‬ ‫ون‪َ ،‬وأ َّ‬ ‫اهلل ‪ ‬أَنَّهم خير الْ ُقر ِ‬
‫ُ ْ َُْ ُ‬
‫ول ِ‬ ‫وقَ ْد ثَبت بَِقو ِل رس ِ‬
‫َ ََ ْ َُ‬
‫ُح ٍد َذ َهبًا مِم َّن‬ ‫ِ‬
‫ض َل م ْن َجبَ ِل أ ُ‬
‫أَح ِد ِهم إ َذا تَصد َ ِ‬
‫َّق بِه َكا َن أَفْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫َب ْع َد ُه ْم‪.‬‬
‫اب ِمْنهُ‪،‬‬ ‫مُثَّ إِذَا َكا َن قَ ْد ص َدر ِمن أ ِ ِ‬
‫ب؛ َفيَ ُكو ُن قَ ْد تَ َ‬ ‫َحده ْم َذنْ ٌ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫اع ِة‬ ‫ِِ‬
‫ض ِل َسابَِقته‪ ،‬أ َْو بِ َش َف َ‬ ‫ات مَتْ ُحوهُ‪ ،‬أَو غُ ِفَر لَهُ؛ بَِف ْ‬ ‫أَو أَتَى حَب سنَ ٍ‬
‫ََ‬ ‫ْ‬
‫اعتِ ِه‪ ،‬أ َْو ْابتُلِ َي بِبَالٍَء يِف ُّ‬
‫الد ْنيَا‬ ‫َّاس بِ َش َف َ‬
‫ِ‬
‫حُمَ َّمد ‪ ‬الَّذي ُه ْم أ َ‬
‫َح ُّق الن ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُكفَِّر بِِه َعْنهُ‪.‬‬
‫ور](‪ )2‬الَّيِت َكانُوا‬ ‫ِ‬ ‫الذنُ ِ‬
‫فَِإذَا َكا َن َه َذا يِف ُّ‬
‫ف [األ ُُم ُ‬ ‫وب الْ ُم َح َّق َقة؛ فَ َكْي َ‬
‫فِيها جُمْتَ ِه ِدين‪ :‬إ ْن أَصابوا؛ َفلَهم أ ِ‬
‫َجٌر‬‫َخطَُؤوا؛ َفلَ ُه ْم أ ْ‬ ‫َجَران‪َ ،‬وإِ ْن أ ْ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ور‪.‬‬‫َواح ٌد‪َ ،‬واخْلَطَأُ م ْغ ُف ٌ‬
‫ور](‪ )3‬يِف َجْن ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫[م ْغ ُف ٌ‬ ‫مُثَّ إ َّن الْ َق ْد َر الذي يُْن َك ُر م ْن ف ْع ِل َب ْعضه ْم قَل ٌ‬
‫يل َن ْزٌر َ‬
‫اهلل‪َ ،‬و َر ُسولِِه‪َ ،‬واجْلِ َه ِاد يِف‬ ‫ان بِ ِ‬ ‫اسنِ ِهم؛ ِمن ا ِإلميَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَ ِ‬
‫ضائ ِل الْ َق ْوم َوحَمَ ْ َ‬ ‫َ‬
‫الصالِ ِح‪.‬‬
‫ُّصَر ِة‪،‬ـ َوالْعِْل ِم النَّافِ ِع‪َ ،‬والْ َع َم ِل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َسبِيله‪َ ،‬واهْل ْجَر ِة‪َ ،‬والن ْ‬

‫يف املخطوط‪[ :‬على أنه]‪ ،‬ويف ((الفتاوى))‪[ :‬حىت إنه]‪.‬‬


‫‪)(1‬‬
‫يف املخطوط‪[ :‬يف األمور]‪ ،‬ويف ((الفتاوى))‪[ :‬باألمور]‪.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫يف املخطوط‪[ :‬مغمور]‪ ،‬وكذا يف ((الفتاوى))‪.‬‬
‫‪)(3‬‬

‫‪284‬‬
‫ومن نَّظَر يِف ِسري ِة الْ َقوِم بِعِْل ٍم وب ِ‬
‫ص َري ٍة‪َ ،‬و َما َم َّن اهللُ َعلَْي ِهم بِِه‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ـاء‪ ،‬الَ َكا َن‬ ‫ِمن الْ َفضائِ ِل؛ علِم ي ِقينا أَنَّهم ِخير اخْل ْل ِق بعد األَنْبِي ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ً ُ ْ ُْ َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون َه ِذ ِه األ َُّم ِة الَّيِت ِه َي‬‫الص ْفوةُ ِمن ُقر ِ‬ ‫ِ‬
‫َوال يَ ُكو ُـن م ْثلُ ُه ْم‪َ ،‬وأَن َُّه ُم َّ َ ْ ُ‬
‫خير األُم ِم وأَ ْكرمها علَى ِ‬
‫اهلل)‪.‬‬ ‫َُْ َ َ َ ُ َ َ‬
‫‪/‬ش‪ /‬يريد أن أهل السنة واجلماعة يتربؤونـ من طريقة الروافض اليت هي‬
‫علي وأهل بيته‪ ،‬وبغض َمن عداه من كبار الصحابة‪،‬وسبهم‪،‬‬ ‫الغلو يف ٍّ‬
‫وتكفريهم‪.‬‬
‫وأول من مساهم بذلك زيد بن علي(‪ )1‬رمحه اهلل ألهنم ملا طلبوا منه‬
‫أن يتربأ من إمامة الشيخني أيب بكر وعمر ليبايعوه أىب ذلك‪،‬‬
‫يومئذ قيل هلم‪ :‬رافضة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فتفرقوا عنه‪ ،‬فقال‪(( :‬رفضتموين))‪ ،‬فمن‬
‫وهم فرق كثرية‪ :‬منهم الغالية‪ ،‬ومنهم دون ذلك‪.‬‬
‫ناصبوا أهل بيت‬ ‫ويترب ُؤونـ كذلك من طريقة النواصب الذين َ‬ ‫َّ‬
‫النبوةـ العداء ألسباب وأمور سياسية معروفة‪ ،‬ومل يعد هلؤالء‬ ‫َّ‬
‫وجود اآلن‪.‬‬

‫هو زيد بن علي بن احلسني بن علي بن أيب طالب‪ ،‬رضي اهلل عنهم‬
‫‪)(1‬‬
‫أمجعني‪ ،‬وإليه تنسب الزيدية؛ إحدى فرق الشيعة‪ ،‬وهم معتزلة يف‬

‫األصول‪ ،‬تفرقوا إىل عدة فرق؛ منها من هو أقرب إىل السنة‪ ،‬ومنها ما هو‬

‫أقرب إىل الرافضة‪ ،‬واملتقدمونـ منهم أفضل من املتأخرين‬

‫‪285‬‬
‫وميسك أهل السنة واجلماعة عن اخلوض فيما وقع من نزاع بني‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم؛ ال سيما ما وقع بني علي وطلحة‬
‫والزبـري بعد‬
‫مقتل عثمان‪ ،‬وما وقع بعد ذلك بني علي ومعاوية وعمرو بن‬
‫العاص وغريهم‪ ،‬ويرون أن اآلثار املروية يف مساوئهم أكثرها‬
‫ف عن وجهه‪ ،‬وأما الصحيح منها؛ فيعذروهنم فيه‪،‬‬ ‫حمر ٌ‬
‫كذب أو َّ‬‫ٌ‬
‫ويقولون‪ :‬إهنم متأولونـ جمتهدون‪.‬‬
‫وهم مع ذلك ال يدَّعون هلم العصمة من كبار الذنوب‬
‫وصغارها‪ ،‬ولكن ما هلم من السوابق والفضائل وصحبة رسول‬
‫اهلل ‪ ‬واجلهاد معه قد يوجب مغفرة ما يصدر منهم من زالت؛‬
‫فهم بشهادة رسول اهلل ‪ ‬خري القرون‪ ،‬وأفضلها‪ ،‬وم ُّد ِ‬
‫أحدهم‬ ‫ُ‬
‫صيفهـ أفضل من جبل ٍ‬
‫أحد َذ َهبًا يتصدَّق به َمن بعدهم‪،‬‬ ‫أو نَ ِ‬
‫فسيِّئاهتم مغفورة إىل جانب حسناهتم الكثرية‪.‬‬
‫يريد املؤلِّف رمحه اهلل أن ينفي عن الصحابة رضي اهلل عنهم أن‬
‫مصرا على ما يوجب سخط اهلل عليه‬ ‫يكون أحدهم قد مات ًّ‬
‫من الذنوب‪ ،‬بل إذا كان قد صدر الذنب من أحدهم فعالً؛ فال‬
‫خيلو عن أحد هذه األمور اليت ذكرها؛ فإما أن يكونـ قد تاب‬
‫منه قبل املوت‪ ،‬أو أتى حبسنات تذهبه ومتحوه‪ ،‬أو غُفر لـه‬
‫بفضل سالفته يف اإلسالم؛ كما غُ ِفر ألهل بدر وأصحاب‬
‫الشجرة‪ ،‬أو بشفاعة رسول اهلل ‪ ،‬وهم أسعد الناس بشفاعته‪،‬ـ‬

‫‪286‬‬
‫وأحقُّهم هبا‪ ،‬أو ابتلي ببالء يف الدنيا يف نفسه أو مالـه أو ولده‬
‫فَ ُكفِّر عنه به‪.‬‬
‫فإذا كان هذا هو ما جيب اعتقاده فيهم بالنسبة إىل ما ارتكبوه من‬
‫الذنوب احملققة؛ـ فكيف يف األمور اليت هي موضع اجتهاد واخلطأ فيها‬
‫مغفور‪.‬‬
‫ٌ‬
‫مث إذا قِيس هذا الذي أخطؤوا فيه إىل جانب ماهلم من حماسن وفضائل؛ مل‬
‫َي ْع ُد أن يكون قطرةً يف حبر‪.‬‬
‫فاهلل الذي اختار نبيه ‪ ‬هو الذي اختار لـه هؤالء األصحاب‪ ،‬فهم خري‬
‫اخللق بعد األنبياء‪ ،‬والصفوة املختارة من هذه األمة اليت هي أفضل األمم‪.‬‬
‫تأمل كالم املؤلِّف رمحه اهلل يف شأن الصحابة عجب أشد العجب مما‬ ‫ومن َّ‬ ‫َ‬
‫يتهجم على أقدارهم‪،‬‬
‫وادعائهم عليه أنه َّ‬‫املتعصبُون‪،‬ـ ِّ‬
‫يرميه به اجلهلة ِّ‬
‫ويغض من شأهنم‪ ،‬وخيرق إمجاعهم… إىل آخر ما قالوه من مزاعم‬ ‫ُّ‬
‫ومفرتيات‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫ات األ َْولِيَ ِاء َو َما جُيْ ِري‬ ‫يق بِ َكَر َام َ‬
‫السن َِّة‪ :‬الت ِ‬
‫َّصد ُ‬ ‫ْ‬ ‫ول أ َْه ِل ُّ‬ ‫(و ِمن أُص ِ‬
‫َ ْ ً‬
‫اع الْعلُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وم‬ ‫اهللُ َعلَى أَيْدي ِهم ِّم ْن َخ َوا ِرق الْ َع َادات يِف أَْن َو ِ ُ‬
‫(‪ِ)1‬‬
‫اع الْ ُق ْد َر ِة َوالتَّأْثِ َرياتـ‬ ‫ات َوأَْن َو ِـ‬ ‫اش َف ِ‬
‫َوالْ ُم َك َ‬
‫ف َو َغرْيِ َها‪َ ،‬و َع ْن‬ ‫ف األُم ِم يِف سور ِة الْ َك ْه ِ‬ ‫‪َ [ ،‬كالْمأثُو ِر](‪َ )2‬عن سالِ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ون] األ َُّم ِة‪،‬‬
‫)‬ ‫‪3‬‬ ‫(‬ ‫الصحاب ِة والتَّابِعِني وسائِِر [ ُقر ِ‬ ‫ِ ِِ ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫ص ْدر َهذه األ َُّمة م َن َّ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ودةٌ فِ َيها إِىَل َي ْوم الْ ِقيَ َام ِة)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َوه َي َم ْو ُج َ‬

‫قوله‪(( :‬أنواع العلوم واملكاشفات وأنواعـ القدرة والتأثرياتـ))؛ أي أن‬


‫‪)(1‬‬
‫كرامات األولياء تنقسم إىل قسمني‪ )1( :‬علم وكشف‪ )2( .‬قدرة‬

‫وتأثري‪ .‬أما األول فكأنـ يُعلمه اهلل ويُطلعه ويكشف له ما ال يكشف لغريه‬

‫مناما‪ ،‬كما حدث لعمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه يف قصة‪ :‬يا‬
‫يقظة أو ً‬
‫سارية اجلبل‪ .‬وأما الثاين؛ فكأن تكونـ لـه قدرة وتأثري على األشياء ليست‬

‫لغريه‪ ،‬كما وقع ملرمي عليها السالم وما حدث ألصحاب الكهف‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬جمموع الفتاوى))(‪.)318-11/314‬‬

‫كذا املخطوط‪ ،‬و((الفتاوى)) ويف املطبوع‪:‬ـ [واملأثور]ـ‪.‬‬


‫‪)(2‬‬
‫كذا يف املخطوط والفتاوى‪،‬ـ ويف املطبوع‪:‬ـ [فرق]‪ ،‬واملثبتـ أصح‪.‬‬
‫‪)(3‬‬

‫‪288‬‬
‫‪/‬ش‪ /‬وقد تواترت نصوصـ الكتاب والسنة‪ ،‬ودلت الوقائع قدميًا وحديثًا‬
‫على وقوع كرامات اهلل ألوليائه املتَّبعني هلدي أنبيائهم‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫ويل من أوليائه ؛ معونةً‬ ‫خارق للعادة‪ ،‬جيريه اهلل على يد ٍّ‬ ‫والكرامة أمر ٌ‬
‫دنيوي‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫ديين أو‬
‫لـه على أمر ٍّ‬
‫ويفرق بينها وبني املعجزة بأ ّن املعجزة تكون مقرونة بدعوى‬ ‫ِّ‬
‫الرسالة‪ ،‬خبالف الكرامة‪.‬‬
‫ويتضمن وقوع هذه الكرامات حكم ومصاحل كثرية؛ أمهها‪:‬‬ ‫َّ‬
‫أوالً‪ :‬أهنا كاملعجزة‪ ،‬تدل أعظم داللة على كمال قدرة اهلل‪،‬‬
‫فعال ملا يريد‪ ،‬وأن لـه فوق هذه السنن‬ ‫ونفوذ مشيئته‪،‬ـ وأنه َّ‬
‫واألسباب املعتادةـ سننًا أخرى ال يقع عليها علم البشر‪ ،‬وال‬
‫تدركها أعماهلم‪.‬‬
‫فمن ذلك قصة أصحاب الكهف‪ ،‬والنوم الذي أوقعه اهلل هبم يف‬
‫تلك املدة الطويلة‪ ،‬مع حفظه تعاىل ألبداهنم من التحلل والفناء‪.‬‬

‫الويل‪ :‬هو من فعل املأمور‪،‬ـ وترك احملظور‪ ،‬وصرب على املقدور‪،‬‬


‫ُّ‬ ‫‪)(1‬‬
‫فأحب اهلل وأحبه‪ ،‬ورضي عنه‪ .‬انظر‪ :‬رسالة ((الفرقان)) لشيخ اإلسالمـ ابن‬

‫تيمية‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫ومنها ما أكرم اهلل به مرمي بنت عمران من إيصال الرزق إليها‬
‫وهي يف احملراب؛ حىت عجب من ذلك زكريا عليه السالم‪،‬‬
‫وسأهلا‪ :‬أَىَّن لَ ِ‬
‫ك َهـ َذا ‪.)2( ‬‬
‫وكذلك محلها بعيسىـ بال أب‪ ،‬ووالدهتا إياه‪ ،‬وكالمه يف املهد‪،‬‬
‫وغري ذلك‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن وقوع كرامات األولياء هو يف احلقيقةـ معجزة لألنبياء؛ ألن تلك‬
‫الكرامات مل حتصل هلم إال بربكة متابعتهم ألنبيائهم‪،‬ـ وسريهم على‬
‫هديهم‪.‬‬
‫عجلها اهلل هلم يف الدنيا؛ فإن‬
‫ثالثًا‪ :‬أن كرامات األولياء هي البشرى اليت َّ‬
‫يدل على واليتهم وحسن عاقبتهم‪ ،‬ومن مجلة‬ ‫املراد بالبشرى كل أمر ُّ‬
‫ذلك الكرامات‪.‬‬
‫هذا؛ ومل تزل الكرامات موجودة مل تنقطع يف هذه األمة إىل يوم القيامة‪،‬ـ‬
‫واملشاهدةُ أكربُ دليالً‪.‬‬
‫وأنكرت الفالسفةُـ(‪ )2‬كرامات األولياء كما أنكروا معجزات األنبياء‪،‬‬
‫أيضا املعتزلة‪ ،‬وبعض األشاعرة؛ بدعوى‬ ‫وأنكرت الكرامات ً‬

‫آل عمران‪.)37( :‬‬


‫‪)(2‬‬
‫الفلسفة باليونانية‪ :‬حمبة احلكمة‪ .‬والفيلسوف هو‪( :‬فيال) و(سوفا)‪.‬‬
‫‪)(2‬‬
‫و(فيال)‪ :‬هو احملب‪.‬ـ و(سوفا)‪ :‬احلكمة؛ أي‪ :‬هو حمب احلكمة‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫التباسها باملعجزة‪ ،‬وهي دعوى باطلة؛ ألن الكرامة ـ كما قلنا ـ‬
‫ال تقرتن بدعوى الرسالة‪.‬‬
‫لكن جيب التنبه إىل أن ما يقوم به الدَّجاجلةُ واملشعوذون من أصحاب‬
‫باملتصوفة من أعمال وخماريق‬
‫ِّ‬ ‫الطرق املبتدعة الذين يسمون أنفسهم‬
‫ُ‬
‫شيطانية؛ كدخول النار‪ ،‬وضرب أنفسهم بالسالح‪ ،‬واإلمساك بالثعابني‪،‬‬
‫واإلخبار بالغيب…ـ إىل غري ذلك؛ ليس من الكرامات يف شيء؛ فإن‬
‫الكرامة إمنا تكونـ ألولياء اهلل حبق‪ ،‬وهؤالء أولياء الشيطان(‪.)1‬‬

‫وفالسفة العرب‪َ :‬من اتبع فالسفة اليونانـ يف كفرهم وضالالهتم؛‬


‫كأرسطو طاليس‪ ،‬وأفالطون‪ ،‬وغريمها‪ ،‬ومن فالسفة العرب ابن رشد‬
‫وابن سينا والرازي الطبيب وغريهم‪.‬‬
‫وهؤالء ال يؤمنونـ باألنبياء ومعجزاهتم‪ ،‬وال األولياء وكراماهتم‪.‬‬

‫وانظر (ص‪.)127‬‬

‫وهناك نوعٌ آخر؛ وهو استعانةـ بعضهم باجلن لقضاء بعض احلاجات‬
‫‪)(1‬‬
‫يظن بعض العوام أنه من الكرامات؛ وهو نوعٌ من الشعوذة إذا فسدت‬

‫النيَّات‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫رس ِ‬
‫ول‬ ‫َُ‬ ‫اع ِة اتِّبَاعُ آثَا ِر‬ ‫( فَصل‪ :‬مُثَّ ِمن طَ ِري َق ِة أَه ِل ُّ ِ‬
‫السنَّة َواجْلَ َم َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٌْ‬
‫ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫اهرا‪ ،‬واتِّباع سبِ ِيل َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‬
‫ني األ ََّول َ‬ ‫السابِق َ‬ ‫اهلل ‪ ‬بَاطنًا َوظَ ً َ َ ُ َ‬
‫صا ِر‬ ‫ِ‬
‫ين َواألَنْ َ‬ ‫الْ ُم َهاج ِر َ‬
‫((علَْي ُك ْم بِ ُسنَّيِت َو ُسن َِّة اخْلُلَ َف ِاء‬
‫يث قَ َال‪َ :‬‬ ‫اهلل ‪َ ،‬ح ُ‬ ‫ول ِ‬ ‫‪ ،‬واتِّباعُ و ِصيَّ ِة رس ِ‬
‫َ َ َ َُ‬
‫ني ِم ْن َب ْع ِدي‪ ،‬مَتَ َّس ُكوا هِبَا‪َ ،‬و َعضُّوا َعلَْي َها بِالن ََّو ِاج ِذ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ين املَْهديِّ َ‬
‫َّ ِ ِ‬
‫الراشد َ‬
‫(‪ٍ ) 1‬‬ ‫ِ‬
‫ضاللَةٌ))(‪.)2‬‬ ‫َوإِيَّا ُك ْم َوحُمْ َدثَات األ ُُمو ِر؛ فَِإ َّن ُك َّل بِ ْد َعة َ‬
‫ي حُمَ َّم ٍد ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الم اهلل‪َ ،‬و َخْيَر اهْلَْد ِي َه ْد ُ‬ ‫الم َك ُ‬ ‫َص َد َق الْ َك ِـ‬
‫َن أ ْ‬‫َو َي ْعلَ ُمو َن أ َّ‬
‫الم أَصنَ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي‬
‫ِّمو َن َه ْد َ‬ ‫اف الن ِ‬
‫َّاس‪َ ،‬ويُ َقد ُ‬ ‫َويُ ْؤث ُرو َن َكالَ َم اهلل َعلَى َغرْيِ ه م ْن َك ِ ْ‬
‫َح ٍد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حُمَ َّمد ‪َ ‬علَى َه ْد ِي ُك ِّل أ َ‬

‫يف املخطوط والفتاوى‪:‬ـ [فإن كل حمدث بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة]‪.‬‬


‫‪)(1‬‬
‫(صحيح)‪ .‬رواه الرتمذي يف أبواب العلم‪( ،‬باب‪ :‬األخذ بالسنة‬
‫‪)(2‬‬
‫واجتناب البدعة)(‪-7/438‬حتفة)‪ ،‬وقال‪(( :‬حسن صحيح))‪ ،‬وأبو داود‬

‫أول كتاب السنة‪( ،‬باب‪ :‬يف لزوم السنة)(‪-12/358‬عون)‪،‬ـ وابن ماجه‬

‫يف املقدمة‪( ،‬باب‪ :‬اتباعـ سنة اخللفاء الراشدين)‪.‬‬

‫انظر‪(( :‬السنة)) البن أيب عاصم (رقم ‪ 59-54‬مع ظالل اجلنة)‪،‬‬

‫و((جامع األصول)) (‪.)1/278‬‬

‫‪292‬‬
‫اعةَ ِه َي‬ ‫اع ِة؛ أل َّ‬ ‫اب و ُّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫هِل‬
‫َن اجْلَ َم َ‬ ‫السنَّة‪َ ،‬ومُسُّوا أ َْه َل اجْلَ َم َ‬ ‫َو ََذا مُسُّوا أ َْه َل الْكتَ َ‬
‫ص َار‬ ‫د‬
‫ْ‬ ‫َ‬‫ق‬ ‫ظ اجْل ماع ِ‬
‫ة‬ ‫ُ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬‫ُ‬‫ة‬‫ق‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ُّه‬‫د‬ ‫[االجتِماع](‪ ،)1‬و ِ‬
‫ض‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ‬
‫ني‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫امْسًا لَِن ْف ِ‬
‫س الْ َق ْوم الْ ُم ْجتَمع َ‬
‫ث الَّ ِذي يُ ْعتَ َم ُد َعلَْي ِه يِف الْعِْل ِم َوالدي ِن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َص ُل الثَّال ُ‬ ‫َوا ِإل َاعُ ُه َو األ ْ‬
‫مِج‬
‫َّاس ِم ْن أَْق َو ٍال َوأ َْع َم ٍال‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وهم ي ِزنُو َن هِب ِذه األ ِ‬
‫يع َما َعلَْيه الن ُ‬ ‫ُصول الثَّالثَ ـة مَج َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َُْ َ‬
‫اهَر ٍة مِم َّا لَهُ َت َعلُّ ٌق بِالدِّي ِن‪.‬‬
‫اطن ٍة أَو ظَ ِ‬
‫بَ َ ْ‬
‫ِ‬
‫الصالِ ُح؛ إِ ْذ َب ْع َد ُه ْم َك ُثَر‬
‫ف َّ‬ ‫ط ُه َو َما َكا َن َعلَْي ِه َّ‬
‫السلَ ُ‬ ‫ضبِ ُ‬ ‫وا ِإلمْج ِ ِ‬
‫اع الَّذي َيْن َ‬ ‫َ َ‬
‫[وا ْنتَ َشَر يِف األ َُّم ِة](‪.))2‬‬ ‫ف‪َ ،‬‬ ‫االختِالَ ُ‬
‫ْ‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬مث من طريقة أهل السنة…)) إخل؛ هذا بيان املنهج ألهل‬
‫السنة واجلماعة يف استنباط األحكام الدينيةـ كلها‪ ،‬أصوهلا وفروعها‪ ،‬بعد‬
‫طريقتهم يف مسائل األصول‪ ،‬وهذا املنهج يقوم على أصول ثالثة‪:‬‬
‫أوهلا‪ :‬كتاب اهلل عز وجل‪ ،‬الذي هو خري الكالم وأصدقه‪ ،‬فهم ال‬
‫يقدِّمون على كالم اهلل كالم أحد من الناس‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬سنة رسول اهلل ‪ ، ‬وما أُثر عنه من هدي وطريقة‪ ،‬ال يقدمون‬
‫ي أحد من الناس‪.‬‬ ‫على ذلك َه ْد َ‬
‫التفرق‬
‫وثالثها‪ :‬ما وقع عليه إمجاع الصدر األول من هذه األمة قبل ُّ‬
‫واالنتشار وظهور البدعة واملقاالت‪ ،‬وما جاءهم بعد ذلك مما قاله الناس‬

‫يف املطبوع‪:‬ـ [اإلمجاع]‪.‬‬


‫‪)(1‬‬
‫يف املخطوط‪[ :‬وانتشرت األمة]‪،‬ـ وكذا يف ((الفتاوى))‪.‬‬
‫‪)(2‬‬

‫‪293‬‬
‫وذهبواـ إليه من املقاالت وزنوها هبذه األصول الثالثةـ اليت هي الكتاب‪،‬‬
‫ردوه؛ أيًّا كان قائله‪.‬‬ ‫والسنة‪ ،‬واإلمجاع‪ ،‬فإن وافقها؛ قبلوه‪ ،‬وإن خالفها ُّ‬
‫يضل سالكه‪ ،‬وال‬ ‫وهذا هو املنهج الوسط‪ ،‬والصراط املستقيم‪ ،‬الذي ال ُّ‬
‫فيتأول الكتاب‪،‬‬ ‫ط بني َمن يتالعبـ بالنصوص‪َّ ،‬‬ ‫يشقى َمن اتَّبعه‪ ،‬وس ٌ‬
‫وينكر األحاديث الصحيحة‪ ،‬وال يعبأـ بإمجاع السلف‪ ،‬وبني من خيبط‬
‫خبط عشواء‪ ،‬فيتقبل كل رأي‪ ،‬ويأخذ بكل قول‪ ،‬ال يفرق يف ذلك بني‬
‫وصحيح وسقي ٍم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ني‪،‬‬‫غث ومس ٍ‬ ‫ٍّ‬
‫وف‪َ ،‬و َيْن َهو َن‬ ‫ول يأْمرو َن بِالْمعر ِ‬ ‫(فَصل‪ :‬مُثَّ هم َّمع ّه ِذ ِه األ ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ُص َ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ٌْ‬
‫الش ِر َيعةُ‪.‬‬
‫وجبُهُ َّ‬ ‫ع ِن الْمْن َك ِر علَى ما تُ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َو َيَر ْو َن إِقَ َامةَ احْلَ ِّج َواجْلِ َه ِاد َواجْلُ َم ِع َواأل َْعيَ ِاد َم َع األ َُمَر ِاء أ َْبَر ًارا َكانُوا أ َْو‬
‫فُ َّجارا‪ ،‬وحُي افِظُو َن علَى اجْل ماع ِ‬
‫ات‪.‬‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ً ََ‬
‫يح ِة لأل َُّم ِة‪َ ،‬و َي ْعتَ ِق ُدو َن َم ْعىَن َق ْولِِه ‪(( :‬الْ ُم ْؤ ِم ُن لِْل ُم ْؤ ِم ِن‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َويَدينُو َن بالنَّص َ‬
‫َصابِعِ ِه(‪َ ،)1‬و َق ْولِِه‬ ‫ك َبنْي َ أ َ‬‫ضا"‪َ ،‬و َشبَّ َ‬ ‫وص؛ يَ ُش ُّد َب ْع َ‬
‫ضهُ َب ْع ً‬ ‫ص ِ‬ ‫ِ‬
‫َكالُْبْنيَان الْ َم ْر ُ‬
‫ني يِف َت َو ِّاد ِه ْم َوَتَرامُحِ ِه ْم َوَت َعاطُِف ِه ْم َك َمثَ ِل اجْلَ َس ِد؛‬ ‫ِِ‬
‫‪َ :‬مثَ ُل الْ ُم ْؤمن َ‬

‫رواه البخاري يف املظامل‪( ،‬باب‪ :‬نصر املظلوم)(‪-5/99‬فتح)‪،‬‬


‫‪)(1‬‬
‫الرب والصلة واآلداب‪( ،‬باب‪ :‬تراحم املؤمنني وتعاطفهم)(ـ‬
‫ومسلم يف ِّ‬
‫‪-16/376‬نووي)‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫الس َه ِر))‬‫اعىـ لَهُ َسائُِر اجْلَ َس ِد بُاحْلُ َّمى َو َّ‬ ‫إِ َذا ا ْشتَ َكىـ ِمْنهُ عُ ْ‬
‫ض ٌو؛ تَ َد َ‬
‫(‪. ) 1‬‬
‫ضا مِب ُِّر‬ ‫الر َخ ِاء] َو ِّ‬ ‫الش ْك ِر ِ‬ ‫الص ِ ِعْند الْب ِ‬ ‫ِ‬
‫َويَأْ ُم ُرو َن ب َّرْب َ َ‬
‫(‪) 2‬‬
‫الر َ‬ ‫[عْن َد َّ‬ ‫الء‪َ ،‬و ُّ‬
‫ض ِاء‪.‬‬‫الْ َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وي ْدعو َن إِىَل م َكا ِرِم األ ِ‬
‫َخالق‪َ ،‬وحَمَاس ِن األ َْع َمال‪َ ،‬و َي ْعتَق ُدو َن َم ْعىَن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ني إِميَانًا أ ْ‬
‫َق ْوله ‪(( :‬أَ ْك َم ُل الْ ُم ْؤمن َ‬
‫(‪) 3‬‬
‫َح َسُن ُه ْم ُخلًُقا)) ‪.‬‬

‫رواه البخاري يف األدب‪( ،‬باب‪ :‬رمحة الناس والبهائم)(‪-10/438‬‬


‫‪)(1‬‬
‫فتح)‪ ،‬ومسلم يف الرب والصلة واآلداب‪( ،‬باب‪ :‬تراحم املؤمنني وتعاطفهم)ـ‬

‫(‪-16/376‬نووي)‪.‬‬

‫زيادة من املخطوط‪ ،‬وهي موجودة يف ((الفتاوى)) وطبعة اجلامعة‬


‫‪)(2‬‬
‫اإلسالمية‪.‬ـ‬

‫(حسن أو صحيح)‪ .‬رواه الرتمذي يف الرضاع‪( ،‬باب‪ :‬ما جاء يف‬


‫‪)(3‬‬
‫حق املرأة على زوجها)(‪-4/325‬حتفة)‪ ،‬وقال‪(( :‬هذا حديث حسن‬

‫صحيح))‪ ،‬وأبو داود يف السنة‪( ،‬باب‪ :‬الدليل على زيادة اإلميان ونقصانه)(‬

‫‪-12/439‬عون)‪.‬ـ‬

‫‪295‬‬
‫ك‪َ ،‬وَت ْع ُف َو َع َّم ْن‬‫ك‪َ ،‬و ُت ْع ِط َي َم ْن َحَر َم َ‬ ‫ص َل َم ْن قَطَ َع َ‬ ‫ويْن ُدبو َن إِىَل أَ ْن تَ ِ‬
‫ََ ُ‬
‫ك‪.‬‬
‫ظَلَ َم َ‬
‫ان إىَل‬ ‫ويأْمرو َن بِرِب ِّ الْوالِ َدي ِن‪ ،‬و ِصلَ ِة األَرح ِام‪ ،‬وحس ِن اجْلِوا ِر‪ ،‬وا ِإلح ِس ِ‬
‫َْ َُْ َ َ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ َ ُُ‬
‫الرفْ ِق بِالْمملُ ِ‬
‫وك‪.‬‬ ‫َْ‬ ‫السبِ ِيل‪َ ،‬و ِّ‬
‫ني َوابْ ِن َّ‬ ‫الْيَتَ َامىـ والْمساكِ ِ‬
‫َ ََ‬
‫االستِطَالَِة َعلَى اخْلَْل ِق حِب َ ٍّق أ َْو بِغَرْيِ‬ ‫ِ‬
‫َو َيْن َه ْو َن َع ِن الْ َف ْخ ِر‪َ ،‬واخْلُيَالء‪َ ،‬والَْب ْغ ِي‪َ ،‬و ْ‬
‫َح ٍّق‪.‬‬
‫َخالَ ِق‪ََ ،‬و َيْن َه ْو َن َع ْن َس ْف َسافِ َها‪.‬‬ ‫مِب‬
‫َويَأْ ُم ُرو َن ََعايِل األ ْ‬
‫و ُك ُّل ما ي ُقولُونَهُ وي ْفعلُونَهُ ِمن َه َذا و َغرْيِ ِه؛ فَِإمَّنَا ُهم فِ ِيه متَّبِعو َـن لِْل ِكتَ ِ‬
‫اب‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ث اهللُ بِِه حُمَ َّم ًدا ‪.)‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫و ُّ ِ‬
‫اإلسالَِم الَّذي َب َع َ‬
‫ين ْ‬ ‫السنَّة‪َ ،‬وطَ ِري َقُت ُه ْم ه َي د ُ‬ ‫َ‬
‫‪/‬ش‪ /‬قولـه‪(( :‬مث هم مع هذه األصول…)) إخل؛ مجع املؤلف يف هذا‬
‫الفصل مجاع مكارم األخالق اليت يتخلَّق هبا أهل السنة واجلماعة؛ من‬
‫األمر باملعروف؛ وهو ما عُ ِرف ُح ْسنُه بالشرع والعقل‪ ،‬والنهي عن‬
‫حسن إسناده األرناؤوط يف ((جامع األصول)) (‬
‫واحلديث َّ‬
‫‪ ،)1976‬وصححه األلباين يف ((صحيح اجلامع)) (‪ ،)1241‬وأورده‬

‫احلافظ يف ((الفتح)) (‪ ،)10/458‬وعزاه ألمحد والرتمذي واحلاكم وأيب‬

‫يعلى وسكتـ عنه‪.‬‬

‫مرفوعا‪(( :‬إن خياركم أحسنكم‬


‫ً‬ ‫ويف البخاري (‪-10/456‬فتح)‬

‫خل ًقا))‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫وشرعا؛ على حسب ما توجبه الشريعة من‬ ‫ً‬ ‫قبيح عقالً‬
‫املنكر؛ وهو كل ٍ‬
‫تلك الفريضة؛ كما يفهم من قوله عليه السالم‪:‬‬
‫منكرا؛ فليُغرّي ه بيده‪ ،‬فإن مل يستطع؛ فبلسانه‪ ،‬فإن مل‬
‫((من رأى منكم ً‬‫َ‬
‫يستطع؛ فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اإلميان))(‪.)1‬‬
‫ومن شهود اجلُ َم ِع واجلماعات واحلج واجلهاد مع األمراء أيًّا‬
‫كانوا؛ لقوله عليه السالم‪:‬‬
‫كل ٍّبر وفاج ٍر))(‪.)2‬‬
‫((صلوا خلف ِّ‬

‫رواه مسلم يف اإلميان‪( ،‬باب‪ :‬كون النهي عن املنكر من اإلميان) (‬


‫‪)(1‬‬
‫‪-2/380‬نووي)‪ ،‬والرتمذي يف الفنت‪( ،‬باب‪ :‬ما جاء يف تغيري املنكر‬

‫باليد)(‪-6/393‬حتفة)‪ ،‬ورواه أبو داود‪ ،‬والنسائي‪،‬ـ وابن ماجه‪.‬‬

‫(ضعيف)‪ .‬رواه الدارقطين (‪ )2/57‬من طريق مكحول عن أيب‬


‫‪)(2‬‬
‫هريرة‪ ،‬وقال‪(( :‬مكحول مل يسمع من أيب هريرة))‪ ،‬وقد أعلّه احلافظ ابن‬

‫حجر يف ((التلخيص احلبري)) (‪ ،)2/35‬والزيلعي يف ((نصب الراية)) (‬

‫‪ )2/27‬باالنقطاع‪ ،‬وانظر‪(( :‬ضعيف اجلامع)) (‪.)3478‬‬

‫ويغين عنه ما رواه البخاري يف األذان‪( ،‬باب‪ :‬إذا مل يُتِ َّم اإلمام‬

‫وأمتَّ من خلفه) (‪-2/187‬فتح) عن النيب ‪ ‬أنه قال‪(( :‬يصلون لكم ـ يعين‪:‬‬

‫‪297‬‬
‫ومن النصح لكل مسلم؛ لقوله عليه السالم‪:‬‬

‫((الدين النصيحةُ))(‪.)1‬‬
‫وتواد‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫تعاطف‬ ‫صحيح ملا توجبه األخوة اإلميانية من‬ ‫ٍ‬ ‫ومن فه ٍم‬
‫وتناص ٍر؛ كما يف هذه األحاديث اليت يشبِّه فيها الرسول املؤمنني‬
‫بالبنيانـ املرصوص املتماسك اللَّبنات‪ ،‬أو باجلسد املرتابط األعضاء‬
‫من دعوة إىل اخلري‪ ،‬وإىل مكارم األخالق‪ ،‬فهم يدعون إىل‬
‫الصرب على املصائب‪ ،‬والشكر على النعماء‪ ،‬والرضا بقضاء اهلل‬
‫وقدره‪ ..‬إىل غري ذلك مما ذكره‪.‬‬
‫ني فِْرقَةً؛ ُكلُّ َها‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َن أ َُّمتَهُ َسَت ْفرَتِ ُق َعلَى ثَالث َو َسْبع َ‬
‫َخَبَر النَّيِب ُّ ‪ ‬أ َّ‬ ‫ِ‬
‫(لَك ْن لَ َّما أ ْ‬
‫((ه ْم‬ ‫يث َعْنهُ أَنَّهُ قَ َ‬‫اح َد ًة‪ ،‬و ِهي اجْل ماعةُ(‪ .)2‬ويِف ح ِد ٍ‬ ‫يِف النَّار؛ إالَّ و ِ‬
‫ال‪ُ :‬‬ ‫َ َ ََ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫األئمة الضالَّل ـ فإن أصابوا؛ فلكم وهلم‪ ،‬وأن أخطؤوا؛ فلكم وعليهم))‪.‬‬

‫رواه مسلم يف اإلميان‪( ،‬باب‪ :‬بيان أن الدين النصيحة)(‪-2/396‬‬


‫‪)(1‬‬
‫نووي)‪ ،‬وأبو داود يف األدب‪( ،‬باب‪ :‬يف النصيحة) (‪-13/288‬عون)‪،‬ـ‬

‫أيضا‪.‬‬
‫ورواه النسائي ً‬
‫(صحيح)‪ .‬رواه أبو داود يف أول كتاب ((السنة)) (‪-12/341‬‬
‫‪)(2‬‬
‫عون)‪ ،‬وابن ماجة‪ ،‬والدارمي‪ .‬انظر ((السلسلة الصحيحة)) (‪،)1/358‬‬

‫و((السنة)) البن أيب عاصم (‪ ،)1/32‬وانظر (ص‪.)61‬‬

‫‪298‬‬
‫َص َحايِب )) ؛ َ‬
‫ص َار‬ ‫(‪) 1‬‬
‫وم َوأ ْ‬ ‫َم ْن َكا َن َعلَى ِمثْ ِل َما أَنَا َعلَْي ِه الْيَ َـ‬
‫السن َِّة‬
‫ص َع ِن الش َّْو ِب ُه ُم أ َْه ُل ُّ‬ ‫ض اخْلَالِ ِ‬ ‫اإلس ِ‬
‫الم الْ َم ْح ِ‬ ‫الْ ُمتَ َم ِّس ُكو َن بِ ْ‬
‫اع ِة‪.‬‬
‫َواجْلَ َم َ‬
‫الم اهْلَُدى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الصدِّي ُقو َن‪،‬ـ والشُّه َد ِاء‪ ،‬و َّ حِل‬ ‫َوفِي ِه ُم ِّ‬
‫الصا ُو َن‪َ ،‬ومْن ُه ُم أ َْع ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ (‪) 2‬‬ ‫ِِ‬ ‫وم َ ِ‬
‫ُّجى‪ ،‬أُولو الْ َمنَاقب [الْ َمأْثُ َ‬
‫ورة]ـ‬ ‫يح الد َ‬ ‫صاب ُ‬ ‫ََ‬
‫ور ِة‪َ ،‬وفِي ِه ُم األَبْ َد ُال‪َ ،‬وفِي ِه ُم [أَئِ َّمةُ الدِّي ِن](‪،)3‬‬ ‫‪ ،‬والْ َف ِ‬
‫ضائ ِل الْ َم ْذ ُك َ‬‫َ َ‬
‫[و ِد َرايَتِ ِه ْم] ‪َ ،‬و ُه ُم الطَّائَِفةُ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين أَمْج َ َع الْ ُم ْسل ُمو َن َعلَى ه َدايَته ْم َ‬
‫(‪) 4‬‬
‫الذ َ‬
‫ال فِي ِه ُم النَّيِب ُّ ‪(( :‬الَ َتَز ُال طَائَِفةٌ ِم ْن أ َُّميِت‬ ‫ين قَ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫ورةُ الذ َ‬ ‫صَ‬ ‫الْ َمْن ُ‬
‫ضُّر ُهم َّم ْن َخالََف ُه ْم‪َ ،‬والَ َم ْن َخذَهَلُ ْم؛‬ ‫ور ًة‪،‬ـ الَ يَ ُ‬ ‫صَ‬ ‫َعلَى احْلَ ِّق َمْن ُ‬
‫اعةُ))(‪.)5‬‬
‫الس َ‬
‫وم َّ‬ ‫َحىَّت َت ُق َ‬

‫(حسن)‪ .‬تقدم خترجيه (ص‪.)93‬‬


‫‪)(1‬‬
‫يف طبعة اإلفتاء‪[ :‬اجملثورة]‪ ،‬وهو خطأ مطبعي‪ ،‬والذي أثبتُّه هو‬
‫‪)(2‬‬
‫املثبتـ يف مجيع الطبعات‪.‬‬

‫يف املخطوط‪[ :‬األئمة]‪،‬ـ وكذا يف ((الفتاوى))‪ ،‬ولكن بدون لفظ‪:‬‬


‫‪)(3‬‬
‫((وفيهم))‪ ،‬فصارت بدالً لألبدال‪.‬‬

‫أيضا‪.‬‬
‫زيادة من املخطوط‪ ،‬وهي مثبتةـ يف ((الفتاوى)) ً‬ ‫‪)(4‬‬
‫(صحيح)‪ .‬تقدم خترجيه (ص‪.)93‬‬
‫‪)(5‬‬

‫‪299‬‬
‫وبنَا َب ْع َد إِ ْذ َه َدانَا‪،‬‬ ‫جَيْ َعلَنَا ِمْن ُه ْم َوأَ ْن الَ يُِز َ‬
‫يغ ُقلُ َ‬ ‫أَ ْن‬
‫نَ ْسأ َُل اهللَ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫اب‪.‬‬‫الو َّه ُ‬
‫من ل ُدنْهُ َرمْح َةً إنَّهُ ُه َو َ‬ ‫ب‬‫َوأَ ْن َي َه َ‬
‫لَنَا‬
‫َواهللُ أ َْعلَ ُم‪.‬‬
‫يما َكثِ ًريا)‪.‬‬‫ِ‬ ‫وصلَّى اهلل علَى حُم َّم ٍد وآلِِه و ِ ِ‬
‫ص ْحبه َو َسلَّ َم تَ ْسل ً‬
‫َ َ ُ َ َ َ َ َ‬
‫فالصدِّيق صيغة مبالغة من‬
‫الصدِّيقون…)) إخل؛ ِّ‬ ‫‪/‬ش‪ /‬وأما قولـه‪(( :‬وفيهم ِّ‬
‫الصدق‪ ،‬يراد به الكثري التصديق‪ ،‬وأبو بكر رضي اهلل عنه هو الصدِّيق‬
‫األول هلذه األمة‪.‬‬
‫وأما الشهداء؛ فهو مجع شهيد‪ ،‬وهو َمن قتل يف املعركة‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫بعضا‬
‫وأما األبدال ؛ فهم مجع ب ْدل‪ ،‬وهم الذين خيلف بعضهم ً‬
‫يف جتديد هذا الدين والدفاع عنه؛ كما يف احلديث‪:‬‬

‫قال احلافظ ابن القيم يف ((املنار املنيفـ)) (ص‪:)136‬‬


‫‪)(1‬‬
‫((أحاديث األبدال واألقطاب واألغواث والنقباءـ والنجباء‬

‫واألوتاد؛ كلها باطلة على رسول اهلل ‪.))‬‬

‫=‬
‫يرد هبذا على الصوفيةـ الذين يزعمون أن هناك أبداالً سبعة َّ‬
‫يتحكم‬ ‫ُّ‬ ‫=‬

‫كل واحد منهم يف قارة من القارات السبع بأمر الغوث والنجباء‪ ،‬أما‬
‫عرفهم الشارح‪.‬‬
‫األبدال الذين يعنيهم شيخ اإلسالم؛ فهم الذين َّ‬

‫‪300‬‬
‫((يبعث اهلل هلذه األمة على رأس كل مئة سنة َمن جيدد هلا أمر‬
‫دينها))(‪.)2‬‬
‫تسليما‬ ‫ٍ‬
‫حممد وآله وصحبه وسلَّم‬ ‫واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل على‬
‫ً‬
‫كثريا‪.‬‬
‫ً‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫(صحيح)‪ .‬رواه أبو داود يف املالحم‪( ،‬باب‪ :‬ما يذكر يف قرن املئة)(‬
‫‪)(2‬‬
‫وقوى إسناده‬
‫‪-11/385‬عون)‪،‬ـ ورواه احلكم‪ ،‬والبيهقي يف ((املعرفة))‪َّ ،‬‬
‫ووثَّق رجاله احلافظ ابن حجر يف ((توايل التأسيسـ)) (ص‪.)49‬‬

‫انظر‪(( :‬صحيح اجلامع)) (‪ ،)1870‬و((جامع األصول)) (‪.)8881‬‬

‫(*) تم الفراغ منه في منتصف شعبان من عام (‪1410‬هـ)‪،‬‬

‫وتم االنتهاء من مراجعة هذه الطبعة في شهر اهلل المحرم من عام (‬

‫وآخرا‪.‬‬
‫‪)1422‬هـ من هجرة المصطفى ‪ ،‬والحمد هلل أوالً ً‬

‫‪301‬‬

You might also like