You are on page 1of 15

‫كتاب‬

‫الفرق بين‬
‫النصيحة‬
‫والتعيير‬
‫تصنيف‬
‫المام الحافظ زين الدين ابن‬
‫رجب الحنبلي‬
‫المتوفى سنة (‪795‬هـ )‬
‫قال المام رحه ال ‪:‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫المد ل رب العالي ‪ ،‬وصلته وسلمه على إمام التقي ‪ ،‬وخات النبيي وآله‬
‫وصحبه أجعي ‪ ،‬والتابعي لم بإحسان إل يوم الدين أما بعد ‪:‬‬
‫فهذه كلمات متصرة جامعة ف الفرق بي النصيحة والتعيي – فإنما يشتركان ف‬
‫ل منهما ‪ :‬ذِ ْكرُ النسان با يكره ذِ ْكرَه ‪ ،‬وقد يشتبه الفرق بينهما عند كثي‬
‫أن ك ً‬
‫من الناس وال الوفق للصواب ‪.‬‬
‫اعلم أن ذِكر النسان با يكره مرم إذا كان القصود منه مرد الذمّ والعيب‬
‫والنقص ‪.‬‬
‫فأما إن كان فيه مصلحة لعامة السلمي خاصة لبعضهم وكان القصود منه‬
‫تصيل تلك الصلحة فليس بحرم بل مندوب إليه ‪.‬‬
‫وقد قرر علماء الديث هذا ف كتبهم ف الرح والتعديل وذكروا الفرق‬
‫بي جرح الرواة وبي الغيبة وردّوا على من سوّى بينهما من التعبدين وغيهم من‬
‫ل يتسع علمه ‪.‬‬
‫ول فرق بي الطعن ف رواة حفّاظ الديث ول التمييز بي من تقبل روايته‬
‫منهم ومن ل تقبل ‪ ،‬وبي تبيي خطأ من أخطأ ف فهم معان الكتاب والسنة وتأوّلَ‬
‫شيئا منها على غي تأويله وتسك با ل يتمسك به ليُحذّر من القتداء به فيما‬
‫أخطأ فيه ‪ ،‬وقد أجع العلماء على جواز ذلك أيضا ‪.‬‬
‫ولذا ند ف كتبهم الصنفة ف أنواع العلوم الشرعية من التفسي وشروح‬
‫الديث والفقه واختلف العلماء وغي ذلك متلئة بالناظرات وردّ أقوال من‬
‫ُتضَعّفُ أقواله من أئمة السلف واللف من الصحابة والتابعي ومن بعدهم ‪.‬‬
‫ول يترك ذلك أحد من أهل العلم ول ادعى فيه طعنا على من ردّ عليه قولَه‬
‫ول ذمّا ول نقصا اللهم إل أن يكون الصنّف من يُفحش ف الكلم ويُسيءُ الدب‬
‫ف العبارة فيُنكَر عليه فحاشته وإساءته دون أصل ردّه ومالفته ‪ ،‬إقامةً للحجج‬
‫وسبب ذلك أن علماء الدين كلّهم ممعون على‬ ‫الشرعية والدلة العتبة ‪.‬‬
‫قصد إظهار الق الذي بعث ال به رسوله صلى ال عليه وسلم ولنْ يكون الدين‬
‫كله ل وأن تكون كلمته هي العليا ‪ ،‬وكلّهم معترفون بأن الحاطة بالعلم كله من‬
‫غي شذوذ شيء منه ليس هو مرتبة أحد منهم ول ادعاه أحد من التقدمي ول من‬
‫التأخرين فلهذا كان أئمة السلف الجمع على علمهم وفضلهم يقبلون الق من‬
‫أورده عليهم وإن كان صغيا ويوصون أصحابم وأتباعهم بقبول الق إذا ظهر ف‬
‫غي قولم ‪.‬‬
‫كما قال عمر رضي ال عنه ف مهور النساء وردّت الرأة بقوله تعال ‪:‬‬
‫(وَإِ ْن أَ َر ْدُتمُ اسْتِ ْبدَالَ َزوْجٍ َمكَانَ َزوْجٍ وَآتَيُْتمْ ِإحْدَاهُ ّن قِنْطَارا فَل َتأْ ُخذُوا مِ ْنهُ شَيْئا‬
‫َأَتأْ ُخذُوَنهُ ُبهْتَانا َوإِثْما مُبِينا) (النساء‪ ، )20:‬فرجع عن قوله وقال ‪ ( :‬أصابتِ امرأةٌ‬
‫ورجلٌ أخطأ ) وروي عنه أنه قال ‪:‬‬
‫( كل أحد أفقه من عمر ) ‪.‬‬
‫وكان بعض الشهورين إذا قال ف رأيه بشيء يقول ‪ ( :‬هذا رأينا فمن جاءنا‬
‫برأي أحسنَ منه قبلناه ) ‪.‬‬
‫وكان الشافعي يبالغ ف هذا العن ويوصي أصحابه باتباع الق وقبول السنة‬
‫إذا ظهرت لم على خلف قولم وأن يضرب بقوله حينئذٍ الائط ‪ ،‬وكان يقول‬
‫ف كتبه ‪ ( :‬ل بد أن يوجد فيها ما يالف الكتاب والسنة لن ال تعال يقول ‪:‬‬
‫(أَفَل يََتدَّبرُونَ اْل ُقرْآنَ وَلَوْ كَانَ ِم ْن عِ ْندِ غَ ْيرِ ال ّلهِ لَوَ َجدُوا فِيهِ اخْتِلفا كَثِيا)‬
‫(النساء‪)82:‬‬
‫وأبلغ من هذا أنه قال ‪ ( :‬ما ناظرن أحد فباليت أظهرت الجة على لسانه‬
‫أو على لسان ) ‪.‬‬
‫وهذا يدل على أنه ل يكن له قصد إل ف ظهور الق ولو كان على لسان‬
‫غيه من يناظره أو يالفه ‪.‬‬
‫ومن كانت هذه حاله فإنه ل يكره أن يُردّ عليه قولُه ويتبي له مالفته للسنة‬
‫ل ف حياته ول ف ماته ‪ .‬وهذا هو الظن بغيه م أئمة السلم ‪ ،‬الذابي عنه‬
‫القائمي بَنصْرِه من السلف واللف ول يكونوا يكرهون مالفة من خالفهم أيضا‬
‫بدليل عَ َرضَ له ولو ل يكن ذلك الدليل قويا عندهم بيث يتمسكون به ويتركون‬
‫دليلهم له ‪.‬‬
‫ولذا كان المام أحد رحه ال تعال يذكر إسحاق بن راهويه ويدحه‬
‫ويثن عليه ويقول ‪ ( :‬وإن كان يالف ف أشياء فإن الناس ل يزل بعضهم يالف‬
‫بعضا ) أو كما قال ‪.‬‬
‫وكان كثيا يُعرضُ عليه كلم إسحاق وغيه من الئمة ‪ ،‬ومأخذهم ف‬
‫أقوالم فل يوافقهم ف قولم ول يُنكِر عليهم أقوالم ول استدللم وإن ل يكن هو‬
‫وقد استحسن المام أحد ما حكي عن حات الصم‬ ‫موافقا على ذلك كله‬
‫أنه قيل له ‪ :‬أنت رجل أعجمي ل تفصح وما ناظرك أحد إل قطعته فبأي شيء‬
‫تغلب خصمك ؟ فقال بثلث ‪ :‬أفرح إذا أصاب خصمي وأحزن إذا أخطأ وأحفظ‬
‫لسان عنه أن أقول له ما يسوؤه أو معن هذا فقال أحد ‪( :‬ما أعقله من رجل ) ‪.‬‬
‫فحينئذٍ فرد القالت الضعيفة وتبيي الق ف خلفها بالدلة‬
‫الشرعية ليس هو ما يكرهه أولئك العلماء بل ما يبونه ويدحون فاعله‬
‫ويثنون عليه ‪.‬‬
‫ل ف الغيبة بالكلية فلو فرض أن أحدا يكره إظهار خطئه‬ ‫فل يكون داخ ً‬
‫الخالف للحق فل عبة بكراهته لذلك فإن كراهة إظهار الق إذا كان مالفا لقول‬
‫الرجل ليس من الصال الحمودة بل الواجب على السلم أن يب ظهور الق‬
‫ومعرفة السلمي له سواءٌ كان ذلك ف موافقته أو مالفته ‪.‬‬
‫وهذا من النصيحة ل ولكتابه ورسوله ودينه وأئمة السلمي وعامتهم وذلك‬
‫هو الدين كما أخب به النب صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وأما بيان خطأ من أخطأ من العلماء قبله إذا تأدب ف الطاب وأحسن ف‬
‫الرد والواب فل حرج عليه ول لوم يتوجه إليه وإن صدر منه الغترار بقالته فل‬
‫حرج عليه وقد كان بعض السلف إذا بلغه قول ينكره على قائله يقول ‪ ( :‬كذب‬
‫فلن ) ومن هذا قول النب صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬كذب أبو السنابل " لا بلغه أنه‬
‫أفت أن التوف عنها زوجها إذا كانت حاملً ل تل بوضع المل حت يضى عليها‬
‫أربعة أشهر وعشر ‪.‬‬
‫وقد بالغ الئمة ال َورِعون ف إنكار مقالت ضعيفة لبعض العلماء وردّها أبلغ‬
‫الر ّد كما كان المام أحد ينكر على أب ثور وغيه مقالت ضعيفة تفردوا با‬
‫ويبالغ ف ردها عليهم هذا كله حكم الظاهر ‪.‬‬
‫وأما ف باطن المر ‪ :‬فإن كان مقصوده ف ذلك مرد تبيي الق ولئل يغتر‬
‫الناس بقالت من أخطأ ف مقالته فل ريب أنه مثاب على قصده ودخل بفعله هذا‬
‫بذه النية ف النصح ل ورسوله وأئمة السلمي وعامتهم ‪.‬‬
‫وسواء كان الذي بي الطأ صغيا أو كبيا فله أسوة بن رد من العلماء‬
‫مقالت ابن عباس الت يشذ با وأُنكرت عليه من العماء مثل التعة والصرف‬
‫والعمرتي وغي ذلك ‪.‬‬
‫ومن ردّ على سعيد بن السيّب قوله ف إباحته الطلقة ثلثا بجرد العقد‬
‫وغي ذلك ما يالف السنة الصرية ‪ ،‬وعلى السن ف قوله ف ترك الحداد على‬
‫التوف عنها زوجها ‪ ،‬وعلى عطاء ف إباحته إعادة الفروج ‪ ،‬وعلى طاووس قوله ف‬
‫مسائل متعددة شذّ با عن العلماء ‪ ،‬وعلى غي هؤلء من أجع السلمون على‬
‫هدايتهم ودرايتهم ومبتهم والثناء عليهم ‪.‬‬
‫ول يعد أحد منهم مالفيه ف هذه السائل ونوها طعنا ف هؤلء الئمة‬
‫ول عيبا لم ‪ ،‬وقد امتلت كتب أئمة السلمي من السلف واللف بتبيي هذه‬
‫القالت وما أشبهها مثل كتب الشافعي وإسحاق وأب عبيد وأب ثور ومن بعدهم‬
‫من أئمة الفقه والديث وغيها من ادعوا هذه القالت ما كان بثابتها شيء كثي‬
‫ولو ذكرنا ذلك بروفه لطال المر جدا ‪.‬‬
‫وأما إذا كان مرادُ الرادّ بذلك إظهارَ عيب من ردّ عليه وتنقصَه وتبييَ جهله‬
‫وقصوره ف العلم ونو ذلك كان مرما سواء كان ردّه لذلك ف وجه من ردّ عليه‬
‫أو ف غيبته وسواء كان ف حياته أو بعد موته وهذا داخل فيما ذمّه ال تعال ف‬
‫كتابه وتوعد عليه ف المز واللمز وداخل أيضا ف قول النب صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"يا معشر من آمن بلسانه ول يؤمن بقلبه ل تؤذوا السلمي ول تتبعوا عوراتم فإنه‬
‫من يتبع عوراتم يتبع ال عورته ومن يتبع ال عورته يفضحه ولو ف جوف بيته " ‪.‬‬
‫وهذا كله ف حق العلماء القتدى بم ف الدين فأما أهل البدع والضللة ومن تشبه‬
‫بالعلماء وليس منهم فيجوز بيان جهلهم وإظهار عيوبم تذيرا من القتداء بم ‪.‬‬
‫وليس كلمنا الن ف هذا القبيل وال أعلم ‪.‬‬
‫فصل‬
‫أنواع النصيحة‬

‫ومن عُرف منه أنه أراد بردّه على العلماء النصيحة ل ورسوله فإنه يب أن‬
‫يُعامَل بالكرام والحترام والتعظيم كسائر أئمة السلمي الذين سبق ذكرهم‬
‫وأمثالم ومن تبعهم بإحسان ‪.‬‬
‫ومن عرف منه أنه أراد برده عليهم التنقص والذم وإظهار العيب فإنه‬
‫يستحق أن يقابل بالعقوبة ليتدع هو ونظراؤه عن هذه الرذائل الحرمة ‪.‬‬
‫ويُعرف هذا القصد تارة بإقرار الرادّ واعترافه ‪ ،‬وتارة بقرائن تيط بفعله‬
‫وقوله ‪ ،‬فمن عُرف منه العلم والدين وتوقي أئمة السلمي واحترامهم ل يَذكر الردّ‬
‫وتبيي الطأ إل على الوجه الذي يراه غيه من أئمة العلماء ‪.‬‬
‫وأما ف التصانيف وف البحث وجب حل كلمه على الول ومن حل‬
‫كلمه [على غي ذلك ] – والال على ما ذُكر – فهو من يَظن بالبيء الظن‬
‫السوء وذلك من الظن الذي حرمه ال ورسوله وهو داخل ف قوله سبحانه ‪َ ( :‬و َمنْ‬
‫يَ ْكسِبْ خَطِيَئةً أَوْ إِثْما ُثمّ َيرْمِ ِبهِ َبرِيئا َف َقدِ احَْتمَلَ ُبهْتَانا وَإِثْما مُبِينا) (النساء‪:‬‬
‫‪ ، )112‬فإن الظن السوء من ل تظهر منه أمارات السوء ما حرمه ال ورسوله‬
‫فقد جع هذا الظانّ بي اكتساب الطيئة والث ورمي البيء با‪.‬‬
‫ويقوي دخوله ف هذا الوعيد إذا ظهرت منه – أعن هذا الظان – أمارات‬
‫السوء مثل‪ :‬كثرة البغي والعدوان وقلة الورع وإطلق اللسان وكثرة الغيبة والبهتان‬
‫والسد للناس على ما آتاهم ال من فضله والمتنان وشدة الرص على الزاحة‬
‫على الرئاسات قبل الوان ‪.‬‬
‫فمن عُرفت منه هذه الصفات الت ل يرضى با أهل العلم واليان فإنه إنا‬
‫يمل تَزْمنة العلماء [وإذا كان ] ردّه عليهم على الوجه الثان فيستحق حينئذٍ‬
‫مقابلته بالوان ومن ل تظهر منه أمارات بالكلية تدل على شيء فإنه يب أن يمل‬
‫حمَلتِهِ ول يوز حله على أسوأ حالته ‪ .‬وقد قال عمر‬ ‫كلمه على أحسن ُم ْ‬
‫رضي ال تعال عنه ‪ ( :‬ل تظن بكلمة خرجت من أخيك السلم سوءا وأنت تد‬
‫لا ف الي مملً ) ‪.‬‬
‫فــصل‬
‫كـيفيتهـا‬
‫ومن هذا الباب أن يقال للرجل ف وجهه ما يكرهه فإن كان هذا على وجه‬
‫النصح فهو حسن وقد قال بعض السلف لبعض إخوانه ‪ ( :‬ل تنصحن حت تقول‬
‫ف وجهي ما أكره) ‪.‬‬
‫فإذا أخب أحد أخاه بعيب ليجتنبه كان ذلك حسنا لن أُخب بعيب من‬
‫عيوبه أن يعتذر منها إن كان له منها عذر وإن كان ذلك على وجه التوبيخ بالذنب‬
‫فهو قبح مذموم ‪.‬‬
‫وقيل لبعض السلف ‪ :‬أتبّ أن يبك أحد بعيوبك ؟ فقال ‪ ( :‬إن كان يريد‬
‫أن يوبن فل ) ‪.‬‬
‫فالتوبيخ والتعيي بالذنب مذموم وقد نى النب صلى ال عليه وسلم أن تُثَرّبَ‬
‫المة الزانية مع أمره بلدها فتجلد حدا ول تعي بالذنب ول توبخ به ‪.‬‬
‫وف الترمذي وغيه مرفوعا ‪ " :‬من عيّر أخاه بذنب ل يت حت يعمله " ‪.‬‬
‫وحُمل ذلك على الذنب الذي تاب منه صاحبه ‪ .‬قال الفضيل ‪ ( :‬الؤمن يستر‬
‫وينصح والفاجر يهتك ويُعيّر ) ‪.‬‬
‫فهذا الذي ذكره الفضيل من علمات النصح والتعيي ‪ ،‬وهو أن النصح‬
‫يقترن به الستر والتعيي يقترن به العلن ‪.‬‬
‫وكان يقال ‪ ( :‬من أمر أخاه على رؤوس الل فقد عيّره ) أو بذا العن ‪.‬‬
‫وكان السلف يكرهون المر بالعروف والنهي عن النكر على هذا الوجه‬
‫ويبون أن يكون سرا فيما بي المر والأمور فإن هذا من علمات النصح فإن‬
‫الناصح ليس له غرض ف إشاعة عيوب من ينصح له وإنا غرضه إزالة الفسدة الت‬
‫وقع فيها ‪ .‬وأما إشاعة وإظهار العيوب فهو ما حرمه ال ورسوله قال ال تعال ‪:‬‬
‫شةُ فِي اّلذِينَ آمَنُوا َل ُه ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدّنْيَا‬
‫(إِنّ اّلذِينَ ُيحِبّونَ أَنْ َتشِيعَ اْلفَا ِح َ‬
‫وَالْآ ِخرَةِ وَال ّلهُ َيعْ َلمُ وَأَنُْتمْ ل َتعْ َلمُونَ) (النور‪)19:‬‬
‫والحاديث ف فضل السر كثيةٌ جدّا ‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء لن يأمر بالعروف ‪ ( :‬واجتهد أن تستر العصاة فإن‬
‫ظهور عوراتم وهن ف السلم أحقّ شيء بالستر ‪ :‬العورة ) ‪.‬‬
‫فلهذا كان إشاعة الفاحشة مقترنة بالتعيي وها من خصال الفجار لن‬
‫الفاجر ل غرض له ف زوال الفاسد ول ف اجتناب الؤمن للنقائص والعايب إنا‬
‫غرضه ف مرد إشاعة العيب ف أخيه الؤمن وهتك عرضه فهو يعيد ذلك ويبديه‬
‫ومقصوده تنقص أخيه الؤمن ف إظهار عيوبه ومساويه للناس ليُدخل عليه الضرر‬
‫ف الدنيا ‪.‬‬
‫وأما الناصح فغرضُه بذلك إزالة عيب أخيه الؤمن واجتنابه له وبذلك‬
‫وصف ال تعال رسوله صلى ال عليه وسلم فقال ‪َ( :‬ل َقدْ جَاءَ ُكمْ رَسُولٌ ِمنْ‬
‫أَْن ُفسِ ُكمْ َعزِيزٌ عَلَ ْيهِ مَا عَنِّتمْ َحرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِاْلمُ ْؤمِنِيَ َرؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة‪:‬‬
‫‪)128‬‬
‫ح ّمدٌ رَسُولُ ال ّلهِ وَاّلذِينَ َم َعهُ أَ ِشدّاءُ‬
‫ووصف بذلك أصحابه فقال ‪ُ ( :‬م َ‬
‫ضلً مِنَ ال ّلهِ َورِضْوَانا‬
‫عَلَى الْ ُكفّارِ رُ َحمَاءُ بَيَْنهُمْ َترَا ُهمْ رُكّعا ُسجّدا يَبَْتغُونَ َف ْ‬
‫سجُودِ ذَلِكَ مَثَ ُل ُهمْ فِي التّ ْورَاةِ َومَثَ ُلهُمْ فِي‬
‫سِيمَا ُهمْ فِي وُجُو ِههِمْ ِمنْ أََثرِ ال ّ‬
‫اْلأِْنجِيلِ َكزَ ْرعٍ أَ ْخرَجَ شَ ْطأَهُ فَآ َزرَهُ فَاسَْتغْ َلظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُو ِقهِ ُي ْعجِبُ الزّرّاعَ‬
‫لَِيغِيظَ ِب ِهمُ الْ ُكفّارَ َو َعدَ ال ّلهُ اّلذِينَ آمَنُوا َو َعمِلُوا الصّاِلحَاتِ مِ ْنهُمْ َم ْغ ِفرَةً وَأَجْرا‬
‫عَظِيما) (الفتح‪. )29:‬‬
‫ووصف الؤمني بالصب والتواصي بالرحة ‪.‬‬
‫وأما الامل للفاجر على إشاعة السوء وهتكه فهو القوة والغلظة ومبته إيذاء‬
‫أخيه الؤمن وإدخال الضرر عليه وهذه صفة الشيطان الذي يزيّن لبن آدم الكفر‬
‫والفسوق والعصيان ليصيوا بذلك من أهل النيان كما قال ال ‪( :‬إِنّ الشّيْطَانَ‬
‫سعِيِ) (فاطر‪:‬‬
‫صحَابِ ال ّ‬
‫خذُو ُه عَدُوّا إِّنمَا َي ْدعُو ِحزَْبهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَ ْ‬
‫لَ ُك ْم َعدُوّ فَاّت ِ‬
‫‪. )6‬‬
‫وقال بعد أن قص علينا قصته مع نب ال آدم عليه السلم ومكرَه به حت‬
‫ع عَ ْنهُمَا لِبَا َس ُهمَا لُِيرَِيهُمَا سَوْآِتهِمَا)(لعراف‪:‬‬
‫توصل إل إخراجه من النة ‪ ( :‬يَ ْن ِز ُ‬
‫من الية ‪.)27‬‬
‫فشتان بي من قصده النصيحة وبي من قصده الفضيحة ول تلتبس إحداها‬
‫بالخرى إل على من ليس من ذوي العقول الصحيحة ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف العقوبة‬
‫وعقوبة من أشاع السوء على أخيه الؤمن وتتبع عيوبه و َكشَفَ عورته أن يتبع ال‬
‫عورته ويفضحه ولو ف جوف بيته كما رُوي ذلك عن النب صلى ال عليه وسلم‬
‫من غي وجه وقد أخرجه المام أحد وأبو داود والترمذي من وجوه متعددة ‪.‬‬
‫وأخرج الترمذي من حديث واثلة بن السقع عن النب صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪ " :‬ل ُت ْظهِر الشماتة بأخيك فيعافيه ال ويبتليك " ‪ .‬وقال ‪ :‬حسن غريب ‪.‬‬
‫وخرّج أيضا من حديث معاذ مرفوعا ‪ " :‬من عيّر أخاه بذنب ل يت حت‬
‫يعمله " وإسناده منقطع ‪.‬‬
‫وقال السن ‪ ( :‬كان يقال ‪ :‬من عيّر أخاه بذنب تاب منه ل يت حت‬
‫يبتليه ال به "‬
‫ويُروى من حديث ابن مسعود بإسناد فيه ضعف ‪ " :‬البلء موكل بالنطق‬
‫فلو أن رجلً عيّر رجلً برضاع كلبة لرضعها " ‪.‬‬
‫وقد رُوي هذا العن عن جاعة من السلف ‪.‬‬
‫ولا ركب ابن سيين الدّيْن وحبس به قال ‪ ( :‬إن أعرف الذنب الذي‬
‫أصابن هذا عيّرت رجلً منذ أربعي سنة فقلت له ‪ :‬يا مفلس ) ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف التعييـر‬
‫ومِن أظه ِر التعيي ‪ :‬إظهارُ السوء وإشاعتُه ف قالب النصح وزعمُ أنه إنا‬
‫يمله على ذلك العيوب إما عاما أو خاصا وكان ف الباطن إنا غرضه التعيي‬
‫والذى فهو من إخوان النافقي الذين ذمهم ال ف كتابه ف مواضع فإن ال تعال‬
‫ذم من أظهر فعلً أو قولً حسنا وأراد به التوصل إل غرض فاسد يقصده ف‬
‫الباطن وعدّ ذلك من خصال النفاق كما ف سورة براءة الت هتك فيها النافقي‬
‫ضرَارا وَ ُكفْرا وََت ْفرِيقا بَ ْينَ‬
‫خذُوا َمسْجِدا ِ‬
‫وفضحهم بأوصافهم البيثة ‪( :‬وَاّلذِينَ اّت َ‬
‫اْلمُ ْؤمِِنيَ وَإِرْصَادَا ِل َمنْ حَارَبَ ال ّلهَ َورَسُوَلهُ ِمنْ قَ ْبلُ وَلََيحْ ِلفُنّ إِنْ أَ َردْنَا إِلّا‬
‫شهَدُ إِّن ُهمْ لَكَاذِبُونَ) (التوبة‪. )107:‬‬
‫حسْنَى وَال ّلهُ َي ْ‬
‫اْل ُ‬
‫وقال تعال ‪( :‬ل تَ ْ‬
‫حسََب ّن اّلذِي َن يَ ْف َرحُو َن بِمَا َأتَوْا َويُحِبّو َن أَ ْن يُحْ َمدُوا بِمَا َلمْ‬
‫َي ْفعَلُوا فَل تَ ْحسَبَّن ُهمْ بِ َمفَا َز ٍة ِمنَ اْل َعذَابِ َوَل ُهمْ َعذَابٌ َألِيمٌ) (آل عمران‪ ، )188:‬وهذه‬
‫الية نزلت ف اليهود لا سألم النب صلى اله عليه وسلم عن شيء فكتموه وأخبوه‬
‫بغيه وقد أروه أن قد أخبوه با سألم عنه واستحمدوا بذلك عليه وفرحوا با أتوا‬
‫من كتمانه وما سألم عنه ‪ .‬كذلك قال ابن عباس رضي ال عنهما وحديثه بذلك‬
‫مرّج ف الصحيحي وغيها ‪.‬‬
‫وعن أب سعيد الدري ‪ :‬أن رجالً من النافقي كانوا إذا خرج رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إل الغزو تلّفوا عنه وفرحوا بقعدهم خلف رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فإذا قدِم رسول ال اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يمدوا با ل‬
‫يفعلوا فنلت هذه الية ‪.‬‬
‫فهذه الصال خصال اليهود والنافقي وهو أن يظهر النسان ف الظاهر‬
‫قولً أو فعلً وهو ف الصورة الت ظهر عليها حسن ومقصوده بذلك التوصل إل‬
‫غرض فاسد فيحمده على ما أظهر من ذلك السن ويتوصل هو به إل غرضه‬
‫الفاسد الذي هو أبطنه ويفرح هو بمده على ذلك الذي أظهر أنه حسن وف‬
‫الباطن شيء وعلى توصله ف الباطن إل غرضه السيء فتتم له الفائدة وتُنَ ّفذُ له‬
‫اليلة بذا الداع ‪.‬‬
‫ومن كانت هذه هته فهو داخل ف هذه الية ول بد فهو متوعد بالعذاب‬
‫الليم ‪ ،‬ومثال ذلك ‪ :‬أن يريد النسان ذمّ رجل وتنقصه وإظهار عيبه لينفر الناس‬
‫عنه إما مبة ليذائه [ أو ] لعداوته أو مافة من مزاحته على مال أو رئاسة أو غي‬
‫ذلك من السباب الذمومة فل يتوصل إل ذلك إل بإظهار الطعن فيه بسبب دين‬
‫مثل ‪ :‬أن يكون قد ر ّد قو ًل ضعيفا من أقوال عال مشهور فيشيع بي من يعظّم‬
‫ذلك العال أن فلنا يُبغِضُ هذا العال ويذمّه ويطعن عليه فيغ ّر بذلك كل من يعظّمه‬
‫ويوههم أن بغض الراد وأذاه من أعمال العرب لنه ذبّ عن ذلك العال ورفع‬
‫الذى عنه وذلك قُربة إل تعال وطاعته فيجمع هذا الظهر للنصح بي أمرين‬
‫قبيحي مرّمي ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أن يمل ردّ العال القول الخر على البغض والطعن والوى وقد‬
‫يكون إنا أراد به النصح للمؤمني وإظهار ما ل له كتمانه من العلم ‪.‬‬
‫والثان ‪ :‬أن يظهر الطعن عليه ليتوصل بذلك إل هواه وغرضه الفاسد ف‬
‫قالب النصح والذب عن علماء الشرع وبثل هذه الكيدة كان ظلم بن مروان‬
‫وأتباعهم يستميلون الناس إليهم وينفّرون قلوبم عن علي بن أب طالب والسن‬
‫والسي وذريتهم رضي ال عنهم أجعي ‪.‬‬
‫وأنه لا قُتِل عثمان رضي ال عنه ل ت َر المة أحق من علي رضي ال عنه‬
‫فبايعوه فتوصل من توصل إل التنفي عنه بأن أظهر تعظيم قتل عثمان وقُبحه وهو‬
‫ضمّ إل ذلك أن الؤلّب على قتله والساعي فيه علي رضي‬ ‫ف نفس المر كذلك ُ‬
‫ال عنه وهذا كان كذبا وبتا ‪ .‬وكان علي رضي ال عنه يلف ويغلّظ اللف‬
‫على نفي ذلك وهو الصادق البارّ ف يينه رضي ال عنه وبادروا إل قتاله ديانةً‬
‫وتقرّبا ث إل قتال أولده رضوان ال عليهم واجتهد أولئك ف إظهار ذلك وإشاعته‬
‫لمَع وغيها من الجامع العظيمة حت استقر ف قلوب أتباعهم‬ ‫على النابر ف أيام ا ُ‬
‫أن المر على ما قالوه وأن بن مروان أحق بالمر من علي وولده لقربم من عثمان‬
‫وأخذهم بثأره فتوصلوا بذلك إل تأليف قلوب الناس عليهم وقتالم لعلي وولده‬
‫من بعده ويثبُت بذلك لم اللك واستوثق لم المر ‪.‬‬
‫وكان بعضهم يقول ف اللوة لن يثق إليه كلما ما معناه ‪ ( :‬ل يكن أحد‬
‫من الصحابة أكفأ عن عثمان من علي ) فيقال له ‪ِ :‬لمَ يسبّونه إذا ؟ فيقول ‪ ( :‬إن‬
‫الُلك ل يقوم إل بذلك ) ‪.‬‬
‫ومراده أنه لول تنفي قلوب الناس على علي وولده ونسبتُهم إل ظلم عثمان‬
‫لا مالت قلوب الناس إليهم لا علموه من صفاتم الميلة وخصائصهم الليلة‬
‫فكانوا يسرعون إل متابعتهم ومبايعتهم فيزول بذلك ملك أمية وينصرف الناس عن‬
‫طاعتهم ‪.‬‬
‫فـصل‬
‫العـــلج‬
‫ومن بُلي بشيء من هذا الكر فليتق ال ويستعن به ويصب فإن العاقبة‬
‫للتقوى ‪ .‬كما قال ال تعال ‪ :‬بعد أن قصّ ِقصّة يوسف وما حصل له من أنواع‬
‫الذى بالكر والخادعة ‪:‬‬
‫ض )(يوسف‪ :‬من الية ‪ ، )21‬وقال ال تعال حكاية‬ ‫ف فِي اْلأَرْ ِ‬
‫ك َمكّنّا لِيُوسُ َ‬
‫( وَ َك َذلِ َ‬
‫عه أنه قال لخوته ‪َ ( :‬أنَا يُوسُ ُ‬
‫ف وَ َهذَا َأخِي َقدْ مَ ّن ال ّلهُ عَلَيْنَا )(يوسف‪ :‬من الية ‪)90‬‬
‫‪ ،‬وقال تعال ف قصة موسى عليه السلم وما حصل له ولقومه من أذى فرعون‬
‫وكيده قال لقومه ‪ ( :‬اسَْتعِينُوا بِاللّ ِه وَاصِْبرُوا)(لعراف‪ :‬من الية ‪ ، )128‬وقد أخب‬
‫ال تعال أن الكر يعود وباله على صاحبه قال تعال ‪ ( :‬وَل َيحِيقُ اْلمَكْرُ السّيّئُ‬
‫إِلّا بَِأهْ ِلهِ )(فاطر‪ :‬من الية ‪ ، )43‬وقال تعال ‪( :‬وَ َك َذلِ َ‬
‫ك َجعَلْنَا فِي ُك ّل َق ْرَيةٍ أَكَاِبرَ‬
‫مُ ْج ِرمِيهَا لِيَ ْم ُكرُوا فِيهَا)(النعام‪ :‬من الية ‪ ، )123‬والواقع يشهد بذلك فإن من سب‬
‫أخبار الناس وتواريخ العال وقف على أخبار من مكر بأخيه فعاد مكره عليه وكان‬
‫ذلك سببا ف ناته وسلمته على العجب العجاب ‪.‬‬
‫لو ذكرنا بعض ما وقع من ذلك لطال الكتاب واتسع الطاب وال الوفق‬
‫للصواب وعليه قصد السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى ال على ممد وآله‬
‫وصحبه وسلم تسليما ‪.‬‬

You might also like