Professional Documents
Culture Documents
وصية أبي حنيفة
وصية أبي حنيفة
1
وقد فند البدر العيني ما ينسب اليه من التجهم.توفي
بالبصرة سنة 189هـ
قال الزرنوجي في كتابه ) تعليم المتعلم ( :وينبغي
لطالب العلم أن يحصل كتاب الوصية التي كتبها أبو
حنيفة رحمه الله ليوسف بن خالد السمتي البصري
عند رجوعه إلى أهله.
نص الوصية:
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد أن أخذ يوسف بن خالد السمتي العلم عن أبي
حنيفة وأراد الرجوع إلى بلدته البصرة استأذن أبا
حنيفة في ذلك ،فقال أبو حنيفة :حتى أزودك بوصية
فيما تحتاج اليه في معاشرة الناس ،ومراتب أهل
العلم وتأديب النفس ،وسياسة الرعية ،ورياضة
الخاصة والعامة ،وتفقد أمر العامة ،حتى إذا خرجت
بعلمك كان معك آلة تصلح له ،وتزينه ول تشينه .
واعلم أنك متى أسأت معاشرة الناس صاروا لك
أعداء ،وان كانوا لك أباء وأمهات ،ومتى أحسنت
معاشرة قوم ليسوا لك بأقرباء صاروا لك أمهات وأباء
.
ثم قال لي :اصبر حتى أفرغ لك نفسي ،وأجمع لك
همي ،وأعرفك من المر ما تحمدني في نفسك
عليه ،وما توفيقي إل بالله ،فلما مضى الميعاد أخلى
لي نفسه ،فقال :أنا أكشف لك عما تعرضت له:
كأني بك وقد دخلت البصرة ،وأقبلت على من
يخالفوننا بها ،ورفعت نفسك عليهم ،وتطاولت
بعلمك لديهم ،وانقبضت عن معاشرتهم ومخالطتهم ،
وخالفتهم وخالفوك ،وهجرتهم وهجروك ،وشتمتهم
وشتموك ،وضللتهم وضللوك وبدعوك ،واتصل الشين
2
بنا وبك ،فاحتجت إلى النتقال عنهم ،والهرب منهم ،
وهذا ليس من رأي لنه ليس بعاقل من لم يدار من
ليس له من مداراته بد حتى يجعل الله له مخرجا .
إذا دخلت البصرة استقبلك الناس وزاروك ،وعرفوا
حقك فأنزل كل رجل منهم منزلته ،وأكرم أهل
الشرف وعظم أهل العلم ،ووقر الشيوخ ،ولطف
الحداث ،وتقرب من العامة ،ودار الفجار ،وصحب
الخيار ،ول تتهاون بالسلطان ،ول تحقرن أحدا ول
تقصرن في إقامة مروءتك ،ول تخرجن سرك إلى
أحد ،ول تثقن بصحبة أحد حتى تمتحنه ،ول تصادق
خسيسا ول وضيعا ،ول تألفن ماينكر عليك في
ظاهرك ،واياك والنبساط إلى السفهاء ،ول تجيبن
دعوة ول تقبلن هدية ).لعل المراد به دعوة السفهاء
وهديتهم ،لنها ل تكون غالبا إل بفساد (
وعليك بالمداراة )هي لين الكلم ( والصبر والحتمال ،
وحسن الخلق وسعة الصدر ،واستجد ثيابك ،واستفره
دابتك ) ،أي اطلب دابة جيدة السير ( وأكثر استعمال
الطيب ،واجعل لنفسك خلوة ترم بهاحوائجك ،
وابحث عن أخبارحشمك ،وتقدم في تأديبهم
وتقويمهم ،واستعمل في ذلك الرفق ،ول تكثر
العتاب ،فيهون العذل ،ول تل تأديبهم بنفسك فانه
أبقى لحالك .
وحافظ على صلواتك ،وابذل طعامك ،فانه ماساد
بخيل قط ،ولتكن لك بطانة تعرفك أخبار الناس ،
فمتى عرفت بفساد بادرت إلى اصلحه ،ومتى عرفت
بصلح ازددت رغبة وعناية .
وزر من يزورك ومن ليزورك ،وأحسن إلى من
يحسن إليك أو يسيء ،وخذ العفو ،وأمر بالعرف ،
وتغافل عما ليعنيك ،واترك كل من يؤذيك ،وبادر في
3
اقامة الحقوق ،ومن مرض من اخوانك فعده
بنفسك ،وتعاهده برسلك ،ومن غاب منهم افتقدت
أحواله ،ومن قعد منهم عنك فل تقعد أنت عنه ،وصل
من جفاك ،وأكرم من أتاك ،واعف عمن أساء إليك ،
ومن تكلم فيك بالقبيح ،فتكلم فيه بالحسن والجميل ،
ومن مات منهم قضيت حقه ،ومن كانت له فرحة
هنأته بها ،ومن كانت له مصيبة عزيته عنها ،ومن
أصابته جائحة )الفة( توجعت بها ،ومن استنهضك
بأمر من أموره نهضت له ،ومن استغاثك فأغثه ،ومن
استنصرك نصرته ،وأظهر توددا إلى الناس
مااستطعت ،وأفش السلم ولو على قوم لئــــام ،
ومتى جمع بينك وبين غيرك مجلس أو ضمك وإياهم
مسجد وجرت المسائل فيها بخلف ما عندك ،لتبد
لهم منك خلفا .
فان سئلت عنها أخبرت بما يعرفه القوم ،ثم تقول :
فيها قول آخر وهو كذا وكذا ،والحجة له كذا ،فان
سمعوه منك عرفوا منزلتك ومقدارك ،وأعط كل من
يختلف إليك نوعا من العلم ينظر فيه ،وخذهم بجلي
العلم دون دقيقه ،وآنسهم ومازحهم أحياناوحادثهم ،
فإنها تجلب لك المودة ،وتستديم مواظبة العلم ،
وأطعمهم أحيانا ،وتغافل عن زلتهم ،واقض حوائجهم،
وارفق بهم وسامحهم ،ول تبد لحد منهم ضيق صدر ،
أو ضجرا ،وكن كواحد منهم ،وعامل الناس معاملتك
لنفسك ،وارض منهم ماترضاه لنفسك ،واستعن على
نفسك بالصيانة لها ،والمراقبة لحوالها ،ودع
الشغب ) ،تهييج الشرور وتحريكها ( ،ول تضجر لمن
يضجر عليك ،واسمع من يستمع منك ،ول تكلف
الناس مال يكلفونك ،وارض لهم ما رضوا لنفسهم ،
وقدم إليهم حسن النية ،واستعمل الصدق ،واطرح
4
الكبر جانبا ،وإياك والغدر وان غدروا بك ،وأد المانة
وان خانوك ،وتمسك بالوفاء ،واعتصم بالتقوى ،
وعاشر أهل الديان حسب معاشرتهم .
فانك ان تمسكت بوصيتي هذه رجوت لك أن تسلم ،
ثم قال له :انه يحزنني مفارقتك ،وتؤنسني معرفتك
فواصلني بكتبك ،وعرفني حوائجك ،وكن لي كابن
فإني لك كأب .
5