You are on page 1of 5

‫بسم الله الرمحن الرحيم‬

‫وصية المام العظم أبي حنيفة الى تلميذه يوسف بن‬


‫خالد السمتي‬
‫وصية المام العظم أبي حنيفة النعمان رضي الله‬
‫عنه‬
‫إلى تلميذه‬
‫يوسف بن خالد السمتي البصري رحمه الله‬
‫الحمد لله حمد الشاكرين‪ ،‬والصلة والسلم على‬
‫معلم الخير للناس أجمعين‪ ،‬وعلى آله وأصحابه السادة‬
‫الغر الميامين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فقد وقع بين يدي قبل مايقارب العشر سنين نسخة‬
‫من وصية المام العظم أبو حنيفة النعمان إلى تلميذه‬
‫يوسف بن خالد السمتي مطبوعة بعناية الستاذ‬
‫–إبراهيم أحمد الجبرتي ‪ -‬أحد علماء الزهر الشريف‬
‫في مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولده بمصر‬
‫‪ 1936‬م ولم أقف على اعادة طبعها–‪ 1355‬هـ‬
‫ثانية‪ .‬فأحببت تعميما للفائدة من دررها ‪ ،‬ومل للعيون‬
‫من نورها ‪ ،‬وادخال على القلوب من سرورها ‪ ،‬اثباتها‬
‫ليطلع عليها أخوتي الفاضل ‪ ،‬رجاء أن يتفقدوني‬
‫بدعوة ‪ ،‬فان دعوة الخ لخيه بظهر الغيب مستجابة‪.‬‬
‫ترجمة الموصى اليه ‪:‬‬
‫هو يوسف بن خالد السمتي ‪ ،‬من شيوخ الشافعي‬
‫رحمه الله ‪ ،‬وقد ذكره ابن حجر في عداد شيوخه في‬
‫مناقب الشافعي‪ ،‬وخرج عنه ابن ماجة ‪ ،‬وترجم له‬
‫البدر العيني في رجال معاني الثار‪،‬‬
‫وقد روى الطحاوي عن المزني عن الشافعي أنه قال‬
‫‪.‬في حقه‪ :‬كان رجل من الخيار‬

‫‪1‬‬
‫وقد فند البدر العيني ما ينسب اليه من التجهم‪.‬توفي‬
‫بالبصرة سنة ‪ 189‬هـ‬
‫قال الزرنوجي في كتابه ) تعليم المتعلم (‪ :‬وينبغي‬
‫لطالب العلم أن يحصل كتاب الوصية التي كتبها أبو‬
‫حنيفة رحمه الله ليوسف بن خالد السمتي البصري‬
‫عند رجوعه إلى أهله‪.‬‬
‫نص الوصية‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫بعد أن أخذ يوسف بن خالد السمتي العلم عن أبي‬
‫حنيفة وأراد الرجوع إلى بلدته البصرة استأذن أبا‬
‫حنيفة في ذلك ‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬حتى أزودك بوصية‬
‫فيما تحتاج اليه في معاشرة الناس ‪ ،‬ومراتب أهل‬
‫العلم وتأديب النفس ‪ ،‬وسياسة الرعية ‪ ،‬ورياضة‬
‫الخاصة والعامة ‪ ،‬وتفقد أمر العامة ‪ ،‬حتى إذا خرجت‬
‫بعلمك كان معك آلة تصلح له ‪ ،‬وتزينه ول تشينه ‪.‬‬
‫واعلم أنك متى أسأت معاشرة الناس صاروا لك‬
‫أعداء ‪ ،‬وان كانوا لك أباء وأمهات ‪ ،‬ومتى أحسنت‬
‫معاشرة قوم ليسوا لك بأقرباء صاروا لك أمهات وأباء‬
‫‪.‬‬
‫ثم قال لي ‪ :‬اصبر حتى أفرغ لك نفسي ‪ ،‬وأجمع لك‬
‫همي ‪ ،‬وأعرفك من المر ما تحمدني في نفسك‬
‫عليه ‪ ،‬وما توفيقي إل بالله ‪ ،‬فلما مضى الميعاد أخلى‬
‫لي نفسه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا أكشف لك عما تعرضت له‪:‬‬
‫كأني بك وقد دخلت البصرة ‪ ،‬وأقبلت على من‬
‫يخالفوننا بها ‪ ،‬ورفعت نفسك عليهم ‪ ،‬وتطاولت‬
‫بعلمك لديهم ‪ ،‬وانقبضت عن معاشرتهم ومخالطتهم ‪،‬‬
‫وخالفتهم وخالفوك ‪ ،‬وهجرتهم وهجروك ‪ ،‬وشتمتهم‬
‫وشتموك ‪ ،‬وضللتهم وضللوك وبدعوك ‪ ،‬واتصل الشين‬
‫‪2‬‬
‫بنا وبك ‪ ،‬فاحتجت إلى النتقال عنهم ‪ ،‬والهرب منهم ‪،‬‬
‫وهذا ليس من رأي لنه ليس بعاقل من لم يدار من‬
‫ليس له من مداراته بد حتى يجعل الله له مخرجا ‪.‬‬
‫إذا دخلت البصرة استقبلك الناس وزاروك ‪ ،‬وعرفوا‬
‫حقك فأنزل كل رجل منهم منزلته ‪ ،‬وأكرم أهل‬
‫الشرف وعظم أهل العلم ‪ ،‬ووقر الشيوخ ‪ ،‬ولطف‬
‫الحداث ‪ ،‬وتقرب من العامة ‪ ،‬ودار الفجار ‪ ،‬وصحب‬
‫الخيار ‪ ،‬ول تتهاون بالسلطان ‪ ،‬ول تحقرن أحدا ول‬
‫تقصرن في إقامة مروءتك ‪ ،‬ول تخرجن سرك إلى‬
‫أحد ‪ ،‬ول تثقن بصحبة أحد حتى تمتحنه ‪ ،‬ول تصادق‬
‫خسيسا ول وضيعا ‪ ،‬ول تألفن ماينكر عليك في‬
‫ظاهرك ‪ ،‬واياك والنبساط إلى السفهاء ‪ ،‬ول تجيبن‬
‫دعوة ول تقبلن هدية ‪).‬لعل المراد به دعوة السفهاء‬
‫وهديتهم ‪ ،‬لنها ل تكون غالبا إل بفساد (‬
‫وعليك بالمداراة )هي لين الكلم ( والصبر والحتمال ‪،‬‬
‫وحسن الخلق وسعة الصدر‪ ،‬واستجد ثيابك ‪ ،‬واستفره‬
‫دابتك ‪) ،‬أي اطلب دابة جيدة السير ( وأكثر استعمال‬
‫الطيب ‪ ،‬واجعل لنفسك خلوة ترم بهاحوائجك ‪،‬‬
‫وابحث عن أخبارحشمك ‪ ،‬وتقدم في تأديبهم‬
‫وتقويمهم ‪ ،‬واستعمل في ذلك الرفق ‪ ،‬ول تكثر‬
‫العتاب ‪ ،‬فيهون العذل ‪ ،‬ول تل تأديبهم بنفسك فانه‬
‫أبقى لحالك ‪.‬‬
‫وحافظ على صلواتك ‪ ،‬وابذل طعامك ‪ ،‬فانه ماساد‬
‫بخيل قط ‪ ،‬ولتكن لك بطانة تعرفك أخبار الناس ‪،‬‬
‫فمتى عرفت بفساد بادرت إلى اصلحه ‪ ،‬ومتى عرفت‬
‫بصلح ازددت رغبة وعناية ‪.‬‬
‫وزر من يزورك ومن ليزورك ‪ ،‬وأحسن إلى من‬
‫يحسن إليك أو يسيء ‪ ،‬وخذ العفو ‪ ،‬وأمر بالعرف ‪،‬‬
‫وتغافل عما ليعنيك ‪ ،‬واترك كل من يؤذيك ‪ ،‬وبادر في‬
‫‪3‬‬
‫اقامة الحقوق ‪ ،‬ومن مرض من اخوانك فعده‬
‫بنفسك ‪ ،‬وتعاهده برسلك ‪ ،‬ومن غاب منهم افتقدت‬
‫أحواله ‪ ،‬ومن قعد منهم عنك فل تقعد أنت عنه ‪ ،‬وصل‬
‫من جفاك ‪ ،‬وأكرم من أتاك ‪ ،‬واعف عمن أساء إليك ‪،‬‬
‫ومن تكلم فيك بالقبيح ‪ ،‬فتكلم فيه بالحسن والجميل ‪،‬‬
‫ومن مات منهم قضيت حقه ‪ ،‬ومن كانت له فرحة‬
‫هنأته بها ‪ ،‬ومن كانت له مصيبة عزيته عنها ‪ ،‬ومن‬
‫أصابته جائحة )الفة( توجعت بها ‪ ،‬ومن استنهضك‬
‫بأمر من أموره نهضت له ‪ ،‬ومن استغاثك فأغثه ‪ ،‬ومن‬
‫استنصرك نصرته ‪ ،‬وأظهر توددا إلى الناس‬
‫مااستطعت ‪ ،‬وأفش السلم ولو على قوم لئــــام ‪،‬‬
‫ومتى جمع بينك وبين غيرك مجلس أو ضمك وإياهم‬
‫مسجد وجرت المسائل فيها بخلف ما عندك ‪ ،‬لتبد‬
‫لهم منك خلفا ‪.‬‬
‫فان سئلت عنها أخبرت بما يعرفه القوم ‪ ،‬ثم تقول ‪:‬‬
‫فيها قول آخر وهو كذا وكذا ‪ ،‬والحجة له كذا ‪ ،‬فان‬
‫سمعوه منك عرفوا منزلتك ومقدارك ‪ ،‬وأعط كل من‬
‫يختلف إليك نوعا من العلم ينظر فيه ‪ ،‬وخذهم بجلي‬
‫العلم دون دقيقه ‪ ،‬وآنسهم ومازحهم أحياناوحادثهم ‪،‬‬
‫فإنها تجلب لك المودة ‪ ،‬وتستديم مواظبة العلم ‪،‬‬
‫وأطعمهم أحيانا‪ ،‬وتغافل عن زلتهم ‪ ،‬واقض حوائجهم‪،‬‬
‫وارفق بهم وسامحهم ‪ ،‬ول تبد لحد منهم ضيق صدر ‪،‬‬
‫أو ضجرا‪ ،‬وكن كواحد منهم ‪ ،‬وعامل الناس معاملتك‬
‫لنفسك ‪ ،‬وارض منهم ماترضاه لنفسك ‪ ،‬واستعن على‬
‫نفسك بالصيانة لها ‪ ،‬والمراقبة لحوالها ‪ ،‬ودع‬
‫الشغب ‪) ،‬تهييج الشرور وتحريكها (‪ ،‬ول تضجر لمن‬
‫يضجر عليك ‪ ،‬واسمع من يستمع منك ‪ ،‬ول تكلف‬
‫الناس مال يكلفونك ‪ ،‬وارض لهم ما رضوا لنفسهم ‪،‬‬
‫وقدم إليهم حسن النية ‪ ،‬واستعمل الصدق ‪ ،‬واطرح‬
‫‪4‬‬
‫الكبر جانبا ‪ ،‬وإياك والغدر وان غدروا بك ‪ ،‬وأد المانة‬
‫وان خانوك ‪ ،‬وتمسك بالوفاء ‪ ،‬واعتصم بالتقوى ‪،‬‬
‫وعاشر أهل الديان حسب معاشرتهم ‪.‬‬
‫فانك ان تمسكت بوصيتي هذه رجوت لك أن تسلم ‪،‬‬
‫ثم قال له ‪ :‬انه يحزنني مفارقتك ‪ ،‬وتؤنسني معرفتك‬
‫فواصلني بكتبك ‪ ،‬وعرفني حوائجك ‪ ،‬وكن لي كابن‬
‫فإني لك كأب ‪.‬‬

‫وصلى الله على سيدنا محمد النبي المي ‪ ،‬وعلى آله‬


‫وسلم ‪ .‬وصحبه‬

‫وكتبه ‪ :‬لؤي الخليلي الحنفي‬

‫‪5‬‬

You might also like