You are on page 1of 9

‫تنبيه الحذاق‬

‫على بطلن ما شاع بين النام‬


‫من حديث‬
‫النور المنسوب لمصنف عبد‬
‫الرزاق‬
‫تأليف‬
‫أحمد عبد القادر الشنقيطي المدني‬

‫الطبعة الثانية عام ‪ 1402‬هـ‬


‫مكتبة دار اليقين للنشر والتوزيع‬
‫الرياض – الملز‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫تقديم‬

‫الحمد ل وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده وعلى آله وصحبه ‪.‬‬
‫أما بعد‪............‬‬
‫فقد قرأت ما كتبه أخونا العلمة الشيخ محمد أحمد بن عبد القادر الفقيه الشنقيطي في‬
‫بيان الدلة الدالة على بطلن الحديث المنسوب إلى مصنف المام عبد الرزاق بن همام‬
‫الصنعاني رحمه ال الدال على أن أول المخلوقات هو نور نبينا محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم وأن كل شيء خلق من ذلك النور الخ‪..‬‬
‫فألفيته قد أجاد فيما كتب وأفاد وأبرز من الدلئل والبراهين النقلية والعقلية ما يدل‬
‫على بطلن هذا الحديث وأنه من جملة الخبار الموضوعة على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫وكل من تأمل الدلة الشرعية من الكتاب والسنة علم يقينا أن هذا الخبر من جملة‬
‫الباطيل التي ل أساس لها من الصحة وقد أغنى ال نبيه صلى ال عليه وسلم عن مثل‬
‫هذا بما أقام من الدلئل القاطعة والبراهين الساطعة والمعجزات الباهرة على صحة‬
‫نبوته ورسالته عليه الصلة والسلم كما أغناه عن هذا الخبر المكذوب وأشباهه بما‬
‫وهبه من الشمائل العظيمة والصفات الكريمة والخلق الرفيعة التي ل يشاركه فيها‬
‫أحد ممن قبله ول ممن بعده فهو سيد ولد آدم وخاتم المرسلين ورسول ال إلى جميع‬
‫الثقلين وصاحب الشفاعة العظمى والمقام المحمود يوم القيامة إلى غير ذلك من‬
‫خصائصه وشمائله وفضائله الكثيرة صلى ال عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن‬
‫سلك سبيله ونصر دينه وذب عن شريعته وحارب ما خالفها وأسأل ال أن يجزي أخانا‬
‫الشيخ العلمة محمد أحمد بن عبد القادر عما كتبه في هذا المقام ما جزى به المحسنين‬
‫المدافعين عن نبيهم صلى ال عليه وسلم وسنته والعاملين على نشرها والذب عنها وأن‬
‫يجعلنا وإياه وسائر إخواننا من دعاة الهدى وأنصار الحق ما بقينا إنه ولي ذلك والقادر‬
‫عليه وصلى ال وسلم على عبده ورسوله سيدنا وإمامنا محمد بن عبد ال وعلى آله‬
‫وأصحابه ومن اهتدى بهداه والحمد ل رب العالمين‪.‬‬

‫رئيس الجامعة السلمية بالمدينة المنورة‬


‫عبد العزيز بن عبد ال بن باز‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫الحمد ل الذي جعل السانيد برامج للمتون لتعلم ‪ ,‬والصلة والسلم على من قال –‬
‫ل تطروني كما أطرت النصارى عيسى أبن مريم ‪.‬‬

‫وبعد فإني رأيت السواد العظم ممن يزعم بعضهم أنه من أهل العلم وهو من الجهل‬
‫يسير في داج من الظلم‪ ,‬أصبحوا يعتقدون أن أول شيء خلقه ال من الكائنات هو نور‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ويعتقدون أنه أيضا أصل للكائنات كلها أو ما فيه خير منها‪,‬‬
‫وأن من لم يعتقد هذا ل عقيدة له تـنفعه يوم الدين‪ ,‬لنكاره عندهم ما هو ضروري من‬
‫الدين ويعتقدون أنه لول محمد ‪ -‬ص ‪ -‬لم يخلق ال تبارك وتعالى شيئا من المخلوقات‬
‫البتة‪ ,‬وأن مبنى عقيدتهم هذه تدور على ما روى وجادة عن مصنف عبد الرزاق بن‬
‫همام عن جابر بن عبد ال رضي ال عنهما أنه سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عن أول شيء خلقه ال تعالى من المخلوقات فقال نور نبيك يا جابر خلقه ال وخلق‬
‫بعده كل شيء‪ ,‬وخلق منه كل خير‪ .‬وفي بعض الروايات هذا الخبر خلقه وخلق منه كل‬
‫شيء وهي المشهورة الكثيرة في التقاييد المحتوية على هذا الخبر إلى آخر خبر طويل‬
‫جدا في نحو أربع صفحات من القالب الكبير‪ ,‬وفي وسطه تقسيم هذا النور إلى عشرة‬
‫أقسام وتعيين خلق كل نوع من الكائنات من قسم معين من القسام العشرة‪ ,‬فرأيت أن‬
‫من الواجب كفاية‪ ,‬والنصيحة لهل السلم والديانة أن أكشف بالنقد والبحث الحثيث‬
‫عن مرتبة ما أعتمد عليه هؤلء عند أهل الحديث‪.‬‬

‫فأقول و بال تعالى أستعين‪ ,‬وأغزو وأصول إن ثبت أن هذا الحديث في مصنف عبد‬
‫الرزاق فهو من الطامات العظام التي في ضمنه كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر‬
‫فإنه قال ‪ :‬إن مصنفه مشتمل على عظائم من الخبار ‪.‬‬

‫والدليل على أنه من المختلفات والمفتريات على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫طوله المفرط مع ركاكة ألفاظه وغرابته و نكارته وإعضاله عند نقاله‪ ,‬ولنفراد عبد‬
‫الرزاق به من بين من صنف في دلئل نبوته عليه الصلة والسلم ولعدم وجوده في‬
‫ديوان من دواوين أصول الحذاق سوى مصنف عبد الرزاق ولمخالفته دليل العقل‬
‫وصحيح النقل من الكتاب والسنة وإجماع المة‪ ,‬ولخلوه من شروط قبول الحديث‬
‫الستة‪ ,‬التي اشترطها علماء الحديث وأئمته فلم يقبلوا حديثا خلى منها‪ ,‬وهي التصال‬
‫والضبط والعدالة و المتابعة في المستور وعدم الشذوذ وعدم العلة القادحة‪ ,‬وأيضا نص‬
‫أئمة الحديث ممن تقدمنا وممن عاصرنا على وضعه وضعفه وعدم وجود سند له‪.‬‬

‫أما مخالفته لنصوص كتاب ال تعالى من حيث دللتها على أصل ما خلق منه البشر‬
‫النساني والجان الناري فقوله تعالى " خلق النسان من صلصال كالفخار وخلق الجان‬
‫من مارج من نار" فإن آدم والطين الذي خلق منه مخلوقان أصالة من نور محمد صلى‬
‫ال عليه وسلم وقال جل وعل أيضا في أصل نشأة السماء والرض " قل أئنكم‬
‫لتكفرون بالذي خلق الرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين ‪ .‬وجعل‬
‫فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء لسائلين‪ .‬ثم‬
‫استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين‬
‫فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا‬
‫بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم" اليات‪ .‬وقال " وهو الذي خلق السماوات‬
‫والرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء " ‪ ,‬قال بعض المفسرين أن الدخان الذي‬
‫ذكر ال تعالى انه أصل السماء أصله من بخار الماء الذي كان عليه عرش الرحمن قبل‬
‫خلق السماوات والرض وما فيهن من الكائنات‪ ,‬وأن أصل الماء ياقوتة خضراء نظر‬
‫ال تعالى إليها نظر هيبة فصارت ماء وأنه تعالى تجلى للماء فيبس سقفه فصار ترابا‪,‬‬
‫فهذا ما أخبر ال تبارك وتعالى به أيضا في بدء خلق أصل السماوات والرض وفسره‬
‫علماء المة المحمدية‪ ,‬ولم يخضعوه ولم يقيدوه بمقتضى ما دل عليه الحديث المذكور‪,‬‬
‫وما ذاك إل لكونه ل أصل له عندهم إذ لو كان كذلك لتأولوه بما يزيل التعارض بينه‬
‫وبين ما ذكرنا من النصوص وبين ما سنذكره وستـقـفون على فعل العلماء ذلك خلل‬
‫هذه الرسالة إن شاء ال تعالى حيث نذكر في الموضوع ما يقع بينه التعارض من الدلة‬
‫الصحيحة إذ ذلك لزم عند المحققين من الفقهاء والمحدثين‪ ,‬والصوليين‪ ,‬قال العلوي‬
‫في مراقي السعود والجمع واجب إذا ما أمكنا ‪ ...‬إلى قوله أو يجب الوقف أو التساقط‬
‫وفيه تفصيل حكاه الضابط‪.‬‬

‫وقال تعالى في تعيين أصل ما خلقت منه المخلوقات الحيوانية‪ " ,‬وجعلنا من الماء‬
‫كل شيء حي أفل يؤمنون " فهذه آيات خبريات ل تقبل النسخ من كتاب ال تعالى دلت‬
‫بوضع نصوصها على معارضة ما دل عليه الخبر المذكور والحديث إذا كان هكذا‬
‫يكون موضوعا بل شك عند العلماء‪.‬‬
‫قال المحقق ابن القيم رحمه ال في كتابه المنار المنيف في بيان الحديث الضعيف‪ ,‬ما‬
‫نصه‪ ,‬ومن العلمات التي يعرف بها الحديث الموضوع مخالفته لصريح القران‪,‬‬
‫كحديث مقدار الدنيا وأنها سبعة آلف سنة وأمثاله مما خالف صريح نصوص القرآن‬
‫انتهى كلمه ‪.‬‬

‫ومن القوادح في الخبر المذكور أيضا مخالفته لما في الصحيحين عنه عليه الصلة‬
‫والسلم من قوله لتميم " اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا بشرتنا فأعطنا قال‪ ,‬اقبلوا‬
‫البشرى يا أهل اليمن‪ ,‬قالوا قد قبلنا فأخبرنا عن أول هذا المر كيف كان‪ ,‬قال كان ال‬
‫ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء‪ ,‬وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق‬
‫السماوات والرض "‪.‬‬

‫قال المام أحمد‪ :‬حدثـنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء‬
‫عن و كيع ابن عدس عن عمه أبي رزين وأسمه لقيط بن عامر العقيلي قال قلت يا‬
‫رسول ال ‪ .‬أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال " كان في عماء ما تحته هواء ثم‬
‫خلق العرش بعد ذلك " ورواه ابن ماجه أيضا والترمذي وقال حديث حسن‪ ,‬وقال‬
‫مجاهد ووهب بن منبه وعمرة و قتادة وغيرهم كان عرشه على الماء قبل أن يخلق كل‬
‫شيء‪.‬‬

‫وروى ابن جرير الطبري في التفسير حدثنا محمد بن بشار حدثـنا يحيى حدثـنا‬
‫سفيان عن العمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي ال عنهما قال أول ما خلق ال‬
‫القلم قال أكتب قال وماذا أكتب ؟ قال أكتب فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى قيام‬
‫الساعة ثم خلق النون ورفع بخار الماء ففتـقت منه السماء وبسطت الرض الخ ‪.‬‬
‫الحديث بتمامه ورواه المام أحمد والترمذي في جامعه مرفوعا إلى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم من طريق الوليد بن عبادة بن الصامت قال قال لي أبي حين حضرته‬
‫الوفاة سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول أن أول ما خلق ال القلم‪ :‬فقال له‪:‬‬
‫أكتب الخ‪ ..‬وقال حديث حسن صحيح ‪ .‬قال البيهقي في مختلف الحديث جمع بينه وبين‬
‫ما تقدم عن الصحيحين وغيرهما من أولية خلق العرش والماء على خلق ما سواهما‬
‫أراد أن أول شيء خلقه بعد خلق الماء والريح والعرش القلم قال وذلك بين في حديث‬
‫عمران بن حصين كما في الصحيحين عنه مرفوعا ثم خلق السماوات والرض انتهى‬
‫كلم البيهقي رحمه ال تعالى‪ ,‬وروى عبد الرزاق عن عمر بن حبيب أحد الثـقات عن‬
‫حميد بن قيس العرج عن طاووس المام قال جاء رجل إلى عبد ال بن عمرو بن‬
‫العاص رضي ال عنهما فسأله‪ ,‬مم خلق الخلق‪ ,‬قال من الماء والنور والظلمة والريح‬
‫والتراب‪ ,‬قال الرجل‪ ,‬فمم خلق هؤلء قال ل أدري‪ ,‬قال ثم أتى الرجل عبد ال ابن‬
‫الزبير رضي ال عنهما فقال مثل قول عبد ال بن عمرو قال فأتى الرجل عبد ال بن‬
‫عباس فسأله فقال مم خلق الخلق قال من الماء والنور والظلمة والريح والتراب قال‬
‫الرجل‪ ,‬فمم خلق هؤلء‪ ,‬فتل عبد ال بن عباس رضي ال عنهما " وسخر لكم ما في‬
‫السماوات وما في الرض جميعا منه "‪ ,‬فقال الرجل‪ ,‬ما كان ليأتي بهذا إل رجل من‬
‫أهل بيت النبي صلى ال عليه وسلم قال البيهقي أراد أن مصدر الجميع منه أي من خلقه‬
‫وإبداعه واختراعه خلق الماء أول أو الماء وما شاء من خلقه ل عن أصل ول على‬
‫مثال سبق ثم جعله أصل لما خلق بعد‪ ,‬فهو المبدع وهو البارئ ل إله غيره‪ ,‬ول خالق‬
‫سواه سبحانه جل وعز انتهى كلم البيهقي رحمه ال تعالى‪.‬‬

‫ومما يقدح فيه أيضا ما في الصحيح عنه عليه الصلة والسلم قال مسلم الحجاج‬
‫حدثـنا محمد ابن رافع وعبد بن حميد قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع حدثـنا عبد الرزاق‬
‫أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم " خلقت الملئكة من نور وخلق الجان من مارج من نار‪ ,‬وخلق آدم مما وصف‬
‫لكم " ويعني الرسول صلى ال عليه وسلم بما وصف لكم ما وصف ال تبارك وتعالى‬
‫لنا به آدم عليه السلم من أنه خلقه من تراب‪ ,‬ولما كان هذا الحديث من أصح ما روى‬
‫عنه عليه الصلة والسلم كما ترون‪ ,‬وكان فيه نوع معارضة لما تقدم من قوله تعالى "‬
‫وجعلنا من الماء كل شيء حي أفل يؤمنون "‪ ,‬قال المفسرون أنه مخصص لعمومها‪,‬‬
‫قال أبو حيان في البحر‪ ,‬وتكون الحياة على ما قاله الكلبي وغيره حقيقة‪ ,‬ويكون كل‬
‫شيء عاما مخصوصا‪ ,‬إذ خرج منه الملئكة والجن‪ ,‬إذ ليسوا مخلوقين من نطفة ول‬
‫محتاجين لماء‪ ,‬انتهى كلمه‪.‬‬

‫فانظروا إخواني إلى هذه النصوص الصريحة من كتاب ال والحاديث الصحيحة‬


‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم واتفاق السلف الصالح من الصحابة والتابعين‬
‫والحفاظ والئمة من المتأخرين على أولية ما خلق ال من المخلوقات‪ ,‬وأن الصحيح فيه‬
‫أنه الماء ثم العرش ثم القلم ثم ما شاء ال من الخلق وأن المخلوقات بعد تناهي خلق‬
‫أنواعها ترجع إلى أصول خمسة وهي الماء والنور والظلمة والرياح والتراب وأن هذه‬
‫الصول خلقها ال وأبتدعها ل عن أصل منه خلقها ول على مثال سبقها‪ ,‬فأين لمسلم‬
‫من دليل في الشريعة المحمدية يخالف هذه النصوص الصريحة‪ ,‬ويجوز له العراض‬
‫عنها والعتماد عليه سبحانك هذا بهتان عظيم ‪.‬‬

‫ومن القوادح في الخبر المذكور‪ ,‬كون الرسول صلى ال عليه وسلم لما سئل عن أول‬
‫شيء أنبا عن عظيم شأنه أجاب من سأله أنه ثلثة أمور منها رؤيا من ليس بمعصوم‬
‫فلو كان الخبر المذكور صحيحا كما روى لكان بالذكر أحرى من رؤيا من ليس‬
‫بمعصوم‪ ,‬فقد روى المام أحمد من طريقين حسنتين إحداهما من طريق سعيد بن سويد‬
‫الكلبي عن عبد العلى بن هلل السلمي عن العرباض بن سارية رضي ال عنه‬
‫والخرى من طريق لقمان بن عامر عن أبي أمامة رضي ال عنه أن كل منهما سأل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ما كان أول أمرك يا رسول ال ؟ قال " دعوة أبي‬
‫إبراهيم وبشرى عيسى بن مريم ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام‬
‫" قال الحافظ إسماعيل بن كثير‪ ,‬والمراد أن أول من نوه بذكره وشهره في الناس‬
‫إبراهيم عليه السلم فلم يزل ذكره في الناس مشهورا حتى أفصح باسمه خاتم أنبياء بني‬
‫إسرائيل وهو عيسى بن مريم عليه السلم حيث قام في بني إسرائيل خطيبا فقال " إني‬
‫رسول ال إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه‬
‫أحمد " قال‪ ,‬وقوله رأت أمي نورا قيل رأته منا ما حين حملت به‪ ,‬وقصته على قومها‬
‫فشاع فيهم واشتهر بينهم‪ ,‬انظر تفسيره عند قوله تعالى " ربنا وابعث فيهم رسول منهم‬
‫يتلوا عليهم آياتك "‪ .‬الية فدعوى المعتمدين على حديث مصنف عبد الرزاق عن جابر‬
‫رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه سأله عن أول شيء حلقه ال وأن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أجابه بقوله نور نبيك يا جابر خلقه ال‪ ,‬وخلق بعده كل‬
‫شيء و خلق منه كل شيء وما في معناه مما هو من طرازه مما سنخرجه أيضا أن شاء‬
‫ال تعالى بعد‪ ,‬لئل يغتر به من جهله بعد ما جلبنا لهم من القواعد القطعية ونصوص‬
‫الكتاب وصحيح السنة وتواتر السلف والخلف عليها من هذه المة دعوى يحيلها العقل‬
‫ول يثبتها النقل لما اشتملت عليه من التحكم والدور الممنوعين عقل ل خذهم من غير‬
‫دليل يصح نورا منسوبا إلى محمد صلى ال عليه وسلم الذي هو آخر رسول بعثه ال‬
‫في الرض للخلق‪ ,‬وجعلهم هذا النور المنسوب لرسولنا صلى ال عليه وسلم أصل‬
‫للكائنات سواء قلنا بعرضية النور على انه صفة له لن العرض ل يقوم بنفسه أو قلنا‬
‫بجرميته لنه من سببه فتوقف وجود الرض التي هي أصل آدم عليه الصلة والسلم‬
‫الذي هو من آخر فروع آدم عليه السلم يسمى دورا عند ذوي نتائج العقول وأرباب‬
‫المعقول وهو توقف الشيء على ما يتوقف عليه‪ ,‬وليس بمنفك أحد الجهتين فيسقط‬
‫العتراض فال تعالى يسلم لنا ولكم العقول ويعيذنا وإياكم من التمسك بخرافات النقول‬
‫إذ قد كان في سعة ما رواه أصحاب رسول ال عليه وسلم عنه منذ بعثه ال بشيرا‬
‫ونذيرا‪ ,‬ودونته عنهم الئمة في أصولها الصحاح من دلئل نبوته وقواطع معجزاته ما‬
‫يغني عن التعلق بهذه السفسطيات التي يعلم بطلنها ذوو البدايات وحيث اجتث اصل‬
‫الخبر الذي تدور عليه عقيدة من قدمنا ذكرهم بما ل معدى وراءه من تعيين القوادح فيه‬
‫نقل وعقل باستحالة مقتضاه من أول إلى منتهاه فنخرج أيضا خبرين ادعى بعض‬
‫زعماء هؤلء الجهلة لما أقمنا لهم الحجج على وضع الحديث مصنف عبد الرزاق أنه‬
‫وإن كان موضوعا فهذان الحديثان شاهدان له‪ ,‬وهذا أيضا من جهلهم الذي حملهم على‬
‫أن جعلوا حديثا موضوعا أصل في العقائد الدينية ثم أنهم لم يقنعوا بذلك حتى جعلوا ما‬
‫في معناه من الحاديث الموضوعة يصلح شاهدا له يبلغ به درجة الحتجاج به في‬
‫أصول الدين وإليكم تخريج الول من الحديثين المذكورين‪.‬‬

‫قال ابن الجوزي في الموضوعات الكبرى صفحة ‪ 140‬من الجزء الثاني منها أنبأنا عبد‬
‫الوهاب بن المبارك وغيره قالوا أنبأنا احمد بن المعطى أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن‬
‫الحوفي أنبأنا أبو احمد حمزة الدهقاني حدثنا محمد بن عيسى بن حيان أبو السكين حدثنا‬
‫محمد ابن الصباح أنبأنا علي بن الحسن الكوفي عن إبراهيم بن اليسع عن أبي العباس‬
‫الضرير عن الخليل بن مرة عن يحي البصري عن زادان عن سلمان قال هبط جبريل‬
‫على النبي صلى ال عليه وسلم فقال أن ال يقرئك السلم ويقول لك ما خلقت خلقا أكرم‬
‫علي منك ولقد أعطيتك القران وفضل شهر رمضان و الشفاعة كلها لك حتى ظل‬
‫عرشي في القيامة على رأسك محدودا وتاج الملك على رأسك معقودا ولقد قرنت أسمك‬
‫باسمي فل أذكر في موضع حتى تذكر معي ولقد خلقت الدنيا وأهلها لعرفهم كرامتك‬
‫علي ومنزلتك عندي ولولك ما خلقت الدنيا‪ .‬قال ابن الجوزي هذا موضوع أبو السكين‬
‫وإبراهيم بن اليسع ويحي البصري متروكون ووافقه الحافظ ابن حجر والحافظ‬
‫السيوطي على أنه موضوع انتهى ‪..‬‬

‫وأما الحديث الثاني فقال الحافظ الذهبي في الميزان عمرو بن أوس يجهل حاله أتى‬
‫بخبر منكر أخرجه الحاكم في قسم الموضوع من المستدرك من طريق جندل ابن واثق‬
‫عن عمرو بن أوس عن سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن‬
‫عباس رضي ال عنهما أوحى ال إلى عيسى بن مريم آمن بمحمد فلوله ما خلقت آدم‬
‫ول الجنة و النار قال الذهبي هذا موضوع عن ابن عباس‪.‬‬
‫ومن أقوى الحجج عند هؤلء على معتقدهم الذي وصفنا في المقدمة ما نظمه‬
‫البوصيري مما تضمنته هذه الحاديث التي ذكرنا لكم النصوص على كذبها واختلقها‬
‫بقوله في الميمية ‪.‬‬

‫وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من‬


‫لوله لم تخرج الدنيا من العدم‬
‫وقوله‪:‬‬
‫ولن يضيق رسول ال جاهك بي‬
‫إذا الكريم تجلى باسم منتقم‬
‫فإن من جودك الدنيا وضرتها‬
‫ومن علومك علم اللوح والقلم‬

‫وقال غيره مما هو من نظمه وشكله‪:‬‬


‫لوله مـا خلقت شـمـس ول قـمـر‬
‫ول نـجوم ول لـوح ول قـلــم‬

‫إلى غير ذلك من قريض من ل يميز بين صحيح الحديث و ضعيفه ول يبالي بتصحيحه‬
‫من تحريفه ولقد وقع بيني وبين رجل يوما من سكان شمال موريتانيا يقال له محمد ابن‬
‫البار وهو ممن له شيعة منهم وأتباع يعتقدون أنه من أعلم الخلق وأولهم بال كلم‬
‫ومناظرة ألزمته فيها الحجة والدليل على ما يعتقده هو و أمثاله على أنه لول محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم ما تفضل ال تبارك وتعالى على احد ول على شيء من الدواب‬
‫والحشرات بأي شيء من الرزاق وسائر المنافع فاحتج علي بقول البوصيري المتقدم‬
‫لوله لم تخرج الدنيا من العدم فقلت له قول البوصيري ليس حجة في الشريعة فقال لي‬
‫البوصيري أفضل منك فقلت له ويحك متى علمت منزلتي عند ال حتى تفضل علي من‬
‫ل تعلم ما لقي عنده فعلمت أن الشيخ ليس كما يعتقدون أتباعه‪.‬‬

‫إخواني وأين هؤلء من أمر ال تبارك وتعالى نبينا محمدا صلى ال عليه وسلم أن‬
‫يبلغنا " قل ل أملك لنفسي نفعا ول ضرا إل ما شاء ال ولو كنت أعلم الغيب لستكثرت‬
‫من الخير وما مسني السوء إن أنا إل نذير وبشير لقوم يؤمنون " ‪.‬‬

‫اللهم اشرح للسلم صدورنا واعقد على اليمان بك قلوبنا‪ ,‬ول تضلنا بعد إذ هديتنا‬
‫ربنا‪.‬‬

‫وإذ قد أتينا على ما سمح به الوقت مما يتعلق بنقد حديث مصنف عبد الرزاق بن‬
‫همام وما في معناه من الموضوعات ومضللت العوام‪ ,‬فنذكر لكم إن شاء ال تعالى‬
‫أيضا من نص على وضعه وضعفه وعدم وجود سند له‪ ,‬فقد سئل الحافظ السيوطي عن‬
‫حديث مصنف عبد الرزاق كما في الحاوي في الفتاوى أي من الجزء الول صفحة‬
‫‪ 500‬منه فأجاب بأنه ل سند له يثبت البتة وقال العلمة ابن عجيبة المغربي في شرح‬
‫حكم أحمد بن عبد الكريم بن عطاء ال السكندري في ذكر منازع الصوفية منها أنه‬
‫ضعيف عند العلماء وأن عليه اعتماد المتصوفة وقال أحمد الصديق الغماري في مقدمة‬
‫كتابه المغير على ما في الجامع الصغير أنه موضوع ل يشك طالب علم في وضعه‬
‫واختلقه وسئل عنه اللباني‪ ,‬فأجاب بأنه باطل‪.‬‬

‫وقد نجز بحمد ال تعالى ما وعدنا به من نقد الحديث الذي عمت البلوى باعتماده‬
‫وضل الكثير من الورى باعتقاده‪ ,‬راجين من ال أن يهدينا وسائر المسلمين عند كل‬
‫مضلة إلى الرجوع إلى كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم وما عليه السلف‬
‫الهداة‪ ,‬وأن يعيذنا من تفريط المفرطين وغلو المفرطين و لجاج المتعصبين لوضاع‬
‫المبطلين آمين يا رب العالمين وصلى ال على سيدنا محمد سيد الولين والخرين‬
‫وأصحابه الطاهرين الطيـبـيـن‪.‬‬

‫كتبه وجمعه من مداركه الراجي من ال تعالى أن يسلك به أقوم مسالكه‪ ,‬الفقير إلى‬
‫موله محمد أحمد بن عبد القادر الشنقيطي منشأ القرشي التيمي نسبا المدني وطنا‪,‬‬
‫لثمان ليالي بقيت من شوال عام ‪ 1390‬هـ‪ ,‬وسميت هذه الرسالة تنبيه الحذاق على‬
‫بطلن ما شاع بين النام من حديث النور المنسوب لمصنف عبد الرزاق بن همام‪.‬‬

‫كتبه على برنامج الوورد‬


‫الفقير إلى عفو ربه أبو عبد الرحمن‬
‫راجيًا من كل من قرأه خالص الدعاء‬
‫وأسأل ال عز وجل أن ينفع به من قرأه‬

‫ونشره أبو عمر المنهجي ‪ -‬الدفاع عن السنة‬

You might also like