You are on page 1of 534

‫مقدمة موسوعة الدفاع عن الرسول صلى الله عليه‬

‫وسلم‬

‫بسم ال الرحن الرحيم‬


‫المد ل الذي أسبغ علينا نعمًا عدادًا‪ ،‬وبعث فينا سراجًا وهّاجَا‪ ،‬فاللهم إنا نشهدك على‬
‫حبّك‪ ،‬وحبّ نبيك ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ونشهدك أنه أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا‬
‫ووالدينا وأموالنا‪ ،‬ونبأ إليك ما فعل الكافرون بناب نبيك وصفيك صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫إن التأمل بعي ثاقبة وقلب يَقظ لا يدور حولنا من كوارث ونكبات‪ ..‬ومن وعظات‪..‬‬
‫ليحاول أن يسترجع هذه اليات والوادث والنوازل الت تل بالمة‪ ،‬أمراض مستأصلة‪،‬‬
‫وأوبئة منتشرة‪ ،‬تملها طيور‪ ،‬وتنقلها حيوانات‪ ،‬ل يلك أحد ردها أو صدها أو السيطرة‬
‫عليها مهما أوت من علم ف مكتشفاته ومتباته ومترعاته وأرصدته‪ ،‬لنا جند من جنود‬
‫اللّه عز وجل ف الب والبحر‪ :‬وما يعلم جنود ربك إل هو وما هي إل ذكرى للبشر‬
‫[الدثر‪.]31 :‬‬
‫وإن من حق كل مسلم غيور على دينه‪ ،‬مب لرسوله الصطفى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أن‬
‫يعب عن فرحته الغامرة‪ ،‬بذه ا َلبّة السلمية من المة الحمدية‪ ،‬دفاعًا رائعًا عن خي‬
‫البية‪ ،‬ومع توال النكبات‪ ،‬وكثرة الطعنات الت تُوجه إل صدر المة من أعداء السلم‪،‬‬
‫ومن أعلنوا الرب الصليبية على السلم جلية واضحة‪ ،‬دون مهادنة‪ ،‬إلّ أننا ند روحًا‬
‫جديدة تسري ف جسد المة؛ تذكرنا بديث الصطفى صلى ال عليه وسلم‪« :‬مثل‬
‫الؤمني ف توادّهم وتراحهم وتعاطفهم كمثل السد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى‬
‫له سائر السد بالمى والسهر»‪.‬‬
‫ف هبّة الغية على حبّ النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬تكاتفت المة‪ ،‬وتداعت إل القّ‪،‬‬
‫فرب ضارّة نافعة‪ ،‬فالسلمون ل يصلوا مرحلة الغثاء بعد‪ ،‬ول يعد بوسع أعداء السلم أن‬
‫يتجاهلوا هذه المة‪ ،‬وأن يتجرءوا على مشاعرها !!‬
‫الرية الزائفة‪ ..‬ومذبة الولوكست !!‬

‫‪1‬‬
‫وإذا كان الغرب ‪ -‬أدعياء الرية الزائفة ‪ -‬قد كشفوا عن وجههم القبيح‪ ...‬وصالوا‬
‫وجالوا ف دول العال يوزعون التامات‪ ...‬وياسبون القصرين من ينتسبون إليهم‬
‫ويتلقون تعليماتم‪ ..‬وبالمس القريب يصدر الكم على الكاتب والؤرخ البيطان‬
‫«إيرل» بالبس ثلث سنوات لجرد إدانته بإنكار الحرقة اليهودية والتشكيك ف تعداد‬
‫من قُتلوا ف مرقة النازي ضد اليهود إنا الرية المريكية؛ تامًا كما فعلت وما تزال ف‬
‫العراق تت وهم تصدير الرية وإحلل الديقراطية المريكية ديقراطية رعاة البقر‬
‫والعنصريي الغربيي !!‬
‫فالن تضع الساءة الوربية والدث الشنيع الذي سخر من نبينا صلى ال عليه وسلم‬
‫واستهزأ به قيمة الرية الزائفة ف ماكمة تكشف عن الزي والعار‪ ،‬فأين حرية الرأي‬
‫وأياديكم ملطخة بالدماء‪ ..‬ف أبشع صور كشفت عن تصرف تتري هجمي‪ ،‬وإن شئت‬
‫دقة ف التعبي فإنه تصرف حيوانات مسعورة فقدت كل الشاعر‪ ،‬ومن قبلها ماتت‬
‫الضمائر ف سجن أبو غريب‪ ،‬بل ف كل بقعة من أرض العراق وفلسطي وأفغانستان‪ ،‬وإن‬
‫أردت القيقة ففي كل بقعة من أرض السلمي دنسها الحتلون العنصريون من عميت‬
‫بصائرهم‪ ،‬وخُتم على قلوبم‪ ،‬وأساعهم‪ ،‬ويأب ال إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون ‪.‬‬
‫هذا هو النب ممد صلى ال عليه وسلم !!‬
‫لقد بعث اللّه تعال رسوله ممدًا صلى ال عليه وسلم شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا‪ ،‬وداعيًا إل‬
‫اللّه بإذنه وسراجًا منيًا‪ ،‬بعثه اللّه ف الميي على حي فترة من الرسل‪ :‬يتلو عليهم آياته‬
‫ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبي [المعة‪.]2 :‬‬
‫ولقد علم اللّه سبحانه‪ ،‬وهو اللطيف البي‪ ،‬أن الرسول البعوث من ِقبَله لبدّ أن يكون‬
‫موصوفًا بكري الخلق وجيل الصفات حت يُقبل الناسُ عليه‪ ،‬ويتعلموا منه‪ ،‬لذلك وضع‬
‫ف شخص ممد صلى ال عليه وسلم الصورة الكاملة للشخصية السلمة الت يريدها اللّه‬
‫تعال‪ ،‬لتظل دائمًا صورة حية خالدة مرئية لكل من أراد أن ينهج نج السلم‪ ،‬ويتبع النب‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ،‬وجعله اللّه القدوة الطيبة‪ ،‬والسوة السنة‪ ،‬والثل العلى‪ ،‬والمام‬
‫العظم‪ ،‬فقال‪ :‬لقد كان لكم ف رسول ال أسوة حسنة لن كان يرجو ال واليوم الخر‬
‫وذكر ال كثيا [الحزاب‪.]21 :‬‬

‫‪2‬‬
‫النب صلى ال عليه وسلم السوة‬
‫فهو السوة السنة صلى ال عليه وسلم ف عبادة اللّه عز وجل‪ ،‬فلقد كان أعلم الناس‬
‫بال‪ ،‬وأتقاهم له وأخشاهم ومع ذلك كان يصوم ويفطر‪ ،‬ويقوم ويرقد‪ ،‬ويأت النساء‪ ،‬ول‬
‫يؤثر ذلك ف كونه أعبد الناس؛ ولذلك لا جاء ثلثة رهط إل بيوت أزواج النب صلى ال‬
‫عليه وسلم يسألون عن عبادته‪ ،‬فلما أخبوا با كأنم تقالّوها‪ ،‬فقالوا‪ :‬وأين نن من النب‬
‫صلى ال عليه وسلم وقد غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟! فقال أحدهم‪ :‬أما أنا‬
‫فأصوم الدهر ل أفطر‪ .‬وقال الثان‪ :‬وأنا أقوم الليل ل أرقد‪ .‬وقال الثالث‪ :‬وأنا أعتزل‬
‫النساء فل أتزوج أبدًا‪ .‬فبلغ ذلك النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فخرج إليهم فقال‪« :‬أنتم‬
‫الذين قلتم كذا وكذا ؟ وال إن لتقاكم ل وأخشاكم له‪ ،‬ولكن أصوم وأفطر‪ ،‬وأقوم‬
‫وأرقد‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬فمن رغب عن سنت فليس من»‪.‬‬
‫[متفق عليه]‬
‫وقد أرسلت إليه إحدى بناته تقول له‪« :‬إن ابن قد احتُضر فاشهدنا‪ ،‬فأرسل إليها يقول‪:‬‬
‫«إن ل ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى‪ ،‬فمُرها فلتصب ولتحتسب»‪.‬‬
‫ب وَنفْسُه تُ َق ْعقِعُ‪،‬‬
‫فأرسلت تلف عليه ليأتينّها‪ ،‬فقام ومعه نفر من أصحابه‪ ،‬فرُفع إليه الص ّ‬
‫ففاضت عيناه‪ ،‬فقال بعض أصحابه‪ :‬ما هذا يا رسول اللّه ؟ قال‪« :‬هذه رحة جعلها اللّه‬
‫ف قلوب من شاء من عباده‪ ،‬وإنا يرحم اللّه من عباده الرحاء»‪[ .‬متفق عليه]‬
‫وهو صلى ال عليه وسلم السوة السنة ف الصب على موت الولد؛ فقد ُرزِق سبعة من‬
‫الولد؛ ثلثة ذكور‪ ،‬وأربع إناث‪ ،‬مات الصبيان الثلثة صغارًا‪ ،‬وماتت ثلث بناتٍ ف‬
‫حياته صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول تعمّر بع َدهُ إل فاطمة‪ ،‬رضي اللّه عنها‪ ،‬فإنا عاشت بعده‬
‫ستة أشهر‪ ،‬فصب على موت أولده واحتسبهم عند اللّه رب العالي‪.‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم السوة السنة ف معاملة اليان‪ ،‬وكان يقول‪« :‬ما زال‬
‫جبيل يوصين بالار حت ظننت أنه سيورّثه»‪[ .‬متفق عليه]‬
‫وهو صلى ال عليه وسلم السوة السنة ف معاملة الناس؛ فلقد باع واشترى‪ ،‬وكان سحًا‬
‫إذا باع‪ ،‬سحًا إذا اشترى‪ ،‬وكان إذا استسلف من رجل سلفًا قضاه إياه ودعا له‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫«بارك اللّه لك ف أهلك ومالك‪ ،‬إنا جزاء السلف المد والداء»‪ .‬حديث حسن أخرجه‬
‫النسائي وابن ماجه‪.‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم السوة السنة ف التواضع؛ فلقد كانت الَ َمةُ من إماء الدينة‬
‫تأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت فما يتركها حت يقضي لا حاجتها‪[ .‬رواه البخاري]‬
‫وكان إذا دخل عليهم ل يقومون له لا يعلمون من كراهيته لذلك‪[ .‬حديث صحيح]‬
‫وهو صلى ال عليه وسلم السوة السنة ف الشجاعة؛ فلقد دوى صوت ف الدينة ذات‬
‫ليلة‪ ،‬فهرع الناس إليه‪ ،‬فلقيهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يقول‪« :‬ل تراعوا»‪.‬‬
‫[متفق عليه]‬
‫وهو صلى ال عليه وسلم السوة السنة ف السلم والرب‪ ،‬واحترام العهود‪ ،‬والوفاء با؛‬
‫دخل صلى ال عليه وسلم الدينة رافعًا رأيه السلم‪ ،‬ودخل يقول‪« :‬يا أيها الناس‪ ،‬أفشوا‬
‫السلم‪ ،‬وأطعموا الطعام‪ ،‬وصلّوا بالليل والناس نيام‪ ،‬تدخلوا النة بسلم»‪.‬‬
‫[حديث صحيح]‬
‫الخلق الحمدية‬
‫ل يُكتب لحد من البشر من الثر واللود والعظمة ما كتب لصاحب اللق العظيم صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬وإن لذوي الخلق الفاضلة منلة عالية‪ ،‬ففي الديث الصحيح‪« :‬أكمل‬
‫الؤمني إيانًا أحسنهم أخلقًا»‪[ .‬رواه أحد والترمذي]‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم‪« :‬إن من خياركم أحاسنكم أخلقًا»‪[ .‬البخاري ومسلم]‬
‫وسُئل صلى ال عليه وسلم عن الب؛ فقال‪« :‬حسن اللق»‪[ .‬أخرجه مسلم]‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم أحسن الناس خلقًا وأدبًا وأكرمهم وأتقاهم معاملة‪ ،‬قال عنه‬
‫ربه عز وجل مادحًا خلقَه الكري صلى ال عليه وسلم‪ :‬وإنك لعلى خلق عظيم [القلم‪:‬‬
‫‪.]4‬‬
‫وعن عائشة رضي اللّه عنها لا سُئلت عن خلق النب صلى ال عليه وسلم قالت‪« :‬كان‬
‫خُلقه القرآن»‪[ .‬صحيح مسلم]‬
‫وعن أب هريرة رضي ال عنه قال‪« :‬كان صلى ال عليه وسلم يدعو فيقول‪« :‬اللهم إن‬
‫أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الخلق»‪[ .‬رواه أبو داود والنسائي]‬

‫‪4‬‬
‫كرمه صلى ال عليه وسلم‬
‫ل وهو واجد ما‬ ‫كان كرمه مضرب المثال‪ ،‬وقد كان صلى ال عليه وسلم ل يردّ سائ ً‬
‫يعطيه‪ ،‬فقد سأله رجل حُّل ًة كان يلبسها‪ ،‬فدخل بيته فخلعها‪ ،‬ث خرج با ف يديه وأعطاه‬
‫إياها‪ .‬وف صحيح البخاري ومسلم عن جابر بن عبد اللّه رضي ال عنهما قال‪« :‬ما سُئل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئًا على السلم إل أعطاه»‪ ،‬وحسبنا ف الستدلل على‬
‫كرم رسول ال صلى ال عليه وسلم حديث البخاري عن ابن عباس رضي اللّه عنهما‪،‬‬
‫وقد سئل عن جود الرسول صلى ال عليه وسلم وكرمه فقال‪ :‬كان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون ف شهر رمضان حي يلقاه جبيل بالوحي‬
‫فيدارسه القرآن‪ ،‬ولِمَ ل وهو القائل‪« :‬ما من يوم يصبح العباد فيه إل وملكان ينلن يقول‬
‫أحدها‪ :‬اللهم أعط منفقًا خلفًا‪ ،‬ويقول الخر‪ :‬اللهم أعط مسكًا تلفًا»‪[ .‬البخاري‬
‫ومسلم]‬
‫حلمه وصبه صلى ال عليه وسلم‬
‫كان صلى ال عليه وسلم ف ذلك مضرب الثل‪ ،‬فعن أنس بن مالك رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫«كنت أمشي مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وعليه رداء نران غليظ الاشية فأدركه‬
‫أعراب فجبذه بردائه جبذة شديدة‪ ،‬نظرت إل صفحة عنق رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وقد أثرت با حاشية الرداء من شدة جبذته‪ ،‬ث قال‪ :‬يا ممد مر ل من مال اللّه الذي‬
‫عندك‪ ،‬فالتفت إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم فضحك ث أمر له بعطاء»‪[ .‬رواه‬
‫البخاري ومسلم]‬
‫عفوه صلى ال عليه وسلم‬
‫وقد أمر اللّه تعال به رسوله الكري ف قوله من سورة العراف‪ :‬خذ العفو وأمر بالعرف‬
‫وأعرض عن الاهلي [العراف‪.]199 :‬‬
‫فعن أنس بن مالك رضي ال عنه قال‪ :‬بينما نن ف السجد مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم إذ جاء أعراب‪ ،‬فقام يبول ف السجد‪ ،‬فقال أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ :‬مَ ْه مَهْ‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪« :‬ل تزرموه‪ ،‬دعوه»‪ ،‬فتركوه‬
‫حت بال‪ ،‬ث إن رسول ال صلى ال عليه وسلم دعاه فقال له‪« :‬إن هذه الساجد ل تصلح‬

‫‪5‬‬
‫لشيء من هذا البول‪ ،‬ول القذر‪ ،‬إنا هي لذكر اللّه‪ ،‬والصلة‪ ،‬وقراءة القرآن‪ ،‬قال‪ :‬فأمر‬
‫رجلً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه»‪[ .‬رواه مسلم]‬
‫عدله صلى ال عليه وسلم‬
‫أمر اللّه بالعدل ف القول والكم‪ ،‬فقال تعال‪ :‬وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قرب ‪ ،‬وإذا‬
‫حكمتم بي الناس أن تكموا بالعدل ‪ ،‬وعلى العدل قام أمر السماء والرض‪ ،‬فكيف ل‬
‫يكون رسول ال صلى ال عليه وسلم عاد ًل وهو القائل‪« :‬إن من إجلل اللّه إكرام ذي‬
‫الشيبة السلم وحامل القرآن غي الغال فيه والاف عنه‪ ،‬وإكرام ذي السلطان القسط»‪.‬‬
‫[رواه أبو داود‪ ،‬وحسنه اللبان]‬
‫وذكر أن سبعة يظلهم اللّه ف ظل عرشه يوم ل ظل إل ظله‪ ،‬وعد منهم المام العادل‪،‬‬
‫وقال‪« :‬إن القسطي على منابر من نور يوم القيامة»‪[ .‬رواه مسلم]‬
‫أخلق النب صلى ال عليه وسلم مع الطفال‬
‫فعن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬كان صلى ال عليه وسلم ير بالصبيان فيسلم عليهم‪[ .‬رواه‬
‫البخاري]‪ ،‬وكان صلى ال عليه وسلم يقول‪« :‬إن لقوم ف الصلة أريد أن أطول فيها‬
‫فأسع بكاء الصب فأتوز ف صلت كراهية أن أشق على أمه»‪[ .‬البخاري]‬
‫حسن معاملته وعشرته صلى ال عليه وسلم‬
‫إن من كمال خلق الرء حسن صحبته ومعاشرته لهله وكمال أدبه ف مالطته لغيه‪ ،‬وقد‬
‫كان البيب صلى ال عليه وسلم مضرب الثل ف حسن الصحبة وجيل العاشرة وأدب‬
‫الخالطة‪ ،‬وكان صلى ال عليه وسلم يازح أصحابه ويالطهم ويادثهم ويداعب‬
‫صبيانم‪ ،‬ويلسُهم ف حِجره‪ ،‬وييب دعوة ال ّر والعبد والسكي ويعود الرضى أقصى‬
‫الدينة ويقبل عذر العتذر‪.‬‬
‫وحسبنا ف جيل مالطته وبيان أدبه وحسن عشرته صلى ال عليه وسلم قول ربه عز وجل‬
‫فيه‪ :‬فبما رحة من ال لنت لم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك فاعف‬
‫عنهم واستغفر لم وشاورهم ف المر ‪ ،‬وقد فعل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فجزاه اللّه عن‬
‫أمته خي الزاء‪.‬‬
‫تواضعه صلى ال عليه وسلم‬

‫‪6‬‬
‫وقد أخب صلى ال عليه وسلم أنه ُخيّر بي أن يكون نبيًا ملكًا‪ ،‬أو نبيًا عبدًا‪ ،‬فاختار أن‬
‫يكون نبيًا عبدًا‪ ،‬وأخب أن اللّه تعال كافأه على اختياره العبودية بأن يكون سيد ولد آدم‪،‬‬
‫وأول من تنشق عنه الرض‪ ،‬وأول شافع‪ ،‬فاختياره العبودية على اللك أكب مظهر من‬
‫مظاهر التواضع الحمدي‪.‬‬
‫قال صلى ال عليه وسلم ف الديث الصحيح‪« :‬ل تطرون كما أطرت النصارى ابن‬
‫مري‪ :‬وإنا أنا عبد‪ ،‬فقولوا عبد اللّه ورسوله»‪.‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم سيد التواضعي‪ ،‬يتخلق ويتمثل بقوله تعال‪ :‬تلك الدار‬
‫الخرة نعلها للذين ل يريدون علوا ف الرض ول فسادا والعاقبة للمتقي [القصص‪:‬‬
‫‪.]83‬‬
‫وهذا فيض من غيض‪ ،‬فداك أب وأمي وأهلي ونفسي يا رسول اللّه‪ ،‬وآخر دعوانا أن‬
‫المد ل رب العالي‪.‬‬
‫‪http://www.altawhed.com/Detail.asp?InNewsItemID=18‬‬
‫‪3165‬‬
‫=================‬
‫وهذه مموعة طيبة وكبية حول فضائل ومناقب حبيبنا ممد صلى ال عليه وسلم عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬التقطتها من هنا وهناك ‪ ،‬وخاصة من الواقع التالية ‪:‬‬
‫‪.1‬اللجنة العالية لنصرة خات النبياء صلى ال عليه وسلم‬
‫‪.2‬دفاعا عن الصطفى صلى ال عليه وسلم‬
‫‪.3‬إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪.4‬الدفاع عن جناب النب صلى ال عليه وسلم‬
‫‪.5‬اللجنة الوروبية لنصرة خي البية‬
‫‪.6‬ل للدنارك‬
‫‪.7‬الصنوعات الدناركية‬
‫‪.8‬عذرا رسول ال‬
‫‪.9‬الملة العالية لقاومة العدوان‬
‫‪.10‬حلة مليار مع ممد صلى ال عليه وسلم‬

‫‪7‬‬
‫‪.11‬حلة الدفاع عن الناب النبوي‬
‫‪.12‬موقع الملة العالية لنصرة النب صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ -13‬موقع صيد الفوائد‬
‫وما سواها كثي‬
‫‪ ،‬وقد قسمتها حسب موضوعاتا لعدة أباث ‪ ،‬بلغت (( عشرة ملدات كبية ))‬
‫وذلك على الشكل التال ‪:‬‬
‫أول‪ -‬مقدمة عن الوسوعة‬
‫ثانيا‪ -‬قد قسمتها إل أحد عشر بابا على الشكل التال ‪:‬‬
‫الباب الول‪ -‬الشمائل الحمدية‬
‫الباب الثان ‪ -‬هدي خي العباد‬
‫الباب الثالث‪-‬حقوقه صلى ال عليه وسلم‬
‫الباب الرابع‪-‬قالوا عن ممد صلى ال عليه وسلم‬
‫الباب الامس ‪-‬النصفون ‪.‬‬
‫الباب السادس‪ -‬دلئل ومعجزات النبوة‬
‫الباب السابع ‪-‬الحتفال بالولد النبوي‬
‫الباب الثامن ‪ -‬شبهات وردود‬
‫الباب التاسع‪ -‬التطاولون وعاقبتهم‬
‫الباب العاشر – ما قيل فيه من شعر صلى ال عليه وسلم‬
‫الباب الادي عشر – مقالت وخطب حول ردود فعل السلمي‬
‫*************‬
‫ومناسبة ذلك ما فعله بعض فنان الدانرك من إساءة للرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫وهذا الذي حدث سببه بالدرجة الول حقد وحسد أهل الكتاب للنب صلى ال عليه‬
‫وسلم ولتباعه ‪.‬‬
‫ب هَ ْل َتنْقِمُونَ مِنّا إِلّا َأنْ َآ َمنّا بِاللّ ِه َومَا ُأنْزِلَ إَِليْنَا َومَا ُأنْزِلَ‬
‫قال تعال ‪ {:‬قُ ْل يَا َأهْ َل الْ ِكتَا ِ‬
‫مِنْ َقبْ ُل َوأَنّ أَ ْكثَرَكُمْ فَا ِسقُونَ (‪[ )59‬الائدة‪} ]59/‬‬

‫‪8‬‬
‫س عَلَى مَا َآتَاهُمُ اللّ ُه مِنْ َفضْلِهِ َفقَدْ َآَتْينَا آَلَ ِإبْرَاهِي َم‬
‫وقال تعال ‪َ { :‬أمْ يَحْسُدُونَ النّا َ‬
‫حكْ َم َة وَ َآَتْينَاهُ ْم مُ ْلكًا عَظِيمًا (‪َ )54‬ف ِمْنهُمْ مَنْ َآمَ َن بِهِ َو ِمْنهُ ْم مَنْ صَ ّد َعنْهُ‬ ‫ب وَالْ ِ‬‫الْ ِكتَا َ‬
‫ج َهنّ َم َسعِيًا (‪[ )55‬النساء‪} ]55 ،54/‬‬ ‫وَ َكفَى بِ َ‬
‫ب وَلَا الْمُشْرِ ِكيَ أَ ْن ُينَزّ َل عََلْيكُ ْم مِنْ‬ ‫وقال تعال ‪ { :‬مَا َيوَ ّد الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َأهْ ِل اْلكِتَا ِ‬
‫ص بِرَ ْح َمتِهِ مَ ْن يَشَا ُء وَاللّهُ ذُو اْل َفضْ ِل الْعَظِيمِ (‪[ )105‬البقرة‪/‬‬ ‫خَت ّ‬ ‫َخيْ ٍر مِنْ َربّكُ ْم وَاللّ ُه يَ ْ‬
‫‪} ]105‬‬
‫سدًا مِنْ‬ ‫وقال تعال ‪ { :‬وَدّ َكثِ ٌي مِنْ َأهْلِ الْ ِكتَابِ َل ْو يَ ُردّوَنكُمْ مِنْ بَعْدِ ِإيَانِكُمْ ُكفّارًا حَ َ‬
‫صفَحُوا َحتّى َي ْأتِيَ اللّ ُه ِبأَمْ ِرهِ ِإنّ اللّ َه عَلَى‬ ‫سهِ ْم مِ ْن َبعْ ِد مَا تََبيّنَ َلهُ ُم الْحَقّ فَاعْفُوا وَا ْ‬‫عِنْدِ َأْنفُ ِ‬
‫كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪[ )109‬البقرة‪} ]109/‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫إنم يعادون السلمي لنم مسلمون لنم ليسوا يهودا ول نصارى ولن أهل الكتاب‬
‫فاسقون منحرفون عما أنزله ال إليهم ; وآية فسقهم وانرافهم أنم ل يؤمنون بالرسالة‬
‫الخية وهي مصدقة لا بي أيديهم ل ما ابتدعوه وحرفوه ول يؤمنون بالرسول الخي‬
‫وهو مصدق لا بي يديه ; معظم لرسل ال أجعي إنم ياربون السلمي هذه الرب‬
‫الشعواء ; الت ل تضع أوزارها قط ول يب أوارها طوال ألف وأربعمائة عام ; منذ أن‬
‫قام للمسلمي كيان ف الدينة ; وتيزت لم شخصية ; وأصبح لم وجود مستقل ; ناشى‬
‫ء من دينهم الستقل وتصورهم الستقل ونظامهم الستقل ف ظل منهج ال الفريد إنم‬
‫يشنون على السلمي هذه الرب الشبوبة لنم قبل كل شيء مسلمون ول يكن أن‬
‫يطفئوا هذه الرب الشبوبة إل أن يردوا السلمي عن دينهم ; فيصبحوا غي مسلمي ذلك‬
‫أن أهل الكتاب أكثرهم فاسقون ; ومن ث ل يبون الستقيمي اللتزمي من السلمي وال‬
‫سبحانه يقرر هذه القيقة ف صورة قاطعة وهو يقول لرسوله ص ف السورة الخرى ولن‬
‫ترضى عنك اليهود ول النصارى حت تتبع ملتهم ويقول له ف هذه السورة أن يواجه أهل‬
‫الكتاب بقيقة بواعثهم وركيزة موقفهم قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إل أن آمنا‬
‫بال ; وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون وهذه القيقة الت يقررها ال‬
‫سبحانه ف مواضع كثية من كلمه الصادق البي هي الت يريد تييعها وتلبيسها وتغطيتها‬

‫‪9‬‬
‫وإنكارها اليوم كثيون من أهل الكتاب وكثيون من يسمون أنفسهم مسلمي باسم‬
‫تعاون التديني ف وجه الادية واللاد كما يقولون أهل الكتاب يريدون اليوم تييع هذه‬
‫القيقة بل طمسها وتغطيتها لنم يريدون خداع سكان الوطن السلمي أو الذي كان‬
‫إسلميا بتعبي أصح وتدير الوعي الذي كان قد بثه فيهم السلم بنهجه الربان القوي‬
‫ذلك أنه حي كان هذا الوعي سليما ل يستطع الستعمار الصليب أن يقف للمد‬
‫السلمي فضل على أن يستعمر الوطن السلمي ول يكن بد لؤلء بعد فشلهم ف‬
‫الروب الصليبية السافرة وف حرب التبشي السافرة كذلك أن يسلكوا طريق الداع‬
‫والتخدير فيتظاهروا ويشيعوا بي ورثة السلمي أن قضية الدين والرب الدينية قد انتهت‬
‫وأنا كانت مرد فترة تاريية مظلمة عاشتها المم جيعا ث تنور العال و تقدم فلم يعد من‬
‫الائز ول اللئق ول الستساغ أن يقوم الصراع على أساس العقيدة وأنا الصراع اليوم‬
‫على الادة على الوارد والسواق والستغللت فحسب وإذن فما يوز للمسلمي أو‬
‫ورثة السلمي أن يفكروا ف الدين ول ف صراع الدين وحي يطمئن أهل الكتاب وهم‬
‫الذين يستعمرون أوطان السلمي إل استنامة هؤلء لذا التخدير ; وحي تتميع القضية ف‬
‫ضمائرهم ; فإن الستعمرين يأمنون غضبة السلمي ل ; وللعقيدة الغضبة الت ل يقفوا لا‬
‫يوما ويصبح المر سهل بعد التنوي والتخدير ول يكسبون معركة العقيدة وحدها بل‬
‫يكسبون معها ما وراءها من السلب والغان والستثمارات والامات ; ويغلبون ف‬
‫معركة الادة بعدما يغلبون ف معركة العقيدة فهما قريب من قريب وعملء أهل الكتاب‬
‫ف الوطن السلمي من يقيمهم الستعمار هنا وهناك علنية أو ف خفية يقولون القول‬
‫نفسه لنم عملء يؤدون الدور من داخل الدود وهؤلء يقولون عن الروب الصليبية‬
‫ذاتا إنا ل تكن صليبية ويقولون عن السلمي الذين خاضوها تت راية العقيدة إنم ل‬
‫يكونوا مسلمي وإنا هم كانوا قوميي وفريق ثالث مستغفل مدوع ; يناديه أحفاد‬
‫الصليبي ف الغرب الستعمر أن تعالوا إلينا تعالوا نتمع ف ولء ; لندفع عن الدين غائلة‬
‫اللحدين فيستجيب هذا الفريق الستغفل الخدوع ; ناسيا أن أحفاد الصلييبي هؤلء‬
‫وقفوا ف كل مرة مع اللحدين ; صفا واحدا حينما كانت الواجهة للمسلمي على مدار‬
‫القرون وما يزالون وأنم ل يعنيهم حرب الادية اللادية قدر ما تعنيهم حرب السلم‬

‫‪10‬‬
‫ذلك أنم يعرفون جيدا أن اللادية الادية عرض طارى ء وعدو موقوت ; وأن السلم‬
‫أصل ثابت وعدو مقيم وإنا هذه الدعوة الموهة لتمييع اليقظة البادئة عند طلئع البعث‬
‫السلمي ; وللنتفاع بهد الستغفلي الخدوعي ف الوقت ذاته ليكونوا وقود العركة مع‬
‫اللحدين لنم أعداء الستعمار السياسيون وهؤلء كهؤلء حرب على السلم والسلمي‬
‫حرب ل عدة فيها للمسلم إل ذلك الوعي الذي يربيه عليه النهج الربان القوي إن هؤلء‬
‫الذين تدعهم اللعبة أو يتظاهرون بالتصديق فيحسبون أهل الكتاب جادين إذ يدعونم‬
‫للتضامن والولء ف دفع اللاد عن الدين إنا ينسون واقع التاريخ ف أربعة عشر قرنا ل‬
‫استثناء فيها كما ينسون تعليم ربم لم ف هذا المر بالذات وهو تعليم ل مواربة فيه ول‬
‫مال للحيدة عنه وف النفس ثقة بال ويقي بدية ما يقول إن هؤلء يتزئون فيما يقولون‬
‫ويكتبون باليات القرآنية والحاديث النبوية الت تأمر السلمي أن‬
‫يسنوا معاملة أهل الكتاب ; وأن يتساموا معهم ف العيشة والسلوك ويغفلون التحذيرات‬
‫الاسة عن موالتم ; والتقريرات الواعية عن بواعثهم والتعليمات الصرية عن خطة‬
‫الركة السلمية وخطة التنظيم الت ترم التناصر والوالة لن التناصر والوالة ل يكونان‬
‫عند السلم إل ف شأن الدين وإقامة منهجه ونظامه ف الياة الواقعية وليست هناك قاعدة‬
‫مشتركة يلتقي عليها السلم مع أهل الكتاب ف شأن دينه مهما يكن هناك من تلق ف‬
‫أصول هذه الديان مع دينه قبل تريفها إذ هم ل ينقمون منه إل هذا الدين ول يرضون‬
‫عنه إل بترك هذا الدين كما يقول رب العالي إن هؤلء من يعلون القرآن عضي ;‬
‫يزئونه ويزقونه فيأخذون منه ما يشاءون ما يوافق دعوتم الغافلة الساذجة على فرض‬
‫براءتا ويدعون منه ما ل يتفق مع اتاههم الغافل أو الريب ونن نؤثر أن نسمع كلم ال‬
‫ف هذه القضية على أن نسمع كلم الخدوعي أو الادعي وكلم ال سبحانه ف هذه‬
‫القضية حاسم واضح صريح مبي ونقف وقفة قصية ف هذا الوضع عند قوله تعال بعد‬
‫تقرير أن سبب النقمة هو اليان بال وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل أن بقية السبب وأن‬
‫أكثركم فاسقون فهذا الفسق هو شطر الباعث فالفسق يمل صاحبه على النقمة من‬
‫الستقيم وهي قاعدة نفسية واقعية ; تثبتها هذه اللفتة القرآنية العجيبة إن الذي يفسق عن‬
‫الطريق وينحرف ل يطيق أن يرى الستقيم على النهج اللتزم إن وجوده يشعره دائما‬

‫‪11‬‬
‫بفسقه وانرافه إنه يتمثل له شاهدا قائما على فسقه هو وانرافه ومن ث يكرهه وينقم عليه‬
‫يكره استقامته وينقم منه التزامه ; ويسعى جاهدا لره إل طريقه ; أو للقضاء عليه إذا‬
‫استعصى قياده إنا قاعدة مطردة تتجاوز موقف أهل الكتاب من الماعة السلمة ف الدينة‬
‫إل موقف أهل الكتاب عامة من السلمي عامة إل موقف كل فاسق منحرف من كل‬
‫عصبة ملتزمة مستقيمة والرب الشبوبة دائما على اليين ف متمع الشرار وعلى‬
‫الستقيمي ف متمع الفاسقي وعلى اللتزمي ف متمع النحرفي هذه الرب أمر طبيعي‬
‫يستند إل هذه القاعدة الت يصورها النص القرآن العجيب ولقد علم ال سبحانه أن الي‬
‫ل بد أن يلقى النقمة من الشر وأن الق ل بد أن يواجه العداء من الباطل وأن الستقامة‬
‫ل بد أن تثي غيظ الفساق وأن اللتزام ل بد أن ير حقد النحرفي وعلم ال سبحانه أن‬
‫ل بد للخي والق والستقامة واللتزام أن تدفع عن نفسها وأن توض العركة التمية مع‬
‫الشر والباطل والفسق والنراف وأنا معركة ل خيار فيها ول يلك الق أل يوضها ف‬
‫وجه الباطل لن الباطل سيهاجه ول يلك الي أن يتجنبها لن الشر ل بد سيحاول‬
‫سحقه وغفلة أي غفلة أن يظن أصحاب الق والي والستقامة واللتزام أنم متروكون‬
‫من الباطل والشر والفسق والنراف ; وأنم يلكون تنب العركة ; وأنه يكن أن تقوم‬
‫هناك مصالة أو مهادنة وخي لم أن يستعدوا للمعركة الحتومة بالوعي والعدة ; من أن‬
‫يستسلموا للوهم والديعة وهم يومئذ مأكولون مأكولون ث نضي مع السياق القرآن ف‬
‫توجيه ال سبحانه لرسوله ص لواجهة أهل الكتاب بعد تقرير بواعثهم واستنكار هذه‬
‫البواعث ف النقمة على السلمي فإذا هو يبههم بتاريخ لم قدي وشأن لم مع ربم‬
‫وعقاب أليم قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال من لعنه ال وغضب عليه وجعل‬
‫منهم القردة والنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل وهنا‬
‫تطالعنا سحنة يهود وتاريخ يهود إنم هم الذين لعنهم ال وغضب عليهم وجعل منهم‬
‫القردة والنازير إنم هم الذين عبدوا الطاغوت وقصة لعنة ال لم وغضبه عليهم واردة ف‬
‫مواضع شت من القرآن الكري ; وكذلك قصة جعله منهم القردة والنازير فأما قضية‬
‫عبادتم للطاغوت فتحتاج إل بيان هنا لنا لفتة ذات دللة خاصة ف سياق هذه السورة‬
‫إن الطاغوت هو كل سلطان ل يستمد من سلطان ال وكل حكم ل يقوم على شريعة ال‬

‫‪12‬‬
‫وكل عدوان يتجاوز الق والعدوان على سلطان ال وألوهيته وحاكميته هو أشنع العدوان‬
‫وأشده طغيانا وأدخله ف معن الطاغوت لفظا ومعن وأهل الكتاب ل يعبدوا الحبار‬
‫والرهبان ; ولكن اتبعوا شرعهم وتركوا شريعة ال فسماهم ال عبادا لم ; وساهم‬
‫مشركي وهذه اللفتة هنا ملحوظ فيها ذلك العن الدقيق فهم عبدوا الطاغوت أي‬
‫السلطات الطاغية التجاوزة لقها وهم ل يعبدوها بعن السجود لا والركوع ولكنهم‬
‫عبدوها بعن التباع والطاعة وهي عبادة ترج صاحبها من عبادة ال ومن دين ال وال‬
‫سبحانه يوجه رسوله ص لجابة أهل الكتاب بذا التاريخ وبذلك الزاء الذي استحقوه‬
‫من ال على هذا التاريخ كأنا هم جيل واحد با أنم جبلة واحدة يوجهه ليقول لم إن‬
‫هذا شر عاقبة قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال أي شر من نقمة أهل الكتاب‬
‫على السلمي وما يكيدون لم وما يؤذونم بسبب إيانم وأين نقمة البشر الضعاف من‬
‫نقمة ال وعذابه وحكمه على أهل الكتاب بالشر والضلل عن سواء السبيل أولئك شر‬
‫مكانا وأضل عن سواء السبيل الدرس الامس ناذج من كفريات وتلعب اليهود ويضي‬
‫السياق ف التنفي من موالتم بعرض صفاتم وساتم بعد عرض تاريهم وجزائهم وييء‬
‫التحذير والتوعي ة منهم بكشف ما يبيتون ويبز اليهود كذلك ف الصورة لن الديث‬
‫عن وقائع جارية ومعظم الشر كان ييء من قبل يهود وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا‬
‫بالكفر وهم قد خرجوا به وال أعلم با كانوا يكتمون وترى كثيا منهم يسارعون ف‬
‫الث والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لول ينهاهم الربانيون والحبار عن‬
‫قولم الث وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون وقالت اليهود يد ال مغلولة غلت‬
‫أيديهم ولعنوا با قالوا ; بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيا منهم ما أنزل‬
‫إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إل يوم القيامة كلما أوقدوا‬
‫نارا للحرب أطفأها ال ويسعون ف الرض فسادا وال ل يب الفسدين إنا عبارات‬
‫تنشى ء صورا متحركة مشاهد حية على طريقة التعبي القرآنية الفريدة ومن وراء القرون‬
‫يلك قارى ء هذه اليات أن يشهد بعي التصور هؤلء القوم الذين يتحدث عنهم القرآن‬
‫من يهود على الرجح فالسياق يتحدث عنهم وإن كان من الائز أنه يعن كذلك بعض‬
‫النافقي ف الدينة يشهدهم ييئون للمسلمي فيقولون آمنا ويشهد ف جعبتهم الكفر وهم‬

‫‪13‬‬
‫يدخلون به ويرجون ; بينما ألسنتهم تقول غي ما ف العبة من كفر يملونه داخلي‬
‫خارجي ولعلهم من يهود أولئك الذين كانوا يبيتون البلبلة وهم يقولون بعضهم لبعض‬
‫آمنوا بذا القرآن وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون أي لعل السلمي يرجعون عن‬
‫دينهم بسبب هذه البلبلة والتشكيك البيث اللئيم وال أعلم با كانوا يكتمون‬
‫يقولا ال سبحانه لنا القيقة ; ث لكي يطمئن الؤمنون إل كلءة ربم لم وحفظهم من‬
‫كيد عدوهم ; وإحاطته علما بذا الكيد الكتوم ث ليهدد أصحاب هذا الكيد لعلهم‬
‫ينتهون ويضي السياق يرسم حركاتم كأنا منظورة تشهد وتلحظ من خلل التعبي‬
‫وترى كثيا منهم يسارعون ف الث والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون‬
‫والسارعة مفاعلة تصور القوم كأنا يتسابقون تسابقا ف الث والعدوان وأكل الرام وهي‬
‫صورة ترسم للتبشيع والتشنيع ولكنها تصور حالة من حالت النفوس والماعات حي‬
‫يستشري فيها الفساد ; وتسقط القيم ; ويسيطر الشر وإن النسان لينظر إل الجتمعات‬
‫الت انتهت إل مثل هذه الال فيى كأنا كل من فيها يتسابقون إل الشر إل الث‬
‫والعدوان قويهم وضعيفهم سواء فالث والعدوان ف الجتمعات الابطة الفاسدة ل‬
‫يقتصران على القوياء ; بل يرتكبهما كذلك الضعفاء فحت هؤلء ينساقون ف تيار الث‬
‫وحت هؤلء يلكون العتداء ; إنم ل يلكون العتداء على القوياء طبعا ولكن يعتدي‬
‫بعضهم على بعض ويعتدون على حرمات ال لنا هي الت تكون ف الجتمعات الفاسدة‬
‫المى الستباح الذي ل حارس له من حاكم ول مكوم ; فالث والعدوان طابع الجتمع‬
‫حي يفسد ; والسارعة فيهما عمل هذه الجتمعات وكذلك كان متمع يهود ف تلك‬
‫اليام وكذلك أكلهم للحرام فأكل الرام كذلك سة يهود ف كل آن لبئس ما كانوا‬
‫يعملون ويشي السياق إل سة أخرى من سات الجتمعات الفاسدة ; وهو يستنكر‬
‫سكوت الربانيي القائمي على الشريعة والحبار القائمي على أمر العلم الدين سكوتم‬
‫على مسارعة القوم ف الث والعدوان وأكل السحت ; وعدم نيهم عن هذا الشر الذي‬
‫يتسابقون فيه لول ينهاهم الربانيون والحبار عن قولم الث وأكلهم السحت لبئس ما‬
‫كانوا يصنعون فهذه السمة سة سكوت القائمي على أمر الشريعة والعلم الدين عما يقع‬
‫ف الجتمع من إث وعدوان هي سة الجتمعات الت فسدت وآذنت بالنيار وبنو إسرائيل‬

‫‪14‬‬
‫كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه كما حكى عنهم القرآن الكري إن سة الجتمع الي‬
‫الفاضل الي القوي التماسك أن يسود فيه المر بالعروف والنهي عن النكر أن يوجد فيه‬
‫من يأمر بالعروف وينهى عن النكر ; وأن يوجد فيه من يستمع إل المر بالعروف‬
‫والنهي عن النكر ; وأن يكون عرف الجتمع من القوة بيث ل يرؤ النحرفون فيه على‬
‫التنكر لذا المر والنهي ول على إيذاء المرين بالعروف الناهي عن النكر وهكذا وصف‬
‫ال المة السلمة فقال كنتم خي أمة أخرجت للناس تأمرون بالعروف وتنهون عن النكر‬
‫وتؤمنون بال ووصف بن إسرائيل فقال كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه فكان ذلك‬
‫فيصل بي الجتمعي وبي الماعتي أما هنا فينحي باللئمة على الربانيي والحبار‬
‫الساكتي على السارعة ف الث والعدوان وأكل السحت ; الذين ل يقومون بق ما‬
‫استحفظوا عليه من كتاب ال وإنه لصوت النذير لكل أهل دين فصلح الجتمع أو فساده‬
‫رهن بقيام الفظة على الشريعة والعلم فيه بواجبهم ف المر بالعروف والنهي عن النكر ;‬
‫والمر كما قلنا من قبل ف الظلل يقتضي سلطة تأمر وتنهى والمر والنهي أمر غي‬
‫الدعوة فالدعوة بيان والمر والنهي سلطان وكذلك ينبغي أن يصل المرون بالعروف‬
‫الناهون عن النكر على السلطان الذي يعل لمرهم ونيهم قيمته ف الجتمع ; فل يكون‬
‫مطلق كلم وكنموذج من قولم الث ف أبشع صوره يكي القرآن الكري قول اليهود‬
‫الغب اللئيم وقالت اليهود يد ال مغلوله غلت أيديهم ولعنوا با قالوا بل يداه مبسوطتان‬
‫ينفق كيف يشاء وذلك من سوء تصور يهود ل سبحانه فقد حكى القرآن الكري الكثي‬
‫من سوء تصورهم ذاك وقد قالوا إن ال فقي ونن أغنياء عندما سئلوا النفقة وقالوا يد ال‬
‫مغلولة يعللون بذلك بلهم ; فال بزعمهم ل يعطي الناس ول يعطيهم إل القليل فكيف‬
‫ينفقون وقد بلغ من غلظ حسهم وجلفة قلوبم أل يعبوا عن العن الفاسد الكاذب الذي‬
‫أرادوه وهو البخل بلفظه الباشر ; فاختاروا لفظا أشد وقاحة وتجما وكفرا فقالوا يد ال‬
‫مغلولة وييء الرد عليهم بإحقاق هذه الصفة عليهم ولعنهم وطردهم من رحة ال جزاء‬
‫على قولم غلت أيديهم ولعنوا با قالوا وكذلك كانوا فهم أبل خلق ال بال ث يصحح‬
‫هذا التصور الفاسد السقيم ; ويصف ال سبحانه بوصفه الكري وهو يفيض على عباده‬
‫من فضله بل حساب بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وعطاياه الت ل تكف ول تنفد‬

‫‪15‬‬
‫لكل ملوق ظاهرة للعيان شاهدة باليد البسوطة والفضل الغامر والعطاء الزيل ناطقة بكل‬
‫لسان ولكن يهود ل تراها ; لنا مشغولة عنها باللم والضم وبالكنود وبالحود وبالبذاءة‬
‫حت ف حق ال ويدث ال رسوله ص عما سيبدو من القوم وعما سيحل بم بسبب‬
‫حقدهم وغيظهم من اصطفاء ال له بالرسالة ; وبسبب ما تكشفه هذه الرسالة من أمرهم‬
‫ف القدي والديث وليزيدن كثيا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرًا فبسبب من‬
‫القد والسد وبسبب من افتضاح أمرهم فيما أنزل ال إل رسوله سيزيد الكثيون منهم‬
‫طغيانا وكفرا لنم وقد أبوا اليان ل بد أن يشتطوا ف الانب القابل ; ول بد أن يزيدوا‬
‫تبجحا ونكرا وطغيانا وكفرا فيكون الرسول ص رحة للمؤمني ووبال عن النكرين ث‬
‫يدثه عما قدر ال لم من التعادي والتباغض فيما بينهم ; ومن إبطال كيدهم وهو ف‬
‫أشد سعيه تلهبا ; ومن عودتم باليبة فيما يشنونه من حرب على الماعة السلمة وألقينا‬
‫بينهم العداوة والبغضاء إل يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفاها ال وما تزال‬
‫طوائف اليهود متعادية وإن بدا ف هذه الفترة أن اليهودية العالية تتساند ; وتوقد نار‬
‫الرب على البلد السلمية وتفلح ولكن ينبغي أل ننظر إل فترة قصية من الزمان ول‬
‫إل مظهر ل يشتمل على القيقة كاملة ففي خلل ألف وثلثائة عام بل من قبل السلم‬
‫واليهود ف شحناء وف ذل كذلك وتشرد ومصيهم إل مثل ما كانوا فيه مهما تقم‬
‫حولم السناد ولكن مفتاح الوقف كله ف وجود العصبة الؤمنة الت يتحقق لا وعد ال‬
‫فأين هي العصبة الؤمنة اليوم الت تتلقى وعد ال وتقف ستارا لقدر ال ويقق ال با ف‬
‫الرض ما يشاء ويوم تفيء المة السلمة إل السلم تؤمن به على حقيقته ; وتقيم حياتا‬
‫كلها على منهجه وشريعته يومئذ يق وعد ال على شر خلق ال واليهود يعرفون هذا‬
‫ومن ث يسلطون كل ما ف جعبتهم من شر وكيد ; ويصبون كل ما ف أيديهم من بطش‬
‫وفتك على طلئع البعث السلمي ف كل شب من الرض ويضربون ل بأيديهم ولكن‬
‫بأيدي عملئهم ضربات وحشية منكرة ; ل ترعى ف العصبة الؤمنة إل ول ذمة ولكن ال‬
‫غالب على أمره ووعد ال ل بد أن يتحقق وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إل يوم القيامة‬
‫كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها ال إن هذا الشر والفساد الذي تثله يهود ل بد أن يبعث‬
‫ال عليه من يوقفه ويطمه ; فال ل يب الفساد ف الرض ; وما ل يبه ال ل بد أن‬

‫‪16‬‬
‫يبعث عليه من عباده من يزيله ويعفي عليه ويسعون ف الرض فسادا وال ل يب‬
‫الفسدين الدرس‬
‫*******************‬
‫وسببه الثان ضعف السلمي وتشرذمهم ف الرض ‪ ،‬والضعيف ل يلتفت إليه أحد ‪:‬‬

‫فعَ ْن َثوْبَا َن َموْلَى َرسُولِ اللّهِ ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬قَالَ قَالَ َرسُولُ اللّهِ ‪-‬صلى ال عليه‬
‫ص َعِتهَا »‪.‬‬ ‫وسلم‪ « -‬يُوشِكُ َأنْ تَدَاعَى عََلْيكُ ُم ا ُلمَمُ مِنْ كُلّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الُكََل ُة عَلَى َق ْ‬
‫قَالَ ُق ْلنَا يَا َرسُولَ اللّهِ َأمِنْ ِقّل ٍة بِنَا َي ْو َمئِذٍ قَا َل « َأنْتُ ْم َي ْو َمئِذٍ َكثِ ٌي وََلكِنْ تَكُونُو َن غُثَاءً َك ُغثَاءِ‬
‫جعَلُ فِى ُقلُوبِكُ ُم اْلوَهَنَ »‪ .‬قَالَ ُق ْلنَا َومَا اْل َوهَنُ‬ ‫ب عَ ُدوّكُ ْم َويَ ْ‬ ‫السّيْ ِل َيْنتَ ِزعُ الْ َمهَاَب َة مِنْ قُلُو ِ‬
‫ت » رواه أحد وابو داود وسنده صحيح‬ ‫حيَاةِ وَكَرَا ِهَيةُ الْ َموْ ِ‬ ‫ب الْ َ‬
‫قَالَ « ُح ّ‬
‫الوهن وباء خطي ومرض قاتل‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫يتعرض الفرد والجتمع والمة دائما وباستمرار إل عوارض متعددة‪ ،‬وظروف طارئة‪،‬‬
‫وتطورات كثية‪ ،‬وأمراض متلفة‪ ،‬ويتفاوت أثر ذلك بسب طبيعة الؤثر الديد‪ ،‬وبنيان‬
‫الفرد والجتمع‪ ،‬والعوامل الساعدة‪ ،‬وقد ينتاب الفرد أو الجتمع مرض عارض‪ ،‬ويزول‬
‫بسرعة دون أن يترك أثرا ما‪ ،‬وقد يصاب الفرد برض معي‪ ،‬فيقتصر عليه ول يتد إل‬
‫الجتمع‪ ،‬ول تس به المة‪ ،‬وقد يتحول الرض من الفرد إل الجتمع‪ ،‬فيصبح مرضا قاتل‪،‬‬
‫ووباء فتاكا‪ ،‬ويكون أثره إزهاق الفرد‪ ،‬وإبادة المة وسحق الجتمع‪.‬‬
‫وإن أمراض النسان كثية‪ ،‬منها عضوية‪ ،‬ومنها نفسية ومنها اجتماعية‪ ،‬وهي ف معظمها‬
‫أمراض عامة ل تص فردا أو متمعا أو أمة‪ ،‬فإذا حلت ف فرد أو متمع أو أمة فل بد أن‬
‫تظهر أعراضها‪ ،‬وينتشر خطرها‪ ،‬ويس بآلمها الصاب وغيه‪ ،‬وقد تفتك بالريض‪،‬‬
‫وتؤدي إل العدوى‪ ،‬لتفتك بالجموع‪.‬‬
‫ومن هنا تقوم الديانات السماوية‪ ،‬والفكرون ف كل أمة‪ ،‬والصلحون ف كل متمع‪،‬‬
‫بجابة هذه المراض‪ ،‬ووصف الدوية لا‪ ،‬بل يسارعون إل التحذير منها لخذ الوقاية‬
‫والناعة قبل أن تل وتستشري بي الناس‪ ،‬لن الوقاية خي من العلج‪ ،‬وبذلك ينقذون‬
‫أمتهم ومتمعهم من الخطار الحدقة‪ ،‬وينبون الفراد ويلت تيق بم‪ ،‬وتدد وجودهم‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ومن هذه المراض الفتاكة الت يشترك فيها الفرد والجتمع‪ ،‬وتنذر المة بالويل والدمار‬
‫مرض الوهن الذي بي لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أعراضه وأسبابه‪ ،‬وحذر منه‪.‬‬
‫والوهن ف اللغة العربية الضعف‪ ،‬سواء أكان ماديا أم معنويا‪ ،‬وسواء أكان ف الفرد أم ف‬
‫الجتمع‪ ،‬من وهن يهن وهنا أي ضعف‪ ،‬ويقال وهن عظمه‪ ،‬واسم التفضيل أوهن‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬وهن الرجل أي جب عن لقاء عدوه‪ ،‬وهذا داخل ف الضعف‪ ،‬وقد استعمل القرآن‬
‫الكري هذا العن ف عدة آيات‪ ،‬فقال تعال‪{ :‬قال رب إن وهن العظم من واشتعل الرأس‬
‫شيبا} مري‪ ،4 /‬وقال تعال‪{ :‬فما وهنوا لا أصابم ف سبيل ال} آل عمران ‪،146 /‬‬
‫وقال تعال‪{ :‬ول تنوا ف ابتغاء القوم إن تكونوا تألون فإنم يألون كما تألون} النساء‪/‬‬
‫‪ 104‬أي ل تبنوا‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬ول تنوا ول تزنوا وأنتم العلون إن كنتم مؤمني}‬
‫آل عمران ‪ ،139 /‬وقال تعال‪{ :‬ووصينا النسان بوالديه حلته أمه وهنا على وهن}‬
‫لقمان ‪ ،14 /‬وقال عز وجل‪{ :‬وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} العنكبوت ‪.41/‬‬
‫ولكن الوهن القصود ف هذا القال هو مرض عضال‪ ،‬ووباء عام بينه لنا رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فيما رواه المام أحد وأبو داود عن أب هريرة وثوبان قال‪ ،‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬يوشك أن تداعى عليكم المم من كل أفق‪ ،‬كما تداعى الكلة إل‬
‫قصعتها"‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول ال‪ :‬فمن قلة نن يومئذ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬بل أنتم يومئذ كثي‪،‬ولكنكم‬
‫غثاء كغثاء السيل‪،‬ولينعن ال من صدور عدوكم الهابة منكم‪ ،‬وليقذفن ال ف قلوبكم‬
‫الوهن" فقال قائل‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬وما الوهن؟ قال‪" :‬حب الدنيا‪ ،‬وكراهية الوت"‪.‬‬
‫وهكذا يكشف الرسول صلى ال عليه وسلم أعراض الوهن الذي يبدأ من الفرد‪ ،‬وينتهي‬
‫بالجتمع‪ ،‬هذا الرض الذي يصيب المم والشعوب فيقضي عل كيانا‪ ،‬ويهدم وجودها‪،‬‬
‫ويسقط هيبتها‪ ،‬ويحو أثرها‪ ،‬ويزلزل أركانا‪ ،‬ويطم دعائمها‪ ،‬فتهوى من عليائها‬
‫وكرامتها واستعلئها إل أن تركع أمام المم الخرى‪ ،‬وتستخذل أمام الشعوب الجاورة‪،‬‬
‫وتصبح لقمة سائغة للطامعي فيها‪ ،‬بل يكثر الكلة حولا‪ ،‬ويتمعون على اقتسامها‬
‫والقضاء عليها‪ ،‬كما يتمع الياع حول الطعام ليتناولوه‪ ،‬ويأخذوه‪ ،‬ويقتسموه‪ ،‬فل‬
‫يرفعون أيديهم عنه‪ ،‬وف القصعة أثر لوجوده‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫هذا الرض بأعراضه وأسبابه يصيب الدول ف القدي والديث‪ ،‬ويؤدي إل سقوطها‬
‫وانيارها‪ ،‬وهو اليوم مقيم بي السلمي‪ ،‬وقد حط بكلكله عليهم‪ ،‬ونزل بم الوهن منذ‬
‫أمد‪ ،‬وكأن الرسول صلى ال عليه وسلم ينظر بعي الغيب (الذي يطلعه عليه الوحي)‬
‫ويصور حال السلمي‪ ،‬وقد تداعت عليهم المم الستعمارية‪ ،‬والشعوب العادية وتكالبت‬
‫على أرضهم وبلدهم‪ ،‬وجزأت أوطانم وديارهم‪ ،‬وسلبت نصيبا كبيا وعزيزا من‬
‫مقدساتم‪ ،‬وتآمرت‪ ،‬ول تزال تتآمر‪ ،‬عليهم ف كل قطر وجانب‪ ،‬وتيك لم الؤامرة تلو‬
‫الؤامرة للطاحة بم‪ ،‬وفرض الستسلم عليهم‪ ،‬وضمان الستذلل والستسلم لم‪،‬‬
‫وتنوع عليهم أساليب الستغلل والبتزاز لثرواتم واقتصادهم‪ ،‬وتفرض عليهم الفكار‬
‫البيثة‪ ،‬والبادئ الباقة‪ ،‬والقيم الدخيلة‪ ،‬والقواني الوضعية‪ ،‬وتغزوهم فكريا وثقافيا‬
‫وسياسيا واقتصاديا ف عقر دارهم‪ ،‬وتتقاسهم النفوذ ومناطق السيطرة‪ ،‬وتتقاذفهم ذات‬
‫اليمي وذات اليسار‪ ،‬وتفر لم الفر ليسقطوا فيها‪ ،‬وترى القطر الواحد يوما مع الشرق‬
‫ويوما مع الغرب‪ ،‬وتارة يستورد أفكاره وقيمه ومواده وأسلحته من هنا‪ ،‬وتارة من هناك‪،‬‬
‫والسلمون اليوم ف ضياع وتزق‪ ،‬وتردد واضطراب‪ ،‬ل يعرفون ذاتا لنفسهم‪ ،‬ول‬
‫يعلمون هوية لشخصيتهم‪ ،‬ويهلون السفينة الت تملهم‪ ،‬وهم نائمون عن الرياح الت‬
‫تتقاذفهم‪ ،‬وقد تكسرت السواري‪ ،‬وسقطت الراية‪ ،‬وهم ف بر لي‪ ،‬ف ظلمات بعضها‬
‫فوق بعض‪ ،‬إذا أخرجوا أصابعهم ل يكادون يرونا من الجب الكثيفة‪ ،‬والنظارات‬
‫السوداء الت أحكم العدو ربطها على أعينهم‪ ،‬وشدد الناق فيها على رقابم‪ ،‬لكن‬
‫أعدادهم كثية‪ ،‬وثرواتم ضخمة‪ ،‬ومركزهم استراتيجي‪ ،‬وهم مليي ومليي‪ ،‬ولكنهم‬
‫غثاء كغثاء السيل‪ ،‬ل قيمة له‪ ،‬ول يثبت على حال‪ ،‬ويقذفه السيل إل الضيض‪ ،‬ولذلك‬
‫فقدوا هيبتهم‪ ،‬وطمع بم القريب والبعيد‪ ،‬والقوى والضعيف‪ ،‬وسامهم الذل والوان على‬
‫أيدي عصابات صهيون‪ ،‬وجنود الرتزقة‪ ،‬وتسلط العملء‪.‬‬
‫حب الدنيا وكراهية الوت‪:‬‬
‫وقد شخص رسول ال صلى ال عليه وسلم الرض‪ ،‬فبي أنه الوهن‪ ،‬ث شرح أعراضه‬
‫الظاهرة وأسبابه القريبة والبعيدة‪ ،‬وهي حب الدنيا‪ ،‬والتعلق با‪ ،‬والفتتان بزينتها‪ ،‬والسعي‬
‫وراءها‪ ،‬والطمع فيها‪ ،‬وقصور المال عليها‪ ،‬واعتبارها البدأ والنتهى‪ ،‬والظن باللود فيها‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫وحب الستزادة من البقاء فيها‪ ،‬وبالتال كراهية الوت‪ ،‬لنه يقطع هذه ا لمال والمان‬
‫وكأن لسان حال القوم يردد سخافات الاهلية من الدهريي وغيهم‪ ،‬حي يقولون‪{ :‬إن‬
‫هي إل حياتنا الدنيا نوت ونيا وما نن ببعوثي} الؤمنون‪{ ،37/‬وقالوا إن هي إل‬
‫حياتنا الدنيا وما نن ببعوثي} النعام‪{ ،29 /‬وقالوا ما هي إل حياتنا الدنيا نوت ونيا‬
‫وما يهلكنا إل الدهر وما لم بذلك من علم إن هم إل يظنون} الاثية ‪. 24 /‬‬
‫إن الرض واحد‪ ،‬ولكن له وجهان متقابلن‪ ،‬وصفتان متلزمتان‪ ،‬وعرضان متحدان‪ ،‬وها‬
‫حب الدنيا وكراهية الوت‪ ،‬وهذان العرضان نشيطان ومؤثران‪ ،‬ويتركان الثار العظيمة‪،‬‬
‫والنتائج الطية‪ ،‬ويدفعان إل أعمال جة‪.‬‬
‫فمن آثار حب الدنيا أن تبدأ من الفرد لتصل إل الجتمع‪ ،‬فتصبغه با‪ ،‬وينتشر الرص‬
‫على جع الال‪ ،‬والنكباب على كسبه بالطرق الشروعة وغي الشروعة‪ ،‬ويظهر التقاتل‬
‫والتخاصم‪ ،‬والشح والبخل‪ ،‬والشع والطمع‪ ،‬واللف والدوران ف التعامل‪ ،‬والتحايل‬
‫والتهرب‪ ،‬والسرقة والغصب‪ ،‬ث يعقب ذلك التخاذل والب والوف والضطراب‪،‬‬
‫والقلق الشديد من الستقبل‪.‬‬
‫ومن آثار كراهية الوت أن يعب النسان من طيبات الياة ما استطاع إل ذ لك سبيل‪،‬‬
‫وأل يعد للموت عدته‪ ،‬ول يقدم شيئا أمامه‪ ،‬ويسرف ف اللذات‪ ،‬ويسعى لشباع‬
‫الشهوات‪ ،‬وينقاد وراء الغرائز‪ ،‬ولو قتل نفسه بنفسه‪ ،‬ث يهلك ذاته بيده‪.‬‬
‫ويشرح القرآن الكري هذا الرض بشقيه‪ ،‬مبينا أثره وخطره وعاقبته‪ ،‬فيقول تعال‪:‬‬
‫{ألاكم التكاثر حت زرت القابر كل سوف تعلمون ث كل سوف تعلمون كل لو‬
‫تعلمون علم اليقي لترون الحيم ث لترونا عي اليقي ث لتسألن يومئذ عن النعيم}‬
‫التكاثر‪.‬‬
‫حقيقة الدنيا‪:‬‬
‫وإن حب الدنيا وكراهية الوت يعن أن النسان يهل حقيقة الدنيا‪ ،‬ويغتر بظاهرها‪،‬‬
‫ويفتت بغرياتا‪ ،‬وأن صاحبها قصي النظر‪ ،‬كليل البصر‪ ،‬ينظر بي رجليه‪ ،‬ول يستعد‬
‫لبعد من ذلك‪ ،‬ول يهيء نفسه لستقبل أيامه‪ ،‬ول يدخر سلحه وقوته لوقت حاجته‪،‬‬
‫لذلك حرص القرآن الكري على أن يكشف للمسلم حقيقة الدنيا‪ ،‬وييط له اللثام عن‬

‫‪20‬‬
‫مفاتنها‪ ،‬ويذره من الغترار فيها‪ ،‬وذلك ف آيات كثية‪ ،‬قال تعال‪{ :‬اعلموا أنا الياة‬
‫الدنيا لعب ولو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر ف الموال والولد كمثل غيث أعجب‬
‫الكفار نباته ث يهيج فتراه مصفرا ث يكون حطاما وف الخرة عذاب شديد ومغفرة من‬
‫ال ورضوان وما الياة الدنيا إل متاع الغرور} الديد‪ .20 /‬وقال تعال‪{ :‬زين للناس‬
‫حب الشهوات من النساء والبني والقناطي القنطرة من الذهب والفضة واليل السومة‬
‫والنعام والرث ذلك متاع الياة الدنيا وال عنده حسن الآب} آل عمران‪ ،14 /‬ويبي‬
‫القرآن حقيقة الياة‪ ،‬ويذر من فتنتها‪ ،‬فيقول تعال‪{ :‬يا أيها الناس إن وعد ال حق فل‬
‫تغرنكم الياة الدنيا ول يغرنكم بال الغرور} فاطر‪ ،5 /‬كما يقرر القرآن الكري أشياء‬
‫كثية من زينة الياة الدنيا‪ ،‬ث يدعو الناس إل عدم الوقوف عندها‪ ،‬ويطلب منهم تاوزها‬
‫إل ما هو خي وأشل‪ ،‬وأحسن وأدوم وأثن وأبقى‪ ،‬فيقول تعال‪{ :‬الال والبنون زينة‬
‫الياة الدنيا والباقيات الصالات خي عند ربك ثوابا وخي أمل} الكهف‪.46/‬‬
‫فالدنيا جيلة‪ ،‬وفيها من السليات واللهي الشيء الكثي‪ ،‬ولكن ذلك إل زوال‪ ،‬وأن‬
‫الياة القيقية‪ ،‬والسعادة القة هي ف الدار الخرة‪ ،‬فيقول تعال‪{ :‬وما هذه الياة الدنيا‬
‫إل لو ولعب وإن الدار الخرة لي اليوان لو كانوا يعلمون} العنكبوت‪ ،64 /‬ث يذر‬
‫الرسول الكري من مفاتن الدنيا‪ ،‬والنشغال بالا وخياتا‪ ،‬والتنافس فيها‪ ،‬والغفلة عن ال‬
‫والخرة‪ ،‬فيقول عليه الصلة والسلم ف حديث طويل رواه البخاري ومسلم عن عمرو‬
‫بن عوف النصاري‪" :‬فوال ما الفقر أخشى عليكم‪ ،‬ولكن أخشى أن تبسط الدنيا‬
‫عليكم‪ ،‬كما بسطت على من كان قبلكم‪ ،‬فتنافسوها كما تنافسوها‪ ،‬فتهلككم كما‬
‫أهلكتهم"‪ ،‬وبي رسول ال صلى ال عليه وسلم قيمة الدنيا‪ ،‬وهوانا عند ال تعال‪ ،‬وأنه‬
‫ل قدر لا إذ ا قصدت لذاتا‪ ،‬وإنا تظهر قيمتها إذا جعلت طريقا إل الخرة‪ ،‬ومزرعة‬
‫للعمال‪ ،‬فقال عليه الصلة و السلم ‪ -‬فيما رواه الترمذي وابن ماجه عن سهل بن سعد‬
‫الساعدي‪" :‬لو كانت الدنيا تعدل عند ال جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء "‪،‬‬
‫وحذر الرسول الكري الؤمني من استعباد الدنيا وزينتها لم‪ ،‬فالعاقل ل يكون عبدا‬
‫للدرهم والدينار‪ ،‬وإل استحق السخط والغضب‪ ،‬يروي البخاري عن أب هريرة عن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬تعس عبد الدينار والدرهم‪ ،‬والقطيفة والميصة‪ ،‬إن أعطي‬

‫‪21‬‬
‫رضي‪ ،‬وإن ل يعط ل يرض"‪ ،‬وروى مسلم عن أب سعيد الدري أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال‪ " :‬إن الدنيا حلوة خضرة‪ ،‬وإن ال تعال مستخلفكم فيها‪ ،‬فينظر كيف‬
‫تعملون‪ ،‬فاتقوا الدنيا‪ ،‬واتقوا النساء" وروى البخاري ومسلم عن أنس رضي ال عنه أن‬
‫النب صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬اللهم ل عيش إل عيش الخرة"‪ ،‬وهذه اليات‬
‫والحاديث‪ ،‬وغيها كثي‪ ،‬تذير للمسلمي من الفتنة بالدنيا‪ ،‬والتعلق با‪ ،‬والغترار‬
‫بزينتها‪ ،‬وليكون ذ لك وقاية لم من النغماس فيها‪ ،‬ولكن ذ لك ل يعن التخلي عن‬
‫الدنيا وترك ما فيها‪ ،‬واعتبارها نسا كما يلو لتباع بعض الديانات الحرفة‪ ،‬بل الدنيا‬
‫مزرعة للخرة‪ ،‬وأن الدنيا مياث وتركة للمؤمن‪ ،‬ينفقها ف سبيل الخرة‪ ،‬ويشترى با‬
‫الدرجات العليا ف النة‪ ،‬روى الترمذي عن أب ذر رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪ " :‬الزهادة ف الدنيا ليست بتحري اللل‪ ،‬ول إضاعة الال‪ ،‬ولكن الزهادة ف‬
‫الدنيا أل تكون با ف يديك أوثق ما ف يد ال‪ ،‬وأن تكون ف ثواب الصيبة اذا أنت‬
‫أصبت با أرغب فيها لو أنا أبقيت لك"‪.‬‬
‫الستعداد للموت‪:‬‬
‫وهذه النظرة القيقية للدنيا‪ ،‬وعدم التعلق با‪ ،‬وسيلة تربوية حت يكون الال وغيه ف يد‬
‫الؤمن والعاقل‪ ،‬وليس ف قلبه‪ ،‬فل يستأسره ويسيطر عليه‪ ،‬وإنا يستخدمه لنفع العباد‬
‫والبلد‪ ،‬ويسخر ما ف يده من خي ليكون أمامه يوم الدين والساب‪ ،‬وليبقى ذكرا له‪،‬‬
‫وعمل نافعا‪ ،‬وأجرا دائما بعد وفاته‪ ،‬وأن الدخار والبخل‪ ،‬والكتناز والشح ل يعود عليه‬
‫بشيء‪ ،‬ولن يلد ف الدنيا‪ ،‬وسوف ينقل إل القب‪ ،‬ويدفن تت التراب‪ ،‬ويبقى الال لغيه‪،‬‬
‫ويكشف لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬هذه القيقة‪ ،‬مبينا حظ النسان من ماله‪،‬‬
‫فيما يرويه مسلم وأحد والترمذي والنسائي عن عبد ال بن الشخي أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال‪ " :‬يقول ابن آدم‪ :‬مال مال‪ ،‬وهل لك من مالك إل ما تصدقت‬
‫فأمضيت‪ ،‬أو أكلت فأفنيت‪ ،‬أو لبست فأبليت" ولذلك يستعد العاقل للموت‪ - ،‬ويهيئ‬
‫له السباب الحمودة‪ ،‬فإن جاءه الوت كان عل خي حال‪ ،‬دون أن يغفل عن هذه القيقة‬
‫الت تلزم البشرية‪ ،‬وأن الدنيا ليست مقرا ول مستقرا‪ ،‬ول يلد فيها إنسان‪ ،‬والوت حق‬
‫يقين‪ ،‬ومهما جع النسان ف هذه الياة‪ ،‬فإن متطلباته منها مدودة‪ ،‬وحصيلته مقررة‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫وانتفاعه مصور‪ ،‬والزائد عنه سيبقى لغيه من الحياء‪ ،‬ويروح الرء إل مصيه الحتوم‬
‫شاء أم أب‪ ،‬وإن أنفق ماله ف الشر واليذاء فسوف ياسب عليه‪ ،‬وإن كان رشيدا أنفقه‬
‫ف الي‪ ،‬واستعد لا بعد الوت‪ ،‬لا روي المام أحد والترمذي وابن ماجه والاكم أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬الكيس (وف رواية العاقل) من دان نفسه‪ ،‬وعمل لا‬
‫بعد الوت‪ ،‬والعاجز من أتبع نفسه هواها وتن على ال المان"‪ ،‬وقد خلق ال الياة‬
‫ابتلء للنسان واختبارا له‪ ،‬ليستعد إل لقاء ربه‪ ،‬ويغتنم الفرصة ف حياته‪ ،‬لا رواه المام‬
‫أحد والاكم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬اغتنم خسا قبل خس‪ :‬حياتك‬
‫قبل موتك‪ ،‬وصحتك قبل سقمك‪ ،‬وفراغك قبل شغلك‪ ،‬وشبابك قبل هرمك‪ ،‬وغناك‬
‫قبل فقرك"‪ .‬وكان اليهود يدعون أنم أبناء ال وأحباؤه‪ ،‬فوضعهم ال على الحك‬
‫القيقي‪،‬وطلب منهم تن الوت إن كانوا صادقي ف لقاء ال‪ ،‬فقال تعال‪{ :‬قل يا أيها‬
‫الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء ل من دون الناس فتمنوا الوت إن كنتم صادقي}‬
‫المعة‪.6 /‬‬
‫وف هذا التوجيه‪ ،‬والتربية السلمية يكون النسان سويا وقويا‪ ،‬ويضمن لنفسه العزة‬
‫والكرامة‪ ،‬ويقق لمته النصر والياة العزيزة‪ ،‬ويغرس ف نفسه الناعة والوقاية من الوهن‪،‬‬
‫ويطلب الوت لتوهب له الياة‪ ،‬وينع من قلبه حب الدنيا‪ ،‬ويضع الوت نصب عينيه‬
‫ليحاسب نفسه قبل أن تاسب‪ ،‬وفقنا ال لا يبه ويرضاه‪ ،‬وردنا إل دينه ردا جيل‪،‬‬
‫والمد ل رب العالي‪.‬‬
‫الدكتور‪ /‬ممد الزحيلي‬
‫******************‬
‫وال تعال قد بي أن أهل الكتاب يعلمون علم اليقي أن ممدا (( صلى ال عليه وسلم‬
‫)) هو خات النبياء والرسلي ‪.‬‬
‫شهَدُونَ (‪[ )70‬آل عمران‪/‬‬ ‫قال تعال ‪ { :‬يَا َأهْ َل الْ ِكتَابِ لِ َم َتكْفُرُو َن بِ َآيَاتِ اللّ ِه َوَأْنتُ ْم تَ ْ‬
‫‪} ]70‬‬
‫وقال تعال ‪ { :‬يَا َأهْلَ اْل ِكتَابِ ِل َم تَ ْلبِسُو َن الْحَ ّق بِاْلبَاطِلِ َوَت ْكتُمُو َن الْحَ ّق َوَأْنتُ ْم َتعْلَمُونَ (‬
‫‪[ )71‬آل عمران‪} ]72 ،71/‬‬

‫‪23‬‬
‫ب َيعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ َأبْنَا َءهُ ْم َوِإنّ َفرِيقًا ِمْنهُ ْم‬
‫وقال تعال ‪ { :‬الّذِينَ َآَتيْنَاهُ ُم الْ ِكتَا َ‬
‫ح ّق مِنْ َربّكَ فَلَا َتكُونَنّ مِ َن الْ ُم ْمتَرِينَ (‪)147‬‬ ‫ح ّق َوهُمْ َيعَْلمُونَ (‪ )146‬الْ َ‬ ‫َليَ ْكتُمُونَ الْ َ‬
‫[البقرة‪} ]148-146/‬‬
‫سهُمْ‬
‫سرُوا َأْنفُ َ‬ ‫ب َيعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ َأبْنَا َءهُ ُم الّذِينَ خَ ِ‬ ‫وقال تعال ‪ { :‬الّذِينَ َآَتيْنَاهُ ُم الْ ِكتَا َ‬
‫َفهُمْ لَا ُي ْؤمِنُونَ (‪[ )20‬النعام‪} ]20/‬‬
‫إن الحنة الت يكنها أهل الكتاب للجماعة السلمة هي الحنة التعلقة بالعقيدة ‪ .‬إنم‬
‫يكرهون لذه المة أن تتدي ‪ .‬يكرهون لا أن تفيء إل عقيدتا الاصة ف قوة وثقة‬
‫ويقي ‪ .‬ومن ث يرصدون جهودهم كلها لضللا عن هذا النهج ‪ ،‬واللواء با عن هذا‬
‫الطريق ‪:‬‬
‫{ ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم } ‪. .‬‬
‫فهو ود النفس ورغبة القلب والشهوة الت تفو إليها الهواء من وراء كل كيد ‪ ،‬وكل‬
‫دس ‪ ،‬وكل مراء ‪ ،‬وكل جدال ‪ ،‬وكل تلبيس ‪.‬‬
‫وهذه الرغبة القائمة على الوى والقد والشر ‪ ،‬ضلل ل شك فيه ‪ .‬فما تنبعث مثل هذه‬
‫الرغبة الشريرة الثة عن خي ول عن هدى ‪ .‬فهم يوقعون أنفسهم ف الضللة ف اللحظة‬
‫الت يودون فيها إضلل السلمي ‪ .‬فما يب إضلل الهتدين إل ضال يهيم ف الضلل‬
‫البهيم ‪:‬‬
‫{ وما يضلون إل أنفسهم ‪ .‬وما يشعرون } ‪. .‬‬
‫والسلمون مكفيون أمر أعدائهم هؤلء ما استقاموا على إسلمهم وما لم عليهم من سبيل‬
‫‪ .‬وال سبحانه يتعهد لم أل يصيبهم كيد الكائدين ‪ ،‬وأن يرتد عليهم كيدهم ما بقي‬
‫السلمون مسلمي ‪.‬‬
‫هنا يقرع أهل الكتاب بقيقة موقفهم الريب العيب ‪:‬‬
‫{ يا أهل الكتاب ل تكفرون بآيات ال وأنتم تشهدون؟ يا أهل الكتاب ل تلبسون الق‬
‫بالباطل وتكتمون الق وأنتم تعلمون؟ } ‪.‬‬
‫ولقد كان أهل الكتاب وقتها ‪ -‬وما يزالون حت اليوم ‪ -‬يشهدون الق واضحا ف هذا‬
‫الدين ‪ .‬سواء منهم الطلعون على حقيقة ما جاء ف كتبهم عنه من بشارات وإشارات ‪-‬‬

‫‪24‬‬
‫وكان بعضهم يصرح با يد من هذا كله وبعضهم يسلم بناء على هذا الذي يده ف كتبه‬
‫ويشهده متحققا أمامه ‪ -‬وسواء كذلك غي الطلعي ‪ ،‬ولكنهم يدون ف السلم من‬
‫الق الواضح ما يدعو إل اليان ‪ . .‬غي أنم يكفرون ‪ . .‬ل لنقص ف الدليل ‪ .‬ولكن‬
‫للهوى والصلحة والتضليل ‪ . .‬والقرآن يناديهم ‪ { :‬يا أهل الكتاب } ‪ . .‬لنا الصفة‬
‫الت كان من شأنا أن تقودهم إل آيات ال وكتابه الديد ‪.‬‬
‫كذلك يناديهم مرة أخرى ليفضح ما يقومون به من لبس الق بالباطل لخفائه وكتمانه‬
‫وتضييعه ف غمار الباطل ‪ ،‬على علم وعن عمد وف قصد ‪ . .‬وهو أمر مستنكر قبيح!‬
‫وهذا الذي ندد ال به ‪ -‬سبحانه ‪ -‬من أعمال أهل الكتاب حينذاك ‪ ،‬هو المر الذي‬
‫درجوا عليه من وقتها حت اللحظة الاضرة ‪ . .‬فهذا طريقهم على مدار التاريخ ‪. .‬‬
‫اليهود بدأوا منذ اللحظة الول ‪ .‬ث تابعهم الصليبيون!‬
‫وف خلل القرون التطاولة دسوا ‪ -‬مع السف ‪ -‬ف التراث السلمي ما ل سبيل إل‬
‫كشفه إل بهد القرون! ولبسوا الق بالباطل ف هذا التراث كله ‪ -‬اللهم إل هذا الكتاب‬
‫الحفوظ الذي تكفل ال بفظه أبد البدين ‪ -‬والمد ل على فضله العظيم ‪.‬‬
‫دسوا ولبسوا ف التاريخ السلمي وأحداثه ورجاله ‪ .‬ودسوا ولبسوا ف الديث النبوي‬
‫حت قيض ال له رجاله الذين حققوه وحرروه إل ما ند عن الهد النسان الحدود ‪.‬‬
‫ودسوا ولبسوا ف التفسي القرآن حت تركوه تيها ل يكاد الباحث يفيء فيه إل معال‬
‫الطريق ‪ .‬ودسوا ولبسوا ف الرجال أيضا ‪ .‬فالئات واللوف كانوا دسيسة على التراث‬
‫السلمي ‪ -‬وما يزالون ف صورة الستشرقي وتلميذ الستشرقي الذين يشغلون مناصب‬
‫القيادة الفكرية اليوم ف البلد الت يقول أهلها ‪ :‬إنم مسلمون ‪ .‬والعشرات من‬
‫الشخصيات الدسوسة على المة السلمة ف صورة أبطال مصنوعي على عي الصهيونية‬
‫والصليبية ‪ ،‬ليؤدوا لعداء السلم من الدمات ما ل يلك هؤلء العداء أن يؤدوه‬
‫ظاهرين!‬
‫وما يزال هذا الكيد قائما ومطردا ‪ .‬وما تزال مثابة المان والنجاة منه هي اللياذ بذا‬
‫الكتاب الحفوظ؛ والعودة إليه لستشارته ف العركة الناشبة طوال هذه القرون ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كذلك يعرض بعض الحاولت الت يبذلا فريق من أهل الكتاب لبلبلة الماعة السلمة ف‬
‫دينها ‪ ،‬وردها عن الدى ‪ ،‬من ذلك الطريق الاكر اللئيم ‪:‬‬
‫{ وقالت طائفة من أهل الكتاب ‪ :‬آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا‬
‫آخره لعلهم يرجعون ‪ .‬ول تؤمنوا إل لن تبع دينكم ‪. . } . . .‬‬
‫وهي طريقة ماكرة لئيمة كما قلنا ‪ .‬فإن إظهارهم السلم ث الرجوع عنه ‪ ،‬يوقع بعض‬
‫ضعاف النفوس والعقول وغي التثبتي من حقيقة دينهم وطبيعته ‪.‬‬
‫يوقعهم ف بلبلة واضطراب ‪ .‬وباصة العرب الميي ‪ ،‬الذين كانوا يظنون أن أهل‬
‫الكتاب أعرف منهم بطبيعة الديانات والكتب ‪ .‬فإذا رأوهم يؤمنون ث يرتدون ‪ ،‬حسبوا‬
‫أنم إنا ارتدوا بسبب اطلعهم على خبيئة ونقص ف هذا الدين ‪ .‬وتأرجحوا بي اتاهي‬
‫فلم يكن لم ثبات على حال ‪.‬‬
‫وما تزال هذه الدعة تتخذ حت اليوم ‪ .‬ف شت الصور الت تناسب تطور اللبسات‬
‫والناس ف كل جيل ‪ . .‬ولقد يئس أعداء السلمي أن تنطلي اليوم هذه الدعة ‪ ،‬فلجأت‬
‫القوى الناهضة للسلم ف العال إل طرق شت ‪ ،‬كلها تقوم على تلك الدعة القدية ‪.‬‬
‫إن لذه القوى اليوم ف أناء العال السلمي جيشا جرارا من العملء ف صورة أساتذة‬
‫وفلسفة ودكاترة وباحثي ‪ -‬وأحيانا كتاب وشعراء وفناني وصحفيي ‪ -‬يملون أساء‬
‫السلمي ‪ ،‬لنم اندروا من سللة مسلمة! وبعضهم من « علماء » السلمي!‬
‫هذا اليش من العملء موجه للخلة العقيدة ف النفوس بشت الساليب ‪ ،‬ف صورة بث‬
‫وعلم وأدب وفن وصحافة ‪ .‬وتوهي قواعدها من الساس ‪ .‬والتهوين من شأن العقيدة‬
‫والشريعة سواء ‪ .‬وتأويلها وتميلها ما ل تطيق ‪ .‬والدق التصل على « رجعيتها »!‬
‫والدعوة للتلفت منها ‪ .‬وإبعادها عن مال الياة إشفاقا عليها من الياة أو إشفاقا على‬
‫الياة منها! وابتداع تصورات ومثل وقواعد للشعور والسلوك تناقض وتطم تصورات‬
‫العقيدة ومثلها ‪ .‬وتزيي تلك التصورات البتدعة بقدر تشويه التصورات والثل اليانية ‪.‬‬
‫وإطلق الشهوات من عقالا وسحق القاعدة اللقية الت تستوي عليها العقيدة النظيفة‬
‫لتخر ف الوحل الذي ينثرونه ف الرض نثرا! ويشوهون التاريخ كله ويرفونه كما‬
‫يرفون النصوص!‬

‫‪26‬‬
‫وهم بعد مسلمون! أليسوا يملون أساء السلمي؟ وهم بذه الساء السلمة يعلنون‬
‫السلم وجه النهار ‪ .‬وبذه الحاولت الجرمة يكفرون آخره ‪ . .‬ويؤدون بذه وتلك‬
‫دور أهل الكتاب القدي ‪ . .‬ل يتغي إل الشكل والطار ف ذلك الدور القدي!‬
‫وكان أهل الكتاب يقول بعضهم لبعض ‪ :‬تظاهروا بالسلم أول النهار واكفروا آخره‬
‫لعل السلمي يرجعون عن دينهم ‪ .‬وليكن هذا سرا بينكم ل تبدونه ول تأتنون عليه إل‬
‫أهل دينكم ‪:‬‬
‫{ ول تؤمنوا إل لن تبع دينكم } ‪. .‬‬
‫وفعل اليان حي يعدّى باللم يعن الطمئنان والثقة ‪ .‬أي ول تطمئنوا إل لن تبع‬
‫دينكم ‪ ،‬ول تفضوا بأسراركم إل لؤلء دون السلمي!‬
‫وعملء الصهيونية والصليبية اليوم كذلك ‪ . .‬إنم متفاهون فيما بينهم على أمر ‪ . .‬هو‬
‫الجهاز على هذه العقيدة ف الفرصة السانة الت قد ل تعود ‪ . .‬وقد ل يكون هذا‬
‫التفاهم ف معاهدة أو مؤامرة ‪ .‬ولكنه تفاهم العميل مع العميل على الهمة الطلوبة‬
‫للصيل! ويأمن بعضهم لبعض فيفضي بعضهم إل بعض ‪ . .‬ث يتظاهرون ‪ -‬بعضهم على‬
‫القل بغي ‪ -‬ما يريدون وما يبيتون ‪ . .‬والو من حولم مهيأ ‪ ،‬والجهزة من حولم‬
‫معبأة ‪ . .‬والذين يدركون حقيقة هذا الدين ف الرض كلها مغيبون أو مشردون!‬
‫{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ‪ ،‬وإن فريقا منهم ليكتمون الق‬
‫وهم يعلمون } ‪. .‬‬
‫ومعرفة الناس بأبنائهم هي قمة العرفة ‪ ،‬وهي مثل يضرب ف لغة العرب على اليقي الذي‬
‫ل شبهة فيه ‪ . .‬فإذا كان أهل الكتاب على يقي من الق الذي جاء به النب ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬ومنه هذا الذي جاء به ف شأن القبلة ‪ ،‬وكان فريق منهم يكتمون الق‬
‫الذي يعلمونه علم اليقي ‪ . .‬فليس سبيل الؤمني إذن أن يتأثروا با يلقيه أهل الكتاب‬
‫هؤلء من أباطيل وأكاذيب ‪.‬‬
‫وليس سبيل الؤمني أن يأخذوا من هؤلء الذين يستيقنون الق ث يكتمونه شيئا ف أمر‬
‫دينهم ‪ ،‬الذي يأتيهم به رسولم الصادق المي ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫وهنا يوجه الطاب إل النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬بعد هذا البيان بشأن أهل الكتاب‬
‫‪:‬‬
‫{ الق من ربك فل تكونن من المترين } ‪. .‬‬
‫ورسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ما امترى يوما ول شك ‪ .‬وحينما قال له ربه ف‬
‫آية أخرى ‪ { :‬فإن كنت ف شك ما أنزلنا إليك فاسأل الذي يقرأون الكتاب من قبلك }‬
‫‪ .‬قال ‪ « :‬ل أشك ول أسأل » ‪.‬‬
‫ولكن توجيه الطاب هكذا إل شخصه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يمل إياء قويا إل من‬
‫وراءه من السلمي ‪ .‬سواء منهم من كان ف ذلك الي يتأثر بأباطيل اليهود وأحابيلهم ‪،‬‬
‫ومن يأت بعدهم من تؤثر فيهم أباطيل اليهود وغي اليهود ف أمر دينهم ‪.‬‬
‫وما أجدرنا نن اليوم أن نستمع إل هذا التحذير؛ ونن ‪ -‬ف بلهة منقطعة النظي ‪-‬‬
‫نروح نستفت الستشرقي ‪ -‬من اليهود والنصارى والشيوعيي الكفار ‪ -‬ف أمر ديننا ‪،‬‬
‫ونتلقى عنهم تارينا ‪ ،‬ونأمنهم على القول ف تراثنا ‪ ،‬ونسمع لا يدسونه من شكوك ف‬
‫دراساتم لقرآننا وحديث نبينا ‪ ،‬وسية أوائلنا؛ ونرسل إليهم بعثات من طلبنا يتلقون‬
‫عنهم علوم السلم ‪ ،‬ويتخرجون ف جامعاتم ‪ ،‬ث يعودون الينا مدخول العقل والضمي ‪.‬‬
‫إن هذا القرآن قرآننا ‪ .‬قرآن المة السلمة ‪ .‬وهو كتابا الالد الذي ياطبها فيه ربا با‬
‫تعمله وما تذره ‪ .‬وأهل الكتاب هم أهل الكتاب ‪ ،‬والكفار هم الكفار ‪ ،‬والدين هو‬
‫الدين!‬
‫‪000000000000‬‬
‫{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ‪ ،‬الذين خسروا أنفسهم فهم ل‬
‫يؤمنون } ‪. .‬‬
‫لقد تكرر ف القرآن الكري ذكر معرفة أهل الكتاب ‪ -‬وهم اليهود والنصارى ‪ -‬لذا‬
‫القرآن؛ أو لصحة رساله ممد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وتنيل هذا القرآن عليه من عند‬
‫ال ‪ . .‬تكرر ذكر هذه القيقة سواء ف مواجهة أهل الكتاب أنفسهم ‪ ،‬عندما كانوا‬
‫يقفون من النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ومن هذا الدين وقفة العارضة والنكار والرب‬
‫والعداء ( وكان هذا غالبا ف الدينة ) أو ف مواجهة الشركي من العرب؛ لتعريفهم أن‬
‫أهل الكتاب ‪ ،‬الذين يعرفون طبيعة الوحي والكتب السماوية ‪ ،‬يعرفون هذا القرآن ‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫ويعرفون صدق رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ف أنه وحي أوحى به ربه إليه كما‬
‫أوحى إل الرسل من قبله ‪.‬‬
‫وهذا الية ‪ -‬كما رجحنا ‪ -‬مكية ‪ .‬وذكر أهل الكتاب فيها على هذا النحو ‪ -‬إذن ‪-‬‬
‫يفيد أنا كانت مواجهة للمشركي بأن هذا القرآن الذي ينكرونه ‪ ،‬يعرفه أهل الكتاب‬
‫كما يعرفون أبناءهم؛ وإذا كانت كثرتم ل تؤمن به فذلك لنم خسروا أنفسهم ‪ ،‬فهم‬
‫ل يؤمنون ‪.‬‬
‫شأنم ف هذا شأن الشركي ‪ ،‬الذين خسروا أنفسهم ‪ ،‬فلم يدخلوا ف هذا الدين!‬
‫والسياق قبل هذه الية وبعدها كله عن الشركي ‪ .‬ما يرجح مكيتها كما قلنا من قبل ف‬
‫التعريف بالسورة ‪. .‬‬
‫وقد جرى الفسرون على تفسي مثل هذا التقرير ‪ { :‬الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما‬
‫يعرفون أبناءهم } ‪. .‬‬
‫على أنم يعرفون أنه منل من عند ال حقا؛ أو على أن النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫رسول من عندال حقا ‪ ،‬يوحى إليه بذا القرآن ‪. .‬‬
‫وهذا جانب من مدلول النص فعلً ‪ ،‬ولكنا نلمح ‪ -‬باستصحاب الواقع التاريي وموقف‬
‫أهل الكتاب من هذا الدين فيه ‪ -‬أن هناك جانبا آخر من مدلول النص؛ لعل ال ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬أراد أن يعلمه للجماعة السلمة ‪ ،‬ليستقر ف وعيها على مدار التاريخ ‪ ،‬وهي‬
‫تواجه أهل الكتاب بذا الدين ‪. .‬‬
‫إن أهل الكتاب يعرفون أن هذا الكتاب حق من عند ال؛ ويعرفون ‪ -‬من ث ‪ -‬ما فيه من‬
‫سلطان وقوة؛ ومن خي وصلح؛ ومن طاقة دافعة للمة الت تدين بالعقيدة الت جاء با؛‬
‫وبالخلق الت تنبثق منها؛ وبالنظام الذي يقوم عليها ‪ .‬ويسبون كل حساب لذا‬
‫الكتاب وأهله؛ ويعلمون جيدا أن الرض ل تسعهم وتسع أهل الدين! ‪ . .‬إنم يعرفون ما‬
‫فيه من حق ‪ ،‬ويعرفون ما هم فيه من باطل ‪ . .‬ويعرفون أن الاهلية الت صاروا إليها ‪،‬‬
‫وصارت إليها أوضاع قومهم وأخلقهم وأنظمتهم ‪ ،‬ل يكن أن يهادنا هذا الدين ‪ ،‬أو‬
‫يبقي عليها ‪ . .‬وأنا ‪ -‬من ث ‪ -‬معركة ل تدأ حت تلو الاهلية عن هذه الرض ‪،‬‬
‫ويستعلي هذا الدين ‪ ،‬ويكون الدين كله ل ‪ . .‬أي أن يكون السلطان ف الرض كله ل؛‬

‫‪29‬‬
‫وأن يطارد العتدون على سلطان ال ف الرض كلها ‪ .‬وبذلك وحده يكون الدين كله ل‬
‫‪..‬‬
‫إن أهل الكتاب يعلمون جيدا هذه القيقة ف هذا الدين ‪ . .‬ويعرفونه با كما يعرفون‬
‫ل بعد جيل يدرسون هذا الدين دراسة دقيقة عميقة؛ وينقبون عن‬ ‫أبناءهم ‪ . .‬وهم جي ً‬
‫أسرار قوته؛ وعن مداخله إل النفوس ومساربه فيها؛ ويبحثون بد ‪ :‬كيف يستطيعون أن‬
‫يفسدوا القوة الوجهة ف هذا الدين؟ كيف يلقون بالريب والشكوك ف قلوب أهله؟ كيف‬
‫يرفون الكلم فيه عن مواضعه؟ كيف يصدون أهله عن العلم القيقي به؟ كيف يولونه‬
‫من حركة دافعة تطم الباطل والاهلية وتسترد سلطان ال ف الرض وتطارد العتدين‬
‫على هذا السلطان ‪ ،‬وتعل الدين كله ل ‪ . .‬إل حركة ثقافية باردة ‪ ،‬وإل بوث نظرية‬
‫ميتة ‪ ،‬وإل جدل لهوت أو فقهي أو طائفي فارغ؟ كيف يفرغون مفهوماته ف أوضاع‬
‫وأنظمة وتصورات غريبة عنه مدمرة له ‪ ،‬مع إيهام أهله أن عقيدتم مترمة مصونة؟! كيف‬
‫ف النهاية يلون فراغ العقيدة بتصورات أخرى ومفهومات أخرى واهتمامات أخرى ‪،‬‬
‫ليجهزوا على الذور العاطفية الباقية من العقيدة الباهتة؟!‬
‫إن أهل الكتاب يدرسون هذا الدين دراسة جادة عميقة فاحصة؛ ل لنم يبحثون عن‬
‫القيقية ‪ -‬كما يتوهم السذج من أهل هذا الدين! ‪ -‬ول لينصفوا هذا الدين وأصله ‪-‬‬
‫كما يتصور بعض الخدوعي حينما يرون اعترافا من باحث أو مستشرق بانب طيب ف‬
‫هذا الدين! ‪ -‬كل! إنا هم يقومون بذه الدراسة الادة العميقة الفاحصة ‪ ،‬لنم يبحثون‬
‫عن مقتل لذا الدين! لنم يبحثون عن منافذه ومساربه إل الفطرة ليسدوها أو ييعوها!‬
‫لنم يبحثون عن أسرار قوته ليقاوموه منها! لنم يريدون أن يعرفوا كيف يبن نفسه ف‬
‫النفوس ليبنوا على غراره التصورات الضادة الت يريدون ملء فراغ الناس با!‬
‫وهم من أجل هذه الهداف واللبسات كلها يعرفونه كما يعرفون أبناءهم!‬
‫ومن واجبنا نن أن نعرف ذلك ‪.‬‬
‫وأن نعرف معه أننا نن الوْل بأن نعرف ديننا كما نعرف أبناءنا!‬
‫إن الواقع التاريي من خلل أربعة عشر قرنا ينطق بقيقة واحدة ‪ . .‬هي هذه القيقة الت‬
‫يقررها القرآن الكري ف هذه الية ‪ { :‬الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم‬

‫‪30‬‬
‫} ‪ . .‬ولكن هذه القيقة تتضح ف هذه الفترة وتتجلى بصورة خاصة ‪ . .‬إن البحوث الت‬
‫تكتب عن السلم ف هذه الفترة تصدر بعدل كتاب كل أسبوع؛ بلغة من اللغات‬
‫الجنبية ‪ . .‬وتنطق هذه البحوث بدى معرفة أهل الكتاب بكل صغية وكبية عن طبيعة‬
‫هذا الدين وتاريه ‪ ،‬ومصادر قوته ‪ ،‬ووسائل مقاومته ‪ ،‬وطرق إفساد توجيهه! ومعظمهم‬
‫‪ -‬بطبيعة الال ‪ -‬ل يفصح عن نيته هذه؛ فهم يعلمون أن الجوم الصريح على هذا الدين‬
‫كان يثي حاسة الدفاع والقاومة؛ وأن الركات الت قامت لطرد الجوم السلح على هذا‬
‫الدين ‪ -‬المثل ف الستعمار ‪ -‬إنا كانت ترتكز على قاعدة من الوعي الدين أو على‬
‫القل العاطفة الدينية؛ وأن استمرار الجوم على السلم ‪ -‬ولو ف الصورة الفكرية ‪-‬‬
‫سيظل يثي حاسة الدفاع والقاومة! لذلك يلجأ معظمهم إل طريقة أخبث ‪ . .‬يلجأ إل‬
‫إزجاء الثناء لذا الدين ‪ ،‬حت ينوم الشاعر التوفزة ‪ ،‬ويدر الماسة التحفزة ‪ ،‬وينال ثقة‬
‫القارىء واطمئنانه ‪ . .‬ث يضع السم ف الكأس ويقدمها مترعة ‪ . .‬هذا الدين نعم عظيم ‪.‬‬
‫‪ .‬ولكنه ينبغي أن يتطور بفهوماته ويتطور كذلك بتنظيماته ليجاري الضارة « النسانية‬
‫» الديثة! وينبغي أل يقف موقف العارضة للتطورات الت وقعت ف أوضاع الجتمع ‪،‬‬
‫وف أشكال الكم ‪ ،‬وف قيم الخلق! وينبغي ‪ -‬ف النهاية ‪ -‬أن يتمثل ف صورة عقيدة‬
‫ف القلوب ‪ ،‬ويدع الياة الواقعية تنظمها نظريات وتارب وأساليب الضارة « النسانية‬
‫» الديثة! ويقف فقط ليبارك ما تقرره الرباب الرضية من هذه التجارب والساليب ‪.‬‬
‫‪ .‬وبذلك يظل دينا عظيما ‪!!! . .‬‬
‫وف أثناء عرض مواضع القوة والعمق ف هذا الدين ‪ -‬وهي ظاهريا تبدو ف صورة‬
‫النصاف الادع والثناء الخدر ‪ -‬يقصد الؤلف قومه من أهل الكتاب؛ لينبههم إل‬
‫خطورة هذا الدين ‪ ،‬وإل أسرار قوته؛ ويسي أمام الجهزة الدمرة بذا الضوء الكشاف ‪،‬‬
‫ليسددوا ضرباتم على الدف‬
‫وليعرفوا هذا الدين كما يعرفون أبناءهم!‬
‫إن أسرار هذا القرآن ستظل تتكشف لصحابه؛ جديدة دائما؛ كلما عاشوا ف ظلله؛‬
‫وهم يوضون معركة العقيدة؛ ويتدبرون بوعي أحداث التاريخ؛ ويطالعون بوعي أحداث‬
‫الاضر ‪ .‬ويرون بنور ال ‪ .‬الذي يكشف الق ‪ ،‬ويني الطريق ‪(. .‬الظلل)‬

‫‪31‬‬
‫****************‬
‫ودعاهم إل كلمة سواء فأبوا ‪:‬‬
‫ب َتعَاَلوْا إِلَى كَِل َم ٍة َسوَا ٍء َبْينَنَا َوَبيَْنكُمْ أَلّا نَ ْعبُدَ إِلّا اللّ َه وَلَا‬
‫قال تعال ‪ { :‬قُلْ يَا َأهْ َل اْلكِتَا ِ‬
‫ضنَا َبعْضًا أَ ْربَابًا مِنْ دُونِ اللّهِ َفِإنْ َتوَّلوْا َفقُولُوا ا ْشهَدُوا ِبأَنّا‬ ‫خ َذ َبعْ ُ‬‫نُشْ ِركَ بِهِ َشْيئًا وَلَا َيتّ ِ‬
‫مُسْلِمُونَ (‪[ )64‬آل عمران‪} ]65 ،64/‬‬
‫وإنا لدعوة منصفة من غي شك ‪ .‬دعوة ل يريد با النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أن‬
‫يتفضل عليهم هو ومن معه من السلمي ‪ . .‬كلمة سواء يقف أمامها الميع على مستوى‬
‫واحد ‪ .‬ل يعلو بعضهم على بعض ‪ ،‬ول يتعبد بعضهم بعضا ‪ .‬دعوة ل يأباها إل متعنت‬
‫مفسد ‪ ،‬ل يريد أن يفيء إل الق القوي ‪.‬‬
‫إنا دعوة إل عبادة ال وحده ل يشركون به شيئا ‪ .‬ل بشرا ول حجرا ‪ .‬ودعوة إل أل‬
‫يتخذ بعضهم بعضا من دون ال أربابا ‪ .‬ل نبيا ول رسولً ‪ .‬فكلهم ل عبيد ‪ .‬إنا‬
‫اصطفاهم ال للتبليغ عنه ‪ ،‬ل لشاركته ف اللوهية والربوبية ‪.‬‬
‫{ فإن تولوا فقولوا ‪ :‬اشهدوا بأنا مسلمون } ‪.‬‬
‫فإن أبوا عبادة ال وحده دون شريك ‪ .‬والعبودية ل وحده دون شريك ‪ .‬وها الظهران‬
‫اللذان يقرران موقف العبيد من اللوهية ‪ . .‬إن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ‪. .‬‬
‫وهذه القابلة بي السلمي ومن يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون ال ‪ ،‬تقرر بوضوح‬
‫حاسم من هم السلمون ‪.‬‬
‫هذا الشوط من السورة ما يزال يري مع الط الول الساسي العريض فيها ‪ . .‬خط‬
‫العركة بي أهل الكتاب والماعة السلمة ‪ . .‬معركة العقيدة ‪ ،‬وما يبذل أعداء هذا الدين‬
‫من جهد ومن حيلة ومن مكيدة ومن خداع ‪ ،‬ومن كذب ‪ ،‬ومن تدبي ‪ ،‬للبس الق‬
‫بالباطل ‪ ،‬وبث الريب والشكوك ‪ ،‬وتبييت الشر والضر لذه المة بل وناة ول انقطاع ‪.‬‬
‫‪ .‬ث مواجهة القرآن لذا كله ‪ ،‬بتبصي الؤمني بقيقة ما هم عليه من الق؛ وحقيقة ما‬
‫عليه أعداؤهم من الباطل؛ وحقيقة ما يبيته لم هؤلء العداء ‪ . .‬وأخيا بتشريح هؤلء‬
‫العداء ‪ . .‬طباعهم وأخلقهم وأعمالم ونياتم ‪ . .‬على مشهد من الماعة السلمة ‪.‬‬
‫لتعريفها حقيقة أعدائها ‪ ،‬وفضح ما يضفونه على أنفسهم من مظاهر العلم والعرفة ‪،‬‬

‫‪32‬‬
‫وتبديد ثقة الخدوعي من السلمي فيهم ‪ ،‬وتنفيهم من حالم وإسقاط دسائسهم بتركها‬
‫مكشوفة عوراء ‪ ،‬ل تدع أحدا ول تنطلي على أحد!‬
‫ويبدأ هذا الشوط بواجهة أهل الكتاب ‪ -‬اليهود والنصارى ‪ -‬بسخف موقفهم وهم‬
‫ياجون ف إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬فيزعم اليهود أنه كان يهوديا ‪ ،‬ويزعم النصارى أنه‬
‫كان نصرانيا ‪ .‬على حي أن إبراهيم سابق لليهودية والنصرانية ‪ ،‬سابق للتوراة والنيل ‪.‬‬
‫والجاج فيه على هذا النحو مراء ل يستند إل دليل ‪ . .‬ويقرر حقيقة ما كان عليه‬
‫إبراهيم ‪ . .‬لقد كان على السلم ‪ . .‬دين ال القوي ‪ .‬وأولياؤه هم الذين يسيون على‬
‫نجه ‪ .‬وال ول الؤمني أجعي ‪ . .‬ومن ث تسقط ادعاءات هؤلء وهؤلء؛ ويتبي خط‬
‫السلم الواصل بي رسل ال والؤمني بم على توال القرون ‪ { :‬إن أول الناس بإبراهيم‬
‫للذين اتبعوه ‪ ،‬وهذا النب ‪ ،‬والذين آمنوا ‪ .‬وال ول الؤمني } ‪. .‬‬
‫يلي ذلك ف السياق كشف الدف الصيل الكامن وراء ماراة أهل الكتاب ف إبراهيم‬
‫وغي إبراهيم ‪ -‬ما سبق ف السورة وما سيجيء ‪ -‬فهو الرغبة اللحة ف إضلل السلمي‬
‫عن دينهم ‪ -‬وتشكيكهم ف عقيدتم ‪ . .‬ومن ث يتجه بالتقريع إل الضللي ‪ { :‬يا أهل‬
‫الكتاب ل تكفرون بآيات ال وأنتم تشهدون؟ يا أهل الكتاب ل تلبسون الق بالباطل‬
‫وتكتمون الق وأنتم تعلمون؟ } ‪. .‬‬
‫ث يطلع الماعة السلمة على لون من تبييت أعدائهم وتدبيهم ‪ ،‬لزعزعة ثقتهم ف‬
‫عقيدتم ودينهم بطريقة خبيثة ماكرة لئيمة ‪ .‬ذلك أن يعلنوا إيانم بالسلم أول النهار ‪،‬‬
‫ث يكفروا بالسلم آخره ‪ . .‬كي يلقوا ف روع غي التثبتي ف الصف السلم ‪ -‬ومثلهم‬
‫موجود دائما ف كل صف ‪ -‬أنه لمر ارتد أهل الكتاب ‪ ،‬البيون بالكتب والرسل‬
‫والديانات ‪ { :‬وقالت طائفة من أهل الكتاب ‪ :‬آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه‬
‫النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون } ‪ . .‬وهو كيد خبيث لئيم!‬
‫********************‬
‫استفتاحهم على الكفار قبل السلم ث كفرهم بالرسول صلى ال عليه وسلم بعد ميئه‬

‫‪33‬‬
‫قال تعال ‪ { :‬وَلَمّا جَا َءهُمْ ِكتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّ ِه ُمصَ ّدقٌ لِمَا َم َعهُ ْم وَكَانُوا مِنْ َقبْ ُل‬
‫ستَ ْفتِحُونَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُوا َفلَمّا جَا َءهُ ْم مَا عَرَفُوا َكفَرُوا بِهِ فََل ْعَنةُ اللّ ِه عَلَى اْلكَافِرِينَ (‬
‫يَ ْ‬
‫‪[ )89‬البقرة‪} ]90 ،89/‬‬
‫وهو تصرف يستحق الطرد والغضب لقبحه وشناعته ‪ . .‬ومن ث يصب عليهم اللعنة‬
‫ويصمهم بالكفر ‪ { :‬فلعنة ال على الكافرين } ‪. .‬‬
‫ويفضح السبب الفي لذا الوقف الشائن الذي وقفوه؛ بعد أن يقرر خسارة الصفقة الت‬
‫اختاروها ‪ { :‬بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا با أنزل ال ‪ ،‬بغيا أن ينل ال من‬
‫فضله على من يشاء من عباده ‪ .‬فباؤوا بغضب على غضب ‪ ،‬وللكافرين عذاب مهي } ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا ‪ . . .‬لكأن هذا الكفر هو الثمن القابل لنفسهم!‬
‫والنسان يعادل نفسه بثمن ما ‪ ،‬يكثر أو يقل ‪ .‬أما أن يعادلا بالكفر فتلك أبأس‬
‫الصفقات وأخسرها ولكن هذا هو الواقع ‪ .‬وإن بدا تثيلً وتصويرا ‪ .‬لقد خسروا أنفسهم‬
‫ف الدنيا فلم ينضموا إل الوكب الكري العزيز ولقد خسروا أنفسهم ف الخرة با‬
‫ينتظرهم من العذاب الهي ‪ .‬وباذا خرجوا ف النهاية؟ خرجوا بالكفر ‪ ،‬هو وحده الذي‬
‫كسبوه وأخذوه!‬
‫وكان الذي حلهم على هذا كله هو حسدهم لرسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أن‬
‫يتاره ال للرسالة الت انتظروها فيهم ‪ ،‬وحقدهم لن ينل ال من فضله على من يشاء من‬
‫عباده ‪ .‬وكان هذا بغيا منهم وظلما فعادوا من هذا الظلم بغضب على غضب؛ وهناك‬
‫ينتظرهم عذاب مهي ‪ ،‬جزاء الستكبار والسد والبغي الذميم ‪.‬‬
‫وهذه الطبيعة الت تبدو هنا ف يهود هي الطبيعة الكنود ‪ ،‬طبيعة الثرة الضيقة الت تيا ف‬
‫نطاق من التعصب شديد؛ وتس أن كل خي يصيب سواها كأنا هو مقتطع منها؛ ول‬
‫تشعر بالوشيجة‬
‫وهكذا عاش اليهود ف عزلة ‪ ،‬يسون أنم فرع مقطوع من شجرة الياة؛ ويتربصون‬
‫بالبشرية الدوائر؛ ويكنون للناس البغضاء ‪ ،‬ويعانون عذاب الحقاد والضغائن ‪ ،‬ويذيقون‬
‫البشرية رجع هذه الحقاد فتنا يوقدونا بي بعض الشعوب وبعض ‪ ،‬وحروبا يثيونا‬

‫‪34‬‬
‫ليجروا من ورائها الغان ‪ ،‬ويروون با أحقادهم الت ل تنطفىء ‪ ،‬وهلكا يسلطونه على‬
‫الناس ‪ ،‬ويسلطه عليهم الناس ‪ . .‬وهذا الشر كله إنا نشأ من تلك الثرة البغيضة ‪ { :‬بغيا‬
‫‪ . .‬أن ينل ال من فضله على من يشاء من عباده } ‪. .‬‬
‫{ وإذا قيل لم ‪ :‬آمنوا با أنزل ال قالوا ‪ :‬نؤمن با أنزل علينا ‪ ،‬ويكفرون با وراءه وهو‬
‫الق مصدقاَ لا معهم } ‪. .‬‬
‫وكان هذا هو الذي يقولونه إذا دعوا إل اليان بالقرآن وبالسلم ‪ .‬كانوا يقولون‬
‫{ نؤمن با أنزل علينا } ‪ . .‬ففيه الكفاية ‪ ،‬وهو وحده الق ‪ ،‬ث يكفرون با وراءه ‪.‬‬
‫سواء ما جاءهم به عيسى عليه السلم ‪ ،‬وما جاءهم به ممد خات النبيي ‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫لقد استقبل اليهود رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ودينه ف الدينة شر ما يستقبل‬
‫أهل دين ساوي رسولً يعرفون صدقه ‪ ،‬ودينا يعرفون أنه الق ‪. .‬‬
‫استقبلوه بالدسائس والكاذيب والشبهات والفت يلقونا ف الصف السلم ف الدينة بكافة‬
‫الطرق اللتوية الاكرة الت يتقنها اليهود ‪ . .‬شككوا ف رسالة رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وهم يعرفونه؛ واحتضنوا النافقي وأمدوهم بالشبهات الت ينشرونا ف الو‬
‫وبالتهم والكاذيب ‪ .‬وما فعلوه ف حادث تويل القبلة ‪ ،‬وما فعلوه ف حادث الفك ‪،‬‬
‫وما فعلوه ف كل مناسبة ‪ ،‬ليس إل ناذج من هذا الكيد اللئيم ‪ . .‬وف مثل هذه الفاعيل‬
‫كان يتنل القرآن الكري ‪ .‬وسور البقرة وآل عمران والنساء والائدة والشر والحزاب‬
‫والتوبة وغيها تضمنت من هذا الكثي ‪:‬‬
‫{ ولا جاءهم كتاب من عند ال مصدق لا معهم ‪ -‬وكانوا من قبل يستفتحون على‬
‫الذين كفروا ‪ -‬فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ‪ ،‬فلعنة ال على الكافرين ‪ ،‬بئسما اشتروا‬
‫به أنفسهم أن يكفروا با أنزل ال ‪ -‬بغيا أن ينل ال من فضله على من يشاء من عباده ‪-‬‬
‫فباءوا بغضب على غضب ‪ ،‬وللكافرين عذاب مهي } [ البقرة ‪. ] 90 - 89 :‬‬
‫{ ولا جاءهم رسول من عند ال مصدق لا معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب‬
‫كتاب ال وراء ظهورهم كأنم ل يعلمون } [ البقرة ‪. ] 101 :‬‬

‫‪35‬‬
‫{ سيقول السفهاء من الناس ‪ :‬ما ولهم عن قبلتهم الت كانوا عليها ‪ .‬قل ‪ :‬ل الشرق‬
‫والغرب يهدي من يشاء إل صراط مستقيم } [ البقرة ‪. ] 142 :‬‬
‫{ يا أهل الكتاب ل تكفرون بآيات ال وأنتم تشهدون ‪ .‬يا أهل الكتاب ل تلبسون الق‬
‫بالباطل وتكتمون الق وأنتم تعلمون؟ } [ آل عمران ‪. ] 71 - 70 :‬‬
‫{ وقالت طائفة من أهل الكتاب ‪ :‬آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا‬
‫آخره لعلهم يرجعون } [ آل عمران ‪. ] 72 :‬‬
‫{ وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ‪،‬‬
‫ويقولون هو من عند ال ‪ ،‬وما هو من عند ال ويقولون على ال الكذب وهم يعلمون }‬
‫[ آل عمران ‪. ] 78 :‬‬
‫{ قل ‪ :‬يا أهل الكتاب ل تكفرون بآيات ال وال شهيد على ما تعملون؟ قل يا أهل‬
‫الكتاب ل تصدون عن سبيل ال من آمن تبغونا عوجا وأنتم شهداء وما ال بغافل عما‬
‫تعملون } [ آل عمران ‪. ] 99 - 98 :‬‬
‫{ يسألك أهل الكتاب أن تنل عليهم كتابا من السماء! فقد سألوا موسى أكب من‬
‫ذلك ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬أرنا ال جهرة ‪ ،‬فأخذتم الصاعقة بظلمهم؛ ث اتذوا العجل من بعد ما‬
‫جاءتم البينات ‪} . . .‬‬
‫[ النساء ‪. ] 153 :‬‬
‫{ يريدون أن يطفئوا نور ال بأفواههم ‪ ،‬ويأب ال إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون } ‪.‬‬
‫‪ [ . .‬التوبة ‪. ] 32 :‬‬
‫كذلك شهد التاريخ نقض اليهود لعهودهم مرة بعد مرة وترشهم بالسلمي ‪ ،‬ما أدى إل‬
‫وقائع بن قينقاع وبن النضي وبن قريظة وخيب ‪ .‬كما شهد تأليب اليهود للمشركي ف‬
‫الحزاب ‪ ،‬ما هو معروف مشهور ‪.‬‬
‫ث تابع اليهود كيدهم للسلم وأهله منذ ذلك التاريخ ‪ . .‬كانوا عناصر أساسية ف إثارة‬
‫الفتنة الكبى الت قتل فيها الليفة الراشد عثمان بن عفان ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وانتثر بعدها‬
‫شل التجمع السلمي إل حد كبي ‪. .‬‬

‫‪36‬‬
‫وكانوا رأس الفتنة فيما وقع بعد ذلك بي علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬ومعاوية ‪ . .‬وقادوا‬
‫حلة الوضع ف الديث والسية وروايات التفسي ‪ . .‬وكانوا من المهدين لملة التتار‬
‫على بغداد وتقويض اللفة السلمية ‪. . .‬‬
‫فأما ف التاريخ الديث فهم وراء كل كارثة حلت بالسلمي ف كل مكان على وجه‬
‫الرض؛ وهم وراء كل ماولة لسحق طلئع البعث السلمي؛ وهم حاة كل وضع من‬
‫الوضاع الت تتول هذه الحاولة ف كل أرجاء العال السلمي!‬
‫ذلك شأن اليهود ‪ ،‬فأما شأن الفريق الخر من أهل الكتاب ‪ ،‬فهو ل يقل إصرارا على‬
‫العداوة والرب من شأن اليهود!‬
‫لقد كانت بي الرومان والفرس عداوات عمرها قرون ‪ . .‬ولكن ما إن ظهر السلم ف‬
‫الزيرة؛ وأحست الكنيسة بطورة هذا الدين الق على ما صنعته هي بأيديها وسته «‬
‫السيحية » وهو ركام من الوثنيات القدية ‪ ،‬والضاليل الكنسية ‪ ،‬متلبسا ببقايا من‬
‫كلمات السيح ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وتاريه ‪ . .‬حت رأينا الرومان والفرس ينسون ما بينهم‬
‫من نزاعات تارييه قدية وعداوات وثارات عميقة ‪ ،‬ليواجهوا هذا الدين الديد ‪.‬‬
‫ولقد أخذ الروم يتجمعون ف الشمال هم وعمالم من الغساسنة لينقضوا على هذا الدين ‪.‬‬
‫وذلك بعد أن قتلوا الارث بن عمي الزدي رسول رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫إل عامل بصرى من قبل الروم ‪ -‬وكان السلمون يؤمنون الرسل ولكن النصارى غدروا‬
‫برسول النب صلى ال عليه وسلم وقتلوه ‪ -‬ما جعل رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫يبعث بيش المراء الشهداء الثلثة ‪ :‬زيد بن حارثة ‪ ،‬وجعفر بن أب طالب ‪ ،‬وعبد ال بن‬
‫رواحة ف غزوة « مؤتة » فوجدوا تمعا للروم تقول الروايات عنه ‪ :‬إنه مائة ألف من‬
‫الروم ومعه من عملئهم ف الشام من القبائل العربية النصرانية مائة ألف أخرى؛ وكان‬
‫جيش السلمي ل يتجاوز ثلثة آلف مقاتل ‪ .‬وكان ذلك ف جادى الول من السنة‬
‫الثامنة للهجرة ‪.‬‬
‫ث كانت غزوة تبوك الت يدور عليها معظم هذه السورة ( وسيجيء تفصيل القول فيها ف‬
‫موضعه إن شاء ال تعال ) ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ث كان جيش أسامة بن زيد الذي أعده رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قبيل وفاته؛‬
‫ث أنفذه الليفة الراشد أبو بكر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬إل أطراف الشام؛ لواجهة تلك‬
‫التجمعات الرومانية الت تستهدف القضاء على هذا الدين!‬
‫ث اشتعل مرجل القد الصليب منذ موقعة اليموك الظافرة ‪ ،‬الت أعقبها انطلق السلم‬
‫لتحرير الستعمرات المباطورية الرومانية ف الشام ومصر وشال إفريقية وجزر البحر‬
‫البيض ‪ .‬ث بناء القاعدة السلمية الوطيدة ف الندلس ف النهاية ‪.‬‬
‫إن « الروب الصليبية » العروفة بذا السم ف التاريخ ‪ ،‬ل تكن هي وحدها الت شنتها‬
‫الكنيسة على السلم ‪ ،‬لقد كانت هذه الروب مبكرة قبل هذا الوعد بكثي ‪ . .‬لقد‬
‫بدأت ف القيقة منذ ذلك التاريخ البعيد ‪ . .‬منذ أن نسي الرومان عداواتم مع الفرس؛‬
‫وأخذ النصارى يعينون الفرس ضد السلم ف جنوب الزيرة ‪ .‬ث بعد ذلك ف « مؤتة »‬
‫‪ .‬ث فيما تل موقعة اليموك الظافرة ‪ . .‬ث تلت ضراوتا ووحشيتها ف الندلس عندما‬
‫زحفت الصليبية على القاعدة السلمية ف أوربة ‪ ،‬وارتكبت من الوحشية ف تعذيب‬
‫مليي السلمي وقتلهم هناك ما ل يعرف التاريخ له نظيا من قبل ‪ . .‬وكذلك تلت ف‬
‫الروب الصليبية ف الشرق بثل هذه البشاعة الت ل تتحرج ول تتذمم؛ ول تراعي ف‬
‫السلمي إِلّ ول ذمة ‪.‬‬
‫وما جاء ف كتاب « حضارة العرب » لوستاف لوبون ‪ -‬وهو فرنسي مسيحي ‪: -‬‬
‫« كان أول ما بدأ به ريكاردوس النليزي أنه قتل أمام معسكر السلمي ‪ ،‬ثلث آلف‬
‫أسي سلموا أنفسهم إليه ‪ ،‬بعد أن قطع على نفسه العهد بقن دمائهم ‪ .‬ث أطلق لنفسه‬
‫العنان باقتراف القتل والسلب ‪ ،‬ما أثار صلح الدين اليوب النبيل ‪ ،‬الذي رحم نصارى‬
‫القدس ‪ ،‬فلم يسهم بأذى ‪ ،‬والذي أمد فيليب وقلب السد بالرطبات والدوية‬
‫والزواد ‪ ،‬أثناء مرضهما » ‪.‬‬
‫كذلك كتب كاتب مسيحي آخر ( اسه يورجا ) يقول ‪:‬‬
‫« ابتدأ الصليبيون سيهم على بيت القدس بأسوأ طالع ‪ ،‬فكان فريق من الجاج‬
‫يسفكون الدماء ف القصور الت استولوا عليها ‪ .‬وقد أسرفوا ف القسوة فكانوا يبقرون‬
‫البطون ‪ .‬ويبحثون عن الدناني ف المعاء! أما صلح الدين ‪ ،‬فلما استرد بيت القدس‬

‫‪38‬‬
‫بذل المان للصليبيي ‪ ،‬ووف لم بميع عهوده ‪ ،‬وجاد السلمون على أعدائهم ووطأوهم‬
‫مهاد رأفتهم ‪ ،‬حت أن اللك العادل ‪ ،‬شقيق السلطان ‪ ،‬أطلق ألف رقيق من السرى ‪،‬‬
‫ومنّ على جيع الرمن ‪ ،‬وأذن للبطريرك بمل الصليب وزينة الكنيسة ‪ ،‬وأبيح للميات‬
‫واللكة بزيارة أزواجهن » ‪.‬‬
‫ول يتسع الجال ف الظلل لستعراض ذلك الط الطويل للحروب الصليبية ‪ -‬على مدار‬
‫التاريخ ‪ -‬ولكن يكفي أن نقول ‪ :‬إن هذه الرب ل تضع أوزارها قط من جانب الصليبية‬
‫‪ .‬ويكفي أن نذكر ماذا حدث ف زنبار حديثا ‪ .‬حيث أبيد السلمون فيها عن بكرة‬
‫أبيهم ‪ ،‬فقتل منهم اثنا عشر ألفا وألقي الربعة اللف الباقون ف البحر منفيي من‬
‫الزيرة! ويكفي أن نذكر ماذا وقع ف قبص ‪ ،‬حيث منع الطعام والاء عن الهات الت‬
‫يقطنها بقايا السلمي هناك ليموتوا جوعا وعطشا ‪ ،‬فوق ما سلط عليهم من التقتيل‬
‫والتذبيح والتشريد! ويكفي أن نذكر ما تزاوله البشة ف اريترية وف قلب البشة ‪ ،‬وما‬
‫تزاوله كينيا مع الائة ألف مسلم الذين ينتمون إل أصل صومال ‪ ،‬ويريدون أن ينضموا‬
‫إل قومهم السلمي ف الصومال! ويكفي أن نعلم ماذا تاوله الصليبية ف السودان النوب!‬
‫ويكفي لتصوير نظرة الصليبيي إل السلم أن ننقل فقرة من كتاب لؤلف أورب صدر‬
‫سنة ‪ 1944‬يقول فيه؟‬
‫لقد كنا نوّف من قبل بالطر اليهودي ‪ ،‬والطر الصفر ‪ ،‬وبالطر البلشفي ‪ .‬إل أن هذا‬
‫التخويف كله ل يتفق كما تيلناه ‪ .‬إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا ‪ ،‬وعلى هذا يكون كل‬
‫مضطهد لم عدونا اللد! ث رأينا أن البلشفة حلفاء لنا ‪ ،‬أما الشعوب الصفراء فهنالك‬
‫دول ديقراطية كبى تقاومها ‪ .‬ولكن الطر القيقي كامن ف نظام السلم ‪ ،‬وف قوته‬
‫على التوسع والخضاع ‪ ،‬وف حيويته ‪ . .‬إنه الدار الوحيد ف وجه الستعمار الورب «‬
‫‪.‬‬
‫ول نستطيع أن نضي أبعد من ذلك ف استعراض تاريخ تلك الرب العاتية الت أعلنتها‬
‫الصليبية على السلم وما تزال ‪ . .‬وقد تدثنا من قبل مرارا ف أجزاء الظلل السابقة ‪-‬‬
‫بناسبة النصوص القرآنية الكثية ‪ -‬عن طبيعة هذه العركة ‪ ،‬الطويلة ‪ ،‬ومسائلها وأشكالا‬
‫‪ .‬فحسبنا هذه الشارات السريعة هنا بالحالة على بعض الراجع الخرى القريبة ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫وهكذا نرى من هذا الستعراض السريع ‪ -‬بالضافة إل ما قلناه من قبل عن طبيعة‬
‫العلن السلمي العام بتحرير النسان ‪ .‬وتفز الاهلية ف الرض كلها لسحق الركة‬
‫الت تمل هذا العلن العام وتنطلق به ف الرض كلها ‪ -‬أن هذه الحكام الخية‬
‫الواردة ف هذه السورة ‪ ،‬هي التقضى الطبيعي لذه القائق كلها متمعة؛ وأنا ليست‬
‫أحكاما مددة بزمان ‪ ،‬ول مقيدة بالة ‪ .‬وإن كان هذا ف الوقت ذاته ل ينسخ الحكام‬
‫الرحلية السابقة النسخ الشرعي الذي ينع العمل با ف الظروف واللبسات الت تشابه‬
‫الظروف واللبسات الت تنلت فيها ‪ .‬فهناك دائما طبيعة النهج السلمي الركية ‪ ،‬الت‬
‫تواجه الواقع البشري مواجهة واقعية ‪ ،‬بوسائل متجددة ‪ ،‬ف الراحل التعددة ‪( .‬الظلل)‬
‫****************‬
‫وقد أعلنوا الرب على السلم والسلمي منذ اليوم الول الذي سعوا بالسلم ‪،‬‬
‫ونب السلم (( ممد صلى ال عليه وسلم ))‬

‫وقد فضحهم القرآن الكري ‪ ،‬وبي تاريهم السود‬


‫ت التّوْرَاةُ وَالِْإنْجِيلُ إِلّا مِنْ‬ ‫قال تعال ‪ { :‬يَا َأهْ َل الْ ِكتَابِ لِ َم تُحَاجّونَ فِي إِبْرَاهِي َم َومَا ُأنْزَِل ِ‬
‫جتُمْ فِيمَا َلكُ ْم بِ ِه عِلْمٌ َفلِ َم تُحَاجّونَ فِيمَا َلْيسَ‬ ‫َبعْ ِدهِ أَفَلَا َت ْعقِلُونَ (‪ )65‬هَا أَْنتُ ْم َهؤُلَاءِ حَا َج ْ‬
‫َلكُ ْم بِهِ عِ ْل ٌم وَاللّ ُه َيعْلَ ُم َوَأنْتُمْ لَا َتعْلَمُونَ (‪[ )66‬آل عمران‪} ]67-65/‬‬
‫وقال تعال ‪ { :‬قُ ْل يَا َأهْ َل الْ ِكتَابِ لِ َم َت ْكفُرُو َن بِ َآيَاتِ اللّ ِه وَاللّ ُه َشهِي ٌد عَلَى مَا تَعْ َملُونَ (‬
‫‪ )98‬قُ ْل يَا َأهْ َل الْ ِكتَابِ لِ َم َتصُدّو َن عَ ْن َسبِيلِ اللّ ِه مَنْ َآمَ َن َتْبغُوَنهَا ِعوَجًا َوَأنْتُ ْم ُشهَدَاءُ‬
‫َومَا اللّ ُه ِبغَافِ ٍل عَمّا َتعْ َملُونَ (‪[ )99‬آل عمران‪} ]99 ،98/‬‬
‫حقّ ِإنّمَا‬
‫وقال تعال ‪ { :‬يَا َأهْلَ اْل ِكتَابِ لَا َتغْلُوا فِي دِينِكُ ْم وَلَا َتقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلّا الْ َ‬
‫ح ِمنْهُ فَ َآ ِمنُوا بِاللّ ِه وَ ُرسُلِهِ‬
‫الْمَسِي ُح عِيسَى ابْ ُن مَ ْريَمَ َرسُولُ اللّ ِه وَكَلِ َمتُهُ أَْلقَاهَا إِلَى َم ْريَ َم وَرُو ٌ‬
‫وَلَا َتقُولُوا ثَلَاَث ٌة اْنتَهُوا َخيْرًا َلكُمْ ِإنّمَا اللّهُ إِلَ ٌه وَاحِ ٌد ُسبْحَانَهُ َأنْ َيكُونَ لَ ُه وَلَدٌ لَ ُه مَا فِي‬
‫ض وَ َكفَى بِاللّ ِه وَكِيلًا (‪[ )171‬النساء‪} ]171/‬‬ ‫السّمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫خفُونَ مِنَ‬ ‫وقال تعال ‪ { :‬يَا َأهْلَ اْل ِكتَابِ َقدْ جَاءَكُمْ َرسُولُنَا ُيَبيّنُ َلكُمْ َكثِيًا مِمّا ُكنْتُ ْم تُ ْ‬
‫ب َويَ ْعفُو عَنْ َكثِيٍ قَدْ جَاءَكُ ْم مِنَ اللّ ِه نُو ٌر وَ ِكتَابٌ ُمبِيٌ (‪[ )15‬الائدة‪} ]15/‬‬ ‫الْ ِكتَا ِ‬

‫‪40‬‬
‫ح ّق وَلَا َتتِّبعُوا َأ ْهوَاءَ َق ْومٍ َقدْ‬‫وقال تعال ‪ { :‬قُ ْل يَا َأهْ َل الْ ِكتَابِ لَا َتغْلُوا فِي دِيِنكُ ْم غَيْ َر الْ َ‬
‫سبِيلِ (‪ُ )77‬لعِ َن الّذِينَ َكفَرُوا مِ ْن َبنِي‬ ‫ضلّوا عَ ْن َسوَاءِ ال ّ‬ ‫ضَلّوا مِنْ َقبْ ُل َوأَضَلّوا َكثِيًا وَ َ‬
‫ك بِمَا َعصَوْا وَكَانُوا يَ ْعتَدُونَ (‪ )78‬كَانُوا‬ ‫ِإسْرَائِي َل عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْ ِن مَ ْريَمَ ذَلِ َ‬
‫لَا َيتَنَا َهوْ َن عَ ْن ُمنْكَرٍ َف َعلُوهُ َلِبْئسَ مَا كَانُوا َي ْفعَلُونَ (‪ )79‬تَرَى َكثِيًا ِمْنهُ ْم َيتَوَّل ْونَ الّذِينَ‬
‫سهُمْ َأنْ سَخِطَ اللّهُ عََلْيهِمْ وَفِي اْلعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (‪)80‬‬ ‫َكفَرُوا َلِبْئسَ مَا َق ّد َمتْ َلهُمْ َأْنفُ ُ‬
‫خذُوهُمْ َأوْلِيَا َء وََلكِنّ َكثِيًا مِْنهُمْ فَا ِسقُونَ‬ ‫وََلوْ كَانُوا ُي ْؤ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَالّنِبيّ َومَا ُأنْزِلَ إَِليْ ِه مَا اتّ َ‬
‫س عَدَاوَةً لِلّذِينَ َآ َمنُوا الَْيهُو َد وَالّذِينَ َأشْرَكُوا وََلتَجِ َدنّ أَقْ َرَبهُ ْم َموَ ّدةً‬ ‫(‪َ )81‬لتَجِ َدنّ َأشَ ّد النّا ِ‬
‫ستَ ْكبِرُونَ (‬ ‫ي وَ ُر ْهبَانًا َوَأّنهُمْ لَا يَ ْ‬
‫ك ِبَأنّ ِمْنهُمْ قِسّيسِ َ‬ ‫لِلّذِينَ َآ َمنُوا الّذِينَ قَالُوا إِنّا َنصَارَى ذَلِ َ‬
‫‪[ )82‬الائدة‪} ]82-77/‬‬
‫قال ممد بن إسحاق ‪ :‬حدثن ممد بن أب ‪ -‬مول زيد بن ثابت ‪ -‬حدثن سعيد بن‬
‫جبي ‪ -‬أو عكرمة ‪ -‬عن ابن عباس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬قال ‪ :‬اجتمعت نصارى نران‬
‫وأحبار يهود عند رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فتنازعوا عنده ‪ .‬فقالت الحبار ‪:‬‬
‫ما كان إبراهيم إل يهوديا ‪ .‬وقالت النصارى ‪ :‬ما كان إبراهيم إل نصرانيا ‪ .‬فأنزل ال‬
‫تعال ‪ { :‬يا أهل الكتاب ل تاجون ف إبراهيم ‪ } . . .‬الية ‪.‬‬
‫وسواء كانت هذه هي مناسبة نزول الية أو ل تكن ‪ ،‬فظاهر من نصها أنا نزلت ردا‬
‫على ادعاءات لهل الكتاب ‪ ،‬وحجاج مع النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أو مع بعضهم‬
‫البعض ف حضرة الرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬والدف من هذه الدعاءات هو‬
‫احتكار عهد ال مع إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬أن يعل ف بيته النبوة؛ واحتكار الداية‬
‫والفضل كذلك ‪ .‬ث ‪ -‬وهذا هو الهم ‪ -‬تكذيب دعوى النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫أنه على دين إبراهيم ‪ ،‬وأن السلمي هم ورثة النيفية الول؛ وتشكيك السلمي ف هذه‬
‫القيقة ‪ ،‬أو بث الريبة ف نفوس بعضهم على القل ‪. .‬‬
‫ومن ث يندد ال بم هذا التنديد؛ ويكشف مراءهم الذي ل يستند إل دليل ‪.‬‬
‫فإبراهيم سابق على التوراة وسابق على النيل ‪ .‬فكيف إذن يكون يهوديا؟ أو كيف إذن‬
‫يكون نصرانيا؟ إنا دعوى مالفة للعقل ‪ ،‬تبدو مالفتها بجرد النظرة الول إل التاريخ ‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫{ يا أهل الكتاب ل تاجون ف إبراهيم وما أنزلت التوراة والنيل إل من بعده؟ أفل‬
‫تعقلون؟ } ‪.‬‬
‫ث يضي ف التنديد بم؛ وإسقاط قيمة ما يدلون به من حجج وكشف تعنتهم وقلة‬
‫اعتمادهم على منهج منطقي سليم ف الدل والوار ‪:‬‬
‫{ ها أنتم هؤلء حاججتم فيما لكم به علم ‪ ،‬فلم تاجون فيما ليس لكم به علم؟ وال‬
‫يعلم وأنتم ل تعلمون؟ } ‪.‬‬
‫وقد جادلوا ف أمر عيسى عليه السلم؛ كما يبدو أنم جادلوا ف بعض الحكام التشريعية‬
‫حي دعوا إل كتاب ال ليحكم بينهم ‪ ،‬ث تولوا وهم معرضون ‪ . .‬وكان هذا وذاك ف‬
‫دائرة ما يعلمون من المر ‪ ،‬أما أن يادلوا فيما هو سابق على وجودهم ‪ ،‬ووجود كتبهم‬
‫ودياناتم ‪ . .‬فهو المر الذي ل سند له ولو كان سندا شكليا ‪ . .‬فهو الدل إذن لذات‬
‫الدل ‪ .‬وهو الراء الذي ل يسي على منهج ‪ ،‬وهو الغرض إذن والوى ‪ . .‬ومن كان هذا‬
‫حاله فهو غي جدير بالثقة فيما يقول ‪ .‬بل غي جدير بالستماع أصل لا يقول!‬
‫حت إذا انتهى السياق من إسقاط قيمة جدلم من أساسه ‪ ،‬ونزع الثقة منهم وما يقولون ‪،‬‬
‫عاد يقرر القيقة الت يعلمها ال ‪ .‬فهو ‪ -‬سبحانه ‪ -‬الذي يعلم حقيقة هذا التاريخ البعيد؛‬
‫وهو الذي يعلم كذلك حقيقة الدين الذي نزله على عبده إبراهيم ‪ .‬وقوله الفصل الذي ل‬
‫يبقى معه لقائل قول؛ إل أن يادل وياري بل سلطان ول دليل ‪:‬‬
‫{ ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا ‪ .‬ولكن كان حنيفا مسلما ‪ .‬وما كان من‬
‫الشركي } ‪. .‬‬
‫فيؤكد ما قرره من قبل ضمنا من أن إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬ما كان يهوديا ول نصرانيا‬
‫‪ .‬وما أنزلت التوراة والنيل إل من بعده ‪ .‬ويقرر أنه كان مائلً عن كل ملة إل السلم‬
‫‪ .‬فقد كان مسلما ‪ . .‬مسلما بالعن الشامل للسلم الذي مر تفصيله وبيانه ‪. .‬‬
‫{ وما كان من الشركي } ‪. .‬‬
‫وهذه القيقة متضمنة ف قوله قبلها { ولكن كان حنيفا مسلما } ‪ . .‬ولكن إبرازها هنا‬
‫يشي إل عدة من لطائف الشارة والتعبي ‪:‬‬

‫‪42‬‬
‫يشي أولً إل أن اليهود والنصارى ‪ -‬الذين انتهى أمرهم إل تلك العتقدات النحرفة ‪-‬‬
‫مشركون ‪ . .‬ومن ث ل يكن أن يكون إبراهيم يهوديا ول نصرانيا ‪ .‬ولكن حنيفا‬
‫مسلما!‬
‫ويشي إل أن السلم شيء والشرك شيء آخر ‪ .‬فل يلتقيان ‪ .‬السلم هو التوحيد الطلق‬
‫بكل خصائصه ‪ .‬وكل مقتضياته ‪ .‬ومن ث ل يلتقي مع لون من ألوان الشرك أصلً ‪.‬‬
‫ويشي ثالثا إل إبطال دعوى الشركي من قريش كذلك أنم على دين إبراهيم ‪ ،‬وسدنة‬
‫بيته ف مكة ‪ . .‬فهو حنيف مسلم ‪ ،‬وهم مشركون ‪ { .‬وما كان من الشركي } !‬
‫وما دام أن إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬كان حنيفا مسلما وما كان من الشركي ‪ ،‬فليس‬
‫لي من اليهود أو النصارى ‪ -‬أو الشركي أيضا ‪ -‬أن يدعي وراثته ‪ ،‬ول الولية على‬
‫دينه ‪ ،‬وهم بعيدون عن عقيدته ‪.‬‬
‫والعقيدة هي الوشيجة الول الت يتلقى عليها الناس ف السلم ‪ .‬حي ل يلتقون على‬
‫نسب ول أرومة ول جنس ول أرض ‪ ،‬إذا أنبتت تلك الوشيجة الت يتجمع عليها أهل‬
‫اليان ‪ .‬فالنسان ف نظر السلم إنسان بروحه ‪ .‬بالنفخة الت جعلت منه إنسانا ‪ .‬ومن‬
‫ث فهو يتلقى على العقيدة أخص خصائص الروح فيه ‪ .‬ول يلتقي على مثل ما تلتقي عليه‬
‫البهائم من الرض والنس والكل والرعى والد والسياج! والولية بي فرد وفرد ‪ ،‬وبي‬
‫مموعة ومموعة ‪ ،‬وبي جيل من الناس وجيل ‪ ،‬ل ترتكن إل وشيجة أخرى سوى‬
‫وشيجة العقيدة ‪ .‬يتلقى فيها الؤمن والؤمن ‪ .‬والماعة السلمة والماعة السلمة ‪.‬‬
‫واليل السلم والجيال السلمة من وراء حدود الزمان والكان ‪ ،‬ومن وراء فواصل الدم‬
‫والنسب ‪ ،‬والقوم والنس؛ ويتجمعون أولياء ‪ -‬بالعقيدة وحدها ‪ -‬وال من ورائهم ول‬
‫الميع ‪:‬‬
‫{ إن أول الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ‪ ،‬وهذا النب ‪ ،‬والذين آمنوا ‪ .‬وال ول الؤمني }‬
‫‪..‬‬
‫فالذين اتبعوا إبراهيم ‪ -‬ف حياته ‪ -‬وساروا على منهجه ‪ ،‬واحتكموا إل سنته هم أولياؤه‬
‫‪ .‬ث هذا النب الذي يلتقي معه ف السلم بشهادة ال أصدق الشاهدين ‪ .‬ث الذين آمنوا‬

‫‪43‬‬
‫بذا النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فالتقوا مع إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬ف النهج والطريق‬
‫‪.‬‬

‫{ وال ول الؤمني } ‪. .‬‬


‫فهم حزبه الذين ينتمون إليه ‪ ،‬ويستظلون برايته ‪ ،‬ويتولونه ول يتولون أحدا غيه ‪ .‬وهم‬
‫أسرة واحدة ‪ .‬وأمة واحدة ‪ .‬من وراء الجيال والقرون ‪ ،‬ومن وراء الكان والوطان؛‬
‫ومن وراء القوميات والجناس ‪ ،‬ومن وراء الرومات والبيوت!‬
‫وهذه الصورة هي أرقى صورة للتجمع النسان تليق بالكائن النسان ‪ .‬وتيزه من‬
‫القطيع! كما أنا هي الصورة الوحيدة الت تسمح بالتجمع بل قيود ‪ .‬لن القيد الواحد‬
‫فيها اختياري يكن لكل من يشاء أن يفكه عن نفسه بإرادته الذاتية ‪ .‬فهو عقيدة يتارها‬
‫بنفسه فينتهي المر ‪ . .‬على حي ل يلك الفرد أن يغي جنسه ‪ -‬إن كانت رابطة التجمع‬
‫هي النس ‪ -‬ول يلك أن يغي قومه ‪ -‬إن كانت رابطة التجمع هي القوم ‪ -‬ول يلك أن‬
‫يغي لونه ‪ -‬إن كانت رابطة التجمع هي اللون ‪ -‬ول يلك بيسر أن يغي لغته إن كانت‬
‫رابطة التجمع هي اللغة ‪ -‬ول يلك بيسر أن يغي طبقته ‪ -‬إن كانت رابطة التجمع هي‬
‫الطبقة ‪ -‬بل قد ل يستطيع أن يغيها أصل إن كانت الطبقات وراثة كما ف الند مثلً ‪.‬‬
‫ومن ث تبقى الواجز قائمة أبدا دون التجمع النسان ‪ ،‬ما ل ترد إل رابطة الفكرة‬
‫والعقيدة والتصور ‪.‬‬
‫المر التروك للقتناع الفردي ‪ ،‬والذي يلك الفرد بذاته ‪ ،‬بدون تغيي أصله أو لونه أو‬
‫لغته أو طبقته أن يتاره ‪ ،‬وأن ينضم إل الصف على أساسه ‪.‬‬
‫وذلك فوق ما فيه من تكري للنسان ‪ ،‬بعل رابطة تمعه مسألة تتعلق بأكرم عناصره ‪،‬‬
‫الميزة له من القطيع!‬
‫والبشرية إما أن تعيش ‪ -‬كما يريدها السلم ‪ -‬أناسيّ تتجمع على زاد الروح وسة‬
‫القلب وعلمة الشعور ‪ . .‬وإما أن تعيش قطعانا خلف سياج الدود الرضية ‪ ،‬أو حدود‬
‫النس واللون ‪ . .‬وكلها حدود ما يقام للماشية ف الرعى كي ل يتلط قطيع بقطيع!!!‬
‫ث يكشف للجماعة السلمة عما يريده با أهل الكتاب من وراء كل جدال وكل مراء ‪.‬‬
‫ويواجه أهل الكتاب بألعيبهم وكيدهم وتدبيهم على مرأى ومسمع من الماعة السلمة‬

‫‪44‬‬
‫أيضا ‪ .‬وهو يزق عنهم الردية الت يتخفون تتها ‪ ،‬فيقفهم أمام الماعة السلمة عراة‬
‫مفضوحي ‪:‬‬
‫{ ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم ‪ .‬وما يضلون إل أنفسهم وما يشعرون ‪ .‬يا‬
‫أهل الكتاب ل تكفرون بآيات ال وأنتم تشهدون؟ يا أهل الكتاب ل تلبسون الق‬
‫بالباطل وتكتمون الق وأنتم تعلمون؟ وقالت طائفة من أهل الكتاب ‪ :‬آمنوا بالذي أنزل‬
‫على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ‪ .‬ول تؤمنوا إل لن تبع دينكم‬
‫‪ -‬قل ‪ :‬إن الدى هدى ال ‪ -‬أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو ياجوكم عند ربكم ‪ -‬قل‬
‫‪ :‬إن الفضل بيد ال يؤتيه من يشاء ‪ ،‬وال واسع عليم ‪ .‬يتص برحته من يشاء ‪ ،‬وال ذو‬
‫الفضل العظيم } ‪.‬‬
‫إن الحنة الت يكنها أهل الكتاب للجماعة السلمة هي الحنة التعلقة بالعقيدة ‪ .‬إنم‬
‫يكرهون لذه المة أن تتدي ‪ .‬يكرهون لا أن تفيء إل عقيدتا الاصة ف قوة وثقة‬
‫ويقي ‪ .‬ومن ث يرصدون جهودهم كلها لضللا عن هذا النهج ‪ ،‬واللواء با عن هذا‬
‫الطريق ‪:‬‬
‫{ ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم } ‪. .‬‬
‫فهو ود النفس ورغبة القلب والشهوة الت تفو إليها الهواء من وراء كل كيد ‪ ،‬وكل‬
‫دس ‪ ،‬وكل مراء ‪ ،‬وكل جدال ‪ ،‬وكل تلبيس ‪.‬‬
‫وهذه الرغبة القائمة على الوى والقد والشر ‪ ،‬ضلل ل شك فيه ‪ .‬فما تنبعث مثل هذه‬
‫الرغبة الشريرة الثة عن خي ول عن هدى ‪ .‬فهم يوقعون أنفسهم ف الضللة ف اللحظة‬
‫الت يودون فيها إضلل السلمي ‪ .‬فما يب إضلل الهتدين إل ضال يهيم ف الضلل‬
‫البهيم ‪:‬‬
‫{ وما يضلون إل أنفسهم ‪ .‬وما يشعرون } ‪. .‬‬
‫والسلمون مكفيون أمر أعدائهم هؤلء ما استقاموا على إسلمهم وما لم عليهم من سبيل‬
‫‪ .‬وال سبحانه يتعهد لم أل يصيبهم كيد الكائدين ‪ ،‬وأن يرتد عليهم كيدهم ما بقي‬
‫السلمون مسلمي ‪.‬‬
‫هنا يقرع أهل الكتاب بقيقة موقفهم الريب العيب ‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫{ يا أهل الكتاب ل تكفرون بآيات ال وأنتم تشهدون؟ يا أهل الكتاب ل تلبسون الق‬
‫بالباطل وتكتمون الق وأنتم تعلمون؟ } ‪.‬‬
‫ولقد كان أهل الكتاب وقتها ‪ -‬وما يزالون حت اليوم ‪ -‬يشهدون الق واضحا ف هذا‬
‫الدين ‪ .‬سواء منهم الطلعون على حقيقة ما جاء ف كتبهم عنه من بشارات وإشارات ‪-‬‬
‫وكان بعضهم يصرح با يد من هذا كله وبعضهم يسلم بناء على هذا الذي يده ف كتبه‬
‫ويشهده متحققا أمامه ‪ -‬وسواء كذلك غي الطلعي ‪ ،‬ولكنهم يدون ف السلم من‬
‫الق الواضح ما يدعو إل اليان ‪ . .‬غي أنم يكفرون ‪ . .‬ل لنقص ف الدليل ‪ .‬ولكن‬
‫للهوى والصلحة والتضليل ‪ . .‬والقرآن يناديهم ‪ { :‬يا أهل الكتاب } ‪ . .‬لنا الصفة‬
‫الت كان من شأنا أن تقودهم إل آيات ال وكتابه الديد ‪.‬‬
‫كذلك يناديهم مرة أخرى ليفضح ما يقومون به من لبس الق بالباطل لخفائه وكتمانه‬
‫وتضييعه ف غمار الباطل ‪ ،‬على علم وعن عمد وف قصد ‪ . .‬وهو أمر مستنكر قبيح!‬
‫وهذا الذي ندد ال به ‪ -‬سبحانه ‪ -‬من أعمال أهل الكتاب حينذاك ‪ ،‬هو المر الذي‬
‫درجوا عليه من وقتها حت اللحظة الاضرة ‪ . .‬فهذا طريقهم على مدار التاريخ ‪. .‬‬
‫اليهود بدأوا منذ اللحظة الول ‪ .‬ث تابعهم الصليبيون!‬
‫وف خلل القرون التطاولة دسوا ‪ -‬مع السف ‪ -‬ف التراث السلمي ما ل سبيل إل‬
‫كشفه إل بهد القرون! ولبسوا الق بالباطل ف هذا التراث كله ‪ -‬اللهم إل هذا الكتاب‬
‫الحفوظ الذي تكفل ال بفظه أبد البدين ‪ -‬والمد ل على فضله العظيم ‪.‬‬
‫دسوا ولبسوا ف التاريخ السلمي وأحداثه ورجاله ‪ .‬ودسوا ولبسوا ف الديث النبوي‬
‫حت قيض ال له رجاله الذين حققوه وحرروه إل ما ند عن الهد النسان الحدود ‪.‬‬
‫ودسوا ولبسوا ف التفسي القرآن حت تركوه تيها ل يكاد الباحث يفيء فيه إل معال‬
‫الطريق ‪ .‬ودسوا ولبسوا ف الرجال أيضا ‪ .‬فالئات واللوف كانوا دسيسة على التراث‬
‫السلمي ‪ -‬وما يزالون ف صورة الستشرقي وتلميذ الستشرقي الذين يشغلون مناصب‬
‫القيادة الفكرية اليوم ف البلد الت يقول أهلها ‪ :‬إنم مسلمون ‪ .‬والعشرات من‬
‫الشخصيات الدسوسة على المة السلمة ف صورة أبطال مصنوعي على عي الصهيونية‬

‫‪46‬‬
‫والصليبية ‪ ،‬ليؤدوا لعداء السلم من الدمات ما ل يلك هؤلء العداء أن يؤدوه‬
‫ظاهرين!‬
‫وما يزال هذا الكيد قائما ومطردا ‪ .‬وما تزال مثابة المان والنجاة منه هي اللياذ بذا‬
‫الكتاب الحفوظ؛ والعودة إليه لستشارته ف العركة الناشبة طوال هذه القرون ‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا ‪ ،‬يبي لكم كثيا ما كنتم تفون من الكتاب ويعفو‬
‫عن كثي } ‪. .‬‬
‫فهو رسول ال إليكم ‪ .‬ودوره معكم أن يبي لكم ويوضح ويكشف ‪ ،‬ما تواطأت على‬
‫إخفائه من حقائق كتاب ال الذي معكم ‪ . .‬سواء ف ذلك اليهود والنصارى ‪ . .‬وقد‬
‫أخفى النصارى الساس الول للدين ‪ . .‬التوحيد ‪ . .‬وأخفى اليهود كثيا من أحكام‬
‫الشريعة؛ كرجم الزان ‪ ،‬وتري الربا كافة ‪ .‬كما أخفوا جيعا خب بعثة النب المي‬
‫{ الذي يدونه مكتوبا عندهم ف التوراة والنيل } كما أنه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫يعفو عن كثي ما أخفوه أو حرفوه؛ ما ل يرد به شرعه ‪ .‬فقد نسخ ال من أحكام الكتب‬
‫والشرائع السابقة ما ل يعد له عمل ف الجتمع النسان ‪ ،‬ما كانت له وظيفة وقتية ف‬
‫الجتمعات الصغية الاصة ‪ ،‬الت بعث إليها الرسل من قبل ولفترة مدودة ‪ -‬ف علم ال‬
‫‪ -‬من الزمان ‪ ،‬قبل أن تيء الرسالة الشاملة الدائمة ‪ ،‬وتستقر ‪ -‬وقد أكملها ال وأت با‬
‫نعمته ورضيها للناس دينا ‪ -‬فلم يعد فيها نسخ ول تبديل ول تعديل ‪.‬‬
‫ويبي لم طبيعة ما جاء به هذا الرسول ‪ ،‬ووظيفته ف الياة البشرية ‪ ،‬وما قدر ال من أثره‬
‫ف حياة الناس ‪.‬‬
‫{ قد جاءكم من ال نور وكتاب مبي ‪ .‬يهدي به ال من اتبع رضوانه سبل السلم ‪.‬‬
‫ويرجهم من الظلمات إل النور بإذنه ‪ ،‬ويهديهم إل صراط مستقيم } ‪. .‬‬
‫وليس أدق ول أصدق ول أدل على طبيعة هذا الكتاب ‪ . .‬القرآن ‪ . .‬وعلى طبيعة هذا‬
‫النهج ‪.‬‬
‫‪ .‬السلم ‪ . .‬من أنه { نور } ‪. .‬‬

‫‪47‬‬
‫إنا حقيقة يدها الؤمن ف قلبه وف كيانه وف حياته وف رؤيته وتقديره للشياء‬
‫والحداث والشخاص ‪ . .‬يدها بجرد أن يد حقيقة اليان ف قلبه ‪ { . .‬نور } نور‬
‫تشرق به كينونته فتشف وتف وترف ‪ .‬ويشرق به كل شيء أمامه فيتضح ويتكشف‬
‫ويستقيم ‪.‬‬
‫ثقلة الطي ف كيانه ‪ ،‬وظلمة التراب ‪ ،‬وكثافة اللحم والدم ‪ ،‬وعرامة الشهوة والنوة ‪. .‬‬
‫كل أولئك يشرق ويضيء ويتجلى ‪ . .‬تف الثقلة ‪ ،‬وتشرق الظلمة ‪ ،‬وترق الكثافة ‪،‬‬
‫وترف العرامة ‪. .‬‬
‫واللبس والغبش ف الرؤية ‪ ،‬والتأرجح والتردد ف الطوة ‪ ،‬والية والشرود ف التاه‬
‫والطريق البهيم الذي ل معال فيه ‪ . .‬كل أولئك يشرق ويضيء ويتجلى ‪ . .‬يتضح الدف‬
‫ويستقيم الطريق إليه وتستقيم النفس على الطريق ‪. .‬‬
‫{ نور ‪ .‬وكتاب مبي } ‪ . .‬وصفان للشيء الواحد ‪ . .‬لذا الذي جاء به الرسول الكري‬
‫‪..‬‬
‫{ يهدي به ال ‪ -‬من اتبع رضوانه ‪ -‬سبل السلم ‪ .‬ويرجهم من الظلمات إل النور‬
‫بإذنه ‪ ،‬ويهديهم إل صراط مستقيم } ‪.‬‬
‫لقد رضي ال السلم دينا ‪ . .‬وهو يهدي من يتبع رضوانه هذا ويرتضيه لنفسه كما‬
‫رضيه ال له ‪ . .‬يهديه ‪ { . .‬سبل السلم } ‪. .‬‬
‫وما أدق هذا التعبي وأصدقه؛ إنه { السلم } هو ما يسكبه هذا الدين ف الياة كلها ‪. .‬‬
‫سلم الفرد ‪ .‬وسلم الماعة ‪ .‬وسلم العال ‪ . .‬سلم الضمي ‪ ،‬وسلم العقل ‪ ،‬وسلم‬
‫الوارح ‪ . .‬سلم البيت والسرة ‪ ،‬وسلم الجتمع والمة ‪ ،‬وسلم البشر والنسانية ‪. .‬‬
‫السلم مع الياة ‪ .‬والسلم مع الكون ‪ .‬والسلم مع ال رب الكون والياة ‪ . .‬السلم‬
‫الذي ل تده البشرية ‪ -‬ول تده يوما ‪ -‬إل ف هذا الدين؛ وإل ف منهجه ونظامه‬
‫وشريعته ‪ ،‬ومتمعه الذي يقوم على عقيدته وشريعته ‪.‬‬
‫حقا إن ال يهدي بذا الدين الذي رضيه ‪ ،‬من يتبع رضوان ال ‪ { ،‬سبل السلم } ‪. .‬‬
‫سبل السلم كلها ف هذه الوانب جيعها ‪ . .‬ول يدرك عمق هذه القيقة كما يدركها‬
‫من ذاق سبل الرب ف الاهليات القدية أو الديثة ‪ . .‬ول يدرك عمق هذه القيقة كما‬

‫‪48‬‬
‫يدركها من ذاق حرب القلق الناشئ من عقائد الاهلية ف أعماق الضمي ‪ .‬وحرب القلق‬
‫الناشئ من شرائع الاهلية وأنظمتها وتبطها ف أوضاع الياة ‪.‬‬
‫وقد كان الخاطبون بذه الكلمات أول مرة يعرفون من تربتهم ف الاهلية معن هذا‬
‫السلم ‪ .‬إذ كانوا يذوقونه مذاقا شخصيا؛ ويلتذون هذا الذاق الريح ‪. .‬‬
‫وما أحوجنا نن الن أن ندرك هذه القيقة؛ والاهلية من حولنا ومن بيننا تذيق البشرية‬
‫الويلت ‪ . .‬من كل ألوان الرب ف الضمائر والجتمعات قرونا بعد قرون!‬
‫ما أحوجنا نن الذين عشنا ف هذا السلم فترة من تارينا؛ ث خرجنا من السلم إل‬
‫الرب الت تطم أرواحنا وقلوبنا ‪ ،‬وتطم أخلقنا وسلوكنا ‪ ،‬وتطم متمعاتنا وشعوبنا ‪.‬‬
‫‪ .‬بينما نلك الدخول ف السلم الت منحها ال لنا؛ حي نتبع رضوانه؛ ونرضى لنفسنا ما‬
‫رضيه ال لنا!‬
‫إننا نعان من ويلت الاهلية؛ والسلم منا قريب ‪ .‬ونعان من حرب الاهلية وسلم‬
‫السلم ف متناول أيدينا لو نشاء ‪.‬‬
‫فأية صفقة خاسرة هذه الت نستبدل فيها الذي هو أدن بالذي هو خي؟ ونشتري فيها‬
‫الضللة بالدى؟ ونؤثر فيها الرب على السلم؟‬
‫إننا نلك إنقاذ البشرية من ويلت الاهلية وحربا الشبوبة ف شت الصور واللوان ‪.‬‬
‫ولكننا ل نلك إنقاذ البشرية ‪ ،‬قبل أن ننقذ نن أنفسنا ‪ ،‬وقبل أن نفيء إل ظلل‬
‫السلم ‪ ،‬حي نفيء إل رضوان ال ونتبع ما ارتضاه ‪ .‬فنكون من هؤلء الذين يقول ال‬
‫عنهم إنه يهديهم سبل السلم ‪.‬‬
‫{ ويرجهم من الظلمات إل النور بإذنه } ‪. .‬‬
‫والاهلية كلها ظلمات ‪ . .‬ظلمة الشبهات والرافات والساطي والتصورات ‪ .‬وظلمة‬
‫الشهوات والنعات والندفاعات ف التيه ‪ .‬وظلمة الية والقلق والنقطاع عن الدى‬
‫والوحشة من الناب المن الأنوس ‪ .‬وظلمة اضطراب القيم وتلخل الحكام والقيم‬
‫والوازين ‪ .‬والنور هو النور ‪ . .‬هو ذلك النور الذي تدثنا عنه آنفا ف الضمي وف العقل‬
‫وف الكيان وف الياة وف المور ‪. .‬‬
‫{ ويهديهم إل صراط مستقيم } ‪. .‬‬

‫‪49‬‬
‫مستقيم مع فطرة النفس ونواميسها الت تكمها ‪ .‬مستقيم مع فطرة الكون ونواميسه الت‬
‫تصرفه ‪ .‬مستقيم إل ال ل يلتوي ول تلتبس فيه القائق والتاهات والغايات ‪. .‬‬
‫إن ال الذي خلق النسان وفطرته؛ وخلق الكون ونواميسه؛ هو الذي وضع للنسان هذا‬
‫النهج؛ وهو الذي رضي للمؤمني هذا الدين ‪ .‬فطبيعي وبديهي أن يهديهم هذا النهج إل‬
‫الصراط الستقيم ‪ .‬حيث ل يهديهم منهج غيه من صنع البشر العاجزين الهال الفاني!‬
‫وصدق ال العظيم ‪ .‬الغن عن العالي ‪ .‬الذي ل يناله من هداهم أو ضللم شيء ولكنه‬
‫بم رحيم!‬
‫ذلك هو الصراط الستقيم ‪ .‬فأما القول بأن ال هو السيح بن مري فهو الكفر؛ وأما القول‬
‫بأن اليهود والنصارى هم أبناء ال وأحباؤه ‪ ،‬فهو الفتراء الذي ل يستند إل دليل ‪. .‬‬
‫وهذا وذلك من مقولت أهل الكتاب ‪ ،‬الت تفي نصاعة التوحيد؛ والت جاءهم الرسول‬
‫الخي ليكشف عن القيقة فيها ‪ ،‬ويرد الشاردين النحرفي عن هذه القيقة إليها ‪:‬‬
‫{ لقد كفر الذين قالوا ‪ :‬إن ال هو السيح بن مري ‪ .‬قل ‪ :‬فمن يلك من ال شيئا إن أراد‬
‫أن يهلك السيح ابن مري وأمه ومن ف الرض جيعا؟ ول ملك السماوات والرض وما‬
‫بينهما ‪ ،‬يلق ما يشاء وال على كل شيء قدير } ‪. .‬‬
‫إن الذي جاء به عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬من عند ربه هو التوحيد الذي جاء به كل‬
‫رسول ‪.‬‬
‫والقرار بالعبودية الالصة ل شأن كل رسول ‪ . .‬ولكن هذه العقيدة الناصعة أدخلت‬
‫عليها التحريفات؛ بسبب دخول الوثنيي ف النصرانية؛ وحرصهم على رواسب الوثنية الت‬
‫جاءوا با ومزجها بعقيدة التوحيد ‪ ،‬حت ل يعد هناك إمكان لفصلها وفرزها وتنقية‬
‫جوهر العقيدة منها ‪.‬‬
‫ول تئ هذه النرافات كلها دفعة واحدة؛ ولكنها دخلت على فترات؛ وأضافتها الجامع‬
‫واحدة بعد الخرى؛ حت انتهت إل هذا الليط العجيب من التصورات والساطي ‪،‬‬
‫الذي تار فيه العقول ‪.‬‬
‫حت عقول الشارحي للعقيدة الحرفة من أهلها الؤمني با!‬

‫‪50‬‬
‫وقد عاشت عقيدة التوحيد بعد السيح ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬ف تلمذته وف أتباعهم ‪ .‬وأحد‬
‫الناجيل الكثية الت كتبت ‪ -‬وهو إنيل برنابا ‪ -‬يتحدث عن عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬
‫بوصفه رسولً من عند ال ‪ .‬ث وقعت بينهم الختلفات ‪ .‬فمن قائل ‪ :‬إن السيح رسول‬
‫من عند ال كسائر الرسل ‪ .‬ومن قائل ‪ :‬إنه رسول نعم ولكن له بال صلة خاصة ‪ .‬ومن‬
‫قائل ‪ :‬إنه ابن ال لنه خلق من غي أب ‪ ،‬ولكنه على هذا ملوق ل ‪ .‬ومن قائل ‪ :‬إنه ابن‬
‫ال وليس ملوقا بل له صفة القدم كالب ‪. .‬‬
‫ولتصفية هذه اللفات اجتمع ف عام ‪ 325‬ميلدية « ممع نيقية » الذي اجتمع فيه‬
‫ثانية وأربعون ألفا من البطارقة والساقفة ‪ .‬قال عنهم ابن البطريق أحد مؤرخي النصرانية‬
‫‪:‬‬
‫« وكانوا متلفي ف الراء والديان ‪ .‬فمنهم من كان يقول ‪ :‬إن السيح وأمه إلان من‬
‫دون ال ‪ .‬وهم » الببرانية « ‪ . .‬ويسمون ‪ » :‬الريتيي « ‪ .‬ومنهم من كان يقول ‪ :‬إن‬
‫السيح من الب بنلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار ‪ ،‬فلم تنقص الول بانفصال الثانية‬
‫منها ‪ .‬وهي مقالة » سابليوس « وشيعته ‪ .‬ومنهم من كان يقول ‪ :‬ل تبل به مري تسعة‬
‫أشهر ‪ ،‬وإنا مر ف بطنها كما ير الاء ف اليزاب ‪ ،‬لن الكلمة دخلت ف أذنا ‪،‬‬
‫وخرجت من حيث يرج الولد من ساعتها ‪ .‬وهي مقالة » إليان « وأشياعه ‪ .‬ومنهم من‬
‫كان يقول ‪ :‬إن السيح إنسان خلق من اللهوت كواحد منا ف جوهره ‪ ،‬وإن ابتداء البن‬
‫من مري ‪ ،‬وإنه اصطفي ليكون ملصا للجوهر النسي ‪ ،‬صحبته النعمة اللية ‪ ،‬وحلت‬
‫فيه بالحبة والشيئة ‪ ،‬ولذلك سي » ابن ال « ويقولون ‪ :‬إن ال جوهر قدي واحد ‪،‬‬
‫وأقنوم واحد ‪ ،‬ويسمونه بثلثة أساء ‪ ،‬ول يؤمنون بالكلمة ‪ ،‬ول بروح القدس ‪ .‬وهي‬
‫مقالة » بولس الشمشاطي « بطريرك أنطاكية وأشياعه وهم » البوليقانيون « ‪ .‬ومنهم من‬
‫كان يقول ‪ :‬إنم ثلثة آلة ل تزل ‪ :‬صال ‪ ،‬وطال ‪ ،‬وعدل بينهما ‪ .‬وهي مقالة »‬
‫مرقيون « اللعي وأصحابه! وزعموا أن » مرقيون « هو رئيس الواريي وأنكروا »‬
‫بطرس « ‪ .‬ومنهم من كانوا يقولون بألوهية السيح ‪ .‬وهي مقالة » بولس الرسول «‬
‫ومقالة الثلثائة وثانية عشر أسقفا ‪. .‬‬

‫‪51‬‬
‫وقد اختار المباطور الرومان » قسطنطي « الذي كان قد دخل ف النصرانية من الوثنية‬
‫ول يكن يدري شيئا من النصرانية! هذا الرأي الخي وسلط أصحابه على مالفيهم ‪،‬‬
‫وشرد أصحاب سائر الذاهب؛ وباصة القائلي بألوهية الب وحده ‪ ،‬وناسوتية السيح ‪.‬‬
‫وقد ذكر صاحب كتاب تاريخ المة القبطية عن هذا القرار ما نصه ‪:‬‬
‫» إن الامعة القدسة والكنيسة الرسولية ترم كل قائل بوجود زمن ل يكن ابن ال‬
‫موجودا فيه ‪.‬‬
‫وأنه ل يوجد قبل أن يولد ‪ .‬وأنه وجد من ل شيء ‪ .‬أو من يقول ‪ :‬إن البن وجد من‬
‫مادة أو جوهر غي جوهر ال الب ‪ .‬وكل من يؤمن أنه خلق ‪ ،‬أو من يقول ‪ :‬إنه قابل‬
‫للتغيي ‪ ،‬ويعتريه ظل دوران « ‪.‬‬
‫ولكن هذا الجمع بقراراته ل يقض على نلة الوحدين أتباع » آريوس « وقد غلبت على‬
‫القسطنطينية ‪ ،‬وأنطاكية ‪ ،‬وبابل ‪ ،‬والسكندرية ‪ ،‬ومصر ‪.‬‬
‫ث سار خلف جديد حول » روح القدس « فقال بعضهم ‪ :‬هو إله ‪ ،‬وقال آخرون ‪:‬‬
‫ليس بإله! فاجتمع » ممع القسطنطينية الول « سنة ‪ 381‬ليحسم اللف ف هذا المر‬
‫‪.‬‬
‫وقد نقل ابن البطريق ما تقرر ف هذا الجمع ‪ ،‬بناء على مقالة أسقف السكندرية ‪:‬‬
‫» قال ثيموثاوس بطريك السكندرية ‪ :‬ليس روح القدس عندنا بعن غي روح ال ‪.‬‬
‫وليس روح ال شيئا غي حياته ‪ .‬فإذا قلنا إن روح القدس ملوق ‪ ،‬فقد قلنا ‪ :‬إن روح ال‬
‫ملوق ‪ .‬وإذا قلنا ‪ :‬إن روح ال ملوق ‪ ،‬فقد قلنا ‪ :‬إن حياته ملوقة ‪ .‬وإذا قلنا ‪ :‬إن‬
‫حياته ملوقة ‪ ،‬فقد زعمنا أنه غي حي ‪ .‬وإذا زعمنا أنه غي حي فقد كفرنا به ‪ .‬ومن كفر‬
‫به وجب عليه اللعن «!!!‬
‫وكذلك تقررت ألوهية روح القدس ف هذا الجمع ‪ ،‬كما تقررت ألوهية السيح ف ممع‬
‫نيقية ‪ .‬وت » الثالوث « من الب ‪ .‬والبن ‪ .‬وروح القدس ‪. .‬‬
‫ث ثار خلف آخر حول اجتماع طبيعة السيح اللية وطبيعته النسانية ‪ . .‬أو اللهوت‬
‫والناسوت كما يقولون ‪ . .‬فقد رأى » نسطور « بطريرك القسطنطينية أن هناك أقنوما‬
‫وطبيعة ‪ .‬فأقنوم اللوهية من الب وتنسب إليه؛ وطبيعة النسان وقد ولدت من مري ‪،‬‬

‫‪52‬‬
‫فمري أم النسان ‪ -‬ف السيح ‪ -‬وليست أم الله! ويقول ف السيح الذي ظهر بي الناس‬
‫وخاطبهم ‪ -‬كما نقله عنه ابن البطريق ‪:‬‬
‫» إن هذا النسان الذي يقول ‪ :‬إنه السيح ‪ . .‬بالحبة متحد مع البن ‪ . .‬ويقال ‪ :‬إنه ال‬
‫وابن ال ‪ ،‬ليس بالقيقة ولكن بالوهبة « ‪. .‬‬
‫ث يقول ‪ » :‬إن نسطور ذهب إل أن ربنا يسوع السيح ل يكن إلا ف حد ذاته بل هو‬
‫إنسان ملوء من البكة والنعمة ‪ ،‬أو هو ملهم من ال ‪ ،‬فلم يرتكب خطيئة ‪ ،‬وما أتى أمرا‬
‫إدا « ‪.‬‬
‫وخالفه ف هذا الرأي أسقف رومه ‪ ،‬وبطريرك السكندرية ‪ ،‬وأساقفة أنطاكية ‪ ،‬فاتفقوا‬
‫على عقد ممع رابع ‪ .‬وانعقد » ممع أفسس « سنة ‪ 431‬ميلدية ‪ .‬وقرر هذا الجمع ‪-‬‬
‫كما يقول ابن البطريق ‪: -‬‬
‫» أن مري العذراء والدة ال ‪ .‬وأن السيح إله حق وإنسان ‪ ،‬معروف بطبيعتي ‪ ،‬متوحد ف‬
‫القنوم « ‪ . .‬ولعنوا نسطور!‬
‫ث خرجت كنيسة السكندرية برأي جديد ‪ ،‬انعقد له » ممع أفسس الثان « وقرر ‪:‬‬
‫» أن السيح طبيعة واحدة ‪ ،‬اجتمع فيها اللهوت بالناسوت « ‪.‬‬
‫ولكن هذا الرأي ل يسلم؛ واستمرت اللفات الادة؛ فاجتمع ممع « خلقيدونية » سنة‬
‫‪ 451‬وقرر ‪:‬‬
‫« أن السيح له طبيعتان ل طبيعة واحدة ‪ .‬وأن اللهوت طبيعة وحدها ‪ ،‬والناسوت طبيعه‬
‫وحدها ‪ ،‬التقتا ف السيح » ‪ . .‬ولعنوا ممع أفسس الثان!‬
‫ول يعترف الصريون بقرار هذا الجمع ‪ .‬ووقعت بي الذهب الصري « النوفيسية »‬
‫والذهب « اللوكان » الذي تبنته الدولة المباطورية ما وقع من اللفات الدامية ‪ ،‬الت‬
‫سبق أن أثبتنا فيها مقالة ‪ « :‬سي ‪ .‬ت ‪ .‬و ‪ .‬أرنولد » ف كتابه « الدعوة إل السلم »‬
‫ف مطالع تفسي سورة آل عمران ‪. .‬‬
‫ونكتفي بذا القدر ف تصوير ممل التصورات النحرفة حول ألوهية السيح؛ واللفات‬
‫الدامية والعداوة والبغضاء الت ثارت بسببها بي الطوائف ‪ ،‬وما تزال إل اليوم ثائرة ‪. .‬‬

‫‪53‬‬
‫وتيء الرسالة الخية لتقرر وجه الق ف هذا القضية؛ ولتقول كلمة الفصل؛ وييء‬
‫الرسول الخي ليبي لهل الكتاب حقيقة العقيدة الصحيحة ‪:‬‬
‫{ لقد كفر الذين قالوا ‪ :‬إن ال هو السيح بن مري } ‪ { . .‬لقد كفر الذين قالوا ‪ :‬إن‬
‫ال ثالث ثلثة } ( كما سيجيء ف السورة ) ‪.‬‬
‫ويثي فيهم منطق العقل والفطرة والواقع ‪:‬‬
‫{ قل ‪ :‬فمن يلك من ال شيئا إن أراد أن يهلك السيح بن مري ‪ ،‬وأمه ‪ ،‬ومن ف الرض‬
‫جيعا؟ } ‪.‬‬
‫فيفرق تفرقة مطلقة بي ذات ال سبحانه وطبيعته ومشيئته وسلطانه ‪ ،‬وبي ذات عيسى ‪-‬‬
‫عليه السلم ‪ -‬وذات أمه ‪ ،‬وكل ذات أخرى ‪ ،‬ف نصاعة قاطعة حاسة ‪ .‬فذات ال ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬واحدة ‪ .‬ومشيئته طليقة ‪ ،‬وسلطانه متفرد ‪ ،‬ول يلك أحد شيئا ف رد مشيئته‬
‫أو دفع سلطانه إن أراد أن يهلك السيح ابن مري وأمه ومن ف الرض جيعا ‪. .‬‬
‫وهو ‪ -‬سبحانه ‪ -‬مالك كل شيء ‪ ،‬وخالق كل شيء ‪ ،‬والالق غي الخلوق ‪ .‬وكل‬
‫شيء ملوق ‪:‬‬
‫{ ول ملك السماوات والرض وما بينهما ‪ ،‬يلق ما يشاء ‪ ،‬وال على كل شيء قدير }‬
‫‪..‬‬
‫وكذلك تتجلى نصاعة العقيدة السلمية ‪ ،‬ووضوحها وبساطتها ‪ . .‬وتزيد جلء أمام‬
‫ذلك الركام من النرافات والتصورات والساطي والوثنيات التلبسة بعقائد فريق من أهل‬
‫الكتاب وتبز الاصية الول للعقيدة السلمية ‪ .‬ف تقرير حقيقة اللوهية ‪ ،‬وحقيقة‬
‫العبودية ‪ ،‬والفصل التام الاسم بي القيقتي ‪ .‬بل غبش ول شبهة ول غموض ‪. .‬‬
‫واليهود والنصارى يقولون ‪ :‬إنم أبناء ال وأحباؤه ‪:‬‬
‫{ وقالت اليهود والنصارى ‪ :‬نن أبناء ال وأحباؤه } ‪. .‬‬
‫فزعموا ل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أبوة ‪ ،‬على تصور من التصورات ‪ ،‬إل تكن أبوة السد فهي أبوة‬
‫الروح ‪ .‬وهي أيا كانت تلقي ظلً على عقيدة التوحيد؛ وعلى الفصل الاسم بي اللوهية‬
‫والعبودية ‪ .‬هذا الفصل الذي ل يستقيم التصور ‪ ،‬ول تستقيم الياة ‪ ،‬إل بتقريره ‪ .‬كي‬
‫تتوحد الهة الت يتوجه إليها العباد كلهم بالعبودية؛ وتتوحد الهة الت تشرع للناس؛‬

‫‪54‬‬
‫وتضع لم القيم والوازين والشرائع والقواني ‪ ،‬والنظم والوضاع ‪ ،‬دون أن تتداخل‬
‫الختصاصات ‪ ،‬بتداخل الصفات والصائص ‪ ،‬وتداخل اللوهية والعبودية ‪.‬‬
‫فالسألة ليست مسألة انراف عقيدي فحسب ‪ ،‬إنا هي كذلك فساد الياة كلها بناء‬
‫على هذا النراف!‬
‫واليهود والنصارى بادعائهم أنم أبناء ال وأحباؤه ‪ ،‬كانوا يقولون ‪ -‬تبعا لذا ‪ -‬إن ال‬
‫لن يعذبم بذنوبم! وإنم لن يدخلوا النار ‪ -‬إذا دخلوا ‪ -‬إل أياما معدودات ‪ .‬ومعن هذا‬
‫أن عدل ال ل يري مراه! وأنه سبحانه ‪ -‬ياب فريقا من عباده ‪ ،‬فيدعهم يفسدون ف‬
‫الرض ث ل يعذبم عذاب الفسدين الخرين! فأي فساد ف الياة يكن أن ينشأ عن مثل‬
‫هذا التصور؟ وأي اضطراب ف الياة يكن أن ينشئه مثل هذا النراف؟‬
‫وهنا يضرب السلم ضربته الاسة على هذا الفساد ف التصور ‪ ،‬وكل ما يكن أن ينشئه‬
‫من الفساد ف الياة ‪ ،‬ويقرر عدل ال الذي ل ياب؛ كما يقرر بطلن ذلك الدعاء ‪:‬‬
‫{ قل ‪ :‬فلم يعذبكم بذنوبكم؟ بل أنتم بشر من خلق ‪ ،‬يغفر لن يشاء ويعذب من‬
‫يشاء } ‪. .‬‬
‫بذلك يقرر القيقة الاسة ف عقيدة اليان ‪ .‬يقرر بطلن ادعاء البنوة؛ فهم بشر من خلق‬
‫‪ .‬ويقرر عدل ال وقيام الغفرة والعذاب عنده على أصلها الواحد ‪ .‬على مشيئته الت تقرر‬
‫الغفران بأسبابه وتقرر العذاب بأسبابه ‪ .‬ل بسبب بنوة أو صلة شخصية!‬
‫ث يكرر أن ال هو الالك لكل شيء ‪ ،‬وأن مصي كل شيء إليه ‪:‬‬
‫{ ول ملك السماوات والرض وما بينهما وإليه الصي } ‪. .‬‬
‫والالك غي الملوك ‪ .‬تتفرد ذاته ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وتتفرد مشيئته ‪ ،‬ويصي إليه الميع ‪. .‬‬
‫وينهي هذا البيان ‪ ،‬بتكرار النداء الوجه إل أهل الكتاب ‪ ،‬يقطع به حجتهم ومعذرتم‬
‫ويقفهم أمام « الصي » وجها لوجه ‪ ،‬بل غبش ول عذر ‪ ،‬ول غموض ‪:‬‬
‫{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبي لكم على فترة من الرسل ‪ . .‬أن تقولوا ما‬
‫جاءنا من بشي ول نذير ‪ . .‬فقد جاءكم بشي ونذير ‪ .‬وال على كل شيء قدير } ‪. .‬‬
‫وبذه الواجهة الاسة ‪ ،‬ل تعود لهل الكتاب جيعا حجة من الجج ‪ . .‬ل تعود لم‬
‫حجة ف أن هذا الرسول المي ل يرسل إليهم ‪ .‬فال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يقول ‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا } ‪. .‬‬
‫ول تعود لم حجة ف أنم ل ينبهوا ول يبشروا ول ينذروا ف مدى طويل؛ يقع فيه‬
‫النسيان ويقع فيه النراف ‪ . .‬فقد جاءهم ‪ -‬الن ‪ -‬بشي ونذير ‪. .‬‬
‫ث يذكرهم أن ال ل يعجزه شيء ‪ . .‬ل يعجزه أن يرسل رسولً من الميي ‪ .‬ول يعجزه‬
‫كذلك أن يأخذ أهل الكتاب با يكسبون ‪:‬‬
‫{ وال على كل شيء قدير } ‪. .‬‬
‫وتنتهي هذه الولة مع أهل الكتاب؛ فتكشف انرافاتم عن دين ال الصحيح الذي‬
‫جاءتم به رسلهم من قبل ‪ .‬وتقرر حقيقة العتقاد الذي يرضاه ال من الؤمني ‪ .‬وتبطل‬
‫حجتهم ف موقفهم من النب المي؛ وتأخذ عليهم الطريق ف العتذار يوم الدين ‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫{ قل ‪ :‬يا أهل الكتاب ل تغلوا ف دينكم غي الق ‪ ،‬ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من‬
‫قبل ‪ ،‬وأضلوا كثيا ‪ .‬وضلوا عن سواء السبيل } ‪.‬‬
‫فمن الغلو ف تعظيم عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬جاءت كل النرافات ‪ .‬ومن أهواء الكام‬
‫الرومان الذين دخلوا النصرانية بوثنيتهم ‪ ،‬ومن أهواء الجامع التناحرة كذلك دخلت كل‬
‫تلك القولت على دين ال الذي أرسل به السيح ‪ ،‬فبلغه بأمانة الرسول ‪ ،‬وهو يقول لم‬
‫‪ { :‬يا بن إسرائيل اعبدوا ال رب وربكم ‪ .‬إنه من يشرك بال فقد حرم ال عليه النة ‪،‬‬
‫ومأواه النار ‪ ،‬وما للظالي من أنصار } ‪.‬‬
‫وهذا النداء الديد هو دعوة النقاذ الخية لهل الكتاب؛ ليخرجوا با من خضم‬
‫النرافات والختلفات والهواء والشهوات الذي خاض فيه أولئك الذين ضلوا من قبل‬
‫وأضلوا كثيا وضلوا عن سواء السبيل ‪. .‬‬
‫ونقف من هذا القطع الذي انتهى بذا النداء أمام ثلث حقائق كبية ‪ ،‬يسن اللام با ف‬
‫إجال ‪:‬‬
‫القيقة الول ‪ :‬هي حقيقة هذا الهد الكبي ‪ ،‬الذي يبذله النهج السلمي ‪ ،‬لتصحيح‬
‫التصور العتقادي ‪ ،‬وإقامته على قاعدة التوحيد الطلقة؛ وتنقيته من شوائب الوثنية‬

‫‪56‬‬
‫والشرك الت أفسدت عقائد أهل الكتاب ‪ ،‬وتعريف الناس بقيقة اللوهية؛ وإفراد ال ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬بصائصها ‪ ،‬وتريد البشر وسائر اللئق من هذه الصائص ‪. .‬‬
‫وهذا الهتمام البالغ بتصحيح التصور العتقادي ‪ ،‬وإقامته على قاعدة التوحيد الكامل‬
‫الاسم ‪ ،‬يدل على أهية هذا التصحيح ‪ .‬وأهية التصور العتقادي ف بناء الياة النسانية‬
‫وف صلحها ‪ ،‬كما يدل على اعتبار السلم للعقيدة بوصفها القاعدة والحور لكل نشاط‬
‫إنسان ‪ ،‬ولكل ارتباط إنسان كذلك ‪.‬‬
‫والقيقة الثانية ‪ :‬هي تصريح القرآن الكري بكفر الذين قالوا ‪ :‬إن ال هو السيح ابن مري؛‬
‫أو قالوا ‪ :‬إن ال ثالث ثلثة ‪ :‬فلم يعد لسلم ‪ -‬بعد قول ال سبحانه ‪ -‬قول ‪ .‬ول يعد‬
‫يق لسلم أن يعتب أن هؤلء على دين ال ‪ .‬وال سبحانه يقول ‪ :‬إنم كفروا بسبب هذه‬
‫القولت ‪.‬‬
‫وإذا كان السلم ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬ليكره أحدا على ترك ما هو عليه ما يعتقده لعتناق‬
‫السلم ‪ ،‬فهو ف الوقت ذاته ل يسمي ما عليه غي السلمي دينا يرضاه ال ‪ .‬بل يصرح‬
‫هنا بأنه كفر ولن يكون الكفر دينا يرضاه ال ‪.‬‬
‫والقيقية الثالثة ‪ :‬الترتبة على هاتي القيقتي ‪ ،‬أنه ل يكن قيام ولء وتناصر بي أحد من‬
‫أهل الكتاب هؤلء وبي السلم الذي يدين بوحدانية ال كما جاء با السلم ‪ ،‬ويعتقد‬
‫بأن السلم ف صورته الت جاء با ممد صلى ال عليه وسلم هو وحده « الدين » عند‬
‫ال ‪. .‬‬
‫ومن ث يصبح الكلم عن التناصر بي أهل « الديان » أمام اللاد كلما ل مفهوم له ف‬
‫اعتبار السلم! فمت اختلفت العتقدات على هذا النحو الفاصل ‪ ،‬ل يعد هناك مال‬
‫لللتقاء على ما سواها ‪ .‬فكل شيء ف الياة يقوم أولً على أساس العقيدة ‪ . .‬ف اعتبار‬
‫السلم ‪. .‬‬
‫وف النهاية ييء ذلك التقرير الشامل عن موقف أنبياء بن إسرائيل من كفار بن إسرائيل ‪،‬‬
‫على مدى التاريخ؛ مثلً ف موقف داود وموقف عيسى ‪ -‬عليهما السلم ‪ -‬وكلها لعن‬
‫كفار بن إسرائيل ‪ ،‬واستجاب ال له ‪ .‬بسبب عصيانم وعدوانم ‪ ،‬وبسبب انللم‬

‫‪57‬‬
‫الجتماعي ‪ ،‬وسكوتم على النكر يفشو فيهم فل يتناهون عنه؛ وبسبب توليهم الكافرين؛‬
‫فباءوا بالسخط واللعنة ‪ ،‬وكتب عليهم اللود ف العذاب ‪.‬‬
‫{ لعن الذين كفروا من بن إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مري ‪.‬‬
‫ذلك با عصوا وكانوا يعتدون ‪ .‬كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه ‪ .‬لبئس ما كانوا‬
‫يفعلون! ترى كثيا منهم يتولون الذين كفروا ‪ .‬لبئس ما قدمت لم أنفسهم ‪ :‬أن سخط‬
‫ال عليهم ‪ ،‬وف العذاب هم خالدون ‪ .‬ولو كانوا يؤمنون بال والنب وما انزل إليه ما‬
‫اتذوهم أولياء ‪ .‬ولكن كثيا منهم فاسقون } ‪. .‬‬
‫وهكذا يبدو أن تاريخ بن إسرائيل ف الكفر والعصية واللعنة عريق ‪ .‬وأن أنبياءهم الذين‬
‫أرسلوا لدايتهم وإنقاذهم ‪ ،‬هم ف النهاية الذين تولوا لعنتهم وطردهم من هداية ال؛‬
‫فسمع ال دعاءهم وكتب السخط واللعنة على بن إسرائيل ‪.‬‬
‫والذين كفروا من بن إسرائيل هم الذين حرفوا كتبهم النلة؛ وهم الذين ل يتحاكموا إل‬
‫شريعة ال ‪ -‬كما مر ف الواضع القرآنية التعددة ف هذه السورة وف السور غيها ‪ -‬وهم‬
‫الذين نقضوا عهد ال معهم لينصرنّ كل رسول ويعزرونه ويتبعونه ‪:‬‬
‫{ ذلك با عصوا وكانوا يعتدون } ‪. .‬‬
‫فهي العصية والعتداء؛ يتمثلن ف كل صورها العتقادية والسلوكية على السواء ‪ .‬وقد‬
‫حفل تاريخ بن إسرائيل بالعصية والعتداء ‪ . .‬كما فصل ال ف كتابه الكري ‪.‬‬
‫ول تكن العصية والعتداء أعمالً فردية ف متمع بن إسرائيل ‪ .‬ولكنها انتهت إل أن‬
‫تصبح طابع الماعة كلها؛ وأن يسكت عنها الجتمع ‪ .‬ول يقابلها بالتناهي والنكي ‪:‬‬
‫{ كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون! } ‪. .‬‬
‫إن العصيان والعدوان قد يقعان ف كل متمع من الشريرين الفسدين النحرفي ‪ .‬فالرض‬
‫ل تلو من الشر؛ والجتمع ل يلو من الشذوذ ‪ ،‬ولكن طبيعة الجتمع الصال ل تسمح‬
‫للشر والنكر أن يصبحا عرفا مصطلحا عليه؛ وأن يصبحا سهلً يترئ عليه كل من يهم‬
‫به ‪ . .‬وعندما يصبح فعل الشر أصعب من فعل الي ف متمع من الجتمعات؛ ويصبح‬
‫الزاء على الشرك رادعا وجاعيا تقف الماعة كلها دونه؛ وتوقع العقوبة الرادعة عليه ‪.‬‬
‫‪ .‬عندئذ ينوي الشر ‪ ،‬وتنحسر دوافعه ‪ .‬وعندئذ يتماسك الجتمع فل تنحل عراه ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫وعندئذ ينحصر الفساد ف أفراد أو مموعات يطاردها الجتمع ‪ ،‬ول يسمح لا بالسيطرة؛‬
‫وعندئذ ل تشيع الفاحشة ‪ .‬ول تصبح هي الطابع العام!‬
‫والنهج السلمي ‪ -‬بعرضه لذه الظاهرة ف الجتمع السرائيلي ‪ -‬ف صورة الكراهية‬
‫والتنديد ‪ ،‬يريد للجماعة السلمة أن يكون لا كيان حي متجمع صلب؛ يدفع كل بادرة‬
‫من بوادر العدوان والعصية ‪ ،‬قبل أن تصبح ظاهرة عامة؛ ويريد للمجتمع السلمي أن‬
‫يكون صلبا ف الق ‪ ،‬وحساسا تاه العتداء عليه؛ ويريد للقائمي على الدين أن يؤدوا‬
‫أمانتهم الت استحفظوا عليها ‪ ،‬فيقفوا ف وجه الشر والفساد والطغيان والعتداء ‪ . .‬ول‬
‫يافوا لومة لئم ‪ .‬سواء جاء هذا الشر من الكام التسلطي بالكم؛ أو الغنياء التسلطي‬
‫بالال؛ أو الشرار التسلطي بالذى؛ أو الماهي التسلطة بالوى ‪ .‬فمنهج ال هو منهج‬
‫ال ‪ ،‬والارجون عليه علو أم سفلوا سواء ‪.‬‬
‫والسلم يشدد ف الوفاء بذه المانة؛ فيجعل عقوبة الماعة عامة با يقع فيها من شر إذا‬
‫هي سكتت عليه؛ ويعل المانة ف عنق كل فرد ‪ ،‬بعد أن يضعها ف عنق الماعة عامة ‪.‬‬
‫روى المام أحد ‪ -‬بإسناده ‪ -‬عن عبدال بن مسعود ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال ممد صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ « :‬لا وقعت بنو إسرائيل ف العاصي نتهم علماؤهم فلم ينتهوا‬
‫فجالسوهم ف مالسهم ‪ ،‬وواكلوهم وشاربوهم ‪ .‬فضرب ال بعضهم ببعض ‪ .‬ولعنهم‬
‫على لسان داود وعيسى بن مري ‪ { . .‬ذلك با عصوا وكانوا يعتدون } وكان الرسول‬
‫ممد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬متكئا فجلس ‪ ،‬فقال ‪ :‬ول والذي نفسي بيده حت‬
‫تأطروهم على الق أطرا » ‪.‬‬
‫وروى أبو داود ‪ -‬بإسناده ‪ -‬عن عبدال بن مسعود قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ « -‬إن أول ما دخل النقص على بن إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل ‪،‬‬
‫فيقول ‪ :‬يا هذا اتق ال ودع ما تصنع فإنه ل يل لك ‪ .‬ث يلقاه من الغد ‪ ،‬فل ينعه ذلك‬
‫أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ‪ .‬فلما فعلوا ذلك ضرب ال قلوب بعضهم ببعض ث قال ‪:‬‬
‫» لعن الذين كفروا من بن إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مري « إل قوله‬
‫{ فاسقون } ث قال ‪ :‬كل وال لتأمرن بالعروف ولتنهون عن النكر ‪ ،‬ولتأخذن على يد‬
‫الظال ‪ ،‬ولتأطرنه على الق أطرا ‪ -‬أو تقصرنه على الق قصرا ‪» -‬‬

‫‪59‬‬
‫فليس هو مرد المر والنهي ‪ ،‬ث تنتهي السأله ‪ ،‬إنا هو الصرار ‪ ،‬والقاطعه ‪ ،‬والكف‬
‫بالقوة عن الشر والفساد والعصية والعتداء ‪.‬‬
‫وروى مسلم ‪ -‬بإسناده ‪ -‬عن أب سعيد الدري قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ « -‬من رأى منكم منكرا فليغيه بيده؛ فإن ل يستطع فبلسانه ‪ ،‬فإن ل يستطع‬
‫فبقلبه ‪ . .‬وذلك أضعف اليان » ‪.‬‬
‫وروى المام أحد ‪ -‬بإسناده ‪ -‬عن عدي بن عمية قال ‪ -‬سعت رسول ال ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪ « :‬إن ال ل يعذب العامة بعمل الاصة ‪ ،‬حت يروا النكر بي‬
‫ظهرانيهم ‪ -‬وهم قادرون على أن ينكروه ‪ -‬فل ينكرونه ‪ .‬فإذا فعلوا عذب ال العامة‬
‫والاصة » ‪.‬‬
‫وروى أبو داود والترمذي ‪ -‬بإسناده ‪ -‬عن أب سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ « : -‬أفضل الهاد كلمة حق عند إمام جائر » ‪.‬‬
‫وتتوارد النصوص القرآنية والنبوية تترى ف هذا العن؛ لن هذا التماسك ف كيان الماعة‬
‫بيث ل يقول أحد ‪ -‬فيها وهو يرى النكر يقع من غيه ‪ : -‬وأنا مال؟! وهذه المية‬
‫ضد الفساد ف الجتمع ‪ ،‬بيث ل يقول أحد ‪ -‬وهو يرى الفساد يسري ويشيع ‪ -‬وماذا‬
‫أصنع والتعرض للفساد يلحق ب الذى؟! وهذه الغية على حرمات ال ‪ ،‬والشعور‬
‫بالتكليف الباشر بصيانتها والدفع عنها للنجاة من ال ‪.‬‬
‫هذا كله هو قوام الماعة السلمة الذي ل قيام لا إل به ‪. .‬‬
‫وهذا كله ف حاجة إل اليان الصحيح بال؛ ومعرفة تكاليف هذا اليان ‪ .‬وإل الدراك‬
‫الصحيح لنهج ال؛ ومعرفة أنه يشمل كل جوانب الياة ‪ .‬وإل الد ف أخذ العقيدة بقوة‬
‫‪ ،‬والهد لقامة النهج الذي ينبثق منها ف حياة الجتمع كله ‪ . .‬فالجتمع السلم الذي‬
‫يستمد قانونه من شريعة ال؛ ويقيم حياته كلها على منهجه؛ هو الجتمع الذي يسمح‬
‫للمسلم أن يزاول حقيقة المر بالعروف والنهي عن النكر؛ بيث ل يصبح هذا عملً‬
‫فرديا ضائعا ف الضم؛ أو يعله غي مكن أصلً ف كثي من الحيان! كما هو الال ف‬
‫الجتمعات الاهلية القائمة اليوم ف أرجاء الرض؛ والت تقيم حياتا على تقاليد‬
‫ومصطلحات اجتماعية تسترذل تدخل أحد ف شأن أحد؛ وتعتب الفسق والفجور‬

‫‪60‬‬
‫والعصية « مسائل شخصية »! ليس لحد أن يتدخل ف شأنا ‪ . .‬كما تعل من الظلم‬
‫والبطش والعتداء والور سيفا مصلتا من الرهاب يلجم الفواه ‪ ،‬ويعقد اللسنة ‪،‬‬
‫وينكل بن يقول كلمة حق أو معروف ف وجه الطغيان ‪. .‬‬
‫إن الهد الصيل ‪ ،‬والتضحيات النبيلة يب أن تتجه أولً إل إقامة الجتمع الي ‪. .‬‬
‫والجتمع الي هو الذي يقوم على منهج ال ‪ . .‬قبل أن ينصرف الهد والبذل والتضحية‬
‫إل إصلحات جزئية ‪ ،‬شخصية وفردية؛ عن طريق المر بالعروف والنهي عن النكر ‪.‬‬
‫إنه ل جدوى من الحاولت الزئية حي يفسد الجتمع كله؛ وحي تطغى الاهلية ‪،‬‬
‫وحي يقوم الجتمع على غي منهج ال؛ وحيت يتخذ له شريعة غي شريعة ال ‪ .‬فينبغي‬
‫عندئذ أن تبدأ الحاولة من الساس ‪ ،‬وأن تنبت من الذور؛ وأن يكون الهد والهاد‬
‫لتقرير سلطان ال ف الرض ‪ . .‬وحي يستقر هذا السلطان يصبح المر بالعروف والنهي‬
‫عن النكر شيئا يرتكن إل أساس ‪.‬‬
‫وهذا يتاج إل إيان ‪ .‬وإل إدراك لقيقة هذا اليان وماله ف نظام الياة ‪ .‬فاليان على‬
‫هذا الستوى هو الذي يعل العتماد كله على ال؛ والثقة كلها بنصرته للخي ‪ -‬مهما‬
‫طال الطريق ‪ -‬واحتساب الجر عنده ‪ ،‬فل ينتظر من ينهض لذه الهمة جزاء ف هذه‬
‫الرض ‪ ،‬ول تقديرا من الجتمع الضال ‪ ،‬ول نصرة من أهل الاهلية ف أي مكان!‬
‫إن كل النصوص القرآنية والنبوية الت ورد فيها المر بالعروف والنهي عن النكر كانت‬
‫تتحدث عن واجب السلم ف متمع مسلم ‪ .‬متمع يعترف ابتداء بسلطان ال ‪ ،‬ويتحاكم‬
‫إل شريعته ‪ ،‬مهما وجد فيه من طغيان الكم ‪ ،‬ف بعض الحيان ‪ ،‬ومن شيوع الث ف‬
‫بعض الحيان ‪ . .‬وهكذا ند ف قول الرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ « -‬أفضل الهاد‬
‫كلمة حق عند إمام جائر »‬
‫فهو « إمام » ول يكون إماما حت يعترف ابتداء بسلطان ال؛ وبتحكيم شريعته ‪ .‬فالذي‬
‫ل يكم شريعة ال ل يقال له ‪ « :‬إمام » إنا يقول عنه ال ‪ -‬سبحانه ‪ { -‬ومن ل يكم‬
‫با أنزل ال فأولئك هم الكافرون } فأما الجتمعات الاهلية الت ل تتحاكم إل شريعة‬
‫ال ‪ ،‬فالنكر الكب فيها والهم ‪ ،‬هو النكر الذي تنبع منه كل النكرات ‪ . .‬هو رفض‬
‫ألوهية ال برفض شريعته للحياة ‪ . .‬وهذا النكر الكبي الساسي الذري هو الذي يب‬

‫‪61‬‬
‫أن يتجه إليه النكار ‪ ،‬قبل الدخول ف النكرات الزئية ‪ ،‬الت هي تبع لذا النكر الكب ‪،‬‬
‫وفرع عنه ‪ ،‬وعرض له ‪. .‬‬
‫إنه ل جدوى من ضياع الهد ‪ . .‬جهد اليين الصالي من الناس ‪ . .‬ف مقاومة‬
‫النكرات الزئية ‪ ،‬الناشئة بطبيعتها من النكر الول ‪ . .‬منكر الرأة على ال وادعاء‬
‫خصائص اللوهية ‪ ،‬ورفض ألوهية ال ‪ ،‬برفض شريعته للحياة ‪ . .‬ل جدوى من ضياع‬
‫الهد ف مقاومة منكرات هي مقتضيات ذلك النكر الول وثراته النكدة بل جدال ‪.‬‬
‫على أنه إلم ناكم الناس ف أمر ما يرتكبونه من منكرات؟ بأي ميزان نزن أعمالم لنقول‬
‫لم ‪ :‬إن هذا منكر فاجتنبوه؟ أنت تقول ‪ :‬إن هذا منكر؛ فيطلع عليك عشرة من هنا ومن‬
‫هناك يقولون لك ‪ :‬كل! ليس هذا منكرا ‪ .‬لقد كان منكرا ف الزمان الال! والدنيا «‬
‫تتطور » ‪ ،‬والجتمع « يتقدم » وتتلف العتبارات!‬
‫فل بد إذن من ميزان ثابت نرجع إليه بالعمال ‪ ،‬ول بد من قيم معترف با نقيس إليها‬
‫العروف والنكر ‪ .‬فمن أين نستمد هذه القيم؟ ومن أين نأت بذا اليزان؟‬
‫من تقديرات الناس وعرفهم وأهوائهم وشهواتم ‪ -‬وهي متقلبة ل تثبت على حال؟ إننا‬
‫ننتهي إذن إل متاهة ل دليل فيها ‪ ،‬وإل خضم ل معال فيه!‬
‫فل بد ابتداء من إقامة اليزان ‪ . .‬ول بد أن يكون هذا اليزان ثابتا ل يتأرجح مع الهواء‬
‫‪..‬‬
‫هذا اليزان الثابت هو ميزان ال ‪. .‬‬
‫فماذا إذا كان الجتمع ل يعترف ‪ -‬ابتداء ‪ -‬بسلطان ال؟ ماذا إذا كان ل يتحاكم إل‬
‫شريعة ال؟ بل ماذا إذا كان يسخر ويهزأ ويستنكر وينكل بن يدعوه إل منهج ال؟‬
‫أل يكون جهدا ضائعا ‪ ،‬وعبثا هازلً ‪ ،‬أن تقوم ف مثل هذا الجتمع لتأمر بالعروف‬
‫وتنهى عن النكر ‪ ،‬ف جزئيات وجانبيات من شئون الياة ‪ ،‬تتلف عليها الوازين‬
‫والقيم ‪ ،‬وتتعارض فيها الراء والهواء؟!‬
‫إنه ل بد من التفاق مبدئيا على حكم ‪ ،‬وعلى ميزان ‪ ،‬وعلى سلطان ‪ ،‬وعلى جهة يرجع‬
‫إليها الختلفون ف الراء والهواء ‪. .‬‬

‫‪62‬‬
‫ل بد من المر بالعروف الكب وهو العتراف بسلطان ال ومنهجه للحياة ‪ .‬والنهي عن‬
‫النكر الكب وهو رفض ألوهية ال برفض شريعته للحياة ‪ . .‬وبعد إقامة الساس يكن أن‬
‫يقام البنيان! فلتوفر الهود البعثرة إذن ‪ ،‬ولتحشد كلها ف جبهة واحدة ‪ ،‬لقامة الساس‬
‫الذي عليه وحده يقام البنيان!‬
‫وإن النسان ليثي أحيانا ويعجب لناس طيبي ‪ ،‬ينفقون جهدهم ف « المر بالعروف‬
‫والنهي عن النكر » ف الفروع؛ بينما الصل الذي تقوم عليه حياة الجتمع السلم؛ ويقوم‬
‫عليه المر بالعروف والنهي عن النكر ‪ ،‬مقطوع!‬
‫فما غناء أن تنهى الناس عن أكل الرام مثلً ف متمع يقوم اقتصاده كله على الربا؛‬
‫فيستحيل ماله كله حراما؛ ول يلك فرد فيه أن يأكل من حلل ‪.‬‬
‫لن نظامه الجتماعي والقتصادي كله ل يقوم على شريعة ال ‪ .‬لنه ابتداء يرفض‬
‫ألوهية ال برفض شريعته للحياة؟!‬
‫وما غناء أن تنهى الناس عن الفسق مثلً ف متمع قانونه ل يعتب الزنا جرية ‪ -‬إل ف حالة‬
‫الكراه ‪ -‬ول يعاقب حت ف حالة الكراه بشريعة ال ‪ . .‬لنه ابتداء يرفض ألوهية ال‬
‫برفض شريعته للحياة؟!‬
‫وما غناء أن تنهى الناس عن السكر ف متمع قانونه يبيح تداول وشرب المر ‪ ،‬ول‬
‫يعاقب إل على حالة السكر البي ف الطريق العام ‪ .‬وحت هذه ل يعاقب فيها بد ال ‪.‬‬
‫لنه ل يعترف ابتداء باكمية ال؟!‬
‫وما غناء أن تنهى الناس عن سب الدين؛ ف متمع ل يعترف بسلطان ال؛ ول يعبد فيه‬
‫ال ‪ .‬إنا هو يتخذ أربابا من دونه؛ ينلون له شريعته وقانونه؛ ونظامه وأوضاعه ‪ ،‬وقيمه‬
‫وموازينه ‪ .‬والساب والسبوب كلها ليس ف دين ال ‪ .‬إنا ها وأهل متمعهما طرا ف‬
‫دين من ينلون لم الشرائع والقواني؛ ويضعون لم القيم والوازين؟!‬
‫ما غناء المر بالعروف والنهي عن النكر ف مثل هذه الحوال؟ ما غناء النهي عن هذه‬
‫الكبائر ‪ -‬فضلً عن أن يكون النهي عن الصغائر ‪ -‬والكبية الكبى ل ني عنها ‪. .‬‬
‫كبية الكفر بال؛ برفض منهجه للحياة؟!‬

‫‪63‬‬
‫إن المر أكب وأوسع وأعمق ‪ ،‬ما ينفق فيه هؤلء « الطيبون » جهدهم وطاقتهم‬
‫واهتمامهم ‪ . .‬إنه ‪ -‬ف هذه الرحلة ‪ -‬ليس أمر تتبع الفرعيات ‪ -‬مهما تكن ضخمة حت‬
‫ولو كانت هي حدود ال ‪ .‬فحدود ال تقوم ابتداء على العتراف باكمية ال دون سواه‬
‫‪ .‬فإذا ل يصبح هذا العتراف حقيقة واقعة؛ تتمثل ف اعتبار شريعة ال هي الصدر الوحيد‬
‫للتشريع؛ واعتبار ربوبية ال وقوامته هي الصدر الوحيد للسلطة ‪ . .‬فكل جهد ف الفروع‬
‫ضائع؛ وكل ماولة ف الفروع عبث ‪ . .‬والنكر الكب أحق بالهد والحاولة من سائر‬
‫النكرات ‪. .‬‬
‫والرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪ « :‬من رأى منكم منكرا فليغيه بيده ‪ .‬فإن ل‬
‫يستطع فبلسانه ‪ ،‬فإن ل يستطع فبقلبه ‪ .‬وذلك أضعف اليان » ‪.‬‬
‫وقد ييء على السلمي زمان ل يستطيعون فيه تغيي النكر بأيديهم؛ ول يستطيعون فيه‬
‫تغيي النكر بألسنتهم؛ فيبقى أضعف اليان؛ وهو تغييه بقلوبم؛ وهذا ما ل يلك أحد أن‬
‫يول بينهم وبينه ‪ ،‬إن هم كانوا حقا على السلم!‬
‫وليس هذا موقفا سلبيا من النكر ‪ -‬كما يلوح ف بادئ المر ‪ -‬وتعبي الرسول ‪ -‬صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ -‬بأنه تغيي دليل على أنه عمل إياب ف طبيعته ‪.‬‬
‫فإنكار النكر بالقلب ‪ ،‬معناه احتفاظ هذا القلب بإيابيته تاه النكر ‪ . .‬إنه ينكره ويكرهه‬
‫ول يستسلم له ‪ ،‬ول يعتبه الوضع الشرعي الذي يضع له ويعترف به ‪ . .‬وإنكار‬
‫القلوب لوضع من الوضاع قوة إيابية لدم هذا الوضع النكر ‪ ،‬ولقامة الوضع «‬
‫العروف » ف أول فرصة تسنح ‪ ،‬وللتربص بالنكر حت توات هذه الفرصة ‪ . .‬وهذا كله‬
‫عمل إياب ف التغيي ‪ . .‬وهو على كل حال أضعف اليان ‪ .‬فل أقل من أن يتفظ‬
‫السلم بأضعف اليان! أما الستسلم للمنكر لنه واقع ولن له ضغطا ‪ -‬قد يكون‬
‫ساحقا ‪ -‬فهو الروج من آخر حلقة ‪ ،‬والتخلي حت عن أضعف اليان!‬
‫هذا وإل حقت على الجتمع اللعنة الت حقت على بن إسرائيل ‪:‬‬
‫{ لعن الذين كفروا من بن إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مري ‪ .‬ذلك با عصوا‬
‫وكانوا يعتدون ‪ .‬كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه ‪ .‬لبئس ما كانوا يفعلون! } ‪. .‬‬

‫‪64‬‬
‫ث يضي السياق إل ناية هذا القطع ف الديث عن بن إسرائيل ‪ ،‬وهو ناية هذا الزء ‪.‬‬
‫فيصف حالم على عهد الرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وهي حالم ف كل زمان وف‬
‫كل مكان ‪ ،‬فهم يتولون الذين كفروا ‪ ،‬ويتناصرون معهم ضد الماعة السلمة ‪ .‬وعلة‬
‫ذلك ‪ -‬مع أنم أهل كتاب ‪ -‬أنم ل يؤمنوا بال والنب وأنم ل يدخلوا ف دين ال الخي‬
‫‪ . .‬فهم غي مؤمني ‪ .‬ولو كانوا مؤمني ما تولوا الكافرين ‪:‬‬
‫{ ترى كثيا منهم يتولون الذين كفروا ‪ .‬لبئس ما قدمت لم أنفسهم ‪ :‬أن سخط ال‬
‫عليهم ‪ ،‬وف العذاب هم خالدون ‪ .‬ولو كانوا يؤمنون بال والنب وما أنزل إليه ما‬
‫اتذوهم أولياء ‪ .‬ولكن كثيا منهم فاسقون } ‪. .‬‬
‫وهذا التقرير كما ينطبق على حال اليهود ‪ -‬على عهد رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ -‬ينطبق على حالم اليوم وغدا ‪ ،‬وف كل حي ‪ .‬كذلك ينطبق على الفريق الخر من‬
‫أهل الكتاب ف معظم أرجاء الرض اليوم ‪ . .‬ما يدعو إل التدبر العميق ف أسرار هذا‬
‫القرآن ‪ ،‬وف عجائبه الدخرة للجماعة السلمة ف كل آن ‪. .‬‬
‫لقد كان اليهود هم الذين يتولون الشركي؛ ويؤلبونم على السلمي ‪ { ،‬ويقولون للذين‬
‫كفروا ‪ :‬هؤلء أهدى من الذين آمنوا سبيلً } كما حكى عنهم القرآن الكري ‪ .‬وقد‬
‫تلى هذا كله على أته ف غزوة الحزاب ‪ ،‬ومن قبلها ومن بعدها كذلك؛ إل اللحظة‬
‫الاضرة ‪ . .‬وما قامت إسرائيل ف أرض فلسطي أخيا إل بالولء والتعاون مع الكافرين‬
‫الدد من الاديي اللحدين!‬
‫فأما الفريق الخر من أهل الكتاب ‪ ،‬فهو يتعاون مع الادية اللادية كلما كان المر أمر‬
‫السلمي! وهم يتعاونون مع الوثنية الشركة كذلك ‪ ،‬كلما كانت العركة مع السلمي!‬
‫حت و « السلمون » ل يثلون السلم ف شيء ‪.‬‬
‫إل ف أنم من ذراري قوم كانوا مسلمي! ولكنها الحنة الت ل تدأ على هذا الدين؛‬
‫ومن ينتمون إليه ‪ ،‬ولو كانوا ف انتمائهم مدعي!‬
‫وصدق ال العظيم ‪ { :‬ترى كثيا منهم يتولون الذين كفروا } ‪. .‬‬
‫{ لبئس ما قدمت لم أنفسهم ‪ :‬أن سخط ال عليهم ‪ ،‬وف العذاب هم خالدون } ‪. .‬‬

‫‪65‬‬
‫فهذه هي الصيلة الت قدمتها لم أنفسهم ‪ . .‬إنا سخط ال عليهم ‪ .‬وخلودهم ف‬
‫العذاب ‪ .‬فما أبأسها من حصيلة! وما أبأسها من تقدمة تقدمها لم أنفسهم؛ ويا لا من‬
‫ثرة مرة ‪ .‬ثرة توليهم للكافرين!‬
‫فمن منا يسمع قول ال سبحانه عن القوم؟ فل يتخذ من عند نفسه مقررات ل يأذن با‬
‫ال ‪ :‬ف الولء والتناصر بي أهل هذا الدين؛ وأعدائه الذين يتولون الكافرين!‬
‫وما الدافع؟ ما دافع القوم لتول الذين كفروا؟ إنه عدم اليان بال والنب ‪:‬‬
‫{ ولو كانوا يؤمنون بال والنب وما أنزل إليه ما اتذوهم أولياء ‪ .‬ولكن كثيا منهم‬
‫فاسقون } ‪. .‬‬
‫هذه هي العلة ‪ . .‬إنم ل يؤمنوا بال والنب ‪ . .‬إن كثرتم فاسقة ‪ . .‬إنم يتجانسون ‪-‬‬
‫إذن ‪ -‬مع الذين كفروا ف الشعور والوجهة؛ فل جرم يتولون الذين كفروا ول يتولون‬
‫الؤمني ‪. .‬‬
‫وتبز لنا من هذا التعقيب القرآن ثلث حقائق بارزة ‪:‬‬
‫القيقة الول ‪ :‬أن أهل الكتاب جيعا ‪ -‬إل القلة الت آمنت بحمد صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ -‬غي مؤمني بال ‪ .‬لنم ل يؤمنوا برسوله الخي ‪ .‬ول ينف القرآن الكري عنهم اليان‬
‫بالنب وحده ‪ .‬بل نفى عنهم اليان بال كذلك ‪ { .‬ولو كانوا يؤمنون بال والنب وما‬
‫أنزل إليه ما اتذوهم أولياء } وهو تقرير من ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ل يقبل التأويل ‪ .‬مهما‬
‫تكن دعواهم ف اليان بال ‪ . .‬وباصة إذا اعتبنا ما هم عليه من انراف التصور‬
‫للحقيقة اللية كما سلف ف آيات هذا الدرس وف غيها من آيات القرآن الكري ‪.‬‬
‫والقيقة الثانية ‪ :‬أن أهل الكتاب جيعا مدعوون إل الدخول ف دين ال ‪ ،‬على لسان‬
‫ممد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فإن استجابوا فقد أمنوا ‪ ،‬وأصبحوا على دين ال ‪ .‬وإن‬
‫تولوا فهم كما وصفهم ال ‪.‬‬
‫والقيقة الثالثة ‪ :‬أنه ل ولء ول تناصر بينهم وبي السلمي ‪ ،‬ف شأن من الشئون ‪ .‬لن‬
‫كل شأن من شئون الياة عند السلم خاضع لمر الدين ‪.‬‬
‫ويبقى أن السلم يأمر أهله بالحسان إل أهل الكتاب ف العشرة والسلوك؛ وبماية‬
‫أرواحهم وأموالم وأعراضهم ف دار السلم؛ وبتركهم إل ما هم فيه من عقائدهم كائنة‬

‫‪66‬‬
‫ما تكون؛ وإل دعوتم بالسن إل السلم ومادلتهم بالسن كذلك ‪ .‬والوفاء لم ‪ -‬ما‬
‫وفوا ‪ -‬بعهدهم ومسالتهم للمسلمي ‪ . .‬وهم ‪ -‬ف أية حال ‪ -‬ل يكرهون على شيء ف‬
‫أمر الدين ‪. .‬‬
‫هذا هو السلم ‪ . .‬ف وضوحه ونصاعته ‪ .‬وف بره وساحته ‪. .‬‬
‫وال يقول الق ‪ .‬وهو يهدي السبيل ‪.‬‬
‫‪------------‬‬
‫ف ظلل القرآن ‪( -‬ج ‪ / 2‬ص ‪)412‬‬
‫{ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ‪} . . .‬‬
‫إن صيغة العبارة تتمل أن تكون خطابا للرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وأن تكون‬
‫كذلك خطابا عاما خرج مرج العموم ‪ ،‬لنه يتضمن أمرا ظاهرا مكشوفا يده كل‬
‫إنسان ‪ .‬وهي صيغة لا نظائرها ف السلوب العرب الذي نزل به القرآن الكري ‪ . .‬وهي‬
‫ف كلتا الالتي تفيد معناها الظاهر الذي تؤديه ‪. .‬‬
‫فإذا تقرر هذا فإن المر الذي يلفت النظر ف صياغة العبارة هو تقدي اليهود على الذين‬
‫أشركوا ف صدد أنم أشد الناس عداوة للذين آمنوا؛ وأن شدة عداوتم ظاهرة مكشوفة‬
‫وأمر مقرر يراه كل من يرى ‪ ،‬ويده كل من يتأمل!‬
‫نعم إن العطف بالواو ف التعبي العرب يفيد المع بي المرين ول يفيد تعقيبا ول ترتيبا ‪.‬‬
‫ولكن تقدي اليهود هنا ‪ ،‬حيث يقوم الظن بأنم أقل عداوة للذين آمنوا من الشركي ‪-‬‬
‫با أنم أصل أهل كتاب ‪ -‬يعل لذا التقدي شأنا خاصا غي الألوف من العطف بالواو‬
‫ف التعبي العرب! إنه ‪ -‬على القل ‪ -‬يوجه النظر إل أن كونم أهل كتاب ل يغي من‬
‫القيقة الواقعة ‪ ،‬وهي أنم كالذين أشركوا أشد عداوة للذين آمنوا! ونقول ‪ :‬إن هذا «‬
‫على القل » ‪ .‬ول ينفي هذا احتمال أن يكون القصود هو تقديهم ف شدة العداء على‬
‫الذين أشركوا ‪. .‬‬
‫وحي يستأنس النسان ف تفسي هذا التقرير الربان بالواقع التاريي الشهود منذ مولد‬
‫السلم حت اللحظة الاضرة ‪ ،‬فإنه ل يتردد ف تقرير أن عداء اليهود للذين آمنوا كان‬
‫دائما أشد وأقسى وأعمق إصرارا وأطول أمدا من عداء الذين أشركوا!‬

‫‪67‬‬
‫لقد واجه اليهود السلم بالعداء منذ اللحظة الول الت قامت فيها دولة السلم بالدينة ‪.‬‬
‫وكادوا للمة السلمة منذ اليوم الول الذي أصبحت فيه أمة ‪ .‬وتضمن القرآن الكري من‬
‫التقريرات والشارات عن هذا العداء وهذا الكيد ما يكفي وحده لتصوير تلك الرب‬
‫الريرة الت شنها اليهود على السلم وعلى رسول السلم ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫وعلى المة السلمة ف تاريها الطويل؛ والت ل تبُ لظة واحدة قرابة أربعة عشر قرنا ‪،‬‬
‫وما تزال حت اللحظة يتسعر أوارها ف أرجاء الرض جيعا‬
‫لقد عقد الرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أول مقدمه إل الدينة ‪ ،‬معاهدة تعايش مع‬
‫اليهود؛ ودعاهم إل السلم الذي يصدق ما بي أيديهم من التوراة ‪ . .‬ولكنهم ل يفوا‬
‫بذا العهد ‪ -‬شأنم ف هذا كشأنم مع كل عهد قطعوه مع ربم أو مع أنبيائهم من قبل ‪،‬‬
‫حت قال ال فيهم ‪ { :‬ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر با إل الفاسقون ‪ .‬أو كلما‬
‫عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم؟ بل أكثرهم ل يؤمنون ‪ .‬ولا جاءهم رسول من عند ال‬
‫مصدق لا معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب ال وراء ظهورهم كأنم ل‬
‫يعلمون } ولقد أضمروا العداء للسلم والسلمي منذ اليوم الول الذي جع ال فيه‬
‫الوس والزرج على السلم ‪ ،‬فلم يعد لليهود ف صفوفهم مدخل ول مرج ‪ ،‬ومنذ اليوم‬
‫الذي تددت فيه قيادة المة السلمة وأمسك بزمامها ممد رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فلم تعد لليهود فرصة للتسلط!‬
‫ولقد استخدموا كل السلحة والوسائل الت تفتقت عنها عبقرية الكر اليهودية ‪ ،‬وأفادتا‬
‫من قرون السب ف بابل ‪ ،‬والعبودية ف مصر ‪ ،‬والذل ف الدولة الرومانية ‪.‬‬
‫ومع أن السلم قد وسعهم بعد ما ضاقت بم اللل والنحل على مدار التاريخ ‪ ،‬فإنم‬
‫ردوا للسلم جيله عليهم أقبح الكيد وألم الكر منذ اليوم الول ‪.‬‬
‫ولقد ألبوا على السلم والسلمي كل قوى الزيرة العربية الشركة؛ وراحوا يمعون‬
‫القبائل التفرقة لرب الماعة السلمة ‪ { :‬ويقولون للذين كفروا ‪ :‬هؤلء أهدى من‬
‫الذين آمنوا سبيل } ولا غلبهم السلم بقوة الق ‪ -‬يوم أن كان الناس مسلمي ‪-‬‬
‫استداروا يكيدون له بدس الفتريات ف كتبه ‪ -‬ل يسلم من هذا الدس إل كتاب ال الذي‬
‫تكفل بفظه سبحانه ‪ -‬ويكيدون له بالدس بي صفوف السلمي ‪ ،‬وإثارة الفت عن‬

‫‪68‬‬
‫طريق استخدام حديثي العهد بالسلم ومن ليس لم فيه فقه من مسلمة القطار ‪.‬‬
‫ويكيدون له بتأليب خصومه عليه ف أناء الرض ‪ . .‬حت انتهى بم الطاف أن يكونوا‬
‫ف العصر الخي هم الذين يقودون العركة مع السلم ف كل شب على وجه الرض؛‬
‫وهم الذين يستخدمون الصليبية والوثنية ف هذه الرب الشاملة ‪ ،‬وهم الذين يقيمون‬
‫الوضاع ويصنعون البطال الذين يتسمون بأساء السلمي ‪ ،‬ويشنونا حربا صليبية‬
‫صهيونية على كل جذر من جذور هذا الدين!‬
‫وصدق ال العظيم ‪ { :‬لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا } ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫إن الذي ألب الحزاب على الدولة السلمة الناشئة ف الدينة؛ وجع بي اليهود من بن‬
‫قريظة وغيهم؛ وبي قريش ف مكة ‪ ،‬وبي القبائل الخرى ف الزيرة ‪ . .‬يهودي ‪. .‬‬
‫والذي ألب العوام ‪ ،‬وجع الشراذم ‪ ،‬وأطلق الشائعات ‪ ،‬ف فتنة مقتل عثمان ‪ -‬رضي ال‬
‫عنه ‪ -‬وما تلها من النكبات ‪ . .‬يهودي ‪. .‬‬
‫والذي قاد حلة الوضع والكذب ف أحاديث رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وف‬
‫الروايات والسي ‪ . .‬يهودي ‪. .‬‬
‫ث إن الذي كان وراء إثارة النعرات القومية ف دولة اللفة الخية؛ ووراء النقلبات‬
‫الت ابتدأت بعزل الشريعة عن الكم واستبدال « الدستور » با ف عهد السلطان‬
‫عبدالميد ‪ ،‬ث انتهت بإلغاء اللفة جلة على يدي « البطل » أتاتورك ‪ . .‬يهودي ‪. .‬‬
‫وسائر ما تل ذلك من الرب العلنة على طلئع البعث السلمي ف كل مكان على وجه‬
‫الرض وراءه يهود!‬
‫ث لقد كان وراء النعة الادية اللادية ‪ . .‬يهودي ‪ . .‬ووراء النعة اليوانية النسية‬
‫يهودي ‪ . .‬ووراء معظم النظريات الدامة لكل القدسات والضوابط يهود!‬
‫ولقد كانت الرب الت شنها اليهود على السلم أطول أمدا ‪ ،‬وأعرض مال ‪ ،‬من تلك‬
‫الت شنها عليه الشركون والوثنيون ‪ -‬على ضراوتا ‪ -‬قديا وحديثا ‪ . .‬إن العركة مع‬
‫مشركي العرب ل تتد إل أكثر من عشرين عاما ف جلتها ‪ .‬وكذلك كانت العركة مع‬

‫‪69‬‬
‫فارس ف العهد الول ‪ .‬وأما ف العصر الديث فإن ضراوة العركة بي الوثنية الندية‬
‫والسلم ضراوة ظاهرة؛ ولكنها ل تبلغ ضراوة الصهيونية العالية ‪.‬‬
‫( الت تعد الاركسية مرد فرع لا ) وليس هناك ما ياثل معركة اليهود مع السلم ف‬
‫طول المد وعرض الجال إل معركة الصليبية ‪ ،‬الت سنتعرض لا ف الفقرة التالية ‪.‬‬
‫فإذا سعنا ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يقول ‪:‬‬
‫{ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا } ‪. .‬‬
‫ويقدم اليهود ف النص على الذين أشركوا ‪ . .‬ث راجعنا هذا الواقع التاريي ‪ ،‬فإننا ندرك‬
‫طرفا من حكمة ال ف تقدي اليهود على الذين أشركوا!‬
‫إنم هذه البلة النكدة الشريرة ‪ ،‬الت ينغل القد ف صدورها على السلم ‪ ،‬وعلى نب‬
‫السلم ‪ ،‬فيحذر ال نبيه وأهل دينه منها ‪ . .‬ول يغلب هذه البلة النكدة الشريرة إل‬
‫السلم وأهله يوم أن كانوا أهله! ‪ . .‬ولن يلص العال من هذه البلة النكدة إل السلم‬
‫يوم يفيء أهله إليه ‪. .‬‬
‫{ ولتجدن أقربم مودة للذين آمنوا الذين قالوا ‪ :‬إنا نصارى ‪ .‬ذلك بأن منهم قسيسي‬
‫ورهبانا ‪ ،‬وأنم ل يستكبون ‪ .‬وإذا سعوا ما أنزل إل الرسول ترى أعينهم تفيض من‬
‫الدمع ما عرفوا من الق ‪ ،‬يقولون ‪ :‬ربنا آمنا ‪ ،‬فاكتبنا مع الشاهدين ‪ .‬وما لنا ل نؤمن‬
‫بال وما جاءنا من الق ‪ ،‬ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالي ‪ .‬فأثابم ال با قالوا‬
‫جنات تري من تتها النار خالدين فيها ‪ ،‬وذلك جزاء الحسني ‪ .‬والذين كفروا‬
‫وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الحيم } ‪. .‬‬
‫إن هذه اليات تصور حالة ‪ ،‬وتقرر حكما ف هذه الالة ‪ . .‬تصور حالة فريق من أتباع‬
‫عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ { : -‬الذين قالوا ‪ :‬إنا نصارى } ‪ . .‬وتقرر أنم أقرب مودة‬
‫للذين آمنوا ‪. .‬‬
‫ومع أن متابعة مموع اليات ل تدع مال للشك ف أنا تصور حالة معينة ‪ ،‬هي الت‬
‫ينطبق عليها هذا التقرير العي ‪ ،‬فإن الكثيين يطئون فهم مدلولا ‪ ،‬ويعلون منها مادة‬
‫للتميع الؤذي ف تقدير السلمي لوقفهم من العسكرات الختلفة ‪ ،‬وموقف هذه‬

‫‪70‬‬
‫العسكرات منهم ‪ . .‬لذلك ند من الضروري ‪ -‬ف ظلل القرآن ‪ -‬أن نتابع بالدقة‬
‫تصوير هذه اليات لذه الالة الاصة الت ينطبق عليها ذلك الكم الاص ‪:‬‬
‫إن الالة الت تصورها هذه اليات هي حالة فئة من الناس ‪ ،‬قالوا ‪ :‬إنا نصارى ‪ .‬هم‬
‫أقرب مودة للذين آمنوا ‪ { :‬ذلك بأن منهم قسيسي ورهبانا وأنم ل يستكبون } ‪. .‬‬
‫فمنهم من يعرفون حقيقة دين النصارى فل يستكبون على الق حي يتبي لم ‪. .‬‬
‫ولكن السياق القرآن ل يقف عند هذا الد ‪ ،‬ول يدع المر مهل ومعمما على كل من‬
‫قالوا ‪ :‬إنا نصارى ‪ . .‬إنا هو يضي فيصور موقف هذه الفئة الت يعنيها ‪:‬‬
‫{ واذا سعوا ما أنزل إل الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ما عرفوا من الق ‪،‬‬
‫يقولون ربنا آمنا ‪ ،‬فاكتبنا مع الشاهدين ‪ .‬وما لنا ل نؤمن بال وما جاءنا من الق ‪،‬‬
‫ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالي } ‪. .‬‬
‫فهذا مشهد حي يرتسم من التصوير القرآن لذه الفئة من الناس ‪ ،‬الذين هم أقرب مودة‬
‫للذين آمنوا ‪.‬‬
‫إنم إذا سعوا ما أنزل إل الرسول من هذا القرآن اهتزت مشاعرهم ‪ ،‬ولنت قلوبم ‪،‬‬
‫وفاضت أعينهم بالدمع تعبيا عن التأثر العميق العنيف بالق الذي سعوه ‪ .‬والذي ل‬
‫يدون له ف أول المر كفاء من التعبي إل الدمع الغزير ‪ -‬وهي حالة معروفة ف النفس‬
‫البشرية حي يبلغ با التأثر درجة أعلى من أن يفي با القول ‪ ،‬فيفيض الدمع ‪ ،‬ليؤدي ما‬
‫ل يؤديه القول؛ وليطلق الشحنة البيسة من التأثر العميق العنيف ‪.‬‬
‫ث هم ل يكتفون بذا الفيض من الدمع؛ ول يقفون موقفا سلبيا من الق الذي تأثروا به‬
‫هذا التأثر عند ساع القرآن؛ والشعور بالق الذي يمله والحساس با له من سلطان ‪. .‬‬
‫إنم ل يقفون موقف التأثر الذي تفيض عيناه بالدمع ث ينتهي أمره مع هذا الق! إنا هم‬
‫يتقدمون ليتخذوا من هذا الق موقفا إيابيا صريا ‪ . .‬موقف القبول لذا الق ‪ ،‬واليان‬
‫به ‪ ،‬والذعان لسلطانه ‪ ،‬وإعلن هذا اليان وهذا الذعان ف لجة قوية عميقة صرية ‪:‬‬
‫{ يقولون ‪ :‬ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ‪ .‬وما لنا ل نؤمن بال وما جاءنا من الق ‪،‬‬
‫ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالي؟ } ‪. .‬‬

‫‪71‬‬
‫إنم أو ًل يعلنون لربم إيانم بذا الق الذي عرفوه ‪ .‬ث يدعونه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن يضمهم‬
‫إل قائمة الشاهدين لذا الق؛ وأن يسلكهم ف سلك المة القائمة عليه ف الرض ‪. .‬‬
‫المة السلمة ‪ ،‬الت تشهد لذا الدين بأنه الق ‪ ،‬وتؤدي هذه الشهادة بلسانا وبعملها‬
‫وبركتها لقرار هذا الق ف حياة البشر ‪ . .‬فهؤلء الشاهدون الدد ينضمون إل هذه‬
‫المة السلمة؛ ويشهدون ربم على إيانم بالق الذي تتبعه هذه المة؛ ويدعونه ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬أن يكتبهم ف سجلها ‪. .‬‬
‫ث هم بعد ذلك يستنكرون على أنفسهم أن يعوقهم معوق عن اليان بال؛ أو أن يسمعوا‬
‫هذا الق ث ليؤمنوا به ‪ ،‬ول يأملوا ‪ -‬بذا اليان ‪ -‬أن يقبلهم ربم ‪ ،‬ويرفع مقامهم‬
‫عنده ‪ ،‬فيدخلهم مع القوم الصالي ‪:‬‬
‫{ وما لنا ل نؤمن بال وما جاءنا من الق ‪ ،‬ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم‬
‫الصالي؟ } ‪. .‬‬
‫فهو موقف صريح قاطع تاه ما أنزل ال إل رسوله من الق ‪ . .‬موقف الستماع والعرفة‬
‫‪ ،‬ث التأثر الغامر واليان الاهر ‪ ،‬ث السلم والنضمام إل المة السلمة ‪ ،‬مع دعاء ال‬
‫‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن يعلهم من الشاهدين لذا الق؛ الذين يؤدون شهادتم سلوكا وعملً‬
‫وجهادا لقراره ف الرض ‪ ،‬والتمكي له ف حياة الناس ‪ .‬ث وضوح الطريق ف تقديرهم‬
‫وتوحده؛ بيث ل يعودون يرون أنه يوز لم أن يضوا إل ف طريق واحد ‪ :‬هو طريق‬
‫اليان بال ‪ ،‬وبالق الذي أنزله على رسوله ‪ ،‬والمل ‪ -‬بعد ذلك ‪ -‬ف القبول عنده‬
‫والرضوان ‪.‬‬
‫ول يقف السياق القرآن هنا عند بيان من هم الذين يعنيهم بأنم أقرب مودة للذين آمنوا‬
‫من الذين قالوا ‪ :‬إنا نصارى؛ وعند بيان سلوكهم ف مواجهة ما أنزل ال ال الرسول ‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ -‬من الق؛ وف اتاذ موقف إياب صريح ‪ ،‬باليان العلن ‪،‬‬
‫والنضمام إل الصف السلم؛ والستعداد لداء الشهادة بالنفس والهد والال؛ والدعاء‬
‫إل ال أن يقبلهم ف الصف الشاهد لذا الق على هذا النحو؛ مع الطمع ف أن يتم لم‬
‫بالنضمام إل موكب الصالي ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫ل يقف السياق القرآن عند هذا الد ف بيان أمر هؤلء الذين يقرر أنم أقرب مودة للذين‬
‫آمنوا ‪ .‬بل يتابع خطاه لتكملة الصورة ‪ ،‬ورسم الصي الذي انتهوا إليه فعلً ‪:‬‬
‫{ فأثابم ال با قالوا جنات تري من تتها النار خالدين فيها ‪ .‬وذلك جزاء‬
‫الحسني } ‪. .‬‬
‫لقد علم ال صدق قلوبم وألسنتهم؛ وصدق عزيتهم على الضي ف الطريق؛ وصدق‬
‫تصميمهم على أداء الشهادة لذا الدين الديد الذي دخلوا فيه؛ ولذا الصف السلم الذي‬
‫اختاروه ‪ ،‬واعتبارهم أن أداء هذه الشهادة ‪ -‬بكل تكاليفها ف النفس والال ‪ -‬منة ين ال‬
‫با على من يشاء من عباده؛ واعتبارهم كذلك أنه ل يعد لم طريق يسلكونه إل هذا‬
‫الطريق الذي أعلنوا الضي فيه؛ ورجاءهم ف ربم أن يدخلهم مع القوم الصالي ‪. .‬‬
‫لقد علم ال منهم هذا كله؛ فقبل منهم قولم ‪ ،‬وكتب لم النة جزاء لم؛ وشهد لم ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬بأنم مسنون ‪ ،‬وأنه يزيهم جزاء الحسني ‪:‬‬
‫{ فأثابم ال ‪ -‬با قالوا ‪ -‬جنات تري من تتها النار خالدين فيها ‪ . .‬وذلك جزاء‬
‫الحسني ‪. } . .‬‬
‫والحسان أعلى درجات اليان والسلم ‪ . .‬وال ‪ -‬جل جلله ‪ -‬قد شهد لذا الفريق‬
‫من الناس أنه من الحسني ‪.‬‬
‫هو فريق خاص مدد اللمح هذا الذي يقول عنه القرآن الكري ‪:‬‬
‫{ ولتجدن أقربم مودة للذين آمنوا الذين قالوا ‪ :‬إنا نصارى } ‪. .‬‬
‫هو فريق ل يستكب عن الق حي يسمعه ‪ ،‬بل يستجيب له تلك الستجابة العميقة‬
‫الاهرة الصرية ‪ .‬وهو فريق ل يتردد ف إعلن استجابته للسلم ‪ ،‬والنضمام للصف‬
‫السلم؛ والنضمام إليه بصفة خاصة ف تكاليف هذه العقيدة؛ وهي أداء الشهادة لا‬
‫بالستقامة عليها والهاد لقرارها وتكينها ‪ .‬وهو فريق علم ال منه صدق قوله فقبله ف‬
‫صفوف الحسني ‪. .‬‬
‫ولكن السياق القرآن ل يقف عند هذا الد ف تديد ملمح هذا الفريق القصود من‬
‫الناس الذين تدهم أقرب مودة للذين آمنوا ‪ .‬بل إنه ليمضي فيميزه من الفريق الخر من‬

‫‪73‬‬
‫الذين قالوا ‪ :‬إنا نصارى ‪ .‬من يسمعون هذا الق فيكفرون به ويكذبون ‪ ،‬وليستجيبون‬
‫له ‪ ،‬ول ينضمون إل صفوف الشاهدين ‪:‬‬
‫{ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الحيم } ‪. .‬‬
‫والقصود قطعا بالذين كفروا وكذبوا ف هذا الوضع هم الذين يسمعون ‪ -‬من الذين قالوا‬
‫إنا نصارى ‪ -‬ث ل يستجيبون ‪.‬‬
‫والقرآن يسميهم الكافرين كلما كانوا ف مثل هذا الوقف ‪ .‬سواء ف ذلك اليهود‬
‫والنصارى؛ ويضمهم إل موكب الكفار مع الشركي سواء؛ ما داموا ف موقف التكذيب‬
‫لا أنزل ال على رسوله من الق؛ وف موقف المتناع عن الدخول ف السلم الذي ل‬
‫يقبل ال من الناس دينا سواه ‪ . .‬ند هذا ف مثل قول ال سبحانه ‪:‬‬
‫{ ل يكن الذين كفروا ‪ -‬من أهل الكتاب والشركي ‪ -‬منفكي حت تأتيهم البينة }‬
‫{ إن الذين كفروا من ‪ -‬أهل الكتاب والشركي ‪ -‬ف نار جهنم خالدين فيها أولئك هم‬
‫شر البية } { لقد كفر الذين قالوا ‪ :‬إن ال ثالث ثلثة } { لقد كفر الذين قالوا ‪ :‬إن‬
‫ال هو السيح ابن مري } { لعن الذين كفروا من بن إسرائيل على لسان داود وعيسى‬
‫ابن مري } فهو تعبي مألوف ف القرآن ‪ ،‬وحكم معهود ‪ . .‬وهو يأت هنا للتفرقة بي‬
‫فريقي من الذين قالوا ‪ :‬إنا نصارى؛ وللتفرقة بي موقف كل فريق منهما تاه الذين‬
‫آمنوا؛ وللتفرقة كذلك بي مصي هؤلء وأولئك عند ال ‪ . .‬هؤلء لم جنات تري من‬
‫تتها النار خالدين فيها وذلك جزاء الحسني ‪ .‬وأولئك أصحاب الحيم ‪. .‬‬
‫وليس كل من قالوا ‪ :‬إنم نصارى إذن داخلي ف ذلك الكم ‪ { :‬ولتجدن أقربم مودة‬
‫للذين آمنوا } ‪ . .‬كما ياول أن يقول من يقتطعون آيات القرآن دون تامها ‪ . .‬إنا هذا‬
‫الكم مقصور على حالة معينة ل يدع السياق القرآن أمرها غامضا ‪ ،‬ول ملمها مهلة ‪،‬‬
‫ول موقفها متلبسا بوقف سواها ف كثي ول قليل ‪. .‬‬
‫ولقد وردت روايات لا قيمتها ف تديد من هم النصارى العنيون بذا النص ‪:‬‬
‫أورد القرطب ف تفسيه ‪ « :‬وهذه الية نزلت ف النجاشي وأصحابه ‪ ،‬لا قدم عليهم‬
‫السلمون ف الجرة الول ‪ -‬حسب ما هو مشهور ف سية ابن اسحاق وغيه ‪ -‬خوفا‬
‫من الشركي وفتنتهم؛ وكانوا ذوي عدد ‪ .‬ث هاجر رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬

‫‪74‬‬
‫إل الدينة بعد ذلك فلم يقدروا على الوصول إليه ‪ ،‬حالت بينهم وبي رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم الرب ‪ .‬فلما كانت وقعة بدر وقتل ال فيها صناديد الكفار ‪ ،‬قال كفار‬
‫قريش ‪ :‬إن ثأركم بأرض البشة ‪ .‬فأهدوا إل النجاشي وابعثوا له برجلي من ذوي‬
‫رأيكم يعطيكم من عنده ‪ ،‬فتقتلونم بن قتل منكم ببدر ‪ .‬فبعث كفار قريش عمرو بن‬
‫العاص وعبدال بن أب ربيعة بدايا ‪ .‬فسمع رسول ال صلى ال عليه وسلم بذلك ‪ ،‬فبعث‬
‫رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬عمرو بن أمية الضمري وكتب معه إل النجاشي؛‬
‫فقدم على النجاشي ‪ ،‬فقرأ كتاب رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ث دعا جعفر بن‬
‫أب طالب والهاجرين ‪ ،‬وأرسل إل الرهبان والقسيسي فجمعهم ‪ .‬ث أمر جعفر أن يقرأ‬
‫عليهم القرآن ‪ ،‬فقرأ سورة » مري « فقاموا تفيض أعينهم من الدمع ‪.‬‬
‫فهم الذين أنزل ال فيهم ‪ { :‬ولتجدن أقربم مودة للذين آمنوا الذين قالوا ‪ :‬إنا‬
‫نصارى } وقرأ إل { الشاهدين } ( رواه أبو داود ‪ .‬قال ‪ :‬حدثنا ممد بن مسلمة‬
‫الرادي ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا ابن وهب ‪ .‬قال ‪ :‬أخبن يونس عن ابن شهاب ‪ ،‬عن أب بكر‬
‫عبدالرحن بن الرث بن هشام ‪ .‬وعن سعيد بن السيب وعن عروة بن الزبي ‪ :‬أن الجرة‬
‫الول هجرة السلمي إل أرض البشة ‪ .‬وساق الديث بطوله ‪.‬‬
‫« وذكر البيهقي عن ابن إسحاق قال ‪ :‬قدم على النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬عشرون‬
‫ل وهو بكة ‪ ،‬أو قريب من ذلك ‪ ،‬من النصارى حي ظهر خبه ‪ ،‬من البشة ‪،‬‬ ‫رج ً‬
‫فوجدوه ف السجد ‪ ،‬فكلموه وسألوه ‪ ،‬ورجال من قريش ف أنديتهم حول الكعبة ‪ .‬فلما‬
‫فرغوا من مسألتهم رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬عما أرادوا ‪ ،‬دعاهم رسول ال‬
‫‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬إل ال عز وجل ‪ ،‬وتل عليهم القرآن ‪ .‬فلما سعوه فاضت‬
‫أعينهم من الدمع ‪ ،‬ث استجابوا له وآمنوا به وصدقوه ‪ ،‬وعرفوا منه ما كان يوصف لم ف‬
‫كتابم من أمره ‪ .‬فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل ف نفر من قريش فقالوا ‪:‬‬
‫خيبكم ال من ركب! بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لم فتأتونم بب الرجل‬
‫‪ ،‬فلم تطل مالستكم عنده حت فارقتم دينكم وصدقتموه با قال لكم ‪ ،‬ما نعلم ركبا‬
‫أحق منكم ‪ -‬أو كما قال لم ‪ -‬فقالوا ‪ :‬سلم عليكم ل ناهلكم ‪ ،‬لنا أعمالنا ولكم‬
‫أعمالكم ‪ ،‬ل نألو أنفسنا خيا ‪ . .‬فيقال ‪ :‬إن النفر النصارى من أهل نران ‪ .‬ويقال ‪ :‬إن‬

‫‪75‬‬
‫فيهم نزلت هؤلء اليات ‪ { :‬الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } إل قوله ‪:‬‬
‫{ ل نبتغي الاهلي } » وقيل ‪ :‬إن جعفرا وأصحابه قدم على النب صلى ال عليه وسلم‬
‫ل عليهم ثياب الصوف ‪ ،‬فيهم اثنان وستون من البشة وثانية من أهل‬ ‫ف سبعي رج ً‬
‫الشام وهم بياء الراهب وإدريس وأشرف وأبرهة وثامة وقثم ودريد وأين ‪ .‬فقرأ عليهم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم سورة « يس » إل آخرها ‪ ،‬فبكوا حي سعوا القرآن‬
‫وآمنوا به ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ما أشبه هذا با كان ينل على عيسى ‪ .‬فنلت فيهم { لتجدن أشد‬
‫الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ‪ ،‬ولتجدن أقربم مودة للذين آمنوا الذين‬
‫قالوا ‪ :‬إنا نصارى } ‪ . .‬يعن وفد النجاشي ‪ .‬وكانوا أصحاب الصوامع ‪ .‬وقال سعيد بن‬
‫جبي ‪ :‬وأنزل ال فيهم أيضا { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } إل قوله {‬
‫أولئك يؤتون أجرهم مرتي } إل آخر الية ‪ .‬وقال مقاتل والكلب كانوا أربعي رجلً من‬
‫أهل نران من بن الرث بن كعب ‪ ،‬واثني وثلثي من البشة ‪ ،‬وثانية وستي من أهل‬
‫الشام ‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬نزلت ف ناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الق ما جاء به‬
‫عيسى ‪ ،‬فلما بعث ال ممدا صلى ال عليه وسلم آمنوا به فأثن ال عليهم « ‪.‬‬
‫وهذا الذي نقرره ف معن هذا النص؛ والذي يدل عليه السياق بذاته ‪ ،‬وتؤيده هذه‬
‫الروايات الت أسلفنا ‪ ،‬هو الذي يتفق مع بقية التقريرات ف هذه السورة وف غيها عن‬
‫موقف أهل الكتاب عامة ‪ -‬اليهود والنصارى ‪ -‬من هذا الدين وأهله ‪ .‬كما أنه هو الذي‬
‫يتفق مع الواقع التاريي الذي عرفته المة السلمة خلل أربعة عشر قرنا ‪.‬‬
‫إن السورة وحدة ف اتاهها وظللا وجوها وأهدافها؛ وكلم ال سبحانه ل يناقض بعضه‬
‫بعضا ‪ { .‬ولو كان من عند غي ال لوجدوا فيه اختلفا كثيا } وقد وردت ف هذه‬
‫السورة نفسها نصوص وتقريرات ‪ ،‬تدد معن هذا النص الذي نواجهه هنا وتلوه ‪. .‬‬
‫نذكر منها ‪:‬‬
‫{ يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ‪ ،‬بعضهم أولياء بعض ‪ ،‬ومن‬
‫يتولم منكم فإنه منهم ‪ ،‬إن ال ل يهدي القوم الظالي } { قل ‪ :‬يا أهل الكتاب لستم‬
‫على شيء حت تقيموا التوارة والنيل وما أنزل إليكم من ربكم ‪ .‬وليزيدن كثيا منهم ما‬
‫أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ‪ ،‬فل تأس على القوم الكافرين } كذلك جاء ف سورة‬

‫‪76‬‬
‫البقرة ‪ { :‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حت تتبع ملتهم ‪ .‬قل ‪ :‬إن هدى ال هو‬
‫الدى؛ ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من ال من ول ول نصي }‬
‫كذلك صدّق الواقع التاريي ما حذر ال المة السلمة إياه؛ من اليهود ومن النصارى‬
‫سواء ‪ .‬وإذا كان الواقع التاريي قد حفظ لليهود وقفتهم النكدة للسلم منذ اليوم الول‬
‫الذي دخل فيه السلم عليهم الدينة؛ ف صورة كيد ل ينته ول يكف حت اللحظة‬
‫الاضرة؛ وإذا كان اليهود ل يزالون يقودون الملة ضد السلم ف كل أرجاء الرض‬
‫اليوم ف حقد خبيث وكيد لئيم ‪ . .‬فإن هذا الواقع قد حفظ كذلك للنصارى الصليبيي‬
‫أنم اتذوا من السلم موقف العداء منذ واقعة اليموك بي جيش السلمي وجيوش الروم‬
‫‪ -‬فيما عدا الالت الت وقع فيها ما تصفه اليات الت نن بصددها فاستجابت قلوب‬
‫للسلم ودخلت فيه ‪ .‬وفيما عدا حالت أخرى آثرت فيها طوائف من النصارى أن‬
‫تتمي بعدل السلم من ظلم طوائف أخرى من النصارى كذلك؛ يلقون من ظلمها‬
‫الوبال! ‪ -‬أما التيار العام الذي يثل موقف النصارى جلة فهو تلك الروب الصليبية الت‬
‫ل يب أوارها قط ‪ -‬إل ف الظاهر ‪ -‬منذ التقى السلم والرومان على ضفاف اليموك!‬
‫لقد تلت أحقاد الصليبية على السلم وأهله ف الروب الصليبية الشهورة طوال قرني‬
‫من الزمان ‪ ،‬كما تلت ف حروب البادة الت شنتها الصليبية على السلم والسلمي ف‬
‫الندلس ‪ ،‬ث ف حلت الستعمار والتبشي على الماليك السلمية ف إفريقية أولً ‪ ،‬ث‬
‫ف العال كله أخيا ‪.‬‬
‫ولقد ظلت الصهيونية العالية والصليبة العالية حليفتي ف حرب السلم ‪ -‬على كل ما‬
‫بينهما من أحقاد ‪ -‬ولكنهم كانوا ف حربم للسلم كما قال عنهم العليم البي ‪:‬‬
‫{ بعضهم أولياء بعض } حت مزقوا دولة اللفة الخية ‪ .‬ث مضوا ف طريقهم ينقضون‬
‫هذا الدين عروة عروة ‪ .‬وبعد أن أجهزوا على عروة « الكم » ها هم أولء ياولون‬
‫الجهاز على عروة « الصلة »!‬
‫ث ها هم أولء يعيدون موقف اليهود القدي مع السلمي والوثنيي ‪ .‬فيؤيدون الوثنية‬
‫حيثما وجدت ضد السلم ‪ .‬عن طريق الساعدات الباشرة تارة ‪ ،‬وعن طريق الؤسسات‬

‫‪77‬‬
‫الدولية الت يشرفون عليها تارة أخرى! وليس الصراع بي الند وباكستان على كشمي‬
‫وموقف الصليبية منها ببعيد ‪.‬‬
‫وذلك فوق إقامة واحتضان وكفالة الوضاع الت تتول سحق حركات الحياء والبعث‬
‫السلمية ف كل مكان على وجه الرض ‪ .‬وإلباس القائمي بذه الوضاع أثواب البطولة‬
‫الزائفة ودق الطبول من حولم ‪ ،‬ليستطيعوا الجهاز على السلم ‪ ،‬ف زحة الضجيج‬
‫العالي حول القزام الذين يلبسون أردية البطال!‬
‫هذا موجز سريع لا سجله الواقع التاريي طوال أربعة عشر قرنا؛ من مواقف اليهودية‬
‫والصليبية تاه السلم؛ ل فرق بي هذه وتلك؛ ول افتراق بي هذا العسكر وذاك ف‬
‫الكيد للسلم ‪ ،‬والقد عليه ‪ ،‬والرب الدائبة الت ل تفتر على امتداد الزمان ‪.‬‬
‫وهذا ما ينبغي أن يعيه الواعون اليوم وغدا؛ فل ينساقوا وراء حركات التمييع الادعة أو‬
‫الخدوعة؛ الت تنظر إل أوائل مثل هذا النص القرآن ‪ -‬دون متابعة لبقيته؛ ودون متابعة‬
‫لسياق السورة كله ‪ ،‬ودون متابعة لتقريرات القرآن عامة ‪ ،‬ودون متابعة للواقع التاريي‬
‫الذي يصدق هذا كله ‪ -‬ث تتخذ من ذلك وسيلة لتخدير مشاعر السلمي تاه‬
‫العسكرات الت تضمر لم القد وتبيت لم الكيد؛ المر الذي تبذل فيه هذه العسكرات‬
‫جهدها ‪ ،‬وهي بصدد الضربة الخية الوجهة إل جذور العقيدة ‪.‬‬
‫إن هذه العسكرات ل تشى شيئا أكثر ما تشى الوعي ف قلوب العصبة الؤمنة ‪ -‬مهما‬
‫قل عددها وعدتا ‪ -‬فالذين ينيمون هذا الوعي هم أعدى أعداء هذه العقيدة ‪ .‬وقد يكون‬
‫بعضهم من الفرائس الخدوعة؛ ولكن ضررهم ل يقل ‪ -‬حينئذ ‪ -‬عن ضرر أعدى العداء‬
‫‪ ،‬بل إنه ليكون أشد أذى وضرا ‪( .‬الظلل)‬

‫*******************‬
‫وحرم علينا ربنا سبحانه وتعال طاعتهم والستماع لراجيفهم ‪:‬‬

‫ب يَ ُردّوكُ ْم َبعْدَ‬
‫قال تعال ‪ { :‬يَا َأّيهَا الّذِينَ َآ َمنُوا ِإنْ تُطِيعُوا َفرِيقًا مِ َن الّذِينَ أُوتُوا اْلكِتَا َ‬
‫إِيَاِنكُمْ كَافِرِينَ (‪[ )100‬آل عمران‪} ]100/‬‬

‫‪78‬‬
‫لقد جاءت هذه المة السلمة لتنشىء ف الرض طريقها على منهج ال وحده ‪ ،‬متميزة‬
‫متفردة ظاهرة ‪ .‬لقد انبثق وجودها ابتداء من منهج ال؛ لتؤدي ف حياة البشر دورا خاصا‬
‫ل ينهض به سواها ‪ .‬لقد وجدت لقرار منهج ال ف الرض ‪ ،‬وتقيقه ف صورة عملية ‪،‬‬
‫ذات معال منظورة ‪ ،‬تترجم فيها النصوص إل حركات وأعمال ‪ ،‬ومشاعر وأخلق ‪،‬‬
‫وأوضاع وارتباطات ‪.‬‬
‫وهي ل تقق غاية وجودها ‪ ،‬ول تستقيم على طريقها ‪ ،‬ول تنشىء ف الرض هذه‬
‫الصورة الوضيئة الفريدة من الياة الواقعية الاصة التميزة ‪ ،‬إل إذا تلقت من ال وحده ‪،‬‬
‫وإل إذا تولت قيادة البشرية با تتلقاه من ال وحده ‪ .‬قيادة البشرية ‪ . .‬ل التلقي من أحد‬
‫من البشر ‪ ،‬ول اتباع أحد من البشر ‪ ،‬ول طاعة أحد من البشر ‪ . .‬إما هذا وإما الكفر‬
‫والضلل والنراف ‪. .‬‬
‫هذا ما يؤكده القرآن ويكرره ف شت الناسبات ‪ .‬وهذا ما يقيم عليه مشاعر الماعة‬
‫السلمة وأفكارها وأخلقها كلما سنحت الفرصة ‪ . .‬وهنا موضع من هذه الواضع ‪،‬‬
‫مناسبته هي الناظرة مع أهل الكتاب ‪ ،‬ومواجهة كيدهم وتآمرهم على الماعة السلمة ف‬
‫الدينة ‪ . .‬ولكنه ليس مدودا بدود هذه الناسبة ‪ ،‬فهو التوجيه الدائم لذه المة ‪ ،‬ف كل‬
‫جيل من أجيالا ‪ ،‬لنه هو قاعدة حياتا ‪ ،‬بل قاعدة وجودها ‪.‬‬
‫لقد وجدت هذه المة لقيادة البشرية ‪ .‬فكيف تتلقى إذن من الاهلية الت جاءت لتبدلا‬
‫ولتصلها بال ‪ ،‬ولتقودها بنهج ال؟ وحي تتخلى عن مهمة القيادة فما وجودها إذن ‪،‬‬
‫وليس لوجودها ‪ -‬ف هذه الال ‪ -‬من غاية؟!‬
‫لقد وجدت للقيادة ‪ :‬قيادة التصور الصحيح ‪ .‬والعتقاد الصحيح ‪ .‬والشعور الصحيح ‪.‬‬
‫واللق الصحيح ‪ .‬والنظام الصحيح ‪ .‬والتنظيم الصحيح ‪ . .‬وف ظل هذه الوضاع‬
‫الصحيحة يكن أن تنمو العقول ‪ ،‬وأن تتفتح ‪ ،‬وأن تتعرف إل هذا الكون ‪ ،‬وأن تعرف‬
‫أسراره ‪ ،‬وأن تسخر قواه وطاقاته ومدخراته ‪.‬‬
‫ولكن القيادة الساسية الت تسمح بذا كله ‪ ،‬وتسيطر على هذا كله وتوجهه لي البشر‬
‫ل لتهديدهم بالراب والدمار ‪ ،‬ول لتسخيه ف الآرب والشهوات ‪ . .‬ينبغي أن تكون‬

‫‪79‬‬
‫لليان ‪ ،‬وأن تقوم عليها الماعة السلمة ‪ ،‬مهتدية فيها بتوجيه ال ‪ .‬ل بتوجيه أحد من‬
‫عبيد ال ‪.‬‬
‫وهنا ف هذا الدرس يذر المة السلمة من اتباع غيها ‪ ،‬ويبي لا كذلك طريقها لنشاء‬
‫الوضاع الصحيحة وصيانتها ‪ .‬ويبدأ بتحذيرها من اتباع أهل الكتاب ‪ ،‬وإل فسيقودونا‬
‫إل الكفر ل مناص ‪.‬‬
‫{ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيانكم كافرين‬
‫‪ .‬وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات ال وفيكم رسوله؟ ومن يعتصم بال فقد هدي‬
‫إل صراط مستقيم } ‪. .‬‬
‫إن طاعة أهل الكتاب والتلقي عنهم ‪ ،‬واقتباس مناهجهم وأوضاعهم ‪ ،‬تمل ابتداء معن‬
‫الزية الداخلية ‪ ،‬والتخلي عن دور القيادة الذي من أجله أنشئت المة السلمة ‪ .‬كما‬
‫تمل معن الشك ف كفاية منهج ال لقيادة الياة وتنظيمها والسي با صعدا ف طريق‬
‫النماء والرتقاء ‪ .‬وهذا بذاته دبيب الكفر ف النفس ‪ ،‬وهي ل تشعر به ول ترى خطره‬
‫القريب ‪.‬‬
‫هذا من جانب السلمي ‪ .‬فأما من الانب الخر ‪ ،‬فأهل الكتاب ل يرصون على شيء‬
‫حرصهم على إضلل هذه المة عن عقيدتا ‪ .‬فهذه العقيدة هي صخرة النجاة؛ وخط‬
‫الدفاع ‪ ،‬ومصدر القوة الدافعة للمة السلمة ‪ .‬وأعداؤه يعرفون هذا جيدا ‪ .‬يعرفونه قديا‬
‫ويعرفونه حديثا ‪ ،‬ويبذلون ف سبيل تويل هذه المة عن عقيدتا كل ما ف وسعهم من‬
‫مكر وحيلة ‪ ،‬ومن قوة كذلك وعُدة ‪ .‬وحي يعجزهم أن ياربوا هذه العقيدة ظاهرين‬
‫يدسون لا ماكرين ‪ .‬وحي يعييهم أن ياربوها بأنفسهم وحده ‪ ،‬يندون من النافقي‬
‫التظاهرين بالسلم ‪ ،‬أو من ينتسبون ‪ -‬زورا ‪ -‬للسلم ‪ ،‬جنودا مندة ‪ ،‬لتنخر لم ف‬
‫جسم هذه العقيدة من داخل الدار ‪ ،‬ولتصد الناس عنها ‪ ،‬ولتزين لم مناهج غي منهجها ‪،‬‬
‫وأوضاعا غي أوضاعها ‪ ،‬وقيادة غي قيادتا ‪. .‬‬
‫فحي يد أهل الكتاب من بعض السلمي طواعية واستماعا واتباعا ‪ ،‬فهم ول شك‬
‫سيستخدمون هذا كله ف سبيل الغاية الت تؤرقهم ‪ ،‬وسيقودونم ويقودون الماعة كلها‬
‫من ورائهم إل الكفر والضلل ‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫ومن ث هذا التحذير الاسم الخيف ‪:‬‬
‫{ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيانكم كافرين‬
‫}‪..‬‬
‫وما كان يفزع السلم ‪ -‬حينذاك ‪ -‬ما يفزعه أن يرى نفسه منتكسا إل الكفر بعد اليان‬
‫‪ .‬وراجعا إل النار بعد ناته منها إل النة ‪ .‬وهذا شأن السلم الق ف كل زمان ومن ث‬
‫يكون هذا التحذير بذه الصورة سوطا يلهب الضمي ‪ ،‬ويوقظه بشدة لصوت النذير ‪. .‬‬
‫ومع هذا فإن السياق يتابع التحذير والتذكي ‪ . .‬فيا له من منكر أن يكفر الذين آمنوا بعد‬
‫إيانم ‪ ،‬وآيات ال تتلى عليهم ‪ ،‬ورسوله فيهم ‪.‬‬
‫ودواعي اليان حاضرة ‪ ،‬والدعوة إل اليان قائمة ‪ ،‬ومفرق الطريق بي الكفر واليان‬
‫مسلط عليه هذا النور ‪:‬‬
‫{ وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات ال وفيكم رسوله؟ }‬
‫أجل ‪ .‬إنا لكبية أن يكفر الؤمن ف ظل هذه الظروف العينة على اليان ‪ . .‬وإذا كان‬
‫رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قد استوف أجله ‪ ،‬واختار الرفيق العلى ‪ ،‬فإن آيات‬
‫ال باقية ‪ ،‬وهدى رسوله ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬باق ‪ . .‬ونن اليوم ماطبون بذا‬
‫القرآن كما خوطب به الولون ‪ ،‬وطريق العصمة بي ‪ ،‬ولواء العصمة مرفوع ‪:‬‬
‫{ ومن يعتصم بال فقد هدي إل صراط مستقيم } ‪. .‬‬
‫أجل ‪ .‬إنه العتصام بال يعصم ‪ .‬وال سبحانه باق ‪ .‬وهو ‪ -‬سبحانه ‪ -‬الي القيوم ‪.‬‬
‫ولقد كان رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬يتشدد مع أصحابه ‪ -‬رضوان ال عليهم‬
‫‪ -‬ف أمر التلقي ف شأن العقيدة والنهج ‪ ،‬بقدر ما كان يفسح لم ف الرأي والتجربة ف‬
‫شؤون الياة العملية التروكة للتجربة والعرفة ‪ ،‬كشؤون الزرع ‪ ،‬وخطط القتال ‪ ،‬وأمثالا‬
‫من السائل العملية البحتة الت ل علقة لا بالتصور العتقادي ‪ ،‬ول بالنظام الجتماعي ‪،‬‬
‫ول بالرتباطات الاصة بتنظيم حياة النسان ‪ . .‬وفرق بي هذا وذلك بي ‪ .‬فمنهج‬
‫الياة شيء ‪ ،‬والعلوم البحتة والتجريبية والتطبيقية شيء آخر ‪ .‬والسلم الذي جاء ليقود‬
‫الياة بنهج ال ‪ ،‬هو السلم الذي وجه العقل للمعرفة والنتفاع بكل إبداع مادي ف‬
‫نطاق منهجه للحياة ‪. .‬‬

‫‪81‬‬
‫قال المام أحد ‪ « :‬حدثنا عبد الرازق ‪ ،‬أنبأنا سفيان ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن الشعب ‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن ثابت ‪ .‬قال ‪ » :‬جاء عمر إل النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فقال ‪ :‬يا رسول ال‬
‫‪ .‬إن أمرت بأخ يهودي من بن قريظة ‪ ،‬فكتب ل جوامع من التوراة ‪ .‬أل أعرضها‬
‫عليك؟ قال ‪ :‬فتغي وجه رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال عبد ال بن ثابت ‪:‬‬
‫قلت له ‪ :‬أل ترى ما وجه رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬؟ فقال عمر ‪ :‬رضيت بال‬
‫ربا ‪ ،‬وبالسلم دينا ‪ ،‬وبحمد رسولً ‪ .‬قال ‪ :‬فسري عن النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫وقال ‪ :‬والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬ث اتبعتموه وتركتمون‬
‫لضللتم ‪ .‬إنكم حظي من المم ‪ ،‬وأنا حظكم من النبيي « ‪.‬‬
‫وقال الافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا حاد عن الشعب عن جابر ‪ .‬قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ -‬صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ » -‬ل تسألوا أهل الكتاب عن شيء ‪ .‬فإنم لن يهدوكم وقد ضلوا ‪.‬‬
‫وإنكم إما أن تصدقوا بباطل ‪ ،‬وإما أن تكذبوا بق ‪ .‬وإنه وال لو كان موسى حيا بي‬
‫أظهركم ما حل له إل أن يتبعن ‪ « . .‬وف بعض الحاديث ‪ » :‬لو كان موسى وعيسى‬
‫حيي لا وسعهما إل اتباعي « ‪.‬‬
‫هؤلء هم أهل الكتاب ‪ .‬وهذا هو هدى رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ف التلقي‬
‫عنهم ف أي أمر يتص بالعقيدة والتصور ‪ ،‬أو بالشريعة والنهج ‪ . .‬ول ضي ‪ -‬وفق روح‬
‫السلم وتوجيهه ‪ -‬من النتفاع بهود البشر كلهم ف غي هذا من العلوم البحتة ‪ ،‬علما‬
‫وتطبيقا ‪ . .‬مع ربطها بالنهج اليان ‪ :‬من ناحية الشعور با ‪ ،‬وكونا من تسخي ال‬
‫للنسان ‪ .‬ومن ناحية توجيهها والنتفاع با ف خي البشرية ‪ ،‬وتوفي المن لا والرخاء ‪.‬‬
‫وشكر ال على نعمة العرفة ونعمة تسخي القوى والطاقات الكونية ‪ .‬شكره بالعبادة ‪.‬‬
‫وشكره بتوجيه هذه العرفة وهذا التسخي لي البشرية ‪. .‬‬
‫فأما التلقي عنهم ف التصور اليان ‪ ،‬وف تفسي الوجود ‪ ،‬وغاية الوجود النسان ‪ .‬وف‬
‫منهج الياة وأنظمتها وشرائعها ‪ ،‬وف منهج الخلق والسلوك أيضا ‪ . .‬أما التلقي ف‬
‫شيء من هذا كله ‪ ،‬فهو الذي تغي وجه رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ليسر‬
‫شيء منه ‪ .‬وهو الذي حذر ال المة السلمة عاقبته ‪ .‬وهي الكفر الصراح ‪. .‬‬

‫‪82‬‬
‫هذا هو توجيه ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وهذا هو هدى رسوله ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فأما نن‬
‫الذين نزعم أننا مسلمون ‪ ،‬فأرانا نتلقى ف صميم فهمنا لقرآننا وحديث نبينا ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬عن الستشرقي وتلمذة الستشرقي! وأرانا نتلقى فلسفتنا وتصوراتنا‬
‫للوجود والياة من هؤلء وهؤلء ‪ ،‬ومن الفلسفة والفكرين ‪ :‬الغريق والرومان‬
‫والوروبيي والمريكان! وأرانا نتلقى نظام حياتنا وشرائعنا وقوانيننا من تلك الصادر‬
‫الدخولة! وأرانا نتلقى قواعد سلوكنا وآدابنا وأخلقنا من ذلك الستنقع السن ‪ ،‬الذي‬
‫انتهت إليه الضارة الادية الجردة من روح الدين ‪ . .‬أي دين ‪ . .‬ث نزعم ‪ -‬وال ‪ -‬أننا‬
‫مسلمون! وهو زعم إثه أثقل من إث الكفر الصريح ‪ .‬فنحن بذا نشهد على السلم‬
‫بالفشل والسخ ‪ .‬حيث ل يشهد عليه هذه الشهادة الثة من ل يزعمون ‪ -‬مثلنا ‪ -‬أنم‬
‫مسلمون!‬
‫إن السلم منهج ‪ .‬وهو منهج ذو خصائص متميزة ‪ :‬من ناحية التصور العتقادي ‪ ،‬ومن‬
‫ناحية الشريعة النظمة لرتباطات الياة كلها ‪ .‬ومن ناحية القواعد الخلقية ‪ ،‬الت تقوم‬
‫عليها هذه الرتباطات ‪ ،‬ول تفارقها ‪ ،‬سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ‪.‬‬
‫وهو منهج جاء لقيادة البشرية كلها ‪ .‬فل بد أن تكون هناك جاعة من الناس تمل هذا‬
‫النهج لتقود به البشرية ‪ .‬وما يتناقض مع طبيعة القيادة ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬أن تتلقى هذه‬
‫الماعة التوجيهات من غي منهجها الذات ‪. .‬‬
‫ولي البشرية جاء هذا النهج يوم جاء ‪ .‬ولي البشرية يدعو الدعاة لتحكيم هذا النهج‬
‫اليوم وغدا ‪ .‬بل المر اليوم ألزم ‪ ،‬والبشرية بجموعها تعان من النظم والناهج الت انتهت‬
‫إليها ما تعان ‪ .‬وليس هناك منقذ إل هذا النهج اللي ‪ ،‬الذي يب أن يتفظ بكل‬
‫خصائصه كي يؤدي دوره للبشرية وينقذها مرة أخرى ‪.‬‬
‫لقد أحرزت البشرية انتصارات شت ف جهادها لتسخي القوى الكونية ‪ .‬وحققت ف عال‬
‫الصناعة والطب ما يشبه الوارق ‪ -‬بالنسبة للماضي ‪ -‬وما تزال ف طريقها إل انتصارات‬
‫جديدة ‪ . .‬ولكن ما أثر هذا كله ف حياتا؟ ما أثره ف حياتا النفسية؟ هل وجدت‬
‫السعادة؟ هل وجدت الطمأنينة؟ هل وجدت السلم؟ كل! لقد وجدت الشقاء والقلق‬
‫والوف ‪ . .‬والمراض العصبية والنفسية ‪ ،‬والشذوذ والرية على أوسع نطاق! ‪ . .‬إنا ل‬

‫‪83‬‬
‫تتقدم كذلك ف تصور غاية الوجود النسان وأهداف الياة النسانية ‪ . .‬وحي تقاس‬
‫غاية الوجود النسان وأهداف الياة النسانية ف ذهن الرجل التحضر العاصر ‪ ،‬إل‬
‫التصور السلمي ف هذا الانب ‪ ،‬تبدو هذه الضارة ف غاية القزامة! بل تبدو لعنة تط‬
‫من تصور النسان لنفسه ومقامه ف هذا الوجود وتسفل به ‪ ،‬وتصغر من اهتماماته ومن‬
‫أشواقه! ‪ . .‬والواء يأكل قلب البشرية الكدود ‪ ،‬والية تد روحها التعبة ‪ . .‬إنا ل تد‬
‫ال ‪ . .‬لقد أبعدتا عنه ملبسات نكدة ‪ .‬والعلم الذي كان من شأنه ‪ ،‬لو سار تت منهج‬
‫ال ‪ ،‬أن يعل من كل انتصار للبشرية ف ميدانه خطوة تقربا من ال ‪ ،‬هو ذاته الذي تبعد‬
‫به البشرية أشواطا بسبب انطماس روحها ونكستها ‪ . .‬إنا ل تد النور الذي يكشف لا‬
‫غاية وجودها القيقية فتنطلق إليها مستعينة بذا العلم الذي منحه ال لا ووهبها الستعداد‬
‫له ‪ .‬ول تد النهج الذي ينسق بي حركتها وحركة الكون ‪ ،‬وفطرتا وفطرة الكون ‪،‬‬
‫وقانونا وناموس الكون ‪ .‬ول تد النظام الذي ينسق بي طاقاتا وقواها ‪ ،‬وآخرتا ودنياها‬
‫‪ ،‬وأفرادها وجاعاتا ‪ ،‬وواجباتا وحقوقها ‪ . .‬تنسيقا طبيعيا شاملً مريا ‪. .‬‬
‫وهذه البشرية هي الت يعمل ناس منها على حرمانا من منهج ال الادي ‪ .‬وهم الذين‬
‫يسمون التطلع إل هذا النهج « رجعية! » ويسبونه مرد حني إل فترة ذاهبة من فترات‬
‫التاريخ ‪ . .‬وهم بهالتهم هذه أو بسوء نيتهم يرمون البشرية التطلع إل النهج الوحيد‬
‫الذي يكن أن يقود خطاها إل السلم والطمأنينة ‪ ،‬كما يقود خطاها إل النمو والرقي ‪.‬‬
‫‪ .‬ونن الذين نؤمن بذا النهج نعرف إل ماذا ندعو ‪ .‬إننا نرى واقع البشرية النكد ‪،‬‬
‫ونشم رائحة الستنقع السن الذي تتمرغ فيه ‪ .‬ونرى ‪ .‬نرى هنالك على الفق الصاعد‬
‫راية النجاة تلوح للمكدودين ف هجي الصحراء الحرق والرتقى الوضيء النظيف يلوح‬
‫للغارقي ف الستنقع؛ ونرى أن قيادة البشرية إن ل ترد إل هذا النهج فهي ف طريقها إل‬
‫الرتكاس الشائن لكل تاريخ النسان ‪ ،‬ولكل معن من معان النسان!‬
‫وأول الطوات ف الطريق أن يتميز هذا النهج ويتفرد ‪ ،‬ول يتلقى أصحابه التوجيه من‬
‫الاهلية الطامة من حولم ‪ . .‬كيما يظل النهج نظيفا سليما ‪ .‬إل أن يأذن ال بقيادته‬
‫للبشرية مرة أخرى ‪ .‬وال أرحم بعباده أن يدعهم لعداء البشر ‪ ،‬الداعي إل الاهلية من‬
‫هنا ومن هناك! ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫وهذا ما أراد ال سبحانه أن يلقنه للجماعة السلمة الول ف كتابه الكري؛ وما حرص‬
‫رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أن يعلمها إياه ف تعليمه القوي ‪( . .‬الظلل)‬
‫************************‬
‫وحرم سبحانه وتعال توليهم ‪:‬‬
‫قال تعال ‪ {:‬يَا َأّيهَا الّذِينَ َآ َمنُوا لَا َتتّخِذُوا عَ ُدوّي َوعَ ُدوّكُمْ َأوْلِيَا َء تُ ْلقُونَ إَِلْيهِ ْم بِالْ َموَ ّد ِة‬
‫ح ّق يُخْ ِرجُونَ ال ّرسُو َل َوِإيّاكُمْ أَ ْن ُت ْؤمِنُوا بِاللّهِ َرّبكُمْ إِنْ ُكْنتُمْ‬ ‫وَقَدْ َكفَرُوا بِمَا جَاءَكُ ْم مِ َن الْ َ‬
‫َخرَ ْجتُمْ ِجهَادًا فِي َسبِيلِي وَابِْتغَا َء مَرْضَاتِي تُسِرّونَ إَِلْيهِ ْم بِالْ َموَ ّد ِة َوَأنَا َأعْلَ ُم بِمَا أَ ْخ َفيْتُ ْم َومَا‬
‫سبِيلِ (‪ِ )1‬إنْ َيْثقَفُوكُ ْم َيكُونُوا َلكُمْ َأعْدَاءً‬ ‫ض ّل َسوَاءَ ال ّ‬ ‫َأعَْلنْتُ ْم َومَ ْن َي ْفعَلْ ُه ِمنْكُمْ َفقَدْ َ‬
‫َويَبْسُطُوا إِلَْيكُمْ َأيْ ِدَيهُ ْم َوأَلْسَِنَتهُ ْم بِالسّوءِ َووَدّوا َل ْو َتكْفُرُونَ (‪ )2‬لَ ْن َتْنفَ َعكُمْ أَرْحَا ُمكُ ْم وَلَا‬
‫سَنةٌ‬ ‫َأوْلَادُكُ ْم َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ َي ْفصِلُ بَْيَنكُمْ وَاللّ ُه بِمَا تَعْ َملُونَ َبصِيٌ (‪ )3‬قَدْ كَاَنتْ َلكُمْ ُأ ْس َوةٌ حَ َ‬
‫فِي ِإبْرَاهِيمَ وَالّذِي َن َمعَهُ إِذْ قَالُوا ِل َقوْ ِمهِمْ ِإنّا بُرَآَ ُء ِمنْكُ ْم َومِمّا َت ْعبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َكفَ ْرنَا‬
‫بِكُ ْم َوبَدَا َبيَْننَا َوبَْيَنكُمُ الْعَدَا َوةُ وَاْلبَ ْغضَاءُ َأبَدًا َحتّى ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه َوحْ َدهُ إِلّا َق ْولَ ِإبْرَاهِيمَ ِلأَبِيهِ‬
‫ك َتوَكّ ْلنَا َوإِلَيْكَ َأنَْبنَا َوإِلَيْكَ‬‫ك مِنَ اللّ ِه مِ ْن َشيْءٍ َرّبنَا عََليْ َ‬ ‫ك َومَا َأمْلِكُ لَ َ‬ ‫َلأَ ْسَت ْغفِ َرنّ لَ َ‬
‫حكِيمُ (‪)5‬‬ ‫جعَ ْلنَا ِفْتَنةً لِلّذِينَ َكفَرُوا وَا ْغفِرْ َلنَا َرّبنَا ِإنّكَ َأْنتَ اْلعَزِي ُز الْ َ‬ ‫الْ َمصِيُ (‪َ )4‬ربّنَا لَا تَ ْ‬
‫سَنةٌ لِ َمنْ كَانَ يَ ْرجُو اللّ َه وَاْلَي ْومَ الْآَ ِخ َر َومَ ْن يََتوَلّ فَِإنّ اللّ َه ُهوَ‬ ‫َلقَدْ كَانَ َلكُمْ فِيهِمْ ُأ ْس َوةٌ حَ َ‬
‫حمِيدُ (‪ )6‬المتحنة}‬ ‫الْ َغِنيّ الْ َ‬
‫ضبَ اللّ ُه عََلْيهِمْ َق ْد َيئِسُوا مِ َن الْآَخِ َرةِ‬ ‫قال تعال ‪ { :‬يَا َأّيهَا الّذِينَ َآ َمنُوا لَا َتَتوَّلوْا َق ْومًا َغ ِ‬
‫ب اْل ُقبُورِ (‪ )13‬المتحنة}‬ ‫كَمَا َيِئسَ اْل ُكفّا ُر مِنْ أَصْحَا ِ‬
‫ضهُمْ َأوِْليَاءُ َب ْعضٍ‬ ‫وقال تعال ‪ { :‬يَا َأّيهَا الّذِينَ َآ َمنُوا لَا َتتّخِذُوا الَْيهُو َد وَالنّصَارَى َأوِْليَاءَ بَ ْع ُ‬
‫َومَ ْن يََتوَّلهُ ْم ِمنْكُمْ فَِإنّ ُه ِمْنهُمْ ِإنّ اللّهَ لَا َيهْدِي اْل َق ْومَ الظّالِ ِميَ (‪[ )51‬الائدة‪} ]51/‬‬
‫إن العال الذي يريده السلم عال ربان إنسان ‪ .‬ربان بعن أنه يستمد كل مقوماته من‬
‫توجيه ال وحكمه ‪ ،‬ويتجه إل ال بكل شعوره وعمله ‪ .‬وإنسان بعن أنه يشمل النس‬
‫النسان كله ف رحاب العقيدة وتذوب فيه فواصل النس والوطن واللغة والنسب ‪.‬‬
‫وسائر ما ييز إنسانا عن إنسان ‪ ،‬عدا عقيدة اليان ‪ .‬وهذا هو العال الرفيع اللئق أن‬
‫يعيش فيه النسان الكري على ال ‪ ،‬التضمن كيانه نفحة من روح ال ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫ودون إقامة هذا العال تقف عقبات كثية كانت ف البيئة العربية وما تزال ف العال كله‬
‫إل اليوم عقبات من التعصب للبيت ‪ ،‬والتعصب للعشية ‪ ،‬والتعصب للقوم ‪ ،‬والتعصب‬
‫للجنس ‪ ،‬والتعصب للرض ‪ .‬كما تقف عقبات من رغائب النفوس وأهواء القلوب ‪ ،‬من‬
‫الرص والشح وحب الي للذات ‪ ،‬ومن الكبياء الذاتية واللتواءات النفسية ‪ . .‬وألوان‬
‫غيها كثيمن ذوات الصدور!‬
‫وكان على السلم أن يعال هذا كله ف الماعة الت يعدها لتحقيق منهج ال ف الرض‬
‫ف صورة عملية واقعة ‪ .‬وكانت هذه الصورة حلقة ف سلسلة هذا العلج الطويل ‪.‬‬
‫وكان بعض الهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالم وأهليهم ف سبيل عقيدتم ‪ ،‬ما تزال‬
‫نفوسهم مشدودة إل بعض من خلفوا هنالك من ذرية وأزواج وذوي قرب ‪ .‬وعلى الرغم‬
‫من كل ما ذاقوا من العنت والذى ف قريش فقد ظلت بعض النفوس تود لو وقعت بينهم‬
‫وبي أهل مكة الحاسنة والودة؛ وأن لو انتهت هذه الصومة القاسية الت تكلفهم قتال‬
‫أهليهم وذوي قرابتهم ‪ ،‬وتقطع ما بينهم وبينهم من صلت!‬
‫وكان ال يريد استصفاء هذه النفوس واستخلصها من كل هذه الوشائج ‪ ،‬وتريدها‬
‫لدينه وعقيدته ومنهجه ‪ .‬وهو سبحانه يعلم ثقل الضغط الواقع عليها من اليول الطبيعية‬
‫ورواسب الاهلية جيعا وكان العرب بطبيعتهم أشد الناس احتفالً بعصبية القبيلة‬
‫والعشية والبيت فكان يأخذهم يوما بعد يوم بعلجه الناجع البالغ ‪ ،‬بالحداث‬
‫وبالتعقيب على الحداث ‪ ،‬ليكون العلج على مسرح الوادث وليكون الطرق والديد‬
‫ساخن!‬
‫وتذكر الروايات حادثا معينا نزل فيه صدر هذه السورة ‪ .‬وقد تكون هذه الروايات‬
‫صحيحة ف سبب النول الباشر ‪ .‬ولكن مدى النصوص القرآنية دائما أبعد من الوادث‬
‫الباشرة ‪.‬‬
‫ل من الهاجرين ‪ .‬وكان من‬ ‫وقد قيل ف هذا الادث ‪ :‬إن حاطب بن أب بلتعة كان رج ً‬
‫أهل بدر أيضا ‪ .‬وكان له بكة أولد ومال ‪ ،‬ول يكن من قريش أنفسهم بل كان حليفا‬
‫لعثمان ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫فلما عزم رسول ال صلى ال عليه وسلم على فتح مكة لا نقض أهلها عهد الديبية أمر‬
‫السلمي بالتجهيز لغزوهم ‪ ،‬وقال ‪ « :‬اللهم عَمّ عليهم خبنا » ‪ .‬وأخب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم جاعة من أصحابه بوجهته ‪ ،‬كان منهم حاطب ‪ .‬فعمد حاطب فكتب‬
‫كتابا وبعثه مع امرأة مشركة قيل من مزينة جاءت الدينة تسترفد إل أهل مكة يعلمهم‬
‫بعزم رسول ال صلى ال عليه وسلم على غزوهم ‪ ،‬ليتخذ بذلك عندهم يدا ‪ .‬فأطلع ال‬
‫تعال رسوله على ذلك استجابة لدعائه ‪ .‬وإمضاء لقدره ف فتح مكة ‪ .‬فبعث ف أثر‬
‫الرأة ‪ ،‬فأخذ الكتاب منها ‪.‬‬
‫وقد روى البخاري ف الغازي ‪ ،‬ورواه مسلم ف صحيحه من حديث حصي بن عبد‬
‫الرحن ‪ ،‬عن سعد ابن عبيدة عن أب عبد الرحن السلمي ‪ ،‬عن علي رضي ال عنه قال ‪:‬‬
‫« بعثن رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبا مرثد والزبي بن العوام وكلنا فارس وقال ‪:‬‬
‫انطلقوا حت تأتوا روضة خاخ ‪ ،‬فإن با امرأة من الشركي معها كتاب من حاطب بن‬
‫أب بلعتة إل الشركي » ‪ .‬فأدركناها تسي على بعي لا حيث قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فقلنا ‪ :‬الكتاب؟ فقالت ما معي كتاب ‪ .‬فأنناها فالتمسنا فلم نر كتابا ‪ .‬فقلنا‬
‫‪ :‬ما كذب رسول ال صلى ال عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك ‪ .‬فلما رأت‬
‫الد أهوت إل حجزتا ‪ ،‬وهي متحجزة بكساء ‪ ،‬فأخرجته ‪ .‬فانطلقنا به إل رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال عمر ‪ :‬يا رسول ال ‪ .‬قد خان ال ورسوله والؤمني ‪ ،‬فدعن‬
‫فلضربن عنقه ‪ .‬فقال النب صلى ال عليه وسلم ‪ « :‬ما حلك على ما صنعت؟ » قال‬
‫حاطب ‪ :‬وال ما ب إل أن أكون مؤمنا بال ورسوله صلى ال عليه وسلم أردت أن‬
‫تكون ل عند القوم يد ‪ .‬يدفع ال با عن أهلي ومال ‪ ،‬وليس أحد من أصحابك إل له‬
‫هناك من عشيته من يدفع ال به عن أهله وماله ‪ .‬فقال ‪ « :‬صدق ل تقولوا إل خيا »‬
‫فقال عمر ‪ :‬إنه قد خان ال ورسوله والؤمني ‪ ،‬فدعن فلضرب عنقه ‪ .‬فقال ‪ « :‬أليس‬
‫من أهل بدر؟ فقال ‪ :‬لعل ال اطلع إل أهل بدر فقال ‪ :‬اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم‬
‫النة أو قد غفرت لكم » فدمعت عينا عمر ‪ ،‬وقال ‪ :‬ال ورسوله أعلم « ‪ .‬وزاد‬
‫البخاري ف كتاب الغازي ‪ :‬فأنزل ال السورة ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي‬

‫‪87‬‬
‫وعدوكم أوليآء تلقون إليهم بالودة } وف رواية أخرى أن الذين أرسلوا كانوا هم علي‬
‫والزبي والقداد ‪.‬‬
‫والوقوف قليلً أمام هذا الادث وما دار بشأنه ل يرج بنا عن « ظلل القرآن » والتربية‬
‫به وبالحداث والتوجيهات والتعقيبات عن طريق رسول ال صلى ال عليه وسلم القائد‬
‫الرب العظيم ‪. .‬‬
‫واول ما يقف النسان أمامه هو فعلة حاطب ‪ ،‬وهو السلم الهاجر ‪ ،‬وهو أحد الذين‬
‫أطلعهم رسول ال صلى ال عليه وسلم على سر الملة ‪ . .‬وفيها ما يكشف عن‬
‫منحنيات النفس البشرية العجيبة ‪ ،‬وتعرض هذه النفس للحظات الضعف البشري مهما‬
‫بلغ من كمالا وقوتا؛ وأن ل عاصم إل ال من هذه اللحظات فهو الذي يعي عليها ‪.‬‬
‫ث يقف النسان مرة أخرى أمام عظمة الرسول صلى ال عليه وسلم وهو ل يعجل حت‬
‫يسأل ‪ « :‬ما حلك على ما صنعت » ف سعة صدر وعطف على لظة الضعف الطارئة‬
‫ف نفس صاحبه ‪ ،‬وإدراك ملهم بأن الرجل قد صدق ‪ ،‬ومن ث يكف الصحابة عنه ‪« :‬‬
‫صدق ل تقولوا إل خيا » ‪ .‬ليعينه وينهضه من عثرته ‪ ،‬فل يطارده با ول يدع أحدا‬
‫يطارده ‪ .‬بينما ند اليان الاد الاسم الازم ف شدة عمر ‪ « :‬إنه قد خان ال ورسوله‬
‫والؤمني ‪ .‬فدعن فلضرب عنقه » ‪ . .‬فعمر رضي ال عنه إنا ينظر إل العثرة ذاتا فيثور‬
‫لا حسه الاسم وإيانه الازم ‪ .‬أما رسول ال صلى ال عليه وسلم فينظر إليها من خلل‬
‫إدراكه الواسع الشامل للنفس البشرية على حقيقتها ‪ ،‬ومن كل جوانبها ‪ ،‬مع العطف‬
‫الكري اللهم الذي تنشئه العرفة الكلية ‪ .‬ف موقف الرب الكري العطوف التأن الناظر إل‬
‫جيع اللبسات والظروف ‪. .‬‬
‫ث يقف النسان أمام كلمات حاطب ‪ ،‬وهو ف لظة ضعفه ‪ ،‬ولكن تصوره لقدر ال‬
‫وللسباب الرضية هو التصور اليان الصحيح ‪ . .‬ذلك حي يقول ‪ « :‬أردت أن تكون‬
‫ل عند القوم يد ‪ . .‬يدفع ال با عن أهلي ومال » ‪ . .‬فال هو الذي يدفع ‪ ،‬وهذه اليد‬
‫ل تدفع بنفسها ‪ ،‬إنا يدفع ال با ‪ .‬ويؤكد هذا التصور ف بقية حديثه وهو يقول ‪« :‬‬
‫وليس أحد من أصحابك إل له هناك من عشيته من يدفع ‪ . .‬ال ‪ . .‬به عن أهله وماله »‬
‫فهو ال حاضر ف تصوره ‪ ،‬وهو الذي يدفع ل العشية ‪ .‬إنا العشية أداة يدفع ال با ‪. .‬‬

‫‪88‬‬
‫ولعل حس رسول ال اللهم قد راعى هذا التصور الصحيح الي ف قول الرجل ‪ ،‬فكان‬
‫هذا من أسباب قوله صلى ال عليه وسلم ‪ « : -‬صدق ‪ .‬ل تقولوا إل خيا » ‪.‬‬
‫وأخيا يقف النسان أمام تقدير ال ف الادث؛ وهو أن يكون حاطب من القلة الت يعهد‬
‫إليها رسول ال صلى ال عليه وسلم بسر الملة ‪.‬‬
‫وأن تدركه لظة الضعف البشري وهو من القلة الختارة ‪ .‬ث يري قدر ال بكف ضرر‬
‫هذه اللحظة عن السلمي ‪ .‬كأنا القصد هو كشفها فقط وعلجها! ث ل يكون من‬
‫الخرين الذين ل يعهد إليهم بالسر اعتراض على ما وقع ‪ ،‬ول تنفج بالقول ‪ :‬ها هو ذا‬
‫أحد من استودعوا السر خانوه ‪ ،‬ولو أودعناه نن ما بنا به! فلم يرد من هذا شيء ‪ .‬ما‬
‫يدل على أدب السلمي مع قيادتم ‪ ،‬وتواضعهم ف الظن بأنفسهم ‪ ،‬واعتبارهم با حدث‬
‫لخيهم ‪. .‬‬
‫والادث متواتر الرواية ‪ .‬أما نزول هذه اليات فيه فهو أحد روايات البخاري ‪ .‬ول‬
‫نستبعد صحة هذه الرواية؛ ولكن مضمون النص القرآن كما قلنا أبعد مدى ‪ ،‬وأدل على‬
‫أنه كان يعال حالة نفسية أوسع من حادث حاطب الذي تواترت به الروايات ‪ ،‬بناسبة‬
‫وقوع هذا الادث ‪ ،‬على طريقة القرآن ‪.‬‬
‫كان يعال مشكلة الواصر القريبة ‪ ،‬والعصبيات الصغية ‪ ،‬وحرص النفوس على مألوفاتا‬
‫الوروثة ليخرج با من هذا الضيق الحلي إل الفق العالي النسان ‪.‬‬
‫وكان ينشئ ف هذه النفوس صورة جديدة ‪ ،‬وقيما جديدة ‪ ،‬وموازين جديدة ‪ ،‬وفكرة‬
‫جديدة عن الكون والياة والنسان ‪ ،‬ووظيفة الؤمني ف الرض ‪ ،‬وغاية الوجود النسان‬
‫‪.‬‬
‫وكان كأنا يمع هذه النبتات الصغية الديدة ف كنف ال؛ ليعلمهم ال ويبصرهم‬
‫بقيقة وجودهم وغايته ‪ ،‬وليفتح أعينهم على ما ييط بم من عداوات ومكر وكيد ‪،‬‬
‫وليشعرهم أنم رجاله وحزبه ‪ ،‬وأنه يريد بم أمرا ‪ ،‬ويقق بم قدَرا ‪ .‬ومن ث فهم‬
‫يوسون بسمته ويملون شارته ‪ ،‬ويعرفون بذه الشارة وتلك السمة بي القوام جيعا ‪ .‬ف‬
‫الدنيا والخرة ‪ .‬وإذن فليكونوا خالصي له ‪ ،‬منقطعي لوليته ‪ ،‬متجردين من كل وشيجة‬
‫غي وشيجته ‪ .‬ف عال الشعور وعال السلوك ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫والسورة كلها ف هذا التاه ‪ .‬حت اليات التشريعية التنظيمية الواردة ف آخرها عن‬
‫معاملة الهاجرات الؤمنات ‪ ،‬ومبايعة من يدخلن ف السلم ‪ ،‬والفصل بي الؤمنات‬
‫وأزواجهن من الكفار ‪ .‬وبي الؤمني وزوجاتم من الكوافر ‪ . .‬فكلها تنظيمات منبثقة‬
‫من ذلك التوجيه العام ‪.‬‬
‫ث ختام السورة كما بدأت بالنهي عن موالة أعداء ال ‪ ،‬من غضب عليهم ال ‪ ،‬سواء‬
‫من الشركي أو من اليهود ‪ .‬ليتم التميز والنفراد والفاصلة من جيع الوشائج والروابط‬
‫غي رابطة العقيدة وغي وشيجة اليان ‪. .‬‬
‫{ يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالودة ‪ ،‬وقد كفروا‬
‫با جاءكم من الق ‪ ،‬يرجون الرسول وإياكم ‪ ،‬أن تؤمنوا بال ربكم ‪ .‬إن كنتم خرجتم‬
‫جهادا ف سبيلي وابتغاء مرضات تسرون إليهم بالودة وأنا أعلم با أخفيتم وما أعلنتم؛‬
‫ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ‪ .‬إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ‪ ،‬ويبسطوا‬
‫إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ‪ ،‬وودوا لو تكفرون } ‪. .‬‬
‫تبدأ السورة بذلك النداء الودود الوحي ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا } ‪ . .‬نداء من ربم الذي‬
‫آمنوا به ‪ ،‬يدعوهم باسم اليان الذي ينسبهم إليه ‪.‬‬
‫يدعوهم ليبصرهم بقائق موقفهم ‪ ،‬ويذرهم حبائل أعدائهم ‪ ،‬ويذكرهم بالهمة اللقاة‬
‫على عاتقهم ‪.‬‬
‫وف مودة يعل عدوهم عدوه ‪ ،‬وعدوه عدوهم ‪:‬‬
‫{ ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالودة } ‪. .‬‬
‫فيشعر الؤمني بأنم منه وإليه ‪ .‬يعاديهم من يعاديه ‪ .‬فهم رجاله النتسبون إليه الذين‬
‫يملون شارته ف هذه الرض ‪ ،‬وهم أوداؤه وأحباؤه ‪ .‬فل يوز أن يلقوا بالودة إل‬
‫أعدائهم وأعدائه ‪.‬‬
‫ويذكرهم بريرة هؤلء العداء عليهم وعلى دينهم وعلى رسولم ‪ ،‬وعدوانم على هذا‬
‫كله ف تن وظلم ‪:‬‬
‫{ وقد كفروا با جاءكم من الق ‪ .‬يرجون الرسول وإياكم ‪ .‬أن تؤمنوا بال ربكم } ‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫فماذا أبقوا بعد هذه الرائر الظالة للموالة والودة؟ كفروا بالق ‪ .‬وأخرجوا الرسول‬
‫والؤمني ‪ ،‬ل لشيء إل لنم آمنوا بال ربم؟ إنه يهيج ف قلوب الؤمني هذه الذكريات‬
‫الرتبطة بعقيدتم ‪ .‬وهي الت حاربم الشركون من أجلها ‪ ،‬ل من أجل أي سبب آخر ‪.‬‬
‫ويبز القضية الت عليها اللف والصومة والرب ‪ .‬فهي قضية العقيدة دون سواها ‪.‬‬
‫قضية الق الذي كفروا به والرسول الذي أخرجوه ‪ ،‬واليان الذي من أجله أخرجوهم ‪.‬‬
‫وإذا تحضت القضية هكذا وبرزت ‪ ،‬ذكّرهم بأنه ل مل إذن للمودة بينهم وبي‬
‫الشركي إن كانوا قد خرجوا من ديارهم ابتغاء رضوان ال وجهادا ف سبيله ‪:‬‬
‫{ إن كنتم خرجتم جهادا ف سبيلي وإبتغاء مرضات } ‪. .‬‬
‫فما يتمع ف قلب واحد أن يهاجر جهادا ف سبيل ال ابتغاء مرضاة ال ‪ ،‬مع مودة لن‬
‫أخرجه من أجل إيانه بال ‪ ،‬وهو عدو ال وعدو رسول ال!‬
‫ث يذرهم تذيرا خفيا ما تكن قلوبم ‪ ،‬وما يسرون به إل أعدائهم وأعداء ال من‬
‫الودة ‪ ،‬وهو مطلع على خفية القلوب وعلنيتها ‪:‬‬
‫{ تسرون إليهم بالودة وأنا أعلم با أخفيتم وما أعلنتم } ‪.‬‬
‫ث يهددهم تديدا ميفا ‪ ،‬يثي ف القلب الؤمن الوجل والخافة ‪:‬‬
‫{ ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل } ‪. .‬‬
‫وهل ييف الؤمن شيء ما ييفه أن يضل سواء السبيل بعد الداية والوصول؟!‬
‫وهذا التهديد وذلك التحذير يتوسطان تبصي الؤمني بقيقة أعدائهم وما يضمرون لم‬
‫من الشر والكيد ‪ .‬ث تيء البقية ‪:‬‬
‫{ إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطون إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء } ‪. .‬‬
‫فل تعرض لم فرصة يتمكنون فيها من السلمي حت يتصرفوا معهم تصرف العدو الصيل‬
‫‪ .‬ويوقعوا بم ما يلكون من أذى ومن تنكيل باليدي وباللسنة وبكل وسيلة وكل سبيل‬
‫‪.‬‬
‫والدهى من هذا كله والشد والنكى ‪:‬‬
‫{ وودوا لو تكفرون } ‪. .‬‬

‫‪91‬‬
‫وهذه عند الؤمن أشد من كل أذى ومن كل سوء يصيبه باليد أو اللسان ‪ .‬فالذي يود له‬
‫أن يسر هذا الكن العزيز ‪ .‬كن اليان ‪ .‬ويرتد إل الكفر ‪ ،‬هو أعدى من كل عدو يؤذيه‬
‫باليد وباللسان!‬
‫والذي يذوق حلوة اليان بعد الكفر ‪ ،‬ويهتدي بنوره بعد الضلل ‪ ،‬ويعيش عيشة‬
‫الؤمن بتصوراته ومداركه ومشاعره واستقامة طريقه وطمأنينة قلبه يكره العودة إل الكفر‬
‫كما يكره أن يلقى ف النار ‪.‬‬
‫أو أشد ‪ .‬فعدو ال هو الذي يود أن يرجعه إل جحيم الكفر وقد خرج منه إل جنة‬
‫اليان ‪ ،‬وإل فراغ الكفر الاوي بعد عال اليان العمور ‪.‬‬
‫لذا يتدرج القرآن ف تييج قلوب الؤمني ضد أعدائه وأعدائهم حت يصل إل قمته بقوله‬
‫لم عنهم ‪ { :‬وودوا لو تكفرون } ‪. .‬‬
‫هذه هي الولة الول بلمساتا التعددة ‪ .‬ث تليها جولة ثانية بلمسة واحدة تعال مشاعر‬
‫القرابة ووشائجها التأصلة؛ والت تشتجر ف القلوب فتجرها جرا إل الودة؛ وتنسيها‬
‫تكاليف التميز بالعقيدة ‪:‬‬
‫{ لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم ‪ .‬يوم القيامة يفصل بينكم ‪ .‬وال با تعملون‬
‫بصي } ‪.‬‬
‫إن الؤمن يعمل ويرجو الخرة ‪ .‬ويزرع هنا وينتظر الصاد هناك ‪ .‬فلمسة قلبه با يكون‬
‫ف الخرة من تقطيع وشائج القرب كلها إذا تقطعت وشيجة العقيدة ‪ ،‬من شأنا أن تون‬
‫عنده شأن هذه الوشائج ف فترة الياة الدنيا القصية؛ وتوجهه إل طلب الوشيجة الدائمة‬
‫الت ل تنقطع ف دنيا ول ف آخرة ‪:‬‬
‫ومن ث يقول لم ‪ { :‬لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم } ‪ . .‬الت تفون إليها وتتعلق‬
‫قلوبكم با؛ وتضطركم إل موادة أعداء ال وأعدائكم وقاية لا كما حدث لاطب ف‬
‫حرصه على أولده وأمواله وكما تيش خواطر آخرين غيه حول أرحامهم وأولدهم‬
‫الذين خلفوهم ف دار الجرة ‪ .‬لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم ‪ .‬ذلك أنه { يوم‬
‫القيامة يفصل بينكم } ‪ . .‬لن العروة الت تربطكم مقطوعة ‪ .‬وهي العروة الت ل رباط‬
‫بغيها عند ال ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫{ وال با تعملون بصي } ‪ . .‬مطلع على العمل الظاهر والنية وراءه ف الضمي ‪.‬‬
‫ث تأت الولة الثالثة فتصل السلمي بأول هذه المة الواحدة ‪ :‬أمة التوحيد ‪ .‬وهذه القافلة‬
‫الواحدة ‪ :‬قافلة اليان ‪ .‬فإذا هي متدة ف الزمان ‪ ،‬متميزة باليان ‪ ،‬متبئة من كل‬
‫وشيجة تناف وشيجة العقيدة ‪ . .‬إنا المة المتدة منذ إبراهيم ‪ .‬أبيهم الول وصاحب‬
‫النيفية الول ‪ .‬وفيه أسوة ل ف العقيدة وحدها ‪ ،‬بل كذلك ف السية ‪ ،‬وف التجارب‬
‫الت عاناها مع عاطفة القرابة ووشائجها؛ ث خلص منها هو ومن آمن معه ‪ ،‬وترد لعقيدته‬
‫وحدها ‪:‬‬
‫{ قد كانت لكم أسوة حسنة ف إبراهيم والذين معه؛ إذ قالوا لقومهم ‪ :‬إنا برآء منكم ‪،‬‬
‫وما تعبدون من دون ال ‪ ،‬كفرنا بكم ‪ ،‬وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حت‬
‫تؤمنوا بال وحده ‪ .‬إل قول إبراهيم لبيه ‪ ،‬لستغفرن لك ‪ ،‬وما أملك لك من ال من‬
‫شيء ‪ .‬ربنا عليك توكلنا ‪ ،‬وإليك أنبنا ‪ ،‬وإليك الصي ‪ .‬ربنا ل تعلنا فتنة للذين كفروا ‪،‬‬
‫واغفر لنا ربنا ‪ ،‬إنك أنت العزيز الكيم ‪ . .‬لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لن كان‬
‫يرجو ال واليوم الخر ‪.‬‬
‫وينظر السلم فإذا له نسب عريق ‪ ،‬وماض طويل ‪ ،‬وأسوة متدة على آماد الزمان ‪ ،‬وإذا‬
‫هو راجع إل إبراهيم ‪ ،‬ل ف عقيدته فحسب ‪ ،‬بل ف تاربه الت عاناها كذلك ‪ .‬فيشعر‬
‫أن له رصيدا من التجارب أكب من رصيده الشخصي وأكب من رصيد جيله الذي يعيش‬
‫فيه ‪ .‬إن هذه القافلة المتدة ف شعاب الزمان من الؤمني بدين ال ‪ ،‬الواقفي تت راية‬
‫ال ‪ ،‬قد مرت بثل ما ير به ‪ ،‬وقد انتهت ف تربتها إل قرار اتذته ‪ .‬فليس المر جديدا‬
‫ول مبتدعا ول تكليفا يشق على الؤمني ‪ . .‬ث إن له لمة طويلة عريضة يلتقي معها ف‬
‫العقيدة ويرجع إليها ‪ ،‬إذا انبتت الروابط بينه وبي أعداء عقيدته ‪ .‬فهو فرع من شجرة‬
‫ضخمة باسقة عميقة الذور كثية الفروع وارفة الظلل ‪ . .‬الشجرة الت غرسها أول‬
‫السلمي ‪ . .‬إبراهيم ‪. .‬‬
‫مر إبراهيم والذين معه بالتجربة الت يعانيها السلمون الهاجرون ‪ .‬وفيهم أسوة حسنة ‪{ :‬‬
‫إذ قالوا لقومهم ‪ :‬إنا برآء منكم وما تعبدون من دون ال ‪ ،‬كفرنا بكم ‪ ،‬وبدا بيننا‬
‫وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حت تؤمنوا بال وحده } ‪. .‬‬

‫‪93‬‬
‫فهي الباءة من القوم ومعبوداتم وعباداتم ‪ .‬وهو الكفر بم واليان بال ‪ .‬وهي العداوة‬
‫والبغضاء ل تنقطع حت يؤمن القوم بال وحده ‪ .‬وهي الفاصلة الاسة الازمة الت ل‬
‫تستبقي شيئا من الوشائج والواصر بعد انقطاع وشيجة العقيدة وآصرة اليان ‪ .‬وف هذا‬
‫الفصل الطاب ف مثل هذه التجربة الت ير با الؤمن ف أي جيل ‪ .‬وف قرار إبراهيم‬
‫والذين معه أسوة للفائهم من السلمي إل يوم الدين ‪.‬‬
‫ولقد كان بعض السلمي يد ف استغفار إبراهيم لبيه وهو مشرك ثغرة تنفذ منها‬
‫عواطفهم البيسة ومشاعرهم الوصولة بذوي قرباهم من الشركي ‪ .‬فجاء القرآن ليشرح‬
‫لم حقيقة موقف إبراهيم ف قوله لبيه ‪ { :‬لستغفرن لك } ‪. .‬‬
‫فلقد قال هذا قبل أن يستيقن من إصرار أبيه على الشرك ‪ .‬قاله وهو يرجو إيانه ويتوقعه ‪:‬‬
‫{ فلما تبي له أنه عدو ل تبأ منه } ‪ . .‬كما جاء ف سورة أخرى ‪.‬‬
‫ويثبت هنا أن إبراهيم فوض المر كله ل ‪ ،‬وتوجه إليه بالتوكل والنابة والرجوع إليه‬
‫على كل حال ‪:‬‬
‫{ وما أملك لك من ال من شيء ‪ .‬ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك الصي } ‪. .‬‬
‫وهذا التسليم الطلق ل ‪ ،‬هو السمة اليانية الواضحة ف إبراهيم يبزها هنا ليوجه إليها‬
‫قلوب أبنائه السلمي ‪ .‬كحلقة من حلقات التربية والتوجيه بالقصص والتعقيب عليه ‪،‬‬
‫وإبراز ما ف ثناياه من ملمح وسات وتوجيهات على طريقة القرآن الكري ‪.‬‬
‫ويستطرد لذا ف إثبات بقية دعاء إبراهيم ونواه لوله ‪:‬‬
‫{ ربنا ل تعلنا فتنة للذين كفروا } ‪. .‬‬
‫فل تسلطهم علينا ‪ .‬فيكون ف ذلك فتنة لم ‪ ،‬إذ يقولون ‪ :‬لو كان اليان يمي أهله ما‬
‫سلطنا عليهم وقهرناهم! وهي الشبهة الت كثيا ما تيك ف الصدور ‪ ،‬حي يتمكن‬
‫الباطل من الق ‪ ،‬ويتسلط الطغاة على أهل اليان لكمة يعلمها ال ف فترة من الفترات‬
‫‪.‬‬
‫والؤمن يصب للبتلء ‪ ،‬ولكن هذا ل ينعه أن يدعو ال أل يصيبه البلء الذي يعله فتنة‬
‫وشبهة تيك ف الصدور ‪.‬‬
‫وبقية الدعاء ‪:‬‬

‫‪94‬‬
‫{ واغفر لنا } ‪. .‬‬
‫يقولا إبراهيم خليل الرحن ‪ .‬إدراكا منه لستوى العبادة الت يستحقها منه ربه ‪ ،‬وعجزه‬
‫ببشريته عن بلوغ الستوى الذي يكافئ به نعم ال وآلءه ‪ ،‬ويجد جلله وكبياءه‬
‫فيطلب الغفرة من ربه ‪ ،‬ليكون ف شعوره وف طلبه أسوة لن معه ولن يأت بعده ‪.‬‬
‫ويتم دعاءه وإنابته واستغفاره يصف ربه بصفته الناسبة لذا الدعاء ‪:‬‬
‫{ ربنا إنك أنت العزيز الكيم } ‪. .‬‬
‫العزيز ‪ :‬القادر على الفعل ‪ ،‬الكيم ‪ :‬فيما يضي من تدبي ‪.‬‬
‫وف ناية هذا العرض لوقف إبراهيم والذين معه ‪ ،‬وف استسلم إبراهيم وإنابته يعود فيقرر‬
‫السوة ويكررها؛ مع لسة جديدة لقلوب الؤمني ‪:‬‬
‫{ لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لن كان يرجو ال واليوم الخر ‪ .‬ومن يتول فإن ال‬
‫هو الغن الميد } ‪. .‬‬
‫فالسوة ف إبراهيم والذين معه متحققة لن كان يرجو ال واليوم الخر ‪ .‬هؤلء هم الذين‬
‫يدركون قيمة التجربة الت عاناها هذا الرهط الكري ‪ ،‬ويدون فيها أسوة تتبع ‪ ،‬وسابقة‬
‫تدي ‪ .‬فمن كان يرجو ال واليوم الخر فليتخذ منها أسوة ‪ . .‬وهو تلميح موح‬
‫للحاضرين من الؤمني ‪.‬‬
‫فأما من يريد أن يتول عن هذا النهج ‪ .‬من يريد أن ييد عن طريق القافلة ‪ .‬من يريد أن‬
‫ينسلخ من هذا النسب العريق ‪ .‬فما بال من حاجة إليه سبحانه { فإن ال هو الغن الميد‬
‫}‪..‬‬
‫وتنتهي الولة وقد عاد الؤمنون أدراجهم إل أوائل تاريهم الديد ‪ ،‬ورجعوا بذكرياتم‬
‫إل نشأتم ف الرض؛ وعرفوا تاربم الذخورة لم ف الجيال التطاولة ‪ ،‬ورأوا القرار‬
‫الذي انتهى إليه من مروا بذه التجربة؛ ووجدوها طريقا معبدة من قبل ليسوا هم أول‬
‫السالكي فيها ‪.‬‬
‫والقرآن الكري يؤكد هذا التصور ويكرره ليتصل ركب الؤمني ‪ ،‬فل يشعر بالغربة أو‬
‫الوحشة سالك ولو كان وحده ف جيل! ول يد مشقة ف تكليف نض به السالكون معه‬
‫ف الطريق!‬

‫‪95‬‬
‫بعدئذ يعود فينسم على هذه القلوب الت يعلم ال ما با من حني ورغبة ف زوال حالة‬
‫العداء والفوة الت تكلفهم هذه الشقة ‪ .‬ينسم عليها بنسمة المل الندية ف أن ينضم‬
‫هؤلء العداء إل راية السلم ‪ ،‬وإل صفوف السلمي؛ فيكون هذا هو الطريق لزوال‬
‫الفوة وقيام الود على أساسه الركي ‪ . .‬ث يفف عنهم مرة أخرى وهو يضع القاعدة‬
‫السلمية الكبى ف العلقات الدولية بي السلمي وغيهم ‪ ،‬فيجعل القاطعة والصومة‬
‫خاصة بالة العداء والعدوان ‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫الوسيط لسيد طنطاوي ‪( -‬ج ‪ / 1‬ص ‪)4181‬‬
‫س الْ ُكفّارُ‬
‫يَا أَّيهَا الّذِينَ َآ َمنُوا لَا َتتَوَّلوْا َق ْومًا َغضِبَ اللّ ُه عََلْيهِمْ قَ ْد َيئِسُوا مِ َن الْآَ ِخ َرةِ كَمَا يَِئ َ‬
‫ب اْل ُقبُورِ (‪)13‬‬ ‫مِنْ أَصْحَا ِ‬
‫الراد بالقوم الذين غضب ال عليهم ‪ :‬الشركون ‪ ،‬بصفة عامة ‪ ،‬ويدخل فيهم دخول أوليا‬
‫اليهود ‪ ،‬لن هذا الوصف كثيا ما يطلق عليهم ‪.‬‬
‫فقد ذكروا ف سبب نزول هذه الية ‪ ،‬أن قوما من فقراء الؤمني ‪ ،‬كانوا يواصلون اليهود‬
‫‪ .‬ليصيبوا من ثارهم ‪ ،‬وربا أخبوهم عن شىء من أخبار السلمي ‪ ،‬فنلت الية لتنهاهم‬
‫عن ذلك ‪.‬‬
‫أى ‪ :‬يا من آمنتم بال ‪ -‬تعال ‪ -‬حق اليان ‪ ،‬ينهاكم ال ‪ -‬تعال ‪ -‬عن أن تتخذوا‬
‫القوام الذين غضب ال عليهم أولياء ‪ ،‬وأصفيا ‪ ،‬بأن تفشوا إليهم أسرار السلمي ‪ ،‬أو‬
‫بأن تطلعوهم على مال يصح الطلع عليه ‪.‬‬
‫ب القبور } تعليل‬ ‫صحَا ِ‬‫وقوله ‪ -‬تعال ‪َ { : -‬ق ْد يَئِسُواْ مِنَ الخرة َكمَا َيِئسَ الكفار مِنْ أَ ْ‬
‫للنهى عن موالتم ‪ ،‬وتنفي من الركون إليهم ‪.‬‬
‫واليأس ‪ :‬فقدان المل ف الصول على الشىء ‪ ،‬أو ف توقع حدوثه ‪.‬‬
‫والكلم على حذف مضاف ‪ ،‬أى قد يئس هؤلء اليهود من العمل لللخرة وما فيها من‬
‫ثواب ‪ ،‬وآثروا عليها الياة الفانية ‪ . . .‬كما يئس الكفار من عودة موتاهم إل الياة مرة‬
‫أخرى للحساب والزاء ‪ ،‬لعتقادهم بأنه ل بعث بعد الوت ‪ ،‬ول ثواب ول عقاب ‪-‬‬
‫كما حكى القرآن عنهم ذلك ف آيات كثية منها قوله ‪ -‬تعال ‪ { -‬قالوا َأإِذَا ِمْتنَا وَكُنّا‬

‫‪96‬‬
‫تُرَابا َوعِظَاما َأإِنّا لَ َمْبعُوثُونَ } فالقصود من الية الكرية ‪ ،‬تشبيه حال هؤلء اليهود ف‬
‫شدة إعراضهم عن العمل للخرة ‪ . . .‬بال أولئك الكفار الذين أنكروا إنكارا تاما ‪ ،‬أن‬
‫هناك بعثا للموات الذين فارقوا الياة ‪ ،‬ودفنوا ف قبورهم ‪.‬‬
‫ب القبور } متعلق بقوله‬
‫وعلى هذا الوجه يكون قوله ‪ -‬تعال ‪ { : -‬مِنْ أَصْحَا ِ‬
‫{ يَئِسُواْ } و { مِ ْن } لبتداء الغاية ‪.‬‬
‫ويصح أن يكون قوله ‪ -‬تعال ‪ { : -‬مِنْ أَصْحَابِ القبور } بيانا للكفار ‪ ،‬فيكون العن ‪:‬‬
‫قد يئسوا من الخرة ‪ ،‬وما فيها من جزاء ‪ . .‬كما يئس الكفار الذين ماتوا وسكنوا القبور‬
‫‪ ،‬من أن ينالوا شيئا ‪ -‬ولو قليل ‪ -‬من الرحة ‪ ،‬أو تفيف العذاب عنهم ‪ ،‬أو العودة إل‬
‫الدنيا ليعملوا عمل صالا غي الذى أرداهم وأهلكهم ‪.‬‬
‫وعلى كل القولي ‪ ،‬فالية الكرية تنهى الؤمني عن موالة قوم غضب ال عليهم ‪ ،‬بأبلغ‬
‫أسلوب ‪ ،‬وأحكم بيان ‪.‬‬
‫حيث وصفت هؤلء القوم ‪ ،‬بأنم قد أحاط بم غضب ال ‪ -‬تعال ‪ -‬بسبب فسوقهم‬
‫عن أمره ‪ ،‬وإعراضهم عن طاعته ‪ ،‬وإنكارهم للدار الخرة وما فيها من جزاء ‪.‬‬
‫‪-------------‬‬
‫{ يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ‪ .‬بعضهم أولياء بعض ‪ .‬ومن‬
‫يتولم منكم فإنه منهم ‪ .‬إن ال ل يهدي القوم الظالي ‪ .‬فترى الذين ف قلوبم مرض‬
‫يسارعون فيهم ‪ ،‬يقولون ‪ :‬نشى أن تصيبنا دائرة ‪ .‬فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من‬
‫عنده فيصبحوا على ما أسروا ف أنفسهم نادمي ‪ :‬ويقول الذين آمنوا أهؤلء الذين‬
‫أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم؟ حبطت أعمالم ‪ ،‬فأصبحوا خاسرين } ‪. .‬‬
‫ويسن أن نبي أولً معن الولية الت ينهى ال الذين آمنوا أن تكون بينهم وبي اليهود‬
‫والنصارى ‪. .‬‬
‫إنا تعن التناصر والتحالف معهم ‪ .‬ول تتعلق بعن اتباعهم ف دينهم ‪ .‬فبعيد جدا أن‬
‫يكون بي السلمي من ييل إل اتباع اليهود والنصارى ف الدين ‪ .‬إنا هو ولء التحالف‬
‫والتناصر ‪ ،‬الذي كان يلتبس على السلمي أمره ‪ ،‬فيحسبون أنه جائز لم ‪ ،‬بكم ما كان‬

‫‪97‬‬
‫واقعا من تشابك الصال والواصر ‪ ،‬ومن قيام هذا الولء بينهم وبي جاعات من اليهود‬
‫قبل السلم ‪ ،‬وف أوائل العهد بقيام السلم ف الدينة ‪ ،‬حت ناهم ال عنه وأمر بإبطاله ‪.‬‬
‫عد ما تبي عدم إمكان قيام الولء والتحالف والتناصر بي السلمي واليهود ف الدينة ‪. .‬‬
‫وهذا العن معروف مدد ف التعبيات القرآنية ‪ .‬وقد جاء ف صدد الكلم عن العلقة بي‬
‫السلمي ف الدينة والسلمي الذين ل يهاجروا إل دار السلم ‪ .‬فقال ال سبحانه ‪ { :‬ما‬
‫لكم من وليتهم من شيء حت يهاجروا } ‪ .‬وطبيعي أن القصود هنا ليس الولية ف‬
‫الدين ‪ .‬فالسلم ول السلم ف الدين على كل حال ‪ .‬إنا القصود هو ولية التناصر‬
‫والتعاون ‪ .‬فهي الت ل تقوم بي السلمي ف دار السلم والسلمي الذين ل يهاجروا‬
‫إليهم ‪ . .‬وهذا اللون من الولية هو الذي تنع هذه اليات أن يقوم بي الذين آمنوا وبي‬
‫اليهود والنصارى بال ‪ ،‬بعد ما كان قائم َا بينهم أول العهد ف الدينة ‪.‬‬
‫إن ساحة السلم مع أهل الكتاب شيء ‪ ،‬واتاذهم أولياء شيء آخر ‪ ،‬ولكنهما يتلطان‬
‫على بعض السلمي ‪ ،‬الذين ل تتضح ف نفوسهم الرؤية الكاملة لقيقة هذا الدين‬
‫ووظيفته ‪ ،‬بوصفه حركة منهجية واقعية ‪ ،‬تتجه إل إنشاء واقع ف الرض ‪ ،‬وفق التصور‬
‫السلمي الذي يتلف ف طبيعته عن سائر التصورات الت تعرفها البشرية؛ وتصطدم ‪ -‬من‬
‫ث ‪ -‬بالتصورات والوضاع الخالفة ‪ ،‬كما تصطدم بشهوات الناس وانرافهم وفسوقهم‬
‫عن منهج ال ‪ ،‬وتدخل ف معركة ل حيلة فيها ‪ ،‬ول بد منها ‪ ،‬لنشاء ذلك الواقع الديد‬
‫الذي تريده ‪ ،‬وتتحرك إليه حركة إيابية فاعلة منشئة ‪. .‬‬
‫وهؤلء الذين تتلط عليهم تلك القيقة ينقصهم الس النقي بقيقة العقيدة ‪ ،‬كما‬
‫ينقصهم الوعي الذكي لطبيعة العركة وطبيعة موقف أهل الكتاب فيها؛ ويغفلون عن‬
‫التوجيهات القرآنية الواضحة الصرية فيها ‪ ،‬فيخلطون بي دعوة السلم إل السماحة ف‬
‫معاملة أهل الكتاب والب بم ف الجتمع السلم الذي يعيشون فيه مكفول القوق ‪ ،‬وبي‬
‫الولء الذي ل يكون إل ل ورسوله وللجماعة السلمة ‪ .‬ناسي ما يقرره القرآن الكري‬
‫من أن أهل الكتاب ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض ف حرب الماعة السلمة ‪ . .‬وأن هذا شأن‬
‫ثابت لم ‪ ،‬وأنم ينقمون من السلم إسلمه ‪ ،‬وأنم لن يرضوا عن السلم إل أن يترك دينه‬

‫‪98‬‬
‫ويتبع دينهم ‪ .‬وأنم مصرون على الرب للسلم وللجماعة السلمة ‪ .‬وأنم قد بدت‬
‫البغضاء من أفواهم وما تفي صدورهم أكب ‪ . .‬إل آخر هذه التقريرات الاسة ‪.‬‬
‫إن السلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب ‪ ،‬ولكنه منهي عن الولء لم بعن التناصر‬
‫والتحالف معهم ‪ .‬وإن طريقه لتمكي دينه وتقيق نظامه التفرد ل يكن أن يلتقي مع‬
‫طريق أهل الكتاب ‪ ،‬ومهما أبدى لم من السماحة والودة فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له‬
‫البقاء على دينه وتقيق نظامه ‪ ،‬ولن يكفهم عن موالة بعضهم لبعض ف حربه والكيد له‬
‫‪..‬‬
‫وسذاجة أية سذاجة وغفلة أية غفلة ‪ ،‬أن نظن أن لنا وإياهم طريقا واحدا نسلكه للتمكي‬
‫للدين! أمام الكفار واللحدين! فهم مع الكفار واللحدين ‪ ،‬إذا كانت العركة مع‬
‫السلمي!!!‬
‫وهذه القائق الواعية يغفل عنها السذج منا ف هذا الزمان وف كل زمان؛ حي يفهمون‬
‫أننا نستطيع أن نضع أيدينا ف أيدي أهل الكتاب ف الرض للوقوف ف وجه الادية‬
‫واللاد ‪ -‬بوصفنا جيعا أهل دين! ‪ -‬ناسي تعليم القرآن كله؛ وناسي تعليم التاريخ كله‬
‫‪.‬‬
‫فأهل الكتاب هؤلء هم الذين كانوا يقولون للذين كفروا من الشركي ‪ { :‬هؤلء أهدى‬
‫من الذين آمنوا سبيلً } ‪ .‬وأهل الكتاب هؤلء هم الذين ألبوا الشركي على الماعة‬
‫السلمة ف الدينة ‪ ،‬وكانوا لم درعا وردءا ‪ .‬وأهل الكتاب هم الذين شنوا الروب‬
‫الصليبية خلل مائت عام ‪ ،‬وهم الذين ارتكبوا فظائع الندلس ‪ ،‬وهم الذي شردوا العرب‬
‫السلمي ف فلسطي ‪ ،‬وأحلوا اليهود ملهم ‪ ،‬متعاوني ف هذا مع اللاد والادية! وأهل‬
‫الكتاب هؤلء هم الذين يشردون السلمي ف كل مكان ‪ . .‬ف البشة والصومال‬
‫واريتريا والزائر ‪ ،‬ويتعاونون ف هذا التشريد مع اللاد والادية والوثنية ‪ ،‬ف يوغسلفيا‬
‫والصي والتركستان والند ‪ ،‬وف كل مكان!‬
‫ث يظهر بيننا من يظن ‪ -‬ف بعد كامل عن تقريرات القرآن الازمة ‪ -‬أنه يكن أن يقوم‬
‫بيننا وبي أهل الكتاب هؤلء ولء وتناصر ‪ .‬ندفع به الادية اللادية عن الدين!‬

‫‪99‬‬
‫إن هؤلء ل يقرأون القرآن ‪ .‬وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة الت هي طابع‬
‫السلم؛ فظنوها دعوة الولء الذي يذر منه القرآن ‪.‬‬
‫إن هؤلء ل يعيش السلم ف حسهم ‪ ،‬ل بوصفه عقيدة ل يقبل ال من الناس غيها ‪،‬‬
‫ول بوصفه حركة إيابية تستهدف إنشاء واقع جديد ف الرض؛ تقف ف وجه عداوات‬
‫أهل الكتاب اليوم ‪ ،‬كما وقفت له بالمس ‪ .‬الوقف الذي ل يكن تبديله ‪ .‬لنه الوقف‬
‫الطبيعي الوحيد!‬
‫وندع هؤلء ف إغفالم أو غفلتهم عن التوجيه القرآن ‪ ،‬لنعي نن هذا التوجيه القرآن‬
‫الصريح ‪:‬‬
‫{ يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض ‪ . .‬ومن‬
‫يتولم منكم فإنه منهم ‪ .‬إن ال ل يهدي القوم الظالي } ‪. .‬‬
‫هذا النداء موجه إل الماعة السلمة ف الدينة ‪ -‬ولكنه ف الوقت ذاته موجه لكل جاعة‬
‫مسلمة تقوم ف أي ركن من أركان الرض إل يوم القيامة ‪ . .‬موجه لكل من ينطبق عليه‬
‫ذات يوم صفة ‪ { :‬الذين آمنوا } ‪. .‬‬
‫ولقد كانت الناسبة الاضرة إذ ذاك لتوجيه هذا النداء للذين آمنوا ‪ ،‬أن الفاصلة ل تكن‬
‫كاملة ول حاسة بي بعض السلمي ف الدينه وبعض أهل الكتاب ‪ -‬وباصه اليهود ‪-‬‬
‫فقد كانت هناك علقات ولء وحلف ‪ ،‬وعلقات اقتصاد وتعامل ‪ ،‬وعلقات جيه‬
‫وصحبه ‪ . .‬وكان هذا كله طبيعيا مع الوضع التاريي والقتصادي والجتماعي ف الدينة‬
‫قبل السلم ‪ ،‬بي أهل الدينة من العرب وبي اليهود بصفة خاصة ‪ . .‬وكان هذا الوضع‬
‫يتيح لليهود أن يقوموا بدورهم ف الكيد لذا الدين وأهله؛ بكل صنوف الكيد الت عددتا‬
‫وكشفتها النصوص القرآنية الكثية؛ والت سبق استعراض بعضها ف الجزاء المسة‬
‫الاضية من هذه الظلل؛ والت يتول هذا الدرس وصف بعضها كذلك ف هذه النصوص ‪.‬‬
‫ونزل القرآن ليبث الوعي اللزم للمسلم ف العركة الت يوضها بعقيدته ‪ ،‬لتحقيق منهجه‬
‫الديد ف واقع الياة ‪ .‬ولينشئ ف ضمي السلم تلك الفاصلة الكاملة بينه وبي كل من ل‬
‫ينتمي إل الماعة السلمة ول يقف تت رايتها الاصة ‪ .‬الفاصلة الت ل تنهي السماحة‬
‫اللقية ‪ .‬فهذه صفة السلم دائما ‪ .‬ولكنها تنهي الولء الذي ل يكون ف قلب السلم إل‬

‫‪100‬‬
‫ل ورسوله والذين آمنوا ‪ . .‬الوعي والفاصلة اللذان ل بد منهما للمسلم ف كل أرض‬
‫وف كل جيل ‪.‬‬
‫{ يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض ‪ .‬ومن‬
‫يتولم منكم فإنه منهم ‪ .‬إن ال ل يهدي القوم الظالي } ‪.‬‬
‫بعضهم أولياء بعض ‪ . .‬إنا حقيقة ل علقة لا بالزمن ‪ . .‬لنا حقيقة نابعة من طبيعة‬
‫الشياء ‪ . .‬إنم لن يكونوا أولياء للجماعة السلمة ف أي أرض ول ف أي تاريخ ‪ . .‬وقد‬
‫مضت القرون تلو القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة ‪ . .‬لقد ول بعضهم بعضا ف‬
‫حرب ممد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬والماعة السلمة ف الدينة ‪ .‬وول بعضهم بعضا‬
‫ف كل فجاج الرض ‪ ،‬على مدار التاريخ ‪ . .‬ول تتل هذه القاعدة مرة واحدة؛ ول يقع‬
‫ف هذه الرض إل ما قرره القرآن الكري ‪ ،‬ف صيغة الوصف الدائم ‪ ،‬ل الادث الفرد ‪.‬‬
‫‪ .‬واختيار الملة السية على هذا النحو ‪ . .‬بعضهم أولياء بعض ‪ . .‬ليست مرد تعبي!‬
‫إنا هي اختيار مقصود للدللة على الوصف الدائم الصيل!‬
‫ث رتب على هذه القيقة الساسية نتائجها ‪ . .‬فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم‬
‫أولياء بعض فإنه ل يتولهم إل من هو منهم ‪ .‬والفرد الذي يتولهم من الصف السلم ‪،‬‬
‫يلع نفسه من الصف ويلع عن نفسه صفة هذا الصف « السلم » وينضم إل الصف‬
‫الخر ‪ .‬لن هذه هي النتيجة الطبيعية الواقعية ‪:‬‬
‫{ ومن يتولم منكم فإنه منهم } ‪. .‬‬
‫وكان ظالا لنفسه ولدين ال وللجماعة السلمة ‪ . .‬وبسبب من ظلمه هذا يدخله ال ف‬
‫زمرة اليهود والنصارى الذين أعطاهم ولءه ‪ .‬ول يهديه إل الق ول يرده إل الصف‬
‫السلم ‪:‬‬
‫{ إن ال ل يهدي القوم الظالي } ‪. .‬‬
‫لقد كان هذا تذيرا عنيفا للجماعة السلمة ف الدينة ‪ .‬ولكنه تذير ليس مبالغا فيه ‪ .‬فهو‬
‫عنيف ‪ .‬نعم؛ ولكنه يثل القيقة الواقعة ‪ .‬فما يكن أن ينح السلم ولءه لليهود‬
‫والنصارى ‪ -‬وبعضهم أولياء بعض ‪ -‬ث يبقى له إسلمه وإيانه ‪ ،‬وتبقى له عضويته ف‬
‫الصف السلم ‪ ،‬الذين يتول ال ورسوله والذين آمنوا ‪ . .‬فهذا مفرق الطريق ‪. .‬‬

‫‪101‬‬
‫وما يكن أن يتميع حسم السلم ف الفاصلة الكاملة بينة وبي كل من ينهج غي منهج‬
‫السلم؛ وبينه وبي كل من يرفع راية غي راية السلم؛ ث يكون ف وسعه بعد ذلك أن‬
‫يعمل عملً ذا قيمة ف الركة السلمية الضخمة الت تستهدف ‪ -‬أول ما تستهدف ‪-‬‬
‫إقامة نظام واقعي ف الرض فريد؛ يتلف عن كل النظمة الخرى؛ ويعتمد على تصور‬
‫متفرد كذلك من كل التصورات الخرى ‪.‬‬
‫إن اقتناع السلم إل درجة اليقي الازم الذي ل أرجحة فيه ول تردد بأن دينه هو الدين‬
‫الوحيد الذي يقبله ال من الناس بعد رسالة ممد ص وبأن منهجه الذي كلفه ال أن يقيم‬
‫الياة عليه منهج متفرد ; ل نظي له بي سائر الناهج ; ول يكن الستغناء عنه بنهج آخر‬
‫; ول يكن أن يقوم مقامه منهج آخر ; ول تصلح الياة البشرية ول تستقيم إل أن تقوم‬
‫على هذا النهج وحده دون سواه ; ول يعفيه ال ول يغفر له ول يقبله إل إذا هو بذل‬
‫جهد طاقته ف إقامة هذا النهج بكل جوانبه العتقادية والجتماعية ; ل يأل ف ذلك‬
‫جهدا ول يقبل من منهجه بديل ول ف جزء منه صغي ول يلط بينه وبي أي منهج آخر‬
‫ف تصور اعتقادي ول ف نظام اجتماعي ول ف أحكام تشريعية إل ما استبقاه ال ف هذا‬
‫النهج من شرائع من قبلنا من أهل الكتاب إن اقتناع السلم إل درجة اليقي الازم بذا‬
‫كله هو وحده الذي يدفعه للضطلع بعبء النهوض بتحقيق منهج ال الذي رضيه للناس‬
‫; ف وجه العقبات الشاقة والتكاليف الضنية والقاومة العنيدة والكيد الناصب والل الذي‬
‫يكاد ياوز الطاقة ف كثي من الحيان وإل فما العناء ف أمر يغن عنه غيه ما هو قائم ف‬
‫الرض من جاهلية سواء كانت هذه الاهلية مثلة ف وثنية الشرك أو ف انراف أهل‬
‫الكتاب أو ف اللاد السافر بل ما العناء ف إقامة النهج السلمي إذا كانت الفوارق بينه‬
‫وبي مناهج أهل الكتاب أو غيهم قليلة ; يكن اللتقاء عليها بالصالة والهادنة إن الذين‬
‫ياولون تييع هذه الفاصلة الاسة باسم التسامح والتقريب بي أهل الديان السماوية‬
‫يطئون فهم معن الديان كما يطئون فهم معن التسامح فالدين هو الدين الخي وحده‬
‫عند ال والتسامح يكون ف العاملت الشخصية ل ف التصور العتقادي ول ف النظام‬
‫الجتماعي إنم ياولون تييع اليقي الازم ف نفس السلم بأن ال ل يقبل دينا إل السلم‬
‫وبأن عليه أن يقق منهج ال المثل ف السلم ول يقبل دونه بديل ; ول يقبل فيه تعديل‬

‫‪102‬‬
‫ولو طفيفا هذا اليقي الذي ينشئه القرآن الكري وهو يقرر إن الدين عند ال السلم ومن‬
‫يبتغ غي السلم دينا فلن يقبل منه واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك يا‬
‫أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولم منكم‬
‫فإنه منهم وف القرآن كلمة الفصل ول على السلم من تيع التميعي وتييعهم لذا اليقي‬
‫ويصور السياق القرآن تلك الالة الت كانت واقعة ; والت ينل القرآن من أجلها بذا‬
‫التحذير فترى الذين ف قلوبم مرض يسارعون فيهم يقولون نشى أن تصيبنا دائرة روى‬
‫ابن جرير قال حدثنا أبو كريب حدثنا إدريس قال سعت أب عن عطية بن سعد قال جاء‬
‫عبادة بن الصامت من بن الارث بن الزرج إل رسول ال ص فقال يا رسول ال إن ل‬
‫موال من يهود كثي عددهم ; وإن أبرأ إل ال ورسوله من ولية يهود وأتول ال ورسوله‬
‫فقال عبد ال بن أب رأس النفاق إن رجل أخاف الدوائر ل أبرأ من ولية موال فقال‬
‫رسول ال ص لعبد ال بن أب « يا أبا الباب ما بلت به من ولية يهود على عبادة ابن‬
‫الصامت فهو لك دونه » قال قد قبلت فأنزل ال عز وجل يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا‬
‫اليهود والنصارى أولياء وقال ابن جرير حدثنا هناد حدثنا يونس بن بكي حدثنا عثمان بن‬
‫عبد الرحن عن الزهري قال لا انزم أهل بدر قال السلمون لوليائهم من اليهود أسلموا‬
‫قبل أن يصيبكم ال بيوم مثل يوم بدر فقال مالك بن الصيف أغركم أن أصبتم رهطا من‬
‫قريش ل علم لم بالقتال أما لو أصررنا العزية أن نستجمع عليكم ل يكن لكم يد أن‬
‫تقاتلونا فقال عبادة بن الصامت يا رسول ال إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم‬
‫كثيا سلحهم شديدة شوكتهم وإن أبرأ إل ال ورسوله من ولية يهود ول مول ل إل‬
‫ال ورسوله فقال عبد ال بن أب لكن ل أبرأ من ولية يهود إن رجل ل بد ل منهم فقال‬
‫رسول ال ص « يا أبا الباب أرأيت الذي نفست به من ولية يهود على عبادة ابن‬
‫الصامت فهو لك دونه » فقال إذن أقبل قال ممد بن إسحق فكانت أول قبيلة من اليهود‬
‫نقضت ما بينها وبي رسول ال ص بنو قينقاع فحدثن عاصم بن عمر بن قتادة قال‬
‫فحاصرهم رسول ال ص حت نزلوا على حكمه فقام إليه عبدال بن أب بن سلول حي‬
‫أمكنة ال منهم فقال يا ممد أحسن ف موال وكانوا حلفاء الزرج قال فأبطأ عليه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وعلى آله وسلم فقال يا ممد أحسن ف موال قال فأعرض عنه‬

‫‪103‬‬
‫قال فأدخل يده ف جيب درع رسول ال ص فقال له رسول ال ص « أرسلن » وغضب‬
‫رسول ال ص حت رأوا لوجهه ظلل ث قال « ويك أرسلن » قال ل وال ل أرسلك‬
‫حت تسن ف موال أربعمائة حاسر وثلثائه دارع قد منعون من الحر والسود‬
‫تصدهم ف غداة واحدة إن امرؤ أخشى الدوائر قال فقال رسول ال ص « هم لك »‬
‫قال ممد بن إسحق فحدثن أب إسحق بن يسار عن عبادة عن الوليد بن عبادة بن‬
‫الصامت قال لا حاربت بنو قينقاع رسول ال ص تشبث بأمرهم عبدال بن أب وقام‬
‫دونم ; ومشى عبادة بن الصامت إل رسول ال ص وكان أحد بن عوف بن الزرج له‬
‫من حلفهم مثل الذي لعبد ال بن أب فجعلهم إل رسول ال ص وتبأ إل ال ورسوله من‬
‫حلفهم وقال يا رسول ال أبرأ إل ال ورسوله من حلفهم وأتول ال ورسوله والؤمني‬
‫وأبرأ من حلف الكفار ووليتهم ففيه وف عبدال بن أب نزلت الية ف الائدة يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض إل قوله ومن يتول ال‬
‫ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون وقال المام أحد حدثنا قتيبة بن سعيد‬
‫حدثنا يي بن زكريا بن أب زيادة عن ممد بن إسحاق عن الزهري عن عودة عن أسامة‬
‫بن زيد قال دخلت مع رسول ال ص على عبدال بن أب نعوده فقال له النب ص « قد‬
‫كنت أناك عن حب يهود » فقال عبدال فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمات وأخرجه‬
‫أبو داود من حديث ممد بن إسحق فهذه الخبار ف مموعها تشي إل تلك الالة الت‬
‫كانت واقعة ف الجتمع السلم ; والتخلفة عن الوضاع الت كانت قائمة ف الدينة قبل‬
‫السلم ; وكذلك عن التصورات الت ل تكن قد حسمت ف قضية العلقات الت يكن‬
‫أن تقوم بي الماعة السلمة واليهود والت ل يكن أن تقوم غي أن الذي يلفت النظر أنا‬
‫كلها تتحدث عن اليهود ول يى ء ذكر ف الوقائع للنصارى ولكن النص يمل اليهود‬
‫والنصارى ذلك أنه بصدد إقامة تصور دائم وعلقة دائمة وأوضاع دائمة بي الماعة‬
‫السلمة وسائر الماعات الخرى سواء من أهل الكتاب أو من الشركي كما سيجيء ف‬
‫سياق هذا الدرس ومع اختلف مواقف اليهود من السلمي عن مواقف النصارى ف‬
‫جلتها ف العهد النبوي ومع إشارة القرآن الكري ف موضع آخر من السورة إل هذا‬
‫الختلف ف قوله تعال لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا‬

‫‪104‬‬
‫ولتجدن أقربم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ال مع هذا الختلف الذي كان‬
‫يومذاك فإن النص هنا يسوي بي اليهود والنصارى كما يسوي النص القادم بينهم جيعا‬
‫وبي الكفار فيما يتص بقضية الحالفة والولء ذلك أن هذه القضية ترتكز على قاعدة‬
‫أخرى ثابتة هي أن ليس للمسلم ولء ول حلف إل مع السلم ; وليس للمسلم ولء إل‬
‫ل ولرسوله وللجماعة السلمة ويستوي بعد ذلك كل الفرق ف هذا المر مهما اختلفت‬
‫مواقفهم من السلمي ف بعض الظروف على أن ال سبحانه وهو يضع للجماعة السلمة‬
‫هذه القاعدة العامة الازمة الصارمة كان علمه يتناول الزمان كله ل تلك الفترة الاصة‬
‫من حياة رسول ال ص وملبساتا الوقوتة وقد أظهر التاريخ الواقع فيما بعد أن عداء‬
‫النصارى لذا الدين وللجماعة السلمة ف معظم بقاع الرض ل يكن أقل من عداء اليهود‬
‫وإذا نن استثنينا موقف نصارى العرب ونصارى مصر ف حسن استقبال السلم فإننا ند‬
‫الرقعة النصرانية ف الغرب قد حلت للسلم ف تاريها كله منذ أن احتكت به من‬
‫العداوة والضغن وشنت عليه من الرب والكيد ما ل يفترق عن حرب اليهود وكيدهم ف‬
‫أي زمان حت البشة الت أحسن عاهلها استقبال الهاجرين السلمي واستقبال السلم‬
‫عادت فإذا هي أشد حربا على السلم والسلمي من كل أحد ; ل ياريها ف هذا إل‬
‫اليهود وكان ال سبحانه يعلم المر كله فوضع للمسلم هذه القاعدة العامة بغض النظر‬
‫عن واقع الفترة الت كان هذا القرآن يتنل فيها وملبساتا الوقوتة وبغض النظر عما يقع‬
‫مثلها ف بعض الحيان هنا وهناك إل آخر الزمان وما يزال السلم والذين يتصفون به‬
‫ولو أنم ليسوا من السلم ف شيء يلقون من عنت الرب الشبوبة عليهم وعلى عقيدتم‬
‫من اليهود والنصارى ف كل مكان على سطح الرض ما يصدق قول ال تعال بعضهم‬
‫أولياء بعض وما يتم أن يتدرع السلمون الواعون بنصيحة ربم لم بل بأمره الازم ونيه‬
‫القاطع ; وقضائه الاسم ف الفاصلة الكاملة بي أولياء ال ورسوله وكل معسكر آخر ل‬
‫يرفع راية ال ورسوله إن السلم يكلف السلم أن يقيم علقاته بالناس جيعا على أساس‬
‫العقيدة فالولء والعداء ل يكونان ف تصور السلم وف حركته على السواء إل ف العقيدة‬
‫ومن ث ل يكن أن يقوم الولء وهو التناصر بي السلم وغي السلم ; إذ أنما ل يكن أن‬
‫يتناصرا ف مال العقيدة ول حت أمام اللاد مثل كما يتصور بعض السذج منا وبعض‬

‫‪105‬‬
‫من ل يقرأون القرآن وكيف يتناصران وليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه إن بعض‬
‫من ل يقرأون القرآن ول يعرفون حقيقة السلم ; وبعض الخدوعي أيضا يتصورون أن‬
‫الدين كله دين كما أن اللاد كله إلاد وأنه يكن إذن أن يقف التدين بملته ف وجه‬
‫اللاد لن اللاد ينكر الدين كله ويارب التدين على الطلق ولكن المر ليس كذلك‬
‫ف التصور السلمي ; ول ف حس السلم الذي يتذوق السلم ول يتذوق السلم إل‬
‫من يأخذه عقيدة وحركة بذه العقيدة لقامة النظام السلمي إن المر ف التصور‬
‫السلمي وف حس السلم واضح مدد الدين هو السلم وليس هناك دين غيه يعترف به‬
‫السلم لن ال سبحانه يقول هذا يقول إن الدين عند ال السلم ويقول ومن يبتغ غي‬
‫السلم دينا فلن يقبل منه وبعد رسالة ممد ص ل يعد هناك دين يرضاه ال ويقبله من‬
‫أحد إل هذا السلم ف صورته الت جاء با ممد ص وما كان يقبل قبل بعثة ممد من‬
‫النصارى ل يعد الن يقبل كما أن ما كان يقبل من اليهود قبل بعثة عيسى عليه السلم ل‬
‫يعد يقبل منهم بعد بعثته ووجود يهود ونصارى من أهل الكتاب بعد بعثه ممد ص ليس‬
‫معناه أن ال يقبل منهم ما هم عليه ; أو يعترف لم بأنم على دين إلي لقد كان ذلك‬
‫قبل بعثة الرسول الخي أما بعد بعثته فل دين ف التصور السلمي وف حس السلم إل‬
‫السلم وهذا ما ينص عليه القرآن نصا غي قابل للتأويل إن السلم ل يكرههم على ترك‬
‫معتقداتم واعتناق السلم لنه ل إكراه ف الدين ولكن هذا ليس معناه أنه يعترف با هم‬
‫عليه دينا ويراهم على دين ومن ث فليس هناك جبهه تدين يقف معها السلم ف وجه‬
‫اللاد هناك دين هو السلم وهناك ل دين هو غي السلم ث يكون هذا اللدين عقيدة‬
‫أصلها ساوي ولكنها مرفه أو عقيده أصلها وثن باقيه على وثنيتها أو إلادا ينكر الديان‬
‫تتلف فيما بينها كلها ولكنها تتلف كلها مع السلم ول حلف بينها وبي السلم ول‬
‫ولء والسلم يتعامل مع أهل الكتاب هؤلء ; وهو مطالب بإحسان معاملتهم كما سبق ما‬
‫ل يؤذوه ف الدين ; ويباح له أن يتزوج الحصنات منهن على خلف فقهي فيمن تعتقد‬
‫بألوهية السيح أو بنوته وفيمن تعتقد التثليث أهي كتابيه تل أم مشركة ترم وحت مع‬
‫الخذ ببدأ تليل النكاح عامه فإن حسن العامله وجواز النكاح ليس معناها الولء‬
‫والتناصر ف الدين ; وليس معناها اعتراف السلم بأن دين أهل الكتاب بعد بعثة ممد ص‬

‫‪106‬‬
‫هو دين يقبله ال ; ويستطيع السلم أن يقف معه ف جبهه واحدة لقاومة اللاد إن‬
‫السلم قد جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب ; كما جاء ليصحح اعتقادات الشركي‬
‫والوثنيي سواء ودعاهم إل السلم جيعا لن هذا هو الدين الذي ل يقبل ال غيه من‬
‫الناس جيعا ولا فهم اليهود أنم غي مدعوين إل السلم وكب عليهم أن يدعوا إليه‬
‫جابهم القرآن الكري بأن ال يدعوهم إل السلم فإن تولوا عنه فهم كافرون والسلم‬
‫مكلف أن يدعوا أهل الكتاب إل السلم كما يدعو اللحدين والوثنيي سواء وهو غي‬
‫مأذون ف أن يكره أحدا من هؤلء ول هؤلء على السلم لن العقائد ل تنشأ ف‬
‫الضمائر بالكراه فالكراه ف الدين فوق أنه منهي عنه هو كذلك ل ثره له ول يستقيم‬
‫أن يعترف السلم بأن ما عليه أهل الكتاب بعد بعثة ممد ص هو دين يقبله ال ث يدعوهم‬
‫مع ذلك إل السلم إنه ل يكون مكلفا بدعوتم إل السلم إل على أساس واحد ; هو‬
‫أنه ل يعترف بأن ما هم عليه دين وأنه يدعوهم إل الدين وإذا تقررت هذه البديهيه فإنه‬
‫ل يكون منطقيا مع عقيدته إذا دخل ف ولء أو تناصر للتمكي للدين ف الرض مع من‬
‫ل يدين بالسلم إن هذه القضيه ف السلم قضيه اعتقاديه إيانيه كما أنا قضيه تنظيميه‬
‫حركيه من ناحيه أنا قضيه إيانيه اعتقاديه نسب أن المر قد صار واضحا بذا البيان‬
‫اذي أسلفناه وبالرجوع إل النصوص القرآنيه القاطعه بعدم قيام ولء بي السلمي وأهل‬
‫الكتاب ومن ناحية أنا قضية تنظيمية حركية المر واضح كذلك فإذا كان سعي الؤمن‬
‫كله ينبغي أن يتجه إل إقامة منهج ال ف الياة وهو النهج الذي ينص عليه السلم كما‬
‫جاء به ممد ص بكل تفصيلت وجوانب هذا النهج وهي تشمل كل نشاط النسان ف‬
‫الياة فكيف يكن إذن أن يتعاون السلم ف هذا السعي مع من ل يؤمن بالسلم دينا‬
‫ومنهجا ونظاما وشريعة ; ومن يتجه ف سعيه إل أهداف أخرى إن ل تكن معادية‬
‫للسلم وأهدافه فهي على القل ليست أهداف السلم إذ السلم ل يعترف بدف ول‬
‫عمل ل يقوم على أساس العقيدة مهما بدا ف ذاته صالا والذين كفروا أعمالم كرماد‬
‫اشتدت به الريح ف يوم عاصف والسلم يكلف السلم أن يلص سعيه كله للسلم ول‬
‫يتصور إمكان انفصال أية جزئية ف السعي اليومي ف حياة السلم عن السلم ل يتصور‬
‫إمكان هذا إل من ل يعرف طبيعة السلم وطبيعة النهج السلمي ول يتصور أن هناك‬

‫‪107‬‬
‫جوانب ف الياة خارجة عن هذا النهج يكن التعاون فيها مع من يعادي السلم أو ل‬
‫يرضى من السلم إل أن يترك إسلمه كما نص ال ف كتابه على ما يطلبه اليهود‬
‫والنصارى من السلم ليضوا عنه إن هناك استحالة اعتقادية كما أن هناك استحالة عملية‬
‫على السواء ولقد كان اعتذار عبدال بن أب بن سلول وهو من الذين ف قلوبم مرض عن‬
‫مسارعته واجتهاده ف الولء ليهود والستمساك بلفه معها هي قوله إنن رجل أخشى‬
‫الدوائر إن أخشى أن تدور علينا الدوائر وأن تصيبنا الشدة وأن تنل بنا الضائقة وهذه‬
‫الجة هي علمة مرض القلب وضعف اليان فالول هو ال ; والناصر هو ال ;‬
‫والستنصار بغيه ضللة كما أنه عبث ل ثرة له ولكن حجة ابن سلول هي حجة كل بن‬
‫سلول على مدار الزمان ; وتصوره هو تصور كل منافق مريض القلب ل يدرك حقيقة‬
‫اليان وكذلك نفر قلب عبادة بن الصامت من ولء يهود بعد ما بدا منهم ما بدا لنه‬
‫قلب مؤمن فخلع ولء اليهود وقذف به حيث تلقاه وضم عليه صدره وعض عليه‬
‫بالنواجذ عبدال بن أب بن سلول إنما نجان متلفان ناشئان عن تصورين متلفي وعن‬
‫شعورين متبايني ومثل هذا الختلف قائم على مدار الزمان بي قلب مؤمن وقلب ل‬
‫يعرف اليان ويهدد القرآن الستنصرين بأعداء دينهم التألبي عليهم النافقي الذين ل‬
‫يلصون ل اعتقادهم ول ولءهم ول اعتمادهم يهددهم برجاء الفتح أو أمر ال الذي‬
‫يفصل ف الوقف ; أو يكشف الستور من النفاق فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من‬
‫عنده فيصبحوا على ما أسروا ف أنفسهم نادمي وعندئذ عند الفتح سواء كان هو فتح‬
‫مكة أو كان الفتح بعن الفصل أو عند ميء أمر ال يندم أولئك الذين ف قلوبم مرض‬
‫على السارعة والجتهاد ف ولء اليهود والنصارى وعلى النفاق الذي انكشف أمره‬
‫وعندئذ يعجب الذين آمنوا من حال النافقي ويستنكرون ما كانوا فيه من النفاق وما‬
‫صاروا إليه من السران‬
‫ويقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيانم إنم لعكم حبطت أعمالم‬
‫فأصبحوا خاسرين ولقد جاء ال بالفتح يوما وتكشفت نوايا وحبطت أعمال وخسرت‬
‫فئات ونن على وعد من ال قائم بأن ييء الفتح كلما استمسكنا بعروة ال وحده ;‬
‫وكلما أخلصنا الولء ل وحده وكلما وعينا منهج ال وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا‬

‫‪108‬‬
‫وكلما تركنا ف العركة على هدى ال وتوجيهه فلم نتخذ لنا وليا إل ال ورسوله والذين‬
‫آمنوا الدرس الثان صفات الذين ينصرون دين ال الديرين بالولية وإذ ينتهي السياق من‬
‫النداء الول للذين آمنوا أن ينتهوا عن موالة اليهود والنصارى وأن يذروا أن يصيوا‬
‫منهم بالولء لم وأن يرتدوا بذلك عن السلم وهم ل يشعرون أو ل يقصدون يرسل‬
‫بالنداء الثان يهدد من يرتد منهم عن دينه بذا الولء أو بسواه من السباب بأنه ليس عند‬
‫ال بشيء وليس بعجز ال ول ضار بدينه وأن لدين ال أولياء وناصرين مدخرين ف علم‬
‫ال إن ينصرف هؤلء ييء بؤلء ويصور ملمح هذه العصبة الختارة الدخرة ف علم ال‬
‫لدينه وهي ملمح مببة جيلة وضيئة ويبي جهة الولء الوحيدة الت يتجه إليها السلم‬
‫بولئه ويتم هذا النداء بتقرير النهاية الحتومة للمعركة الت يوضها حزب ال مع‬
‫الحزاب والت يتمتع با من يلصون ولءهم ل ولرسوله وللمؤمني يا أيها الذين آمنوا‬
‫من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت ال بقوم يبهم ويبونه أذلة على الؤمني أعزة على‬
‫الكافرين ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال‬
‫واسع عليم إنا وليكم ال ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة وهم‬
‫راكعون ومن يتول ال ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون إن تديد من يرتد‬
‫عن دينه من الذين آمنوا على هذه الصورة وف هذا القام ينصرف ابتداء إل الربط بي‬
‫موالة اليهود والنصارى وبي الرتداد عن السلم وباصة بعد ما سبق من اعتبار من‬
‫يتولهم واحدًا منهم منسلخا من الماعة السلمة منضما إليهم ومن يتولم منكم فإنه‬
‫منهم وعلى هذا العتبار يكون هذا النداء الثان ف السياق توكيدا وتقريرا للنداء الول‬
‫يدل على هذا كذلك النداء الثالث الذي يلي هذا النداء والسياق وهو منصب على النهي‬
‫عن موالة أهل الكتاب والكفار يمع بينهم على هذا النحو الذي يفيد أن موالتم‬
‫كموالة الكفار سواء وأن تفرقة السلم ف العاملة بي أهل الكتاب والكفار ل تتعلق‬
‫بقضية الولء إنا هي ف شئون أخرى ل يدخل فيها الولء يا أيها الذين آمنوا من يرتد‬
‫منكم عن دينه فسوف يأت ال بقوم يبهم ويبونه أذلة على الؤمني أعزة على الكافرين‬
‫ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم‬
‫إن اختيار ال للعصبة الؤمنة لتكون أداة القدر اللي ف إقرار دين ال ف الرض وتكي‬

‫‪109‬‬
‫سلطانه ف حياة البشر وتكيم منهجه ف أوضاعهم وأنظمتهم وتنفيذ شريعته ف أقضيتهم‬
‫وأحوالم وتقيق الصلح والي والطهارة والنماء ف الرض بذلك النهج وبذه الشريعة‬
‫إن هذا الختيار للنهوض بذا المر هو مرد فضل ال ومنته فمن شاء أن يرفض هذا‬
‫الفضل وأن يرم نفسه هذه النة فهو وذاك وال غن عنه وعن العالي وال يتار من عباده‬
‫من يعلم أنه أهل لذلك الفضل العظيم والصورة الت يرسها للعصبة الختارة هنا صورة‬
‫واضحة السمات قوية اللمح وضيئة جذابة حبيبة للقلوب فسوف يأت ال بقوم يبهم‬
‫ويبونه فالب والرضى التبادل هو الصلة بينهم وبي ربم الب هذا الروح الساري‬
‫اللطيف الرفاف الشرق الرائق البشوش هو الذي يربط القوم بربم الودود وحب ال لعبد‬
‫من عبيده أمر ل يقدر على إدراك قيمته إل من يعرف ال سبحانه بصفاته كما وصف‬
‫نفسه وإل من وجد إيقاع هذه الصفات ف حسه ونفسه وشعوره وكينونته كلها أجل ل‬
‫يقدر حقيقة هذا العطاء إل الذي يعرف حقيقة العطي الذي يعرف من هو ال من هو‬
‫صانع هذا الكون الائل وصانع النسان الذي يلخص الكون وهو جرم صغي من هو ف‬
‫عظمته ومن هو ف قدرته ومن هو ف تفرده ومن هو ف ملكوته من هو ومن هذا العبد‬
‫الذي يتفضل ال عليه منه بالب والعبد من صنع يديه سبحانه وهو الليل العظيم الي‬
‫الدائم الزل البدي الول والخر والظاهر والباطن وحب العبد لربه نعمة لذا العبد ل‬
‫يدركها كذلك إل من ذاقها وإذا كان حب ال لعبد من عبيده أمرا هائل عظيما وفضل‬
‫غامرا جزيل فإن إنعام ال على العبد بدايته لبه وتعريفه هذا الذاق الميل الفريد الذي‬
‫الذي ل نظي له ف مذاقات الب كلها ول شبيه هو إنعام هائل عظيم وفضل غامر جزيل‬
‫وإذا كان حب ال لعبد من عبيده أمرا فوق التعبي أن يصفه فإن حب العبد لربه أمر قلما‬
‫استطاعت العبارة أن تصوره إل ف فلتات قليلة من كلم الحبي وهذا هو الباب الذي‬
‫تفوق فيه الواصلون من رجال التصوف الصادقي وهم قليل من بي ذلك الشد الذي‬
‫يلبس مسوح التصوف ويعرف ف سجلهم الطويل ول زالت أبيات رابعة العدوية تنقل إل‬
‫حسي مذاقها الصادق لذا الب الفريد وهي تقول فليتك تلو والياة مريرة وليتك‬
‫ترضى والنام غضاب وليت الذي بين وبينك عامر وبين وبي العالي خراب إذا صح‬
‫منك الود فالكل هي وكل الذي فوق التراب تراب وهذا الب من الليل للعبد من‬

‫‪110‬‬
‫العبيد والب من العبد للمنعم التفضل يشيع ف هذا الوجود ويسري ف هذا الكون‬
‫العريض وينطبع ف كل حي وف كل شيء فإذا هو جو وظل يغمران هذا الوجود ويغمران‬
‫الوجود النسان كله مثل ف ذلك العبد الحب الحبوب والتصور السلمي يربط بي‬
‫الؤمن وربه بذا الرباط العجيب البيب وليست مرة واحدة ول فلتة عابرة إنا هو أصل‬
‫وحقيقة وعنصر ف هذا التصور أصيل إن الذين آمنوا وعملوا الصالات سيجعل لم‬
‫الرحن ودًا إن رب رحيم ودود وهو الغفور الودود وإذا سألك عبادي عن فإن قريب‬
‫أجيب دعوة الداع إذا دعان والذين آمنوا أشد حبا ل قل إن كنم تبون ال فاتبعون‬
‫يببكم ال وغيها كثي وعجبا لقوم يرون على هذا كله ليقولوا إن التصور السلمي‬
‫تصور جاف عنيف يصور العلقة بي ال والنسان علقة قهر وقسر وعذاب وعقاب‬
‫وجفوة وانقطاع ل كالتصور الذي يعل السيح ابن ال وأقنوم الله فيبط بي ال والناس‬
‫ف هذا الزدواج إن نصاعة التصور السلمي ف الفصل بي حقيقة اللوهية وحقيقة‬
‫العبودية ل تفف ذلك الندى البيب بي ال والعبيد فهي علقة الرحة كما أنا علقة‬
‫العدل وهي علقة الود كما أنا علقة التجريد وهي علقة الب كما أنا علقة التنية إنه‬
‫التصور الكامل الشامل لكل حاجات الكينونة البشرية ف علقتها برب العالي وهنا ف‬
‫صفة العصبة الؤمنة الختارة لذا الدين يرد ذلك النص العجيب يبهم ويبونه ويطلق‬
‫شحنته كلها ف هذا الو الذي يتاج إليه القلب الؤمن وهو يضطلع بذا العبء الشاق‬
‫شاعرا أنه الختيار والتفضل والقرب من النعم الليل ث يضي السياق يعرض بقية السمات‬
‫أذلة على الؤمني وهي صفة مأخوذة من الطواعية واليسر واللي فالؤمن ذلول للمؤمن غي‬
‫عصي عليه ول صعب هي لي ميسر مستجيب سح ودود وهذه هي الذلة للمؤمني وما‬
‫ف الذلة للمؤمني من مذلة ول مهانة إنا هي الخوة ترفع الواجز وتزيل التكلف وتلط‬
‫النفس بالنفس فل يبقى فيها ما يستعصي وما يتجز دون الخرين إن حساسية الفرد بذاته‬
‫متحوصلة متحيزة هي الت تعله شوسا عصيا شحيحا على أخيه فأما حي يلط نفسه‬
‫بنفوس العصبة الؤمنة معه فلن يد فيها ما ينعه وما يستعصي به وماذا يبقى له ف نفسه‬
‫دونم وقد اجتمعوا ف ال إخوانا ; يبهم ويبونه ويشيع هذا الب العلوي بينهم‬
‫ويتقاسونه أعزة على الكافرين فيهم على الكافرين شاس وإباء واستعلء ولذه الصائص‬

‫‪111‬‬
‫هنا موضع إنا ليست العزة للذات ول الستعلء للنفس إنا هي العزة للعقيدة والستعلء‬
‫للراية الت يقفون تتها ف مواجهة الكافرين إنا الثقة بأن ما معهم هو الي وأن دورهم‬
‫هو أن يطوعوا الخرين للخي الذي معهم ل أن يطوعوا الخرين لنفسهم ول أن يطوعوا‬
‫أنفسهم للخرين وما عند الخرين ث هي الثقة بغلبة دين ال على دين الوى ; وبغلبة قوة‬
‫ال على تلك القوى ; وبغلبة حزب ال على أحزاب الاهلية فهم العلون حت وهم‬
‫ينهزمون ف بعض العارك ف أثناء الطريق الطويل ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة‬
‫لئم فالهاد ف سبيل ال لقرار منهج ال ف الرض وإعلن سلطانه على البشر وتكيم‬
‫شريعته ف الياة لتحقيق الي والصلح والنماء للناس هي صفة العصبة الؤمنة الت يتارها‬
‫ال ليصنع با ف الرض ما يريد وهم ياهدون ف سبيل ال ; ل ف سبيل أنفسهم ; ول‬
‫ف سبيل قومهم ; ول ف سبيل وطنهم ; ول ف سبيل جنسهم ف سبيل ال لتحقيق منهج‬
‫ال وتقرير سلطانه وتنفيذ شريعته وتقيق الي للبشر عامة عن هذا الطريق وليس لم ف‬
‫هذا المر شيء وليس لنفسهم من هذا حظ إنا هو ل وف سبيل ال بل شريك وهم‬
‫ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئم وفيم الوف من لوم الناس وهم قد ضمنوا‬
‫حب رب الناس وفيم الوقوف عند مألوف الناس وعرف اليل ومتعارف الاهلية وهم‬
‫يتبعون سنة ال ويعرضون منهج ال للحياة إنا يشى لوم الناس من يستمد مقاييسه‬
‫وأحكامه من أهواء الناس ; ومن يستمد عونه ومدده من عندالناس ; أما من يرجع إل‬
‫موازين ال ومقاييسه وقيمه ليجعلها تسيطر على أهواء الناس وشهواتم وقيمهم ; وأما من‬
‫يستمد قوته وعزته من قوة ال وعزته فما يبال ما يقول الناس وما يفعلون كائنا هؤلء‬
‫الناس ما كانوا ; وكائنا واقع هؤلء الناس ما كان وكائنة حضارة هؤلء الناس وعلمهم‬
‫وثقافتهم ما تكون إننا نسب حسابا لا يقول الناس ; ولا يفعل الناس ; ولا يلك الناس ;‬
‫ولا يصطلح عليه الناس ; ولا يتخذه الناس ف واقع حياتم من قيم واعتبارات وموازين‬
‫لننا نغفل أو نسهو عن الصل الذي يب أن نرجع إليه ف الوزن والقياس والتقوي إنه‬
‫منهج ال وشريعته وحكمه فهو وحده الق وكل ما خالفة فهو باطل ; ولو كان عرف‬
‫مليي الليي ولو أقرته الجيال ف عشرات القرون إنه ليست قيمة أي وضع أو أي‬
‫عرف أو أي تقليد أو أية قيمة أنه موجود ; وأنه واقع ; وأن مليي البشر يعتنقونه‬

‫‪112‬‬
‫ويعيشون به ويتخذونه قاعدة حياتم فهذا ميزان ل يعترف به التصور السلمي إنا قيمة‬
‫أي وضع وأي عرف وأي تقليد وأية قيمة أن يكون لا أصل ف منهج ال الذي منه وحده‬
‫تستمد القيم والوازين ومن هنا تاهد العصبة الؤمنة ف سبيل ال ول تاف لومة لئم‬
‫فهذه سة الؤمني الختارين ث إن ذلك الختيار من ال وذلك الب التبادل بينه وبي‬
‫الختارين وتلك السمات الت يعلها طابعهم وعنوانم وهذا الطمئنان إل ال ف نفوسهم‬
‫والسي على هداه ف جهادهم ذلك كله من فضل ال ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال‬
‫واسع عليم يعطي عن سعة ويعطي عن علم وما أوسع هذا العطاء ; الذي يتار ال له من‬
‫يشاء عن علم وعن تقدير ويدد ال للذين آمنوا جهة الولء الوحيدة الت تتفق مع صفة‬
‫اليان ; ويبي لم من يتولون إنا وليكم ال ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلة‬
‫ويؤتون الزكاة وهم راكعون هكذا على وجه القصر الذي ل يدع مال للتمحل أو التأول‬
‫; ول يترك فرصة لتمييع الركة السلمية أو تييع التصور ول يكن بد أن يكون المر‬
‫كذلك لن السألة ف صميمها كما قلنا هي مسألة العقيدة ومسألة الركة بذه العقيدة‬
‫وليكون الولء ل خالصا والثقة به مطلقة وليكون السلم هو الدين وليكون المر أمر‬
‫مفاصلة بي الصف السلم وسائر الصفوف الت ل تتخذ السلم دينا ول تعل السلم‬
‫منهجا للحياة ولتكون للحركة السلمية جديتها ونظامها ; فل يكون الولء فيها لغي‬
‫قيادة واحدة وراية واحدة ول يكون التناصر إل بي العصبة الؤمنة ; لنه تناصر ف النهج‬
‫الستمد من العقيدة ولكن حت ل يكون السلم مرد عنوان أو مرد راية وشعار أو مرد‬
‫كلمة تقال باللسان أو مرد نسب ينتقل بالوراثة أو مرد وصف يلحق القاطني ف مكان‬
‫فإن السياق يذكر بعض السمات الرئيسية للذين آمنوا الذين يقيمون الصلة ويؤتون‬
‫الزكاة وهم راكعون فمن صفتهم إقامة الصلة ل مرد أداء الصلة وإقامة الصلة تعن‬
‫أداءها أداء كامل تنشأ عنه آثارها الت يقررها قوله تعال إن الصلة تنهي عن الفحشاء‬
‫والنكر والذي ل تنهاه صلته عن الفحشاء والنكر ل يقم الصلة ; فلو أقامها لنهته كما‬
‫يقول ال ومن صفتهم إيتاء الزكاة أي أداء حق الال طاعة ل وقرب عن رضى نفس‬
‫ورغبة فليست الزكاة مرد ضريبة مالية إنا هي كذلك عبادة أو هي عبادة مالية وهذه هي‬
‫ميزة النهج السلمي الذي يقق أهدافا شت بالفريضة الواحدة وليس كذلك النظمة‬

‫‪113‬‬
‫الرضية الت تقق هدفا وتفرط ف أهداف إنه ل يغن ف إصلح حال الجتمع أن يأخذ‬
‫الجتمع الال ضريبة مدنية أو أن يأخذ الال من الغنياء للفقراء باسم الدولة أو باسم‬
‫الشعب أو باسم جهة أرضية ما فهي ف صورتا هذه قد تقق هدفا واحدا ; وهو إيصال‬
‫الال للمحتاجي فأما الزكاة فتعن اسها ومدلولا إنا قبل كل شيء طهارة وناء إنا زكاة‬
‫للضمي بكونا عبادة ل وبالشعور الطيب الصاحب لا تاه الخوان الفقراء با أنا عبادة‬
‫ل يرجو عليها فاعلها حسن الزاء ف الخرة كما يرجو منها ناء الال ف الياة الدنيا‬
‫بالبكة وبالنظام القتصادي البارك ث بالشعور الطيب ف نفوس الفقراء الخذين أنفسهم‬
‫; إذ يشعرون أنا فضل ال عليهم إذ قررها لم ف أموال الغنياء ; ول يشعرون معها‬
‫بالقد والتشفي من إخوانم الغنياء مع تذكر أن الغنياء ف النظام السلمي ل يكسبون‬
‫إل من حلل ول يورون على حق أحد وهم يمعون نصيبهم من الال وف النهاية تقق‬
‫هدف الضريبة الالية ف هذا الو الراضي الي الطيب جو الزكاة والطهارة والنماء وأداء‬
‫الزكاة سة من سات الذين آمنوا تقرر أنم يتبعون شريعة ال ف شئون الياة ; فهي إقرار‬
‫منهم بسلطان ال ف أمرهم كله وهذا هو السلم وهم راكعون ذلك شأنم كأنه الالة‬
‫الصلية لم ومن ث ل يقف عند قوله يقيمون الصلة فهذه السمة الديدة أعم وأشل إذ‬
‫أنا ترسهم للخاطر كأن هذا هو شأنم الدائم فأبرز سة لم هي هذه السمة وبا يعرفون‬
‫وما أعمق إياءات التعبيات القرآنية ف مثل هذه الناسبات وال يعد الذين آمنوا ف مقابل‬
‫الثقة به واللتجاء إليه والولء له وحده ولرسوله وللمؤمني بالتبعية ومقابل الفاصلة‬
‫الكاملة بينهم وبي جيع الصفوف إل الصف الذي يتمحض ل يعدهم النصر والغلبة ومن‬
‫يتول ال ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون وقد جاء هذا الوعد بالغلب بعد‬
‫بيان قاعدة اليان ف ذاتا وأنا هي الولء ل ورسوله وللمؤمني ; وبعد التحذير من‬
‫الولء لليهود والنصارى واعتباره خروجا من الصف السلم إل صف اليهود والنصارى‬
‫وارتدادا عن الدين وهنا لفتة قرآنية مطردة فال سبحانه يريد من السلم أن يسلم لجرد أن‬
‫السلم خي ل لنه سيغلب أو سيمكن له ف الرض ; فهذه ثرات تأت ف حينها ; وتأت‬
‫لتحقيق قدر ال ف التمكي لذا الدين ; ل لتكون هي بذاتا الغراء على الدخول ف هذا‬
‫الدين والغلب للمسلمي ل شيء منه لم ل شيء لذواتم وأشخاصهم وإنا هو قدر ال‬

‫‪114‬‬
‫يريه على أيديهم ويرزقهم إياه لساب عقيدتم ل لسابم فيكون لم ثواب الهد فيه ;‬
‫وثواب النتائج الت تترتب عليه من التمكي لدين ال ف الرض وصلح الرض بذا‬
‫التمكي كذلك قد يعد ال السلمي الغلب لتثبيت قلوبم ; وإطلقها من عوائق الواقع‬
‫الاضر أمامهم وهي عوائق ساحقة ف أحيان كثية فإذا استيقنوا العاقبة قويت قلوبم على‬
‫اجتياز الحنة ; وتطي العقبة والطمع ف أن يتحقق على أيديهم وعد ال للمة السلمة‬
‫فيكون لم ثواب الهاد وثواب التمكي لدين ال وثواب النتائج الترتبة على هذا التمكي‬
‫كذلك يشي ورود هذا النص ف هذا الجال بالة الماعة السلمة يومذاك وحاجتها إل‬
‫هذه البشريات بذكر هذه القاعدة من غلبة حزب ال ما يرجح ما ذهبنا إليه من تاريخ‬
‫نزول هذا القطاع من السورة ث تلص لنا هذه القاعدة ; الت ل تتعلق بزمان ول مكان‬
‫فنطمئن إليها بوصفها سنة من سنن ال الت ل تتخلف وإن خسرت العصبة الؤمنة بعض‬
‫العارك والواقف فالسنة الت ل تنقض هي أن حزب ال هم الغالبون ووعد ال القاطع‬
‫أصدق من ظواهر المور ف بعض مراحل الطريق وأن الولء ل ورسوله والذين آمنوا هو‬
‫الطريق الؤدي لتحقق وعد ال ف ناية الطريق الدرس الثالث دعوة السلمي لعدم موالة‬
‫الكافرين وبعد فلقد سلك النهج القرآن ف هذا السياق طرقا منوعة لنهي الذين آمنوا عن‬
‫تول الخالفي لم ف عقيدتم من أهل الكتاب والشركي ولتقرير هذه القاعدة اليانية ف‬
‫ضمائرهم وإحساسهم وعقولم ما يدل على أهية هذه القاعدة ف التصور السلمي ;‬
‫وف الركة السلمية على السواء وقد رأينا من قبل أنه سلك ف النداء الول طريق النهي‬
‫الباشر وطريق التخويف من أن يأت ال بالفتح أو أمر من عنده فينكشف ستر النافقي‬
‫وسلك ف النداء الثان طريق التحذير من الردة بوالة أعداء ال ورسوله والؤمني ;‬
‫وطريق التحبيب ف أن يكونوا من العصبة الختارة من يبهم ال ويبونه ; وطريق الوعد‬
‫بالنصر لزب ال الغالب فالن نده ف النداء الثالث ف هذا الدرس للذين آمنوا يثي ف‬
‫نفوسهم المية لدينهم ولعبادتم ولصلتم الت يتخذها أعداؤهم هزوا ولعبا ونده يسوي‬
‫ف النهي عن الوالة بي أهل الكتاب والكفار وينوط هذا النهي بتقوى ال ; ويعلق على‬
‫الستماع إليه صفة اليان ; ويقبح فعلة الكفار وأهل الكتاب ويصفهم بأنم ل يعقلون يا‬
‫أيها الذين آمنوا ل تتخذوا الذين اتذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من‬

‫‪115‬‬
‫قبلكم والكفار أولياء واتقوا ال إن كنتم مؤمني وإذا ناديتم إل الصلة اتذوها هزوا‬
‫ولعبا ذلك بأنم قوم ل يعقلون وهي ملبسة مثية لكل من له حية الؤمن ; الذي ل يرى‬
‫لنفسه كرامة إذا أهي دينه وأهينت عبادته وأهينت صلته واتذ موقفه بي يدي ربه مادة‬
‫للهزء واللعب فكيف يقوم ولء بي الذين آمنوا وبي أحد من هؤلء الذين يرتكبون هذه‬
‫الفعلة ; ويرتكبونا لنقص ف عقولم فما يستهزى ء بدين ال وعبادة الؤمني به إنسان‬
‫سوي العقل ; فالعقل حي يصح ويستقيم يرى ف كل شيء من حوله موحيات اليان‬
‫بال وحي يتل وينحرف ل يرى هذه الوحيات لنه حينئذ تفسد العلقات بينه وبي هذا‬
‫الوجود كله فالوجود كله يوحي بأن له إلا يستحق العبادة والتعظيم والعقل حي يصح‬
‫ويستقيم يستشعر جال العبادة لله الكون وجللا كذلك فل يتخذها هزوا ولعبا وهو‬
‫صحيح مستقيم ولقد كان هذا الستهزاء واللعب يقع من الكفار كما كان يقع من اليهود‬
‫خاصة من أهل الكتاب ف الفترة الت كان هذا القرآن يتنل فيها على قلب رسول ال ص‬
‫للجماعة السلمة ف ذلك الي ول نعرف من السية أن هذا كان يقع من النصارى ولكن‬
‫ال سبحانه كان يضع للجماعة السلمة قاعدة تصورها ومنهجها وحياتا الدائمة وكان ال‬
‫سبحانه يعلم ما سيكون على مدار الزمان مع أجيال السلمي وها نن أولء رأينا ونرى‬
‫أن أعداء هذا الدين وأعداء الماعة السلمة على مدار التاريخ أمس واليوم من الذين قالوا‬
‫إنم نصارى كانوا أكثر عددا من اليهود ومن الكفار متمعي فهؤلء كهؤلء قد ناصبوا‬
‫السلم العداء وترصدوه القرون تلو القرون وحاربوه حربا ل هوادة فيها منذ أن اصطدم‬
‫السلم بالدولة الرومانية على عهد أب بكر وعمر رضي ال عنهما حت كانت الروب‬
‫الصليبية ; ث كانت السألة الشرقية الت تكتلت فيها الدول الصليبية ف أرجاء الرض‬
‫للجهاز على اللفة ; ث كان الستعمار الذي يفي الصليبية بي أضلعه فتبدو ف فلتات‬
‫لسانه ; ث كان التبشي الذي مهد للستعمار وسانده ; ث كانت وما تزال تلك الرب‬
‫الشبوبة على كل طلئع البعث السلمي ف أي مكان ف الرض وكلها حلت يشترك‬
‫فيها اليهود والنصارى والكفار والوثنيون وهذا القرآن جاء ليكون كتاب المة السلمة ف‬
‫حياتا إل يوم القيامة الكتاب الذي يبن تصورها العتقادي كما يبن نظامها الجتماعي‬
‫كما يبن خطتها الركية سواء وها هو ذا يعلمها أل يكون ولؤها إل ل ولرسوله‬

‫‪116‬‬
‫وللمؤمني ; وينهاها أن يكون ولؤها لليهود والنصارى والكافرين ويزم ذلك الزم‬
‫الاسم ف هذه القضية ويعرضها هذا العرض النوع الساليب إن هذا الدين يأمر أهله‬
‫بالسماحة وبسن معاملة أهل الكتاب ; والذين قالوا إنم نصارى منهم خاصة ولكنه‬
‫ينهاهم عن الولء لؤلء جيعا لن السماحة وحسن العاملة مسألة خلق وسلوك أما الولء‬
‫فمسألة عقيدة ومسألة تنظيم إن الولء هو النصرة هو التناصر بي فريق وفريق ; ول تناصر‬
‫بي السلمي وأهل الكتاب كما هو الشأن ف الكفار لن التناصر ف حياة السلم هو كما‬
‫أسلفنا تناصر ف الدين ; وف الهاد لقامة منهجه ونظامه ف حياة الناس ; ففيم يكون‬
‫التناصر ف هذا بي السلم وغي السلم وكيف يكون إنا قضية جازمة حاسة ل تقبل‬
‫التميع ول يقبل ال فيها إل الد الصارم ; الد الذي يليق بالسلم ف شأن الدين الدرس‬
‫الرابع بيان حقيقة كفر أهل الكتاب ونقمتهم على السلمي وحي تتم النداءات الثلثة‬
‫للذين آمنوا يتوجه الطاب إل الرسول ص ليواجه أهل الكتاب فيسألم ماذا ينقمون من‬
‫الماعة السلمة وهل ينقمون منها إل اليان بال وما أنزل إل أهل الكتاب ; وما أنزله‬
‫ال للمسلمي بعد أهل الكتاب هل ينقمون إل أن السلمي يؤمنون وأنم هم أهل الكتاب‬
‫أكثرهم فاسقون وهي مواجهة مجلة ولكنها كذلك كاشفة وحاسة ومددة لصل‬
‫العداوة ومفرق الطريق قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إل أن آمنا بال وما أنزل إلينا‬
‫وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال من‬
‫لعنه ال وغضب عليه وجعل منهم القردة والنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا‬
‫وأضل عن سواء السبيل إن هذا السؤال الذي وجه ال رسوله إل توجيهه لهل الكتاب‬
‫هو من ناحية سؤال تقريري لثبات ما هو واقع بالفعل منهم ; وكشف حقيقة البواعث‬
‫الت تدفع بم إل موقفهم من الماعة السلمة ودينها وصلتا وهو من ناحية سؤال‬
‫استنكاري لستنكار هذا الواقع منهم واستنكار البواعث الدافعة عليه وهو ف الوقت ذاته‬
‫توعية للمسلمي وتنفي لم من موالة القوم وتقرير لا سبق ف النداءات الثلثة من ني عن‬
‫هذه الوالة وتذير إن أهل الكتاب ل يكونوا ينقمون على السلمي ف عهد الرسول ص‬
‫وهم ل ينقمون اليوم على طلئع البعث السلمي إل أن هؤلء السلمي يؤمنون بال ;‬
‫وما أنزله ال إليهم من قرآن ; وما صدق عليه قرآنم ما أنزله ال من قبل من كتب أهل‬

‫‪117‬‬
‫الكتاب إنم يعادون السلمي لنم مسلمون لنم ليسوا يهودا ول نصارى ولن أهل‬
‫الكتاب فاسقون منحرفون عما أنزله ال إليهم ; وآية فسقهم وانرافهم أنم ل يؤمنون‬
‫بالرسالة الخية وهي مصدقة لا بي أيديهم ل ما ابتدعوه وحرفوه ول يؤمنون بالرسول‬
‫الخي وهو مصدق لا بي يديه ; معظم لرسل ال أجعي إنم ياربون السلمي هذه‬
‫الرب الشعواء ; الت ل تضع أوزارها قط ول يب أوارها طوال ألف وأربعمائة عام ;‬
‫منذ أن قام للمسلمي كيان ف الدينة ; وتيزت لم شخصية ; وأصبح لم وجود مستقل ;‬
‫ناشى ء من دينهم الستقل وتصورهم الستقل ونظامهم الستقل ف ظل منهج ال الفريد‬
‫إنم يشنون على السلمي هذه الرب الشبوبة لنم قبل كل شيء مسلمون ول يكن أن‬
‫يطفئوا هذه الرب الشبوبة إل أن يردوا السلمي عن دينهم ; فيصبحوا غي مسلمي ذلك‬
‫أن أهل الكتاب أكثرهم فاسقون ; ومن ث ل يبون الستقيمي اللتزمي من السلمي وال‬
‫سبحانه يقرر هذه القيقة ف صورة قاطعة وهو يقول لرسوله ص ف السورة الخرى ولن‬
‫ترضى عنك اليهود ول النصارى حت تتبع ملتهم ويقول له ف هذه السورة أن يواجه أهل‬
‫الكتاب بقيقة بواعثهم وركيزة موقفهم قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إل أن آمنا‬
‫بال ; وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون وهذه القيقة الت يقررها ال‬
‫سبحانه ف مواضع كثية من كلمه الصادق البي هي الت يريد تييعها وتلبيسها وتغطيتها‬
‫وإنكارها اليوم كثيون من أهل الكتاب وكثيون من يسمون أنفسهم مسلمي باسم‬
‫تعاون التديني ف وجه الادية واللاد كما يقولون أهل الكتاب يريدون اليوم تييع هذه‬
‫القيقة بل طمسها وتغطيتها لنم يريدون خداع سكان الوطن السلمي أو الذي كان‬
‫إسلميا بتعبي أصح وتدير الوعي الذي كان قد بثه فيهم السلم بنهجه الربان القوي‬
‫ذلك أنه حي كان هذا الوعي سليما ل يستطع الستعمار الصليب أن يقف للمد‬
‫السلمي فضل على أن يستعمر الوطن السلمي ول يكن بد لؤلء بعد فشلهم ف‬
‫الروب الصليبية السافرة وف حرب التبشي السافرة كذلك أن يسلكوا طريق الداع‬
‫والتخدير فيتظاهروا ويشيعوا بي ورثة السلمي أن قضية الدين والرب الدينية قد انتهت‬
‫وأنا كانت مرد فترة تاريية مظلمة عاشتها المم جيعا ث تنور العال و تقدم فلم يعد من‬
‫الائز ول اللئق ول الستساغ أن يقوم الصراع على أساس العقيدة وأنا الصراع اليوم‬

‫‪118‬‬
‫على الادة على الوارد والسواق والستغللت فحسب وإذن فما يوز للمسلمي أو‬
‫ورثة السلمي أن يفكروا ف الدين ول ف صراع الدين وحي يطمئن أهل الكتاب وهم‬
‫الذين يستعمرون أوطان السلمي إل استنامة هؤلء لذا التخدير ; وحي تتميع القضية ف‬
‫ضمائرهم ; فإن الستعمرين يأمنون غضبة السلمي ل ; وللعقيدة الغضبة الت ل يقفوا لا‬
‫يوما ويصبح المر سهل بعد التنوي والتخدير ول يكسبون معركة العقيدة وحدها بل‬
‫يكسبون معها ما وراءها من السلب والغان والستثمارات والامات ; ويغلبون ف‬
‫معركة الادة بعدما يغلبون ف معركة العقيدة فهما قريب من قريب وعملء أهل الكتاب‬
‫ف الوطن السلمي من يقيمهم الستعمار هنا وهناك علنية أو ف خفية يقولون القول‬
‫نفسه لنم عملء يؤدون الدور من داخل الدود وهؤلء يقولون عن الروب الصليبية‬
‫ذاتا إنا ل تكن صليبية ويقولون عن السلمي الذين خاضوها تت راية العقيدة إنم ل‬
‫يكونوا مسلمي وإنا هم كانوا قوميي وفريق ثالث مستغفل مدوع ; يناديه أحفاد‬
‫الصليبي ف الغرب الستعمر أن تعالوا إلينا تعالوا نتمع ف ولء ; لندفع عن الدين غائلة‬
‫اللحدين فيستجيب هذا الفريق الستغفل الخدوع ; ناسيا أن أحفاد الصلييبي هؤلء‬
‫وقفوا ف كل مرة مع اللحدين ; صفا واحدا حينما كانت الواجهة للمسلمي على مدار‬
‫القرون وما يزالون وأنم ل يعنيهم حرب الادية اللادية قدر ما تعنيهم حرب السلم‬
‫ذلك أنم يعرفون جيدا أن اللادية الادية عرض طارى ء وعدو موقوت ; وأن السلم‬
‫أصل ثابت وعدو مقيم وإنا هذه الدعوة الموهة لتمييع اليقظة البادئة عند طلئع البعث‬
‫السلمي ; وللنتفاع بهد الستغفلي الخدوعي ف الوقت ذاته ليكونوا وقود العركة مع‬
‫اللحدين لنم أعداء الستعمار السياسيون وهؤلء كهؤلء حرب على السلم والسلمي‬
‫حرب ل عدة فيها للمسلم إل ذلك الوعي الذي يربيه عليه النهج الربان القوي إن هؤلء‬
‫الذين تدعهم اللعبة أو يتظاهرون بالتصديق فيحسبون أهل الكتاب جادين إذ يدعونم‬
‫للتضامن والولء ف دفع اللاد عن الدين إنا ينسون واقع التاريخ ف أربعة عشر قرنا ل‬
‫استثناء فيها كما ينسون تعليم ربم لم ف هذا المر بالذات وهو تعليم ل مواربة فيه ول‬
‫مال للحيدة عنه وف النفس ثقة بال ويقي بدية ما يقول إن هؤلء يتزئون فيما يقولون‬
‫ويكتبون باليات القرآنية والحاديث النبوية الت تأمر السلمي أن يسنوا معاملة أهل‬

‫‪119‬‬
‫الكتاب ; وأن يتساموا معهم ف العيشة والسلوك ويغفلون التحذيرات الاسة عن‬
‫موالتم ; والتقريرات الواعية عن بواعثهم والتعليمات الصرية عن خطة الركة السلمية‬
‫وخطة التنظيم الت ترم التناصر والوالة لن التناصر والوالة ل يكونان عند السلم إل ف‬
‫شأن الدين وإقامة منهجه ونظامه ف الياة الواقعية وليست هناك قاعدة مشتركة يلتقي‬
‫عليها السلم مع أهل الكتاب ف شأن دينه مهما يكن هناك من تلق ف أصول هذه‬
‫الديان مع دينه قبل تريفها إذ هم ل ينقمون منه إل هذا الدين ول يرضون عنه إل بترك‬
‫هذا الدين كما يقول رب العالي إن هؤلء من يعلون القرآن عضي ; يزئونه ويزقونه‬
‫فيأخذون منه ما يشاءون ما يوافق دعوتم الغافلة الساذجة على فرض براءتا ويدعون منه‬
‫ما ل يتفق مع اتاههم الغافل أو الريب ونن نؤثر أن نسمع كلم ال ف هذه القضية على‬
‫أن نسمع كلم الخدوعي أو الادعي وكلم ال سبحانه ف هذه القضية حاسم واضح‬
‫صريح مبي ونقف وقفة قصية ف هذا الوضع عند قوله تعال بعد تقرير أن سبب النقمة‬
‫هو اليان بال وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل أن بقية السبب وأن أكثركم فاسقون فهذا‬
‫الفسق هو شطر الباعث فالفسق يمل صاحبه على النقمة من الستقيم وهي قاعدة نفسية‬
‫واقعية ; تثبتها هذه اللفتة القرآنية العجيبة إن الذي يفسق عن الطريق وينحرف ل يطيق أن‬
‫يرى الستقيم على النهج اللتزم إن وجوده يشعره دائما بفسقه وانرافه إنه يتمثل له شاهدا‬
‫قائما على فسقه هو وانرافه ومن ث يكرهه وينقم عليه يكره استقامته وينقم منه التزامه ;‬
‫ويسعى جاهدا لره إل طريقه ; أو للقضاء عليه إذا استعصى قياده إنا قاعدة مطردة‬
‫تتجاوز موقف أهل الكتاب من الماعة السلمة ف الدينة إل موقف أهل الكتاب عامة‬
‫من السلمي عامة إل موقف كل فاسق منحرف من كل عصبة ملتزمة مستقيمة والرب‬
‫الشبوبة دائما على اليين ف متمع الشرار وعلى الستقيمي ف متمع الفاسقي وعلى‬
‫اللتزمي ف متمع النحرفي هذه الرب أمر طبيعي يستند إل هذه القاعدة الت يصورها‬
‫النص القرآن العجيب ولقد علم ال سبحانه أن الي ل بد أن يلقى النقمة من الشر وأن‬
‫الق ل بد أن يواجه العداء من الباطل وأن الستقامة ل بد أن تثي غيظ الفساق وأن‬
‫اللتزام ل بد أن ير حقد النحرفي وعلم ال سبحانه أن ل بد للخي والق والستقامة‬
‫واللتزام أن تدفع عن نفسها وأن توض العركة التمية مع الشر والباطل والفسق‬

‫‪120‬‬
‫والنراف وأنا معركة ل خيار فيها ول يلك الق أل يوضها ف وجه الباطل لن الباطل‬
‫سيهاجه ول يلك الي أن يتجنبها لن الشر ل بد سيحاول سحقه وغفلة أي غفلة أن‬
‫يظن أصحاب الق والي والستقامة واللتزام أنم متروكون من الباطل والشر والفسق‬
‫والنراف ; وأنم يلكون تنب العركة ; وأنه يكن أن تقوم هناك مصالة أو مهادنة‬
‫وخي لم أن يستعدوا للمعركة الحتومة بالوعي والعدة ; من أن يستسلموا للوهم‬
‫والديعة وهم يومئذ مأكولون مأكولون ث نضي مع السياق القرآن ف توجيه ال سبحانه‬
‫لرسوله ص لواجهة أهل الكتاب بعد تقرير بواعثهم واستنكار هذه البواعث ف النقمة‬
‫على السلمي فإذا هو يبههم بتاريخ لم قدي وشأن لم مع ربم وعقاب أليم قل هل‬
‫أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال من لعنه ال وغضب عليه وجعل منهم القردة والنازير‬
‫وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل وهنا تطالعنا سحنة يهود وتاريخ‬
‫يهود إنم هم الذين لعنهم ال وغضب عليهم وجعل منهم القردة والنازير إنم هم الذين‬
‫عبدوا الطاغوت وقصة لعنة ال لم وغضبه عليهم واردة ف مواضع شت من القرآن الكري‬
‫; وكذلك قصة جعله منهم القردة والنازير فأما قضية عبادتم للطاغوت فتحتاج إل بيان‬
‫هنا لنا لفتة ذات دللة خاصة ف سياق هذه السورة إن الطاغوت هو كل سلطان ل‬
‫يستمد من سلطان ال وكل حكم ل يقوم على شريعة ال وكل عدوان يتجاوز الق‬
‫والعدوان على سلطان ال وألوهيته وحاكميته هو أشنع العدوان وأشده طغيانا وأدخله ف‬
‫معن الطاغوت لفظا ومعن وأهل الكتاب ل يعبدوا الحبار والرهبان ; ولكن اتبعوا‬
‫شرعهم وتركوا شريعة ال فسماهم ال عبادا لم ; وساهم مشركي وهذه اللفتة هنا‬
‫ملحوظ فيها ذلك العن الدقيق فهم عبدوا الطاغوت أي السلطات الطاغية التجاوزة‬
‫لقها وهم ل يعبدوها بعن السجود لا والركوع ولكنهم عبدوها بعن التباع والطاعة‬
‫وهي عبادة ترج صاحبها من عبادة ال ومن دين ال وال سبحانه يوجه رسوله ص‬
‫لجابة أهل الكتاب بذا التاريخ وبذلك الزاء الذي استحقوه من ال على هذا التاريخ‬
‫كأنا هم جيل واحد با أنم جبلة واحدة يوجهه ليقول لم إن هذا شر عاقبة قل هل‬
‫أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال أي شر من نقمة أهل الكتاب على السلمي وما‬
‫يكيدون لم وما يؤذونم بسبب إيانم وأين نقمة البشر الضعاف من نقمة ال وعذابه‬

‫‪121‬‬
‫وحكمه على أهل الكتاب بالشر والضلل عن سواء السبيل أولئك شر مكانا وأضل عن‬
‫سواء السبيل الدرس الامس ناذج من كفريات وتلعب اليهود ويضي السياق ف التنفي‬
‫من موالتم بعرض صفاتم وساتم بعد عرض تاريهم وجزائهم وييء التحذير والتوعي‬
‫ة منهم بكشف ما يبيتون ويبز اليهود كذلك ف الصورة لن الديث عن وقائع جارية‬
‫ومعظم الشر كان ييء من قبل يهود وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد‬
‫خرجوا به وال أعلم با كانوا يكتمون وترى كثيا منهم يسارعون ف الث والعدوان‬
‫وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لول ينهاهم الربانيون والحبار عن قولم الث‬
‫وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون وقالت اليهود يد ال مغلولة غلت أيديهم ولعنوا‬
‫با قالوا ; بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيا منهم ما أنزل إليك من ربك‬
‫طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إل يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب‬
‫أطفأها ال ويسعون ف الرض فسادا وال ل يب الفسدين إنا عبارات تنشى ء صورا‬
‫متحركة مشاهد حية على طريقة التعبي القرآنية الفريدة ومن وراء القرون يلك قارى ء‬
‫هذه اليات أن يشهد بعي التصور هؤلء القوم الذين يتحدث عنهم القرآن من يهود على‬
‫الرجح فالسياق يتحدث عنهم وإن كان من الائز أنه يعن كذلك بعض النافقي ف‬
‫الدينة يشهدهم ييئون للمسلمي فيقولون آمنا ويشهد ف جعبتهم الكفر وهم يدخلون به‬
‫ويرجون ; بينما ألسنتهم تقول غي ما ف العبة من كفر يملونه داخلي خارجي‬
‫ولعلهم من يهود أولئك الذين كانوا يبيتون البلبلة وهم يقولون بعضهم لبعض آمنوا بذا‬
‫القرآن وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون أي لعل السلمي يرجعون عن دينهم‬
‫بسبب هذه البلبلة والتشكيك البيث اللئيم وال أعلم با كانوا يكتمون‬
‫يقولا ال سبحانه لنا القيقة ; ث لكي يطمئن الؤمنون إل كلءة ربم لم وحفظهم من‬
‫كيد عدوهم ; وإحاطته علما بذا الكيد الكتوم ث ليهدد أصحاب هذا الكيد لعلهم‬
‫ينتهون ويضي السياق يرسم حركاتم كأنا منظورة تشهد وتلحظ من خلل التعبي‬
‫وترى كثيا منهم يسارعون ف الث والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون‬
‫والسارعة مفاعلة تصور القوم كأنا يتسابقون تسابقا ف الث والعدوان وأكل الرام وهي‬
‫صورة ترسم للتبشيع والتشنيع ولكنها تصور حالة من حالت النفوس والماعات حي‬

‫‪122‬‬
‫يستشري فيها الفساد ; وتسقط القيم ; ويسيطر الشر وإن النسان لينظر إل الجتمعات‬
‫الت انتهت إل مثل هذه الال فيى كأنا كل من فيها يتسابقون إل الشر إل الث‬
‫والعدوان قويهم وضعيفهم سواء فالث والعدوان ف الجتمعات الابطة الفاسدة ل‬
‫يقتصران على القوياء ; بل يرتكبهما كذلك الضعفاء فحت هؤلء ينساقون ف تيار الث‬
‫وحت هؤلء يلكون العتداء ; إنم ل يلكون العتداء على القوياء طبعا ولكن يعتدي‬
‫بعضهم على بعض ويعتدون على حرمات ال لنا هي الت تكون ف الجتمعات الفاسدة‬
‫المى الستباح الذي ل حارس له من حاكم ول مكوم ; فالث والعدوان طابع الجتمع‬
‫حي يفسد ; والسارعة فيهما عمل هذه الجتمعات وكذلك كان متمع يهود ف تلك‬
‫اليام وكذلك أكلهم للحرام فأكل الرام كذلك سة يهود ف كل آن لبئس ما كانوا‬
‫يعملون ويشي السياق إل سة أخرى من سات الجتمعات الفاسدة ; وهو يستنكر‬
‫سكوت الربانيي القائمي على الشريعة والحبار القائمي على أمر العلم الدين سكوتم‬
‫على مسارعة القوم ف الث والعدوان وأكل السحت ; وعدم نيهم عن هذا الشر الذي‬
‫يتسابقون فيه لول ينهاهم الربانيون والحبار عن قولم الث وأكلهم السحت لبئس ما‬
‫كانوا يصنعون فهذه السمة سة سكوت القائمي على أمر الشريعة والعلم الدين عما يقع‬
‫ف الجتمع من إث وعدوان هي سة الجتمعات الت فسدت وآذنت بالنيار وبنو إسرائيل‬
‫كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه كما حكى عنهم القرآن الكري إن سة الجتمع الي‬
‫الفاضل الي القوي التماسك أن يسود فيه المر بالعروف والنهي عن النكر أن يوجد فيه‬
‫من يأمر بالعروف وينهى عن النكر ; وأن يوجد فيه من يستمع إل المر بالعروف‬
‫والنهي عن النكر ; وأن يكون عرف الجتمع من القوة بيث ل يرؤ النحرفون فيه على‬
‫التنكر لذا المر والنهي ول على إيذاء المرين بالعروف الناهي عن النكر وهكذا وصف‬
‫ال المة السلمة فقال كنتم خي أمة أخرجت للناس تأمرون بالعروف وتنهون عن النكر‬
‫وتؤمنون بال ووصف بن إسرائيل فقال كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه فكان ذلك‬
‫فيصل بي الجتمعي وبي الماعتي أما هنا فينحي باللئمة على الربانيي والحبار‬
‫الساكتي على السارعة ف الث والعدوان وأكل السحت ; الذين ل يقومون بق ما‬
‫استحفظوا عليه من كتاب ال وإنه لصوت النذير لكل أهل دين فصلح الجتمع أو فساده‬

‫‪123‬‬
‫رهن بقيام الفظة على الشريعة والعلم فيه بواجبهم ف المر بالعروف والنهي عن النكر ;‬
‫والمر كما قلنا من قبل ف الظلل يقتضي سلطة تأمر وتنهى والمر والنهي أمر غي‬
‫الدعوة فالدعوة بيان والمر والنهي سلطان وكذلك ينبغي أن يصل المرون بالعروف‬
‫الناهون عن النكر على السلطان الذي يعل لمرهم ونيهم قيمته ف الجتمع ; فل يكون‬
‫مطلق كلم وكنموذج من قولم الث ف أبشع صوره يكي القرآن الكري قول اليهود‬
‫الغب اللئيم وقالت اليهود يد ال مغلوله غلت أيديهم ولعنوا با قالوا بل يداه مبسوطتان‬
‫ينفق كيف يشاء وذلك من سوء تصور يهود ل سبحانه فقد حكى القرآن الكري الكثي‬
‫من سوء تصورهم ذاك وقد قالوا إن ال فقي ونن أغنياء عندما سئلوا النفقة وقالوا يد ال‬
‫مغلولة يعللون بذلك بلهم ; فال بزعمهم ل يعطي الناس ول يعطيهم إل القليل فكيف‬
‫ينفقون وقد بلغ من غلظ حسهم وجلفة قلوبم أل يعبوا عن العن الفاسد الكاذب الذي‬
‫أرادوه وهو البخل بلفظه الباشر ; فاختاروا لفظا أشد وقاحة وتجما وكفرا فقالوا يد ال‬
‫مغلولة وييء الرد عليهم بإحقاق هذه الصفة عليهم ولعنهم وطردهم من رحة ال جزاء‬
‫على قولم غلت أيديهم ولعنوا با قالوا وكذلك كانوا فهم أبل خلق ال بال ث يصحح‬
‫هذا التصور الفاسد السقيم ; ويصف ال سبحانه بوصفه الكري وهو يفيض على عباده‬
‫من فضله بل حساب بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وعطاياه الت ل تكف ول تنفد‬
‫لكل ملوق ظاهرة للعيان شاهدة باليد البسوطة والفضل الغامر والعطاء الزيل ناطقة بكل‬
‫لسان ولكن يهود ل تراها ; لنا مشغولة عنها باللم والضم وبالكنود وبالحود وبالبذاءة‬
‫حت ف حق ال ويدث ال رسوله ص عما سيبدو من القوم وعما سيحل بم بسبب‬
‫حقدهم وغيظهم من اصطفاء ال له بالرسالة ; وبسبب ما تكشفه هذه الرسالة من أمرهم‬
‫ف القدي والديث وليزيدن كثيا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرًا فبسبب من‬
‫القد والسد وبسبب من افتضاح أمرهم فيما أنزل ال إل رسوله سيزيد الكثيون منهم‬
‫طغيانا وكفرا لنم وقد أبوا اليان ل بد أن يشتطوا ف الانب القابل ; ول بد أن يزيدوا‬
‫تبجحا ونكرا وطغيانا وكفرا فيكون الرسول ص رحة للمؤمني ووبال عن النكرين ث‬
‫يدثه عما قدر ال لم من التعادي والتباغض فيما بينهم ; ومن إبطال كيدهم وهو ف‬
‫أشد سعيه تلهبا ; ومن عودتم باليبة فيما يشنونه من حرب على الماعة السلمة وألقينا‬

‫‪124‬‬
‫بينهم العداوة والبغضاء إل يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفاها ال وما تزال‬
‫طوائف اليهود متعادية وإن بدا ف هذه الفترة أن اليهودية العالية تتساند ; وتوقد نار‬
‫الرب على البلد السلمية وتفلح ولكن ينبغي أل ننظر إل فترة قصية من الزمان ول‬
‫إل مظهر ل يشتمل على القيقة كاملة ففي خلل ألف وثلثائة عام بل من قبل السلم‬
‫واليهود ف شحناء وف ذل كذلك وتشرد ومصيهم إل مثل ما كانوا فيه مهما تقم‬
‫حولم السناد ولكن مفتاح الوقف كله ف وجود العصبة الؤمنة الت يتحقق لا وعد ال‬
‫فأين هي العصبة الؤمنة اليوم الت تتلقى وعد ال وتقف ستارا لقدر ال ويقق ال با ف‬
‫الرض ما يشاء ويوم تفيء المة السلمة إل السلم تؤمن به على حقيقته ; وتقيم حياتا‬
‫كلها على منهجه وشريعته يومئذ يق وعد ال على شر خلق ال واليهود يعرفون هذا‬
‫ومن ث يسلطون كل ما ف جعبتهم من شر وكيد ; ويصبون كل ما ف أيديهم من بطش‬
‫وفتك على طلئع البعث السلمي ف كل شب من الرض ويضربون ل بأيديهم ولكن‬
‫بأيدي عملئهم ضربات وحشية منكرة ; ل ترعى ف العصبة الؤمنة إل ول ذمة ولكن ال‬
‫غالب على أمره ووعد ال ل بد أن يتحقق وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إل يوم القيامة‬
‫كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها ال إن هذا الشر والفساد الذي تثله يهود ل بد أن يبعث‬
‫ال عليه من يوقفه ويطمه ; فال ل يب الفساد ف الرض ; وما ل يبه ال ل بد أن‬
‫يبعث عليه من عباده من يزيله ويعفي عليه ويسعون ف الرض فسادا وال ل يب‬
‫الفسدين الدرس السادس أثر اليان وتطبيق شرع ال ف الرخاء العيشي وف ناية الدرس‬
‫تيء القاعدة اليانية الكبى قاعدة أن إقامة دين ال ف الرض معناها الصلح والكسب‬
‫والفلح ف حياة الؤمني ف هذه الدنيا وف الخرة على السواء ل افتراق بي دين ودنيا‬
‫ول افتراق بي دنيا وآخرة فهو منهج واحد للدنيا وللخرة ; للدنيا وللدين تيء هذه‬
‫القاعدة اليانية الكبية بناسبة الديث عن انراف أهل الكتاب عن دين ال ; وأكلهم‬
‫السحت ; وتريفهم الكلم من بعد مواضعه لينالوا عرضا من أعراض هذه الرض واتباع‬
‫دين ال كان أجدى عليهم ف الرض والسماء وف الدنيا والخرة لو أنم اختاروا الطريق‬
‫ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتم ; ولدخلناهم جنات النعيم ولو‬
‫أنم أقاموا التوراة والنيل وما أنزل إليهم من ربم لكلوا من فوقهم ومن تت أرجلهم‬

‫‪125‬‬
‫منهم أمة مقتصدة وكثي منهم ساء ما يعملون إن هاتي اليتي تقرران أصل كبيا من‬
‫أصول التصور السلمي ومن ث فهما تثلن حقيقة ضخمة ف الياة النسانية ولعل‬
‫الاجة إل جلء ذلك الصل وإل بيان هذه القيقة ل تكن ماسة كما هي اليوم ; والعقل‬
‫البشري والوازين البشرية والوضاع البشرية تتأرجح وتضطرب وتتوه بي ضباب‬
‫التصورات وضلل الناهج بإزاء هذا المر الطي إن ال سبحانه يقول لهل الكتاب‬
‫ويصدق القول وينطبق على كل أهل كتاب إنم لو كانوا آمنوا واتقوا لكفر عنهم سيئاتم‬
‫ولدخلهم جنات النعيم وهذا جزاء الخرة وإنم لو كانوا حققوا ف حياتم الدنيا منهج‬
‫ال المثل ف التوراة والنيل وما أنزله ال إليهم من التعاليم كما أنزلا ال بدون تريف‬
‫ول تبديل لصلحت حياتم الدنيا ونت وفاضت عليهم الزراق ولكلوا من فوقهم ومن‬
‫تت أرجلهم من فيض الرزق ووفرة النتاج وحسن التوزيع وصلح أمر الياة ولكنهم ل‬
‫يؤمنون ول يتقون ول يقيمون منهج ال إل قلة منهم ف تاريهم الطويل مقتصدة غي‬
‫مسرفة على نفسها وكثي منهم ساء ما يعملون وهكذا يبدو من خلل اليتي أن اليان‬
‫والتقوى وتقيق منهج ال ف واقع الياة البشرية ف هذه الياة الدنيا ل يكفل لصحابه‬
‫جزاء الخرة وحده وإن كان هو القدم وهو الدوم ولكنه كذلك يكفل صلح أمر الدنيا‬
‫ويقق لصحابه جزاء العاجلة وفرة وناء وحسن توزيع وكفاية يرسها ف صورة حسية‬
‫تسم معن الوفرة والفيض ف قوله لكلوا من فوقهم ومن تت أرجلهم وهكذا يتبي أن‬
‫ليس هنالك طريق مستقل لسن الزاء ف الخرة ; وطريق آخر مستقل لصلح الياة ف‬
‫الدنيا إنا هو طريق واحد تصلح به الدنيا والخرة فإذا تنكب هذا الطريق فسدت الدنيا‬
‫وخسرت الخرة هذا الطريق الواحد هو اليان والتقوى وتقيق النهج اللي ف الياة‬
‫الدنيا وهذا النهج ليس منهج اعتقاد وإيان وشعور قلب وتقوى فحسب ولكنه كذلك‬
‫وتبعا لذلك منهج حياة أنسانية واقعية يقام وتقام عليه الياة وإقامته مع اليان والتقوى‬
‫هي الت تكفل صلح الياة الرضية وفيض الرزق ووفرة النتاج وحسن التوزيع حت‬
‫يأكل الناس جعيا ف ظل هذا النهج من فوقهم ومن تت أرجلهم إن النهج اليان للحياة‬
‫ل يعل الدين بديل من الدنيا ; ول يعل سعادة الخرة بديل من سعادة الدنيا ول يعل‬
‫طريق الخرة غي طريق الدنيا وهذه هي القيقة الغائمة اليوم ف أفكار الناس وعقولم‬

‫‪126‬‬
‫وضمائرهم وأوضاعهم الواقعية لقد افترق طريق الدنيا وطريق الخرة ف تفكي الناس‬
‫وضميهم وواقعهم بيث أصبح الفرد العادي وكذلك الفكر العام للبشرية الضالة ل يرى‬
‫أن هنالك سبيل لللتقاء بي الطريقي ويرى على العكس أنه إما أن يتار طريق الدنيا‬
‫فيهمل الخرة من حسابه ; وإما أن يتار طريق الخرة فيهمل الدنيا من حسابه ; ول‬
‫سبيل إل المع بينهما ف تصور ول واقع لن واقع الرض والناس وأوضاعهم ف هذه‬
‫الفترة من الزمان توحي بذا حقيقة إن أوضاع الياة الاهلية الضالة البعيدة عن ال وعن‬
‫منهجه للحياة اليوم تباعد بي طريق الدنيا وطريق الخرة وتتم على الذين يريدون البوز‬
‫ف الجتمع والكسب ف مضمار النافع الدنيوية أن يتخلوا عن طريق الخرة ; وأن يضحوا‬
‫بالتوجيهات الدينية والثل اللقية ; والتصورات الرفيعة والسلوك النظيف الذي يض عليه‬
‫الدين كما تتم على الذين يريدون النجاة ف الخرة أن يتجنبوا تيار هذه الياة وأوضاعها‬
‫القذرة والوسائل الت يصل با الناس ف مثل هذه الوضاع إل البوز ف الجتمع والكسب‬
‫ف مضمار النافع لنا وسائل ل يكن أن تكون نظيفة ول مطابقة للدين واللق ول‬
‫مرضية ل سبحانه ولكن تراها ضربة لزب ترى أنه ل مفر من هذا الال التعيس ول‬
‫سبيل إل اللقاء بي طريق الدنيا وطريق الخرة كل إنا ليست ضربة لزب فالعداء بي‬
‫الدنيا والخرة ; والفتراق بي طريق الدنيا وطريق الخرة ليس هو القيقة النهائية الت ل‬
‫تقبل التبديل بل إنا ليست من طبيعة هذه الياة أصل إنا هي عارض ناشى ء من انراف‬
‫طارى ء إن الصل ف طبيعة الياة النسانية أن يلتقي فيها طريق الدنيا وطريق الخرة ;‬
‫وأن يكون الطريق إل صلح الخرة هو ذاته الطريق إل صلح الدنيا وأن يكون النتاج‬
‫والنماء والوفرة ف عمل الرض هو ذاته الؤهل لنيل ثواب الخرة كما أنه هو الؤهل‬
‫لرخاء هذه الياة الدنيا ; وأن يكون اليان والتقوى والعمل الصال هي أسباب عمران‬
‫هذه الرض كما أنا هي وسائل الصول على رضوان ال وثوابه الخروي هذا هو‬
‫الصل ف طبيعة الياة النسانية ولكن هذا الصل ل يتحقق إل حي تقوم الياة على‬
‫منهج ال الذي رضيه للناس فهذا النهج هو الذي يعل العمل عبادة وهو الذي يعل‬
‫اللفة ف الرض وفق شريعة ال فريضة واللفة عمل وإنتاج ووفرة وناء وعدل ف‬
‫التوزيع يفيض به الرزق على الميع من فوقهم ومن تت أرجلهم كما يقول ال ف كتابه‬

‫‪127‬‬
‫الكري إن التصور السلمي يعل وظيفة النسان ف الرض هي اللفة عن ال بإذن ال‬
‫وفق شرط ال ومن ث يعل العمل النتج الثمر وتوفي الرخاء باستخدام كل مقدرات‬
‫الرض وخاماتا ومواردها بل الامات والوارد الكونية كذلك هو الوفاء بوظيفة اللفة‬
‫ويعتب قيام النسان بذه الوظيفة وفق منهج ال وشريعته حسب شرط الستخلف طاعة‬
‫ل ينال عليها العبد ثواب الخرة ; بينما هو بقيامه بذه الوظيفة على هذا النحو يظفر‬
‫بيات الرض الت سخرها ال له ; ويفيض عليه الرزق من فوقه ومن تت رجليه كما‬
‫يصور التعبي القرآن الميل ووفق التصور السلمي يعتب النسان الذي ل يفجر ينابيع‬
‫الرض ول يستغل طاقات الكون السخرة له عاصيا ل ناكل عن القيام بالوظيفة الت‬
‫خلقه ال لا وهو يقول للملئكة إن جاعل ف الرض خليفة وهو يقول كذلك للناس‬
‫وسخر لكم ما ف السماوات وما ف الرض جيعا منه ومعطل لرزق ال الوهوب للعباد‬
‫وهكذا يسر الخرة لنه خسر الدنيا والنهج السلمي بذا يمع بي العمل للدنيا‬
‫والعمل للخرة ف توافق وتناسق فل يفوت على النسان دنياه لينال آخرته ول يفوت‬
‫عليه آخرته لينال دنياه فهما ليسا نقيضي ول بديلي ف التصور السلمي هذا بالقياس إل‬
‫جنس النسان عامة وبالقياس إل الماعات النسانية الت تقوم ف الرض على منهج ال‬
‫فأما بالقياس إل الفراد فإن المر ل يتلف إذ أن طريق الفرد وطريق الماعة ف النهج‬
‫السلمي ل يتلفان ول يتصادمان ول يتعارضان فالنهج يتم على الفرد أن يبذل أقصى‬
‫طاقته السمية والعقلية ف العمل والنتاج ; وأن يبتغي ف العمل والنتاج وجه ال فل‬
‫يظلم ول يغدر ول يغش ول يون ول يأكل من سحت ول يتجز دون أخيه الحتاج ف‬
‫الماعة شيئا يلكه مع العتراف الكامل له بلكيته الفردية لثمرة عمله والعتراف‬
‫للجماعة بقها ف ماله ف حدود ما فرض ال وما شرع والنهج يسجل للفرد عمله ف‬
‫هذه الدود ووفق هذه العتبارات عبادة ل يزيه عليها بالبكة ف الدنيا وبالنة ف‬
‫الخرة ويربط النهج بي الفرد وربه رباطا أقوى بالشعائر التعبدية الت يفرضها عليه ;‬
‫ليستوثق بذا الرباط من تدد صلته بال ف اليوم الواحد خس مرات بالصلة وف العام‬
‫الواحد ثلثي يوما بصوم رمضان وف العمر كله بج بيت ال وف كل موسم أو ف كل‬
‫عام بإخراج الزكاة ومن هنا قيمة هذه الفرائض التعبدية ف النهج السلمي إنا تديد‬

‫‪128‬‬
‫للعهد مع ال على الرتباط بنهجه الكلي للحياة وهي قرب ل يتجدد معها العزم على‬
‫النهوض بتكاليف هذا النهج الذي ينظم أمر الياة كلها ويتول شئون العمل والنتاج‬
‫والتوزيع والكم بي الناس ف علقاتم وف خلفاتم ويتجدد معها الشعور بعون ال‬
‫ومدده على حل التكاليف الت يتطلبها النهوض بذا النهج الكلي التكامل والتغلب على‬
‫شهوات الناس وعنادهم وانرافهم وأهوائهم حي تقف ف الطريق وليست هذه الشعائر‬
‫التعبدية أمورا منفصلة عن شئون العمل والنتاج والتوزيع والكم والقضاء والهاد لقرار‬
‫منهج ال ف الرض وتقرير سلطانه ف حياة الناس إنا اليان والتقوى والشعائر التعبدية‬
‫شطر النهج العي على أداء شطره الخر وهكذا يكون اليان والتقوى وإقامة منهج ال‬
‫ف الياة العملية سبيل للوفرة والفيض كما بعد ال الناس ف هاتي اليتي الكريتي إن‬
‫التصور السلمي وكذلك النهج السلمي النبثق منه ل يقدم الياة الخرة بديل من‬
‫الياة الدنيا ول العكس إنا يقدمهما معا ف طريق واحد وبهد واحد ولكنهما ل يتمعان‬
‫كذلك ف حياة النسان إل إذا اتبع منهج ال وحده ف الياة دون أن يدخل عليه‬
‫تعديلت مأخوذة من أوضاع أخرى ل تنبثق من منهج ال أو مأخوذة من تصوراته الذاتية‬
‫الت ل تضبط بذا النهج ففي هذا النهج وحده يتم ذلك التناسق الكامل والتصور‬
‫السلمي وكذلك النهج السلمي النبثق منه ل يقدم اليان والعبادة والصلح والتقوى‬
‫بديل من العمل والنتاج والتنمية والتحسي ف واقع الياة الادية وليس هو النهج الذي‬
‫يعد الناس فردوس الخرة ويرسم لم طريقه ; بينما يدع الناس أن يرسوا لنفسهم الطريق‬
‫الؤدي إل فردوس الدنيا كما يتصور بعض السطحيي ف هذا الزمان فالعمل والنتاج‬
‫والتنمية والتحسي ف واقع الياة الدنيا تثل ف التصور السلمي والنهج السلمي فريضة‬
‫اللفة ف الرض واليان والعبادة والصلح والتقوى تثل الرتباطات والضوابط والدوافع‬
‫والوافز لتحقيق النهج ف حياة الناس وهذه وتلك معا هي مؤهلت الفردوس الرضي‬
‫والفردوس الخروي معا ; والطريق هو الطريق ول فصام بي الدين والياة الواقعية الادية‬
‫كما هو واقع ف الوضاع الاهلية القائمة ف الرض كلها اليوم والت منها يقوم ف أوهام‬
‫الواهي أنه ل مفر من أن يتار الناس الدنيا أو يتاروا الخرة ول يمعوا بينهما ف تصور‬
‫أو ف واقع لنما ل تتمعان إن هذا الفصام النكد بي طريق الدنيا وطريق الخرة ف حياة‬

‫‪129‬‬
‫الناس وبي العمل للدنيا والعمل للخرة وبي العبادة الروحية والبداع الادي وبي النجاح‬
‫ف الياة الدنيا والنجاح ف الياة الخرى إن هذا الفصام النكد ليس ضريبة مفروضة على‬
‫البشرية بكم من أحكام القدر التمية إنا هو ضريبة بائسه فرضتها البشرية على نفسها‬
‫وهي تشرد عن منهج ال وتتخذ لنفسها مناهج أخرى من عند أنفسها معادية لنهج ال ف‬
‫الساس والتاه وهي ضريبة يؤديها الناس من دمائهم وأعصابم ف الياة الدنيا فوق ما‬
‫يؤدونه منها ف الخرة وهو أشد وأنكى إنم يؤدونا قلقا وحية وشقاء قلب وبلبلة خاطر‬
‫من جراء خواء قلوبم من طمأنينة اليان وبشاشته وزاده وريه إذا هم آثروا اطراح الدين‬
‫كله على زعم أن هذا هو الطريق الوحيد للعمل والنتاج والعلم والتجربة والنجاح‬
‫الفردي والماعي ف العترك العالي ذلك أنم ف هذه الالة يصارعون فطرتم يصارعون‬
‫الوعة الفطرية إل عقيدة تل القلب ول تطيق الفراغ والواء وهي جوعة ل تلؤها‬
‫مذاهب اجتماعية أو فلسفية أو فنية على الطلق لنا جوعة النعة إل إله وهم يؤدونا‬
‫كذلك قلقا وحيدة وشقاء قلب وبلبلة خاطر إذا هم حاولوا الحتفاظ بعقيدة ف ال‬
‫وحاولوا معها مزاولة الياة ف هذا الجتمع العالي الذي يقوم نظامه كله وتقوم أوضاعة‬
‫وتقوم تصوراته وتقوم وسائل الكسب فيه ووسائل النجاح على غي منهج ال وتتصادم‬
‫فيه العقيدة الدينية واللق الدين والسلوك الدين مع الوضاع والقواني والقيم والوازين‬
‫السائدة ف هذا الجتمع النكود وتعان البشرية كلها ذلك الشقاء سواء اتبعت الذاهب‬
‫الادية اللادية أو الذاهب الادية الت تاول استبقاء الدين عقيدة بعيدة عن نطام الياة‬
‫العملية وتتصور أو يصور لا أعداء البشرية أن الدين ل وأن الياة للناس وأن الدين عقيدة‬
‫وشعور وعبادة وخلق والياة نظام وقانون وإنتاج وعمل وتؤدي البشرية هذه الضريبة‬
‫الفادحة ضريبة الشقاء والقلق والية والواء لنا ل تتدي إل منهج ال الذي ل يفصل‬
‫بي الدنيا والخرة بل يمع ; ول يقيم التناقض والتعارض بي الرخاء ف الدنيا والرخاء ف‬
‫الخرة بل ينسق ول يوز أن تدعنا ظواهر كاذبة ف فترة موقوتة إذ نرى أما ل تؤمن ول‬
‫تتقي ول تقيم منهج ال ف حياتا وهي موفورة اليات كثية النتاج عظيمة الرخاء إنه‬
‫رخاء موقوت حت تفعل السنن الثابتة فعلها الثابت وحت تظهر كل آثار الفصام النكد بي‬
‫البداع الادي والنهج الربان والن تظهر بعض هذه الثار ف صور شت تظهر ف سوء‬

‫‪130‬‬
‫التوزيع ف هذه المم ما يعل الجتمع حافل بالشقاء وحافل بالحقاد وحافل بالخاوف‬
‫من النقلبات التوقعة نتيجة هذه الحقاد الكظيمة وهو بلء على رغم الرخاء وتظهر ف‬
‫الكبت والقمع والوف ف المم الت أرادت أن تضمن نوعا من عدالة التوزيع واتذت‬
‫طريق التحطيم والقمع والرهاب ونشر الوف والذعر لقرار الجراءات الت تأخذ با‬
‫لعادة التوزيع وهو بلء ل يأمن النسان فيه على نفسه ول يطمئن ول يبيت ليلة ف سلم‬
‫وتظهر ف النلل النفسي واللقي الذي يؤدي بدوره إن عاجل أو آجل إل تدمي الياة‬
‫الادية ذاتا فالعمل والنتاج والتوزيع كلها ف حاجة إل ضمانة الخلق والقانون‬
‫الرضي وحده عاجز كل العجز عن تقدي الضمانات لسي العمل كما نرى ف كل مكان‬
‫وتظهر ف القلق العصب والمراض النوعة الت تتاح أمم العال وباصة أشدها رخاء ماديا‬
‫ما يهبط بستوى الذكاء والحتمال ويهبط بعد ذلك بستوى العمل والنتاج وينتهي إل‬
‫تدمي القتصاد الادي والرخاء وهذه الدلئل اليوم واضحة وضوحا كافيا يلفت النظار‬
‫وتظهر ف الوف الذي تعيش فيه البشرية كلها من الدمار العالي التوقع ف كل لظة ; ف‬
‫هذا العال الضطرب ; الذي توم حوله نذر الرب الدمرة وهو خوف يضغط على‬
‫أعصاب الناس من حيث يشعرون أو ل يشعرون ; فيصيبهم بشت المراض العصبية ول‬
‫ينتشر الوت بالسكتة وانفجار الخ والنتحار كما انتشر ف أمم الرخاء وتظهر هذه الثار‬
‫كلها بصورة متقدمة واضحة ف ميل بعض الشعوب إل الندثار والدمار وأظهر المثلة‬
‫الاضرة تتجلى ف الشعب الفرنسي وليس هذا إل مثل للخرين ف فعل الفتراق بي‬
‫النشاط الادي والنهج الربان ; وافتراق الدنيا والخرة وافتراق الدين والياة ; أو اتاذ‬
‫منهج للخرة من عند ال واتاذ منهج للدنيا من عند الناس ; وإيقاع هذا الفصام النكد‬
‫بي منهج ال وحياة الناس وقبل أن ننهي هذا التعليق على التقرير القرآن لتلك القيقة‬
‫الكبية نب أن نؤكد أهية التناسق ف منهج ال بي اليان والتقوى وإقامة النهج ف‬
‫الياة الواقعية للناس وبي العمل والنتاج والنهوض باللفة ف الرض فهذا التناسق هو‬
‫الذي يقق شرط ال لهل الكتاب ولكل جاعة من الناس أن يأكلوا من فوقهم ومن تت‬
‫أرجلهم ف الدنيا وأن تكفر عنهم سيئاتم ويدخلوا جنات النعيم ف الخرة ; وأن يتمع‬
‫لم الفردوس الرضي بالوفرة والكفاية مع السلم والطمأنينة وفردوس الخرة با فيه من‬

‫‪131‬‬
‫نعيم ورضوان ولكننا مع هذا التوكيد ل نب أن ننسى أن القاعدة الول والركيزة‬
‫الساسية هي اليان والتقوى وتقيق النهج الربان ف الياة الواقعية فهذا يتضمن ف ثناياه‬
‫العمل والنتاج والترقية والتطوير للحياة فضل على أن للصلة بال مذاقها الذي يغي كل‬
‫طعوم الياة ; ويرفع كل قيم الياة ; ويقوم كل موازين الياة فهذا هو الصل ف التصور‬
‫السلمي وف النهج السلمي وكل شيء فيه ييء تبعا له ومنبثقا منه ومعتمدا عليه ث‬
‫يتم تام المر كله ف الدنيا والخرة ف تناسق واتساق وينبغي أن نذكر أن اليان والتقوى‬
‫والعبادة والصلة بال وإقامة شريعة ال ف الياة كل أولئك ثرته للنسان وللحياة النسانية‬
‫فال سبحانه غن عن العالي وإذا شدد النهج السلمي ف هذه السس وجعلها مناط‬
‫العمل والنشاط ; ورد كل عمل وكل نشاط ل يقوم عليها وعده باطل ل يقبل وحابطا‬
‫ل يعيش وذاهبا مع الريح فليس هذا لن ال سبحانه يناله شيء من إيان العباد وتقواهم‬
‫وعبادتم له وتقيق منهجه للحياة ولكن لنه سبحانه يعلم أن ل صلح لم ول فلح إل‬
‫بذا النهاج ف الديث القدسي عن أب ذر رضي ال عنه عن النب ص فيما روى عن ربه‬
‫تبارك وتعال أنه قال « يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم مرما فل‬
‫تظالوا يا عبادي كلكم ضال إل من هديته فاستهدون أهدكم يا عبادي كلكم جائع إل‬
‫من أطعمته فاستطعمون أطعمكم يا عبادي كلكم عار إل من كسوته فاستكسون‬
‫أكسكم يا عبادي إنكم تطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جيعا فاستغفرون أغفر‬
‫لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضرون ولن تبلغوا نفعي فتنفعون يا عبادي لو أن‬
‫أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك ف‬
‫ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل‬
‫واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم‬
‫قاموا ف صعيد واحد فسألون فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك ما عندي إل‬
‫كما ينقص الخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنا هي أعمالكم أحصيها لكم ث أوفيكم‬
‫إياها فمن وجد خيا فليحمد ال ; ومن وجد غي ذلك فل يلومن إل نفسه » رواه مسلم‬
‫وعلى هذا الساس ينبغي أن ندرك وظيفة اليان والتقوى والعبادة وإقامة منهج ال ف‬
‫الياة والكم بشريعة ال فهي كلها لسابنا نن لساب هذه البشرية ف الدنيا والخرة‬

‫‪132‬‬
‫جيعا وهي كلها ضروريات لصلح هذه البشرية ف الدنيا والخرة جيعا ونسب أننا‬
‫لسنا ف حاجة لن نقول إن هذا الشرط اللي لهل الكتاب غي خاص بأهل الكتاب‬
‫فالشرط لهل الكتاب يتضمن اليان والتقوى وإقامة منهج ال التمثل ف ما أنزل إليهم ف‬
‫التوراة والنيل وما أنزل إليهم من ربم وذلك بطبيعة الال قبل البعثة الخية فأول‬
‫بالشرط الذين أنزل إليهم القرآن أول بالشرط الذين يقولون إنم مسلمون فهؤلء هم‬
‫الذين يتضمن دينهم بالنص اليان با أنزل إليهم وما أنزل من قبل والعمل بكل ما أنزل‬
‫إليهم وما استبقاه ال ف شرعهم من شرع من قبلهم وهم أصحاب الدين الذي ل يقبل‬
‫ال غيه من أحد وقد انتهى إليه كل دين قبله ; ول يعد هناك دين يقبله ال غيه أو يقبل‬
‫من أحد غيه فهؤلء أول أن يكون شرط ال وعهده لم وهؤلء أول أن يرتضوا ما‬
‫ارتضاه ال منهم وأن يستمتعوا با يشرطه ال لم من تكفي السيئات ودخول النة ف‬
‫الخرة ; ومن الكل من فوقهم ومن تت أرجلهم ف الدنيا إنم أول أن يستمتعوا با‬
‫يشرطه ال لم بدل من الوع والرض والوف والشظف الذي يعيشون فيه ف كل أرجاء‬
‫الوطن السلمي أو الذي كان إسلميا بتعبي أصح وشرط ال قائم ; والطريق إليه‬
‫معروف لو كانوا يعقلون الوحدة السادسة الوضوع بيان كفر وانراف وإفساد أهل‬
‫الكتاب مقدمة الوحدة تقرير نوع العلقة بي الماعة السلمة وأهل الكتاب يضي هذا‬
‫الدرس ف بيان حال أهل الكتاب من اليهود والنصارى وكشف النراف فيما يعتقدون‬
‫وكشف السوء فيما يصنعون ; ف تاريهم كله وباصة اليهود كما يضي ف تقرير نوع‬
‫العلقة بنيهم وبي الرسول ص والماعة السلمة ; وواجب الرسول ص ف تعامله معهم‬
‫وواجب السلمي ذلك إل تقرير حقائق أساسية ضخمة ف أصول التصور العتقادي ;‬
‫وف أصول النشاط الركي للجماعة السلمة تاه العتقدات النحرفة وتاه النحرفي لقد‬
‫نادى ال سبحانه الرسول ص وكلفه تبليغ ما أنزل إليه من ربه كل ما أنزل إليه ل يستبقي‬
‫منه شيئا ول يؤخر منه شيئا مراعاة للظروف واللبسات أو تنبا للصطدام بأهواء الناس‬
‫وواقع الجتمع وإن ل يفعل فما يكون قد بلغ ومن هذا الذي كلف الرسول ص تبليغه أن‬
‫يابه أهل الكتاب بأنم ليسوا على شيء حت يقيموا التوراة والنيل وما أنزل إليهم من‬
‫ربم هكذا قاطعة جازمة صرية جاهرة وأن يعلن كذلك كفر اليهود بنقضهم اليثاق‬

‫‪133‬‬
‫وقتلهم النبياء وكفر النصارى بقولم إن ال هو السيح عيسى بن مري وقولم إن ال‬
‫ثالث ثلثة كما يعلن أن السيح عليه السلم أنذر بن إسرائيل عاقبة الشرك وتري ال‬
‫النة على الشركي وأن بن إسرائيل لعنوا على لسان داود وعيسى بن مري بعصيانم‬
‫وعدوانم وينتهي الدرس بكشف موقف أهل الكتاب من مظاهرة الشركي على السلمي‬
‫وإعلن أن هذا ناشيء من عدم إيانم بال والنب وأنم مدعوون إل اليان با جاء به‬
‫ممد ص وإل فما هم بالؤمني ونأخذ بعد هذا الجال ف مواجهة النصوص بالتفصيل‬
‫الدرس الول وجوب التبليغ وبيان الؤمن من الكافر يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من‬
‫ربك وإن ل تفعل فما بلغت رسالته وال يعصمك من الناس إن ال ل يهدي القوم‬
‫الكافرين قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حت تقيموا التوراة والنيل وما أنزل إليكم‬
‫من ربكم وليزيدن كثيا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فل تأس على القوم‬
‫الكافرين إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بال واليوم الخر‬
‫وعمل صالا فل خوف عليهم ول هم يزنون (الظلل)‬
‫**************************‬
‫وأمر سبحانه وتعال بقتالم حت يؤمنوا أو يعطوا الزية عن يد وهم صاغرون ‪:‬‬
‫قال تعال ‪ { :‬قَاتِلُوا الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَلَا بِاْلَي ْومِ الْآَ ِخ ِر وَلَا يُحَ ّرمُونَ مَا حَ ّرمَ اللّ ُه‬
‫ج ْزَيةَ عَ ْن يَ ٍد َوهُمْ‬
‫وَ َرسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَ ّق مِ َن الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَابَ َحتّى ُيعْطُوا الْ ِ‬
‫صَاغِرُونَ (‪[ )29‬التوبة‪} ]30 ،29/‬‬
‫وقد حدد السياق من هذه الصفات القائمة ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬أنم ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أنم ل يرمون ما حرم ال ورسوله ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أنم ل يدينون دين الق ‪.‬‬
‫ث بي ف اليات التالية كيف أنم ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ‪ ،‬ول يرمون ما حرم‬
‫ال ورسوله ول يدينون دين الق ‪.‬‬
‫وذلك بأنم ‪:‬‬

‫‪134‬‬
‫أولً ‪ :‬قالت اليهود عزير ابن ال وقالت النصارى السيح ابن ال؛ وأن هذا القول يضاهئ‬
‫قول الذين كفروا من قبلهم من الوثنيي ‪ .‬فهم مثلهم ف هذا العتقاد الذي ل يعد صاحبه‬
‫مؤمنا بال ول باليوم الخر ‪ ( .‬وسنبي بالضبط كيف أنه ل يؤمن باليوم الخر ) ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬اتذوا أحبارهم ورهبانم أربابا من دون ال ‪ ،‬والسيح ابن مري ‪ .‬وأن هذا مالف‬
‫لدين الق ‪ . .‬وهو الدينونة ل وحده بل شركاء ‪ . .‬فهم بذا مشركون ل يدينون دين‬
‫الق ‪. .‬‬
‫ثالثا ‪ :‬يريدون أن يطفئوا نور ال بأفواههم ‪ .‬فهم ماربون لدين ال ‪ .‬ول يارب دين ال‬
‫مؤمن بال واليوم الخر يدين دين الق أبدا ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬يأكل كثي من أحبارهم ورهبانم أموال الناس بالباطل ‪ .‬فهم إذن ل يرمون ما‬
‫حرم ال ورسوله ( سواء كان القصود برسوله رسولم أو ممد صلى ال عليه وسلم ) ‪:‬‬
‫وهذه الصفات كلها كانت واقعة بالقياس إل نصارى الشام والروم ‪ .‬كما أنا واقعة‬
‫بالقياس إل غيهم منذ أن حرفت الجامع القدسة دين السيح عليه السلم؛ وقالت ببنوة‬
‫عيسى عليه السلم ‪ ،‬وبتثليث القانيم ‪ -‬على كل ما بي الذاهب والفرق من خلف‬
‫يلتقي كله على التثليث! ‪ -‬على مدار التاريخ حت الن!‬
‫وإذن فهو أمر عام ‪ ،‬يقرر قاعدة مطلقة ف التعامل مع أهل الكتاب ‪ ،‬الذين تنطبق عليهم‬
‫هذه الصفات الت كانت قائمة ف نصارى العرب ونصارى الروم ‪ . .‬ول ينع من هذا‬
‫العموم أن الوامر النبوية استثنت أفرادا وطوائف بأعيانا لتترك بل قتال كالطفال والنساء‬
‫والشيوخ والعجزة والرهبان الذين حبسوا انفسهم ف الديرة ‪ . . .‬بوصفهم غي ماربي‬
‫‪ -‬فقد منع السلم أن يقاتل غي الحاربي من أية ملة ‪ -‬وهؤلء ل تستثنهم الوامر‬
‫النبوية لنم ل يقع منهم اعتداء بالفعل على السلمي ‪ .‬ولكن لنه ليس من شأنم أصلً‬
‫أن يقع منهم العتداء ‪ .‬فل مل لتقييد هذا المر العام بأن القصود به هم الذين وقع منهم‬
‫اعتداء فعلً ‪ -‬كما يقول الهزومون الذين ياولون أن يدفعوا عن السلم التام! ‪-‬‬
‫فالعتداء قائم ابتداء ‪ .‬العتداء على ألوهية ال! والعتداء على العباد بتعبيدهم لغي ال!‬
‫والسلم حي ينطلق للدفاع عن ألوهية ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬والدفاع عن كرامة النسان ف‬

‫‪135‬‬
‫الرض ‪ ،‬ل بد أن تواجهه الاهلية بالقاومة والرب والعداء ‪ . .‬ول مفر من مواجهة‬
‫طبائع الشياء!‬
‫إن هذه الية تأمر السلمي بقتال أهل الكتاب { الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر }‬
‫‪ . .‬والذي يقول ببنوة عزير ل أو بنوة السيح ل ل يكن أن يقال عنه ‪ :‬إنه يؤمن بال ‪.‬‬
‫وكذلك الذي يقول ‪ :‬إن ال هو السيح ابن مري ‪ .‬أو إن ال ثالث ثلثة ‪ .‬أن إن ال‬
‫تسد ف السيح ‪ . . .‬إل آخر التصورات الكنسية الت صاغتها الجامع القدسة على كل‬
‫ما بينها من خلف! ‪.‬‬
‫والذين يقولون ‪ :‬إنم لن يدخلوا النار إل أياما معدودات مهما ارتكبوا من آثام بسبب‬
‫أنم أبناء ال وأحباؤه وشعب ال الختار ‪ ،‬والذين يقولون ‪ :‬إن كل معصية تغفر بالتاد‬
‫بالسيح وتناول العشاء القدس؛ وأنه ل مغفرة إل عن هذا الطريق! هؤلء وهؤلء ل يقال‬
‫‪ :‬إنم يؤمنون باليوم الخر ‪. .‬‬
‫وهذه الية تصف أهل الكتاب هؤلء بأنم { ل يرمون ما حرم ال ورسوله } ‪ .‬وسواء‬
‫كان القصود بكلمة { رسوله } هو رسولم الذي أرسل إليهم ‪ ،‬أو هو النب ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فالفحوى واحدة ‪ .‬ذلك أن اليات التالية فسرت هذا بأنم يأكلون أموال‬
‫الناس بالباطل ‪ .‬وأكل أموال الناس بالباطل مرم ف كل رسالة وعلى يد كل رسول ‪. .‬‬
‫وأقرب النماذج لكل أموال الناس بالباطل هو العاملت الربوية ‪ .‬وهو ما يأخذه رجال‬
‫الكنيسة مقابل « صك الغفران »! وهو الصد عن دين ال والوقوف ف وجهه بالقوة وفتنة‬
‫الؤمني عن دينهم ‪ .‬وهو تعبيد العباد لغي ال وإخضاعهم لحكام وشرائع ل ينلا ال ‪.‬‬
‫‪ .‬فهذا كله ينطبق عليه ‪ { :‬ول يرمون ما حرم ال ورسوله } ‪ . .‬وهذا كله قائم ف‬
‫أهل الكتاب ‪ ،‬كما كان قائما يومذاك!‬
‫كذلك تصفهم الية بأنم { ل يدينون دين الق } ‪ . .‬وهذا واضح ما سبق بيانه ‪ .‬فليس‬
‫بدين الق أي اعتقاد بربوبية أحد مع ال ‪ .‬كما أنه ليس بدين الق التعامل بشريعة غي‬
‫شريعة ال ‪ ،‬وتلقي الحكام من غي ال ‪ ،‬والدينونة لسلطان غي سلطان ال ‪ .‬وهذا كله‬
‫قائم ف أهل الكتاب ‪ ،‬كما كان قائما فيهم يومذاك ‪. .‬‬

‫‪136‬‬
‫والشرط الذي يشترطه النص للكف عن قتالم ليس أن يسلموا ‪ . .‬فل إكراه ف الدين ‪.‬‬
‫ولكن أن يعطوا الزية عن يد وهم صاغرون ‪ . .‬فما حكمة هذا الشرط ‪ ،‬ولاذا كانت‬
‫هذه هي الغاية الت ينتهي عندها القتال؟‬
‫إن أهل الكتاب بصفاتم تلك حرب على دين ال اعتقادا وسلوكا؛ كما أنم حرب على‬
‫الجتمع السلم بكم طبيعة التعارض والتصادم الذاتيي بي منهج ال ومنهج الاهلية‬
‫المثلة ف عقيدة أهل الكتاب وواقعهم ‪ -‬وفق ما تصوره هذه اليات ‪ -‬كما أن الواقع‬
‫التاريي قد أثبت حقيقة التعارض وطبيعة التصادم؛ وعدم إمكان التعايش بي النهجي؛‬
‫وذلك بوقوف أهل الكتاب ف وجه دين ال فعلً ‪ ،‬وإعلن الرب عليه وعلى أهله بل‬
‫هوادة خلل الفترة السابقة لنول هذه الية ( وخلل الفترة اللحقة لا إل اليوم أيضا! )‬
‫‪.‬‬
‫والسلم ‪ -‬بوصفه دين الق الوحيد القائم ف الرض ‪ -‬ل بد أن ينطلق لزالة العوائق‬
‫الادية من وجهه؛ ولتحرير النسان من الدينونة بغي دين الق؛ على أن يدع لكل فرد‬
‫حرية الختيار ‪ ،‬بل إكراه منه ول من تلك العوائق الادية كذلك ‪.‬‬
‫وإذن فإن الوسيلة العملية لضمان إزالة العوائق الادية ‪ ،‬وعدم الكراه على اعتناق السلم‬
‫ف الوقت نفسه ‪ ،‬هي كسر شوكة السلطات القائمة على غي دين الق؛ حت تستسلم؛‬
‫وتعلن استسلمها بقبول إعطاء الزية فعلً ‪.‬‬
‫وعندئذ تتم عملية التحرير فعلً ‪ ،‬بضمان الرية لكل فرد أن يتار دين الق عن اقتناع ‪.‬‬
‫فإن ل يقتنع بقي على عقيدته ‪ ،‬وأعطى الزية ‪ .‬لتحقيق عدة أهداف ‪:‬‬
‫أولا ‪ :‬أن يعلن بإعطائها استسلمه وعدم مقاومته بالقوة الادية للدعوة إل دين ال الق ‪.‬‬
‫وثانيها ‪ :‬أن يساهم ف نفقات الدفاع عن نفسه وماله وعرضه وحرماته الت يكفلها‬
‫السلم لهل الذمة ( الذين يؤدون الزية فيصبحون ف ذمة السلمي وضمانتهم ) ويدفع‬
‫عنها من يريد العتداء عليها من الداخل أو من الارج بالجاهدين من السلمي ‪.‬‬
‫وثالثها ‪ :‬الساهة ف بيت مال السلمي الذي يضمن الكفالة والعاشة لكل عاجز عن‬
‫العمل ‪ ،‬با ف ذلك أهل الذمة ‪ ،‬بل تفرقة بينهم وبي السلمي دافعي الزكاة ‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫ول نب أن نستطرد هنا إل اللفات الفقهية حول من تؤخذ منهم الزية ومن ل تؤخذ‬
‫منهم ‪ .‬ول عن مقادير هذه الزية ‪ .‬ول عن طرق ربطها ومواضع هذا الربط ‪ . .‬ذلك أن‬
‫هذه القضية برمتها ليست معروضة علينا اليوم ‪ ،‬كما كانت معروضة علىعهود الفقهاء‬
‫الذين أفتوا فيها واجتهدوا رأيهم ف وقتها ‪.‬‬
‫إنا قضية تعتب اليوم « تاريية » وليست « واقعية » ‪ . .‬إن السلمي اليوم ل ياهدون! ‪.‬‬
‫‪ .‬ذلك أن السلمي اليوم ل يوجدون! ‪ . .‬إن قضية « وجود » السلم ووجود السلمي‬
‫هي الت تتاج اليوم إل علج!‬
‫والنهج السلمي ‪ -‬كما قلنا من قبل مرارا ‪ -‬منهج واقعي جاد؛ يأب أن يناقش القضايا‬
‫العلقة ف الفضاء؛ ويرفض أن يتحول إل مباحث فقهية ل تطبق ف عال الواقع ‪ -‬لن‬
‫الواقع ل يضم متمعا مسلما تكمه شريعة ال ‪ ،‬ويصرّف حياته الفقه السلمي ‪ -‬ويتقر‬
‫الذين يشغلون أنفسهم ويشغلون الناس بثل هذه الباحث ف أقضية ل وجود لا بالفعل؛‬
‫ويسميهم « الرأيتيي » الذين يقولون ‪ « :‬أرأيت لو أن كذا وقع فما هو الكم؟ » ‪.‬‬
‫إن نقطة البدء الن هي نقطة البدء ف أول عهد الناس برسالة السلم ‪ . .‬أن يوجد ف‬
‫بقعة من الرض ناس يدينون دين الق؛ فيشهدوا أن ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال ‪.‬‬
‫‪ .‬ومن ث يدينون ل وحده بالاكمية والسلطان والتشريع؛ ويطبقون هذا ف واقع الياة ‪.‬‬
‫‪ .‬ث ياولون أن ينطلقوا ف الرض بذا العلن العام لتحرير النسان ‪ . .‬ويومئذ ‪-‬‬
‫ويومئذ فقط ‪ -‬سيكون هناك مال لتطبيق النصوص القرآنية والحكام السلمية ف مال‬
‫العلقات بي الجتمع السلم وغيه من الجتمعات ‪ . .‬ويومئذ ‪ -‬ويومئذ فقط ‪ -‬يوز‬
‫الدخول ف تلك الباحث الفقهية ‪ ،‬والشتغال بصياغة الحكام ‪ ،‬والتقني للحالت‬
‫الواقعة الت يواجهها السلم بالفعل ‪ ،‬ل ف عال النظريات!‬
‫وإذا كنا قد تعرضنا لتفسي هذه الية ‪ -‬من ناحية الصل والبدأ ‪ -‬فإنا فعلنا هذا لنا‬
‫تتعلق بسألة اعتقادية وترتبط بطبيعة النهج السلمي ‪.‬‬
‫*************************‬
‫وحرم علينا الدعوة إل السلم ونن العلون ‪:‬‬

‫‪138‬‬
‫قال تعال ‪ِ { :‬إ ّن الّذِينَ َكفَرُوا وَصَدّوا عَ ْن َسبِيلِ اللّ ِه ثُ ّم مَاتُوا َوهُمْ ُكفّارٌ فََل ْن َيغْفِرَ اللّ ُه‬
‫َلهُمْ (‪َ )34‬فلَا َت ِهنُوا َوتَدْعُوا إِلَى السّلْ ِم َوَأْنتُمُ اْلَأعَْلوْ َن وَاللّ ُه َمعَكُ ْم وَلَ ْن َيتِرَكُمْ َأعْمَاَلكُمْ (‬
‫‪[ )35‬ممد‪} ]35 ،34/‬‬
‫فالفرصة متاحة فقط للمغفرة ف هذه الدنيا؛ وباب التوبة يظل مفتوحا للكافر والعاصي‬
‫حت يغرغر ‪ .‬فإذا بلغت الروح اللقوم فل توبة ول مغفرة ‪ ،‬فقد ذهبت الفرصة الت ل‬
‫تعود ‪.‬‬
‫ومثل هذه الية ياطب الؤمني كما ياطب الكفار ‪ .‬فأما هؤلء فهي نذارة لم ليتداركوا‬
‫أمرهم ويتوبوا قبل أن تغلق البواب ‪ .‬وأما أولئك فهي تذير لم وتنبيه لتقاء كافة‬
‫السباب الت تقرب بم من هذا الطريق الطر الشؤوم!‬
‫ندرك هذا من ترتيب النهي عن الوهن والدعوة إل السلم ف الية التالية على ما ورد ف‬
‫الية السابقة من بيان لصي الكافرين الشاقي ‪:‬‬
‫{ فل تنوا وتدعوا إل السلم ‪ ،‬وأنتم العلون وال معكم ‪ ،‬ولن يتركم أعمالكم } ‪. .‬‬
‫فهذا هو الذي يذر الؤمني إياه ‪ ،‬ويضع أمامهم مصي الكفار الشاقي للرسول ‪،‬‬
‫ليحذروا شبحه من بعيد!‬
‫وهذا التحذير يشي بوجود أفراد من السلمي كانوا يستثقلون تكاليف الهاد الطويل‬
‫ومشقته الدائمة؛ وتن عزائمهم دونه؛ ويرغبون ف السلم والهادنة ليستريوا من مشقة‬
‫الروب ‪ .‬وربا كان بعضهم ذوي قرابة ف الشركي ورحم ‪ ،‬أو ذوي مصال وأموال؛‬
‫وكان هذا ينح بم إل السلم والهادنة ‪ .‬فالنفس البشرية هي هي؛ والتربية السلمية‬
‫تعال هذا الوهن وهذه الواطر الفطرية بوسائلها ‪ .‬وقد نحت ناحا خارقا ‪ .‬ولكن هذا‬
‫ل ينفي أن تكون هنالك رواسب ف بعض النفوس ‪ ،‬وباصة ف ذلك الوقت البكر من‬
‫العهد الدن ‪ .‬وهذه الية بعض العلج لذه الرواسب ‪ .‬فلننظر كيف كان القرآن يأخذ‬
‫النفوس ‪ .‬فنحن ف حاجة إل تري خطوات القرآن ف التربية ‪ .‬والنفوس هي النفوس ‪:‬‬
‫{ فل تنوا وتدعوا إل السلم ‪ .‬وأنتم العلون ‪ .‬وال معكم ‪ .‬ولن يتركم أعمالكم } ‪. .‬‬
‫أنتم العلون ‪ .‬فل تنوا وتدعوا إل السلم ‪ .‬أنتم العلون اعتقادا وتصورا للحياة ‪ .‬وأنتم‬
‫العلون ارتباطا وصلة بالعلي العلى ‪ .‬وأنتم العلون منهجا وهدفا وغاية ‪ .‬وأنتم‬

‫‪139‬‬
‫العلون شعورا وخلقا وسلوكا ‪ . .‬ث ‪ . .‬أنتم العلون قوة ومكانا ونصرة ‪ .‬فمعكم‬
‫القوة الكبى ‪ { :‬وال معكم } ‪ . .‬فلستم وحدكم ‪ .‬إنكم ف صحبة العلي البار القادر‬
‫القهار ‪ .‬وهو لكم نصي حاضر معكم ‪ .‬يدافع عنكم ‪ .‬فما يكون أعدائكم هؤلء وال‬
‫معكم؟ وكل ما تبذلون ‪ ،‬وكل ما تفعلون ‪ ،‬وكل ما يصيبكم من تضحيات مسوب لكم‬
‫‪ ،‬ل يضيع منه شيء عليكم ‪ { :‬ولن يتركم أعمالكم } ‪ . .‬ولن يقطع منها شيئا ل يصل‬
‫إليكم أثره ونتيجته وجزاؤه ‪.‬‬
‫فعلم يهن ويضعف ويدعو إل السلم ‪ ،‬من يقرر ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬له أنه العلى ‪ .‬وأنه‬
‫معه ‪ .‬وأنه لن يفقد شيئا من عمله ‪ .‬فهو مكرم منصور مأجور؟‬
‫‪-----------‬‬
‫أضواء البيان ‪( -‬ج ‪ / 7‬ص ‪)449‬‬
‫ل َت ِهنُوا } أي ل تضعفوا وتذلوا ‪ ،‬ومنه قوله تعال ‪َ { :‬فمَا َوهَنُواْ ِلمَآ‬
‫وقوله تعال { َف َ‬
‫أَصَاَبهُمْ فِي َسبِيلِ ال } [ آل عمران ‪. ] 146 :‬‬
‫وقوله تعال ‪ { :‬ذلكم َوأَنّ ال مُوهِنُ َكيْدِ الكافرين } [ النفال ‪ ] 18 :‬أي مضعف‬
‫كيدهم ‪ ،‬وقول زهي بن أب سلمى ‪:‬‬
‫وأخلفتك ابنة البكري ما وعدت ‪ ...‬فأصبح البل منها واهنا خلقا‬
‫وقوله تعال ‪َ { :‬وأَنتُ ُم العلون } جلة حالية فل تضعفوا عن قتال الكفار وتدعوا إل‬
‫السلم ‪ ،‬اي تبدؤوا بطلب السلم أي الصلح والهادنة وأنتم العلون ‪ .‬أي والال أنكم‬
‫انتم العلون أي القهرون والغلبون لعدائكم ‪ ،‬ولنكم ترجون من ال من النصر‬
‫والثواب ما ل يرجون ‪.‬‬
‫وهذا التفسي ف قوله { َوأَنتُمُ العلون } هو الصواب ‪.‬‬
‫وتدل عليه آيات من كتاب ال كقوله تعال بعده { وَاللّ ُه َمعَكُمْ } لن من كان ال معه‬
‫هو العلى وهو الغالب وهو القاهر النصور الوعود بالثواب ‪.‬‬
‫فهو جدير بأن ل يضعف عن مقاومة الكفار ول يبدأهم بطلب الصلح والهادنة ‪.‬‬
‫وكقوله تعال ‪َ { :‬وِإنّ جُن َدنَا َلهُ ُم الغالبون } [ الصافات ‪ ، ] 173 :‬وقله تعال ‪ِ { :‬إنّا‬
‫َلنَنصُرُ ُر ُسَلنَا والذين آ َمنُواْ فِي الياة الدنيا } [ غافر ‪ ] 51 :‬الية ‪ ،‬وقوله { وَكَانَ َحقّا‬

‫‪140‬‬
‫عََلْينَا َنصْ ُر الؤمني } [ الروم ‪ ] 47 :‬وقوله تعال { قَاتِلُوهُ ْم ُيعَ ّذبْهُمُ ال ِبَأيْدِيكُمْ‬
‫َويُخْ ِزهِ ْم َوَيْنصُرْكُ ْم عََلْيهِمْ } [ التوبة ‪ ] 14 :‬الية ‪.‬‬
‫وما يوضح معن آية القتال هذه قوله تعال ‪ { :‬وَ َل َتهِنُواْ فِي ابتغآء القوم إِن َتكُونُواْ‬
‫تَأْلَمُونَ فَِإّنهُ ْم يَأْلَمُونَ كَمَا َتأْلَمو َن َوتَرْجُونَ مِنَ ال مَا َل يَرْجُونَ } [ النساء ‪] 104 :‬‬
‫الية ‪ ،‬لن قوله تعال { َوتَرْجُو َن مِنَ ال مَا َل يَرْجُونَ } من النصر الذي وعدكم ال به‬
‫والغلبة وجزيل الثواب ‪.‬‬
‫وذلك كقوله هنا { َوأَنتُ ُم العلون } وقوله ‪ { :‬وال َم َعكُم } أي بالنصر والعانة‬
‫والثواب ‪.‬‬
‫واعلم أن آية القتال هذه ل تعارض بينها وبي آية النفال حت يقال إن إحداها ناسخة‬
‫للخرى ‪ ،‬بل ها ممتان وكل واحدة منهما منلة على حال غي الال الت نزلت عليه‬
‫الخرى ‪.‬‬
‫ل َت ِهنُوْا وتدعوا إِلَى السلم } إنا هو عن‬ ‫فالنهي ف آية القتال هذه ف قوله تعال ‪َ { :‬ف َ‬
‫البتداء بطلب السلم ‪.‬‬
‫والمر بالنوح إل السلم ف آية النفال مله فيما إذا ابتدأ الكفار بطلب السلم والنح‬
‫لا ‪ ،‬كما هو صريح قوله تعال ‪َ { :‬وإِن َجنَحُواْ لِلسّلْمِ فاجنح َلهَا َوَتوَكّلْ عَلَى ال }‬
‫[ النفال ‪ ] 61 :‬الية ‪.‬‬
‫وقوله تعال ف هذه الية الكرية { وال َمعَكُمْ } قد قدمنا اليات الوشحة له ف آخر‬
‫سنُو َن } [‬‫سورة النحل ف الكلم على قوله تعال { ِإنّ ال مَعَ الذين اتقوا والذين هُم مّحْ ِ‬
‫النحل ‪ ] 128 :‬وهذا الذي ذكرنا ف معن هذه الية أول وأصوب مام فسرها به ابن‬
‫كثي رحه ال ‪.‬‬
‫وهو أن العن ‪ :‬ل تدعوا إل الصلح والهادنية وأنتم العلون أي ف حال قوتكم وقدرتكم‬
‫على الهاد ‪.‬‬
‫أي ‪ ،‬وأما إن كنتم ف ضعف وعدم قوة فل مانع من أن تدعوا إل السلم أي الصلح‬
‫والهادنة ‪ ،‬ومنه قول العباس بن مرداس السلمي ‪:‬‬
‫السلم تأخذ منها ما رضيت به ‪ ...‬والرب تكفيك من أنفساها جرع‬

‫‪141‬‬
‫وقوله تعال ف هذه الية الكرية { وَلَن َيتِرَكُمْ َأعْمَاَلكُمْ } أي لن ينقصكم شيئا من‬
‫ثواب أعمالكم ‪.‬‬
‫وهذا العن الذي تضمنته هذه الية الكرية من عدم نقصه تعال شيئا من ثواب العمال‬
‫جاء موضحا ف آيات أخر كقوله تعال { َوإِن تُطِيعُواْ ال وَ َرسُولَهُ لَ يَِلتْكُ ْم مّنْ َأعْمَاِلكُمْ‬
‫َشيْئا } [ الجرات ‪ ] 14 :‬أي ل ينقصكم من ثوابا شيئا ‪.‬‬
‫ل تُظَْل ُم َن ْفسٌ َشيْئا َوإِن كَا َن ِمْثقَالَ‬
‫وقوله تعال ‪َ { :‬وَنضَ ُع الوازين القسط ِلَي ْومِ القيامة َف َ‬
‫ي } [ النبياء ‪. ] 47 :‬‬ ‫َحّب ٍة مّنْ َخرْدَلٍ َأَتْينَا ِبهَا وكفى ِبنَا حَا ِسبِ َ‬
‫واليات بثل ذلك كثية معلومة ‪ ،‬وقد قدمناها مرارا ‪.‬‬
‫وقوله تعال ف هذه الية الكرية { وَلَن َيتِرَكُم } أصله من التواتر ‪ ،‬وهو الفرد ‪.‬‬
‫فأصل قوله ‪ :‬لن يتركم لن يفردكم ويردكم من أعمالكم بل يوفيكم إياها ‪.‬‬
‫***********************‬
‫وحرم أسرهم حت نثخن فيهم ونقضي على قوتم ‪:‬‬
‫خنْتُمُوهُمْ فَشُدّوا اْلوَثَا َ‬
‫ق‬ ‫ال تعال ‪ { :‬فَإِذَا َلقِيتُ ُم الّذِينَ َكفَرُوا َفضَرْبَ الرّقَابِ َحتّى إِذَا َأثْ َ‬
‫حرْبُ َأوْزَارَهَا ذَلِكَ وََلوْ يَشَاءُ اللّهُ لَاْنَتصَ َر ِمنْهُ ْم وََلكِنْ‬
‫فَِإمّا َمنّا َبعْ ُد َوِإمّا فِدَاءً َحتّى َتضَ َع الْ َ‬
‫ِليَبُْل َو َب ْعضَكُ ْم ِبَب ْعضٍ وَالّذِينَ ُقتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ فَلَ ْن ُيضِلّ َأعْمَاَلهُمْ (‪[ )4‬ممد‪} ]4/‬‬
‫واللقاء القصود ف الية هنا هو اللقاء للحرب والقتال ل مرد اللقاء ‪ .‬فحت نزول هذه‬
‫السورة كان الشركون ف الزيرة منهم الحارب ومنهم العاهد؛ ول تكن بعد قد نزلت‬
‫سورة « براءة » الت تنهي عهود الشركي الحددة الجل إل أجلها ‪ ،‬والطلقة الجل إل‬
‫أربعة أشهر؛ وتأمر بقتل الشركي بعد ذلك أن وجدوا ف أناء الزيرة ‪ -‬قاعدة السلم‬
‫‪ -‬أو يسلموا ‪ .‬كي تلص القاعدة للسلم ‪.‬‬
‫وضرب الرقاب الأمور به عند اللقاء ييء بعد عرض السلم عليهم وإبائهم له طبعا ‪.‬‬
‫وهو تصوير لعملية القتل بصورتا السية الباشرة ‪ ،‬وبالركة الت تثلها ‪ ،‬تشيا مع جو‬
‫السورة وظللا ‪.‬‬
‫{ حت إذآ أثخنتموهم فشدوا الوثاق } ‪. .‬‬

‫‪142‬‬
‫والثخان شدة التقتيل ‪ ،‬حت تتحطم قوة العدو وتتهاوى ‪ ،‬فل تعود به قدرة على هجوم‬
‫أو دفاع ‪ .‬وعندئذ ‪ -‬ل قبله ‪ -‬يؤسر من استأسر ويشد وثاقه ‪ .‬فأما والعدو ما يزال قويا‬
‫فالثخان والتقتيل يكون الدف لتحطيم ذلك الطر ‪.‬‬
‫وعلى هذا ل يكون هناك اختلف ‪ -‬كما رأى معظم الفسرين ‪ -‬بي مدلول هذه الية ‪،‬‬
‫ومدلول آية النفال الت عاتب ال فيها الرسول ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬والسلمي‬
‫لستكثارهم من السرى ف غزوة بدر ‪ .‬والتقتيل كان أول ‪ .‬وذلك حيث يقول تعال ‪:‬‬
‫{ ما كان لنب أن يكون له أسرى حت يثخن ف الرض تريدون عرض الدنيا وال يريد‬
‫الخرة وال عزيز حكيم ‪ .‬لول كتاب من ال سبق لسكم فيما أخذت عذاب عظيم }‬
‫فالثخان أولً لتحطيم قوة العدو وكسر شوكته؛ وبعد ذلك يكون السر ‪.‬‬
‫والكمة ظاهرة ‪ ،‬لن إزالة القوة العتدية العادية للسلم هي الدف الول من القتال ‪.‬‬
‫وباصة حي كانت القوة العددية للمة السلمة قليلة مدودة ‪ .‬وكانت الكثرة للمشركي‬
‫‪ .‬وكان قتل مارب يساوي شيئا كبيا ف ميزان القوى حينذاك ‪ .‬والكم ما يزال ساريا‬
‫ف عمومه ف كل زمان بالصورة الت تكفل تطيم قوة العدو ‪ ،‬وتعجيزه عن الجوم‬
‫والدفاع ‪.‬‬
‫فأما الكم ف السرى بعد ذلك ‪ ،‬فتحدده هذه الية ‪ .‬وهي النص القرآن الوحيد‬
‫التضمن حكم السرى ‪:‬‬
‫{ فإما منّا بعد وإما فداء } ‪. .‬‬
‫أي إما أن يطلق سراحهم بعد ذلك بل مقابل من مال أو من فداء لسرى السلمي ‪ .‬وإما‬
‫أن يطلق مقابل فدية من مال أو عمل ف نظي إطلق سراح السلمي الأسورين ‪.‬‬
‫وليس ف الية حالة ثالثة ‪ .‬كالسترقاق أو القتل ‪ .‬بالنسبة لسرى الشركي ‪.‬‬
‫ولكن الذي حدث فعلً أن رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬واللفاء من بعده‬
‫استرقوا بعض السرى‪ -‬وهو الغالب ‪ -‬وقتلوا بعضهم ف حالت معينة ‪.‬‬
‫ونن ننقل هنا ما ورد حول هذه الية ف كتاب ( أحكام القرآن للمام الصاص‬
‫النفي ) ونعلق على ما نرى التعليق عليه ف ثناياه ‪ .‬قبل أن نقرر الكم الذي نراه ‪:‬‬

‫‪143‬‬
‫* قال ال تعال ‪ { :‬فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب } قال أبو بكر قد اقتضى‬
‫ظاهره وجوب القتل ل غي إل بعد الثخان ‪ .‬وهو نظي قوله تعال ‪ { :‬ما كان لنب أن‬
‫يكون له أسرى حت يثخن ف الرض } ( وهذا صحيح فليس بي النصي خلف ) ‪.‬‬
‫* حدثنا ممد بن جعفر بن ممد بن الكم قال ‪ :‬حدثنا جعفر بن ممد بن اليمان ‪ .‬قال‬
‫‪ :‬حدثنا أبو عبيد قال ‪ :‬حدثنا عبد ال بن صال ‪ ،‬عن معاوية بن صال ‪ ،‬عن علي بن أب‬
‫طلحة ‪ .‬عن ابن عباس ف قوله تعال ‪ { :‬ما كان لنب أن يكون له أسرى حت يثخن ف‬
‫الرض } قال ‪ :‬ذلك يوم بدر والسلمون يومئذ قليل ‪ ،‬فلما كثروا واشتد سلطانم أنزل‬
‫ال تعال بعد هذا ف السارى ‪ { :‬فإما منّا بعد وإما فداء } ‪ . .‬فجعل ال النب والؤمني‬
‫ف السارى باليار ‪ .‬إن شاءوا قتلوهم ‪ ،‬وإن شاءوا استعبدوهم ‪ ،‬وإن شاءوا فادوهم ‪.‬‬
‫شك أبو عبيد ف ‪ . .‬وإن شاءوا استعبدوهم ‪ ( . .‬والستعباد مشكوك ف صدور القول به‬
‫عن ابن عباس فنتركه ‪ .‬وأما جواز القتل فل نرى له سندا ف الية وإنا نصها الن أو‬
‫الفداء ) ‪.‬‬
‫* وحدثنا جعفر بن ممد قال ‪ :‬حدثنا أبو عبيد ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا أبو مهدي وحجاج ‪،‬‬
‫كلها عن سفيان ‪ .‬قال ‪ :‬سعت السدي يقول ف قوله ‪ { :‬فإما منّا بعد وإما فداء } ‪. .‬‬
‫قال ‪ :‬هي منسوخة ‪ ،‬نسخها قوله ‪ { :‬فاقتلوا الشركي حيث وجدتوهم } قال أبو بكر‬
‫‪ :‬أما قوله ‪ { :‬فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب } ‪ . .‬وقوله ‪ { :‬ما كان لنب أن‬
‫يكون له أسرى حت يثخن ف الرض } ‪ .‬وقوله ‪ { :‬فإما تثقفنّهم ف الرب فشرد بم‬
‫من خلفهم }‬
‫فإنه جائز أن يكون حكما ثابتا غي منسوخ ‪ .‬وذلك لن ال تعال أمر نبيه ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬بالثخان ف القتل وحظر عليه السر ‪ -‬إل بعد إذلل الشركي وقمعهم ‪-‬‬
‫وكان ذلك وقت قلة عدد السلمي وكثرة عدد عدوهم من الشركي ‪ ،‬فمت أثخن‬
‫الشركون وأذلوا بالقتل والتشريد جاز الستبقاء ‪ .‬فالواجب أن يكون هذا حكما ثابتا إذا‬
‫وجد مثل الال الت كان عليها السلمون ف أول السلم ‪ ( .‬ونقول ‪ :‬إن المر بقتل‬
‫الشركي حيث وجدوا خاص بشركي الزيرة ‪ .‬بينما النص ف سورة ممد عام ‪ .‬فمت‬
‫تقق الثخان ف الرض جاز أخذ السارى ‪ .‬وهذا ما جرى عليه اللفاء بعد رسول ال‬

‫‪144‬‬
‫‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وبعد نزول سورة براءة بطبيعة الال ‪ ،‬ول يقتلوهم إل ف‬
‫حالت معينة سيأت بيانا ) ‪. .‬‬
‫* وأما قوله ‪ { :‬فإما منّا بعد وإما فداء } ‪ . .‬ظاهره يقتضي أحد شيئي ‪ :‬من أو فداء ‪.‬‬
‫وذلك ينفي جواز القتل ‪ .‬وقد اختلف السلف ف ذلك ‪ .‬حدثنا حجاج عن مبارك بن‬
‫فضالة عن السن أنه كره قتل السي ‪ ،‬وقال ‪ :‬م ّن عليه أو فاده ‪ .‬وحدثنا جعفر قال ‪:‬‬
‫حدثنا أبو عبيد قال ‪ :‬أخبنا هشيم ‪ .‬قال ‪ :‬أخبنا أشعث قال ‪ :‬سألت عطاء عن قتل‬
‫السي فقال ‪ :‬م ّن عليه أو فاده قال ‪ :‬وسألت السن ‪ .‬قال ‪ :‬يصنع به ما صنع رسول ال‬
‫‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬بأسارى بدر ‪ ،‬ين عليه أو يفادي به ‪ .‬وروي عن ابن عمر أنه‬
‫دفع إليه عظيم من عظماء اصطخر ليقتله ‪ ،‬فأب أن يقتله ‪ ،‬وتل قوله ‪ { :‬فإما منّا بعد‬
‫وإما فداء } ‪ . .‬وروي أيضا عن ماهد وممد بن سيين كراهة قتل السي ‪ .‬وقد روينا‬
‫عن السدي أن قوله ‪ { :‬فإما منّا بعد وإما فداء } منسوخ بقوله ‪ { :‬فاقتلوا الشركي‬
‫حيث وجدتوهم } وروي مثله عن ابن جريج ‪ .‬حدثنا جعفر قال ‪ :‬حدثنا أبو عبيد قال ‪:‬‬
‫حدثنا حجاج ‪ ،‬عن ابن جريج ‪ ،‬قال ‪ :‬هي منسوخة ‪ .‬وقال ‪ :‬قتل رسول ال ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬عقبة ابن أب معيط يوم بدر صبا ‪ ،‬قال أبو بكر ‪ :‬اتفق فقهاء المصار على‬
‫جواز قتل السي ل نعلم بينهم خلفا فيه ‪ ،‬وقد تواترت الخبار عن النب ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬ف قتله السي ‪ ،‬منها قتله عقبة بن أب معيط ‪ ،‬والنضر بن الارث بعد‬
‫السر يوم بدر ‪ .‬وقتل يوم أحد أبا عزة الشاعر بعدما أسر ‪ .‬وقتل بن قريظة بعد نزولم‬
‫على حكم سعد بن معاذ ‪ ،‬فحكم فيهم بالقتل وسب الذرية ‪ .‬ومنّ على الزبي بن باطا من‬
‫بينهم ‪ ،‬وفتح خيب بعضها صلحا وبعضها عنوة ‪ ،‬وشرط على ابن أب القيق أل يكتم‬
‫شيئا ‪ ،‬فلما ظهر على خيانته وكتمانه قتله ‪ .‬وفتح مكة وأمر بقتل هلل بن خطل ‪،‬‬
‫ومقيس بن حبابة ‪ ،‬وعبد ال بن أب سرح ‪ ،‬وآخرين ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫« اقتلوهم وإن جدتوهم متعلقي بأستار الكعبة » وم ّن على أهل مكة ول يغنم أموالم ‪.‬‬
‫وروي عن صال ابن كيسان عن ممد بن عبد الرحن عن أبيه عبد الرحن بن عوف ‪ ،‬أنه‬
‫سع أبا بكر الصديق يقول ‪ « :‬وددت أن يوم أتيت بالفجاءة ل أكن أحرقته ‪ ،‬وكنت‬
‫قتلته سريا ‪ ،‬أو أطلقته نيحا » ‪ .‬وعن أب موسى أنه قتل دهقان السوس بعدما أعطاه‬

‫‪145‬‬
‫المان على قوم ساهم ونسي نفسه فلم يدخلها ف المان فقتله ‪ .‬فهذه آثار متواترة عن‬
‫النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وعن الصحابة ف جواز قتل السي وف استبقائه ‪ .‬واتفق‬
‫فقهاء المصار على ذلك ‪ ( .‬وجواز القتل ل يؤخذ من الية ‪ ،‬ولكن يؤخذ من عمل‬
‫رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وبعض الصحابة ‪ .‬وتتبع الالت الت وقع فيها القتل‬
‫يعطي أنا حالت خاصة ‪ ،‬وراءها أسباب معينة غي مرد التعرض للقتال والسر ‪ .‬فالنضر‬
‫بن حارث وعقبة بن أب معيط كلها كان له موقف خاص ف إيذاء رسول ال ‪ -‬صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ -‬وإيذاء دعوته ‪ .‬وكذلك أبو عزة الشاعر ‪ ،‬ولبن قريظة كذلك موقف‬
‫خاص بارتضائهم حكم سعد بن معاذ سلفا ‪ .‬وهكذا ند ف جيع الالت أسبابا معينة‬
‫تفرد هذه الالت من الكم العام للسرى الذي تقرره الية ‪ { :‬فإما منّا بعد وإما‬
‫فداء } ) ‪. .‬‬
‫* وإنا اختلفوا ف فدائه ‪ ،‬فقال أصحابنا جيعا ( يعن النفية ) ‪ :‬ل يفادى السي بالال ‪،‬‬
‫ول يباع السب من أهل الرب فيدوا حربا ‪ .‬وقال أبو حنيفة ‪ :‬ل يفادون بأسرى‬
‫السلمي أيضا ‪ ،‬ول يردون حربا أبدا ‪ .‬وقال أبو يوسف وممد ‪ :‬ل بأس أن يفادى‬
‫أسرى السلمي بأسرى الشركي ‪ .‬وهو قول الثوري والوزاعي ‪ ،‬وقال الوزاعي ‪ :‬ل‬
‫بأس ببيع السب من أهل الرب ‪ ،‬ول يباع الرجال إل أن يفادى بم السلمون ‪ .‬وقال‬
‫الزن عن الشافعي ‪ :‬للمام أن ين على الرجال الذين ظهر عليهم أو يفادي بم ‪ ،‬فأما‬
‫الجيزون للفداء بأسرى السلمي وبالال فإنم احتجوا بقوله ‪ { :‬فإما منّا بعد وإما فداء }‬
‫وظاهره يقتضي جوازه بالال وبالسلمي؛ وبأن النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فدى‬
‫أسارى بدر بالال ‪ .‬ويتجون للفداء بالسلمي با روى ابن البارك ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن‬
‫أيوب ‪ ،‬عن أب قلبة ‪ ،‬عن أب الهلب ‪ ،‬عن عمران ابن حصي ‪ .‬قال ‪ « :‬أسرت ثقيف‬
‫رجلي من أصحاب النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وأسر أصحاب النب ‪ -‬صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ -‬رجلً من بن عامر ابن صعصعة؛ فمر به النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وهو‬
‫موثق ‪ ،‬فناداه ‪ ،‬فأقبل إليه رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فقال ‪ :‬علم أحبس؟ قال‬
‫‪ » :‬بريرة حلفائك « ‪ .‬فقال السي ‪ :‬إن مسلم ‪ ،‬فقال النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪: -‬‬
‫» لو قلتها وأنت تلك أمرك لفلحت كل الفلح « ‪ .‬ث مضى رسول ال ‪ -‬صلى ال‬

‫‪146‬‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فناداه أيضا ‪ ،‬فأقبل ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن جائع فأطعمن ‪ .‬فقال النب ‪ -‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ » : -‬هذه حاجتك « ‪ .‬ث إن النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فداه بالرجلي‬
‫اللذين كانت ثقيف أسرتما »‬
‫( وحجة القائلي بالفداء أرجح ف تقديرنا من حجة أصحاب المام الصاص على‬
‫الختلف ف الفداء بالال أو بأسرى السلمي ) ‪.‬‬
‫* وقد ختم المام الصاص القول ف السألة بترجيح رأي أصحابه النفية قال ‪ :‬وأما ما‬
‫ف الية من ذكر الن والفداء ‪ ،‬وما روي ف أسارى بدر فإن ذلك منسوخ بقوله ‪:‬‬
‫{ فاقتلوا الشركي حيث وجدتوهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لم كل مرصد فإن‬
‫تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } وقد روينا ذلك عن السدي وابن‬
‫جريج ‪ .‬وقوله تعال ‪ { :‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر } إل قوله ‪:‬‬
‫{ حت يعطوا الزية عن يد وهم صاغرون } فتضمنت اليتان وجوب القتال للكفار حت‬
‫يسلموا أو يؤدوا الزية ‪ .‬والفداء بالال أو بغيه يناف ذلك ‪ .‬ول يتلف أهل التفسي‬
‫ونقلة الثار أن سورة « براءة » بعد سورة « ممد » ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فوجب‬
‫أن يكون الكم الذكور فيها ناسخا للفداء الذكور ف غيها ‪ ( . .‬وقد سبق القول بأن‬
‫هذا القتل للمشركي ‪ -‬أو السلم ‪ -‬مقصود به مشركو الزيرة فهو حكم خاص بم ‪.‬‬
‫أما غيهم خارجها فتقبل منهم الزية كما تقبل من أهل الكتاب ‪ .‬وقبول الزية عند‬
‫التسليم ل ينفي أن يقع السرى ف أيدي السلمي من قبل التسليم ‪ .‬فهؤلء السرى ما‬
‫الكم فيهم؟ نقول ‪ :‬إنه يوز الن عليهم إذا رأى المام الصلحة ‪ ،‬أو الفداء بم بالال أو‬
‫بالسلمي ‪ ،‬إذا ظل قومهم قوة ل تستسلم بعد ول تقبل الزية ‪ .‬فأما عند الستسلم‬
‫للجزية فالمر منته بطبيعته وهذه حالة أخرى ‪ ،‬فحكم السرى يظل ساريا ف الالة الت‬
‫ل تنته بالزية )‬
‫واللصة الت ننتهي إليها أن هذا النص هو الوحيد التضمن حكم السرى ‪ .‬وسائر‬
‫النصوص تتضمن حالت أخرى غي حالة السر ‪ .‬وأنه هو الصل الدائم للمسألة ‪ .‬وما‬
‫وقع بالفعل خارجا عنه كان لواجهة حالت خاصة وأوضاع وقتية ‪ .‬فقتل بعض السرى‬
‫كان ف حالت فردية يكن أن يكون لا دائما نظائر؛ وقد أخذوا بأعمال سابقة على‬

‫‪147‬‬
‫السر ‪ ،‬ل بجرد خروجهم للقتال ‪ .‬ومثال ذلك أن يقع جاسوس أسيا فيحاكم على‬
‫الاسوسية ل على أنه أسي ‪ .‬وإنا كان السر وسيلة للقبض عليه ‪( .‬الظلل)‬
‫‪00000000000000‬‬
‫إن أهل الكتاب ل يكونوا ينقمون على السلمي ف عهد الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫وهم ل ينقمون اليوم على طلئع البعث السلمي ‪ -‬إل أن هؤلء السلمي يؤمنون بال ;‬
‫وما أنزله ال إليهم من قرآن ; وما صدق عليه قرآنم ما أنزله ال من قبل من كتب أهل‬
‫الكتاب ‪. .‬‬
‫إنم يعادون السلمي لنم مسلمون !‬
‫لنم ليسوا يهودا ول نصارى ‪ .‬ولن أهل الكتاب فاسقون منحرفون عما أنزله ال إليهم‬
‫; وآية فسقهم وانرافهم أنم ل يؤمنون بالرسالة الخية وهي مصدقة لا بي أيديهم ‪ -‬ل‬
‫ما ابتدعوه وحرفوه ‪ -‬ول يؤمنون بالرسول الخي ‪ ,‬وهو مصدق لا بي يديه ; معظم‬
‫لرسل ال أجعي ‪.‬‬
‫إنم ياربون السلمي هذه الرب الشعواء ; الت ل تضع أوزارها قط ‪ ,‬ول يب أوارها‬
‫طوال ألف وأربعمائة عام ; منذ أن قام للمسلمي كيان ف الدينة ; وتيزت لم شخصية ;‬
‫وأصبح لم وجود مستقل ; ناشى ء من دينهم الستقل ‪ ,‬وتصورهم الستقل ‪ ,‬ونظامهم‬
‫الستقل ‪ ,‬ف ظل منهج ال الفريد ‪.‬‬
‫إنم يشنون على السلمي هذه الرب الشبوبة لنم ‪ -‬قبل كل شيء ‪ -‬مسلمون ول‬
‫يكن أن يطفئوا هذه الرب الشبوبة إل أن يردوا السلمي عن دينهم ; فيصبحوا غي‬
‫مسلمي ‪. .‬‬
‫ذلك أن أهل الكتاب أكثرهم فاسقون ; ومن ث ل يبون الستقيمي اللتزمي من السلمي‬
‫!‬
‫وال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يقرر هذه القيقة ف صورة قاطعة ‪ ,‬وهو يقول لرسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم ف السورة الخرى‪( :‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حت تتبع ملتهم) ‪. .‬‬
‫ويقول له ف هذه السورة أن يواجه أهل الكتاب بقيقة بواعثهم وركيزة موقفهم‪:‬‬
‫(قل‪:‬يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إل أن آمنا بال ; وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن‬
‫أكثركم فاسقون ?) ‪. .‬‬

‫‪148‬‬
‫وهذه القيقة الت يقررها ال سبحانه ف مواضع كثية من كلمه الصادق البي ‪ ,‬هي الت‬
‫يريد تييعها وتلبيسها وتغطيتها وإنكارها اليوم كثيون من أهل الكتاب ‪ ,‬وكثيون من‬
‫يسمون أنفسهم "مسلمي" ‪ . .‬باسم تعاون "التديني" ف وجه الادية واللاد كما‬
‫يقولون !‬
‫أهل الكتاب يريدون اليوم تييع هذه القيقة بل طمسها وتغطيتها ‪ ,‬لنم يريدون خداع‬
‫سكان الوطن السلمي ‪ -‬أو الذي كان إسلميا بتعبي أصح ‪ -‬وتدير الوعي الذي كان‬
‫قد بثه فيهم السلم بنهجه الربان القوي ‪ .‬ذلك أنه حي كان هذا الوعي سليما ل‬
‫يستطع الستعمار الصليب أن يقف للمد السلمي ‪ ,‬فضل على أن يستعمر الوطن‬
‫السلمي ‪. .‬‬
‫ول يكن بد لؤلء ‪ -‬بعد فشلهم ف الروب الصليبية السافرة ‪ ,‬وف حرب التبشي السافرة‬
‫كذلك ‪ -‬أن يسلكوا طريق الداع والتخدير ‪ ,‬فيتظاهروا ويشيعوا بي ورثة السلمي ‪,‬‬
‫أن قضية الدين والرب الدينية قد انتهت ! وأنا كانت مرد فترة تاريية مظلمة عاشتها‬
‫المم جيعا ! ث تنور العال و"تقدم" فلم يعد من الائز ول اللئق ول الستساغ أن يقوم‬
‫الصراع على أساس العقيدة ‪. .‬‬
‫وأنا الصراع اليوم على الادة !‬
‫على الوارد والسواق والستغللت فحسب ! وإذن فما يوز للمسلمي ‪ -‬أو ورثة‬
‫السلمي ‪ -‬أن يفكروا ف الدين ول ف صراع الدين !‬
‫وحي يطمئن أهل الكتاب ‪ -‬وهم الذين يستعمرون أوطان السلمي ‪ -‬إل استنامة هؤلء‬
‫لذا التخدير ;وحي تتميع القضية ف ضمائرهم ; فإن الستعمرين يأمنون غضبة السلمي‬
‫ل ; وللعقيدة ‪ . .‬الغضبة الت ل يقفوا لا يوما ‪ . .‬ويصبح المر سهل بعد التنوي‬
‫والتخدير ‪ . .‬ول يكسبون معركة العقيدة وحدها ‪ .‬بل يكسبون معها ما وراءها من‬
‫السلب والغان والستثمارات والامات ; ويغلبون ف معركة "الادة " بعدما يغلبون ف‬
‫معركة "العقيدة " ‪ . .‬فهما قريب من قريب ‪. .‬‬
‫وعملء أهل الكتاب ف الوطن السلمي ‪ ,‬من يقيمهم الستعمار هنا وهناك علنية أو ف‬
‫خفية ‪ ,‬يقولون القول نفسه ‪. .‬‬

‫‪149‬‬
‫لنم عملء يؤدون الدور من داخل الدود ‪ . .‬وهؤلء يقولون عن "الروب الصليبية "‬
‫ذاتا‪:‬إنا ل تكن "صليبية " !!! ويقولون عن "السلمي" الذين خاضوها تت راية‬
‫العقيدة‪:‬إنم ل يكونوا "مسلمي" وإنا هم كانوا "قوميي" !‬
‫وفريق ثالث مستغفل مدوع ; يناديه أحفاد "الصليبي" ف الغرب الستعمر‪:‬أن تعالوا إلينا‬
‫‪ .‬تعالوا نتمع ف ولء ; لندفع عن "الدين" غائلة "اللحدين" ! فيستجيب هذا الفريق‬
‫الستغفل الخدوع ; ناسيا أن أحفاد الصلييبي هؤلء وقفوا ف كل مرة مع اللحدين ;‬
‫صفا واحدا ‪ ,‬حينما كانت الواجهة للمسلمي ! على مدار القرون ! وما يزالون !‬
‫وأنم ل يعنيهم حرب الادية اللادية قدر ما تعنيهم حرب السلم ‪ ,‬ذلك أنم يعرفون‬
‫جيدا أن اللادية الادية عرض طارى ء وعدو موقوت ; وأن السلم أصل ثابت وعدو‬
‫مقيم ! وإنا هذه الدعوة الموهة لتمييع اليقظة البادئة عند طلئع البعث السلمي ;‬
‫وللنتفاع بهد الستغفلي الخدوعي ‪ -‬ف الوقت ذاته ‪ -‬ليكونوا وقود العركة مع‬
‫اللحدين لنم أعداء الستعمار السياسيون !‬
‫وهؤلء كهؤلء حرب على السلم والسلمي ‪. .‬‬
‫حرب ل عدة فيها للمسلم إل ذلك الوعي الذي يربيه عليه النهج الربان القوي ‪. .‬‬
‫إن هؤلء الذين تدعهم اللعبة أو يتظاهرون بالتصديق ‪ ,‬فيحسبون أهل الكتاب جادين إذ‬
‫يدعونم للتضامن والولء ف دفع اللاد عن "الدين" إنا ينسون واقع التاريخ ف أربعة‬
‫عشر قرنا ‪ -‬ل استثناء فيها ‪ -‬كما ينسون تعليم ربم لم ف هذا المر بالذات ‪ ,‬وهو‬
‫تعليم ل مواربة فيه ‪ ,‬ول مال للحيدة عنه ‪ ,‬وف النفس ثقة بال ويقي بدية ما يقول !‬
‫إن هؤلء يتزئون فيما يقولون ويكتبون باليات القرآنية ‪ ,‬والحاديث النبوية ‪ ,‬الت تأمر‬
‫السلمي أن يسنوا معاملة أهل الكتاب ; وأن يتساموا معهم ف العيشة والسلوك ‪.‬‬
‫ويغفلون التحذيرات الاسة عن موالتم ; والتقريرات الواعية عن بواعثهم ‪ ,‬والتعليمات‬
‫الصرية عن خطة الركة السلمية ‪ ,‬وخطة التنظيم ‪ ,‬الت ترم التناصر والوالة ‪ ,‬لن‬
‫التناصر والوالة ل يكونان عند السلم إل ف شأن الدين وإقامة منهجه ونظامه ف الياة‬
‫الواقعية ‪ ,‬وليست هناك قاعدة مشتركة يلتقي عليها السلم مع أهل الكتاب ف شأن دينه‬
‫‪ -‬مهما يكن هناك من تلق ف أصول هذه الديان مع دينه قبل تريفها ‪ -‬إذ هم ل‬

‫‪150‬‬
‫ينقمون منه إل هذا الدين ‪ ,‬ول يرضون عنه إل بترك هذا الدين ‪ . .‬كما يقول رب‬
‫العالي ‪. .‬‬
‫إن هؤلء من يعلون القرآن عضي ; يزئونه ويزقونه ‪ ,‬فيأخذون منه ما يشاءون ‪ -‬ما‬
‫يوافق دعوتم الغافلة الساذجة على فرض براءتا ‪ -‬ويدعون منه ما ل يتفق مع اتاههم‬
‫الغافل أو الريب !‬
‫ونن نؤثر أن نسمع كلم ال ‪ ,‬ف هذه القضية ‪ ,‬على أن نسمع كلم الخدوعي أو‬
‫الادعي ! وكلم ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ف هذه القضية حاسم واضح صريح مبي ‪. .‬‬
‫ونقف وقفة قصية ف هذا الوضع عند قوله تعال ‪ -‬بعد تقرير أن سبب النقمة هو اليان‬
‫بال وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل ‪ -‬أن بقية السبب‪:‬‬
‫(وأن أكثركم فاسقون)‬
‫فهذا الفسق هو شطر الباعث ! فالفسق يمل صاحبه على النقمة من الستقيم ‪ . .‬وهي‬
‫قاعدة نفسية واقعية ; تثبتها هذه اللفتة القرآنية العجيبة ‪. .‬‬
‫إن الذي يفسق عن الطريق وينحرف ل يطيق أن يرى الستقيم على النهج اللتزم ‪ . .‬إن‬
‫وجوده يشعره دائما بفسقه وانرافه ‪ .‬إنه يتمثل له شاهدا قائما على فسقه هو وانرافه ‪. .‬‬
‫ومن ث يكرهه وينقم عليه ‪ .‬يكره استقامته وينقم منه التزامه ; ويسعى جاهدا لره إل‬
‫طريقه ; أو للقضاء عليه إذا استعصى قياده !‬
‫إنا قاعدة مطردة ‪ ,‬تتجاوز موقف أهل الكتاب من الماعة السلمة ف الدينة ‪ ,‬إل موقف‬
‫أهل الكتاب عامة من السلمي عامة ‪ .‬إل موقف كل فاسق منحرف من كل عصبة‬
‫ملتزمة مستقيمة ‪ . .‬والرب الشبوبة دائما على اليين ف متمع الشرار ‪ ,‬وعلى‬
‫الستقيمي ف متمع الفاسقي ‪ ,‬وعلى اللتزمي ف متمع النحرفي ‪. .‬‬
‫هذه الرب أمر طبيعي يستند إل هذه القاعدة الت يصورها النص القرآن العجيب ‪. .‬‬
‫ولقد علم ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن الي ل بد أن يلقى النقمة من الشر ‪ ,‬وأن الق ل بد أن‬
‫يواجه العداء من الباطل ‪ ,‬وأن الستقامة ل بد أن تثي غيظ الفساق ‪ ,‬وأن اللتزام ل بد‬
‫أن ير حقد النحرفي ‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫وعلم ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن ل بد للخي والق والستقامة واللتزام أن تدفع عن نفسها وأن‬
‫توض العركة التمية مع الشر والباطل والفسق والنراف ‪ .‬وأنا معركة ل خيار فيها ‪,‬‬
‫ول يلك الق أل يوضها ف وجه الباطل ‪ .‬لن الباطل سيهاجه ‪ ,‬ول يلك الي أن‬
‫يتجنبها لن الشر ل بد سيحاول سحقه ‪. .‬‬
‫وغفلة ‪ -‬أي غفلة ‪ -‬أن يظن أصحاب الق والي والستقامة واللتزام أنم متروكون من‬
‫الباطل والشر والفسق والنراف ; وأنم يلكون تنب العركة ; وأنه يكن أن تقوم هناك‬
‫مصالة أو مهادنة ! وخي لم أن يستعدوا للمعركة الحتومة بالوعي والعدة ; من أن‬
‫يستسلموا للوهم والديعة ‪ . .‬وهم يومئذ مأكولون مأكولون !‬
‫***********************‬
‫لقد بي سبحانه وتعال أنم لن يرضوا عنه ول عنا حت نتبع ملتهم ‪:‬‬
‫قال تعال ‪ { :‬وَلَ ْن تَ ْرضَى َعنْكَ الَْيهُو ُد وَلَا النّصَارَى َحتّى َتتّبِ َع مِّلَتهُمْ ُقلْ إِ ّن هُدَى اللّ ِه ُه َو‬
‫ك مِنَ اللّ ِه مِنْ وَلِ ّي وَلَا َنصِيٍ (‬ ‫اْلهُدَى وَلَئِ ِن اّتبَ ْعتَ أَ ْهوَاءَهُ ْم َبعْ َد الّذِي جَا َءكَ مِ َن اْلعِلْ ِم مَا لَ َ‬
‫‪[ )120‬البقرة‪} ]121 ،120/‬‬
‫لقد حذر ال المة السلمة إياه؛ من اليهود ومن النصارى سواء ‪ .‬وإذا كان الواقع التاريي‬
‫قد حفظ لليهود وقفتهم النكدة للسلم منذ اليوم الول الذي دخل فيه السلم عليهم‬
‫الدينة؛ ف صورة كيد ل ينته ول يكف حت اللحظة الاضرة؛ وإذا كان اليهود ل يزالون‬
‫يقودون الملة ضد السلم ف كل أرجاء الرض اليوم ف حقد خبيث وكيد لئيم ‪ . .‬فإن‬
‫هذا الواقع قد حفظ كذلك للنصارى الصليبيي أنم اتذوا من السلم موقف العداء منذ‬
‫واقعة اليموك بي جيش السلمي وجيوش الروم ‪ -‬فيما عدا الالت الت وقع فيها ما‬
‫تصفه اليات الت نن بصددها فاستجابت قلوب للسلم ودخلت فيه ‪ .‬وفيما عدا‬
‫حالت أخرى آثرت فيها طوائف من النصارى أن تتمي بعدل السلم من ظلم طوائف‬
‫أخرى من النصارى كذلك؛ يلقون من ظلمها الوبال! ‪ -‬أما التيار العام الذي يثل موقف‬
‫النصارى جلة فهو تلك الروب الصليبية الت ل يب أوارها قط ‪ -‬إل ف الظاهر ‪ -‬منذ‬
‫التقى السلم والرومان على ضفاف اليموك!‬

‫‪152‬‬
‫لقد تلت أحقاد الصليبية على السلم وأهله ف الروب الصليبية الشهورة طوال قرني‬
‫من الزمان ‪ ،‬كما تلت ف حروب البادة الت شنتها الصليبية على السلم والسلمي ف‬
‫الندلس ‪ ،‬ث ف حلت الستعمار والتبشي على الماليك السلمية ف إفريقية أولً ‪ ،‬ث‬
‫ف العال كله أخيا ‪.‬‬
‫ولقد ظلت الصهيونية العالية والصليبة العالية حليفتي ف حرب السلم ‪ -‬على كل ما‬
‫بينهما من أحقاد ‪ -‬ولكنهم كانوا ف حربم للسلم كما قال عنهم العليم البي ‪:‬‬
‫{ بعضهم أولياء بعض } حت مزقوا دولة اللفة الخية ‪ .‬ث مضوا ف طريقهم ينقضون‬
‫هذا الدين عروة عروة ‪ .‬وبعد أن أجهزوا على عروة « الكم » ها هم أولء ياولون‬
‫الجهاز على عروة « الصلة »!‬
‫ث ها هم أولء يعيدون موقف اليهود القدي مع السلمي والوثنيي ‪ .‬فيؤيدون الوثنية‬
‫حيثما وجدت ضد السلم ‪ .‬عن طريق الساعدات الباشرة تارة ‪ ،‬وعن طريق الؤسسات‬
‫الدولية الت يشرفون عليها تارة أخرى! وليس الصراع بي الند وباكستان على كشمي‬
‫وموقف الصليبية منها ببعيد ‪.‬‬
‫وذلك فوق إقامة واحتضان وكفالة الوضاع الت تتول سحق حركات الحياء والبعث‬
‫السلمية ف كل مكان على وجه الرض ‪ .‬وإلباس القائمي بذه الوضاع أثواب البطولة‬
‫الزائفة ودق الطبول من حولم ‪ ،‬ليستطيعوا الجهاز على السلم ‪ ،‬ف زحة الضجيج‬
‫العالي حول القزام الذين يلبسون أردية البطال!‬
‫‪-------------‬‬
‫تاريخ أهل الكتاب مع المة السلمية‬
‫لقد استقبل اليهود رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ودينه ف الدينة شر ما يستقبل‬
‫أهل دين ساوي رسولً يعرفون صدقه ‪ ،‬ودينا يعرفون أنه الق ‪. .‬‬
‫استقبلوه بالدسائس والكاذيب والشبهات والفت يلقونا ف الصف السلم ف الدينة بكافة‬
‫الطرق اللتوية الاكرة الت يتقنها اليهود ‪ . .‬شككوا ف رسالة رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وهم يعرفونه؛ واحتضنوا النافقي وأمدوهم بالشبهات الت ينشرونا ف الو‬
‫وبالتهم والكاذيب ‪ .‬وما فعلوه ف حادث تويل القبلة ‪ ،‬وما فعلوه ف حادث الفك ‪،‬‬

‫‪153‬‬
‫وما فعلوه ف كل مناسبة ‪ ،‬ليس إل ناذج من هذا الكيد اللئيم ‪ . .‬وف مثل هذه الفاعيل‬
‫كان يتنل القرآن الكري ‪ .‬وسور البقرة وآل عمران والنساء والائدة والشر والحزاب‬
‫والتوبة وغيها تضمنت من هذا الكثي ‪:‬‬
‫{ ولا جاءهم كتاب من عند ال مصدق لا معهم ‪ -‬وكانوا من قبل يستفتحون على‬
‫الذين كفروا ‪ -‬فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ‪ ،‬فلعنة ال على الكافرين ‪ ،‬بئسما اشتروا‬
‫به أنفسهم أن يكفروا با أنزل ال ‪ -‬بغيا أن ينل ال من فضله على من يشاء من عباده ‪-‬‬
‫فباءوا بغضب على غضب ‪ ،‬وللكافرين عذاب مهي } [ البقرة ‪. ] 90 - 89 :‬‬
‫{ ولا جاءهم رسول من عند ال مصدق لا معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب‬
‫كتاب ال وراء ظهورهم كأنم ل يعلمون } [ البقرة ‪. ] 101 :‬‬
‫{ سيقول السفهاء من الناس ‪ :‬ما ولهم عن قبلتهم الت كانوا عليها ‪ .‬قل ‪ :‬ل الشرق‬
‫والغرب يهدي من يشاء إل صراط مستقيم } [ البقرة ‪. ] 142 :‬‬
‫{ يا أهل الكتاب ل تكفرون بآيات ال وأنتم تشهدون ‪ .‬يا أهل الكتاب ل تلبسون الق‬
‫بالباطل وتكتمون الق وأنتم تعلمون؟ } [ آل عمران ‪. ] 71 - 70 :‬‬
‫{ وقالت طائفة من أهل الكتاب ‪ :‬آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا‬
‫آخره لعلهم يرجعون } [ آل عمران ‪. ] 72 :‬‬
‫{ وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ‪،‬‬
‫ويقولون هو من عند ال ‪ ،‬وما هو من عند ال ويقولون على ال الكذب وهم يعلمون }‬
‫[ آل عمران ‪. ] 78 :‬‬
‫{ قل ‪ :‬يا أهل الكتاب ل تكفرون بآيات ال وال شهيد على ما تعملون؟ قل يا أهل‬
‫الكتاب ل تصدون عن سبيل ال من آمن تبغونا عوجا وأنتم شهداء وما ال بغافل عما‬
‫تعملون } [ آل عمران ‪. ] 99 - 98 :‬‬
‫{ يسألك أهل الكتاب أن تنل عليهم كتابا من السماء! فقد سألوا موسى أكب من‬
‫ذلك ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬أرنا ال جهرة ‪ ،‬فأخذتم الصاعقة بظلمهم؛ ث اتذوا العجل من بعد ما‬
‫جاءتم البينات ‪} . . .‬‬
‫[ النساء ‪. ] 153 :‬‬

‫‪154‬‬
‫{ يريدون أن يطفئوا نور ال بأفواههم ‪ ،‬ويأب ال إل أن يتم نوره ولو كره الكافرون } ‪.‬‬
‫‪ [ . .‬التوبة ‪. ] 32 :‬‬
‫كذلك شهد التاريخ نقض اليهود لعهودهم مرة بعد مرة وترشهم بالسلمي ‪ ،‬ما أدى إل‬
‫وقائع بن قينقاع وبن النضي وبن قريظة وخيب ‪ .‬كما شهد تأليب اليهود للمشركي ف‬
‫الحزاب ‪ ،‬ما هو معروف مشهور ‪.‬‬
‫ث تابع اليهود كيدهم للسلم وأهله منذ ذلك التاريخ ‪ . .‬كانوا عناصر أساسية ف إثارة‬
‫الفتنة الكبى الت قتل فيها الليفة الراشد عثمان بن عفان ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وانتثر بعدها‬
‫شل التجمع السلمي إل حد كبي ‪. .‬‬
‫وكانوا رأس الفتنة فيما وقع بعد ذلك بي علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬ومعاوية ‪ . .‬وقادوا‬
‫حلة الوضع ف الديث والسية وروايات التفسي ‪ . .‬وكانوا من المهدين لملة التتار‬
‫على بغداد وتقويض اللفة السلمية ‪. . .‬‬
‫فأما ف التاريخ الديث فهم وراء كل كارثة حلت بالسلمي ف كل مكان على وجه‬
‫الرض؛ وهم وراء كل ماولة لسحق طلئع البعث السلمي؛ وهم حاة كل وضع من‬
‫الوضاع الت تتول هذه الحاولة ف كل أرجاء العال السلمي!‬
‫ذلك شأن اليهود ‪ ،‬فأما شأن الفريق الخر من أهل الكتاب ‪ ،‬فهو ل يقل إصرارا على‬
‫العداوة والرب من شأن اليهود!‬
‫لقد كانت بي الرومان والفرس عداوات عمرها قرون ‪ . .‬ولكن ما إن ظهر السلم ف‬
‫الزيرة؛ وأحست الكنيسة بطورة هذا الدين الق على ما صنعته هي بأيديها وسته «‬
‫السيحية » وهو ركام من الوثنيات القدية ‪ ،‬والضاليل الكنسية ‪ ،‬متلبسا ببقايا من‬
‫كلمات السيح ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وتاريه ‪ . .‬حت رأينا الرومان والفرس ينسون ما بينهم‬
‫من نزاعات تارييه قدية وعداوات وثارات عميقة ‪ ،‬ليواجهوا هذا الدين الديد ‪.‬‬
‫ولقد أخذ الروم يتجمعون ف الشمال هم وعمالم من الغساسنة لينقضوا على هذا الدين ‪.‬‬
‫وذلك بعد أن قتلوا الارث بن عمي الزدي رسول رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫إل عامل بصرى من قبل الروم ‪ -‬وكان السلمون يؤمنون الرسل ولكن النصارى غدروا‬
‫برسول النب صلى ال عليه وسلم وقتلوه ‪ -‬ما جعل رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬

‫‪155‬‬
‫يبعث بيش المراء الشهداء الثلثة ‪ :‬زيد بن حارثة ‪ ،‬وجعفر بن أب طالب ‪ ،‬وعبد ال بن‬
‫رواحة ف غزوة « مؤتة » فوجدوا تمعا للروم تقول الروايات عنه ‪ :‬إنه مائة ألف من‬
‫الروم ومعه من عملئهم ف الشام من القبائل العربية النصرانية مائة ألف أخرى؛ وكان‬
‫جيش السلمي ل يتجاوز ثلثة آلف مقاتل ‪ .‬وكان ذلك ف جادى الول من السنة‬
‫الثامنة للهجرة ‪.‬‬
‫ث كانت غزوة تبوك‬
‫ث كان جيش أسامة بن زيد الذي أعده رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قبيل وفاته؛‬
‫ث أنفذه الليفة الراشد أبو بكر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬إل أطراف الشام؛ لواجهة تلك‬
‫التجمعات الرومانية الت تستهدف القضاء على هذا الدين!‬
‫ث اشتعل مرجل القد الصليب منذ موقعة اليموك الظافرة ‪ ،‬الت أعقبها انطلق السلم‬
‫لتحرير الستعمرات المباطورية الرومانية ف الشام ومصر وشال إفريقية وجزر البحر‬
‫البيض ‪ .‬ث بناء القاعدة السلمية الوطيدة ف الندلس ف النهاية ‪.‬‬
‫إن « الروب الصليبية » العروفة بذا السم ف التاريخ ‪ ،‬ل تكن هي وحدها الت شنتها‬
‫الكنيسة على السلم ‪ ،‬لقد كانت هذه الروب مبكرة قبل هذا الوعد بكثي ‪ . .‬لقد‬
‫بدأت ف القيقة منذ ذلك التاريخ البعيد ‪ . .‬منذ أن نسي الرومان عداواتم مع الفرس؛‬
‫وأخذ النصارى يعينون الفرس ضد السلم ف جنوب الزيرة ‪ .‬ث بعد ذلك ف « مؤتة »‬
‫‪ .‬ث فيما تل موقعة اليموك الظافرة ‪ . .‬ث تلت ضراوتا ووحشيتها ف الندلس عندما‬
‫زحفت الصليبية على القاعدة السلمية ف أوربة ‪ ،‬وارتكبت من الوحشية ف تعذيب‬
‫مليي السلمي وقتلهم هناك ما ل يعرف التاريخ له نظيا من قبل ‪ . .‬وكذلك تلت ف‬
‫الروب الصليبية ف الشرق بثل هذه البشاعة الت ل تتحرج ول تتذمم؛ ول تراعي ف‬
‫السلمي إِلّ ول ذمة ‪.‬‬
‫وما جاء ف كتاب « حضارة العرب » لوستاف لوبون ‪ -‬وهو فرنسي مسيحي ‪: -‬‬
‫« كان أول ما بدأ به ريكاردوس النليزي أنه قتل أمام معسكر السلمي ‪ ،‬ثلث آلف‬
‫أسي سلموا أنفسهم إليه ‪ ،‬بعد أن قطع على نفسه العهد بقن دمائهم ‪ .‬ث أطلق لنفسه‬
‫العنان باقتراف القتل والسلب ‪ ،‬ما أثار صلح الدين اليوب النبيل ‪ ،‬الذي رحم نصارى‬

‫‪156‬‬
‫القدس ‪ ،‬فلم يسهم بأذى ‪ ،‬والذي أمد فيليب وقلب السد بالرطبات والدوية‬
‫والزواد ‪ ،‬أثناء مرضهما » ‪.‬‬
‫كذلك كتب كاتب مسيحي آخر ( اسه يورجا ) يقول ‪:‬‬
‫« ابتدأ الصليبيون سيهم على بيت القدس بأسوأ طالع ‪ ،‬فكان فريق من الجاج‬
‫يسفكون الدماء ف القصور الت استولوا عليها ‪ .‬وقد أسرفوا ف القسوة فكانوا يبقرون‬
‫البطون ‪ .‬ويبحثون عن الدناني ف المعاء! أما صلح الدين ‪ ،‬فلما استرد بيت القدس‬
‫بذل المان للصليبيي ‪ ،‬ووف لم بميع عهوده ‪ ،‬وجاد السلمون على أعدائهم ووطأوهم‬
‫مهاد رأفتهم ‪ ،‬حت أن اللك العادل ‪ ،‬شقيق السلطان ‪ ،‬أطلق ألف رقيق من السرى ‪،‬‬
‫ومنّ على جيع الرمن ‪ ،‬وأذن للبطريرك بمل الصليب وزينة الكنيسة ‪ ،‬وأبيح للميات‬
‫واللكة بزيارة أزواجهن » ‪.‬‬
‫ول يتسع الجال ف الظلل لستعراض ذلك الط الطويل للحروب الصليبية ‪ -‬على مدار‬
‫التاريخ ‪ -‬ولكن يكفي أن نقول ‪ :‬إن هذه الرب ل تضع أوزارها قط من جانب الصليبية‬
‫‪ .‬ويكفي أن نذكر ماذا حدث ف زنبار حديثا ‪ .‬حيث أبيد السلمون فيها عن بكرة‬
‫أبيهم ‪ ،‬فقتل منهم اثنا عشر ألفا وألقي الربعة اللف الباقون ف البحر منفيي من‬
‫الزيرة! ويكفي أن نذكر ماذا وقع ف قبص ‪ ،‬حيث منع الطعام والاء عن الهات الت‬
‫يقطنها بقايا السلمي هناك ليموتوا جوعا وعطشا ‪ ،‬فوق ما سلط عليهم من التقتيل‬
‫والتذبيح والتشريد! ويكفي أن نذكر ما تزاوله البشة ف اريترية وف قلب البشة ‪ ،‬وما‬
‫تزاوله كينيا مع الائة ألف مسلم الذين ينتمون إل أصل صومال ‪ ،‬ويريدون أن ينضموا‬
‫إل قومهم السلمي ف الصومال! ويكفي أن نعلم ماذا تاوله الصليبية ف السودان النوب!‬
‫ويكفي لتصوير نظرة الصليبيي إل السلم أن ننقل فقرة من كتاب لؤلف أورب صدر‬
‫سنة ‪ 1944‬يقول فيه؟‬
‫« لقد كنا نوّف بشعوب متلفة ‪ ،‬ولكننا بعد اختبار ‪ ،‬ل ند مبرا لثل هذا الوف ‪.‬‬
‫لقد كنا نوّف من قبل بالطر اليهودي ‪ ،‬والطر الصفر ‪ ،‬وبالطر البلشفي ‪ .‬إل أن هذا‬
‫التخويف كله ل يتفق كما تيلناه ‪ .‬إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا ‪ ،‬وعلى هذا يكون كل‬
‫مضطهد لم عدونا اللد! ث رأينا أن البلشفة حلفاء لنا ‪ ،‬أما الشعوب الصفراء فهنالك‬

‫‪157‬‬
‫دول ديقراطية كبى تقاومها ‪ .‬ولكن الطر القيقي كامن ف نظام السلم ‪ ،‬وف قوته‬
‫على التوسع والخضاع ‪ ،‬وف حيويته ‪ . .‬إنه الدار الوحيد ف وجه الستعمار الورب «‬
‫ول نستطيع أن نضي أبعد من ذلك ف استعراض تاريخ تلك الرب العاتية الت أعلنتها‬
‫الصليبية على السلم وما تزال ‪. .‬‬
‫********************‬
‫قادة الغرب يقولون دمّروا السلم أبيدوا أهله (‪)2‬‬
‫للستاذ جلل العال‬
‫الطبعة التاسعة وفيها زيادات هامة‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫صرخة‬
‫إل كل ملص ف هذه المة‪:‬‬
‫إل القادة والزعماء ف كل مكانٍ من العال السلمي‪ ،‬والعرب منهم خاصة‪:‬‬
‫أعداؤنا يقولون‪ :‬يب أن ندمّر السلم لنه مصدر القوة الوحيد للمسلمي‪ ،‬لنسيطر‬
‫عليهم ‪ ،‬السلم ييفنا‪ ،‬ومن أجل إبادته نشد كل قوانا‪ ،‬حت ل يبتلعنا ‪..‬‬
‫فماذا تفعلون أنتم أيها القادة والزعماء ؟!!‪..‬‬
‫بالسلم تكتسحون العال – كما يقول علماء العال وسياسيوه – فلماذا تترددون ‪..‬؟!‬
‫خذوه لعزتكم‪ ،‬ل تقاوموه فيهلككم ال بعذابه‪ ،‬ول بد أن ينتصر الؤمنون به … اقرأوا‬
‫إن شئتم حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"تكون نبوة ما شاء ال لا أن تكون ث تنقضي ث تكون خلفة راشدة على منهاج النبوة‬
‫ما شاء ال لا أن تكون ث تنقضى ث يكون ملكا عضوضا (وراثيا) ما شاء ال له أن‬
‫يكون ث ينقضى ‪ ،‬ث تكون جبية (ديكتاتوريات) ما شاء ال لا أن تكون ث تنقضى ‪ ،‬ث‬
‫تكون خلفة راشدة على منهاج النبوة تعم الرض"‪.‬‬
‫أيها السادة والقادة ف دول العال السلمي‪ ،‬والعرب منهم خاصة‪:‬‬
‫كونوا أعوان السلم ل أعداءه ‪ ..‬يرضى ال عنكم‪ ،‬ويرضي الناس عنكم‪ ،‬وتسعدوا ‪..‬‬
‫وتلتف حولكم شعوبكم لتقودوها نو أعظم ثورة عالية عرفها التاريخ‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫أيها السادة والقادة‪:‬‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يدعو قريشا لتكون معه‪ ،‬كان َيعِد رجالتا أن يرثوا‬
‫بالسلم الرض‪ ،‬فأب من أب‪ ،‬وماتوا تت أقدام جيوش العدل النصورة الت انساحت ف‬
‫الرض … وخلدهم التاريخ‪ ،‬لكن أين ‪ ...‬ف أقذر مكان منه‪ ،‬يلعنهم الناس إل يوم‬
‫الدين‪ ،‬وعذاب جهنم أشد وأنكى …‬
‫ووعدنا رسول ال أن يعم ديننا الرض‪ ،‬وسيعم بدون شك‪.‬‬
‫فل تكونوا مع من سيكتبهم التاريخ من اللعوني أبد الدهر‪ ،‬بل كونوا مع النصورين‬
‫الالدين‪.‬‬
‫وال غالب على أمره … ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪.‬‬
‫طرابلس ف ‪15/8/1974‬‬
‫أنظروا كيف يقدون !!‪..‬‬
‫إن التتبع لتاريخ العلقات ما بي الغرب وشعوب السلم‪ ،‬يلحظ حقدا مريرا يل صدر‬
‫الغرب حت درجة النون‪ ،‬يصاحب هذا القد خوف رهيب من السلم إل أبعد نقطة‬
‫ف النفسية الوروبية‪.‬‬
‫هذا القد‪ ،‬وذلك الوف‪ ،‬ل شأن لنا بما إن كانا مرد إحساس نفسي شخصي‪ ،‬أما إذا‬
‫كانا من أهم العوامل الت تبلور مواقف الضارة الغربية من الشعوب السلمية‪ ،‬سياسيا‪،‬‬
‫واقتصاديا‪ ،‬وحت هذه الساعة‪ ،‬فإن موقفنا يتغي بشكل حاسم‪.‬‬
‫سوف تشهد لنا أقوال قادتم أن للغرب‪ ،‬والضارة الغربية بكل فروعها القومية‪ ،‬وألوانا‬
‫السياسية موقفا تاه السلم ل يتغي‪ ،‬إنا تاول تدمي السلم‪ ،‬وإناء وجود شعوبه دون‬
‫رحة‪.‬‬
‫حاولوا تدمي السلم ف الروب الصليبية الرهيبة ففشلت جيوشهم الت هاجت بلد‬
‫السلم بالليي‪ ،‬فعادوا يططون من جديد لينهضوا ‪ ..‬ث ليعودوا إلينا‪ ،‬بيوش حديثة‪،‬‬
‫وفكر جديد ‪ ..‬وهدفهم تدمي السلم من جديد ‪..‬‬
‫كان جنديهم ينادى بأعلى صوته‪ ،‬حي كان يلبس بذة الرب قادما لستعمار بلد‬
‫السلم‪:‬‬

‫‪159‬‬
‫أماه …‬
‫أتى صلتك ‪ ..‬ل تكب ‪..‬‬
‫بل اضحكي وتأملي ‪..‬‬
‫أنا ذاهب إل طرابلس …‬
‫فرحا مسرورا ‪..‬‬
‫سأبذل دمي ف سبيل سحق المة اللعونة …‬
‫سأحارب الديانة السلمية …‬
‫سأقاتل بكل قوت لمو القرآن …‪ (.‬القومية والغزو الفكري – ص ‪).208‬‬
‫***‬
‫وانتصرت جيوش القد هذه على أمة السلم الت قادها أسوأ قادةٍ عرفهم التاريخ …‬
‫اضطهدوا أمهم حت سحقوها ‪..‬‬
‫انتصرت جيوش الغرب بعد أن ذلل لا هؤلء الكام السبيل …‬
‫فماذا فعلت هذه اليوش؟‪..‬‬
‫استباحت المة كلها‪ ،‬هدمت الساجد‪ ،‬أو حولتها إل كنائس‪ ،‬ث أحرقت مكتبات‬
‫السلمي ‪ ..‬ث أحرقت الشعوب نفسها‪.‬‬
‫لنقرأ ما كتبه كتّابم أنفسهم حول ما فعلوه أو يفعلونه بالسلمي‪ ،‬ولن نستعرض هنا إل‬
‫بعض النماذج فقط ‪ ..‬من أناء متلفة من عالنا السلمي الستباح‪:‬‬
‫‪-1‬ف الندلس ‪:‬‬
‫تقول الدكتورة سيجريد هونكه‪:‬‬
‫ف ‪ 2‬يناير ‪ 1492‬م رفع الكاردينال (دبيدر) الصليب على المراء‪ ،‬القلعة اللكية للسرة‬
‫الناصرية‪ ،‬فكان إعلنا بانتهاء حكم السلمي على أسبانيا‪.‬‬
‫وبانتهاء هذا الكم ضاعت تلك الضارة العظيمة الت بسطت سلطانا على أوربا طوال‬
‫العصور الوسطى‪ ،‬وقد احترمت السيحية النتصرة اتفاقاتا مع السلمي لفترة وجيزة‪ ،‬ث‬
‫باشرت عملية القضاء على السلمي وحضارتم وثقافتهم‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫لقد ُحرّم السلم على السلمي‪ ،‬وفرض عليهم تركه‪ ،‬كما ُحرّم عليهم استخدام اللغة‬
‫العربية‪ ،‬والساء العربية‪ ،‬وارتداء اللباس العرب‪ ،‬ومن يالف ذلك كان يرق حيّا بعد أن‬
‫يعذّب أشد العذاب‪ ( .‬القومية– ص ‪) .174‬‬
‫وهكذا انتهى وجود الليي من السلمي ف الندلس فلم يبق ف أسبانيا مسلم واحد يُظهر‬
‫دينه‪.‬‬
‫لكن كيف كانوا يعذبون؟!!‪ ..‬هل سعت بدواوين التفتيش ‪ ..‬إن ل تكن قد سعت فتعال‬
‫أعرفك عليها‪.‬‬
‫بعد مرور أربعة قرون على سقوط الندلس‪ ،‬أرسل نابليون حلته إل أسبانيا وأصدر‬
‫مرسوما سنة ‪ 1808‬م بإلغاء دواوين التفتيش ف الملكة السبانية‪.‬‬
‫تدث أحد الضباط الفرنسيي فقال‪:‬‬
‫"أخذنا حلة لتفتيش أحد الديرة الت سعنا أن فيها ديوان تفتيش‪ ،‬وكادت جهودنا تذهب‬
‫سدى ونن ناول العثور على قاعات التعذيب‪ ،‬إننا فحصنا الدير ومراته وأقبيته كلها‪.‬‬
‫فلم ند شيئا يدل على وجود ديوان للتفتيش‪ .‬فعزمنا على الروج من الدير يائسي‪ ،‬كان‬
‫الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إل تما باطلة‪،‬‬
‫وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس‪ ،‬توشك‬
‫عيناه أن تطفر بالدموع‪ ،‬فأعطيت الوامر للجنود بالستعداد لغادرة الدير‪ ،‬لكن اللفتنانت‬
‫"دي ليل" استمهلن قائلً‪ :‬أيسمح ل الكولونيل أن أخبه أن مهمتنا ل تنته حت الن؟!!‪.‬‬
‫قلت له‪ :‬فتشنا الدير كله‪ ،‬ول نكتشف شيئا مريبا‪ .‬فماذا تريد يا لفتنانت؟!‪ ..‬قال‪ :‬إنن‬
‫أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف فإن قلب يدثن بأن السر تتها‪.‬‬
‫عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة‪ ،‬فأذنت للضابط بالبحث‪ ،‬فأمر النود أن يرفعوا‬
‫السجاجيد الفاخرة عن الرض‪ ،‬ث أمرهم أن يصبوا الاء بكثرة ف أرض كل غرفة على‬
‫حدة – وكنا نرقب الاء – فإذا بالرض قد ابتلعته ف إحدى الغرف‪ .‬فصفق الضابط "دي‬
‫ليل" من شدة فرحه‪ ،‬وقال ها هو الباب‪ ،‬انظروا‪ ،‬فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف‪ ،‬كان‬
‫قطعة من أرض الغرفة‪ ،‬يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغية وضعت إل جانب رجل‬
‫مكتب رئيس الدير‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫أخذ النود يكسرون الباب بقحوف البنادق‪ ،‬فاصفرت وجوه الرهبان‪ ،‬وعلتها الغبة‪.‬‬
‫وفُتح الباب‪ ،‬فظهر لنا سلم يؤدي إل باطن الرض‪ ،‬فأسرعت إل شعة كبية يزيد طولا‬
‫على متر‪ ،‬كانت تضئ أمام صورة أحد رؤساء ماكم التفتيش السابقي‪ ،‬ولا همت‬
‫بالنول‪ ،‬وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفا‪ ،‬وقال ل‪ :‬يابن‪ :‬ل تمل هذه‬
‫الشمعة بيدك اللوثة بدم القتال‪ ،‬إنا شعة مقدسة‪.‬‬
‫قلت له‪ ،‬يا هذا إنه ل يليق بيدي أن تتنجس بلمس شعتكم اللطخة بدم البرياء‪ ،‬وسنرى‬
‫من النجس فينا‪ ،‬ومن القاتل السفاك!؟!‪.‬‬
‫وهبطت على درج السلم يتبعن سائر الضباط والنود‪ ،‬شاهرين سيوفهم حت وصلنا إل‬
‫آخر الدرج‪ ،‬فإذا نن ف غرفة كبية مرعبة‪ ،‬وهي عندهم قاعة الحكمة‪ ،‬ف وسطها عمود‬
‫من الرخام‪ ،‬به حلقة حديدية ضخمة‪ ،‬وربطت با سلسل من أجل تقييد الحاكمي با‪.‬‬
‫وأمام هذا العمود كانت الصطبة الت يلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لحاكمة‬
‫البرياء‪ .‬ث توجهنا إل غرف التعذيب وتزيق الجسام البشرية الت امتدت على مسافات‬
‫كبية تت الرض‪.‬‬
‫رأيت فيها ما يستفز نفسي‪ ،‬ويدعون إل القشعريرة والتقزز طوال حيات‪.‬‬
‫رأينا غرفا صغيةً ف حجم جسم النسان‪ ،‬بعضها عمودي وبعضها أفقي‪ ،‬فيبقى سجي‬
‫الغرف العمودية واقفا على رجليه مدة سجنه حت يوت‪ ،‬ويبقى سجي الغرف الفقية‬
‫مدا با حت الوت‪ ،‬وتبقى الثث ف السجن الضيق حت تبلى‪ ،‬ويتساقط اللحم عن‬
‫العظم‪ ،‬وتأكله الديدان‪ ،‬ولتصريف الروائح الكريهة النبعثة من جثث الوتى فتحوا نافذة‬
‫صغية إل الفضاء الارجي‪.‬‬
‫وقد عثرنا ف هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت ف أغللا‪.‬‬
‫كان السجناء رجا ًل ونساءً‪ ،‬تتراوح أعمارهم ما بي الرابعة عشرة والسبعي‪ ،‬وقد استطعنا‬
‫إنقاذ عدد من السجناء الحياء‪ ،‬وتطيم أغللم ‪ ،‬وهم ف الرمق الخي من الياة‪.‬‬
‫كان بعضهم قد أصابه النون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب‪ ،‬وكان السجناء جيعا‬
‫عرايا‪ ،‬حت اضطر جنودنا إل أن يلعوا أرديتهم ويستروا با بعض السجناء‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫أخرجنا السجناء إل النور تدرييا حت ل تذهب أبصارهم‪ ،‬كانوا يبكون فرحا‪ ،‬وهم‬
‫يقبّلون أيدي النود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب‪ ،‬وأعادوهم إل الياة‪،‬‬
‫كان مشهدا يبكي الصخور‪.‬‬
‫ث انتقلنا إل غرف أخرى‪ ،‬فرأينا فيها ما تقشعر لوله البدان‪ ،‬عثرنا على آلت رهيبة‬
‫للتعذيب‪ ،‬منها آلت لتكسي العظام‪ ،‬وسحق السم البشري‪ ،‬كانوا يبدؤون بسحق عظام‬
‫الرجل‪ ،‬ث عظام الصدر والرأس واليدين تدرييا‪ ،‬حت يهشم السم كله‪ ،‬ويرج من‬
‫الانب الخر كتلة من العظام السحوقة‪ ،‬والدماء المزوجة باللحم الفروم‪ ،‬هكذا كانوا‬
‫يفعلون بالسجناء البرياء الساكي‪،‬‬
‫ث عثرنا على صندوقٍ ف حجم جسم رأس النسان تاما‪ ،‬يوضع فيه رأس الذي يريدون‬
‫تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلسل والغلل حت ل يستطيع الركة‪ ،‬وف أعلى‬
‫الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الاء البارد على رأس السكي بانتظام‪ ،‬ف كل دقيقة نقطة‪،‬‬
‫وقد ُج ّن الكثيون من هذا اللون من العذاب‪ ،‬ويبقى العذب على حاله تلك حت يوت‪.‬‬
‫وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكي حادة‪.‬‬
‫كانوا يلقون الشاب العذب ف هذا التابوت‪ ،‬ث يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره‪ .‬فإذا‬
‫أغلق مزق جسم العذب السكي‪ ،‬وقطعه إربا إربا‪.‬‬
‫كما عثرنا على آلت كالكلليب تغرز ف لسان العذب ث تشد ليخرج اللسان معها‪،‬‬
‫ليقص قطعة قطعة‪ ،‬وكلليب تغرس ف أثداء النساء وتسحب بعنفٍ حت تتقطع الثداء أو‬
‫تبتر بالسكاكي‪.‬‬
‫وعثرنا على سياط من الديد الشائك يُضرب با العذبون وهم عراة حت تتفتت عظامهم‪،‬‬
‫وتتناثر لومهم( (ماكم التفتيش للدكتور علي مظهر‪ .‬نقل عن كتاب التعصب والتسامح‬
‫للستاذ ممد الغزال‪ .‬صفحات ‪ 318-311‬باختصار‪.).‬‬
‫هذا العذاب كان موجها ضد الطوائف الخالفة من السيحيي فماذا كانوا يفعلون‬
‫بالسلمي؟؟ … أشد وأنكى ل شك‪.‬‬
‫***‬
‫‪ -2‬دواوين التفتيش ف البلد السلمية ‪:‬‬

‫‪163‬‬
‫ويبدو أن دواوين التفتيش هذه قد انتقلت إل بقاع العال السلمي‪ ،‬ليسلطها حكام‬
‫مرمون فجرة على شعوبم‪ .‬فقد ذكر ل شاهد عيان بعض أنواع التعذيب الت كانت‬
‫تنفذ ف أحد البلدان السلمية ضد مموعة من العلماء الجاهدين فقال‪:‬‬
‫بعد يوم من التعذيب الشديد ساقنا الزبانية بالبسياط إل زنزاناتنا‪ ،‬وأمرنا اللدون أن‬
‫نستعد ليوم آخر شديد‪ ..‬صباح اليوم التال أمرنا اللدون أن نرج فورا‪ ،‬كنا نستجمع‬
‫كل قوتنا ف أقدامنا الواهنة هربا من السياط الت كانت تنل علينا من حرس كان عددهم‬
‫أكب منا‪.‬‬
‫وأخيا أوقفونا ف سهل صحراوي‪ ،‬تت أشعة الشمس اللهبة‪ ،‬حول كومةٍ من الفحم‬
‫اليي‪ ،‬كان يعمل الرس جاهدين لشعاله‪ ،‬وقرب النار مصلبة خشبية تستند إل ثلثة‬
‫أرجل‪.‬‬
‫اشتعلت كومة الفحم الجري حت احرت‪ ،‬فجأة سعنا شتائم تأت من بعيد‪ ،‬التفتنا‬
‫فوجدنا خسة من الرس يقودون شابا عرفه بعضنا‪ ،‬كان اسه "جاويد خان إمامي" أحد‬
‫علماء ذلك البلد‪.‬‬
‫امتل الفق بنباح كلب منونة‪ ،‬رأينا عشرة من الرس يقودون كلبي‪ ،‬يبلغ ارتفاع كل‬
‫واحد منهما مترا‪ ،‬علمنا بعد ذلك أنما قد حرما من الطعام منذ يومي‪.‬‬
‫اقترب الرس بالشاب جاويد من كومة النار المراء ‪ ..‬وعيونه مغمضة بزام سيك‪.‬‬
‫كنا نتفرج ‪ ..‬أكثر من مائة سجي‪ ،‬ومعنا أكثر من مائة وخسي من الرس‪ ،‬معهم‬
‫البنادق والرشاشات‪ .‬فجأة اقترب من الشاب جاويد عشرة من الراس‪ ،‬أجلسوه على‬
‫الرض‪ ،‬ووضعوا ف حضنه مثلثا خشبيا‪ ،‬ربطوه إليه ربطا مكما‪ ،‬بيث يبقى قاعدا‪ ،‬ل‬
‫يستطيع أن يتمدد‪ ،‬ث حلوه جيعا‪ ،‬وأجلسوه على المر الحر‪ ،‬فصرخ صرخة هائلة‪ ،‬ث‬
‫أغمى عليه‪.‬‬
‫سقط منا أكثر من نصفنا مغمى عليهم ‪ ..‬كانوا يصرخون متألي ‪ ..‬وعمت رائحة شواء‬
‫لم جاويد النطقة كلها‪ ،‬ومن حسن حظي أنن بكيت بكاء مرا‪ .‬لكنن ل أصب‬
‫بالغماء ‪ ..‬لرى بقية القصة الت هي أفظع من أولا‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫حُمل الشاب‪ ،‬وفكت قيوده وهو غائب عن وعيه‪ ،‬وصلب على الصلبة الشبية‪ ،‬وربط با‬
‫بإحكام‪ ،‬واقترب اللدون بالكلبي الائعي‪ ،‬وفكوا القيود عن أفواههما‪ ،‬وتركوها‬
‫يأكلن لم ظهر جاويد الشوى‪ .‬بدأت أشعر بالنيار‪ ،‬وجننت عندما سعت صرخة‬
‫خافتة تصدر عن جاويد ‪ ..‬إنه لزال حيا والكلب تأكل لمه فقدت وعيي بعدها ‪..‬‬
‫ل أفق إل وأنا أصرخ ف زنزانت كالجنون ‪ ..‬دون أن أشعر ‪ ..‬جاويد ‪ ..‬جاويد‪..‬‬
‫أكلتك الكلب يا جاويد ‪ ..‬جاويد … كان إخوان ف الزنزانة قد ربطون وأحاطوا‬
‫رأسي وفمي بالربطة حت ل يسمع اللدون صوت فيكون مصيي كمصي جاويد‪ ،‬أو‬
‫كمصي شاهان خان الذي أصيب بالستييا مثلي‪ ،‬فأصبح يصرخ جاويد ‪ ..‬جاويد ‪..‬‬
‫فأخذه اللدون ووضعوا فوقه نصف برميل ملوء بالرمل‪ ،‬ث سحبوه على السلك‬
‫الشائكة الت ربطوها صفا أفقيا‪ ،‬فمات بعد أن تقطع لمه ألف قطعة‪ ،‬وهو يصرخ‪ :‬ال‬
‫أكب ‪ ..‬ال أكب ‪ ..‬لبد أن ندوسكم أيها الظالون‪.‬‬
‫وأخيا أغمى عليّ‪.‬‬
‫فتحت عيون ‪ ..‬فوجئت أنن ف أحد الشاف ‪ ،‬وفوجئت أكثر من ذلك بسفي بلدي يقف‬
‫فوق رأسي‪ ،‬قال ل‪ :‬كيف حالك ‪ ..‬يبدو أنك ستشفى إن شاء ال‪ .‬لو ل تكن غريبا عن‬
‫هذه البلد لا استطعت إخراجك ‪ ..‬فاجأن سائلً‪ :‬لكن بال عليك‪ ،‬قل ل‪ ،‬من هو هذا‬
‫جاويد الذي كنت تصرخ باسه‪ .‬أخبته بكل شيء‪ ،‬فامتقع لونه حت خشيت أن يغمى‬
‫عليه‪.‬‬
‫ل نكمل حديثنا إل والشرطة تسأل عن ‪ ..‬اقترب من سريري ضابط بوليس‪ ،‬وسلمن‬
‫أمرا بغادرة البلد فورا‪ .‬ول تنجح تدخلت السفي ف ضرورة إبقائي حت أشفى‪ ،‬حلون‬
‫ووضعون ف باخرة أوصلتن إل ميناء بلدي‪ ،‬كنت بثياب الستشفى‪ ،‬ليس معي أي وثيقة‬
‫تثبت شخصيت‪ ،‬اتصلت بأهلي تليفونيا‪ ،‬فلما حضرا ل يعرفون لول وهلة‪ ،‬حلون إل‬
‫أول مستشفى‪ ،‬بقيت فيه ثلثة أشهر ف بكاء مستمر‪ ،‬ث شفان ال …‬
‫وأنى السكي حديث قائلً‪:‬‬
‫بقى أن تعرف أن مدير السجون يهودي‪ ،‬والسؤول عن التعذيب خبي ألان نازي‪،‬‬
‫أطلقت تلك الكومة ف ذلك البلد السلمي يده يفعل ف علماء السلمي كيف يشاء‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫***‬
‫‪ -3‬ومن البشة أمثلة أخرى‪:‬‬
‫استولت البشة على أرتييا السلمة بتأييد من فرنسا وانكلترا ‪ ..‬فماذا فعلت فيها؟!!‪..‬‬
‫صادرت معظم أراضيها‪ ،‬وأسلمتها لقطاعيي من البشة‪ ،‬كان القطاعي والكاهن مولي‬
‫بقتل أي مسلم دون الرجوع إل السلطة‪ ،‬فكان القطاعي أو الكاهن يشنق فلحيه أو‬
‫يعذبم ف الوقت الذي يريد …‬
‫فُتحت للفلحي السلمي سجون جاعية رهيبة‪ ،‬يلد فيها الفلحون بسياطٍ تزن أكثر من‬
‫عشر كيلوا غرامات‪ ،‬وبعد إنزال أفظع أنواع العذاب بم كانوا يلقون ف زنزانات بعد أن‬
‫تربط أيديهم بأرجلهم‪ ،‬ويتركون هكذا لعشر سني أو أكثر‪ ،‬عندما كانوا يرجون من‬
‫السجون كانوا ل يستطيعون الوقوف‪ ،‬لن ظهورهم قد أخذت شكل القوس‪.‬‬
‫كل ذلك كان قبل استلم هيلسيلسي السلطة ف البشة‪ ،‬فلما أصبح إمباطور البشة‬
‫وضع خطة لناء السلمي خلل خسة عشر عاما‪ ،‬وتباهى بطته هذه أمام الكونغرس‬
‫المريكى‪.‬‬
‫سن تشريعات لذلل السلمي منها أن عليهم أن يركعوا لوظفى الدولة وإل يقتلوا‪.‬‬
‫أمر أن تستباح دماؤهم لقل سبب‪ ،‬فقد وجد شرطى قتيلً قرب قرية مسلمة‪ ،‬فأرسلت‬
‫الكومة كتيبة كاملة قتلت أهل القرية كلهم وأحرقتهم مع قريتهم‪ ،‬ث تبي أن القاتل هو‬
‫صديق القتول‪ ،‬الذي اعتدى على زوجته حاول أحد العلماء واسه الشيخ عبد القادر أن‬
‫يثور على هذه البادة فجمع الرجال‪ ،‬واختفى ف الغابات‪ ،‬فجمعت الكومة أطفالم‬
‫خ من الشيش والقصب‪ ،‬وسكبت عليهم البنين وأحرقتهم‬ ‫ونساءهم وشيوخهم ف أكوا ٍ‬
‫جيعا‪.‬‬
‫ومن قبضت عليه من الثوار كانت تعذبه عذابا رهيبا قبل قتله‪ ،‬من ذلك إطفاء السجائر ف‬
‫عينيه وأذنيه‪ ،‬وهتك عرض بناته وزوجته وأخواته أمام عينيه‪ ،‬ودق خصيتيه بأعقاب‬
‫البنادق ‪ ..‬وجره على السلك الشائكة حت يتفتت‪ ،‬وإلقاؤه جريا قبل أن يوت لتأكله‬
‫اليوانات الارحة‪ ،‬بعد أن تربطه بالسلسل حت ل يقاوم‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫أصدر هيلسيلسى أمرا بإغلق مدارس السلمي وأمر بفتح مدارس مسيحية وأجب‬
‫السلمي على إدخال أبنائهم فيها ليصبحوا مسيحيي‪.‬‬
‫عي حُكاما فجرة على مقاطعات أرتييا منهم واحد عينه على مقاطعة جَمَة‪ ،‬ابتدأ عمله‬
‫بأن أصدر أمرا أن ل يقطف الفلحون ثار أراضيهم إل بعد موافقته‪ ،‬وكان ل يسمح‬
‫بقطافها إل بعد أن تتلف‪ ،‬وأخيا صادر ‪ %90‬من الراضي‪ ،‬أخذ هو نصفها وأعطى‬
‫المباطور نصفها‪ .‬ونب جيع متلكات الفلحي السلمي‪..‬‬
‫أمرهم أن يبنوا كنيسة كبى ف القليم فبنوها ‪ ..‬ث أمرهم أن يعمروا كنسية عند مدخل‬
‫كل قرية أو بلدة ول يكتف بذلك بل بن دورا للعاهرات حول الساجد ومعها الانات‬
‫الت كان يسكر فيها النود‪ ،‬ث يدخلون إل الساجد ليبولوا با ويتغوطوا ‪ ،‬ولياقصوا‬
‫العاهرات فيها وهم سكارى ‪.‬‬
‫كما فرض على الفلحي أن يبيعوا أبقارهم لشركة أنكودا اليهودية ‪.‬‬
‫كافأه المباطور على أعماله هذه بأن عينه وزيرا للداخلية ‪.‬‬
‫كانت حكومة المباطور تلحق كل مثقف مسلم‪ .‬لتزجه ف السجن حت الوت‪ ،‬أو‬
‫تبه على مغادرة البلد حت يبقى شعب أرتييا السلم مستعبدا جاهلً‪ .‬وغي ذلك كثي(‬
‫كفاح دين للستاذ ممد الغزال‪ ،‬صفحات ‪.80 - 60‬‬
‫‪ -4‬ومن بنغلديش ‪:‬‬
‫قتل اليش الندي الذي كان يقوده يهود عشرة آلف عالٍ مسلم بعد انتصاره على جيش‬
‫باكستان عام ‪ 1971‬وقتل مائة ألف من طلبة العاهد السلمية ‪ ،‬وموظفي الدولة ‪،‬‬
‫وسجن خسي ألف من العلماء وأساتذة الامعات وقتل ربع مليون مسلم هندي هاجروا‬
‫من الند إل باكستان قبل الرب وسلب اليش الندي ما قيمته ( ‪ ) 30‬مليار روبية من‬
‫باكستان الشرقية الت سقطت من أموال الناس والدولة ( مأسات بنكلديش ( ممد خليل‬
‫ال ) صفحات ‪. ) 23 ، 22 ، 20 ، 19 ، 7 :‬‬
‫ولن نتعرض هنا لشكال التعذيب الت صبها اليش الندي على السلمي العزل ف ما‬
‫دعي بعد ذلك ببنغلديش ‪.‬‬
‫***‬

‫‪167‬‬
‫والمثلة من كل مكان من العال السلمي‪ ،‬يكاد الصدر يتفجر ضيقا من تذكرها ‪..‬‬
‫لكنها بداية اللص إن شاء ال ‪ ..‬إنا سياط اليقظة الت ستُذهب نوم القرون‪ ،‬وتُخرج‬
‫من تت الرض سكان القبور‪.‬‬
‫وما ذلك على ال بعزيز‪.‬‬
‫نتساءل أخيا‪:‬‬
‫هل مواقف الغرب وأتباعه الت رأيناها هي مواقف عاطفية استثنائية ؟!‪..‬‬
‫ل ‪ ..‬إنا مواقف مقررة مسبقا ف فكر الغرب وعقول قادته ‪ ..‬يارسها الغربيون وأتباعهم‬
‫عن تصميم واقتناع كامل‪ ،‬وبإرادة واعية تاما … وعن عمدٍ ‪..‬‬
‫ولاذا ذلك كله … ؟!!…‬
‫هذا ما سنبينه بوضوح ف هذه الدراسة الت سنبنيها على أقوال قادة الغرب فقط ‪ ..‬دون‬
‫أن نُدخل فيها أي اجتهاد أو استنتاج لتسهل الجة‪ ،‬ويظهر الق‪ ،‬ويستني طريق الضللي‬
‫الذين يارسون بأيديهم إبادة مقومات القوة ف أمهم ليسهلوا على العدو الكبي التربص‬
‫التهامها‪.‬‬
‫وما أفظعها من مهمة يارسها العملء ‪ ..‬حي يدمرون أمهم‪ ،‬ث يدفعونا ف فم الغول‬
‫الستعماري البشع … ليلتهمها … فيارب مت ينتبهون … ؟!!‪..‬‬
‫***‬
‫موقف الغرب من السلم‬
‫الروب الصليبية مستمرة‪:‬‬
‫يبن الغرب علقاته معنا على أساس أن الروب الصليبية ل تزال مستمرة بيننا وبينه‪:‬‬
‫‪-1‬فسياسة أمريكا معنا تطط على هذا السس ‪:‬‬
‫يقول أيوجي روستو رئيس قسم التخطيط ف وزارة الارجية المريكية ومساعد وزير‬
‫الارجية المريكية‪ ،‬ومستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الوسط حت عام‬
‫‪1967‬م يقول‪:‬‬
‫"يب أن ندرك أن اللفات القائمة بيننا وبي الشعوب العربية ليست خلفات بي دول‬
‫أو شعوب‪ ،‬بل هي خلفات بي الضارة السلمية والضارة السيحية"‪ .‬لقد كان‬

‫‪168‬‬
‫الصراع متدما ما بي السيحية والسلم منذ القرون الوسطى‪ ،‬وهو مستمر حت هذه‬
‫اللحظة‪ ،‬بصور متلفة‪ .‬ومنذ قرن ونصف خضع السلم لسيطرة الغرب‪ ،‬وخضع التراث‬
‫السلمي للتراث السيحي ‪.‬‬
‫ويتابع ‪:‬‬
‫إن الظروف التاريية تؤكد أن أمريكا إنا هي جزء مكمل للعال الغرب‪ ،‬فلسفته‪،‬‬
‫وعقيدته‪ ،‬ونظامه‪ ،‬وذلك يعلها تقف معادية للعال الشرقي السلمي‪ ،‬بفلسفته وعقيدته‬
‫التمثلة بالدين السلمي‪ ،‬ول تستطيع أمريكا إل أن تقف هذا الوقف ف الصف العادي‬
‫للسلم وإل جانب العال الغرب والدولة الصهيونية‪ ،‬لنا إن فعلت عكس ذلك فإنا‬
‫تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتا‪ .‬إن روستو يدد أن هدف الستعمار ف‬
‫الشرق الوسط هو تدمي الضارة السلمية‪ ،‬وأن قيام إسرائيل‪ ،‬هو جزء من هذا‬
‫الخطط‪ ،‬وأن ذلك ليس إل استمرارا للحروب الصليبية‪ ( .‬معركة الصي – صفحات‬
‫‪) .94-87‬‬
‫‪ -2‬والرب الصليبية الثامنة قادها اللنب ‪:‬‬
‫يقول باترسون سث ف كتابه "حياة السيح الشعبية" باءت الروب الصليبية بالفشل‪ ،‬لكن‬
‫حادثا خطيا وقع بعد ذلك‪ ،‬حينما بعثت انكلترا بملتها الصليبية الثامنة‪ ،‬ففازت هذه‬
‫الرة‪ ،‬إن حلة اللنب على القدس أثناء الرب العالية الول هي الملة الصليبية الثامنة‪،‬‬
‫والخية‪ ( .‬ملة الطليعة القاهرية‪ ،‬مقال وليم سليمان‪ ،‬عدد ديسمب عام ‪– 1966‬‬
‫صفحة ‪).84‬‬
‫لذلك نشرت الصحف البيطانية صور اللنب وكتبت تتها عبارته الشهورة الت قالا‬
‫عندما فتح القدس‪:‬‬
‫اليوم انتهت الروب الصليبية‪.‬‬
‫ونشرت هذه الصحف خبا آخر يبي أن هذا الوقف ليس موقف اللنب وحده بل موقف‬
‫السياسة النكليزية كلها‪ ،‬قالت الصحف ‪:‬‬
‫هنأ لويد جورج وزير الارجية البيطان النرال اللنب ف البلان البيطان‪ ،‬لحرازه النصر‬
‫ف آخر حلة من الروب الصليبية‪ ،‬الت ساها لويد جورج الرب الصليبية الثامنة‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫‪ -3‬والفرنسيون أيضا صليبيون‪:‬‬
‫فالنرال غورو عندما تغلب على جيش ميسلون خارج دمشق توجه فورا إل قب صلح‬
‫الدين اليوب عند الامع الموي‪ ،‬وركله بقدمه وقال له‪:‬‬
‫"ها قد عدنا يا صلح الدين"‪ (.‬القومية والغزو الفكري – ص ‪) .84‬‬
‫ويؤكد صليبية الفرنسيي ما قاله مسيو بيدو وزير خارجية فرنسا عندما زاره بعض‬
‫البلانيي الفرنسيي وطلبوا منه وضع حد للمعركة الدائرة ف مراكش أجابم‪:‬‬
‫"إنا معركة بي اللل والصليب"‪ (.‬مأساة مراكش – روم رولند – ص ‪).310‬‬
‫‪ -4‬وحزب الكتائب وشعون يعتبون أن حرب لبنان هي حرب صليبية ‪:‬‬
‫صفحة من جريدة العمل ف خدمة لبنان يشرف على سياستها بيي الميل كما هو‬
‫مكتوب ف الصفحة ‪.‬‬
‫‪ -5‬وقالوا عام ‪1967‬م بعد سقوط القدس‪:‬‬
‫قال راندولف تشرشل‪:‬‬
‫لقد كان إخراج القدس من سيطرة السلم حلم السيحيي واليهود على السواء‪ ،‬إن‬
‫سرور السيحيي ل يقل عن سرور اليهود‪ .‬إن القدس قد خرجت من أيدي السلمي‪ ،‬وقد‬
‫أصدر الكنيست اليهودي ثلثة قرارات بضمها إل القدس اليهودية ولن تعود إل السلمي‬
‫ف أية مفاوضات مقبلة ما بي السلمي واليهود‪ ( .‬راندولف تشرشل‪ ،‬حرب اليام الستة‬
‫– ص ‪ 129‬من الترجة العربية‪).‬‬
‫‪ -6‬والصهاينة أيضا‪:‬‬
‫عندما دخلت قوات إسرائيل القدس عام ‪ 1967‬تمهر النود حول حائط البكى‪،‬‬
‫وأخذوا يهتفون مع موشى دايان‪:‬‬
‫هذا يوم بيوم خيب … يالثارات خيب‪.‬‬
‫وتابعوا هتافهم‪:‬‬
‫حطوا الشمش عالتفاح‪ ،‬دين ممد ول وراح ‪..‬‬
‫وهتفوا أيضا‪:‬‬
‫ممد مات ‪ ..‬خلف بنات ‪..‬‬

‫‪170‬‬
‫كل ذلك دعا الشاعر ممد الفيتورى إل تنظيم قصيدته الرائعة ماطبا نبينا ممدا صلى ال‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫يا سيدي ‪..‬‬
‫عليك أفضل الصلة والسلم ‪..‬‬
‫من أمة مُضاعة ‪..‬‬
‫تقذفها حضارة الراب والظلم ‪..‬‬
‫يا سيدي … منذ ردمنا البحر بالسدود ‪..‬‬
‫وانتصبت ما بيننا وبينك الدود ‪..‬‬
‫متنا ‪..‬‬
‫وداست فوقنا ماشية اليهود‪ ( ..‬الشعب والرض – ج ‪ -1‬ص ‪ – 34‬ودرس من النكبة‬
‫الثانية – ص ‪.).76‬‬
‫‪ -6‬واستغلت إسرائيل صليبية الغرب ‪:‬‬
‫خرج أعوانا بظاهرات قبل حرب الـ ‪ 1967‬تمل لفتات ف باريس‪ ،‬سار تت هذه‬
‫اللفتات جان بول سارتر‪ ،‬كتبت على هذه اللفتات‪ ،‬وعلى جيع صناديق التبعات‬
‫لسرائيل جلة واحدة من كلمتي‪ ،‬ها‪:‬‬
‫"قاتلوا السلمي"‬
‫فالتهب الماس الصليب الغرب‪ ،‬وتبع الفرنسيون بألف مليون فرنك خلل أربعة أيام‬
‫فقط … كما طبعت إسرائيل بطاقات معايدات كتبت عليها "هزية اللل"‪ .‬بيعت‬
‫بالليي … لتقوية الصهاينة الذين يواصلون رسالة الصليبية الوروبية ف النطقة‪ ،‬وهي‬
‫ماربة السلم وتدمي السلمي ( طريق السلمي إل الثورة الصناعية – ص ‪.).21- 20‬‬
‫***‬
‫الدَار الصلب‬
‫نتساءل هنا‪:‬‬
‫هل يشن الغرب حربا صليبيةً على العال السلمي استجابةً لظروف تاريية التحم فيها‬
‫السلم مع السيحية‪ ،‬وانتزع من السيحية أمها وعواصمها ؟؟‬

‫‪171‬‬
‫أم أن هناك عوامل أخرى تدفع الغرب إل شن حروبه الصليبية ضد عال السلم ؟ …‬
‫يبدو من تصريات قادة الغرب أنم يشنون الرب على السلم لعوامل أخرى …‬
‫إنم يرونه الدار الصلب الذي يقف ف وجه سيطرتم على العال واستغللم له ‪:‬‬
‫‪-1‬فهم يرونه الدار الوحيد أمام الستعمار ‪:‬‬
‫يقول لورنس براون‪:‬‬
‫"إن السلم هو الدار الوحيد ف وجه الستعمار الورب"( التبشي والستعمار – ص‬
‫‪.) .104‬‬
‫ويقول غلدستون رئيس وزراء بريطانيا سابقا ‪:‬‬
‫ما دام هذا القرآن موجودا ف أيدي السلمي فلن تستطيع أوربة السيطرة على الشرق ‪.‬‬
‫( السلم على مفترق الطرق‪ ،‬لحمد أسد – ص ‪).39‬‬
‫ويقول الاكم الفرنسي ف الزائر ف ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الزائر‪:‬‬
‫إننا لن ننتصر على الزائريي ما داموا يقرؤون القرآن‪ ،‬ويتكلمون العربية‪ ،‬فيجب أن نزيل‬
‫القرآن العرب من وجودهم‪ ،‬ونقتلع اللسان العرب من ألسنتهم( ( النار – عدد‬
‫‪.).9/11/1962‬‬
‫‪-2‬ويرون أن السلم هو الدار الذي يقف ف وجه انتشار النفوذ الشيوعي ‪:‬‬
‫ف افتتاحية عدد ‪ 22‬أيار عام ‪1952‬من جريدة "كيزيل أوزباخستان" الريدة اليومية‬
‫للحزب الشيوعي الورباخستان ذكر الحرر ما يلي‪:‬‬
‫من الستحيل تثبيت الشيوعية قبل سحق السلم نائيا‪ ( .‬السلم والتنمية القتصادية –‬
‫جاك أوسترى ‪).56 -‬‬
‫‪-3‬ويرون أنه الدار الذي يول دون انتشار السيحية وتكن الستعمار من العال‬
‫السلمي ‪:‬‬
‫يقول أحد البشرين ‪:‬‬
‫إن القوة الكامنة ف السلم هي الت وقفت سدا منيعا ف وجه انتشار السيحية ‪ ،‬وهي‬
‫الت أخضعت البلد الت كانت خاضعة للنصرانية( جذور البلء – ص ‪.).201‬‬
‫ويقول أشعياء بومان ف مقالة نشرها ف ملة العال السلمي التبشيية‪:‬‬

‫‪172‬‬
‫ل يتفق قط أن شعبا مسيحيا دخل ف السلم ث عاد نصرانيا‪( .‬التبشي والستعمار‬
‫للخالدين وفورخ – ص ‪ – 131‬الطبعة الرابعة‪) .‬‬
‫‪-4‬ويرون أن السلم هو الطر الوحيد أمام استقرار الصهيونية وإسرائيل ‪:‬‬
‫يقول بن غوريون‪ ،‬رئيس وزراء إسرائيل سابقا ‪:‬‬
‫إن أخشى ما نشاه أن يظهر ف العال العرب ممد جديد‪( ( .‬جريدة الكفاح السلمي‬
‫لعام ‪ – 1955‬عدد السبوع الثان من نيسان‪).‬‬
‫وحدّث ضابط عرب كبي وقع أسيا ف أيدي اليهود عام ‪ 1948‬أن قائد اليش اليهودي‬
‫دعاه إل مكتبه قبيل إطلق سراحه‪ ،‬وتلطف معه ف الديث‪.‬‬
‫سأله الضابط الصري ‪ :‬هل أستطيع أن أسأل لاذا ل تاجوا قرية صور باهر ؟‪0‬‬
‫وصور باهر قرية قريبة من القدس‪.‬‬
‫أطرق القائد السرائيلي إطراقة طويلة ث قال‪ :‬أجيبك بصراحة‪ ،‬إننا ل ناجم صور باهر‬
‫لن فيها قوة كبية من التطوعي السلمي التعصبي‪.‬‬
‫دهش الضابط الصرى‪ ،‬وسأل فورا‪ :‬وماذا ف ذلك‪ ،‬لقد هجمتم على مواقع أخرى فيها‬
‫قوات أكثر ‪ ..‬وف ظروف أصعب ؟!‪.‬‬
‫أجابه القائد الٍسرائيلي‪ :‬إن ما تقوله صحيح‪ ،‬لكننا وجدنا أن هؤلء التطوعي من‬
‫السلمي التعصبي يتلفون عن غيهم من القاتلي النظاميي‪ ،‬يتلفون تاما‪ ،‬فالقتال‬
‫عندهم ليس وظيفة يارسونا وفق الوامر الصادرة إليهم‪ ،‬بل هو هواية يندفعون إليها‬
‫بماس وشغف جنون‪ ،‬وهم ف ذلك يشبهون جنودنا الذين يقاتلون عن عقيدة راسخة‬
‫لماية إسرائيل‪.‬‬
‫ولكن هناك فارقا عظيما بي جنودنا وهؤلء التطوعي السلمي‪ .‬إن جنودنا يقاتلون‬
‫لتأسيس وطن يعيشون فيه‪ ،‬أما النود التطوعون من السلمي فهم يقاتلون ليموتوا‪ ،‬إنم‬
‫يطلبون الوت بشغف أقرب إل النون‪ ،‬ويندفعون إليه كأنم الشياطي‪ ،‬إن الجوم على‬
‫أمثال هؤلء ماطرة كبية‪ ،‬يشبه الجوم على غابة ملوءة بالوحوش‪ ،‬ونن ل نب مثل‬
‫هذه الغامرة الخيفة‪ ،‬ث إن الجوم عليهم قد يثي علينا الناطق الخرى فيعملون مثل‬
‫عملهم‪ ،‬فيفسدوا علينا كل شيء‪ ،‬ويتحقق لم ما يريدون‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫دهش الضابط الصرى لجابة القائد السرئيلي‪ ،‬لكنه تابع سؤاله ليعرف منه السبب‬
‫القيقي الذي ييف اليهود من هؤلء التطوعي السلمي‪.‬‬
‫قال له‪ :‬قل ل برأيك الصريح‪ ،‬ما الذي أصاب هؤلء حت أحبوا الوت‪ ،‬وتولوا إل قوة‬
‫ماردة تتحدى كل شي ٍء معقول؟!!‪.‬‬
‫أجابه السرائيلي بعفوية‪ :‬إنه الدين السلمي يا سيادة الضابط‪ .‬ث تلعثم‪ ،‬وحاول أن يفى‬
‫إجابته‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إن هؤلء ل تتح لم الفرصة كما أتيحت لك‪ ،‬كي يدرسوا المور دراسة واعية تفتح‬
‫عيونم على حقائق الياة‪ ،‬وتررهم من الرافة وشعوذات التاجرين بالدين‪ ،‬إنم ل‬
‫يزالون ضحايا تعساء لوعد السلم لم بالنة الت تنتظرهم بعد الوت‪.‬‬
‫وتابع مسترسلً‪ :‬إن هؤلء التعصبي من السلمي هم عقدة العقد ف طريق السلم الذي‬
‫يب أن نتعاون عليه وهم الطر الكبي على كل جهد يبذل لقامة علقات سليمة واعية‬
‫بيننا وبينكم‪.‬‬
‫وتابع مستدركا‪ ،‬وكأنه يستفز الضابط الصرى ضد هؤلء السلمي‪ ،‬تصور يا سيدي أن‬
‫خطر هؤلء ليس مقتصرا علينا وحدنا‪ ،‬بل هو خطر عليكم أنتم أيضا‪ .‬إذ أن أوضاع‬
‫بلدكم لن تستقر حت يزول هؤلء‪ ،‬وتنقطع صرخاتم النادية بالهاد والستشهاد ف‬
‫سبيل ال‪ ،‬هذا النطق الذي يالف رقى القرن العشرين‪ ،‬قرن العلم وهيئة المم والرأي‬
‫العام العالي‪ ،‬وحقوق النسان‪.‬‬
‫واختتم القائد السرائيلي حديثه بقوله‪:‬‬
‫يا سيادة الضابط‪ ،‬أنا سعيد بلقائك‪ ،‬وسعيد بذا الديث الصريح معك‪ ،‬وأتن أن نلتقى‬
‫لقاءً قادما‪ ،‬لنتعاون ف جو أخوى ل يعكره علينا التعصبون من السلمي الهووسي‬
‫بالهاد وحب الستشهاد ف سبيل ال‪ ( .‬ملة السلمي – العدد الول من الجلد الثامن‬
‫– شهر توز عام ‪ ،1963‬مع بعض الختصار با يناسب القام‪ ،‬مع رجائنا عفو الكاتب‬
‫وإخوانه‪).‬‬
‫‪-5‬ويرون أن بقاء اسرائيل مرهون بازالة التمسكي بالسلم ‪:‬‬

‫‪174‬‬
‫يقول الكاتب الصهيون (( إيرل بوغر )) ف كتابه العهد والسيف الذي صدر عام‬
‫‪ 1965‬ما نصه بالرف ‪:‬‬
‫(( ان البدأ الذي قام عليه وجود اسرائيل منذ البداية هو أن العرب ل بد أن يبادروا ذات‬
‫يوم إل التعاون معها ‪ ،‬ولكي يصبح هذا التعاون مكنا فيجب القضاء على جيع العناصر‬
‫الت تغذي شعور العداء ضد اسرائيل ف العال العرب ‪ ،‬وهي عناصر رجعية تتمثل ف رجال‬
‫الدين والشائخ ( السلم ف معترك الاضري ص ‪ ( 28‬عمر باء الدين الميي – طبعة‬
‫دار الفتح ‪ ،‬بيوت عام ‪. ). 1968‬‬
‫‪ -6‬ويقول اسحاق رابي غداة فوز جيمي كارتر برئاسة الوليات التحدة ‪ ،‬ونقلت قوله‬
‫جيع وكالت النباء ‪:‬‬
‫ان مشكلة الشعب اليهودي هي أن الدين السلمي ما زال ف دور العدوان والتوسع ‪،‬‬
‫وليس مستعدا لواجهة الول وان وقتا طويل سيمضي قبل أن يترك السلم سيفه ( العدد‬
‫( ‪ ) 324‬من ملة الجتمع الكويتية ‪ 9 /‬نوفمب ‪. ). 1976‬‬
‫***‬
‫العدو الوحيد‬
‫إنم ل يرون السلم جدارا ف وجه مطامعهم فقط‪ ،‬بل يعتقدون جازمي أنه الطر‬
‫الوحيد عليهم ف بلدهم‪.‬‬
‫‪-1‬يقول لورانس براون ‪:‬‬
‫كان قادتنا يوفننا بشعوب متلفة‪ ،‬لكننا بعد الختبار ل ند مبرا لثل تلك الخاوف‪.‬‬
‫كانوا يوفنا بالطر اليهودي‪ ،‬والطر اليابان الصفر‪ ،‬والطر البلشفي‪.‬‬
‫لكنه تبي لنا أن اليهود هم أصدقاؤنا‪ ،‬والبلشفة الشيوعيون حلفاؤنا‪ ،‬أما اليابانيون‪ ،‬فإن‬
‫هناك دولً ديقراطية كبية تتكفل بقاومتهم‪.‬‬
‫لكننا وجدنا أن الطر القيقي علينا موجود ف السلم‪ ،‬وف قدرته على التوسع‬
‫والخضاع‪ ،‬وف حيويته الدهشة‪ ( .‬الجلد الثامن صحفة ‪ ،10‬لورانس بروان نقلً عن‬
‫التبشي والستعمار‪ ،‬صفحة ‪) .184‬‬
‫‪-2‬ونكرر هنا قول غلدستون ‪:‬‬

‫‪175‬‬
‫ما دام هذا القرآن موجودا ف أيدي السلمي‪ ،‬فلن تستطع أوربة السيطرة على الشرق‪،‬‬
‫ول أن تكون هي نفسها ف أمان‪ ( .‬السلم على مفترق الطرق – ص ‪).39‬‬
‫‪-3‬ويقول الستشرق غاردنر‪:‬‬
‫إن القوة الت تكمن ف السلم هي الت تيف أوربة‪ ( .‬التبشي والستعمار – ص ‪– 36‬‬
‫طبعة رابعة‪).‬‬
‫‪-4‬ويقول هانوتر وزير خارجية فرنسا سابقا‪:‬‬
‫ل يوجد مكان على سطح الرض إل واجتاز السلم حدوده وانتشر فيه‪ ،‬فهو الدين‬
‫الوحيد الذي ييل الناس إل اعتناقه بشدة تفوق كل دين آخر‪ ( .‬الفكر السلمي‬
‫الديث‪ ،‬وصلته بالستعمار الغرب‪ ،‬ص ‪).18‬‬
‫‪ -5‬ويقول الب مشادر‪:‬‬
‫من يدري؟! ربا يعود اليوم الذي تصبح فيه بلد الغرب مهددة بالسلمي‪ ،‬يهبطون إليها‬
‫من السماء‪ ،‬لغزو العال مرة ثانية‪ ،‬وف الوقت الناسب‪.‬‬
‫ويتابع‪ :‬لست متنبئا‪ ،‬لكن المارات الدالة على هذه الحتمالت كثية ‪ ..‬ولن تقوى‬
‫الذرة ول الصواريخ على وقف تيارها‪.‬‬
‫إن السلم قد استيقظ‪ ،‬وأخذ يصرخ‪ ،‬ها أنذا‪ ،‬إنن ل أمت‪ ،‬ولن أقبل بعد اليوم أن أكون‬
‫أداة تسيها العواصم الكبى ومابراتا‪ ( .‬ل هذا الرعب كله من السلم – للستاذ‬
‫جودت سعيد‪).‬‬
‫‪ -6‬ويقول أشعيا بومان ف مقال نشره ف ملة العال السلمي التبشيية‪:‬‬
‫إن شيئا من الوف يب أن يسيطر على العال الغرب من السلم‪ ،‬لذا الوف أسباب‪،‬‬
‫منها أن السلم منذ ظهر ف مكة ل يضعف عدديا‪ ،‬بل إن أتباعه يزدادون باستمرار‪ ،‬من‬
‫أسباب الوف أن هذا الدين من أركانه الهاد‪ ( .‬التبشي والستعمار ‪).131 -‬‬
‫‪ -7‬ويقول أنطون ناتنج ف كتابه "العرب"‬
‫منذ أن جع ممد صلى ال عليه وسلم أنصاره ف مطلع القرن السابع اليلدي‪ ،‬وبدأ أول‬
‫خطوات النتشار السلمي‪ ،‬فإن على العال الغرب أن يسب حساب السلم كقوة‬

‫‪176‬‬
‫دائمة‪ ،‬وصلبة‪ ،‬تواجهنا عب التوسط‪ ( .‬وليم بولك‪ .‬الوليات التحدة والعال الغرب –‬
‫والفقومية والغزو الفكر ص ‪).42‬‬
‫‪ -8‬وصرح سالزار ف مؤتر صحفي قائلً‪:‬‬
‫إن الطر القيقي على حضارتنا هو الذي يكن أن يُحدثه السلمون حي يغيون نظام‬
‫العال‪.‬‬
‫فلما سأله أحد الصحفيي‪ :‬لكن السلمي مشغولون بلفاتم ونزاعاتم ‪ ،‬أجابه‪ :‬أخشى‬
‫أن يرج منهم من يوجه خلفهم إلينا‪ ( .‬جند ال ص ‪).22‬‬
‫‪ -9‬ويقول مسؤول ف وزارة الارجية الفرنسية عام ‪:1952‬‬
‫ليست الشيوعية خطرا على أوربة فيما يبدو ل‪ ،‬إن الطر القيقي الذي يهددنا تديدا‬
‫مباشرا وعنيفا هو الطر السلمي‪ ،‬فالسلمون عال مستقل كل الستقلل عن عالنا‬
‫الغرب‪ ،‬فهم يلكون تراثهم الروحي الاص بم‪ .‬ويتمتعون بضارة تاريية ذات أصالة‪،‬‬
‫فهم جديرون أن يقيموا قواعد عال جديد‪ ،‬دون حاجة إل إذابة شخصيتهم الضارية‬
‫والروحية ف الضارة الغربية‪ ،‬فإذا تيأت لم أسباب النتاج الصناعي ف نطاقه الواسع‪،‬‬
‫انطلقوا ف العال يملون تراثهم الضاري الثمي‪ ،‬وانتشروا ف الرض يزيلون منها قواعد‬
‫الضارة الغربية‪ ،‬ويقذفون برسالتنا إل متاحف التاريخ‪.‬‬
‫وقد حاولنا نن الفرنسيي خلل حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعب‬
‫السلمة‪ ،‬فكان الخفاق الكامل نتيجة مهوداتنا الكبية الضخمة‪.‬‬
‫إن العال السلمي عملق مقيد‪ ،‬عملق ل يكتشف نفسه حت الن اكتشافا تاما‪ ،‬فهو‬
‫حائر‪ ،‬وهو قلق‪ ،‬وهو كاره لنطاطه وتلفه‪ ،‬وراغب رغبةً يالطها الكسل والفوضى ف‬
‫مستقبل أحسن‪ ،‬وحرية أوفر …‬
‫فلنعط هذا العال السلمي ما يشاء‪ ،‬ولنقو ف نفسه الرغبة ف عدم النتاج الصناعي‪،‬‬
‫والفن ‪ ،‬حت ل ينهض‪ ،‬فإذا عجزنا عن تقيق هذا الدف‪ ،‬بإبقاء السلم متخلفا‪ ،‬وترر‬
‫العملق من قيود جهله وعقدة الشعور بعجزه‪ ،‬فقد بؤنا بإخفاق خطي‪ ،‬وأصبح خطر‬
‫العال العرب‪،‬وما وراءه من الطاقات السلمية الضخمة خطرا داها ينتهي به‬

‫‪177‬‬
‫الغرب‪،‬وتنتهي معه وظيفته الضارية كقائد للعال ‪ ( .‬ملة روز اليوسف ف عددها الصادر‬
‫بتاريخ ‪).29/6/1963‬‬
‫‪ -10‬ويقول مورو بيجر ف كتابه "العال العرب العاصر"‪:‬‬
‫إن الوف من العرب‪ ،‬واهتمامنا بالمة العربية‪ ،‬ليس ناتا عن وجود البترول بغزارة عند‬
‫العرب‪ ،‬بل بسبب السلم ‪.‬‬
‫يب ماربة السلم‪ ،‬للحيلولة دون وحدة العرب‪ ،‬الت تؤدي إل قوة العرب‪ ،‬لن قوة‬
‫العرب تتصاحب دائما مع قوة السلم وعزته وانتشاره‪.‬‬
‫إن السلم يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر ف القارة الفريقية‪ ( .‬الفكر السلمي وصلته‬
‫بالستعمار الغرب – ص ‪).19‬‬
‫‪ -11‬ويقول هانوتو وزير خارجية فرنسا ‪:‬‬
‫رغم انتصارنا على أمة السلم وقهرها‪ ،‬فإن الطر ل يزال موجودا من انتفاض القهورين‬
‫الذين أتعبتهم النكبات الت أنزلناها بم لن هتهم ل تمد بعد… ( الفكر السلمي‬
‫وصلته بالستعمار الغرب – ص ‪. ) .19‬‬
‫‪ -12‬بعد استقلل الزائر ألقى أحد كبار الستشرقي ماضرة ف مدريد عنوانا‪ :‬لاذا كنا‬
‫ناول البقاء ف الزائر‪.‬‬
‫أجاب على هذا السؤال بشرح مستفيض ملخصه ‪:‬‬
‫إننا ل نكن نسخر النصف مليون جندي من أجل نبيذ الزائر أو صحاريها ‪ ..‬أو زيتونا‬
‫‪..‬‬
‫إننا كنا نعتب أنفسنا سور أوربا الذي يقف ف وجه زحف إسلمي متمل يقوم به‬
‫الزائريون وإخوانم من السلمي عب التوسط‪ ،‬ليستعيدوا الندلس الت فقدوها‪ ،‬وليدخلوا‬
‫معنا ف قلب فرنسا بعركة بواتيه جديدة ينتصرون فيها‪ ،‬ويكتسحون أوربا الواهنة‪،‬‬
‫ويكملون ما كانوا قد عزموا عليه‬
‫أثناء حلم المويي بتحويل التوسط إل بية إسلمية خالصة‪.‬‬
‫من أجل ذلك كنا نارب ف الزائر‪ ( .‬جريدة اليام – سنة ‪).1963‬‬

‫‪178‬‬
‫‪ -13‬ف أول الشهر الادي عشر من عام ‪ 1974‬ذكرت إذاعة لندن مساء زيارة وزير‬
‫خارجية فرنسا سوفانيارك لسرائيل ‪ .‬واجتماعه بقياداتا ‪ ،‬بعد أن اجتمع ف بيوت‬
‫برئيس منظمة التحرير الفلسطينية‪ .‬ما جرى ف آخر اجتماع عقد بي القادة السرائيليي‬
‫وسوفانيارك ‪ ،‬وانتقاداتم للسياسة الفرنسية لنا تقف إل جانب العرب ضد اسرائيل ‪،‬‬
‫وتؤيد الفلسطينيي ‪ ،‬وهاجوا سوفانيارك شخصيا لنه اجتمع بياسر عرفات ‪ .‬عندها‬
‫غضب وزير الارجية الفرنسية وصرخ ف وجوههم ‪ :‬إما أن تعترفوا بنظمة التحرير ‪ ،‬أو‬
‫أن يعلن العرب كلهم عليكم الهاد ‪..‬‬
‫والعجب أن اذاعة لندن ل تعد إل اذاعة هذا الب مرة أخرى ‪ ،‬كما أن جيع اذاعات‬
‫العرب ل تذكره ‪.‬‬
‫ففرنسا حي تتحرك إل جانب العرب ل تتحرك إل خوفا من أن يثي عداء العال الغرب‬
‫للعرب روح الهاد ف السلمي ‪ ،‬فيعلنوه ويشنوا حربا على الضارة الغربية تؤدي إل‬
‫دمار الغرب ويقظة السلمي وهذا وحده كاف أن يدفع فرنسا إل مهادنتهم ودعوة‬
‫الخرين لهادنتهم !!! ‪.‬‬
‫‪ -14‬قالت اذاعة لندن صباح ‪ 10/4/1976‬بناسبة افتتاح مهرجان العال السلمي ف‬
‫لندن ‪:‬‬
‫ان الشعور العام السائد ف الغرب أن السيحية اذا ل تغي موقفها من السلم بيث تتعاون‬
‫معه للقضاء على الشر ف العال ‪ ،‬ل أن تعتب السلم مصدرا من مصادر الشر ‪ ،‬إن ل‬
‫تفعل ذلك فان الستقبل ل يؤذن بي بالنسبة للمسيحية والعال ‪.‬‬
‫***‬
‫دمروا السلم‬
‫كيف يعملون إذن ‪:‬‬
‫ليس أمامهم إل حل واحد هو تدمي السلم‪:‬‬
‫‪"-1‬ها قد هبت النصرانية والوسوية لقاتلة الحمدية‪ .‬وها تأملن أن تتمكنا من تدمي‬
‫عدوتما"‪ (.‬استعباد السلم – ص ‪).44‬‬
‫‪-2‬يقول غاردنر‪:‬‬

‫‪179‬‬
‫إن الروب الصليبية ل تكن لنقاذ القدس‪ ،‬إنا كانت لتدمي السلم‪ ( .‬التبشي‬
‫والستعمار ص ‪ – 115‬جذور البلء ص ‪).201‬‬
‫‪-3‬ونشيد جيوش الستعمار كان يقول‪:‬‬
‫أنا ذاهب لسحق المة اللعونة‪،‬‬
‫لحارب الديانة السلمية‪،‬‬
‫ولمو القرآن بكل قوتى‪.‬‬
‫‪-4‬وشعار "قاتلوا السلمي" الذي وزعته إسرائيل ف أوربا عند حرب الـ ‪ ،67‬لقى‬
‫تاوبا ل نظي له ف دول الغرب كلها …‬
‫‪-5‬يقول فيليب فونداسي‪:‬‬
‫إن من الضروري لفرنسا أن تقاوم السلم ف هذا العال وأن تنتهج سياسة عدائية‬
‫للسلم‪ ،‬وأن تاول على القل إيقاف انتشاره‪ ( .‬الستعمار الفرنسي ف أفريقيا السوداء‪،‬‬
‫تأليف فيليب فونداسى – ص ‪).2‬‬
‫‪ -6‬يقول الستشرق الفرنسي كيمون ف كتابه "باثولوجيا السلم"‪:‬‬
‫"إن الديانة الحمدية جذام تفشى بي الناس‪ ،‬وأخذ يفتك بم فتكا ذريعا‪ ،‬بل هو مرض‬
‫مريع‪ ،‬وشلل عام‪ ،‬وجنون ذهول يبعث النسان على المول والكسل‪ ،‬ول يوقظه من‬
‫المول والكسل إل ليدفعه إل سفك الدماء‪ ،‬والدمان على معاقرة المور‪ ،‬وارتكاب‬
‫جيع القبائح‪ .‬وما قب ممد إل عمود كهربائي يبعث النون ف رؤوس السلمي‪ ،‬فيأتون‬
‫بظاهر الصرع والذهول العقلي إل ما ل ناية‪ ،‬ويعتادون على عادات تنقلب إل طباع‬
‫أصيلة‪ ،‬ككراهة لم النير‪ ،‬والمر والوسيقي‪.‬‬
‫إن السلم كله قائم على القسوة والفجور ف اللذات‪.‬‬
‫ويتابع هذا الستشرق الجنون‪:‬‬
‫اعتقد أن من الواجب إبادة خُمس السلمي‪ ،‬والكم على الباقي بالشغال الشاقة‪ ،‬وتدمي‬
‫الكعبة‪ ،‬ووضع قب ممد وجثته ف متحف اللوفر‪ ( .‬التاهات الوطنية ج ‪ – 1‬ص ‪321‬‬
‫‪ ،‬وتاريخ المام ج ‪ -2‬ص ‪ ،409‬والفكر السلمي الديث ص ‪ ،51‬والقومية والغزو‬
‫الفكري – ص ‪).192‬‬

‫‪180‬‬
‫ويبدو أن قائد اليوش النكليزية ف حلة السودان قد طبق هذه الوصية‪ ،‬فهجم على قب‬
‫الهدى الذي سبق له أن حرر السودان وقتل القائد النكليزي غوردون‪ ،‬هجم القائد‬
‫النكليزي على قب الهدي‪ ،‬ونبشه‪ ،‬ث قطع رأسه وأرسله إل عاهر إنكليزي وطلب إليه‬
‫أن يعله مطفأة لسجائره‪ ( .‬القومية والغزو الفكري‪ ،‬ص ‪).222‬‬
‫‪-6‬صرّح الكاردينال بور ‪ ،‬كاردينال برلي لجلة تابلت النكليزية الكاثوليكية يوم سقوط‬
‫القدس عام ‪ 1967‬بعد أن رعى صلة السيحيي مع اليهود ف كنيس يهودي لول مرة‬
‫ف تاريخ السيحية قال ‪ :‬إن السيحيي ل بد لم من التعاون مع اليهود للقضاء على‬
‫السلم وتليص الرض القدسة ‪ ( .‬نشرة التعايش الشبوه – ص ‪) 4‬‬
‫‪ -8‬قال لويس التاسع ملك فرنسا الذي أسر ف دار ابن لقمان بالنصورة ‪ ،‬ف وثيقة‬
‫مفوظة ف دار الوثائق القومية ف باريس ‪:‬‬
‫إنه ل يكن النتصار على السلمي من خلل حرب وانا يكن النتصار عليهم بواسطة‬
‫السياسة باتباع ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬إشاعة الفرقة بي قادة السلمي ‪ ،‬واذا حدثت فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حت‬
‫يكون هذا اللف عاملً ف اضعاف السلمي ‪.‬‬
‫‪-‬عدم يكي البلد السلمية والعربية أن يقوم فيها حكم صال ‪.‬‬
‫‪-‬إفساد أنظمة الكم ف البلد السلمية بالرشوة والفساد والنساء ‪ ،‬حت تنفصل القاعدة‬
‫عن القمة ‪.‬‬
‫‪-‬اليلولة دون قيام جيش مؤمن بق وطنه عليه ‪ ،‬يضحي ف سبيل مبادئه ‪.‬‬
‫‪-‬العمل على اليلولة دون قيام وحدة عربية ف النطقة ‪.‬‬
‫‪-‬العمل على قيام دولة غربية ف النطقة العربية تتد ما بي غزة جنوبا ‪ ،‬انطاكية شالً ‪ ،‬ث‬
‫تتجه شرقا ‪ ،‬وتتد حت تصل إل الغرب ( العدد ‪ 2106‬آخر ساعة ‪ 5 ،‬آذار ‪1975‬‬
‫من خطبة أمي الاج الصري لعام ‪ 1975‬الوزير أحد كمال وزير الري الصري ) ‪.‬‬
‫***‬
‫خططهم لتدمي السلم‬

‫‪181‬‬
‫بعد فشل الروب الصليبية الول الت استمرت قرني كاملي ف القضاء على السلم‪،‬‬
‫قاموا بدراسة واعية لكيفية القضاء على السلم وأمته‪ ،‬وبدؤوا منذ قرني يسعون بكل قوة‬
‫للقضاء على السلم‪.‬‬
‫كانت خطواتم كما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬القضاء على حكم السلمي ‪:‬‬
‫بإناء اللفة السلمية التمثلة بالدولة العثمانية‪ ،‬الت كانت رغم بعد حكمها عن روح‬
‫السلم‪ ،‬إل أن العداء كانوا يشون أن تتحول هذه اللفة من خلفة شكلية إل خلفة‬
‫حقيقية تددهم بالطر‪.‬‬
‫كانت فرصتهم الذهبية الت مهدوا لا طوال قرن ونصف هي سقوط تركيا مع حليفتها‬
‫ألانيا خاسرة ف الرب العالية الول‪.‬‬
‫دخلت اليوش النكليزية واليونانية‪ ،‬واليطالية‪ ،‬والفرنسية أراضي الدولة العثمانية‪،‬‬
‫وسيطرت على جيع أراضيها‪ ،‬ومنها العاصمة استانبول‪.‬‬
‫ولا ابتدأت مفاوضات مؤتر لوزان لعقد صلح بي التحاربي اشترطت إنكلترا على تركيا‬
‫أنا لن تنسحب من أراضيها إل بعد تنفيذ الشروط التالية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إلغاء اللفة السلمية‪ ،‬وطرد الليفة من تركيا ومصادرة أمواله‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن تتعهد تركيا بإخاد كل حركة يقوم با أنصار اللفة‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن تقطع تركيا صلتها بالسلم‪.‬‬
‫د – أن تتار لا دستورا مدنيا بدلً من دستورها الستمد من أحكام السلم‪ ( .‬الرض‬
‫والشعب – ص ‪ – 46‬ملد أول‪).‬‬
‫فنفذ كمال أتاتورك الشروط السابقة‪ ،‬فانسحبت الدول الحتلة من تركيا‪.‬‬
‫ولا وقف كرزون وزير خارجية إنكلترا ف ملس العموم البيطان يستعرض ما جرى مع‬
‫تركيا‪ ،‬احتج بعض النواب النكليز بعنف على كرزون‪ ،‬واستغربوا كيف اعترفت إنكلترا‬
‫باستقلل تركيا‪ ،‬الت يكن أن تمع حولا الدول السلمية مرة أخرى وتجم على‬
‫الغرب‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫فأجاب كرزون‪ :‬لقد قضينا على تركيا‪ ،‬الت لن تقوم لا قائمة بعد اليوم ‪ ..‬لننا قضينا‬
‫على قوتا التمثلة ف أمرين‪ :‬السلم واللفة‪.‬‬
‫فصفق النواب النكليز كلهم وسكتت العارضة ‪( .‬كيف هدمت اللفة ص ‪)190‬‬
‫ثانيا‪ :‬القضاء على القرآن وموه‪:‬‬
‫لنم كما سبق أن قلنا يعتبون القرآن هو الصدر الساسي لقوة السلمي‪ ،‬وبقاؤه بي‬
‫أيديهم حيا يؤدي إل عودتم إل قوتم وحضارتم‪.‬‬
‫‪ -1‬يقول غلدستون‪ :‬ما دام هذا القرآن موجودا‪ ،‬فلن تستطيع أوربة السيطرة على‬
‫الشرق‪ ،‬ول أن تكون هي نفسها ف أمان‪ ( .‬السلم على مفترق الطرق – ص ‪) .39‬‬
‫‪-2‬ويقول البشر وليم جيفورد بالكراف‪:‬‬
‫مت توارى القرآن ومدينة مكة عن بلد العرب‪ ،‬يكننا حينئذ أن نرى العرب يتدرج ف‬
‫طريق الضارة الغربية بعيدا عن ممد وكتابه‪ ( .‬جذور البلء – ص ‪).201‬‬
‫‪-3‬ويقول البشر تاكلي‪:‬‬
‫يب أن نستخدم القرآن‪ ،‬وهو أمضى سلح ف السلم‪ ،‬ضد السلم نفسه‪ ،‬حت نقضى‬
‫عليه تاما‪ ،‬يب أن نبي للمسلمي أن الصحيح ف القرآن ليس جديدا‪ ،‬وأن الديد فيه‬
‫ليس صحيحا‪( .‬التبشي والستعمار – ص ‪( 40‬طبعة رابعة)‪) .‬‬
‫‪-4‬ويقول الاكم الفرنسي ف الزائر بناسبة مرور مائة عام على احتللا‪ :‬يب أن نزيل‬
‫القرآن العرب من وجودهم ‪ ..‬ونقتلع اللسان العرب من ألسنتهم‪ ،‬حت ننتصر عليهم‪.‬‬
‫( النار عدد ‪).9/11/1962‬‬
‫وقد أثار هذا العن حادثةً طريفةً جرت ف فرنسا‪ ،‬وهي إنا من أجل القضاء على القرآن‬
‫ف نفوس شباب الزائر قامت بتجربة عملية‪ ،‬قامت بانتقاء عشر فتيات مسلمات‬
‫جزائريات‪ ،‬أدخلتهن الكومة الفرنسية ف الدارس الفرنسية‪ ،‬وألبستهن الثياب الفرنسية‪،‬‬
‫ولقنتهن الثقافة الفرنسية‪ ،‬وعلمتهن اللغة الفرنسية‪ ،‬فأصبحن كالفرنسيات تاما‪.‬‬
‫وبعد أحد عشر عاما من الهود هيأت لن حفلة ترج رائعة دعى إليها الوزراء‬
‫والفكرون والصحفيون … ولا ابتدأت الفلة‪ ،‬فوجيء الميع بالفتيات الزائريات‬
‫يدخلن بلباسهن السلمي الزائري …‬

‫‪183‬‬
‫فثارت ثائرة الصحف الفرنسية وتساءلت‪ :‬ماذا فعلت فرنسا ف الزائر إذن بعد مرور مائة‬
‫وثانية وعشرين عاما !!! ؟؟‬
‫أجاب لكوست‪ ،‬وزير الستعمرات الفرنسى‪ :‬وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من‬
‫فرنسا؟!!‪ (.‬جريدة اليام – عدد ‪ ،7780‬الصادر بتاريخ ‪ 6‬كانون أول ‪)..1962‬‬
‫ثالثا‪ :‬تدمي أخلق السلمي‪ ،‬وعقولم‪ ،‬وصلتهم بال‪ ،‬وإطلق شهواتم‪:‬‬
‫‪-1‬يقول مرماديوك باكتول‪:‬‬
‫إن السلمي يكنهم أن ينشروا حضارتم ف العال الن بنفس السرعة الت نشروها با‬
‫سابقا‪.‬‬
‫بشرط أن يرجعوا إل الخلق الت كانوا عليها حي قاموا بدورهم الول‪ ،‬لن هذا العال‬
‫الاوي ل يستطيع الصمود أمام روح حضارتم‪ ( .‬جند ال ‪ -‬ص ‪).22‬‬
‫‪-2‬يقول صموئيل زوير رئيس جعيات التبشي ف مؤتر القدس للمبشرين النعقد عام‬
‫‪ 1935‬م‪:‬‬
‫إن مهمة التبشي الت ندبتكم دول السيحية للقيام با ف البلد الحمدية ليست ف إدخال‬
‫السلمي ف السيحية‪ ،‬فإن ف هذا هداية لم وتكريا ‪ ،‬إن مهمتكم أن ترجوا السلم من‬
‫السلم ليصبح ملوقا ل صلة له بال ‪ ،‬وبالتال ل صلة تربطه بالخلق الت تعتمد عليها‬
‫المم ف حياتا‪ ،‬ولذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الستعماري ف المالك‬
‫السلمية ‪ ،‬لقد هيأت جيع العقول ف المالك السلمية لقبول السي ف الطريق الذي‬
‫سعيتم له ‪ ،‬أل يعرف الصلة بال‪ ،‬ول يريد أن يعرفها‪ ،‬أخرجتم السلم من السلم‪ ،‬ول‬
‫تدخلوه ف السيحية‪ ،‬وبالتال جاء النشء السلمي مطابقا لا أراده له الستعمار‪ ،‬ل يهتم‬
‫بعظائم المور‪ ،‬ويب الراحة‪ ،‬والكسل‪ ،‬ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب‪،‬‬
‫حت أصبحت الشهوات هدفه ف الياة‪ ،‬فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات‪ ،‬وإذا جع‬
‫الال فللشهوات‪ ،‬وإذا تبوأ أسى الراكز ففي سبيل الشهوات ‪ ..‬إنه يود بكل شيء‬
‫للوصول إل الشهوات‪ ،‬أيها البشرون‪ :‬إن مهمتكم تتم على أكمل الوجوه‪ ( .‬جذور‬
‫البلء – ص ‪) .275‬‬
‫‪-3‬ويقول صموئيل زوير نفسه ف كتاب الغارة على العال السلمي ‪:‬‬

‫‪184‬‬
‫إن للتبشي بالنسبة للحضارة الغربية مزيتان‪ ،‬مزية هدم ‪ ،‬ومزية بناء‬
‫أما الدم فنعن به انتزاع السلم من دينه‪ ،‬ولو بدفعه إل اللاد ‪..‬‬
‫وأما البناء فنعن به تنصي السلم إن أمكن ليقف مع الضارة الغربية ضد قومه‪ ( .‬الغارة‬
‫على العال السلمي – ص ‪) .11‬‬
‫‪-4‬ويقولون إن أهم الساليب للوصول إل تدمي أخلق السلم وشخصيته يكن أن يتم‬
‫بنشر التعليم العلمان‪.‬‬
‫أ‪ -‬يقول البشر تكلى‪:‬‬
‫يب أن نشجع إنشاء الدارس على النمط الغرب العلمان‪ ،‬لن كثيا من السلمي قد‬
‫زعزع اعتقادهم بالسلم والقرآن حينما درسوا الكتب الدرسية الغربية وتعلموا اللغات‬
‫الجنبية‪ ( .‬التبشي والستعمار – ص ‪).88‬‬
‫ب‪ -‬ويقول زوير‪ :‬مادام السلمون ينفرون من الدارس السيحية فل بد أن ننشيء لم‬
‫الدارس العلمانية‪ ،‬ونسهل التحاقهم با‪ ،‬هذه الدارس الت تساعدنا على القضاء على‬
‫الروح السلمية عند الطلب‪ ( .‬الغارة على العال السلمي – ص ‪).82‬‬
‫ج‪ -‬يقول جب‪ :‬لقد فقد السلم سيطرته على حياة السلمي الجتماعية‪ ،‬وأخذت دائرة‬
‫نفوذه تضيق شيئا فشيئا حت انصرت ف طقوس مددة‪ ،‬وقد ت معظم هذا التطور تدرييا‬
‫عن غي وعي وانتباه‪ ،‬وقد مضى هذا التطور الن إل مدى بعيد‪ ،‬ول يعد من المكن‬
‫الرجوع فيه‪ ،‬لكن ناح هذا التطور يتوقف إل ح ٍد بعي ٍد على القادة والزعماء ف العال‬
‫السلمي‪ ،‬وعلى الشباب منهم خاصة‪ .‬كل ذلك كان نتيجة النشاط التعليمي والثقاف‬
‫العلمان‪ ( .‬التاهات الوطنية ف الدب العاصر – ج ‪ – 2‬ص ‪ ،206 – 204‬تأليف‬
‫ممد حسي‪).‬‬
‫رابعا‪ :‬القضاء على وحدة السلمي‪:‬‬
‫‪ -1‬يقول القس سيمون‪:‬‬
‫إن الوحدة السلمية تمع آمال الشعوب السلمية‪ ،‬وتساعد التملص من السيطرة‬
‫الوربية‪ ،‬والتبشي عامل مهم ف كسر شوكة هذه الركة‪ ،‬من أجل ذلك يب أن نوّل‬
‫بالتبشي اتاه السلمي عن الوحدة السلمية‪ ( .‬كيف هدمت اللفة – ص ‪).190‬‬

‫‪185‬‬
‫‪-2‬ويقول البشر لورنس براون‪:‬‬
‫إذا اتد السلمون ف إمباطورية عربية‪ ،‬أمكن أن يصبحوا لعن ًة على العال وخطرا‪ ،‬أو‬
‫أمكن أن يصبحوا أيضا نعمة له‪ ،‬أما إذا بقوا متفرقي‪ ،‬فإنم يظلون حينئذ بل وزن ول‬
‫تأثي‪ ( .‬جذور البلء – ص ‪).202‬‬
‫ويكمل حديثه‪:‬‬
‫يب أن يبقى العرب والسلمون متفرقي‪ ،‬ليبقوا بل قوة ول تأثي‪.‬‬
‫‪ -3‬ويقول أرنولد توينب ف كتابه السلم والغرب والستقبل‪ ( :‬السلم والغرب‬
‫والستقبل – ص ‪).73‬‬
‫إن الوحدة السلمية نائمة‪ ،‬لكن يب أن نضع ف حسابنا أن النائم قد يستيقظ‪.‬‬
‫‪ -4‬وقد فرح غابرائيل هانوتو وزير خارجية فرنسا حينما انل رباط تونس الشديد‬
‫بالبلد السلمية‪ ،‬وتفلتت روابطه مع مكة‪ ،‬ومع ماضيه السلمي‪ ،‬حي فرض عليه‬
‫الفرنسيون فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية‪ ( .‬هانوتو – ص ‪).21‬‬
‫‪ -5‬من أخطر ما نذكره من أخبار حول هذه النقطة هو ما يلي‪:‬‬
‫ف سنة ‪ 1907‬عقد مؤتر أورب كبي ‪ ،‬ضم أضخم نبة من الفكرين والسياسيي‬
‫الوربيي برئاسة وزير خارجية بريطانيا الذي قال ف خطاب الفتتاح‪:‬‬
‫إن الضارة الوروبية مهددة بالنلل والفناء‪ ،‬والواجب يقضى علينا أن نبحث ف هذا‬
‫الؤتر عن وسيلة فعالة تول دون انيار حضارتنا‪.‬‬
‫واستمر الؤتر شهرا من الدراسة والنقاش‪.‬‬
‫واستعرض الؤترون الخطار الارجية الت يكن أن تقضى على الضارة الغربية الفلة‪،‬‬
‫فوجدوا أن السلمي هم أعظم خطر يهدد أوربة‪.‬‬
‫فقرر الؤترون وضع خطة تقضي ببذل جهودهم كلها لنع إياد أي اتاد أو اتفاق بي‬
‫دول الشرق الوسط‪ ،‬لن الشرق الوسط السلم التحد يشكل الطر الوحيد على‬
‫مستقبل أوربة‪.‬‬
‫وأخيا قرروا إنشاء قومية غربية معادية للعرب والسلمي شرقي قناة السويس‪ ،‬ليبقى‬
‫العرب متفرقي‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫وبذا أرست بريطانيا أسس التعاون والتحالف مع الصهيونية العالية الت كانت تدعو إل‬
‫إنشاء دولة يهودية ف فلسطي‪ ( .‬الؤامرة ومعركة الصي – ص ‪) .25‬‬
‫خامسا‪ :‬تشكيك السلمي بدينهم‪:‬‬
‫ف كتاب مؤتر العاملي السيحيي بي السلمي يقول‪:‬‬
‫إن السلمي يدّعون أن ف السلم ما يلب كل حاجة اجتماعية ف البشر‪ ،‬فعلينا نن‬
‫البشرين أن نقاوم السلم بالسلحة الفكرية والروحية‪ ( .‬التبشي والستعمار – ص‬
‫‪) .191‬‬
‫تنفيذا لذلك وضعت كتب الستشرقي التربصي بالسلم‪ ،‬الت ل تد فيها إل الطعن‬
‫بالسلم‪ ،‬والتشكيك ببادئه‪ ،‬والغمز بنبيه ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬إبقاء العرب ضعفاء‪:‬‬
‫يعتقد الغربيون أن العرب هم مفتاح المة السلمية يقول مورو بيجر ف كتابه "العال‬
‫العرب"‪:‬‬
‫لقد ثبت تارييا أن قوة العرب تعن قوة السلم فليدمر العرب ليدمروا بتدميهم السلم‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬إنشاء ديكتاتوريات سياسية ف العال السلمي‪:‬‬
‫يقول الستشرق و‪ .‬ك‪ .‬سيث المريكي‪ ،‬والبي بشؤون الباكستان‪:‬‬
‫إذا أعطى السلمون الرية ف العال السلمي‪ ،‬وعاشوا ف ظل أنظمة ديقراطية‪ ،‬فإن‬
‫السلم ينتصر ف هذه البلد‪ ،‬وبالديكتاتوريات وحدها يكن اليلولة بي الشعوب‬
‫السلمية ودينها‪.‬‬
‫وينصح رئيس ترير ملة تاي ف كتابه "سفر آسيا" الكومة المريكية أن تنشئ ف البلد‬
‫السلمية ديكتاتوريات عسكرية للحيلولة دون عودة السلم إل السيطرة على المة‬
‫السلمية‪ ،‬وبالتال النتصار على الغرب وحضارته واستعماره‪ ( .‬جند ال – ص ‪).29‬‬
‫لكنهم ل ينسوا أن يعطوا هذه الشعوب فترات راحة حت ل تتفجر‪.‬‬
‫يقول هانوتو وزير خارجية فرنسا‪:‬‬
‫إن الطر ل يزال موجودا ف أفكار القهورين الذين أتعبتهم النكبات الت أنزلناها بم‪،‬‬
‫لكنها ل تثبط من عزائهم‪( .‬الفكر السلمي وصلته بالستعمار الغرب ‪) .19 -‬‬

‫‪187‬‬
‫ثامنا‪ :‬إبعاد السلمي عن تصيل القوة الصناعية وماولة إبقائهم مستهلكي لسلع الغرب‪:‬‬
‫يقول أحد السؤولي ف وزارة الارجية الفرنسية عام ‪ 1952‬إن الطر القيقي الذي‬
‫يهددنا تديدا مباشرا عنيفا هو الطر السلمي … (ويتابع)‪:‬‬
‫فلنعط هذا العال ما يشاء‪ ،‬ولنقو ف نفسه عدم الرغبة ف النتاج الصناعي والفن ‪ ،‬فإذا‬
‫عجزنا عن تقيق هذه الطة‪ ،‬وترر العملق من عقدة عجزه الفن والصناعي‪ ،‬أصبح‬
‫خطر العال العرب وما وراءه من الطاقات السلمية الضخمة‪ ،‬خطرا داها ينتهي به‬
‫الغرب ‪ ،‬وينتهي معه دوره القيادي ف العال‪ ( .‬جند ال – ص ‪).22‬‬
‫تاسعا‪ :‬سعيهم الستمر لبعاد القادة السلمي القوياء عن استلم الكم ف دول العال‬
‫السلمي حت ل ينهضوا بالسلم‪:‬‬
‫‪ -1‬يقول الستشرق البيطان مونتجومري وات ف جريدة التايز اللندنية‪ ،‬ف آذار من عام‬
‫‪:1968‬‬
‫إذا وجد القائد الناسب‪ ،‬الذي يتكلم الكلم الناسب عن السلم‪ ،‬فإن من المكن لذا‬
‫الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى ف العال مرة أخرى‪ (.‬اللول الستوردة‬
‫– ص ‪).11‬‬
‫‪ -2‬ويقول جب‪:‬‬
‫إن الركات السلمية تتطور عادة بصورة مذهلة‪ ،‬تدعو إل الدهشة‪ ،‬فهي تنفجر انفجارا‬
‫مفاجئا قبل أن يتبي الراقبون من أماراتا ما يدعوهم إل السترابة ف أمرها‪ ،‬فالركات‬
‫السلمية ل ينقصها إل وجود الزعامة‪ ،‬ل ينقصها إل ظهور صلح الدين جديد‪.‬‬
‫( التاهات الديثة ف السلم – ص ‪( ،365‬عن التاهات الوطنية ف الدب العاصر)‬
‫ج ‪ – 2‬ص ‪) .206‬‬
‫‪-3‬وقد سبق أن ذكرنا قول بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل السابق‪:‬‬
‫" إن أخشى ما نشاه أن يظهر ف العال العرب ممد جديد"‪.‬‬
‫‪-4‬كما ذكرنا قول سالزار‪ ،‬ديكتاتور البتغال السابق‪:‬‬
‫أخشى أن يظهر من بينهم رجل يوجه خلفاتم إلينا‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬إفساد الرأة‪ ،‬وإشاعة النراف النسي‪:‬‬

‫‪188‬‬
‫‪-1‬تقول البشرة آن ميليغان‪:‬‬
‫لقد استطعنا أن نمع ف صفوف كلية البنات ف القاهرة بنات آباؤهن باشاوات وبكوات‪،‬‬
‫ول يوجد مكان آخر يكن أن يتمع فيه مثل هذا العدد من البنات السلمات تت النفوذ‬
‫السيحى‪ ،‬وبالتال ليس هناك من طريق أقرب إل تقويض حصن السلم من هذه‬
‫الدرسة‪ ( .‬التبشي والستعمار ‪).87 -‬‬
‫ماذا يعنون بذلك ؟ إنم يعنون أنم بإخراج الرأة السلمة من دينها يرج اليل الذي تربيه‬
‫ويرج معها زوجها وأخوها أيضا وتصبح أداة تدمي قوية لميع قيم الجتمع السلمي‬
‫الذي ياولون تدميه وإلغاء دوره الضاري من العال ‪.‬‬
‫‪ -2‬حكى قادم من الضفة الغربية أن السلطات الصهيونية تدعو الشباب العرب بملت‬
‫منظمة وهادئة إل الختلط باليهوديات وخصوصا على شاطئ البحر وتتعمد اليهوديات‬
‫دعوة هؤلء الشباب إل الزنا بن‪ ،‬وأن السلطات اليهودية تلحق جيع الشباب الذين‬
‫يرفضون هذه العروض‪ ،‬بجة أنم من النتمي للحركات الفدائية ‪ ،‬كما أنا ل تُدخل إل‬
‫الضفة الغربية إل الفلم النسية الليعة جدا‪ ،‬وكذلك تفتح على مقربة من العامل‬
‫الكبية الت يعمل فيها العمال العرب الفلسطينيون دورا للدعارة مانية تقريبا‪ ،‬كل ذلك‬
‫من أجل تدمي أخلق أولئك الشباب‪ ،‬لضمان عدم انضمامهم إل حركات القاومة ف‬
‫الرض الحتلة‪.‬‬
‫***‬
‫هل هناك تغيي ف موقف الغرب تاه السلم وأهله ؟! ‪..‬‬

‫ظهرت ف السنوات الربع ألخية بعض الواقف ف الغرب تتميز بروح العتدال ‪ ،‬وتدعو‬
‫إل التأمل ‪ .‬سنستعرض هذه الواقف ‪ ،‬ث نلل ما تعنيه ‪..‬‬
‫‪-1‬أذاعت إذاعة صوت العرب الب التال ‪:‬‬
‫قررت الكومة الفرنسية ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪-‬منح الديانة السلمية فترة إذاعية ف إذاعتها ‪.‬‬
‫ب ‪-‬فتح مساجد ف الشاف والسجون الفرنسية ‪.‬‬
‫ت ‪-‬منح العمال السلمي إجازات بناسبة العياد السلمية ‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫‪-2‬أقيم ف لندن ف نيسان ‪ 1976‬مهرجان اسه مهرجان العال السلمي ‪.‬‬
‫حدد الدير العام للمهرجان بول كيلر أهداف الهرجان كما يلي ‪:‬‬
‫إن النسان ف الغرب يعان فراغا ثقافيا وروحيا ‪ ،‬ومن هنا كان رحيله الستمر إل‬
‫الشرق على صورة موجات (( هيبية )) باحثا عن ثقافة جديدة يواجه با أزمته الروحية‬
‫الت يعان منها ‪.‬‬
‫يقول مدير الهرجان ‪:‬‬
‫أنا أعتقد أن العصر الذي نعيش فيه هو عصر التاه إل حضارة الشرق ‪ ،‬والسلم‬
‫بصورة خاصة ل يتجه إليه الغرب ‪ ،‬وهو أغن حضارة بالقيم الروحية ‪ .‬فقلت لاذا ل نقيم‬
‫هذا التصال الثقاف والضاري مع السلم ‪ ،‬وخاصة وأن الدول السلمية بدأت تفرض‬
‫نفسها على العال بشت الصور ‪ ..‬لذلك فكرنا بإقامة مهرجان العال السلمي ‪.‬‬
‫ويقول ‪ :‬يب اقتلع التعصب ضد الضارة السلمية ‪ ،‬ونن نتوقع أن يساهم الهرجان‬
‫بذه العملية ‪.‬‬
‫ويقول ‪ :‬إن الغاية من الهرجان هي إيصال القيم السلمية إل جاهي الشعب البيطان ‪،‬‬
‫واننا نتوقع أن يري نقاش واسع حول القيم السلمية أثناء فترة الهرجان ‪ ،‬وهي فترة‬
‫طويلة – ثلثة أشهر – وهكذا تتهيأ الفرصة لشرح القيم السلمية بصورة وافية ‪ ،‬وان‬
‫الفرصة الت ستتاح لعلماء السلمي والختصي لشرح الضارة السلمية وإبرازها ‪،‬‬
‫وماولة مد السور بي الشرق والغرب ستكون كبية‬
‫وهذه هي الناسبة القيقية ل زالة الشبهات الت فرضت على الضارة السلمية من‬
‫مموعة من التعصبي السيحيي واليهود ‪ ،‬وقصة تعدد الزوجات ف السلم واحدة من‬
‫تلك القصص الت تشرح للرأي العام البيطان من قبل ( ملة السبوع العرب ‪ ،‬العدد‬
‫‪ 868‬الثني ‪ 9‬آذار ‪. ). 1976‬‬
‫‪ -3‬ف دراسة نشرها ف عام ‪ 1976‬الستشرق الصهيون النكليزي الشهور برنارد‬
‫لويس تت عنوان (( عودة السلم )) وبعد مقدمات تليلية واسعة للحركات السلمية‬
‫ف العال السلمي يقول ‪:‬‬

‫‪190‬‬
‫ما تقدم تبز نتائج عامة مددة ‪ :‬فالسلم ل يزال الشكل الكثر فعالية ف الرأي العام ف‬
‫دول العال السلمي ‪ ،‬وهو يشكل اللون الساسي لماهي ‪ ،‬وتزداد فعاليته كلما كانت‬
‫أنظمة الكم أكثر شعبية ‪ .‬أي قائمة على أساس اعطاء الرية للشعوب ‪ ،‬ويكن للمرء أن‬
‫يدرك الفرق الواضح بي أنظمة الكم الالية ‪ ،‬وبي القيادات السياسية ذات الثقافة‬
‫الغربية الت أبعدت عن الكم ‪ .‬والت حكمت حت عشرات قليلة مضت من السني ‪.‬‬
‫وكلمات التصقت الكومات أكثر بعامة الناس ‪ ،‬حت ولو كانت يسارية ‪ ،‬فانا تصبح‬
‫أكثر إسلمية ‪ .‬ولقد بنيت مساجد ف ظل أحد أنظمة الكم ف منطقة الواجهة مع‬
‫اسرائيل خلل ثلث سنوات أكثر ما بن ف السنوات الثلثي الت سبقتها ‪.‬‬
‫إن السلم قوي جدا ‪ ،‬إل أنه ل يزال قوة غي موجهّة ف ميدان السياسة الداخلية ‪.‬‬
‫وهو يبز كعامل أساسي متمل ف السياسة الدولية ‪ ،‬وقد جرت ماولت كثية ف سبيل‬
‫سياسة تضامن إسلمي أو جامعة إسلمية للدول السلمية ال أنا أخفقت كلها ف تقيق‬
‫تقدم نو إقامة هذا التضامن ‪ .‬وان أحد السباب الهمة هو عجز الذين قاموا بذه‬
‫الحاولت ف اقناع الشعوب السلمية بدية ما يريدون ‪.‬‬
‫ول يزال الجال مفتوحا لبوز قيادات أكثر اقناعا وان هناك أدلة كافية ف كل الدول‬
‫السلمية قائمة فعل تدل على الشوق العميق الذي تكنه الشعوب السلمية لثل هذه‬
‫القيادة ‪ ،‬والستعداد العظيم للتجاوب معها‬
‫إن غياب القيادة العصرية الثقفة ‪ ،‬القيادة الت تدم السلم با يقتضيه العصر من تنظيم‬
‫وعلم ‪ .‬ان غياب هذه القيادة قد قيّد حركة السلم كقوة منتصرة ‪ ،‬ومنع غيابُ القيادة‬
‫العصرية الثقفة الركات السلمية من أن تكون منافسا خطيا على السلطة ف العال‬
‫السلمي ‪ .‬لكن هذه الركات يكن أن تتحول إل قوى سياسية ملية هائلة اذا تيأ لا‬
‫النوع الصحيح من القيادة ( صفحة ‪ 48‬من ملة ‪ commentary‬عام ‪. ). 1976‬‬
‫نقول ماذا تعن هذه الواقف ‪ ،‬وهذه القوال ؟! هل هي بداية توّل غرب تاه السلم ‪..‬‬
‫أم أنا مكر من نوع جديد !!!‬
‫إنا – فيما نعتقد – طلء لون به الغرب وجهه بعد أن برزت قوى العال السلمي‬
‫القتصادية والسياسية بشكل ضخم ‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫إن القوة القتصادية الت برزت لدول النفط قد أقضت مضاجع العال الغرب ‪ ،‬فان كان‬
‫تقرير البنك الدول صادقا ‪ ،‬وبأن السعودية وحدها سوف تلك عام ‪ 1980‬نصف النقد‬
‫التداول ف العال ‪ ،‬فان هذا خطر واضح ‪.‬‬
‫واذا أضفنا إل ذلك الوقع الستراتيجي العجيب للعال السلمي ‪ ،‬اذ أن جيع مضائق‬
‫العال الساسية فيه ومعظم السهول الصبة الرخيصة فيه ‪ ،‬وجيع البحار الدافئة والت‬
‫تترقها طرق العال فيه ‪ ،‬وإن عدد سكانه يشكل ثلث سكان العال ‪ ..‬وهم معظم‬
‫الستهلكي لبضائع الغرب ‪ ،‬فرواج الصناعة الغربية كله قائم عليهم ‪ ،‬والواد الولية‬
‫متوفرة فيه بشكل هائل ‪ ،‬كما أن لسكانه أثرا هائل ف جيع شعوب العال فإننا بذلك‬
‫ندرك مدى الشعور بالطر الذي دفع الغرب إل ما سبق أن فعله ‪.‬‬
‫إذا كان برنارد لويس ذلك الصهيون الستشرق قد اقتنع أن السلم ف طريقه إل العودة‬
‫إل العال كقوة مهيمنة ‪،‬فكأنه يقول للغربيي انتبهوا‪..‬السلمون قادمون ‪..‬دمروهم قبل أن‬
‫يكسروا قمقمهم ‪..‬‬
‫وما الدليل على ما نقول !؟! إن الدليل الواضح هو حرب الصومال الت تشبه إل حد كبي‬
‫حرب بنغلدش فالشيوعيون يقدمون السلحة والنود للحبشة والغربيون – أمريكا –‬
‫وانكلترا – وفرنسا – وألانيا تتنع عن تقدي الدعم للصومال ببيعها السلح ‪ ...‬فهو تآمر‬
‫مكشوف من كل الطرفي الشيوعي والرأسال لنقاذ البشة السيحية الصليبية ‪ .‬ولو كان‬
‫ذلك على حساب الشعبي السلمي الرتيي والصومال ‪.‬‬
‫هذا يدل بوضوح على أن الغرب ل زال كما كان ‪ ..‬وإن ما يقوم به من أعمال تنبئ عن‬
‫مهادنة السلم ما هي ال ماولت للتغرير بالسلمي ‪ ...‬فلننتبه بشدة ‪.‬‬
‫فان الغرب ل زال حريصا على شرب دمائهم وابتلع امكاناتم ‪ .‬ان آخر ما قام به‬
‫ضدهم هو قتل ألف مسلم ف مسجد مدينة ريرداد باقليم أوجادين الصومال ‪ ،‬حي فتح‬
‫الحباش نيان رشاشاتم الروسية ( ملة العتصام الصرية تشرين أول ‪ ). 1977‬على‬
‫الصلي فأبادوا منهم ألفا دفعة واحدة ‪ .‬ول تتحرك لذه الفعله الوحشية دولة من دول‬
‫الغرب كله ‪ ...‬فهل ف هذا ما يدل ‪ ...‬؟!! إنه أكب دليل ‪...‬‬

‫‪192‬‬
‫يب أن نكسر ما يقيدنا ‪ ..‬ونعود إل العال سادة له ‪ ،‬نرر من ظلم البارين ‪ ..‬وال‬
‫غالب أمره ‪.‬‬
‫أخيا‬
‫يا ويح أعدائنا ما أقذرهم‪ ،‬إنم يفرضون علينا أن نقد عليهم حي يرقصون على أشلئنا‬
‫بعد أن يزقوها ويطحنوها ويطعموها للكلب‪.‬‬
‫لقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لقادة أعدائه حي فتح مكة‪" :‬اذهبوا فأنتم‬
‫الطلقاء"‪ ،‬وهم الذين ذبوا أهله وأصحابه …‬
‫وترك صلح الدين الصليبيي ف القدس بعد أن فتحها دون أن يذبهم كما ذبوا أهله‬
‫وإخوانه‪.‬‬
‫لكننا نتساءل‪:‬‬
‫إن أحقاد هؤلء وما فعلوه بأمة السلم من ذبح‪ ،‬هل ستمكننا من العطف عليهم مرة‬
‫أخرى حي ننتصر ؟؟! ولبد أن ننتصر‪ ،‬لن ال قدر هذا وانتهى‪ ،‬هل سنبادلم حقدا‬
‫بقد‪ ،‬وذبا بذبح‪ ،‬ودما بدم ؟؟!!‬
‫إن ال سح لنا بذلك‪ ،‬لكنه قال { فمن عفى وأصلح فأجره على ال } ‪ ،‬إننا ل نستطيع‬
‫إل أن نقول لم يومنا ذلك ‪ :‬اذهبوا أحرارا حيث شئتم ف ظل عدل أمة السلم – الذي‬
‫ل حد له – والمد ل رب العالي والصلة على نبيه ممد وآله ومن سار على درب‬
‫الهاد الذي خطّه إل يوم الدين ‪.‬‬
‫‪3/1978‬‬
‫********************‬
‫إن جيع النبياء والرسلي قد أوذوا من قبل أقوامهم ومن قبل غيهم‪:‬‬

‫سَتعْجِلْ َلهُمْ َكَأّنهُ ْم َي ْومَ يَ َر ْونَ‬


‫صبَرَ أُولُو الْعَ ْز ِم مِنَ ال ّرسُ ِل وَلَا تَ ْ‬‫صِبرْ كَمَا َ‬ ‫قال تعال ‪ { :‬فَا ْ‬
‫مَا يُوعَدُونَ َل ْم يَ ْلَبثُوا إِلّا سَا َع ًة مِ ْن َنهَا ٍر بَلَاغٌ َفهَ ْل ُيهْلَكُ إِلّا اْل َقوْ ُم اْلفَا ِسقُونَ (‪)35‬‬
‫[الحقاف‪} ]35/‬‬
‫وعَنْ َأبِى عَُبيْ َدةَ بْنِ حُ َذْي َفةَ عَنْ عَ ّمتِهِ فَاطِ َمةَ َأّنهَا قَاَلتْ َأَتيْنَا َرسُولَ اللّهِ ‪-‬صلى ال عليه‬
‫ح َو ُه َيقْطُ ُر مَا ُؤهُ عََليْ ِه مِ ْن شِ ّد ِة مَا يَجِ ُد مِنْ حَرّ‬
‫وسلم‪َ -‬نعُو ُدهُ فِى نِسَاءٍ فَإِذَا ِسقَا ٌء ُمعَلّ ٌق نَ ْ‬

‫‪193‬‬
‫شفَاكَ َفقَالَ َرسُولُ اللّهِ ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪-‬‬ ‫الْحُمّى قُ ْلنَا يَا َرسُولَ اللّهِ َلوْ َد َعوْتَ اللّهَ فَ َ‬
‫س َبلَ ًء الَْنِبيَاءَ ثُ ّم الّذِي َن يَلُوَنهُ ْم ثُ ّم الّذِي َن يَلُوَنهُ ْم ثُ ّم الّذِي َن يَلُوَنهُمْ »‬
‫« ِإ ّن مِنْ َأشَ ّد النّا ِ‬
‫رواه أحد ف مسنده وهو صحيح‬
‫ى النّاسِ َأشَ ّد َبلَءً قَا َل « الَْنِبيَاءُ‬ ‫ت يَا َرسُولَ اللّهِ أَ ّ‬ ‫ص َعبِ بْ ِن َسعْ ٍد عَنْ َأبِيهِ قَالَ قُ ْل ُ‬ ‫وعَنْ ُم ْ‬
‫لؤُ ُه َوإِنْ كَانَ‬‫ص ْلبًا ا ْشتَ ّد َب َ‬
‫سبِ دِينِهِ فَِإنْ كَانَ دِينُهُ ُ‬ ‫ثُ ّم الَ ْمثَلُ فَا َل ْمثَلُ َفيُْبتَلَى الرّجُ ُل عَلَى حَ َ‬
‫ح اْلبَلَ ُء بِاْل َعبْدِ َحتّى َيتْرُكَ ُه يَمْشِى عَلَى الَ ْرضِ‬ ‫سبِ دِينِهِ فَمَا يَبْ َر ُ‬ ‫فِى دِينِهِ رِّقةٌ اْبتُِلىَ عَلَى حَ َ‬
‫مَا عََليْهِ خَطِيَئةٌ »‪ .‬قَالَ َأبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‪.‬‬
‫الصب ف القرآن الكري‬

‫اليان نصفان‪ :‬صب وشكر‪،‬ولا كان كذلك كان حريا بالؤمن أن يعرفهما ويتمسك‬
‫بما‪ ،‬و أن ل يعدل عنهما‪ ،‬وأن يعل سيه إل ربه بينهما ومن هنا كان حديثنا عن الصب‬
‫ف القرآن الكري فقد جعله ال جوادا ل يكبو وصارما ل ينبو وجندا ل يهزم‪،‬وحصنا ل‬
‫يهدم‪ .‬فالنصر مع الصب‪ ،‬والفرج مع الكرب‪ ،‬والعسر مع اليسر‪ ،‬وهو أنصر لصاحبه من‬
‫الرجال بل عدة ول عدد ومله من الظفر كمحل الرأس من السد‪ ،‬والديث عن مكانته‬
‫وفضيلته آتية بإذن ال الشارة إليه‪ .‬فل تستعجلها قبل أوانا وقبل الشروع ف القصود‬
‫نبي السائل الت سيدور عليها حديثنا وهي‪:‬‬
‫‪ -‬مقدمات ف تعريفه وضرورته وحكمه ودرجاته‪.‬‬
‫‪ -‬فضله‪.‬‬
‫‪ -‬مالته‪.‬‬
‫‪ -‬الوسائل العينة عليه‪.‬‬
‫‪ -‬ناذج من الصابرين‪.‬‬

‫‪ -1‬القدمات ‪:‬‬
‫أ – تعريفه‪:‬‬
‫الصب لغة‪ :‬البس والكف‪ ،‬قال تعال‪(( :‬واصب نفسك مع الذين يدعون ربم بالغداة‬
‫والعشي‪ ))...‬الية‪ ،‬أي احبس نفسك معهم‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫واصطلحا‪ :‬حبس النفس على فعل شيء أو تركه ابتغاء وجه ال قال تعال‪(( :‬والذين‬
‫صبوا ابتغاء وجه ربم))‪.‬‬
‫وقد أشرنا ف التعريف إل أنواع الصب الثلثة والباعث عليه‪.‬‬
‫أما أنواعه فهي‪ :‬صب على طاعة ال‪ ،‬وصب عن معصية ال‪ ،‬وصب على أقدار ال الؤلة‪.‬‬
‫ففي قولنا (على فعل شيء) دخل فيه الول‪ ،‬وف قولنا (أو تركه) دخل فيه النوعان الثان‬
‫والثالث‪ :‬أما دخول الثان فظاهر لنه حبس للنفس على ترك معصية ال‪ ،‬وأما دخول‬
‫الثالث فلنه حبس للنفس عن الزع والتسخط عند ورود القدار الؤلة‪.‬‬
‫أما الباعث عليه‪ :‬فهو ف قولنا ((ابتغاء وجه ال)) قال تعال ((ولربك فاصب)) فالصب‬
‫الذي ل يكون باعثه وجه ال ل أجر فيه وليس بحمود‪ ،‬وقد أثن ال ف كتابه على أول‬
‫اللباب الذين من أوصافهم ماذكره بقوله‪(( :‬والذين صبوا ابتغاء وجه ربم وأقاموا‬
‫الصلة‪ ،‬وأنفقوا ما رزقناهم سرا وعلنية))‪.‬‬
‫وهذا النص يشي إل حقيقة هامة جدا وهي أن صبغة الخلق ربانية فيه ليست أخلقا‬
‫وضعية أو مادية وإنا ربانية سواء من جهة مصدر اللزام با أو من جهة الباعث على‬
‫فعلها‪ ،‬فالعبد ل يفعلها تت رقابة بشرية حي تغيب ينفلت منها‪ ،‬بل يفعلها كل حي‬
‫وعلى كل حال لن الرقابة ربانية‪ ،‬والباعث إرادة وجه ال تعال‪.‬‬

‫ب – أهيته‪:‬‬
‫الصب‪ :‬أبرز الخلق الوارد ذكرها ف القرآن حت لقد زادت مواضع ذكره فيه عن مائة‬
‫موضع‪ ،‬وما ذلك إل لدوران كل الخلق عليه‪ ،‬وصدورها منه‪ ،‬فكلما قلبت خلقا أو‬
‫فضيلة وجدت أساسها وركيزتا الصب‪ ،‬فالعفة‪ :‬صب عن شهوة الفرج والعي الحرمة‪،‬‬
‫وشرف النفس‪ :‬صب عن شهوة البطن‪ ،‬وكتمان السر‪ :‬صب عن إظهار مال يسن إظهاره‬
‫من الكلم‪ ،‬والزهد‪ :‬صب عن فضول العيش‪ ،‬والقناعة‪ :‬صب على القدر الكاف من الدنيا‪،‬‬
‫واللم‪ :‬صب عن إجابة داعي الغضب‪ ،‬والوقار‪ :‬صب عن إجابة داعي العجلة والطيش‪،‬‬
‫والشجاعة‪ :‬صب عن داعي الفرار والرب‪ ،‬والعفو‪ :‬صب عن إجابة داعي النتقام‪ ،‬والود‪:‬‬
‫صب عن إجابة داعي البخل‪ ،‬والكيس‪ :‬صب عن إجابة داعي العجز والكسل وهذا يدلك‬
‫على ارتباط مقامات الدين كلها بالصب‪ ،‬لكن اختلفت الساء واتد العن‪ ،‬والذكي من‬

‫‪195‬‬
‫ينظر إل العان والقائق أولً ث ييل بصره إل السامي فإن العان هي الصول واللفاظ‬
‫توابع‪ ،‬ومن طلب الصول من التوابع زل‪ .‬ومن هنا ندرك كيف علق القرآن الفلح على‬
‫الصب وحده ((وجزاهم با صبوا جنة وحريرا)) ((أولئك يزون الغرفة با صبوا‪،‬‬
‫ويلقون فيها تية وسلما)) ((سلم عليكم با صبت فنعم عقب الدار))‪.‬‬
‫وترجع عناية القرآن البالغة بالصب إل ماله من قيمة كبية ف الياتي الدنيا والخرى‪،‬‬
‫فليس هو من الفضائل الثانوية‪ ،‬بل من الضرورات اللزمة الت ل انفكاك للنسان عنها‪،‬‬
‫فل ناح ف الدنيا ول نصر ول تكي إل بالصب‪ ،‬ول فلح ف الخرة ول فوز ول ناة‬
‫إل بالصب‪ ،‬فلول صب الزارع والدارس والقاتل وغيهم ماظفروا بقاصدهم‪:‬‬

‫وقلّ من جدّ ف أمر ياوله *** واستصحب الصب إل فاز بالظفر‬


‫وقال آخر‪:‬‬
‫ل تيأسن وإن طالت مطالبة *** إذا استعنت بصب أو ترى فرجا‬
‫أخلق بذي الصب أن يظى باجته *** ومدمن القرع للبواب أن يلجا‬

‫ولئن كان المر كذلك ف الدنيا‪ ،‬فهو ف الخرة أشد وأوكد‪ ،‬يقول أبو طالب الكي‪:‬‬
‫"اعلم أن الصب سبب دخول النة‪ ،‬وسبب النجاة من النار لنه جاء ف الب "حفت النة‬
‫بالكاره‪ ،‬وحفت النار بالشهوات"‪ ،‬فيحتاج الؤمن إل صب على الكاره ليدخل النة‪،‬‬
‫وإل صب عن الشهوات لينجو من النار"‪ .‬وقال‪" :‬اعلم أن كثرة معاصي العباد ف شيئي‪:‬‬
‫قلة الصب عما يبون‪ ،‬وقلة الصب على مايكرهون"‪.‬‬
‫وإذا كان هذا شأن الصب مع كل الناس‪ ،‬فأهل اليان أشد الناس حاجة إليه لنم‬
‫يتعرضون للبلء والذى والفت ((أل‪ ،‬أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل‬
‫يفتنون‪ ،‬ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن ال الذين صدقوا وليعلمن الكاذبي))‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫((أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء‬
‫والضراء‪ ،‬وزلزلوا حت يقول الرسول والذين آمنوا معه مت نصر ال‪ ،‬أل إن نصر ال‬
‫قريب))‪ ،‬وكان التأكيد أشد ف قوله‪(( :‬لتبلون ف أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين‬
‫أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيا‪ ،‬وإن تصبوا وتتقوا فإن ذلك من‬

‫‪196‬‬
‫عزم المور))‪ ،‬لقد بينت الية أن قوى الكفر على ما بينها من اختلف متحدة ضد‬
‫السلم‪ ،‬وقرنت لبيان موقف الؤمني بي الصب والتقوى فل يكتفوا بالصب وحده حت‬
‫يضيفوا إليه تقواهم ل بتعففهم عن مقابلة الصم بثل أسلحته الدنيئة فل يواجه الدس‬
‫بالدس لن الؤمني تكمهم قيمهم الخلقية ف السلم والرب والرخاء والشدة‪ .‬ث‬
‫وصفت الية الذى السموع بأنه كثي‪ ،‬فل بد أن يوطن السلمون أنفسهم على ساع‬
‫الفتراء والزور والتلفيق والبهتان من عدوهم حت يأت نصر ال‪.‬‬
‫ورسل ال صلوات ال وسلمه عليهم أشد أهل اليان حاجة إل الصب لنم الذين‬
‫يقومون أساسا بالدعوة ويابون المم بالتغيي وهم حي يقومون بذلك يكون الواحد‬
‫منهم فردا ف مواجهة أمة تعانده وتكذبه وتعاديه‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"أشد الناس بلءً النبياء ث المثل فالمثل"‪ ،‬وكلما كان القوم أشد عنادا وأكثر إغراقا ف‬
‫الضلل كانت حاجة نبيهم إل الصب أكثر كأول العزم مثلً‪ ،‬نوح وإبراهيم وموسى‬
‫وعيسى عليهم الصلة والسلم‪.‬‬
‫لقد كانت أوامر الرب سبحانه لحمد عليه الصلة والسلم بالصب كثية ف القرآن وما‬
‫ذاك إل لنا دعوة شاملة تواجه أمم الرض كلها فخصومها كثيون وحاجة إمام الدعوة‬
‫إل الصب أعظم لقد واجه النب صلى ال عليه وسلم صنوف الذى البدن والنفسي والال‬
‫والجتماعي والدعائي وغيه‪ ،‬وقاوم ذلك كله بالصب الذي أمره به ال ف عشرين موضعا‬
‫ف القرآن كلها إبان العهد الكي لنه عهد البلء والفتنة والضعف وتسلط الكافر‪ ،‬وكان‬
‫ما قاله ال له‪(( :‬تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك‪ .‬ما كنت تعلمها أنت ول قومك من‬
‫قبل هذا فاصب إن العاقبة للمتقي))‪(( ،‬واصب وما صبك إل بال ول تزن عليهم ول تك‬
‫ف ضيق ما يكرون‪ ...‬الية))‪(( .‬واصب لكم ربك‪ ،‬فإنك بأعيننا‪ ،‬وسبح بمد ربك‬
‫حي تقوم))‪ .‬فأمر بالصب لكمه وهو سبحانه ل يكم إل بالق والعدل‪ ،‬وقال له‬
‫((فإنك بأعيننا)) فصيغة المع لزيادة التثبيت والتأنيس‪ ،‬وقال ال لوسى‪(( :‬ولتصنع على‬
‫عين)) ومن كان بعي ال ومرأى منه فلن يضيع ولن يغلب‪ ،‬ث أمر بالتسبيح كما أمره به‬
‫ف جلة آيات على أعقاب أمره بالصب‪ ،‬ولعل السر فيه أن التسبيح يعطى النسان شحنة‬

‫‪197‬‬
‫روحية تلو با مرارة الصب‪ ،‬ويمل التسبيح بمد ال معنيي جليلي لبد أن يرعاها من‬
‫ابتلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تنيه ال تعال أن يفعل عبثا‪ ،‬بل كل فعله موافق للحكمة التامة‪ ،‬فبلؤه لكمة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن له تعال ف كل منة منحة وف كل بلية نعماء ينبغي أن تذكر فتشكر وتمد وهذا‬
‫هو سر اقتران التسبيح بالمد هنا‪ .‬وف قوله (ربك) إيذان بكمال التربية ومزيد العناية‪.‬‬
‫ج – حكمه‪:‬‬
‫الصب من حيث الملة واجب‪ ،‬ويدل لذلك‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أمر ال به ف غي ما آية قال تعال‪(( :‬استعينوا بالصب والصلة)) ((اصبوا‬
‫وصابروا))‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نيه عن ضده كما ف قوله ((فل تولوهم الدبار)) وقوله ((ول تبطلوا أعمالكم))‬
‫((ول تنوا ول تزنوا)) ((فاصب كما صب أولو العزم من الرسل ول تستعجل لم))‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أن ال رتب عليه خيي الدنيا والخرة وما كان كذلك كان تصيله واجبا‪ ،‬أما من‬
‫حيث التفصيل فحكمه بسب الصبور عنه أو عليه‪ ،‬فهو واجب على الواجبات وواجب‬
‫عن الحرمات‪ ،‬وهو مستحب عن الكروهات‪ ،‬ومكروه عن الستحبات‪ ،‬ومستحب على‬
‫الستحبات‪ ،‬ومكروه على الكروهات‪ ،‬وما يدل على أن الصب قد ل يكون لزما قوله‬
‫تعال ((وإن عاقبتم فعاقبوا بثل ما عوقبتم به‪ ،‬ولئن صبت لو خي للصابرين))‪ ،‬فالصب‬
‫عن مقابلة السيئة بثلها ليس واجبا بل مندوبا إليه‪.‬‬
‫وقد أمر ال الؤمني بالصب والصابرة والرابطة فقال‪(( :‬ياأيها الذين آمنوا اصبوا وصابروا‬
‫ورابطوا واتقوا ال لعلكم تفلحون))‪ ،‬وصيغة الصابرة تفيد الفاعلة من الانبي‪ ،‬والعن‬
‫هنا‪ :‬مغالبة العداء ف الصب‪ ،‬فإذا كنا نصب على حقنا‪ ،‬فإن الشركي يصبون على‬
‫باطلهم؛ فل بد أن نغلبهم بصابرتنا‪ ،‬ث أمرنا بالرابطة على تلك الصابرة والثبات عليها‬
‫لنحقق موعود ال ونظفر بالفلح‪ ،‬فانتقلت الية بالمر من الدن إل العلى فالصب مع‬
‫نفسك‪ ،‬والصابرة بينك وبي عدوك والرابطة‪ :‬الثبات وإعداد العدة‪ ،‬وكما أن الرباط‬
‫لزوم الثغر لئل يهجم منه العدو فكذلك الرباط أيضا لزوم ثغر القلب لئل يهجم منه‬
‫الشيطان فيملكه أو يربه أو يناله بأذى‪ .‬وعليه فقد يصب العبد ول يصابر‪ ،‬وقد يصابر ول‬

‫‪198‬‬
‫يرابط‪ ،‬وقد يصب ويصابر ويرابط من غي تعبد بالتقوى‪ ،‬فأخب سبحانه أن ملك ذلك كله‬
‫بالتقوى‪.‬‬
‫د – درجاته‪:‬‬
‫الصب نوعان‪ ،‬بدن ونفسي وكل منهما قسمان‪ :‬اختياري واضطراري‪ ،‬فصارت أربعة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بدن اختياري‪ ،‬كتعاطي العمال الشاقة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬بدن اضطراري كالصب على أل الضرب‪.‬‬
‫ج ‪ -‬نفسي اختياري كصب النفس عن فعل مال يسن فعله شرعا ول عقلً‪.‬‬
‫د ‪ -‬نفسي اضطراري كصب النفس عن فقدان مبوبا الذي حيل بينها وبينه‪.‬‬
‫والبهائم تشارك النسان ف النوعي الضطراريي لكنه يتميز عليها بالنوعي الختياريي‪،‬‬
‫والصب الختياري أكمل من الضطراري‪ ،‬فإن الضطراري يشترك فيه الناس ويتأتى من‬
‫ل يتأتى منه الصب الختياري‪ ،‬ولذلك كان صب يوسف على مطاوعة امرأة العزيز وصبه‬
‫على ما ناله من السجن أعظم من صبه على ما ناله من إخوته لا ألقوه ف الب وفرقوا‬
‫بينه وبي أبويه‪ ،‬وباعوه بيع العبد‪ ،‬ومن الصب الختياري صبه على العز والتمكي الذي‬
‫أورثه ال إياه فجعله مسخرا لطاعة ال ول ينقله ذلك إل الكب والبطر‪ ،‬وكذلك كان‬
‫صب نوح والليل وموسى الكليم والسيح وممد صلى ال عليه وسلم فإن صبهم كان‬
‫على الدعوة إل ال وماهدة أعداء ال ولذا سوا أول العزم‪ ،‬وأمر ال رسوله أن يصب‬
‫كصبهم ((فاصب كما صب أولوا العزم من الرسل)) وناه عن أن يتشبه بصاحب الوت‬
‫حيث ل يصب فخرج مغاضبا قبل أن يؤذن له ((فاصب لكم ربك ول تكن كصاحب‬
‫الوت)) ولذا دارت قصة الشفاعة يوم القيامة على أول العزم حت ردوها إل خيهم‬
‫وأفضلهم وأصبهم‪.‬‬
‫واعلم أن الصب التعلق بالتكليف وهو صب إما على الطاعة أو عن العصية أفضل من الصب‬
‫على مر القدر فإن هذا الخي يأت به الب والفاجر والؤمن والكافر فلبد لكل أحد من‬
‫الصب على القدر اختيارا أو اضطرارا‪ ،‬أما الصب على الوامر وعن النواهي فهو صب أتباع‬
‫الرسل‪ ،‬والصب على الوامر أفضل من الصب عن النواهي لن فعل الأمور أحب إل ال‬
‫من ترك الحظور والصب على أحب المرين أفضل وأعلى‬

‫‪199‬‬
‫‪ -2‬فضائل الصب ف القرآن الكري‪:‬‬
‫حديث القرآن عن فضائل الصب كثي جدا‪ ،‬وهذه العجالة ل تستوعب كل ما ورد ف‬
‫ذلك لكن نتزىء منه با يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬علق ال الفلح به ف قوله‪(( :‬ياأيها الذين آمنوا اصبوا وصابروا ورابطوا واتقوا ال‬
‫لعلكم تفلحون))‪.‬‬
‫‪ -2‬الخبار عن مضاعفة أجر الصابرين على غيه‪(( :‬أولئك يؤتون أجرهم مرتي با‬
‫صبوا)) وقال‪(( :‬إنا يوف الصابرون أجرهم بغي حساب))‪.‬‬
‫‪ -3‬تعليق المامة ف الدين به وباليقي‪(( :‬وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لا صبوا‪،‬‬
‫وكانوا بآياتنا يوقنون))‪.‬‬
‫‪ -4‬ظفرهم بعية ال لم ‪(( :‬إن ال مع الصابرين))‪.‬‬
‫‪ -5‬أنه جع لم ثلثة أمور ل تمع لغيهم‪(( :‬أولئك عليهم صلوات من ربم ورحة‬
‫وأولئك هم الهتدون))‪.‬‬
‫‪ -6‬أنه جعل الصب عونا وعدة‪ ،‬وأمر بالستعانة به ‪(( :‬واستعينوا بالصب والصلة))‪.‬‬
‫‪ -7‬أنه علق النصر بالصب والتقوى فقال‪(( :‬بلى إن تصبوا وتتقوا ويأتوكم من فورهم‬
‫هذا يددكم ربكم بمسة آلف من اللئكة مسومي))‪.‬‬
‫‪ -8‬أنه تعال جعل الصب والتقوى جنة عظيمة من كيد العدو ومكره فما استجن العبد‬
‫بأعظم منهما‪(( :‬وإن تصبوا وتتقوا ليضركم كيدهم شيئا))‪.‬‬
‫‪ -9‬أن اللئكة تسلم ف النة على الؤمني بصبهم ((واللئكة يدخلون عليهم من كل‬
‫باب سلم عليكم با صبت فنعم عقب الدار))‪.‬‬
‫‪ -10‬أنه سبحانه رتب الغفرة والجر الكبي على الصب والعمل الصال فقال‪(( :‬إل الذين‬
‫صبوا وعملوا الصالات أولئك لم مغفرة وأجر كبي))‪.‬‬
‫‪ -11‬أنه سبحانه جعل الصب على الصائب من عزم المور‪ :‬أي ما يعزم من المور الت‬
‫إنا يعزم على أجلها وأشرفها‪(( :‬ولن صب وغفر إن ذلك من عزم المور))‪.‬‬
‫‪ -12‬أنه سبحانه جعل مبته للصابرين‪(( :‬وال يب الصابرين))‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -13‬أنه تعال قال عن خصال الي‪ :‬إنه ل يلقاها إل الصابرون‪(( :‬وما يلقاها إل الذين‬
‫صبوا وما يلقاها إل ذو حظ عظيم))‪.‬‬
‫‪ -14‬أنه سبحانه أخب أنا ينتفع بآياته ويتعظ با الصبار الشكور‪(( :‬إن ف ذلك ليات‬
‫لكل صبار شكور))‪.‬‬
‫‪ -15‬أنه سبحانه أثن على عبده أيوب أجل الثناء وأجله لصبه فقال‪(( :‬إنا وجدناه‬
‫صابرا نعم العبد إنه أواب))‪ ،‬فمن ل يصب فبئس العبد هو‪.‬‬
‫‪ -16‬أنه حكم بالسران التام على كل من ل يؤمن ويعمل الصالات ول يكن من أهل‬
‫الق والصب‪(( :‬والعصر‪ ،‬إن النسان لفي خسر إل الذين آمنوا‪ ...‬السورة))‪.‬‬
‫قال المام الشافعي‪":‬لو فكر الناس كلهم ف هذه الية لوسعتهم‪ ،‬وذلك أن العبد كماله ف‬
‫تكميل قوتيه‪ :‬قوة العلم‪ ،‬وقوة العمل‪ ،‬وها‪ :‬اليان والعمل الصال وكما هو متاج‬
‫لتكميل نفسه فهو متاج لتكميل غيه‪ ،‬وهو التواصي بالق‪ ،‬وقاعدة ذلك وساقه إنا يقوم‬
‫بالصب"‪.‬‬
‫‪ -17‬أنه سبحانه خص أهل اليمنة بأنم أهل الصب والرحة الذين قامت بم هاتان‬
‫الصلتان ووصوا بما غيهم فقال تعال‪(( :‬ث كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصب‬
‫وتواصوا بالرحة‪ ،‬أولئك أصحاب اليمنة))‪.‬‬
‫‪ -18‬أنه تبارك وتعال قرن الصب بقامات اليان وأركان السلم وقيم السلم ومثله‬
‫العليا‪ ،‬فقرنه بالصلة ((واستعينوا بالصب والصلة)) وقرنه بالعمال الصالة عموما ((إل‬
‫الذين صبوا وعملوا الصالات))‪ ،‬وجعله قرين التقوى ((إنه من يتق ويصب))‪ ،‬وقرين‬
‫الشكر ((إن ف ذلك ليات لكل صبار شكور))‪ ،‬وقرين الق ((وتواصوا بالق وتواصوا‬
‫بالصب))‪ ،‬وقرين الرحة ((وتواصوا بالصب وتواصوا بالرحة))‪ ،‬وقرين اليقي ((لا صبوا‬
‫وكانوا بآياتنا يوقنون))‪ ،‬وقرين التوكل ((نعم أجر العاملي))‪(( ،‬الذين صبوا وعلى ربم‬
‫يتوكلون))‪ ،‬وقرين التسبيح والستغفار ((فاصب إن وعد ال حق واستغفر لذنبك وسبح‬
‫بمد ربك بالعشي والبكار))‪ ،‬وقرنه بالهاد ((ولنبلونكم حت نعلم الجاهدين منكم‬
‫والصابرين))‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫‪ -19‬إياب الزاء لم بأحسن أعمالم ((ولنجزين الذين صبوا أجرهم بأحسن ماكانوا‬
‫يعملون))‪.‬‬
‫وبعد‪ ،‬فهذا غيض من فيض ف باب فضائل الصب ولول الطالة لسترسلنا ف ذكر تلك‬
‫الفضائل والنازل‪ ،‬ولعل فيما ذكر عبة ودافع على الصب فال الستعان‪.‬‬

‫‪ -3‬مالت الصب ف القرآن الكري‪:‬‬


‫أ ‪ -‬الصب على بلء الدنيا‪:‬‬
‫لقد أخبنا ال تعال بطبيعة الياة الدنيا‪ ،‬وأنا خلقت مزوجة بالبلء والفت فقال‪(( :‬لقد‬
‫خلقنا النسان ف كبد)) أي مشقة وعناء‪ ،‬وأقسم على ذلك بقوله‪(( :‬ولنبلونكم بشيء‬
‫من الوف والوع ونقص من الموال والنفس والثمرات‪ ،‬وبشر الصابرين الذين إذا‬
‫أصابتهم مصيبة قالوا إنا ل وإنا إليه راجعون‪ ،‬أولئك عليهم صلوات من ربم ورحة‬
‫وأولئك هم الهتدون‪ ))،‬وإذا أطلق الصب فل يكاد ينصرف إل غيه عند كثي من الناس‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الصب على مشتهيات النفس‪:‬‬
‫وهو ما يسمى بالسراء فإن الصب عليها أشد من الصب على الضراء‪ ،‬قال بعضهم‪ :‬البلء‬
‫صدّيق‪ ،‬وقال عبد الرحن بن عوف‪" :‬ابتلينا‬ ‫يصب عليه الؤمن والعافية ل يصب عليها إل ِ‬
‫بالضراء فصبنا‪ ،‬وابتلينا بالسراء فلم نصب"‪ .‬إن الؤمن مطالب بأن ل يطلق لنفسه العنان‬
‫ف الري وراء شهواتا لئل يرجه ذلك إل البطر والطغيان وإهال حق ال تعال فيما آتاه‬
‫وبسط له‪ ،‬قال تعال‪(( :‬ياأيها الذين آمنوا ل تلهكم أموالكم ول أولدكم عن ذكر ال‬
‫ومن يفعل ذلك فأولئك هم الاسرون))‪ ،‬ويكن أن نمل حاجة النسان إل الصب ف‬
‫هذا النوع بأربعة أمور ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ل يركن إليها‪ ،‬ول يغتر با‪ ،‬ول تمله على البطر والشر والفرح الذموم الذي ل‬
‫يب ال أهله‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ل ينهمك ف نيلها ويبالغ ف استقصائها‪ ،‬فإنا تنقلب إل أضدادها‪ ،‬فمن بالغ ف‬
‫الكل والشرب والماع انقلب ذلك إل ضده‪ ،‬وحرم الكل والشرب والماع‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يصب على أداء حق ال تعال فيها‪ ،‬ول يضيعه فيسلبها‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫‪ -4‬أن يصب عن صرفها ف الرام‪ ،‬فل يكن نفسه من كل ما تريده منها‪ ،‬فإنا توقعه ف‬
‫الرام‪ ،‬فإن احترز كل الحتراز أوقعته ف الكروه‪ ،‬ول يصب على السراء إل الصديقون‬
‫وإنا كان الصب على السراء شديدا لنه مقرون بالقدرة‪ ،‬والائع عند غيبة الطعام أقدر‬
‫منه على الصب عند حضوره‪.‬‬
‫وما يدخل ف هذا النوع من الصب‪ ،‬الصب عن التطلع إل مابيد الخرين من الدنيا‪ ،‬والصب‬
‫عن الغترار با ينعمون به من مال وبني قال تعال‪(( :‬أيسبون أنا ندهم به من مال‬
‫وبني‪ ،‬نسارع لم ف اليات بل ل يشعرون)) وقد نى ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫عن ذلك بقوله‪(( :‬ول تدن عينيك إل ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الياة الدنيا لنفتنهم‬
‫فيه‪ ،‬ورزق ربك خي وأبقى))‪ ،‬فالؤمن من يعتز بنعمة الداية ويعلم أنا هم فيه من الدنيا‬
‫ظل زائل وعارية مستردة ول يبال بظاهر الفخامة الت يتبجح با الطغاة‪ ،‬لقد قال الذين‬
‫يريدون الياة الدنيا لا رأوا قارون ف زينته ((يا ليت لنا مثل ما أوت قارون‪ ،‬إنه لذو حظ‬
‫عظيم))‪ ،‬أما أهل العلم واليان فقالوا‪(( :‬ويلكم ثواب ال خي لن آمن وعمل صالا ول‬
‫يلقاها إل الصابرون))‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الصب على طاعة ال تعال‪:‬‬
‫إن الصب على طاعة ال أعظم مالت الصب وهو لذلك أشدها على النفوس وقد جاءت‬
‫صيغة المر بالصب على الطاعة مغايرة لغيها فقال تعال‪(( :‬رب السماوات والرض وما‬
‫بينهما فاعبده واصطب لعبادته‪ ،‬هل تعلم له سيا))‪ ،‬وقال‪(( :‬وأمر أهلك بالصلة واصطب‬
‫عليها‪ ،‬ل نسألك رزقا نن نرزقك والعاقبة للتقوى))‪ ،‬فاستخدم صيغة الفتعال وهو يدل‬
‫على البالغة ف الفعل إذ زيادة البن تدل على زيادة العن‪ ،‬وما ذاك إل لشقة ماهدة‬
‫النفوس على القيام بق العبودية ف كل الحوال‪ .‬واعلم أن الصب على الطاعة له ثلث‬
‫أحوال‪:‬‬
‫‪ -1‬قبل الطاعة‪ ،‬بتصحيح النية والصب على شوائب الرياء‪ ،‬وعقد العزم على الوفاء ولعل‬
‫هذا يظهر سر تقدي الصب على العمل الصال ف قوله‪(( :‬إل الذين صبوا وعملوا‬
‫الصالات أولئك لم مغفرة وأجر كبي))‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫‪ -2‬حال الطاعة بأن ل يغفل عن ال فيها‪ ،‬ول يتكاسل عن تقيق آدابا وسننها‪ ،‬ولعله‬
‫الراد بقوله‪(( :‬نعم أجر العاملي‪ ،‬الذين صبوا وعلى ربم يتوكلون)) صبوا إل تام‬
‫العمل‪.‬‬
‫‪ -3‬بعد الفراغ منها فيصب على عدم افشائها والراءاة والعجاب با‪ ،‬وترك ما يبطلها قال‬
‫تعال‪(( :‬ول تبطلوا أعمالكم))‪ ،‬وقال‪(( :‬ل تبطلوا صدقاتكم بالن والذى))‪.‬‬
‫د ‪ -‬الصب على مشاق الدعوة إل ال‪:‬‬
‫غي خاف عليك ضرورة صب الداعية على ما يلقيه ف دعوته‪ ،‬فإنه يأت الناس با ل‬
‫يشتهونه ول يألفونه‪ ،‬وبا يالف ما وجدوا عليه آباءهم‪ ،‬فلذلك يقاومون الدعوة بكل ما‬
‫أوتوا من قوة‪ ،‬ويوصلون الذى بالداعية ما استطاعوا إل ذلك سبيلً‪.‬‬
‫‪ -‬إن اعراضهم عن الدعوة يتاج إل صب كصب نوح الذي بقي ف قومه يدعوهم ألف‬
‫سنة إل خسي عاما وحكى ال عنه قوله‪(( :‬رب إن دعوت قومي ليلً ونارا فلم يزدهم‬
‫دعائي إل فرارا‪ ،‬وإن كلما دعوتم لتغفر لم جعلوا أصابعهم ف آذانم واستغشوا ثيابم‪،‬‬
‫وأصروا واستكبوا استكبارا‪ ...‬الية))‪.‬‬
‫‪ -‬وما ييكه الغرضون من مؤامرات الكيد الت تؤذي الداعية ف أهله ونفسه وماله تتاج‬
‫إل صب‪ ،‬وهذا ما أكده ال تعال بقوله‪(( :‬لتبلون ف أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من‬
‫الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيا‪ ،‬وإن تصبوا وتتقوا‪ ،‬فإن‬
‫ذلك من عزم المور))‪ ،‬وقد أمر ال رسوله بقوله‪(( :‬واصب على ما يقولون واهجرهم‬
‫هجرا جيلً))‪ ،‬وقد أجع النبياء على رد أذى أقوامهم بالصب ((ولنصبن على ما‬
‫آذيتمونا‪ ،‬وعلى ال فليتوكل التوكلون))‪(( ،‬ولقد كذبت رسل من قبلك فصبوا على ما‬
‫كذبوا وأوذوا حت أتاهم نصرنا‪ ،‬ول مبدل لكلمات ال))‪ ،‬وسحرة فرعون لا وقر اليان‬
‫ف قلوبم قابلوا تديده بالقتل والصلب بقولم ((إنا إل ربنا منقلبون‪ ،‬وما تنقم منا إل أن‬
‫آمنا بآيات ربنا لا جاءتنا‪ ،‬ربنا أفرغ علينا صبا‪ ،‬وتوفنا مسلمي))‪.‬‬
‫‪ -‬إن طول الطريق‪ ،‬واستبطاء النصر يتاج إل صب‪ ،‬وصب حار شديد ولذا خوطب‬
‫الؤمنون ف القرآن بقوله تعال‪(( :‬أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يأتكم مثل الذين خلوا‬
‫من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا‪ ،‬حت يقول الرسول والذين آمنوا معه مت نصر‬

‫‪204‬‬
‫ال‪ ،‬أل إن نصر ال قريب))‪ ،‬وقوله‪(( :‬حت إذا استيأس الرسل وظنوا أنم قد كذبوا‬
‫جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ول يرد بأسنا عن القوم الجرمي))‪.‬‬
‫هـ الصب حي البأس ‪:‬‬
‫أي الصب ف الرب وعند لقاء العدو والتحام الصفوف‪ ،‬فالصب ثَ ّم شرط للنصر‪ ،‬والفرار‬
‫كبية‪ ،‬وقد أثن ال تعال على الصابرين ف ساعة القتال فقال ف آية الب‪(( :‬والصابرين ف‬
‫البأساء)) أي الفقر ((والضراء)) أي الرض‪ ،‬وحي البأس‪(( ،‬أولئك الذين صدقوا وأولئك‬
‫هم التقون)) ويوجبه على عباده بقوله‪(( :‬ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا‬
‫ال كثيا لعلكم تفلحون‪ ،‬وأطيعوا ال ورسوله ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريكم‬
‫واصبوا‪ ،‬إن ال مع الصابرين))‪.‬‬
‫وعندما تضطرب أمور العركة‪ ،‬وينفرط عقدها تكون الاجة إل الصب أعظم وأشد كما‬
‫حدث ف أحد حي انكشف السلمون وشاع أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قتل‪،‬‬
‫انفل فريق من السلمي منهزمي‪ ،‬وصب آخرون فنل من القرآن إشادة بن صبوا‪،‬‬
‫وإنكار على أولئك‪(( :‬أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يعلم ال الذين جاهدوا منكم ويعلم‬
‫الصابرين)) ث ل يعذرهم ف فرارهم وانزامهم ((وما ممد إل رسول قد خلت من قبله‬
‫الرسل‪ ،‬أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم‪ ،‬ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر ال‬
‫شيئا‪ ،‬وسيجزي ال الشاكرين)) إل أن قال‪(( :‬وكأين من نب قاتل معه ربيون كثي فما‬
‫وهنوا لا أصابم ف سبيل ال وما ضعفوا وما استكانوا وال يب الصابرين))‪.‬‬
‫وقد حدثنا عن الثلة الؤمنة مع طالوت عندما انتصرت لا اعتصمت بالصب‪ ،‬وقد اختب‬
‫طالوت من معه بقوله‪(( :‬إن ال مبتليكم بنهر‪(( ))..‬فصب ثلة مؤمنة على ترك الشرب من‬
‫النهر إل غرفة باليد)) ((فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه‪ ،‬قالوا ل طاقة لنا اليوم بالوت‬
‫وجنوده‪ ،‬قال الذين يظنون أنم ملقوا ال‪ ،‬كم من فئة قليلة غلبت فئة كثية بإذن ال‬
‫وال مع الصابرين‪ ،‬ولا برزوا لالوت وجنوده قالوا‪ :‬ربنا أفرغ علينا صبا‪ ،‬وثبت أقدامنا‬
‫وانصرنا على القوم الكافرين))‪ ،‬لقد سألوا ال حي اللقاء صبا وأوعبوا‪ ،‬فقالوا ((أفرغ))‪،‬‬
‫إذ هم باجة إل صب كثي‪ ،‬وكانت النتيجة ((فهزموهم بإذن ال‪ ،‬وقتل داود‬
‫جالوت‪.)) ..‬‬

‫‪205‬‬
‫و ‪ -‬الصب ف مال العلقات النسانية‪:‬‬
‫ل تستقيم الياة مع الناس إل بالصب بدءا بأقرب من يعاشرك وهي الزوجة وانتهاءً بأبعد‬
‫الناس عنك‪ ،‬وقد قال ال تعال مبينا ما ينبغي أن يتحلى به الزوج من صب ف مواجهة‬
‫مشاكل الزوجية‪(( :‬وعاشروهن بالعروف‪ ،‬فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويعل‬
‫ال فيه خيا كثيا))‪ ،‬أي فاصبوا فعاقبة الصب حيدة‪ ،‬ويوصي ال عباده بالصب على ما‬
‫يلقونه من الناس من ضر‪ ،‬وأن ل يقابلوا السيئة بثلها فيقول‪(( :‬ول تستوي السنة ول‬
‫السيئة‪ ،‬ادفع بالت هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ول حيم‪ ،‬وما يلقاها إل‬
‫الذين صبوا‪ ،‬وما يلقاها إل ذو حظ عظيم))‪.‬‬
‫وما يُنظم ف هذا العقد صب التلميذ على التعلم والعلم‪ ،‬وهذا ما حدثنا عنه ف القرآن‬
‫عندما ذهب موسى إل الضر ليعلمه ما علمه ال‪ ،‬قال له الضر إما لن ال أخبه‬
‫بالقيقة أو تييجا على الصب ‪-‬قال‪(( :‬إنك لن تستطيع معي صبا‪ ،‬وكيف تصب على‬
‫مال تط به خبا))‪ ،‬فتعهد موسى بالصب ‪ -‬قال‪(( :‬ستجدن إن شاء ال صابرا))‪...‬‬

‫‪ -4‬السباب العينة على الصب‪:‬‬


‫أ ‪ -‬العرفة بطبيعة الياة الدنيا‪:‬‬
‫إن من عرف طبيعة الدنيا وما جبلت عليه من الكدر والشقة والعناء هان عليه ما يبتلى به‬
‫فيها لنه وقع ف أمر يتوقعه‪ ،‬والشيء من معدنه ل يستغرب‪ ،‬وقد عرفنا ال بذه القيقة‬
‫فقال‪(( :‬لقد خلقنا النسان ف كبد))‪ ،‬أي ف مشقة وعناء‪ ،‬وقال‪(( :‬ياأيها النسان إنك‬
‫كادح إل ربك كدحا فملقيه))‪ ،‬وبي جل جلله أنا ل تدوم على حال بل يوم لك‬
‫ويوم عليك ((إن يسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله‪ ،‬وتلك اليام نداولا بي‬
‫الناس))‪.‬‬
‫إن من ل يعرف هذه القيقة سيفاجأ بوقائع الحداث تصب على رأسه صبا فيظن أنه‬
‫الوحيد من بي بن النسان الذي يصاب بذلك لشؤمه وسوء حظه‪ ،‬ولذلك يبادر بعضهم‬
‫بالجهاز على نفسه بالنتحار‪ ،‬لنه ما علم أن لكل فرحة ترحة وما كان ضحك إل كان‬
‫بعده بكاء‪ ،‬وما ملئ بيت حبة إل ملىء عبة‪ ،‬وما عبت دار من السرور إل عبت من‬
‫الزن‪" ،‬وأنه لو فتش العال ل ير فيه إل مبتلى‪ :‬إما بفوات مبوب أو حصول مكروه‪ ،‬وأن‬

‫‪206‬‬
‫سرور الدنيا أحلم نوم أو كظل زائل‪ ،‬إن أضحكت قليلً أبكت كثيا‪ ،‬وإن سرت يوما‬
‫أساءت دهرا‪ ،‬وإن متعت قليلً‪ ،‬منعت طويلً‪."...‬‬
‫ب ‪ -‬معرفتك بأنك وما بيدك ملك ل تعال ومرجعك إليه‪:‬‬
‫قال تعال‪(( :‬ومابكم من نعمة فمن ال))‪ ،‬وقد علمنا ف كتاب ربنا أن نقول عند حلول‬
‫الصائب‪(( :‬إنا ل وإنا إليه راجعون))‪ ،‬يقول ابن القيم‪" :‬وهذه الكلمة من أبلغ علج‬
‫الصاب‪ ،‬وأنفعه له ف عاجلته وآجلته‪ ،‬فإنا تتضمن أصلي عظيمي‪ ،‬إذا تقق العبد‬
‫بعرفتهما تسلى عن مصيبته‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن العبد وأهله وماله ملك ل عز وجل‪ ،‬وقد جعل عند العبد عارية‪ .‬وأيضا‪ ،‬فإنه‬
‫مفوف بعدمي‪ ،‬عدم قبله‪ ،‬وعدم بعده حت يكون ملكه حقيقة‪ ،‬ول هو الذي يفظه من‬
‫الفات بعد وجوده‪ ،‬ول يبقى عليه وجوده‪ ،‬فليس له فيه تأثي ول ملك حقيقي‪.‬‬
‫والثان‪ :‬أن مصي العبد ومرجعه إل ال موله الق‪ ،‬ولبد أن يلف الدنيا وراء ظهره‪.‬‬
‫وييء ربه فردا كما خلقه أول مرة‪ ،‬بل أهل ول مال ول عشية‪ ،‬ولكن بالسنات‬
‫والسيئات‪ ،‬فإذا كانت هذه بدايته ونايته‪ ،‬فكيف يفرح بوجود ويأسى على مفقود؟‬
‫ففكره ف مبدئه ومعاده أعظم علج هذا الداء« ولذلك يقال عند تعزية الصاب (إن ل‬
‫ماأخذ وله ما أعطى‪ ،‬وكل شيء عنده بأجل مسمى)‪ .‬وقد أدركت أم سليم هذا العن‬
‫عندما توف ابنها‪ ،‬فلما جاء أبوه (أبو طلحة) يسأل عنه قالت‪ :‬قد هدأت نفسه‪ ،‬وأرجو أن‬
‫يكون قد استراح (تعن الوت‪ ،‬وقد ظن أنا تريد النوم لجيء العافية) وكانت قد هيأت‬
‫نفسها لزوجها فتعرضت له فأصاب منها فلما أراد الروج لصلة الفجر‪ ،‬قالت له‪ :‬يا أبا‬
‫طلحة‪ ،‬أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية‪ ،‬فطلبوا عاريتهم‪ ،‬ألم أن ينعوهم؟ قال‪:‬‬
‫ل‪ ،‬إن العارية مؤداة إل أهلها‪ ،‬فقالت‪ :‬إن ال أعارنا فلنا ث أخذه منه فاسترجع‪ ...‬إل‬
‫آخر القصة‪.‬‬
‫ج ‪ -‬اليقي بسن الزاء عند ال تعال‪:‬‬
‫أن ما يرغب النسان ف العمل‪ ،‬ويزيده ثباتا فيه علمه بسن جزائه ف الخرة ول ند ف‬
‫القرآن شيئا ضخم جزاؤه وعظم أجره مثل الصب فيقول نعم أجر العاملي الذين صبوا‬
‫وعلى ربم يتوكلون ويقول مبينا أن الصابرين يزون بأحسن ماعملوا‪(( :‬ما عندكم ينفد‬

‫‪207‬‬
‫وما عند ال باق‪ ،‬ولنجزين الذين صبوا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون))‪ ،‬ويصرح بأن‬
‫أجرهم غي معدود ول مدود فيقول‪(( :‬إنا يوف الصابرون أجرهم بغي حساب))‪ ،‬وقد‬
‫ذُكّر الؤمنون بذه القيقة ف الكلمة الت أمروا أن يقولوها عند حلول الصائب‪(( :‬إنا ل‬
‫وإنا إليه راجعون))‪ ،‬فيتذكرون أنم سيجعون إل ال فيجزيهم على عملهم وصبهم‬
‫أحسن الزاء وأوفاه‪.‬‬
‫يقول أبو طالب الكي‪" :‬وأصل قلة الصب‪ :‬ضعف اليقي بسن جزاء من صبت له‪ ،‬لنه‬
‫لو قوي يقينه‪ ،‬كان الجل من الوعد عاجلً إذا كان الواعد صادقا‪ ،‬فيحسن صبه لقوة‬
‫الثقة بالعطاء‪."...‬‬
‫د ‪ -‬الثقة بصول الفرج‪:‬‬
‫إن يقي العبد بأن النصر مقرون بالصب وأن الفرج آت بعد الكرب وأن مع العسر يسرا‬
‫يقويه على الصب على ما يلقيه‪ ،‬وقد كثرت اليات الدالة على هذا العن لا له من أثر ف‬
‫مزيد التحمل والثبات‪ ،‬قال تعال‪(( :‬فإن مع العسر يسرا‪ ،‬إن مع العسر يسرا))‪ ،‬قال‬
‫بعضهم‪" :‬لن يغلب عسر يسرين" يقصد بذلك أن العسر ورد معرفة ف الوضعي والعرفة‬
‫إذا كررت ف الملة ل تفيد التعدد بلف النكرة وهي الت ورد به اليسر ف الوضعي‪،‬‬
‫فإذا قلت‪ :‬جاء الرجل وأكرمت الرجل‪ ،‬كان الرجل ف الواطني واحدا‪ ،‬وإذا قلت‪ :‬جاء‬
‫رجلٌ وأكرمت رجلً‪ ،‬كان القصود رجلي‪ .‬وقد جعل العسر ف اليتي مع العسر ل بعده‬
‫أو عقبه لينبه إل قرب تققه بعده حت كأنه معه ولينبه أيضا إل أن كل عسر مقرون‬
‫بيسر وأكثر فما من مصيبة يبتلى با عبد إل ول فيه إلطاف بأن ل يعلها على نو أعظم‬
‫أو أكب أو أطول ما هي عليه‪.‬‬
‫وقد تكرر ف القرآن المر بالصب مقرونا بالتذكي بأن وعد ال حق ل يتخلف أبدا قال‬
‫تعال‪(( :‬وعد ال ل يلف ال اليعاد))‪ ،‬وقال‪(( :‬فاصب إن وعد ال حق‪ ،‬ول يستخفنك‬
‫الذين ل يوقنون))‪.‬‬
‫إن اشتداد الزمة ف سنن ال تعن قرب انبلج الفجر وظهور طلئع النصر كما قيل‪:‬‬
‫اشتدي أزمةُ تنفرجي قد آذن ليلك بالبلج‬

‫‪208‬‬
‫ولذا ند يعقوب يكون أمله ف العثور على يوسف أشد عندما أخذ ابنه الثان فيقول‪:‬‬
‫((فصب جيل عسى ال أن يأتين بم جيعا))‪ ،‬وقال لبنائه ((يا بن اذهبوا فتحسسوا من‬
‫يوسف وأخيه‪ ،‬ول تيأسوا من روح ال‪ ،‬إنه ل ييأس من روح ال إل القوم الكافرون))‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬الستعانة بال‪:‬‬
‫ما يعي البتلى على الصب أن يستعي بال تعال ويلجأ إل حاه فيشعر بعيته سبحانه وأنه‬
‫ف حايته ورعايته‪ ،‬ومن كان ف حى ربه فلن يضام ولذا قال موسى لقومه بعد أن هددهم‬
‫فرعون با هددهم به ((استعينوا بال واصبوا‪ ،‬إن الرض ل يورثها من يشاء من عباده‬
‫والعاقبة للمتقي))‪.‬‬
‫إذا ل يكن عون من ال للفت فأكثر ما ين عليه اجتهاده‬
‫ولعل حاجة الصابرين إل الستعانة بال تعال والتوكل عليه هي بعض أسرار اقتران الصب‬
‫بالتوكل على ال ف آيات كثية كقوله ((نعم أجر العاملي‪ ،‬الذين صبوا وعلى ربم‬
‫يتوكلون))‪ ،‬وقوله عن رسله‪(( :‬ولنصبن على ما آذيتمونا‪ ،‬وعلى ال فليتوكل‬
‫التوكلون))‪.‬‬
‫و ‪ -‬القتداء بأهل الصب‪:‬‬
‫إن التأمل ف سي الصابرين يعطي النسان شحنة دافعة على الصب‪ ،‬ومن هنا ندرك سر‬
‫حرص القرآن الكي على ذكر صب النبياء على ما لقوه من أمهم وهذا ما صرح ال به‬
‫ل نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك ف هذه الق‬ ‫ف قوله‪(( :‬وك ً‬
‫وموعظة وذكرى للمؤمني))‪ ،‬وقال ال‪(( :‬ولقد كذبت رسل من قبلك فصبوا على ما‬
‫كذبوا وأوذوا حت أتاهم نصرنا‪ ،‬ول مبدل لكلمات ال‪ ،‬ولقد جاءك من نبإي الرسلي))‬
‫[النعام‪ ،]34/‬وجاء المر صريا لرسول ال صلى ال عليه وسلم بالقتداء بالصابرين‬
‫قبله‪(( :‬فاصب كما صب أولو العزم من الرسل‪ ،‬ول تستعجل لم))‪ ،‬وحي نزل البلء‬
‫بأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم جاءهم التذكي ببلء من كان قبلهم‪(( :‬أحسب‬
‫الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون‪ ،‬ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن ال‬
‫الذين صدقوا وليعلمن الكاذبي))‪ ،‬وقال لم‪(( :‬أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يأتكم مثل‬

‫‪209‬‬
‫الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حت يقول الرسول والذين آمنوا‬
‫معه مت نصر ال‪ ،‬أل إن نصر ال قريب))‪.‬‬
‫ز ‪ -‬اليان بقدر ال‪:‬‬
‫إن إيان العبد بقدر ال النافذ واستسلمه له أكب عون على تشم مصاعب الصائب‪،‬‬
‫وعلم العبد بأن ما أصابه ل يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه ل يكن ليصيبه برد من اليقي يصب‬
‫على فؤاده‪ ،‬قال تعال‪(( :‬ما أصاب من مصيبة ف الرض ول ف أنفسكم إل ف كتاب من‬
‫قبل أن نبأها‪ ،‬إن ذلك على ال يسي‪ ،‬لكيل تأسوا على مافاتكم ول تفرحوا با آتاكم))‪،‬‬
‫وركون الؤمن إل قدر ال ف مثل هذا القام واحتجاجه به أمر ل غبار عليه لنه إحالة‬
‫على القدر فيما ل اختيار للعبد فيه‪.‬‬
‫واعلم أن الزع واللع والتبم والضيق ليرد من قدر ال شيئا فلبد من الصب أول المر‬
‫لئل يرم العبد من الثوبة ولئن ل يصب أول الصدمة فسيصب بعد ذاك رغم أنفه ول أجر‬
‫له‪ ،‬قال حكيم‪" :‬العاقل يفعل ف أول يوم من الصيبة ما يفعله الاهل بعد السبعة أيام"‪ .‬إن‬
‫البالغة ف التشكي والتبم ل يغي من الواقع شيئا بل يزيد النفس ها وكمدا ولذا قال ال‬
‫لرسوله‪(( :‬قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون‪ ،‬فإنم ل يكذبوك‪ ،‬ولكن الظالي بآيات ال‬
‫يحدون‪ .‬ولقد كذبت رسل من قبلك فصبوا على ما كذبوا وأوذوا حت أتاهم نصرنا‬
‫ول مبدل لكلمات ال‪ ،‬ولقد جاءك من نبأ الرسلي‪ .‬وإن كان كب عليك إعراضهم فإن‬
‫استطعت أن تبتغي نفقا ف الرض أو سلما ف السماء فتأتيهم بآية‪ ،‬ولو شاء ال لمعهم‬
‫على الدى فل تكونن من الاهلي)) [النعام‪ ،]35-33/‬فأزال الوحشة عن قلب‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم ف أول آية بأن تكذيبهم ليس للرسول وإنا هو ل تعال‪ ،‬ث‬
‫عزاه ف الثانية وسله با حدث لرسل ال فصبوا‪ ،‬ث قال له‪ :‬إن شق عليك إعراضهم‬
‫وذهبت نفسك عليهم حسرات وضاق صدرك فليس لك إل الصب‪ ،‬وإل فافعل ما بدا لك‬
‫فإن استطعت أن تبتغي نفقا ف الرض ترب منه أو سلما ف السماء‪ ،‬تصعد عليه فدونك‬
‫فافعل‪]1[ .‬‬

‫الفات العيقة عن الصب‪:‬‬

‫‪210‬‬
‫‪ -1‬الستعجال‪ :‬النفس موكولة بب العاجل ((خلق النسان من عجل))‪ ،‬فإذا أبطأ على‬
‫النسان ما يريد نفد صبه وضاق صدره واستعجل قطف الثمرة قبل أوانا فل هو ظفر‬
‫بثمرة طيبة ول هو أت السي‪ ،‬ولذا قال ال تعال لنبيه صلى ال عليه وسلم‪((:‬فاصب كما‬
‫صب أولو العزم من الرسل‪ ،‬ول تستعجل لم))‪ ،‬أي العذاب فإن له يوما موعودا‪.‬‬
‫لقد باءت بعض الدعوات بالفشل ول تؤت ثرتا الرجوة بعلة الستعجال‪ ،‬ولو أنم‬
‫صبوا لكان خيا لم‪ ،‬ثار بعضهم على الطغيان ولا يقم على ساقه ويشتد عوده وتكتمل‬
‫آلته وتنضج دعوته وتتد قاعدته فقضي على الدعوة ووئد الداعية وذهب الثنان ف خب‬
‫كان‪ .‬والديث عن الستعجال أطول من هذا ولكن ف الشارة للبيب ما يغن عن‬
‫العبارة‪.‬‬
‫‪ -2‬الغضب‪ :‬قد يرى الداعية من الدعوين مال يليق فيستفزه الغضب فيدفعه إل مال‬
‫يسن به ما يسيء إل الدعوة ويلصق ببي حاملها وصمة عار تبقى الدهر كله‪ ،‬ولذا‬
‫حذر ال رسوله من مغبة الغضب بأن ل يقع فيما وقع فيه يونس فقال‪ :‬فاصب لكم‬
‫ربك‪ ،‬ول تكن كصاحب الوت لقد فرغ صبه فضاق صدره فغادرهم غاضبا قبل أن‬
‫يأذن ال له ظنا منه أن ال لن يضيق عليه فضيق ال عليه بأن جعله ف بطن الوت‪(( :‬وذا‬
‫النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى ف الظلمات أن ل إله إل أنت‬
‫سبحانك إن كنت من الظالي))‪ ،‬فتاب ال عليه‪(( :‬فاستجبنا له ونيناه من الغم))‪.‬‬
‫‪ -3‬اليأس ‪ :‬أعظم عوائق الصب وهو الذي حذر يعقوب أبناءه من الوقوع فيه مع تكرار‬
‫البحث عن يوسف وأخيه‪(( :‬يا بن اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ول تيأسوا من‬
‫روح ال إنه ل ييأس من روح ال إل القوم الكافرون))‪ ،‬وهو الذي حرص القرآن على‬
‫دفعه عن أنفس الؤمني فبذر المل ف صدورهم‪(( :‬ول تنوا ول تزنوا وأنتم العلون إن‬
‫كنتم مؤمني‪ ،‬إن يسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله‪ ،‬وتلك اليام نداولا بي‬
‫الناس))‪ ،‬وقال لم‪(( :‬ول تنوا وتدعوا إل السلم وأنتم العلون‪ ،‬وال معكم ولن يتركم‬
‫أعمالكم))‪ ،‬إن إضاءة شعلة المل دواء اليأس وهذا ما ذكرت به اليات الؤمني وهو ما‬
‫ذكر به موسى قومه فقال‪(( :‬استعينوا بال واصبوا‪ ،‬إن الرض ل يورثها من يشاء من‬
‫عباده والعاقبة للمتقي))‪ ،‬ولا شكا خباب إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ما يلقيه‬

‫‪211‬‬
‫من أذى قريش قال له رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد أن ذكره مصاب الصالي ف‬
‫المم قبله‪" :‬وال ليتمن ال هذا المر حت يسي الراكب من صنعاء إل حضرموت ل‬
‫ياف إل ال والذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم تستعجلون"‪.‬‬

‫‪ -5‬ناذج للصابرين‪:‬‬
‫لقد ضُرب لنا ف القرآن ناذج رائعة تسدت فيهم حقيقة الصب‪ ،‬واستحقوا أن يذكروا‬
‫بصبهم فيقتدى بم الصابرون‪ ،‬وسنختار ف هذه العجالة ثلثة منها يتمثل ف كل واحد‬
‫منها لون من الصب‪.‬‬
‫أ ‪ -‬الصب على طاعة ال‪:‬‬
‫ف قصة إبراهيم وإساعيل الت حكاها ال لنا بقوله عن إبراهيم‪(( :‬وقال إن ذاهب إل رب‬
‫سيهدين‪ ،‬رب هب ل من الصالي‪ ،‬فبشرناه بغلم حليم‪ ،‬فلما بلغ معه السعي‪ ،‬قال يا‬
‫بن إن أرى ف النام أن أذبك فانظر ماذا ترى‪ ،‬قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدن إن‬
‫شاء ال من الصابرين‪ ،‬فلما أسلما وتله للجبي وناديناه أن يا إبراهيم‪ ،‬قد صدقت الرؤيا‬
‫إنا كذلك نزي الحسني‪ ،‬إن هذا لو البلء البي‪ ،‬وفديناه بذبح عظيم‪ ،‬وتركنا عليه ف‬
‫الخرين‪ ،‬سلم على إبراهيم كذلك نزي الحسني‪ ،‬إنه من عبادنا الؤمني‪.))...‬‬
‫من أيهما تعجب من الب الذي رأى ف النام أنه يذبح ابنه أم من البن الذي يستسلم‬
‫لمر ال طواعية واختيارا‪ ،‬لقد كان البن وحيد إبراهيم ول يأته إل على كب فما ظنك‬
‫بتعلق الب بابنه‪ ،‬إنه تعلق ل يوصف‪ ،‬ولكن تعلقه بال أعظم وطاعته ل فوق كل ذلك‪،‬‬
‫لقد حطم إبراهيم كل نداءات الرض لا جاء المر من السماء‪ ،‬وضرب للناس أروع‬
‫المثال ف الطاعة‪ ،‬ولقد كان الوحي ف هذه الرة رؤيا فلم يتأولا إبراهيم لصاله بدافع‬
‫من غريزة البوة‪ ،‬ولكنه امتثل وعرض على ابنه ما رأى عرضا ف غاية الياز والسهولة‬
‫ولكنه يتضمن أمرا ف غاية الطورة‪ ،‬ول يكن البن صغيا بيث ل ير الب من جدواه‬
‫ما يعله شديد التعلق به والعتماد عليه‪ ،‬ولكنه بلغ مع أبيه السعي فاصبح فت مفتول‬
‫العضلت‪ ،‬قوي الساعد‪ ،‬وكانت إجابة البن مية حقا‪ ،‬لقد حسم الوقف بملتي قالما‬
‫لبيه خلدها التاريخ له‪ ،‬وكانتا سببا ف تدوين اسه ف الصابرين‪(( :‬وإساعيل وإدريس وذا‬
‫الكفل‪،‬كل من الصابرين))‪ ،‬قال إساعيل‪(( :‬يا أبت افعل ما تؤمر ستجدن إن شاء ال من‬

‫‪212‬‬
‫الصابرين))‪ ،‬أي ل تأخذ رأيي ول تنتظر مشورت بل نفذ ما أمرت به‪ ،‬ث ل ينسى أن‬
‫يستمد العون من ال على حاله بالصب فهو ل يعتمد على قوته وشدة جلده بل يسأله من‬
‫ربه‪ ،‬وصدقا وأسلم الوالد ولده‪ ،‬وتله أبوه للجبي‪ ،‬وتيأ للذبح وجاءت البشرى عند ذاك‬
‫بعد أن حقق البتلء ثرته ((وناديناه أن ياإبراهيم‪ ...‬اليات))‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الصب عن معصية ال‪:‬‬
‫وأبرز المثلة وأشدها وضوحا صب يوسف عليه السلم على مراودة امرأة العزيز‪ ،‬لقد‬
‫كان الصب ظهي يوسف ف منته الت ابتلي با اضطرارا واختيارا وكشف عن هذا حي‬
‫عثر إخوته عليه فقال‪(( :‬أنا يوسف وهذا أخي قد من ال علينا إنه من يتق ويصب فإن ال‬
‫ل يضيع أجر الحسني))‪ ،‬لقد رفض كل العروض والغراءات وخرج من الفتنة بإيانه‬
‫وصبه‪ ،‬وكان صبه هذا أرقى من صب أبيه يعقوب على الفراق وأرقى من صب أيوب‬
‫على ما بلي به لن صبها كان اضطراريا ل حيلة لما ف رفعه ول دفعه بينما كان صب‬
‫ل عن‬ ‫يوسف اختيارا وحي تلك فلم يتكب ول يطغ صبا اختياريا‪ ،‬يقول ابن القيم نق ً‬
‫شيخه ابن تيميه رحهما ال‪" :‬كان صب يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنا أكمل‬
‫من صبه على إلقاء إخوته له ف الب وبيعه وتفريقهم بينه وبي أبيه‪ ،‬فإن هذه أمور‬
‫جرت عليه بغي اختياره ل كسب له فيها‪ ،‬ليس للعبد فيها حيلة غي الصب‪ ،‬وأما صبه‬
‫عن العصية فصب اختيار ورضا‪ ،‬وماربة للنفس‪ ،‬ولسيما مع السباب الت تقوى معها‬
‫دواعي الوافقة‪:‬‬
‫‪ -1‬فإنه كان شابا‪ ،‬وداعية الشباب إليها قوية‪.‬‬
‫‪ -2‬وعزبا ليس معه ما يعوضه ويرد شهوته‪.‬‬
‫‪ -3‬وغريبا‪ ،‬والغريب ل يستحي ف بلد غربته ما يستحي فيه بي أصحابه ومعارفه وأهله‪.‬‬
‫‪ -4‬وملوكا‪ ،‬والملوك أيضا ليس وازعه كوازع الر‪.‬‬
‫‪ -5‬والرأة جيلة وذات منصب‪ ،‬وهي سيدته‪.‬‬
‫‪ -6‬وقد غاب الرقيب‪.‬‬
‫‪ -7‬وهي الداعية إل نفسها والريصة على ذلك أشد الرص‪.‬‬
‫‪ -8‬وتوعدته إن ل يفعل بالسجن والصغار‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫ومع هذه الدواعي كلها صب اختياريا وإيثارا لا عند ال‪ ،‬وأين هذا من صبه ف الب‬
‫على ما ليس من كسبه" ا هـ ‪.‬‬
‫لقد ضحى بدنياه من أجل دينه‪ ،‬وبريته من أجل عقيدته‪ ،‬وقال قولته الشهورة‪(( :‬رب‬
‫السجن أحب إل ما يدعونن إليه‪ ،‬وإل تصرف عن كيدهن أصب إليهن وأكن من‬
‫الاهلي))‪.‬‬
‫ولا أفرج عنه من السجن الطويل واستدعي لقابلة اللك‪ ،‬ل يستفزه هذا الب بل طلب‬
‫التحقيق ف القضية حت تظهر براءته على الل وحدث ذلك فعلً وعند ذلك ازداد إعجاب‬
‫اللك به فقال‪(( :‬ائتون به استخلصه لنفسي))‪ ،‬وكان ف الرة الول قال ((ائتون به))‪،‬‬
‫فقط ((فلما كلمه قال‪ :‬إنك اليوم لدينا مكي أمي))‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الصب على أقدار ال الؤلة‪:‬‬
‫إن أشهر من يقرن اسه بذا اللون من الصب نب ال أيوب عليه السلم‪ ،‬لقد أصابه ضر‬
‫عظيم ف بدنه وأهله وماله فصب‪ ،‬فخلد ذكره ف القرآن فقال ال تعال‪(( :‬واذكر عبدنا‬
‫أيوب إذ نادى ربه أن مسن الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد‬
‫وشراب‪ ،‬ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحة منا وذكرى لول اللباب‪ ،‬وخذ بيدك ضغثا‬
‫فاضرب به ول تنث‪ ،‬إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب))‪ ،‬لقد ذكر له من ألوان‬
‫التكري وأوسة الشرف ما هو جدير بثله لعظيم صبه‪ ،‬فأولما تكريه بتخليد ذكره‬
‫ومباهاة ال به عند رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وثانيه‪ :‬تكريه بقوله ((عبدنا))‪،‬‬
‫حيث أضافه إليه‪ ،‬والعبودية من أشرف أوصاف النسان الت يتحلى با‪ ،‬وثالثها‪ :‬عندما‬
‫استجاب نداءه وكشف ضره ووهب له أهله ومثلهم معهم‪ ،‬ورابعها‪ :‬حينما جعل له‬
‫مرجا من يي حلفه على امرأته فكرمت وكرم با يلصه من مأزق النث‪ ،‬وكانت خاتة‬
‫ذلك هذا الوسام من الشرف العريض ((إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب))‪ ،‬فوصفه‬
‫بالصب حت قرن الصب بأيوب فل يذكر إل وهو معه‪ ،‬ث قال‪ :‬نعم العبد فكانت شهادة‬
‫من ال بتمام عبوديته‪ ،‬ث ختم ذلك بقوله إنه أواب‪ ،‬والواب‪ :‬البالغ ف شدة رجوعه إل‬
‫ال تعال‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫وقد ذكر ال تعال صبه ف موطن آخر فقال‪(( :‬وأيوب إذ نادى ربه أن مسن الضر‬
‫وأنت أرحم الراحي‪ ،‬فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر‪ ،‬وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحة‬
‫من عندنا وذكرى للعابدين‪ ،‬وإساعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين))‪ ،‬لقد كان‬
‫نداء أيوب ف ضرائه غاية ف اللطف والدب ولذا كانت الجابة آية ف التمام والكمال‪،‬‬
‫لقد نادى ربه ول يسأله شيئا بعينه من الهل والعافية وذكر ربه با هو أهله وبا اتصف به‬
‫((إن مسن الضر وأنت أرحم الراحي))‪ ،‬فاستجاب له دعاءه فكشف عنه الضر ورد عليه‬
‫الهل ومثلهم معهم وجعله ذكرى للعابدين وإماما من الصابرين‪.‬‬
‫جعلن ال وإياك منهم وحشرنا معهم وآجرنا بأجرهم إنه ول ذلك والقادر عليه‪...‬‬
‫‪----------------‬‬
‫الصب‪ ..‬عنوان اليان ودليل الثقة بال‬

‫د‪ .‬السين أبو فرحة‬


‫من أبرز الخلق الت عن با القرآن الكري وحث عليها “الصب”‪ ،‬وقد ورد ذكره ف‬
‫القرآن الكري أكثر من غيه من الخلق السلمية‪.‬‬
‫وقد ذكر الصب ف القرآن على ستة عشر نوعا‪ ،‬منها المر به مثل قوله تعال “يا أيها‬
‫الذين آمنوا اصبوا وصابروا”‪ ،‬ومنها النهي عن ضده كقوله تعال‪“ :‬فاصب كما صب‬
‫أولو العزم من الرسل ول تستعجل لم”‪ ،‬ومنها الثناء على أهله مثل “الصابرين‬
‫والصادقي والقانتي”‪.‬‬
‫درجات الصب‬
‫والصب ف القرآن ثلث درجات‪ :‬الول‪ :‬الصب عن العصية بتركها‪ ،‬الثانية‪ :‬الصب على‬
‫أداء الطاعات بالحافظة على أدائها كاملة غي منقوصة‪ ،‬الثالثة‪ :‬الصب على البلء بعدم‬
‫السخط والزع‪ ،‬مع الرضا بقدر ال عز وجل‪.‬‬
‫وثرات الصب كما يقول الدكتور السين أبو فرحة ل تصى عددا‪ ،‬وقد ذكر القرآن‬
‫الكري طرفا منها‪ ،‬وذكرت السنة طرفا آخر‪ ،‬والسنة هي شارحة القرآن‪ ،‬وهى جزء من‬
‫وحي السماء الذي أوحي إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬غي أنه أوحي إليه معناها‬
‫فقط‪ ،‬وعب عن العن الوحى به إليه بألفاظ من عنده‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫فما نص عليه القرآن من ثرات الصب أنه يعي على أداء الطاعات‪ ،‬قال تعال‪“ :‬فاذكرون‬
‫أذكركم واشكروا ل ول تكفرون”‪.‬‬
‫والذكر والشكر وعدم الكفر طاعات‪ ،‬ث قال سبحانه‪“ :‬يا أيها الذين آمنوا استعينوا‬
‫بالصب والصلة إن ال مع الصابرين”‪ ،‬فعقب المر بالذكر والشكر والنهي عن الكفر‪،‬‬
‫أمر بالستعانة بالصب والصلة‪.‬‬
‫تمل البلء‬
‫والصب كذلك يثمر تمل البلء الذي ينل بالنسان‪ ،‬فيزلزل بنيان غي الصابر‪ ،‬وقد‬
‫يقضي عليه بالمراض الختلفة من شلل وجنون‪ ،‬وقد يؤدي البلء الذي ينل بغي الصابر‬
‫إل النتحار وكل ذلك شائع بي غي الصابرين‪.‬‬
‫أما السلم الذي يصب على البلء‪ ،‬فهو ف أمان من هذه البليا‪ ،‬ثقة منه بال وواسع رحته‪،‬‬
‫وعظيم مثوبته على ما نزل به من بلء‪ ،‬وعظيم ما عند ال من خي للصابرين ف دنياهم‬
‫وأخراهم‪ ،‬يقول ال تعال مشيا إل ذلك كله‪“ :‬ولنبلونكم بشيء من الوف والوع‬
‫ونقص من الموال والنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا‬
‫ل وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربم ورحة وأولئك هم الهتدون”‪.‬‬
‫فقد جعت هذه اليات بي الوف وهو متعدد الشكال واللوان‪ ،‬فهو يتسع للخوف من‬
‫العداء‪ ،‬والوف من المراض‪ ،‬والوف من الجهول‪ ،‬وغي ذلك وبي الوع وخطره‬
‫معروف‪ ،‬والكثي من الناس ف زمننا هذا وف غيه من الزمان يوتون من الوع‪ ،‬ويتعذب‬
‫الكثيون من الوع إن ل ينته بم إل الوت‪ ،‬ونقص الال بالسارة ف التجارة والصناعة‬
‫والفات ف الزراعة معروف‪ ،‬ونقص النفس بفقد الحبة بالوت‪ ،‬وفقد بعض أعضاء‬
‫السم وقواه بالرض‪ ،‬كل ذلك واقع وشائع بي الناس‪.‬‬
‫ث تذكر هذه اليات أن علج جيع الالت السابقة الت تنل بالنسان فتزلزل بنيانه وقد‬
‫تقضي عليه‪ ،‬هو الصب‪ ،‬فمن صب ظفر‪ ،‬وال سبحانه وتعال يقول بعد ذكره ما يتحن به‬
‫عباده من ألوان البلء‪“ :‬وبشر الصابرين” بشارة يثمرها الصب‪ ،‬والبشارة تقاس بالبشر‬
‫با‪ ،‬وبشارة من ال اللك الق البي الذي ل تنفد خزائنه‪ ،‬دونا كل بشارة من ملوق‪،‬‬
‫ولو كان ملكا متوجا‪ ،‬هذا مع قوله سبحانه‪“ :‬إن ال مع الصابرين”‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫فمعية ال تذهب بالزن من القلوب وتذهب بالوف منها كذلك‪ ،‬وتل القلوب أمنا‬
‫وأمانا واطمئنانا‪.‬‬
‫والصابر إذا نزلت به مصيبة عب عن صبه الذي وقر ف قلبه بقوله‪“ :‬إنا ل وإنا إليه‬
‫راجعون”‪.‬‬
‫ومع تلك العقيدة الت يتلئ با قلب السلم الصابر بأن الكل خلق ال وأن كل ملوق لبد‬
‫راجع إل موله‪ ،‬مع تلك العقيدة يتلئ قلب الؤمن رضا عن قضاء ال وقدره‪ ،‬فلله ما‬
‫أعطى وله ما أخذ‪ ،‬وكل شيء عنده بقدار‪.‬‬
‫ويذكر ال سبحانه ف تلك اليات أن الصابرين يفوزون بثلث ثرات‪ :‬أولها‪ :‬أنم عليهم‬
‫صلوات من ربم‪ ،‬أي غفران من ال لم وثناء عليهم‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أنم عليهم رحة من ربم‪ ،‬وهي ما يكون مع الصيبة من لطف ال بم‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أنم مهتدون إل الق والصواب فيما ينبغي عمله ف أوقات الشدائد فل يستحوذ‬
‫الزع على نفوسهم ول يذهب البلء بالمل من قلوبم‪.‬‬
‫ومن ثرات الصب مبة ال للصابرين‪ ،‬قال تعال “وكأين من نب قاتل معه ربيون كثي فما‬
‫وهنوا لا أصابم ف سبيل ال وما ضعفوا وما استكانوا وال يب الصابرين”‪.‬‬
‫‪---------------‬‬
‫صب الجاهدين‬

‫لئن كانت شرعتنا النيفة أوصت عموم الؤمني ‪ ،‬بامتثال قيمة الصب ‪ ،‬والتحلي به فيما‬
‫حزبم من أمور ؛ كالصب على الأمور والحذور والقدور ‪ ،‬فإنا اختصت جحافل‬
‫الجاهدين بأحوال من الصب الستبي ‪ ،‬فكان أن أوصتهم بالصب ‪ :‬قبل نشوب العركة‬
‫واحتدام الصراع ‪ ،‬وبالصب ف خضم النال والقراع‪ ،‬وبالصب عقب جولة جهادية صار‬
‫غبارها ال انقشاع ‪.‬‬
‫فهذه أحوال ومقامات من الصب ينعقد بنواصيها حكم بالغة نية ‪ ،‬وثرات‬
‫طيبة خية ‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫أما الصب قبل نشوب العركة فأثبته قوله تعال لسيد الجاهدين صلى ال عليه وآله وصحبه‬
‫أجعي ‪ ،‬بنص قرآن مبي ‪( .‬فاصب كما صب أولو العزم من الرسل ول تستعجل لم)‪.‬‬
‫[ سورة الحقاف آية ‪] 35‬‬
‫فالوصية بالصب ف هذه الية الكرية حلت للمجاهدين بي طيّاتا لسة تربوية بارعة ‪،‬‬
‫مؤداها أنا تضبط مشاعرهم ‪ ،‬وتذب عواطفهم ‪ ،‬وتحص مواقفهم ‪ ،‬وتصفي نواياهم‬
‫وطواياهم وسرائرهم ؛ فصولتم وجولتم الهادية لتتأتى من باب ردود الفعال ‪ ،‬إنا‬
‫من جهة إرضاء الكبي التعال ‪ ،‬فهي ليست رهينة حظوظ النفس ‪ ،‬إنا من الظلم تقتص ‪،‬‬
‫تلقنهم ومن شايعهم ومشى مشاهم أعظم درس ‪ ،‬فدماؤها وأرواحها ف سبيل ال ترخص‬
‫‪ ،‬إعلء لراية التوحيد ‪ ،‬وتضيدا لشوكة الشرك العنيد ‪.‬‬
‫واذكر للدعاة ف فلسطي حقبة زمنية ‪ ،‬انازوا فيها إل تربية النشئ على التوحيد‬
‫وصبغتهم بصبغة الكتاب والسنة ‪ ،‬فكان أن تطاولت عليهم اللسنة ‪ ،‬فانبى فريق يزاود‬
‫عليهم ‪ ،‬وراح يتمطى أن شهر ف وجه يهود السنة ‪ ،‬مروجي أن الدعاة بصنيعهم هذا‬
‫إنا تثاقلوا عن دروب الهاد والستشهاد ‪ ،‬ونأوا بأنفسهم عن نصرة العباد ‪ ،‬وتاذلوا عن‬
‫ترير البلد …!!‬
‫فما لبثت هذه الصوات أن خدت ‪ ،‬حينما أتى على الناس زمان تناحر فيه حلة‬
‫السلح ‪ ،‬وأثخنوا فيما بينهم الراح ‪ ،‬فتبي حينها أن العقيدة هي الت توحد السواعد‬
‫وليست البندقية ‪ ،‬وثبت أنه ليست القضية الرولة إل حل البندقية ‪ ،‬إنا هي النفوس البية‬
‫التقية ‪ ،‬الت ينبغي صناعتها وإشباعها بالبادئ النقية ‪ ،‬وإفعامها بالقيم القوية ‪ ،‬لتغدو لدماء‬
‫شهدائها وفية ‪ ،‬ويظل شعارها النية ل الدنية ‪ ،‬فمهما ادلمت‬
‫الطوب ‪ ،‬ونزلت ف ساحتها الكروب ‪ ،‬فنجم مبادئها وقيمها وثوابتها لن يسي إل أفول‬
‫وغروب ‪ ..‬وهذا ما كان للجيل الجاهد ف فلسطي ‪.‬‬
‫وأما الصب ف خضم العركة فبيـنه قوله تعال‬
‫(يا أيها الذين آمنوا اصبوا وصابروا ورابطوا واتقوا ال لعلكم تفلحون) [ سورة آل‬
‫عمران آية ‪] 200‬‬

‫‪218‬‬
‫وقوله (ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيا لعلكم تفلحون ‪ ،‬وأطيعوا‬
‫ال ورسوله ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريكم واصبوا إن ال مع الصابرين ) [ سورة‬
‫النفال اليتان ‪. ] 46 ،45‬‬
‫فما حلته هذه اليات الكرية بي ثناياها من دعوة الجاهدين إل التجلد وتشم الشاق ‪،‬‬
‫واستعذاب النايا ف سبيل اللك اللق ‪ ،‬وطلبها من مظانا بل وجل ول إشفاق ‪ ،‬من‬
‫شأنه أن يفرج كربتهم ‪ ،‬وينهي ‪-‬باذن ال –غربتهم ‪ ،‬ف حي يضد لهل الزيغ والفساد‬
‫شوكتهم ‪ ،‬وقد قدمت غزوة حني للبشرية ف هذا الصدد أسى عظة ‪ ،‬صاغتها ثلة ماهدة‬
‫بصب لظة‪.‬‬
‫من هنا ‪ :‬فعلى الجاهدين ف فلسطي ف أتون معركتهم القدسة الت يذودون فيها عن‬
‫حياض المة ومقدساتا وحرماتا ‪ ..‬عليهم أل يقيلوا ول يستقيلوا عن درب قدموا فيه من‬
‫الدماء والشلء ما يعد ضريبة ل يستخف با ول يستهان على طريق نيل الرية وتقيق‬
‫الستقلل ‪.‬‬
‫وعليهم أن يتفطنوا دوما أن كوكبة الشهداء الذين قضوا نبهم وجادوا من قبل ومن بعد‬
‫بأرواحهم إنا شيدوا منار هدى يهتدي به اليارى ‪ ،‬فل يليق بالموع الت أتت بعدهم‬
‫إل أن تذو حذوهم ‪ ،‬وتواصل زحفهم ‪ ،‬دونا أن تيد أو تتمارى ‪ ..‬نعوذ بال من الور‬
‫بعد الكور ‪.‬‬
‫وأشد أحوال الصب ومقاماته لدى الجاهدين ‪ :‬الصب عقب العركة ؛ إثر انقشاع جولة ‪،‬‬
‫والفراغ من صولة‪ ،‬كشف ذلك قوله تعال ‪( :‬ولنبلونكم حت نعلم الجاهدين منكم‬
‫والصابرين ونبلوا أخباركم )[ سورة ممد آية ‪ ،] 31‬فأخر الصب عن الهاد لن القصود‬
‫بالجاهدين هنا ‪ :‬القيمون عليه ‪ ،‬وبالصابرين ‪ :‬الثابتون عليه – على الهاد ‪ ، -‬ولوائه‬
‫دونا انزال أو انذال ‪.‬‬
‫ذلك أن غبار العركة سوف ينجلي عن دماء تنف ‪ ،‬وأشلء تتناثر ‪ ،‬وأرواح تزهق ‪ ،‬من‬
‫فلذات الكباد ‪ ،‬وقادة الهاد ‪ ،‬وصناع الستشهاد ‪ ،‬فضل عما تلفه وراءها من نساء‬
‫ثكال ‪ ،‬وأطفال يتامى ‪ ،‬وأبنية تتهاوى ‪ ،‬ومقدرات وثروات وخيات ومزروعات ترى‬
‫العدو بإتلفها يتغاوى ‪!!..‬‬

‫‪219‬‬
‫فهذا كله يتطلب من الجاهدين ومن آزرهم ‪ ،‬ومن أهل فلسطي ومن ساندهم ‪ ،‬استنفار‬
‫جهود كثيفة ‪ ،‬واستفراغ طاقات حثيثة ‪ ،‬بغية تضميد الرح ‪ ،‬وبلسمة القرح‪ ،‬لكيل‬
‫يتوان أحد عن الزحف نو التحرير ‪ ،‬وانتزاع حق الرية وتقرير الصي ‪.‬‬
‫ومتطلبات هذه الرحلة تنوء بالعصبة أول القوة ‪ ،‬إل من رحم ربك ‪ ،‬فبث فيه العزية‬
‫والمة ‪.‬‬
‫لذا تد القرآن الكري قد أعلى من شأن رواد هذه الرحلة ‪ ،‬وأولهم عناية‬
‫فائقة ‪ ،‬وتوجيهات سامقة ‪ ،‬ففي مثل هذه الرحلة وما شاكلها نزل قوله تعال " من‬
‫الؤمنيَ رجالٌ صدقوا ما عاهدوا ال عليه فمنهم من قضى نبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا‬
‫تبديل [ سورة الحزاب آية ‪. ] 23‬‬
‫ذلك أن التبديل والتغيي إنا يزينة الرجفون شياطي النس والن أجعون حينما يثخن‬
‫السد بالراح ‪ ،‬وتتناثر الشلء ف الساح ‪ ،‬وتسيل بالدم البطاح ‪ ..‬عندها تتكثف‬
‫جهودهم الذمومة ‪ ،‬وتنشط مساعيهم الحمومة ‪ ،‬وتتعال صيحاتم السمومة ‪ ،‬لغزو‬
‫النفوس بسوء الظنون ‪ ،‬واحرّقلباه !! فلهم ف ذلك دروب وفنون ‪.‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫صب الرسول (صلى ال عليه وسلم) عائض بن عبد ال القرنـــي‬

‫ب العالي‪.‬‬ ‫المد ل ر ِ‬
‫ت وَالنّورَ ثُمّ الّذِينَ َكفَرُوا بِ َرّبهِمْ‬
‫الْحَمْدُ ِللّ ِه الّذِي َخلَقَ السّمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضَ َو َجعَلَ الظّلُمَا ِ‬
‫َيعْدِلُونَ ‪.‬‬
‫ح ٍة َمثْنَى َوثُلثَ‬ ‫الْحَمْدُ ِللّهِ فَاطِرِ السّمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضِ جَاعِ ِل الْمَلئِ َكةِ ُر ُسلً أُولِي أَ ْجنِ َ‬
‫خلْ ِق مَا يَشَاءُ ِإنّ اللّ َه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ ‪.‬‬
‫وَ ُربَاعَ َيزِيدُ فِي الْ َ‬
‫المد لِ حدا حدا‪ ،‬والشكرُ ل شكرا شكرا‪ ،‬المد ل عبوديةً واعترافا‪ ،‬المد ل‬
‫استخزاءً وذلة‪.‬‬
‫ع كيان الوثنية‪ ،‬صلى ال‬ ‫والصلةُ والسلم على معلمِ البشرية‪ ،‬وهادي النسانية‪ ،‬ومزعز ِ‬
‫ق على شجر‪،‬‬ ‫وسلم على مم ٍد ما اتصل مرءأ بنظر‪ ،‬وما اتصلت أذنُ بب‪ ،‬وما هتفَ ور ُ‬
‫وما نزل مطر‪ ،‬وما تلعلعَ الظلُ على الشجر‪ ،‬وعلى آله وصحبِه وسلمَ تسليما كثيا‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫أشهدُ أن ل إله إل ال‪ ،‬وأشهدُ أن ممدا عبدُه ورسولُه‪ ،‬أشهدُ أن ل غله غل اللهث على‬
‫رغمِ أنفِ من تكب وكفر‪ ،‬وعلى رغمِ من جحد واستكب‪ ،‬وعلى رغمِ من بع َد وتنكر‪.‬‬
‫أيها السلمون‪:‬‬
‫بشرى لنا معش ُر السلمِ إن لنا ‪ .......‬من العنايةِ ركنا غي منهدمِ‬
‫لا دعا الُ داعينا لطاعتِه ‪ ............‬بأكرمِ الرسلِ كنا أكرم الممِ‬
‫أخوك عيسى دعا ميتا فقامَ له ‪.........‬وأنت أحييت أجيالً من الرممِ‬
‫مولي صلي وسلم ما أردتَ على ‪ ...‬نزيلِ عرشكَ خي الرسل كلهمِ‬
‫ل عليه وسلم)‪ ،‬وعظمتُه تبهرُ‬ ‫ث عن جانبٍ من جوانبِ عظمتِه (صلى ا ُ‬ ‫ل يزا ُل الدي ُ‬
‫ب اللباب‪ ،‬وتيُ الفكار‪ ،‬إنهُ عظي ُم لنَه عظيم‪ ،‬وإنه صادقُ لنَه صادق‪،‬‬ ‫العقول‪ ،‬وتل ُ‬
‫بن رسالةً أرسى من البال‪ ،‬وأسسَ مبادئ أعمقُ من التاريخ‪ ،‬وبن جدارا ل يترقَه‬
‫ت عظمتَه‪ ،‬فهيا بنا‬ ‫ل عليه وسلم) حيثما توجهتَ ف عظمتِه وجد َ‬ ‫الصوت‪ ،‬إنه (صلى ا ُ‬
‫ل عليه وسلم)‪.‬‬‫ب الصبِ ف حياتِه (صلى ا ُ‬ ‫إل جان ِ‬
‫ل الصابرين‪ ،‬ومرةً يبُ الُ‬ ‫ي موضعا‪ ،‬مرةً يدحُ ا ُ‬ ‫ذك َر الصبُ ف القرآنِ ف أكثرِ من تسع َ‬
‫ل عليه‬ ‫بثوابِ الصابرين‪ ،‬ومرةً يذكرُ الُ عز وجل نتائجَ الصابرين‪ ،‬يقولُ لرسولِه (صلى ا ُ‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬
‫صبِرْ َ‬
‫وسلم)‪ :‬فَا ْ‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬‫صبِرْ َ‬
‫ت الباطلَ يتحدى‪ ،‬وإذا رأيت الطغيانَ يتعدى‪ :‬فَا ْ‬ ‫إذا رأي َ‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬
‫صبِرْ َ‬
‫إذا قل مالُكَ وكثرَ فق ُر َك وعوزُك وتمعتَ هومُك وغمومُك‪ :‬فَا ْ‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬‫صبِرْ َ‬‫إذا قتلَ أصحابُك وقل أصحابُك وتفرقَ أنصارُك‪ :‬فَا ْ‬
‫صبِرْ‬
‫ك الاهليةُ الشنعاء‪ :‬فَا ْ‬ ‫إذا كثُ َر عليك العداء‪ ،‬وتكالبَ عليك البُغضاء وتمعت علي َ‬
‫صبْرا َجمِيلً‪.‬‬
‫َ‬
‫ت وأقبحَ‬
‫إذا وضعوا ف طريقِك العقبات‪ ،‬وصنفوا لك الشكلت‪ ،‬وتددوكَ بالسيئا ِ‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬
‫صبِرْ َ‬
‫الفعلت‪ :‬فَا ْ‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬‫صبِرْ َ‬‫إذا مات أبناؤكَ وبناتُك وتفرق أقرباءُك وأحباؤكَ‪ :‬فَا ْ‬

‫‪221‬‬
‫فكا َن مثال للصبِ عليه السلم‪ ،‬سكنَ ف مكةَ فعاداهُ القربا ُء والحباء‪ ،‬ونبذَه العما ُم‬
‫والعمومةَ‪ ،‬وقاتلَه القريبُ قبل البعيد فكانَ من أص ِب الناس‪ ،‬أفتق َر وأشتكى‪ ،‬ووضع الجرَ‬
‫على بطنِه من الوع وظمأَ فكان من أصبِ الناس‪.‬‬
‫ب القريبِ من القلبِ‪ ،‬ودموعُ‬ ‫مات أبنَه بي يديه وعمرُه سنتان‪ ،‬فكان ينظ ُر إل أبنِه البي ِ‬
‫الصطفى (صلى ال عليه وسلم) الار ُة تتساقطُ كالُمانِ أو كالدرِ على خدِ أبنِه وهو من‬
‫س يقول‪ :‬تدمع العي‪ ،‬ويز ُن القلب‪ ،‬ول نقولُ إل ما يرضي ربَنا‪ ،‬وإنا بفراقِك يا‬ ‫أصبُ النا ِ‬
‫إبراهيمُ لحزونون‪.‬‬
‫مات خديةُ زوجتُه وامرأتُه العاقلةُ الرشيدة‪ ،‬العاقل ُة الازمةُ الربا ُة ف بيتِ النبوة‪ ،‬الت‬
‫كانت تؤيدُه وتنصُره‪ ،‬ماتت وقت الزمات‪ ،‬ماتت ف العصرِ الكي يوم تألبت عليه‬
‫ل عنها ساعدَه الين‪.‬‬ ‫الاهليةُ‪ ،‬وقد كانت رضي ا ُ‬
‫يشتكي إليه من كثرةِ العداء‪ ،‬ومن الوفِ على نفسِه فتقول‪ :‬كل والِ ل يزيكَ الُ‬
‫ي اللهوفَ‪ ،‬وتطع ُم الضيفَ‪ ،‬كل والِ ل‬ ‫أبدا‪ ،‬إنك لتص ُل الرحم‪ ،‬وتملُ الكلَ‪ ،‬وتع ُ‬
‫صبِرْ‬
‫ل يقولُ له‪ :‬فَا ْ‬ ‫ل أبدا‪ .‬فتموتُ ف عام الز ِن فيكونُ من أصبِ الناسِ لن ا َ‬ ‫يزيكَ ا ُ‬
‫صبْرا َجمِيلً‪.‬‬ ‫َ‬
‫تمع عليه كفا ُر مكةَ‪ ،‬أقاربُه وأعمامُه‪ ،‬نصبوا له كمينا ليقتلوه ويغتالوه‪ ،‬فدخلَ دارَه‪،‬‬
‫ب معَه سيفُ يقطرُ دما وحقدا وحسدا وموتا‪،‬‬ ‫وأتى خسونَ من شبابِ قريش‪ ،‬كلُ شا ٍ‬
‫فلما طوقوا دارَه كان من أص ِب الناس‪ ،‬خرج من الدارِ وهم ف نعاسٍ وسباتٍ فحثا على‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬ ‫صبِرْ َ‬ ‫رؤوسِهم الترابَ لن الَ يقولُ له‪ :‬فَا ْ‬
‫ولا حثا الترابَ على رؤوسِهم كانوا نياما قد تساقطت سيوفُهم من أياديهم‪ ،‬والرسول‬
‫عليه الصلة والسل ُم يتلو عليهم‪ :‬وَ َجعَ ْلنَا مِ ْن َبيْنِ َأيْدِيهِ ْم سَدّا َومِنْ َخ ْل ِفهِ ْم سَدّا‬
‫شْينَاهُمْ َفهُمْ ل ُيْبصِرُونَ‪.‬‬
‫َفأَغْ َ‬
‫ب عليه العداءُ وتمعوا على سط ِح الغار‪،‬‬ ‫خرج إل غا ِر ثورٍ ليختفي من العداء‪ ،‬فتول َ‬
‫ونزلوا ف ميمنةِ الغار‪ ،‬وأحاطوا بيسرةِ الغار‪ ،‬وطوقوا الغار وأرادوا أن يدخلُوه فسخرَ الُ‬
‫عنكبوتا وحاما فعشعشت تلكَ‪ ،‬وباضت تلك‪:‬‬
‫ظنوا الما َم وظنوا العنكبوتَ على ‪ ....‬خيِ البيةِ ل تنسج ول تمِ‬

‫‪222‬‬
‫عنايةُ ال أغنت عن مضاعفةٍ ‪ ........‬من الدروع وعن عال من الُط ِم‬
‫ل عليه‬ ‫فما دخلوا الغار‪ ،‬يقو ُل أبو بكر رضي ال عنه وهو ف الغارِ مع الصطفى (صلى ا ُ‬
‫ل لو نظرَ أحدُهم إل موطن قدمِه لرآنا‪.‬‬ ‫وسلم)‪ :‬يا رسولَ ال وا ِ‬
‫فيتبس ُم عليه الصلةُ والسلم‪ ،‬يتبسمُ الزعيمُ العاليُ‪ ،‬والقائدُ الربان‪ ،‬الواثقُ بنصرِ الِ‬
‫ل ثالثُهما؟ ويقول‪ :‬ل تَحْ َزنْ ِإنّ اللّ َه َم َعنَا‪.‬‬ ‫ويقول‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬ما ظنُك باثني ا ُ‬
‫وهي دستورُ للحياة‪ ،‬إذا جعت وظمئت فقل‪ :‬ل تَحْ َزنْ ِإنّ اللّ َه َم َعنَا‪.‬‬
‫ح َزنْ ِإنّ اللّ َه َمعَنَا‪.‬‬
‫إذا مات أبناؤكَ وبناتُكَ فقل‪ :‬ل تَ ْ‬
‫ث والشكلت ِفقال‪ :‬ل َتحْ َزنْ إِنّ اللّ َه َم َعنَا‪.‬‬ ‫وإذا أرصدت ف طريقِك الكوار َ‬
‫فكان عليه الصلةُ والسلمُ من أص ِب الناس‪ ،‬ويرجُ من الغار‪ ،‬والكفا ُر ل يدرونَ أنه كانَ‬
‫ف الغار‪ ،‬فينسلُ إل الدينةِ وليتَهم تركوه‪ ،‬بل يعلنونَ عن جائز ٍة عالي ٍة لن وجدَه‪ ،‬جائزةَ‬
‫العارِ والدمارِ وقل ِة اليا ِء والروءة‪ ،‬مئ ُة ناقةٍ حراء لن جاء به حيا أو ميتا‪ ،‬فيلحقُوه سراقةُ‬
‫أبن مالكٍ بالرم ِح والسيف‪ ،‬فياهُ (صلى الُ عليه وسلم) وهو يشي على الصحراءِ جائعا‬
‫ظمئنا قد فارقَ زوجتَه فارق بناتِه‪ ،‬فارق بيتَه‪ ،‬فارق جيانَه وأعمامَه وعمومتَه‪ ،‬ليس له‬
‫س ول جنود‪ ،‬ل رعايةُ ول موكب‪ ،‬وسراقةُ يلحقوه بالسيف‪.‬‬ ‫حر ُ‬
‫ب منا‪.‬‬ ‫فيقو ُل أبو بكرٍ‪:‬يا رسولَ ال وال لقد اقتر َ‬
‫فيتبس ُم عليه الصلة والسلم مرةً ثانيةً لنَه يعلم عليه الصلةُ والسلمُ أن رسالتَه سوف‬
‫ت الجرمون‪ ،‬وسوف تنتصرُ مبادئُه‬ ‫ت الكفار‪ ،‬وسوف تبقى دعوتُه حيةً ويو ُ‬ ‫تبقى ويو ُ‬
‫ل ثالثَهما‪.‬‬ ‫وتنهز ُم الاهليةُ‪ .‬فيقول‪ :‬يا أبا بك ٍر ما ظنكَ باثني ا ُ‬
‫ع عليه الصطفى (صلى الُ عليه وسلم) فتسيخُ أقدامُ فرسِه ويسقط‪،‬‬ ‫ويقتربُ سراق ُة ويد ُ‬
‫ع عليه الصطفى (صلى الُ عليه وسلم) فيسقط‪ ،‬ث يقولُ‪:‬‬ ‫فيقومُ ويركب ويقترب فيد ُ‬
‫يا رسولَ ال أعطن المان‪ ،‬الن هو يطلبُ المان وأن يق َن الصطفى دمَه‪ ،‬وهو بسيفٍ‬
‫ل عليه‬ ‫ت وف الوتِ وقع‪ .‬فيعطيهِ الصطفى (صلى ا ُ‬ ‫والصطفى بل سيف‪ ،‬ف َر من الو ِ‬
‫وسلم) أمانَه‪.‬‬
‫يا حافظَ المالِ أنت ‪ ......‬حفظتن ونصرتن‬
‫وعدى الظلومُ علي ‪ .......‬كي يتاحن فنصرتَن‬

‫‪223‬‬
‫فأنقادَ ل متخشعا ‪..........‬لا رآك منعتن‬
‫ل عليه وسلم) إل الدينة‪ ،‬ويشاركُ ف معركةِ بدر‪ ،‬فيجوعُ حت يعلَ الجرَ‬ ‫يصلُ (صلى ا ُ‬
‫على بطنِه‪:‬‬
‫ت واللبس‪ ،‬رسولُ النسانيةَ‪،‬‬ ‫يا أهل الوائدَ الشهية‪ ،‬يا أهل التخ ِم والرطبات‪ ،‬والشهيا ِ‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬
‫صبِرْ َ‬‫وأستا ُذ البشرية يوع حت ما يدُ دقل التمرِ وحشف التمر‪ :‬فَا ْ‬
‫ت بناتُه الثلث هذه تلو الخرى‪ ،‬تتُ الول فيغسلُها ويكفنُها ويدفنُها ويعودُ من‬ ‫تو ُ‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬
‫صبِرْ َ‬
‫الق َبةِ وهو يتبسم‪ :‬فَا ْ‬
‫صبِرْ‬
‫ت الثانية فيغسلُها ويكفنُها ويدفنُها ويعو ُد من القبَ ِة وهو يتبسم‪ :‬فَا ْ‬ ‫وبعد أيامٍ تو ُ‬
‫صبْرا َجمِيلً‪.‬‬‫َ‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬ ‫صبِرْ َ‬
‫ت الثالثةَ فيغسلُها ويكفنُها ويدفنُها ويعودُ من القبَ ِة وهو يتبسم‪ :‬فَا ْ‬ ‫تو ُ‬
‫صبْرا‬
‫صبِرْ َ‬
‫ت أبنُه إبراهيم‪ ،‬فيغسلُه ويكفنُه ويدفنُه ويعو ُد من القب ِة وهو يتبسم‪ :‬فَا ْ‬ ‫يو ُ‬
‫جَمِيلً‪.‬‬
‫صبْرا َجمِيلً‪.‬‬‫صبِرْ َ‬
‫ل يقول لَه‪ :‬فَا ْ‬ ‫عجبا من قلبِك الفذ الكبي‪ .‬لن ا َ‬
‫يشاركُ ف معركةِ أحد‪ ،‬فيه َزمُ أصحابُه‪ ،‬ويقتلُ من قرابتِه ومن سادةِ أصحابِه‪ ،‬ومن خيارِ‬
‫مقربيه سبعونَ رجل أولُهم حزة رضي الُ عنه‪ ،‬عمُه سيفُه الذي بيمينِه‪ ،‬أسدُ الِ ف‬
‫أرضِه‪ ،‬سي ُد الشهداءِ ف النة‪ ،‬ث يقفُ (صلى الُ عليه وسلم) على القتلى‪ ،‬وينظرُ إل حزةَ‬
‫س اب ُن النظر وغيهم من‬ ‫وهو مقتولُ مقطعُ‪ ،‬وينظرُ إل سعدَ أبنُ الربي ِع وهو مزق‪ ،‬وأن ُ‬
‫أولئك النفر فتدمعُ عيناه‪ ،‬وتسيلُ دموعُه الارة على ليتِه الشريفة‪ ،‬ولكن يتبسم لن ال‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬
‫صبِرْ َ‬
‫قال له‪ :‬فَا ْ‬
‫ويعو ُد عليه الصل ُة والسلم فيسلُ قادتَه إل مؤتةَ ف أرض الردنَ ليقاتلواُ الروم‪ ،‬فيقتلُ‬
‫الثلثةُ القوادُ ف ساعةٍ واحدة‪ ،‬زيدُ أبنُ حارثة‪ ،‬وجعفرُ الطيار أبي عمه‪ ،‬وعبدُ ال أبن‬
‫رواحه‪ ،‬ويراهم وينظرُ إليهم من مساف ِة مئاتِ الميال‪ ،‬ويرى أسرتَهم من ذهب تدخلُ‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬
‫صبِرْ َ‬‫النةَ‪ ،‬فيتبس َم وهو يبكي لن الَ قال له‪ :‬فَا ْ‬
‫يتجم ُع عليه النافقونَ‪ ،‬والكفارَ‪ ،‬والشركون‪ ،‬واليهودَ‪ ،‬والنصارى‪ ،‬وإسرائيل ومن وراءَ‬
‫إسرائيلَ فيحيطون بالدينة‪ ،‬فيحفرُ (صلى ال عليه وسلم) الندق‪ ،‬ينلُ على الندقِ ويرفعُ‬

‫‪224‬‬
‫ق شذا النارِ ف الواء‬‫ب الصخرةَ بالعولِ فيب ُ‬ ‫الثوب‪ ،‬وعلى بطنِه حجرانِ من الوع‪ ،‬فيضر ُ‬
‫فيقولُ‪:‬‬
‫ل سوف يفتحُها علي‪.‬‬ ‫ت قصورَها‪ ،‬وإن ا َ‬ ‫هذه كنوزُ كسرى وقيصر‪ ،‬والِ لقد رأي ُ‬
‫فيضحكُ النافقو َن ويقولون‪ :‬ما يدُ أحدُنا حفنةً من التمر‪ ،‬ويبشرُنا بقصور كسرى‬
‫وقيصر‪.‬‬
‫صبْرا َجمِيلً‪.‬‬
‫صِبرْ َ‬‫ل يقولُ له‪ :‬فَا ْ‬ ‫فيتبسم لن ا َ‬
‫س وعشرين سنةً تذهبُ جيوشُه وكتائبُه من الدين ِة فتفتح أرض كسرى وقيصر‪،‬‬ ‫وبعد خ ٍ‬
‫وما وراء نر سيحو َن وجيحون‪ ،‬وطاشكند وكابل وسرقن والسند والند وأسبانيا‪ ،‬ويقفُ‬
‫جيشُه على نر اللوار ف شالِ فرنسا‪.‬‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬‫صبِرْ َ‬‫ل يقولُ له‪ :‬فَا ْ‬ ‫لاذا لن ا َ‬
‫فظلمُ ذوي القرب أشدُ مضمضةً ‪ ...‬على النفسِ من وق ِع السامِ الهندِ‬
‫يأتيه أبنُ العمَ‪ ،‬فيتفل على الرسو ِل عليه الصلةُ والسلم‪ ،‬يتفل على الرسول‪ ،‬على معلمِ‬
‫الي‪ ،‬على هادي البشريةَ‪ ،‬فيتبسم عليه الصل ُة والسلم ول يقولُ كلمة‪ ،‬ول يغضب‪ ،‬ول‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬
‫صبِرْ َ‬
‫ل يقولُ له‪ :‬فَا ْ‬ ‫يتغيُ وجهَهُ لن ا َ‬
‫يأت أبو جهلٍ فيأخ َذ ابنةَ الصطفى‪ ،‬طفلةُ وادعةُ أزكى من حام الرم‪ ،‬وأطهر من ماء‬
‫الغمام فيضربُها على وجهِها ضربَه ال‪ ،‬فيتبسم عليه الصل ُة والسلم ول يقولُ كلمةً‬
‫صبْرا َجمِيلً‪.‬‬‫صبِرْ َ‬
‫واحدة‪ :‬فَا ْ‬
‫يأت العرابُ من الصحراء فيجرجرُه ببدتِه‪ ،‬ويسحبَه أمامَ الناس‪ ،‬وهو يتبسمُ (صلى الُ‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬ ‫صبِرْ َ‬
‫عليه وسلم)‪ :‬فَا ْ‬
‫أي ص ٍب هذا!‬
‫س لو وعتَها المم لكانت شعوبا من ال ِي والعدلِ والسلم‪ ،‬لكن أين من‬ ‫إنا والِ درو ُ‬
‫يقرأُ سيتَه‪ ،‬أين من يتعلم معاليه‪.‬‬
‫ي ُر عليه ف بيتِه ثلثةُ أيامٍ وأربعة فل ي ُد ما يُشب ُع بطنَه‪ ،‬ل يدُ التمرَ‪ ،‬ل يدُ اللب‪ ،‬ل يد‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬
‫صبِرْ َ‬
‫ل وبنعيم ال‪ :‬فَا ْ‬ ‫خب َز الشعي‪ ،‬وهو راضٍ برزقِ ا ِ‬

‫‪225‬‬
‫ينا ُم على الصيِ‪ ،‬ويؤث ُر الصيُ ف جنبِه‪ ،‬وينامُ على الترابِ ف شدةِ البد‪ ،‬ول يدُ غطاءً‪:‬‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬
‫صبِرْ َ‬
‫فَا ْ‬
‫بيتَه من طي‪ ،‬إذا مدَ يدَه بلغتِ السقف‪ ،‬وإذا اضطجعَ فرأسُه ف جدا ٍر وقدميه ف جدار‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬
‫صبِرْ َ‬
‫لنَها دنيا حقية‪ :‬فَا ْ‬
‫فرعونُ على منبِ الذهب‪ ،‬وف إيوانِ الفضة‪ ،‬ويلبسُ الرير‪ .‬وكسرى ف عمالةِ الديباج‪،‬‬
‫صبْرا‬
‫صبِرْ َ‬
‫وف متاعِ الدر ِر والواهرِ‪ ،‬وممدُ (صلى الُ عليه وسلم) على التراب‪ :‬فَا ْ‬
‫جَمِيلً‪.‬‬
‫أتى جبيلُ بفاتيحِ خزائنِ الدنيا وسلمها إل الصطفى (صلى ال عليه وسلم)‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫أتريدُ أن يولَ الُ لك جبالَ الدنيا ذهبا وفضة؟‬
‫فقال ل‪ ،‬بل أشب ُع يوما وأجوعُ يوما حت ألقى ال‪.‬‬
‫حضرتَه الوفاة‪ ،‬فقالوا له‪ :‬أتري ُد الياة‪ ،‬أتريدُ أن تبقى ونعطيكَ ملكا يقاربُ ملك سليمان‬
‫عليه السلم؟‬
‫قال ل بل الرفي ِق العلى‪ ،‬بل الرفي ِق العلى‪.‬‬
‫أي عظمةٍ هذه العظمةُ‪ ،‬أي إشراقٍ هذا الشراق‪ ،‬أي إبداعٍ هذا البداع‪ ،‬أي روعةٍ هذه‬
‫الروعة‪.‬‬
‫بشرى لنا معش ُر السلمِ إن لنا ‪ ...‬من العنايةِ ركنا غي منهدمِ‬
‫لا دعا الُ داعينا لطاعتِه ‪ ........‬بأكرمِ الرسلِ كنا أكرم الممِ‬
‫أقو ُل ما تسمعون وأستغفرُ ال ل ولكم ولسائر السلمي من كل ذنب‪ ،‬فاستغفروه وتوبوا‬
‫إليه إن هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫‪................................‬‬
‫المد ل الذي كان بعبادِه خبيا بصيا‪ ،‬وتبار الذي جعل ف السماء بروجا وجعل فيها‬
‫سراجا وقمرا منيا‪ ،‬وهو الذي جعل الليل والنهارَ خلفة لن أراد أن يتذكر أو أراد‬
‫شكورا‪.‬‬
‫والصلةُ والسلم على من بعثَه ربُه هاديا ومبشرا ونذيرا‪ ،‬وداعيا إل ال بأذنه وسراجا‬
‫منيا‪ ،‬بلغ الرسالة وأدى المانة‪ ،‬ونصح المة‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫صبِ ْر عَلَى مَا َيقُولُو َن وَاهْجُ ْرهُ ْم هَجْرا جَمِيلً‪.‬‬
‫ل سبحانَه وتعال له‪ :‬وَا ْ‬
‫يقولُ ا ُ‬
‫فأصب صبا جيل‪ ........‬وَاهجرهم هجرا جيل‪.‬‬
‫ما هو الصبُ الميل الذي أمر الُ رسولَه (صلى ال عليه وسلم) أن يصبَه؟‬
‫الص ُب الميل هو الذي ل شكوى فيه‪ ،‬أن تصبَ ول تشتكي على أحد‪ ،‬فالشكوى على‬
‫ال‪ ،‬ول يرفعُ الضرَ إل ال‪ ،‬ول ييبُ دعا َء الضطرِ إل ال‪ ،‬ول يغنيكَ من الفقرِ إل ال‪،‬‬
‫ول يشافيكَ من الرضِ إل ال‪ ،‬ول ي ُب مصيبتَك إل ال‪.‬‬
‫فلذلك كان عليه الصلةُ والسلم ل يشكو هومَه وغمومَه إل على ال‪.‬‬
‫دخل عليه أبنُ مسعودٍ رضي الُ عنه فوجدَ الرسولُ (صلى اللهث عليه وسلم) مريضا على‬
‫الفراش‪ ،‬سي ُد البشر‪ ،‬خيُ من خلقَ ال أصابتهُ المى فصرعتُه على الفراش‪ ،‬المى مع‬
‫مشاكلِ الدعوة‪ ،‬مع هومِ الدعوة‪ ،‬مع مارب ِة العداء‪ ،‬مع الفقرِ‪ ،‬مع الوع‪ ،‬مع موتِ‬
‫الول ِد والبنات تصيبُه المى ف جسمِه‪.‬‬
‫يقول أبن مسعودٍ دخلتُ على الرسولِ (صلى ال عليه وسلم) وهو يوعَكُ وعكا شديدا‪،‬‬
‫أي يرتعدُ على الفراشِ من شدةِ المى‪ ،‬فوضعتُ يدِ على جسمِه الشريف‪ ،‬قلت يا رسولَ‬
‫ال بأب أنت وأمي‪ ،‬يعن أفديك بأب وأمي‪ ،‬وصدق رضي الُ عنه فقد فدوه بالباءِ‬
‫والمهات‪:‬‬
‫فدىً لك من يقص ُر عن مداكَ ‪ .....‬فما شهمُ إذا إل فِداك‬
‫أروحُ وقد ختمتُ على فؤادي ‪ ....‬ببِك أن ي َل به سواكَ‬
‫إذا اشتبكت دموعُ ف خدودٍ ‪ ......‬تبيَ من بكى من تباكى‬
‫قلت يا رسولَ ال بأب أنت وأمي‪ ،‬يعن أفديك بأب وأمي إنك لتوعَكُ وعكا شديدا‪.‬‬
‫ك كما يوعَكُ رجل ِن منكم‪ ،‬أي جع الُ عليه مرضي‪.‬‬ ‫قال نعم إن لوعَ ُ‬
‫لتُ يا رسول ال ذلك لن لك الجرُ مرتي؟‬
‫قال أجل‪.‬‬
‫ما من إنسا ٍن يصيبُه مرضُ أو ه ُم أو غمُ أو حزنُ إل كفرَ الُ به من خطاياه‪ ،‬ف صحيحِ‬
‫البخاري باب‪ :‬هل يقو ُل الرج ُل وا رأساه‪ ،‬هل يتوجع‪ ،‬يعن هل يقولُ آه من الرض؟‬
‫ع فقالت‪ :‬وا رأساه!‬ ‫دخلت عائش ُة على البيبِ (صلى الُ عليه وسلم) وبا صدا ُ‬

‫‪227‬‬
‫ض الوت‪ :‬بل أنا وا رأساه‪ ،‬والِ لقد‬ ‫ل عليه وسلم) وهو ف مر ِ‬ ‫فقال الصطفى (صلى ا ُ‬
‫همتُ أن أدعو أباكِ وأخاكِ لكتبَ لم كتاب‪.‬‬
‫لنَه علم عليه الصل ُة والسلم أنه سوف يوتُ بعدَ أيام‪.‬‬
‫تأتيه المى فتهُزُه هزا عنيفا‪ ،‬وف مرضِ موتِه مُرضَ مرضا عجيبا‪ ،‬سعَ الذان‪ ،‬سع بللُ‬
‫ب الية‪.‬‬ ‫يطل ُق التكبيَ من على النارة‪ ،‬لكن ل يسم ُع بللً إل أهلُ القلو ُ‬
‫قال أجعلوا ل ماءً لغتسل وأصلي بالناس‪.‬‬
‫قالوا يا رسولَ ال إنك مريض‪.‬‬
‫قال أسعُ الذان واصلي ف البيت‪.‬‬
‫فوضعوا له قرب ًة فأغتسل‪ ،‬فلما قام ليذهب إل السجدِ أغمي عليه‪ ،‬فجعلوا له ماءً فأغتسل‬
‫أخرى فأغمي عليه‪ ،‬فجعلوا له الاء ثالثةً فأغمي عليه‪ ،‬ورابعةً وخامسة‪ ،‬وف الخيِ لفظ‬
‫أنفاسَه وقال ودمعُه تارقُ على خدِه لنَه يريدُ الصلة‪ :‬وجعلت قرةُ عين ف الصلة‪.‬‬
‫ب الدنيا‪ ،‬ومشاك ِل الدنيا‪،‬‬‫كان يقول‪ :‬أرحنا با يا بلل‪ ،‬أرحنا با من هومِ الدنيا‪ ،‬وتع ِ‬
‫ومالفةِ الدنيا‪.‬‬
‫وقل لبللِ العزمِ من قلبِ صادقٍ ‪ ...‬أرحنا با إن كنت حقا مصليا‬
‫ب النانِ الثمانيا‬‫توضأ باء التوبةِ اليومَ ملصا ‪ .....‬به ترقى أبوا َ‬
‫س فبكى‬ ‫قال أمروا أبا بكرٍ فليصلي بالناس‪ ،‬فذهب بللُ إل أبا بكرٍ وأخبَه أن يصلي بالنا ِ‬
‫ل وإنا إليه راجعون‪.‬‬ ‫ل الستعان‪ ،‬إن ِ‬ ‫أبو بكرٍ وقال ا ُ‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬‫صبِرْ َ‬
‫ل عليه وسلم) على هذه الحداث‪ :‬فَا ْ‬ ‫فصب (صلى ا ُ‬
‫ب وأتباع وتلميذ الرسولِ (صلى ال عليه وسلم)‪ ،‬من أصيبَ‬ ‫فيا أيها السلمونَ‪ ،‬يا أصحا َ‬
‫منكم بصيبة فليتعزى بالرسول عليه الصلةُ والسلم‪.‬‬
‫ئ الصيلة‪ ،‬والهدافِ‬ ‫إن هذا دينُ العظماء‪ ،‬إنه دي ُن العقلء‪ ،‬إنه دينُ الشرفاء‪ ،‬أهلُ الباد ِ‬
‫الليلة‪ ،‬والخلقِ الميلة‪.‬‬
‫صبْرا َجمِيلً‪.‬‬
‫صِبرْ َ‬‫ت أبنُكَ‪ :‬فَا ْ‬
‫يو ُ‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬‫صبِرْ َ‬
‫ترض زوجتُك‪ :‬فَا ْ‬
‫صبْرا َجمِيلً‪.‬‬
‫صبِرْ َ‬
‫تذهب عيناك‪ ،‬أو يصمُ سعُك‪ :‬فَا ْ‬

‫‪228‬‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬ ‫صبِرْ َ‬ ‫تصابُ برضٍ أو حادثٍ‪ :‬فَا ْ‬
‫صبْرا جَمِيلً‪.‬‬
‫صبِرْ َ‬ ‫يزلزلُ بيتُك أو يدم ُر عقارُك‪ :‬فَا ْ‬
‫ل عنكَ فتصب ُح بعيدا‬ ‫ك ُل مصيب ٍة تون إل مصيبةُ الدين‪ ،‬ك ُل مصيبةٍ سهلةٍ إل يوم يتخلى ا ُ‬
‫عن ال‪ ،‬ك ُل شيءٍ سه ُل إل يومَ يصب ُح النسانُ فاجرا متنكرا للمسجد وللمصحفِ‬
‫ولذكرِ ال‪ ،‬كلُ شيءٍ سهلُ إل هذا الدين أن ل يفوتُك من قلبِك‪.‬‬
‫ل بالصلةِ والسلمِ عليه فقال‪ِ :‬إنّ اللّهَ‬ ‫عباد ال‪ ،‬وصلوا وسلموا على من أمرَكم ا ُ‬
‫صلّوا عََليْ ِه َوسَلّمُوا تَسْلِيما‪.‬‬
‫َومَلِئكَتَ ُه ُيصَلّونَ عَلَى النِّبيّ يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا َ‬
‫ل عليه با عشرا‪.‬‬ ‫وقد قال عليه الصل ُة والسلم‪ :‬من صلى علي صلةً واحده‪ ،‬صلى ا ُ‬
‫اللهم صلي على عبدك وحبيبِك ممد‪ ،‬وأعرض عليه صلتَنا وسلمَنا ف هذه الساعةِ‬
‫الباركة‪ ،‬يا رب العالي‪.‬‬
‫ب الطهار‪ ،‬من الهاجرين والنصار‪ ،‬ومن تبعَهم بإحسانٍ إل يوم‬ ‫وأرضى اللهم عن أصحا ِ‬
‫الدين‪ ،‬وعنا معهم بنك وكرمِك يا أكرم الكرمي‪.‬‬
‫اللهم أجع كلمةَ السلمي‪ ،‬اللهم وحد صفوفَهم‪ ،‬اللهم خذ بأيدِهم إل ما تبُه وترضاه يا‬
‫رب العالي‪.‬‬
‫اللهم أصلح أئمتَنا وول َة أمورِنا‪ ،‬اللهم وفقِهم لا تبُه وترضاه‪ ،‬اللهم أخرجهُم من‬
‫الظلماتِ إل النور‪ ،‬اللهم أهدِهم سب َل السلم‪.‬‬
‫اللهم بعلمِك الغيب‪ ،‬وبقدرتِك على اللق‪ ،‬أحيينا ما كانت الياةُ خيا لنا‪،‬وتوفَنا إذا‬
‫كانت الوفاةُ خيا لنا‪.‬‬
‫ب والشهادة‪ ،‬ونسألُكَ كلمةَ القِ ف الغضبِ والرضاء‪،‬‬ ‫ك خشيتَك ف الغي ِ‬ ‫اللهم إنا نسأل َ‬
‫ك والشوقَ إل لقاءِك ف غيِ‬ ‫ونسألُك القصدَ ف الغن والفقر‪ ،‬ونسألُكَ لذةَ النظرِ إل وجه َ‬
‫ضراءَ مضرة‪ ،‬ول فتنةً مظلة‪ ،‬برحتِك يا أرحم الراحي‪.‬‬
‫اللهم أنصر كل من جاه َد لعلءِ كلمتِك‪ ،‬ولرف ِع رايتكِ‪ ،‬ف ب ِركَ وبرِك يا رب العالي‪.‬‬
‫ربنا إننا ظلمنا أنفسَنا‪ ،‬وإن ل تغفر لنا وترجنا لنكونن من الاسرين‬
‫ربنا آتنا ف الدنيا حسنة‪ ،‬وف الخرة حسنة وقنا عذاب النار‪.‬‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون‪ ،‬وسلم على الر سلي‬

‫‪229‬‬
‫==========‬
‫صب الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫الصب شعار الرسلي كما دل عليه قول ال تعال ‪ ( :‬ولقد كذبت رسل من قبلك فصبوا‬
‫على ما كـذّبوا … )(النعام‪ ، )34/‬وقد رغــب الشرع النيف ف الصب وحث‬
‫عليه ‪ ،‬وأثن على أهله ‪.‬‬
‫ولقد كان رسول ال ممد صلى ال عليه وسلم أكثر رسل ال دعوة وبلغـا وجهادًا ‪،‬‬
‫لذا كان أكثرهم إيذاءً وابتلءً ‪ ،‬منذ بزوغ فجر دعوته إل أن لق بربه جل وعل ‪.‬‬
‫فقد لقى الذى بكة من قريش وغيهم ‪ ،‬وبعد أن هاجر إل الدينة لقي من الشركي‬
‫والنافقي واليهود أذىً شديدًا ‪ ،‬وما كانت تزيده هذه الشدائد والحن إل إصرارًا‬
‫وثباتــا ‪ ،‬با منّ ال تعال عليه من تثبيت قلبه ‪ ،‬وما آتاه ال عز وجل من الصب ‪،‬‬
‫وفيما يلي نستعرض ناذج من صبه صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫صبه ف طريق الدعوة إل ال ‪:‬‬
‫منذ بدأ رسول ال صلى ال عليه وسلم دعوته إل ال ‪ ،‬واجهه الشركون بشت أنواع‬
‫الذى ‪ ،‬من رميه بالسحر والكهانة والشعر والنون ‪ ،‬إل إيذائه جسديـا فرموه بالجارة‬
‫وشقوا وجهه ‪ ،‬ودبروا قتله ومن ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما أخرجه البخاري رحه ال تعال من حديث عروة بن الزبي رحه ال قال ‪ :‬سألت‬
‫ابن عمرو بن العاص رضي ال عنهما فقلت ‪ :‬أخبن بأشد شيء صنعه الشركون بالنب‬
‫صلى ال عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬بينا النب صلى ال عليه وسلم يصلي ف حجر الكعبة ‪ ،‬إذ‬
‫أقبل عقبة بن أب معيط ـ لعنه ال ـ فوضع ثوبه ف عنقه ‪ ،‬فخنقه خنقـا شديدًا فأقبل‬
‫أبو بكر رضي ال عنه حت أخذ بنكبه ودفعه عن النب صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫( أتقتلون رجلً أن يقول رب ال )(غافر‪. )28/‬‬
‫‪ -2‬وأخرج البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي ال عنه قال ‪ " :‬بينا النب‬
‫صلى ال عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش جاء عقبة بن أب معيط بسلى جزور‬
‫فقذفه على ظهر النب صلى ال عليه وسلم فلم يرفع رأسه ‪ ،‬فجاءت فاطمة عليها السلم‬
‫فأخذته من ظهره ‪ ،‬ودعت على من صنع ‪ ،‬فقال النب صلى ال عليه وسلم ‪ [ :‬اللهم‬

‫‪230‬‬
‫عليك الل من قريش أبا جهل بن هشام ‪ ،‬وعتبة من ربيعة ‪ ،‬وشيبة بن ربيعة ‪ ،‬وأمية بن‬
‫خلف ] أو [ أب بن خلف ] ـ شك الراوي ـ قال الراوي ‪ :‬فرأيتهم قتلوا يوم بدر ‪،‬‬
‫فألقوا ف بئر غي أمية أو أب تقطعت أوصاله فلم يلق ف البئر " ‪.‬‬
‫هكذا عان صلى ال عليه وسلم من قومه الشدة والذى وهو صابر متسب ‪ ،‬فلما أيس‬
‫من ناح دعوته ف قومه مع ما هم عليه من العداء واليذاء ‪،‬طمع ف أن ينصره قوم‬
‫آخرون من غي قومه ‪ ،‬فعمد إل الطائف رجاء أن ُيؤْو ُه وينصروه على قومه وينعوه‬
‫منهم ‪ ،‬لنم ‪ " :‬كانوا أخواله ول يكن بينه وبينهم عداوة " إل أنم ردوا عليه أقبح رد‬
‫وأشده ‪.‬‬
‫‪ -1‬فقد أخرج الشيخان من حديث عائشة رضي ال عنها أنا قالت ‪ :‬يا رسول ال هل‬
‫أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال صلى ال عليه وسلم ‪ [ :‬لقد لقيت من‬
‫قومك ما لقيت ‪ ،‬وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد‬
‫ياليل بن عبد كلل ‪ :‬فلم يبن إل ما أردت ‪ ،‬فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم‬
‫أستفق إل بقرن الثعالب ‪ ،‬فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتن فنظرت فإذا فيها جبيل ‪،‬‬
‫فنادان فقال ‪ :‬إن ال قد سع قول قومك لك وما ردوا عليك ‪ ،‬وقد بعث إليك ملك‬
‫البال لتأمره با شئت فيهم فنادان ملك البال ‪ ،‬فسلم عليّ ث قال ‪ :‬يا ممد إن ال قد‬
‫سع قول قومك لك ‪ ،‬وأنا ملك البال ‪ ،‬وقد بعثن ربك إليك لتأمرن بأمرك فما شئت ؟‬
‫‪ ،‬إن شئت أن أطبق عليهم الخشبي ‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬بل‬
‫أرجو أن يرج ال من أصلبم من يعبد ال تعال وحده ل يشرك به شيئـا "(البخاري‬
‫ومسلم ) ‪.‬‬

‫وهكذا واجه النب هذا اليذاء والهل بالصب الميل ‪ ،‬حت أنه أب أن يدعو عليهم ‪.‬‬

‫وقد انتهت هذه الرحلة بحاولة الشركي قتله صلى ال عليه وسلم كما أشار ال تعال‬
‫إل ذلك بقوله ‪ ( :‬وإذ يكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يرجوك ويكرون‬
‫ويكر ال وال خي الاكرين )(النفال‪. )30/‬‬

‫‪231‬‬
‫ولا هاجر صلوات ال وسلمه عليه إل الدينة ل يقل صبه عما كان عليه أمره ف مكة ‪،‬‬
‫فلئن كان ف مكة صابرًا على الشركي فحسب ‪ ،‬فإنه ف الدينة قد صب على مَنْ هم‬
‫أكثر أذية وعددًا وطوائف ‪ ،‬إنم النافقون ‪ ،‬واليهود والشركون ‪ ،‬فقد كانت كل واحدة‬
‫من هذه الطوائف تكيد للنب صلى ال عليه وسلم ودعوته كيدًا وتصطنع له أذية ل تألو‬
‫جهدًا ف ذلك ‪،‬وهو يتلقى ذلك كله بقلب راسخ باليان واثق بنصر ال ‪ ،‬ورباطة جأش‪،‬‬
‫ل يتزعزع من حوادث العداء وكيد اللداء ‪.‬‬
‫صبه صلى ال عليه وسلم على النافقي ف الدينة ‪:‬‬
‫أما النافقون فقد كان الصب عليهم مُرّا ‪ ،‬إذ ل حيلة له غي الصب ؛ لنم يزعمون السلم‬
‫‪ ،‬ويظهرون الولء ل تعال ولرسوله صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهم ف القيقة يبطنون الكفر‬
‫ويتربصون بالنب صلى ال عليه وسلم والسلمي الدوائر ‪ ،‬وهم عيون للعداء الارجيي‬
‫يتتبعون عورات السلمي ‪ ،‬ويططون للقضاء عليهم ‪ ،‬ولكن ذلك ف السر ‪ ،‬إذ ل يعلم‬
‫ذلك أحد إل ال تعال ث رسوله صلى ال عليه وسلم بإعلم ال تعال له ‪.‬‬
‫ولطالا كان السلمون يكتشفون رائحة النفاق من أحدهم ‪ ،‬فيستأذنون النب صلى ال عليه‬
‫وسلم ف قتله فيقول عليه الصلة والسلم ‪ [ :‬ل يتحدث الناس أن ممدًا يقتل أصحابه ]‬
‫(رواه البخاري ومسلم ) ‪ ..‬إن ذلك الصب ل متنفس فيه ‪ ،‬وهو أشد ما يكون على‬
‫الرء ‪ ،‬وسأذكر هنا قصة واحدة تبي مدى صبه صلى ال عليه وسلم على أذى النافقي ‪:‬‬
‫فقد أخرج المامان البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي ال عنه أن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم ركب حارًا عليه إكَاف ‪ ،‬تته قطيفة فدَ ِكيّة ‪،‬وأردف وراءه أسامة ‪،‬‬
‫وهو يعود سعد بن عبادة ف بن الارث بن الزرج ‪ ،‬وذلك قبل وقعة بدر ‪ ،‬حت مر‬
‫بجلس فيه أخلط من السلمي والشركي وعبدة الوثان واليهود ‪ ،‬فيهم عبد ال بن‬
‫أب ‪ ،‬وف الجلس عبد ال بن رواحة رضي ال عنه قال ‪ :‬فلما غشيت الجلس عجاجة‬
‫الدّابة ‪ ،‬خّر عبد ال بن أب أنفه ث قال ‪ :‬ل تغبّروا علينا ‪،‬فسلم عليهم النب صلى ال عليه‬
‫وسلم ث وقف فنل فدعاهم إل ال وقرأ عليهم القرآن ‪ ،‬فقال عبد ال بن أب ‪ :‬أيها الرء‬
‫ـ يريد النب صلى ال عليه وسلم ـ ل أحسن من هذا ‪ ،‬إن كان ما تقول حقـا فل‬
‫تؤذنا ف مالسنا ‪ ،‬وارجع إل رحلك ‪ ،‬فمن جاءك منا فاقصص عليه ‪ ،‬فقال عبد ال بن‬

‫‪232‬‬
‫رواحة ‪ :‬اغشنا ف مالسنا فإنا نب ذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬فاستب السلمون والشركون واليهود‬
‫حت هـوا أن يتواثبوا ‪ ،‬فلم يزل النب صلى ال عليه وسلم يفضهم ‪ ،‬ث ركب دابته حت‬
‫دخل على سعد بن عبادة ‪ ،‬فقال ‪ :‬أي سعد ‪ ،‬أل تسمع إل ما قال أبو حباب ـ يريد‬
‫عبد ال بن أب ـ قال كذا وكذا ؟ فقال سعد ـ رضي ال عنه ـ ‪ :‬اعف عنه يا رسول‬
‫ال واصفح ‪ ،‬فوال لقد أعطاك ال الذي أعطاك ‪ ،‬ولقد اصطلح أهل هذه البـحية أن‬
‫يتوجوه فيعصّبوه بالعصابة ـ أي يعلوه ملكـا عليهم ـ فلما رد ال ذلك بالق الذي‬
‫أعطاكه شرق بذلك ‪،‬فلذلك فعل به ما رأيت ‪ ،‬قال ‪ :‬فعفا عنه النب صلى ال عليه‬
‫وسلم )(رواه البخاري وسلم ) ‪.‬‬
‫فانظر أي صب يقدر على مثله أحد بيده القدرة على عقاب مثل هذا القائل غي النب صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬إذ يتجرأ هذا اللف على النتقاص من النب صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫ذو الناب العظيم ‪ ،‬ويصده عن دعوته ‪ ،‬وهو الأمور بالبلغ البي ‪.‬‬
‫صبه صلى ال عليه وسلم على اليهود ‪:‬‬
‫وأما اليهود فقد كان صب النب صلى ال عليه وسلم عليهم شديدًا ‪ ،‬إذ أنم أهل خديعة‬
‫ومكر وحقد دفي ‪ ،‬فإنم ل يكتفوا بكتم صفاته الت يدونا ف التوراة ‪ ،‬والت يعرفونه با‬
‫كما يعرفون أبناءهم ‪ ،‬والت لو بينوها للناس لدخلوا ف دين ال أفواجـا من أول دعوته‬
‫صلى ال عليه وسلم ؛ لن الكل كان يسلم لليهود بأنم أهل كتاب ‪ ،‬وأن لم علمـا‬
‫برسل ال ‪ ،‬فلو أنم صدقوا ما عاهدوا ال عليه من بيان صفاته صلى ال عليه وسلم للناس‬
‫‪ ،‬وأشهروا ذلك ف الجتمعات ‪ ،‬لا تردد أحد ف الستجابة له صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫بيد أنم غيوا صفاته عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وجحدوا نبوته ‪ ،‬وأغروا به الشركي وقالوا‬
‫لم ‪ " :‬إنكم أهدى سبيلً من ممد وأصحابه " ما كان له أثر عائق ف صد الناس عن‬
‫دين ال تعال ‪ ،‬ومشجع لم على عداوة الؤمني ‪ ،‬كل ذلك والنب صلى ال عليه وسلم‬
‫صابر على معاملتهم وعلى خيانتهم وما يتوقعه من غدرهم حت حكم ال بينه وبينهم ‪،‬‬
‫وذلك ف يوم قريظة حي حكم سعد بن معاذ رضي ال عنه بكم ال تعال بأن تقتل‬
‫مقاتلتهم ‪ ،‬وتسب ذراريهم ‪ ،‬لا نقضوا العهد الذي بينهم وبينه ‪ ،‬وظاهروا الشركي يوم‬

‫‪233‬‬
‫الحزاب على قتاله صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأجلى من أجلّى منهم من بن قينقاع وبن‬
‫قريظة ‪ ،‬ث فتح خيب فأبقى أهلها إل حي ‪.‬‬
‫صبه صلى ال عليه وسلم على الشركي ف العهد الدن ‪:‬‬
‫وأما صبه عليه الصلة والسلم على الشركي ف العهد الدن فلم يكن كصبه عليهم ف‬
‫العهد الكي ‪ ،‬فإن صبه عليهم ف هذا العهد كان صبًا ف ميادين القتال والنازلة ‪ ،‬صبًا‬
‫على كلوم السنة والرماح والسيوف الت ينفد معها صب أول العزم والقوة ‪.‬‬
‫لكن النب صلى ال عليه وسلم ل ينفد صبه ‪ ،‬ول ينثن عزمه ‪ ،‬وهو يوض معركة بعد‬
‫أخرى ‪ ،‬ويهز جيشـا تلو آخر ‪ ،‬حت آتاه ال الفتح البي والعز والتمكي ‪.‬‬
‫ى كبيًا ‪ ،‬حيث كسرت رباعيته ‪ ،‬وشج وجهه الشريف ف غزوة‬ ‫ولقد نال من ذلك أذ ً‬
‫أحد وأثخنته الراح ـ بنفسي هو وأب وأمي صلى ال عليه وسلم ـ وهو مع ذلك‬
‫صابر متسب ‪ ،‬ل يلوي ‪ ،‬ول يولّي الدبار ‪ ،‬كما يفعل كبار البطال ‪ ،‬فلم يزد على أن‬
‫قال ‪ [ :‬كيف يفلح قوم شجُوا نبيهم وكسروا رباعيته ‪ ،‬وهو يدعوهم إل ال ] فلم يلبث‬
‫أن أنزل ال عليه ‪ ( :‬ليس لك من المر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبم فإنم ظالون )‬
‫(آل عمران‪()128/‬رواه البخاري ومسلم ) ‪.‬‬

‫يعاتبه ال على ذلك ‪ ،‬ومنه تعلم أن صبه عليه الصلة والسلم كان مُرادًا ل تعال لعظم‬
‫قدره عنده ‪ ،‬لن المتحان والبلء على قدر النلة كما جاء ف الديث ‪ [ :‬أشد الناس‬
‫بلءً النبياء ث المثل فالمثل ](الترمذي وقال ‪ :‬حسن صحيح ) ‪.‬‬
‫ولعل هذا هو سر تكرار أوامر ال عز وجل له صلى ال عليه وسلم بلزوم الصب كما ف‬
‫قوله تعال ‪ ( :‬فاصب كما صب أولو العزم من الرسل )(الحقاف‪ ، )35/‬وقوله تعال ‪:‬‬
‫( واصب وما صبك إل بال )(النحل‪ ، )127/‬وقوله سبحانه ‪ ( :‬فاصب على ما يقولون )‬
‫(طه‪ )130/‬وقوله عز شأنه ‪ ( :‬فاصب إن وعد ال حقٌ )(الروم‪ ، )60/‬وقوله تقدست‬
‫أساؤه ‪ ( :‬واصب لُكم ربك فإنك بأعيننا )(الطور ‪ ، )48/‬إل غي ذلك ‪.‬‬
‫ولقد لبّى صلى ال عليه وسلم تكليف ربه له بذلك وطبقه أيا تطبيق ‪ ،‬كما علمته من‬
‫خلل هذه الواقف العظيمة ‪ ،‬القتطفة من مواقفه الكثية ف الصب ف كل مالت الياة ‪،‬‬

‫‪234‬‬
‫إذ ل يكن صبه صلى ال عليه وسلم قاصرًا على عناء الدعوة والهاد ‪ ،‬بل وعلى لواء‬
‫الياة كذلك ‪.‬‬
‫صبه صلى ال عليه وسلم على لواء الياة وشدتا ‪:‬‬
‫فقد جاء عن أنس رضي ال عنه أنه صلى ال عليه وسللم قال ‪ " :‬لقد أخِفتُ ف ال ‪،‬‬
‫وما ياف أحد ‪ ،‬وقد أوذيت ف ال ‪ ،‬وما يُؤذى أحد ‪ ،‬ولقد أتت عل ّي ثلثون ما بي‬
‫يوم وليلة وما ل طعام يأكله ذو كبد إل شيء يواريه إبط بلل " (رواه الترمذي وغيه‬
‫وهو حسن ) ‪.‬‬
‫وقد روى البخاري ‪-‬رحه ال‪ -‬عن عروة عن عائشة ‪-‬رضي ال عنها‪-‬أنا قالت لعروة‬
‫‪:‬ابن أخت ‪،‬إن كنا لننظر إل اللل ثلثة أهلة ف شهرين وما أوقدت ف أبيات رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم نار‪ .‬فقلت ما كان يعيشكم ؟ قالت ‪:‬السودان ‪،‬التمر والاء ‪ ،‬إل أنه‬
‫قد كان لرسول ال صلى ال عليه وسلم جيان من النصار كان لم منائح ‪ ،‬وكانوا‬
‫ينحون رسول ال صلى ال عليه وسلم من أبياتم فيسقيناه ‪.‬‬
‫صبه صلى ال عليه وسلم على فقد الولد ‪:‬‬
‫فقد أخرج ابن سعد عن أنس رضي ال عنه قال ‪ [ :‬رأيت إبراهيم وهو يود بنفسه بي‬
‫يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فدمعت عينا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقال ‪ [ :‬تدمع العي ‪ ،‬ويزن القلب ‪ ،‬ول نقول إل ما يرضي ربنا ‪ ،‬وال يا إبراهيم إنا‬
‫بك لحزونون ] ‪.‬‬
‫بعد ‪ 00‬فهذه ناذج من صبه صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو من جلة شيمه النبيلة وأخلقه‬
‫الكرية الت أدبه با ربه تبارك وتعال ‪.‬‬
‫الراجــع‬
‫‪ -1‬حياة الصحابة ‪ " :‬الكاندهلوي " ‪.‬‬
‫‪ -2‬أخلق النب صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬د ‪ .‬أحد عبد العزيز الدّاد " ‪.‬‬
‫‪ -3‬الرحيق الختوم ‪ " :‬الباركفوري " ‪.‬‬
‫============‬
‫صب النب عليه الصلة والسلم على الدعوة‬

‫‪235‬‬
‫الكاتب‪ :‬د‪.‬عبدالوهاب بن ناصر الطريري‬
‫أيها الخوة والخوات والبناء والبنات حياكم ال مع لقاء يتجدد نرحل به مع قلوبنا‬
‫أرواحنا وجداننا‪ ،‬نرحل به إل هناك مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬مع رسول ال ف‬
‫دعوته‪ ،‬هذه الدعوة الت كان مقام رسول ال صلى ال عليه وسلم فيها ملحمة ف الصب‪،‬‬
‫دأب وطول المل واليقي والثبات‪ ،‬هذه العان ليست معان مردة نذكرها سردا وعدا‬
‫لكنها حقائق تشرق من حال النب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫عندما نتقفى هذه السية نفوسنا ظمئة يرويها أن ترد معي السية ومعي حال النب صلى‬
‫ال عليه وسلم فتتروى من هديه وهداه‪ ،‬نن أحوج ما نكون إل أن نورد قلوبنا الكدودة‬
‫معي سية رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فتجد هناك مستراحها وأنسها‪ ،‬ولذلك‬
‫استنهض نفوسكم أيها الخوة والخوات والبناء والبنات أن نذهب إل هناك‪ ،‬نرحل مع‬
‫خب تقصه علينا أمنا عائشة‪.‬‬
‫أمنا تستنطق به رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وتستروي خبه فيخبها رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وهي تستقرئه وتسترويه مسيته مع دعوته‪ ،‬تستروي رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ما ل تضره من أحواله وقصته مع الدعوة‪ ،‬تفتح وعي أمنا عائشة رضي ال‬
‫عنها مع الرسول والرسالة على حوادث وافتها لداثة سنها وصغر عمرها‪ ،‬أحداث أخر‬
‫ولذلك كان أشد ما لقيه النب صلى ال عليه وسلم ما أدركه وعي عائشة يوم أحد وإذا‬
‫با تسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ما قبل يوم احد‪ ،‬فتقول له ‪ :‬يا رسول ال‬
‫هل مر عليك يوم هو أشد عليك من يوم أحد؟ سؤال من أمنا عائشة وكانت صغية‬
‫السن لكنها عبقرية ذكية ولاحة‪ ،‬هي تعلم ماذا لقيه النب صلى ال عليه وسلم ف يوم‬
‫أحد‪ ،‬ف يوم أحد شج جبي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كسرت رباعيته‪ ،‬غاصت‬
‫حلقتان من حلقات الغفر ف وجنتيه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫صرع أصحابه حوله‪ ،‬وقف على جثمان عمه حزة أحب الناس إليه وخية أهل بيته‪،‬‬
‫وقف رسول ال صلى ال عليه وسلم على جثمانه وقد بقر بطنه‪ ،‬واستخرجت أحشائه‪،‬‬
‫ومثل به‪ ،‬فوقف صلى ال عليه وسلم كاسفا حزينا على هذا الثمان الطاهر وهو يقول‪:‬‬
‫لن أصاب بعد اليوم بثل مصيبت فيك‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫كل هذا أصاب النب صلى ال عليه وسلم ف أحد‪ ،‬فهل أصاب النب صلى ال عليه وسلم‬
‫ما هو أشد من ذلك؟ يا رسول ال هل أصابك ما هو أشد عليك ما أصابك يوم أحد‪،‬‬
‫سؤال أمنا عائشة فما كان الواب‪ ،‬ماذا كان جواب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫كانت تسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم وكأنا تنكأ جراحا غائرة ف نفس رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫لقد لقيت من قومك أذا شديدا كأنا كان سؤال عائشة يسترجع ذكريات مضى عليها‬
‫زمن طمرتا السني‪ ،‬فإذا بعائشة تستثيها وإذا بالنب صلى ال عليه وسلم ييب وكأنا‬
‫عادت هذه الشاهد حية أمام ناظريه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لقد لقيت من قومك أذا كثيا‬
‫يعن نعم‪ ،‬مر عليّ ما هو أشد من يوم أحد فما الذي كان أشد من يوم أحد‪ ،‬ما الذي‬
‫كان أشد من جرح ف البي وكسر السن وأن تغار حلقتان من حلق الغفر ف وجنته‪،‬‬
‫وأن يرى أصحابه يصرعون حوله وأن يقف على جثمان عمه حزة مشوها مثلً به‪ ،‬ما‬
‫هو أشد من ذلك أشد من ذلك ما سيويه رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان أشد من‬
‫ذلك يوم عرضت دعوت على ابن عبد ياليل ابن عبد كلل‪ ،‬ما هو خب هذه الدعوة وخب‬
‫هذا العرض‪ ،‬نتاج أن نذكر ما ل يذكر ونظهر الضمر‪ ،‬فنقول إن النب صلى ال عليه‬
‫وسلم قضى أزيد من عشر سني قبل الجرة وهو يدعو قريشا ويصب لا ويصابرها عشر‬
‫سني ف دعوة وثبات وصب على الذى‪ ،‬حت جرأ سفهاء قريش وملؤها على أنواع من‬
‫أذى النب صلى ال عليه وسلم خصوصا بعد موت عمه أب طالب‪ ،‬جرؤوا عليه جراءة‬
‫شديدة فإذا برسول ال صلى ال عليه وسلم بعد طول الصدود وكثرة الحود‪ ،‬إذا به‬
‫يبحث عن تربة يلقي فيها بذرة دعوته لعله يستنبت هذه الدعوة ف أرض أخرى فتنمو‬
‫فيها وتورق‪.‬‬
‫خرج من مكة إل الطائف عله أن يد ف الطائف أذانا صاغية تستجيب لدعوته وتتبع‬
‫رسالته وتمل هديه وهداه ودينه‪ ،‬خرج من مكة ماشيا إل الطائف يقطع طريقا يزيد‬
‫الن على مائة كيلو من الطريق العروف الن بطريق السيل‪ ،‬وكان يسمى أول وادي‬
‫نلة‪ ،‬طريق وادي نلة الذي هو طريق السيل الن ووادي نلة هو الذي يسمى الن‬
‫الزية‪ ،‬قطعه النب صلى ال عليه وسلم ومعه موله زيد ابن حارثة مشيا على القدام ف‬

‫‪237‬‬
‫وقت الصيف القائض‪ ،‬حت وصل إل الطائف وبقي هناك عشرة أيام يعرض فيها دينه‬
‫ويبلغ رسالته‪ ،‬يغشاهم ف نواديهم ويغشاهم ف متمعاتم يقرأ عليهم القرآن حت قال‬
‫بعض أهل الطائف سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم ف الطائف يقرأ والسماء‬
‫والطارق فحفظتها وأنا مشرك وقرأتا وأنا مسلم‪.‬‬
‫عشرة أيام قضاها النب صلى ال عليه وسلم ل يواجه إل بالصدود والعراض فلما خشي‬
‫مل أهل الطائف من رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يستميل الناس إليه أغروا به‬
‫سفهائهم فردوا عليه أقبح الرد‪ ،‬حت قال له بعضهم أما وجد ال غيك رسولً فيسله‬
‫إلينا‪ ،‬فلما أغروا به سفهائهم فواجهوه بأقبح الرد إذا به صلى ال عليه وسلم وهو يواجه‬
‫بذا الصدود وهذا العراض يرجع حزينا مكلوم الفؤاد مغموم النفس‪ ،‬وهو الذي خرج‬
‫من مكة بعد أن جحده قوم أهل الل فيها وجرؤوا عليه بالذى أملً أن يد ف الطائف‬
‫مستنبتاً لدعوته فيصد بذا الصدود ويقابل بذا الحود‪ ،‬فإذا به صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫الامل لم رسالته يغتم لذلك أشد الغم‪ ،‬ويزن لذلك أشد الزن‪ ،‬وتتراكب الموم على‬
‫القلب الكري الطيب فل يتنفس ول ينفس عن ذلك إل بدعوات يصدع با السماء "اللهم‬
‫أشكو إليك ضعف قوت وقلة حيلت وهوان على الناس أنت رب الستضعفي وأنت رب‬
‫إل من تكلن إل بعيد يتجهمن أم إل قريب ملكته أمري‪ ،‬إن ل يكن بك غضب عل ّي فل‬
‫أبال غي أن عافيتك أوسع ل‪ ،‬أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات‪ ،‬وصلح عليه‬
‫أمر الدنيا والخرة‪ ،‬أن ينل ب غضبك أو يل ب سخطك‪ ،‬لك العتبة حت ترضى ول‬
‫حول ول قوة إل بك"‪.‬‬
‫دعاء مكروب مغموم يصدع السماء‪ ،‬ث ينقلب النب صلى ال عليه وسلم بعد عشر ليال‬
‫طوال قضاها ف الدعوة والصابرة يرجع إل مكة لكن كيف كان الرجوع‪ ،‬ويسي ف‬
‫الطريق ولكن كيف كان السي‪ ،‬كيف قطع الطريق من الطائف عائدا إل مكة‪ ،‬مكة الت‬
‫خرج منها وبرأى وبسمع من أهلها يرونه ويعلمون إل أين سيذهب وما هي قضيته وما‬
‫هو هدفه ف ذهابه إل الطائف‪ ،‬وسيجع إليهم وقد سبقته إليهم أخبار أهل الطائف معه‪،‬‬
‫فكيف سيدخل إل بلد وكيف سيلقى قومه وهم الذين كانوا جرؤوا عليه فكيف سيكون‬

‫‪238‬‬
‫حاله بعد أن يرجع إليهم‪ ،‬ولذلك عاد مكروبا مغموما فإل أي درجة بلغ غمه وعلى أي‬
‫حال كان حزنه‪.‬‬
‫يصف ذلك فيقول "فلم استفق إل وأنا ف قرن الثعالب"‪ ،‬قرن الثعالب هو السيل الكبي‬
‫يبعد عن الطائف ستة وأربعي كيلو قطعها رسول ال صلى ال عليه وسلم مشيا‪ ،‬ولكنه‬
‫كان ف حال من الستغراق مع غمه وهه وحزنه لجل دعوته بيث أنه ل يستفق ول‬
‫يشعر با حوله إل وهو ف قرن‪.‬‬
‫=================‬
‫( صب الرسول على الذى )‬
‫عناصر الوضوع ‪:‬‬
‫‪ .1‬أهية دراسة شخصية الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ .2‬صب النب صلى ال عليه وسلم على أذى الكفار‬
‫‪ .3‬صور أخرى من صب النب على الذى يقتدى به فيها‬
‫صب الرسول على الذى‪:‬‬
‫ل تقم دعوة السلم‪ ،‬ول تبلغ ما بلغت إل بعد تضحيات جسيمة‪ ،‬وتمل صنوف من‬
‫الذى‪ ،‬وأول من واجه ذلك وصب عليه هو إمام هذه الدعوة صلى ال عليه وآله وسلم‪،‬‬
‫وف ذلك للمسلم أسوة ف مواجهة الشاكل والذى الذي يعترضه خلل الدعوة إل دينه‪.‬‬
‫أهية دراسة شخصية الرسول صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫إن المد ل‪ ،‬نمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات‬
‫أعمالنا من يهده ال فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال‬
‫وحده ل شريك له وأشهد أن ممدا عبده ورسوله‪ .‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا اّتقُوا اللّهَ حَ ّق ُتقَاتِهِ‬
‫س اّتقُوا َرّبكُمُ الّذِي خََل َقكُمْ‬ ‫سلِمُونَ [آل عمران‪ .]102:‬يَا َأّيهَا النّا ُ‬ ‫وَل تَمُوتُنّ إِلّا َوَأْنتُمْ مُ ْ‬
‫ث ِمْنهُمَا رِجَالً َكثِيا َونِسَاءً وَاّتقُوا اللّهَ الّذِي‬ ‫مِ ْن َن ْفسٍ وَاحِ َد ٍة وَ َخلَ َق ِمْنهَا َزوْ َجهَا َوبَ ّ‬
‫تَسَاءَلُو َن بِهِ وَاْلأَرْحَامَ ِإنّ اللّهَ كَا َن عََلْيكُمْ رَقِيبا [النساء‪ .]1:‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اّتقُوا اللّهَ‬
‫وَقُولُوا َقوْلً سَدِيدا * ُيصْلِحْ َلكُمْ َأعْمَاَلكُ ْم َويَ ْغفِرْ َلكُمْ ُذنُوَبكُ ْم َومَ ْن يُطِعِ اللّ َه وَ َرسُولَهُ َفقَدْ‬
‫فَازَ َفوْزا عَظِيما [الحزاب‪ .]71-70:‬أما بعد‪ :‬فإن أصدق الديث كتاب ال‪ ،‬وخي‬

‫‪239‬‬
‫الدي هدي ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وشر المور مدثاتا‪ ،‬وكل مدثة بدعة‪ ،‬وكل‬
‫بدعة ضللة‪ ،‬وكل ضللة ف النار‪ .‬عباد ال‪ :‬إن دراسة شخصية رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم من المور الهمة للمسلم الذي يريد أن يطبق قول ال عز وجل‪ :‬قُ ْل هَ ِذ ِه َسبِيلِي‬
‫أَ ْدعُو إِلَى اللّ ِه عَلَى َبصِ َيةٍ َأنَا َومَ ِن اتَّب َعنِي [يوسف‪ ]108:‬ويريد أن يسي على تأثرٍ من نور‬
‫سَنةٌ [الحزاب‪ .]21:‬وشخصية رسول‬ ‫هذه الية‪َ :‬لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي َرسُولِ اللّهِ ُأ ْسوَةٌ حَ َ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فيها جوانب كثية من العظمة؛ تلك الوانب الت ل بد للداعية‬
‫إل ال‪ ،‬ومن يريد أن يترب على طريق السلم أن يدرسها دراسة متأنية‪.‬‬
‫عظمة رسول ال صلى ال عليه وسلم وصبه على الستهزاء‪:‬‬
‫ونن نستعرض ف هذا القام جانبا من جوانب عظمة شخصية رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يدعو إل ال على نورٍ من ربه‪ ،‬ويصب على‬
‫الذى ف سبيل هذه الدعوة‪ ،‬وصبه صلى ال عليه وسلم على الذى يتمثل ف أحداث‬
‫كثية تّت ف حياته صلى ال عليه وسلم؛ من مواجهته للكفار والشركي والنافقي‪ ،‬وف‬
‫عامٍ واحد وهو العام العاشر من البعثة يتوف ال تعال خدية رضي ال عنها ويوت أبو‬
‫طالب ‪ ،‬فيطمع كفار قريش ف أذية رسول ال صلى ال عليه وسلم ما ل يكونوا يطمعون‬
‫قبل ذلك‪ ،‬وأذية الكفار لرسول ال صلى ال عليه وسلم تتمثل ف جوانب كثية‪ :‬أولً‪:‬‬
‫الستهزاء برسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يقول ال عز وجل‪َ :‬وإِذَا رَآكَ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ‬
‫َيتّخِذُونَكَ إِلّا هُزُوا َأهَذَا الّذِي يَذْكُرُ آِل َهتَكُ ْم َوهُ ْم بِذِكْرِ الرّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ [النبياء‪:‬‬
‫‪ ]36‬أن يهزأ البطل بالحق‪ ،‬وأن يسخر السفيه بالعاقل‪ ،‬تلك وال أذية كبية تقع‬
‫كالصخر على صدر الذي يتعرض لذا النوع من الذى‪ ،‬رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يعلم أنه على الق وهم يستهزئون به‪َ :‬وإِذَا َرَأ ْوكَ ِإ ْن َيتّخِذُونَكَ إِلّا هُزُوا َأهَذَا الّذِي بَ َعثَ‬
‫اللّهُ َرسُولً [الفرقان‪ ]41:‬يستهزئون بشخصيته صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولكنه يصب على‬
‫هذا الذى وهو يتفكر ف قول ال تعال يسري عن شخصه صلى ال عليه وسلم‪ :‬وََلقَدِ‬
‫ستَهْ ِزئُونَ [النعام‪:‬‬ ‫خرُوا ِمْنهُ ْم مَا كَانُوا بِ ِه يَ ْ‬
‫ق بِالّذِي َن سَ ِ‬
‫ئ بِ ُرسُ ٍل مِنْ َقبْلِكَ فَحَا َ‬
‫اسُْتهْزِ َ‬
‫‪ .]10‬لقد دارت دائرة السوء عليهم‪ ،‬وهذا الستهزاء الذي استهزءوا به قد أصبح وبالً‬
‫عليهم‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫للدعاة ف النب صلى ال عليه وسلم أسوة ف الصب على الستهزاء‪:‬‬
‫واليوم يقف الداعية إل ال سبحانه وتعال‪ ،‬المر بالعروف والناهي عن النكر موقفا‬
‫حرجا أمام السهام الت توجه إليه من الستهزئي وهم يستهزئون بشخصيته‪ ،‬أو يستهزئون‬
‫بظهره‪ ،‬أو يستهزئون بالفكار الت يملها‪ ،‬إنه يتأسى بوقف رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬الصب على هذا الستهزاء‪ .‬ولقد صب رسول ال صلى ال عليه وسلم على شت‬
‫التامات؛ فقد اتموه بأنه يقول الشعر‪ ،‬وأن هذا القرآن إنا هو شعر‪ ،‬وأنم أيضا شعراء‬
‫ولو شاءوا أن يأتوا بثل شعره لتوا‪ ،‬يريدون أن يولوا هذا القرآن عن الجرى العظيم‬
‫والقالب الذي نزل به؛ لكي يقولوا للناس‪ :‬نن نستطيع أن نصنع مثله قال تعال‪ :‬بَلْ قَالُوا‬
‫ضغَاثُ َأحْلمٍ بَ ِل ا ْفتَرَاهُ بَ ْل ُه َو شَاعِرٌ [النبياء‪ ]5:‬وقالوا‪َ :‬أِإنّا َلتَارِكُو آِل َهِتنَا لِشَا ِعرٍ‬ ‫أَ ْ‬
‫ب الْ َمنُونِ [الطور‪:‬‬ ‫جنُو ٍن [الصافات‪ ]36:‬وقال ال عنهم‪َ :‬أمْ َيقُولُو َن شَاعِ ٌر َنتَ َرّبصُ بِهِ َرْي َ‬ ‫مَ ْ‬
‫‪ ]30‬إنم ينتظرون نايته‪ ،‬وينتظرون موته حت تدفن دعوته ف مهدها‪ ،‬ول تقوم لا قائمة‪،‬‬
‫ولكن ال سبحانه وتعال تول الرد عليهم‪ ،‬وتثبيت نبيه صلى ال عليه وسلم‪ :‬فَل أُقْسِمُ‬
‫بِمَا ُتبْصِرُونَ * َومَا ل ُتبْصِرُونَ * ِإنّهُ َل َقوْلُ َرسُولٍ كَ ِريٍ * َومَا هُ َو ِب َقوْ ِل شَاعِرٍ قَلِيلً مَا‬
‫شعْ َر َومَا َيْنَبغِي لَ ُه [يس‪.]69:‬‬ ‫ُتؤْ ِمنُو َن [الاقة‪ ،]41-38:‬وقال عز وجل‪َ :‬ومَا عَلّ ْمنَاهُ ال ّ‬
‫وكل عارف باللغة العربية؛ بنثرها وشعرها يعرف أن هذا القرآن ليس على وزن الشعر‪،‬‬
‫وليس شعرا كالذي يقوله الشعراء‪ .‬واليوم يقف الدعاة إل ال عزوجل أمام الستهزئي‬
‫وهم يرمونم بتهم مثل هذه‪ ،‬فليس لم وال إل الصب عليها‪ ،‬والرد على هذه الشبهات‬
‫الت تطلق على الشريعة وأفكار الدين‪ ،‬منتهجي نج القرآن ف الرد عليها‪ .‬وأوذي عليه‬
‫س عَجَبا أَنْ َأوْ َحْينَا إِلَى رَجُلٍ مِْنهُمْ َأنْ أَنْ ِذرِ‬ ‫السلم باتامه بالسحر‪ ،‬قال تعال‪ :‬أَكَانَ لِلنّا ِ‬
‫ق عِنْدَ َرّبهِمْ قَا َل اْلكَافِرُونَ ِإنّ هَذَا لَسَا ِح ٌر ُمبِيٌ‬ ‫س َوبَشّ ِر الّذِينَ آ َمنُوا َأنّ َلهُمْ َق َدمَ صِ ْد ٍ‬
‫النّا َ‬
‫[يونس‪ ..]2:‬وَقَا َل اْلكَافِرُونَ هَذَا سَا ِحرٌ كَذّابٌ [ص‪ ..]4:‬وَقَالَ الظّالِمُونَ ِإنْ تَّتِبعُونَ إِلّا‬
‫ك مَا َأتَى الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ‬ ‫ل مَسْحُورا [الفرقان‪ ]8:‬ولكن ال رد عليهم فقال‪ :‬كَذَلِ َ‬ ‫رَ ُج ً‬
‫جنُو ٌن [الذاريات‪ ]52:‬لاذا يريد الاهليون أن يصموا‬ ‫مِنْ َرسُولٍ إِلّا قَالُوا سَا ِحرٌ َأ ْو مَ ْ‬
‫شخصية رسول ال صلى ال عليه وسلم بالسحر؟ لنم رأوا أن لذا القرآن الذي يتلوه‬
‫صلى ال عليه وسلم أثرا عظيما على نفوس الناس؛ إنه يذب النظار‪ ،‬ويأخذ بجاميع‬

‫‪241‬‬
‫القلوب ( إن عليه لطلوة‪ ،‬وإن له للوة ) فهم يريدون أن يصرفوا أذهان الناس عن‬
‫سبب هذا التأثي؛ وسبب هذا التأثي أن القرآن كلم ال‪ ،‬سبب هذا التأثي أنه نزل من‬
‫عند ال الذي خلق النفس‪ ،‬ويعلم ما يؤثر بذه النفس‪ ،‬وما تتأثر به هذه النفس‪ ،‬إنم‬
‫يريدون أن يصرفوا سبب التأثي إل السحر الذي يؤثر ‪-‬كذلك‪ -‬ف الناس؛ إنا وال دعاية‬
‫إعلمية يريدون أن يلبسوا با على الناس الذين يتأثرون بكلم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬ويقف الدعاة إل ال عزوجل اليوم أمام أولئك الشاتي الذين يريدون أن يلبسوا‬
‫الق بالباطل‪ ،‬ويريدون أن يصرفوا الناس عن تأثي القرآن والسنة‪ ،‬إنم يستخدمون وسائل‬
‫شت من التهويس والتهويل‪ ،‬وصرف أنظار الناس عن هذا القرآن‪ ،‬وعن الوحي‪ ،‬وعن‬
‫التأثر بالشريعة‪ ،‬فيستخدمون لذلك وسائل شت‪ .‬إن على دعاة السلم أن يابوا هذه‬
‫الواقف‪ ،‬وأن يُجَلّوا للناس أثر القرآن والسنة‪ ،‬وأن يُروا الناس بأبصار قلوبم قبل أبصار‬
‫عيونم أن هذا القرآن وهذه السنة ذات أثر على الناس‪ ،‬ماطبة الناس بالقرآن والسنة‪،‬‬
‫وربطهم با مباشرة من الواجبات اليوم‪ ،‬حت يصل ذلك التأثي‪ .‬وصب صلى ال عليه‬
‫جنُو ٌن [الجر‪]6:‬‬ ‫وسلم على اتامه بالنون‪ :‬وَقَالُوا يَا َأيّهَا الّذِي نُزّلَ عََليْهِ الذّكْرُ إِنّكَ لَ َم ْ‬
‫جنُونٍ [الصافات‪ ..]36:‬ثُمّ َتوَّلوْا َعنْ ُه وَقَالُوا ُمعَلّمٌ‬ ‫وقالوا‪َ :‬أِإنّا َلتَارِكُو آِل َهِتنَا لِشَاعِ ٍر َم ْ‬
‫جنُونٌ [الدخان‪ .]14:‬ليس أصعب على صاحب اليان‪ ،‬والعقل الراجح‪ ،‬والرأي‬ ‫مَ ْ‬
‫السديد‪ ،‬والفكر الصائب‪ ،‬من أن يتهم ف عقله‪ ،‬وأن يوصف بالنون‪ .‬وتول ال الرد على‬
‫هذه الفرية مثبتا رسوله صلى ال عليه وسلم‪ :‬قُلْ ِإنّمَا َأعِ ُظكُ ْم ِبوَاحِ َدةٍ َأنْ َتقُومُوا لِلّ ِه َمْثنَى‬
‫ب شَدِيدٍ‬ ‫ي عَذَا ٍ‬ ‫وَفُرَادَى ثُ ّم َتَت َفكّرُوا مَا ِبصَا ِحبِكُ ْم مِنْ ِجّنةٍ ِإ ْن ُهوَ إِلّا نَذِيرٌ َلكُ ْم َبيْ َن يَدَ ْ‬
‫جنُونٍ [التكوير‪ ،]22:‬وقال سبحانه وتعال‪:‬‬ ‫[سبأ‪ ]46:‬وقال عز وجل‪َ :‬ومَا صَا ِحُبكُ ْم بِمَ ْ‬
‫جنُونٍ [القلم‪ .]2-1:‬واليوم عندما ياول‬ ‫نْ وَاْلقَلَ ِم َومَا يَسْطُرُونَ * مَا َأْنتَ ِبِنعْ َمةِ َربّكَ بِمَ ْ‬
‫الداعية إل ال أن يبي للناس الق‪ ،‬ويرجعهم إليه‪ ،‬وأن يبي لم اليزان الصحيح‪ ،‬ويزيل‬
‫عنهم الغشاوة الت رانت على قلوبم‪ ،‬والجاب الذي غطى أبصارهم‪ ،‬ويريد أن يرجعهم‬
‫إل الشريعة وإل الدين‪ ،‬يقولون له‪ :‬أأنت منون؟!! كيف تريدنا أن نرجع إل ذلك الواقع‬
‫وأنت ترى الغرب والشرق‪ ،‬وترى القوى العظمى‪ ،‬والواقع الستحكم‪ ،‬ث تريد أن تنقلنا‬
‫إل عصر يطبق فيه السلم (‪)%100‬؟ هذا مستحيل! كن واقعيا‪ ،‬دع هذه اليالت‬

‫‪242‬‬
‫جانبا‪ ،‬إنك تلم! وعند ذلك يب أن يابه الداعية إل ال هذه السهام بواقعية السلم‪،‬‬
‫وأن يثبت للناس أنه يكن أن يطبق السلم‪ ،‬وأن أفكار السلم ليست جنونا ول هوسا‪،‬‬
‫رغم تلك التامات الباطلة الت يتهم با أعداء السلم التمسكي بشرع ال‪ ،‬إنم يرمونم‬
‫كما رمى الكفار رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪-‬قدوة هذا الداعية‪ -‬رموه أول مرة‬
‫بالنون والوس واختلل العقل‪ ،‬إنم كذلك اليوم يرمون من تسك بالدين بالسفه‪،‬‬
‫والنون‪ ،‬والوس‪ ،‬والوسوسة‪ ...‬إل آخر تلك التهم‪ ،‬إنم يتصورون أن تكيم ال ف‬
‫الشرع والواقع يؤدي إل جنوح النسان عن طريقة التفكي الصحيحة‪ ،‬وعن الواقعية‪ ،‬إن‬
‫واقعهم فاسد‪ ،‬ولذلك يتصورون أنه واقع صحيح من شدة ضغطه عليهم‪ ،‬ومن تشبعهم‬
‫بأفكار هذا الواقع‪ ،‬ويتصورون أن تكيم السلم ف القواني والظاهر‪ ،‬والعبادات‬
‫والعقائد؛ أنه جنون وهوس؛ لنم ل يعقلون‪ ،‬فعقولم ل تتحمل عظمة تلك التكاليف‪،‬‬
‫ول يتصورون كيف يكن أن تطبق هذه التكاليف ف ظل الظلمات الاهلية الت يرزحون‬
‫اليوم تت نيها؛ ولنم ل يستطيعون أن يتصوروا الواقع كيف يكون إسلميا؛ يتهمون‬
‫من ينادي بالعودة إل الواقع السلمي الصحيح بالنون‪ ،‬ول يكن أن تتصور عقولم‬
‫كيف يكن أن يطبق السلم (‪)%100‬؟ وهذه نقطة خطية أيها الخوة‪.‬‬
‫صب النب صلى ال عليه وسلم على أذى الكفار‪:‬‬
‫صبه على أنواع التهم ف عقله وعرضه‪:‬‬
‫وقد صب رسول ال صلى ال عليه وسلم على اتام كفار قريش له بالتكذيب‪ :‬وَقَالَ‬
‫ب [ص‪ِ ..]4:‬إنْ هَذَا إِلّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ َوأَعَانَهُ عََليْهِ َق ْومٌ آ َخرُونَ‬‫الْكَافِرُو َن هَذَا سَاحِرٌ كَذّا ٌ‬
‫[الفرقان‪َ ..]4:‬أ ْم َيقُولُو َن افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبا [الشورى‪ ]24:‬يقولون هذا من جهة ف‬
‫مناسبات كثية‪ ،‬ومواقف متعددة‪ ،‬وهم ف مناسبة أخرى وف موقف آخر يعلمون‬
‫ويعترفون بأن رسول ال صلى ال عليه وسلم ليس بكذاب‪ .‬وف صحيح البخاري لا سأل‬
‫هرقل أبا سفيان ف بداية مقابلته له‪ ،‬قال‪ :‬هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما‬
‫قال؟ فهذا هرقل جاءته لظات من التجرد والنصاف‪ ،‬ولقد هم أن يدخل هذا الدين لول‬
‫جشع اللك وحب الرئاسة‪ ،‬وخوفه من زوال سلطانه‪ ،‬فرجع إل الكفر‪ ،‬ولكنه قد رأى‬
‫الق بأم عينيه‪ .‬قال أبو سفيان ‪ :‬ل‪ .‬ث قال له ف آخر مقابلته‪ :‬وسألتك هل كنتم تتهمونه‬

‫‪243‬‬
‫بالكذب قبل أن يقول ما قال‪ ،‬فذكرت أن ل‪ ،‬وأعرف أنه ل يكن ليذر الكذب على‬
‫الناس ويكذب على ال؛ أي‪ :‬أنت تقول أن ممدا صلى ال عليه وسلم ما عهدت منه‬
‫ت أنه ل يكن ليذر الكذب على الناس ث يكذب على‬ ‫الكذب على الناس قبل البعثة‪ ،‬فعلم ُ‬
‫ال‪ ،‬والكذب على ال أصعب وأشد من الكذب على الناس‪ ،‬فعلم أنه صادق‪ .‬ولقد تول‬
‫القرآن الرد على هذه الزاعم فقال‪َ :‬أ ْم َيقُولُونَ ا ْفتَرَاهُ ُقلْ َفأْتُوا ِبعَشْ ِر ُسوَ ٍر ِمثْلِ ِه ُم ْفتَ َريَاتٍ‬
‫[هود‪ ]13:‬أي‪ :‬إذا زعمتم أنه كذاب فهاتوا عشر سور مثل سور القرآن‪ :‬وَا ْدعُوا مَنِ‬
‫اسْتَ َط ْعتُ ْم مِنْ دُونِ اللّ ِه [هود‪ ]13:‬لكي تألفوا هذه السور؛ من سائر عظماء الشعراء وأهل‬
‫النثر والبلغة‪ :‬وَا ْدعُوا مَنِ ا ْستَ َط ْعتُ ْم مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ ُكْنتُمْ صَادِِقيَ [هود‪ .]13:‬ث تنل‬
‫القرآن ف الرد عليهم إل ما هو أدن من ذلك‪ ،‬فقال ال عزوجل‪َ :‬أ ْم َيقُولُونَ ا ْفتَرَاهُ ُقلْ‬
‫َفأْتُوا بِسُو َر ٍة ِمثْلِ ِه [يونس‪ ]38:‬عظم التحدي ونقص القدار‪ ،‬فظهر التحدي أعظم‪َ :‬أمْ‬
‫َيقُولُونَ ا ْفتَرَاهُ ُقلْ َفأْتُوا بِسُو َر ٍة ِمثْلِه [يونس‪ ]38:‬فعجزوا‪ ،‬ولا حاول الكذابون أن يأتوا‬
‫بسورة واحدة مثل سور القرآن؛ أتوا بأشياء مضحكة ليس هذا مال سردها‪َ :‬أمْ يَقُولُونَ‬
‫ج ِرمُو َن [هود‪َ ،]35:‬أمْ يَقُولُونَ ا ْفتَرَاهُ‬ ‫افْتَرَاهُ قُلْ ِإنِ ا ْفتَ َرْيتُهُ َفعََليّ إِ ْجرَامِي َوَأنَا َبرِي ٌء مِمّا تُ ْ‬
‫بَ ْل ُهوَ الْحَقّ [السجدة‪ .]3:‬ويسري القرآن عن نفس رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ويثبت ال به قلب رسول ال صلى ال عليه وسلم فيقول‪ :‬وََلقَدْ كُ ّذبَتْ ُرسُ ٌل مِنْ َقْبلِكَ‬
‫صبَرُوا عَلَى مَا كُ ّذبُوا َوأُوذُوا َحتّى َأتَاهُمْ نَصْ ُرنَا وَل ُمبَدّلَ ِلكَلِمَاتِ اللّ ِه وََلقَدْ جَا َءكَ مِنْ‬ ‫َف َ‬
‫َنبَِأ الْمُ ْرسَِليَ [النعام‪ .]34:‬واليوم عندما يقف المر بالعروف والناهي عن النكر أمام‬
‫الناس‪ ،‬ويدعوهم إل ال‪ ،‬ويبي لم أحكام الدين؛ ويبي لم اللل والرام‪ ،‬يقولون له‪:‬‬
‫أنت كذاب‪ ،‬ل يكن أن يكون ف القرآن كذا‪ ،‬ل يكن أن يكون ف السنة كذا‪ ،‬ل يكن‬
‫أن يأمر الرسول صلى ال عليه وسلم بكذا‪ ،‬هذا الذي تدعون إليه ليس بدين‪ ،‬أنت‬
‫تكذب على الدين‪ ،‬أنت جئت بدين جديد‪ ،‬ليس هذا الدين الذي نعرفه‪ ،‬لقد رأينا الدين‬
‫من آبائنا وأجدادنا‪ ،‬ولقد رأينا الدين سني عديدة ما رأينا فيه مثل هذا الذي تدعو إليه‪،‬‬
‫فيتهمونه بالكذب على الشريعة‪ ،‬وهم قد أتوا من قبل جهلهم؛ فلجهلهم رموه بالكذب‪،‬‬
‫وأتوا من قبل تقليدهم لبائهم وأجدادهم‪ ،‬وعدم اتباع الق‪ ،‬وأتوا من اتباع أهوائهم؛‬
‫لنك عندما تبهم بالق الذي يالف أهوائهم؛ إذا كان الق واضحا يقولون‪ :‬أنت‬

‫‪244‬‬
‫كذاب ‪ ..‬فعليك أن تصب كما صب رسل ال صلوات ال وسلمه عليهم‪.‬‬
‫صب النب صلى ال عليه وسلم على تلقي الذى ف جسده‪:‬‬
‫ولقد صب عليه الصلة والسلم على أذى الشركي ف جسده صبا عظيما‪ ،‬روى‬
‫البخاري رحه ال عن عروة بن الزبي قال‪ :‬قلت لـعبد ال بن عمرو بن العاص ‪ :‬أخبن‬
‫بأشد شيءٍ صنعه الشركون برسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قال‪( :‬بينا رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة؛ إذ أقبل عقبة بن أب معيط وهو من الكفار‪ ،‬فأخذ‬
‫بنكب رسول ال صلى ال عليه وسلم ولوى ثوبه ف عنقه فخنقه خنقا شديدا)‪ .‬عقبة بن‬
‫أب معيط يلوي الثوب حول رقبة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم يصلي‪( :‬ولوى ثوبه ف عنقه فخنقه خنقا شديدا‪ ،‬فأقبل أبو بكر رضي ال عنه‪،‬‬
‫فأخذ بنكبه ودفع عن النب صلى ال عليه وسلم ث قال‪َ :‬أَت ْقتُلُونَ َر ُجلً أَ ْن َيقُولَ َربّيَ اللّهُ‬
‫وَقَدْ جَاءَ ُك ْم بِالَْبّينَاتِ مِنْ َرّبكُمْ [غافر‪ .)]28:‬آذوه ف بدنه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولذا‬
‫أمثلة سنذكرها إن شاء ال‪ .‬ف معركة أحد ماذا حصل للنب صلى ال عليه وسلم؟ الذي‬
‫حصل له أيها الخوة‪ :‬أنه أُدمي حت سال الدم من وجهه‪ ،‬وقد أخرج البخاري رحه ال‬
‫ف صحيحه ‪( :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لا أصيب ف أحد فسال الدم على‬
‫وجهه‪ ،‬رجع إل الدينة ول زال النف ف وجهه عليه الصلة والسلم‪ ،‬فقام علي رضي‬
‫ال عنه على رأسه‪ ،‬و فاطمة تأخذ من الناء ف يد علي فتغسل وجه رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بالاء‪ ،‬ولكن الرح ل يرق‪ ،‬فأخذت حصيا فأحرقته ووضعت رماده على‬
‫جرح رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فتماسك الرح قليلً حت وقف الدم)‪.‬‬
‫للدعاة ف رسول ال أسوة ف الصب على الذى‪:‬‬
‫فهذا رسول ال صلى ال عليه وسلم يؤذى ف جسده‪ ،‬واليوم يعان التمسكون بشرع ال‬
‫عز وجل أصناف العذاب‪ ،‬وألوان الذى ف سبيل ال‪ ،‬فيضربون بالسياط‪ ،‬ويسحلون‬
‫بالشوارع‪ ،‬ويرون على جلودهم فوق الجارة والشوك‪ ،‬كما وقع بالنفر الول من‬
‫الصابرين الصادقي‪ ،‬وأدن من ذلك تقع صور من العذاب ف داخل البيوت‪ ،‬هل رأيتم أبا‬
‫تصل به الدناءة والسة أن يضرب ولده؛ لنه امتنع عن النكرات؟! هل رأيتم أبا تصل به‬
‫السة والدناءة أن يقفل الباب على ابنه حت ل يذهب لصلة الفجر؟! يقفل باب البيت‬

‫‪245‬‬
‫بالفتاح ويأخذ معه الفاتيح حت ل يرج الولد إل صلة الفجر‪ .‬هل رأيتم خسة ودناءةً‬
‫مثل أن يأت أحد الباء بزيل للشعر فيضعه على لية ولده وهو نائم حت تسقط ليته‬
‫عداءً لسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم؟! إن ألوان اليذاء أيها الخوة تتعاقب‪ ،‬ويتفنن‬
‫أعداء ال ف إذاقة عباد ال العذاب أصنافا وألوانا‪ ،‬فليس الل ف ذلك إل الصب على هذا‬
‫الذى ف سبيل ال‪ ،‬ولقد سعى أعداء ال لخراج رسول ال صلى ال عليه وسلم من‬
‫خرِجُوكَ مِْنهَا َوإِذا ل يَ ْلَبثُونَ‬
‫ك مِ َن اْلأَ ْرضِ ِليُ ْ‬
‫ستَفِزّونَ َ‬
‫بلده‪ ،‬فقال ال عزوجل‪َ :‬وإِنْ كَادُوا َليَ ْ‬
‫خِلفَكَ إِلّا قَلِيلً [السراء‪ ]76:‬تآمروا على إخراج رسول ال صلى ال عليه وسلم من‬
‫بلده‪ ،‬وخططوا لذلك حت اضطر رسول ال صلى ال عليه وسلم إل الروج‪ ،‬فتهددهم‬
‫ال بذه الية‪َ :‬وإِذا ل يَ ْلبَثُونَ خِلفَكَ إِلّا َقلِيلً وفعلً ما لبثوا ف مكة بعد إخراج الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم منها إل قليلً‪ ،‬فأذاقهم ال العذاب ف معركة بدر وغيها من الواقع‬
‫حت فتح ال مكة ‪ ،‬ودخلها رسول ال صلى ال عليه وسلم منصورا‪ .‬اللهم يا مقلب‬
‫القلوب ثبت قلوبنا على دينك‪ ،‬اللهم واجعلنا من الصابرين ف البأساء والضراء وحي‬
‫البأس‪ ،‬اللهم ثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين‪ .‬أقول قول هذا وأستغفر ال ل‬
‫ولكم‪.‬‬
‫صور أخرى من صب النب على الذى يقتدى به فيها‪:‬‬
‫المد ل الذي ل إله إل هو وحده ل شريك له‪ ،‬له اللك وله المد وهو على كل شيء‬
‫قدير‪ ،‬وأشهد أن ممدا عبده ورسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬خات الرسل‪ ،‬وأحب خلق ال‬
‫إل ال‪ ،‬وخليل ال الذي اصطفاه ال على العالي‪ ،‬أدى الرسالة‪ ،‬وبلغ المانة‪ ،‬ونصح‬
‫المة‪ ،‬وصب على الذى ف سبيل ال حت كان مثالً حيا بسيته بي أظهرنا اليوم؛ كأنا‬
‫نرى تلك السية‪ ،‬وتلك الحداث الت عاشها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬عن عائشة‬
‫رضي ال عنها أنا قالت للنب صلى ال عليه وسلم‪( :‬هل أتى عليك يوم أشد من يوم‬
‫أحد‪ ،‬قال‪ :‬لقد لقيت من قومك ما لقيت‪ ،‬وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ‬
‫عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلل فلم يبن إل ما أردت) الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم ما وجد وليا ول نصيا‪ ،‬يريد من كفار قريش أن ييبوه وينصروه فل يد‪.‬‬
‫(فلم يبن إل ما أردت‪ ،‬فانطلقت وأنا مهموم على وجهي)‪ .‬هذه اللفاظ أيها الخوة‬

‫‪246‬‬
‫تصور منة الداعية الت يعيشها حينما يعرض الناس عنه‪ ،‬منة الداعية الت يعيشها حينما‬
‫يرفضه كل الناس‪ ،‬حي يطرده جيع الناس‪ ،‬عندما يوصدون البواب ف وجهه‪ ،‬ول‬
‫يرضون بالق الذي يقول به‪ ،‬ويعرضون عنه‪( .‬فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم‬
‫أستفق إل وأنا بـقرن الثعالب) وهو موضع قريب من مكة‪ .‬الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫هام على وجهه من الغم‪ ،‬وما أفاق إل نفسه ليعرف إل أين يسي إل ف قرن الثعالب ‪،‬‬
‫وليس ذلك لجل إفلس‪ ،‬ول لذهاب تارة‪ ،‬ول لسارة ف صفقة‪ ،‬ول لفقد وظيفة‪،‬‬
‫كل‪( .‬فلم أستفق إل وأنا بـقرن الثعالب ‪ ،‬فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتن‪،‬‬
‫فنظرت فإذا فيها جبيل فنادان فقال‪ :‬إن ال قد سع قول قومك لك وما ردوا عليك‪،‬‬
‫وقد بعث ال إليك ملك البال لتأمره با شئت فيهم‪ ،‬فنادان ملك البال فسلم عليّ‪ ،‬ث‬
‫قال‪ :‬يا ممد! إن شئت أن أطبق عليهم الخشبي ‪-‬أي‪ :‬البلي العظيمي اللذين تقع‬
‫بينهما مكة ‪ -‬فقال النب صلى ال عليه وسلم‪ :‬بل أرجو أن يرج ال من أصلبم من‬
‫يعبد ال ل يشرك به شيئا)‪ .‬وعندما يكون الظلم من القرباء يكون وقعه شديدا على‬
‫النفس‪.‬‬
‫وظلم ذوي القرب أشد مضاضة على النفس من وقع السام الهند‬
‫ك الْأَقْ َربِيَ‬
‫روى البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬لا نزلت‪َ :‬وأَنْ ِذ ْر عَشِيَتَ َ‬
‫[الشعراء‪ ]214:‬صعد النب صلى ال عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي بطون قريش‪:‬‬
‫(يا بن عدي ‪ ...‬حت اجتمعوا‪ ،‬فجعل الرجل إذا ل يستطع أن يرج أرسل رسولً لينظر‬
‫ف المر‪ ،‬فجاء أبو لب وقريش فاجتمعوا ‪-‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم على الصفا‪-‬‬
‫فقال عليه السلم‪ :‬أرأيتكم لو أخبتكم أن خيلً ببطن الوادي تريد أن تغي عليكم ‪-‬جيش‬
‫قريب من مكة يريد أن يغي عليكم‪ -‬أكنتم مصدقي؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬ما جربنا عليك كذبا‪،‬‬
‫قال‪ :‬إن نذير لكم بي يدي عذاب شديد‪ ،‬فقال أبو لب ‪ :‬تبا لك سائر اليوم‪ ..‬ألذا‬
‫جعتنا)‪ .‬و أبو لب عم الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬داعية إل ال يقوم يمع الناس‬
‫يأتون إليه‪ ،‬يهددهم بعذاب ال عز وجل ويدعوهم إل ال‪ ،‬فيقوم له واحد من الاضرين‬
‫فيقول له‪ :‬تبا لك سائر اليوم! ألذا جعتنا؟ واليوم تعقد متمعات للدعوة إل ال‪ ،‬وقد‬
‫يمع داعية إل ال الناس ف بيته‪ ،‬أو يذهب إليهم ف بيوتم فينصحهم وينذرهم عذاب ال‬

‫‪247‬‬
‫‪ ،‬فتنطلق ألسنة الستهزئي به‪ ،‬إنه يتذكر والوقف هذا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ولقد وصل المر إل أن ادعوا أنم أحق من رسول ال صلى ال عليه وسلم بالق وصلة‬
‫الرحم‪ ،‬فهذا أبو جهل لعنه ال وقف يوم بدر يبتهل إل ال ويقول‪ :‬اللهم أقطعنا للرحم‬
‫‪-‬يعن الرسول صلى ال عليه وسلم‪ -‬وأتانا با ل نعرف فأحنه الغداة‪ .‬يوم بدر يقف أبو‬
‫جهل لعنه ال يدعو ال أن يهزم رسول ال صلى ال عليه وسلم لنه قطع الرحم‪ ،‬وأتاهم‬
‫سَت ْفتِحُوا َفقَدْ جَاءَكُ ُم اْلفَتْ ُح [النفال‪ ]19:‬كما ف‬ ‫با ل يعرفوا‪ ،‬فأنزل ال عز وجل‪ِ :‬إنْ تَ ْ‬
‫الصحيح السند من أسباب النول ‪ .‬ولقد اتموا رسول ال صلى ال عليه وسلم حت ف‬
‫إنابه‪ ،‬فعن ابن عباس قال‪( :‬لا قدم كعب بن الشرف مكة ‪-‬وكان كعب بن الشرف‬
‫يهوديا‪ -‬قالت له قريش‪ :‬أنت خي أهل الدينة وسيدهم ‪-‬وكان هذا قبل الجرة‪ -‬قال‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قالوا أل ترى إل هذا الصنبور ‪ .)..‬يقصدون رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫فاستخدام اللفاظ الشينة؛ ألفاظ السب‪ ،‬وانتقائها من قاموس السباب والشتائم للصاقها‬
‫بالدعاة إل ال قضية قدية؛ ليست حديث ًة ول وليدة هذا العصر‪ .‬والصنبور ف لغة العرب‪:‬‬
‫هو الرجل الفرد الضعيف الذليل الذي ل أهل له ول عقب‪ ،‬ول ناصر ينصره‪ ،‬قالوا‪( :‬أل‬
‫ترى إل هذا الصنبور النبتر من قومه‪ ،‬يزعم أنه خي منا‪ ،‬ونن أهل الجيج‪ ،‬وأهل‬
‫السدانة‪ ،‬وأهل السقاية‪ ،‬قال‪ :‬أنتم خي منه‪ .‬فأنزل ال عز وجل‪ِ :‬إنّ شَاِنئَكَ ُه َو اْلأَْبتَرُ‬
‫[الكوثر‪ )]3:‬أي‪ :‬إن شانئك وسابك يا ممد هو البتر الذي ل عقب له‪ .‬وأخيا هذا‬
‫ك الّذِينَ َكفَرُوا ِلُيْثبِتُوكَ َأ ْو َي ْقتُلُوكَ َأوْ‬
‫الوقف الذي تكيه لنا آية النفال‪َ :‬وإِ ْذ يَ ْمكُ ُر بِ َ‬
‫يُخْ ِرجُوكَ [النفال‪ ]30:‬إن عقد الؤترات لجهاض الدعوة‪ ،‬والؤامرات على دعاة‬
‫ك الّذِينَ َكفَرُوا [النفال‪ ]30:‬لقد‬ ‫السلم‪ ،‬وإلاق الذى بم قضية قدية‪َ .‬وإِ ْذ يَ ْمكُ ُر بِ َ‬
‫اجتمعوا ف حجر إساعيل بانب الكعبة ف مكة ؛ يدبرون ويططون لثلثة أشياء‪َ :‬وإِذْ‬
‫ك الّذِينَ َك َفرُوا ِلُيثِْبتُوكَ ومعن‪ :‬يثبتوك‪ :‬يقيدوك ويبسوك حت ل تقوم بالدعوة‪.‬‬ ‫يَ ْمكُ ُر بِ َ‬
‫َأوْ َي ْقتُلُوكَ ويضيع دمك بي القبائل‪َ .‬أ ْو يُخْ ِرجُوكَ من مكة ويطردوك حت ل تكون بينهم‪.‬‬
‫روى ابن حبان ف صحيحه و الاكم ف مستدركه من حديث عبد ال بن عثمان بن‬
‫خيثم عن سعيد بن جبي عن ابن عباس قال‪( :‬دخلت فاطمة على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وهي تبكي‪ ،‬فقال‪ :‬ما يبكيك يا بنيه؟ قالت‪ :‬يا أبت! ما ل ل أبكي وهؤلء الل‬

‫‪248‬‬
‫من قريش ف الجر يتعاقدون باللت والعزى‪ ،‬ومناة الثالثة الخرى‪ ،‬لو قد رأوك لقاموا‬
‫إليك ليقتلوك‪ ،‬وليس منهم إل من قد عرف نصيبه من دمك‪ ،‬فقال‪ :‬يا بنيه! ائتين‬
‫بوضوئي‪ ،‬فتوضأ رسول ال صلى ال عليه وسلم ث خرج إل السجد‪ ،‬فلما رأوه قالوا‪:‬‬
‫إنا هو ذا‪ ،‬فطأطئوا رءوسهم‪ ،‬وسقطت أذقانم من بي أيديهم فلم يرفعوا أبصارهم‬
‫‪-‬أعماهم ال‪ -‬فتناول رسول ال صلى ال عليه وسلم قبضة من تراب فحصبهم با وقال‪:‬‬
‫ل منهم حصاة من حصياته إل قتل يوم بدر كافرا)‪ .‬قال‬ ‫شاهت الوجوه‪ ،‬فما أصاب رج ً‬
‫ابن كثي رحه ال‪ :‬قال الاكم ‪ :‬صحيح على شرط مسلم ول يرجاه ول أعرف له علة‪.‬‬
‫ولو استطردنا أيها الخوة ف ذكر ألوان الذى الت صب عليها رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم لطالت بنا الجالس والوقات‪ ،‬ولكن إنا هي تذكرة نذكر با أنفسنا ونسليها ونن‬
‫نواجه اليوم أعداء ال‪ ،‬ونواجه مططاتم‪ ،‬واتاماتم‪ ،‬وسبابم‪ ،‬وفسوقهم‪ ،‬وأذاهم‪،‬‬
‫وحلتم علينا‪ .‬إن النسان ليزداد مبة لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإكبارا له عليه‬
‫الصلة والسلم وإجللً؛ حي يرى ف سيته صلى ال عليه وسلم من صبه على الذى‪،‬‬
‫ومن تمله ذلك ف سبيل ال لجل شيء واحد‪ :‬أن يبلغ رسالة ال إل الناس‪ ،‬أن يبلغ‬
‫الناس دين السلم؛ هذا هو الدف‪ ،‬هذا هو الغرض من الياة‪ ،‬وإل فإن الياة بغي هذا‬
‫الغرض حياة بيمية‪ .‬اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك‪ ،‬اللهم‬
‫واجعلنا من دعاتك وجندك‪ ،‬اللهم وانصرنا على القوم الكافرين‪ ،‬اللهم وآتنا الجة على‬
‫من عادانا‪ ،‬اللهم وانصرنا على من بغى علينا‪ ،‬اللهم أرنا الق حقا وارزقنا اتباعه‪ ،‬وأرنا‬
‫الباطل باطلً وارزقنا اجتنابه‪ .‬اللهم وص ّل على نبيك ممد صلى ال عليه وسلم صلةً تامّة‬
‫ما بدا الليل والنهار‪ ،‬اللهم ص ّل عليه صلة تامة ما غربت شس وما شرقت‪ .‬اللهم اجعلنا‬
‫من أهل شفاعته‪ ،‬اللهم أوردنا حوضه‪ ،‬اللهم وارزقنا مرافقته ف النة‪.‬‬
‫****************‬
‫وبي سبحانه وتعال أن العاقبة للمتقي ‪:‬‬
‫ك مِنْ َقبْلِ‬
‫ك مِنْ َأْنبَا ِء الْ َغْيبِ نُوحِيهَا إَِليْكَ مَا ُكْنتَ َتعْلَ ُمهَا َأْنتَ وَلَا َق ْومُ َ‬
‫قال تعال ‪ { :‬تِلْ َ‬
‫صِبرْ إِ ّن اْلعَاِقبَةَ لِ ْل ُمّتقِيَ (‪[ )49‬هود‪} ]49/‬‬ ‫هَذَا فَا ْ‬

‫‪249‬‬
‫وقال تعال ‪ { :‬وََلقَ ْد َسَبقَتْ كَلِ َمُتنَا ِل ِعبَا ِدنَا الْمُ ْرسَلِيَ (‪ِ )171‬إّنهُمْ َل ُه ُم الْ َمنْصُورُونَ (‬
‫سوْفَ‬ ‫‪َ )172‬وإِنّ ُجنْ َدنَا َلهُ ُم اْلغَاِلبُونَ (‪َ )173‬فَتوَ ّل عَْنهُمْ َحتّى ِحيٍ (‪َ )174‬وَأبْصِ ْرهُمْ فَ َ‬
‫ح الْ ُمنْذَرِينَ (‬
‫صبَا ُ‬
‫سَتعْجِلُونَ (‪ )176‬فَإِذَا نَزَلَ بِسَا َحِتهِمْ فَسَاءَ َ‬ ‫ُيبْصِرُونَ (‪ )175‬أََفبِعَذَاِبنَا يَ ْ‬
‫ف ُيبْصِرُونَ (‪ُ )179‬سبْحَانَ َربّكَ‬ ‫سوْ َ‬ ‫‪َ )177‬وَتوَلّ َعْنهُمْ َحتّى حِيٍ (‪َ )178‬وَأْبصِرْ فَ َ‬
‫ب اْلعَالَمِيَ‬ ‫صفُونَ (‪َ )180‬وسَلَا ٌم عَلَى الْمُ ْرسَِليَ (‪ )181‬وَالْحَمْدُ ِللّهِ رَ ّ‬ ‫ب اْلعِ ّزةِ عَمّا يَ ِ‬
‫رَ ّ‬
‫(‪[ )182‬الصافات‪} ]182-171/‬‬
‫النصورون ف ميزان ال‪..‬‬
‫ممد بولوز‪-‬الوسط التونسية‪:‬‬
‫النصر من ال كما الرزق الذي هو منة وعطاء منه عز وجل ومع ذلك يتحرك عباده لنيله‬
‫والظفر به‪،‬من خلل ركوب أسبابه وإتيان مقدماته‪.‬فال يريد من عباده التيان بأسباب‬
‫النصر اختبارا وابتلء‪،‬قال تعال‪ ":‬ذلك ولو يشاء ال لنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم‬
‫ببعض والذين قتلوا ف سبيل ال فلن يضل أعمالم"والتتبع لسباب النصر ف كتاب‬
‫ال‪،‬يدها مملة ف نصر دين ال‪،‬وما ذكر من غي هذا ل يعدو أن يكون تفصيل لذا‬
‫الصل العظيم‪.‬‬
‫فنصرة دين ال من أعظم أسباب النصر‪:‬قال تعال‪ ":‬يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا ال‬
‫ينصركم ويثبت أقدامكم"وقال أيضا‪ ":‬ياأيها الذين آمنوا كونوا أنصارا ل كما قال عيسى‬
‫بن مري للحواريي من أنصاري إل ال قال الواريون نن أنصار ال فآمنت طائفة من بن‬
‫إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين" وقال سبحانه‪":‬‬
‫الذين أخرجوا من ديارهم بغي حق إل أن يقولوا ربنا ال ولول دفع ال الناس بعضهم‬
‫ببعض لدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم ال كثيا ولينصرن ال من‬
‫ينصره إن ال لقوي عزيز"‬
‫ونصر ال ونصر دينه يكمن ف اليان به والعمل له سبحانه من غي شريك والتزام بدينه‬
‫وشرعه ودعوة إليه واجتهاد ف إقامته ف النفس والسرة والجتمع والعال ‪ ،‬حت يظهره ال‬
‫على الدين كله‪،‬ومن الدين عندنا ف السلم‪،‬الدفاع عن النفس والعشية والهل والعرض‬

‫‪250‬‬
‫والال والوطن‪ ..‬ومن مات دون شيء من ذلك فهو ف سبيل ال‪ ،‬ويسب عند السلمي‬
‫ف عداد الشهداء‪،‬وهو عند ال بسب ما معه من القاصد والنيات‪.‬‬
‫والنصورون هم من تققوا باليان الصادق والتوحيد الالص والعمل الصال والتوكل‬
‫على ال وحده‪ ،‬والعتماد عليه سبحانه وتلوا بالصب والثبات وذكروا ال كثيا‪،‬‬
‫ووحدوا كلمتهم وجعوا صفهم وأعدوا ما يقدرون عليه من العدة وما يستطيعونه من‬
‫أسباب‪ ،‬وأفرزوا من بي صفوفهم القيادة الؤمنة القوية وآمنوا بالهاد عقيدة ومارسة‬
‫وأمروا بالعروف ونوا عن النكر‪،‬وتسلحوا باليقي ف نصر ال والثقة بوعده‪،‬والتزموا‬
‫الدعاء والستغاثة بال والستنصار به سبحانه‪..‬‬
‫قال تعال ف شأن اليان والتوحيد والعمل الصال‪ ":‬وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا‬
‫الصالات ليستخلفنهم ف الرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لم دينهم‬
‫الذي ارتضى لم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونن ل يشركون ب شيئا ومن كفر‬
‫بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون"وف شأن تعظيم مقام ال والوف من وعيده‪":‬‬
‫ولنسكننكم الرض من بعدهم ذلك لن خاف مقامي وخاف وعيد" وف شأن العبادة‬
‫والصلح‪":‬ولقد كتبنا ف الزبور من بعد الذكر أن الرض يرثها عبادي الصالون"وبي‬
‫سبحانه أن النصر من ثار التجارة الرابة مع ال‪:‬قال تعال‪ ":‬ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم‬
‫على تارة تنجيكم من عذاب أليم‪،‬تؤمنون بال ورسوله وتاهدون ف سبيل ال بأموالكم‬
‫وأنفسكم ذلكم خي لكم إن كنتم تعلمون‪،‬يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تري من‬
‫تتها النار ومساكن طيبة ف جنات عدن ذلك الفوز العظيم‪ ،‬وأخرى تبونا نصر من‬
‫ال وفتح قريب وبشر الؤمني"‬
‫وأنه بالهاد وتريض الومني يكف بأس الكافرين‪:‬‬
‫قال تعال‪ ":‬فقاتل ف سبيل ال ل تكلف إل نفسك وحرض الؤمني عسى ال أن يكف‬
‫بأس الذين كفروا وال أشد بأسا وأشد تنكيل"وقال تعال‪ ":‬أذن للذين يقاتلون بأنم‬
‫ظلموا وإن ال على نصرهم لقدير"‬

‫‪251‬‬
‫وقال عز وجل ف الصب والتقوى‪ ":‬بلى إن تصبوا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا‬
‫يددكم ربكم بمسة آلف من اللئكة مسومي"وقال أيضا‪ ":‬فاصب إن العاقبة للمتقي"‬
‫فالصابرون ف ميزان ال يغلبون ضعفهم‪:‬‬
‫قال تعال‪ ":‬الن خفف ال عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا‬
‫مائتي وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفي بإذن ال وال مع الصابرين"والنصر يأت الصابرين‬
‫عقب اشتداد الحن‪:‬قال تعال‪ ":‬أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يأتكم مثل الذين خلوا من‬
‫قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حت يقول الرسول والذين آمنوا معه مت نصر ال‬
‫أل إن نصر ال قريب"‬
‫قال ابن مسعود وغيه "البأساء" الفقر "والضراء" السقم "وزلزلوا" خوفوا من العداء‬
‫زلزال شديدا وامتحنوا امتحانا عظيما‪.‬‬
‫وف الديث الصحيح عن خباب بن الرت قال‪ :‬قلنا يا رسول ال أل تستنصر لنا أل‬
‫تدعو ال لنا فقال "إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع النشار على مفرق رأسه‬
‫فيخلص إل قدميه ل يصرفه ذلك عن دينه ويشط بأمشاط الديد ما بي لمه وعظمه ل‬
‫يصرفه ذلك عن دينه" ث قال "وال ليتمن ال هذا المر حت يسي الراكب من صنعاء إل‬
‫حضرموت ل ياف إل ال والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون"‬
‫وقال ال تعال "أل أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون ولقد فتنا الذين‬
‫من قبلهم فليعلمن ال الذين صدقوا وليعلمن الكاذبي" وقد حصل شيء من هذا مع‬
‫الصحابة رضي ال عنهم يوم الحزاب كما قال ال تعال "إذ جاءوكم من فوقكم ومن‬
‫أسفل منكم وإذ زاغت البصار وبلغت القلوب الناجر وتظنون بال الظنونا هنالك ابتلي‬
‫الؤمنون وزلزلوا زلزال شديدا وإذ يقول النافقون والذين ف قلوبم مرض ما وعدنا ال‬
‫ورسوله إل غرورا" اليات‪.‬‬
‫وجاء ف الديث الصحيح لا سأل هرقل أبا سفيان هل قاتلتموه قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فكيف‬
‫كانت الرب بينكم؟ قال‪ :‬سجال يدال علينا وندال عليه‪ .‬قال‪ :‬كذلك الرسل تبتلى ث‬
‫تكون لا العاقبة‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫وف الديث أيضا عن أب رزين "عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيثه فينظر إليهم‬
‫قانطي فيظل يضحك يعلم أن فرجهم قريب" ‪.‬‬
‫وعلمنا السلم أن مبادءة العتدين مع الستعداد والتوكل من أسباب النصر‪:‬قال‬
‫تعال‪":‬قال رجلن من الذين يافون أنعم ال عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه‬
‫فإنكم غالبون وعلى ال فتوكلوا إن كنتم مؤمني"‬
‫وعلمنا أن الولء ل ولرسوله وللمومني من أسباب النصر‪:‬قال تعال‪ ":‬ومن يتول ال‬
‫ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون"وعلمنا ف قصة طالوت كيف ينبغي‬
‫اختيار القيادة الؤمنة القوية‪،‬وأمرنا بسن العداد بقوله"وأعدوا لم ما استطعتم من‬
‫قوة‪"...‬الية‪،‬وبتوحيد الصفوف بقوله "واعتصموا ببل ال جيعا ول تفرقوا‪"..‬‬
‫والؤمن بعد إتيان ما يستطيع من أسباب النصر وشروطه يلجأ إل ال ويستغيث بدده‬
‫وعونه‪:‬‬
‫روى البخاري عن أب هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان‬
‫يقول‪ ":‬ل إله إل ال وحده أعز جنده ونصر عبده وغلب الحزاب وحده فل شيء‬
‫بعده"وف غزوة بدر ما جاء ف صحيح البخاري عن عمر بن الطاب رضي ال عنه قال‪":‬‬
‫لا كان يوم بدر نظر رسول ال صلى ال عليه وسلم إل الشركي وهم ألف وأصحابه‬
‫ثلث مائة وتسعة عشر رجل فاستقبل نب ال صلى ال عليه وسلم القبلة ث مد يديه‬
‫فجعل يهتف بربه اللهم أنز ل ما وعدتن اللهم آت ما وعدتن اللهم إن تلك هذه إن‬
‫تلك هذه العصابة من أهل السلم ل تعبد فيالرض فما زال يهتف بربه مادا يديه‬
‫مستقبل القبلة حت سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبوبكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ث‬
‫التزمه من ورائه وقال يا نب ال كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل ال‬
‫عز وجل إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أن مدكم بألف من اللئكة مردفي فأمده‬
‫ال باللئكة‪"...‬‬
‫ونانا عز وجل عن إتيان ما يناف النصر ويلب الزية من عوامل الفشل والب والتنازع‬
‫والصراع والعصيان وابتغاء الدنيا دون الخرة يفهم ذلك من قوله تعال‪ ":‬ولقد صدقكم‬
‫ال وعده إذ تسونم بإذنه حت إذا فشلتم وتنازعتم ف المر وعصيتم من بعد ما أراكم‬

‫‪253‬‬
‫ماتبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الخرة ث صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا‬
‫عنكم وال ذو فضل على الؤمني"‬
‫وحذرنا من الركون إل السباب الدنيوية وحدها أو التعويل على مرد الكثرة العددية قال‬
‫تعال‪ ":‬لقد نصركم ال ف مواطن كثية ويوم حني إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم‬
‫شيئا وضاقت عليكم الرض با رحبت ث وليتم مدبرين "‬
‫ونبهنا إل أنه ل ناصر لن خذله ال‪،‬با قد يأتيه من استبعاد لدين ال ف معركته مع‬
‫أعدائه وتلفه عن نصره وإقامته‪،‬فيستحق بذلك السارة والذلن ;قال تعال‪":‬إن‬
‫ينصركم ال فل غالب لكم وإن يذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى ال‬
‫فليتوكل الؤمنون"‬
‫‪ 3‬سبتمب ‪ 10-2006‬شعبان ‪ 1427‬ه‬
‫===============‬
‫مقامات البتلء‪ ..‬ومفارز التمحيص‬
‫اللواء الدكتور ‪ -‬فيصل بن جعفر بال‬
‫المدل رب العالي‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف النبياء والرسلي‪ ،‬سيدنا ونبينا ممد‬
‫وعلى آله وأصحابه أجعي‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإن ال سبحانه وتعال خلق البشر‪ ،‬وابتلهم بالسنة والسيئة‪ ،‬وبالي والشر؛‬
‫كما قال سبحانه ‪ :‬وبلوناهم بالسنات والسيئات لعلهم يرجعون (‪{ )168‬العراف‪:‬‬
‫‪ ،}168‬وقال عز وجل‪ :‬ونبلوكم بالشر والي فتنة وإلينا ترجعون ‪{ 35‬النبياء‪:‬‬
‫‪ ،}35‬وقال تعال‪ :‬أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل يفتنون ‪ 2‬ولقد‬
‫فتنا الذين من قبلهم فليعلمن ال الذين صدقوا وليعلمن الكاذبي ‪{ 3‬العنكبوت‪،2 :‬‬
‫‪.}3‬‬
‫وها هنا أمران مهمان ليفطن لما كثي من الناس وها‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه كلما قوي إيان الؤمني‪ ،‬ويقينهم بربم‪ ،‬وصدقهم معه‪ ،‬وإخلصهم له؛ عظم‬
‫بلؤهم‪ ،‬واشتدت منتهم؛ ليبلوا ال تعال إيانم‪ ،‬ويتب صدقهم؛ كما قال النب {‪" :‬أشد‬

‫‪254‬‬
‫الناس بلء النبياء ث المثل فالمثل يبتلى الناس على قدر دينهم‪ ،‬فمن ثخن دينه اشتد‬
‫بلؤه‪ ،‬ومن ضعف دينه ضعف بلؤه" (صحيح الامع ‪.)993‬‬
‫الثان‪ :‬أنه كلما اشتد البلء‪ ،‬وعظمت الحنة بالؤمني الصادقي الثابتي فإن فرجهم يكون‬
‫قريبا‪ ،‬وتلك سنة كونية قدرها ال سبحانه كما قال عز وجل‪ :‬فإن مع العسر يسرا ‪5‬‬
‫إن مع العسر يسرا ‪{ 6‬الشرح‪.}6 ،5 :‬‬
‫وتأمل معي أخي القارئ هذه الية العظيمة الت تمع بي هذين المرين وهي قول ال‬
‫تعال‪ :‬أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء‬
‫والضراء وزلزلوا حت" يقول الرسول والذين آمنوا معه مت" نصر ال أل إن نصر ال قريب‬
‫‪{ 214‬البقرة‪.}214 :‬‬
‫فانظر ماذا حصل لذا النب عليه السلم‪ ،‬ومن معه من الؤمني من عظيم الحن والبتلء‪،‬‬
‫فأصيبوا بالبأساء والضراء‪ ،‬وزلزلوا حت إنم تساءلوا‪ :‬مت نصر ال ؟! قال الطبي رحه‬
‫ال تعال‪" :‬أم حسبتم أنكم أيها الؤمنون بال ورسوله تدخلون النة‪ ،‬ول يصيبكم مثل ما‬
‫أصاب من قبلكم من أتباع النبياء والرسل من الشدائد والحن والختبار‪ ،‬فتبتلوا با ابتلوا‬
‫واختبوا به من البأساء وهي‪ :‬شدة الاجة والفاقة‪ ،‬والضراء وهي‪ :‬العلل والوصاب‪ ،‬ول‬
‫تزلزلوا زلزالم‪ ،‬يعن‪ :‬ول يصيبهم من أعدائهم من الوف والرعب شدة وجهد حت‬
‫يستبطئ القوم نصر ال إياهم‪ ،‬فيقولون‪ :‬مت ال ناصرنا؟! ث أخبهم ال أن نصره منهم‬
‫قريب‪ ،‬وأنه معليهم على عدوهم‪ ،‬ومظهرهم عليه؛ فنجزلم ما وعدهم‪ ،‬وأعلى كلمتهم‪،‬‬
‫وأطفأ نار حرب الذين كفروا" أه (جامع البيان ‪.)341/2‬‬
‫لقد أفادت هذه الية العظيمة أن النبياء وأتباعهم سيجري عليهم من البلء والحنة‪،‬‬
‫وتسلط الكافرين والنافقي عليهم وعلى دينهم ما يزلزلم ويؤذيهم؛ ولكنهم ف الوقت‬
‫نفسه واثقون بنصر ال تعال ووعده؛ ولذلك تساءلوا‪ :‬مت نصر ال؟!‬
‫كما أفادت الية أنه إذا عظم البلء‪ ،‬واشتدت الحن اقترب النصر؛ فعند سؤالم مت نصر‬
‫ال؟! كان الواب‪ :‬أل إن نصر ال قريب!!‬
‫إن السلم وهو ينظر إل الوضاع الدولية العاصرة‪ ،‬وما أصاب السلمي من ضعف وهوان‬
‫واستئساد أعدائهم عليهم‪ ،‬وطمعهم ف بلدانم وثرواتم‪ ،‬وقتلهم لخوانم‪ ،‬وتشريدهم‪،‬‬

‫‪255‬‬
‫وأذيتهم‪ ،‬والسعي الثيث لتغيي دينهم وعقيدتم‪ ،‬والعتداء على نبيهم ممد {‪ ،‬ووصفه‬
‫بالرهاب‪ ،‬وسفك الدماء‪ ،‬وغيها من الوصاف النفرة‪ ،‬وادعاء أن القرآن مصدر‬
‫الرهاب‪ ،‬وغي ذلك من التهم الاهزة الت صار يلقيها كل من يريد الطعن ف السلم‪،‬‬
‫أو يريد أن ينال الشهرة العلمية على حساب السلم وشريعته من كفار ومنافقي؛ مع‬
‫ضعف السلمي وعجزهم عن الدفاع عن دينهم وعقيدتم‪ .‬إن من يرى ذلك كله ليوقن‬
‫بأن دائرة الحن والبتلءات باتت تضيق بالسلمي كل يوم؛ لتستخرج الصادق ف إسلمه‬
‫من الكاذب‪ ،‬والؤمن من النافق؛ مصداقا لقول ال سبحانه‪ :‬ومن الناس من يقول آمنا‬
‫بال فإذا أوذي ف ال جعل فتنة الناس كعذاب ال ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا‬
‫معكم أو ليس ال بأعلم با ف صدور العالي ‪ 10‬وليعلمن ال الذين آمنوا وليعلمن‬
‫النافقي ‪{ 11‬العنكبوت‪ .}11 ،10 :‬وقوله سبحانه‪ :‬وليمحص ال الذين آمنوا‬
‫ويحق الكافرين ‪ 141‬أم حسبتم أن تدخلوا النة ولا يعلم ال الذين جاهدوا منكم‬
‫ويعلم الصابرين ‪{ 142‬آل عمران‪.}142 ،141 :‬‬
‫فهنيئا وال لن ثبت على دينه مع شدة البتلءات والحن‪ ،‬ويا خسارة من أخرجته الفت‬
‫والحن والبتلءات من دينه فبدل وغي أمر ال تعال؛ إرضاء للبشر‪ ،‬وويل لن حاول‬
‫الفاظ على دنياه بسارة دينه؛ فذلك الذي لن تسلم له دنياه ول آخرته نسأل ال تعال‬
‫السلمة والعافية‪ ،‬كما نسأله الثبات على الق‪.‬‬
‫إنه يب على السلمي ف هذه الظروف العصيبة‪ ،‬وتاه هذه الحداث العظيمة أن يعوا‬
‫أصولً مهمة قررها ديننا هي من أسباب الثبات على الق ف حال الفت والحن ومن هذه‬
‫الصول‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أنه ل يصل شيء ف الكون إل بتقدير ال تعال وتدبيه‪ ،‬وأنه تبارك وتعال يعز من‬
‫يشاء ويذل من يشاء؛ كما قال سبحانه‪ :‬قل اللهم مالك اللك تؤت اللك من تشاء‬
‫وتنع اللك من تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الي إنك على" كل شيء قدير‬
‫‪{ 26‬آل عمران‪.}26 :‬‬
‫فهو سبحانه قادر على أن ينتشل السلمي من حضيض الذلة والهانة‪ ،‬ويرفعهم إل مراقي‬
‫العزة والكرامة‪ ،‬وقد جعل سبحانه وتعال سبيل ذلك الوصل إليه‪ :‬التمسك بشريعته‪ ،‬كما‬

‫‪256‬‬
‫أنه سبحانه قادر على أن يدحر النافقي والكافرين‪ ،‬وينكس راياتم‪ ،‬ويبط مططاتم‪،‬‬
‫ويبطل كيدهم‪ ،‬ويردهم على أعقابم خاسرين؛ إذ إنه عز جاره على كل شيء قدير‪،‬‬
‫والمر كله بيده‪ ،‬ول يرج شيء عن تدبيه سبحانه وتعال‪ ،‬ولا تناطحت القوتان‬
‫الرومانية والفارسية ف أول السلم‪ ،‬وأخب ال تعال عن غلبة الروم على فارس عقب على‬
‫ذلك بقوله سبحانه‪ :‬ل المر من قبل ومن بعد ‪{ 4‬الروم‪ ،}4 :‬فالمر ل تعال قبل‬
‫هزية فارس وبعدها‪ ،‬وقبل غلبة الروم وبعدها‪ ،‬ومن أراد النصر فعليه أن يطلبه من يلكه‬
‫وهو ال سبحانه؛ وذلك بطاعته واجتناب معصيته‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن ما يلكه العداء من أسلحة الدمار الشامل الت يوفوننا با ل تيفنا‪ ،‬ول تذلنا‬
‫وتضعنا لرادتم إذا كانت على حساب ديننا وسيادتنا؛ لن هذه السلحة الدمرة هي‬
‫أسلحة ردع‪ ،‬وإذا ما استخدمت عادت بالضرر على الضارب والضروب ف الغالب‪،‬‬
‫ومن العلوم أن الكافر والنافق ياف الوت‪ ،‬ويريد الياة كما قال ال تعال‪ :‬ولتجدنم‬
‫أحرص الناس على" حياة ‪{ 96‬البقرة‪ }96 :‬وأخب أنم يفرون من الوت وهو‬
‫ملقيهم‪.‬‬
‫وسبب خوفهم من الوت أنم ليرجون إل الدنيا فحسب‪ ،‬وليرجون الخرة الت يرجوها‬
‫السلم‪ ،‬ويأمل فيها‪ ،‬فليس لم إل فرصة واحدة ل يكن أن يغامروا با بلف الؤمن الذي‬
‫يرى أن فرصته الكبى هي ف الخرة وليست ف الدنيا‪ .‬ومن مقررات مذهب أهل السنة‬
‫والماعة‪ :‬أن من مات وهو يشهد أن ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال‪ ،‬موقنا با قلبه‬
‫فمآله إل النة برحة ال تعال ولو كان من أهل الكبائر؛ فمم ياف الؤمن؟!‬
‫إن ذلك ل يعن بطبيعة الال أن نتمن لقاء عدونا مع عدم تكافؤ القوى‪ ،‬ول أن ننشد‬
‫ضربم للمسلمي بأسلحة الدمار الشامل؛ فذلك مالف لقول النب {‪" :‬ل تتمنوا لقاء‬
‫العدو وأسألوا ال العافية" (رواه البخاري ‪ 109/6‬ومسلم ‪ )1742‬ولكننا ف الوقت‬
‫نفسه لن نتخلى عن ديننا لنم يوفوننا با يلكونه من سلح وعتاد‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أنه لن يقضي على السلم بعامة‪ ،‬وستكون الغلبة ف النهاية لهل الق على أهل‬
‫الباطل؛ كما قال ال تعال‪ :‬فاصب إن العاقبة للمتقي ‪{ 49‬هود‪ }49 :‬وهم الذين‬
‫سيثون الرض ف ناية الطاف؛ كما قال سبحانه‪ :‬ولقد كتبنا ف الزبور من بعد الذكر‬

‫‪257‬‬
‫أن الرض يرثها عبادي الصالون ‪{ 105‬النبياء‪ }105 :‬ومهما عظمت الؤامرات‪،‬‬
‫وكثرت الدسائس والكائد على السلم والسلمي‪ ،‬ومهما كانت قوة الكافرين والنافقي‬
‫فإن ال تعال حافظ دينه بفظ طائفة مؤمنة يقومون بالق ويبلغونه للناس؛ كما قال النب‬
‫{‪" :‬ل تزال طائفة من أمت على الق ظاهرين ليضرهم من خذلم ول من خالفهم حت‬
‫يأت أمر ال وهم على ذلك" (رواه البخاري ‪ 249/13‬ومسلم ‪.)1921‬‬
‫فإذا كانت النة مآل من قضى من السلمي ف حروب شاملة‪ ،‬أو كوارث مفزعة‪ ،‬أو‬
‫غيها‪ ،‬وكان دين السلم مفوظا إل قيام الساعة فمم ياف السلمون؟!‬
‫إن فهم هذه الصول العظيمة الت قررها ديننا هو مكمن القوة لنا‪ ،‬وصمام المان الذي‬
‫يعلنا ل نبدل ديننا مهما كان حجم التحديات والتهديدات‪ ،‬ولو كان ثن ذلك خسارة‬
‫دنيانا‪ ،‬فلن نسر دنيانا ويبقى لنا ديننا الذي هو ثن فوزنا ف الخرة خي لنا من التخلي‬
‫عن ديننا الذي ستكون نتيجته خسارة الدنيا والخرة‪.‬‬
‫أسأل ال تعال أن يفظ بلدنا وبلد السلمي من كيد الكائدين‪ ،‬ومكر الاكرين‪ ،‬وأن‬
‫يردهم على أعقابم خاسرين‪ .‬كما أسأله تبارك وتعال أن يوفق ولة أمرنا إل ما فيه‬
‫صلح ديننا ودنيانا‪ ،‬وأن يعينهم على ما يضطلعون به من مهمات‪ ،‬وما يواجهونه من‬
‫تديات‪ ،‬وأن يثبتهم على الق‪ ،‬ويقويهم عليه‪ ،‬ويعلهم قرة عي للمسلمي‪ ،‬إنه سيع‬
‫ميب‪ ،‬وبالجابة جدير‪ .‬والمدل أولً وآخرا‪ ،‬وصلى ال وسلم وبارك على عبده‬
‫ورسوله ممد وعلى آله وصحبه أجعي‪.‬‬
‫==================‬
‫ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا الرسلي‬
‫{ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا الرسلي ‪ .‬إنم لم النصورون ‪ .‬وإن جندنا لم الغالبون }‬
‫‪..‬‬
‫والوعد واقع وكلمة ال قائمة ‪ .‬ولقد استقرت جذور العقيدة ف الرض؛ وقام بناء اليان‬
‫‪ ،‬على الرغم من جيع العوائق ‪ ،‬وعلى الرغم من تكذيب الكذبي ‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫التنكيل بالدعاة والتبعي ‪ .‬ولقد ذهبت عقائد الشركي والكفار ‪ .‬وذهبت سطوتم‬
‫ودولتهم؛ وبقيت العقائد الت جاء با الرسل ‪ .‬تسيطر على قلوب الناس وعقولم ‪،‬‬

‫‪258‬‬
‫وتكيف تصوراتم وأفهامهم ‪ .‬وما تزال على الرغم من كل شيء هي أظهر وأبقى ما‬
‫يسيطر على البشر ف أناء الرض ‪ .‬وكل الحاولت الت بذلت لحو العقائد اللية الت‬
‫جاء با الرسل ‪ ،‬وتغليب أية فكرة أو فلسفة أخرى قد باءت بالفشل ‪ .‬باءت بالفشل حت‬
‫ف الرض الت نبعت منها ‪.‬‬
‫وحقت كلمة ال لعباده الرسلي ‪ .‬إنم لم النصورون وإن جنده لم الغالبون ‪.‬‬
‫هذه بصفة عامة ‪ .‬وهي ظاهرة ملحوظة ‪ .‬ف جيع بقاع الرض ‪ .‬ف جيع العصور ‪.‬‬
‫وهي كذلك متحققة ف كل دعوة ل ‪ ،‬يلص فيها الند ‪ ،‬ويتجرد لا الدعاة ‪ .‬إنا غالبة‬
‫منصورة مهما وضعت ف سبيلها العوائق ‪ ،‬وقامت ف طريقها العراقيل ‪ .‬ومهما رصد لا‬
‫الباطل من قوى الديد والنار ‪ ،‬وقوى الدعاية والفتراء ‪ ،‬وقوى الرب والقاومة ‪ ،‬وهي‬
‫إن هي إل معارك تتلف نتائجها ‪ .‬ث تنتهي إل الوعد الذي وعده ال لرسله ‪ .‬والذي ل‬
‫يلف ولو قامت قوى الرض كلها ف طريقه ‪ .‬الوعد بالنصر والغلبة والتمكي ‪.‬‬
‫هذا الوعد سنة من سنن ال الكونية ‪ .‬سنة ماضية كما تضي هذه الكواكب والنجوم ف‬
‫دوراتا النتظمة؛ وكما يتعاقب الليل والنهار ف الرض على مدار الزمان؛ وكما تنبثق‬
‫الياة ف الرض اليتة ينل عليها الاء ‪ . .‬ولكنها مرهونة بتقدير ال ‪ ،‬يققها حي يشاء ‪.‬‬
‫ولقد تبطئ آثارها الظاهرة بالقياس إل أعمار البشر الحدودة ‪ .‬ولكنها ل تلف أبدا ول‬
‫تتخلف وقد تتحقق ف صورة ل يدركها البشر لنم يطلبون الألوف من صور النصر‬
‫والغلبة ‪ ،‬ول يدركون تقق السنة ف صورة جديدة إل بعد حي!‬
‫ولقد يريد البشر صورة معينة من صور النصر والغلبة لند ال وأتباع رسله ‪ .‬ويريد ال‬
‫صورة أخرى أكمل وأبقى ‪ .‬فيكون ما يريده ال ‪ .‬ولو تكلف الند من الشقة وطول‬
‫المد أكثر ما كانوا ينتظرون ‪ . .‬ولقد أراد السلمون قبيل غزوة بدر أن تكون لم عي‬
‫قريش وأراد ال أن تفوتم القافلة الرابة الينة؛ وأن يقابلوا النفي وأن يقاتلوا الطائفة ذات‬
‫الشوكة ‪ .‬وكان ما أراده ال هو الي لم وللسلم ‪ .‬وكان هو النصر الذي أراده ال‬
‫لرسوله وجنده ودعوته على مدى اليام ‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫ولقد يهزم جنود ال ف معركة من العارك ‪ ،‬وتدور عليهم الدائرة ‪ ،‬ويقسو عليهم‬
‫البتلء؛ لن ال يعدهم للنصر ف معركة أكب ‪ .‬ولن ال يهيء الظروف من حولم ليؤت‬
‫النصر يومئذ ثاره ف مال أوسع ‪ ،‬وف خط أطول ‪ ،‬وف أثر أدوم ‪.‬‬
‫لقد سبقت كلمة ال ‪ ،‬ومضت إرادته بوعده ‪ ،‬وثبتت سنته ل تتخلف ول تيد ‪:‬‬
‫{ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا الرسلي إنم لم النصورون وإن جندنا لم الغالبون } ‪.‬‬
‫وعند إعلن هذا الوعد القاطع ‪ ،‬وهذه الكلمة السابقة ‪ ،‬يأمر ال رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم أن يتول عنهم ‪ ،‬ويدعهم لوعد ال وكلمته ‪ ،‬ويترقب ليبصرهم وقد حقت عليهم‬
‫الكلمة ‪ ،‬ويدعهم ليبصروا ويروا رأى العي كيف تكون ‪:‬‬
‫{ فتول عنهم حت حي ‪ .‬وأبصرهم فسوف يبصرون ‪ .‬أفبعذابنا يستعجلون؟ فإذا نزل‬
‫بساحتهم فساء صباح النذرين ‪ .‬وتول عنهم حت حي ‪ .‬وأبصر فسوف يبصرون } ‪. .‬‬
‫فتول عنهم ‪ ،‬وأعرض ول تفلهم؛ ودعهم لليوم الذي تراهم فيه ويرون هم ما ينتهي إليه‬
‫وعد ال فيك وفيهم ‪.‬‬
‫============‬
‫الحنة ف حياة الدعوة والداعية‬
‫تكاد تكون الحنة من الظواهر اللزمة للحركة السلمية قديًا وحديثًا؛ فالسلم دعوة‬
‫على مظاهر الياة الاهلية ف كل صورها وأشكالا ‪ ..‬وهذه الاصة الت يتاز با‬
‫السلم‪ ،‬جعلت الركة السلمية أكثر تعرضًا للمحن‪ ،‬وبالتال جعلت الحنة لديها ذات‬
‫مفهوم خاص ل يشاركها فيه سواها من الركات الزبية والسياسية ‪.‬‬
‫الحنة تربية وتحيص‪ :‬فالحنة من أهم عوامل التكوين والختيار ف السلم ‪ ..‬وقد ل‬
‫يكون للتكوين النظري قيمة ما ل تشترك فيه عوامل الشدة والبلء‪ .‬واليان نفسه باجة‬
‫إل الحنة؛ لسب غوره وإدراك مداه‪ ،‬فاليان القوي الراسخ هو الذي يصمد ف ساعة‬
‫العسرة ‪ .‬أما اليان السقيم العليل فسرعان ما تكشفه الحن وتصدعه‪ ،‬وصدق ال تعال‬
‫س مَ ْن َيقُولُ ءَا َمنّا بِاللّهِ فَِإذَا أُوذِيَ فِي اللّهِ َجعَلَ ِفتَْن َة النّاسِ َكعَذَابِ‬
‫حيث يقول‪َ }:‬ومِ َن النّا ِ‬
‫اللّ ِه وََلئِنْ جَا َء َنصْ ٌر مِنْ َربّكَ َلَيقُولُنّ ِإنّا ُكنّا َمعَكُمْ َأوََلْيسَ اللّ ُه ِبَأعْلَ َم بِمَا فِي صُدُورِ‬
‫الْعَالَ ِميَ(‪)10‬وََليَعَْلمَنّ اللّ ُه الّذِينَ ءَامَنُوا وََلَيعْلَمَنّ الْ ُمنَافِقِيَ(‪[ { )11‬سورة العنكبوت] ‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫صور من من الولي ‪:‬‬
‫قضت سنة ال ‪ ..‬أن يكون الق ف صراع أبدي مع الباطل‪َ }:‬وَأنّهُ لَمّا قَامَ عَبْدُ اللّهِ‬
‫يَ ْدعُوهُ كَادُوا يَكُونُو َن عََليْهِ ِلبَدًا(‪[ { )19‬سورة الن] ‪ } ...‬يُرِيدُونَ ِليُ ْطفِئُوا نُورَ اللّهِ‬
‫بِأَ ْفوَا ِههِ ْم وَاللّ ُه ُمتِ ّم نُو ِرهِ وََلوْ كَ ِر َه اْلكَافِرُونَ(‪[{ )8‬سورة الصف] ‪ .‬ومنذ ولد الي‬
‫ووجد الشر‪ ،‬والصراع عنيف وميف بينهما‪ ،‬والقيقة الت تتكرر باستمرار هي أن الق‬
‫دائمًا ف انتصار‪ ،‬وأن الباطل دائمًا ف انتحار ‪ }:‬وََلقَ ْد َسَبقَتْ كَِل َمتُنَا ِل ِعبَا ِدنَا الْمُ ْرسَِليَ(‬
‫‪ِ)171‬إنّهُمْ َلهُمُ الْ َمنْصُورُونَ(‪َ )172‬وِإنّ ُجنْ َدنَا َلهُ ُم الْغَاِلبُونَ(‪[{ )173‬سورة الصافات]‪.‬‬
‫الحنة ف حياة إبراهيم عليه السلم ‪ :‬ل تكن الحنة الت تعرض لا خليل الرحن إل إحدى‬
‫حلقات الصراع‪ ،‬المتدة عب القرون ‪ ..‬والت تؤكد على الزمن غلبة أهل الق وهزية أهل‬
‫الباطل‪.‬‬
‫نشأ إبراهيم عليه السلم ف متمع جاهلي‪ ،‬وأبت الفطرة السليمة ماراة التيار‪ ،‬والنسياق‬
‫مع الرأي العام‪ ،‬وصمم إبراهيم صلى ال عليه وسلم على التصدي للجاهلية‪.‬‬
‫وتبدأ الحنة ف حياة هذا الفرد‪ ..‬فرد يتطي صهوة الق وحيدًا ‪ ..‬ويعلن على الل إيانه‬
‫بال وكفره با يعبدون من دونه ‪ } ..‬قَالَ أَفَ َرَأيْتُ ْم مَا ُكْنتُ ْم َتعْبُدُونَ(‪َ)75‬أنْتُ ْم وَءَابَاؤُكُمُ‬
‫ب اْلعَالَمِيَ(‪[{ )77‬سورة الشعراء]‪.‬‬ ‫الْأَقْ َدمُونَ(‪)76‬فَِإّنهُ ْم عَ ُدوّ لِي إِلّا رَ ّ‬
‫ويدر بالداعية أن يقف هنا مليًا‪ ،‬يستشعر عظمة اليان الذي اعتمر به قلب إبراهيم ‪..‬‬
‫إنه وحيد ليس وراءه جاعة ول أنصار‪ ،‬ومنبوذ حت من ذوي القرابة والوالدين ‪.‬‬
‫وتشتد الحنة على إبراهيم‪ ،‬ويلقى ف النار ‪ ..‬والرسول المتحن يصغي إل نداء ال‪ ،‬وهو‬
‫ف حأة اللهب الستعر‪ }:‬يَانَارُ كُونِي بَ ْردًا َوسَلَامًا عَلَى ِإبْرَاهِيمَ(‪َ )69‬وأَرَادُوا بِهِ َكيْدًا‬
‫جْينَا ُه وَلُوطًا إِلَى اْلأَ ْرضِ الّتِي بَارَ ْكنَا فِيهَا لِ ْلعَالَ ِميَ(‪)71‬‬‫جعَ ْلنَاهُ ُم اْلأَخْسَرِينَ(‪َ )70‬ونَ ّ‬
‫فَ َ‬
‫{[سورة النبياء]‪.‬‬
‫وتضي قصة الحنة الت تعرض لا أبو النبياء ترسم لهل الق صورًا شت من صور‬
‫الرجولة والبطولة‪.‬‬
‫الحنة ف حياة موسى عليه السلم ‪ :‬وحياة موسى عليه السلم ل تكن غي سلسلة من‬
‫الآسي واللم‪ ،‬بل إن الحنة رافقت موسى رضيعًا تتقاذفه المواج‪ ،‬وشبت معه فت يانعًا‬

‫‪261‬‬
‫هاربًا من بطش فرعون ‪ ..‬وزاد حياته منة على منة تعرضه لنقمة فرعون من جهة‪،‬‬
‫وليذاء قومه وسفههم من جهة أخرى‪ ..‬ويضي موسى ف طريقه حاملً كل التبعات ‪..‬‬
‫وف فترة من فترات الضعف البشري يُحس موسى بالوجل والوف يتلجان ف صدره‬
‫وهو ف قلب العركة ‪ ..‬ولكن السماء سرعان ما تتداركه بالدد‪َ }:‬فأَوْ َجسَ فِي َنفْسِهِ‬
‫صَنعُوا‬ ‫ف مَا َ‬ ‫ك تَ ْلقَ ْ‬
‫خِي َفةً مُوسَى(‪ُ)67‬ق ْلنَا لَا تَخَفْ ِإنّكَ َأْنتَ الَْأعْلَى(‪َ )68‬وأَلْ ِق مَا فِي يَمِينِ َ‬
‫صَنعُوا َكيْدُ سَاحِ ٍر وَلَا ُيفْلِحُ السّا ِحرُ َحْيثُ َأتَى(‪[{ )69‬سورة طه] ويرج موسى من‬ ‫ِإنّمَا َ‬
‫هذه التجارب أصلب عودًا وأشد صمودًا‪.‬‬
‫الحنة ف حياة عيسى عليه السلم ‪:‬ما ل ريب فيه أن عيسى عليه السلم كان يتمتع بطاقة‬
‫ضخمة من الصب والحتمال ‪ ..‬وما زاد ف قسوة الظروف الت أحاطت به وبنشأته‪ ،‬أنه‬
‫واجه ف ماضي مولده ألوان الشكوك ‪ ..‬كما واجه ف حاضر دعوته ضروب العنت‬
‫والتمرد ‪ ..‬ويكفي لكي نقدر مدى ما وصل إليه العنف والتمرد أن نعرف أن العجزات‬
‫الت بلغت على يدي عيسى حدًا كبيًا ل يكن لا ذلك الثر النتظر ف استمالة النفوس‬
‫وتأليف القلوب‪ ..‬ولكن عيسى عليه السلم ‪ ..‬كان يؤمن بأنه رسول ‪ ..‬وأن عليه البلغ‬
‫البي‪ .‬وكان طيب النفس حليمًا ‪.‬‬
‫حاول اليهود أن يفقوا من أثر دعوته وأن يفوا عن الناس أمره ‪ ..‬ولا أعيت اليلة أهل‬
‫الباطل ‪ ..‬ائتمروا به ليقتلوه ‪ ..‬أما عيسى روح ال ‪ ..‬فقد كانت عي ال ترسه وترعاه‬
‫‪ ..‬فلما ه ّم القوم با دفعهم إليه حقدهم السود‪..‬‬
‫وقع تت أيديهم رجل شديد الشبه به‪ ،‬فقتلوه وهم يسبون أنم قتلوا عيسى‪َ }:‬ومَا َقتَلُوهُ‬
‫ك ِمنْهُ مَا َلهُ ْم بِ ِه مِ ْن عِلْمٍ إِلّا‬
‫َومَا صََلبُوهُ وََلكِ ْن ُشبّهَ َلهُ ْم َوِإ ّن الّذِينَ ا ْختََلفُوا فِيهِ َلفِي شَ ّ‬
‫اّتبَاعَ الظّ ّن َومَا َقتَلُو ُه َيقِينًا(‪)157‬بَلْ رََفعَهُ اللّهُ إَِليْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا َحكِيمًا(‪)158‬‬
‫{[سورة النساء]‪.‬‬
‫منة السلم ف عهد النبوة ‪:‬‬
‫كان السلم ثورة على الاهلية من أول يوم ‪ ..‬ثورة استهدفت نسف القواعد الت قام‬
‫عليها الجتمع الاهلي‪ ،‬فليس من طبيعة السلم أن يهادن الوضاع الربة‪ ،‬أو يعمد إل‬
‫ترميمها وإصلحها‪ ،‬وإنا يعتمد سياسة الدم والبناء ‪ ..‬هدم الاهلية بكل مرافقها‪ ،‬وبناء‬

‫‪262‬‬
‫الياة السلمية بميع مقتضياتا‪ .‬وإذا كانت هذه طبيعة الدعوة الت نض با النب صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬فبديهي أن تستأسد قوى الاهلية وتستميت ف الدفاع عن كيانا الهدد‬
‫بالنسف والدمار‪.‬‬
‫حرب العصاب ‪ :‬تفنن أهل الاهلية ف حرب النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وابتكروا كل‬
‫جديد لضرب السلم‪ ،‬وحشدوا كل قواهم لعرقلة السية القرآنية‪ ،‬فعمدوا أولً‪ :‬إل‬
‫أسلوب نفسي خسيس يستهدف تدمي أعصاب الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والقضاء‬
‫على روحه العنوية العالية‪ ،‬وشنوا لذلك حلت عنيفة من السخرية والستهزاء عرض لا‬
‫ض َينْبُوعًا(‬‫جرَ َلنَا مِ َن الْأَ ْر ِ‬
‫القرآن الكري ف أكثر من موضع‪ }:‬وَقَالُوا لَ ْن ُن ْؤمِنَ لَكَ َحتّى َتفْ ُ‬
‫سقِطَ‬ ‫‪َ)90‬أوْ َتكُونَ لَكَ َجّن ٌة مِ ْن نَخِي ٍل َو ِعنَبٍ َفُتفَجّرَ الَْأْنهَارَ خِلَاَلهَا َتفْجِيًا(‪َ)91‬أوْ تُ ْ‬
‫ت مِنْ‬‫ك َبيْ ٌ‬ ‫سفًا َأ ْو َتأِْتيَ بِاللّهِ وَالْ َملَائِ َكةِ َقبِيلًا(‪َ)92‬أوْ َيكُونَ لَ َ‬‫ت عََلْينَا كِ َ‬‫السّمَاءَ كَمَا َزعَ ْم َ‬
‫زُ ْخرُفٍ َأ ْو تَرْقَى فِي السّمَا ِء وَلَ ْن ُن ْؤمِنَ لِرُِقيّكَ َحتّى ُتنَزّ َل عََلْينَا ِكتَابًا َنقْ َر ُؤهُ ‪)93(...‬‬
‫{[سورة السراء]‪.‬‬
‫وعندما فشلت هذه الساليب الرخيصة عمد الشركون إل اختلق الشائعات والتهم على‬
‫رسول ال‪ ،‬وبثوها ف كل الوساط؛ ليضعفوا الثقة به وليصدوا عن سبيل ال‪ }:‬وَقَدْ‬
‫جبَالُ(‪[{ )46‬سورة‬ ‫َمكَرُوا َمكْ َرهُ ْم َوعِنْدَ اللّ ِه َمكْ ُرهُ ْم َوِإنْ كَا َن َمكْ ُرهُمْ ِلتَزُو َل ِمنْهُ الْ ِ‬
‫إبراهيم]‪ .‬وكانت الحنة على ضراوتا وقسوتا ل تزيده صلى ال عليه وسلم إل صلبة‬
‫وتصميمًا ‪..‬‬
‫تعرض وإيذاء وماولت اغتيال ‪ :‬ولا يئسوا من الرب النفسية‪ ،‬وحرب العصاب‪،‬‬
‫وحرب الشائعات ‪ ..‬لأوا إل الرب السية ينالون با من دعاة السلم‪..‬‬
‫ويتمع سادة قريش يومًا ف (الجر) ويذكرون ممدًا وتديه السافر لقدساتم ‪َ ..‬فقَالُوا‪:‬‬
‫ط َسفّهَ أَحْلَا َمنَا َو َشتَمَ آبَاءَنَا َوعَابَ دِيَننَا وََف ّرقَ‬ ‫صبَ ْرنَا عََليْ ِه مِ ْن هَذَا الرّجُلِ قَ ّ‬
‫مَا َرَأيْنَا ِمثْ َل مَا َ‬
‫صبَ ْرنَا ِمنْ ُه عَلَى َأمْ ٍر عَظِيمٍ َفَبْينَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِ ْذ طََل َع عََلْيهِمْ‬
‫جَمَا َعَتنَا َوسَبّ آِل َهتَنَا َلقَدْ َ‬
‫َرسُولُ اللّهِ صَلّى اللّ ُه عََليْ ِه َوسَلّمَ َف َوَثبُوا إَِليْهِ َوْثَبةَ رَجُ ٍل وَاحِدٍ َفأَحَاطُوا بِهِ َيقُولُونَ لَهُ َأنْتَ‬
‫الّذِي َتقُولُ كَذَا وَكَذَا لِمَا كَا َن َيبُْل ُغهُمْ َعنْ ُه مِ ْن َعيْبِ آِل َهتِهِ ْم َودِينِهِمْ ‪ -‬فيجيبهم نب الدى‬
‫صلّى اللّهُ عََليْهِ َوسَلّمَ‪َ [:‬نعَمْ َأنَا الّذِي أَقُولُ ذَلِكَ]رواه‬ ‫بكل ثقة واعتزاز‪َ -‬فَيقُولُ َرسُولُ اللّهِ َ‬

‫‪263‬‬
‫أحد‪ .‬يقولا بكل صراحة ويعلنها بلء فيه ‪ ..‬لقد أصابه منهم ف ذلك اليوم ما أصابه ‪..‬‬
‫وأدركهم أبو بكر الصديق رضي ال عنه وقد كادوا يهزون عليه ‪ ..‬فانبى يدافع عنه‬
‫ويقول‪َ":‬أَتقْتُلُونَ رَ ُجلًا َأنْ َيقُولَ َرّبيَ اللّهُ"‪ ..‬ولا أوقع ف أيدي الشركي‪ ،‬وأعجزتم اليلة‬
‫تداعوا إل مؤتر عقدوه ف دار الندوة‪ .‬ولا وضعوا خطتهم‪ ،‬وحزبوا أمرهم؛ كشف ال‬
‫ك الّذِينَ َكفَرُوا ِلُيْثبِتُوكَ َأ ْو َي ْقتُلُوكَ َأ ْو يُخْ ِرجُوكَ‬ ‫مكرهم ورد كيدهم‪َ }:‬وإِ ْذ يَ ْمكُ ُر بِ َ‬
‫َويَ ْمكُرُو َن َويَ ْمكُرُ اللّ ُه وَاللّهُ َخيْ ُر الْمَا ِكرِينَ(‪[{ )30‬سورة النفال]‪.‬‬
‫الحنة ف حياة الصحابة ‪ :‬وف عهد النبوة تعرض دعاة السلم لبشع صنوف اليذاء‬
‫والتعذيب‪ ،‬ول تقتصر الحنة على نفر دون نفر أو طبقة دون أخرى‪ ،‬بل لقد بلغت‬
‫الميع‪ :‬النساء والرجال‪ ،‬الصغار والكبار‪ ،‬العبيد والحرار‪.‬‬
‫منة بلل‪ :‬كان أمية بن خلف يرج بللً إذا حيت الظهية‪ ،‬فيطرحه على ظهره ف‬
‫بطحاء مكة‪ ،‬ث يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره‪ ،‬ث يتهدده قائلً‪ :‬إنك ستظل‬
‫هكذا حت توت‪ ،‬أو تكفر بحمد‪ ،‬أو تعبد اللت والعزى‪ ،‬وكان بلل رضي ال عنه‬
‫يردد‪":‬أَحَدٌ أَ َحدٌ"‪.‬‬
‫منة آل ياسر ‪ :‬وكان بنو مزوم يرجون "آل ياسر" جيعًا يعذبونم برمضاء مكة‪.‬‬
‫أما ياسر‪ -‬الب‪ -‬فلم يقو على تمل العذاب لكب سنه؛ فمات لتوه‪ ،‬وأما سية – الم‪-‬‬
‫فقد أغلظت القول لب جهل فطعنها عدو ال بربة ف أحشائها‪ ،‬فكانت أول شهيدة ف‬
‫سبَ ّن الّذِينَ ُقتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتًا بَلْ أَ ْحيَا ٌء عِنْدَ َرّبهِمْ ُيرْزَقُونَ(‬ ‫السلم ‪ } ..‬وَلَا تَحْ َ‬
‫حقُوا ِبهِ ْم مِنْ خَ ْل ِفهِمْ أَلّا‬
‫ي بِمَا ءَاتَاهُمُ اللّهُ مِنْ َفضْلِ ِه َويَسَْتبْشِرُونَ بِالّذِينَ لَ ْم يَلْ َ‬ ‫‪)169‬فَ ِرحِ َ‬
‫ستَبْشِرُو َن بِِنعْ َم ٍة مِنَ اللّ ِه وََفضْ ٍل َوَأنّ اللّهَ لَا ُيضِيعُ‬
‫ح َزنُونَ(‪)170‬يَ ْ‬ ‫ف عََلْيهِ ْم وَلَا هُ ْم يَ ْ‬
‫َخوْ ٌ‬
‫أَجْ َر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ(‪[{ )171‬سورة آل عمران]‪.‬‬
‫نوذج من شهداء السلم ف عصر النبوة ‪ :‬لكم شهدت أيام السلم ف عصر النبوة من‬
‫أبطال صناديد‪ ،‬شرفوا التاريخ‪ ،‬ويكفي أن نتار منهم‪:‬خبيب بن عدي؛ لندرك أي أثر‬
‫كان للعقيدة ف نفوس هؤلء‪ :‬اعتقل خبيب وكان ف طريقه من الدينة إل عضل والقارة؛‬
‫ليقوم بهام الدعوة الت كلفه با رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وساقه الجرمون إل مكة‬
‫وباعوه لجر بن أب إهاب التميمي ليقتله بأبيه الذي قتل ف غزوة بدر الكبى‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫وف اليوم الحدد لقتله أخرجه الشركون إل التنعيم ليصلبوه‪ ،‬فقال لم‪ ":‬إن رأيتم أن‬
‫تدعون حت أركع ركعتي فافعلوا " قالوا‪ :‬دونك فاركع ‪ ..‬فركع ركعتي أتهما‬
‫وأحسنهما‪ ،‬ث أقبل على القوم‪ ،‬فقال‪ ":‬أما وال لول أن تظنوا أن إنا طولت جزعًا من‬
‫الوت لستكثرت من الصلة"‪ .‬وعندما رُفع خبيب على الشبة قال له الشركون‪ :‬ارجع‬
‫عن السلم نلي سبيلك‪ .‬فقال‪ ":‬ل وال ما أحب أن أرجع عن السلم وأن ل ما ف‬
‫الرض جيعًا‪ ..‬إن قتلي ف ال لقليل ‪ ..‬اللهم إن ل أرى إل وجه عدو‪ ،‬اللهم إنه ليس‬
‫هاهنا أحد يبلغ رسولك عن السلم‪ ،‬فبلغه أنت السلم"‪ ..‬وكان الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم ف هذا الوقت بي صحبه ف الدينة‪ ،‬فأخذته غيبة ث قال‪[:‬هَذَا ِجبْرِي ُل ُيقْ ِرُئنِي مِنْ‬
‫ب الَسَلَامَ] رواه الطبان ف معجمه الكبي‪-‬بنحوه‪.-‬‬
‫ُخَبيْ ٍ‬
‫واقترب من خبيب أربعون رجلً من الشركي‪ ،‬بأيديهم الرماح‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذا الذي قتل‬
‫آباءكم ف بدر‪ .‬فقال خبيب‪ ":‬اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك ‪ ..‬فأبلغه الغداة ما يُصنع‬
‫بنا"‪.‬‬
‫وعندما أخذت الرماح تزق جسده‪ ،‬استدار إل الكعبة وقال‪ ":‬المد ل الذي جعل‬
‫وجهي نو قبلته الت ارتضى لنفسه ونبيه وللمؤمني"‪ ..‬واستمر أعداء ال يزقون جسد‬
‫خبيب برماحهم وهو ليفتر يردد‪":‬ل إله إل ال ممد رسول ال" حت لفظ نفسه الخي‪،‬‬
‫وفاضت روحه الزكية الطاهرة إل الل العلى ‪.‬‬
‫الحنة ف عصر التابعي ‪ :‬ويأت عصر التابعي ‪ ..‬ويطالعنا التاريخ بألوان شت من من‬
‫السلم ‪ ..‬ففي هذه الرحلة تتكاتف لدم السلم معاول البناء والعداء‪ ،‬ففي عام ‪75‬‬
‫هـ يتول الجاج بن يوسف الكم ف العراق‪ .‬ويشهد هذا البلد السلمي ف عهده أيامًا‬
‫سوداء ‪ .‬ومن سنة ال ف خلقه أنه يهيء للطغاة رجالً ل يهابون الطغيان ‪ ..‬يصنعهم على‬
‫عينه ‪ .‬ويهبهم الرأة فيه‪ ،‬وكان سعيد بن جبي أحد هؤلء الذين خلصوا من حظ‬
‫أنفسهم‪..‬‬
‫وعندما صمم الجاج على قتله واللص منه أرسل جنودًا بطلبه فجاءوا به‪ ،‬وأدخلوه‬
‫عليه‪ ،‬ث ذبوه على النطع ـ رحه ال ـ‪ ،‬وعاش الجاج بعده خس عشرة ليلة ث مات‬
‫‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫الحنة بي المس واليوم ‪:‬‬
‫هكذا تبدت معال الصراع بي الق والباطل على مدار التاريخ‪ ،‬إنا صورة واحدة ذات‬
‫أشكال متعددة ‪ ..‬تتغي فيها الزمان‪ ،‬والشخاص وتبقى القيقة هي هي ‪ ..‬إنه استعلء‬
‫اليان ف كل زمان ‪ ..‬واعتزاز الق ف كل عصر‪.‬‬
‫أصحاب العقيدة يدفعون الثمن ‪ :‬وتشتد الحنة ف حياة الدعوة ‪ ..‬وتئول قيادة المة إل‬
‫حكام طغاة‪ ،‬يسومون الؤمني سوء العذاب ‪ ..‬وحق على دعوة السلم أن تدفع الثمن ‪.‬‬
‫وتدفعه بسخاء‪ :‬دماء وضحايا وشهداء ‪.‬‬
‫كيف نواجه الحن ؟‬
‫إن الركة السلمية إذ تواجه اليوم ما تواجه من تديات وضغوط ينبغي أن‪:‬‬
‫تنطلق على هدي‪ :‬فل تتحكم ف سيها النفعالت‪ ،‬أو تيد با العواطف والطفرات‪.‬‬
‫مدعوة لواجهة هذه الرب السافرة على السلم وأهله‪ :‬بالصياغة السنة لشبابا ورجالا‪،‬‬
‫وبالعداد الكامل‪ ،‬ث بالتخطيط الواعي لكل خطوة من خطاها ‪.‬‬
‫أن تغرس ف نفوس عناصرها ودعاتا روح البذل والتضحية‪ ،‬وتستأصل من نفوسهم‬
‫عوامل الضعف والوف والنزام ‪.‬‬
‫إن الركة السلمية مدعوة‪ :‬لتضع ف تقديرها وحسابا ف مالت التربية والتكوين ثقل‬
‫السئولية‪ ،‬وضخامة التبعة الت تنتظرها وتنتظر أفرادها؛ فتسلك بم كل ما من شأنه أن‬
‫يعدهم لياة الجاهدة والرابطة والكفاح ‪ ..‬وتنأى عما يلد بم إل الرض ويعودهم‬
‫حياة الدعة والنوع ‪.‬‬
‫=============‬
‫بوابة النصر‬
‫الحمد لله القوي الجبار‪ ،‬المتين القهار‪ ،‬والصلة والسلم على‬
‫سيِّد النبياء الخيار‪ ،‬وعلى آله وصحبه الطهار‪ ،‬ومن تبعهم من‬
‫الصالحين البرار‪ ،‬أما بعد‪،،،‬‬
‫في ظلم الليل الذي يعقبه نور الصباح‪ ..‬وفي نزول القطر بعد‬
‫إقفار الرض‪ ..‬وفي أحوال كثيرات‪..‬وبما في تضاعيف التأريخ‬
‫حييات التمكين؛ نزداد‬ ‫م ْ‬
‫شرِق لهذه المة من بواعث النصر‪ ،‬و ُ‬ ‫م ْ‬
‫ال ُ‬
‫ُ‬
‫يقيناً‪ ،‬واقتناعا ً بما في أفق الدنيا من لوائح المبشرات‪ ،‬وحينها ؛‬
‫نعم في ذلك الحين ينبثق نور بوابة النصر‪..‬فَيَل ِ ُ‬
‫ج منها من ذاق‬

‫‪266‬‬
‫مرارة السطوة الظالمة‪ ،‬ويدخل منها من تفطرت كبده قهراً‬
‫سَّراق المشاعر‪ ،‬فإلى أولئك أقول‪ :‬عليكم بما في‬ ‫على تكالب ُ‬
‫ثنايا الموضوع فإنها أعمدة تلك البوابة‪ ،‬وعليكم باغتنام سويعات‬
‫ت البوابة فهي كثيرة‬ ‫مغْلِقَا ِ‬ ‫النصر فإن الفجر لح‪ ،‬وحذار من ُ‬
‫محبوبة ‪.‬‬
‫أولً‪ :‬أعمدة النصر‪:‬‬
‫صُر‬ ‫حقًّا ع َلَيْنَا ن َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫‪ -1‬اليمان بالله والنصر‪ :‬قال تعالى‪...{:‬وَكَا َ‬
‫سلَنَا‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫ن[‪[}]47‬سورة الروم]‪ .‬وقال تعالى‪ {:‬إِنَّا لَنَن ْ ُ‬ ‫منِي َ‬ ‫ال ْ َُ‬
‫مؤْ ِ‬
‫حيَاةِ الدُّنْيَا‪[}]51[...‬سورة غافر]‪.‬‬ ‫منُوا فِي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫وَال ّذِي َ‬
‫في هاتين اليتين قضى الله أن نصره وتأييده إنما هولعباده‬
‫المؤمنين‪ ..‬نعم؛ إن النصر‪ ،‬والتمكين حقٌ لكل مؤمن بالله‪ ،‬لكل‬
‫مَر قلبه باليمان الصادق‪ ،‬والسلم الخالص‪ ،‬والنقياد التام‬ ‫من ع َ َ‬
‫لله ورسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫إن تحلي العباد باليمان بالله برهان كبير على أنهم هم‬
‫متُنَا لِعِبَادِنَا‬ ‫ت كَل ِ َ‬ ‫سبَقَ ْ‬ ‫المنصورون‪ ،‬وأنهم هم الجند الغالبون‪{:‬وَلَقَد ْ َ‬
‫ن[‬‫م الْغَالِبُو َ‬ ‫جنْدَنَا لَهُ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن[‪]172‬وَإ ِ َّ‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬‫م لَهُ ُ‬ ‫ن[‪]171‬إِنَّهُ ْ‬ ‫سلِي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫‪[}]173‬سورة الصافات]‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫منُوا فَإ ِ َّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه وَال ّذِي َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬‫ل الل ّ َ‬ ‫ن يَتَوَ ّ‬ ‫م ْ‬
‫وكما قال تعالى‪{:‬وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن[‪[}]56‬سورة المائدة]‪.‬‬ ‫م الْغَالِبُو َ‬ ‫الل ّهِ هُ ُ‬
‫فمتى أتى المؤمنون بإيمان تام كامل؛ كان لهم نصر تام كامل‪،‬‬
‫وإن أتوا بإيمان دون الكمال‪ ،‬وقاصر عن التمام؛ فإن النصر لهم‬
‫بحسب ذلك ‪.‬‬
‫وحين نلحظ تأريخنا الحافل بالنتصارات الخالدة التي أقضت‬
‫مضاجع أهل الكفر‪ ،‬وأذناب الضلل‪ ،‬والتي أقَّرت عيون أهل‬
‫اليمان والتوحيد؛ نجد أن أغلبها راجع إلى اليمان قوة وضعفاً‪:‬‬
‫فهذا يوم الفرقان‪ ،‬يوم بدر‪ :‬نصر الله عباده المؤمنين نصًرا أصبح‬
‫شجى في حلوق المشركين زماناً‪ ،‬وكان من أعمدة النصر في‬
‫ت قلوب المؤمنين إيمانا ً بالله تعالى‪.‬‬ ‫تلك الغزاة أن قَوِي َ ْ‬
‫َّ‬
‫خلدَة إلى قيام‬ ‫م َ‬‫وفي التأريخ المشرق لهذه المة المنصورة‪ ،‬وال ُ‬
‫الساعة صوٌر كثيرة جدا ً لوقائع نصر مبين للمؤمنين ‪.‬‬
‫فهذا عمود من أعمدة النصر على المة أن تأتي به إن كانت‬
‫تطمح بالنصر‪ ،‬وترمق بعين الشوق إلى التمكين في الرض‪ ،‬أما‬
‫إن كانت تريد نصرا ً بل إيمان فما هي وطالب السمك في‬
‫الصحراء إل سواء ‪.‬‬
‫ن نََّزلْنَا الذِّكَْر وَإِنَّا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ح ُ‬ ‫إن الله أخبرنا بأنه حافظ دينه فقال‪{:‬إِنَّا ن َ ْ‬
‫ن[‪[}]9‬سورة الحجر]‪ .‬وأخبر أن البقاء لدينه فقال‪{:‬‬ ‫حافِظُو َ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م نُورِهِ وَلَوكَرِ َ‬
‫ه‬ ‫مت ِ ُّ‬‫ه ُ‬ ‫م وَالل ّ ُ‬‫ن لِيُطْفِئُوا نُوَر الل ّهِ بِأفْوَاهِهِ ْ‬ ‫يُرِيدُو َ‬

‫‪267‬‬
‫ن[‪[}]8‬سورة الصف]‪ .‬وهل نور الله تعالى إل اليمان‬ ‫الْكَافُِرو َ‬
‫حل ِّي ْ َ‬
‫ن‬ ‫مت َ َ‬‫والدين‪ ،‬ونصرته له نصرة لعباده القائمين بهذا الدين‪ ،‬وال ُ‬
‫ب الصالحين‪،‬‬ ‫بهذا اليمان ‪ .‬فل مجال حينئذ ٍ لمداهمة اليأس قلو َ‬
‫ي القلوب‬ ‫م ِ‬ ‫ب مستنير‪ ،‬وواضح ل يعمى إل على ع ُ ْ‬ ‫بل الدر ُ‬
‫والبصار ‪.‬‬
‫فالله تعالى وَعَد َ ووعْدُه ُ حق وصدق ولبد لذلك الوعد من يوم‬
‫يتحقق فيه الوفاء‪ ،‬وليس الوفاء فحسب بل تمام الوفاء وكماله‪،‬‬
‫وهوقريب إذ وَعْد ُ الكريم ل يقبل المماطلت‪ ،‬والله سبحانه‬
‫وتعالى ل يخلف الميعاد ‪.‬‬
‫فما هوإل الصبر القليل‪ ،‬والستعانة بالله‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬وأساس‬
‫ذاك كله اليقين بموعود الله‪ ،‬والحذر من تسُّرب الشك في‬
‫موعوده ‪.‬‬
‫‪ -2‬العبودية لله والنصر‪:‬‬
‫م لَهُ ُ‬
‫م‬ ‫ن[‪]171‬إِنَّهُ ْ‬ ‫سلِي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫متُنَا لِعِبَادِنَا ال ْ ُ‬
‫ت كَل ِ َ‬ ‫سبَقَ ْ‬ ‫قال تعالى ‪{:‬وَلَقَد ْ َ‬
‫ن[‪[}]172‬سورة الصافات]‪ .‬وقال سبحانه‪{ :‬وَلَقَد ْ كَتَبْنَا‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫من بَعْد ِ الذِّكْر أ َّ َ‬
‫ن[‬ ‫حو َ‬ ‫عبَادِيَ ال َّ‬
‫صال ِ ُ‬ ‫ض يَرِثُهَا ِ‬ ‫ن اْلْر َ‬ ‫ِ‬ ‫فِي الَّزبُورِ ِ ْ‬
‫‪[}]105‬سورة النبياء]‪ .‬ففي هذا النص القرآني عمود من أعمدة‬
‫ظ‬‫ح ْ‬ ‫ن به الرب على من تعبَّد له حق التعبُّد‪ .‬واَل ْ َ‬ ‫م ُّ‬
‫النصر‪ ،‬الذي ي َ ُ‬
‫عبَادِيَ} تجد في ثناياها خالص التجرد‬ ‫ن وتدبر‪ {:‬لِعِبَادِنَا} و{ ِ‬ ‫بتمعُّ ٍ‬
‫بالعبودية لله‪ ،‬فلما جردوا التعبد لله وأخلصوه له؛ فلم يجعلوا في‬
‫قلوبهم ميلً‪-‬و لو قليلً‪ -‬لغيره أثابهم منه فتحا ً ونصرا ً وتمكينا ً ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف عنها النصر بسبب تعل ّقها بغير الله‪،‬‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫ولذا نرى أن المة قد يَت َ َ‬
‫َّ‬
‫ب أن تخلف النصر‬ ‫صوَر صرف التعبُّد لغير الله‪ ،‬فل عج َ‬ ‫من ُ‬ ‫وهذا‬
‫َّ‬
‫عنّا‪ ،‬وحلت الهزيمة بنا‪ ،‬فما استنكف أحد عن التذلل لله‪ ،‬واتبع‬
‫سه ذليلة غير الله إل زاده الله وهنا ً وخسارة ‪.‬‬ ‫نف َ‬
‫وللعبودية في ساعات الشدة أثر بالغ في قرب الفرج‪ ،‬وبُدُو‬
‫أمارات النصر‪:‬‬
‫حَزبَه أمٌر فَزعَ‬ ‫فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا َ‬
‫إلى الصلة‪ ،‬وجعل خير العبادة ما كان في زمن الهَْرِج‪.‬‬
‫وحاله يوم بدر أكبر شاهد على ذلك؛ فقد جأر بالدعاء‪ ،‬واشت َّ‬
‫د‬
‫ل بنصره الذي وَعَدَه‬ ‫تضُّرع ُه لربه وتذلله بين يديه‪ ،‬سائله أن يُعَ ِّ‬
‫ج َ‬
‫إياه ‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ب بها نصر الله‪ ،‬وبدونها؛ وحين تخلفها‬ ‫جل َ ُ‬‫ست َ ْ‬
‫وهذه هي التي ي ُ ْ‬
‫وعدم التيان بما أراده الله؛ فهيهات أن ينصر من أعرض عن‬
‫دينه‪ ،‬ولم يتبع هداه الذي جاء بـه رسوله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫مها على الرذيلة‪ ،‬والمعصية‪،‬‬ ‫واتبع ما أجلب به الكفار من حياة قِوَا ُ‬
‫بل ترك الشريعة كلها ‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫فعمود النصر التجرد لله بالعبودية؛ التي هي‪ :‬تمام الذل له‪،‬‬
‫وكمال المحبة له‪ ،‬ومنتهى النقياد والستسلم لدينه وشرعه‪.‬‬
‫فمتى قامت المة بالتعبُّد لله والتذلل بين يديه؛ أضاء لها نور‬
‫حا جليًا‪ ،‬تبصره قلوب الصالحين من أولياء الله‬ ‫النصر واض ً‬
‫مه قلوب وأبصار من تعبَّد لغير الله ‪.‬‬ ‫العابدين‪ ،‬وتعمى عنه بل تُحَر ُ‬
‫وكلما كان تعبُّد المة لله أتم كان نصر الله لها أكمل وأقرب ‪-3‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صُروا‬ ‫ن تَن ْ ُ‬ ‫منُوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫صَرةُ الله والنصر‪ :‬قال تعالى‪ {:‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫نُ َْ‬
‫ف قوم ٍ ينصرون‬ ‫م‪[}]7[...‬سورة محمد]‪ .‬نصر الله حلي ُ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫ه يَن ْ ُ‬‫الل ّ َ‬
‫ق العلياء ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الله ودينه‪ ،‬ويرفعون راية شريعته شامخة في أف ِ‬
‫أما من يخذل شريعته حين ضعفها؛ فليس له من نصر الله شيء‪.‬‬
‫وما انتصر من انتصر من الصالحين إل بسبب ما قاموا به من‬
‫نصرةٍ لدين الله وشريعته ‪ .‬فمن قام ناصرا ً بلده‪ ،‬أو قومه‪ ،‬أو‬
‫مبدأه ومذهبه المخالف لدين الله؛ فهو مخذول ‪.‬‬
‫حدَه‪ ُ-‬دين الله؛ فهو المنصور ل غيره‪ ،‬وهو‬ ‫ومن قام ناصراً‪ -‬ولو وَ ْ‬
‫المؤيد ل سواه‪ ،‬وهو الموعود بالتمكين ‪.‬‬
‫صَر الله بنصرة دين الله‪ ،‬وإعلئه على‬ ‫ة نَ ْ‬ ‫ة الطالب ُ‬ ‫فلتقم الم ُ‬
‫الديان كما أعله الله‪ ،‬حتى تنال موعود الله لها بالنصر‪ ،‬والتمكين‬
‫في الرض ‪.‬‬
‫صَرة الله تعالى‪:‬‬ ‫ومن ن ُ ْ‬
‫‪ -1‬تحقيق الولء والبراء‪ ..‬فل مداهنة في دين الله‪ ،‬ومحاباة‬
‫لمخلوق أيَّا ً كان‪ ،‬فدين الله فََّرقَ بين المسلم والكافر‪ ،‬ولو كانا‬
‫في القرابة بالمكان الذي ل يفَّرق بينهما فيه ‪.‬‬
‫‪ -2‬تطهير الرض من المنكرات والموبقات ؛ التي ما فتيء‬
‫أصحابها يجاهرون بها مطلع النهار ومغربه‪ ،‬ويحاربون الله ليل‬
‫نهار‪.‬‬
‫صدَه‬ ‫ي بسوء‪ ،‬أو أن يَقْ ِ‬ ‫سه دَن ِ ٌّ‬ ‫م َّ‬ ‫ة لدين الله من أن ي َ َ‬ ‫‪ -3‬القيام حماي ً‬
‫سافل بنقيصة ‪.‬‬
‫‪ -4‬حراسة محارم الله وحفظها من أن يتعَّرض لها من سلبه الله‬
‫العفاف والحشمة ‪.‬‬
‫ي بالنصر من الله‪ ،‬وظَفَِر بالغلبة‬ ‫حظ ِ َ‬‫صَرة الله ودينه؛ َ‬ ‫فمن قام بن ُ ْ‬
‫على عدوِّه ‪.‬‬
‫َّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫صرَِهِ َ‬ ‫ه يُؤَيِّد ُ بِن َ ْ‬ ‫‪ -4‬النصر من الله تعالى‪ :‬قال تعالى‪...{:‬وَالل ُ‬
‫عنْدِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صُر إ ِ ّل ِ‬ ‫ما الن َّ ْ‬ ‫شاءُ‪[}]13[...‬سورة آل عمران]‪ .‬وقال‪...{:‬وَ َ‬ ‫يَ َ‬
‫موَْلك ُ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّ‬ ‫َ‬
‫خيُْر‬‫م وَهُوَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الل ّهِ‪[}]126[...‬سورة آل عمران]‪ .‬وقال‪{:‬ب َ‬
‫َ‬
‫ه فََل‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫صْرك ُ ُ‬ ‫ن يَن ْ ُ‬ ‫ن[‪[} ]150‬سورة آل عمران]‪ .‬وقال‪ {:‬إ ِ ْ‬ ‫صرِي َ‬ ‫النَّا ِ‬
‫َ‬
‫ن بَعْدِهِ‪[...‬‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صُرك ُ ْ‬ ‫ن ذ َا ال ّذِي يَن ْ ُ‬ ‫م فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫خذ ُلْك ُ ْ‬
‫ن يَ ْ‬‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ب لَك ُ ْ‬ ‫غَال ِ َ‬
‫‪[}]160‬سورة آل عمران]‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫ن به على عباده المؤمنين‪ ،‬فل‬ ‫ن الله ‪ ،‬وهو الما ُّ‬ ‫م ْ‬ ‫فالنصر ِ‬
‫قُدَُراتِهم‪ ،‬ول عُدَدِهم جالبة لهم نصرا ً على عدوهم‪ ،‬ول اعتداد بكل‬
‫أسلحة المؤمنين إذا لم يُرِد الله لهم نصرا ً على عدوهم ‪.‬‬
‫فلو كان النصر آتيا ً بقوى العباد؛ لما غلب المسلمون الضعفاء‬
‫م الكفر التي ملكت من آلت القتال ما الله به عليم ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫م َ‬ ‫ظاهًرا أ َ‬
‫ي المؤمنون النصر من غير الله فيا خيبتهم‪ ،‬ويا شؤم‬ ‫فمتى رج َ‬
‫حالهم ‪.‬‬
‫وحين ترى أحوال المسلمين في المعارك التي انهزموا بها ترى‬
‫ُ‬
‫أن من أهم السباب‪ :‬تعل ّقُ النفوس في طلب النصر بغير الله‪،‬‬
‫ولنعتبر بغزوة حنين‪ ،‬فإن الهزيمة التي حصلت لهم إنما هي‬
‫بسبب اغترارهم بقوة أنفسهم حيث قالوا‪':‬لن نغلب اليوم من‬
‫َ‬
‫قِل ّة'‪.‬‬
‫قال ابن القيِّم رحمه الله في سَردِه الفوائد َ المأخوذة َ من تلك‬
‫الغزوة‪':‬واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أول ً مرارة‬
‫الهزيمة والكسرة مع كثرة عددهم وع ُددهم‪ ،‬وقوة شوكتهم‪،… ،‬‬
‫َ‬
‫وليبيِّن سبحانه لمن قال‪':‬لن نغلب اليوم من قل ّة' أن النصر إنما‬
‫هو من عنده‪ ،‬وأنه من ينصره فل غالب له‪ ،‬ومن يخذله فل ناصر‬
‫له غيره‪ ،‬وأنه سبحانه هو الذي تولى نصر رسوله ودينه‪ ،‬ل‬
‫ن عنكم شيئاً‪ ،‬فوليتم مدبرين'[زاد‬ ‫كثرتكم التي أعجبتكم فلم تغ ِ‬
‫المعاد [ ‪.]]3/477‬‬
‫ت قلوبهم بالتوكل على‬ ‫مَر ْ‬ ‫وهذا الذي حصل إنما هو من طائفة ع ُ ِ‬
‫ُ‬
‫الله‪ ،‬والتعل ّق به‪ ،‬لكن لما انصرف القلب انصرافا قليل ً عن الله؛‬
‫ً‬
‫َ‬
‫ن كَثِيَرةٍ‬ ‫موَاط ِ َ‬ ‫ه فِي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫صَرك ُ ُ‬ ‫ع ُوقبوا بما ذكر الله بقوله‪ {:‬لَقَد ْ ن َ َ‬
‫َ‬
‫شيْئًا‪[...‬‬ ‫م َ‬ ‫ن ع َنْك ُ ْ‬ ‫م تُغْ ِ‬ ‫م فَل َ ْ‬ ‫م كَثَْرتُك ُ ْ‬ ‫جبَتْك ُ ْ‬ ‫ن إِذ ْ أع ْ َ‬ ‫حنَي ْ ٍ‬ ‫م ُ‬‫وَيَوْ َ‬
‫‪[}]25‬سورة التوبة]‪ .‬فكيف الحال بمن بعدهم ممن انصرفت‬
‫قلوبهم لغير الله انصرافًا كُل ِّيًا‪ ،‬والله المستعان؟!‬
‫ثانيًا‪:‬مبشرات النصر‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫‪ -1‬البشارة بظهور الدين‪ :‬قال تعالى‪ {:‬هُوَ ال ّذِي أْر َ‬
‫ن[‬ ‫شرِكُو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن كُل ِّهِ وَلَوْ كَرِه َ ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫قّ لِيُظهَِره ُ ع َلى الدِّي ِ‬
‫ْ‬
‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫بِالهُدَى وَدِي ِ‬
‫ْ‬
‫د‬
‫ن بَعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫‪[}]33‬سورة التوبة]‪ .‬وقال تعالى‪{ :‬وَلَقَد ْ كَتَبْنَا فِي الَّزبُورِ ِ‬
‫ن[ ‪[}]105‬سورة النبياء]‪.‬‬ ‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬‫عبَادِيَ ال َّ‬ ‫ض يَرِثُهَا ِ‬ ‫َ‬ ‫ن اْلَْر‬ ‫الذِّكْرِ أ َ َّ‬
‫َ َ‬ ‫وقال تعالى‪ {:‬كَتب الل َّه َلَغْلِب َ َ‬
‫ه قَوِيٌّ ع َزِيٌز[‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سلِي إ ِ ّ‬ ‫ن أنَا وَُر ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫‪[}]21‬سورة المجادلة]‪.‬‬
‫َ‬
‫ما بَلَغَ الل ّي ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫مُر ََ‬ ‫ن هَ َذ َا اْل ْ‬ ‫م‪ [ :‬لَيَبْلُغَ َّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫صل ّى الل‬ ‫وقال َ‬
‫َ‬
‫ز‬
‫ن بِعِ ّ ِ‬ ‫ه هَ َذ َا الدِّي َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫خل َ ً ُ‬ ‫مدَرٍ وََل وَبَرٍ إ ِ ّل أد ْ َ‬
‫َ‬ ‫ت َ‬ ‫ه بَي ْ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫وَالنَّهَاُر وََل يَتُْر ُ‬
‫ه‬
‫ه بِ ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫م وذ ُ ّل يُذ ِ ُّ‬
‫سَل َ َ‬ ‫ه بِهِ اْل ِ ْ‬ ‫عًّزا يُعُِّز الل ّ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل ذَلِي ٍ‬ ‫ع َزِيزٍ أَوْ بِذ ُ ِّ‬
‫الْكُفَْر]رواه أحمد‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫فهذه نصوص قاطعة بأن الغالب هو دين الله‪ ،‬والواعد بذلك هو‬
‫الله تعالى‪ ،‬ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ والله ل يخلف‬
‫م‬
‫مقا ُ‬ ‫صر دينه‪ ،‬فمهما طال ُ‬ ‫الميعاد؛ فكيف إذا كان الميعاد ن َ ْ‬
‫الكافر‪ ،‬ومهما استطال شُّره وضُّره‪ ،‬ومهما كِيْد َ بالمسلمين‪،‬‬
‫ل بهم؛ فإن الغلبة لدين الله‪ ،‬وَعْدَا ً من الله حقا ً وصدقاً‪..‬‬ ‫ومهما نُّكِّ َ‬
‫ن المور‪ ،‬ول نسابق الحداث‬ ‫وهذا سيحدث ل محالة‪ ،‬فل نستعجل َّ َّ‬
‫‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل طَائ ِ َف ٌ‬
‫ة‬ ‫م‪َ [ :‬ل تََزا ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫‪ -2‬الطائفة الظاهرة‪ :‬قَا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أ ُ َّ‬
‫حتَّى‬‫م َ‬ ‫خالَفَهُ ْ‬ ‫م أوْ َ‬ ‫خذ َلَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫ضُّرهُ ْ‬ ‫مرِ الل ّهِ َل ي َ ُ‬ ‫ة بِأ ْ‬ ‫م ً‬ ‫متِي قَ َائ ِ َ‬ ‫مْ ْ‬ ‫ِ‬
‫س]رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ع َلى الن ّا ِ‬ ‫م ظاهُِرو َ‬ ‫مُر اللهِ وَهُ ْ‬ ‫يأ ْ‬ ‫يَأت ِ َ‬
‫فهذه الطائفة قائمة إلى قيام الساعة‪ ،‬والنصرة لهم‪ ،‬والتأييد‬
‫اللهي معهم‪ ،‬وهذه الفرقة المنصورة من بواعث المل في‬
‫نصرة الدين‪ ،‬ومن بشائر الرفعة لدين الله‪ ،‬وقد ذكر صلى الله‬
‫عليه وسلم الذي ل ينطق عن الهوى أنها دائمة وموجودة إلى‬
‫قيام الساعة ‪.‬‬
‫ولكنه ضعف اليقين بموعود الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ُ‬
‫وتعل ّق القلوب بالماديَّات والظواهر‪ ،‬وأساس ذلك كله ضعف‬
‫اليمان بالغيبيات التي هي أصل اليمان‪.‬‬
‫فهل يجوز بعد هذا أن ييأس المسلمون من اكتناف نصر الله‬
‫َ‬
‫م قوة الكفر‬ ‫تعالى لعباده المؤمنين؟! وهل يجوز أن تُعَظ ّ َ‬
‫وجبروته؟! وهل يجوز لنا أن نتخاذل عن البذل لدين الله‪ ..‬ولو‬
‫ل القليل؟! وهل يجوز أن نعتقد خطأ ً أن هذه الطائفة لن‬ ‫بأق ِّ‬
‫تقوم‪ ،‬أو أنها قامت ولن تعود؟! أسئلة تفتقر إلى أجوبة فعلية ل‬
‫قولية ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫منْك ُ ْ‬‫منُوا ِ‬ ‫َ‬ ‫نآ‬ ‫َ‬ ‫ه ال ّذِي‬ ‫ُ‬ ‫‪ -3‬الوعد اللهي الحق‪ :‬قال تعالى‪ {:‬وَعَد َ الل ّ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫ف ال ّذِي َ‬
‫ن‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫م َفِي الْر ِ‬ ‫خلِفَنَّهُ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ت لَي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملُوا ال َّ‬ ‫وَع َ ِ‬
‫د‬
‫ن بَعْ ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫دّلَنَّهُ ْ‬
‫م وَلَيُب َ ِ‬ ‫ضى لَهُ ْ‬ ‫م ال ّذِي اْرت َ َ‬ ‫م دِينَهُ ُ‬ ‫ن لَهُ ْ‬ ‫كّن َ َّ‬
‫م ِ‬‫م وَلَي ُ َ‬ ‫ن قَبْلِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫شيْئًا‪[}]55[...‬سورة النور]‪.‬‬ ‫ن بِي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫منًا يَعْبُدُونَنِي ل ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫شرِكو َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫وهذا الوعد قد تحقق في زمانه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وسيتحقق‬
‫بعده حتى قيام الساعة‪،‬‬
‫فمتى توافرت الوصاف التي ذكرها الله في هذه الية في قوم؛‬
‫كانوا أحق بالتمكين من غيرهم مهما كانوا ‪.‬‬
‫فحتى نظفر بالتمكين من الله لنعقد العزم على تطبيق شريعته‬
‫في أحوال الناس اليومية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والجتماعية ‪.‬‬
‫عندها سننال النصر من الله بكل تأكيد ويقين‪ ،‬ولكن أكثر الناس‬
‫ل يعلمون ‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫َ‬ ‫‪ -4‬المدينتان المنتظ َرتان‪ :‬قَا َ َ‬
‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ه بْ‬ ‫عنْد َ ع َبْد ِ الل ّ ِ‬ ‫ل‪ :‬كُنَّا ِ‬ ‫ل أبُو قَبِي ٍ‬ ‫ُ َْ َ‬
‫ة أوَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫سطنْطِينِي ّ ُ ْ‬ ‫ح أوَّل القُ ْ‬ ‫ن تُفْت َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫مدِينَتَي ْ‬ ‫ل أيُّ ال َ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫صي وَ ُ‬ ‫ن الْعَا ِ‬ ‫مرِو ب ْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ع َبْدُ‬ ‫ه كِتَابًا‪ ،‬فَقَا َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫حلَقٌ فَأ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ق لَ َ ُ‬ ‫صنْدُو ٍ‬ ‫ة فَدَع َا ع َبْد ُ الل ّهِ ب ِ ُ‬ ‫مي َّ ُ‬ ‫ُرو ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب إِذْ‬ ‫م نَكْت ُ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َليْهِ وَ َ‬ ‫ى الل ُ‬ ‫صل‬ ‫َ‬ ‫ل اللهِ‬ ‫ِ‬ ‫سو‬ ‫ل َر ُ‬ ‫حوْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫ح‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫الل ّهِ‪ :‬بَيْن َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ح أَوًَّل‬ ‫ن تُفْت َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫مدِينَتَي ْ‬ ‫َ‬ ‫م أَيُّ ال ْ‬ ‫َ‬ ‫سل‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫ُ‬ ‫صل ّى الل‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّهِ‬ ‫سو‬ ‫ل َر ُ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪:‬‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ة فَقَا َ‬ ‫مي َّ ُ‬ ‫ة أوْ ُرو ِ‬ ‫سطَنْطِينِي َّ ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫سطَنْطِينِي َّ َ‬ ‫َ‬
‫ة‪ ]-‬رواه أحمد‬ ‫ح أوًَّل‪ -‬يَعْنِي قُ ْ‬ ‫ل تُفْت َ ُ‬ ‫ة هَِرقْ َ‬ ‫مدِين َ ُ‬ ‫[ َ‬
‫والدارمي‪.‬‬
‫ومما يزيد في البشارة أن هذه المدينة قد فتحت على يد‬
‫السلطان محمد الفاتح العثماني التركماني ؛ ولكن ليس هو الفتح‬
‫المذكور في الحاديث؛ لن الفتح الذي في الحاديث يكون بعد‬
‫الملحمة الكبرى‪ ،‬وقبل خروج الدجال بيسير‪[ .‬انظر‪ :‬اتحاف‬
‫الجماعة للتويجري [ ‪.]] 1/404‬‬
‫ولفتح القسطنطينية الفتح الحق علمة واردة في أحاديث عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬معروفة مشهورة‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫م‪:‬‬ ‫سل َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل قَا َ‬ ‫ل قَا َ‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫معَاذ ِ ب ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫مةِ‬ ‫ح َ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫خُرو ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫ب يَثْرِ َ‬ ‫خَرا ُ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ب يَثْرِ َ‬ ‫خَرا ُ‬ ‫س َ‬ ‫مقْد ِ ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ن بَي ْ ِ‬ ‫مَرا ُ‬ ‫[ع ُ ْ‬
‫ج‬
‫خُرو ُ‬ ‫سطَنْطِينِيَّةِ ُ‬ ‫ح الْقُ ْ‬ ‫ة وَفَت ْ ُ‬ ‫سطَنْطِينِي َّ َ‬ ‫ح قُ ْ‬ ‫مةِ فَت ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫خُرو ُ‬ ‫وَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ل‪ -‬إ ِ َّ‬ ‫م قَا َ‬ ‫منْكِبِهِ ث ُ َّ‬ ‫ه أوْ َ‬ ‫حدَّث َ ُ‬ ‫خذ ِ ال ّذِي َ‬ ‫ب بِيَدِهِ ع َلَى فَ ِ‬ ‫ضَر َ‬ ‫م َ‬ ‫ل‪ -‬ث ُ َّ‬ ‫جا ِ‬ ‫الد َّ َّ‬
‫ل‪]-‬‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫معَاذ َ ب ْ َ‬ ‫عدٌ‪ -‬يَعْنِي ُ‬ ‫ك قَا ِ‬ ‫ما أَن َّ َ‬ ‫ك هَاهُنَا أوْ ك َ َ‬
‫َ‬ ‫ما أَن َّ َ‬ ‫حقٌّ ك َ َ‬ ‫هَذ َا ل َ َ‬
‫رواه أبوداود وأحمد‪.‬‬
‫فإذا كان أن الفتح الذي حصل على يد محمد الفاتح ليس هوالفتح‬
‫الوارد في الحديث فإنا لعلى يقين بقرب فتحين عظيمين‬
‫متحقق بإذنه‬ ‫لمدينتين كبيرتين‪ ،‬وهذا قريب‪ ،‬ووَعْد ُ الله نافذ‪ ،‬و ُ‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫م‪َ [ :‬ل تَقُو ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫‪ -5‬المعركة الفاصلة‪ :‬قَا َ‬
‫جُر وََراءَه ُ الْيَهُودِيُّ يَا‬ ‫ح َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫حتَّى يَقُو َ‬ ‫حتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُود َ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ساع َ ُ‬ ‫ال َّ‬
‫ه]رواه البخاري ومسلم‪ .‬وهذه‬ ‫م هَذ َا يَهُودِيٌّ وََرائِي فَاقْتُل ْ ُ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬
‫المعركة هي الفاصلة بين المسلمين واليهود‪ ،‬وهي التي يُظهِر‬
‫فيها الله عباده المؤمنين‪ ،‬وينصرهم على اليهود بعدما ذاقوا منهم‬
‫ت بعد هذه المعركة وإنا على انتظارها‪،‬‬ ‫الذى والنكال ‪ .‬ولم تأ ِ‬
‫ة ل محالة إن شاء الله ‪.‬‬ ‫وهي آتي ٌ‬
‫‪-6‬محمد المنتظر‪ :‬مما ثبت في السنة‪ ،‬واعتقده السلف الصالح‪،‬‬
‫ودانوا لله به‪ :‬ثبوت المهدي‪ ،‬وأنه سيخرج في آخر الزمان ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ك الْعََر َ‬ ‫مل ِ َ‬ ‫حتَّى ي َ ْ‬ ‫ب الدُّنْيَا َ‬ ‫م‪َ [ :‬ل تَذْهَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫قَا َ‬
‫لم َ‬
‫مي] رواه أبوداود والترمذي‬ ‫س ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ئا ْ‬ ‫ل بَيْتِي يُوَاط ِ ُ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ج ٌ ِ ْ‬ ‫َر ُ‬

‫‪272‬‬
‫خرِ أ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫خلِيفَ ٌ‬ ‫متِي َ‬ ‫ن فِي آ ِ‬ ‫م‪ [ :‬يَكُو ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َلَيْهِ وَ َ‬ ‫صل ّى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫وأحمد‪ .‬وَقَا َ‬
‫حثْيًا َل يَعُدُّهُ عَدَدًا]رواه مسلم‪.‬‬ ‫ل َ‬ ‫ما َ‬ ‫حثِي ال ْ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫وأخباره متواترة تواترا ً ل يعتريه شك ‪.‬‬
‫وفي خروجه يكثر الخير‪ ،‬قال ابن كثير رحمه الله‪':‬في زمانه‬
‫تكون الثمار كثيرة‪ ،‬والزروع غزيرة‪ ،‬والمال وافر والسلطان‬
‫قاهر‪ ،‬والدين قائم‪ ،‬والعدو راغم‪ ،‬والخير في أيامه دائم' [النهاية‬
‫في الفتن والملحم [‪.]] 1/31‬‬
‫فهذا المهدي [ محمد بن عبد الله ] المنتظر لم يخرج بعدُ‪،‬‬
‫وبخروجه يقوم الدين‪ ،‬ويرتفع الحق‪ ،‬ويخمد الباطل‪ ،‬وتتبدد كل‬
‫قوة علت من قوى الباطل‪ ،‬وكل ما هو آت قريب‪ ،‬فصبر جميل‪.‬‬
‫ثالثًا‪:‬ساعات النصر‪:‬‬
‫ة وَل َ َّ‬‫جن َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫خلُوا ال ْ َ‬ ‫ن تَد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سبْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫‪ -1‬اليأس والنصر‪ :‬قال تعالى‪ {:‬أ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫يَأْتِك ُ‬
‫ضَّراءُ وَُزلْزِلُوا‬ ‫ساءُ وَال َّ‬ ‫م الْبَأ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ستْه‬ ‫م َّ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ن قَبْلِك ُ‬ ‫ْ‬ ‫خلَوْا ِ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ّذِي‬ ‫مث‬‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬
‫صَر‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫صُر اللَّهِ أََل إ ِ َّ‬ ‫متَى ن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫منُوا َ‬ ‫نآ َ‬
‫َ‬
‫ل وَال ّذِي َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الَّر ُ‬ ‫حتَّى يَقُو َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ب[‪[}]214‬سورة البقرة]‪.‬‬ ‫الل ّهِ قَرِي ٌ‬
‫َ‬
‫م قَد ْ كُذِبُوا‬ ‫ل وَظَنُّوا أنَّهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫س الُّر ُ‬ ‫َ‬ ‫حتَّى إِذ َا ا ْ‬
‫ستَيْئ َ‬ ‫وقال تعالى‪َ {:‬‬
‫ْ‬
‫ن[‬‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن الْقَوْم ِ ال ْ ُ‬ ‫سنَا ع َ ِ‬ ‫شاءُ وََل يَُرد ُّ بَأ ُ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ج َ‬ ‫صُرنَا فَن ُ ِّ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫جاءَهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ل فيها اليأس على قلب‬ ‫ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫‪[}]110‬سورة يوسف]‪ .‬فهذه صورة ي َ ِ‬
‫خيِّم القنوط على نفوس الصالحين‪،‬‬ ‫العبد‪ ،‬وي ُ َ‬
‫وإنها لصورة من أشد الصور‪ ،‬وأخطرها على نفوس المسلمين‪،‬‬
‫فالنصر ينزل على العباد 'عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله‬
‫في أحوج الوقات إليه'[تفسير ابن كثير [ ‪ .]] 2/497‬و'إنها لساعة‬
‫رهيبة‪ ،‬ترسم مبلغ الشدة والكرب والضيق في حياة الرسل‪،‬وهم‬
‫يواجهون الكفر والعمى والصرار والجحود‪ ،‬وتمُّر اليام وهم‬
‫يدعون فل يستجيب لهم إل القليل‪ ،‬وتكُّر العوام والباطل في‬
‫قوته‪ ،‬وكثرة أهله‪ ،‬والمؤمنون في عُدَّتِهم القليلة‪ ،‬وقوتهم‬
‫الضئيلة'[ في ظلل القرآن [ ‪.]4/2035‬‬
‫وإنا والله لنفرح بمثل هذه الساعة‪-‬ل لذاتها معاذ الله‪ -‬ولكن لما‬
‫فيها من بشائر النصر القريب‪ ،‬وأمارات ظهور الفجر الواعد‬
‫‪..‬نعم‪ ..‬إنها ساعة فيها يجيء النصر بعد اليأس من كل أسبابه‬
‫َ‬
‫الظاهرة التي يتعل ّق بها الناس‪ ،‬وسنة الله أن في مثل هذه‬
‫الظروف التي يفقد المؤمنون فيها صبرهم‪ ،‬وتتكالب عليهم‬
‫ب وصوب‪ ،‬وينالهم من أهل الشر والباطل‬ ‫حد ْ ٍ‬ ‫الشدائد من كل َ‬
‫سخرية من ضعف قوتهم‪ ،‬وهوانهم على الناس؛ يلمح‬ ‫كل أذى و ُ‬
‫المؤمنون نور النصر يلوح‪ ،‬وشمسه تشرق في تمام الوضوح‪،‬‬
‫جب وشوائب‪ ،‬وغزوات‬ ‫ح ُ‬ ‫م عليه من ُ‬ ‫خي َّ َ‬ ‫فيزول عن القلب ما َ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فيها تبيان لهذا‪ ..‬فاعتبرها ‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫‪ -2‬المظلوم والنصر‪ :‬الظلم شيمة من ابتله الله بالكبر‬
‫والغطرسة‪ ،‬ومن هذا شأنه كان حريَّا ً بأن يناله من الله عقاب‬
‫لتقَّر عين المظلوم بنكاية الله بالظالم‪ ،‬ونكاله به‪ ،‬فجعل الله‬
‫دعوة المظلوم تسلك طريقها في السماء‪ ،‬وتكفل الله بنصرها‬
‫ولو بعد حين‪ ،‬ووَعْد ُ الله حق‪ ،‬وهذه بشارة ع ُظمى‪ ،‬إن نصر الله‬
‫قريب‪ ،‬هذا كله في عموم الناس المسلم والكافر‪ ،‬فكيف إذا كان‬
‫المظلوم أمة مسلمة لله‪ ،‬والظالم لها كافر ل يؤمن بالله رباً‪ ،‬ول‬
‫بمحمد نبياً‪ ،‬ول بالسلم ديناً‪ ،‬فأقول إن المر غاية في اليقين أن‬
‫نصر الله قريب جدا ً ‪.‬‬
‫وهذه ساعة من أهم ساعات النتصار والغلبة أن يتمكن العدو من‬
‫المسلمين‪ ،‬ويتحزبون عليهم من كل جانب من فوقهم‪ ،‬ومن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن بِأنَّهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن يُقَاتَلُو َ‬ ‫ن لِل ّذِي َ‬ ‫تحتهم‪ ،‬وعن أيمانهم‪ ،‬وعن شمائلهم‪ {..‬أذ ِ َ‬
‫َ َ‬
‫م لَقَدِيٌر[‪[}]39‬سورة الحج]‪ .‬فما على‬ ‫صرِه ِ ْ‬ ‫ه ع َلَى ن َ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫ظُل ِ ُ‬
‫المؤمنين حال تلك الساعة إل الجأر بالدعاء‪ ،‬والبتهال والتضرع‬
‫ل عليهم‬ ‫ح َّ‬ ‫خذِل عدوَّهم[ وي ُ ِ‬ ‫جل بنصرهم‪ ،‬وأن ي َ ْ‬ ‫بين يدي الله أن يُع ِّ‬
‫غضبه وسخطه‪..‬وموعود الله قريب للمظلوم‪ ،‬والويل للظالم من‬
‫عقاب الله ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صرِ‪:‬‬‫ب الن َّ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ح ُ‬‫رابعًا‪ُ :‬‬
‫م عَذ َابًا‬ ‫ن كَفَُروا فَأعَذِّبُهُ ْ‬ ‫ما ال ّذِي َ‬ ‫‪-1‬حجاب الكفر‪:‬قال الله‪ {:‬فَأ َّ‬
‫ن[‪[}]56‬سورة آل‬ ‫صري َ‬ ‫ن نَا ِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما َلَهُ ْ‬ ‫خَرةِ وَ َ‬ ‫شدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَاْل ِ‬ ‫َ‬
‫ن‪[}]12[...‬سورة‬ ‫ستُغْلَبُو َ‬ ‫ن كَفَُروا َ‬ ‫ل لِل ّذِي َ‬ ‫عمران]‪ .‬وقال تعالى‪ {:‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫صٌر[‬ ‫منْت َ ِ‬ ‫ميعٌ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م يَقُولُو َ‬ ‫آل عمران]‪ .‬وقال تعالى‪ {:‬أ ْ‬
‫ُ‬
‫ن الدُّبَُر[‪[}]45‬سورة القمر]‪ .‬هذه آيات‬ ‫معُ وَيُوَل ّو َ‬ ‫ج ْ‬‫م ال ْ َ‬‫سيُهَْز ُ‬‫‪َ ]44‬‬
‫أنزلها الله في كتابه قضى فيها أن الكفر لن يغلب السلم مهما‬
‫كانت له من القوى‪ ،‬ومهما ملك من العُدَد والعَدَد‪ ،‬ولقد صدق‬
‫حدَه‪..‬‬ ‫جنْدَه‪ ،‬وهزم الحزاب وَ ْ‬ ‫الله وَعْدَه‪ ،‬فنصر عبده‪ ،‬وأعز ُ‬
‫فمهما قامت حروب ومعارك بين المسلمين والكفار؛ فإن الغالب‬
‫هم المسلمون‪ ،‬والهزيمة لحقة بالكفار ؛ وعد صادق من الله‪..‬‬
‫الكافرون سينفقون ما لديهم من أموال ورجال في حروب‬
‫طاحنة مع المسلمين‪ ،‬ثم تكون عليهم حسرة‪ ،‬ثم يُغْلَبُوْن على‬
‫أيدي المسلمين ‪.‬‬
‫َ‬
‫ت ل يدوم؛‬ ‫وإن انتصر الكفار على المسلمين فهو نصر مؤقّ ٌ‬
‫وهيهات له أن يدوم‪ ،‬والله قد كتب الغلبة لدينه ورسله وأوليائه‬
‫الصالحين‪ ،‬والله ل يؤيد بنصره أُمة قامت على كفر به‪ ،‬وصد عن‬
‫سبيله ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫صارٍ[‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ما لِلظال ِ ِ‬ ‫‪ -2‬حجاب الظلم‪:‬قال تعالى‪...{:‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ن وَل ِ ٍ ّ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما لَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫‪[}]270‬سورة البقرة]‪ .‬وقال تعالى‪...{:‬وَالظ ّال ِ ُ‬

‫‪274‬‬
‫صيرٍ[‪[}]8‬سورة الشورى]‪ .‬نعم ؛ إن الله ل ينصر الظالم‬ ‫وََل ن َ ِ‬
‫على المظلوم بل اقتضت حكمته أنه ينصر المظلوم على الظالم‬
‫مهما كان المظلوم والظالم ‪.‬‬
‫منا النصر على‬ ‫حر ْ‬
‫وما أكثر الظلم في المسلمين؛ والذي بسببه ُ ِ‬
‫أعدائنا‪ ،‬فالظلم يمنع النصر كما في هذه اليات وكما في حديث‬
‫دعوة المظلوم وأنه ليس بينها وبين الله حجاب‪ ،‬والله تعالى قد‬
‫وعد بأنه سينصرها ولوبعد حين ‪.‬‬
‫فمتى طُهَِّرت المة من الظلم بجميع أنواعه وصوره؛ فإن نصر‬
‫ت‪ ،‬ووعده متحقق سواء في ذلك قرب الزمن أو بعده ‪.‬‬ ‫الله آ ٍ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ن فِي الد ّْر ِ‬ ‫منَافِقِي َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ال ُ‬ ‫‪ -3‬حجاب النفاق‪ :‬قال الله تعالى‪...{:‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫صيًرا[‪[}]145‬سورة النساء]‪ .‬بيَّن‬ ‫م نَ ِ‬ ‫جد َ لَهُ ْ‬ ‫ن النَّارِ وَل َ ْ‬
‫ن تَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬‫سفَ ِ‬ ‫اْل ْ‬
‫م منه كل منافق دخيل في‬ ‫الله في هذه الية أن نصَره محرو ٌ‬
‫صفوف المسلمين‪ ،‬بل محروم منه كل من قَّرب المنافقين‬
‫جد َ في‬ ‫منه مكانا ً مرموقاً‪ ،‬وجاها ً رفيعاً‪..‬إن النفاق ما وُ ِ‬ ‫َّ‬
‫وأنالهم‬
‫جدَ‬‫قوم إل أحلهم دار البوار‪ ،‬ومنعهم الخير والنصر‪ ،‬وما وُ ِ‬
‫ُّ‬
‫مكَّنُوا منها العدو على المسلمين‪ ،‬وأذلوا‬ ‫المنافقون في أرض إل َ‬
‫الصالحين من عباد الله‪.‬‬
‫مت المة من هؤلء 'المتلونين'‬ ‫سل ِ َ‬
‫فإذا ما طهَُرت الرض‪ ،‬و َ‬
‫استحقت النصر من الله على عدوها‪ ،‬وكان لها الظفر بالعدو‪.‬‬
‫منِعَ المسلمون النصر يوما ً قط إل بسبب ما كان منهم من‬ ‫وما ُ‬
‫ب لهم‪ ،‬ومجالسة معهم‪ ،‬وتمام وُ ٍدّ‬ ‫تقريب لهؤلء المنافقين‪ ،‬وح ٍّ‬
‫لهم‪ ..‬إن النفاق في هذه الزمان قد طال ريشه بين المسلمين‪،‬‬
‫مه بينهم‪ ،‬ونال أهلُه من المسلمين كل ما يريدونه‪ ،‬بل‬ ‫مقا ُ‬ ‫ودام ُ‬
‫مبيِّنين حالهم وضللهم الذى منهم ومن‬ ‫نال الصالحين ال ُ‬
‫أسيادهم‪ .‬وحين تلتفت المة إلى هؤلء المجرمين‪ ،‬وتبدأ بهم‪،‬‬
‫وتنكِّل بهم؛ تنعم بعد ذلك بنصر من الله مؤَّزٌر‪ ،‬وبإيفاء الله وعده‬
‫لهم ‪.‬‬
‫خاتمة البوابة‪:‬‬
‫في ختام الولوج من هذه البوابة العريقة‪..‬وفي نهاية المرور‬
‫ت بوضع النقاط على حروفها‪ ،‬وأن‬ ‫بها‪..‬آمل أن أكون قد وُفِّقْ ُ‬
‫ل كبار في نفوس قومي‪ ،‬وأسأل‬ ‫أكون قد بعثت ما مات من آما ٍ‬
‫الله تعالى أن يُحيي ما مات من آمالنا‪ ،‬وأن ينصر دينه‪ ،‬وكتابه‪،‬‬
‫وسنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعباده الله الصالحين‬
‫من رسالة‪':‬بوابة النصر' للشيخ‪ /‬عبد الله بن سليمان العبد الله‬
‫=================‬
‫حقيقة النتصار‬

‫‪275‬‬
‫تقدي‬
‫إن المد ل‪ ،‬نمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات‬
‫أعمالنا‪ ،‬من يهده ال فل مُضلّ له‪ ،‬ومن يُضلل فل هاديَ له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال‬
‫وحده ل شريك‪ ،‬وأشهد أن ممدًا عبده ورسوله‪.‬‬
‫(يَا أَّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا اّتقُوا اللّهَ َح ّق ُتقَاتِ ِه وَل تَمُوتُنّ إِلّا َوَأْنتُ ْم مُسْلِمُونَ)(‪[ )1‬سورة آل‬
‫س وَاحِ َد ٍة وَخََلقَ‬‫عمران‪ :‬الية‪( .]102 :‬يَا َأّيهَا النّاسُ اّتقُوا َرّبكُ ُم الّذِي َخَل َقكُمْ مِنْ نَ ْف ٍ‬
‫ث ِمنْهُمَا رِجَالً َكثِيا َونِسَا ًء وَاتّقُوا اللّ َه الّذِي تَسَاءَلُونَ بِ ِه وَاْلأَرْحَامَ إِنّ اللّهَ‬
‫ِمنْهَا َز ْو َجهَا َوبَ ّ‬
‫كَانَ عََلْيكُمْ رَقِيبا)(‪[ )2‬سورة النساء‪ ،‬الية‪.]1 :‬‬
‫(يَا أَّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا اّتقُوا اللّ َه وَقُولُوا َقوْ ًل سَدِيدا ُيصْلِحْ َلكُمْ َأعْمَاَلكُ ْم َوَيغْفِرْ َلكُمْ ُذنُوَبكُمْ‬
‫َومَ ْن يُطِعِ اللّ َه وَ َرسُولَهُ َفقَدْ فَازَ َفوْزا عَظِيما)(‪[ )3‬سورة الحزاب‪ ،‬اليتان‪.]71 ،70 :‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فإن أصدق الديث كتاب ال‪ ،‬وأحسن الدي هدي ممد‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‬
‫وشر المور مدثاتا‪ ،‬وكل مدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة وكل ضللة‪ ،‬ف النار‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فقد تأملت ف واقع الدعوة اليوم‪ ،‬وما مرت به ف خلل هذا العصر من من وابتلءات‪،‬‬
‫ورأيت أن المة تعيش يقظة مباركة‪ ،‬وصحوة ناهضة‪ ،‬والدعاة يوبون الفاق‪،‬‬
‫والماعات السلمية انتشرت ف البلدان‪ ،‬حت وصلت إل أوربا وأمريكا‪ ،‬وقامت‬
‫حركات جهادية ف بعض بلد السلمي كأفغانستان وفلسطي وأرتييا والفلبي وغيها‪.‬‬
‫ولكن لظت أن هناك مفاهيم غائبة عن فهم كثي من السلمي‪ ،‬مع أن القرآن الكري قد‬
‫بينها‪ ،‬بل وفصلها‪ ،‬ورأيت أن كثيا من أسباب اللل ف واقع الدعوة والدعاة‪ ،‬يعود‬
‫لغياب هذه القائق‪.‬‬
‫ومن هذه الفاهيم مفهوم "حقيقة النتصار"‪ ،‬حيث إن خفاءه أوقع ف خلل كبي‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪ :‬الستعجال‪ ،‬والتنازل‪ ،‬واليأس والقنوط ث العزلة‪ ،‬وهذه أمور لا آثارها السلبية على‬
‫النهج وعلى المة‪.‬‬
‫من أجل ذلك كله عزمت على بيان هذه القيقة الغائبة‪ ،‬ودراستها ف ضوء القرآن‬
‫الكري‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫وأسأل ال التوفيق والسداد والعانة‪.‬‬
‫أهية الوضوع‬
‫تبز أهية الوضوع وسببه من خلل الفهم الاطئ لعن حقيقة انتصار الداعية‪ ،‬واللط فيه‬
‫بي معن انتصار الداعية وبي انتصار الدعوة‪ ،‬وظهور الدين‪ ،‬حيث نتج عن هذا الفهم‬
‫وهذا اللط عدة أمور ‪-‬سلبية‪ -‬أهها‪:‬‬
‫‪ -1‬تصور كثي من الناس أن هذا الداعية ل ينتصر ول ينجح ف دعوته؛ لنه ل يتمكن‬
‫من تقيق الهداف الت يدعو إليها‪ ،‬ويسعى لتحقيقها‪ ،‬ما يؤدي إل التشكيك ف منهجه‪،‬‬
‫وانصراف بعض الدعوين عنه‪.‬‬
‫‪ -2‬استعجال النتائج وتقيق الهداف‪.‬‬
‫مِن ِقبَل كثي من الدعاة‪ ،‬فإن بعض الدعاة إذا بدأ ف دعوته فإنه يرسم منهجًا جيدًا يسي‬
‫من خلله لتحقيق أهدافه‪ ،‬ولكن إذا مضى زمن ول يتحقق شيء من ذلك‪ ،‬أو تقق شيء‬
‫يرى أنه ل يساوي الهود البذولة‪ ،‬فيقوم بتعديل منهجه السليم إل منهج خاطئ يستعجل‬
‫فيه الثمار‪ ،‬وذلك ناتج عن تصوره الاطئ ف فهم حقيقة ما يب عليه‪ ،‬وإنه إذا ل تتحقق‬
‫أهدافه فإنه ل يقم با أوجبه ال عليه‪ ،‬غافل عن الفرق بي المرين‪ ،‬أو جاهل لذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬النراف عن النهج‪.‬‬
‫وذلك أنه لن يصلح آخر هذه المة إل با صلح به أولا‪ ،‬فالداعية ملزم بأن يلتزم بنهج‬
‫أهل السنة والماعة‪ ،‬وهو ما كان عليه رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم وصحابته‪.‬‬
‫بل هو ما ورد ف الديث الصحيح‪ " :‬عليكم بسنت وسنة اللفاء الراشدين الهديي من‬
‫بعدي‪ ،‬تسكوا با وعضوا عليها بالنواجذ " (‪.)4‬‬
‫سبُلَ‬
‫سَتقِيما فَاّتبِعُوهُ وَل َتّتبِعُوا ال ّ‬
‫صرَاطِي مُ ْ‬
‫وهو ما نفهمه من قوله ‪-‬تعال‪َ ( :-‬وَأنّ هَذَا ِ‬
‫َفَتفَ ّرقَ ِبكُ ْم عَ ْن َسبِيلِهِ)(‪[ )5‬سورة النعام الية‪.]153 :‬‬
‫إل غي ذلك من اليات والحاديث الت تبي وجوب اللتزام بنهج الكتاب والسنّة‪.‬‬
‫فبعض الماعات والدعاة‪ ،‬حرصًا منهم على نصر السلم‪ ،‬وتصورا منهم أن ظهور الدين‬
‫وزوال الكفر والفساد مقياسا لنجاح دعوتم‪ ،‬وأمام ضغط الظالي ومساوماتم‪،‬‬
‫واستعجال التباع وعدم صبهم‪ ،‬يسعى هؤلء للحصول على بعض الكاسب نصرة لذا‬

‫‪277‬‬
‫الدين ودفاعا عنه‪ ،‬ولكن هذا المر قد يقتضي التنازل عن بعض أصول السلم‪ ،‬وهنا يأت‬
‫الداعية إل ماولة تطبيق قاعدة الصال والفاسد‪ ،‬فينحرف عن النهج وهو ل يدري‪،‬‬
‫ويستسلم لساومات العداء وألعيبهم‪.‬‬
‫‪ -4‬اليأس والقنوط ث العتزال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة آل عمران آية‪.102 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة النساء آية‪.1 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الحزاب آية‪.71-70 :‬‬
‫(‪ - )4‬أخرجه أحد‪ 127 ،4/126 :‬وأبو داود (‪ )4607‬وابن ماجة (‪ )43‬والترمذي‬
‫(‪ )2676‬وقال هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫(‪ - )5‬سورة النعام آية‪.153 :‬‬
‫طريق الدعوة طريق طويل وشاق‪ ،‬مليء بالعقبات والحن والبتلءات‪ ،‬وقليل من الدعاة‬
‫من يتاز هذا الطريق وهو ثابت على دعوته‪ ،‬ملتزم بنهجه‪.‬‬
‫وكثي من الدعاة عندما يسي ف الطريق ث يد أن العوام تضي وهو ل يقق شيئا ما‬
‫يدعو إليه‪ ،‬وياول إعادة الكرة مرة بعد أخرى‪ ،‬ول يرى أثرا مباشرا لدعوته‪ ،‬تبدأ عنده‬
‫الشكوك والوهام‪ ،‬فمرة‪ :‬يتهم نفسه‪ ،‬وأخرى قومه‪ ،‬وثالثة‪ :‬أتباعه ومؤيديه‪ ،‬ث يصل ف‬
‫النهاية إل أن هؤلء القوم ل تنفع معهم دعوة‪ ،‬ول يستجيبوا لداع أو نذير‪ ،‬ويقول‬
‫ك هُدَاهُمْ)(‪- )1‬‬ ‫س عََليْ َ‬
‫لنفسه‪ :‬كفان ما كفانيا‪ ،‬وعليك باصة نفسك والسلم‪ ،‬و(َلْي َ‬
‫ضلّ إِذَا ا ْهتَ َدْيتُمْ)(‪)2‬‬
‫[سورة البقرة‪ ،‬الية‪ ]272 :‬يفهمها فهما خاطئا‪ -‬و(ل َيضُرّكُ ْم مَنْ َ‬
‫[سورة الائدة‪ ،‬الية‪ ]105 :‬يضعها ف غي موضعها‪.‬‬
‫وهنا ييئس من قومه‪ ،‬ويقنط من هداية ال لم‪ ،‬ث يعتزل الدعوة ويترك القوم وشأنم‪.‬‬
‫ومنشأ هذه النتيجة الت وصل إليها عدم إدراكه واستيعابه لقيقة النتصار‪ ،‬وأنه قد يكون‬
‫صبه على قومه مع عدم استجابتهم أعظم له أجرا‪ ،‬وذخرا ونصرا‪ ،‬ما لو آمنوا با يدعو‬
‫إليه واتبعوه‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫هذه الثار ‪-‬وغيها‪ -‬الت نتجت ف أغلب أحوالا عن اللط ف مفهوم النتصار‪ ،‬وعدم‬
‫قدرة كثي من الدعاة التفريق بي انتصار الدين وبي انتصار الداعية‪.‬‬
‫وما سبق تتضح أهية هذا الوضوع‪ ،‬وحاجة الدعاة وطلب العلم إل تليته وبيانه‪،‬‬
‫وباصة أن القرآن الكري‪ ،‬قد وردت فيه آيات كثية‪ ،‬تقرر مفهوم النتصار‪ ،‬ومهمة‬
‫الداعية‪ ،‬والفرق بي الهمة وبي النتيجة والثر‪.‬‬
‫وف الصفحات التالية تقرير لذه القيقة وتلية لا‪ ،‬ومن ال نستمد العون والتأييد‪.‬‬
‫مفهوم النصر وحقيقته‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َوَيوْ َم َيقُومُ‬
‫قال ال ‪-‬سبحانه وتعال‪ِ( :-‬إنّا َلَنْنصُرُ ُرسَُلنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي الْ َ‬
‫الَْأ ْشهَادُ)(‪[ )3‬سورة غافر‪ ،‬الية‪.]51 :‬‬
‫وقال ‪-‬سبحانه‪( :-‬وَكَانَ َحقّا عََلْينَا َنصْ ُر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ)(‪[ )4‬سورة الروم‪ ،‬الية‪.]47 :‬‬
‫وقال‪ِ( :‬إنْ َتْنصُرُوا اللّ َه َيْنصُرْكُمْ)(‪[ )5‬سورة ممد‪ ،‬الية‪ .]7 :‬وقال ‪-‬جل ذكره‪:-‬‬
‫(وََليَْنصُ َرنّ اللّهُ مَ ْن يَْنصُ ُرهُ)(‪[ )6‬سورة الج‪ ،‬الية‪ .]40 :‬وقال‪( :‬وََلقَ ْد َسبَ َقتْ َكلِ َمُتنَا‬
‫ِل ِعبَا ِدنَا الْ ُم ْرسَلِيَ ِإّنهُمْ َلهُ ُم الْ َمْنصُورُو َن َوِإنّ ُجنْ َدنَا َلهُ ُم اْلغَاِلبُونَ)( ‪[ )7‬سورة الصافات‪،‬‬
‫اليات‪.]173 - 171 :‬‬
‫هذه اليات وأمثالا تدل على انتصار الداعية‪ ،‬سواء أكان رسول أو أحد الؤمني‪ ،‬وهذا‬
‫النتصار يكون ف الياة الدنيا قبل الخرة‪.‬‬
‫والذي علمناه من القرآن والسنة‪ ،‬أن من النبياء من قتله أعداؤه ومثّلوا به‪ ،‬كيحي وشعياء‬
‫وأمثالما‪ ،‬ومنهم من هم بقتله قومه‪ ،‬فكان أحسن أحواله أن يلص منهم حت فارقهم‬
‫ناجيا بنفسه‪ ،‬كإبراهيم الذي هاجر إل الشام من أرضه مفارقا لقومه‪ ،‬وعيسى الذي رفع‬
‫إل السماء‪ ،‬إذ أراد قومه قتله‪ ،‬وند من الؤمني من يسام سوء العذاب‪ ،‬وفيهم من يلقى‬
‫ف الخدود‪ ،‬وفيهم من يستشهد‪ ،‬وفيهم من يعيش ف كرب وشدة واضطهاد‪ ،‬فأين وعد‬
‫ال لم بالنصر ف الياة الدنيا؟ (‪ )8‬وقد طُردوا أو قتلوا أو عذبوا؟‬
‫نن نعلم يقينا‪ ،‬أن وعد ال ل يتخلف أبدا‪ ،‬ومنشأ السؤال والشكال أننا قصرنا النظر‬
‫على نوع واحد من أنواعه‪ ،‬وهو النصر الظاهر وانتصار الدين‪ ،‬ول يلزم أن يكون هذا هو‬
‫النصر الذي وعد ال به أنبياءه ورسله وعباده الؤمني‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫وال قد وعدهم بالنصر‪ ،‬وهو متحقق ل شك ف ذلك‪ ،‬ول مرية‪ ،‬وذلك ف الياة الدنيا‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا َوَي ْومَ‬
‫قبل الخرة‪ ،‬لن ال ‪-‬سبحانه‪ -‬قال‪ِ( :‬إنّا َلنَْنصُرُ ُر ُسَلنَا وَالّذِينَ آ َمنُوا فِي الْ َ‬
‫َيقُو ُم الَْأ ْشهَادُ)(‪[ )9‬غافر الية‪ .]51 :‬ومن أصدق من ال قيل‪.‬‬
‫وتلية لذه القضية‪ ،‬وبيانا لذا الانب ل بد من إيضاح معن النصر‪ ،‬وأنه أشل ما يتبادر‬
‫إل أذهاننا‪ ،‬ويسبق إل أفهامنا إن النصر له وجوه عدة‪ ،‬وصور متنوعة أهها ما يلي‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة البقرة آية‪.272 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الائدة آية‪.105 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة غافر آية‪.51 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الروم آية‪.47 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة ممد آية‪.7 :‬‬
‫(‪ - )6‬سورة الج آية‪.40 :‬‬
‫(‪ - )7‬سورة الصافات آية‪.173-171 :‬‬
‫(‪ - )8‬انظر تفسي الطبي ‪ 24/74‬وف ظلل القرآن ‪.5/3085‬‬
‫(‪ - )9‬سورة غافر آية‪.51 :‬‬
‫‪ -1‬أن النصر قد يكون بالغلبة الباشرة والقهر للعداء على أيدي هؤلء النبياء والرسل‪،‬‬
‫ت وَآتَاهُ اللّ ُه الْمُلْكَ‬
‫كما حصل لداود وسليمان‪ ،‬عليهما السلم (وََقتَلَ دَاوُدُ جَالُو َ‬
‫حكْ َمةَ)(‪[ )1‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪( .]251 :‬وَ ُكلّا آتَْينَا ُحكْما َوعِلْما) (‪[ )2‬سورة‬ ‫وَالْ ِ‬
‫ك سَُليْمَانَ)(‪[ )3‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪( .]102 :‬قَالَ رَبّ‬ ‫النبياء‪ ،‬الية‪( .]79 :‬عَلَى مُلْ ِ‬
‫ا ْغفِرْ لِي َوهَبْ لِي ُملْكا ل َيْنبَغِي ِلأَحَ ٍد مِ ْن َبعْدِي)(‪[ )4‬سورة ص‪ ،‬الية‪.]35 :‬‬
‫وكذلك موسى‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬نصره ال على فرعون وقومه‪ ،‬وأظهر الدين ف حياته‪،‬‬
‫صنَعُ فِ ْر َع ْونُ وََق ْومُ ُه َومَا كَانُوا َيعْ ِرشُونَ)(‪[ )5‬سورة العراف‪.]137 ،‬‬ ‫(وَ َدمّ ْرنَا مَا كَانَ يَ ْ‬
‫جْينَاكُ ْم َوَأغْرَ ْقنَا آلَ فِ ْر َع ْونَ َوَأْنتُ ْم َتنْظُرُونَ)(‪[ )6‬البقرة‪ ،‬الية‪.]50 :‬‬
‫(َفأَنْ َ‬
‫ونبينا ممد‪ ،‬صلى ال عليه وسلم نصره ال نصرا مؤزرا‪ ،‬وأهلك أعداءه ف بدر‪ ،‬وما‬
‫حنَا لَكَ َفتْحا ُمبِينا)(‪[ )7‬سورة‬ ‫بعدها حت ظهر دين ال‪ ،‬وقامت دوله السلم‪ِ( .‬إنّا َفتَ ْ‬

‫‪280‬‬
‫س يَدْ ُخلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَ ْفوَاجا)(‬ ‫ت النّا َ‬ ‫الفتح‪ ،‬الية‪( .]1 :‬إِذَا جَا َء َنصْرُ اللّ ِه وَاْل َفتْحُ َو َرأَْي َ‬
‫‪[ )8‬سورة النصر‪ ،‬اليتان‪.]2 -1 :‬‬
‫وهذا النوع من النتصار هو النصر الظاهر‪ ،‬وهو أول ما يتبادر إل الذهان عند إطلق‬
‫كلمة النصر‪ ،‬للسباب التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬لنه نصر ظاهر يراه الناس ويسون به‪.‬‬
‫ب‪ -‬أنه هو النتصار الذي يمع بي انتصار الدين وظهوره وانتصار الداعية‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أنه مبب إل النفوس‪ ،‬وهو النصر العاجل‪" ،‬والنفس مولعة بب العاجل" ولذلك قال‬
‫حبّونَهَا َنصْ ٌر مِنَ اللّ ِه وََفتْحٌ قَرِيبٌ )(‪[ )9‬سورة‪ ،‬الصف‪.]13 :‬‬ ‫‪-‬سبحانه‪َ ( :-‬وأُ ْخرَى تُ ِ‬
‫‪ -2‬أن النصر قد يكون بإهلك هؤلء الكذبي‪ ،‬وناة النبياء والرسلي‪ ،‬ومن آمن معهم‪،‬‬
‫كما حدث لنوح‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬حيث ناه ال وأهلك قومه‪َ) ،‬ف َدعَا َربّهُ َأنّي َمغْلُوبٌ‬
‫حنَا َأْبوَابَ السّمَا ِء بِمَا ٍء ُمْنهَمِ ٍر وََفجّ ْرنَا اْلأَ ْرضَ ُعيُونا فَاْلَتقَى الْمَا ُء عَلَى َأمْرٍ قَدْ‬ ‫فَاْنتَصِرْ َف َفتَ ْ‬
‫جرِي بَِأ ْعيُِننَا َجزَاءً لِ َمنْ كَانَ ُكفِرَ)(‪[ )10‬سورة‬ ‫ح َو ُدسُ ٍر تَ ْ‬ ‫قُدِ َر َوحَمَ ْلنَا ُه عَلَى ذَاتِ أَْلوَا ٍ‬
‫القمر‪ ،‬اليات‪.]14-10 :‬‬
‫جْينَاهُ وَالّذِي َن َمعَهُ ِبرَحْ َم ٍة ِمنّا وَقَ َط ْعنَا دَابِ َر الّذِينَ كَ ّذبُوا بِآياتِنَا َومَا‬ ‫وكذلك قوم هود‪َ( ،‬فَأنْ َ‬
‫كَانُوا ُم ْؤمِنِيَ)(‪[ )11‬سورة العراف‪ ،‬الية‪.]72 :‬‬
‫صبَحُوا فِي دَا ِرهِمْ جَاثِ ِميَ)(‪[ )12‬سورة العراف‪،‬‬ ‫وقوم صال‪َ( ،‬فأَخَ َذْتهُمُ الرّ ْج َفةُ َفأَ ْ‬
‫الية‪.]78 :‬‬
‫ج ِرمِيَ)(‪[ )13‬سورة‬ ‫وقوم لوط‪َ ( ،‬وَأمْطَ ْرنَا عََلْيهِ ْم مَطَرا فَانْظُرْ َكيْفَ كَانَ عَاِقَب ُة الْمُ ْ‬
‫العراف‪ ،‬الية‪.]84 :‬‬
‫ب َي ْومٍ عَظِيمٍ)(‪[ )14‬سورة‬ ‫ب َي ْومِ الظّّلةِ ِإنّهُ كَانَ عَذَا َ‬ ‫وقوم شعيب‪َ( ،‬فكَ ّذبُوهُ َفأَخَ َذهُ ْم عَذَا ُ‬
‫الشعراء‪ ،‬الية‪ .]189 :‬إن أخذ الجرمي بالعذاب الليم نصر عظيم للداعية‪ ،‬وكبت‬
‫للمكذبي والرجفي‪ ،‬وال يهل ول يهمل أبدا‪:‬‬
‫ح ُة َو ِمنْهُ ْم مَنْ‬
‫صيْ َ‬‫(َفكُلّا أَخَ ْذنَا بِ َذْنبِهِ َف ِمْنهُ ْم مَنْ أَ ْرسَ ْلنَا عََليْهِ حَاصِبا َو ِمنْهُ ْم مَنْ أَ َخ َذتْهُ ال ّ‬
‫سهُ ْم يَظِْلمُونَ)(‬ ‫س ْفنَا بِهِ اْلأَ ْرضَ َومِْنهُ ْم مَنْ َأغْرَ ْقنَا َومَا كَانَ اللّهُ ِليَظِْل َمهُ ْم وََلكِنْ كَانُوا َأنْفُ َ‬ ‫خَ َ‬
‫‪[ )15‬سورة العنكبوت‪ ،‬الية‪.]40 :‬‬

‫‪281‬‬
‫‪ -3‬قد يكون النتصار بانتقام ال من أعدائهم‪ ،‬ومكذبيهم‪ ،‬بعد وفاة هؤلء النبياء‬
‫والرسل‪ ،‬كما حدث مع من قتل يي‪- ،‬عليه السلم‪ -‬وشعياء‪ ،‬ومن حاول قتل عيسى‪،‬‬
‫عليه السلم‪ ،‬قال المام الطبي ف تفسي الية‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة البقرة آية‪.251 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة النبياء آية‪.79 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة البقرة آية‪.102 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة ص آية‪.35 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة العراف آية‪.137 :‬‬
‫(‪ - )6‬سورة البقرة آية‪.50 :‬‬
‫(‪ - )7‬سورة الفتح آية‪.1 :‬‬
‫(‪ - )8‬سورة النصر آية‪.2-1 :‬‬
‫(‪ - )9‬سورة الصف آية‪.13 :‬‬
‫(‪ - )10‬سورة القمر آية‪.14-13-12-11-10 :‬‬
‫(‪ - )11‬سورة العراف آية‪.72 :‬‬
‫(‪ - )12‬سورة العراف آية‪.78 :‬‬
‫(‪ - )13‬سورة العراف آية‪.84 :‬‬
‫(‪ - )14‬سورة الشعراء آية‪.189 :‬‬
‫(‪ - )15‬سورة العنكبوت آية‪.40 :‬‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا)(‪[ )1‬سورة غافر‪ ،‬الية‪" ]51 :‬إما‬
‫(ِإنّا َلَنْنصُرُ ُرسَُلنَا وَالّذِينَ آ َمنُوا فِي الْ َ‬
‫بإعلئنا لم على من كذبنا‪ ..‬أو بانتقامنا ف الياة الدنيا من مكذبيهم بعد وفاة رسولنا من‬
‫بعد مهلكهم‪ ،‬كالذي فعلنا من نصرتنا شعياء بعد مهلكه‪ ،‬بتسليطنا على قتلته من سلطنا‬
‫حت انتصرنا بم من قتلته‪ ،‬وكفعلنا بقتلة يي من تسليطنا بتنصر عليهم حت انتصرنا به‬
‫من قتله له‪ ،‬وكانتصارنا لعيسى من مريدي قتله بالروم حت أهلكناهم بم (‪ " )2‬وهذا‬

‫‪282‬‬
‫يدخل تت قوله ‪-‬تعال‪( :-‬وََل ْو يَشَاءُ اللّ ُه لْنتَصَ َر ِمْنهُمْ)(‪[ )3‬سورة ممد‪ ،‬الية‪.]4 :‬‬
‫أي‪ :‬لنتقم‪.‬‬
‫‪ -4‬أن ما يتصوره الناس هزية قد يكون هو النصر القيقي‪ ،‬كالقتل‪ ،‬والسجن والطرد‬
‫والذى‪.‬‬
‫سبَ ّن الّذِينَ ُقِتلُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتا بَلْ‬
‫أليس قتل الداعية شهادة ف سبيل ال‪( .‬وَل َتحْ َ‬
‫جّنةَ قَا َل يَا‬‫أَ ْحيَا ٌء عِنْدَ َرّبهِمْ ُيرْزَقُونَ)(‪[ )4‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪( .]169 :‬قِيلَ ادْخُ ِل الْ َ‬
‫َليْتَ َق ْومِي َيعْلَمُو َن بِمَا َغفَرَ لِي َربّي وَ َجعََلنِي مِ َن الْ ُمكْ َرمِيَ)(‪[ )5‬سورة يس‪ ،‬اليتان‪:‬‬
‫‪.]27 ،26‬‬
‫سَنيَيْنِ)(‪[ )6‬سورة التوبة‪ ،‬الية‪ .]52 :‬فقتل الداعية‬ ‫(قُ ْل هَ ْل تَ َرّبصُو َن ِبنَا إِلّا إِ ْحدَى الْحُ ْ‬
‫انتصار للداعية من عدة جوانب‪ ،‬أهها‪:‬‬
‫سبَ ّن الّذِينَ ُقتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتا‬
‫(أ) الشهادة‪ ،‬وهي من أعظم أنواع النتصار‪( ،‬وَل تَحْ َ‬
‫ي بِمَا آتَاهُمُ اللّ ُه مِنْ َفضْلِهِ)(‪[ )7‬سورة آل عمران‪،‬‬ ‫بَلْ أَ ْحيَا ٌء عِنْدَ َرّبهِمْ ُيرْزَقُونَ َفرِ ِح َ‬
‫اليتان‪.]170 ،169 :‬‬
‫(ب) انتصار النهج وظهوره‪ ،‬كما حدث لعبد ال الغلم عندما قتله اللك‪ ،‬فقال قوم‪:‬‬
‫"آمنا بال رب الغلم" (‪.)8‬‬
‫وند ف العصر الاضر سيد قطب ‪-‬رحه ال‪ -‬كان قتله انتصارا لنهجه الذي عاش من‬
‫أجله‪ ،‬ومات ف سبيله‪ ،‬حت قال أحد الشيوعيي وهو ف سجنه‪ :‬إنن أتن أن أقتل كما‬
‫قتل سيد وينتشر مبدئي وكتب كما انتشرت كتب سيد قطب‪.‬‬
‫بل إننا وجدنا مطابع النصارى ف لبنان تسارع إل طباعة ونشر كتب سيد ‪-‬يرحه ال‪-‬‬
‫كالظلل‪ ،‬والعال‪ ،‬وخصائص التصور السلمي‪ ،‬لا تدره من أرباح هائلة‪ ،‬نظرا لكثرة‬
‫القراء والستفيدين‪.‬‬
‫وهذا ما قصده سيد عندما قال‪ :‬إن كلماتنا وأقوالنا تظل جثثا هامدة حت إذا متنا ف‬
‫سبيلها وغذيناها بالدماء عاشت وانتفضت بي الحياء‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫(ج) الذكر الطيب بعد وفاته‪ ،‬قال إبراهيم‪ ،‬عليه السلم‪( ،‬وَا ْجعَلْ لِي لِسَانَ صِ ْدقٍ فِي‬
‫الْآخِرِينَ)(‪[ )9‬سورة الشعراء‪ ،‬الية‪ .] 84 :‬والقتول ف سبيل ال له ذكر طيب عند‬
‫الؤمني‪ ،‬وهذا أمر مشاهد ومسوس‪.‬‬
‫وكذلك الطرد والخراج‪ ،‬قد يكون انتصارا للداعية‪ ،‬حي يتصور كثي من الناس أن هذا‬
‫هزية له‪ ،‬ولذا فإن ال ‪-‬جل وعل‪ -‬قال عن رسوله‪ ،‬صلى ال عليه وسلم حي أخرجته‬
‫قريش من مكة‪( .‬إِ ّل َتنْصُرُوهُ َفقَ ْد َنصَ َرهُ اللّهُ إِذْ أَ ْخرَجَ ُه الّذِينَ َكفَرُوا ثَاِنيَ اْثَنيْنِ ِإ ْذ هُمَا فِي‬
‫الْغَارِ)(‪[ )10‬سورة التوبة‪ ،‬الية‪.]40 :‬‬
‫ول شك أن خروجه من مكة كان انتصارا من عدة أوجه‪ ،‬أهها‪:‬‬
‫(‪ )1‬أن ال ناه من الشركي‪ ،‬وحاه منهم‪ ،‬وأعماهم عنه‪ ،‬حيث أرادوا قتله‪.‬‬
‫(ب) أن الدعوة انتقلت إل بيئة أخرى تميها وتؤازرها بدل أن كان رسول ال‪ ،‬صلى ال‬
‫عليه وسلم ماربا مطاردا‪ ،‬وأصحابه يعذبون ويقتلون‪ ،‬ول يتمكنون من إظهار عبادتم ل‬
‫كما حدث لم ف الدينة‪.‬‬
‫(ج) قيام دولة السلم ف الدينة‪ ،‬وانطلقة الهاد بعد ذلك‪ ،‬ث بدء دخول الناس ف دين‬
‫ال أفواجا‪.‬‬
‫وكذلك ند أن هجرة الصحابة للحبشة كانت انتصارا لم‪ ،‬وكبتا لعدائهم‪ ،‬ولذلك‬
‫لحقتهم قريش إل هنالك‪ ،‬ولكنهم عادوا خائبي حيث حاهم النجاشي‪ ،‬بل أسلم ودخل‬
‫ف دين ال !!‬
‫وقل مثل ذلك عن السجن والتعذيب والذى‪ ،‬فإن انطلقة الداعية قد تكون بداية من‬
‫سجنه أو إيذائه‪.‬‬
‫فهذا داعية اتم ف عرضه من قبل أعدائه‪ ،‬وتصور كثي من الناس أن هذا الداعية قد‬
‫انتهى‪ ،‬ولن يكون له شأن بعد اليوم‪ ،‬ولكن كانت هذه التهمة انطلقة كبى لذا الداعية‪،‬‬
‫من عدة أوجه‪:‬‬
‫(‪ )1‬انتصر على نفسه حيث عرف أن رهبة السجن أكب من حقيقته‪ ،‬حيث أدخل السجن‬
‫مرتي‪ ،‬فأصبحت لديه مناعة من الوف أو الرهبة من غي ال‪.‬‬
‫(ب) تكشف له الباطل‪ ،‬وعرف زيف بعض من كان يتلبس بالق تويها وخداعا‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫(جـ) عرف صديقه من عدوه‪ ،‬وكما قال الشاعر‪:‬‬
‫جزى ال الشدائد عن كل خي ‪ ...‬عرفت با صديقي من عدوي‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة غافر آية‪.51 :‬‬
‫(‪ - )2‬تفسي الطبي ‪.24/74‬‬
‫(‪ - )3‬سورة ممد آية‪.4 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة آل عمران آية‪.169 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة يس آية‪.27-26 :‬‬
‫(‪ - )6‬سورة التوبة آية‪.52 :‬‬
‫(‪ - )7‬سورة آل عمران آية‪.170-169 :‬‬
‫(‪ - )8‬قطعة من قصة أصحاب الخدود أخرجها مسلم (‪ )3005‬من حديث صهيب‪.‬‬
‫(‪ - )9‬سورة الشعراء آية‪.84 :‬‬
‫(‪ - )10‬سورة التوبة آية‪.40 :‬‬
‫(د) زاد عدد طلبه ومبيه‪ ،‬وكثر الستمعون للحق الذي يدعو إليه‪ ،‬فأصبحوا عشرات‬
‫اللف بل ويزيدون‪.‬‬
‫(هـ) كبت ال أعداءه وخصومه‪ ،‬وترعوا كأس الزية وهم ينظرون‪.‬‬
‫أليس هذا هو النتصار ف الياة الدنيا قبل الخرة؟! (وََلكِ ّن الْ ُمنَاِفقِيَ ل َيعَْلمُونَ)(‪)1‬‬
‫[سورة النافقون‪ ،‬الية‪ .]8 :‬وقبل أن نغادر هذا النوع من أنواع النتصار‪ ،‬ل بد من‬
‫الوقوف أمام حقيقة تفى على الكثيين‪ ،‬وهي نوع من أنواع انتصار الداعية‪ ،‬ذلك أن‬
‫الداعية عندما يقتل أو يسجن أو يؤذى أو يطرد فإن خصمه قد ذاق ألوان الذى العنوي‬
‫والعذاب النفسي قبل أن يقدم على ما أقدم عليه‪ ،‬بل وأحيانا بعد أن يفعل فعلته‪ ،‬فإنه ل‬
‫يد للراحة مكانا‪ ،‬ول للسعادة طعما‪ ،‬ولذا فإن الجاج بن يوسف عند ما قتل سعيد بن‬
‫جبي‪ ،‬ذاق ألوان العذاب النفسي حت كان ل يهنأ بنوم‪ ،‬ويقوم من فراشه فزعا ويقول‪ :‬ما‬
‫ل ولسعيد‪ ،‬حت مات وهو ف هه وغمه‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫ولذا جاء القرآن معبا عن هذه القيقة‪ ،‬كما ف سورة آل عمران‪ ،‬فقال ‪-‬سبحانه‪:-‬‬
‫ت الصّدُورِ‬ ‫( َوإِذَا خََلوْا عَضّوا عََلْيكُ ُم اْلأَنَامِ َل مِ َن اْل َغيْظِ قُلْ مُوتُوا ِب َغيْ ِظكُمْ إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم بِذَا ِ‬
‫صبِرُوا َوَتّتقُوا ل َيضُرّكُمْ‬ ‫س ْؤهُمْ َوإِ ْن ُتصِْبكُ ْم َسيَّئ ٌة َيفْرَحُوا ِبهَا َوِإنْ َت ْ‬ ‫سَن ٌة تَ ُ‬
‫سكُمْ حَ َ‬ ‫إِ ْن تَمْسَ ْ‬
‫َكيْ ُدهُمْ شَيْئا إِنّ اللّ َه بِمَا َيعْمَلُو َن مُحِيطٌ)(‪[ )2‬سورة آل عمران‪ ،‬اليتان‪.]120 ،119 :‬‬
‫وقال ‪-‬سبحانه‪( :-‬وَ َردّ اللّ ُه الّذِينَ َكفَرُوا ِب َغيْ ِظهِمْ لَ ْم َينَالُوا َخيْرا)(‪[ )3‬سورة الحزاب‪،‬‬
‫الية‪.]25 :‬‬
‫بينما ند الداعية يعيش ف سعادة وهناء‪ ،‬قال المام الطبي ف قوله ‪-‬تعال‪( :-‬وََلقَدْ‬
‫َسبَ َقتْ كَلِ َمُتنَا ِلعِبَا ِدنَا الْ ُم ْرسَلِيَ ِإّنهُمْ َلهُ ُم الْ َمْنصُورُو َن َوإِنّ ُجنْ َدنَا َلهُ ُم اْلغَاِلبُونَ)(‪)4‬‬
‫[سورة الصافات‪ ،‬اليات‪ ]173 - 171 :‬قال‪ :‬كان بعض أهل العربية يتأول ذلك‪،‬‬
‫ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا الرسلي بالسعادة (‪ )5‬وهذا ‪-‬أيضا‪ -‬معن حديث رسول ال‪،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم " عجبا لمر الؤمن أن أمره كله خي ‪-‬وليس ذلك لحد إل‬
‫للمؤمن‪ -‬إن أصابته سراء شكر فكان خيا له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صب فكان خيا له " (‬
‫‪.)6‬‬
‫ولذلك قال شيخ السلم معبا عن هذه القيقة‪ :‬ماذا ينقم من أعدائي؟ أنا جنت وبستان‬
‫ف صدري‪ ،‬قتلي شهادة‪ ،‬ونفي سياحة‪ ،‬وسجن خلوة‪.‬‬
‫وهو ما عناه أحد الزهاد عندما قال‪ :‬لو يعلم اللوك وأبناء اللوك ما نن فيه من اللذة‬
‫والنعيم لالدونا عليه بالسيوف‪.‬‬
‫وهنا ندرك من النتصر ومن النهزم‪ ،‬وأن النتصار والزية أبعد معن ما يراه الناس ف‬
‫الظاهر‪ ،‬بل هناك حقائق قد ل تدرك بالعيون‪ ،‬وصدق من قال‪:‬‬
‫اصب على مضض السو‬
‫فالنار تأكل نفسها ‪ ...‬د فإن صبك قاتله‬
‫إن ل تد ما تأكله‬
‫‪ -5‬أن ثبات الداعية على مبدئه‪ ،‬هو انتصار باهر‪ ،‬وفوز ساحق‪ ،‬حيث يعلو على‬
‫الشهوات والشبهات‪ ،‬ويتاز العقبات بشجاعة وثبات‪ ،‬بل إنه ل يكن أن يتحقق النتصار‬
‫الظاهر إل بعد تقق هذا النتصار‪ ،‬فإبراهيم‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬وهو يلقى ف النار كان ف قمة‬

‫‪286‬‬
‫جعَ ْلنَاهُ ُم الَْأ ْسفَلِيَ)(‪)7‬‬
‫انتصار‪( ،‬قَالُوا اْبنُوا لَ ُه بُْنيَانا َفأَْلقُوهُ فِي الْجَحِيمِ َفأَرَادُوا بِهِ َكيْدا َف َ‬
‫[سورة الصافات‪ ،‬اليتان‪.]98 ،97 :‬‬
‫والمام أحد ‪-‬رحه ال‪ -‬عندما ثبت على مبدئه ف منة القول بلق القرآن‪ ،‬ورفض‬
‫الستجابة لميع الضغوط وماولت التراجع كان ف قمة انتصاره‪.‬‬
‫وأصحاب الخدود وهم يلقون ف النار‪ ،‬ول يقبلون الساومة على دينهم‪ ،‬ويفضلون‬
‫الوت ف سبيل ال كانوا هم النتصرين‪َ ( ،‬ومَا َنقَمُوا ِمنْهُمْ إِلّا َأنْ ُيؤْ ِمنُوا بِاللّ ِه اْلعَزِيزِ‬
‫الْحَمِيدِ)(‪[ )8‬سورة البوج‪ ،‬الية‪.]8:‬‬
‫وند هذا العن من معان النتصار ف الديث الذي رواه خباب عندما جاء إل رسول‬
‫ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم وقال له‪ :‬أل تستنصر لنا‪ ،‬أل تدعو لنا؟ قال‪ " :‬كان الرجل فيمن‬
‫قبلكم يفر له ف الرض فيجعل فيه فيجاء بالنشار فيوضع على رأسه فيشق بأثنتي وما‬
‫يصده ذلك عن دينه‪ ،‬ويشط بأمشاط الديد ما دون لمه من عظم أو عصب وما يصده‬
‫ذلك عن دينه " (‪ )9‬الديث‪.‬‬
‫فبي‪ ،‬صلى ال عليه وسلم أن النتصار هو الثبات على الدين‪ ،‬وعدم التراجع مهما كانت‬
‫العقبات والعوقات‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة النافقون آية‪.8 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة آل عمران آية‪.120-119 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الحزاب آية‪.25 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الصافات آية‪.173-172-171 :‬‬
‫(‪ - )5‬تفسي الطبي ‪.23/114‬‬
‫(‪ - )6‬أخرجه مسلم (‪.)3999‬‬
‫(‪ - )7‬سورة الصافات آية‪.98-97 :‬‬
‫(‪ - )8‬سورة البوج آية‪.8 :‬‬
‫(‪ - )9‬أخرجه البخاري (‪.)3612‬‬

‫‪287‬‬
‫‪- 6‬أن النصر قد يكون بقوة الجة‪ ،‬وصحة البهان‪ ،‬قال المام الطبي ف قوله تعال‪) :‬‬
‫وََلقَ ْد َسبَ َقتْ َكلِ َمُتنَا ِلعِبَا ِدنَا الْ ُم ْرسَلِيَ ِإّنهُمْ َلهُ ُم الْ َمْنصُورُونَ)(‪[ )1‬سورة الصافات‪،‬‬
‫اليتان‪ .]172 ،171 :‬يقول ‪-‬تعال ذكره‪ -‬ولقد سبق منا القول لرسلنا أنم لم‬
‫النصورون‪ ،‬أي مضى بذا منا القضاء والكم ف أم الكتاب‪ ،‬وهو أنم لم النصرة والغلبة‬
‫بالجج‪.‬‬
‫قال السدي‪ِ( :‬إّنهُمْ َلهُ ُم الْ َمْنصُورُونَ)(‪ )2‬بالجج‪)3( .‬‬
‫ج َع ْلنَاهُ ُم اْلَأسْفَِليَ)(‪ )4‬أي فجعلنا قوم‬ ‫وقال الطبي ف قوله ‪-‬تعال‪َ( :-‬فأَرَادُوا بِهِ َكيْدا فَ َ‬
‫إبراهيم الذلي حجة‪ ،‬وغلبنا إبراهيم عليهم بالجة‪.)5( .‬‬
‫جُتنَا آَتيْنَاهَا إِبْرَاهِي َم عَلَى َق ْومِ ِه نَرَْفعُ‬
‫وكذلك ند هذا العن ف قوله ‪ -‬تعال‪َ ( :‬وتِلْكَ حُ ّ‬
‫ت مَ ْن نَشَاءُ)(‪[ )6‬سورة النعام‪ ،‬الية‪ .]83 :‬والرفع هو النتصار‪.‬‬ ‫دَ َرجَا ٍ‬
‫وكذلك ف سورة البقرة بعد أن ذكر ال ماجة الذي كفر لبراهيم ف ربه‪ ،‬قال ال‬
‫ت الّذِي َكفَرَ)(‪[ )7‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪ .]258 :‬والبهت هو الزية‪ ،‬أي‬ ‫‪-‬تعال‪َ( -‬فُب ِه َ‬
‫انزم الكافر وانتصر إبراهيم بالجة والبهان‪.‬‬
‫إذن فانتصار الداعية بقوة حجته هو انتصار حقيقي‪ ،‬بل هو وسيلة من أهم وسائل انتصار‬
‫الدين وظهوره‪.‬‬
‫‪ -7‬أن انتصار الداعية‪ ،‬غي مصور ف زمان أو مكان‪ ،‬فزمانه الياة الدنيا ث الخرة‪،‬‬
‫ومكانه أرض ال الواسعة‪.‬‬
‫ولذا فقد يضطهد الداعية ف مكان وينتصر ف مكان آخر‪ ،‬كما حدث لنبينا ممد‪ ،‬صلى‬
‫ال عليه وسلم فقد اضطهد ف مكة‪ ،‬ث انتصر ف الدينة أول ث ف مكة ثانيا‪.‬‬
‫وموسى‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬اضطهد ف أرض فرعون وانتصر بعد ذلك ف مكان آخر‪ ،‬وقد‬
‫يضطهد الداعية ف زمان‪ ،‬ث ينتصر ف زمان آخر‪ .‬كما حدث لشيخ السلم ابن تيمية‪،‬‬
‫فمات ف سجنه ‪-‬رحه ال‪ -‬ولكن انتصرت دعوته أعظم النتصار بعد عدة قرون من‬
‫وفاته ول تزال‪.‬‬
‫وهذا أمر معلوم ومشاهد‪ ،‬فكم من داعية هزم ف مكان وانتصر ف مكان آخر‪ ،‬وأوذي ف‬
‫زمان وانتصر ف زمان آخر‪ ،‬سواء ف حياته أو بعد وفاته‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫‪ -8‬أخيا‪ ،‬فإن النصر قد يكون بالنع‪ ،‬أي بماية الداعية ومنع أعدائه من الوصول إليه‪،‬‬
‫قال ‪-‬سبحانه‪( :-‬وَل هُ ْم ُيْنصَرُونَ)(‪[ )8‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪ .]48 :‬أي ينعون (‪)9‬‬
‫سَتهْزِئيَ)(‬ ‫شرِكِيَ ِإنّا َكفَْينَاكَ الْمُ ْ‬
‫ع بِمَا ُت ْؤمَ ُر َوَأعْ ِرضْ عَ ِن الْمُ ْ‬ ‫وقال‪ -‬جل وعل‪( :-‬فَاصْ َد ْ‬
‫‪[ )10‬سورة الجر‪ ،‬الية‪.]95 ،94 :‬‬
‫قال المام الطبي ف معن هذه الية‪ :‬فاصدع بأمر ال‪ ،‬ول تف شيئا سوى ال‪ ،‬فإن ال‬
‫كافيك من ناصبك وآذاك‪ ،‬كما كفاك الستهزئي‪.)11( .‬‬
‫ك مِ َن النّاسِ)(‪[ )12‬سورة الائدة‪ ،‬الية‪.]67 :‬‬ ‫وقال ‪-‬سبحانه‪( :-‬وَاللّ ُه َي ْعصِمُ َ‬
‫هذه بعض أوجه النصر‪ ،‬بل أهم أنواع النصر‪ ،‬ولو تأملنا ف هذه الوجه ث نظرنا إل سية‬
‫النبياء والرسل‪ ،‬عليهم وعلى نبينا أفضل الصلة والسلم‪ ،‬لوجدنا أن كل واحد منهم قد‬
‫تقق له نوع من هذه النواع أو أكثر من نوع‪ ،‬كما حدث لنبينا ممد‪ ،‬صلى ال عليه‬
‫وسلم فقد انتصر بظهور الدين وتامه‪ ،‬وانتصر بإهلك من كذبه ف بدر وما بعدها‪،‬‬
‫وانتصر‪ ،‬وهو يرج من مكة‪ ،‬وانتصر بالجة والبهان‪ ،‬وانتصر بالنع من العداء‪ ،‬وانتصر‬
‫ف مكان غي بلده‪ ،‬وانتصر بالثبات على دين ال والصدع بكلمة الق‪( ،‬وََلوْل أَ ْن َثّبتْنَاكَ‬
‫ت تَرْكَنُ إَِلْيهِ ْم َشيْئا َقلِيلً)(‪[ )13‬سورة السراء‪ ،‬الية‪.]74 :‬‬ ‫َلقَدْ كِدْ َ‬
‫ويتفاوت النبياء والرسل‪ ،‬عليهم السلم‪ ،‬ف النتصارات الت حققوها‪ ،‬ولكن وعد ال قد‬
‫تقق لم (وََلقَ ْد َسبَ َقتْ كَلِ َمُتنَا ِل ِعبَا ِدنَا الْ ُم ْرسَلِيَ ِإّنهُمْ َلهُ ُم الْ َمْنصُورُو َن َوِإنّ ُجنْ َدنَا َلهُمُ‬
‫الْغَاِلبُونَ)(‪[ )14‬سورة الصافات‪ ،‬اليات‪.]173 ،172 ،171:‬‬
‫وكذلك كل مؤمن صادق فسيتحقق له النتصار‪ ،‬سواء ف حياته أم بعد ماته تقيقا لوعد‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َوَي ْومَ َيقُومُ اْلَأ ْشهَادُ)(‪[ )15‬سورة‬ ‫ال‪ِ( :‬إنّا َلَنْنصُرُ ُرسَُلنَا وَالّذِينَ آ َمنُوا فِي الْ َ‬
‫غافر‪ ،‬الية‪.]51 :‬‬
‫ومن خلل ما سبق يتضح لنا الفهوم الشامل للنتصار‪ ،‬وأنه ل يوز لنا أن ندد نوع‬
‫النتصار الذي نريده‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الصافات آية‪.172-171 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الصافات آية‪.172 :‬‬

‫‪289‬‬
‫(‪ - )3‬تفسي الطبي ‪.23/114‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الصافات آية‪.98 :‬‬
‫(‪ - )5‬تفسي الطبي ‪.23/75‬‬
‫(‪ - )6‬سورة النعام آية‪.83 :‬‬
‫(‪ - )7‬سورة البقرة آية‪.258 :‬‬
‫(‪ - )8‬سورة البقرة آية‪.48 :‬‬
‫(‪ - )9‬انظر تفسي الطبي ‪ 1/269‬وهو قول لبن عباس‪.‬‬
‫(‪ - )10‬سورة الجر آية‪.95-94 :‬‬
‫(‪ - )11‬تفسي الطبي ‪.14/69‬‬
‫(‪ - )12‬سورة الائدة آية‪.67 :‬‬
‫(‪ - )13‬سورة السراء آية‪.74 :‬‬
‫(‪ - )14‬سورة الصافات آية‪.173-172-171 :‬‬
‫(‪ - )15‬سورة غافر آية‪.51 :‬‬
‫فالمر ل من قبل ومن بعد‪ ،‬ولسنا سوى عبيد له‪ ،‬سبحانه‪ ،‬نسعى لتحقيق عبوديته‪ ،‬ومن‬
‫كمال العبودية أن نعلم ونوقن يقينا جازما ل شك فيه أن وعد ال متحقق ل مالة‪ ،‬ولكننا‬
‫قد ل ندرك حقيقة هذا المر لكمة يعلمها ال‪ ،‬وقد يتأخر النصر ابتلء وامتحانا‪،‬‬
‫وصدق ال العظيم‪( :‬وَكَانَ َحقّا عََلْينَا نَصْ ُر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ)(‪[ )1‬سورة الروم‪ ،‬الية‪.]47 :‬‬
‫ما مهمتنا ؟‬
‫من أجل أن نفقه حقيقة النتصار ل بد من أن نعرف الهمة الت كلفنا ال با فبمقدار‬
‫القيام بذه الهمة يتحقق النتصار‪.‬‬
‫هل مهمتنا أن نقوم بداية الناس؟ أو مهمتنا أن نسعى وند ف دعوة الناس للهداية‬
‫واليان؟‪.‬‬
‫هل مهمتنا أن نب الناس على اليان؟ أو مهمتنا أن نبي لم الطريق إل اليان؟ إن مهمة‬
‫النبياء والرسل والدعاة تتلخص ف كلمة واحدة‪ ،‬إنا‪ :‬البلغ‪.‬‬
‫بل إن مسئوليتهم مصورة ف هذا الانب وحده‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫واليات ف هذا كثية‪ ،‬جاءت مقررة لذه القيقة‪ ،‬الت تغيب عن أذهان كثي من الدعاة‬
‫والصلحي‪.‬‬
‫غ الْ ُمبِيُ)(‬ ‫ونقف قليل مع بعض هذه اليات‪ :‬قال ‪-‬سبحانه‪َ( :-‬فهَ ْل عَلَى ال ّرسُلِ إِلّا اْلبَل ُ‬
‫‪[ )2‬سورة النحل‪ ،‬الية‪ .]35 :‬وقال‪َ ( :‬ومَا عَلَى ال ّرسُولِ إِلّا اْلبَلغُ الْ ُمبِيُ)(‪[ )3‬سورة‬
‫النور‪ ،‬الية‪ .]54 :‬وقال ف سورة الشورى‪( :‬فَِإنْ َأعْرَضُوا فَمَا أَ ْرسَ ْلنَاكَ عََلْيهِمْ َحفِيظا ِإنْ‬
‫عََليْكَ إِلّا اْلبَلغُ)(‪[ )4‬سورة الشورى الية‪ .]48 :‬وف سورة أخرى‪( :‬فَِإ ْن َتوَلّْيتُمْ فَِإنّمَا‬
‫غ الْ ُمبِيُ)(‪[ )5‬سورة التغابن‪ ،‬الية‪ ]12 :‬وف الائدة‪( :‬فَِإ ْن َتوَّليْتُمْ‬ ‫عَلَى َرسُولِنَا اْلبَل ُ‬
‫فَاعْلَمُوا َأنّمَا عَلَى َرسُوِلنَا الْبَلغُ الْ ُمبِيُ)(‪[ )6‬سورة الائدة‪ ،‬الية‪.]92 :‬‬
‫ك اْلبَلغُ)(‪[ )7‬سورة آل‬ ‫قال المام الطبي ف قوله ‪-‬تعال‪َ ( :-‬وِإنْ َتوَّلوْا فَِإنّمَا عََليْ َ‬
‫عمران‪ ،‬الية‪ .]20 :‬إن أدبروا معرضي عما تدعوهم إليه من السلم‪ ،‬وإخلص التوحيد‬
‫ل رب العالي‪ ،‬فإنا أنت رسول مبلغ‪ ،‬وليس عليك غي إبلغ الرسالة إل من أرسلتك‬
‫إليه من خلقي‪ ،‬وأداء ما كلفتك من طاعت (‪.)8‬‬
‫وقال ابن عاشور ف الية نفسها‪ :‬وإن تولوا وأعرضوا عن قولك لم‪ :‬آسلمتم‪ ،‬فليس‬
‫ك اْلبَلغُ)(‪ )9‬وقع موقع‬ ‫عليك من إعراضهم تبعة‪ ،‬فإنا عليك البلغ‪ ،‬فقوله‪( :‬فَِإنّمَا عََليْ َ‬
‫جواب الشرط‪ ،‬وهو ف العن علة الواب‪ ،‬فوقوعه موقع الواب إياز بديع‪ ،‬أي ل تزن‪،‬‬
‫ول تظنن أن عدم اهتدائهم‪ ،‬وخيبتك ف تصيل إسلمهم‪ ،‬كان لتقصي منك‪ ،‬إذ ل تبعث‬
‫إل للتبليغ‪ ،‬ل لتحصيل اهتداء البلغ إليهم (‪.)10‬‬
‫ومن أجل تأكيد هذه القيقة‪ ،‬وهي أن مهمة النبياء والرسل هي البلغ‪ ،‬جاءت آيات‬
‫أخرى تبي أن هداية الناس ليست ل للنبياء ول للرسل ول لغيهم‪ ،‬قال ‪-‬سبحانه‪:-‬‬
‫(وََلوْ شَاءَ َربّكَ لَآمَ َن مَنْ فِي اْلأَ ْرضِ كُّل ُهمْ جَمِيعا أََفأَْنتَ تُكْ ِر ُه النّاسَ َحتّى َيكُونُوا‬
‫ُم ْؤمِنِيَ)(‪[ )11‬سورة يونس‪ ،‬الية‪ .]99 :‬وقال ‪-‬جل وعل ‪ِ( :-‬إنّكَ ل َتهْدِي مَنْ‬
‫ت وََلكِنّ اللّ َه َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ)(‪[ )12‬سورة القصص‪ ،‬الية‪ .]56 :‬وقال‪( :‬فََلعَلّكَ‬ ‫أَ ْحَببْ َ‬
‫ك عَلَى آثَا ِرهِمْ ِإنْ لَ ْم ُي ْؤمِنُوا ِبهَذَا الْحَدِيثِ َأسَفا)(‪[ )13‬سورة الكهف‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫بَاخِ ٌع َنفْسَ َ‬
‫ك بَا ِخ ٌع َنفْسَكَ أَلّا َيكُونُوا ُم ْؤ ِمنِيَ)(‪[ )14‬سورة الشعراء‪ ،‬الية‪.]3 :‬‬ ‫‪ .]6‬ومثلها‪َ() :‬لعَلّ َ‬
‫سرَاتٍ)(‪[ )15‬سورة فاطر‪ ،‬الية‪.]8 :‬‬ ‫ك عََلْيهِمْ حَ َ‬ ‫وف سورة أخرى‪( :‬فَل تَ ْذ َهبْ َنفْسُ َ‬

‫‪291‬‬
‫ح ّق مِنْ َرّبكُمْ فَمَنْ‬ ‫وتتحدد مهمتنا بقول الق ‪-‬وهو البلغ‪ -‬كما ف هذه الية‪( :‬وَقُ ِل الْ َ‬
‫شَاءَ فَ ْلُي ْؤمِ ْن َومَنْ شَاءَ َف ْلَيكْفُرْ)(‪[ )16‬سورة الكهف‪ ،‬الية‪.]29 :‬‬
‫ضهُمْ فَِإنِ ا ْستَ َطعْتَ َأنْ َتْبَتغِيَ‬
‫ونتم هذه اليات باتي اليتي‪َ ( :‬وِإنْ كَانَ َكبُ َر عََليْكَ ِإعْرَا ُ‬
‫َنفَقا فِي الْأَ ْرضِ َأوْ ُسلّما فِي السّمَاءِ َفتَ ْأِتَيهُمْ بِآَي ٍة وََلوْ شَاءَ اللّهُ َلجَ َم َعهُ ْم عَلَى اْلهُدَى فَل‬
‫تَكُونَ ّن مِ َن الْجَاهِلِيَ)(‪[ )17‬سورة النعام‪ ،‬الية‪.]35 :‬‬
‫أما آية الذاريات فجاءت مؤكدة العن بأسلوب آخر‪َ( :‬فَتوَ ّل َعْنهُمْ فَمَا َأْنتَ بِ َملُومٍ َوذَكّرْ‬
‫فَِإنّ الذّ ْكرَى َتنْفَ ُع الْ ُم ْؤ ِمنِيَ)(‪[ )18‬سورة الذاريات‪ ،‬اليتان‪.]55 ،54 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الروم آية‪.47 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة النحل آية‪.35 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة النور آية‪.54 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الشورى آية‪.48 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة التغابن آية‪.12 :‬‬
‫(‪ - )6‬سورة الائدة آية‪.92 :‬‬
‫(‪ - )7‬سورة آل عمران آية‪.20 :‬‬
‫(‪ - )8‬انظر تفسي الطبي ‪.3/215‬‬
‫(‪ - )9‬سورة آل عمران آية‪.20 :‬‬
‫(‪ - )10‬التحرير والتنوير ‪.3/205‬‬
‫(‪ - )11‬سورة يونس آية‪.99 :‬‬
‫(‪ - )12‬سورة القصص آية‪.56 :‬‬
‫(‪ - )13‬سورة الكهف آية‪.6 :‬‬
‫(‪ - )14‬سورة الشعراء آية‪.3 :‬‬
‫(‪ - )15‬سورة فاطر آية‪.8 :‬‬
‫(‪ - )16‬سورة الكهف آية‪.29 :‬‬
‫(‪ - )17‬سورة النعام آية‪.35 :‬‬

‫‪292‬‬
‫(‪ - )18‬سورة الذاريات آية‪.55-54 :‬‬
‫هذه بعض اليات الت وردت ف كتاب ال مددة مهمة النبياء والرسل والدعاة‪ ،‬ونافية‬
‫أي مهمة أخرى قد يتصور الدعاة أنا من مسئوليتهم‪ ،‬وهي ليست كذلك‪.‬‬
‫إن مهمتنا هي البلغ‪ ،‬وليس الكراه‪ ،‬والسعي لداية الناس‪ ،‬وليس تقيق هدايتهم‪ ،‬واتاذ‬
‫الطوات والسبل الشروعة لتغيي الواقع السيئ‪ ،‬ل تغيي الواقع‪.‬‬
‫إننا عندما ندرك هذه القائق‪ ،‬ونتعامل معها‪ ،‬نفهم حقيقة النصر الذي نسعى للفوز به‪،‬‬
‫ونعلم من النتصر ومن الهزوم‪ ،‬وعندما تغيب هذه السس والصول والنطلقات قد ييد‬
‫الداعية عن الطريق‪ ،‬ويشى أن يكون من قال ال فيه‪ُ) :‬ق ْل هَ ْل نَُنّبئُكُ ْم بِاْلأَخْسَرِينَ َأعْمَالً‬
‫صنْعا) (‪ [ )1‬سورة‬ ‫سنُونَ ُ‬ ‫سبُونَ َأّنهُمْ يُحْ ِ‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا َوهُ ْم يَحْ َ‬
‫الّذِينَ ضَ ّل َس ْعيُهُمْ فِي الْ َ‬
‫الكهف‪ ،‬اليتان‪ ]104 ،103 :‬وإن كانت هاتان اليتان ف الكفار‪ ،‬فإن معناها قد‬
‫يشمل ف بعض مدلوله أولئك‪.‬‬
‫أمثلة من القرآن‬
‫ص سي‬ ‫تأصيل لذا الفهوم‪ ،‬ومزيد بيان لذه القضية‪ ،‬سأختار أمثلة من كتاب ال‪ ،‬تق ّ‬
‫النبياء والرسلي وبعض الدعاة من المم السابقة‪ ،‬حيث يتضح من خلل هذه القصص‪،‬‬
‫النهج الذي سلكه أولئك‪ ،‬والنتائج الت حققوها‪ ،‬ليكون عبة ونباسًا لنا ومن يأت بعدنا‪.‬‬
‫وسأعرض كل قصة بالقدر الذي أرى أنه يقق الغرض من إيرادها‪ ،‬مقتصرًا على أبرز هذه‬
‫القصص‪ ،‬وأقربا صلة بوضوعنا‪.‬‬
‫‪ -1‬قصة نوح‬
‫ذكر ال ‪-‬سبحانه وتعال‪ -‬نوحا‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬ف تسع وعشرين سورة من سور القرآن‪،‬‬
‫وقد جاء ف بعضها ف أكثر من موضع‪ ،‬ومنها سورة نزلت بكاملها ف نوح وقومه‪ ،‬وهي‬
‫سورة نوح‪.‬‬
‫إن قصة نوح مع قومه قصة عظيمة مليئة‪ ،‬بالدروس والعب‪ ،‬وما يكسبها أهية خاصة ما‬
‫تيزت به‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫(أ) أن نوح‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬أول رسول إل البشر‪ ،‬وكل أول له خصوصيته وميزته‪.‬‬
‫(ب) طول الدة الت قضاها ف قومه‪ ،‬حيث مكث (‪ )950‬سنة‪.‬‬

‫‪293‬‬
‫(جـ) أن نوحا‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬من أول العزم من الرسل‪.‬‬
‫(د) كثرة وروده ف القرآن‪ ،‬حيث ورد (‪ )43‬مرة‪ .‬ف (‪ )29‬سورة من سور القرآن‪ ،‬أي‬
‫ف ربع سور القرآن ‪ -‬تقريبا (‪.)2‬‬
‫وسأذكر بعض اليات الت وردت تقص علينا سية نوح مع قومه‪ ،‬ث أقف بعض الوقفات‬
‫حولا‪:‬‬
‫قال ‪-‬سبحانه وتعال‪ -‬ف سورة العراف‪َ( :‬لقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا نُوحا إِلَى َق ْومِهِ َفقَا َل يَا َق ْومِ ا ْعبُدُوا‬
‫ف عََلْيكُ ْم عَذَابَ َيوْ ٍم عَظِيمٍ)(‪[ )3‬سورة العراف‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫اللّ َه مَا َلكُمْ مِنْ إِلَهٍ َغيْ ُرهُ ِإنّي أَخَا ُ‬
‫‪.]59‬‬
‫هذا جوهر دعوة نوح‪ ،‬حيث دعاهم إل عبادة ال وتوحيده‪ ،‬وحذرهم من مغبة مالفته‪.‬‬
‫وتأت مرحلة أخرى يواجه فيها قومه بعد استكبارهم وعدم استجابتهم‪ ،‬قال ‪-‬سبحانه‪-‬‬
‫ف سورة يونس‪( :‬وَاتْلُ عََلْيهِ ْم َنَبأَ نُوحٍ ِإذْ قَالَ ِل َق ْومِهِ يَا َق ْومِ ِإنْ كَانَ َكبُ َر عََلْيكُمْ َمقَامِي‬
‫َوتَذْكِيِي بِآياتِ اللّهِ َفعَلَى اللّ ِه َتوَكّ ْلتُ َفأَجْ ِمعُوا َأمْرَكُ ْم َوشُرَكَاءَكُ ْم ثُ ّم ل َيكُنْ َأمْرُكُمْ‬
‫عََليْكُ ْم غُ ّم ًة ثُ ّم ا ْقضُوا إَِليّ وَل ُتنْظِرُونِ)(‪[ )4‬سورة يونس‪ ،‬الية‪.]71 :‬‬
‫وتأت أطول قصة لنوح مع قومه ف سورة هود‪ ،‬حيث حاجهم وجادلم وبي لم طريق‬
‫ت مِنَ‬ ‫الداية‪ ،‬حت قالوا‪( :‬يَا نُوحُ قَدْ جَادَْلَتنَا َفأَكْثَرْتَ جِدَاَلنَا َف ْأِتنَا بِمَا َتعِ ُدنَا ِإنْ ُكنْ َ‬
‫الصّادِِقيَ)(‪[ )5‬سورة هود‪ ،‬الية‪.]32 :‬‬
‫ث يبي ال له النهاية ف هؤلء ( َوأُو ِحيَ إِلَى نُوحٍ َأنّهُ لَنْ ُيؤْمِ َن مِنْ َق ْومِكَ إِلّا مَنْ قَدْ آمَنَ‬
‫ك ِبأَ ْعيُِننَا َووَ ْحِينَا وَل تُخَا ِطْبنِي فِي الّذِي َن ظََلمُوا‬ ‫صنَ ِع اْلفُلْ َ‬ ‫فَل تَْبَتِئسْ بِمَا كَانُوا َي ْفعَلُونَ وَا ْ‬
‫ِإنّهُ ْم ُمغْرَقُونَ)(‪[ )6‬سورة هود‪ ،‬اليتان‪.]37 ،36 :‬‬
‫ونقف بعض الوقفات الهمة حول قصة نوح‪ ،‬ما له ارتباط بوضوعنا‪:‬‬
‫ف َسَنةٍ إِلّا‬
‫‪ -1‬كم لبث نوح ف قومه؟ (وََلقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا نُوحا إِلَى َق ْومِهِ فََلِبثَ فِيهِمْ أَلْ َ‬
‫ي عَاما)(‪[ )7‬سورة العنكبوت‪ ،‬الية‪.]14 :‬‬ ‫س َ‬ ‫خَمْ ِ‬
‫‪ -2‬ما هي الساليب الت اتذها نوح لتبيلغ رسالة ربه؟ لقد اتذ كل وسيلة مشروعة ف‬
‫ل َوَنهَارا َفلَ ْم يَ ِز ْدهُمْ ُدعَائي‬ ‫ماولة لدايتهم وتعبيدهم ل؛ (قَالَ رَبّ ِإنّي َدعَوْتُ َق ْومِي َلْي ً‬
‫شوْا ِثيَاَبهُمْ‬
‫إِلّا فِرَارا َوِإنّي كُلّمَا َد َع ْوتُهُمْ ِلَت ْغفِرَ َلهُمْ َجعَلُوا أَصَاِب َعهُمْ فِي آذَانِهِ ْم وَا ْستَغْ َ‬

‫‪294‬‬
‫َوأَصَرّوا وَا ْستَ ْكبَرُوا ا ْسِتكْبَارا ثُمّ ِإنّي َد َعوُْتهُمْ ِجهَارا ثُمّ ِإنّي َأعَْلنْتُ َلهُ ْم َوَأسْرَرْتُ َلهُمْ‬
‫ِإسْرَارا)(‪[ )8‬سورة نوح‪ ،‬اليات‪.]9-5 :‬‬
‫‪ -3‬ماذا كانت النتيجة من هؤلء؟‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الكهف آية‪.104-103 :‬‬
‫(‪ - )2‬لن سور القرآن (‪ ،)114‬و (‪ )29‬ربع (‪.)116‬‬
‫(‪ - )3‬سورة العراف آية‪.59 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة يونس آية‪.71 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة هود آية‪.32 :‬‬
‫(‪ - )6‬سورة هود آية‪.37-36 :‬‬
‫(‪ - )7‬سورة العنكبوت آية‪.14 :‬‬
‫(‪ - )8‬سورة نوح آية‪.9-8-7-6-5 :‬‬
‫(قَالُوا َأُن ْؤمِنُ لَكَ وَاّتَبعَكَ اْلأَرْذَلُونَ)(‪[ )1‬سورة الشعراء‪ ،‬الية‪ ]111 :‬ث قالوا‪َ( :‬لئِنْ لَمْ‬
‫َتنْتَ ِه يَا نُوحُ َلتَكُونَ ّن مِ َن الْمَرْجُومِيَ)(‪ )2‬سورة [الشعراء‪ ،‬الية‪.]116 :‬‬
‫‪ -4‬من آمن مع نوح؟ ل يؤمن معه إل قليل‪ ،‬حت إن زوجته ل تؤمن به‪ ،‬وكذلك أحد‬
‫أبنائه‪ ،‬ولنقرأ هذه اليات‪:‬‬
‫(قُ ْلنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلّ َزوْ َجيْ ِن اثَْنيْ ِن َوأَهْلَكَ إِلّا مَ ْن َسبَ َق عََليْ ِه اْلقَوْ ُل َومَنْ آمَ َن َومَا آمَنَ‬
‫َمعَهُ إِلّا َقلِيلٌ)(‪[ )3‬سورة هود‪ ،‬الية‪.]40 :‬‬
‫( َونَادَى نُوحٌ َربّهُ َفقَالَ رَبّ إِ ّن ابْنِي مِنْ أَهْلِي َوِإنّ َوعْ َدكَ الْحَ ّق َوَأنْتَ أَ ْحكَ ُم الْحَاكِ ِميَ)(‬
‫‪[ )4‬سورة هود‪ ،‬الية‪( ].45 :‬قَا َل يَا نُوحُ ِإنّهُ َلْيسَ مِنْ َأهْلِكَ ِإنّ ُه عَمَ ٌل َغيْرُ صَالِحٍ )(‪)5‬‬
‫[سورة هود‪ ،‬الية‪.]46 :‬‬
‫حتَ َعبْ َديْ ِن مِ ْن ِعبَا ِدنَا‬
‫ح وَامْ َرأَتَ لُوطٍ كَاَنتَا تَ ْ‬‫(ضَرَبَ اللّ ُه َمَثلً لِلّذِينَ َكفَرُوا امْ َرأَتَ نُو ٍ‬
‫حيْنِ َفخَاَنتَاهُمَا َفلَ ْم ُي ْغنِيَا َعْنهُمَا مِنَ اللّ ِه َشيْئا وَقِيلَ ادْخُل النّا َر مَعَ الدّاخِلِيَ)(‪)6‬‬ ‫صَالِ َ‬
‫[سورة التحري‪ ،‬الية‪.]10 :‬‬

‫‪295‬‬
‫‪ -5‬وأخيا ماذا قال نوح‪ ،‬عليه السلم؟ (قَالَ رَبّ إِنّ َق ْومِي كَ ّذبُونِ فَا ْفتَ ْح بَْينِي َوَبْينَهُ ْم‬
‫جنِي َومَ ْن َم ِعيَ مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ)(‪[ )7‬سورة الشعراء‪ ،‬اليتان‪َ( .]118 ،117 :‬ف َدعَا‬ ‫َفتْحا َونَ ّ‬
‫ب ل تَذَ ْر عَلَى‬ ‫َربّهُ َأنّي َمغْلُوبٌ فَاْنتَصِرْ)(‪[ )8‬سورة القمر‪ ،‬الية‪( .]10 :‬وَقَا َل نُوحٌ رَ ّ‬
‫ض مِ َن اْلكَافِرِينَ َديّارا ِإنّكَ إِ ْن تَذَ ْرهُ ْم ُيضِلّوا ِعبَا َد َك وَل يَلِدُوا إِلّا فَاجِرا َكفّارا)(‪)9‬‬ ‫الْأَ ْر ِ‬
‫[سورة نوح‪ ،‬اليتان‪.]27 ،26 :‬‬
‫‪ -6‬وتقق النتصار لنوح بعد هذه الرحلة الشاقة العسية‪( :‬فَ َدعَا َربّهُ َأنّي َمغْلُوبٌ فَاْنتَصِرْ‬
‫حنَا َأْبوَابَ السّمَا ِء بِمَاءٍ مُْنهَ ِم ٍر وَفَجّ ْرنَا اْلأَ ْرضَ عُيُونا فَاْلَتقَى الْمَا ُء عَلَى َأمْرٍ َقدْ قُدِرَ‬ ‫َف َفتَ ْ‬
‫جرِي ِبأَ ْعُينِنَا َجزَاءً لِمَنْ كَانَ ُكفِ َر وََلقَ ْد تَرَ ْكنَاهَا آَيةً َفهَلْ‬ ‫وَحَ َم ْلنَا ُه عَلَى ذَاتِ أَْلوَاحٍ وَ ُدسُ ٍر تَ ْ‬
‫مِ ْن مُدّكِرٍ)(‪[ )10‬سورة القمر‪ ،‬اليات‪.]15-10 :‬‬
‫هذه قصة نوح‪ ،‬ومع هذه السنوات الت قضاها‪ ،‬بل القرون‪ ،‬حيث لبث قرابة عشرة‬
‫قرون‪ ،‬ماذا كانت النتيجة؟‬
‫(أ) ل يؤمن من قومه إل قليل‪ ،‬قيل‪ :‬إنم ثلثة عشر بنوح‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬قال ابن إسحاق‪:‬‬
‫نوح وبنوه الثلثة‪ ،‬سام‪ ،‬وحام‪ ،‬ويافث‪ ،‬وأزواجهم‪ ،‬وستة أناس من كان آمن به (‪.)11‬‬
‫(ب) ل تؤمن زوجته ول أحد أبنائه كما سبق‪ ،‬وهم أقرب الناس إليه‪.‬‬
‫(جـ) ومع ذلك‪ ،‬فإنه يعد منتصرا‪ ،‬بل إنه حقق أعظم النتصارات‪ ،‬ويتمثل ذلك فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬صبه وثباته طوال هذه القرون‪ ،‬وعدم ميله إل ماولت قومه ‪-‬وحاشاه من ذلك‪-‬‬
‫خرُوا ِمنْهُ‬ ‫ك وَكُلّمَا مَرّ عََليْهِ مََلٌأ مِنْ َق ْومِ ِه سَ ِ‬
‫صنَ ُع اْلفُلْ َ‬
‫أو تأثره باستهزائهم وسخريتهم ( َويَ ْ‬
‫خ ُر ِمنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)(‪[ )12‬سورة هود‪ ،‬الية‪.]38 :‬‬ ‫سخَرُوا ِمنّا فَِإنّا نَسْ َ‬
‫قَالَ ِإنْ تَ ْ‬
‫‪ -2‬حاية ال له من كيدهم ومؤامراتم‪( :‬قَالُوا َلئِنْ لَ ْم َتْنتَهِ يَا نُوحُ َلَتكُونَنّ مِنَ‬
‫الْمَرْجُومِيَ)(‪[ )13‬سورة الشعراء‪ ،‬الية‪.]116 :‬‬
‫‪ -3‬إهلك قومه الذين كذبوه بالغرق‪َ ( ،‬وَأغْرَ ْقنَا الّذِينَ كَ ّذبُوا بِآياِتنَا إِّنهُمْ كَانُوا َقوْما‬
‫عَمِيَ)(‪[ )14‬سورة العراف‪ ،‬الية‪.]64 :‬‬

‫‪296‬‬
‫جيْنَا ُه وَالّذِي َن َمعَهُ فِي الْفُلْكِ )(‪[ )15‬سورة العراف‪،‬‬
‫‪ -4‬ناة نوح ومن آمن معه‪َ( ،‬فَأنْ َ‬
‫جرِي ِبأَ ْعيُِننَا)(‪[ )16‬سورة القمر‪،‬‬
‫ح َو ُدسُ ٍر تَ ْ‬
‫الية‪َ ( .]64 :‬وحَمَ ْلنَا ُه عَلَى ذَاتِ أَْلوَا ٍ‬
‫اليتان‪.]14 ،13 :‬‬
‫‪ -5‬إن قصة انتصار نوح وإهلك قومه أصبح آية يعتب با‪ ،‬وجعل ال لنوح لسان صدق‬
‫ف الخرين (وََلقَدْ َترَ ْكنَاهَا آَيةً َفهَ ْل مِ ْن مُدّكِرٍ)(‪[ )17‬سورة القمر‪ ،‬الية‪.]15 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الشعراء آية‪.111 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الشعراء آية‪.116 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة هود آية‪.40 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة هود آية‪.45 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة هود آية‪.46 :‬‬
‫(‪ - )6‬سورة التحري آية‪.10 :‬‬
‫(‪ - )7‬سورة الشعراء آية‪.118-117 :‬‬
‫(‪ - )8‬سورة القمر آية‪.10 :‬‬
‫(‪ - )9‬سورة نوح آية‪.27-26 :‬‬
‫(‪ - )10‬سورة القمر آية‪.15-14-13-12-11-10 :‬‬
‫(‪ - )11‬انظر تفسي الطبي ‪.8/215‬‬
‫(‪ - )12‬سورة هود آية‪.38 :‬‬
‫(‪ - )13‬سورة الشعراء آية‪.116 :‬‬
‫(‪ - )14‬سورة العراف آية‪.64 :‬‬
‫(‪ - )15‬سورة العراف آية‪.64 :‬‬
‫(‪ - )16‬سورة القمر آية‪.14-13 :‬‬
‫(‪ - )17‬سورة القمر آية‪.15 :‬‬

‫‪297‬‬
‫(ذُ ّرّي َة مَنْ حَمَ ْلنَا مَ َع نُوحٍ ِإنّهُ كَانَ َعبْدا َشكُورا)(‪[ )1‬سورة السراء‪ ،‬الية‪( .]3 :‬سَل ٌم‬
‫عَلَى نُوحٍ فِي اْلعَالَمِيَ)(‪[ )2‬سورة الصافات‪ ،‬الية‪ِ( .]79 :‬إنّ اللّ َه اصْ َطفَى آ َدمَ َونُوحا‬
‫وَآلَ ِإبْرَاهِي َم وَآ َل عِمْرَا َن عَلَى اْلعَالَمِيَ)(‪[ )3‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.]33 :‬‬
‫وهكذا تتضح حقيقة النصر‪ ،‬من خلل قصة نوح وقومه‪.‬‬
‫وقبل أن أتاوز قصة نوح‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬وقفت عند آية وردت ف سورة نوح‪ ،‬حيث‪،‬‬
‫قال‪ِ( :‬إنّكَ إِ ْن تَذَ ْرهُ ْم ُيضِلّوا ِعبَا َد َك وَل يَلِدُوا إِلّا فَاجِرا َكفّارا)(‪[ )4‬سورة نوح‪ ،‬الية‪:‬‬
‫‪.]27‬‬
‫وبا أنه ل يكن ف الرض يومئذ إل قوم نوح‪ ،‬وقد كفروا بال‪ ،‬وتردوا على رسوله‪،‬‬
‫سوى فئة قليلة هي الت آمنت به‪ ،‬فإن ال ‪-‬سبحانه‪ -‬أهلك جيع من ف الرض‪ ،‬يومئذ‬
‫سوى نوح ومن آمن معه‪ ،‬حاية للمنهج الذي ذكر نوح أنه معرض للزوال إن بقي‬
‫هؤلء‪ ،‬فأهلك هؤلء على كثرتم من أجل عدد من البشر يملون الق ويذودون عنه‪.‬‬
‫والدليل على أنه ل يبق سوى من يمل رسالة التوحيد أن ال ‪-‬تعال‪ -‬قال‪ُ ( :‬ذ ّرّيةَ مَنْ‬
‫حَ َم ْلنَا مَ َع نُوحٍ)(‪[ )5‬سورة السراء‪ ،‬الية ‪ .]3‬قال المام الطبي ف تفسي هذه الية‪:‬‬
‫وذلك أن كل من على الرض من بن آدم فهم من ذرية من حله ال مع نوح ف السفينة‪.‬‬
‫قال قتادة‪ :‬والناس كلهم ذرية من أنى ال ف تلك السفينة‪.‬‬
‫قال ماهد‪ :‬بنوه ونساؤهم ونوح (‪.)6‬‬
‫وقيل هم ثلثة عشر‪ ،‬رجال ونساء (‪.)7‬‬
‫ي مِنْ ذُ ّرّيةِ آ َد َم َومِمّنْ حَمَ ْلنَا مَعَ‬
‫ك الّذِينَ َأنْعَمَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم مِ َن الّنبِيّ َ‬
‫قال ‪-‬سبحانه‪( :-‬أُولَئِ َ‬
‫نُوحٍ)(‪[ )8‬سورة نوح‪ ،‬الية‪ .]58 :‬إن النتصار وهو انتصار النهج ل الفراد‪ ،‬والعبة‬
‫ليست بكثرة الؤمني والستجيبي للحق‪ ،‬وإنا ف النهج الذي يمله أولئك سواء أقلوا أم‬
‫كثروا‪ ،‬ولذا فإن بضعة نفر أو يزيدون‪ ،‬ول يتجاوزون ثلثة عشر فردا يملون السلم‬
‫ويققون معن العبودية‪ ،‬يهلك أهل الرض جيعا حاية لؤلء وللمنهج الذي يثلونه‬
‫ويملونه‪ ،‬ما دام أن هناك خطرا يهدد بزوالم‪ ،‬ومن ث زوال النهج الذي يملونه‪ِ( :‬إنّكَ‬
‫إِ ْن تَذَ ْرهُ ْم ُيضِلّوا عِبَا َد َك وَل يَلِدُوا إِلّا فَاجِرا َكفّارا)(‪[ )9‬سورة نوح‪ ،‬الية‪.]27 :‬‬

‫‪298‬‬
‫ولذا قال رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ف بدر وهو يناجي ربه‪ " :‬اللهم إن تلك هذه‬
‫العصابة من أهل السلم ل تعبد ف الرض‪ )10( " ...‬الديث‪ .‬واستجاب ال لحمد‪،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ونصره ف بدر وما بعدها‪ ،‬كما استجاب لنوح‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬من‬
‫قبله‪.‬‬
‫ومن علمات انتصار دين السلم‪ ،‬أنه لن تستطيع قوة ف الرض أن تلك جيع الؤمني‬
‫كما كان يشى ف عهد نوح أو ف أول الرسالة ‪-‬كما سبق‪ ،-‬لن رسول ال‪ ،‬صلى ال‬
‫عليه وسلم بي هذا كما ورد ف الديث الصحيح‪ " :‬ل تزال طائفة من أمت قائمة بأمر‬
‫ال ل يضرهم من خذلم أو خالفهم حت يأت أمر ال وهم على ذلك " (‪.)11‬‬
‫‪ -2‬أصحاب القرية‬
‫وهي القصة الت ذكرها ال ف سورة (يس)‪ ،‬ولنقرأ هذه اليات‪( :‬وَاضْرِبْ َلهُ ْم َمَثلً‬
‫ب اْلقَ ْرَيةِ إِذْ جَا َءهَا الْمُ ْر َسلُونَ إِذْ أَ ْر َس ْلنَا إَِلْيهِ ُم اثَْنيْنِ َفكَ ّذبُوهُمَا َف َعزّ ْزنَا ِبثَالِثٍ َفقَالُوا‬
‫أَصْحَا َ‬
‫ِإنّا إَِلْيكُ ْم مُ ْرسَلُونَ قَالُوا مَا َأنْتُمْ إِلّا بَشَ ٌر ِمثُْلنَا َومَا َأنْزَلَ الرّ ْحمَ ُن مِ ْن َشيْءٍ إِنْ َأْنتُمْ إِلّا‬
‫غ الْ ُمبِيُ قَالُوا ِإنّا تَ َطيّ ْرنَا ِبكُمْ‬
‫تَكْ ِذبُونَ قَالُوا َرّبنَا َيعْلَمُ ِإنّا إَِلْيكُمْ لَ ُم ْرسَلُونَ َومَا عََلْينَا إِلّا اْلبَل ُ‬
‫سنّكُ ْم ِمنّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)(‪[ )12‬سورة يس‪ ،‬اليات‪-13 :‬‬ ‫َلئِنْ لَ ْم َتنَْتهُوا َلنَ ْرجُ َمّنكُ ْم وََليَمَ ّ‬
‫‪ .]18‬قرية واحدة‪ ،‬وهي قرية أنطاكية كما ذكر الفسرون‪ ،‬يرسل إليها رسولن‪ ،‬وعندما‬
‫ل يؤمن بما أهل هذه القرية‪ ،‬يرسل ال ثالثا‪ ،‬ومع ذلك فيبقى هؤلء على إصرارهم‬
‫وكفرهم‪ ،‬وما زادهم إرسال الرسول الثالث إل عتوا ونفورا‪ ،‬بل هددوا برجم هؤلء‬
‫سّنكُ ْم ِمنّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)(‪[ )13‬سورة يس‪ ،‬الية‪.]18 :‬‬ ‫الرسل وقتلهم‪َ( :‬لنَرْ ُج َمنّكُ ْم وََليَمَ ّ‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة السراء آية‪.3 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الصافات آية‪.79 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة آل عمران آية‪.33 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة نوح آية‪.27 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة السراء آية‪.3 :‬‬
‫(‪ - )6‬انظر تفسي الطبي ‪.15/19‬‬

‫‪299‬‬
‫(‪ - )7‬انظر تفسي الطبي ‪.8/215‬‬
‫(‪ - )8‬سورة مري آية‪.58 :‬‬
‫(‪ - )9‬سورة نوح آية‪.27 :‬‬
‫(‪ - )10‬أخرجه مسلم (‪.)1763‬‬
‫(‪ - )11‬أخرجه البخاري (‪ ،)3641‬ومسلم (‪.)1037‬‬
‫(‪ - )12‬سورة يس آية‪.18-17-16-15-14-13 :‬‬
‫(‪ - )13‬سورة يس آية‪.18 :‬‬
‫وهل انتهت القصة عند هذا الد‪ ،‬بل جاءهم رجل رابع‪ ،‬وهو من بن جلدتم وناصح‬
‫سعَى قَا َل يَا َق ْو ِم اتِّبعُوا الْمُ ْر َسلِيَ)(‪[ )1‬سورة يس‪،‬‬
‫لم‪( ،‬وَجَا َء مِنْ أَ ْقصَى الْ َمدِيَنةِ َرجُ ٌل يَ ْ‬
‫الية‪ .]20 :‬ويستمر ف حواره معهم ودعوتم‪ ،‬وهذه الرة ل يهددوه‪ ،‬كما هددوا من‬
‫قبله بل قتلوه عندما خالفهم‪ ،‬وهذا شأن الطغاة فإنم ل يتحملون أن يالفهم أحد من بن‬
‫قومهم أو حاشيتهم‪.‬‬
‫وهكذا ثلثة رسل وداعية من أهل هذه القرية لقرية واحدة‪ ،‬ومع ذلك ل يستجيبوا‬
‫للدعاة‪ ،‬ول يكتفوا بعدم الستجابة‪ ،‬بل هددوا الرسل ‪-‬وقيل قتلوهم‪ -‬وقتلوا الداعية‬
‫الرابع‪.‬‬
‫إن مقاييس الرض تظهر أن هؤلء الرسل ل ينتصروا ول يققوا أهدافهم‪ ،‬وأن هذا‬
‫الداعية استعجل ف الكشف عن هويته وإيانه‪ ،‬ولذلك لقي جزاءه؟ هكذا يقوم الدث ف‬
‫نظر من ل يفهم حقيقة النتصار‪ ،‬ول معن الزية‪.‬‬
‫أما منطق الق‪ ،‬ومنهج النبوة‪ ،‬فيعلن أن هؤلء قد نصروا نصرا مؤزرا‪ ،‬وأن أصحاب‬
‫القرية هم الاسرون‪ ،‬ويتمثل النصر ف القائق التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن هؤلء الرسل قد بلغوا رسالة ال‪ ،‬ول يستسلموا لشبه أهل القرية أول‪ ،‬وتديدهم‬
‫ثانيا‪ ،‬وهذه هي مهمتهم‪َ ( :‬ومَا عََلْينَا إِلّا الْبَلغُ الْ ُمبِيُ)(‪[ )2‬سورة يس‪ ،‬الية‪ .]17 :‬ومن‬
‫أدى ما عليه فقد انتصر وفاز ونح‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫‪ -2‬إيان رجل من أهل القرية بم‪ ،‬وتأييده لم علنية‪ ،‬يعد نصرا وانتصارا له ولم‪،‬‬
‫ولذلك كان رد أهل القرية عنيفا تاهه‪ ،‬لنم شعروا بذلنه لم‪ ،‬وخذلنم نصر لولئك‬
‫الرسل‪.‬‬
‫سَنيَيْنِ)(‪)3‬‬ ‫‪ -3‬أن قتل هذا الداعية نصر له ولنهجه (قُ ْل هَ ْل تَ َرّبصُو َن ِبنَا إِلّا إِ ْحدَى الْحُ ْ‬
‫جّنةَ)(‪[ )4‬سورة يس‪ ،‬الية‪ .]26 :‬فتمن أن‬ ‫[سورة التوبة‪ .]52 :‬ولذلك‪( ،‬قِيلَ ادْخُ ِل الْ َ‬
‫يعلن عن فوزه وانتصاره‪( ،‬يَا َليْتَ َق ْومِي َيعْلَمُو َن بِمَا َغفَرَ لِي َربّي وَ َجعََلنِي مِنَ‬
‫الْ ُمكْ َرمِيَ)(‪[ )5‬سورة يس‪ ،‬اليتان‪.]27 ،26 :‬‬
‫‪ -4‬وتتويا لنتصارات هؤلء الرسل وهذا الداعية‪ ،‬جاءت النهاية الحققة‪َ ( :‬ومَا َأنْزَْلنَا‬
‫حةً وَا ِح َدةً فَِإذَا‬ ‫صْي َ‬
‫عَلَى َق ْومِ ِه مِ ْن َبعْ ِدهِ مِنْ ُجنْ ٍد مِنَ السّمَا ِء َومَا ُكنّا مُنْزِِليَ ِإنْ كَاَنتْ إِلّا َ‬
‫هُمْ خَامِدُونَ)(‪[ )6‬سورة يس‪ ،‬اليتان‪.]29 ،28 :‬‬
‫إن الدعاة ف أمس الاجة إل أن يقفوا مع قصة أصحاب القرية‪ ،‬ويتدبروا أبعادها‬
‫وناياتا‪.‬‬
‫ثلثة رسل‪ ،‬وداعية ملص صادق لقرية واحدة‪ ،‬ومع ذلك فلم يؤمنوا‪ ،‬وعدم إيانم ل‬
‫يفت ف عضد هؤلء الرسل‪ ،‬ول ينع هذا الداعية من قول كلمة الق‪ ،‬دون استعجال أو‬
‫تنازل أو يأس‪.‬‬
‫بل إن هذا الداعية‪ ،‬كما ورد عند الطبي‪ ،‬كان يقول أثناء قتل قومه له‪" :‬اللهم اهد قومي‬
‫فإنم ل يعلمون"‪ ،‬بل إننا نلمس من قوله (يَا َليْتَ َق ْومِي َيعْلَمُونَ)(‪ )7‬أنه ل يقول هذا‬
‫تشفيا ول من أجل إغاظتهم‪ ،‬ولكن من أجل هدايتهم‪ ،‬لنم إذا علموا أنه كان على الق‬
‫وقد قالوا للرسل‪َ ( :‬ومَا َأنْزَلَ الرّحْمَ ُن مِ ْن َشيْءٍ ِإنْ َأْنتُمْ إِلّا تَكْ ِذبُونَ)(‪[ )8‬سورة يس‪،‬‬
‫الية‪ .]15 :‬كان أرجى لدايتهم‪.‬‬
‫وهذا من حرصه على هداية قومه‪ ،‬وهكذا يكون الداعية‪ ،‬مبا لداية الناس‪ ،‬ل يمل القد‬
‫ول الضغينة‪ ،‬وهذا هو النتصار على النفس الذي يسبق النتصار الظاهر‪ ،‬ومن حرم‬
‫النتصار على نفسه‪ ،‬فلن ينتصرعلى غيه‪.‬‬
‫‪ -3‬أصحاب الخدود‬

‫‪301‬‬
‫ت اْلوَقُودِ ِإ ْذ هُ ْم عََلْيهَا ُقعُو ٌد َوهُمْ عَلَى مَا‬
‫ب الْأُ ْخدُو ِد النّارِ ذَا ِ‬
‫صحَا ُ‬‫قال ال ‪ -‬تعال‪ُ( :‬قتِلَ أَ ْ‬
‫ي ُشهُو ٌد َومَا َنقَمُوا ِمْنهُمْ إِلّا َأنْ ُي ْؤ ِمنُوا بِاللّ ِه اْلعَزِي ِز الْحَمِيدِ)(‪[ )9‬سورة‬ ‫َيفْعَلُو َن بِالْ ُم ْؤمِنِ َ‬
‫البوج‪ ،‬الية‪.]8-4 :‬‬
‫قصة أصحاب الخدود قصة عجيبة‪ ،‬تصور لنا معن من معان النتصار الذي نتحدث‬
‫عنه‪ ،‬وتبي أن استجابة الناس‪ ،‬أو ظهور الدين ليس هو القياس الوحيد للنتصار‪ ،‬بل إن‬
‫ثبات الداعية وانتصار النهج هو قمة النتصار‪.‬‬
‫ولهية هذه القصة‪ ،‬فسأذكرها بتمامها‪ ،‬كما أوردها العلمة ابن كثي ‪-‬رحه ال‪ -‬حيث‬
‫قال ف تفسي هذه اليات‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يس آية‪.20 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة يس آية‪.17 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة التوبة آية‪.52 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة يس آية‪.26 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة يس آية‪.27-26 :‬‬
‫(‪ - )6‬سورة يس آية‪.29-28 :‬‬
‫(‪ - )7‬سورة يس آية‪.26 :‬‬
‫(‪ - )8‬سورة يس آية‪.15 :‬‬
‫(‪ - )9‬سورة البوج آية‪.8-7-6-5-4 :‬‬
‫قال المام أحد‪ :‬حدثنا عفان‪ ،‬حدثنا حاد بن سلمة عن ثابت‪ ،‬عن عبد الرحن بن أب‬
‫ليلى‪ ،‬عن صهيب أن رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬كان فيمن كان قبلكم ملك‬
‫وكان له ساحر‪ ،‬فلما كب الساحر قال للملك‪ :‬إن قد كب سن‪ ،‬وحضر أجلي‪ ،‬فادفع إل‬
‫غلما لعلمه السحر‪ ،‬فدفع إليه غلما كان يعلمه السحر‪ ،‬وكان بي الساحر وبي اللك‬
‫راهب‪ ،‬فأتى الغلم على الراهب فسمع من كلمه فأعجبه نوه وكلمه‪ ،‬وكان إذا أتى‬
‫الساحر ضربه وقال‪ :‬ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما حبسك؟ فشكا ذلك‬
‫إل الراهب‪ ،‬فقال‪ :‬إذا أراد الساحر أن يضربك فقل‪ :‬حبسن أهلي‪ ،‬وإذا أراد أهلك أن‬

‫‪302‬‬
‫يضربوك فقل‪ :‬حبسن الساحر‪ ،‬فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة قد‬
‫حبست الناس فل يستطيعون أن يوزوا‪ ،‬فقال‪ :‬اليوم أعلم أمر الراهب أحب إل ال أم‬
‫أمر الساحر‪ ،‬قال‪ :‬فأخذ حجرا‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من‬
‫أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حت يوز الناس‪ ،‬ورماها فقتلها‪ ،‬ومضى الناس‪ ،‬فأخب‬
‫الراهب بذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أي بن أنت أفضل من وإنك ستبتلى‪ ،‬فإن ابتليت فل تدل علي‪.‬‬
‫فكان الغلم يبئ الكمه والبرص وسائر الدواء ويشفيهم (‪ )1‬وكان للملك جليس‬
‫فعمي‪ ،‬فسمع به فأتاه بدايا كثية‪ ،‬فقال‪ :‬اشفن‪ ،‬فقال ما أنا أشفي أحدا‪ ،‬إنا يشفي ال‬
‫عز وجل فإن آمنت به دعوت ال فشفاك‪ ،‬فآمن فدعا ال فشفاه‪ ،‬ث أتى اللك فجلس منه‬
‫نو ما كان يلس‪ ،‬فقال له اللك‪ :‬يا فلن‪ ،‬من رد عليك بصرك؟ فقال‪ :‬رب‪ .‬فقال‪ :‬أنا؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬رب وربك ال‪ ،‬قال‪ :‬أولك رب غيي؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬رب وربك ال‪ ،‬فلم يزل‬
‫يعذبه حت دل على الغلم‪ ،‬فبعث إليه فقال‪ :‬أي بن‪ :‬بلغ من سحرك أن تبئ الكمه‬
‫والبرص‪ ،‬وهذه الدواء؟ قال‪ :‬ما أشفي أحدا‪ ،‬إنا يشفي ال عز وجل قال‪ :‬أنا؟ قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫قال‪ :‬ولك رب غيي؟ قال‪ :‬رب وربك ال‪ ،‬فأخذه ‪-‬أيضا‪ -‬بالعذاب فلم يزل به حت دل‬
‫على الراهب‪ ،‬فأتى بالراهب‪ ،‬فقال ارجع عن دينك‪ ،‬فأب فوضع النشار ف مفرق رأسه‬
‫حت وقع شقاه‪ ،‬وقال للعمى‪ :‬ارجع عن دينك‪ ،‬فأب‪ ،‬فوضع النشار ف مفرق رأسه حت‬
‫وقع شقاه إل الرض‪ ،‬وقال للغلم‪ :‬ارجع عن دينك‪ ،‬فأب‪ ،‬فبعث به مع نفر إل جبل كذا‬
‫وكذا‪ ،‬فقال‪ :‬إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإل فدهدهوه‪ ،‬فذهبوا به‪ ،‬فلما علوا به‬
‫البل قال‪ :‬اللهم اكفنيهم با شئت‪ ،‬فرجف بم البل فدهدهوا أجعون‪ .‬وجاء الغلم‬
‫يتلمس حت دخل على اللك فقال‪ :‬ما فعل أصحابك‪ ،‬فقال‪ :‬كفانيهم ال ‪-‬تعال‪ -‬فبعث‬
‫به مع نفر ف قرقور‪ ،‬فقال‪ :‬إذا لجتم به البحر فإن رجع عن دينه وإل فغرقوه ف البحر‪،‬‬
‫فلججوا به البحر‪ ،‬فقال الغلم‪ :‬اللهم اكفنيهم با شئت‪ ،‬فغرقوا أجعون‪ ،‬وجاء الغلم حت‬
‫دخل على اللك‪ ،‬فقال‪ :‬ما فعل أصحابك؟ فقال‪ :‬كفانيهم ال ‪-‬تعال‪ -‬ث قال للملك‪:‬‬
‫إنك لست بقاتلي حت تفعل ما آمرك به‪ ،‬فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتن‪ ،‬وإل فإنك ل‬
‫تستطيع قتلي‪ ،‬قال‪ :‬وما هو؟ قال تمع الناس ف صعيد واحد‪ ،‬ث تصلبن على جذع‬
‫وتأخذ سهما من كنانت‪ ،‬ث قل‪ :‬بسم ال رب الغلم‪ ،‬فإنك إذا فعلت ذلك قتلتن‪ ،‬ففعل‬

‫‪303‬‬
‫ووضع السهم ف كبد قوسه‪ ،‬ئم رماه‪ ،‬وقال‪ :‬بسم ال رب الغلم‪ ،‬فوقع السهم ف‬
‫صدغه‪ ،‬فوضع الغلم يده على موضع السهم ومات‪ ،‬فقال الناس‪ :‬آمنا برب الغلم‪.‬‬
‫فقيل للملك أرأيت ما كنت تذر؟ فقد وال نزل بك‪ ،‬قد آمن الناس كلهم‪ ،‬فأمر بأفواه‬
‫السكك فخدد فيها الخاديد‪ ،‬وأضرمت فيها النيان‪ ،‬وقال‪ :‬من رجع عن دينه فدعوه‪،‬‬
‫وإل فأقحموه فيها‪ ،‬قال‪ :‬فكانوا يتعادون ويتدافعون‪ ،‬فجاءت امرأة بابن لا ترضعه‪ ،‬فكأنا‬
‫تقاعست أن تقع ف النار‪ ،‬فقال الصب‪ :‬اصبي يا أماه فإنك على الق " (‪.)2‬‬
‫هذه قصة أصحاب الخدود بطولا‪ ،‬وقد أوردتا لهيتها‪ ،‬وقد أعجبت با قاله سيد قطب‬
‫‪-‬رحه ال‪ -‬حول هذه القصة مبينا حقيقة النتصار فيها‪ ،‬ولذا سأذكر بعض ما قاله‪ ،‬ث‬
‫أضيف ما أراه حولا ما له صلة بوضوعنا‪:‬‬
‫وكان ما قال ‪-‬رحه ال‪)3( :-‬‬
‫"ف حساب الرض يبدو أن الطغيان قد انتصر على اليان‪ ،‬وأن هذا اليان الذي بلغ‬
‫تلك الذروة العالية‪ ،‬ف نفوس الفئة الية الكرية الثابتة الستعلية‪ ،‬ل يكن له وزن ول‬
‫حساب ف العركة الت دارت بي اليان والطغيان"‪.‬‬
‫ف حساب الرض تبدو هذه الاتة أسيفة أليمة‪.‬‬
‫حساب الرض ييك ف الصدر شيء أمام هذه الاتة السيفة‪.‬‬
‫ولكن القرآن يعلم الؤمني شيئا آخر‪ ،‬ويكشف لم عن حقيقة أخرى‪.‬‬
‫إن الياة وسائر ما يلبسها من لذائذ وآلم‪ ،‬ومن متاع وحرمان‪ ،‬ليست هي القيمة‬
‫الكبى ف اليزان‪ ،‬وليست هي السلعة الت تقرر حساب الربح والسارة‪ ،‬والنصر ليس‬
‫مقصورا على الغلبة الظاهرة‪ ،‬فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬بإذن ال‪.‬‬
‫(‪ - )2‬رواه مسلم (‪ )3005‬من حديث صهيب رضي ال عنه [‪ )3005( - 73‬كتاب‬
‫الزهد]‪.‬‬
‫(‪ - )3‬سأختار من كلمه ما له صلة بذا الوضوع‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫إن الناس جيعا يوتون‪ ،‬وتتلف السباب‪ ،‬ولكن الناس ل ينتصرون ‪-‬جيعا‪ -‬هذا‬
‫النتصار‪ ،‬ول يرتفعون هذا الرتفاع‪ ،‬ول يتحررون هذا التحرر‪ ،‬ول ينطلقون هذا‬
‫النطلق إل هذه الفاق‪ ،‬إنا هو اختيار ال وتكريه لفئة كرية من عباده‪ ،‬تشارك الناس‬
‫ف الوت‪ ،‬وتنفرد دون ‪-‬كثي من‪ -‬الناس ف الجد‪ ،‬الجد ف الل العلى‪ ،‬وف دنيا الناس‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬إذا نن وضعنا ف الساب نظرة الجيال بعد الجيال‪.‬‬
‫لقد كان ف استطاعة الؤمني أن ينجوا بياتم ف مقابل الزية ليانم‪ ،‬ولكن كم كانوا‬
‫يسرون أنفسهم‪ ،‬وكم كانت البشرية كلها تسر‪ ،‬كم كانوا يسرون وهم يقتلون هذا‬
‫العن الكبي‪ ،‬معن زهادة الياة بل عقيدة‪ ،‬وبشاعتها بل حرية‪ ،‬وانطاطها حي يسيطر‬
‫الطغاة على الرواح‪ ،‬بعد سيطرتم على الجساد‪.‬‬
‫( َومَا َنقَمُوا ِمنْهُمْ إِلّا َأنْ ُيؤْ ِمنُوا بِاللّ ِه اْلعَزِي ِز الْحَمِيدِ)(‪[ )1‬سورة البوج‪ ،‬الية‪ .]8 :‬حقيقة‬
‫ينبغي أن يتأملها الؤمنون الداعون إل ال‪ ،‬ف كل أرض‪ ،‬وف كل جيل‪.‬‬
‫إن العركة بي الؤمني وخصومهم هي ف صميمها معركة عقيدة‪ ،‬وليست شيئا آخر على‬
‫الطلق وإن خصوهم ل ينقمون منهم إل اليان‪ ،‬ول يسخطون منهم إل العقيدة (‪)2‬‬
‫وبعد هذه الدروس الت استخلصها سيد قطب من هذه القصة‪ ،‬أقف عدة وقفات حولا‪:‬‬
‫‪ -1‬ثبات الراهب والعمى‪ ،‬وتلي العمى عن جيع متع الياة الدنيا ف مقابل أن يظفر‬
‫بعقيدته‪ ،‬إن الراهب قد انتصر ف معركة بقائه أو بقاء عقيدته‪ ،‬فاختار أن تبقى العقيدة ولو‬
‫خسر حياته‪.‬‬
‫أما العمى فقد انتصر مرتي‪ ،‬انتصر عندما تلى عن مكانته عند اللك مع ما ف ذلك من‬
‫جاه ومكانة‪ ،‬وانتصر عندما تلى عن حياته ف مقابل عقيدته‪.‬‬
‫إن الراهب والعمى قد خلدا لنا معان عظيمة من معان النتصار القيقي‪ ،‬بعيدا عن‬
‫التأويل والتبير الذي يغطي فيه كثي من الناس ضعفهم وخورهم بستار يوهون فيه‬
‫الخرين أنم إنا فعلوا ذلك من أجل الدين‪ ،‬ولو صدقوا لعلموا أن انتصار الدين بأن‬
‫يفعلوا ما فعله الراهب والعمى‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫‪ -2‬عجيب أمر هذا الغلم! لاذا دل اللك على مقتله‪ ،‬ولاذا ‪-‬مادام أن ال قد منعه من‬
‫اللك‪ -‬ل يؤثر البقاء ليبلغ رسالة ربه‪ ،‬ويدل الناس على الدين الق‪ ،‬ويبقي على حياته‬
‫سالا‪.‬‬
‫هذا سؤال قد يتبادر إل الذهان‪:‬‬
‫والفهوم الت ل تعرف حقيقة النتصار‪ .‬إن الغلم قد أدرك ‪-‬بتوفيق من ال‪ -‬أن كلمة ف‬
‫لظة حاسة صادقة‪ ،‬تفعل ما ل تفعله آلف الكلمات ف عشرات السني‪.‬‬
‫إن الياة مواقف‪ ،‬يتميز فيها الصادق من غيه‪ ،‬وقد سنحت فرصة عظيمة ل يوز‬
‫تفويتها‪ ،‬ول يليق تبير ضياعها‪ ،‬وكما قيل‪" :‬إذا هبت رياحك فاغتنمها" وقد هبت رياح‬
‫هذا الغلم‪ ،‬وهل رياحه إل تبليغ رسالة ربه‪ ،‬ولو دفع حياته ثنا رخيصا ف سبيل ال؟‬
‫إنه انتصار الفهم‪ ،‬وانتصار الرادة‪ ،‬وانتصار العقيدة عندما تتحول ف صدر صاحبها إل‬
‫قوة مؤثرة‪ ،‬وحياة صادقة‪ ،‬وليست على هامش حياته وسلوكه وتفكيه‪ ،‬إن هذا الغلم قد‬
‫انتصر عدة مرات ف معركة واحدة‪ ،‬وموقف واحد‪:‬‬
‫انتصر بقوة فهمه وإدراكه لقصر وأسلم الطرق لنصرة دينه وعقيدته‪ ،‬وإخراج أمته‬
‫ومتمعه من الظلمات إل النور‪.‬‬
‫وانتصر بقدرته على اتاذ القرار الاسم ف الوقت الناسب‪ ،‬متخطيا جيع العقبات‪،‬‬
‫ومستعليا على الشهوات وحظوظ النفس ومتاع الياة الدنيا‪.‬‬
‫وانتصر على هذا اللك الغب‪ ،‬الذي أعمى ال بصيته‪ ،‬فأخرب ملكه بيده‪ ،‬فإنا ل تعمى‬
‫البصار‪ ،‬ولكن تعمى القلوب الت ف الصدور‪.‬‬
‫إن الناس قد يتعجبون لن الغلم قد دل اللك على مقتله‪ ،‬ولكنهم ل يدركون أن اللك‬
‫قد قتل نفسه بيده ل بيد غيه‪ ،‬فأيهما أول بالعجب والتعجب؟‬
‫إن الغلم أقدم وهو يعي حقيقة ما يفعل‪ :‬أما اللك فأعمته سكرة اللك وشهوة السلطان‬
‫عن أن يدرك ما خطط له هذا الغلم‪ ،‬ف هذه العركة الفاصلة الت مات فيها فرد وحيت‬
‫أمة‪.‬‬
‫وانتصر الغلم عندما تقق ما كان يتصوره ويتوقعه وقدم نفسه من أجله‪ ،‬فآمن الناس‬
‫وقالوا‪ :‬آمنا بال رب الغلم‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫إن دقة التخطيط وبراعة التنفيذ‪ ،‬وسلمة التقدير‪ ،‬ناح باهر‪ ،‬وفوز ظاهر‪.‬‬
‫وانتصر الغلم عندما فاز بالشهادة ف سبيل ال‪ ،‬فكل الناس يوتون‪ ،‬ولكن القليل منهم من‬
‫يستشهدون‪.‬‬
‫وانتصر أخيا عندما خلد ال ذكره قدوة لن بعده‪ ،‬وذكرا حسنا على لسان الؤمني‪،‬‬
‫حيث جعل ال له لسان صدق ف الخرين‪.‬‬
‫‪ -3‬وتتويا لذه النتصارات التلحقة‪:‬‬
‫تأت ناية القصة‪ ،‬عندما آمن الناس برب الغلم‪ ،‬آمنوا بال وحده وكفروا بالطاغوت‪،‬‬
‫وهنا جن جنون اللك‪ ،‬وفقد صوابه‪ ،‬فاستخدم كل ما يلك من وسائل الرهاب‬
‫والتخويف‪ ،‬ف ماولة يائسة‪ ،‬للبقاء على هيبته وسلطانه وتعبيد الناس له‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة البوج آية‪.8 :‬‬
‫(‪ - )2‬انظر معال ف الطريق فصل‪ :‬هذا هو الطريق ص ‪.173‬‬
‫ث يفر أخاديده‪ ،‬ويوقد نيانه‪ ،‬ويأمر زبانيته وجنوده بإلقاء الؤمني ف النار‪ ،‬وتأت‬
‫الفاجأة الذهلة‪ ،‬بدل أن يضعف من يضعف‪ ،‬ويهرب من يهرب‪ ،‬ل تسجل الرواية أن‬
‫أحدا منهم تراجع أو جب أو هرب‪ ،‬بل ند القدام والشجاعة‪ ،‬وذلك بالتدافع إل النار‪،‬‬
‫وكأن الغلم قد بث فيهم الشجاعة‪ ،‬والثبات وها هم يدون ف اللحاق به‪ ،‬وكأنم‬
‫يتلذذون ف تقدي أرواحهم فداء لدينهم‪ ،‬توت الجسام وتيا الرواح عند خالقها‪( :‬وَل‬
‫سبَ ّن الّذِينَ ُقتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتا بَلْ أَ ْحيَا ٌء ِعنْدَ َرّبهِ ْم يُرْزَقُونَ)(‪[ )1‬سورة آل‬
‫تَحْ َ‬
‫عمران‪ ،‬الية‪.]169 :‬‬
‫من ل يت بالسيف مات بغيه ‪ ...‬تنوعت السباب والوت واحد‬
‫والالة الفريدة الت وردت ف الرواية‪ ،‬هي تلك الرأة الت خافت على رضيعها‪ ،‬ولكنها‬
‫نسيت أنا قد أرضعته اليان والشجاعة والقدام مع اللب الذي كان يشربه‪ ،‬فطلب منها‬
‫التقدم‪ ،‬فأقدمت‪.‬‬
‫أي أمة تلك‪ ،‬وأي قوم أولئك‪ ،‬مع الزمن الطويل الذي عاشوه ف الظلم‪ ،‬والسنوات الت‬
‫استعبدهم فيها هذا اللك‪ ،‬ومع قصر الدة الت عرفوا فيها اليان‪ ،‬فقد عرفوا النهج حق‬

‫‪307‬‬
‫العرفة‪ ،‬وكأنم عاشوا فيه كما عاش الراهب طول عمره‪ ،‬أو تربوا عليه كما ترب الغلم‬
‫ف صباه‪.‬‬
‫إنه اليان إذا خالط بشاشة القلوب‪ ،‬ولمس الرواح يفعل العجب‪.‬‬
‫لقد رأينا ف قصة الراهب والعمى ث الغلم انتصارا فرديا‪.‬‬
‫ولكننا ف قصة أولئك الؤمني نرى انتصارا جاعيا‪ ،‬قل أن يدث له ف التاريخ مثيل‪.‬‬
‫إنه صفاء العقيدة‪ ،‬ووضوح النهج‪ ،‬وسلمة الطريق‪ ،‬وفهم حقيقة النتصار‪.‬‬
‫‪ -4‬وقبل أن نغادر هذه القصة‪ ،‬يرد سؤال ف الذهان‪:‬‬
‫ماذا حل بذا اللك وحاشيته وجنده؟‬
‫وهل ذهبت دماء هؤلء الؤمني وأرواحهم دون انتقام من ال لن قتلهم؟‬
‫إننا ل ند ف القرآن ول ف السنة أي ذكر لؤلء الظلمة‪ ،‬وماذا كان مصيهم ف الدنيا‪،‬‬
‫ول ف ذلك حكمة قد تفى علينا‪.‬‬
‫ي وَالْ ُم ْؤ ِمنَاتِ‬
‫نعم وردت آية ف آخر قصتهم فيها دعوة لم وتذير (إِ ّن الّذِينَ َفَتنُوا الْ ُمؤْ ِمنِ َ‬
‫ثُمّ لَ ْم َيتُوبُوا َفَلهُ ْم عَذَابُ َج َهنّ َم وََلهُ ْم عَذَابُ الْحَرِيقِ)(‪[ )2‬سورة البوج الية‪.]10 :‬‬
‫قال السن البصري‪" :‬انظروا إل هذا الكرم والود‪ ،‬قتلوا أولياءه‪ ،‬وهو يدعوهم إل التوبة‬
‫والغفرة" (‪.)3‬‬
‫إن هذه النهاية تقق معن من معان النتصار‪ ،‬من النتصر؟ الذي نصر عقيدته ودين ربه‪،‬‬
‫وحرق بضع دقائق‪ ،‬ث انتقل إل جنات النعيم‪ ،‬أو ذلك الذي تتع بأيام ف الياة الدنيا ث‬
‫مآله ‪-‬إن ل يتب‪ -‬إل عذاب جهنم وعذاب الريق؟‪.‬‬
‫هل هناك مقارنة بي الريق الول‪ ،‬والريق الثان‪ ،‬حريق الدنيا‪ ،‬وحريق الخرة؟ إنا نقلة‬
‫جرِي مِنْ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫بعيدة‪ ،‬وبون شاسع‪ ،‬أما الؤمنون الذين حرقوا ف الدنيا‪ ،‬فـ (َلهُمْ َجنّا ٌ‬
‫حِتهَا الَْأْنهَارُ)(‪[ )4‬سورة البوج الية‪ ]11 :‬وتعلن النتيجة الت ل مراء فيها‪ ،‬ول جدال‪:‬‬ ‫تَ ْ‬
‫ك اْل َفوْ ُز الْ َكبِيُ)(‪ )5‬أليس هذا هو النتصار؟‪.‬‬
‫(ذَلِ َ‬
‫أحاديث ف النتصار‬
‫وردت بعض الحاديث عن رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ند فيها دللة لقيقة‬
‫النتصار‪ ،‬وإزالة لا يتوهم من معن الزية‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫وسأذكر أربعة أحاديث‪ ،‬وأقف مع كل حديث مبينا وجه الستدلل فيه‪.‬‬
‫‪-1‬الديث الول‬
‫أخرج المام البخاري ف صحيحه من حديث ابن عباس ‪-‬رضي ال عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم " عرضت علي المم فأخذ النب ير معه المة‪ ،‬والنب ير‬
‫معه العشرة‪ ،‬والنب ير معه المسة‪ ،‬والنب ير وحده‪ ،‬فنظرت فإذا سواد كثي‪ ،‬قلت‪ :‬يا‬
‫جبيل‪ :‬هؤلء أمت؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكن انظر إل الفق‪ ،‬فنظرت فإذا سواد كثي‪ ،‬قال هؤلء‬
‫أمتك‪ ،‬وهؤلء سبعون ألفا قدامهم ل حساب عليهم ول عذاب " (‪ )6‬الديث‪.‬‬
‫وف رواية عن ابن عباس ‪-‬رضي ال عنهما‪ -‬قال‪ :‬خرج علينا النب‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‬
‫يوما فقال‪ " :‬عرضت علي المم‪ ،‬فجعل ير النب معه الرجل‪ ،‬والنب معه الرجلن‪ ،‬والنب‬
‫معه الرهط‪ ،‬والنب ليس معه أحد‪ )7( " ...‬الديث‪.‬‬
‫وف رواية لسلم‪ ،‬عن ابن عباس ‪-‬رضي ال عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه‬
‫وسلم " عرضت علي المم فرأيت النب ومعه الرهيط والنب ومعه الرجل والرجلن‪ ،‬والنب‬
‫ليس معه أحد‪ ،‬إذ رفع ل سواد عظيم‪ )9( )8( " ...‬الديث‪.‬‬
‫وقد ورد الديث بروايات أخرى ف معن هذه الروايات‪.‬‬
‫وتبز صلة هذا الديث ف موضوعنا من خلل ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ورد ف الديث‪ ،‬أن الرسول‪ ،‬صلى ال عليه وسلم نظر إل سواد كثي‪ ،‬وف رواية‪:‬‬
‫سواد عظيم‪ ،‬ث رأى سوادا كثيا ‪-‬آخر‪ -‬سد الفق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة آل عمران آية‪.169 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة البوج آية‪.10 :‬‬
‫(‪ - )3‬تفسي ابن كثي ‪.4/496‬‬
‫(‪ - )4‬سورة البوج آية‪.11 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة البوج آية‪.11 :‬‬
‫(‪ - )6‬أخرجه البخاري (‪.)6541‬‬
‫(‪ - )7‬أخرجه البخاري (‪.)5752‬‬

‫‪309‬‬
‫(‪ - )8‬الرهيط‪ :‬قال النووي هم بضم الراء تصغي الرهط‪ .‬وهي الماعة دون العشرة‪.‬‬
‫مسلم بشرح النووي ‪.3/53‬‬
‫(‪ - )9‬أخرجه مسلم (‪.)220‬‬
‫والسواد الول هم من آمن بوسى‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬والسواد الخر هم أمة ممد‪ ،‬صلى ال‬
‫عليه وسلم وهذا يثل نوعا من أنواع النتصار الظاهر‪ ،‬حيث انتشر الدين وآمن الناس‪،‬‬
‫حت بلغوا هذا البلغ‪ ،‬وهو النوع الول من أنواع النتصار الت أشرت إليها سابقا‪ ،‬ومثل‬
‫ذلك النب الذين ير ومعه المة‪.‬‬
‫‪ -2‬ورد ف الديث‪ ،‬أن النب ير معه العشرة‪ ،‬والنب ومعه المسة‪ ،‬والنب ير وحده‪ ،‬وف‬
‫رواية‪ :‬فجعل النب ير معه الرجل‪ ،‬والنب معه الرجلن‪ ،‬والنب ليس معه أحد‪.‬‬
‫ونن ل نشك ف انتصار النبياء والرسل كما أخبنا ال ‪-‬جل وعل‪ -‬بذلك فقال‪ِ( :‬إنّا‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا َوَي ْومَ يَقُو ُم الَْأ ْشهَادُ)(‪[ )1‬سورة غافر‪ ،‬الية‪:‬‬
‫َلنَْنصُرُ ُر ُسَلنَا وَالّذِينَ آ َمنُوا فِي الْ َ‬
‫‪ .]51‬وغيها من اليات الت سبق ذكرها‪.‬‬
‫وها نن ند النب يأت يوم القيامة‪ ،‬ومعه العشرة‪ ،‬والخر معه المسة‪ ،‬وثالث ومعه‬
‫الرجلن‪ ،‬ورابع ومعه رجل واحد‪ ،‬والامس وليس معه أحد‪.‬‬
‫والمر الذي يب أل يغيب عن أذهاننا أن النب الذي معه العشرة والمسة والرهيط قد ل‬
‫يكونون قد آمنوا به واتبعوه ف حياته‪ ،‬بل قد يكون بعضهم بعد وفاته‪ ،‬لن الذين رآهم‬
‫رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم من أمته ليسوا الذين آمنوا به ف حياته صلى ال عليه‬
‫وسلم فقط‪ ،‬بل منهم من آمن به ف حياته‪ ،‬ومنهم من آمن به بعد وفاته إل قيام الساعة‪،‬‬
‫وإن كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتلف عن غيه من النبياء بأنه خاتهم‬
‫وآخرهم‪.‬‬
‫وبذا نفهم أن النتصار ليس بكثرة التباع فحسب‪ ،‬وقبول الناس واستجابتهم‪ ،‬هذا نوع‬
‫من أنواع النتصار كما سبق‪ ،‬وباصة إذا كان التباع على النهج الق‪ ،‬وإل فل عبة‬
‫بالكثرة والقلة‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫والعادلة الت نرج منها‪ ،‬والقيقة الت نظفر با‪ ،‬أن النب ‪-‬كل نب‪ -‬ل شك ف انتصاره‬
‫ف الياة الدنيا قبل الخرة‪ ،‬وها نن ند عددا من النبياء ليس معهم إل أفرادا‪ ،‬بل‬
‫بعضهم ليس معه أحد‪.‬‬
‫فالنتيجة أن هناك أنواعًا أخرى من النتصار‪ ،‬أشل ما قد يتبادر إل أذهان كثي من الناس‪،‬‬
‫وبعض الدعاة‪ .‬إن إدراكنا لذه القيقة وتعاملنا معها هو نوع من النتصار الذي نبحث‬
‫عنه بل هو أول الطوات لتحقيق النتصار‪.‬‬
‫‪ -2‬الديث الثان‬
‫عن خباب بن الَرَتْ ( قال‪ " :‬شكونا إل رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم وهو متوسد‬
‫بردة ف ظل الكعبة‪ ،‬فقلنا‪ :‬إل تستنصر لنا‪ ،‬أو تدعو لنا؟ فقال‪ :‬قد كان من قبلكم يؤخذ‬
‫الرجل فيُحفر له ف الرض فيجعل فيها‪ ،‬ث يؤتى بالنشار فيوضع على رأسه فيجعل‬
‫نصفي‪ ،‬ويشط بأمشاط الديد ما دون لمه وعظمه‪ ،‬ما يبعده ذلك عن دينه‪ ،‬وال ليتمن‬
‫ال ‪-‬تعال‪ -‬هذا المر‪ ،‬حت يسي الراكب من صنعاء إل حضرموت فل ياف إل ال‬
‫والذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم تستعجلون " (‪.)2‬‬
‫ولنقف هذه الوقفات‪:‬‬
‫‪ -1‬خبّاب ( جاء إل رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم يطلب منه الدعاء بالنصر ‪ -‬هكذا‬
‫أطلق خباب‪ ،‬وهو يريد النصر الظاهر‪ ،‬برفع العذاب والذى الذي كانت قريش تصبه‬
‫على رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم وصحابته‪.‬‬
‫فنقله رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم نقلة أخرى مبينا له معن آخر من معان النتصار‪،‬‬
‫وهو الثبات على دين ال‪ ،‬وتمل الشاق والعقبات‪ ،‬حت لو ذهبت روح السلم فداء لدينه‬
‫وعقيدته‪.‬‬
‫‪ -2‬ث يذكر له رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم النصر الظاهر وأنه متحقق‪ ،‬ويقسم‬
‫رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم على ذلك‪ ،‬ولكنه ل يتحقق إل بعد الثبات والصب‪.‬‬
‫‪ -3‬وند أن ما ذكره رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم وأقسم على حصوله وهو إتام هذا‬
‫الدين ‪-‬وهو نوع من النتصار‪ -‬قد ل يتحقق ف حياة الداعية‪ ،‬فمسي الراكب من صنعاء‬
‫إل حضرموت حدث بعد وفاة رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫فعلى الداعية أن يعي هذا المر‪ ،‬وأن انتصار الدين ل يتعلق بشخصه‪.‬‬
‫‪ " -4‬ولكنكم تستعجلون " صدق رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم إن حرص كثي من‬
‫الدعاة على انتصار هذا الدين قد يؤدي بم إل ارتكاب ما يعوقه‪ ،‬وهو الستعجال‪ ،‬إنم‬
‫يريدون أن يروا النتائج ف حياتم‪ ،‬بل ف أول حياتم ‪-‬أحيانا‪ -‬وهذا ل يتحقق لكثي من‬
‫النبياء والرسل‪.‬‬
‫ويعلمنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن النصر يتاج إل الصب والثبات والتفاؤل مع‬
‫عدم العجلة‪.‬‬
‫ويعلمنا أن النصر أشل ما قد يتبادر إل أذهاننا‪.‬‬
‫فليس النصر مقصورا على النصر الظاهر‪ ،‬والنصر الظاهر ل يلزم أن يتحقق ف حياة‬
‫الداعية‪.‬‬
‫‪ -3‬الديث الثالث‬
‫عن أب هريرة ( قال‪ ،‬قال رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‬
‫أن ال عز وجل قال‪ " :‬من عادى ل وليا فقد آذنته بالرب " (‪ .)3‬الديث‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة غافر آية‪.51 :‬‬
‫(‪ - )2‬أخرجه البخاري (‪.)3612‬‬
‫(‪ - )3‬أخرجه البخاري (‪.)6502‬‬
‫والشاهد من هذا الديث القدسي‪ ،‬أن الؤمن إذا أيقن أن ال معه‪ ،‬ويب أن يوقن بذلك‪،‬‬
‫ومن كان وليا ل فإن ال معه‪ ،‬وإذا ال كان معه‪ ،‬يعلن الرب على من آذاه أو عاداه‪،‬‬
‫فيستلزم ذلك أن يؤمن إيانا ل شك فيه أن ال سينصره‪ ،‬لن العركة ل تعد بي الداعية‬
‫وعدوه‪ ،‬وإنا هي حرب من ال على هذا العادي‪ ،‬وبدهي أن نعلم من النتصر ومن‬
‫الاسر؟ !!‪.‬‬
‫ومادام المر كذلك‪ ،‬فإن ال ‪-‬جل وعل‪ -‬هو الذي يقدر نوع النتصار وزمانه ومكانه‪،‬‬
‫ول يضع هذا لرؤيتنا القاصرة‪ ،‬أو رغباتنا الحدودة‪ ،‬أو اجتهاداتنا البشرية‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫وما علينا إل أن نعلم يقينًا أن العركة مسومة من أولا‪ ،‬معروفة نتائجها قبل بدايتها‪ ،‬وأن‬
‫نتعامل بإياب مع هذا اليقي‪ ،‬فل نستعجل ول نيأس‪ ،‬ول نتصرف تصرفا قد يكون سببا‬
‫لرماننا من النصر الذي ل شك فيه‪( :‬وَكَانَ َحقّا عََلْينَا َنصْ ُر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ)(‪[ )1‬سورة الروم‪،‬‬
‫الية‪.]47 :‬‬
‫‪ -4‬الديث الرابع‬
‫عن عثمان بن عفان ( قال‪ :‬كان رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم إذا مر بم وهم يعذبون‬
‫يقول‪ " :‬صبا‪ ،‬آل ياسر فإن موعدكم النة " (‪.)2‬‬
‫إن الصب نوع من أعظم أنواع النتصار‪ ،‬فبالصب يسمو النسان على رغباته ويعلو على‬
‫متع الياة الدنيا‪.‬‬
‫والصب سة الرجال الخيار (ِنعْمَ الْ َعبْدُ ِإنّهُ َأوّابٌ)(‪.)3‬‬
‫إنه بالصب ينتصر على نفسه أول‪ ،‬وينتصر على عدوه‪ ،‬ثانيا‪ ،‬وينصر مبدأه ثالثا‪ .‬إننا عندما‬
‫نذكر انتصار السلم ف مراحله الول نتذكر آل ياسر‪ :‬ياسر وسية وعمار‪.‬‬
‫إن هذا البيت بصبه وجهاده‪ ،‬وتقدي حياته فداء لذا الدين‪ ،‬من وضع اللبنات الول لعزة‬
‫هذا الدين وظهوره‪.‬‬
‫لقد انتصروا على ذواتم أول‪ ،‬وعلى الشركي ثانيا‪ ،‬ونصروا السلم ثالثا‪.‬‬
‫جّنةَ َفقَدْ فَازَ)(‪[ )4‬سورة آل‬ ‫ح عَ ِن النّا ِر َوأُدْخِ َل الْ َ‬
‫ث لم النة بعد ذلك‪( ،‬فَمَنْ زُ ْحزِ َ‬
‫ك اْل َفوْ ُز الْ َكبِيُ)(‪[ )5‬سورة البوج الية‪.]11 :‬‬ ‫عمران‪ ،‬الية‪( .]185 :‬ذَلِ َ‬
‫وأجد أنّ قصة الصحاب الليل عمي بن المام ف بدر قصة تسجل انتصارًا باهرًا للداعية‪،‬‬
‫فالوقوف عندها واستخلص ما فيها من دورس وعب يعطي دللة على ما نن بصدده‪.‬‬
‫سورة العصر و حقيقة النصر‪:‬‬
‫قال المام الشافعي ‪-‬رحه ال‪" :-‬لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم"‪.)6( .‬‬
‫فما علقة هذه السورة بقيقة النتصار؟‬
‫إن هذه السورة ترسم منهج النصر بصورة واضحة جلية‪ ،‬وتصحح الفهم الاطئ بصر‬
‫قضية النتصار بصورة واحدة أو نوع منفرد‪.‬‬
‫كيف ذلك؟‬

‫‪313‬‬
‫يقسم ال ‪ -‬سبحانه وتعال‪ -‬أن كل إنسان ف خسر‪ ،‬أي خسارة وهلك وبوار‪ ،‬إل من‬
‫استثن بعد ذلك‪.‬‬
‫والستثن من الاسرين‪ ،‬هو الفائز والرابح والنتصر‪.‬‬
‫فلننظر ف شروط النتصار‬
‫‪ -1‬اليان‪( ،‬إِلّا الّذِينَ آ َمنُوا)(‪.)7‬‬
‫‪ -2‬عمل الصالات‪َ ( ،‬وعَمِلُوا الصّالِحَاتِ)(‪.)8‬‬
‫حقّ)(‪.)9‬‬ ‫صوْا بِالْ َ‬
‫‪ -3‬التواصي بالق‪َ ( ،‬وَتوَا َ‬
‫صوْا بِالصّبْرِ)(‪.)10‬‬ ‫‪ -4‬التواصي بالصب‪َ ( ،‬وَتوَا َ‬
‫هذه شروط النصر‪ ،‬فمن استكملها فقد خرج من السران ونا‪ ،‬وبالتال فقد انتصر وفاز‬
‫وأفلح‪.‬‬
‫وهنا ‪-‬بعد تقرير هذه القضية‪ -‬نأت للدللة على فهم حقيقة النتصار ف هذه السورة‪.‬‬
‫فال ‪-‬سبحانه وتعال‪ -‬ل يذكر من شروط النتصار تقق النتائج‪ ،‬واهتداء الناس‬
‫واستجابتهم‪.‬‬
‫إذن النصر ليس مصورا ف تلك السورة فقط‪ ،‬وال ‪-‬سبحانه‪ -‬حكم بانتصار السلم‬
‫وناته من السران إذا استكمل الشروط الربعة‪ ،‬وليس منها أن يستجيب الناس له‪ ،‬أو أن‬
‫تتحقق الهداف الت يسعى إليها‪ ،‬فهذا المر ليس له‪ ،‬وليس من لوازم النصر‪ ،‬وهذا رحة‬
‫من ال وفضل (وَاللّهُ ذُو اْلفَضْ ِل اْلعَظِيمِ)(‪[ )11‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪.]105 :‬‬
‫بل قد استوقفن ف هذه السورة أمران مهمان‪ ،‬لما علقة ف رسم منهج النتصار‪ ،‬وها‪:‬‬
‫‪ -1‬التواصي بالق‪ ،‬لن النسان قد يضعف أو يزل أو ينحرف‪ ،‬فيحتاج إل من يوصيه‬
‫بالنهج‪ ،‬مافظة عليه وصيانة له‪ ،‬فكم من إنسان يتصور أنه على الق‪ ،‬وهو قد حاد عنه‪،‬‬
‫واتبع السبل من حيث ل يدري‪ ،‬ومع ذلك يقول‪:‬‬
‫لاذا ل أنتصر‪ ،‬وما سر تأخر النصر؟ (ُق ْل ُهوَ مِ ْن ِعنْدِ َأْنفُسِكُمْ)(‪[ )12‬سورة آل عمران‪،‬‬
‫الية‪.]165 :‬‬
‫فالتواصي بالق سبيل لتحقق النصر الذي وعد ال به عباده الؤمني‪ ،‬وعاصم من النراف‬
‫عن صراط ال الستقيم‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫‪ -2‬التواصي بالصب‪:‬‬
‫ول يكن أن يتحقق النصر لستعجل الشيء قبل أوانه‪ ،‬ول لليائس والقانط من رحة ال‪.‬‬
‫والتواصي بالصب ينع من الستعجال‪ ،‬ويبعد اليأس والقنوط‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الروم آية‪.47 :‬‬
‫(‪ - )2‬رواه الاكم ‪ 389 - 3/388‬وصححه اللبان ف فقه السية (‪.)107‬‬
‫(‪ - )3‬سورة ص آية‪.30 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة آل عمران آية‪.185 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة البوج آية‪.11 :‬‬
‫(‪ - )6‬تفسي ابن كثي ‪.4/547‬‬
‫(‪ - )7‬سورة العصر آية‪.3 :‬‬
‫(‪ - )8‬سورة آية‪.3 :‬‬
‫(‪ - )9‬سورة العصر آية‪.3 :‬‬
‫(‪ - )10‬سورة العصر آية‪.3 :‬‬
‫(‪ - )11‬سورة البقرة آية‪.105 :‬‬
‫(‪ - )12‬سورة آل عمران آية‪.165 :‬‬
‫ومن هنا فإن الؤمن إذا التزم بالق وتسك به وسار عليه ول يد عنه‪ ،‬ث صب وصابر غي‬
‫ق مِنَ اللّهِ قِيلً)(‪[ )1‬سورة‬
‫مستعجل ول يائس‪ ،‬فإن النصر متحقق له ل مالة ( َومَنْ أَصْ َد ُ‬
‫النساء‪ ،‬الية‪ .]122 :‬بل إن التزام الق والصب‪ ،‬هو النصر الذي ل يتحقق نصر دونه‪.‬‬

‫أسباب تأخر النصر الظاهر‬


‫النفس مبولة على حبّ العاجل‪ ،‬وتقق النصر الظاهر لدين ال أمر مبب إل النفس كيف‬
‫حبّوَنهَا‬‫ل‪ ،‬وهو ظهور دين ال وقمع الباطل وأهله‪ ،‬ولذلك قال ‪-‬سبحانه‪َ ( :-‬وأُ ْخرَى تُ ِ‬
‫َنصْ ٌر مِنَ اللّ ِه وََفتْحٌ قَرِيبٌ َوبَشّرِ الْ ُمؤْ ِمنِيَ)(‪[ )2‬سورة الصف‪ ،‬الية‪.]13 :‬‬
‫ونن مأمورون بالسعي لقامة دين ال (وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى ل َتكُونَ ِفْتَنةٌ َوَيكُونَ الدّينُ ِللّهِ)(‬
‫‪[ )3‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪.]193 :‬‬

‫‪315‬‬
‫وكثي من الناس ‪-‬وأخص الدعاة منهم‪ -‬يستبطئون تقق النصر‪ ،‬وقد يسبب لم هذا المر‬
‫شيئا من اليأس أو النراف عن النهج‪ ،‬ويغفلون عن السباب الت تؤخر النصر الظاهر‪،‬‬
‫مع أن معرفة هذه السباب أمر مهم‪ ،‬وله آثاره اليابية على حياة الدعاة والدعوين‬
‫والتباع‪ ،‬وذلك أن هذه السباب على نوعي‪:‬‬
‫‪ -1‬أسباب سلبية‪ ،‬والعرفة با سبيل إل تلفيها وإزالتها‪.‬‬
‫‪ -2‬أسباب إيابية‪ ،‬وفقهها وإدراكها عامل مؤثر ف ثبات الداعية على النهج الربان‪،‬‬
‫سواء تقق النصر عاجل أو آجل‪.‬‬
‫وسأقف مع أبرز السباب الت تكون عامل مؤثرا ف تأخي النصر أو عدم وقوعه ف حياة‬
‫الداعية أو على يديه‪ ،‬وسأختصر فيها حسب مقتضى القام‪:‬‬
‫‪ -1‬تلف بعض أسباب النصر الشروعة‪:‬‬
‫وذلك أن للنصر أسبابًا‪ ،‬فإذا تلّفتْ هذه السباب أو بعضها تلف النصر؛ لن السبب‬
‫عند الصوليي‪ ،‬هو ما يلزم من وجوده الوجود‪ ،‬ومن عدمه العدم لذاته‪ ،‬وإن كان ل يلزم‬
‫من وجود السبب هنا وجود النصر لانع آخر‪ ،‬ولكن يلزم من عدمه العدم‪.‬‬
‫فمثل‪ :‬ند من أسباب النصر الشروعة العداد للمعركة لن ال ‪-‬تعال‪ -‬يقول‪:‬‬
‫خيْ ِل تُ ْر ِهبُونَ بِهِ عَ ُدوّ اللّ ِه َوعَ ُدوّكُ ْم وَآ َخرِينَ‬ ‫ط الْ َ‬ ‫( َوأَعِدّوا َلهُ ْم مَا اسْتَ َط ْعتُ ْم مِنْ ُق ّوةٍ َومِنْ ِربَا ِ‬
‫مِنْ دُوِنهِ ْم ل َتعْلَمُوَنهُمُ اللّ ُه َيعْلَ ُمهُمْ)(‪[ )4‬سورة النفال‪ ،‬الية‪ .]60 :‬فعدم الخذ‬
‫بالسباب سبب من أسباب الزية أو تأخر النصر‪.‬‬
‫‪ -10‬قد يكون انتصار الداعية بعد وفاته أعظم من انتصاره ف حياته‪ ،‬لن الراد هو‬
‫انتصار النهج‪ ،‬أما الشخاص فإن ال قد تكفل بإثابتهم وإكرامهم‪ ،‬جزاء دعوتم‬
‫وصدقهم‪ ،‬ولذلك جاءت اليات تبي هذا المر‪:‬‬
‫سبَ ّن الّذِينَ ُقِتلُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتا بَلْ أَ ْحيَا ٌء عِنْدَ َرّبهِمْ يُرْزَقُونَ)(‪[ )5‬سورة آل‬ ‫(وَل َتحْ َ‬
‫عمران‪ ،‬الية‪( .]169 :‬قَا َل يَا َلْيتَ َق ْومِي َيعْلَمُونَ بِمَا َغفَرَ لِي َربّي وَ َجعََلنِي مِنَ‬
‫جّنةَ بِمَا ُكنْتُ ْم َتعْمَلُونَ)(‪)7‬‬ ‫الْ ُمكْ َرمِيَ)(‪[ )6‬سورة يس‪ ،‬الية‪( .]27 ،26 :‬ادْخُلُوا الْ َ‬
‫[سورة النحل‪ ،‬الية‪ِ( .]32 :‬إ ّن الّذِينَ قَالُوا َرّبنَا اللّ ُه ثُ ّم اسَْتقَامُوا َتَتنَزّ ُل عََلْيهِ ُم الْمَلئِ َكةُ أَلّا‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا‬
‫جّن ِة اّلتِي ُكْنتُمْ تُوعَدُونَ َنحْنُ َأوِْليَاؤُكُمْ فِي الْ َ‬ ‫ح َزنُوا َوَأبْشِرُوا بِالْ َ‬ ‫تَخَافُوا وَل تَ ْ‬

‫‪316‬‬
‫سكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَ ّدعُونَ)(‪[ )8‬سورة فصلت‪،‬‬ ‫وَفِي الْآ ِخ َرةِ وََلكُمْ فِيهَا مَا تَشَْتهِي َأْنفُ ُ‬
‫الية‪ .]31 ،30 :‬إل غي ذلك من اليات‪.‬‬
‫وكم من داعية ل ينتصر الدين ف حياته‪ ،‬ولكنه انتصر أعظم النتصار بعد ماته‪ ،‬فهذا عبد‬
‫ال الغلم‪ ،‬وسبق بيان قصته‪ ،‬وكذلك شيخ السلم ابن تيمية مات ف سجنه‪ ،‬ولكن‬
‫منهجه انتصر انتصارا باهرا بعد عدة قرون من وفاته‪.‬‬
‫وسيد قطب سجن ث قتل‪ ،‬ولكن مؤلفاته انتشرت أكب النتشار بعد قتله!!‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة النساء آية‪.122 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الصف آية‪.13 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة البقرة آية‪.193 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة النفال آية‪.60 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة آل عمران آية‪.169 :‬‬
‫(‪ - )6‬سورة يس آية‪.27-26 :‬‬
‫(‪ - )7‬سورة النحل آية‪.32 :‬‬
‫(‪ - )8‬سورة فصلت آية‪.31-30 :‬‬
‫‪ -11‬أن تأخر النصر فيه ابتلء وتحيص للدعاة‪ ،‬وفيه من العب والدروس ما يفيد‬
‫جّن َة وَلَمّا َي ْأتِكُ ْم َمثَلُ‬
‫سْبتُمْ أَ ْن تَدْ ُخلُوا الْ َ‬ ‫اللحقون منه فوائد جة‪ .‬قال ‪-‬تعال‪َ( :-‬أمْ حَ ِ‬
‫سْتهُ ُم الَْب ْأسَاءُ وَالضّرّاءُ َوزُلْزِلُوا َحتّى َيقُولَ ال ّرسُولُ وَالّذِينَ آ َمنُوا‬ ‫الّذِينَ خََلوْا مِنْ َقبِْلكُ ْم مَ ّ‬
‫َمعَهُ َمتَى َنصْرُ اللّهِ أَل ِإنّ َنصْرَ اللّهِ َقرِيبٌ)(‪[ )1‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪ .]214 :‬وقال‪( :‬ال‬
‫سبَ النّاسُ َأنْ ُيتْرَكُوا َأ ْن َيقُولُوا آ َمنّا َوهُ ْم ل يُ ْفَتنُو َن وََلقَدْ َفتَنّا الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ َفَلَيعْلَمَنّ‬ ‫أَحَ ِ‬
‫اللّ ُه الّذِينَ صَدَقُوا وََلَيعْلَ َم ّن الْكَا ِذبِيَ)(‪[ )2‬سورة العنكبوت‪ ،‬الية ‪ .]3 - 1‬واليات‬
‫كثية معلومة‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فهذه أبرز أسباب تأخر النصر الظاهر حسب ما تبي ل‪ ،‬وقد تتكشف لنا أسباب تأخر‬
‫النصر‪ ،‬وقد ل تتكشف‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫والذي يب أن نعتقده أن علينا فعل السباب الشرعية‪ ،‬سعيا لنصرة دين ال‪ ،‬أما تقق‬
‫النصر فليس لنا بل هو ل ( َومَا الّنصْرُ إِلّا مِ ْن ِعنْدِ اللّهِ)(‪[ )3‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪:‬‬
‫‪.]126‬‬
‫والنصر لن يتحقق إل إذا حان موعده ف علم ال ل ف تقديرنا القاصر‪.‬‬
‫ولن يتحقق النصر إل بعد اليان الازم بوعد ال‪( ،‬وَكَانَ َحقّا عََلْينَا َنصْ ُر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ)(‪)4‬‬
‫[سورة الروم‪ ،‬الية‪.]47 :‬‬
‫أما من عنده شك وريبة فل يستحق النصر (‪.)5‬‬
‫‪ -2‬قد يكون سبب تأخر النصر حدوث مانع من الوانع‪ ،‬والانع هو‪ :‬ما يلزم من وجوده‬
‫العدم‪ ،‬ول يلزم من عدمه وجود ول عدم لذاته‪ .‬والوانع كثية جدا‪ ،‬كالظلم والركون‬
‫للكفار والعاصي وغيها‪ .‬وموانع النصر هي أسباب الزية‪ ،‬ولذلك ند ف غزوة أحد لا‬
‫بدت علمات النصر ث وقعت الخالفة من الرماة لمر الرسول‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‬
‫صبْتُ ْم ِمثَْلْيهَا قُ ْلتُمْ َأنّى هَذَا‬
‫حلت الزية‪ ،‬كما قال ‪ -‬تعال‪َ( :-‬أوَلَمّا أَصَاَبتْكُ ْم ُمصِيَبةٌ قَدْ أَ َ‬
‫سكُمْ)(‪[ )6‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪ .]165 :‬قال ممد بن إسحاق‬ ‫قُ ْل ُهوَ مِ ْن عِنْدِ َأْنفُ ِ‬
‫سكُمْ)(‪ )7‬أي بسبب عصيانكم‬ ‫وابن جرير والربيع بن أنس والسدي‪( .‬قُ ْل ُه َو مِ ْن ِعنْدِ َأنْفُ ِ‬
‫لرسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم حي أمركم أل تبحوا مكانكم فعصيتم‪ ،‬يعن بذلك‬
‫الرماة‪.)8( .‬‬
‫وف حني لاذا تأخر النصر‪ ،‬يقول ‪ -‬سبحانه‪َ( :-‬لقَ ْد َنصَرَكُمُ اللّهُ فِي َموَاطِنَ َكثِيَ ٍة َوَي ْومَ‬
‫جَبتْكُمْ َكثْ َرُتكُمْ فََل ْم ُتغْنِ َعْنكُ ْم َشيْئا وَضَاَقتْ عََليْكُ ُم اْلأَ ْرضُ بِمَا رَ ُحَبتْ ثُمّ‬ ‫ُحَنيْنٍ إِذْ َأعْ َ‬
‫وَّليْتُ ْم مُ ْدبِرِينَ)(‪.)9‬‬
‫حيث ذكر ال ‪ -‬سبحانه‪ -‬أن قول أحد السلمي لن نغلب اليوم من قلة‪ ،‬وكان عددهم (‬
‫‪ )12‬ألفا (‪ )10‬مانعا من موانع النصر‪ ،‬لن ال ‪ -‬سبحانه‪ -‬وكلهم إل كثرتم فلم‬
‫تنفعهم شيئا‪ ،‬ث تقق النصر بعد ذلك عندما زال هذا الانع حيث ثبت أن الكثرة وحدها‬
‫ل تلب النصر‪ ،‬وإنا العتماد على ال ‪-‬سبحانه‪ -‬بعد الخذ بالسباب‪.‬‬
‫ومن خلل ما سبق يتضح أهية مراعاة السباب‪ ،‬والرص على تصيلها‪ ،‬مع تلف الوانع‬
‫واجتنابا‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫‪ -3‬النراف عن النهج‬
‫النراف عن النهج مانع من الوانع‪ ،‬ولكن أفردته لهية التنبيه عليه‪ ،‬فقد تتبعت‬
‫بالستقراء واقع كثي من الماعات السلمية والركات الهادية العاصرة‪ ،‬وبثت عن‬
‫سر عدم انتصارها وتقق ما تعلنه من أهداف خية نبيلة‪ ،‬حيث إن تلك الماعات تسعى‬
‫لنصرة دين ال‪ ،‬وتكيم شرعه‪ ،‬فوجدت إن من أبرز السباب ‪-‬حسب ما ظهر ل‪-‬‬
‫انرافها عن النهج الصحيح ‪-‬منهج أهل السنة والماعة‪ -‬ف ثوابتها أو وسائلها‪.‬‬
‫وقد يكون النراف يسيا ‪-‬ف نظر البعض‪ -‬ولكنه خطي جدا ومؤثر ف تقيق النصر‪.‬‬
‫فمن ذلك التساهل ف قضية العقيدة وعدم اعتبارها من الولويات الت تتميز با تلك‬
‫الماعة‪.‬‬
‫وكذلك تييع مفهوم الولء والباء‪ ،‬والركون إل الظالي ومداهنتهم‪.‬‬
‫ومن ذلك تأصيل الزبية‪ ،‬ما يؤدي إل تفريق كلمة السلمي‪ ،‬وتنافر القلوب‪ .‬وكذلك‬
‫اعتبار أن الغاية تبر الوسيلة‪ ،‬وهلم جرا‪.‬‬
‫إن ترير الصول والثوابت‪ ،‬وتنقيتها ما قد يشوبا‪ ،‬أمر جوهري وأساس ف سلمة منهج‬
‫الدعوة وصدق التوجه‪.‬‬
‫وكذلك عرض كل وسيلة من الوسائل على القواعد والصول الشرعية‪ ،‬حاية لا من‬
‫النراف تت ضغط الواقع وحجية الصلحة التوهة‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم نضوج المة‪ ،‬وضعف استعدادها إن دين ال عظيم‪ ،‬ويتاج إل أمة قد تربّت‬
‫على هذا الدين زمنا حت تتمكن من حله وتبليغه للناس‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة البقرة آية‪.214 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة العنكبوت آية‪.3-1 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة آل عمران آية‪.126 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الروم آية‪.47 :‬‬
‫(‪ - )5‬انظر ف ظلل القرآن تفسي سورة الج ‪ 4/2427‬ففيه كلم قيم حول بعض ما‬
‫ذكر‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫(‪ - )6‬سورة آل عمران آية‪.165 :‬‬
‫(‪ - )7‬سورة آل عمران آية‪.165 :‬‬
‫(‪ - )8‬انظر تفسي ابن كثي ‪.1/425‬‬
‫(‪ - )9‬سورة التوبة آية‪.25 :‬‬
‫(‪ - )10‬انظر تفسي الطبي ‪ 10/100‬وتفسي ابن كثي ‪.2/343‬‬
‫أمة قد اجتازت الشقة والعقبات قبل أن تصل على النصر‪ ،‬بل من أجل الصول عليه‪.‬‬
‫ئم إن قيام هذا الدين يتاج إل طاقات ضخمة‪ ،‬كثية العدد‪ ،‬متعددة الواهب‬
‫والتخصصات‪ ،‬وهذا المر يتاج إل زمن ليس باليسي‪ ،‬فإعداد الرجال وتربيتهم من أشق‬
‫الهمات وأصعبها‪.‬‬
‫ولذلك ند أن رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم بقي ثلثة عشر عاما يرب الرجال واحدا‬
‫واحدا‪ ،‬ويهيئ المة جاعة جاعة‪ ،‬استعدادا لمل الرسالة والذود عنها‪.‬‬
‫فقوم ف دار الرقم‪ ،‬وآخرون يهاجرون إل البشة‪ ،‬ومرة يصر المع ف شعب أب‬
‫طالب‪ ،‬ث تأت الجرة إل الدينة‪.‬‬
‫كل هذا وغيه هيأ هذه المة لمل الرسالة حت كمل الدين وفتح ال على السلمي فتحا‬
‫عظيما‪.‬‬
‫وما سبق يتضح أن هذا المر يتاج إل زمن لتمامه‪ ،‬واكتمال بنائه‪ ،‬وهو سبب من‬
‫أسباب تأخر النصر وظهور دين ال مهيمنا على البشر‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم إدراك قيمة النصر‪:‬‬
‫إن ميء النصر سريعا دون كبي مشقة ول عناء‪ ،‬يعل المة النتصرة ل تعرف قيمة هذا‬
‫النتصار‪ ،‬ومن ث ل تبذل من الهود للمحافظة عليه ما يستحقه وما يتاج إليه‪.‬‬
‫وسأضرب مثلي يوضحان هذه القيقة‪:‬‬
‫(‪ )1‬الرجل الذي عاش ف الفقر ث جد واجتهد ف تصيل الال حت أصبح غنيا‪ ،‬ند أنه‬
‫يافظ على هذا الال مافظة عجيبة‪ ،‬ويبذل كل الوسائل المكنة للذود عنه وحايته‪.‬‬

‫‪320‬‬
‫وذلك لنه ذاق طعم الفقر ومذلته‪ ،‬ث إنه تعب ف جع هذا الال وتنميته‪ ،‬فليس من‬
‫السهولة أن يفرط فيه‪ ،‬ويكره أن يعود للفقر بعد أن أخرجه ال منه‪ ،‬كما يكره أن يعود‬
‫للكفر بعد إذ أنقذه ال منه‪.‬‬
‫أما أولده وورثته‪ ،‬فتجد أن الكثي منهم ل يول هذا الال ما يستحقه من عناية واهتمام‪،‬‬
‫بل قد يعبث فيه حت يصبح فقيا‪.‬‬
‫وذلك أنه ل يعرف قيمة هذا الال‪ ،‬ول يتعب ف جعه وكسبه‪ ،‬ول يذق طعم الفقر كما‬
‫ذاقه مورثه‪.‬‬
‫(ب) قيام الدول وسقوطها‪:‬‬
‫ما يلحظ بالستقراء والتتبع أن الدول تكون إبان قيامها قوية مهابة‪ ،‬وتد أن المراء‬
‫واللفاء يبذلون جهودا مضاعفة للمحافظة على الدولة‪ ،‬وتلف جيع أسباب ضعفها‪.‬‬
‫ث تأت أجيال ل تساهم ف قيام الدولة‪ ،‬وورثت اللك كما يرث الوارث الال‪ ،‬وهنا‬
‫ينشغلون عن الدولة بكاسبها‪ ،‬ويغفلون عن تبعاتا‪ ،‬وتبدأ الدولة ف الضعف والتفكك‬
‫حت قد يئول المر إل سقوطها‪.‬‬
‫ولذا فإن ميء النصر دون تعب أو عناء قد يكون سببا ف عدم استمراره‪ ،‬وصعوبة‬
‫الحافظة عليه‪ ،‬ومن هنا فقد تقتضي حكمة ال أن يتأخر النصر حت يستوي المر ويوجد‬
‫الرجال الذين يعرفون قيمة النصر‪ ،‬والثمن الذي يستحقه‪.‬‬
‫‪ -6‬قد يكون ف علم ال ‪-‬جل وعل‪ -‬أن هؤلء لو انتصروا لن يقوموا بتكاليف‬
‫النتصار‪ )1( ،‬من إقامة حكم ال ف الرض‪ ،‬والمر بالعروف والنهي عن النكر‪ ،‬وإقام‬
‫الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ .‬وذلك أن النتصار ليس مرادا لذاته‪ ،‬وإنا لا يتحقق منه‪ ،‬وهو‬
‫إخاد الفتنة‪ ،‬وأن يكون الدين كله ل‪.‬‬
‫ي عَزِي ٌز الّذِينَ إِنْ‬ ‫وهذا ما يفهم من قوله ‪-‬تعال‪( :-‬وََلَيْنصُ َرنّ اللّ ُه مَ ْن َيْنصُ ُرهُ إِنّ اللّهَ َل َقوِ ّ‬
‫ف َوَن َهوْا عَ ِن الْ ُمْنكَ ِر وَلِلّهِ‬‫َمكّنّاهُمْ فِي اْلأَ ْرضِ أَقَامُوا الصّلةَ وَآَتوُا الزّكَا َة َوَأمَرُوا بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫عَاِقبَ ُة اْلأُمُورِ)(‪[ )2‬سورة الج‪ ،‬الية‪ .]41 ،40 :‬وقد ل نعلم نن سبب ذلك ولكن ال‬
‫يعلمه‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫وذلك أن هناك فئة من الناس تثبت ف حالة الشدة والعناء‪ ،‬وتصمد ف حالة الواجهة‬
‫والبلء ولكنها تضعف وتتقهقر ف حالة النعم والرخاء والمن‪.‬‬
‫وقوم هذه حالم ل يستحقون النصر‪ ،‬وال أعلم با كان‪ ،‬وما يكون‪ ،‬وما ل يكن لو كان‬
‫كيف يكون‪.‬‬
‫‪ -7‬من أسباب تأخر النصر أن الباطل الذي ياربه الدعاة ل ينكشف زيفه للناس تاما‪،‬‬
‫فقد يد له أنصارا من الخدوعي فيه‪ ،‬من هم ليسوا على هذا الباطل‪ ،‬ول يقرونه لو‬
‫اكتشفوا حقيقته‪.‬‬
‫ومن أبرز المثلة على ذلك قصة النافقي‪ ،‬فكثي من الصحابة ‪-‬رضوان ال عليهم‪ -‬ل‬
‫يكونوا يعرفون عددا من أقطاب النفاق‪ ،‬بل إنم يسنون الظن بم‪ ،‬ولذلك وجدنا من‬
‫يدافع عنهم‪ ،‬حت إن بعض كبار الصحابة من النصار كانوا يدافعون عن عبد ال بن ُأبَيّ‪،‬‬
‫لعدم معرفتهم با كان عليه من الباطل وباصة ف أول العهد الدن‪.‬‬
‫ولا جاء زيد بن أرقم وأخب عن مقولة عبد ال بن أب بن سلول ف غزوة بن الصطلق‪،‬‬
‫قال عمر بن الطاب لرسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم مر عباد بن بشر فليقتله‪ ،‬فقال‬
‫رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم " فكيف يا عمر إذا تدث الناس أن ممدا يقتل‬
‫أصحابه؟ ل!! ولكن أذن بالرحيل "‬
‫إذن النافقون ف نظر كثي من الناس أصحاب لرسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم لن‬
‫حقيقتهم ل تنكشف للناس‪ ،‬وحقيقتهم‪( ،‬هُ ُم اْلعَ ُدوّ فَاحْ َذ ْرهُمْ قَاتََلهُمُ اللّهُ َأنّى ُيؤَْفكُونَ)(‬
‫‪[ )3‬سورة النافقون‪ ،‬الية‪.]4 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬هذا السبب يتلف عن الذي قبله فتأمل‪.‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الج آية‪.41-40 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة النافقون آية‪.4 :‬‬
‫ولذلك قال رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم لعمر ف ناية الطاف لا تكشفت حقيقة‬
‫هؤلء عند كثي من السلمي‪ " :‬كيف ترى يا عمر؟ أما وال لو قتلته يوم قلت ل‪ :‬اقتله‪،‬‬

‫‪322‬‬
‫لرعدت له آنف لو أمرتا اليوم تقتله لقتلته قال عمر‪ :‬قد وال علمت لمر رسول ال‪،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم أعظم بركة من أمري "‬
‫ق تصوير وبيان‪.‬‬ ‫فهذا الديث يصور معن هذا السبب الذي ذكرته أد ّ‬
‫والدخول ف معركة مع قوم ل تنكشف حقيقة أمرهم تاما‪ ،‬له آثاره السلبية على المة‬
‫السلمة‪ ،‬إذ أن بعض السلمي سيقف ف صف أولئك‪ ،‬كما وقف بعض الصحابة مع‬
‫النافقي‪.‬‬
‫كما ف الديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عائشة ف قصة الفك وجاء فيه‪:‬‬
‫" فقام رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد ال بن أب بن سلول‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فقال رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم وهو على النب‪ :‬يا معشر السلمي من‬
‫يعذرن من رجل قد بلغن أذاه ف أهلي‪ ،‬فوال ما علمت على أهلي إل خيا‪ ،‬ولقد ذكروا‬
‫رجل ما علمت عليه إل خيا‪ ،‬وما كان يدخل على أهلي إل معي فقام سعد بن معاذ‬
‫النصاري ( فقال‪ :‬أنا أعذرك منه يا رسول ال‪ ،‬إن كان من الوس ضربنا عنقه‪ ،‬وإن كان‬
‫من إخواننا من الزرج أمرتنا ففعلنا بأمرك‪ ،‬قالت‪ :‬فقام سعد بن عبادة ‪-‬وهو سيد‬
‫الزرج‪ -‬وكان رجل صالا‪ ،‬ولكن احتملته المية‪ ،‬فقال لسعد بن معاذ‪ :‬كذبت لعمر‬
‫ال‪ ،‬ل تقتله ول تقدر على قتله‪ ،‬ولو كان من رهطك‪ ،‬ما أحببت أن يقتل‪ ،‬فقام أسيد بن‬
‫حضي ‪-‬وهو ابن عم سعد بن معاذ‪ -‬فقال لسعد بن عبادة‪ :‬كذبت لعمر ال لنقتلنه‪،‬‬
‫فإنك منافق تادل عن النافقي‪.‬‬
‫فثار اليان‪ ،‬الوس والزرج حت هوا أن يقتتلوا ورسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم على‬
‫النب‪ ،‬فلم يزل رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم يفضهم حت سكتوا‪ ،‬وسكت رسول‬
‫ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‪ " " ...‬الديث (‪.)1‬‬
‫وقد ل يقف بعض السلمي مع هؤلء‪ ،‬ولكن سيكون وقوفهم مع الدعاة ضعيفا ومترددا‪،‬‬
‫لنم ل يتيقنوا أن هؤلء على الباطل‪ ،‬ما يؤثر على العركة الت يوضها السلمون ضد‬
‫أعدائهم‪ ،‬وقد يؤدي إل فرقة السلمي وتأخر النصر‪.‬‬
‫‪ -8‬ومن أسباب تأخر النصر‪ ،‬أن البيئة الحَا َربَة قد تكون غي صالة بعد لستقبال الق‬
‫والي والعدل‪ ،‬ما يقتضي أمورًا تيئها لذلك قبل الدخول معها ف معركة‪ ،‬ومن ذلك بذل‬

‫‪323‬‬
‫جيع الوسائل الشرعية لبيان أن هؤلء القوم ‪-‬الحاربي‪ -‬على الباطل‪ ،‬وماولة إقناعهم‬
‫ودعوتم وبيان حقيقة السلم‪ ،‬وفساد ما هم عليه من باطل‪.‬‬
‫فإن هذا المر إن ل يكن سببًا ف هدايتهم قبل العركة فإنه وسيلة لعرفة الق‪ ،‬ومن ث‬
‫القبول به بعد العركة‪ ،‬ولذا فإن الدعوة إل السلم تسبق الدخول ف العركة‪.‬‬
‫‪ -9‬ومن أسباب عدم الستجابة لدين ال(‪ )2‬أن عوامل النصر قد تتوافر بالنسبة للداعية‪،‬‬
‫لكن هناك موانع تتعلق بالدعوين ‪ -‬كالمر السابق‪ -‬ومن ذلك عدم تقدير ال هداية‬
‫س الّذِينَ آ َمنُوا أَنْ َلوْ‬
‫هؤلء القوم‪ ،‬حيث كتب عليهم الضللة‪ ،‬قال ‪-‬سبحانه‪( :-‬أََفلَ ْم َييْأَ ِ‬
‫يَشَاءُ اللّهُ َلهَدَى النّاسَ َجمِيعا)(‪[ )3‬سورة الرعد‪ ،‬الية‪ .]31 :‬وقال‪َ( :‬ف ِمْنهُمْ مَنْ هَدَى‬
‫ت عََليْ ِه الضّلَلةُ)(‪[ )4‬سورة النحل‪ ،‬الية‪ .]36 :‬وقال ‪-‬جل وعل‪:-‬‬ ‫اللّ ُه َومِْنهُ ْم مَنْ َحقّ ْ‬
‫ك الّذِينَ لَ ْم يُ ِردِ اللّهُ َأنْ يُ َطهّرَ قُلُوَبهُمْ)(‪[ )5‬سورة الائدة‪ ،‬الية‪ .]41 :‬إل غي ذلك‬ ‫(أُولَئِ َ‬
‫من اليات (‪.)6‬‬
‫التنازل من أجل النتصار‬
‫ما لفت نظري ف واقع كثي من الدعاة والماعات السلمية العاصرة أنا قد تستبطئ‬
‫النصر‪ ،‬وحرصا منها على دين ال‪ ،‬وتأثرا بكثرة النتقادات الت توجه لا‪ ،‬لاذا ل تقق‬
‫أهدافها بالرغم ما تبذله من جهود‪ ،‬وما مضى من زمن‪ ،‬فإنا من أجل ذلك كله ولغيه‬
‫من السباب قد تقدم بعض التنازلت للحصول على بعض الكاسب للدعوة‪.‬‬
‫وقد تنوعت صور هذه التنازلت وتعددت‪ ،‬وهم بي مقل ومكثر‪.‬‬
‫ولن من أبرز أسباب هذا المر ‪-‬كما ذكرت‪ -‬هو الرص لتحقيق النتصار لدين ال‪ ،‬أو‬
‫للدعاة وللجماعات (‪ )7‬ولرتباطه الوثيق ف موضوعنا‪ ،‬حيث أشرت إل ذلك ف أول‬
‫هذا البحث‪.‬‬
‫فإنن سأقف وقفة مناسبة مع هذه القضية وسأحاول بيانا بإياز‪ ،‬نظرا لن هذا المر‬
‫يستحق بثا مستقل مفصل‪ ،‬ول أستطيع أن أقوم بذلك من خلل هذا البحث‪ ،‬ولعل ال‬
‫أن يقيض له من يليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬أخرجه البخاري (‪ )4141‬ومسلم (‪.)2770‬‬

‫‪324‬‬
‫(‪ - )2‬واستجابة الناس انتصار لدين ال‪ ،‬حت لو ل يكن هناك معركة وقتال "إذا جاء‬
‫نصر ال والفتح"‪.‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الرعد آية‪.31 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة النحل آية‪.36 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة الائدة آية‪.41 :‬‬
‫(‪ - )6‬وانظر تفسي الطبي ‪ 30/331‬تفسي سورة الكافرون لتجد كلما جيدا‪.‬‬
‫(‪ - )7‬وانتصار الداعية انتصار لدين ال‪ ،‬كما أن انتصار الدين نصر للداعية‪.‬‬
‫وقد ذهبت أتأمل ما ورد ف ذلك ف كتاب ال ‪-‬ف ضوء منهجي ف هذه الرسالة‪-‬‬
‫فوقفت أمام ثلث قضايا وردت ف القرآن الكري‪ ،‬عالها القرآن‪ ،‬ورسم لنا من خللا‬
‫منهجا نسي عليه دون زلل أو خلل‪.‬‬
‫وسأذكر كل قضية‪ ،‬وأسلوب معالتها‪ ،‬ث أذكر ف النهاية خلصة ما توصلت إليه حول‬
‫هذا المر‪ ،‬وأسأل ال التوفيق والسداد‪.‬‬
‫القضية الول‪ :‬سبب نزول سورة الكافرون‪:‬‬
‫قال المام الطبي‪ :‬حدثن ممد بن موسى الرشي قال‪ :‬ثنا أبو خلف‪ ،‬قال‪ :‬ثنا داود‪،‬‬
‫عن عكرمة عن ابن عباس‪ " ،‬أن قريشا وعدوا رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم أن يعطوه‬
‫مال‪ ،‬فيكون أغن رجل بكة‪ ،‬ويزوجوه ما أراد من النساء‪ ،‬ويطئوا عقبه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬هذا‬
‫لك عندنا يا ممد‪ ،‬وكف عن شتم آلتنا‪ ،‬فل تذكرها بسوء‪ ،‬فإن ل تفعل فإنا نعرض‬
‫عليك خصلة واحدة فهي لك ولنا فيها صلح‪ ،‬قال‪ :‬ما هي‪ ،‬قالوا‪ :‬تعبد آلتنا سنة‪،‬‬
‫اللت والعزى‪ ،‬ونعبد إلك سنة‪ ،‬قال‪ :‬حت أنظر ما يأت من عند رب‪ ،‬فجاء الوحي من‬
‫اللوح الحفوظ " قُ ْل يَا َأّيهَا اْلكَافِرُونَ " السورة‪ ،‬وأنزل ال‪( :‬قُلْ أََف َغيْرَ اللّ ِه َت ْأمُرُونّي َأعْبُدُ‬
‫َأيّهَا الْجَاهِلُونَ) إل قوله‪( :‬فَا ْعبُدْ وَكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ) " (‪[ )1‬سورة الزمر‪ ،‬الية‪،64 :‬‬
‫‪.]66 ،65‬‬
‫وقال الطبي‪ :‬أيضا ‪-‬حدثن يعقوب‪ ،‬قال حدثنا ابن علية‪ ،‬عن ممد بن إسحاق‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ثن سعيد بن ميناء مول البختري‪ ،‬قال‪ " :‬لقي الوليد بن الغية والعاص بن وائل والسود‬
‫بن الطلب وأمية بن خلف رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم فقالوا‪ :‬يا ممد‪ ،‬هلم فلنعبد‬

‫‪325‬‬
‫ما تعبد‪ ،‬وتعبد ما نعبد‪ ،‬ونشركك ف أمرنا كله‪ ،‬فإن كان الذي جئت به خيا ما بأيدينا‬
‫كنا قد شركناك فيه‪ ،‬وأخذنا بظنا منه‪ ،‬وإن كان الذي بأيدينا خي ما ف يديك كنت قد‬
‫شركتنا ف أمرنا‪ ،‬وأخذت منه بظك‪ ،‬فأنزل ال‪( :‬قُ ْل يَا َأّيهَا الْكَافِرُونَ) " [سورة‬
‫الكافرون‪ ،‬الية‪ .]1 :‬حت انقضت السورة (‪.)2‬‬
‫إننا ند ف هذه السباب أن قريشا طلبت من رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم أن يتنازل‬
‫لا‪ ،‬وتتنازل له حت يلتقيا حول نقطة واحدة‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬لو أن رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم وافقهم على ذلك‪ ،‬وطلب منهم‬
‫أن يبدأوا بعبادة ال أول‪ ،‬فإنم إذا عرفوا السلم لن يرجعوا عنه‪ ،‬وف هذا تقيق مكسب‬
‫كبي للسلم‪ ،‬وتقيق انتصار‪ ،‬ورفع للبلء الذي يلقيه السلمون‪.‬‬
‫والواب أن ال قد حسم هذه القضية‪( ،‬ل َأ ْعبُدُ مَا َت ْعبُدُونَ وَل َأْنتُمْ عَابِدُو َن مَا أَ ْعبُدُ)(‪)3‬‬
‫وف آخرها (َلكُمْ دِينُكُ ْم وَِليَ دِينِ)(‪[ )4‬سورة الكافرون‪ ،‬الية‪.]6:‬‬
‫فالقضية قضية مبدأ‪ ،‬غي قابلة للمساومة ول لتنازل قيد أنلة‪ ،‬فهذه مسألة من مسائل‬
‫العقيدة‪ ،‬بل هي العقيدة نفسها‪.‬‬
‫ودفعا لي احتمال أو طمع ف هؤلء قال ‪-‬سبحانه‪( :-‬وَل َأنْتُ ْم عَابِدُونَ مَا َأ ْعبُدُ)(‪)5‬‬
‫مرتي‪ ،‬فهو تأكيد حاسم‪ ،‬وخب جازم من عند علم الغيوب‪ ،‬أنم لن يعبدوا ال أبدا‪ ،‬ل‬
‫ف الاضر‪ ،‬ول ف الستقبل‪ ،‬وكأن بعد إيانم كبعد استجابة الرسول‪ ،‬صلى ال عليه‬
‫وسلم لطلبهم‪ ،‬وهكذا كان‪ ،‬قال المام الطبي‪:‬‬
‫(وَل َأْنتُ ْم عَابِدُو َن مَا َأعْبُدُ)(‪ )6‬فيما تستقبلون أبدا "ما أعبد" أنا الن‪ ،‬وفيما أستقبل‪ ،‬وإنا‬
‫قيل ذلك كذلك‪ ،‬لن الطاب من ال كان لرسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ف أشخاص‬
‫بأعيانم من الشركي‪ ،‬قد علم أنم ل يؤمنون أبدا‪ ،‬وسبق لم ذلك ف السابق من علمه‪،‬‬
‫فأمر نبيه‪ ،‬صلى ال عليه وسلم أن يؤيسهم من الذي طمعوا فيه‪ ،‬وحدثوا به أنفسهم‪ ،‬وإن‬
‫ذلك غي كائن منه ول منهم ف وقت من الوقات‪ ،‬وآيس نب ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‬
‫من الطمع ف إيانم‪ ،‬ومن أن يفلحوا أبدا‪ ،‬فكانوا كذلك ل يفلحوا‪ ،‬ول ينجحوا إل أن‬
‫قتل بعضهم يوم بدر بالسيف‪ ،‬وهلك بعض قبل ذلك كافرا‪ ،‬وبنحو الذي قلنا ف ذلك‬
‫قال أهل التأويل‪ ،‬وجاءت به الثار‪)7(.‬‬

‫‪326‬‬
‫إن التأمل ف هذه القضية‪ ،‬وكيف حسمها القرآن‪ ،‬يعطي من الدورس ما نن بأمس‬
‫الاجة إليه‪ ،‬بل يرسم منهجا واضحا جليا ف كيفية مواجهة أساليب كثي من أعداء‬
‫السلم حاضرا ومستقبل‪.‬‬
‫القضية الثانية‪ :‬سبب نزول قوله ‪-‬تعال‪( :-‬وَل تَطْ ُر ِد الّذِينَ يَ ْدعُونَ َرّبهُ ْم بِاْلغَدَاةِ‬
‫شيّ)(‪[ )8‬سورة النعام‪ ،‬الية‪.]52 :‬‬ ‫وَالْعَ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬تفسي الطبي ‪.3/331‬‬
‫(‪ - )2‬تفسي الطبي ‪.30/331‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الكافرون آية‪.2 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الكافرون آية‪.6 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة الكافرون آية‪.3 :‬‬
‫(‪ - )6‬سورة الكافرون آية‪.3 :‬‬
‫(‪ - )7‬تفسي الطبي ‪.3/331‬‬
‫(‪ - )8‬سورة النعام آية‪.52 :‬‬
‫قال الطبي ‪-‬مسندا إل ابن مسعود‪ ،‬قال‪ " :‬مر الل من قريش بالنب‪ ،‬صلى ال عليه‬
‫وسلم وعنده صهيب وعمار وبلل وخباب ونوهم من ضعفاء السلمي‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا ممد‪:‬‬
‫أرضيت بؤلء من قومك‪ ،‬هؤلء الذين من ال عليهم من بيننا‪ ،‬أنن نكون تبعا لؤلء‪،‬‬
‫اطردهم عنك‪ ،‬فلعلك إن طردتم أن نتبعك‪ ،‬فنلت هذه الية‪ " :‬وَل تَطْ ُر ِد الّذِينَ يَ ْدعُونَ‬
‫َرّبهُمْ " " (‪.)1‬‬
‫وف رواية أخرى قال الطبي ‪-‬مسند إل ماهد‪ -‬قال‪( :‬وَل تَ ْطرُ ِد الّذِي َن يَ ْدعُونَ َرّبهُمْ‬
‫شيّ)(‪ )2‬بلل وابن أم عبد كانا يالسان ممدا‪ ،‬صلى ال عليه وسلم فقالت‬ ‫بِاْلغَدَا ِة وَالْعَ ِ‬
‫قريش مقرتما‪ :‬لولها وأمثالما لالسناه‪ ،‬فنهي عن طردهم (‪.)3‬‬
‫وف رواية قال الطبي‪ :‬حدثن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬ثنا حسي‪ ،‬قال‪ :‬ثنا حجاج‪ ،‬عن ابن جريج‪،‬‬
‫عن عكرمة ف قوله‪َ ( :‬وَأنْذِ ْر بِ ِه الّذِي َن يَخَافُونَ)(‪ )4‬الية‪.‬‬

‫‪327‬‬
‫قال‪ " :‬جاء عتبة بن ربيعة‪ ،‬وشيبة بن ربيعة‪ ،‬ومطعم بن عدي‪ ،‬والرث بن نوفل‪ ،‬وقرضة‬
‫بن عيد عمرو بن نوفل ف أشراف من بن عبد مناف من الكفار إل أب طالب‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬
‫أبا طالب‪ ،‬لو أن ابن أخيك يطرد عنه موالينا وخلفاءنا‪ ،‬فإنا هم عبيدنا‪ ،‬وعسفاؤنا‪ ،‬كان‬
‫أعظم ف صدورنا‪ ،‬وأطوع له عندنا‪ ،‬وأدن لتباعنا إياه وتصديقنا له‪ ،‬قال‪ :‬فأتى أبو طالب‬
‫النب‪ ،‬صلى ال عليه وسلم فحدثه بالذي كلموه به‪ ،‬فقال عمر بن الطاب‪ :‬لو فعلت‬
‫ذلك حت ننظر ما الذي يريدون‪ ،‬وإلم يصيون من قولم‪ ،‬فأنزل ال تعال‪َ ( :‬وَأنْذِ ْر بِهِ‬
‫الّذِينَ يَخَافُونَ َأنْ يُحْشَرُوا إِلَى َرّبهِمْ َلْيسَ َلهُ ْم مِنْ دُونِهِ وَِل ّي وَل َشفِيعٌ َلعَّلهُ ْم َيّتقُو َن وَل‬
‫تَطْ ُر ِد الّذِينَ يَ ْدعُونَ َرّبهُمْ) [سورة النعام‪ ،‬الية‪.]52 ،51 :‬‬
‫فلما نزلت أقبل عمر بن الطاب فاعتذر عن مقالته‪ ،‬فأنزل ال ‪ -‬تعال‪َ ( :-‬وإِذَا جَا َءكَ‬
‫الّذِينَ ُيؤْ ِمنُو َن بِآيَاِتنَا َفقُ ْل سَلمٌ عََلْيكُمْ) " (‪[ )5‬سورة النعام‪ ،‬الية‪.]54 :‬‬
‫وف رواية أخرى للطبي عن خباب قال فيها‪:‬‬
‫فقال كفار قريش‪ :‬إنا نب أن تعل لنا منك ملسا تعرف لنا العرب به فضلنا‪ ،‬فإن وفود‬
‫العرب تأتيك‪ ،‬فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلء العبد‪ ،‬فإذا نن جئناك فأقمهم عنا‪،‬‬
‫فإذا نن فرغنا فاقعد معهم إن شئت‪ ،‬ث نزل قوله ‪-‬تعال‪( :‬وَل تَطْ ُر ِد الّذِي َن يَ ْدعُونَ‬
‫َرّبهُمْ)(‪[ )7()6‬سورة النعام‪ ،‬الية‪.]52:‬‬
‫وقد وردت أحاديث أخرى‪ ،‬ول يلو بعضها من ضعف ولكن‪ ،‬يقوي بعضها بعضا‬
‫فترتقي بجموعها إل درجة السن لغيه‪ ،‬ومعناها متقارب‪ ،‬وكلها تذكر سببا واحدا‬
‫للنول‪ ،‬ولكن ف بعض هذه الروايات زيادات على بعض‪ ،‬ويؤكد هذه الروايات الديث‬
‫التال‪:‬‬
‫من أصح ما ورد ف هذا ما رواه مسلم ف صحيحه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أب شيبة‪،‬‬
‫حدثنا ممد بن عبد ال السدي‪ ،‬عن إسرائيل‪ ،‬عن القدام بن شريح‪ ،‬عن أبيه عن سعد‬
‫هو ابن أب وقاص‪ ،‬قال‪ " :‬كنا مع النب‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ستة نفر‪ ،‬فقال الشركون‬
‫للنب‪ ،‬صلى ال عليه وسلم اطرد هؤلء ل يترءون علينا‪ ،‬قال‪ :‬وكنت أنا وابن مسعود‬
‫ورجل من هذيل وبلل ورجلن نسيت اسيهما‪ ،‬فوقع ف نفس رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه‬

‫‪328‬‬
‫وسلم ما شاء ال أن يقع‪ ،‬فحدث نفسه‪ ،‬فأنزل ال عز وجل " وَل تَ ْطرُ ِد الّذِي َن يَ ْدعُونَ‬
‫َرّبهُ ْم " " الية (‪)8‬‬
‫ك مَ َع الّذِي َن يَ ْدعُونَ َرّبهُ ْم بِاْلغَدَاةِ‬
‫وذكر ابن كثي ف قوله ‪-‬تعال‪( :-‬وَاصْبِ ْر َنفْسَ َ‬
‫شيّ)(‪ )9‬الية‪ ،‬إنا نزلت ف أشراف قريش حي طلبوا من الرسول‪ ،‬صلى ال عليه‬ ‫وَالْعَ ِ‬
‫وسلم أن يلس معهم وحده‪ ،‬ول يالسهم بضعفاء أصحابه‪ ،‬كبلل وعمار وصهيب‬
‫وخباب وابن مسعود‪ ،‬وليفرد أولئك بجلس على حدة‪ ،‬فنهاه ال عن ذلك فقال‪( :‬وَل‬
‫تَطْ ُر ِد الّذِينَ يَ ْدعُونَ َرّبهُمْ)(‪ )10‬الية‪ ،‬وأمره أن يصب نفسه ف اللوس مع هؤلء فقال‪:‬‬
‫ك مَ َع الّذِي َن يَ ْدعُونَ َرّبهُمْ)(‪ )11‬الية (‪[ )12‬سورة الكهف‪ ،‬الية‪.]28 :‬‬ ‫(وَاصْبِ ْر َنفْسَ َ‬
‫إن الوقوف مع سبب نزول هاتي اليتي يضع حدا لكثي من الجتهادات الت يقدم عليها‬
‫كثي من الدعاة والماعات‪ ،‬وهم ‪-‬ول شك‪ -‬يقدمون عليها حرصا على دينهم‪ ،‬ورغبة‬
‫ف انتصار الدين وظهوره‪ ،‬وتقيقا لبعض الهداف الت يسعون إليها‪.‬‬
‫ولكن الغاية ‪-‬مهما كانت شريفة‪ -‬فإنا ل تبر الوسيلة‪.‬‬
‫تصوروا القضية هكذا‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬تفسي الطبي ‪.200 /7‬‬
‫(‪ - )2‬سورة النعام آية‪.52 :‬‬
‫(‪ - )3‬انظر تفسي الطبي ‪.7/202‬‬
‫(‪ - )4‬سورة النعام آية‪.51 :‬‬
‫(‪ - )5‬انظر تفسي الطبي ‪ 7/202‬وهذا الديث مرسل‪.‬‬
‫(‪ - )6‬سورة النعام آية‪.52 :‬‬
‫(‪ - )7‬انظر تفسي الطبي ‪ 7/201‬وف سنده السدي وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ - )8‬أخرجه مسلم (‪ ،)2413‬وانظر تفسي ابن كثي ‪.3/80‬‬
‫(‪ - )9‬سورة الكهف آية‪.28 :‬‬
‫(‪ - )10‬سورة النعام آية‪.52 :‬‬
‫(‪ - )11‬سورة الكهف آية‪.28 :‬‬

‫‪329‬‬
‫(‪ - )12‬انظر تفسي ابن كثي ‪.3/80‬‬
‫لو أن جاعة من الماعات السلمية‪ ،‬الت توجد ف دول كافرة‪ ،‬وتسعى جاهدة للدعوة‬
‫إل دين ال‪ ،‬ونشر رسالة السلم‪ ،‬قالت لا تلك الدولة‪ :‬نن مستعدون للتفاوض معكم‬
‫من أجل النظر ف العتراف بكم‪ ،‬للدخول ف النتخابات مثل‪ ،‬أو للحصول على بعض‬
‫المتيازات للدعوة‪ ،‬ولكن نشترط عليكم أن تبعدوا فلنا وفلنا من قيادتكم‪ ،‬وآخرين من‬
‫جاعتكم‪ ،‬فإننا ل نعترف بماعة فيها هؤلء‪ ،‬والماعة ل تنقم على هؤلء الدعاة شيئا ف‬
‫أمر دينهم وعقيدتم‪ ،‬ول تكن تفكر ف ذلك قبل هذا الطلب‪ ،‬ولكن الدولة ل تريدهم‬
‫احتقارا لم‪.‬‬
‫فيا ترى هل تصمد تلك الماعة‪ ،‬وترفض الوضوع جلة وتفصيل وتقول‪َ ( :‬ومَا َنقَمُوا‬
‫ِمنْهُمْ إِلّا َأنْ ُيؤْ ِمنُوا بِاللّ ِه اْلعَزِي ِز الْحَمِيدِ)(‪[ )1‬سورة البوج‪ ،‬الية‪ .]8 :‬أو تبدأ مناقشة ما‬
‫يسمى بالصلحة؟ وماذا يضي لو أبعد هؤلء من أجل مصلحة الدعوة‪ ،‬وتقيقا‬
‫للمكتسبات التوقعة‪ ،‬إل غي ذلك من التبيرات؟ أظن‪ - .‬بكم معرفت بواقع بعض‬
‫الماعات ‪-‬أنا ستستجيب لذه الساومات‪ ،‬وقد استجابت لقل من ذلك‪.‬‬
‫بينما حسم القرآن هذه القضية منذ العهد الكي‪ ،‬ورسم لنا منهجا ل لبس فيه ول غموض‬
‫(مَا عََليْكَ مِنْ حِسَاِبهِ ْم مِ ْن َشيْءٍ َومَا مِنْ حِسَابِكَ عََلْيهِ ْم مِ ْن َشيْءٍ َفتَطْ ُر َدهُمْ َفتَكُونَ مِنَ‬
‫الظّالِمِيَ)(‪[ )2‬سورة النعام‪ ،‬الية‪.]52 :‬‬
‫إنه أمر ميف جدا‪ ،‬رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم أفضل البشر‪ ،‬وإمام الرسلي‪ ،‬لو فعل‬
‫هذا‪ ،‬وهو لن يفعله إل من أجل مصلحة الدعوة‪ ،‬ورسالة السلم‪ ،‬لو فعله ‪-‬وحاشاه من‬
‫ذلك‪ -‬سيكون من الظالي‪.‬‬
‫ويبي لنا النهج الذي نسلكه ف مثل هذه الطلبات والساومات‪ ،‬عندما تبدو لنا قضية‬
‫الصلحة‪( :‬وَُق ِل الْحَ ّق مِنْ َرّبكُمْ فَ َم ْن شَاءَ فَ ْلُي ْؤمِنْ َومَنْ شَاءَ َف ْلَيكْفُرْ)(‪[ )3‬سورة الكهف‪،‬‬
‫الية‪ .]29 :‬الية‪.‬‬
‫هذا واجبنا‪ ،‬وتلك مسئوليتنا‪ ،‬أن نقول الق‪ ،‬أما هل يؤمن الناس أو يكفروا فليس لنا‬
‫(أَفَلَ ْم َيْيأَسِ الّذِينَ آ َمنُوا َأنْ َل ْو يَشَاءُ اللّهُ َلهَدَى النّاسَ جَمِيعا)(‪ )4‬إن القضية عندما تتعلق‬

‫‪330‬‬
‫بالبادئ فل مال للمفاوضة ول للتنازل‪ ،‬والسألة مسومة (َلكُمْ دِيُنكُ ْم وَِليَ دِينِ)(‪)5‬‬
‫[سورة الكافرون‪ ،‬الية‪.]6 :‬‬
‫القضية الثالثة‪ :‬ما ورد ف سورة الفتح‪ :‬قال ابن كثي‪ :‬نزلت هذه السورة الكرية لا رجع‬
‫رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم من الديبية ف ذي القعدة من سنة ست من الجرة‪ ،‬حي‬
‫صده الشركون عن الوصول إل السجد الرام‪ ،‬فيقضي عمرته فيه‪ ،‬وحالوا بينه وبي‬
‫ذلك ث مالوا إل الصالة والهادنة‪ ،‬وأن يرجع عامه هذا‪ ،‬ث يأت من قابل‪ ،‬فأجابم إل‬
‫ذلك‪ :‬على تكره من جاعة من الصحابة منهم عمر بن الطاب (‬
‫وقد وردت قصة الصلح ف روايات عديدة‪ ،‬منها ف الصحيحي وغيها‪ .‬وهي قصة‬
‫طويلة سأقتصرعلى جزء يسي منها ما له صلة بوضوعنا‪ ،‬وهو ما ثبت ف الصحيح‪.‬‬
‫‪ -1‬جاء ف صحيح البخاري‪ " :‬فدعا النب‪ ،‬صلى ال عليه وسلم الكاتب (‪ )6‬فقال النب‪،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم اكتب‪ ( :‬فقال سهيل (‪ )7‬أما الرحن فوال ما أدري ما هو‪ ،‬ولكن‬
‫اكتب باسك اللهم‪ ،‬كما كنت تكتب‪ ،‬فقال السلمون‪ :‬وال ل نكتبها إل ( فقال النب‪،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم اكتب‪ :‬باسك اللهم‪ ،‬ث قال‪ :‬هذا ما قاضى عليه ممد رسول ال‪،‬‬
‫فقال سهيل‪ :‬وال لو كنا نعلم أنك رسول ال ما صددناك عن البيت‪ ،‬ول قاتلناك‪ ،‬ولكن‬
‫اكتب‪ :‬ممد بن عبد ال‪ ،‬فقال النب‪ ،‬صلى ال عليه وسلم وال إن لرسول ال‪ ،‬وإن‬
‫كذبتمون‪ ،‬اكتب‪ :‬ممد بن عبد ال " (‪.)8‬‬
‫‪ -2‬وما جاء ف الصلح‪ " :‬وإنك ترجع عنا عامنا هذا فل تدخل علينا مكة‪ ،‬وأنه إذا كان‬
‫عام قابل خرجنا عنها فتدخلها بأصحابك " (‪.)9‬‬
‫‪ -3‬وجاء ‪-‬أيضا‪ " :-‬على أنه من أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم من أصحابه بغي‬
‫إذن وليه رده عليه‪ ،‬ومن أتى قريشا من مع رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ل يردوه عليه‬
‫" (‪.)10‬‬
‫هذا بعض ما ورد ف الصلح‪ ،‬ولذلك فإن عمر لا بلغه عزم الرسول‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‬
‫على عقد الصلح ول يبق إل الكتاب غضب غضبا شديدا وذهب إل رسول ال‪ ،‬صلى ال‬
‫عليه وسلم وقال له‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أولسنا بالسلمي‪ ،‬أوليسوا بالشركي؟ " قال صلى ال‬

‫‪331‬‬
‫عليه وسلم بلى‪ ،‬قال‪ :‬فعلم نعطى الدنية ف ديننا؟ فقال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم أنا عبد ال‬
‫ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعن " (‪)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة البوج آية‪.8 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة النعام آية‪.52 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الكهف آية‪.29 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الرعد آية‪.31 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة الكافرون آية‪.6 :‬‬
‫(‪ - )6‬وهو علي بن أب طالب‪.‬‬
‫(‪ - )7‬سهيل بن عمرو رئيس الفاوضي من قريش‪.‬‬
‫(‪ - )8‬أخرجه البخاري (‪.)2732 ،2731‬‬
‫(‪ - )9‬مسند المام أحد ‪ 4/330‬وانظر تفسي ابن كثي ‪.4/196‬‬
‫(‪ - )10‬مسند المام أحد ‪ 4/330‬وانظر تفسي ابن كثي ‪.4/196‬‬
‫(‪ - )11‬انظر الصدر السابق وتفسي ابن كثي ‪.4/196‬‬
‫إن هذا الصلح الذي اعتبه عمر ( دنية ف دينه‪ ،‬ومع ما قد يبدو لول وهلة من صعوبة‬
‫القبول ف بعض الشروط الت كتبت‪ ،‬وباصة ف نظر التحمس‪ ،‬هذا الصلح بشروطه ساه‬
‫ال فتحا مبينا‪ ،‬قال ابن مسعود‪ :‬إنكم تعدون الفتح فتح مكة‪ ،‬ونن نعد الفتح صلح‬
‫الديبية‪.‬‬
‫وقال جابر‪ :‬ما كنا نعد الفتح إل يوم الديبية‪ .‬وقال البخاري‪ :‬حدثنا عبيد ال بن موسى‪،‬‬
‫عن إسرائيل‪ ،‬عن أب إسحاق‪ ،‬عن الباء ( قال‪ :‬تعدون أنتم الفتح فتح مكة‪ ،‬وقد كان‬
‫فتح مكة فتحا‪ ،‬ونن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الديبية‪ ،‬وف مسند أحد‪ :‬فقال النب‪،‬‬
‫حنَا‬
‫صلى ال عليه وسلم " نزل علي البارحة سورة هي أحب إل من الدنيا وما فيها (ِإنّا َفتَ ْ‬
‫لَكَ َفتْحًا ُمبِينًا) " [سورة الفتح‪ ،‬الية‪.]1 :‬‬
‫وف رواية أخرى لحد عن أنس ( قال‪ :‬نزلت على النب‪ ،‬صلى ال عليه وسلم (ِلَي ْغفِرَ لَكَ‬
‫اللّ ُه مَا َتقَ ّدمَ مِنْ َذْنبِكَ َومَا َتأَخّرَ)(‪[ )1‬سورة الفتح‪ ،‬الية‪ .]2 :‬مرجعه من الديبية‪ ،‬قال‬

‫‪332‬‬
‫النب‪ ،‬صلى ال عليه وسلم " لقد نزلت على الليلة آية أحب إل ما على الرض‪ ،‬ث قرأها‪،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم " (‪.)2‬‬
‫إننا ند ف هذه القضية أن رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم وافقهم على عدة أمور أهها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكتب باسك اللهم‪ ،‬بدل من بسم ال الرحن الرحيم‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكتب‪ :‬ممد بن عبد ال‪ ،‬بدل من‪ :‬ممد رسول ال‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يؤخر دخول مكة إل العام القادم‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يرد من جاء من الشركي مسلما دون إذن وليه‪ ،‬مع أنم لن يردوا من جاء إليهم‬
‫مشركا‪ .‬بل إن رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم قال للصحابة عندما احتج بعضهم على‬
‫هذه الشروط‪ " :‬ل يسألون خطة يعظمون فيها حرمات ال إل أعطيتهم إياها " رواه‬
‫البخاري (‪.)3‬‬
‫ولو دققنا النظر ف هذه المور الت أجابم إليها رسول ال‪ ،‬لوجدنا أنا ل تتعلق بالعقيدة‬
‫ول بالبدأ‪ ،‬وفرق كبي بينها وبي ما سبق ف سورة (الكافرون)‪ .‬وسورة (النعام)‪ ،‬وليس‬
‫فيها اعتراف بالباطل أو إقرار له‪.‬‬
‫كيف وقد سى ال هذا الصلح‪َ( :‬فتْحا ُمبِينا)(‪ )4‬ولنقف مع هذه الطالب الربعة‪ ،‬وقفة‬
‫يسية موجزة‪ ،‬تبي ذلك‪.‬‬
‫فكتابة "باسك اللهم" ليس فيها مذور شرعي‪ ،‬فلو أن مسلما قال‪ :‬باسك اللهم‪ ،‬وهو ل‬
‫يعتقد تأويل أو نفي اسم الرحن الرحيم ول صفته‪ ،‬فإنه ل يأث‪.‬‬
‫وأما‪ :‬كتابة ممد بن عبد ال‪ ،‬فإن رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ممد بن عبد ال‪،‬‬
‫وقد نفى‪ ،‬صلى ال عليه وسلم أي احتمال قد يتطرق إل الذهان‪ ،‬فقال لم‪ " :‬وال إن‬
‫لرسول ال وإن كذبتمون " فإذا انتفى اللبس جاز المر‪.‬‬
‫وأما رجوعهم هذا العام إل العام القبل‪ ،‬فهذه قضية مصلحية تقدر بقدرها‪ ،‬بل إن فيها‬
‫عدم استجابة للعواطف الياشة إذا كان سيترتب على هذه الستجابة مفسدة‪.‬‬
‫وكم من التصرفات يقوم با بعض الناس استجابة لعاطفة غي منضبطة تسبب مفاسد‬
‫عظيمة‪ ،‬قد ل تقدر الفسدة أثناء العاطفة‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫وقضية إعادة من جاء مسلما إل الشركي‪ .‬قد تبدو محفة‪ ،‬وهذه هي النظرة العجلى‪ ،‬أما‬
‫النظرة التأنية والبعيدة‪ ،‬والت تتجاوز مصلحة الفراد إل مصلحة المة‪ ،‬بل هي ف مصلحة‬
‫الفراد أنفسهم‪ ،‬فل يلزم أن يقبلهم السلمون فأرض ال واسعة‪ ،‬يدل على ذلك قوله‪،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم لب جندل‪ " :‬يا أبا جندل‪ :‬اصب واحتسب‪ ،‬فإن ال جاعل لك ولن‬
‫معك من الستضعفي فرجا ومرجا " الديث‪.)5( .‬‬
‫وقوله لب بصي لا جاءه ف الدينة‪ " :‬ويل أمة مسعر حرب لو كان معه أحد " (‪.)6‬‬
‫وهكذا كان فقد كان ردها بداية فتح عظيم للمسلمي‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫هذه هي القضايا الت ذكرت أنن سأبي منهج القرآن فيها‪ ،‬وقد فعلت‪ ،‬وهنا آت للصة‬
‫الوضوع ونتيجته‪ ،‬فأقول‪:‬‬
‫إن مفهوم التنازل قد اختلط على كثي من الدعاة والماعات‪ ،‬وكل منهم يتمسك بدليل‬
‫يناسبه‪ ،‬دون نظرة شولية‪ ،‬فنحن بي إفراط وتفريط‪ ،‬والوضوع يتاج ‪-‬كما ذكرت‬
‫سابقا‪ -‬إل دراسة شاملة مؤصلة‪ ،‬تمع فيها الدلة‪ ،‬وتعرض الوقائع والحوال‪ ،‬ما يساعد‬
‫على حسم الوضوع وبيانه‪.‬‬

‫ومن خلل ما سبق فقد اتضح ل ما يلي‪:‬‬


‫أول‪ :‬ل يوز التنازل عن أمر يتعلق بأصل من أصول السلم‪ ،‬أو مبدأ من مبادئه‪ ،‬أو‬
‫حكم من أحكامه الت حسمها الكتاب والسنة‪ ،‬أو أجع عليها السلمون‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أما مسائل الجتهاد‪ ،‬ووسائل الدعوة ومراحلها‪ ،‬والسياسات الشرعية‪ ،‬فتراعى فيها‬
‫القواعد‪ ،‬الشرعية الكلية العامة‪ ،‬كقاعدة‪ ،‬درء الفاسد وجلب الصال‪ ،‬وقاعدة سد‬
‫الذرائع‪ ،‬وقواعد وأصول‪ :‬الصال الرسلة والستحسان‪ ،‬وغيها من القواعد العروفة‪.‬‬
‫وذلك ل يكون إل من العلماء التبحرين‪ ،‬الذين يسوغ لم الجتهاد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الفتح آية‪.2 :‬‬
‫(‪ - )2‬انظر مسند المام أحد‪ .‬وتفسي ابن كثي ‪.4/182‬‬
‫(‪ - )3‬أخرجه البخاري (‪.)2732 ،2731‬‬

‫‪334‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الفتح آية‪.1 :‬‬
‫(‪ - )5‬رواه أحد ‪ 4/325‬انظر تفسي ابن كثي ‪.4/197‬‬
‫(‪ - )6‬رواه أبو داود (‪ ،)2765‬وانظر تفسي ابن كثي ‪.4/199‬‬
‫وأخيا أقول‪ :‬إن حرصنا على نصر دين ال‪ ،‬وشدة مبتنا لظهوره على الدين كله يب أل‬
‫تكون مرجة لنا عن اللتزام بالنهج الشرعي‪ ،‬فإن الغاية ل تبر الوسيلة‪.‬‬
‫صور النصر العاجل والجل ف القرآن‬
‫جاء النصر ف القرآن على عدة صور‪ ،‬أشرت إليها سابقا‪ ،‬ولكن أحببت أن أذكرها‬
‫متمعة باختصار؛ لتكون واضحة أمام الدعاة‪ ،‬ولئل يتعجلوا وعد ال‪ ،‬فكل شيء عنده‬
‫بقدار‪ ،‬فل يعجله حرص حريص‪ ،‬ول يردّه كره كاره‪ ،‬وهو العليم الكيم‪.‬‬
‫‪- 1‬من النبياء من أذاه قومه‪ ،‬فنصره ال عليهم‪ ،‬فأهلكهم وأقام الدين ف حياته‪ ،‬كموسى‬
‫وممد‪ ،‬عليهما أفضل الصلة والسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬ومنهم من وله ال اللك ‪ -‬وهذا نصر عظيم‪ -‬كداود وسليمان‪ ،‬عليهما السلم‪.‬‬
‫‪ -3‬ومنهم من أذاه قومه ول يؤمنوا به‪ ،‬سوى قليل منهم فنجاه ال ومن معه‪ ،‬وأهلك‬
‫عدوه‪ ،‬ث ل يبي لنا القرآن ماذا حدث للنب بعد ذلك‪ ،‬أي‪ :‬هل آمن به قوم آخرون‪ ،‬أو‬
‫بقي على من آمن معه ومن آمن من ذرياتم‪ ،‬كنوح وهود وصال ولوط‪.‬‬
‫‪-4‬ومنهم من قتله قومه‪ ،‬أو حاولوا قتله‪ ،‬فانتقم ال له بعد حي‪ ،‬كيحي وعيسى‪ ،‬ومن‬
‫ح ًة وَا ِح َدةً فَِإذَا هُمْ خَامِدُونَ)(‪[ )1‬سورة يس‪،‬‬
‫صيْ َ‬
‫أرسل لصحاب القرية (ِإنْ كَاَنتْ إِلّا َ‬
‫الية‪.]29 :‬‬
‫‪ -5‬ومنهم من يئس من قومه فتركهم‪ ،‬فعاقبه ال‪ ،‬ث عفا عنه‪ ،‬ولا عاد إليهم‪ ،‬نصره ال‬
‫نصرا مؤزرا‪ ،‬وظهر الدين وهو يونس (‪.)2‬‬
‫‪ -6‬ومن الدعاة من قتله قومه فآمن به بعض قومه فقتلوا وحرّقوا‪ ،‬ولكن ل نعلم ماذا حل‬
‫بؤلء القتلة‪ ،‬سوى أن ال دعاهم للتوبة‪ ،‬وتوعدهم إن ل يتوبوا بعذاب جهنم وعذاب‬
‫الريق ف الخرة‪.‬‬
‫وهؤلء هم أصحاب الخدود (‪)3‬‬
‫ول يعن هذا أنم ل ينصروا ف الدنيا‪ ،‬فقد بينت أوجه النصر عند ذكر قصتهم‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫إن استحضار هذه الصور ف ذهن الداعية عامل مساعد ف تطي الصعاب‪ ،‬وتاوز‬
‫ب عَلَى‬ ‫العقبات السية والعنوية‪ ،‬وتزيد من إيان الداعية بربه ف تقق موعوده‪( ،‬وَاللّ ُه غَالِ ٌ‬
‫َأمْ ِرهِ وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل َيعْلَمُونَ)(‪[ )4‬سورة يوسف‪ ،‬الية‪.]21 :‬‬
‫وقفة مع قصة يونس عليه السلم‪.‬‬
‫حكْمِ َربّكَ وَل َتكُنْ َكصَا ِحبِ الْحُوتِ ِإ ْذ نَادَى َو ُهوَ‬ ‫صبِرْ لِ ُ‬ ‫قال ال ‪-‬سبحانه وتعال‪( :-‬فَا ْ‬
‫َمكْظُومٌ)(‪[ )5‬سورة القلم‪ ،‬الية‪ .]48 :‬لقد وردت قصة يونس‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬ف القرآن‬
‫ف عدة مواضع‪ ،‬منها ف سورة النبياء‪:‬‬
‫(وَذَا النّونِ ِإذْ َذ َهبَ ُمغَاضِبا فَظَنّ َأنْ لَ ْن َنقْدِ َر عََليْهِ َفنَادَى فِي الظّلُمَاتِ أَنْ ل إِلَهَ إِلّا َأْنتَ‬
‫ت مِنَ الظّالِمِيَ)(‪[ )6‬سورة النبياء‪ ،‬الية‪.]87 :‬‬ ‫ُسبْحَانَكَ ِإنّي ُكنْ ُ‬
‫وأطول قصة له وردت ف الصافات ( َوِإنّ يُوُنسَ لَمِ َن الْ ُم ْرسَلِيَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ‬
‫ت َو ُه َو مُلِيمٌ فََلوْل َأنّهُ كَا َن مِنَ‬ ‫الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ َفكَا َن مِ َن الْمُدْ َحضِيَ فَاْلتَقَمَ ُه الْحُو ُ‬
‫ج َرةً مِنْ‬ ‫سبّحِيَ َلَلبِثَ فِي بَ ْطنِهِ إِلَى َيوْ ِم ُيبْ َعثُونَ َفَنبَ ْذنَاهُ بِاْلعَرَا ِء َوهُ َو َسقِي ٌم َوأَْنَبتْنَا عََليْ ِه شَ َ‬ ‫الْمُ َ‬
‫ي َوأَ ْرسَ ْلنَاهُ إِلَى مِاَئةِ أَلْفٍ َأ ْو يَزِيدُونَ فَآ َمنُوا َف َمتّ ْعنَاهُمْ إِلَى ِحيٍ)(‪[ )7‬سورة الصافات‪،‬‬ ‫َيقْطِ ٍ‬
‫ك وَل تَكُنْ‬ ‫حكْمِ َربّ َ‬ ‫صبِرْ لِ ُ‬ ‫اليات‪ .]148-139 :‬ووردت ف سورة القلم‪( :‬فَا ْ‬
‫َكصَا ِحبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى َو ُهوَ َمكْظُومٌ َلوْل َأنْ تَدَارَكَهُ ِنعْ َم ٌة مِنْ َربّهِ َلُنبِ َذ بِاْلعَرَاءِ َو ُهوَ‬
‫حيَ)(‪[ )8‬سورة القلم‪ ،‬اليات‪ .]50 - 48 :‬قد‬ ‫جعَلَ ُه مِنَ الصّالِ ِ‬ ‫مَ ْذمُومٌ فَا ْجتَبَاهُ َربّهُ فَ َ‬
‫وردت قصة يونس بروايات متعددة‪ ،‬واختلف الفسرون حول سبب تركه لقومه‪ ،‬ومعن‬
‫قوله ‪-‬تعال‪ِ( :-‬إذْ َذ َهبَ ُمغَاضِبا)(‪ )9‬على قولي‪:‬‬
‫‪ -1‬قيل ذهب مغاضبا لربه‪.‬‬
‫‪ -2‬قيل ذهب مغاضبا لقومه‪.‬‬
‫وقد روى الطبي عن ابن عباس والضحاك أنه ذهب مغاضبا لقومه‪.‬‬
‫وروى عن الشعب‪ ،‬وسعيد بن أب السن‪ ،‬وسعيد بن جبي أنه ذهب مغاضبا لربه‪.‬‬
‫وقد رجّح المام الطبي بعد ذكر عدة روايات‪ ،‬أنه ذهب مغاضبا لربه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وهذا القول ‪-‬أعن قول من قال إنه ذهب مغاضبا لربه‪ -‬أشبه بتأويل الية‪ ،‬وذلك لدللة‬
‫قوله‪( :‬فَظَنّ َأنْ َل ْن َنقْدِ َر عََليْهِ)(‪ )10‬على ذلك‪ ،‬على أن الذين وجهوا تأويل ذلك إل أنه‬

‫‪336‬‬
‫ذهب مغاضبا لقومه‪ ،‬إنا زعموا أنم فعلوا ذلك استنكارا منهم أن يغاضب نب من النبياء‬
‫ربه‪ ،‬واستعظاما له‪ ،‬وهم بقيلهم أنه ذهب مغاضبا لقومه قد دخلوا ف أمر أعظم ما‬
‫أنكروا‪)11( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يس آية‪.29 :‬‬
‫(‪ - )2‬هناك خلف حول سبب تركه لقومه سيأت بيانه بعد صفحات‪.‬‬
‫(‪ - )3‬انظر كتاب معال ف الطريق ص ‪ ،180‬وف ظلل القرآن تفسي سورة البوج‬
‫‪.6/3873‬‬
‫(‪ - )4‬سورة يوسف آية‪.21 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة القلم آية‪.48 :‬‬
‫(‪ - )6‬سورة النبياء آية‪.87 :‬‬
‫(‪ - )7‬سورة الصافات آية‪.139 :‬‬
‫(‪ - )8‬سورة القلم آية‪.50-48 :‬‬
‫(‪ - )9‬سورة النبياء آية‪.87 :‬‬
‫(‪ - )10‬سورة النبياء آية‪.87 :‬‬
‫(‪ - )11‬انظر تفصيل ذلك ف تفسي الطبي ‪.17/76‬‬
‫والذي يعنينا ‪-‬هنا‪ -‬أن يونس‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬سواء كان قد ذهب مغاضبا لربه أو لقومه‪،‬‬
‫صبِرْ‬
‫فإنه قد استعجل المر‪ ،‬ول يصب كما قال ‪-‬تعال‪ -‬لحمد‪ ،‬صلى ال عليه وسلم (فَا ْ‬
‫ب الْحُوتِ)(‪ )1‬فإنه ل يصب‪ ،‬وسواء كان‪ ،‬عليه السلم‪،‬‬‫ك وَل َتكُنْ َكصَا ِح ِ‬
‫حكْمِ َربّ َ‬
‫لِ ُ‬
‫استعجل إيانم أو استعجل العذاب لم (‪ )2‬لنم قد كذبوه‪ ،‬واليان انتصار‪ ،‬وتعذيب‬
‫الكذبي انتصار للداعية‪ ،‬فإنه قد استعجل النتصار‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬ولذلك عاقبه ال‪ ،‬بأن‬
‫ابتلعه الوت‪ ،‬وهو مليم‪ ،‬أي‪ :‬مذنب‪.‬‬
‫ولكن ال عفا عنه وكفر له بعد أن نادى ف الظلمات واعترف بذنبه‪ ،‬عليه السلم‪ ،‬بل‬
‫اجتباه ربه فجعله من الصالي‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫فلما رجع إل قومه بأمر من ال‪ ،‬آمنوا كلهم‪َ ( ،‬وأَ ْرسَ ْلنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ َأ ْو يَزِيدُونَ فَآ َمنُوا‬
‫فَ َمّت ْعنَاهُمْ إِلَى حِيٍ)(‪[ )3‬سورة الصافات‪ ،‬اليتان‪ .]148 ،147 :‬وهذا من أعظم‬
‫النتصار‪.‬‬
‫حكْمِ َربّكَ وَل َتكُنْ َكصَا ِحبِ‬ ‫صبِرْ لِ ُ‬ ‫قال المام الطبي ف تفسي قوله ‪-‬تعال‪( :-‬فَا ْ‬
‫الْحُوتِ إِ ْذ نَادَى َو ُه َو َمكْظُومٌ)(‪[ )4‬سورة القلم‪ ،‬الية‪ .]48 :‬يقول ‪-‬تعال‪ -‬ذكره لنبيه‬
‫ممد‪ ،‬صلى ال عليه وسلم فاصب يا ممد لقضاء ربك وحكمه فيك‪ ،‬وف هؤلء‬
‫الشركي‪ ،‬با أتيتهم به من القرآن وهذا الدين‪ ،‬وامض لا أمرك به ربك‪ ،‬ول يثنينك عن‬
‫تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم إياك وأذاهم لك‪.‬‬
‫ب الْحُوتِ)(‪ )5‬قال قتادة‪ :‬ل تعجل كما عجل‪ ،‬ول تغضب كما‬ ‫(وَل َتكُنْ َكصَا ِح ِ‬
‫غضب‪" ،‬وهو مذموم" أي‪ :‬مذنب أو مليم‪.‬‬
‫قال الطبي‪ :‬أي ل تكن كصاحب الوت فيعاقبك ربك على تركك تبليغ ذلك‪ ،‬كما‬
‫حبس يونس ف بطن الوت (‪.)6‬‬
‫إنه أمر عظيم حري بالدعاة أن يفقهوه‪.‬‬
‫وقفات مهمة‬
‫أول‪ :‬إذا فهم الداعية حقيقة النتصار‪ ،‬فإن هذا ل يعن أن يتساهل الداعية ف أمر الدعوة‪،‬‬
‫وف السعي الثيث لزالة النكرات‪ ،‬والد ف ماولة هداية الناس‪ ،‬وذلك أن الشيطان قد‬
‫يوسوس له فيقول‪:‬‬
‫أنت مهمتك البلغ‪ ،‬أما النتائج فليست لك ‪-‬وهذا حق‪ -‬فإذن لاذا تزن أو تتعب‬
‫نفسك فيما ليس لك‪ .‬ث يوسوس له أن هؤلء الناس ل خي فيهم‪ ،‬ويكفي أنك بيّنت مرة‬
‫أو مرتي‪ ،‬أو ثلثا‪ ،‬فإذا ل يستجيبوا فإنك معذور‪ ،‬ول داعي للستمرار والصرار‪ ،‬لن‬
‫جهودك ضائعة‪ ،‬ولو استفدت من وقتك ف غي هذا المر لكان أحسن‪.‬‬
‫ث يبدأ الداعية يتراخى شيئا فشيئا‪ ،‬حت يترك الدعوة وينعزل عن الناس وشأنم وليس هذا‬
‫هو الراد‪ ،‬ولكن إدراك حقيقة النتصار يزيد من حاس الداعية ‪-‬مع النضباط‪ -‬سعيا وراء‬
‫تقيق هذا الطلب الذي عز مناله‪ ،‬سواء أكان انتصارا ظاهرا لدين ال‪ ،‬أو كان انتصارا‬
‫للداعية نفسه ‪-‬كما سبق تفصيله‪.-‬‬

‫‪338‬‬
‫وعلى الداعية أن يزن ويفرح‪ ،‬ولكن ل بد أن يكون حزنه وفرحه إيابيا فعال‪.‬‬
‫فحزنه يزيد من حرصه وإصراره على إنقاذ أمته‪ ،‬وهداية قومه‪ ،‬وتعبيد الناس ل جل وعل‪.‬‬
‫وفرحه يقوي عزيته ويشد من أزره للمضي قدما ف تقيق أهدافه متلذذا بنشوة النتصار‬
‫وحب الي للناس‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬كل داعية يب أن يرسم لنفسه منهجا يسي عليه ويدد أهدافا يسعى لتحقيقها‪،‬‬
‫يستمد ذلك من كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم مراعيا حاجة الجتمع الذي‬
‫يعيش فيه‪ ،‬والواقع الذي يعاصره ولكن بعض الدعاة عندما يسي زمنا ف دعوته‪ ،‬ث يرى‬
‫ما تقق على يديه‪ ،‬فيلحظ أنه ل تتحقق الهداف الت رسها‪ ،‬ولكن تقق جزء منها‪،‬‬
‫يشعر أنه فشل ف مهمته‪ ،‬وخسر ف دعوته‪ ،‬فييئس ث يتوقف‪.‬‬
‫وهذا أمر خطي‪ ،‬فإذا كان بعض النبياء ل يتحقق على أيديهم هداية رجل واحد‪ ،‬ومع‬
‫ذلك ل يشكوا ف دعوتم أو يتوقفوا ف طريقهم‪ ،‬فكيف برجل ليس نبيا‪ ،‬ومع ذلك حقق‬
‫بعض ما يدعو إليه؟! ولذلك فقول الرسول صلى ال عليه وسلم لعلي‪ " :‬فوال لئن يهدي‬
‫ال بك رجل واحدا خي لك من حر النعم " (‪ .)7‬يدل علي أن هداية رجل واحد‬
‫انتصار عظيم للداعية‪ ،‬فكيف يكون الداعية مثاليا‪ ،‬إما كل شيء‪ ،‬أو ل شيء؟!‬
‫ولذلك فإن كلمة سيد ‪-‬رحه ال‪" -‬خذوا السلم جلة أو دعوه"‪ .‬تتاج إل تفصيل‪،‬‬
‫ول تؤخذ على إطلقها‪ ،‬فبعض وجوه معانيها حق‪ ،‬وهناك وجوه أخرى فسرت با هذه‬
‫الكلمة‪ ،‬يستشهد با بعض الدعاة‪ ،‬ما يالف النهج الصحيح‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة القلم آية‪.48 :‬‬
‫(‪ - )2‬انظر تفسي الطبي ‪ 17/76‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الصافات آية‪.148-147 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة القلم آية‪.48 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة القلم آية‪.48 :‬‬
‫(‪ - )6‬انظر تفسي الطبي ‪.29/44‬‬
‫(‪ - )7‬أخرجه البخاري (‪ )2942‬مسلم‪.)2406( ،‬‬

‫‪339‬‬
‫ثالثا‪ :‬من أهم أنواع النتصار هو النتصار على النفس بل ل يكن أن يتحقق له أي نوع‬
‫صبْتُ ْم ِمثَْلْيهَا‬
‫من أنواع النصر إل إذا انتصر على نفسه وشهواتا (َأوَلَمّا أَصَاَبْتكُ ْم ُمصِيَبةٌ َقدْ أَ َ‬
‫سكُمْ)(‪[ )1‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪َ ( .]165 :‬وَأمّا مَنْ‬ ‫قُ ْلتُمْ َأنّى هَذَا قُ ْل ُه َو مِ ْن ِعنْدِ َأْنفُ ِ‬
‫جّنةَ ِهيَ الْمَ ْأوَى)(‪[ )2‬سورة النازعات‪،‬‬ ‫س عَ ِن الْ َهوَى فَِإ ّن الْ َ‬ ‫ف َمقَامَ َربّ ِه َوَنهَى الّن ْف َ‬ ‫خَا َ‬
‫اليتان‪َ ( .]41 ،40 :‬ومَا أَصَابَكَ مِ ْن َسّيَئةٍ فَمِ ْن َنفْسِكَ)(‪[ )3‬سورة النساء‪ ،‬الية‪.]79:‬‬
‫صبَ َح مِ َن الْخَاسِرِينَ)(‪[ )4‬سورة الائدة‪ ،‬الية‪.]30 :‬‬ ‫(فَ َط ّوعَتْ لَ ُه َنفْسُهُ َقتْلَ أَخِيهِ َف َقتَلَهُ َفأَ ْ‬
‫سهِمْ)(‪[ )5‬سورة الرعد‪ ،‬الية‪ .]11 :‬إل غي‬ ‫(إِنّ اللّ َه ل ُي َغيّ ُر مَا بِ َق ْومٍ َحتّى ُي َغيّرُوا مَا ِبَأنْفُ ِ‬
‫ذلك من اليات‪.‬‬
‫ومن هنا فإذا تأخر النصر فلنبدأ ف بثنا عن سبب ذلك من أنفسنا‪ ،‬فمِن مأمنه يؤتى‬
‫الذر‪.‬‬
‫الاتة‬
‫وبعد أن عشنا (‪ )6‬مع هذا الوضوع وعايشناه‪ ،‬نصل إل خاتة الطاف فأقول‪:‬‬
‫ما سبق اتضح لنا أن حقيقة انتصار الداعية تتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫ب الْعَالَ ِميَ‬ ‫حيَايَ َومَمَاتِي لِلّهِ رَ ّ‬ ‫‪ -1‬التجرد ل والخلص له (قُلْ ِإنّ صَلتِي َونُسُكِي َومَ ْ‬
‫ل شَرِيكَ لَ ُه َوبِذَلِكَ ُأمِرْتُ َوأَنَا َأوّ ُل الْمُسْلِ ِميَ)(‪[ )7‬سورة النعام‪ ،‬اليتان‪،162 :‬‬
‫‪ .]163‬وقال سبحاله‪َ ( :‬ومَا ُأمِرُوا إِلّا ِلَيعْبُدُوا اللّ َه مُخِْلصِيَ لَهُ الدّينَ ُحَنفَاءَ َوُيقِيمُوا‬
‫الصّلةَ َوُي ْؤتُوا الزّكَاةَ َوذَلِكَ دِي ُن اْل َقيّ َمةِ)(‪[ )8‬سورة البينة‪ ،‬الية‪ .]5 :‬والعمل الذي ل‬
‫يصاحبه الخلص حري بالرد وعدم القبول‪.‬‬
‫‪ -2‬سلمة النهج‪ ،‬وهو أن يكون وفق ما كان عليه رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‬
‫وصحابته‪ ،‬وهذا هو منهج أهل السنة والماعة‪ ،‬وهو منهج الطائفة النصورة‪ ،‬والفرقة‬
‫الناجية‪ ،‬الذين ل يضرهم من خذلم ول من خالفهم حت يأت أمر ال‪ ،‬قال ‪-‬سبحانه‪:-‬‬
‫ق ِبكُ ْم عَنْ سَبِيلِهِ)(‪ )9‬وقال‬ ‫ستَقِيما فَاّتِبعُو ُه وَل َتّتِبعُوا السّبُلَ َفَتفَ ّر َ‬ ‫( َوأَ ّن هَذَا صِرَاطِي مُ ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم " تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها بعدي إل هالك "‬
‫وقال‪ " :‬تركت فيكم ما إن تسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا‪ :‬كتاب ال وسنت " (‪.)10‬‬

‫‪340‬‬
‫‪ -3‬اللتزام التام با يدعو إليه والثبات على الطريق حت يلقى ال‪ ،‬قال ‪-‬سبحانه‪:-‬‬
‫سَتقِيمٍ)(‪[ )11‬سورة الزخرف‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫صرَاطٍ مُ ْ‬‫ك بِالّذِي أُو ِحيَ إَِليْكَ ِإنّكَ عَلَى ِ‬ ‫(فَا ْستَمْسِ ْ‬
‫ك بِاْلعُ ْر َوةِ اْل ُوْثقَى َوإِلَى‬
‫‪ .]43‬وقال‪َ ( :‬ومَ ْن يُسْلِ ْم وَ ْجهَهُ إِلَى اللّهِ وَ ُه َو مُحْسِنٌ َف َقدِ ا ْستَمْسَ َ‬
‫س ْونَ‬‫س بِاْلبِ ّر َوتَنْ َ‬
‫اللّ ِه عَاِقبَ ُة اْلأُمُورِ)(‪[ )12‬سورة لقمان‪ ،‬الية‪ .]22 :‬وقال‪َ( :‬أتَ ْأمُرُونَ النّا َ‬
‫صبْ ِر وَالصّلةِ َوِإّنهَا َلكَبِ َيةٌ إِلّا عَلَى‬ ‫سكُ ْم َوَأنْتُ ْم َتتْلُونَ اْل ِكتَابَ أَفَل َت ْعقِلُو َن وَاسَْتعِينُوا بِال ّ‬
‫َأنْفُ َ‬
‫الْخَا ِشعِيَ)(‪[ )13‬سورة البقرة‪ ،‬اليتان‪ .]45 ،44 :‬فالثبات على الطريق‪ ،‬من أقوى‬
‫عوامل النصر وعلماته‪.‬‬
‫بل إن صاحب الباطل إذا ثبت على باطله فغالبا ما ينتصر (‪ )14‬فكيف بن هو على الق‬
‫البي؟‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة آل عمران آية‪.165 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة النازعات آية‪.41-40 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة النساء آية‪.79 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الائدة آية‪.30 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة الرعد آية‪.11 :‬‬
‫(‪ - )6‬أنا والقراء‪.‬‬
‫(‪ - )7‬سورة النعام آية‪.163-162 :‬‬
‫(‪ - )8‬سورة البينة آية‪.5 :‬‬
‫(‪ - )9‬سورة النعام آية‪.153 :‬‬
‫(‪ - )10‬رواه الاكم ف الستدرك وصححه اللبان ف صحيح الامع رقمه ‪.2937‬‬
‫(‪ - )11‬سورة الزخرف آية‪.43 :‬‬
‫(‪ - )12‬سورة لقمان آية‪.22 :‬‬
‫(‪ - )13‬سورة البقرة آية‪.45-44 :‬‬
‫(‪ - )14‬أي يقق أهدافه ف الدنيا‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫ع بِمَا ُت ْؤمَ ُر‬ ‫‪ -4‬الصدع بالق‪ ،‬وعدم الداهنة أو الوف من غي ال قال‪-‬تعال‪( :-‬فَاصْ َد ْ‬
‫سَتهْزِئيَ)(‪[ )1‬سورة الجر‪ ،‬اليتان‪.]95 ،94 :‬‬ ‫ض عَ ِن الْمُشْرِ ِكيَ ِإنّا َك َفْينَا َك الْمُ ْ‬ ‫َوأَعْ ِر ْ‬
‫وقال‪( :‬وَقُ ِل الْحَ ّق مِنْ َرّبكُمْ َفمَ ْن شَاءَ فَ ْلُي ْؤمِ ْن َومَ ْن شَاءَ فَ ْلَي ْكفُرْ)(‪[ )2‬سورة الكهف‪،‬‬
‫الية‪ .]29 :‬وقال ‪-‬سبحانه‪( -‬يَا َأّيهَا ال ّرسُو ُل بَلّ ْغ مَا ُأنْزِلَ إَِليْكَ مِنْ َربّكَ َوِإنْ لَ ْم َت ْفعَلْ‬
‫ك مِ َن النّاسِ)(‪[ )3‬سورة الائدة‪ ،‬الية‪ .]67 :‬وقال‪َ ( :‬وإِذْ‬ ‫فَمَا بَّل ْغتَ ِرسَاَلتَهُ وَاللّ ُه َي ْعصِمُ َ‬
‫س وَل َتكْتُمُونَهُ)(‪[ )4‬سورة آل عمران‪،‬‬ ‫أَخَذَ اللّ ُه مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَابَ َلتَُبّينُنّهُ لِلنّا ِ‬
‫الية‪ .]187:‬وقال‪( :‬يَا أَّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا كُونُوا َقوّامِيَ لِلّهِ ُشهَدَاءَ بِاْلقِسْطِ)(‪[ )5‬سورة‬
‫الائدة‪ ،‬الية‪ .]8 :‬إل غي ذلك من اليات الت توجب الصدع بالق والدعوة إليه‪.‬‬
‫‪ -5‬الصب وعدم اليأس واليقان الازم بوعد ال ونصره لعباده (‪ )6‬قال ‪-‬سبحانه‪:-‬‬
‫(وََلقَ ْد َسبَ َقتْ َكلِ َمُتنَا ِلعِبَا ِدنَا الْ ُم ْرسَلِيَ ِإّنهُمْ َلهُ ُم الْ َمْنصُورُو َن َوإِنّ ُجنْ َدنَا َلهُ ُم اْلغَاِلبُونَ)(‪)7‬‬
‫[سورة الصافات‪ ،‬اليات‪ .]173 ،172 ،171 :‬وقال‪ِ( :‬إنّا َلَنْنصُرُ ُرسَُلنَا وَالّذِينَ آ َمنُوا‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َوَي ْومَ َيقُومُ اْلَأ ْشهَادُ)(‪[ )8‬سورة غافر‪ ،‬الية‪ .]51 :‬وقال‪َ ( :‬حتّى إِذَا‬ ‫فِي الْ َ‬
‫اسَْتيْأَسَ ال ّرسُ ُل َو َظنّوا َأنّهُمْ َقدْ كُ ِذبُوا جَا َءهُ ْم َنصْ ُرنَا)(‪[ )9‬سورة يونس‪ ،‬الية‪.]110 :‬‬
‫س مِنْ َر ْوحِ اللّهِ إِلّا الْ َق ْومُ الْكَافِرُونَ)(‪)10‬‬ ‫وقال‪( :‬وَل َتيَْأسُوا مِنْ َر ْوحِ اللّهِ ِإنّهُ ل َييْأَ ُ‬
‫جلْ‬ ‫ستَعْ ِ‬ ‫صبَرَ أُولُوا اْلعَ ْز ِم مِنَ ال ّرسُ ِل وَل تَ ْ‬
‫صِبرْ كَمَا َ‬ ‫[سورة يوسف‪ ،‬الية‪ .]87 :‬وقال‪( :‬فَا ْ‬
‫حكْمِ َربّكَ وَل َتكُنْ‬ ‫صبِرْ ِل ُ‬
‫َلهُمْ)( ‪[ )11‬سورة الحقاف‪ ،‬الية‪ .]35 :‬وقال‪( :‬فَا ْ‬
‫صبِرْ ِإنّ َوعْدَ اللّهِ حَقّ)(‬ ‫َكصَا ِحبِ الْحُوتِ)(‪[ )12‬سورة القلم‪ ،‬الية‪ .]48 :‬وقال‪( :‬فَا ْ‬
‫‪.)13‬‬
‫ك الّذِي َن ل يُوقِنُونَ)(‪[ )14‬سورة الروم‪ ،‬الية‪ .]60 :‬وقال‪( :‬وَ َج َع ْلنَا ِمْنهُمْ‬ ‫خ ّفنّ َ‬
‫ستَ ِ‬
‫(وَل يَ ْ‬
‫صبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوِقنُونَ)( ‪[ )15‬سورة السجدة‪ ،‬الية‪.]24 :‬‬ ‫َأئِ ّمةً َيهْدُو َن بَِأمْ ِرنَا لَمّا َ‬
‫صبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ َلعَّلكُ ْم ُتفِْلحُونَ)(‪)16‬‬ ‫وقال‪( :‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ا ْ‬
‫[سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.]200 :‬‬
‫فإذا تققت هذه القومات‪ ،‬جاء النصر‪ ،‬فوعد ال ل يتخلف أبدا‪ ،‬بل إن تقق هذه‬
‫الركان ف فرد أو جاعة نصر عظيم‪ ،‬وما يأت بعد ذلك من نصر هو أثر من آثار هذا‬
‫النتصار‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الجر آية‪.95-94 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الكهف آية‪.29 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الائدة آية‪.67 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة آل عمران آية‪.187 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة الائدة آية‪.8 :‬‬
‫(‪ - )6‬ذكر الطبي وابن كثي أن ابن جريج قال إن موسى عليه السلم ‪-‬لا دعا على‬
‫فرعون بقوله‪( :‬ربنا إنك آتيت فرعون ومله زينة وأموال ف الياة الدنيا ربنا ليضلوا عن‬
‫سبيلك ربنا اطمس على أموالم واشدد على قلوبم فل يؤمنوا حت يروا العذاب الليم)‪.‬‬
‫قال ال تعال‪( :‬قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ول تتبعان سبيل الذين ل يعلمون)‪[ .‬سورة‬
‫يونس‪ ،‬الية‪ ].89 :‬قال ابن جريج‪ :‬إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعي سنة‪ ،‬قبل‬
‫أن يهلكه ال بالغرق‪ .‬انظر تفسي الطبي ‪ 11/161‬وتفسي ابن كثي ‪.2/429‬‬
‫(‪ - )7‬سورة الصافات آية‪.173-172-171 :‬‬
‫(‪ - )8‬سورة غافر آية‪.51 :‬‬
‫(‪ - )9‬سورة يوسف آية‪.110 :‬‬
‫(‪ - )10‬سورة يوسف آية‪.87 :‬‬
‫(‪ - )11‬سورة الحقاف آية‪.35 :‬‬
‫(‪ - )12‬سورة القلم آية‪.48 :‬‬
‫(‪ - )13‬سورة الروم آية‪.60 :‬‬
‫(‪ - )14‬سورة الروم آية‪.60 :‬‬
‫(‪ - )15‬سورة السجدة آية‪.24 :‬‬
‫(‪ - )16‬سورة آل عمران آية‪.200 :‬‬
‫صبْرا َوثَّبتْ أَقْدَا َمنَا وَاْنصُ ْرنَا عَلَى الْ َق ْومِ اْلكَافِرِينَ)(‪)1‬‬‫غ عََلْينَا َ‬
‫وختاما‪ :‬نقول‪َ ( :‬رّبنَا أَفْ ِر ْ‬
‫[سورة البقرة‪ ،‬الية‪َ ( .]250 :‬رّبنَا ل تُ ِزغْ قُلُوَبنَا َبعْدَ إِذْ هَ َديَْتنَا َوهَبْ َلنَا مِنْ لَ ُدنْكَ رَحْ َمةً‬
‫ِإنّكَ َأْنتَ اْل َوهّابُ)(‪[ )2‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪َ ( .]8 :‬رّبنَا ا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوبَنَا َوِإسْرَاَفنَا فِي‬

‫‪343‬‬
‫َأمْ ِرنَا َوثَّبتْ أَقْدَا َمنَا وَاْنصُ ْرنَا عَلَى اْل َق ْومِ اْلكَافِرِينَ)(‪[ )3‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.]147 :‬‬
‫( َرّبنَا ل ُتؤَاخِ ْذنَا ِإنْ نَسِينَا َأوْ أَخْ َط ْأنَا َرّبنَا وَل َتحْمِ ْل عََلْينَا إِصْرا كَمَا حَمَ ْلتَ ُه عَلَى الّذِي َن مِنْ‬
‫ت َموْلنَا فَاْنصُ ْرنَا‬ ‫ف َعنّا وَا ْغفِرْ َلنَا وَا ْرحَ ْمنَا َأنْ َ‬
‫حمّ ْلنَا مَا ل طَاَقةَ َلنَا بِ ِه وَاعْ ُ‬
‫َقبِْلنَا َرّبنَا وَل تُ َ‬
‫عَلَى اْل َق ْومِ اْلكَافِرِينَ)(‪[ )4‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪.]286 :‬‬
‫وآخر دعوانا أن المد ل رب العالي‪ ،‬والعاقبة للمتقي‪ ،‬ول عدوان إل على الظالي‪،‬‬
‫وصلى ال وسلم على نبينا ممد وعلى آله وصحبه أجعي‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة البقرة آية‪.250 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة آل عمران آية‪.8 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة آل عمران آية‪.147 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة البقرة آية‪.286 :‬‬
‫====================‬
‫مواصفات جيل التمكي‬

‫د‪ .‬أحد بلواف‬


‫‪ - 1‬بي يدي الوضوع‪:‬‬
‫عند العودة إل كتاب ال ند أن كلمة مكّن ومشتقاتـها وردت ف ما يقرب من‬
‫العشرين آية (‪ 16‬آية)‪ ،‬اثنتا عشرة آية منـها دار مدلول الكلمة فيها حول العن الذي‬
‫نريده؛ وهو أن يعل ال سبحانـه المكن لم خلفاء الرض أي أئمة الناس والولة‬
‫عليهم ولم تضع البلد والعباد‪ ،‬وتصلح ف حال تول الؤمني[‪. ]1[]1‬‬
‫ومن شأن هذا المر أن يسمح للممكن لم أن تكون لم اليد الطول وبسط نفوذهم على‬
‫من يقع تت إمرتـهم أو إشرافهم‪ ،‬فيستطيعوا من خلل ذلك الوقع فرض أنظمتـهم‬
‫وسن قوانينـهم فيسايرهم ف ذلك أما طوعا أو كرها من يقع تت دائرة تأثيهم‪.‬‬
‫ومن خلل استعراض اليات ف كتاب ال يتضح هذا المر بكل جلء‪ ،‬ويكن تقسيم‬
‫هذا الستعراض إل أربعة أقسام‪:‬‬

‫‪344‬‬
‫‪ - 1‬التمكن لنب ال يوسف عليه السلم‪ ،‬قال تعال‪] :‬وكذلك مكنا ليوسف ف الرض[‬
‫[يوسف‪ ،]21 :‬وقال عز من قائل‪] :‬وكذلك مكنا ليوسف ف الرض يتبوأ منـها حيث‬
‫يشاء‪ ،‬نصيب برحتنا من نشاء ول نضيع أجر الحسني[ [يوسف‪.]56 :‬‬
‫‪ - 2‬التمكي لذي القرني‪ ،‬قال تعال‪] :‬ويسألونك عن ذي القرني قل سأتلوا عليكم‬
‫منـه ذكرا‪ ،‬إنا مكنا له ف الرض وآتيناه من كل شيء سببا[ [الكهف‪ ،]84 :‬وقال‬
‫سبحانـه‪] :‬قال ما مكن فيه رب خي فأعينون بقوة أجعل بينكم وبينـه ردما[‬
‫[الكهف‪.]95 :‬‬
‫‪ – 3‬التمكي للذين كفروا‪ ،‬نذكر منـه على سبيل الثال بعض اليات‪ ،‬قال سبحانـه‬
‫وتعال ف سورة العراف‪ ،‬الية العاشرة بعد أن أقسم جل وعل أنـه سيسأل الرسلي‬
‫والقوام الذين أرسلوا فيهم‪] :‬ولقد مكناكم ف الرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلً ما‬
‫تشكرون[‪ ،‬وقال ف سورة النعام [‪] :]6‬أل يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم‬
‫ف الرض ما ل نكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا النـهار تري من‬
‫تتـهم فأهلكناهم بذنوبـهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين[‪ ،‬وقال سبحانـه ف‬
‫سورة القصص [‪] :]57‬وقالوا إن نتبع الدى معك نتخطف من أرضنا أول نكن لم‬
‫حرما آمنا يب إليه ثرات كل شيء[‪ ،‬وغي ذلك من اليات‪.‬‬
‫‪ - 4‬التمكي للمؤمني أو الوعد لم بذلك‪ ،‬قال سبحانـه عن أصحاب موسى عليه‬
‫السلم‪] :‬وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الرض ومغاربـها[ [العراف‪:‬‬
‫‪ ،]137‬وقال ف سورة القصص [‪] :]6 – 5‬ونريد أن نن على الذين استضعفوا ف‬
‫الرض ونعلهم أئمة ونعلهم الوارثي‪ ،‬ونُمكن لم ف الرض[‪ ،‬وقال لصحاب ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم والذين يأتوا من بعدهم‪] :‬وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا‬
‫الصالات ليستخلفنـهم ف المر كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لم دينـهم‬
‫الذي ارتضى لم وليبدلنـهم من بعد خوفهم أمنا[ [النور‪ ،]55 :‬وقال ف سورة الج [‬
‫‪] :]41‬الذين إن مكناهم ف الرض أقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا بالعروف ونـهوا‬
‫عن النكر ول عاقبة المور[‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫هذه معظم الواطن الت وردت فيها كلمة مكّن ومشتقاتـها وتلك هي معانيها وكلها‬
‫تدور‪ ،‬كما ذكرنا سابقا‪ ،‬حول إمامة الناس والتول عليهم وإخضاعهم لسلطة ونفوذ‬
‫القوام المكن لم‪ .‬ولنا كلمة أو وقفة حول الوعد بالتمكي للمؤمني حيث أنـه عند‬
‫استعراض اليات الت يتعلق أمر التمكي فيها للمؤمني ند أن ال يتحدث على ما بعد‬
‫التمكي وما يب أن يكون عليه أمر الفئة الُ َمكّن لا‪ ،‬وهو المر الطي‪ ،‬وذلك لن‬
‫النفوس ف حال النصر والتمكي والظفر برقاب الناس قد يالط سويداء قلوبـها ما يعلها‬
‫تتكب على اللق وتنتقم منـهم‪ ،‬فاقتضى القام التنبيه على ذلك‪ ،‬كما قال موسى عليه‬
‫السلم لقومه الستضعفي‪] :‬عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم ف الرض فينظر‬
‫كيف تعملون[‪ ،‬وتذكي الؤمني أن تكينـهم يتلف عن تكي غيهم‪ ،‬فهم يثلون مبدأ‬
‫ورسالة ساوية وليس منـهجا أرضيا‪ ،‬وهم فوق ذلك مؤتنون عليها‪ ،‬فهذا الذي‬
‫ائتمنـهم ‪ -‬وهو ال جل جلله ‪ -‬يقول لم‪ :‬هذا هو الال الذي أطلب منكم أن‬
‫تكونوا عليه عند حصول التمكي لكم‪.‬‬
‫ونن نتطلع إل ذلك اليوم الذي يعز ال فيه السلم وجنده‪ ،‬ويذل الشرك وأهله‪ ،‬يب‬
‫علينا أن نضع هذه العان نصب أعيننا حت نـزيل العوائق الت تول بي هذا الواقع‬
‫الشرق الضيء وبي واقع الذل والوان الذي نتجرع كؤوسه كل يوم‪.‬‬
‫‪ - 2‬بي الوعد والتـهديد‪:‬‬
‫وعد ال الذين آمنوا بالنصر والتمكي ث الظفر بأعدائهم ف آيات كثية من كتابـه‬
‫العزيز‪ ،‬وال ل يلف وعده‪ ،‬فإذا ما تلف هذا الوعد وتأخر فعلى الؤمني أن يراجعوا‬
‫مسيتـهم وأن يتـهموا أنفسهم ليكتشفوا الثالب والخطاء الت وقعوا فيها حت‬
‫يتجنبوها‪ ،‬ويب عليهم أن يقتلعوها من جذورها حت ل تألفها النفوس وتعتاد على العيش‬
‫ف مستنقعها السن [كما هو واقعنا اليوم فإل ال الشتكى]‪.‬‬
‫فالق جل ف عله يقول‪] :‬إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا ف الياة الدنيا ويوم يقوم‬
‫الشهاد[‪] ،‬وكان حقا علينا نصر الؤمني[‪] ،‬والعاقبة للمتقي[‪] ،‬واذكروا إذ أنتم قليل‬
‫مستضعفي ف الرض تافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره[‪] ،‬وأخرى‬

‫‪346‬‬
‫تبونـها نصر من ال وفتح قريب[‪ ،‬وغي ذلك ما هو مبسوط ف كتاب ال‪ ،‬أو مبي ف‬
‫سنة رسوله عليه السلم‪.‬‬
‫هذا الرب الرحيم الودود الذي قطع على نفسه هذا الوعد‪ ،‬هو الذي هدد من يتقاعس أو‬
‫يتوان أو يرتد عن نصرة هذا الدين بالستبدال ف حال القدام على هذه المور الذميمة‪.‬‬
‫فقال ف سورة الائدة [‪] :]54‬يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينـه فسوف يأت‬
‫ال بقوم – إل قوله – وال واسع عليم[‪.‬‬
‫وقال ف سورة التوبة‪] :‬قل إن كان آباؤكم – إل قوله – وال ل يهدي القوم الفاسقي[‪،‬‬
‫وقال‪] :‬يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا ف سبيل ال – إل قوله – وال على‬
‫كل شيء قدير[‪.‬‬
‫وقال ف سورة ممد صلى ال عليه وسلم‪] :‬ها أنتم هؤلء تدعون لتنفقوا ف سبيل ال‬
‫فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنا يبخل عن نفسه وال الغن ‪ -‬إل قوله ‪ -‬ث ل يكونوا‬
‫أمثالكم[‪ ،‬قال القرطب‪" :‬أي ف الهاد وطرق الي"‪.‬‬
‫وبالعودة إل أسباب النـزول وبعض ما تضمنتـه هذه اليات من أحكام ند ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬ذكر الفسرون عند آيات سورة الائدة بعض الخبار عن النب صلى ال عليه وسلم‬
‫تبي ما سيقع ف هذه المة من ارتداد بعض الطوائف عن السلم‪ ،‬وذلك لن هذه الية‬
‫كانت من أواخر ما نـزل ف حياة الرسول صلى ال عليه وسلم من القرآن‪ .‬يقول شيخ‬
‫السلم ابن تيمية رحه ال حول هذه الية وما قبلها ف سورة الائدة‪" :‬فالخاطبون‬
‫بالنـهي عن موالة اليهود والنصارى هم الخاطبون بآية الردة‪ ،‬ومعلوم أن هذا يتناول‬
‫جيع قرون المة‪ ،‬وهو سبحانـه لا نـهى عن موالة الكفار‪ ،‬وبي أن من تولهم من‬
‫الخاطبي فإنـه منـهم؛ بي أن من تولهم وارتد عن دين السلم ل يضر السلم‬
‫شيئا‪ ،‬بل سيأت ال بقوم يبـهم ويبونـه‪ ،‬فيتولون الؤمني دون الكفار‪ ،‬وياهدون ف‬
‫سبيل ال؛ ل يافون لومة لئم ‪ -‬إل أن قال ‪ -‬فهؤلء الذين ل يدخلوا ف السلم‪،‬‬
‫وأولئك الذين خرجوا منـه بعد الدخول فيه؛ ل يضرون السلم شيئا‪ ،‬بل يقيم ال من‬
‫يؤمن با جاء بـه رسوله وينصر دينـه إل قيام الساعة" [من وسائل دفع الغربة‪ ،‬ص ‪63‬‬
‫‪.]64 -‬‬

‫‪347‬‬
‫‪ - 2‬آيات سورة التوبة‪ ،‬جاءت عقب النـهي عن موالة الباء والخوة الكفار وختم‬
‫ذلك بقوله‪] :‬وال ل يهدي القوم الفاسقي[‪ ،‬يقول اللوسي رحه ال‪" :‬أي الارجي عن‬
‫الطاعة ف موالة الشركي وتقدي مبة من ذكر على مبة ال عز وجل ورسوله‪ "...‬اهـ‪.‬‬
‫‪] – 3‬يستبدل قوما غيكم[‪" ،‬وصفهم بالغايرة لم لتأكيد الوعيد والتشديد ف التـهديد‬
‫بالدللة على الغايرة الوصفية والذاتية الستلزمة للستئصال‪ ،‬أي قوما مطيعي‪ ،‬مؤثرين‬
‫للخرة على الدنيا ليسوا من أولدكم ول أرحامكم وهم أبناء فارس كما قال سعيد بن‬
‫جبي‪ ،‬أو أهل اليمن‪ ،‬كما روي عن أب روق‪ ،‬أو ما يعم الفريقي كما اختاره بعض‬
‫الحققي" [نفس الرجع‪ :‬ص ‪.]133‬‬
‫‪ - 4‬آية التوبة‪] :‬يا أيها الذين آمنوا مالكم‪ ،[...‬قال ابن عطية‪" :‬ول اختلف بي العلماء‬
‫ف أن هذه الية نـزلت عتابا على تلف من تلف عن غزوة تبوك‪ "...‬اهـ‪.‬‬
‫يتبي من خلل المع بي هذه النصوص؛ نصوص الوعد ونصوص التـهديد أن أمر‬
‫التمكي والظفر بالعداء ل يستحقه كل من انضوى تت مسمى اليان وهو مع ذلك‬
‫راكد ل تـهز كيانـه ول ترك مشاعره ووجدانـه نداءات الوحي ومتطلبات اليان‪.‬‬
‫كل‪ ،‬إن هذا المر ل يستحقه إل من تلى عن الصفات الذميمة الت ذكرها ال ف معرض‬
‫التـهديد‪ ،‬واتصف بالصفات اليابية الت ذكرت ف تلك اليات أو ف غيها‪ ،‬وإليك‬
‫أخي الكري بيان موجز لبعض تلك الصفات الت نسأل ال أن يوفقنا لمتثالا ف حياتنا‬
‫وف أنفسنا حت يغي ال ما بنا من واقع الذل والوان‪.‬‬
‫‪ - 3‬بعض الواصفات‪ :‬يصعب حصر تلك الصفات وتناولا بشيء من التفصيل ف مثل‬
‫هذا اليز التاح‪ ،‬وما سيد ذكره هو على سبيل الثال وما استدعى القام الشارة إليه‬
‫لهيتـه وتذكي أنفسنا بـه‪.‬‬
‫أ ‪ -‬أول هذه الواصفات‪ :‬أنـه جيل يب ال ويبـه ال‪.‬‬
‫قال تعال‪] :‬فسوف يأت ال بقوم يبـهم ال ويبونـهم[‪ ،‬وهذه أول صفة ذكرها ال‬
‫ف معرض تـهديد من ارتد عن السلم‪ ،‬وبالعودة إل اليات الت ذكرناها سابقا ند أن‬
‫هذه الصفة من أهم الصال الت يب أن يتحلى بـها يريد أن يقق ال على يديه أمر‬
‫إعزاز السلم والسلمي‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫فتقدي ماب ال ورسوله على المور الت جبل النسان على مبتـها مثل الال والولد‬
‫والزوج والعشية أو النفس أو غيها دللة كذلك على صدق هذه الحبة ومك لختبار‬
‫دعوى من يتشدق بـها‪] .‬ويطعمون الطعام على حبـه مسكينا ويتيما وأسيا[ لاذا؟ ]‬
‫إنا نطعمكم لوجه ال ل نريد منكم جزاء ول شكورا[‪.‬‬
‫ولذا نقل عن السلف قولم أن قوما على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ادعوا مبة‬
‫ال فاختبهم ال جل وعل بقوله ف سورة آل عمران‪] :‬قل إن كنتم تبون ال فاتبعون‬
‫يببكم ال[ [آل عمران‪ ،]31 :‬وتسمى هذه الية آية الحنة لمتحانـها القلوب ف‬
‫ادعائها هذا‪.‬‬
‫ومبة ال عبده رضاه عنـه وتيسي الي له‪ ،‬ومبة العبد ربـه انفعال النفس نو تعظيمه‬
‫والنس بذكره وامتثال أمره والدفاع عن دينـه [ابن عاشور‪.]236 :‬‬
‫وإننا ف هذه اليام وف هذه الديار لفي أشد الاجة إل تذكي هذه العان والعمل‬
‫بقتضاها وترك ما ينافيها وذلك بعرض أعمالنا وأقوالنا على الحجة البيضاء الت تركنا‬
‫عليها خي الورى‪.‬‬
‫وسنعيش لظات مع بعض العان والثار الت أوردها ابن القيم رحه ال ف كتابـه الرائع‬
‫(مدارج السالكي) وذلك بتناول المور التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬أهية الحبة‪ :‬وهي النـزلة الت فيها تنافس التنافسون‪ ،‬وإليها شخص العاملون‪ ،‬وإل‬
‫علمها شر السابقون‪ ،‬وعليها تفان الحبون‪ ،‬وبروح نسيمها تروح العابدون‪ ،‬فهي قوت‬
‫القلوب‪ ،‬وغذاء الرواح‪ ،‬وقرة العيون‪ ،‬وهي الياة الت من حرمها فهو من جلة الموات‪،‬‬
‫والنور الذي من فقده فهو ف بار الظلمات‪ ،‬والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبـه جيع‬
‫السقام‪ ،‬واللذة الت من ل يظفر بـها فعيشه كله هوم وآلم‪.‬‬
‫وهي سة هذه الطائفة السافرين إل ربـهم‪ ،‬الذين ركبوا جناح السفر إليه‪ ،‬ث ل يفارقوه‬
‫إل حي اللقاء‪ ،‬وهم الذين قعدوا على القائق‪ ،‬وقعد من سواهم على الرسوم‪.‬‬
‫وهي عنوان طريقتـهم ودليلها‪ ،‬فإن العنوان يدل على الكتاب‪ ،‬والحبة تدل على صدق‬
‫الطالب‪ ،‬وأنـه من أهل الطريق‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫كما إنـها "معقد النسبة" أي النسبة الت بي الرب وبي العبد‪ ،‬فإنـه ل نسبة بي ال‬
‫وبي العبد إل مض العبودية من العبد والربوبية من الرب‪ ،‬وليس ف العبد شيء من‬
‫الربوبية‪ ،‬ول ف الرب شيء من العبودية‪ ،‬فالعبد عبد من كل وجه‪ ،‬والرب تعال هو الله‬
‫الق من كل وجه‪.‬‬
‫ومعقد نسبة العبودية هو الحبة‪ ،‬فالعبودية معقودة بـها‪ ،‬بيث مت انلت الحبة انلت‬
‫العبودية‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وهي روح اليان والعمال‪ ،‬والقامات والحوال‪ ،‬الت مت خلت منـها فهي كالسد‬
‫الذي ل روح فيه‪ ،‬تمل أثقال السائرين إل بلد ل يكونوا إل بشق النفس بالغيها‪،‬‬
‫وتوصلهم إل منازل ل يكونوا بدونـها أبدا واصليها‪ ،‬وتبوؤهم من مقاعد الصدق‬
‫مقامات ل يكونوا لولها داخليها‪ ،‬وهي مطايا القوم الت مسراهم على ظهورها دائما إل‬
‫البيب‪ ،‬وطريقهم القوم الذي يبلغهم إل منازلم الول من قريب‪ ،‬تال لقد ذهب أهلها‬
‫بشرف الدنيا والخرة‪ ،‬إذ لم من معية مبوبـهم أوفر نصيب‪ ،‬وقد قضى ال ‪ -‬يوم قدر‬
‫مقادير اللئق بشيئتـه وحكمتـه البالغة ‪ : -‬أن الرء مع من أحب‪ ،‬فيالا من نعمة‬
‫على الحبي سابغة‪.‬‬
‫ومضى يقول رحه ال‪:‬‬
‫فلو بطلت مسألة الحبة لبطلت جيع مقامات اليان والحسان‪ ،‬ولتعطلت منازل السي‬
‫إل ال‪ ،‬فإنـها روح كل مقام ومنـزلة وعمل‪ ،‬فإذا خل منـها فهو ميت ل روح فيه‪،‬‬
‫ونسبتـها إل العمال كنسبة الخلص إليها‪ ،‬بل هي حقيقة الخلص‪ ،‬بل هي نفس‬
‫السلم‪ ،‬فإنـه الستسلم بالذل والب والطاعة ل‪ ،‬فمن ل مبة له ل إسلم له ألبتة‪ ،‬بل‬
‫هي حقيقة شهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬فإن "الله" هو الذي يأله العباد حبا وذلً‪ ،‬وخوفا‬
‫ورجاء‪ ،‬وتعظيما وطاعة له‪ .‬بعن "مألوه" وهو الذي تأله القلوب‪ ،‬أي تبـه وتذل له‪.‬‬
‫‪ – 2‬حقيقتـها‪ :‬لا كثر الدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى‪ ،‬فلو‬
‫يعطى الناس بدعواهم لدّعى اللي حرقة الشجي‪ ،‬فتنوع الدعون ف الشهود‪ ،‬فقيل‪ :‬ل‬
‫تقبل هذه الدعوى إل ببينة ]قل إن كنتم تبون ال فاتبعون يببكم ال[ [آل عمران‪:‬‬
‫‪.]31‬‬

‫‪350‬‬
‫فتأخر اللق كلهم‪ ،‬وثبت أتباع البيب ف أفعاله وأقواله وأخلقه‪ ،‬فطولبوا بعدالة البينة‬
‫بتزكية‪] :‬ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئمة[ [الائدة‪.]54 :‬‬
‫فتأخر أكثر الحبي وقام الجاهدون‪ ،‬فقيل لم‪ :‬إن نفوس الحبي وأموالم ليست لم‪.‬‬
‫فهلموا إل بيعة ]إن ال اشترى من الؤمني أنفسهم وأموالم بأن لم النة[ [التوبة‪:‬‬
‫‪.]111‬‬
‫فلما عرفوا عظمة الشتري‪ ،‬وفضل الثمن‪ ،‬وجللة من جرى على يديه عقد التبايع‪ ،‬عرفوا‬
‫قدر السلعة‪ ،‬وأن لا شأنا‪ ،‬فرأوا من أعظم الغب أن يبيعوها لغيه بثمن بس‪ ،‬فعقدوا معه‬
‫بيعة الرضوان بالتراضي‪ ،‬من غي ثبوت خيار‪ ،‬وقالوا‪" :‬وال ل نقيلك ول نستقيلك"‪.‬‬
‫فلما ت العقد‪ ،‬وسلموا البيع‪ ،‬قيل لم‪ :‬مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم‬
‫أوفر ما كانت‪ ،‬وأضعافها معا‪] :‬ول تسب الذين قتلوا ف سبيل ال أمواتا بل أحياء عند‬
‫ربـهم يرزقون فرحي با آتاهم ال من فضله[ [آل عمران‪.]170 ،169 :‬‬
‫إذا غرست شجرة الحبة ف القلب‪ ،‬وسقيت باء الخلص ومتابعة البيب‪ ،‬أثرت أنواع‬
‫الثمار‪ ،‬وآتت أكلها كل حي بإذن ربـها‪ ،‬أصلها ثابت ف قرار القلب‪ ،‬وفرعها متصل‬
‫بسدرة النتـهى‪.‬‬
‫ومن أجع ما قيل فيها‪ :‬ما ذكره أبو بكر الكتان‪ ،‬قال‪ :‬جرت مسألة ف الحبة بكة أعزها‬
‫ال تعال ‪ -‬أيام الوسم ‪ -‬فتلكم الشيوخ فيها‪ ،‬وكان النيد أصغرهم سنا‪ ،‬فقالوا‪ :‬هات‬
‫ما عندك يا عراقي‪ ،‬فأطرق رأسه‪ ،‬ودمعت عيناه‪ ،‬ث قال‪ :‬عبد ذاهب عن نفسه‪ ،‬متصل‬
‫بذكر ربـه‪ ،‬قائم بأداء حقوقه‪ ،‬ناظر إليه بقلبـه‪ ،‬فإن تكلم فبال‪ ،‬وإن نطق فعن ال‪،‬‬
‫وإن ترك فبأمر ال‪ ،‬وإن سكن فمع ال‪ ،‬فهو بال ول ومع ال‪.‬‬
‫فبكى الشيوخ وقالوا‪ :‬ما على هذا مزيد‪ ،‬جزاك ال ياتاج العارفي‪.‬‬
‫‪ - 3‬السباب الالبة لا‪ :‬ف السباب الالبة للمحبة‪ ،‬والوجبة لا‪ .‬عشرة‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لعانيه وما أريد بـه‪.‬‬
‫الثان‪ :‬التقرب إل ال بالنوافل بعد الفرائض‪ ،‬فإنـها توصله إل درجة الحبوبية بعد‬
‫الحبة‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫الثالث‪ :‬دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب‪ ،‬والعمل والال‪ ،‬فنصيبـه من الحبة‬
‫على قدر نصيبـه من هذا الذكر‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬إيثار مابـه على مابك عند غلبات الوى‪ ،‬والتسنم إل مابـه وإن صعب‬
‫الرتقى‪.‬‬
‫الامس‪ :‬مطالعة القلب لسائه وصفاتـه‪ ،‬ومشاهدتـها ومعرفتـها‪ ،‬وتقلبـه ف رياض‬
‫هذه العرفة ومباديها‪ ،‬فمن عرف ال بأسائه وصفاتـه وأفعاله أحبـه ل مالة‪.‬‬
‫السادس‪ :‬مشاهدة بره وإحسانـه وآلئه‪ ،‬ونعمه الباطنـه والظاهرة‪ ،‬فإنـها داعية إل‬
‫مبتـه‪.‬‬
‫السابع‪ :‬وهو من أعجبـها ‪ -‬انكسار القلب بكليتـه بي يدي ال تعال‪ ،‬وليس ف‬
‫التعبي عن هذا العن غي الساء والعبارات‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬اللوة بـه وقت النـزول اللي لناجاتـه وتلوة كلمه والوقوف بالقلب‬
‫والتأدب بأدب العبودية بي يديه‪ ،‬ث ختم ذلك بالستغفار والتوبة‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬مالسة الحبي الصادقي‪ ،‬والتقاط أطايب ثرات كلمهم كما تنتقى أطايب الثمر‪،‬‬
‫ول تتكلم إل إذا ترجحت مصلحة الكلم‪ ،‬وعلمت أن فيه مزيدا لالك‪ ،‬ومنفعة لغيك‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬مباعدة كل سبب يول بي القلب وبي ال عز وجل‪.‬‬
‫فمن هذه السباب العشرة‪ :‬وصل الحبون إل منازل الحبة‪ ،‬ودخلوا على البيب‪ ،‬وملك‬
‫ذلك كله أمران‪ :‬استعداد الروح لذا الشأن‪ ،‬وانفتاح عي البصية‪ ،‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫‪ - 4‬بعض الثار ف تبيي حقيقتـها وأهيتـها‪ :‬ففي الصحيح عن أنس بن مالك رضي‬
‫ال عنـه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ثلث من كن فيه وجد حلوة‬
‫اليان‪ :‬أن يكون ال ورسوله أحب إليه ما سواها‪ ،‬وأن يب الرء ل يبـه إل ل‪ ،‬وأن‬
‫يكره أن يعود ف الكفر ‪ -‬بعد إذ أنقذه ال منـه ‪ -‬كما يكره أن يلقى ف النار"[‪]2[]2‬‬
‫‪.‬‬
‫وف صحيح البخاري عن أب هريرة رضي ال عنـه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬يقول ال تعال‪ :‬من عادى ل وليا فقد أذنتـه بالرب‪ ،‬وما تقرب إل عبدي‬
‫بشيء أحب إل من أداء ما افترضتـه عليه‪ ،‬ول يزال عبدي يتقرب إل بالنوافل حت‬

‫‪352‬‬
‫أحبـه‪ ،‬فإذا أحببتـه كنت سعه الذي يسمع بـه‪ ،‬وبصره الذي يبصر بـه‪ ،‬ويده الت‬
‫يبطش بـها‪ ،‬ورجله الت يشي بـها‪ ،‬ولئن سألن لعطينـه‪ ،‬ولئن استعاذن‬
‫لعيذنـه"[‪ ، ]3[]3‬وف الصحيحي عنـه أيضا عن النب صلى ال عليه وسلم‪" :‬إذا‬
‫أحب ال العبد دعا جبيل‪ ،‬فقال‪ :‬إن أحب فلنا فأحبـه‪ ،‬فيحبـه جبيل‪ ،‬ث ينادي ف‬
‫السماء‪ ،‬إن ال يب فلنا فأحبوه‪ ،‬فيحبـه أهل السماء‪ ،‬ث يوضع له القبول ف الرض"[‬
‫‪ . ]4[]4‬وذكر ف البغض عكس ذلك‪.‬‬
‫وف الصحيحي عن عائشة رضي ال عنـهما ف حديث أمي السرية الذي كان يقرأ ]قل‬
‫هو ال أحد[ لصحابـه ف كل صلة‪ ،‬وقال‪ :‬لنـها صفة الرحن‪ ،‬فأنا أحب أن أقرأ‬
‫بـها‪ ،‬فقال النب صلى ال عليه وسلم‪" :‬أخبوه أن ال يبـه"[‪. ]5[]5‬‬
‫والقرآن والسنة ملوآن بذكر من يبـه ال سبحانـه من عباده الؤمني‪ ،‬وذكر ما يبـه‬
‫من أعمالم وأقوالم وأخلقهم‪ ،‬كقوله تعال‪] :‬وال يب الصابرين[ [آل عمران‪:‬‬
‫‪] ،]146‬وال يب الحسني[ [آل عمران‪] ،]134 :‬إن ال يب التوابي ويب‬
‫التطهرين[ [البقرة‪] ،]222 :‬إن ال يب الذين يقاتلون ف سبيله صفا كأنـهم بنيان‬
‫مرصوص[ [الصف‪] ،]4 :‬فإنـه ال يب التقي[ [آل عمران‪.]76 :‬‬
‫وقوله ف ضد ذلك‪] :‬وال ل يب الفساد[ [البقرة‪] ،]205 :‬إن ال ل يب كل متال‬
‫فخور[ [لقمان‪] ،]18 :‬وال ل يب الظالي[ [آل عمران‪] ،]140 ،57 :‬إن ال ل‬
‫يب من كان متالً كفورا[ [النساء‪.]36 :‬‬
‫وكم ف السنة‪" :‬أحب العمال إل ال كذا وكذا"‪ ،‬و "إن ال يب كذا وكذا"‪ ،‬وكقوله‪:‬‬
‫"أحب العمال إل ال‪ :‬الصلة على أول وقتـها‪ ،‬ث بر الوالدين‪ ،‬ث الهاد ف سبيل‬
‫ال"[‪ ، ]6[]6‬و "أحب العمال إل ال‪ :‬اليان بال‪ ،‬ث الهاد ف سبيل ال‪ ،‬ث حج‬
‫مبور"[‪ ، ]7[]7‬و "أحب العمل إل ال ما داوم عليه صاحبـه"[‪ ، ]8[]8‬وقوله‪" :‬إن‬
‫ال يب أن يؤخذ برخصه"[‪. ]9[]9‬‬
‫وبعد؛ لقد حاولنا الطواف والوقوف على بعض العان والثار الت تبي حقيقة وأهية مبة‬
‫العبد ل ومبة ال للعبد‪ ،‬فعلينا أن نلزم تلك الدود وأن ل نتعداها أو نبخسها حقها‪،‬‬
‫وعلينا فوق ذلك أن نعرض أعمالنا وأقوالنا على هذه الوازين الثابتة لننظر هل نن فعلً‬

‫‪353‬‬
‫صادقون ف دعوانا أننا نب ال؟ فإذا كانت إجابتنا إيابا حدنا ال على ذلك وشرنا على‬
‫ساعد الد والجتـهاد لطلب الزيد‪ .‬وإذا كانت غي ذلك فما علينا إل أن نسارع إل‬
‫تدارك ما فاتنا من نقص حت ل نكون سببا ف هلك أنفسنا يوم ل ينفع مال ول بنون إل‬
‫من أتى ال بقلب سليم‪ ،‬ونكون سببا ف زيادة بليانا ورزايانا با كسبت أيدينا من معاص‬
‫وآثام‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ثان هذه الواصفات‪ :‬أنـه جيل ماهد ل تأخذه ف ال لومة لئم‪ :‬قال تعال‪] :‬‬
‫ياهدون ف سبيل ال ول يافون لومة لئمة[‪ ،‬وقال جل شأنـه‪] :‬إن ال اشترى من‬
‫الؤمني أنفسهم وأموالم بأن لم النة يقاتلون ف سبيل ال فيقتلون ويقتلون وعدا عليه‬
‫حقا ف التوراة والنيل والقرآن – إل قوله – ذلك هو الفوز العظيم[ [التوبة‪.]111 :‬‬
‫والديث عن الهاد وأثره ف إعزاز أمة السلم يطول‪ ،‬ويكفي أن النب صلى ال عليه‬
‫وسلم ذكر ف الحاديث الصحيحة أن المة سيصيبـها الذل والصغار إن هي تركت‬
‫هذه الشعية العظيمة وأنـه ل يُرفع عنـها لباس الوان هذا إل العودة الصادقة إل مارسة‬
‫هذه الشعية وتربية الجيال على معانيها وطلب معاليها‪.‬‬
‫يقول سيد رحه ال معلقا على آيت ‪ 38‬و ‪ 39‬من سورة التوبة‪" :‬والعذاب الذي‬
‫يتـهددهم ليس عذاب الخرة وحده؛ فهو كذلك عذاب الدنيا‪ ،‬عذاب الذلة الت تصيب‬
‫القاعدين واستغللا للمعادين‪ ،‬وهم كذلك يسرون من النفوس والموال أضعاف ما‬
‫يسرون من الكفاح والهاد‪ ،‬ويقدمون على مذابح الذل أضعاف ما تتطلبـه منـهم‬
‫الكرام لو قدموا لا الغداء‪ ،‬وما من أمة تركت الهاد إل ضرب عليها الذل فدفعت مرغمة‬
‫صاغرة لعدائها أضعاف ما كان يتطلبـه منـها كفاح العداء" اهـ‪.‬‬
‫وقد مثل جيل الصحابة رضوان ال عليهم النموذج الفذ ف تطبيق متطلبات الهاد‬
‫والشوق إل ما عند ال‪ ،‬وهذا المر له صلة با قبله‪ ،‬وذلك لن هذا اليل أحب ال‬
‫وأحب لقاءه‪ ،‬فكان يبحث عن أيسر السبل الت توصله إل مبوبة‪ ،‬فوجد ف حب الشهادة‬
‫والستشهاد وامتطاء صهوة جوادها الوسيلة الثلى لتحقيق هذا البتغى‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫فكانت تيتـهم هذه نقيض ما قاله من كانوا مع موسى عليه السلم‪] :‬اذهب أنت‬
‫وربك فقاتل إنا هاهنا قاعدون[‪ ،‬بل قال أصحاب ممد صلى ال عليه وسلم‪" :‬اذهب‬
‫أنت وربك فقاتل إنا معكما مقاتلون"‪.‬‬
‫ول يتسع القام إل العيش مع صور من تلك البطولت فعلى الرء أن يطلبـها من‬
‫مظانـها وأن يستلذ بالطلع عليها ويعل ذلك جزءا من برنامه التربوي حت تعلو‬
‫هتـه‪ ،‬وقد كان الصحابة رضوان ال عليهم يعلمون أبناءهم مغازي الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم كما يعلمونـهم السورة من القرآن‪.‬‬
‫وقبل أن نترك هذه الصلة لبد أن نشي إل أن للجهاد أحكاما وضوابطا ليس هذا مال‬
‫التفصيل فيها‪ ،‬كما أن له أخلقا تبي الجاهد الصادق من غيه‪ .‬فمن أخلق الجاهدين‬
‫الرحة والشفقة بالناس والخذ بأيديهم إل طريق الق وليس من أخلقهم التعال والتكب‬
‫واحتقار جهد الخرين والنظر إليهم بعي الزدراء والسخرية‪.‬‬
‫فقد كان الصحابة أكب الجاهدين وأفضل الضحي ولكنـهم مع ذلك كانوا ]رحاء‬
‫بينـهم[ و ]أشد على الكفار[‪] ،‬أذلة على الؤمني أعزة على الكافرين[‪ ،‬أما الذين‬
‫يزايدون ببعض بطولتـهم ويتشدقون بذلك‪ ،‬فعليهم أن يراجعوا مسيتـهم ويعرضوها‬
‫على نقاء السية الت تركها رجال خي القرون‪ .‬فهؤلء الفذاذ على ما بذلوه من تضحية‬
‫وجهاد وعلم وعمل كانوا دائما يافون من أن تبط أعمالم وكانوا دائما يتقرون تلك‬
‫العمال مقابل ما أعده ال لم من جنات النعيم‪.‬‬
‫فهذا عمر بن الطاب رضي ال عنـه يسأل أمي سر النب صلى ال عليه وسلم حذيفة‬
‫بن اليمان رضي ال عنـه هل ذكره النب صلى ال عليه وسلم ف عداد النافقي الذين‬
‫أسر له بـهم؟ وهذا التابعي بن أب مليكة يقول‪ :‬أدركت ثلثي من أصحاب ممد‪،‬‬
‫كلهم يشى النفاق على نفسه‪ ،‬ما منـهم أحد يقول أن إيانـه على مستوى إيان‬
‫ميكائيل وجبائيل‪ ،‬وغي ذلك من الثار كثي‪ ،‬الت تبي تواضع القوم وانكسار قلوبـهم‬
‫وإخباتـها لربـها‪ ،‬على عكس كثي من رفعوا شعار هذه الفريضة ف هذا الزمان أو‬
‫تصدوا لعمال دعوية أخرى تتطلب الشجاعة والقدام فتباهوا على الناس بـها وازدروا‬
‫أعمال غيهم الصائبة‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫وذكر هذه السألة والتركيز عليها من شأنـه أن يعلنا دائما ‪ -‬مهما قدسنا من أعمال‬
‫وتضحيات ‪ -‬ف مراجعة دائمة لسينا ومسيتنا وذلك حت نتدارك عوامل اللل والنقص‬
‫والواطن الت أتى أعداؤنا إلينا منـها‪ ،‬ومن ذلك نذكر القضايا التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬التشرذم‪ ،‬فل يعقل ف عصر تكالبت علينا فيه المم قاطبة والعداء بميع أصنافهم‬
‫أن ينفرد بأمر الواجهة فئة من الناس غي واضعة ف حسابـها هذه العادلة‪ ،‬مع ما‬
‫أوجبـه ال سبحانـه وتعال من ضرورة تراص الصفوف والتصاقها ببعضها ف ساحات‬
‫الوغى ]إن ال يب الذين يقاتلون ف سبيله صفا كأنـهم بنيان مرصوص[‪.‬‬
‫‪ - 2‬معرفة أحكام الهاد ومعاله حت نسي ف كل خطوة نطوها على بينة من أمرنا‪،‬‬
‫فال تعبدنا با شرع لنا هو ل با شرعت لنا أنفسنا وأهواؤها‪.‬‬
‫‪ - 3‬معرفة الراية الت نقاتل تتـها‪ ،‬وهي الراية الت تكون كلمة ال تت لوائها هي‬
‫العليا وليس القتال من أجل القومية أو الزب أو الماعة أو المية والشجاعة وإنا من‬
‫أجل أن تكون كلمة ال هي العليا‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ثالث هذه الصفات‪ :‬أذلة على الؤمني أعزة على الكافرين‪ :‬قال تعال‪] :‬ممد رسول‬
‫ال والذين معه أشداء على الكفار رحاء بينـهم[‪ ،‬وقال‪] :‬واخفض جناحك لن اتبعك‬
‫من الؤمني[‪] ،‬ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك[‪ ،‬نعم هكذا كان حال‬
‫الرعيل الول‪ ،‬وذلك كان حال معلمهم معهم‪ ،‬وهكذا يب أن يكون حال من يريد‬
‫اقتفاء أثرهم وتقيق الثمرة الت حققوها‪ ،‬من خفض الناح ولي الانب عندما يتعلق‬
‫المر بالؤمني وبالشدة والعزة والباء عندما يتعلق المر بأعداء ال الحاربي‪.‬‬
‫يقول ابن عاشور عند آية سورة الائدة‪" :‬فالراد هنا بالذل بعن لي الانب وتوطئة‬
‫الكنف‪ ،‬وهو شدة الرحة والسعي للنفع‪ ،‬ولذلك علق بـه قوله ]على الؤمني[‪ ...‬والعز‬
‫جع العزيز‪ ،‬فهو التصف بالعزة وهو القوة والستقلل‪ ...‬وف [أي المع بي صفت الذلة‬
‫والعزة] إياء إل أن صفاتـهم تسيها آراؤهم الصيفة [النقادة للشرع] فليسوا مندفعي‬
‫إل فعل ما إل عن بصية‪ ،‬وليسوا من تنبعث أخلقه عن سجية واحدة بأن يكون لينا ف‬
‫كل حال‪ ،‬وهذا هو معن اللق القوم‪ ،‬وهو الذي يكون ف كل حال با يلئم ذلك‬
‫الال‪ ،‬قال [الشاعر]‪:‬‬

‫‪356‬‬
‫حليم إذا ما اللم زين أهله مع اللم ف عي العدو مهيب" اهـ‪.‬‬
‫وهذا الذي ذكره ال ف هذا الوضع من ضرورة وإياب التصرف ف كل حال ومع كل‬
‫قوم با يناسب القام شبيه بقوله سبحانـه ف سورة هود‪] :‬فاستقم كما أمرت ومن تاب‬
‫معك ول تطغوا إنـه با تعملون بصي‪ ،‬ول تركنوا إل الذين ظلموا[‪ ،‬وهي الية الت‬
‫شيبت النب صلى ال عليه وسلم كما ذكر ذلك الفسرون‪.‬‬
‫قال اللوسي عند نفس الية [آية سورة الائدة]‪]" :‬أذلة على الؤمني[ عاطفي عليهم‬
‫متذللي لم‪ ...‬وكان الظاهر أن يقال‪ :‬أذلة للمؤمني كما يقال تذلل له‪ ،‬ول يقال‪ :‬تذلل‬
‫عليه للمنافاة بي التذلل والعلو لكنـه عدي بعلى لتضمينـه معن العطف والنو التعدي‬
‫بـها‪ ،‬وقل‪ :‬للتنبيه على أنـهم مع علو طبقتـهم وفضلهم على الؤمني خافضون لم‬
‫أجنحتـهم‪ ،‬ولعل الراد بذلك أنـه استعيت (على) لعن اللم ليؤذن بأنـهم غلبوا‬
‫غيهم من الؤمني ف التواضع حت علوهم بـهذه الصفة‪ "...‬اهـ‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫مل السنابل تنحن لشوع والفارغات رؤوسهن شوامخ‬
‫إن اليان إذا سكن ف القلب واستجابت لذلك الوارح تول الؤمن إل شجرة طيبة‬
‫ريها وثرها يسقي من ماء غي آسن وأصلها ثابت وفرعها ف السماء‪.‬‬
‫يقول صاحب زبدة التفسي‪" :‬أي يظهرون العطف والنو والتواضع للمؤمني‪ ،‬ويظهرون‬
‫الشدة والغلظة والترفع على الكافرين‪ ،‬ويمعون بي الجاهدة ف سبيل ال‪ ،‬وعدم خوف‬
‫اللمة ف الدين‪ ،‬بل هم متصلبون ل يبالون با يفعله أعداء الق وحزب الشيطان‪ ،‬من‬
‫الزدراء بأهل الدين‪ ،‬وقلب ماسنـهم مساوئ‪ ،‬ومناقبـهم مثالب‪ ،‬حسدا وبغضا‬
‫وكراهة للحق وأهله" اهـ‪.‬‬
‫قال ابن كثي رحه ال عند نفس الية [آية سورة الائدة]‪" :‬وهذه صفات الؤمني ال ُكهّل‬
‫أن يكون أحدهم متواضعا لخيه متعززا على عدوه كقوله تعال‪] :‬أشداء على الكفار‬
‫رحاء بينـهم[ ومن علمة حب ال تعال للمؤمني أن يكون لي الانب متواضعا‬
‫لخوانـه الؤمني‪ ،‬متسربلً بالعزة حيال الكافرين والنافقي" اهـ‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫وهذا ما تضافرت نصوص الوحي لتثبيتـه ف قلوب الناس وليكون من يريد تقيق أمر‬
‫التمكي على يديه مثالً يتذى ف تطبيق هذه الخلق الرائعة والعمل بـها‪ ،‬ولقد‬
‫خوطب النب صلى ال عليه وسلم بأنـه لو كان غليظ القلب شديدا مع أصحابـه‬
‫لنفضوا من حوله‪] :‬ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك[‪.‬‬
‫الفظ‪ :‬الغليظ السيء اللق‪.‬‬
‫انفضوا‪ :‬تفرقوا‪.‬‬
‫ونذكر هنا بعضا من النصوص وأقوال أهل العلم الت تث الؤمني على هذه الخلق‪:‬‬
‫‪ - 1‬بعض النصوص‪ :‬قال ال تعال‪] :‬وعباد الرحن الذين يشون ف الرض هونا[‬
‫[الفرقان‪ ،]61 :‬أي سكينة ووقارا متواضعي‪ ،‬غي أشرين‪ ،‬ول مرحي ول متكبين‪ ،‬قال‬
‫السن‪ :‬علماء حلماء‪ ،‬وقال ممد بن النفية‪ :‬أصحاب وقار وعفة ل يسفهون‪ ،‬وإن سفه‬
‫عليهم حلموا‪.‬‬
‫و "الون" بالفتح ف اللغة‪ :‬الرفق واللي‪ .‬والون بالضم‪ :‬الوان‪ ،‬فالفتوح منـه‪ :‬صفة أهل‬
‫اليان‪ ،‬والضموم‪ :‬صفة أهل الكفران‪ ،‬وجزاؤهم من ال النيان‪.‬‬
‫وقال تعال‪] :‬يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينـه فسوف يأت ال بقوم يبـهم‬
‫ويبونـه أذلة على الؤمني أعزة على الكافرين[ [الائدة‪.]54 :‬‬
‫لا كان الذل منـهم ذل رحة وعطف وشفقة وإخبات عداه بأداة "على" تضمينا لعان‬
‫هذه الفعال‪ ،‬فإنـه ل يرد بـه ذل الوان الذي صاحبـه ذليل‪ ،‬وإنا هو ذل اللي‬
‫والنقياد الذي صاحبـه ذلول‪ ،‬فالؤمن ذلول‪ ،‬كما ف الديث‪" :‬الؤمن كالمل الذلول‪،‬‬
‫والنافق والفاسق ذليل"[‪ ]10[]10‬وأربعة يعشقهم الذل أشد العشق‪ :‬الكذاب‪ ،‬والنمام‪،‬‬
‫والبخيل‪ ،‬والبار‪.‬‬
‫وقوله‪] :‬أعزة على الكافرين[ هو من عزة القوة والنعة والغلبة‪ .‬قال عطاء رضي ال عنـه‪:‬‬
‫للمؤمني كالوالد لولده‪ ،‬وعلى الكافرين كالسبع على فريستـه‪ ،‬كما قال ف الية‬
‫الخرى ]أشداء على الكفار رحاء بينـهم[ [الفتح‪.]29 :‬‬

‫‪358‬‬
‫وف صحيح مسلم من حديث عياض بن حار رضي ال عنـه قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪" :‬إن ال أوحى إل‪ :‬أن تواضعوا‪ ،‬حت ل يفخر أحد على أحد‪ ،‬ول يبغي‬
‫أحد على أحد"[‪. ]11[]11‬‬
‫وف صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي ال عنـه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬ل يدخل النة من كان ف قلبـه مثقال ذرة من كب"[‪.]12[]12‬‬
‫وف حديث احتجاج النة والنار‪" :‬أن النار قالت‪ :‬مال ل يدخلن غل البارون‪،‬‬
‫والتكبون؟ وقالت النة‪ :‬مال ل يدخلن إل ضعفاء الناس وسقطهم" وهو ف الصحيح[‬
‫‪. ]13[]13‬‬
‫وف صحيح مسلم عن أب سعيد وعن أب هريرة رضي ال عنـهما قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬يقول ال عز وجل‪ :‬العزة إزاري‪ ،‬والكبياء ردائي‪ ،‬فمن نازعن‬
‫عذبتـه"[‪. ]14[]14‬‬
‫‪ - 2‬هدي النب صلى ال عليه وسلم ف ذلك‪:‬‬
‫وكان النب صلى ال عليه وسلم ير على الصبيان فيسلم عليهم[‪. ]15[]15‬‬
‫وكانت المة تأخذ بيده صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فتنطلق بـه حيث شاءت[‪.]16[]16‬‬
‫وكان النب صلى ال عليه وسلم إذا أكل لعق أصابعه الثلث[‪. ]17[]17‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم يكون ف بيتـه ف خدمة أهله[‪ ]18[]18‬ول يكن ينتقم‬
‫لنفسه قط[‪. ]19[]19‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم يصف نعله‪ ،‬ويرقع ثوبـه‪ ،‬ويلب الشاة لهله[‪. ]20[]20‬‬
‫ويعلف البعي ويأكل مع الادم‪ ،‬ويالس الساكي‪ ،‬ويشى مع الرملة واليتيم ف‬
‫حاجتـهما[‪ ،]21[]21‬ويبدأ من لقيه بالسلم‪ ،‬وييب دعوة من دعاه‪ ،‬ولو إل أيسر‬
‫شيء[‪. ]22[]22‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم هي الؤنة‪ ،‬لي اللق‪ ،‬كري الطبع‪ ،‬جيل العاشرة‪ ،‬طلق الوجه‬
‫بساما‪ ،‬متواضعا من غي ذلة‪ ،‬جوادا من غي سرف‪ ،‬رقيق القلب‪ ،‬رحيما بكل مسلم‪،‬‬
‫خافض الناح للمؤمني‪ ،‬لي الانب لم‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم‪" :‬أل أخبكم بن يرم على النار؟ ‪ -‬أو ترم عليه النار ‪ -‬ترم‬
‫على كل قريب هي لي سهل" رواه الترمذي‪ ،‬وقال حديث حسن[‪. ]23[]23‬‬
‫وقال‪" :‬لو دعيت إل ذراع ‪ -‬أو كراع ‪ -‬لجبت‪ ،‬ولو أهدي إل ذراع ‪ -‬أو كراع ‪-‬‬
‫لقبلت" رواه البخاري[‪. ]24[]24‬‬
‫‪ - 3‬حقيقة الذل والتواضع‪:‬‬
‫سئل الفضيل بن عياض عن التواضع؟ فقال‪ :‬يضع للحق‪ ،‬وينقاد له‪ .‬ويقبله من قاله‪.‬‬
‫وقال النيد بن ممد‪ :‬هو خفض الناح‪ ،‬ولي الانب‪.‬‬
‫وقال ابن عطاء‪ :‬هو قبول الق من كان‪ ،‬والعز ف التواضع‪ ،‬فمن طلبـه ف الكب فهو‬
‫كتطلب الاء من النار‪.‬‬
‫وقال إبراهيم بن شيبان‪ :‬الشرف ف التواضع‪ ،‬والعز ف التقوى‪ ،‬والرية ف القناعة‪.‬‬
‫وقال عروة بن الزبي رضي ال عنـهما‪ :‬رأيت عمر بن الطاب رضي ال عنـه على‬
‫عاتقه قربة ماء‪ ،‬فقلت‪" :‬يا أمر الؤمني؛ ل ينبغي لك هذا‪ ،‬فقال‪ :‬لا أتان الوفود سامعي‬
‫مطيعي‪ ،‬دخلت نفسي نوة‪ ،‬فأردت أن أكسرها"‪.‬‬
‫وول أبو هريرة رضي ال عنـه إمارة مرة‪ ،‬فكان يمل حزمة الطب على ظهره‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬طَرّقوا للمي‪.‬‬
‫ومر السن على صبيان معهم كسر خبز‪ ،‬فاستضافوه‪ ،‬فنـزل فأكل معهم‪ ،‬ث حلهم إل‬
‫منـزله‪ ،‬فأطعمهم وكساهم‪ ،‬وقال‪ :‬اليد لم‪ ،‬لنـهم ل يدون شيئا غي ما أطعمون‪،‬‬
‫ونن ند أكثر منـه‪.‬‬
‫ويذكر أن أبا ذر رضي ال عنـه عي بللً رضي ال عنـه بسواده‪ ،‬ث ندم‪ ،‬فألقى‬
‫بنفسه‪ ،‬فحلف‪ :‬ل رفعت رأسي حت يطأ بلل خدي بقدمه‪ ،‬فلم يرفع رأسه حت فعل‬
‫بلل‪.‬‬
‫وروح التواضع‪ :‬أن يتواضع العبد لصولة الق‪ .‬بأن يتلقى سلطان الق بالضوع له‪،‬‬
‫والذل‪ ،‬والنقياد‪ ،‬والدخول تت رقة‪ ،‬بيث يكون الق متصرفا فيه تصرف الالك ف‬
‫ملوكه‪ ،‬فبـهذا يصل للعبد خلق التواضع‪ ،‬ولذا فسر النب صلى ال عليه وسلم الكب‬
‫بضده‪ ،‬فقال‪" :‬الكب بطر الق‪ ،‬وغمص الناس"[‪ . ]25[]25‬فبطر الق‪ :‬رده وجحده‪،‬‬

‫‪360‬‬
‫والدفع ف صدره‪ ،‬كدفع الصائل‪ ،‬و "غمص الناس" احتقارهم‪ ،‬وازدراؤهم‪ ،‬ومت‬
‫احتقرهم وازدراهم‪ :‬دفع حقوقهم‪ ،‬وجحدها‪ ،‬واستـهان بـها‪.‬‬
‫ولا كان لصاحب الق مقالة وصولة‪ :‬كانت النفوس التكبة ل تقر له بالصولة على تلك‬
‫الصولة الت فيها‪ ،‬ول سيما النفوس البطلة‪ ،‬فتصول على صولة الق بكبها وباطلها‪،‬‬
‫فكان حقيقة التواضع‪ :‬خضوع العبد لصولة الق‪ ،‬وانقياده لا‪ ،‬فل يقابلها بصولتـه‬
‫عليها‪.‬‬
‫وجال التواضع إنا يكون بأن ترضى با رضي الق بـه لنفسه عبدا من السلمي أخا‪،‬‬
‫وأن ل ترد على عدوك حقا‪ ،‬وأن تقبل من العتذر معاذيره‪.‬‬
‫فإذا كان ال قد رضي أخاك السلم عبدا‪ ،‬أفل ترضى أنت بـه أخا؟ فعدم رضاك بـه‬
‫أخا‪ :‬عي الكب‪ ،‬وأي قبيح أقبح من تكب العبد على عبد مثله‪ ،‬ل يرضى بأخوتـه‪ ،‬وال‬
‫راض بعبوديتـه؟‪.‬‬
‫ول تصح لك درجة "التواضع" حت تقبل الق من تب ومن تبغض فتقبله من عدوك‬
‫كما تقبله من وليك‪ ،‬وإذا ل ترد عليه حقه‪ ،‬فكيف تنعه حقا له قبلك؟ بل حقيقة‬
‫"التواضع" أنـه إذا جاءك قبلتـه منـه‪ ،‬وإذا كان له عليك حق أديتـه إليه‪ ،‬فل تنعك‬
‫عداوتـه من قبول حقه‪ ،‬ول من إيتائه إياه‪.‬‬
‫وكذلك من أساء إليك ث جاء يعتذر عن إساءتـه فإن "التواضع" يوجب عليك قبول‬
‫معذرتـه‪ ،‬حقا كانت أو باطلً‪ ،‬وتكل سريرتـه إل ال تعال‪ ،‬كما فعل رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ف النافقي الذين تلفوا عنـه ف الغزو‪ ،‬فلما قدم جاءوا يعتذرون‬
‫إليه‪ ،‬فقبل أعذارهم‪ ،‬ووكل سرائرهم إل ال تعال[‪. ]26[]26‬‬
‫وعلمة الكب والتواضع‪ :‬أنك إذا رأيت اللل ف عذره ل توقفه عليه ول تاجه‪ ،‬وقل‪:‬‬
‫يكن أن يكون المر كما تقول‪ ،‬ولو قضي شيء لكان‪ ،‬والقدور ول مدفع له‪ ،‬ونو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وتام التواضع‪ :‬أن ل يرى العابد لنفسه حقا على ال لجل عمله‪ ،‬فإنـه ف عبودية وفقر‬
‫مض‪ ،‬وذل وانكسار‪ ،‬فمت رأى لنفسه على ال حقا‪ :‬فسدت عبوديتـه‪ ،‬وصارت‬
‫معلولة وخيف منـها القت‪ .‬ول يناف هذا ما أحقه سبحانـه على نفسه‪ ،‬من إثابة‬

‫‪361‬‬
‫عابديه وإكرامهم‪ ،‬فإن ذلك حق أحقه على نفسه بحض كرمه وبره وجوده وإحسانـه‪،‬‬
‫ل باستحقاق العبيد‪ ،‬وأنـهم أوجبوه عليه بأعمالم‪.‬‬
‫هذه جلة من العان الت تبي حقيقة خفض الانب والوضع الذي يب أن يكون عليه‬
‫الؤمن حيال إخوانـه‪ ،‬ونقيض ذلك ينسحب على معاملة غي العلم على أن ل تتعدى‬
‫حدود الشرع فنفرق بي الحارب والعاهد السال فنلتزم ف كل حالة حسب ما يطلب‬
‫الشارع سبحانـه ول خيار لنا ف ذلك‪ ،‬وهذا الوضوع يطول التفصيل فيه فاعقل هذا‬
‫الجال واعمل بـه وإذا أردت التفصيل فاطلبـه من مظانـه‪.‬‬
‫وعلينا بعد هذا اليضاح والتبيان أن نعرض حالنا كأفراد وجاعات على هذا اليزان‬
‫الدقيق‪ :‬فهل هو موافق أم مالف لتلك الثار والعان الميلة؟‪.‬‬
‫د – رابع هذه الصفات‪ :‬صابر وثابت على البدأ مهما ادلمت الطوب‪ :‬قال عز من‬
‫قائل‪] :‬واصب كما صب أولو العزم من الرسل[‪ ،‬وقال‪] :‬وتت كلمة ربك السن على بن‬
‫إسرائيل با صبوا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون[ [العراف‪:‬‬
‫‪.]137‬‬
‫اقتضت حكمة ال جل ف عله أن يكون هناك تدافع بي الناس وذلك لوجود الي والشر‬
‫والق والباطل‪ ،‬ومن خلل هذه الدافعة تتمايز الصفوف‪ ،‬قال جل ف عله‪] :‬ولول دفع‬
‫ال الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض ولكن ال ذو فضل على العالي[‪] ،‬ولول دفع‬
‫ال الناس بعضهم ببعض لدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم ال كثيا‬
‫ولينصرن ال من ينصره إن ال لقوي عزيز[‪ ،‬وهذه الية الخية جاءت بعد أن بي ال‬
‫سبحانـه وتعال أنـه يدافع عن الذين آمنوا وأنـه أذن لم القتال لم قال ف مكم‬
‫كتابـه‪] :‬إن ال يدافع عن الذين آمنوا إن ال ل يب كل خوان كفور‪ .‬أذن للذين‬
‫يقاتلون بأنـهم ظلموا وإن ال على نصرهم لقدير[ لاذا قيل لم هذا ونـزل لم هذا‬
‫التشريع؟ لنـهم أخرجوا من ديارهم بغي حق‪] :‬الذين أخرجوا من ديارهم بغي حق إل‬
‫أن يقولوا ربنا ال[‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫فبي سياق هذه اليات الحكمات وترتيبـها أن هناك فريق مظلوم يب عليه أن يدفع‬
‫هذا الظلم الذي حصل له وهو فريق الق‪ ،‬وأن هناك فريق معتد ظال متكب وهو فريق‬
‫الباطل يب أن يردع وأن يوقف عند حده‪.‬‬
‫إن هذا الوضع وهذه السنة بالنسبة للمؤمني تتطلب منـهم عدة أكب من عدة عدوهم‪،‬‬
‫فكان من ال أن أرشدهم إل ذلك قائلً‪] :‬يا أيها الذين آمنوا اصبوا وصابروا ورابطوا‬
‫واتقوا ال لعلكم تفلحون[‪ ،‬الصابرة‪ :‬وهي مقابلة صب الخرين والتغلب عليه‪ .‬وحديثنا‬
‫عن الصب يتناول الوانب التية‪:‬‬
‫‪ - 1‬الصب ف القرآن‪:‬‬
‫قال المام أحد رحه ال‪ :‬الصب ف القرآن ف نو تسعي موضعا‪.‬‬
‫وهو واجب بإجاع المة‪ ،‬وهو نصف اليان‪ ،‬فإن اليان نصفان‪ :‬نصف صب‪ ،‬ونصف‬
‫شكر‪.‬‬
‫وهو مذكور ف القرآن على ستة عشر نوعا‪.‬‬
‫الول‪ :‬المر بـه‪ :‬نو قوله تعال‪] :‬يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصب والصلة[ [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]153‬وقوله‪] :‬واستعينوا بالصب والصلة[ [البقرة‪ ،]45 :‬وقوله‪] :‬اصبوا وصابروا[‬
‫[آل عمران‪ ،]200 :‬وقوله‪] :‬واصب وما صبك إل بال[ [النحل‪.]127 :‬‬
‫الثان‪ :‬النـهي عن ضده كقوله‪] :‬فاصب كما صب أولو العزم من الرسل ول تستعجل‬
‫بـه[ [الحقاف‪ ،]35 :‬وقوله‪] :‬فل تولوهم الدبار[ [النفال‪ ،]15 :‬فإن تولية الدبار‬
‫ترك للصب والصابرة‪ ،‬وقوله‪] :‬ول تبطلوا أعمالكم[ [ممد‪ ،]33 :‬فإن ابطالا ترك الصب‬
‫على إتامها‪ ،‬وقوله‪] :‬ول تـهنوا ول تزنوا[ [آل عمران‪ ،]139 :‬فإن الوهن من عدم‬
‫الصب‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الثناء على أهله‪ ،‬كقوله تعال‪] :‬الصابرين والصادقي[ [آل عمران‪،]17 :‬‬
‫وقوله‪] :‬والصابرين ف البأساء والضراء وحي البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم‬
‫التقون[ [البقرة‪ ،]177 :‬وهو كي ف القرآن‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬إيابـه سبحانـه مبتـه لم‪ ،‬كقوله‪] :‬وال يب الصابرين[ [البقرة‪.]146 :‬‬

‫‪363‬‬
‫الامس‪ :‬إياب معيتـه لم‪ ،‬وهي معية خاصة‪ ،‬تتضمن حفظهم ونصرهم‪ ،‬وتأييدهم‪،‬‬
‫ليست معية عامة‪ ،‬وهي معية العلم‪ ،‬والحاطة‪ ،‬كقوله‪] :‬واصبوا إن ال مع الصابرين[‬
‫[النفال‪ ،]46 :‬وقوله‪] :‬وال مع الصابرين[ [البقرة‪ ،249 :‬النفال‪.]66 :‬‬
‫السادس‪ :‬إخباره بأن الصب خي لصحابـه‪ ،‬كقوله‪] :‬ولئن صبت لو خي للصابرين[‬
‫[النحل‪ ،]126 :‬وقوله‪] :‬وأن تصبوا خي لكم[ [النساء‪.]25 :‬‬
‫السابع‪ :‬إياب الزاء لم بأحسن أعمالم‪ ،‬كقوله تعال‪] :‬ولنجزين الذين صبوا أجرهم‬
‫بأحسن ما كانوا يعملون[ [النحل‪.]96 :‬‬
‫الثامن‪ :‬إيابـه سبحانـه الزاء لم بغي حساب‪ ،‬كقوله تعال‪] :‬إنا يوف الصابرون‬
‫أجرهم بغي حساب[ [الزمر‪.]10 :‬‬
‫التاسع‪ :‬إطلق البشرى لهل الصب‪ ،‬كقوله تعال‪] :‬ولنبلونكم بشيء من الوف والوع‬
‫ونقص من الموال والنفس والثمرات وبشر الصابرين[ [البقرة‪.]155 :‬‬
‫العاشر‪ :‬ضمان النصر والدد لم‪ ،‬كقوله تعال‪] :‬بلى إن تصبوا وتتقوا ويأتوكم من‬
‫فورهم هذا يددكم ربكم بمسة آلف من اللئكة مسومي[ [آل عمران‪،]125 :‬‬
‫ومنـه قول النب صلى ال عليه وسلم‪" :‬واعلم أن النصر مع الصب"[‪. ]27[]27‬‬
‫الادي عشر‪ :‬الخبار منـه تعال بأن أهل الصب هم أهل العزائم‪ ،‬كقوله تعال‪] :‬ولن‬
‫صب وغفر إن ذلك لن عزم المور[ [الشورى‪.]43 :‬‬
‫الثان عشر‪ :‬الخبار أنـه ما يلقى العمال الصالة وجزاءها والظوظ العظيمة إل أهل‬
‫الصب‪ ،‬كقوله تعال‪] :‬ويلكم ثواب ال خي لن آمن وعمل صالا ول يلقاها إل‬
‫الصابرين[ [القصص‪ ،]80 :‬وقوله‪] :‬وما يلقاها إل الذين صبوا وما يلقاها إل ذو حظ‬
‫عظيم[ [فصلت‪.]35 :‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬الخبار أنـه إنا ينتفع باليات والعب أهل الصب‪ ،‬كقوله تعال لوسى‪] :‬أن‬
‫أخرج قومك من الظلمات إل النور وذكرهم بأيام ال إن ف ذلك ليات لكل صبار‬
‫شكور[ [إبراهيم‪ ،]5 :‬وقوله ف أهل سبأ‪] :‬فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل مزق إن ف‬
‫ذلك ليات لكل صبار شكور[ [سبأ‪ ،]19 :‬وقوله ف سورة الشورى‪] :‬ومن آياتـه‬

‫‪364‬‬
‫الوار ف البحر كالعلم إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن ف ذلك‬
‫ليات لكل صبار شكور[ [الشورى‪.]33 ،32 :‬‬
‫الرابع عشر‪ :‬الخبار بأن الفوز الطلوب الحبوب‪ ،‬والنجاة من الكروه الرهوب‪ ،‬ودخول‬
‫النة‪ ،‬إنا نالوه بالصب‪ ،‬كقوله تعال‪] :‬واللئكة يدخلون عليهم من كل باب سلم‬
‫عليكم با صبت فنعم عقب الدار[ [الرعد‪.]24 ،23 :‬‬
‫الامس عشر‪ :‬أنـه يورث صاحبـه درجة المامة‪ ،‬سعت شيخ السلم ابن تيمية قدس‬
‫ال روحه يقول‪ :‬بالصب واليقي تنال المام ف الدين‪ ،‬ث تل قوله تعال‪] :‬وجعلنا منـهم‬
‫أئمة يهدون بأمرنا لا صبوا وكانوا بآياتنا يوقنون[ [السجدة‪.]24 :‬‬
‫السادس عشر‪ :‬اقترانـه بقامات السلم‪ ،‬واليان‪ ،‬كما قرنـه ال سبحانـه باليقي‬
‫وباليان‪ ،‬وبالتقوى والتوكل‪ ،‬وبالشكر والعمل الصال والرحة‪.‬‬
‫ولذا كان الصب من اليان بنـزلة الرأس من السد‪ ،‬ول إيان لن ل صب له‪ ،‬كما أنـه‬
‫ل جسد لن ل رأس له‪ ،‬وقال عمرو بن الطاب رضي ال عنـه‪" :‬خي عيش أدركناه‬
‫بالصب" وأخب النب صلى ال عليه وسلم ف الديث الصحيح "أنـه ضياء"[‪، ]28[]28‬‬
‫وقال‪" :‬من يتصب يصبه ال"[‪. ]29[]29‬‬
‫وف الديث الصحيح‪" :‬عجبا لمر الؤمن! إن أمره كل له خي‪ ،‬وليس ذلك لحد إل‬
‫للمؤمن؛ إن أصابتـه سراء شكر‪ ،‬فكان خي له‪ ،‬وإن أصابتـه ضراء صب‪ ،‬فكان خيا‬
‫له"[‪. ]30[]30‬‬
‫وأمر النصار رضي ال عنـهم‪ ،‬بأن يصبوا على الثرة الت يلقونـها بعده‪ ،‬حت يلقوه‬
‫على الوض[‪. ]31[]31‬‬
‫وأمر عند ملقاة العدو بالصب‪ ،‬وأمر بالصب عند العصية‪ ،‬وأخب "أنـه إنا يكون عند‬
‫الصدمة الول"[‪. ]32[]32‬‬
‫وأمر صلى ال عليه وسلم الصاب بأنفع المور له‪ ،‬وهو الصب والحتساب‪ ،‬فإن ذلك‬
‫يفف مصيبتـه‪ ،‬ويوفر أجره‪ ،‬والزع والتسخط والتشكي يزيد ف الصيبة‪ ،‬ويذهب‬
‫الجر‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫وأخب صلى ال عليه وسلم أن الصب خي كله‪ ،‬فقال‪" :‬ما أعطي أحد عطاء خيا له‬
‫وأوسع من الصب"[‪. ]33[]33‬‬
‫‪ - 2‬معن الصب وأنواعه‪:‬‬
‫و الصب ف اللغة‪ :‬البس والكف‪ ،‬ومنـه قتل فلن صبا‪ :‬إذا أمسك وحبس‪ ،‬ومنـه‬
‫قول تعال‪] :‬واصب نفسك مع الذين يدعون ربـهم بالغداة والعشي يريدون وجهه[‬
‫[الكهف‪ ،]28 :‬أي احبس نفسك معهم‪.‬‬
‫فالصب‪ :‬حبس النفس عن الزع والتسخط‪ ،‬وحبس اللسان عن الشكوى‪ ،‬وحبس‬
‫الوارح عن التشويش‪.‬‬
‫وهو ثلثة أنواع‪ :‬صب على طاعة ال‪ ،‬وصب عن معصية ال‪ ،‬وصب على امتحان ال‪.‬‬
‫‪ - 3‬مراتب الصب‪:‬‬
‫وهو على ثلثة أنواع‪ :‬صب بال‪ ،‬وصب ل‪ ،‬وصب مع ال‪.‬‬
‫فالول‪ :‬الستعانة بـه‪ ،‬ورؤيتـه أنـه هو الصب‪ ،‬وأن صب العبد بربـه ل بنفسه‪ ،‬كما‬
‫قال تعال‪] :‬واصب وما صبك إل بال[ [النحل‪ ،]127 :‬يعن إن ل يصبك هو ل تصب‪.‬‬
‫والثان‪ :‬الصب ل‪ ،‬وهو أن يكون الباعث له على الصب مبة ال‪ ،‬وإرادة وجهه‪ ،‬والتقرب‬
‫إليه‪ ،‬ل لظهار قوة النفس‪ ،‬والستحماد إل اللق‪ ،‬وغي ذلك من العراض‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬الصب مع ال‪ ،‬وهو دوران العبد مع مراد ال الدين منـه‪ ،‬ومع أحكامه الدينية‪،‬‬
‫صابرا نفسه معها‪ ،‬سائرا بسيها‪ ،‬مقيما بإقامتـها‪ ،‬يتوجه معها أين توجهت ركائبـها‪،‬‬
‫وينـزل معها أين استقلت مضاربـها‪.‬‬
‫وقد أمر ال سبحانـه وتعال ف كتابـه بالصب الميل‪ ،‬والصفح الميل‪ ،‬والجر‬
‫الميل‪ ،‬فسمعت شيخ السلم ابن تيمية قدس ال روحه يقول‪ :‬الصب الميل هو الذي ل‬
‫شكوى فيه ول معه‪ ،‬والصفح الميل هو الذي ل عتاب معه‪ ،‬والجر الميل هو الذي ل‬
‫أذى معه‪.‬‬
‫وقال ابن عيينة ف قوله تعلى‪] :‬وجعلنا منـهم أئمة يهدون بأمرنا لا صبوا[ [السجدة‪:‬‬
‫‪ ،]24‬قال‪" :‬أخذوا برأس المر فجعلم رؤساء"‪.‬‬
‫تنبيه هام‪:‬‬

‫‪366‬‬
‫والشكوى إل ال عز وجل ل تناف الصب‪ ،‬فإن يعقوب عليه السلم وعد بالصب الميل‪،‬‬
‫والنب إذا وعد ل يلف‪ ،‬ث قال‪] :‬إنا أشكو بثي وحزن إل ال[ [يوسف‪،]86 :‬‬
‫وكذلك أيوب أخب ال عنـه‪ :‬أنـه وجده صابرا مع قوله‪] :‬مسن الضر وأنت أرحم‬
‫الراحي[ [النبياء‪.]83 :‬‬
‫ل يشكو إل آخر‬ ‫وإنا يناف الصب شكوى ال‪ ،‬ل الشكوى إل ال‪ ،‬كما رأى بعضهم رج ً‬
‫فاقة وضرورة فقال‪ :‬يا هذا‪ ،‬تشكو من يرحك إل من ل يرحك؟ ث أنشد‪:‬‬
‫وإذا عـرتك بلية فاصب لا صب الكري فإنـه بـك أعـلم‬
‫وإذا شكوت إل ابن آدم إنا تشكو الرحيم إل الذي ل يرحم‬
‫‪ - 4‬الصب ف الحن وكيف نصله‪:‬‬
‫أما الصب ف الحن على أذى الظالي‪ ،‬وعند النوازل فإن العبد يستجلبـه ويستعي عليه‬
‫بثلث أشياء‪:‬‬
‫أحدها‪" :‬ملحظة حسن الزاء" وعلى حسب ملحظتـه والوثوق بـه ومطالعتـه يف‬
‫حل البلء‪ ،‬لشهود العوض‪ ،‬وهذا كما يف على كل متحمل مشقة عظيمة حلها‪ ،‬لا‬
‫يلحظه من لذة عاقبتـها وظفره بـها‪ ،‬ولول ذلك لتعطلت مصال الدنيا والخرة‪ ،‬وما‬
‫أقدم أحد على تمل مشقة عاجلة إل لثمرة مؤجلة‪ ،‬فالنفس موكلة بب العاجل‪ ،‬وإنا‬
‫خاصة العقل‪ :‬تلمح العواقب‪ ،‬ومطالعة الغايات‪.‬‬
‫وأجع عقلء كل أمة على أن النعيم ل يدرك بالنعيم‪ ،‬وأن من رافق الراحة‪ ،‬حصل على‬
‫الشقة وقت الراحة ف دار الراحة‪ ،‬فإنـه على قدر التعب تكون الراحة‪.‬‬
‫على قدر أهل العزم تأت العزائم وتأت على قدر الكري الكرائم‬
‫ويكب ف عي الصـغي صغيها وتصغر ف عي العظيم العظائم‬
‫والقصد‪ :‬أن ملحظة حسن العاقبة تعي على الصب فيما تتحمله باختيارك وغي اختيارك‪.‬‬
‫والثان‪ :‬انتظار الفرج‪.‬‬
‫أي‪ :‬راحتـه ونسيمه ولذتـه‪ ،‬فإن انتظاره ومطالعتـه وترقبـه يفف حل الشقة‪ ،‬ول‬
‫سيما عند قوة الرجاء‪ ،‬أو القطع بالفرج‪ ،‬فإنـه يد ف حشو البلء من روح الفرح‬

‫‪367‬‬
‫ونسيمه وراحتـه‪ :‬ما هو من خفي اللطاف‪ ،‬وما هو فرج معجل‪ ،‬وبـه ‪ -‬يفهم معن‬
‫اسه "اللطيف"‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬تـهوين البلية‪ ،‬بأمرين‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يعد نعم ال وأياديه عنده‪ ،‬فإذا عجز عن عدها‪ ،‬وأيس من حصرها‪ ،‬هان عليه‬
‫ماهو فيه من البلء‪ ،‬ورآه ‪ -‬بالنسبة إل أيادي ال ونعمه ‪ -‬كقطرة من بر‪.‬‬
‫الثان‪ :‬تذكر سوالف النعم الت أنعم ال بـها عليه‪ ،‬فهذا يتعلق بالاضي‪ ،‬وتعداد أيادي‬
‫النن‪ :‬يتعلق بالال‪ ،‬وملحظة حسن الزاء‪ ،‬وانتظار الزاء‪ ،‬وانتظار روح الفرج‪ :‬يتعلق‬
‫بالستقبل‪ ،‬وأحدها ف الدنيا‪ ،‬والثان يوم الزاء‪.‬‬
‫وف ختام الديث عن الصب نقول‪" :‬فعلى وهج النار اللتـهبة نار الفتنة بمع أنواعها‬
‫تتميز معادن الناس‪ ،‬فينقسمون إل مؤمني صابرين‪ ،‬وإل مدعي أو منافقي‪ ،‬وينقسم‬
‫الؤمنون إل طبقات كثية؛ بسب شدة صبهم وقوة احتمالم" اهـ [سلسلة رسائل‬
‫الغرباء (‪ )3‬ص ‪.]201‬‬
‫ث نضيف‪" :‬فالراحل الت تر بـها حياة الؤمني الجاهدين؛ من العلماء والدعاة؛ من‬
‫صدقوا ف دعوى اليان‪ ،‬واستحقوا أن ينحهم ال قيادة البشرية بالسلم؛ هي‪ :‬البتلء‪،‬‬
‫ث الصب‪ ،‬ث العاقبة" [نفس الصدر‪ ،‬ص ‪.]205‬‬
‫فاعقل أخي الؤمن هذه الراحل والزمها وتعقبـها ف سي الولي لتكون على بينة ما‬
‫نقول واعلم‪ :‬أن النصر مع الصب‪ ،‬وأنـه ل يتسع المر إذا إذا ضاق‪ ،‬وأنـه بعد العسر‬
‫يسرا‪.‬‬
‫قال تعال‪] :‬ولقد كذبت رسل من قبلك فصبوا على ما كذبوا وأوذوا حت أتاهم نصرنا‬
‫ول ميل لكلمات ال ولقد جاءك من نبأ الرسلي[ [النعام‪uuu]24 :‬‬
‫‪----------------‬‬
‫ل عن ابن كثي‪ ،‬مع تصرف يسي‪.‬‬ ‫[‪ - ]1[]1‬نق ً‬
‫[‪ - ]2[]2‬رواه البخاري (‪ ،)21‬ومسلم (‪.)43‬‬
‫[‪ - ]3[]3‬تقدم تريه‪.‬‬

‫‪368‬‬
‫[‪ - ]4[]4‬رواه البخاري (‪ ،)7485‬ومسلم (‪ ،)3637‬ومالك ‪ ،2/953‬والترمذي‬
‫‪ 3160‬عن أب هريرة‪.‬‬
‫[‪ - ]5[]5‬أخرجه البخاري (‪ ،)7375‬ومسلم (‪.)813‬‬
‫[‪ – ]6[]6‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫[‪ – ]7[]7‬رواه البخاري‪.‬‬
‫[‪– ]8[]8‬رواه البخاري‪.‬‬
‫[‪ – ]9[]9‬صحيح رواه أحد وابن حبان عن ابن عمر‪.‬‬
‫[‪ - ]10[]10‬روي بلفظ "إنا الؤمن كالمل النف‪ ،‬حيثما انقيد انقاد" رواه أحد‬
‫‪ ،4/126‬وابن ماجه (‪ ،)43‬والاكم ‪ 1/96‬عن العرباض بن سارية ف حديث طويل‬
‫وإسناده قوي‪.‬‬
‫[‪ - ]11[]11‬رواه مسلم (‪ ،)2865‬وأبو داود (‪ ،)3895‬وابن ماجة (‪ ،)4179‬وله‬
‫شواهد عن أنس عند البخاري ف الدب الفرد (‪ ،)426‬وابن ماجة (‪.)4214‬‬
‫[‪ - ]12[]12‬رواه مسلم (‪ ،)91‬والبغوي (‪.)3587‬‬
‫[‪ - ]13[]13‬رواه البخاري (‪ ،)4850‬ومسلم (‪ ،)2846‬والترمذي (‪ )2564‬عن‬
‫أب هريرة‪.‬‬
‫[‪ - ]14[]14‬رواه مسلم (‪ ،)2620‬والبغوي (‪ )3592‬عن أب هريرة‪.‬‬
‫[‪ - ]15[]15‬رواه البخاري عن أنس‪.‬‬
‫[‪ - ]16[]16‬صحيح‪ ،‬علقه البخاري ووصله أبو داود وغيه عن أنس‪.‬‬
‫[‪ - ]17[]17‬رواه أحد ومسلم وأبو داود عن أنس‪.‬‬
‫[‪ - ]18[]18‬أخرجه البخاري عن السود‪.‬‬
‫[‪ - ]19[]19‬أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة‪.‬‬
‫[‪ - ]20[]20‬صحيح‪ ،‬رواه أحد وابن حبان عن عائشة‪.‬‬
‫[‪ - ]21[]21‬صحيح‪ ،‬رواه النسائي والاكم عن ابن أب أوف‪.‬‬
‫[‪ - ]22[]22‬كما ف حديث "المة" التقدم تريه وغيه من الحاديث‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫[‪ - ]23[]23‬صحيح‪ ،‬أخرجه الترمذي (‪ ،)2490‬وأحد ‪ ،1/415‬وابن حبان (‬
‫‪ )1096‬عن ابن مسعود ورجاله ثقات غي عبد ال بن عمر الودي ل يوثقه غي ابن‬
‫حبان‪ ،‬وله شواهد يتقوى با من حديث معيقب وحديث أب هريرة وحديث أنس وانظر‬
‫"ممع الزوائد" ‪.4/75‬‬
‫[‪ - ]24[]24‬برقم (‪ )5178‬عن أب هريرة‪ ،‬وآخر الترمذي (‪ )1338‬عن أنس‪.‬‬
‫[‪ - ]25[]25‬رواه مسلم (‪ ،)91‬وأبو داود (‪ ،)4091‬والترمذي (‪ )1999‬عن عبد‬
‫ال بن مسعود‪ ،‬ورواه أبو داود (‪ )4092‬عن أب هريرة بسند صحيح‪.‬‬
‫[‪ - ]26[]26‬أنظر البخاري (‪.)4418‬‬
‫[‪ - ]27[]27‬حسن‪ ،‬رواه أحد ‪ ، 1/307‬والاكم ‪ 3/541‬و ‪ ،542‬عن ابن‬
‫عباس‪.‬‬
‫[‪ - ]28[]28‬روان مسلم (‪ ،)223‬والنسائي ‪ ،5/5‬وأحد ‪ ،5/342‬عن أب مالك‬
‫الشعري‪.‬‬
‫[‪ - ]29[]29‬رواه البخاري (‪ ،)6470‬ومسلم (‪ ،)1053‬وأبو داود (‪،)1644‬‬
‫والترمذي (‪ ،)2024‬عن أب سعيد‪.‬‬
‫[‪ - ]30[]30‬رواه مسلم (‪ ،)2999‬والدارمي ‪ ،2/318‬وأحد ‪ ،6/16‬من حديث‬
‫صهيب‪.‬‬
‫[‪ - ]31[]31‬رواه البخاري (‪ )3792‬و (‪ ،)7057‬ومسلم (‪ )1845‬عن أسيد بن‬
‫حضي‪.‬‬
‫[‪ - ]32[]32‬رواه البخاري (‪ ،)1302‬ومسلم (‪ )15( )626‬عن أنس بن مالك‪.‬‬
‫[‪ - ]33[]33‬تقدم تريه‪.‬‬
‫*******************‬
‫وبي تعال أن أعداء الرسل مغلوبون مقهورون مهما ملكوا من قوة ومن عتاد ومكر ‪:‬‬

‫قال تعال ‪ِ { :‬إ ّن الّذِينَ َكفَرُوا لَ ْن ُت ْغنِ َي َعْنهُمْ َأ ْموَاُلهُمْ وَلَا َأوْلَا ُدهُمْ مِنَ اللّ ِه َشيْئًا َوأُولَئِكَ‬
‫هُ ْم وَقُو ُد النّارِ (‪ )10‬كَ َدأْبِ آَلِ ِف ْرعَ ْونَ وَالّذِي َن مِنْ َقبِْل ِهمْ كَ ّذبُوا بِ َآيَاتِنَا َفأَخَ َذهُمُ اللّهُ‬

‫‪370‬‬
‫بِ ُذنُوِبهِ ْم وَاللّ ُه شَدِي ُد اْل ِعقَابِ (‪ُ )11‬قلْ لِلّذِينَ َكفَرُوا َسُتغَْلبُونَ َوتُحْشَرُونَ إِلَى َج َهنّ َم َوِبْئسَ‬
‫الْ ِمهَادُ (‪[ )12‬آل عمران‪} ]12-10/‬‬
‫إن هذه اليات واردة ف صدد خطاب بن إسرائيل ‪ ،‬وتديدهم بصي الكفار قبلهم‬
‫وبعدهم ‪ .‬وفيها لفتة لطيفة عميقة الدللة كذلك ‪ . .‬فهو يذكرهم فيها بصي آل فرعون‬
‫‪ . .‬وكان ال سبحانه قد أهلك آل فرعون وأنى بن إسرائيل ‪ .‬ولكن هذا ل ينحهم‬
‫حقا خاصا إذا هم ضلوا وكفروا ‪ ،‬ول يعصمهم أن يوصموا بالكفر إذا هم انرفوا ‪ ،‬وأن‬
‫ينالوا جزاء الكافرين ف الدنيا والخرة كما نال آل فرعون الذين أناهم ال منهم!‬
‫كذلك يذكرهم مصارع قريش ف بدر ‪ -‬وهم كفار ‪ -‬ليقول لم ‪ :‬إن سنة ال ل‬
‫تتخلف ‪.‬‬
‫وإنه ل يعصمهم عاصم من أن يق عليهم ما حق على قريش ‪ .‬فالعلة هي الكفر ‪ .‬وليس‬
‫لحد على ال دالة ‪ ،‬ول له شفاعة إل باليان الصحيح!‬
‫{ إن الذين كفروا لن تغن عنهم أموالم ول أولدهم من ال شيئا ‪ ،‬وأولئك هم وقود‬
‫النار } ‪. .‬‬
‫والموال والولد مظنة حاية ووقاية؛ ولكنهما ل يغنيان شيئا ف ذلك اليوم الذي ل ريب‬
‫فيه ‪ ،‬لنه ل إخلف ليعاد ال ‪ .‬وهم فيه ‪ { :‬وقود النار } ‪ . .‬بذا التعبي الذي يسلبهم‬
‫كل خصائص « النسان » وميزاته ‪ ،‬ويصورهم ف صورة الطب والشب وسائر «‬
‫وقود النار » ‪. .‬‬
‫ل بل إن الموال والولد ‪ ،‬ومعهما الاه والسلطان ‪ ،‬ل تغن شيا ف الدنيا ‪:‬‬
‫{ كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا ‪ ،‬فأخذهم ال بذنوبم ‪ ،‬وال شديد‬
‫العقاب } ‪. .‬‬
‫وهو مثل مضى ف التاريخ مكرورا ‪ ،‬وقصة ال ف هذا الكتاب تفصيلً ‪ :‬وهو يثل سنة‬
‫ال ف الكذبي بآياته ‪ ،‬يريها حيث يشاء ‪ .‬فل أمان إذن ول ضمان لكذب بآيات ال ‪.‬‬
‫وإذن فالذين كفروا وكذبوا بدعوة ممد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وآيات الكتاب الذي‬
‫نزله عليه بالق ‪ ،‬معرضون لذا الصي ف الدنيا والخرة سواء ‪ . .‬ومن ث يلقن الرسول ‪-‬‬

‫‪371‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أن ينذرهم هذا الصي ف الدارين ‪ ،‬وأن يضرب لم الثل بيوم بدر‬
‫القريب ‪ ،‬فلعلهم نسوا مثل فرعون والذين من قبله ف التكذيب والخذ الشديد ‪:‬‬
‫{ قل للذين كفروا ‪ :‬ستغلبون وتشرون إل جهنم وبئس الهاد ‪ .‬قد كان لكم آية ف‬
‫فئتي التقتا ‪ :‬فئة تقاتل ف سبيل ال وأخرى كافرة ‪ ،‬يرونم مثليهم رأي العي ‪ .‬وال يؤيد‬
‫بنصره من يشاء ‪ .‬إن ف ذلك لعبة لول البصار } ‪. .‬‬
‫وقوله تعال ‪ { :‬يرونم مثليهم رأي العي } يتمل تفسيين ‪ :‬فإما أن يكون ضمي «‬
‫يرون » راجعا إل الكفار ‪ ،‬وضمي « هم » راجعا إل السلمي ‪ ،‬ويكون العن أن‬
‫الكفار على كثرتم كانوا يرون السلمي القليلي { مثليهم } ‪ . .‬وكان هذا من تدبي ال‬
‫حيث خيل للمشركي أن السلمي كثرة وهم قلة ‪ ،‬فتزلزلت قلوبم وأقدامهم ‪.‬‬
‫وإما أن يكون العكس ‪ ،‬ويكون العن أن السلمي كانوا يرون الشركي { مثليهم } هم‬
‫‪ -‬ف حي أن الشركي كانوا ثلثة أمثالم ‪ -‬ومع هذا ثبتوا وانتصروا ‪.‬‬
‫والهم هو رجع النصر إل تأييد ال وتدبيه ‪ . .‬وف هذا تذيل للذين كفروا وتديد ‪.‬‬
‫كما أن فيه تثبيتا للذين آمنوا وتوينا من شأن أعدائهم فل يرهبونم ‪ . .‬وكان الوقف ‪-‬‬
‫كما ذكرنا ف التمهيد للسورة ‪ -‬يقتضي هذا وذاك ‪ . .‬وكان القرآن يعمل هنا وهناك ‪. .‬‬
‫وما يزال القرآن يعمل بقيقته الكبية ‪ .‬وبا يتضمنه من مثل هذه القيقة ‪ . .‬إن وعد ال‬
‫بزية الذين يكفرون ويكذبون وينحرفون عن منهج ال ‪ ،‬قائم ف كل لظة ‪.‬‬
‫ووعد ال بنصر الفئة الؤمنة ‪ -‬ولو قل عددها ‪ -‬قائم كذلك ف كل لظة ‪ .‬وتوقف‬
‫النصر على تأييد ال الذي يعطيه من يشاء حقيقة قائمة ل تنسخ ‪ ،‬وسنة ماضية ل تتوقف‬
‫وليس على الفئة الؤمنة إل أن تطمئن إل هذه القيقة؛ وتثق ف ذلك الوعد؛ وتأخذ للمر‬
‫عدته الت ف طوقها كاملة؛ وتصب حت يأذن ال؛ ول تستعجل ول تقنط إذا طال عليها‬
‫المد الغيب ف علم ال ‪ ،‬الدبر بكمته ‪ ،‬الؤجل لوعده الذي يقق هذه الكمة ‪.‬‬
‫{ إن ف ذلك لعبة لول البصار } ‪. .‬‬
‫ول بد من بصر ينظر وبصي تتدبر ‪ ،‬لتبز العبة ‪ ،‬وتعيها القلوب ‪ .‬وإل فالعبة تر ف كل‬
‫لظة ف الليل والنهار!‬
‫***************‬

‫‪372‬‬
‫ولكن نصرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ل تكون إل باتباع منهجه الذي أكرمه‬
‫ال تعال به حت نفوز بسعادة الدارين ‪ ،‬ففيه العزة والكرامة والياة وكل خي لنا ف‬
‫الدارين‪:‬‬

‫حكّمُوكَ فِيمَا َشجَ َر َبْيَنهُمْ ثُمّ لَا يَجِدُوا فِي‬


‫قال تعال ‪َ { :‬فلَا وَ َربّكَ لَا ُيؤْ ِمنُونَ َحتّى يُ َ‬
‫سلِيمًا (‪[ )65‬النساء‪} ]65/‬‬ ‫ت َويُسَلّمُوا تَ ْ‬ ‫ضيْ َ‬‫سهِمْ َحرَجًا ِممّا َق َ‬
‫َأنْفُ ِ‬
‫ومرة أخرى ندنا أمام شرط اليان وح ّد السلم ‪ .‬يقرره ال سبحانه بنفسه ‪ .‬ويقسم‬
‫عليه بذاته ‪ .‬فل يبقى بعد ذلك قول لقائل ف تديد شرط اليان وحد السلم ‪ ،‬ول‬
‫تأويل لؤول ‪.‬‬
‫اللهم إل ماحكة ل تستحق الحترام ‪ . .‬وهي أن هذا القول مرهون بزمان ‪ ،‬وموقوف‬
‫على طائفة من الناس! وهذا قول من ل يدرك من السلم شيئا؛ ول يفقه من التعبي‬
‫القرآن قليلً ول كثيا ‪ .‬فهذه حقيقة كلية من حقائق السلم؛ جاءت ف صورة قسم‬
‫مؤكد؛ مطلقة من كل قيد ‪ . .‬وليس هناك مال للوهم أو اليهام بأن تكيم رسول ال ‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ -‬هو تكيم شخصه ‪ .‬إنا هو تكيم شريعته ومنهجه ‪ .‬وإل ل يبق‬
‫لشريعة ال وسنة رسوله مكان بعد وفاته ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وذلك قول أشد‬
‫الرتدين ارتدادا على عهد أب بكر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وهو الذي قاتلهم عليه قتال‬
‫الرتدين ‪ .‬بل قاتلهم على ما هو دونه بكثي ‪ .‬وهو مرد عدم الطاعة ل ورسوله ‪ ،‬ف‬
‫حكم الزكاة؛ وعدم قبول حكم رسول ال فيها ‪ ،‬بعد الوفاة!‬
‫وإذا كان يكفي لثبات « السلم » أن يتحاكم الناس إل شريعة ال وحكم رسوله ‪. .‬‬
‫فانه ل يكفي ف « اليان » هذا ‪ ،‬ما ل يصحبه الرضى النفسي ‪ ،‬والقبول القلب ‪،‬‬
‫وإسلم القلب والنان ‪ ،‬ف اطمئنان!‬
‫هذا هو السلم ‪.‬‬
‫وهذا هو اليان ‪ . .‬فلتنظر نفس أين هي من السلم؛ وأين هي من اليان! قبل ادعاء‬
‫السلم وادعاء اليان!‬
‫****************‬
‫ول بد من اتباع الرسول صلى ال عليه وسلم ف كل شيء ‪:‬‬

‫‪373‬‬
‫حِبْبكُمُ اللّهُ َويَ ْغفِرْ َلكُمْ ُذنُوَبكُ ْم وَاللّهُ‬
‫حبّونَ اللّهَ فَاّتبِعُونِي يُ ْ‬
‫قال تعال ‪ { :‬قُلْ إِنْ ُكْنتُمْ ُت ِ‬
‫َغفُورٌ َرحِيمٌ (‪[ )31‬آل عمران‪} ]32 ،31/‬‬
‫وهذه الية فيها وجوب مبة ال‪ ،‬وعلماتا‪ ،‬ونتيجتها‪ ،‬وثراتا‪ ،‬فقال { قل إن كنتم‬
‫تبون ال } أي‪ :‬ادعيتم هذه الرتبة العالية‪ ،‬والرتبة الت ليس فوقها رتبة فل يكفي فيها‬
‫مرد الدعوى‪ ،‬بل ل بد من الصدق فيها‪ ،‬وعلمة الصدق اتباع رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم ف جيع أحواله‪ ،‬ف أقواله وأفعاله‪ ،‬ف أصول الدين وفروعه‪ ،‬ف الظاهر والباطن‪،‬‬
‫فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه مبة ال تعال‪ ،‬وأحبه ال وغفر له ذنبه‪ ،‬ورحه‬
‫وسدده ف جيع حركاته وسكناته‪ ،‬ومن ل يتبع الرسول فليس مبا ل تعال‪ ،‬لن مبته ل‬
‫توجب له اتباع رسوله‪ ،‬فما ل يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها‪ ،‬مع أنا‬
‫على تقدير وجودها غي نافعة بدون شرطها‪ ،‬وبذه الية يوزن جيع اللق‪ ،‬فعلى حسب‬
‫حظهم من اتباع الرسول يكون إيانم وحبهم ل‪ ،‬وما نقص من ذلك نقص‪.‬‬
‫************************‬
‫القول اللبيب ف الذب عن البيب ( صلى ال عليه وسلم )‬

‫استمعت إل بعضهم ( ‪ )...‬وهم يهونون ما يدث حولم ‪ ،‬بل ويتحدثون وكأن ما‬
‫حدثً أمرا عاديا ‪ ،‬ما دعان إل الكتابة‪.‬‬
‫فحب ال و رسوله موجود ف قلب كل مؤمن ل يكنه دفع ذلك من قلبه إذا كان‬
‫مؤمنا ‪ ،‬و تظهر علمات حبه ل و لرسوله إذا أخذ أحد يسب الرسول ( صلى ال عليه‬
‫وسلم ) ‪ ،‬و يطعن عليه ‪ ،‬أو يسب ال و يذكره با ل يليق به ‪ ،‬فالؤمن يغضب لذلك‬
‫أعظم ما يغضب لو سب أبوه و أمه‪.‬‬
‫الذب عن الدين فرض واجب‬
‫فقد جاء ف ( إيضاح الدليل ) أن ‪ :‬الذب عن الدين لن تكن منه فرض واجب ‪ ،‬والرد‬
‫على أهل البدع أمر لزب ‪ ،‬مع أنه ل يقدر على المل على العتقاد إل الرب الذي بيده‬
‫تصاريف قلوب العباد ‪ ،‬وغاية النتصب لقامة الدليل بيان إبطال حجج أهل التشبيه‬

‫‪374‬‬
‫والتعطيل ‪ ،‬فمن يرد ال أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يعل صدره‬
‫ضيقا حرجا كأنا يصعد ف السماء‪.‬‬
‫(إيضاح الدليل ‪)1/89‬‬
‫الحاربة باللسان والكلمة‬
‫وبعد إن الرسومات الكاريكاتورية الت رست قاصدة الساءة إل رسول ال ( صلى ال‬
‫عليه وسلم ) هي نوع من الرب ‪ ،‬فقد جاء ف ( الصارم السلول ) ‪:‬‬
‫الوجه الامس ‪ :‬أن الحاربة نوعان ‪ :‬ماربة باليد ‪ ،‬و ماربة باللسان ‪ .‬و الحاربة باللسان‬
‫ف باب الدين ‪ :‬قد تكون أنكى من الحاربة باليد ‪ .‬ولذلك كان النب (عليه الصلة و‬
‫السلم ) يقتل من كان ياربه باللسان ‪ ،‬مع استبقائه بعض من حاربه باليد‪.‬د‬
‫خصوصا ماربة الرسول( عليه الصلة و السلم ) بعد موته فإنا إنا تكون باللسان ‪ ،‬و‬
‫كذلك الفساد قد يكون باليد ‪ ،‬و قد يكون باللسان ‪ ،‬و ما يفسده اللسان من الديان‬
‫أضعاف ما تفسده اليد ‪ ،‬كما أن ما يصلحه اللسان من الديان أضعاف ما تصلحه اليد‪.‬‬
‫فثبت أن ماربة ال و رسوله باللسان أشد ‪ ،‬و السعي ف الرض لفساد الدين باللسان‬
‫أوكد فهذا الساب ل ولرسوله أول باسم الحارب الفسد من قاطع الطريق‪.‬‬
‫( الصارم السلول ‪)1/389‬‬
‫وبذلك تدخل هذه الرسومات الكاريكاتورية ف باب الحاربة باللسان ‪ ،‬لنا عبارة عن‬
‫توجيه لجموعة من الفكار حول الهانة لشخص النب ( صلى ال عليه وسلم ) ‪ ،‬وبذلك‬
‫تكون هذه الرسومات أشد من الرب باليد واللة‪ .‬بل وأنكى من الرب باللسان لنا‬
‫تعبيات واضحة ظاهرة ل تتاج إل تفسي أو بيان شرح ‪.‬‬
‫من هنا نتناول هذا الوضوع من وجهتي ‪ ،‬ونتبعه بفصل ف الصب ‪:‬‬
‫(أ) الوجهة الول ‪ :‬الدفاع عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم )‪.‬‬
‫(ب) الوجهة الثانية ‪ :‬قتل من سب أو أساء إل النب ( صلى ال عليه وسلم) ‪.‬‬
‫(ج) فصل ف الصب والنصر ‪.‬‬
‫(أ) الدفاع عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم )‬

‫‪375‬‬
‫يب علينا الدفاع عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) ‪ ،‬والذي يؤكد ذلك ويبينه أشد‬
‫التأكيد ما يلي ‪:‬‬
‫أولً ـ الول (عز وجل) يدافع عن النب ( صلى ال عليه سلم )‬
‫‪1‬ـ خندق من نار‬
‫عن أب هريرة( رضىي ال عنه ) قال ‪ :‬قال أبو جهل ‪ :‬هل يعفر ممد وجهه بي‬
‫أظهركم ؟ فبالذي يلف به لئن رأيته يفعل ذلك لطأن على رقبته [ فأتى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته ] قال ‪ :‬فما فجأهم إل أنه يتقي بيده وينكص‬
‫على عقبيه ‪ ،‬فأتوه فقالوا ‪ :‬ما لك يا أبا الكم ؟ قال ‪ :‬إن بين وبينه لندقا من نار ‪،‬‬
‫وهولً ‪ ،‬وأجنحة ‪ .‬قال أبو العتمر ‪ :‬فأنزل ال جل وعل ‪ { :‬أرأيت الذي ينهى عبدا إذا‬
‫صلى } إل { فليدع ناديه } ‪ .‬قال ‪ :‬قومه { سندع الزبانية } ‪ ،‬قال اللئكة ‪ { :‬ل‬
‫تطعه } ث أمره با أمره من السجود ف آخر السورة ‪ ،‬قال ‪ :‬فبلغن عن العتمر ف هذا‬
‫الديث ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬لو دنا من لختطفته اللئكة‬
‫عضوا عضوا)‪ (.‬صحيح ابن حبان ‪)14/525‬‬
‫‪2‬ـ ال يرسل ملك البال ليدافع عن الرسول ( صلى ال عليه وسلم)‬
‫عن عائشة ( رضي ال عنها ) قالت لرسول (ال صلى ال عليه وسلم ) ‪ :‬هل أتى عليك‬
‫يوم كان أشد عليك من يوم أحد ؟ قال ( صلى ال عليه وسلم ) ‪ ( :‬لقد لقيت من‬
‫قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد‬
‫كلل ‪ ،‬فلم يبن إل ما أردت ‪ ،‬فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ؛ فرفعت رأسي ‪ ،‬فإذا‬
‫أنا بسحابة قد أظلتن ‪ ،‬فنظرت فإذا فيها جبيل (عليه السلم ) فنادان فقال ‪ :‬إن ال قد‬
‫سع قول قومك لك وما ردوا عليك ‪ ،‬وقد بعث إليك ملك البال لتأمر با شئت فيهم ‪،‬‬
‫قال ( صلى ال عليه وسلم) ‪ :‬فنادان ملك البال وسلم عليّ ‪ ،‬ث قال ‪ :‬يا ممد إن ال‬
‫قد سع قول قومك لك وأنا ملك البال ‪ ،‬وقد بعثن ربك إليك لتأمرن بأمرك إن شئت‬
‫أطبق عليهم الخشبي ) فقال رسول ( ال صلى ال عليه وسلم) ‪ ( :‬بل أرجو أن يرج‬
‫ال من أصلبم من يعبد ال وحده ل يشرك به شيئاً)‪ (.‬صحيح ابن حبان ‪)14/516‬‬
‫‪3‬ـ وال يعصمك من الناس‬

‫‪376‬‬
‫عن أب هريرة قال ‪ :‬كنا إذا صحبنا رسول ال (صلى ال عليه وسلم) ف سفر تركنا له‬
‫أعظم شجرة وأظلها فينل تتها ‪ ،‬فنل ذات يوم تت شجرة ‪ ،‬وعلق سيفه فيها فجاء‬
‫رجل فأخذه فقال ‪ :‬يا ممد من ينعك من ؟ فقال رسول ال( صلى ال عليه وسلم)‬
‫[ ال ينعن منك ضع السيف ] فوضعه فأنزل ال عز وجل ‪ { :‬وال يعصمك من‬
‫الناس }‬
‫ثانيا ً ـ القرآن الكري يدافع عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم )‬
‫‪ 1‬ـ الشدة والعنف مع أهل مكة‬
‫جاء حديث القرآن الكري إل أهل مكة ف كثي من الواقف وخطابم بالشدة والعنف ؛‬
‫فذلك لا مردوا عليه من أذى الرسول ( صلى ال عليه وسلم) وأصحابه ‪ ،‬والكيد لم حت‬
‫أخرجوهم من أوطانم ‪ ،‬ول يكتفوا بذلك بل أرسلوا إليهم الذى ف مهاجرهم ‪ ،‬وكان‬
‫القرآن ف حلته عليهم وعلى أمثالم بالقول بعيدا عن كل معان السباب والقذاع متذرعا‬
‫بالكمة والدب الكامل ف الرشاد والقناع ‪ ،‬حاثا على الصب والعفو والحسان‪.‬‬
‫( مناهل العرفان ‪)149 /1‬‬
‫ي}‬
‫سَتهْ ِزئِ َ‬
‫‪2‬ـ قول ال عز وجل ‪ِ{ :‬إنّا َك َفْينَا َك الْمُ ْ‬
‫يقول تعال ذكره ( إنا كفيناك الستهزئي ) يا ممد الذين يستهزئون بك ويسخرون منك‬
‫فاصدع بأمر ال ول تف شيئا سوى ال فإن ال كافيك من ناصيك وآذاك كما كفاك‬
‫الستهزئي وكان رؤساء الستهزئي قوما من قريش معروفي‪ ،‬ودعا عليهم رسول ال‬
‫( صلى ال عليه وسلم) ‪.‬‬
‫ي}‬ ‫سَتهْ ِزئِ َ‬
‫عن ابن عباس (رضي ال عنهما) ف قول ال عز وجل ‪ِ{ :‬إنّا َك َفْينَا َك الْمُ ْ‬
‫( الجر‪ ) 95/‬قال الستهزئون ‪ :‬الوليد بن الغية ‪ ،‬والسود بن عبد يغوث الزهري‪،‬‬
‫والسود بن الطلب ‪ ،‬وأبو زمعة من بن أسد بن عبد العزى ‪ ،‬والارث بن عيطل‬
‫السهمي ‪ ،‬والعاص بن وائل ‪ ،‬فأتاه جبيل (عليه السلم ) شكاهم إل رسول ( ال صلى‬
‫ال عليه وسلم) فأراه الوليد أبا عمرو بن الغية فأومأ جبيل إل أبله ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما صنعت‬
‫؟ قال ‪ :‬كفيته ‪ .‬ث أراه السود بن الطلب ‪ ،‬فأومئ جبيل إل عينيه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما صنعت‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬كفيته ‪ .‬ث أراه السود بن عبد يغوث الزهري ‪ ،‬فأومأ إل رأسه ‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬

‫‪377‬‬
‫صنعت ؟ قال ‪ :‬كفتيه ‪ .‬ومر به العاص بن وائل ‪ ،‬فأومأ إل أخصه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما صنعت ؟‬
‫قال ‪ :‬كفيته ‪ .‬فأما الوليد بن الغية ‪ ،‬فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلً له فأصاب‬
‫أبله فقطعها ‪ ،‬وأومأ السود بن الطلب فعمي ‪ ،‬فمنهم من يقول عمي هكذا‪ ،‬ومنهم من‬
‫يقول نزل تت سرة ‪ ،‬فجعل يقول ‪ :‬يا بن أل تدفعون عن قد قتلت ‪ ،‬فجعلوا يقولون ‪:‬‬
‫ما نرى شيئا ‪ .‬وجعل يقول ‪ :‬يا بن أل تنعون عن قد هلكت ها هو ذا أطعن بالشوك ف‬
‫عين‪ .‬فجعلوا يقولون ‪ :‬ما نرى شيئا ‪ .‬فلم يزل كذلك حت عميت عيناه ‪ .‬وأما السود‬
‫بن عبد يغوث الزهري فخرج ف رأسه قروح فمات منها ‪ ،‬وأما الارث بن عيطل فأخذه‬
‫الاء الصفر ف بطنه حت خرج خرؤه من فيه فمات منها‪ ،‬وأما العاص بن وائل فبينما هو‬
‫كذلك يوما إذ دخل ف رأسه شبقة حت امتلت منها فمات منها ‪ ،‬وقال غيه فركب‬
‫إل الطائف على حار فربض به على شبقة فدخلت ف أخص قدمه شوكة فقتلته‪(.‬سنن‬
‫البيهقي الكبى ‪)8 /9‬‬
‫‪3‬ـ الدفاع عن عرض الرسول ( صلى ال عليه وسلم) ف حادثة الفك‬
‫إنا منة تناولت بيت الرسول ( صلى ال عليه وسلم) ف أحب نسائه إليه ‪ ،‬وهي الصديقة‬
‫بنت الصديق عائشة بنت أب بكر ( رضي ال عنهما ) فيما يسمى بادثة الفك ‪ ،‬وقد‬
‫كانت تلك الادثة حلقة من سلسلة فنون اليذاء والحن الت لقيها رسول ال ( صلى ال‬
‫عليه وسلم) من أعداء الدين ‪ ،‬وكان من لطف ال تعال بنبيه وبالؤمني أن كشف زيفها‬
‫وبطلنا ‪ ،‬وسجلها ف قرآن يتلى إل يوم الدين ‪ ،‬لتكون مواقف يتأسى با الؤمنون عندما‬
‫يتعرضون ف حياتم لثل هذا العداء ‪ ،‬فقد انقطع الوحي ‪،‬وبقيت الدروس لتكون عبة‬
‫وعظة للجيال التعاقبة ‪.‬‬
‫وممل القصة كما جاء ف الصحيحي ‪ :‬أن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) كان إذا‬
‫أراد أن يرج للسفر ‪ ،‬أقرع بي أزواجه‪ ،‬فأيتهن خرج سهمها خرج با ‪ ،‬فلما كانت‬
‫غزوة بن الصطلق خرج سهم عائشة (رضي ال عنها) فخرجت معه ( صلى ال عليه‬
‫وسلم)‪ ،‬فلما رجعوا من الغزوة ‪ ،‬نزل اليش ف بعض النازل ليلً ‪ ،‬فخرجت عائشة‬
‫( رضي ال عنها) لاجتها ‪ ،‬فانفرط عقدها ‪ ،‬فأخذت تمعه ‪ ،‬بينما ترك اليش ‪ ،‬وهم‬
‫يظنون أنا ف الودج فلما رجعت ل تد أحدا ‪ ،‬فظنت أنم سيفتقدونا ويرجعون ف‬

‫‪378‬‬
‫طلبها ‪ ،‬فقعدت مكانا ‪ ،‬وغلبتها عيناها فنامت ‪ ،‬وكان صفوان بن العطل (رضي ال‬
‫عنه) من وراء اليش ‪ ،‬فلما رأها عرفها ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنا ل وإنا إليه راجعون ‪ ،‬فاستيقظت‬
‫على استرجاعه ‪ ،‬فأناخ راحلته ‪ ،‬وقربا إليها ‪ ،‬فركبتها ‪ ،‬ول يكلمها كلمة واحدة ‪ ،‬ث‬
‫سار با يقودها حت قدم با وقد نزل اليش ف نر الظهية ‪ ،‬فلما رأى الناس ذلك تكلم‬
‫كل منهم بشاكلته ‪ ،‬وما يليق به ‪ ،‬واتم النافقون عائشة ( رضي ال عنها ) ف عرضها‬
‫الشريف ‪ ،‬وأخذوا يلوكون الديث ويشيعونه حت انتشر ف الدينة كلها ‪ ،‬وقد مكث‬
‫رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) مدة ل يوحى إليه ف شأن عائشة بشيء ‪ ،‬حت اشتد‬
‫المر عليه( صلى ال عليه وسلم) واستشار بعض أصحابه فأشار عليه بعضهم بطلقها ‪،‬‬
‫وبينما الفتنة ف أوجها ‪ ،‬والحنة ف أشدها إذ جاء فرج ال ـ تعال ـ فشهد ال تعال‬
‫بباءة عائشة ( رضي ال عنها ) ف قرآن يتلى إل يوم القيامة ‪.‬‬
‫سبُو ُه شَرّا ّلكُم بَ ْل ُهوَ َخيْرٌ ّلكُمْ ِلكُ ّل امْرِئٍ‬ ‫صَبةٌ مّنكُمْ لَا تَحْ َ‬ ‫ك ُع ْ‬ ‫{إِ ّن الّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْ ِ‬
‫ب عَظِيمٌ َلوْلَا ِإ ْذ سَ ِم ْعتُمُو ُه ظَنّ‬ ‫ب مِ َن الِْإثْ ِم وَالّذِي َتوَلّى ِكبْ َرهُ ِمْنهُمْ لَ ُه عَذَا ٌ‬ ‫ّمنْهُم مّا ا ْكتَسَ َ‬
‫ي وََلوْلَا َفضْلُ اللّ ِه عََلْيكُ ْم وَرَحْ َمتُهُ‬ ‫سهِمْ َخيْرا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ ّمبِ ٌ‬ ‫الْ ُم ْؤمِنُونَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَاتُ ِبأَنفُ ِ‬
‫ضتُمْ فِي ِه عَذَابٌ عَظِيمٌ إِ ْذ َتَل ّقوْنَ ُه ِبأَلْسَِنتِكُ ْم َوَتقُولُونَ‬‫سكُمْ فِي مَا أََف ْ‬ ‫فِي ال ّدْنيَا وَالْآخِ َرةِ لَمَ ّ‬
‫سبُونَ ُه َهيّنا َو ُهوَ عِندَ اللّ ِه عَظِي ٌم وََلوْلَا ِإ ْذ سَ ِم ْعتُمُوهُ قُ ْلتُم‬ ‫بِأَ ْفوَا ِهكُم مّا َلْيسَ َلكُم بِ ِه عِلْمٌ َوتَحْ َ‬
‫مّا يَكُونُ َلنَا أَن ّنَتكَلّ َم ِبهَذَا ُسبْحَانَكَ هَذَا ُب ْهتَا ٌن عَظِي ٌم َيعِظُكُمُ اللّهُ أَن َتعُودُوا لِ ِمثْلِهِ َأبَدا إِن‬
‫ي َويَُبيّنُ اللّهُ َلكُ ُم الْآيَاتِ وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِي ٌم } (النور‪10/‬ـ ‪)18‬‬ ‫كُنتُم ّم ْؤ ِمنِ َ‬
‫وقوله تعال ( إن الذين جاءوا بالفك عصبة منكم ل تسبوه شرا لكم بل هو خي لكم)‬
‫نزلت ف الذين قذفوا عائشة (رضي ال عنها) فأخب ال أن ذلك كذب ‪ ،‬و( الفك) هو‬
‫الكذب ‪ ،‬ونال النب ( صلى ال عليه وسلم) وأبا بكر وجاعة من السلمي غم شديد‬
‫وأذى وحزن‪ ( .‬والذي تول كبه ) روي أنه ‪ :‬عبد ال بن أب بن سلول ‪ ،‬وكان منافقا‬
‫و( كبه ) هو عظمه ‪ ،‬وإن عظم ما كان فيه لنم كانوا يتمعون عنده وبرأيه وأمره‬
‫كانوا يشيعون ذلك ويظهرونه وكان هو يقصد بذلك أذى رسول ال ( صلى ال عليه‬
‫وسلم) ‪(.‬أحكام القرآن ‪)161 /5‬‬
‫‪4‬ـ َل َعَنهُمُ اللّهُ فِي ال ّدْنيَا وَالْآ ِخ َرةِ‬

‫‪379‬‬
‫{إِ ّن الّذِي َن ُيؤْذُونَ اللّ َه وَ َرسُولَهُ َل َعنَهُمُ اللّهُ فِي ال ّدْنيَا وَالْآخِ َر ِة َوَأعَدّ َلهُ ْم عَذَابا ّمهِينا }‬
‫(الحزاب‪ )57/‬قوله { لعنهم ال ف الدنيا والخرة } يقول تعال ذكره ‪ :‬أبعدهم ال من‬
‫رحته ف الدنيا والخرة وأعد لم ف الخرة عذابا يهينهم فيه باللود فيه‪.‬‬
‫‪5‬ـ التحذير من أذى رسول ال ( صلى ال عليه وسلم )‬
‫وذلك ف أغراض سورة الصف ‪ ،‬حيث أن من أغراض هذه السورة الكرية ‪:‬‬
‫ـ التحذير من إخلف الوعد واللتزام بواجبات الدين‪.‬‬
‫ـ التحريض على الهاد ف سبيل ال والثبات فيه وصدق اليان‪.‬‬
‫ـ الثبات ف نصرة الدين‪.‬‬
‫ـ الئتساء بالصادقي مثل الواريي‪.‬‬
‫ـ التحذير من أذى الرسول (صلى ال عليه وسلم) ‪.‬‬
‫ـ الوعد على إخلص اليان والهاد بسن مثوبة الخرة والنصر والفتح‪ (.‬التحرير‬
‫والتنوير ‪)1/4398‬‬
‫‪6‬ـ سورة القلم‬
‫ف هذه السورة ‪ ،‬عدد ال (عز وجل ) لزعماء الشركي مثل أب جهل والوليد بن الغية‬
‫مذمات كثية ‪ ،‬وتوعدهم بعذاب الخرة ‪ ،‬وببليا ف الدنيا ‪ ،‬بأن ضرب لم مثلً بن‬
‫غرهم عزهم وثراؤهم فأزال ال ذلك عنهم وأباد نعمتهم ‪ ،‬ووعظهم بأن ما هم فيه من‬
‫النعمة استدراج وإملء جزاء كيدهم ‪ .‬وأنم ل معذرة لم فيما قابلوا به دعوة النب (صلى‬
‫ال عليه وسلم) من طغيانم‪ (.‬التحرير والتنوير ‪)1/4512‬‬
‫‪6‬ـ ( ما أنت بنعمة ربك بجنون )‬
‫وقوله ‪ { :‬ما أنت بنعمة ربك بجنون } يقول تعال ذكره لنبيه ممد ( صلى ال عليه‬
‫وسلم ) ما أنت بنعمة ربك بجنون ‪ ،‬مكذبا بذلك مشركي قريش الذين قالوا له ‪ :‬إنك‬
‫منون‪.‬‬
‫‪7‬ـ ذم امرأة أب لب‬

‫‪380‬‬
‫( وامرأته حالة الطب ف جيدها حبل من مسد) أعقب ذم أب لب ووعيده بثل ذلك‬
‫لمرأته لنا كانت تشاركه ف أذى النب (صلى ال عليه وسلم) وتعينه عليه‪ (.‬الترغيب‬
‫والترهيب ‪)4/928‬‬
‫‪ 8‬ـ نسلك بم سبيل أسلفهم‬
‫سَتهْ ِزئُونَ }‬
‫خرُوْا ِمْنهُم مّا كَانُوْا بِهِ يَ ْ‬
‫ق بِالّذِي َن سَ ِ‬
‫ئ بِ ُرسُ ٍل مّن َقبْلِكَ َفحَا َ‬
‫{وَلَقَ ِد ا ْسُتهْزِ َ‬
‫(النعام‪ ) 10/‬قال أبو جعفر ‪ :‬يقول تعال ذكره لنبيه ممد ( صلى ال عليه وسلم)‬
‫مسليا عنه بوعيده الستهزئي به عقوبة ما يلقى منهم من أذى الستهزاء به والستخفاف‬
‫ف ذات ال ‪ :‬هون عليك يا ممد ما أنت لق من هؤلء الستهزئي بك الستخفي بقك‬
‫فّ وف طاعت ‪ ،‬وامض لا أمرتك به من الدعاء إل توحيدي والقرار ب والذعان‬
‫لطاعت ‪ ،‬فإنم إن تادوا ف غيهم وأصروا على القام على كفرهم ‪ ،‬نسلك بم سبيل‬
‫أسلفهم من سائر المم من غيهم ‪ ،‬من تعجيل النقمة لم وحلول الثلت بم‪ ،‬فقد‬
‫استهزأت أمم من قبلك برسل أرسلتهم إليهم بثل الذي أرسلتك به إل قومك وفعلوا مثل‬
‫ما فعل قومك بك { فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } يعن بقوله ‪:‬‬
‫فحاق فنل وأحاط بالذين هزئوا من رسلهم { ما كانوا به يستهزئون } يقول ‪ :‬العذاب‬
‫الذي كانوا يهزأون به وينكرون أن يكون واقعا بم على ما أنذرتم رسلهم وعن السدي‬
‫‪ { :‬فحاق بالذين سخروا منهم } من الرسل { ما كانوا به يستهزئون } يقول ‪ :‬وقع‬
‫بم العذاب الذي استهزأوا به‪ (.‬تفسي الطبي ‪)153 /1‬‬
‫وبعد فهذه طائفة متصرة لدفاع القرآن الكري عن النب ( صلى ال عليه وسلم) ‪ ،‬وهناك‬
‫من اليات ف مثل ذلك الكثي ‪ ،‬ولكنن أردت أن أوضح أمثلة واضحة وصرية ف الدفاع‬
‫‪ ،‬حت يستيقظ الؤمن ويعلم أن الدفاع عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) واجب ‪،‬‬
‫وأن الدفاع عنه ( صلى ال عليه وسلم ) ُذكر ف القرآن الكري ‪ ،‬وعلى كل مسلم ومؤمن‬
‫أن يدافع عن حبيبه ( صلى ال عليه وسلم ) با استطاع ‪.‬‬
‫ثالثا ـ النب ( صلى ال عليه وسلم )‬
‫‪1‬ـ الرسول يأمر خسة رهط من قومه للدفاع عنه وعن السلمي‬

‫‪381‬‬
‫عن عبد الرحن بن عبد ال بن كعب بن مالك أن كعب بن الشرف اليهودي كان‬
‫شاعرا‪ ،‬وكان يهجو رسول ( ال صلى ال عليه وسلم ) وأصحابه ويرض عليهم كفار‬
‫قريش ف شعره ‪ ،‬وكان رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) قدم إل الدينة وهي أخلط‬
‫منهم ‪ :‬السلمون الذين يمعهم دعوة رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) ‪ ،‬وفيهم‬
‫الشركون الذين يعبدون الوثان ‪ ،‬ومنهم اليهود ‪ ،‬ومنهم أهل اللقة والصون وهم‬
‫حلفاء اليي الوس والزرج ‪.‬‬
‫فأراد رسول ال (صلى ال عليه وسلم) حي قدم استصلحهم وموادعتهم ‪ ،‬وكان الرجل‬
‫يكون مسلما وأبوه مشركا ‪ ،‬والرجل يكون مسلما وأخوه مشركا ‪ ،‬وكان الشركون‬
‫واليهود من أهل الدينة حي قدم رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) يؤذون النب (صلى ال‬
‫عليه وسلم) وأصحابه أشد الذى ‪.‬‬
‫وأمر ال نبيه (صلى ال عليه وسلم)والسلمي بالصب على ذلك والعفو عنهم ‪ ،‬ففيهم أنزل‬
‫ال تعال { لتبلون ف أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن‬
‫الذين أشركوا أذى كثيا وإن تصبوا وتتقوا فإن ذلك من عزم المور } وفيهم أنزل ال‬
‫تعال { ود كثي من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيانكم كفارا } إل قوله { حت‬
‫يأت ال بأمره } فلما أب كعب بن الشرف أن ينع عن [ أذى ] رسول ال ( صلى ال‬
‫عليه وسلم) وأذى السلمي ‪ ،‬أمر رسول ( ال صلى ال عليه وسلم ) سعد بن معاذ ‪ ،‬و‬
‫ممد بن مسلمة النصاري ‪ ،‬ث الارثي ‪ ،‬و أبا عيسى بن حب النصاري ‪ ،‬و الارث بن‬
‫أخي سعد بن معاذ ‪ ،‬ف خسة رهط ‪ ،‬فأتوه عشية ف ملسه بالعوال فلما رآهم كعب بن‬
‫الشرف أنكر شأنم ‪ ،‬وكان يذعر منهم ‪ ،‬وقال لم ‪ :‬ما جاء بكم ؟ قالوا جاء بنا حاجة‬
‫إليك ‪ ،‬قال ‪ :‬فليدنو إل بعضكم ليحدثن با فدنا إليه بعضهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد جئناك لنبيعك‬
‫أدراعا لنا لنستنفق أثانا ‪ ،‬فقال ‪ :‬وال لئن فعلتم لقد جهدت منذ نزل بكم هذا الرجل ‪،‬‬
‫فواعدهم أن يأتوه عشاء حي يهدي عنه الناس ‪ ،‬فجاؤوه ‪ ،‬فناداه رجل منهم فقام ليخرج‬
‫إليهم ‪ ،‬فقالت امرأته ‪ :‬ما طرقوك ساعتهم هذه بشيء ما تب ‪ ،‬قال ‪ :‬بلى إنم قد‬
‫حدثون حديثهم فخرج إليهم ‪ ،‬فأعتنقه ممد بن مسلمة وقال لصحابه ‪ :‬ل يسبقكم وإن‬
‫قتلتمون وإياه جيعا ‪ ،‬فطعنه بعضهم بالسيف ف خاصرته ‪.‬‬

‫‪382‬‬
‫فلما قتلوه فزعت اليهود ‪ ،‬ومن كان معهم من الشركي ‪ ،‬فغدوا على النب ( صلى ال‬
‫عليه وسلم ) حي أصبحوا فقالوا ‪ :‬قد طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا ‪ ،‬فقتل‬
‫غيلة ‪ ،‬فذكر لم رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) الذي كان يقول ف أشعاره ويؤذيهم‬
‫به ‪ ،‬فدعاهم رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) أن يكتب بينه وبينهم وبي السلمي‬
‫عامة صحيفة فيها جامع أمر الناس فكتبها رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) ‪ (.‬العجم‬
‫الكبي ‪)19/76‬‬
‫ومنه أيضا‬
‫عن عبد الرحن بن كعب بن مالك ‪ :‬أن كعب بن الشرف اليهودي كان شاعرا وكان‬
‫يهجو رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) وأصحابه ويرض عليهم فقال ( صلى ال عليه‬
‫وسلم )‪ ( :‬من لكعب ؟) فلما أب أن ينع عن أذى رسول ال ( صلى ال عليه وسلم )‬
‫وأذى السلمي أمر رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) سعد بن معاذ و ممد بن مسلمة و‬
‫أبا عيسى بن الارث ابن أخي سعد بن معاذ ف خسة ‪ ،‬فأتوا كعبا فذكر مثله‪ (.‬العجم‬
‫الكبي ‪. )19/78‬‬
‫‪2‬ـ ماصرة من شتم الرسول ( صلى ال عليه وسلم)‬
‫لا خرج السلمون إل بن قريظة أعطى رسول ال (صلى ال عليه وسلم) الراية علي بن‬
‫أب طالب ( رضي ال عنه ) واستخلف على الدينة ابن أم مكتوم ‪ ،‬ونض علي وطائفة‬
‫معه حت أتوا بن قريظة ونازلوهم ؛ فسمعوا سب الرسول ال ( صلى ال عليه وسلم)‬
‫فانصرف علي إل رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) فقال له ‪ :‬يا رسول ال ل تبلغ إليهم‬
‫وعرض له ‪ ،‬فقال له ‪ :‬أظنك سعت منهم شتمي ‪ ،‬لو رأون لكفوا عن ذلك‪ .‬ونص إليهم‬
‫فلما رأوه أمسكوا ‪ .‬فقال لم ‪ :‬نقضتم العهد يا إخوة القرود ‪ ،‬أخواكم ال وأنزل بكم‬
‫نقمته ‪ .‬فقالوا ‪ :‬ما كنت جاهلً يا ممد فل تهل علينا ‪ .‬ونزل رسول ال ( صلى ال‬
‫عليه وسلم ) فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة‪ ( .‬تفسي القرطب ‪)14/16‬‬
‫رابعا ـ قريشيون يدافعون عن النب ( صلى ال عليه وسلم )‬
‫أبو طالب ينهي عن أذى الرسول ( صلى ال عليه وسلم )‬

‫‪383‬‬
‫شعُرُونَ }( النعام‪/‬‬
‫قال تعال { َوهُ ْم َينْ َه ْونَ َعنْ ُه َويَْنَأوْ َن َعنْهُ َوإِن ُيهِْلكُونَ إِلّ أَنفُسَهُ ْم َومَا يَ ْ‬
‫‪ ) 26‬عن ابن عباس يقول ‪ :‬نزلت ف أب طالب كان ينهى عن ممد أن يؤذى وينأى‬
‫عما جاء به أن يؤمن به ‪ ،‬وعن القاسم بن ميمرة قال ‪ :‬كان أبو طالب ينهى عن النب‬
‫(صلى ال عليه وسلم) ول يصدقه ‪ ،‬قال ابن بشر ‪ :‬كان أبو طالب ينهى عن النب (صلى‬
‫ال عليه وسلم) أن يؤذى ول يصدق به كان ينهى عن أذى ممد وينأى عما جاء به أن‬
‫يتبعه‪(.‬تفسي الطبي ‪ )5/171‬و(معان القرآن ‪)2/411‬‬
‫خامسا ـ النصار يدافعون عن النب ( صلى ال عليه وسلم)‬
‫قال تعال يعدد نعمه على عبده ورسوله ممد صلوات ال وسلمه عليه ‪ { :‬أل يدك‬
‫يتيما فآوى } وذلك أن أباه توف وهو حل ف بطن أمه ‪ ،‬وقيل بعد أن ولد عليه السلم‪،‬‬
‫ث توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سني ‪ ،‬ث كان ف كفالة جده عبد‬
‫الطلب إل أن توف وله من العمر ثان سني ‪ ،‬فكفله عمه أبو طالب ث ل يزل يوطه‬
‫وينصره ويرفع من قدره ويوقره ويكف عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه ال على رأس أربعي‬
‫سنة من عمره ‪ ،‬هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الوثان ‪ ،‬وكل ذلك بقدر ال‬
‫وحسن تدبيه إل أن توف أبو طالب قبل الجرة بقليل ‪ ،‬فأقدم عليه سفهاء قريش‬
‫وجهالم فاختار ال له الجرة من بي أظهرهم إل بلد النصار من الوس والزرج ‪ ،‬كما‬
‫أجرى ال سنته على الوجه الت الكمل فلما وصل إليهم آووه ونصروه وحاطوه وقاتلوا‬
‫بي يديه ‪ (،‬رضي ال عنهم أجعي ) وكل هذا من حفظ ال له وكلءته وعنايته‬
‫به‪(.‬تفسي بن كثي ‪)4/674‬‬
‫سادسا ً ـ صور من دفاع الصحابة عن النب ( صلى ال عليه وسلم )‬
‫‪1‬ـ أبو بكر يدافع عن رسول ال‬
‫عن عبد ال بن عمرو قال‪ :‬قلت ‪ :‬ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول ال (صلى‬
‫ال عليه وسلم) فيما كانت تظهر من عداوته ؟ قال ‪ :‬قد حضرتم وقد اجتمع أشرافهم ف‬
‫الجر فذكروا رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) فقالوا ‪ :‬ما رأينا مثل ما صبنا عليه من‬
‫هذا الرجل قط ‪ ،‬سفه أحلمنا ‪ ،‬وشتم آباءنا ‪ ،‬وعاب ديننا ‪ ،‬وفرق جاعتنا ‪ ،‬وسب آلتنا‬
‫‪ ،‬لقد صبنا منه على أمر عظيم ‪ ،‬أو كما قالوا ‪.‬‬

‫‪384‬‬
‫فبيناهم ف ذلك إذ طلع رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) فأقبل يشي حت استلم الركن‬
‫فمر بم طائفا بالبيت فلما أن مر بم غمزوه ببعض القول قال ‪ :‬وعرفت ذلك ف وجهه‬
‫ث مضى (صلى ال عليه وسلم) فلما مر بم الثانية غمزوه بثلها ‪ ،‬فعرفت ذلك ف وجهه ‪،‬‬
‫ث مضى ( صلى ال عليه وسلم) فمر بم الثالثة غمزوه بثلها ‪ ،‬ث قال ‪ ( :‬أتسمعون يا‬
‫معشر قريش أما والذي نفس ممد بيده لقد جئتكم بالذبح ) قال ‪ :‬فأخذت القوم كلمته‬
‫حت ما منهم رجل إل لكأنا على رأسه طائر واقع حت إن أشدهم فيه وطأة قبل ذلك‬
‫يتوقاه بأحسن ما ييب من القول ‪ ،‬حت إنه ليقول ‪ :‬انصرف يا أبا القاسم انصرف راشدا‬
‫فوال ما كنت جهولً فانصرف رسول ال (صلى ال عليه وسلم) ‪.‬‬
‫حت إذا كان من الغد اجتمعوا ف الجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ‪ :‬ذكرت ما بلغ‬
‫منكم وما بلغكم عنه حت إذا بادأكم با تكرهون تركتموه ‪ ،‬وبينا هم ف ذلك إذ طلع‬
‫عليهم رسول ال ( صلى ال عليه وسلم) فوثبوا إليه وثبة رجل واحد ‪ ،‬وأحاطوا به‬
‫يقولون له ‪ :‬أنت الذي تقول كذا وكذا ‪ ،‬لا كان يبلغهم عنه من عيب آلتهم ودينهم‪،‬‬
‫قال ‪ ( :‬نعم أنا الذي أقول ذلك ) قال ‪ :‬فلقد رأيت رجلً منهم أخذ بجمع ردائه ‪ ،‬وقال‬
‫‪ :‬وقام أبو بكر الصديق ( رضي ال عنه) دونه يقول وهو يبكي ‪ :‬أتقتلون رجلً أن يقول‬
‫رب ال ؟ ث انصرفوا عنه فإن ذلك لشد ما رأيت قريشا بلغت منه قط‪ ( .‬صحيح ابن‬
‫حبان ‪)14/516‬‬
‫عن عروة بن الزبي قال ‪ :‬سألت عبد ال بن عمرو بن العاص قال قلت حدثن بأشد شيء‬
‫صنعه الشركون برسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) قال أقبل عقبة بن أب معيط ورسول‬
‫ال ( صلى ال عليه وسلم) يصلي عند الكعبة فلوى ثوبه ف عنقه فخنقه خنقا شديدا ‪،‬‬
‫فأقبل أبو بكر ( رضي ال عنه) فأخذ بنكبيه فدفعه عن رسول ( ال صلى ال عليه وسلم)‬
‫فقال { أتقتلون رجلً أن يقول رب ال وقد جاءكم بالبينات من ربكم } أخرجه‬
‫البخاري ف الصحيح من حديث الوزاعي‪(.‬سنن البيهقي الكبى ‪)9/7‬‬
‫‪2‬ـ حزة ابن عبد الطلب يضرب أبا جهل لنه شتم النب (صلى ال عليه وسلم)‬

‫‪385‬‬
‫عن ابن إسحاق قال ‪ :‬حدثن رجل من أسلم و كان واعية أن أبا جهل اعترض لرسول‬
‫ال (صلى ال عليه وسلم) عند الصفا فأذاه و شتمه ‪ ،‬و قال فيه ما يكره من العيب لدينه‪،‬‬
‫و التضعيف له ‪ ،‬فلم يكلمه رسول ال ( صلى ال عليه و سلم) ‪.‬‬
‫و مولة لعبد ال بن جدعان التميمي ف مسكن لا فوق الصفا تسمع ذلك ‪،‬ث انصرف‬
‫عنه ‪ ،‬فعمد إل نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم ‪ ،‬و ل يلبث حزة بن عبد الطلب‬
‫أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له ‪ ،‬و كان إذا فعل ذلك ل ير على نادي قريش‬
‫و أشدها شكيمة ‪ ،‬و كان يومئذ مشركا على دين قومه ‪ ،‬فجاءته الولة و قد قام رسول‬
‫ال ( صلى ال عليه و سلم) ليجع إل بيته فقالت له ‪ :‬يا عمارة لو رأيت ما لقي ابن‬
‫أخيك ممد من أب الكم آنفا ‪ ،‬و جده ها هنا فآذاه و شتمه ‪ ،‬و بلغ ما يكره ث‬
‫انصرف عنه فعمد إل نادي قريش عند الكعبة فجلس ‪ ،‬و ل يكلم ممد ‪ ،‬فاحتمل حزة‬
‫الغضب لا أراد ال من كرامته فخرج سريعا ل يقف على أحد كما كان يصنع يريد‬
‫الطواف بالبيت معتمدا لب جهل أن يقع به فلما دخل السجد نظر إليه جالسا ‪ ،‬ف‬
‫القوم فأقبل نوه حت إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه على رأسه ضربة ملوءة ‪ ،‬و‬
‫قامت رجال من قريش من بن مزوم لينصروا أبا جهل ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ما نراك يا حزة إل‬
‫صبأت ‪ .‬فقال حزة ‪ :‬و ما ينعن و قد استبان ل ذلك منه أنا أشهد أنه رسول ال صلى‬
‫ال عليه و سلم و أن الذي يقول حق فوال ل أنزع فامنعون إن كنتم صادقي‪ .‬فقال أبا‬
‫جهل ‪ :‬دعوا أبا عمارة ‪ :‬لقد سببت ابن أخيه سبًا قبيحا ‪.‬‬
‫و مر حزة على إسلمه و تابع يفف رسول ال ( صلى ال عليه و سلم ) فلما أسلم حزة‬
‫علمت قريش أن رسول ال ( صلى ال عليه و سلم) قد عزموا و امتنع و أن حزة سيمنعه‬
‫فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولونه و ينالون منه ‪ ،‬فقال ف ذلك سعد حي ضرب أبا‬
‫جهل فذكر رجزا غي مستقر أوله ‪ :‬ذق أبا جهل با غشيت ‪ ،‬قال ث رجع حزة إل بيته‬
‫فأتاه الشيطان فقال ‪ :‬أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابء و تركت دين آبائك للموت‬
‫خي لك ما صنعت ‪ ،‬فأقبل على حزة شبه فقال ‪ :‬ما صنعت اللهم إن كان رشدا فاجعل‬
‫تصديقه ف قلب و إل فاجعل ل ما وقعت فيه مرجا فبات بليلة ل يبت بثلها من وسوسة‬
‫الشيطان ‪ ،‬حت أصبح فغدا على رسول ال ( صلى ال عليه و سلم) فقال ‪ :‬ابن أخي إن‬

‫‪386‬‬
‫وقعت ف أمر ل أعرف الخرج منه و أقامه مثلي على ما ل أدري ما هو أرشد هو أم غي‬
‫شديد فحدثن حديثا فقد استشهيت يا ابن أخي أن تدثن فأقبل رسول ال (صلى ال‬
‫عليه و سلم) فذكره و وعظه و خوفه و بشره فألقى ال ف نفسه اليان ‪ ،‬كما قال‬
‫رسول ال (صلى ال عليه و سلم) ‪ .‬فقال ‪ :‬أشهد أنك لصادق شهادة الصدق و العارف‬
‫فأظهر يا ابن أخي دينك فوال ما أحب أن ل ما ألعت الشمس و أن على دين الول‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فكان حزة من أعز ال به الدين‪.‬‬
‫(الستدرك ‪ ( )213 /3‬رقم ‪ ) 4878‬و(العجم الكبي ‪ )3/139‬و(ممع الزوائد ‪/9‬‬
‫‪)433‬‬
‫سابعا ـ صورة من دفاع آل البيت عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم)‬
‫فاطمة تدافع عن الرسول( صلى ال عليه وسلم)‬
‫عن عبد ال هو بن مسعود (رضي ال عنه) قال ‪ :‬بينما رسول ال (صلى ال عليه وسلم)‬
‫قائم يصلي عند الكعبة وجيع قريش ف مالسهم ينظرون ‪ ،‬إذ قال قائل منهم أل تنظرون‬
‫إل هذا الرائي ‪ ،‬أيكم يقوم إل جزور أب فلن فيعمد إل فرثها ودمها وسلها فيجيء به‬
‫ث يهله حت إذا سجد وضعه بي كتفيه ‪ ،‬فانبعث أشقاها فجاء به فلما سجد رسول ال (‬
‫صلى ال عليه وسلم ) وضعه بي كتفيه ‪ ،‬وثبت النب ( صلى ال عليه وسلم ) ساجدا‬
‫وضحكوا حت مال بعضهم على بعض من الضحك ‪ ،‬فانطلق منطلق إل فاطمة ( رضي‬
‫ال عنها) ــ وهي جويرية ــ فأقبلت تسعى حت ألقته عنه وأقبلت عليهم تسبهم‬
‫فلما قضى رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) الصلة قال اللهم عليك بقريش ثلثًا‪ ،‬ث‬
‫سى اللهم عليك بعمرو بن هشام وبعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة‬
‫بن أب معيط وعمارة بن الوليد ‪ ،‬قال عبد ال ‪ :‬وال لقد رأيتهم صرعى يوم بدر يسحبون‬
‫إل قليب بدر ‪ ،‬ث قال رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) وأتبع أصحاب القليب لعنة ‪( .‬‬
‫رواه البخاري ف الصحيح عن أحد بن إسحاق عن عبيد ال بن موسى وأخرجه هو‬
‫ومسلم من وجه آخر عن أب إسحاق) (سنن البيهقي الكبى ‪)9/7‬‬
‫وصور ‪ ،‬وناذج الدفاع عن النب ( صلى ال عليه وسلم ) كثية ‪ ،‬ومتعددة ف كل تقسيم‬
‫من التقسيمات سابقة الذكر ‪ ،‬ولكنن أردت أن أقف على ناذج سريعة ‪ ،‬تبي الدف‬

‫‪387‬‬
‫النشود ‪ ،‬من أن الدفاع عنه ( صلى ال عليه وسلم ) أمر واجب ‪ ،‬وقد حدث أثناء حياته‬
‫( صلى ال عليه وسلم ) فمن واجبنا الن الذب عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم )‪.‬‬
‫(ب) ‪ :‬قتل من سب أو أساء إل النب ( صلى ال عليه وسلم ) ‪.‬‬
‫‪1‬ـ أن الذمي إذا سب الرسول أو سب ال أو عاب السلم علنية فقد نكث يينه و‬
‫طعن ف ديننا لنه ل خلف بي السلمي أنه يعاقب على ذلك و يؤدب عليه فعلم أنه ل‬
‫يعاهد عليه لنا لو عاهدناه عليه ث فعله ل تز عقوبته و إذا كنا قد عاهدناه على أن ل‬
‫يطعن ف ديننا ث يطعن ف ديننا فقد نكث ف دينه من بعد عهده و طعن ف ديننا فيجب‬
‫قتله بنص الية( قاتلوا الذين ل يؤمنون بال و ل باليوم الخر و ل يرمون ما حرم ال )‬
‫الصارم السلول ‪1/16‬‬
‫‪2‬ـ عن خليد أن رجل سب عمر بن عبد العزيز فكتب عمر ‪ :‬إنه ل يقتل إل من سب‬
‫رسول ال ( صلى ال عليه و سلم ) و لكن اجلده على رأسه أسواطا ‪ ،‬و لول أن أعلم‬
‫أن ذلك خي له ل أفعل ‪ (.‬الصارم السلول ‪)213 /1‬‬
‫‪3‬ـ أن عيب ديننا و شتم نبينا ماهدة لنا و ماربة فكان نقضا للعهد كالجاهدة و‬
‫الحاربة بالول‪ .‬يبي ذلك أن ال سبحانه قال ف كتابه ‪ { :‬و جاهدوا بأموالكم و‬
‫أنفسكم ف سبيل ال } [ التوبة ‪ ] 41 :‬و الهاد بالنفس يكون باللسان كما يكون باليد‬
‫بل قد يكون أقوى منه قال النب ( صلى ال عليه و سلم )[ جاهدوا الشركي بأيديكم و‬
‫ألسنتكم و أموالكم ] (رواه النسائي و غيه)‬
‫‪4‬ـ و كان [ صلى ال عليه و سلم ] يقول لسان بن ثابت ‪ [ :‬أهجهم و هاجهم ] [ و‬
‫كان ينصب له منب ف السجد ينافح عن رسول ال ( صلى ال عليه و سلم ) بشعره و‬
‫هجائه للمشركي ] و قال النب صلى ال عليه و سلم ‪ [ :‬اللهم أيده بروح القدس ] و‬
‫قال ‪ [ :‬إن جبئيل معك ما دمت تنافح عن رسول ال صلى ال عليه و سلم ] و قال ‪[ :‬‬
‫هي أنكى فيهم من النبل[‪.‬‬
‫‪5‬ـ و إذا كان شأن الهاد باللسان هذا الشأن ف شتم الشركي و هجائهم و إظهار‬
‫دين ال و الدعاء إليه ‪ ،‬علم أن من شتم دين ال و رسوله و أظهر ذلك و ذكر كتاب ال‬
‫بالسوء علنية فقد جاهد السلمي و حاربم و ذلك نفض للعهد‪.‬‬

‫‪388‬‬
‫‪6‬ـ أنّا و إن أقررناهم على ما يعتقدونه من الكفر و الشرك فهو كإقرارنا لم على ما‬
‫يضمرونه لنا من العداوة و إرادة السوء بنا و تن الغوائل لنا فإننا نن نعلم أنم يعتقدون‬
‫خلف ديننا و يريدون سفك دمائنا و علو دينهم و يسعون ف ذلك لو قدروا عليه فهذا‬
‫القدر أقررناهم عليه فإذا عملوا بوجب هذه الرادة ـ بأن حاربونا و قاتلونا ـ نقضوا‬
‫العهد كذلك إذا عملوا بوجب تلك العقيدة ـ من إظهار السب ل و لكتابه و لدينه و‬
‫لرسوله ـ نقضوا العهد إذ ل فرق بي العمل بوجب الرادة و موجب العتقاد‪.‬‬
‫‪7‬ـ أن مطلق العهد الذي بيننا و بينهم يقتضي أن يكفوا و يسكوا عن إظهار الطعن ف‬
‫ديننا و شتم رسولنا كما يقتضي المساك عن دمائنا و ماربتنا لن معن العهد أن كل‬
‫واحد من التعاهدين يؤمن الخر ما يذره منه قبل العهد و من العلوم أنا نذر منهم‬
‫إظهار كلمة الكفر و سب الرسول و شتمه كما نذر إظهار الحاربة بل أول لنا نسفك‬
‫الدماء و نبذل المول ف تعزير الرسول و توقيه و رفع ذكره و إظهار شرفه و علو قدره‬
‫وهم جيعا يعلمون هذا من ديننا فالظهر منهم لسبه ناقض للعهد فاعل لا كنا نذره و‬
‫نقاتله عليه قبل العهد و هذا واضح‪.‬الصارم السلول ‪1/213‬‬
‫‪8‬ـ أن إظهار سب الرسول طعن ف دين السلمي و إضرار بم و مرد التكلم بدينهم‬
‫ليس فيه إضرار بالسلمي فصار إظهار سب الرسول بنلة الحاربة يعاقبون عليها و إن‬
‫كانت دون الشرك ‪.‬‬
‫‪9‬ـ مت أظهروا الكفر الذي هو طعن ف دين ال نقضوا به العهد بلف كفر ل يطعنون‬
‫به ف ديننا و هذا لن العهد إنا اقتضى أن يقولوا و يفعلوا بينهم ما شاءوا ما ل يضر‬
‫السلمي فأما أن يظهروا كلمة الكفر أو أن يؤذوا السلمي فلم يعاهدوا عليه البتة ‪.‬‬
‫‪10‬ـ قال أبو عبد ال ف رواية حنبل ‪ [ :‬كل من ذكر شيئا يعرض بذكر الرب تبارك و‬
‫تعال فعليه القتل مسلما كان أم كافرا و هذا مذهب أهل الدينة ‪ ،‬و قال جعفر بن ممد ‪:‬‬
‫سعت أبا عبد ال يسأل عن يهودي مر بؤذن و هو يؤذن فقال له ‪ :‬كذبت فقال ‪ :‬يقتل‬
‫لنه شتم[‪.‬‬

‫‪389‬‬
‫‪11‬ـ عن عمر ( رضي ال عنه ) أنه قال بحضر من الهاجرين و النصار للنصران الذي‬
‫قال ‪ :‬إن ال ل يضل أحدا ‪ ،‬قال ‪ :‬إنا ل نعطك ما أعطيناك على أن تدخل علينا ف ديننا‬
‫فوالذي نفسي بيده لئن عدت لخذن الذي فيه عيناك‪.‬‬
‫‪12‬ـ و جيع ما ذكرناه من اليات و العتبار ييئ أيضا ف ذلك فإن الهاد واجب حت‬
‫تكون كلمة ال هي العليا و حت يكون الدين كله ل و حت يظهر دين ال على الدين‬
‫كله‪ .‬الصارم السلول ‪1/256‬‬
‫‪14‬ـ يتعي قتل من نقض العهد بسب الرسول ال ( صلى ال عليه و سلم ) وحده ‪،‬‬
‫كما قد ذكره القاضي أبو يعلى و كما ذكره طائفة من أصحاب الشافعي و كما نص‬
‫عليه عامة الذين ذكروه ف نواقض العهد و ذكروا أن المام يتخي فيمن نقض العهد على‬
‫سبيل الجال فإنم ذكروا ف مواضع أخر انه يقتل من غي تيي‪.‬‬
‫‪15‬ـ إنه يقتل لن سب رسول ال صلى ال عليه و سلم موجب للقتل حدا من الدود‬
‫كما لو نقض العهد بزنا أو قطع طريق فإنه يقام عليه حد ذلك فيقتل إن أوجب القتل بل‬
‫قد يقتل الذمي حدا من الدود و إن ل ينتقض عهده كما لو قتل ذميا آخر أو زن بذمية‬
‫فإنه يستوف منه القود و حد الزنا وعهده باق و مذهب مالك يكن أن يوجه على هذا‬
‫الأخذ إن كان فيهم من يقول ل ينتقض عهده‪.‬الصارم السلول ‪1/287‬‬
‫‪16‬ـ والدليل ‪،‬اليات الدالة على وجوب قتل الطاعن ف الدين‪.‬الصارم السلول ‪1/288‬‬
‫‪17‬ـ قوله ( صلى ال عليه و سلم ) إن كان ثابتا [ من سب نبيا قتل و من سب‬
‫أصحابه جلد ] فأوجب القتل عينا على كل ساب و ل يي بينه و بي غيه ‪.‬‬
‫‪18‬ـ أن النب ( صلى ال عليه و سلم ) دعا الناس إل قتل ابن الشرف لنه كان يؤذي‬
‫ال و رسوله و كذلك كان يأمر بقتل من يسبه أو يهجوه إل من عفا عنه بعد القدرة ‪.‬‬
‫و أمره ( صلى ال عليه و سلم ) للياب فعلم وجوب قتل الساب و إن ل يب قتل غيه‬
‫من الحاربي و كذلك كانت سيته ل يعلم أنه ترك قتل أحد من السابي بعد القدرة عليه‬
‫إل من تاب أو كان من النافقي و هذا يصلح أن يكون امتثال للمر بالهاد و إقامة‬
‫الدود فيكون على الياب يؤيد أن ف ترك قتله تركا لنصر ال و رسوله و ذلك غي‬
‫جائز‪.‬‬

‫‪390‬‬
‫‪19‬ـ أقاويل الصحابة فإنا نصوص ف تعي قتله مثل قول عمر رضي ال عنه [ من سب‬
‫ال أو سب أحدا من النبياء فاقتلوه ] فأمر بقتله عينا و مثل قول ابن عباس رضي ال عنه‬
‫[ أيا معاهد عاند فسب ال أو سب أحدا من النبياء أو جهر به فقد نقض العهد‬
‫فاقتلوه ] فأمر بقتل العاهد إذا سب عينا ‪.‬‬
‫و مثل قول أب بكر الصديق ( رضي ال عنه ) يا كتب به إل الهاجر ف الرأة الت سبت‬
‫النب صلى ال عليه و سلم [ لول ما قد سبقتن فيها لمرتك بقتلها لن حد النبياء ل‬
‫يشبه الدود فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد و معاهد فهو مارب غادر ] فبي أن‬
‫الواجب كان قتلها عينا لول فوات ذلك و ل يعل فيه خية إل المام و ل سيما والسابة‬
‫امرأة و ذلك وحده دليل ‪.‬‬
‫و مثل قول ابن عمر ف الراهب الذي بلغه أنه يسب النب ( صلى ال عليه و سلم) ‪ [ :‬لو‬
‫سعته لقتلته ] و لو كان كالسي الذي يي فيه المام ل يز لبن عمر اختيار قتله و هذا‬
‫الدليل واضح‪.‬‬
‫‪ 20‬ـ أن ناقض العهد بسب النب ( صلى ال عليه و سلم ) و نوه حاله أغلظ من حال‬
‫الرب الصلي و خروجه عما عاهدنا عليه بالطعن ف الدين و أذى ال ورسوله و مثل‬
‫هذا يب أن يعاقب عقوبة تزجر أمثاله عن مثل حاله ‪.‬‬
‫و الدليل عليه قوله سبحانه و تعال ‪ { :‬إن شر الدواب عند ال الذين كفروا فهم ل‬
‫يؤمنون الذين عاهدت منهم ث ينقضون عهدهم ف كل مرة و هم ل يتقون فإما تثقفنهم‬
‫ف الرب فشرد بم من خلفهم لعلهم يذكرون } [ النفال ‪ ] 57 :‬فأمر ال رسوله إذا‬
‫صادف الناكثي للعهد ف الرب أن يشرد بم غيهم من الكفار بأن يفعل بم ما يتفرق‬
‫به أولئك و قال تعال ‪ { :‬أل تقاتلون قوما نكثوا أيانم و هوا بإخراج الرسول و هم‬
‫بدأوكم أول مرة } [ التوبة ‪ ] 13 :‬فحض على قتال من نكث اليمي و هم بإخراج‬
‫الرسول و بدأ بنقض العهد ‪.‬‬
‫‪21‬ـ و معلوم أن من سب الرسول ( صلى ال عليه و سلم ) فقد فعل ما هو أعظم من‬
‫الم بإخراج الرسول و بدأنا أول مرة ث قال تعال ‪ { :‬قاتلوهم يعذبم ال بأيديهم و‬
‫يزهم و ينصركم عليهم و يشف صدور قوم مؤمني و يذهب غيظ قلوبم } [ التوبة ‪:‬‬

‫‪391‬‬
‫‪ ] 15‬فعلم أن تعذيب هؤلء و إخزاءهم و نصر الؤمني عليهم و شفاء صدورهم‬
‫بالنتقام منهم و ذهاب غيظ قلوبم ما أذوهم به أمر مقصود للشارع مطلوب ف الدين و‬
‫معلوم أن هذا القصود ل يصل من سب النب ( صلى ال عليه و سلم ) و آذى ال تعال‬
‫و رسوله و عباده الؤمني إل بقتله ل يصل بجرد استرقاقه و ل بالن عليه و الفاداة به‪.‬‬
‫‪22‬ـ و كذلك أيضا تنكيل غيه من الكفار الذين قد يريدون إظهار السب ل يصل‬
‫على سبيل التمام إل بذلك و ل يعارض هذا من نقض العهد ف طائفة متنعة إذا أسرنا‬
‫واحدا منهم لن قتال أولئك و الظهور عليهم يصل هذا القصود بلف من كان ف‬
‫أيدينا قبل السب و بعده فإن ل يدث فيه قتلً ل يصل هذا القصود‪.‬الصارم السلول‬
‫‪1/392‬‬
‫‪ 23‬ـ أن الذمي إذا سب النب ( صلى ال عليه و سلم) فقد صدر منه فعل تضمن أمرين‬
‫أحدها ‪ :‬انتقاض العهد الذي بيننا و بينه الثان ‪ :‬جنايته على عرض رسول ال ( صلى ال‬
‫عليه و سلم ) و انتهاكه حرمته و إيذاء ال و رسوله و الؤمني و طعنه ف الدين و هذا‬
‫معن زائد على مرد كونه كافرا قد نقض العهد ونظي ذلك أن ينقضه بالزنا بسلمة أو‬
‫بقطع الطريق على السلمي و قتلهم و أخذ أموالم أو بقتل مسلم فإن فعله ـ مع كونه‬
‫نقضا للعهد ـ قد تضمن جناية آخرى فإن الزنا و قطع الطريق و القتل من حيث هو هو‬
‫جناية منفصلة عن نقض العهد له عقوبة تصه ف الدنيا و الخرة زائدة على مرد عقوبة‬
‫التكذيب بنبوية ‪ ،‬و الدليل عليه قوله سبحانه و تعال ‪ { :‬إن الذين يؤذون ال و رسوله‬
‫لعنهم ال ف الدنيا و الخرة و أعد لم عذابا مهينا } [ الحزاب ‪ ] 57 :‬فعلق اللعنة ف‬
‫الدنيا و الخرة و العذاب الهي بنفس أذى ال و رسوله فعلم أنه موجب ذلك و كذلك‬
‫قوله تعال ‪ { :‬و إن نكثوا أيانم من بعد عهدهم و طعنوا ف دينكم فقاتلوا أئمة الكفر‬
‫إنم ل أيان لم لعلهم ينتهون } [ التوبة ‪. ] 12 :‬‬
‫‪ 24‬ـ يوضح ذلك أن النب ( صلى ال عليه و سلم ) لا دخل مكة آمن الناس الذين‬
‫كانوا يقاتلونه قبل ذلك و الذين نقضوا العهد الذي كان بينه و بينهم و خانوه ‪ ،‬إل نفرا‬
‫منهم القينتان اللتان كانتا تغنيان بجائه و سارة مولة بن عبد الطلب الت كانت تؤذيه‬
‫بكة‪.‬‬

‫‪392‬‬
‫فإذا كان قد أمر بقتل الت كانت تجوه من النساء ـ مع أن قتل الرأة ل يوز إل إذا‬
‫قاتلت و هو (صلى ال عليه و سلم) قد آمن جيع أهل مكة من كان قد قاتل و نقض‬
‫العهد من الرجال و النساء ـ علم بذلك أن الجاء جناية زائدة على مرد القتال و‬
‫الراب ‪ ،‬لن التفريق بي التماثلي ل يقع من النب ( صلى ال عليه و سلم ) كما أنه‬
‫بقتل ابن خطل لنه كان قد قتل مسلما و لنه كان مرتدا و لنه كان يأمر بجائه و كل‬
‫واحد من القتل و الردة و المر بجائه جناية زائدة على مرد الكفر و الراب‪.‬‬
‫‪ 26‬ـ و ما يبي ذلك أنه قد كان أمر بقتل من كان يؤذيه بعد فتح مكة ـ مثل ابن‬
‫الزبعرى و كعب بن زهي و الويرث بن نقيد و ابن خطل و غيهم ـ مع أمانه لسائر‬
‫أهل البلد وكذلك أهدر دم أب سفيان بن الارث و امتنع من إدخاله عليه و إدخال عبد‬
‫ال بن أب أمية لا كانا يقعان ف عرضه ـ و قتل ابن أب معيط و النضر بن الارث دون‬
‫غيها من السرى و سى من يبذل نفسه ف قتله ناصرا ل و رسوله و كان بندب إل‬
‫قتل من يؤذيه و يقول ‪ [ :‬من يكفن عدوي[ ‪.‬‬
‫‪ 27‬ـ السب جناية زائدة على الكفر ‪.‬‬
‫‪28‬ـ السب جناية لا موقع يزيد على سائر النايات بيث يستحق صاحبها من العقوبة‬
‫مال يستحقه غيه و إن كان كافرا حربيا مبالغا ف ماربة السليمي و أن وجوب‬
‫النتصار من كان هذه حالة كان مؤكدا ف الدين و السعي ف إهدار دمه من أفضل‬
‫العمال و أوجبها و أحقها بالسارعة إليه و ابتغاء رضوان ال تعال فيه و أبلغ الهاد‬
‫الذي كتبه ال على عباده و فرضه عليهم ‪.‬‬
‫‪ 29‬ـ و من تأمل الذين أهدر النب ( صلى ال عليه و سلم ) دماؤهم يوم الفتح و اشتد‬
‫غضبه عليهم حت قتل بعضهم ف نفس الرم و أعرض عن بعضهم و انتظر قتل بعضهم‬
‫وجد لم جرائم زائدة على الكفر و الراب من ردة و قتل و نو ذلك و جرم أكثرهم إنا‬
‫كان من سب رسول ال ( صلى ال عليه و سلم ) و أذاه بألسنتهم فأي دليل أوضح من‬
‫هذا على أن سبه و هجاءه جناية زائدة على الكفر و الراب ‪ ،‬ل يدخل ف ضمن الكفر‬
‫كما يدخل سائر العاصي ف ضمن الكفر و على أن العاهدين إذا نقضوا العهد و فيهم من‬

‫‪393‬‬
‫سب النب ( صلى ال عليه و سلم ) كان للسب عقوبة زائدة على عقوبة مرد نقض‬
‫العهد‪.‬الصارم السلول ‪1/292‬‬
‫‪ 30‬ـ الرسول له نعت البشرية و نعت الرسالة كما قال ‪ { :‬سبحان رب هل كنت إل‬
‫بشرا رسول } [ السراء ‪ ] 93 :‬فمن حيث هو بشر له أحكام البشر و من حيث هو‬
‫رسول قد ميزه ال سبحانه و فضله با خصه به ‪ .‬فسبه موجب للعقوبة من حيث هو بشر‬
‫كغيه من الؤمني ‪ ،‬و موجب العقوبة من حيث هو رسول با خصه ال به ‪ ،‬لكن إنا‬
‫أوجب القتل من حيث هو رسول فقط ؛ لن السب التعلق بالبشرية ل يوجب قتلً وسبه‬
‫من حيث هو رسول حق ال فقط ‪ ،‬فإذا أسلم الساب انقطع حكم السب التعلق برسالته‬
‫كما انقطع حكم السب التعلق بالرسل ‪ ،‬فسقط القتل الذي هو موجب ذلك السب و‬
‫يبقى حق بشريته من هذا السب و حق البشرية إنا موجب جلد ثاني‪ 1/341.‬الصارم‬
‫السلول‬
‫‪31‬ـ قال تعال ‪ ( :‬وإن نكثوا أيانم من بعد عهدهم وطعنوا ف دينكم فقاتلوا أئمة‬
‫الكفر إنم ل أيان لم لعلهم ينتهون ) يقول تعال وإن نكث الشركون الذين عاهدتوهم‬
‫على مدة معينة أيانم أي عهودهم ومواثيقهم { وطعنوا ف دينكم } أي عابوه وانتقصوه‬
‫ومن ههنا أخذ قتل من سب الرسول صلوات ال وسلمه عليه أو من طعن ف دين‬
‫السلم أو ذكره بنقص ولذا قال ‪ { :‬فقاتلوا أئمة الكفر إنم ل أيان لم لعلهم‬
‫ينتهون } أي يرجعون عما هم فيه من الكفر والعناد والضلل وقد قال قتادة وغيه ‪ :‬أئمة‬
‫الكفر كأب جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف وعدد رجال‪.‬تفسي ابن كثي ‪2/447‬‬
‫(ج) فصل ف الصب والنصر ‪.‬‬
‫‪1‬ـ الصب على الذى والستمرار ف الدعوة‬
‫(واصب وما صبك إل بال ول تزن عليهم ول تك ف ضيق ما يكرون) يقول تعال‬
‫ذكره لنبيه ممد( صلى ال عليه وسلم ) ‪ :‬واصب يا ممد على ما أصابك من أذى ف ال‬
‫{ وما صبك إل بال } يقول ‪ :‬وما صبك إن صبت إل بعونة ال وتوفيقه إياك لذلك {‬
‫ول تزن عليهم } يقول ‪ :‬ول تزن على هؤلء الشركي الذين يكذبونك وينكرون ما‬
‫جئتهم به ف آن ولوا عنك وأعرضوا عما أتيتهم به من النصيحة { ول تك ف ضيق ما‬

‫‪394‬‬
‫يكرون } يقول ‪ :‬ول يضيق صدرك با يقولون من الهل ونسبتهم ما جئتهم به إل أنه‬
‫سحر أو شعر أو كهانة { ما يكرون } ‪ :‬ما يتالون بالدع ف الصد عن سبيل ال ومن‬
‫أراد اليان بك والتصديق با أنزل ال إليك‪.‬تفسي الطبي ‪666 /7‬‬
‫‪2‬ـ قال تعال ‪( :‬وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثود )‬
‫يقول تعال ذكره مسليا نبيه ممدا (صلى ال عليه وسلم) عما يناله من أذى الشركي‬
‫بال وحاضا له على الصب على ما يلحقه منهم من السب والتكذيب ‪ :‬وإن يكذبك يا‬
‫ممد هؤلء الشركون بال على ما أتيتهم به من الق والبهان وما تعدهم من العذاب‬
‫على كفرهم بال فذلك سنة إخوانم من المم الالية الكذبة رسل ال الشركة بال‬
‫ومنهاجهم من قبلهم فل يصدنك ذلك فإن العذاب الهي من ورائهم ونصري إياك‬
‫وأتباعك عليهم آتيهم من وراء ذلك كما آتى عذاب على أسلفهم من المم الذين من‬
‫قبلهم بعد المهال إل بلوغ الجال فقد كذبت قبلهم ‪ :‬يعن مشركي قريش قوم نوح‬
‫وقوم عاد وثود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وهم قوم شعيب ‪ :‬يقول ‪:‬‬
‫كذب كل هؤلء رسلهم وكذب موسى فقيل ‪ :‬وكذب موسى ول يقل ‪ :‬وقوم موسى‬
‫لن قوم موسى بنو إسرائيل وكانت قد استجابت له ول تكذبه وإنا كذبه فرعون من‬
‫القبط وقد قيل ‪ :‬إنا قيل ذلك كذلك لنه ولد فيهم كما ولد ف أهل مكة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فأمليت للكافرين } يقول ‪ :‬فأمهلت لهل الكفر بال من هذه المم فلم‬
‫أعاجلهم بالنقمة والعذاب { ث أخذتم } يقول ‪ :‬ث أحللت بم العقاب بعد الملء‬
‫{ فكيف كان نكي } يقول ‪ :‬فانظر يا ممد كيف كان تغييي ما كان بم من نعمة‬
‫وتنكري لم عما كنت عليه من الحسان إليهم أل أبدلم بالكثرة قلة وبالياة موتا‬
‫وهلكا وبالعمارة خرابا ؟ يقول ‪ :‬فكذلك فعلي بكذبيك من قريش وإن أمليت لم إل‬
‫آجالم فإن منجزك وعدي فيهم كما أنزت غيك من رسلي وعدي ف أمهم فأهلكناهم‬
‫وأنيتهم من بي أظهرهم‪.‬تفسي الطبي ‪9/167‬‬
‫‪3‬ـ قال تعال ( فاصب كما صب أولوا العزم من الرسل ول تستعجل لم كأنم يوم يرون‬
‫ما يوعدون ل يلبثوا إل ساعة من نار بلغ فهل يهلك إل القوم الفاسقون )‬

‫‪395‬‬
‫يقول تعال ذكره لنبيه ممد صلى ال عليه وسلم مثبته على الضي لا قلده من عبء‬
‫الرسالة وثقل أحال النبوة ( صلى ال عليه وسلم ) وآمره بالئتسام ف العزم على النفوذ‬
‫لذلك بأول العزم من قبله من رسله الذين صبوا على عظيم ما لقوا فيه من قومهم من‬
‫الكاره ونالم فيه منهم من الذى والشدائد { فاصب } يا ممد على ما أصابك ف ال‬
‫من أذى مكذبيك من قومك الذين أرسلناك إليهم بالنذار { كما صب أولو العزم } على‬
‫القيام بأمر ال والنتهاء إل طاعته من رسله الذين ل ينههم عن النفوذ لمره ما نالم فيه‬
‫من شدة‪.‬‬
‫عن ابن جبي ف قوله { فاصب كما صب أولو العزم من الرسل } قال ‪ :‬ساه ال من شدته‬
‫العزم ‪ ،‬وقوله { ول تستعجل لم } يقول ‪ :‬ول تستعجل عليهم بالعذاب يقول ‪ :‬ل‬
‫تعجل بسألتك ربك ذلك لم فإن ذلك نازل بم ل مالة { كأنم يوم يرون ما يوعدون‬
‫ل يلبثوا إل ساعة من نار } يقول ‪ :‬كأنم يوم يرون عذاب ال الذي يعدهم أنه منل بم‬
‫ل يلبثوا ف الدنيا ساعة من نار لنه ينسيهم شدة ما ينل شدة ما ينل بم من عذابه قدر‬
‫ما كانوا ف الدنيا لبثوا ومبلغ ما فيها مكثوا من السني و الشهور كما قال جل ثناؤه‬
‫{ قال كم لبثتم ف الرض عدد سني قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين }‬
‫( الؤمنون ‪)113 – 112 :‬تفسي الطبي ‪11/302‬‬
‫‪4‬ـ قال تعال ( وإن لك لجرا غي منون)‬
‫وقوله ‪ { :‬وإن لك لجرا غي منون } يقول تعال ذكره ‪ :‬وإن لك يا ممد لثوابا من ال‬
‫عظيما على صبك على أذى الشركي إياك غي منقوص ول مقطوع‪.‬تفسي الطبي‬
‫‪12/179‬‬
‫‪ 5‬ـ قال تعال ( فاصب صبا جيل )‬
‫قوله { فاصب صبا جيل } يقول تعال ذكره ‪ :‬فاصب صبا جيل يعن ‪ :‬صبا ل جزع‬
‫فيه يقول له ‪ :‬اصب على أذى هؤلء الشركي لك وليثنيك ما تلقى منهم من الكروه عن‬
‫تبليغ ما أمرك ربك أن تبلغهم من الرسالة تفسي الطبي ‪12/228‬‬
‫‪6‬ـ قال تعال ( إل تنصروه فقد نصره ال )‬
‫يقول تعال ‪ { :‬إل تنصروه } أي تنصروا رسوله فإن ال ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه‬
‫كما تول نصره { إذ أخرجه الذين كفروا ثان اثني } أي عام الجرة لا هم الشركون‬

‫‪396‬‬
‫بقتله أو حبسه أو نفيه فخرج منهم هاربا بصحبة صديقه وصاحبه أب بكر بن أب قحافة‬
‫فلجأ إل غار ثور ثلثة أيام ليجع الطلب الذين خرجوا ف آثارهم ث يسيوا نو الدينة‬
‫فجعل أبو بكر ( رضي ال عنه ) يزع أن يطلع عليهم أحد فيخلص إل رسول ال‬
‫( صلى ال عليه وسلم ) منهم أذى فجعل النب ( صلى ال عليه وسلم ) يسكنه ويثبته‬
‫ويقول ‪ [ :‬يا أبا بكر ما ظنك باثني ال ثالثهما ] كما قال المام أحد عن أنس أن أبا‬
‫بكر حدثه قال ‪ :‬قلت للنب ( صلى ال عليه وسلم ) ونن ف الغار ‪ :‬لو أن أحدهم نظر‬
‫إل قدميه لبصرنا تت قدميه قال ‪ :‬فقال ‪ [ :‬يا أبا بكر ما ظنك باثني ال ثالثهما ]‬
‫ولذا قال تعال ‪ { :‬فأنزل ال سكينته عليه } أي تأييده ونصره عليه أي على الرسول‬
‫( صلى ال عليه وسلم ) ف أشهر القولي وقيل على أب بكر ‪ ،‬وروي عن ابن عباس‬
‫وغيه قالوا ‪ :‬لن الرسول( صلى ال عليه وسلم ) ل تزل معه سكينة وهذا ل يناف تدد‬
‫سكينة خاصة بتلك الال ولذا قال ‪ { :‬وأيده بنود ل تروها } أي اللئكة { وجعل‬
‫كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة ال هي العليا } قال ابن عباس يعن بكلمة الذين‬
‫كفروا الشرك وكلمة ال هي ل إله إل ال ‪.‬تفسي بن كثي ‪2/472‬‬
‫‪7‬ـ قال عز وجل ‪ { :‬ما يقال لك إل ما قد قيل للرسل من قبلك } قال قتادة والسدي‬
‫وغيها ما يقال لك من التكذيب إل كما قد قيل للرسل من قبلك فكما كذبت كذبوا‬
‫وكما صبوا على أذى قومهم لم فاصب أنت على أذى قومك‪.‬تفسي ابن كثي ‪4/130‬‬
‫‪8‬ـ يقول تعال مبا عن عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلم أنه قال‬
‫لقومه ‪ { :‬ل تؤذونن وقد تعلمون أن رسول ال إليكم } أي ل توصلون الذى إل‬
‫وأنتم تعلمون صدقي فيما جئتكم به من الرسالة وف هذا تسلية لرسول ال ( صلى ال‬
‫عليه وسلم ) فيما أصابه من الكفار من قومه وغيهم وأمر له بالصب ولذا قال [ رحة ال‬
‫على موسى ‪ :‬لقد أوذي بأكثر من هذا فصب ] وفيه ني للمؤمني أن ينالوا من النب‬
‫( صلى ال عليه وسلم ) أو يوصلوا إليه أذى كما قال تعال ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا ل‬
‫تكونوا كالذين آذوا موسى فبأه ال ما قالوا وكان عند ال وجيها } وقوله تعال ‪:‬‬
‫{ فلما زاغوا أزاغ ال قلوبم } أي فلما عدلوا عن اتباع الق مع علمهم به أزاغ ال‬
‫قلوبم عن الدى وأسكنها الشك والية والذلن كما قال تعال ‪ { :‬ونقلب أفئدتم‬

‫‪397‬‬
‫وأبصارهم كما ل يؤمنوا به أول مرة ونذرهم ف طغيانم يعمهون }‪.‬تفسي ابن كثي ‪/4‬‬
‫‪461‬‬
‫وعلى هذا فإن الذب عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) واجب ‪ ،‬حيث أن ال ـ‬
‫عز وجل دافع عن رسوله ( صلى ال عليه وسلم ) وكذلك القرآن الكري ‪ ،‬وبعض‬
‫القريشيي ‪ ،‬والصحابة أجعي والنصار والهاجرين ‪،‬والتابعي ‪ ،‬وآل البيت ‪ ،‬كل دافع‬
‫عن رسول ال ( صلى ال عليه وسلم )‪ .‬وعلينا اتباع سيتم العطرة‪.‬‬
‫‪http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?p=55427‬‬
‫=========================‬
‫توجيهات للدُعاة‬

‫أيها الداعية ‪:‬‬


‫وظيفتك عالية ‪ ،‬وغالية ‪ ،‬فأنت سائر ف طريق الرسلي ‪.‬‬
‫الخلص أولً ‪ ،‬والتباع ثانيا ‪...‬سر على منهج الرسل ) قل هذه سبيلي أدعوا إل ال‬
‫على بصية )‪.‬‬
‫عليك بسن السلوب ف الدعوة ‪ ،‬واختيار المر الناسب من القوال ‪ ،‬والعمال ‪،‬‬
‫والوقات‪.‬‬
‫ث عليك بسن الكلم ‪ ،‬فل تغلظ ف دعوتك ‪ ،‬بل كن هيّنا سهلً وف قصة موسى لا‬
‫ذهب لفرعون ‪ ،‬قال ال له ولخيه هارون ) فقول له قو ًل ليّنا لعله يتذكر أو يشى‬
‫( والكلمة القوية القاسية ليس لا قبول ‪ ،‬فلماذا تقولا؟‬
‫مع أنك تستطيع أن تقول بدلا كلمة أخرى أحسن منها ‪...‬‬
‫ث عليك بجاهدة النفس على هذه الدعوة ‪ ،‬واصب على ما تواجهه) واصب على ما‬
‫أصابك (‬
‫أخي الداعية‬
‫قد يصيبك الفتور ‪ ،‬وهذا ليس بغريب ‪ ,‬ولكن انتبه ‪ ،‬ل تعل الفتور يأخذ فترة طويلة من‬
‫وقتك ‪.‬‬

‫‪398‬‬
‫عليك بالتزود من الصلة ‪ ،‬والصيام والقرآن‪ ،‬وطلب العلم ‪ ،‬وغيها من العمال الصالة‬
‫كما قال ال تعال ) واستعينوا بالصب والصلة ( فالعبادات زا ُد كبي ف طريق الدعاة‬
‫أخي الداعية‬
‫الوقت الوقت ‪ ،‬حافظ عليه ‪ ،‬فهو رأس مالك ‪ ،‬فاجعله كله ل‬
‫وأوصيك أخي ‪:‬‬
‫ابدأ بنفسك فانها عن غيّها ‪ ،‬وأعطها من العمال الصالة ‪ ،‬وحاسبها ‪.‬‬
‫ث عليك بأهلك ‪ ،‬فادعهم إل ال ) وأنذر عشيتك القربي (‬
‫أخي الكري‬
‫ل تنتظر نتيجة دعوتك ‪ ،‬ول تنتظر أن يأتيك الدعو ويقول لك جزاك ال خيا ً‬
‫ولتكن من ينتظر ثناء الناس على دعوته‬
‫أو من يريد من الناس أن يغيوا منكراتم بي يوم وليلة ‪ ،‬ل ‪ ،‬ل ل تنتظر ذلك ‪.‬‬
‫ول أي شيءٍ من ذلك ‪ ,‬أل تعلم بأنه سيأت ( نب ) يوم القيامة ‪ ،‬وليس معه أحد ‪ .‬فلماذا‬
‫أنت تنتظر … ؟‬
‫ولاذا تتوقف عن الدعوة بجة ‪ :‬أن الناس مازالوا على منكراتم ؟‬
‫ولاذا تركت الدروس والعمال الدعوية ‪..‬؟‬
‫هل أنت ( تدي قلوبم ) ( إن عليك إل البلغ )‬
‫أخي البارك‬
‫إن كنت تعمل وتكدح وتتعب ‪ ,‬فاعلم أن العداء يعملون ويكدحون‬
‫) إن تكونوا تألون فإنم يألون كما تألون (‬
‫أيها الوفق‬
‫لبد من كسب قلب الدعو ‪ ،‬حت يبك ‪ ،‬فإن أحبك أحب ما تقول‬
‫فأحسن للناس وذلك باللق السن وبذل الال للمحتاج وبذل الوقت لل مشاكل الناس‬
‫‪.‬‬
‫وداوم على البتسامة فهي مفتاح القلوب وتواضع للخلق ‪ ،‬وسترى حب الناس لك ‪.‬‬
‫وقفة‬

‫‪399‬‬
‫ل بد لك أيها الداعية من معرفة حال الدعو ‪ ,‬ومدى علمه ‪ ،‬وعقله ‪ ،‬وفهمه ‪ ،‬ونفسيته ‪,‬‬
‫وبالتجربة فإن معرفة ذلك من أكب أسباب ناح الدعوة‬
‫إشارة‬
‫استخدم أسلوب ( العمل ) أحيانا ‪ ,‬فالتأثي بالقدوة أبلغ ف النفوس من الكلم الجرد ‪,‬‬
‫ول مانع من الدعوة بالكلم ‪.‬‬
‫ولكن مارسة التنويع مهم ‪،‬مثال ‪ :‬لو أردت دعوة الناس لصيام الثني والميس ‪ ,‬فلو‬
‫أنك داومت على صيامهما لتأثر الناس بك حت لو ل تقل لم صوموا ‪ ,‬ول ينع أيضا من‬
‫أن تبهم بفضائل الصيام‬
‫هسة‬
‫عليك بأسلوب (القصة) لن القصة لا لذة ف الستماع ‪ ,‬والقرآن مليء بذلك ) فاقصص‬
‫القَصص لعلهم يتفكرون ( ‪ ,‬ولكن ل تدث الناس إل بالقصص القيقية ‪ ،‬ول تكذب‪.‬‬
‫خاطرة‬
‫داوم على مطالعة سية النبياء وأخبارهم لترى فقه الدعوة ‪ ,‬وترى صبهم ‪،‬‬
‫وإخلصهم ) لقد كان ف قصصهم عبة ‪(.‬‬
‫عبة‬
‫قد ينالك أذى ف نفسك أو ف أهلك ‪ ،‬أو ف دعوتك ‪ ،‬وهذا ليس بغريب ‪ ,‬فهذا طريق‬
‫النبياء ) وكذلك جعلنا لكل نب عدوا من الجرمي ‪(.‬‬
‫هسة‬
‫انتبه لفعالك ‪ ،‬فالناس ينظرون إليك ‪ ،‬يلحظون أفعالك ‪ ,‬واعلم أن الناس يعتقدون أنك‬
‫( قدوة) فل تكن مثال ًسيئا للدعاة ‪.‬‬
‫أخي الداعية‬
‫تزود من العلم ‪ ،‬وواظب على مطالعة الكتب ‪ ،‬وخاصة كتاب ال ‪ ،‬وسنة الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ,‬فالعلم من أعظم الضروريات للدعاة ‪ ,‬والناس عندهم أسئلة ومشكلت‬
‫يريدون منك إجابة عليها‬
‫فكيف تيب إذا ل يكن لديك العلم الكاف ؟؟‬

‫‪400‬‬
‫انتبه‬
‫ل تكن ( موسيا ً) ول ( حاسيا ) ‪ ,‬فإن بعض الدعاة يتحمس للدعوة لجل شريط‬
‫سعه ‪ ،‬أو قصة ‪ ,‬ولكن هذا الماس يتوقف بعد أيام ل ‪ ,‬إننا نريد دعوة مستمرة ‪ ,‬دعوة‬
‫لا منطلقات صحيحة ‪ ،‬دعوة مدروسة ‪ ،‬دعوة باقية ما بقي العمر‪.‬‬
‫أخي الكري‬
‫أوصيك أن يكون َنفَسَك طويل فكن بعيد النظرة ‪ ،‬واسع الفق ‪ ،‬فل تستعجل ‪ ,‬ل‬
‫تستعجل ثرة الدعوة ‪,‬ل تستعجل زوال النكرات ‪ ,‬ل تستعجل العذاب الذي ينل‬
‫بالكافرين ) فاصب كما صب أولو العزم من الرسل ول تستعجل لم (‬
‫وصية لك‬
‫نريد الغضب ل ‪ ،‬ل للهوى ‪ ،‬ل لظ النفس ‪ ،‬ونبيك صلى ال عليه وسلم كان يغضب‬
‫ل فقط ‪ ،‬ول يكن ينتصر لنفسه ‪,‬وما أصعب ذلك ف وقت الغضب ‪.‬‬
‫هسة خاصة‬
‫تعرّف إل أعداءك ‪ ،‬وتعرّف على مكائدهم ‪ ،‬وصفاتم ‪,‬واعلم بأنم يدرسون الصحوة‬
‫دراسة قوية ‪ ،‬ث يُصدرون عقب ذلك العمال الدمّرة ( يريدون ليطفئوا نور ال بأفواههم‬
‫وال متمّ نوره ولو كره الكافرون( ‪.‬‬
‫يا أيها (الداعية) أل تقرأ هذه الية ) يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار ال ( هذا نداء من‬
‫ال للمؤمني ‪ ،‬أن ينصروا دين ال ‪ ،‬أن ينصروا الدعوة ‪ ,‬فما شعورك عندما تقرأ هذه‬
‫الية ؟ وهل استجبت لدعوة ال‬
‫وقفة‬
‫قد يضيق صدرك من كيد العداء ‪ ،‬وانتشار الفساد ‪ ،‬وجهود العلمانيي ‪ ,‬فما عليك‬
‫منهم ولكن عليك بالتقوى والصب ) وإن تصبوا وتتقوا ل يضركم كيدهم شيئا (‬
‫إشارة‬
‫ل تكن من يسب الواقع ويتأفف دائما ً‪ ،‬ويتضجر ف كل حي‬
‫نعم ‪ ..‬نن نريد العمل ‪ ,‬نعم إن الواقع مرير وكلنا يعرف ذلك‬

‫‪401‬‬
‫ل قويا )‬‫والعداء يعملون ول ننتظر منهم أن يتوقف كيدهم نريد بكل صراحة ( عم ً‬
‫عملً من منطلق الكمة ‪,‬والذي يوقد شعة خي من الذي يسب الظلم‬
‫البتلء‬
‫ل بد لك أيها الداعية من أن تتجرع كأس ( البتلء ) وتشرب من ماءه ‪ ,‬ل بد ‪ ،‬شئت‬
‫أم أبيت إن ل يكن اليوم فقد يكون غدا ‪ ،‬فإن ل يكن غدا ًفبعد شهر ‪ ،‬أو سنة أو‬
‫سنوات ‪،‬ل بد ومن هو النب الذي ل ينله أذى ؟ من الذي سلم من كلم الناس ) ولقد‬
‫كُذّبت رُسلٌ من قبلك) ) ولقد استهزئ برسل من قبلك( (وكذلك جعلنا لكل نب عدوا‬
‫من الجرمي (‬
‫آيات كثية دلت على هذا الصل العظيم‬
‫فما عليك إل التزود بالتقوى والصب ‪ ،‬والستعداد لواجهة عاصفة البتلء ومن كان مع‬
‫ال كان ال معه ‪ ,‬ومن أراد الخرة ‪ ،‬فليصبوالدنيا قليلة ‪ ,‬والخرة هي دار القرار ‪.‬‬
‫فاصب ‪......‬نعم …‪ ..‬الصب زادك ‪ ،‬الصب على كل شيء ‪،‬‬
‫أمامك الصب على انتشار الباطل والفساد ‪......‬‬
‫أمامك الصب على تأخر استجابة الناس لك ‪...‬‬
‫أمامك الصب على خذلن أهل الق للحق ‪..‬‬
‫أمامك الصب على كلم الناس فيك ‪ ،‬وسخريتهم ‪ ..‬نعم ‪ .‬نعم ‪ ..‬الصب ‪ .‬الصب‪..‬‬
‫أمامك الصب على ترك زخرف الياة الدنيا‬
‫أمامك الصب على فتنة الشهرة والثناء والدح‬
‫أمامك الصب على ‪ :‬القتل ف سبيل ال ‪ ..‬أمامك الصب على السجن لجل كلمة الق ‪..‬‬
‫الصب ‪ ..‬الصب ‪..‬هو زاد النبياء كلهم نعم ‪ ..‬كلهم ‪ ) ..‬فاصب كما صب أولو العزم من‬
‫الرسل ( فهذا نوح ل يؤمن معه إل قليل ‪ ،‬فهل كان زاده إل الصب ‪.‬‬
‫وهذا يوسف ( يُسجن )‬
‫وهذا عيسى أرادوا قتله‬
‫وهذا ممد صلى ال عليه وسلم يتعرض لنواع الذى والقتل‬
‫وهذا عمر ( قُتل ) وعثمان ( قتل ) وعلي ( قُتل )‬

‫‪402‬‬
‫وهذا خبيب بن عدي يوضع على الشنقة‬
‫وهذا أحد بن حنبل يُجلد ث يُسجن‬
‫ف به على البعي وهو يلد‬ ‫وهذا مالك بن أنس يُطا ُ‬
‫وهذا ابن تيمية يُسجن ‪ -‬حت مات ف السجن‬
‫هذه سية النبياء والدعاة إل ال ‪( ،‬فهل كان زادهم ‪ ) ..‬فمانصيب الصب عندك ؟‬
‫هسة من مب‬
‫لتكن كالشمعة تضيء للناس وترق نفسها‬
‫اجعل من وقتك شيء لحاسبة النفس ومراجعة أعمالك‬
‫لترى ما قدمت ولكي تنظر ف منهجك وطريقتك‬
‫وهل صدر منك خطأ لكي تتوب منه‬
‫ل بد من مراجعة أعمالكم أيها الدعاة‬
‫إشارة على الطريق‬
‫أخي الداعية‬
‫ينبغي لك أن تستشي العلماء والدعاة ف أعمالك الدعوية) وشاورهم ف المر ( وبالتجربة‬
‫فإن القدام على بعض العمال بدون استشارة العلماء والدعاة يكون سببا ًف الوقوع ف‬
‫الخطاء ‪.‬‬
‫وقفة‬
‫حاول أن تغرس ( هم السلم ) ف نفوس الناس بقدر ما تستطيع‬
‫لن وجود ذلك ف نفوسهم يدفعهم للبذل والتضحية‬
‫أيها الداعية‬
‫عليك بالزهد ‪ ،‬نعم ‪ ،‬عليك بالزهد ف كل ما ف هذه الياة‬
‫الزهد ف زخرف الياة ومتاعها ‪ ،‬الزهد ف ثناء الناس ومدحهم‬
‫الزهد ف الرئاسة والناصب ‪ ،‬الزهد ف الراكب الفاخرة‬
‫والقصور الشامة ‪ ،‬أل تتأمل ف سية إمام الزاهدين صلى ال عليه وسلم فماذا كان‬
‫يركب ؟‬

‫‪403‬‬
‫وماذا كان ف بيته ؟‬
‫ول تفهم من ذلك ترك التجمل والزينة العتدلة ل ‪ ،‬القصود ( رفض الدنيا عن قلبك )‬
‫=================‬
‫وشيجة العقيدة هي الساس الذي يب أن يتجمع عليه الناس‬

‫إن الوشيجة الت يتجمع عليها الناس ف هذا الدين وشيجة فريدة تتميز با طبيعة هذا‬
‫الدين ‪ ،‬وتتعلق بآفاق وآماد وأبعاد وأهداف يتص با ذلك النهج الربان الكري ‪.‬‬
‫إن هذه الوشيجة ليست وشيجة الدم والنسب؛ وليست وشيجة الرض والوطن ‪ ،‬وليست‬
‫وشيجة القوم والعشية ‪ ،‬وليست وشيجة اللون واللغة ‪ ،‬وليست وشيجة النس‬
‫والعنصر ‪ ،‬وليست وشيجة الرفة والطبقة ‪ . .‬إن هذه الوشائج جيعها قد توجد ث تنقطع‬
‫العلقة بي الفرد والفرد؛ كما قال ال سبحانه وتعال لعبده نوح عليه السلم وهو يقول ‪:‬‬
‫{ رب إن ابن من أهلي } ‪ { . .‬يا نوح إنه ليس من أهلك } ث بي له لاذا يكون ابنه ‪.‬‬
‫‪ .‬ليس من أهله ‪ { . .‬إنه عمل غي صال } ‪ . .‬إن وشيجة اليان قد انقطعت بينكما يا‬
‫نوح ‪ { :‬فل تسألن ما ليس لك به علم } فأنت تسب أنه من أهلك ‪ ،‬ولكن هذا‬
‫السبان خاطئ ‪ .‬أما العلوم الستيقن فهو أنه ليس من أهلك ‪ ،‬ولو كان هو ابنك من‬
‫صلبك!‬
‫وهذا هو الْ َمعْلَم الواضح البارز على مفرق الطريق بي نظرة هذا الدين إل الوشائج‬
‫والروابط ‪ ،‬وبي نظرات الاهلية التفرقة ‪ . . .‬إن الاهليات تعل الرابطة آنا هي الدم‬
‫والنسب؛ وآنا هي الرض والوطن ‪ ،‬وآنا هي القوم والعشية ‪ ،‬وآنا هي اللون واللغة ‪،‬‬
‫وآنا هي النس والعنصر ‪ ،‬وآنا هي الرفة والطبقة! تعلها آنا هي الصال الشتركة ‪ ،‬أو‬
‫التاريخ الشترك ‪ .‬أو الصي الشترك ‪ . .‬وكلها تصورات جاهلية على تفرقها أو تمعها‬
‫تالف مالفة أصيلة عميقة عن أصل التصور السلمي!‬
‫والنهج الربان القوي مثلً ف هذا القرآن الذي يهدي للت هي أقوم وف توجيهات الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم وهي من هذا القرآن وعلى نسقه واتاهه قد أخذ المة السلمة‬
‫بالتربية على ذلك الصل الكبي ‪ . .‬والْ َمعْلَم الواضح البارز ف مفرق الطريق ‪. .‬‬

‫‪404‬‬
‫وهذا الثل الذي يضربه ف هذه السورة من نوح وابنه فما يكون بي الولد والوالد ‪،‬‬
‫ضرب أمثاله لشت الوشائج والروابط الاهلية الخرى ‪ ،‬ليقرر من وراء هذه المثال‬
‫حقيقة الوشيجة الوحيدة الت يعتبها ‪.‬‬
‫* ضرب لا الثل فيما يكون بي الولد والوالد وذلك فيما كان بي إبراهيم عليه السلم‬
‫وأبيه وقومه كذلك ‪:‬‬
‫{ واذكر ف الكتاب إبراهيم ‪ ،‬إنه كان صديقا نبيا ‪ .‬إذ قال لبيه ‪ :‬يا أبت ل تعبد ما ل‬
‫يسمع ول يبصر ول يغن عنك شيئا؟ يا أبت إن قد جاءن من العلم ما ل يأتك ‪ ،‬فاتبعن‬
‫أهدك صراطا سويا ‪ .‬يا أبت ل تعبد الشيطان ‪ ،‬إن الشيطان كان للرحن عصيا ‪ .‬يا أبت‬
‫إن أخاف أن يسك عذاب من الرحن فتكون للشيطان وليا ‪ . .‬قال ‪ :‬أراغب أنت عن‬
‫آلت يا إبراهيم؟ لئن ل تنته لرجنك! واهجرن مليا ‪ .‬قال سلم عليك سأستغفر لك رب‬
‫‪ ،‬إنه كان ب حفيا ‪ ،‬وأعتزلكم وما تدعون من دون ال وأدعو رب ‪ ،‬عسى أل أكون‬
‫بدعاء رب شقيا ‪ .‬فلما اعتزلم وما يعبدون من دون ال وهبنا له إسحاق ويعقوب وكل‬
‫جعلنا نبيا؛ ووهبنا لم من رحتنا ‪ ،‬وجعلنا لم لسان صدق عليا } [ مري ‪. ] 50 41 :‬‬
‫* وضرب لا الثل فيما كان بي إبراهيم وذريته كما علمه ال سبحانه ولقنه ‪ ،‬وهو يعطيه‬
‫عهده وميثاقه ‪ .‬ويبشره ببقاء ذكره وامتداد الرسالة ف عقبه ‪:‬‬
‫{ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ‪ ،‬فأتهن ‪ ،‬قال ‪ :‬إن جاعلك للناس إماما ‪ ،‬قال ‪ :‬ومن‬
‫ذريت؟ قال ‪ :‬ل ينال عهدي الظالي ‪ { } . .‬وإذ قال إبراهيم ‪ :‬رب اجعل هذا بلدا آمنا‬
‫وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بال واليوم الخر ‪ .‬قال ‪ :‬ومن كفر فأمتعه قليلً ث‬
‫أضطره إل عذاب النار وبئس الصي } [ البقرة ‪] 126 124 :‬‬
‫* وضرب لا الثل فيما يكون بي الزوج وزوجه ‪ ،‬وذلك فيما كان بي نوح وامرأته ‪ ،‬و‬
‫لوط وامرأته ‪ .‬وف الانب الخر ما كان بي امرأة فرعون و فرعون ‪:‬‬
‫{ ضرب ال مثل للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ‪ ،‬كانتا تت عبدين من عبادنا‬
‫صالي ‪ ،‬فخانتاها ‪ ،‬فلم يغنيا عنهما من ال شيئا ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ادخل النار مع الداخلي } {‬
‫وضرب ال مثلً للذين آمنوا امرأة فرعون ‪ ،‬إذ قالت ‪ :‬رب ابن ل عندك بيتا ف النة ‪،‬‬
‫ونن من فرعون وعمله ‪ ،‬ونن من القوم الظالي } [ التحري ‪] 11 10 :‬‬

‫‪405‬‬
‫* وضربَ لا الثل فيما يكون بي الؤمني وأهلهم وقومهم ووطنهم وأرضهم وديارهم‬
‫وأموالم ‪ ،‬ومصالهم وماضيهم ومصيهم ‪ .‬وذلك فيما كان بي إبراهيم والؤمني به مع‬
‫قومهم ‪ .‬وما كان من الفتية أصحاب الكهف مع أهلهم وقومهم ودورهم وأرضهم ‪. . .‬‬
‫{ قد كانت لكم أسوة حسنة ف إبراهيم والذين معه ‪ ،‬إذ قالوا لقومهم ‪ :‬إنا برآء منكم‬
‫وما تعبدون من دون ال ‪ ،‬كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حت تؤمنوا‬
‫بال وحده ‪ [ } . . .‬المتحنة ‪. ] 4 :‬‬
‫{ أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا؟ إذ أوى الفتية إل‬
‫الكهف فقالوا ‪ :‬ربنا آتنا من لدنك رحة وهيء لنا من أمرنا رشدا ‪ ،‬فضربنا على آذانم‬
‫ف الكهف سني عددا ‪ ،‬ث بعثناهم لنعلم أي الزبي أحصى لا لبثوا أمدا ‪ ،‬نن نقص‬
‫عليك نبأهم بالق ‪ ،‬إنم فتية آمنوا بربم وزدناهم هدى ‪ ،‬وربطنا على قلوبم إذ قاموا‬
‫فقالوا ‪ :‬ربنا رب السماوات والرض لن ندعو من دونه إلا لقد قلنا إذن شططا ‪ .‬هؤلء‬
‫قومنا اتذوا من دونه آلة ‪ .‬لول يأتون عليهم بسلطان بي! فمن أظلم من افترى على ال‬
‫كذبا؟ وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إل ال فأووا إل الكهف ينشر لكم [ الكهف ‪9 :‬‬
‫‪. ] 16‬‬
‫وبذه المثلة الت ضربا ال للمة السلمة من سية الرهط الكري من النبياء والؤمني ‪.‬‬
‫الذين سبقوها ف موكب اليان الضارب ف شعاب الزمان ‪ ،‬وضحت معال الطريق لذه‬
‫المة؛ وقام هذا ا َلعْلَم البارز أمامها عن حقيقة الوشيجة الت يب أن يقوم عليها الجتمع‬
‫السلم ‪ ،‬ول يقوم على سواها ‪ .‬وطالبها ربا بالستقامة على الطريق ف حسم ووضوح‬
‫يتمثلن ف مواقف كثية ‪ ،‬وف توجيهات من القرآن كثية ‪ . .‬هذه ناذج منها ‪. .‬‬
‫{ ل تد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادّون من حاد ال ورسوله ولو كانوا آباءهم أو‬
‫أبناءهم أو إخوانم أو عشيتم أولئك كتب ف قلوبم اليان وأيدهم بروح منه ‪،‬‬
‫ويدخلهم جنات تري من تتها النار خالدين فيها ‪ ،‬رضي ال عنهم ورضوا عنه ‪،‬‬
‫أولئك حزب ال ‪ ،‬أل إن حزب ال هم الفلحون } [ الجادلة ‪ { ] 22 :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالودة ‪ ،‬وقد كفروا با جاءكم من‬
‫الق ‪ ،‬يرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بال ربكم ‪ ،‬إن كنتم خرجتم جهادا ف سبيلي‬

‫‪406‬‬
‫وابتغاء مرضات ‪ ،‬تسرون إليهم بالودة وأنا أعلم با أخفيتم وما أعلنتم ‪ ،‬ومن يفعله منكم‬
‫فقد ضل سواء السبيل } [ المتحنة ‪] 1 :‬‬
‫{ لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم يوم القيامة يفصل بينكم ‪ ،‬وال با تعملون بصي ‪،‬‬
‫قد كانت لكم أسوة حسنة ف إبراهيم والذين معه ‪ . . .‬ال } [ المتحنة ‪ { ] 4 3 :‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا ل تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على اليان ‪ ،‬ومن‬
‫يتولم منكم فأولئك هم الظالون } [ التوبة ‪. ] 23 :‬‬
‫{ يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ‪ ،‬بعضهم أولياء بعض ومن يتولم‬
‫منكم فإنه منهم ‪ ،‬إن ال ل يهدي القوم الظالي } [ الائدة ‪. ] 51 :‬‬
‫وهكذا تقررت تلك القاعدة الصيلة الاسة ف علقات الجتمع السلمي؛ وف طبيعة‬
‫بنائه وتكوينه العضوي الذي يتميز به عن سائر الجتمعات الاهلية قديا وحديثا إل آخر‬
‫الزمان ‪ .‬ول يعد هناك مال للجمع بي « السلم » وبي إقامة الجتمع على أية قاعدة‬
‫أخرى غي القاعدة الت اختارها ال للمة الختارة ‪.‬‬
‫والذين يدعون صفة السلم ‪ ،‬ث يقيمون متمعاتم على قاعدة أو أكثر من تلك العلقات‬
‫الاهلية الت أحل السلم ملها قاعدة العقيدة ‪ ،‬إما أنم ل يعرفون السلم؛ وإما أنم‬
‫يرفضونه ‪ .‬والسلم ف كلتا الالتي ل يعترف لم بتلك الصفة الت يدعونا لنفسهم‬
‫وهم ل يطبقونا ‪ ،‬بل يتارون غيها من مقومات الاهلية فعلً!‬
‫وندع هذه القاعدة وقد صارت واضحة تاما لننظر ف جوانب من حكمة ال ف إقامة‬
‫الجتمع السلمي على هذه القاعدة ‪. .‬‬
‫* إن العقيدة تثل أعلى خصائص « النسان » الت تفرقه من عال البهيمة؛ لنا تتعلق‬
‫بالعنصر الزائد ف تركيبه وكينونته عن تركيب البهيمة وكينونتها وهو العنصر الروحي‬
‫الذي به صار هذا الخلوق إنسانا ف هذه الصورة وحت أشد اللحدين إلادا وأكثر‬
‫الاديي مادية ‪ ،‬قد انتبهوا أخيا إل أن العقيدة خاصة من خواص النسان تفرقه فرقا‬
‫أساسيا عن اليوان ‪.‬‬
‫ومن ث ينبغي أن تكون العقيدة ف الجتمع النسان الذي يبلغ ذروة الضارة النسانية‬
‫هي آصرة التجمع ‪ .‬لنا العنصر الذي يتعلق بأخص خصائص النسان الميزة له عن‬

‫‪407‬‬
‫البهائم ‪ .‬ول تكون آصرة التجمع عنصرا يتعلق بشيء يشترك فيه النسان مع البهائم! من‬
‫مثل الرض والرعى والصال والدود الت تثل خواص الظية ‪ ،‬وسياج الظية! ول‬
‫تكون كذلك هي الدم والنسب والعشية والقوم والنس والعنصر واللون واللغة ‪. .‬‬
‫فكلها ما يشترك فيه النسان مع البهيمة ‪ .‬وليس هناك إل شؤون العقل و القلب الت‬
‫يتص با النسان دون البهيمة!‬
‫* كذلك تتعلق العقيدة بعنصر آخر يتميز به النسان عن البهائم ‪ . .‬هو عنصر الختيار‬
‫والرادة ‪ ،‬فكل فرد على حدة يلك أن يتار عقيدته بجرد أن يبلغ سن الرشد؛ وبذلك‬
‫يقرر نوع الجتمع الذي يريد أن يعيش فيه متارا؛ ونوع النهج العتقادي والجتماعي‬
‫والسياسي والقتصادي واللقي الذي يريد بكامل حريته أن يتمذهب به ويعيش ‪. .‬‬
‫ولكن هذا الفرد ل يلك أن يقرر دمه ونسبه ولونه وقومه وجنسه ‪ .‬كما ل يلك أن يقرر‬
‫الرض الت يب أن يولد فيها ‪ ،‬ولغة الم الت يريد أن ينشأ عليها ‪ . .‬إل آخر تلك‬
‫القومات الت تقام عليها متمعات الاهلية! ‪ . .‬إن هذه المور كلها يقضى فيها قبل ميئه‬
‫إل هذه الرض ‪ ،‬ول يؤخذ له فيها مشورة ول رأي؛ إنا هي تفرض عليه فرضا سواء‬
‫أحب أم كره! فإذا تعلق مصيه ف الدنيا والخرة معا أو حت ف الدنيا وحدها بثل هذه‬
‫القومات الت تفرض عليه فرضا ل يكن متارا ول مريدا؛ وبذلك تسلب إنسانيته مقوما‬
‫من أخص مقوماتا؛ وتدر قاعدة أساسية من قواعد تكري النسان؛ بل من قواعد تركيبه‬
‫وتكوينه النسان الميز له من سائر اللئق!‬
‫ومن أجل الحافظة على خصائص النسان الذاتية ‪ ،‬والحافظة على الكرامة الت وهبها ال‬
‫له متمشية مع تلك الصائص؛ يعل السلم العقيدة الت يلك كل فرد اختيارها بشخصه‬
‫منذ أن يبلغ سن الرشد هي الصرة الت يقوم عليها التجمع النسان ف الجتمع‬
‫السلمي؛ والت يتقرر على أساسها مصي كل فرد بإرادته الذاتية ‪.‬‬
‫وينفي أن تكون تلك العوامل الضطرارية ‪ ،‬الت ل يد له فيها ‪ ،‬ول يلك كذلك تغييها‬
‫باختياره ‪ ،‬هي آصرة التجمع الت تقرر مصيه طول حياته ‪.‬‬
‫* ومن شأن قيام الجتمع على آصرة العقيدة وعدم قيامه على العوامل الضطرارية الخرى‬
‫أن ينشئ متمعا إنسانيا عاليا مفتوحا؛ ييء إليه الفراد من شت الجناس واللوان‬

‫‪408‬‬
‫واللغات والقوام والدماء والنساب والديار والوطان بكامل حريتهم واختيارهم الذات؛‬
‫ل يصدهم عنه صاد ‪ ،‬ول يقوم ف وجوههم حاجز ‪ ،‬ول تقف دونه حدود مصطنعة ‪،‬‬
‫خارجة عن خصائص النسان العليا ‪ .‬وأن تصب ف هذا الجتمع كل الطاقات والواص‬
‫البشرية ‪ ،‬وتتمع ف صعيد واحد ‪ ،‬لتنشىء « حضارة إنسانية » تنتفع بكل خصائص‬
‫الجناس البشرية؛ و ل تغلق دون كفاية واحدة ‪ ،‬بسبب من اللون أو العنصر أو النسب‬
‫والرض ‪. . .‬‬
‫« ولقد كان من النتائج الواقعية الباهرة للمنهج السلمي ف هذه القضية؛ ولقامة التجمع‬
‫السلمي على آصرة العقيدة وحدها ‪ ،‬دون أواصر النس والرض واللون واللغة والصال‬
‫الرضية القريبة ‪ ،‬والدود القليمية السخيفة! ولبراز » خصائص النسان « ف هذا‬
‫التجمع وتنميتها وإعلئها ‪ ،‬دون الصفات الشتركة بينه وبي اليوان ‪ . .‬كان من النتائج‬
‫الواقعية الباهرة لذا النهج أن أصبح الجتمع السلم متمعا مفتوحا لميع الجناس‬
‫واللوان واللغات ‪ ،‬بل عائق من هذه العوائق اليوانية السخيفة! وأن صبت ف بوتقة‬
‫الجتمع السلمي خصائص الجناس البشرية وكفاياتا ‪ ،‬وانصهرت ف هذه البوتقة‬
‫وتازجت ‪ ،‬وأنشأت مركبا عضويا فائقا ف فترة تعد نسبيا قصية ‪ .‬وصنعت هذه الكتلة‬
‫العجيبة التجانسة التناسقة حضارة رائعة ضخمة ‪ ،‬توي خلصة الطاقة البشرية ف زمانا‬
‫متمعة ‪ ،‬على بعد السافات وبطء طرق التصال ف ذلك الزمان ‪» .‬‬
‫« لقد اجتمع ف الجتمع السلمي التفوق ‪ :‬العرب والفارسي والشامي والصري والغرب‬
‫والتركي والصين والندي والرومان والغريقي والندونيسي والفريقي ‪ . . .‬إل آخر‬
‫القوام والجناس ‪ . . .‬وتمعت خصائصهم كلها لتعمل متمازجة متعاونة متناسقة ف‬
‫بناء الجتمع السلمي والضارة السلمية ‪ .‬ول تكن هذه الضارة الضخمة يوما ما »‬
‫عربية « إنا كانت دائما » إسلمية « ول تكن يوما ما » قومية « إنا كانت دائما »‬
‫إسلمية « و ل تكن يوما ما » قومية « إنا كانت دائما » عقيدية « ‪.‬‬
‫» ولقد اجتمعوا كلهم على قدم الساواة ‪ ،‬وبآصرة الب ‪ .‬وبشعور التطلع إل وجهة‬
‫واحدة ‪ .‬فبذلوا جيعا أقصى كفاياتم ‪ ،‬وأبرزوا أعمق خصائص أجناسهم ‪ ،‬وصبوا‬
‫خلصة تاربم الشخصية والقومية والتاريية ف بناء هذا الجتمع الواحد الذي ينتسبون‬

‫‪409‬‬
‫إليه جيعا على قدم الساواة ‪ ،‬وتمع فيه بينهم آصرة تتعلق بربم الواحد ‪ ،‬وتبز فيها‬
‫إنسانيتهم وحدها بل عائق ‪.‬‬
‫وهذا ما ل يتمع قط لى تمع آخر على مدار التاريخ!‬
‫« لقد كان أشهر تمع بشري ف التاريخ القدي هو تمع المباطورية الرومانية مثلً ‪.‬‬
‫فقد جعت بالفعل أجناسا متعددة ‪ ،‬ولغات متعددة ‪ ،‬وألوانا متعددة ‪ ،‬وأمزجة متعددة ‪.‬‬
‫ولكن هذا كله ل يقم على » آصرة إنسانية « ول يتمثل ف قيمة عليا كالعقيدة ‪ . .‬لقد‬
‫كان هناك تمع طبقي على أساس طبقة الشراف وطبقة العبيد ف المباطورية كلها من‬
‫ناحية؛ وتمع عنصري على أساس سيادة النس الرومان بصفة عامة وعبودية سائر‬
‫الجناس الخرى ‪ .‬ومن ث ل يرتفع قط إل أفق التجمع السلمي؛ ول يؤت الثمار الت‬
‫آتاها التجمع السلمي ‪» .‬‬
‫« كذلك قامت ف التاريخ الديث تمعات أخرى ‪ . .‬تمع المباطورية البيطانية مثلً‬
‫‪ . .‬ولكنه كان كالتجمع الرومان ‪ ،‬الذي هو وريثه! تمعا قوميا استغلليا ‪ ،‬يقوم على‬
‫أساس سيادة القومية النليزية ‪ ،‬واستغلل الستعمرات الت تضمها المباطورية ‪ . .‬ومثله‬
‫المباطوريات الوربية كلها ‪ . .‬المباطورية السبانية والبتغالية ف وقت ما ‪،‬‬
‫والمباطورية الفرنسية ‪ . .‬كلها ف ذلك الستوى الابط البشع القيت! وأرادت الشيوعية‬
‫أن تقيم تمعا من نوع آخر ‪ ،‬يتخطى حواجز النس والقوم والرض واللغة واللون ‪.‬‬
‫ولكنها ل تقمه على قاعدة » إنسانية « عامة ‪ ،‬إنا أقامته على القاعدة » الطبقية « ‪.‬‬
‫فكان هذا التجمع هو الوجه الخر للتجمع الرومان القدي ‪ . .‬هذا تمع قاعدة طبقة »‬
‫الشراف « وذلك تمع على قاعدة طبقة » الصعاليك « ( البوليتريا ) ؛ والعاطفة الت‬
‫تسوده هي عاطفة القد السود على سائر الطبقات الخرى! وما كان لثل هذا التجمع‬
‫الصغي البغيض أن يثمر إل أسوأ ما ف الكائن النسان ‪ . .‬فهو ابتداء قائم على أساس‬
‫إبراز الصفات اليوانية وحدها وتنميتها وتكينها ‪ .‬باعتبار أن » الطالب الساسية «‬
‫للنسان هي » الطعام والسكن والنس « وهي مطالب اليوان الولية وباعتبار أن تاريخ‬
‫النسان هو تاريخ البحث عن الطعام!! »‬

‫‪410‬‬
‫« لقد تفرد السلم بنهجه الربان ف إبراز أخص خصائص النسان وتنميتها وإعلئها ف‬
‫بناء الجتمع النسان ‪ . .‬وما يزال متفردا ‪ . .‬والذين يعدلون عنه إل أي منهج آخر ‪،‬‬
‫يقوم على أية قاعدة أخرى ‪ ،‬من القوم أو النس أو الرض أو الطبقة ‪ . .‬إل آخر هذا‬
‫النت السخيف ‪ ،‬هم أعداء » النسان « حقا! هم الذين ل يريدون لذا النسان أن يتفرد‬
‫ف هذا الكون بصائصه العليا كما فطره ال؛ ول يريدون لجتمعه أن ينتفع باقصى‬
‫كفايات أجناسه وخصائصها وتاربا ف امتزاج وتناسق » ‪.‬‬
‫* ويسن أن نذكر أن أعداء هذا الدين ‪ ،‬الذين يعرفون مواضع القوة ف طبيعته وحركته؛‬
‫وهم الذين يقول ال تعال فيهم ‪:‬‬
‫{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } ل يفتهم أن يدركوا أن التجمع‬
‫على أساس العقيدة سر من أسرار قوة هذا الدين ‪ ،‬وقوة الجتمع السلمي الذي يقوم‬
‫على هذا الساس ‪ . .‬ولا كانوا بصدد هدم ذلك الجتمع أو إضعافه إل الد الذي يسهل‬
‫عليهم السيطرة عليه؛ وشفاء ما ف صدورهم من هذا الدين وأهله؛ ولستغللم كذالك و‬
‫استغلل مقدراتم وديارهم وأموالم ‪ . .‬لا كانوا بصدد تلك العركة مع هذا الجتمع ل‬
‫يفتهم أن يوهنوا من القاعدة الت يقوم عليها؛ وأن يقيموا لهله الجتمعي على إله واحد ‪،‬‬
‫أصناما تعبد من دون ال ‪ ،‬اسها تارة « الوطن » واسها تارة « القوم » واسها تارة «‬
‫النس » ‪ .‬وظهرت هذه الصنام على مراحل التاريخ تارة باسم « الشعوبية » وتارة‬
‫باسم « النسية الطورانية » وتارة باسم « القومية العربية » وتارة بأساء شت ‪ ،‬تملها‬
‫جبهات شت ‪ ،‬تتصارع فيما بينها ف داخل الجتمع السلمي الواحد القائم على أساس‬
‫العقيدة ‪ ،‬النظم بأحكام الشريعة ‪ . .‬إل أن وهنت القاعدة الساسية تت الطارق التوالية‬
‫‪ ،‬وتت الياءات البيثة السمومة؛ وإل أن أصبحت تلك « الصنام » مقدسات يعتب‬
‫النكر لا خارجا على دين قومه! أو خائنا لصال بلده!!!‬
‫وأخبث العسكرات الت عملت وما زالت تعمل ف تريب القاعدة الصلبة الت كان يقوم‬
‫عليها التجمع السلمي الفريد ف التاريخ ‪ . .‬كان هو العسكر اليهودي البيث ‪ ،‬الذي‬
‫جرب سلح « القومية » ف تطيم التجمع السيحي ‪ ،‬و تويله إل قوميات سياسية ذات‬

‫‪411‬‬
‫كنائس قومية ‪ . .‬وبذلك حطموا الصار السيحي حول النس اليهودي؛ ث ثنوا بتحطيم‬
‫الصار السلمي حول ذلك النس الكنود!‬
‫وكذلك فعل الصليبيون مع الجتمع السلمي بعد جهد قرون كثية ف إثارة النعرات‬
‫النسية والقومية والوطنية بي الجناس اللتحمة ف الجتمع السلمي ‪ . .‬ومن ث‬
‫استطاعوا أن يرضوا أحقادهم الصليبية القدية على هذا الدين وأهله ‪ .‬كما استطاعوا أن‬
‫يزقوهم ويروضوهم على الستعمار الوروب الصليب ‪ .‬وما يزالون ‪ . .‬حت يأذن ال‬
‫بتحطيم تلك الصنام البيثة اللعونة؛ ليقوم التجمع السلمي من جديد ‪ ،‬على أساسه‬
‫التي الفريد ‪. .‬‬
‫* وأخيا فإن الناس ما كانوا ليخرجوا من الاهلية الوثنية بكلياتم حت تكون العقيدة‬
‫وحدها هي قاعدة تمعهم ‪ .‬ذلك أن الدينونة ل وحده ل تتم تامها إل بقيام هذه القاعدة‬
‫ف تصورهم وف تمعهم ‪.‬‬
‫يب أن تكون هناك قداسة واحدة لقدس واحد ‪ ،‬وأل تتعدد « القدسات »! ويب ان‬
‫يكون هناك شعار واحد ‪ ،‬وأل تتعدد « الشعارات » ويب أن تكون هناك قبلة واحدة‬
‫يتجه إليها الناس بكلياتم وأل تتعدد القبلت والتجهات ‪. .‬‬
‫إن الوثنية ليست صورة واحدة هي وثنية الصنام الجرية واللة السطورية! إن الوثنية‬
‫يكن أن تتمثل ف صور شت؛ كما أن الصنام يكن أن تتخذ صورا متعددة؛ وآلة‬
‫الساطي يكن أن تتمثل مرة أخرى ف القدسات والعبودات من دون ال أيا كانت‬
‫أساؤها ‪.‬‬
‫وأيا كانت مراسها ‪.‬‬
‫وما كان السلم ليخلص الناس من الصنام الجرية والرباب السطورية ‪ ،‬ث يرضى لم‬
‫بعد ذلك أصنام النسيات والقوميات والوطان ‪ . .‬وما إليها ‪ . .‬يتقاتل الناس تت‬
‫راياتا وشعاراتا ‪ .‬وهو يدعوهم إل ال وحده ‪ ،‬وإل الدينونة له دون شيء من خلقه!‬
‫لذلك قسم السلم الناس إل أمتي اثنتي على مدار التاريخ البشري ‪ . .‬أمة السلمي من‬
‫أتباع الرسل كل ف زمانه حت يأت الرسول الخي إل الناس كافة وأمة غي السلمي من‬
‫عبدة الطواغيت والصنام ف شت الصور والشكال على مدار القرون ‪. .‬‬

‫‪412‬‬
‫وعندما أراد ال أن يعرف السلمي بأمتهم الت تمعهم على مدار القرون ‪ ،‬عرفها لم ف‬
‫صورة أتباع الرسل كل ف زمانه وقال لم ف ناية استعراض أجيال هذه المة ‪ { :‬إن‬
‫هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } ول يقل للعرب ‪ :‬إن أمتكم هي المة‬
‫العربية ف جاهليتها وإسلمها سواء! ول قال لليهود ‪ :‬إن أمتكم هي بنو إسرائيل أو‬
‫العبانيون ف جاهليتهم وإسلمهم سواء! ول قال لسلمان الفارسي ‪ :‬إن أمتك هي فارس!‬
‫ول لصهيب الرومي ‪ :‬إن أمتك هي الرومان! ول لبلل البشي ‪ :‬إن أمتك هي البشة!‬
‫إنا قال للمسلمي من العرب والفرس والروم والبش ‪ :‬إن أمتكم هي السلمون الذين‬
‫أسلموا حقا على أيام موسى وهارون ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬ولوط ‪ ،‬ونوح ‪ ،‬وداود وسليمان ‪،‬‬
‫وأيوب ‪ ،‬وإساعيل وإدريس وذي الكفل وذي النون ‪ ،‬وزكريا ويي ‪ ،‬ومري ‪ . .‬كما‬
‫جاء ف سورة النبياء ‪ [ :‬آيات ‪. ] 91 48‬‬
‫هذه هي أمة « السلمي » ف تعريف ال سبحانه ‪ . .‬فمن شاء له طريقا غي طريق ال‬
‫فليسلكه ‪ .‬ولكن ليقل ‪ :‬إنه ليس من السلمي! أما نن الذين اسلمنا ل ‪ ،‬فل نعرف لنا‬
‫أمة إل المة الت عرفها لنا ال ‪ .‬وال يقص الق وهو خي الفاصلي ‪. .‬‬
‫وحسبنا هذا القدر مع إلامات قصة نوح ف هذه القضية الساسية ف هذا الدين ‪.‬‬
‫ث نقف الوقفة الخية مع قصة نوح لنرى قيمة الفنة السلمة ف ميزان ال سبحانه ‪:‬‬
‫إن حفنة من السلمي من أتباع نوح عليه السلم ‪ ،‬تذكر بعض الروايات انم اثنا عشر ‪،‬‬
‫هم كانوا حصيلة دعوة نوح ف ألف سنة إل خسي عاما كما يقرر الصدر الوحيد‬
‫الستيقن الصحيح ف هذا الشأن ‪. .‬‬
‫إن هذه الفنة وهي ثرة ذلك العمر الطويل والهد الطويل قد استحقت أن يغي ال لا‬
‫الألوف من ظواهر هذا الكون؛ وأن يري لا ذلك الطوفان الذي يغمر كل شيء وكل‬
‫حي ف العمور وقتها من الرض!‬
‫وأن يعل هذه الفنة وحدها هي وارثة الرض بعد ذلك ‪ ،‬وبذرة العمران فيها‬
‫والستخلف من جديد‬
‫‪ . .‬وهذا أمر خطي ‪. .‬‬

‫‪413‬‬
‫إن طلئع البعث السلمي الت تواجه الاهلية الشاملة ف الرض كلها؛ والت تعان الغربة‬
‫ف هذه الاهلية والوحشة؛ كما تعان من الذى والطاردة والتعذيب والتنكيل ‪.‬‬
‫إن هذه الطلئع ينبغي أن تقف طويلً أمام هذا المر الطي ‪ ،‬وأمام دللته الت تستحق‬
‫التدبر والتفكي!‬
‫إن وجود البذرة السلمة ف الرض شيء عظيم ف ميزان ال تعال ‪ . .‬شيء يستحق منه‬
‫سبحانه أن يدمر الاهلية وأرضها وعمرانا ومنشآتا وقواها ومدخراتا جيعا؛ كما‬
‫يستحق منه سبحانه ان يكل هذه البذرة ويرعاها حت تسلم وتنجو وترث الرض‬
‫وتعمرها من جديد!‬
‫لقد كان نوح عليه السلم يصنع الفلك بأعي ال ووحيه ‪ ،‬كما قال تعال ‪ { :‬واصنع‬
‫الفلك بأعيننا ووحينا ول تاطبن ف الذين ظلموا إنم مغرقون } ‪. .‬‬
‫وعندما لأ نوح إل ربه والقوم يطاردونه ويزجرونه ويفترونه عليه كما قال ال تعال ف‬
‫سورة القمر ‪:‬‬
‫{ كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا منون وازدجر ‪ .‬فدعا ربه أن مغلوب‬
‫فانتصر } عندما لأ نوح إل ربه يعلن أنه { مغلوب } ويدعو ربه أن « ينتصر » هو‬
‫وقد غُلب رسوله ‪ . .‬عندئذ أطلق ال القوى الكونية الائلة لتكون ف خدمة عبده الغلوب‬
‫‪:‬‬
‫{ ففتحنا أبواب السماء باء منهمر ‪ .‬وفجرنا الرض عيونا فالتقى الاء على أمر قد‬
‫قدر } وبينما كانت تلك القوى الائلة تزاول عملها على هذا الستوى الكون الرائع‬
‫الوهوب ‪ . .‬كان ال سبحانه بذاته العلية مع عبده الغلوب ‪:‬‬
‫{ وحلناه على ذات ألواح ودسر ‪ .‬تري بأعيننا ‪ . .‬جزاء لن كان كفر ‪ } . .‬هذه هي‬
‫الصورة الائلة الت يب أن تقف طلئع البعث السلمي ف كل مكان وف كل زمان‬
‫أمامها حي تطاردها الاهلية؛ وحي « تغلبها » الاهليه!‬
‫إنا تستحق أن يسخر ال لا القوى الكونية الائلة ‪ . .‬وليس من الضروري أن تكون هي‬
‫الطوفان ‪ .‬فما الطوفان إل صورة من صور تلك القوى! { وما يعلم جنود ربك إل هو }‬
‫وإنه ليس عليها إل أن تثبت وتستمر ف طريقها؛ وإل أن تعرف مصدر قوتا وتلجأ إليه؛‬

‫‪414‬‬
‫وإل أن تصب حت يأت ال بأمره ‪ ،‬وإل أن تثق أن وليها القدير ل يعجزه شيء ف الرض‬
‫ول ف السماء ‪ .‬وأنه لن يترك أولياءه إل أعدائه ‪ ،‬إل فترة العداد والبتلء؛ وأنا مت‬
‫اجتازت هذه الفترة فإن ال سيصنع لا وسيصنع با ف الرض ما يشاء ‪.‬‬
‫وهذه هي عبة الادث الكون العظيم ‪. .‬‬
‫إنه ل ينبغي لحد يواجه الاهلية بالسلم أن يظن أن ال تاركه للجاهلية وهو يدعو إل‬
‫إفراد ال سبحانه بالربوبية ‪ .‬كما أنه ل ينبغي له أن يقيس قوته الذاتية إل قوى الاهلية‬
‫فيظن أن ال تاركه لذه القوى و هو عبده الذي يستنصر به فيدعوه ‪ { :‬أن مغلوب‬
‫فانتصر } إن القوى ف حقيقتها ليست متكافئة و ل متقاربة ‪ . .‬إن الاهلية تلك قواها ‪.‬‬
‫‪ .‬و لكن الداعي إل ال يستند إل قوة ال‬
‫و ال يلك أن يسخر له بعض القوى الكونية ‪ -‬حينما يشاء و كيفما يشاء وأيسر هذه‬
‫القوى يدمر على الاهلية من حيث ل تتسب!‬
‫وقد تطول فترة البتلء لمر يريده ال ‪ . .‬ولقد لبث نوح ف قومه ألف سنة إل خسي‬
‫عاما؛ قبل أن يأت الجل الذي قدره ال ‪ .‬ول تكن حصيلة هذه الفترة الطويلة إل اثن‬
‫عشر مسلما ‪ . .‬ولكن هذه الفنة من البشر كانت ف ميزان ال تساوي تسخي تلك‬
‫القوى الائلة ‪ ،‬والتدمي على البشرية الضالة جيعا ‪ ،‬وتوريث الرض لتلك الفنة الطيبة‬
‫تعمرها من جديد وتستخلف فيها ‪. .‬‬
‫إن عصر الوارق ل يض! فالوارق تتم ف كل لظة وفق مشيئة ال الطليقة ولكن ال‬
‫يستبدل بأناط من الوارق أناطاَ أخرى ‪ ،‬تلئم واقع كل فترة ومقتضياتا ‪ .‬وقد تدِق‬
‫بعض الوارق على بعض العقول فل تدركها؛ ولكن الوصولي بال يرون يد ال دائما ‪،‬‬
‫ويلبسون آثارها البدعة ‪.‬‬
‫والذين يسلكون السبيل إل ال ليس عليهم إل أن يؤدوا واجبهم كاملً ‪ ،‬بكل ما ف‬
‫طاقتهم من جهد؛ ث يدَعوا المور ل ف طمأنينة وثقة ‪ .‬وعندما يُغلبون عليهم أن يلجأوا‬
‫إل الناصر العي وأن يأروا إليه كما جأر عبده الصال نوح ‪ { :‬فدعا ربه أن مغلوب ‪،‬‬
‫فانتصر } ث ينتظروا فرج ال القريب ‪ .‬وانتظار الفرج من ال عبادة؛ فهم على هذا‬
‫النتظار مأجورون ‪.‬‬

‫‪415‬‬
‫ومرة أخرى ند أن هذا القرآن ل يكشف عن أسراره إل للذين يوضون به العركة‬
‫وياهدون به جهادا كبيا ‪ . .‬إن هؤلء وحدهم هم الذين يعيشون ف مثل الو الذي‬
‫تنل فيه القرآن؛ ومن ث يتذوقونه ويدركونه؛ لنم يدون أنفسهم ماطبي خطابا مباشرا‬
‫به ‪ ،‬كما خوطبت به الماعة السلمة الول ‪ ،‬فتذوقته وأدركته وتركت به ‪. .‬‬
‫‪ . .‬والمد ل ف الول والخرة ‪ (. .‬الظلل)‬
‫===================‬
‫وحي القلم من سيرة النبي الكرم لى الله عليه وسلم‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫المد ل منل الكتاب ‪ ،‬ومري السحاب ‪ ،‬وهازم الحزاب " يسبح الرعد بمده ‪،‬‬
‫واللئكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب با من يشاء من عباده وهم يادلون ف ال ‪،‬‬
‫وهو شديد الحال ‪ ،‬له دعوة الق ‪ ،‬والذين يدعون من دونه ل يستجيبون لم بشئ إل‬
‫كباسط كفيه إل الاء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ‪ ،‬وما دعاء الكافرين إل ف ضلل "‬
‫وأصلي وأسلم على منهاج الكمال ‪ ،‬ومعراج اللل والمال ‪ ،‬وبجة نفوس التقي ‪،‬‬
‫وراحة صدور الصالي ‪ ،‬ومرجع العلماء الربانيي ‪ ،‬وقرة عيون الوحدين ‪ ،‬سيدنا نند‬
‫النب المي ‪ ،‬سيدنا وسيد الولي ولخرين ‪ ،‬وإمام النبياء والرسلي ‪ ،‬وعلى آله‬
‫الطهرين ‪ ،‬وصحبة الكرام الطيبي ‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إل يوم الدين ‪.‬‬
‫وارزقنا اللهم حبه وحبهم ‪ ،‬وطريقة وهديهم ‪ ،‬وشفاعته وصحبتهم ‪.‬‬
‫وبعد ‪..…/‬‬
‫كنت اودّ أن أكتب هذه الورقات باء الذهب على صفائح الفضة فإن أحتسب عند ال‬
‫ب الصادقُ للنب الكري ‪،‬‬ ‫ل ّ‬
‫تعال أجرها ‪ ،‬وأدّخر ف عظيم خزائنة ثوابا ‪ ،‬يدون فيها ا ُ‬
‫ل صالا أتوسل به إل ال أنْ‬ ‫ومنهجه القوي ‪ ،‬وصراطه الستقيم ‪ ،‬عسى أن تكون ل عم ً‬
‫يغفر خطيئت وذنب ‪ ،‬ويصلح سريرت وقلب ‪ ،‬ويستَلّ سخيمت ويستر عيب ‪ ،‬ويقبل توتبت‬
‫‪ ،‬ويعفو عن َحوْبن ‪ ،‬ويرحم والديّ ‪ ،‬ويسن إليهما ‪ ،‬كما ربيان صغيا ‪ ،‬ويُحْسنَ إل‬
‫أستاذي ‪ ،‬ومشايي ‪ ،‬وإخوان ‪ ،‬ورحي ‪ ،‬ويعل ل من زوجي وذريت قُرّة عيٍ ‪ ،‬ويرفع‬
‫با يب من أخلق الصادقي عنده درجت ‪ .‬إنه ول حليم ‪ ،‬وعلىّ كري ‪.‬‬

‫‪416‬‬
‫وف هذه القدمة للمجلد الثالث من الوسوعة الت نرجو ال أن ينفع با ‪ ،‬وهو الجلد‬
‫الاص بالسية النبيوية نبدأ بترجة موجزة لمام التقي ممد ‪. r‬‬
‫وهذا أوان الشروع ف القصود ‪:‬‬
‫ترجة موجزة لمام التقي ممد ‪r‬‬
‫حبْ ‪:‬‬
‫أكتبها من رأس القلم ‪ ،‬يليها الاطر الُ ِ‬
‫هو إمام التقي رسول ال صلى ال عليه وسلم بن عبد ال بن عبد الطلب ( وهو شيبة‬
‫المد ) ‪ ،‬بن هاشم ( وهو ‪ :‬عمرو ) ‪ ،‬بن عبد مناف ( وهو الغية ) ‪ ،‬ابن قصيّ ( وهو‬
‫‪ :‬زيد ) ‪ ،‬بن كلب ‪ ،‬بن مرة ‪ ،‬بن كعب ‪ ،‬بن لؤي ‪ ،‬بن غالب ابن فهر ‪ ،‬بن مالك ‪،‬‬
‫بن النضي ‪ ،‬بن كنانة ‪ ،‬بن خزية ‪ ،‬بن مدركة ( وهو ‪ :‬عامر ) بن إلياس ‪ ،‬بن مضر ‪ ،‬بن‬
‫نزار ‪ ،‬بن معد ‪ ،‬بن عدنان ‪.‬‬
‫وهذا النسب هو ما يقفه عنده الفاظ اليقاظ ‪ ،‬وما بعده إل إبراهيم ‪ ،‬له إل آدم من‬
‫خبط العشواء ‪ ،‬وركوب الاء ‪.‬‬
‫ولد صلى ال عليه وسلم ف عام نصر ال فيه نفسه ‪ ،‬وأظهر بعض بأسه ‪ ،‬ورفع سوط‬
‫عذابه ليدفع عن بيته ومرابه ‪ ،‬وأرى العرب والعجم آية من آياته البينة ‪ ،‬إذ أرسل على‬
‫ف مأكول ؛ إذ ما‬‫عدده " أبرهة " أسلحته القاضية ‪ ،‬وسيوفة الاضية ‪ ،‬فجعلتهم – كعص ٍ‬
‫تصنع طيور كالعصافي ‪ ،‬وأحجار كالسامي ‪ ،‬ف جيش جرار ‪ ،‬وجند مغوار ‪.‬‬
‫إ ّن بأس ال وحده ‪ ،‬وبطش ال وحده ‪ ،‬ول وال ليس كما قال عبد الطلب ‪ :‬إن كنت‬
‫تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدالك فليس لكم ف هذا المرشيئ ‪ ،‬وأن الشركي يعبدون‬
‫الوثان ف جو ف بيت ال الرحن أن ينصره ؟‬
‫لقد قال ال للناس جعيا يومئذ ( من كان يريد العزة فإن العزة ل جيعا ) وأعلمهم أنه‬
‫ناصر نفسه ‪ ،‬وإن تول الناس ‪ ،‬وأن الفلح من قيد نفسه ف ديوان الدافعي ‪ ،‬وماهو بشئ‬
‫‪ ،‬ولكن " ال يدافع " ‪.‬‬
‫وهنالك زلزل إيوان كسرى ‪ ،‬وهدمت جنباته ‪ ،‬وأخدت النيان ‪ ،‬إشارة إل اندام الباطل‬
‫‪ ،‬وانطفاء ناره ( وقل جاء الق وذهق الباطل ) ‪ ( ،‬كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها‬
‫ال ) ‪.‬‬

‫‪417‬‬
‫وهنالك وُلِدَ ممد صلى ال عليه وسلم – يوم الثني لثنت عشرة خلت من شهر ربيع‬
‫الول من هذا العام الشهود – هذا ما بقوله أصحاب السي وف هذه الليلة الكية الباركة‬
‫كان يهدد الدينة يراقبون الوقف ‪ ،‬فها هو يهودي يصرخ بأعلى صوته ‪ :‬يا معشر يهود ‪:‬‬
‫قالوا ‪ :‬ويلك ‪ :‬مالك ؛ قال ‪ :‬طلع الليلة نم أحد الذي وُلِدَ به ‪.‬‬
‫أبواه ‪ :‬عبد ال بن عبد الطلب بن هاشم – أشرف العرب قاطبة‬
‫وأمه ‪ :‬آمنه بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلب بن مرة – من قريش " فرسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أشرف ولدا آدم حبا ‪ ،‬وأفضلهم نسبا ‪ ،‬من قبل أبيه وأمه ‪ ،‬صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬وشرف وكرم ‪ ،‬ومد وعظم "‬
‫وكانت رضاعته ف " بن سعد " وكان اليتيم من حظ " حليمة " فكتب اسها ف‬
‫التاريخ ‪ ،‬بينما نسيت أساء صواحباتا اللت ترجعن بأبناء الحياء ‪.‬‬
‫كانت أزهد الناس فيه ‪،‬فلما أخذته قالت " فلم نزل نتعرف من ال الزيادة والي ‪ ،‬حت‬
‫مضت سنتاه ‪ ،‬وفصلته ‪ ،‬فجاءت إل مكة تتال لكي تتركه خدية معها ؛ " لو تركت‬
‫بن عندي حت يغلظ ؛ فإن أخشى عليه وبأ مكة " ‪ ،‬قالت فلم نزل با – أي بأمه –‬
‫حت ردته معنا ‪.‬‬
‫تقول ‪ :‬أخشى عليه وبأ مكة ‪ .‬وهي ل يدر ف خلوها أن هو الذي سيزيل وبأ مكة ‪ ،‬ووبأ‬
‫العال كله ‪:‬‬
‫[ وما أرسلناك إل رحة للعالي ]‬
‫وهناك شق صدره البارك ‪ ،‬واستخرج قلبه الطيب ‪ ،‬فطهر من السوء ‪ ،‬وغسل بالثلج ‪،‬‬
‫( أل نشرح لك صدرك ‪ ،‬ووضعنا عنك وزرك ) وكفله جده ث عمه ‪ ،‬وظهرت معه‬
‫الكرامه الربانية حيثما حل ‪ ،‬وأينما سار ‪ ،‬وأدرك بعض متفر سي الحبار وارهبان أن‬
‫( ممد ) صاحبهم الذي ذكر ف كتابم ‪ ،‬منهم " بيا" الراهب الذي كان يقطن‬
‫صومعته على مشارف الشام " إليه انتهى علم النصرانية ف زمانه " وهو الذي قال لب‬
‫طالب حي رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ارجع بابن أخيك إل بلده ‪ ،‬واحذر‬
‫عليه يهود ‪ ،‬فوال لو رأوه وعرفوا منه عرفت ببغنه وشرا ؛ فإنه كائن لبن أخيك هذا‬
‫شأن عظيم " ‪.‬‬

‫‪418‬‬
‫وتواردت بشارات الحبار والرهبان ‪ ،‬وأخبار الان والكهان عن مبعث النب الصطفى ‪،‬‬
‫والزكي الرتضى صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حت عرفها كثي من الناس ف الوقت الذي تزوج‬
‫فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم بدية بنت خويلد بن أسد ابن عبد العزى بن قصي‬
‫بن كلب – أوسط نساء قريش نسبا ‪ ،‬وأعظمهن شرفا ‪.‬‬
‫وحبب إليه اللء ‪ ،‬فكان يذهب الليال ذوات العدد ‪ ،‬يتخنث ف غار حراء " على مبعدة‬
‫ثلثة أميال من مكة ‪ ،‬ينفض عند أوساخ الاهلية ‪ ،‬ويلو بربه ‪ ،‬فليت شعري ‪ :‬ماذا كان‬
‫يقول رسول ال ف هذه الليال ؟ وماذا كانت مشاعره ؟ وكيف كان يناجي حبيبه وطبيبه‬
‫؟‬
‫الذي نعلمه أن ربه كان راضيا عن هذه الناجاة ‪ ،‬ومثنيا على هذه الشاعر ‪ ،‬فقد كان‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم موفقا ف كل أمر يدخل فيه ‪ ،‬مباركا ف كل موضع يطؤه ؛‬
‫يدل على ذلك حلف الفضول ‪ ،‬وحرب الفجار ‪ ،‬ووضع الجر السود ‪ ،‬وغي ذلك من‬
‫الواطن الت تدل على التسديد من ال والتأييد ‪.‬‬
‫ث ختم هذا الرضا ‪ ،‬وهذا التأييد ‪ ،‬بفتاح الدى على التأييد ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫[ اقرأ باسم ربك الذي خلق ]‬
‫وكان ذلك ف ليلة السابع والعشرين من رمضان – وهي ليلة القدر – الت هي خي من‬
‫ألف شهر رزقنا ال خيها ‪.‬‬
‫وبعث ممد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأشرف على مكة نور بعثته ‪:‬‬
‫[ قد جاءكم من ال نور وكتاب مبي يهدى به ال من‬
‫اتبعه سبل السلم ويرجهم من الظلمات إل النور ]‬
‫وآمنت خدية ‪ ،‬وجدد ورقة بن نوفل إيانه ‪ ..‬وورقة بن نوفل هو ابن عم خدية ‪ ،‬نوفل‬
‫أخو خويلد ‪ .‬وكان رجلً قرأ الكتب النصران ‪ ،‬وكتب النيل بالعبانية ‪ ،‬وعرف ممدا‬
‫صلى ال عليه وسلم قبل أن يراه وآمن به قبل أن يبعث ‪ ،‬ث لا أخبه النب بب اللك إذ‬
‫جاءه بشره ورقة بأن ذلك هو الناموس الذي كان يأت لوسى ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫" ليتن كنت جذعا إذ يرجك قوما ‪ ،‬وال لنصرنك نصرا عزيزا مؤزرا " ث آمن على‬
‫بن أب طالب وأبو بكر الصديق وزيد بن حادثة ‪ ،‬رضي ال عنهم جيعا ‪.‬‬

‫‪419‬‬
‫وكان على بن أب طالب ابن عم رسول ال ‪ ،‬وكان عند رسول ال ف بيته ‪ ،‬وأما زيد بن‬
‫حادثة فكان عبدا رقيقا عند خدية ‪ ،‬وأما أبو بكر فكان رجلً عاقلً من " تيم " ‪ ،‬وكان‬
‫تاجرا ‪ ،‬فلما أسلم أظهر إسلمه ودعا إل ال ورسوله وأسلم بدعوته رجال كثيون منهم‬
‫عثمان بن عفان والزبي بن العوام وعبد الرحن بن عوف ‪ ،‬وسعد بن أب وقاص ‪ ،‬وطلحة‬
‫بن عبيد ال ‪.‬‬
‫فهؤلء خسة ‪ ،‬وقبلهم الثلثة ‪ :‬على ‪ ،‬وزيد ‪ ،‬وأبو بكر ‪ .‬قال ابن هشام " فكان هؤلء‬
‫النفر الثمانية الذين سبقوا الناس بالسلم ‪ ،‬فصلوا وصدقوا " رضي ال عنهم جيعا ‪.‬‬
‫ث أسلم الناس ‪ ،‬وأمر النب صلى ال عليه وسلم بالهر بالدعوة ‪ ،‬ولا سعت قريش عيبت‬
‫النب آلتهم وتسفيه دينهم ناصبة العداء ‪ ،‬وتربص به ‪ ،‬وحدب عليه عمه أبو طالب ‪،‬‬
‫ومنعه وقام دونه ‪ ،‬طيلة حياته ‪ ،‬فلم يصلو إليه صلوات ال عليه بأذى ‪.‬‬
‫أما بقية القبائل فقد هبت على من قبلهم من أصحابه رضوان ال عليهم يعذبونم‬
‫ويفتنونم ‪ ،‬ومنع ال نبيه بعمه أب طالب ‪ ،‬ونزلت آيات الصب ‪ ،‬والتعزية ‪ ،‬مواكبة لعركة‬
‫الق والباطل ؛‬
‫فاصدع با تؤمر ‪ ،‬وأعرض عن الشركي ‪ ،‬إنا كفيناك الستهزئي ‪ ،‬الذين يعلون مع ال‬
‫إلا آخر فسوف يعلمون ‪ ،‬ولقد نعلم أنك يضيق صدرك با يقولون ‪ ،‬فسبح بمدك وكن‬
‫من الساجدين واعبد ربك حت يأتيك اليقي ‪.‬‬
‫[فاصب كما صب أولو العزم من الرسل ‪ ،‬ول تستعجل لم ‪ ،‬كأنم يوم يرون ما يوعدون‬
‫ل يلبثوا إل ساعة من نار ‪ ،‬بلغ فهل يهلك إل القوم الفاسقون]‬
‫[ أل ‪ .‬أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهو ل يفتنون ‪ .‬ولقد فتنا الذين من قبلهم‬
‫فليعلمن ال الذي صدقوا وليعلمن الكاذبي ‪ .‬أم حسب الذي يعملون السيئات أن‬
‫يسبقونا ‪ .‬ساء ما يكمون ‪ .‬من كان يرجو لقاء ال فإن أجل ال لت ‪ .‬وهو السميع‬
‫العليم ]‬
‫[ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ‪ ،‬و لقد جاء آل فرعون النذر ‪.‬كذبوا بآياتنا‬
‫كلها فأخذناهم اخذ عزيز مقتدر‪.‬أكفاركم خي من أولئكم أم لكم براءة ف الزّبر ‪.‬ام‬

‫‪420‬‬
‫يقولون نن جيع منتصر ‪,‬سيهزم المع ويولون الدبر‪,‬بل الساعة موعدهم ‪,‬والساعة أدهي‬
‫وأمر ] وغي ذلك من اليات‪.‬‬
‫وف وسط لدادة قريش وأذاهم للنب صلي ال عله وسلم‪ -‬اسلم بعض كبارها ‪,‬ومنهم‬
‫حزة بن عبد الطلب ‪,‬وعمر بنالطاب‪.‬‬
‫واشتد ازر الستضعفي قليل" باسلمهما ‪,‬فجهر عبدال بن مسعود بالقرآن ف مكة‬
‫‪,‬وكان اول من جهر بالقرآن _ رضي ال عنه _ اذ قام ف الضّحي عندالقام حيث‬
‫اجتماع قريش ف انديتها فرفع صوته يقرأ ‪:‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫"الرحن‪.‬علّم القرآن "‬
‫ث استقبل قريشا" يقرأها ‪ .‬فتأملوه وقالوا ‪:‬ماذا قال ابن أم عبد ؟ قالوا انه يتلو بعض ما‬
‫جاء به ممد ‪.‬‬
‫فقاموا اليه يضربون ف وجهه ‪ ,‬وجعل هو يقرأ وهم يضربونه ‪,‬وهو يقرأ‪,‬حت بلغ من‬
‫سورة الرحن ما شاء ال له أن يبلغ ‪,‬ث انصرف ال السلمي وآثارالضرب ف وجهه ‪,‬‬
‫فقال أصحاب النب _صلي ال عليه وسلم _ "هذا الذي خشينا عليك " ‪.‬قال ‪":‬ما كان‬
‫أعداء ال أهون عل ّي منهم الن ‪".‬‬
‫ولعل هذه الادثه جعلت سادة قريش يتسللون سرا لسماع قراءة الرسول_صلي ال عليه‬
‫وسلم _ بالليل وكان قد فرض عليه قرآن الليل ‪,‬فخرج أبو سفيان ‪ ,‬وأبو جهل بن هشام‬
‫‪,‬والخنس بن شريف الثقفي ‪،‬وخرجالوليد بن الغية ‪ ،‬وجاء عامر بن الطفيل الشاعر‬
‫العاقل ‪.‬‬
‫وكلما بلغ النب شاوا من الدعوة قابلته قريش بزيد من الذى ‪ ،‬فأذن ال بجرة البشة ‪،‬‬
‫فياهر نفر من الصحابة ‪ ،‬ومكث النب صلى ال عليه وسلم بكة ‪ ،‬واشتد أذى قريش للنب‬
‫صلى ال عليه وسلم بعد موت أب طالب ث موت خدية رضي ال عنها ‪ ،‬خصوصا من‬
‫أعداء ال تعال ‪ :‬أب لب ‪ ،‬وعقبة بن أب معيط ‪ ،‬وعدي بن حراء ‪ ،‬وابن الصداء الذل‬
‫وكان معهم الكم بن العاصي بن وائل – لكنه أسلم بعد ‪.‬‬

‫‪421‬‬
‫وظهرت هنا أخلق النب وأصحابه ‪ ،‬من شدة الصب ‪ ،‬وشدة الستمساك بالق ‪ ،‬ورد‬
‫السيئة بالسنة ‪ ،‬والتعال على الحداث الصغار انتظارا للحداث الكبار ‪.‬‬
‫وكان أول الحداث الكبار حادثة السراء والعراج ‪ ،‬السراء الربان ليدل على أن هذا‬
‫الرجل فوق العادة ‪ ،‬وأن هذا الدين فوق العادة ‪ ،‬وأن نصر ال فوق العادة ؛ وليزيد الثقة‬
‫ف نفوس السلمي بربم ونبيهم و بدينهم ‪،‬وليجدد عزية رسوله البارك الكري برحلة‬
‫تنسيه هوم القوم ‪ ،‬نعم ‪ :‬لقد رجع النب صلوات ال عليه من هذه الرحلة كيوم ولدته أمه‬
‫‪ .‬كيف ل ؟ وقد صعد ال اللك فوق ساواته "وهو بالفق العلي ‪ .‬ث دنا فتدل ‪،‬‬
‫فأوحي ال عبده ما أوحي ‪،‬ما كذب الفؤاد ما رأي ‪،‬أفتمارونه علي ما يري ‪،‬ولقد رآه‬
‫نزلة أخري ‪،‬عند سدرة النتهي ‪،‬عندها جنة الأوي ‪ ،‬إذ يغشي السدرة ما يغشي ‪ ،‬ما زاغ‬
‫البصر و ما طغي ‪ ،‬لقد رأي من آيات ربه الكبي ‪ ،‬أفرأيتم اللت والعزي ‪ ،‬ومناة الثالثة‬
‫الخري ‪".‬‬
‫وليت شعري ! أين تقع اللت والعزّى ف هذا اللك ؟ انا الرحلت اليانية الت يعاين‬
‫فيها النب الكري مشاهد اللك ‪ ،‬حت اذا وقف أبو سفيان ف عز العمعة يقول ‪:‬‬
‫[ اعل هبل ]‬
‫أجابه الوفّق علي الفور ‪:‬‬
‫[ ال أعلي وأجلّ‪] .‬‬
‫واشتد ساعد رسول ال ف الدعوة ‪ ،‬حت لقد بعث ال له الن يدعوهم ويبايعهم ‪ ..‬تري‬
‫من أين جاءوا ؟ لقد جاءوه من ( نصيبي ) ؟ وأين نصيبي ؟ إنا هناك ف أقصى الشمال‬
‫الشرقي _علي طريق القوافل بي الوصل والشام _ يعن بي العراق ‪.‬وقد كان !‬
‫بدأت دعوة النب للقبائل ‪ ،‬يقف علي منازلم ‪،‬ويستقبلهم ف طريق الج‪ ،‬ويعرض عليهم‬
‫السلم ‪ ،‬وخلفه عدو ال عبد العزي_لعزّ له _ أبو لب بن عبد الطلب ‪،‬يرد عليه‬
‫دعوته ‪:‬‬
‫أت كنده ف منازلم فدعاهم إل ال فأبوا عليه ‪.‬‬
‫وأت ابن عامر بن صعصعة فدعاهم إل ال فأبوا عليه ‪.‬‬
‫وأت بن حنيفة ف منازلم فدعاهم إل ال فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه ردّا" منهم ‪.‬‬

‫‪422‬‬
‫ومع ذلك فهو يسي ف طريق البلغ حتما أذن ال بالفتح ‪ ،‬وجاء النصار _ وهم الزرج‬
‫‪،‬وذلك ف السنة الادية عشرة للنبوة ‪.‬أتها ال ونفع با ‪.‬إذ لقيهم رسول ال_صلي ال‬
‫عليه وسلم _ ف الوسم فدعاهم فأجابوا ورجعوا إل أهلهم فدعوهم ‪ ،‬فلم يبق بيت من‬
‫النصار إل دخله خب السلم ‪ ،‬وفيه ذكر من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫حت إذا كان العام القبل بايعة اثنا عشر رجلً من النصار بالعقبة ‪ ،‬وهي موضع على بعد‬
‫ميلي من مكة ‪ ،‬ومنها ترمى جرة العقبة ‪ ،‬وكان من البالغي عبادة بن الصامت رضي ال‬
‫عنه الذي ردى حديث البيعة ‪.‬‬
‫وبعث معهم رسول ال مصعب بن عمي ليعلهم السلم ويقرئهم القرآن ‪ ،‬وكان مصعب‬
‫فت قريش ‪ ،‬رضي بالسلم عزا عن عز قومه ‪ ،‬فرضي به وأعزه ‪ ،‬استشهده يوم أحد ‪،‬‬
‫ورأى النب صلى ال عليه وسلم نساءه من الور العي بواره فرضي ال عنه ‪.‬‬
‫وكانت بيعة العقبة الثانية إذ بايع النب سبعون رجلً وامرأ تان ‪.‬ث كان الدث الكبي ‪،‬‬
‫والتحول الطي ف حياة السلمي – ل ‪ ،‬بل حياة السلم ‪ ،‬وهو الجرة ( إل تنصروه‬
‫فقد نصره ال إذ أخرج الذين كفروا ثان اثني )‬
‫كل الناس إذا مشت – وقريش منهم – تتلفت أسفل ‪ ،‬ولكن ف هذا الوضع يتلفتون‬
‫أعلى ‪ ،‬يسحون الفاق بأعينهم وضالتهم تت أقدامهم ‪.‬‬
‫مت يدرك الناس أن السمع والبصر عبد ذليل من عباد ال ‪ ،‬فإذا شاء ال قلبه كيف شاء ؟‬
‫ما أغلى هذه الضالة تدري ما جعل الشركون لن يأتى با ؟ وبه كل واحد منهما ‪.‬‬
‫ولكنهما أنفس على ال من هذا الثمن ؟ بل من كل الرض ‪ (.‬هو الذي يراك حي‬
‫تقوم ‪ ،‬وتقلبك ف الساجدين ) ‪.‬‬
‫كان أبو بكر يكثر اللتفات ‪ ،‬ورسول ال ل يلتفت ‪ .‬إنه اليقي ‪ ،‬إنه الفرق بي –‬
‫والوقف واحد ‪ ،‬والعطيات واحدة – بي الرسول وغي الرسول ‪.‬‬
‫وتمد نار الطلب فيخرج العصوم وصاحبه متوجهي إل الدينة ( الناقة مأمورة " لن‬
‫راكبها مأمور ‪ .‬حت بركت ف موضع ما عند بن النجار – أخوال جده عبد الطلب ‪.‬‬
‫وف هذا الوضع بن السجد النبوي البارك ‪.‬‬

‫‪423‬‬
‫هذه أحلى أيام شهدتا الدينة النورة ‪ ،‬ليت مثلها يعودلا بالسلم ‪ ،‬وظفرة ‪ ،‬والغلبة على‬
‫أعداء ممد ‪ ،‬الذين داسوا بأقدامهم جزيرة العرب بعد أن طهرها النب منهم ‪ .‬قال أنس‬
‫بن مالك ‪:‬‬
‫" شهدته يوم علينا الدينة ‪،‬فمارأيت يوما قط كان أحسن ول أضوأ من اليوم الذي دخل‬
‫الدينة علينا ‪،‬وشهدته يوم مات ‪ ،‬فما رأيت يوما قط كان أقبح ول أظلم من يوم مات "‬
‫سعيد أنت أيهذا القلم إذ أكتب هذه السية ‪ ..‬ومبور أنت أيها الداد ‪.‬‬
‫هنا بن السجد ‪ ،‬من بالطوب اللب ‪ .‬قيل له ‪ :‬أل تسقفه ؟ فقال ‪:‬‬
‫" عريش كعريش موسى "‬
‫وهنا بن صلى ال عليه وسلم بعائشة ف بيته الذي بن له شرقي السجد ‪ ،‬وكان بناؤه با‬
‫ف شوال من السنة الول للهجرة ‪ ،‬مالفة لعادة بعض الناس ف كراهة البناء ف شوال ‪.‬‬
‫وماكان أعظم بركاته على الدينة ‪ ،‬وخلها وهي وبيئة ‪ ،‬فمرض بعض الهاجرين منهم أبو‬
‫بكر وبلل ‪ ،‬فقال رسول ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫" اللهم صححها ‪ ،‬وبارك لنا ف صاعها وقدها ‪ ،‬واثقل حاها إل الحفة " واستجاب ال‬
‫‪ .‬هذا هو الفأل ‪ ،‬ل فأل اليهود الذين ( وإذا أصابتهم مصيبة قالوا ‪ :‬هذه من عندك )‬
‫وف مقدم النب صلى ال عليه وسلم الديتة زيدت صلة الضر فصارت أربع ركعات ‪.‬‬
‫وبدأت الكفالة الجتماعية بشروع ( أهل الصفة )‬
‫وف السنة الول توف الباء بن معرور ‪ ،‬وهو الصحاب الذي صلى للكعبة قبل أن تول‬
‫القبلة ‪.‬‬
‫وبدأ أيضا العمل السياسي مع اليهود بالوادعة – الت نقضوها بعد – لعنهم ال ‪ .‬وف‬
‫هذه السنة أسلم كاشف زيوف اليهود عبد ال بن سلم ‪ ،‬وقصة إسلمه مشهورة ‪.‬‬
‫ث حولت القبلة – ف السنة الثانية – إل القبلة الت ( يرضاها ) النب لنفسه ولمته‬
‫( فلنولنيك قبلة ترضاها )‬
‫إن تول دولة وشريعة ‪ ،‬ذلك أن شريعة موسى هي آخر الشرائع ‪ ،‬ودولة بن إسرائيل هي‬
‫آخر الدول القائمة على أساس دين ‪ ،‬وهذا إشعار بتحويل الشريعة ‪ ،‬بنسخ القدي ‪،‬‬
‫وتول الدولة إل دولة ممد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬إنه الظهار الربان لذا الدين ‪ ،‬وبيان‬

‫‪424‬‬
‫أن شريعة موسى ‪ ،‬ودولة موسى على رغم تقدير رسول ال له – شريعة ودولة ل تعد‬
‫تصلح الن ‪.‬‬
‫وتولت القبلة ‪ ،‬فتحولت معها بعض القلوب ‪ ،‬أو قل ظهر ما با من حو ٍل نعم ‪ :‬هي‬
‫قلوب حولء ‪ ،‬لكنها تفى هذا الول – حت إذا جاء الختبار ل تصب علىالخفاء ‪..‬‬
‫[ سيقول السفهاء من الناس ماولهم عن قبلتهم الت كانوا عليها ‪ ،‬قل ل الشرق والغرب‬
‫‪ ،‬يهدي من يشاء إل صراط مستقيم ‪ ،‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على‬
‫الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ‪ ،‬وما جعلنا القبلة الت كنت عليها إل لنعلم من يتبع‬
‫الرسول من ينقلب على عقيبه ‪ ،‬وإن كانت لكبية إل على الذين هدى ال ‪ ،‬وما كان ال‬
‫ليضيع إيانكم ‪ ،‬إن ال بالناس لرؤوف رحيم ]‬
‫قال الكافرون ‪ :‬كما رجع إل قبلتنا يوشك أن يرجع إل ديننا ‪.‬‬
‫وقال اليهود ‪ :‬ماولهم عن قبلتهم الت كانوا عليها ‪.‬‬
‫وقال النافقون ‪ :‬إن كانت الول حقا فقد تركها ‪ ،‬وإن كانت الثانية هي الق ‪ ،‬فقد‬
‫كان على الباطل ‪.‬‬
‫إنا معركة اللفتات والشعرات السلمية ف مواجهة رسول ال ( وإن كانت كبية إل‬
‫على الذين هدى ال )‬
‫آمنا بال ورسوله ‪.‬‬
‫كانت هذه الشعارات حربا نفسية يروجها اليهود والنافقون استعدادا للحرب العلنية‬
‫العسكرية بينما كانت قريش تعد العدة للمواجهة أيضا ( إنم يكيدون كيدا ‪ ،‬وأكيد‬
‫كيدا )‬
‫وعقد أول لواء للمسلمي ف السنة الول للهجرة –أصبح للمستضعفي ألوية – أصبح‬
‫الستضعفون غزاة – ال أكب ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون ف الرض تافون أن‬
‫يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم ) وهذا اللواء هو ( لواء حزة بن عبد الطلب ) وكانت‬
‫مهمته اعتراض عي لقريش قادمة من الشام ‪ ،‬فيها أبو جهل – بالقباحة السم والسمى –‬
‫وثانون من الشركي – وكان مدي موادعا للفريقي ‪.‬‬

‫‪425‬‬
‫بدأت العدة منذ للحظات الول للستقرار بالدينة ‪ ،‬فقد تلت هذا البعث عدة سرايا ‪،‬‬
‫منها سرية عبيدة بن الرث وسرية سعد بن أب وقاص وغزوة اليواء – الت شهدها النب‬
‫صلى ال عليه وسلم بنفسه ‪ ،‬فاعترض عيدا لقريش وبن ضمرة ‪ ،‬فوادعه بنو ضمرة ‪،‬‬
‫ورجع ول يلق كيدا ‪.‬‬
‫إن العداد للقاء القوم ‪ ،‬والناولت التكررة للتدرب ولخافة العدد ‪ ،‬يستمر بغزوة‬
‫بواط ‪ ،‬ث غزوة العشية ‪ ،‬ث بعث عبد ال بن جحش ث غزوة سفوان وهي ( بدر‬
‫الصغرى ) ولكن شتان شتان بينهما ‪ ..‬إنما ما تشابتا إل ف السم والوضف …‬
‫وكانت بدر الصغرى ف جادي الخرة ث بعث عبد ال بن جحش ف رجب ‪..‬‬
‫ث جاء رمضان ‪ ..‬وكانت غزوة " بدر الكبى " حيث اختار ال للمسلمي النفي على‬
‫العي ‪ ،‬وخفهم بطلب النتصار ل ل النتصار لنفسهم ( وإذ يعدكم ال إحدى الطائفتي‬
‫أنا لكم ‪ ،‬وتودون أن غي ذات الشوكة تكون لكم ‪ ،‬ويريد ال أن يق الق بكلماته‬
‫ويقطع دابر الكافرين ) ‪.‬‬
‫وظهرن بشائر الرحة الربانية والند سائرون ف الرمل ‪ ،‬فأنزل ال بالليل مطرا واحدا‬
‫صلب الرمل ‪ ،‬وثبت القدام ‪ ،‬فعلمت القلوب أن هذا بشارة النصر ‪ ،‬وسار النب صلى‬
‫ال عليه وسلم يشي على مواضع بينهما ‪ ،‬فيقول ‪ " :‬هذا مصرع فلن ‪ ،‬وهذا مصرع‬
‫فلن إن شاء ال " فلما كانت العركة ما تعدى واحد من الصرعى موضع إشارته صلى‬
‫ال عليه وسلم " ال أكب – إنا النبوة "‬
‫وجاءت قريش بيلئها وفخرها لتحارب ال ورسوله والؤمني ‪ ،‬واستخدم النب صلوات‬
‫ال عليه أول السلحة وأمضاها ‪ ،‬قام ورفع يديه متضرعا إل ال حت سقط رداؤه ‪.‬‬
‫" اللهم أنز ما وعدتن ‪ ،‬اللهم إن أنشدك عهدك ووعدك "‬
‫هذا الذي معه من الدعوة يتضرع ‪ ،‬فكيف بنا ؟‬
‫فأجابة ال عز وجل ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أن مدكم بألف من اللئكة‬
‫مردفي ) فأصبح عدد السلمي القاتلي ألفا وثلثائة وأربعة عشر رجلً ‪ ،‬وعدد‬
‫الشركي ألفا ‪ ،‬فأسرع السلمون ف القتل ‪ ،‬قال ابن هشام ‪:‬‬

‫‪426‬‬
‫" ول تقاتل اللئكة ف يوم سوى بدر من اليام ‪ ،‬وكانوا يكونون فيما سواه عددا ومددا‬
‫‪ ،‬ل يضربون "‬
‫وأثار أبو جهل – قبح ال اسه ورسه – الرب ‪ ،‬يا يعازه لعامري الضرمي وبدأت‬
‫الرب ببارزة بي السود بن عبد السد الخزومي وأسد ال حزة وشتان بي ( عبد‬
‫السد ) وبي ( السد ) نفسه ‪ ،‬فلم تض لظات حت رأى الشركون صاحبهم مكوما‬
‫ف الوض مقتولً ‪.‬‬
‫وبعدها مبارزة جاعية بي ثلثة أسنمة من الكفار وثلثة أسنمة من السلمي ‪ ،‬أما أسنمة‬
‫قريش فهم ‪ :‬عتبة ابن ربيعة وأخوة شيبه وابن الوليد وأما السلمون فهم ‪ :‬حزة بن عبد‬
‫الطلب وعلى بن أب طالب وعبيدة بن الارث ‪.‬‬
‫وما هي إل لظات حت قيل الثلثة النتن الشركون بسيوف الق الت كانت بأيدي‬
‫الطهرين السلمي ‪،‬‬
‫وتزاحف الناس ‪ ،‬واستخدم النب سلما جد‬
‫يدا ل يعرف الكفار استخدامه ‪ ،‬أخذ حفنة من الصباء فاستقبل با قريشا وقال ‪:‬‬
‫شاهت الوجوه ‪ ،‬ث ألقاها عليهم ‪ ،‬وقال لصحابه ‪ :‬شدوا ‍‬
‫فكانت الزية ‪ ،‬وقتلت صناديد قريش ‪ ،‬وأسرت أشرافهم ‪ .‬وكان فيمن قتل فرعون هذه‬
‫المة أبو جهل قبحه ال تعال ‪ ،‬وفيمن أسر أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ليس كل الناس يسنون استخدام السلحة ‪..‬‬
‫ث حدثت غزوة بن سليم بعد قدوم النب من بدر بسبع ليال ‪ ،‬ث غزوة السويق ‪ ،‬ث غزوة‬
‫بن قينقاع ‪ ،‬إذ نقض يهود العهد الذي عاهدوه رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان بنو‬
‫قينقاع أول يهود نقضوا العهد ال ورسوله فحاصرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حت نزلوا على حكمة فشفع فيهم عبد ال بن سلم فأطلقهم له ‪ .‬ث كانت غزوة أحد ‪.‬‬
‫وفيها خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم ف شوال للسنة الثانية للقاء الكفار وهم نو‬
‫ثلثة آلف رجل ‪ ،‬وكان السلمون ألفا – كان فيهم عبد ال بن أب بن سلول ومن ثلث‬
‫العسكر ‪ ،‬فاتذل بم ف الطريق ورجع ‪ ،‬وبقي سبعمائة مع رسول ال صلى ال عليه‬

‫‪427‬‬
‫وسلم فالتقوا بالشركي وهم ثلثة آلف ‪ ،‬وهزموهم وركبوا أكتافهم ‪ ،‬وولوا مدبرين‬
‫قهرهم ال ‪ ،‬ولكن الرماة لا رأوا ذلك استعجلوا الغنيمة وخالفوا أمر قائدهم بل قائد‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬فانكشف ظهر السلمي ‪ ،‬فالتف فرسان الشركي حت أحاطوا وانكشف‬
‫النب صلوات اللع عليه ‪ ،‬بعد استشهاد سبعي من أصحابه رضي ال عنهم ‪ ،‬فخلص إليه‬
‫أعداء ال فكسروا رباعية وجرحوه جراحات ‪ ،‬وظهرت كوا من الصحابة يومئذ وترجم‬
‫ما ف قلوبم من حب رسول ال وفوائد ‪ ،‬فقاتل مصعب بن عمي دون رسول ال صلى‬
‫عليه وسلم حت قتل ‪ ،‬قتله قمئة الليثي – انظر إل السم وقذاريه ‪ .‬وقام زياد بن السكن‬
‫ف خسة نفر من النصار يقاتلون دون رسول ال ‪ ،‬حت قتلوا جيعا دون رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ث ترس دون رسول ال أبو دجانة بسمه ‪ ،‬فكان يقع ف ظهره النبل فل‬
‫يتحرك حاية لرسول ال صلى عليه وسلم وظلوا مدافعي عن صلوات ال عليه (ليرغبون‬
‫بأنفسهم عن نفسه ) ل وال ‪ ،‬فهي أعلى نفس علينا ‪ ،‬وأعز نفس ف قلوبنا بآبائنا هو‬
‫وأمهاتنا ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬وهم يردون له بعض فضله ‪ ،‬ويكافئونه ببعض جيلة‬
‫‪ ،‬أليس هو الذي هداهم ال ‪ ،‬من العمى إل البصية ‪ ،‬وأخرجهم به من الظلمات إل‬
‫النور ‪ ،‬وأحيا قلوبم بعد موت ‪ ،‬وشرح صدورهم بعد كفر وغم ‪:‬‬
‫( أفمن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يشي به ف الناس كمن هو مثله ف الظلمات‬
‫ليس بارج منها )‬
‫ول وال ما يكون منهم إل هذا الذي صنعوا ‪ ،‬وهم الذين أضافهم ال إل نفسه فقال لم‬
‫( ياعبادي إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ) فخرجوا للهجرة ‪ ،‬وشرفهم بعيشة نبيه‬
‫فقال ( ممد رسول ال والذين معه ) ‪ ،‬وهم معادن الي ‪ ،‬وينابيع التقوى ‪ ،‬وجرثومة‬
‫الفداء والبذل ‪.‬‬
‫وف هذه الغزوة قتل رسول ال صلى ال عليه وسلم أب بن خلف رأس الكفر قتله بطعنة‬
‫واحدة ف عنقه تدأد أبا عن فرسه هذا الفرس منكوب أن يركبه مثل المار – كان أب‬
‫بن خلف يعلف هذا الفرس اثن عشر رطلً من الذرة يوميا ليقتل عليه رسول ال عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫( يريدون ………‪ .‬ويأب ال )‬

‫‪428‬‬
‫ول تنته الغزوة ‪ ،‬فهناك ( حراء السد ) ‪ ،‬حيث أراد القرشيون أن يرجعوا لكي يهزوا‬
‫على اليش السلم ‪ ،‬ويستأصلوا ‪ ،‬بقيصتهم ‪ ،‬فبلغ ذلك النب صلى ال عليه وسلم فنادي‬
‫ف الناس بالسي إليهم ‪ ،‬واستحاب له السلمون رغم القرح وما أصابم من جراء أحد ‪،‬‬
‫فساروا معه حت بلغوا ( حراء السد ) ‪ ،‬وهي على بعد ليلتي من الدينة ‪ ،‬فلما بلغ ذلك‬
‫أبا سفيان هرع راجعا إل مكة ‪.‬‬
‫وكثرت الغزوات مع اليهود بأحيائهم الختلفة والعرب الشركي بطونم وقبائلهم التعددة‬
‫حت جاءت سنة خس للهجرة ‪ ،‬ووقعت غزوة الحزاب ‪.‬‬
‫وكان سببها اشعال اليهود للفتنة ‪ ،‬وتريض الشركي ف مكة وغيها على السلمي ‪،‬‬
‫وتعاهدت أحزاب الشركي واليهود معا لغزو الدينة ‪ ،‬غزو خارجي من مكة والقبائل ‪،‬‬
‫وغزو داخلي يتمثل ف الرب النفسية والتسهيلت العسكرية من اليهود ‪ ،‬مع جب‬
‫وتقاعس من النافقي وحاصرت اليوش الدينة شهرا ‪ ،‬فيها رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ .‬وهنا كان السلح الفتاك – سلح الريح ( يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة ال‬
‫عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريا وجنودا ل تروها ) وتفرق أمر القوم بإذن‬
‫ال ورحلوا عن الدينة تصفر الريح ف آذانم ‪ ،‬ويضرب الرمل إلياتم وأعجازهم ‪.‬‬
‫ورجع السلمون إل الدينة فوضع النب صلى ال عليه وسلم سلحه ‪ ،‬فجاءه جبيل عليه‬
‫السلم وقال له ‪ :‬كيف تضع سلحك ‪ ،‬واللئكة ل تضع أسلحتها ؟ ‪ -‬انض إل هؤلء‬
‫– يعن بن قريظة ‪ ،‬وكانت اليهود وقد نقضت العهد ‪ ،‬وتواطأت مع الشركي ‪ ،‬فنادى‬
‫رسول ال صلى اله عليه وسلم بعبئ اليش لقتال بن قريظة ‪ ،‬وسارع السلمون إل‬
‫الزحف على إخوان القردة والنازير بن قريظة فحاصروهم خسا وعشرين ليلة حت نزلوا‬
‫على حكم رسول ال صلى ال عليه وسلم فحكمم فيهم سعد بن معاذ فقضى أن تقتل‬
‫الرجال ‪ ،‬وتقسم الموال ‪ ،‬وتبسى النساء والذراري ‪ .‬وهذا – لعمر ال – هو حكم ال‬
‫فيهم ألمه الفارس البطل ‪ ،‬والتقى النقي سعد بن معاذ ‪ .‬ث كان ف هذه السنة أيضا ما‬
‫كان صلح رسول ال لهل مكة عند الديبية وأعلم أن صلح الديبية كان بوحي من ال‬
‫لرسوله ‪ ،‬ول يكن لحد فيه خيار ‪ ،‬لن ناقة النب حي انطلقة نو مكة ‪ ،‬بركت ف‬
‫موضع يقال له " ثنية الرار " فقال الصحابة ‪ " :‬خلت القصواء " فقال صلوات ال عليه‬

‫‪429‬‬
‫‪ :‬ما خلت القصواء ‪ ،‬وما ذاك لا بلق ‪ ،‬ولكن حبسها حابس الفيل " ث قال ‪ " :‬والذي‬
‫نفس ممد بيده ل يسألون خطة يعظمون فيها حرمات ال إل أعطيتهم إياها " ث عدل‬
‫عن سيه حت بلغ الديبية ‪ .‬وقال بعدها " إن رسول ال ‪ ،‬ول أعصيه "‬
‫وبعد الفاوضات اتفقوا على الصلح الذي كتبه سيدنا علي بن أب طالب رضي ال عنه‬
‫وكانت شروط الصلح أن يلى بي النب والبيت وف العام القبل – وأن يرجع لقريش من‬
‫جاءه مسلما وصار ف أثناء ذلك غيظ من السلمي لشروط الصلح ولعدم إكمال رحلة‬
‫الج ‪ ،‬لكن أراح ال الصدور وشفى النفوس بمكمة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فنحروا الدي ‪ ،‬وذهبوا إل الدينة ‪.‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫فلم يستقر النب صلى ال عليه وسلم ف الدينة إل شهرا وبعض شهر وخرج إل خيب ف‬
‫الحرم للسنة السابقة وكان يهود خيب من اليهود الذين نقضوا العهد مع ال ورسوله ‪،‬‬
‫فحاصرهم رسول ال صلى عليه وسلم ‪ ،‬وظل يفتح ال له الصون ‪ ،‬ويسي له الموال ‪،‬‬
‫ويورثه الرضي ‪ ،‬حت أتوا آخر حصونم وها ‪ :‬الوطيح والسلم فحاصرهم رسول ال‬
‫بضع عشرة ليلة ‪.‬‬
‫وبرز مرحب اليهودي يطلب البارزة – وكان مبارزا – فبز له عامر ابن الكوع –‬
‫وقيل ‪ :‬كعب بن مالك – فتبارزا فقتله عامر – رضي ال عنه ‪.‬‬
‫ولا اشتد الصار وأيقنوا باللكة سألوه الصلح ‪ ،‬فصالهم على حقن الدماء وأن يرجوا‬
‫من " خبي " ويتركوا الصفراء والبيضاء واللقة إل ثوبا على ظهر إنسان ‪ ،‬إل أنم رجوه‬
‫أن يبقوا ف الرض فيزرعوها على شطر ما يرج من غلتها فأذن لم ف ذلك على أنه إن‬
‫شاء أن يرجهم ‪.‬‬
‫واستمرت السيوف مشهرة لعز دين ال ‪ ،‬ونشر ل إله إل ال ‪ ،‬وتأديب الناكثي ‪،‬‬
‫وتويف الكفار والنافقي ‪ ،‬ما بي غزوة وسرية وبعث ‪ ،‬حت كان ذو القعدة فخرج‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فاعتمر عمرة القضاء ‪ ،‬بدلً من عمرة العام الاضي الت‬
‫أحصر عنها ورجع من الديبية ‪ ،‬وترك قول ال تعال‪:‬‬

‫‪430‬‬
‫" لقد صدق ال رسوله الرؤيا بالق لتدخلن السجد الرام إن شاء ال آمني ملقي‬
‫رؤوسكم ومقصرين ل تافون ‪ ،‬فعلم مال تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا "‬
‫وف جادىالول من السنة الثامنة كانت سرية مؤتة ‪ ،‬ومن الؤرخي من يسميها غزوة‬
‫مؤتة ‪ ،‬وذلك لعلة لن رسول ال صلى ال عليه وسلم عد نفسه الفئة الت تيز لا‬
‫القاتلون ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وقد كانت هذه السرية تأديبية ‪ ،‬ول يكن القصود با الغزو ‪ ،‬وإنا الناورة وإثبات القوة ‪،‬‬
‫وقد علمت الروم يومئذ قوة السلمي وحنكة قوادهم ‪ ،‬ولا رجع اليش إل الدينة بعد‬
‫جراحاتم وشهدائهم وبلئهم السن استقبلهم رسول اللهخ صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ث جاء رمضان ‪ ،‬ومع رمضان جاء الفتح ‪:‬‬
‫ونقض مشركو قريش العهد ‪ ،‬وظاهروا " بكرا " على قبيلة خزاعة ف عددها عليها ‪،‬‬
‫وكانت الفرصة للفتح وعد ال به وتشوق إليه السلمون ‪:‬‬
‫عد منا خيلنا إن ل تـروها تثي النقع موعدها كــداء‬
‫يبارين السنة مصعـدان على أكتافها السل الظمـاء‬
‫فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح ‪،‬وانكشف الغطاء‬
‫وإل ‪ ،‬فاصبوا اللد يوم يعز ال فيه من يشـــاء‬
‫وقد أعز ال ف هذا اليوم آناف السلمي ‪ ،‬وأذل آناف الكافرين وكان ف أيام الفتح‬
‫العاجيب ‪ ،‬قوم صهرهم السلم ف بوتقته ‪ ،‬وتوقد فيهم قيام الليل وصيام النهار وعفة‬
‫العمر ذكاء ‪ ،‬فل ينكقون إل عن قسطاس ‪ ،‬ول ينصرفون إل عن قصد ‪ ،‬فإذا انتشقوا‬
‫السام ‪ ،‬وأشهر والصمصام ‪ ،‬وأمسكوا العنة ‪ ،‬وأشرعوا السنة ‪ ،‬فهم حينئذ الوحوش‬
‫الضواري ف الباري ‪ ،‬والضراغم الضياغم ف اللحم ‪ ،‬ف الفاوضات مدثون بباء ‪،‬‬
‫ومفاوضون علماء أذكياء – أين منهم أخباء القوم ف تفاوضهم ‪ ،‬وألبادهم ف‬
‫تعارضيهم ‪ ،‬فإذا ساروا فسي الغازي الذر ‪ ،‬الحارب الكر ‪،‬حت إذا التقت الجساد ‪،‬‬
‫وهلعت الساد ‪ ،‬واقتلعت القلوب والكباد ‪ ،‬وقعقعت السيوف ن وشعشعتالتوف ‪،‬‬
‫فهم يومئذ هو ‪:‬‬
‫حت إذا ازور الفوارس واننت أصلب أهل البة الكفـاء‬

‫‪431‬‬
‫وارتاعت البطال من خوف الردى وأتى الشجاع بلكنة ووعـاء‬
‫ل تلق غي السلمي تثبــــتا أنعم بم من رفقة ولــواء‬
‫أظفرها ال بالعدد بعد طول مناجزة ‪ ،‬وأدخلهم مكة بعد طول اغتراب ‪ ،‬وأصبح أمان‬
‫الرجل الشديد من قريش أن يغلق عليه داره كالنساء ‪ ،‬وأسلم الصناديد ‪ ،‬وحطمت‬
‫الوثان ‪ ،‬وظهر أمر ال وهم كارهون ‪.‬‬
‫ث بدأت معركة هدم الصنام ف الكعبة وحولا ‪ ،‬فنادى منادي رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫" من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يدع ف بيته صنما إل كسره وبعث عمرو بن‬
‫العاص ف شهر رمضان إل " سواع " وهو صنم لذيل ‪ ،‬فهدمه ‪ ،‬وأسلم سادن ل تعال‬
‫وقوالب البعوث لتطهي الزيرة من الصنام ‪ ،‬فهدم سعد بن زيد من بن عبد الشهل "‬
‫مناة " وهدم خالد بن الوليد " العزةى " ‪..‬‬
‫ث أرادت هوازن حرب رسول ال صلى ال عليه وسلم لا علمت بفتحة مكة ‪ ،‬وعزموا‬
‫المر إل هذا الضلل البي ‪ ،‬فخرج لم رسول ال صلى ال عليه وسلم والتفوا عند‬
‫وادي حني ‪ ،‬وكان السلمون كثرة ‪ ،‬وكانت هوازن ف عدتا ‪ ،‬فهجم الشركون هجمة‬
‫رجل واحد ‪ ،‬وحلوا على السلمي ‪ ،‬فانكشفوا – وكانوا يظنون ألن يغلبوا مادامو‬
‫كثرة ‪ ،‬وقد رأوا من قبل أن النصر ل يكون بالكثرة ‪ ،‬فوقع بم ذلك ابتلء من ال وتنبيها‬
‫لم إل حقائق ل ينبغى أن تغيب ‪.‬‬
‫ولكن رسول ال ثبت حي انكشاف السلمي ‪ ،‬ودعاهم ثانية فاستجاب الصحابة والتفوا‬
‫حول النب الكري صلوات ال عليه ‪ ،‬وشهر رسول ال صلى عليه وسلم سلحا من‬
‫اللسلحة الغريبة على القوم ‪ ،‬الت ما يصنعون شيئا ف ردها ‪ ،‬قال العباس ‪ " :‬ث أخذ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حصيات ‪ ،‬فرمى وجوه القوم ‪ ،‬ث قال ‪ :‬انزموا ورب‬
‫ممد ‪ .‬قال ‪ :‬فما هوإل أن رماهم ‪ ،‬فمازلت أرى حدهم كليل ‪ ،‬وأمرهم مدبرا وانزم‬
‫الشركون ‪ ،‬وسب منهم السلمون وغنموا ‪ ،‬كان السب ستة آلف رأس ‪،‬واالبل ‪ :‬أربعة‬
‫وعشرين ألفا ‪ ،‬والغنم أربعي ألف شاة ‪ ،‬والفضة أربعة آلف أوقية ‪.‬‬

‫‪432‬‬
‫ث جاءت غزوة تبوك سنة تسع ‪ ،‬وهي غزوة العشرة حيث كان الناس ف عشرة وجدب ‪،‬‬
‫وهي الغزوة الت ساها باسها قبل الروج إليها ‪ ،‬وهذه الغزوة هي الت غزا فيها رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ( الروم ) ‪.‬‬
‫وفيها من عجائب النفاق ‪ ،‬وكيفية النزلق عن مواطن الد ‪ ،‬والباق من مواقف الشد ‪،‬‬
‫والعتذار عن الهاد بالعذار ‪ ،‬ما فيها من العجب العجاب وفيها من حرص الصحابة‬
‫الطهار على رضا نبيهم ونصرة دينهم ما يوصف من عظمته إل بسرد حكايته ‪ ،‬وهي‬
‫طويلة ‪ ،‬وإنا قصدنا أوجز الياز ‪ ،‬واليناس بسية سيد الناس ‪.‬‬
‫ث فيها من معجزات رسول ال ما يقر العي وبثلج الصدور ويثبت القدم ‪.‬‬
‫وانتهت الغزوة بظفر رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد مسي مرير ‪ ،‬وطريق شاق‬
‫وعسي ‪ ،‬وجلد وجهاد ‪ ،‬وقلع أكباد وأوتاد ‪ ،‬ورجع ظافرا بصالة أهل أيلة له ‪،‬‬
‫وكذلك مصالة أهل " دومة الندل " له على الزية وعاد رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم إل الدينة فاستقبلته الناس والنساء والواري والصبيان ‪ ،‬يغنو وغنت الواري‪:‬‬
‫طلع البدر علينا من ثنيات الوداع‬
‫وجب الشكر علينا ما دعـا ل داع‬
‫وهذا هو الصحيح ‪ ،‬أن هذا النشيد كان فقول النب صلى ال عليه وسلم من " تبوك "‬
‫وليس مقدمة الدينة ‪ ،‬لن رسول ال صلى ال عليه وسلم حي قدم الدينة ل يدخلها من‬
‫" ثنية الوداع " وال أعلم ‪.‬‬
‫وكانت غزوة تبوك آخر غزوة لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وفيها نزلت سورة براءة‬
‫أو ( الفاضحة ) أو ( البعثرة ) الت كشفت من سرائر النافقي وخبايا قلوبم ‪.‬‬
‫وف سنة تسع أيضا جاءت الوفود إل رسول ال صلى ال عليه وسلم تعلن إسلم‬
‫القبائل ‪ ،‬وما مطمع طامع ف حرب ال تعال ‪ ،‬وهذا نوره بلغ الصقاع ‪ ،‬وأضاء البقاع ‪،‬‬
‫وهذا بأس أخذه قلع الوتاد ‪ ،‬وخلع البابرة الشداد ؟ وما البقاء على دين أعوج أعرج‬
‫كان له نفع ف الدنيا حي كانت الكعبة بيت الصنام ‪ ،‬فيها وصورة إبراهيم وإساعيل‬
‫يستقسمان بالزلم ‪ ،‬أما وقد سقط الشرك ‪ ،‬وحبط الفك ‪ ،‬ودخلت قريش السلم ‪،‬‬
‫وأسلمت هوازن ث ثقيف ‪ ،‬ول يبق للعرب بؤرة جاهلية يرجعون إليها ‪ ،‬فعرف من ل‬

‫‪433‬‬
‫يكن منهم قد عرف أل طاقة لم برب ال ورسوله ‪ ،‬فجاءت الوفود تباعا إليه صلوات‬
‫ال عليه وقد تيم ‪ ،‬وسيدهم عطارد بن حاجب التميمي ‪ ،‬ووفد طيئ وسيدهم زيد اليل‬
‫‪ ،‬ووفد عبد القيس ومقدمهم الارود العبدي ‪ ،‬ووفد بن حنيفة ‪ ،‬وكان فيهم مسيلمة‬
‫الكذاب غي أن تلف ف رحالم ‪ ،‬فلما رجعوا إل اليمامة ارتد عدو ال وتنبأ وزعم أن‬
‫يوحى إليه ‪ ،‬وقتل اللعي ف خلفة الصديق رضي ال عنه ‪.‬‬
‫وسي هذا العام مال الوفود ‪.‬‬
‫ث ف هذه السنة ف ذي العقدة حج أبو بكر بالناس ‪ ،‬أشعر رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم البدن وقلدها بيده ‪ ،‬ووضعها مع أب بكر ‪.‬‬
‫ث كانت حجة الوداع سنة عشر ‪ ،‬وهي الجة الوحيدة الت حجها رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وبي الناس مناسكهم ومعالهم ‪ ،‬وتبأ من كل الاهلية ‪ ،‬ووضعها تت‬
‫قدميه ‪ ،‬ورجع إل الدينة فأرسل البعوث والرسل ماطبا للملوك ف الزيرة وفارس والروم‬
‫يدعوهم إل السلم ‪.‬‬
‫وكان آخر بعوثه صلوات ال عليه هو بعث أسامة ‪ ،‬الذي جهزة قبل موتة صلوات ال‬
‫عليه بأيام ‪ ،‬فأمره أن يوطئ اليل توم البلقاء والداروم من أرض " فلسطي " ولكن توف‬
‫رسول ال صلي ال عليه وسلم أن يبعث البعث وبعثه أبوبكر الصديق ‪ ،‬وكان هذا العمل‬
‫أول أعماله الباركات ‪ ،‬ودل ذلك على امتداد هدي ممد ف أصحابه رضوان ال عليهم‬
‫أجعي ‪.‬‬
‫وف ضحى الثني الثالث عشر من ربيع الول إحدى عشرة للهجرة لقي رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ربه ‪ ،‬واختار جواره ‪ ،‬بعد أن استعد لذا اللقاء الكري أحسن عدة ‪ ،‬وترك‬
‫ف المة كتاب ال وسنته نورا وهدىً يهدي إل سواء السبيل ‪ ،‬وترك صحابته وآل بيته‬
‫أوتاد الرض ‪ ،‬وحفظة الوحي ‪ ،‬وعلماء الشريعة ‪ ،‬فاضت روحه الطهرة إل بارئها ‪،‬‬
‫واستمرت سيته تعطر الدنيا وتنسي الفاق ‪.‬‬
‫وصلى ال عليه وآله وسلم كثيا ‪.‬‬
‫وكان تسطيه يا ملسي اثني ‪:‬‬

‫‪434‬‬
‫الول ‪ :‬من الساعة الثانية عشرة والنصف ليلة الميس الثالث والعشرين من شعبان الكرم‬
‫عام ‪ 1414‬حت الساعة التاسعة والنصف صباح الميس ‪.‬‬
‫والثان ‪ :‬من الساعة الثانية ظهر الميس حت الساعة الامسة وخس وعشرين دقيقة‬
‫مغرب شس هذا اليوم الطيب من أيام ال تعال ‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن المد ل رب العالي ‪.‬‬
‫وكتب‬
‫أبو عبد ال القاضي‬
‫ف ‪ 22‬من شعبان ‪ 1414‬هـ ‪ 1994 /3/4 /‬م‬
‫====================‬
‫الثوابت الساسية في السلم‬
‫يتناول الدرس الصول أو الثوابت الت بن عليها السلم موضحا أدلة هذه الثوابت‬
‫وأهيتها من القرآن والسنة وأقوال العلماء وموضحا الواجبات الت تتفرع عن هذه‬
‫الصول ويبي موقف السلم منها‪ .‬ث يذكر عقب كل أصل الفرق الت خالفت هذا‬
‫الصل ومدى ونوعية الخالفة لذا الصل حت يذر منها السلم والداعية إل ال‪.‬‬
‫الصل الول ‪ :‬القرآن الكري ‪ :‬القرآن الكري كتاب ال النل على رسوله ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم آخر رسل ال إل أهل الرض‪ ،‬وهو الذي تدى ال به العرب البلغاء أن يأتوا‬
‫بسورة من مثل سوره‪ ،‬فعجزوا‪ ،‬وكان ذلك من أكب الدلة على أنه من عند ال‪ ،‬وليس‬
‫من عند البشر؛ لن البشر ل يعجز بعضهم أن يأت با يأت به بعضهم‪ ،‬فما من شاعر إل‬
‫وعورض بثله وأشعر منه‪ ،‬ول من خطيب إل وجاء من هو أخطب منه‪ ،‬ول عال إل قد‬
‫جاء من يفوقه‪ .‬وكذلك الشأن ف كل ما يسنه البشر يستحيل أن يأت أحد منهم با‬
‫يعجز البشر كلهم ف كل عصورهم‪ ،‬قال ال تعال متحديا الكذبي برسالة رسوله ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫} َوإِنْ ُكنْتُمْ فِي َرْيبٍ مِمّا نَزّْلنَا عَلَى َعبْ ِدنَا َف ْأتُوا بِسُورَ ٍة مِ ْن ِمثْلِ ِه وَا ْدعُوا ُشهَدَاءَكُ ْم مِنْ‬
‫دُونِ اللّهِ إِنْ ُكْنتُمْ صَادِِقيَ[‪]23‬فَِإنْ لَ ْم َت ْفعَلُوا وَلَ ْن َت ْفعَلُوا فَاّتقُوا النّا َر الّتِي وَقُو ُدهَا النّاسُ‬
‫وَالْحِجَا َرةُ ُأعِدّتْ لِ ْلكَافِرِينَ[‪' {]24‬سورة البقرة' ‪.‬‬

‫‪435‬‬
‫◄وهذا الكتاب الكري مع بيان الرسول صلى ال عليه وسلم ها مصدرا التشريع‪ ،‬قال‬
‫ب ِتْبيَانًا ِلكُ ّل َشيْءٍ َوهُدًى وَ َرحْ َم ًة َوبُشْرَى لِ ْلمُسِْلمِيَ[‬ ‫ك اْلكِتَا َ‬ ‫ال تعال‪َ }:‬ونَزّْلنَا عََليْ َ‬
‫خنْزِي ِر َومَا‬ ‫‪' {]89‬سورة النحل' وقال فيه أيضا‪ُ }:‬ح ّر َمتْ عََلْيكُ ُم الْ َمْيتَ ُة وَال ّدمُ وَلَحْ ُم الْ ِ‬
‫سبُعُ إِلّا مَا ذَ ّكيْتُمْ‬ ‫ح ُة َومَا أَكَلَ ال ّ‬ ‫خِن َقةُ وَالْ َموْقُو َذ ُة وَالْ ُمتَرَ ّدَي ُة وَالنّطِي َ‬
‫ُأهِلّ ِل َغيْرِ اللّ ِه بِ ِه وَالْ ُمنْ َ‬
‫سَتقْسِمُوا بِاْلأَزْلَامِ ذَِلكُمْ فِسْ ٌق اْلَي ْومَ َيِئسَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ‬ ‫صبِ َوَأنْ تَ ْ‬ ‫َومَا ُذبِ َح عَلَى الّن ُ‬
‫ش ْونِ اْلَي ْومَ أَكْمَ ْلتُ َلكُمْ دِيَنكُ ْم َوَأتْمَ ْمتُ عََلْيكُ ْم ِنعْ َمتِي وَرَضِيتُ‬ ‫ش ْوهُ ْم وَاخْ َ‬ ‫دِيِنكُمْ فَلَا تَخْ َ‬
‫صةٍ َغيْ َر ُمتَجَانِفٍ لِِإثْمٍ فَِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ[ ‪{]3‬‬ ‫خ َم َ‬ ‫َلكُ ُم الْإِسْلَامَ دِينًا َفمَ ِن اضْطُرّ فِي مَ ْ‬
‫'سورة الائدة' ‪.‬‬
‫◄وهذا الكتاب الكري أنزله ال موضحا ومبينا به السبيل إليه‪ ،‬فهو بصية وفرقان‪ ،‬يفرق‬
‫بي الشرك والتوحيد‪ ،‬والق والباطل‪ ،‬وما أحله ال وما حرّمه‪ ،‬وما يرضاه ال وما‬
‫يسخطه‪ ،‬وفرق ال به أيضا بي أوليائه وأعدائه‪ ،‬وأوضح سبيل كل فريق منهم‪ ،‬وقد جعله‬
‫ال ميسرا سهلً للتذكر والعتبار والتعلم‪ ،‬فقال سبحانه وتعال‪ }:‬وََلقَ ْد يَسّ ْرنَا الْقُرْءَانَ‬
‫لِلذّ ْكرِ َفهَ ْل مِ ْن مُدّكِرٍ[‪' {]17‬سورة القمر'‪.‬‬
‫وقال تعال‪ِ }:‬كتَابٌ َأنْزَْلنَاهُ إَِليْكَ ُمبَا َركٌ ِليَ ّدبّرُوا ءَايَاتِهِ وَِلَيتَذَكّرَ أُولُو اْلأَْلبَابِ[‪{]29‬‬
‫'سورة ص' ‪.‬‬
‫وقال تعال‪ }:‬أَفَلَا َيتَ َدبّرُونَ اْلقُرْءَانَ َأ ْم عَلَى قُلُوبٍ أَ ْقفَاُلهَا[‪' {]24‬سورة ممد'‪ .‬وقال‪}:‬‬
‫أَفَلَا َيتَ َدبّرُونَ اْلقُرْءَانَ وََلوْ كَانَ مِ ْن ِعنْ ِد َغيْرِ اللّهِ َلوَجَدُوا فِيهِ ا ْختِلَافًا َكثِيًا[‪' {]82‬سورة‬
‫النساء' ‪.‬‬
‫ص عََليْكَ مِنْ‬ ‫◄وقد حذر ال سبحانه وتعال من العراض عنه‪ ،‬قال تعال‪َ }:‬كذَلِكَ نَ ُق ّ‬
‫ض عَنْهُ فَِإنّ ُه يَحْ ِم ُل َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ‬
‫َأنْبَا ِء مَا قَ ْد َسبَ َق وَقَدْ ءَاَتيْنَا َك مِنْ لَ ُدنّا ذِ ْكرًا[‪]99‬مَنْ َأعْ َر َ‬
‫وِزْرًا[‪]100‬خَاِلدِينَ فِيهِ َوسَاءَ َلهُ ْم َي ْومَ الْ ِقيَا َمةِ حِمْلًا[‪' {]101‬سورة طه' وقال تعال ف‬
‫شأن إعراض النافقي عنه‪َ }:‬وإِذَا قِيلَ َلهُ ْم َتعَاَلوْا إِلَى مَا َأنْزَلَ اللّ ُه َوإِلَى ال ّرسُولِ َرَأيْتَ‬
‫الْ ُمنَاِفقِيَ يَصُدّو َن عَنْكَ صُدُودًا[‪' {]61‬سورة النساء' ‪.‬‬
‫◄وقد أمر ال نبيه الكري أن يكم كتاب ال ف الصغي والكبي‪ ،‬قال تعال‪َ }:‬وأَنْزَْلنَا‬
‫ب بِالْحَقّ مُصَدّقًا ِلمَا َبيْنَ يَ َديْهِ مِ َن اْل ِكتَابِ َو ُم َهيْ ِمنًا عََليْهِ فَا ْحكُ ْم َبيَْنهُ ْم بِمَا َأنْزَلَ‬ ‫إَِليْكَ اْلكِتَا َ‬

‫‪436‬‬
‫اللّ ُه وَلَا تَّتبِعْ َأ ْهوَا َءهُ ْم عَمّا جَا َء َك مِ َن الْحَقّ ِلكُلّ َجعَ ْلنَا مِْنكُ ْم شِ ْر َع ًة َو ِمنْهَاجًا وََل ْو شَاءَ اللّهُ‬
‫خيْرَاتِ إِلَى اللّ ِه مَرْ ِج ُعكُمْ‬ ‫جعََلكُمْ ُأ ّم ًة وَاحِ َدةً وَلَكِنْ ِلَيبُْلوَكُمْ فِي مَا ءَاتَاكُمْ فَا ْسَتِبقُوا الْ َ‬ ‫لَ َ‬
‫ختَِلفُونَ[‪َ ]48‬وأَنِ ا ْحكُ ْم َبيَْنهُ ْم بِمَا َأنْ َزلَ اللّ ُه وَلَا تَّتبِعْ‬‫جَمِيعًا َفُينَّبُئكُ ْم بِمَا ُكنْتُمْ فِي ِه تَ ْ‬
‫َأهْوَا َءهُمْ وَلَا َتّتبِعْ َأهْوَا َءهُمْ وَا ْحذَ ْرهُمْ َأنْ َي ْفتِنُوكَ عَ ْن َب ْعضِ مَا َأنْ َزلَ اللّهُ إَِليْكَ فَِإ ْن َتوَّلوْا‬
‫فَاعْلَمْ َأنّمَا يُرِيدُ اللّهُ َأ ْن ُيصِيَبهُ ْم بَِب ْعضِ ُذنُوبِهِ ْم َوِإنّ َكثِيًا مِ َن النّاسِ َلفَا ِسقُونَ[‪{]49‬‬
‫'سورة الائدة'‬
‫ولا كان القرآن الكري بذه الثابة والنلة؛ فإن ال سبحانه وتعال أت نعمته على أمة‬
‫السلم بأن كفل له الفظ والرفعة والجد‪ ،‬فل تناله يد بتحريف‪ ،‬أو تبديل‪ ،‬أو نقص‪ ،‬أو‬
‫زيادة‪ ،‬قال تعال‪ِ }:‬إنّا نَحْ ُن نَزّْلنَا الذّكْ َر َوِإنّا لَهُ لَحَاِفظُونَ[‪' {]9‬سورة الجر' ‪ .‬وقال‪}:‬‬
‫إِ ّن الّذِينَ َكفَرُوا بِالذّ ْكرِ لَمّا جَا َءهُ ْم َوإِنّهُ َل ِكتَابٌ عَزِيزٌ[‪]41‬لَا َي ْأتِيهِ اْلبَاطِ ُل مِ ْن َبيْ ِن يَ َديْ ِه وَلَا‬
‫مِنْ َخ ْلفِهِ َتنْزِي ٌل مِنْ َحكِيمٍ حَمِيدٍ[‪' {]42‬سورة الجر' ‪.‬‬
‫فهو كتاب متنع على التغيي والتبديل‪ ...‬وف الديث الصحيح‪َ ...':‬وَأنْزَْلتُ عََليْكَ ِكتَابًا لَا‬
‫َيغْسِلُ ُه الْمَاءُ‪ '...‬رواه مسلم وأحد‪ .‬فلو اجتمعت بار الرض على مو القـرآن من‬
‫الرض لا حصل ذلك‪ ،‬ولو اجتمع كل جبابرة الرض وكفارها وفجارها على أن يبدلوا‬
‫القرآن ما استطاعوا ذلك‪.‬‬
‫وهذه القضية أعن حفظ القـرآن وبقاءه‪ ،‬وأنه مصدر الكم والتشريع؛ هي قضية‬
‫السلم الول والكبى‪.‬‬
‫الصل الثان‪ :‬السنة النبوية‪:‬‬
‫سنة النب صلى ال عليه وسلم هي‪ :‬ما أُثِر ونقل من أقواله‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬وتقريراته‪ ،‬وصفته‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬وما نقـل إلينا نقلً صحيحا منها يب علينا تصديقه واعتقاده‪،‬‬
‫والعمل به؛ لن القرآن أمرنا بذلك‪ ،‬وقد تواتر عن الرسول صلى ال عليه وسلم وجوب‬
‫العمل بسنته‪ ،‬قال تعال‪َ }:‬ومَا ءَاتَاكُمُ ال ّرسُولُ َفخُذُوهُ َومَا َنهَاكُ ْم َعنْهُ فَانَْتهُوا[‪]7‬‬
‫حكّمُوكَ فِيمَا شَجَ َر َبْيَنهُ ْم ثُمّ‬ ‫{'سورة الشر'‪ .‬وقال تعال‪َ }:‬فلَا وَ َربّكَ لَا ُي ْؤمِنُونَ َحتّى يُ َ‬
‫ضْيتَ َويُسَلّمُوا تَسْلِيمًا[‪'{ ]65‬سورة النساء'‪ .‬وقال‬ ‫سهِمْ َحرَجًا مِمّا َق َ‬ ‫لَا يَجِدُوا فِي َأْنفُ ِ‬
‫تعال‪ }:‬مَ ْن يُطِعِ ال ّرسُولَ َفقَدْ َأطَاعَ اللّهَ[‪'{ ]80‬سورة النساء' ‪ .‬وقال تعال‪ }:‬فَ ْليَحْ َذرِ‬

‫‪437‬‬
‫الّذِينَ يُخَاِلفُو َن عَنْ َأمْ ِرهِ َأ ْن ُتصِيَبهُمْ ِفْتنَةٌ َأ ْو ُيصِيَبهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ[‪'{ ]63‬سورة النور' ‪..‬‬
‫واليات ف هذا العن كثية جدا‪.‬‬
‫◄والسنة‪ -‬ف جانب منها‪ -‬تفسي وبيان لكتاب ال تعال‪ ،‬كما قال جل وعل‪َ }:‬وَأنْزَْلنَا‬
‫س مَا نُزّلَ إَِلْيهِ ْم وََلعَّلهُ ْم َيَتفَكّرُونَ[‪'{ ]44‬سورة النحل' ‪ .‬وقال‬ ‫إَِليْكَ الذّكْرَ ِلُتَبيّنَ لِلنّا ِ‬
‫تعال‪ }:‬إِ ّن عََلْينَا جَ ْمعَ ُه وَقُرْءَانَهُ[‪]17‬فَإِذَا َق َرْأنَاهُ فَاّتبِعْ قُرْءَانَهُ[‪]18‬ثُمّ ِإنّ عََلْينَا َبيَانَهُ[‪]19‬‬
‫{'سورة القيامة' أي‪ :‬إن ال سبحانه وتعال تكفل أن يمع القرآن ف صدر الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم فل ينسى منه إل ما شاء ال أن ينسيه‪َ }:‬سُنقْ ِرئُكَ فَلَا َتنْسَى[‪]6‬إِلّا مَا شَاءَ‬
‫اللّهُ‪' { ]7[...‬سورة العلى' ث إن على ال أن يبينه لرسوله صلى ال عليه وسلم ليعمل‬
‫به‪ ،‬ث إن الرسول صلى ال عليه وسلم بيّن للناس كما أمره ال سبحانه وتعال‪ ،‬وقد أثن‬
‫ال عليه فقال‪َ }:‬ومَا َينْطِ ُق عَ ِن اْل َهوَى[‪ِ]3‬إنْ ُهوَ إِلّا وَ ْحيٌ يُوحَى[‪'{ ]4‬سورة النجم' ‪.‬‬
‫فالسنة ف ناية المر عائدة إل ال؛ لنه سبحانه هو الذي أوحى با لرسوله صلى ال عليه‬
‫حكُمَ‬ ‫حقّ ِلتَ ْ‬
‫ب بِالْ َ‬
‫وسلـم‪ ،‬وأرشده إل ما قال‪ ،‬وهداه فيما فعل‪ }:‬إِنّا َأنْزَْلنَا إَِليْكَ اْلكِتَا َ‬
‫س بِمَا أَرَاكَ اللّهُ[‪'{ ]105‬سورة النساء' ‪.‬‬ ‫َبيْنَ النّا ِ‬
‫◄وكل أفعال الرسول صلى ال عليه وسلم هي ف مال التأسي والقدوة؛ فإن خي الدى‬
‫هدى ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فجميع ما فعله الرسول صلى ال عليه وسلم ف طعامه‬
‫وشرابه ولباسه‪ ،‬ونومه وقيامه‪ ،‬وصحبته‪ ،‬ومعاشرته‪ ،‬وطرائق حياته ومعيشته‪ ،‬كل ذلك‬
‫كان على أت الدى وأسى ما يتأدب به التأدبون‪ ،‬ويفعله الكماء العالون‪.‬‬
‫واللصة أنه ليس شيءٌ من أفعال الرسـول صلى ال عليه وسلم يرج عن التأسي‬
‫والقتداء حت ف أموره البلية الياتية‪ .‬وأما ف أعماله التشريعية‪ ،‬فإنه يب الخذ بسنته؛‬
‫لنا تشريع من ال سبحانه وتعال‪.‬‬
‫الخالفون لذا الصل‪ :‬الطاعنون ف سنة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ :‬شهد تاريخ‬
‫السلم كثيا من الفرق الضالة‪ ،‬والعقائد الباطلة‪ ،‬من ردوا سنة الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم كلها‪ ،‬أو بعضها تت دعا ٍو كثية‪ ،‬وشب ٍه متباينة‪:‬‬
‫فمنهم ‪ :‬الـوارج‪ :‬الذين قالوا بكفر علي بن أب طالب رضي ال عنه وجنده‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫بأن عليا رضي ال عنه كان مسلما قبل قتال الوارج بالنهروان‪ ،‬ث كفر بعد قتالم‪،‬‬

‫‪438‬‬
‫لكَ َميْنِ وسائر السلمي بعد ذلك‪ ،‬وبنوا على تكفي الصحابة بعد الفتنة؛ ردّ‬ ‫وكفروا ا َ‬
‫روايتهم‪ ،‬وردّوا رواية جيع من وكل على السلطي من بن أمية وغيهم‪.‬‬
‫ومنهم ‪ :‬العتزلة والتكلمون‪ :‬الذين ردوا سنة النب صلى ال عليه وسـلم الت سوها‬
‫بالحاد‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل نقبل إل بالتواتر‪ ،‬الذي يستحيل تواطؤ من رووه على الكذب‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬بعض النافقي الذين اتبعوا الستشرقي من أعداء السلم‪ :‬الذين شككوا ف‬
‫ثبوت سنة النب صلى ال عليه وسلم جلة وتفصيلً‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬من رد السنة الثابتة الصحيحة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم تت دعاوى‪:‬‬
‫أنا ل توافق العقل‪ ،‬أو أنا كانت ليل غي جيلنا‪ ،‬ولعصر غي عصرنا‪ ،‬ومنهم من يقول‪:‬‬
‫يب أن نأخذ روح السنة وأهدافها الثابتة دون أحكامها التفصيلية العملية‪.‬‬
‫◄ ول شك ‪ :‬أن كل من رد سنة ثابتة للرسـول صلى ال عليه وسلم راغبا عنها فقد‬
‫كفر بذلك‪ ،‬لقيام الدلة القطعية على وجوب طاعة الرسول صلى ال عليه وسلم وعدم‬
‫مالفة أمره‪.‬‬
‫◄ ول شك أيضا‪ :‬أن ال سبحانه وتعال يستحيل أن يتعبـد الناس بشيء ل يبلغهم‪.‬‬
‫◄ ول شك أيضا‪ :‬أنه لو ضاعت السنة؛ لضاع القـرآن؛ لن السنة شارحته ومبينته‪ ،‬إذ‬
‫كيف يكن التحقق من أعداد الصلوات‪ ،‬وأعداد الركعات‪ ،‬وهيئة الصلة‪ ،‬ونصاب‬
‫الزكاة‪ ،‬والموال الت تب فيها‪ ،‬وكذلك كثي من أحكام الصوم والج لول السنة‪.‬‬
‫ولو كان الصحابة الذين رووا السنة مطعوني‪ ،‬لكان القرآن كذلك مشكوكا فيه؛ لن‬
‫الصحابة رضوان ال عليهم هم الذين دونوه وحفظوه‪ ،‬وجعوه ف مصحف واحد بعد‬
‫رسول ال‪ ،‬ونشروه ف الرض‪ ،‬ونقلوه لن بعدهم‪ ،‬فلو كانوا غي مؤتني؛ لكان القرآن‬
‫مكذوبا‪ ،‬ولذلك أجع السلمون أن جرح الصحابة جرح للدين‪ ،‬وهدم عدالة الصحابة‬
‫هدم للقرآن والسنة معا‪ ،‬وليس للسنة وحدها‪.‬‬
‫ولذلك قال المام أبو زرعة‪' :‬إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم؛ فاعلم أنه زنديق‪ ،‬وذلك‪ :‬أن الرسول حق‪ ،‬والقرآن حق‪ ،‬وما جاء به‬
‫حق‪ ،‬وإنا أدى إلينا ذلك كله الصحابة‪ ،‬وهؤلء يريدون أن يرحوا شهودنا ليبطلوا‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬والرح بم أول وهم زنادقة' 'الصابة لبن حجر ‪. '1/18‬‬

‫‪439‬‬
‫◄ول شك أيضا‪ :‬أن رد بعض السنة إذا كان صحيحا ثابتا حسب ضوابط النقل الت‬
‫أجع عليها أهل السلم فيما سوه مصطلح الديث وعلموه وهو قبول نقل العدل‬
‫الضابط عن العدل الضابط إل منتهاه إذا خل من الشذوذ والعلة؛ ردها بزعم أنا تالف‬
‫العقل أو ردها بالوى‪ ..‬ل شك أن رد بعض السنة الثابتة بذلك هو هدم للسـنة كلها؛‬
‫لنه هدم للصول الت على أساسها تعرف السنة الصحيحة الثابتة ما افتراه أهل الكذب‪،‬‬
‫ونسبوه إل رسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أو ما غلط فيه بعض الرواة ‪.‬‬
‫والعقل ل يكن أن يكون مقياسا للقبول والـرد‪ ،‬لن ما يراه زيد من الناس معقولً قد‬
‫يراه غيه أنه غي معقول إل ف المور السية القطعية‪ .‬ول توجد سنة صحيحة ثابتة‬
‫حسب أصول النقل تالف شيئا من العقول القطوع به‪ ،‬ولذلك كان السناد من الدين‪،‬‬
‫ولول السناد لضاعت سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وضياعها يعن ضياع القرآن‬
‫كذلك‪ ،‬وضياع الدين كله‪.‬‬
‫والمد ل الذي حفظ لنا كتابه وسنة رسوله الكري الت هي الكمة كما قال تعال‪ُ }:‬هوَ‬
‫حكْ َمةَ‬ ‫ب وَالْ ِ‬
‫الّذِي َبعَثَ فِي اْلُأمّيّيَ َرسُولًا ِمْنهُ ْم َيتْلُو عََلْيهِمْ ءَايَاتِ ِه َويُزَكّيهِمْ َوُيعَلّ ُم ُه ُم الْ ِكتَا َ‬
‫ضلَا ٍل ُمبِيٍ[‪' {]2‬سورة المعة'‪ .‬وقال تعال لنساء رسول ال‬ ‫َوإِنْ كَانُوا مِنْ َقبْلُ َلفِي َ‬
‫حكْ َمةِ ِإنّ اللّهَ كَانَ‬ ‫صلى ال عليه وسلم‪ }:‬وَاذْكُ ْر َن مَا ُيتْلَى فِي ُبيُوِتكُ ّن مِنْ ءَايَاتِ اللّ ِه وَالْ ِ‬
‫لَطِيفًا َخبِيًا[ ‪' {]34‬سورة الحزاب'‪ .‬فآيات ال هي‪ :‬القرآن‪ .‬والكمة هي‪ :‬سنة النب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ويستحيل أن تضيع الكمة الت امت ال با على عباده الؤمني‪ ،‬قال تعال‪َ }:‬لقَ ْد مَنّ اللّهُ‬
‫سهِ ْم َيتْلُو عََلْيهِمْ ءَايَاتِهِ َويُزَكّيهِ ْم َوُيعَلّ ُمهُمُ‬‫عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ إِ ْذ َب َعثَ فِيهِمْ َرسُولًا مِنْ َأْنفُ ِ‬
‫ضلَا ٍل ُمبِيٍ[‪' {]164‬سورة آل عمران'‪.‬‬ ‫حكْ َم َة َوِإنْ كَانُوا مِنْ َقبْلُ َلفِي َ‬ ‫ب وَالْ ِ‬ ‫الْ ِكتَا َ‬
‫أََفتَرَى ال سبحانه وتعال يتكفل بفظ القرآن‪ ،‬فيقول جل وعل‪ِ }:‬إنّا َنحْ ُن نَزّْلنَا الذّكْرَ‬
‫َوإِنّا لَهُ َلحَافِظُونَ[‪' {]9‬سورة الجر' ‪ .‬ول يفظ الكمة الت هي سنة رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬وما يبي به القرآن ويشرحه ويفسره‪ ،‬وما هو تطبيقه وتأويله؟! إن هذا‬
‫مستحيل‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫◄ ول شك أن الناظر ف علم السناد‪ ،‬وكيف وضع علماء السنة ضوابط النقد للرجال‪،‬‬
‫وكيف تتبعوهم وأحصوهم‪ ،‬وكيف ضبطوا هذا العلم ضبطا فائقا‪ ،‬وكيف أن ال سبحانه‬
‫وتعال قد هيأ له جهابذة من الرجال كانت لم ملكات عظمية ف الفظ واللحظة‬
‫والدقة مع الدين والتقى ما مكنهم من تييز ما صح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ما حاول الزنادقة واللحدون‪ ،‬وأهل الهواء أن يدخلوه على السلم ما هو ليس منه ف‬
‫شيء‪ ..‬وهذه معجزة من معجزات هذا الدين‪ ...‬فكما حفظ ال القرآن الكري بأسباب‬
‫عظيمة توافرت وتضافرت على حفظه من أن يتطرق إليه أدن خلل‪ ،‬حفظ ال كذلك سنة‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وهذا رد ممل على كل من الفرق الت شككت ف حديث رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ولسنا ف مقام الرد على كل شبهة من شبهاتم الكثية‪ ،‬فإن هذا مكانه الطولت‪.‬‬
‫◄ وأما الذين ردوا بعض السنة الثابتة حسب مصطلحات أهل الديث تت دعوى أنا‬
‫تالف معقولم‪ ،‬فإننا نقول لم‪ :‬إن ما تزعمونه من مالفـة عقولكم‪ ،‬يالفكم فيه غيكم‬
‫من يرون أن هذا يوافق العقل الصحيح‪ ،‬فأي العقول يعتمد عليه‪ ،‬ويقدم على الخر؟! ولو‬
‫ظن مسلم أن الرسول صلى ال عليه وسلم يأمر با يالف العقل الصحيح لكفر‪ .‬ول شك‬
‫أن هدم قواعد السناد الت وضعها أهل الديث لتمييز السنة الصحيحة من الضعيفة هدم‬
‫للسنة كلها‪.‬‬
‫◄وأما من قال بأن أحاديث الرسول صلى ال عليه وسلم وتفسيه للقرآن كان مناسبا‬
‫ليل الصحابة‪ ،‬وأنه غي معقول لجيالنا‪ ،‬فهو كافر بال‪ ،‬فإن النب صلى ال عليه وسلم ل‬
‫سيّا[‪' {]64‬سورة مري' والقرآن والسنة حجة ال‬ ‫ك نَ ِ‬ ‫ينطق عن الوى‪َ }:‬ومَا كَانَ َربّ َ‬
‫على الناس ما بقيت الدنيا‪:‬‬
‫} َوأُو ِحيَ إَِليّ هَذَا اْلقُرْءَانُ ِلأُنْذِرَ ُك ْم بِهِ َومَ ْن بََلغَ[‪' {]19‬سورة النعام' فكل من تبلغه‬
‫النذارة ف شرق الرض وغربا‪ ،‬وف حياة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وبعد حياته؛ فقد‬
‫أقيمت عليه الجة‪ ،‬وإقامة الجة بذا القرآن النل‪ ،‬وبالسنة الت هي وحي كذلك من‬
‫ال‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫◄وقد سلم ال سبحانه وتعال أهل السنة والماعة من النراف عن هذا الصل‬
‫ل واعتقادا‪ ،‬كما قال‬ ‫العظيم‪ ،‬وهو الخذ بسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم عم ً‬
‫حكُ َم َبيَْنهُمْ َأنْ‬ ‫سبحانه وتعال‪ِ }:‬إنّمَا كَانَ َقوْ َل الْ ُم ْؤمِنِيَ ِإذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه وَ َرسُولِهِ ِليَ ْ‬
‫َيقُولُوا سَ ِم ْعنَا َوَأطَ ْعنَا‪' {]51[...‬سورة النور'‪.‬‬
‫فهم سامعون‪ ،‬مذعنون لكم ال‪ ،‬وحكم رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومطبقون لقوله‬
‫تعال‪ }:‬يَاأَّيهَا الّذِينَ ءَا َمنُوا َأطِيعُوا اللّ َه َوَأطِيعُوا ال ّرسُو َل َوأُولِي اْلأَمْرِ مِْنكُمْ فَِإ ْن تَنَا َز ْعتُمْ فِي‬
‫َشيْءٍ َفرُدّوهُ إِلَى اللّ ِه وَال ّرسُولِ إِنْ ُكْنتُ ْم ُتؤْ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَاْليَ ْو ِم الْآخِرِ ذَلِكَ َخيْ ٌر َوأَحْسَنُ‬
‫تَ ْأوِيلًا[‪' {]59‬سورة النساء'‪.‬‬
‫فالرد إل ال هو‪ :‬الرد إل كتابه‪ ،‬والرد إل رسـول ال‪ :‬هو الرد إل سنته‪ .‬فلـو كانت‬
‫سنته قد ضاعت؛ لا كان للرد إليها من معن‪ ،‬ولو كان بعضها قد ضاع؛ لذهب الكثي ما‬
‫يب التحاكم والرد إليه‪ .‬فالمد ل الذي حفظ لنا كتابه الكري‪ ،‬وسنة نبيه صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وجزى ال خيا أعلم السلم‪ ،‬وعلماء الديث على جهودهم الباركة ف حفظ‬
‫سنة رسول صلى ال عليه وسلم وتدوينها‪.‬‬
‫الصل الثالث‪ :‬أصحاب النب صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫اختار ال لصحبة نبيه الات‪ ،‬واليان به خي أصحاب النبياء دينا وجهادا‪ ،‬وعلما‬
‫وتقوى‪ ،‬فكانوا أنصاره والجاهدين ف سبيل ال‪ ،‬قدموا أنفسهم وأموالم ف سبيل ال‪،‬‬
‫وأذلّ ال بم دول الكفر كلها ف سنوات قليلة‪ ،‬ومكن لم ف الرض‪ ،‬ونشر بم السلم‬
‫ف عامة العمورة‪ ،‬ودخل الناس ف دين ال أفواجا‪ ،‬وتولت شعوب كثية إل السـلم‬
‫ف زمن قياسي‪ ،‬ول يدث هذا لنب قبل رسول ال ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ت مَا فِي‬ ‫ف بَيْنَ ُقلُوِبهِمْ َلوْ َأْن َفقْ َ‬ ‫قال تعال‪ُ }:‬هوَ الّذِي َأيّ َد َك ِبنَصْ ِر ِه َوبِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ[‪َ ]62‬وأَلّ َ‬
‫الْأَ ْرضِ َجمِيعًا مَا أَّل ْفتَ َبيْنَ قُلُوِبهِ ْم وََلكِنّ اللّهَ أَلّفَ بَْيَنهُمْ ِإنّهُ عَزِيزٌ َحكِيمٌ[‪' {]63‬سورة‬
‫النفال'‪.‬‬
‫وقد أثن ال سبحانه وتعال على إيانم وجهادهم وإحسانم ف آيات كثية من كتابه‪،‬‬
‫منها‪:‬‬

‫‪442‬‬
‫قوله تعال‪ }:‬ءَامَنَ ال ّرسُو ُل بِمَا ُأنْزِلَ إَِليْ ِه مِنْ َربّ ِه وَالْ ُم ْؤمِنُونَ كُلّ ءَامَ َن بِاللّ ِه َومَلَاِئ َكتِهِ‬
‫ق َبيْنَ أَحَ ٍد مِنْ ُر ُسلِ ِه وَقَالُوا سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا ُغفْرَانَكَ َرّبنَا َوإَِليْكَ‬ ‫وَ ُكتُبِ ِه وَ ُرسُلِهِ لَا ُنفَ ّر ُ‬
‫الْ َمصِيُ[‪' {]285‬سورة البقرة'‪ .‬فشهد لم باليان مع الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال‪ }:‬مُحَمّدٌ َرسُولُ اللّ ِه وَالّذِي َن َمعَهُ َأشِدّا ُء عَلَى اْل ُكفّارِ رُ َحمَا ُء َبيَْنهُ ْم تَرَاهُمْ رُ ّكعًا‬
‫ك َمثَُلهُمْ‬ ‫ضوَانًا سِيمَاهُمْ فِي ُوجُو ِههِ ْم مِنْ َأثَرِ السّجُودِ ذَلِ َ‬ ‫سُجّدًا َيبَْتغُونَ َفضْلًا مِنَ اللّ ِه َورِ ْ‬
‫ج شَ ْطأَهُ فَآ َز َرهُ فَا ْسَتغْلَظَ فَا ْسَتوَى عَلَى سُوقِهِ‬ ‫فِي الّتوْرَا ِة َو َمثَُلهُمْ فِي الِْإنْجِيلِ َكزَ ْرعٍ أَخْ َر َ‬
‫ت ِمْنهُ ْم َمغْفِ َرةً‬ ‫ظ ِبهِ ُم اْلكُفّا َر َوعَدَ اللّ ُه الّذِينَ ءَامَنُوا َوعَ ِملُوا الصّالِحَا ِ‬ ‫جبُ الزّرّاعَ ِلَيغِي َ‬ ‫ُيعْ ِ‬
‫َوأَجْرًا عَظِيمًا[‪'{ ]29‬سورة الفتح'‪ .‬وهذه الية من أعظم الدح والشهادة لم باليان‬
‫وإخلص الدين ل‪ ،‬وأنم أشداء على الكفار رحاء بينهم‪ ،‬وأنم أهل طاعة وصلة‪ ،‬وأنم‬
‫مدوحون بذلك ف التـوراة والنيل‪ ،‬وأن أوائلهم هم بذرة الدين‪ ،‬ونبتة السلم الت‬
‫جبُ‬ ‫كبت وتفرعت حت أصبحت شجرة السلم قوية باسق ًة تستعصي على الرياح‪ُ }:‬يعْ ِ‬
‫الزّرّاعَ ِلَيغِيظَ ِبهِمُ اْل ُكفّا َر {‪.‬‬
‫ج َرةِ‬
‫حتَ الشّ َ‬ ‫ضيَ اللّ ُه عَ ِن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ إِ ْذ ُيبَايِعُونَكَ َت ْ‬‫ومن ذلك أيضا قوله تعال‪َ }:‬لقَدْ رَ ِ‬
‫سكِيَنةَ عََلْيهِمْ َوَأثَاَبهُمْ َفتْحًا َقرِيبًا[‪]18‬وَ َمغَانِمَ َكثِيَ ًة َيأْخُذُوَنهَا‬ ‫َفعَلِ َم مَا فِي قُلُوِبهِمْ َفَأنْزَلَ ال ّ‬
‫وَكَانَ اللّ ُه عَزِيزًا َحكِيمًا[‪' {]19‬سورة الفتح'‪ .‬وهذه الية نزلت ف غزوة الديبية‪ ،‬وكان‬
‫الصحابة فيها ألفا وأربعمائة رجل‪.‬‬
‫وقال تعال‪َ }:‬لقَ ْد تَابَ اللّ ُه عَلَى الّنبِ ّي وَالْ ُمهَاجِرِي َن وَاْلأَْنصَا ِر الّذِي َن اتَّبعُوهُ فِي سَا َعةِ‬
‫ب عََلْيهِمْ ِإنّهُ ِبهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[‬ ‫الْعُسْ َر ِة مِ ْن َبعْ ِد مَا كَا َد َيزِيغُ قُلُوبُ َفرِيقٍ مِْنهُ ْم ثُ ّم تَا َ‬
‫‪' {]117‬سورة التوبة'‪ .‬وهذه الية نزلت ف غزوة تبوك وكانوا ثلثي ألفا مع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ونزل على الرسول وهو ف حجة الوداع ف أعظم حشد تمع له‪ ،‬وكانوا أكثر من مائة‬
‫ت عََلْيكُ ْم ِنعْ َمتِي وَرَضِيتُ‬ ‫ألف قول ال تبارك وتعال‪ }:‬اْليَ ْومَ أَكْمَ ْلتُ َلكُمْ دِيَنكُمْ َوأَتْمَ ْم ُ‬
‫َلكُ ُم الْإِسْلَامَ دِينًا[‪' {]3‬سورة الائدة'‪ .‬فهؤلء الصحاب الطهار البرار سادة هذه المة‬
‫وعنوان مدها‪ ،‬وسر خلودها‪ ،‬ونوذجها الفريد ف اليان والهاد والعمل الصال‪ ،‬وهم‬
‫أسوة المة وقدوتا‪ ،‬ومنبعها الذي ل ينضب من الُثُل والعطاء والي‪ ..‬ولكل منـهم من‬

‫‪443‬‬
‫الناقب والفضل والسابقة ما هو مل القدوة والسوة‪ ،‬ففيهم الذي انفق ماله كله ف سبيل‬
‫ال‪ ،‬وفيهم الذي قتل أباه ف ال‪ ،‬وفيهم الذي آثر ضيفه على نفسه‪ ،‬وأهله وعياله‪ ،‬حت‬
‫عجب الـرب من صنيعه من فـوق سبع سواته‪ ،‬وفيهم البطال الصناديد فرسـان‬
‫الروب‪ ،‬وفيهم رهبان الليل‪ ،‬فرسان النهار‪ ،‬وكلهم قد تمل ف سبيل ال ما ل تتحمله‬
‫البال‪ ،‬وكلهم كان يفتدي الرسول بأبويه ونفسه وماله‪ ،‬وقد عظموا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وأحبـوه كما ل يُعظّم عظيم قط أو يب‪ ،‬ول ينصر أتباع رسول رسولم‬
‫كما نصر أصحاب ممدٍ صلى ال عليه وسلم ممدا صلى ال عليه وسلم‪ ..‬ومناقبهم‬
‫وفضائلهم أكثر من أن تصر‪.‬‬
‫موقف الؤمن من أصحاب النب صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ومن أجل هذا الفضل واليان والحسان الذي كان لصحاب النب صلى ال عليه وسلم؛‬
‫أوجب ال على كل مسلم يأت بعدهم‪:‬‬
‫أن يعترف بفضلهم وأن يدعو ال لم بالغفرة‪ }:‬وَالّذِينَ جَاءُوا مِ ْن َبعْ ِدهِ ْم َيقُولُونَ َرّبنَا‬
‫جعَلْ فِي ُقلُوِبنَا غِلّا ِللّذِينَ ءَا َمنُوا َرّبنَا ِإنّكَ‬ ‫ا ْغفِرْ َلنَا وَلِإِ ْخوَانِنَا الّذِي َن َسَبقُونَا بِالْإِيَا ِن وَلَا تَ ْ‬
‫رَءُوفٌ َرحِيمٌ[‪' {]10‬سورة الشر'‪.‬‬
‫وأن يبـهم ويواليهم‪ِ }:‬إنّمَا وَِلّيكُمُ اللّ ُه وَ َرسُولُهُ وَالّذِينَ ءَا َمنُوا الّذِينَ ُيقِيمُونَ الصّلَاةَ‬
‫َوُيؤْتُونَ الزّكَا َة َوهُمْ رَاكِعُونَ[‪]55‬وَمَ ْن َيَتوَلّ اللّ َه وَ َرسُولَهُ وَالّذِينَ ءَا َمنُوا فَِإنّ حِزْبَ اللّ ِه هُمُ‬
‫الْغَاِلبُونَ[‪' {]56‬سورة الائدة'‪.‬‬
‫وأن يعترف أنـه ل يصبح مسلما إل بفضل جهادهم وفتوحهم‪:‬و' لَا يَشْكُرُ اللّ َه مَنْ لَا‬
‫يَشْكُرُ النّاسَ' رواه أبوداود والترمذي وأحد ‪.‬‬
‫وأن يأتسي بم ف جهادهـم وصبهم‪ :‬كما أرشدنا ال إل ذلك حيث قال سبحانه ف‬
‫بيان صب الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وصبهم ف غزوة الندق‪َ }:‬لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي‬
‫سَنةٌ لِمَنْ كَا َن يَرْجُو اللّ َه وَاْلَيوْ َم الْآخِ َر َوذَكَرَ اللّهَ َكثِيًا[‪]21‬وَلَمّا َرأَى‬ ‫َرسُولِ اللّهِ ُأ ْسوَةٌ حَ َ‬
‫الْ ُم ْؤمِنُونَ اْلأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا َوعَ َدنَا اللّ ُه وَ َرسُولُ ُه وَصَ َدقَ اللّ ُه وَ َرسُولُ ُه َومَا زَا َدهُمْ إِلّا‬
‫حبَهُ‬
‫إِيَانًا َوتَسْلِيمًا[ ‪]22‬مِنَ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ِرجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّ َه عََليْهِ فَ ِمْنهُ ْم مَنْ َقضَى َن ْ‬
‫َومِْنهُ ْم مَ ْن َيْنتَظِ ُر َومَا بَدّلُوا َتبْدِيلًا[‪' {]23‬سورة الحزاب'‪.‬‬

‫‪444‬‬
‫وف هذه اليات رفع ال من شأن نبيه صلى ال عليه وسلم وأصحابه الصادقي‪ ،‬وأبان‬
‫الصورة العظيمة الت كان عليها النب صلى ال عليه وسلم ف هذه الغزوة العصيبة من‬
‫الصب واليان والتوكل‪ ،‬وثبت مع رسول ال‪ :‬أهل اليان واليقي‪ ،‬الذين وصفهم ال‬
‫صدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّ َه عََليْهِ‪' {]23[...‬سورة الحزاب'‪.‬‬ ‫بقوله‪ }:‬مِ َن الْ ُم ْؤمِنِيَ رِجَالٌ َ‬
‫وقد عاهدوه على نصر رسوله‪ ،‬والوت ف سبيله‪ .‬وما ذكر ال لنا هذا إل ليكون هؤلء‬
‫الصحاب الطهار القوياء ف الدين قدوة لنا وأسوة‪ ،‬وأن نبهم ونلهم‪ ،‬ونثن على‬
‫الصحابة أسوة ف العلم كما هم أسوة ف الهاد‪:‬‬ ‫جهادهم وصبهم‪.‬‬
‫ول شك أنم كانوا ف العلم واليقي والفهم الصحيح للدين كما كانوا ف الهاد‬
‫والبذل‪ ..‬فكما أثن ال على جهادهم وصبهم‪ ،‬أثن على إيانم وإحسانم وعبادتم‪ ،‬ول‬
‫غرو فقد كانوا هم الفوج الول الذي تلقى التعليم والتربية من فم الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وكانت القدوة الثلى‪ ،‬والثل الكامل ماثلً أمامهم ليس بينهم واسطة‪ .‬فهذا رسول‬
‫ال النسان الكامل‪ ،‬والقدوة الثلى أمامهم‪ ،‬يتلو عليهم الكتاب ويبينه لم‪ ،‬ويعلمهم‬
‫الكتاب والكمة ويزكيهم ويربيهم بالسوة والوعظة السنة‪ ،‬ولفت النظر‪ ،‬والجر‬
‫والزجر أحيانا‪ ،‬ول يقر أحدا منهم على باطل‪ ،‬ويتار فريقا منهم فيوجب عليهم ما ليس‬
‫سبْق‪ ،‬ويكونوا مثلً لن وراءهم كما أخـذ على‬ ‫واجبا على العامة؛ ليحوزوا َقصَبَ ال ّ‬
‫بعضهم أل يسأل الناس شيئا فكان إذا وقع السوط منه وهو على بعيه ل يسأل أحدا أن‬
‫ل يكون مثلً لكل الجيال ف العلم والعمل‬ ‫يناوله إياه‪ ،‬وكل ذلك ليخرج منهم جي ً‬
‫والهاد والصب‪.‬‬
‫وبث فيهم رسول ال صلى ال عليه وسلم كل ما يتاجونه من علم كما قَالَ َأبُو َذرّ‪َ ':‬لقَدْ‬
‫تَرَ َكنَا َرسُولُ اللّهِ صَلّى اللّ ُه عََليْ ِه َوسَلّ َم َومَا َيتَقَّلبُ فِي السّمَا ِء طَائِرٌ إِلّا ذَكّ َرنَا ِمنْهُ عِ ْلمًا'‬
‫رواه أحد ‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك كله كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم هم اليل الثال الذي‬
‫يب أن تتذيه كل أجيال المة ف اليانوالهاد‪ ،‬والعمل والعلم‪ ،‬وأن يقدم تفسيهم‬
‫للكتاب والسنة على كل تفسي‪ ،‬وأن كل ما جاء مالفا لا قالـوه فليس من الدى‬

‫‪445‬‬
‫والدين‪ ،‬فما ل يعرفه أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم من الدين فل شك أنه ليس‬
‫دينا‪.‬‬
‫ول شك أن أفضلهم بإطلق هو أبو بكر الصديق‪ ،‬ث عمـر بن الطاب‪ ،‬ث عثمان بن‬
‫عفان‪ ،‬ث علي بن أب طالب رضي ال عنهم أجعي‪ ،‬وفضلهم كترتيبهم ف اللفة‪.‬‬
‫الصل الرابع‪ :‬الوالة بي السلم والسلم‪:‬‬
‫فكل مسلم أخ لكل مسلم تب عليه موالته‪ ،‬ول يوز له أن يعتدي على دمه‪ ،‬أو ماله‪،‬‬
‫أو عرضه‪.‬‬
‫وهذا الصل دلت عليه مئات النصوص من كتاب ال‪ ،‬وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫منها‪:‬‬
‫قوله تعال‪ِ }:‬إنّمَا الْ ُم ْؤ ِمنُونَ إِ ْخ َوةٌ ‪' {]10[...‬سورة الجرات'‪ .‬وأكثر اليات ف سورة‬
‫الجرات‪.‬‬
‫حبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلَا َتفَرّقُوا وَاذْكُرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََليْكُمْ ِإذْ ُكنْتُمْ‬ ‫وقوله تعال‪ }:‬وَاعَْتصِمُوا ِب َ‬
‫حتُ ْم ِبِنعْ َمتِهِ ِإ ْخوَانًا ‪' {]103[...‬سورة آل عمران'‪ .‬وما‬ ‫صبَ ْ‬
‫ف َبيْنَ ُقلُوبِكُمْ َفأَ ْ‬
‫َأعْدَاءً َفأَلّ َ‬
‫تلى ذلك من اليات من سورة آل عمران‪.‬‬
‫وقوله تعال‪ِ }:‬إنّمَا وَِلّيكُمُ اللّ ُه وَ َرسُولُهُ وَالّذِينَ ءَامَنُوا الّذِي َن ُيقِيمُونَ الصّلَاةَ َوُي ْؤتُونَ الزّكَاةَ‬
‫َوهُمْ رَاكِعُونَ[‪]55‬وَمَ ْن َيَتوَلّ اللّ َه وَ َرسُولَهُ وَالّذِينَ ءَا َمنُوا فَِإنّ حِزْبَ اللّ ِه هُ ُم اْلغَاِلبُونَ[‬
‫‪' {]56‬سورة الائدة'‪.‬‬
‫وأما الديث فكثية جدا‪ ،‬فمنها‪:‬‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم ف حجة الوداع‪...' :‬فَِإنّ ِدمَاءَكُ ْم َوَأ ْموَاَلكُ ْم َوَأعْرَاضَكُ ْم عََلْيكُمْ‬
‫ح ْر َمةِ َيوْ ِمكُ ْم هَذَا فِي بَلَدِ ُك ْم هَذَا فِي َشهْرِكُ ْم هَذَا‪ '...‬رواه البخاري ومسلم‬ ‫َحرَامٌ كَ ُ‬
‫والترمذي وابن ماجة والدارمي وأحد‪.‬‬
‫حبّ ِلَنفْسِهِ' رواه‬ ‫حبّ ِلأَخِيهِ مَا ُي ِ‬ ‫وقوله صلى ال عليه وسلم‪' :‬لَا ُي ْؤمِنُ أَحَدُكُمْ َحتّى يُ ِ‬
‫البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وأحد ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬تعظيم رسول ال صلى ال عليه وسلم لقتل من نطق بالشهادتي ولو كان ظاهر‬
‫حاله ل يدل على صدقـه‪ ،‬كما َعنّفَ النب صلى ال عليه وسلم أسامة بن زيد لا قتل‬

‫‪446‬‬
‫سيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ‬ ‫رجلً كان قد قتل عدة رجال من السلمي فاتبعه أسامة فَلَمّا رَفَ َع عََليْهِ ال ّ‬
‫صلّى اللّ ُه عََليْ ِه َوسَلّمَ‪ ':‬يَا ُأسَا َمةُ أََقتَ ْلتَهُ َبعْ َد مَا قَالَ لَا‬ ‫إِلّا اللّهُ َفقَتَلَهُ ُأسَا َمةُ‪َ،‬فقَالَ َرسُولُ اللّهِ َ‬
‫ت يَا َرسُولَ اللّهِ ِإنّمَا كَانَ ُمَت َعوّذًا َفقَالَ‪ ':‬أََقتَ ْلتَهُ َبعْ َد مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ'‬ ‫إِلَهَ إِلّا اللّهُ' قَالَ‪ :‬قُ ْل ُ‬
‫ت َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ' قَا َل يَا َرسُولَ اللّ ِه اسَْت ْغفِرْ لِي قَالَ‪':‬‬ ‫صنَ ُع بِلَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ إِذَا جَاءَ ْ‬
‫' َف َكيْفَ َت ْ‬
‫جعَلَ لَا يَزِي ُد ُه عَلَى َأ ْن َيقُولَ‪َ ':‬كيْفَ‬ ‫ت َي ْومَ اْل ِقيَامَةِ' َف َ‬‫صنَ ُع بِلَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ إِذَا جَاءَ ْ‬
‫وَ َكيْفَ َت ْ‬
‫ت َي ْو َم الْ ِقيَا َمةِ' رواه البخاري ومسلم‪ -‬وبعضهم يزيد على‬ ‫َتصْنَ ُع بِلَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ إِذَا جَاءَ ْ‬
‫بعض وينقص ف روايته‪ . -‬والنصوص ف حرمة السلم على أخيه السلم كثية جدا‪.‬‬
‫ومنها‪:‬إياب مموعة من العروف يب على السلم أن يقدمها لخيه السلم دون أخذ‬
‫أجر على ذلك بل من حق السلم على أخيه السلم كرد السلم وإلقائه‪ ،‬وتشميت‬
‫العاطس وعيادة الريض‪ ،‬واتباع النازة‪ ،‬وإجابة الدعوة‪ ،‬وإبرار القسم‪ ،‬وكذلك التطوع‬
‫بالشهادة دون أن يأخذ على ذلك أجرا‪.‬‬
‫هذا مع وجوب نصره ظالا برده عن الظلم‪ ،‬ومظلوما ف السعي لرفع الظلم عنه‪ .‬كما قال‬
‫صَلّى اللّ ُه عََليْ ِه َوسَلّمَ‪':‬اْنصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا َأ ْو مَ ْظلُومًا' رواه البخاري والترمذي وأحد ‪.‬‬
‫ومن فروع هذا الصل‪ -‬أعن أخوة السلم لخيه السلم‪ : -‬تري كل ما يدعو إل فرقة‬
‫بي السلمي‪ ،‬ويفرق جاعتهم‪ ،‬ويزق صفوفهم‪ .‬فقد جاء السلم بتحري كل عصبية‪،‬‬
‫ولو كانت لسم شريف‪ ،‬وفئة كرية‪ ،‬كما أنكر الرسول صلى ال عليه وسلم على من‬
‫دعا إل تعصب النصار ضد الهاجرين‪ ،‬والهاجرين ضد النصار فقال‪ ':‬مَا بَالُ َد ْعوَى‬
‫الْجَاهِِلّيةِ ‪َ ...‬دعُوهَا فَِإّنهَا ُمنِْتَنةٌ' رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحد ‪.‬‬
‫فكل العصبيات ف الدين مذمومة سواء كانت لفئة أو قبيلة‪ ،‬أو جاعة‪ ،‬أو وطن‪ ،‬أو إقليم‪،‬‬
‫أو عال‪ ،‬وقد ذم علماء السلم من تعصب لذهب من الذاهب الفقهية؛ لن هذا يؤدي‪-‬‬
‫وقد أدى‪ -‬إل فرقة بي السلمي‪ ،‬حت إنه أدى أحيانا إل الفرقة ف الصلة‪ ،‬فكان بعضهم‬
‫ل يصلي الماعة خلف الخالف ف الذهب‪ ،‬وكذلك ف الـزواج‪ ،‬والقضاء والدارس‪،‬‬
‫حت جاء وقت كانت الذاهب الفقهية الدونة كأنا شرائع مستقلة‪ .‬فكل عصبية تؤدي إل‬
‫فرقة ف الدين فهي مذمومة‪.‬‬

‫‪447‬‬
‫والواجب على أهل السلم جيعا‪ :‬التمسك بأصل الوالة ف الدين‪ ،‬وترك كل خلف‬
‫يؤدي إل الفرقة بي السلم والسلم‪ .‬ففي اللف الدين يب الرد إل كلم ال‪ ،‬وكلم‬
‫رسـوله‪ ،‬واتباع أهل العلـم الذين هم أولو المر‪ ،‬والتمسك بماعة أهل السلم‪،‬‬
‫وإجاعهم‪ ،‬وعدم إخراج السلم من السلم بعصية ل تبلغ الكفر ول تبدعه ول تكفره‪،‬‬
‫وأن يوال كل مسلم يشهد أل إله إل ال ول يعاديه 'إل' بقدر معصيته‪ ،‬ول يعاقب 'إل'‬
‫بقدر بدعته مع موالته ف أصل الدين‪ ،‬وإبقائه ف جاعة السلمي‪ ،‬وإعطائه ما للمسلم من‬
‫حق ف حرمة دمه وماله وعرضه‪ ،‬ووجوب نصره‪ ،‬ومبته‪ ،‬وموالته‪.‬‬
‫الخالفون ف أصل الولء‪:‬‬
‫الــوارج ‪ :‬الذين خرجوا على السلمي بالسيف‪ ،‬واستحلوا دماءهم وأموالم‬
‫بالعصية‪ ،‬واعتقدوا خلود السلم الوحد ف النار إذا ارتكب كبية من الكبائر‪ ،‬وهؤلء شر‬
‫الفرق‪.‬‬
‫أهل التأويل والتعطيل الباطل‪ :‬الذين اخترعوا منهجا ف أساء ال وصفاته يقوم على نفي‬
‫وتريف كل ما وصف ال به ما زعموا أن إثباته يوجب الماثلة للقه‪ ،‬وقد قالوا بكفر‬
‫من ل يعتقد معتقدهم‪ ،‬وينه ال حسب زعمهم وتأويلهم‪.‬‬
‫التنطعون التشددون الراحون ‪ :‬الذين أخرجوا السلم من السـلم بجرد أن يقع ف‬
‫خطأ بتأويل أو اجتهاد‪ ،‬والذين يتتبعون سقطات العلماء‪ ،‬ول يغفرون زلة‪ ،‬ول يعذرون‬
‫جاهلً ول ناسيا‪ ،‬ول متأولً‪ ،‬ويأخذون السلم بلزم قوله‪.‬‬
‫الجتمعون على عصبية ‪ :‬يوالون عليها ويعادون عليها أيا كانت هذه العصبية من مذهب‬
‫فقهي‪ ،‬أو جاعة دعوية‪ ،‬أو هوية سياسية‪ ،‬أو دولة إقليمية‪.‬‬
‫كـل صـاحـب هــوى وبدعــة ‪ :‬ينصر هواه‪ ،‬ويوال من يوافقه ف بدعته‪،‬‬
‫ويارب من يالفه‪ ،‬ول يرجع ف خلفه إل كلم ال ورسوله‪.‬‬
‫الختلفون بسبب هذه الدنيا الفانية‪ :‬ويوالون عليها ويعادون عليها‪ ،‬ويقتلون ف سبيلها‪،‬‬
‫فيقطعون الرحام‪ ،‬ويهدمون أخوة السـلم‪ ،‬ويسفكون الدم الرام‪ ،‬ويفرقون أمة‬
‫السلم‪ ،‬وكل ذلك بسبب هذا الطام!!!‬
‫الصل الامس‪ :‬الباءة من الكفار‪:‬‬

‫‪448‬‬
‫أرسل ال سبحانه وتعال رسله إل أهل الرض مبشرين ومنذرين‪ ،‬وشاء ال سبحانه‬
‫وتعال أن ينقسم الناس إزاء دعوة رسله إل مؤمن وكافر‪ .‬وأن يظل هذا اللف ما بقيت‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫ومن أجل سنة ال هذه ف خلقه وعباده‪ ،‬فإنه أرسل الرسل مبشرين من أطاعهم بالنة‪،‬‬
‫ومنذرين من عصاهم بالنار‪ ،‬وداعي إل ال يبينون الطريق والصراط إليه‪ ،‬وأمر ال الرسل‬
‫وأتباعهم أن ياهدوا الكفار بأنفسهم وأموالم وألسنتهم‪ .‬وأن يوال أهل اليان بعضهم‬
‫بعضا‪ ،‬وأن يعادي أهل اليان أهل الكفران‪ ،‬فل يبوهم‪ ،‬وليركنوا إليهم‪ ،‬حت ولو كان‬
‫الؤمن وحيدا ف هذه الرض كما ضرب ال لتباع رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‬
‫ل بإبراهيم عليه السلم ول يكن مؤمن ف الرض غيه وزوجه سارة‪ ،‬ول يؤمن به غي‬ ‫مث ً‬
‫سَنةٌ فِي ِإبْرَاهِي َم وَالّذِينَ َمعَهُ إِذْ قَالُوا‬ ‫لوط ابن أخيه‪ ،‬قال تعال‪َ }:‬قدْ كَاَنتْ َلكُمْ ُأ ْسوَةٌ حَ َ‬
‫ِل َقوْ ِمهِمْ ِإنّا بُرَآ ُء ِمنْكُ ْم َومِمّا َت ْعبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َكفَ ْرنَا ِبكُ ْم َوبَدَا َبْيَننَا َوَبْينَكُ ُم اْلعَدَاوَةُ‬
‫وَالَْب ْغضَاءُ َأبَدًا َحتّى ُت ْؤ ِمنُوا بِاللّ ِه وَحْ َدهُ ‪' {]4[...‬سورة المتحنة'‪.‬‬
‫ولذلك أوجب ال على أهل السلم مفارقة ما عليه آباؤهم وأهلهم من الكفر‪ ،‬ومعاداتم‬
‫ف الدين‪،‬‬
‫حبّوا اْلكُفْرَ‬ ‫خذُوا ءَابَاءَكُ ْم َوإِ ْخوَاَنكُمْ َأوْلِيَاءَ ِإنِ ا ْستَ َ‬‫قال تعال‪ }:‬يَاَأيّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتّ ِ‬
‫ك هُمُ الظّالِمُونَ[‪'{ ]23‬سورة التوبة'‪.‬‬ ‫عَلَى الْإِيَانِ َومَ ْن َيَتوَلّهُ ْم ِمْنكُمْ َفأُولَئِ َ‬
‫وأوجب كذلك سبحانه وتعال معاداة الناس جيعا من اتبع غي دين السلم‪ ،‬ولو كانوا‬
‫خذُوا اْلَيهُودَ وَالّنصَارَى‬ ‫أكثر عددا‪ ،‬وأعظم قوة‪ ،‬كما قال تعال‪ }:‬يَاَأيّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لَا َتتّ ِ‬
‫ض َومَ ْن َيتَوَّلهُ ْم ِمْنكُمْ فَِإنّهُ ِمْنهُمْ ِإنّ اللّهَ لَا َيهْدِي اْل َق ْومَ الظّالِ ِميَ[‬ ‫َأوْلِيَا َء َب ْعضُهُمْ َأوِْليَا ُء َبعْ ٍ‬
‫‪' {]51‬سورة الائدة'‪.‬‬
‫وجعل ال سبحانه وتعال موالة ونصرة السلم للكافر على السلم كفرا به سبحانه‬
‫ي َومَنْ‬‫خ ِذ الْ ُم ْؤمِنُونَ اْلكَافِرِينَ َأوِْليَاءَ مِنْ دُونِ الْ ُم ْؤ ِمنِ َ‬
‫وتعال‪ ،‬كما قـال تعال‪ }:‬لَا َيتّ ِ‬
‫س مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلّا َأنْ َتّتقُوا ِمنْهُ ْم ُتقَاةً َويُحَذّرُكُمُ اللّ ُه َنفْسَ ُه َوإِلَى اللّهِ‬ ‫َيفْعَلْ ذَلِكَ فََلْي َ‬
‫خفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ َأوْ ُتبْدُو ُه َيعْلَمْهُ اللّ ُه َوَيعْلَ ُم مَا فِي السّ َموَاتِ‬ ‫الْ َمصِيُ[‪]28‬قُلْ إِ ْن تُ ْ‬
‫َومَا فِي اْلأَ ْرضِ وَاللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ[‪'{]29‬سورة آل عمران'‪.‬‬

‫‪449‬‬
‫وأمر ال سبحانه وتعال أهل السـلم أن يلزموا صراط ال الستقيم‪ ،‬وشريعة ال السلم‬
‫الت اختصهم با‪ ،‬ول يلطوا دينهم بغيه ف عقيدة أو عبادة‪ ،‬وأل يتشبهوا بأعداء ال‪ .‬قال‬
‫تعال‪ }:‬قُ ْل يَاَأيّهَا اْلكَافِرُونَ[‪]1‬لَا َأ ْعبُ ُد مَا َتعْبُدُونَ[‪]2‬وَلَا َأنْتُ ْم عَابِدُونَ مَا َأ ْعبُدُ[‪]3‬وَلَا َأنَا‬
‫عَابِدٌ مَا َعبَ ْدتُمْ[‪]4‬وَلَا َأْنتُ ْم عَابِدُو َن مَا َأعْبُدُ[‪]5‬لَكُمْ دِينُكُ ْم وَِليَ دِينِ[‪' {]6‬سورة‬
‫الكافرون'‪.‬‬
‫سيْفِ َحتّى ُيعْبَدَ اللّ ُه وَ ْح َدهُ لَا‬ ‫وقال صلى ال عليه وسلم‪ُ': :‬بعِْثتُ َبيْ َن يَدَيْ السّا َعةِ بِال ّ‬
‫صغَا ُر عَلَى مَنْ خَالَفَ َأمْرِي‬ ‫ت ظِلّ ُرمْحِي وَ ُجعِلَ الذّّل ُة وَال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫شَرِيكَ لَهُ ‪ -‬وَ ُجعِلَ رِزْقِي تَ ْ‬
‫َومَ ْن تَشَبّ َه ِب َق ْومٍ َف ُه َو ِمْنهُمْ' رواه أحد‪ ،‬وصححه اللبان ف صحيح الامع رقم ‪.2831‬‬
‫ث النب صلى ال عليه وسلم بالسيف هو تكليفه بقتال الكفار حت يشهدوا أل إله إل‬ ‫وبَ ْع ُ‬
‫ال‪ ،‬وأن ممدا رســول ال‪ ،‬كما قال صلى ال عليه وسلم‪ُ' :‬أ ِمرْتُ أَنْ أُقَاتِ َل النّاسَ‬
‫ح ّقهَا‬‫َحتّى َيقُولُوا لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ فَإِذَا قَالُوا لَا إِلَهَ إِلّا اللّ ُه َعصَمُوا ِمنّي ِدمَا َءهُ ْم َوأَ ْموَاَلهُمْ إِلّا ِب َ‬
‫وَحِسَاُبهُ ْم عَلَى اللّهِ' متفق عليه ‪.‬‬
‫وف أهل الكتاب أمر النب صلى ال عليه وسلم بقتالم ليسلموا‪ ،‬أو يدفعوا الزية‪ ،‬كما‬
‫ح ّرمُو َن مَا حَ ّرمَ‬ ‫قال سبحانه وتعال‪} :‬قَاتِلُوا الّذِينَ لَا ُي ْؤ ِمنُونَ بِاللّ ِه وَلَا بِالَْي ْومِ الْآخِ ِر وَلَا يُ َ‬
‫ج ْزَيةَ عَ ْن يَ ٍد َوهُمْ‬ ‫اللّ ُه وَ َرسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَ ّق مِ َن الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَابَ َحتّى ُيعْطُوا الْ ِ‬
‫صَاغِرُونَ[‪' {]29‬سورة التوبة'‪.‬‬
‫وهذه هي الباءة من الكفار‪ ،‬والفصل الكامل بي ديننا ودينهم‪ ،‬وطريق أهل السلم‬
‫وطريقهم‪ ،‬والذر من اتاذهم أولياء‪ ،‬بل ول بطانة وأعوانا‪ ،‬كما قال تعال‪ }:‬يَاأَّيهَا‬
‫ت اْلبَ ْغضَاءُ‬ ‫الّذِينَ ءَا َمنُوا لَا َتتّخِذُوا بِطَاَنةً مِنْ دُوِنكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ َخبَالًا َودّوا مَا َعِنتّمْ قَ ْد بَدَ ِ‬
‫صدُو ُرهُمْ أَكْبَرُ َق ْد َبيّنّا َلكُ ُم الْآيَاتِ ِإنْ ُكنْتُ ْم َت ْعقِلُونَ[‪]118‬‬ ‫خفِي ُ‬ ‫مِنْ أَ ْفوَا ِههِ ْم َومَا تُ ْ‬
‫{'سورة آل عمران'‪ .‬هذه الباءة وما يتبعها من العداوة ف الدين‪ ،‬ومالفة أصحاب‬
‫الحيم‪ ،‬والذر من اتاذهم بطانة‪ ...‬ال أصل من أصول السـلم‪ ،‬وقد خالفته طوائف‬
‫كثية؛ فكان من هذه الخالفة الشر والفساد الكبي الذي حذر ال منه‪ .‬كما قال تعال‪}:‬‬
‫إِلّا تَ ْفعَلُو ُه تَكُنْ ِفْتَنةٌ فِي اْلأَ ْرضِ وَفَسَادٌ َكبِيٌ[‪' {]73‬سورة النفال' والضمي ف‪َ }:‬ت ْفعَلُوهُ‬

‫‪450‬‬
‫{ راجع إل ما أمر ال به من وجوب موالة السلمي بعضهم بعضا‪ ،‬ووجوب الذر من‬
‫موالة الكفار‪.‬‬
‫الخالفون لذا الصل‪:‬‬
‫الفرق الباطنية من أهل النفاق والكفر الذين كانوا ف كل أدوار تاريهم عونا للكفار‬
‫على السلمي‪ ،‬وإلبا على أولياء ال من الصالي‪ ،‬وعونا لليهود والنصارى والغـول‬
‫الكافرين على السلمي‪.‬‬
‫النافقون الستغربون‪ ،‬الذين فتنوا با عليه الغرب الكافر ف علومه وثقافاته وعاداته وطرائق‬
‫معيشته؛ فحاولوا التوفيق ‪-‬ف زعمهم‪ -‬بي السـلم وبي الضارة الغربية‪َ }:‬وإِذَا قِيلَ‬
‫ت الْ ُمنَاِفقِيَ يَصُدّو َن عَنْكَ صُدُودًا[‪{]61‬‬ ‫َلهُ ْم َتعَاَلوْا إِلَى مَا َأنْزَلَ اللّ ُه َوإِلَى ال ّرسُولِ َرَأيْ َ‬
‫'سورة النساء'‪.‬‬
‫ويتعللون دائما بوافقتهم لعداء السـلم قائلي‪ِ }:‬إنْ أَرَ ْدنَا إِلّا إِحْسَانًا َوَتوْفِيقًا[‬
‫‪'{]62‬سورة النساء'‪.‬‬
‫الصل السادس‪ :‬أمة السلم هي خي أمة أخرجت للناس‪:‬‬
‫من أصول السـلم الت يب علي كل مسلم اعتقادها‪ ،‬ويكفر من قال بنقضيها‪:‬‬
‫العتقاد أن أمة ممد صلى ال عليه وسلم هي خي أمة من أمم الداية أخرجت للناس‪،‬‬
‫ف َوتَْن َهوْ َن عَ ِن الْ ُمْنكَرِ‬
‫قال تعال‪ُ }:‬كْنتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِر َجتْ لِلنّاسِ َت ْأمُرُونَ بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫َوُتؤْ ِمنُو َن بِاللّ ِه وََلوْ ءَامَنَ َأهْ ُل اْلكِتَابِ َلكَانَ َخْيرًا َلهُ ْم ِمْنهُ ُم الْ ُم ْؤ ِمنُو َن َوأَكْثَ ُرهُ ُم اْلفَا ِسقُونَ[‬
‫‪' {]110‬سورة آل عمران'‪.‬‬
‫وهذه اليية والفضل كان لسباب كثية‪:‬‬
‫منـها‪ :‬كرم الصل‪ ،‬ونفاسة الرثومة‪ ،‬وطيب العدن كما قال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ض ِة وَال ّذهَبِ ِخيَا ُرهُمْ فِي الْجَاهِِلّيةِ ِخيَا ُرهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا َف ُقهُوا‬ ‫'النّاسُ َمعَا ِدنُ كَ َمعَا ِد ِن اْلفِ ّ‬
‫‪ ' ...‬رواه مسلم ‪ .‬وقال أيضا صلى ال عليه وسلم‪َ ' :‬خْي ُر النّاسِ َق ْرنِي ثُ ّم الّذِي َن يَلُوَنهُ ْم ثُمّ‬
‫حبّونَ السّمَنَ يُعْطُونَ الشّهَا َدةَ َقبْلَ َأنْ‬ ‫الّذِينَ يَلُونَهُ ْم ثُ ّم َي ْأتِي مِ ْن َبعْ ِدهِمْ َق ْومٌ يَتَسَ ّمنُونَ َويُ ِ‬
‫يُسْأَلُوهَا' رواه الترمذي وأحد والـاكم وصححه اللبان ف صحيح الامع رقم‬
‫‪.3294‬‬

‫‪451‬‬
‫ومن أجل ذلك كانت أمانتهم وصدقهم وشجاعتهم منطلقا لمل رسالة السلم بصدق‬
‫وإخلص‪ ،‬وتفان وشجاعة‪ ،‬فكانوا كما قال تعال‪ }:‬مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا‬
‫حبَ ُه َو ِمْنهُ ْم مَ ْن َينْتَظِرُ َومَا بَدّلُوا َتبْدِيلًا[‪'{ ]23‬سورة‬ ‫عَاهَدُوا اللّ َه عََليْهِ فَ ِمْنهُ ْم مَنْ َقضَى نَ ْ‬
‫الحزاب'‪.‬‬
‫وقال سبحانه وتعال ف مدحهم‪ }:‬مُحَمّدٌ َرسُولُ اللّ ِه وَالّذِينَ َمعَهُ َأشِدّاءُ عَلَى اْل ُكفّارِ‬
‫ضوَانًا سِيمَاهُمْ فِي ُوجُوهِهِ ْم مِنْ‬ ‫رُ َحمَا ُء َبيَْنهُ ْم تَرَاهُمْ رُ ّكعًا سُجّدًا َيْبتَغُونَ َفضْلًا مِنَ اللّهِ وَرِ ْ‬
‫ج شَ ْطأَهُ فَآ َز َرهُ‬
‫ك َمثَُلهُمْ فِي الّتوْرَا ِة َو َمثَُلهُمْ فِي الِْإنْجِيلِ َكزَ ْرعٍ أَخْ َر َ‬
‫َأثَرِ السّجُودِ ذَلِ َ‬
‫ظ ِبهِ ُم الْ ُكفّا َر َوعَدَ اللّ ُه الّذِينَ ءَا َمنُوا‬
‫جبُ الزّرّاعَ ِليَغِي َ‬ ‫فَا ْستَغْلَظَ فَا ْستَوَى عَلَى سُوقِهِ ُيعْ ِ‬
‫ت ِمْنهُ ْم َم ْغفِ َرةً َوأَ ْجرًا عَظِيمًا[‪'{ ]29‬سورة الفتح'‪ .‬ول يوجد ف أمة من‬ ‫َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫أمم الداية ما وجد ف هذه المة من العلماء والعباد‪ ،‬والجاهدين‪ ،‬والشهداء والزهاد‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنم أطول المم عمرا ف الدعوة إل ال وهداية الناس‪ ،‬وبقاء الق فيهم ما بقيت‬
‫الدنيا‪ ،‬فل تزال طائفة منهم على الق ل يضرهم من خذلم‪ ،‬ول من خالفهم حت يقاتل‬
‫آخرهم الدجال‪.‬‬
‫ولجل ذلك جعلهم ال سبحانه وتعال أمة وسطـا عدولً قال تعال‪ }:‬وَكَذَلِكَ‬
‫َجعَ ْلنَاكُمْ ُأ ّم ًة َوسَطًا ِلتَكُونُوا ُشهَدَاءَ عَلَى النّاسِ َوَيكُونَ ال ّرسُو ُل عََلْيكُمْ َشهِيدًا‪]143[...‬‬
‫{'سورة البقرة'‪.‬‬
‫فهم شهداء ال ف أرضه من شهدوا له بالصلح؛ نال النة‪ ،‬ومن شهدوا عليه بالشر؛‬
‫كانت النار مصيه ‪ .‬بل يشهدون لكل نب على أمته با أنزل ال إليهم من القرآن‪.‬‬
‫ولجل هذه الهمة العظيمة‪ ،‬وهذه اليية الطلقة على كل أمم الرض فإن ال اختصهم‬
‫بأنواع كثية من رحته‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أن العبادات الت كلفوا با قليلة‪ ،‬ولكن جعل ال لم من الجر ضعف ما أعطى المم‬
‫السابقة كما قال تعال‪ }:‬يَاَأّيهَا الّذِينَ ءَا َمنُوا اتّقُوا اللّ َه وَءَا ِمنُوا بِ َرسُولِهِ ُي ْؤِتكُمْ ِكفَْليْنِ مِنْ‬
‫جعَلْ َلكُ ْم نُورًا تَمْشُونَ بِ ِه َوَيغْفِرْ َلكُمْ وَاللّ ُه َغفُورٌ رَحِيمٌ[‪' {]28‬سورة الديد'‪.‬‬ ‫رَ ْح َمتِهِ َويَ ْ‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم‪':‬مَثَُلكُ ْم َو َمثَ ُل اْليَهُو ِد وَالّنصَارَى كَ َمثَلِ رَ ُجلٍ ا ْسَتعْمَ َل عُمّالًا‬
‫َفقَا َل مَ ْن َيعْمَلُ لِي إِلَى ِنصْفِ الّنهَا ِر عَلَى قِيَاطٍ َفعَ ِمَلتْ الَْيهُودُ َفقَا َل مَ ْن َيعْمَلُ لِي مِنْ‬

‫‪452‬‬
‫ت النّصَارَى ثُمّ أَْنتُ ْم َتعْمَلُو َن مِ ْن الْ َعصْرِ إِلَى‬
‫ِنصْفِ الّنهَارِ إِلَى اْلعَصْرِ عَلَى قِيَاطٍ َفعَمَِل ْ‬
‫ب ِبقِيَاطَيْنِ قِيَاطَيْنِ قَالُوا نَحْنُ أَ ْكثَ ُر عَمَلًا َوأَقَ ّل عَطَاءً قَا َل هَ ْل ظَلَ ْمُتكُ ْم مِنْ َح ّقكُمْ‬
‫الْ َمغْرِ ِ‬
‫قَالُوا لَا قَالَ فَذَاكَ َفضْلِي أُوتِي ِه مَ ْن ِشْئتُ' رواه البخاري‪.‬‬
‫وقد حفظ لم القرآن من التغيي والتبديل‪ ،‬وحفظ لم سنة نبيهم‪ ،‬ول يت رسول ال‬
‫ويتركهم إل وقـد أسس الدين‪ ،‬وأت ال به النعمة‪ ،‬وكملت الشريعة‪ ،‬وتركهم على مثل‬
‫الحجة‪ ،‬ومكن ال لم ف الرض فأصبحت الزيرة العربية كلها خاضعة للدين‪ .‬وهذا‬
‫بلف جيع الرسل قبل رسولنا ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإن موسى عليه السلم مات‬
‫وقومه ما زالوا ف التيه‪ .‬وعيسى عليه السلم رفعه ال إل السماء‪ ،‬وتلمذته خائفون‬
‫متفون من أعدائهم‪.‬‬
‫والصائص والفضائل الت اختصت با هذه المة كثية جدا‪ ...‬من أجل ذلك يب‬
‫اعتقاد هذا الفضل لمة السلم‪ ،‬وتعظيم أصحاب رسول ال الذين هم خلصة المة‪،‬‬
‫ونقاوتا‪ ،‬وأهل السبق والسابقة فيها وهذا من عقائد السلم الراسخة‪.‬‬
‫خاتة‪ :‬واللصة أن من ثوابت السلم وأصوله الصيلة‪ :‬العتقاد بكمال القرآن‬
‫وحفظه‪ ،‬وأنه ل يوجد قرآن غيه بأيدي أحد من الناس‪ ،‬ووجوب التحاكم إل هذا‬
‫القرآن ف الصغي والكبي‪ ،‬وتكيمه ف حياة المة‪ ،‬ووضعه حيث وضعه ال سبحانه من‬
‫الكم به ف جيع شئوننا‪.‬‬
‫ل }مَ ْن يُطِعِ ال ّرسُولَ َفقَدْ َأطَاعَ‬ ‫وكذلك حجية السنة وأنا بنلة القرآن اعتقادا وعم ً‬
‫اللّهَ‪' {]80[...‬سورة النساء'‪.‬‬
‫واليان بعدالة أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأمانتهم ف نقل القرآن والسنة‪،‬‬
‫وأنم النموذج الذي يب أن يتذى ف الدين والهاد والصب‪ ،‬وكذلك ف فهم الدين‬
‫اعتقادا‪ ،‬وعملً‪.‬‬
‫والعتقاد بفضل آل بيت النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإنزالم منلتهم‪ ،‬وأنم كانوا مع‬
‫القرآن ل يفارقوه ‪.‬‬
‫ووجوب الوالة بي أهل السلم جيعا‪ ،‬ووجوب العاداة والباءة من الكفار جيعا ولو‬
‫كانوا من الباء والخوان ‪.‬‬

‫‪453‬‬
‫واعتقاد فضل هذه المة السلمية على جيع أمم الداية‪ ،‬وأنم حلة رسالة ال الاتة إل‬
‫أهل الرض جيعا‪ .‬ووجوب قيامهم با كلفهم ال به‪ُ }:‬كْنتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِر َجتْ لِلنّاسِ‬
‫ف َوَتنْ َه ْونَ عَ ِن الْ ُمْنكَ ِر َوُت ْؤمِنُونَ بِاللّهِ‪' {]110[...‬سورة آل عمران'‪.‬‬ ‫تَ ْأمُرُو َن بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫وعالية رسالة السلم‪ ،‬وأنه الدين الذي يب أن يكون دين الناس جيعا‪ ،‬وأن البشر‬
‫جيعا يب إن يضعوا له كما قال تعال‪ }:‬وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى لَا َتكُونَ ِفْتَنةٌ َوَيكُونَ الدّينُ‬
‫كُلّهُ لِلّهِ‪' {]39[...‬سورة النفال'‪ .‬وقوله تعال‪ُ }:‬ق ْل يَاأَّيهَا النّاسُ ِإنّي َرسُولُ اللّهِ إَِلْيكُمْ‬
‫جَمِيعًا‪' {]158[ ...‬سورة العراف'‪.‬‬
‫وأن غاية الرسالة الحمدية هي تعبيد الناس ل سبحانه وتعال‪ .‬وأن هذه هي مهمة الرسل‬
‫جيعا قبل رسولنا صلى ال عليه وسلم‪ }:‬وََلقَ ْد َب َعْثنَا فِي كُلّ ُأ ّمةٍ َرسُولًا أَ ِن ُاعْبُدُوا اللّهَ‬
‫وَا ْجتَِنبُوا الطّاغُوتَ‪' {]36[ ...‬سورة النحل'‪.‬‬
‫وأن السلم جاء ليهذب النفوس‪ ،‬ويزكيها باليان والعمل الصال واللق الكري‪ِ' :‬إنّمَا‬
‫ُبعِْثتُ ِلُأتَمّمَ صَالِ َح الْأَ ْخلَاقِ' رواه أحد والبخاري ف الدب الفرد‪ .‬وأن على دعاة السلم‬
‫أن يعملوا لبناء هذا النسان الصال‪ ،‬والسلم الكري‪ ،‬والنمـوذج الذي يتذى به كما‬
‫جاءت أوصافه ف الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وكذلك وجوب العتقاد بشرف اللغة العربية؛ لنول القرآن با‪ ،‬وأنا لسان الرسول‬
‫الات صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وجعل هذه العربية هي اللغة الول لكل مسلم ف الرض؛‬
‫لنه ل تتم عبادته ف صلته إل با‪ ،‬ول يفهم السلم فهما كاملً إل بمعها‪ ،‬ومعرفتها‬
‫بعلومها البالغة اثن عشر علما‪ ،‬أهها ورأسها‪':‬علم النحو'‪.‬‬
‫وكذلك اعتقاد أنه ل عصمة لحد من خطأ بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأن‬
‫الجتهاد حق بل واجب على كل من استكمل آلته من علماء السـلم؛ لنه ل بصية‪،‬‬
‫ول عمل بالكتاب والسنة والدين إل باجتهاد أهل العلم‪ ،‬الذين ينلون آيات القرآن‬
‫منازلا‪ ،‬وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم مواقعها‪ ،‬هذا مع وجوب حفظ تراث أهل‬
‫العلم وجهودهم ف تبويبه وتأصيله‪ ،‬وفقهه وتعليمه‪ ،‬وأل تكون مذاهب العلماء بثابة‬
‫شرائع مستقلة لهل الســلم حت ل يتفرقوا ف الدين‪.‬‬
‫من مقال‪ ':‬الثوابت الساسية ف السلم'‪ ....‬للشيخ‪ /‬عبد الرحن عبد الالق‬

‫‪454‬‬
‫================‬
‫من مواقف قريش الضادة للدعوة السلمية ف مكة‬
‫الميس ‪ 13‬شوال ‪1425‬هـ ‪25 -‬نوفمب ‪ 2004‬م مفكرة السلم ‪:‬‬
‫تتاج المة‪ ،‬وهي تتلمس طريقها نو النهضة إل ما يسمى‪ ':‬بالس التاريي' تعي فيه‬
‫ذاتا وتقق أصالتها‪ ،‬وأي أمة خلت من هذا الس التاريي؛ هي أمة تابعة مقلدة لهثة‪،‬‬
‫ل تعي ذاتا وبالتال ل تلك ذاتا‪ ،‬ومصيها يكون إل زوال‪.‬‬
‫ودراسة الدعوة السلمية ف مراحلها الول طريق إل إياد الس التاريي ف هذه المة‪،‬‬
‫وإنعاشه وبلورته إل عمل فعّال ف استثارة كوامن الطاقات السلمية وتميعها وتوجيهها‬
‫نو الي والعطاء‪ .‬وقد واجهت الدعوة السلمية من اللحظة الول لظهورها الوثنية‬
‫وتزعمتها قريش‪ ،‬وبشكل خاص بعد أن اعتَنق الدعوة كثي من أهل الفضل منهم‪ ،‬ووقفوا‬
‫ف سبيلها بختلف الوسائل‪ ،‬ومن هذه الوسائل‪:‬‬
‫‪ -1‬اتام الرسول صلى ال عليه وسلم بختلف التهم ليبعدوا الناس عنه‪ :‬فكانوا‬
‫ي اكَْتَتبَهَا َف ِهيَ تُمْلَى عََليْهِ‬ ‫يقولون‪':‬هذا أساطي الولي'‪ ,‬قال تعال‪{:‬وَقَالُوا َأسَاطِيُ اْلَأوّلِ َ‬
‫بُكْ َر ًة َوأَصِيلًا[‪[}]5‬سورة الفرقان]‪ .‬ونعتوا الرسول صلى ال عليه وسلم بالكاهن حينا‪،‬‬
‫والكاذب الفتري حينا‪ ،‬والتعلم القتبس من غيه حينا‪ ,‬وظلوا يكرّرون ذلك حت آخر‬
‫جبُوا َأنْ جَا َءهُ ْم ُمنْذِ ٌر ِمنْهُ ْم وَقَا َل الْكَافِرُو َن هَذَا سَا ِحرٌ‬ ‫العهد الكي‪ ,‬قال تعال‪َ {:‬وعَ ِ‬
‫ك ا ْفتَرَاهُ‬
‫كَذّابٌ[‪[}]4‬سورة ص]‪ .‬وقال سبحانه‪ {:‬وَقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا إِ ْن هَذَا إِلّا إِفْ ٌ‬
‫َوأَعَانَ ُه عََليْهِ َق ْومٌ آ َخرُونَ َفقَدْ جَاءُوا ظُ ْلمًا وَزُورًا[‪[}]4‬سورة الفرقان]‪ .‬ووصفوا القرآن‬
‫ح ٌر ُمبِيٌ[‬ ‫بالسحر‪ ،‬قال تعال‪...{:‬وَقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا ِللْحَقّ َلمّا جَا َءهُمْ ِإ ْن هَذَا إِلّا سِ ْ‬
‫‪[}]43‬سورة سبأ]‪.‬‬
‫‪ -2‬اتبعوا أسلوب الِجاج‪ ،‬فكانوا ياجّون الرسول صلى ال عليه وسلم‪ :‬وهو أسلوب‬
‫أهل الكتاب‪،‬‬
‫ومن قوله سبحانه وتعال يبيّن أسلوبم ف الجاج‪َ {:‬سَيقُو ُل الّذِينَ َأشْرَكُوا َل ْو شَاءَ اللّ ُه مَا‬
‫ب الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ َحتّى ذَاقُوا َب ْأ َسنَا قُلْ‬ ‫َأشْرَ ْكنَا وَلَا آبَا ُؤنَا وَلَا حَ ّر ْمنَا مِ ْن َشيْءٍ َكذَلِكَ كَذّ َ‬
‫خرُصُونَ[‬ ‫خرِجُوهُ َلنَا ِإنْ تَّتِبعُونَ إِلّا الظّ ّن َوإِنْ َأنْتُمْ إِلّا تَ ْ‬
‫هَ ْل عِنْدَكُ ْم مِنْ عِلْمٍ َفتُ ْ‬

‫‪455‬‬
‫حيَا َومَا‬ ‫ت َونَ ْ‬ ‫‪[}]148‬سورة النعام]‪ .‬وقوله تعال‪ {:‬وَقَالُوا مَا ِهيَ إِلّا َحيَاتُنَا ال ّدْنيَا نَمُو ُ‬
‫ك مِ ْن عِلْمٍ ِإ ْن هُمْ إِلّا يَ ُظنّونَ [‪َ ]24‬وإِذَا ُتتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاُتنَا‬ ‫ُيهِْلكُنَا إِلّا ال ّدهْ ُر َومَا َلهُ ْم بِذَلِ َ‬
‫جَتهُمْ إِلّا َأنْ قَالُوا اْئتُوا بِآبَائِنَا ِإنْ ُكْنتُمْ صَادِقِيَ[‪[}]25‬سورة الاثية]‪.‬‬ ‫ت مَا كَانَ حُ ّ‬ ‫َبيّنَا ٍ‬
‫‪ -3‬مطالبة الرسول بالعجزات وتدّيه‪ :‬فقد طالبوه بالعجزات واليات برهانا على صدق‬
‫ض َيْنبُوعًا[‪َ]90‬أوْ تَكُونَ‬ ‫جرَ َلنَا مِ َن الْأَ ْر ِ‬
‫دعواه‪ ،‬قال سبحانه‪{:‬وَقَالُوا لَ ْن ُن ْؤمِنَ لَكَ َحتّى تَفْ ُ‬
‫لَكَ َجّن ٌة مِ ْن نَخِي ٍل َو ِعنَبٍ َفُتفَجّ َر اْلأَْنهَارَ خِلَاَلهَا َتفْجِيًا[‪َ]91‬أوْ تُسْقِطَ السّمَاءَ كَمَا‬
‫ك َبْيتٌ مِنْ زُخْ ُرفٍ َأوْ‬ ‫سفًا َأوْ َت ْأتِ َي بِاللّ ِه وَالْمَلَاِئ َكةِ َقبِيلًا[‪َ]92‬أوْ يَكُونَ لَ َ‬
‫َزعَ ْمتَ عََليْنَا كِ َ‬
‫تَرْقَى فِي السّمَا ِء وَلَ ْن ُن ْؤمِنَ لِرُِقيّكَ َحتّى ُتنَزّ َل عََلْينَا ِكتَابًا َنقْ َر ُؤهُ قُلْ سُبْحَانَ َربّي هَلْ ُكنْتُ‬
‫إِلّا بَشَرًا َرسُولًا[‪[}]92‬سورة السراء]‪.‬‬
‫‪ -4‬ماولة استمالة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإقناعه بالعدول عن الدعوة‪ :‬فقد عرض‬
‫عليه زعماء قريش اللك والال والنساء‪ ،‬أرسلوا إليه عتبة بن ربيعة سيد قومه‪ ،‬فذهب إليه‬
‫وهو يصلي ف السجد فقال له‪' :‬يا ابن أخي‪ ،‬إنك منا حيث قد علمت‪ ،‬من خيارنا حسبا‬
‫ونسبا‪ ،‬وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جاعتهم‪ ،‬وسفهت به أحلمهم‪،‬‬
‫وعبت به آلتهم ودينهم‪ ،‬وكفرت به من مضى من آبائهم‪ ،‬فاسع من أعرض عليك أمورا‬
‫تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها‪ :‬إن كنت تريد با جئت به من هذا المر مالً جعنا لك‬
‫من أموالنا حت تكون أكثرنا مالً‪ ،‬وإن كنت تريد شرفا سوّدناك علينا حت ل نقطع أمرا‬
‫دونك‪ ،‬وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا‪ ،‬وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا من الن ل‬
‫تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطبيب‪ ,‬وبذلنا فيه أحوالنا حت نبئك منه‪'...‬إل‬
‫القصة‪.‬‬
‫فهكذا كان زعماء قريش ياولون إقناع ممد صلى ال عليه وسلم بالعدول عن الدعوة‪،‬‬
‫أو التنازل عن شيء منها مقابل تنازلم عن أشياء‪ ،‬فكان قوله تعال‪َ {:‬ودّوا َل ْو تُ ْدهِنُ‬
‫َفيُ ْدهِنُونَ[‪[}]9‬سورة القلم]‪ .‬فثبت الرسول أصحابه ف الوقف الذي ل يتمل مساومة‪،‬‬
‫ول تعددا‪.‬‬
‫‪ -5‬أسلوب التعذيب‪ :‬لا رأى زعماء قريش إصرار الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وانتشار‬
‫السلم؛ توجهوا إل مقاومة السلم عن طريق تعذيب العبيد والضعفاء من السلمي؛‬

‫‪456‬‬
‫ليعودوا إل الشرك‪ ،‬وليحولوا دون إسلم الزيد‪ ،‬فكان من صور هذا التعذيب‪ :‬أن يعرّى‬
‫صدر السلم‪ ،‬ويطرح فوق الرمال التوهجة من شدة حرارة الشمس‪ ،‬ويوضع على‬
‫أجسادهم الصخور الثقيلة‪ ،‬وينع عنهم الاء والطعام‪ ،‬وتقيّد أيديهم وأرجلهم بقيود‬
‫الديد‪ ،‬ويلدون بالسياط جلدًا شديدًا‪ ،‬فزهقت أرواح بعضهم‪.‬‬
‫ومن بي الذين تعرضوا لثل هذا العذاب‪ :‬ياسر وزوجته سية‪ ،‬وابنهما عمار‪ ،‬وبلل بن‬
‫رباح‪ ,‬وخباب بن الرت‪ ،‬فكان الشركون يرجون ياسرا وزوٍجة وابنه إل البطح إذا‬
‫صبْرًا َآلَ‬
‫حيت الرمضاء ويعذبونم برّها‪ ،‬فيمر الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فيقول‪َ [ :‬‬
‫لّنةُ] رواه الاكم والطبان ف الكبي والوسط والبيهقي ف شعب‬ ‫يَاسِرٍ فَإنّ َم ْوعِدَكُ ْم ا َ‬
‫اليان‪ .‬وقد مات ياسر وهو يعذّب‪ ،‬وأما زوجه فقد طعنها أبو جهل بربة فقتلها‪.‬‬
‫وقد ضرب السلمون مثلً خالدًا للتمسّك بالعقيدة‪ ،‬وتمّل أنواع الذى‪ ،‬والتضحية‬
‫بالنفس‪ ،‬وكان بعضُ السلمي الغنياء ‪-‬وخاصة أبا بكر‪ -‬يشترون الرقاء الضطهدين من‬
‫مالكيهم‪ ،‬وينقذونم‪.‬‬
‫ث خطا الشركون خطوة أخرى ف التعذيب‪ :‬فأخذوا يعتدون على السلمي جيعًا ودون‬
‫تييز حت شل العتداء ذوي الثراء والوجاهة والقوة‪ :‬كأب بكر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬والزبي‪،‬‬
‫وطلحة‪ ،‬وأب عبيدة‪ ،‬وعثمان بن مظعون‪ ،‬فقد ش ّد نوفل بن خويلد وكان يسمى [أسد‬
‫قريش] أبا بكر وطلحة القرشيي ببل واحد‪ ،‬فسميا القريني‪ ,‬وعذب أبو أحيحة ابنه‬
‫خالد بن سعيد بن العاص‪ ،‬فكان يضربه بقراعة ف يده حت يكسرها على رأسه‪ ،‬ث يأمر‬
‫ببسه ويضيّق عليه‪ ،‬وييعه ويعطشه‪ ،‬حت لقد مكث ف حر ّمكة ثلثا ما ذاق ماءً‪.‬‬
‫ونتيجة لتعرض السلمي جيعا للعذاب أذن رسول ال صلى ال عليه وسلم لصحابه‬
‫بالجرة إل البشة ف السنة الامسة من بعثته‪.‬‬
‫‪ -6‬تديد الرسول صلى ال عليه وسلم بالكف عن دعواه‪ ،‬والعدوان عليه‪ :‬حي باءت‬
‫أساليب مقاومة كفار قريش بالفشل؛ لأوا إل عمه أب طالب‪ ،‬وقال زعماؤهم‪' :‬يا أبا‬
‫طالب إن ابن أخيك قد سبّ آلتنا‪ ،‬وعاب ديننا‪ ،‬وسفّه أحلمنا‪ ،‬فإما أن تكفّه عنا‪ ،‬وإما‬
‫أن تلّي بيننا وبينه'‪ .‬فردّهم أبو طالب ردّا جيلً دون أن يتوقف صلى ال عليه وسلم عن‬
‫نشاطه‪ ،‬أو يتهاون ف الدعوة‪.‬‬

‫‪457‬‬
‫فعاودوا الكرة‪ ،‬وخاطبوا أبا طالب بلهجة التوعد الهدد‪ ،‬وأنم لن يصبوا على هذا‬
‫الال‪ ،‬وخيّوه بي أن ينعه عمّا يقول‪ ،‬أو ينازلوه وإياه حت يهلك أحد الطرفي‪ ،‬فعظم‬
‫المر على أب طالب فكلّم ممدا صلى ال عليه وسلم با جاء به إليه قومه وقال له‪:‬‬
‫'يا ابن أخي‪ ،‬إن قومك جاءون وقالوا ل كذا وكذا‪ ،‬فأبق عليّ وعلى نفسك ول تملن‬
‫من المر مال أطيق'‪ .‬فكان ردّ البلّغ الداعية إل القّ الذي يمل نفسا أبيّة ل تعرف‬
‫الذل‪ ،‬ول تنحن للوهن‪ ،‬ينظر إل خصمه من علٍ؛ لنه يستمد القوة من عزيز حكيم‪،‬‬
‫ينظر إل زخارف الدنيا وكأنا أوراق الريف تتطاير ف الواء‪ ،‬ويتقر أبة الشرك‬
‫وعظمته‪ ،‬يستعلي على الدنيا بإيانه‪ ،‬فهو على الق وان لقي العنت الشديد‪ ,‬قال صلى ال‬
‫شعِلُوا لِي ِمْنهَا ُشعَْل ًة ‪َ -‬يعْنِي‬
‫ك عَلَى َأنَ تُ ْ‬
‫عليه وسلم‪[ :‬مَا َأنَا ِبأَقْدِ َر عَلَى أَنْ أَ َدعَ َلكُمْ ذَلِ َ‬
‫الشّ ْمسَ‪ ] -‬رواه أبويعلى وابن عساكر‪ .‬فطمأنه أبو طالب ووعده الستمرار ف حايته‪.‬‬
‫فعاد زعماء قريش إل أب طالب يعرضون عليه عمارة بن الوليد أوسم شباب قريش‬
‫ليسلموه إليه على أن يسلمهم ممدا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فردهم ساخرا بقوله‪' :‬بئس ما‬
‫تسومونن‪ ،‬أتعطونن ابنكم أغذوه لكم‪ ،‬وأعطيكم ابن تقتلونه!!'‪ .‬فاته بعضهم إل إنزال‬
‫الذى بالرسول صلى ال عليه وسلم مباشرة‪ ،‬ومن الذين اشتدوا ف إيذائه صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ :‬أبو جهل‪ ،‬وأبو لب عمه‪ ،‬وأم جيل زوجة أب لب‪ ،‬وعقبة بن أب معيط‪ ،‬ولكنّ‬
‫إسلم حزة‪ ،‬ث عمر بن الطاب كفّ القرشيي عن بعض ما كانوا ينالون به الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم من أذى خوفا منهما‪ .‬وف أثناء ذلك استمر القرآن الكري يردّد‬
‫مشاهد الشدة والعنف مع الشركي يندّد بم‪ ،‬وينذرهم بسوء الصي‪ ،‬ويصبّر الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم والسلمي‪ ،‬ويعدهم بالنصر والتأييد‪ ،‬وحسن العاقبة‪.‬‬
‫‪ -7‬أسلوب القاطعة‪ :‬إزداد حنق الشركي من قريش إزاء صب الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم والسلمي على الذى والتعذيب وإصرارهم ف الضي بالدعوة‪ ،‬وإزاء فشو السلم‬
‫ف القبائل‪ ،‬فاجتمعوا وائتمروا‪ ،‬وقرروا مقاطعة السلمي وبن هاشم دون أب لب‪ ،‬فل‬
‫يتزوجون منهم ول يزوّجونم‪ ،‬ول يبيعون لم شيئا‪ ،‬ول يشترون منهم‪ ،‬وتعاهدوا‬
‫وتواثقوا على ذلك‪ ،‬وعلقوا صحيفة القاطعة بالكعبة‪ .‬فاضطر بنو هاشم وبنو عبد الطلب‬
‫إل النوح إل شعب أب طالب شرقي مكة‪ ،‬وقطعت عنهم قريش كل أنواع الؤن‪ ،‬ول‬

‫‪458‬‬
‫يكن يتاح لم الختلط بغيهم من الناس إل ف الشهر الرم حي يفد العرب إل مكة‬
‫لزيارة البيت الرام‪ ,‬وبلغ بم الهد حدّا ل يطاق‪ ،‬فذاقوا الوع والرمان حوال ثلث‬
‫سنوات ل يصل إليهم القوت إل خفية‪.‬‬
‫وأخيا أخذت المية والرأفة نفرا من القرشيي منهم‪ :‬هشام بن عمرو بن الارث‬
‫العامري‪ ,‬وزهي بن أمية بن الغية الخزومي‪ ,‬والطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف‪,‬‬
‫وأبو البختري ابن هشام‪ ,‬والسود بن عبد الطلب بن أسد‪ ,‬وتعاهدوا على نقض الصحيفة‬
‫رغم اعتراض أب جهل‪ ,‬وخرجوا إل بن هاشم‪ ،‬وبن عبد الطلب‪ ،‬وطلبوا منهم العودة‬
‫إل منازلم وشقوا الصحيفة‪ ،‬فوجدوا الرض قد أكلتها إل ما كان من‪' :‬باسك اللهم‪,‬‬
‫وهي فاتة ما كانت تكتب قريش'‪.‬‬
‫‪ -8‬القتل أو البس أو النفي‪:‬اجتمع مشركوا قريش ف دار الندوة‪ ،‬فتشاوروا ف أمر‬
‫الدعوة السلمية‪ ،‬ففكروا ف ثلث وسائل‪ ،‬وهي‪ :‬حبسه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أو‬
‫خرِجُوكَ‬ ‫اغتياله‪ ،‬أو نفيه‪ ،‬قال تعال‪{ :‬وَإِذْ يَ ْمكُ ُر بِكَ الّذِينَ َكفَرُوا ِلُيثِْبتُوكَ َأ ْو َيقْتُلُوكَ َأوْ يُ ْ‬
‫َويَ ْمكُرُو َن َويَ ْمكُرُ اللّ ُه وَاللّهُ َخيْ ُر الْمَا ِكرِينَ[‪[}]30‬سورة النفال]‪ .‬واتفق رأيهم أخيا‬
‫على قتله شريطة اشتراك شبان من متلف بيوتات قريش؛ حت يتوزع دمه فل يستطيع آله‬
‫الطالبة بدمه‪.‬‬
‫ل بعد أن ترك عليًا ليقوم بتأدية‬ ‫علم الرسول صلى ال عليه وسلم بذلك فخرج من داره لي ً‬
‫المانات‪ ،‬وشق طريقه مع صاحبه أب بكر‪ -‬رضي ال عنه‪ -‬إل الدينة النورة لتتشرف‬
‫باستقبال رسول ال صلى ال عليه وسلم وتبدأ الدعوة مرحلة جديدة مليئة بالكفاح‬
‫والنضال والهاد‪.‬‬
‫من‪':‬من مراحل الدعوة السلمية ف مكة' للدكتور‪ /‬جيل عبد ال الصري‬
‫==============‬
‫سهِ ْم َوأَ ْزوَاجُهُ ُأ ّمهَاُتهُ ْم َوأُولُو اْلأَرْحَامِ‬
‫وقال تعال ‪ { :‬النِّبيّ َأوْلَى بِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ مِنْ َأنْفُ ِ‬
‫ي وَالْ ُمهَاجِرِينَ إِلّا َأ ْن َتفْعَلُوا إِلَى َأوِْليَاِئكُمْ‬
‫ضهُمْ َأوْلَى ِبَبعْضٍ فِي ِكتَابِ اللّ ِه مِ َن الْ ُم ْؤ ِمنِ َ‬
‫َبعْ ُ‬
‫َمعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي اْل ِكتَابِ مَسْطُورًا (‪[ )6‬الحزاب‪} ]6/‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫‪459‬‬
‫المد ل رب العلمي‪ ,‬والصلة والسلم على سيد الرسلي‪ ,‬وبعد‪:‬‬
‫ربا تعقيبا على موضوع اخت الكرية ف النتدى عن زوجات الرسول صلى ال عليه و‬
‫سلم ‪..‬اورد هذا القال الذي يتحدث عن اسباب زيات النب الكري التعددة و اهية هذه‬
‫الزيات للدعوة و العب اللية منها حيث ياول أعداء السلم (منذ بزوغ فجره وحت‬
‫اليوم ) باستماتة النيل منه والطعن فيه باستغلل تعدد زوجات النب صلى ال عليه وسلم‬
‫‪..‬‬
‫زعموا أن نب السلم كان منصرفا إل إشباع شهوته بالتقلب ف أحضان تسع نساء !!‬
‫(قالا يهود يثرب) ‪ ..‬فرد عليهم القرآن الكري ردا بليغا وبي أنم فعلوا ذلك حسدا‬
‫للرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬على الرغم من أن داود وسليمان (عليهما السلم) آتاها‬
‫ال اللك وكان لما من الزوجات والواري أضعاف ما كان لحمد صلى ال عليه وسلم‬
‫‪( :‬أحب اللك سليمان نساء غريبة كثية‪( )...‬سفر اللوك الول ‪( ,)1:11‬وكانت له‬
‫سبع مائة من النساء السيدات وثلث مائة من السرارى فأمالت نساؤه قلبه) (سفر اللوك‬
‫الول ‪( .)3:11‬وهل هذا كلم يليق بنب من أنبياء ال عليهم أفضل الصلة والسلم‬
‫أجعي؟!)‬
‫ومازالون يتطاولون على القام الشريف والسُنّة الطهرة‪ ،‬كيدا منهم لذا الدين‪ ،‬وال يفظه‬
‫(رغم أنوفهم) إل أن يرث ال الرض ومن عليها ‪.‬‬
‫وهناك آخرون ل يعلمون بواعث تعدد زوجات الرسول صلى ال عليه وسلم ‪..‬‬
‫ومن يطالع السية العطرة سوف يكتشف بسهولة أن بعض هذه الزيات كان ف القام‬
‫الول تلبية لدوافع إنسانية‪ ،‬والبعض الخر كان لتأليف القلوب‪ ،‬وتطييب النفوس‪ ،‬وتهيد‬
‫الرض للدعوة الباركة بالصاهرة وجب الاطر ‪..‬‬
‫ث هناك حقه الطبيعي صلى ال عليه وسلم ف الزواج‪ ،‬لنه بشر‪ ،‬وليس ملَـكا ‪..‬‬
‫والزواج هو شريعة كل أنبياء ال (حت من ل يتزوج منهم مثل عيسى ويي عليهما‬
‫السلم )‪ ,‬ول يوجد نص ف الكتاب القدس يظر تعدد الزوجات‪ ,‬فنجد أن لبراهيم‬
‫وإسرائيل (يعقوب) وداود وسليمان (عليهم السلم أجعي) أكثر من زوجة‪ ,‬ول توجه‬
‫كلمة لوم واحدة ف الكتاب القدس لذه الالت الواضحة من حالت تعدد الزواج!‬

‫‪460‬‬
‫***‬
‫ولنبدأ بأول زوجات الصطفى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهى السيدة (خدية بنت خويلد)‬
‫رضي ال عنها وأرضاها‪ ,‬فقد تزوجت ف الاهلية من هند بن النباش التميمى (وكنيته أبو‬
‫هالة) ‪ ..‬وبعد موته تزوجت (عتيق بن عابد الخزومى) ‪ ..‬ث مات عنها عتيق ‪ ..‬وكانت‬
‫من أرفع بيوت قريش وأوسطها نسبا وحسبا‪ .‬وكان لا مال ترسل رجال من قومها‬
‫يتاجرون لا فيه ‪ ..‬ولا سعت بأمانة ممد عليه الصلة والسلم أرسلت إليه ليتاجر لا ف‬
‫مالا ف رحلة الشام‪ ،‬على أن تعطيه ضعف ما كانت تعطى غيه من الجر ‪.‬‬
‫ورحل صلى ال عليه وسلم بالا مع غلمها (ميسرة) إل الشام‪ ،‬فباع واشترى وعاد إل‬
‫مكة بأضعاف ما كانت خدية تربه من قبل ‪ ..‬وأعطته السيدة خدية ضعف الجر‬
‫التفق عليه ‪ ..‬وأخبها غلمها ميسرة با رأى ف ممد صلى ال عليه وسلم من شائل‬
‫كرية‪ ,‬وفكر راجح‪ ,‬ومنطق صادق‪ ,‬ونج أمي ‪..‬‬
‫فازدادت إعجابا به‪ ،‬وأرسلت إليه صديقتها (نفيسة بنت أمية) تعرض عليه الزواج من‬
‫خدية الت كان عمرها ف ذلك الوقت أربعي سنة ‪ ..‬فوافق عليه الصلة والسلم‪ ،‬وكان‬
‫عمره وقت أن تزوجها خسا وعشرين سنة ‪.‬‬
‫وولدت له السيدة خدية كل أولده وبناته باستثناء إبراهيم ولده من مارية القبطية‬
‫(الارية الت أهداها القوقس إل النب ‪ )..‬ول يتزوج صلى ال عليه وسلم أخرى حت‬
‫ماتت السيدة خدية عن خس وستي سنة‪ ،‬بينما كان عليه الصلة والسلم قد تطى‬
‫المسي سنة ‪..‬‬
‫والن نتساءل‪ :‬إذا كان نب الرحة صلى ال عليه وسلم قد عاش بل زواج حت سن‬
‫الامسة والعشرين ‪ ..‬ول يكن أهل مكة يقولون عنه إل كل الي‪ ،‬وكانوا يلقبونه‬
‫بالصادق المي ‪ ..‬وكانت طهارته وعفته مضرب المثال (باعتراف أعت الشركي‬
‫وأشدهم عداوة له وحقدا عليه) ‪ ..‬وإذا كان تزوج بعد ذلك من السيدة خدية (وهى‬
‫أكب منه سنا بمس عشرة سنة)‪ ،‬وظل مكتفيا با زوجة وحيدة حت بعد أن تاوزت‬
‫الستي ‪ ..‬فأين ما يزعمون من حبه للشهوات واستكثاره من النساء ؟!!‬

‫‪461‬‬
‫لقد كان عليه الصلة والسلم ف تلك الفترة ف ريعان شبابه‪ ،‬ول يكن قد شغل بعد‬
‫بأعباء الدعوة الباركة‪ ،‬وتبعاتا الثقيلة‪ ،‬ولو كان (كما يزعم أعداء السلم) من ذوى‬
‫الشهوة الطاغية لتزوج من شاء من النساء ‪ ،‬وقد كان تعدد الزوجات والواري شائعا قبل‬
‫السلم بل قيد أو عدد مدد ‪ ..‬وما كان ذلك عيبا ول مظورا ‪ ..‬فلماذا ل يفعل صلى‬
‫ال عليه وسلم ؟!‬

‫أليس هذا دليل على أنه صلى ال عليه وسلم قد عدد زوجاته فيما بعد لسباب أخرى‬
‫أسى وأرفع قدرا من مرد إشباع الشهوة‪ ،‬رغم أن هذا الشباع بالزواج ليس عيبا ول‬
‫شائنا للزوج ؟!‬

‫ث هناك نقطة أخرى (قبل أن ننتقل إل باقي الزوجات)‪ .‬لقد كان عليه الصلة والسلم‬
‫يذكر السيدة خدية بكل الي والوفاء بعد موتا ‪ ..‬وحت بعد أن صار له تسع نسوة ‪..‬‬
‫كان يغضب إذا أساء أحد إل ذكراها العطرة‪ ،‬ولو كانت عائشة أحب زوجاته إليه‪..‬‬
‫ويذكر عليه الصلة والسلم (ف كل مناسبة) معروف خدية وفضلها عليه وعلى الدعوة‬
‫الغراء‪ ،‬ول ينسها رغم أنا كانت عجوزا ورزق بعدها بزوجات أصغر سنا‪ ،‬وربا أكثر‬
‫جال ‪..‬‬
‫هل مثل هذا الزوج يقال عنه إنه يضع الشهوة النسية ف القام الول ؟!! هل يظن مثل‬
‫هذا الظن الريض بن وصفه رب العزة بأنه على خلق عظيم؟! ‪( :‬وإنك لعلى خلق عظيم)‬
‫(سورة ق‪.)4 :‬‬
‫***‬
‫ونأت الن إل ظروف زواجه صلى ال عليه وسلم بثانية زوجاته السيدة (سودة بنت‬
‫زمعة) رضي ال عنها‪ ,‬فقد كانت متزوجة ف الاهلية بـ(السكران بن عمرو بن عبد‬
‫شس)‪ ،‬وهو ابن عمها‪ ،‬وأسلما بكة وخرجا مهاجرين إل أرض البشة ف الجرة الثانية‬
‫‪ ..‬ث قدما من البشة‪ ،‬ومات السكران بكة‪ ،‬و ترملت زوجته السيدة سودة‪ ،‬فلما‬
‫انقضت عدتا أرسل لا النب صلى ال عليه وسلم فخطبها وتزوجها بكة‪ ،‬وهاجرت معه‬
‫إل الدينة ‪.‬‬

‫‪462‬‬
‫وكانت رضي ال عنها قد كبت سنها‪ ،‬وبعد فترة من زواج الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫با تنازلت عن ليلتها للسيدة عائشة‪ ،‬وقالت كما جاء ف إحدى الروايات‪ :‬يا رسول ال‪،‬‬
‫وال ما ب حب الرجال (تقصد أنا مسنة وليست با حاجة إل الرجال) ولكن أرجو أن‬
‫أبعث ف أزواجك يوم القيامة‪ .‬وقبل منها النب صلى ال عليه وسلم تنازلا للسيدة عائشة‪،‬‬
‫وأبقى عليها زوجة ف عصمته حت موته صلى ال عليه وسلم ‪..‬‬
‫فهل يكون اقترانه عليه الصلة والسلم بعجوز أخرى دليل على ما يذهب إليه أعداء ال‬
‫ورسوله من أن تعدد زوجاته صلى ال عليه وسلم كان للشهوة أو حب النساء ؟!! أو أنا‬
‫مواساة منه عليه الصلة والسلم لرملة مسلمة ل يعد لا عائل بعد موت رجلها‪ ،‬وليس‬
‫لا مال أو شباب أو جال يدفع غيه صلى ال عليه وسلم للزواج منها ؟!!‬
‫وال ‪ ..‬إن مثل هذه الزية الت ل يطمع فيها أحد لي بعض أعبائه عليه الصلة والسلم ‪،‬‬
‫وواجب ثقيل ألزم به نفسه الشريفة النبيلة صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومن سواه يواسى الرملة الحزونة؟ من سواه يب الكسور‪ ،‬ويفك السي‪ ،‬ويعي على‬
‫شدائد الدهر‪ ،‬وهو الذي أرسله ربه رحة للعالي ؟!!‬
‫***‬
‫وأما السيدة (عائشة بنت الصِدّيق أب بكر) رضي ال عنهما‪ ,‬فهي الزوجة الثالثة لنب‬
‫الدى صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬ومن الطبيعي أن يرتبط الداعية بالرجال الذين يقوم على‬
‫أكتافهم البناء الشاهق‪ ،‬وتنتشر الدعوة بم‪ ،‬ومن خللم إل سائر إرجاء العمورة ‪ ..‬وخي‬
‫الروابط بي النب وكبار أصحابه هو الرباط القدس (الزواج) ‪ ..‬ولذا تزوج عليه الصلة‬
‫والسلم من السيدة عائشة‪ ،‬وكانت صغية السن ‪ ..‬كما تزوج أيضا لذات السبب من‬
‫السيدة (حفصة بنت عمر بن الطاب) رضي ال عنهما ‪..‬‬
‫وهناك سبب ثان لزواجه صلى ال عليه وسلم من السيدة حفصة ‪ ،‬فقد كانت متزوجة‬
‫قبله من (خنيس بن حذافة السهمي) الذي أسلم معها وهاجر با إل الدينة فمات عنها‬
‫(عند قدوم النب صلى ال عليه وسلم من غزوة أحد) متأثرا بإصابته ف الغزوة‪ ،‬وعندما‬
‫انقضت عدتا عرض عمر على أب بكر الصديق أن يزوجه ابنته حفصة‪ ،‬فسكت أبو بكر‪،‬‬
‫ما أغضب عمر (رضي ال عنهم أجعي) وكان عمر قد عرضها قبل ذلك على عثمان بن‬

‫‪463‬‬
‫عفان فلم يوافق كذلك‪ ،‬ما أسخط عمر عليه كما سخط على صاحبه‪ ،‬فجاء عمر‬
‫يشكوها إل النب صلى ال عليه وسلم ‪..‬‬
‫وطيّب صلى ال عليه وسلم خاطره وتزوجها تكريا لعُمَر‪ ،‬كما كرم أبا بكر من قبل‬
‫وتزوج بابنته عائشة ‪ ..‬وكان الباعث لب بكر على عدم قبول الزواج من حفصة أنه سع‬
‫النب صلى ال عليه وسلم يذكرها لنفسه‪ ،‬وما كان الصديق ليفشى سر رسول ال‪ ،‬أو‬
‫يتزوج بن عزم صلى ال عليه وسلم على الزواج منها ‪..‬‬
‫ومن العروف أن السيدة حفصة رضي ال عنها ل تكن جيلة مثل عائشة أو صفية‪ ،‬لكنها‬
‫كانت صوّامة قوّامة تب ال ورسوله‪.‬‬
‫فهل يكون الزواج ف حالة السيدة عائشة والسيدة حفصة استكثارا من النساء‪ ،‬أو جريا‬
‫وراء الشهوات؟!! أم هي ضرورات الدعوة‪ ،‬وجب الاطر‪ ،‬وتوكيد الروابط بي الصطفى‬
‫صلى ال عليه وسلم وكبار رجال الدعوة الوليدة والرأفة بزوجة شهيد (مثل حفصة) ل‬
‫يكن لا من المال أو الال ما يغرى غيه عليه الصلة والسلم بالزواج منها ؟!!‬
‫إنه الرحة الهداة‪ ،‬والنعمة السداة‪ ,‬عليه الصلة والسلم ‪..‬‬
‫***‬
‫هناك أيضا ظروف زواج الرسول المي من السيدة (زينب بنت خزية) اللقبة بـ(أم‬
‫الساكي) رضي ال عنها‪ ,‬فقد كانت زوجة لبن عم النب صلى ال عليه وسلم (عبيدة‬
‫بن الارث بن عبد الطلب بن عبد مناف) رضي ال عنه‪ ,‬الذي استشهد ف يوم بدر و‬
‫تركها وحيدة ل عائل لا ‪..‬‬
‫فهل يكون جزاء الصحاب وابن العم الشهيد أن تترك أرملته وحدها ؟!! ومن يصل‬
‫الرحم‪ ،‬ويازى الشهيد‪ ،‬ويلفه ف أهله بكل الب والي والرحة سوى الصادق المي‬
‫خات الرسلي صلى ال عليه وسلم ؟!!‬
‫وهل مثل هذه الزية يكمن خلفها أي مطمع حسي أو غيه ؟! أم أنا واجب وعبء‬
‫إضاف على عاتق الصطفى صلى ال عليه وسلم ؟!! وقد ماتت (رضي ال عنها) بعد‬
‫زواجها من الرسول بعدة أشهر ‪.‬‬
‫***‬

‫‪464‬‬
‫وكذلك جاء زواجه صلى ال عليه وسلم من السيدة (أم سلمة) رضي ال عنها‪ ,‬واسها‬
‫(هند بنت سهيل بن الغية الخزومى) ‪ ..‬وقد أصيب زوجها (أبو سلمة) رضي ال عنه‬
‫يوم أحد (هو عبد ال بن عبد السد ‪ -‬وكان أ خًا للنب صلى ال عليه وسلم من‬
‫الرضاعة)‪ ،‬ث برئ الرح بعدها بشهر ‪ ..‬وخرج رضي ال عنه ف (سرية قطن) ث رجع‬
‫منها بعد شهر آخر‪ ،‬وانتقض الرح عليه فتسبب ف استشهاده (رضي ال عنه) وخلف‬
‫وراءه السيدة أم سلمة وكثرة من الطفال ‪..‬‬
‫فلما انقضت عدتا أرسل إليها النب صلى ال عليه وسلم يطبها ‪ ،‬فاعتذرت بأنا تقدمت‬
‫ف السن‪ ،‬وأنا ذات أطفال‪ ،‬وأنا شديدة الغية‪ ،‬فرد عليها النب صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((أما ما ذكرت من غيتك فيذهبها ال ‪ ..‬وأما ما ذكرت من سنك فأنا أكب منك سنا‬
‫‪ ...‬وأما ما ذكرت من أيتامك فعلى ال وعلى رسوله)) ‪[ .‬أي أن عيالا سوف يرعاهم‬
‫ال ورسوله صلى ال عليه وسلم]‪ ،‬وهذا أهم أهداف هذه الزية الباركة‪ ،‬أي كفالة‬
‫هؤلء اليتام‪ ،‬فضل عن رعاية الصحابية الليلة بعد أن أصبحت أرملة ‪..‬‬
‫وأخيا جاءت هذه الزية تكريا للزوج أب سلمة نفسه بعد استشهاده‪ ،‬برعاية أرملته‬
‫وأطفاله‪ ،‬وصلة لرحه‪ ،‬فهو ابن عمة الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬فأين اتباع الشهوة‬
‫ف مثل هذا الرتباط بأرملة تاوزت المسي وذات أطفال ؟!!‬
‫***‬
‫وأما زواجه صلى ال عليه وسلم بالسيدة (أم حبيبة رملة بنت أب سفيان بن حرب) رضي‬
‫ال عنها‪ ,‬فله قصة توضح الدف منه‪ ،‬والقصد النبيل الذي تقق به ‪ ..‬فقد كانت أم‬
‫حبيبة زوجة لـ(عبيد ال بن جحش بن خزية)‪ ،‬وهاجرت معه إل أرض البشة ف‬
‫الجرة الثانية ‪ ..‬وهناك ُفتِن عبيد ال وارتد عن السلم (والعياذ بال) وثبتت السيدة أم‬
‫حبيبة رضي ال عنها على دينها رغم الغربة والوحشة والوحدة ‪ ..‬ول تكن تستطيع‬
‫الرجوع إل مكة حيث كان أبوها أبو سفيان أحد زعماء قريش يضطهد الرسول‬
‫وأصحابه أشد الضطهاد ‪ ،‬فلو رجعت أم حبيبة لتعرضت للفتنة ف دينها بدورها ‪..‬‬
‫وكان ل بد من تكريها وتعويضها عن الزوج الذي ارتد‪ ،‬ث مات بالبشة ‪..‬‬

‫‪465‬‬
‫وهكذا أرسل النب صلى ال عليه وسلم إل (النجاشي) ملك البشة (وكان قد أسلم)‬
‫طالبا منه أن يعقد له على أم حبيبة ‪ ..‬وبالفعل زوجه النجاشي إياها‪ ،‬وأرسلها إليه بالدينة‬
‫بعد هجرته صلى ال عليه وسلم معززة مكرمة ‪..‬‬
‫ولا بلغ أبا سفيان خب زواج النب صلى ال عليه وسلم من ابنته أم حبيبة شعر بالسعادة‪،‬‬
‫وقال عن زوج ابنته مبتهجا (والذي كان ما يزال عدوا له ولدينه) ‪ (( :‬هو الفحل ل‬
‫يقرع أنفه )) (وهو مثل عرب مأخوذ ما يفعله العرب حي يردون الفحل الريض أو الذي‬
‫به عيب عن تلقيح إناث البل بضربه على أنفه برمح أو عصا ‪ ..‬بينما يتركون الفحل‬
‫الصيل ليلقح الناث بغي ضرب) ‪ ..‬أي أن مثل النب صلى ال عليه وسلم ل يرد صهره‪،‬‬
‫فهو كفء كري تفخر كل قبيلة بصاهرته وتزويه بناتا‪.‬‬
‫قال أبو سفيان بن حرب ذلك على الرغم من أنه كان ما يزال مشركا عدوا للسلم‪،‬‬
‫ولكنه ل يدع نفسه كأب تزوجت ابنته بأعظم وأشرف الرجال ‪..‬‬
‫وشاء ال جلت قدرته أن تدور اليام‪ ،‬ويأت أبو سفيان إل الدينة ماول إثناء النب صلى‬
‫ال عليه وسلم عن غزو مكة بعد أن نقض الشركي عهودهم معه‪ ،‬واعتدوا على حلفائه‬
‫من قبيلة (خزاعة)‪ ،‬وقتلوهم ف البلد الرام ف الشهر الرام ‪.‬‬
‫ول يد أبو سفيان ملجأ بعد أن رفض كبار الصحابة التوسط له عند النب صلى ال عليه‬
‫وسلم سوى بيت ابنته وفوجئ أبو سفيان بابنته تطوى عنه الفراش ف ضيق واشئزاز ‪..‬‬
‫فسألا‪ :‬وال يا بنية ما أدرى هل رغبت بالفراش عن أم رغبت ب عنه ؟!! فردت عليه‬
‫بسم ‪ (( :‬بل هو فراش رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنت رجل مشرك )) ‪..‬‬
‫يا ال ‪ ..‬إنا العقيدة الراسخة كالبال ف قلب زوجة الصطفى صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫تواجه با أباها الذي خرجت من صلبه ‪ ..‬وذلك هو اليان الق الذي يعل ال ورسوله‬
‫أحب إل السلم الصادق من أمه وأبيه وابنه وأخيه ‪.‬‬
‫هل كان من الطلوب من الرسول أن يترك مثل هذه السيدة العظيمة للضياع بي زوج‬
‫مرتد وأب كان كافرا ؟!! ومن سواه صلى ال عليه وسلم أول بأن يكرم مثواها‪ ،‬ويزيها‬
‫على ثباتا وصبها وجهادها ف سبيل عقيدتا ورسالتها ؟!! ومن يكون مناسبا لبنة سيد‬
‫قريش سوى سيد الولي والخرين صلى ال عليه وسلم ؟!!‬

‫‪466‬‬
‫***‬
‫ونأت إل قصة زواجه صلى ال عليه وسلم من السيدة (زينب بنت جحش السدى)‬
‫رضي ال عنها‪ ,‬وهى ابنة عمته (أميمة بنت عبد الطلب بن هاشم بن عبد مناف) ‪ ..‬أي‬
‫أنا من أعرق وأشرف بيوت قريش وأرفعها نسبا وأما ‪ ..‬وكانت فيما يروون فائقة‬
‫المال ‪..‬‬
‫وعندما أرسل النب صلى ال عليه وسلم يطبها ظن أهلها أنه يريدها لنفسه‪ ،‬ث فوجئوا به‬
‫يطلبها لـ(زيد بن حارثة) ‪ ..‬كان زيد رضي ال عنه‪ ,‬عبدا ف الاهلية‪ ،‬وانتهي به‬
‫الطاف عند الصادق المي ممد بن عبد ال صلى ال عليه وسلم الذي أكرم مثواه‪ ،‬وبلغ‬
‫من تأثي عطفه وحنانه على زيد أن زيد فضّله على أبيه وعمه (لّا خيّره بي البقاء معه أو‬
‫اللحاق بأبيه وعمه عندما عثرا عليه‪ ،‬وجاءا من ديارها ف طلبه ‪ ..‬وهنا أشهدهم النب‬
‫صلى ال عليه وسلم أن زيد ابن أرثه ويرثن ‪ ...‬وذلك قبل تري التبن ) فرضي أبوه‬
‫بذلك‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن الرسول صلى ال عليه وسلم أعتق زيدا وتبناه‪ ،‬ث أبطل السلم التبن‬
‫فاسترد زيد اسه الول (وحريته من قبل)‪ ،‬فإن آل جحش رفضوا أن يزوجوه ابنتهم وهى‬
‫من فتيات قريش العدودات اللت يتنافس خية شباب العرب للفوز بن ‪..‬‬
‫ولكن ال تعال شاء أن يضى هذا الزواج لكمة كبى‪ ،‬بل لعدة مقاصد‪ :‬أولا أن يهدم‬
‫التفاخر بالنساب‪ ،‬ويثبت القاعدة الالدة الراشدة (إن أكرمكم عند ال أتقاكم) وليس‬
‫أغناكم أو أعرقكم نسبا أو أفضلكم حسبا ‪..‬‬
‫ولذا نزل قول ال تعال ‪( :‬وما كان لؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون‬
‫لم الية من أمرهم ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضلل مبينا) (الحزاب‪.)36 :‬‬
‫وفور نزول هذه الية الكرية عرف عبد ال بن جحش وأخته زينب رضي ال عنهما أنه‬
‫ل ميد لم عن طاعة ال ورسوله‪ ،‬فقال عبد ال لبن خاله ممد صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((مرن با شئت)) فزوجها صلى ال عليه وسلم من زيد بن حارثة ‪..‬‬
‫وعلى الرغم من إتام الزواج ظلت زينب تستعصي على زيد‪ ،‬وتشمخ عليه بنسبها‬
‫وحسبها‪ ،‬حت ضاق(رضي ال عنه) با ذرعا‪ ،‬وذهب إل النب صلى ال عليه وسلم‬

‫‪467‬‬
‫يستأذنه ف تطليقها لستحالة العشرة بينهما‪ ،‬فأمره النب أن يتقى ال ويسك عليه زوجه‬
‫فل يطلقها ‪..‬‬
‫ف ذلك الوقت أطلع ال تعال رسوله على ما سوف يدث‪ ،‬وهو أن زيد سيطلق زينب‪،‬‬
‫ث يزوجها ال من رسوله المي‪ ،‬ليهدم بذلك قاعدة التبن الت سادت ف الاهلية‪ ،‬إذ‬
‫العدل والصوب هو أن يُـدعى كل ابن لبيه القيقي‪ ،‬وليس لذلك الذي تبناه ‪ ..‬وإذا‬
‫كان السلم يرم إل البد زواج الب من امرأة ابنه‪ ،‬فالمر ليس كذلك ف حالة البن‬
‫بالتبن إذ هو ليس ابنا حقيقيا‪ ،‬وما ينبغي أن يكون ‪.‬‬
‫ونزل قول ال تعال‪( :‬وإذ تقول للذي أنعم ال عليه و أنعمت عليه أمسك عليك زوجك‬
‫واتقِ ال وتفى ف نفسك ما ال مبديه وتشى الناس وال أحق أن تشاه فلما قضى زيد‬
‫منها وطرا زوجناكها لكي ل يكون على الؤمني حرج ف أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن‬
‫وطرا وكان أمر ال مفعول) (الحزاب‪.)37 :‬‬
‫وأفضل تفسي لذه الية الكرية وأقربه إل ما يليق بقام النبوة الشريف النبيل‪ ،‬وما هو‬
‫مقطوع به من عصمة النبياء (صلوات ال وسلمه عليهم) ما قاله المام على بن السي‬
‫بن على بن أب طالب‪( ،‬اللقب بزين العابدين رضي ال عنه) ‪..‬‬
‫روى على بن السي‪ (( :‬أن النب صلى ال عليه و سلم كان قد أُوحي إليه أن زيدا‬
‫سوف يطلق زينب‪ ،‬وأن ال سيزوج رسوله إياها ‪ ..‬فلما شكا زيد للنب صلى ال عليه‬
‫وسلم ما يلقى من أذى زوجته‪ ،‬وأنا ل تطيعه‪ ،‬وأعلمه أنه يريد طلقها‪ ،‬قال له الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم على جهة الدب والوصية‪( :‬اتق ال وأمسك عليك زوجك) ‪ ..‬وهو‬
‫صلى ال عليه و سلم يعلم أنه سيفارقها‪ ،‬ث يتزوجها هو من بعده‪ ،‬وهذا ( العلم ) هو ما‬
‫أخفاه صلى ال عليه وسلم ف نفسه‪ ،‬ول يرد أن يأمره بطلقها ‪ ..‬فعاتبه ال تعال على‬
‫هذا القدر من خشية الناس ف شيء قد أباحه ال له‪ ،‬وقوله لزيد (( أمسك عليك‬
‫زوجك ))‪ ،‬مع علمه بأنه يطلقها‪ ،‬وأعلمه سبحانه أن ال أحق بالشية ف كل حال ))‬
‫‪.‬قال علماؤنا رحهم ال ‪ (( :‬وهذا القول أحسن ما قيل ف تفسي هذه الية‪ ،‬وهو الذي‬
‫عليه أهل التحقيق من الفسرين والعلماء الراسخي‪ ،‬مثل الزهري وبكر بن علء القشيى‬
‫وأبو بكر بن العرب وغيهم‪ .‬ورفض المام ابن كثي (رضي ال عنه) كل رواية أخرى ل‬

‫‪468‬‬
‫تناسب عصمة الرسول ومقام النبوة الرفيع‪ ،‬إذ هي من الوضوع وما ل يصح سنده ول‬
‫معناه‪.‬‬
‫ويعلق المام القرطب على تلك الرواية الاهلية الت تفسر قوله تعال للرسول‪( :‬وتفى ف‬
‫نفسك ما ال مبديه وتشى الناس وال أحق أن تشاه) بأنه صلى ال عليه وسلم أخفى ف‬
‫نفسه هوى لزينب‪ ،‬بقوله‪ (( :‬هذا القول يصدر عن جاهل بعصمة النب صلى ال عليه‬
‫وسلم عن مثل هذا‪ ،‬أو مستخف برمته صلى ال عليه وسلم )) ‪..‬‬
‫وقال الكيم الترمذي ف ((نوادر الصول)) ‪( :‬على بن السي جاء بذا التفسي السليم‬
‫للية من خزانة العلم جوهرة من الواهر ‪ ،‬ودرا من الدرر‪ ،‬فإنه إنا عتب ال عليه أنه‬
‫أعلمك أن هذه ستكون من أزواجك‪ ،‬فكيف قال بعد ذلك لزيد ( أمسك عليك‬
‫زوجك )‪ ،‬وأخذتك خشية الناس أن يقولوا‪ :‬تزوج امرأة ابنه‪ ،‬و( وال أحق أن تشاه ) ‪..‬‬
‫وقال النحاس‪ :‬قال بعض العلماء‪ :‬ليس هذا خطيئة من النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لنه ل‬
‫يؤمر بالتوبة أو بالستغفار منه‪ ،‬وقد يكون الشئ ليس خطيئة‪ ،‬ولكن غيه أحسن منه‪،‬‬
‫وقد أخفى الرسول صلى ال عليه وسلم ذلك ف نفسه خشية أن يفت الناس‪.‬‬
‫واللصة أنه عليه الصلة والسلم تزوج السيدة زينب بنت جحش بعد طلقها من زيد‬
‫بن حارثة بأمر من ال الذي تول سبحانه تزويها له مباشرة‪ ،‬ليهدم بذلك قاعدة التبن إل‬
‫البد‪ ،‬وحت ل يكون هناك حرج على الباء ف الزواج من مطلقات الدعياء‪ ،‬لنم ليسوا‬
‫أبناءهم ‪ ..‬وقد كانت السيدة زينب ابنة عمة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وربيت تت‬
‫رعايته‪ ،‬ولو كان له فيها مأرب لتزوجها منذ البداية‪ ،‬ول يزوجها بنفسه لزيد من قبل ‪..‬‬
‫ومن أقوى ما قيل ف تفنيد مزاعم النافقي حول هذه الية ما قاله فضيلة الشيخ ممد‬
‫الغزال (رحه ال) قال‪ :‬إنم يقولون إن الذي يفيه النب ف نفسه ويشى فيه الناس دون‬
‫الناس هو ميله إل زينب‪ .‬أي أن ال (بزعمهم) يعتب عليه عدم التصريح بذا اليل !!‬
‫ونقول‪ :‬هل الصل الخلقي أن الرجل إذا أحب امرأة أن يشهر با بي الناس ؟ وخاصة‬
‫إذا كان ذا عاطفة منحرفة جعلته يب امرأة رجل آخر ؟!!‬

‫‪469‬‬
‫هل يلوم ال رجل لنه أحب امرأة آخر فكتم هذا الب ف نفسه ؟! وهل كان يرفع‬
‫درجته لو أنه صاغ فيها قصائد غزل ؟!! هذا وال هو السفه! وهذا السفه هو ما يريد‬
‫بعض الغفلي أن يفسر به القرآن !!‬
‫إن ال ل يعاتب أحدا على كتمان حب طائش ‪ ..‬والذي أخفاه النب صلى ال عليه وسلم‬
‫ف نفسه تأذّيه من هذا الزواج الفروض‪ ،‬وتراخيه ف تنفيذ أمر ال به‪ ،‬وخوفه من كلم‬
‫الناس عندما يدون نظام التبن (كما ألفوه) قد انار ‪.‬‬
‫وقد أفهم ال رسوله أن أمره سبحانه ل يوز أن يعطله توهم شئ ما‪ ،‬وأنه (إزاء التكليف‬
‫العلى) ل مفر له من السمع والطاعة‪ ،‬شأن من سبقه من الرسلي‪ ،‬وأعقب الية السابعة‬
‫والثلثي هذه بآيات أخرى تؤكد هذا العن ‪:‬‬
‫(ما كان على النب من حرج فيما فرض ال له سنة ال ف الذين خلوا من قبل وكان أمر‬
‫ال قدرا مقدورا ‪ .‬الذين يبلغون رسالت ال ويشونه ول يشون أحدا إل ال وكفى‬
‫بال حسيبا) (الحزاب‪.)39-38 :‬‬
‫ويضيف الشيخ الغزال‪(( :‬إنك حي تثبت قلب رجل تقول له‪ :‬ل تش إل ال‪ ،‬إنك ل‬
‫تقول له ذلك وهو بصدد ارتكاب معصية ‪ ..‬إنا تقول له ذلك وهو يبدأ القيام بعمل‬
‫فاضل كبي يالف التقاليد الوروثة‪ ،‬وظاهر ف هذه اليات كلها أن ال ل يرئ نبيه على‬
‫حب امرأة‪ ،‬إنا يرئه على إبطال عادة سيئة يتمسك الناس با‪ ،‬عادة التبن‪ ،‬ويراد منه‬
‫كذلك أن ينل على حكمها‪ ،‬لذلك يقول ال تعال بعد ذلك مباشرة‪ ،‬وهو يهدم نظام‬
‫التبن‪( :‬ما كان ممد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول ال وخات النبيي وكان ال بكل‬
‫شيءٍ عليما) (الحزاب‪.)40 :‬‬
‫***‬
‫أما السيدة (صفية بنت حي بن أخطب) زعيم اليهود‪ ،‬فقد وقعت ف السر بعد فتح‬
‫خيب‪ ،‬وكان أبوها وأخوها وزوجها قد قتلوا ف العركة ‪ ..‬ورفقا ورحة با خيها‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم بي إطلق سراحها وإلاقها بقومها إن أرادت البقاء على‬
‫يهوديتها‪ ،‬وبي الزواج منه إن أسلمت‪ ،‬فقالت له‪(( :‬يا رسول ال ‪ ،‬لقد هويت السلم‬
‫وصدقت بك قبل أن تدعون ‪ ..‬وخيتن بي الكفر والسلم‪ ،‬فال ورسوله أحب إل من‬

‫‪470‬‬
‫العتق ومن الرجوع إل قومي)) ‪ ..‬فتزوجها الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وجعل تريرها‬
‫من السر هو مهرها‪.‬‬
‫ومن الواضح أنه كان من الضروري أل يتزوج ابنة ملك اليهود سوى من يفوق أباها‬
‫منلة ومكانة‪ ،‬وهو سيد ولد آدم صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬وليس معقول ول مقبول أن‬
‫تترك هذه السكينة بعد ما كانت فيه من عز ورفاهية ورفعة لن قد يسئ معاملتها‪ ،‬أو‬
‫يضرب وجهها ‪..‬‬
‫ويؤيد هذه الرؤية رواية (دحية الكلب) رضي ال عنه فقد قال للنب صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫أعطن جارية من سب يهود ‪ .‬فقال عليه الصلة والسلم له‪(( :‬اذهب فخذ جارية))‪،‬‬
‫فذهب دحية فأخذ صفية ‪ ..‬فرآها الصحابة فقالوا ‪(( :‬يا رسول ال‪ ،‬إنا سيدة بن قريظة‬
‫وبن النضي‪ ،‬ما تصلح إل لك)) ‪ ..‬فتزوجها صلى ال عليه وسلم لذلك السبب‪.‬‬
‫***‬
‫وذات المر كان دافعا للنب صلى ال عليه وسلم للزواج من السيدة (جويرية بنت الارث‬
‫بن ضرار) زعيم بن الصطلق ‪ ..‬فقد حارب أبوها السلمي‪ ،‬ولقت به هزية منكرة‬
‫كادت تتسبب ف فناء قبيلته أو إذللم أبد الدهر ‪ ..‬فقد سقط الئات من بن الصطلق‬
‫أسرى‪ ،‬ومنهم السيدة جويرية بنت الارث رضى ال عنها ‪ ..‬وجاءت إليه فقالت ‪(( :‬يا‬
‫رسول ال‪ ،‬أنا جويرية بنت الارث سيد قومه ‪ ..‬وقد أصابن من المر ما قد علمت‬
‫[تقصد السر والذل] فوقعت ف سهم ثابت بن قيس فكاتبن على تسع أواق‪ ،‬فأعِن ف‬
‫فكاكي [تطلب معاونته صلى ال عليه وسلم ف دفع التفق عليه لتحريرها من السر] فقال‬
‫لا صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أو خي من ذلك؟ فسألته‪ :‬ما هو؟ فقال صلى ال عليه وسلم‬
‫أؤدي عنك كتابك وأتزوجك‪ ..‬فقالت‪ :‬نعم يا رسول ال‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((قد فعلت))‬
‫‪ ..‬وخرج الب إل الصحابة فقالوا ‪ :‬أصهار رسول ال (يقصدون بن الصطلق) ف السر‬
‫‪ ..‬فجعل الناس يطلقون سراح من عندهم من أسرى بن الصطلق‪ ،‬حت ترروا جيعا‪.‬‬

‫‪471‬‬
‫تقول السيدة عائشة (رضي ال عنها) ((أعتق بتزويج جويرية من النب أهل مائة بيت‪ ،‬فل‬
‫أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها)) ‪ ..‬وقد أسلم قومها جيعا بعد ذلك وحسن‬
‫إسلمهم ‪.‬‬
‫وهكذا كانت هذه الزية بركة وخيا للسلم والسلمي من كل الوجوه‪ ،‬ول تكن‬
‫للستكثار من النساء كما يظن الهلة ويشيع النافقون والستشرقون !!‬
‫ولو كان المر حبا للنساء استكثارا من السناوات لا نزل بعد ذلك أمر من ال للنب‬
‫صلى ال عليه وسلم يظر عليه الزواج بعد من ذكرنا‪ ،‬ولظل الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫حرا يتزوج من شاء‪ ،‬ويطلق من ل يريد ‪ ..‬ومات صلى ال عليه وسلم عن تسع زوجات‬
‫(وكانت السيدتان خدية وزينب بنت خزية قد توفيتا ف حياته) وكان لن نعم الزوج‬
‫والعشي ‪ ..‬وصدق فيه قول رب العزة‪( :‬وما أرسلناك إل رحة للعالي) (النبياء‪.)107 :‬‬
‫=====================‬
‫شائل الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫أكرم ال نبيه صلى ال عليه وسلم بفضائل جّة ‪ ،‬وصفات عدة‪ ،‬فأحسن خ ْلقَه وأت‬
‫خُلقه‪ ،‬حت وصفه تعال بقوله‪ {:‬وإنك لعلى خلق عظيم } (القلم‪ ،)4:‬ومنحه جل وعل‬
‫ل عن مكانة‬ ‫فضائل عديدة‪ ،‬وخصائص كثية‪ ،‬تيز با صلى ال عليه وسلم عن غيه‪ ،‬فض ً‬
‫النبوة الت هي أشرف الراتب‪ ،‬ونتناول ف السطر التالية شيئا من فضائله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫فمنها أنه خليل الرحن فعن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ( :‬أل إن أبرأ إل كل خل من خله‪ ،‬ولو كنت متخذا خليلً‪ ،‬لتذت أبا‬
‫بكر خليل‪ ،‬إن صاحبكم خليل ال ) رواه مسلم ‪ .‬وهذه الفضيلة ل تثبت لحد غي نبينا‬
‫وإبراهيم الليل عليهما الصلة والسلم‪.‬‬
‫ومن فضائله أنه شهيد وبشي‪ ،‬فعن عقبة بن عامر أن النب صلى ال عليه وسلم خرج‬
‫يوما‪ ،‬فصلى على أهل أُحد صلته على اليت‪ ،‬ث انصرف إل النب‪ ،‬فقال‪ ( :‬إن فرط لكم‬
‫‪ -‬أي سابقكم ‪ ، -‬وأنا شهيد عليكم‪ ،‬وإن وال لنظر إل حوضي الن‪ ،‬وإن أُعطيت‬

‫‪472‬‬
‫مفاتيح خزائن الرض‪ ،‬أو مفاتيح الرض‪ ،‬وإن وال ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي‪،‬‬
‫ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ) متفق عليه‪.‬‬

‫ومن فضائله أنه أول بالؤمني من أنفسهم‪ ،‬قال تعال‪ { :‬النب أول بالؤمني من‬
‫أنفسهم } (الحزاب‪.)6:‬‬
‫قال الشوكان ف تفسيه "فتح القدير" ‪" :‬فإذا دعاهم النب صلى ال عليه وسلم لشيء‪،‬‬
‫ودعتهم أنفسهم إل غيه‪ ،‬وجب عليهم أن يقدموا ما دعاهم إليه‪ ،‬ويؤخروا ما دعتهم‬
‫أنفسهم إليه ‪ ،‬ويب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لنفسهم‪ ،‬ويقدموا طاعته على ما‬
‫تيل إليه أنفسهم‪ ،‬وتطلبه خواطرهم"‪.‬‬
‫ومن فضائله صلى ال عليه وسلم أنه سيد ولد بن آدم‪ ،‬فقد ثبت عن أب هريرة رضي ال‬
‫عنه أنه قال‪ ( :‬كنا مع النب صلى ال عليه وسلم ف دعوة‪ ،‬فرفع إليه الذراع وكانت‬
‫تعجبه‪ ،‬فنهس منها نسة‪ ،‬وقال أنا سيد القوم يوم القيامة ) متفق عليه‪.‬‬
‫وهو صلى ال عليه وسلم أمان لمته‪ ،‬حيث جاء ف الديث الصحيح ( النجوم أمنة‬
‫للسماء‪ ،‬فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد‪ ،‬وأنا أمنة لصحاب‪ ،‬فإذا ذهبتُ أتى‬
‫أصحاب ما يوعدون‪ ،‬وأصحاب أمنة لمت‪ ،‬فإذا ذهب أصحاب أتى أمت ما يوعدون )‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬
‫ومن فضائله صلى ال عليه وسلم أنه أول من تنشق عنه الرض‪ ،‬وأول من يشفع ‪ ،‬فعن‬
‫أب هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ( :‬أنا سيد ولد آدم يوم القيامة‪ ،‬وأول‬
‫من ينشق عنه القب‪ ،‬وأول شافع‪ ،‬وأول مشفع ) رواه مسلم ‪ ،‬وهو صاحب القام الحمود‬
‫ففي حديث ابن عمر رضي ال عنهما ( إن الناس يصيون يوم القيامة جثا ‪ -‬أي جالسي‬
‫على ركبهم ‪ ،-‬كل أمة تتبع نبيها‪ ،‬يقولون يا فلن اشفع‪ ،‬يا فلن اشفع‪ ،‬حت تنتهي‬
‫الشفاعة إل النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فذلك يوم يبعثه ال القام الحمود ) رواه البخاري‬
‫‪.‬‬
‫تلك هي بعض فضائل نبينا الكري‪ ،‬ورسولنا العظيم‪ ،‬الذي اختاره ال ليكون خات الرسل‬
‫الكرمي ورحة للخلق أجعي‪ ،‬نسأل ال أن يمعنا به‪ ،‬ويدخلنا مُدخله‪ ،‬وأل يرمنا‬
‫شفاعته يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى ال بقلب سليم ‪.‬‬

‫‪473‬‬
‫=================‬
‫حقيقة مبة النب صلى ال عليه وسلم‬

‫د ‪ :‬أبو صهيب الرهوان‬


‫<‪>TD< tr/‬‬

‫على اثر العتداء على رسولنا العظيم ثارت مشاعر السلمي ف مشارق الرض ومغاربا‬
‫تعب عن سخطها ورفضها لذا السلوك العدوان الظال وهي ثورة ناتة ف أساسها عن‬
‫حب السلمي لنبيهم الكري وهو شيء ممود إل أن هذا الب عند تحيصه والتأمل ف‬
‫حقيقته يتبي أنه ل يرقى ال الستوى الطلوب وهو ما سنحاول بيانه من خلل هذه‬
‫الصفحات التالية ‪:‬‬

‫أول ‪ :‬وجوب مبة النب صلى ال عليه وسلم‬


‫لكن دعونا ف البداية نبي أن مبة النب ليست كسائر الحبة لي شخص نعم إن مبة النب‬
‫صلى ال عليه وسلم عبادة عظيمة نعبد با ال عز و جل وقربة نتقرب با من خللا إليه‬
‫و أصل عظيم من أصول الدين ودعامة أساسية من دعائم اليان كما قال تعال "{النب‬
‫أول بالؤمني من أنفسهم}‪،‬وكما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "والذي نفسي‬
‫بيده ليؤمن أحدكم حت أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجعي"‪.‬‬
‫[البخاري]‬
‫وف الصحيح أيضا أن عمر رضي اللّه عنه‪ :‬يا رسول اللّه‪ ،‬واللّه لنت أحب إلّ من كل‬
‫شيء إل من نفسي‪ ،‬فقال صلى اللّه عليه وسلم‪" :‬ل يا عمر حت أكون أحب إليك من‬
‫نفسك" فقال‪ :‬يا رسول اللّه واللّه لنت أحب إلّ من كل شيء حت من نفسي‪ ،‬فقال‬
‫صلى اللّه عليه وسلم‪" :‬الن يا عمر "‬
‫إذن فمحبة النب صلى ال عليه وسلم ليست أمرا ثانويا أو أمرا مي فيه إن شاء الرء أحبه‬
‫وإن شاء ل يبه بل هي واجب على كل مسلم وهي من صميم اليان ولبد لذا الب‬
‫أن يكون أقوى من أي حب ولو كان حب الرء لنفسه ‪.‬‬

‫‪474‬‬
‫لاذا نب النب ؟‬
‫ثانيا ‪-‬بواعث مبة النب صلى ال عليه وسلم‬

‫‪ -1‬موافقة مراد ال تعال ف مبته‬


‫لا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم هو أحب اللق ال ال تعال فقد اتذه خليل‬
‫وأثن عليه مال يثن على غيه كان لزاما على كل مسلم أن يب ما يب ال وذلك من‬
‫تام مبته سبحانه‬
‫‪ -2‬مقتضى اليان‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم مبينا أن من مقتضى اليان حب النب صلى ال عليه‬
‫وسلم وإجلله وتوقيه "والذي نفسي بيده ليؤمن أحدكم حت أكون أحب إليه من نفسه‬
‫وماله وولده والناس أجعي"‪[ .‬البخاري]‬
‫‪ -3‬ميزات النب صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫فرسول ال صلى ال عليه وسلم أ شرف الناس وأكرم الناس وأطهر الناس وأعظم الناس‬
‫ف كل شيء وهذه كلها دواعي لن يكون صلى ال عليه وسلم أحب الناس ‪.‬‬
‫‪ -4‬شدة مبته لمته وشفقته عليها ورحته با‬
‫كما وصفه ربه " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم‬
‫بالؤمني رؤوف رحيم‪ "،‬ولذلك أرجأ استجابة دعوته شفاعة لمته غدا يوم القيامة‬
‫‪ -5‬بذل جهده الكبي ف دعوة أمته‬
‫وإخراج الناس من الظلمات ال النور‬

‫ثالثا ‪ :‬دلئل مبته صلى ال عليه وسلم ومظاهر تعظيمه‬

‫‪ -1‬تقدي النب صلى ال عليه وسلم على كل أحد‬


‫قال تعال " {يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بي يدي ال ورسوله واتقوا ال إن ال سيع‬
‫عليم"‬

‫‪475‬‬
‫وقال سبحانه " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيتكم وأموال‬
‫اقترفتموها وتارة تشون كسادها ومساكن ترضونا أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد‬
‫ف سبيله فتربصوا حت يأت ال بأمره وال ل يهدي القوم الفاسقي" فعلمة حب النب‬
‫صلى ال عليه وسلم أن ليقدم عليه أشيء مهما كان شأنه ‪.‬‬

‫‪ -2‬سلوك الدب معه صلى ال عليه وسلم‬


‫ويتحقق بالمور التالية ‪:‬‬
‫* الثناء عليه والصلة والسلم عليه لقوله تعال ""إن ال وملئكته يصلون على النب يا أيها‬
‫الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"‬
‫* التأدب عند ذكره بأن ل يذكره مرد السم بل مقرونا بالنبوة أو الرسالة كما قال تعال‬
‫""ل تعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا"قال سعيد بن جبي وماهد‪ :‬العن‬
‫قولوا يا رسول ال‪ ،‬ف رفق ولي‪ ،‬ول تقولوا يا ممد بتجهم‪ .‬وقال قتادة‪ :‬أمرهم أن‬
‫يشرفوه ويفخموه‪.‬‬
‫* الدب ف مسجده وكذا عند قبه وترك اللغط ورفع الصوت‬
‫* توقي حديثه والتأدب عند ساعه وعند دراسته كما كن يفعل سلف المة وعلماءها ف‬
‫إجلل حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وكان مالك إذا أراد أن يلس (أي للتحديث) توضأ وضوءه للصلة‪ ،‬ولبس أحسن ثيابه‪،‬‬
‫وتطيّب‪ ،‬ومشط ليته‪ ،‬فقيل له ف ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أوقّر به حديث رسول ال‪.‬‬
‫و كان سعيد بن السيب وهو مريض يقول أقعدون فإن أعظم أن أحدث حديث رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وأنا مضطجع"‬

‫‪ :3‬تصديقه صلى ال عليه وسلم فيما أخب به‬


‫وهذا من أصول اليان وركائزه ومن الشواهد ف هذا الباب ما ناله ابو بكر من لقب‬
‫الصديق فعن عروة‪ ،‬عن عائشة ‪-‬رضي ال تعال عنها‪ -‬قالت‪:‬‬
‫لا أسري بالنب ‪-‬صلّى ال عليه وسلّم‪ -‬إل السجد القصى‪ ،‬أصبح يتحدث الناس بذلك‪،‬‬
‫فارتد ناس‪.‬فمن كان آمنوا به وصدقوه وسعوا بذلك إل أب بكر ‪-‬رضي ال تعال عنه‪،-‬‬

‫‪476‬‬
‫فقالوا‪:‬هل لك إل صاحبك‪ ،‬يزعم أنه أسري به الليلة إل بيت القدس‪ ،‬قال‪:‬أو قال‬
‫ذلك؟قالوا‪ :‬نعم‪.‬قال‪ :‬لئن كان قال ذلك لقد صدق‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬أو تصدقه أنه ذهب الليلة إل بيت القدس‪ ،‬وجاء قبل أن يصبح‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬إن لصدقه فيما هو أبعد من ذلك‪ ،‬أصدقه بب السماء ف غدوة أو‬
‫روحة‪.‬فلذلك سي أبو بكر الصديق‪.‬هذا حديث صحيح السناد‪ ،‬ول يرجاه‪.‬‬

‫‪ : 4‬اتباعه صلى ال عليه وسلم وطاعته والهتداء بديه‬


‫فطاعة الرسول هي الثال الي والصادق لحبته ولذا قال تعال ""قل إن كنتم تبون ال‬
‫فاتبعون يببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم وال غفور رحيم"‬
‫والقتداء به صلى ال عليه وسلم من أكب العلمات على حبه ‪:‬‬
‫قال تعال " لقد كان لكم ف رسول ال أسوة حسنة لن كان يرجو ال واليوم الخر‬
‫وذكر ال كثيا"‬
‫فالؤمن الذي يب النب صلى ال عليه وسلم هو الذي يقلده ف كل شيء ف العبادة وف‬
‫الخلق وف السلوك وف العاملت وف الداب كما كان شأن الصحابة الكرام فعن نافع‬
‫قال لو نظرت ال ابن عمر ف اتباعه لرسول ال صلى ال عليه وسلم لقلت هذا منون وما‬
‫يروى عنه ف هذا الباب‬

‫‪ :5‬الدفاع عنه صلى ال عليه وسلم‬


‫إن الدفاع عن رسول ال ونصرته علمة من علمات الحبة والجلل ‪.‬‬
‫وقد سطر الصحابة أروع المثلة وأصدق العمال ف الدفاع رسول ال وفدائه بالموال‬
‫والولد والنفس ف النشط والكره ‪.‬كما قال تعال " للفقراء الهاجرين الذين أخرجوا‬
‫من ديارهم وأموالم يبتغون فضل من ال ورضوانا وينصرون ال ورسوله أولئك هم‬
‫الصادقون"‬
‫والدفاع عن النب صلى ال عليه وسلم بعد موته أنواع نذكر منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬نصرة دعوته ورسالته بكل ما يلك الرء من مال ونفس ‪....‬‬

‫‪477‬‬
‫‪ -2‬الدفاع عن سنته صلى ال عليه وسلم ‪:‬بفظها وتنقيحها وحايتها ورد الشبهات عنها‬
‫‪.‬‬
‫‪ -3‬نشر سنته صلى ال عليه وسلم وتبليغها خاصة وأن النب صلى ال عليه وسلم قد أمر‬
‫بذلك ف أحاديث كثية كقوله" فليبلغ الشاهد الغائب " وقوله "بلغوا عن ولو آية "‬

‫رابعا "حال الصحابة ف مبتهم للنب صلى ال عليه وسلم‬


‫لقد أحب الصحابة الكرام رسول ال صلى ال عليه وسلم حبا ليس له نظي وصل ال‬
‫درجة أن افتدوه بأنفسهم وأموالم وأولدهم وآباءهم ‪:‬‬

‫ناذج متلفة‬

‫* من الشباب ‪ :‬علي ابن أب طالب ونومه ف فراش النب صلى ال عليه وسلم‬
‫ليلة أن أراد الشركون قتله‬
‫وسئل علي بن أب طالب كيف كان حبكم لرسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال ‪ :‬كان وال أحب إلينا من أموالنا واولدنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الاء البارد على الظمأ‬

‫* من الرجال ‪:‬‬
‫قصة قتل زيد بن الدثنة ‪ .،‬قال ابن إسحاق ‪ :‬اجتمع رهط من قريش ‪ ،‬فيهم أبو سفيان بن‬
‫حرب ؛ فقال له أبو سفيان حي قدم ليقتل ‪ :‬أنشدك ال يا زيد ‪ ،‬أتب أن ممدا عندنا‬
‫الن ف مكانك نضرب عنقه ‪ ،‬وأنك ف أهلك ؟ قال ‪ )126 /4( :‬وال ما أحب أن‬
‫ممدا الن ف مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه ‪ ،‬وأن جالس ف أهلي ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫يقول أبو سفيان ‪ :‬ما رأيت من الناس أحدا يب أحدا كحب أصحاب ممدٍ ممدا‬
‫* أخرج الطبان وحسنه عن عائشة قالت‪ :‬جاء رجل إل النب صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫"يا رسول ال إنك لحب إل من نفسي‪ ،‬وإنك لحب إل من ولدي‪ ،‬وإن لكون ف‬
‫البيت فأذكرك فما أصب حت آت فأنظر إليك‪ ،‬وإذا ذكرت موت وموتك عرفت انك إذا‬
‫دخلت النة رفعت مع النبيي‪ ،‬وأن إذا دخلت النة خشيت أن ل أراك‪ .‬فلم يرد عليه‬

‫‪478‬‬
‫النب صلى ال عليه وسلم شيئا حت نزل جبيل بذه الية {ومن يطع ال والرسول‬
‫فأولئك مع الذين أنعم ال عليهم‪ }...‬الية"‪.‬‬

‫* من النساء ‪:‬‬
‫أخرج ابن إسحاق‪ :‬عن سعد بن أب وقاص قال‪ :‬مر رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بامرأة من بن دينار وقد أصيب زوجها‪ ،‬وأخوها‪ ،‬وأبوها مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بأحد‪ ،‬فلما نعوا لا قالت‪ :‬ما فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟‬
‫قالوا‪ :‬خيا يا أم فلن‪ ،‬هو بمد ال كما تبي‪.‬‬
‫قالت‪ :‬أرونيه حت أنظر إليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأشي لا إليه‪ ،‬حت إذا رأته قالت‪ :‬كل مصيبة بعدك جلل‪.‬‬

‫خامسا ‪:‬جزاء مبة النب‬


‫روى البخاري عَنْ َأَنسِ بْ ِن مَالِكٍ‪:‬‬
‫ل عََليْ ِه َوسَلّمَ‪َ :-‬مَتىَ السّا َعةُ ؟‬
‫أَنّ َأعْرَابِيّا قَالَ ِل َرسُولِ الِ ‪-‬صَلّى ا ُ‬
‫ل وَ َرسُولِهِ‪.‬قَالَ‪:‬‬
‫ل عََليْهِ َوسَلّمَ‪" :-‬مَا أَعْ َددْتَ َلهَا؟"قَالَ‪ُ :‬حبّ ا ِ‬
‫صلّى ا ُ‬ ‫قَالَ لَهُ َرسُولُ الِ ‪َ -‬‬
‫ت مَ َع مَنْ أَ ْحَبْبتَ"‪ .‬قال أنس فما رأيت السلمي فرحوا بعد السلم بشيء ما فرحوا‬ ‫"َأنْ َ‬
‫به‪ .‬فنحن نب رسول ال صلى ال عليه وسلم ول نستطيع أن نعمل كعمله فإذا كنا معه‬
‫فحسبنا‪.‬‬
‫==================‬
‫النبّ العظيم والرحة الهداة بي وفاء الؤمني وإيذاء الشركي‬

‫‪"=FPRIVATE "TYPE=PICT;ALT‬‬
‫غلف الندى السلم العدد ‪123‬‬
‫‪www.alnahwi.com‬‬

‫أنعم ال تبارك وتعال على هذه المة نب الدى { الذي أخرج الناس من الظلمات إل‬
‫النور‪ ،‬فهو الرحة الهداة‪ ،‬والنعمة السداة‪ ،‬وهو خات النبيي‪ ،‬وسيد الرسلي‪ ،‬ومبته واجبة‬

‫‪479‬‬
‫على اللق أجعي‪ ،‬وقد نصره وأحبه كل مؤمن تقي‪ ،‬وخذله وآذاه كل منافق ومشرك‪،‬‬
‫والكاتب ينفع ال به ‪ -‬أبان ف هذا القال هذه الصور بشكل دقيق وبيان لطيف‪.‬‬

‫‪ -1‬ثناء من ال سبحانه وتعال على رسوله الكري { ‪:‬‬

‫يا أيها النب إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( ‪ ) 45‬وداعيا إل ال بإذنه وسراجا منيا‬
‫( ‪ ) 46‬وبشر الؤمني بأن لم من ال فضل كبيا ( ‪ ) 47‬ول تطع الكافرين والنافقي‬
‫ودع أذاهم وتوكل على ال وكفى" بال وكيل ( ‪{ ) 48‬الحزاب‪.}48 - 45 :‬‬
‫مهما كتب الصادقون من ثناء على النبّ العظيم‪ ،‬سيد الرسلي ممد {‪ ،‬ومهما ألّفوا من‬
‫ب الات‪ ،‬ومهما نظَم الشعراء من قصائد ف مديح‬ ‫كتب وقدّموا من دراسات عن عظمة الن ّ‬
‫ب الصطفى‪ ،‬فلن يبلغ ذلك كله ما أثن به ال على رسوله الذي اصطفاه وبعثه رحة‬ ‫الن ّ‬
‫للعالي‪ .‬وحَسْبك هذا الوصف الذي تعرضه اليات الكرية أعله‪ ،‬ياطب با ال سبحانه‬
‫وتعال رسوله ونبيّه‪ ،‬فيبيّن له حقيقة الهمة الت بُعث با‪ :‬شاهدا على ُأ ّمتِكَ وقد بلّغتَهم‬
‫وأقمتَ عليهم الجّة وعلى الناس كافّة‪ ،‬ومبشرا للمؤمني بالنّة والفضل العظيم من ال‪،‬‬
‫ونذيرا للكافرين من عذاب النار يوم القيامة‪ ،‬وداعيا يبلّغ رسالة ربّه‪ ،‬الرسالةَ الاتة‪ ،‬إل‬
‫الناس كافة‪ ،‬رسالة ظاهرة مشرقة كالشمس بصدقها وحجتها وآياتا‪ .‬ول تطع الذين‬
‫أدبروا عن الدى‪ ،‬ول تبالِ بأذاهم وامضِ متوكلً على ال‪ ،‬على خطّة جليّة‪ ،‬ونج قوي‪،‬‬
‫وصراط مستقيم‪ ،‬ل يعطله إيذاء الجرمي !‬
‫وتتوال اليات الكرية تعرض عظمة النبّ الذي اصطفاه ال واختاره وبعثه بالدى ودين‬
‫الق‪ ،‬تعرض وتيط بوانب عظمته ف بيان معجز وعرض حق ‪ .‬ول نستطيع هنا أن نورد‬
‫اليات كلها ف هذا الصدد‪ ،‬ولكننا نأخذ قبسات تشي وتد ّل ‪ :‬وإنك لعلى" خلق عظيم‬
‫‪{ 4‬القلم‪.}4 :‬‬

‫وما أعظم هذا الثناء من ربّ العالي‪ ،‬يبز فيه سبحانه وتعال أهية الُلُق ف دين ال‪،‬‬
‫ومنلته ف حياة الناس‪ ،‬ودوره ف الوفاء بالمانة والعهد‪ ،‬والتبليغ والتعهد‪ .‬ولتكون نباسا‬
‫للخَلْقِ كلِّهم‪ ،‬للبشريّة كلّها‪ ،‬حت يتمسكوا بذا البدأ العظيم‪ ،‬ويتأسّوا بُلُق الرسول {‪:‬‬

‫‪480‬‬
‫لقد كان لكم ف رسول ال أسوة حسنة لن كان يرجو ال واليوم الخر وذكر ال كثيا‬
‫‪{ 21‬الحزاب‪.}21 :‬‬
‫ويرفع ال منلة النب { بي الؤمني وبي اللق جيعا‪ ،‬حت يكون أول بالؤمني من‬
‫أنفسهم‪ ،‬وزوجاته أمهاتم ‪:‬‬
‫النب أول" بالؤمني من أنفسهم وأزواجه أمهاتم وأولوا الرحام بعضهم أول" ببعض ف‬
‫كتاب ال من الؤمني والهاجرين إل أن تفعلوا إل" أوليائكم معروفا كان ذلك ف‬
‫الكتاب مسطورا ‪{ 6‬الحزاب‪.}6 :‬‬
‫وهذه النلة العالية والصفات السامية تتمع ف رجل أمّيّ ل يقرأ ول يكتب‪ ،‬وبعثه ال‬
‫بذه العجزة العظيمة ليدحض ال با أقوال الفترين ومزاعم الضلّي‪:‬‬
‫قل يا أيها الناس إن رسول ال إليكم جيعا الذي له ملك السموات والرض ل إله إل‬
‫هو ييي وييت فآمنوا بال ورسوله النب المي الذي يؤمن بال وكلماته واتبعوه لعلكم‬
‫تتدون ‪{ 158‬العراف‪.}158 :‬‬
‫وأمر ال الؤمني باحترام الرسول { بأسلوب الديث وعدم رفع الصوت وعدم تقدي‬
‫الرأي بي يديه‪ ،‬وجعل ال الخلل بذلك مبطلً لعمالم‪ .‬إنه إجلل للنبوة ولنلتها‬
‫العالية ‪:‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا بي يدي ال ورسوله واتقوا ال إن ال سيع عليم ‪ 1‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النب ول تهروا له بالقول كجهر بعضكم‬
‫لبعض أن تبط أعمالكم وأنتم ل تشعرون ‪{ 2‬الجرات‪.}2 ،1 :‬‬
‫وحَسْبك من ثناء ال على رسوله { أن اختاره واصطفاه من خلقه‪ ،‬ليحمل هذه الرسالة‬
‫العظيمة‪ ،‬وجعل طاعة الرسول من طاعة ال‪ ،‬ومعصيته من معصية ال سبحانه وتعال‪،‬‬
‫وإيذاءه يلب غضب ال ولعنته ‪:‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال ورسوله ول تولوا عنه وأنتم تسمعون ‪ 20‬ول تكونوا‬
‫كالذين قالوا سعنا وهم ل يسمعون ‪{ 21‬النفال‪.}21 ،20 :‬‬
‫قل أطيعوا ال وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنا عليه ما حل وعليكم ما حلتم وإن تطيعوه‬
‫تتدوا وما على الرسول إل البلغ البي ‪{ 54‬النور‪.}54 :‬‬

‫‪481‬‬
‫من يطع الرسول فقد أطاع ال ومن تول" فما أرسلناك عليهم حفيظا ‪{ 80‬النساء‪:‬‬
‫‪.}80‬‬
‫إن الذين يؤذون ال ورسوله لعنهم ال ف الدنيا والخرة وأعد لم عذابا مهينا ‪57‬‬
‫{الحزاب‪.}57 :‬‬
‫وأيّ ثناء أعظم من أن يعل ال طاعة رسوله { من طاعته‪ ،‬قاعدة إيانيّة رئيسة يلتزم با‬
‫الؤمنون أبد الدهر ‪ .‬ولتكون طاعة ال ورسوله هي القاعدة الامعة للمؤمني صفا واحدا‬
‫ما التزموا ذلك !‬
‫ويظ ّل الثناء على رسوله { ثناءً متدا أبد الدهر‪ ،‬كلما تل مؤمن كتاب ال‪ ،‬يردّد مع‬
‫التلوة ثناء ال على رسوله {‪ ،‬كما يقول الشاعر ‪:‬‬
‫سبُكَ الَ ْدحُ َأنْ تكون عَلَى خُلْ‬ ‫حَ ْ‬
‫قٍ عَظيمٍ ُيتْلَى بِ ِه الكِتابُ الُجيدُ‬
‫ب وَذِ ْكرٍ‬
‫ي مِ َن الكِتا ِ‬‫كُلّ آ ٍ‬
‫ُهوَ ذِكْرٌعلى ال ّزمَانِ َجدِيدُ(‪)1‬‬
‫‪ -2‬عناية ال ورعايته‪ ،‬وتثبيته وحايته ‪:‬‬
‫ول يقف المر عند ثناء ال على رسوله النب الصطفى فحسب‪ ،‬ولكن مع هذا الثناء تتد‬
‫رعاية ال سبحانه وتعال رعاية حانية‪ ،‬تنو على الرسول الكري وهو يش ّق سبيله بي‬
‫صخور وعقبات‪ ،‬وشدّة إيذاء وعظيم ابتلء‪ .‬ويتدّ مع الرعاية والنو توجيهٌ وتثبيتٌ ومددٌ‬
‫بالوحي واللئكة والنور الذي ُأنْزل‪ ،‬كلّ ذلك ليبعث ف نفسه الطمأنينة‪ ،‬وف قلبه الثبات‬
‫والعزية‪ ،‬ومع مسيته الصب والثقة والستبشار‪ .‬ولنتدبّر بعض القبسات من كتاب ال‬
‫تضيء لنا هذه القائق ‪:‬‬
‫وتوكل على العزيز الرحيم ‪ 217‬الذي يراك حي تقوم ‪ 218‬وتقلبك ف‬
‫الساجدين ‪ 219‬إنه هو السميع العليم ‪{ 220‬الشعراء‪.}220 - 217 :‬‬
‫وتضي هذه الرعاية ف كلّ أحوال الرسول {‪ ،‬وهو يتلقّى اليذاء الشديد من قريش‪،‬‬
‫والعدوان والطاردة‪ ،‬والكيد والتآمر والكر من اليهود ومن قريش ومن الحزاب كلها‪،‬‬
‫حي تمّعت والتقت على حربه ‪:‬‬

‫‪482‬‬
‫واصب لكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بمد ربك حي تقوم ‪ 48‬ومن الليل فسبحه‬
‫وإدبار النجوم ‪{ 49‬الطور‪.}49 ،48 :‬‬
‫وتتد هذه الرعاية الانية إل التوجيه والتثبيت ف مواقف الشدّة والكيد والكر‪ ،‬مع كلّ‬
‫مرحلة من مراحل الدعوة ‪:‬‬
‫وما خلقنا السموات والرض وما بينهما إل بالق وإن الساعة لتية فاصفح الصفح‬
‫الميل ‪ 85‬إن ربك هو اللق العليم ‪ 86‬ولقد آتيناك سبعا من الثان والقرآن‬
‫العظيم ‪ 87‬ل تدن عينيك إل" ما متعنا به أزواجا منهم ول تزن عليهم واخفض‬
‫جناحك للمؤمني ‪ 88‬وقل إن أنا النذير البي ‪{ 89‬الجر‪.}89 - 85 :‬‬
‫نعم ! وقل إن أنا النذير البي ! إعلن حاسم للرسالة‪ ،‬سيعقبه اليذاء والستهزاء من‬
‫الشركي ‪ .‬فيأمره ال بالضيّ دون أن يأبه بالشركي ول بإيذائهم‪ ،‬فهو ماضٍ على نج‬
‫قوي وصراط مستقيم‪ ،‬وقد تعهّد ال بأن يكفيه الستهزئي‪:‬‬
‫فاصدع با تؤمر وأعرض عن الشركي ‪ 94‬إنا كفيناك الستهزئي ‪ 95‬الذين‬
‫يعلون مع ال إلا آخر فسوف يعلمون ‪{ 96‬الجر‪.}96 - 94 :‬‬
‫ويشت ّد اليذاء على رسول ال {‪ ،‬ويشتدّ الكر والكيد‪ ،‬وتظ ّل رعاية ال لنبيّه حانية متدة‪،‬‬
‫حت إذا حاولوا أن يفتنوا الرسول { عن الذي أوحى به ال إليه‪ ،‬كانت الرعاية الربّانيّة‬
‫حانية توجّه وتثبّت وتنصر ‪:‬‬
‫وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيه وإذا لتذوك خليل ‪73‬‬
‫ولول أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليل ‪ 74‬إذا لذقناك ضعف الياة‬
‫وضعف المات ث ل تد لك علينا نصيا ‪{ 75‬السراء‪. }75 - 73 :‬‬
‫وكما يتدّ مكر الشركي والكيد برسول ال {‪ ،‬تت ّد عناية ال برسوله وحايته له‪:‬‬
‫وإن كادوا ليستفزونك من الرض ليخرجوك منها وإذا ل يلبثون خلفك إل قليل ‪76‬‬
‫سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ول تد لسنتنا تويل ‪{ 77‬السراء‪.}77 ،76 :‬‬
‫تثبيت ويقي يتنّل على رسول ال {‪ ،‬وإنذار شديد للكافرين يذهب بكرهم وكيدهم‪:‬‬
‫‪ ...‬وإذا ل يلبثون خلفك إل قليل ! سينل بم عذاب ال! وكذلك ت ّدبّرْ هذه اليات‬
‫التالية لترى عظمة الرعاية وجلل النو وقوة التثبيت ‪:‬‬

‫‪483‬‬
‫وإذ يكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يرجوك ويكرون ويكر ال وال خي‬
‫الاكرين ‪{ 30‬النفال‪.}30 :‬‬
‫وكذلك ‪:‬‬
‫وقد مكروا مكرهم وعند ال مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه البال ‪ 46‬فل‬
‫تسب ال ملف وعده رسله إن ال عزيز ذو \نتقام ‪{ 47‬إبراهيم‪.}47 ،46 :‬‬
‫ولقد ثبت رسول ال {‪ ،‬ومضى ف دعوته بي كيد الكافرين ومكر الشركي‪ ،‬وبي رعاية‬
‫ال وحايته حت من الستهزئي‪ :‬إنا كفيناك الستهزئي ! واستمع إل قوله سبحانه وتعال‬
‫يدّ الرعاية لرسوله الكري‪:‬‬
‫فإن آمنوا بثل ما آمنتم به فقد \هتدوا وإن تولوا فإنا هم ف شقاق فسيكفيكهم ال وهو‬
‫السميع العليم ‪{ 137‬البقرة‪.}137 :‬‬
‫نعم ! فسيكفيكهم ال ! وقد كفاه الستهزئي والاكرين‪ ،‬فأخذهم ال بلك من عنده‪،‬‬
‫ويتدّ وعد ال هذا إل أبد البدين على سنن ل ثابتة وقضاء نافذ وقدر غالب وحكمة‬
‫بالغة‪.‬‬
‫ولو راجعنا السية لوجدنا أن الستهزئي كانوا كثيين‪ .‬فأما " أبو لب " فقد بشره ال‬
‫باللك ف الدنيا واللود ف النار بالخرة‪ .‬فأصيب أبو لب برض مات فيه شر ميتة‪ ،‬ول‬
‫يقدروا على تغسيله لشدّة الرائحة الكريهة الت كانت ترج من جسده الذي ينسلخ‬
‫ويتساقط‪ .‬وأبو جهل قتل ف بدر‪ ،‬والنضر ابن الارث ُأسِرَ ف بدر وأمر الرسول‬
‫{ بضرب عنقه‪ .‬والسود بن يغوث أصابته السموم ومرض الكلة‪ ،‬فامتل جسمه قيحا‬
‫فمات شرّ ميتة‪ .‬والارث بن قيس السهمي مات بالذبة‪ .‬وأُبّ بن خلف وأميّة بن خلف‬
‫كانا من أشدّ من آذى رسول ال { وعداوة له واستهزاء به‪ ،‬فهلك أمية ف بدر وأُبّ ف‬
‫أُحد‪ .‬وأبو قيس بن الفاكه بن الغية هلك على يد حزة رضي ال عنه‪ .‬والعاص بن وائل‬
‫السهمي‪ ،‬فقد هلك هذا الشرك ف مكة بلدغة حيّة ف رجله فانتفخت رجله حت مات‪.‬‬
‫وكذلك َنبِيْه و ُمنَبّه ابنا الجاج السّهميّان‪ ،‬والسود بن الطلب ابن أسد‪ ،‬وطعيمة بن‬
‫عديّ بن نوفل‪ ،‬ومالك بن الطلطلة بن عمرو بن غبشان‪ ،‬وركانة بن عبد يزيد‪ ،‬والوليد‬
‫ابن الغية(‪ .)2‬وحشد من اليهود والشركي‪ ،‬ردّ ال استهزاءَهم ومكرهم على أنفسهم‬

‫‪484‬‬
‫وباؤوا بسران ف الدنيا والخرة‪ .‬وذهب ذكرهم وطُوي‪ ،‬وظلّ ممد{ يشرق مع الدهر‬
‫ذكرا حيدا ف السماء وحيدا ف الدنيا‪:‬‬
‫َأيّها الصطفى! َتفَرّدْتَ ف الَلْ‬
‫قِ نَِبيّا عُلَك أُفْقٌ فَرِيدُ‬
‫ت َمعْنَى الوَفَاءِ‪ :‬ذِكْ ُركَ ف الَرْ‬
‫َأنْ َ‬
‫ضِ حيدٌ وف السّماءِ حَميدُ(‪)3‬‬
‫وظلّ أعداء ممد { هم أعداء الدين الق‪ ،‬ظلّوا متدّين مع الزمن يكيدون ويستهزئون‪،‬‬
‫ويُرَدّ كيدهم إل نورهم‪ ،‬وهم دائما ‪ :‬الكافرون والشركون والنافقون واليهود وفريق‬
‫من النصارى‪ ،‬حيث ما زال منهم من يؤمن بذا الدين ‪:‬‬
‫وكذلك جعلنا لكل نب عدوا شياطي النس والن يوحي بعضهم إل" بعض زخرف‬
‫القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ‪{ 112‬النعام‪.}112 :‬‬
‫إنا سنّة من سنن ال !‬
‫ولقد اجتمعت هذه الصائص والسمات الفريدة ف ممد { وهو يشقّ طريقه بي أعداء‬
‫ب العالي‪ ،‬ولكنه مع كلّ ذلك ظلّ رحةً للعالي‪ ،‬رحةً بأصحابه‬ ‫مرمي وبي عناية من ر ّ‬
‫الؤمني ورحةً للبشريّة على م ّر القرون‪ ،‬ما دام الؤمنون يُبلّغون رسالة ربّهم إل الناس‬
‫كافّة‪ ،‬ليخرجوهم من الظلمات إل النور‪:‬‬
‫وما أرسلناك إل رحة للعالي ‪{ 107‬النبياء‪.}107 :‬‬
‫يهدي به ال من \تبع رضوانه سبل السلم ويرجهم من الظلمات إل النور بإذنه‬
‫ويهديهم إل صراط مستقيم ‪{ 16‬الائدة‪.}16 :‬‬

‫‪ -3‬ثناء الشعراء الؤمني على م ّر العصور ‪:‬‬

‫وقد عرف الؤمنون رسولم ونبيّهم ممدا {‪ ،‬وأصبح ُحبّه جزءا رئيسا من اليان‪ ،‬ليكون‬
‫ُحبّ ال ورسوله البّ الكب ف حياة الؤمن‪ ،‬ومنه ينبع كلّ حبّ ف الياة الدنيا ‪ .‬ومن‬
‫هذا الب الصادق انطلق الشعراء السلمون يدحون رسول ال { بقصائدهم الغنيّة بالبيان‬
‫والصدق والوفاء ‪.‬‬

‫‪485‬‬
‫ولع ّل أول من بدأ بدح رسول ال { من الشعراء العشى الكبي ميمون ابن قيس ف‬
‫قصيدته الت مطلعها(‪:)4‬‬
‫ض عيناك ليلة أرمدا‬‫أل َتغْت ِم ْ‬
‫وعادك ما عاد السليم السهّدا‬
‫ب { بذه القصيدة‪ ،‬فصدّته‬ ‫وقد نظم القصيدة حي عزم على أن يسلم‪ ،‬وتوجّه إل الن ّ‬
‫قريش لا خافت من أثر شعره ف العرب‪ ،‬إذ كان يُسمّى صنّاجة العرب ‪ .‬ونحت قريش‬
‫ف صدّه فعاد إل قريته‪ ،‬وف طريق عودته رمى به بعيه إل الرض فمات‪ ،‬وذلك سنة‬
‫‪629‬م ‪.‬‬
‫وقصة كعب بن زهي بن أب سلمى رضي ال عنه‪ ،‬حي هجا الرسول {‪ّ ،‬ث تاب وتوجّه‬
‫إل الرسول الكري بقصيدته الرائعة‪ ،‬وأعلن توبته بي يدي الرسول {‪ ،‬ثّ ألقى قصيدته الت‬
‫مطلعها(‪:)4‬‬
‫بانت سعاد فقلب اليوم متبولُ‬
‫مُتيمّ إثرها ل ُيفْ َد مكبول‬
‫وإن لعدّ هذه القصيدة من روائع الدب العالي ‪ .‬وإن ل أرى كما يرى الكثيون أنّ‬
‫مطلعها غزل وتشبيب كعادة العرب ف الاهلية‪ ،‬ولكن أرى أنّ كعبا يصف فيها رحلته‬
‫من الاهلية الت كان قد عشقها ثّ فارقها (بانت سعاد) إل السلم واليان الذي دخل‬
‫قلبه وملك حبّه (أمْستْ سعاد بأرضٍ ل يبلّغها‪ :‬إل العتاق النجيبات الراسيل)‪.‬‬
‫ثّ تتدافع الشعراء من أصحاب رسول ال { يدحون نبيّهم ورسولم‪ ،‬ويدافعون عنه‬
‫ويدفعون عنه أذى قريش وشعرائها ‪ .‬وكان من شعراء الصحابة عبد ال بن رواحة وكعب‬
‫بن مالك وحسان بن ثابت رضي ال عنهم أجعي ‪ .‬ولكن حسان بن ثابت كان أطولم‬
‫باعا وأشدهم إيذاءً لقريش ‪.‬‬
‫وكان وصف أم معبد لرسول ال { حي م ّر بيمتها ‪:‬‬
‫" رأيت رجلً ظاهر الوضاءة‪ ،‬أبلج الوجه‪ ،‬حسن اللق‪ ،‬ل تعبْه ثُعلة‪ ،‬ول تُزْرِ به صعلة‪،‬‬
‫وسيم قسيم‪ ،‬ف عينيه دعج‪ ،‬وف أشفاره وطف‪ ،‬وف ضوئه صحل‪ ،‬وف عنقه سطع‪،‬‬
‫أحور‪ ،‬أكحل‪ ،‬أزج‪ ،‬أقرن‪ ،‬شديد سواد الشعر‪ ،‬إذا صمت عله الوقار‪ ،‬وإن تكلّم عله‬

‫‪486‬‬
‫البهاء‪ ،‬أجل الناس وأباهم من بعيد‪ ،‬وأحسنه وأحله من قريب‪ ،‬حلو النطق ل نزر ول‬
‫هذر ‪....‬ال"(‪ .)5‬وقد وصفه عليّ بن أب طالب ف بيان رائع‪ ،‬وكذلك أنس بن مالك‪،‬‬
‫وأبو جحيفة‪ ،‬والباء‪ ،‬وجابر بن سرة‪ ،‬وأبو هريرة‪ ،‬وغيهم من الصحابة رضي ال عنهم‬
‫أجعي‪.‬‬
‫وقد توال الشعراء السلمون على م ّر العصور يدفعون للئ قرائحهم وغنّ بيانم ف مدح‬
‫رسول ال {‪ ،‬حت ل يكاد يلو عصر من أحد منهم‪ .‬وجاء الشعراء ف العصر الديث‬
‫يبدعون ف هذا الديح‪ .‬وكان أولم ممود سامي باشا البارودي ف قصيدته‪" :‬كشف‬
‫الغمة ف مدح سيد المة" ف أربعمائة وسبعة وأربعي بيتا‪ ،‬وكذلك أحد مرّم ف ديوانه‬
‫مد السلم‪ ،‬وشوقي ف قصيدتيه البائية والمزية‪ ،‬وعمر أبو ريشة ف مقدمة ملحمته‪،‬‬
‫وعدنان النحوي ف قصيدته رسول الدى ف سبعة وأربعي بيتا ‪.‬‬
‫ولقد بّينّا ف هذه الصفحات كيف أنّ ال سبحانه وتعال قد أثن على عبده النبّ الات‬
‫أعلى ثناء‪ ،‬وكيف مدحه عدد من أصحابه الشعراء وأخرسوا سفهاء قريش‪ ،‬وكيف‬
‫وصفته أم معبد‪ ،‬وهي ل تره إل مرّة واحدة ولفترة قصية‪ ،‬ولكنه أثر النبوّة الشرق الذي‬
‫يؤثر ف النفوس‪ ،‬ويزداد تأثيه كلما صفت النفوس وزادت إيانا‪ .‬وأشرنا كذلك كيف‬
‫وصفه بعض الصحابة كذلك وصفا جامعا يه ّز النفوس‪.‬‬
‫ب العظيم يصف نسبه ومنلته عند ال‪:‬‬
‫‪ -4‬الن ّ‬

‫وبالضافة إل ذلك كله‪ ،‬فقد عرّفنا رسول ال { بنسبه وكيف اختاره ال من خي قرون‬
‫بن آدم قرنا فقرنا ‪ .‬فلننظر ف قبسات من الحاديث الشريفة حول ذلك ‪:‬‬
‫فعن أب هريرة رضي ال عنه عن النب { قال ‪" :‬بُعثتُ من خي قرون بن آدم قرنا فقرنا‪،‬‬
‫حت كنتُ من القرن الذي كنتُ منه"(‪.)6‬‬
‫عنه أيضا عن الرسول { أنه قال‪" :‬أنا سيد ولد آدم يوم القيامة‪ ،‬وأول من ينش ّق عنه القب‪،‬‬
‫وأول شافع وأول مشفّع"(‪ )7‬وف رواية أخرى عنه أيضا ف حديث طويل‪" :‬أنا سيد‬
‫الناس يوم القيامة‪ .‬وهل تدرون بِمَ ذلك ؟! يمع ال الولي والخرين ‪.)8(".....‬‬
‫وعن الطلب بن أب وداعة عن العباس عن الرسول { أنه قال‪.." :‬أنا ممد بن عبد ال بن‬
‫عبد الطلب‪ ،‬إن ال تعال خلق اللق فجعلن ف خي خلقه‪ ،‬وجعلهم فرقتي‪ ،‬فجعلن ف‬

‫‪487‬‬
‫خيهم فرقة‪ ،‬وخلق القبائل‪ ،‬فجعلن ف خي قبيلة‪ ،‬وجعلهم بيوتا‪ ،‬فجعلن ف خيهم بيتا‪،‬‬
‫فأنا خيكم بيتا‪ ،‬وخيكم نفسا"(‪.)9‬‬
‫والحاديث الشريفة كثية حول هذا الوضوع‪ ،‬حيث يظهر فضل ال على خلقه جيعا أن‬
‫بعث فيهم ممدا { على أحسن هيئة َخلْقا وخُلُقا‪ ،‬وأحسنهم منبتا ‪.‬‬

‫‪ -5‬الشعراء غي السلمي يدحون الرسول { ‪:‬‬

‫ول يقتصر مديح الرسول { على السلمي‪ ،‬فقد قام عدد من الشعراء النصارى يدحون‬
‫رسول ال { بقصائد غنيّة تلمس فيها وضوح العاطفة وحقيقة الكبار ‪ .‬ويبقى السؤال‪:‬‬
‫فلماذا ل يسلموا ؟! ومن هؤلء‪" :‬إلياس قنصل"‪ ،‬والشاعر القروي "رشيد سليم الوري"‪،‬‬
‫و"رشيد أيوب"‪ ،‬و"رياض العلوف"‪ ،‬و"إلياس طعمة" الذي أسلم وجعل اسه بعد إسلمه‬
‫"وليد طعمة"! وكذلك سعيد جرجس العيسى الذي مدح رسول ال بقصيدة جيلة‪،‬‬
‫والذي ذكر عيسى عليه السلم ومري عليها السلم كما ها ف القرآن الكري‪ ،‬وأشاد‬
‫بالتوحيد كما هو ف كتاب ال ‪ .‬وقد دعوته ليعلن إسلمه‪ ،‬ولكنّه توفّي قبل أن أتلقّى منه‬
‫خبا ‪.‬‬

‫‪ -6‬الرسول { ف الكتب النلة ‪:‬‬

‫ولدينا ف كتاب ال القول الق بأنّ اسم ممد { ثابت ف التوراة والنيل ‪:‬‬
‫وإذ قال عيسى \بن مري يا بن إسرائيل إن رسول ال إليكم مصدقا لا بي يدي من‬
‫التوراة ومبشرا برسول يأت من بعدي \سه أحد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر‬
‫مبي ‪{ 6‬الصف‪.}6 :‬‬
‫ول يقف المر عند عيسى عليه السلم وحده‪ ،‬وإنا امتدّ إل جيع الرسل‪ ،‬حيث أخذ ال‬
‫ب الات وينصروه ‪:‬‬
‫عهدا منهم جيعا أن يؤمنوا بالن ّ‬

‫‪488‬‬
‫وإذ أخذ ال ميثاق النبيي لا آتيتكم من كتاب وحكمة ث جاءكم رسول مصدق لا‬
‫معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررت وأخذت على" ذلكم إصري قالوا أقررنا قال‬
‫فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ‪{ 81‬آل عمران‪.}81 :‬‬
‫ولقد كتب عدد من الباحثي ف التوراة والنيل وبيّنوا أنّ اسم ممد وارد ف التوراة‬
‫والنيل بالسلوب واللغة الت ُدوّن فيهما هذان الكتابان‪ ،‬مع ما أصابما من التحريف ‪.‬‬
‫فيذكر البوفسور عبد الحد داود ف كتابه‪ " :‬ممد ف الكتاب القدس " ناذج متعددة‬
‫عن ذكر ممد {‪ ،‬ففي الصحاح الثان من سفر َحجّي‪ ،‬تأت الترجة هكذا‪ " :‬ويأت‬
‫مشتهى كل المم "! " وعندما أرسل ال خادمه النبّ حجّي ليسري عن هؤلء الحزوني‬
‫على تدمي اليكل‪ ،‬ومعه الرسالة الامة‪ :‬ولسوف أزلزل كل المم وسوف يأت حِمَدا (‬
‫‪ )Himada‬لكل المم " ! وبالعبيّة‪ " :‬ف يافو حِمْداث كول هاجو بيم "‪ ،‬وترجتها‬
‫الرفية كما سبق ذكره(‪ .)10‬ويورد نصّا آخر ‪ .... " :‬حت يأت شيلوه ويكون له‬
‫خضوع الشعوب " ! ويفسّر كلمة " شيلوه " بالشخص الذي تصّه‪ ،‬ويذكر الؤلف‬
‫نصوصا أخرى كثية لُيثْبتَ رأيه ‪.‬‬
‫ويذكر الستشار ممد عزت الطهطاوي ف كتابه‪ " :‬ممد { نبّ السلم‪ :‬ف التوراة‬
‫ب الات بألفاظ متعددة ‪ .‬ويذكر ف‬ ‫والنيل والقرآن "‪ ،‬وأمثلة كثية عن ورود اسم الن ّ‬
‫ص ليُثْبتَ الشارة‬
‫الباب الول نصوصا من البشارات ف "العهد القدي " ‪ .‬ويقق ف ك ّل ن ّ‬
‫والبشارة بجيء ممد {‪ .‬ويأخذ النصوص من أسفار‪ :‬التكوين‪ ،‬التثنية‪ ،‬الزامي‪ ،‬وأشعياء‪،‬‬
‫وميخا‪ ،‬وحبقوق‪ ،‬و َحجّي‪ ،‬ملخي ‪ .‬ويأت بنصوص من الشارات والبشارات ف بعض‬
‫كتب العهد الديد‪ ،‬وهي الناجيل الربعة‪ " :‬مت ومرقص‪ ،‬ولوقا ويوحنا"(‪.)11‬‬
‫فبالرغم ما جرى ف العهدين القدي والديد من تريف‪ ،‬فقد بقيت نصوص كثية تشي‬
‫إل أنّ ال سيبعث بعد موسى وعيسى عليهما السلم النبّ الذي تضع له الشعوب أو‬
‫الذي تنتظره الشعوب ‪.‬‬

‫‪ -7‬كتب ودراسات تشيد بذكر النب العظيم ممد {‪:‬‬

‫‪489‬‬
‫ب العظيم‪ ،‬الصطفى‪ ،‬ولكن كثيا من‬ ‫ول يقف المر عند هذا ال ّد من الثناء على الن ّ‬
‫الناس‪ ،‬من مسلمي وغي مسلمي‪ ،‬كتبوا عن ممد {‪ ،‬بعد أن درسوا سيته‪ ،‬فخشعوا‬
‫أمام هذه السية العظيمة التفرّدة ‪ .‬فقد كتب كثيون قديا وحديثا عن الرسول‬
‫{ دراسات عامة من عظمته وتفرّده‪ ،‬أو عن جانب من جوانب عظمته‪ ،‬بيث يصعب‬
‫حصر الذين كتبوا ف ذلك‪ ،‬يضاف إل ذلك القالت الواسعة الت ل تقع تت حصر‪.‬‬
‫وكلها تدور بي الثناء والكشف عن أسرار عظمته‪ ،‬أو للدفاع والردّ على الجرمي‬
‫البطلي الذين يؤذون ال ورسوله‪ .‬ولكننا نشي إل ثلثة كتب رئيسة‪ ،‬هي ‪ :‬السية النبوية‬
‫لبن هشام‪ ،‬الشمائل الحمدية للترمذي‪ ،‬وزاد العاد لبن القيم‪.‬‬
‫ومن غي السلمي من عبّر عن رأيه ف عظمة الرسول { بكلمات أو جل تعبّر عن جلء‬
‫قناعته بعظمة النب الكري ‪ .‬ونذكر بعض أساء من عبّروا عن آرائهم‪ ،‬فالقائمة طويلة‬
‫تتجاوز خسي اسا‪ ،‬كان من بينهم‪ :‬بينارد شو‪ ،‬توماس كارليل‪ ،‬ه ‪ .‬جي ‪ .‬ويلز‬
‫جوستاف لوبون‪ ،‬بلنشيه‪ ،‬الفونس ل مارتي‪ ،‬تولستوي‪ ،‬سي وليم موير ف كتابه ‪ :‬حياة‬
‫ممد ({)‪ ،‬غاندي‪ ... ،‬وكثيون !‬
‫ونأخذ نصّا واحدا للعال الندي د ‪ .‬ت ‪ .‬ل ‪ .‬فسوان‪ ،‬حيث يقول‪ " :‬إليك يا ممد وأنا‬
‫الادم القي أقدّم إجلل بضوع وتكري ‪ .‬إليك أطأطئ رأسي!‪ ،‬إنك لنبّ حقا من ال ‪.‬‬
‫قوّتك العظيمة كانت مستمدّة من عال الغيب الزل!"(‪.)12‬‬
‫من هذا العرض السريع نرى بلء أنه ل يوجد لدى البشرية كلها من نال من الثناء‬
‫والجلل ف جيع العصور ومن متلف التاهات ما ناله نبّ الرحة ممد {‪ .‬فمن مِن‬
‫الناس‪ ،‬مثلً كُتبَ ف الثناء عليه شعر تاوز ألفا وخسمائة صفحةً‪ ،‬خلف النثر والكتب‬
‫والؤلفات ‪ .‬ول ب ّد أن نؤكّد أ ّن أعظم ثناء ناله هو من ال سبحانه وتعال ‪.‬‬

‫‪ -8‬الرسول { ف قلوب الؤمني‪:‬‬

‫وسيظلّ ذكرُ الرسول { مقترنا بذكر ال الذي ل إله إل هو‪ ،‬وسيظلّ حبّ ال ورسوله‬
‫ب ف الياة الدنيا‪ ،‬وسيظ ّل العهد الول‬‫ب الكب ف قلوب الؤمني‪ ،‬منه ينبع كل ح ّ‬ ‫ال ّ‬
‫مع ال سبحانه وتعال‪ ،‬منه ينبع ك ّل عهد ف الياة الدنيا ويرتبط به‪ ،‬وسيظ ّل الولء الكب‬

‫‪490‬‬
‫هو ل سبحانه وتعال‪ ،‬منه تنبع كلّ موالة ف الياة الدنيا‪ ،‬لتبن أُخوّة اليان بي الؤمني‬
‫جيعا كما أمر ال ورسوله ‪.‬‬
‫وهذا اليان الذي يدعو إليه الكتاب والسنة هو الذي يمع الؤمني أمة مسلمة واحدة‪،‬‬
‫متدّة مع الدهر‪ ،‬يهابا أعداء ال ما التزم الؤمنون التزاما صادقا برسالتهم‪ ،‬وما داموا صفّا‬
‫واحدا كما أمر ال‪ ،‬وما داموا يملون رسالة ال يبلّغونا إل الناس كافّة !‬

‫‪ -9‬هل دين ال واحد أم أديان؟‪:‬‬

‫إن دين ال واحد للرسل جيعا وهو السلم ‪ .‬فلقد كان السلم دين جيع النبياء‬
‫والرسل الذين بعثهم ال إل عباده‪ ،‬والذين خُتموا بحمد { فليس عند ال إل دين واحد‬
‫هو السلم ‪ .‬ول يُعقل أن يكون هنالك أديانٌ ساوية توحيدية‪ ،‬كما يزعم الكثيون‪،‬‬
‫وكما يردّد ذلك بعض السلمي ‪.‬فذلك تناقض واضح بي كلمة أديان وكلمة ساوية‬
‫توحيدية ‪.‬‬
‫وهل يُعقل أن يبعث ال لعباده بأديان متلفة يتصارع الناس عليها‪ ،‬وهو ال الذي يريد‬
‫لعباده جيعا اليان الواحد الصادق‪ ،‬والذي جعل النّة مأوى الصادقي والنار مأوى‬
‫الكذّبي ! فل بدّ أن يكون الدين عند ال واحدا‪ ،‬وأن يبعث جيع النبياء والرسلي بدين‬
‫ب نبيّا‪ ،‬فيختلط المر على الناس ‪.‬‬
‫واحد‪ ،‬حت ل يناقض ن ّ‬
‫ونن السلمي نؤمن بالنبياء والرسل جيعا‪ ،‬وبالكتب النلة قبل تريفها جيعا ‪ .‬وأيّ‬
‫إخلل بذلك هو إخلل باليان والتوحيد ‪ .‬فل نؤذي نبيّا ورسولً‪ ،‬ول نفرّق بي أحد‬
‫منهم ‪:‬‬
‫آمن الرسول با أنزل إليه من ربه والؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله ل‬
‫نفرق بي أحد من رسله وقالوا سعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك الصي ‪285‬‬
‫{البقرة‪.}285 :‬‬

‫‪ -10‬إيذاء رسول ال { يلب لعنة ال وغضبه ‪:‬‬

‫‪491‬‬
‫ب هو إيذاء ل‪ ،‬يُنل ال به غضبه‬ ‫فالجتراء على نبّ من النبياء اجتراء على ال‪ ،‬وإيذاء الن ّ‬
‫ولعناته ‪:‬‬
‫إن الذين يؤذون ال ورسوله لعنهم ال ف الدنيا والخرة وأعد لم عذابا مهينا ‪57‬‬
‫{الحزاب‪.}57 :‬‬
‫ولقد وجد أهل الكتاب صادق الرعاية والرحة ف ظلل حكم ال ورسوله‪ ،‬حكم الكتاب‬
‫والسنّة‪ ،‬ولقد أحسن ممد { إليهم إحسانا كبيا‪ ،‬وكذلك فعل الؤمنون ‪.‬‬
‫فما بال بعض النصارى‪ ،‬أو النتسبي إل دين عيسى عليه السلم‪ ،‬بعد أن حرّفوه وبدّلوا‬
‫وغيّروا‪ ،‬ما بالم يملون الحقاد على السلم والسلمي‪ ،‬وعلى رسول ال {‪ .‬فل تكاد‬
‫ب عدوّا من‬ ‫تدأ فتنة حت تثور فتنة‪ .‬وقد نبّأنا ال ف كتابه الكيم أنه قد جعل لكل ن ّ‬
‫الجرمي‪ ،‬من شياطي النس والن ‪ .‬وقد بدأت العداوة لحمد { من لظة ابتعاثه من‬
‫قريش وبعد ذلك من اليهود‪ ،‬ثّ امتدّ القد مع الزمن حت تولّى كب ذلك‪ :‬الشركون‬
‫والكافرون والنافقون والظالون من أهل الكتاب ف إيذاء بعد إيذاء عب التاريخ‪ ،‬حت‬
‫الروب الصليبية‪ ،‬وحت ظلمهم وعدوانم على مسلمي الندلس‪ ،‬و كلما واتت فرصة‬
‫لذلك !‬
‫وجاءت الادثة الخية عندما نشرت إحدى صحف الدنارك صورا مهينة ومؤذية‬
‫لرسول ال {‪ .‬واعتبت الدولة أنّ هذا من باب حريّة الرأي!‪ ،‬وكأنّها اعتبت الناس بل‬
‫عقول حت يصدّقوا أنّ هذا من باب حريّة الرأي ‪ .‬وإن كان المر كذلك فعلى دولة‬
‫الدنارك أن تراجع قوانينها‪ ،‬وأن تتعلّم من السلم‪ ،‬ومن ممد {‪ ،‬حدود حريّة الرأي‪،‬‬
‫وأدب الرأي‪ ،‬وحقوق النسان ‪ّ .‬ث تولّت صحيفة نرويية نشر تلك الصور أيضا‪ ،‬وف‬
‫بلدهم جيعا مسلمون أقاموا عشرات السني‪ ،‬ما قدّموا إل الي والحسان ‪.‬‬
‫ل يكن المر مصادفة أو زلّة رسّام! فلقد أرسل الحرّر الثقاف ف الريدة دعواتٍ إل‬
‫أربعي رسّاما يدعوهم إل رسم النبّ {‪ ،‬فأجاب الدعوة اثنا عشر رساما فقط‪ .‬وكانت‬
‫ملكة الدنارك " مارغاريت " الثانية‪ ،‬قد اعتبت أنّ السلم يثّل تديدا على الستويي‬
‫الحلي والدول‪ ،‬وحثّت حكومتها على عدم التسامح مع السلمي والسلم! ودون مبالة‬
‫لا قد تثي هذه السياسة من غضب خارجي! إنا لغة التهديد والثارة بكل العتبارات‬

‫‪492‬‬
‫اللغوية والسياسية والرسية‪ .‬ويرفض رئيس وزراء الدنارك مقابلة السفراء السلمي الرسيي‬
‫ف بلده ‪ .‬وتتول أجهزة الدولة والصحافة صياغة السوّغات لذا العمل‪ ،‬فكانت العذار‬
‫أقبح من الذنب ‪ .‬عدوان إثر عدوان ‪ .‬وكان أوقح ما ف هذه الساليب قول الصحيفة‪:‬‬
‫"إننا ل نعتذر عن عمل هو جزء طبيعي من النشاط العلمي‪ ."....‬الصحيفة الدناركية‬
‫هي صحيفة " يولند بوست "‪ ،‬والصحيفة النرويية هي‪" :‬مغازينات"! وكذلك امتدّت‬
‫الجمة على السلم بإعادة إذاعة هذه الصور الكاذبة ف صحف فرنسا وإسبانيا وألانيا‬
‫وسويسرا‪ .‬وربا تت ّد الجمة إل أبعد من ذلك ‪.‬‬
‫ول ننسى ذلك الخرج الولندي الذي أخرج فيلما مسيئا إل الرسول الكري وإل‬
‫السلم‪ ،‬والذي أثار ضجّة كبية ‪ .‬ول ننسى كذلك قضية الؤسسة الت أصدرت كتابا‬
‫أسته " الفرقان " تزوّر فيه جلً وكلمات تريفا ليات ال ف القرآن الكري‪ ،‬وطعنا ف‬
‫السلم واليان والتوحيد ‪ .‬يضاف إل ذلك جهود الركات التنصيية ف العال‬
‫السلمي‪ ،‬وما تقوم به من ماولت لصرف السلمي عن دينهم‪ ،‬وتشويه صورة السلم‪،‬‬
‫وإثارة الفت !‬
‫إنّ هذا كلّه ليدلّ دللة واضحة على أنّ القوم يضون على نج وخطة وليس على عمل‬
‫ارتال ‪ .‬ول بدّ للمسلمي أن يابوا ذلك بعمل منهجي مدروس يمع جهود المة‬
‫كلها‪.‬‬

‫‪ -11‬واجب الؤمني أمام هذا العتداء والنصيحة الواجبة ‪:‬‬

‫القضيّة قدية‪ ،‬بدأت‪ ،‬كما تذكر بعض الصحف‪ ،‬قبل ثلثة أشهر‪ ،‬واشت ّد التفاعل ضدّ‬
‫هذه الهانة الكبية منذ أسبوع أو أسبوعي ‪ .‬وإن كان قد بدأت ماولت هادئة ل‬
‫تتناسب مع عظم الرية ‪ .‬إنا حقا جرية‪ ،‬وجرية كبية ف ميزان السلم ‪ .‬أين‬
‫السلمون ؟! وأين الليار من السلمي ؟!‬
‫أُمة القّ ! ما دهاكِ فأصْبح‬
‫تِ شظايا تطايرتْ ف النجادِ‬
‫كلما ُر ْمتِ ملتقيً كُنتِ ف السا‬

‫‪493‬‬
‫ح ِة أوهى من حفنة من رمادِ(‪)13‬‬
‫لقد هان السلمون ف الرض‪ ،‬وأصبحوا غثاءً كغثاء السيل‪ ،‬كما جاء ف حديث رسول‬
‫ال { يرويه ثوبان رضي ال عنه ‪( :‬يوشك المم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الكلة‬
‫على قصعتها " ‪ .‬فقال قائل ‪ :‬ومن قلة نن يومئذ ؟ قال‪ :‬بل أنتم كثي ‪ .‬ولكنكم غثاء‬
‫كغثاء السيل ‪ .‬ولينعنّ ال من صدور عدوكم الهابة منكم‪ ،‬وليقذفنّ ال ف قلوبكم‬
‫الوهن " فقال قائل ‪ :‬يا رسول ال ! وما الوهن ؟! قال ‪ :‬حبّ الدنيا وكراهية الوت!)(‬
‫‪.)14‬‬
‫منذ سني طويلة‪ ،‬حي أصدرتُ كتاب ‪ " :‬دور النهاج الربان ف الدعوة السلمية "‪،‬‬
‫ذكرتُ هذا الديث الشريف‪ ،‬متوقعا أن حالة السلمي ستتحسّن مع اليّام ومع ضجيج‬
‫الشعارات‪ ،‬وكثرة الؤترات‪ ،‬وتزاحم الكتب والقالت‪ ،‬وتزاحم الدعاة هنا وهناك‪ ،‬وبعد‬
‫هذه السني أرى أننا ما زلنا غثاءً كغثاء السيل ‪.‬‬
‫وأول سبب أجده لوان السلمي هو تزّقهم أقطارا ومصال وأهواءً‪ ،‬وشيعا وأحزابا‪،‬‬
‫يالفون بذلك ما أمرهم ال به ورسوله {‪:‬‬
‫واعتصموا ببل ال جيعا ول تفرقوا واذكروا نعمت ال عليكم إذ كنتم أعداء فألف بي‬
‫قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على" شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك‬
‫يبي ال لكم آياته لعلكم تتدون ‪{ 103‬آل عمران‪.}103 :‬‬
‫ول تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لم عذاب عظيم‬
‫‪{ 105‬آل عمران‪.}105 :‬‬
‫إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم ف شيء إنا أمرهم إل ال ث ينبئهم با‬
‫كانوا يفعلون ‪{ 159‬النعام‪.}159 :‬‬
‫وآيات كرية أخرى تنذر السلمي إن تفرّقوا إنذارا شديدا‪ .‬وحسبك هذا النذار ف الية‬
‫السابقة‪ :‬وأولئك لم عذاب عظيم !‬
‫وأهم سبب لذا التمزّق والوان‪ ،‬هو عدم التزام السلم التزاما أمينا‪ ،‬وعدم التزام الكتاب‬
‫والسنّة التزاما أمينا‪ ،‬وبذلك عدم طاعة ال ورسوله‪:‬‬

‫‪494‬‬
‫وأطيعوا ال ورسوله ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريكم واصبوا إن ال مع الصابرين‬
‫‪{ 46‬النفال‪.}46 :‬‬
‫ول بدّ على ضوء ذلك أن توضع قاعدة عمليّة نابعة من قواعد اليان والتوحيد ومن‬
‫منهاج ال‪ ،‬ومن مدرسة ممد {‪ ،‬قاعدة تثبّت مسؤوليات الفرد السلم ودوره‪ ،‬ودور‬
‫السرة ف البناء والتعهد‪ ،‬ودور كل مؤسسة ف المة السلمة‪ ،‬وتبي قواعد التربية والبناء‪،‬‬
‫والهداف والصراط الستقيم الذي يوصل إل الهداف‪ ،‬ليكون الدرب ربانيا‪ ،‬والهداف‬
‫ربانية ‪ .‬لقد تناثرت الهداف‪ ،‬وتباعدت الدروب‪ ،‬وقد جعل ال لعباده الؤمني دربا‬
‫واحدا‬

‫واحدا يمعهم‪ ،‬ولغيهم سبلً شتّى‪:‬‬


‫وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم‬
‫به لعلكم تتقون ‪{ 153‬النعام‪.}153 :‬‬
‫إنّ الغرب ماضٍ ف حربه ض ّد السلم والسلمي بصورة خفيّة‪ ،‬وإنّ عداءهم هذا امتدّ‬
‫حت اليوم ل يتوقّف‪ ،‬وإنّ عمل الصحيفة الدنركية ل يتوقف ف الدنارك‪ ،‬فسرعان ما‬
‫تبنته النرويج‪ ،‬ثّ فرنسا‪ ،‬ثّ أخذت عواطف بعض الناس ف تلك الدول تتأجج ضدّ‬
‫السلمي ‪ .‬ول يكن ذلك ليت ّم لول الدعاية السيئة الت أشاعتها أجهزة العلم ضدّ‬
‫السلمي ‪.‬‬
‫والمر العجيب أن الدول الغربية كلها ل تنظر ف جرائم إسرائيل ف فلسطي‪ ،‬ول ف‬
‫انتهاكها لقوق النسان‪ ،‬ول ف عدم التزامها بقرارات هيئة المم التحدة!‪ ،‬ول ف ما‬
‫تلكه من أسلحة نووية‪ ،‬أو أسلحة دمار شامل‪ .‬ك ّل ما تفعله إسرائيل من جرائم يغضون‬
‫الطرف عنه‪ ،‬ويغضون الطرف عما ترتكب الدول الغربية نفسها من جرائم بق الشعوب‪،‬‬
‫ف تاريخ طويل مليء بالجازر والتدمي ‪.‬‬
‫إنا قصة التاريخ المتدّ منذ أن ُب ِعثَ ممد {‪ ،‬بدأت عداوة الشركي لرسول ال { دون‬
‫أن يؤذيهم أو يعتدي عليهم ‪ .‬دعاهم إل ال الذي ل إله إل هو‪ ،‬دعوة سلم وخي‪ .‬فلم‬
‫يُجْدِ السلم ول الي‪ ،‬وإنا بادروا باليذاء والعدوان ‪ .‬وكذلك اليهود الذين عاملهم‬
‫الرسول أطيب معاملة قابلوا ذلك بالغدر والرب والفت ‪ .‬ومنذ ذلك العهد حت اليوم فإنّ‬

‫‪495‬‬
‫الرب ض ّد السلم ل تتوقف‪ ،‬ولن تتوقف ‪ .‬فإنا ابتلء من ال سبحانه وتعال‪ ،‬يحص‬
‫به عباده لتقوم عليهم الجة يوم القيامة أو تقوم لم ‪.‬‬
‫حيّي النفوس الؤمنة الت غضبت لرسول ال {‪ ،‬والنفوس الؤمنة الت تداعت إل‬ ‫وإنا إذ ُن َ‬
‫النصرة بوسائل متعددة‪ ،‬فكلنا مع نصرة ال ورسوله‪.‬‬
‫لذلك فإنا ننصح بأن يراجع السلمون أنفسهم لينظروا ف واقعهم‪ ،‬ويروا كم يُرضون ال‬
‫با هم عليه‪ ،‬وبا يفعلون ‪ .‬ومن أهم مسؤوليات السلمي أن يبلّغوا رسالة ال ودين‬
‫السلم إل الناس كافّة ‪ .‬فهل بلّغ أحد هذا الدين إل رئيس وزراء الدنارك أو غيه من‬
‫رجال الدولة‪ ،‬أو رؤساء الدول الخرى‪ ،‬حت نعذر أنفسنا بي يدي ال يوم القيامة ‪.‬‬
‫مع أهية ردود آفعال السلمي الت عمّت العال السلمي إل أن هذا وحده ل يكفي ‪.‬فل‬
‫بدّ من معالة أخطائنا وتقصينا بقّ هذا الدين العظيم ونبيّه العظيم ‪.‬‬
‫فإن أدرك السلمون جوانب اللل ف واقعنا اليوم‪ ،‬فليبادروا إل إصلح كل خلل يغضب‬
‫ال‪ ،‬وإل صدق التوبة والنابة‪ ،‬عسى أن يكون ال معنا فيما نابه من أحداث‪ ،‬لن نقوى‬
‫على مابتها دون نصر يتنّل من عند ال‪:‬‬
‫وتوبوا إل ال جيعا أيها الؤمنون لعلكم تفلحون ‪{ 31‬النور‪.}31 :‬‬
‫ومن خلل ذلك فل ب ّد أن يقف السلمون ف العال السلمي كله وقفة واحدة‪ ،‬لر ّد هذا‬
‫العتداء‪ ،‬فهو اعتداء على كلّ مسلم ف الرض‪ ،‬ولِشعار هؤلء أنّ السلمي ما زالوا‬
‫أقوياء يفدون دينهم بكل شيء ‪.‬‬
‫وهنا نقف أمام خيارين‪ :‬إمّا أن نطيع ال ورسوله‪ ،‬وننصر ديننا فننال رحة ال وعونه‪،‬‬
‫وإما أن نتهاون ف هذا المر‪َ ،‬فُينْزِل ال غضبه علينا ‪ .‬وإنا مسؤولية جيع مستويات المة‬
‫السلمة كلها ابتداءً من الفرد السلم‪ ،‬على خطة إيانيّة واعية ونج مدروس شامل‪ ،‬يعال‬
‫الواقع ويبن الستقبل بإذن ال ‪.‬‬

‫الوامش‪:‬‬
‫(‪ )1‬ديوان مهرجان القصيد لصاحب القال ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو بكر الزائري ‪ " :‬هذا البيب ممد "يا مب" ص ‪. 119-112 :‬‬
‫(‪ )3‬ديوان مهرجان القصيد مرجع سابق ‪.‬‬

‫‪496‬‬
‫(‪ )4‬ديوان العشى ‪ :‬دار صادر بيوت ‪ .‬ص ‪. )45( :‬‬
‫(‪ )4‬د ‪ .‬ممود حسن زين ‪ :‬قصيدة البدة ص ‪. )76( :‬‬
‫(‪ )5‬البداية والنهاية ‪ ،29/3‬زاد العاد لبن القيم ‪ . 54-2 :‬صفي الرحن الباركفوري‬
‫‪ :‬الرحيق الختوم ‪ :‬ص ‪ . )189( :‬تفة الرسائل ‪ :‬اختيار مؤسسة الوقف السلمي ‪:‬‬
‫من صفات الرسول { اللقية واللقية ‪ :‬ص ‪. 2 :‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري رقم‪.)3481( :‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم رقم‪.)5893( :‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري رقم‪ )3270( :‬ومسلم رقم‪.)433( :‬‬
‫(‪ )9‬أخرجه أحد (‪ )172/5( ،)345/1‬صحيح الامع (‪.)1466‬‬
‫(‪ )9‬أحد(‪ )345/1‬صحيح الامع (‪.)1472‬‬
‫(‪ )10‬البفسور عبد الحد داود ‪ " :‬ممد ({) ف الكتاب القدس " ص ‪. )51-50 ( :‬‬
‫(‪ )11‬الستشار ممد عزّت الطهطاوي ‪ :‬ممد { نب السلم " ص ‪ ،) 30-11 ( :‬ص‬
‫‪. )56-31( :‬‬
‫(‪ )12‬أحد بن حَجَر آل بو طامي آل بن علي ‪ " :‬السلم والرسول { " ف نظر منصفي‬
‫الشرق والغرب ‪ .‬ص ‪. )198-129( :‬‬
‫(‪ )13‬د ‪ .‬عدنان النحوي ‪ :‬ملحمة أرض الرسالت ‪ .‬ص ‪. )134( :‬‬
‫(‪ )14‬أبو داود ‪ 4297-5-31 :‬الامع الصغي وزيادته رقم ‪.)8138( :‬‬
‫==================‬
‫الدب مع أمهات الؤمني ‪:‬‬
‫‪ -‬ورد الثناء ف الكتاب والسنة على الصحابة من أهل بيت النب – صلى ال عليه وسلم‬
‫– ذكورا وإناثا ‪ ،‬وأوضح ال بأن أزواج النب – صلى ال عليه وسلم – ف مرتبة علية‬
‫سهِ ْم َوأَ ْزوَاجُهُ ُأمّهَاُتهُمْ }‬
‫ي مِنْ أَنفُ ِ‬
‫ومنلة رفيعة قال تعال { النِّبيّ َأوْلَى بِالْ ُم ْؤمِنِ َ‬
‫ففي هذه الية فضيلة عظيمة ومنقبة رفيعة لميع أزواجه عليه الصلة والسلم ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأوجب ال لن حكم المومة على كل مؤمن ما لن من شرف صحبة النب –‬ ‫‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪. -‬‬

‫‪497‬‬
‫‪ -‬قال القرطب – رحه ال ‪ ": -‬شرّف ال أزواج نبيه – صلى ال عليه وسلم – بأن‬
‫جعلهن أمهات الؤمني أي ‪ :‬وجوب التعظيم والبة والجلل وحرمة النكاح على‬
‫الرجال ‪ ،‬وحجبهن – رضي ال عنهن – بلف المهات " ( التفسي ‪. ) 14/123‬‬
‫‪ -‬قال ابن كثي – رحه ال ‪ ": -‬وقوله وأزواجه أمهاتم أي ف الرمة والحترام‬
‫والتوقي والكرام والعظام ولكن ل توز اللوة بن ول ينتشر التحري إل بناتن‬
‫وأخواتن بالجاع " ( التفسي ‪. )5/425‬‬
‫والذي دفعن للكلم عن أمهات الؤمني – رضي ال عنهن أجعي – ما يلي ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬أول ً ‪ :‬امتثال لقول النب ووصية النب – صلى ال عليه وسلم – كما ف صحيح‬
‫مسلم ‪ ":‬وأنا تارك فيكم ثقلي‪ :‬أولما كتاب ال فيه الدى والنور فخذوا بكتاب ال‪.‬‬
‫واستمسكوا به" فحث على كتاب ال ورغب فيه‪ .‬ث قال "وأهل بيت‪ .‬أذكركم ال ف‬
‫أهل بيت‪ .‬أذكركم ال ف أهل بيت‪ .‬أذكركم ال ف أهل بيت"‪ .‬فقال له حصي‪ :‬ومن أهل‬
‫بيته؟ يا زيد! أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال‪ :‬نساؤه من أهل بيته‪ .‬ولكن أهل بيته من‬
‫حرم الصدقة بعده‪ .‬قال‪ :‬وهم؟ قال‪ :‬هم آل علي‪ ،‬وآل عقيل‪ ،‬وآل جعفر‪ ،‬وآل عباس‪.‬‬
‫قال‪ :‬كل هؤلء حرم الصدقة؟ قال‪ :‬نعم " ‪.‬‬
‫ونساء النب من آل بيته قال تعال ] إنا يريد ليذهب عنكم [ ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬لذلك أقر الجلسي بأن السياق هو ف شأن أزواج النب – صلى ال عليه وسلم –‬
‫فقال ف بار النوار ‪ ": 35/24‬فلعل آية التطهي أيضا وضعوها ف موضع زعموا أنا‬
‫تناسبه أو أدخلوها ف سياق ماطبة الزوجات لبعض مصالهم الدنيوية وقد ظهر من‬
‫الخبار عدم ارتباطهن بقصتهن فالعتماد ف هذا على النظم والترتيب ظاهر البطلن ولو‬
‫سلم عدم التغيي ف الترتيب فنقول سيأت أخبار مستفيضة بأنه سقط ف القرآن آيات كثية‬
‫فلعله سقط ما قبل الية وما بعدها آيات لو ثبتت ل يفت الربط الظاهري " ‪.‬‬
‫‪ -‬والهل ف اللغة تطلق على الزوجة قال تعال { وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا‬
‫فقال لهله امكثوا إن آنست نارا } وبإجاع الفسرين أنه كان مع موسى زوجته ‪.‬‬

‫‪498‬‬
‫‪ -‬وقالت هاجر زوج إبراهيم { قالت يا ويلت أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا‬
‫لشيء عجيب * قالوا أتعجبي من أمر ال رحة وبركاته عليكم أهل البيت إنه حيد‬
‫ميد }‬
‫وقال النب ‪ ": -‬أيها الناس من يعذرن ف رجل قد بلغ أذاه ف أهلي " ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬وكذلك جاء عن عائشة ‪ -‬رضي ال عنها أنا قالت ‪ ":‬ما شبع آل رسول ال ‪e‬‬
‫‪ -‬من خبز بر " أخرجه المامان البخاري ومسلم وقول عائشة ما شبع آل رسول ال ‪.‬‬
‫تريد نفسها وأزواج النب ‪. -‬‬
‫والسبب الثان ‪ :‬قوله – صلى ال عليه وسلم ‪ ": -‬الرء مع من أحب " مسلم ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬والسبب الثالث ‪ ":‬كما قال الصديق ‪ -‬رضي ال عنه – ارقبوا ممدا ف أهل بيته "‬
‫رواه البخاري ‪ ،‬ولقول الصديق ‪ ":‬والذي نفسي بيده لقرابة رسول ال – صلى ال عليه‬
‫وسلم – أحب إل من أن اصل قرابت " البخاري ‪.‬‬
‫ومن مناقبهن ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬أنن اخترن ال ورسوله والدار الخرة إيثارا منهن لذلك على الدنيا وزينتها فأعد ال‬
‫ل وأجرا عظيما قال تعال{ يَا َأّيهَا الّنبِيّ قُل ّلأَ ْزوَاجِكَ إِن كُنتُنّ‬ ‫لن على ذلك ثوابا جزي ً‬
‫حيَاةَ ال ّدْنيَا وَزِينََتهَا َفَتعَالَيْنَ ُأ َمّتعْكُ ّن َوُأسَرّ ْحكُ ّن سَرَاحا جَمِيلً (‪َ )28‬وإِن كُنتُنّ‬ ‫تُرِ ْد َن الْ َ‬
‫ت مِنكُنّ أَجْرا عَظِيما }‬ ‫سنَا ِ‬ ‫تُرِ ْدنَ اللّ َه وَ َرسُولَ ُه وَالدّا َر الْآ ِخ َرةَ فَِإنّ اللّهَ َأعَدّ لِلْ ُمحْ ِ‬
‫‪ -‬ففي البخاري بإسناده إل عائشة – رضي ال عنها – قالت ‪ ":‬لا أُمر رسول ال‬
‫بتخيي أزواجه بدأ ب فقال ‪ ":‬إن ذاكر لك أمرا‪ ،‬ول عليك أن ل تعجلي حت تستأمري‬
‫أبويك‪ .‬قالت‪ :‬قد أعلم أن أبوي ل يكونا يأمران بفراقك‪ ،‬ث قال‪ " :‬إن ال قال‪ :‬يَا َأّيهَا‬
‫حيَاةَ ال ّدنْيَا وَزِيَنتَهَا َفَتعَاَليْنَ ُأ َمّتعْكُ ّن َوُأسَرّ ْحكُ ّن َسرَاحا‬
‫الّنِبيّ قُل ّلأَ ْزوَاجِكَ إِن كُنتُ ّن تُ ِر ْدنَ الْ َ‬
‫سنَاتِ مِنكُنّ‬ ‫جَمِيلً (‪َ )28‬وإِن كُنتُنّ ُترِ ْدنَ اللّ َه وَ َرسُولَهُ وَالدّا َر الْآخِ َرةَ فَِإنّ اللّهَ أَعَدّ ِللْ ُمحْ ِ‬
‫أَجْرا عَظِيما } قلت‪ :‬أف هذا أستأمر أبوي‪ ،‬فإن أريد ال ورسوله والدار الخرة‪ ،‬ث‬
‫خي نساءه‪ ،‬فقلن مثل ما قالت عائشة " ( البخاري ‪. )2336‬‬
‫ومن مناقبهن العامة ‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪499‬‬
‫‪ -‬أن ال تعال أخب عباده أن ثوابن على الطاعة والعمل الصال ضعف أجر غيهن ‪،‬‬
‫ت مِنكُنّ لِلّ ِه َو َرسُولِهِ َوَتعْمَلْ صَالِحا ّنؤِْتهَا أَجْ َرهَا مَ ّرَتيْ ِن َوَأعْتَ ْدنَا َلهَا‬ ‫قال تعال { َومَن َي ْقنُ ْ‬
‫رِزْقا َكرِيا } ‪.‬‬
‫‪ -‬ففي هذه الية أن الت تطيع ال ورسوله منهن وتعمل صالا فإن ال يعطيها ضعف‬
‫ثواب غيها من سائر نساء السلمي ‪ ،‬وأعد ال لا ف الخرة عيشا هنيئا ف النان ‪.‬‬
‫‪ -‬قال الافظ ابن كثي ‪ّ { ":‬ن ْؤتِهَا أَ ْج َرهَا َم ّرتَيْ ِن َوَأ ْعتَ ْدنَا َلهَا ِرزْقا كَرِيا } أي ‪ :‬ف‬
‫النة فإنن ف منازل رسول ال – صلى ال عليه وسلم – ف أعاى عليي فوق منازل‬
‫جيع اللئق ف الوسيلة الت هي أقرب منازل النة إل العرش " ‪.‬‬
‫ومن مناقبهن ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬ومن الناقب الت شرفهن با رب العالي وأخب با عباده ف كتابه العزيز أنن لسن‬
‫ستُنّ َكأَحَدٍ‬ ‫كأحد من النساء ف الفضل والشرف وعلو النلة قال تعال { يَا نِسَاء النِّبيّ لَ ْ‬
‫ض وَقُلْنَ َقوْ ًل ّمعْرُوفا }‬ ‫ضعْ َن بِاْلقَوْلِ َفيَطْ َم َع الّذِي فِي قَ ْلبِ ِه مَ َر ٌ‬
‫خَ‬ ‫مّ َن النّسَاء ِإنِ اّت َقيْتُنّ َفلَا تَ ْ‬
‫‪ -‬فقد بي الول جل وعل ف هذه الية أنه ل يلحقهن من نساء الناس ف الشرف‬
‫والفضل ‪ ،‬كما بي أن هذا الفضل إنا يتم لن بشرط التتقوى لا منحهن ال من صحبة‬
‫الرسول وعظيم الحل منه ونزول القرآن ف حقهن‬
‫ومن مناقبهن ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬أن ال أخب أنه طهرهن من الرجس تطهيا قال تعال { وَقَ ْرنَ فِي بُيُوِتكُنّ وَلَا‬
‫ج الْجَاهِِلّيةِ اْلأُولَى َوأَقِمْ َن الصّلَاةَ وَآتِيَ الزّكَا َة َوَأطِعْنَ اللّ َه وَ َرسُولَهُ ِإنّمَا يُرِيدُ اللّهُ‬ ‫َتبَرّجْ َن َتبَرّ َ‬
‫ت َويُ َطهّرَكُ ْم تَ ْطهِيا }‬ ‫ب عَنكُمُ الرّ ْجسَ َأهْ َل اْلبَْي ِ‬ ‫ِليُ ْذهِ َ‬
‫‪ -‬والسؤال الذي يطرح نفسه هل قولنا أن أزواج النب – صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫ماملة من ال ؟ هل هذه ماباة من ال لرسوله ؟‬
‫هل هن اللت فرضن هذه المومة على الؤمني بسبب قربن من رسول ال ؟‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬والق ‪ :‬أنن ل يتطلعن يوما من اليام للحصول على هذه اليزات بسبب ارتباطهن‬
‫بالرسول الكري بصلة الزواج ‪.‬‬

‫‪500‬‬
‫‪ -‬ولكن ال وحده هو الذي من عليهن بذا الفضل وفرض هذه المومة وقررها على‬
‫جيع الؤمني قال تعال { النب أول بالؤمني من أنفسهم وأزواجه أمهاتم } ‪.‬‬
‫وف هذه الية يتقرر شيئي ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬الول ‪ :‬أن الرسول – صلى ال عليه وسلم – أول بالؤمني من أنفسهم ‪ ،‬ول‬
‫يكمل إيان العبد حت يكون الرسول – صلى ال عليه وسلم – أحب إليه من نفسه الت‬
‫بي جنبيه ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬أن زوجات النب – رضي ال عنهن – هن أمهات للمؤمني ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬فهذه المومة الت يقررها القرآن لزوجات النب – صلى ال عليه وسلم – ويعممها‬
‫على جيع الؤمني ‪ ،‬تفرض على من شرفوا بذه المومة واجبات والتزامات يب أن‬
‫تؤدى ‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن قبل الوض ف بيان هذه القوق فإننا يب أن نؤكد بأن هذا الفضل وذلك‬
‫التكري لن – رضي ال عنهن – ل يكن ليستقر تاجا فوق رؤسهن إل بعد أن نحن فيما‬
‫اختبن به من أوامر ‪.‬‬
‫‪ -‬وسنتكلم عن بعض الختبارات ليتبي لنا بوضوح وجلء أنن – رضي ال عنهن –‬
‫كن جديرات بذا التكري وأهل لذا الفضل ‪.‬‬
‫‪ -‬فأول هذه الختبارات ما جاء ف قوله تعال { يأيها النب قل لزواجك إن كنت‬
‫تردن الياة الدنيا وزينتها فتعالي أمتعكن وأسرحكن سراحا جيل * وإن كنت تردن ال‬
‫ورسوله والدار الخرة فإن ال أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما }‬
‫وهذا الختبار الصعب شكي إليه خشونة العيش وقلة حظهن من متاع الدنيا‬ ‫‪-‬‬
‫فماذا حدث ؟‬
‫‪ -‬ف البخاري (‪ ": )5107‬عن عائشة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫ما شبع آل ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬منذ قدم الدينة‪ ،‬من طعام البُ ّر ثلث ليال تباعا‪،‬‬
‫حت قبض " ‪.‬‬
‫‪ -‬وف البخاري عن أمنا عائشة – رضي ال عنها – قالت ‪ ":‬كان فراش رسول ال –‬
‫صلى ال عليه وسلم – من َأ َدمٍ وحشوُه من ليف " ‪.‬‬

‫‪501‬‬
‫‪ -‬وف البخاري قال قتادة كنا نأت أنس بن مالك – رضي ال عنه ‪ ": -‬وخبّازه قائم‬
‫فقال ‪ :‬كلوا فما أعلم النب – صلى ال عليه وسلم – رأى رغيفا مرقّقا حت لق بال " ‪.‬‬
‫‪ -‬وف البخاري عن عائشة – رضي ال عنها قالت لبن أختها عروة بن الزبي ‪ ":‬إن‬
‫كنا لننظر إل اللل ثلثة أهلة وما أوقدت ف أبيات رسول ال – صلى ال عليه وسلم –‬
‫نارا فقلت ‪ :‬ما كان عيشكم قالت ‪ :‬السودان التمر والاء " ‪.‬‬
‫لذلك لا دخلت حفصة – رضي ال عنها – على عمر عندما كان خليفة‬ ‫‪-‬‬
‫للمؤمني ‪ ،‬فتراه ف شدة العيش والزهد ف اللبس والطعم فتقول له ‪ ":‬إن ال أكثر من‬
‫الي ‪ ،‬وأوسع عليك من الرزق ‪ ،‬فلو أكلت طعاما أطيب من ذلك ‪ ،‬ولبست ثيابا ألي‬
‫من ثوبك ؟ قال ‪ :‬سأخصمك إل نفسك ‪ ،‬فذكر أمر رسول ال – صلى ال عليه وسلم‬
‫– وما كان يلقى من شدة العيش ‪ ،‬فلم يزل يذكرها ما كان فيه رسول ال – صلى ال‬
‫عليه وسلم – وما كان يلقى من شدة العيش ‪ ،‬فلم يزل يذكرها ما كان فيه رسول ال –‬
‫صلى ال عليه وسلم – وكانت معه حت أبكاها " ( خب صحيح أخرجه ابن البارك ف‬
‫الزهد ‪. ) 201‬‬
‫‪ -‬اعتزلن النب – صلى ال عليه وسلم – شهرا كامل حت تامس السلمون أنه طلق‬
‫أزواجه ث جاء الختبار الصعب من ال عز وجل بي العيش مع رسول ال على هذه‬
‫الال وبي تطليقهن وتسريهن ‪.‬‬
‫‪ -‬فما كان منهن – رضي ال عنهن – إل أن اخترن العيش مع النب – صلى ال عليه‬
‫وسلم – مع خشونة العيش وقلة حظهن من متاع الدنيا ابتغاء ما عند ال وحب ل‬
‫ولرسوله ‪.‬‬
‫ث جاء الختبار الثان ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬وليس بأقل ما سبق ‪ ،‬وهو أنه إذا ارتكبت إحداهن ذنبا أو إثا فإن عقابا‬
‫مضاعف ‪ ،‬وإن آم ّن واتقي ال ورسوله وخشعن ل تعال وخضعن لرسوله فإن ال‬
‫يؤتيهن أجرهن مضاعفا ‪.‬‬

‫‪502‬‬
‫‪ -‬قال تعال { يا نساء النب من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لا العذاب ضعفي‬
‫وكان ذلك على ال يسيا * ومن يقنت منكن ل ورسوله وتعمل صالا نؤتا أجرها‬
‫مرتي وأعتدنا لا رزقا كريا } ‪.‬‬
‫فما كان منهن إل التسليم والقرار بذلك ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫==================‬
‫أخلق الرسول صلى ال عليه وسلم‬

‫للشيخ عبد الحسن العباد‬


‫الدرس ف الامعة‬
‫المد ل حدا كثيا طيبا مبارك فيه كما يب ربنا ويرضى‪ ،‬نمده سبحانه ول نصي‬
‫ثناء عليه أرسل نبيه ممدا صلى ال عليه وسلم بالدى ودين الق ليظهره على الدين كله‬
‫فارتضى له السلم دينا‪ ،‬وجعل القرآن له خلقا‪ ،‬أمت عليه بالصفات الفاضلة‪ ،‬ث أثن عليه‬
‫قائل‪َ { :‬وِإنّكَ َلعَلَى ُخلُ ٍق عَظِيمٍ}‪.‬ونشهد أن ل إ له إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬له اللق‬
‫والمر وبيده الي وهو على كل شيء قدير‪ ،‬يعطي من يشاء بفضله وينع من يشاء بعدله‪،‬‬
‫قسم بينهم أخلقهم كما قسم بينهم أرزاقهم فجعل نصيب الصطفى صلى ال عليه وسلم‬
‫من الرزق كفافا ومن الخلق أكملها وأحسنها وأوفاها‪ ،‬ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء‬
‫وال ذو الفضل العظيم‪.‬‬
‫ونشهد أن ممدا عبده ورسوله وخليله وخيته من خلقه بعثه ال إل أهل العمورة ليجدد‬
‫به صلة السماء بالرض‪ ،‬فأنزل عليه الكتاب مصدقا لا بي يديه من الكتاب ومهيمنا‬
‫عليه‪ ،‬ختم به الرسل وختم بكتابه الكتب وجعله معجزته الالدة‪ ،‬فهدى الناس به إل‬
‫الصراط الستقيم وحذرهم السبل الت تنتهي بم إل الحيم‪ ،‬وأخرجهم به من الظلمات‬
‫إل النور‪ ،‬ومن وحشة القلوب وتقلباتا ف أنواع العبودات إل انسها وثباتا على عبادة‬
‫فاطر السموات والرض‪ ،‬قد أعظم ال عليه النة وأت به وعليه النعمة إذ بعثه ليتم مكارم‬
‫الخلق‪ .‬اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا ممد وعلى آله وأصحابه‬
‫الذين اختارهم ال لصحبته ونشر سنته‪ ،‬فجعلهم طليعة اليار‪ ،‬وصفوة البرار‪ ،‬وعلى من‬
‫سلك سبيلهم وسار على منوالم مترسا خطاهم‪ ،‬مقتفيا آثارهم‪ ،‬عامر القلب ببهم‪،‬‬

‫‪503‬‬
‫رطب اللسان بذكرهم بالميل اللئق بم بالثناء عليهم با هم أهله والدعاء لم با علمنا‬
‫جعَلْ فِي قُلُوِبنَا غِلّا لِلّذِينَ‬
‫ال ف قوله‪َ { :‬رّبنَا ا ْغفِرْ َلنَا وَلِإِ ْخوَانِنَا الّذِي َن َسَبقُونَا بِاْلأِيَانِ وَل تَ ْ‬
‫آ َمنُوا َرّبنَا ِإنّكَ َرؤُوفٌ َرحِيمٌ}‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فموضوع هذه الحاضرة موضوع حبيب إل النفوس الؤمنة هو (أخلق النب‬
‫صلى ال عليه وسلم قبل البعثة وبعدها) وكيف ل يكون حبيبا إل النفوس الديث عن‬
‫أخلق نب بعثة ال رحة للعالي‪ ،‬نب ل نكون مؤمني حت يكون أحب إلينا من أنفسنا‬
‫ووالدينا والناس أجعي‪ ،‬نب ل يؤمن أحدنا حت يكون هواه تبعا لا جاء به صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬نب رغم أنف ث رغم أنف ث رغم أنف من ذكره عنده فلم يصل عليه صلى ال‬
‫عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه واتباعه إل يوم الدين‪ .‬وهذا الوضوع العظيم‬
‫الذي اخترته وآثرت الديث فيه اعتذر مقدما عن تقصيي ف توفيته حقه واعتقد أن‬
‫توفيته حقه على القيقة نادر إن ل يكن متعذرا لكن كما يقولون ‪ ..‬ما ل يدرك كثية ل‬
‫يترك قليلة‪.‬‬
‫نعم إن جهد القل أعرضه ف هذه السوق الت أتاحت ل رئاسة الامعة السلمية بالدينة‬
‫النورة أن أساهم فيها‪ ،‬وأسأل ال العظيم رب كل شئ ومليكه أن يوفقنا جيعا للتأدب‬
‫بآداب هذا النب الكري صلوات ال وسلمه عليه‪ ،‬وأن يينا على دين السلم الذي‬
‫ارتضاه لنا دينا حت يتوفانا عليه إنه ول ذلك والقادر عليه ول حول ول قوة إل به‪ .‬وقبل‬
‫الشروع ف نفس الوضوع أرى أن أتدث بي يديه إجال عن شدة الاجة إل بعثته صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬واختيار ال له واعتزاز الشركي على ذلك‪ ،‬والمتنان على الناس ببعثته‪،‬‬
‫وضرب أمثلة للمور والصال الت حصلت بي يدي بعثته توطئة وتهيدا لا‪.‬‬
‫شدة الاجة إل بعثته صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ما أكثر نعم ال على عباده وما أحوجهم دائما وأبدا إل شكره سبحانه على هذه النعم‬
‫حصُوهَا} وقوله‪{ :‬وَمَا ِبكُ ْم مِنْ‬ ‫الت أمت عليهم با ف قوله‪َ { :‬وإِ ْن َتعُدّوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه ل تُ ْ‬
‫ِنعْ َمةٍ َفمِنَ اللّهِ} وأعظم نعمة أنعم با على هذه المة أن بعث فيها رسولا الكري ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم ليشد إل كل نافع ف الاضر والستقبل‪ ،‬ويذر من كل ضار ف‬
‫العاجل والجل‪ ،‬أرسله على حي فترة من الرسل‪ ،‬واند راس من الكتب ف وقت انتشرت‬

‫‪504‬‬
‫فيه الضللة وعمت فيه الهالة وبلغت البشرية منتهى النطاط ف العقائد والعادات‬
‫والخلق فانتشلهم به من هوة الضللة ورفعهم إل صرح العلم والداية‪ ،‬فأزاح به عن‬
‫النفوس تعلقها بغي خالقها وفاطرها سبحانه وتعال‪ ،‬ووجهها إليه بقلبها وقالبها حت ل‬
‫يكون فيها مل لغيه سبحانه‪ ،‬بل تكون معمورة ببة وخوفه ورجائه والتوكل عليه‬
‫والنابة إليه تستسلم لوامره‪ ،‬وترعوي عن زواجره ونواهيه‪ .‬شيء من أمراض القلوب الت‬
‫انتشرت قبيل بعثته صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكيف عالها صلوات ال وسلمه عليه‪ .‬خلق‬
‫ال النسان مركبا من شيئي بدون وروح‪ ،‬وجعل لكل منهما ما يغذيه وينميه‪ ،‬وأرشد‬
‫إل طرق العلج الت يعال با كل منهما عندما يطرأ عليه مرض أو سقم فقد أغدق نعمه‬
‫على عباده وقال‪ُ { :‬هوَ الّذِي خَلَقَ َلكُ ْم مَا فِي اْلأَ ْرضِ َجمِيعا}‪ .‬أما الروح فقد‬
‫استحكمت أمراضها قبل بعثته صلوات ال وسلمه عليه حت كانت من قبيل الموات‬
‫فأحياها ال با بعث به نبيه صلى ال عليه وسلم من الدى والنور‪{ :‬أَ َومَنْ كَانَ َميْتا‬
‫ج ِمْنهَا}‪.‬‬‫س بِخَارِ ٍ‬ ‫َفأَ ْحيَْينَاهُ َو َجعَ ْلنَا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَ ْن َمثَلُهُ فِي الظّلُمَاتِ َلْي َ‬
‫وأرشد سبحانه إل أن شفاء أمراضها وجلء أسقامها إنا هو با أنزل ال على ممد صلى‬
‫ال عليه وسلم فقال سبحانه وتعال‪َ { :‬ونُنَزّ ُل مِ َن الْقُرْآ ِن مَا ُهوَ ِشفَا ٌء وَرَ ْح َمةٌ لِلْ ُم ْؤ ِمنِيَ}‬
‫ى َو ِشفَاءٌ}‪.‬‬
‫وقال‪{ :‬قُ ْل ُهوَ لِلّذِينَ آ َمنُوا هُد ً‬
‫نعم لقد بعث ال نبيه صلى ال عليه وسلم ف متمع انتشرت فيه المراض القلبية على‬
‫اختلفها وتنوعها وأعظم هذه المراض على الطلق تعلق القلوب بغي ال وصرف‬
‫خالص حقه سبحانه إل غيه من ملوقاته‪ ،‬فعال صلى ال عليه وسلم هذا الرض الطي‬
‫والداء العضال باستئصاله وتطهي القلوب من أدرانه أول‪ ،‬ث شغلها وعمارتا بب ال‬
‫وخوفه ورجائه وإفراده بالعبادة وحده ل شريك له لكونه سبحانه التفرد باللق والياد‪،‬‬
‫فهو بق الستحق لن يعبد وحده ل يعبد معه غيه كائنا ما كان‪ ،‬وقد لقي صلوات ال‬
‫وسلمه عليه من الشركي ف هذا السبيل ألوانا متلفة من اليذاء‪ ،‬فصب حت ظفر بنصر‬
‫ال وتأييده وكانت العاقبة له صلى ال عليه وسلم وأنصاره والعزة ل ولرسوله وللمؤمني‬
‫والعاقبة للمتقي والعاقبة للتقوى‪ ،‬ولقي أيضا منهم ألوانا من العارضة والتعنت أوضحها‬
‫ال ف كتابه العزيز ف سورة الجر والسراء وغيها من سور القرآن ومن ذلك ما ذكره‬

‫‪505‬‬
‫ب وَانْطََل َق الْمََلُأ ِمنْهُ ْم‬ ‫شيْءٌ ُعجَا ٌ‬ ‫ال عنهم ف سورة ص {أَ َجعَ َل الْآِل َهةَ إِلَها وَاحِدا ِإنّ هَذَا لَ َ‬
‫شيْءٌ يُرَا ُد مَا سَ ِم ْعنَا ِبهَذَا فِي الْمِّل ِة الْآخِ َرةِ ِإنْ هَذَا‬ ‫صبِرُوا عَلَى آِل َهتِكُمْ ِإنّ هَذَا لَ َ‬ ‫أَ ِن امْشُوا وَا ْ‬
‫إِلّا ا ْختِلقٌ َأأُنْ ِز َل عََليْهِ الذّ ْك ُر مِ ْن َبيِْننَا}‪ .‬وقد حلهم على هذه القالة الكب والسد‪ ،‬ومثل‬
‫هذه القالة الت حكاها ال عن كفار قريش ما ذكره ال سبحانه ف سورة القمر عن قوم‬
‫صال بقوله‪{ :‬كَ ّذَبتْ ثَمُو ُد بِالنّ ُذرِ َفقَالُوا َأبَشَرا ِمنّا وَاحِدا َنّتِبعُهُ ِإنّا إِذا َلفِي ضَل ٍل َوسُعُرٍ‬
‫َأأُلْ ِقيَ الذّكْ ُر عََليْهِ مِ ْن بَْيِننَا بَ ْل ُهوَ كَذّابٌ َأشِرٌ} وأبرز الطرق الت عال با صلى ال عليه‬
‫وسلم ذلك الداء الذي هو أعظم الدواء على الطلق إلزام الكفار بأن يفردوا ال ف‬
‫العبادة لا كانوا معترفي بانفراده سبحانه بالربوبية‪ ،‬وأكتفي بالتمثيل لذلك با ذكره ال‬
‫سبحانه ف سورة النمل من اليات الت أوضحت تلك الطريقة غاية اليضاح وذلك قوله‬
‫سبحانه‪{ :‬آللّهُ َخيْرٌ َأمّا َأمّنْ خََلقَ السّمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضَ َوَأنْزَلَ َلكُ ْم مِنَ السّمَا ِء مَاءً َفَأْنبَْتنَا بِهِ‬
‫ج َرهَا َأإِلَ ٌه مَعَ اللّ ِه بَ ْل هُمْ َق ْو ٌم َيعْدِلُونَ َأمّنْ‬
‫ج ٍة مَا كَانَ َلكُمْ َأ ْن ُتنِْبتُوا شَ َ‬ ‫ت َبهْ َ‬
‫حَدَائِقَ ذَا َ‬
‫ح َريْنِ حَاجِزا‬ ‫َجعَ َل اْلأَ ْرضَ َقرَارا وَ َجعَلَ خِلَلهَا َأْنهَارا َو َجعَلَ َلهَا َروَاسِ َي وَ َجعَ َل َبيْ َن الْبَ ْ‬
‫جعَُلكُمْ‬ ‫ب الْ ُمضْطَرّ ِإذَا َدعَا ُه َوَيكْشِفُ السّو َء َويَ ْ‬ ‫َأإِلَهٌ مَعَ اللّ ِه بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ل َيعْلَمُونَ َأمّنْ ُيجِي ُ‬
‫ح ِر َومَنْ‬ ‫ت اْلبَ ّر وَالْبَ ْ‬
‫خَُلفَا َء اْلأَ ْرضِ َأإِلَ ٌه مَعَ اللّهِ َقلِيلً مَا تَذَكّرُونَ َأمّ ْن َيهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَا ِ‬
‫ح بُشْرا َبيْ َن يَدَيْ رَحْ َمتِهِ َأإِلَهٌ َمعَ اللّ ِه َتعَالَى اللّ ُه عَمّا يُشْرِكُونَ َأمّ ْن َيبْدأُ الْخَلْقَ‬ ‫يُ ْرسِلُ ال ّريَا َ‬
‫ثُ ّم ُيعِي ُد ُه َومَ ْن يَرْزُُقكُ ْم مِنَ السّمَا ِء وَاْلأَ ْرضِ َأإِلَ ٌه مَعَ اللّهِ قُ ْل هَاتُوا بُ ْرهَاَنكُمْ إِنْ ُكْنتُمْ‬
‫صَادِِقيَ}‪ .‬وبا ذكره ال سبحانه ف سورة الج من التصوير العجيب والتمثيل البليغ‬
‫ب َمثَلٌ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫لعجز العبودات الت أشركوها مع ال حيث قال سبحانه‪{ :‬يَا َأّيهَا النّاسُ ُ‬
‫خُلقُوا ُذبَابا وََلوِ ا ْجتَ َمعُوا لَ ُه َوإِ ْن يَسُْلْبهُمُ‬ ‫فَا ْستَ ِمعُوا لَهُ ِإنّ الّذِي َن تَ ْدعُو َن مِنْ دُونِ اللّهِ لَ ْن يَ ْ‬
‫ب وَالْمَطْلُوبُ‪ .‬مَا َقدَرُوا اللّهَ حَقّ قَ ْد ِرهِ ِإنّ اللّهَ‬ ‫ضعُفَ الطّالِ ُ‬ ‫سَتْنقِذُو ُه ِمنْهُ َ‬
‫ال ّذبَابُ َشيْئا ل يَ ْ‬
‫َل َقوِيّ عَزِيزٌ‪.}..‬‬
‫ومن المراض الت عالها صلى ال عليه وسلم بكمته الظلم والور‪ ،‬وازدراء الساكي‪،‬‬
‫والتفاخر بالحساب والنساب‪ .‬فنشر فيهم العدل‪ ،‬وعمهم الطمئنان والستقرار‪ ،‬وصار‬
‫مقياس الفضل بينهم تقوى ال بدل من اعتبار ذلك بالسب والنسب‪ ،‬وقد أعلنها صلى‬
‫ال عليه وسلم صرية ف حجة الوداع ف أعظم جع شاهده عليه الصلة والسلم حيث‬

‫‪506‬‬
‫قال‪" :‬أل ل فضل لعرب على عجمي إل بالتقوى‪ ،‬الناس لدم‪ ،‬وآدم من تراب‪ ،‬إن‬
‫أكرمكم عند ال اتقاكم" أو كما قال‪ .‬ولا بلغه صلى ال عليه وسلم شأن الخزومية الت‬
‫سرقت أمر بقطع يدها فراجعه أسامه بن زيد فأنكر صلى ال عليه وسلم عليه ذلك وقال‬
‫صلى ال عليه وسلم القالة الت برهن با عن مدى تقيق العدالة‪" :‬و أي ال لو أن فاطمة‬
‫بنت ممد سرقت لقطعت يدها"‪ .‬وقد أشار صلى ال عليه وسلم ف جوابه لسامة ابن‬
‫زيد بأن العدول عن العدل سبب هلك المم التقدمة حيث قال‪" :‬إنا هلك الذين من‬
‫قبلكم أنم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه‬
‫الد‪"..‬‬
‫ولا قسم صلى ال عليه وسلم غنائم حني وأكثر العطاء للمؤلفة قلوبم وجد النصار‬
‫رضي ال عنهم ف أنفسهم شيئا إذا ل يصبهم ما أصاب الناس‪ ،‬فأتى إليهم صلى ال عليه‬
‫وسلم وقال‪" :‬أل آتكم ضلل فهداكم ال ب‪ ،‬وكنتم متفرقي فألفكم ب‪ ،‬وعالة فأغناكم‬
‫ال ب" وقد ذكرهم ال سبحانه ف كتابه العزيز بذه النعمة وأنا من أعظم النعم عليهم‬
‫حبْلِ اللّهِ َجمِيعا وَل َتفَرّقُوا وَاذْ ُكرُوا ِنعْ َمتَ اللّ ِه عََلْيكُمْ إِذْ ُكْنتُمْ َأعْدَاءً‬ ‫فقال‪{ :‬وَا ْعتَصِمُوا بِ َ‬
‫حتُ ْم ِبِنعْ َمتِهِ إِ ْخوَانا وَ ُكْنتُ ْم عَلَى َشفَا ُح ْف َرةٍ مِ َن النّارِ َفَأْنقَذَكُمْ‬
‫صبَ ْ‬
‫َفأَلّفَ َبيْنَ ُقلُوبِكُمْ َفأَ ْ‬
‫سبَكَ اللّ ُه ُه َو الّذِي َأيّدَ َك ِبَنصْ ِرهِ‬ ‫ِمنْهَا}‪ .‬وقال سبحانه‪َ { :‬وإِ ْن يُرِيدُوا َأ ْن يَخْ َدعُوكَ فَِإنّ حَ ْ‬
‫ف َبيْنَ قُلُوِبهِمْ َلوْ َأنْ َف ْقتَ مَا فِي الْأَ ْرضِ َجمِيعا مَا أَّل ْفتَ َبيْنَ قُلُوِبهِ ْم وََلكِنّ‬ ‫ي َوأَلّ َ‬‫َوبِالْ ُم ْؤمِنِ َ‬
‫ف بَْيَنهُمْ ِإنّهُ عَزِيزٌ َحكِيمٌ}‪.‬‬ ‫اللّهَ أَلّ َ‬
‫هذه بعض المراض الت انتشرت قبل بعثته صلى ال عليه وسلم‪ ،‬منّ ال سبحانه وتعال‬
‫على البشرية بإرسال رسوله الكري ممد صلى ال عليه وسلم لينقلها من ذل عبادة‬
‫الخلوق إل عز طاعة الالق جل وعل‪ ،‬ومن الظلم والور وسفك الدماء إل ساحة العدل‬
‫والمن والطمئنان‪ ،‬من الفرقة والختلف إل الجتماع والئتلف‪ ،‬من التعاون على الث‬
‫والعدوان إل التعاون على الب والتقوى‪ ،‬من المر بالنكر والنهي عن العروف إل المر‬
‫بالعروف والنهي عن النكر‪ ،‬من الغش واليانة إل النصح والمانة‪ ،‬من الزع واللع‬
‫والعتراض على قضاء ال إل الصب والثبات والرضى با قدره ال وقضاه‪ ،‬وف الملة‪ :‬من‬
‫كل ضار عاجل وآجل إل كل نافع ف الال والآل‪ .‬وقد أرشد ال سبحانه إل شكره‬

‫‪507‬‬
‫على ذلك بعبادته وحده ل شريك له ف قوله سبحانه‪{ :‬لِإِيلفِ قُ َرْيشٍ إِيلِفهِمْ رِ ْحَلةَ‬
‫ت الّذِي أَ ْطعَ َمهُ ْم مِنْ جُوعٍ وَآ َمَنهُ ْم مِنْ َخوْفٍ}‪.‬‬
‫ب هَذَا اْلَبيْ ِ‬
‫الشّتَا ِء وَالصّيْفِ فَ ْلَي ْعبُدُوا رَ ّ‬

‫اختيار ال لنبيه صلى ال عليه وسلم‪:‬‬


‫ختَارُ}‪ .‬هذه الية الكرية تدل على أن ال‬ ‫ك يَخُْل ُق مَا يَشَاءُ َويَ ْ‬
‫يقول ال سبحانه‪{ :‬وَ َربّ َ‬
‫سبحانه وتعال منفرد باللق يقول للشيء الذي أراده كن فيكون‪ ،‬وتدل أيضا على أن‬
‫تلك الخلوقات الت أوجدها من العدم ل يسوها أختار منها ما شاء وله الكمة البالغة‬
‫فخصه بالتفضيل‪ ،‬فقد اختار من أرضه مكة حرسها ال فجعلها مقر بيته الرام من دخله‬
‫كان آمنا وصرف قلوب الناس إليه وأوجب على الستطيع منهم حجة‪ ،‬وحرم صيده‪،‬‬
‫وقطع شجره‪ ،‬وضاعف العمال الصالة فيه‪ ،‬وحذر من الروج عن طاعته سبحانه‬
‫وأشار إل عقوبة إرادة السوء ف الرم بقوله سبحانه‪َ { :‬ومَ ْن يُرِدْ فِي ِه بِإِلْحَا ٍد بِظُ ْل ٍم نُذِقْ ُه مِنْ‬
‫عَذَابٍ أَلِيمٍ}‪ .‬ويلي ذلك مهاجر رسوله صلى ال عليه وسلم هذه الدينة الباركة حرم‬
‫رسول ال صلى عليه وسلم "صلة ف مسجدي هذا خي من ألف صلة فيما سواه إل‬
‫السجد الرام"‪ .‬واختار سبحانه من الشهور شهر رمضان ففضله على سائر الشهور‪،‬‬
‫واختار منه ليلة القدر ففضلها على سائر الليال‪ ،‬واختار من اليام يوم عرفه فجعله أفضل‬
‫اليام‪ ،‬واختار من أيام السبوع يوم المعة فجعله أفضلها‪ ،‬وأختار من اللئكة جبيل‬
‫وإسرافيل وميكائيل فوكلهم بأسباب الياة‪ ،‬واختار من البشر أنبياءه ورسله صلوات ال‬
‫وسلمه عليهم أجعي ففضلهم على غيهم وجعل أفضلهم أول العزم منهم‪ ،‬واختار‬
‫الليلي إبراهيم وممدا صلوات ال وسلمه عليهما فجعلهما أفضلهم‪ ،‬وجعل ممدا صلى‬
‫ال عليه وسلم أفضل الليلي‪ ،‬وأمته خي المم فهو عليه الصلة والسلم إمام التقي‬
‫وسيد الرسلي وخليل رب العالي وخات النبيي‪ ،‬أقام ال به الجة على الثقلي الن‬
‫والنس‪ ،‬وأول قب ينشق عند النفخ ف الصور قبه‪ ،‬ول يدخل النة أحد قبله‪ ،‬واختصه‬
‫سبحانه بالقام الحمود الذي يمده فيه الولون والخرون وهو الشفاعة العظمى ف فصل‬
‫القضاء الت يتخلى عنها أولو العزم من الرسل كل واحد يقول نفسي نفسي أذهبوا إل‬
‫غيي حت تنتهي إليه صلوات ال وسلمه عليه فيقول‪" :‬أنا لا" ث يشفع فيشفعه ال‬
‫وصدق ال العظيم حيث يقول‪{ :‬ذَلِكَ َفضْلُ اللّ ِه ُي ْؤتِي ِه مَ ْن يَشَا ُء وَاللّهُ ذُو اْل َفضْلِ‬

‫‪508‬‬
‫الْعَظِيمِ}‪ .‬وقد أشار سبحانه ف كتابة العزيز إل اختياره من يشاء بقوله سبحانه‪{ :‬اللّ ُه‬
‫َيصْ َطفِي مِ َن الْمَلئِ َكةِ ُر ُسلً َومِ َن النّاسِ إِنّ اللّ َه سَمِي ٌع َبصِيٌ}‪ .‬وقد ثبت ف صحيح مسلم‬
‫وغيه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إن ال اصطفى قريشا من كنانة‪،‬‬
‫واصطفى من قريش بن هاشم‪ ،‬واصطفان من بن هاشم" فهو صلى ال عليه وسلم بنص‬
‫هذا الديث الشريف خلصة خلصة خلصة باعتبار شرف النسب كما كان خلصة‬
‫باعتبار الفضل وعلو النلة عند ال‪.‬‬

‫اعتراض الشركي على اختيار ال له صلى ال عليه وسلم‬


‫ولا بعث ال رسوله صلى ال عليه وسلم إل الناس كافة ليهديهم به إل الصراط الستقيم‬
‫قابله الشركون با يستطيعونه من الذى والناوأة وتأليب الناس عليه وتذيرهم منه‪،‬‬
‫فوصفوه بأشنع الوصاف فقالوا‪" :‬أنه ساحر" وقالوا‪" :‬أخرى أنه كاهن" وقالوا‪" :‬منون"‬
‫هذا وهم أعلم الناس باضيه الشرق الوضاء‪ ،‬ولكن الذي حلهم على ذلك الكب والسد‪.‬‬
‫فقد أخب ال عنهم ف كتابه العزيز أنم أقسموا بال جهد أيانم لئن جاءهم نذير ليكونن‬
‫أهدى من إحدى المم‪ ،‬فلما جاءهم نذير مازا دهم إل نفورا استكبارا ف الرض ومكر‬
‫جبُوا َأنْ‬‫السيئ ول ييق الكر السيئ إل بأهله‪ .‬وقال سبحانه وتعال مبا عنهم‪َ { :‬وعَ ِ‬
‫جَا َءهُ ْم ُمنْذِ ٌر ِمْنهُ ْم وَقَا َل اْلكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذّابٌ}‪ .‬إل أن قال مشيا إل حسدهم له‬
‫صلوات ال وسلمه عليه‪َ{ :‬أأُنْزِلَ عََليْهِ الذّكْرُ مِ ْن بَْيِننَا}‪ .‬وقال سبحانه وتعال‪{ :‬وَلَمّا‬
‫جَا َءهُ ُم الْحَقّ قَالُوا هَذَا سِحْ ٌر َوِإنّا بِهِ كَافِرُونَ}‪ .‬ث قال مبا عن اعتراضهم على ال ف‬
‫اختياره لذا النب الكري صلى ال عليه وسلم‪{ :‬وَقَالُوا َلوْل نُزّ َل هَذَا اْلقُرْآنُ عَلَى َرجُ ٍل مِنَ‬
‫الْقَ ْرَيَتيْ ِن عَظِيمٍ}‪ .‬فأنكر عليهم ذلك وبي أن المر أمره‪ ،‬واللق خلقه‪ ،‬والفضل فضله‬
‫يؤتيه من يشاء فهو أعلم حيث يعل رسالته فقال سبحانه‪{ :‬أَهُ ْم َيقْسِمُونَ رَحْ َمتَ َربّكَ‬
‫ق َبعْضٍ َدرَجَاتٍ ِلَيتّخِذَ‬ ‫ضهُمْ َف ْو َ‬‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَرََف ْعنَا َبعْ َ‬
‫شَتهُمْ فِي الْ َ‬
‫س ْمنَا َبْيَنهُ ْم َمعِي َ‬
‫نَحْنُ قَ َ‬
‫ضهُ ْم ِببَ ْعضٍ ِلَيقُولُوا‬ ‫خ ِريّا}‪ .‬ونظي هذا قوله سبحانه‪{ :‬وَكَذَلِكَ َفَتنّا بَ ْع َ‬ ‫ضهُ ْم َبعْضا سُ ْ‬ ‫َبعْ ُ‬
‫َأهَؤُل ِء مَنّ اللّ ُه عََلْيهِ ْم مِ ْن َبيِْننَا أََليْسَ اللّ ُه ِبأَعَْل َم بِالشّاكِرِينَ}‪ .‬وقال سبحانه‪{ :‬وَإِذَا ُتتْلَى‬
‫عََلْيهِ ْم آيَاُتنَا َبيّنَاتٍ قَا َل الّذِينَ َكفَرُوا لِ ْلحَقّ لَمّا جَا َءهُ ْم هَذَا ِسحْ ٌر ُمبِيٌ‪َ .‬أ ْم َيقُولُونَ ا ْفتَرَاهُ ‪-‬‬
‫ت بِدْعا مِنَ ال ّرسُ ِل َومَا أَدْرِي مَا ُي ْفعَ ُل بِي وَل ِبكُم}‪ .‬وقال‪:‬‬ ‫إل أن قال‪ -‬قُ ْل مَا ُكنْ ُ‬

‫‪509‬‬
‫س َوبَشّ ِر الّذِينَ آ َمنُوا َأنّ َلهُ ْم‬
‫س عَجَبا أَنْ َأوْ َحْينَا إِلَى رَ ُج ٍل ِمنْهُمْ َأنْ َأنْذِ ِر النّا َ‬ ‫{أَكَانَ لِلنّا ِ‬
‫ق ِعنْدَ َرّبهِمْ قَا َل اْلكَافِرُونَ ِإ ّن هَذَا لَسَاحِ ٌر ُمبِيٌ} وقد روى الاكم بسند على‬ ‫قَ َدمَ صِ ْد ٍ‬
‫شرط الشيخي أن أبا جهل قال للنب صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنا ل نكذبك ولكن نكذب‬
‫ك وََلكِنّ‬‫ح ُزنُكَ الّذِي يَقُولُونَ فَِإّنهُ ْم ل ُيكَ ّذبُونَ َ‬ ‫ما جئت به" فأنزل ال {قَ ْد َنعَْلمُ ِإنّهُ َليَ ْ‬
‫حدُونَ}‪ .‬وروي أن الخنس بن شريق دخل على أب جهل فقال‪:‬‬ ‫ي بِآيَاتِ اللّ ِه يَجْ َ‬
‫الظّالِمِ َ‬
‫"يا أبا الكم أخبن عن ممد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ههنا من قريش غيي‬
‫وغيك يسمع كلمنا" فقال أبو جهل‪" :‬ويك وال إن ممدا لصادق وما كذب ممد‬
‫قط‪ ،‬ولكن إذا ذهبت بنو قصي بالسقاية والجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش"‪،‬‬
‫وقال‪" :‬تنازعنا نن وبنو عبد مناف الشرف‪ ،‬أطعموا فأطعمنا‪ ،‬وحلوا فحملنا‪ ،‬وأعطوا‬
‫فأعطينا‪ ،‬حت إذا تاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نب ينل عليه الوحي‬
‫من السماء فمت ندرك هذه‪ ،‬وال ل نؤمن به ول نصدقه"‪ .‬وهكذا يبلغ الكب والسد‬
‫بؤلء القوم الذين دعاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم إل ما فيه سعادتم ف الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬حلهم ذلك على تاهل القيقة وإبداء خلف الستقر ف القلوب‪ ،‬يقولون‬
‫بأفواههم ما ليس ف قلوبم متبعي ف ذلك إمامهم ف الضلل والسد إبليس اللعي حيث‬
‫فسق عن أمر ربه له بالسجود لدم كبا وحسدا استنادا منه لعنة ال على أنه أفضل منه‬
‫على زعمه‪ ،‬لكونه خلق من نار وآدم عليه الصلة والسلم خلق من طي‪..‬‬
‫امتنان ال سبحانه على الثقلي برسالته صلى ال عليه وسلم‬
‫من رحة ال سبحانه بعباده أن أرسل فيهم رسله يبشرون وينذرون كلما ذهب نب خلفه‬
‫نب حت ختمهم نب الرحة ممدا صلى ال عليه وسلم‪ .‬وف ذلك يقول سبحانه‪{ :‬وََلقَدْ‬
‫َبعَْثنَا فِي كُلّ ُأ ّمةٍ َرسُولً أَ ِن اعْبُدُوا اللّ َه وَا ْجتَِنبُوا الطّاغُوتَ َف ِمْنهُمْ مَ ْن هَدَى اللّ ُه َومِْنهُ ْم مَنْ‬
‫َح ّقتْ عََليْ ِه الضّللَة}‪ .‬ولقد اختار منهم سيدهم وإمامهم فجعله خات النبيي واختصه‬
‫بصائص ومزايا ل يشاركه فيها أحد منهم‪ ،‬كما اختص أمته بصائص ليست لغيهم من‬
‫المم السالفة‪ ،‬ومن تلك الزايا الت أمتاز با على غيه من الرسلي صلوات ال وسلمه‬
‫عليه وعليهم أجعي أن بعثه إل السود والحر بل إل الن والنس جيعا كما قال ال‬
‫سبحانه عن الن الذين استمعوا لقراءته صلى ال عليه وسلم ث ولوا إل قومهم منذرين‪:‬‬

‫‪510‬‬
‫{يَا َق ْو َمنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللّ ِه وَآ ِمنُوا بِهِ َي ْغفِرْ َلكُ ْم مِنْ ُذنُوِبكُ ْم َويُجِرْكُمْ مِ ْن عَذَابٍ أَلِي ٍم َومَنْ‬
‫جزٍ فِي اْلأَ ْرضِ وَلَْيسَ لَ ُه مِنْ دُونِهِ َأوِْليَاءُ أُوَلئِكَ فِي ضَللٍ‬ ‫س بِ ُمعْ ِ‬
‫جبْ دَاعِيَ اللّهِ فََلْي َ‬ ‫ل يُ ِ‬
‫ُمبِيٍ}‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم ف الديث التفق على صحته‪" :‬أعطيت خسا ل‬
‫يعطهن أحد من النبياء قبلي ‪-‬فذكر من بينها‪ -‬وكان النب يبعث إل قومه خاص وبعثت‬
‫س بَشِيا َونَذِيرا}‬ ‫إل الناس عامة"‪ .‬وف ذلك يقول سبحانه‪َ { :‬ومَا أَ ْرسَ ْلنَاكَ إِلّا كَاّفةً لِلنّا ِ‬
‫ويقول‪{ :‬قُ ْل يَا َأّيهَا النّاسُ ِإنّي َرسُولُ اللّهِ إَِليْكُمْ جَمِيعا}‪ .‬وقد أوضح ذلك صلوات ال‬
‫وسلمه عليه ف الديث الذي رواه مسلم ف صحيحة حيث قال‪" :‬والذي نفس ممد‬
‫بيده ل يسمع ب أحد من هذه المة يهودي ول نصران ث يوت ول يؤمن بالذي أرسلت‬
‫به إل كان من أصحاب النار‪ "..‬قال سعيد بن جبي رحه ال مصداق ذلك ف كتاب ال‬
‫عز وجل قال ال سبحانه‪َ { :‬ومَنْ َي ْكفُ ْر بِ ِه مِ َن الْأَ ْحزَابِ فَالنّا ُر َم ْوعِ ُدهُ}‪ .‬ول شك أن‬
‫أعظم نعمة أنعم ال با على أهل الرض هي إرسال هذا النب الكري الذي أكمل ال به‬
‫الدين وجعله حجة على الناس أجعي‪ .‬وقد أخب ال ف كتابه العزيز عن إبراهيم بأدعية‬
‫حكْ َمةَ‬ ‫من بينها‪َ { :‬رّبنَا وَاْبعَثْ فِيهِمْ َرسُولً ِمْنهُ ْم َيتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِكَ َوُيعَلّ ُمهُ ُم اْل ِكتَابَ وَالْ ِ‬
‫حكِيمُ}‪.‬وقد أجاب ال دعائه فبعث ف المي وف غيهم‬ ‫ت اْلعَزِي ُز الْ َ‬‫َويُزَكّيهِمْ ِإنّكَ َأنْ َ‬
‫ممدا صلى ال عليه وسلم أرسله بالدى ودين الق ليظهره على الدين كله‪ ،‬وتلك النعمة‬
‫العظمى والنة السيمة نوه ال با ف معرض الثناء على نفسه سبحانه ف آيات كثية منها‬
‫قوله تعال‪ُ { :‬ه َو الّذِي َبعَثَ فِي الُْأ ّميّيَ َرسُولً ِمْنهُ ْم َيتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِ ِه َويُزَكّيهِ ْم َوُيعَلّ ُمهُمُ‬
‫حقُوا ِبهِمْ وَ ُهوَ‬ ‫ي وَآ َخرِي َن ِمنْهُمْ َلمّا يَلْ َ‬ ‫حكْ َم َة َوِإنْ كَانُوا مِنْ َقبْلُ َلفِي ضَل ٍل ُمبِ ٍ‬ ‫ب وَالْ ِ‬ ‫الْ ِكتَا َ‬
‫حكِيمُ ذَلِكَ َفضْلُ اللّ ِه ُي ْؤتِي ِه مَ ْن يَشَا ُء وَاللّهُ ذُو اْلفَضْ ِل اْلعَظِيمِ}‪ .‬ومنها قوله تعال‪:‬‬ ‫الْعَزِي ُز الْ َ‬
‫سهِمْ َيتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِهِ َويُزَكّيهِمْ‬ ‫{َلقَدْ مَنّ اللّ ُه عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ إِ ْذ َب َعثَ فِيهِمْ َرسُو ًل مِنْ َأْنفُ ِ‬
‫حكْ َم َة َوإِنْ كَانُوا مِنْ َقبْلُ َلفِي ضَل ٍل ُمبِيٍ}‪ .‬ومنها قوله‪{ :‬كَمَا‬ ‫ب وَالْ ِ‬‫َويُعَلّ ُمهُ ُم اْلكِتَا َ‬
‫حكْ َمةَ‬
‫أَ ْرسَ ْلنَا فِيكُمْ َرسُولً ِمْنكُمْ يَتْلُو عََلْيكُ ْم آيَاتِنَا َويُزَكّيكُمْ َويُعَلّ ُمكُمُ الْ ِكتَابَ وَالْ ِ‬
‫َويُعَلّ ُمكُ ْم مَا لَ ْم َتكُونُوا َتعْلَمُونَ فَاذْ ُكرُونِي أَذْكُرْ ُك ْم وَا ْشكُرُوا لِي وَل َتكْفُرُونِ}‪ .‬ومنها‬
‫ص عََلْيكُمْ‬‫قوله سبحانه‪َ{ :‬لقَدْ جَاءَكُمْ َرسُو ٌل مِنْ َأْنفُسِكُ ْم عَزِيزٌ عََليْهِ مَا َعِنتّمْ حَرِي ٌ‬
‫بِالْ ُم ْؤمِنِيَ َرؤُوفٌ رَحِيمٌ}‪ .‬وإنا كان إرساله صلى ال عليه وسلم إل الناس أعظم منة‬

‫‪511‬‬
‫أمت با على عباده لن ف ذلك تليص من وفقه ال وهداه منهم من العذاب السرمدي‬
‫بسبب اليان بال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والبتعاد عن الشرك الذي ل يغفره ال‬
‫كما قال تعال‪{ :‬إِنّ اللّ َه ل يَ ْغفِرُ َأ ْن يُشْ َركَ بِ ِه َوَي ْغفِ ُر مَا دُونَ ذَلِكَ لِ َم ْن يَشَاءُ}‪ .‬وقال‪:‬‬
‫ي مِنْ َأْنصَارٍ}‪.‬‬ ‫جّنةَ َو َم ْأوَاهُ النّا ُر َومَا لِلظّالِمِ َ‬
‫{إِنّ ُه مَ ْن يُشْ ِر ْك بِاللّهِ َفقَدْ حَ ّرمَ اللّ ُه عََليْ ِه الْ َ‬
‫التمهيد لبعثته صلى ال عليه وسلم‬
‫ومن حكمة ال وفضله أن هيأ لنبيه صلى ال عليه وسلم قبل أن يبعثه جيع أسباب‬
‫الشرف والرفعة وعلو النلة‪ ،‬ووفر فيه جيع الصال الت تؤهله للقيام بأعباء الرسالة‬
‫العظمى الت اصطفاه واختاره لا صلوات ال وسلمه عليه‪ ،‬وفيما يلي أذكر على سبيل‬
‫الثال بعض تلك السباب والصال وأبي كيف كانت توطئة وتقدمة لبعثته صلى ال عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫أول‪ :‬أن ال سبحانه جعله عريق النسب‪ ،‬كري النبت‪ ،‬اصطفاه من أشرف قبائل العرب‬
‫قبيلة قريش الت شهد لا غيها بالسيادة والقيادة‪ ،‬وهذه سنة ال ف رسله كما جاء ذلك‬
‫ف سؤال هرقل ملك الروم لب سفيان عن رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث قال يعن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬كيف نسبه فيكم" قال أبو سفيان‪" :‬هو فينا ذو نسب"‬
‫ث قال هرقل عند ذلك‪" :‬الرسل تبعث ف نسب قومها" وإنا كانت هذه سنة ال ف رسله‬
‫ليسد على أعدائهم باب القدح فيهم والتنقيص لم‪ ،‬فل يد أعداؤهم سبيل إل إلصاق‬
‫العيوب بم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أنه صلى ال عليه وسلم نشأ فقيا يتيما ف كفالة جده عبد الطلب ث عمه أب طالب‬
‫وذلك من أسباب التواضع والتحلي بالصفات الميدة والبعد عن الصفات الذميمة كالكب‬
‫والظلم وغي ذلك‪ ،‬وقد ذكر ال ذلك منوها بتفضله على نبيه صلى ال عليه وسلم بإيوائه‬
‫وإغنائه وهدايته حيث قال سبحانه‪{ :‬أَلَ ْم يَجِ ْد َك َيتِيما فَآوَى َووَ َج َدكَ ضَالً َف َهدَى‬
‫َووَجَ َد َك عَائِلً َفَأغْنَى}‪ .‬ث أرشده إل شكر هذه النعمة بأن يعطف على اليتامى والساكي‬
‫ويتحدث بنعمة ال عليه قال‪{ :‬فََأمّا الَْيتِيمَ فَل تَ ْقهَ ْر َوَأمّا السّائِلَ فَل َتْنهَ ْر َوَأمّا بِِنعْ َمةِ َربّكَ‬
‫حدّثْ}‪ .‬وهذه تربية إلية لنب الرحة صلى ال عليه وسلم ذكرها ال ف كتابه العزيز‬ ‫فَ َ‬
‫تنبيها لعباده الؤمني بأن يملوا أنفسهم على تلك الصفات الميدة وغيها شكرا ل‬

‫‪512‬‬
‫سبحانه على توفيقه لم بالداية بعد الضللة‪ ،‬والغن بعد الفقر‪ ،‬وغي ذلك من نعمه‬
‫عليهم‪ ،‬والعن ل تقهر ول تنهر الفقي فقد كنت فقيا تكره أن تنهر‪ ،‬ول شك أن تذكي‬
‫النسان بنعمة ال عليه من أقوى السباب ف القدام على الي والحجام عن الشر لن‬
‫وفقه ال‪..‬‬
‫ثالثا‪ :‬إن ال سبحانه وتعال نشأه نشأة صالة‪ ،‬وأنبته نباتا حسنا متحليا بكل خلق كري‬
‫بعيدا عن كل وصف ذميم‪ ،‬شهد له بذلك موالوه ومعادوه‪ ،‬ولكن من ل يشأ ال هدايته‬
‫تعامى عن هذا كله وأظهر خلف ما يبطنه كبا وحسدا‪ ،‬وف توفيق ال لنبيه صلى ال‬
‫عليه وسلم للتصاف بالصفات النبيلة والسلمة من الخلق الرذيلة قطع للسنة أعدائه‬
‫وإسكات لم عن أن يعيوه بأدن عيب‪ ،‬أو يصفوه بشيء من النقص‪ ،‬ولذا لا سأل هرقل‬
‫ملك الروم أبا سفيان عن رسول ال صلى ال عليه وسلم هل يغدر قال‪" :‬ل" ول يستطع‬
‫مع شدة عداوته لرسول ال صلى ال عليه وسلم ف ذلك الوقت أن يقول أكثر من قوله‬
‫بعد نفي الغدر عنه‪" :‬ونن منه ف مدة ل ندري ما هو فاعل فيها" قال‪" :‬ول تكن كلمة‬
‫أدخل فيها شيئا غي هذه الكلمة"‪ .‬وقد ترز من الكذب خوفا من ملك الروم فأعداؤه‬
‫صلى ال عليه وسلم ل يستطيعون وصفه حقيقة بوصف معيب‪ ،‬أما الكذب والفتراء عليه‬
‫صلى ال عليه وسلم فقد قالوا عنه‪" :‬أنه ساحر" وقالوا عنه‪" :‬شاعر" وقالوا عنه‪" :‬أنه‬
‫كاهن" وغي ذلك‪ ،‬وقد صانه ال سبحانه من ذلك الذي الصقوه به ومن كل عيب‪،‬‬
‫وأنكر على الشركي افتراءهم وكذبم عليه وأخب بأنه من ذلك براء فقال سبحانه‪{ :‬فَل‬
‫ل مَا‬ ‫أُقْسِ ُم بِمَا ُتْبصِرُو َن َومَا ل تُْبصِرُونَ إِنّهُ َل َقوْلُ َرسُولٍ كَ ِر ٍي َومَا ُهوَ ِب َقوْ ِل شَاعِرٍ قَلِي ً‬
‫ب اْلعَالَمِيَ}‪ .‬وقال‪َ { :‬ومَا عَلّ ْمنَاهُ‬ ‫ُتؤْ ِمنُو َن وَل ِب َقوْلِ كَاهِنٍ َقلِيلً مَا تَذَكّرُو َن َتنْزِي ٌل مِنْ رَ ّ‬
‫الشّعْرَ َومَا َيْنَبغِي لَهُ إِ ْن ُهوَ إِلّا ذِكْ ٌر وَُقرْآنٌ ُمبِيٌ ِلُينْذِ َر مَنْ كَانَ َحيّا َويَحِ ّق اْل َقوْلُ عَلَى‬
‫الْكَافِرِينَ}‪ .‬وقال تعال‪{ :‬وَقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا ِإنْ هَذَا إِلّا إِفْكٌ ا ْفتَرَاهُ َوَأعَانَهُ عََليْهِ َق ْومٌ‬
‫آخَرُونَ َفقَدْ جَاءُوا ظُلْما وَزُورا}‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أنه صلى ال عليه وسلم نشأ أميا بي أميي ل يقرأ ول يكتب‪ ،‬ث جاء من ال بذا‬
‫القرآن الذي لو اجتمعت النس والن على أن يأتوا بثله ل يأتون بذلك ولو كان بعضهم‬
‫لبعض ظهيا‪ .‬وف نشأته صلى ال عليه وسلم على هذه الصفة قطع للطريق الت ينفذ منها‬

‫‪513‬‬
‫الكفار إل تكذيب الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ..‬فيما جاء به عن ال وأنه من أساطي‬
‫ت تَتْلُو مِنْ‬
‫الولي قرأها أو كتبها لو كان كذلك‪ ،‬وقد أوضح ال ذلك بقوله‪َ { :‬ومَا ُكْن َ‬
‫ب وَل َتخُطّ ُه ِبيَمِينِكَ}‪ .‬ث أشار إل حصول الريبة من أعدائه لو كان قارئا‬ ‫َقبْلِ ِه مِنْ ِكتَا ٍ‬
‫ب الْ ُمبْطِلُونَ}‪ .‬وتلك الطريق الت قطعت عليهم بعله صلى ال‬ ‫كاتبا بقوله‪{ :‬إِذا ل ْرتَا َ‬
‫عليه وسلم أميا ل يقرأ ول يكتب سلكوها كذبا وافتراء على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم مع علمهم التام ببعده صلى ال عليه وسلم عن ذلك‪ ،‬فقد أخب ال عنهم أنم قالوا‬
‫إنا يعلمه بشر ويأب ال إل إن يتم نوره ويظهر دينه فيجيبهم بأن لسان الذي يلحدون‬
‫إليه أعجمي وهذا الذي جاءهم به لسان عرب مبي‪ .‬ولذا ند ال سبحانه وتعال عند‬
‫إنكاره على قومه صلى ال عليه وسلم ما يقومون به من العارضة والناوأة له صلى ال‬
‫عليه وسلم يلفت أنظارهم إل ماضيه الشرق الوضاء‪ ،‬ويذكرهم بعلمهم ومعرفتهم التامة‬
‫لركاته وسكناته ومدخله ومرجه فيقول سبحانه‪َ{ :‬أمْ َل ْم َيعْرِفُوا َرسُوَلهُمْ َفهُمْ لَهُ‬
‫ُمنْكِرُونَ} ويقول‪َ { :‬وإِذَا ُتتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاُتنَا َبيّنَاتٍ قَا َل الّذِي َن ل يَ ْرجُونَ ِلقَا َءنَا اْئتِ بِقُرْآنٍ‬
‫غَيْرِ هَذَا َأ ْو بَدّلْهُ قُ ْل مَا َيكُونُ لِي َأنْ ُأبَدّلَهُ مِ ْن ِت ْلقَاءِ َنفْسِي إِنْ َأتّبِعُ إِلّا مَا يُوحَى إِلَيّ ِإنّي‬
‫صيْتُ َربّي عَذَابَ َي ْومٍ عَظِيمٍ}‪ .‬ث إنه تعال أمر نبيه صلى ال عليه وسلم أن‬ ‫أَخَافُ ِإنْ َع َ‬
‫يبهم بأنه ليس له إل التبليغ عن ال‪ ،‬وأنه لو شاء ال ما حصلت منه صلى ال عليه‬
‫وسلم تلوة ول حصل لم علم بذلك فقال‪{ :‬قُلْ َل ْو شَاءَ اللّ ُه مَا تََل ْوتُهُ عََلْيكُ ْم وَل أَدْرَاكُمْ‬
‫بِهِ}‪ .‬ث ذكرهم باضيه قبل إنزال القرآن عليه وما اتصفت به من جيل الصفات‪ ،‬وأنه قد‬
‫بقي فيهم قبل أن يبعثه ال أربعي سنة ملزما لسباب الرفعة بعيدا عن أسباب الضعة‬
‫والوان فقال‪َ{ :‬فقَدْ َلِبثْتُ فِيكُ ْم عُمُرا مِنْ َقبْلِهِ}‪ .‬أنكر عليهم وصفهم له بالكذب‬
‫والفتراء مع أنم أعلم الناس به‪ ،‬وأن ذلك مالف للفطر والعقول السليمة فقال‪{ :‬أَفَل‬
‫َتعْقِلُونَ}‪ .‬ث أخب بأنه ل أحد أشد ظلما وأكب جرية من أثني الفتري على ال والكذب‬
‫ب بِآياتِهِ ِإنّهُ ل ُيفْلِحُ‬‫با جاء عن ال فقال‪{ :‬فَمَنْ أَظَْل ُم مِمّ ِن ا ْفتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبا َأوْ كَذّ َ‬
‫ج ِرمُونَ‪.}..‬‬ ‫الْمُ ْ‬

‫‪514‬‬
‫خامسا‪ :‬ومن المور الت حصلت بي يدي بعثته صلى ال عليه وسلم توطئة وتهيدا لا‬
‫الرؤيا الصالة ف النوم؛ فكان صلى ال عليه وسلم ل يرى رؤيا إل جاءت مثل فلق‬
‫الصبح كما ثبت ذلك ف صحيح البخاري وغيه‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬أنه صلى ال عليه وسلم رعى الغنم بكة وف ذلك تهيد وتيئة لرساله إل الناس‬
‫كافة ليشدهم إل ما ينفعهم ف دنياهم وأخراهم‪ ،‬وتذيرهم ما يعود عليهم بالضرار‬
‫العاجلة والجلة‪ ،‬وإنا كان رعية الغنم بكة توطئة وتقدمة لبعثته صلى ال عليه وسلم لن‬
‫هذا العمل مدعاة إل التحلي بميل الصفات كالتواضع والسكينة والوقار مع مافيه من‬
‫اشتغال الراعي بالرعية وبذله السباب الت تؤدي إل سلمتها وقوتا فيعتن با ويرتاد لا‬
‫الراعي الصبة ويبتعد با عن الراضي الجدبة‪ ،‬ويميها من الذئاب‪ ،‬ويسلك با الطرق‬
‫السهلة وييد با عن السبل ذات الشدة والوعورة‪ ،‬وهذه سنة ال ف رسله كما أخب‬
‫بذلك الصادق الصدوق صلوات ال وسلمة عليه ول الكمة البالغة ف ذلك‪ ،‬فمزاولة‬
‫مثل هذا العمل فيه ترويض للنفس وتيئة لا للقيام بأعباء الرسالة‪ ،‬فهو بل شك درس‬
‫عملي لرسل ال صلوات ال وسلمه عليهم يكسبهم مرونة وخبة لينتقلوا من تربية‬
‫اليوان إل تربية بن النسان‪..‬‬
‫أخلقه صلى ال عليه وسلم‬
‫تعريف اللق‪:‬‬
‫اللق بضم اللم وسكونا الدين والطبع والسجية قاله ابن الثي ف غريب الديث‪" :‬وف‬
‫الصطلح يطلق إطلقي أحدها أعم من الثان فيطلق على الصفة الت تقوم بالنفس على‬
‫سبيل الرسوخ ويستحق الوصوف با الدح أو الذم‪ ،‬ويطلق على التمسك بأحكام الشرع‬
‫وآدابه فعل وتركا‪ ،‬ومن الول قوله صلى ال عليه وسلم‪ :‬لشج عبد القيس‪" :‬إن فيك‬
‫للقي يبهما ال اللم والناة قال يا رسول ال أخلقي – تلقت بما أم جبلت عليهما‬
‫قال "بل جبلت عليهما" قال‪" :‬المد ل الذي جبلن على خلقي يبهما ال" ومن الثان‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬الب حسن اللق" وقول عائشة رضي ال عنها ف تفسي قوله‬
‫تعال‪َ { :‬وإِنّكَ َلعَلَى خُُل ٍق عَظِيمٍ} كان خلقه القرآن‪.‬‬

‫‪515‬‬
‫هذا تعريف اللق ف اللغة والصطلح‪ .‬ننتقل بعده إل الديث عن أخلقه الفاضلة‬
‫وسجاياه الميدة ف جيع مراحل حياته صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقد كان صلى ال عليه‬
‫وسلم أحسن الناس خلقا أجتمع فيه من أوصاف الدح والثناء ما تفرق ف غيه‪ ،‬قد صانه‬
‫ال سبحانه وحفظه من أدن وصف يعاب صاحبه كل ذلك حصل له من ربه فضل ومنه‬
‫قطعا للسنة أعدائه الذين يتربصون به ويقفون ف طريق دعوته مؤذين له مذرين منه أحب‬
‫شيء إليهم تصيل شيء يعيبونه به وأن لم ذلك‪.‬‬
‫فقد نشأ صلى ال عليه وسلم ف أول أمره إل آخرة لظة من لظاته متحليا بكل خلق‬
‫كري‪ ،‬مبتعدا عن كل وصف ذميم‪ ،‬فهو أعلم الناس وأنصحهم وأفصحهم لسانا‪ ،‬وأقواهم‬
‫بيانا‪ ،‬وأكثرهم حياء‪ ،‬يضرب به الثل ف المانة والصدق والعفاف‪ .‬أدبه ال فأحسن تأديبه‬
‫فكان أرجح الناس عقل‪ ،‬وأكثرهم أدبا‪ ،‬وأوفرهم حلما‪ ،‬وأكملهم قوة وشجاعة وشفقة‪،‬‬
‫وأكرمهم نفسا‪ ،‬وأعلهم منلة‪ ،‬وبالملة كل خلق ممود يليق بالنسان فله صلى ال‬
‫عليه وسلم منه القسط الكب والظ الوفر‪ ،‬وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه‬
‫وأبعدهم عنه شهد له بذلك العدو والصديق‪.‬‬
‫وفيما يلي أورد بعض الشهادات الت شهد له با الوالون له والعادون الدالة دللة بينة على‬
‫تسكه بالخلق السنة قبل أن يبعثه ال تعال وذلك معلوم من الدين بالضرورة‪:‬‬
‫‪ -1‬شهادة خدية رضي ال عنها‪:‬‬
‫لا أوحى ال إل نبيه صلى ال عليه وسلم ف غار حراء لول مرة ورجع إل خدية‬
‫أخبها الب وقال‪" :‬لقد خشيت على نفسي"‪ .‬فقالت له رضي ال عنها‪" :‬كل وال ما‬
‫يزيك ال أبدا‪ ،‬إنك لتصل الرحم وتمل الكل وتكسب العدوم وتقري الضيف وتعي‬
‫على نوائب الق"‪.‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ -2‬شهادة كفار قريش عند بنائهم الكعبة‪:‬‬
‫ولا قامت قريش ببناء الكعبة قبل بعثة ممد صلى ال عليه وسلم تنازعوا ف رفع الجر‬
‫السود إل مكانه‪ ،‬واتفقوا على تكيم أول من يدخل عليهم الباب‪ ،‬فكان أول داخل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ففرحوا جيعا وقالوا جاء المي جاء ممد‪ .‬وقد كانوا‬
‫يلقبونه بلقب المي لا يعلمونه من أمانته صلوات ال وسلمه عليه‪...‬‬

‫‪516‬‬
‫‪ -3‬شهادة كفار قريش بصدقه صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ك اْلأَقْ َربِيَ}‬ ‫ثبت ف صحيح البخاري أنه صلى ال عليه وسلم لا نزل عليه { َوَأنْذِ ْر عَشِيَتَ َ‬
‫صعد على الصفا فجعل ينادي يا بن فهر يا بن عدي – لبطون قريش – حت اجتمعوا‬
‫فجعل الرجل إذا ل يستطع أن يرج أرسل رسول لينظر ما هو فجاء أبو لب وقريش‬
‫فقال‪" :‬أرأيتم لو أخبتكم أن خيل بالوادي تريد أن تغي عليكم أكنتم مصدقي" قالوا نعم‬
‫ما جربنا عليك إل صدقا قال‪ " :‬فإن نذير لكم بي يدي عذاب شديد " فقال‪ :‬أبو لب‪:‬‬
‫"تبا لك ألذا جعتنا‪"..‬‬
‫‪ -4‬شهادة أب جهل بصدقه صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫تقدي الديث الذي رواه الاكم بسند على شرط الشيخي أن أبا جهل قال للنب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنا ل نكذبك لكن نكذب ما جئت به"‪ .‬فأنزل ال {قَ ْد َنعْلَمُ إِنّهُ‬
‫جحَدُونَ}‪.‬‬ ‫ي بِآيَاتِ اللّ ِه يَ ْ‬
‫ك الّذِي َيقُولُونَ فَِإّنهُ ْم ل يُكَ ّذبُونَكَ وََلكِنّ الظّالِ ِم َ‬
‫َليَحْ ُزنُ َ‬
‫ولا قال له الخنس بن شريق‪" :‬يا أبا الكم أخبن عن ممد أصادق هو أم كاذب؟"‬
‫فقال‪" :‬ويك وال إن ممدا صادق وما كذب ممد قط" ال‪..‬‬
‫‪ -5‬شهادة أب سفيان بي يدي هرقل ملك الروم بصدق رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫ووفائه‪:‬‬
‫فقد روى البخاري ف صحيحة عن ابن عباس رضي ال عنه أن أبا سفيان بن حرب أخبه‬
‫أن هرقل أرسل إليه ف ركب من قريش وكانوا ذهبوا إل الشام لجل التجارة ف الدة الت‬
‫كان رسول ال صلى ال عليه وسلم مادا فيها أبا سفيان وكفار قريش ‪.‬فأتوه بإيليا‬
‫فدعاهم ف ملسه وحوله عظماء الروم ث دعاهم ودعا بترجانه فقال‪" :‬أيكم أقرب نسبا‬
‫بذا الرجل الذي يزعم أنه نب" فقال‪" :‬أبو سفيان فقلت أنا أقربم نسبا" فقال‪" :‬أدنوه من‬
‫وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره‪ ،‬ث قال‪ :‬لترجانه قل لم أن سائل عن هذا الرجل‬
‫فإن كذبن فكذبوه‪ .‬فوال لول الياء من أن يأثروا عليّ كذبا لكذبت عليه‪ ،‬ث كان أول‬
‫ما سألن عنه أن قال‪" :‬كيف نسبه فيكم" قلت‪" :‬هو فينا ذو نسب" قال‪" :‬فهل قال هذا‬
‫القول أحد منكم قط قبله" قلت‪" :‬ل" قال‪" :‬فهل كان من آبائه من ملك" قلت‪" :‬ل"‬

‫‪517‬‬
‫قال‪" :‬فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفائهم" فقلت‪" :‬بل ضعفاؤهم" قال‪" :‬أيزيدون أم‬
‫ينقصون" قلت‪" :‬بل يزيدون" قال‪" :‬فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه"‬
‫قلت‪" :‬ل" قال‪" :‬فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال" قلت‪" :‬ل" قال‪" :‬فهل‬
‫يغدر" قلت‪" :‬ل ونن منه ف مدة ل ندري ما هو فاعل فيها‪ ،‬قال‪ :‬ول تكن كلمة أدخل‬
‫فيها شيئا غي هذه الكلمة" قال‪" :‬فهل قاتلتموه" قلت‪" :‬نعم" قال‪" :‬فكيف كان قتالكم‬
‫إياه" قلت‪" :‬الرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه" قال‪" :‬باذا يأمركم" قلت‪:‬‬
‫"يقول أعبدوا ال وحده ول تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم‪ ،‬ويأمرنا بالصلة‬
‫والصدق والعفاف والصلة" فقال‪" :‬للترجان قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو‬
‫نسب‪ ،‬فكذالك الرسل تبعث ف نسب قومها‪ ،‬وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول‬
‫قبله قط؟ فذكرت أن ل‪ ،‬قلت فلو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأت بقول‬
‫قيل قبله‪ ،‬وسألتك هل كان ف آبائه من ملك؟ فذكرت أن ل قلت فلو كان من آبائه من‬
‫ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه‪ ،‬وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما‬
‫قال؟ فذكرت أن ل‪ ،‬قلت ل يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على ال‪ ،‬وسألتك‬
‫أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه وهم إتباع الرسل‬
‫وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنم يزيدون‬
‫وكذلك أمر اليان حت يتم‪ ،‬وسألتك أيرتد أحد سخطه لدينه بعد أن يدخل فيه؟‬
‫فذكرت أن ل وكذلك اليان حي تالط بشاشته القلوب‪ ،‬وسألتك هل يغدر؟ فذكرت‬
‫أن ل وكذلك الرسل ل تغدر‪ ،‬وسألتك باذا يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا ال‬
‫ول تشركوا به شيئا‪ ،‬وينهاكم عن عبادة الوثان‪ ،‬ويأمركم بالصلة والصدق والعفاف‪.‬‬
‫فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتي وقد كنت أعلم أنه خارج ول أكن‬
‫أظن أنه منكم‪ ،‬فلو أن أعلم أن أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن‬
‫قدميه‪.‬‬
‫ث دعا بكتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي بعث به إليه مع دحية بن خليفة‬
‫الكلب – فقرأه قال أبو سفيان فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده‬
‫الصخب وارتفعت الصوات فأخرجنا فقلت لصحاب حي أخرجنا‪ :‬لقد أمر ابن أب‬

‫‪518‬‬
‫كبشة إنه ليخافه ملك بن الصفر فما زلت موقنا أنه سيظهر حت أدخل ال على‬
‫السلم‪..‬‬
‫ففي هذه القضية آيات بينان ودللت واضحات على نبوته صلى ال عليه وسلم وأنه‬
‫صلى ال عليه وسلم صادق فيما جاء به ومل الشاهد من القصة شهادة أب سفيان بن‬
‫حرب وهو من أشد أعدائه ف ذلك الوقت على – اتصاف الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫قبل أن يبعثه ال بالصدق وأنم ل يتهمونه بالكذب وبالوفاء وأنه ل يغدر‪.‬‬
‫‪ -6‬شهادة السائب الخزومي له صلى ال عليه وسلم بسن العاملة والرفق قبل النبوة‪:‬‬
‫روى أبو داود وغيه أن السائب الخزومي كان شريك النب صلى ال عليه وسلم قبل‬
‫البعثة فجاء يوم الفتح فقال‪" :‬مرحبا بأخي وشريكي ل تداري ول تاري‪ ،‬وف لفظ أنه‬
‫قال للنب صلى ال عليه وسلم كنت شريكي ف الاهلية فكنت خي شريك ل تدارين ول‬
‫تارين‪ ،‬وف لفظ شريكي ونعم الشريك كنت ل تداري ول تاري"‪.‬‬
‫‪ -7‬شهادة عبد ال بن سلم رضي ال عنه بصدقه صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫روى أحد وأصحاب السنن عن عبد ال بن سلم رضي ال عنه قال‪" :‬لا قدم النب صلى‬
‫ال عليه وسلم الدينة كنت من أنفل فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه‬
‫كذاب فسمعته يقول‪" :‬أفشوا السلم‪ ،‬وأطعموا الطعام‪ ،‬وصلوا الرحام‪ ،‬وصلّوا بالليل‬
‫والناس نيام‪ ،‬تدخلوا النة بسلم "‪.‬‬
‫‪ -8‬شهادة مكرز بن حفص بن الحنف له صلى ال عليه وسلم بالوفاء ف جيع مراحل‬
‫حياته‪:‬‬
‫كان رسول ال صلى ال عليه وسلم عام الديبية قد أبرم صلحا بينه وبي قريش على أن‬
‫يرجع ويعتمر من العام القبل‪ ،‬ومن الشروط الت اشترطتها قريش على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أن يدخل مكة بسلح الراكب فقط (السيوف مغمدة) فلما قدم صلى ال عليه‬
‫وسلم ف عمرة القضاء استعد باليل والسلح ل ليدخل با الرم وإنا لتكون ف متناول‬
‫يده لو نكثت قريش‪ ،‬وعندما قرب صلى ال عليه وسلم من الرم بعث با إل يأجح‪.‬‬
‫وكان خب ذلك السلح قد بلغ قريشا فبعثت مكرز بن حفص ف نفر من قريش إل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا‪" :‬يا ممد ما عرفت صغيا ول كبيا بالغدر تدخل‬

‫‪519‬‬
‫بالسلح ف الرم على قومك وقد شرطت لم أن ل تدخل إل بسلح السافر"‪ .‬فقال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬وقد بعثنا به إل يأجح" فقال مكرز‪" :‬بذا عرفناك بالب والوفاء"‪.‬‬

‫(أخلقه صلى ال عليه وسلم ف القرآن)‬


‫تفضل ال تعال على خليله ممد صلى ال عليه وسلم بتوفيقه للتصاف بكارم الخلق‬
‫وذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم‪ ،‬ث أثن عليه ونوه بذكر ما يتحلى‬
‫به من جيل الصفات ف آيات كثية من كتاب ال العزيز أقتصر على إيراد بعضها من‬
‫ذلك قوله تعال‪َ { :‬وِإنّكَ َلعَلَى ُخلُ ٍق عَظِيمٍ} فقد أخب سبحانه ف هذه الية الكرية عما‬
‫كان عليه الصطفى من أخلق فاضلة ووصف خلقه صلى ال عليه وسلم بأنه عظيم‪،‬‬
‫وأكد ذلك بثلثة أشياء بالقسام عليه بالقلم وما يسطرون‪ ،‬وتصديره بأن‪ ،‬وإدخال اللم‬
‫على الب‪ ،‬وكلها من أدوات تأكيد الكلم‪ ،‬وذلك اللق العظيم الذي كان صلى ال عليه‬
‫وسلم ورد تفسيه عن السلف الصال بعبارات متقاربة‪ ،‬ففسره ابن عباس رضي ال عنه‬
‫بأن الدين العظيم وهو دين السلم وبذا التفسي فسره أيضا ماهد والسدي والربيع بن‬
‫أنس والضحاك وغيهم‪ ،‬وفسره السن بأنه آداب القرآن‪ ،‬وف الصحيحي وغيها عن‬
‫عائشة رضي ال عنه أنا سئلت عن خلقه صلى ال عليه وسلم فقالت‪" :‬كان خلقه‬
‫القرآن" ومعن ذلك أن امتثال ماأمره ال به واجتناب ما ناه عنه ف القرآن وصار له خلقا‬
‫وسجيه‪ ،‬وقد أشارت عائشة رضي ال عنها إل ما يوضح هذا العن ف حديث آخر متفق‬
‫على صحته وهو أنا قالت‪" :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ف ركوعه‬
‫سبحانك اللهم وبمدك اللهم أغفر ل يتأول القرآن" أي كان يدعوا بذا الدعاء امتثال لا‬
‫ك وَاسَْت ْغفِرْه‪.}..‬‬ ‫سبّ ْح بِحَ ْمدِ َربّ َ‬‫أمره ال به ف سورة النصر ف قوله‪{:‬فَ َ‬
‫وقد نوه سبحانه با جبل نبيه عليه صلى ال عليه وسلم من الرحة والرأفة بالؤمني‬
‫والرص على ما ينفعهم ف دينهم وأخراهم‪ ،‬والتأل من كل ما يشق عليهم بقوله سبحانه‬
‫متنا على الؤمني بإرساله‪َ{ :‬لقَدْ جَاءَكُمْ َرسُو ٌل مِنْ َأْنفُسِكُ ْم عَزِي ٌز عََليْهِ مَا َعِنتّمْ َحرِيصٌ‬
‫عََليْكُ ْم بِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ َرؤُوفٌ رَحِيمٌ} وقال‪{ :‬الّذِينَ يَّتِبعُونَ ال ّرسُو َل الّنِبيّ اْلأُ ّم ّي الّذِي يَجِدُونَهُ‬
‫ف َوَيْنهَاهُ ْم عَ ِن الْ ُمْنكَ ِر َويُحِلّ َلهُمُ‬
‫َمكْتُوبا ِعنْ َدهُمْ فِي الّتوْرَا ِة وَالِنْجِي ِل َي ْأمُ ُرهُ ْم بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫ص َرهُ ْم وَالَْأغْل َل اّلتِي كَاَنتْ عََلْيهِمْ‬ ‫خبَاِئثَ َوَيضَ ُع َعنْهُمْ إِ ْ‬ ‫ت َويُحَ ّر ُم عََلْيهِ ُم الْ َ‬
‫ال ّطيّبَا ِ‬

‫‪520‬‬
‫والغلل }‪ ،‬وقال‪{ :‬وَاعْلَمُوا أَنّ فِيكُمْ َرسُولَ اللّهِ َل ْو يُطِيعُكُمْ فِي َكثِيٍ مِ َن اْلَأمْ ِر‬
‫َل َعنِتّمْ}‪.‬وأشار سبحانه إل ما اتصف به صلى ال عليه وسلم من اللطف والرفق بأمته بقوله‬
‫ظ اْلقَ ْلبِ لَاْن َفضّوا مِنْ َحوْلِك}‪.‬‬ ‫تعال‪َ{ :‬فبِمَا رَ ْح َم ٍة مِنَ اللّهِ ِلنْتَ َلهُ ْم وََلوْ ُكنْتَ فَظّا غَلِي َ‬
‫أما ما اتصف به صلى ال عليه وسلم من النصح والمانة والقيام بأداء الرسالة على الوجه‬
‫الذي أراده ال فقد ذكره سبحانه‬
‫جمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلّ صَا ِحُبكُ ْم َومَا َغوَى َومَا َينْطِ ُق عَنِ الْ َهوَى ِإنْ ُهوَ إِلّا‬ ‫بقوله‪{ :‬وَالنّ ْ‬
‫وَ ْحيٌ يُوحَى}‪ .‬ويقول تعال يعن ممدا صلى ال عليه وسلم‪َ { :‬ومَا ُه َو عَلَى الْ َغْيبِ‬
‫ِبضَنِيٍ} وفيها قراءتان ‪-‬بالظاء ‪ -‬والراد به التهم‪ ،‬وبالضاد والراد به البخيل‪ ،‬وكل هذين‬
‫منفي عنه صلى ال عليه وسلم فليس هو ‪ -‬متهم بكتمان ما أرسله ال به وليس ببخيل با‬
‫أنزل ال عليه بل يبذله لكل أحد‪.-‬‬

‫أخلقه صلى ال عليه وسلم ف سنته وأقوال صحابته رضي ال عنهم‪:‬‬


‫كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل أن يبعثه ال بالرسالة العظمى ف الذروة العليا من‬
‫الخلق السنة صدقا وأمانة وكرما وحلما وشجاعة وعفة وقناعة وغي ذلك من‬
‫الصفات الت يظى بالجلل والكبار من حصل على واحدة منها فضل عمن جعت له‬
‫وتوفرت فيه‪.‬‬
‫ولا بعثه ال سبحانه بالنور والدى إل الثقلي الن والنس زاده ال قوة ف هذه الصال‬
‫الميدة إل قوته حت بلغ الد العلى الذي يكن أن يصل إليه إنسان مصدق رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم حيث قال‪" :‬إنا بعثت لت صال الخلق" وقد نوه ال سبحانه‬
‫بتفضله وامتنانه على نبيه وخليله ممد صلى ال عليه وسلم ف آيات كثية كقوله تعال‪:‬‬
‫ت طَائِ َف ٌة ِمْنهُمْ أَ ْن ُيضِلّوكَ َومَا ُيضِلّونَ إِلّا َأْنفُسَهُمْ‬ ‫ك وَرَحْ َمتُهُ َلهَ ّم ْ‬ ‫{وََلوْل َفضْلُ اللّ ِه عََليْ َ‬
‫ك مَا لَ ْم َتكُ ْن َتعْلَمُ‬‫حكْ َم َة َوعَلّمَ َ‬ ‫ب وَالْ ِ‬
‫ك اْلكِتَا َ‬
‫ك مِ ْن َشيْءٍ َوَأنْزَلَ اللّ ُه عََليْ َ‬ ‫َومَا َيضُرّونَ َ‬
‫ك عَظِيما} وقوله‪{ :‬وَكَذَلِكَ َأوْ َحْينَا إَِليْكَ رُوحا مِنْ َأمْ ِرنَا مَا ُكْنتَ‬ ‫وَكَانَ َفضْلُ اللّ ِه عََليْ َ‬
‫ب وَل الْأِيَا ُن وََلكِنْ َجعَ ْلنَاهُ نُورا َنهْدِي بِ ِه مَ ْن نَشَا ُء مِ ْن ِعبَا ِدنَا َوإِنّكَ‬ ‫تَدْرِي مَا اْلكِتَا ُ‬
‫سَتقِيمٍ صِرَاطِ اللّ ِه الّذِي لَ ُه مَا فِي السّمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ أَل إِلَى‬ ‫صرَاطٍ مُ ْ‬ ‫َلَتهْدِي إِلَى ِ‬

‫‪521‬‬
‫ك َومَا‬‫حنَا لَكَ َفتْحا ُمبِينا ِلَيغْفِرَ لَكَ اللّ ُه مَا َتقَ ّد َم مِنْ َذنْبِ َ‬
‫اللّ ِه َتصِ ُي اْلأُمُورُ}‪ .‬وقوله‪ِ{ :‬إنّا َفتَ ْ‬
‫سَتقِيما َوَينْصُ َركَ اللّ ُه َنصْرا عَزِيزا}‪.‬‬ ‫صرَاطا مُ ْ‬ ‫ك َوَيهْ ِديَكَ ِ‬
‫تَأَخّ َر َوُيتِمّ ِنعْ َمتَ ُه عََليْ َ‬
‫وقد اختار سبحانه لنبيه صلى ال عليه وسلم أصحابا هم خي هذه المة الحمدية الت هي‬
‫خي المم‪ ،‬وقفوا حياتم ف سبيل تبليغ دعوته وحفظ سنته تقيقا لقوله تعال‪ِ{ :‬إنّا نَحْنُ‬
‫نَزّْلنَا الذّكْ َر َوِإنّا لَهُ َلحَافِظُونَ} ورثوا عن نبيهم صلى ال عليه وسلم ما جاء به من الق‬
‫ورثوه لن جاء بعدهم حت هيأ ال له رجال قاموا بتدوينه منهم بل على رأسهم المامان‬
‫الليلن البخاري ومسلم وغييهما من الحدثي فقد أفنوا أعمارهم جزاهم ال خيا‬
‫الزاء ف تقييد تلك الدور الثمينة الت ورثوها عن نبيهم ممد صلى ال عليه وسلم‬
‫بواسطة السلسل الذهبية التصلة بأمثال مالك ونافع وشعبة وأحد وعلي بن الدين‬
‫وغيهم من خيار هذه المة وهذه الدرر الثمينة الت توارثوها ونعم الرث هي تشمل‬
‫أقواله صلى ال عليه سلم وأفعاله وتقريرا ته وبيان خلقه وأخلقه ولذا يعرف الحدثون‬
‫الديث بأنه ما أضيف إل النب صلى ال عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف‬
‫خلقي أو خلقي‪.‬‬
‫ولقد اعتن هؤلء الورثة الكرام بتدوين ما جاءهم عن نبيهم صلى ال عليه وسلم على‬
‫سبيل العموم‪ ،‬وبا يتعلق بأخلقه ومزاياه على سبيل الصوص‪ ،‬فمنهم من أفرد ذلك‬
‫بالتأليف‪ ،‬ومنهم من عقد له أبوابا خاصة ضمن الؤلفات العامة أورد فيها ما يتصل بوفه‬
‫صلى ال عليه وسلم ورجائه وخشيته لربه‪ ،‬وجوده وكرمه وإيثاره وحياته ووفائه وصدقة‬
‫وأمانته وإخلصه وشكره وصبه وحلمه وكثرة احتماله‪ ،‬ورفقه بأمته وحرصه على‬
‫التيسي عليها‪ ،‬وعفوه وشجاعته وتواضعه وعدله وزهده وقناعته‪ ،‬وصلته لرحه‪ ،‬وكثرة‬
‫تبسمه‪ ،‬وعفته وغيته‪ ،‬إل غي ذلك من آحاد حسن خلقه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫تفصيل القول ف أخلقه صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫وهذه الخلق الت أشرنا على بعض آحادها يتاج تفصيلها وبسط القول فيها إل عدة‬
‫ماضرات‪ .‬أما الحاضرة الواحدة فل تكفي إل للشارة على بعض تلك الخلق والزايا‬
‫الميدة الت أوتيها صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأجدن مضطرا إل القتضاب والياز حسب‬
‫المكان‪..‬‬

‫‪522‬‬
‫‪-1‬جوده وكرمه صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫وقد بلغ صلوات ال وسلمه عليه ف خلق الود والكرم مبلغا ل يبلغه غيه‪ ،‬ووصل فيه‬
‫إل الغاية الت ينتهي عندها الكمال النسان‪ .‬ومن توفيق ال له صلى ال عليه وسلم أن‬
‫جعل جوده يتضاعف ف الزمنة الفاضلة يقول ابن عباس رضي ال عنه ف الديث‬
‫الصحيح‪" :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أجود الناس بالي‪ ،‬وكان أجود ما يكون‬
‫ف شهر رمضان حي يلقاه جبيل فيدارسه القرآن فلرسول ال صلى ال عليه وسلم أجود‬
‫بالي من الريح الرسلة"‪ .‬جاد بنفسه ف سبيل ال فكسرت رباعيته وشج وجهه وسال‬
‫الدم منه صلوات ال وسلمه عليه‪ .‬والود بالنفس أقصى غاية الود؛ وجاد باهه ومن‬
‫أمثلة ذلك شفاعته صلى ال عليه وسلم لغيث زوج بريرة رضي ال عنهما لا عتقت‬
‫واختارت فراقه أشار عليها أن تبقى ف عصمته رحة منه صلى ال عليه وسلم بزوجها‬
‫مغيث‪ .‬وأخص المثلة ف ذلك ما أخب به صلى ال عليه وسلم من شفاعته ف أهل الوقف‬
‫الت يتخلى عنها أولو العزم من الرسل فتنتهي إليه فيقول أنا لا صلى ال عليه وسلم وقد‬
‫صح عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬لكل نب دعوة مستجابة قد دعا با فاستجيب له‪،‬‬
‫فجعلت دعوت شفاعة لمت يوم القيامة" وجاد صلى ال عليه وسلم با أعطاه ال من الال‬
‫فما سئل صلى ال عليه وسلم شيئا من الدنيا قط فقال ل ولقد جاءت إليه صلى ال عليه‬
‫وسلم امرأة ببدة منسوجة فقالت نسجتها بيدي لكسوكها فأخذها صلى ال عليه وسلم‬
‫"أكسينها يا رسول ال"‪ .‬فقال صلى‬ ‫متاجا إليها ولبسها فقل رجل من الصحابة‪:‬‬
‫ال عليه وسلم‪" :‬نعم"‬
‫فدخل منله فطواها وبعث با إليه فقال له بعض الصحابة‪" :‬ما أحسنت‪ ،‬لبسها رسول ال‬
‫عليه وسلم متاجا إليها ث سألته وعلمت أنه ل يرد سائل"‪ .‬فقال‪" :‬إن وال ما سألته‬
‫للبسها إنا سألته لتكون كفن" قال سهل بن سعد رضي ال عنه‪" :‬فكانت كفنه"‪ ،‬هذا‬
‫مثل من أمثال اتصافه صلى ال عليه وسلم بذا اللق الكري فهل بعد هذا كرم يصدر من‬
‫ملوق؟ وهل وراء هذا اليثار إيثار؟‪ .‬ولقد وصف ال النصار ف كتابه العزيز بصفة‬
‫صةٌ}‪ .‬وهذه الصفة الكرية‬‫سهِ ْم وََلوْ كَانَ ِبهِمْ َخصَا َ‬
‫اليثار ف قوله‪َ { :‬وُي ْؤثِرُو َن عَلَى َأنْفُ ِ‬
‫الت اتصفوا با أسوتم فيها وف غيها من مكارم الخلق سيد ولد آدم عليه الصلة‬

‫‪523‬‬
‫سَنةٌ}‪ .‬ولا رجع من حني‬ ‫والسلم يقول سبحانه‪َ{ :‬لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي َرسُولِ اللّهِ ُأ ْسوَةٌ حَ َ‬
‫التف حوله العراب يسألونه حت اضطروه إل سرة فخطفت رداءه فوقف النب صلى ال‬
‫عليه وسلم وقال‪" :‬أعطون ردائي فلو كان ل عدد هذه العضاة نعما لقسمتها بينكم ث ل‬
‫تدون بيل ول كذابا ول جبانا ‪."..‬‬
‫وجوده صلى ال عليه وسلم ف العطاء لبعض الناس إنا هو لتأليفهم على السلم‪ ،‬فكثيا‬
‫ما كان يص حديثي العهد بالسلم بوافر العطاء دون من تكن اليان ف نفوسهم‪ .‬ففي‬
‫غزوة حني أعطى أكابر قريش الئات من البل ومنهم صفوان بن أمية فقد روى مسلم ف‬
‫صحيحة أنه قال‪" :‬لقد أعطان رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أعطان‪ ،‬وإنه لبغض‬
‫الناس إلّ فما برح يعطين حت إنه من أحب الناس إل"‪ ,‬وروى أيضا عن أنس رضي ال‬
‫عنه قال‪" :‬ما سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم على السلم شيئا إل أعطاه‪ ،‬ولقد‬
‫جاءه رجل فأعطاه غنما بي جبلي فرجع إل قومه فقال‪ :‬يا قوم أسلموا فإن ممدا يعطي‬
‫عطاء من ل يشى الفقر"‪ .‬وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إل الدنيا فما يلبث إل يسيا‬
‫حت يكون السلم أحب إليه من الدنيا وما عليها‪ ،‬أعطى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ذلك الرجل تلك الغنم الكثية الت لكثرتا ملت ما بي جبلي وماذا كانت نتيجة هذا‬
‫العطاء من رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ لقد كانت حصول الغرض الذي من أجله‬
‫أعطاه وهي أنه أصبح داعية لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬لقد كان بدافع من نفسه‬
‫رسول لرسول ال إل قومه يدعوهم إل السلم ويبي لم كرم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وأنه يعطي عطاء من ل يشى الفقر‪ .‬وهكذا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يبذل الال ف سبيل نصرة السلم والدعوة إليه والترغيب فيه‪ ،‬ينفق مال ال الذي آتاه ف‬
‫سبيل ال حت توفاه ال ودرعه مرهونة ف دين عليه صلوات ال وسلمه عليه‪.‬‬
‫======================‬
‫توجيهه وتربيته وتعليمه لصحابه‬

‫وعلى الرغم من انشغال رسول ال صلى ال عليه وسلم بالهاد ومالدة الشرك وأهله‪ ،‬إل‬
‫أنه كان دائما مع أصحابه مالطا ومعايشا ومُ َربّيا ومو ّجهًا‪ ،‬ومعلّما لم على اختلف‬

‫‪524‬‬
‫أحوالم وأعمارهم‪ ،‬ول يترك موطنا من مواطن الزلل أو جانبا من جوانب الطأ إل‬
‫وأصلحه وبينه‪ ،‬ول موطنا من مواطن الي إل حثّهم عليه ورغبهم فيه‪.‬‬
‫فكان يؤاكل أصحابه فربا حضر الطعام معه العراب حديث عهد بالسلم‪ ،‬أو الغلم‬
‫والارية من ل يعرف آداب الطعام والشراب فيأخذ صلى ال عليه وسلم بأيديهم‬
‫ويعلّمهم ويربّيهم‪.‬‬
‫روى أحد عَنْ حُ َذْي َفةَ قَالَ‪ُ (( :‬كنّا مَعَ َرسُولِ اللّهِ صلى ال عليه وسلم َفأُِتيَ بِ َطعَامٍ َفجَاءَ‬
‫ب يََتنَاوَلُ َفأَخَذَ صلى ال عليه وسلم ِبيَدِ ِه وَجَاءَتْ جَا ِرَيةٌ َكأَّنهَا‬ ‫َأعْرَاِبيّ َكَأنّمَا يُطْ َردُ فَ َذ َه َ‬
‫تُطْ َردُ َفأَ ْهوَتْ َفأَخَ َذ النِّبيّ صلى ال عليه وسلم ِبيَ ِدهَا َفقَا َل الّنِبيّ صلى ال عليه وسلم إِنّ‬
‫ستَحِلّ ال ّطعَامَ إِذَا َل ْم يُذْكَ ِر اسْمُ اللّ ِه عََليْهِ‪،‬‬ ‫الشّيْطَانَ لَمّا َأ ْعيَْيتُمُوهُ جَا َء بِاْلأَعْرَاِبيّ وَالْجَا ِرَي ِة يَ ْ‬
‫بِسْمِ اللّهِ كُلُوا ))‪.‬‬
‫وروى البخاري ومسلم عن عُ َم َر بْنَ َأبِي سَلَ َم َة َيقُولُ‪ُ (( :‬كْنتُ غُلمًا فِي َحجْرِ َرسُولِ‬
‫ح َفةِ َفقَالَ لِي َرسُولُ اللّهِ صلى ال‬ ‫اللّهِ صلى ال عليه وسلم وَكَاَنتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصّ ْ‬
‫ك ِطعْ َمتِي‬‫عليه وسلم‪ :‬يَا غُل ُم سَمّ اللّ َه وَكُ ْل ِبيَمِينِكَ وَكُ ْل مِمّا يَلِيكَ‪َ ،‬فمَا زَاَلتْ تِلْ َ‬
‫َبعْدُ ))‪.‬‬
‫وكان يبز للناس كلّهم ويبايع الوفود بنفسه ول ينيب عنه أحدا من أصحابه‪ ،‬ول يكتفي‬
‫برئيس الوفد بل يبايعهم واحدا واحدا‪ ،‬وأحيانا ييء الرهط من الناس ليبايعوه على‬
‫السلم فيى ف أحدهم مظهرا من مظاهر الشرك من بقايا الاهلية فيأب أن يبايعه حت‬
‫يزيله‪.‬‬
‫ج َهنِيّ‪َ (( :‬أنّ َرسُولَ اللّهِ صلى ال عليه وسلم أَ ْقبَلَ‬ ‫روى المام أحد عَنْ عُ ْقَبةَ بْنِ عَامِرٍ الْ ُ‬
‫ت هَذَا‬ ‫س َعةً َوتَرَ ْك َ‬
‫ت تِ ْ‬
‫ك عَ ْن وَاحِدٍ َفقَالُوا‪ :‬يَا َرسُولَ اللّ ِه بَاَيعْ َ‬ ‫س َعةً َوَأمْسَ َ‬ ‫إَِليْهِ َرهْطٌ َفبَايَ َع تِ ْ‬
‫قَالَ‪ِ :‬إنّ عََليْ ِه تَمِي َمةً َفأَ ْدخَ َل يَ َدهُ َفقَ َط َعهَا َفبَاَيعَ ُه وَقَالَ‪ :‬مَ ْن عَلّ َق تَمِي َمةً َفقَدْ َأشْ َركَ ))‪.‬‬
‫وقد أخذ بذا النهج صحابته الكرام رضي ال عنهم‬
‫ب امْ َرَأةِ َعبْدِ اللّهِ قَاَلتْ‪ (( :‬كَا َن َعبْدُ اللّهِ إِذَا جَا َء مِنْ حَا َجةٍ فَاْنَتهَى‬ ‫فقد روى أحد عَنْ َزْينَ َ‬
‫ت َي ْومٍ‬‫حنَ َح َوبَ َزقَ كَرَا ِهَيةَ َأ ْن َيهْجُ َم ِمنّا عَلَى َشيْ ٍء يَكْ َرهُهُ قَاَلتْ‪َ :‬وِإنّهُ جَاءَ ذَا َ‬ ‫إِلَى اْلبَابِ َتنَ ْ‬
‫حتَ السّرِيرِ َفدَخَلَ َفجََلسَ‬ ‫حمْ َرةِ َفأَدْ َخ ْلُتهَا َت ْ‬
‫حنَحَ قَاَلتْ‪َ :‬و ِعنْدِي عَجُو ٌز تَرْقِينِي مِ َن الْ ُ‬ ‫َفَتنَ ْ‬

‫‪525‬‬
‫خيْطُ قَاَلتْ‪ :‬قُ ْلتُ َخيْطٌ أُرِْقيَ لِي فِيهِ قَاَلتْ‪:‬‬ ‫إِلَى َجْنبِي َف َرأَى فِي ُعُنقِي َخيْطًا قَالَ‪ :‬مَا هَذَا الْ َ‬
‫َفأَخَ َذهُ َفقَ َطعَهُ ثُمّ قَالَ‪ِ :‬إنّ آلَ عَبْدِ اللّهِ َل ْغنِيَا ُء عَنِ الشّ ْر ِك سَ ِم ْعتُ َرسُولَ اللّهِ صلى ال‬
‫عليه وسلم َيقُولُ‪ِ :‬إنّ الرّقَى وَالتّمَائِ َم وَالّتوََل َة شِ ْركٌ قَاَلتْ‪َ :‬فقُ ْلتُ لَهُ‪ :‬لِ َم َتقُو ُل هَذَا وَقَدْ‬
‫ي يَرْقِيهَا وَكَانَ إِذَا رَقَاهَا َس َكنَتْ قَالَ‪:‬‬ ‫ت َعيْنِي تَقْذِفُ َفكُْنتُ َأ ْختَلِفُ إِلَى فُلنٍ الَْيهُودِ ّ‬ ‫كَانَ ْ‬
‫ف َعْنهَا ِإنّمَا كَا َن يَ ْكفِيكِ َأنْ‬ ‫سهَا ِبيَ ِدهِ فَِإذَا رََقيِْتهَا كَ ّ‬‫شيْطَانِ كَا َن َينْخُ ُ‬ ‫ك عَمَلُ ال ّ‬ ‫ِإنّمَا ذَلِ َ‬
‫س اشْفِ أَْنتَ‬ ‫ب النّا ِ‬
‫َتقُولِي كَمَا قَالَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم‪ :‬أَ ْذ ِهبِ اْلَبأْسَ رَ ّ‬
‫الشّافِي ل ِشفَاءَ إِل ِشفَا ُؤكَ ِشفَا ًء ل ُيغَادِ ُر َسقَمًا ))‪.‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم يداعب أصحابه ويلعب أطفالم‬
‫س َن النّاسِ‬ ‫س بْ ُن مَالِكٍ قَالَ‪ (( :‬كَانَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم أَحْ َ‬ ‫روى مسلم عن َأَن ُ‬
‫سبُهُ قَالَ‪ :‬كَانَ فَطِيمًا قَالَ‪َ :‬فكَانَ إِذَا جَاءَ‬ ‫خ ُيقَالُ لَهُ َأبُو عُ َميْرٍ قَالَ‪ :‬أَحْ ِ‬
‫خُُلقًا وَكَانَ لِي َأ ٌ‬
‫ب بِهِ ))‪.‬‬ ‫َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم َفرَآهُ قَالَ‪َ :‬أبَا عُ َمْي ٍر مَا َفعَ َل الّن َغيْرُ قَالَ‪َ :‬فكَانَ َي ْلعَ ُ‬
‫أما خدمه ومواليه فلم يكن يكلّفهم من العمل ما ل يطيقون‪ ،‬ول يبكتهم يوما ما أو‬
‫ينهرهم فضلً من أن يضربم‪ ،‬بل إنم ل يسمعوا منه مرّد التأفّف عليهم‪.‬‬
‫ففي صحيح مسلم قَالَ َأَنسٌ‪ (( :‬كَانَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم مِنْ أَحْسَ ِن النّاسِ‬
‫ب وَفِي نَفْسِي أَنْ أَ ْذ َهبَ ِلمَا َأمَ َرنِي بِ ِه َنبِيّ‬ ‫خُُلقًا َفأَ ْرسََلنِي َيوْمًا ِلحَا َجةٍ َفقُ ْلتُ‪ :‬وَاللّهِ ل أَ ْذهَ ُ‬
‫صْبيَا ٍن َوهُمْ يَ ْل َعبُونَ فِي السّوقِ فَِإذَا‬ ‫اللّهِ صلى ال عليه وسلم َفخَ َر ْجتُ َحتّى َأمُ ّر عَلَى ِ‬
‫ي مِ ْن وَرَائِي قَالَ‪َ :‬فنَ َظرْتُ إِلَيْ ِه َو ُهوَ َيضْحَكُ‬ ‫َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم َقدْ َقَبضَ ِب َقفَا َ‬
‫ب يَا َرسُولَ اللّهِ قَالَ َأَنسٌ‪:‬‬ ‫ت َنعَمْ َأنَا َأ ْذهَ ُ‬ ‫َفقَالَ‪ :‬يَا ُأنَْيسُ أَ َذ َهبْتَ َحْيثُ َأمَ ْرتُكَ قَالَ‪ :‬قُ ْل ُ‬
‫شيْءٍ‬ ‫صَنعْتُهُ لِمَ َف َع ْلتَ كَذَا وَكَذَا َأوْ لِ َ‬‫شيْءٍ َ‬ ‫ي مَا عَلِ ْمتُهُ قَالَ لِ َ‬
‫وَاللّهِ َلقَدْ خَ َد ْمتُ ُه تِسْ َع ِسنِ َ‬
‫تَرَ ْكتُهُ هَل َفعَ ْلتَ كَذَا وَكَذَا ))‪.‬‬
‫وربا قام صلى ال عليه وسلم بالتعليم وهو على حار مردفا لحد أصحابه وذلك بتكرار‬
‫النداء وف هذا إثارة انتباه السامع‪.‬‬
‫ف النِّبيّ صلى ال عليه وسلم عَلَى حِمَا ٍر ُيقَالُ لَ ُه عُ َفيْرٌ‬ ‫يقول معاذ بن جبل‪ُ (( :‬كنْتُ ِردْ َ‬
‫َفقَالَ‪ :‬يَا ُمعَا ُذ قلت‪ :‬لبيك يا رسول ال وسعديك‪ .‬ث سار ساعةً‪ ،‬فقال‪ :‬يامعاذ‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫لبيك رسول ال وسعديك‪ .‬ث سار ساعةً فقال‪ :‬يامعاذ بن جبل‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك رسول ال‬

‫‪526‬‬
‫وسعديك‪ .‬قال‪ :‬هَلْ تَ ْدرِي حَقّ اللّهِ عَلَى ِعبَا ِد ِه َومَا حَ ّق اْل ِعبَا ِد عَلَى اللّهِ ُق ْلتُ‪ :‬اللّ ُه َو َرسُولُهُ‬
‫َأعْلَمُ قَالَ‪ :‬فَِإنّ َحقّ اللّ ِه عَلَى اْل ِعبَادِ َأنْ َي ْعبُدُوهُ وَل يُشْرِكُوا بِ ِه َشْيئًا َوحَ ّق اْلعِبَا ِد عَلَى اللّهِ َأنْ‬
‫ش ِركُ بِ ِه َشْيئًا َفقُ ْلتُ‪ :‬يَا َرسُولَ اللّهِ أَفَل ُأبَشّ ُر بِهِ النّاسَ قَالَ‪ :‬ل ُتبَشّ ْرهُمْ‬ ‫ل ُيعَذّبَ مَنْ ل يُ ْ‬
‫َفَيتّكِلُوا))(‪)1‬‬
‫وقد اختار صلى ال عليه وسلم معاذا لينوب عنه ف دعوة أهل اليمن ورسم له منهج‬
‫الدعوة وباذا يبدأ به الناس فقال له‪ِ (( :‬إنّكَ سََت ْأتِي َق ْومًا أَهْلَ ِكتَابٍ فَِإذَا ِجئَْتهُمْ فَا ْد ُعهُمْ‬
‫ك بِذَلِكَ‬ ‫شهَدُوا أَنْ ل إِلَهَ إِل اللّ ُه َوَأ ّن مُحَمّدًا َرسُولُ اللّهِ فَِإ ْن هُمْ َأطَاعُوا لَ َ‬ ‫إِلَى َأنْ يَ ْ‬
‫ض عََلْيهِمْ خَ ْمسَ صََلوَاتٍ فِي كُ ّل َي ْو ٍم وََليَْلةٍ َفِإنْ هُمْ َأطَاعُوا لَكَ‬ ‫َفأَ ْخبِ ْرهُمْ َأنّ اللّهَ قَدْ فَ َر َ‬
‫ض عََلْيهِمْ صَدََق ًة ُتؤْخَ ُذ مِنْ أَ ْغِنيَاِئهِمْ َفتُ َر ّد عَلَى ُفقَرَائِهِمْ فَِإنْ‬ ‫بِذَلِكَ َفأَ ْخبِ ْرهُمْ َأنّ اللّهَ قَدْ فَ َر َ‬
‫ك بِذَلِكَ فَِإيّا َك وَكَرَائِمَ َأ ْموَاِلهِمْ وَاتّقِ َد ْع َوةَ الْمَظْلُومِ فَِإنّهُ َلْيسَ َبْينَهُ َوَبيْنَ اللّهِ‬‫هُمْ أَطَاعُوا لَ َ‬
‫ِحجَابٌ ))(‪)2‬‬
‫وكان صحابته يرجعون إليه ف كل شيء حت ف مالفات الطفال‪ ،‬فيتعامل معها صلى‬
‫ال عليه وسلم بأسلوب تربوي عظيم با يتناسب مع سنّ الصغي ومرحلة الطفولة‪.‬‬
‫خ َل الَْأْنصَارِ‬
‫روى أبو داود عن َأبِي رَافِ ِع بْ ِن عَمْرٍو اْل ِغفَارِيّ قَالَ‪ُ (( :‬كْنتُ غُلمًا أَ ْرمِي نَ ْ‬
‫َفأُِت َي بِي النِّبيّ صلى ال عليه وسلم َفقَالَ‪ :‬يَا غُلمُ لِ َم َت ْرمِي النّخْلَ قَالَ‪ :‬آكُلُ قَالَ‪ :‬فَل تَ ْرمِ‬
‫سقُطُ فِي َأ ْسفَِلهَا ثُ ّم مَسَحَ َرْأسَهُ َفقَالَ‪ :‬الّلهُمّ َأ ْشبِ ْع بَ ْطنَهُ ))‪.‬‬ ‫خ َل وَكُ ْل مِمّا يَ ْ‬ ‫النّ ْ‬
‫وف رواية للترمذي قال‪ (( :‬أشبعك ال وأرواك ))‪.‬‬
‫يصف الصحابة رضوان ال عليهم مشاركة النب صلى ال عليه وسلم لم ف جيع حياتم‬
‫حضرها وسفرها‪ ،‬وتفقده لحوالم الاصّة والعامّة‪ ،‬فيقول أمي الؤمني عثمان بن عفان‬
‫حضَرِ‬ ‫حْبنَا َرسُولَ اللّهِ صلى ال عليه وسلم فِي السّفَ ِر وَالْ َ‬ ‫صِ‬ ‫رضي ال عنه‪ِ (( :‬إنّا وَاللّهِ قَدْ َ‬
‫وَكَا َن َيعُو ُد مَرْضَانَا َوَيتْبَعُ َجنَائِ َزنَا َوَيغْزُو َم َعنَا َوُيوَاسِينَا بِاْلقَلِيلِ وَاْل َكثِيِ ))(‪)3‬‬
‫وقد اختار صلى ال عليه وسلم من أساليب التعليم أحسنها وأفضلها‪ ،‬وأوقعها ف نفس‬
‫الخاطب وأقربا إل فهمه وعقله‪ ،‬وأشدّ تثبيتًا ف نفسه‪ ،‬وأكثرها إيضاحا‪ :‬فتار ًة يؤكّد لم‬
‫التعليم بالقسم‪ ،‬وتارةً بالتكرار‪ ،‬وأخرى بالنداء‪ ،‬وأحيانا بإبام الشيء لمل السامع على‬
‫استكشافه والسؤال عنه كما ف حديث أب هريرة عن النِّبيّ صلى ال عليه وسلم قَالَ‪:‬‬

‫‪527‬‬
‫ح ُر وََقتْ ُل‬ ‫سبْ َع الْمُوبِقَاتِ قَالُوا‪ :‬يَا َرسُولَ اللّهِ َومَا هُنّ قَالَ‪ :‬الشّ ْركُ بِاللّ ِه وَالسّ ْ‬ ‫(( ا ْجَتنِبُوا ال ّ‬
‫ف وَقَذْفُ‬ ‫س الّتِي حَ ّرمَ اللّهُ إِل بِالْحَ ّق َوأَكْلُ ال ّربَا َوأَكْ ُل مَا ِل الَْيتِي ِم وَالّتوَلّي َي ْومَ الزّحْ ِ‬ ‫الّن ْف ِ‬
‫ت اْلغَافِلتِ ))(‪)4‬‬ ‫صنَاتِ الْ ُمؤْ ِمنَا ِ‬ ‫حَ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫وأحيانا يعلّمهم بأسلوب الشرح والبيان والتوضيح‪ ،‬وترتيب النتائج على مقدماتا كما ف‬
‫حديث َأبِي هُ َريْ َرةَ قَالَ‪ :‬قَالَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم‪ (( :‬مَ ْن َعقَ َد ُعقْ َدةً ثُمّ نَ َفثَ‬
‫فِيهَا َفقَدْ سَحَ َر َومَ ْن َسحَرَ َفقَدْ َأشْ َر َك َومَ ْن َتعَلّ َق َشْيئًا وُكِلَ إَِليْهِ ))(‪)5‬‬
‫وأحيانا يأت تعليمه بالناسبات العارضة كما ف قصّة الرجل الذي حلف بغي ال‪ ،‬كما‬
‫روى َسعْ ِد بْ ِن ُعبَيْ َدةَ (( َأنّ ابْ َن عُمَ َر سَ ِمعَ رَ ُجلًا َيقُولُ‪ :‬لَ وَاْل َكعَْبةِ َفقَا َل ابْنُ عُمَرَ‪ :‬لَ‬
‫ف ِب َغيْرِ اللّهِ‬‫يُحْلَفُ بِ َغيْرِ اللّهِ فَِإنّي سَ ِم ْعتُ َرسُولَ اللّهِ صلى ال عليه وسلم َيقُولُ‪ :‬مَنْ حَلَ َ‬
‫َفقَدْ َكفَرَ َأوْ َأشْ َركَ ))‪ .‬قَالَ َأبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ‪.‬‬
‫ل َيقُولُ‪ :‬وَالْ َك ْعَبةِ َفقَالَ‪ :‬لَ‬ ‫وروى المام أحد عَ ْن َسعْ ِد بْ ِن ُعَبيْ َدةَ‪ (( :‬سَ ِم َع ابْنُ عُ َمرَ رَ ُج ً‬
‫ف ِب َغيْرِ اللّهِ‬
‫تَحْلِفْ بِ َغيْرِ اللّهِ فَِإنّي سَ ِم ْعتُ َرسُولَ اللّهِ صلى ال عليه وسلم َيقُولُ‪ :‬مَنْ حَلَ َ‬
‫َفقَدْ َكفَ َر َوَأشْ َركَ ))‪.‬‬
‫وأحيانا يأتيه العراب الاف فيغلظ للرسول ال صلى ال عليه وسلم القول‪ ،‬وربا يستطيل‬
‫بيده على طبيعة العراب من العنف والفاء‪ ،‬فيبتسم له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وييبه إل طلبه بسن خلق وسوّ معاملة‪.‬‬
‫روى البخاري عَنْ َأَنسِ بْ ِن مَالِكٍ قَالَ‪ُ (( :‬كنْتُ َأمْشِي مَعَ َرسُولِ صلى ال عليه وسلم‬
‫جبَذَ بِرِدَائِهِ َجبْ َذةً شَدِي َدةً قَالَ َأَنسٌ‪:‬‬ ‫جرَاِن ّي غَلِيظُ الْحَاشَِيةِ َفأَدْرَكَهُ َأعْرَابِيّ فَ َ‬ ‫َوعََليْهِ بُ ْر ٌد نَ ْ‬
‫ت ِبهَا حَا ِشَيةُ الرّدَاءِ مِنْ شِ ّدةِ‬ ‫ح ِة عَاتِقِ الّنبِيّ صلى ال عليه وسلم وَقَدْ َأثّرَ ْ‬ ‫صفْ َ‬‫َفنَظَرْتُ إِلَى َ‬
‫ك ثُمّ َأمَرَ لَهُ‬
‫حمّ ُد مُرْ لِي مِ ْن مَالِ اللّ ِه الّذِي ِعنْ َدكَ فَاْلتَ َفتَ إِلَيْهِ َفضَحِ َ‬ ‫َجبْ َذتِ ِه ثُمّ قَالَ‪ :‬يَا مُ َ‬
‫ِبعَطَاءٍ ))‪.‬‬
‫وف رواية لسلم‪ (( :‬ثُمّ َجبَ َذهُ إَِليْهِ َجبْ َذةً رَجَ َع َنِبيّ اللّهِ صلى ال عليه وسلم فِي نَحْرِ‬
‫الَْأعْرَابِيّ ))‪ .‬وَفِي حَدِيثِ هَمّامٍ‪َ (( :‬فجَا َذبَهُ َحتّى انْشَقّ اْلبُ ْر ُد وَ َحتّى َب ِقيَتْ حَا ِشَيتُهُ فِي ُعنُقِ‬
‫َرسُولِ اللّهِ صلى ال عليه وسلم ))‪.‬‬

‫‪528‬‬
‫ل لبس سوارا من ناس يقي به مرضا يأخذ ف العضد‪ ،‬غضب عليه‬ ‫ولكنّه‪ ،‬لا رأى رج ً‬
‫وزجره ونره‪.‬‬
‫صيْنٍ‪َ (( :‬أ ّن الّنِبيّ صلى ال عليه وسلم َأبْصَ َر عَلَى َعضُدِ رَ ُجلٍ حَ ْل َقةً‪،‬‬ ‫فعن عِمْرَانُ بْنُ ُح َ‬
‫ك مَا هَ ِذهِ قَالَ‪ :‬مِ َن اْلوَا ِهَنةِ قَالَ‪َ :‬أمَا ِإّنهَا ل تَزِي ُدكَ إِل َو ْهنًا‬ ‫صفْرٍ َفقَالَ‪َ :‬ويْحَ َ‬‫أُرَاهُ قَا َل مِنْ ُ‬
‫حتَ َأبَدًا ))(‪)6‬‬ ‫ك مَا أَفَْل ْ‬‫اْنبِ ْذهَا عَنْكَ فَِإنّكَ َل ْو ِمتّ َو ِهيَ عََليْ َ‬
‫فهناك ل يغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم لنفسه‪ ،‬أمّا هنا ولـمّا رأى مظهرا من‬
‫مظاهر الشرك غضب ل عز وجل‪ ،‬حيث أنه صلى ال عليه وسلم بعث بتكميل أديان‬
‫اللق بنبذ الوثنيّات والتعلّق بالخلوقي‪ ،‬وعلى تكميل عقولم بنبذ الرافات والزعبلت‪،‬‬
‫والدّ ف المور النافعة الرقّية للعقول‪ ،‬الزكّية للنفوس‪ ،‬ا ُلصْلِحَة للحوال كلها دينها‬
‫ودنياها(‪)7‬‬
‫وربا لقه الطفال فأركبهم معه على بغلته‪.‬‬
‫سيْنِ‬‫س ِن وَالْحُ َ‬‫ت ِبَنِبيّ اللّهِ صلى ال عليه وسلم وَالْحَ َ‬ ‫فعن ِإيَاسٌ عَنْ َأبِيهِ قَالَ‪َ (( :‬لقَدْ قُدْ ُ‬
‫ش ْهبَاءَ َحتّى أَ ْدخَ ْلُتهُمْ ُحجْ َر َة النِّبيّ صلى ال عليه وسلم هَذَا قُدّامَهُ َوهَذَا َخ ْلفَهُ))(‪)8‬‬ ‫َبغَْلتَهُ ال ّ‬
‫بل ربا نزل وترك الطبة من النب وحل الطفال ث أتّ خطبته‬
‫عَبْدُ اللّ ِه بْ ُن ُب َريْ َدةَ قَال‪ (( :‬سَ ِم ْعتُ َأبِي بُ َريْ َد َة َيقُولُ‪ :‬كَانَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم‬
‫شيَانِ َوَي ْعثُرَانِ َفنَزَلَ َرسُولُ‬ ‫سيْ ُن عََلْيهِمَا قَمِيصَانِ أَحْ َمرَا ِن يَمْ ِ‬ ‫س ُن وَالْحُ َ‬
‫يَخْ ُطُبنَا إِذْ جَا َء الْحَ َ‬
‫ص َدقَ اللّ ُه {إِنّمَا‬ ‫ضعَهُمَا َبيْ َن يَ َديْ ِه ثُمّ قَالَ‪َ :‬‬ ‫اللّهِ صلى ال عليه وسلم مِ َن الْ ِمْنبَرِ َفحَمََلهُمَا َووَ َ‬
‫صبِرْ َحتّى‬ ‫شيَانِ َوَي ْعثُرَانِ فََلمْ أَ ْ‬‫صبِّييْ ِن يَمْ ِ‬
‫َأ ْموَاُلكُمْ َوأَوْلدُكُمْ ِفتَْنةٌ} َفنَظَرْتُ إِلَى هَ َذيْ ِن ال ّ‬
‫قَ َط ْعتُ حَدِيثِي وَرََف ْعُتهُمَا))(‪)9‬‬
‫وإذا سع رسول ال صلى ال عليه وسلم بنكر انتدب له رجلً من صاحبته؛ ليقوم بإزالته‪،‬‬
‫فقد روى لنا علي بن أب طالب رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعثه‬
‫بهمّة وهي تسوية القبور بالرض وعدم رفعها‪ ،‬وطمس التماثيل والصور‪.‬‬
‫ج الَْأسَدِيّ قَالَ‪ (( :‬قَالَ لِي عَِل ّي بْنُ َأبِي طَاِلبٍ‪ :‬أَل‬ ‫روى مسلم ف صحيحه عَنْ َأبِي اْلهَيّا ِ‬
‫ستَهُ وَل‬ ‫ع تِ ْمثَالًا إِل طَمَ ْ‬‫ك عَلَى مَا َب َعثَنِي عََليْهِ َرسُولُ صلى ال عليه وسلم َأنْ ل تَ َد َ‬ ‫َأبْ َعثُ َ‬
‫سَتهَا ))‪.‬‬ ‫َقبْرًا مُشْرِفًا إِل َسوّْيتَهُ ))‪ ،‬وف رواية َقَالَ‪ (( :‬وَل صُو َرةً إِل طَمَ ْ‬

‫‪529‬‬
‫ول يكن رسول ال يصّ أحدا من أقاربه بعلم دون الناس‪.‬‬
‫صكُمْ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه‬ ‫ففي صحيح مسلم عَنْ َأبِي ال ّط َفيْلِ قَالَ‪ُ (( :‬سئِ َل عَِليّ أَ َخ ّ‬
‫صنَا َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم بِشَيْءٍ لَ ْم َيعُ ّم بِ ِه النّاسَ‬ ‫شيْءٍ؟ َفقَالَ‪ :‬مَا َخ ّ‬ ‫وسلم بِ َ‬
‫ب َسيْفِي هَذَا قَالَ‪َ :‬فأَخْرَجَ صَحِي َفةً مَ ْكتُوبٌ فِيهَا َلعَنَ اللّ ُه مَنْ َذبَحَ‬ ‫كَاّفةً إِلّا مَا كَانَ فِي قِرَا ِ‬
‫ض وََلعَنَ اللّ ُه مَنْ َلعَنَ وَالِ َد ُه وََلعَنَ اللّ ُه مَ ْن آوَى‬
‫ق َمنَارَ اْلأَ ْر ِ‬ ‫ِل َغيْرِ اللّ ِه وََلعَنَ اللّ ُه مَنْ سَ َر َ‬
‫مُحْ ِدثًا ))‪.‬‬
‫وكان يرسل البنيات الصغيات ِليَ ْل َعبْنَ مع عائشة رضي ال عنها‪.‬‬
‫شةَ رَضِي اللّ ُه َعْنهَا قَاَلتْ‪ُ (( :‬كْنتُ أَْل َعبُ بِاْلَبنَاتِ ِعنْ َد النِّبيّ صلى ال عليه وسلم‬ ‫عَ ْن عَائِ َ‬
‫صوَا ِحبُ يَ ْل َعبْ َن َمعِي َفكَانَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم إِذَا َدخَ َل َيَتقَ ّمعْ َن ِمنْهُ‬ ‫وَكَانَ لِي َ‬
‫َفيُسَ ّرُبهُنّ إِلَيّ َفيَ ْل َعبْ َن َمعِي ))(‪)10‬‬
‫ك عن التعليم والتوجيه ف حال الصحة والرض فقد‬ ‫وكان صلى ال عليه وسلم ل ينف ّ‬
‫كان بعض نسائه يقصصن عليه بعض القصص وهو ف مرضه‪ ،‬لعلّ ذلك من أجل تسليته‬
‫شةَ رَضِي اللّ ُه َعْنهَا قَاَلتْ‪ (( :‬لَمّا ا ْشتَكَى الّنِبيّ صلى ال عليه‬ ‫ففي البخاري ومسلم عن عَائِ َ‬
‫شةِ ُيقَالُ َلهَا مَا ِرَي ُة وَكَانَتْ ُأمّ َسلَ َمةَ‬ ‫حبَ َ‬
‫سةً َرَأْيَنهَا ِبأَ ْرضِ الْ َ‬
‫ت َب ْعضُ نِسَائِهِ َكنِي َ‬ ‫وسلم ذَكَرَ ْ‬
‫سِنهَا َوَتصَاوِيرَ فِيهَا َفرَفَعَ َرْأسَهُ‬ ‫شةِ فَذَكَ َرتَا مِنْ حُ ْ‬ ‫حبَ َ‬
‫ض الْ َ‬
‫َوُأمّ َحبِيَبةَ رَضِي اللّ ُه َعْنهُمَا َأَتتَا أَ ْر َ‬
‫صوّرُوا فِي ِه تِلْكَ‬ ‫جدًا ثُمّ َ‬ ‫ت ِمْنهُمُ الرّجُ ُل الصّالِ ُح َبَنوْا عَلَى َقْب ِرهِ مَسْ ِ‬ ‫َفقَالَ‪ :‬أُوَلئِكِ إِذَا مَا َ‬
‫ك شِرَا ُر الْخَ ْل ِق ِعنْدَ اللّهِ ))‪.‬‬ ‫الصّو َرةَ أُولَئِ ِ‬
‫فعلى الرغم من مرضه صلى ال عليه وسلم استدرك على نسائه وبيّن ضلل أولئك‬
‫النصارى حيث اتذوا الساجد على قبور الصالي وصوّروا صورا فيها‪.‬‬
‫وقد تعامل مع أخطاء العراب الفاة بالكمة والتأن مع اللم والصب عليهم والصفح‬
‫عنهم‪ ،‬وحسن توجيههم وإرشادهم وتربيتهم‪ ،‬مع غاية الرحة والرأفة بم‪.‬‬
‫سجِ ِد مَعَ َرسُولِ اللّهِ صلى ال عليه وسلم إِذْ‬ ‫فعن َأَنسُ بْ ُن مَالِكٍ قَالَ‪ (( :‬بَْينَمَا نَحْنُ فِي الْمَ ْ‬
‫جَاءَ َأعْرَابِيّ َفقَا َم يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ َفقَالَ أَصْحَابُ َرسُولِ اللّهِ صلى ال عليه وسلم‪ :‬مَ ْه مَهْ‬
‫قَالَ‪ :‬قَالَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم‪ :‬ل تُ ْز ِرمُوهُ (أي لتقطعوا عليه بولته) َدعُوهُ‬
‫َفتَرَكُوهُ َحتّى بَا َل ثُمّ ِإنّ َرسُولَ صلى ال عليه وسلم َدعَاهُ َفقَالَ لَهُ‪ِ :‬إنّ هَ ِذ ِه الْمَسَا ِجدَ ل‬

‫‪530‬‬
‫شيْءٍ مِنْ هَذَا اْلَبوْلِ وَل اْلقَذَرِ ِإنّمَا ِهيَ ِلذِكْرِ اللّ ِه عَ ّز وَ َج ّل وَالصّل ِة وَقِرَا َء ِة الْقُرْآنِ‬ ‫َتصْلُحُ لِ َ‬
‫َأوْ َكمَا قَالَ َرسُولُ صلى ال عليه وسلم قَالَ‪َ :‬فَأمَرَ َر ُجلً مِ َن الْ َق ْومِ فَجَا َء بِدَْل ٍو مِ ْن مَاءٍ‬
‫شنّهُ عََليْهِ ))(‪)11‬‬ ‫فَ َ‬
‫وكان لطيفا رحيما رقيقا ف معاملته لصحابه وف تعامله مع أخطائهم‪.‬‬
‫يصف لنا ذلك معاوية بن الكم السلمي فيقول ‪ -‬كما ف صحيح مسلم ‪ -‬عَ ْن ُمعَا ِوَيةَ‬
‫حكَمِ السّلَ ِميّ قَالَ‪َ (( :‬بْينَا َأنَا أُصَلّي مَعَ َرسُولِ اللّهِ صلى ال عليه وسلم إِ ْذ عَ َطسَ‬ ‫بْ ِن الْ َ‬
‫رَ ُج ٌل مِ َن الْ َق ْومِ َفقُ ْلتُ‪َ :‬يرْحَمُكَ اللّهُ َف َرمَانِي اْل َقوْ ُم ِبأَْبصَا ِرهِمْ َفقُ ْلتُ‪ :‬وَا ُثكْلَ ُأمّيَا ْه مَا‬
‫جعَلُوا َيضْ ِربُو َن بَِأيْدِيهِ ْم عَلَى أَ ْفخَا ِذهِمْ َفلَمّا َرَأْيُتهُ ْم ُيصَ ّمتُوَننِي َل ِكنّي‬ ‫َشأُْنكُ ْم َتنْظُرُونَ إَِليّ فَ َ‬
‫ت ُمعَلّمًا َقبْلَ ُه وَل‬ ‫َسكَتّ فَلَمّا صَلّى َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم َفِبَأبِي ُهوَ َوأُمّي مَا َرَأيْ ُ‬
‫ض َربَنِي وَل َشتَ َمنِي قَالَ‪ِ :‬إنّ هَ ِذ ِه الصّلةَ ل‬ ‫َبعْ َدهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ َفوَاللّ ِه مَا َكهَ َرنِي وَل َ‬
‫سبِي ُح وَالتّ ْكبِيُ وَِقرَاءَ ُة اْلقُرْآنِ َأوْ كَمَا قَالَ‬ ‫َيصْلُحُ فِيهَا شَيْ ٌء مِنْ كَلمِ النّاسِ ِإنّمَا ُهوَ التّ ْ‬
‫َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم ُق ْلتُ‪ :‬يَا َرسُولَ اللّهِ ِإنّي حَدِيثُ عَهْ ٍد ِبجَاهِِلّيةٍ وَقَدْ جَاءَ‬
‫اللّ ُه بِالِْإسْل ِم َوإِ ّن ِمنّا رِجَا ًل َي ْأتُونَ اْل ُكهّانَ قَالَ‪ :‬فَل َت ْأِتهِمْ قَالَ‪َ :‬و ِمنّا رِجَا ٌل َيتَ َطيّرُونَ قَالَ‪:‬‬
‫صبّاحِ‪ :‬فَل َيصُ ّدنّكُمْ‪ ،‬قَالَ‪ :‬قُ ْلتُ‬ ‫ذَاكَ َشيْ ٌء يَجِدُونَهُ فِي صُدُو ِرهِمْ فَل َيصُ ّدّنهُمْ‪ ،‬قَا َل ابْنُ ال ّ‬
‫خطّونَ قَالَ‪ :‬كَا َن َنبِ ّي مِ َن اْلأَْنِبيَاءِ يَخُطّ فَمَ ْن وَافَقَ َخطّهُ فَذَاكَ قَالَ‪ :‬وَكَانَتْ‬ ‫َومِنّا ِرجَا ٌل يَ ُ‬
‫ب بِشَاةٍ‬ ‫ت َي ْومٍ فَِإذَا الذّيبُ قَدْ َذهَ َ‬ ‫جوّاِنّيةِ فَاطَّلعْتُ ذَا َ‬‫لِي جَا ِرَي ٌة تَ ْرعَى َغنَمًا لِي ِقبَلَ أُ ُح ٍد وَالْ َ‬
‫ص ّكةً َفَأتَْيتُ َرسُولَ‬ ‫ص َك ْكُتهَا َ‬ ‫مِ ْن َغنَ ِمهَا َوَأنَا رَ ُج ٌل مِ ْن َبنِي آ َد َم آسَفُ كَمَا َي ْأ َسفُونَ َل ِكنّي َ‬
‫ك عََليّ قُ ْلتُ‪ :‬يَا َرسُولَ اللّهِ أَفَل ُأ ْعِت ُقهَا قَالَ‪ :‬اْئِتنِي ِبهَا‬ ‫اللّهِ صلى ال عليه وسلم َفعَظّمَ ذَلِ َ‬
‫َفأََتْيتُهُ ِبهَا َفقَالَ َلهَا‪َ :‬أيْنَ اللّهُ قَاَلتْ‪ :‬فِي السّمَاءِ قَالَ‪ :‬مَنْ َأنَا قَاَلتْ‪َ :‬أنْتَ َرسُولُ اللّهِ قَالَ‪:‬‬
‫َأعِْت ْقهَا َفِإّنهَا ُم ْؤ ِمَنةٌ ))‪.‬‬
‫وقد أكّد رسول ال صلى ال عليه وسلم نيه عن إتيان الكهان ف موطن آخر فقالَ‪:‬‬
‫حمّدٍ صلى ال عليه‬ ‫(( مَنْ َأتَى كَا ِهنًا َأ ْو عَرّافًا َفصَدّقَ ُه بِمَا َيقُولُ َفقَدْ َكفَ َر بِمَا ُأنْزِ َل عَلَى مُ َ‬
‫وسلم ))(‪)12‬‬
‫وقد بلغ من رأفته ورحته أن يصعد الصبّ على ظهره وهو ساجد يصلي بالناس فيطيل‬
‫السجود كراهة أن يعجّل الصبّ‪.‬‬

‫‪531‬‬
‫عَ ْن عَبْدِ اللّ ِه بْ ِن شَدّادٍ عَنْ َأبِيهِ قَالَ‪َ (( :‬خرَجَ عََليْنَا َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم فِي‬
‫سْينًا َفَتقَ ّدمَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم‬ ‫سنًا َأوْ حُ َ‬ ‫إِحْدَى صَلَتيِ اْلعِشَا ِء َو ُهوَ حَامِلٌ حَ َ‬
‫ج َد َبيْنَ َظهْرَاَنيْ صَلتِ ِه سَجْ َدةً َأطَاَلهَا قَالَ َأبِي‪ :‬فَرََف ْعتُ‬ ‫ضعَهُ ثُمّ َكبّرَ لِلصّلةِ َفصَلّى فَسَ َ‬ ‫َفوَ َ‬
‫َرْأسِي َوإِذَا الصِّبيّ عَلَى َظهْرِ َرسُولِ اللّهِ صلى ال عليه وسلم َوهُ َو سَاجِدٌ فَرَ َج ْعتُ إِلَى‬
‫سُجُودِي َفلَمّا َقضَى َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم الصّلةَ قَا َل النّاسُ‪ :‬يَا َرسُولَ اللّهِ ِإنّكَ‬
‫ت َبيْ َن َظهْرَانَيْ صَلتِكَ َسجْ َدةً أَطَ ْلَتهَا َحتّى ظََننّا َأنّهُ قَدْ حَدَثَ َأمْرٌ َأوْ َأنّهُ يُوحَى‬ ‫سَجَدْ َ‬
‫ضيَ‬
‫حَلنِي َفكَ ِر ْهتُ َأنْ ُأعَجّلَهُ َحتّى َيقْ ِ‬ ‫إَِليْكَ قَالَ‪ :‬كُلّ ذَلِكَ لَمْ يَكُ ْن وََلكِ ّن ابْنِي ا ْرتَ َ‬
‫حَا َجتَهُ ))(‪)13‬‬
‫روى النسائي عَنْ َأبِي َقتَا َدةَ‪ (( :‬أَنّ َرسُولَ اللّهِ صلى ال عليه وسلم كَا َن ُيصَلّي َو ُهوَ‬
‫ض َعهَا َوإِذَا قَامَ رََف َعهَا ))‪.‬‬ ‫حَامِلٌ ُأمَا َمةَ فَإِذَا سَجَ َد وَ َ‬
‫ب مراعاةً لال أمه‪.‬‬ ‫بل إن رأفته ورحته بالناس حلته على تفيف الصلة بسبب بكاء ص ّ‬
‫س ابْ ِن مَالِكٍ قَالَ‪ :‬قَالَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم‪ِ (( :‬إنّي ل ْدخُلُ فِي الصّلةِ‬ ‫عَنْ َأنَ ِ‬
‫جوّزُ فِي صَلتِي مِمّا أَعَْلمُ ِلوَجْدِ ُأمّ ِه ِببُكَائِهِ ))(‬ ‫َوإِنّي أُرِيدُ إِطَاَلَتهَا َفأَسْ َم ُع بُكَا َء الصِّبيّ َفأَتَ َ‬
‫‪)14‬‬
‫سنَة الت مات با ابن النب صلى ال عليه وسلم إبراهيم‬ ‫ف ال ّ‬
‫س َي ْو َم مَاتَ إِبْرَاهِيمُ َفقَا َل النّاسُ‪ :‬اْنكَسَ َفتْ‬ ‫يقول الْ ُمغِ َيةُ ابْ ُن ُش ْعَبةَ‪ (( :‬اْنكَسَ َفتِ الشّ ْم ُ‬
‫س وَاْلقَمَ َر آَيتَا ِن مِ ْن آيَاتِ اللّهِ‬‫لِ َموْتِ ِإبْرَاهِيمَ َفقَالَ َرسُولُ صلى ال عليه وسلم‪ِ :‬إنّ الشّ ْم َ‬
‫جِليَ ))‪.‬‬ ‫حيَاتِهِ فَِإذَا َرَأيْتُمُوهُمَا فَا ْدعُوا اللّ َه وَصَلّوا َحتّى َينْ َ‬ ‫سفَانِ لِ َموْتِ أَ َح ٍد وَل ِل َ‬ ‫ل يَْنكَ ِ‬
‫فبدّد بذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم جيع الوهام والرافات النتشرة ف الاهلية‪.‬‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم ل يلك عينيه من شدّة الرحة‬
‫فعَنْ َأَنسِ بْ ِن مَالِكٍ رَضِي اللّ ُه َعنْهُ قَالَ‪َ (( :‬دخَ ْلنَا مَعَ َرسُولِ اللّهِ صلى ال عليه وسلم عَلَى‬
‫َأبِي َسيْفٍ اْل َقيْ ِن وَكَا َن ِظئْرًا لِِإْبرَاهِي َم عََليْهِ السّلم َفأَخَذَ َرسُولُ اللّهِ صلى ال عليه وسلم‬
‫ت َعْينَا َرسُولِ‬ ‫جعََل ْ‬ ‫ك َوِإبْرَاهِي ُم يَجُو ُد بَِنفْسِهِ فَ َ‬‫ِإبْرَاهِيمَ َف َقبّلَ ُه َوشَمّ ُه ثُمّ َدخَ ْلنَا عََليْ ِه َبعْدَ ذَلِ َ‬
‫ت يَا‬
‫اللّهِ صلى ال عليه وسلم تَذْرِفَانِ َفقَالَ لَهُ عبد الرح ِن بْ ُن َعوْفٍ رَضِي اللّ ُه َعنْهُ‪َ :‬وأَْن َ‬
‫َرسُولَ اللّهِ َفقَالَ‪ :‬يَا ابْنَ َعوْفٍ ِإّنهَا رَحْ َم ٌة ثُمّ أَْتَب َعهَا ِبأُخْرَى َفقَالَ صلى ال عليه وسلم‪ِ :‬إنّ‬

‫‪532‬‬
‫ك يَا ِإبْرَاهِيمُ‬
‫ح َزنُ وَل َنقُولُ إِل مَا َيرْضَى َربّنَا َوِإنّا بِفِرَاقِ َ‬
‫الْ َعيْ َن تَ ْدمَ ُع وَاْلقَ ْلبَ يَ ْ‬
‫حزُونُونَ ))(‪)15‬‬ ‫لَمَ ْ‬
‫‪--------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحد‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه النسائي‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه أحد وابن ماجة‪.‬‬
‫(‪ )7‬القول السديد ص ‪.37‬‬
‫(‪ )8‬رواه مسلم‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه الترمذي وحسنه‪.‬‬
‫(‪ )10‬رواه البخاري‪.‬‬
‫(‪ )11‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )12‬رواه أحد عن أب هريرة‪.‬‬
‫(‪ )13‬رواه النسائي‪.‬‬
‫(‪ )14‬رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫(‪ )15‬رواه البخاري‪.‬‬
‫=================‬

‫نسأل ال تعال أن يعلنا من أحباب وأتباع هذا الرسول الكري صلى ال عليه وسلم‬
‫حمّدٌ َرسُولُ اللّ ِه وَالّذِي َن َمعَهُ َأشِدّا ُء عَلَى الْ ُكفّارِ رُ َحمَا ُء َبيَْنهُ ْم تَرَاهُمْ رُ ّكعًا‬ ‫قال تعال ‪ {:‬مُ َ‬
‫ك َمثَُلهُمْ‬ ‫ضوَانًا سِيمَاهُمْ فِي ُوجُو ِههِ ْم مِنْ َأثَرِ السّجُودِ ذَلِ َ‬ ‫سُجّدًا َيبَْتغُونَ َفضْلًا مِنَ اللّ ِه َورِ ْ‬
‫ج شَ ْطأَهُ فَآَ َز َرهُ فَا ْسَتغْلَظَ فَا ْسَتوَى عَلَى سُوقِهِ‬ ‫فِي الّتوْرَا ِة َو َمثَُلهُمْ فِي الِْإنْجِيلِ َكزَ ْرعٍ أَخْ َر َ‬
‫ت ِمْنهُ ْم َم ْغفِ َرةً‬
‫ظ ِبهِ ُم اْلكُفّا َر َوعَدَ اللّ ُه الّذِينَ َآ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ‬ ‫جبُ الزّرّاعَ ِلَيغِي َ‬ ‫ُيعْ ِ‬
‫َوأَجْرًا عَظِيمًا (‪} )29‬‬

‫‪533‬‬
‫جعه وفهرسه وقدم له‬
‫الباحث ف القرآن والسنة‬
‫علي بن نايف الشحود‬
‫ف الامس من شهر شعبان لعام ‪ 1427‬هـ الوافق ‪ 8/2006/ 30‬م‬

‫الفهرس العام ‪:‬‬

‫‪534‬‬

You might also like