Professional Documents
Culture Documents
إعد اد
1
مقدمة
إن الحمد ل ،نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ،ونعوذ بال من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا ،من يهده ال فل مضل له ،ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أن ل إله إل ال وحده
ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى ال عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
كثيرا.
أما بعد:
بين يديك كتاب ضم حكما نافعة ،وأقوال جامعة ،اصطدتها لك من كتب شتى ،لتنعم
بمطالعتها ،وحيازة علمها .فــــــ:
براعة الستهلل
إن كثيرا من الكتاب ل يحسن وضع مقدمة مناسبة لما هو بصدد الكتابة عنه ،وهو ما
يعرف عند علماء المعاني ببراعة الستهلل .وخطبة الكتاب إذا كانت مناسبة لموضوع
الكتاب فإن ذلك يهيئ الناظر فيه معرفة ما فيه ،ويصور له بعبارة موجزة زبدة الموضوع
أو الرسالة .وتكمن براعة الكاتب في القدرة على الدخول في موضوع الرسالة أو البحث
دون أن يشعر القارئ بذلك ،ولعل خطبة المام أحمد في كتابه (الرد على الزنادقة
والجهمية) فيها بيان لبراعة الستهلل وحسن البيان ،وكان حقها أن تكتب بماء الذهب.
2
قال رحمه ال تعالى:
( الحمد ل الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل
إلى الهدى ،ويصبرون منهم على الذى ،يحيون بكتاب ال الموتى ،ويبصرون بنور ال
أهل العمى ،فكم من قتيل لبليس قد أحيوه ،وكم من ضال تائه هدوه ،فما أحسن أثرهم
على الناس وأقبح أثر الناس عليهم! ينفون عن كتاب ال تحريف الغالين وانتحال
المبطلين ،وتأويل الجاهلين ،الذين عقدوا ألوية البدعة ،وأطلقوا عقال الفتنة ،فهم مختلفون
في الكتاب ،مخالفون للكتاب ،متفقون على مخالفة الكتاب ،يقولون على ال ،وفي ال ،وفي
كتاب ال بغير علم ،يتكلمون بالمتشابه من الكلم ،ويخدعون جهال الناس بما يشبهون
عليهم ،فنعوذ بال من فتن المضلين.1)..
استفاض النقل عن النبي صلى ال عليه وسلم ،وعن الصحب والسلف الصالح رضوان ال
عليهم أجمعين في الحث على التمسك بالسنة ،والنهي والتحذير من البدعة ،فقال إمام
المتقين صلى ال عليه وسلم(( :من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) أي مردود
على صاحبه .والصحب رضوان ال عليهم والسلف الصالح من بعدهم كانت لهم جهود
مشكورة في حفظ السنة؛ ولو سقنا أخبارهم في هذا لطال بنا المقام ،ولكن حسبنا قول ابن
مسعود رضي ال عنه من الصحب الكرام ،وقول الفضيل بن عياض من السلف العلم:
قال ابن مسعود أو أبي بن كعب رضي ال عنهما:
( عليكم بالسبيل والسنة ،فإنه ما من عبد على السبيل والسنة ذكر ال خاليا فاقشعر جلده
من مخافة ال إل تحاتت عنه خطاياه كما يتحات الورق اليابس عن الشجر ،وما من عبد
على السبيل والسنة ذكر ال خاليا فدمعت عيناه من خشية ال إل لم تمسه النار أبدا ،وإن
-) - 1الفتاوى )4/217
3
اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلف سبيل وسنة .فاحرصوا أن تكون
أعمالكم -إن كانت اجتهادا أو اقتصادا -على منهاج النبياء وسنتهم).2
وقال الفضيل بن عياض رحمه ال( :في قوله تعالى{ :ليبلوكم أيكم أحسن عمل} . 3قال:
أخلصه وأصوبه .قيل له :يا أبا علي ،ما أخلصه وأصوبه؟ قال :إن العمل إذا كان خالصا
ولم يكن صوابا لم يقبل ،وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل ،حتى يكون خالصا
صوابا .والخالص أن يكون ل ،والصواب أن يكون على السنة).
وكان يقول:
)من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم السلم ،ومن زوج كريمته لصاحب بدعة فقد
4
قطع رحمها ،ومن انتهر صاحب بدعة مل ال قلبه أمنا وإيمانا).
ميراث النبياء
يعظم الشيء بعظم نفعه .والعلم الشرعي هو أنفع العلوم وأزكاها ،بل إن المتأمل في قوله
عليه الصلة والسلم " ...إن النبياء لم يورثوا دينارا ول درهما إنما ورثوا العلم ،فمن
أخذ به فقد أخذ بحظ وافر" ليعلم عظم الميراث.
وإمام العلماء معاذ بن جبل رضي ال عنه وأرضاه -له قول حسن يحسن الوقوف عنده.
قال معاذ بن جبل رضي ال عنه( :تعلموا العلم فإن تعليمه ل خشية ،وطلبه عبادة،
ومذاكرته تسبيح ،والبحث عنه جهاد ،وتعليمه لمن ل يعلمه صدقة ،وبذله لهله قربة ،لنه
معالم الحلل والحرام ،منار سبل أهل الجنة ،وهو النس في الوحشة ،والصاحب في
الغربة ،والمحدث في الخلوة ،والدليل على السراء والضراء ،والسلح على العداء،
والزين عند الخلء ،يرفع ال به أقواما ،فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم،
ويقتدى بفعالهم ،وينتهى إلى رأيهم ،ترغب الملئكة في خدمتهم ،وبأجنحتها تمسحهم،
يستغفر لهم كل رطب ويابس ،وحيتان البحر وهوامه ،وسباع البر وأنعامه ،لن العلم حياة
- 2الفتاوى .11/600
- 3هود.7 :
- 4الفتاوى .11/600
4
القلوب من الجهل ،ومصابيح البصار من الظلم ،يبلغ العبد بالعلم منازل الخيار
والدرجات العلى في الدنيا والخرة ،والتفكر فيه يعدل الصيام ،ومدارسته تعدل القيام ،به
توصل الرحام ،وبه يعرف الحلل من الحرام ،هو إمام العمل ،والعمل تابعه ،ويلهمه
السعداء ويحرمه الشقياء). 5
شعرا
التعصب المذهبي
داء يسري في النفوس يحمل صاحبها على مخالفة الدليل من أجل مذهب درج عليه ،فتراه
ينافح عن قول إمامه ومذهبه وإن علم أن الحق بخلفه! .والئمة الربعة رحمهم ال،
نصوا على الخذ بالدليل وإن كان مخالفا لقولهم .وهذا من تعظيمهم رحمهم ال للثر،
وصرف أتباعهم إلى الخذ بالدليل وأن يكونوا مع الدليل والحق حيثما دار .قال المام أبو
حنيفة( :إذا جاء عن النبي صلى ال عليه وسلم فعلى العين والرأس) .وقال المام مالك:
(ما من أحد إل ويؤخذ من قوله ويترك ،إل صاحب هذا القبر -وأشار إلى قبر النبي صلى
ال عليه وسلم) .وقال المام الشافعي( :كل ما قلت ،وكان قول رسول ال صلى ال عليه
وسلم خلف قولي مما يصح ،فحديث النبي صلى ال عليه وسلم أولى ،ول تقلدوني) .وقال
المام أحمد( :ل تكتبوا عني شيئا ،ول تقلدوني ،ول تقلدوا فلنا وفلنا -وفي رواية:
مالكا ،والشافعي ،والوزاعي ،ول الثوري -وخذوا من حيث أخذوا)[ .ومع أن الئمة
نصوا على عدم تقليدهم ،والخذ بالدليل وإن كان مخالفا لقوالهم ،إل أن ذلك لم يمنع من
وجود طائفة تعصبت لقوال أئمتهم ،وغلوا في ذلك غلوا كبيرا ،فمن أقوال بعض
المتعصبة ]:قال الحصفكي في أبيات يمدح بها المام أبا حنيفة منها:
7
صورة من صور التعصب :قال الطوفي :رأيت بعض العامة ،وهو يضرب يدا على يد،
ويشير إلى رجل ،ويقول :ما هذا إل زنديق ،ليتني قدرت عليه ،فأفعل به ،وأفعل ،فقلت :ما
8
رأيت منه؟ فقال :رأيته وهو يجهر بالبسملة في الصلة !.
أصل عظيم
مسائل التكفير والتبديع من المسائل الشائكة التي تحتاج إلى نظر وتأمل في حال المعين،
وهناك شروط لبد من توفرها ،وموانع لبد من انتفائها ،إلى أشياء كثيرة جدا يطول
ذكرها .ولكن هناك من جرد لسانه وقلمه ،وأطلق لهما العنان في الناس تكفيرا وتبديعا
وتفسيقا ،وكأنه قد تعبد بذلك! فإلى أولئك وغيرهم هذا الصل العظيم.
قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال( :فإذا رأيت إماما قد غلظ على قائل مقالته أو كفره
فيها ،فل يعتبر هذا حكما عاما في كل من قالها ،إل إذا حصل فيه الشرط الذي يستحق به
التغليظ عليه ،والتكفير له ،فإن من جحد شيئا من الشرائع الظاهرة ،وكان حديث العهد
بالسلم أو ناشئا ببلد جهل ،ل يكفر حتى تبلغه الحجة النبوية.
وكذلك العكس إذا رأيت المقالة المخطئة قد صدرت من إمام قديم فاغتفرت ،لعدم بلوغ
الحجة له ،فل يغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للول ،فلهذا يبدع من بلغته أحاديث عذاب
القبر ونحوها إذا أنكر ذلك ،ول تبدع عائشة ونحوها ممن لم يعرف بأن الموتى يسمعون
9
في قبورهم ،فهذا أصل عظيم فتدبره فإنه نافع).
يعمد بعض القراء إلى تكلف في إخراج الحروف والمدود ،فتجده مصروفا عن تدبر كلم
رب العالمين إلى تقليب نغمة الصوت ،وتكلف الداء ،والمبالغة في تجويد القراءة .ولم
- 8زوابع في وجه السنة /صلح الدين مقبول أحمد ،ص ،225 ،224 ،222ومختصر (جامع بيان العلم وفضله /لبن عبد البر /ص ( )253قول الطوفي في
شرح مختصر الروضة .)2/165
- 9الفتاوى (.)6/61
8
يكن على ذلك فعل النبي صلى ال عليه وسلم ،ول أمره ،ول السلف الصالح من بعده ،بل
كانت قراءتهم وسطا ل غلو فيها ول تفريط ،وكانوا يسألون ال عند آيات الوعد ،ويفرقون
من آيات الوعيد ،ولهم مع قصصه عبر ،وفي آياته نظر{ .كتاب أنزلناه إليك مبارك
ليدبروا آياته وليتذكر أولوا اللباب}(ص.)29 :
وللذهبي رحمه ال ،كلم فيمن بالغ وتكلف في تجويد الكتاب العزيز .يقول :فالقراء
المجودة :فيهم تنطع وتحرير زائد يؤدي إلى أن المجود القارئ يبقى مصروف الهمة إلى
مراعاة الحروف والتنطع في تجويدها بحيث يشغله ذلك عن تدبر معاني كتاب ال،
ويصرفه عن الخشوع في التلوة ويخليه قوي النفس مزدريا بحفاظ كتاب ال تعالى،
فينظر إليهم بعين المقت وبأن المسلمين يلحنون وبأن القراء ل يحفظون إل شواذ القراءة.
فليت شعري أنت ماذا عرفت وماذا عملت؟ فأما علمك فغير صالح ،وأما تلوتك فثقيلة
عرية من الخشعة والحزن والخوف ،فال تعالى يوفقك ويبصرك رشدك ويوقظك من
مرقدة الجهل والرياء.
وضدهم قراء النغم والتمطيط ،وهؤلء من قرأ منهم بقلب وخوف قد ينتفع به في الجملة،
فقد رأيت منهم من يقرأ صحيحا ويطرب ويبكي ،ورأيت منهم من إذا قرأ قسّى القلوب
وأبرم النفوس وبدل الكلم ،وأسوأهم حال الجنائزية.
وأما القراءة بالروايات وبالجمع فأبعد شيء عن الخشوع وأقدم شيء على التلوة بما
يخرج عن القصد ،وشعارهم في تكثير وجوه حمزة وتغليظ اللمات وترقيق الراءات .اقرأ
يا رجل وأعفنا من التغليظ والترقيق وفرط المالة والمدود ووقوف حمزة إلى كم هذا!.
وآخر منهم إن حضر في ختم أو تل في محراب جعل ديدنه إحضار غرائب الوجوه
والسكت والتهوع بالتسهيل وأتى بكل خلف ونادى على نفسه أن (أبو اعرفوني) فإني
عارف بالسبع .إيش نعمل بك؟ ل وصبحك ال بخير إنك حجر منجنيق ورصاص على
10
الفئدة.
- - 10نقل من بدع القراء القديمة والمعاصرة /بكر أبو زيد ،ص .24
9
الزيارة الشرعية والزيارة البدعية
عظمت الفتنة واشتد الخطب في أقوام غلوا في بشر مثلهم ،فتراهم ركعا سجدا عند القبر،
يدعونه من دون ال ،ويسألونه حاجاتهم ،وإذا أنكرت عليهم قالوا :إنما نتوسل بهم لكونهم
أولياء أتقياء ونحن مذنبون ضعفاء!.
وحال الزائر للقبر ل يخلو إما أن يكون مطيعا لموله متبعا لنبيه ،أو عاصيا مشركا بال
مبتدعا في دينه.
قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال :فإن الزيارة الشرعية عبادة ل ،وطاعة لرسوله،
وتوحيد ل وإحسان إلى عباده ،وعمل صالح من الزائر يثاب عليه و (الزيارة البدعية)
شرك بالخالق ،وظلم للمخلوق ،وظلم للنفس .فصاحب الزيارة الشرعية هو الذي يحقق
قوله{ :إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة ]5 :أل ترى أن اثنين لو شهدا جنازة ،فقام
أحدهما يدعو للميت ،ويقول :اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه ،وأكرم نزله ووسع
مدخله ،واغسله بماء وثلج وبرد ،ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب البيض من
الدنس ،وأبدله دارا خيرا من داره ،وأهل خيرا من أهله ،وأعذه من عذاب النار وعذاب
القبر ،وأفسح له في قبره ونور له فيه ،ونحو ذلك من الدعاء له .وقام الخر فقال :يا
سيدي! أشكو لك ديوني ،وأعدائي وذنوبي ،أنا مستغيث بك ،مستجير بك ،أغثني! ونحو
ذلك ،لكان الول عابدا ل ،محسنا إلى خلقه ،محسنا إلى نفسه بعبادة ال ونفعه عباده ،وهذا
11
الثاني مشركا مؤذيا ظالما معتديا على الميت ظالما لنفسه.
وساوس الشيطان
قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال( :والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان ،وبوساوس
الكفر التي يضيق بها صدره .كما قالت الصحابة :يا رسول ال ،إن أحدنا ليجد في نفسه ما
لئن يخر من السماء إلى الرض أحب إليه من أن يتكلم به .قال" :ذاك صريح اليمان"
- 11الفتاوى (.)6/265
10
وفي رواية :ما يتعاظم أن يتكلم به .قال" :الحمد ل الذي رد كيده إلى الوسوسة" أي
حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهية العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح
اليمان ،كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه؛ فهذا أعظم الجهاد ،و(الصريح )
الخالص ،كاللبن الصريح .وإنما صار صريحا لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية
ودفعوها فخلص اليمان فصار صريحا.
ولبد لعامة الخلق من هذه الوساوس؛ فمن الناس من يجيبها فيصير كافرا أو منافقا ،ومنهم
من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب فل يحس بها إل إذا طلب الدين ،فإما أن يصير مؤمنا
وإما أن يصير منافقا؛ ولهذا يعرض للناس من الوساوس في الصلة ما ل يعرض لهم إذا
لم يصلوا ،لن الشيطان يكثر تعرضه للعبد إذا أراد النابة إلى ربه والتقرب إليه
والتصال به؟ فلهذا يعرض للمصلين ما ل يعرض لغيرهم ،ويعرض لخاصة أهل العلم
والدين أكثر مما يعرض للعامة ،ولهذا يوجد عند طلب العلم والعبادة من الوساوس
والشبهات ما ليس عند غيرهم ،لنه لم يسلك شرع ال ومنهاجه؟ بل هو مقبل على هواه
في غفلة عن ذكر ربه .وهذا مطلوب الشيطان بخلف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة
فإنه عدوهم يطلب صدهم عن ال .قال تعالى{ :إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا}
(فاطر )6 :ولهذا أمر قارئ القرآن أن يستعيذ بال من الشيطان الرجيم ،فإن قراءة القرآن
على الوجه المأمور به تورث القلب اليمان العظيم ،وتزيده يقينا وطمأنينة وشفا ،قال
تعالى{ :وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ول يزيد الظالمين إل خسارا}
(آل عمران ،)138 :وقال تعالى{ :هدى للمتقين} (البقرة )2 :وقال تعالى{ :فأما الذين آم
12
نوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون} (التوبة.)124 :
لقد قيدت عقائد الشيعة أهلها بأغلل ل يستطيع معها الشيعي أن ينفك منها بحال إل من
أراد ال به خيرا ،فالتقية ،والبدا ،والغيبة -وغيرها من العقائد التي ابتدعها غلة الشيعة
( - 12الفتاوى (.)283-7/282
11
-آصار وأغلل تشد الشيعي إلى مذهبه وتختم على سمعه وبصره وتجعل على قلبه
غشاوة .والشيعة المامية تعتقد أن هناك اثنا عشر إماما من نسل علي رضي ال عنه ،وهم
يعتقدون أن المامة منصب إلهي كالنبوة ،ولهم معجزات وخوارق ،بل إن الغلة منهم
ألبسوهم صفة اللوهية! والشيعة المامية تدعي أن هناك اثنا عشر إماما -كما سبق -
فظهر منهم أحد عشر ،والمام الثاني عشر قالوا عنه :أنه غائب وسوف يظهر من سرداب
في (سامراء) في العراق! -وأنى لهم ذلك -حتى قيل فيهم:
ولما أراد ال أن يهتك سترهم جعل إمامهم الحادي عشر وهو الحسن العسكري عقيما ل
ينجب!.
يقول الشيخ ناصر القفاري حفظه ال :لقد توفي الحسن العسكري -إمامهم الحادي عشر-
سنة 260هـ بل عقب كما قاله كبار المؤرخين 13 ،واعترفت كتب الشيعة بأنه (لم ير له
خلف ولم يعرف له ولد ظاهر ،فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمه) ،واضطرب
الشيعة بعد وفاة الحسن بل ولد ،وتفرقوا -فيمن يخلفه -فرقا شتى بلغت كما يقول
المسعودي عشرين فرقة ،أو خمس عشرة فرقة كما يقول القمي ،حتى أن بعضهم قال إن
المامة قد انقطعت ،وكاد أن يكون موت الحسن بل عقب نهاية الشيعة والتشيع حيث سقط
عموده وهو (المام) ،ولكن فكرة (غيبة المام) كانت هي القاعدة التي قام عليها كيان
الشيعة بعد التصدع ،وأمسكت بنيانه عن النهيار .لهذا أصبح اليمان بغيبة ابن للحسن
العسكري هو المحور الذي تدور عليه عقائدهم ودان بذلك أكثر الشيعة بعد تخبط
14
واضطراب لم يكن لهم من ملجأ إل ذلك.
- 13ذكر الطبري في حوادث سنة 302هـ أن رجل ادعى -في زمن الخليفة المقتدر -أنه محمد بن الحسن العسكري بن علي بن موسى بن جعفر ،فأمر الخليفة
بإحضار مشايخ آل أبي طالب وعلي رأسهم نقيب الطالبين أحمد بن عبد الصمد المعروف بابن طومار فقال له ابن طومار :لم يعقب الحسن .وقد ضج بنو هاشم
من دعوى هذا المدعي وقالوا :يجب أن يشهر هذا بين الناس ويعاقب أشد العقوبة .فحمل على جمل وشهر به في الجانبين يوم التروبة ويوم عرفة ،ثم حبس في
حبس المصريين بالجانب الغربي.
- 14مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة .القسم الول ص 350وبيتا الشعر ص 357وكلم الطبري في الحاشية من نفس الصفحة.
12
كلم بليغ
ل زالت مسامعنا وأعيننا تتألم مما تراه وتسمع من كلمات تطعن في خير القرون .وهذا
الطعن إما صريحا ل مواربة فيه ،أو مستترا بعبارات مجملة تروج على العوام ،وتدمي
قلب أهل العلم واليمان .فالطاعن في الصحابة الكرام متهم في دينه ،ساقط المروءة ،وهو
إلى الزندقة أقرب .ولو كان لي من المر شيء لجعلت الحسام ينال منه .وكفى بهذا
الطاعن أنه يرد ما دلت عليه النصوص القرآنية والنبوية ،من الثناء عليهم وبيان فضلهم
على من بعدهم ،فماذا بعد تعديل ال لهم؟ وماذا بعد ثناء رسول ال صلى ال عليه وسلم
عليهم؟!.
قال الشافعي( :هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل ،وكل سبب ينال به علم أو يدرك
17
به هدى ،ورأيهم لنا خير من رأينا لنفسنا
وقال أبو زرعة الرازي( :إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،فاعلم أنه زنديق ،وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حق ،والقرآن حق،
وما جاء به حق ،وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة ،وهؤلء يريدون أن يجرحوا شهودنا،
18
ليبطلوا الكتاب والسنة ،والجرح بهم أولى ،وهم زنادقة)
قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال( :فإن القدح في خير القرون الذين صحبوا الرسول
صلى ال عليه وسلم قدح في الرسول عليه السلم ،كما قال مالك وغيره من أئمة العلم:
- 16الفتاوى .271-7/270
- 17الفتاوى .4/158
- 18كتاب الردود لبكر أبو زيد ص .400
14
هؤلء طعنوا في أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،إنما طعنوا في أصحابه ليقول
القائل :رجل سوء كان له أصحاب سوء ،ولو كان رجل صالحا لكان أصحابه صالحين.
وأيضا فهؤلء الذين نقلوا القرآن ،والسلم ،وشرائع النبي صلى ال عليه وسلم ،وهم
الذين نقلوا فضائل علي وغيره ،فالقدح فيهم يوجب أن ل يوثق بما نقلوه من الدين.)...
ثم قال( :والقرآن قد أثنى على الصحابة في غير موضع كقوله تعالى{ :والسابقون الولون
من المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي ال عنهم ورضوا عنه" [التوبة:
]100وقوله تعالى{ :ل يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من
الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكل وعد ال الحسنى} [الحديد.]10 :
وقال تعالى{ :محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا
سجدا يبتغون فضل من ال ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في
التوراة ومثلهم في النجيل كزرع أخرج شطأة فآزرة فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب
الزراع ليغيظ بهم الكفار} [الفتح ]29 :وقال تعالى{ :لقد رضي ال عن المؤمنين إذ
يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} [الفتح:
.]18
وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :ل يدخل النار أحد بايع
تحت الشجرة) ،وفي الصحيحين عن أبي سعيد أن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :ل
تسبوا أصحابي ،فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ول
نصيفه" ،وقد ثبت عنه في الصحيح من غير وجه أنه قال" :خير القرون القرن الذي بعثت
فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" .وهذه الحاديث مستفيضة بل متواترة في فضائل
الصحابة ،والثناء عليهم ،وتفضيل قرنهم على من بعدهم من القرون ،فالقدح فيهم قدح في
19
القرآن والسنة).
- 19الفتاوى .430-4/429
15
مناظرة ابن عباس للحرورية
المناظرة سلح ماض في دفع الشبهة ،وقمع البدعة ،وهي ل تكون إل لفئة من الرجال
أوتوا علما وفهما لكتاب ال وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم ،ومعرفة لما عند الخصوم من
الشبه وكيف الرد عليها ،ولديهم من القوة على إقامة الحجج التي تلزم الخصم ول يستطيع
لها دفعا .ول ينبغي لمن كانت بضاعته في العلم قليلة أن يناظر أهل البدع ونحوهم،
وخصوصا إذا كان ذلك المبتدع أقوى منه حججا وأكثر علما ،لكي ل يؤتى السلم من
قِبَله.
وابن عباس رضي ال عنهما ،له مناظرة مشهورة عند أهل العلم والنقل مع الحرورية
الذين أرادوا الخروج على علي رضي ال عنه ،ولقد ساقها ابن عبد البر في جامعه فكان
مما جاء فيها:
( قالوا :ما جاء بك [يا ابن عباس]؟ فقال :جئتكم من عند أصحاب رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،وليس فيكم منهم أحد ،ومن عند ابن عم رسول ال صلى ال عليه وسلم،
وعليهم نزل القرآن ،وهم أعلم بتأويله ،جئت لبلغكم عنهم وأبلغهم عنكم؟ فقال بعضهم :ل
تخاصموا قريشا فإن ال يقول{ :بل هم قوم خصمون} [الزخرف ]58 :فقال بعضهم :بلى
فلنكلمنه .قال :فكلمني منهم رجلن أو ثلثة .قال :قلت :ماذا نقمتم عليه؟ .قالوا :ثلثا.
فقلت :ما هن؟ قالوا :حكم الرجال في أمر ال .وقال ال{ :إن الحكم إل ل} [النعام.]57 :
قال :قلت :هذه واحدة ،وماذا أيضا؟ قال :فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم فلئن كانوا مؤمنين ما
حل قتالهم ولئن كانوا كافرين لقد حل قتالهم وسباؤهم .قال :قلت :وماذا أيضا؟ قالوا :ومحا
نفسه من أمير المؤمنين ،فإن لم يكن أمير المؤمنين ،فهو أمير الكافرين.
قال :قلت :أرأيتكم إن أتيتكم من كتاب ال وسنة رسوله ما ينقض قولكم هذا أترجعون؟
قالوا :وما لنا ل نرجع؟ قال :قلت :أما قولكم :حكم الرجال في أمر ال فإن ال تعالى قال
في كتابه{ :يا أيها الذين آمنوا ل تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل
ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم} [المائدة ]95 :وقال في المرأة وزوجها{ :وإن
16
خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها} [النساء ]35 :فصير ال ذلك
إلى حكم الرجال ،فنشتدكم ال ،أتعلمون حكم الرجال في دماء المسلمين ،وإصلح ذات
بينهم أفضل ،أو في دم أرنب ثمن ربع درهم ،وفي بضع امرأة؟ قالوا :بلى هذا أفضل.
قال :أخرجت من هذه؟ قالوا :نعم.
قال :فأما قولكم :قاتل ولم يسب ولم يغنم .أفتسبوا أمكم عائشة؟ فإن قلتم نسبيها فنستحل
منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم ،وإن قلتم ليست بأمنا فقد كفرتم ،فأنتم تترددون بين
ضللتين .أخرجت من هذه؟ قالوا :نعم.
قال :وأما قولكم :محا نفسه من إمرة المؤمنين ،فأنا آتيكم بمن ترضون ،إن نبي ال يوم
الحديبية حين صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو قال رسول ال :اكتب يا علي :هذا ما
صالح عليه محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال أبو سفيان وسهيل بن عمرو :ما
نعلم أنك رسول ال ،ولو نعلم أنك رسول ال ما قاتلناك .قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم" :اللهم إنك تعلم أني رسولك ،امح يا علي واكتب :هذا ما صالح عليه محمد بن عبد
ال وأبو سفيان وسهيل بن عمرو".
20
قال :فرجع منهم ألفان وبقي بقيتهم فخرجوا فقتلوا أجمعين).
تدافع الفتوى
التصدر للفتيا في سن مبكرة وقبل التأهل لذلك مزلق خطر ،وشرر مستطر ،يوقع صاحبه
في مهاوي الردى -نسأل ال السلمة والعافية.
وكثير من مجالس الشببة فيها من أمثال هذا النوع ،بل إن منهم من يفتي بالنوازل! وقد
يفتي بأمر لو نزل على عمر بن الخطاب رضي ال عنه ،لجمع له أهل بدر!! ولكن هو
حب الرياسة ،وحب الظهور ،وحب الشهرة ،ولن يغني ذلك عنه من ال شيئا .وتدافع
الفتوى مسلك غلب على أئمة الدين ،فكل واحد منهم يود لو أن أخاه كفاه ،وفي عصورنا
المتأخرة ظهر عكس تدافع الفتوى ،وهو التهافت على الفتوى .وإليك بعض أخبار سلفنا
الصالح في ذلك:
- 21جامع العلوم والحكم .186-2/185
18
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال :أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول ال صلى
ال عليه وسلم -أراه قال :في المسجد -فما كان منهم محدث إل ود أن أخاه كفاه الحديث،
ول مفت إل ود أن أخاه كفاه الفتيا.
وعن معاوية بن أبي عياش ،أنه كان جالسا عند عبد ال بن الزبير ،وعاصم ابن عمر.
قال :فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال :إن رجل من أهل البادية طلق امرأته ثلثا
قبل أن يدخل بها .فماذا تريان؟ فقال عبد ال بن الزبير :إن هذا المر ما لنا فيه قول،
فاذهب إلى عبد ال بن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة زوج النبي صلى ال
عليه وسلم فسلهم ،ثم ائتنا فأخبرنا .فذهب فسألهما ،فقال ابن عباس لبي هريرة :أفته يا أبا
هريرة ،فقد جاءتك معضلة .فقال أبو هريرة :الواحد تبينها والثلث تحرمها حتى تنكح
زوجا غيره.
وقال سحنون :إني لحفظ مسائل منها ما فيه ثمانية أقوال من ثمانية أئمة من العلماء فكيف
ينبغي أن أعجل بالجواب حتى أتخير ،فلم ألم على حبسي الجواب؟
وعن سفيان بن عيينة قال :أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما .وقال ابن وهب :وأخبرنا
موسى بن علي أنه سأل ابن شهاب عن شيء ،فقال ابن شهاب :ما سمعت فيه بشيء وما
نزل بنا.
وعن محمد بن سيرين قال :قال حذيفة :إنما يفتي الناس أحد ثلثة :رجل يعلم ناسخ القرآن
ومنسوخه ،وأمير ل يجد بدا ،وأحمق متكلف .قال ابن سيرين :فأنا لست بأحد هذين،
22
وأرجو أن ل أكون أحمق متكلفا.
الكتاب والسنة هما حبل ال المتين ،من تمسك واعتصم بهما نجا ،ومن قدم عليهما شيئا
ضل وطغى .وأهل العقول المريضة (أهل الستنارة) يقدمون عقولهم وفهمهم على دللت
20
وأكثر سعي العالمين ضــــلل نهاية إقـدام العقـول عقـــال
وحاصل دنيـــانا أذى ووبــال وأرواحنا في وحشة من جسومنــا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقــــال ولم نستفد من بحثنا طول عمــرنا
وهذا إمام الحرمين ترك ما كان ينتحله ويقرره ،واختار مذهب السلف ،وكان يقول( :يا
أصحابنا ل تشتغلوا بالكلم ،فلو أني عرفت أن الكلم يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به) ،وقال
عند موته( :لقد خضت البحر الخضم ،وخليت أهل السلم وعلومهم ،ودخلت فيما نهوني
عنه ،والن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لبن الجويني ،وها أنا ذا أموت على
عقيدة أمي -أو قال :-عقيدة عجائز نيسابور).
وكذلك قال أبو عبد ال محمد بن عبد الكريم الشهرستاني( :أخبر أنه لم يجد عند الفلسفة
والمتكلمين إل الحيرة والندم) وكان ينشد:
وسيرت طرفي بين تلك المعالم لعمري لقد طفت المعاهد كلها
على ذقن أو قارعا سن نادم فلم أر إل واضعا كف حائـر
[ثم قال شيخ السلم] :ولقد كان من أصول اليمان :أن يثبت ال العبد بالقول الثابت في
الحياة الدنيا وفي الخرة ،كما قال تعالى{ :ألم تر كيف ضرب ال مثل كلمة طيبة كشجرة
طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب ال المثال
للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الرض ما لها من
قرار يثبت ال الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الخرة ويضل ال الظالمين
23
ويفعل ال ما يشاء} [إبراهيم.]27- 24 :
خروج المرأة
ينادي أنصار المرأة -زعموا -بضرورة نزول المرأة إلى ميدان العمل ومشاركة الرجل
في تحمل أعباء المسئولية ،ويقولون :إن نصف المجتمع معطل!! وهذا من أعظم ما
طالعنا به أنصار المرأة-بل قل :أنصار (الشهوة) -وأعجب منه أنهم اكتشفوا سبب تأخرنا
شعرا
- 24أضواء البيان (ج )423-3/422تفسير قوله تعالى{ :إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} (السراء).
23
فعند اللقاء ذا الكــدّ يصبح زائـل س بالصبر ساعة
وقل ساعِدي يا نف ُ
25
ويصبح ذو الحزان فرحـان جــاذل فما هي إل سـاع ٌة ثم تنقضــي
وصية
المام أبو حنيفة رحمه ال ،إمام من أئمة الدين ،له فضله وعلمه الذي ل ينكره إل مكابر،
ولكن اشتهر عنه أنه كان يرد أخبارا صحيحة بحجة أنها أخبار آحاد ،ومن أجل هذا
- 25زاد المعاد لبن القيم 3/75
- 26مناظرة للمام جعفر الصادق تحقيق علي الشهيل ص .23-21
24
وغيره أكثر أهل الحديث وغيرهم من نقل سقطات أبي حنيفة وعد مثالبه.
يقول ابن عبد البر بعد كلمه على حديث (البيعان بالخيار):
(وقد روي عن أبي حنيفة أنه كان يرد هذا الخبر باعتباره إياه على أصوله كسائر فعله في
أخبار الحاد ،كان يعرضها على الصول المجتمع عليها عنده ،ويجتهد في قبولها أو
ردها ،فهذا أصله في أخبار الحاد ،وروي عنه أنه كان يقول في رد هذا الحديث :أرأيت
إن كانا في سفينة ،أرأيت إن كانا في سجن أو قيد ،كيف يفترقان؟ إذن فل يصح بيع هؤلء
أبدا.
وهذا مما عيب به أبو حنيفة -وهو أكبر عيوبه ،وأشد ذنوبه -عند أهل الحديث الناقلين
لمثالبه ،باعتراضه على الثار الصحاح ،ورده لها برأيه؟ وأما الرجاء المنسوب إليه ،فقد
كان غيره فيه أدخل ،وبه أقول؛ (و) لم يشتغل أهل الحديث من نقل مثالبه ،ورواية
سقطاته ،مثل ما اشتغلوا به من مثالب أبي حنيفة؟ والعلة في ذلك ما ذكرت لك ل غير،
وذلك ما وجدوا له من ترك السنن ،وردها برأيه؛ أعني السنن المنقولة بأخبار العدول
27
الحاد الثقات ،وال المستعان).
المشركون قديما وحديثا يعترفون ل عز وجل بربوبيته وخلقه وملكه ،ومع ذلك فهم
يشركون في عبادتهم مع ال ،ويدعون ويرجون غيره ،ويتقربون إلى أوليائهم وأوثانهم
بالذبح وتقديم القرابين والنذور .وهذا منهم جحد لحق ال عليهم ،وتنكب عن الصراط
المستقيم .والقرآن الكريم كان يقرر هذه المسألة كثيرا -أعني أن ا لقرار بربوبية ال عز
وجل يستلزم -ولبد -توحيده بالعبادة.
وللشيخ محمد المين الشنقيطي رحمه ال ،كلم نفيس في ذلك .قال" :ويكثر في القرآن
الستدلل على الكفار باعترافهم بربوبيته جل وعل ،على وجوب توحيده في عبادته؛
ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير .فإذا أقروا بربوبيته احتج بها عليهم
- 27التمهيد .14-14/13
25
على أنه هو المستحق لن يعبد وحده .ووبخهم منكرا عليهم شركهم به غيره ،مع اعترافهم
بأنه هو الرب وحده؛ لن من اعترف بأنه هو الرب وحده لزمه العتراف بأنه هو
المستحق لن يعبد وحده.
ض أَمّنْ يَ ْمِلكُ السّمْعَ
ومن أمثلة ذلك قوله تعالىُ { :قلْ َمنْ يَرْ ُزقُكُمْ مِنَ السّمَاءِ وَالَرْ ِ
وَالَ ْبصَارَ)(يونس)31 :؛ فلما أقروا بربوبيته وبخهم منكرا عليهم شركهم به غيره بقوله:
{فقل أفل تتقون} (يونس.)133 :
ن فِيهَا إِنْ ُكنْتُمْ تَ ْعلَمُونَ سَ َيقُولُونَ لِِّ} (المؤمنون:
ل لِمَنِ الَرْضُ وَ َم ْ
ومنها قوله تعالىُ { :ق ْ
سحَرُونَ}
ل َفأَنّى تُ ْ
،)85 - 84فلما أقروا وبخهم منكرا عليهم شركهم بقوله { :قُ ْ
(المؤمنون.")89 :
[ثم قال بعد أن ساق جملة من اليات]:
"واليات بنحو هذا كثيرة جدا .ولجل ذلك ذكرنا في غير هذا الموضع :أن كل السئلة
المتعلقة بتوحيد الربوبية استفهامات تقرير ،يراد منها أنهم إذا أقروا رتب لهم التوبيخ
والنكار على ذلك القرار؛ لن المقر بالربوبية يلزمه القرار باللوهية ضرورة؛ نحو
لّ أَبْغِي رَبّا} (النعام:
ل أَغَيْ َر ا ِ
قوله تعالى{ :أفي ال شك} (إبراهيم ،)10 :وقولهُ { :ق ْ
)164وإن زعم بعض العلماء أن هذا استفهام إنكار؛ لن استقراء القرآن دل على أن
الستفهام المتعلق بالربوبية استفهام تقرير وليس استفهام إنكار ،لنهم ل ينكرون الربوبية،
28
كما رأيت كثرة اليات الدالة عليه".
القدر سر الله
في مسألة القدر تفرق الناس إلى ثلث طوائف أو فرق؛ ثنتان ضلت عن الطريق المستقيم،
وواحدة هداها ال لصابة الحق.
فالمجبرة ومنهم الجهمية غلت في ذلك وقالت إن العباد مجبورون على أعمالهم وأن ال
جبرهم على ذلك ،وأنهم ل قدرة لهم ول اختيار.
- 28أضواء البيان .414-3/411
26
والفرقة الثانية :هم القدرية المجوسية ومنهم المعتزلة الذين قالوا بأن النسان خالق
لفعاله ،وزعموا أن ال شاء اليمان من الكافر ،ولكن الكافر شاء الكفر .وهم سلكوا هذا
المسلك لكي ل يقولوا شاء ال الكفر من الكافر ،فوقعوا في شر مما فروا منه ،فعلى قولهم
هذا يلزم منه أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة ال!.
والقول الحق قول السلف أهل السنة والجماعة :أن كل شيء بقضاء ال وقدره ،خيره
وشره ،وحلوه ومره ،وأن العباد لهم قدرة ومشيئة ولكنها تابعة لمشيئة ال ،فما شاء ال
كان وما لم يشأ لم يكن.
يقرر هذا أبو محمد ابن قدامة المقدسي بقوله:
( من صفات ال تعالى أنه الفعال لما يريد ،ل يكون شيء إل بإرادته ،ول يخرج شيء عن
مشيئته ،وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره ،ول يصدر إل عن تدبيره ،ول محيد
لحد عن المقدور ،ول يتجاوز ما خط في اللوح المسطور ،أراد ما العالم فاعلوه ،ولو
عصمهم لما خالفوه ،ولو شاء أن يطيعوه جميعا لطاعوه ،خلق الخلئق وأفعالهم ،وقدر
أرزاقهم وآجالهم ،يهدي من يشاء برحمته ،ويضل من يشاء بحكمته ...ول نجعل قضاء ال
وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه ،بل يجب أن نؤمن أن ل الحجة علينا
بإنزال الكتب وبعثة الرسل ،قال ال تعالى{ :لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل}
(النساء ،)165 :ونعلم أن ال ما أمر ونهى إل المستطيع للفعل والترك ،وأنه لم يجبر أحدا
على معصيته ،ول اضطره إلى ترك طاعة ،قال ال تعالى{ :ل يكلف ال نفسا} (البقرة:
،)286وقال تعالى{ :فاتقوا ال ما استطعتم} (التغابن ،)16 :وقال تعالى{ :اليوم تجزئ
كل نفس بما كسبت ل ظلم اليوم} (غافر ،)17 :فدل على أن للعبد فعل وكسبا ،يجزئ
على حسنه بالثواب ،وعلى سيئه بالعقاب ،وهو واقع بقضاء ال وقدره) .أهـ.
وينبغي أن يعلم أنه ل ينبغي التعمق والخوض في أسرار القدر ،والسلف رحمهم ال كانوا
ينهون عن ذلك .يقول الطحاوي في عقيدته:
(وأصل القدر سر ال تعالى في خلقه ،لم يطلع على ذلك ملك مقرب ،ول نبي مرسل.
والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلن ،وسلم الحرمان ،ودرجة الطغيان ،فالحذر كل
27
الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة ،فإن ال تعالى طوى علم القدر عن أنامه ،ونهاهم
عن مرامه ،كما قال تعالى في كتابه{ :ل يسأل عما يفعل وهم يسألون} (النبياء.)23 :
فمن سأل :لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب ،ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين) .29
شعرا
معاملة الخلق
- 29قول ابن قدامة منقول من كتاب القضاء والقدر ،للشيخ عبد الرحمن المحمود ،ص ،257والطحاوي من شرح عقيدته لبن أبي العز 1/320
- 30حاشية شرح العقيدة الطحاوية .1/46
28
بقدر ال وخلقه وتدبيره ،فإذا أرضيتهم بسخط ال لم تكن موقنا ،ل بوعده ول برزقه ،فإنه
إنما يحمل النسان على ذلك إما ميل إلى ما في أيديهم من الدنيا فيترك القيام فيهم بأمر ال
لما يرجوه منهم ،وإما ضعف تصديق بما وعد ال أهل طاعته من النصر والتأييد والثواب
في الدنيا والخرة ،فإنك إذا أرضيت ال نصرك ورزقك وكفاك مؤنتهم ،فإرضاؤهم
بسخطه إنما يكون خوفا منهم ورجاء لهم ،وذلك من ضعف اليقين .وإذا لم يقدر لك ما
تظن أنهم يفعلونه معك ،فالمر إلى ال ل لهم ،فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ،فإذا
ذممتهم على ما لم يقدر ،كان ذلك من ضعف يقينك ،فل تخفهم ول ترجهم ول تذمهم من
جهة نفسك وهواك ،لكن من حمده ال ورسوله فهو المحمود ،ومن ذمه ال ورسوله فهو ا
31
لمذموم).
قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال( :وجرى مثل ذلك لبي مسلم الخولني الذي ألقي
في النار ،فإنه مشى هو ومن معه من العسكر على دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها ثم
التفت إلى أصحابه فقال :تفقدون من متاعكم شيئا حتى أدعو ال عز وجل فيه؟ فقال
بعضهم :فقدت مخلة ،فقال اتبعني ،فتبعه فوجدها قد تعلقت بشيء فأخذها ،وطلبه السود
العنسي لما ادعى النبوة فقال له :أتشهد أني رسول ال؟ .قال :ما أسمع ،قال :أتشهد أن
محمدا رسول ال؟ قال :نعم ،فأمر بنار فألقي فيها فوجدوه قائما يصلي فيها وقد صارت
عليه بردا وسلما ،وقدم المدينة بعد موت النبي صلى ال عليه وسلم ،فأجلسه عمر بينه
وبين أبي بكر الصديق رضي ال عنهما وقال :الحمد ل الذي لم يمتني حتى أرى من أمة
محمد صلى ال عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل ال .ووضعت له جارية
السم في طعامه فلم يضره .وخببت امرأة عليه زوجته فدعا عليها فعميت ،وجاءت وتابت
- 32جامع بيان العلم وفضله ( المختصر ص )343-338مع تصرف بسير.
31
فدعا لها فرد ال عليها بصرها.
وتغيب الحسن البصري عن الحجاج فدخلوا عليه ست مرات فدعا ال عز وجل فلم يروه،
ودعا على بعض الخوارج كان يؤذيه فخر ميتا.
وصلة بن أشيم مات فرسه وهو في الغزو ،فقال :اللهم ل تجعل لمخلوق علي منة ،ودعا
ال عز وجل فأحيا له فرسه .فلما وصل إلى بيته قال :يا بني ،خذ سرج الفرس فإنها
عارية ،فأخذ سرجه فمات الفرس ،وجاع مرة بالهواز فدعا ال عز وجل واستطعمه،
فوقعت خلفه دوخلة رطب في ثوب حرير فأكل التمر وبقي الثوب عند زوجته زمانا.
وجاء السد وهو يصلي في غيضة الليل فلما سلم قال له :اطلب الرزق من غير هذا
الموضع ،فولى السد وله زئير.
وكان سعيد بن المسيب في أيام الحرة يسمع الذان من قبر رسول ال صلى ال عليه وسلم
33
أوقات الصلوات ،وكان المسجد قد خل فلم يبق غيره.
الحوال الشيطانية
هي الخوارق التي تحدث على أيدي الدجاجلة والمشعوذين وأضرابهم ،وهي ليست
كرامات بل هي أحوال شيطانية تعتريهم وتعينهم على إحداث مثل هذه الخوارق .وبين
الكرامات والحوال الشيطانية فروق عديدة ،ولعل أشدها وضوحا قول يزيد البسطامي:
( لو رأيتم الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء فل تغتروا به حتى تنظروا كيف
وقوفه عند الوامر والنواهي) اهـ.
[ومن هؤلء] السود العنسي الذي ادعى النبوة ،كان له من الشياطين من يخبره ببعض
المور المغيبة ،فلما قاتله المسلمون كانوا يخافون من الشياطين أن يخبروه بما يقولون
فيه ،حتى أعانتهم عليه امرأته لما تبين لها كفره فقتلوه .وكذلك مسيلمة الكذاب كان معه
من الشياطين من يخبره بالمغيبات ويعينه على بعض المور.
- 33الفتاوى .281-11/279
32
وأمثال هؤلء كثير مثل الحارث الدمشقي الذي خرج بالشام زمن عبد الملك بن مروان
وادعى النبوة وكانت الشياطين يخرجون رجليه من القيد ،وتمنع السلح أن ينفذ فيه،
وتسبح الرخامة إذا مسحها بيده ،وكان يرى الناس رجال وركبانا على خيل في الهواء
ويقول :هي الملئكة ،وإنما كانوا جنا ،ولما أمسكه المسلمون ليقتلوه طعنه الطاعن بالرمح
فلم ينفذ فيه ،فقال له عبد الملك :إنك لم تسم ال ،فسمى ال فطعنه فقتله .ومن هؤلء من
يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما ل يكون في ذلك الموضع ،ومنهم
من يطير بهم الجني إلى مكة أو بيت المقدس أو غيرهما ،ومنهم من يحمله عشية عرفة ثم
يعيده من ليلته فل يحج حجا شرعيا ،بل يذهب بثيابه ،ول يحرم إذا حاذى الميقات ،ول
يلبي ول يقف بمزدلفة ول يطوف بالبيت ،ول يسعى بين الصفا والمروة ،ول يرمي
34
الجمار ،بل يقف بعرفات بثيابه ثم يرجع من ليلته ،وهذا ليس بحج.
العين حق
في موطأ المام مالك رحمه ال ،عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه
يقول :اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار ،فنزع جبة كانت عليه ،وعامر بن ربيعة
ينظر ،قال :وكان سهل رجل أبيض حسن الجلد .قال :فقال له عامر بن ربيعة :ما رأيت
كاليوم ول جلد عذراء ،قال :فوعك سهل مكانه ،واشتد وعكه ،فأتى رسول ال صلى ال
عليه وسلم فأخبر أن سهل وعك وأنه غير رائح معك يا رسول ال .فأتاه رسول ال صلى
ال عليه وسلم فأخبره سهل بالذي كان من أمر عامر ،فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم" :علم يقتل أحدكم أخاه؟ أل بركت عليه؟ إن العين حق ،توضأ له" .فتوضأ عامر
فراح سهل مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ليس به بأس.
قال أبو عمر :في هذا الحديث أن العين حق ،وفيه أن العين إنما تكون من العجاب وربما
الحسد .وفيه أن الرجل الصالح قد يكون عائنا ،وأن هذا ليس من باب الصلح ول من باب
روى الدارمي في سننه قال :أخبرنا الحكم بن مبارك أخبرنا عمرو بن يحيى قال :سمعت
أبي يحدث عن أبيه قال :كنا نجلس على باب عبد ال بن مسعود قبل صلة الغداة فإذا
خرج مشينا معه إلى المسجد ،فجاءنا أبو موسى الشعري فقال :أخرج إليكم أبو عبد
الرحمن بعد؟ قلنا :ل ،فجلس معنا حتى خرج فلما خرج قمنا إليه جميعا ،فقال أبو موسى:
يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ولم أر والحمد ل إل خيرا .قال:
للسماء تأثير في المسمى سلبا وإيجابا ،ولذا كان النبي صلى ال عليه وسلم يغير السماء
القبيحة والمنهي عن التسمي بها؛ فغير اسم برة إلى زينب وقال" :ل تزكوا أنفسكم وال
أعلم بالبر منكم" وغير اسم حزن إلى سهل ،وغير اسم عاصية إلى جميلة ...وغيرها
كثير .وتغيير النبي صلى ال عليه وسلم لهذه السماء بأفضل منها يدل على أن هناك
ارتباطا وتلزما بين السم والمسمى.
قال ابن قيم الجوزية ( :لما كانت السماء قوالب للمعاني ،دالة عليها ،اقتضت الحكمة أن
يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب ،وأن ل يكون المعنى معها بمنزلة الجنبي المحض
الذي ل تعلق له بها ،فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك ،والواقع يشهد بخلفه ،بل للسماء تأثير
- 36رواه الدارمي في سننه( .كتاب المقدمة).
35
في المسميات ،وللمسميات تأثّر عن أسمائها في الحسن والقبح ،والخفة والثقل ،واللطافة
والكثافة ،كما قيل:
وكان صلى ال عليه وسلم يستحب السم الحسن ،وأمر إذا أبردوا إليه بريدا أن يكون
حسن السم حسن الوجه ،وكان يأخذ المعاني من أسمائها في المنام واليقظة ،كما رأى أنه
وأصحابه في دار عقبة بن رافع ،فأُتوا برطب من رطب ابن طاب ،فأوله بأن لهم الرفعة
في الدنيا ،والعاقبة في الخرة ،وأن الدين الذي اختاره ال لهم قد أرطب وطاب ،وتأول
سهولة أمرهم يوم الحديبية من مجيء سهيل بن عمرو إليه.
وندب جماعة إلى حلب شاة ،فقام رجل يحلبها ،فقال" :ما اسمك؟ قال :مرة ،قال :اجلس،
فقام آخر فقال :ما اسمك؟ قال :أظنه حرب ،فقال :اجلس ،فقام آخر فقال :ما اسمك؟ فقال:
يعيش ،فقال :احلبها".
وكان يكره المكنة المنكرة السماء ،ويكره العبور فيها ،كما مرّ في بعض غزواته بين
جبلين ،فسأل عن اسميهما فقالوا :فاضخ ومخز ،فعدل عنهما ولم يجز بينهما.
ولما كان بين السماء والمسميات من الرتباط والتناسب والقرابة ،ما بين قوالب الشياء
وحقائقها ،وما بين الرواح والجسام ،عبر العقل من كل منهما إلى الخر ،كما كان إياس
بن معاوية وغيره يرى الشخص ،فيقول :ينبغي أن يكون اسمه كيت وكيت ،فل يكاد
يخطئ ،وضد هذا العبور من السم إلى مسماه ،كما سأل عمر بن الخطاب رضي ال
عنه ،رجل عن اسمه ،فقال :جمرة ،فقال :واسم أبيك؟ قال :شهاب ،قال :ممن؟ قال :من
الحرقة ،قال :فمنزلك؟ قال :بحرة النار ،قال :فأين مسكنك؟ قال :بذات لظى ،قال :اذهب
فقد احترق مسكنك ،فذهب فوجد المر كذلك .فعبر عمر من اللفاظ إلى أرواحها
ومعانيها ،كما عبر النبي صلى ال عليه وسلم من اسم سهيل إلى سهولة أمرهم يوم
الحديبية ،فكان المر كذلك ،وقد أمر النبي صلى ال عليه وسلم أمته بتحسين أسمائهم،
وأخبر أنهم يدعون يوم القيامة بها ،وفي هذا -وال أعلم -تنبيه على تحسين الفعال
36
المناسبة لتحسين السماء ،لتكون الدعوة على رؤوس الشهاد بالسم الحسن ،والوصف
37
المناسب له.
حكمة نافعة
قال الشافعي رحمه ال تعالى( :رضى الناس غاية ل تدرك ،فعليك بالمر الذي يصلحك
فالزمه ،ودع ما سواه ،فل تعانه ،فإرضاء الخلق ل مقدور ول مأمور ،وإرضاء الخالق
38
مقدور ومأمور) .
ل رأي ول قول لحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان من هدي السلف رضوان ال عليهم أنهم يقفون عند كتاب ال وسنة نبيه صلى ال عليه
ن لِمُؤْ ِمنٍ وَل مُؤْ ِمنَ ٍة إِذَا َقضَى الُّ وَ َرسُولُهُ
وسلم ول يقدمون عليها رأيا أو قول {وَمَا كَا َ
ضلّ ضَللً مُبِيناً)
ص الَّ وَرَسُوَل ُه َفقَ ْد َ
ن أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَ ْع ِ
ن لَهُ ُم الْخِيَرَةُ مِ ْ
أَمْرًا أَنْ يَكُو َ
(الحزاب.)36 :
وتواترت الخبار عن الصحب -رضوان ال عليهم -بذلك؛ فكم حكموا في نازلة برأيهم،
ثم استبانت لهم سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فرموا برأيهم ورأي أكابرهم وراءهم
ظهريا .ول در ابن عباس عندما قال لخوانه الذين قالوا إن أبا بكر وعمر ل يريان التمتع
بالعمرة إلى الحج ،ويريان أن إفراد الحج أفضل .فقال لهم :يوشك أن تنزل عليكم حجارة
من السماء ،أقول :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وتقولون :قال أبو بكر وعمر؟.
فشاهت وجوه قدمت رأيها أو قول شيوخها ،على قول رسول ال صلى ال عليه وسلم،
وما كان ذاك عند الشيوخ العلم كأحمد ومالك وأبي حنيفة والشافعي ،إنما حدث ذلك في
التباع ،وأولئك منه براء.
قال البخاري رحمه ال( :سمعت الحميدي يقول :كنا عند الشافعي رحمه ال ،فأتاه رجل،
- 37زاد المعاد .338 ،2/336
- 38شرح العقيدة الطحاوية .2/349
37
فسأله مسألة ،فقال :قضى فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم كذا وكذا ،فقال رجل
للشافعي :ما تقول أنت؟! فقال :سبحان ال! تراني في كنيسة! تراني في بيعة! ترى على
وسطي زنارا؟! أقول لك :قضى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأنت تقول :ما تقول
أنت؟!).
وقال ابن أبي العز( :حكى الطحاوي حكاية أبي حنيفة مع حماد بن زيد ،وأن حماد بن زيد
لما روى له حديث" :أي السلم أفضل؟" إلى آخره ،قال له :أل تراه يقول :أي السلم
أفضل؟ قال :اليمان ،ثم جعل الهجرة والجهاد من اليمان؟ فسكت أبو حنيفة ،فقال بعض
أصحابه :أل تجيبه يا أبا حنيفة؟ قال :بم أجيبه؟ وهو يحدثني بهذا عن رسول ال صلى ال
39
عليه وسلم) .
- 39الزنار :هو شيء يشد به الوسط ،وهو مما كان يتخذه النصارى في لبسهم .النقل من شرح الطحاوية ( ج / 2قصة الشافعي ص ،494وقصة أبي حنيفة ص
.)500
38