Professional Documents
Culture Documents
المقدمة
الحمد ل المتعالي عن الشبيه والنظير ،الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ،وكل شئ
إليه فقير ،وكل أمر عليه يسير ،
ل يحتاج إلى شئ وهو على كل شئ قدير .والصلة والسلم على سيدنا محمد الرسول المين
وخاتم النبيين وإمام المتقين وسيد السابقين واللحقين وعلى ءاله وأصحابه الطيبين .
أما بعد ،فل زال علماء السلم من السلف والخلف يردون ويؤلفون في تفنيد وتزييف شبه
المنحرفين وأهل الهواء ،ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر عاملين بقول ال تعالى {:
عنِ ا ْلمُنكَرِ َوُأوْلَـئِكَ ُهمُ
ف وَيَ ْن َهوْنَ َ
وَلْ َتكُن مّن ُكمْ ُأ ّمةٌ يَ ْدعُونَ إِلَى ا ْلخَيْرِ وَيَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُو ِ
ا ْل ُمفْ ِلحُونَ }
[سورة ءال عمران ] ،ومن المنكر قول المبتدعة المجسمة نفاة التوسل ( الوهابية ) في حق
ال بالجلوس والستقرار على العرش ،تعالى ال عما يقول الظالمون علوا كبيرا .وليس لهم
فيما قالوه حجة بل زعمهم هذا فرية بل مرية ول يؤيده نقل ول عقل ول يثبت ذلك عن أحد من
أئمة أهل السنة ،وإنما دأبهم الغش والتلبيس والتدليس .
ولما كان الوهابية عقيدتهم التشبيه والتجسيم وصفوا ال تعالى بالجلوس والستقرار فحملوا
اليات المتشابهة التي ظاهرها يوهم ذلك على ما اعتقدوه ،فقدموا رأيهم على اليات وجعلوها
تابعة لهم فقالوا استواء ال على العرش هو الجلوس والستقرار تعالى ال عن قولهم ،فشبهوا
ولم ينزهوا وخالفوا ما عليه الرسول صلى ال عليه وسلم وصحابته رضي ال عنهم ،فخرقوا
إجماع المة من تنزيه ال عن الجلوس والستقرار ،وصاروا يدورون بين العامة وينشرون
ش اسْ َتوَى } [سورة طه] يدل على ما زعموه ،
حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ
بين الناس أن قوله تعالى { :ال ّر ْ
وهذه دعوى باطلة ل تقوم على أساس التوحيد وإنما على الوهام والتشبيه ،فلم يكتفوا بما
ارتكبوه من الثم والكفر ،بل ضللوا وبدعوا من تأول من أهل السنة هذه الية بالستيلء أي
على معنى القهر ،مع أن هذا التفسير جائز لغة وشرعا كما سيأتي ان شاء ال ،وأما زعم
الوهابية فباطل لغة وشرعا وعقل .
ولما كان المر على ما ذكرنا كتبنا هذه الرسالة في بيان أن ال تعالى ل يوصف بالجلوس
والستقرار على العرش ول السكنى فوق العرش ،وأنه يجوز تفسير الستواء بالستيلء
والقهر مع ذكر الدلة على ذلك ،وقد سميناها
ش اسْ َتوَى })) .
حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ
ب (( تفسير أولي النهى لقوله تعالى { :ال ّر ْ
وال نسأل أن ينفع بها من قرأها ويجعلها عتقا لنا ولمن ساهم في نشرها من النار ،ءامين ،
وعلى ال العتماد إنه ولي السداد .
بيان
أن ال منزه عن الجهة والجلوس والستقرار
على العرش بالدلة من القرءان والحديث
والعقل وأقوال الئمة
يءٌ }[سورة الشورى]
س َكمِثْ ِلهِ شَ ْ
أما ما يدل على ذلك من القرءان الكريم قول ال تعالى { :لَيْ َ
أي أن ال تعالى ل يشبه شيئا من خلقه
بوجه من الوجوه ،ففي هذه الية نفي المشابهة والمماثلة ،فل يحتاج إلى عرش ول إلى مكان
يحل فيه ول إلى جهة يتحيز فيها .
وقول ال تعالى { :وَلِّل ِه ا ْلمَ َثلُ الَعْ َلىَ}[سورة النحل] أي ل الوصف الذي ل يشبه وصف
غيره ،فل يوصف ربنا عز وجل بصفات المخلوقين من التغير والتطور والحلول في الماكن
والسكنى فوق العرش ،تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا .
وأما الحديث فقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( كان ال ولم يكن شئ غيره )) رواه
البخاري ( )1وغيره ،فهذا الحديث دليل على أنه لم يكن في الزل مكان ،فهو سبحانه وتعالى
موجود قبل المكان وبعد خلق المكان بل مكان ول جهة .
وقال سيدنا علي رضي ال عنه (( :إن ال تعالى خلق العرش إظهارا لقدرته ولم يتخذه مكانا
لذاته )) ،وقال أيضا (( :قد كان ول مكان وهو الن على ما عليه كان )) ،أي موجود بل
مكان (. )1
هـ) ما نصه ( (( : )2ومذهب أهل الحق قاطبة أن (478 وقال إمام الحرمين الجويني الشافعي
ال سبحانه وتعالى يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات )) ا هـ.
هـ) في كتابه (( الفرق بين الفرق )) ما نصه (: )3 (429 وقال الستاذ عبد القاهر التميمي
((وأجمعوا على أنه ل يحويه مكان ول يجري عليه زمان )) ا هـ .
هـ ) عن المام فخر الدين بن عساكر 771 ونقل الشيخ تاج الدين السبكي الشافعي الشعري (
هـ ) أنه قال (( :إن ال تعالى موجود قبل الخلق ،ليس له قبل ول بعد ول فوق ول 620 (ت
تحت ،ول يمين ول شمال ،ول أمام ول خلف )) ا هـ،
ثم قال تاج الدين السبكي بعد أن ذكر هذه العقيدة ما نصه ( (( : )4هذا ءاخر العقيدة وليس فيها
ما ينكره سني )) ا هـ .
وأما الدليل العقلي على تنزيه ال عن المكان والجهة والجلوس ،
فنقول :
اعلم أن النظر العقلي السليم ل يخرج عما جاء به الشرع ول يتناقض معه ،والعقل عند علماء
التوحيد شاهد للشرع إذ أن الشرع ل يأتي إل بمجوزات العقول كما قال الحافظ الفقيه الخطيب
البغدادي (( :الشرع إنما يرد بموجزات العقول وأما بخلف العقول فل )) ا هـ.
وقال أهل الحق :إن ال ليس بمتمكن في مكان أي ل يجوز عليه المماسة للمكان والستقرار
عليه ،وليس معنى المكان ما يتصل جسم به على أن يكون الجسمان محسوسين فقط ،بل
الفراغ الذي إذا حل فيه الجرم شغل غيره عن ذلك الفراغ مكان له ،كالشمس مكانها الفراغ
الذي تسبح فيه ،وعند المشبهة والكرامية والمجسمة ال متمكن على العرش وتعلقوا بظاهر
قوله تعالى :
ش اسْ َتوَى } [سورة طه ] فقالوا :الستواء الستقرار ،وقال بعضهم :
حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ
{ ال ّر ْ
الجلوس وهؤلء المشبهة قسم منهم يعتقدون أن ال مستقر على العرش ،ويكتفون بهذا التعبير
من غير أن يفسروا هل هذا استقرار اتصال أم استقرار محاذاة من غير مماسة ،
وقسم منهم صرحوا بالجلوس ،والجلوس في لغة العرب معناه تماس جسمين أحدهما له نصف
أعلى ونصف أسفل ،فمن قال :إنه مستو على العرش استواء اتصال أي جلوس ،أو قال :
استواؤه مجرد مماسة من غير صفة الجلوس فهو مجسم ضال ،والذين قالوا إنه مستو على
العرش من دون مماسة أي إنما يحاذيه من فوق أي كما تحاذي أرضنا السماء فهؤلء أيضا
ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى} [سورة طه ]
حمَ ُ
مجسمة ضالون ،فل يجوز أن يكون قوله تعالى { :ال ّر ْ
على إحدى هذه الصفات الثلث ,والتفسير الصحيح تفسير من قال
ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى } قهر ،لن القهر صفة كمال ل تعالى ،وهو وصف نفسه به قال
حمَ ُ
{ال ّر ْ
يءٍ وَ ُه َو ا ْلوَاحِدُ ا ْل َقهّارُ}
تعالى ُ { :قلِ الّلهُ خَالِقُ ُكلّ شَ ْ
[سورة الرعد] ،فيصح تأويل الستواء بالستيلء وإن كانت المعتزلة وافقت أهل السنة في ذلك
.
وأقبح هذه العتقادات الفاسدة اعتقاد أن ال تعالى جالس على العرش أو واقف عليه لن فيه
جعل ال تعالى محمول للعرش والعرش محمول للملئكة ،فالملئكة على هذا العتقاد قد حملوا
ال تعالى ،فكيف يليق بالله الذي أوجد العالم بأسره أن يحمله شئ من خلقه ،فعلى قول
هؤلء يلزم أن يكون ال محمول حامل ومحفوظ حافظ ،وهذا ما ل يقوله عاقل .
قال المام أبو سعيد المتولي الشافعي الشعري ( 478هـ) في كتابه (( الغنية في أصول الدين))
ما نصه (( )1( :والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلفا للكرامية
والحشوية والمشبهة الذين قالوا إن ل جهة فوق .
وأطلق بعضهم القول بأنه جالس على العرش مستقر عليه تعالى ال عن قولهم .
والدليل على أنه مستغن عن المحل أنه لو افتقر إلى المحل لزم أن يكون المحل قديما لنه -أي
ال – قديم ،أو يكون – أي ال على زعمهم -حادثا كما أن المحل حادث ،وكلهما كفر .
والدليل عليه أنه لو كان على العرش على ما زعموا لكان ل يخلو إما أن يكون مثل العرش أو
أصغر منه أو أكبر ،وفي جميع ذلك إثبات التقدير والحد والنهاية وهو كفر .
والدليل عليه أنه لو كان في جهة وقدرنا شخصا أعطاه ال تعالى قوة عظيمة واشتغل بقطع
المسافة والصعود إلى فوق ل يخلو إما أن يصل إليه وقتا ما أو ل يصل إليه .
فإن قالوا :ل يصل إليه فهو قول بنفي الصانع لن كل موجودين بينهما مسافة معلومة وأحدهما
ل يزال يقطع تلك المسافة ول يصل إليه يدل على أنه ليس بموجود .
فإن قالوا :يجوز أن يصل إليه ويحاذيه فيجوز أن يماسه أيضا ،ويلزم من ذلك كفران :
أحدهما :قدم العالم ،لنا نستدل على حدوث العالم بالفتراق والجتماع.
هـ) على نفي 597 وقد نص المام المحدث الحافظ المفسر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي (
التحيز في المكان والتصال والنفصال والجتماع والفتراق عن ال تعالى ،ورد في كتابه
(( الباز الشهب )) ( )1على ابن الزاغوني المجسم الذي قال (( :فلما قال – تعالى –{ ُثمّ
اسْ َتوَى }[ سورة العراف ] علمنا اختصاصه بتلك الجهة )) ،وقال ابن الزاغوني أيضا :
((ول بد أن يكون لذاته نهاية وغاية يعلمها )) ،وقال ابن الجوزي في الرد عليه ما نصه :
(( قلت هذا رجل ل يدري ما يقول ،لنه إذا قدر غاية وفصل بين الخالق والمخلوق فقد حدده
وأقر بأنه جسم وهو يقول في كتابه أنه ليس بجوهر لن الجوهر ما يتحيز ،ثم يثبت له مكانا
يتحيز فيه .
قلت - :أي ابن الجوزي – وهذا كلم جهل من قائله وتشبيه محض فما عرف هذا الشيخ ما
يجب للخالق تعالى وما يستحيل عليه ،فإن وجوده تعالى ليس كوجود الجواهر والجسام التي ل
بد لها من حيز ،والتحت والفوق إنما يكون فيما يقابل ويحاذى ،ومن ضرورة المحاذي أن
يكون أكبر من المحاذى أو أصغر أو مثله ،وأن هذا ومثله إنما يكون في الجسام ،وكل ما
يحاذي الجسام يجوز أن يمسها ،وما جاز عليه مماسة الجسام ومباينتها فهو حادث إذ قد ثبت
أن الدليل على حدوث الجواهر قبولها المماسة والمباينة ،فإن أجازوا هذا عليه قالوا بجواز
حدوثه ،وإن منعوا هذا عليه لم يبق لنا طريق لثبات حدوث الجواهر ،ومتى قدرنا مستغنيا
عن المحل ومحتاجا إلى الحيز ثم قلنا :إما أن يكونا متجاورين أو متباينين كان ذلك محال ،فإن
التجاور والتباين من لوازم التحيز في المتحيزات .
وقد ثبت أن الجتماع والفتراق من لوازم التحيز ،والحق سبحانه وتعالى ل يوصف بالتحيز
لنه لو كان متحيزا لم يخل إما أن يكون ساكنا في حيزه أو متحركا عنه ،ول يجوز أن يوصف
بحركة ول سكون ول اجتماع ول افتراق ،ومن جاور أو باين فقد تناهى ذاتا والتناهي إذا
اختص بمقدار استدعى مخصصا ،وكذا ينبغي أن يقال ليس بداخل في العالم وليس بخارج
منه ،لن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات فهما كالحركة والسكون وسائر العراض التي
تختص بالجرام .
وأما قولهم خلق الماكن ل في ذاته فثبت انفصاله عنها قلنا :ذاته المقدس ل يقبل أن يخلق فيه
شئ ول أن يحل فيه شئ ،وقد حملهم الحس على التشبيه والتخليط حتى قال بعضهم إنما ذكر
الستواء على العرش لنه أقرب الموجودات إليه ،وهذا جهل أيضا لن قرب المسافة ل يتصور
إل جسم ،ويعز علينا كيف ينسب هذا القائل إلى مذهبنا .
صعَدُ ا ْلكَ ِلمُ الطّيّبُ وَا ْل َع َملُ الصّا ِلحُ َيرْ َف ُعهُ }[
واحتج بعضهم بأنه على العرش بقوله تعالى {:إِلَ ْيهِ يَ ْ
سورة فاطر] وبقوله { :وَ ُهوَ ا ْلقَا ِهرُ َفوْقَ عِبَادِهِ } [سورة النعام ] وجعلوا ذلك فوقية حسية
ونسوا أن الفوقية الحسية إنما تكون لجسم أو جوهر ،وأن الفوقية قد تطلق لعلو المرتبة فيقال
:فلن فوق فلن .ثم إنه كما قال تعالى َ { :فوْقَ عِبَادِهِ وَ ُه َو ّم َع ُكمْ } ،فمن حملها على العلم
حمل خصمه الستواء على القهر ،وذهبت طائفة إلى أن ال تعالى على عرشه وقد مله والشبه
– أي على زعم هذه الطائفة المجسمة – أنه مماس للعرش والكرسي موضع قدميه .قلت :
المماسة إنما تقع بين جسمين وما أبقى هذا في التجسيم بقية )) انتهى كلم الحافظ ابن الجوزي
ولقد أجاد وشفى وكفى .
هـ) ما نصه( (( : )1فلو كان علو ال تعالى بسبب (606 وقال المفسر فخر الدين الرازي
المكان لكان علو المكان الذي بسببه حصل هذا العلو ل تعالى صفه ذاتية ،ولكان حصول هذا
العلو ل تعالى حصول بتبعية حصوله في المكان ،فكان علو المكان أتم وأكمل من علو ذات ال
تعالى ،فيكون علو ال ناقصا وعلو غيره كامل وذلك محال )) ا هـ.
أحدها :أنه سبحانه وتعالى كان ول عرش ول مكان ،ولما خلق الخلق لم يحتج إلى مكان بل
كان غنيا عنه ،فهو بالصفة التي لم يزل عليها إل أن زاعم أنه لم يزل مع ال عرش.
وثانيها :أن الجالس على العرش ل بد وأن يكون الجزء الحاصل منه في يمين العرش غير
الحاصل في يسار العرش ،فيكون في نفسه مؤلفا مركبا وكل ما كان كذلك احتاج إلى المؤلف
والمركب ،وذلك محال.
وثالثها :أن الجالس على العرش إما أن يكون متمكنا من النتقال والحركة أو ل يمكنه ذلك ،
فإن كان الول فقد صار محل الحركة والسكون فيكون محدثا ل محالة ،وإن كان الثاني كان
كالمربوط.
ورابعها :هو أن معبودهم إما أن يحصل في كل مكان أو في مكان دون مكان ،فإن حصل في
كل مكان لزمهم أن يحصل في مكان النجاسات والقاذورات وذلك ل يقوله عاقل ،وإن حصل في
مكان دون مكان افتقر إلى مخصص يخصصه بذلك المكان فيكون محتاجا وهو على ال محال ))
ا هـ.
وقال الحافظ المحدث اللغوي الفقيه السيد محمد مرتضى الزبيدي الحنفي ( 1205هـ) عند شرح
كلم الغزالي (: )2
(( الستواء لو ترك على الستقرار والتمكن لزم منه كون المتمكن جسما مماسا للعرش :إما
مثله أو أكبر منه أو أصغر ،وذلك محال ،وما يؤدي إلى المحال فهو محال )) ما نصه ((( : )3
وتحقيقه أنه تعالى لو استقر على مكان أو حاذى مكانا لم يخل من أن يكون مثل المكان أو أكبر
منه أو أصغر منه ،فإن كان مثل المكان فهو إذا متشكل بأشكال المكان حتى إذا كان المكان
مربعا كان هو مربعا أو كان مثلثا كان وهو مثلثا وذلك محال ،وإن كان أكبر من المكان فبعضه
على المكان ،ويشعر ذلك بأنه متجزئ وله كل ينطوي على بعض وكان بحيث ينتسب إليه
المكان بأنه ربعه أو خمسه ،وإن كان أصغر من ذلك المكان بقدر لم يتميز عن ذلك المكان إل
بتحديد وتتطرق إليه المساحة والتقدير ،وكل ما يؤدي إلى جواز التقدير على البارئ تعالى
فتجوزه ( )1في حقه كفر من معتقده ،وكل من جاز عليه الكون بذاته على محل لم يتميز عن
ذلك المحل إل بكون ( ، )2وقبيح وصف البارئ بالكون ،ومتى جاز عليه موازاة مكان أو
مماسته جاز عليه مباينته ،ومن جاز عليه المباينة والمماسة لم يكن إل حادثا ،وهل علمنا
حدوث العالم إل بجواز المماسة والمباينة على أجزائه .وقصارى الجهلة قولهم :كيف يتصور
موجود ل في محل ؟ وهذه الكلمة تصدر عن بدع وغوائل ل يعرف غورها وقعرها إل كل
غواص على بحار الحقائق ،وهيهات طلب الكيفية حيث يستحيل محال.
والذي يدحض شبههم أن يقال لهم :قبل أن يخلق العالم أو المكان هل كان موجودا أم ل؟ فمن
ضرورة العقل أن يقول :بلى ،فيلزمه لو صح قوله :ل يعلم موجود إل في مكان أحد أمرين :
إما أن يقول :المكان والعرش والعالم قديم ،وإما أن يقول :الرب تعالى محدث ،وهذا مال
الجهلة الحشوية ليس القديم بالمحدث والمحدث بالقديم .ونعوذ بال من الحيرة في الدين)) ا
هـ.
وقال أيضا ما نصه ( (( : )3فإن قيل :نفيه عن الجهات الست إخبار عن عدمه إذ ل عدم أشد
تحقيقا من نفي المذكور عن الجهات الست .قلت :النفي عن الجهات الست ل يكون ذلك إخبارا
عن عدم ما لو كان لكان في جهة من النافي ل نفي ما يستحيل أن يكون في جهة منه ،أل ترى
أن من نفى نفسه عن الجهات الست ل يكون ذلك إخبارا عن عدمه لن نفسه ليست بجهة منه .
وأما قول المعتزلة :القائمان بالذات يكون [كل] واحد منهما بجهة صاحبه ل محالة فالجواب
عنه :هذا على الطلق أم بشريطة أن يكون كل واحد منهما محدودا متناهيا ؟ الول ممنوع ،
والثاني مسلم ولكن البارئ تعالى يستحيل أن يكون محدودا متناهيا.
تنبيه :هذا المعتقد ل يخالف فيه بالتحقيق سني ل محدث ول فقيه ول غيره ول يجئ قط في
الشرع على لسان نبي التصريح بلفظ الجهة ،فالجهة بحسب التفسير المتقدم منفية معنى ولفظا
يءٌ } ولو كان في جهة بذلك العتبار لكان له أمثال
س َكمِثْ ِلهِ شَ ْ
وكيف ل والحق يقول { :لَيْ َ
فضل عن مثل واحد )) انتهى كلم الزبيدي .
وممن صرح بنفي الجلوس والستقرار على العرش في حق ال من أئمة السلف المام المجتهد
أبو حنيفة رضي ال عنه .فقد قال في كتابه (( الوصية )) (( :نقر بأن ال على العرش
استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه ،وهو الحافظ للعرش وغير العرش ،
فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوق )) ( )1ا هـ .
هـ ) في كتابه ((عارضة الحوذي )) (ت543 وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي الندلسي
( )2في الرد على المبتدعة الذين يزعمون أن ال في جهة فوق العرش (( :قالوا – أي هؤلء
ش اسْ َتوَى}
حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ
المبتدعة – وحجتهم ظاهر قول ال تعالى { :ال ّر ْ
[سورة طه] قلنا :وما العرش في العربية ؟ وما الستواء ؟ قالوا :كما قال ال تعالى {:لِ َتسْ َتوُوا
ظهُورِهِ } [ سورة الزخرف] قلنا :إن ال ،تعالى أن يمثل استواؤه على عرشه باستوائنا
علَى ُ
َ
على ظهور الركائب ،قالوا :وكما قال {:وَاسْ َتوَتْ عَلَى ا ْلجُو ِديّ } [سورة هود ] قلنا :تعالى
ال أن يكون كالسفينة جرت حتى لمست فوقفت ،قالوا :وكما قال {:فَإِذَا اسْ َتوَيْتَ أَنتَ َومَن
ك عَلَى ا ْلفُلْكِ} [سورة المؤمنون ] قلنا :معاذ ال أن يكون استواؤه كاستواء نوح وقومه لن
ّمعَ َ
هذا كله استواء مخلوق بارتفاع وتمكن في مكان واتصال ملمسة ،وقد اتفقت المة من قبل
سماع الحديث ومن بعده على أنه ليس استواؤه على شئ من ذلك ،فل يضرب له المثل بشئ
من خلقه ،قالوا :قال ال عز وجل
سمَاء }[ سورة البقرة ]
ش } [ سورة السجدة ] ُ } { ،ثمّ اسْ َتوَى إِلَى ال ّ
{ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ
قلنا :تناقضت تارة تقول إنه على العرش فوق السماء ثم تقول إنه في السماء لقوله { :ءَأمِنتُم
سمَاء } [سورة الملك ] وقلت إن معناه على السماء )) . . .ا هـ ،إلى ءاخر كلمه
مّن فِي ال ّ
في الرد على من أثبت الجهة.
ثم قال (( :والذي يجب أن يعتقد في ذلك أن ال كان ول شئ معه ثم خلق المخلوقات من
العرش إلى الفرش فلم يتعين بها ول حدث له جهة منها ول كان له مكان فيها فإنه ل يحول ول
يزول ،قدوس ل يتغير ول يستحيل .وللستواء في كلم العرب خمسة عشر معنى ما بين حقيقة
ومجاز ،منها ما يجوز على ال فيكون معنى الية ومنها ما ل يجوز على ال بحال وهو ما إذا
كان الستواء بمعنى التمكن أو الستقرار أو التصال أو المحاذاة فإن شيئا من ذلك ل يجوز على
البارئ تعالى ول يضرب له المثال في المخلوقات ،وإما أن ل يفسر كما قال مالك وغيره أن
الستواء معلوم يعني مورده في اللغة)) ا هـ ،ثم قال (( :فتحصل لك من كلم إمام المسلمين أن
الستواء معلوم وأن ما يجوز على ال غير متعين وما يستحيل عليه هو منزه عنه )) ا هـ .
وقال الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين السبكي في (( السيف الصقيل )) ما نصه ( (( : )1ومن
أطلق القعود وقال إنه لم يرد صفات الجسام قال شيئا لم تشهد به اللغة فيكون باطل وهو
كالمقر بالتجسيم المنكر له فيؤخذ بإقراره ول يفيد إنكاره )) ا هـ .وقال الحافظ عبد الرحمن
هـ ) في كتابه (( الباز الشهب )) ما نصه ( (( : )1الخالق (ت597 بن الجوزي الحنبلي
سبحانه وتعالى ل يجوز أن يوصف بالجلوس على شئ فيفضل من ذلك الشئ لن هذه صفة
الجسام )) ا هـ.
وقال الذهبي (748هـ ) في كتابه (( الكبائر )) ما نصه ( (( : )2ولو قال إن ال جلس للنصاف
أو قام للنصاف كفر )) ا هـ.
وقال الكمال بن الهمام الحنفي في (( فتح القدير )) ما نصه ( (( : )3من قال ال جسم ل
كالجسام كفر )) ا هـ .
هـ) في (( المنهاج القويم )) ما نصه ( (( : )4واعلم أن (947 وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي
القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك واحمد وأبي حنيفة رضي ال عنهم القول بتكفير
القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك )) ا هـ .
وفي مختصر الفادات ( )5لبن بلبان الدمشقي الحنبلي من أهل القرن الحادي العشر تكفير من
قال إن ال في مكان أو قال إنه تعالى بكل مكان بذاته وتكفير من قال إن ال جسم أو جسم ل
كالجسام .ا هـ .
) (( :ومن 6 وقال الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي (1143هـ) في (( الفتح الرباني )) (
اعتقد أن ال جسم قاعد فوق العرش فهو كافر وإن زعم أنه مسلم )) ا هـ .
قال الشيخ محمد زاهد الكوثري (1371هـ) (( :إن القول بإثبات الجهة له تعالى كفر عند الئمة
الربعة هداة المة كما نقل عنهم العراقي على ما في (( شرح المشكاة )) لعلي القاري ))ا هـ .
وقال العلمة المحدث الفقيه الشيخ عبد ال الهرري في كتابه (( المقالت )) ما نصه (: )1
(( قولهم إن استواء ال على العرش جلوس لكن ل كجلوسنا ويستشهدون لذلك بقول بعض
الئمة (( ل وجه ل كوجوهنا ويد ل كأيدينا وعين ل كأعيننا )) .
والجواب عنه :أن الجلوس في لغة العرب ل يكون إل من صفات الجسام ،فالعرب ل تطلق
الجلوس إل على اتصال جسم بجسم على أن يكون أحد الجسمين له نصفان نصف أعلى ونصف
أسفل ،وليس للجلوس في لغة العرب معنى إل هذا ،وهم في هذا أثبتوا – أي الوهابية –
الجسمية ل وبعض صفاتها ول يجوز ذلك على ال لنه لو كان كذلك لكان له أمثال ل تحصى ،
فالجلوس يشترك فيه النسان والجن والملئكة والبقر والكلب والقرد والحشرات وإن اختلفت
صفات جلوسهم .
ويقال لهم :أما الوجه واليد والعين فليست كذلك فإن الوجه في لغة العرب يطلق على الجسم
وعلى غير الجسم ،والوجه بمعنى الجسم هو هذا الجزء الذي هو مركب في ابن ءادم وفي
سائر ذوات الرواح .وأما معنى الوجه الذي هو غير هذا الجزء في لغة العرب فمنه الملك كما
ج َههُ }[ سورة القصص] قال :
ك إِلّا َو ْ
يءٍ هَالِ ٌ
فسر البخاري في جامعه ( )2قوله تعالى { ُكلّ شَ ْ
(( إل ملكه )) ا هـ ،
ويطلق الوجه إذا أضيف إلى ال بمعنى ما يقرب إلى ال من العمال كالصلة والصيام وسائر
العمال الصالحة .ويطلق على الذات ،والذات بالنسبة إلى المخلوقين الجرام الكثيف أو اللطيف
كحجم النسان وحجم النور والريح هذا معنى الذات في المخلوق ،أما الذات إذا أضيف إلى ال
فمعناه حقيقته ل بمعنى الحجم الكثيف أو اللطيف ،وأما اليد فلها في لغة العرب معان منها ما
هو أجرام وأجسام ومنها ما هو غير الجرام ،فاليد تأتي بمعنى الجارحة التي هي مركبة في
النسان وفي البهائم ،وتأتي بمعنى غير الجرم كالقوة ،وتأتي بمعنى العهد .وأما العين فتطلق
في لغة العرب على الجرم كعين النسان والحيوانات ،وتطلق على الذهب ،وتطلق على
الجاسوس ،وتطلق على الماء النابع ،وتطلق بمعنى الحفظ .وبهذا بان الفرق بين الجلوس
وبين الوجه واليد والعين .
فلما كانت هذه اللفاظ الثلثة واردة في القرءان مضافة إلى ال كان لها معان غير الجسم
وصفات الجسم ،فأراد أبو حنيفة وغيره من الذين أطلقوا هذه العبارة (( ل وجه ل كوجوهنا
ويد ل كأيدينا وعين ل كأعيننا )) معاني هذه اللفاظ الثلثة التي هي غير الجسم ول هي صفة
جسم مما يليق بال كالقوة والملك والذات والحفظ كما قال المفسرون في تفسير قول ال تعالى :
علَى عَيْنِي } [سورة طه ] قالوا :على حفظي.
{وَلِتُصْ َنعَ َ
ولهم – أي الوهابية – تمويه ءاخر وهو قولهم (( :نثبت ل ما أثبت لنفسه وننفي عنه ما نفى
عن نفسه )) ،يقال لهم :أنتم على عكس الحقيقة تثبتون ل الجسمية والحركة والسكون
والتحيز في جهة أو مكان وهذا شئ نفاه ال عن نفسه بقوله تعالى :
ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى
حمَ ُ
س َكمِثْ ِلهِ شَيْ ٌء }[ سورة الشورى ] تدعون أن قوله تعالى { :ال ّر ْ
{ لَيْ َ
} [سورة طه] أنه جلوس على العرش والجلوس صفة للنسان والجن والملئكة والبقر وسائر
البهائم والكلب والقرود وهذا تنقيص ل تعالى ،أما الذي تنكرونه وهو تفسير الستواء بالقهر
فهو شئ أثبته ال لنفسه بقوله {وَ ُهوَ ا ْلوَاحِدُ ا ْل َقهّارُ } [سورة الرعد] .لذلك جرت عادة
المسلمين أن يسموا أولدهم عبد القاهر ولم يسم أحد من المسلمين عبد الجالس .ويقال لهم :
أثبت ال لنفسه الستواء الذي يليق به وهو القهر وفي معناه الستيلء .وقد قال شارح
القاموس ،وأبو القاسم الصبهاني اللغوي المشهور في (( مفردات القرءان )) إن الستواء إذا
عدي بعلى كان معناه الستيلء
( ، )1ول معنى لقول ابن العرابي إن الستيلء ل يكون إل عن سبق مغالبة ،فإنكم قد خرجتم
عن الستواء اللئق ل تعالى وعمدتم إلى الستواء الذي هو ل يليق به وهو الجلوس انتهى
كلم الشيخ الهرري .
ان شاء ال تعالى يتبع
وقال الحافظ البيهقي في كتابه (( العتقاد)) ما نصه ( (( :)2يجب أن يعلم أن استواء ال
سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ول استقرار في مكان ول مماسة لشئ من
خلقه )) ا هـ .
وقال الرازي في تفسيره ما نصه ( (( : )3أما قوله تعالى ُ { :ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ }[سورة
العراف] فاعلم أنه ل يمكن أن يكون المراد منه كونه مستقرا على العرش ،ويدل على فساده
وجوه عقلية ووجوه نقلية ،أما العقلية فأمور أولها :أنه لو كان مستقرا على العرش لكان من
الجانب الذي يلي العرش متناهيا وإل لزم كون العرش داخل في ذاته وهو محال ،وكل ما كان
متناهيا فإن العقل يقضي بأنه ل يمنع أن يصير أزيد منه أو أنقص منه بذرة ،والعلم بهذا
الجواز ضروري .فلو كان البارئ تعالى متناهيا من بعض الجوانب لكان ذاته قابل للزيادة
والنقصان ،وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بذلك المقدار المعين بتخصيص مخصص وتقدير
مقدر،وكل ما كان كذلك فهو محدث ،فثبت أنه تعالى لو كان على العرش لكان من الجانب الذي
يلي العرش متناهيا ،ولو كان كذلك لكان محدثا وهذا محال ،فكونه عل العرش يجب أن يكون
محال ))ا هـ.
وقد قال المفسر اللغوي أبو حيان الندلسي (745هـ) في تفسيره ما نصه ( (( :)4وأما استواؤه
تعالى على العرش فحمله على ظاهره من الستقرار بذاته على العرش قوم ،تعالى ال عما يقول
الظالمون والجاحدون علوا كبيرا )) اهـ.
وذكر الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (476هـ) صاحب(( التنبيه ))عقيدة أهل
الحق فقال في كتابه (( :الشارة ))( )1ما نصه (( :إن ال عز وجل مستو على العرش ،قال
ال عز وجل :
سمَاوَاتِ وَالَرْضَ فِي سِ ّت ِة أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ} [سورة
ق ال ّ
{ إِنّ رَ ّب ُكمُ الّل ُه الّذِي خَلَ َ
يونس ] ،وأن استواءه ليس باستقرار ول ملصقة لن الستقرار والملصقة صفة الجسام
المخلوقة والرب عز وجل قديم أزلي ل يجوز عليه التغيير ول التبديل ول النتقال ول التحريك
))اهـ.
وقال الشيخ عز الدين عبد العزيز عبد السلم (ت660هـ ) في عقيدته المشهورة التي رد بها
على مجسمة عصره ما نصه (:)2
(( استوى على العرش المجيد على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده ،استواءا منزها عن
المماسة والستقرار والتمكن والحلول والنتقال ،فتعالى ال الكبير المتعال عما يقول أهل الغي
والضلل ،بل ل يحمله العرش ،بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته)) اهـ.
وكان هؤلء المجسمة يكرهون الشيخ عز الدين لنه كان من الشاعرة _والوهابية كذلك
يكرهون الشاعرة ويضللونهم – والشاعرة عم أتباع المام أبي الحسن الشعري وهم
والماتريدية أتباع المام أبي منصور الماتريدي أهل السنة والجماعة جمهور أمة محمد صلى ال
عليه وسلم ،فصاروا أي المشبهة يحرضون السلطان الشرف ضد الشيخ فإنه كانت لهم صلة
به ،فقد صحبهم السلطان في صغره ،وعلم بذلك الشيخ العلمة جمال الدين أبو عمرو بن
الحاجب المالكي وكان عالم مذهبه في زمانه ،فقام بنصرة الحق وأهله وقال (: )3
((ما قاله ابن عبد السلم هو مذهب أهل الحق وأن جمهور السلف والخلف على ذلك ولم
يخالفهم فيه إل طائفة مخذولة )) اهـ.
ولم تخمد هذه الفتنة بل ظل المجسمة يعيثون في الرض فسادا حتى علم الشيخ العلمة جمال
الدين الحصيري شيخ الحنفية في زمانه بما جرى للشيخ عز الدين وكيف أن المجسمة
استنصروا على أهل السنة وعلت كلمتهم بحيث عن المجسمة صاروا إذا خلوا بأهل السنة أي
الشاعرة في المواضع الخالية يسبونهم ويضربونهم ويذمونهم – وكذا الوهابية اليوم يذمون
الشاعرة ويسبونهم ويكفرونهم – فاجتمع بالسلطان وتكلم معه في بيان عقيدة أهل السنة من
أن ال منزه عن الستقرار ول يشبهه شئ وأن كلم ال ليس بحرف ول صوت ،فانكسرت
المبتدعة بعض النكسار ،ولم يزل المر مستمرا على ذلك إلى أن اتفق وصول السلطان الملك
الكامل رحمه ال تعالى من الديار المصرية وكان اعتقاده صحيحا ،وكان وهو بالديار المصرية
قد سمع ما جرى في دمشق للشيخ ،فرام الجتماع بالشيخ ابن عبد السلم فاعتذر إليه ،
وعاتب السلطان الشرف على ما صدر منه ،وهكذا ذلت رقاب المبتدعة وانقلبوا خائنين وعادوا
خاسئين ،وكان ذلك على يد السلطان الملك الكامل ،واعتذر السلطان الشرف من الشيخ وقال
()1
(( لقد غلطنا في حق ابن عبد السلم غلطة عظيمة )) ا هـ.
فصار يطلب أن يقرأ عليه العقيدة التي أملها الشيخ ابن عبد السلم ويأمر بقراءتها في
المجالس العامة لتعم الفائدة .
فرحم ال تعالى من عمل على نشر عقيدة أهل الحق ودافع عنها فإنها رأس مال المؤمن التي
يدخرها لخرته.
بيان
أن الئمة الربعة على التنزيه
في مسئلة الستواء
ثبت عن المام مالك رضي ال عنه ما رواه الحافظ البيهقي في كتابه (( السماء والصفات ))(
، )1بإسناد جيد كما قال الحافظ في
(( الفتح )) ( )2من طريق عبد ال بن وهب قال :كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال :يا
أبا عبد ال الرحمن على العرش استوى كيف استواؤه؟ قال :فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم
رفع رأسه فقال :الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ول يقال كيف وكيف عنه
مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه ،قال :فأخرج الرجل .
فقول المام مالك (( :وكيف عنه مرفوع )) أي ليس استواؤه على العرش كيفا أي هيئة
كاستواء المخلوقين من جلوس ونحوه .وقوله :أنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه ))،
وذلك لن الرجل سأله بقوله كيف استوى ،ولو كان الذي حصل مجرد سؤال عن معنى هذه
الية مع اعتقاد أنها ل تؤخذ على ظاهرها ما كان اعترض عليه .
وروى الحافظ البيهقي ( )3من طريق يحيى بن يحيى قال :كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل
فقال :يا أبا عبد ال الرحمن على العرش استوى فكيف استوى ؟ قال :فأطرق مالك رأسه حتى
عله الرحضاء ثم قال :الستواء غير مجهول ،والكيف غير معقول واليمان به واجب والسؤال
عنه بدعة وما أراك إل مبتدعا فأمر به أن يخرج ،قال البيهقي :وروي في ذلك أيضا عن ربيعة
بن عبد الرحمن أستاذ مالك بن أنس رضي ال عنهما )) ا هـ .
قال المحدث الشيخ سلمة العزامي ( – )1من علماء الزهر : -قول مالك عن هذا الرجل
(( صاحب بدعة )) لن سؤاله عن كيفية الستواء يدل على أنه فهم الستواء على معناه الظاهر
الحسي الذي هو من قبيل تمكن جسم على جسم واستقراره عليه وإنما شك في كيفية هذا
الستقرار .فسال عنها وهذا هو التشبيه بعينه الذي أشار إليه المام بالبدعة .ا هـ.
قلنا :وهذا فيمن سأل كيف استوى فما بالكم بالذي فسره بالجلوس والقعود والستقرار؟ ثم إن
المام مالكا عالم المدينة وإمام دار الهجرة نجم العلماء أمير المؤمنين في الحديث رضي ال
عنه ينفي عن ال الجهة كسائر أئمة الهدى ،فقد ذكر المام العلمة قاضي قضاة السكندرية
ناصر الدين بن المنير المالكي من أهل القرن السابع الفقيه المفسر النحوي الصولي الخطيب
الديب البارع في علوم كثيرة في كتابه (( المقتفى في شرف المصطفى)) لما تكلم عن الجهة
وقرر نفيها ،قال :ولهذا المعنى أشار مالك رحمه ال في قوله صلى ال عليه وسلم (( :ل
تفضلوني على يونس بن متى)) ،فقال مالك :إنما خص يونس للتنبيه على التننزيه لنه صلى
ال عليه وسلم رفع على العرش ويونس عليه السلم هبط على قابوس البحر ونسبتهما مع ذلك
من حيث الجهة على الحق جل جلله نسبة واحدة ،ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه الصلة
والسلم أقرب من يونس بن متى وأفضل مكانا ولما نهى عن ذلك ،ثم أخذ الفقيه ناصر الدين
يبين أن الفضل بالمكانة ل بالمكان )) ا هـ.
ونقل ذلك عنه أيضا المام الحافظ تقي الدين السبكي الشافعي في كتابه (( السيف الصقيل )) (
)2والمام الحافظ محمد مرتضى الزبيدي الحنفي في (( إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء
علوم الدين )) ( )3وغيرهما .
وأما ما يرويه سريج بن النعمان عن عبد ال بن نافع عن مالك أنه كان يقول :ال في السماء
وعلمه في كل مكان ،فغير ثابت .قال المام أحمد :عبد ال بن نافع الصائغ لم يكن صاحب
حديث وكان ضعيفا فيه .قال ابن عدي :يروي غرائب عن مالك ،وقال ابن فرحون :كان أصم
أميا ل يكتب .وراجع ترجمة سريج وابن نافع في كتب الضعفاء ،وبمثل هذا السند ل ينسب
إلى مثل مالك مثل هذا .فبان مما ذكرناه أن ما تنسبه المشبهة للمام مالك تقول عليه بما لم يقل
.
وسئل المام أبو حنيفة رضي ال عنه عن الستواء فقال (( :من قال ل أعرف ال أفي السماء
هو أم في الرض فقد كفر )) ( )1لن هذا القول يوهم أن للحق مكانا ومن توهم أن للحق مكانا
فهو مشبه .وهذا القول ثابت عن المام أبي حنيفة نقله من ل يحصى كالمام ابن عبد السلم
في حل الرموز والمام تقي الدين الحصني في (( دفع شبه من شبه وتمرد )) ( )2والمام أحمد
الرفاعي في
(( البرهان المؤيد )) ( )3وغيرهم .
نقول :إن هذا المجسم يريد أن يروج بدعته هذه بالكذب على المام أبي حنيفة رضي ال عنه .
وهذا الفقه الكبر بين أيدينا فليراجعه من شاء ،وغير غريب أن يكذب هذا الرجل فإنه مبتدع
داعية إلى بدعته غال فيها كل الغلو وكل مبتدع هذا شأنه ل يتوقى الكذب لينصر بدعته ،فهذا
(( الفقه الكبر)) ( )1فيه (( :وال واحد ل من طريق العدد ولكن من طريق أنه ل شريك له لم
يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ل يشبه شيئا من الشياء من خلقه ول يشبهه شئ من خلقه
)) وفيه أيضا ( (( :)2ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بل تشبيه ول كيفية ول
كمية ول يكون بينه وبين خلقه مسافة )) ،وفي (( الوصية ))( )3للمام (( :لقاء ال تعالى
لهل الجنة حق بل كيفية ول تشبيه ول جهة )) ،وفي (( الوصية )) ((( : )4نقر بأن ال على
العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه وهو الحافظ للعرش وغير
العرش من غيراحتياج ،فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوق ولو كان
محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان ال تعالى ! تعالى ال عن ذلك علوا
كبيرا .اهـ.
وفي (( الفقه البسط ))( : )5كان ال ول مكان كان قبل أن يخلق الخلق كان ولم يكن أين ول
خلق ول شئ وهو خالق كل شئ))
وقال أيضا (( :فمن قال ل أعرف ربي أفي السماء هو أم في الرض فهو كافر ،كذلك من قال
إنه على العرش ول أدري العرش أفي السماء أم في الرض)) ،اهـ.
وإنما كفر المام قائل هاتين العبارتين لنه جعل ال مختصا بجهة وحيز وكل ما هو مختص
بالجهة والتحيز فإنه محتاج محدث بالضرورة أي بل شك وليس مراده كما زعم المشبهة إثبات
أن السماء والعرش مكان ل تعالى بدليل كلمه السابق الصريح في نفي الجهة عن ال – وقد
نقلنا ذلك ،-ومن ذلك قوله (( :ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان
!)) .ففي هذه إشارة من المام رضي ال عنه إلى إكفار من أطلق التشبيه والتحيز على ال كما
قال العلمة البياضي الحنفي في
) والشيخ الكوثري في ((تكملته )) ( )7وغيرهما . 6 (( إشارات المرام )) (
وفي (( شرح الفقه الكبر )) ( )1لمل علي القاري (( :وما روي عن أبي مطيع البلخي أنه
سأل أبا حنيفة رحمه ال عمن قال ل أعرف ربي في السماء هو أم في الرض ،فقال قد كفر
ش اسْ َتوَى} [سورة طه ] ،وعرشه فوق سبع
حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ
لن ال تعالى يقول { :ال ّر ْ
سمواته ،قلت :فإن قال أنه على العرش ول أدري العرش أفي السماء أم في الرض !،
قال :هو كافر لنه أنكر كونه في السماء فمن أنكر كونه في السماء فقد كفر لن ال تعالى في
أعلى عليين وهو يدعى من أعلى ل من أسفل )) اهـ.
والجواب أنه ذكر الشيخ المام ابن عبد السلم في كتابه (( حل الرموز)) أن المام أبا حنيفة قال
(( :من قال ل أعرف ال تعالى في السماء هو أم في الرض كفر لن هذا القول بوهم أن للحق
مكانا ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه )) اهـ
ول شك أن ابن عبد السلم من أجل العلماء وأوثقهم فيجب العتماد على نقله ل على مانقله
الشارح شارح عقيدة الطحاوي ،مع أن أبا مطيع رجل وضاع عند أهل الحديث كما صرح به
غير واحد)) انتهى كلم مل علي القاري .
قال الشيخ مصطفى أبو السيف الحمامي في كتابه (( غوث العباد ببيان الرشاد )) (( :ومن هذا
الكلم يعلم أمور منها :
-1أن تلك المقالة ليست في (( الفقه الكبر)) ،وإنما نقلها عن أبي حنيفة ناقل فيكون إسنادها
إلى الفقه الكبر كذبا يراد به ترويج البدعة.
-2أن هذا الناقل مطعون فيه بأنه وضاع ل يحل العتماد عليه في نقل يبنى عليه حكم فرعي
فضل عن أصلي فالعتماد عليه وحاله ماذكر خيانة يريد الرجل بها أن يروح بدعته .
-3أن هذا الناقل صرح به إمام ثقة هو ابن عبد السلم بما يكذبه عن أبي حنيفة بالنقل الذي
نقله عن هذا المام العظيم رضي ال عنه ،فاعتماد الكذاب وإغفال الثقة خيانة يراد به تأييد
بدعته وهي جرائم تكفي واحدة منها فقط لن تسقط الرجل من عداد العدول العاديين ل أقول من
عداد العلماء أو أكابر العلماء أو الئمة المجتهدين ،ويعظم المر إذا علمنا أن الخيانات الثلث
في نقل واحد وهو مما يرغم الناظر في كلم هذا الرجل على أن ل يثق بنقل واحد ينقله فإنه ل
فرق بين نقل ونقل ،فإذا ثبت خيانته في هذا جاز أن تثبت في غيره وغيره )) انتهى كلم
الحمامي .
وأما ما نسبه المجسم ابن القيم إلى يعقوب وهو المام أبو يوسف صاحب المام أبي حنيفة
رضي ال عنهما ،قال الشيخ مصطفى الحمامي – من علماء الزهر (( : -ل شك أنه كذب
يروج به هذا الرجل بدعته )) ا هـ
وكذا قال الكوثري في (( تكملته ))( . )1فبهذا ينتسف ما قاله المجسم ابن القيم وكذلك ما تنسبه
الوهابية إلى أبي حنيفة أنه قال :
(( ال في السماء )) فغير ثابت ففي سنده أبو محمد بن حيان ونعيم بن حماد ( )2ونوح بن أبي
مريم أبو عصمة (، )3فالول ضعفه بلدية الحافظ العسال .ونعيم بن حماد مجسم .وكذا زوج
أمه نوح ربيب مقاتل بن سليمان شيخ المجسمة .فنوح أفسده زوج أمه ونعيم أفسده زوج
أمه ،وقد ذكره كثير من أئمة أصول الدين في عداد المجسمة ،فأين التعويل على رواية مجسم
فيما يحتج به لمذهبه ؟! ،قال الحافظ ابن الجوزي في (( دفع شبه التشبيه)) ( )4عن نعيم بن
حماد (( :قال ابن عدي ( : )5كان يضع الحاديث وسئل عنه المام أحمد فأعرض بوجهه عنه
وقال :حديث منكر مجهول .ا هـ.
فإن قالت الوهابية :ذكره الذهبي نقل عن البيهقي في (( السماء والصفات)).قلنا :رواه
) وقال (( :إن صحت الحكاية )) ،فهذا يدل على عدم 6 البيهقي في (( السماء والصفات )) (
أمانة الذهبي في النقل حيث أغفل هذا القيد ليوهم القارئ أن القول بأن ال في السماء كلم إمام
مثل أبي حنيفة .
قال الشيخ الكوثري في تكملته ((( : )1وقد أشار البيهقي بقوله (( :إن صحت الحكاية)) إلى ما
في الرواية من وجوه الخلل )) ا هـ.
على أن المام البيهقي ذكر في (( السماء والصفات )) في كثير من المواضع أن ال منزه عن
المكان والحد ومن ذلك قوله (: )2
(( واستدل بعض أصحابنا في ففي المكان عنه – تعالى – بقول النبي صلى ال عليه وسلم :
(( أنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ )) ( )3وإذا لم يكن فوقه شئ ول
دونه شئ لم يكن في مكان )) ا هـ.
وقوله ( (( : )4ومل تفرد به الكلبي وأمثاله يوجب الحد والحد يوجب الحدث لحاجة الحد على
حاد خصه به والبارئ قديم لم يزل ))
ا هـ.
وقوله ((( : )5وان ال تعالى ل مكان له )) ،ثم قال (( :فإن الحركة والسكون والستقرار من
صفات الجسام وال تعالى أحد صمد ليس كمثله شئ )) اهـ.
فوضح بعد هذا البيان الشافي أن دعوى إثبات المكان ل تعالى أخذا من كلم أبي حنيفة رضي
ال عنه افتراء عليه وتقويل له بما لم يقل .
وقال إمامنا الشافعي رضي ال عنه لما سئل عن الستواء (( :ءامنت بل تشبيه وصدقت بل
تمثيل واتهمت نفسي في الدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل المساك )).
) والمام تقي الدين الحصني في ((دفع 6 ذكره المام أحمد الرفاعي في (( البرهان المؤيد)) (
شبه من شبه وتمرد )) ( )7وغيرهما كثير ،وقال أيضا (( :ءامنت بما جاء عن ال على مراد
ال وبما جاء عن رسول ال على مراد رسول ال )) .ذكره شيخنا المحدث عبد ال الهرري في
كتابه (( الصراط المستقيم ))()1والمام الحصني في (( دفع شبه من شبه وتمرد)) ( )2والشيخ
سلمة العزامي وغيرهم ،ومعناه ل على ما قد تذهب إليه الوهام والظنون من المعاني الحسية
والجسمية التي ل تجوز في حق ال تعالى.
ولما سئل عن صفات ال تعالى قال (( :حرام على العقول أن تمثل ال تعالى وعلى الوهام أن
تحد وعلى الظنون أن تقطع وعلى النفوس أن تفكر وعلى الضمائر أن تعمق وعلى الخواطر أن
تحيط إل ما وصف به نفسه – أي ال – على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم )) .اهـ
ذكره الشيخ ابن جهبل في رسالته في نفي الجهة عن ال التي رد فيها على المجسم ابن تيمية.
وقال الشافعي رضي ال عنه أيضا جامعا جميع ما قيل في التوحيد (( :من انتهض لمعرفة
مدبره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه وإن اطمئن إلى العدم الصرف فهو معطل
وإن اطمئن لموجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحد)) رواه البيهقي وغيره.
قلنا :ما أدقها من عبارة وما أوسع معناها شفى فيها صدور قوم مؤمنين فرضي ال عنه
س َكمِثْ ِلهِ شَيْ ٌء } [سورة
وجزاه عنا وعن السلم خيرا وقد أخذها من قوله تعالى { :لَيْ َ
ضرِبُواْ لِّل ِه ا َلمْثَالَ } [سورة النحل] .ومن قوله تعالى
الشورى] ،ومن قوله عز وجل { :فَلَ تَ ْ
:
سمِيّا } [سورة مريم] ،ومن قوله تعالى { :أَفِي الّل ِه شَكّ} [سورة إبراهيم] .وكل
{ َهلْ َتعْ َلمُ َل ُه َ
هذا يدل على أن المام الشافعي رضي ال عنه على تنزيه ال عما يخطر في الذهان من معاني
الجسمية وصفاتها كالجلوس والتحيز في جهة وفي مكان والحركة والسكون ونحو ذلك ،نعم فقد
روى النووي وغيره أن المام الشافعي قال (( :المجسم كافر )) .
قال الشيخ المام المتكلم ابن المعلم القرشي في كتابه (( نجم المهتدي ))( )1ما نصه (( :نقل
عن الشيخ المام أقضى القضاة نجم الدين في كتابه المسمى (( كفاية النبيه في شرح التنبيه ))
في قول الشيخ أبي إسحاق رضي ال عنه في باب صفة الئمة :ول تجوز الصلة خلف كافر
لنه ل صلة له فكيف يقتدى به )) .قال (( :وهذا يفهم من كفره مجمع عليه ومن كفرنا من
أهل القبلة كالقائلين بخلق القرءان وبأنه ل يعلم المعدومات قبل وجودها ومن لم يؤمن بالقدر
وكذا من يعتقد أن ال جالس على العرش كما حكاه القاضي حسين هنا عن نص الشافعي رضي
ال عنه )) .ا هـ
وأما ما ترويه المشبهة عن الشافعي مما هو خلف العقيدة السنية ففي سنده أمثال العشارى
وابن كادش .أما ابن كادش فهو أبو العز بن كادش أحمد بن عبيد ال المتوفى سنة 526هـ من
أصحاب العشارى اعترف بالوضع ،راجع الميزان ( )2وحكم مشله عند أهل النقد معروف .
هـ مغفل وقد راجت 452 وأما العشارى فهو أبو طالب محمد بن علي العشارى المتوفى سنة
عليه العقيدة المنسوبة إلى الشافعي كذبا وكل ذلك باعتراف الذهبي نفسه في الميزان ( )3وغيره
،وكذا ما ينسب للشافعي
(( وصية الشافعي )) فهو رواية أبي الحسن الهكاري المعروف بوضعه كما هو معروف في
كتب الجرح والتعديل ( ، )4فاليحذر تمويهات المجسمة فإن هذا دأبهم ذكر ما يوافق هواهم وإن
كان كذبا وباطل.
وسئل المام أحمد رضي ال عنه عن الستواء فقال (( :استوى كما أخبر ل كما يخطر للبشر
)) ذكره المام أحمد الرفاعي في
(( البرهان المؤيد )) ( )5والمام الحصني في (( دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك على
) ،والرملي وغيرهم . 6 السيد الجليل أحمد )) (
فانظر رحمك ال بتوفيقه إلى هذه العبارة ما ارشقها فهي اعتقاد قويم ومنهاج سليم إذ فيها
تنزيه استواء ال على العرش عما يخطر للبشر من جلوس واستقرار ومحاذاة ونحو ذلك ،أما
المشبهة ففسروا الستواء بما يخطر في أذهانهم في جلوس وقعود ونحو ذلك ،وهذا فيه دليل
على تبرئة المام أحمد رضي ال عنه من المنتسبين إليه زورا الذين يحرفون كلمة ((استوى ))
فيقولون جلس ،قعد ،استقر ،تعالى ال عما يقول الظالمون علوا كبيرا كالمجسم ابن تيمية
حيث صرح في (( مجموع الفتاوى )) ( )1فقال :
((إن محمدا رسول ال يجلسه ربه على العرش معه )) ا هـ .وقال فيما رءاه المام أبو حيان
الندلسي بخطه:
(( إن ال يجلس على الكرسي وقد اخلى مكانا يقعد فيه رسول ال )) ا هـ كما في (( النهر
الماد )) ( )2إلى غير ذلك من تخريفاته و تحريفاته.
والمام أحمد بن حنبل رضي ال عنه من أبعد الناس عن نسبة الجسم والجهة والحد والحركة
والسكون إلى ال تعالى ،فقد نقل أبو الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها في
كتابه (( اعتقاد المام أحمد )) ( )3عن المام أحمد أنه قال :
(( وأنكر أحمد على من يقول بالجسم وقال إن السماء مأخوذة من الشريعة واللغة ،وأهل اللغة
وضعوا هذا السم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف وال تعالى خارج عن
ذلك كله ،فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل
)) اهـ ونقله الحافظ البيهقي عنه في ((مناقب أحمد )) ( .)4ونقل أبو الفضل التميمي في كتاب
(( اعتقاد المام أحمد )) ( )5عن المام أنه قال (( :وال تعالى ل يلحقه تغير ول تبدل ول
تلحقه الحدود قبل خلق العرش ول بعد خلق العرش ،وكان ينكر -المام أحمد – على من يقول
إن ال في كل مكان بذاته لن المكنة كلها محدودة )) .
وبين المام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه (( دفع شبه التشبيه )) ( )1براءة أهل السنة
عامة والمام أحمد خاصة من مذهب المشبهة وقال (( :وكان أحمد ل يقول بالجهة للبارئ ))
انتهى بحروفه .
وقال القاضي بدر الدين بن جماعة في كتابه (( إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل ( )2إن
المام أحمد كان ل يقول بالجهة للبارئ تعالى ))ا هـ.
وقال المحدث الفقيه بدر الدين الزركشي في كتابه (( تشنيف المسامع )) ( (( : )3ونقل صاحب
الخصال من الحنابلة عن أحمد أنه قال عن من قال جسم ل كالجسام كفر )) اهـ.
وروى الحافظ البيهقي في مناقب أحمد عن الحاكم عن أبي عمرو بن السماك عن حنبل عن
أحمد بن حنبل تأول قول ال
ك } [سورة الفجر ] أنه جاء ثوابه ،ثم قال البيهقي (( :وهذا إسناد ل غبار عليه
{ َوجَاء رَبّ َ
)) .نقل ذلك ابن كثير في تاريخه ( . )4وقال الحافظ البيهقي أيضا في (( مناقب أحمد )) :
(( أنبأنا الحاكم قال حدثنا أبو عمرو بن السماك قال حدثنا حنبل ابن إسحاق قال سمعت عمي أبا
عبد ال – يعني أحمد – يقول (( :احتجوا علي يومئذ – يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين
– فقالوا تجيء سورة البقرة يوم القيامة وتجيء سورة تبارك ،فقلت لهم :إنما هو الثواب قال
ك } [سورة الفجر] إنما يأتي قدرته وإنما القرءان أمثال ومواعظ .قال
ال تعالى َ { :وجَاء رَبّ َ
الحافظ البيهقي :وفيه دليل على أنه كان ل يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب والنزول الذي
وردت به السنة انتقال من مكان إلى مكان كمجيء ذوات الجسام ونزولها وإنما هو عبارة عن
ظهور ءايات قدرته فإنهم لما زعموا أن القرءان لو كان كلم ال وصفة من صفات ذاته لم يجز
عليه المجيء والتيان فأجابهم أبو عبد ال بأنه إنما يجيء ثواب قراءته التي يريد إظهارها
يومئذ فعبر عن إظهاره إياه بمجيئه ،وهذا الذي أجابهم به أبو عبد ال ل يهتدي إليه إل الحذاق
من أهل العلم المنزهون عن التشبيه )) ا هـ.
وقال شيخنا المحدث الشيخ عبد ال الهرري ( (( :)1وهذا دليل على أن المام أحمد رضي ال
عنه ما كان يحمل ءايات الصفات وأحاديث الصفات التي توهم أن ال متحيز في مكان أو أن له
حركة وسكونا وانتقال من علو إلى سفل على ظواهرها كما يحملها ابن تيمية وأتباعه فيثبون
اعتقادا التحيز ل في المكان والجسمية ويقولون لفظا ما يموهون به على الناس ليظن بهم أنهم
منزهون ل عن مشابهة المخلوق فتارة يقولون (( بل كيف )) كما قالت الئمة وتارة يقولون ((
على ما يليق بال )) ،نقول :لو كان المام أحمد يعتقد في ال الحركة والسكون والنتقال لترك
الية على ظاهرها وحملها على المجيء بمعنى التنقل من علو وسفل كمجيء الملئكة ،وما فاه
بهذا التأويل )) .انتهى بحروفه .
بيان
معنى استوى في لغة العرب
ومنه قوله تعالى { :وَاسْ َتوَتْ عَلَى ا ْلجُو ِديّ } [ سورة هود ] أي أن السفينة نوح عليه السلم
استقرت على جبل الجودي (. )1
ويقال :استوى الرجل على ظهر دابته أي استقر عليها ،قاله اللغويون وغيرهم (.)2
ومنه قوله تعالى { :فَاسْ َتوَى عَلَى سُو ِقهِ } [سورة الفتح ] أي الزرع ،والمراد بالستواء في
هذه الية الستقامة التي هي ضد العوجاج.
قال المفسر أبو حيان في تفسيره ما نصه ( (( : )3فاستوى أي تم نباته على سوقه جمع ساق
كناية عن أصوله )) ا هـ،
وقال البيضاوي في تفسيره ما نصه ( (( : )4فاستقام على قصبه جمع ساق)) ا هـ،
ومثله قال النسفي في تفسيره ( ، )1وقال القرطبي في تفسيره (: )2
(( فاستوى على سوقه :على عوده الذي يقوم عليه فيكون ساقا له )) ا هـ.
وقال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في شرح القاموس ( )3ممزوجا بالمتن :
علَى سُو ِق ِه }[سورة الفتح ] )) ا
(( (واستوى :اعتدل ) في ذاته ،ومنه قوله تعالى { :فَاسْ َتوَى َ
هـ ،ويقال :استوى الشئ اعتدل (. )4
-3التمام :
ومنه قوله تعالى { :وَ َلمّا بَلَ َغ َأشُدّهُ وَاسْ َتوَى } [ سورة القصص ] ))
أي تمت قوته الجسدية .
ففي (( القاموس )) ( (( : )5واستوى الرجل :بلغ أشده )) ا هـ ،قال الحافظ محمد مرتضى
): 6 الزبيدي شارح القاموس (
(( فعلى هذا قوله تعالى { :وَ َلمّا َبلَغَ َأشُدّ ُه وَاسْ َتوَى } [سورة القصص ] )) ا هـ ،وفي ((
مختار الصحاح )) ما نصه (: )7
(( واستوى الرجل :انتهى شبابه )) ا هـ ،وكذا في (( لسان العرب )) ( )8وفيه أيضا ما نصه
( (( : )9قال الفراء :الستواء في كلم العرب على وجهين :أحدهما أن يستوى الرجل وينتهي
شبابه وقوته ))...ا هـ.
وقال اللغوي الفيروزابادي ما نصه ( { : )10وَ َلمّا بَلَ َغ َأشُدّهُ وَاسْ َتوَى } [ سورة القصص ] ،
قوي واشتد)) ا هـ.
-4الستيلء أي القهر:
يقال استوى فلن على بلدة كذا إذا احتوى على مقاليد الملك واستولى عليها وحازها .
وسيأتي مزيد تفصيل إن شاء ال تعالى لبيان أن استوى في لغة العرب تأتي بمعنى استولى في
(( فصل في إزالة شبه المانعين من تفسير الستواء بالستيلء )) عند الكلم على الشبهة
الولى .
وقال اللغوي الفيومي في (( المصباح المنير )) ما نصه (( :واستوى على سرير الملك كناية
عن التملك وإن لم يجلس عليه )) اهـ .
-5النضج :
قال اللغوي الفيومي في (( المصباح المنير)) ما نصه ( (( : )3واستوى إلى العراق :قصد )) ا
هـ ،والستواء بهذا المعنى قد يكون بالذات وهذا مستحيل على ال وقد يكون بالتدبير .
وسيأتي مزيد تفصيل لذلك إن شاء ال تعالى .
-8الجلوس :
-9العلو :
قال ابن منظور في (( لسان العرب )) ما نصه ( (( : )3قال الخفش :استوى أي عل ،تقول :
استويت فوق الدابة وعلى ظهر البيت أي علوته )) اهـ .والستواء بمعنى العلو قد يكون
بالرتبة وقد يكون بالمكان وهذا مستحيل على ال ،وسيأتي مزيد تفصيل لذلك إن شاء ال
تعالى.
وقال اللغوي الفيروزابادي عند تعداد معنى الستواء ما نصه ( (( : )4بمعنى الركوب والستعلء
:
{ ُثمّ تَ ْذكُرُوا ِن ْع َمةَ رَ ّب ُكمْ إِذَا اسْ َتوَيْ ُتمْ } [سورة الزخرف] أي ركبتم واستعليتم )) ا هـ.
وللستواء غير ذلك من المعاني ،فمن أراد التوسع فليطلبها في معاجم اللغة .
بيان
معنى استولى في لغة العرب
قال ابن منظور في (( لسان العرب )) ( (( : )1استولى على المد أي بلغ الغاية ،ويقال استبق
الفارسان على فرسيهما إلى غاية تسابقا إليها فاستولى أحدهما على الغاية إذا سبق الخر،
ومنه قول الذبياني ( : )2سبق الجواد إذا استولى على المد .واستيلؤه على المد أن يغلب
عليه بسبقه إليه ،ومن هذا يقال :استولى فلن على مالي أي غلبني عليه )) ا هـ.
-2القهر :
قال الفيومي في (( المصباح المنير )) ( (( : )3واستولى عليه :غلب عليه وتمكن منه )) ا
هـ ،أي قهره وصار تحت تصرفه .
-3التملك :
قال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في (( تاج العروس )) ( (( : )4واستولى على الشئ
إذا صار في يده )) اهـ،
وهذا فيه أيضا معنى القهر .
بيان
قال المام الشافعي رضي ال عنه (( :ءامنت بما جاء عن ال على مراد ال ،وبما جاء عن
رسول ال صلى ال عليه وسلم على مراد رسول ال )) يعني رضي ال عنه ل على ما قد
تذهب إليه الوهام والظنون من المعاني الحسية الجسمية التي ل تجوز في حق ال تعالى.
قال الحافظ البيهقي في (( السماء والصفات )) ما نصه ( (( : )1فأما الستواء فالمتقدمون من
أصحابنا رضي ال عنهم كانوا ل يفسرونه ول يتكلمون فيه كنحو مذهبهم في أمثال ذلك )) ا
هـ ،وقال في موضع ءاخر ( (( : )1وحكينا عن المتقدمين من أصحابنا ترك الكلم في أمثال
ذلك ،هذا مع اعتقادهم نفي الحد والتشبيه والتمثيل عن ال سبحانه وتعالى )) ا هـ ،ثم أسند
إلى أبي داود قوله (:)2
(( كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة ل يحدون ول
يشبهون ول يمثلون ،يروون الحديث ل يقولون كيف ،وإذا سئلوا أجابوا بالثر ،قال أبو داود:
وهو قولنا.قلت :وعلى هذا مضى أكابرنا )) اهـ ،وقال في موضع ءاخر (: )3
(( عن الوزاعي عن الزهري ومكحول قال :أمضوا الحاديث على ما جاءت )) اهـ ،ثم قال :
((سئل الوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الحاديث التي جاءت في
التشبيه – أي ظاهرها يوهم ذلك – فقالوا :أمروها كما جاءت بل كيفية ))
اهـ ،وقال في موضع ءاخر ( (( :)4عن سفيان ابن عيينة قال :كل ما وصف ال تعالى به
نفسه في كتابه فتفسيره تلوته والسكوت عليه )) اهـ ،وقال المام مالك (( :الرحمن على
العرش استوى كما وصف نفسه ،ول يقال كيف ،وكيف عنه مرفوع )) ،وفي رواية:
((الستواء غير مجهول والكيف غير معقول )) اهـ ،رواهما البيهقي في (( السماء والصفات
) 6 )) ( ، )5وقال المام أحمد عندما سئل عن الستواء (( :استوى كما أخبر ل يخطر للبشر (
)) اهـ.
والثاني :مسلك الخلف وهم الذين جاءوا بعد السلف ،وهم يؤولونها تفصيل بتعيين معان لها
مما تقتضيه لغة العرب ول يحملونها على ظواهرها أيضا كالسلف ،فيقولوا استوى أي قهر ،
ومن قال استولى فالمعنى واحد أي قهر ،ول بأس بسلوكه ول سميا عند الخوف من تزلزل
العقيدة حفظا من التشبيه .
قال الحافظ البيهقي في كتابه (( العتقاد )) ما نصه ( (( : )1وأصحاب الحديث فيما ورد به
الكتاب والسنة من أمثال هذا – يعني المتشابه – ولم يتكلم أحد من الصحابة والتابعين في تأويله
على قسمين :منهم من قبله وءامن به ولم يؤوله ووكل علمه إلى ال ونفى الكيفية والتشبيه
عنه ،ومنهم من قبله وءامن به وحمله على وجه يصح استعماله في اللغة ول يناقض التوحيد،
وقد ذكرنا هاتين الطريقتين في كتاب (( السماء والصفات )) التي تكلموا فيها من هذا الباب ))
اهـ.
وقال القاضي أبو بكر الباقلني (ت403هـ) في كتابه (( النصاف )) ما نصه ( (( : )2إنه تعالى
متقدس عن الختصاص بالجهات والتصاف بصفات المحدثات ،وكذلك ل يوصف بالتحول
يءٌ}
س َكمِثْ ِلهِ شَ ْ
والنتقال ول القيام ول القعود لقوله تعالى { :لَيْ َ
[سورة الشورى] ،وقوله { :وَ َلمْ َيكُن ّلهُ ُك ُفوًا َأحَدٌ }[ سورة الخلص ] ،ولن هذه الصفات
حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْشِ
تدل على الحدوث ،وال تعالى يتقدس عن ذلك .فإن قيل أليس قد قال { :ال ّر ْ
اسْ َتوَى }[سورة طه ] ،قلنا :بلى قد قال ذلك ،ونحن نطلق ذلك وأمثاله على ما جاء في الكتاب
والسنة لكن ننفي عنه أمارة الحدوث ،ونقول :استواؤه ل يشبه استواء الخلق ،ول نقول إن
العرش له قرار ول مكان – أي ل نقول إن العرش مكان له – لن ال تعالى كان ول مكان ،
فلما خلق المكان لم يتغير عما كان )) اهـ.
وقال البيضاوي في تفسيره (ُ { : )3ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ } [سورة العراف] استوى أمره أو
استولى ،وعن أصحابنا أن الستواء على العرش صفه ل بل كيف ،والمعنى أن له تعالى
استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزها عن الستقرار والتمكن )) اهـ.
فالحاصل أن الذي ل يحمل اليات المتشابهة على ظاهرها بل يقول لها معان ل أعلمها تليق بال
تعالى غير هذه الظواهر مثل استواء ال على العرش له معنى غير الجلوس وغير الستقرار
غير استواء المخلوقين لكن ل أعلمه فهذا سلم ،وهذا هو الغالب على السلف حيث ل يخوضون
بتعيين معان لها وتأويلها مع اعتقاد تنزيه ال عن الجلوس والستقرار .وكذلك الذي يقول
استواء ال على العرش هو قهره للعرش سلم من التشبيه .فالول هو التأويل الجمالي أي يقول
استوى استواء يليق به من غير أن يفسره بالقهر،والثاني هو التأويل التفصيلي أي يقول
استوى معناه قهر ،فمن شاء أخذ بذالك ومن شاء أخذ بهذا.
أما الوهابية فليسوا على ما كان عليه السف ول الخلف ،بل هم على مسلك المجسمة المشبهة ،
لن الوهابية حملوا الستواء على الستقرار ومنهم حمله على الجلوس فوقعوا في تشبيه ال
بخلقه ،فل يقال عنهم (( السلفيون)) أو (( السلفية ))وإن سموا أنفسهم بذلك ليخدعوا الناس
أنهم على مذهب السلف ،وقد علمت أن مذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم
والتشبيه ،والمبتدعة يزعمون أنهم على مذهب السلف ،فهم كما قال القائل :
بيان
-1اللغوي السلفي الديب أبو عبد الرحمن عبد ال بن يحيى بن المبارك (ت237هـ) ،كان
عارفا باللغة والنحو ،قال في كتابه
ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى } [سورة طه ] :
حمَ ُ
(( غريب القرءان وتفسيره )) ما نصه ( { : )1ال ّر ْ
استوى :استولى )) اهـ .
-3المام أبو منصور محمد بن محمد الماتريدي الحنفي (ت333هـ) إمام أهل السنة والجماعة ،
قال في كتابه المسمى
ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى} [سورة طه]
حمَ ُ
(( تأويلت أهل السنة )) في تفسير قوله تعالى { :ال ّر ْ
ما نصه (: )4
(( أو الستيلء [عليه ] وأن ل سلطان لغيره ول تدبير لحد فيه )) اهـ.
-4الغوي أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت340هـ) قال فيه الذهبي ما نصه ( :
)5
((شيخ العربية وتلميذ العلمة أبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج ،وهو منسوب إليه ))
اهـ،
) (( :والعلي والعالي أيضا :القاهر الغالب 6 قال في كتابه (( اشتقاق أسماء ال )) ما نصه (
للشياء ،فقول العرب :عل فلن فلنا أي غلبه وقهره كما قال الشاعر :
-5الشيخ أبو بكر أحمد الرازي الجصاص الحنفي (ت370هـ) في كتابه (( أحكام القرءان )) (
. )1
هـ ) قال في تفسيره (( النكت 450 -6المفسر أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (ت
والعيون )) ما نصه (: )2
{ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ } [ سورة العراف ] :فيه قولن ... :والثاني :استولى على العرش
كما قال الشاعر :
-7قال الحافظ البيهقي ( ت 458هــ ) في كتابه (( السماء والصفات )) ما نصه (: )3
(( وفيما كتب إلي الستاذ أبو منصور بن أبي أيوب أن كثيرا من متأخري أصحابنا ذهبوا إلى أن
الستواء هو القهر والغلبة )) اهــ.
) في تفسره (( الوجيز )) (. )4 (ت478 -8أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي
) في كتابه (( إصلح الوجوه )) (. )5 (ت478 -9الشيخ الحسين بن محمد الدامغاني الحنفي
-10إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد ال الجويني الشافعي (ت 578هـ ) قال في
): 6 كتابه (( الرشاد )) ما نصه ( :
(( الستواء القهر والغلبة ،وذلك شائع في اللغة إذ تقول :استوى فلن على المملك إذا احتوى
على مقاليد الملك واستعلى على الرقاب )) اهــ.
هــ ) قال في كتابه (ت478 -11المام عبد الرحمن بن محمد الشافعي المعروف بالمتولي
(( الغنية )) في دفع شبهة من منع تفسير الستواء بالقهر ما نصه ( : )1فإن قيل الستواء إذا
كان بمعنى القهر والغلبة فيقضي منازعة سابقة وذلك محال في وصفه .وقلنا :والستواء
بمعنى الستقرار يقتضي سبق الضطراب والعوجاج ،وذلك محال في وصفه )) اهــ.
هـ ) قال في (ت502 -12اللغوي أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الصبهاني
كتابه (( المفردات )) ما نصه (:)2
ن عَلَى
حمَ ُ
(( ومتى عدي -أي الستواء – ب (( على )) اقتضى معنى الستيلء كقوله { :ال ّر ْ
ش اسْ َتوَى } [سورة طه ] )) اهــ.
ا ْلعَرْ ِ
-13الشيخ الفقيه أبو حامد الغزالي الشافعي (ت505هــ ) قال في كتابه (( إحياء علوم الدين
)) عندما تكلم عن الستواء ما نصه (: )3
(( وليس ذلك إل بطريق القهر والستيلء )) اهــ .
-14المتكلم أبو المعين ميمون بن محمد النسفي الحنفي ( ت508هــ ) قال في كتابه (( تبصرة
الدلة )) بعد أن ذكر معاني الستواء وأن منها الستيلء ما نصه ( (( : )4فعلي هذا يحتمل أن
يكون المراد منه :استولى على العرش الذي هو أعظم المخلوقات )) اهــ.
هـ )الذي وصفه ت514 -15المام أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري (
الحافظ عبد الرزاق الطبسي بإمام الئمة (. )5
ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى }[سورة
حمَ ُ
) { :ال ّر ْ 6 قال في كتابه (( التذكرة الشرقية )) ما نصه (
طه ] :قهر وحفظ وأبقى )) اهــ .
-16القاضي الشيخ أبو الوليد محمد بن أحمد المالكي قاضي الجماعة بقرطبة المعروف بابن
رشد الجد (ت520هــ ) :قال ما نصه :
(( والستواء في قوله تعالى ُ { :ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ } [ سورة العراف] معناه استولى ))
اهــ ،ذكره ابن الحاج المالكي في كتابه
(( المدخل )) ( )1موافقا له ومقرا لكلمه .
-17العلمة الفقيه الصولي أبو الثناء محمود بن زيد اللمشي الحنفي الماتريدي ( توفي في
أوائل القرن السادس الهجري ) قال ما نصه (:)2
((ووجه ذلك أن الستواء قد يذكر ويراد به الستقرار ،وقد يذكر ويراد به الستيلء فيحمل
على الستيلء دفعا للتناقض وإنما خص العرش بالذكر تعظيما له كما خصه بالذكر في قوله
ب ا ْلعَرْشِ ا ْل َعظِيمِ } [سورة التوبة ] وإن كان هو رب كل شئ)).
تعالى { :وَ ُهوَ رَ ّ
-18الحافظ الكبير محدث الشام المؤرخ أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة ال ( ت571هــ)
:قال ما نصه (: )3
-19المفسر فخر الدين الرازي الشافعي (ت606هـ) :قال في تفسره ما نصه ( (( : )4فثبت أن
المراد استواؤه على عالم الجسام بالقهر والقدرة والتدبير والحفظ )) اهــ ،وقال في موضع
ءاخر ما نصه ( (( : )5قال بعض العلماء :المراد من الستواء الستيلء )) اهـ ،وقال في
) (( :وإذا ثبت هذا ظهر أنه ليس المراد من الستواء الستقرار ، 6 كتابه (( أساس التقديس (
فوجب أن يكون المراد هو الستيلء والقهر وهذا مستقيم على قانون اللغة
قال الشاعر :قد استوى بشر على العراق )) ا هـ.
-20الشيخ المتكلم سيف الدين المدي الحنبلي ثم الشافعي (ت631هـ) ذكر في كتابه (( أبكار
الفكار )) ( )1أن تفسير الستواء بالستيلء والقهر هو من أحسن التأويلت وأقربها .
-21الشيخ عبد العزيز بن عبد السلم الشافعي (ت660هـ ) في كتابه (( الشارة إلى اليجاز ))
(. )2
هـ وقيل (ت685 -23المفسر القاضي أبو سعيد عبد ال بن عمر بن محمد البيضاوي الشافعي
ش } [سورة
691هـ ) قال في تفسيره (( أنوار التنزيل )) ما نصه (ُ { :)4ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ
العراف ] :استوى أمره أو استولى )) هـ .
-24المفسر أبو البركات عبد ال بن أحمد النسفي (ت 710هـ وقيل 701هـ ) قال في تفسيره((
مدارك التنزيل )) ما نصه (: )5
ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى} [سورة طه ] :استولى ،عن الزجاج )) اهـ .
حمَ ُ
{ال ّر ْ
-25اللغوي محمد بن مكرم الفريقي المصري المعروف بابن منظور (ت711هـ) قال في كتابه
) (( :استوى: 6 (( لسان العرب )) من غير أن يتعرض لتفسير ءاية الستواء ما نصه (
استولى ،وظهر )) اهـ .
هـ) :ذكر في كتابه (( نجم المهتدي )) معاني (ت725 -26المحدث الفقيه ابن المعلم القرشي
الستواء وأن منها الستيلء المجرد عم معنى المغالبة ،ولم يعترض على هذا التفسير ،نقله
الكوثري في تعليقه على (( السماء والصفات ))(.)1
-27الشيخ أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن جهبل الحلبي الشافعي (ت733هـ ) قال في رسالته
التي ألفها في نفي الجهة عن ال ردا على ابن تيمية ما نصه (( :والستواء بمعنى الستيلء ))
اهـ ،نقله التاج السبكي في ((طبقاته )) (.)2
هـ ) قال في 733 -28القاضي محمد بن إبراهيم الشافعي الشهير ببدر الدين بن جماعة ( ت
كتابه (( إيضاح الدليل )) ما نصه (: )3
(( فقوله تعالى { :اسْ َتوَى } يتعين فيه معنى الستيلء والقهر ل القعود والستقرار )) اهـ .
-29الشيخ أبو عبد ال محمد بن محمد العبدري المغربي المالكي المعروف بابن الحاج ( ت
هـ ) كان من أصحاب العلمة الولي العارف بال الزاهد المقرئ ابن أبي جمرة رحمه ال 737
تعالى ونفعنا به ،ذكر في كتابه (( المدخل ))()4كلم ابن رشد الجد الذي ذكرناه ءانفا مؤيدا
وموافقا له .
-30الفقيه شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الشافعي المعروف بابن اللبان (ت
749هـ ) في كتابه (( إزالة الشبهات )) (.)5
). 6 هـ ) في كتابه (( المواقف )) ( (ت756 -31القاضي عبد الرحمن بن أحمد اليجي
-32المام الفقيه تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي ( ت756هـ ) قال في كتابه ((
السيف الصقيل )) ما نصه (: )7
((فالمقدم على هذا التأويل – أي تأويل الستواء بالستيلء – لم يرتكب محذورا ول وصف ال
تعالى بما ل يجوز عليه )) اهـ .
-33اللغوي المفسر أحمد بن يوسف الشافعي المعروف بالسمين الحلبي (ت756هـ ) قال في
كتابه (( عمدة الحفاظ )) ما نصه (: )1
ش اسْ َتوَى } [سورة طه] :أي استولى )) اهـ.
حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ
{ ال ّر ْ
-34القاضي محمود بن أحمد القونوي الحنفي المعروف بابن السراج (ت770هـ ويقال
771هـ ) كما في كتابه (( القلئد )) (. )2
-35اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي ( ت817هـ ) قال في كتابه ((بصائر ذوي
التمييز ))عند ذكر معاني الستواء ما نصه ( (( : )3بمعنى القهر والقدر { :اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ
ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى }[سورة طه ] )) اهـ .
حمَ ُ
}[سورة العراف ] { ال ّر ْ
-36الشيخ الفقيه تقي الدين الحصني الشافعي (ت829هـ ) قال في كتابه (( دفع شبه من شبه
وتمرد ))في معرض بيان معنى الستواء في اللغة ما نصه ( (( : )4ومنها الستيلء على الشئ
)) اهـ .
-37الفقيه الصولي كمال الدين محمد بن عبد الواحد الحنفي المعروف بابن الهمام (ت
861هـ )قال في كتابه ((المسايرة )) ما نصه
( (( :)5أما كون المراد أنه – أي الستواء – استيلؤه على العرش فأمر جائز الرادة )) اهـ .
-38الشيخ محمد بن سليمان الكافيجي (ت879هـ ) أحد مشايخ السيوطي قال في كتابه
(( التيسير )) ما نصه
) (( :أما التأويل في العرف فهو صرف اللفظ إلى بعض الوجوه ليكون ذلك موافقا للصول 6 (
ن عَلَى ا ْلعَرْشِ
حمَ ُ
كما إذا قال القائل :الظاهر أن المراد من الستواء في قوله تعالى { :ال ّر ْ
اسْ َتوَى}[سورة طه ] هو الستيلء بما لح لي من الدليل فذلك تأويل برأي
الشرع )) اهـ.
-39المحدث الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي (ت879هـ ) :قال في حاشيته على (( المسايرة
)) ما نصه ((( : )1قال أهل الحق بأن الستواء مشترك بين معان ،والمعنى الليق الستيلء ))
اهـ .
-40الشيخ كمال الدين محمد بن محمد الشافعي المعروف بابن أبي شريف (ت906هــ )
شارح كتاب (( المسايرة)) لبن الهمام الذي مر ذكره ووافقه على التأويل باستولى (.)2
-41قال الحافظ السيوطي الشافعي (ت 911هـ ) في كتابه (( الكنز المدفون )) ( )3ما نصه :
(( خص – أي ال – الستواء عليه – أي العرش – وهو استواء استيلء ،فمن استولى على
أعظم المخلوقات استولى على ما دونه )) اهـ .
-42الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلني الشافعي (ت923هـ ) كما في شرحه على
البخاري (. )4
هـ ) كما في كتابه ت926 -43القاضي الشيخ زكريا بن محمد النصاري المصري الشافعي (
(( غاية الوصول شرح لب الصول )) (. )5
هـ ) قال في كتابه (( ت939 -44الشيخ أبو الحسن علي بن محمد المنوفي المالكي المصري (
كفاية الطالب )) ( ) 6ما نصه :
(( معنى استوائه على عرشه أن ال تعالى استولى عليه استيلء ملك قادر قاهر ،ومن استولى
على أعظم الشياء كان ما دونه منطويا تحته ،وقيل الستواء بمعنى العلو أي علو مرتبه
ومكانة ل علو المكان )) اهـ.
-45المفسر محمد بن مصطفى الحنفي المعروف بشيخ زاده (ت951هـ) كما في حاشيته ()1
على تفسير البيضاوي فقد قال :
(( ول يتوهم من استوائه على العرش كونه متعمدا عليه مستقرا فوقه بحيث لول العرش لسقط
ونزل لن ذلك مستحيل في حقه تعالى لتفاق المسلمين على أنه تعالى هو الممسك للعرش
والحافظ [ له ] وأنه ل يحتاج إلى شئ مما سواه بل المراد من الستواء على العرش وال أعلم
الستيلء عليه ونفاذ التصرف ،وخص العرش بالستيلء عليه لنه أعظم المخلوقات ،قال
الشاعر :
هـ ) في كتابه (( القول المعتمد )) ( (ت958 -46الشيخ يوسف بن عبد ال الرميوني الشافعي
. )2
هـ ) في تفسيره ت982 -47المفسر القاضي أبو السعود محمد بن محمد العمادي الحنفي (
(( إرشاد العقل السليم )) (.)3
هـ ) في كتابه (( الفواكه 1126 -48الشيخ أحمد بن غنيم النفراوي المالكي الزهري (ت
الدواني )) ( ، )4قال ما نصه :
(( استوى أي استولى بالقهر والغلة استيلء ملك قاهر وإله قادر ،ويلزم من استيلئه تعالى
على أعظم الشياء وأعلها استيلؤه على ما دونه )) اهـ .
هـ ) نقل في حاشيته (ت1204 -49الشيخ المفسر سليمان بن عمر الشهير بالجمل الشافعي
على تفسير الجللين عن شيخه ما نصه ( (( : )5طريقة الخلف التأويل بتعيين محمل اللفظ
فيؤولون الستواء بالستيلء )) اهـ .
-50الحافظ اللغوي الفقيه محمد مرتضى الزبيدي الحنفي (ت1205هـ) قال في شرح الحياء ما
نصه (: )1
((وإذا خيف على العامة لقصور فهمهم عدم فهم الستواء إذا لم يكن بمعنى الستيلء إل
التصال ونحوه من لوازم الجسمية فل بأس بصرف فهمهم إلى الستيلء صيانة لهم من
المحذور ،فإنه قد ثبت إطلقه وإرادته لغة )) اهـ.
-51الشيخ محمد الطيب بن عبد المجيد المدعو ابن كيران المالكي (ت1227هـ ) في شرحه
على ((المرشد المعين على الضروري من علم الدين ( )1/448مفسرا الستواء على العرش
بالقهر والغلبة لقوله:
فــلــما عــلـونـا واســتويــنا عـلــيـهم جــعـلـنـاهم مــرعــى
لـنـسر وطــائــر
وقوله :
قــد اســتوى بــشر عـلـى الــعـراق مــن غــيـر ســيـف ودم
مــهــراق ))
وخص العرش لنه أعظم المخلوقات ،ومن استولى على أعظمها كان استيلؤه على غيره
أحرى )) اهـ .
-52الشيخ أحمد بن محمد المالكي الصاوي ( ت1241هـ ) كما في شرحه على جوهرة التوحيد
)) اهـ .
-53الشيخ إدريس بن أحمد الوزاني الفاسي المولود سنة 1275هـ في (( نشر الطيب )) ()3
قال (( :الستواء يطلق لغة على الستقرار على الشئ ولكن ل يحمل على ظاهره كما تقول
المشبهة بل المراد لزمه الذي هو الستيلء بالقهر والغلبة )) اهـ.
-54المحدث أبو عبد ال محمد بن درويش الحوت البيروتي الشافعي (ت1276هـ ) قال في
رسالته
(( الدرة البهية في توحيد رب البرية ))ما نصه ( (( : )1وقد أول الخلف الستواء بالقهر
والستيلء على العرش )) اهـ .
-56الشيخ محمد علء الدين بن محمد أمين عابدين الدمشقي الحنفي (ت1306هـ) في كتابه ((
الهدية العلئية )) (. )3
هـ ) قال في تفسير 1329 -57الشيخ محمد بن محفوظ الترمسي الندنوسي ( كان حيا سنة
قوله تعالى :
ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى } (( :فالظاهر من ذلك ليس مرادا اتفاقا ،ثم السلف يفوضون علم
حمَ ُ
{ال ّر ْ
حقيقته على التفصيل إلى ال ،والخلف يؤولونه إلى أن المراد من الستواء الستيلء والملك
على حد قول الشاعر :
-58الشيخ الفقيه المفسر المتكلم محمد نووي الشافعي الجاوي (ت1316هـ ) في تفسيره (. )5
-59شيخ الزهر في مصر الستاذ سليم البشري (ت 1335هـ ) :قال في فتوى له نقلها الشيخ
) (( :إن الستواء بمعنى 6 سلمة العزامي ( ت1376هـ ) في رسالته (( فرقان القرءان )) (
الستيلء كما هو رأي الخلف )) اهــ.
-61الشيخ عبد المجيد الشرنوبي المصري الزهري المالكي ( ت 1348هـ ) كما في شرحه ()2
على (( تائية السلوك )) وفي
(( تقريب المعاني )) .
هـ ) كما في كتابه (( إتحاف ت1352 -62الشيخ محمد بن محمد الخطاب السبكي الزهري (
الكائنات )) (. )3
-63الشيخ عثمان بن حسنين بري الجعلي المالكي ( انتهى المؤلف من شرحه سنة 1364هـ)
قال في كتابه (( سراج الملوك شرح أسهل المسالك )) ما نصه (( :وتؤول الستواء على
العرش بالقهر والغلبة بمعنى أن ال تعالى مالك للعرش وما حواه )) .
هـ ) :هو مدرس علوم القرءان والحديث 1367 -64الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني ( ت
في كلية أصول الدين في جامعة الزهر بمصر ،قال في كتابه (( مناهل العرفان )) طبق ما
قرره مجلس الزهر العلى في دراسة تخصص الكليات الزهرية ما نصه ( (( : )4وطائفة
المتأخرين يعينون فيقولون :إن المراد بالستواء هنا هو الستيلء والقهر من غير معاناة ول
تكلف لن اللغة تتسع لهذا المعنى )) اهـ .
-65الشيخ محمد زاهد الكوثري ( ت 1371هـ ) :كان وكيل مشيخة السلم بالستانة ،ووافق
في
(( تكملة الرد على نونية ابن القيم )) ( )5الحافظ الفقيه السبكي على تأويل الستواء بالستيلء
.
هـ ) كما في كتابه (( البراهين الساطعة )) ()1 ت1367 -66الشيخ سلمة القضاعي العزامي (
،ورسالته (( فرقان القرءان )) (.)2
-67كتاب العقيدة السلمية :التوحيد من الكتاب والسنة (. )3
-69الشيخ حسين بن عبد الرحيم مكي في كتابه (( مذكرات التوحيد )) (. )5
) بدولة المارات العربية 6 -70وكذا في كتاب (( مشروع زايد لتحفيظ القرءان الكريم )) (
المتحدة .
-72الشيخ عبد الكريم المدرس ( إمام وخطيب جامع الحمدي والمدرس في الحضرة الكيلنية
ببغداد ) في كتابه (( الوسيلة )) (. )8
-73الشيخ العلمة المحدث عبد ال الهرري المعروف بالحبشي الشافعي :قال في شرح العقيدة
الطحاوية ما نصه (: )1
(( يفهم من الستواء القهر والستيلء إذ هو أشرف معاني الستواء ،وهو مما يليق بال
تعالى ،لنه وصف نفسه بأنه قهار ،فل يجوز أن يترك ما هو لئق بال تعالى إلى ما هو غير
لئق بال تعالى وهو الجلوس والتصار والستقرار )) اهــ.
بيان
أن كلمة ( ثم ) تأتي بمعنى المهلة والتراخي
كما تأتي بمعنى الخبار
قال علماء اللغة والنحو إن لفظة (( ثم )) تأتي للتراخي والمهلة وتأتي للخبار ،فيصح في
اللغة أن يقال :أنا أعطيتك يوم كذا :كذا وكذا ثم أعطيتك قبل ذلك كذا وكذا ،فإن (( ثم ))
ليست دائما للتأخر في الزمن ،أحيانا تأتي لذلك وأحيانا تأتي لغير ذلك ،
قال الشاعر (. )1
إن مــن ســاد ثــم ســاد أبــوه ثــم قـد ســاد قــبل ذلــك جــده
فإن (( ثم )) هنا بمعنى الخبار والمراد أن الجد وابنه وابن ابنه حصلت لهم السيادة .
قال اللغوي الفيومي في (( المصباح المنير )) ما نصه ( (( : )2قال الخفش :هي بمعنى الواو
لنها استعملت فيما ل ترتيب فيه نحو:
وال ثم وال لفعلن ،تقول :وحياتك ثم وحياتك لقومن ،وأما في الجمل فل يلزم الترتيب بل
قد تأتي الواو نحو قوله تعالى :
علَى مَا َي ْفعَلُونَ } [ سورة يونس ] ،أي وال شاهد على تكذيبهم وعنادهم ،فإن
شهِيدٌ َ
{ ُثمّ الّل ُه َ
شهادة ال تعالى غير حادثه ،ومثله :
ن الّذِينَ آمَنُوا } [سورة البلد ] )) اهـ.
ن مِ َ
{ ُثمّ كَا َ
بيان
علَى
سمَاوَاتِ وَالَرْضَ فِي سِ ّتةِ أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى َ
قال ال تعالى { :إِنّ رَ ّب ُكمُ الّلهُ الّذِي خَلَقَ ال ّ
سخّرَاتٍ بِ َأمْرِ ِه َألَ َل ُه ا ْلخَلْقُ
شمْسَ وَا ْل َقمَرَ وَال ّنجُومَ ُم َ
ش ُي ْغشِي اللّ ْيلَ ال ّنهَارَ َيطْلُ ُب ُه حَثِيثًا وَال ّ
ا ْلعَرْ ِ
ب ا ْلعَا َلمِينَ } [سورة العراف ] .
ك الّلهُ رَ ّ
وَا َلمْ ُر تَبَارَ َ
قال أهل الحق :إن صفات ال تعالى أزلية وأن ال ل تحل به الحوادث أي ل تحدث له صفة لم
تكن لن حدوث الصفة يستلزم حدوث الذات ،وقد بينا سابقا أن (( ثم )) تأتي بمعنى المهلة أي
التأخر في الزمن كما تأتي بمعنى الترتيب في الخبار .فإذا كان المر كذلك فتحمل هذه الية أي
ش } على معنى يليق بال تعالى ،فإما أن يقال :استوى
قوله تعالى ُ { :ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ
على العرش بل كيف أي بل جلوس واستقرار ومحاذاة وغيرها من صفات الجسام ،وإما أن
يشتغل بتأويلها ،فيقال :من حمل كلمة ((ثم )) من أهل السنة على التراخي جعل الستواء
صفة فعل أي أن ال فعل في العرش فعل سماه استواء ل أن ذلك الفعل قائم بذات ال تعالى
لستحالة قيام الحوادث به .
ومن حمل كلمة (( ثم )) من أهل السنة على معنى الخبار يقول إن (( ثم )) في قوله عز وجل
ش } ليست للترتيب في الحدوث والوقوع والحصول إنما هي للترتيب في
{ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ
الخبار أي أن ال يخبرنا بأنه خلق السموات والرض في ستة أيام ثم يخبرنا بأنه قاهر للعرش
شهِي ٌد عَلَى مَا َي ْفعَلُونَ } [سورة
الذي هو أعظم منهما ،نظير ذلك قوله تعالى ُ { :ثمّ الّلهُ َ
يونس ] ،مع أن شهادته أي اطلعه وعلمه أزلي .
قال المام الماتريدي في (( تأويلته )) في تفسير قول ال تعالى ُ { :ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ }
(( أي وقد استوى على العرش )) أي أن ال كان مستويا على العرش قبل وجود السموات
والرض .
وهذا الذي ذهب إليه المفسر القرطبي في تفسيره فقد قال ما نصه (ُ { : )1ثمّ اسْ َتوَى إِلَى
سمَاء } [سورة البقرة ] ((ثم )) لترتيب الخبار ل لترتيب المر في نفسه )) اهـ .وقال في
ال ّ
ش } مانصه ( (( : )2وليست (( ثم )) للترتيب
تفسير ءاية السجدة ُ { :ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ
وإنما هي بمعنى الواو )) اهـ .
وقال شيخ القراء بسمرقند أبو نصر أحمد بن محمد ( توفي بعد الربعمائة ) في كتابه
(( الموضح )) عند تعداد معاني (( ثم )) ما نصه ( (( : )3وبمعنى (( قبل )) مثل قوله تعالى :
ش } [ سورة العراف ] ،وقوله تعالى :
{ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ
جحِيمِ} [سورة الصافات ] ،وأنشد الفراء :
ج َع ُهمْ لَِإلَى ا ْل َ
{ ُثمّ إِنّ َم ْر ِ
إن مــــن ســـاد ثــم ســاد أبــوه ثــم ســاد قــبل ذلــك جــده ))
اهــ.
وقال المفسر أبو حيان الندلسي في تفسيره ( (( : )4قال ابن عطية (( :ثم )) هنا لعطف الجمل
ل للترتيب )) اهــ .
وقال القاضي بدر الدين بن جماعة في كتابه (( إيضاح الدليل )) ( (( : )5وليس (( ثم )) هنا
لترتيب ذلك بل هي من باب ترتيب الخبار وعطف بعضها على بعض )) اهـ ،أي ليس المراد
بالية أن ال لم يكن مستوليا على العرش ثم استولى عليه بل المراد الخبار بأن ال خلق
السموات والرض والخبار بأنه قاهر للعرش .
وقال الشيخ سليمان الجمل في حاشيته ( )1على تفسير الجللين ما نصه (( :و (( ثم ))
للترتيب والخباري الذكري وليست للترتيب الزماني ،فإن استيلءه تعالى على العرش بالقهر
والتصرف سابق على خلق السموات والرض )) اهـ .
وأما المجسمة كابن تيمية وأتباعه الوهابية – فحملوا كلمة (( ثم )) على التراخي ليس على
المعنى الذي قال به بعض أهل السنة ،بل قالوا – أي ابن تيمية والوهابية – إن الستواء صفة
فعل لكن زعموا أن الستواء حادث كان بعد أن لم يكن – وسيأتي النقل عنهم – وحتى يسلموا
بزعمهم من تشنيع أهل السنة عليهم ابتدعوا بدعة ضالة فزعموا أن صفة الفعل قديمة النوع
حادثة الحاد أي على زعمهم ل على عرشه استواءات عديدة كثيرة ل تحصى فهو لم يزل
تحدث في ذاته الحوادث أي استواءات متجددة فالتزموا بقيام الحوادث في ذات ال عز وجل ،
وسيأتي الرد عليهم إن شاء ال تعالى .وقولهم هذا باطل لم يقل به سني ،وليس لهم سلف إل
الكرامية المجسمة الذين قالوا بحلول الحوادث في ذات ال تعالى ،اتبعوهم في هذه البدعة
الشنيعة ،وهي إحدى المسائل التي كفر بها العلماء الكرامية .
وما يروى عن ابن عباس من أنه فسر الية بالستقرار فلم يثبت عنه ،فقد روي ذلك من
طريق سلسلة الكذب وهي رواية محمد بن مروان وهو السدي الصغير عن الكلبي عن أبي
صالح ،قال الحافظ البيهقي ( : )2كلهم متروكون لظهور الكذب في رواياتهم .
بيان
معنى قوله تعالى :
ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى } [سورة طه ]
حمَ ُ
{ال ّر ْ
فليس مدح بشر بن مروان في هذا البيت من حيث إنه جالس في هذا البلد ،إنما المدح له لنه
استولى أي قهر وهيمن وسيطر على العراق ،لن الجلوس في العراق يشترك فيه النسان
الشريف والنسان القوي والنسان الدنيء والنسان الضعيف ،فل بد أن يفهم من الستواء ما
يليق بال تعالى ،فالستواء الذي أثبته القرءان ليس الستواء الذي تذهب إليه المجسمة ،بل
ال أراد بالستواء معنى لئقا به بل كيف ،فمن اكتفى بهذا فقد سلم ،ومن تأول الية على
معنى القهر والستواء فقد سلم أيضا ،ومن تأولها على معنى الجلوس أو الستقرار فقد هلك
وضل .
قال الشيخ أبو سليمان الخطابي ( ت388هـ ) ما نصه (( :وليس معنى قول المسلمين :إن ال
استوى على العرش هو أنه مماس له أو متمكن فيه أو متحيز في جهة من جهاته ،لكن بائن (
س َكمِثْ ِلهِ
)1من جميع خلقه ،وإنما هو خبر جاء به التوقيف فقلنا به ونفينا عنه التكييف إذ {لَيْ َ
سمِيعُ البَصِيرُ}[ سورة الشورى ] )) اهـ ،نقله عنه الحافظ البيهقي في كتاب
يءٌ وَ ُه َو ال ّ
شَ ْ
(( السماء والصفات )) ( ، )1وكذا قال غيره من العلماء ،فتنبه .وإنما خص العرش بالذكر
لنه أعظم المخلوقات حجما .
بيان
معنى قول المام مالك :
(( الستواء غير مجهول والكيف غير معقول ))
وأنه لم يثبت عنه قول (( :الستواء معلوم والكيفية مجهولة ))
ليعلم أنه لم يثبت عن مالك ول عن غيره من السلف بإسناد صحيح أنه قال (( :الستواء معلوم
والكيفية مجهولة )) ،وإنما الصحيح الذي رواه البيهقي في (( السماء والصفات )) ( )1من
طريق عبد ال بن وهب ويحيى بن يحيى قال البيهقي (( :أخبرنا أبو عبد ال ،أخبرني أحمد
بن محمد بن إسمعيل بن مهران ،ثنا أبي ،حدثنا أبو ربيع ابن أخي رشدين بن سعد ،قال :
سمعت عبد ال بن وهب يقول :كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال :يا أبا عبد ال ،
الرحمن على العرش استوى كيف استواؤه ؟ قال :فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ( )2ثم رفع
رأسه فقال :الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ،ول يقال كيف وكيف عنه مرفوع ،
وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه ،قال :فأخرج الرجل .
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الفقيه الصفهاني ،أنا أبو محمد عبد ال بن جعفر
حيان المعروف بأبي الشيخ ، ،ثنا أبو جعفر ابن زيرك البزي ،قال :سمعت محمد بن عمرو
بن النضر النيسابوري يقول :سمعت يحيى بن يحيى يقول :كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل
فقال :يا أبا عبد ال ،الرحمن على العرش استوى فكيف استوى ؟ قال :فأطرق مالك رأسه
حتى عله الرحضاء ،ثم قال (( :الستواء غير مجهول .والكيف غير معقول ،واليمان به
واجب ن والسؤال عنه بدعة ،وما أراك إل مبتدعا )) .
فأمر به أن يخرج .وروي في ذلك أيضا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أستاذ مالك بن أنس
رضي ال عنه تعالى عنهما )) .اهـ .
وأما تلك الرواية التي تنسب لمالك فليس لها إسناد صحيح ،وإنما يلهج بها المشبهة لنها
وافقت هواهم الذي هو التشبيه ،لن اعتقادهم أن استواءه كيف لكن ل نعلمه ،وهذا إثبات
للكيف ل تنزيه ل عن الكيف .
وقد جود الحافظ ابن حجر في (( الفتح )) ( )1رواية ابن وهب .
ويروى عن أم سلمة إحدى زوجات الرسول ويروى عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ومالك بن
أنس أنهم فسروا استواء ال على عرشه بقولهم :الستواء معلوم ول يقال كيف والكيف غير
معقول .
ومعنى قولهم (( :الستواء معلوم )) معناه معلوم وروده في القرءان أي بأنه مستو على
عرشه استواء يليق به ،ومعنى :
(( والكيف غير معقول )) أي الشكل والهيئة والجلوس والستقرار هذا غير معقول أي ل يقبله
العقل ول تجوز على ال لنها من صفات الجسام ،وسئل المام أحمد رضي ال عنه عن
الستواء فقال (( :استوى كما أخبر ل كما يخطر للبشر)) .
وأما عبارة (( الكيفية مجهولة )) أو (( الكيف مجهول )) فلم تثبت بإسناد صحيح عن أحد من
السلف ،وهي موهمة معنى فاسدا وهو أن استواء ال على العرش هو استواء له هيئة وشكل
لكن نحن ل نعلمه وهذا خلف مراد السلف بقولهم (( :والكيف غير معقول )).
وهذه الكلمة كثيرة الدوران على ألسنة المشبهة والوهابية لنهم يعتقدون أن المراد بالستواء
الجلوس والستقرار أي عند أغلبهم وعند بعضهم المحاذاة فوق العرش من غير مماسة ،ول
يدرون أن هذا هو الكيف المنفي عن ال عند السلف ،ول يغتر بوجود هذه العبارة في كتاب
(( إحياء علوم الدين )) ونحوه ول يريد مؤلفه الغزالي ما تفهمه المشبهة لنه مصرح في كتبه
بأن ال منزه عن الجسمية والتحيز في المكان وعن الحد والمقدار لن الحد والمقدار من صفات
المخلوق قال ال تعالى َ { :و ُكلّ شَيْ ٍء عِندَ ُه ِب ِمقْدَارٍ }
[سورة الرعد ] .فالتحيز في المكان والجهة من صفات الحجم وال ليس حجما .
وما يوجد في بعض كتب الشاعرة من هذه العبارة (( :الستواء معلوم والكيفية مجهولة ))
غلطة ل أساس لها عن السلف ل عن مالك ول عن غيره وهي شنيعة لنها يفهم منها المشبه
الوهابي وغيره أن الستواء كيف لكن ل نعلمه مجهول عندنا .وأما من أوردها من الشاعرة
فل يفهمون هذا المعنى بل يفهمون أن حقيقة الستواء غير معلوم للخلق مع تنزيههم ل عن
الجسمية والتحيز في المكان والجهة .إما الوهابية فإنها تقصد بها ما يناسب معتقدها من أن
ال حجم له حيز .والعجب منهم كيف يقولون إن الستواء على العرش حسي ثم يصفونه
بالكون مجهول .ولعلهم يريدون بهذا هل هو قعود على شكل تربيع أم على شكل ءاخر .
قال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في شرح (( الحياء ما نصه ( (( : )1وقال ابن اللبان
( )2في تفسير قول مالك ،قوله :
(( الكيف غير معقول )) أي كيف من صفات الحوادث ،وكل ما كان من صفات الحوادث فإثباته
في صفات ال تعالى ينافي ما يقتضيه العقل ،فيجزم بنفيه عن ال تعالى ،قوله (( :والستواء
غير مجهول )) أي أنه معلوم المعنى عند أهل اللغة ،
(( واليمان به )) على الوجه اللئق به تعالى (( واجب )) لنه من اليمان بال وبكتبه )) اهـ.
وأما معنى من قال من الئمة (( :أمروها كما جاءت بل كيف )) في بعض النصوص التي
ظواهرها إثبات الجسمية أو صفات الجسمية كحديث النزول :أي ارووا اللفظ ول تعتقدوا تلك
الظواهر التي هي من صفات الجسم ،فالئمة مرادهم نفي الجسمية وصفاتها عن ال أي أن هذه
النصوص ليس معانيها الجسمية وصفاتها من حركة وسكون لن ال تعالى نفى الجسمية
س َكمِثْ ِلهِ شَيْ ٌء } ،وأراد الئمة رد تلك النصوص إلى هذه الية
وصفاتها عن نفسه بقوله { :لَيْ َ
المحكمة ،أما الوهابية فيريدون بذلك إثبات الكيف ل لكن يموهون على الناس بقولهم إن هذه
النصوص محمولة على الجسمية وصفات الجسمية لكن ل نعرف كيفية تلك الكيفية .
ولزيادة تفصيل نقول :مراد أهل السنة بقولهم (( بل كيف )) ليس استواء الجلوس والستقرار
والمحاذاة ،فالمحاذاة معناه كون الشئ في مقابل شئ ،فنحن حين نكون تحت سطح فنحن في
محاذاته ،وحين نكون في الفضاء نكون في محاذاة السماء ،والسماء الولى تحاذي السماء
التي فوقها ،والكرسي يحاذي العرش ،والعرش يحاذي الكرسي من تحت ،وال تعالى ل يجوز
عليه أن يكون هكذا على العرش محاذيا له فل يجوز أن يكون جالسا عليه ول أن يكون
مضطجعا عليه ول أن يكون في محاذاته ،إذ المحاذي إما أن يكون مساويا للمحاذى وإما أن
يكون أكبر منه وإما أن يكون أصغر منه ،وكل هذا ل يصح إل للشئ الذي له جرم ومساحة
والذي له جرم ومساحة محتاج إلى من ركبه ،وال منزه عن ذلك .
قال اللغوي المفسر السمين الحلبي في (( عمدة الحفاظ )) ما نصه ( (( :)1ويقال شبه وشبه
وشبيه نحو مثل ومثل ومثيل .وحقيقتها في المماثلة من جهة الكيفية كاللون والطعم المشار
إليهما بقوله تعالى َ { :وأُتُواْ ِب ِه مُ َتشَابِها } [سورة البقرة ] )) اهـ .
قال أبو سليمان الخطابي فيما رواه عنه الحافظ البيهقي في (( السماء والصفات )) ما نصه ()1
(( :إن الذي يجب علينا وعلى كل مسلم أن يعلمه أن ربنا ليس بذي صورة ول هيئة ،فإن
الصورة تقتضي الكيفية وهي عن ال وعن صفاته منفية )) اهـ .
وقال الحافظ السيوطي في (( الكنز المدفون )) ما نصه ( (( : )2ل يقال للمعبود كيف هو ،لنه
يستخبر بكيف عن الهيئة والحال ،وال سبحانه ل هيئة له ول حال )) اهـ .
فظهر أن الكيف من صفات المخلوقين ،وفيما ذكرناه رد على الوهابية الذين يقولون إن
الستواء له كيفية لكن ل نعلمها .
وأما قول الوهابية :مراد مالك بقوله (( :الكيف غير معقول )) أي ل كيف لكن ل نعقله أي ل
نعلمه على زعمهم ،فهو تقول عليه ول أساس له من الصحة ،ويرده قول المام مالك نفسه :
(( وكيف عنه مرفوع )) ،وهذا ثابت عنه ،معناه ظاهر وواضح ،وهذا تصريح منه بأن الكيف
مرفوع عن ال أي منفي عن ال أي ل يوصف بالكيف أي ليس استواء ال على العرش كيفا
أي هيئة كاستواء المخلوقين من جلوس واستقرار .فالعجب من الوهابية عشاق التجسيم كيف
يتمسكون بقول مالك (( :الكيف غير معقول )) – ول حجة لهم في ذلك -مع تحريفهم للمعنى
ويتركون قوله الخر (( :وكيف عنه مرفوع )) لهوى في أنفسهم ،فظهر بذلك بطلن قولهم (
(( : )3إن معنى قولنا (( بدون كيف )) ليس معناه أن ل نعتقد لها كيفية بل نعتقد لها كيفية
لكن المنفي علمنا بالكيفية )) اهـ .
وأما زجر المام مالك للرجل بقوله (( :أنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه )) فلن الرجل
سأله بقوله :
((كيف استوى )) أي سأله عن كيفية الستواء وقد علمت أن ال منزه عن الكيف لن الكيف
من صفات المخلوقين .
بيان
هل الستواء صفة ذات أم صفة فعل
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي الندلسي (ت )543في (( عارضة الحوذي )) (:)1
(( وأما قوله :ينزل ويجيء ويأتي وما أشبه ذلك من اللفاظ التي ل تجوز على ال في ذاته
معانيها فإنها ترجع إلى أفعاله .وها هنا نكتة :وهي أن أفعالك أيها العبد إنما هي في ذاتك
وأفعال ال سبحانه ل تكون في ذاته وإنما تكون في مخلوقاته فإذا سمعت ال يقول :أفعل كذا
فمعناه في المخلوقات ل في الذات ،وقد بين ذلك الوزاعي حين سئل عن هذا الحديث – أي
حديث النزول – فقال :يفعل ال ما يشاء )) اهـ .
قال ابن بطال المالكي في شرحه على (( صحيح البخاري )) ما نصه ((( : )2اختلف أهل السنة
هل الستواء صفة ذات أو صفة فعل ؟ فمن قال هو بمعنى عل جعله صفة ذات وأن ال تعالى لم
يزل مستويا بمعنى أنه لم يزل عاليا .ومن قال إنه صفة فعل قال إن ال تعالى فعل فعل سماه
استواء على عرشه ل أن ذلك الفعل قائم بذاته تعالى ل ستحالة قيام الحوادث به )) اهـ .
قال الحافظ البيهقي في (( السماء والصفات )) ما نصه ( (( :)3وذهب أبو الحسن علي بن
إسماعيل الشعري إلى أن ال تعالى جل ثناؤه فعل في العرش فعل سماه استواء كما فعل في
غيره فعل سماه رزقا ونعمة أو غيرها من أفعاله .ثم لم يكيف الستواء إل أنه جعله من صفات
الفعل لقوله ُ { :ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ } [سورة العراف ]،و (( ثم )) للتراخي والتراخي إنما
يكون في الفعال ،وأفعال ال تعالى توجد بل مباشرة منه إياها ول حركة )) اهـ .ثم قال
البيهقي بعد أن ذكر عن بعض الشاعرة أن استوى بمعنى عل ما نصه ( (( )1قلت :وهو على
هذه الطريقة من صفات الذات ،وكلمة (( ثم )) تعلقت بالمستوى عليه ل بالستواء ،وهو
كقوله:
علَى مَا َي ْفعَلُونَ } [سورة يونس ] )) اهـ.
شهِيدٌ َ
{ ُثمّ الّل ُه َ
فتبين بذلك أن من قال الستواء صفة ذات فمراده الستواء العلو أي العلو المعنوي ل الحسي
بالمسافة وأما المشبهة المجسمة إذا قالوا إن الستواء صفة ذات يعنون بذلك على زعمهم أن
ال يتحرك وينتقل من مكان إلى مكان ،تعالى ال عن قولهم وتنزه عما يصفه هؤلء المبتدعة.
وقال المفسر أبو حيان في تفسيره ( (( : )2قال سفيان الثوري :فعل فعل في العرش سماه
استواء )) اهـ .
وقال الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين السبكي في رده على المجسم ابن قيم الجوزية تلميذ ابن
تيمية ما نصه (: )3
((وقول ُ { :ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ } [سورة العراف ] لحدوث العرش ل لحدوث الستواء ))
اهـ ،
ثِ كما هو مذهب
فهذا ذهاب من السبكي إلى أن الستواء وإن كان صفة فعل ،قديم غير حاد ٍ
السلف أبي حنيفة والبخاري وغيرهما فإنهما قال إن فعل ال صفته في الزل والمفعول
مخلوق ،فما أقبح ما تتوهمه الجهلة من أن معنى الية أن ال خلق السموات والرض وهو
أسفل العرش ثم ارتفع وصعد إلى العرش واستقر عليه أو في الفضاء بإزائه بل مماسة عند
بعضهم وبمماسة عند بعض ،وكلهما كفر وال منزه عن المرين .
بيان
أنه ل يقال إن ال استوى بذاته
اعلم أنه لم يرد في الكتاب والسنة ول نقل عن أحد من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان
إلى يوم الدين أن ال استوى بذاته على العرش ،بل المجسمة هي التي زادت على قول ال عز
ن عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى }[سورة طه ] لفظة بذاته ،وإنما اتبعوا الوهم وما ألفوه
حمَ ُ
وجل { :ال ّر ْ
من مشاهدة المخلوقات ،فقاسوا الخالق على المخلوق .
وقد أنكر الحافظ ابن الجوزي الحنبلي على المجسمة الحنابلة الذين قالوا بذلك ،والمام أحمد
بريء منهم فقال في كتابه (( الباز ))
ما نصه ( (( : )1وقد حمل قوم من المتأخرين هذه الصفة على مقتضى الحس فقالوا :
(( استوى على العرش بذاته )) وهي زيادة لم تنقل إنما فهموها من إحساسهم وهو أن
المستوي على الشئ إنما تستوي عليه ذاته ))اهـ .
فالستواء بالذات من صفات الجسام لنه يصاحبه حركة وانتقال وتحيز فوق العرش وال منزه
عن ذلك ،تعالى ال عما يقول المشبهة علوا كبيرا .
وقال المفسر أبو حيان في تفسيره ( (( : )2وأما استواؤه تعالى على العرش فحمله على ظاهره
من الستقرار بذاته على العرش قوم ،تعالى ال عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا ))
اهـ .
وقال المام أبو نصر القشيري (( :لو كان المر على ما توهمه الجهلة من أنه استواء بالذات
لشعر ذلك بالتغير واعوجاج سابق على وقت الستواء ،فإن البارئ تعالى كان موجودا قبل
العرش ،ومن أنصف علم أن قول من يقول :
(( العرش بالرب استوى )) أمثل من قول من يقول (( :الرب بالعرش استوى )) ،فالرب إذا
موصوف بالعلو وفوقية الرتبة والعظمة منزه عن الكون في المكان وعن المحاذاة )) اهـ ،نقله
الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في شرح على الحياء (.)1
قال القاضي بدر الدين بن جماعة في (( إيضاح الدليل )) عن الذي قال استوى بذاته ما نصه (
(( :)3فقد ابتدع بهذه الزيادة التي لم تثبت في السنة ول عن أحد من الئمة المقتدى بهم )) .
ولهؤلء المشبهة نقول قال الذهبي في (( سير أعلم النبلء )) ما نصه (:)4
(( فقد ذكرنا أن لفظة بذاته ل حاجة إليها وهي تشغب النفوس )) اهـ .
ومنه تعلم أن قول المجسم ابن قيم الجوزية في كتابه المسمى (( الصواعق المرسلة )) (:)5
قول أهل السنة :استوى على عرشه بذاته أي ذاته فوق العرش عالية عليه )) اهـ ،ل أساس
له من الصحة عن أهل السنة بل هو قول المجسمة نسبه على أهل السنة زورا وبهتاناًَ .
بيان
معنى من قال :ال بائن من خلقه
ينبغي أن يتنبه لمراد من قال من الئمة :إن ال بائن من الشياء ،ومن قال منهم :إنه تعالى
غير مباين ،فإنه ليس خلفا حقيقيا ،بل مراد من قال (( :بائن )) أن ال ل يشبه المخلوقات
ول يماسها ،ومراد من قال (( :ليس مباينا )) نفي المباينة الحسية المسافية ،فمن نقل كلم
من قال منهم ((.إنه بائن )) وحمله على المباينة المسافية والمحاذاة كابن تيمية فقد باين
الصواب وقوّل أئمة الحق ما لم يقولوه ،فحذار حذار ممن يحمل كلمهم على غير محمله .
قال الحافظ البيهقي في كتابه (( السماء والصفات )) مبينا معنى من قال (( :ول مباين عن
العرش )) ما نصه (: )1
(( يريد به مباينة الذات التي هي بمعنى العتزال أو التباعد ،لن المماسة والمباينة التي هي
ضدها ،والقيام والقعود ،من اوصاف الجسام وال عز وجل أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن
له كفوا أحد ،فل يجوز عليه ما يجوز على الجسام ،تبارك وتعالى )) اهـ .
وقال أيضا ( (( : )2وليست البينونة بالعزلة ،تعالى ال ربنا عن الحلول والمماسة علوا كبيرا
)) اهـ .
بيان
أنه لم يصح عن النبي صلى ال عليه وسلم (( :الكرسي موضع قدميه ))
من القواعد المهمة التي ينبغي معرفتها أن الصفة ل ل تثبت بقول صحابي ول تابعي إل بما
صح من الحاديث النبوية المرفوعة المتفق على توثيق رواتها ،فل يحتج بالضعيف ول
بالمختلف في توثيق رواته .فمن هنا يعلم أن الحديث الذي يروى عن ابن عباس مرفوعا :
(( كرسيه موضع قدميه )) والذي تلهث المجسمة في ذكره لثبات بزعمهم قدمين ل يضعهما
على الكرسي ،لم يثبت لنه حديث ضعيف كما نص على ذلك الحفاظ.
قال الذهبي في (( الميزان )) في ترجمة شجاع بن مخلد الغلّس ما نصه ((( : )1أخطأ شجاع
في رفعه )) اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في (( التقريب )) ما نصه ( (( : )2صدوق ،وهم في حديث واحد رفعه
وهو موقوف ،فذكره بسببه العقيلي )) اهـ .
وقال الحافظ ابن الجوزي في (( الباز الشهب )) ما نصه ((( : )3رواه جماعة من الثبات
فوقفوه على ابن عباس ورفعه منهم شجاع بن مخلد ،فعلم بمخالفته الكبار المتقنين أنه قد غلط
،ومعنى الحديث :أن الكرسي صغير بالضافة إلى العرش كمقدار كرسي يكون عند سرير قد
وضع لقدمي القاعد على السرير )) اهـ .أي أن الكرسي حجمه صغير بالنسبة للعرش .
وقد روى البيهقي ( )4عن ابن عباس :الكرسي موضع القدمين )) من غير إضافة ،وكذا قاله
أبو موسى الشعري من غير إضافة أي لم يقول (( :قدميه )) بهاء الضمير ،قال البيهقي في
(( السماء والصفات )) ما نصه ( (( : )1وتأويله عند أهل النظر :مقدار الكرسي من العرش
كمقدار كرسي يكون عند سرير قد وضع لقدمي القاعد على السرير ،فيكون السرير أعظم قدرا
من الكرسي الموضوع دونه موضعا للقدمين ،والخبر موقوف ل يصح رفعه إلى النبي صلى ال
عليه وسلم )) اهـ .
قال الحافظ السيوطي في تفسيره ( (( : )2هذا على سبيل الستعارة ،تعالى ال عن التشبيه ،
ويوضحه ما أخرجه ابن جرير عن الضحاك قال :كرسيه الذي يوضع تحت العرش الذي تجعل
الملوك عليه أقدامهم )) اهـ .
فليس ل تعالى صفة القدمين يضعهما على الكرسي ولم يثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم
في ذلك شئ ،فالعجب من المجسمة كيف يقولون إن ال يضع قدميه على الكرسي ول مستند
لهم من ءاية أو حديث ،ولو ثبت أن الكرسي موضع القدمين لكان معناه أن الكرسي صغير
بالنسبة للعرش ،وعلى هذا يحمل ما جاء عن ابن عباس .
بيان
أن الوهابية يقولون صفات ال مخلوقة
وأن ال تحل في ذاته الحوادث والعياذ بال تعالى
وأن الستواء صفة مخلوقة ،تعالى ال عن قولهم
اتفق أهل السنة والجماعة أن ال سبحانه وتعالى أزلي ،واتفقوا أيضا على أن صفاته أزلية
بأزلية الذات لن حدوث الصفة يستلزم حدوث الذات ،واتفقوا أيضا أن ذات ال عز وجل ل تحل
به الحوادث ،وخالف في ذلك الكرامية المبتدعة فقالوا إن ال تحدث في ذاته الحوادث واتبعهم
ابن تيمية شبرا بشبر ثم جاء الوهابية وأخذوا هذه العقيدة من ابن تيمية .
وقد رد أهل السنة على الكرامية وفضحوهم نصره للحق ولتحذير الناس منهم ومن كان على
معتقدهم ،فقد ذكر ابن التلمساني شيئا من معتقدات الكرامية الفاسدة التي تبناها ابن تيمية ،
فقال الشيخ شرف الدين ابن التلمساني في شرح لمع الدلة للجويني ما نصه (:)1
(( وخالف إجماع المة طائفة نبغوا من سجستان لقبوا بالكرامية نسبة على محمد بن كرام ،
وزعموا أن الحوادث تطرأ يعني تتجدد على ذات ال ،تعالى عن قولهم ،وهذا المذهب نظير
مذهب المجوس .ووجه مضاهاته لمذهب المجوس أن طائفة منهم تقول بقدم النور وحدوث
الظلمة ،وأن سبب حدوثها أن يزدان فكر فكرة فحدث منها شخص من أشخاص الظلمة فأبعده
وأقصاه وهو هرمز ،وجميع الشر ينسب إليه .وكذلك الكرامية تزعم أن ال تعالى إذا أراد
إحداث محدث أوجد في ذاته كافا ونونا وإرادة حادثة ،وعن ذلك تصدر سائر المخلوقات المباينة
لذاته )) اهـ.
وقال المام أبو المظفر السفراييني ما نصه ( (( : )1ومما ابتدعوه – أي الكرامية – من
الضللت مما لم يتجاسر على إطلقه قبلهم واحد من المم لعلمهم بافتضاحه هو قولهم :بأن
معبودهم محل الحوادث تحدث في ذاته أقواله وإرادته وإدراكه للمسموعات والمبصرات ،
وسموا ذلك سمعاًَ وتبصرا ،وكذلك قالوا :تحدث في ذاته ملقاته للصفحة العليا من العرش ،
زعموا أن هذه أعراض تحدث في ذاته ،تعالى ال عن قولهم )) اهـ.
فتبين مما أوردناه أن ابن تيمية ليس له سلف إل الكرامية ونحوهم ،وليس كما يدعي أنه يتبع
السلف الصالح ،ومن المصيبة أن يأخذ مثل ابن تيمية بمثل هذه الفضيحة ،فمذهبه خليط من
مذهب ابن كرام واليهود والمجسمة ،نعوذ بال من ذلك .
وقد أجاب المام الحجة السفراييني في دحض هذه الفرية بقوله ( (( :)2اعتقاد أهل السنة
والجماعة أن تعلم أن الحوادث ل يجوز حولها في ذاته وصفاته لن ما كان محل للحوادث لم
يخل منها ،وإذا لم يخل منها كان محدثا مثلها ،ولهذا قال الخليل عليه الصلة والسلم{ :ل
ن }[ سورة النعام ] بين به أن من حل به من المعاني ما يغيره من حال على حال
ُأحِبّ الفِلِي َ
كان محدثا ل يصح أن يكون إلها )) اهـ.
فيكون بهذا ما توسع به ابن تيمية في كتبه من تجويز قيام الحوادث به تعالى وحولها فيه
خارجا عن معتقد أهل السنة والجماعة ،أهل الحق .
فائدة :قال سيف الدين المدي في كتاب (( غاية المرام )) في علم الكلم ما نصه (: )3
(( فالرأي الحق والسبيل الصدق والقرب إلى التحقيق أن يقال :لو جاز قيام الحوادث به لم
يخل عند اتصافه بها إما أن توجب له نقصا أو كمال أو ل نقص ول كمال ،ل جائز أن يقال
بكونها غير موجبة للكمال ول النقصان فإن وجود الشئ بالنسبة إلى نفسه أشرف له من
عدمه ،فما اتصف بوجود الشئ له وهو مما ل يوجب فوات الموصوف ول فوات كمال له ،
وبالجملة ل يوجب له نقصا فل محالة أن اتصافه بوجود ذلك الوصف له أولى من اتصافه بعدمه
لضرورة كون العدم في نفسه مشروفا بالنسبة إلى مقابله من الوجود ،والوجود أشرف منه ،
وما اتصف بأشرف المرين من غير أن يوجب له نقصا تكون نسبة الوجود إليه مما يرجع إلى
النقص والكمال على نحو نسبة مقابله من العدم ،ول محالة من كانت نسبته على ذلك وجود
ذلك الوصف أشرف منه بالنسبة على عدمه ،ول جائز أن يقال :إنها موجبة لكماله وإل لوجب
قدمها لضرورة أن ل يكون البارئ ناقصا محتاجا إلى ناحية كمال في حال عدمها ،فبقي أن
يكون اتصافه بها مما يوجب القول بنقصه بالنسبة على حاله قبل أن يتصف بها ،وبالنسبة على
ما لم يتصف بها من الموجودات ،ومحال أن يكون الخالق مشروفا أو ناقصا بالنسبة إلى
المخلوق ،ول من جهة ما كما مضى )) اهـ.
قال المفسر أبو حيان الندلسي في تفسيره ما نصه ( (( : )1تقرر في العقول من أن ال تعالى
يستحيل أن يتصل بالنتقال المعهود في غيره تعالى ،وان يحل فيه حادث أو يحل هو في حادث
)) اهـ.
فالحاصل أن ال تعالى أزلي وصفاته أزلية ل ابتداء لوجودها ،ول يزال أبديا ول تزال صفاته
أبدية بأبدية الذات ،فالقائل بأن ال تعالى تحدث في ذاته إرادات في الزل والبد وكلم في الزل
والبد على التعاقب تحدث بعضها بعد بعض ،فإن أراد بذلك أنه يحدث الشئ في ذاته بفعله
وبخلقه بعدما كان معدوما ،كان ذلك تناقضا وهو محال ،لن ذاته أزلي فيستحيل أن تحدث في
ذاته صفة ،وإن أراد أن غيره يحدثه فيه فذلك أصرح في القول بأنه حادث ،وذلك أيضا محال
عقل وشرعا .وإن قال :إنه يحدث ذلك الكلم وتلك الرادات بل فاعل أي لم يخلقها هو بنفسه
ول غيره خلقها فيه ،كان ذلك أيضا محال ،لن حدوث شئ ما بل مكون محال عقل ،قال
المقري [ :رجز ]
لنه من المحال الباطل وجود شئ ما بدون فاعل
فكل من التقديرات الثلثة يؤدي على المحال ،وما أدى على المحال محال ،ومن المعلوم أن
دين ال ل يأتي بالمحالت العقلية بل الشرع يأتي بما يجوزه العقل ،لن العقل شاهد للشرع
فكيف يناقضه ؟
هـ ) في عقيدته التي ذكر أنها بيان عقيدة أهل (ت321 قال المام أبو جعفر الطحاوي السلفي
السنة والجماعة ما نصه :
(( ما زال – أي ال – بصفاته )) قديما قبل خلقه ،لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته
)) اهـ ،أي لم يزدد بكون الخلق أي وجودهم شيئا من الكمال ،بل كماله أزلي ل يزداد ول
ينقص .
وأما مخالفة ابن تيمية لهل السنة في هذه المسئلة فيظهر من قوله ( (( : )1ومن قال :إن
الخلق حادث كالهشامية والكرامية قال :نحن نقول بقيام الحوادث به ،ول دليل على بطلن ذلك
،بل العقل والنقل والكتاب والسنة وإجماع السلف يدل على تحقيق ذلك ،كما قد بسط في
موضعه .ول يمكن القول بأن ال يدبر هذا العالم إل بذلك ،كما اعترف بذلك أقرب الفلسفة
إلى الحق كأبي البركات صاحب (( المعتبر )) وغيره )) اهـ.
وقال في (( المنهاج )) ما نصه ( (( : )2فإن قلتم لنا :فقد قلتم بقيام الحوادث بالرب ،قلنا لكم
:نعم وهذا قولنا الذي دل عليه الشرع والعقل )) اهـ.
ثم قال فيه ما نصه ( (( : )1وقد أخذنا بما في قول كل من الطائفتين من الصواب وعدلنا عما
يرده الشرع والعقل من قول كل منهما ،فإذا قالوا لنا :فهذا يلزم منه أن تكون الحوادث قامت
به قلنا :ومن أنكر هذا قبلكم من السلف والئمة ،ونصوص القرءان والسنة تتضمن ذلك مع
صريح العقل وهو قول لزم لجميع الطوائف ،ومن أنكره فلم يعرف لوازمه ،ولفظ الحوادث
مجمل فقد يراد به العراض والنقائص وال منزه عن ذلك ،ولكن يقوم به ما شاءه ويقدر عليه
من كلمه وأفعاله ونحو ذلك مما دل عليه الكتاب والسنة ))اهـ .
وقال أيضا في كتابه (( المجموع )) ما نصه ( (( : )2ونظير ذلك أن يقول :لو كان قد استوى
على العرش لكان قد أحدث حدثا وقامت به الحوادث لن الستواء فعل حادث كان بعد أن لم يكن
،فلو قام به الستواء لقامت به الحوادث ومن قامت به الحوادث فقد أحدث حدثا ،وال تعالى
منزه عن ذلك .فإنه يقال له :الحادث في اللغة ما كان بعد أن لم يكن ،وال تعالى يفعل ما
يشاء فما من فعل يفعله إل وقد حدث بعد أن لم يكن )) اهـ .
أما الوهابية فقد قال أحد أبرز دعاتهم في كتابه المسمى (( تعقيبات على كتاب السلفية )) ما
نصه ((( : )3صفات الفعال والستواء والنزول والخلق والرزق قديمة النوع حادثة الحاد ))
اهـ .
وقال عبد ال بابطين (ت1282هـ ) – يصفه الوهابية بأنه مفتي الديار النجدية في عصره – في
تعليقه على (( لوامع النوار )) ما نصه ( (( : )4صفات ال تعالى قسمان :صفات ذاتية كالحياة
...وصفات فعلية وهي التي تتعلق بمشيئته وحكمته فإن اقتضت حكمته فعلها فعلها وإن اقتضت
حكمته أن ل يفعلها لم تكن ،وهذا مثل الخلق والرزق والحياء والماتة والكلم والنزول
والستواء وغير ذلك من صفات فعله ،فهذا يكون قديم النوع أو الجنس وإن كانت ءاحاده توجد
شيئا فشيئا وحينا وءاخر ،ومن المعلوم أنه يوجد الفرق بين صفة الحياة والقدرة مثل وبين
صفة الستواء ،فإن الول ل شك أن ال موصوف به أزل وأبدا جل وعل ،وأما الستواء فلم
يكن إل بعد خلق العرش ،وكذلك صفة نزوله إلى السماء الدنيا )) اهـ .
انظروا إلى هذا الضلل الذي يتخبطون فيه ،يقولون الستواء صفة حادثة بعد أن لم تكن ،
ووالذي أرواحنا بيده لو عاشوا عمر نوح لما استطاعوا أن يأتوا بدليل ثابت عن عالم من
علماء السلف أنه يقول بما زعم هؤلء الوهابية وزعيمهم ابن تيمية ،وهذا يدل بكل وضوح
على براءة السلف مما تعتقده الوهابية .وزعمهم ،أن الستواء قديم النوع حادث الحاد أي أن
ال تعالى على زعمهم لم يزل يخلق عرشا قبل عرش ويستوي عليه وتحدث في ذاته استواءات
عديدة ،وهذا كلم باطل ل يقوله من عرف معنى التنزيه .
ثم هذه هي عقيدة ابن تيمية المبتدع ،فقد نقل عنه الجلل الدواني -وهو عالم مشهور ترجمه
الحافظ السخاوي ووثقه – في كتاب شرح العضدية بقوله ( (( :)1وقد رأيت في بعض تصانيف
ابن تيمية القول به – أي بالقدم الجنسي – في العرش )) اهـ .أي أنه كان يعتقد أنجنس
العرش أزلي أي ما من عرش إل وقبله عرش إلى غير بداية وأنه يوجد ثم ينعدم ثم يوجد ثم
ينعدم وهكذا ،أي أن العرش جنسه أزلي لم يزل مع ال ولكن عينه القائم الن حادث على
زعمه .
فإن قيل للوهابية :كم مرة عندكم حصل الستواء على العرش .فإن قالوا :مرة واحدة ،قيل
لهم :جعلتم الستواء صفة حادثة عندكم مخلوقة ،لن الستواء حدث ووجد بعد أن لم يكن
وهذا كفر وضلل ،وإل فيما معنى زعمكم الستواء قديم النوع حادث الحاد ،فإن النوع واحد –
أي الستواء كان مرة واحدة عندكم على زعمكم – والحاد واحد ،وإن قالوا :الستواء على
العرش حصل أكثر من مرة لننا نقول الستواء قديم النوع حادث الفراد ،قيل لهم :قد قلتم
قول ما قال به أحد من أهل السنة قاطبة وخرجتم على القرءان والسنة والجماع وصريح العقل.
بيان
أن الوهابية يقولون ال جالس على العرش
ومستقر عليه ،والعياذ بال من الكفر
بعض الوهابية يزعمون أن هذا محض افتراء عليهم وأنه ل يوجد في كتبهم هذه العقيدة الكفرية
،فنقول لهؤلء إن هذا ثابت عنكم ومما صرح به بعضكم ،وهي عقيدة المجسم المبتدع ابن
تيمية (ت728هـ ) ،ومنه أخذها تلميذه المجسم المبتدع ابن قيم الجوزية (ت751هـ) ،وكذا
الوهابية المجسمة أخذوها من ابن تيمية ،فلنثبت أول عقيدة ابن تيمية وتلميذه من كتبهما ثم
عقيدة الوهابية من كتبهم .
قال ابن تيمية ما نصه ( (( :)1وإذا كان قعود الميت في قبره ليس هو مثل قعود البدن ،فما
جاءت به الثار عن النبي صلى ال عليه وسلم من لفظ القعود والجلوس في حق ال تعالى
كحديث جعفر بن أبي طالب رضي ال عنه وحديث عمر بن الخطاب رضي ال عنه وغيرهما
أولى أن ل يماثل صفات أجسام العباد )) اهـ .
نقول :وهذا كذب على النبي صلى ال عليه وسلم وعلى الصحابة فل يثبت عن أحد منهم ذلك .
وقال في تفسير سورة العلق ما نصه ( (( : )2ومن ذلك حديث عبد ال بن خليفة المشهور الذي
يروى عن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم ،وقد رواه أبو عبد ال محمد بن عبد الواحد
المقدسي في مختاره .وطائفة من أهل الحديث ترده لضطرابه كما فعل ذلك أبو بكر السماعيلي
وابن الجوزي وغيرهم ،لكن أكثر أهل السنة قبلوه ،وفيه قال :إن عرشه أو كرسيه وسع
السموات والرض ،وإنه يجلس عليه فما يفضل منه قدر أربعة أصابع – أو ما يفضل منه إل
قدر أربعة أصابع -وإنه ليئط به أطيط الرحل الجديد براكبه )) اهـ .
ثم قال ما نصه ( (( : )1وهذا وغيره يدل على أن الصواب في روايته النفي ،وأنه ذكر عظمة
العرش ،وأنه مع هذه العظمة فالرب مستو عليه كله ل يفضل منه قدر أربعة أصابع ،وهذه
غاية ما يقدر به في المساحة من أعضاء النسان )) اهـ .
فلينظر إلى قوله (( :يدل على أن الصواب في روايته النفي )) أي على زعمه أن رواية النفي
وهي (( :ل يفضل من العرش شئ )) أصح من رواية (( أنه ما يفضل منه إل أربع أصابع )) (
. )2
ثم قال ما نصه ( (( : )3ومن قال (( :ما يفضل إل مقدار أربع أصابع )) فما فهموا هذا
المعنى ،فظنوا أنه استثنى فاستثنوا فغلطوا ،وإنما هو توكيد للنفي وتحقيق للنفي العام ،وإل
فأي حكمة في كون العرش يبقي منه قدر أربع أصابع خالية ،وتلك الصابع أصابع من الناس ،
والمفهوم من هذا أصابع النسان ،فما بال هذا القدر اليسير لم يستو الرب عليه )) اهـ .
وقال في المنهج ما نصه ( (( : )4وأما قوله إنه يفضل عنه من العرش من كل جانب أربع
أصابع فهذا ل أعرف له قائل ول ناقل ،ولكن روى في حديث عبد ال بن خليفة أنه ما يفضل
من العرش أربع أصابع يروى بالنفي ويروى بالثبات ،والحديث قد طعن فيه غير واحد من
المحدثين كالسماعيلي وابن الجوزي ،ومن الناس من ذكر له شواهد وقواه ،ولفظ النفي ل
يرد عليه شئ فإن مثل هذا اللفظ يرد لعموم النفي كقول النبي صلى ال عليه وسلم (( :ما في
السماء موضع أربع أصابع إل وفيه ملك قائم أو قاعد أو راكع أو ساجد )) أي ما فيها موضع،
ومنه قول العرب (( :ما في السماء قدر كف سحابا )) ،وذلك لن الكف يقدر به الممسوحات
كما يقدر بالذراع ،وأصغر الممسوحات التي يقدر بها النسان من أعضائه كف فصار هذا مثل
لقل شئ .فإذا قيل :إنه ما يفضل من العرش أربع أصابع كان المعنى ما يفضل منه شئ ،
والمقصود بيان أنه أعظم وأكبر من العرش ،ومن المعلوم أن الحديث إن لم يكن النبي صلى
ال عليه وسلم قاله فليس علينا شئ ،وإن كان قاله فلم يجمع بين النفي والثبات ،فإن كان
قاله بالنفي لم يكن قاله بالثبات ،والذين قالوه بالثبات ذكروا فيه ما يناسب أصولهم كما بسط
في غير هذا الموضع ،فهذا وأمثاله سواء كان حقا أو باطل ل يقدح في مذهب أهل السنة ول
يضرهم )) اهـ .
فلينظر إلى قوله (( :ولفظ النفي ل يرد عليه شئ )) كيف يجيز نسبة هذا إلى النبي صلى ال
عليه وسلم وهو كلم صريح في التجسيم ،وانظر أيضا إلى تجويزه أن يكون الرسول صلى ال
عليه وسلم قال (( :يفضل عنه أربع أصابع )) الذي هو أقبح من لفظ النفي وإن كان كل
اللفظين يقتضي إثبات المساحة والمقدار لذات ال ،وقد قام الدليل العقلي القطعي على استحالة
ذلك على ال لنه يلزم عليه أن يجوز على ال ما يجوز على سائر الجرام كالشمس من الفناء
والتغير ،وأن يكون مستدير الشكل أو مربعه أو مثلثه إلى غير ذلك ،وهل عرفنا عقل أن
الشمس محدثة إل بالشكل ونحوه ،فلو كان ال كذلك كما هو مقتضى كلمه هذا لجازت اللوهية
للشمس عقل ،ومحال أن تثبت اللوهية لغير ال تعالى ،فما أدى على المحال العقلي وهو
الكون ذا مقدار وشكل محال ،فثبت المطلوب وهو تنزه ال تعالى عن المقدار والمساحة
والشكل.
ويقول في الفتوى الحموية بعد كلم ما نصه ( (( : )1وذلك أن ال معنا حقيقة ،وهو فوق
العرش حقيقة )) اهـ .
وأما عبارته في فتاويه فإنها صريحة في إثباته الجلوس ل فقال فيه ما نصه (( :فقد حدث
العلماء المرضيون وأولياؤه المقربون أن محمدا رسول ال صلى ال عليه وسلم يجلسه ربه
على العرش معه )) اهـ .
وقد نقل عنه هذه العقيدة أبو حيان الندلسي النحوي المفسر المقرئ في تفسيره المسمى بالنهر
قال (( :وقرأت في كتاب لحمد بن تيمية هذا الذي عاصرنا وهو بخطه سماه كتاب العرش :إن
ال يجلس على الكرسي وقد أخلى منه مكانا يقعد معه فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،
تحيل عليه التاج محمد ابن علي بن عبد الحق البارنباري ،وكان أظهر أنه داعية له حتى أخذه
منه وقرأنا ذلك فيه )) ( . )2اهـ .
ونقل أبي حيان هذا كان قد حذف من النسخة المطبوعة القديمة ،ولكن النسخة الخطية تثبته .
وسبب حذفه من النسخة المطبوعة ما قاله الزاهد الكوثري في تعليقه على السيف ( ، )3قال :
(( وقد أخبرني مصحح طبعه بمطبعة السعادة أنه استفظعها جدا فحذفها عند الطبع لئل يستغلها
أعداء الدين ،ورجاني أن أسجل ذلك هنا استدراكا لما كان منه ونصيحة للمسلمين )) .اهـ .
فلينظر العقلء إلى تخبط ابن تيمية حيث يقول مرة إنه جالس على العرش ،ومرة إنه جالس
على الكرسي ،وقد ثبت في الحديث أن الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في أرض فلة فكيف
ساغ لعقله .
والعجب من ذلك نقله قول عثمان الدارمي ( )4المجسم عن ال سبحانه وتعالى (( :ولو قد
شاء ل ستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته ،فكيف على عرش عظيم
أكبر من السموات والرض )) اهـ ،نعوذ بال من مقت القلوب .
وقال تلميذه ابن قيم الجوزية في كتابه (( بدائع الفوائد )) ما نصه :
(( ول تــنكــروا أنــه قـــاعد ول تــنكــروا أنــه يــقعــده )) اهــ.
ولم يثبت ذلك عن أحد من أئمة السلف ول عن الدارقطني وإن نسبه إليه هذا المجسم .
أما الوهابية فقد زعم عبد الرحمن بن حسن وهو حفيد محمد بن عبد الوهاب (ت1206هــ) أن
الجلوس من صفات ال ،تعالى ال عما يقول المشبهة علوا كبيرا ،وقد أخذ هذا المجسم عقيدة
التجسيم من مدرسة جده محمد بن عبد الوهاب المجسم ،فقد قال في كتابه المسمى (( فتح
المجيد )) ما نصه ( (( : )2فإذا سمعوا شيئا من محكم القرءان ومعناه حصل معهم فرق أي
خوف ،فإذا سمعوا شيئا من أحاديث الصفات انتفضوا كالمنكرين له ،فلم يحصل منهم اليمان
الواجب الذي أوجبه ال تعالى على عباده المؤمنين ،قال الذهبي :حدث وكيع عن إسرائيل
بحديث (( :إذا جلس الرب على الكرسي )) فاقشعر رجل عند وكيع ،فغضب وكيع وقال :أدركنا
العمش وسفيان يحدثون بهذا الحاديث ول ينكرونها )) انتهى كلمه بحروفه .
وما ذكره ليس بحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم ول يثبت عن أحد من الئمة قوله
بالجلوس بل هذا من الكذب عليهم ،فانظر أيها القارئ كيف يصفون ال تعالى بالجلوس الذي
هو من صفات البشر ،ويموهون على الناس بنسبة هذا القول إلى علماء المسلمين لينشروا هذا
العتقاد الفاسد .
ومن العجب العجاب استشهاده بالكفر في وصف ال بالجلوس وزعمه أنه صفة ل وتركه
بالستشهاد بالمتشابه من الصفات التي وردت في القرءان والسنة كالوجه واليد والعين والغضب
ونحوها ،وهذا مما يدل على اعتقاده التجسيم ،ول يجديهم نفعا أن يقولوا أي الوهابية إنه أي
حفيد محمد بن عبد الوهاب ينقل عن فلن أو فلن لن نقله مقرا ومستشهدا في الرد على من
ينكر صفات ال كما زعم .وقد جاء على غلف الكتاب ما نصه (( :راجع حواشيه وصححه
وعلق عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد ال بن باز الرئيس العام لدارات البحوث العلمية
هـ ) 1420 والفتاء والدعوة والرشاد في المملكة العربية السعودية )) اهـ ،وابن باز هذا (ت
هو زعيم الوهابية لم يعلق على هذا الموضع بالرد والتفنيد والنكار مع أنه هو وجماعته
ينكرون على أهل السنة أمورا ليست مخالفة للشرع كالحتفال بمولد النبي صلى ال عليه
وسلم ،واستعمال السبحة ( المسبحة ) ،وقول :صدق ال العظيم بعد النتهاء من قراءة
القرءان ،وقراءة القرءان على الميت ،وغيرها ،وهذا الكتاب هو من الكتب المعتمدة عندهم
في العقيدة ،يطبعونه ويوزعونه ويعلمونه للناس ،انظروا كيف ينشرون الكفر بتشبيههم ل
بمخلوقاته ،ول يجديهم نفعا قولهم جلوس ل كجلوسنا فنسبة الجلوس ل كفر كيفما كان ذلك
الجلوس الذي يزعموه ،فإن الجلوس من صفات المخلوقين .
هـ ) في تعليقه على كتاب (( لوامع النوار ت1349 وقال سليمان بن سحمان النجدي الوهابي (
البهية )) نقل عن ابن تيمية المجسم مقرا وموافقا له – الذي نقل عن المجسم عثمان بن سعيد
الدارمي -مقرا وموافقا له ما نصه ( (( : )1الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء ويهبط
ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء ،لن أمارة ما بين الحي والميت
والتحرك )) اهــ ،فإذا كان هذا الكلم باطل عندهم فلماذا ل ينكرونه ويسكتون عليه !!! .
فليحذر طالب العلم من هذه الشرذمة المجسمة ،ونحمد ال تعالى أن وفقنا لعقيدة أهل الحق .
وأما قولهم أي الوهابية بالستقرار على العرش فهم ل ينكرونه بل يقولونه لفظا واعتقادا .
قال أحد زعماء الوهابية في كتابه (( شرح العقيدة الواسطية )) ما نصه (: )1
(( فإن سألت مامعنى الستواء عند أهل السنة والجماعة فمعناه العلو والستقرار؟ )) اهـ ،أما
أن العلو قال به قسم من أهل السنة فصحيح ل غبار عليه ول يعنون به علو المسافة كما يزعم
الوهابية ،لكن زعمه أن أهل السنة قالوا :الستواء هو الستقرار فكذب محض وفرية بل مرية
،وال حسيبهم يوم القيامة ،وكم لهم من كلم يتقولون به على أهل السنة وأهل السنة منهم
بريئون مما ينسبون إليهم ،وهكذا شأن أهل البدع ينسبون ما هم فيه من ءارائهم ومعتقداتهم
الفاسدة إلى أهل السنة والجماعة تسترا بهم ،ولقد قيل :
ومما يدل على افترائهم على أهل السنة قول ناصر اللباني (ت1420هــ) الوهابي المجسم الذي
يعتبرونه مرجعهم في علم الحديث – وهو خارجي على أهل الحديث – في كتابه (( مختصر
العلو )) ( (( : )2نسبة الستقرار على ال مما لم يرد ،فل يجوز اعتقاده ( )3ونسبته إلى ال
عز وجل ،لذلك ترى الذهبي رحمه ال أنكر على من قال ممن جاء بعد القرون الثلثة :إن ال
استوى استواء
استقرار )) اهـ ،وكتاب الذهبي المسمى ب (( العلو )) هو عمدتهم فالعجب من الوهابية كيف
يقولون بالستقرار والذهبي – هو صاحب ابن تيمية – ينكره في أكثر من موضع من كتابه (
، )4وفي ذلك دليل على أنه لم يثبت عن أحد من علماء السلف القول به ،فل تغتر بكلم
الوهابية أو غيرهم ممن يقولون بذلك ،فأنه مذهب رديء مردود على قائله كائنا من كان .
وفي كثير من كتب الوهابية يقولون فيها الستواء هو الستقرار ،فل نطيل بذكرها ،وما أشرنا
إليه يكفي لتنبيه اللبيب ،نسال ال السلمة وأن يجنبنا حر اللهيب .
ان شاء ال تعالى يتبع .
فصل
في إزالة شبه المانعين من تفسير
الستواء بالستيلء
يقول أحد مجسمة الوهابية (( :ما يستند إليه هؤلء المعطلة في زعمهم هذا من قولهم أن
تفسير استوى باستولى أمر مشهور في اللغة ،هو قول باطل مردود لنه لم يثبت عند أحد من
أهل اللغة أن لفظ استوى يصح استعمالها بمعنى استولى ،بل إن هذا القول منكر عند اللغويين
)) اهـ .
وقال ءاخر منهم أيضا (( :لم يرد في اللغة العربية أن استوى بمعنى استولى )) اهـ .
وقال ءاخر أيضا (( :لم ينقله أحد من أئمة اللغة الذين يعتد بقولهم )) ( )2اهـ .
قلنا :يعني هذا الوهابي ب (( المعطلة )) من تأول من أهل السنة والجماعة الستواء بالستيلء
،وهم أي الوهابية والمعتزلة المبتدعة سواء في عدائهم لهل السنة ،فالمعتزلة قالوا عن أهل
السنة مجبرة لنهم أي أهل السنة يقولون كل شئ بقدر ما كان خيرا وما كان شرا والمعتزلة
ضد هذه العقيدة يقولون الشر ليس بقدر ال ،وهذا كفر والعياذ بال ،وعليهم من ال ما
يستحقون .
ومن تناقض الوهابية أنهم يذكرون أن ابن العرابي يقول إن العرب ل تعرف استوى بمعنى
استولى ثم يذكرون له قول ءاخر يعارض قوله الول ( انظر الشبهة الرابعة عشرة ) مستدلين
به على أن الستيلء يكون مع مغالبة وهذا يدل على تهورهم وعدم التثبت وأنهم يقولون ما ل
يعقلون .
أما الدليل على أن هذا التفسير سائغ في اللغة فنثبته كالتالي :
قال اللغوي أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الصبهاني (ت502هـ) ما نصه ()1
حمَنُ عَلَى
(( :ومتى عدي – أي الستواء – ب (( على )) اقتضى معنى الستيلء كقوله { :ال ّر ْ
ش اسْ َتوَى } [ سورة طه ] )) اهـ .
ا ْلعَرْ ِ
وقال اللغوي أبو عبد الرحمن عبد ال بن يحيى بن المبارك اليزيدي (( )2ت237هـ ) ما نصه (
ش اسْ َتوَى } [سورة طه ] :استولى )) اهـ ،وابن المبارك هذا كان
حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ
{: )3ال ّر ْ
من أصحاب اللغوي المشهور أبي زكريا يحيى ابن زياد الفراء (ت207هـ) ،قال أحمد بن يحيى
النحوي ( (( :)4ما رأيت في أصحاب الفراء أعلم من عبد ال بن [ أبي ] محمد اليزيدي – وهو
أبو عبد الرحمن – وخاصة في القرءان ومسائله )) اهــ .
وقال المام المجتهد أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) في تفسيره ما نصه ((( : )5
الستواء في كلم العرب منصرف على وجوه )) ،ثم ذكر هذه الوجوه ثم قال (( :ومنها
الحتياز والستيلء كقولهم :استوى فلن على المملكة بمعنى احتوى عليها وحازها )) اهـ .
فهذا ابن جرير وهو من السلف نص على أن الستواء بمعنى الستيلء من لغة العرب .
وقال اللغوي أحمد بن محمد بن علي الفيومي ( توفي نحو 770هــ) ما نصه ( (( : )1واستوى
على سرير الملك :كناية عن التملك وإن لم يجلس عليه )) اهـ .
هـ ) (( :وقالوا :معنى استوى :استولى )) ( )2اهـ ، (ت311 وقال اللغوي أبو إسحاق الزجاج
وقد ذكره بصيغة الجمع ،المر الذي يدل على أن هذا المعنى كان مقررا معروفا عند اللغويين .
هـ ) ما نصه ( (( : )3فقول العرب :عل فلن فلنا (ت340 وقال اللغوي أبو القاسم الزجاجي
أي غلبه وقهره كما قال الشاعر :
يعني غلبناهم وقهرناهم واستولينا عليهم )) اهــ ،أبو القاسم هذا يقول فيه الذهبي ( )4في ((
السير )) :
(( شيخ العربية )) اهـ ،وهذا منه نص صريح بأن العرب تقول استوى بمعنى القهر والغلبة
الذي هو الستيلء .
وقال اللغوي محمد بن أبي بكر الرازي ( كان حيا سنة 666هـ ) ما نصه ( (( : )5واستوى أي
استولى وظهر )) اهـ .
) ومن اللغويين أيضا 6 هـ) في (( لسان العرب )) ( (ت711 وكذا قال مثله اللغوي ابن منظور
الفيروزابادي (( )7ت718هـ ) ،فقد فسر الستواء بالقهر والقدرة في كتابه (( البصائر ))
وبالستيلء في كتابه (( القاموس )).
وقال اللغوي الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في (( شرح الحياء )) ( (( : )1فإنه قد ثبت إطلقه
وإرادته لغة )) اهـ ،أي تفسير استوى باستولى .
* أما من احتج بهذا البيت من اللغويين والفقهاء والصوليين والمفسرين فأكثر من أن يحصى
صةُ
ويحصر بين دفتي هذا المصنف ،ولكن نذكر عددا من أبرزهم وإل فإنه تغنيك عن البحر مَ ّ
شلِ ،وفي طلعة الشمس ما يُغنيك َ عن زحل ،ومن جملة من احتج به من اللغويين :أحمد
ال َو َ
بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي (( )2ت756هـ ) ،ومحمد بن أبي بكر بن عبد القادر
هـ ) وخاتمة اللغويين الحافظ محمد بن محمد (( )4ت745 الرازي (، )3وأبو حيان الندلسي
الحسيني الشهير بمرتضى الزبيدي (1205( )5هـ) .
وقال ءاخر:
ذكره المفسر الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في (( الباز الشهب )) ( )1مستشهدا به .
وقد استشهد بهذا البيت من اللغويين :المفسر أبو حيان الندلسي (، )3والحافظ محمد مرتضى
الزبيدي ( )4لكن عنده :
(( مرعى )) و((طائر )) بدل (( :صرعى )) و(( كاسر )) ،واللغوي الكبير أبو القاسم الزجاجي
هـ ) شيخ العربية. (( )5ت340
فهذه أقوال بعض من وقفنا على كلمهم من اللغويين المتقدمين والمتأخرين الذين قالوا بأن
تفسير الستواء بالستيلء من لغة العرب ،فبالتمسك بقول ابن العرابي فقط لرد هذا التفسير
من دون الرجوع إلى من ذكرنا من أئمة اللغة تحكم وتعام عن الحقيقة .على أن ابن العرابي
ليس مجسما كالوهابية بل هو يؤول كما أول (( العرش )) بالملك كما نقل عنه اللغوي الزبيدي
في
) والوهابية تعتبر من يؤول معطلًَ )) ! ج4/321 (( شرح القاموس)) (
إذا قال لك المجسم ( الوهابي ) :سلّمنا أن الستواء في اللغة من معانيها الستيلء والقهر ،
لكن الستيلء معناه المغالبة فيلزمكم على هذا أن يكون ال له منازع ينازعه وال لم ينازعه
أحد في العرش .
قلنا :الستواء معناه القهر والغلبة والستيلء ،وتفسير الستواء بالستيلء ل يقتضي المغالبة
لن المراد به القهر وقد وصف ال تبارك وتعالى نفسه بأنه القاهر فوق عباده ،قال تعالى :
ق عِبَادِ ِه } [ سورة النعام ] ،وقال { :وَ ُهوَ ا ْلوَاحِدُ ا ْل َقهّارُ } [سورة الرعد ] .
{وَ ُه َو ا ْلقَاهِرُ َفوْ َ
فإن قالوا :قهر ل يدل على أنه كان مغالبا (. )1
قلنا :وكذلك الستيلء ل يقتضي أنه كان يتشاجر ويتغالب مع غيره فغلبه ال ،لن الستيلء
المراد به القهر كما ذكرنا .
هـ ) في الرد على المجسمة وبعد أن تأول (ت514 قال المام أبو نصر عبد الرحيم القشيري
الستواء بالقهر ما نصه :
ق عِبَادِ ِه }[ سورة النعام ]
(( ولو اشعر ما قلنا توهم غلبته لشعر قوله { :وَ ُه َو ا ْلقَاهِرُ َفوْ َ
بذلك أيضا حتى يقال كان مقهورا قبل خلق العباد ،هيهات إذ لم يكن للعباد وجود قبل خلقه
إياهم )) اهـ ،نقله الحافظ الزبيدي في شرح الحياء (. )2
هـ) ما نصه ( (( : )3فإن قيل :الستواء بمعنى (ت478 وقال إمام الحرمين عبد الملك الجويني
الغلبة ينبئ عن سبق مكافحة ومحاولة ،قلنا :هذا باطل ،إذ لو أنبأ الستواء عن ذلك لنبأ
عنه القهر )) اهـ .
وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري ( ت 1371هـ ) في تعليقه على (( السماء والصفات )) ما
نصه (: )4
(( من حمله على معنى الستيلء حمله عليه بتجريده من معنى المغالبة )) اهـ .
نقول :نحن أهل السنة وصفنا ال بما هو لئق به وهو الستيلء ومعناه القهر أما المجسمة
فوصفوه بما هو غير لئق به وهو الستقرار وهذا يقتضي سبق الضطراب والعوجاج وذلك
محال في وصفه تعالى ،فما شنعوا به علينا يلزمهم ومنطبق عليهم لنهم شبهوه بخلقه
ووصفوه بما لم يصفه به أحد من أهل السنة ل من السلف ول من الخلف إل أن يكون من
حكِيما } [سورة النساء] فإن
علِيما َ
ن الّلهُ َ
أسلفهم المجسمة .ويورد عليهم قوله تعالى َ { :وكَا َ
أهل العلم بالتفسير قالوا :معناه لم يزل كذلك .
ومما يدل على أنها تستعمل لغير المغالبة ما قاله أهل اللغة والمفسرون في تفسير قوله تعالى
حكاية عن قول المنافقين للكفار :
علَ ْي ُكمْ } [سورة النساء ] ،أي ألم نستول عليكم بالموالة لكم ،وذلك أن المنافقين
حوِذْ َ
{أَ َلمْ َنسْ َت ْ
كانوا يقولون للمسلمين إذا غنموا أعطونا من الغنيمة وإذا حصل للكافرين ظهور على المسلمين
قال المنافقون للكافرين أعطونا مما أصبتم الم نستحوذ عليكم أي بالستيلء والغلبة أي الم
نستول عليكم ونحافظ عليكم وذلك بأننا تمكنا من قتلكم وأسركم ثم لم نفعل شيئا من ذلك وأبقينا
ن ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } [سورة النساء ] بأن ثبطناهم عنكم .
عليكم {وَ َنمْ َن ْعكُم مّ َ
ويقال أيضا :استحوذ الشيطان على الكفار بمعنى استولى على قلوبهم ،قال ال تعالى عن
حوَذَ عَلَ ْي ِهمُ الشّ ْيطَانُ }
الكفار { :اسْ َت ْ
[سورة المجادلة ] ،قال البغوي في تفسيره ( )3عند تفسير هذه الية (( :غلب واستولى ))
اهـ ،وقال اللغوي المفسر أبو حيان الندلسي في تفسيره ( (( :)4أي أحاط بهم من كل جهة
وغلب على نفوسهم واستولى عليها )) اهـ ،فهل كان الكفار يتشاجرون وينازعون ويغالبون
الشيطان حتى استولى عليهم !.
ومما يدل على أن الستيلء يستعمل مجردا عن المغالبة والمنازعة ما فسر به ابن عباس رضي
ال عنهما قوله ال تعالى إخبارا عن إبليس َ { :لحْتَ ِنكَنّ ذُرّيّ َت ُه } [سورة السراء ] ،قال :
(( لستولين عليهم )).
والمراد بالذرية ذرية ءادم عليه السلم ،ذكره الفراء في كتابه (( معاني القرءان )) (، )5
) عن الصحابي الجليل عبد ال ابن عباس رضي ال عنهما ، 6 وأسنده ابن جرير في تفسيره (
وبه فسر ابن جرير الية فقال ( (( : )7يقول :لستولين عليهم ،وعن مجاهد قال :لحتوينهم ،
وعن ابن عباس :لستولين ،قال ابن زيد :لضلنهم .وهذه اللفاظ وإن اختلفت فإنها
متقاربات المعنى لن الستيلء والحتواء بمعنى واحد وإذا استولى عليهم فقد أضلهم )) انتهى
باختصار ،والفراء من كبار اللغويين ومشاهيرهم ،وابن عباس من فصحاء العرب فهما عبرا
باستيلء الشيطان على قلوب بني ءادم إل قليل منهم وليس َثمّت منازعة ول مغالبة بين
الشيطان وبين من أضلهم من البشر ،وإنما كان استيلؤه عليهم بالوسوسة والستمالة إليه
ليضلهم ويبعدهم عن طاعة ربهم .
وقال اللغوي أبو القاسم الصبهاني في (( المفردات )) ما نصه ( (( :)1احتنك الجراد الرض أي
استولى بحنكه عليها فأكلها واستأصلها ،فيكون معناه – يعني قوله تعالى َ { :لحْتَ ِنكَنّ ذُرّيّ َتهُ }
[سورة السراء ] -لستولين عليهم استيلءه على ذلك )) اهـ ،فهل الرض كانت مغالبة
ومنازعة للجراد حتى استولى عليها ؟ !!.
هـ ) في مقدمة كتابه (( التسهيل )) ما نصه (: )2 ت672 وقال النحوي اللغوي ابن مالك (
(( هذا كتاب في نحو جعلته بعون ال مستوفيا لصوله ،مستوليا على أبوابه وفصوله فسميته
لذلك )) ...اهـ ،فأي مغالبة هنا ؟ فليفق المشبهون من غيهم وفسادهم ،وابن مالك هذا غني
عن التعريف .
ول بأس بذكر ما قاله الحافظ السيوطي في كتابه (( بغية الوعاة ))من الثناء والمدح وبيان
مرتبة ابن مالك بين علماء النحو واللغة ونص عبارته ( (( : )3إمام النحاة وحافظ اللغة ،وكان
إماما في القراءات وعللها ،وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الكثار من نقل غريبها ،وأما
النحو والتصريف فكان فيهما بحرا ل يجارى وحبرا ل يبارى )) ..اهـ .
وبعد هذا البيان الشافي ل يسع المنصف إل أن يتبع ما جاء في لغة العرب وما أثبته اللغويون ،
فعندهم أن الستيلء ليس في كل موارد استعمالها للمغالبة والمنازعة ،وكذلك فليكن تعبير من
عبر من أهل السنة بأن ال استولى على العرش مجردا عن المغالبة والمنازعة ،والستيلء
المراد به هنا القهر كما سبق بيان ذلك ،وبال التوفيق .
وهذا البيت يكثر استشهاد النحاة به في باب المشبهات ب (( ليس )) ومعناه أن الشاعر يصف
رجل بالعجز وضعف التأثير فيقول إنه ليس غالبا لحد من الناس ول مؤثرا فيه إل أن يكون
ذلك المغلوب والمؤثر عليه من ضعاف العقول ،فهذا الستيلء قد يحصل من دون مغالبة .
قاصمة :
من العجيب أن ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وأتباعهما الوهابية يشتد نكيرهم على تفسير
الستواء بالستيلء لنهم يزعمون أنه يقتضي سبق المغالبة والعجز وكون العرش في ملك
غيره ثم صار إليه مع أنهم يقولون :إن ال استولى على جميع خلقه .قال ابن تيمية في
(( مجموع الفتاوى )) ما نصه ( (( / )1فلما اتفق المسلمون على أنه يقال :استوى على
العرش ول يقال :استوى على هذه الشياء مع أنه يقال :استولى على العرش والشياء ))
اهـ ،وقال في موضع ءاخر ما نصه ( (( : )2والستواء مختص بالعرش باتفاق المسلمين مع
أنه مستول مقتدر على كل شئ من السماء والرض وما بينهما ))اهـ .
قال تلميذه ابن قيم الجوزية في كتابه المسمى (( بدائع الفوائد )) ما نصه ( (( : )3بل استواؤه
على عرشه واستيلؤه على جميع خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ول
غيره ))اهـ.
والوهابية ينقلون كلم زعيميهما ( ابن تيمية وابن قيم الجوزية ) موافقين لهم في ذلك كما في
الكتاب المسمى (( الكلمات الحسان )) ( )4لحد دعاة الوهابية وغيره من كتبهم .
فانظروا كيف يعيبون على غيرهم ما هم واقعون فيه ،فعلى مقتضى مذهبهم :ال كان مغالبا
لخلقه ولم يكونوا في ملكه ثم صاروا إليه ،وهذا يهدم عليهم ما أنكروه علينا ،وبال التوفيق .
-1ل يعرف قائله فهو مجهول ،فكيف تحتجون بقول مجهول .
-2إنه بيت مصنوع ل يعرف في اللغة .
-3ومنهم من يقول هو شاعر نصراني ،فكيف تستشهدون بكلمه .
-4ومنهم من يقول هذا البيت أنكره أئمة اللغة .
قلنا :أما الجواب عن المسئلة الولى فنقول إن علماء اللغة استشهدوا به ،فقولهم حجة ،ول
يضر بعد ذلك أننا لم نعرف قائله ،وأهل مكة أدرى بشعابها وكم من أبيات استشهد بها
اللغويون ول يعرف قائلها .
وقد سبق بيان من استشهد به من علماء اللغة .على أن هذا البيت نسبه خاتمة اللغويين
هـ ) ،وكذا ابن (ت90 الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في شرح ( )1على القاموس)) للخطل
كثير (ت774هـ ) في تاريخه ( )2فقال (( :وهو الذي أنشد بشر بن مروان قصيدته التي يقول
فيها :
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق )) اهـ
والخطل كان نصرانيا من شعراء العرب المتنصرة ،قال فيه الذهبي في (( السير )) (: )3
شاعر زمانه )) اهـ .
وأما المسئلة الثانية والرابعة فيجاب عنها بما أجبنا به في المسئلة الولى ،على أنهم لم يذكروا
من قال بأنه مصنوع ول من أنكره من أئمة اللغة ،وغاية ما يذكرونه إنكار ابن العرابي لهذا
التأويل ،وليس في رواية ابن العرابي أنه عرض عليه هذا البيت فرده وأنكره ،وإذا غاب عن
ابن العرابي هذا التفسير فقد عرفه غيره من أئمة اللغة ،فل يضر بعد ذلك أن قلنا به ،قال
الشاعر :
وأما المسئلة الثالثة فنقول :إن كتب أئمة اللغة طافحة في الستشهاد بكلم شعراء الجاهلية
وكانوا يعبدون الوثان والصنام ويسجدون لهم ويشركون بال تعالى ولم يمنعهم ذلك من
الستشهاد بكلمهم ،بل إن كتب اللغة فيها أيضا الستشهاد بكلم الخطل نفسه ،ول يخفى
حاله على ذي عينين ،فل معنى لكلمهم إل التهويل وتنفير الناس من هذا التأويل السائغ لغة
وشرعا ليوهموا العامة أننا نأخذ عقيدتنا من نصراني وهم أي الوهابية المجسمة أخذوا عقيدتهم
من اليهود الذين نسبوا الجلوس ل ،تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا ً.
وعقيدتنا بحمد ال تعالى ثابتة راسخة هي عقيدة أهل السنة والجماعة مأخوذة من القرءان
والسنة وإجماع المة ،والعقل شاهد لصحة هذه العقيدة وبال التوفيق .
إذا قال المجسم الوهابي بأن ال استواء ال على العرش ورد في سبعة مواضع من القرءان ،
ولم يرد في موضع منها استولى ،فلو ساغ تأويلكم لكان عبر به القرءان .
علَى
سمَاوَاتِ وَالَرْضَ فِي سِ ّتةِ أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى َ
-1قوله تعالى { :إِنّ رَ ّب ُكمُ الّلهُ الّذِي خَلَقَ ال ّ
سخّرَاتٍ بِ َأمْرِ ِه َألَ َل ُه ا ْلخَلْقُ
شمْسَ وَا ْل َقمَرَ وَال ّنجُومَ ُم َ
ش ُي ْغشِي اللّ ْيلَ ال ّنهَارَ َيطْلُ ُب ُه حَثِيثًا وَال ّ
ا ْلعَرْ ِ
ب ا ْلعَا َلمِينَ } [سورة العراف ].
ك الّلهُ رَ ّ
وَا َلمْ ُر تَبَارَ َ
علَى
سمَاوَاتِ وَالَرْضَ فِي سِ ّتةِ أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى َ
-2قوله تعالى { :إِنّ رَ ّب ُكمُ الّلهُ الّذِي خَلَقَ ال ّ
ل تَ َذكّرُونَ } [سورة
شفِيعٍ ِإلّ مِن َبعْدِ إِذْ ِنهِ ذَ ِل ُكمُ الّلهُ رَ ّب ُكمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَ َ
ش يُدَبّ ُر ا َلمْرَ مَا مِن َ
ا ْلعَرْ ِ
يونس ].
سخّرَ
ش َو َ
عمَ ٍد تَ َروْ َنهَا ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْ ِ
سمَاوَاتِ ِبغَيْ ِر َ
-3قوله تعالى { :الّل ُه الّذِي َرفَ َع ال ّ
ت َلعَّلكُم بِ ِلقَاء رَ ّب ُكمْ تُوقِنُونَ }
صلُ اليَا ِ
سمّى يُدَبّرُ ا َلمْ َر ُيفَ ّ
جلٍ ّم َ
شمْسَ وَا ْل َقمَ َر ُكلّ َيجْرِي َل َ
ال ّ
[سورة الرعد ] .
ض َومَا بَيْ َن ُهمَا فِي سِ ّتةِ أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى
سمَاوَاتِ وَالْأَرْ َ
ق ال ّ
-6قوله تعالى { :الّل ُه الّذِي خَلَ َ
سمَاء إِلَى الْ َأرْضِ ُثمّ
ن يُدَبّ ُر الْ َأمْرَ ِمنَ ال ّ
شفِيعٍ أَفَلَا تَتَ َذكّرُو َ
ي وَلَا َ
ش مَا َلكُم مّن دُو ِنهِ مِن وَلِ ّ
ا ْلعَرْ ِ
ن } [سورة السجدة ] .
ن ِمقْدَارُهُ أَلْفَ سَ َن ٍة ّممّا َتعُدّو َ
ج إِلَ ْيهِ فِي َي ْومٍ كَا َ
َيعْرُ ُ
وجوابنا عما قالوه هو ما أجاب به الحافظ اللغوي الفقيه تقي الدين السبكي في رده على المجسم
ابن قيم الجوزية ،ونص عبارته ( (( : )1وهذا الذي قاله ليس بلزم فالمجاز قد يطرد )) اهـ .
وماذا يقولون في قول ال تعالى { :فَاسْ َتوَى عَلَى سُو ِقهِ } [سورة الفتح ] .
ويقال لهذا المجسم لم يأت لفظ استوى بمعنى جلس أو استقر في هذه المواضع السبعة كما
تعتقدون ،فكيف تنكرون على غيركم ما أنتم واقعون فيه .
يقول أحد المجسمة (( :ل يجوز استوى بمعنى استولى إل في حق من كان عاجزا ثم ظهر ،
وال سبحانه ل يعجزه شئ والعرش ل يغالبة في حال ،فامتنع أن يكون بمعنى استولى )) اهـ
.
قلنا :هذا المجسم نقله عن ابن تيمية ( )1فهو عمدتهم في التجسيم كما علمت ،ونقول له :ل
يجوز تفسير الستواء بالستقرار على العرش كما زعمتم لن الستقرار من صفات الجسام
باتفاق أهل السنة من السلف والخلف ،فقولكم إن ال مستقر على العرش تجسيم يمقته من
رزق الفهم ،وقد سبق بيان تنزيه ال عن الستقرار والجلوس ،فليراجع .
واعلم أن من اللفاظ الموضوعة في لغة العرب التي تحتمل أكثر من معنى منها أي من هذه
المعاني ما هو مستحيل على ال ومنها ما هو لئق وصفه تعالى به ،فإذا أطلق على ال هذا
اللفظ ل يحمل إل على المعنى اللئق به لنه سبحانه وتعالى موصوف بكل كمال يليق به ،مثاله
لفظ الستواء فإن من معانيه القهر والجلوس و الستقرار وغيرها ،فالقهر صفة لئقة بال وقد
وصف نفسه بها ،أما الجلوس والستقرار فمن صفات الجسام ،فعندما نقول ال استوى على
العرش يحمل على الستواء اللئق بال .
وكذلك لفظ القديم إذا أطلق على ال كان المعنى أنه ل بداية لوجوده ،فيقال :ال قديم ،إذا
أطلق على المخلوق كان معنى تقادم العهد والزمن ،قال ال تعالى { :حَتّى عَا َد كَا ْلعُ ْرجُونِ ا ْلقَدِيمِ
} [سورة يس ] ،فالعرجون هو عذق النخل وهو شئ في أعل النخل فإنه إذا مضى عليه زمان
ييبس فيتقوس ،فالقمر في ءاخره يصير بهيئة ذلك ،فهنا القديم جاء بمعنى الشئ الذي مضى
عليه زمان طويل .
قال أبو المعين النسفي في كتابه (( التبصرة )) ما نصه ( (( : )1وكون الستيلء إن كان في
الشاهد عقيب الضعف ولكن لم يكن هذا عبارة عن استيلء عن ضعف في اللغة ،بل ذلك يثبت
على وفاق العادة ،كما يقال :علم فلن ،وكان ذلك في المخلوقين بعد الجهل ،ويقال :قدر ،
وكان ذلك بعد العجز ،وهذا الطلق جائز في ال تعالى على إرادة تحقق العلم والقدرة بدون
سابقة الجهل والعجز ،فكان هذا .على أن اللفظ الموضوع لمعنيين يستحيل أحدهما على ال
تعالى ول يستحيل الخر يفهم منه إذا أضيف إلى ال تعالى ما ل يستحيل عليه دون ما يستحيل
عليه .ففي اللفظ الذي ما وضع للضعف بل وضع لنفاذ السلطنة والتصرف وتثبت فيه سابقة
الضعف ل بدللة اللفظ بل يوافق العادة ،لن ل يفهم منه ما يستحيل على ال أولى ،وال
الموفق )) اهـ ،فمن أين لهؤلء أن يقولوا إن العرب ل تستعمل استولى إل في حق من كان
عاجزا ثم ظهر؟ وما دليلهم على أن استولى وضعت للضعف عند العرب ؟ أليس يقال عن ملك
من الملوك امتد ملكه وسلطانه شرقا وغربا إذا دخل بليدة صغيرة :استولى عليها ؟ أكان ذلك
عن ضعف وعجز ؟ ثم القهر قد يكون عن عجز وضعف وقد ل يكون ،والقهار من أسماء ال
عز وجل ،فهو الذي قهر جميع خلقه وجعلهم تحت حكمه وتصرفه ولم يكن ذلك عن عجز
منه ،سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
ثم نحن نلزمهم بحجة ل جواب لهم عنها إل بما هو ينقض ويهدم أصول مذهبهم ،فنقول لهم :
ماذا تقولون في قول ال تعالى :
سخِ َر الّلهُ مِ ْن ُهمْ }[سورة التوبة ] ،وقوله تعالى { :الّلهُ َيسْ َتهْزِى ُء ِب ِهمْ }
سخَرُونَ مِ ْن ُهمْ َ
{فَ َي ْ
[ سورة البقرة ] ،وقول رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :ضحك ال الليلة )) أو (( :عجب
من فعالكما )) رواه البخاري ( .)1فإن قالوا تحمل على ما يليق بال تعالى ،قلنا :وكذلك
الستيلء يحمل على ما يليق بال وهو الستيلء المجرد عن المغالبة والعجز والضعف ،فإن
أبوا فقد تحكموا أي قالوا قول ل دليل لهم عليه واتبعوا أهواءهم .
قال الفراء وهو أحد كبار اللغويين في كتابه (( معاني القرءان )) ما نصه ( (( : )2و (( العجب
سخَرُونَ مِ ْن ُهمْ
)) وإن أسند إلى ال فليس معناه من ال كمعناه من العباد ،أل ترى أنه قال { :فَ َي ْ
سخِ َر الّلهُ مِ ْن ُهمْ } [ سورة التوبة ] ،وليس السخري من ال كمعناه من
َ
العباد ،وكذلك قوله { :الّلهُ َيسْ َتهْزِى ُء ِب ِهمْ } [سورة البقرة] ليس ذلك من ال كمعناه من العباد
)) اهـ ،ونسبة الضحك والتعجب إلى ال مجازية والمراد بهما الرضا بصنيعهما ،والمراد
بالستهزاء والسخرية أي أن ال يجازيهم على استهزائهم وسخريتهم .
فالحاصل أن اللفاظ المحتملة التي تكون للكمال بوجه وللنقصان بوجه وجب حملها أو جعلها
كناية – على حسب موضعها من السياق – عن المعاني التي تجوز عليه سبحانه وتعالى ونفي
ما ل يجوز عليه .
إن قيل :إن حملتم الستواء على الستيلء لم يبق لذكر العرش فائدة ،فإن ذلك في حق كل
المخلوقات فل يختص بالعرش.
قلنا :تخصيص العرش بالذكر لتشريفه ،إذ إضافة بعض الشياء إلى ال تعالى تكون لتعظيم
ذلك الشئ ،كما خص ناقة صالح بالذكر بالضافة إليه تعالى فقال { :نَا َقةَ الّل ِه }[سورة الشمس
] مع كون كل النوق متساوية من حيث الملكية ل تعالى .
ويقال أيضا :فائدة تخصيص العرش بالذكر أنه أعظم مخلوقات ال تعالى حجما فيعلم شمول ما
دونه من باب الولى ،فإذا قلنا :ال تعالى قهر العرش معناه قهر كل شئ ،فكل المخلوقات لما
كانت دون العرش في الحجم كان الستيلء عليه استيلء على جميعها ول كذلك غيره .
قال الحافظ البيهقي في (( السماء والصفات )) ما نصه ( (( : )1وفيما كتب إلي الستاذ أبو
منصور بن أبي أيوب أن كثيرا من متأخري أصحابنا ذهبوا إلى أن الستواء هو قهر والغلبة ،
ومعناه أن الرحمن غلب العرش وقهره ،وفائدته الخبار عن قهره مملوكاته وأنها لم تقهره ،
وإنما خص العرش بالذكر لنه أعظم المملوكات ،فنبه بالعلى على الدنى )) اهـ .
ومما يدل على عظم حجم العرش ما رواه ابن حبان في صحيحه ( )2وغيره عن أبي ذر رضي
ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال (( :ما السموات السبع مع الكرسي إل كحلقة
ملقاة بأرض فلة ،وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلة على الحلقة ))
قال بعض الوهابية في رده على بعض علماء أهل السنة ما نصه (( :هذا البيت لو صح لم يكن
فيه حجة ،بل هو حجة عليهم – يقصد أهل السنة – فإن بشرا هذا كان أخا لعبد الملك بن
مروان وكان أميرا على العراق فاستوى على سريرها كعادة الملوك ونوابهم يجلسون على
سرير الملك مستوين عليه ،ولو كان المراد بالبيت الستيلء والقهر والملك لكان المستولي
على العراق عبد الملك بن مروان ،فإن بشرا نائب له على العراق ،ول يقال لمن استولى على
بلدة ولم يدخلها ولم يستقر فيها بأنه استوى عليها ،فل يقال :استوى أبو بكر على الشام ول
استوى على مصر والعراق )) اهـ .
قلنا :عمدة الوهابية في المعتقد هو ابن تيمية ،هو أضلهم وأضر بهم كما أضر بغيرهم ،نعني
بذلك ما قال تاج الدين السبكي (ت771هـ ) في طبقاته ( (( : )1واعلم أن هذه الرفقة أعني
المزي والذهبي والبرزالي وكثيرا من أتباعهم أضر بهم أبو العباس بن تيمية إضرارا بينا ،
وحملهم من عظائم المور أمرا ليس هينا ،وجرهم إلى ما كان التباعد عنه أولى بهم ،وأوقفهم
في دكادك من نار )) اهـ ،فإذا كان أمر هؤلء كما وصفهم السبكي وهم من هم ،بالشرذمة
الوهابية الذين ليس فيهم عالم ول فقيه ول محدث ،استحوذ عليهم الشيطان وزين لهم عقيدة
ابن تيمية الباطلة فعكفوا على قراءة كتبه والخذ منها بل تمحيص ول تدقيق فكانوا كالظل له ،
بل زادوا على ضلله ضللت والعياذ بال تعالى .
وهذه الشبهة التي ذكرها هذا المجسم الذي أخذها من ابن تيمية ( )2لم يذكر مستنده فيها ،
وزعمه أنه ل يقال استوى فلن على بلدة كذا إذا استولى عليها ولم يدخلها ولم يستقر فيها .
فما الدليل عليه من كلم العرب ،وأين نص اللغويون على ذلك ،ومن اشترط القامة فيها ؟
ولقد قيل :
أل يقال إذا استولى جيش الملك على بلدة ما بأنه استوى على تلك البلدة أي قهر أهلها وغلبهم
مع أن مستقره قد يكون في الغرب وتلك البلدة في الشرق .فإذا كان يقال استوى قائد الجيش
على تلك البلدة بمعنى قهر أهلها وغلبهم أي استولى فمن باب أولى يكون الذي أرسله وهو ذلك
الملك قاهر وغلب لتلك البلدة أي مستول عليها أي استوى عليها .
وزعمه أنه ل يقال استوى فلن على بلدة كذا إذا لم يدخلها ولم يستقر فيها لم يبنه على دليل
وما بني على غير دليل فل حجة فيه وأخذه ذلك عن ابن تيمية ل يسعفه وابن تيمية نفسه لم
يقم عليه دليل ،وقوله ليس بحجة .
فإذا كان المر كذلك سقط زعمه أنه ل يقال استولى عبد الملك على العراق وبالتالي سقط زعمه
ل يقال استوى بشر على العراق .فصح عندئذ القول به .
ويقال أيضا عبد الملك بن مروان (ت86هـ )استولى على العراق بعد قتله مصعب بن الزبير
سنة 71هـ أو 72هـ -على اختلف في ذلك – وكان مصعب واليا على العراق فوليها من بعده
هـ ) 75 بشر بن مروان (ت
ومدحه الشاعر بقوله :
قال الذهبي في تاريخه (( العبر )) ما نصه ( (( : )1استولى عبد الملك على العراق وما يليها ،
فأمر أخاه بشرا على العراق وبعث المراء على العمال وجهز الحجاج إلى مكة لحرب ابن
الزبير )) اهـ ،وهذا رد على ما زعمه هذا المبتدع من أنه ل يقال استولى عبد الملك على
العراق .
قال أحد مجسمة الوهابية في هذه العصر في كتابه المسمى (( الكلمات الحسان )) ما نصه (: )2
(( السادس :أنه أتى بلفظة ( ثم ) التي حقيقتها الترتيب والمهلة ،ولو كان معناه القدرة على
العرش والستيلء عليه لم يتأخر ذلك إلى ما بعد خلق السموات والرض فإن العرش كان
موجودا قبل خلق السموات والرض ،فكيف يجوز أن يكون غير قادر ول مستول على العرش
إلى أن خلق السموات والرض ؟! )) اهـ.
وقال مجسم ءاخر منهم (( :كلمة استوى قد جاءت بعد (( ثم )) التي حقها الترتيب والمهلة ))
اهـ ثم ذكر مثل قوله حذو النعل بالنعل – وعمدتهم في ذلك ابن تيمية ( )1المجسم – وزاد عليه
هذا الوهابي استدلله بحديث البخاري ( )2الذي رواه عن عمران بن حصين عن النبي صلى ال
عليه وسلم قال (( :كان ال ولم يكن شئ غيره ،وكان عرشه على الماء ،وكتب في الذكر كل
شئ ثم خلق السموات والرض )) بأن العرش خلق قبل السموات والرض .
قلنا :يرد عليهما وعلى غيرهما من مجسمة هذا العصر بما يلي :
أول :ل يلزمنا ما قالوه فإننا نقول إن (( ثم )) في ءاية الستواء ليست للترتيب في الحدوث
والوقوع بل للترتيب في الخبار ،أي أن ال قاهر للعرش قبل خلق السموات والرض ،وقد
سبق بيان ذلك مفصل في باب (( بيان أن كلمة (( ثم )) تأتي بمعنى المهلة والتراخي كما تأتي
بمعنى الخبار )) ،وباب (( بيان معنى قوله تعالى ُ { :ثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ } [سورة العراف
].
ثانيا :الحديث الذي ذكره حجة عليه ،وهو قوله صلى ال عليه وسلم (( :كان ال ولم يكن
شئ غيره ،وكان عرشه على الماء )) ،قال المفسر ابن الجوزي الحنبلي في (( النزهة )) ما
نصه ( (( : )3كان :معناه في الصل وقع ووجد )) اهـ ،فهل يزعمون أن ال وجد بعد أن لم
يكن ! فإن قالوا :كان في الول تفيد الزلية وفي الثاني الحدوث بعد العدم ،قلنا :وكذلك قولوا
كلمة (( ثم )) في ءاية الستواء تفيد الخبار فإن منعوا ذلك فليأتوا ببينة ،وعلينا البيان وعلى
ال التكلن .
وقد روى البخاري في صحيحه ( )1عن سعد بن جبير قال (( :قال رجل لبن عباس :إني أجد
ن الّلهُ
في القرءان أشياء تختلف عليّ )) ،فسأله عن مسائل ومنها قوله (( :قال تعالى َ { :وكَا َ
حكِيمًا } [سورة النساء ]،
غفُورًا ّرحِيمًا } [سورة النساء ] َ { ،وكَانَ الّل ُه عَزِيزًا َ
َ
سمِيعًا بَصِيرًا } [سورة النساء ] ،فكأنه كان ثم مضى .فقال ابن عباس َ { :وكَانَ
ن الّلهُ َ
{ َوكَا َ
غفُورًا } سمى نفسه ذلك ،وذلك قوله ،أي :لم يزل كذلك )) اهـ .
الّل ُه َ
وقال القاضي بدر الدين بن جماعة في كتابه (( اليضاح )) ما نصه ( (( : )2فإن قيل :إنما
يقال استولى لمن لم يكن مستوليا قبل أو لمن كان له منازع فيما استولى عليه أو عاجز ثم
قدر ؟
قلنا :المراد بهذا الستيلء القدرة التامة الخالية من معارض ،وليس لفظة (( ثم )) هنا لترتيب
ذلك بل هي من باب ترتيب الخبار وعطف بعضها على بعض )) اهـ .
قال الوهابية ( : )3الستواء هو العلو وهو علو الذات ،قال مجاهد :استوى :عل ،وقال أبو
سمَاء }
العالية { :اسْ َتوَى إِلَى ال ّ
[سورة البقرة ] :ارتفع ،وقال ابن جرير :استوى :عل وارتفع .
قلنا :الستواء قد يراد به العلو ،والعلو على وجهين :علو مكان وعلو معنى أي علو قدر ،
والذي يليق بال هو علو القدر ل علو المكان ،لنه ل شأن في علو المكان إنما الشأن في علو
القدر ،أل ترون أن حملة العرش والحافين حوله هم أعلى مكانا من سائر عباده وليسوا أفضل
خلق ال ،بل النبياء الذين مكانهم تحت أفضل منهم ،ولو كان علو المكان يستلزم علو القدر
لكان الكتاب الذي وضعه ال فوق العرش وكتب فيه (( :إن رحمتي سبقت غضبي )) ()1
مساويا ل في الدرجة على قول أولئك ،ولكان اللوح المحفوظ على قول بعض العلماء إنه فوق
العرش ليس دونه مساويا ل في الدرجة بحسب ما يقتضيه زعمهم ،فعلى هذا المعنى يحمل
ش اسْ َتوَى } [ سورة طه ] بعل على العرش
حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ
تفسير مجاهد لقول ال تعالى { :ال ّر ْ
كما رواه البخاري (. )2
وقال الحافظ الفقيه تقي الدين السبكي في رده على المبتدع ابن قيم الجوزية ما نصه (: )3
(( أسماء ال قديمة ،فإن لزم من العلي والعلى كونه فوق جسم لزم قدم العالم )) اهـ .
قلنا :ومن قال بقدم العالم فهو كافر إجماعا .
وقال في موضع ءاخر ( (( : )4قال ابن القيم (( :تركيب استوى مع حرف الستعلء نص في
العلو بوضع كل لسان )) ،نص في العلو أما في الذات فل ،فقولك استوى قيس على العراق ل
يستلزم أن يكون إذ ذاك في العراق بل ملكه فيها وعليها )) اهــ.
وقد أوهموا أن ابن جرير أراد بالعلو علو الذات والرتفاع بالمسافة وهذا محض افتراء يرد
عليهم بكلم ابن جرير نفسه فإنه حمل العلو على علو الملك والسلطان ونزه ال عن الحركة
والنتقال ،ونص عبارته في تفسيره ( (( : )5فقل :عل عليها علو ملك وسلطان ل علو انتقال
وزوال )) اهـ .
ي}
) (( :وأما تأويل قوله { :وَ ُهوَ ا ْلعَلِ ّ 6 وقال عند تفسير ءاخر ءاية الكرسي ما نصه (
[سورة البقرة ] فإنه يعني :وال العلي ،والعلي :الفعيل من قولك عل يعلو علوا إذا ارتفع
فهو عال وعلي ،والعلي :ذو العلو والرتفاع على خلقه بقدرته )) اهـ.
وقال في موضع ءاخر ما نصه ({(( : )1ا ْلكَبِي ُر ا ْلمُ َتعَالِ } [سورة الرعد ] ،المتعال :المستعلي
على كل شئ بقدرته ،وهو المتفاعل من العلو ،مثل المتقارب من القرب والمتداني من الدن ّو ))
اهـ .
هكذا يفهم العلماء العلو في حق ال عز وجل ،فإن علو المكان إنما هو من صفات ذوي
الحدوث والمكان ،وجل القديم واجب الوجود عن المكنة والحدود .فتعالى ال عما يقول أهل
الوهام المحبوسون في سجون خيالتهم القاصرة التي ل تدرك من الموجود إل ما حصرته
الحدود ورفعته المكنة ،فيحكمون على أحكم الحاكمين بأنه من أمثالهم ،تعالى ال عما يقول
الجاهلون به علوّا كبيرا .
وأما قول أبي العالية فمرداه كما قال الحافظ البيهقي في (( السماء والصفات )) (: )2
(( ارتفاع أمره ،وهو بخار الماء الذي منه وقع خلق السماء )) اهـ .
فل حجة يتمسك بها الوهابية المجسمة بعد ذلك في حمل العلو على العلو الحسي وهو العلو
بالذات بالمسافة ،تعالى ال عن قولهم .
قال بعض زعماء الوهابية المجسمة إن صرف اللفظ عن ظاهره بل دليل مذموم وهو الذي درج
ن عَلَى ا ْلعَرْشِ
حمَ ُ
عليه أهل التحريف في صفات ال ،قال ( (( :)3مثاله قوله تعالى { :ال ّر ْ
اسْ َتوَى }[ سورة طه] ،ظاهر اللفظ أن ال تعالى استوى على العرش :استقر عليه وعل عليه ،
فإذا قال قائل :معنى استوى :استولى على العرش ،فنقول :هذا تأويل عندك لنك حرفت اللفظ
عن ظاهره ،ولكن هذا تحريف في الحقيقة لنه ما دلّ عليه دليل ،بل الدليل على خلفه )) اهـ
.
قلنا :تسمية هذا المجسم من تأول من أهل السنة ءاية الستواء بالستيلء بأنهم محرفون ليس
كما زعم لن أهل السنة ل ينكرون على من ترك تأويل اليات المتشابهة مع التنزيه ول على
من تأولها بما هو موافق للغة العرب ،بل السلف والخلف ينكرون تفسير الستواء بالستقرار
لن هذا تجسيم ،فالوهابية هم المجسمة المشبهة الذين وصفوا معبودهم تارة بالستقرار على
العرش وتارة بالجلوس ،تعالى ال عما يقول المشبهة علوا كبيرا .
فعلماء التوحيد ل يتكلمون في حق ال اعتمادا على مجرد النظر بالعقل ،بل يتكلمون في ذلك
من باب الستشهاد بالعقل على صحة ما جاء عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فالعقل عند
علماء التوحيد شاهد للشرع ليس أصل للدين ،أما الوهابية فل يتقيدون بالجمع بين النظر
العقلي وبين ما جاء عن النبياء على أن النظر العقلي السليم ل يخرج عما جاء به الشرع ول
يتناقض معه ،إذ الشرع ل يأتي إل بمجوزات العقل كما هو مقرر عند أهل الحق .
قال الشيخ الفقيه شيث بن إبراهيم المالكي (توفي سنة 598هـ ) ما نصه ( (( : )1أهل الحق
جمعوا بين المعقول والمنقول أي بين العقل والشرع ،واستعانوا في درك الحقائق بمجموعهما
فسلكوا طريقا بين طرقي الفراط والتفريط ،وسنضرب لك مثال يقرب من أفهام القاصرين ذكره
العلماء كما أن ال تعالى يضرب المثال للناس لعلهم يتذكرون ،فنقول لذوي العقول :مثال
العقل العين الباصرة ،ومثال الشرع الشمس المضيئة ،فمن استعمل العقل دون الشرع كان
بمنزلة من خرج في الليل السود البهيم وفتح بصره يريد أن يدرك المرئيات ويفرق بين
المبصرات فيعرف الخيط البيض من الخيط السود ،والحمر من الخضر والصفر ،ويجتهد
في تحديق البصر فل يدرك ما أراد أبدا مع عدم الشمس المنيرة وإن كان ذا بصر وبصيرة ،
ومثال من استعمل الشرح دون العقل مثال من خرج نهارا جهارا وهو أعمى أو مغمض
العينين ،يريد أن يدرك اللوان ويفرق بين العراض ،فل يدرك الخر شيئا أبدا ،ومثال من
استعمل العقل والشرع جميعا مثال من خرج بالنهار وهو سالم البصر مفتوح العينين والشمس
ظاهرة مضيئة ،فما أجدره وأحقه أن يدرك اللوان على حقائقها ،ويفرق بين أسودها وأحمرها
وأبيضها وأصفرها .
فنحن بحمد ل السالكون لهذه الطريق وهو الطريق المستقيم وصراط ال المبين ،ومن زل
عنها وحاد وقع في طريق الشيطان المتشعبة عن اليمين والشمال ،قال تعالى َ { :وأَنّ هَـذَا
ق ِب ُكمْ عَن سَبِي ِلهِ }
صرَاطِي ُمسْ َتقِيمًا فَاتّ ِبعُوهُ َو َل تَتّ ِبعُواْ السّ ُبلَ فَ َتفَرّ َ
ِ
[ سورة النعام ] )) اهـ.
ومن هنا يعلم أن المشبهة المجسمة تائهون في المعتقد لنهم خالفوا الشرع والعقل بقولهم إن
ال جالس على العرش ،وتارة يقولون إنه مستقر عليه ،ومنهم من يقول إن ال ترك مكانا
يجلس فيه معه محمدًا يوم القيامة ،وبقولهم إن ال متحيز في مكان فوق العرش بذاته ،
وبقولهم إن ال يتحرك كل ليلة بنزوله من العرش إلى السماء الدنيا ،حتى إن بعض هؤلء قال
:إن ال يضع رجله في جهنم لكنها ل تحترق والعياذ بال تعالى من الكفر ،ولهم غير ذلك من
أقوالهم التي تدل على التشبيه والتجسيم لقياسهم الخالق على المخلوق ،واتباعهم الوهم .
فنحمد ل تعالى الذي جعلنا على منهج أهل السنة والجماعة الذين تكلموا في أمور التوحيد من
باب الستشهاد بالعقل على صحة ما جاء عن ال ،وعلى صحة ما جاء عن رسول ال صلى
ال عليه وسلم .
وقول هذا المجسم (( :صرف اللفظ عن ظاهره بل دليل مذموم )) اهـ ،
حق أريد به باطل ليحمل ءاية الستواء على ظاهرها من الستقرار ونحوه من صفات الجسام
ليوافق ذلك مشربه الفاسد .
وقد سبق هذا المجسم أسلفه من المجسمة الذين قالوا إن ال جالس ومستقر على العرش ،
وقد رد عليهم المام أبو نصر القشيري ونقله الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في (( إتحاف
السادة المتقين )) فقال ( (( : )1قال أبو نصر القشيري في (( التذكرة الشرقية )) (( :فإن قيل
ش اسْ َتوَى }[ سورة طه ] فيجب الخذ بظاهره ،قلنا :ال
حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْ ِ
أليس ال يقول { :ال ّر ْ
يقول أيضا :
{ وَ ُهوَ َم َع ُكمْ أَيْنَ مَا كُن ُتمْ } [سورة الحديد ] ،ويقول { :أَلَا إِ ّنهُ ِب ُكلّ شَيْ ٍء ّمحِيطٌ } [ سورة
فصلت ] فينبغي أيضا أن نأخذ بظاهر هذه اليات حتى يكون على العرش وعندنا ومعنا ومحيطا
بالعالم محدقا به بالذات في حالة واحدة ،والواحد يستحيل أن يكون بذاته في حالة واحدة بكل
مكان .
قالوا :قوله { :وَ ُه َو َم َع ُكمْ } يعني بالعلم ،و ِ { :ب ُكلّ شَيْ ٍء ّمحِيطٌ } إحاطة العلم قلنا :وقوله :
{ عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى }
قهر وحفظ وأبقى )) اهـ ،انتهى نقل الزبيدي لكلم القشيري .
ثم نقل عنه الزبيدي ما نصه ( (( : )1وقد نبغت نابغة من الرعاع لول استنزالهم للعوام بما
يقرب من أفهامهم ويتصور في أوهامهم لجللت هذا الكتاب عن تلطيخه بذكرهم ،يقولون :
نحن نأخذ بالظاهر ونحمل اليات الموهمة تشبيها والخبار الموهمة حدا وعضوا على الظاهر
ول يجوز أن نطرق التأويل إلى شئ من ذلك ،ويتمسكون على زعمهم بقول ال تعالى :
{ َومَا َيعْ َلمُ تَ ْأوِي َل ُه ِإلّ الّلهُ} [ سورة ءال عمران] .وهؤلء والذي أرواحنا بيده أضر على
السلم من اليهود والنصارى والمجوس
وعبدة الوثان لن ضللت الكفار ظاهر يتجنبها المسلمون ،هؤلء أتوا الدين والعوام من
طريق يغتر به المستضعفون فأوحوا إلى أوليائهم بهذه البدع وأحلوا في قلوبهم وصف المعبود
سبحانه بالعضاء والجوارح والركوب والنزول والتكاء والستلقاء والستواء بالذات والتردد
في الجهات .
فمن أصغى إلى ظاهرهم يبادر بوهمه إلى تخيل المحسوسات فاعتقد الفضائح فسال به السيل
وهو ل يدري )) .انتهى نقل الزبيدي .
فهؤلء المشبهة يوهمون الناس أن ال مثل ذلك ،مثل هذه الشياء البشر والضوء ونحو ذلك .
وعلم مما ذكرنا أن صرف اللفظ عن ظاهره فيما ورد من اليات والحاديث المتشابهة ليس من
قبيل اتباع الهوى والتحكم ،بل اتبعنا ما ذكره علماء الصول من أن التأويل أي إخراج النص
عن ظاهره ل يسوغ إل لدليل عقلي قاطع أو سمعي ثابت ،وقد ثبت بالدلة العقلية أن ال
سبحانه وتعالى يستحيل عليه أن يوصف بالستقرار أو بالجلوس على العرش .فلذلك كان
السلف ل يحملون المتشابه على ظاهره ،وكانوا يقولون :أمروها كما جاءت بل كيف ،فلو
كانوا يحملونها على ظاهرها لما قالوا بل تفسير لن تفسير ظاهرها حينئذ معروف ومعلوم وهو
الستقرار والعلو الحسي وكلهما يجب تنزيه ال عنهما ،فاكتفوا باليمان بها وحملها على
معنى يليق بال سبحانه وتعالى .
ال لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجود إذا استولى على المد
فجعله مستوليا عليه بعد مفارقته له وقطع مسافته ،والستواء ل يكون إل مع مجاورة الشئ
الذي يستوي عليه كما في قوله تعالى :
{وَاسْ َتوَتْ عَلَى ا ْلجُو ِديّ } [سورة هود] ...وهكذا في جميع موارد اللغة التي خوطبنا بها ،ول
يصح أن يقال :استوى على الدابة والسطح إذا نزل عنها وفارقها ،كما يقال :استولى عليها ،
هذا عكس اللغة وقلب الحقائق ،وهذا قطعي بحمد ل )) اهـ .قلنا :توهم هذا الوهابي
المجسم أنه أقام الحجة على أهل السنة بما زعمه حتى قال (( :وهذا قطعي بحمد ال )) وما
ذكره ليس بقطعي ول بحجة ،وزعمه أن الستيلء يكون مع مفارقة المستولي للمستولى عليه
وأن الستواء ل يكون إل مع مجاورة ل دليل عليه لرد تأويل استوى باستولى ،لن الستيلء
المراد منه القهر كما سبق بيان ذلك ،وما ألزمنا به نلزمه بما هو مثله أل وهو القهر ،فالقهر
يكون مع مفارقة القاهر وبعده عن المقهور أي الشئ الذي قهر ،فيصح أن يقال :قهر فلن
فلنا ولو كان بعد مفارقته لن المعنى :غلبه وتمكن منه .ومع ذلك فالوهابي ل ينكر أن من
أسماء ال القهار ،فالقهر والستيلء يصح إطلقهما بعد مفارقة الشئ والبعد عنه ،فأجاز
الوهابي الول ومنع الثاني بل دليل ،بل جعل النصوص القرءانية والحديثية تابعة لرأيه
وهواه ،فإنه لما كان يعتقد أن ال متحيز بذاته فوق العرش وجعله مسكنا له قال ما قاله ،
فعنده الستيلء ل يدل على المجاورة أما الستواء ففيه معنى المجاورة دائما كما زعم أي يريد
أن يقول إن ال مجاور للعرش ومحاذ له وقريب منه بالمسافة ،وإل فما معنى المجاورة ؟!
وسيأتي الرد عليه في هذه المسئلة إن شاء ال تعالى ،وهذا دليل ءاخر على أنه جعل النص
خاضعا لرأيه ،فليس الستواء في جميع موارد اللغة فيه معنى المجاورة كما ادعاه ،وكأنه
أحاط بجميع كلم العرب ،سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم .
واما معنى الستيلء في قول الشاعر المذكور ءانفا فهو بلوغ الغاية ،والمد هو الغاية ،وغاية
كل شئ :منتهاه ،والمراد هنا :الموضع الذي حدد لنتهاء السباق ،فأيهما سبق صاحبه إلى
الغاية فقد استولى عليه ،قال ابن منظور في (( لسان العرب )) (: )1
(( واستيلؤه على المد أن يغلب عليه بسبقه إليه )) اهـ .
وقوله (( :ل يصح أن يقال :استوى على الدابة والسطح إذا نزل عليها وفارقها )) اهـ ،يقال
له :إن الستواء هنا هو استواء جسمين يحصل بينهما تماس ومن أحدهما ارتفاع بالمسافة
ليستوي على الخر ،فاستوى هنا بمعنى عل العلو الحسي ومعناه كما ذكرنا ،أما استواء ال
على عرشه فليس من هذا القبيل لن ال منزه عن الرتفاع بالمسافة والمكان وأن يمس أو
يحس أو يجس ،فلذلك ل يقال :استوى فلن على الدابة بهذا المعنى أي وهو بعيد عنها ،وأما
الستواء على الشئ بمعنى القهر فجائز .وال الموفق للصواب وإليه المرجع والمئاب.
يزعم الوهابية أن لهم دليل على أن الستواء هو الستقرار ،قال محمد العثيمين – وهو من
زعمائهم وقادتهم -ما نصه ( (( :)1فإن سألت :ما معنى الستواء عن أهل السنة ؟ فمعناه
العلو والستقرار ،وقد ورد عن السلف في تفسيره أربعة معاني :الول :عل .والثاني :ارتفع
.والثالث :صعد .والرابع :استقر .لكن (عل ) و( ارتفع ) و ( صعد ) معناها واحد ،وأما
( استقر ) فهو يختلف عنها .ودليلهم في ذلك :أنها في جميع مواردها في اللغة العربية لم
تأت إل لهذا المعنى إذا كانت متعدية ب ( على ) :قال ال تعالى :
ج َعلَ َلكُم مّنَ
ك عَلَى ا ْلفُلْكِ } [سورة المؤمنون ] ،وقال تعالى { َو َ
ت َومَن ّمعَ َ
{ فَإِذَا اسْ َتوَيْتَ أَن َ
ك وَالْأَ ْنعَامِ مَا تَ ْركَبُونَ }
ا ْلفُلْ ِ
علَ ْيهِ } [سورة الزخرف ] )) اهـ،
ظهُورِهِ ُث ّم تَ ْذكُرُوا ِن ْع َمةَ رَ ّب ُكمْ إِذَا اسْ َتوَيْ ُتمْ َ
علَى ُ
{لِ َتسْ َتوُوا َ
ويذكر الوهابية أيضا قوله تعالى :
{وَاسْ َتوَتْ عَلَى ا ْلجُو ِديّ } [سورة هود ].
الثاني :اليات التي احتجوا بها فيها معنى زائد على الستقرار :فآية المؤمنون { :فَإِذَا اسْ َتوَيْتَ
حمْدُ لِّلهِ }
ت َومَن ّمعَكَ عَلَى ا ْلفُلْكِ َف ُقلِ ا ْل َ
أَن َ
معناها :إذا اعتدلت راكبا في السفينة عاليا عليها وتمكنت فيها تمكن المستوي على الشئ
فاحمد ل تعالى على نعمة النجاء .
وكذا يقال :معنى الستواء في ءاية الزخرف :تمكن المستوي على الشئ واستقرار عليه .
وأما ءاية هود فمعناها أن السفينة بعد أن كانت سائرة وقفت وأرست واستقرت على جبل
الجودي .
فالستواء في اليتين :الولى والثانية تضمنت معنى الرتفاع والعلو والصعود بعد النخفاض
وتمكن المستوي من ركوب السفينة وظهور النعام والحتياج إليها ،والولى تضمنت أيضا
معنى الحلول فكانت السفينة ظرفا ووعاء للمستوي عليها لنها حوته وأحاطته من كل جوانبها ،
والثالثة تضمنت معنى التوقف عن الحركة بعد أن كانت سائرة أي صارت ساكنة بعد أن كانت
متحركة ،فليزم على استدلل الوهابية بهذه اليات أن ال كان منخفضا تحت العرش والعياذ
بال تعالى – تعالى ال عن قولهم –ثم تحرك وانتقل إلى فوق العرش وسكن فوق وتمكن عليه
لحتياجه إليه كاحتياج المستوي على السفينة وظهور النعام ،تعالى ال عما يقول الظالمون
الجاحدون المشبهون علوا كبيرا .
الثالث :الستواء في هذه اليات هو استواء الجسام على الجسام أي الستواء فيها هو
استقرار بحصول تماس جسمين :جسم المستوي على الشئ ( وهو راكب السفينة أو السفينة )
وجسم المستوي عليه ( وهو جبل الجودي أو ظهور النعام أو السفينة ) ،فعلى مقتضى كلم
الوهابية استقرار ال على عرشه فيه تماس ذات ال عز وجل مع العرش ،وهذا كفر وضلل
مبين ،فإن قالوا :هو استقرار بل مماسة بل فقط بمحاذاة ومجاورة للعرش وهم يقولون بذلك
( – )1قلنا وهذا أيضا تشبيه ل بخلقه ووصفه بصفات الجسام وهو كفر أيضا ،فتنبه.
لما كان الوهابية يعتقدون عقيدة التجسيم صاروا يحملون اليات والحاديث ويفسرونها على ما
تهواه نفوسهم كما هو شأن أهل البدع كالمعتزلة والخوارج الذين يفسرون اليات والحاديث
بخلف اللغة والمقرر عن أهل السنة ،لذلك قال علماء أهل الحق إن علم الدين ل يؤخذ إل عن
ثقة ،والوهابية لما كانوا يعتقدون أن ال عز وجل متحيز وذاته محاذ للعرش قالوا (:)2
الستواء ل يكون إل مع مجاورة الشئ الذي يستوي عليه كما في قوله تعالى { :وَاسْ َتوَتْ عَلَى
ظهُورِهِ }
علَى ُ
ا ْلجُو ِديّ }[ سورة هود] ،وقوله {:لِ َتسْ َتوُوا َ
ك } [سورة المؤمنون ] ،وهكذا في
ت َومَن ّمعَكَ عَلَى ا ْلفُلْ ِ
[سورة الزخرف] وقوله { :اسْ َتوَيْتَ أَن َ
جميع موارده في اللغة التي خوطبنا بها )) اهـ.
قلنا :من أين لهم أن يجزموا أن جميع موارد الستواء في اللغة ل تكون إل مع مجاورة ،
وكأنهم أحاطوا بكل كلم العرب والشعراء ،هيهات هيهات ،والذي حملهم على هذا القول هو
اعتقادهم أن ل مكانا ومسكنا فوق العرش ،وكلمهم الذي نقلناه هنا نص صليح في أنهم
يقولون إن ال مجاور للعرش ،وهذا يقتضي المحاذاة والبعد عن العرش بالمسافة ،ولم يقل به
أحد من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
ففي (( المصباح )) ((( :)1وجاوره مجاورة إذا ل صقه في السكن )) اهــ ،وفي (( لسان
العرب )) ( :)2وجاور الرجل مجاورة :ساكنه )) اهـ ،ومن نظر في سائر كتب اللغة والغريب
والتفسير يجد أن المجاورة تتضمن معنى المكان والجهة والمسافة ،ثم من نص من أئمة اللغة
على ما زعموه؟ ،أليس يقال :استوى فلن على العراق وقد يكون هو بالشام أو بمصر .
ثم اليات التي استدل به الوهابية حجة عليهم لن الستواء الوارد فيها تضمن بالضافة إلى
المجاورة معنى الرتفاع بعد النخفاض بالمسافة ،وتماس جسمين ،والحتياج إلى المستوى
عليه .فهل يقولون بكل هذا ،فإن أخذوا ببعض ما تضمنه الستواء من المعاني في هذه اليات
وردوا بعضها لنها ل تليق بال ،قلنا :هذا منكم اعتراف بأن ليس كل معاني الستواء –
ومنها المجاورة – تكون لزمة لجميع موارد الستواء في اللغة ،وقولهم :إن منها ما ل يليق
بال ،قلنا :كذلك المجاورة ل تليق بال لنها من صفات الجسام ،فالعرش جسم باتفاق منا
ومن الوهابية المجسمة ،وزعمهم أن ال مجاور للعرش يلزمهم ثلث احتمالت -كلها كفر –
ل رابع لها ،وهي :إما أن يكون ال على زعمهم أكبر من العرش أو مثل العرش أو أصغر من
العرش ،وبأيهم قالوا لزمهم التجسيم ل محالة لنها كلها من صفات الجسام ،هذا بالضافة
إلى جعلهم ال محدودا من الجهة العليا من العرش بزعمهم ،ويلزمهم احتمالن -وهما كفر –
ل ثالث لهما وهما :إما أن يكون ال مماسا وملصقا للعرش ،وإما أن يكون منفصل عن
العرش بالمسافة ومن كان كذلك أي على الحتمال الثاني يجوز عليه أن يمس العرش وبلصقه
وهذه صفات الجسام والمخلوقين ،فثبت استحالة المسافة بين ال وبين العرش ،وهذا الذي
ذكرناه قاصم لظهورهم ل مفر منه أي من التشبيه إلى التنزيه إل بنفي المجاورة أي نفي الجهة
عن ال عز وجل.
نسأل ال أن ينور بصائرنا بأنوار الهداية ويجنبنا مسالك الغواية وأن يلهمنا إلى طريق الصواب
وأن يرزقنا اتباع المرين النيرين السنة والكتاب .
يستدل الوهابية بكلم أبي عبد ال محمد بن زياد المعروف بابن العرابي (ت231هــ) وهو من
اللغويين ،وذلك حين سئل :
((أتعرف في اللغة استوى بمعنى استولى؟ فقال :ل أعرفه )) اهــ ،وفي طريق ءاخر (( :أتاه
حمَنُ عَلَى ا ْلعَرْشِ اسْ َتوَى } [ سورة طه
رجل فقال :يا أبا عبد ال ما معنى قول ال تعالى {:ال ّر ْ
] قال :هو على عرشه كما أخبر ،قال الرجل ليس كذاك هو يا أبا عبد ال ،إنما معنى قوله :
{ اسْ َتوَى } :استولى .فقال ابن العرابي :اسكت ،ما يدريك ما هذا؟ العرب ل تقول للرجل
استولى على الشئ حتى يكون له فيه مضاد ،فأيهما غلب قيل استولى عليه ،وال ل مضاد
له ،وهو على عرشه كما أخبر ،والستيلء بعد المغالبة ،قال النابغة:
إل لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجود إذا استولى على المد )) اهــ ()1
قلنا :الستيلء الذي يكون بعد مغالبة وضعف وعجز ل يطلق على ال عز وجل ،بل ال منزه
عن ذلك ،فهو القوي القاهر ،ونسبة العجز والضعف إلى ال كفر مخرج من الدين ،فإنكار
ابن العرابي على من حمل استوى بمعنى استولى على الوجه الذي يكون بعد مغالبة حق ول
يقول به أحد من أهل الحق ،بل من تأول منهم الستواء بالستيلء حمله على المعنى المجرد
عن سبق المغالبة ،إذ الستيلء هو القهر والغلبة ،فكما أنه ل يقتضي أن يكون القهر والغلبة
بعد مغالبة كذلك نقول في استولى ،قال ال تعالى :
ن أَنَا وَ ُرسُلِي }
{ وَ ُهوَ ا ْلقَا ِهرُ َفوْقَ عِبَادِهِ } [ سورة النعام ] ،وقال تعالى { :كَتَبَ الّل ُه لََأغْلِبَ ّ
[سورة المجادلة ] .وقد تعقب القسطلني في
(( الرشاد )) كلم ابن العرابي فقال ما نصه ( (( :)1وفيما قاله نظر ،فإن الستيلء من
الولء وهو القرب ،أو من الولية ،وكلهما ل يفتقر في إطلقه لمضاد )) اهـ .
وقد بينا سابقا أن اللفاظ المحتملة للكمال بوجه وللنقصان بوجه تحمل على المعنى اللئق بال
تعالى أي على الوجه الذي دل على معنى الكمال وينفى عن ال المعنى الذي دل على النقصان .
وذكرنا أيضا أن الستيلء يكون من غير سبق مغالبة ،وذكرنا من تأول الستواء بالستيلء من
علماء اللغة ،فليراجع .
والمبتدئ من الطلب يعرف الخلف الوارد – وهو كثير – بين الئمة من نحاة وصرفيين
وبلغيين ولغويين ،فإذا كان هذا التأويل فيه خلف فلماذا يصر الوهابية على إنكار هذا التأويل
،وليس ذلك إل لنهم مجسمة يعتقدون التجسيم ويشبهون ال بخلقه يزعمون أن ال مستقر
على العرش ،قالوا بما لم يقل به الصحابة ول إمام من أئمة السلف المعتبرين ل يقول به إل
مجسم .
فإذا كان المر كذلك ،فالتمسك بما قاله ابن العرابي فقط ونبذ كلم غيره من اللغويين تحكم ،
أعاذنا ال من أن نتكلم بما ل نعلم أو أن ندعي ما ل نحسن .
تنبيه :الروايتان اللتان يستدل بهما الوهابية فيهما تعارض من حيث إن الولى تنفي ما أثبتته
الثانية ففي الولى أنه ليس في اللغة تفسير استوى بمعنى استولى وفي الثانية فيها أن العرب
تقول استوى بمعنى استولى ،فإن قيل :نفيه لعدم اطلعه على ذلك فلذا قال :
(( ل أعرفه )) ثم لما علم بوروده في كلم العرب أثبته ،قلنا :فما المانع أن يكون خفي عليه
أيضا ورود الستواء بمعنى الستيلء من غير سبق مغالبة .
إن قال الوهابية :أنتم اتبعتم اليهود حين أمروا أن يقولوا (( حطة )) فبدلوا ،فقالوا (( :حنطة
)) .
قلنا :أنتم أولى بهذا الوصف ،فإنكم وصفتم ال بالجلوس وهي عقيدة اليهود ،وقد أثبتنا ذلك
عنكم من كتبكم ،وقلتم بالستقرار وهذا تجسيم ،فأنتم من حيث العقيدة اتبعتم اليهود والمشبهة
.
ثم إن الستواء من معانيه الستيلء ،وقد أقمنا الدليل على ذلك سابقا ،وليس كلمة
(( حنطة )) من معاني (( حطة )) .
ويقال أيضا :إن اليهود أمروا بقول (( حطة )) فبدلوا هذا اللفظ إلى غيره ،وكان ذلك منهم
تكبرا واستهزاء وعنادا عن قبول الحق ،فأين هذا من ذاك .
يقول الوهابية إن تأويل الستواء بالستيلء هو قول المعتزلة وهم فرقة ضالة باتفاق منا ومنكم
،فكيف تأخذون بقولهم .
قلنا :ل يضر أن المعتزلة وافقونا في هذه المسئلة ،فليس كل كلم المعتزلة باطل بل فيه كلم
موافق لهل الحق ،فهل يترك لجل أن المعتزلة قالوا به ؟ فها نحن نقول ل إله إل ال وهم أي
المعتزلة يقولونها بألسنتهم فهل نحرم قول ل إله إل ال لجلهم .
قال الشيخ أبو المعين النسفي في (( تبصرة الدلة )) ما نصه ( (( : )1ونسبتهم هذا التأويل إلى
المعتزلة ليس بشئ ،لن أصحابنا أولوا هذا التأويل ولم يختص به المعتزلة )) اهــ.
فما قام على دليل قلنا به ،فانظر إلى المقال ول تنظر إلى من قال .
إذا قال الوهابية :لم ينقل عن السلف هذا التأويل فكيف تقولون به .
قلنا :ولم ينقل عنهم التأويل بالستقرار ول يثبت عن واحد من علماء السلف أنه قال به ،فأنتم
خالفتم السلف ،بل ذكرنا سابقا عن المام أبي حنيفة السلفي تنزيه ال عن الستقرار ،وأبو
حنيفة هو أحد أئمة علماء السلف ،وكذا الذهبي أنكر هذا التفسير ،واللباني الوهابي أنكره
وهو من أبرز دعاتكم .ونقول :ما ثبت بالدليل الشرعي ل يقال عنه مخالف للسلف وإن لم
يقولوا به .بل وذكرنا من علماء السلف من قال بذلك راجع فصل بيان من تأول من علماء أهل
السنة الستواء على العرش بالستيلء والقهر .
زعم بعض المشبهة أن أهل السنة شبهوا ال بخلقه فقال ما نصه ( (( : )1ل يعقل تشبيه أشنع
من تشبيه استيلء ال على عرشه المزعوم باستيلء بشر على العراق)) اهـ.
قلنا :أنتم الوهابية من شبهتم ال بمخلوقاته فزعمتم أن ال استقر على العرش وهذا تجسيم
كما سبق بيان ذلك ،ومنكم من يقول بأن ال جالس على العرش وهي عقيدة اليهود لعنهم ال ،
وليس الستدلل بقول الشاعر :
.......................
تشبيه لستيلء ال على العرش باستيلء بشر كما زعم هذا المجسم بل الستشهاد بهذا البيت
لبيان أن الستواء يأتي بمعنى الستيلء الذي هو القهر والغلبة ،وهذا واضح جلي إل من
طمس ال على بصره وبصيرته فصار يتقول على أهل الحق بما هم بريئون منه .
ونظير ما ذكرناه قوله عليه الصلة والسلم :إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر )) رواه
البخاري ( )1وغيره ،فالرسول صلى ال عليه وسلم شبه رؤيتنا للقمر من حيث عدم الشك
برؤية القمر ليلة البدر ،ولم يشبه ال تعالى بالقمر كما يزعم بعض الجهال فإنهم إذا ذكر لهم
هذا الحديث يتوهمون أن ال يشبه القمر وقد صرح بعض العوام بذلك والعياذ بال تعالى .
ومن نظر في كتب الوهابية عرف كم تحتوي على فساد في العتقاد ومخالفة لما كان عليه النبي
صلى ال عليه وسلم والصحابة والتابعون .
قال أحد مجسمة الوهابية في رده على أهل السنة ما نصه ( (( : )2إنه يصح أن نقول على
زعمكم – يقصد أهل السنة – أن ال استوى على الرض والشجر والجبال والنسان والبعير ،
لنه ( استولى ) على كل هذه الشياء ،فإذا صح أن نطلق كلمة (استولى ) على شئ ،صح أن
نطلق ( استوى ) على ذلك الشئ ،لنهما مترادفان على زعمكم )) اهـ .
قلنا :هذه الشبهة أخذوها من المجسم ابن تيمية ( )3فهو عمدتهم في التشبيه والتجسيم .وبما
أن كلمة استولى معناها الغلبة والقهر صح القول بأن ال استولى على العرش أي قهر العرش
وصح القول بأن ال قهر ما دون العرش من باب أولى ،فهو سبحانه قاهر العالم كله ،قاهر
الشمس والقمر والنجوم والملئكة والنس والجن وكل ما دخل في الوجود ،ونورد عليهم ما
ق عِبَادِ ِه } [سورة
أوردوه علينا فيقال لهم إن ال وصف نفسه بقوله { :وَ ُه َو ا ْلقَاهِرُ َفوْ َ
النعام ] فهل يقولون بأن ال قهر الرض والشجر والجبال والنسان والبعير أم ينفون ذلك عن
ال ،فإن نفوه يكونوا وصفوا ال بالعجز وهذا كفر وإن أجازوا ذلك لكن قالوا نمنع إطلقه على
الشياء الحقيرة والخسيسة أدبا كأن يقال قهر الكلب والخنزير ونحو ذلك وبذلك تكون الشبهة
انهارت عليهم ،وما ألزمونا به هو قول شيخهم وزعيمهم ابن تيمية فقد قال ما تستبشعه
النفوس وتستسيغه وتستمرؤه المجسمة ،فقد نقل موافقا ومقرا قول عثمان بن سعيد الدارمي
المجسم في وصف ال ما نصه ( (( : )1ولو قد شاء لستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به
بقدرته ولطف ربوبيته ،فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات والرض )) اهـ ،نعوذ بال
من مقت القلوب ،فعند ابن تيمية يجوز أن يستقر ال على ظهر بعوضة ءاخذا ذلك عن
المجسمة ،فعجبا لهم كيف يسكتون عن هذا الكفر ويشنعون على أهل السنة تأويلهم الستواء
بالستيلء وهو تأويل ل غبار عليه موافق للشرع واللغة ولكن المجسمة تستحسن القبيح
وتستقبح الحسن ،كفانا ال شرهم .
ونسأل ال تعالى أن يجعل جزاءنا جزيل الثواب ،وأن يلطف بنا يوم المآب ،إنه على ما يشاء
قدير .وصلى ال على سيدنا محمد سيد النبياء والمرسلين ،وعلى ءاله وصحبه الميامين ،
وحسبنا ال ونعم الوكيل ،ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم ،وءاخر دعوانا أن الحمد ل
رب العالمين .
تم انتهاء الكتاب بحمد ال تعالى نرجوا منكم حسن الدعاء في ظهر الغيب لنا بحسن الختام