You are on page 1of 7

1

‫البستاني الصالح والوزير الطالح‬


‫بقلم ‪ :‬فريد أبو سرايا‬

‫تقطعت األسباب بالمسافرين في البرية بعد أن تاها عن القافلة ‪ ،‬ووجدا نفسيهما وحيدين بدون ماء وال زاد‪،‬‬
‫فعضهما الجوع بأنيابه و استبد بهما العطش حتى أشرفا على الهالك ‪ .‬كان أحدهما وزيرا واآلخر بستانيا ‪،‬‬
‫وبنفس القدر من التفاوت بين منزلتيهما فقد كانا على نفس القدر من التفاوت في أخالقهما وطباعهما ‪،‬‬
‫فالوزير شخص خبيث ‪ ،‬ينضح الشر من أقواله وأفعاله ‪ ،‬وال يسلم من أذاه بشر وال حجر ‪ ،‬بينما البستاني‬
‫رجل صالح ال يصدر عنه إال كل خير ‪ ،‬حتى يُخيل لمن يعرفه أن النباتات واألزهار تستشعر طيبته ودماثته ‪.‬‬
‫بينما كان الوزير والبستاني يسيران على الرمال الرمضاء ‪ ،‬تحت هجير الشمس الح لهما في األفق البعيد‬
‫جبال أسود‪ ،‬فأخذا يغذان السير نحوه ‪ .‬شيئا فشيئا أخذ الجبل يقترب ‪ ،‬وأكثر فأكثر أخذت صورته تتضح ‪،‬‬
‫الكهف بشيء‬
‫َ‬ ‫وبعد ألي أدركا الجبل ‪ .‬أطل كهف فاغر فاه من أعلى الجبل على المسافرين ‪ ،‬ورمق المسافران‬
‫من الرغبة والشوق فقد كانت نفسيهما تحدثانهما بظل ظليل في جوفه ‪ .‬تسلق المسافران الجبل حتى وصال‬
‫إلى الكهف ‪ ،‬ولشد ما كان سرورهما حين وجدا ينبوعا يتدفق منه ماء زالال سلسبيال يجري في مسارب تغور‬
‫به في باطن الجبل ‪.‬‬
‫ما كان المسافران يعرفانه هو أنهما أكتشفا جبال تمخض فولد كهفا ‪ ،‬وكانت المغارة ُحبلى بالظل والماء‬
‫العجيب ‪ ،‬ولكن ما لم يكونا يعرفانه هو أن هذا الكهف يسمى كهف الجنون ‪ ،‬وأن الينبوع الذي في جوفه‬
‫يسمى ينبوع التحوالت ‪ .‬أختلطت التحوالت بالجنون ‪ ،‬فمن الطبيعي أن ينتج عن ذلك تحوالت مجنونة ‪ .‬لم‬
‫يكن لينبوع التحوالت أي تأثير على األفراد سوى أن يطفئ عطشهم ويروي ضمأهم ‪ ،‬ولكن كان تأثيره على‬
‫أي اثنين نقيضين ينهال من ماءه في نفس الوقت ‪ .‬اقتصر تأثير ماء الينبوع فقط على الضدين ‪ ،‬أما‬
‫المتشابهين فلم يكن له عليهما سلطان‪ .‬تمثلت خاصية الينبوع العجيبة في كونها تجعل الشاربين من ماءه‬
‫يرتبطان ببعضهما البعض برابطة تبادل األدوار ‪ ،‬أو الوظائف ‪ ،‬ولكن يظل كل منهما يسلك سلوكه المعتاد ‪،‬‬
‫محتفظا بطبعه وأخالقه ‪ .‬بمنظور علم النفس يمكن القول أن ماء الينبوع يصيب شاربيه بنوع من الفصام ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫بيد أنه انفصام الوظيفة ‪ ،‬وليس إنفصام السلوك الذي نعرفه ‪ .‬على هذا األساس يمكن تلخيص تأثير ماء‬
‫ينبوع التحوالت بالقول أنه إذا شرب منه وزير طالح وبستاني صالح ــ وهذا ما حدث بالفعل ــ فسيكون‬
‫الوزير وزيرا في يوم ‪ ،‬وبستانيا في اليوم التالي ‪ ،‬ويعود وزيرا في اليوم الذي يليه ‪ ،‬وهلم جرا ‪ ..‬ويجعل‬
‫البستاني بستانيا في يوم ‪ ،‬ووزيرا في اليوم التالي ‪ ،‬ويعود بستانيا في اليوم الذي يليه ‪ ،‬وهكذا دواليك ‪.‬‬
‫يتناوب الوزير والبستاني على وظيفتي الوزارة والعمل في البساتين يوم بيوم ‪ ،‬وبالتالي فإن تأثير ماء‬
‫الينبوع يقتصر على الوظيفة ‪ ،‬أما السلوك أو الطبع فلم يكن له قدرة على تغييرهما ‪ ،‬أي أن الوزير سيكون‬
‫طالحا سواء أكان وزيرا أم بستانيا ‪ ،‬والبستاني صالحا أكان بستانيا أم وزيرا ‪.‬‬
‫رجع كل من الوزير الطالح والبستاني الصالح إلى بلدهما ‪ ،‬وفي يوم العودة كان الوزير في قصره ‪،‬‬
‫و البستاني في بستانه ‪ ،‬وعاد الوزير إلى سيرته األولى بظلمه واستبداده وجوره على الرعية ‪ ،‬واستأنف‬
‫البستاني عمله في ري وتشذيب األشجار واألزهار ‪ ،‬وتوفير الظالل الوارفة والماء العذب واألريج الزكي‬
‫ألبناء السبيل ‪ .‬مضى ذلك اليوم على هذا المنوال إلى نهايته ‪ ،‬ومن المؤكد أنه لو تصادف مرور أبو البقاء‬
‫الرندي بالبستان ألنشد قائال ‪:‬‬

‫في اليوم التالي تبادل الوزير والبستاني الوظائف ‪ ،‬ولكن احتفظ كل منهما بطبعه وسلوكه ‪ ،‬فأصبح البستاني‬
‫وزيرا صالحا ‪ ،‬وأضحى الوزير بستانيا طالحا ‪ .‬أستقر الخير والمعروف في الوزارة‪ ، ،‬وغزا الشر والمنكر‬
‫البستان ‪ .‬بقدوم البستاني الصالح للوزارة أستراحت الرعية وتنفس الناس الصعداء ‪ ،‬وبمجيء الوزير الطالح‬
‫إلى البستان ضاق الحال باألشجار واألزهار من االهمال واالستهتار ‪ .‬إنني على ثقة تامة أن لو كان لألشجار‬
‫شعر البن زيدون‬
‫ٍ‬ ‫نفس تشعر ولسان يعبر عن ما يجيش في هذه النفس من مشاعر ‪ ،‬لما وجدت أفضل من‬
‫لتعبر به عن افتقادها لطيبة البستاني وصالحه ‪ ،‬فتجدها تنشد قائلة ‪:‬‬

‫لم يفز برعاية البستاني وعنايته في البستان إال ّ األشجار واألزهار ‪ ،‬وبعض أبناء السبيل ‪ ،‬ولكن في القصر‬
‫فقد مكنته وظيفة الوزارة من البر بالجميع ‪ ،‬وفعل الخير على أوسع نطاق ‪ .‬لم يتغير سلوك البستاني في‬
‫القصر عن سلوكه في البستان ‪ ،‬ولكن ما تغير هو النطاق الذي تأثر بسلوكه ‪ ،‬ولم يغير نطاق تأثير السلوك‬
‫إال الوظيفة ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الوظيفة ‪ ،‬والسلوك هما من أسماء المعاني ‪ ،‬ولذا فهما شيئان تجريديان ‪ ،‬ويجب التفطن إلى أن المعني‬
‫بالنقاش في هذا السياق ليس الوظيفة والسلوك في حد ذاتهما ‪ ،‬ولكن ذات تتلبس بوظيفة ‪ ،‬وذات يصدر عنها‬
‫سلوك ‪ .‬بشكل عام ال تقع قسوة الحوذي إال على حصان ‪ ،‬وال يتضرر من رداءة عمل الخصاف إال النعال ‪،‬‬
‫وال يتأذى من سوء عمل الحداد إال الحديد ‪ ،‬ولكن إذ كان وزير المالية مصابا بثقب في مرؤته ‪ ،‬فستنحدر‬
‫ثروة األمة كلها في ثقب ليس له قرار ‪ ،‬وإذا كان وزير التعليم شخصا بهيما ‪ ،‬فسيستبهم األمر على أجياال‬
‫كاملة ف تتحول إلى قطعان من البهم ‪ ،‬وإذا كان وزير الصحة هو عبارة عن مرض من األمراض ‪ ،‬فسيسهل‬
‫على الناس االنتقال من الدار الدنيا إلى الدار اآلخرة بأسرع مما يظنون ‪.‬‬
‫إن ما يجعل عدم كفاءة وزير التعليم أشد وقعا على األمة بأكملها من رداءة عمل الخصاف ليس السلوك ‪ ،‬بل‬
‫الوظيفة ‪ ،‬أو المنصب ‪ .‬والوظيفة هي ما تجعل كذبة الوزير أخطر ‪ ،‬وأدهى وأمر من عديد األكاذيب التي قد‬
‫يتفوه بها كناس من الكناسين ‪.‬‬
‫ليس هناك أصدق من العدو في تحديد مواقع الخطر ومكامن القوة ‪ ،‬ألن األمر بالنسبة إليه مسألة حياة أو‬
‫موت وليس مسألة خالف إيديولوجي ‪ ،‬أو تباغض سياسي ‪ ،‬ولهذا يُقال الحق ما شهدت به األعداء‪ .‬فإذا‬
‫أردت أن تعرف أهمية الموقع والمكانة ‪ ،‬فانتظر حتى يحتل العدو بلدك وراقب بهدوء ما الذي سيفعله ‪ ،‬فهل‬
‫ستراه يهتم بكل من يقابله ‪ ،‬أو يخص باهتمامه أشخاصا يشغلون وظائف معينة فقط ؟‬

‫ال تختلف مجريات الحياة كثيرا عن ما يجري على رقعة الشطرنج ‪ ،‬إال في كون الحياة تسمى حياة ‪،‬‬
‫والشطرنج تسمى شطرنج ‪ .‬ففي الشطرنج ‪ ،‬ال يشكل البيدق األبيض الواقف في الصف الثاني أي خطر على‬
‫االطالق ‪ ،‬بل قد يُنظر إليه على أنه‬
‫عائق في طريق التعبئة واالنتشار ‪،‬‬
‫بيد أن هذا البيدق عندما يكون على‬
‫الصف الثامن يتفرزن ‪ ،‬ويتحول إلى‬
‫وزير يكمن في حركاته وسكناته‬
‫النفع والضرر ‪ .‬وبالتالي فال يكون‬
‫اهتمام العب الشطرنج الحصيف‬
‫ببيدق في الصف الثاني مساويا‬
‫الهتمامه ببيدق على الصف السادس‬
‫‪ ،‬كما يختلف اهتمامه ببيدق في الصف السابع عنه في الصف السادس ‪ .‬إن ما يجعل أهمية البيدق تختلف‬
‫باختالف المربع أو الخانة التي يتواجد عليها هو الموقع أو المكانة ‪ ،‬وليست المقدرة أو السلوك ‪ ،‬فالبيدق هو‬

‫‪4‬‬
‫بيدق سواء كان في الصف الثاني أم في الصف السادس ‪ .‬إن البيدق األبيض في الصف الثاني ‪ ،‬هو بستاني‬
‫في بستان ‪ ،‬ولكنه على الصف الثامن هو وزير على سدة الحكم في وزارة ‪.‬‬
‫عاد كل من البستاني والوزير إلى سيرته األولى ‪ ،‬فتهللت بتالت األزهار وأكمامها بهجة وسرورا بعودة‬
‫صاحبها إليها بعد أن ذاقت العطش واالهمال على يد الوزير الطالح ليوم كامل بليله ونهاره ‪ .‬أمتدت يد العناية‬
‫والرعاية إل ى النباتات واألشجار واألزهار ‪ ،‬فنمت األفنان ‪ ،‬وأخضرت األوراق ‪ ،‬واينعت الثمار ‪ ..‬وباختصار‬
‫فقد عادت الحياة إلى البستان‪.‬‬
‫هذا ما حدث في البستان في اليوم الثالث ‪ ،‬أما الوزير فقد جلس على سدة الحكم في القصر ‪ ،‬وبدأ بنقض‬
‫الغزل الذي حاكه البستاني في اليوم السابق أنكاثا أنكاثا ‪ .‬أمتدت يد الوزير إلى الرعية فطالتها قسوته وظلمه‬
‫‪ ،‬وخالصة القول ‪ ،‬ففي اليوم الثالث عاش الناس في شقاء ‪ ،‬وعاشت األزهار في هناء ‪ .‬لم يكن المتنبي‬
‫مجانبا للصواب حينما قال ‪:‬‬

‫مضت عملية التحوالت أو التقلبات في منوالها ‪ ،‬وتقلبت األيام في دائرة مفرغة من السراء والضراء ‪،‬‬
‫وعرف البشر والشجر أن ما من شقاء إال ّ ويعقبه هناء ‪ ،‬وما من شدة إال ّ ويتلوها رخاء ‪ .‬أدركت أزهار‬
‫البستان هذا الواقع المتقلب ‪ ،‬وكانت شقائق النعمان أكثر الزهور أدراكا للواقع المتقلب بين البؤس والنعيم‬
‫ألنها نبتت قديما على قبر من جعل في كل عام يوما للبؤس وآخر للنعيم ‪ ،‬وانتهى به الحال مدهوسا تحت‬
‫أرجل الفيلة و ُ‬
‫غري بدمه أديم األرض ‪ .‬تولدت لدى نباتات البستان وأزهاره حكمة الذئب التي يحدثنا عنها‬
‫الكوني بقوله ‪ ،‬أن الذئب عندما يشبع ينهار بالبكاء ألنه يعلم أن الشبع سيتلوه جوع ‪ ،‬وإذا جاع فرح وتهللت‬
‫أساريره حبورا ‪ ،‬ألنه يعلم أن ما بعد الجوع إال ّ الشبع ‪.‬‬

‫في حالة غريبة تبدو النباتات في البستان في النهار كالدكتور هنري جيكل ‪ ،‬ففي وجود الضوء تنفث غاز‬
‫األكسجين المنعش ‪ ،‬ولكن ما أن يحل الليل وينعدم الضوء حتى تنقلب هذه المخلوقات الرقيقة لتكون كالسيد‬
‫إدوارد هايد ‪ ،‬فتأخذ بزفر غاز ثاني أكسيد الكربون السام‬

‫‪5‬‬
‫يُقال أن األشجار تموت واقفة ‪ ،‬وهي كذلك ‪ ،‬ولكنها أيضا تحيا واقفة ‪ .‬لم يكن في وارد األشجار أن تموت‬
‫سواء واقفة أو قاعدة ‪ .‬كانت نباتات البستان في ذلك اليوم تحظى برعاية البستاني الصالح وعنايته بها ‪ ،‬فقد‬
‫كا نت نوبة البستنة للبستاني ‪ ،‬ونوبة الوزارة للوزير ‪ ،‬وعلى الرغم من أنها كانت تنعم بمعاملة طيبة وكريمة‬
‫من قبل البستاني الصالح إال أن األشجار لم تكن بخضرتها النضرة المعهودة ‪ ،‬واألمر ذاته ينطبق على‬
‫األزهار فلم تكن متفتحة كما تتفتح في أحسن أحوالها ‪ ،‬وكان الشحوب يغشى بتالتها ‪ ،‬ولم يكن العشب‬
‫والشجيرات الصغيرة بأفضل حاال من األشجار واألزهار ‪ .‬إن الناظر إلى العشب المنكس األنصل ‪ ،‬والزهور‬
‫الشاحبة األلوان ‪ ،‬واألشجار التي تكاد تكون قد فقدت خضرتها الزاهية ‪ ،‬يظن أنها تتوجس خيفة مما ستلقاه‬
‫على يد الوزير الطالح في اليوم التالي ‪ ،‬تماما مثل ذئب الكوني الذي يمال الدنيا بعواءه الحزين عندما يمأل‬
‫بطنه بالطعام ويشعر بالشبع‪.‬‬

‫بيد أن بيهس الفزاري الملقب بنعامة ال يتفق مع أشجار البستان وأزهاره ‪ ،‬وال يتفق أيضا مع ذئب الكوني ‪،‬‬
‫فعندما تجرد عن ثيابه وأخذا يرقص مع صبيان الحي ‪ ،‬أتته أمه وقالت له ‪ " :‬ما هذا يا بيهس ؟ " فقال ‪:‬‬

‫أما علي بن بسام البغدادي فالبكاء عنده كان حالة دائمة ‪ ،‬والتشاؤم متآصل في نفسيته‪ ،‬وال يتفق هو اآلخر‬
‫مع حكمة ذئب الكوني ‪ ،‬ويعبر عن ذلك بقوله ‪:‬‬

‫كأن الشجر قد عزم على فعل ما عجز عنه البشر ‪ ،‬وكأن نباتات البستان كانت تترقب قدوم غدها بفارغ الصبر‬
‫كما كان قراد بن أجدع الكلبي ينتظر حنظلة ويقو ّل ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫في اليوم التالي ‪ ،‬ذهب البستاني إلى الوزارة وجاء الوزير إلى البستان وآتى النبات سؤاله ‪ .‬عندما أنصرم‬
‫النهار ‪ ،‬وانطفأت الشمس ‪ ،‬وقع نشاط إستثنائي غير معهود في البستان فقد حدث انتاج غير اعتيادي لغاز‬
‫ثاني أكسيد الكربون نتيجة لنشاط تنفسي خلوي من قبل النباتات ‪ .‬أخلد غاز ثاني أكسيد الكربون إلى األرض‬
‫بسبب ثقله ثم أخذ منسوبه يرتفع دويدا رويدا في الجو طاردا األكسجين من البستان ‪ .‬بالضبط هذه هي‬
‫الطريقة التي يعمل بها ثاني أكسيد الكربون في إطفاء الحرائق وذلك بأن يحرم ألسنة اللهب من األكسجين‬
‫فتنطفئ النار ‪ .‬قديما ‪ ،‬تعرف أنطوان لوران دو الفوازييه على الغاز الذي كان يسمى الغاز " الذي تجرد من‬
‫الفلوجيستون " ‪ ،‬وأطلق عليه االسم الذي نعرفه به اآلن ‪ ،‬أال وهو األكسجين ‪ ،‬بيد أن اكتشافات الفوازييه‬
‫العلمية لم تشفع له لدى قضاة الثورة الفرنسية ‪ ،‬فقال القاضي الذي يحاكمه ‪ " ،‬الثورة ليست بحاجة إلى‬
‫عباقرة " ‪ .‬وكأن التاريخ يعيد نفسه ‪ ،‬ولكن هذه المرة مع غاز ثاني أكسيد الكربون ‪ ،‬فيبدو أن قرارا قد أتخذ‬
‫في البستان ‪ ،‬فحواه هو " أن البستان ليس بحاجة إلى وزراء " ‪.‬‬
‫في البستان‪ ،‬كان الوزير يغط في نومه ‪ ،‬وال يشعر بما يدور حوله ‪ ،‬والغاز المطفيء للنار وللحياة يتكدس‬
‫فوقه ومن حوله ‪ ،‬وفي النهاية أُطفئت شعلة الحياة في نفس الوزير ‪ .‬من المغري تصور أن ما حدث في‬
‫البستان في ذلك اليوم هو نتيجة لتململ النباتات وتذمرها من الوزير الطالح واستجابة القدر إلرادتها للحياة‪،‬‬
‫ي ِ‪:‬‬
‫الحل ّ‬
‫وأن ذلك كله قد جاء مصداقا لقول صفي الدين ِ‬

‫‪7‬‬

You might also like