You are on page 1of 408

‫الخــبـيـئــة‬

‫رواية‬

‫للدكتور‪ /‬عبد الرحمن نجاح‬

‫أي نسخة غير موقعة بخط يد الكاتب تتعد‬


‫بمثابة اعتداء على حقوق الملكية الفكرية‬

‫‪200‬‬
‫رقم اليداع‪-:‬‬

‫الترقيم الدولي‪-:‬‬

‫إهداء‬

‫‪ -‬إلى جذوري الرائعة – أبى وأمي‬


‫‪ -‬إلي أسرتي الصغيرة‪.‬‬
‫‪ -‬إلي روح محبة تهيم من حولي تدعوني لن أكون نفسي‪.‬‬

‫‪200‬‬
200
‫فمرعى لغزلن ودي ارل لرهبانن‪.‬‬ ‫‪....‬‬ ‫لقد صار قلبي قابلل كل صورة‬

‫وألواحح تو ارنة ومصحف قرآنن‪.‬‬ ‫وبيتال لوثانن وكعبة طائف ‪....‬‬

‫ركائبه‪ ،‬فالتحب ديني إوايماني‪.‬‬ ‫‪....‬‬ ‫تأدين بدين الحب أنى توجهت‬

‫ابن عربي‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫في تمام الساعة السادسة إل خمس دقائق من صباح يوم الثالثااء‪ ،‬الثاالث من‬
‫مايو لسنة ‪2005‬م‪ ,‬أوقف الدكتور إبراهيم سالم سيارته‪ ،‬في شارع جانبي‪ ،‬وترجل‬
‫ع أبى الفدا بالزمالك البحرية‪ ،‬مع أول خطوة له بالشارع أظهرته شاشات‬
‫قاصدا شار ع‬
‫المراقبة وهو يخرج‪ ،‬من جيب قميصه‪ ،‬الدعوة المريبة التي تلقاها بالمس‪ ،‬ليتأكد من‬
‫العنوان موضوع الدعوة‪ ،‬فتلقفته عيون مدربة حتى باب فيل الصفا بمنتصف الشارع‪.‬‬
‫وقع نظره على اسم مالك الفيل‪ ،‬الدكتور على توفيق‪ ،‬فاستغرب المر‪ ،‬وما أن‬
‫تخطي البوابة حتي فوجيء بعدد من الحراس تعددل تصرفاتهم المنظمة والجامدة على‬
‫أنهم ليسوا مدنيين على الطلق فتسارعت ضربات قلبه وتصبب عرقه‪.‬‬
‫كان الصداع ينهش رأسه‪ ،‬بسبب أرق ليلة أمس‪ ،‬وها هو ل يستطيع أن يستجمع‬
‫أفكاره المشتتة ويساوره شعور خبيث بالضياع‪ ،‬وكأنه شخص آخر غير إبراهيم سالم‬
‫المشهور بالشجاعة والقدام‪ .‬أخذته المفاجأة‪ ،‬لم ينبس ببنت شفة‪ ،‬امتثال آلي ا للوامر‪،‬‬
‫أطلع أحدهم على الدعوة ووقع باسمه في دفتر الحضور‪ ،‬ثام سلمه هاتفه المحمول‬
‫ومفاتيح السيارة‪ ،‬وبناء على إشارة من الحارس رفع رأسه واتجه ببصره نحو مبنى شيك‬
‫وفخم يتوارى معظمه خلف أشجار المانجو الضخمة‪.‬‬
‫الفيل تبدو كجزيرة تحيط بها الشوارع من كل الجوانب‪ ،‬يمتد سورر عالل من يسار‬
‫البوابة الضخمة ليقطع مسافة طويلة ليحيط بمساحة شاسعة من الحدائق الغناء قبل أن‬

‫‪200‬‬
‫يعود ليلتحم بالجانب اليمن للبوابة‪ ،‬ومع اللشجار الكثايفة علي امتداد السور ل يمكن‬
‫لحد رؤية مبنى الفيل من الخارج‪.‬‬
‫ينتهي السور من أعلى بسور آخر‪ ،‬من الحديد المشغول‪ ،‬يزيد من ارتفاعه‬
‫كثاي ارا‪ ،‬وعلى كل زاوية من زوايا السور الربعة يوجد كشك للحراسة‪ ،‬كتلك التي دتشاهد‬
‫بمقرات أجهزة الدولة الحساسة‪ ،‬وترتفع على السور عدة كشافات كهربائية كبيرة‪ ،‬تستمر‬
‫في إضاءة الشارع حتى الساعات الولى من الصباح‪ ،‬وقد لحظ إبراهيم أعلي السور‬
‫العديد من كاميرات المراقبة‪.‬‬
‫يحتضن السور بداخله حديقة بديعة تمتد على جانبي طريق رئيسي دمحدد‬
‫بأشجار متنوعة ولكنها منسقة في أشكال هندسية‪ ،‬مربعات‪ ،‬مثالثاات‪ ،‬ودوائر‪ ،‬لتلقى‬
‫بظللها وتسقط ما علق بها من قطرات الندى على قطع البازلت السود المصقولة‬
‫والمثابتة في أرضية الطريق بأشكال بديعة‪ ،‬يتفرع هذا الطريق إلى عدة طرقات دمعمهدة‬
‫بقطع البازلت أيضاا‪ ،‬وتلتف حول أحواض من الزهور دمنسقة بشكل جذاب‪ ،‬ومرة دأخري‬
‫تتجمع كل الطرقات لتصبح طريق ا واسعاا‪ ،‬يمتد لمسافة قصيرة‪ ،‬يتحول بعدها إلى دائرة‬
‫تحيط بحمام سباحة واسع‪ .‬مشى إبراهيم مشدوه ا بموازاة الجانب اليمن لحمام السباحة‬
‫حتى وجد نفسه أمام ساحة فسيحة ترتسم بأرضها أشكال وصور ضخمة لعدد من‬
‫الحيوانات والطيور أبدعها فنان بارع من آلف القطع الصغيرة من الرخام الملون‪،‬‬
‫مأخوذا بجمال أرضية الساحة كاد أن يتعثار بأول درجات سلم الفيل الذي يمتد أفقيا‬
‫بطول الساحة الرخامية‪.‬‬
‫بحذر اعتلي حوالي عشر درجات من الرخام البيض الملس‪ ،‬مأخوذا بما يراه‪،‬‬
‫وقف يتأمل بدهشة جمال الباب المصنوع من خشب الرو والمشغول بالنحاس الحمر‬
‫وبعشرات القطع من الزجاج الملون والمعشق في أشكال متداخلة بشكل جذاب‪ ،‬في‬
‫أعلى ضفتي الباب تتجاور نجمتان ثامانيتان‪ ،‬تحت كل منهما قنديل ضخم تبدأ من‬
‫أسفلهم أشكال مبهرة من النحاس الحمر‪ ،‬رجع للخلف قليلا ليتابع الرسومات النحاسية‬
‫أسفل الباب فوقع نظره على حذائه ذو اللون الهافان فانتبه لما هو مقبل عليه‪ ،‬فهو عادة‬
‫ل يرتدى هذا الحذاء إل في معشاويره الهامة ومغامراته المثايرة‪ ،‬وقبل أن يرتب نفسه‬

‫‪200‬‬
‫ويدعوها للثابات‪ ،‬اتجهت الضفة اليمنى للباب نحو الداخل‪ ،‬وظهر من يرحب به ويدعوه‬
‫للدخول‪.‬‬
‫في خضم جهوده للسيطرة على نفسه وتجميع شتات أفكاره لم يل ل‬
‫ق على الرجل‬
‫بالتحية‪ ،‬وتبعه في صمت نحو صالة فسيحة تتجاور في منتصفها عدة صالونات‬
‫فاخرة‪.‬‬
‫حين جلس انتبه لشيء زاد من حيرته‪ ،‬فالرجل الواقف أمامه أقل ما يوصف به‬
‫أنه رجل محترم‪ ،‬كان وسيما ومهندما وذا مهابة‪ ،‬كما أنه يتحدث بلباقة وثاقة‪ .‬فراح‬
‫إبراهيم يبرر لنفسه ما يراه ‪ ،،،‬من المؤكد أن صاحب الدعوة شخصية كبيرة وغنية جدا‬
‫ومن الطبيعي أن يكون خادمه بهذا المظهر!‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫إبراهيم سالم رجل أعمال من مدينة طنطا‪ ،‬تجاوز الربعين من عمره بقليل‪،‬‬
‫معروف بحدة الطبع والعصبية الشديدة‪ ،‬وبالرغم من وسامته الواضحة إل أن ملمحه‬
‫جامدة وليس من السهل قراءة تعبيرات وجهه‪ ،‬وقد أضفي عليه الكثاير من الهيبة طوله‬
‫الفارع وبنيانه القوي‪.‬‬
‫التحق بكلية ط ب‬
‫ب‪ ،‬القصر العيني‪ ،‬نزولا على رغبة والده‪ ،‬صاحب اللوكاندات‬
‫والبا ازرات‪ ،‬وعلى الرغم من سنوات دراسة الطب الطويلة لم عيفتر حلمه في دراسة التاريخ‬
‫والثاار‪.‬‬
‫بعد تخرجه بعدة أشهر‪ ،‬مات والده‪ ،‬فترك وظيفته كطبيب امتياز‪ ،‬وانكب من‬
‫فوره‪ ،‬وبحماس‪ ،‬ديدير دممتلكات السرة ودينمى نشاطه في دنيا السياحة‪ ،‬فاقترب بشدة من‬
‫موضوعات التاريخ العملية‪ ،‬السياحة والثاار‪.‬‬
‫ومن أول المر بدا أن ل شيء يمكن أن عيحد من طموحه ومن إص ارره على‬
‫تحقيق حلمه في امتلك المال والسطوة‪ ،‬فاندفع خلف طموحه معتمدا على شجاعته‬
‫وعشقه للمغامرة‪ ،‬فعاش حياته على حافة الخطر‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫حاول إبراهيم جاهدا أن يتخلص من الفكار التي راودته منذ وصلته الدعوة وراح‬
‫يتحدث إلى نفسه ‪ ،،،‬أليس من المحتمل أن الرجل الكبير‪ ،‬الذي أتعامل معه منذ سنوات‬

‫‪200‬‬
‫من خلف ستار كثايف من الوسطاء‪ ،‬قد قرر أن يتعامل معي بشكل مباشر ووجها‬
‫لوجه؟‪ ،‬وال ممكن‪ ،‬ليه ل؟ ‪ ،،،‬ويمكن يكون هو المسئول الكبير في الدولة الذي يتداول‬
‫اسمه‪ ،‬فيما بيننا‪ ،‬على أنه الكبير في الدشغلة ‪ ،،،‬كل شيء جايز ‪ ،،،‬وقد يكون واحدا‬
‫من تجار الثاار الكبار الذين تعاملت معهم أو شاركتهم في بعض الصفقات الكبيرة‪،‬‬
‫فأقل واحد منهم أصبح من أغنياء البلد وله من السطوة والنفوذ ما ترتعد له الوصال ‪،،،‬‬
‫هو‪ ،‬بالتأكيد هو‪ ،‬عبد المسيح ساويرس‪ ،‬لم أصدق أبدا ما كان يبديه من تبريرات‬
‫لتصرفاته الدمريبة ولطريقة تعامله معنا‪ ،‬أنا قلت قبل كده للنجار وعيد‪ ،‬وحتى لهيثام بدر‪،‬‬
‫أن هذا القبطي وراءه لسر كبير‪ ،‬وكثاي ار ما حاولت لفت انتباههم إلى أنه يعمل لصالح‬
‫آخرين‪ ،‬من داخل البلد أو من خارجه‪ ،‬وأن له غرضا آخر من الدشغلة‪ ،‬غير المال ‪،،،‬‬
‫قد يكون صاحب هذا المكان هو اللسر الكبير لصديقي‪ ،‬رضا جلل‪ ،‬لقد أفضي إلي‬
‫بأنه على علقة بشخصية هامة ومطلعة على ما يجرى في البلد‪ ،‬وبأنها مصدر‬
‫المعلومات والسرار الخطيرة‪ ،‬التي تفجرها بين الحين والحين‪ ،‬تحقيقاته الصحفية حول‬
‫ل‪ ،‬ألم يصل بنا الحال‪ ،‬نحن كبار دتجار الثاار‪ ،‬إلى‬
‫نشاط تجار ومهربي الثاار ‪ ،،،‬فع ا‬
‫درجة الشك في بعضنا البعض بسبب تلك التحقيقات الصحفية؟ ‪ ،،،‬فعلا هذا استنتاج‬
‫صحيح‪ ،‬إوال كيف عرف رضا بأدق أس اررنا والتي كان يصدمنا بها بين الحين والخر‬
‫في مقالته وتحقيقاته التي كادت أن تدمرنا؟ ‪ ،،،‬من المؤكد أنها شخصية تتبوأ منصب ا‬
‫حساسا بالبلد‪ ،‬بدليل أن رضا رفض رفضا باتا أن يفشى لي باسم ذلك المسئول ‪ ،،،‬آه‬
‫ل‪ ،‬انتظر‪ ،‬أليس من المحتمل أن رضا كان يدعى ذلك ليخيفنا ويبتزنا ‪ ،،،‬وال‬
‫فع ا‬
‫دممكن‪ ،‬فهو شخص ذكى وماكر ل شك في ذلك ‪ ،،،‬أي ا كان من هو صاحب الدعوة‪،‬‬
‫لماذا يدعوني للجتماع به فى هذا الموعد المبكر وبهذه الطريقة؟‪ ،‬أيريد أن عيسلبني‬
‫أموالى أو أن ديقاسمني رزقي؟ ‪ ،،،‬ليكن من يكون‪ ،‬يا روح ما بعدك روح ‪ ،،،‬إيه يا أبا‬
‫لخرى؟ ‪ ،،،‬فلتعتبر ما أنت‬
‫خليل ماذا بك؟‪ ،‬ألم تقض سنوات في انتظار مغامرة تلو ا د‬
‫مقبل عليه دمغامرة جديدة‪ ،‬ولو أنى ل أتوقع أن هناك مغامرة كمغامرة العام الماضي فى‬
‫خرائب تل العمارنة ‪ ،،،‬على أية حال عليك أن تهدأ وتتحكم في أعصابك‪.‬‬
‫بدا للخادم أن إبراهيم مستغرق في تفكيره‪ ،‬فسأله بأدب عجم‪.‬‬
‫‪ -‬سيادتك تشرب إيه؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫دون أن ينظر للرجل قال‪.‬‬
‫‪ -‬قهوة سادة من فضلك‪.‬‬
‫‪ ،،،‬معقول يا رضا‪ ،‬هل هذا جزاء صداقتي معك؟ عكم أسديت لك من خدمات‪ ،‬هل هذا‬
‫جزائي؟‪ ،‬تشي بي وتورطني؟‪.‬‬
‫تجاذبته أفكار متناقضة‪ ،‬ل يريد أن يصدق أن صديق عمره يمكن أن يخونه ‪،،،‬‬
‫أعرف أنه جشع للمال‪ ،‬لكن ل أظنه يضحى بي لي سبب ‪ ،،،‬ولماذا يفعل ذلك وقد‬
‫مكنته من الحصول على كل ما عحلدعم به ولم يستطع تحقيقه ل من اللطب أو من‬
‫الصحافة‪ ،‬شقة فخمة بمدينة دمياط الجديدة‪ ،‬سيارة فورد آخر موديل‪ ،‬شقة برأس البر‪،‬‬
‫إوايه؟ بشارع ‪ ،53‬وصف أول على البحر‪ ،‬ثامنها اليوم ل يقل عن مليون جنيه‪ ،‬وبعد ما‬
‫كان يسدكن بشقة‪ ،‬حجرة وصالة بالسيدة‪ ،‬لديه اليوم شقة فخمة بمساكن شيراتون‬
‫المطار‪ ،،،‬آه ‪ ،،،‬حكايتك إيه يا رضا؟‪ ،‬منذ أيام الدراسة بالقصر العيني وأنا أعرفك كما‬
‫أعرف نفسي‪ ،‬دتغالب في الدنيا وهى دتغالب فيك‪ ،‬تغير موقفك بين لحظة ودأخرى‪ ،‬مرة‬
‫يمين ومرة شمال‪ ،‬محتار ما بين مبادئك وتطلعاتك‪ ،‬تريد الجمع بين النقيضين الشرف‬
‫صعب يا صديقي‪ ،‬نصحتك بأن تختار إحداهما ليمكنك الستمتاع بحياتك‬
‫والثاروة ‪ ،،،‬ع‬
‫‪ ،،،‬عمرك وعنفسك قصير يا رضا‪ ،‬وحبك لولدك وخوفك عليهم هو نقطة ضعفك ‪،،،‬‬
‫انسحبت من معارك حين أوشكت علي النتصار فيها‪ ،‬كنت تساوم من أجل عسلمتك‬
‫مع أقل تهديد‪ ،‬تبدى الكثاير من الشجاعة‪ ،‬وبل سابق إنذار‪ ،‬تتصرف كما الجبان ‪،،،‬‬
‫وكتابك الخير عن الجماعات الباطنية والديانات السرية كاد أن يتسبب في مقتلك لول‬
‫تراجعك المفاجئ والدمهين عن أفكارك‪ ،‬رفضت نصيحة كل من حولك بعدم طبع هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬حتى عتصور الجميع أنك لن تتراجع هذه المرة حتى لو كلفك ذلك حياتك! ‪،،،‬‬
‫هل يمكن أن يبيعني رضا بالمال بعد كل ما فعلته من أجله؟‪ ،‬ل أظنه يفعل فهو يعرف‬
‫مدي سطوتي وعاقبة غضبي‪ ،‬ويعرف بأني سأعصف به فو ارا‪ ،‬لحظة أن أحسبه يشكل‬
‫خط ار علي مصالحي‪.‬‬

‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫جمعت عدم الرغبة في دراسة الطب‪ ،‬بين إبراهيم سالم ورضا جلل‪ ،‬فمع حلمه‬
‫الكبير بدنيا الصحافة اضطر رضا لدخول كلية الطب بناء على رغبة والده الذي أفنى‬
‫عمره يعمل تومرجياا بالوحدة الصحية بقريتهم عشعرعباص بمحافظة دمياط‪ ،‬فقد دأب والده‬
‫على أن يلقى على مسامعه‪ ،‬ليل نهار‪ ،‬بأمنيته العظيمة في أن يراه طبيباا‪ ،‬يحمل له‬
‫الحقيبة كما حملها لعشرات الطباء الذين عمل معهم‪.‬‬
‫قضي فترة تدريبه كطبيب امتياز بمستشفى فارسكور المركزي وعمل بعدها‬
‫كطبيب تكليف بالوحدة الصحية بقريتهم‪ ،‬لم يعر الطبيب الشاب‪ ،‬من قبل أو من بعد‪،‬‬
‫إنسان سعيد كأبيه‪ ،‬يمشي بجواره يجوب شوارع القرية مبتسماا‪ ،‬يلقى التحية على كل من‬
‫يقابلهما في الطريق‪ ،‬حتى لو كان طفلا صغي ار ل يعيرهما أدنى اهتمام‪.‬‬
‫رحل والده‪ ،‬بعدما عاش‪ ،‬بضعة أشهر‪ ،‬في سعادة ونشوة أنسته ستة عقود من‬
‫الفقر والمعاناة‪ ،‬فلم يكذب عخبر‪ ،‬استقال من و ازرة الصحة‪ ،‬وقرر العمل بالصحافة‪.‬‬
‫وبعد كفاح مرير استطاع الطبيب السابق تثابيت أقدامه في مهنة المتاعب‪ ،‬وبعد‬
‫فترة ليست بالقصيرة‪ ،‬أظهعر كرامات وموهبة دفعته للصفوف المامية بجريدة الهرام‪،‬‬
‫ولنه من يومه وسيم وذكى ودمشاكس وملحب للقاهرة وصخبها احتضنته العاصمة‪ ،‬فأقام‬
‫بها عدة سنوات شهدت صولته وجولته في الحب والعشق‪ ،‬وفى لحظة لم يتوقعها شعر‬
‫بالضيق والعملل من حياته الدمنفلتة‪ ،‬فتزوج بفتاة جميلة من نفس قريته‪ ،‬ولحسن حظه‬
‫كانت تعتبره أعظم هدية منحتها لها الحياة‪ ،‬وليضمن حياة قاهرية آمنة‪ ،‬قرر أن دتقيم‬
‫أسرته بمدينة دمياط الجديدة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫اندمج إبراهيم فى مراجعة كل الحتمالت التي جالت بخاطره‪ ،‬فمنذ الطاحة‬
‫بعائلتي السويسي والجابري‪ ،‬يراوده هاجس غامض بأن هناك مجهولا يترقبه ليتحين‬
‫الفرصة ليدمره ويستولى على أمواله‪.‬‬
‫معد يده بشكل آلي وتناول فنجان القهوة‪ ،‬وعندما هم برفعها نحو فمه انتبه إلى أن‬
‫الخادم ما ازعل واقف ا في مكانه‪ ،‬ينظر إليه ويبتسم بهدوء وثاقة‪ ،‬ارتبك قليلا ثام تعمد أن‬
‫ينظر بقوة في عيني الخادم وقال في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬إيه؟ فيه إيه؟ خلص‪ ،‬شك ار على القهوة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬العفو يا أفندم‪.‬‬
‫وضع الفنجان على المنضدة ببطء وأخذ نفس ا بطيئ ا ليهدئ من توتره وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا تنظر إلى هكذا؟‪.‬‬
‫وهو يثابت عينيه في عيني إبراهيم قال في تعالل‪.‬‬
‫‪ -‬سعادتك شرفتنا عبدري فأحببت أن أعرفك بأن موعدك سيكون في تمام التاسعة وبأن‬
‫النظام هنا ديعحبتم أل يفارق الضيف مكانه أبدا لحين بدء الجتماع‪.‬‬
‫لمح الدهشة ترتسم على وجه الضيف‪ ،‬فابتسم وأكمل حديثاه‪.‬‬
‫صحف والمجلت وأيض ا يمكنك مشاهدة‬
‫‪ -‬لن تشعر بالملل فهناك في المكتبة كل ال د‬
‫التلفزيون‪.‬‬
‫وقبل أن ينتهي من حديثاه انحنى للمام قليلا ثام استقام بشكل ملحوظ وأخذ‬
‫يتراجع للخلف وهو يشير إلى صدره بسبابته اليمنى وقال باستظراف‪.‬‬
‫‪ -‬وأنا هنا للبى طلباتك‪.‬‬
‫ثام أضاف سريع ا وبجدية واضحة‪.‬‬
‫‪ -‬فقط ل تتجاوز هذا الصالون‪.‬‬
‫توترت أعصاب إبراهيم وتملكته الحيرة‪ ،‬قال في غضب‪.‬‬
‫‪ -‬كيف هذا؟ الدعوة حددت الموعد فى الساعة السادسة صباح ا والن أنت تقول أن‬
‫الجتماع في التاسعة! وأل أبرح مكاني!‪ ،‬وكأنك تتوقع مني اللتصاق بالمقعد لثالث‬
‫ساعات‪ ،‬للعمـَ؟ أين نحن؟ في رئاسة الجمهورية‪ ،‬أم في أمن الدولة؟!‪.‬‬
‫تبددت علمات الثاقة من وجه الخادم وارتعشت عضلت وجهه بسرعة خاطفة‬
‫وبدا أنه يبذل مجهودا للسيطرة على إرتباكه‪ ،‬قال من بين أسنانه‪.‬‬
‫‪ -‬أية خدمة دأخرى يا دكتور إبراهيم؟‪.‬‬
‫قال ذلك واستدار قاصدا سلم الفيل الداخلي‪ ،‬ومع اشتعال أعصاب إبراهيم فقد‬
‫تمكن من السيطرة على نفسه وقرعر أل يستفز هذا الرجل العصبي مجدداا‪ ،‬فحتى هذه‬
‫اللحظة هو ل يعرف عمن يكون أو لدى عمن عيعمل‪ ،‬نادي على الرجل باحترام‪.‬‬
‫‪ -‬لو سمحت‪ ،‬ل تغضب منى‪ ،‬فقط أريد أن أعرف أين أنا‪ ،‬وماذا يجرى هنا؟‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫ثام استدرك متسائ ا‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬كيف عرفت اسمي ومهنتي؟‬
‫توقف في مكانه ثام التفت ببطء ليواجهه بوجه جامد ونظرة باردة وقال‪.‬‬
‫‪ -‬بسيطة‪ ،‬أنت وقعت في دفتر الحضور على البوابة‪ ،‬ثام أن النظام هنا يقضى بأن‬
‫يطلعنا الرجل الكبير‪ ،‬قبل المقابلة‪ ،‬على بعض المعلومات الشخصية عن الضيف‬
‫لنستطيع العمل على خدمته وعلي راحته‪.‬‬
‫قبل أن ينتهي من كلمه كان قد اتجه نحو السلم وصعد درجاته ليقف علي‬
‫طرقة الدور العلوي مستندا علي سور السلم مثابتا نظراته الجامدة على إبراهيم المندهش‪.‬‬
‫لم يقتنع بما سمعه‪ ،‬ولكنه تيقن من أن الخادم عتعمعد أن يزيد من حيرته‪ ،‬فاكتفى‬
‫بالصمت والنظر نحوه في غيظ وحنق‪ ،‬عندما اشتم رائحة أعصابه قام من مكانه عاقدا‬
‫يديه خلف ظهره وأخذ يتجول في المكان‪ ،‬ينظر للسقف تارة ويتأعمل السجاد تحت قدميه‬
‫تارة أخري‪ ،‬فلفت انتباهه أن الصالون بدا جديدا وكأنه أول من جلس فيه‪ ،‬ومع هذا‬
‫فالسجاد يبدو قديما رغم نظافته‪ ،‬ومع بساطة الملحوظة إل أنها زادت من تخوفه من‬
‫تلك المقابلة‪ ،‬فراح يمعن التفكير فيما يمكن أن يواجهه فى هذا المكان‪ ،‬فخبرته في دشغلة‬
‫الثاار علمته أهمية التروي والتفكير العميق‪ ،‬وأكسبته ملكة سرعة البديهة والقدرة على‬
‫ف الحاسم فى الوقت المناسب‪ ،‬مع ضرورة المجازفة والمخاطرة عند اللزوم‪.‬‬
‫التصر د‬
‫مع مرور الوقت‪ ،‬وكما هو متوقع منه‪ ،‬بدأ يشعر بالثاارة التي افتقدها منذ‬
‫شهور‪ ،‬أنعشه هذا قليلا ومع ذلك لم يستطع التخلص من بعض الهواجس التي ما‬
‫انفكت تهاجمه من حين لخر‪ ،‬خاصة بعدما سيطر عليه شعور غير مريح بأن هذه‬
‫المقابلة ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبله‪ ،‬وراح عيسترلجع ما كان يعتريه من مخاوف أثاناء‬
‫مغامراته في عالم تجارة الثاار‪ ،‬فكثاي ار ما حدثاته نفسه بأن هناك شخصيالت هامةا في‬
‫البلد تتحكم من خلف الستار في تلك الدشغلة الدمربحة جداا‪ ،‬ولكنه لم يمتلك دليلا على‬
‫توقعاته تلك‪.‬‬
‫على الرغم منه‪ ،‬اضطربت أفكاره و مشاعره‪ ،‬فمع الثاارة تنامي بداخله خوف‬
‫حقيقي وقلق خبيث على ثاروته‪ ،‬وأيض ا على اسمه وسمعته‪ ،‬فألقى بجسده على المقعد‬
‫وقبل أن يلمس نعفسه شيرء من اليأس لجأ للحيلة التي يتقنها ويلوذ بها للتخلص من‬

‫‪200‬‬
‫القلق والتوتر‪ ،‬أحلم اليقظة‪ ،‬حيث يصول ويجول ويدمر أعداءه‪ ،‬ليخرج دائما سالما‬
‫غانم ا في جميع ما ينسجه في خياله من أحداث ومواقف‪.‬‬
‫اندمج في حلم مثاير وأخذ ديرتب أحداثاه ضمن سيناريو يحقق فيه انتصا ار ساحق ا‬
‫على كل أعدائه‪ ،‬أحعس بعقله يتخفف قليلا من القلق والتوتر‪ ،‬وهدأت أعصابه بعض‬
‫الشياء‪ ،‬مدد ساقيه وعقد يديه خلف رأسه ورجع بظهره ورأسه للخلف‪ ،‬أغمض عينيه‬
‫ليشاهد الحداث التي يعيشها تمر بذهنه كفيلم مثاير‪ ،‬حين شعر بنشوة النتصار تثااءب‬
‫وفتح عينيه فلمح الخادم‪ ،‬مازال بمكانه ويحدق فيه‪ ،‬سدد إليه نظرة قوية‪ ،‬لم يرمش‬
‫للخادم جفن وحين انفرجت أساريره عن ابتسامة ثاقة لم يعد لدي إبراهيم أدنى شك في أنه‬
‫موجود بمكان هام وحساس‪.‬‬
‫تجاهله وقال في نفسه‪ ،‬ليكن ما يكون‪ ،‬بكثايره ساعة ويتضح كل شيء‪ ،‬ثام عمعد‬
‫يده وتناول جريدة الهرام وراح يتصفحها في محاولة لتجاهل عيون الخادم المصوبة‬
‫نحوه باستمرار‪ ،‬وكأنه يتعمد أن ديفهمه بأنه دمراقب ععن عكعثاب‪ ،‬فكلما تلقت العيون كان‬
‫الخادم يتعمد أن يتحداه بنظرات قوية‪ ،‬أزعجته بالفعل‪.‬‬
‫مرت به الدقائق ثاقيلة متوترة إواذا برجلين يشبهان الخادم الول يتقدمان ناحيته‬
‫بثابات‪ ،‬لحظة وظهر من خلفهما رجلن ما أن لمحهما حتى عهب واقفا مأخوذا بتلك‬
‫المفاجأة‪ ،‬فحتى هذه اللحظة كان يعتقد أنه مدعوو بمفرده لهذا اللقاء‪.‬‬
‫كان النجار وعيد يتبعان الخادمين وعيونهما تتجول حائرة في المكان تتفحصه‬
‫في دهشة وقلق تفاقما بسرعة حين وقعت أعينهم على إبراهيم الذي وقف متجمدا في‬
‫مكانه وعلى وجهه علمات الحيرة والشك‪.‬‬
‫في صمت اقتربت أجسامهم‪ ،‬ولفحت أنفاسهم وجوه بعضهم البعض‪ ،‬تشابكت‬
‫اليادي في ترحيب متوتر‪ ،‬وتبادلت العيون سؤال عجزت عقولهم في تلك اللحظة عن‬
‫إجابته ‪ ،،،‬ما هي الحكاية؟‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫مصطفى النجار وعيد الهللي يشكلن مع إبراهيم سالم أهم لحلف في دنيا تجارة‬
‫وتهريب الثاار في عبر مصر‪ ،‬النجار في الصل دمعدلرس لغة إنجليزية بمدرسة طلخا‬

‫‪200‬‬
‫الثاانوية للبنين‪ ،‬وسليل عائلة عريقة‪ ،‬ولجادته اللغة ولوسامته وهيبة طلعته‪ ،‬وبالطبع‬
‫لنفوذ عائلته‪ ،‬كان ضمن أول فوج من مبعوثاي و ازرة التربية والتعليم للتدريب بإنجلترا‪.‬‬
‫بعد عودته من لندن‪ ،‬ولسبب غير معلوم‪ ،‬تغيرت أحواله وتبدلت طباعه‪ ،‬وبات‬
‫ل يفكر إل بالمال والنفوذ‪ ،‬في البداية اقتحم مجال تجارة الراضي والعقارات وحقق في‬
‫ذلك نجاح ا ملحوظاا‪ ،‬وحدث أن تعرف على الحاج عيد الهللي‪ ،‬من كبار ملك‬
‫الراضي الزراعية بمنطقة البراري بمحافظة كفر الشيخ‪ ،‬ولم يجد عيد صعوبة في‬
‫استدراج صديقه الجديد لدشغلة تجارة الثاار التي تورط هو فيها من قبل على يد صديقه‬
‫غنيمة باشا‪ ،‬الضابط الكبير بمديرية أمن كفر الشيخ‪.‬‬
‫ولحظهما السيئ تعثا ار في نصاب شهير في الدشغلة‪ ،‬الدكتور هيثام بدر‪ ،‬خبير‬
‫الثاار‪ ،‬وكادا أن يخس ار كل أموالهما على يده‪ ،‬فقد حدث أن توسطا في بيع عدة تماثايل‬
‫أثارية‪ ،‬وعرضا تصوير الدشغل ) مجموعة التماثايل الثارية موضوع الصفقة( على‬
‫الدكتور هيثام فأقر بأن الدشغل يمين ) يمين تعنى سليم أو أصلي في لغة تجار الثاار (‬
‫ضر ) أخضر تعني مليون دولر (‪ ،‬اعتبراها فرصة لن‬
‫وأعلن استعداده لشرائه بعشرة أخ ع‬
‫تعوض واشتريا الدشغل من أصحابه بثالثاة مصري ) مصري تعني مليون جنيه مصري‬
‫(‪ ،‬وبعدما تععسلعم منهما هيثام عبدر مائة ألف جنيه‪ ،‬قيمة الشرط‬
‫) مبلغ من المال ديدفع لخبير الثاار قبل أن ينتقل لمعاينة القطعة الثارية ويتم مصادرة‬
‫الشرط لصالح الخبير في حالة أن الثار دمقلد أو أنه لم يتمكن من الدخول عليه (‬
‫أطلعهما على حقيبة مكتظة برزم الدولرات ثام انتقل بصحبة رجاله لمعاينة الدشغل‪،‬‬
‫وبينما النجار وعيد يمنيان نفسيهما بالثاروة الهائلة‪ ،‬أعلن هيثام بدر أن الدشغل شمال‬
‫) دمقلد (‪ ،‬عولعحببلك تمثايليته اتهمهما بتبديل الدشغل وهاج وماج ثام عفر وتركهما صرعي‬
‫لخيبة الرجاء‪.‬‬
‫مع الصدمة الشديدة‪ ،‬لم عيهن عزمهما في تسويق الدشغل‪ ،‬ومن دحسن الحظ أن‬
‫التقيا بإبراهيم سالم‪ ،‬الذي اقتنع بالشغل بعدما أكد له صديقه‪ ،‬رضا جلل‪ ،‬أن الثاار‬
‫سليمة‪ ،‬فسعى بإخلص لدي صديقه‪ ،‬رجل العمال اللماني بيتر‪ ،‬وباعه الدشغل بتسعة‬
‫أخضر‪ ،‬تحصل هو منها على مليون دولر ونال صداقة النجار وعيد‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫في صمت وتوجس أخذ كل منهم مكانه وانشغل بمتابعة حركة العخدم في محاولة‬
‫لكشف حقيقة المكان‪ ،‬دقائق واشتعلت أعصاب إبراهيم فقام من مكانه غاضب ا واقترب‬
‫من صديقيه‪ ،‬مال نحوهما وهو يصوب نظراته لتلتقي بنظرات الخدم الجامدة وهمس‬
‫ل‪.‬‬
‫قائ ا‬
‫‪ -‬إيه الحكاية بالضبط؟ كنت أتصور أن الدعوة لي بمفردي‪.‬‬
‫‪ -‬وأنا مثالك‪ ،‬واستغربت المر عندما التقيت مع الحاج عيد على البوابة‪.‬‬
‫قال النجار ذلك وهو ينظر إلي عيد الذي أكد على كلمه‪.‬‬
‫ازداد المر غموض ا فرجع بجذعه للخلف وقال‪.‬‬
‫‪ -‬آه‪ ،‬لو أن المر هكذا‪ ،‬أعتقد أنه سيكون هناك آخرون‪.‬‬
‫قال عيد محاولا تهدئة إبراهيم‪.‬‬
‫‪ -‬إيه يا سي إبراهيم؟‪ ،‬فيه إيه‪ ،‬ما لك؟‪ ،‬ما اللي يجي يجي‪ ،‬واجتماع اجتماع‪ ،‬هو إيه‬
‫ى يعنى؟‪ ،‬أنت خايف من حاجة؟‪.‬‬
‫اللي هيجر ع‬
‫ثام وضع ييده على فمه وصمت قليلا وكأنه يتحدث إلي نفسه قال‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح‪ ،‬يطلع إيه المكان ده؟‪.‬‬
‫قال إبراهيم وهو يفرك يديه في بعضهما البعض‪.‬‬
‫‪ -‬أنا غير مطمئن لهذا المكان ول لهذا الجتماع‪.‬‬
‫قال عيد بتلقائيته المضحكة والمحببة لبراهيم‪.‬‬
‫‪ -‬يا دكتور‪ ،‬ما تطول بالك حبتين‪ ،‬نخاف ليه‪ ،‬أكيد صاحب المكان راجل من الكبار‪،‬‬
‫تعامل معنا من قبل عن طريق وسيط‪ ،‬ويريد التعامل معنا وجه ا لوجله فعمل لنا حفل‬
‫استقبال كما في الفلم‪.‬‬
‫تعالت في المكان ضحكات يائسة‪ ،‬ما لبثات أن تحولت إلى قهقهة مفتعلة‪ ،‬وكأنهم‬
‫يحاولون تجاهل نظرات الخدم الذين اصطفوا بل حركة على بسطة الدور العلوي‪.‬‬
‫تبادلوا النظرات واليماءات لعلها تمنحهم شعو ار بالطمأنينة‪ ،‬وعندما فقدت‬
‫نظراتهم معناها تواروا خلف ضحكات مجلجلة ومتقطعة‪ ،‬لم تنجح في قمع ما يعتمل‬
‫بداخلهم من قلق وتوتر‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ضجر‬
‫ل‪ ،‬فتحول ما بداخلهم من قلق وتوتر إلى شعور بال ع‬
‫مر بهم الوقت ثاقي ا‬
‫والغضب‪ ،‬وفى محاولة للسيطرة على أعصابهم‪ ،‬أخذوا يتبادلون أطراف الحديث حول‬
‫أحوالهم وأحوال أولدهم ثام ععرجوا على استعراض مشاريعهم وأحوالها‪ ،‬ولكنهم لم يتطرقوا‬
‫أبدا لمواضيع دشغلة الثاار‪ ،‬فمنذ فترة ويدعى كل منهم للخر‪ ،‬وعلى عكس الحقيقة‪ ،‬أنه‬
‫قد توقف عن أي نشاط في هذا المجال وتفرغ لمشاريعه الضخمة ولقتناص الصفقات‬
‫والتوكيلت التجارية‪ ،‬وتقوية موقعه الجتماعي والقتصادي بالندماج في تنظيمات‬
‫الحزب الحاكم والنشاط السياسي‪.‬‬
‫والحقيقة أن كل واحد منهم كان يزاول نشاطه في الدشغلة خفية‪ ،‬وهذا هو الشيء‬
‫المتوقع من كل من تذوق طعم أموال تلك الدشغلة المثايرة!‪ ،‬فبرغم ما حققوه من ثاروة‬
‫وسطوة‪ ،‬إل أن كل منهم ما زال يراوده المل في صفقة ضخمة‪ ،‬ولذلك فإنه يحتفظ‬
‫دائم ا بعينيه في قمة رأسه شاخصة في كل التجاهات‪ ،‬ويوجه أذنيه كما الرادار ليلتقط‬
‫صدفة‪ ،‬فالدمحتمل لديه مؤكد‬
‫أية فرصة قد تلوح في الفق‪ ،‬فتاجر الثاار ل يترك شيئا لل د‬
‫إلى أن يثابت العكس‪ ,‬ينشر شباكه‪ ،‬من الوسطاء‪ ،‬لتغطى كل أرجاء البلد‪ ،‬حتي ل‬
‫يفلت منه أي صيد‪ ،‬ويمده الوسطاء بتقارير فورية بكل جديد في مجال الشغلة‪ ،‬فكل‬
‫معلومة مهما بدت للخرين بسيطة لبد له من التعامل معها بجدية وبما يملكه من ذكاء‬
‫وخبرة‪.‬‬
‫مع محاولتهم لقهر القلق وكسر العملل‪ ،‬كانت الدقائق ساكنة رتيبة‪ ،‬ومع احتلل‬
‫ملمح الضجر والضيق لوجوههم الشاحبة‪ ،‬حدث أن اقتحم المكان ثالثاة من الخدم‪،‬‬
‫وكأنهم دنسخ من هؤلء المرابطين على بسطة الدور العلوي‪ ،‬تقدموا نحو الصالون‪،‬‬
‫بخطى ثاابتة ومن خلفهم ثالثاة من الضيوف الدجدد‪ ،‬ما إن لمحهم إبراهيم حتى قال‪.‬‬
‫‪ -‬ال ال‪ ،‬الن اتضح كل شيء‪.‬‬
‫نهض عيد من مكانه ليرحب بالقادمين‪ ،‬قال وهو ينظر لبراهيم‪.‬‬
‫‪ -‬جالك كلمي يا دكتور؟ وال ده حفل استقبال‪.‬‬
‫تقدم عيد ومد يده ليحيى الضيوف‪ ،‬جلس هيثام بدر وعبد المسيح وأم طارق دكلا‬
‫ع‬
‫في مقعده صامت ا مأخوذا بالمفاجأة‪ ،‬وراح كل واحد من الحضور يتبادل نظرات‬

‫‪200‬‬
‫الستفهام مع فريقه ونظرات الشك والريبة مع الفريق الخر‪ ،‬بينما اتجه الخدم ليصطفوا‬
‫بجوار زملئهم بالدور العلوي‪.‬‬
‫اخترق صوت إبراهيم المتوتر جدار الصمت‪ ،‬الذي لف المكان‪ ،‬واختلجت‬
‫عضلت وجهه وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬واضح أنه حفل استقبال‪ ،‬بالضبط كما قلت يا حاج عيد‪.‬‬
‫تعالت ضحكات النجار وعيد وسط دهشة الخرين‪ ،‬وعلى غير المتوقع قال عبد‬
‫المسيح بثاقة واستخفاف‪.‬‬
‫‪ -‬واضح أن هذا اجتماع على مستوى القاعدة‪ ،‬ما شاء ال كبار تجار الثاار مشرفين‪.‬‬
‫قاطعه عيد قائلا فى حدة‪.‬‬
‫صلى على المسيح يا أخي‪ ،‬آثاار إيه وبتاع‬
‫‪ -‬ما تصلى على النبي يا عبد المسيح‪ ،‬ول ع‬
‫إيه؟‪ ،‬هو ده مكانه؟‪ ،‬دمش لما نعرف إحنا فين؟‪.‬‬
‫ثام قام واتجه نحوه وأضاف فى حنق‪.‬‬
‫‪ -‬ول أنت عارف إحنا فين؟ ومن هو صاحب الليلة؟‪.‬‬
‫ثام التفت نحو إبراهيم وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬الظاهر أن كلمك صح يا دكتور‪ ،‬ساويرس ده غامض وحويط‪.‬‬
‫استخف الرجل بكلم عيد‪ ،‬لكنه لحظ العشك في نظرات من حوله فقال‪.‬‬
‫‪ -‬إيه الحكاية؟‪ ،‬والمسيح أنا مثالكم ل أعرف شيئا عن هذه الليلة‪ ،‬لكن المسألة واضحة‪،‬‬
‫فطالما كلنا هنا فمن المنطقي أن يكون هذا الجتماع بخصوص النتيكه‪.‬‬
‫ثام ابتسم ونظر للحاج عيد وأضاف باستظراف‪.‬‬
‫‪ -‬أظن أن كلمة أنتيكه أفضل من كلمة الثاار؟‪.‬‬
‫هجم عليه عيد وأطبق في خناقه وقال بغضب مكتوب‪.‬‬
‫‪ -‬ل تنطق بالكلمة دي هنا‪ ،‬أنت إيه؟ عبعجم‪.‬‬
‫لم يغضب ساويرس وحاول أن يضحك‪ ،‬ولن النجار يعرف أن عيد يتحين‬
‫الفرصة لينال من ساويرس تدخل ليهدئ الموقف فقال‪.‬‬
‫‪ -‬دممكن تهدأ أنت وهو لنتكلم مع بعض بصراحة يمكن نفهم ما نحن فيه؟‪.‬‬
‫فقالت أم طارق وكأنها تتحدث إلى نفسها‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬كنت أتصور أن ال ارلجل الكبير واحد منكم‪ ،‬أو على القل شخصية تعرفونها‪.‬‬
‫وقف هيثام بدر وجال بنظره فى المكان ثام قال في توتر واضح‪.‬‬
‫‪ -‬أنا غير مرتاح لما يحدث‪.‬‬
‫ثام نظر في ساعته وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬الجتماع بعد ساعة‪ ،‬ساعة ول نعرف شيئ ا عن صاحب الدعوة!‪.‬‬
‫مسح وجهه وشعره بيده اليمنى وقال في ندم وكأنه يؤنب نفسه والخرين‪.‬‬
‫‪ -‬الغلطة غلطتنا كلنا‪ ،‬المفروض أننا نتريث في مثال هذه المواقف‪ ،‬ما كان يجب علينا‬
‫أن نحضر الجتماع ده إل بعدما نعرف حكايته إيه‪ ،‬طبع ا كل واحد أخفى الخبر عن‬
‫الخرين معتقدا أنها صفقة جديدة‪ ،‬لقد أطاح الطمع بعقولنا‪.‬‬
‫نظر للجميع شز ار ثام أضاف في غيظ‪.‬‬
‫طر على بال أي منا أن تلك الدعوة قد تكون فيها نهايتنا جميعاا؟!‪.‬‬
‫‪ -‬ألم يخ د‬
‫خرجت الكلمة الخيرة من فمه كتنهيدة يأس واستسلم تراجع بعدها للخلف وألقى‬
‫بجسده على المقعد وأغمض عينيه وأخذ يهز رأسه يمين ا ويسا ار والتزم الصمت‪ ،‬فانتقلت‬
‫منه عدوى الدتودجس والندم إلى الجميع‪ ،‬وهذا متوقع‪ ،‬فها هو أسطورة المغامرات‬
‫والشجاعة ينهار أمامهم‪ ،‬وكان إبراهيم أكثار الحضور دهشة لحال الرجل فراح يسترجع‬
‫تاريخ هيثام بدر وهو ل يصدق أنه من كان يتكلم للتو‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫الدكتور هيثام بدر‪ ،‬هو نفسه سيد الخضري‪ ،‬صاحب ورشة لسمكرة السيارات‬
‫بمدينة دكرنس بمحافظة الدقهلية‪ ،‬في الربعينات من عمره‪ ،‬ضئيل الجسم‪ ،‬ذكى لدرجة‬
‫مخيفة‪ ،‬طموح إلى حد الجنون‪ ،‬كان ميسور الحال‪ ،‬ويتمتع بصحة جيدة وبزوجة جميلة‪،‬‬
‫ومع هذا لم يقنع يوما بمهنته‪ ،‬كان يؤمن بأنه قد دخلق للفضل لول فقر عائلته الذي‬
‫حرمه من أن ديكمل تعليمه‪ ،‬ويري نفسه أفضل من أناس من حوله قد حققوا الثاروة‬
‫والنفوذ‪ ،‬وكان حلمه الكبير هو أن يصبح صاحب سلسلة معارض لتجارة السيارات وأن‬
‫يعيش حياة فاخرة‪.‬‬
‫حدث أن أقنعه شقيق زوجته بأن له صديق ا عثار أسفل منزله على تمثاال أثارى‬
‫يساوى مليين الجنيهات‪ ،‬ولكن المشكلة أن الخبير طلب عشرط بقيمة عشرة آلف من‬

‫‪200‬‬
‫الجنيهات لكي يتحرك لفحص التمثاال وتسعيره‪ ،‬كلمة مليين جعلته كالمخمور‪ ،‬فسارع‬
‫من فوره وعفك شهادة استثامار باسم ابنه الوحيد ليدفع قيمة الشرط‪.‬‬
‫ضعر الخبير‪ ،‬وكان في الحقيقة نصاباا‪ ،‬كل ما يفعله‪ ،‬هو والعشرات أمثااله‪ ،‬أن‬
‫عح ع‬
‫يجلس على أية مقهى في منطقة نزلة السمان أو في شارع الهرم‪ ،‬في انتظار صيد‬
‫ثامين‪ ،‬ودائم ا ل ديخيب الطماع أمل النصاب!‪ ،‬استقبلوا الخبير استقبال البطل الفاتح‪ ،‬ثام‬
‫كانت الصدمة‪ ،‬أخبرهم بأن التمثاال شمال‪ ،‬ومن عجينة فرنسية‪ ،‬ولتقان دوره أخذ ديعرلدد‬
‫جمل من عينة ‪ ،،،‬لتسعلم يد من صنعه ‪ ،،،‬ده لو كان يمين كان أقله يساوى سبعة‬
‫أخضر‪ ،‬كان يتكلم وكل من حوله يشعر بالضياع‪.‬‬
‫لم ييئس أو يندفر من الدشغلة‪ ،‬بالرغم من أنه كان ضحية لعدة مرات في مسلسل‬
‫النصب المستمر‪ ،‬مسلسل تجارة الثاار‪ ،‬حتي باع كل ما يملك واقترض بالربا‪ ،‬لم يقلع‬
‫عن حلمه الذي سيطر عليه‪ ،‬ولم يفكر فى ذلك فى أية لحظة‪ ،‬أهمل عمله وأسرته‪،‬‬
‫ب ربوع مصر‪ ،‬من أقصاها لدناها‪ ،‬وكما يقال‪ ،‬كثارة البكاء‬
‫وخلل سنتين كان قد جا ع‬
‫يعلم النوح‪ ،‬قرر الرجل أن يمارس اللعبة لحسابه‪ ،‬استأجر مكتب ا فخم ا بالقاهرة‪ ،‬وأطلق‬
‫على نفسه الدكتور هيثام بدر خبير الثاار‪ ،‬وبطريقة أو بأخرى تحصل على عدة آلف‬
‫من الدولرات ووزعها على مائة رزمة من الورق البيض وتم ترتيبها وبشرها بعناية‪،‬‬
‫فبدت في الحقيبة كثاروة طائلة‪.‬‬
‫انهمر عليه المال كالمطر‪ ،‬في اليوم الواحد كان يخرج في عدة مشاوير أقلهم‬
‫بعشرة آلف جنيه‪ ،‬نجح المر فاستخدم ععددا كبي ار من الوسطاء والشركاء ووزعهم‬
‫لبحساب على جميع محافظات الجمهورية‪ ،‬منهم من يجمع المعلومات‪ ،‬ومنهم من يبرمج‬
‫الضحية‪.‬‬
‫اقتنى سيارة دفع رباعي‪ ،‬نيسان سوداء‪ ،‬تخطف العقل قبل العبصر‪ ،‬وخلل ثالث‬
‫سنوات أخرى أصبح من كبار رجال دشغلة الثاار في مصر‪ ،‬وبات الحلم حقيقة وامتلك‬
‫الرجل عدة معارض لتجارة السيارات بالقاهرة وبعض المحافظات‪.‬‬
‫فاحت رائحته وبالطبع اشتمتها أجهزة المن‪ ،‬ولكنه‪ ،‬بذكائه وسخائه‪ ،‬استطاع‬
‫ضبط نغمة القيادات المنية وبرمجة بعض الشخصيات الهامة‪ ،‬ولم ديحرم مكتبه يوم ا‬
‫من الدرعتب العالية‪ ،‬التي يطمئن لوجودها الزبون الذي آتى للمكتب وبيده كيس ورقى‬

‫‪200‬‬
‫يمتلئ بعدة رزم من فئة المائة جنيه ليودعها كشرط قبل أن يتحرك معه سيد أو أحد‬
‫رجاله حسب الشغل وقيمة الشرط‪ ،‬ولكي يؤمن نفسه أشاع سيد أنه على صلة وطيدة مع‬
‫بعض الشخصيات التي تتقلد مناصب حساسة بالبلد‪ ،‬وزعم أن درتبة كبيرة‪ ،‬في أهم‬
‫جهاز حساس بالبلد هو الوسيط بينه وبين السفارات الجنبية‪ ،‬التي يبيعها الثاار‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫لم يستطع إبراهيم أن يكتم غيظه من هلع رفقائه فقال في غضب‪.‬‬


‫‪ -‬ماذا حل بكم؟ لو رآكم أحدهم لن يصدق نفسه‪ ،‬هل أنتم من جرع المئات من كؤوس‬
‫الويل والخداع؟‪ ،‬ل أصدق ما أسمعه منكم‪ ،‬ماذا بك يا حاج عيد‪ ،‬أين القدام والجرأة؟‪،‬‬
‫هو ده النجار‪ ،‬أين النجار المغامر الشجاع؟‪ ،‬إيه يا عم هيثام‪ ،‬هل يمكن لحد أن‬
‫يخدعك أو يخيفك؟ كيف وأنت ضحكت على البلد كلها!‪ ،‬وأنت يا عبد المسيح لمدم‬
‫تخاف؟‪ ،‬من يقدر عليك وأنت صديق الكبار‪ ،‬لعلمك أنا أظن أن تلك الدعوة قد تكون‬
‫من أحدهم‪.‬‬
‫قاطعته أم طارق‪.‬‬
‫‪ -‬معك حق‪ ،‬ل أرى داعيا لكل هذا الخوف‪ ،‬كلنا والحمد ل فى السليم‪.‬‬
‫وقبل أن تنتهي من كلمها فاجأها عيد بسؤال أربكها‪.‬‬
‫‪ -‬أخبار اللست عمروة إيه يا لست دأم طارق؟‪.‬‬
‫‪ -‬اسألني عن نفسي‪.‬‬
‫وكأنها تذكرت شيئ ا مهم ا أضافت في دهشة‪.‬‬
‫‪ -‬صحح يا جماعة‪ ،‬ليه مروة مش موجودة‪.‬‬
‫‪ -‬أنسيتي أنها زوجة عميد شرطة‪ ،‬عميييد شرررطة‪ ،‬مش بياع بطاطا زي ناس‪.‬‬
‫قال ذلك وانفجر ضاحك ا وراح يجول بنظره بين الحضور يحثاهم على الضحك‪،‬‬
‫لم يشاركه أحدهم الضحك‪ ،‬فالتفت نحو أم طارق وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬لم أقصد الولد اللي وعدك بالزواج وعخلع لمنك‪ ،‬اللزمة حكمت بكده‪.‬‬
‫استمر فى ضحكه‪ ،‬نظرت إليه في عتحدد‪ ،‬ثام ابتسمت فى سخرية وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬لم أنعس يا سي عيد‪ ،‬كما لم تبنعس أنت أيضا ما فعلته بك مروة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ضج المكان بالضحك‪ ،‬وما أصدق وأحلى ضحك الوقات الصعبة‪ ،‬احمر وجه‬
‫عيد خجلا وأخذ يمسح ما تساقط من جبهته قطرات‪ ،‬فهو يعلم أن الجميع يتذكر ويتندر‬
‫بحكايته مع مروة‪ ،‬فمن أول نظرة شغف بها حب ا وكاد أن يتبعها إلي أي مكان تذهب‬
‫إليه‪ ،‬كما يفعل صبيانها‪ ،‬وعندما حكي للنجار عن إعجابه بها واحترامه لها اعتقد‬
‫النجار بأن الرجل قد نالها ولكنه يسعى لفتح حوار حولها ليحكى له عن لياليه الحمراء‬
‫معها‪ ،‬والتي يعرفها النجار وغيره كثايرون‪ ،‬وحدث أن فاتحه عيد بنيته الزواج منها‪،‬‬
‫فعرف النجار أنها لعبت على الرجل المتصابي وأخفت عنه حقيقتها‪ ،‬وقص عليه ما‬
‫يعرفه الجميع عنها‪ ،‬أسقط في يده وأقسم على النجار أن ل يفضحه ويخبر بالمر أحداا‪،‬‬
‫ولكن كيف للنجار أن يتكتم حكاية كتلك‪ ،‬فكان كلما اجتمعت لشلتهم يبدأ السهرة‬
‫باستفزاز عيد بحكاية مروة‪ ،‬ليقضوا السهرة يضحكون على طريقته الظريفة في الدفاع‬
‫عن نفسه وتبريره لما حدث‪ ،‬فكان يكفى تذكيره فقط بالحكاية لينطلق هو في الكلم بل‬
‫توقف‪ ،‬مرة دينكر كل الحكاية‪ ،‬ومرة ديلقر بسذاجته‪ ،‬بل ويشاركهم السخرية من نفسه‪ ،‬كان‬
‫يتحدث عنها بكراهية واستهزاء‪ ،‬ثام يعتريه هم عظيم وندم على ليالي طويلة جفاه فيها‬
‫النوم لشغفه بها‪ ،‬نفس الليالي التي كانت هي تتلوى فيها تحت عشيق ثام تلقى به لتعتلي‬
‫آخر‪ ،‬في نوبات من الشبق المجنون‪ ،‬ذاقه الجميع إل هو‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫مروة من مدينة المحلة الكبرى‪ ،‬وتعمل ممرضة بالمستشفى الجامعي بطنطا‪،‬‬
‫دخلت دشغلة الثاار عن طريق شقيقها‪ ،‬الوسيط الشهير في تجارة الثاار بمنطقة الدلتا‪،‬‬
‫ولجمالها ولرشاقتها حدث أن استغلها شقيقها في نصب شباكه على الشباب الطامع في‬
‫الغنى السريع‪ ،‬وقد ساعدها على حبك شخصية الدكتورة خبيرة الثاار‪ ،‬صوتها الرخيم‬
‫وقدرتها على نطق بعض الكلمات والجمل باللغة النجليزية‪ ،‬وكان هذا بالطبع دمبه ار‬
‫لشباب القاليم‪ ،‬الذين يشكلون غالبية ضحايا وهم التجار بالثاار‪.‬‬
‫بفضل الطعام الجيد‪ ،‬والملبس الفاخرة‪ ،‬تحولت مروة من مجرد ممرضة شاحبة‬
‫اللون إلى هانم تشبه في طلتها نجمات السينما‪ ،‬وقد أوقعت في شباكها بأستاذ للشعة‬
‫بكلية طب طنطا وتزوجته بعدما أغرقته في طمع امتلك الثاروة الطائلة‪ ،‬والمدهش أن‬
‫هذا الستاذ الدكتور‪ ،‬وعلى الرغم من امتلكه لمركز أشعة شهير بطنطا‪ ،‬كان يرافقها‬

‫‪200‬‬
‫في جولتها بين المحافظات كمساعد لها‪ ،‬بل وبلغ بهما المر إلي أنها تسافر بدونه إلى‬
‫محافظات الصعيد ومدن القناة لتغيب هناك ليام وأحيان ا لسابيع بصحبة عدد من‬
‫رجالها‪ ،‬كانت تختارهم بعناية تبع ا لطبيعة المهمة التي تسافر من أجلها‪ ،‬وكان أهم‬
‫مساعديها‪ ،‬ومن أحب عشاقها إلي قلبها‪ ،‬شاب مفتول العضلت يعمل كدمعدرب لكرة‬
‫القدم بنادي الحوار بالمنصورة‪ ،‬كانت تقدمه لعملئها على أنه المقدم إيهاب بمديرية‬
‫آمن الدقهلية‪ ،‬ومن مساعديها أيضا الشاب الوسيم‪ ،‬ابن مدينة شربين بالدقهلية‪ ،‬الستاذ‬
‫عحسن مدرس البتدائي‪ ،‬وكانت تقدمه لضحاياها على أنه عردجل أعمال مصري من أم‬
‫كويتية ويمتلك عدة شركات بالقاهرة والمنصورة‪.‬‬
‫كانت واسعة الحيلة ونموذجا للنشاط والحركة الدءوبة‪ ،‬لكن عتكدمن نقطة ضعفها‬
‫الخطيرة في شبقها الجنسي الرهيب‪ ،‬مما كان يدفعها لبذل الكثاير من المال والجهد من‬
‫عأجل الحفاظ على فريق ععلفدي من العشاق القوياء بالقرب منها‪ ،‬وقد أوقعها هذا في‬
‫مشاكل كثايرة‪ ،‬أحرقت أعصابها وأهدرت الكثاير من وقتها وأموالها‪ ،‬مما منح غريمتها‪ ،‬أم‬
‫طارق‪ ،‬الفرصة تلو الخري لختراق مجموعتها واقتناص عدة صفقات ناضجة من بين‬
‫يديها‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫دقيقة وفتر الضحك وتحول لسعال دمتقطع ينتهي بآهات عميقة ‪ ،،،‬آه يا أنا‪،‬‬
‫آهههه‪ ،،،‬آه يا با ‪ ،،،‬آهههه‪ .‬تمخط هيثام ومسح دموعه ثام تنهد وقال‪.‬‬
‫‪ -‬ل أخاف إل من البوليس‪ ،‬مع أنى شغلت تحت يدي درعتبا كبيرة‪ ،‬إل أنى ل أحبهم ول‬
‫أثاق فيهم‪ ،‬دكنت أخشى أنهم يعاملونني كما يتعامل أحدهم مع الدمرشد‪ ،‬يستخدمه‬
‫لصالحه‪ ،‬فلوس‪ ،‬قضايا‪ ،‬نسوان‪ ،‬وفى لحظة يتخلص منه‪.‬‬
‫وكأنه وجد ضالته هز رأسه وأضاف في ثاقة‪.‬‬
‫‪ -‬فخامة المكان ده ل تعددل على أنه يتبع البوليس‪.‬‬
‫سكت عن الكلم ثام أشار برأسه وعينيه نحو العخدم وقال‪.‬‬
‫‪ -‬وهؤلء‪ ،‬واقفون هناك انتباه وعيونهم مصوبة نحونا باستمرار‪ ،‬وهذا يؤكد أنهم ليسوا‬
‫من الشرطة‪ ،‬وطالما نحن بعيدون عنها فل داعي للخوف‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ضحك النجار عاليا فرمقه الجميع في دهشة‪ ،‬تجاهلهم وأخرج منديلا ومسح‬
‫طب‬
‫عينيه ووجهه‪ ،‬وقال لنفسه مستنك ار مايسمعه ‪ ،،،‬هيثام بدر يخاف من الشرطة! ع‬
‫ل؟!‪.‬‬
‫اللواء شريف كان إيه‪ ،‬محامي دخلع مثا ا‬
‫‪----------‬‬
‫اشتهر هيثام بأنه دشجاع لدرجة الجنون‪ ،‬مقدام ل يخشى الموت‪ ،‬قبل كل عملية‬
‫يتنادى هو ورجاله بجملة – هيا بنا لدينا موتة اليوم‪ ،‬وبالفعل كانوا يتوقعون الموت مع‬
‫كل عملية عنصب كبيرة يقومون بها‪ ،‬ويحكى عن جرأة هيثام ورجاله حكايات تبدو‬
‫كالساطير‪ ،‬ولعمـَ ل‪ ،‬وحكاية عنصب هيثام بدر على مدير أمن‪ ،‬إحدي محافظات‬
‫الصعيد‪ ،‬تبدو كحدوتة من الخيال‪.‬‬
‫اهتدي إلي مقبرة منهوبة بإحدي محافظات الصعيد‪ ،‬وكما فعل من قبل‪ ،‬وضع‬
‫بالمكان عدة تماثايل شمال‪ ،‬مختلفة الحجام والحجارة‪ ،‬ونجح رجاله في برمجة زبون من‬
‫رجال العمال الصاعدين فى دنيا المال والتجارة ) برمجة الزبون تعني إغراءه‬
‫بالمكسب الكبير إواقناعه بجدية المر (‪ ،‬ولكي يتأكد من أصالة الدشغل ويبحث عن‬
‫مشتلر‪ ،‬تردد الزبون على مقاهي النزهة وشارع الهرم‪ ،‬بطريقة تبدو طبيعية تقابل مع هيثام‬
‫بدر والذي أكد له أن هذا الدشغل يبلغ ثامنه عشرين أخضر‪ ،‬وبأنه على استعداد لشرائه‬
‫فو ارا‪ ،‬وبطريقته الشهيرة سيطر على الزبون تماماا‪ ،‬وذلك بأن عرض عليه حقيبته‬
‫المنتفخة بدرعزم الدولرات‪ ،‬فلم عيدعد لدى الزبون أدنى شك في أنه على وشك اقتناص‬
‫صفقة كبيرة‪ ،‬ولحماية نفسه من تبعات تلك الدشغلة المجهولة بالنسبة له‪ ،‬قرر أن ديشلرك‬
‫فى المر صديقه اللواء شريف‪ ،‬مدير أمن المحافظة التابع لها مكان المقبرة‪.‬‬
‫عتحعمس اللواء لنهاء الصفقة ولكن بطريقته الخاصة‪ ،‬ضغط بكل نفوذه على‬
‫أصحاب المقبرة حتي تنازلوا له عنها مقابل مليون جنيه وقام بنقل الدشغل إلى شقته‬
‫بعاصمة تلك المحافظة‪ .‬كانت مفاجأة دمرلعبة لهيثام بدر‪ ،‬أن الليلة دخلها مدير أمن‬
‫معروف بشراسته وجشعه‪ ،‬حضر اللواء وطلب من هيثام أن يفي بوعده‪ ،‬ولم يكن أمامه‬
‫أدنى فرصة للتراجع‪ ،‬ذهب مع اللواء لشقته وأخذ يستعرض معه القطع الثارية‪ ،‬وأكد‬
‫على صحتها وقال أنه سوف يشتريها بعشرة أخضر‪ ،‬اختلف الرجلن على الثامن وأخي ار‬
‫اتفقا على خمسة عشر مليون دولر‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫تحدث بالهاتف‪ ،‬ثام أكد للواء الملهوف‪ ،‬أن الموال قد تحركت بالفعل وسوف‬
‫تصل بعد ثالث ساعات بالضبط‪ ،‬طغت السعادة على اللواء فأمر للضيوف بجبل من‬
‫الكباب والكفتة‪ ،‬وعندما لحظ توتر هيثام بدر سأله‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا أنت متوتر هكذا؟‪.‬‬
‫‪ -‬أخشى كمائن الشرطة على الطريق؟‪.‬‬
‫‪ -‬أنا الحاكم بأمري هنا‪ ،‬ول أعمل حسابا لحد‪ ،‬حتى لكبر رأس في البلد‪.‬‬
‫‪ -‬الحمد ل‪ ،‬إن شاء ال ربنا يتمم علينا بخير‪.‬‬
‫راح اللواء يتناول القطع الثارية وعيتفحصها ويبدى دهشته من روعة ودقة‬
‫صنعها‪ ،‬ثام يستفهم من الخبير‪ ،‬هيثام‪ ،‬عما هو مكتوب عليها وعن قيمتها التاريخية‪،‬‬
‫يضع قطعة ويحمل غيرها‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وبعد فترة قال هيثام‪.‬‬
‫‪ -‬سأذهب لنتظر سيارة الفلوس على حدود المحافظة‪ ،‬ساعة واحدة فقط وأعود‬
‫لسيادتك ومعي الخير كله‪.‬‬
‫‪ -‬سيارتي تحت والسائق هيوصلك لي مكان تريده‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫عاد بعد ساعتين فوجد اللواء غاضباا‪ ،‬وقبل أن يجلس في مكانه عاجله قائ ا‬
‫‪ -‬هي إيه الحكاية يا دكتور؟‪ ،‬فين الفلوس؟‪.‬‬
‫لم عيدرد‪ ،‬فاقترب منه اللواء وقال ببطء وقوة‪.‬‬
‫‪ -‬لما أسألك ترد علي‪ ،‬فين الفلوس؟‪.‬‬
‫قال في عتحدد‪.‬‬
‫‪ -‬بصراحة‪ ،‬ذهبت لتحدث مع شركائي‪ ،‬وفوجئت بهم يرفضون الشغل‪ ،‬فبعدما أعادوا‬
‫فحصه اكتشفوا أنه شمال‪.‬‬
‫صاح فيه اللواء‪.‬‬
‫‪ -‬نعم يا روح دأمك‪ ،‬أنت تخسرني مليون جنيه!؟ ده أنا كنت أدفنك بالحيا‪.‬‬
‫تهديد ووعيد من طرف اللواء وعتحد وثابات من جانب هيثام حتى عنفععذ صبره فأخرج‬
‫من جيبه إسطوانة مدمجة ) سي دي ( وقال في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬انتظر سيادتك‪ ،‬شاهد هذه السطوانة‪ ،‬وبعدها هدد كما تريد‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫دارت به الدنيا‪ ،‬فقد سجل هيثام كل ما دار بالشقة بالصوت والصورة‪ ،‬انهار على‬
‫المقعد وهو يحاول أن يتخلص من رابطة العنق ويفتح أزرار قميصه ليستطيع التنفس‪،‬‬
‫فقال له هيثام بدر وهو يهم بمغادرة الشقة‪.‬‬
‫‪ -‬على فكرة رجالي في طريقهم للقاهرة ومعهم عدة دنسخ من هذه السطوانة‪ ،‬لو أصابني‬
‫مكروه أنت تعرف ما سوف يحدث‪.‬‬
‫تركه هيثام يستجمع أشلء عقله المبعثارة‪ ،‬وحمد ال على نجاح خطته الجهنمية‪،‬‬
‫فقد صور اللقاء بكامي ار سرية‪ ،‬في شكل قلم وضعه بجيب قميصه‪ ،‬وعندما ذهب‬
‫لستقبال سيارة الموال‪ ،‬قام رجاله‪ ،‬الذين كانوا في انتظاره على حدود المحافظة‪ ،‬بعمل‬
‫عدة نسخ من التصوير ثام عادوا أدراجهم إلي القاهرة‪ ،‬وعاد هو ليقمع اللواء ويسكته‬
‫للبد‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫أطاح مرور الوقت بمعظم التوتر لدى الضيوف وأخمد الكثاير من هواجسهم فعادوا‬
‫للحديث عن ذكرياتهم‪ ،‬منهم من بدأ فى عتاب رفيقه ليصفى خلف ا قديم ا بينهما‪ ،‬وهناك‬
‫من انشغل بسيجارته‪ ،‬يتأملها بين أصابعه وهي ترتفع نحو شفتيه‪ ،‬يشفطها بقوة‪،‬‬
‫فيستطيل وجهه‪ ،‬ثام تنتفخ أوداجه فتخرج من فمه سحابة من الدخان‪ ،‬يتأملها وهى تتلوى‬
‫لتأخذ أشكالا مختلفة‪ ،‬وقبل أن تختفي يتبعها بسحابة دأخرى‪.‬‬
‫مد كل منهم يده وتناول ما رغبه من شراب وانشغل بتناوله‪ ،‬وبالفعل أصبحوا‬
‫أكثار هدوءا وثاقة‪ ،‬ولكن ما إن تقع عين أحدهم على الرجال‪ ،‬المنتصبين على سور‬
‫بسطة الدور العلوي‪ ،‬حتى تراوده الهواجس مرة دأخرى ويعيد ضبط جلسته على المقعد‬
‫وهو يجول بنظره بين زملئه‪ ،‬ليتفادي نظرات الخدم الباردة‪ ،‬ويحتمي برفاقه‪.‬‬
‫مع أن كل منهم كان يرتدى ساعة باهظة الثامن‪ ،‬إل أنهم جميعاا‪ ،‬وفى نفس‬
‫اللحظة‪ ،‬انتبهوا لوجود ساعة حائط أنيقة في مواجهتهم‪ ،‬راحوا يراقبون حركة عقرب‬
‫الثاواني متجاهلين عقرب الدقائق البطيء بشكل ل يحتمل‪ ،‬وحين انتصب عقرب الدقائق‬
‫عمودي ا على عقرب الساعات انطلقت دقات رتيبة تداخلت مع خفقات قلوبهم‪ ،‬لتعلن‬
‫تمام التاسعة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫في نفس اللحظة دلف من الباب شخص مهيب الطلعة‪ ،‬تقدم في ثاقة وثابات نحو السلم‬
‫الداخلي متجاهلا الضيوف‪ ،‬حين لمحه العخدم دبت فيهم الحركة وانفرجت أساريرهم عن‬
‫ابتسامة تدل على الحب والحترام‪ ،‬فتيقن الضيوف أنه صاحب الدعوة فراحوا يتأملونه‬
‫في حيرة‪.‬‬
‫كان الرجل ملفت ا للعنظر‪ ،‬شعره أسود كثايف تتخلله في انتظام شعيرات بيضاء‪ ،‬مما يوحى‬
‫بأنه في نهاية العقد الخامس من عمره‪ ،‬بشرته الوردية تدل على رعغد العيش‪ ،‬هامته‬
‫المرفوعة وخطواته الواثاقة تبوح بالسلطة والنفوذ‪ ،‬ويشهد جسده الممشوق طولا وعرضا‬
‫بأنه شخص رياضي‪.‬‬
‫ارتقي درجات السلم‪ ،‬دون أن يعير اثانتي عشرة عينا تحدق فيه أدنى اهتمام‪،‬‬
‫ألقى التحية علي رجاله وصافحهم فردا فرداا‪ ،‬فبدت عليهم علمات الرضا والمتنان‪.‬‬
‫تبادل الضيوف نظرات بها الكثاير من الدهشة والغضب‪ ،‬وقبل أن ينطق أحدهم‬
‫ليعلق على ما يحدث‪ ،‬اقتحم المكان سبعة رجال‪ ،‬يشبهون تماما هؤلء المرابطين على‬
‫بسطة الدور العلوي‪ ،‬واصطفوا في صمت مهيب خلف الضيوف مباشرة‪ ،‬فراح الضيوف‬
‫يقلبون وجوههم لعلي وللخلف‪ ،‬وهم يتبادلون نظرات الستفهام‪.‬‬
‫لم يعد لدى إبراهيم سالم أدنى شك في أنه في حضرة الحكومة‪ ،‬فشد جسده ورجع‬
‫ل‪ ،‬فى محاولة للتغلب‬
‫بجذعه للخلف‪ ،‬ساندا ذراعيه علي ظهر المقعد‪ ،‬وتثااءب طوي ا‬
‫على الهواجس التي أخذت تضرب عقله من جديد‪ ،‬وقرر أن يستسلم للحداث وليكن ما‬
‫يكون‪ ،‬وتعمد أن يلتزم بالصمت حتى ل عيشعر الخرون بما يعتلمل بداخله من قلق‬
‫وتوجس‪ ،‬فهو ل يعلم أن ما يجول بذهنه كان‪ ،‬فى نفس اللحظة‪ ،‬يطرق رءوسهم‪ ،‬وأن ما‬
‫يشعر به كانت تضيق به صدورهم‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كان إبراهيم ينظر لساعة يده تارة ويفركها بيمناه تارة‪ ،‬محاولا التخلص من‬
‫مشاعر خبيثاة أخذت تتصاعد بداخله‪ ،‬نفس ما كان يفترسه ويفتك بأعصابه من مشاعر‬
‫أيام المتحانات الشفوية بكلية الطب‪ ،‬مما كان يشعره بالضياع‪ ،‬لقد كاد أن يكره نفسه‬
‫ويترك الكلية بسبب معاناته المريعة مع تلك المشاعر الكريهة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫تحرك أحد الرجال السبعة من خلف الضيوف وأحضر من نهاية الصالة مكتبا‬
‫صغي ار ومقعدا ووضعهما في مواجهة الضيوف‪ ،‬وهبط السلم بسرعة خادم آخر ليضع‬
‫على المكتب فنجان ا من القهوة وزجاجة مياه معدنية‪ ،‬ثام التفت نحو الضيوف وقال‬
‫بجدية لم تخفف منها ابتسامة حاول أن يرسمها على وجهه‪.‬‬
‫ي منكم شيئاا؟‪.‬‬
‫‪ -‬هل يريد أ و‬
‫طلبوا مااء بارداا‪ ،‬فكمية العرق التي تصببت منهم خلل الدقائق الخيرة كانت‬
‫كافية ليشعروا بالعطش الشديد‪.‬‬
‫ما كادوا ينتهون من إرواء ظمئهم وتجفيف وجوههم من العرق‪ ،‬حتى فوجئوا‬
‫بالرجل المهيب يرتكن بيديه علي المكتب وهو ينظر إليهم في استعلء‪ ،‬ومن خلفه يقف‬
‫ثالثاة رجال‪ ،‬ل يقلون عنه هيبة ووقا ارا‪ ،‬بيد كل منهم ملف تبرز منه بعض الوراق‪،‬‬
‫وضعوها بنظام على المكتب ثام تراجعوا لمكانهم في لمح البصر‪.‬‬
‫ساد المكان صمت رهيب وتركزت العيون الحائرة على الرجل‪ ،‬ألقي تحية‬
‫صعفح الملفات بسرعة عوسط‬
‫الصباح ثام رحب بالضيوف‪ ،‬كلا بلقبه وباسمه‪ ،‬ثام عجلس عيت ع‬
‫صمت ل يقطعه إل صوت النفاس المتسارعة وحفيف حركة‬ ‫صمت الجليل‪ ،‬ع‬
‫عحالة من ال ع‬
‫اللرقاب وهى توجه العيون لتدعحلدق في ذلك العشخص العملهيب بنظرات مندهشة ثام ترتد‬
‫لدتلقى لبعضها البعض بتساؤلت حائرة‪.‬‬
‫أغلق الملفات‪ ،‬وبحركة سينمائية‪ ،‬عخبط عليها بيمناه وهو ينظر مبتسما‬
‫للضيوف‪ ،‬ثام ارتكن على المكتب بكوعيه وعغطى قبضته اليمنى بيده اليسري وأسند‬
‫عليهما ذقنه‪ ،‬راح يتفحص الضيوف بنظرات بها من الود ما لم يكن يكفي للتغطية على‬
‫ما بها من صرامة واستعلء‪.‬‬
‫شبك ذراعيه أمام صدره‪ ،‬وقام من مكانه ليقف فى مواجهتهم‪ ،‬ارتكن بمؤخرته‬
‫على حافة المكتب‪ ،‬وحين اطمأن لثابات وقفته‪ ،‬ارتكز على الساق اليسري وثانى من‬
‫أمامها الخرى لتستند مقدمة فردة الحذاء اليمني على رخام الرض‪ ،‬ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬نعرفكم جيداا‪ ،‬ونعرف عنكم ما قد ل تعرفونه عن أنفسكم‪ ،‬والن سأقول لكم عمن نحن‬
‫ولماذا دعوناكم لهذا الجتماع‪.‬‬
‫اعتدل في وقفته وأرخي ذراعيه بجواره‪ ،‬واحتلت وجهه علمات الحزم وقال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬عنحن لقسم السيطرة والتوجيه المعنوي بأهم جهاز أمني بالدولة‪ ،‬ومعكم اللواء حمدي‬
‫الجمال مدير القسم ونائب رئيس الجهاز‪.‬‬
‫حاول كل واحد منهم أن يبلع ريقه‪ ،‬وعندما لم يجد ما يبلعه مد يده‪ ،‬وهو ينظر‬
‫إلى اللواء‪ ،‬وتناول جرعتين من الماء ثام تنحنح وهو يخطف نظرة يائسة لرفاقه‪.‬‬
‫تابع اللواء الجمال حديثاه‪.‬‬
‫‪ -‬لقد أسديتم إلينا خدمات عظيمة‪ ،‬صحيح أن ذلك كان دون قصد منكم‪ ،‬ولكن كنتم‬
‫عند دحسن ظننا بكم‪ ،‬وأديتم مهمتكم بنجاح لسنوات‪ ،‬لكن في الفترة الخيرة لحظنا‬
‫انحسار نشاطكم وخمود همتكم‪ ،‬وقد يكون ذلك أيض ا بدون قصد منكم‪ ،‬ولهذا فكرت في‬
‫هذا الجتماع‪ ،‬لنتكلم مع بعضنا البعض‪ ،‬ولدنعحلول خدماتكم لنا‪ ،‬والغير مقصودة‪ ،‬إلى‬
‫فعل دمعخطط ودمنظم‪.‬‬
‫عسكت اللواء عن الكلم‪ ،‬وأخذ ينتقل بنظراته من ضيف لخر ببطء وكأنه‬
‫يستمتع بما يبدونه من علمات القلق والحيرة‪ ،‬ثام تقدم خطوات وعقد يديه من خلف‬
‫ظهره وبدأ يدور من حولهم وهو يتابع خيال الضاءة على مقدمة حذائه‪ ،‬ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬كل منكم عملدين لنا بما حققه من ثاروة ومكانة في المجتمع‪ ،‬لقد ساعدناكم كثاي ارا‪ ،‬بل‬
‫وتدخلنا لحماية إوانقاذ بعضكم من الوقوع في قبضة الشرطة‪.‬‬
‫وكأنه يعرف ما يدور بأذهانهم‪ ،‬تنهد وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬وكأني أسمع أحدكم يتحدث إلي نفسه متشككا فيما قلته‪ ،‬وهذا حقه‪ ،‬فقد ل يعرف‬
‫بعضكم أنه في يوم الثانين‪ ،‬الثااني عشر من يونيه لسنة ‪2000‬م‪ ،‬وفى تمام الساعة‬
‫الحادية عشرة مسااء‪ ،‬أوقف كمين للشرطة على طريق القاهرة الزقازيق سيارة رقم‬
‫‪ } 212100‬ملكي القاهرة {‪.‬‬
‫توقف خلف الدكتور إبراهيم وانحنى ليقترب من أذنه وسأله‪.‬‬
‫‪ -‬أظنك تعرف هذه السيارة يا دكتور؟‪.‬‬
‫لم ينتظر الرد‪ ،‬وواصل تحركه خلف الضيوف واستمر في حديثاه المثاير‪.‬‬
‫ى نادرر‪ ،‬ل أعرف‬
‫‪ -‬لم عيدكن الدكتور في السيارة بمفرده كان في حقيبة السيارة تمثاال أثار و‬
‫كيف أصف لكم كيف كان حاله حينئذ‪ ،‬ارتبك بشدة عندما أقدم الضابط على تفتيش‬
‫السيارة‪ ،‬اعتقد أن هناك من أبلغ عنه فأسقط في يده‪ ،‬ولرتباكه الشديد تأكد الضابط من‬

‫‪200‬‬
‫أنه سوف يجد ممنوعات بالسيارة‪ ،‬ترجل الدكتور وتحرك يائسا وقبل أن يهم بفتح حقيبة‬
‫السيارة‪ ،‬هرول جندي نحو الضابط وناوله جهاز اللسلكي ليتحدث مع مدير أمن‬
‫الشرقية الذي طلب منه التوجه فو ار لمدخل مدينة الزقازيق لمرافقة سيارة المحافظ في‬
‫طريقها لمبنى المحافظة‪ ،‬انطلقت سيارة الكمين بالضابط وجنوده وأفلت الدكتور بجلده‬
‫وبالتمثاال‪.‬‬
‫ابتسم وهو ينظر لبراهيم فى دهشة ‪ ،‬ثام واصل حديثاه‪.‬‬
‫‪ -‬ليس هذا فقط‪ ،‬بعدما عسلم التمثاال للمشتري فوجئنا به يعود من نفس الطريق‪ ،‬يقود‬
‫سيارته بمفرده ومعه عشرة مليين دولر‪ ،‬تعجبنا لجرأته‪ ،‬كنا نعرف أن قلبه ميت ولكن‬
‫ليس لهذه الدرجة‪ ،‬المهم أمنا له الطريق حتى وصل لمأمنه‪.‬‬
‫انعقد لسان إبراهيم من المفاجأة ولكنه وبل تفكير عرعمق اللواء بنظرة تحدى‪ ،‬وكأنه‬
‫يستخف بما يسمعه‪ ،‬عفهم اللواء فحوي نظرات إبراهيم فرمقه في غضب وقال‪.‬‬
‫‪ -‬ل أصدق أنك قد نسيت تلك الواقعة يا دكتور‪.‬‬
‫عشد شدقه اليمن ليرسم على وجهه نصف ابتسامة‪ ،‬ثام قال في استخفاف‪.‬‬
‫‪ -‬طبع ا فاكر‪ ،‬وهل هذه واقعة تنسى؟‪.‬‬
‫لم يهتم بما قاله إبراهيم وواصل حديثاه للضيوف فقال‪.‬‬
‫‪ -‬تلك كانت العملية الثاانية التي نجح فيها الدكتور بعد العديد من المحاولت الفاشلة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫عن طريق البازار‪ ،‬عتقعرب إبراهيم من بعض تجار الثاار فجذبه عالمهم الدمثاير‪،‬‬
‫وعرف منهم وعنهم ما مله رغبة في دخول هذا المجال الغامض‪ ،‬وكأي دمستععجد فى تلك‬
‫الدشغلة‪ ،‬كان ضحية لعمليات عنصب مدهشة‪ ،‬فى إحداها كان قد تلقى مكالمة تليفونية‬
‫ف أنه‬
‫صد ع‬
‫من مجهول تحدث معه بحذر ومسكنة وقال‪ ،‬إنه عرب أسرة فقيرة من الفيوم‪ ،‬ع‬
‫وجد أسفل منزله زلعة بها حوالي خمسة كيلو جرامات من العملت الذهبية القديمة‪ ،‬وأن‬
‫هناك من نصحه بالتصال به‪.‬‬
‫مأخوذا بالمفاجأة‪ ،‬أسرع في اليوم التالي إلي الفيوم‪ ،‬وفى عمصلى على شط‬
‫ترعة‪ ،‬تقابل مع ثالثاة رجال‪ ،‬يوحي ظاهرهم بالفقر والعجهل‪ ،‬أدوا سوي ا صلة العصر‬
‫جماعة ثام أقسم أحدهم على أن يتناولوا الطعام سوياا‪ ،‬ليكون بينهم عيش وملح‪ ،‬وبعدما‬

‫‪200‬‬
‫تناولوا الشاي أقسموا جميعا على المصحف بأل تكون بينهم خيانة‪ ،‬ثام عرضوا عليه‬
‫واحدة من العملت مؤكدين له علي أنهم يبيعون ما معهم كعذهب وفقط‪.‬‬
‫توجه من فوره إلى أحد أصدقائه المشهود له بالكفاءة والخبرة في تقييم الذهب‬
‫القديم‪ ،‬فأكد له أن العملة من الذهب القديم‪ ،‬وأخبره بأن الجرام منها ثامنه ثالثاة آلف‬
‫دولر‪ ،‬وكان ثامن الكيلوجرام من الذهب في تلك الفترة ل يتجاوز المائة ألف من‬
‫الجنيهات‪ ،‬فاتفق معهم على شراء نصف ما لديهم بمائتي ألف من الجنيهات‪ ،‬على أن‬
‫يشترى منهم الباقي بعد اسبوع‪ ،‬متحججا بأنه يمر بأزمة سيولة‪ ،‬فاشترطوا عليه أن يكون‬
‫التسليم في سوق الفيوم العمومي‪ ،‬حيث سيقابله أحدهم ومعه حقيبة بها خضروات وعليه‬
‫ل‪،‬‬
‫أن يأخذها منه ويعطيه الفلوس‪ ،‬ولحرصه الشديد أصر إبراهيم أن يزن الذهب أو ا‬
‫وبعدما تأكد من الوزن عسلم الردجل الفلوس وطار بغنيمته إلى القاهرة مشغولا بما قد‬
‫يواجهه من كمائن للشرطة على الطريق‪.‬‬
‫كانت صدمته شديدة حين أخبره صديقه بأن ثامن ما في الحقيبة من عملت ل‬
‫يتجاوز المائة جنيه‪ ،‬فهي عبارة عن قطع من الصفيح المطلي بماء الذهب المستخدم‬
‫في طلء قطع الثااث المنزلي‪ ،‬كان المقلب مثاي ار للسخرية‪ ،‬حتى أنه تمنى أن تبتلعه‬
‫الرض ول أنه يكون في هذا الموقف الذي سيجعله حتما مثاا ار لسخرية تجار الثاار‪،‬‬
‫وهذا ما أوغر صدره بشدة وقرر النتقام لكرامته في الوقت المناسب‪.‬‬
‫لم يتخلى عن حلمه‪ ،‬فبعدما عهضم المقلب الول قرر الذهاب للوادي الجديد‬
‫للبحث عن قطعة آثاار‪ ،‬فقد نما لعلمه أن الكثايرين ينقبون هناك‪ ،‬مصريين وأجانب‬
‫يعملون تحت مظلة بعض البعثاات الجنبية للتنقيب عن الثاار‪.‬‬
‫فى إحدي رحلته إلي هناك‪ ،‬وفي المسافة ما بين الواحات البحرية وواحة‬
‫الفرافرة‪ ،‬حدث أنه توقف ليرتاح قليلا عند كشك صغير يعيش فيه غفير بمزرعة داخل‬
‫الصحراء ويستغله كمقهى يقدم الشاي والقهوة لعابري الطريق‪ ،‬الغفير كان لبق ا وسلمح‬
‫الوجه على الرغم من مظهره الفقير‪ ،‬ومن أول لقاء صار بينهم لود لدرجة أنه أقسم على‬
‫إبراهيم أن عيدمر عليه فى طريق عودته‪ ،‬أوفعى إبراهيم بوعده وعرعج على الكشك‪ ،‬وفوجئ‬
‫بالرجل يحكى أنه أثاناء عمله على شق ترعة بالمزرعة وجد تمثاالا من الذهب لللقطد يزن‬
‫ش الرجل أرض الكشك وأخرج تمثاالا ذهبيا للقط أبيس‪،‬‬
‫حوالي نصف الكيلو جرام‪ ،‬نب ع‬

‫‪200‬‬
‫أطاح بعقل إبراهيم‪ ،‬صور التمثاال بكامي ار الهاتف الجوال‪ ،‬وعندما أخبره الرجل بأنه ل‬
‫يريد أكثار من مائة ألف جنيه ليشترى قطعة أرض بالقرب من أرض أشقائه بقرية‬
‫الكفاح‪ ،‬بالقرب من الفرافرة‪ ،‬تأكد لبراهيم أنه بإزاء فرصة ثامينة‪ ،‬وفى نزلة السمان‪،‬‬
‫تلقفه سمسار واصطحبه إلى الرجل الوحيد الذي يمكنه شراء مثال هذا التمثاال‪ ،‬ذهبا إلي‬
‫مكتب للستيراد والتصدير في عمارة ضخمة خلف دار القضاء العالي‪ ،‬أناقة الحرس‬
‫على مدخل المكتب وفخامة الثااث أدخل الطمأنينة على قلبه وعلى عقله المشغول‬
‫بحلمه عما يدور حوله‪.‬‬
‫من خلف مكتب فخم كانت الحماسة ترسم ملمح وجه الباشا الذي أسمع إبراهيم‬
‫من الكلم ما أعجز عقله عن محاولة التفكير ‪ ،،،‬ما شاء ال ‪ ،،،‬سبحان ال ‪ ،،،‬معقول‬
‫هذا الجمال؟ ‪ ،،،‬هذا أعظم تمثاال رأته عيني منذ عشر سنوات ‪ ،،،‬هذا شيء نادر جدا‬
‫‪ ،،،‬لو أن هذا التمثاال في حوزتك الن أشتريه منك فو ار بعشرة أخضر‪ ،‬ولكي يطملئن‬
‫طلب من إبراهيم‬
‫قلبه أدخله الباشا حجرة خلف المكتب بها عتل من درعزم الدولرات‪ ،‬ثام د‬
‫دفع مبلغ الشرط‪ ،‬مائة ألف جنيه‪ ،‬ليتحرك معه فو ار لتمام الصفقة‪ ،‬بعد حوالي الثالث‬
‫ساعات أحضر إبراهيم المبلغ فتحرك نحو الهدف موكب من سيارتي دفع رباعي‬
‫بإحداهما المال وبالخري عحرس مدجج بالسلح‪.‬‬
‫اقترب الموكب من مكان الكشك‪ ،‬حاول إبراهيم م ار ار التصال هاتفي ا بالغفير‬
‫ليعلمه بمقدمه ولكن الرجل لم يرد عليه أبداا‪ ،‬اشتعلت أعصابه وغلى الدم في عروقه‬
‫ومع هذا لم يفقد المل في إتمام الصفقة‪ ،‬أكملوا طريقهم‪ ،‬فوجدوا الكشك خاوياا‪ ،‬ولم‬
‫يتمكن إبراهيم من العثاور على الغفير‪ ،‬على عمضض انتظر الباشا لمدة ساعتين قرر‬
‫بعدها العودة‪ ،‬عشعر إبراهيم بالخجل أكثار من شعوره بالحسرة على ماله‪.‬‬
‫لعدة أيام لم يتوقف عن محاولة التصال هاتفي ا بالغفير الذي أجابه أخي ارا‪،‬‬
‫فانفجر فيه غاضب ا ولكن الرجل قابل غضبه ببكاء مرير‪ ،‬وراح ديعبلرر فعلته بأنه عندما‬
‫شاهد السيارتين اعتقد أن إبراهيم قد أبلغ عنه الحكومة فهرب من المكان‪ ،‬واعتذر الرجل‬
‫وأقسم بأنه سوف ينتظره غدا وقت آذان العصر‪.‬‬
‫وكله خجل طلب من الباشا أن يذهب معه للوادي الجديد عمرة دأخرى فاشترط‬
‫عليه أن يدفع هذه المرة خمسين ألفا من الجنيهات‪ ،‬امتثال إبراهيم وتحرك الموكب وما‬

‫‪200‬‬
‫إن اقتربوا من المكان حتى انهمرت عليهم طلقات الرصاص وأصبح الموقف ل يحتمل‬
‫ففعر الموكب نحو القاهرة والغضب يأخذ بالباشا ومرافقيه لدرجة أن إبراهيم أخذ يعتذر‬
‫ويهدئ من روعهم‪ ،‬فأفهموه أنه قد تعرض للعنصب وكاد أن يتسبب لهم في مشكلة كبيرة‪،‬‬
‫أبدى أسفه وأقسم بأن ينتقم من هذا الرجل مهما كلفه المر‪ ،‬فلم يكن يعرف أن هذا‬
‫الغفير ما هو إل أحد رجال الباشا والذين وزعهم في ربوع مصر ومعهم من الطعم ما‬
‫يصطادون به الطامعين في الغنى‪ ،‬إنها أحدي حيل الداهية هيثام بدر‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫تحرك اللواء بين الضيوف حتى توقف خلف عبد المسيح وابتسم وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬قد ل يعرف بعضكم أن المهندس ساويرس له نشاط واسع في السياحة وخدمة المراء‬
‫والشيوخ العرب‪ ،‬نعرف أنكم ترتابون فيه اعتقادا منكم بأنه يعمل لصالح الحكومة‪ ،‬وهذا‬
‫حقيقي فقد تعاون مع الجهاز في دشغل سيطرة على بعض الشخصيات العربية الهامة‪،‬‬
‫ولكنه لم يكن يعلم أننا نتتبع نشاطه في تجارة وتهريب الثاار‪ ،‬وعلى الرغم من ذكائه‬
‫المتقد فإنه كان ضحية لعمليات عنصب متكررة ومتشابهة حتى أوشك على الفلس لول‬
‫تدخلنا لنقاذه‪.‬‬
‫قال ذلك ثام مال بجسمه نحو عبد المسيح وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬أظنك لم تنعس المقلب الذي شربته في مدينة فاقوس؟‪.‬‬
‫تعالت ضحكاته ثام وضع يدا على كتف عبد المسيح ومسح بالخري وجهه‪ ،‬ثام‬
‫ل‪.‬‬
‫استطرد قائ ا‬
‫‪ -‬دفع عبد المسيح تقريب ا كل أمواله في تمثاال فرعوني دمقلد‪ ،‬وعندما وجدناه يترنح‪ ،‬دبرنا‬
‫له لقاء مع شخص مجهول ومعه تمثاال من حجر اللشست‪ ،‬ومهدنا له الطريق ليبيعه‬
‫بعشرة أخضر‪ ،‬أخذ هو ثامانية‪ ،‬وأعطى للرجل اثانين‪.‬‬
‫تحرك اللواء حتي أصبح فى مواجهة ساويرس‪ ،‬نظر فى عينيه وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬مفاجأة مش كده؟‪.‬‬
‫لم ينطق ساويرس ونظر للرض لديخفى ما يشدعر به من قلق وخجل‪ ،‬فقد جال‬
‫بخاطره بأنه على وشك أن يخسر أمواله وكذلك ثاقة الحضور‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫عبد المسيح‪ ،‬قاهري قبطي‪ ،‬مولع بالمال ول يأبه كثاي ار بالدين‪ ،‬عمل لسنوات كمهندس‬
‫إلكترونيات باتحاد الذاعة والتليفزيون‪ ،‬عجنته القاهرة بالفهلوة وبحب العسهر والعسعمر‪،‬‬
‫وعمل لعدة سنوات بالتليفزيون الكويتي‪ ،‬وجمع أموال طائلة‪ ،‬بفضل راتبه الكبير وبفضل‬
‫صداقته لبعض الشيوخ ورجال العمال بمنطقة الخليج‪.‬‬
‫بعدما استقر به الحال بالقاهرة تحولت الفيلل الخاصة به في الدقي‪ ،‬إلي قبللة‬
‫لشيوخ الخليج‪ ،‬فقد أعدها كفندق وكباريه ل يدخله إل أغنياء الخليج وحسناوات روسيا‬
‫والمغرب وبالطبع المصريات‪ ،‬أطعم نساء الرض‪ ،‬وعن طريق صديقه المحامى‬
‫الشهير منتظر الهباب‪ ،‬والذي اكتسب شهرته بالدفاع عن معتقلي الجماعات السلمية‪،‬‬
‫استطاع تلبية رغبات كهول الخليج بالزواج من مصريات جميلت وأبكار‪.‬‬
‫استثامر أمواله في مجال اللكترونيات وشارك زوج شقيقته الوحيدة في امتلك‬
‫سلسلة مطاعم شهيرة دتغطى العديد من المدن عبر عدة وليات أمريكية‪ ،‬كانت ملمحه‬
‫تبعث على الطمأنينة‪ ،‬وكان موهوبا في ععقد الصداقات والعلقات مع الجميع من حوله‬
‫وخاصة أصحاب المناصب الهامة‪ ،‬وكثاي ار ما كان ديباهى أصدقاءه بقدرته على أن‬
‫يرشي أبويه‪.‬‬
‫وفى الحقيقة كان أمره دمحي ار للعديد من تجار الثاار‪ ،‬كان الرجل يظهر فجأة‬
‫أثاناء تنفيذ ليلة من دشغل الثاار‪ ،‬ودائم ا ما يكون هو المنقذ عند حدوث خلف أو ظهور‬
‫مشكلة أثاناء التنفيذ‪ ،‬ثام يختفي لفترة ليعاود الظهور في اللحظة المناسبة ليساعد أحدهم‬
‫في تجاوز أزمة خطيرة ثام يختفي كما ظهر بدون مقدمات‪ ،‬مما دفع البعض لن يتعامل‬
‫معه بتحفظ اعتقادا منهم بأنه يخفي وراءه س ار كبي ارا‪ ،‬ولكن هذا لم يمنع أحدهم‪ ،‬حين‬
‫يجد نفسه في أزمة‪ ،‬أن يتمني ظهور عبد المسيح لنقاذه‪ ،‬ولنه لم يخذل أحدهم قط‪ ،‬فقد‬
‫اكتسب ثاقة بعضهم‪ ،‬بالرغم من استمرار عجزهم عن فك طلسمه‪ ،‬وقد جذبت تصرفاته‬
‫الغريبة أنظار الصحفي رضا جلل‪ ،‬الذي دأب على مهاجمة وفضح تجار ومهربي‬
‫الثاار فى الفترة الخيرة‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫ق أر اللواء صمت وشرود الضيوف على أنه استسلم تام لما أراد أن يلقيه في‬
‫روعهم‪ ،‬بأنه المحرك لكل ما معر بهم من أحداث مثايرة في دنيا تجارة وتهريب الثاار‪،‬‬
‫فتراجع للخلف حتى أصبح في مواجهتهم‪ ،‬وانتقل بنظره بين النجار وعيد وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لم يقنع النجار بما حققه من تجارة الراضي والعقارات‪ ،‬فطمع في مكسب‬
‫التجار بالثاار‪ ،‬وفي الحقيقة الرجل كان مثاالا للحركة والنشاط‪ ،‬وقد استفدنا منه‬
‫كثاي ارا‪.‬‬
‫ب واقفا وقال في توتر‪.‬‬
‫لم عيدعد يطيق صب ارا‪ ،‬فه ع‬
‫‪ -‬كيف هذا وأنا ل أعرفكم‪ ،‬من أنتم؟‬
‫ثام جلس النجار على أثار نظرة غاضبة من اللواء الذي أكمل حديثاه‪.‬‬
‫‪ -‬النجار كان مندفعاا‪ ،‬كما هو الن‪ ،‬ل يفكر كثاي ار فيما هو دمقبل عليه‪ ،‬في أول المر‬
‫عجاب أنحاء مصر بصحبة الحاج عيد‪ ،‬وحدث أن اشتريا دشغلا بعدة مليين ثام أوقعهما‬
‫حظهما العاثار في طريق هيثام بدر الذي نصب عليهما‪.‬‬
‫نظر في ضيق لهيثام بدر الذي أغمض عينيه حتى ل يرى اللواء ويتجنب‬
‫نظرات الضيوف‪ ،‬ثام واصل اللواء حديثاه فقال‪.‬‬
‫‪ -‬كادا أن يفقدا عقليهما وراحا يتصرفان بجنون‪ ،‬كان ذلك مفيدا لنا‪ ،‬فأغلقنا أمامهما‬
‫جميع دسبل البيع‪ ،‬وحدث ما توقعناه‪ ،‬انشغلت محافظات الدلتا لشهور بما لدي النجار‬
‫من آثاار‪ ،‬مجموعات من الوسطاء تتحرك في كل التجاهات لتجذب مجموعات أخرى‪،‬‬
‫وهكذا عنعشعر النجار حلم الثاراء بين آلف الشباب المغامر فشغلهم عما يدور حولهم‬
‫لشهور طويلة‪ ،‬بعدها بدأ اليأس يتسرب إليه إوالي الشباب من حوله‪ ،‬فعملنا على أن‬
‫يلتقي الحاج عيد بالدكتور إبراهيم‪ ،‬الذي نجح في بيع الدشغل لصديقه بيتر‪ ،‬ولكن في‬
‫الفترة الخيرة تراجع نشاط النجار وعيد بسبب انشغالهما بأعمالهما التجارية وبنشاطهما‬
‫السياسي بالحزب الوطني‪.‬‬
‫ب النجار واقفا ليعترض علي ما يسمعه وقال‪.‬‬
‫مرة أخرى عه ع‬
‫‪ -‬هذا كلدم دمرسل‪ ،‬والناس تردده فيما بينها‪ ،‬فقد دأب الفاشلون على أن ينسجوا من‬
‫حول الناجحين الكثاير من الشاعات‪.‬‬
‫توجه نحو زملئه بالكلم وكأنه يخطب فيهم‪ ،‬فارتفع صوته وهو يقول‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ل أحد يريد أن يصدق أن هناك من جمع ماله بالشقاء والتعب‪ ،‬أي رجل غني لبد‬
‫وأنه يكون تالجر مخدرات أو آثاار‪ ،‬هذا شيء غير معقول!‪.‬‬
‫كظم اللواء غيظه وقال له باستخفاف‪.‬‬
‫‪ -‬هل تضحك علينا أم على نفسك‪ ،‬لسنا هنا في النيابة لتنكر ما أقوله‪ ،‬نحن هنا لنتكلم‬
‫في صراحة‪ ،‬أعرف أني أقول ما تعرفونه ولكنى أمهد لكلم آخر مهم للغاية‪.‬‬
‫ارتبك النجار وتلعثام ثام قال في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬أرجو أن سعادتك تقول الكلم المهم بدون تمهيد‪ ،‬نحن ننتظر منذ ساعات‪.‬‬
‫احتلت وجهه الجاد ابتسامة ثاقة‪ ،‬ثام استند بذراعيه على ظهر مقعد من مقاعد‬
‫الصالون وقال في تحدد‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ولكن واضح أنك دمتعجل‪ ،‬كطبعك دائماا‪ ،‬حسناا‪ ،‬والن‬
‫‪ -‬طلبت منك أن تصبر قلي ا‬
‫‪ ،،،‬الن‪ ،‬لو أن الجميع هنا مقتنع‪ ،‬وأنت أولهم يا نجار‪ ،‬بأننا كنا معكم خطوة بخطوة‬
‫منذ البداية‪ ،‬نتحكم في كل الدشغلعة‪ ،‬يمكن أن ندخل في الموضوع مباشرة‪.‬‬
‫صمت الجميع‪ ،‬فراح يرمقهم بنظراته‪ ،‬ثام انتبه فجأة‪ ،‬وابتسم وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬أخبارك إيه يا أم طارق؟‪ ،‬لقد أسدينا إليك معروف ا كبي ار حين أخطرنا الحكومة الكويتية‬
‫بأن الشيخ عحعمد قد مات بسبب إفراطه في تناول المنشطات الجنسية‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫أم طارق‪ ،‬أو سوزان‪ ،‬سيدة بورسعيدية‪ ،‬بالكاد حصلت على دبلوم الثاانوي‬
‫التجاري‪ ،‬عملت لسنوات كبائعة بمحل ملبس‪ ،‬بالشارع التجاري بالمدينة‪ ،‬ثام تزوجت‬
‫بموظف صغير بحي الععرب‪ ،‬وعاشت معه سنوات طويلة من الكفاح خرجت منها بثالثاة‬
‫من الذكور وفتاة هي أصغرهم‪ ،‬وقبل أن ينهي طارق عامه الدراسي الول بمدرسة‬
‫بورسعيد الثاانوية بنين‪ ،‬مات والده بعد معاناة شديدة وسريعة مع الفشل الكلوي‪ ،‬ولن‬
‫معاش الوالد بالكاد كان يكفي السرة لمنتصف الشهر‪ ،‬ترك طارق الدراسة وعمل كتاجر‬
‫متجول بالشارع التجاري‪ ،‬والتحقت أمه بالعمل بمحل للمشغولت الذهبية كان قبلة تجار‬
‫العملة ووسطاء تجارة الثاار من كل محافظات القناة وشمال الدلتا‪.‬‬
‫تعرفت أم طارق بأحد الوسطاء‪ ،‬كان رجلا ماك ار وواسع الحيلة‪ ،‬أغدق عليها‬
‫بالمال والهدايا فأخذ بلدلبها‪ ،‬واستطاع استغلل أناقتها ولباقتها في اليقاع بالمبتدئين في‬

‫‪200‬‬
‫دشغلة الثاار‪ ،‬شاركته في عمليات عنصب دمحكمة‪ ،‬وزعا فيما بينهما الدوار‪ ،‬هو وسيط‬
‫يأتي لها بمبتدئ مخمور بحلم الثاراء‪ ،‬وهى الدكتورة والخبيرة في الثاار والتي ل تتحرك‬
‫إل بعشرط ل يقل عن عشرة آلف جنيه‪.‬‬
‫تغيرت الحوال بسرعة‪ ،‬فامتلك طارق محل أقمشة بالشارع التجاري‪ ،‬وبالطبع تركت‬
‫السرة حي الزهور لتقطن بشقة فاخرة بطرح البحر‪.‬‬
‫طلبت من شريكها الزواج فأبى فافترقا‪ ،‬لم تتراجع وقررت العمل لحسابها‪،‬‬
‫واستعانت بابنها طارق ليرافقها في رحلتها المكوكية لمحافظات مصر‪ ،‬نجح معها‬
‫المر وارتفع رصيدها في البنك وامتلكت عمارة فاخرة بطرح البحر‪ ،‬كما اقتنت سيارة‬
‫مرسيدس آخر موديل‪ ،‬ويشاع أن هذا الغنى الفاحش جاء من نصبة محكمة‪ ،‬حيث‬
‫ى‪.‬‬
‫نجحت فى أن تبيع أمبول زئبق أحمر لشيخ كويتي‪ ،‬وهذه حكاية تستحق أن دترو ع‬
‫ديحكى أنها تعرفت على شيخ مغربي محترف نصب‪ ،‬ومشهور عنه قدرته على‬
‫عفك العرصد ) العرصد عفريت أو جان اتم تسخيره بالسحر لحراسة المقبرة الفرعونية من‬
‫اللصوص‪ ،‬وهذه إحدى أوهام دشغلة الثاار (‪ .‬في ليلة‪ ،‬من ليالي النس التي جمعت‬
‫بينهما‪ ،‬أخبرها الشيخ بأنه يستطيع تلوين الزئبق البيض ليصير أحمر ويصمد أمام كل‬
‫الختبارات التي يثاق بها كل عمن يصدق ويعتقد في قصة الزئبق الحمر‪ ،‬وكيف ل‬
‫يصمد وهو نفسه من اقترح تلك الختبارات وأهمها أنه ل يختلط بعصير الليمون أو أنه‬
‫عند عصره بمنديل فإنه ل يصبغه باللون الحمر‪ ،‬وبالفعل وبعد جهد جهيد إوانفاق‬
‫صنع لها الشيخ أمبولا يحتوى على عشرة جرامات من الزئبق الحمر‪.‬‬‫معظم أموالها ع‬
‫ولمدة عام لم تأل جهدا حتى استطاعت برمجة كهل كويتي يعتقد في قدرة الزئبق‬
‫الحمر على منحه شباب يدوم طويلا وقدرة جنسية خارقة تمكنه من دق حصون‬
‫حسناوات العالم بمختلف أشكالهن وألوانهن‪ ،‬باعته المبول مقابل عشرة مليين دولر‪،‬‬
‫ولحسن حظها حقن الكهل نفسه بالزئبق فمات من فوره ونالت هي الغنى والمان‪ ،‬ومن‬
‫نجاح إلى نجاح أصبحت الدكتورة سوزان من كبار الدشغلة فى مصر‪ ،‬ولم ينافسها في‬
‫مكانتها إل الدكتورة مروة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫ارتبكت بشدة‪ ،‬فتجاهلها اللواء وتوجه بحديثاه لهيثام بدر‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫صح من الن‬
‫‪ -‬وأنت يا دكتور هيثام‪ ،‬عليك أن تغير من أسلوب دشغلك‪ ،‬وتشتغل ع‬
‫فصاعداا‪ ،‬أسلوبك في الشغل أحبط الكثاير من الشباب‪ ،‬أنت من تسبب في تفاقم المشكلة‬
‫التي نواجهها الن‪ ،‬زملؤك قلصوا من نشاطهم وأنت أفسدت علينا المر‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫جمع رجال هيثام بدر معلومات دقيقة عن أحد أثارياء الصعيد‪ ،‬يمتلك عدة مزارع‬
‫للدواجن ومجز ار آلياا‪ ،‬ويحوز بزمام مركز البداري بأسيوط حوالي مائة فدان تتوسطهم‬
‫فيلل رائعة يقيم فيها يومي الحد والثانين من دكل دأسبوع ليباشر ضيعته‪.‬‬
‫ذهبت عصابة هيثام إلى الفيلل ظهر يوم الحد وتوقفوا أمام بوابتها بحجة تعطل‬
‫سيارتهم‪ ،‬أوعزوا للغفير بأنهم رجال أعمال من القاهرة وطلبوا منه السماح لهم بالوضوء‬
‫والصلة وأخذ قسط من الراحة ريثاما ينتهي أحدهم من إصلح السيارة‪ ،‬فأدخلهم وجهز‬
‫لهم مكان ا للصلة والراحة بالحديقة‪.‬‬
‫بعدما فرغ أحدهم من صلته أخذ يهذى بكلمات غير مفهومة ويأتي بحركات‬
‫غريبة‪ ،‬كانت أطرافه وعضلت وجهه تتشنج لعتأدخذ أوضاع ا مخيفة‪ ،‬عندما حاول الغفير‬
‫المساعدة منعه هيثام بدر وأفهمه أن هذا الرجل شيخ طيب وعمكشوف عنه الحجاب‬
‫وعليهم أن يتركوه حتى يهدأ وحينها سيخبرهم بما يحدث‪.‬‬
‫دقائق وهدأ الرجل وقام من مكانه واتجه نحو دركن من الحديقة وسأل‪.‬‬
‫‪ -‬عمن المحظوظ صالحب هذا المنزل؟‪.‬‬
‫أثاار السؤال فضول الحارس فقال‪.‬‬
‫‪ -‬أنا صاحبه‪ ،‬لماذا تسأل؟‬
‫قال ذلك ثام عقد يديه وأراحهما على بطنه الممتدة أمامه‪ ،‬فقال الرجل مبتهجاا‪.‬‬
‫‪ -‬أبلشر يا حاج أبلشر‪.‬‬
‫ثام أشار نحو الرض وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬يوجد هنا خير كثاير‪ ،‬فيه لكنز مدفون في هذا المكان‪ ،‬عندما أنتهي من قراءة التعويذة‬
‫عليكم أن تحفروا حفرة مربعة‪ ،‬مترين في مترين وعمقها متر واحد وعندها سوف يخرج‬
‫اللكنز إن شاء ال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫رفض الغفير ما ديقال‪ ،‬ولكن خمسين ألف من الجنيهات‪ ،‬تكفلت بإقناعه‬
‫بالتعاون‪ ،‬ق أر الرجل تعويذته وسط صمت مهيب‪ ،‬وبدأ الرجال الحفر بهمة والغفير‬
‫يستحثاهم على أن ينتهوا بسرعة قبل أن يراهم أحد‪ ،‬تعمدوا التباطؤ‪ ،‬فهم يعرفون ميعاد‬
‫عودة صاحب الضيعة الذي ما لبث أن جاء ينادى على الغفير من عند البوابة‪ ،‬فأخرج‬
‫هيثام من ملبسه تمثاالا صغي ار من النحاس المطلي بالذهب ودفنه تحت التراب‪ ،‬عندما‬
‫اقترب صاحب الضيعة أخرجه في فرح وأخذ ينظفه وسط تهليل رجاله ‪ ،،،‬ال أكبر ‪،،،‬‬
‫ال أكبر ‪ ،،،‬نحمدك يا رب ‪ ،،،‬نحمدك يا رب‪ ،‬وقف الغفير مطأطئا الرأس ويرتعش‬
‫مذعو ارا‪ ،‬فاندفع الرجل نحو الغرباء صائح ا في غضب‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تفعل أنت وهو في بيتي؟‬
‫‪ -‬بيتك كيف يعني يا حاج؟‪.‬‬
‫وأشار هيثام للغفير وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬هذا الرجل أخبرنا بأنه صاحب البيت‪ ،‬وعندما اكتشف الشيخ‪ ،‬وبالصدفة‪ ،‬وجود لكنز‬
‫في هذا المكان دفعنا له خمسين ألف جنيه ليسمح لنا بالحفر إواخراج الكنز‪.‬‬
‫نظر الرجل للغفير ليفهم منه الحكاية‪ ،‬فقص عليه الحكاية من بدايتها‪ ،‬تريث‬
‫الرجل وطلب منهم أن يعيدوا كل شيء لحاله وأن يدخلوا للفيل ليتناقشوا في المر‪،‬‬
‫رفضوا ورددوا في نفس واحد وكأنهم جوقة‪ ،‬حرام عليك يا حاج‪ ،‬ده رزقنا‪ ،‬حرام عليك‪،‬‬
‫تروح من ربنا فين‪ ،‬وتحولوا من معتدين إلى أصحاب حق‪ ،‬أخذ الرجل يهدئ من روعهم‬
‫ضض‪ ،‬أن يأخذوا نصيبهم نقدا ويرحلوا على‬
‫ويطمئنهم‪ ،‬وبعد حوار طويل قبلوا‪ ،‬وعلى عم ع‬
‫أل يعودوا أو يخبروا أحدا بما حدث‪ ،‬وقضوا ليلتهم في ضيافته ريثاما يدبر المال‪ ،‬وفي‬
‫الصباح تسلم هيثام بدر نصف مليون جنيه‪ ،‬وبالطبع لم ينعس أن ديعجلرد الغفير من فرحته‬
‫واسترد منه الخمسين ألف جنيه‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫قرر أن يتريث حتى تتضح المور‪ ،‬لم عيدرد وأخذ يتبادل مع زملئه نظرات بها‬
‫ضجر‪ ،‬فهم إبراهيم ما يرنو إليه هيثام فوقف ليقول في حنق‪.‬‬
‫الكثاير من القلق وال ع‬
‫‪ -‬للن لم نعرف ما هو المطلوب منا!‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫عقد يديه خلف ظهره وأطرق ينظر للرض‪ ،‬أشار لبراهيم بالجلوس وتقدم ببطء‬
‫نحو المكتب‪ ،‬جلس خلفه ومد يديه ليمسك بحرف المكتب وضغط عليه فرجع بجسمه‬
‫كله للخلف‪ ،‬ثام نظر نحو الضيوف قي ثاقة وتح د وقال‪.‬‬
‫‪ -‬نعمل على توجيه تفكير واهتمام الجماهير إلى موضوعات معينة‪ ،‬نختارها بدقة‬
‫وعناية وذلك للتغطية على أمور سياسية واقتصادية هامة وخطيرة‪ ،‬موضوعات نعمل‬
‫من خللها على إيهام الجمهور بأن لرأيه أهمية في كيفية التعامل مع مشاكل بلده‪،‬‬
‫وبمساعدة رجالنا في وسائل العلم المختلفة تمكنا من تسويق قضايا هامشية على أنها‬
‫قضايا هامة ودملحة‪ ،‬بهذا السلوب تمكنت الدولة من تمرير مشروعات خطيرة بدون‬
‫مشاكل أو اضطرابات من الجمهور الذي نعلم أنه ل يمكنه استيعاب استراتيجيات‬
‫النظام وخططه من أجل التقدم والزدهار للوطن‪.‬‬
‫ارتاح اللواء لنظرات الدهشة في عيون الضيوف وأضاف بخيلء‪.‬‬
‫‪ -‬لبد وأنكم تتذكرون قصة ظهور العذراء في كاتدرائية العباسية بعد النكسة‪ ،‬حكاية‬
‫بسيطة وذكية أعطت للشعب بصيص أمل بعدما عانى من اليأس والضياع‪ ،‬وفي بداية‬
‫حكم السادات أخرجنا مارد الخوان والجماعات الدينية من القمقم لمواجهة قوى اليسار‬
‫في الجامعات والشارع‪ ،‬وفى نهاية حكمه لجأ إلى سياسة النفتاح لعله ينقذ الموقف‪،‬‬
‫وانقسمت البلد إلى حشاشين ومتدينين‪ ،‬وبسبب عدم التخطيط الجيد لهذه الستراتيجية‬
‫كادت الفتنة الطائفية أن تأتى على الخضر واليابس‪ ،‬وبعد معاهدة كامب ديفيد أشعلنا‬
‫الصراع بين جماهير الهلي والزمالك ودعمنا بقوة الطرق الصوفية وجماعات السلفيين‪،‬‬
‫صعبت موجة التدين في صالح الخوان وتفريعاتها من‬
‫ولكن المور ازدادت سوءاا‪ ،‬و ع‬
‫جماعات العنف الديني‪ ،‬وكما يقال انقلب السحر على الساحر‪ ،‬فحين لجأ النظام للعنف‬
‫تم اغتيال السادات وترنحت مصر بقوة‪ ،‬فكان لبد للرئيس مبارك من أن يطيح بقيادات‬
‫الجهزة المنية‪.‬‬
‫تنهد عدة مرات وكأنه يتجرع ذكريات غير محببة إلى نفسه ثام أضاف‪.‬‬
‫‪ -‬أعيد تشكيل قسم التوجيه المعنوي من رجال درسوا التخطيط الستراتيجي والعمل‬
‫السياسي وعلم الجتماع وغيره‪ ،‬وأصبح القسم عيلعج برجال تدربوا بالوليات المتحدة‪،‬‬
‫وأصبح عملنا يعتمد على العلم والتخطيط وليس على اجتهاد البعض من قياداته‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫تجرع قليلا من الماء المثالج‪ ،‬ليزيل تأثار صوته بما يحكيه‪ ،‬وارتسمت على وجهه‬
‫ملمح الخجل ثام استطرد‪.‬‬
‫‪ -‬كان علينا العمل بسرعة وكفاءة للسيطرة على تيار التدين الجارف الذي لم ينفك‬
‫صب بقوة في مصلحة جماعة الخوان بأفكارها الخطيرة التي دتهدد أمننا القومي‪ ،‬مرة‬
‫عي د‬
‫أخري دعمنا الطرق الصوفية وكذا السلفيين فكانوا عند حسن ظننا بهم‪ ،‬حاربوا الخوان‬
‫بضراوة وساعدونا في احتواء المليين من المتدينين‪.‬‬
‫أخذ يفرك جبهته‪ ،‬وكأنه يفكر بأمر ما‪ ،‬ثام واصل حديثاه‪.‬‬
‫‪ -‬طبع ا لدينا مناطق عشوائية بها عدد هائل من السكان لكنهم ل يمثالون أي تهديد‬
‫للنظام الن‪ ،‬فمن ناحية هم كائنات بيولوجية تعيش يومها كما هو‪ ،‬ل يرفضون واقعا لم‬
‫يروا غيره‪ ،‬ول يفكرون في مستقبل ل يعلمون عنه شيئاا‪ ،‬ومن ناحية دأخرى‪ ،‬ولدحسن‬
‫حظنا‪ ،‬هذه الكائنات ل تخشى شيئ ا قدر خشيتها من الحكومة‪ ،‬وعلى الرغم بأنهم‬
‫بالمليين فإنهم بل وعى ومعزولون تماما عن الحياة‪ ،‬ول يحسب لهم حساب‪.‬‬
‫قام من مكانه وتحرك نحو الضيوف وقال في جدية واضحة‪.‬‬
‫‪ -‬يتبقي لدينا حوالي أربعة مليين من الشباب المتمرد والرافض لواقعه‪ ،‬والذي يسعى‬
‫بإصرار لن يعيش حياة أفضل‪ ،‬هؤلء هم مشكلتنا الحقيقية‪ ،‬لديهم إصرار عجيب ول‬
‫ينفكون يتحركون في كل اتجاه ليتملصوا من واقعهم‪ ،‬يصطفون طوابير طويلة أمام‬
‫السفارات الجنبية‪ ،‬يتكدسون بمراكب الموت بالبحر المتوسط‪ ،‬يجمعهم نفس الحلم‬
‫ونفس القدرة على الرفض‪ ،‬تهون على الواحد منهم حياته في سبيل تحقيق هدفه‪ ،‬هؤلء‬
‫الشباب يثايرون مخاوفنا‪ ،‬يشكلون مستودع ا ل ينضب لمعارضي النظام‪ ،‬خاصة قوى‬
‫التغيير الليبرالية‪ ،‬والتي لن تألوا جهدا من أجل تنظيم هؤلء الشباب وتحويل تمردهم‬
‫العشوائي إلى تمرد منظم يهدد النظام الحاكم بقوة‪.‬‬
‫ساد الصمت‪ ،‬ووضح عليه التوتر والنفعال وهو يتحرك في المكان‪ ،‬وكأنه‬
‫يتحدث إلى نفسه أضاف‪.‬‬
‫‪ -‬هذا النوع من الشباب عندما يجد الطرق دمغلقة أمامه وليس هناك فرصة لحراك‬
‫اجتماعي يعطيه المل في الحياة والنجاح‪ ،‬غدا أو بعد غد‪ ،‬يفتك به الحقد الطبقي‪،‬‬
‫وتشتعل بداخله الرغبة في التمرد‪ ،‬والمشكلة أنه ل ينقصهم الذكاء كما أنهم قد نالوا قد ار‬

‫‪200‬‬
‫جيدا من التعليم‪ ،‬ويعرفون‪ ،‬أن أسلوب إدارة الدولة من قبل النظام هو العائق الحقيقي‬
‫الذي يحرمهم من حقوقهم وتحقيق طموحاتهم‪ ،‬وهذا التفكير الخاطئ‪ ،‬بالطبع‪ ،‬سوف‬
‫يدفعهم للثاورة والتمرد‪ ،‬ترددنا بين العديد من الخطط والتدابير التي صممها رجالنا‪ ،‬لكن‬
‫شبح الفشل في السبعينيات لم عيلغب عن أذهاننا‪ ،‬كاد أن يدب فينا اليأس ونحن نرى‬
‫المشاكل الخطيرة تتوالى على الوطن‪ ،‬غلء‪ ،‬فتنة طائفية‪ ،‬دعوات انفصالية مريبة‪ ،‬في‬
‫سيناء‪ ،‬في مناطق النوبة‪ ،‬وغير ذلك من المشاكل‪ ،‬وحدث أن تلقينا تقارير أمنية تتناول‬
‫انتشار ظاهرة التنقيب عن الثاار والتجار بها بكل محافظات مصر‪ ،‬وبالفعل وجدنا‬
‫ضالتنا في تلك التقارير وقررنا خوض التجربة فأتت بنتائج مبهرة وفى فترة قصيرة‬
‫للغاية‪ ،‬فعملنا على دخول المئات من الشباب المغامر إلى هذا الملعب الذي سعينا بقوة‬
‫لزيادة قدرته الستيعابية ولزيادة جاذبيته‪ ،‬شيئ ا فشيئ ا تضخمت الظاهرة وانتظمت تلقائي ا‬
‫وتوزعت بداخلها المهام والدوار‪ ،‬وباتت لها لوائح وأعراف تحكمها‪ ،‬وقيادات تسيطر‬
‫عليها‪ ،‬وانهمك الجميع في حلم الثاراء السريع‪ ،‬هذا دينقب وهذا يدملول‪ ،‬هذا يحرس‬
‫ويحمى‪ ،‬وهذا يجلب شيخ ا من المغرب ليفك العرصد‪ ،‬هذا يصور القطع الثارية على‬
‫أسطوانات مدمجة‪ ،‬وهذا يتولى عرضها على التجار والخبراء‪ ،‬وكأي دشغلة كان هناك‬
‫صب وديخعدع الخرين‪.‬‬
‫من يزور القطع الثارية‪ ،‬وهناك من عين د‬
‫لحظنا أنه لم يغادر ملعب الثاار أحرد حتى لو تعرض للفشل والخديعة مرات‬
‫ومرات‪ ،‬وازدحم الملعب باللف‪ ،‬الكل ديعمنى نفسه بالثاراء السريع‪ ،‬يتساوى في ذلك‬
‫الغنى والفقير‪ ،‬الشاب والكهل‪ ،‬الرجل والمرأة‪ ،‬المثاقف والجاهل‪ ،‬الجميع يدخل الدوامة‬
‫ول يخرج منها وهذا بالضبط ما نريده وعملنا من أجله‪.‬‬
‫تبادل النجار مع زملئه نظرات متوترة ثام قال في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬لم نعرف حتى الن لما جمعتنا وماذا تريد منا بالضبط‪.‬‬
‫لم يلعره اللواء أدنى اعتبار واستطرد في حديثاه فقال‪.‬‬
‫‪ -‬ما نحتاجه الن‪ ،‬هو اليقاع بالشباب الدمتمرد في فخ دشغلة الثاار‪ ،‬نريده أن يعيش‬
‫في غيبوبة‪ ،‬أن ينسى الواقع ويهرب لحلم اليقظة‪ ،‬هذا مهم للغاية بالنسبة لنا في الفترة‬
‫القادمة‪ ،‬فلدينا مهام جسام يجب التعامل معها بشكل سريع وحاسم‪ ،‬لدينا مشاكل ضخمة‬

‫‪200‬‬
‫مع إسرائيل وحماس‪ ،‬هناك مزاحمة إيران وتركيا لنا فى كل مكان‪ ،‬وأهم من ذلك كله هو‬
‫ضمان انتقال سلمى وهادئ للسلطة في مصر‪.‬‬
‫انحنى نحو النجار‪ ،‬ووضع يده اليمنى فوق كتفه اليسر وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬جمعتكم‪ ،‬لخمول همتكم وتقلص نشاطكم في الدشغعلة‪ ،‬مما أدى إلى هدوء كبير في‬
‫الملعب وباتت خطتنا دمهددة بالفشل‪.‬‬
‫توجه للمكتب وجلس يرمق الضيوف بنظرة مخيفة وقال في نبرة حاسمة‪.‬‬
‫‪ -‬اسمع أنت وهو‪ ،‬كل واحد منكم ينسى أنه يقدر يفلت من قبضتي‪ ،‬أو ينجو بما حققه‬
‫من ثاروة‪ ،‬كل أموالكم هي ملكنا‪ ،‬ونستطيع أن نستردها في أي وقت نشاء‪.‬‬
‫ت قليلا ليعطيهم فرصة للتأقلم مع تهديده‪ ،‬ثام نظر نحو النجار وقال‪.‬‬
‫صم ع‬
‫‪ -‬هل عرفت لما جمعتكم اليوم؟‪.‬‬
‫في تردد وقف النجار وهو يبتلع ريقه ثام قال في تخاذل واضح‪.‬‬
‫‪ -‬نريد أن نعرف ما هو المطلوب منا وسوف ننفذه فو ارا‪.‬‬
‫ابتسم اللواء وارتاح لما أبداه النجار من استسلم فقال في هدوء وثاقة‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ليل نهار‪ ،‬نريد أن يسيطر‬
‫‪ -‬مطلوب تسخين الملعب مرة دأخرى‪ ،‬نريد نشاط ا متواص ا‬
‫حلم الثاراء السريع على الجميع‪ ،‬على المقاهي‪ ،‬على نواصي الشوارع‪ ،‬في النوادي وفى‬
‫مراكز الشباب‪ ،‬نريد أن يدخل الملعب كل يوم آلف الشباب‪.‬‬
‫تغيرت ملمحه وارتسمت على وجهه علمات الغضب‪ ،‬ثام ركز نظراته النارية‬
‫على هيثام بدر وقال في قوة‪.‬‬
‫صب ويحتال في‬
‫‪ -‬من هذه اللحظة سوف نضرب بيد من حديد على يد كل من عين د‬
‫الدشغلة‪ ،‬مفهوم يا سيد يا خضري‪ ،‬أقصد يا دكتور هيثام؟‪.‬‬
‫بلع هيثام بدر ريقه بصعوبة وحاول أن يتكلم ولكن اللواء عاجله بقوله‪.‬‬
‫‪ -‬أنت بالذات كل نشاطك كان علينا بالخسارة‪ ،‬وعليك أن تغير من أسلوبك‪.‬‬
‫خيم على الضيوف صمت الخوف والترقب‪ ،‬صوب اللواء نحوهم نظرات‬
‫غاضبة ثام خبط بيديه على المكتب وقال في استعلء‪.‬‬
‫‪ -‬لست بحاجة لن أذكركم بأنه باستطاعتي‪ ،‬وبسهولة‪ ،‬أن ألقى بكم في السجن بعدما‬
‫أصادر كل أموالكم‪ ،‬ل أحب التهديد ولكن عليكم جميعا تنفيذ ما سوف أطلبه منكم‪ ،‬كل‬

‫‪200‬‬
‫ما فعله الجهاز من أجلكم‪ ،‬كان على مسئوليتي الخاصة‪ ،‬أحذركم فالموضوع الن‬
‫أصبح شخصياا‪ ،‬أرجوا أن تتقوا غضبى‪.‬‬
‫وكما يفعل المدرس‪ ،‬عمعد سبابته اليمنى نحو الدكتور إبراهيم وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬لبد أن ينتهي التنافس بينك وبين هيثام بدر‪ ،‬لقد أخذت حقك منه‪ ،‬فل داعي‬
‫لستمرار الصراع بينكما‪.‬‬
‫ثام عمعد سبابته لقصى مداها فكادت أن تلمس وجه هيثام وقال في غضب‪.‬‬
‫‪ -‬تحذير أخير لك‪ ،‬عليك أن تغير من أسلوب دشغلك‪ ،‬وأن تنهي صراعك مع الدكتور‪.‬‬
‫وتنقل بسبابته بينهما محذ ار وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬أعرف ما يدبره كل منكما للخر‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫بعدما نجحت مجموعة إبراهيم‪ ،‬النجار‪ ،‬عيد‪ ،‬في بيع الدشغل موضوع نصبة‬
‫هيثام بدر‪ ،‬هدأت العصاب وتفتحت الشهية لمزيد من الصفقات‪ ،‬ولكن ما فعله بهم‬
‫هيثام بدر وغيره كان يؤرقهم ليل نهار ويشعرهم بالدذل والمهانة‪.‬‬
‫ظفر أولا برجال الفيوم‪ ،‬تقرب إليهم الحاج عيد‪ ،‬وبعدما نال‬
‫استقر الرأي على ال ع‬
‫ثاقتهم أخبرهم بأن هناك شيخ مغربي‪ ،‬مشهود له بالكفاءة والصدق‪ ،‬أكد له وجود مقبرة‬
‫فرعونية بقطعة أرض تخص أحدهم‪ ،‬وأن الشيخ أبدى استعداده لفتح المقبرة مقابل نسبة‬
‫له فيها‪ ،‬ولكن عليهم دفع مائتي ألف جنيه تكاليف البخور اللزمة لفك العرصد الذي‬
‫يحمى المقبرة‪ ،‬وبالفعل اتفق الطرفان على قسمة المبلغ فيما بينهم‪.‬‬
‫جاء الشيخ إدريس ليشرف على الحفر‪ ،‬ق أر بعض التعاويذ وحرق كميات من‬
‫البخور‪ ،‬وبعد عدة أيام قام بسحب أول الخير‪ ،‬لقط ذهبي مزيف‪ ،‬بعدما أطاح الذهب‬
‫بالعقول عقرر الشيخ إدريس الذهاب للمغرب لحضار بخور بحوالي أربعمائة ألف جنيه‬
‫لسحب كل محتويات المقبرة‪ ،‬ومرة أخرى اقتسم الطرفان المبلغ‪ ،‬وهكذا تحصل إبراهيم‬
‫على ثالثامائة ألف من الجنيهات‪ ،‬فلوسه بالضافة إلى مائة ألف جنيه تأديب وتهذيب!‪،‬‬
‫وقد تعمد بعدها الظهور في الصورة ليؤكد لنصابي الفيوم أنه قد سقاهم من نفس الكأس‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫لم يتوان إبراهيم لحظة في البحث عن الغفير النصاب‪ ،‬حتى ظفر به وقام‬
‫بتعذيبه بل رحمة حتى اعترف أمامه بأن ما حدث كان من تخطيط هيثام بدر‪ ،‬فقام‬
‫إبراهيم بدفنه حيا في الصحراء على الرغم من توسلت شريكيه‪.‬‬
‫ذهب الدكتور إبراهيم ليعرض على هيثام بدر اسطوانة مدمجة لدشغل ثامين‪ ،‬تلقف‬
‫هيثام بدر الطعم بعد استلمه لمائة ألف جنيه قيمة الشرط‪ ،‬واعتقد أنه سوف يسقي‬
‫إبراهيم مقلبا آخر‪ ،‬تحرك الموكب إلى الطريق الدولي الساحلي‪ ،‬وقبل مصيف بلطيم‬
‫بمسافة انحرف الموكب ليدخل بين تلل الرمل ليقع في قبضة كمين أعده باحتراف‬
‫رجال الحاج عيد‪.‬‬
‫وبعد حوالي الساعة كان هيثام بدر وخمسة من رجاله يقفون على قارعة الطريق‬
‫الدولي يتوسلون لية سيارة أن تقلهم لمدينة بلطيم‪ ،‬بعدما جردوا من كل شيء‪ ،‬ساعات‬
‫اليد والهواتف المحمولة‪ ،‬ومائة ألف دولر‪ ،‬كانت موزعة علي مئات الرزم من الورق‬
‫البيض لتبدوا الحقيبة مكتظة بالورق الخضر‪ ،‬وقد أضرم إبراهيم النار في السيارتين‬
‫وكاد أن يجبر هيثام ورجاله على خلع جميع ملبسهم لول أن تدخل النجار وعيد لمنعه‬
‫من التمادي في النتقام‪.‬‬
‫عرف هيثام عبدر أن هناك من هو أكثار منه ش ار ومك ارا‪ ،‬ومع هذا لم يأل جهدا في‬
‫محاولته لتدمير الشركاء الثالثاة الذين لم يترددوا في الرد عليه بقوة وشراسة‪ ،‬وبعد عكر‬
‫لخرى مما شكل حالة من الردع‬ ‫وعفر بات واضحا أن المجموعتين تخشى كلتاهما ا د‬
‫المتبادل‪ ،‬فصار بينهما شبه اتفاق على هدنة‪ ،‬ومع الوقت نسج الحاج عيد علقة طيبة‬
‫لخرى‪.‬‬
‫بتحالف هيثام بدر وتولى رعاية مصالح كل مجموعة لدى ا د‬
‫‪----------‬‬
‫استسلم الضيوف تمام ا فراح اللواء يتجول من حولهم في خيلء ثام قال دون أن‬
‫ينظر إليهم‪.‬‬
‫‪ -‬مطلوب نشاط مكثاف خلل اليام والشهور القادمة‪ ،‬في كل مراحل الدشغلة‪ ،‬تنقيب‪،‬‬
‫بيع‪ ،‬شراء‪ ،‬مطلوب تجنيد جيوش من الوسطاء لتوسيع دائرة الدشغلة لقصى احد ممكن‪،‬‬
‫اصرفوا نقودا كثايرة‪ ،‬أظهروا للشباب ثاراءكم الفاحش‪ ،‬ولئم‪ ،‬سهرات‪ ،‬سيارات آخر‬
‫موديل‪ ،‬فيلت‪ ،‬انشروا بينهم الحلم في الثاراء وأعطوهم المل في ذلك‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫نزلت على الضيوف بعض السكينة‪ ،‬فتبادلوا النظرات فيما بينهم وكأنهم‬
‫يستحثاون أحدهم ليتكلم عما يشغلهم في تلك اللحظة‪.‬‬
‫وقف هيثام بدر وتنحنح ليلفت انتباه اللواء ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬جميعنا يمر بأزمة سيولة‪ ،‬فقد وضعنا كل أموالنا في مشاريع لخدمة البلد‪ ،‬كما أن‬
‫الدشغلة تمر الن بفترة ركود‪ ،‬ومعنى هذا أن ما سوف ننفقه لن نستطيع تعويضه‪.‬‬
‫ارتسمت على وجه اللواء ملمح الدهشة والتعجب مما يسمعه‪ ،‬فذهب وجلس‬
‫خلف المكتب واستند بيديه على حرفه ودفع جذعه للخلف ثام رفع رأسه لينظر في‬
‫السقف‪ ،‬لحظات وانطلق في ضحك متواصل‪ ،‬ينظر لرجاله ثام يعاود الضحك‪ ،‬انزعج‬
‫الضيوف وتوجسوا خيفة وندموا على ما قاله هيثام‪ ،‬اعتدل اللواء في جلسته وقال‪.‬‬
‫‪ -‬هيثام بدر يقول إنكم مفلسون؟‪ .‬هل يرد عليه أحدكم أم أرد أنا؟‪.‬‬
‫أجابوه بضحكات خجلة‪ ،‬ففهم اللواء مقصدهم فقال في استنكار‪.‬‬
‫‪ -‬أليست صفقة واحدة قادرةا على إنعاش محافظة بأكملها؟!‪.‬‬
‫رمقهم بنظرات غاضبة‪ ،‬وراح يحرك رأسه يمين ا ويسا ار ثام تنهد وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬اطمئنوا ‪ ،‬سوف نحدد نطاق نشاط كل واحد منكم‪ ،‬وأماكن التنقيب‪ ،‬وبالطبع سنقوم‬
‫بالقبض على بعض رجالكم ليبدو الموضوع طبيعياا‪.‬‬
‫تحرك ليقترب منهم ورسم على وجهه ابتسامة ضجر وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬سنعطى كل واحد منكم قرضا بقيمة خمسة مليين من الجنيهات‪ ،‬يسدده بعدما ننتهي‬
‫من مهمتنا‪ ،‬عليكم استعادة ثاقة الشباب في الدشغلة‪ ،‬ومن جانبنا سنقوم بإثاارة القضية‬
‫بشكل واسع في جميع وسائل العلم‪ ،‬لنشير للمكاسب الخرافية التي يحصدها تجار‬
‫الثاار‪.‬‬
‫تنفسوا الصعداء‪ ،‬وتحمسوا لنتهاز الفرصة أملا فى أن يغنموا منها مليين‬
‫أخري‪ ،‬وقبل أن ينهي اللواء الجتماع وقف عيد الهللي ليثاير قضية لم تكن في‬
‫الدحسبان‪ ،‬وبطريقته الشهيرة فى التحدث‪ ،‬والتي يمد فيها أول حرف في كل كلمة‪ ،‬قال‪.‬‬
‫‪ -‬ما تصلى على النبي يا باشا‪ ،‬فيه مشكلة نسينا نتكلم فيها‪.‬‬
‫تجهم الباشا مستفس ار بإيماءة من رأسه عن المشكلة‪ ،‬فقال الحاج عيد‪.‬‬
‫‪ -‬سعادتك الصحفي‪ ،‬رضا جلل‪ ،‬عارفه سعادتك طبعاا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ثام نظر إلي الدكتور إبراهيم وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬صاحبك يا دكتور‪.‬‬
‫وبسرعة توجه مرة أخرى بالحديث إلى اللواء وقال‪.‬‬
‫‪ -‬الرجل ده‪ ،‬سبب لنا مشاكل كثايرة وفضحنا وسط الخلق‪ ،‬فكرك يعنى أنه يسكت عنا‬
‫لو رجعنا نشتغل بضمير؟‪.‬‬
‫ابتسم اللواء‪ ،‬ثام تنهد وحرك رأسه في استعلء وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬ودي مشكلة يا حاج عيد؟! من أدخله ملعبكم يخرجه منه‪.‬‬
‫ثام نظر نحو إبراهيم وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬ول إيه يا دكتور؟‪.‬‬
‫انزعج إبراهيم بشدة للتحريض ضد صديقه‪ ،‬فرمق عيد بنظرة غاضبة ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬رضا هلل ل يمثال لنا أدنى مشكلة‪ ،‬هم يكرهونه ويبادروه دائم ا بالعداء‪ ،‬يضايقهم ما‬
‫يأخذه منا بالرغم من خدماته لنا والتي ل تقدر بثامن‪ ،‬فهو خبير بالثاار المصرية‪،‬‬
‫صر على‬ ‫وأفضل من يق أر اللغة المصرية القديمة‪ ،‬هؤلء دينهم الخذ بل عطاء‪ ،‬وهو ي ل‬
‫د‬
‫أن يقبض ثامن خدماته لنا‪ ،‬وكذلك ثامن سكوته عنا‪ ،‬أولا بأول‪ ،‬وهم يعلمون أنه لو عسبب‬
‫لنا مشكلة حقيقية سأكون أنا أول من يتصدى له‪ ،‬الدشغل دشغل سعادتك‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫لم تستقر علقة رضا جلل بتجار الثاار على حال‪ ،‬تارة يهاجمهم بضراوة‬
‫ويفضح ممارساتهم وأسرارهم‪ ،‬ثام يتراجع حين يتدخل صديقه الدكتور إبراهيم ليتولى‬
‫عملية إسكاته لفترة‪ ،‬يحددها رضا بنفسه بناء على ما ظفر به من غنالئم‪.‬‬
‫كانت شخصيته محيرة لهؤلء التجار‪ ،‬فهو يساعدهم‪ ،‬عن طريق صديقه إبراهيم‪،‬‬
‫كأفضل من يق أر خراطيش ومساطر الثاار ويتعرف على قيمتها التاريخية ببر مصر‬
‫كله‪ ،‬ولكنه‪ ،‬وعلى الرغم مما يتحصل عليه منهم‪ ،‬كان ل يتورع‪ ،‬ودون سابق إنذار‪ ،‬عن‬
‫فضح أسرارهم وشن الحملت الصحفية ضدهم غير عابئ بتهديد أو وعيد‪ ،‬وكثاي ار ما‬
‫حذره الدكتور إبراهيم من عواقب تلك اللعبة الخطرة‪ ،‬وأفهمه بأنه لول تدخله لحمايته‬
‫لتخلصوا منه منذ زمن مهما كلفهم المر‪ ،‬وهم قادرون على ذلك‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫بالفعل كان المر مدهشاا‪ ،‬فرضا جلل كانت تنتابه بين الحين والخر نوبة من‬
‫الشجاعة السطورية والوطنية الجارفة فيهاجم تجار الثاار بضراوة‪ ،‬وعندما يعيد إبراهيم‬
‫سالم برمجته على موجه المصلحة والفلوس كان يسارع بتغيير موقفه‪ ،‬وبالرغم من ذلك‬
‫كان شديد العتزاز بشخصيته المثايرة للجدل‪ ،‬وكثاي ار ما كان يردد أنا إنسان وفقط‪ ،‬أنا‬
‫الطبيعة كما هي بخيرها وشرها‪.‬‬
‫وكان إبراهيم سالم أكثار تجار الثاار حاجة لخدمات رضا‪ ،‬فقد كان الكثار‬
‫نشاطا ونجاحا في الفترة الخيرة‪ ،‬ول ينسى فضله في إتمام صفقة التمثاال الذهبي‬
‫لميريت آتون‪ ،‬والذي تحصل عليه العام الماضي‪ ،‬من منطقة بالصحراء الغربية ل تبعد‬
‫كثاي ار عن أطلل مدينة تل العمارنة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫قال اللواء في ضيق صدر‪.‬‬
‫‪ -‬علي أية حال‪ ،‬هذا الصحفي أصبح يمثال لنا مشاكل في نواحي أخرى‪ ،‬وأنت قلت أنه‬
‫مفيد بالنسبة لكم‪ ،‬ألن يكون من الفضل أن نجعله يتفرغ للعمل معكم؟‪.‬‬
‫سأله عيد في لهفة‪.‬‬
‫‪ -‬إزاي يعني يا باشا؟‪.‬‬
‫‪ -‬قضية تهريب آثاار‪ ،‬يتفسح له فيها‪ ،‬سنتين ثالثاة في السجن‪ ،‬وبذلك يفقد قلمه‬
‫ومصداقيته لدي الناس‪ ،‬وعندها يكون طوع أيديكم‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫عهعم إبراهيم بالكلم فتلعثام كثاي ار فعاجله اللواء قائ ا‬
‫‪ -‬الموضوع كله سيكون لصالحك يا دكتور‪ ،‬أنت لن تتركه في محنته‪ ،‬وبهذا يصبح‬
‫أسير إحسانك وتصير أنت ملذه الوحيد‪ ،‬فتمتلك خبرته ومعرفته بالثاار‪.‬‬
‫أطرق ينظر للرض ل يدرى ماذا يقول‪ ،‬هل يوافق على ما ديعدبر لصديقه أم‬
‫يعترض لعلهم يتراجعون؟‪ ،‬فإذا باللواء يهمس في أذنه‪.‬‬
‫‪ -‬وابن الحاج عمران ألم يكن صديقك أيضاا‪ ،‬لتخاف عليه كما تخاف على صديقك‬
‫رضا جلل؟‪.‬‬
‫مادت الرض من تحت أقدام إبراهيم‪ ،‬وكاد أن يسقط أرضاا‪ ،‬ولعمـَ ل وها هو‬
‫نائب رئيس أهم جهاز أمني بمصر يعرف بقصته مع على العمرناوي‪ .‬طفح الخوف من‬

‫‪200‬‬
‫جوفه ولكنه‪ ،‬وكعادته‪ ،‬تماسك ليلحق بزملئه الذين التفوا حول حقائب المال على‬
‫مكتب اللواء‪ ،‬وبدون تفكير منه اقترب من اللواء وهمس في أذنه‪.‬‬
‫‪ -‬على فكرة يا سيادة اللواء‪ ،‬كل ما كان يربطني بعلي العمرناوي دشغل نفذناه سوي ا‬
‫وبعدها كل واحد راح لحاله‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫رسم اللواء على وجهه نصف ابتسامة وهمس له قائ ا‬
‫‪ -‬ماشي يا دكتور‪ ،‬أريدك أنت وساويرس في موضوع مهم‪.‬‬
‫اقترب من عبد المسيح‪ ،‬الذي كان يتحدث لم طارق‪ ،‬وجذبه من ذراعه وانتحي‬
‫ل‪.‬‬
‫به جانباا‪ ،‬بينما كان اللواء يواصل حديثاه للضيوف قائ ا‬
‫‪ -‬نشكر لكم حضوركم‪ ،‬أرجو أن تكونوا عند حسن ظننا بكم‪ ،‬كل واحد منكم يوقع أمام‬
‫اسمه في الكشف قبل أن يتسلم حقيبته‪.‬‬
‫تكلم اللواء مع كل ضيف على انفراد ليناقش معه أسلوب عمله بالمحافظات‬
‫المخصصة له ويذكر له بعض أسماء مساعديه وكيفية التعامل معهم‪ ،‬ثام يسلمه خطة‬
‫تفصيلية‪ ،‬مكتوبة‪ ،‬بما يجب عليه القيام به‪.‬‬
‫وقف إبراهيم خلف ساويرس ليكون الخير في طابور المغادرين حتى يتسنى له الحديث‬
‫مع اللواء ليعرف فيما يريده‪ ،‬ممد يده ليصافح اللواء فوضع الخير بيده ورقة صغيرة‬
‫وضغط علي يده ليخفيها عن أنظار قد تكون منتبهة لهما‪ ،‬وقبل أن يحاول استيضاح‬
‫ل‪.‬‬
‫المر همس له اللواء قائ ا‬
‫‪ -‬سأنتظركما في هذا العنوان‪ ،‬اليوم في تمام الساعة التاسعة مسااء‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫شهد عام ‪2001‬م‪ ،‬انهيار إمبراطوريتي عائلتي السويسي الجابري ومن ثاععم انعقد‬
‫لواء تجارة وتهريب الثاار في عبر مصر لمجموعة من التجار الدجدد ل يتجاوز عددهم‬
‫الخمسة عشر تاج ارا‪ ،‬وأهمهم بالطبع الستة الذين اجتمع بهم اللواء الجمال‪ ،‬وكان من‬
‫المعروف أن تجاوز قيادات عائلتي السويسي والجابري للخطوط الحمراء‪ ،‬في علقتهم‬
‫ببعض أصحاب المناصب الهامة بالبلد‪ ،‬هو السبب في الطاحة بهم وتدميرهم‪ ،‬ولهذا‬
‫كان الخرون أكثار حرصاا‪ ،‬ومما زادهم حرص ا وحذ ار هو الحيرة والدهشة مما يجرى في‬
‫نطاق الشغلة‪ ،‬فمنذ بداية عام ‪2002‬م‪ ،‬لحظوا أن الدولة بدأت نشاطا غير مسبوق‬

‫‪200‬‬
‫للسيطرة علي شغلة الثاار‪ ،‬تحاصرهم وتضيق عليهم الخناق ثام فجأة تنفرج المور وتنفذ‬
‫صفقات كبيرة دون أدنى محاولة للمنع من جانب السلطات‪ ،‬كان من الواضح لهم أن‬
‫السلطات ترصد نشاطهم ومع هذا ل تقترب منهم أو حتى تحاول أن تفسد عليهم أية‬
‫صفقة!‪ ،‬فقط تطارد المبتدئين في الدشغلة‪ ،‬وتقبض على مجموعات من الشباب في‬
‫مختلف المحافظات بتهمة التنقيب عن الثاار‪.‬‬
‫وحقيقة المر أنه‪ ،‬وبفعل فاعل‪ ،‬سيطر على الشباب المصري هوس التنقيب‬
‫عن الثاار والتجار بها‪ ،‬ولن الدشغلة مغلقة على رجالها كان عجل ما يفعله هؤلء‬
‫الشباب هو الجري خلف إشاعة هنا أو هناك‪ ،‬أو أنهم يحاولون القتراب من فلن‪ ،‬الذي‬
‫يحوز قطعة أثارية ويسعى لبيعها‪ ،‬أو من فلن الذي أصابه داء الثاراء فجأة‪ ،‬وحتما ول دبد‬
‫أنه قد باع قطعة أثارية‪ ،‬فيحاولون التعرف إليه‪.‬‬
‫الجميع يحكى ما سمعه‪ ،‬وكأنه حضر وشارك في حدوثاه بالتفصيل‪ ،‬وتجمع‬
‫الشباب المغامر في مجموعات‪ ،‬يمضون الساعات الطويلة على المقاهي يتبادلون‬
‫الحكايات المثايرة عن دشغلة الثاار وعما تدره من ثاروات هائلة‪.‬‬
‫استنتج كبار الدشغلة أن هناك س ار غامض ا خلف كل ما يحدث‪ ،‬خاصة عندما‬
‫أكد البعض منهم لزملئه أنه قد عشععر بيد خفية تساعده في عقد بعض الصفقات‪ ،‬ومنهم‬
‫من قال أنه شعر بهذه العيد تمتد إليه لتنقذه من قبضة الشرطة عدة مرات‪.‬‬
‫كان عبد المسيح يستمع لتلك القاويل والشكوك ول ديعلق عليها‪ ،‬مما زاد من شك‬
‫زملئه في أنه يخفى عنهم الكثاير‪ ،‬وأنه يعمل مع الحكومة‪ ،‬ولم يكن إبراهيم يهتم بما‬
‫يسمعه من زملئه في الشغلة‪ ،‬فهو يؤمن بأن نجاحه يعود لذكائه ولشجاعته‪ ،‬ومع هذا‬
‫فقد اتفق الجميع على أن الدشغلة أصبحت غير آمنة فى الفترة الخيرة‪ ،‬فاتفقوا على‬
‫تهدئة الوضاع وتجميد نشاطهم لبعض الوقت‪ ،‬فراح كل منهم يعمل بحماس على‬
‫توسعة وتعظيم أعماله ومشاريعه الخاصة‪ ،‬وقد استغل بعضهم حالة الفوضى السياسية‬
‫والقتصادية التي تعيشها مصر‪ ،‬ونجح في تهريب معظم أمواله إلي خارج البلد‪.‬‬
‫وها هو اللواء قد وضعهم فى مواجهة الحقيقة‪ ،‬فحررهم من توجسهم من الدولة‪،‬‬
‫فعقدوا العزم على أن يكونوا عند حسن ظن النظام بهم‪ ،‬وبطبيعة الحال كان لبد لهم من‬
‫استغلل الموقف لصالحهم‪ ،‬فعمل كل منهم على زيادة تلل أمواله وتأمينها‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ ..‬هيثام بدر‪ ،‬افتتح عددا آخر من معارض السيارات‪ ،‬بعدة محافظات بعدما‬
‫اقتنص توكيل سيارات ألماني ا شهي ارا‪.‬‬
‫‪ ..‬مصطفى النجار‪ ،‬أصبح صاحب أكبر شركة للمقاولت وتجارة العقارات‬
‫بمنطقة الدلتا وبعد حوالي ثالث سنوات نجح‪ ،‬بمساعدة عيد الهللي‪ ،‬في اقتناص مقعد‬
‫الفئات بمجلس الشعب‪ ،‬عن دائرة طلخا بمحافظة الدقهلية‪.‬‬
‫‪ ..‬عيد الهللي‪ ،‬نجح في استصلح مئات الفدنة بمنطقة البراري بمحافظة كفر‬
‫الشيخ‪ ،‬كما أنشأ مزارع سمكية رائدة بالمنطقة‪ ،‬وتوسع في إنشاء العديد من مزارع‬
‫الدواجن‪ ،‬وبفضل علقاته الوطيدة بكبار المسئولين بالدولة‪ ،‬لم يتأثار بأزمة أنفلون از‬
‫الطيور‪ ،‬بل إنه استغل الزمة ليحصد المليين‪ ،‬وكان ينفق بل حساب على ولئم‬
‫أصدقائه كبار رجال الطرق‪ ،‬فأصبح من أقطابهم بل ومن أصحاب الكرامات لديهم‪.‬‬
‫‪ ..‬وكان عبد المسيح قد استثامر أمواله في مجالت جديدة‪ ،‬أنشأ قرية سياحية‬
‫فخمة بمنطقة رأس سدر‪ ،‬ومصنع نفرتيتي للسيراميك‪ ،‬بالضافة لمصنع سيلفر للدوات‬
‫الكهربائية‪ ،‬وأصبح نجم ا كبي ار في عالم الصناعة والسياحة‪ ،‬وتبوأ مكانة بارزة بلجنة‬
‫سياسات الحزب الحاكم‪ ،‬وعين عضوا بمجلس الشورى‪.‬‬
‫‪ ..‬ومن قبل اجتماعه باللواء الجمال‪ ،‬كان إبراهيم سالم‪ ،‬قد فضل لسباب‬
‫خاصة به‪ ،‬تهريب معظم أمواله لسويسرا‪ ،‬واكتفى بنشاط محدود في مجال السياحة‪.‬‬
‫‪ ..‬أم طارق‪ ،‬امتلكت مطعما شهي ار للسماك بمنطقة طرح البحر ببورسعيد‪ ،‬وتم‬
‫انتخابها كعضو بمجلس محلى المحافظة‪ ،‬وهي أيضا أمين مساعد المرأة بالحزب‬
‫الحاكم ببورسعيد‪ ،‬ونظ ار لنشاطها الباهر في المجال الجتماعي قام محافظ بورسعيد‬
‫بتكريمها في عام ‪2003‬م‪ ,‬بوصفها الم المثاالية للمحافظة‪.‬‬
‫‪ ..‬مروة‪ ،‬تعافت أخي ار من عدة انتكاسات كبيرة كادت تقضى عليها‪ ،‬فقد أفلتت‬
‫منها المور فجأة مما أدى إلى طلقها من أستاذ الطب‪ ،‬ونشوب معارك دموية بين‬
‫عشاقها‪ ،‬مما أعطى الفرصة لمنافستها اللدود أم طارق لن تشن عليها حملة محمومة‬
‫بغرض كشفها وتشويه سمعتها والطاحة بها خارج مجال دشغلة الثاار‪ ،‬ولكن بفضل‬
‫أموالها وخبرتها الكبيرة أوقعت في شباكها عميد شرطة بمديرية كفر الشيخ فتزوجها‪،‬‬

‫‪200‬‬
‫وساعدها كثاي ار حتى افتتحت فندقها الفخم بمصيف بلطيم‪ ،‬واستأنفت نشاطها القديم‬
‫ولكن بشكل دمعنظم هذه المرة فحققت نجاحات متعددة‪.‬‬
‫‪ ..‬مع أنه كان قد أمن مستقبله المادي عن طريق علقته المثايرة بتجار الثاار‬
‫وبفضل صداقته لبراهيم سالم‪ ،‬ومع انتهازيته المعروفة‪ ،‬لم يتوان رضا جلل فى‬
‫خوض بعض المعارك الوطنية على كافة الجبهات دفاع ا عن الناس والوطن‪ ،‬مما سبب‬
‫صداعا شديدا لكل من النظام الحاكم وزعماء المعارضة‪ ،‬فظفر بعداء الجميع له‪ ،‬ولن‬
‫بيته من زجاج فقد تهشمت أجزاء كثايرة من شخصيته‪ ،‬ففضل الهروب من العاصمة‬
‫وأقام بمدينة دمياط الجديدة إقامة شبه دائمة‪ ،‬ليكون قريب ا من أهله لعله يشعر ببعض‬
‫المان الذي افتقده كثاي ار فى الفترة الخيرة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫غلبه التعب فنام بعمق‪ ،‬ولم تشأ زوجته أن تقلقه‪ ،‬فقد رأته حين عاد ظهر اليوم‪،‬‬
‫مجهدا وشاحب اللون‪ ،‬فاكتفت بالطمئنان عليه كل فترة لتتأكد من أنه بخير‪ ،‬ولكنها‬
‫اضطرت ليقاظه قبل وقت آذان العشاء بدقائق‪ ،‬فهناك ضيف ل تعرفه من قبل يجلس‬
‫في الصالون‪.‬‬
‫استيقظ بصعوبة بالغة أدهشت زوجته‪ ،‬وأقبل يرحب بضيفه الذي يزوره لول‬
‫مرة‪ ،‬كان الحراج بادي ا على عبد المسيح‪.‬‬
‫‪ -‬آسف على الزعاج‪ ،‬اتصلت على تليفونك عدة مرات ولكنه كان مغلقا طوال الوقت‪،‬‬
‫فخشيت أن يكون عجد في المر جديد‪.‬‬
‫‪ -‬ل إزعاج ول حاجة‪ ،‬أنت شرفتنا يا باشمهندس‪.‬‬
‫كان الجهاد باديا على إبراهيم فتناول قهوته واجما مما زاد من حرج ساويرس‬
‫الذي قال وهو يميل بجسمه نحو المنضدة ليضع الفنجان الفارغ‪.‬‬
‫‪ -‬ألديك فكرة يا دكتور‪ ،‬فيعمـَ يريدنا اللواء الجمال؟‪.‬‬
‫‪ -‬ليس لدى أدنى فكرة‪ ،‬ولكن طالما أنه أسند إلينا أصعب الماكن بالبلد‪ ،‬فهناك‬
‫بالتأكيد دشغل مهم‪ ،‬خاص بجهازه المني‪ ،‬يريد أن يناقشه معنا على انفراد‪.‬‬
‫ابتسم عبد المسيح وهو يرجع بجسمه للخلف وقال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬لم أعهدك تفكر بهذه الطريقة يا دكتور‪ ،‬هل من المنطقي أن يناقش اللواء ببيته أمو ار‬
‫خاصة بعمله في هذا الجهاز المني الرفيع‪.‬‬
‫انتبه إبراهيم وأدار أجهزة الستشعار بعقله ثام قال بدهشة‪.‬‬
‫‪ -‬كنت اعتقد أن العنوان‪ ،‬الذى أعطاني إياه‪ ،‬هو لمقر من مقرات الجهاز المني‪.‬‬
‫‪ -‬هذا عنوان شقته الخاصة‪ ،‬وأود أن أصارحك بسابق معرفتي بهذا الرجل‪ ،‬لقد ساعدته‬
‫عدة مرات في بيع قطع أثارية نادرة‪.‬‬
‫تصفح إبراهيم شبكة المعلومات التي احتلت كل صفحات الذاكرة لديه‪ ،‬وازدادت‬
‫حيرته حين سمع ساويرس يقول‪.‬‬
‫‪ -‬اللواء الجمال شخص خطير‪ ،‬ويده باطشة وغير نظيفة‪.‬‬
‫‪ -‬ل تعطي الموضوع أكبر من حجمه‪ ،‬قد يكون لديه دشغل ويريدنا أن نبيعه له‪.‬‬
‫‪ -‬كان يمكنه الستعانة بي كما في السابق‪ ،‬أو بك بمفردك‪ ،‬لو كانت مصلحته لديك‬
‫هذه المرة؟‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح‪ ،‬كلمك منطقي‪ ،‬هيا بنا نذهب إليه لنعرف بالضبط ماذا يريد منا‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫في التاسعة مسااء أغلق عبد المسيح باب المصعد‪ ،‬وراح يق أر أرقام شقق الدور‬
‫السابع‪ ،‬ثام مشى في التجاه اليمن ومن خلفه إبراهيم المشدوه بفخامة الطرقة وقد زاد‬
‫من رونقها الضاءة الخافتة‪.‬‬
‫استحث إبراهيم ليقترب ثام طرق باب الشقة ‪.24‬‬
‫فتح الباب‪ ،‬ودون أن يتفوه بكلمة ترحيب واحدة استدار عائدا للداخل‪ ،‬أغلق عبد‬
‫المسيح الباب وأشار لرفيقه بأن يتبعه نحو المكتب‪ ،‬غضب إبراهيم من مقابلة اللواء‬
‫التي تخلو من أي أثار للذوق‪ ،‬فأكد له ساويرس أن هذا هو أسلوبه المعتاد مع الجميع‬
‫سواء كان في العمل أو في منزله‪.‬‬
‫دلفا إلي المكتب‪ ،‬فألفياه جالسا على مكتبه الفخم‪ ،‬يعبث بأدراجه وهو ينظر بين‬
‫الحين والخر لشيء يشد انتباهه على شاشة جهاز الكومبيوتر المحمول‪ ،‬وبعد‬
‫لحظات‪ ،‬يبدو أنه وجد ما يبحث عنه‪ ،‬أخذ يهز رأسه لعلى ولسفل وقد انفرجت أسارير‬
‫وجهه عن ابتسامة رضا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫وضع فلشة في جهاز الكومبيوتر ثام وجه شاشته نحو ضيفيه‪ ،‬ثام قام من خلف‬
‫المكتب ليجلس بجوارهما وراح يعبث في ذقنه بشماله ويشير بيده الخرى نحو إبراهيم ثام‬
‫نحو الشاشة‪ ،‬فهم إبراهيم أنه يطلب منه النظر لشاشة الكومبيوتر ومع ذلك تعمد أن‬
‫يستوضح المر بنظرات وهزات من رأسه ويديه‪ ،‬وكأنه ل يفهم ما هو المطلوب منه‪ ،‬قام‬
‫اللواء من مكانه غاضب ا وارتكن بمقعدته على حرف المكتب ليصبح في مواجهته تمام ا‬
‫وأشار إلي الشاشة وقال في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬انظر جيدا يا دكتور‪ ،‬هيه‪ ،‬هل تعرف هذا التمثاال؟‪.‬‬
‫تيقن إبراهيم أن اللواء يعرف عنه الكثاير فارتبك بعض الشيء‪ ،‬ولكنه قال في‬
‫هدوء وبنبرة تحدد‪.‬‬
‫‪ -‬عنعم أعرفه‪ ،‬وأعرفه جيداا‪.‬‬
‫خرجت من اللواء بعض الضحكات المصطنعة ولكنها لم تمكنه من إخفاء توتره‬
‫وتوجسه‪ ،‬اقترب من إبراهيم ونظر بقوة في عينيه وقال بنبرة تهديد‪.‬‬
‫‪ -‬وهل لحد أن ينسي تمثاالا ثامنه عشرون مليون دولر‪.‬‬
‫تحرك ليدور من حول المقاعد‪ ،‬حتى توقف خلف إبراهيم‪ ،‬وانحنى ليقترب بفمه‬
‫من أذنه اليمنى وقال بصوت مسموع‪.‬‬
‫‪ -‬احلك لي حكايته؟‪.‬‬
‫عرف أن اللواء يختبر قوة أعصابه‪ ،‬قرر التريث ولم يرد أو حتى يلتفت إليه‪،‬‬
‫فاستقام اللواء في مكانه وعقد يديه خلف ظهره وقال وهو يتحرك من حول ضيفيه‪.‬‬
‫‪ -‬حسن ا يا دكتور‪ ،‬منذ عام تقريب ا قمت بتحريض الشاب } علدى {‪ ،‬ابن الحاج عمران‪،‬‬
‫ليسرق هذا التمثاال من مكان ما بالصحراء‪ ،‬غرب محافظة المنيا‪ ،‬ثام قمت ببيعه‬
‫للخواجة بيتر‪ ،‬صديقك اللماني‪ ،‬بعشرين مليون دولر‪ ،‬ودقبض على بيتر وحكم عليه‬
‫بالسجن لمدة ثالث سنوات‪ ،‬وتم إيداع التمثاال بالمتحف المصري‪ ،‬في الدور الول‪ ،‬في‬
‫نهاية الطرقة التي تحتضن آثاار توت عنخ آمون‪ ،‬وتحديدا في الدولب التاسع على‬
‫اليسار‪ ،‬ويحمل التمثاال رقم ‪.12564‬‬

‫‪200‬‬
‫قال ذلك ثام توجه نحو المكتب وألقى بجسمه على المقعد وأخذ ينظر بتحد‬
‫لبراهيم الذي استمر في صمته المثاير لعصاب اللواء‪ ،‬وساد المكان توتر مكتوم‪ ،‬مما‬
‫حدا بساويرس أن يتدخل محاولا تهدئة العصاب المشتعلة‪ ،‬فابتسم وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬هل سيادتك تحقق مع الدكتور بشأن هذا التمثاال؟‪ ،‬فقط لكي نفهم‪.‬‬
‫كانت نظراته حائرة ما بين اللواء الغاضب إوابراهيم المتحفز‪ ،‬وقد أكد إبراهيم‬
‫على استفهام ساويرس بنظرة تحد قوية صوبها نحو اللواء الذي قال في تردد‪.‬‬
‫‪ -‬باختصار نريد هذا التمثاال‪.‬‬
‫تجاهل نظرات الدهشة التي صوبها إليه ضيفاه‪ ،‬لوأشار بسبابته اليمنى نحو‬
‫إبراهيم وقال في حسم‪.‬‬
‫‪ -‬أنت قبضت ثامنه‪ ،‬وعليك أن تعيده لمن دفع الثامن‪.‬‬
‫اتضحت الرؤية وانكشف الرجل‪ ،‬رجع إبراهيم بجسمه للخلف ووضع ساقه‬
‫اليمنى على الخرى‪ ،‬وببطء أخرج علبة السجائر والولعة من جيب الجاكت‪ ،‬وببطء‬
‫أيض ا أشعل سيجارة وانشغل بمتابعة دوائر الدخان الخارجة من فمه‪ ،‬وبحركة مسرحية‬
‫التفت نحو اللواء وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لم أدكن أعلم أن بيتر من القوة لدرجة أنه يجند لصالحه من هو في مقامك‪.‬‬
‫أفلتت العصاب واندفع اللواء غاضب ا نحو إبراهيم الذي استقام واقف ا في لمح‬
‫البصر وراح عيلكز على أسنانه‪ ،‬فصدر عنها صوت مخيف‪ ،‬تلمست الجباه بشكل ينذر‬
‫ل‪.‬‬
‫بالخطر‪ ،‬حاول ساويرس أن يحول بينهما فدفعه اللواء وصرخ قائ ا‬
‫‪ -‬اسمع يا دكتور‪ ،‬لزم تفهم أن روحك في يدي‪ ،‬وليس أمامك فرصة إل أن تنفذ ما‬
‫أطلبه منك‪ ،‬إوال فالشيخ عمران موجود‪ ،‬وأنت تعرف ما أعنيه‪.‬‬
‫بالرغم من هذا التهديد المريع‪ ،‬ضغط جبهة اللواء بجبهته وقال بصوت يرعشه‬
‫الغضب‪.‬‬
‫‪ -‬إبراهيم سالم ل ديعهدد‪ ،‬هذا التمثاال دشغل نفذته وانتهي المر‪.‬‬
‫ساد المكان صمت مرعب‪ ،‬قطعته ضحكات عالية من اللواء الذي تزحزح‬
‫للخلف ببطء وهو يشير بيده نحو إبراهيم‪ ،‬ثام توقف فجأة عن الضحك‪ ،‬وقال في‬
‫غضب‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬أنك تخدع نفسك‪ ،‬تعرف أن المر لم ينته‪ ،‬العمارنة يبحثاون عن ابنهم في كل مكان‪،‬‬
‫وأظنك تعرف ما سوف يحدث لك لو أنهم عرفوا بعلقتك به‪ ،‬كما أن هناك من دفع‬
‫لصديقك بيتر خمسين مليون دولر ولم يستلم التمثاال‪ ،‬وهذا المشتري يريد هذا التمثاال‬
‫بأي ثامن‪ ،‬ومهما كلفه المر‪.‬‬
‫انهار إبراهيم على المقعد وقال في ضيق‪.‬‬
‫‪ -‬كنت مجرد وسيط بين بيتر وعلدى‪ ،‬وانتهي دوري بإتمام الصفقة‪ ،‬أما بخصوص على‬
‫العمرناوى فأقسم بأني ل أعرف عنه شيئا منذ ذلك الوقت‪.‬‬
‫ارتاح اللواء لما أبداه إبراهيم من ضعف واستسلم فقال‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا يا دكتور‪ ،‬ندخل في الموضوع‪ ،‬أريد هذا التمثاال وبسرعة‪ ،‬فما هو قولك؟‪.‬‬
‫لم يرد إبراهيم‪ ،‬فقد اجتاحه خوف دمخلجل ويائس فشرد بذهنه بعيداا‪ ،‬فلو أنه تمكن‬
‫من الفلت من يد اللواء ومن يعمل لصالحهم فماذا عن قبيلة العمارنة؟‪ ،‬وماذا عن‬
‫المأزق الذي وضعه فيه اللواء حين تكلم عن على العمرناوى أمام ساويرس‪ ،‬المشهور‬
‫بعدم قدرته على الحتفاظ بأقل لسر ولو لدقائق معدودة‪ ،‬فما بالك وقد عرف بعلقته‬
‫بعلبي؟‪ ،‬كان الموقف صعب ا جدا علي إبراهيم‪ ،‬بعدما ظل لشهور طويلة يعاني الرعب‬
‫والفزع من احتمال تسرب خبر علقته بهذا الشاب الذي ل يوجد تاجر آثاار في مصر ل‬
‫يعرف بقبيلته التي تسيطر على مناطق آثارية شهيرة‪.‬‬
‫انتبه إبراهيم ليد عبد المسيح تهزه برفق‪ ،‬فسمع اللواء يقول‪.‬‬
‫‪ -‬ما قولك يا دكتور؟‪ ،‬نريد هذا التمثاال وفو ارا‪.‬‬
‫قال وهو يستجمع أفكاره‪.‬‬
‫‪ -‬كيف‪ ،‬وأنت تقول إنه بالمتحف المصري؟‪.‬‬
‫ما إن حرر عقله من شروده حتى ارتبك لقول اللواء‪.‬‬
‫‪ -‬بسيطة يا دكتور‪ ،‬نبدله بنسخته المقلدة التي تحتفظ بها؟‪.‬‬
‫نجح في السيطرة على أعصابه‪ ،‬وفى استعادة جرأته المعهودة وقال‪.‬‬
‫‪ -‬ليس لدي أية نسخ‪ ،‬كما أن التمثاال موجود بالمتحف‪ ،‬أي أنه دمعسعجل‪ ،‬وهذا يعني أنه‬
‫فقد قيمته لي مهرب آثاار‪ ،‬فأينما ذهبت قطعة أثارية مسجلة فلبد من عودتها للمتحف‬
‫ل‪.‬‬
‫مرة أخري‪ ،‬عاجلا أم آج ا‬

‫‪200‬‬
‫رسم اللواء على وجه ابتسامة تحبد‪ ،‬وقال في ثاقة‪.‬‬
‫‪ -‬يا دكتور‪ ،‬راجع نفسك‪ ،‬ول داعي للمراوغة‪ ،‬بيتر موجود‪ ،‬وأيض ا تريكة النحات‬
‫موجود‪ ،‬ولدي صورة فاتورة الذهب الذي اشتريته من محل يوسف السرجاني صديقك‪.‬‬
‫لذ إبراهيم بالصمت‪ ،‬ليستجمع شظايا عقله التي تطايرت عندما دخلت أذنه‬
‫كلمات اللواء الخيرة‪ ،‬وحتى ل يستفز اللواء أكثار فيتفوه بالمزيد أمام ساويرس‪ ،‬ولكنه لم‬
‫يعد يطيق صب ار حينما قال اللواء‪.‬‬
‫‪ -‬ستقوم أنت وساويرس باستبدال التمثاال الصلي بالمقلد الذي لديك‪ ،‬وليس لك صالح‬
‫ماذا سنفعل به بعد ذلك‪.‬‬
‫فانحنى للمام ليطفئ السيجارة في الطفاية على الطاولة وقال‪.‬‬
‫‪ -‬الحكومة تريد التمثاال‪ ،‬والتمثاال موجود لديها‪ ،‬ما المشكلة في ذلك!‬
‫ارتبك اللواء وأتي بحركات ل إرادية فهم منها إبراهيم أن الرجل يخفي قصة مريبة‬
‫ل‪.‬‬
‫فعاجله قائ ا‬
‫‪ -‬لنتكلم بصراحة‪ ،‬عمن يريد هذا التمثاال؟‪ ،‬أعتقد أن الموضوع لحسابك الشخصي‪.‬‬
‫كان الستنتاج سريع ا وصحيح ا فلم يعد لديه فرصة للمراوغة‪ ،‬طلب سيجارة‬
‫فناوله إبراهيم إحداها‪ ،‬وقال عبد المسيح‪.‬‬
‫‪ -‬أول مرة أشوف سيادتك وأنت تدخن سجائر!‪.‬‬
‫انحنى ليقترب من لهب الولعة‪ ،‬التي أمسك بها إبراهيم وقد تعمد ألد يتحرك من‬
‫مكانه ليختبر قوة أعصاب اللواء‪ ،‬وبالفعل لحظ ارتعاش عضلت وجهه وأصابعه‪،‬‬
‫فتأكد من أنه بالفعل مرتبك ومتوتر‪ ،‬فنظر في عينيه يستحثاه على الكلم‪ ،‬وقد توقع أن‬
‫يستمع لحكاية مثايرة ولكنه كان يخشى أن تكون خطيرة أيضاا‪.‬‬
‫نفخ دخان ا كثايفاا‪ ،‬وراح يتفحص السيجارة في يده ثام قال في استسلم‪.‬‬
‫‪ -‬حسناا‪ ،‬سأكلمك بصراحة‪ ،‬فهل تعدني بأن تتكلم أنت أيض ا بصراحة؟‪.‬‬
‫أومأ إبراهيم برأسه موافقا فتوجه اللواء ليجلس خلف مكتبه‪ ،‬للحظات مرت ثاقيلة‪،‬‬
‫جال بنظره بين ضيفيه‪ ،‬ثام قال فى تردد‪.‬‬
‫‪ -‬لكي تستطيع أجهزة المن العمل في داخل الدول الخرى فإنها تحرص على عنسج‬
‫علقات شخصية قوية بين أفرادها وبين بعض الشخصيات الهامة في تلك الدول‪،‬‬

‫‪200‬‬
‫وخلل سنوات عملي الطويلة بدول أوروبا أصبح لدي أصدقاء من أعضاء بعض أجهزة‬
‫المخابرات هناك‪ ،‬ولقد قدم هؤلء لمصر خدمات جليلة‪ ،‬وقد فوجئت باتصالت عديدة‬
‫منهم‪ ،‬بل إن بعضهم حضر خصيص ا لمصر لمقابلتي بشكل سرى‪ ،‬وجميعهم ديلح في‬
‫أنه قد جاء دوري لرد لهم جزاءا من خدماتهم لي‪ ،‬وفوجئت بقصة بيتر والقبض عليه‬
‫بالمطار ومصادرة التمثاال‪ ،‬وطلبوا معلومات دمفصلة عن بيتر‪ ،‬وعن كل من له علقة‬
‫بالتمثاال‪ ،‬وبالطبع طلبوا منى البحث عن على العمرناوي‪ ،‬وبالفعل تقابلت مع بيتر‪،‬‬
‫ومقابل وعد بإخراجه من السجن وتهريبه للخارج‪ ،‬حكي لي تفاصيل علقته بك‪،‬‬
‫وتفاصيل صفقة التمثاال‪ ،‬فتتبعت حسابات وتحويلت شركتك‪ ،‬فتأكدت من صدق‬
‫كلمه‪ ،‬وعرفت أن هذا التمثاال ظل بحوزتك لمدة شهر‪ ،‬وعلى فكرة بيتر هو من توقع‬
‫أنك قمت بتقليد التمثاال‪ ،‬وكما قلت لك معي فاتورة الذهب الذي اشتريته لتستخدمه فى‬
‫تقليد التمثاال‪ ،‬وهي باسمك وقد سلمها لى يوسف السرجاني بنفسه‪ ،‬فهو من رجالي‬
‫المخلصين‪ ،‬ذهبت للقصر وتتبعت خطواتك هناك حتى تأكدت من علقتك بعلي الذي‬
‫اختفى تمام ا في تزامن واضح مع القبض على بيتر بالمطار وبحوزته التمثاال‪.‬‬
‫توقف عن الكلم وراح يطفئ السيجارة في الطفاية ببطء متعمد‪ ،‬ثام واصل حديثاه‬
‫الذي نزل على إبراهيم كالصاعقة‪ ،‬فقال بنبرة تهديد واضحة‪.‬‬
‫‪ -‬دقتل بيتر في السجن‪ ،‬بعدها طلبوا مني البحث عن على العمرناوى‪ ،‬وأن أمدهم‬
‫بمعلومات وافية عن أي شخص قد تكون له علقة بهذا التمثاال‪ ،‬من قريب أو من بعيد‪،‬‬
‫تيقنت من نيتهم بتدمير كل من له علقة بالتمثاال‪ ،‬ولن هناك من يعرف بعلقتك‬
‫بتريكة النحات فقد اضطررت لقتله قبل أن يصلوا إليه ويتفوه أمامهم باسمك‪ ،‬وعلى فكرة‬
‫دقتل مع تريكة رجل عرفت بعد ذلك أنه من المبتدئين في ادلشغلة وكان يسعى لشراء‬
‫تمثاال مقلد من تريكة لينصب به‪ ،‬وقد ضحيت به لثابت لهم أنه تم تدمير كل من له‬
‫علقة بالتمثاال‪ ،‬ولني أعتبرك من رجالي فقد أخفيت عنهم اسمك‪ ،‬وأيض ا لني توقعت‬
‫ما طلبوه منى بعد ذلك‪ ،‬وهو إخراج التمثاال من المتحف وتسليمه لهم مهما تكلف المر‪،‬‬
‫وحمدت ال على أنى تصرفت بشكل صحيح بناء على توقعاتي‪ ،‬يعني أنا احتفظت بك‬
‫لحاجة توقعتها‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫قال ذلك ثام نظر لبراهيم‪ ،‬الذي كان في حالة من الهلع والرتباك لسماعه بمقتل‬
‫بيتر وتريكة‪ ،‬وكيف أنه لم يعرف بمقتلهم من قبل‪ ،‬أضاف اللواء‪.‬‬
‫‪ -‬لقد أسديت إليك خدمة عظيمة عندما أخفيت عنهم اسمك‪ ،‬وأريد أن ترد لي هذه‬
‫الخدمة‪ ،‬أريد هذا التمثاال‪.‬‬
‫تصبب العرق من جبهة إبراهيم وشحب لونه‪ ،‬ولم يعد يسمع ما يقال له فقد انفصل عما‬
‫يدور حوله‪ ،‬وعاد بذاكرته لما قبل عدة شهور عمضت‪ ،‬ليستعيد حكايته المثايرة مع على‬
‫العمرناوى وتمثااله الذهبي‪.‬‬
‫==========‬
‫في مساء يوم الثالثااء‪ ،‬العاشر من أغسطس لسنة ‪2004‬م‪ .‬وفى الملهى الليلي‬
‫لفندق سوفيتيل أولد وينتر‪ ،‬بشارع كورنيش النيل بالقصر‪ ،‬تقابل إبراهيم سالم مع على‬
‫العمرناوي‪ ،‬ذلك الشاب السمر‪ ،‬طويل القامة‪ ،‬قوى البنيان‪ ،‬كان مقبلا علي الحياة‪ ،‬دائم‬
‫البتسام ويبدي الكثاير من أمارات الستهتار والتهور‪ ،‬ولم يكن ينفك أبدا عن مرافقة‬
‫الحسناوات‪ ،‬خاصة الجنبيات منهن‪ ،‬والنفاق عليهن ببذخ‪.‬‬
‫ما إن دلف بقدمه لداخل الملهى‪ ،‬حتي شاهده يخوض معركة شرسة ضد أفراد‬
‫المن بالملهى‪ ،‬وفهم أن الشاب غير مرغوب فيه بالمكان لتحرشه بالنساء وهو مخمور‪،‬‬
‫فتدخل ونجح في تخليصه منهم‪ ،‬وبصعوبة تمكن من إقناعه بالخروج معه‪.‬‬
‫بذل مجهودا كبي ار للسيطرة على الشاب السمر الذي كان يترنح ويتلفظ بكلم‬
‫غير مفهوم‪ ،‬أدخله إلى السيارة بصعوبة وخرج ليبحث عن أجزخانة‪ ،‬حصل على بعض‬
‫ما يلزم لفاقة الشاب وتوجه إلى شارع خالد بن الوليد حيث فندقه الصغير‪ ،‬فلوبيتر‪،‬‬
‫وقصد شقته بالدور الخير‪ ،‬واقتاده إلى الحمام ليفرغ بجوفه زجاجة من الدواء المسبب‬
‫للقيء‪ ،‬فتصبب عرقه وبهت لونه وأوشك علي أن يفقد وعيه تماماا‪ ،‬حثاه على التقيؤ‪ ،‬بدأ‬
‫يترنح بقوة واندفع من فمه سائل أصفر له رائحة الكحول النفاذة‪ ،‬تكررت بنجاح محاولت‬
‫الشاب لفراغ السائل الساخن من جوفه وانهار بعدها ل يدرى عن نفسه شيئاا‪ ،‬أسنده‬
‫إبراهيم ووضع رأسه تحت ماء الصنبور البارد‪ ،‬فشهق عدة مرات‪ ،‬وبدا أنه يستعيد وعيه‬
‫شيئ ا فشيئاا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫نام بعمق وبعد حوالي ساعة انتبه للم بذراعه‪ ،‬كان إبراهيم يخرج البرة من‬
‫ذراعه بعدما انتهي من حقنه بمحلول الجلوكوز الدمخفف‪ ،‬أخذ الشاب يتحسس مكان‬
‫اللم وهو يجول ببصره في الغرفة مندهش ا ويردد‪.‬‬
‫‪ -‬أين أنا؟‪ ،‬أنا فين؟‪ ،‬من أنت؟‪.‬‬
‫ابتسم إبراهيم وقال وهو يربت على صدر الشاب‪.‬‬
‫‪ -‬حمد ال علي السلمة‪ ،‬لقد أتعبتني‪ ،‬إيه يا رجل أشربت با ار بأكمله؟‪ ،‬اشرب فنجان‬
‫القهوة ده لعله يفوقك حبتين‪.‬‬
‫في حيرة ودهشة تناول القهوة‪ ،‬ثام سأل‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح‪ ،‬أين أنا‪ ،‬ومن أنت؟‪.‬‬
‫قال إبراهيم وهو يضبط عليه الغطاء‪.‬‬
‫‪ -‬حينما تستعيد صحتك سوف تعرف كل شيء‪ ،‬والن حاول أن تنام لترتاح‪.‬‬
‫بعد ساعة أخري استيقظ الشاب وهو يشعر بتحسن كبير‪ ،‬وعندما وقعت عيناه‬
‫على أصناف الطعام والفاكهة على الطاولة بجواره‪ ،‬هجم على الطعام وأعمل فيه يديه‬
‫وفمه فأتى على كل ما تحمله الطاولة في دقائق‪ ،‬كان فمه ل يلحق يديه‪ ،‬فتساقط منه‬
‫الكثاير من الطعام فبدا وكأنه ديطعم معه الطاولة والسجاد على الرض‪ ،‬فرغت الطباق‬
‫فكفت يداه عن الحركة‪ ،‬واستمر يلوك الطعام ببطء وهو مغمض العينين‪ ،‬لم يتمالك‬
‫إبراهيم نفسه فضحك عالياا‪ ،‬فانتبه الشاب ورمقه بنظرات قلقة ولم يتكلم‪ ،‬ثام توجه إلى‬
‫ل‪ ،‬تسبقه عبارات الشكر والعتذار‪،‬‬
‫الحمام وخرج منه شخصا آخعر‪ ،‬شخصا هادئا خجو ا‬
‫فقال له إبراهيم‪.‬‬
‫‪ -‬حمدا ل علي سلمتك‪.‬‬
‫ابتسم وقال بلهجته الصعيدية المحببة لبراهيم‪.‬‬
‫‪ -‬أنا متشكر جوى يا بيه‪ ،‬هو اسم حضرتك إيه؟‪.‬‬
‫ل‪ ،‬طلعت لي سيادتك في‬
‫‪ -‬أنا الدكتور إبراهيم‪ ،‬من القاهرة‪ ،‬جئت لرفه عن نفسي قلي ا‬
‫البخت وأضعت على السهرة‪.‬‬
‫‪ -‬ل أتذكر إل أني كنت أتعارك مع المن بالملهى‪ ،‬ماذا جري بعدها؟‪.‬‬
‫حكي إبراهيم ما حدث بالملهي فشكره علي ثام سأله‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬لكن سيادتك ل تعرفني من قبل‪ ،‬فللعمـَ فعلت معي كل هذا؟‪.‬‬
‫‪ -‬أنت ل تعرفني لكنى أعرفك‪ ،‬كل مرة أزور فيها القصر كنت أراك في فندق‪ ،‬في‬
‫مطعم أو في ملهي‪ ،‬لفت انتباهي أنك كنت تتصرف بنفس الطريقة في كل مرة‪ ،‬إما أنك‬
‫تتحرش ببنت من السياح‪ ،‬أو تجالس أخرى‪ ،‬تضحك معها لبعض الوقت ثام تسبها أو‬
‫تضربها‪ ،‬يتدخل المن وتصير معركة‪ ,‬أغيب عن القصر‪ ،‬أسابيعع‪ ،‬شهو ارا‪ ،‬وأعود‬
‫لجدك علي نفس الحال‪ ،‬وكأنك أصبحت جزاءا أساسيا من رحلتي للقصر‪.‬‬
‫فجأة تعالت ضحكات إبراهيم‪ ،‬ثام نظر في حنان للشاب السمر وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬لم أعد أتصور القصر بدونك‪ ،‬في الزيارة الخيرة لم أجدك فضبطت نفسي وأنا‬
‫أجوب فنادق القصر بحثاا عنك‪ ،‬وهذه المرة عندما وجدتك في حالة يرثاي لها‪ ،‬ل أعرف‬
‫لماذا قررت أن أتعرف عليك وأسمع حكايتك‪.‬‬
‫استمر على يرمقه بنظرات امتنان وهو مندهش لما يشعر به من عواطف جياشة‬
‫نحو هذا الرجل الذي ل يعرفه من قبل‪ ،‬وغاب بذهنه يحاول أن يجيب عن أسئلة ألحت‬
‫عليه‪ ،‬فانتبه ليد إبراهيم علي كتفه وسمعه يقول‪.‬‬
‫‪ -‬إيه؟‪ ،‬ل تريد أن تحكي لي حكايتك‪.‬‬
‫‪ -‬ول حكاية ول حاجة يا بيه‪ ،‬أنا اسمى على‪ ،‬والدي هو الحاج عمران‪ ،‬شيخ قبيلة‬
‫العمارنة‪.‬‬
‫‪ -‬قبيلة العمارنة معروفة‪ ،‬وتسيطر على البر الغربي المواجه لمحافظة المنيا‪.‬‬
‫‪ -‬بالضبط كده‪ ،‬وأنا حاصل على بكالوريوس التجارة من جامعة المنيا‪ ،‬ولكنى ل أعمل‬
‫بشهادتي‪ ،‬أساعد أبى في إدارة شئون القبيلة‪ ،‬أنا غني جداا‪ ،‬ولكني أضيق ذرع ا بحياة‬
‫الصحراء وبتقاليد القبيلة‪ ،‬والقصر هي متنفسي الوحيد‪ ،‬كلما سنحت لي الفرصة‬
‫أحضر إلي هنا لرفه عن نفسي‪ ،‬لكن المشكلة‪.‬‬
‫توقف فجأة عن الكلم وأطرق ينظر للرض‪ ،‬وبدا وكأنه يحاول أن يمنع كلم ا‬
‫مخجلا من أن يجرى على لسانه‪ ،‬حثاه إبراهيم على أن يواصل حديثاه فقال‪.‬‬
‫‪ -‬المشكلة كانت تتكرر في كل مرة‪ ،‬ينفذ المال قبل أن اكتفي من القصر‪ ،‬ومن هنا‬
‫تبدأ المعارك‪ ،‬إما بسبب حساب الفندق‪ ،‬أو بسبب بنت من السياح‪ ،‬طالما أني أنفق‬

‫‪200‬‬
‫عليها ببذخ تكون رهن إشارتي‪ ،‬وما أن تشعر بأني قد أفلست تتنكر لي‪ ،‬وتفلت‬
‫أعصابي ول أتركها حتى أتسبب لها في فضيحة‪.‬‬
‫ما إن سمع الجملة الخيرة حتي انفجر في الضحك وقال بصعوبة‪.‬‬
‫‪ -‬فضيحة!‪ ،‬لمن يا علي؟ وهل يعرفون بعضهم بعضا هنا؟!‪.‬‬
‫ابتسم في خجل ثام أطرق ينظر للرض وهو يقول بنغمة صوت ساخرة‪.‬‬
‫‪ -‬على قولك يا دكتور‪ ،‬أتعرف أن معركة اليوم كانت بسبب بنت ألمانية كفلقة القمر‪،‬‬
‫أنفقت عليها في أسبوع واحد حوالي عسبعين ألف جنيه‪ ،‬ومن جمالها لم نغادر غرفتي‬
‫بالفندق خلل هذا السبوع‪ ،‬لما خلصت الفلوس عادت من فورها لصديقها اللماني‪،‬‬
‫عندما شاهدتها تجالسه اليوم في الملهى أفلتت مني أعصابي‪ ،‬هجمت عليها ودارت‬
‫معركة بيني وبين صديقها ولول تدخل المن كنت خلصت حقي منهما‪.‬‬
‫‪ -‬سبعون ألف جنيه في أسبوع واحد‪ ،‬ليه‪ ،‬مارلين مونرو؟‪.‬‬
‫بدون تردد قال في هيام وحسرة‪.‬‬
‫‪ -‬أجمل من مارلين يا دكتور‪.‬‬
‫رسم إبراهيم على وجهه نصف ابتسامة وتنحنح قليلا ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬كنت أعتقد أن نساء ألمانيا ل يأبهن إل بالفحولة الجنسية للرجل‪.‬‬
‫قال ذلك ثام أطلق العنان لضحكات عالية خرجت قوية فاختلطت بسعال شديد‪،‬‬
‫خرج منه كصرخات مبحوحة‪ ،‬استمر يضحك‪ ،‬ومن بين غمامة الدموع‪ ،‬علمح بصعوبة‬
‫على وجه الشاب علمات الغضب والخجل‪ ،‬فوضع يده على فمه ليكتم الضحك عفسعل‬
‫عدة مرات‪ ،‬ثام تنحنح وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لم أقصد التشكيك بقدراتك‪ ،‬لكني دمندهش من تصرفها معك‪.‬‬
‫‪ -‬أولا أنا قدراتي معروفة لكل من وطأت قدماها القصر‪ ،‬ثااني ا حضرتك تتحدث عن‬
‫النسوة كبار السن‪ ،‬اللواتي يجبن الشوارع هنا‪ ،‬أو في الغردقة أو حتى بالوادي الجديد‪،‬‬
‫تبحث كل منهن عن شاب عفحل ليضاجعها‪ ،‬أسبوعاا‪ ،‬أسبوعين‪ ،‬مقابل إغداقها عليه‬
‫بالمال‪ ،‬وطبع ا كل شاب من هؤلء يبذل قصارى جهده لينال إعجابها لعلها تصطحبه‬
‫معها لبلدها وتنقذه من البلد دي ومن اللي فيها‪ ،‬أما الحسناوات منهن فل يشغلن‬
‫أنفسهن إل بالفلوس والهدايا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬يمكن يا علي‪ ،‬يبدو أنك خبير في تلك المسألة‪.‬‬
‫انتبه لشيء مهم‪ ،‬فاقترب منه وسأله في عطف‪.‬‬
‫‪ -‬خلصت فلوسك قبل أن تشبع من القصر هذه المرة أيضاا‪ ،‬صح؟‪.‬‬
‫لم يرد وأطرق ينظر للرض‪ ،‬فربت إبراهيم علي كتفه وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬ل تهتم للمر‪ ،‬أنت ضيفي اليوم وغداا‪ ،‬لكن بعد غد سأنتهي من أعمالي وأعود‬
‫للقاهرة‪ ،‬أرجو أن تغادر القصر عند ذلك‪ ،‬كفاية مشاكل هذه المرة‪ ،‬اتفقنا؟‪.‬‬
‫‪ -‬ماشي‪ ،‬هو حضرتك هنا في زيارة عمل ول سياحة؟‪.‬‬
‫‪ -‬لدي عمل هنا‪ ،‬ولو هناك وقت استغله لرفه عن نفسي بعض الشيء‪.‬‬
‫قال ذلك ثام أشار بسبابته اليمنى نحو على‪ ،‬وأضاف وهو يضحك‪.‬‬
‫‪ -‬لكن من غير نساء‪.‬‬
‫ضحك علي للحظات ثام توقف فجأة وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لكن حضرتك دكتور ومن القاهرة‪ ،‬فما هو العمل الذي يمكن أن تؤديه بالقصر؟‪.‬‬
‫‪ -‬لدي بعض العمال الخاصة هنا‪ ،‬ثام وما شأنك بعملي؟‪.‬‬
‫‪ -‬ما فعلته معي معروف يطوق رقبتي‪ ،‬وفكرت أنه يمكن أن نصبح أصدقاء؟‪ ،‬لكن‬
‫يبدو أن لحضرتك رأيا آخعر‪.‬‬
‫‪ -‬بل أرحب بصداقتك‪ ،‬ولكنك‪ ،‬وكما هي عادتك‪ ،‬متسرع‪ ،‬فنحن لم نتعرف علي بعضنا‬
‫البعض سوي منذ ساعتين أو ثالث فقط‪ ،‬اترك كل شيء يأخذ وقته‪ ،‬وفى الوقت‬
‫المناسب لن يكون بيننا أسرار‪.‬‬
‫‪ -‬كلمك صح يا دكتور‪ ،‬ما رأيك في أن نخرج لنكمل السهرة سوياا‪ ،‬أعرف مكان ا راقي ا‬
‫ترتاده أجمل النساء ويقدم أجمل الخمور وألذ الطعام‪.‬‬
‫‪ -‬ل أعتقد أنك جائع‪ ،‬كما أن الليل قعدرب على النتهاء‪ ،‬وأنا ليس لي ل في النساء ول‬
‫في الخمر‪ ،‬الحقيقة أنك تعشق السهر‪ ،‬ولو على حساب صحتك‪ ،‬علي أية حال سأذهب‬
‫معك‪.‬‬
‫صاح على في حماس‪.‬‬
‫‪ -‬أنت ضيفي الليلة‪ ،‬السهرة على حسابي‪.‬‬
‫ثام تذكر أنه دمفللس‪ ،‬فأضاف في خجل وبصوت منخفض‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬أقصد أن حساب سهرة الليلة سيكون دينا علي‪ ،‬سوف أرده إليك في المرة القادمة‪.‬‬
‫‪ -‬أنت ضيفي اليوم وغداا‪ ،‬وفى المرة القادمة سأكون أنا ضيفك‪.‬‬
‫‪ -‬ومتى ستحضر للقصر في المرة القادمة‪.‬‬
‫‪ -‬عندي شغل هنا بعد أسبوعين‪.‬‬
‫ضحك على وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬شغل تانى‪ ،‬وال قلبي يقول لي إن حكايتك حكاية يا دكتور‪.‬‬
‫‪ -‬أمازلت مخمو ار يا على؟‪.‬‬
‫على الرغم من توبيخ إبراهيم‪ ،‬ومع خوفه من إغضاب صديقه الجديد‪ ،‬لم يتمكن‬
‫من التوقف عن الضحك إل بصعوبة بالغة‪ ،‬وعندما عهعم بالعتذار خرجت منه الكلمات‬
‫متقطعة والجمل متفرقة‪ ،‬وقال في نبرة اعتذار‪.‬‬
‫‪ -‬لم أقصد مضايقتك يا دكتور‪ ،‬ول التدخل فيما ل يعنيني‪ ،‬أنا أضحك على حالي‪،‬‬
‫ولني أعتبر نفسي حكاية‪ ،‬وأتصور أن كل شخص آخر هو مثالي يخفى عن الخرين‬
‫حكايته‪ ،‬عندما تستمع لحكايتي سوف تعذرني وتتفهم موقفي‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كان إبراهيم سالم يتعقب الشاب } عليا { طيلة الشهور الماضية‪ ،‬فحين نما‬
‫لعلمه أن البن الكبر للشيخ عمران دائم التردد على مدينة القصر‪ ،‬ويعشق السهر‬
‫بنسائه وخمره‪ ،‬راقبه كثاي ار ليتفهم شخصيته تماماا‪ ،‬وفي يوم لقائهما الول قرر أن يقتنص‬
‫الفرصة ليتعرف إليه ويوطد علقته به‪ ،‬لعله ينجح عن طريقه فيما فشل فيه عدة مرات‬
‫من قبل‪.‬‬
‫كان إبراهيم قد ابتاع لوحة جدارية أثارية من ناحية محافظة المنيا‪ ،‬وأبلغه صديقه‬
‫رضا جلل أن اللوحة تشير بدقة لمكان مقبرة الملكة نفرتيتي‪ ،‬بالقرب من منطقة أطلل‬
‫تل العمارنة بالصحراء الغربية‪.‬‬
‫تحرك في كل مكان‪ ،‬واستعان برامي حواس‪ ،‬صاحب النفوذ الكبير على رجال‬
‫هيئة الثاار‪ ،‬وأيض ا بصديقه أحمد عزمي‪ ،‬ابن إبراهيم عزمي‪ ،‬صاحب النفوذ الكبير‬
‫على كل مسئولي الدولة‪ ،‬وبالفعل تمكن من إدخال رجاله ومعداته للمكان‪ ،‬وما هي إل‬
‫ساعة أو ساعتين حتي حضر الشيخ عمران ومن خلفه جيش من الفرسان الدمدججين‬

‫‪200‬‬
‫بالسلح‪ ،‬وأمر رجاله بالقبض على جميع الغرباء ومصادرة المعدات‪ ،‬وبعد تدخل العديد‬
‫ل‪.‬‬
‫من الشخصيات السياسية والمنية‪ ،‬أفرج عنهم بعدما أنذرهم قائ ا‬
‫‪ -‬سأترككم تذهبون لولدكم هذه المرة‪ ،‬ولكن المرة القادمة سيموت أي شخص‪ ،‬مهما‬
‫كان‪ ،‬لحظة أن تطأ قدمه هذه الرض‪ ،‬وربما قبل ذلك‪.‬‬
‫نظر لرجاله في غضب ثام قال بصوت عميق‪ ،‬وكأنه يأتي من جوف الزمن‪.‬‬
‫‪ -‬تعين حراسة ليل نهار على المكان‪ ،‬أطلقوا النار فو ار على من تطأ قدمه المكان‪.‬‬
‫انتهي من كلمه واستدار ليغيب في الصحراء ومن خلفه رجاله منتظمين في‬
‫صفوف مهيبة‪ ،‬وبالرغم من أنه لم ينس قطط ملمح القسوة والصرامة على وجه الشيخ‬
‫عمران‪ ،‬لم يتورع إبراهيم عن محاولة التسلل للمكان‪ ،‬وبالكاد نجي بأعجوبة في محاولته‬
‫الخيرة‪ ،‬وكعادته لم يسمع لنصيحة أصحاب النفوذ بنسيان أمر المقبرة وقرر العتماد‬
‫على ذكائه وسعة حيلته‪ ،‬فجمع عن القبيلة ما استطاع من معلومات‪ ،‬وها هي خطته‬
‫تقترب من أن تأتى بأكلها بعد شهور من الصرار والتخطيط المستمر‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫مع أول النهار‪ ،‬عاد بصيده الثامين إلي الفندق‪ ،‬بعدما استمتعا بسهرة رائعة بأحد‬
‫الملهي الليلية‪ ،‬ساعده على خلع ملبسه والنوم في السرير‪ ،‬ثام أدار جهاز التكييف‪،‬‬
‫ليطرد الحر من الغرفة‪ ،‬وراح يتأمله وهو يغط في نوم عميق مستعيدا كل ما سمعه منه‬
‫أثاناء السهرة‪ ،‬فقد اخترقت دأذنيه كلمات أدارت كل أجهزة اللحفظ والتخيل والتفكير بعقله‪.‬‬
‫فقد تجاهل الشاب تحذيراته وانكب على زجاجات العخمر يفرغها بجوفه بسرعة‬
‫دمدهشة ثام بدأ يهذي بكلم عجيب أثاار انتباه إبراهيم فكف عن محاولة منعه من تناول‬
‫المزيد من الخمر‪ ،‬مبديا اهتماما بالغا بما يسمعه‪ ،‬وراح يستحث غنيمته على البوح‬
‫بالمزيد بنظرات وتعبيرات وجه تعبر عن الدهشة‪ ،‬فاسترسل علي يقول‪.‬‬
‫‪ -‬أنت تتعجب من نهمي للخمر والنساء ومن إسرافي في إنفاق المال‪ ،‬أولا أنا أريد أن‬
‫انسي تعاستي‪ ،‬ثاانيا أنا لم أتعب في جني هذا المال‪ ،‬هو يأتيني بل تعب‪ ،‬فقط اطلب‬
‫فينهمر علي‪ ،‬كل شهر أستلم شيك ا بنكي ا بعشرة آلف دولر‪ ،‬وأحيان ا بأضعاف ذلك‪،‬‬
‫يبعثاه لي جماعة من المجانين‪ ،‬أجانب من دول مختلفة‪ ،‬ل أعرف حكايتهم مع والدي‬
‫ول مع مكان عجيب عندنا في الصحراء يحجون إليه كل عدة سنوات‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫راح يرمقه بنظرات العشك ليستفزه على السترسال‪ ،‬فأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬ل أحبهم ول أفهمهم‪ ،‬تصرفاتهم غامضة‪ ،‬يعتقدون أنهم يشتروني بالمال‪ ،‬وأنا أمير‬
‫ابن أمير‪ ،‬ل يستطيع أي ا من كان أن يشتريني‪.‬‬
‫أتي علي الزجاجة الثاالثاة‪ ،‬طلب غيرها فرفض إبراهيم‪ ،‬فقد لحظ أن الشاب بدأ‬
‫يحذق ويتنفس بصعوبة‪ ،‬رضخ علي وبعد لحظات تمكن من مواصلة حديثاه‪.‬‬
‫‪ -‬أتحملهم علي عمضض لن والدي يحترمهم جدا وأوصاني بهم‪.‬‬
‫أجبرته نوبة من الزغطة القوية على السكوت‪ ،‬ناوله إبراهيم كوبا من الماء‬
‫البارد‪ ،‬عبه في جوفه‪ ،‬وأخذ يحذق بقوة حتى هدأت الزغطة‪ ،‬تنحنح بعدها ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬لم أكن خادما لهم‪ ،‬فقط كنت دليلهم في الصحراء‪ ،‬فليس هناك من يعرف الطريق إلى‬
‫مكانهم المقدس إل الشيخ عمران وأنا‪.‬‬
‫كان إبراهيم يستمع بانتباه شديد لما يقوله الشاب المخمور والذي استرسل في‬
‫ل‪.‬‬
‫الحديث وكأنه ديزيح عن قلبه عهما ثاقي ا‬
‫‪ -‬يأتون إلينا كل عدة سنوات‪ ،‬فتعم مضارب القبيلة احتفالت صاخبة‪ ،‬رقص وعزمر‬
‫وولئم‪ ،‬ويرتدى كل أفراد القبيلة الملبس الجديدة‪ ،‬عيد بحق وحقيقي‪ ،‬يستمر لمدة‬
‫يومين‪ ،‬بعدها‪ ،‬يتقدمهم الشيخ عمران إلى عمق الصحراء‪ ،‬يغيبون ليوم واحد ثام يعاود‬
‫بهم ليقضوا معنا يوم ا آخر ثام يغادرون لبلدهم‪.‬‬
‫توقف عن الكلم وضغط عينيه بيمناه ثام مسح بها على رأسه وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬في بعض الحيان يأتون كمجموعات صغيرة‪ ،‬وفو ار يخرج بهم الشيخ عمران إلى‬
‫الصحراء‪ ،‬ويعودون في نهاية نفس اليوم ويغادرونا فو ارا‪ ،‬ممنوع على أي فرد في القبيلة‪،‬‬
‫حتي أنا‪ ،‬أن يسأل عن أي شيء يخص هؤلء الجانب‪ ،‬هم سياح يأتون فى رحلت‬
‫سفاري وفقط‪ ،‬بعد انتهائي من امتحانات السنة الثاانية بالكلية حدث أن مرض الشيخ‬
‫فأسند إلي حماية أخطر سر من أسرار القبيلة كما قال‪ ،‬ذهبت معه عدة مرات حتى تأكد‬
‫من أني قد خبرت الطريق جيداا‪ ،‬وفي المرة الخيرة باح لي بسره الكبير‪.‬‬
‫وأضاف على أن الوفود التي تقصد مضارب القبيلة هم أعضاء جماعة دينية باطنية‪،‬‬
‫وأنهم يرتبطون بالقبيلة عن طريق صلة الدم‪ ،‬وما حدث هو أن الكهنة المصريين ومعهم‬
‫قواد الجيش كانوا قد تكالبوا على الملك النبي‪ ،‬جد آل عمران‪ ،‬فشتتوا أتباعه في بقاع‬

‫‪200‬‬
‫الرض‪ ،‬واستمرت ديانتهم سرية لمئات السنين‪ ،‬وحين قويت شوكة أتباعها‪ ،‬وكان ذلك‬
‫فى نهاية فترة حكم المماليك لمصر‪ ،‬تمكنوا من نقل بعض أفخاذ القبيلة من الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬ومن شمال أفريقيا‪ ،‬ومن جنوب أسبانيا‪ ،‬وجنوب إيطاليا‪ ،‬وتوطينهم بصحراء‬
‫البر الغربي لمنطقة وسط الصعيد‪.‬‬
‫بدأ الشاب يتلعثام في الكلم‪ ،‬وثاعدقعل لسانه كثاي ارا‪ ،‬ولم يعد إبراهيم يستوعب ما‬
‫يسمعه‪ ،‬فقام بدفع الحساب واتجه بصيده نحو مقهى في نهاية شارع العوامية‪ ،‬وحثاه‬
‫على تناول كوب كبير من القهوة الثاقيلة‪ ،‬وبدلا من أن يستعيد قدرته على التركيز‬
‫والكلم‪ ،‬أخذ يتقيأ بعنف وتصبب منه عرق غزير فخاف إبراهيم على صيده وقرر‬
‫العودة به إلي الفندق على أن يعيد الكرة في الغد‪.‬‬
‫لم يتوقف الشاب عن محاولة السترسال في الحديث‪ ،‬فتعمد إبراهيم قيادة السيارة‬
‫ببطء وقام بفتح نوافذها ليضمن هواء دمنلعش لصديقه الذي قال في وضوح‪.‬‬
‫‪ -‬حذرني الشيخ من إغضابهم وقال أن يدهم باطشة وأن منهم شخصيات هامة على‬
‫كافة المستويات ومن كل جنسيات العالم تقريباا‪.‬‬
‫وقال أيض ا أن قيادات الجماعة تأتى لداء العمرة كل عدة شهور‪ ،‬ويؤدون‬
‫مناسك الحج إلى بيت ال كل ثامانية سنوات‪ ،‬وقال أيضاا‪ ،‬وبالرغم من أن قبيلته تدين‬
‫بالسلم إل أنها تتبع تلك الجماعة ولكن كهنة الجماعة أعفوا رجالها من الحج والعمرة‪،‬‬
‫وكذلك من بقية طقوس العبادة‪ ،‬حفاظا علي السرية‪ ،‬وقد ساعدوا شباب القبيلة على‬
‫التعلم واكتساب الخبرات النادرة في مختلف المجالت‪ ،‬ومنعوا الزواج من خارج القبيلة‬
‫حفاظ ا على نقاء الدم‪ .‬وأضاف أنه بعد مرض الشيخ عمران‪ ،‬كان هو من يقوم بحماية‬
‫الوفود وبقيادتها إلى أماكن الحج والعمرة‪ ،‬وبأنه‪ ،‬ورغما عنه‪ ،‬قام بأداء مناسك الحج‬
‫والعمرة‪ ،‬وكذلك بقية طقوس العبادة‪ ،‬بالنيابة عن جميع أفراد القبيلة كما كان يفعل والده‪،‬‬
‫دقائق قليلة وتوقف الشاب فجأة عن الكلم واستسلم لنعاس متقطع فأسرع به إبراهيم إلى‬
‫الفندق‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫راح إبراهيم يستعيد ما سمعه مرات ومرات ويتفحصه بخبرته ليستخلص منه ما‬
‫قد يفيده في اقتناص الغنيمة الكبرى‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫فتح عينيه فوجده نائما على المقعد فاعتقد أنه جلس بجواره ليرعاه‪ ،‬فجاشت‬
‫عاطفته نحو صديقه الجديد‪ ،‬وبرفق حاول إيقاظه ليستريح في السرير‪ ،‬استيقظ إبراهيم‬
‫بصعوبة‪ ،‬كمن يتعافي من إغماءة‪ ،‬وسمعه على يهذي ببعض الكلمات ‪ ،،،‬الجماعة‬
‫‪ ،،،‬المكان المقدس ‪ ،،،‬القبيلة ‪ ،،،‬الشيخ عمران‪.‬‬
‫بعد حمام فاتر استرد إبراهيم كامل لياقته الجسدية والعقلية‪ ،‬اقترح علي أن يتناول‬
‫صباح‪.‬‬
‫طعام الغذاء بالغرفة ثام يخلدا للنوم مرة أخرى ليستطيعا السهر عحتى ال ع‬
‫على طاولة الغداء تقمص إبراهيم دور الغير دمهتم بما سمعه أمس من على‬
‫الذي نبهته الكلمات‪ ،‬التي نطق بها إبراهيم‪ ،‬إلى أنه قد أفرط في الحديث ليلة أمس‪،‬‬
‫فاختار هو أيضا أن يلتزم الصمت انتظا ار لن يبادر الدكتور بالحديث ليعرف كم أفلتت‬
‫منه المور‪ ،‬ولكن هيهات أن يصمد أمام دهاء إبراهيم‪ ،‬فبعد دقائق لم يعد يطيق صب ارا‪،‬‬
‫ل‪.‬‬
‫فبادر هو بالكلم قائ ا‬
‫‪ -‬كنت تتكلم وأنت نائم يا دكتور‪ ،‬أظنك كنت تردد بعض ما سمعته منى ليلة أمس‪.‬‬
‫‪ -‬ليس من عادتي الكلم وأنا نائم!‪ ،‬ماذا قلت؟‪.‬‬
‫‪ -‬جماعة‪ ،‬مكان مقدس‪ ،‬القبيلة‪ ،‬الشيخ عمران‪ ،‬أشياء يهيئ لي أنى تحدثات بها‪.‬‬
‫نظر إليه إبراهيم بعدم مبالة وقال‪.‬‬
‫‪ -‬فعلا أنت تكلمت في أشياء كثايرة‪ ،‬أظنها تخاريف الخمر وقلة النوم‪ ،‬ورددتها أنا من‬
‫الجهاد‪ ،‬ل تشغل بالك‪ ،‬أريدك أن تأكل جيداا‪ ،‬فمعدتك فارغة بالتأكيد‪.‬‬
‫لم يقتنع بما قاله إبراهيم‪ ،‬فسأله في مكر‪.‬‬
‫‪ -‬هل تذكرني بما قلته أمس وأنا مخمور‪.‬‬
‫رسم إبراهيم على وجهه تعبيرات تؤكد عدم اهتمامه وقال‪.‬‬
‫‪ -‬أنت لم تكف عن الكلم لحظة واحدة‪ ،‬تكلمت عن قبيلتك وعن جماعة دينية تحج‬
‫لمكان سري ل يعرفه إل أنت والشيخ عمران‪ ،‬حكاية تشبه حكايات الفلم‪.‬‬
‫قال ذلك ثام نظر في عيني على وأضاف ساخ ارا‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو أن هذا بسبب إسرافك في مشاهدة الفلم الهندية‪.‬‬
‫قال ذلك ثام ضحك كثاي ار فنجح في استفزاز علي الذي بذل مجهودا كبي ار ليكظم‬
‫غضبه وقال في حذر‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬لو أنك ل تصدق ما سمعته مني ليلة أمس‪ ،‬فكيف ستصدق ما لم أعدقبله بعد‪.‬‬
‫تمهل إبراهيم وآثار الصمت‪ ،‬وتظاهر بالنشغال بتناول الطعام ليوحي لصديقه‬
‫الصغير بأنه بالفعل غير مصدق لما سمعه‪ ،‬بل وغير مهتم‪.‬‬
‫وحدث ما توقعه‪ ،‬طلب منه على أن يسمعه جيدا لنه سيبوح له بسر خطير‪،‬‬
‫ل‪ ،‬فهذه الثاقة هي ما ستمكنه من مقبرة‬
‫ابتهج بثاقة الشاب به‪ ،‬فهذا ما سعي إليه طوي ا‬
‫نفرتيتي التي منعه عنها الشيخ عمران‪ ،‬وهو ليس في عجلة من أمره‪ ،‬فها هو يسيطر‬
‫علي ولي عهد القبيلة‪ ،‬فحتى لو انتظر لسنوات فحتما سيموت الشيخ عمران ويتولى‬
‫على قيادة القبيلة‪ ،‬وحينها ستتاح الفرصة ليحصل على مراده‪.‬‬
‫انتبه إبراهيم وراح يستمع لعلي في اهتمام شديد‪.‬‬
‫‪ -‬كل ما قلته صحيح‪ ،‬أنا كنت دليلهم في الحج الخير‪ ،‬في شهر فبراير الماضي‪.‬‬
‫صمت قليلا ثام أضاف وهو ينظر لبراهيم‪.‬‬
‫‪ -‬سأحكي ما عشته ورأيته بعيني واحكم أنت علي ما سوف تسمعه مني‪.‬‬
‫ضحك إبراهيم ثام قام من مكانه ليقف خلفه وربت على كتفه وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬لم أقصد أن أغضبك‪ ،‬فقط الكلم كان غريب ا علي أذني‪ ،‬تكلم فكلي أذان صاغية‪.‬‬
‫ثام أشعل سيجارة وجلس في وضع يوحي بالهتمام والحترام‪ ،‬فقال الشاب‪.‬‬
‫‪ -‬هؤلء الناس يؤمنون بدين عجيب‪ ،‬حجهم جنس وعربدة‪ ،‬يصلون بطريقة غريبة‬
‫ويسجدون لتمثاالي رجل وامرأة‪ ،‬أظنهم من الذهب الخالص‪.‬‬
‫عند سماعه لكلمة ذهب‪ ،‬ذهب عقله‪ ،‬ارتعشت يداه وأخذ يتحرك في مقعده وهو‬
‫فاقد القدرة على التركيز‪ ،‬وكأنه يحلم بأنه العالم نيوتن يفتح حجره لتسقط به تفاحة فينظر‬
‫لها متعجبا كيف لم يلهم التفاح المليين من قبله ما ألهمه إياه!‪ ،‬أو أنه أرشميدس وهو‬
‫يصرخ‪ ،‬وجدتها‪ ،‬وكأنه أول من اقتنى حوض ا للستحمام وأول من دفع بجسمه الماء‬
‫خارج الحوض فأوحى له الماء ما أوحى!‪.‬‬
‫شرب كوبا من الماء المثالج في محاولة للتقليل من شدة انفعاله‪ ،‬وراح يفكر‬
‫بطريقة يضمن بها أن يبوح الشاب بالمزيد من تلقاء نفسه‪ ،‬فوجد ضالته في كتاب‬
‫صديقه‪ ،‬رضا جلل‪ ،‬عن الجماعات الدينية السرية والتي يحج أعضاؤها لمصر‬
‫ليمارسوا طقوس عتعدبد شاذة‪ ،‬فقاطع عليا وراح يقص بعض ما يتذكره من الكتاب‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫بعدما انتهي من حكاياته المثايرة‪ ،‬كان قد تخلص من دهشته واستعاد قدرته على‬
‫التركيز الشديد وأمسى عقله في أوج نشاطه‪ ،‬وبقدرته الفائقة على التوقع تيقن بأنه على‬
‫أعتاب فرصة خطيرة‪ ،‬ولكن حدث أن فعقععد الشاب‪ ،‬وبشكل مفاجئ الهتمام بمواصلة‬
‫ط في نوم عميق فقد اطمأن إلي أن‬
‫الكلم‪ ،‬فقام وتمدد على السرير وسرعان ما عغ ع‬
‫صديقه الجديد يصدقه وهذا ما كان يبغيه من حديثاه‪ ،‬دأسقط في يد إبراهيم فأقنع نفسه‬
‫بحمام آخر‪ ،‬وقرر النوم حتى المساء آملا في سماع ما يرضيه‪.‬‬
‫استيقظ وترك لعلى خمسة آلف دولر مع ورقة يخبره فيها بأنه خرج لنجاز‬
‫بعض العمال المهمة‪ ،‬وأنه سيكون بانتظاره غدا لتناول طعام الغذاء بمطعم سافوي‬
‫بشارع النيل‪ ،‬الساعة الرابعة عص ارا‪ ،‬ولم ينعس أن يتمني له سهرة رائعة‪.‬‬
‫تثااءب عدة مرات ثام فرك وجهه وعينيه فتباعدت جفونه وجال بنظره يبحث عن‬
‫صديقه فلمح النقود‪ ،‬ق أر الورقة فطار ما تبقى بعينيه من أثار للنوم‪ ،‬راح يعد النقود تارة‬
‫ويتقلب في السرير تارة أخري‪ ،‬في محاولة لضاعة الوقت حتى يأتي موعد السهر‬
‫بملهي القصر‪ ،‬كان يشعر بالمتنان لموقف إبراهيم منه ولكن ما أصابه بالدهشة حق ا‬
‫هو شعوره بافتقاده لرجل لم يعرفه إل بالمس فقط‪.‬‬
‫شعر بشيء من الراحة والسكينة‪ ،‬فها هو يتذوق‪ ،‬ولول مرة‪ ،‬مشاعر الصداقة‬
‫الحقيقية‪ ،‬وكأنه يولد من جديد‪ ,‬نظر لصورته في المرآة وراح يدقق في ملمحه‪ ،‬فبانت‬
‫له حقيقته‪ ،‬سكير وععربيد‪ ،‬سفيه وأهوج‪ ،‬وعلى غير عادته‪ ،‬راح يسأل نفسه ‪ ،،،‬عكم من‬
‫المال أنفقت على النساء والساقطات؟ ‪ ،،،‬ما هو دورك في الحياة؟ ‪ ،،،‬أضعت عمرك‬
‫في التعليم وكان مصيرك أن تعمل دليلا لكلب أولد كلب ‪ ،،،‬الدكتور إبراهيم يترك‬
‫أسرته ويأتي لخر الدنيا‪ ،‬لعيععمل وديحقق ذاته؟ ‪ ،،،‬ماذا فعلت أنت؟ لماذا ترضي بهذا‬
‫الضياع؟ ‪ ،،،‬ليه دتعلرض نفسك للمهانة كل يوم؟ ‪ ،،،‬يوم دتنفق ببذخ ويوم يلقون بك في‬
‫الشارع لنك لم تدفع الحساب‪ ،‬أنسيت أنك أمير؟ ‪ ،،،‬أنسيت أنك ستصبح مسئولا عن‬
‫اللف من أبناء قبيلتك؟ ‪ ،،،‬لماذا ل تكون كالشيخ عمران‪ ،‬رجل محترم وله هيبة لدى‬
‫الحكومة والناس أو كالدكتور إبراهيم؟‪.‬‬
‫غادر الفندق بسرعة‪ ،‬ليغير المكان‪ ،‬أملا فى أن يساعده ذلك على التخلص من‬
‫المشاعر الغريبة التي كادت أن تخنقه‪ ،‬توجه إلي الفندق الذي كان يقيم به ليأتي‬

‫‪200‬‬
‫بأمتعته‪ ،‬فوقعت عيناه على البنت اللمانية في لوبي الفندق‪ ،‬فعشععر برغبة ععارمة في‬
‫النتقام‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫على مائدة الطعام‪ ،‬بمطعم سافوي‪ ،‬كان إبراهيم يستمع للشاب وهو يحكى‬
‫بحماس كيف أنه أغرى اللمانية بالمال ووعدها بهدية ثامينة‪ ،‬ثام أخذها لغرفته‬
‫وضاجعها ثالث مرات ثام طردها بعدما فضحها أمام الجميع بالفندق‪.‬‬
‫لم يتمالك إبراهيم نفسه فانطلقت منه ضحكات جميلة‪ ،‬أثاارت انتباه رواد المطعم‪،‬‬
‫فشعر على بالخجل وسأل صديقه بعينيه لماذا تضحك‪ ،‬فمعد إبراهيم رأسه نحوه وهمس‬
‫ل‪.‬‬
‫له قائ ا‬
‫‪ -‬تاني يا على تقول فضيحة‪ ،‬هي البنت دى من بلدكم ول إيه؟‪.‬‬
‫ثام أضاف وهو يغالب الضحك‪.‬‬
‫‪ -‬وبعدين أنت تقول ثالث مرات‪ ،‬يعني هي المستفيدة وأنت اللي أهلكت نفسك!‬
‫انفجر علي في الضحك حتى كاد أن يختنق بما في فمه من طعام فتأكد لبراهيم‬
‫أن الشاب في أفضل حالته المزاجية‪ ،‬وتوقع أنه سيعب الخمر عب ا بقية اليوم‪ ،‬فوضع‬
‫خطة لستدراجه لديكمل حكايته المثايرة‪ ،‬ولكن مرة أخرى يعاند الحظ إبراهيم‪ ،‬فبعدما‬
‫انتهى على من تناول طعامه قال لبراهيم‪.‬‬
‫‪ -‬لن أنسى جميلك أبدا يا دكتور‪ ،‬إوان شاء ال نتقابل عند عودتك للقصر في المرة‬
‫القادمة‪ ،‬إوان شاء ال سوف أسدد لك ما على من دين‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا؟‪ ،‬ألم نتفق علي قضاء اليوم أيض ا مع بعضنا البعض؟‪.‬‬
‫‪ -‬كان بودي‪ ،‬ولكن الشيخ عمران اتصل بي ليستدعيني فو ارا‪ ،‬وهو ناد ار ما يفعل‪.‬‬
‫ودع كل منهما الخر وتواعدا على اللقاء بعد ثالثاة أسابيع‪.‬‬
‫==========‬
‫بمجرد وصوله للقاهرة‪ ،‬استدعي صديقه رضا جلل وأعاد على مسامعه ما‬
‫قصه عليه علي العمرناوي‪ ،‬فأكد له صدق ما قاله الشاب‪ ،‬ثام فاجأ إبراهيم بأن أطلعه‬
‫علي لسر خطير احتفظ به لنفسه طويلا فقال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬كنت أتتبع عددا من أعضاء جماعة دينية تتعبد إلى قرص العشمس ويحجون إلى‬
‫مكان ما بالبر الغربي لمدينة القصر‪ ،‬وذلك في بداية النصف الثااني من شهر نوفمبر‬
‫كل عام‪ ،‬وفى يوم لن أنساه أبداا‪ ،‬يوم الحد الموافق السادس عشر من نوفمبر لسنة‬
‫‪1997‬م‪ ،‬وتحت جنح الظلم توغل أعضاء هذه الجماعة‪ ،‬لمسافة خمسة كيلومترات‬
‫تقريباا‪ ،‬في عمق صحراء البر الغربي‪ ،‬وحطوا رحالهم بمكان تحيطه الجبال من ثالث‬
‫جهات في شكل هلل يحتضن جهة الشرق‪ ،‬أشعلوا المشاعل وبعدما انتهوا من تناول‬
‫الطعام والمشروبات الروحية‪ ،‬انتظموا في شكل دائرة كبيرة ليحيطوا في مركزها برجل‬
‫وامرأة‪ ،‬وعلي الفور صدحت الموسيقي الصاخبة وانهمك الجميع في رقص إيقاعي‬
‫منتظم‪ ،‬شيئا فشيئا انتابت الجمع حالة هيستيرية فبدوا كمجاذيب حلقات الذكر في‬
‫الموالد‪ ،‬وفي نفس اللحظة راح كل منهم يخلع عنه ملبسه قطعة قطعة‪ ،‬وعلى إيقاع‬
‫الموسيقي‪ ،‬حتى تعري الجميع تماماا‪ ،‬كانوا يتوقفون عن الرقص لدقائق ليتلوا التراتيل‬
‫والدعية وليتبادلوا القبلت الساخنة ويدلكون أجساد بعضهم البعض في اشتهاء‪ ،‬بعد‬
‫فترة راحت النساء تتأوه فخرجت منهن التراتيل همس ا وفحيحاا‪ ،‬انتصب الرجال جميع ا بل‬
‫استثاناء‪ ،‬وتحولت الدائرة إلى دائرتين الداخلية من النساء ومن خلفهن الرجال‪ ،‬كل امرأة‬
‫خلفها من يداعبها ويتحسس جسدها ونهديها وهو يحتضنها من الخلف‪ ،‬كان الثانائي‬
‫بالوسط يبكيان بشدة وهما يلوكان شيئ ا ما في أفواههما‪ ،‬امتل المكان بالصراخ وبترديد‬
‫التراتيل والدعية‪ ،‬وبعد قليل بدأت دائرة الرجال في الدوران في اتجاه عقرب الساعة‬
‫ودائرة النساء في التجاه المعاكس‪ ،‬وتلعبت الموسيقي بالجساد وذهبت الرغبة‬
‫العارمة بالعقول‪ ،‬واشتد الحماس وتعالت الصوات بالبكاء والنحيب‪ ،‬وفجأة خيم‬
‫الصمت على المكان الذي سكن تماماا‪ ،‬وفى وسط الدائرة نام الرجل على ظهره فاعتلته‬
‫المرأة بسرعة خاطفة‪ ،‬لم تسكن عن الحركة لحظة واحدة‪ ،‬وحين تصبب منها عرق غزير‬
‫أخذت تجول بين الحضور بنظرات زائغة وهى تحرك رأسها يمين ا ويسا ارا‪ ،‬وللحظات‬
‫ترنو بنظرها لعلي ثام تنظر للجمع من حولها بعيون زائغة‪ ،‬ومرة أخري تهز رأسها يمينا‬
‫ويسا ارا‪ ،‬دقائق وفقدت السيطرة على نفسها تمام ا فأخذت تصرخ وتحذق وتتلوي من فوق‬
‫الرجل‪ ،‬ل يكاد جسدها أن ينكمش حتى يتمدد بسرعة‪ ،‬ثام ينكمش ببطء حتي يتكور‬
‫تماما وفى لمح البصر يتمدد مرة دأخرى‪ ،‬وهكذا في انقباضات قوية متتالية كانت تعدرج‬

‫‪200‬‬
‫جسدها كله عرجا عنيفاا‪ ،‬وبالرغم مما شعرت به من إثاارة فقد استطعت التقاط بعض‬
‫الكلمات من بين صراخها‪ ،‬هووه ‪ ..‬هووه ‪ ..‬ياه ‪ ..‬ياه ‪ ..‬جاهوفاه ‪ ..‬جاهوفاه ‪ ..‬هييي‬
‫‪ ..‬هييي‪ ،‬كان الجمع يرد عليها وسط أصوات البكاء والنحيب هاللويا ‪ ..‬وزاويت نيم ‪..‬‬
‫هاللويا ‪ ..‬تو بي إز تو بي ‪ ..‬هاللويا ‪ ..‬هاللويا‪.‬‬
‫هدأ جسدها فجأة‪ ،‬وقبل أن تنهار من فوقه أنزلها الرجل وأراحها على ظهرها‬
‫وباعد بين فخذيها فأسندتهما على ساعديها‪ ،‬وسقط فوقها وظل يصعد ويهبط حوالي‬
‫نصف الساعة بل توقف‪ ،‬وحين توقعت أن المرأة قد هلكت‪ ،‬أخذ جسد الرجل ينقبض‬
‫وينبسط ثام ارتجف في سرعة وقوة وصرخ ‪ ..‬زرز نو سييم ‪ ..‬زرز نو سييم‪ .‬ورد عليه‬
‫الجمع آتون ‪ ..‬آتون‪ ،‬وهم في حالة من الرتجاج الجسدي والبكاء عبدعلت ما بداخلي من‬
‫خوف وحذر إلى دهشة وذهول‪.‬‬
‫وقف الرجل فناوله أحدهم كوب تناوله علي ثالث جرعات ثام رفع يديه لعلي‬
‫وشرع بوجهه نحو السماء‪ ،‬وراح يدور حول المرأة‪ ،‬التي ما زالت تتشنج على الرض‬
‫وينهمر منها العرق بغ ازرة‪ ،‬لحظات وسكن جسدها عن الحركة وأخذت تتكلم بصوت‬
‫غريب وكأنه يأتي من المجهول‪ ،‬كانت تنطق بكلمات غريبة في بطء وقوة‪ ،‬وانشغل‬
‫الرجل بتدوين ما يسمعه منها‪ ،‬عندما انتهت من الكلم أشارت بيدها للرجل فجلس‬
‫خلفها وأخذها بين ساقيه وأسند ظهرها على صدره وسقاها من الكأس ثالث جرعات‪.‬‬
‫دقائق ووقف الرجل والمرأة وتحركا في حيوية فائقة‪ ،‬بدا أنهما في حالة نادرة من‬
‫التألق الجسدي والنفسي‪ ،‬وحين بدأت أشعة الشمس تشق الفق لتزيح بقايا الليل وتمهد‬
‫لفق‪ ،‬اتجه الرجل وبصحبته المرأة نحو الجبل ليقفا‬
‫الطريق لظهور قرص الشمس في ا د‬
‫أمام مدخل كهف بباطن الجبل‪ ،‬واصل الركوع والسجود وهما يرتلن الناشيد والتراتيل‬
‫ببطء وقوة ثام اختفيا بداخل الكهف لمدة تقارب الساعة‪ ،‬وأثاناء ذلك أنهمك الجميع في‬
‫موقعة جنسية حامية الوطيس‪ ،‬الشاب يعتلي من تبدو كأمه والرجل ينام من تحت من‬
‫هي كابنته‪ ،‬وكان الشبه كبير بين الشباب من الذكور والناث‪ ،‬قرب نهاية الساعة‬
‫تسارعت النفاس وغطى صراخ الشبق على تأوهات اللذة‪ ،‬وفى اللحظة نفسها التي‬
‫انهارت فيها الجساد على الرض‪ ،‬خرج الرجل والمرأة من الكهف وبيد كل منهما إناء‬
‫كبير وراحا يساعدان الجميع على تناول جرعات من الشراب‪ ،‬من يشرب يسرع في‬

‫‪200‬‬
‫حيوية ونشاط إلى باب الكهف ليرتل الدعية والناشيد‪ ،‬استمر ذلك حتى توسطت‬
‫الشمس السماء‪ ،‬فأحرقوا كمية كبيرة من الخشاب تحت صخرة مفلطحة وحين التهبت‬
‫ألقوا عليها بكمية كبيرة من البخور والعشاب فامتل المكان بدخان أبيض كثايف تحول‬
‫شيئا فشيئا إلى سحابة ضخمة تبدأ من الرض وبارتفاع عدة أمتار‪ ،‬دخلها أولا الكاهن‬
‫ورفيقته وخرجا منها بعد لحظات وعلي جسديهما قطرات كثايفة من العرق‪ ،‬تبعهما‬
‫الباقون في صفين متوازيين‪ ،‬يمسك كل رجل بيد رفيقته‪ ،‬وبعدما انتهوا من حمام البخار‬
‫ارتدوا أغطية للجسم تشبه ملبس الحرام في حج المسلمين‪ ،‬ثام توجهوا من خلف الرجل‬
‫والمرأة ناحية الشرق في عمق الصحراء حتى وصلوا لنقطة معينة وقفوا عندها وسجدوا‬
‫رافعين أيديهم للسماء في صمت جليل لفترة من الوقت‪ ،‬بدأ بعدها الكاهن ديرتل وينشد‬
‫عدة مزامير‪ ،‬والجمع يردد من خلفه باكي ا منتحباا‪ ،‬ظلوا على حالهم هذا حتى غربت‬
‫الشمس فتبادلوا القبلت والحضان وهم في حالة من الفرح العارم‪ ،‬ارتدوا ملبسهم وألقوا‬
‫في النار المشتعلة بملبس الحرام‪ ،‬واستقلوا السيارات وعادوا إلى الفندق بمدينة‬
‫القصر‪.‬‬
‫في صباح اليوم التالي‪ ،‬خرجوا مبك ار في رحلة إلى الدير البحري‪ ،‬كنت أراقبهم‬
‫وهم يتجولون بساحة المعبد‪ ،‬وفي حوالي الساعة التاسعة صباحاا‪ ،‬تعالت الصرخات‪،‬‬
‫عدد من الشباب يهاجمون أفراد المجموعة دون غيرها‪ ،‬منهم من يطلق النار ومنهم من‬
‫يطارد من اختبأ منهم ليذبحه بالسيف‪ ،‬مثالوا بالجثاث وبقروا بطون النساء الحوامل‬
‫وأخرجوا الجنة ومزقوها‪.‬‬
‫استمر الذبح والتنكيل بالجثاث حوالي الساعة دون مغيث‪ ،‬اختبأت فقد شلني‬
‫الخوف بعدما تيقنت أن القتلة يستهدفون هذه المجموعة بالتحديد‪ ،‬فخشيت أنهم كانوا‬
‫يراقبونهم‪ ،‬ومن المحتمل أن يكون أحدهم قد لمحني بالمس فاعتقد بأنى منهم‪ ،‬فل‬
‫يتردد في الفتك بي لو حدث ووقعت علي عيناه‪.‬‬
‫لو تذكر أن كلا من الجماعة السلمية وجماعة الجهاد نفيا مسئوليتهما عن‬
‫الحادث‪ ،‬وبعد أيام أعلنت الداخلية أن رجالها حاصروا الرهابيين في كهف بالجبل لعدة‬
‫أيام ثام وجدوهم جثاثا ا هامدة‪ ،‬وحقيقة ما حدث هو أن الشباب القتلة هربوا ليختبئوا بكهف‪،‬‬
‫في نفس المكان الذي كانت تؤدي به الجماعة طقوسها بالمس‪ ،‬وعندما اشتد بهم الجوع‬

‫‪200‬‬
‫فتشوا المكان بحثاا عن شيلء يأكلونه فعثاروا علي بقية طعام الجماعة‪ ،‬تناولوا كل ما‬
‫وجدوه‪ ،‬وأصيبوا بعد قليل بنوبة من الجنون فأخذوا يصرخون ويضربون بعضهم البعض‬
‫لفترة‪ ،‬انهاروا بعدها تمام ا وماتوا‪ ،‬كنت أراقبهم فظننتهم أصيبوا بلوثاة عقلية فقتلوا‬
‫بعضهم البعض‪.‬‬
‫قمت بجمع كل ما وجدته بالمكان من بقايا الطعام‪ ،‬ومن بين ما وجدته بالمكان‬
‫وجدت عدة قطع تشبه قطع الفطر أو المشروم‪ ،‬أرشدت البوليس لمكان الشباب وغادرت‬
‫إلى القاهرة‪ ،‬وذهبت من فوري لصديق‪ ،‬أستاذ علم النبات بكلية علوم القاهرة‪ ،‬فتعرف‬
‫علي ما عرضته عليه‪ ،‬وأخبرني أن هذا نوع من الفطر غير موجود بأي مكان فى العالم‬
‫سوي فى شبه جزيرة سيناء‪ ،‬وأنه ديعتبر فط ار ساماا‪ ،‬فعند تناوله تنتاب الشخص هلوسة‬
‫سمعية وبصرية وفوران جسدي هائل مع رغبة جنسية عارمة‪ ،‬ويستمر ذلك لعدة ساعات‬
‫تنتهي بانهيار جسدي يتبعه تشنجات شديدة بكل أنحاء الجسد ثام اختناق شديد‪ ،‬ليموت‬
‫خلل دقائق إن لم يتناول شرابا يحتوى على كمية هائلة من السكريات ومن السعرات‬
‫الح اررية‪.‬‬
‫وعرفت منه أن بدو سيناء استخدموا هذا الفطر منذ القدم كمنشط جنسي دون أن‬
‫يتأذى منهم أحد‪ ،‬فقد اكتشفوا مشروبا مانحا للطاقة ليس له مثايل‪ ،‬وذلك حينما لحظوا‬
‫أن طائر السلوى عيدحط على شواطئ سيناء منهك ا وموشك ا علي الهلك‪ ،‬إل أنه كان‬
‫يواصل الطيران إلى قلب سيناء‪ ،‬ليتغذى على ما يعرف بالعمن‪ ،‬وهو سائل يفرزه جذع‬
‫شجرة تعرف بشجرة السيكوم‪ ،‬ول توجد أيضا إل بسيناء‪ ،‬هذا السائل يتحول‪ ،‬مع قطرات‬
‫الندى في وقت الفجر‪ ،‬إلى بلورات شديدة الحلوة‪ ،‬عندما يتناولها طائر السلوى فإنه‬
‫ينتفض وينتعش وكأنه دبعث من جديد‪.‬‬
‫وأضاف رضا جلل‪.‬‬
‫‪ -‬أنا أفشي هذا اللسر لول مرة‪ ،‬وعموم ا أنا أعتقد أن هذا الشاب تحدث معك عن‬
‫جماعة دأخرى غير تلك التي حدثاتك عنها الن‪ ،‬فهناك العديد من تلك الجماعات‪.‬‬
‫أشعل رضا سيجارة وراح يتأمل الدخان الخارج من فمه وهو يتشكل قبل أن‬
‫يختفي‪ ،‬ثام انتبه لشيء وكأنه تذكره للتو فقال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ما حدث لم يردع تلك الجماعة عن معاودة الحضور للقصر‪ ،‬فقد جاءوا في العام‬
‫التالي ولكنهم كانوا أكثار حذ ارا‪ ،‬نزلوا في عدة فنادق بدلا من فندق واحد‪ ،‬واصطحبوا‬
‫معهم من بلدهم حراسة خاصة وسرية‪ ،‬وعرفت مدى قوتهم ونفوذهم عندما تولت هذه‬
‫الحراسة تصفية كل من كان له علقة بالشباب الذي ارتكب المذبحة في حقهم‪ ،‬فهناك‬
‫من مات في حادث سيارة‪ ،‬وهناك من مات مسموماا‪ ،‬وهناك من اختفى ولم يعثار له أبدا‬
‫على أثار‪ ،‬ولم يقترب منهم أحد بعد ذلك أبداا‪ ،‬وهذا ما دفعني للحتفاظ بسرهم ولم أتطرق‬
‫إليه في كتابي أو في أي من مقالتي‪.‬‬
‫شعر إبراهيم بسخونة غريبة في رأسه فأمسك به بين يديه‪ ،‬وسأل رضا‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا ذبح الشباب أعضاء هذه الجماعة بالذات دون غيرها من تلك الجماعات‬
‫العديدة‪ ،‬والتي تأتي إلي مصر وفى أوقات محددة ومعروفة للجميع لتمارس طقوس ا‬
‫غريبة وشاذة‪.‬‬
‫‪ -‬أعتقد أن ذلك بسبب ممارسة تلك الجماعة لزنا المحارم‪ ،‬والذي تعتبره الجماعة طقسا‬
‫مقدساا‪ ،‬فعلمن المؤكد أن هؤلء الشباب كانوا يراقبونهم‪ ،‬فشاهدوا هلوسة جنسية دمقززة‬
‫للنفس‪ ،‬وأعتقد أيض ا أن ارتداءهم لملبس تشبه ملبس الحرام لدي المسلمين‬
‫وصلواتهم التي تشبه صلتنا بالضبط‪ ،‬هو ما أوعغعر قلوب الشباب عليهم‪ .‬عرف‬
‫إبراهيم لسر قوة الشيخ عمران‪ ،‬ولماذا رفض‪ ،‬هذا الرجل الغامض‪ ،‬كل ما قدمه له من‬
‫إغراءات‪ ،‬وتأكد كذلك من أن الرجل سيقاتل بضراوة لمنع أية قدم غريبة من أن تطأ أي‬
‫لشبر من مضارب قبيلته‪ ،‬وبات مقتنعا بأن علي العمرناوي هو أمله الوحيد في اقتناص‬
‫صفقة قد تكون العظم في دشغلة الثاار‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫عصر يوم الحد‪ ،‬الثاالث من أكتوبر لسنة ‪2004‬م‪ ،‬وبمطعم الكرنك بشارع‬
‫النيل بالقصر‪ ،‬استقبل إبراهيم صديقه عليا بحفاوة بالغة‪ ،‬ولحظ أنه ليس كعهده في‬
‫المرة الماضية‪ ،‬سأله عن أحواله وسبب تغيره‪ ،‬فأجابه الشاب بأنه يشعر بتفاهة وضعه‬
‫وبأن والده يضيع مستقبله من أجل هؤلء الجانب‪ ،‬وأنه يريد أن يعمل ويحقق ذاته‬
‫ليستمتع بحياته كأي شاب في عمره‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫شعر إبراهيم ببعض القلق من تغير الحالة النفسية لعلى‪ ،‬فعمل على تغيير دفة‬
‫الحديث فتقمص شخصية صديقه رضا جلل وراح يسرد على الشاب بحماس مفتعل‬
‫كل ما عرفه عن الجماعة الدينية التي ذبح أفرادها بالقصر‪ ،‬وكان إبراهيم قد قرر أن‬
‫يأخذ من تلك القصة مبر ار لما سوف يبديه من اهتمام بتفاصيل ما سمعه من علي في‬
‫لقائهما السابق‪.‬‬
‫وقد جرت المقادير بأحداث سريعة ومثايرة‪ ،‬فقد تمكنت مشاعر الصداقة الحقة‬
‫صحبة‬
‫من الدكتور والشاب‪ ،‬وأصبحت بينهما ثاقة ل حدود لها‪ ،‬فبعد عدة أيام من ال د‬
‫الصاخبة في ملهي وفنادق القصر وأثاناء استمتاعهما بسهرة فخمة بصالة فندق‬
‫إيزيس‪ ،‬ععب على كمية كبيرة من الخمر‪ ،‬أطاحت بقدرته على التركيز‪ ،‬فقال وبصعوبة‪.‬‬
‫‪ -‬لعلمك يا دكتور كل ما قلته لي منذ أيام ل يقاس بما لدي‪.‬‬
‫نظر إبراهيم نحوه باهتمام فأضاف علي‪.‬‬
‫‪ -‬تمنيت أن افعل ما فعله شباب الدير البحري لول خوفي من الشيخ عمران‪.‬‬
‫تنهد بقوة واحتلت علمات اللم والندم وجهه ثام قال في خجل‪.‬‬
‫‪ -‬أعترف بأني طمعت في أموالهم ولكن لم يمنعني ذلك من استهجان تصرفاتهم‬
‫الشاذة‪ ،‬كدت أتفجر حقدا وغضباا‪ ،‬وسألت نفسي كيف للشيخ عمران‪ ،‬الرجل الذي‬
‫عهدته مسلم ا ملتزماا‪ ،‬أن يقوم على خدمة هؤلء الكفار بل ويعترف لي بأنه يعتقد ما‬
‫يعتقدون ويطلب مني أن أتبني عقيدتهم مثاله بما أني سأصبح أمير القبيلة من بعده‪ ،‬أنا‬
‫أتمزق من داخلي‪ ،‬أحب والدي وأحترمه‪ ،‬ولكنى في الفترة الخيرة ضبطت نفسي أنتقده‬
‫وأرفض تصرفاته‪ ،‬وكلما شعرت تجاهه بمشاعر غير دمحببة إلى نفسي‪ ،‬كنت أهرع إلى‬
‫هنا أعب خم ار وأغرق نفسي في بحر النساء لعلها تهدأ‪.‬‬
‫ترقرقت عيناه بالدموع وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬كنت شاب ا مستقيماا‪ ،‬كانت الدنيا بالنسبة لي أخلق ا ورجولة والتزاماا‪ ،‬ولكن بعد ما‬
‫حدث‪ ،‬شعرت بأني شخصان مختلفان ولست شخصا واحداا‪ ،‬ولني ل أستطيع أن أغير‬
‫من المر شيئا أقبلت على دنيا المجون لعلى أستعيد نفسي‪ ،‬شخص ا واحدا حتى لو كان‬
‫سيئاا‪ ،‬وأنت تري كيف أعيش الضياع‪ ،‬ولكن بعدما تعرفت عليك نما بداخلي مرة أخري‬
‫على العمرناوي الدمحترم‪ ،‬اكتشفت أنني لم أستطع القضاء عليه‪ ،‬إنه الن يحتقرني‬

‫‪200‬‬
‫ويعذبني‪ ،‬يحرضني على أن أكون محترما مرة دأخرى ‪ ،،،‬أريد أن أكون محترما يا‬
‫دكتور‪ ،‬هل هذا ممكن؟‪.‬‬
‫قال ذلك وأجهش في البكاء مما أربك إبراهيم كثاي ارا‪ ،‬فقد عشعر بتعاطف كبير مع‬
‫على‪ ،‬ولكنه لم يستطيع أن يتخلى عن خطته وهدفه منها‪ ،‬فأخذ يهدئ من روع الشاب‬
‫ووعده بأن يساعده على استعادة احترامه لنفسه‪ ،‬ثام قال له‪.‬‬
‫‪ -‬شوف يا على‪ ،‬أخبرتك بمدى اهتمامي بموضوع الجماعات الدينية‪ ،‬وأنا الن أطلب‬
‫منك أن تحكى لي تفاصيل رحلتك معهم للحج‪ ،‬فهل تستطيع ذلك أم نرجئ الكلم في‬
‫هذا الموضوع إلي يوم آخر؟‪.‬‬
‫حرك الشاب رأسه ليؤكد علي أنه يريد أن يتكلم الن‪ ،‬ثام جفف دموعه وقال‪.‬‬
‫‪ -‬إنهم يمارسون الجنس المقدس بشبق ونشوة أسطورية كأهم مراسم حجهم‪ ،‬ويتعبدون‬
‫لتمثاالين من الذهب‪ ،‬لرجل يبدو جسمه كجسم امرأة فبدا لي وكأنه تمثاال لخناتون‪،‬‬
‫والثااني لسيدة أعرفها تماما فهي الملكة تي أم إخناتون وزوجته‪.‬‬
‫ثام نظر لبراهيم في فخر واعتزاز وقال‪.‬‬
‫‪ -‬على فكرة يا دكتور أنا هوايتي هي الطلع على الكتب والمجلت التي تهتم بتاريخ‬
‫الفراعنة‪.‬‬
‫ابتسم إبراهيم وهز رأسه ليوحي له بأنه يصدقه‪ ،‬فاستطرد علي‪.‬‬
‫‪ -‬كان الرجال يرتدون ملبس تشبه ملبس الحرام السلمية‪ ،‬أما النساء فكانوا كانوا‬
‫طوال الرحلة عرايا تماما إل من نقاب أسود‪ ،‬يغطى كل الوجه فل يظهر منه إل العين‬
‫اليسري‪ ،‬وتبدأ طقوس الحج بانتظام الجميع في صفوف متساوية‪ ،‬ثام يبدءون في الركوع‬
‫والسجود خلف الكاهن الذي يقف بالضبط بحيث تلمس جبهته أصابع التمثاالين عند‬
‫سجوده‪ ،‬بعد انتهاء الصلة دخل الكاهن إلى الكهف ثام خرج وبيده علبة من الذهب راح‬
‫ينثار ما بها من تراب على التمثاالين‪ ،‬لتصدح بعدها الدعية والناشيد في المكان‪،‬‬
‫وينتهي فاصل البتهالت سريعا ليغرقوا لعدة ساعات في مجون ل يصدق‪ ،‬تطهروا‬
‫بعدها بأدخنة البخور المحترق‪ ،‬بعد ذلك قام الكاهن ومعه الكاهنة بحمل التمثاالين‬
‫وأدخلوهما إلى غرفة مبطنة بألواح من الذهب ومكثاا بداخلها‪ ،‬بينما وقف الجميع أمام‬
‫الباب يسترقون السمع في شوق وصمت مهيب‪ ،‬بعد دقائق تعالت من داخل الغرفة‬

‫‪200‬‬
‫أصوات تأوهات مكتومة تحولت بسرعة لصرخات حادة ومتقطعة‪ ،‬ععم بعدها المكان‬
‫صمت رهيب إل من بعض الهات الممتدة‪ ،‬دقائق وسمعت الرجل والمرأة يصرخان‬
‫بكلمات غريبة ما إن ترامت لمسامع الجمع حتى راحوا يبكون وينتحبون‪ ،‬بعد قليل خرج‬
‫الرجل يخطو في ثاقة وشموخ وبيمناه عصا صغيرة وبجواره المرأة تمشي على أطراف‬
‫أصابع قدميها وتمد جسدها للمام وتفرد ذراعيها في نشوة وكأنها تحاول أن تطير‪،‬‬
‫عندها طغى على الحضور فرح عارم وانطلقوا في الصراخ والتهليل وتبادل الحضان‬
‫والقبلت‪ ،‬وكأنهم يتبادلون التهاني على نجاح أو انتصار ما‪ ،‬رفع الكاهن يده لعلى‬
‫فكتم الجميع أنفاسهم ليستمعوا لما يقوله الرجل ‪.‬‬
‫غرفة ذهبية‪ ،‬تمثاال‪ ،‬ذهب‪ ،‬كلمات أشعلت حماس إبراهيم وملته بالمل في‬
‫صفقة أسطورية‪ ،‬أخذ يسجل في عقله بعض النقاط الهامة تمهيدا لمناقشتها مع علي‬
‫باستفاضة لحقاا‪ ،‬وبالطبع لم ينعس أن يستحث الشاب ليواصل كلمه بإيماءات من رأسه‬
‫وبنظرات شغوفة بمعرفة المزيد‪ ،‬كان علطى مرتاحا لهتمام صديقه هذه المرة‪ ،‬فقال‪.‬‬
‫‪ -‬انتهي الرجل من حديثاه وأخذ يلوح بالعصا للجمع ثام ألقاها على الرض فصارت في‬
‫التو واللحظة ثاعبان ا يتلوى زاحف ا ثام راح يقفز هنا وهناك والجميع يتحاشاه في فرح‪ ،‬ثام قفز‬
‫الثاعبان لعلى وللمام قفزة خاطفة وسريعة وكأنه قذيفة واختفي في الرمل بعدها‪ ،‬صرخ‬
‫الكاهن في الجمع الذي كان منشغلا بالثاعبان‪ ،‬وعندما امتلك أبصارهم أخرج يده اليمنى‬
‫من ملبسه فخرجت بيضاء من غير سوء‪ ،‬لوح بها عاليا فتللت كمصباح يضئ‬
‫نها ارا‪ ،‬صرخوا في جنون وأخذوا يرددون كلمة لم أفهم معناها حتى الن ‪ ...‬هاللويا ‪...‬‬
‫هاللويا‪ ،‬تيقنت أنهم يمارسون السحر السود‪ ،‬فشعرت بموجة من الخوف والجزع تلهو‬
‫بأعصابي‪ ،‬انسحبت لختبئ‪ ،‬وأثاناء انشغالهم بحرق ملبس الحرام وتجهيزهم لمتعتهم‬
‫استعدادا للرحيل‪ ،‬تسللت إلى الكهف‪ ،‬بمجرد أن دلفت للداخل نظرت في أول غرفة‬
‫وكانت على يميني‪ ،‬فوجدتها واسعة وتدعغطى جدرانها رسومات فرعونية رائعة‪ ،‬وبها عدة‬
‫تماثايل مختلفة الحجام واللوان وفى نوعية الحجارة التي صنعت منها‪ ،‬إبداع ل يصدقه‬
‫عقل‪ ،‬بعدها دخلت من باب على اليسار فوجدت نفسي في الغرفة الذهبية ولم يكن‬
‫بداخلها إل التمثاالن علي قاعدة من الرخام البيض الشفاف‪ ،‬جميع غرف الكهف بل‬
‫باب ولكن في نهايته رأيت بابا كبي ار من الخشب‪ ،‬دفعته لدخل إلى غرفة فسيحة‬

‫‪200‬‬
‫جدرانها مطلية باللون الحمر القاني ويتوسطها تمثاال من الذهب طوله حوالي نصف‬
‫متر يستند على قاعدة من الفيروز الزرق الشفاف‪ ،‬المدهش أن ضوء النهار كان يدخل‬
‫من نافذة عميقة بالجدار الشرقي للغرفة‪ ،‬فينعكس على التمثاال وقاعدته فيضئ الغرفة‬
‫بمزيج خيالي من الشعة الذهبية وأطياف متداخلة من اللون الزرق واللون الحمر‪،‬‬
‫قرأت على قاعدة التمثاال كتابة باللغة المصرية القديمة دخطت بالطريقة الهيروغليفية‪،‬‬
‫وكذلك عدة نقوش وخراطيش مكتوبة بعدة لغات‪ ،‬تعرفت منها بالطبع على كلمات‬
‫عربية‪ ،‬إوانجليزية‪ ،‬وأيضا قرأت كلمات قبطية ودأخرى عبرية بنفس المعنى وكأن العبارات‬
‫الصلية كانت مترجمة لعدة لغات‪ ،‬وأنا أستطيع قراءة الكتابة المصرية‪ ،‬كما أنى أعرف‬
‫الكثاير من الكلمات العبرية‪ ،‬فلي صديقة إسرائيلية‪ ،‬قضيت معها هنا بالقصر شه ار‬
‫ل‪.‬‬
‫كام ا‬
‫قال ذلك ثام مص شفتيه وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬نعم هي يهودية إنما جميلة جداا‪ ،‬وحشتني كثاي ارا‪.‬‬
‫تضايق إبراهيم لتغيير على لدفة الحديث فقال من بين أسنانه‪.‬‬
‫‪ -‬لقد أثارت اهتمامي وشوقتني لحديثاك‪ ،‬أرجوك أكمل ول تخرج عن الموضوع‪.‬‬
‫ضحك على ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬آسف يا دكتور‪ ،‬نسيت أنك ل تهتم بالنساء‪ ،‬ما علينا‪ ،‬أتذكر جيدا بعض الجمل‬
‫المكتوبة على قاعدة التمثاال منها‪ ،‬الذي ل اسم له ‪ ،،‬الذي يعيش في الحقيقة ‪ ،،‬سيد‬
‫العالم ‪ ،،‬دمعطى أنفاث الحياة‪ ،‬وفجأة جاءني هاجس أن الفتاه التي خصصوها لمرافقتي‬
‫قد تأتى للبحث عنى‪ ،‬ارتبكت وخرجت بسرعة للطرقة‪ ،‬كنت مشتت ا مذهولا فمشيت‬
‫ععكس اتجاه الخروج من الكهف‪ ،‬توغلت في سرداب طويل يؤدى إلى دغرفة تبدو كغرفة‬
‫للكراكيب‪ ،‬محتوياتها في حالة من الفوضى العارمة‪ ،‬أخليت مدخل الغرفة من الكراكيب‪،‬‬
‫فظهرت قمة تمثاال من الذهب طوله حوالي نصف متر‪ ،‬يتوارى خلف مجموعة كبيرة من‬
‫الواني الفخارية وعدد من التماثايل الصغيرة من البازلت والجرانيت وكومة من الوناسات‬
‫والمكاحل‪ ،‬وخلف التمثاال تابوت صغير تغطيه نقوش رائعة‪ ،‬أثاار التمثاال انتباهي بشدة‪،‬‬
‫فبينما كنت أتفحصه وأتمعن فيه سرت في جسدي رجفة خفيفة شعرت بعدها بخوف‬

‫‪200‬‬
‫عظيم‪ ،‬وبالرغم من أنه تمثاال لطفلة صغيرة فقد اعتقدت أنها تنظر في عيني وتعلهم‬
‫بالحديث إلى‪.‬‬
‫بالرغم من السرور البالغ الذي شعر به إبراهيم وهو يسمع جملة‪ ،‬تمثاال ذهب‪،‬‬
‫يرددها علي م ار ارا‪ ،‬فإنه لم يعد يطيق صب ار فسأل على‪.‬‬
‫‪ -‬لمن هذا التمثاال وهذا التابوت؟‪.‬‬
‫‪ -‬قرأت ما معناه مريتان أو ماريام أو مريم أو ميريت آتون‪.‬‬
‫أطاحت الجملة الخيرة بما تبقى لدي إبراهيم من قدرة على الحتمال‪ ،‬قرض‬
‫أظافر يده المرتعشة‪ ،‬انتبه لذلك على‪ ،‬فتوقف عن الكلم وغطى شفته العليا بالسفلى‬
‫وأخذ يهز رأسه يمينا ويسا ار ثام تنهد وقال‪.‬‬
‫‪ -‬وكأنك ل تصدقني؟‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫كان إبراهيم يصدقه ولكنه لم يكن يصدق نفسه‪ ،‬أوضح المر لعلى قائ ا‬
‫‪ -‬هذا طبع يلزمني منذ الصغر‪ ،‬عندما دأثاار أو أتشوق لحكاية أو حتى لفيلم أو‬
‫دمسللعسل‪ ،‬ترتعش يداي وأقرض أظافري‪ ،‬أصدقك ومتشوق لسماع وصف هذا التمثاال‪.‬‬
‫‪ -‬آه‪ ،‬التمثاال‪ ،‬لم أر مثاله من قبل‪ ،‬وكأنه ليس من صنع العبشر‪ ،‬منذ رأيته لم تفارق‬
‫صورته خيالي‪ ،‬ولم أستطع أن أمنع عقلي من التفكير به يوما واحداا‪.‬‬
‫توقف على عن الكلم ورجع بظهره للخلف‪ ،‬ومسح فمه وأخذ نفس ا عميق ا‬
‫وأخرجه ببطء‪ ،‬فكان له صوت مسموع يبعث على السى‪ ،‬تكرر ذلك عدة مرات‪ ،‬فلم‬
‫يشأ إبراهيم أن يقاطع شرود الشاب وتأمله‪ ،‬بل تمسك بالصبر فكان كالصياد يكمن‬
‫لفريسته انتظا ار لوقوعها في شباكه‪ ،‬انهمك في تناول الطعام ليدارى تململه من الصمت‬
‫الذي لف الطاولة‪ ،‬لحظات وسمع علياا يقول وكأنه يتحدث إلى نفسه‪.‬‬
‫‪ -‬خمسة كيلو جرامات من الذهب‪ ،‬جمال يأخذ باللباب‪ ،‬فكرت في الستيلء عليه‬
‫لكنى أخاف من غضب الشيخ عمران‪ ،‬ومن رد فعل تلك الجماعة المجنونة‪.‬‬
‫قال ذلك ثام راح ينفخ مهموماا‪ ،‬ثام نظر إلي إبراهيم وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬لو أنى استوليت على هذا التمثاال‪ ،‬كيف أتصرف فيه؟‪ ،‬لو عرضته للبيع سأعرض‬
‫نفسي لخطر القبض علي وأتسبب في كارثاة لل عمران؟‪ ،‬لو حولته لسبائك من‬
‫الذهب‪ ،‬تصبح قيمته ل تستحق المخاطرة‪ ،‬ما رأيك يا دكتور؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ ،،،‬دكتور! ‪ ،،،‬الدكتور راح في دنيا أخري ‪ ،،،‬معقولة ‪ ،،،‬كل شيء يحدث كما‬
‫خططت له‪ ،‬وبهذه السرعة؟ ‪ ،،،‬على يسألني أنا كيف يتصرف في تمثاال فرعوني‪ ،‬وزنه‬
‫خمسة كيلو من الذهب القديم!‪.‬‬
‫لم يجد من الكلمات ما يجيب به‪ ،‬اكتفى بالنظر إلي الشاب وهو يتمسك بمقعده‬
‫ل‪.‬‬
‫حتى ل يقفز نحوه ويقبله‪ ،‬وقد استمر على في حديثاه قائ ا‬
‫‪ -‬الموضوع بالنسبة لي ليس من أجل المال‪ ،‬بل أريد النتقام من تلك الجماعة‪.‬‬
‫تعالت ضحكاته فجأة‪ ،‬لم تسعفه يده من منع تطاير الرزاز من فمه‪ ،‬نظر إليه‬
‫على في دهشة ثام بادله الضحك‪ ،‬كان إبراهيم يضحك سعيدا بتدابير القدر الذي أوقع‬
‫بصيد ثامين في شباكه بسرعة وسلسة‪ ،‬وكان علي يضحك على ضحك صديقه‪.‬‬
‫‪ ،،،‬ركز واهدأ قليلا يا إبراهيم ‪ ،،،‬لم يحن وقت الفرح والضحك بعد ‪ ،،،‬خذ‬
‫حذرك الولد يتكلم اليوم بسهولة غريبة ‪ ،،،‬أنا غير مطمئن لهذا ‪ ،،،‬معقولة أيكون هذا‬
‫الولد جزاءا من خطة لليقاع بي واصطيادي؟ ‪ ،،،‬ل‪ ،‬ل‪ ،‬ل أصدق هذا‪ ،‬فانا من سعي‬
‫خلفه‪ ،‬ولصالح من يفعل بي ذلك؟‪ ،‬ل‪ ،‬ل‪ ،‬أنه يتكلم على سجيته ‪ ،،،‬صحيح أنا‬
‫مندهش من كشفه لس ارره بهذه السرعة‪ ،‬لكن ذلك يبدو أم ار طبيعي ا من شخص مستهتر‬
‫مثاله ‪ ،،،‬عموما احذر صاحبك ول تخونه ‪ ،،،‬أكيد‪ ،‬وربنا يستر‪.‬‬
‫بينما يرفع كوب الماء إلي فمه سأله إبراهيم في بساطة وتلقائية‪.‬‬
‫‪ -‬هل يمكنك الحصول علي هذا التمثاال؟‪.‬‬
‫أجابه علي ببطء وبنبرة صوت قوية‪.‬‬
‫‪ -‬لو أضمن عدم افتضاح أمري يمكنني إحضاره فو ارا‪.‬‬
‫‪ -‬وكيف يفتضح أمرك والتمثاال موجود بغرفة ل يدخلها أحد؟‪.‬‬
‫حرك رأسه يمينا ويسا ار ثام قال‪ ،‬وكأنه يتحدث إلى نفسه‪.‬‬
‫‪ -‬وال دمملكن ‪ ،،،‬وال كلمك منطقي يا دكتور‪.‬‬
‫ثام مسح على رأسه بيده عدة مرات وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬ولو أحضرته‪ ،‬كيف أتصرف به؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ ،،،‬كده الطبخة نضجت تماماا‪ ،‬لقد أمسكت بطرف الخيط بقوة‪ ،‬وعلي الن أن‬
‫ل‪ ،‬ل تندفع ‪ ،،،‬ل‪ ،‬لم يعد يجدي النتظار فقد تفلت‬
‫ابدأ في لفه بحذر ‪ ،،،‬انتظر قلي ا‬
‫مني المور‪.‬‬
‫مال بجسمه على مائدة الطعام وأشار بيده لعلى ليقترب منه وقال له‪.‬‬
‫‪ -‬اترك لي مسألة التصرف في التمثاال‪.‬‬
‫اعتلت وجهه الدهشة‪ ،‬ووضع سبابته اليمني في أذنه لينفضها وهو ينظر‬
‫للدكتور يستوضح المر‪ ،‬فابتسم إبراهيم وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬هذا هو العمل الذي سألتني عنه من قبل‪ ،‬لقد تخرجت من كلية الطب ولكني لم‬
‫أعمل أبدا بمهنة الطب‪ ،‬أنا رجل أعمال لدي مكتب للستيراد والتصدير‪ ،‬وأمتلك عدة‬
‫مشروعات سياحية‪ ،‬ومع هذا فإن معظم ثاروتي جمعتها من تجارة الثاار‪.‬‬
‫لم تفارق الدهشة على‪ ،‬فتوقف إبراهيم عن الكلم ونظر حوله ثام اقترح أن يكمل‬
‫حديثاهما في السيارة‪ ،‬وفى الطريق راح يشرح لعلي بعض أسرار شغلة الثاار وخطوات‬
‫تنفيذ عملية البيع والشراء فقال‪.‬‬
‫‪ -‬أول خطوة لبد من التأكد من أن الثار موجود وتحت سيطرتنا ثام نتأكد من أنه سليم‬
‫وله قيمة تاريخية‪.‬‬
‫تململ علي ثام طلب معرفة المطلوب منه تنفيذه بشكل عملي فقال الدكتور‪.‬‬
‫‪ -‬أولا تقوم بتصوير التمثاال‪ ،‬بكامي ار حديثاة‪ ،‬من كل الزوايا والبعاد لتوضيح سيمترية‬
‫التمثاال وكذلك النقوش والكتابة بدقة‪ ،‬سواء كانت على المسطرة علي ظهر التمثاال‪ ،‬أو‬
‫على قاعدته‪ ،‬وبعد ذلك سأقوم بعرض التصوير على التاجر الجنبي الذي أتعامل معه‪،‬‬
‫ولو أقر الصفقة سيعرض علي سع ارا‪ ،‬إوان قبلت أنت بالسعر الذي عرضه‪ ،‬سأعطيك‬
‫مليون دولر ونبدأ بعدها في التفاوض للتفاق علي خطوات تنفيذ الصفقة‪.‬‬
‫فوجئ بالشاب يضحك بشدة وهو يرمقه بنظرات قرأها على أنها استهتار بما‬
‫سمعه‪ ،‬أسقط في يده‪.‬‬
‫‪ ،،،‬وكأن هذا الشاب كان يلعب بك ليعرف من أنت ويتعرف علي أخبارك‪ ،‬وها‬
‫هو يسخر منك ‪ ،،،‬اعتقدت أني علي وشك النجاح ‪ ،،،‬وما العمل؟ ‪ ،،،‬يبدو أنك لم‬

‫‪200‬‬
‫تفهم هذا الشاب جيدا ‪ ،،،‬وما العمل؟ ‪ ،،،‬ليس أمامك إل أن تصبر وتشترى منه للنهاية‬
‫‪ ،،،‬حسناا‪.‬‬
‫نظر إبراهيم إليه في عتاب‪ ،‬فقال على وهو يحاول أن يتوقف عن الضحك‪.‬‬
‫‪ -‬تصوير إيه‪ ،‬ومليون إيه؟‪ ،‬وكأننا اتفقنا يا دكتور‪.‬‬
‫‪ -‬ولما ل نتفق يا على؟! هذه صفقة أقلها ستجني منها عشرة مليين دولر‪.‬‬
‫‪ -‬قلت عكم؟‪.‬‬
‫‪ -‬عشرة مليين دولر‪ ،‬ويمكن أكثار من ذلك‪.‬‬
‫أخذ على يحك رأسه بأصابع يده اليمنى ثام يمسح بها على وجهه وهو يهز رأسه‪،‬‬
‫ثام لذ بصمت‪ ،‬ل يدل على تفكير‪ ،‬بل على الحيرة والتوتر وعدم القدرة على اتخاذ قرار‪.‬‬
‫وكأنه عقد العزم على أن يسحب الكلم من فم على‪ ،‬لم ينفك إبراهيم يغريه‬
‫وديعبلسط له المر مؤكدا على ضمان نجاحه بسهولة وآمان‪ ،‬واستمر في ذلك حتى نطق‬
‫على وقال ببطء وكأنه منوم مغناطيسياا‪.‬‬
‫‪ -‬موافق‪ ،‬لكنك ستأتي معي لتصور التمثاال بنفسك‪.‬‬
‫قال ذلك وعقد يديه خلف رأسه‪ ،‬وعاد بظهره للخلف‪ ،‬وراح ينظر للشارع من‬
‫خلف زجاج المطعم‪ ،‬وراح يردد مع نفسه‪ ،‬ربنا ديسدتر‪ ،،،،‬ربنا ديسدتر ‪ ،،،،‬ربنا ديسدتر‪.‬‬
‫‪ ،،،‬غالى والطلب رخيص ‪ ،،،‬ما هو الرخيص؟‪ ،‬هل تعرف إلي أين يأخذك هذا‬
‫الشاب؟‪ ،‬ل تجعل الطمع ينسيك الحذر ‪ ،،،‬آه طبعاا‪ ،‬العحعذر واجب ‪ ،،،‬اتفقنا؟ ‪ ،،،‬ربنا‬
‫يستر‪.‬‬
‫في محاولة للهرب من حديثاه مع نفسه‪ ،‬أخذ إبراهيم يضغط أنفه بين سبابة‬
‫إوابهام اليد اليمني ثام يتركها ليندفع منها هواء الزفير بقوة‪ ،‬ثام سأل عليا بلهفة‪ ،‬عن‬
‫الميعاد‪ ،‬فاتفقا علي الذهاب في فجر الغد بعدما تعهد إبراهيم بالتجهيز للرحلة لتكون‬
‫مريحة وسريعة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫استهلك على بقية يومه متنقلا بين الفنادق‪ ،‬لم تجف شفتاه لحظة واحدة‪ ،‬إن لم‬
‫تبللها الخمر‪ ،‬رطبها شهد اللرضاب‪ ،‬وبعدما تذوق عدة أنواع من فاكهة الشفاه‪ ،‬هام‬

‫‪200‬‬
‫بإحداها‪ ،‬كريز ساخن‪ ،‬خداها في لون حب الرمان‪ ،‬دافئا الملمس‪ ،‬اشتهاها فغزاها‬
‫ففتحها في ساعة من المتعة السطورية‪.‬‬
‫عاد للفندق سكران تهزه النشوة‪ ،‬دلف للحمام وخرج ليتمدد علي السرير‪ ،‬وعندما‬
‫وجده إبراهيم علي حاله هذه‪ ،‬بلع رغبته في الحديث‪ ،‬وجلس يغالب شوقه لمغامرة الغد‪،‬‬
‫وعلى الرغم من اطمئنانه على ترتيب كل شيء بدقة فقد سلمه حماسه للرق فلم تذق‬
‫عيناه للنوم طعماا‪ ،‬وبالكاد تمدد علي السرير وأغلق جفنيه لتتلعب بأعصابه أحلم‬
‫اليقظة‪.‬‬
‫==========‬
‫بدأت الرحلة في الرابعة فج ارا‪ ،‬وقبل أن يغرق الشاب في النوم مرة تل على رفيقه‬
‫الرشادات والتعليمات‪.‬‬
‫‪ -‬ستأخذ الطريق على طول‪ ،‬وقبل حدود محافظة المنيا توقف وأيقظني‪.‬‬
‫بالرغم من عدم نومه‪ ،‬كان إبراهيم في كامل لياقته الجسدية والذهنية‪ ،‬وهذا عهده مع‬
‫صفقات الثاار الكبيرة‪ ،‬وفي المكان الدمتفق عليه أيقظ صديقه الذي نبه عليه أن يعاود‬
‫السير في نفس الطريق لمسافة عشرة كيلومترات‪ ،‬التهمتها السيارة في ظرف عدة دقائق‪،‬‬
‫أبطأ بعدها من سرعة السيارة انتظا ار للتعليمات فأشار على نحو طريق فرعى يتجه غربا‬
‫لمانة‪.‬‬
‫وبانحدار شديد نحو النيل‪ ،‬حيث مرسى معدية ا ع‬
‫كانت المعدية ضخمة ولكنها قديمة ودمتهاللكة فتردد قليلا في الصعود على‬
‫ظهرها بالسيارة‪ ،‬فهو ل ينسى ما قرأه عن مآسي أهل الصعيد مع مثال تلك المعديات‬
‫المتهالكة؟!‪.‬‬
‫مرت به الدقائق ثاقيلة ومرعبة حتى رست المعدية على الشاطئ الغربي‪ ،‬وعندما‬
‫هم بالحديث إلى على‪ ،‬التصق لسانه بسقف حلقه‪ ،‬تناول جرعات من الماء البارد فانفك‬
‫لسانه‪ ،‬لم ينطق بل التزم بإرشادات على فسار بموازاة النيل نحو الجنوب لمسافة عشرة‬
‫كيلومترات بالضبط كما أشار عداد المسافات بالسيارة‪ ،‬فقد تلقي تنبيه مشدد بأنه ل‬
‫مجال للخطأ حتى لو بمقدار أمتار قليلة إوال فالرمل مثاواهما‪ ،‬فالصحراء دمعخادعة‬
‫وعبطنها واسعة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫انحرفت السيارة في اتجاه الجنوب الغربي بزاوية خمسة وأربعين درجة لتجتاز‬
‫عمدق ا ضيق ا وشديد الوعورة‪ ،‬يمتد في عمق الصحراء لمسافة خمسة كيلومترات لينتهي‬
‫فجأة بتلل من الرمل في صحراء ممتدة في اتجاهات متشابهة‪ ،‬عرف إبراهيم قيمة‬
‫وجود البوصلة حين أشار عليه على بضبطها ليقطع بالسيارة مسافة عشرة كيلو متر في‬
‫اتجاه الغرب ليكون خط السير عمودي ا علي مجري نهر النيل‪.‬‬
‫شحذ كل حواسه ليلتزم‪ ،‬وبدقة متناهية‪ ،‬بالتعليمات فكاد أن عيلشم رائحة أعصابه‬
‫المشتعلة‪ ،‬فمنظر الصحراء الممتدة بجلل ومهابة‪ ،‬وكثاافة التلل والحجار المتناثارة‬
‫على مدى البصر‪ ،‬كالبثاور على وجه قبيح‪ ،‬لحري ببث الكآبة والخوف في العنفس مهما‬
‫تحلت بالشجاعة والقدام‪.‬‬
‫شعر بالخوف يطفح من أحشائه‪ ،‬ذاق طعمه في طرف لسانه وشم رائحته في‬
‫زفراته‪ ،‬حاول أن يضحك فجاء ضحكه كهسهسة الدمرتعلعد‪ ،‬كرر المحاولة فخرج ضحكه‬
‫ضعفه ثام‬
‫كفحيح لجفاف حلقه وتشقق لسانه‪ ،‬تجرع قليلا من الماء‪ ،‬عسب خوفه واحتقر ع‬
‫ابتلع ريقه ومال برأسه نحو علي وقال‪.‬‬
‫‪ -‬وال أنت غلطان لي‪ ،‬لقد أخفتني من الطريق مع أنه ناعم كالحرير وآمن‪.‬‬
‫هم بالضحك فأسكته على بقوله‪.‬‬
‫‪ -‬أنت لسه شفت حاجة‪ ،‬الصعب لم يألت بعد‪.‬‬
‫انفجر ضاحكا ونظر للدكتور بعيون دامعة ثام قال بصعوبة‪.‬‬
‫‪ -‬أقسم بال أنك خائف يا دكتور‪.‬‬
‫قال ذلك ثام استغرق في ضحكه الذي ما لبث أن تحول إلى دسعال فأمطر تابلوه‬
‫السيارة والزجاج من أمامه برزاز كثايف‪ ،‬تناول عدة مناديل ورقية وأخذ يجفف دموعه‬
‫ليتمكن من الرؤية‪ ،‬ثام مد يده لينظف التابلوه والزجاج‪.‬‬
‫‪ ،،،‬الظاهر أن الولد ده ل يعرف من أنا ‪ ،،،‬ماشي يا على‪ ،‬سنري من سيضحك‬
‫في النهاية ‪ ،،،‬تحكم بأعصابك حتى ل يشعر بخوفك‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫رسم على وجهه نصف ابتسامة وأغمض عينه اليمني والتفت نحو علي قائ ا‬
‫‪ -‬إبراهيم سالم ل يخاف‪ ،‬فقط أنا حريص علي أن ننهي مهمتنا بنجاح‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫قال ذلك وشرد بذهنه يفكر فيما أورط نفسه به‪ ،‬وحمد ال على أنه استعد لكل‬
‫الحتمالت‪ ،‬كان علي كلما وجده متجهم ا وشاردا ردد في سخرية‪.‬‬
‫‪ -‬وال أنت خائف يا دكتور ‪ ،،،‬هو أنت لسه شفت حاجة‪.‬‬
‫يقولها ويضحك ثام يعاود العكعرة‪ ،‬تمالك غضبه‪ ،‬وحاول أن يجاري الشاب في‬
‫ضحكه‪ ،‬فبالكاد استطاع تحريك عضلت وجهه ليرسم عليه ابتسامة خاوية نجح في‬
‫تثابيتها بمكانها لدقائق حاول خللها التخلص من هاجس راح يراوده‪ ،‬بأن هذا الشاب قد‬
‫يكون هو الطعم الذي اصطاده به أعداؤه وأنه ذاهب لحتفه الن‪.‬‬
‫انزلق علي في مقعده حتى كاد أن يجلس على ظهره‪ ،‬التفت إليه إبراهيم وقال‬
‫في محاولة لفتح حوار جاد‪.‬‬
‫‪ -‬ل تنعس يا على أن دتخرج الزكاة عن نصيبك في هذه الصفقة‪ ،‬فهذا التمثاال بمثاابة‬
‫العكنز‪ ،‬وشرع ا تستحق عنه زكاة الركائز‪ ،‬عشرون بالمائة من ثامنه‪ ،‬وهذا لتضمن أن‬
‫ل‪.‬‬
‫فلوسك تبقي حل ا‬
‫بالرغم من محاولته لكبتها ليتمكن من الكلم‪ ،‬تعالت ضحكاته‪ ،‬وأخي ار تمكن من‬
‫إفلت بعض الكلمات من حلقه فقال‪.‬‬
‫‪ -‬حلل ول حرام يا دكتور‪ ،‬هل تفرق معنا كثاي ارا؟‪.‬‬
‫‪ -‬تفرق معي أنا يا أخي‪ ،‬أنا رجل يخاف ربنا‪.‬‬
‫خرجت منه الكلمات مترددة وغير مقنعة مما زاد من قوة نوبة الضحك التي‬
‫تجتاح عليا‪ ،‬فلم عيلجد إبراهيم غضاضة في أن يبتسم‪ ،‬وقد ترك العنان لخياله لعيحدلم لعله‬
‫ينسى خوفه ولو إلى حين‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫قطعت السيارة المسافة المطلوبة‪ ،‬فطلب منه علي أن يسير نحو الشمال في خط‬
‫مستقيم لمسافة خمسة كيلومترات‪.‬‬
‫تمادى الطريق في قسوته‪ ،‬وتناثارت الحجارة تحت عجلت السيارة فرجتها رجا‬
‫شديداا‪ ،‬تقيأ إبراهيم وتفصد منه عرق غزير بلل ملبسه‪ ،‬وفقد قدرته على التركيز‬
‫وأصبح من الصعب عليه التحكم بعجلة القيادة‪ ،‬وبصعوبة بالغة اجتاز شريط ا ضيق ا‬
‫يمر بين جبلين صغيرين‪ ،‬لم يبلغا الرشد بعد‪ ،‬بعدها كتم أنفاسه حتى عبر نفقا في كتلة‬

‫‪200‬‬
‫صف بالصخرة‪ ،‬وبعد‬
‫صخرية كبيرة ل ترقى لن يقال عنها جبل وأكبر من أن تو ع‬
‫معاناة شديدة‪ ،‬توقف بالسيارة في النقطة المتفق عليها‪.‬‬
‫تنفس الصعداء نهج ا وأخذ يكتم أنفاسه ويطلقها ببطء في محاولة لتهدئة نفض‬
‫قلبه‪ ،‬تناول عبوة من عصير الفاكهة وراح يجفف عرقه وهو يراقب عليا الذي ترجل من‬
‫السيارة وذهب ليقيس مساحة الظل تحت صخرة هائلة‪ ،‬ثام نظر في ساعة يده ومشي‬
‫بعدها في اتجاهات متعددة ومتضاربة يبحث عن آثاار بالرمال ويضع فى أماكن معينة‬
‫علمات مختلفة الحجام والشكال من الحجارة‪.‬‬
‫وبعد حوالي الساعة عاد علي للسيارة وقد تبدل حاله‪ ،‬كان متوت ار ويرتجف بشدة‪،‬‬
‫وراح يلعن الظروف ويسب الحظ في غضب‪ ،‬نظر إبراهيم للشاب‪ ،‬وهو يشعر بالحباط‬
‫واليأس يتسللن إلى نفسه المجهدة‪ ،‬وهمس يسأله‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا بك يا على؟ ‪ ..‬إيه؟ ‪ ..‬فيه إيه؟ ‪ ..‬دتهنا ول إيه؟‪.‬‬
‫انشغل علي بإخراج مسدسه وفحصه حتى أنه لم يسمع السؤال مما حدا بإبراهيم بأن‬
‫يصرخ فيه‪.‬‬
‫‪ -‬رد على‪ ،‬فيه إيه ؟ ‪ ...‬دتهنا ‪ ،،،‬انكشفنا؟‪.‬‬
‫رمقه على بنظرة غضب ونهره لول مرة منذ تعارفهما‪ ،‬وقال‪.‬‬
‫‪ -‬امسك أعصابك يا دكتور‪ ،‬ل ت ل‬
‫صبح فدي هكذا مرة دأخرى‪ ،‬أنا ل أحب ذلك‪ ،‬وبعدين‬
‫كيف نتوه وأنا أعرف الصحراء كما أعرف نفسي؟‪.‬‬
‫ثام استطرد قائلا لبراهيم الذي كان يبادله نظرات الغضب والقلق‪.‬‬
‫‪ -‬المهم دمسدسك جاهز؟‪.‬‬
‫‪ -‬طبعاا‪ ،‬وبالسيارة أيضا بندقية آلية ‪ ،،،‬لكن ليه؟ إيه الحكاية؟‪.‬‬
‫‪ -‬ول حاجة‪ ،‬فقط كن مستعداا‪ ،‬فيه قطيع من الغزلن عمر من هناك منذ دقائق‪ ،‬ومن‬
‫قراءة آثااره بالرمال عرفت أننا سنصادفه في طريقنا ل محالة‪.‬‬
‫‪ -‬يا سلم يا على!‪ ،‬مرعوب بالشكل ده من بضعة غزلن؟‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫ضحك علي ضحكات متوترة ثام التفت نحو إبراهيم قائ ا‬
‫‪ -‬حتم ا سيكون في أثار قطيع الغزلن قطيع آخر من الذئاب الجائعة‪ ،‬ذئاب مفترسة‪.‬‬
‫قال ذلك واعتدل ينظر في الفضاء أمامه وأضاف‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬أهم دور للدليل في تلك المنطقة أنه يبتعد عن طريق الذئاب‪ ،‬لكن ل أدرى لي سبب‬
‫اتخذت الغزلن طريق عكس ما تعودت عليه‪ ،‬إنه الحظ السيئ‪.‬‬
‫‪ -‬هل في رأيك نرجع‪ ،‬ونعاود في يوم آخر؟‪.‬‬
‫تنهد على‪ ،‬وانزلق في مقعده وهو ينظر حائ ار في كل التجاهات‪ ،‬ثام قال وكأنه‬
‫يتحدث إلى نفسه‪.‬‬
‫‪ -‬وكيف الرجوع يا طبيب؟ الخطر من أمامنا ومن خلفنا‪.‬‬
‫اعتدل في جلسته وقال في عجلة وكأنه تذكر شيئا مهماا‪.‬‬
‫‪ -‬دقد السيارة ببطء حسب ما سأدلك وأشير عليك‪ ،‬وأغلق نوافذ السيارة جيداا‪.‬‬
‫‪ -‬أقسم أنك تدهععرج يا على؟‪ ،‬هل زجاج السيارة سوف يحمينا من ذئاب مفترسة؟‪.‬‬
‫حاولت ضحكة وحيدة أن تفلت من سجن الكآبة والخوف بداخله‪ ،‬فابتسم بنصف‬
‫وجهه اليمن والتفت نحو صديقه ورمقه بنظرة حانية من عينه الشمال وقال‪.‬‬
‫‪ -‬الزجاج لن يمنع الذئاب يا دكتور‪ ،‬ولكنه سوف يمنع ما هو أخطر منها‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫ارتبك وراح ينظر للشاب في خوف واستفهام‪ ،‬فأجابه قائ ا‬
‫‪ -‬بعد كيلو متر بالضبط‪ ،‬ستقفز من الرمل أسراب من الثاعابين الطائرة لتنتشر فى‬
‫الفضاء كالجراد‪ ،‬وسوف تهاجم السيارة بضراوة‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫خبط إبراهيم بيديه على مقود السيارة وصرخ قائ ا‬
‫‪ -‬ال أكبر‪ ،‬ثاعابين وتطير كالجراد؟ ال أكبر‪ ،‬هذا ما كان ينقصني اليوم‪.‬‬
‫قال ذلك ولذ بالصمت للحظات ثام تجهم وقال في دهشة‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن كيف يكون في هذا المكان ثاعابين طائرة؟‪.‬‬
‫قال علي بزهو غير مبرر‪.‬‬
‫‪ -‬الجد الكبر لقبيلة العمارنة‪ ،‬كان ملك ا ونبياا‪ ،‬هو عمن جلبها من سيناء‪ ،‬وعمل على‬
‫توطينها هنا حتى إنه بور الراضي الزراعية على جانبي مجري النيل ليحمى ثاعابينه‬
‫المقدسة من عدوها اللدود‪ ،‬أبو قردان‪ ،‬الذي يلتهمها كالديدان‪.‬‬
‫قال ذلك وعاودته نوبة ضحك شديدة أدمعت عينيه‪ ،‬فلم يعد يرى وجه صديقه‪ ،‬الذي‬
‫كان شاردا يحاول أن يبعد عن ذهنه فكرة أن عليا عنصب عليه وعيسخر منه‪.‬‬
‫دقيقة وخمدت نوبة الضحك فمسح على دموعه وقال في سخرية‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬هذه الثاعابين‪ ،‬تدفن نفسها في الرمل وتدخل في بيات شتوي لعدة أشهر‪ ،‬لو أمسكتها‬
‫بيدك ل تستطيع أن تفرقها من أية عصا جافة‪.‬‬
‫أطلق عدة ضحكات باردة ثام أضاف‪.‬‬
‫‪ -‬ل أدري كيف نسيت أنها لم تدخل في بياتها الشتوي بعد‪ ،‬واضح أن الحظ يعاندنا‪.‬‬
‫نظر إليه إبراهيم في امتعاض وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لو أنك أطلعتني من قبل على تلك المعلومات لدكدنا اخترنا الوقت المناسب‪.‬‬
‫‪ -‬الظاهر أن خمر المس كانت مضروبة‪ ،‬أنستني أن أناقش معك تفاصيل الرحلة‪،‬‬
‫وعلى العموم ل تخف سوف نصل لهدفنا بعد قليل‪ ،‬ادعد ال أن يسترها معنا‪ ،‬أكيد‬
‫دعوتك مستجابة‪ ،‬فأنت ل تحب الحرام‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫قال ذلك وراح في نوبة من الضحك الصاخب مما استفز إبراهيم فانفجر قائ ا‬
‫‪ -‬شغلتنا ل تحتمل التهريج يا علي‪ ،‬وماذا تتوقع مني وأنت تعرض حياتنا للخطر‪.‬‬
‫ارتبك على لنظرات إبراهيم النارية ولصوت غضبه المخيف وقال‪.‬‬
‫‪ -‬أنا‪ ،‬أنا فقط أحاول أن أروح عن نفسي بعض الشيء‪ ،‬ل أخفي عليك أني خائف‪،‬‬
‫معذرةا يا دكتور‪ ،‬لكن ل تصيح في هكذا مرة أخري‪.‬‬
‫على مضض اعتذر لعلي الذي شعر بضيق صدر صديقه فقال‪.‬‬
‫‪ -‬أغلق نوافذ السيارة جيداا‪ ،‬وجهز المسدس والبندقية‪ ،‬سأقود أنا المسافة الباقية‪.‬‬
‫قاد على السيارة ببطء وفى اتجاهات متعددة‪ ،‬ومتضادة أحياناا‪ ،‬فتصور إبراهيم‬
‫أن السيارة تدور حول نفس المكان‪ ،‬وفي لمح البصر أحاطت بالسيارة أسراب من‬
‫الثاعابين الطائرة‪ ،‬كانت تندفع من الرمل‪ ،‬وكأن هناك المئات من البنادق‪ ،‬مدفونة‬
‫بالرمل‪ ،‬تطلق قذائفها في نفس اللحظة في اتجاه السيارة‪ ،‬لحظات وتكونت سحابة‬
‫مخيفة من ثاعابين تفلطح جسدها من منطقة البطن فتبدو كأجنحة‪ ،‬كان الوضع ل‬
‫يحتمل بالنسبة لبراهيم‪ ،‬فهو ل يخاف في حياته إل من رؤية ثاعبان‪ ،‬فما بالك بهذه‬
‫العداد الهائلة التي تهاجم السيارة بشراسة وكأنها تريد تحطيمها للفوز بمن فيها‪.‬‬
‫التفت نحو علي وسأله‪.‬‬
‫‪ -‬هل هناك أمل في خروجنا من تلك الورطة؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل تععخف‪ ،‬نحن على وشك الوصول‪ ،‬حالا سنبتعد عن الثاعابين‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫امتل بالهواجس وبمشاعر الندم والحسرة‪ ،‬وفجأة سمع علديا ديهللل ويهنئه على النجاة‬
‫من الثاعابين‪ ،‬فانفرجت أساريره واستعاد إص ارره علي إنجاز المهمة‪.‬‬
‫لم يدم به الحال طويلا فبعد عدة مئات من المتار عاد على لعسب الظروف والدنيا‬
‫وهو ديعغاللب عناد عجلة القيادة حتى إنه مال عليها بكل جسمه وشحذ كل قوته حتى‬
‫رضخت له فنجح في إدخال السيارة إلي كهف كبير بالجبل ثام أوقف المحرك وراح‬
‫ظر لصديقه الدمندهش‬
‫يسترق السمع وهو يجول بنظره إلي خارج الكهف‪ ،‬ودون أن عين د‬
‫مما يحدث قال في يأس‪.‬‬
‫‪ -‬حتم ا ستمر الذئاب من هنا بين لحظة وأخري‪ ،‬على ال أنها ل تشدم رائحتنا‪.‬‬
‫ضحك في نفسه‪ ،‬من نفسه ومن خوفه‪ ،‬وراح يسترق السمع هو الخر‪ ،‬لحظات‬
‫وشعر براحة اليأس تجلى نفسه فتنسيها الخوف والقلق فانزلق في المقعد وهو ديعرلدد في‬
‫نفسه‪ ،‬فليحدث ما يحدث‪ ،‬وبعد حوالي لنصف الساعة‪ ،‬تنبه إلى أن عليا تحرك بالسيارة‬
‫ليخرج من الكهف وسمعه يقول‪.‬‬
‫‪ -‬الظاهر أن اللست الوالدة داعية لك يا دكتور‪ ،‬أتسمع صراخ الغزلن‪ ،‬كنا سنصرخ‬
‫بدلا منها‪.‬‬
‫شعر بشيء من المان وقال‪.‬‬
‫‪ -‬أليس من الفضل النتظار لبعض الوقت؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل داعي للنتظار‪ ،‬فطالما وجدت الذئاب طعامها هدأت‪ ،‬ليس لديها طمع البني آدم‪،‬‬
‫مهما عظم ما بيده يطمع في المزيد‪ ،‬كحالنا يا دكتور‪.‬‬
‫تقبل إبراهيم النقد اللذع علي مضض وقال في ضيق صدر‪.‬‬
‫‪ -‬لم أعهدك فيعلسوفا من قبل‪ ،‬متى نصل للمكان أيها الفيلسوف؟‪.‬‬
‫‪ -‬بعد كيلو متر واحد بالضبط‪ ،‬سندخل في عبطن الجبل الذي يظهر أمامنا هناك‪ ،‬ثام‬
‫عنعدبر نفق ا طويلا يخترقه إلى حيث وادي الموت‪ ،‬وهو والد شاسع ينتهي عند سفح جبل‬
‫العدم حيث الكهف المقصود‪.‬‬
‫بعد معاناة حقيقةا وصل إلى غرضهما‪ ،‬جبل الدم‪ ،‬ذلك الجبل المهيب والدمدلهش‪،‬‬
‫صخوره لونها بيج‪ ،‬يقترب من لون بشرة النسان‪ ،‬وتغطيها بكثاافة عروق صخرية طولية‬

‫‪200‬‬
‫بارزة ومتعرجة لونها أحمر قالن وكأنها سيول من الدم النازف من جسد الجبل‪ ،‬نسى‬
‫إبراهيم كل معاناته وأخذ يشهق وهو يقول في دهشة بالغة‪.‬‬
‫‪ -‬يا ال‪ ،‬ل أصدق ما أراه‪ ،‬هذا ليس حقيقياا‪ ،‬إنه وهم أو سحر‪ ،‬نعم هذا لسحر‪.‬‬
‫فقال علي في حنان‪.‬‬
‫‪ -‬اهدأ وأمسك أعصابك يا دكتور‪ ،‬أنت لم تعر شيئ ا بعد‪.‬‬
‫قال ذلك ودخل بالسيارة في كهف ببطن جبل الدم‪ ،‬وطلب من إبراهيم أن يفعل مثاله‬
‫ويشرب الكثاير من الماء ومن المياه الغازية‪ ،‬لن أمامهما مسافة طويلة سيقطعونها‬
‫مترجلين على الصخور والحصى‪ ،‬ولن يستطيع أحدهما أن يحمل معه شيئ ا لنه‬
‫سيحتاج لجسمه خفيفا ولطرافه حرة ليتمكن من حفظ توازنه وهو يعبر بين الصخور‬
‫وفوقها‪.‬‬
‫اتجها ناحية الجنوب‪ ،‬بموازاة جبل الدم‪ ،‬وبعد حوالي نصف ساعة من الصعود‬
‫الدمجلهد والهدبوط الدمخيف وجدا أمامهما‪ ،‬تحت سفح الجبل‪ ،‬ساحة فسيحة دممهدة‪ ،‬فتأكد‬
‫إبراهيم أن هناك فعلا من يقصد هذا المكان فاطمأن قلبه‪.‬‬
‫عب ار الساحة في نفس التجاه حتى توقف على ونظر إلى يمينه‪ ،‬حيث باب الكهف‬
‫ت الضوء‬‫المقصود‪ ،‬وأشار لبراهيم ليتبعه إلى دالخل الكهف‪ ،‬كلما خطوا بداخله عخف ع‬
‫شيئ ا فشيئاا‪ ،‬فأخرج على مصباحه الضوئي لدينير المكان وأكد على إبراهيم أل ينظر إلى‬
‫يمينه أو إلى يساره وأن عليه أن ينظر أمامه فقط حتى يصل للغرفة‪ ،‬وكأنه توقع أن‬
‫إبراهيم سيحاول استكشاف المكان‪ ،‬وبالفعل عندما طلب أن يرى الدغرعفة العذهبية وبقية‬
‫غرف الكهف رفض على بشدة فلم يحاول ذلك ثاانيةا خاصة عندما لحظ تحول علي‬
‫إلي شخص عصبي للغاية‪.‬‬
‫تبعه إبراهيم إلي الغرفة في صمت وشغف‪ ،‬الفعدم عفالغرر‪ ،‬العينان جاحظتان‬
‫ومندهشة‪ ،‬أنفاسه تتسارع ثام تتباطأ وقد شعر بقلبه ينبض بقوة وكأنه يحاول أن يحطم‬
‫الضلوع لديعحرر نفسه من محبسه‪ ،‬مسح وجهه بيديه ثام نفخ فيهما بقوة في محاولة للتحكم‬
‫برعشة أطرافه فخاب أمله‪ ،‬اشتدت الرعشة وتصبب عرقه بغ ازرة ليبملل ملبسه‪ ،‬لحظ‬
‫على حال صديقه فقال‪.‬‬
‫‪ -‬لقد نبهت عليك بتناول كمية كبيرة من الماء وكذا من العصائر‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫لم يسمع إل طنينا بأذنيه ثام غشي بصره وراح يترنح‪ ،‬تلقفه على قبل أن ينهار على‬
‫الرض‪ ،‬أجلسه أرض ا وأخرج من ملبسه عبوة من عصير الفاكهة وناولها له فأفرغها‬
‫في جوفه‪ ،‬لحظات وشعر بالنشاط يدب بجسده فقام وتحرك في الحجرة ليتفحص‬
‫محتوياتها‪ ،‬وبسرعة نفض عن نفسه التعب والدهشة وترك العنان للثاارة تجتاحه‪ ،‬ودون‬
‫أن ينبس بكلمة أخرج الكامي ار ليصور الغرفة‪ ،‬فصرخ فيه علي‪.‬‬
‫‪ -‬يا دكتور كلمي واضح‪ ،‬ستصور التمثاال فقط‪ ،‬ل يجب أن يظهر بالتصوير أي‬
‫شيء آخر‪.‬‬
‫امتثال للتعليمات وأخرج من جيبه الصفحة الولى من جريدة الهرام‪ ،‬عدد المس‪،‬‬
‫ثام فردها على قاعدة التمثاال وراح يصوره من كل الزوايا تصوي ار دقيقاا‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كان تعب العودة دمحعتملا لدي إبراهيم فقد أخذته الحلم لديعحللق بعيدا في فضاء من‬
‫الخيال أوشك أن يصبح حقيقة‪.‬‬
‫علي البر الشرقي للنيل ترجل على من السيارة قاصدا العبارة لتقله مرة أخري للبر‬
‫الغربي في طريقه لمضارب القبيلة‪ ،‬وقبل أن تأخذ السيارة سرعتها‪ ،‬شاهده يجرى خلفه‬
‫ويشير له ليتوقف‪ ،‬لحظات وكان على يرتكن بذراعيه على شباك السيارة ويهمس له‬
‫ل‪.‬‬
‫قائ ا‬
‫‪ -‬المليون دولر‪ ،‬تكون دولرات جديدة‪ ،‬من بعد سنة ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪ -‬إن شاء ال‪ ،‬ده أنت طلعت داهية يا علي‪ ،‬علي ميعادنا‪ ،‬ل إله إل ال‪.‬‬
‫‪ -‬محمد رسول ال‪.‬‬

‫‪----------‬‬
‫ما إن وصل لمقر شركته بالقاهرة حتي بادر إبراهيم سالم بالتصال بالخواجة بيتر‬
‫وأرسل له بالتصوير على بريده اللكتروني‪ ،‬وعلي كرسيه الهزاز جلس ينتظر الرد‪،‬‬
‫وخلل ذلك حاول تنويم نفسه مغناطيسياا‪ ،‬كما علمه صديقه رضا جلل‪ ،‬ليصل بعقله‬
‫للحالة الذهنية ألفا التي يعتقد أنها تعيد لجسمه النشاط والحيوية ويستعيد معها قدراته‬

‫‪200‬‬
‫العقلية وأهمها القدرة على التفكير والتخطيط‪ ،‬وبالفعل استرخت عضلت جسمه وعاد‬
‫عقله لنشاطه المعهود‪ ،‬لكنه بدأ يشعر بخوف غامض لم يجد له تفسي ارا‪،‬‬
‫وبعد عدة ساعات وصله الرد من الخواجة واستغرقا حوالي الساعة في فصال وجدال‬
‫محموم حتى اتفقا في النهاية علي الثامن وعلى طريقة الدفع وكذا علي ميعاد التسليم‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫تسلم إبراهيم خطاب ضمان بنكي من شركة بيتر بألمانيا بما قيمته خمسة‬
‫وعشرون مليون دولر‪ ،‬وخلل أسبوع كان قد انتهى من تصدير بضائع إلى ألمانيا‬
‫قيمتها الحقيقية خمسة مليين جنيه‪ ،‬وكان ثامن التمثاال هو الفرق بين القيمة الحقيقية‬
‫للبضائع وبين قيمتها علي الوراق الرسمية‪ ،‬وهكذا أصبحت العملية في مراحلها‬
‫النهائية‪ ،‬التسليم والتسلم‪ ،‬فقام بالتصال بعلي العمرناوي واتفقا علي تناول طعام الغداء‬
‫سوي ا بصالة طعام فندق أرابيسك بشارع محمد فريد بالقصر يوم السبت‪ ،‬الثالثاين من‬
‫أكتوبر لسنة ‪2004‬م‪.‬‬
‫انتظر إبراهيم الشاب السمر لكثار من ساعتين‪ ،‬ومع ذلك استقبله بحفاوة‪ ،‬فهو‬
‫بالفعل قد اشتاق إليه‪ ،‬وفى الحقيقة لم يكن على أقل منه لهفة لهذا اللقاء‪ ،‬ولكنه بالكاد‪،‬‬
‫استطاع اليوم‪ ،‬أن يقنع الشيخ عمران بأن يسمح له بالذهاب للمنيا لنهاء بعض‬
‫الجراءات الخاصة بتسجيله للدراسات العليا بكليته‪ ،‬ولنه استقل القطار فكان لبد له‬
‫أن يتأخر عن موعده‪ ،‬ولم يكن إبراهيم في حاجة لتبريرات على واعتذاره عن التأخير‪،‬‬
‫فيكفى أنه جاء‪.‬‬
‫وبعد تناولهما طعام الغذاء لحظ أن عليا لم يتناول العخمر كعادته فتوقع أنه ينتظر‬
‫أمارة للصفقة فسأله‪.‬‬
‫‪ -‬لقد تأخر الوقت وأغلقت البنوك أبوابها أين ستحتفظ بالمليون دولر؟‪.‬‬
‫تهلل وجه على وقال وهو يغالب لهفته‪.‬‬
‫‪ -‬عايز تفهمني أن الفلوس معك الن؟‪.‬‬
‫‪ -‬الفلوس بالسيارة‪ ،‬هيا بنا‪ ،‬أوصلك بالفلوس للمكان الذي تريده‪.‬‬
‫ارتبك على وتلعثام وهو يقول في خجل‪.‬‬
‫‪ -‬ل تفهمني خطأ يا دكتور‪ ،‬أنت تسلمني الفلوس‪ ،‬وليس لك صالح أين أحتفظ بها‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫نظر إليه إبراهيم في دهشة وابتسم ليغالب ظنه ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬كما تريد يا صديقي‪ ،‬فلوسك وأنت دحر فيها‪ ،‬لكن هناك كلم مازال بيننا‪.‬‬
‫‪ -‬ساعة زمن وألحق بك في الفندق‪.‬‬
‫في السيارة سلمه إبراهيم حقيبة الفلوس ثام أنزله على ناصية شارع د‪ .‬لبيب حبشى‬
‫وأكمل هو طريقه إلى الفندق وهو يغالب هواجسه وقلقه من التغيير في أسلوب تعامل‬
‫علي معه‪.‬‬
‫ألقى علي السرير بجسده الدمرهق‪ ،‬من جراء السفر وكثارة التفكير‪ ،‬وعبثاا حاول أن‬
‫يطمئن نفسه‪ ،‬وقبل أن يبلغ به التوتر مداه سمع طرق ا على الباب‪ ،‬رحب بعلي ودون أن‬
‫يتطرق لما حدث بينهما على الغذاء سأله‪.‬‬
‫‪ -‬هيه يا بطل‪ ،‬متى التنفيذ؟‪.‬‬
‫وهو شارد الذهن قال‪.‬‬
‫‪ -‬في أي وقت تحدده يا دكتور؟‪.‬‬
‫‪ -‬نذهب الفجر‪ ،‬حتى يمكنني الرجوع للقاهرة قبل دخول الليل‪.‬‬
‫تلعثام علي وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬على طول كده؟‪.‬‬
‫قال ذلك وراح يتجول بالغرفة في حيرة واضحة‪ ،‬وعندما لحظ توتر الشاب‬
‫وعصبيته الزائدة سأله مباشرة‪.‬‬
‫‪ -‬فيه إيه يا علي؟‪ ،‬إياك تكون متردداا‪ ،‬الموضوع دخل في العجد ولم يعد بمقدورنا‬
‫التراجع‪ ،‬نقتل أنا وأنت فو ارا‪.‬‬
‫التفت إليه بوجه محتقن من الغضب وقال‪.‬‬
‫‪ -‬من يقدر يقتلني يا دكتور؟‪ ،‬أظنك عارف من هو علي العمرناوي وعمن دهم أهله‪.‬‬
‫‪ -‬أعرف‪ ،‬لكن تقلبك يخيفني‪.‬‬
‫‪ -‬ل عتخف يا دكتور‪ ،‬أنا لست متردداا‪ ،‬فقط المشوار ثاقيل علي قلبي‪.‬‬
‫‪ -‬أليست عشرة مليين دولر بكافية لتحمل أي تعب‪ ،‬مبلغ يمكنك أن تحقق به‬
‫أحلمك‪ ،‬مثالا يمكنك امتلك ملهي ليلى شيك وحينها ستمطر عليك السماء نساء‪ ،‬ومن‬
‫كل شكل ولون‪ ،‬وتعيش حياتك وتضمن مستقبلك‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ماشى يا دكتور‪ ،‬ما هو أنا ناقص إغراء‪.‬‬
‫قال ذلك ثام نظر لبراهيم بقوة وسأله‪.‬‬
‫صعنم؟‪.‬‬
‫‪ -‬عمن سيشترى هذا ال ع‬
‫‪ -‬هذا ليس من شأنك يا علي‪.‬‬
‫‪ -‬ليه؟‪ .‬ألست أنا صاحب التمثاال‪ ،‬أم لديك رأي آخر يا دكتور؟‪.‬‬
‫‪ -‬عليك إحضار التمثاال وحينها عتقلبض فلوسك هذا هو دورك وتلك هي حدودك‪.‬‬
‫رد في غضب وهو يلوح لبراهيم بسبابته اليمنى‪.‬‬
‫‪ -‬ل ترسم لي حدودي يا دكتور ول داعي لن تغضبني فذلك ل يحمد عقباه‪.‬‬
‫‪ -‬ولعمـَ التهديد يا علي‪ ،‬نعيد للناس فلوسها وربنا يتولني برحمته‪.‬‬
‫خرجت منه الجملة الخيرة مرتعشة ويائسة‪ ،‬قالها ليختبر ما يجول بخاطر الشاب‬
‫الذي ارتبك وقال في هدوء غير متوقع وبنبرة عتاب‪.‬‬
‫‪ -‬كل هذا الغضب لني أريد أن أعرف من هو الطرف الخر في الصفقة؟‪.‬‬
‫لم يترك الفرصة تفلت من بين يديه وقرر الضغط على الشاب الطامع في المليين‬
‫فقال‪.‬‬
‫‪ -‬يا صديقي‪ ،‬أهم قاعدة في شغلتنا هي التزام كل فرد بدوره فقط‪ ،‬ول يجب أن عيعلرف‬
‫أكثار مما يحتاج إليه ليؤدى دوره بدقة‪ ،‬كما أن المعرفة بين مالك التمثاال والمشترى تكون‬
‫خطيرة علي كليهما ولهذا فكل منهما يستعين بوسيط ليقوم بترتيب الصفقة إواتمامها‬
‫ليحمي نفسه‪ ،‬ولهذا يأخذ الوسيط مبلغا كبي ارا‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا لو حدث ونصب أحدهما على الخر؟‪.‬‬
‫‪ -‬هذا دمستحيل‪ ،‬لن المشترى يريد إتمام الصفقة بهدوء وسلم مهما كلفه ذلك من مال‪،‬‬
‫لنه سوف يربح أضعاف ما يدفعه‪ ،‬كما أن البائع يكون حريص ا على التخلص من‬
‫البضاعة وقبض ثامنها‪ ،‬وقبل هذا وذاك تسليم الفلوس وعدها والتأكد من سلمتها يتم‬
‫قبل تسليم الدشغل‪ ،‬أنا وسيط عنك كما أن الخواجة وسيط عن المشتري‪ ،‬ودوري هو‬
‫تأمين فلوسك ودوره تأمين البضاعة للمشترى‪.‬‬
‫تمادي في محاولته لطمأنة علي ولكنه لم يعد مطمئن ا لما يبديه الشاب من لهفة‬
‫في الستفسار إوالحاح في السئلة‪ ،‬فراح يراجع خطته لتأمين الصفقة‪ ،‬فهو يعرف أن‬

‫‪200‬‬
‫ساعة التنفيذ تععتبدل النفوس ويعرف أن حضور المال يذهب بالعقول فيسود الطمع‬
‫والشر‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫أعد إبراهيم العدة لجميع الحتمالت التي توقعها ودرسها جيدا فقام بوضع خطط‬
‫أساسية وأخرى بديلة للتعامل مع أي طارئ‪ ،‬بسرعة وكفاءة‪.‬‬
‫انطلقا نحو الهدف في الفجر‪ ،‬كان صمت على وشروده يضخان مزيدا من القلق‬
‫والحذر في نفسه وعقله‪ ،‬وكلما حاول أن يفتح بابا للحديث معه كان الشاب يرد‬
‫باقتضاب‪ ،‬وفجأة التفت إليه علي وسأله‪.‬‬
‫‪ -‬هل البندقية والمسدس معك؟‪.‬‬
‫زم شفتيه ونفخ الهواء بسرعة فخرجت منه صفارة الدهشة والمفاجأة وقال‪.‬‬
‫‪ -‬نسيت المسدس في القاهرة لكن البندقية تحت الكنبة الخلفية أل تكفى؟‪.‬‬
‫نظر إليه على نظرة شك وهمس وكأنه يتحدث إلى نفسه قال‪.‬‬
‫‪ -‬تكفى جداا‪.‬‬
‫قال ذلك وانزلق في مقعده‪ ،‬وحين لحظ إبراهيم تهلل وجهه بابتسامة صفراء حمد‬
‫ال‪ ،‬مرة أخري‪ ،‬على أنه استعد جيدا لكل الحتمالت‪.‬‬
‫مرة أخرى اعتدل في جلسته وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لم أرك ترتدي هذه الساعة الضخمة من قبل‪ ،‬أتراها تليق بسنك يا دكتور؟‪.‬‬
‫لم يفاجأ بالسؤال‪ ،‬فقد توقع من على أي شيء‪ ،‬من الكلم إلى الفعل‪ ،‬ولهذا‬
‫ل‪.‬‬
‫استطاع أن يدرد بعفوية دمقنعة قائ ا‬
‫‪ -‬عادى‪ ،‬أهداني إياها ابني في عيد ميلدي الماضي‪ ،‬وقد أشتراها على ذوقه‪ ،‬فهو ما‬
‫زال دمراهقاا‪ ،‬لبستها اليوم لني أتفاءل بها كثاي ارا‪.‬‬
‫ب الساعة من وجه على وأضاف‪.‬‬
‫عقر ع‬
‫‪ -‬هل أعجبتك؟‪ ،‬لول أنها هدية من ابني لعطيتها لك‪.‬‬
‫اطمأن للكلم فقال‪.‬‬
‫‪ -‬نزودها لك يا دكتور‪ ،‬ربنا يخلى لك ابنك‪ ،‬هو اسمه إيه؟‪.‬‬
‫‪ -‬اسمه دأسامة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬عاشت السامي يا دكتووورر‪.‬‬
‫همس بالكلمة الخيرة بطريقة مريبة ثام انزلق‪ ،‬مرة أخري‪ ،‬في مقعده ولذ بالصمت‪.‬‬
‫وعند النقطة التي تولى فيها القيادة‪ ،‬في المرة السابقة‪ ،‬طلب من إبراهيم أن يتوقف‬
‫ليتولى هو القيادة‪ ،‬فترجاه الخير أن ديكمل هو الطريق لنه دمتععولتر للغاية والقيادة دتهلدئ‬
‫من عأعصابه‪ ،‬وتحجج أيض ا بأن قيادة على ترجه رج ا عنيف ا يجعله يتقيأ وهو ل يحب‬
‫ذلك‪ ،‬والدمدلهش أن عليا استجاب فواصل إبراهيم القيادة حتى وصل إلى جبل الدم‪ ،‬بعد‬
‫خوف ومعاناة ل يقلن عما حدث لهما في المرة السابقة‪.‬‬
‫كانت الشمس تقترب لتحتل قلب السماء حين ترجل على الصخور القاسية حتى‬
‫بلغا باب الكهف‪ ،‬ومن لحظتها بدأ علي يتعامل بصلف وعجرفة مع إبراهيم فتأكد‬
‫الخير أنه كان دمحق ا في شكوكه نحو هذا الشاب السمر‪ ،‬وبالرغم من أنه أدار كل‬
‫أجهزة النذار الدمبكر في عقله وجسمه وجهز كل وسائل دفاعاته السريعة والدمميتة‪ ،‬فإنه‬
‫كان حريصا علي أن يتصرف بعفوية وتلقائية‬
‫ما إن دلفا إلي داخل الغرفة حتى أشار علي إلي حزام بنطلون إبراهيم وقال فى‬
‫توتر شديد‪ ،‬على الرغم من محاولته للبتسام‪.‬‬
‫‪ -‬يا رجل‪ ،‬هل يصح لمن هو في مثال سنك أن يرتدي حزاما كهذا؟‪.‬‬
‫عرف أنه واقع تحت التفتيش الدقيق‪ ،‬رسم على وجهه ابتسامة مترددة وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لبسته تحسبا للعرج على الطريق ليسند ظهري‪.‬‬
‫فقال على بسخرية واضحة‪.‬‬
‫‪ -‬اعتقدت أنه أيض ا هدية من دأسامة ابنك‪.‬‬
‫‪ -‬آه‪ ،‬أسامة ابنى‪ ،‬ل‪ ،‬أنا اشتريته بعد الرحلة الماضية‪.‬‬
‫التفت نحو التمثاال ولديعغلير دفة الحديث وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬يدك معي يا علي لنضع التمثاال في الحقيبة‪.‬‬
‫لم يمنع الحذر الدهشة من أن تجتاحه‪ ،‬أخذ يتأمل التمثاال‪ ،‬وهو عيقف في عظمة‬
‫للباب‪ ،‬اقترب منه وبدأ يتحسسه بلهفة أنسته حذره للحظات‪ ،‬فجأة انتبه‬‫وبهاء عيخلطف ا ع‬
‫لخرى‪ ،‬وهو يقبضها ويبسطها‪ ،‬ويقول‬ ‫لعلى وهو يصوب المسدس نحوه ويمد له يده ا د‬
‫بلهجة آمرة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬مفاتيح السيارة‪ ،‬والساعة اللي في إيدك‪ ،‬واخلع الحزام‪ ،‬هيا بسرعة‪.‬‬
‫طلب على للساعة‬
‫مع أنه كان قد توقع ذلك السيناريو الذي بدأ لتوه‪ ،‬إل أنه ارتبك ل ع‬
‫والحزام‪ ،‬وفي محاولة لكسب الوقت رمقه بنظرة عتاب وقال‪.‬‬
‫‪ -‬ليه كده؟‪ ،‬فلنعبد من حيث أتينا عودنلعبد للناس فلوسها وينتهه المر‪.‬‬
‫رفع علي المصباح ليضئ وجه إبراهيم وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لبد أن ينتهي هذا الموضوع حالا إوانعس موضوع الفلوس‪.‬‬
‫كان علي يتحدث بعصبية ويرتجف كالمحموم‪ ،‬ولنه يعرف أن الخائف ل يمكن‬
‫توقع تصرفه‪ ،‬أو رد فعله‪ ،‬قرر التعامل مع هذا الشاب الهوج بحذر شديد وفي محاولة‬
‫أخري للسيطرة علي الموقف‪ ،‬قال‪.‬‬
‫‪ -‬ماشي يا علي‪ ،‬ديمكنني عتدبر المر‪ ،‬سأقوم أنا بدفع الفلوس‪.‬‬
‫لم يفلح في إثاناء الشاب عما عزم عليه بل إنه تمادي فى عصبيته‪ ،‬مد إبراهيم يده‬
‫بمفاتيح السيارة فتلقفها علي‪ ،‬بيده الخاوية‪ ،‬ووضعها في جيب بنطلونه‪ ،‬وأشار بيده‬
‫للساعة فأخذ إبراهيم يحاول خلعها من يده وهو ينظر بحذر للمسدس ولكنه لم يستطع‬
‫أن يمنع نفسه من مواصلة محاولته لنقاذ الموقف فقال‪.‬‬
‫‪ -‬من أجل أي شيء تضحي بي وبالمليين؟‪.‬‬
‫‪ -‬لجل حماية قبيلتي ولحافظ على عهد والدي‪.‬‬
‫لم يعد لديه أدنى شك في أن عليا لن يتراجع‪ ،‬كما هو متأكد من أنه هو نفسه لن‬
‫يتراجع عن خطته لقتناص فرصة عمره‪ ،‬ناوله الساعة وتصنع بأنه يخلع الحزام وبينما‬
‫ينظر في عين علي بغضب وثابات ضغط بقوة على كوشة الحزام‪ ،‬وما هي إل لحظات‬
‫حتى أمسك على برأسه وبدأ يترنح يمينا ويسا ار ثام سقط على الرض غائبا عن الوعي‪،‬‬
‫دقيقة وبدأت بجسمه تشنجات قوية‪ ،‬احتقن لها وجهه بشدة وجحظت عيناه‪ ،‬وكأنها على‬
‫وشك النطلق من مقلتيهما‪ ،‬ثام تحول لونه إلى اللون الزرق‪ ،‬تعالت‪ ،‬لدقيقة‪ ،‬حشرجة‬
‫متقطعة من صدره‪ ،‬وهنت للحظات‪ ،‬ثام توقف تنفسه تماماا‪.‬‬
‫كان يراقبه وهو يموت محاولا إقناع نفسه بأنه في حالة دفاع عن النفس وبأن هذا‬
‫الشاب هو صريع طمعه وغبائه ليهرب من حقيقة أنه خطط لقتل الشاب في كل‬
‫الحوال‪ ،‬تحت وطأة طمعه في الستيلء علي كل محتويات المكان‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪----------‬‬
‫دقة العحدس ومهارة التخطيط من أهم مميزات إبراهيم سالم فقد عجهز الساعة‬
‫ليستدل بها على الطريق والحزام لديميت حينما يكون الموت هو الحل الوحيد‪ ،‬كثاي ار ما‬
‫صعبة‪.‬‬
‫استعان بتلك الساعة في عحسم صفقات ع‬
‫كان صاحب القطعة الثارية يشترط تغمية إبراهيم وهو في طريقه لمعاينة الثار‪،‬‬
‫وكم تمنى أن تكون لديه وسيلة تمكنه من معرفة الماكن التي يرتادها وهو معصوب‬
‫العينين‪ ،‬كان تحكم صاحب الثار فيه لهذا العحد يشعره بالمهانة ويؤلمه‪ ،‬ولكن طمعه في‬
‫الصفقة كان كافي ا ليبتلع كرامته‪.‬‬
‫وحدث أنه اشتكى للخواجة بيتر حال كرامته التي تئن‪ ،‬تحت وطأة جروحها‬
‫المتكررة‪ ،‬فأحضر له ساعة اليد تلك ومستلزماتها مقابل مائة ألف دولر‪ ،‬فكان إبراهيم‬
‫يرمى في طريقه بأقراص معدنية صغيرة تبعث بذبذبات قوية لتلتقطها الساعة فيما بعد‬
‫فيتعرف على الطريق بسهولة‪ ،‬وكثاي ار ما فاجأ حائزي الثاار ووسطائهم بأنه يعرف مكان‬
‫الثار‪ ،‬وحائزه‪ ،‬مما كان يربكهم تمام ا فيتمكن من السيطرة على الجميع وفرض السعر‬
‫الذي يحدده بنفسه‪ ،‬لكن هذه المرة اضطر إبراهيم لضافة تكنولوجيا جديدة لديطور من‬
‫أداء الساعة‪ ،‬فألحق بشاسيه السيارة مسدسا معدنيا كان قد اشتراه من تركيا لبنه أسامة‪،‬‬
‫وبالرغم من أنه مسدس ديعتععبر لعبة للطفال إل أنه يمكنه أن يطلق بكفاءة وفى صمت‬
‫طلقات من المعدن تشبه الخردقة‪ ،‬وتمكن من أن ديثابت الشرائح اللكترونية على‬
‫الطلقات دون أن يعيق عملية الطلق أو إرسال الذبذبات‪ ،‬ثام نجح في تصميم جهاز‬
‫إطلق كهربائي وأوصله بالمسدس‪ ،‬الذي ألصقه بشاسيه السيارة‪ ،‬على أن يكون زر‬
‫الطلق بدواسة السيارة‪ ،‬وفى مدي الحركة الطبيعية لقدمه اليسري‪.‬‬
‫كما أمده الخواجة بيتر بكمية من الغاز القاتل‪ ،‬يحتفظ بها منذ أيام عمله‬
‫بالمخابرات اللمانية في تسعينيات القرن الماضي‪ ،‬وهذا الغاز هو أحد السلحة‬
‫الكيميائية الخطيرة التي تستخدمها المخابرات في عمليات القتل النظيف‪ ،‬ويمكن ضغط‬
‫كمية منه تبلغ خمسة لترات مكعبة في علبة صغيرة من الصلب ل تتعدى مساحتها‬
‫خمسة ‪ x‬خمسة سنتيمترات‪ ،‬كالتي استخدمها إبراهيم كدكوشة لحزام بنطلونه‪ ،‬وقد‬
‫ص على أن يكون عبلف‪ ،‬أو لزر المان‪ ،‬للخلف وأل يفتح إل إذا ضغطه ولفه لليسار‬
‫عحلر ع‬

‫‪200‬‬
‫بقوة وحينها تنطلق كل كمية الغاز في لحظات لتغطى مساحة تبلغ الخمسين مت ار‬
‫ضمن تلك المساحة وخلل دقائق معدودة‪،‬‬ ‫مربعاا‪ ،‬فتقضى على أي كائن حي موجود ل‬
‫حيث تصاب عضلته بتشنجات قوية تستنزف الموصلت الكيميائية في جهازه‬
‫العصبي لتصاب بعدها جميع العضلت‪ ،‬بما فيها عضلت التنفس‪ ،‬بالشلل التام‬
‫فيموت خنق ا إل إذا تم حقنه في أي مكان بجسمه بالمصل المضاد والذي يحمى الجسم‬
‫من تأثاير هذا الغاز لمدة يوم كامل حماية أكيدة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫استعاد رباطة جأشه وسحب الجثاة لخارج الكهف ودفنها في الرمال بعيدا عن‬
‫المدخل‪ ،‬وبعد معاناة بدنية ونفسية حقيقية وصل بغنيمته إلي السيارة‪ ،‬ولم يعرف هو‬
‫نفسه سبب ا للتزامه بنصيحة على‪ ،‬حيث لم يأخذ معه أي شيء آخر من الغرفة‪.‬‬
‫عندما وصل إلى البر الشرقي للنيل ارتبك لسماعه أذان المغرب وبدون تفكير‬
‫ضغط بقوة على دواسة البنزين لتلتهم السيارة الطريق نحو القاهرة آملا بلوغها قبل‬
‫انتصاف الليل وذلك ليتجنب كمائن الشرطة على الطريق والتي دتشلكل هاجس ا دمرلعب ا‬
‫لكل من يعمل بتهريب وتجارة الثاار‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫دلف لغرفة مكتبه بالشركة وألقي بجسده علي أول مقعد وجده وعبثا ا حاول أن‬
‫يتناسى ما حدث‪ ،‬وما إن ضم جفنيه حتى توالت عليه مشاهد أحداث اليوم‪ ،‬بتفاصيلها‪،‬‬
‫عبثاا حاول التفريق بين جفنيه‪ ،‬ليوقف ذلك العرض المخيف‪ ،‬فهوت نفسه في بحر‬
‫مضطرب بأمواج متلطمة من المشاعر المتناقضة‪ ،‬ومع ذلك لم ينل حزنه لما حدث‬
‫من مدي سعادته باستحواذه علي تمثاال كهذا‪ ،‬كما لم يحرمه الخوف من العجاب‬
‫بقدرته على التوقع والتدبر‪.‬‬
‫دقائق وأخذ القلق يفرض سيطرته على تفكيره‪ ،‬وشيئ ا فشيئ ا تحول القلق إلى خوف‬
‫أمسك‬ ‫بغيض‪ ،‬فقد سيطر عليه هاجس فتك قبيلة العمارنة به وبأسرته‪،‬‬
‫برأسه وحركه بعنف لليمين ولليسار‪ ،‬وكأنه يحاول أن ينفض عن عقله ما علق به من‬
‫أفكار بغيضة ملته بخوف مؤلم ومريع‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫بعدما فكر كثاي ار بخطة تنجيه مما ينتظره بات مقتنعا بأن النجاة دمستحيلة وأنه لم‬
‫يعد يملك أدنى فرصة للتراجع‪ ،‬وبجرأة العيالئس إواقدامه قععرعر أن يمضى في طريقه لتمام‬
‫الصفقة وليحددث ما يحدث‪ ،‬فبادر بالتصال بالخواجة بيتر ليتفقا علي مكان وميعاد‬
‫الستلم والتسلم‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫أقلته للسفارة اللمانية سيارة ديبلوماسية تابعة للسفارة‪ ،‬وما إن إجتازت السيارة‬
‫البوابة‪ ،‬حتى ترجل منها متجها نحو الخواجة بيتر الذي كان يقف فى انتظاره‪.‬‬
‫‪ -‬أهلا يا خواجة‪.‬‬
‫‪ -‬أهلا دكتور‪ ،‬وصلتك الفلوس‪.‬‬
‫‪ -‬كله تمام بيتر‪ ،‬كله تمام‪ ،‬متى ستدعغالدر؟‪.‬‬
‫‪ -‬سأغادر اليوم حتى أكون في استقبال البضاعة غدا في مطار برلين‪.‬‬
‫ودع إبراهيم الخواجة بعدما أطلعه علي ق ارره بأن تلك الصفقة هي الخيرة بينهما‪ ،‬حاول‬
‫بيتر معرفة السبب دون جدوى فتمني له التوفيق فيما خططه لحياته‪.‬‬
‫توجه من فوره إلى شقته‪ ،‬بمنطقة المعادي‪ ،‬والتي خصصها لخفاء أس ارره‬
‫ومقتنياته الهامة‪ ،‬وحيث يمنح نفسه بعض الهدوء والسترخاء الضروريين لجلسات‬
‫التنويم المغناطيسي الذاتي‪ ،‬للوصول للحالة الذهنية ألفا‪ ،‬حيث التفكير الدقيق واقتناص‬
‫اللخطط الدمنظمة لحل ما يواجهه من مشاكل خطيرة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫وهو يتفحص دنسخة دمقلدة للتمثاال تملكته دهشة ممزوجة بإعجاب بصديقه‬
‫الفنان‪ ،‬تريكة النحات‪ ،‬فبالرغم من أن تريكة هذا يستطيع بالكاد أن يكتب اسمه إل أنه‬
‫يمتلك موهبة دمذلهلة في النحت وكثاي ار ما أدهش إبراهيم ونال إعجابه الشديد وماله‬
‫الوفير‪ ،‬وكان من الطبيعي أن يحب تريكة إبراهيم‪ ،‬أكثار من أي شخص آخر علي وجه‬
‫الرض‪ ،‬فبالرغم من جهله وعفويته إل أنه كان يقدر من يحترم موهبته‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫بعد موقعة القصر بشهور قليلة فعقععد إبراهيم الكثاير من وزنه وأصبحت عصبيته‬
‫ل تطاق فاعتزل أسرته واكتفى بالسؤال عنهم بالتليفون وأهمل أعماله الخاصة‪ ،‬وقبع‬
‫بشقة المعادى ل يفارقها إل ناد ارا‪.‬‬
‫أسابيع من الخوف والعتردقب مرت عليه كالدهر‪ ،‬وبعدما سلمه الترقب إلى اليأس‪،‬‬
‫قرر قطع أي صلة له بموضوع الثاار‪ ،‬وبماضيه كله إن أمكن‪ ،‬علي أن يفعل كل ما‬
‫بوسعه لحماية أولده وحماية ما جمعه لهم من ثاروة كبيرة‪ ،‬وبالفعل سخر كل تفكيره‬
‫وجهده من أجل تحويل ما يملكه من عقارات إلى أموال سائلة يسهل عليه إخفاؤها‬
‫بحساباته السرية بالخارج‪ ،‬وراح ديخطط لديمهد أرض كندا ليزرع فيها أسرته حين يأتي‬
‫الوقت الدمناسب‪.‬‬
‫==========‬
‫انتبه إبراهيم إلى اللواء الجمال وهو يسأله‪.‬‬
‫‪ -‬إيه يا ععمنا‪ ،‬أنت سرحان في إيه؟‪ ،‬أريد منك الجابة‪.‬‬
‫‪ -‬أيةا إجابة؟‪.‬‬
‫لقصر‪ ،‬وعندما أعاد‬
‫أجابه وهو شارد فمازالت مشاعره مضطربة لتذكره ملحمة ا د‬
‫عليه اللواء السؤال نظر بجرأة وتحد في عينيه قال‪.‬‬
‫‪ -‬دقل لي أنت‪ ،‬كيف أخرج تمثاالا كهذا من المتحف؟‪.‬‬
‫بدا الغضب واضحا على اللواء فاقترب منه ووضع يده الديمنى على كتفه اليسر‬
‫ثام انحنى نحوه ونظر في عينيه وقال ببطء ينم عن قبوله التحدي‪.‬‬
‫‪ -‬وبعدين يا دكتور؟! كما أخرجت غيره من قبل‪.‬‬
‫‪ -‬كان هذا ممكنا عقبل تسجيل محتويات المتحف بدقة وقبل المراقبة اللكترونية‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ثام ابتسم وهو يقول‪.‬‬
‫قال ذلك ثام قطب جبينه ولذ بالصمت قلي ا‬
‫‪ -‬لقد أوضحت لك أن اختفاء أثار دمعسجل سيقيم الدنيا ولن يقعدها حتى يعود‪.‬‬
‫تراجع اللواء للخلف وارتسمت على وجهه ابتسامة استعلء وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لنتكلم في المفيد يا دكتور‪ ،‬نحن نريد هذا التمثاال بأية طريقة وبأي عثامن‪.‬‬
‫طلب منه إبراهيم أن يكون صريح ا معه لنه غير مقتنع بحكاية مصلحة البلد‬
‫ل‪.‬‬
‫فاعترف اللواء قائ ا‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬الموضوع مصلحة شخصية‪.‬‬
‫هب واقف ا وصفق بيديه ودار حول نفسه مرتين ثام اقترب من اللواء وقال‪.‬‬
‫‪ -‬كده الكلم يحلي‪ ،‬الشغل ده شكله كبير‪.‬‬
‫بعد تهديدات من اللواء وصمود وتحد من إبراهيم اتفق الطرفان على نسبة‬
‫عشرين بالمائة من قيمة التمثاال تقسم ما بين إبراهيم وعبد المسيح‪ ،‬وقد أصر إبراهيم أنه‬
‫لن يبدأ في تنفيذ المهمة إل بعد تحويل المال لحسابهما في بنوك سويسرا‪.‬‬
‫كان التغير السريع في أسلوب تعامل اللواء معه‪ ،‬من التهديد إلى الرضوخ التام‬
‫لطلباته‪ ،‬كافي ا ليتأكد أن الخطر الداهم يتمثال في اللواء الجمال‪ ،‬وبات مقتنع ا أكثار من‬
‫أي وقت مضي بأنه ميت مع وقف التنفيذ‪ ،‬فقرر السراع في تنفيذ خطته لتهريب أسرته‬
‫لكندا‪.‬‬
‫اتفقوا علي خطة محكمة للحصول علي التمثاال‪ ،‬وقد أمدهم اللواء بشفرة الدخول‬
‫علي شبكة مراقبة المتحف المصري المتصلة بمجلس الوزراء وبجهاز مباحث أمن‬
‫الدولة‪ ،‬ومديرية أمن القاهرة‪ ,‬وحرص اللواء علي أن يظل المر سرياا‪ ،‬وعندما تطرق‬
‫إلى ضرورة التخلص من أي شخص له علقة بهذا التمثاال‪ ،‬فهم إبراهيم غرضه ومع‬
‫هذا سأله في جزلع‪.‬‬
‫‪ -‬شخص مثال عمن يا سيادة اللواء‪ ،‬أنا ول عبد المسيح؟‪.‬‬
‫‪ -‬أقصد صديقك الصحفي رضا جلل‪ ،‬أتوقع أن لديه عخعب ار بموضوع التمثاال وأنت‬
‫تعرفه مثالي‪ ،‬انتهازي واستغللي ومن المؤكد أنه سوف يبتزنا أو يفعلها ويشى بنا؟‪.‬‬
‫حاول إقناع اللواء بعدم إقحام صديقه في الموضوع دون جدوى‪ ،‬فقد أصر على‬
‫التخلص من رضا‪ ،‬كما تخلص من الخواجة بيتر ومن تريكة‪ ،‬فعرف إبراهيم أنه ورضا‬
‫جلل ينتظرهما مصير واحد‪ ،‬وأنه ل توجد فرصة لنجاتهما معاا‪ ،‬وأنه لبد من العمل‪،‬‬
‫وبسرعة‪ ،‬لنقاذ ما يمكن إنقاذه‪.‬‬
‫أنهى اللواء اللقاء وهو يتميز غيظا من إبراهيم سالم الذي أملي شروطه عليه‪ ،‬ولم‬
‫يغفر له طمعه في خمسة مليين دولر أخرى بعدما كان قد حصل من قبل علي‬
‫عشرين مليوناا‪ ،‬في نفس الصفقة‪ ،‬وحتى عبد المسيح الذي كان طوع يديه حصل لنفسه‬
‫هو الخر على خمسة مليين دولر!‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫كان اللواء كالسد الجريح‪ ،‬فقد جرحه الطمع وجعله عرضة لنهش الثاعالب‪ ،‬ولكن‬
‫هذا هو حال البشر‪ ،‬أي بشر‪ ،‬إن داعبت غريزة الطمع لديه امتلكته تماماا‪ ،‬وبالرغم من‬
‫أنها غريزة سيئة السمعة‪ ،‬ولها نتائج مدمرة‪ ،‬إل أنها أوضح غرائز البشر قاطباة‪ ،‬وكانت‪،‬‬
‫ومازالت‪ ،‬من ضرورات استمرار الحياة وتطورها‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫نجح إبراهيم في الحصول على تأشيرة دخول كندا لزوجته وأولده الثالثاة‬
‫أسامة‪ ،‬وندى‪ ،‬ونادين‪ ،‬وساعده على ذلك المشروع الستثاماري الكبير الذي اشتراه لتوه‬
‫بمونتر‪ ،‬وكان قد نجح س ار في بيع كل أملكه بمصر وتحويل ثامنها لحساب أسرته‬
‫ببنك باركليز بذات المدينة الكندية‪.‬‬
‫تبقت هناك مشكلة هامة‪ ،‬بدت عصية علي الحل‪ ،‬أمواله في سويسرا‪ ،‬فهو لن‬
‫يستطيع مغادرة مصر‪ ،‬ولو ليوم واحد‪ ،‬لتحويل أمواله لحساب أسرته فاللواء حمدي‬
‫يراقبه من ناحية‪ ،‬كما أن تحرك المبالغ الكبيرة بين دول العالم أصبح صعبا جدا منذ‬
‫أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأمريكا‪ ،‬وبالرغم من استق ارره على خطة قد تضمن‬
‫وصول هذه الموال لسرته بكندا‪ ،‬في سرية وآمان‪ ،‬إل أنه تحول إلى كتلة متحركة من‬
‫التوتر والقلق‪ ،‬وعندما لحظ أفراد أسرته شروده وعصبيته الزائدة حسبوها نوبة من‬
‫نوبات الكتئاب التي كثاي ار ما كانت تنتابه بين الحين والخر ويندمج فيها لتسحبه تمام ا‬
‫عما حوله فيبدو وكأنه ل يهتم حتى بأقرب الناس إليه‪ ،‬ولنه إبراهيم سالم فلم تمنعه‬
‫حالته النفسية السيئة من المضي قدما لتأمين ما جمعه لصالح أولده‪ ،‬ولمحاولة النتقام‬
‫مدمن ديعد العدة لتدميره‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫اطمأدن إبراهيم سالم إلي خطوات خطته السرية‪ ،‬ثالثاية البعاد‪ ،‬فقام باستدعاء‬
‫رضا جلل علي وجه السرعة‪ ،‬تقابل الصديقان بمكانهما المفضل‪ ،‬مقهى الندوة الثاقافية‬
‫بباب اللوق‪ ،‬وحين لحظ رضا أن صديقه يقرض أظافره‪ ،‬بذهول الخائف وشرود‬
‫ل‪.‬‬
‫اليائس‪ ،‬تيقن أن صديقه واقع في ورطة كبيرة فبادره قائ ا‬
‫‪ -‬ماذا بك‪ ،‬سرحان وتقرض أظافرك‪ ،‬فيه إيه يا إبراهيم؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫نظر إبراهيم إليه مليا وتدفقت دموعه‪ ،‬انزعج رضا بشدة‪ ،‬فهو لم يعر صديعقه‬
‫الجريء } ذا القلب الميت {‪ ،‬أبو قلب ميت‪ ،‬يبكى من قبل‪.‬‬
‫‪ -‬إبراهيم سالم يبكي!‪ ،‬مؤكد فيه دمصيبة‪ ،‬قل لي فيه إيه؟‬
‫مسح دموعه ونظر لصديقه بعيون ذهب منها الشرود فلمعت بالغضب وقال‪.‬‬
‫‪ -‬ليس هناك وقت للشرح‪ ،‬اسمع ما سأقوله ونفذ ما أطلبه منك‪ ،‬الوضع خطير جداا‪.‬‬
‫في لحظات امتل رضا بالقلق والتوجس فقال‪.‬‬
‫‪ -‬يا سلم يا إبراهيم‪ ،‬هذا غير معقول‪ ،‬لزم أعرف إيه الموضوع قبل أي كلم‪.‬‬
‫رضخ إبراهيم وسرد عليه القصة فتوترت أعصابه وارتعشت أطرافه وعضلت‬
‫وجهه بوضوح‪ ،‬حاول إبراهيم طمأنته فقال‪.‬‬
‫‪ -‬علي أية حال أنا ميت أما أنت فلزم تعيش‪ ،‬أحتاج إليك حي ا وفى أمان أيضاا‪.‬‬
‫ل تستطيع الكلمات وصف حالة رضا‪ ،‬كان الخوف يرجه رجاا‪ ،‬ومع ذلك‬
‫اجتاحته الرغبة في المعرفة وأخذ الولع بالثاارة يناوش الصحفي بداخله‪ ،‬وراح التناقض‬
‫المشهور به يرسم علماته ودللته على وجهه ولسانه‪ ،‬تناقض الخوف والشجاعة‪،‬‬
‫الندالة والشهامة‪ ،‬الطمع والقناعة‪.‬‬
‫هدأ رضا قليلا بعدما شعر بأن الموضوع عجد خطير‪ ،‬ثام استمع جيدا لتفاصيل‬
‫الخطة التي أعدها إبراهيم‪ ،‬فتصارع بداخله الطمع في التمثاال ومليين سويس ار مع‬
‫الخوف علي حياته ومستقبل أولده‪ ،‬ولكنه حسم تردده عندما تأكد من أنه ل يملك‬
‫البديل‪.‬‬
‫تأكد لبراهيم استيعاب صديقه لتفاصيل الخطة فأعطاه شيك ا بقيمة ثالثاين مليون‬
‫دولر على بنك أوف سويس بجنيف‪ ،‬مع رقم الحساب والكود السري له بالبنك وكذلك‬
‫أعطاه رقم حساب زوجته في مونتر‪ ،‬وقبل أن ينهي اللقاء أعطاه حقيبة صغيرة بها‬
‫مائتا ألف دولر وأكد عليه بضرورة التزام الحذر والسرية‪ ،‬وأن يحرص على آل يعرف‬
‫مخلوق بمكانه‪.‬‬
‫‪ -‬أريدك متماسك ا وجريئاا‪ ،‬ل تخاف من شيء‪ ،‬فالمفروض أنك ميت‪ ،‬فكر جيدا قبل أن‬
‫تقدم علي أي تصرف‪ ،‬أمامك ثالثاة أيام لتدبر حالك وتجهز نفسك‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫بالرغم من الرتباك والضطراب المفاجئ في حياته فقد التزم رضا بتنفيذ‬
‫تعليمات إبراهيم بدقة‪ ،‬اتصل بصديقته في شقة المغامرات وطلب منها المغادرة وقفل‬
‫الشقة لنه سوف يغيب عدة أيام لظروف طارئة وعاد من فوره إلى منزله‪ ،‬بمدينة دمياط‬
‫الجديدة‪ ،‬تناول العشاء مع أولده وبذل مجهودا كبي ار ليبدو علي طبيعته‪ ،‬وعندما انفرد‬
‫بزوجته حكي لها‪ ،‬تفصيلياا‪ ،‬المشكلة الخطيرة التي يواجهها وأخبرها بضرورة مغادرته‬
‫لمصر خلل ثالثاة أيام ثام سلمها عقد ملكية شقة القاهرة ومبلغ مائة ألف دولر ورقم‬
‫حسابه بالبنك مع توكيل لها بالصرف‪.‬‬
‫وكأنه يتحدث في أمر بسيط وعادي وينتظر من زوجته أن تتقبل ما سمعته‬
‫بصدر رحب‪ ،‬حاول أن يغير دفة الحديث ليرتب معها شئون السرة بدونه فصرخت‬
‫سهير قائلة‪.‬‬
‫‪ -‬انتظر‪ ،‬انتظر أنت بتقول أيه؟‪ ،‬هل تتكلم بجد أم أنك تتلعب بي كعهدك‪.‬‬
‫‪ -‬أنا في منتهي الجدية‪ ،‬ومن مصلحتك ومصلحة الولد أل تعرفي أكثار من ذلك‪،‬‬
‫أعرف أني صدمتك وأخذتك على دغرة‪ ،‬ولكن صدقيني لو لم تنفذي ما قلته قد تتعرضين‬
‫أنت والولدين لخطر عظيم‪ ،‬هروبي سيحميكم‪ ،‬بعد ثالثاة أيام يجب أن أكون شخص ا‬
‫مفقودا في نظر السلطات والناس‪ ،‬ومن قبلهم الولدان‪ ،‬وتأكدي بأني سأكون قريبا منكم‬
‫أتابعكم وأحميكم‪.‬‬
‫كانت تنظر إليه مذهولة ول تتكلم‪ ،‬فهي ل تعرف ماذا تقول أو ماذا تفعل‪ ،‬فقد‬
‫توقف عقلها عن التفكير تماما حتى عندما سمعته يقول لها‪.‬‬
‫‪ -‬ليس لدي وقت‪ ،‬تماسكي حتى اختفى وبعدها تصرفي بشكل طبيعي‪ ،‬يعنى تبحثاي‬
‫ل‪ ،‬وحاول أن يضاحكها فقال‪.‬‬
‫عنى وتتصرفي علي أني مفقود فع ا‬
‫‪ -‬ل تبالغين في الموضوع‪ ،‬زوجة اختفي زوجها‪ ،‬تحزن آه‪ ،‬لكن مش قوي يعني‪.‬‬
‫لم تضحك‪ ،‬تجمد وجهها وخل من أية تعبيرات‪ ،‬فعندما عشععرت بالخطر على‬
‫ولديها تيقنت من جدية المر وأن عليها الختيار‪ ،‬إما ولداها إواما زوجها‪ ،‬لم تتردد في‬
‫التضحية به‪.‬‬
‫خرجا للصالة فوجدا الولدين يشاهدان التليفزيون‪ ،‬جلس رضا معهما‪ ،‬لدقائق‪،‬‬
‫يداعبهما ويتكلم معهما بطريقة عادية اندهشت لها سهير‪ ،‬حتى إنها بدأت تشك مرة‬

‫‪200‬‬
‫أخري في أنه يحبك عليها أحدى قصصه ورواياته‪ ،‬فهو يحب حكي الحواديت وتدبير‬
‫المقالب وكثاي ار ما أختبر قوة مقالته بقراءتها علي زوجته وقياس رد فعلها‪.‬‬
‫تبعته إلي الباب ثام أفضت له بشكوكها‪ ،‬ابتسم في توتر وقال‪.‬‬
‫‪ -‬سهير‪ ،‬أبوس إيدك‪ ،‬كل شيء لزم يبدو وكأنه طبيعي‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫أخبر إبراهيم زوجته بأنه بصدد تنفيذ مهمة كبيرة‪ ،‬عتبع دشغلة الثاار‪ ،‬تستلزم‬
‫غيابه لمدة شهرين وبأنه سوف يلحق بهم بكندا فور انجازه لتلك المهمة‪ ،‬أعطاها تذاكر‬
‫السفر لكندا وراجع معها الوراق والمستندات‪ ،‬كأوراق قبول الولد هناك في مدارس‬
‫مونتر وأوراق المنزل الذي اشتراه لهم هناك وكذا أرقام حساب أفراد السرة ببنك‬
‫باركليز‪ ،‬ونبه عليها بأن تكون بالمطار في تمام الساعة الواحدة ظه ار لتلحق بموعد‬
‫الطائرة‪ ،‬في الساعة الرابعة عص ارا‪ ،‬وكان قد تعمد أن يكون موعد السفر هو وقت‬
‫انشغال اللواء بمتابعة إخراج التمثاال من المتحف‪ ،‬فلم يشك لحظة فى أن الرجل يراقب‬
‫أسرته كما يراقبه ولهذا وضع خطة للهاء عيونه وجذب انتباهها بعيدا عن أسرته حتى‬
‫تقلع بهم الطائرة إلى كندا‪.‬‬
‫تقبلت زوجة إبراهيم المر بشكل عادى‪ ،‬فقد تعودت منه القيام بسفريات طويلة‬
‫يعود منها كل مرة سالم ا غانماا‪ ،‬وتعودت على أن تتصرف أثاناء غيابه بهدوء وثاقة كما‬
‫أن الهجرة لكندا كانت فكرتها التي ألحت على زوجها كثاي ار لتقنعه بها‪ ،‬ومن فرط‬
‫سعادتها بتحقيق حلمها‪ ،‬بالعيش بكندا‪ ،‬لم تقترح علي زوجها‪ ،‬ولو من باب المجاملة‪،‬‬
‫تأجيل سفرهم حتى ينتهي من مهمته ليسافروا سوياا‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫تدرب عبد المسيح علي الدخول‪ ،‬عن طريق الشبكة العنكبوتية‪ ،‬إلي موقع‬
‫المراقبة اللكترونية للمتحف وتعطيله لدقائق‪ ،‬وبعدما تأكد الرفيقان من تحويل المبلغ‬
‫المتفق عليه لحسابهما شرعا في تنفيذ خطة تبديل التمثاال بالنسخة المقلدة‪.‬‬
‫بينما يراقبهما اللواء‪ ،‬كثاي ار ما اعترته الدهشة لمهارة تجار الثاار في الحركة‬
‫والتمويه والتي قد تفوق قدرات رجال المن والمخابرات‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ففي تمام الساعة السابعة والنصف من صباح يوم الخميس‪ ،‬كانت سيارة إبراهيم‬
‫تقف أمام محطة البنزين على يمين منزل كوبري قصر النيل‪ ،‬من ناحية الدقي‪ ،‬وبعد‬
‫لحظات كانت تقف بجوارها تمام ا سيارة دمدير المتحف المصري‪ ،‬ألقى كل منهما التحية‬
‫على الخر وترجل إبراهيم وهو يحمل بيده حقيبة جلدية كبيرة‪ ،‬وضعها بسرعة بسيارة‬
‫المدير ثام أعطاه حقيبة أخري بها مليون جنيه مصري‪.‬‬
‫قاد كل منهما سيارته في اتجاه عكس الخر‪ ،‬اتجه إبراهيم إلى شارع جامعة‬
‫الدول العربية ليجلس على مقهى‪ ،‬ليريح أعصابه قليلا وليعيد ترتيب أفكاره‪ ،‬ولم ينعس أن‬
‫يتصل بزوجته ليوقظها لترتب نفسها للذهاب إلى المطار في ميعاد مناسب‪ ،‬أما مدير‬
‫المتحف فقد اتجه لميدان التحرير وأمام محطة المترو أبطأ من سيره حتى جاءت سيارة‬
‫نيسان صني سوداء وعندما أصبحت بموازاته تمام ا ألقى فيها بحقيبة الفلوس ثام أكمل‬
‫طريقه نحو المتحف حيث كان مدير أمن المتحف في استقباله حيث فتح البوابة بنفسه‬
‫لسيارة المدير وحمل الحقيبة وتبعه إلي مكتبه‪.‬‬
‫في تمام الساعة التاسعة والنصف صباح ا تلقى إبراهيم على هاتفه المحمول‬
‫ثالث رنات فتأكد من أن شريكيه بالمتحف قد نجحا في إدخال النسخة الدمقلدة إلى‬
‫المتحف فقام من فوره واتجه إلي فيل السوسنة بالمهندسين ليطمئن علي سير المور‬
‫ويراجع خطوات التنفيذ مع عبد المسيح‪ ،‬وبعد حوالي ثالث ساعات توجه إلي مطعم‬
‫كنتاكي التحرير لمقابلة مدير المتحف وراجع معه خطوات التنفيذ لحظة بلحظة ثام ناوله‬
‫حقيبة بها مليون جنيه‪ ،‬بقية المهر أو التفاق بينهما‪،‬‬
‫وبالرغم من أن الرجل عنصر بارز بالمكتب السياسي لمانة الحزب الحاكم بالعاصمة‬
‫ل‪.‬‬
‫ويتمتع بعلقة وثايقة بكبار المسئولين فقد أبدي تخوفه لبراهيم‪ ،‬قائ ا‬
‫‪ -‬هذه المرة تبدو مختلفة عما سبقها يا دكتور‪ ،‬أخشى من خلو تلك العملية من مسئول‬
‫كبير يحمينا لو حدث شيء خارج حساباتنا ل قدر ال؟‪.‬‬
‫طمأن إبراهيم الرجل بأن العملية لصالح رأس كبيرة‪ ،‬ل يصح ظهورها في‬
‫الصورة بأية حال من الحوال ثام قام بالتصال بعبد المسيح ليضبط ساعات اليد الثالث‬
‫بالدقيقة والثاانية‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫خرج المدير من المطعم ليجد زوجته تنتظره في سيارتها‪ ،‬ركب بجوارها وانطلقت‬
‫به ليترجل من السيارة على بعد خمسين مت ار من بوابة الدخول للمتحف‪ ،‬بينما جلس‬
‫إبراهيم على مقهى قريب لتناول قهوته‪ ،‬وفى تمام الساعة الواحدة والنصف مشي نحو‬
‫المتحف‪ ،‬توقف للحظات أمام سيارته الواقفة على مسافة قريبة ليطمئن على استعدادها‬
‫للمهمة ثام أكمل طريقه إلى داخل المتحف‪.‬‬
‫اتجه إلى الطرقة الفسيحة على يسار المدخل وانشغل بمشاهدة مجموعة آثاار‬
‫توت عنخ آمون‪ ،‬توقف أمامها لدقائق ثام مد بصره لنهاية الطرقة وحين لمح التمثاال‪،‬‬
‫يقف شامخاا‪ ،‬ازدادت ضربات قلبه وارتبك بعض الشيء‪ ،‬أخذ يتنفس بعمق وبطء حتى‬
‫ل‪.‬‬
‫هدأ قلبه وبردت أعصابه قلي ا‬
‫اختبأ بسرعة‪ ،‬عخلف عامود بأول الطرقة‪ ،‬بعدما ارتكب خطأا جسيماا‪ ،‬فقد نظر‬
‫في ساعة يده‪ ،‬وهو يعرف أن الكاميرات تراقب جميع من بالمتحف فلم يستبعد أن تلفت‬
‫تلك الحركة البسيطة النتباه إليه‪.‬‬
‫اتجه نحو الطرقة الدمقابلة‪ ،‬على يمين المدخل‪ ،‬وارتكن بظهره على بابها من‬
‫ناحية السلم وبذل كل ما في وسعه ليسيطر على أعصابه وعلي حركة أطرافه‪ ،‬رنا‬
‫ببصره لعلى فلمح عقارب الساعة الكبيرة‪ ،‬الدمعلقة أعلى باب الدخول‪ ،‬تقترب من‬
‫الدقيقة الخامسة والخمسين من بعد الواحدة ظه ارا‪ ،‬اعتدل في وقفته وهم بالقتراب من‬
‫الطرقة اليسري فوجد الحراس وموظفي المتحف يخلونه من الزوار لتغيير نوبتجية‬
‫الحراسة وقد تزاحم الزوار على البسطة الكبيرة التي تنتهي إليها درجات السلم العريضة‪.‬‬
‫زاحم جموع الزوار حتى تمكن من الوقوف علي مدخل الطرقة تمام ا فلمح المدير‬
‫يدفع أمامه عربة كبيرة عليها عدة حقائب ويمشى بجواره مدير أمن المتحف‪ ،‬فتحرك في‬
‫المكان حتى تأكد من أنه في مرمى بصر وانتباه شريكيه‪.‬‬
‫حين أشارت الساعة إلى ما قبل الثاانية بدقيقتين‪ ،‬استقبل رنة على هاتفه النقال‪،‬‬
‫بنغمة كان قد خصصها لساويرس‪ ،‬فمسح من فوره بسبابته اليمنى على عينه اليمنى‪،‬‬
‫من الداخل للخارج ثالث مرات ثام رنا ببصره نحو شريكيه فشاهدهما يقفان أمام مجموعة‬
‫آثاار توت عنخ آمون وقد بدأ المدير في إنزال الحقائب من على العربة‪ ،‬وبعد دقيقة‬
‫أخري بالضبط تلقى إبراهيم من عبد المسيح رنة أخري فأخرج من جيب بنطلونه لمشطا‬

‫‪200‬‬
‫أسود ثام مرره على شعره مرتين‪ ،‬ببطء من المام للخلف‪ ،‬ثام وضع المشط في جيب‬
‫قميصه‪ ،‬وعمعد بصره فلمحهما يقفان أمام دولب التمثاال‪.‬‬
‫بعد عشرة دقائق معر الرجلن من أمامه يدفعان العربة نحو مكتب المدير في‬
‫نهاية الطرقة اليمنى‪ ،‬وفى نفس اللحظة طلب الحراس من الواقفين‪ ،‬على البسطة‬
‫الفسيحة‪ ،‬نزول السلم حيث يمكنهم العودة بعد ساعة‪.‬‬
‫بعد خمس عشرة دقيقة تلقى إبراهيم ثالث رنات‪ ،‬بنغمة مدير المتحف‪ ،‬تنفس‬
‫الصعداء وهاتف زوجته فأخبرته بأنهم في انتظار النداء على الرحلة إلي كندا‪ ،‬وبعد‬
‫لحظات شعر فيها بالرتياح لنجاحه في تهريب أسرته من مصر لم يعد يشعر إل‬
‫بالخواء والوحشة‪ ،‬مشى بثاقة نحو كشك المحفوظات والحقائب وناول العامل إيصالا‬
‫برقم ‪ ،556678‬فسلمه حقيبة جلدية ثاقيلة اندس بها وسط الخارجين من المتحف‪.‬‬
‫انطلق بسرعة ليبتعد عن المنطقة‪ ،‬ثام عاد ليفحص ميدان التحرير‪ ،‬كان يراقب‬
‫من يراقبه‪ ،‬وحين واتته الفرصة انطلق قاصدا منطقة المعادى الجديدة‪ ،‬جلس على أول‬
‫مقهى قابله بالمنطقة وراح يتناول قهوته وهو يشعر بعقله معطلا ونفسه خاوية‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫في تمام الساعة الرابعة والنصف عص ار تلقى رضا جلل على هاتفه النقال‬
‫ثالث رنات‪ ،‬فاتجه من فوره إلى موقف السيارات الخاص بفندق سميراميس‪ ،‬وبعد‬
‫دقيقتين كانت هناك سيارة تقف بجوار سيارته‪ ،‬وبموازتها تماماا‪ ،‬ترجل إبراهيم حاملا‬
‫الحقيبة ووضعها بسيارة رضا ثام استند علي نافذتها‪ ،‬اقترب من أذن رضا‪ ،‬الذى التصق‬
‫ل‪.‬‬
‫بمقعد القيادة‪ ،‬ناوله حقيبة صغيرة وهمس له قائ ا‬
‫‪ -‬معك قطعة آثاار ل تقدر بثامن‪ ،‬وبهذه الحقيبة خمسون ألف جنيه وجهاز لقتفاء‬
‫الثار‪ ،‬قد تحتاج إليه‪ ،‬هيا تحرك بالسيارة وغادر مصر من فورك‪ ،‬ولو عجد في المور‬
‫جديد سأصل أنا إليك‪ ،‬أينما كنت‪ ،‬لنرتب أمورنا مرة أخرى‪.‬‬
‫لم يرد رضا واكتفى بتحريك رأسه ثام انطلق في طريقه‪ ،‬حتى دون أن يلقى نظرة‬
‫الوداع على صديق عمره‪ ،‬وهكذا هو الخوف ديجلى النفس ليظهرها على حقيقتها فيبرز‬
‫أسوأ ما فيها‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫وفى تمام الساعة التاسعة‪ ،‬مساء نفس اليوم‪ ،‬استقل رضا جلل التوبيس‬
‫المتجه إلى واحة الفرافرة‪ ،‬من محطة جنوب الصعيد‪ ،‬بمنطقة الزهر‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫بعدما اطمأن للتزام رضا بتعليماته انطلق بسيارته ليقطع طريق الكورنيش ذهابا‬
‫إواياب ا عدة مرات‪ ،‬وراح ينظر إلى النيل وكأنه يمل ناظريه بجمال صفحته وهى تتلل‬
‫تحت أشعة شمس الغروب المختلطة بأضواء المباني الضخمة علي ضفافه‪ ،‬وفي تمام‬
‫السادسة مساءاا‪ ،‬اتصل هاتفيا باللواء الجمال وقال كلمة‪ ،‬جاهز‪ ،‬وعندما سمع منه نفس‬
‫الكلمة‪ ،‬اتجه من فوره إلى فيل السوسنة بالمهندسين‪.‬‬
‫دخل بالسيارة من بوابة الفيل وحمل الحقيبة ومشى نحو الباب في خطوات آلية‪،‬‬
‫ف إلى الداخل حتى وقعت عيناه على اللواء‪ ،‬على الرغم من أن الساعة ما‬
‫وما إن عدل ع‬
‫زالت تشير إلى السادسة والنصف‪ ،‬ألقى إبراهيم بجسده على أول مقعد واجهه‪ ،‬ثام رجع‬
‫بجسمه للخلف‪ ،‬وتأوه ونفخ بقوة ثام أراح ذراعه اليمنى على ظهر المقعد والتفت نحو عبد‬
‫المسيح الذي كان يجلس صامت ا ثام نحو اللواء وقال غاضباا‪.‬‬
‫‪ -‬أعتقد أن موعدنا في تمام السابعة يا سيادة اللواء؟‪.‬‬
‫‪ -‬قل لي أنت‪ ،‬لماذا أجلت التسليم إلي السابعة بالرغم من خروجك من المتحف حوالي‬
‫الساعة الثاانية والربع‪ ،‬أين كنت خلل كل هذا الوقت؟‪.‬‬
‫‪ -‬هذا الوقت من أجل تأمين العملية‪ ،‬وكنت أعرف أنك تراقبني لحظة بلحظة فراوغتك‬
‫لثابت لك أنى على كفاءة كبيرة‪ ،‬قد تفوق كفاءة أمهر رجالك‪.‬‬
‫قال ذلك وانفجر ضاحك ا مما أغاظ اللواء كثاي ارا‪ ،‬فطلب منه بصلف أن يفتح‬
‫الحقيبة‪ ،‬وبمجرد أن شاهد التمثاال مد يده وأخذ الحقيبة ثام تراجع للخلف حتى أصبح في‬
‫مواجهة إبراهيم وعبد المسيح ثام تقدم منهما وأخرج مسدسه الكاتم للصوت وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لم يعد لي حاجة بكما‪.‬‬
‫ثام صوب المسدس نحو عبد المسيح‪ ،‬الذي انهار في مكانه‪ ،‬فعاجله اللواء‬
‫ب‬‫بطلقة في مقدمة رأسه فسقط صريع ا في صمت مرعب‪ ،‬وبسرعة خاطفة صو ع‬
‫الدمسدس نحو رأس إبراهيم الذي واجهه بابتسامة سخرية اندهش لها اللواء فسأله في‬
‫غيظ مكتوم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ل؟‪.‬‬
‫‪ -‬أتضحك وأنت سوف تقتل حا ا‬
‫تعالت ضحكات إبراهيم‪ ،‬دخل العشك قلب اللواء فتراجع للخلف‪ ،‬وقال وهو يغالب‬
‫حيرته‪.‬‬
‫‪ -‬قل لماذا تضحك ويمكن أن أتركك لتعيش‪.‬‬
‫‪ -‬لن أخبرك أبداا‪ ،‬عاملها لك مفاجأة‪.‬‬
‫كانت ضحكات إبراهيم كطعنات في عقله‪ ،‬ومرة أخري تراجع للخلف عدة‬
‫خطوات‪ ،‬وهو مازال يصوب المسدس لرأس إبراهيم‪ ،‬فتح الحقيبة ليكشف عن التمثاال‬
‫وراح يقارنها بصورة أخرجها من جيبه‪ ،‬يبدو أنه اقتنع بأن معه التمثاال المطلوب وبأن‬
‫إبراهيم يسخر منه فهجم عليه‪ ،‬فى نفس اللحظة حاول إبراهيم إخراج مسدسه ولكن‬
‫اللواء تمكن من إسقاطه أرض ا وشل حركته تماماا‪ ،‬وضع فوهة المسدس في فم إبراهيم‬
‫الذي استسلم لقدره‪ ،‬ضغط على الزناد فتهشم رأس إبراهيم وتناثار مخه على الرض‪،‬‬
‫نظف اللواء مسدسه ووضعه في جرابه وجلس على المقعد يرقب القتيلين فى نشوة لم‬
‫يكن هناك ما يبررها إل انتظاره لمن سيبدله الذهب الصفر بالخضر‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫مات إبراهيم وهو يضحك على نهايته‪ ،‬التي توقعها وأعد لها الدعدة‪ ،‬مات راضيا‬
‫بانتصاره على اللواء‪ ،‬في مباراة رفيعة المستوى أظهر فيها تفوق ا منقطع النظير‪ ،‬فقد ألقم‬
‫اللواء الطعم‪ ،‬ولم يكن لديه شك في أن الرجل بات ميتا منذ تلك اللحظة‪.‬‬
‫فعندما استجوب اللواء تريكة النحات‪ ،‬اعترف له بأنه قام بتقليد نسخة واحدة فقط‬
‫لبراهيم سالم‪ ،‬ولن الباشا لم يجد دمبر ار لن يقلد إبراهيم التمثاال لكثار من مرة‪ ،‬خاصة‬
‫وأن النسخة تتكلف الكثاير‪ ،‬ولنه راقب عن كثاب كل خطوات تبديل التمثاالين فقد بات‬
‫متأكدا من حيازته للتمثاال الصلي‪.‬‬
‫وقد كذب تريكة إعتقادا منه أنه بذلك يحمي صديقه إبراهيم سالم الذي كان قد‬
‫تسلم منه نسختين من التمثاال‪ ،‬واحدة كان يعد العدة لعادتها للكهف فقد فكر أن ذلك قد‬
‫يحميه من انكشاف أمره لقبيلة العمارنة‪ ،‬والخرى كان يخطط لبيعها لتجار الثاار على‬
‫أنها أصلية‪ ،‬فهو يعرف أنه من الصعب عليهم اكتشاف أنها مقلدة‪ ،‬ولو حدث وعرف‬

‫‪200‬‬
‫المشتري أنها مقلدة فإنه حتما سيخفى المر حتى يتمكن من بيعها لخر‪ ،‬وتتسع الحلقة‬
‫وتتوه نقطة بدايتها ومعها الحقيقة‪ ،‬وهكذا لن يصل إليه أحد أبداا‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫الحد ‪2005 /15/5‬م‪.‬‬
‫جريدة الجمهورية‪.‬‬
‫‪ -‬مقتل رجلي أعمال في ظروف غامضة داخل فيل السوسنة بالمهندسين‪.‬‬
‫‪ -‬العثاور على جثاة الدكتور إبراهيم سالم‪ ،‬صاحب شركة الدكتور للستيراد والتصدير‬
‫ورجل السياحة المشهور‪ ،‬وبجوارها جثاة المهندس عبد المسيح ساويرس صاحب مصانع‬
‫اللكترونيات والسيراميك‪.‬‬
‫‪ -‬مصادر دمطلعة تشير إلى عمليات مشبوهة إوالي عملية تصفية حسابات بين‬
‫الرجلين‪ ،‬وهناك احتمال قوى بأن أحدهما قتل الخر ثام انتحر‪.‬‬
‫‪ -‬معلومات عن علقتهما بتهريب وتجارة الثاار‪ ،‬واحتمال تصفيتهما من لقبل مافيا‬
‫تهريب الثاار غير مستبعد‪.‬‬
‫‪ -‬اختفاء أسرة الدكتور إبراهيم سالم في يوم مقتله‪ ،‬ديثاير الكثاير من التساؤلت‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كانت الصدمة كبيرة على أسرتي إبراهيم سالم وعبد المسيح ساويرس‪ ،‬وتوجست‬
‫زوجة رضا جلل خيفة‪ ،‬بعد علمها بمصرع صديق زوجها المقرب‪ ،‬وتأكدت من مدي‬
‫الخطر المحيط بزوجها فعملت على كتمان خبر اختفائه لفترة‪.‬‬
‫هذا وقد سيطر الرعب والخوف من المجهول على كل تجار ومهربي الثاار‬
‫بمصر‪ ،‬واعتبروا أن لقاءهم باللواء الجمال هو بمثاابة بداية النهاية لهم‪ ،‬فقد تلقوا خبر‬
‫تصفية الدكتور والمهندس بهلع شديد وبات كل منهم عيخشى لقاء الخر أو حتى مجرد‬
‫التصال به هاتفياا‪ ،‬وبدون اتفاق تصرفوا جميع ا بنفس الطريقة‪ ،‬طريقة الخائف الذي ل‬
‫يفكر إل بالفرار والنجاة‪ ،‬فقرروا تجميد نشاطهم في شغلة الثاار‪ ،‬وبدأ البعض منهم في‬
‫تصفية أعماله بمصر تمهيدا للهروب خارجها حينما تحين الفرصة لذلك‪ ،‬وقبل مرور‬
‫ي منهم أدنى فرصة للفلت‬
‫ثالثاة أسابيع على الحادث‪ ،‬تيقنوا جميع ا بأنه لم يعد لدي أ د‬
‫من قبضة الجهة الحساسة التي باتت تقبض بقوة على رقابهم وتراقبهم عن كثاب فقد تم‬

‫‪200‬‬
‫اقتيادهم‪ ،‬بالقوة الجبرية مع بقية كبار الدشغلة‪ ،‬إلى فيل الصفا بالزمالك‪ ،‬لحضور‬
‫اجتماع آخر مع اللواء الجمال‪ ،‬وكان عددهم هذه المرة خمسة عشر رجلا بالضافة إلي‬
‫أم طارق ومروة‪.‬‬
‫لم ديغمض اللواء حمدي عينيه عنهم لحظة واحدة‪ ،‬فمعهم أكثار من ثالثاين مليون‬
‫جنيه من أموال الدولة‪ ،‬تسلموها على مسؤوليته الشخصية‪ ،‬ولنه يعرف طريقة تفكيرهم‬
‫فقد توقع رد فعلهم علي مقتل إبراهيم وساويرس‪ ،‬فكثاف من مراقبتهم خشية هروبهم‬
‫وتحمله لمسئولية ضياع المال العام‪ ،‬وقد تأكد له حدسه بما أبدوه من سلوك هيستيري‬
‫في الحتياط الزائد عن الحد وانسحاب من المجتمع مع نشاط دءوب لتصفية ممتلكاتهم‪.‬‬
‫كان الخوف والشك هما سيد الموقف في هذا اللقاء‪ ،‬غير مسموح بالمناقشة أو‬
‫حتى بطرح السئلة‪ ،‬واقتصر الجتماع على الستماع للتعليمات والوامر‪ ،‬وقد وزعت‬
‫عليهم خطط تفصيلية للنشاط المطلوب من كل فرد منهم بعد تعديلها‪ ،‬وتم التنبيه عليهم‬
‫بدقة التنفيذ وكذلك تحذيرهم من التكاسل وعواقبه‪.‬‬
‫بدأ كل فرد منهم في تنفيذ ما دكلف به علي أمل النجاة‪ ،‬وعلى غير الدمتوقع منهم‪،‬‬
‫أنفقوا بسخاء لدغدغة أحلم الثاراء السريع لدى الجماهير‪ ،‬فانطلقت في ربوع مصر‬
‫إشاعات وحكايات مثايرة عن الثاراء الذي حققه الكثايرون من عمليات التنقيب عن الثاار‬
‫والتجار بها‪ ،‬وبالفعل جذبت الشغلة آلف ا مؤلفة من الحالمين بالغنى السريع‪ ،‬وازدحم‬
‫الملعب الوهمي باللف من مختلف العمار والمستويات الجتماعية‪.‬‬
‫هوجة وضربت البلد‪ ،‬سيطر هوس التنقيب عن الثاار والتجار بها على حوارات‬
‫الجماهير‪ ،‬على المقاهي‪ ،‬بالنوادي‪ ،‬في المصانع والغيطان‪ ،‬في أي مكان يمكنك أن‬
‫ترى مجموعات من الشباب‪ ،‬ذوي الهمة والطموح والحلم الكبيرة‪ ،‬يستمعون مذهولين‬
‫لعشرات الحكايات عن فلن الذي نقب تحت منزله وأخرج قطع أثارية بمليين الدولرات‪،‬‬
‫أو عن فلن الذي باع وربح المليين وافتتح معرض ا للسيارات أو مولا كبير أو‪ ،،،‬أو‪،،،‬‬
‫أو‪.‬‬
‫ومع انتشار ثاقافة انتظار الفعرج‪ ،‬إما بضربة حظ‪ ،‬إواما من السماء‪ ،‬والتي زرعتها‬
‫في عقول المصريين وسائل العلم المختلفة‪ ،‬بات حلم الثاراء السريع والعسهل ديسيطر‬
‫على البلد كلها فأصابها بدوار وشبه غيبوبة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪----------‬‬
‫السبت ‪25/6/2005‬م‪.‬‬
‫جريدة الهرام‪.‬‬
‫‪ -‬اختفاء الصحفي رضا جلل‪ ،‬دمساعد رئيس تحرير الهرام في ظروف غامضة‪.‬‬
‫‪ -‬هل هناك علقة بين اختفاء رضا جلل ومقتل صديقه إبراهيم سالم‪.‬‬
‫‪ -‬طلب إحاطة بمجلس الشعب حول اختفاء الصحفي جلل‪.‬‬
‫‪ -‬وقفة احتجاجية للصحفيين أمام نقابتهم لمطالبة و ازرة الداخلية بالعلن عما لديها‬
‫من معلومات حول الختفاء الدمريب للصحفي رضا جلل‪.‬‬
‫‪ -‬الداخلية تنفى إخفاؤها لي معلومات حول ملبسات اختفاء الصحفي رضا جلل‪.‬‬
‫برنامج الحقيقة‪ ،‬قناة دريم ‪.2‬‬
‫الحد ‪26/6/2005‬م‪.‬‬
‫زوجة الصحفي رضا جلل‪ ،‬تقول لوائل البراشي‪ ،‬إن زوجها كان قد أخبرها بأنه‬
‫دمكلف بمهمة صحفية سرية خارج مصر لمدة شهر‪ ،‬وأضافت بأنها فهمت منه أنه يعتبر‬
‫أن تلك المأمورية مهمة جدا بالنسبة لمستقبله المهني‪ ،‬وحتى مع مقتل صديقه إبراهيم‬
‫سالم‪ ،‬في نفس يوم سفره‪ ،‬لم ديساورها أدني شك بخصوص سلمة زوجها‪ ،‬خاصة أن أي‬
‫من زملئه بالجريدة لم يسأل عنه خلل الفترة الماضية‪ ،‬وهذا ما زاد من اعتقادها بأن‬
‫المسئولين بالهرام يعرفون بطبيعة مهمته الصحفية ويعرفون أين هو‪ ،‬وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬انقضى أكثار من شهر ولم يتصل بي ليطمئنني عليه‪ ،‬عصف بي القلق فقمت‬
‫بالتصال بالسيد رئيس تحرير الهرام‪ ،‬وكذا ببعض زملئه الصحفيين‪ ،‬للستفسار عنه‬
‫فأخبرني رئيس التحرير بأنه ل يوجد في دعرف الصحافة ما يسمى بالمهمة أو المأمورية‬
‫السرية وكل ما يعرفه هو أن زوجي حصل على اجازة من الجريدة لمدة ثالثاة أشهر‬
‫لظروف اجتماعية لم يفصح عنها لحد‪.‬‬
‫أجهشت الزوجة بالبكاء ثام استطردت‪.‬‬
‫‪ -‬ما يثاير دهشتي هو أن الجميع‪ ،‬في الجريدة وفي النقابة وحتي بو ازرة الداخلية‪،‬‬
‫يتعاملون مع موضوع اختفاء زوجي باستخفاف‪ ،‬وكأنه رجل ل قيمة له‪ ،‬وقد تقدمت‬

‫‪200‬‬
‫ببلغ للنائب العام الذي كشفت تحقيقاته أن ل الهرام ول الداخلية ول أية جهة أخري‬
‫بالبلد تعلم شيئ ا عن زوجي منذ اختفائه‪ ،‬لم أترك باب ا إل وطرقته بل فائدة‪.‬‬
‫وفي نهاية اللقاء توجهت باستغاثاة لرئيس الجمهورية ليتدخل لكشف الغموض الذي‬
‫يحيط بمصير زوجها وأن يعيده لسرته‪ ،‬أو على القل لو كان بالسجن فمن حقها‬
‫أن تعرف مكانه‪ ،‬ولو كان قد مات فمن حقه أن ديدفن وديكرم مثاواه‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫جاب اللواء الجمال البلد‪ ،‬طولا وعرضاا‪ ،‬بحثاا عن رضا جلل‪ ،‬لم يترك شب ار‬
‫واحدا من مصر إل وبحث فوقه وتحته دون جدوى‪ ،‬وعندما تأكد أل أحد‪ ،‬حتى زوجة‬
‫ف‪ ،‬وطالما‬ ‫رضا‪ ،‬يعرف مكانه‪ ،‬اطمأن بعض الشيء‪ ،‬فعلى القل رضا خائف ومخت ل‬
‫د‬
‫هذا هو حاله فلن يتسبب له في أدنى دمشكلة‪ ،‬إوان ظهر فمن المؤكد أنه سيكون أول من‬
‫يصل إليه وينتهي منه في لمح البصر ليستمر في اختفائه‪ ،‬فينشلغل به الناس فترة‪،‬‬
‫ف البعض من مصير هذا الصحفي المثاير للعجدل‪ ،‬وهذا وذاك يضيفان الكثاير‬
‫ولعيخ ب‬
‫لدفرص نجاح خطته للسيطرة على الجماهير وتوجيه اهتماماتها فى تلك الفترة من تاريخ‬
‫مصر‪.‬‬
‫==========‬
‫صحف القاهرة‪.‬‬
‫الخميس ‪1/9/2005‬م‪.‬‬
‫‪ -‬اشتداد وطأة حملت الدعاية النتخابية مع بلوغ المرحلة الثاالثاة للنتخابات‬
‫البرلمانية‪.‬‬
‫‪ -‬المنافسة حامية بين مرشحي الوطني ومرشحي المحظورة وبعض المستقلين‪.‬‬
‫‪ -‬سيطرة رأس المال والبلطجة على دمجعمل العملية النتخابية‪.‬‬
‫صحف القاهرة‬
‫الثنين ‪2005 /12/9‬م‪.‬‬
‫‪ -‬فوز كاسح للحزب الوطني بالمرحلة الثاالثاة لنتخابات مجلس الشعب‪.‬‬
‫صد أغلبية مقاعد البرلمان‪ ،‬بعد فوزه بجميع مقاعد المرحلة الثاالثاة‪.‬‬
‫‪ -‬الوطني يح د‬
‫‪ 230 -‬مقعدا للوطني‪ 150،‬للمستقلين‪ 88 ،‬للمحظورة و ‪ 15‬لحزاب المعارضة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬انضمام ‪145‬من العضاء المستقلين بمجلس الشعب إلى الحزب الحاكم‪.‬‬
‫‪ -‬نظيف‪ ،‬وللمرة الثاانية‪ ،‬رئيس ا للوزراء ورجال العمال يحتلون عشر و ازرات لول مرة‬
‫في تاريخ مصر الحديث‪.‬‬
‫صتحف القاهرة‪.‬‬
‫ت‬
‫الحد ‪2005 /9/10‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مصر تشهد أول انتخابات رئاسية متعددة في تاريخها‪.‬‬
‫‪ -‬نعمان جمعة‪ ،‬رئيس حزب الوفد‪ ،‬وأيمن نور‪ ،‬رئيس حزب الغد‪ ،‬أقوي منافسي مبارك‬
‫على مقعد الرئاسة‪.‬‬
‫‪ -‬المستشار مرعي‪ ،‬رئيس اللجنة العليا للنتخابات‪ ،‬يؤكد على نزاهة وشفافية انتخابات‬
‫الرئاسة القادمة‪.‬‬
‫صحف القاهرة‪.‬‬
‫ت‬
‫السبت ‪2005 /11 /19‬م‪.‬‬
‫‪ -‬فوز كاسح للرئيس مبارك‪ ،‬والعالم يشيد بنزاهة النتخابات الرئاسية بمصر‪.‬‬
‫‪ -‬بشائر الخير للرئيس المبارك المنتخب‪ ،‬ارتفاع مؤشرات البورصة‪ ،‬وتحسن مستوى‬
‫القتصاد المصري‪.‬‬
‫صحف القاهرة‪.‬‬
‫ت‬
‫‪ -‬اتهام أيمن نور بتزوير توكيلت حزب الغد‪.‬‬
‫‪ -‬الحكم بحبس وصيف انتخابات الرئاسة خمس سنوات في قضية التزوير‪.‬‬
‫‪ -‬إسقاط عضوية أيمن نور بمجلس الشعب‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫ق اللواء الجمال حتى أذنيه في التمهيد والعداد لكبر عملية توجيه وسيطرة‬ ‫عغر ع‬
‫على الجماهير يقوم بها نظام حالكم علي مستوي العالم‪ ،‬كان الرجل على ثاقة كبيرة‬
‫بقدرته على تحقيق نجاح‪ ،‬منقطع النظير‪ ،‬في تنفيذ عملية انتقال السلطة من الب‬
‫طغعمة الحاكمة وأذنابها على الدولة المصرية‬
‫للبن‪ ،‬بما يضمن استمرار سيطرة ال د‬
‫وثارواتها المهولة ومن ثاعم عتضمن الدول الكبرى مصالحها بالمنطقة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫كان اللواء يلقى دعما هائلا من الخارج ومن الداخل‪ ،‬وبرز دوره بقوة في الحياة‬
‫السياسية المصرية حتى بات يعرف بعراب التوريث‪ ،‬لم تنقطع اتصالته ومقابلته مع‬
‫الرئيس البن‪ ،‬وفى الحقيقة إن الحفنة الحاكمة‪ ،‬وأذنابها‪ ،‬كانت تد ارلهن وتعتمد عليه‬
‫فتعاظم طموحه وراح يخطط للجلوس على كرسي رئيس وزراء الرئيس القادم‪.‬‬
‫على مدار الربع والعشرين ساعة يومياا‪ ،‬لم تنقطع اجتماعات اللواء الجمال‬
‫بالصحفيين والعلميين الذين يعملون بتوجيه منه شخصياا‪ ،‬ولم يتوان لحظة عن‬
‫مساندة تجار المخدرات‪ ،‬وقام برصد دقيق لمناطق نفوذ البلطجية والمسجلين خطر‬
‫واعمل على تنظيمهم في مجموعات‪ ،‬كل مجموعة تحت سيطرة رجل من رجاله وأوكل‬
‫لها تنفيذ جزء هام من خطة واسعة النطاق كان يمسك هو بكل خيوطها بيده حتى‬
‫يضمن عدم تسريب أي معلومة عنها إلى قوي المعارضة‪.‬‬
‫وبعد أن أثابت البلطجية وتجار المخدرات جدارتهم بثاقته‪ ،‬قام بتنظيمهم في‬
‫تشكيلت شبه عسكرية‪ ،‬موازية للجان الحزب الحاكم‪ ،‬في كل قري ومراكز وأحياء‬
‫الجمهورية‪ ،‬وترك الرجل الحبل علي الغارب لتلك الميليشيات الثاورية‪ ،‬كما كان يحب أن‬
‫ديسميها‪ ،‬لتمارس العنف وفرض السيطرة على الشارع وتعيث في البلد فساداا‪.‬‬
‫وأصبح من المعروف للكافة أن اللواء الجمال يخوض معركة شرسة ضد أمين‬
‫تنظيم الحزب الحاكم من أجل الستحواذ على ثاقة أسرة الرئيس فلم يتورع عن توجيه‬
‫النقد اللذع لتصرفات أحمد عز‪ ،‬وأعلن م ار ار أنه غير دمطملئن لخططه للسيطرة علي‬
‫الجماهير‪ ،‬ولضمان النجاح لخطته سعى بدأب لدي السرة الحاكمة من أجل تحييد‬
‫قيادات الحزب الحالكم‪ ،‬وخاصة أمين التنظيم‪ ،‬وكان له ما أراد بعدما أقنع السرة‬
‫الحاكمة بقدرته على حشد مليين الناخبين أمام لجان النتخابات‪ ،‬وذلك أمام أعين‬
‫المراقبين الدوليين وكاميرات الصحف والفضائيات‪ ،‬لنتخاب الرئيس البن دون الحاجة‬
‫لخطط التسويد والتزوير المفضوحة والمكررة والتي أنهمك جهابذة الحزب الحاكم في‬
‫العداد لها بتفصيل العديد من القوانين سيئة السمعة لدى الرأي العام‪.‬‬
‫كما نجح في تشتيت جهود المثاقفين الوطنين وفي حرمانهم من وسائل التأثاير في‬
‫الجمهور‪ ،‬واجتهد لظهارهم أمام العالم علي أنهم لقلة يائسة ومعزولة‪ ،‬ل صوت لها أمام‬
‫هدير الجماهير التي تؤيد الحزب الحالكم ومرشحه الشاب‪ ،‬أمين لجنة السياسات‬

‫‪200‬‬
‫وصاحب الفكر الجديد‪ ،‬وأصبح من الواضح‪ ،‬لي دمراقب للوضاع في مصر‪ ،‬أن البلد‬
‫باتت في قبضة الجهاز الحساس الذي يديره اللواء الجمال‪ ،‬وفى الحقيقة كان الرجل‬
‫دمنظم ا ودمجتهدا وأظهر قدرات خارقة في العداد والتنظيم‪ ،‬فقد عمل لسنوات علي ربط‬
‫جميع الفئات والجماعات المؤثارة في الدولة بالسرة الحاكمة‪ ،‬ونجح في استغلل جماعة‬
‫أنصار السنة وحرض أعضاؤها علي استخدام العنف في صراعها مع شباب جماعة‬
‫الخوان المسلمين الرافضين لصفقة الحكومة والجماعة لتأييد عملية التوريث‪ ،‬كما‬
‫حرض بعض قيادات الخوان على استفزاز الدمثاقفين وتكفيرهم ومن ثام ترويعهم بتدبير‬
‫بعض العتداءات البدنية على عدد منهم‪.‬‬
‫ضم المعمعة السياسية والفوضى القتصادية والنفلت المني كانت‬ ‫ل‬
‫وفي خ ع‬
‫الساحة خالية‪ ،‬والظروف مواتية‪ ،‬لتجار الثاار من أجل تنفيذ اللخطط المنوط بهم تنفيذها‬
‫تحت الشراف المبالشر للواء الجمال‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كانت زوجة إبراهيم سالم قد تلقت‪ ،‬علي حسابها ببنك باركليز بمونتر‪ ،‬مبلغ‬
‫خمسة عشر مليون دولر محول من بنك أوف سويس بسويسرا‪.‬‬
‫وبفضل الموال التي استولى عليها رجل العمال اليطالي‪ ،‬والسوري الصل‪،‬‬
‫محمد يوسف‪ ،‬من الدكتور إبراهيم سالم استطاع تثابيت أقدامه في دنيا الصناعة والتجارة‬
‫بأوروبا‪ ،‬فبات يمتلك نسبة معقولة من أسهم مصنع شهير لصناعة اللكترونيات‬
‫والهواتف النقالة بإيطاليا‪ ،‬كما دخل في شراكة في العديد من الستثامارات مع صديقه‬
‫وربيب نعمته رجل العمال اليطالي سيلفيو لوكاز‪ ،‬صاحب المصانع والكازينوهات‬
‫والفنادق بإيطاليا وفي بعض دول أوروبا‪ ،‬وملك تجارة وتهريب الثاار في العالم‪ ،‬أو ملك‬
‫الدشغل النظيف كما كان يحب أن يطلق علي نفسه‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫القاهرة في يوليه ‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القنوات الدينية والرياضية تفرض سيطرتها على الساحة العلمية بمصر‪.‬‬
‫‪ -‬ظاهرة غريبة تجتاح صحف المحروسة‪ ،‬صفحات الرياضة تحتل ثالث أرباع حجم‬
‫أية جريدة مصرية‪ ،‬ل فرق بين الصحف القومية والحزبية والدمستقلة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬فتنة وصراع بين جماهير الهلي والزمالك قبل المباراة الفاصلة بين الفريقين في‬
‫صراعهما المحموم على درع الدوري الدممتاز‪.‬‬
‫‪ -‬تقدم الزمالك بهدفين ل يحسم له بطولة قبل موقعة الجمعة القادم ‪.8/8‬‬
‫‪ -‬الشحن الجماهيري فاق كل تصور وينذر بالخطر‪ ،‬وجماعات اللتراس تسيطر على‬
‫شوارع القاهرة والمحافظات‪.‬‬
‫‪ -‬قناة الهلي صاحبة أعلى نسبة مشاهدة في الشهور الخيرة‪ ،‬والبرامج الرياضية‬
‫التليفزيونية منقسمة ما بين مؤيد للزمالك ومؤيد للهلي‪.‬‬
‫‪ -‬رصد معارك شوارع كبيرة بين جمهور الناديين بالقاهرة وفي عدة محافظات‪.‬‬
‫‪ -‬ما يحدث غريب علي الشعب المصري‪ ،‬الطباء النفسيون وعلماء الجتماع يتحدثاون‬
‫عن غياب الهدف لدى الجماهير‪ ،‬وأن ما يحدث هو أكبر دليل لحاجة مصر لمشروع‬
‫قومي يوظف الطاقات الهائلة لدي الشباب‪.‬‬
‫القاهرة في ديسمبر ‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ظاهرة البلطجة‪ ،‬وفرض التاوات‪ ،‬والتحرش الجنسي‪ ،‬تسيطر على الشارع المصري‬
‫على الرغم من انتشار ارتداء النقاب وتربية اللبحي بين المصريين‪.‬‬
‫لسر المصرية تمنع بناتها من الخروج من المنازل والفصول الدراسية خالية من‬
‫‪-‬اد‬
‫الفتيات‪ ،‬وعلى غير العادة‪ ،‬الشوارع المصرية خالية من المارة من بعد صلة العشاء‪.‬‬
‫‪ -‬الشوارع الرئيسية بالعاصمة ومدن المحافظات تحت سيطرة البلطجية والعصابات‬
‫ل‪.‬‬
‫المتنافسة والتي تخرج من جحورها لي ا‬
‫‪ -‬ما يحدث بمصر ظاهرة غريبة ل تتسق مع تاريخ الشعب المصري الدمساللم‪.‬‬
‫‪ -‬الناس تصدرخ أين قانون الطوارئ وأين مؤسسات الدولة؟‪ ،‬واتهامات لجهزة و ازرة‬
‫الداخلية بالتواطؤ مع البلطجية‪ ،‬لتأديب الشعب بسبب الانتقادات التي طالت أداء جهاز‬
‫الشرطة ونزاهة قياداته‪.‬‬
‫‪ -‬نواب المعارضة بمجلس الشعب يؤكدون أن جهاز الشرطة يتعمد نشر حالة من‬
‫الفوضى والعنف بالشارع المصري ردا على فضح وسائل العلم لما يحدث بأقسام‬
‫ومراكز الشرطة من تعذيب وانتهاكات لحقوق النسان‪.‬‬
‫‪ -‬انقسام بحزب العغد واختفاء أحزاب العمل والتجمع والحرار‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬تفجر الصراعات في النقابات المهنية وشرذمة العمل النقابي بمصر‪ ،‬وفرض‬
‫الحراسة على نقابات الطباء والمحامين والتجاريين واستمرارها على نقابة المهندسين‪.‬‬
‫‪ -‬حالة من الفوضى الدمريبة دتسيطر على الشارع المصري‪ ،‬وانفلت جنوني للسعار‪،‬‬
‫والسلع الفاسدة ومجهولة العمصعدر تمل أرفف المحلت التجارية‪.‬‬
‫‪ -‬الحكومة تحاول السيطرة على السعار قبل انتخابات مجلس الشعب‪ ،‬وخططها‬
‫لضبط السواق تأتى بنتائج كارثاية على جموع المصريين‪ ،‬فالحملت الدمكثافة لرجال‬
‫ضبط الأسواق بل طائل‪ ،‬وبالرغم من تهديد نظيف بتطبيق قانون‬
‫التموين والشرطة ل ع‬
‫الطوارئ على التجار الجشعين واعتقالهم‪.‬‬
‫صحف القاهرة في يناير ‪2010‬م‪.‬‬
‫ت‬
‫جريدة المصري اليوم‪.‬‬
‫‪ -‬هل ما تشهده مصر هو الفوضى الخلقة التي خططت لها وتنفذها الوليات المتحدة‬
‫المريكية؟‪.‬‬
‫‪ -‬فشل أحزاب المعارضة الرئيسية في تشكيل جبهة وطنية لمناهضة التوريث‪.‬‬
‫‪ -‬تسدرب أنباء‪ ،‬شبه مؤكدة عن صفقة كبيرة بين الحزب الوطني والخوان المسلمين‬
‫لضمان تأييدهم للتوريث مقابل إطلق يدهم في الاقتصاد المصري وغض الطرف عن‬
‫سيطرتهم على المؤسسات الدينية ووسائل العلم‪.‬‬
‫فبراير ‪.2010‬‬
‫جريدة الدستور المصرية‪.‬‬
‫‪ -‬أيمن نور وحيدا ومنعزلا ويفقد بجدارة الجماهيرية التي حققها في انتخابات الرئاسة‪.‬‬
‫‪ -‬نور يصدرخ يائسا بل مجيب‪ ،‬ما يحكمشي‪ ،‬وسط سخرية هائلة من الجماعات‬
‫والشخصيات السياسية وتجاهل قيادات الحزاب‪.‬‬
‫‪ -‬أيمن نور يؤذن في مالطة‪ ،‬نور في وادل والشعب في وادل‪ ،‬ول حياة لمن تنادى‪.‬‬

‫فبراير ‪2010‬م‪.‬‬
‫جريدة المصري اليوم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬أنباء قوية عن نية الدكتور البرادعي‪ ،‬الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية‪ ،‬الترشح‬
‫لمنصب رئيس الجمهورية في ديسمبر القادم‪.‬‬
‫‪ -‬قائمة المرشحين للرئاسة تشمل الدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في‬
‫العلوم‪ ،‬وعمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية‪.‬‬
‫‪ -‬هجوم إعلمي واسع النطاق على البرادعي وزويل وموسى‪.‬‬
‫‪ -‬عمرو موسى ديعلن تأييده للرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية القادمة‪.‬‬
‫‪ -‬تشكيل الجمعية المصرية للتغيير من نفس قيادات العمل السياسي التي تسببت من‬
‫قبل في شرذمة الحزاب وابتذال الدعوة للتغيير‪ ،‬وتجربة عزيز صدقي في الجبهة‬
‫المصرية من أجل الديمقراطية‪ ،‬وتجربة الدكتور يحيى الجمل مع حزب الجبهة‬
‫الديمقراطية‪ ،‬ما زالتا ماثالتين للعيان‪ ،‬لم يجن منهما الشعب غير مزيدل من الحباط‪.‬‬
‫جريدة الهرام المصرية‪.‬‬
‫‪ -‬زويل ينفى نيته للترشح للرئاسة ويواصل سعيه لنشاء جامعة دمتخصصة في‬
‫التكنولوجيا والبحاث العلمية‪.‬‬
‫‪ -‬أسامة سرايا رئيس تحرير الهرام يشن حملة شرسة ضد الدكتور البرادعي‪.‬‬
‫جريدة الدستور المصرية‪.‬‬
‫‪ -‬استياء عام من هجوم الصحف الحكومية على الدكتور البرادعي‪.‬‬
‫‪ -‬إبراهيم عيسى ديهاجم بضراوة كلا من أسامة سرايا رئيس تحرير الهرام‪ ،‬ومحمد على‬
‫إبراهيم رئيس تحرير الجمهورية‪.‬‬
‫صحف القاهرة‬
‫‪ -‬استقبال حافل للدكتور البرادعي بمطار القاهرة‪ ،‬واعتقال أيمن نور وأحمد ماهر‬
‫دمنسق حركة شباب ‪ 6‬أبريل وكذلك عدد من شباب حركة كفاية بتهمة العداد لقلب‬
‫نظام الحكم وتغيير الدستور بالقوة‪.‬‬
‫‪ -‬الصحف القومية تتجاهل وصول الدكتور البرادعي لمصر‪.‬‬
‫ظم‪.‬‬
‫‪ -‬عزعخم الدعوة للتغيير يتعا ع‬
‫مارس ‪2010‬م‪.‬‬
‫برنامج القاهرة اليوم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬الدكتور البرادعي ديصلرح لعمرو أديب‪ ،‬بأنه لن يتراجع عن دعوته من أجل الصلح‬
‫السياسي بمصر‪ ،‬ويقول هذا حق بلدي وشعبي على‪.‬‬
‫حه لانتخابات الرئاسة في ديسمبر القادم‪.‬‬
‫شد‬‫‪ -‬البرادعي يعلن عتعر ع‬
‫صحف القاهرة في أبريل ‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ -‬صحف المعارضة تبشر بالبرادعي والصحف الحكومية تتهمه بأنه رأس الحربة‬
‫لمؤامرة أمريكية وغربية على مصر ورئيس تحرير الجمهورية يدعو لطرده من مصر‪.‬‬
‫‪ -‬المن يحاصر تحركات البرادعي ويمنعه من حضور مؤتمر جماهيري بالمنصورة‪.‬‬
‫‪ -‬انقسامات حادة في الجمعية المصرية للتغيير بسبب غموض علقة البرادعي‬
‫بالجماعة المحظورة وغيابه عن مصر لفترات طويلة‪.‬‬
‫الربعاء ‪28/4/2010‬م‪.‬‬
‫صحف القاهرة‬
‫‪ -‬الحزب الوطني يكتسح انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى في عملية تزوير‬
‫فجة وغير مسبوقة‪.‬‬
‫‪ -‬أضعف إقبال على صناديق الانتخابات في تاريخ مصر‪ ،‬الحكومة تدعى أن نسبة‬
‫التصويت تجاوزت نسبة ‪ %70‬والمعارضة تؤكد أن نسبة التصويت ل تتعدى ‪%2‬‬
‫بأي حال من الحوال‪ ،‬وصحف المعارضة تنشر صورا عديدة للجان وهى خاوية من‬
‫المواطنين ودتظلهر موظفي المحليات وهم يقومون بتسويد بطاقات التصويت‪.‬‬
‫‪ -‬المعارضة تدلرس مقاطعة انتخابات مجلس الشعب القادمة اعتراضا على التزوير‪.‬‬
‫‪ -‬الحديث عن صفقات انتخابية سرية بين الوطني والمحظورة وعدد من الحزاب‬
‫الهامشية ردا على مقاطعة أحزاب المعارضة الرئيسية للانتخابات البرلمانية القادمة‪.‬‬
‫‪ -‬كما كان متوقع ا‪ ،‬انشقاق في الجمعية المصرية للتغيير‪.‬‬
‫القاهرة في مايو ‪2010‬م‪.‬‬
‫الصحف القومية‪.‬‬
‫‪ -‬باي باي برادعي ‪ ،،،‬البرادعى يعلن تراجعه عن التردشح لانتخابات الرئاسة القادمة‬
‫بسبب ضعف الدعم الجماهيري والانقسامات الحادة في جمعيته للتغيير‪.‬‬
‫‪ -‬البرادعي يغادر القاهرة ليستقر بصفة دائمة بالنمسا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫صحف المعارضة‪.‬‬
‫‪ -‬نظام الحكم الفرعوني يمتص الهجوم الليبرالي ويسدد ضربة قاضية لدعاة التغيير‪.‬‬
‫‪ -‬الطريق مفتوح أمام مرشح الحزب الوطني لمقعد الرئاسة‪.‬‬
‫‪ -‬الحباط يسيطر على الدنعخبة المثاقفة وعلي القوى السياسية‪ ،‬والجماهير مستسلمة‬
‫لقدارها‪.‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الثلثاء ‪2010 /8/6‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الصحف تتحدث عن النجاح الكبير لمباحث الثاار في ضبط عدة عمليات كبيرة‬
‫لعصابات التنقيب عن الثاار وتهريبها في دمختعلف محافظات مصر‪ ،‬وكفر الشيخ‬
‫والشرقية في المرتبة الولى من حيث عدد قضايا التنقيب عن الثاار‪.‬‬
‫‪ -‬تطبيق قانون الطوارئ للحد من عمليات نهب وتهريب الثاار وكذا غسيل الموال‪.‬‬
‫‪ -‬تقارير دولية تتحدث عن أن حجم غسيل الموال في مصر‪ ،‬خلل الستة أشهر‬
‫الخيرة‪ ،‬تجاوز الخمسين مليار دولر‪ ،‬معظمها في تجارة الثاار والمخدرات‪.‬‬
‫‪ -‬عشرات المليارات من الدولرات القذرة تدخل مصر في صفقات وهمية لعشرات‬
‫الشركات المشبوهة‪.‬‬
‫‪ -‬وزير الداخلية يؤكد أن كل ما ديقال بأن مصر أصبحت ملجأ لغسيل وتبيض الموال‬
‫القذرة ما هو إل إشاعات مغرضة للنيل من سمعة مصر بعد تحقيقها لنجاح اقتصادي‬
‫منقطع النظير ويؤكد أن السلطات تسيطر تماما على الوضاع‪.‬‬
‫‪ -‬لجنة السياسات دتقر خطتها للغاء الدعم بعد رفع المرتبات إواقرار قانون المعاشات‬
‫والتأمينات الاجتماعية‪ ،‬ومصيلحي ديعللن إلغاء دعم رغيف الدخبز وأنبوبة البوتوجاز‬
‫بالكوبونات‪ ،‬ونظيف يعلن بدء العمل بنظام الدعم النقدي للفئات الكثار احتياجاا‪.‬‬
‫صحف المعارضة‪.‬‬
‫‪ -‬الشعب عيلئن تحت وطأة الغلء‪ ،‬البطالة تصل لعلى مستوياتها‪ ،%30 ،‬وقانون‬
‫الطوارئ سيف مسلط على رقاب المصريين‪ ،‬والفساد والفوضى عنوان المرحلة‪.‬‬
‫‪ -‬المجلس العالمي لحقوق النسان ديعلرب عن بالغ قلقه بشأن الوضاع المتردية‬
‫بلمصر‪ ،‬والبرلمان الوروبي يدين بالجماع ممارسات النظام الحالكم في لمصر‪،‬‬
‫الكونجرس المريكي يهدد بإلغاء المعونة المريكية للمصر‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬دول حوض النيل‪ ،‬بمعاونة الصين إواسرائيل‪ ،‬عتعمل على تنفيذ مخططات شيطانية‬
‫لخنق مصر بحرمانها من حقها التاريخي في مياه النيل‪.‬‬
‫صحف القاهرة‪.‬‬
‫الخميس ‪15/7/2010‬م‪.‬‬
‫‪ -‬تصاعد التوتر في الشارع المصري مع اشتعال حملت الدعاية لانتخابات مجلس‬
‫الشعب في أغسطس القادم‪.‬‬
‫‪ -‬انتشار واسع النطاق لظاهرة الثاأر في الصعيد وسلح المال يسيطر على الحملت‬
‫الانتخابية في ظل الغلء الشديد‪.‬‬
‫‪ -‬أحزاب المعارضة الرئيسية تقاطع الانتخابات البرلمانية والمحظورة تخوضها بكثاافة‬
‫غير متوقعة وإدانة القوى الوطنية لموقف الخوان النتهازي‪.‬‬
‫الحد ‪10/8/2010‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الحزب الوطني يحصد غالبية مقالعد البرلمان‪ ،‬ويفوز بجميع مقاعد كوتة المرأة‪.‬‬
‫‪ -‬أربعمائة مقعد للوطني وخمسة عشر للمحظورة ومقعد واحد لحزب الجيل‪.‬‬
‫‪ -‬المؤتمر العام للحزب الوطني ديسمى مرشحه للرئاسة في مؤتمره العام في سبتمبر‬
‫القادم وأنباء قوية عن نية الرئيس عدم الترشح‪.‬‬
‫‪ -‬قيادات وجماهير الحزب الوطني تطالب بإعلن السيد جمال مبارك مرشح ا للحزب‬
‫لخوض انتخابات الرئاسة ورئيس الحزب الدستوري والسيد فخري أبو النور سكرتير‬
‫عام حزب الوفد في طليعة مرشحي أحزاب المعارضة لانتخابات الرئاسة‪.‬‬
‫صحف القاهرة‪.‬‬
‫الربعاء ‪1/9/2010‬م‪.‬‬
‫‪ -‬إعلن جمال مبارك مرشحا عن الحزب الوطني لخوض انتخابات الرئاسة القادمة‬
‫وسط حالة من الحشد الجماهيري والتأييد الإعلمي لم يسبق لها مثايل‪ ،‬والمؤشرات تؤكد‬
‫قدرته على حسم الانتخابات لصالحه من الجولة الولى‪.‬‬
‫‪ -‬الاستعدادات على قدم وساق لانتخابات الرئاسة في ديسمبر القالدم ومؤسسة الرئاسة‬
‫تؤكد أنها تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين‪ ،‬والحكومة تعلن التزامها بإجراء‬
‫انتخابات نزيهة وشفافة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬الحكومة تنجح في ضبط السعار والسيطرة على السوق‪ ،‬اختفاء ظاهرة البلطجة‬
‫وعودة الانضباط للشارع المصري‪ ،‬ثالثاون بالمائة زيادة في المرتبات الشهر القالدم‪.‬‬
‫‪ -‬إلغاء القضايا المرفوعة من بنك التنمية الزراعي على عشرات الآلف من الفلحين‬
‫وجدولة ديون شباب الخريجين لصالح الصندوق الاجتماعي‪.‬‬
‫‪ -‬التصالح في قضايا البناء علي الراضي الزراعية إوايصال المرافق للمخالفين‪.‬‬
‫‪ -‬طرح عشرات اللف من قطع أراضى البناء بالمدن الجديدة بنظام الدقرعة وبأسعار‬
‫زهيدة‪ ،‬ومائة ألف قطعة مبالن وثالثاة مليارات دعما لمشروع } ا ل‬
‫بن بيتك {‪.‬‬
‫‪ -‬الدولة والقطاع الخاص يتعهدان بتوفير مليوني فرصة عمل خلل الشهور القادمة‬
‫والعالم يراقب المعجزة المصرية‪.‬‬
‫‪ -‬صعود مصر للدور النهائي لبطولة القارات المقامة بكوريا الجنوبية بعد فوزها على‬
‫أمريكا ‪ ،2-3‬وقد سبق لها الفوز على ألمانيا وكوريا الجنوبية‪.‬‬
‫‪ -‬الشعب متفائل بالسيد جمال مبارك‪ ،‬والصحافة تلقبه بلوش الخير‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫سبتمبر ‪2010‬م‪.‬‬
‫توجه أحد معاوني رجل العمال محمد يوسف إلى مدينة دمياط الجديدة حيث‬
‫عرض على زوجة الصحفي رضا جلل شراء شقتها الواقعة بشارع الصعيدي‪ ،‬الشارع‬
‫الرئيسي بالمدينة‪ ،‬لرغبته في تأسيس شركة للتوكيلت الملحية بميناء دمياط‪ ،‬حين‬
‫عرض الرجل مبلغ مليونين من الجنيهات ثامنا لشقة ل يتجاوز ثامنها الحقيقي أكثار من‬
‫ربع المليون فهمت الزوجة الشارة ووافقت على البيع فو ارا‪ ،‬وعندما عاد الرجل ليعرض‬
‫عليها أن تشترى منه الشقة مرة أخري‪ ،‬وبأي مبلغ‪ ،‬لنه مضطر للمغادرة إلي دبي تأكد‬
‫حدسها بأن هذا الرجل مرسل من لدي زوجها فدخلت السعادة إلى قلبها لول مرة منذ‬
‫أكثار من خمسة أعوام‪ ،‬وعلى الرغم من أنها كانت تنتظر مثال هذه الرسالة‪ ،‬إل أنها‬
‫كانت بالفعل دمندهشة من التوقيت‪ ،‬وتساءلت كيف عرف زوجها بحاجتها الماسة للمال‬
‫بعدما تعبعخعر ما تركه لها في انهيار البورصة المصرية في مارس الماضي‪ ،‬ولكن يكفيها‬
‫أن زوجها أوفي بوعده بأن يكون قريب ا منهم فشعرت بالطمأنينة علي ولديها من بعد‬
‫خوف‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫الثلثاء‪ ،‬الخامس من أكتوبر ‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ -‬إلغاء العرض العسكري بمناسبة انتصارات السالدس من أكتوبر وأنباء عن تدهور‬
‫صحة الرئيس‪ ،‬ومؤسسة الرئاسة تؤكد أن الرئيس بصحة جيدة وأنه في طريقه للمانيا‬
‫لجراء بعض الفحوصات الطبية للاطمئنان على الجراحة التي أجراها العام الماضي‪.‬‬
‫الجمعة ‪8/10/2010‬م‪.‬‬
‫‪ -‬التلفزيون المصري يذيع خبر وفاة الرئيس في مستشفى هايدلبرج الجامعي بولية‬
‫بادن فورتمبيرج جنوب غرب ألمانيا‪.‬‬
‫‪ -‬جنازة عسكرية وشعبية مهيبة‪ ،‬يحضرها زعماء العالم يوم الاثانين القادم‪.‬‬
‫‪ -‬الجماهير دتعلبر عن حزنها لوفاة الرئيس الب في مسيرات ضخمة بالقاهرة‬
‫والمحافظات وتبايع جمال مبارك رئيس ا للجمهورية من أجل الاستقرار واستكمال مسيرة‬
‫التنمية والتقدم‪.‬‬

‫نهاية شهر أكتوبر ‪2010/‬م‪.‬‬


‫‪ -‬في مفاجأة من العيار الثاقيل‪ ،‬الفريق أحمد شفيق وزير الطيران‪ ،‬يتقدم باستقالته من‬
‫الحكومة ويعلن عن نيته خوض انتخابات الرئاسة القادمة كمستقل‪.‬‬
‫‪ -‬الفريق شفيق يتقدم بأوراقه كمرشح للرئاسة إلى اللجنة العليا للانتخابات قبل قفل باب‬
‫التقدم بساعة واحدة‪ ،‬واللجنة تقبله كمرشح للرئاسة بعدما قدم إليها توقيعات مائة عضو‬
‫بمجلس الشعب والشورى ومئات التوقيعات لعضاء المجالس المحلية بالمحافظات‬
‫والمراكز على مستوى الجمهورية‪.‬‬
‫‪ -‬تقدم شفيق لخوض انتخابات الرئاسة ديرلبك الساحة السياسية‪ ،‬والغموض والتوتر سيدا‬
‫الموقف في الحزب الوطني‪.‬‬
‫‪ -‬تداول إشاعات عن دعم هائل للفريق شفيق من مؤسسة هامة وحساسة بالدولة‪.‬‬
‫‪ -‬الدكتور نظيف رئيس الوزراء‪ ،‬والقائم بأعمال الرئاسة‪ ،‬ديعجلدد تعهد الرئاسة والحكومة‬
‫بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة‪.‬‬
‫‪ -‬المؤسسة العسكرية تنفى تددخلها في النتخابات الرئاسية أو أي نشاط سياسي آخر‬
‫وتهدد بتقديم مروجي تلك الشاعات إلى المحاكمة العسكرية‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫صحف المعارضة‪.‬‬
‫‪ -‬انسحاب جميع مرشحي الحزاب من انتخابات الرئاسة‪ .‬ت اردجع دفرص جمال مبارك‬
‫وتقدم دمذهل للفريق شفيق‪.‬‬
‫‪ -‬الصراع على الرئاسة بات منح ل‬
‫ص ار فيما بين المال وبين القلب الصلب للنظام‬ ‫د‬
‫الحاكم‪.‬‬
‫صحف القاهرة ‪.‬‬
‫الخميس ‪25/11/2010‬م‪.‬‬
‫‪ -‬في دعرس ديمقراطي ومن خلل أنزه انتخابات تشهدها مصر عبر تاريخها‪ ،‬الفريق‬
‫شفيق يحسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الولى‪.‬‬
‫‪ -‬ثامانون بالمائة من الصوات للفريق شفيق وعشرون فقط لجمال مبارك‪.‬‬
‫‪ -‬الرئيس الدمنتخب‪ ،‬يؤدي اليمين الدستورية أمام مجلسي الشعب والشورى يوم الربعاء‬
‫الموافق الول من ديسمبر القادم‪.‬‬
‫صحف القاهرة‪.‬‬
‫الحد ‪5/12/2010‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الحكومة تتقدم باستقالتها لشفيق‪ ،‬والرئيس يشكرها على جهودها السابقة وديكللف وزير‬
‫الداخلية السابق‪ ،‬اللواء حبيب العادلي‪ ،‬بتشكيل الو ازرة الجديدة‪.‬‬
‫‪ -‬خطاب هام للرئيس أمام الجتماع المشترك لمجلسي الشعب والشورى لتحديد‬
‫أولويات حكمه خلل الخمس سنوات القادمة‪.‬‬
‫‪ -‬الرئيس ديعلن أن القضاء على الفساد والمحسوبية وفرض النظام وتطبيق العدالة‬
‫الاجتماعية من أولويات حكمه‪.‬‬
‫‪ -‬الرئيس عيلحل مجلسي الشعب والشورى ويدعو الشعب لانتخاب برلمان جديد‪.‬‬
‫صحف القاهرة‪.‬‬
‫الثلثاء ‪15/2/2011‬م‪.‬‬
‫‪ -‬فوز الحزب الوطني بثالثاي مقاعد مجلسي الشعب والشورى وللمستقلين ثالث المقالعد‪.‬‬
‫‪ -‬الوطني يفوز ‪ 270‬مقعدا‪ ،‬الخوان بخمسين مقعداا‪ ،‬و ‪ 120‬للمستقلين والحزاب‬
‫مجتمعة تفوز بعشرين مقعداا‪ ،‬والوطني يفوز بجميع مقاعد المرأة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬الفوز الكبير للخوان والمستقلين عيلحد من دعاوى المعارضة بتزوير الانتخابات‪.‬‬
‫‪ -‬الرئيس شفيق يتولى منصب رئيس الحزب الوطني وانضمام مائة عضو من‬
‫المستقلين إلى الحزب الحاكم‪.‬‬
‫‪ - -‬ثاورة تصحيح بالحزب الوطني‪ ،‬إلغاء لجنة السياسات بالحزب وتغييرات كبيرة في‬
‫صفوف قياداته‪ ،‬استبعاد أحمد عز‪ ،‬على الدين هلل‪ ،‬صفوت الشريف‪ ،‬محمد كمال‪،‬‬
‫والعديد من قيادات الصف الول بالحزب‪.‬‬
‫‪ -‬حكومة جديدة برئاسة الدكتور مفيد الدين شهاب‪ ،‬الفريق عنان وزي ار للدفاع‪ ،‬سفيرنا‬
‫بواشنطن يتولى حقيبة الخارجية واللواء فادى الحبشي وزي ار للداخلية‪.‬‬
‫‪ -‬تغييرات شاملة للمحافظين‪ ،‬وكما جرت العادة‪ ،‬اقتسم العسكريون ورجال الشرطة‬
‫وأساتذة الجامعات ورجال القضاء مقاعد المحافظين‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كان رجل العمال‪ ،‬محمد يوسف‪ ،‬شغوفا بمتابعة أخبار مصر مما لفت انتباه‬
‫صديقته الإيطالية روبرتا فسألته‪.‬‬
‫صحف والتليفزيون‪،‬‬
‫‪ -‬حبيبي محمد دائم ا ما أجدك منهمك ا في متابعة أخبار مصر بال د‬
‫كما أنك شغوف بالمسلسلت والفلم والغاني المصرية‪ ،‬ول تق أر إل الجرائد اليطالية‬
‫والمصرية‪ ،‬ما هي حكايتك‪ ،‬هل أنت سوري أم مصري؟‪.‬‬
‫ابتسم وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬أنا مصري الهوى‪ ،‬أنت لم تزوري مصر ولهذا لن ألومك على دهشتك من حبي‬
‫وشغفي بهذا البلد‪.‬‬
‫ثام تنهد بعمق وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬أنا لعشت بمصر أجمل أيام عمري‪ ،‬إبان دراستي بجامعة القاهرة‪ ،‬كما عملت بمصر‬
‫لسنوات طويلة‪ ،‬وقد نجحت هناك نجاح ا باه ار وأصبحت أمتلك مشاريع سياحية كبيرة‬
‫بمصر‪.‬‬
‫‪ -‬حسن ا‪ ،‬أنا لن أستمع لقصة حياتك‪ ،‬أريد فقط أن أسألك عما قرأته بالجريدة فشغلك‬
‫لدرجة أنك‪ ،‬ولول مرة منذ تعارفنا‪ ،‬ل تشعر بوجودي‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬آسف روبرتا‪ ،‬أنا فعلا دمتأثار اليوم بالخبار السياسية المتلحقة القادمة من مصر‪،‬‬
‫فبعد انهيار النظام القديم أرجو أن يكون النظام الجديد على قدر مصر ومقامها‪ ،‬لعلمك‬
‫أنا لي أعداء كثايرون من أصحاب النفوذ إبان العهد البائد‪ ،‬وقد استغلوا نفوذهم‬
‫للاستيلء على أموالى وتحطيمي في السوق مما دفعني للهرب من مصر‪ ،‬وبصراحة‬
‫أريد تصفية حساباتي والانتقام منهم‪.‬‬
‫‪ -‬ولماذا ل تنسى ماضيك بمصر وتعود لبلدك سوريا؟‪ ،‬معك أموال تمكنك من تحقيق‬
‫نفوذ واسع هناك‪.‬‬
‫‪ -‬الوضع هناك أسوأ منه في مصر بمراحل‪ ،‬في سوريا المناصب والعمال والصفقات‬
‫حكر على طائفة العلويين الدموية والدمستلغلة وعلى قيادات حزب البعث‪ ،‬فكيف لي أن‬
‫ر‬
‫أعيش أو أن أعمل بدولة تعتقل شعب ا بأكمله‪.‬‬
‫قال ذلك ثام لذ بصمت حزين للحظات ثام نظر نحوها وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬أتعلمين أن نصف الشعب السوري مهاجر لخارج سوريا؟!‪.‬‬
‫ضجر وقالت‪.‬‬
‫ضحكت في ع‬
‫‪ -‬ل أحب الحديث في السياسة‪ ،‬كنت فقط أختبر قدراتك العقلية‪ ،‬لني بصراحة بدأت‬
‫أشك في سلمتها‪.‬‬
‫قالت ذلك وأطلقت ضحكات ماجنة ثام أضافت‪.‬‬
‫‪ -‬رجل جاء ليطاليا مطرودا ودمفللسا‪ ،‬وفيما ل يزيد عن خمس سنوات أصبح من رجال‬
‫العمال المرموقين في نابولي‪ ،‬بل بإيطاليا كلها‪ ،‬ولديه استثامارات في عدة دول‬
‫أوروبية‪ ،‬يسكن بمنزل فاخر‪ ،‬ويركب سيارة أحدث موديل ومن أغلى طراز‪ ،‬وقبل هذا‬
‫وذاك لديه روبرتا أجمل نساء إيطاليا‪ ،‬رجل لديه كل هذا ويشتاق ليام العفلس والمطاردة‬
‫من أعدائه‪ ،‬رجل يعيش أجواء الحرية والتقدم ويتوق للعيش في بلد دمتخلفة تحكمها‬
‫أنظمة مستبدة وفاسدة‪ ،‬عردجل هذا حاله إما أنه دمتخلف أو مجنون‪.‬‬
‫نظر إليها بعيون دامعة وقال بصوت متهدج‪.‬‬
‫‪ -‬أشتاق كثاي ار لمصر‪ ،‬للمشى فى شوارعها‪ ،‬وللسهر على مقاهيها‪ ،‬وقضاء ليلة‪ ،‬من‬
‫ليالي رمضان‪ ،‬في حي الدحسين بالقاهرة‪.‬‬
‫فقالت بانزعاج حقيقي‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬من المؤكد أنك لست في طبيعتك اليوم‪ ،‬أستطيع أن أتفهم هذا‪ ،‬سأذهب إلى روما‬
‫لمدة أسبوع وعندما أعود أرجو أن تكون قد توصلت لقرار‪ ،‬أتريد روبرتا الجميلة أم تريد‬
‫العسعفر إلى مصر؟‪.‬‬
‫قالت ذلك وهمت بالخروج وهى تضحك في سخرية وتغنى ‪ ،،،‬حبيبي عربي ‪،،،‬‬
‫حبيبي متخلف‪.‬‬
‫قذفها بعلبة السجائر وهو يصرخ فيها‪.‬‬
‫‪ -‬روبرتا‪ ،‬تعلمين بأني ل أحب أن ينعتني أحد بالعربي‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫توجس محمد يوسف خيفة بعدما علم من الصحف بخبر تعيين اللواء الجمال‬
‫محافظ ا لدمياط‪ ،‬ومع ذلك كان سعيدا بعض الشيء لبعاده عن الجهاز المني‬
‫الحساس‪ ،‬كما أنه يعلم أن كرسي المحافظ بمصر دائم ا ما يكون ترضية لرجال النظام‬
‫قبل الستغناء عنهم نهائياا‪ ،‬وهذا يعني أن يوم تصفية الحساب بينهما قد اقترب كثاي ارا‪.‬‬
‫وبالرغم من انشغاله بالعمل بمشروع الكنيسة الانجليكانية بسيناء‪ ،‬وكذا بالسعي‬
‫لكشف أسرارها‪ ،‬لم ينعس لحظة واحدة ثاأره مع الرجل‪ ،‬فراح يفكر ويخطط لتدميره حين‬
‫تواتيه الفرصة لذلك‪ ،‬فاللواء هو العقبة الحقيقية أمام عودته لوطنه وبدء حياة جديدة‬
‫يحقق بها ما عجز عن تحقيقه من قبل من أحلم وطموحات‪ ،‬وليعوض أسرته عما‬
‫عانته‪ ،‬بعدما فاتها وحيدة دتصارع الحياة في بلد قاس ومجتمع بائس‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫بعد عدة أشهر‪ ،‬خرج اللواء الجمال في حركة تغيير محدودة للمحافظين‪ ،‬ودأجبر‬
‫على اعتزال العمل السياسي‪ ،‬فأسس شركة للاستيراد والتصدير‪ ،‬وخلل فترة زمنية‬
‫قصيرة‪ ،‬وبفضل علقاته مع بعض المسئولين الذين استمروا في النظام الجديد‪ ،‬نجح‬
‫في السيطرة على سوق اللحوم المجمدة بمصر بعدما أزاح منافسيه بسرعة وقسوة‪ ،‬وبعد‬
‫فترة قصيرة تيقن الرجل من أن هناك من يخطط لتدميره فعمل سريعا على نقل نشاطه‬
‫لبريطانيا‪ ،‬وعن طريق علقته الوطيدة ببعض رجال المخاب ارت النجليزية إم ‪ ،6‬تمكن‬
‫من تأسيس شركة لتجارة العقارات ببريطانيا‪ ،‬وبعد أسابيع من استق ارره بلندن انطلقت‬

‫‪200‬‬
‫إشاعات قوية عن بدء مفاوضات جادة بينه وبين رجل العمال المصري‪ ،‬محمد‬
‫الفايد‪ ،‬لشراء محلت هارودز الشهيرة‪.‬‬
‫هذا وقد شرع اللواء الجمال من فوره في تأسيس الجبهة المصرية للتغيير لتضم‬
‫العديد من رجال العمال المصريين الهاربين للخارج‪ ،‬وبفضل أموال ونفوذ أعضاء‬
‫الجبهة في القارة العجوز‪ ،‬فقد شكلت تهديدا حقيقي ا لنظام حكم الفريق شفيق‪ ،‬وقد أسفر‬
‫الصراع بين الجبهة والنظام المصري عن تعرض اللواء الجمال لمحاولة اغتيال فاشلة‬
‫في لندن‪ ،‬تسببت في توتر شديد في العلقات المصرية البريطانية‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫لم ينقطع محمد يوسف لحظة عن مراجعة ومتابعة تقارير رجاله المكلفين بمراقبة‬
‫اللواء الجمال‪ ،‬أول ا بأول‪ ،‬ولعمـَ ل واللواء هو صيده الثامين والخطر المحدق به وبأسرته‪،‬‬
‫وعندما لحظ أن الرجل يزداد قوة مع مرور الوقت تيقن من أنه ل يملك رفاهية‬
‫النتظار‪ ،‬وعلى الرغم من انشغاله بمشروع الكنيسة‪ ،‬وتعرض علقته بشريكه سيلفيو‬
‫لخطر شديد بسبب مساندته للدكتورة صابرينا‪ ،‬فقد عقرر العمل أولا وفو ار علي تدمير‬
‫عدوه اللدود‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫وقد تمكن محمد يوسف‪ ،‬خلل السنة الماضية‪ ،‬من التقرب كثاي ار إلى الكنيسة‬
‫النجليكانية بروما‪ ،‬سعيا خلف نفوذها القوى بكل جوانب الحياة اليطالية‪ ،‬وأيضا‬
‫لشباع رغبته القوية في المعرفة‪ ،‬فالصحفي المشاكس لم يمت بداخله بعد‪.‬‬
‫وقد تجمعت لديه معلومات شبه مؤكدة بأن هناك جماعة دينية باطنية تعمل من‬
‫أجل تدمير العالم وتتخذ من إحدى كنائس روما ستارا لنشاطها السري‪ ،‬وسعي بدأب‬
‫لتحديد تلك الكنيسة‪ ،‬ومع الوقت وبعد جهد جهيد تجمعت لديه معلومات خطيرة عن‬
‫تلك الكنيسة وجماعتها السرية والتي من بين أعضائها شخصيات ذات نفوذ واسع في‬
‫كل دول العالم تقريباا‪.‬‬
‫وقد ربط بين ما عرفه من الدكتورة صابرينا وبين ما عاشه من ملبسات وأحداث‬
‫مثايرة بسبب تمثاال ميريت آتون‪ ،‬وقد وجهه حدسه للتقرب من هذه الكنيسة بالذات فتبرع‬
‫لها بسخاء حتى صار من المقربين جدا لكاهنها‪ ،‬الب سيرجوني‪ ،‬وقد عمل لشهو ار‬

‫‪200‬‬
‫طويلة‪ ،‬وبعزيمة ل تلين وبعقل دمدلبر‪ ،‬على نسج علقات متوازنة بينه وبين تلك‬
‫الكنيسة‪ ،‬صاحبة النفوذ الهائل في العالم‪ ،‬وكذا مع المافيا صاحبة النفوذ الكبير في‬
‫إيطاليا‪ ،‬وذلك عن طريق سيلفيو‪ ،‬مما جعله الرجل المناسب لنشاء إوادارة المشروع‬
‫الكبير للكنيسة بمنطقة جنوب سانت كاترين بسيناء‪.‬‬
‫وبفضل ذكائه وتمكنه من تاريخ مصر القديم‪ ،‬وبفضل أموال الدكتور إبراهيم‬
‫سالم‪ ،‬حقق الرجل ثاروة هائلة ونفوذا غير محدود‪ ،‬حتي إنه لم يكن يصدق أو يستوعب‬
‫ما حققه‪ ،‬فكاد أن يعتقد في صدق نبوءة سمالسم‪ ،‬عرافة قبيلة السواللم بليبيا‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫إبان سعيه خلف صابرينا بلندن تأكد من علقة اللواء الجمال بالكنيسة‬
‫النجليكانية بروما‪ ،‬فاستغل قدراته الصحفية في الحاطة بكل تفاصيل حياة الرجل‪،‬‬
‫فبات ل يشك لحظة في أن اللواء قام بقتل إبراهيم سالم وساويرس ليحصل على التمثاال‬
‫الذهبي لصالح تلك الكنيسة تحديدا‪ ،‬فهو لم ينعس أن إبراهيم كان قد أخبره بأن ثاأره في‬
‫هذا التمثاال‪.‬‬
‫وهكذا رتب محمد يوسف أولوياته حيث قرر البدء باللواء الجمال‪ ،‬ثام العمل بعد‬
‫ذلك علي إنهاء خلفه الخطير مع صديقه سيلفيو والدكتورة صابرينا‪ ،‬ليتفرغ بعد ذلك‬
‫لكشف السر الخطير للكنيسة النجليكانية وجماعتها الدينية السرية‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫بغرفته‪ ،‬بفندق إنتركونتينال بمنطقة بادنجتون‪ ،‬وسط العاصمة لندن‪ ،‬قضي‬
‫محمد يوسف ثالثاة أيام في التفكير العميق من أجل التوصل لخطة محكمة لتدمير‬
‫الجمال‪ ،‬ساعات طويلة والرجل يعانى من الصداع والرق بل طائل‪ ،‬اضطر بعدها‬
‫لتجهيز نفسه للبدء في طقوس التنويم المغناطيسي الذاتي أملا في الوصول للحالة‬
‫الذهنية آلفا‪ ،‬وبعد حمام سالخن تناول حبة مهدئة مكنته من النوم الهادئ لخمس ساعات‬
‫كاملة‪ ،‬وقد ساعده النوم الهادئ على النجاح في جلسة تنويم مغناطيسي طويلة ومجدية‬
‫مكنته من الوصول للحالة الذهنية آلفا‪ ،‬استيقظ منها ولديه خطة‪ ،‬واضحة بتفاصيلها‬
‫الدقيقة‪ ،‬وجاهزة للتنفيذ‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫يوم السبت‪ ،‬السادس من أغسطس لسنة ‪2011‬م‪ .‬وصلت رسالة من مجهول‬
‫على البريد اللكتروني‪ ،‬لكاهن الكنيسة الأنجليكانية بروما يمثال فحواها تهديدا خطيرا‬
‫لمصير الكنيسة ورعاياها‪ .‬تقول الرسالة – التمثاال الصلي لميريت آتون بحوزة‬
‫الجنرال‪ ،‬وهو يسعى لبيعه لتاجر آثاار إنجليزي‪ ،‬والتمثاال خاصتكم مقلد كالذي بالمتحف‬
‫المصري‪ ،‬وعلي سطح القدم اليمني لكل منهما نفس العلمة )‪.(4‬‬
‫‪----------‬‬
‫حينما تسلم وفد الكنيسة التمثاال من اللواء الجمال في مايو ‪2005‬م‪ ،‬قام من‬
‫فوره بإيوائه في الكهف السري بالصحراء الغربية المصرية‪ ،‬وبعد مرور شهر أخذت‬
‫الكنيسة في إمطار و ازرة الثاقافة وهيئة الثاار المصرية بعشرات الرسائل التي تتحدث عن‬
‫أن التمثاال الذهبي لميريت آتون والذي يحمل رقم ‪ ،12564‬هو في الحقيقة تمثاال‬
‫مزيف‪ .‬ولسابق تاريخ هذا الثار‪ ،‬والقبض على مهربه في المطار ثام موته بالسجن لم‬
‫تبد هيئة الثاار أدنى اهتمام بتلك الرسائل‪ ،‬حتى وصلتها رسالة قوية من البروفيسور‬
‫ل‬
‫توماس ليلى‪ ،‬المصرولوجست الشهير بجامعة هونولولو بالوليات المتحدة‪ ،‬يخبرهم فيها‬
‫بأن لديه شكوك ا قوية حول التمثاال الذهبي لميريت آتون والموجود بالمتحف المصري‪،‬‬
‫وأضاف بأنه دمنكب على دراسته منذ إعلن الدكتور حواس اكتشافه لهذا التمثاال‪ ،‬ولهذا‬
‫فإنه يقترح أن يقوم خبراء هيئة الثاار المصرية بمراجعة المعلومات الخاصة بهذا‬
‫التمثاال والمرفقة بالرسالة‪ ،‬وأبدى البروفيسور استعداده للمساعدة في إجراء الفدحوصات‬
‫العلمية لهذا التمثاال‪.‬‬
‫وبالفعل قامت هيئة الثاار‪ ،‬بتشكيل لجنة من خبراء الهيئة‪ ،‬لدراسة التمثاال‪،‬‬
‫انتهت إلى أنه بالفعل تمثاال مزيف‪ ،‬فقامت الهيئة برفع التمثاال في سرية تامة ا ا‬
‫تقاء‬
‫لفضيحة علمية مدوية‪.‬‬
‫وبرفع النسخة المقلدة من المتحف إواعادة النسخة الصلية لمكانها‪ ،‬ومقتل كل‬
‫من لهم علقة بعملية الستيلء علي التمثاال من مكانه السري‪ ،‬اعتقد قادة الكنيسة أنهم‬
‫قد تخلصوا من أكبر تهديد واجهته الكنيسة منذ الزمة الكبيرة التي تسبب فيها المريكي‬
‫راى وينفيلد سميث الذي بحث في كتل التلتات في تل العمارنة والتي اكتشفها الشاب‬

‫‪200‬‬
‫الخطير هاني أسعد في عام ‪1965‬م‪1966 ،‬م‪ .‬فكانا قاب قوسين أو أدنى من كشف‬
‫أسرار الجماعة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫قلبت الرسالة حال الكنيسة رأسا على ععقب‪ ،‬وأعلنت حالة الطوارئ بين صفوف‬
‫رعاياها على مستوى العالم‪ ،‬فالتجمع الكبير‪ ،‬والذي تعد له الجماعة منذ فجر التاريخ‪،‬‬
‫سيعقد بعد عدة أشهر‪ ،‬ووجود هذا التمثاال في متناول تجار الثاار‪ ،‬وكذا استمرار اختفاء‬
‫على العمرناوى‪ ،‬ديهدد بكارثاة قد تطيح بأحلم الكنيسة في السيطرة على العالم‪،‬‬
‫وبالجهود المضنية التي بذلتها‪ ،‬على مدى ثامانية آلف عام‪ ،‬أجيال متعاقبة من‬
‫المؤمنين المخلصين من أجل إعداد وتهيئة الظروف ليقاظ إله النور‪.‬‬
‫تحركت قيادة الكنيسة بسرعة في محاولة لحتواء العخطر‪ ،‬ومن فورها شكلت‬
‫لجنة من أفضل رجالها‪ ،‬للقيام برحلة سريعة إلى بيت ال بجبل الدم المقدس‪ ،‬بصحراء‬
‫مصر الغربية‪ ،‬لمطالعة التمثاال الذهبي لميريت آمون واستيضاح المر‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كان الشيخ عمران‪ ،‬وابنه وولى عهده‪ ،‬توفيق‪ ،‬في دهشة كبيرة بسبب التصرفات‬
‫الغريبة للكنيسة الم بروما‪ ،‬فمنذ أكثار من ثالثاة آلف وخمسمائة عام وجماعة المؤمنين‬
‫تحج كل عام إلى منطقة البحر الميت والمدينة المقدسة بسيناء على أن ل تطأ قدم أي‬
‫حاج منهم منطقة جبل الدم المقدس إل كل ثامان سنوات فيما يسمى بالحج الكبير‪،‬‬
‫وناد ار ما كانت الكنيسة تضطر لرسم عكهنة دجددا بالجبل المقدس‪ ،‬أو أن يؤدى قادتها‬
‫دعمرة للشكر عند تحقيق إنجاز هام في مسيرتها نحو العداد لشراق إله الحق على‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫كان شيئ ا مثاي ار حق ا ما حدث يوم الخميس التاسع عشر من مايو لسنة ‪2005‬م‪,‬‬
‫حين فوجئ الشيخ عمران في هذا اليوم بثالثاة من أعضاء الجماعة يطلبون منه‬
‫اصطحابهم إلى بيت ال بجبل الدم‪ ،‬حين أبدى الرجل دهشته من المر أطلعوه على‬
‫الأمر الصادر لهم بالرحلة من دمعللم العحق الممتلئ بالروح الدقدس ولم يطلعوه علي‬
‫السبب‪ ،‬وها هو المر يتكرر بعد ست سنوات وبنفس الكيفية‪ ،‬ففي يوم الاثانين الخامس‬

‫‪200‬‬
‫عشر من أغسطس لسنة ‪2011‬م‪ ,‬حل ضيفا على الشيخ وفد من عشرة أفراد‪ ،‬مسلحين‬
‫بأمر بالرحلة من الكالهن الكبر للكنيسة بروما‪ ،‬فأرسل برفقتهم ابنه توفيقا‪.‬‬
‫في هذا اليوم تأكدت شكوك الشيخ‪ ،‬بأن ما حدث من قبل ويتكرر الن‪ ،‬له‬
‫علقة وطيدة باختفاء ابنه على‪ ،‬وقد ترعسخ لديه هذا اليقين عندما أخضعه‪ ،‬هذه المرة‪،‬‬
‫وفد الكنيسة لتحقيق دقيق‪ ،‬حيث طلبوا منه أن يعيد على مسامعهم كل ما يعرفه‪ ،‬أو‬
‫ظن أن ابنه قد هرب‬
‫يكون قد نمى لعلمه‪ ،‬حول ملبسات اختفاء على‪ ،‬فبعدما كان عي د‬
‫للخارج بصحبة امرأة أجنبية‪ ،‬مله الخوف على ولده البكر‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫تأكد لقادة الكنيسة‪ ،‬بما ل يدع مجالا للشك‪ ،‬بأن التمثاال دمعقعلد‪ ،‬فأصدر الكالهن‬
‫الكبر بروما أوامره بالحصول فو ار على التمثاال الحقيقي مع تدمير كل من له صلة بهذا‬
‫الموضوع‪ ،‬وقد تم استنفار كل رجال الجماعة بمختلف أجهزة المخابرات بمختلف أنحاء‬
‫صب هامة وحساسة على مستوى‬ ‫العالم‪ ،‬وكذا تعبئة أعضائها الذين يشغلون منا ل‬
‫المعمورة‪ ،‬وبل دمبالغة كانت الجماعة تسابق الزمن لإرجاع التمثاال لمكانه قبل ميعاد‬
‫الحج الكبير القادم‪ ،‬فالجميع ترتعد فرائصه خوف ا من معرفة معلم الحق بالمر‪.‬‬
‫ولم ديسفر النشاط المحموم لرجال الجماعة إل عن تدمير وسحق اللواء الجمال‬
‫بعد تجريده من كل أمواله وممتلكاته‪ ،‬هذا ولم يعدثار البوليس الإنجليزي على أي أثار‬
‫للواء الجمال فبادرت الحكومة النجليزية باتهام السلطات المصرية بتدبير عملية خطف‬
‫وقتل قائد الجبهة المصرية للتغيير‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫الثنين ‪2011 /22/8‬م‪.‬‬
‫الصحف المصرية‪.‬‬
‫‪ -‬الحكومة المصرية تنفى صلتها بحادث اختفاء اللواء الجمال‪ ،‬المسئول البارز في‬
‫النظام البائد وقائد ما يسمى بالجبهة المصرية للتغيير بلندن‪.‬‬
‫‪ -‬تمديد قانون الطوارئ ثالث سنوات جديدة لضمان استقرار مصر وحماية إنجازاتها‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬لجنة شئون الحزاب تمنح الترخيص لثالثاة أحزاب جديدة وهى حزب الاوعد‪ ،‬حزب‬
‫الطريق الدمستقيم‪ ،‬حزب الصلح‪ ،‬وترفض التصريح لحزاب الوسط والكرامة‬
‫والصلح والتنمية‪.‬‬
‫‪ -‬الرئيس شفيق يصف نشاط جماعة الخوان بأنه تهديد للمن القومي‪.‬‬
‫ظر إلى البرامج المتناقضة لحزاب‬
‫‪ -‬حيرة الشباب وتشرذم المثاقفين‪ ،‬البعض ين د‬
‫المعارضة على أنها تهديد لاستقرار الوطن‪.‬‬
‫‪ -‬اتجاه كبير بين النخبة السياسية لتدشين نظام الحزبين الكبيرين‪.‬‬
‫‪ -‬حزب جديد عيجمع بعض رموز الطبقة المثاقفة مع عدد كبير من رجال العمال‪،‬‬
‫ويتقدمهم رجل البنوك البارز السيد جمال سيف صهر الرئيس‪.‬‬
‫‪ -‬أعضاء حركة كفاية‪ ،‬وشباب ‪ 6‬أبريل‪ ،‬وشباب حزب الغد‪ ،‬وشباب حزب الجبهة‬
‫الديمقراطية‪ ،‬وبعض شيوخ الجمعية المصرية للتغيير‪ ،‬يكنسون مقام السيدة غدا‬
‫احتجاجا على تمديد قانون الطوارئ‪.‬‬
‫‪ -‬اختلسات كبيرة بحزب الوفد‪ ،‬وسيطرة الجمعيات الهلية على الحزب‪ ،‬وغموض‬
‫علقة الحزب ببعض أجهزة المخابرات‪ ،‬ولجنة شئون الحزاب تدعجلمد نشاطه‪.‬‬
‫‪ -‬سامح عاشور رئيس الحزب الناصري يعلن قرار اللجنة المركزية للحزب بالندماج‬
‫مع الحزب الحاكم‪ ،‬تقدي ار للمواقف القومية للرئيس شفيق‪.‬‬
‫‪ -‬تقلص عضوية حزب العغد يهدد بإلغاء رخصة الحزب‪.‬‬
‫‪ -‬حملة صحفية كبيرة ضد الممارسات الاحتكارية لقيادات الجماعة المحظورة في سوق‬
‫الحديد والأسمنت والسكر واحتكارها لسوق العقارات الفاخرة‪.‬‬
‫‪ -‬لول مرة في تاريخ صراع الدولة ضد المحظورة‪ ،‬اعتقال المرشد العام للجماعة‬
‫المحظورة‪ ،‬الدكتور عصام العريان‪ ،‬واعتقال اللف من كوادرها‪ ،‬والحكومة تتهمها‬
‫بالعمل علي تدمير الاقتصاد المصري‪.‬‬
‫‪-----------‬‬
‫بدلا من أن يسعد بثاأره من اللواء الجمال‪ ،‬غرق محمد يوسف في خوف عميق‬
‫وكريه‪ ،‬فالطريقة السريعة والقاسية التي تعاملت بها الكنيسة مع الجمال أزعجته كثاي ار‪،‬‬
‫كما أرقه أنه تأكد من أن الكنيسة‪ ،‬التي يعمل لصالحها بسيناء‪ ،‬هي نفسها المعنية‬

‫‪200‬‬
‫بتمثاال ميريت آتون‪ ،‬وبالرغم من دهشته من دقة توقعه لذلك اندهش أكثار لتدابير القععدر‪،‬‬
‫حتي راح يتساءل مع نفسه ‪ ،،،‬هل من المعقول أن تكون نبوءة عرافة‪ ،‬بدوية جاهلة‬
‫كسماسم‪ ،‬بتلك الدقة المتناهية؟!‪.‬‬
‫وبالفعل استأنف الرجل سعيه خلف صابرينا التي تهدده‪ ،‬إما أن يسلمها ما معه‬
‫من لفائف أثارية إواما أن تفضح أمره فيكون هو وأسرته في مرمي نيران السلطات‬
‫المصرية والكنيسة وتضيع عليه فرصة معرفة ما لم يعرفه إنسان قبله‪ ،‬كما أخبرته‬
‫بذلك سماسم‪ ،‬وهو إن سلمها اللفائف فسوف يدمره سيلفيو ويستولي علي أمواله التي‬
‫ضحى بمستقبله من أجل أن يجمعها لولده‪.‬‬
‫لم تعد لديه فرصة للتراجع فقرر التخلص من صابرينا وكذا من صديقها‬
‫المصري أحمد حجازي‪ ،‬فتفرغ لمراقبتها عن كثاب حتى حانت الفرصة‪ ،‬ظهر يوم‬
‫الخميس الموافق الول من سبتمبر‪ ،‬وبناء علي اتفاقهم السابق‪ ،‬حمل اللفالئف إلى شقتها‬
‫بمنطقة نيسدن بلندن‪ ،‬وبعد عدة ساعات كان بفيلته بنابولي يتفحص ما استولى عليه‬
‫من شقتها من وثاائق ودراسات وأبحاث دمذهلة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫راح محمد يوسف يق أر مسودة الكتاب القنبلة‪ ،‬التي كانت صابرينا في سبيلها‬
‫لنهاء إعداده للنشر‪ ،‬وراح ديعبلرر لنفسه فعلته وديقنعها بأنه ما فعل إل الصواب‪ ،‬فهذا‬
‫الكتاب لجدير بإثاارة الفتنة والفوضى في أوساط المتدينين بجميع أنحاء العالم مما‬
‫سيؤدى‪ ،‬ل محالة‪ ،‬لموجة من العنف والرهاب سوف تجتاح العالم كله‪ ،‬بل قد يتسبب‬
‫في حروب طاحنة تهدد البشرية بالفناء‪ ،‬فهي تفضح في هذا الكتاب القنبلة الكثاير من‬
‫العقائد الشاذة للجماعات الدينية السرية المنتشرة بالعالم وخاصة الوروبي‪ ،‬والخطر‬
‫أنها تطرح الكثاير مما تعتقد أنها أدلة تاريخية وعلمية تكشف حقيقة الديان البراهيمية‬
‫الثالثاة‪ ،‬التي تؤكد أنها ل تعدوا كونها منتجات ثاقافية واجتهادات بشرية تعكس الثاقافة‬
‫العلمية والتاريخية والدنظم الاجتماعية والسياسية السائدة إبان الحقب التاريخية التي‬
‫نشأت فيها تلك الديان‪ ،‬وهذا في رأي محمد يوسف دينذر بإثاارة الفتن والقلقل في‬
‫العالم‪ ،‬فمن المؤكد أن الجماعات الباطنية‪ ،‬وجماعات الرهاب والتطرف الديني‪ ،‬سوف‬
‫تخرج من مخابئها لتعمل على تدمير استقرار المجتمعات والدول بل استثاناء‪ ،‬فهي‬

‫‪200‬‬
‫تدعي بأن الدين اليهودي دملفق من أساطير المم‪ ،‬التي اختلط واحتك بها اليهود‪،‬‬
‫وتنشر وثاائق تؤكد بأن النبي موسى ما هو إل أمير مصري دم ا ولحم ا‪ ،‬وأن نبيهم‬
‫يوشع بن نون هو من قتله‪ ،‬هو ومن معه من المصريين في مذبحة جبل حوريم بسيناء‬
‫إبان الخروج اليهودي من مصر!‪ ،‬كما يتحدث الكتاب بالتفصيل عن العثاور على‬
‫جثاامين يسوع وزوجته وابنه وكذلك أمه وأشقاؤه مما قد يمثال إشكالية عميقة في بنية‬
‫اللهوت المسيحي‪ ،‬وأيضا يهاجم الكتاب السلم بضراوة ويدعي أن القرآن قد أصبغ‬
‫على أساطير التو ارة قداسة ل تستحقها حين نسبها للسماء‪ ،‬وبأن اليهود المطرودون من‬
‫بلد فارس قد تحالفوا مع بعض جماعات السرسينين وأسسوا دين ا توافقياا‪ ،‬يجمع بين‬
‫مذاهب اليهودية ومذاهب المسيحية‪ ،‬وفرضوه بقوة السيف‪ ،‬كما يناقش الكتاب في تهور‬
‫وهذيان دور الحجاج بن يوسف الثاقفمى وكذلك الخليفة عبد الملك بن مروان في تدشين‬
‫اللهوت السلمي وضبط النص القرآني وتوحيده‪.‬‬
‫بعدما انتهي من قراءة ما تحت يده من أبحاث وكتب صابرينا‪ ،‬بات مقتنعا بأن‬
‫مقتلها أنقذه وأنقذ البشرية من فتنة كبري‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كان يعلم في ق اررة نفسه بأنه قد أخطأ في حق سيلفيو‪ ،‬وفي حق نفسه‪ ،‬حين‬
‫أخفي عنه أمر لفائف تل الذهب ببحيرة المنزلة‪ ،‬بمصر‪ ،‬وأنه كاد أن يتسبب في كارثاة‬
‫عندما أمد صابرينا بتصوير دقيق لمحتويات تلك اللفائف الخطيرة‪.‬‬
‫كان من الطبيعي‪ ،‬بعدما حدث بينهما‪ ،‬أن تتسم علقتهما بالشك وعدم الثاقة‪،‬‬
‫وبالفعل راح سليفيو يعمل على تحجيم دور محمد يوسف في دنيا البزنس تمهيدا‬
‫للتخلص منه في هدوء‪ ،‬وهو لم ينسع الشر والحقد‪ ،‬في عيون سيلفيو‪ ،‬حين هدده الخير‬
‫بدفع ثامن خيانته له‪.‬‬
‫منذ ذلك الحين‪ ،‬اختلطت مشاعر محمد يوسف‪ ،‬تارة يشعر بالندم على ما اقترفه في‬
‫حق نفسه وحق صديقه‪ ،‬وتارة يشدعر بالخوف من انتقام سيلفيو‪ ،‬ولقد حاول م ار ار أن ينقذ‬
‫فبعدما نفذ‬ ‫علقته بالرجل أو على القل أن يحصل على أمواله دون جدوى‪،‬‬
‫عمليته ضد صابرينا تعقدت المور أكثار من ذي قبل‪ ،‬فبرغم حصول سيلفيو على ما‬
‫أراده إل أن مقتل صابرينا وقف عقبة كئودا أمام أية محاولة لصلح العلقة بين‬

‫‪200‬‬
‫الرجلين‪ ،‬فهي أخت صديق سيلفيو المقرب كما أنها الصديقة الصدوق لزوجته‪ ،‬ولم يكن‬
‫سيلفيو يريد قتلها‪ ،‬بل أراد تجريدها مما لديها من وثاائق‪ ،‬لعله يتقي شر من اشتري منه‬
‫محتويات مقبرة عتل الذهب‪.‬‬
‫بعدما تسلم اللفائف والتصوير دأب سيلفيو علي التهرب من لقائه‪ ،‬فتيقن محمد‬
‫يوسف بأن الرجل ل محالة قاتله بعدما استولي على معظم أمواله‪ ،‬فرفضه لتدمير‬
‫اللفائف وعزمه بيعها بمليين الدولرات يعنى احتمال وصولها لضباط الانتربول الدولي‬
‫والذين يبحثاون منذ شهور عن رجل أعمال إيطالي نهب محتويات مقبرة أثارية بمصر‬
‫وحرض على ذبح ثالثاة من قيادات الحزب الحالكم هناك‪.‬‬
‫أخ ـَـَذت نوب ـَـَات الص ـَـَداع الرهي ـَـَب تض ـَـَرب أرس ـَـَه لي ـَـَل نه ـَـَار‪ ،‬وراح‬
‫يعانى من رعشة قوية بالطراف مع عـَـَدم اتـَزان فـَي مشـَـَيته‪ ،‬فلزم الفـَراش‬
‫عدة أيام بمنزله في رعاية دمعمرضة وتحت عنايـَة طـَـَبيبه الخـَـَاص‪ ،‬وعنـَـَدما‬
‫اسـَترد شـَـَيئا مـَن عـَافيته لذ بصـَـَديقته‪ ،‬الجميلـَـَة روبرتـَـَا‪ ،‬ينشـَد معهـَـَا بعـَض‬
‫طلـَـَب الهـَـَدايا وأصـَـَرت‬
‫الهدوء والراحة‪ ،‬ولكنها خيبـَـَت ظنـَه‪ ،‬فلـَـَم تتـَوانع ععـَـَن ع‬
‫علـَـَى أن يصـَـَطحبها ف ـَي رحلـَـَة إلـَـَى فرنسـَـَا‪ ،‬اختلفـَـَا فتخلـَـَت عنـَـَه فلجـَـَأ إلـَـَى‬
‫فنـَـَدق بـَـَارتي بنـَـَابولى محـَـَاولا الاسـَـَترخاء والعمـَـَل علـَـَى إيجـَـَاد خطـَـَة لنقـَـَاذ‬
‫‪.‬الموقف‬
‫وها هو تمثاال ميريت آتون‪ ،‬يبين كراماته للمرة الثاانية على التوالي‪ ،‬ففي يوم‬
‫الثالثااء ‪30/9/2011‬م‪ .‬نشرت جميع الصحف اليطالية عخبر مصرع رجل العمال‬
‫سيلفيو لوكاز واثانين من حراسه‪ ،‬وأعلنت الشرطة اليطالية أن ما حدث ل يعدو كونه‬
‫حلقة من حلقات الانتقام والصراع على النفوذ بين عصابات المافيا اليطالية والتي‬
‫بلغت أوج نشاطها في الشهور الخيرة‪ ،‬وبعد عدة أيام غطت أخبار المظاهرات‬
‫الضخمة والعصيان المدني ضد نظام دحكم سيف السلم القذافي فى ليبيا على ما‬
‫عداها من أخبار بوسائل العلم اليطالية‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫بعد زوال خطر كل من اللواء الجمال وصابرينا وسيلفيو‪ ،‬وكذا تهديد الإنتربول‬
‫الدولي‪ ،‬تنفس محمد يوسف الصعداء وراح يستعيد نبوءة سمالسم العرافة فزاد عزمه على‬
‫أن يستأنف سعيه خلف أسرار الكنيسة التي يعمل لصالحها بسيناء‪.‬‬
‫أمضى الرجل بعض الوقت في مراقبة الوضاع من حوله وفى متابعة نشاط‬
‫الكنيسة بعدما عمل بذكاء على استعادتها لتمثاالها‪ ،‬فقد كان يخشى أن يكون رجال‬
‫الكنيسة قاموا باستجواب سيلفيو بخصوص التمثاال قبل قتله‪ ،‬وكذلك راقب عن كثاب‬
‫عائلة سيلفيو خوفا من أن يكون العردجل قد ذكر القصة الحقيقية للتمثاال لي شخص‬
‫قريب منه أو لي من أفراد عائلته ذات النشاط الجرامي العتيد‪.‬‬
‫وبعد مرور ثالثاة أسابيع على مقتل سيلفيو فوجئ محمد يوسف باستدعاء كاهن‬
‫الكنيسة له‪ ،‬فذهب من فوره على الرغم من جذعه وخوفه من توقيت الاستدعاء‪ ،‬وفوجئ‬
‫بأن الكاهن يبشره بخبر ترسيمه عضوا عاملا بالجماعة وذلك بالمعسكر الذي ستقيمه‬
‫الجماعة بصحراء بيرو بأمريكا الجنوبية‪ ،‬في السبوع الخير من شهر أكتوبر القادم‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫بعد عودته من معسكر بيرو‪ ،‬وارتياحه للوضاع من حوله‪ ،‬قرر محمد يوسف‬
‫العمل س ار على نقل ما تبقى في حوزته من أموال لاستثامارها في مدينة نيويورك‬
‫بالوليات المتحدة المريكية‪ ،‬فاستثامر باسم زوجته وولديه مليين الدولرات في مشروع‬
‫تجارى ضخم بالمدينة‪ ،‬كما اشتري باسم زوجته شقة فاخرة بحي مانهاتن‪ ،‬وحرص على‬
‫أن يضع بحساب كل فرد منهم مبلغا ضخما بأحد بنوك المدينة‪ ،‬وذلك ليضمن لهم‬
‫سهولة الحصول على تأشيرة الدخول لمريكا عندما تحين الفرصة لذلك‪.‬‬
‫وقد حقق نجاحا باه ار في إنجاز معظم خطوات مشروع الكنيسة بسيناء مما حدا‬
‫بالكنيسة بأن تطلق يده في جبال من الدول ارت حرص ا منها على النتهاء سريع ا من‬
‫باقي خطوات المشروع‪ ،‬فأخذ يغرف من أموال الجماعة ليحولها لحساب أسرته‪.‬‬
‫وكأن الدنيا دتقلبل عليه تحقيقا لنبوءة سمالسم‪ ،‬فقد تخلص من أعدائه وها هو‬
‫يعب بل حساب من بئر أموال الجماعة الذي ل ينضب‪ ،‬زادت ثاقته بنفسه وآمن بقدرته‬
‫على الانتصار‪ ،‬ولول مرة منذ سنوات بدأ يشعر بالطمأنينة فتفجرت بداخله الشواق‬

‫‪200‬‬
‫الجارفة نحو أسرته‪ ،‬فخطط لزيارة مدينة دمياط الجديدة إبان إحدي رحلته المكوكية‬
‫لسيناء‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫ما برأسك ألقه جانبال ‪ ....‬وما بيدك تخحل عنه‪.‬‬


‫ومهما يحصل من أمر ‪ ....‬ل تهرب منه‪.‬‬
‫أبو سعيد أبو الخير‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫يعرف محمد يوسف مدي لعشق أسرته لقضاء مساء كل يوم جمعة على كافييه جيتارا‪،‬‬
‫بنهاية شارع الصعيدي بمدينة دمياط الجديدة‪ ،‬فهو من ععوعدهم على ذلك‪ ،‬وتوقع أنهم ما‬
‫زالوا يلتزمون بهذا الروتين في حياتهم‪ ،‬وبعد عدة أيام قضاها في تأمين نفسه والتأكد من‬
‫أن المدينة دمعقمة وآمنة استأجر شاليها علي البحر‪ ،‬وبدأ يتردد على كافييه جيتا ار‬
‫ليقضى به عدة ساعات يومي ا حتى تأكد من سيطرته على المكان وعلى العاملين به‪،‬‬
‫بفضل سخائه معهم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫في يوم الجمعة‪ ،‬الخامس والعشرين من نوفمبر لسنة ‪2011‬م‪ ،‬ذهب إلى هناك‬
‫مبك ار ليستعد نفسي ا للاقتراب من أسرته‪ ،‬مع ضمان أل يتعرف عليه ولداه‪ ،‬ومع اختلط‬
‫مشاعر القلق والفرح بداخله أمضى عدة ساعات ما بين القراءة في كتاب وبين كمبيوتره‬
‫المحمول متصفحا لبعض المواقع المهمة بالنسبة لعماله‪.‬‬
‫في حوالي الساعة السابعة مساءا تسارعت نبضات قلبه‪ ،‬فقد رأى زوجته تدخل‬
‫الساحة‪ ،‬الموجودة أمام الكافييه‪ ،‬وهى تقود سيارتها وبجانبها ابنه يوسف وفى المقعد‬
‫الخلفي رأى ابنته نهاد فخفق قلبه وابتهج‪.‬‬
‫جلست السرة خارج الكافييه فاعتدل في جلسته ليتمكن من متابعتهم بالمرايا‬
‫التي تبطن الجدار المواجه له‪ ،‬سيطر علي نفسه بصعوبة بالغة‪ ،‬شاهد نهاد تخرج‬
‫كومبيوترها المحمول من حقيبته فتذكر ولعها بعالم النترنت‪ ،‬وضحك قلبه لمشاغبات‬
‫يوسف لخته بين الحين والخر‪.‬‬
‫بعد حوالي الساعة‪ ،‬جاءه الجرسون‪ ،‬يطلب مساعدته في عحل دمشكلة تواجه النسة نهاد‬
‫مع كومبيوترها‪ ،‬فطلب أن تأتى هي لتجلس بجواره‪ ،‬وبعد تردد عهلت عليه بابتسامة‬
‫أضفت على المكان كله طمأنينة وجمال ورفرف معها قلبه‪ ،‬رحب بها بشكل لفت أنظار‬
‫المحيطين‪ ،‬ارتبكت نهاد وارتسم على وجهها خجل جذاب ولكنها جلست بجواره فهو‬
‫يبدو أكبر سن ا من والدها‪.‬‬
‫تباطأ في حل المشكلة ليتمكن من اختطاف المزيد من النظرات لوجهها‪ ،‬فأحبطه‬
‫ما بعينيها من دحزن عميق‪.‬‬
‫أخي ار أنجز المهمه‪ ،‬فأبدت شكرها في رقة بالغة‪ ،‬وهام هو بملمحها الجميلة‬
‫فقال‪.‬‬
‫‪ -‬أريد شراء الكومبيوتر ده بمليون جنيه‪ ،‬أتبيعينه لي؟‪.‬‬
‫‪ -‬بمليون جنيه؟! من غير فلوس خالص‪ ،‬ما يغلش عليك يا ععمو‪.‬‬
‫‪ -‬أتكلم بجد‪ ،‬يكفى أنه السبب في أن ألتقي بأجمل وأرق بنت في مصر‪.‬‬
‫أسعدتها كلماته الرقيقة وأثار فيها حنانه البالغ فترقرقت عيناها بالدموع‪.‬‬
‫‪ -‬كلمك يذكرني بأبي‪ ،‬كان يتكلم معي بنفس طريقة وأسلوب حضرتك‪.‬‬
‫أسعدته كلماتها وآلمته دموعها‪ ،‬ولكنه انزعج فعلا عندما قالت له‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬حضرتك تشبه بابا خالص يا عمو‪ ،‬وال وأنا داخلة اعتقدت أنك بابا‪.‬‬
‫حاول أن يتصرف على طبيعته‪ ،‬ابتسم في صمت واطمأن عندما قالت‪.‬‬
‫‪ -‬لكن لهجة حضرتك ليست مصرية‪.‬‬
‫‪ -‬أنا رجل أعمال إيطالي‪ ،‬وأصلا من سوريا‪ ،‬أنا هنا في دشغل‪.‬‬
‫‪ -‬حضرتك نورت مصر‪.‬‬
‫‪ -‬دي منورة بشمسك يا حتة مارون جلسيه‪.‬‬
‫‪ -‬ياه يا عمو‪ ،‬دي بالذات كلمات بابا لي‪.‬‬
‫‪ -‬بابا مسافر ول إيه؟‪.‬‬
‫‪ -‬يا ليته مسافر‪ ،‬لقد اختفي منذ حوالي ست سنوات‪ ،‬ول نعلم عنه شيئاا‪.‬‬
‫‪ -‬اختفى!‪ ،‬يعنى إيه اختفى؟‪.‬‬
‫‪ -‬هذا ما حدث‪ ،‬بحثانا في كل مكان بل فائدة‪ ،‬لكني لم أفقد المل في لقائه‪.‬‬
‫في محاولة لتغيير دفة الحديث سألها‪ ،‬عن أحوالها فعرف أنها بالسنة الولي‬
‫بكلية العلم‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬وتتمني العمل كصحفية كما كان والدها‪ ،‬وأن أخاها‬
‫} يوسف { طالب بالثااني العدادي ويود التخرج كضابط شرطة كما كان يتمني والده‪،‬‬
‫طلب التعرف عليه‪ ،‬فأشارت إليه‪ ،‬كان يلهو بالدراجة في الساحة‪ ،‬رنا ببصره للخارج‬
‫يفتش عنه فلحظ أن الم تنظر إليهما ويبدو عليها القلق والتوتر‪ ،‬أبدى ملحظته لنهاد‬
‫فاستأذنت لتكلم أمها‪.‬‬
‫شرحت نهاد لمها ما حدث واعتذرت لجلوسها مع رجل غريب فطلبت منها أن‬
‫تستأذن منه وتعود إليها بسرعة‪.‬‬
‫تبعت الم ابنتها وتظاهرت بأنها متجهة إلى الحمام‪ ،‬عندما لمحها محمد يوسف‬
‫حاول أن يخفى وجهه عنها لكنه سمعها توجه إليه التحية‪.‬‬
‫أل تكون نهاد قد أزعجتك‪.‬‬
‫‪ -‬مساء الخير يا فندم‪ ،‬أشكرك وأرجو د‬
‫كانت السعادة تحاول أن تقتحم نفسه لتطرد منها التوتر والقلق‪ ،‬ولكنها بالكاد‬
‫وجدت لنفسها مكان ا ضئيل ا بداخله‪ ،‬ولكنه كان كافي ا ليشعره بالراحة‪ ،‬تمكن من رسم‬
‫بسمة على وجهه ورد تحيتها‪ ،‬لم ينظر إليها حين اعتقد أنها ستمد يدها للسلم ولكنها‬
‫أكملت طريقها‪ ،‬كانت تحاول مداراة ارتباكها فالرجل يشبه بالفعل زوجها كثاي ارا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫سيطرت على أعصابها واتجهت نحوه وهي تمد يدها إليه‪ ،‬تلقف يدها بيده مرحبا‬
‫بها فى توتر‪ ،‬فرأت آثاار عحرق قديم بظهر يده اليمنى‪ ،‬ل تنكره عيناها أبداا‪ ،‬هي يد‬
‫زوجها! ولم ديقلل من ظنها لهجته السورية ول الناقة التي لم تعتدها منه‪.‬‬
‫تمعنت في وجهه فوجدته فقط يشبه زوجها‪ ،‬شعرت بشيء من الحباط‪ ،‬ودعته‬
‫واستدارت لتمضى فلحظت انفعاله الشديد فعادت إليها الظنون بقوة‪ ،‬طلبت من نهاد‬
‫أن تأخذ منه رقم هاتفه بحجة أنهم قد يحتاجون لمساعدته في إنشاء مشروعها التجاري‬
‫المزمعة عليه‪ ،‬فهرولت نهاد متهللة الوجه نحوه وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬أتمني أشوفك مرة تانية‪ ،‬ممكن رقم تليفون حضرتك‪.‬‬
‫‪ -‬قوى قوى‪ ،‬وأنا أطول يا جميل‪.‬‬
‫‪ -‬لمش معقول يا عمو‪ ،‬كل كلمك زى بابا‪.‬‬
‫‪ -‬قلت لك اعتبرينى زى بابا‪ ،‬هل اتفقنا؟‪.‬‬
‫‪ -‬طبعا يا عمو‪ ،‬اتفقنا‪.‬‬
‫‪ -‬يوم الجمعة القادم نتقابل هنا‪ ،‬أريد أن أسمع حكاية والدك فقد أستطيع المساعدة‪.‬‬
‫أبدي لنهاد سعادته بالتعرف علي والدتها ومدح ذوقها وطلب أن يتعرف علي‬
‫أخيها يوسف‪ ،‬فخرجت وعادت به يلهث‪ ،‬نظر يوسف للرض متجهما وهو يقترب ببطء‬
‫من الرجل الذي رحب به بح اررة وتحايل ليطيل الحديث معه ولكن الشاب المراهق كان‬
‫يرد باختصار شديد ثام استدار مسرعا نحو أمه ثام لحقت بهما نهاد‪ ،‬وجلس محمد‬
‫يوسف يستطعم السعادة التي فاضت بها نفسه وهو يضحك علي طبائع ابنه يوسف‬
‫التي لم تتغير أو تتبدل‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫بفارغ الصبر كان ينتظر رنين هاتفه النقال ولم يخب ظنه‪.‬‬
‫‪ -‬مساء الخير يا أفندم‪ ،‬أشكرك مرة أخرى لهتمامك بنهاد‪ ،‬وأريد أن أرد العزومة‬
‫لحضرتك‪ ،‬أنا وافقت على أنك تدفع لنا حساب الكافييه لنك رجل محترم‪.‬‬
‫وعندما سمعها تقول سنكون بانتظارك يوم الجمعة القادم قال بسرعة‪.‬‬
‫‪ -‬هذا ميعاد بعيد قوى‪ ،‬الن أفضل يا سهير‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫لم ترد‪ ،‬ضربتها الحيرة‪ ،‬هل تخدعها أذناها كما فعلت عيناها‪ ،‬استمرت في‬
‫صمتها حتي بعدما سمعته يقول‪.‬‬
‫‪ -‬سأحضر لديكم حالا‪ ،‬أتمني أن يوسف ونهاد ما زال مستيقظين‪.‬‬
‫بعد حوالي عشر دقائق فتح يوسف بوابة المنزل وهو متجهم‪ ،‬لم ينطق حتى‬
‫بكلمة ترحيب بالضيف الذي عبر الحديقة إلى داخل المنزل‪ ،‬أمطرته نهاد بكلمات‬
‫الترحيب والفرح يقفز من عينيها بينما كانت سهير تقف متجمدة بمكانها صامتة وعيناها‬
‫حائرتان في مقلتيهما‪.‬‬
‫قال ليوسف وهو يجول بنظره في المكان‪.‬‬
‫‪ -‬آسف علي إزعاجك يا يوسف لكن هناك أم ار مهما لبد أعبن أطلعكم عليه‪.‬‬
‫‪ -‬ل نعرفك قبل اليوم‪.‬‬
‫‪ -‬أنا أعرفكم ومعي رسالة من أبيكم‪.‬‬
‫هرج ومرج من يوسف ونهاد ‪ ،،،‬بابا موجود ‪ ،،،‬بابا عايش ‪ ،،،‬بابا عايش‪،‬‬
‫أجهشت نهاد في البكاء وهي تحتضن أخيها بين ذراعي أمها‪ ،‬لم يتمالك محمد يوسف‬
‫نفسه فانهمر الدمع من عينيه وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬عايش وفى أحسن حال‪ ،‬لكن وبدون شرح أو توضيح يجب أل يعرف احد غيركم‬
‫بذلك‪ ،‬هذا يمثال خط ار كبي ار علي حياته‪.‬‬
‫وكأنها تعرف تفاصيل حكاية والدها قفزت من مكانها وصرخت‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬حياته ل‪ ،‬ل يا عمو‪ ،‬لن نتحدث مع أحد‪ ،‬أليس كذلك يا يوسف؟‪.‬‬
‫‪ -‬من الذي يهدد بابا وأنا أدمره‪.‬‬
‫ابتسم الرجل وقال ليوسف‪.‬‬
‫‪ -‬بالضبط كما حكي لي عنك والدك‪ ،‬رجل قوى وجرئ‪.‬‬
‫ثام التفت لسهير وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬أتذكرين أن أحدهم اشترى منكم الشقة ثام ردها عليكم مرة أخرى‪.‬‬
‫ردوا جميع ا في نفس واحد‪.‬‬
‫‪ -‬نعم نتذكره‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫أخبرهم بأنه كان من طرف والدهم‪ ،‬ثام شرع يحكي لهم قصة ملفقة عن مقابلته له‬
‫بإيطاليا‪ ،‬بعد هروبه من مصر‪ ،‬بسبب تهديد البعض له بالقتل‪ ،‬وكيف أنهما تشاركا فى‬
‫العمل ونجحا نجاح ا باه ارا‪ ،‬وأن والدهما أرسله لمصر ليطمئن عليهم وأنه يتحين تحسن‬
‫الوضاع بمصر وسيحضر ليواجه أعداءه ويعوض أولده عن فترة غيابه‪.‬‬
‫كان يحكي بطلقة‪ ،‬جعلت سهير تتذكر أسلوب زوجها في الحديث‪ ،‬وعندما رأي‬
‫السعادة تكاد تفتك بالولد قال‪.‬‬
‫‪ -‬لدي مفاجأة أخري ولكن بعدما أشرب عصيرع ليمونل من عيد نهاد‪ ،‬عصيرع ليمون يدوى‬
‫من فضلك‪.‬‬
‫صاحت في فرح‪.‬‬
‫‪ -‬مش معقول يا عمو‪ ،‬بابا كان يحب أن أعمل له عصير الليمون بتلك الطريقة‪.‬‬
‫بسرعة أقبلت متهللة وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬تفضل يا عمو‪ ،‬ها هو الليمون‪ ،‬أين المفاجأة؟‪.‬‬
‫‪ -‬أبوكم كان طوال الفترة الماضية قريب ا منكم‪ ،‬وقد حام حول منزلكم فى مثال هذا الوقت‬
‫شعرا به‪.‬‬
‫من العام الماضي‪ ،‬ويومها تعقبك أنت ويوسف حتي المنزل دون أن عت د‬
‫قفز يوسف من مكانه صائحاا‪.‬‬
‫‪ -‬صح يا عمو‪ ،‬صح يا نهاد‪ ،‬قلت لك يومها أن هناك شخص ا يشبه بابا يسير خلفنا‬
‫خفت ودفعتني إلى داخل المنزل‪.‬‬
‫ل‬ ‫بالسيارة‪،‬‬
‫حركت نهاد رأسها في حسرة فأضاف يوسف في نبرة حزن وعتاب‪.‬‬
‫‪ -‬لو كنت سمعتل كلمي كنا كلمناه وأجبرناه على أل يتركنا ويذهب‪.‬‬
‫حين رأى الفرح يمرح في وجهيهما لم يتمالك نفسه فقال بصوت مشروخ‪.‬‬
‫‪ -‬الحفاظ على حياة والدكما تتطلب منكما أعلى درجات السرية والحذر‪.‬‬
‫‪ -‬ل تخف يا عمو‪ ،‬لكن بلغ بابا بأني زعلن منه ونفسي أشوفه ‪ ،،،‬ل ‪ ،،،‬ل تقل له‬
‫شيئا ‪ ،،،‬قل له إنى زعلن منه وأنه لم يوحشني أبداا‪.‬‬
‫أجهش في البكاء فضمه محمد يوسف في حضنه وراح يمسح على شعره ويقبل‬
‫رأسه‪.‬‬
‫‪ -‬أشعر وكأني في حضن أبي‪ ،‬كان يحضنني بنفس الطريقة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫قال يوسف ذلك وقد احتلت وجهه تعبيرات الدهشة‪ ،‬وراح يحرك يديه ول يستطيع‬
‫الكلم‪ ،‬كانت نظراته حائرة‪ ،‬مسح دموعه ثام هرول إلى غرفته‪.‬‬
‫طلب محمد يوسف من نهاد أن تلحق بأخيها لتهدئ من خاطره‪ ،‬ولأنه يريد أن‬
‫يتكلم مع أمها علي انفراد‪ ،‬امتثالت وقصدت غرفة أخيها‪ ،‬فالتفت نحو سهير وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لو لم تكوني قد عرفلتنى تبقى مشكلة‪.‬‬
‫‪ -‬عرفتك من أول وهلة‪ ,‬لعمـَ تنكر نفسك؟‪ ،‬هل ما زال هناك خطر؟‪ ،‬أنا خائفة على‬
‫الولدين‪ ،‬قل لي هل هناك خطر عليهما؟‪.‬‬
‫طمأنها ووعدها بأن ينهي كل مشاكله خلل أشهر قليلة‪ ،‬وعندما أصرت علي‬
‫أن تسمع منه الحكاية كاملة‪ ،‬منذ أن غادرهم حتى اليوم‪ ،‬تواعدا على اللقاء في اليوم‬
‫التالي‪ ،‬فهو ما آتي إل ليحكي لها بعدما قرر أن يشركها في المر‪ ،‬هذا ولم تنم سهير‬
‫من فرط ما ألم بها من قلق وخوف‪ ،‬وسهر الولدان حتى الصباح من فرط فرحهما‬
‫بأخبار والدهما‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫على كافييه جيتارا‪ ،‬وفى الميعاد المتفق عليه‪ ،‬أقبلت سهير وهى ترتدي النقاب‪ ،‬فقام‬
‫لاستقبالها مرحباا‪.‬‬
‫‪ -‬إزيك يا رضا ول أقول يا أستاذ محمد؟‪ .‬وإشمعني بقى سوري‪ ،‬وإيه اللي أنت عامله‬
‫في نفسك‪ ،‬عملت عملية تجميل ول إيه؟‪.‬‬
‫‪ -‬لحلمك على‪ ،‬ارتاحي واشربي حاجة وسوف أحكى لك كل شيء وبالتفصيل‪.‬‬
‫‪ -‬ل أريد أن أشرب شيئ ا ‪ ،،،‬أشرب إ ازي والنقاب خانقني‪.‬‬
‫‪ -‬وال النقاب جميل عليك‪.‬‬
‫‪ -‬كما أنت‪ ،‬لم تتغير‪ ،‬ما زلت تهيم بالمنقبات‪.‬‬
‫‪ -‬خير ما عملتل أنك ارتديتيه‪ ،‬حتى ل تعرضي نفسك للقيل والقال ويمكن ده يلفت‬
‫لمن إلى‪.‬‬
‫نظر أجهزة ا ع‬
‫‪ -‬مش كده وبس‪ ،‬ده لو يوسف لمحنى جالسة معك ستكون كارثاة‪.‬‬
‫‪ -‬ربنا يحميه‪ ،‬طالع لبيه حنبلي‪.‬‬
‫‪ -‬ل وحياة والديك‪ ،‬بلش حكاية طالع لأبيه‪ ،‬أنا ما حيلتيش غيره‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ياه يا سهير!‪ ،‬أنا وحش قوى كده؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل طبع ا أنت زى الفل‪ ،‬بس اترك الولد في حاله‪.‬‬
‫‪ -‬ده ابني يا سهير زى ما هو ابنك‪.‬‬
‫‪ -‬شوف يا رضا أنت بهدلتنا كثاير‪ ،‬وبصراحة أنا خائفة على الولد‪ ،‬أريد لهم المان‪،‬‬
‫ما رأيك؟‪.‬‬
‫‪ -‬كل ما حدث لي ولكم كان علي الرغم مني‪ ،‬ولم يكن لدى خيار آخر‪.‬‬
‫‪ -‬ما زلت دتنلكر نفسك‪ ،‬معنى هذا أن هناك خطرا ما زال يحيط بك‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬معظم الخطر الذي كان يتهددني زال والحمد ل‪ ،‬لكن هناك خطرا أكبر يحيط‬
‫بكم وبكل الناس‪ ،‬بل بالدنيا كلها‪.‬‬
‫‪ -‬ل أفهم ما تقول‪ ،‬أرجوك إما أن تشرح لي لفهم‪ ،‬إوال فلتعد من حيث أتيت‪.‬‬
‫تغيرت ملمحه وهو يتذكر تفاصيل ما مر به من أحداث مثايرة‪ ،‬مسح عن وجهه‬
‫ورقبته عرقا غزي ارا‪ ،‬ثام تناول كوبا من الماء ورجع بجسمه للخلف وراح يحكي‪ ،‬وبعدما‬
‫قص عليها حكاية إبراهيم سالم مع اللواء الجمال بدأ في سرد تفاصيل رحلة هروبه من‬
‫مصر فقال‪.‬‬
‫‪ -‬سلمني إبراهيم التمثاال ومجموعة أوراق خاصة بحساباته في الخارج‪ ،‬وكما أوصاني‪،‬‬
‫ذهبت من فوري إلي واحة الفرافرة‪ ،‬قاصدا شخص ا اسمه زكريا ليساعدني على الهروب‬
‫من مصر‪ ،‬كنت مضطربا بشدة وأتحرك كأني مندوه لمصيري‪ ،‬ل أخفي عليك كان‬
‫يختلط بداخلي الطمع والولع بالثاارة بالخوف المريع من المجهول‪ ،‬زكريا‪ ،‬من وجهاء‬
‫الفرافرة‪ ،‬وصاحب مقهى المحطة الشهير هناك‪ ،‬رجل جريء ولكنه طيب القلب وعشهم‪،‬‬
‫عندما أخبرته بأني هارب من أحكام بالسجن بسبب ديوني للبنوك وأريد الهرب إلي‬
‫إيطاليا حيث ينتظرني صديق سوف يساعدني علي أن أبدأ هناك من جديد‪ ،‬قال‪.‬‬
‫‪ -‬أنا أخرجت من مصر يطلع مليون عنفر‪ ،‬ولو المور في ليبيا أعفضل من كده‪ ،‬ممكن‬
‫أفضي مصر في حسبة خمس ست سنوات‪.‬‬
‫وضحك ضحكات تدل على العفخر واللثاقة ثام قال بجدية‪.‬‬
‫‪ -‬شوف يا أخ‪ ،‬قلت لي إن اسمك محمد يوسف‪ ،‬ماشي‪ ،‬أنا لن أستغلك‪ ،‬لكنك دتعتععبر‬
‫حالة خاصة‪ ،‬يعني ستدفع عشرين ألفا حتى تخرج مع الفوج‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫طلبت أن أخرج إلي ليبيا بمفردي فأوصل المبلغ إلي خمسين ألف جنيه‪ ،‬ثام‬
‫أخذني إلى مكان عبشع ومولحش‪ ،‬في بطن الجبل بأعلي الواحة‪ ،‬يسمونه العمخزن‪،‬‬
‫أمضيت في هذا المكان يومين من أسوأ أيام حياتي‪ ،‬كنت أستلقي على حصيرة بحوش‬
‫واسع‪ ،‬أشرب الماء من عبوة قذرة وأقضى حاجتي بنفس المكان‪ ،‬لم تغفل عيني دقيقة‬
‫من الخوف ومن الحشرات التي كانت تجوب المكان بكثاافة‪ ،‬في الرمل‪ ،‬على الجدران‬
‫وبفضاء المخزن‪.‬‬
‫في الميعاد بالضبط‪ ،‬جاءني يقود سيارة دفع رباعي‪ ،‬متهالكة بعض الشيء‪،‬‬
‫نادي على بفرح‪.‬‬
‫‪ -‬جاهز يا أخ محمد؟‪.‬‬
‫هرولت إليه وأنا أصرخ هامساا‪.‬‬
‫‪ -‬جاهز ‪ ،،،‬أرجوك يا أخ زكريا أنقذني من هذا المكان‪.‬‬
‫ربت على كتفي وقال وهو يضحك‪.‬‬
‫‪ -‬جمد أعصابك يا أخ محمد‪ ،‬فأنت لم تعر الصعب بعد‪.‬‬
‫خطفت يده لقبلها وأنا أقول‪.‬‬
‫‪ -‬أرجوك‪ ،‬أوصيهم بي خي ارا‪ ،‬أنا مريض‪ ،‬ول أتحمل البهدلة‪.‬‬
‫ربت على كتفي في حنان وقال‪.‬‬
‫‪ -‬اركب ونتكلم في الطريق‪.‬‬
‫قبل أن نتحرك بالسيارة طلب ما اتفقنا عليه من مال فقلت له‪.‬‬
‫‪ -‬آل تأتمني على الفلوس يا أخ زكريا؟‪.‬‬
‫‪ -‬في شغلتنا دي‪ ،‬المهر قبل الفرح‪.‬‬
‫أعطيته ما طلب‪ ،‬فابتسم وقال‪.‬‬
‫‪ -‬أنا مبسوط منك يا أخ محمد‪ ،‬ل تفاصل كما يفعل المصريون‪.‬‬
‫‪ -‬ألست مصريا يا أخ زكريا ؟‪.‬‬
‫‪ -‬معظم قبيلتي بليبيا‪ ،‬ممكن تقول عني ليبي مصري‪.‬‬
‫قال ذلك وانفجر ضاحك ا ثام أضاف‪.‬‬
‫‪ -‬نحن البدو وطننا هو القبيلة والمصلحة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫لم أستطع الضحك‪ ،‬ابتسمت رغم حزني حين تذكرت أن معظم حدودنا تحت‬
‫سيطرة البدو‪.‬‬
‫كان الرجل كريم ا معي طوال الرحلة‪ ،‬ونصحني بأن أكون سخي ا حتى أضمن‬
‫معاملة حسنة من الجميع‪ ،‬ووعدني خي ارا‪.‬‬
‫وصلنا للجهة الخرى من الحدود المصرية الليبية‪ ،‬وكان بانتظارنا سالم‪ ،‬ابن ععم‬
‫زكريا وشريكه‪ ،‬درجل في الربعينات من عمره‪ ،‬طويل ونحيف وملمح وجهه قاسية‪ ،‬كان‬
‫ب بنا في حرارة ثام استدار ليتفحصني وهو‬
‫يرتدى ملبس نظيفة وعليه عباءة فاخرة‪ ،‬عرح ع‬
‫يقول‪.‬‬
‫‪ -‬الدشغلة باين عليها كبيرة يا ابن عمى‪.‬‬
‫المدهش أن زكريا أوصاه بي وشدد علي أن دأعامل معاملة خاصة‪ ،‬وتولي شرح‬
‫ظروفي وضرورة خروجي بسرعة ليطاليا وأنه يمكنني تحمل تكاليف رحلة بمفردي‪،‬‬
‫طلب سالم خمسون آلف دولر تكاليف القامة والرحلة فوافقت من فوري‪.‬‬
‫تحرك زكريا بالسيارة وبعد دقائق اختفي في الصحراء فشعرت بالغربة وبرغبة‬
‫قوية في البكاء لكنى تماسكت وقررت الصمود وتحدى المجهول الذي ينتظرني‪.‬‬
‫لحظ سالم شرودي فطمأنني وقال‪.‬‬
‫‪ -‬ل تقلق يا أخ ‪ ،،،‬ما اسمك؟‪.‬‬
‫تذكرت بأني كنت قد أخبرت زكريا بإسمى الجديد فقلت بسرعة‪.‬‬
‫‪ -‬محمد يوسف‪ ،‬رجل أعمال‪ ،‬من القاهرة‪ ،‬من مصر‪.‬‬
‫قال بأني ضيفه حتى أغادر‪ ،‬وبمجرد أن تحرك بالسيارة طلب المال فناولته ما‬
‫طلب فقال‪.‬‬
‫‪ -‬دأخلزن الناس هناك‪ ،‬في المخزن‪ ،‬خلف التل الكبير بأعلى مضارب القبيلة‪.‬‬
‫التفت إليه محاولا جذب يده من على عجلة القيادة لقبلها‪.‬‬
‫‪ -‬أرجوك يا أخ سالم‪ ،‬ل داعي للمخزن‪ ،‬لقد أوصاك بي الخ زكريا‪ ،‬سأدفع ما تطلبه‬
‫لكن بلش المخزن‪.‬‬
‫تعالت ضحكاته وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬إياك عجعربت العمخزن اللي في الناحية التانية؟‪ ،‬ده فندق بالنسبة للي هنا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫اشتد جزعي وتحشرجت أنفاسي وأوشكت علي البكاء فقال‪.‬‬
‫‪ -‬على العموم المخزن لساه فاضي‪ ،‬ولجل خاطر زكريا‪ ،‬ستقيم بمضيفة منزلي‪ ،‬وكمان‬
‫سدأخبر الجميع بأنك صديق لزكريا‪.‬‬
‫ابتسم وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬أنت ل تعرف ماذا يعني زكريا لي فرد بالقبيلة؟‪.‬‬
‫قال ذلك ثام التزم الصمت بقية الطريق وشرد ذهني فيما ينتظرني هنا وهناك‪.‬‬
‫بل تخطيط توطدت علقتي بسالم‪ ،‬وقبل مرور أسبوع صار بيننا ما يشبه‬
‫الصداقة‪ ،‬كان يحب الجلوس إلى ويأنس لحديثاي ودكنت أنتظر حضوره إلى المضيفة‬
‫بفارغ الصبر‪ ،‬في مرة طلبت منه أن يفي بوعده ويخرجني في رحلة بمفردي فقال‪.‬‬
‫‪ -‬خروجك بمفردك خطر فقد يلقون بك في البحر لينتهوا من رحلتهم سريعاا‪.‬‬
‫صارت بيننا ثاقة كبيرة وراح ديععاملني كصديق حقيقى‪ ،‬وبعد عدة أيام أخري‬
‫اصطحبني للسلم علي عمه الشيخ سالم‪ ،‬شيخ القبيلة‪ ،‬كان رجلا دمهيب الطلعة‪ ،‬على‬
‫الرغم من هدوء ملمح وجهه‪ ،‬كان عيجللس‪ ،‬بصدر ساحة كبيرة‪ ،‬على كرسي كبير‪،‬‬
‫وعال‪ ،‬ويتوجه بالحديث إلى جمع غفير من الناس‪ ،‬يفترشون الرض من‬‫ل‬ ‫مستطيل‬
‫أمامه‪ ،‬ألقينا السلم فأفسحوا لنا ممر بينهم ورحب بنا الشيخ‪.‬‬
‫‪ -‬أهلا بك يا غالى وابن الغالي وأهلا بضيفك صديق الحبيب زكريا‪.‬‬
‫عتقدم وسلم على عمه وقبل يديه‪ ،‬تقدمت خلفه وعهممت بأن أفعل مثاله‪ ،‬ولكن‬
‫الشيخ جذب يده بسرعة قبل أن أقبلها‪ ،‬وسط ضحكات الجميع‪ ،‬نظرت لسالم فوجدته‬
‫طعلب منى الجلوس‪ ،‬همست لسالم‪.‬‬
‫يضحك هو الخر‪ ،‬نظرت للشيخ فابتسم و ع‬
‫‪ -‬لماذا يضحكون؟‪ ،‬هل فعلت شيئا ديضحك؟‪.‬‬
‫‪ -‬اجلس وبعدين أفهمك‪.‬‬
‫بعدما أنهي الشيخ حديثاه‪ ،‬انصرف الحضور‪ ،‬فرحب بنا مرة أخري وطلب منا‬
‫النتظار لمقابلة عسعمالسم العععرافة لنها تريد أن تتحدث معي‪ ،‬وابتسم وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬سماسم تقول أنك وش الخير‪ ،‬وقالت عنك كلم ا طيب ا‪.‬‬
‫ارتبكت لكلمة عرافة‪ ،‬وخشيت أنها قد تكشف أمري!‪ ،‬جاهدت لأتماسك وأكون‬
‫على طبيعتي‪ ،‬دقائق ودخلت المضيفة سيدة في العقد الرابع من عمرها‪ ،‬طويلة وبدينة‬

‫‪200‬‬
‫بعض الشيء‪ ،‬مرفوعة الهامة وتمشي بثاقة وثابات‪ ،‬ترتدي ملبس بيضاء‪ ،‬وتنم‬
‫ملمحها عن جمال آخذ بالزوال‪ ،‬وقف سالم مرحب ا وعاجلها الشيح بكلمات الترحاب‪،‬‬
‫سلمت على سالم في استعلء‪ ،‬ثام توجهت حيث يجلس الشيخ فأفسح لها مكان ا بجواره‬
‫فعرفت موقعها في القبيلة‪.‬‬
‫همست للشيخ طويلا وكان يستمع إليها وهو ينظر إلي بين الحين والخر‪ ،‬أخذ‬
‫مني القلق مأخذه حتى قال‪.‬‬
‫تعال‪ ،‬دقرب هنا‪ ،‬إنها‬
‫‪ -‬هنيئا لك يا أخ محمد‪ ،‬الشيخة تقول إنك عردجل عمبدروك وطيب‪ ،‬ع‬
‫تبغي الحديث معك‪.‬‬
‫اقتربت ومددت يدي‪ ،‬لسلم عليها‪ ،‬لم تمد يدها وقالت وهى تخبط بيدها على‬
‫المقعد‪.‬‬
‫‪ -‬اجلس‪ ،‬اجلس هنا بجواري‪.‬‬
‫ل‪ ،‬حاولت الاعتذار فابتسمت وقالت في دهشة‪.‬‬
‫ترددت خج ا‬
‫‪ -‬أنت ضيف القبيلة ويمكنك أن تجلس بجوار الشيخ‪ ،‬ما فيها شيء‪.‬‬
‫ابتسم الشيخ وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬حلمك عليه يا سماسم‪ ،‬الرجل ل يعرف عاداتنا وتقاليدنا‪ ،‬عندما دخل علينا عهم بتقبيل‬
‫يدي مثالما فعل سالم‪ ،‬هو ل يعرف أن الضيف ل يفعل ذلك‪.‬‬
‫عرفت لماذا ضحك الجميع حين دخلت عليهم فارتاحت نفسي‪ ،‬سألتني‪.‬‬
‫‪ -‬كيف حال زكريا‪ ،‬كيف صحته؟‪ ،‬أنت من رائحة الحبيب؟‪.‬‬
‫ضحك الشيخ ومعه سالم‪ ،‬نظرت لسالم مستوضح ا المر‪ ،‬تجاهلتهما وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬ل تشغل بالك بهما‪ ،‬اخبرني كيف حال زكريا؟‪.‬‬
‫ثام ابتسمت في تحد وأضافت‪.‬‬
‫‪ -‬هما يضحكان ليفهمانك أن زكريا حبيبي‪.‬‬
‫التفتت نحوهما وقالت في خيلء‪ ،‬وهى تهز رأسها‪.‬‬
‫‪ -‬اضحكا كما تريدان‪ ،‬زكريا حبيبي‪ ،‬ولخر نفس في سأحبه‪ ،‬موتا بغيظكما‪.‬‬
‫تعالت ضحكاتهما‪ ،‬وابتسمت أنا‪ ،‬فقالت بثاقة‪.‬‬
‫‪ -‬ل تحكم علي الن‪ ،‬أنا كنت أجمل بنت في الصحراء‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫قلت في خجل‪.‬‬
‫‪ -‬وما زلت أجمل النساء‪.‬‬
‫شكرتني بارتياح وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬أردت مقابلتك كي أخبرك بأمر هام يخصك‪.‬‬
‫لحظت هلعي وشحوبي‪ ،‬طمأنتني ثام رمقتني بنظرة قوية وقالت في جدية‪.‬‬
‫‪ -‬ستصبح شخصا دمهما بالنسبة لنا هنا‪ ،‬سوف تذهب ولكنك ستعود إلينا بعد سنوات‬
‫قليلة بعدما تكون قد حققت حلمك‪ ،‬حلم كل بني آدم‪ ،‬الثاروة والدسلطة‪.‬‬
‫تهللت أساريري وابتسمت وأنا أستمع إليها‪ ،‬ولكنها أضافت‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن بداخلك شيطانا لن يتركك تهنأ بما سوف تحققه‪.‬‬
‫تجهمت وملني الخوف بسرعة خاطفة‪ ،‬فاستطردت‪.‬‬
‫‪ -‬شيطان المعرفة‪ ،‬سوف تسعى بكل جهدك ومالك لتعرف لسر ما عرفه أحد من قبلك‪،‬‬
‫لن تهدأ حتى تعرفه لتموت بعدها بأيام قليلة‪.‬‬
‫سألتها في عجعزع‪.‬‬
‫‪ -‬ولمعـَ الموت؟‪.‬‬
‫‪ -‬لا يمكن أن يجتمع لإنسان ثاالوث الثاروة والسلطة والمعرفة‪.‬‬
‫نظرت إلى بعطف وأضافت‪.‬‬
‫‪ -‬ليس بيدك ما تفعله حيال قدرك المحتوم‪ ،‬قضى المر‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬ولعي بمعرفة أسرار الحضارات والديانات القديمة هو ما أوصلني للولع‬
‫بمعرفة خبايا وأسرار لتجارة الثاار وتهريبها وهى بدورها سلمتني للمأساة التي دأعيشها‬
‫الن‪ ،‬ظلت كلماتها تتردد بأذني حتى شممت رائحة الموت الذي لم أكن أتصوره يحدث‬
‫لي بالرغم من محاولتي المتكررة لقناع نفسي بحقيقته المطلقة‪.‬‬
‫عندما أخبرني سالم بأن إقامتي معهم قد تمتد لعدة شهور‪ ،‬بسبب بدء تنفيذ‬
‫المعاهدة الجديدة بين ليبيا إوايطاليا لمجابهة الهجرة الغير شرعية‪ ،‬أسقط في يدي وركبني‬
‫عهدم عظيم‪ ،‬ولكني قررت أن أتعلم اللغة اليطالية خلل تلك الفترة فجاءني سالم بكل ما‬
‫يلزم لذلك وعهد بي لرجل من القبيلة يجيد تعليم اليطالية‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫انكببت على الكتب والعش عارلئط‪ ،‬وعلى متابعة الشرح‪ ،‬ثالثاة أشهر متصلة‪ ،‬ليل‬
‫نهار‪ ،‬حتى تمكنت من تلك اللغة تماماا‪ ،‬اعترف لي معلمي بذلك ففرحت بقدرتي على‬
‫النجاز وزادت ثاقتي بنفسي‪ ،‬وعندما أخبرني سالم أن الوارد على وشك أن يكتمل وأن‬
‫على الستعداد للسفر خلل أيام كنت سعيدا ومبتهجا وكأني نسيت ما تركته خلفي أو‬
‫أني آمنت لما أنا دمقبل عليه‪.‬‬
‫احتمال الغرق‪ ،‬أو القبض علي من قبل خفر السواحل اليطالي‪ ،‬دفعني لتخاذ‬
‫قرار بضرورة دفن التمثاال في مكان ما بالصحراء‪ ،‬حتى تتحسن الحوال وأعود لخذه‪،‬‬
‫ذهبت لسالم وطلبت مساعدته في إخفاء ما أحتفظ به من أوراق ومستندات وأغراض‬
‫أخري بمكان ل يعرفه أحد لحين عودتي‪.‬‬
‫‪ -‬تراك تعود إلينا مرة دأخرى؟‪ .‬هل صدقت كلم سمالسم؟‪.‬‬
‫ى‪.‬‬
‫‪ -‬لن عأنسي ما فعلته معي يا أخ سالم‪ ،‬بالتأكيد سأعود وعسعتر ع‬
‫‪ -‬بدليل أنك ل تأتمنا على أغراضك‪.‬‬
‫‪ -‬أبداا‪ ،‬سأخفيها معك وبمعرفتك‪ ،‬ولكنها مستندات هامة دتدين ناس ا مهمة في مصر‪،‬‬
‫وأنا ل أريد أن أترك شيئ ا للظروف‪ ،‬فقد يحدث شيء فتورطكم تلك المستندات في‬
‫مشاكل أنتم في غنى عنها‪.‬‬
‫ضالرب القبيلة‬
‫أمن سالم لي الطريق‪ ،‬وتعمقت لمسافة طويلة بالصحراء‪ ،‬عخلف عم ع‬
‫من الناحية الغربية‪ ،‬والتي تعتبر مهجورة تماماا‪ ،‬حيث نشاط القبيلة يتجه ناحية الشمال‬
‫أو الشرق‪ ،‬وقمت بدفن التمثاال وبعض أوراقي في مكان ميزته بعدة علمات ثام صورته‬
‫جيدا بكامي ار الهاتف المحمول ثام ضممت الشريحة فى أوراق إبراهيم سالم المغلفة جيداا‪،‬‬
‫وعملت ما في وسعي لزالة آثاار أقدامي من علي الرمال‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫مساء يوم الثالثااء‪ ،‬السادس عشر من شهر أغسطس ‪2005‬م‪ .‬ودعت شيخ القبيلة‬
‫وسمالسم‪ ،‬وذهبت بصحبة سالم إلي مدينة البيضا‪ ،‬بالقرب من الساحل الليبي‪ ،‬ظل‬
‫صامت ا وكلما حاولت التحدث إليه كان عيدرد باقتضاب‪ ،‬ضربني القلق‪.‬‬
‫‪ -‬هل أنت غاضب منى في شيء يا أخ سالم؟‪.‬‬
‫‪ -‬أبداا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫أوضح لي أنه ل يحب وداع الحبة والصدقاء فتيقنت أنه صار لي بليبيا‬
‫صديق حقيقي‪ ،‬أعطاني أرقام هواتف أصدقائه بايطاليا لستعين بهم عند الحاجة‪ ،‬وراح‬
‫يلقي علي بالنصائح والتوجيهات لحافظ علي سلمتي‪ ،‬عندما تجاوزنا مدينة البيضاء‬
‫واقتربنا من الساحل أخبرني بأنه لول مرة ل يدخل زبون المخزن‪ ،‬وقال‪.‬‬
‫‪ -‬الداخل للمخزن مفقود والخارج منه مولود‪ ،‬بمجرد دخول الشخص المخزن يصبح‬
‫بالنسبة لنا فلوس‪ ،‬سواء عاش أو مات سوف نقبضها‪.‬‬
‫حكي لي أنهم يستقبلون كل عدة أشهر حوالي مائتي شخص من مصر ومن بعض‬
‫الدول الفريقية‪ ،‬رجال من كل العمار ولكن الغالبية دائم ا تكون من الشباب صغير‬
‫السن‪ ،‬يتم تخزين الوارد في مبنى صغير كالصندوق المغلق‪ ،‬فقط نافذة صغيرة بالسقف‪،‬‬
‫يأكل الفرد منهم طعام ا ل يغنى من جوع ويشرب من عبوات قذرة‪ ،‬ويقضي حاجته‬
‫بالرمل في فناء المخزن‪ ،‬ممنوع الخروج من المخزن لي سبب من السباب‪ ،‬لو عملر ع‬
‫ض‬
‫أحدهم يترك ليموت‪ ،‬إواذا أصيب أحدهم بلوثاة في عقله كانوا يتخلصون منه برصاصة‬
‫لنه بحالته هذه سوف يمثال خط ار شديدا على سطح العمرلكب وسط أهوال البحر‪ ،‬كما ل‬
‫يمكن إعادته من حيث جاء‪ ،‬فهناك قانون يحكمنا‪ ،‬إما أن يصل الشاب منهم لإيطاليا‬
‫وينسى ما عاناه‪ ،‬وإما أنه يموت لينسي أيضا ما عاناه‪.‬‬
‫حاول أن يضحك فلم يستطع‪ ،‬صمت قليلا وتجهم كثاي ار ثام قال في حزن‪.‬‬
‫‪ -‬علي أية حال‪ ،‬الشاب منهم يغادرنا هزيلا وأصفر اللون‪ ،‬وما أن تلمس أقدامه أرض‬
‫إيطاليا‪ ،‬ينسي كل ما عاشه من خوف وتعب وعيستعلرد صحته ولونه وحماسه بسرعة ل‬
‫دتصعدق‪ ،‬فعلا السعادة لحظة تمحو ما قبلها من تعاسة مهما طالت‪.‬‬
‫مرة أخري صمت للحظات ثام التفت نحوي وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬أنا أحكى هذا الكلم لني أجدك متلهف ا علي المغادرة وكأنك عشت لدينا الهوال‪،‬‬
‫على أية حال‪ ،‬بمجرد وصولك لإيطاليا سوف تنسى دخوفك وتعبك‪.‬‬
‫شكرته علي ما فعله من أجلي وأبديت جذعي وخوفي علي ولدي وبكيت بم اررة‪،‬‬
‫فراح يهدئ من روعي ويحثاني علي التماسك فالرحلة صعبة وطويلة‪.‬‬
‫اقتربنا من الشاطئ فأطفأ أنوار السيارة وأكمل الطريق ببطء فلحقت بنا سيارة‬
‫للشرطة الليبية‪ ،‬ارتبكت فضحك وقال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ل تععخف‪ ،‬الشرطة لها نسبة في الدشغل‪ ،‬يأخذونه قبل أن يصعد الشباب للمركب‪،‬‬
‫يعدون الرؤوس ويحسبون عحقهم ويأخذونه فو ارا‪.‬‬
‫ترجل إلي سيارة الشرطة وناول أحدهم مظروف ا منتفخ ا فعادوا أدراجهم بسرعة‪،‬‬
‫أكملنا الطريق للشاطئ على القدام‪ ،‬كان صفير الريح يختلط بصوت تلطم المواج‬
‫فيزيد ما يبثاه في الظلم من خوف وهلع‪ ،‬كنت أتحرك بصعوبة علي رمال الشاطئ‬
‫الناعمة‪ ،‬طلبت منه أن يتمهل قليلا فقال في حسم وقوة دون أن يلتفت إلى‪.‬‬
‫‪ -‬من الن فصاعداا‪ ،‬ما في كلم‪ ،‬ما في شكوى‪ ،‬ما في خوف‪ ،‬سيطر على نفسك‬
‫وعلى دخوفك‪ ،‬وعليك الالتزام بالتعليمات‪ ،‬أي خطأ يعني موتك فو ارا‪.‬‬
‫دلذت بالصمت خائفاا‪ ،‬بدأت أتبين الشاطئ‪ ،‬سمعت همهمة كبيرة‪ ،‬أمعنت نظري‬
‫فلمحت أشباح رفاقي بالرحلة‪ ،‬يجلسون القرفصاء في عدة صفوف‪ ،‬عندما تعرفوا على‬
‫صمت مخيف وسط طبيعة‬
‫سالم ساد بينهم صمت الذل والقهر‪ ،‬ل حركة ول نفس‪ ،‬فقط ع‬
‫ت بشدة من رائحتهم‪ ،‬وكأنهم كانوا يقضون حاجتهم في‬
‫ل تخاف فل تصمت لحد‪ ،‬عنفر د‬
‫ملبسهم‪.‬‬
‫التقط مشاعري وأفكاري التفت إلي وقال‪.‬‬
‫‪ -‬معظمهم من عمصر‪.‬‬
‫تنهد وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬كثاي ار ما سألت نفسي‪ ،‬لماذا الشباب المصري يقدم على النتحار ليخرج من بلده؟‪،‬‬
‫مع عأنها بلد عجميلة‪ ،‬أنا زرت الساحل الشمالي والسكندرية‪ ،‬أماكن فوق الوصف‪.‬‬
‫‪ -‬لو أن الشاب منهم وجعد طاقة نور في مصر كان نحت في الصخر وما تركها‪ ،‬لكن‬
‫ظلم والفعقر يملؤهم رعبا ويأسا حتى فقدوا الحساس بقيمة الحياة‪ ،‬لم عيدعد الموت يفرق‬
‫ال د‬
‫ظلم‪،‬‬
‫معهم‪ ،‬وفى الحقيقة هم يبحثاون عن فرصة للحياة بعدما أماتهم في مصر الفقر وال د‬
‫ومصر ليست كورنيش السكندرية وفنادقها‪ ،‬ول هي الساحل الشمالي‪ ،‬فيه مصر تانية‪،‬‬
‫لمنداسةع تحت أقدام الحكام والفاسدين الذين نهبوها وسلبوا هؤلء حقهم في الحياة‪ ،‬مصر‬
‫الفقيرة والمقهورة هي التي تتقيأ هؤلء من دجوفها‪.‬‬
‫‪ -‬ال ال‪ ،‬لم أكن أعرف أنك سياسي كبير‪.‬‬
‫ضحك وبكيت فقال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ظلم في ليبيا أيضاا‪ ،‬وللدرعكب‪ ،‬صحيح نحن نلوذ بالصح ارء لنعيش فيها‬
‫‪ -‬لكن الفقر وال د‬
‫كافين خيرنا شرنا‪ ،‬ولكنها لم دتنسلنا ما نلقيه من ذل وقهر على يد حكام ليبيا‪ ،‬أتعلم أن‬
‫حكومة القائد ل تقدم لقبيلتنا أي شيء‪ ،‬ل خدمات‪ ،‬ل مرتبات‪ ،‬ل مساعدات‪ ،‬لقد‬
‫طردونا لمن واحة الدكفرة‪ ،‬إلى الرمل الناشف‪ ،‬لن المرحوم أبى‪ ،‬وكان شيخ القبيلة‪،‬‬
‫رفض أن ديعقببل عيد القذافي عندما جاء لزيارة الواحة سنة ‪1976‬م‪ .‬غضب القذافي علينا‬
‫فحاربنا في أرزاقنا‪ ،‬وأوقعنا في خلفات خطيرة مع القبائل الموالية له‪ ،‬أصبح أفراد‬
‫القبيلة دعرضة للقتل والدسجن‪ ،‬والتهم الثاأر خيرة لرجالنا‪ ،‬توسط بعض شيوخ القبائل بيننا‬
‫فاشترط القائد أن دنغادر الدكفرة ونسكن في عمق الصحراء‪ ،‬على الحدود مع مصر‪ ،‬كل‬
‫ظلم والقهر ولم نغادر بلدنا يا أخ محمد‪.‬‬
‫هذا ال د‬
‫ابتعدنا قليلا عن جمع الشباب‪ ،‬واستطرد قائلا‪.‬‬
‫‪ -‬لول ما فتحه لنا زكريا من باب للرزق عن طريق تهريب البضائع والبشر‪ ،‬عبر‬
‫الحدود مع مصر‪ ،‬ما كان للقبيلة أن تجد طعامها‪ ،‬ولعلمك بعد صلحه مع إيطاليا بدأ‬
‫يضيق علينا‪ ،‬ولول الرشاوى ما تركونا دنخلرج شاب ا واحدا من هنا ليطاليا‪.‬‬
‫تنهد بعمق عدة مرات ولذ بالصمت‪ ،‬قلت له‪.‬‬
‫‪ -‬مع كل ما تعانيه فما زلت تستطيع أن تتدبر عيشك وتعيش بالصحراء ح ارا‪ ،‬أما هؤلء‬
‫الشباب فل حرية ول كرامة‪ ،‬ول ملذ يلجئون إليه‪ ،‬كل واحد منهم ترك خلفه كومة من‬
‫اللحم هو أملهم في أن يظلوا على قيد الحياة‪ ،‬وقبل كل ذلك دهم شباب يجلده طموحه ليل‬
‫نهار‪.‬‬
‫أطلعني بأنه قد أوصي القبطان ليضعني بمقدمة المركب‪ ،‬شردت فيما أنا مقبل‬
‫عليه وشعرت ببعض الطمأنينة حين جذبني بقوة ليضمني إليه ليودعني بح اررة‪.‬‬
‫انطلق بسيارته فعانيت نفس المشاعر الخبيثاة التي اجتاحتني حين تركني زكريا‬
‫واستدار عائدا إلى مصر‪ ،‬اجتمعت على عوحعشة الدغربة وعقهر الوحدة ودذل الخوف‪،‬‬
‫سالت دموعي وتسارعت دقات قلبي‪ ،‬وكأني مقطوع عن الدنيا‪ ،‬عن الماضي‬
‫والمستقبل‪ ،‬شغلتني نبوءة سماسم فرحت أقنع نفسي بها علها تتحقق‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫قبطان المركب رجل جزائري قوى البنيان‪ ،‬طويل وضخم‪ ،‬أشعث الشعر ويغطي‬
‫ظلماء كانت تفتقد‬
‫شعر ذقنه نصف صدره العلى‪ ،‬فظ وكريه الصوت وكأن تلك الليلة ال د‬
‫شكله المرعب‪.‬‬
‫أوقفني بجواره بمقدمة المركب ثام طلب من رجاله تحميل المركب بهدوء ونظام‬
‫فتحرك الشباب ببطء‪ ،‬وكأنهم مغيبون‪ ،‬عخلف ردجل قادهم ليرصهم في باطن المركب‪،‬‬
‫راح القبطان يلقى بالتعليمات‪.‬‬
‫‪ -‬ول حركة ول نفس‪ ،‬حتى ل تفقد المركب توازنها‪ ،‬الموج عالي اليوم‪ ،‬من سيتحرك من‬
‫مكانه سوف نلقي به في البحر‪.‬‬
‫رفععع الرجال اللهلب وأداروا المحركات وبدأت المركب تتحرك في تؤدة مبتعدة عن‬
‫الشاطئ‪ ،‬ولعدة ساعات كنت ل أسمع غير صوت هدير المحرك يختلط بأصوات الريح‬
‫والأمواج‪.‬‬
‫بدأت المواج تلهو بالمركب‪ ،‬فقد كانت صغيرة وقديمة‪ ،‬وأصدر المحرك طقطقة‬
‫تنبئ بأعطال سوف تحدث ل محالة‪.‬‬
‫طالرد دكعتل‬
‫لح ضوء الفجر في الفق‪ ،‬ورويدا رويدا أخذت أشعة الشمس تد ع‬
‫ظلمة والضباب‪ ،‬وتدفعها أمامها على سفح الماء‪ ،‬بدأت أتبين الحمولة‪ ،‬شباب أكبرهم‬
‫ال د‬
‫سن ا لم يتجاوز الثالثاين من عمره‪ ،‬معظمهم مصريون‪ ،‬عرفتهم من ملمحهم الهادئة‬
‫والمستسلمة‪ ،‬وكان هناك عدد من الشباب الفريقي طوال القامة‪ ،‬كانت النحافة بادية‬
‫عليهم وعظام وجوههم كانت بارزة وكأنهم هياكل عظمية مغلفة بالجلد‪.‬‬
‫مع ضوء النهار زادت المركب من سرعتها فانطلقت في عرض البحر الذي بدا‬
‫أنه بل نهاية‪ ،‬سمح القبطان بالكلم دون الحركة‪ ،‬فأخذت كل مجموعة من الشباب‬
‫تتحدث مع بعضها البعض وكأنهم أصدقاء منذ زمن‪ ،‬تبين من لهجة الحديث أن‬
‫الشباب المصري من محافظات‪ ،‬ومن مستويات اجتماعية مختلفة‪ ،‬وكأنها جبهة وطنية‬
‫على سطح المركب!‪.‬‬
‫يبدو أن بعضهم تبين أنى مصري فتعلقت بي أعينهم‪ ،‬أظنهم اعتبروني أحد‬
‫رجال المركب فنظراتهم كان بها من الرجاء أكثار من الطمأنينة‪.‬‬
‫فجأة صدح الصوت الكريه‪ ،‬مرة أخرى راح القبطان يلقى بتعليماته‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬سنقترب حالا من سالحل عقبدرص‪ ،‬دسكت دهس‪ ،‬كله صامت‪ ،‬كله يخفض رأسه ول‬
‫يرفعها إل حين يسمع جملة‪ ،‬كما كنت‪.‬‬
‫تعدكور كل منهم في مكانه وظل على حالته تلك لمدة ساعة كاملة‪ ،‬فتخيلتهم وقد‬
‫كتموا أنفاسهم فماتوا‪ ،‬حين صرخ القبطان‪ ،‬كما كنت‪ ،‬اعتدلوا وعادوا لتبادل الأحاديث‬
‫والابتسامات‪ ،‬وكأنهم مستيقظون من نوم هادئ‪ ،‬شيئ ا فشيئ ا بدأت أنفر من هذا الشباب‬
‫الخاضع لقصي حد يمكن تصوره‪ ،‬قررت أل أشغل بالى إل بعنفسي‪.‬‬
‫رحت أستعيد ما مر بي من أحداث‪ ،‬وركبني العغم حين تذكرت أولدي ومستقبلي‬
‫الذي أضعته في لحظة غلبني فيها الطمع والخوف‪ ،‬شرد ذهني في المجهول الذي يفتح‬
‫لي أحضانه فسيطر على الدحزن واليلأس فلم أدر بنفسي إل والقبطان يصرخ في رجاله‬
‫ليغيروا من ترتيب رص حمولة المركب‪.‬‬
‫وكأنه يغلى في لمرعجل الكون‪ ،‬غضب البحر وهاج‪ ،‬وراح يطلق من جوفه جبال‬
‫من الماء ويضرب بها في كل الاتجاهات وبدا لي وكأنه يخوض حربا من أجل البقاء‪،‬‬
‫أصبح الوضع خطي ارا‪ ،‬وكادت المركب أن تفقد توازنها عدة مرات‪.‬‬
‫صرخ القبطان بصوته المخيف‪.‬‬
‫‪ -‬على الجميع الالتزام بالهدوء وبالنظام إواتباع التعليمات‪.‬‬
‫ازداد اضطراب البحر‪ ،‬هاج وماج بأقصى ما أمكنه‪ ،‬وكأنه يحاول الخلص من‬
‫قبضة أسطورية تخنقه‪ ،‬أمسكت العصبية بتلبيب رجال المركب وأخذ منهم التوتر مداه‬
‫فراحوا يوجهون السباب والشتائم للشباب المستسلم تماما لقداره ‪ ،،،‬أنتم لوش عفقر ‪،،،‬‬
‫سنغرق يا أولد الكلب ‪ ،،،‬أنتم أنجاس وأولد كلب‪.‬‬
‫لم ينبس أحدهم بكلمة‪ ،‬الدكل خائف ودمسعتسللم‪ ،‬راح بعضهم يدعو ال من أجل‬
‫النجاة ومنهم من راح ديردد آيات من القرآن والمفاجأة أنه كان على المركب بعض‬
‫الشباب المسيحي‪ ،‬عرفتهم حين صلوا‪.‬‬
‫مرت ساعة من الخوف والعصبية ولم يهدأ البحر فتحول الخوف إلى يلأس وبدأ‬
‫بعض الشباب يردون السباب على البحارة‪ ،‬وكان هذا شيئ ا خطيرا انتبه له القبطان‬
‫بسرعة فأصدر تعليماته العلنية بدحسن معاملة الشباب ووبخ رجاله‪ ،‬وبعدما سيطر على‬
‫الموقف راح يقول وهو يرسم على وجهه ابتسامة خبيثاة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬إيه يا شباب؟‪ ،‬هل يصح أن نختلف بعدما وصلنا والحمد ل؟!‪ ،‬احمدوا ربنا علي أن‬
‫البحر لم يغضب إل بعد اقترابنا من سواحل إيطاليا‪ ،‬نحن والحمد ل تقريب ا وصلنا‬
‫للمكان الذي يجب أن تبدءوا منه السباحة نحو الشاطئ‪.‬‬
‫فرح الشباب باقتراب تحقق حلمهم‪ ،‬وتناسوا ما سوف يواجهونه من أخطار‪ ،‬كنت‬
‫أعرف أن القبطان يكذب ولكنى لم أستطع الاعتراض‪ ،‬فمن مكاني رأيت رجال المركب‬
‫يخرجون أسلحتهم ويجهزونها للطلق‪.‬‬
‫بعد حوار مقتضب مع الشباب قال القبطان‪.‬‬
‫‪ -‬سنتوقف هنا‪ ،‬الشاطئ على بعد حوالي ربع الساعة سباحة‪ ،‬حينما أتأكد من عدم‬
‫وجود دورية لخفر السواحل سأعطيكم الشارة لتقفزوا فى الماء‪ ،‬كل خمسة مع بعض‪.‬‬
‫تبادل الشباب نظرات الشك والريبة‪ ،‬فالبحر غاضب ويهدد بإلتهام من يقتحمه‪،‬‬
‫وبالرغم من محاولتهم للتماسك إواظهار الشجاعة كنت ل أرى منهم إل استسلم اليائس‬
‫ودذل الخائف‪ ،‬فذلك بالضبط ما كنت أشعر به‪ ،‬دقيقة وعاد القبطان ليعلن للشباب وهو‬
‫يدعى الفرح‪.‬‬
‫‪ -‬أنتم بالفعل سعداء العحظ‪ ،‬بسبب هياج البحر ليس هناك دوريات لخفر السواحل‪،‬‬
‫الطريق أمان إلى الشاطئ‪ ،‬مبروك مبروك‪ ،‬هيا‪ ،‬اقفزوا‪ ،‬كل خمسة مع بعض كما قلت‪،‬‬
‫هيا يا شباب‪ ،‬إيطاليا تناديكم‪.‬‬
‫قال الجملة الخيرة بطريقة مسرحية ولم يتمالك نفسه فانفجر ضاحكا وضحك‬
‫رجاله من خلفه مما أكد الشك لدي الشباب فتبادلوا نظرات الخوف والتردد‪.‬‬
‫أشرعت السلحة‪ ،‬ففععغعرت الفواه واصفرت الوجوه وزاغت البصار‪ ،‬عندما تأكد‬
‫القبطان من ترددهم‪ ،‬كشر عن أنيابه وراح يوجه إليهم أفظع السباب وأقوى التهديدات‪،‬‬
‫وأفلتت أعصاب رجاله عندما أروا الشباب يقفون ساكنين ل يتحركون‪ ،‬يبدو أن أطرافهم‬
‫تجمدت من الخوف‪ ،‬سمعت صوت شد أجزاء السلح‪ ،‬بعدها هدد القبطان بإطلق‬
‫النار خلل دقيقة واحدة إن لم يقفز الشباب في البحر‪.‬‬
‫وكأنهم تدبروا أمرهم في صمت وبسرعة‪ ،‬فوجدوا أن القفز في البحر هو ما‬
‫ب أحدهم فجأة بحالة‬
‫يحمل بصيص أمل في النجاة‪ ،‬تحركت أول مجموعة لتقفز فدأصي ع‬

‫‪200‬‬
‫هياج فأرداه البحارة قتيلا علي الفور‪ ،‬صرخ أحدهم ‪ ،،،‬يا قتلة ‪ ،،،‬حرام عليكم‪ ،‬وعهم‬
‫بالهجوم على عمن أطلق الرصاص‪ ،‬فأردوه قتيلا في الحال‪.‬‬
‫شيء مرعب ومخيف ول يتصوره عقل‪ ،‬بحر هائج وشباب ثاائر فقد عقله‪،‬‬
‫وسلح بيد أندال يطلقون النار بعشوائية الخوف تجاه الشباب‪ ،‬اختبأت مذهولا مما‬
‫عيحددث‪ ،‬وما هي إل دقائق حتى مات ما يقدرب من خمسين شاباا‪ ،‬ومعهم القبطان وجميع‬
‫البحارة‪.‬‬
‫كانت ثاورة الشباب عارمة ودمرلعبة‪ ،‬لم أعد أتبين حقيقة مشاعري‪ ،‬هل أنا حزين‬
‫على انطفاء خمسين مصباح من مصابيح الدنيا‪ ،‬أم مرتاح لثاورتهم ولتغلبهم على‬
‫خوفهم‪ ،‬سمعت نفسي تقول ‪ ،،،‬هذا هو المصري‪ ،‬يستسلم حتى تظنه فقد الحياة نفسها‪،‬‬
‫وفى لحظة ديصبح ماردا ليس له مثايل!‪.‬‬
‫انتبهت فجأة لشيء خطير‪ ،‬من سيقود المركب؟! تذكرت مقالاتي عن خطورة‬
‫الانتفاضات الشعبية العشوائية‪ ،‬تلك المقالة التي جلبت لي عداء المثاقفين بمصر‬
‫واتهامهم لي بالعمالة للنظام الحاكم وبأني أدعو لليأس والاستسلم!‪.‬‬
‫دقائق وترامى لمسامعي حديث الشباب وهم يتجادلون في عصبية عن كيفية‬
‫التصرف‪ ،‬لم يكن لدي أحدهم أدني فكرة عن قيادة المركب‪ ،‬أسقط فى أيديهم ولمحت‬
‫بعضهم ينزوي يائس ا محبط ا بينما أجهش آخرون ببكاء المقهور والعاجز وكان الذهول‬
‫لسان حال بقيتهم‪ ،‬فجأة صاح أحدهم‪.‬‬
‫‪ -‬انتظروا‪ ،‬ما زال أحدهم حيا وموجودا بالمركب‪ ،‬رأيت المصري يختبئ أثاناء المعركة‪،‬‬
‫ابحثاوا عنه‪ ،‬أكيد أنه يستطيع قيادة المركب والقتراب بها من الشاطئ‪.‬‬
‫عرفت أنهم بحاجة إلى فشعرت بشيء من المان بعدما أجهدني الخوف من‬
‫الموت الذي مل المركب وما زال يحيط بنا‪ ،‬فها هو البحر هائج كوحش كاسر ويتلعب‬
‫بالمركب ومن عليها وكأنه لم يكتف بما دألقى إليه من جثاث‪.‬‬
‫خرجت من مخبئي فأحاطوا بي ودهم يهللون وبصعوبة قلت لهم‪.‬‬
‫‪ -‬أنا رجل أعمال هارب من ديوني وقد تلقيت معاملة خاصة لني دفعت الكثاير‪.‬‬
‫مع صدمتهم صدقوني فأكملت حديثاي لحثاهم على التعاون والصمود لنحافظ‬
‫علي المركب حتى نصل للشاطئ أو حتى يصل إلينا خفر السواحل‪ ،‬فصرخ أحدهم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬نغرق أحسن من أنهم يرجعونا مصر‪ ،‬كده ول إيه‪ ،‬أنت وهو؟‪.‬‬
‫ي‬
‫لم تكن مفاجأة لي أن أيده الجميع فتلك كانت المحاولة الثاالثاة على القل ل د‬
‫منهم‪ ،‬وقد باع الهل ما يملكون واستدانوا من أجل تحقيق الحلم اليطالي‪.‬‬
‫بعد محاولت مضنية نجحنا في توجيه المركب باتجاه الرياح فاستعادت الكثاير‬
‫من توازنها‪ ،‬تعالت صيحات الستحسان‪ ،‬وبدأ أحدهم يغنى بصوت عذب وهم يصفقون‬
‫ويرددون من خلفه‪.‬‬
‫راح بعضهم ديشيد بي وبعضهم يسخر منى ‪ ،،،‬تسلم لنا يا بطل ‪ ،،،‬وال أنت‬
‫عشكعلك منهم وبتعرف في البحر‪ .‬قال آخر ‪ ،،،‬يا عم الرجل عهارب من مصر ودافع‬
‫كثاير ‪ ،،،‬شكله من الشلة اللي تهدبر البنك من دول ولتخلع على بره ‪ ،،،‬أنت منهم يا‬
‫حلو؟ ‪ ،،،‬خلتونا على الحديدة‪ ،‬ال يخرب بيوتكم ‪ ،،،‬يا ععم كلمه كويس مش جايز يبقى‬
‫دحوت في إيطاليا وينفعنا ‪ ،،،‬يعنى هما كانوا نفعونا جوه لما هينفعونا بره‪.‬‬
‫ظلم والقهر فلم أفلح‪.‬‬
‫حاولت إفهامهم بأني هربت من مصر بسبب ال د‬
‫مرت ساعة‪ ،‬ول عجديد تحت العشمس‪ ،‬الخوف واليأس من النجاة يملؤنى‪،‬‬
‫والحماس والمل يداعبهم‪ ،‬أري البحر وحش ا يستعد للتهامنا‪ ،‬ول هم لهم إل استطلع‬
‫العشاطئ اليطالي‪ ،‬قررت أل أحبط آمالهم لعل ال يجعل لنا مخرجا‪.‬‬
‫ساعة أخرى وبدأت العمرلكب عتتعرعنح ثام مالت بشدة على جانبها اليمن‪ ،‬وقبل أن‬
‫تنقلب مالت بقوة نحو اليسار‪ ،‬يمين‪ ،‬شمال‪ ،‬يمين‪ ،‬شمال‪ ،‬رج عنيف‪ ،‬كنا نتحرك‬
‫بإستمرار لنحفظ توازنها فحققنا بعض النجاح‪ ،‬ولكنها ما لبثات أن قذفت بنا للخلف‬
‫ورفعت مقدمتها نحو السماء‪ ،‬ووقفت على الماء بمؤخرتها‪ ،‬لتعبر من تحتها موجة عالية‬
‫كالجبل‪ ،‬فتساقط الشباب لمقدمة المركب وهى تهوى نحو الماء‪ ،‬وقبل أن تشق البحر‬
‫نحو أعماقه استقرت مستوية على سطح الماء‪.‬‬
‫امتلت المركب بالماء وبما قذفناه من بطوننا‪ ،‬أمسكنا بعضنا البعض وبأي‬
‫شيء كانت تصل إليه أيادينا‪ ،‬كنت أصرخ فيهم ليعملوا على حفظ توازن المركب‪ ،‬لم‬
‫أعد أسمع منهم كلمة‪ ،‬كان صوت ارتطام المواج يبتلع كل الصوات حتى طقطقة‬
‫المحرك لم نعد نسمعها‪ ،‬لم نيئس ولم نأل جهدا للحفاظ على المركب عائمة‪ ،‬كنا نتحدى‬
‫غضب البحر ونقاوم جبروته‪ ،‬وكأننا نواجه كل ما نرفضه في الحياة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫المدهش أن هناك شابا أخذ يسب البحر ويطلق نكالت أضحكت الجميع‪ ،‬قلت‬
‫ل‪ ،‬عهم يضحك وهم يبكى‪ ،‬فبكيت‪.‬‬ ‫في نفسي فع ا‬
‫صرخ أحدهم ‪ ،،،‬عهلنغعرق ‪ ،،،‬عهلنغعرق‪ ،‬كانت هناك جبال هائلة ترتفع من العبحر‪،‬‬
‫تدور وتتلوى وهى تصعد نحو السماء لمسافة تتجاوز المائة متر ثام تنهار لعتسدقط في‬
‫البحر فتشقه نحو العماق فيرتفع الماء من حولها في دائرة من التلل كانت ترتفع‬
‫بسرعة‪ ،‬دون أن تدور حول نفسها‪ ،‬ثام تتهادى هابطة نحو الماء فتدفعه في كل‬
‫الاتجاهات أمواجا عاتية في منظر دمريع أهلك نفوسنا المرتعدة‪.‬‬
‫بذلنا ما في وسعنا لنستدير بالمركب أو أن نوقفها قبل أن تدخل وسط تلك الغابة‬
‫الكثايفة من جبال الماء‪ ،‬التي كانت تلعب وتمرح من حولنا وكأنها تعبر عن فرحها بما‬
‫نبديه من خوف وجزع‪.‬‬
‫أوقفنا الماكينات فهدأت سرعة المركب ثام توقفت فراحت تتلعب بها المواج‪،‬‬
‫وكأنه ععز على البحر أن نلتقط أنفاسنا‪ ،‬صرخ أحدهم وهو يشير للخلف ‪ ،،،‬استر يا‬
‫رب ‪ ،،،‬استر يا رب‪ ،‬جبل هائل يخرج من الماء ويرتفع متلوي ا نحو السماء وهو ديسلرع‬
‫من خلفنا‪ ،‬يبدو أنه يطاردنا بإصرار‪ ،‬كان منظره عمهيب ا وكأنه ملك الموت‪ ،‬لم يكن لدينا‬
‫أدنى عشك في سقوطه فوقنا‪ ،‬قفز البعض من المركب عهلعا من الجبل الذي كان يقترب‬
‫منا ويميل نحونا وكأنه يريد أن يحتضن المركب بمن عليها‪.‬‬
‫لحظات وعحملنا جبل آخر‪ ،‬خرج من تحتنا كوحش أسطوري‪ ،‬رفع المركب عاليا‬
‫ثام انهار من تحتها فألقى بها بعيدا على سطح البحر الذي استوي هادئا وديعا‪ ،‬لهثانا‬
‫نتنفس الصعداء‪ ،‬فامتلت الصدور بهواء مثاقل بالرطوبة فضاقت حتى زاغت منا‬
‫البصار وهمدت الجساد‪ ،‬لحظات ولحق بنا جبل الماء من خلفنا‪ ،‬وأراح نفسه فوقنا‪،‬‬
‫فضربنا ضربة ساحقة ماحقة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫لم أدر بنفسي إل وأنا أتشبث بلوح خشبي كبير‪ ،‬ومازالت المواج ل تخجل من‬
‫نفسها‪ ،‬دقائق وهدأ البحر وتبدل حاله وكأنه ليس بقاتل‪ ،‬لم أصدقه‪ ،‬انتظرت طويلا‬
‫أترقب غدره فلم عيغددر‪ ،‬رحت أنظر في كل الاتجاهات بحثا ا عن الشباب فلم ألمح أحدا أو‬

‫‪200‬‬
‫عأسمع استغاثاة‪ ،‬توقعت أن المواج قذفت بي بعيدا عنهم‪ ،‬ما استغربته في نفسي‬
‫ورفضته هو شعوري بالرضا لني بمفردي على اللوح‪ ،‬فهو بالكاد يحملني‪.‬‬
‫تشبثات باللوح وسلمت عأمري‪ ،‬عاد البحر لبعض مداعباته الغبية‪ ،‬فجأة ديعزملجر‬
‫ويثاور‪ ،‬وقبل أن يغرقني يهدأ ليستقبل أمطارا كانت تتساقط كالسيول وكأن هذا ما كان‬
‫ينقصني‪ ،‬ماء من كل ناحية‪ ،‬كرهت الماء بالرغم من عطشى المريع‪ ،‬ضربني صداع‬
‫شديد ووهن مني السمع والبصر فأبصرت حقيقة توحدي مع الكون الذي بدا وكأنه عاد‬
‫لبدايته الولى‪ ،‬ماء مقدس يتبختر على سطحه الفيروزي عرش ليس كمثاله عرش‪.‬‬
‫سطعت شمس الغروب حانية‪ ،‬تتلل أشعتها الذهبية على وجه البحر الهادئ‪،‬‬
‫نظرت نحوه فإذا به كلطفل شيطاني شقي أنهى لتوه لهوه خوفا من أمه‪ ،‬الشمس‪ ،‬بعدما‬
‫استمتع باللعبة المقدسة‪ ،‬لعبة الموت والحياة‪ ،‬وها هو عيخلد للنوم دمجب ار وهو يبتسم في‬
‫صق عليه‪ ،‬تراجعت فربما استيقظ غاضب ا فيبتلعني‪.‬‬
‫خبث‪ ،‬عهعممت أن عأب د‬
‫انسحبت أشعة الشمس لعلى لتصبغ الفضاء كله باللون الحمر القحواني‪،‬‬
‫تاركة سطح البحر لتزحف عليه دكتل الظلم لتزيده كآبة ودرعب ا‪ ،‬شعرت بوحدة موحشة‬
‫طف بى وبالشباب‪.‬‬
‫فأخذت أكلم البحر وأرجوه أن عيل د‬
‫توارت الشمس في نهاية الفق‪ ،‬وراح الظلم يطارد فلول أشعتها التي كانت‬
‫تتسرب ضعيفة واهنة من بين جبال السحب السوداء‪ ،‬قضى عليها فأظلم الفق‪.‬‬
‫وسط الظلم الدامس بدا لعيني وكأنها ترى الفق يتلون باللون الفضي‪ ،‬لمحت‬
‫ل‪ ،‬دثام عيسدقط تحت جبل أسود فيظلم‬
‫القمر يقفز بين تلل الدسحب فيضئ سطح البحر قلي ا‬
‫الكون من حولي‪ ،‬قليلا وعيحلرر القمر نفسه من ال د‬
‫ظلمة فتلحق به سحابة بيضاء‪ ،‬يداعبها‬
‫فتتحول عنه سريعا ليضئ الدنيا بضوء فضي عخالفت‪.‬‬
‫طويت الليل‪ ،‬ساعات ثاقيلة‪ ،‬ساعة أد ارلقب علهو القععمر وقفزاته بين جبال الدسدحب‪،‬‬
‫وساعة أبكى بم اررة ثام أضحك وأناجى البحر تذللا‪ ،‬وأحيان ا أفقد أعصابي فأسبه‪،‬‬
‫امتلت بمشاعر متباينة‪ ،‬ديداعبني بصيص عأمل في النجاة ودخول إيطاليا‪ ،‬يجتاحني‬
‫بعده خوف دمريع يكاد ديحطمني وفجأة تحتلني راحة اليأس والاستسلم‪.‬‬
‫عدد الثاواني‪ ،‬ودكلما عأتعممت العدد لستين عأصيح دقيقة‪ ،‬وعأعيد العكرة‪ ،‬ثام فكرت‬
‫كنت عأ د‬
‫عدد إلي ستين ثام عأصمت لنفس المدة لأضيف لحسابي دقيقة حتى أصل للعدد‬ ‫أن عأ د‬

‫‪200‬‬
‫ثالثاون دقيقة ثام أصمت دمدة عتقارب ما عمضى من الوقت وأصيح ساعة‪ ،‬تفانيت في العد‬
‫والحساب حتى لغبت عن الددنيا‪ ،‬ول أعرف هل أددغمى على من التعععب والعخوف أو كان‬
‫ذلك غيبوبة مرض السكر‪ ،‬أو ربما تغلب سلطان النوم على ملك العخوف فاستولي علي‬
‫فنمت‪.‬‬
‫رأيت ضوء الشمس من خلف جفوني‪ ،‬كانت أشعتها تدغدغ وجهي‪ ،‬استعدت‬
‫شيئا من وعيى‪ ،‬كان منهكا كما جسدي‪ ،‬بعد مجهود تمكنت من الجلوس على اللوح‪،‬‬
‫البحر هادئ تماما‪ ،‬سطحه يمتد مستويا بل نهاية‪ ،‬كانت أسراب الشموس تبعث من‬
‫تحت سطح الماء بأضواء لمعة ومبهرة‪ ،‬ل تصبر عليها العين لثاوالن معدودات‪،‬‬
‫تحملت ألم الضوء بعيني وحولت نظري نحو السماء‪ ،‬فلم أصبر‪ ،‬كانت الشمس وكأنها‬
‫دفرن هائل متوهج يرمي بحممه علي الدنيا‪ ،‬مع التركيز على وجه العبد ل‪.‬‬
‫لم أتناول علج الدسعكر منذ ثالثاة أيام‪ ،‬انهمر منى البول وتشقق لساني‪ ،‬وكأني‬
‫أري جسمي يضمحل شيئا فشيئاا‪ ،‬آه‪ ،‬أنه الجفاف!‪ ،‬أمسكت بخرطومي لمنع هذا‬
‫السراف في فقد الماء‪ ،‬لم ينفعني ذلك‪ ،‬اشتهيت أن أبلع ريقي‪ ،‬فعلتها ببطء وجزع‪ ،‬الألم‬
‫شديد‪ ،‬إبر دتغرس في حلقي‪ ،‬بلعت ريق ا ساخن ا‪ ،‬وسال الدم من جانبي فمي‪.‬‬
‫كاد الجوع يسلبني ما تبقي لدي من عقل‪ ،‬راح يضربني في بطني ضربات‬
‫ملتوية‪ ،‬تبدأ من المعدة الخاوية لتشق طريقها بين أشلء أمعائي المضطربة لتنتهي بألم‬
‫شديد في فتحة الشرج وكأني دمقلبل على نوبة فتاكة من السهال والتعنية‪ ،‬ما إن يهدأ‬
‫المغص حتى أشعر وكأن هناك عشر از كهربائيا يخرج من فقرات رقبتي لديشلعل رأسي‬
‫بصداع بل هوية وبدوخة كريهة تغسدل جسمي بعرق بارد‪ ،‬لحظات وتتملكني رغبة‬
‫كريهة في التقيؤ‪ ،‬وكلما تجشأت زاغ مني العبصر وأطلقت أمعائي ريحا عاتية‪.‬‬
‫تسارعت أنفاسي وبدأت أسعل بشدة فعرفت أن نوبة الربو الدشعبي أبت إل أن‬
‫تشارك في تدميري‪ ،‬تضاءل عخطر البحر وأصابني الهلع من التدمير الذاتي جراء‬
‫غيبوبة سكرية أو نوبة من نوبات عنقص الدسكر المريعة‪ ،‬وربما أزمة ربو مميتة‪ ،‬يئست‬
‫فضحكت‪ ،‬فاشتد السعال وبللني عرق بارد‪ ،‬استسلمت لأقداري‪ ،‬تمددت ورحت أربت‬
‫على اللوح وأقبله بين الحين والخر تعبي ار عن امتناني له علي أية حال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫بعد ساعة‪ ،‬ساعتين‪ ،‬شعرت ببعض التحسن بجسدي وبقدراتي الذهنية‪ ،‬ويبدو‬
‫صر بطني‪ ،‬وبفضل أشعة الشمس‬
‫أن أمعائي اعتادت الجوع‪ ،‬لم أعد عأشدعر بقبضته تع د‬
‫القوية عكف صدري عن ععزف موسيقاه الكريهة على مسامعي‪.‬‬
‫كرهت أن أموت وحيداا‪ ،‬رحت أرنو ببصري في كل الاتجاهات آملا في أن أرى‬
‫أي ا من الشباب‪ ،‬فتشت سطح البحر من حولي مرات ومرات‪ ،‬وقبل أن أكف عن‬
‫محاولتي أبصرتهما عن بعد‪ ،‬يضربان الماء في عغعشم‪ ،‬بدو دمنهكين وعلى وشك الغرق‪،‬‬
‫صوتي والهن دمتقعلطع‪ ،‬لم يسمعاني‪ ،‬لوحت بقميصي ثام اسعتمت لأوجه لوح الخشب‬
‫نحوهما‪ ،‬وبعد معاناة كبيرة اقتربنا من بعضنا بعض ا‪ ،‬مددت يدي نحو أحدهما فأبصرت‬
‫وجه بائس دمستسلم‪ ،‬جلد وجهه ورقبته وأكتافه‪ ،‬عأحمر ملتهب وكأن نارا أحرقته فتشقق‪،‬‬
‫كانت شفتاه دمتولرمتين وعيناه غائرتين مذعورتين‪ ،‬لم يحاول أن يمد يده واستسلم للبحر‬
‫فغاص بهدوء‪ ،‬ساعدت الخر حتى تمدد بجواري‪ ،‬كلمته فعزعفر من أعماقه آهة واهنة‬
‫دمستسلمة‪ ،‬اندهشت لجبروت الشمس في حضرة البحر‪ ،‬فالشاب بدا كأنه خارج لتوه من‬
‫فرن مشتعل‪ ،‬كانت أنفاسه ثاقيلة بطيئة ومتقطعة‪ ،‬لشهيقه فحيح‪ ،‬وزفيره كعنفخ الدمجلهد‪.‬‬
‫طلب ماء‪ ،‬تبولت على القميص ثام عصرته في فمه وعفمي‪ ،‬فهدأنا قليلا‪ ،‬طريقة‬
‫تنفسه تزعجني‪ ،‬أعرف أنه تنفس ما قبل الموت المؤكد‪ ،‬سألته عن بقيتهم فهمس‬
‫بصعوبة ‪ ،،‬بلعهم البحر واحد و ار الثااني‪ ،‬بلعهم كلهم‪ ،‬بدل ما يروحوا إيطاليا راحوا‬
‫الجنة‪.‬‬
‫كان يلهث ويسعل ثام يخبط بيديه على لوح الخشب في وهن عظيم‪ ،‬تمنيت‬
‫البكاء فعزت علي عيني الدموع‪ ،‬وكأن النار تحرقهما‪ ،‬ألم ل ديحتععمل‪.‬‬
‫حاول أن يبتسم فتشققت قشرة جافة كانت تغطى وجهه‪ ،‬صرخ‪ ،‬آه يا وشى ‪،،،‬‬
‫وششيييي ‪ ،،،‬وراح عيلئن وهو يحاول أن يستطرد فقال بصعوبة‪.‬‬
‫‪ -‬غرقوا كلهم‪ ،‬أصبحت وحدي‪ ،‬خفت من الظلم ومن السمك‪ ،‬كنت أضرب الماء بكل‬
‫قوتي وبجميع أطرافي لبتعد عن عزرائيل الذي استفرد بالشباب‪ ،‬كان يضرب الماء‬
‫بأجنحته المرعبة ويقبض بيديه المتيبستين على حمامة بيضاء تتلل في الظلم‪ ،‬يصعد‬
‫ليوردها مثاواها فيسد الفق ويضفى على الدنيا كآبة الموت‪ ،‬وفي لمح البصر يعود‪،‬‬
‫ليقبض بيده علي حمامة أو اثانتين أو ثالث‪ ،‬ثام يصعد مبتهجا ليطفئ بجناحيه النجوم‬

‫‪200‬‬
‫وعيدعم الكون ظلم القبور‪ ،‬بعد فترة اكتشفت أنى لم أبرح مكاني‪ ،‬تلشى إحساسي‬
‫بالمكان والزمان‪ ،‬ملني الغضب‪ ،‬عكعمنت له في انتظار أن يأتي ليحصد حمامتي‪ ،‬وقد‬
‫أضمرت في نفسي أم ارا‪ ،‬سأفقأ عينه قبل أن ينتزعها مني‪.‬‬
‫مع أول ضوء للنهار رأيت بعضهم دمملددا على سطح الماء تهدهده المواج‪،‬‬
‫وحدي نجوت‪ ،‬عشععر عزرائيل بما سررته في نفسي فآثار السلمة وأمهلني إلى حين‪.‬‬
‫بالرغم مما نحن فيه أعجبتني طريقته في الحديث‪ ،‬فشجعته ليواصل فقال‪.‬‬
‫‪ -‬تمنيت البكاء‪ ،‬الخوف‪ ،‬الرجاء‪ ،‬تمنيت حتى اليأس‪ ،‬لم أعد أشعر بشيء‪ ،‬الفضاء‬
‫من حولي وبداخلي‪ ،‬الحياة والموت يلتقيان في‪ ،‬شيء واحد‪ ،‬وجود واحد‪ ،‬اخترت الحياة‬
‫فوجدت سيد‪ ،‬الذي غرق الن‪ ،‬سألته فيه عحد غيرك؟ قال‪ ،‬لا‪ ،‬راحوا كلهم‪ ،‬وأضاف‪ ،‬أن‬
‫السماك الضخمة كانت تقفز وتصهل فرح ا وهي تمزق أوصالهم‪ ،‬قلت في نفسي إنها‬
‫أوهام البحر‪ ،‬لقد رأى ما رأيته عزرائيل سمك ا متوحش ا‪.‬‬
‫وقال أيضاا‪ ،‬كان سيد مجهدا لقصي درجة‪ ،‬تععذعبت كثايرا لحفظ عليه حمامته‪,‬‬
‫دكلما استسللم كنت أهجم عليه لشده لسطح الماء‪ ،‬كنت خائف ا من البقاء في الماء وحيداا‪،‬‬
‫أجهدني أيما إجهاد‪ ،‬كان علي أن أختار‪ ،‬إما أنا إواما هو‪ ،‬وقبل أن أتخذ قراري انزلق‬
‫من يدي وطارت حمامته‪.‬‬
‫أمسك الشاب‪ ،‬الممدد بجواري علي اللوح‪ ،‬بوجهه وحاول أن يضحك‪ ،‬تألم وعخرعج‬
‫ضحكه مبحوحا كالنين‪ ،‬هدأت من روعه فراح في سبات عميق‪ ،‬دعوت أن ينقذنا‬
‫أحدهم‪ ،‬وتمددت بجواره لحافظ على توازن أغلى ما أملك‪ ،‬لوحي!‪.‬‬
‫صوت محرك يداعب سمعي‪ ،‬وجهت أذني فاقترب الصوت‪ ،‬دب النشاط في‬
‫أوصالي وشحذت كل حواسي‪ ،‬حجبت بيدي أشعة الشمس عن عيني ورحت أفتش‬
‫سطح البحر‪ ،‬لم أرع شيئاا‪ ،‬لوحت بقميصي لعل أحدهم يراني‪ ،‬كنت ملهوف ا وقلبي ينتفض‬
‫بقوة‪ ،‬مرت دقائق عديدة ول جديد على سطح البحر‪ ،‬شعرت بأني أهذي أو لعله عوهم‬
‫البحر‪ ،‬استسلمت وبسطت جسدي على اللوح وأغمضت عيوني المجهدة‪.‬‬
‫اقترب الصوت‪ ،‬فرقت جفوني بيدي فتأكدت من أنه يخت وأن عليه من شاهدنا‪،‬‬
‫ذهب عنى العتعب ولملت على الشاب لبشره بالنجاة‪.‬‬
‫‪ -‬لقد نجونا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫نظر إلي بنصف عين وهم بالكلم فارتعشت شفتاه‪ ،‬وكأنه فقد حنجرته‪ ،‬همس‬
‫فحيح ا من أعماق صدره‪.‬‬
‫‪ -‬خلص‪ ،‬اسمعني ‪ ،،،‬اسمي ‪ ،،،‬أحمد إبراهيم ‪ ،،،‬أحمد إبراهيم بدير ‪ ،،،‬لما تنزل‬
‫مصر ‪ ،،،‬قل لوالدي إواخوتي يسامحوني لأني خيبت أملهم‪.‬‬
‫قال ذلك ثام احتواني بنظرة غريبة قبل أن يغيب عن الوعي‪ ،‬حاولت مساعدته‪ ،‬لم أتمكن‬
‫من المساك بحمامته‪ ،‬طارت‪.‬‬
‫حفظت اسمه وعنوانه‪ ،‬شغلني هذا الشاب كثاي ار‪ ،‬أحببته في دقائق ولم أنسه حتى‬
‫أديت المانة لهله‪ ،‬المانة التي بثاها بداخلي حين احتواني بنظرته المدهشة لحظة‬
‫فتحه لقفص صدره‪ ،‬ليطلق حمامته‪ ،‬لتطير إلى هناك‪ ،‬إلى ما ل نهاية!‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫دار اللنش من حولي في دوائر متتالية‪ ،‬أخذت تضيق حتى اقترب منى فرأيت‬
‫رجلا يرتلكن على سور اللنش‪ ،‬ألقى إلى بلسللم من اللحبال وهو يقول باليطالية‪.‬‬
‫‪ -‬تشبث بالحبل جيداا‪ ،‬وتسلق السلم بقوة وعلى مهلك‪.‬‬
‫بسرعة سألني باللغة النجليزية‪.‬‬
‫‪ -‬هل تتحدث اليطالية؟‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬نعم ‪ ،،،‬أنا‪ ،،،‬أنا أتحدث اليطالية‪.‬‬
‫‪ -‬هذا جيد‪ ،‬ما هي حكايتكما؟‪ ،‬هل الشخص الذي بجوارك بخير؟‪.‬‬
‫أمسكت بالسلم في حرص كي ل أفقد توازني وأغرق في حضرة العيخت‪ ،‬حاولت‬
‫أن أرفع صوتي ليسمعني الرجل‪.‬‬
‫‪ -‬غرقت بنا المركب أمس‪ ،‬كل من فيها ماتوا‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو أنكم دخلتم لمنطقة الدوامات‪ ،‬هل الشخص الذي بجوارك بخير؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬إنه ميت‪.‬‬
‫‪ -‬الق به في البحر‪ ،‬وامسك بالحبل جيدا وأنت تصعد السلم‪ ،‬احرص علي أل تفقد‬
‫ظر لعلي أو للسفل‪ ،‬هل تفهمني؟‪.‬‬
‫توازنك‪ ،‬ل عتن د‬

‫‪200‬‬
‫كان اليخت ضخما‪ ،‬كأنه منزل من طابقين يرتفع من فوقى‪ ،‬وبإصرار المتشبث‬
‫بالحياة‪ ،‬كنت علي سطح اليخت بعد دقائق معدودة‪ ،‬ألقيت علي لوحي الخشبي نظرة‬
‫امتنان‪ ،‬رأيته أكبر وأعظم من البحر‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫شربت جرعات من الماء البارد فدبت الحيوية بأوصالي‪ ،‬وتناولت بعض الطعام فهدأ‬
‫جسمي وارتاحت نفسي وبدأت ماكينات عقلي بالدوران‪ ،‬تمددت على السرير أحاول أن‬
‫دأصدق أني نجوت فلم عتغلفدل عيناي‪ ،‬طلب صاحب اليخت رؤيتي‪ ،‬صعدت إليه حول‬
‫حمام السباحة‪ ،‬رجل ضخم الجسم والرأس‪ ،‬ممتلئ الوجه‪ ،‬أحمر البشرة‪ ،‬يرتدي لباس‬
‫البحر وبجانبه مقعد محظوظ‪ ،‬يكاد أن يضئ في وضح النهار‪ ،‬يرتاح سعيدا من تحت‬
‫امرأة بيضاء‪ ،‬عبضعة‪ ،‬هادئة الجمال ومبهرة في هيئتها‪ ،‬استرقت منها نظرة أزاحت مني‬
‫العتعب والخوف‪.‬‬
‫ألقيت التحية فمد الرجل يده نحوى مرحبا ومهنئا على النجاة‪ ،‬طلب منى الجلوس‬
‫بجواره‪ ،‬جلست في خجل‪ ،‬فقال‪.‬‬
‫‪ -‬قالوا إنك تتحدث الإيطالية‪ ،‬هذا جيد‪ ،‬قل لي ما هي الحكاية‪.‬‬
‫مال بجسمه ليواجهني تماما‪ ،‬وأضاف وهو ينظر في عيني بقوة‪.‬‬
‫‪ -‬لم أشأ إبلغ الدسلطات حتى أسمعك‪.‬‬
‫انتهيت فقال‪.‬‬
‫‪ -‬تلك هي المرة الثاانية التي تصادفني فيها نفس المأساة‪.‬‬
‫قال ذلك ثام التفت نحو السيدة وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬أتذكرين المركب التي غرقت في يناير الماضي‪ ،‬أيضا لم يندج منها أحد‪.‬‬
‫نظرت إليه وقالت في غضب‪.‬‬
‫‪ -‬لم تساعدهم‪ ،‬ولم تبلغ السلطات لتأتي وتنقذهم‪ ،‬كما ستفعل هذه المرة‪.‬‬
‫‪ -‬صابرينا‪ ،‬يقول إن جميع من كان معه غرق‪ ،‬فعدم أبلغ السلطات وأجلب لنفسي‬
‫المشاكل؟‪.‬‬
‫اعتدل في جلسته وأضاف في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬تعرفين مشاكلي مع السلطات وعخفر السواحل‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫اندفعت بجسمها للمام وصفقت بيديها‪ ،‬ثام إنفجرت ضاحكة وقالت وهي تشير‬
‫نحوي‪.‬‬
‫‪ -‬سيلفيو‪ ،‬هذا الردجل يتحدث اليطالية‪ ،‬عأنسيت؟‪.‬‬
‫تجهم للحظات ثام قال في أدب جم‪.‬‬
‫‪ -‬اذهب لترتاح‪ ،‬لن نعود للشاطئ قبل عدة ساعات‪ ،‬وحينها سنتدبر المر سوياا‪.‬‬
‫تمددت علي السرير فغرقت في نوم عميق‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫أخبرتنى صابرينا فيما بعد‪ ،‬أنه وبعد انصرافي‪ ،‬دار بينهما حوار غاضب‪ ،‬حيث‬
‫اتهمته بأنه قاسى القلب‪ ،‬وأصرت علي أن يتأكد من أنه ل يوجد بالماء أحياء‪ ،‬فرضخ‬
‫وأمر قائد العيخت بالبحث في أكبر مساحة ممكنة من البحر‪ ،‬وبعد ثالث ساعات تأكدوا‬
‫من عدم وجود أي ناج آخر‪ ،‬وراح يذكرها بطبيعة دشغلهما وبما يفرضه عليهما من‬
‫حذر‪ ،‬وقال بأنه عندما وجد شخص على قيد الحياة أنقذه‪ ،‬يقصدني‪ ،‬وعند ذلك باغتته‬
‫بسؤال‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا ستفعل به؟ لو سلمته للسلطات سوف يعيدونه لبلده بعدما عغامر بحياته ليدفر‬
‫منها؟‪.‬‬
‫‪ -‬لو سلمته سأكشف نفسي للسلطات‪ ،‬عندما نقترب من الشاطئ ننزله ليسبح إلي هناك‬
‫ويتععدبر أمره‪ ،‬كما كان سيفعل لو لم تغرق مركبه‪ ،‬ويكفى أننا أنقذناه من الغرق‪.‬‬
‫‪ -‬نخرج إلي البحر ونعود بدون تفتيش‪ ،‬يمكننا اصطحابه معنا‪.‬‬
‫وضغطت على أعصابه أكثار فأضافت‪.‬‬
‫‪ -‬سيلفيو‪ ،‬هذا أقل شيء دتكلفر به عن تقاعسك عن مساعدة الشباب الذي غرق دون أن‬
‫تحاول مساعدتهم في المرة السابقة‪.‬‬
‫‪ -‬وكأني مسئول عما يجري لهؤلء المهاجرين‪ ،‬حسناا‪ ،‬سأفعل‪ ،‬هذا من أجلك أنت‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كأني أسمع طرق ا علي الباب‪ ،‬قفزت مفزوع ا لفتحه‪ ،‬ألقت بالتحية وجلست على‬
‫ل‪ ،‬التزمت الصمت وشحذت ذهني لستكشف‬
‫طرف السرير وراح هو يتفحصني طوي ا‬
‫مصيري في نظرات عينيه وتعبيرات وجهه‪ ،‬لحظ اضطرابي‪ ،‬فاقترب منى ووضع يده‬

‫‪200‬‬
‫على كتفي وسألني عن أوراقي‪ ،‬فأخبرته بأن بحارة المركب استولوا عليها‪ ،‬فسألني عن‬
‫جنسيتي ولماذا هربت من بلدي‪ ،‬حين عرفت بأني رجل أعمال مصري تهلل وجهها‬
‫وراحت تتحدث بحماس عن مصر وعن حضارتها‪ ،‬وحين سألتني إن كنت أعرف شيئ ا‬
‫عن اللغة المصرية القديمة‪ ،‬أجبتها في ثاقة بأني أستطيع قراءتها وكتابتها ثام تحدثات‬
‫باستفاضة عن طرق تدوينها‪ ،‬فقفزت من مكانها لتقف في مواجهتي‪ ،‬لفحت أنفاسها‬
‫العطرة وجهي وهى تقول بحماس‪.‬‬
‫‪ -‬هذا شيء عظيم‪ ،‬يبدو أنك دارس جيد للحضارة المصرية‪.‬‬
‫لم أترك الفرصة تفلت منى فتماديت في تعضيد موقفي‪ ،‬وكأنها وجدت ضالتها‪،‬‬
‫اقتربت مني حتى اعتقدت أنها ستأخذني في أحضانها‪ ،‬لكنها استدارت فجأة ثام صفقت‬
‫ظر لسيلفيو‪ ،‬الذي لم يكن أقل منها ابتهاجاا‪.‬‬
‫بيديها وهى تن د‬
‫كنت سعيدا بسيطرتي على الموقف على الرغم مما أعانيه من خوف وقلق‪،‬‬
‫قررت الصمت حتى أستوضح موقفهما مني فسألني‪.‬‬
‫‪ -‬أنت رجل أعمال فما شأنك بالحضارة المصرية ولغاتها‪.‬‬
‫ثام طلب منى أن أروي له بالتفصيل‪ ،‬كل شيء عني‪ ،‬ليرى إن كان بإمكانه‬
‫مساعدتي في إيطاليا أم نفترق على العبر‪ ،‬فألقمته حكايتي كأحسن ما عيكون القصص‪،‬‬
‫وقد أثابتت اليام أن ذلك كان توفيق ا من ال‪ .‬قلت له‪.‬‬
‫‪ -‬درست الحضارة المصرية وعملت كمرشد سياحي خاص لبعض شركات السياحة‪،‬‬
‫وبعد سنوات عملت بتجارة التحف والنتيكة‪ ،‬بمنطقة خان الخليلي‪ ،‬ونجح المر‬
‫صر‪ ،‬نجح عملي وتنوع نشاطي‪ ،‬وتخطى رصيدي‬
‫لق د‬
‫فامتلكت آخر بالهرم ومثاله با د‬
‫بالبنك رقم الستة أصفار‪ ،‬وامتلكت فندقا بالقصر‪ ،‬وحدث أن ت اردجع النشاط السياحي‬
‫بعد الزمة الاقتصادية العالمية‪ ،‬ولني متخ ل‬
‫صص في تجارة التدعحف عغالية الثاععمن‪ ،‬وهذه‬ ‫د‬
‫بالطبع لها زبون مخصوص‪ ،‬توقف العمل بالبا ازرات تمام ا‪ ،‬تراكمت على الديون‬
‫وصدرت ضدي لعدة أحكام باللسجن وبدأت البنوك في اتخاذ الجراءات القانونية لبسط‬
‫سيطرتها على كل أملكي‪ ،‬ضاق بي الحال وشعرت بالرض تميد من تحت أقدامى‪،‬‬
‫لفلت من شباكه‪،‬‬
‫السجن أمامي والفقر من ورائي‪ ،‬الفقر الذي كافحت سنوات طويلة ع‬
‫صديق عقديم‪ ،‬كنت‬
‫تسرب اليأس إلي نفسي وكدت أن أقبل علي النتحار حتى جاءني ع‬

‫‪200‬‬
‫أعرف أنه ديتالجر س ار بالثاار الفرعونية‪ ،‬عرض على تصوي ار لقطعة أثارية عنالدرة‬
‫لفحصها لصالحه‪ ،‬كانت قطعة نادرة وعقيمةع جداا‪ ،‬أخبرني بأنه أخذ مباركة البائع على‬
‫عشرة مليين من الجنيهات في حين أنه برمج مشتري ا بعشرين مليون دولر‪ ،‬لم أتردد‬
‫في مشاركته في تلك الصفقة علها تنقذني من أزمتي المالية‪ ،‬لبعت بعض أملكي الغير‬
‫محجوز عليها‪ ،‬وسلمته خمسة مليين من الجنيهات‪ ،‬انتظرت الفرج فجاءتني الصاعقة‪،‬‬
‫ط في يدي‪ ،‬عشت أياما صعبة‪ ،‬ثام قررت‬‫لقد باع القطعة وهرب بالمال من مصر‪ ،‬أعلسق ع‬
‫النصب على من يقع في طريقي‪ ،‬بالفعل برمجت رجل أعمال من حالبي الدولة ليشترى‬
‫بقية أملكي‪ ،‬سال لعابه ودفع لي خمسة مليين دولر‪ ،‬تمكنت من تهريبها لحد بنوك‬
‫سويس ار عن طريق سفير لمصر بإحدى دول أوروبا‪ ،‬ولني ممنوع من السفر هربت من‬
‫مصر بتلك الطريقة آملا أن أبدأ عمل ا بأوروبا يعوضني خسائري‪ ،‬ولعلي أصدف في‬
‫صديقي النصاب‪.‬‬
‫سألني عن كيفية تأكدي لمن أصالة القطعة الثارية‪ ،‬وعلى أي أساس أثاعمنها‪ ،‬ل‬
‫أدري لماذا كنت أتوقع منه مثال تلك الأسئلة‪ ،‬المهم أني وفقت فى الجابة على كل‬
‫ظعر لصابرينا وقال‪.‬‬
‫أسئلته كخبير آثاار محترف‪ ،‬ويبدو أن الرجل صدقني‪ ،‬فعن ع‬
‫‪ -‬يبدو أن الصيد ثامين صابرينا‪.‬‬
‫ابتسمت‪ ،‬وتناولت قلم ا وورقة ورسمت عدة حروف بالطريقة الهيروغليفية‪،‬‬
‫فنطقتها بسهولة وشرحت معناها بثاقة واقتدار ثام أعدت كتابتها بالطريقة الهيراطيقية ثام‬
‫بالديموطيقية ونطقتهم بالطريقتين‪ ،‬فتهلل وجهها وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬من المؤكد أن الصيد ثامين سيلفيو‪.‬‬
‫‪ -‬هذا عظيم له ولنا‪.‬‬
‫لم أفهم ما يرمي إليه ولكن حدسي كان يؤكد على أنهما مهتمان بالثاار‬
‫الفرعونية‪ ،‬هممت باستيضاح المر فربت الرجل على كتفي وقال‪.‬‬
‫‪ -‬ل تخش شيئا ‪ ،،،‬سوف أساعدك‪.‬‬
‫تأخرت عنه قليلا وقالت وهي تشير إليه‪.‬‬
‫‪ -‬لن يرحمك لو اكتشف أنك أخفيت عنه شيئاا‪.‬‬
‫ثام أضافت وهي تهم باللحاق به‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬لمعرفتك بتاريخ بلدك وبلغته القديمة أنقذتك وستساعدك كثاي ارا‪ ،‬وتلك هي قيمة المعرفة‬
‫يا عزيزي‪ ،‬إنها أهم من العمال والدسلطة‪.‬‬
‫عندما سمعت منها ذلك ارتبكت‪ ،‬حاولت أن عأشدكرها‪ ،‬فتجمد لساني والتصقت‬
‫ت‬‫شفتاي واندفع الدم كله لرأسي فتوهج وجهي وشعرت برأسي ينبض بقوة‪ ،‬فقد عتذكر د‬
‫نبوءة عسمالسم‪ ،‬وتأكدت من أنى دمعسير ل محالة لمر ما‪ ،‬اصطفتني له السماء من بين‬
‫العالمين‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫عرفت أنه وثاق بي‪ ،‬أو أنه ل يخشي جانبي‪ ،‬حينما أكمل مهمته بالبحر فى‬
‫وجودي‪ ،‬وعلى مرأي مني‪ ،‬فعند غروب الشمس‪ ،‬انطلق اليخت إلى المياه الدولية‪ ،‬وراح‬
‫يدور من حول مركب للصيد عدة مرات ثام توقف ليلتصق بها تماماا‪ ،‬نقلت إليه مجموعة‬
‫من الصناديق الكبيرة وطار بعدها فوق سطح الماء نحو الشاطئ‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫السرعة الرهيبة فقد وصلنا للشاطئ بعد حوالي ثالث ساعات فتأكد لي أن مركبنا غرق‬
‫بعيدا جدا عن الشاطئ اليطالي‪.‬‬
‫دخلنا مارينا اليخوت دون أن يلتفت إلى أحد‪ ،‬فتيقنت أن الفساد لغة عالمية ل‬
‫تعترف بفروق حضارية أو ثاقافية‪.‬‬
‫جلست صابرينا بجواره تتحدث إليه‪ ،‬وانشغلت أنا بمشاهدة المباني الرائعة على‬
‫جانبي الطريق‪ ،‬دخلنا مدينة نابولي الخلبة‪ ،‬مدينة هادئة ونظيفة‪ ،‬شوارعها منظمة‬
‫ورائعة‪ ،‬المنازل على الجانبين متشابهة تماما وألوانها زاهية‪ ،‬مدينة ثارية حقاا‪.‬‬
‫كنت مغتاظ ا من مدي النظافة والنظام والهدوء‪ ،‬بالرغم من إضاءة الشوارع الباهرة‪،‬‬
‫تبدو علي الناس السعادة والرضا‪ ،‬الملبس نظيفة ومتناسقة والابتسامة تدزين ملمحهم‪،‬‬
‫الغنى واضح من فخامة السيارات التي تجوب الشوارع‪ ،‬تحسرت على المصريين وركبني‬
‫العغم‪.‬‬
‫مرات ومرات شهقت من العجاب وعزفرت من الغيظ‪ ،‬التفتت إلي وسألتني‪.‬‬
‫‪ -‬هل أعجبتك نابولي؟‪.‬‬
‫فقلت وما زالت عيناي دمعلقة بالجمال من حولي‪.‬‬
‫‪ -‬حقا إنها مدينة خلبة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫فقالت بفخر‪.‬‬
‫‪ -‬كل دمدن إيطاليا رائعة‪ ،‬هنا تاريخ عظيم‪ ،‬مثالما لديكم في مصر‪.‬‬
‫فقلت في حسرة‪.‬‬
‫‪ -‬لكنكم حافظتم على حضارتكم وتاريخكم‪ ،‬وعنحدن أهدرنا الحضارة واحتقرنا التاريخ‪.‬‬
‫‪ -‬هذا صحيح ولقد حاولت أن أفهم سبب ذلك ولم أفلح‪.‬‬
‫ثام ابتسمت في فرح وأضافت‪ ،‬أن أجدادها عاشوا بمدينة الإسكندرية حتى‬
‫خمسينات القرن الماضي‪ ،‬وأن أباها ولد بالإسكندرية‪ ،‬وأنه حببها في الاستماع لاغاني‬
‫دأم كلثاوم وعبد الوهاب‪ ،‬ثام فاجأتني بقولها‪.‬‬
‫‪ -‬لقد دزرت مصر كثاي ارا‪ ،‬ذهبت إلى القصر‪ ،‬وأقمت شهو ار في بلدة صان الحجر‬
‫وذهبت كثاي ار لمنطقة تل المسخوطة‪.‬‬
‫لم أتمالك نفسي من الدهشة فسألتها‪.‬‬
‫‪ -‬لكن تلك الماكن ليست علي عأجندة الدسياح؟‪.‬‬
‫ابتسمت وهي تقول‪.‬‬
‫‪ -‬خلص وصلنا‪ ،‬نكمل كلمنا بعدين‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫دخلنا من بوابة ضخمة‪ ،‬تفتح إلكتروني ا‪ ،‬فدلفت السيارة إلى حديقة كثايفة‬
‫الشجار على جانبي المدخل‪ ،‬لتقف أمام فيل صغيرة ولكنها دمبهرة بهندستها إواضاءتها‪،‬‬
‫ترجلت مع صابرينا وعبر سيلفيو بالسيارة بوابة‪ ،‬بالناحية الخري من الفيل‪ ،‬أغلقت من‬
‫خلفه فو ارا‪ ،‬وعرفت أنه دخل لمصنعه والذي ينتج ماركة شهيرة من الهواتف النقالة‪.‬‬
‫رحت أشكرها وأثاني علي سيلفيو لما فعله من أجلي ثام أبديت رغبتي في أل‬
‫أثاقل عليهما أكثار من ذلك‪ ،‬فضحكت بصوت عالل وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬أنت لم تفهم بعد‪ ،‬لا يمكنك أن تغادر‪ ,‬هو أنقذك وسمح ببقائك على اليخت لديثالبت لي‬
‫أنه ليس قاسيا‪ ،‬فشاهدت ما حدث في عمق البحر‪.‬‬
‫سيطر علي الشك عندما راحت بل دالع‪ ،‬تتحدث عن ضلوع سيلفيو في تهريب‬
‫وتجارة الثاار من منطقة الشرق الوسط وخاصة من مصر‪ ،‬وذكرت أن المركب التي‬
‫أفرغت حمولتها باليخت كانت قادمة من مرفأ عزبة البرج‪ ،‬ثام سألتني‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬كيف ستغادر إوالى أين ستذهب‪ ،‬وليس معك أوراق ومالك هناك في سويسرا؟‪.‬‬
‫أطرقت أنظر للرض ل أجد ما أقوله‪ ،‬فقالت‪.‬‬
‫‪ -‬أنصحك بأن تتمهل‪ ،‬سيلفيو يمكنه مساعدتك‪ ،‬أعتقد أنه يفكر كيف يستفيد منك‪.‬‬
‫وأفهمتني بأنه رجل أعمال من الطراز الول‪ ،‬وله نشاط اقتصادي دمتشلعب في‬
‫عدة دول أوروبية‪ ،‬ويملك نفوذا هائل ا في دنيا العمال‪ ،‬ثام أضافت‪.‬‬
‫‪ -‬أنت تمتلك قد ار معقولا من المال وهو يهوى توظيف الموال مقابل أرباح‪.‬‬
‫لم أقتنع بما قالته ولكني احترمت رغبتها في عدم البوح بكل ما لديها‪ ،‬وبل دالع‬
‫قلت لها‪.‬‬
‫‪ -‬أري بأنك من دفعه لنقاذي إوادخالي إيطاليا‪ ،‬لماذا فعللت ذلك؟‪.‬‬
‫عتغيرت ملمح وجهها الجميل ورسم الدحزن علماته عليه وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬في رحلة كرحلتنا تلك‪ ،‬شاهدنا مركب ا عتغرق‪ ،‬كان ععشرات الشباب ديقاومون الغرق‪،‬‬
‫ض سيلفيو مساعدتهم أو حتى‬
‫وعبسبب أهمية وخطورة الععملية التي كنا بصددها‪ ،‬عرف ع‬
‫إبلغ السلطات حتى ل يفتضح أمره‪ ،‬توترت علقتنا بعدها وامتنعت عن العمل معه‬
‫لفترة‪ ،‬لول تدخل زوجته ما كنت لعمل معه مرة دأخرى‪ ،‬وهذه المرة ولنك فرد واحد‬
‫وجدها فرصة مثاالية ليرضيني‪.‬‬
‫‪ -‬كنت أظنك زوجته‪.‬‬
‫فضحكت بدلل وهى تقول‪.‬‬
‫‪ -‬أنا أعمل معه‪ ،‬هو دمتزوج من صديقتي المقربة‪ ،‬سيدة رائعة الجمال والشخصية‪،‬‬
‫لعمال السرية لزوجها‪ ،‬ولعلمك هو يحبني ويحترمني‪ ،‬فأنا‬
‫بالطبع هي ل عتعرف طبيعة ا ع‬
‫أيضا شقيقة صديقه المقرب‪ ،‬كما أني مفيدة جدا له‪ ،‬وهذا السبب الخير قد يتلشي بعد‬
‫ظهورك بل وقد يتغير الموقف كله‪.‬‬
‫سألتها وأنا أتبعها لداخل الفيل‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن كيف سيتغير الموقف؟‪.‬‬
‫‪ -‬ستفهم كل شيء في حينه‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫الفيل هي مقر إدارة مصنع سيلفيو‪ ،‬دخلنا إلى مكتب كبير وعفخم ومؤثاث بعناية‪،‬‬
‫جلست على أول مقعد واتجهت صابرينا إلى الثالجة وأشارت لي بكنز من الجعة‪،‬‬
‫وسألتني في تردد‪.‬‬
‫‪ -‬هل تشرب؟‪.‬‬
‫‪ -‬تناولتها من يدها وشربتها بسرعة‪.‬‬
‫‪ -‬أوه ‪ ،،،‬توقعت أنك سترفض‪ ،‬وتقول إنها حرام‪.‬‬
‫قالت ذلك وهى تحاول تقليد صوتي فضحكت‪ ،‬نظرت إلى في ريبة فقلت لها‪.‬‬
‫‪ -‬موضوع الحلل والحرام‪ ،‬بل الدين نفسه ل يشغلني كثاي ارا‪.‬‬
‫تنهدت بعمق وألقت بنفسها على المقعد ولذت بالصمت قليلا ثام قالت‪.‬‬
‫‪ -‬أنا على العكس منك‪ ،‬موضوع الدين هو شغلي العشالغل‪ ،‬سألتني لماذا زرت صان‬
‫الحجر وتل المسخوطة‪ ،‬حسن ا‪ ،‬لم أذهب إلى هناك كسائحة بل ذهبت كباحثاة أكاديمية‪،‬‬
‫متخصصة في الديان القديمة في منطقة الشرق الوسط‪ ،‬وبالطبع كانت دراسة‬
‫الديانات المصرية القديمة أهم جانب في أبحاثاي التي نلت عنها درجة الدكتوراه من‬
‫جامعة روما‪ ،‬ترأست قسم دراسات حضارات الشرق القديمة وكونت فريق ا رائع ا من‬
‫طلاب الدراسات العليا بالقسم‪ ،‬كانوا من جنسيات مختلفة‪ ،‬ولعلمك كان أفضلهم‬
‫مصري ا‪ ،‬وضعنا خطة طموحة لإجراء المزيد من البحاث والدراسات حول علقة‬
‫الديانات المصرية القديمة‪ ،‬وكذا أساطير الشرق القديمة‪ ،‬بالديانات البراهيمية‪.‬‬
‫‪ -‬هل عتقصدين اليهودية والمسيحية والسلم‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬أقصد الديانتين اليهودية والمسيحية فالسلم غير دمعترف به كدين سماوي في‬
‫الوساط الكاديمية هنا‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن السلم يقر بأن اليهودية والمسيحية أديان سماوية‪ ،‬كما أن هناك حوارا بين‬
‫تلك الديان الثالثاة؟‪.‬‬
‫‪ -‬إنه حوار دعائي ل طائل منه‪ ،‬فكل دين منهم يعتقد أنه الصحيح وغيره زائف‪.‬‬
‫لذت بالصمت وشردت حزينة‪ ،‬فقلت لبدأ الحوار معها مرة أخري‪.‬‬
‫‪ -‬الن فهمت لماذا تجيدين اللغة المصرية القديمة‪.‬‬
‫لم ترد‪ ،‬ترددت قليلا ثام قلت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬هل ما زلتل تواصلين أبحاثاك بالجامعة‪.‬‬
‫وكأني نطقت بما أغضبها‪ ،‬قالت وهى تشيح بوجهها عنى كي ل أرى ما ارتسم‬
‫عليه من علمات الغضب والدحزن‪.‬‬
‫‪ -‬لقد تركت العمل بالجامعة‪ ،‬ولكنى أواصل أبحاثاي‪.‬‬
‫ارتبكت لغضبها ولكنى أشفقت عليها من الحزن فسألتها‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا تركت الجامعة؟‪.‬‬
‫رمقتني بنظرة عتاب وقالت‪.‬‬
‫صحفي أو ضابط بالبوليس‪.‬‬
‫‪ -‬تريد معرفة كل شيء وكأنك ع‬
‫تلعثامت في الكلم ثام تماسكت وقلت‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬أبداا‪ ،‬فقط ارتحت للحديث معك وشعرت بالمان بعد الاضطراب والخوف الذي‬
‫عشته لشهور طويلة‪ ،‬فحرصت على الحديث معك لتقرب إليك وأتغلب على الشعور‬
‫المرير بالغربة‪ ،‬واعتقدت أنى دأسرى عنك حتى يعود سيلفيو‪.‬‬
‫‪ -‬حسن ا‪ ،‬يمكنني أن أتفهم ذلك‪ ،‬علي أية حال هو لن يأتي إل بعد عدة أيام‪ ،‬فلديه‬
‫أشغال كثايرة‪ ،‬بعدما ينتهي منها سيذهب لزوجته وأولده‪.‬‬
‫‪ -‬وأنت ألن تذهبي لزوجك وأولدك؟‪.‬‬
‫عال‪ ،‬فسعدت بذلك‪.‬‬
‫ضحكت بصوت ل‬
‫‪ -‬ل جديد‪ ،‬المصري هو المصري تحت أية ظروف وفى أي مكان‪ ،‬علبط‪.‬‬
‫قالت الكلمة الخيرة بلسان عربي لمكعسر فالتهب وجهي خجلا‪ ،‬أضافت‪.‬‬
‫‪ -‬أنا غير دمعتزوجة‪ ،‬هل هذا يريحك؟‪.‬‬
‫واصلت ضحكاتها ثام احتوتني بنظرة أنثاوية ماكرة وهى تقول‪.‬‬
‫‪ -‬أنا خبيرة بالمصريين‪ ،‬ما إن يتعرف المصري على امرأة أجنبية حتى ينحصر كل‬
‫تفكيره في كيفية استدراجها ليضاجعها‪ ،‬أليس هذا صحيحاا؟‪.‬‬
‫اكتفيت بالصمت وغض البصر وبابتسامة خجولة فقالت‪.‬‬
‫‪-‬ل تستبق الحداث‪ ،‬وعلى العموم أنت ضيفي الليلة‪ ،‬والن حاول أن ترتاح‪.‬‬
‫نهضت وأزاحت الستارة فظهر باب ففتحته وقالت هذه غرفة سيلفيو‪ ،‬يرتاح فيها‬
‫من عناء العمل‪ ،‬مفروشة جيدا وبها حمام رائع‪ ،‬ويوجد بالدولب ملبس كثايرة‪ ،‬ولكنى ل‬

‫‪200‬‬
‫أظن أنها ستنفعك فهي خاصة به‪ ،‬وأنت ترى كم هو ضخم‪ ،‬ولكنها يمكن أن تؤدى‬
‫الغرض مؤقت ا حتى نشترى ما تحتاجه‪.‬‬
‫نظرت لساعة يدها وأضافت‪.‬‬
‫‪ -‬هي الن العاشرة مساءاا‪ ،‬حاول أن تنام ولو لساعة‪ ،‬فانت بحاجة للراحة‪ ،‬وسوف أمر‬
‫عليك فى تمام الثاانية عشرة لنذهب لتناول العشاء بأحد مطاعم سيلفيو‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫لم ينفعني الحمام الدافئ فلم يغلمض لي جفن‪ ،‬تزاحمت برأسي أفكار عديدة‬
‫وأسئلة دمحيرة ‪ ،،،‬هل ما أعيشه حلم أم حقيقة؟ ‪ ،،،‬هل أنا دمسير؟ ‪ ،،،‬كيف نجوت من‬
‫الغرق لينقذني رجل عيععمل بتهريب وتجارة الثاار؟ ‪ ،،،‬كيف دبر القدر أن التقى بصابرينا‬
‫المجنونة بحضارة مصر والدمهعتمة بالديانات المصرية القديمة؟‪.‬‬
‫عشرات السئلة والجوبة‪ ،‬كانت تضطرني لستعيد بشيء من الجدية نبوءة‬
‫سماسم‪ ،‬وعلى الرغم من شعوري ببعض الطمأنينة لم أتمكن من النوم‪ ،‬كلما أغمضت‬
‫عيني أسمع صوت سماسم يدوى في الحجرة‪ ،‬يأتي من كل اتجاه‪.‬‬
‫نائم‪ ،‬فقدت قدرتي على التركيز والتفكير‬
‫لم أعد أعرف هل أنا أحلم مستيقظ ا أم ر‬
‫‪ ،،،‬آه‪ ،‬يا إلهي ‪ ،،،‬لم أتناول علج الدسعكر منذ أيام‪ ،‬ملني الخوف من الغيبوبة‬
‫السكرية‪ ،‬أخذت أعب الماء عب ا وأفرغه في نفس الوقت وكأني وصلة خرطوم ما بين‬
‫الصنبور وقاعدة الحمام‪.‬‬
‫عشممت رائحة الموت يحوم من حولي‪ ،‬يتحين الفرصة لينقض على‪ ،‬ملني‬
‫الخوف ولم أجد من يغيثاني‪ ،‬سخرت من سماسم ونبوءتها‪ ،‬وبصعوبة ارتديت ملبسي‬
‫وألقيت بجسمي علي السرير فهويت في غياهب دجب عميق‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫اندهشت لحالتي‪ ،‬استدعت الطبيب الذي اقترح نقلى للمستشفى‪ ،‬رفضت‬
‫صابرينا فقرر بروتوكولا للعلج وأحضر دمعملرضة لدتشلرف على لعلجي‪.‬‬
‫استعدت ععافيتي بعد ثالثاة أيام علم عتتدركني خللهما إل ناد ار‪ ،‬و ازرني سيلفيو وكان‬
‫بحق منزعج ا لتدهور صحتي وأوصى بي صابرينا التي لم تتراجع عن دعوتها لنتناول‬
‫العشاء سوياا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫مساء يوم الخميس التالي كنا نتناول العشاء بمطعم الطاهي المجنون وسط‬
‫مدينة نابولي‪ ،‬وعلى الععشاء سألتني‪.‬‬
‫‪ -‬هل فكرت فيما ستفعله في إيطاليا‪ ،‬وكيف ستقيم هنا بدون أوراق؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل أدرى ماذا سأفعل‪ ،‬ولكنى سأبحث عن المصريين هنا بنابولي ليساعدوني‪.‬‬
‫فقالت وهى تبتسم‪.‬‬
‫‪ -‬أرأيت كيف كان سيلفيو دمنزلعجا لمرضك؟‪.‬‬
‫‪ -‬نعم لحظت ذلك‪ ،‬إنه رجل طيب القلب‪.‬‬
‫عندما سمعت منى ذلك دوت ضحكاتها في المطعم ثام قالت‪.‬‬
‫‪ -‬أنت لم تفهم بعد‪ ،‬هذا رجل مقتنص للدفرص وليس في قلبه مكان للمشاعر‪ ،‬إنه دمعملثال‬
‫صدق أن هناك عشخص ا عغيري عيفهم في‬
‫بارع يستطيع أن يقنعك بما يريد‪ ،‬الحقيقة أنه ما ع‬
‫الثاار المصرية ويستطيع قراءة اللغة المصرية القديمة‪ ،‬وعندما يكون هذا الشخص‬
‫هاربا ومطاردا مثالك‪ ،‬فهو ديعملثال له فرصة ذهبية‪ ،‬أتوقع أنه سوف يساعدك حتى يمتلكك‬
‫تمام ا‪ ،‬انتظر وسترى‪ ،‬ل تخف منه‪ ،‬هو رجل عملي ويعتمد على تبادل المصالح في‬
‫علقته بالخرين‪ ،‬وأؤكد لك أنه سوف يتصرف لصالحه وصالحك‪.‬‬
‫‪ -‬لا يمكن أن أهددك في وظيفتك‪ ،‬هذا لن يحدث‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬ل‪ ،‬أنا ل أقصد ذلك‪ ،‬هو ل يمكنه الاستغناء عنى‪ ،‬ولكنى أتوقع أنه فقط ديريد‬
‫عرجلا عيعتلمد عليه في رحلت العبحر‪ ،‬أو لنجاز أعماله في مصر والشرق الوسط‪،‬‬
‫انتظر وسترى فهو ل يترك فرصة لتضيع من بين يديه‪.‬‬
‫أقلتني للمكتب ونبهت علي بعدم مغادرته حتى يحضر سيلفيو إلي بعد يومين‪،‬‬
‫فطلبت منها أن تبقى لنتحدث قليلا فما زلت أشعر بقلق واضطراب فقالت‪.‬‬
‫‪ -‬حسن ا‪ ،‬سأصعد معك‪ ،‬ولكن عليك أن تعلم أنى علست دمستعدة لقامة علقة‪.‬‬
‫لم أستطع إخفاء ملمح الخجل‪ ،‬والشعور بالخيبة‪ ،‬فأضافت وهى تتبعني‪.‬‬
‫‪ -‬احتمال بعدين‪.‬‬
‫بغموضها أيقظت هذه السيدة بداخلي الصحفي‪ ،‬سألتها‪.‬‬
‫تركت العمل بالجامعة؟‪.‬‬
‫ل‬ ‫لمـَ‬
‫‪ -‬ع‬
‫‪ -‬وفيعمـَ عيهمك ذلك؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬فقط اعتقدت أنه يمكن أن نكون أصدقاء‪.‬‬
‫‪ -‬حسن ا‪ ،‬سأخبرك ولو أنى مندهشة من إصرارك على معرفة كل شيء بهذه السرعة‪.‬‬
‫نظرت في وجهي وأضافت‪.‬‬
‫‪ -‬عند إعدادي لبعض البحاث اللزمة لترقيتي لوظيفة أستاذ بالجامعة‪ ،‬انقلبت الدنيا‬
‫من حولي رأس ا على عقب‪ ،‬وتعرضت لهجوم العديد من الساتذة اليهود بالجامعة‪ ،‬كما‬
‫شنت ضدي بعض الصحف حملت شرسة كانت نتيجتها أن الجامعة رأت أن دراساتي‬
‫ب لها مشاكل خطيرة‪ ،‬هي في غنى عنها‪ ،‬فرفضت أبحاثاي‪ ،‬تقدمت بالتماسات‬
‫جل د‬
‫ست ب‬
‫ع‬
‫وشكاوى عديدة‪ ،‬لم يساندني أحد‪ ،‬ل في الجامعة ول من خارجها‪ ،‬فالجميع هنا يخاف‬
‫من تهمة غامضة‪ ،‬معاداة السامية‪ ،‬لم أعد أحتمل الضغوط الشديدة التي تعرضت لها‪،‬‬
‫تقدمت باستقالتي للجامعة فقبلتها على الفور‪.‬‬
‫قلت في دهشة‪.‬‬
‫‪ -‬كنت أعتقد أن هذا ل يحددث إل في البلد المتخلفة‪.‬‬
‫‪ -‬تتباين دول العالم في الثاقافة‪ ،‬وفي مستوى التقدم والحضارة‪ ،‬ولكنها متشابهة في‬
‫ظلم والفععساد وفي سيطرة قلة على وعى وثاقافة المجتمع وتوجيه حركته في اتجاه‬
‫وجود ال د‬
‫عمصالحها‪.‬‬
‫‪ -‬وهل كانت أبحاثاك تهدد مصالحهم لتلك الدرجة؟‪.‬‬
‫‪ -‬مشكلة اليهود أنهم ينظرون لي شيء يمسهم أو قد ينال من تاريخهم أو ديانتهم‪ ،‬ولو‬
‫بشكل عارض‪ ،‬على أنه تهديد خطير فيحاربونه بل هوادة‪.‬‬
‫ضب اليهود من أبحاثاك‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا عأغ ع‬
‫‪ -‬هل أنت مطلع على تاريخ الديان؟‪.‬‬
‫قلت بثاقة واعتزاز‪.‬‬
‫‪ -‬أنا ضليع في تاريخ حضارات الشرق ومهتم بالديانات والساطير الشرقية‪.‬‬
‫عندما سمعت ذلك قامت وقبلتني ثام أضافت‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو أن سيلفيو ليس وحده عمن سيتمسك بك‪ ،‬يبدو أنى سأحتاج إليك في إتمام بعض‬
‫أبحاثاي التي لم تكتمل بعد‪.‬‬
‫ابتسمت وهى تشير نحوى وقالت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬وأيضا وجودك معه سيمنحني الوقت الذي أحتاج إليه‪.‬‬
‫‪ -‬لم أعرف بعد سبب غضبهم من أبحاثاك؟‪.‬‬
‫راحت تتحرك في المكان بتوتر واضح ثام قالت‪.‬‬
‫‪ -‬أبحاثاي تؤسس لنظرية تقول أن‪ ،‬ديانة العبرانيين هي في حقيقتها عقيدة آتون‬
‫المصرية‪ ،‬وأن اليهود استنسخوا شريعة إخناتون وادعوا أن موسى تسلمها باليد من الله‬
‫يهوه علي الجبل بسيناء‪.‬‬
‫تأت بجديد‪ ،‬فالكثاير من المفكرين بحثاوا في هذه المور بعمق‪ ،‬منهم عالم النفس‬
‫‪ -‬لم ل‬
‫جيمس فرويد الذي أشار إلى أن موسي هو في حقيقته أمير مصري‪ ،‬والعالم ايمانويل‬
‫فليكوفسكي الذي أشار للتطابق المذهل بين قصة إخناتون وموسى وأوديب‪ ،‬وأخطرهم‬
‫الباحث المصري سيد القمني الذي حاول إثابات أن إخناتون هو موسى التوراتي نفسه‪.‬‬
‫كانت تستمع إلي بشغف فانتهزت الفرصة لاستعراض دقدراتي المعرفية‪ ،‬فقد‬
‫قررت أن أعمق لديها الشعور بأهميتي وبالحاجة إلي‪ ،‬عندما انتهيت صاحت‪.‬‬
‫صدفة!‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪ -‬رائع‪ ،‬شيء ل يصدق‪ ،‬معقول أن يكون لقاؤنا‬
‫أنارت وجهها الجميل ابتسامة رائعة ثام قالت‪.‬‬
‫‪ -‬عذهبت عدة مرات لخرائب تل العمارنة ولمنطقتى صان الحجر وتل المسخوطة‪،‬‬
‫لتتبع تاريخ الهكسوس إبان فترة احتللهم لمصر‪ ،‬فكانت هناك مسألة تحيرني‪ ،‬لماذا لم‬
‫عيخرج اليهود مع الهكسوس عندما طردوا من مصر؟‪ ،‬وهل مكثاوا بمصر بإرادتهم أم أن‬
‫المصريين هم من استبقوهم ليستعبدوهم؟‪ ،‬ولماذا العبرانيين بالذات دون بقية قبائل‬
‫الرعاة التي تحالفت لاحتلل مصر؟‪.‬‬
‫قبل أن أستجمع أفكاري لجيبها‪ ،‬أضافت‪.‬‬
‫‪ -‬هناك أيض ا سؤال لم أجد له إجابة‪ ،‬كيف اختفي الهكسوس من التاريخ بعد خروجهم‬
‫من مصر؟‪ ،‬أفهم أن ينتهوا سياسي ا لكن أن ينعدم ذكرهم في التاريخ بمجرد خروجهم من‬
‫مصر‪ ،‬هذا ما ل أستوعبه!‪.‬‬
‫أشرت عليها بمراجعة كتاب النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة لسيد القمني‬
‫وكتاب مقدمة في فقه اللغة للعلمة لويس عوض وكتابات المفكر السوري فراس‬

‫‪200‬‬
‫السواح‪ ،‬فاقترحت أن أشرح لها أفكارهم‪ ،‬فأبديت استعدادي لكل ما تطلبه مني‪ ،‬ثام طلبت‬
‫منها أن تطلعني علي بعض دراساتها‪ ،‬فقالت‪.‬‬
‫‪ -‬ل تستبق الحداث‪ ،‬اترك كل شيء لوقته‪ ،‬صمتت لبرهة من الوقت ثام سألتني‪.‬‬
‫‪ -‬مرة دأخرى أسألك‪ ،‬هل أنت دمعتدين؟‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬أنا مسلم‪.‬‬
‫‪ -‬أعرف أنك مسلم‪ ،‬لكنى أسأل‪ ،‬هل أنت متدين؟‪.‬‬
‫‪ -‬إلى حلد ما‪.‬‬
‫ابتسمت وقالت بدلل دمبلهج‪.‬‬
‫‪ -‬إذن هناك احتمال أن نختلف سوياا‪.‬‬
‫لم تترك لي الفرصة لستوضح منها المر‪ ،‬ذهبت ولم نتقابل مرة أخرى إل بعد‬
‫حوالي العام‪ ،‬ولم أعلم عنها شيئ ا بالرغم من سعيي لذلك بدأب‪ ،‬وبعدما تعمقت علقتي‬
‫بسيلفيو وأصبحنا شركاء وتقريبا أصدقاء‪ ،‬لم أستطع الحصول منه على أية معلومة‬
‫عنها‪ ،‬كلما سألته عنها كان يكتفي بأن يقول‪.‬‬
‫‪ -‬ستتصل بك عندما تحتاج إليك‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫شعرت بفراغ هائل بعد اختفاء صابرينا‪ ،‬وكمحاولة للتخلص من الشعور المرير‬
‫بالغربة والوحدة تعلقت بسيلفيو وكأني غريق يتعلق بقشة‪ ،‬عشععر هو بذلك ويبدو أن هذا‬
‫أسعده‪ ،‬فبعد عدة أيام من دكموني بمكتبه‪ ،‬حضر ليفتح معي حوارا عن أحوالي بمصر‪،‬‬
‫ولم تكن مفاجأة أنه أعاد على ذات السئلة التي طرحها على من قبل‪ ،‬وبالطبع أجبته‬
‫بشكل دمنظم كما فعلت على العيخت‪ ،‬وحدث أن سألني كيف أنى لم أستغل خبرتي هذه‬
‫في الاتجار بالثاار لأحقق ثاروة خيالية‪ ،‬وضحك حين تذكر أني أخبرته من قبل بأن‬
‫الفرصة الوحيدة التي أتيحت لي خرجت منها بخسارة ضخمة‪ ،‬استمر الحوار الضاحك‬
‫بيننا‪ ،‬شعرت بألفة ومشاعر قوية تجاهه وفجأة تغيرت نبرات صوته وملمح وجهه وقال‬
‫لي‪.‬‬
‫‪ -‬أوليس مثاي ار للدهشة والتساؤل ما نحن فيه الن‪ ،‬أنا أعمل بتهريب الثاار من مصر‪،‬‬
‫ثام أكون في مهمة بالبحر وصدفةا أنقذ غريقا يكون هو أيضا له كل تلك الخبرة بالثاار؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ادعيت بأنني لم أعرف أنه يتاجر بالثاار إل الن‪ ،‬فأنكر علي ذلك وقال إن‬
‫صابرينا قد أخبرتني ثام قال بحدة لم أتوقعها‪.‬‬
‫‪ -‬أنت ظهرت وقت أن كنت أنا في أشد الحاجة لمن هو في خبرتك‪ ،‬فتخلي عني‬
‫ل‪ ،‬ولكن الن أريد أن أعرف اسمك الحقيقي‪ ،‬وطبيعة عملك بمصر‪.‬‬
‫حذري قلي ا‬
‫اصطنعت الغضب الحزين وقلت له‪.‬‬
‫‪ -‬أنا عملدينر لك بحياتي فلماذا أكذب عليك‪ ،‬كما أنى بحاجة إلى مساعدتك وأسعى بكل‬
‫جهدي لكسب ثاقتك‪ ،‬يبدو أني لم أوفق في ذلك للسف‪.‬‬
‫‪ -‬لو كنت صادق ا فيما أخبرتني به فهذا سيكون في مصلحتك ومصلحتي‪ ،‬قلت إن‬
‫اسمك محمد يوسف ولكنك لم تقل لي من أي مدينة بمصر؟‪.‬‬
‫بدا لي أنه سوف يتحري عنى‪ ،‬أخبرته بأني من مدينة المنصورة وإقامتي‬
‫بالقاهرة‪ ،‬أخبرني بأنه يعرف المنصورة حين كان يعمل ملحق ا ثاقافي ا بالسفارة اليطالية‬
‫بمصر في التسعينيات‪ ،‬وكأني أتحداه قلت له‪.‬‬
‫‪ -‬من المؤكد أن لك اتصالت بمصر ويمكنك أن تستعلم عنى إن كنت تهتم لأمري‪.‬‬
‫راح ينظر للسقف‪ ،‬على طريقة المحققين بالمخابرات وأمن الدولة‪ ،‬ثام ألقى علي‬
‫بقنبلة حين التفت نحوى في حركة سينمائية وقال‪.‬‬
‫‪ -‬أتعرف الدكتور إبراهيم سالم‪ ،‬هو يعمل بالنتيكة المقلدة وأحيان ا بالصلية؟‪.‬‬
‫سيطرت بسرعة علي أعصابي وعلى طريقة نطقي للكلمات‪ ،‬قلت له‪.‬‬
‫‪ -‬في الحقيقة أنا سمعت عن هذا الرجل ولكنى ل أعرفه شخصيا‪.‬‬
‫حرك رأسه مستغرب ا المر‪ ،‬فقلت له‪.‬‬
‫‪ -‬أنا أعرف با ازره الشهير بخان الخليلي وأعرف العديد من العاملين به ولكنى لم أتقابل‬
‫معه أبداا‪.‬‬
‫‪ -‬لقد قتل هذا الرجل في مايو الماضي وقد غطت وسائل العلم الحادث بكثاافة‪.‬‬
‫‪ -‬هربت إلى ليبيا قبل هذا التاريخ‪ ،‬واختبأت بواحة الكفرة لعدة أشهر قبل إبحارنا إلى‬
‫إيطاليا‪.‬‬
‫يبدو أنه أقتنع بكلمي‪ ،‬انبسطت أساريره وراح ينظر للسقف مرة أخري وكما‬
‫توقعت‪ ،‬ألقمني مفاجأة أخرى حين قال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬حسناا‪ ،‬أنت من المنصورة‪ ،‬فلبد وأنك عتعلرف مصطفى النجار‪.‬‬
‫أجبته ببساطة وتلقائية‪.‬‬
‫‪ -‬طبعاا‪ ،‬أعرفه فهو عضو بارز بالحزب الحاكم‪ ،‬وأعرف أنه لص وفاسد‪.‬‬
‫ضحك كالطفل الصغير وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬تعاملت معه مرة في صفقة آثاار‪ ،‬بالفعل هو للص ولكنه ذكي جداا‪.‬‬
‫أبديت دهشتي بأن النجار‪ ،‬رجل السياسة‪ ،‬يتاجر بالثاار‪ ،‬فقال إدن العديد من‬
‫رجال العمال والسياسة بمصر كونوا ثاروات طائلة من الاتجار بالثاار‪ ،‬أبديت‬
‫استنكاري لتدمير تاريخ مصر‪ ،‬نظر إلي في دهشة وقال‪.‬‬
‫‪ -‬عندما عتخدرج من مصر قطعة آثاار مهملة‪ ،‬فيحتفي بها العالم‪ ،‬أيكون هذا تدميرا؟!‬
‫الثاار الفرعونية في نظر الكثاير منكم أصنام‪ ،‬أليس كذلك؟‪ ،‬ويتعامل آخرون مع كنوز‪،‬‬
‫ل تقدر بثامن‪ ،‬علي أنها حجارة‪ ،‬أليس هذا صحيح ا ؟‪ ،‬أي تدمير هذا؟‪.‬‬
‫لم يكن في صالحي مجادلته‪ ،‬خاصة وأنا أسعي لتطوير علقتي به‪ ،‬تراجعت‬
‫ل‪.‬‬
‫عن موقفي قائ ا‬
‫‪ -‬أتفق معك تمام ا فيما قلته‪ ،‬ول أخفيك س ار أن هناك بمصر من يرى أنه من الفضل‬
‫للثاار الفرعونية أن تكون في حوزة من يهتم بها‪.‬‬
‫فجأة غير مجري الحديث وطلب مني أن أحكي مرة أخري تفاصيل رحلة هروبي‬
‫من مصر وتفاصيل إقامتي في ليبيا‪.‬‬
‫كنت أتابع ملمح وجهه وهو يستمع إلى باهتمام شديد‪ ،‬فتأكدت مما توقعته بعد‬
‫حواري مع صابرينا‪ ،‬سوف يساعدني ليستخدمني في تهريب الثاار من مصر‪ ،‬وبالفعل‬
‫قال‪.‬‬
‫‪ -‬يمكننا أن نستخرج لك أوراق ا رسمية‪ ،‬وسليمة‪ ،‬من القنصلية السورية هنا بنابولي‪،‬‬
‫أوراق ا تثابت أنك مواطن سوري ويقيم بإيطاليا بشكل شرعي‪ ،‬صباح الغد سأرسل إليك‬
‫من يلتقط لك عددا من الصور الشخصية‪.‬‬
‫ثام ضحك وهو يضيف‪.‬‬
‫‪ -‬ستكون محمد يوسف السوري‪.‬‬
‫قمت من مكاني لقبله شاك ار فدفعني عنه برفق وقال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬عزيزي محمد‪ ،‬هذا عمل بيننا‪ ،‬وليس هناك مجال للشكر في العمل‪ ،‬أتفهمني؟‪.‬‬
‫سألني وهو يهم بالخروج‪.‬‬
‫‪ -‬كم تملك من المال؟‪.‬‬
‫‪ -‬خمسة ملايين من الدولرات‪.‬‬
‫وعدني بنسبة في ملكية المصنع ولحين تحقيق ذلك عهد إلي بوظيفة مراجع‬
‫لحسابات المصنع‪ ،‬كما وعدني بامتلك منزلي الخاص قريباا‪.‬‬
‫تبعته للباب فقال دون أن يلتفت إلي‪.‬‬
‫‪ -‬محمد لو أنك أطعتني ستجني أضعاف ما تملكه في فترة قصيرة‪.‬‬
‫‪ -‬أتمنى هذا حتى أسدد ديوني وأعود لبلدي‪.‬‬
‫توقف حتى أصبحت بجواره وقال‪.‬‬
‫‪ -‬ل ‪ ..‬ل‪ ..‬عليك أن دتعيد التفكير في خططك للمستقبل‪ ،‬فقد تتفتح أمامك فرص‬
‫وآفاق ل تخطر لك الن على بال‪.‬‬
‫قلت له ببساطة وتلقائية‪.‬‬
‫‪ -‬أنا عملدين لك بحياتي وأتمنى أن أكون عند حسن ظنك‪.‬‬
‫‪ -‬سوف نرى عزيزي محمد ‪ ،،‬سوف نرى‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫بت أسي ار للخوف والقلق‪ ،‬أخذت أطرافي ترتعش وجسمي كله ينتفض مع‬
‫ضربات قلبي التي كانت تدوي في رأسي‪ ،‬لماذا سألني عن إبراهيم سالم ومصطفى‬
‫النجار؟‪ .‬هل يبعث بمن يلتقط لي صو ار ليستعلم عني؟‪ ،‬عكدبعر بداخلي الشك‪ ،‬تشتتت‬
‫أفكاري وضربي صداع هائل لم أندج منه إل حين قمعه سلطان النوم‪.‬‬
‫جاء من صورني وذهب‪ ،‬مرت الساعات واليام ثاقيلة كئيبة وكان القلق والتوتر‬
‫يأكلن ويشربان من أعصابي التي احترقت إل قليلا‪.‬‬
‫بعد ثالثاة أيام‪ ،‬وعلى غير ما توقعت‪ ،‬دخل على سيلفيو المكتب متهللا وجهه‪،‬‬
‫تلقيته بمشاعر محايدة ما بين المل واليأس‪ ،‬كنت أتععحعرك وأتععكعلم كالرجل اللي‪ ،‬بالفعل‬
‫لم أكن أشعر بأطرافي أو أستطيع التحكم فيها‪ ،‬لحظ هو ذلك فسألني‪.‬‬
‫‪ -‬هل أنت خائف؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫لم أرد‪ ،‬ابتسم ومد يده إلى بالوراق وجواز السفر‪ ،‬وكأني عتحولت لشخص آخر‬
‫ل أعرفه‪ ،‬نسيت خوفي ويأسى وامتلت بالمل والفرح ورحت أتصفح الوراق وجواز‬
‫السفر‪ ،‬كانت أوراق ا رسمية سليمة‪ ،‬صادرة من القنصلية السورية بنابولي تؤكد أنى محمد‬
‫يوسف السواح‪ ،‬رجل العمال السوري والمولود في قضاء حلب بسوريا في الثاالث من‬
‫أغسطس لسنة ‪1955‬م‪.‬‬
‫هدأت أعصابي كثاي ار وشعرت بأن الرحلة قد بدأت للتو‪ ،‬وسمعت كلمات سماسم‬
‫تدوي في رأسي‪ ،‬شكرته كثاي ار ثام قلت له‪.‬‬
‫‪ -‬أبدو في الصور أكبر من عمري الحقيقي بعشر سنوات‪.‬‬
‫ابتسم الرجل وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬تلك لمحمد يوسف البالغ من الدعمر خمسين عام ا كما هو مثابت في الوراق‪ ،‬تعمدنا‬
‫ذلك لسباب ستعرفها في الوقت المناسب‪.‬‬
‫ابتسم في حنان وناولني كتابا ضخما وقال‪.‬‬
‫‪ -‬أدريد لمنك دمراجعة هذا القاموس اللماني‪ ،‬إنه أهم مرجع في العالم يشرح ويفصل‬
‫حروف ا وكلماتل لطلغة المصرية القديمة ويبين معانيها‪ ،‬كما يسرد تاريخ السرات بشكل‬
‫صل‪ ،‬بالكلمات وبالتصوير‪.‬‬
‫دمفع ع‬
‫‪ -‬أل تصدق أنى خبير باللغة المصرية القديمة وبالتاريخ الفرعوني؟!‬
‫‪ -‬أصدق ولكني أحتاج لأن دتثاقل لمعرفتك في هذا المجال‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫عملت بهمة وعنشاط لشهور بلقسم الحسابات بالمصنع‪ ،‬بعد انتهاء الععمل كنت أذهب‬
‫للمكتب لنكب على قاموس سيلفيو‪ ،‬كان الكتاب رائعا ومثاي ار ولكني لم أكتف به‪ ،‬رحت‬
‫أدعنلقب في المكتبات عن أي كتاب ذي صلة بالموضوع‪ ،‬ثالثاة آلف دولر أنفقتها علي‬
‫الكتب‪.‬‬
‫كان مندهشا لحماسي في العمل والقراءة‪ ،‬ومن إسرافي في شراء الكتب فقال‪.‬‬
‫‪ -‬ديعجبني حماسك للعمل‪ ،‬ولكن أن تنفق كل هذا المبلغ ثامن ا لكتب حول الحضارة‬
‫المصرية القديمة‪ ،‬فيقيني أنك مجنون بها كصابرينا‪.‬‬
‫سألته عنها فكرر على مسامعي‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬عندما تحتاج إليك سوف تتصل بك‪.‬‬
‫ولكنه أضاف هذه المرة‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن بنشاطك هذا‪ ،‬أعتقد أنها سوف تحتاج إليك قريباا‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫مع حماسه في الاطلع وجمع المعلومات وشعوره بالثاقة في النجاح فيما يتوقعه‬
‫من مهام سيكلفه بها سيلفيو‪ ،‬لم يستطع محمد يوسف التخلص من الشعور الكريه‬
‫بالغربة‪ ،‬وبالوحدة الخانقة التي أخذت تلفه لفاا‪.‬‬
‫راح يتعرف علي بعض الشخاص‪ ،‬وكان إن شعر ببوادر صداقة ولو طفيفة‬
‫يتمسك بها وينفخ فيها لتكبر بداخله‪ ،‬حتى ل تترك فيه مساحة تكفى الشعور بالغربة‬
‫ليعمل على إيلمه‪ ،‬وكانت أهم شخصية تعرف عليها في تلك الفترة‪ ،‬واستمرت‬
‫علقتهما طويلا‪ ،‬هي روبرتا‪ ،‬فتاة إيطالية منطلقة في الحياة‪ ،‬جميلة ورقيقة‪ ،‬ذكية‬
‫وتعشق الحرية والاستمتاع بالحياة‪.‬‬
‫كان كلما شعر بالوحدة تخنقه لعذ بروبرتا فتغيثاه بعدة أيام مشبعة لكل رغباته‬
‫واحتياجاته‪ ،‬فيعود بعدها لحماسه الول نحو العمل والتهام الدكتب‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫في يوليو من العام ‪2006‬م‪ .‬طلب منى سيلفيو الاستعداد للسفر لسويس ار لمراجعة‬
‫الحسابات الخاصة بفندق اللب هوتيل بجينيف وعتحويل الرباح على حسابه بالفرع‬
‫الرئيسي لبنك كارتيل بروما‪ ،‬وبالفعل أنجزت المهمة باقتدار في غضون أسبوعين‪ ،‬وقد‬
‫تمكنت من تحويل مبلغ عشرة مليين دولر لصالح أسرة إبراهيم سالم بكندا وحولت‬
‫لحساب سيلفيو ببنك كارتيل بروما مبلغ خمسة مليين دولر‪ ،‬من فلوس إبراهيم سالم‪،‬‬
‫وحولت بقية المال إلي حسابي ببنك آخر بجينيف‪.‬‬
‫استقبلني سيلفيو بارتياح وأخبرني أنه قد دبر هذه الرحلة ليري كيف سأتصرف‬
‫في أموالي‪ ،‬وأثاني علي قدراتي وقرر مكافأتي فقال‪.‬‬
‫‪ -‬أنت الن صديقي وشريكي‪.‬‬
‫ثام ابتسم وسألني بلهفة‪.‬‬
‫‪ -‬أخبار المذاكرة إيه؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬أية دمذاكرة سيلفيو؟‪.‬‬
‫طعنعة‪.‬‬
‫فقال بدهشة دمص ع‬
‫‪ -‬مذاكرة الفراعين حبيبي‪.‬‬
‫‪ -‬اطمأن سيلفيو‪ ،‬أعتقد أنى سأنجح بامتياز‪.‬‬
‫بدت عليه السعادة وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬تحويلك لموالك إلى حسابي تصرف ذكى‪ ،‬ودليل واضح على ثاقتك بى وهذا أسعدني‬
‫كثاي ارا‪ ،‬أنا أيضا أثاق بك‪.‬‬
‫قال ذلك ثام تحولت ملمحه وقال بجدية‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعيد على مسامعي بالتفصيل كيف خرجت من مصر إلى ليبيا‪ ،‬وكيف خرجت‬
‫من ليبيا إلى عرض البحر؟‪.‬‬
‫كما فى المرات السابقة‪ ،‬استمع إلي باهتمام شديد‪ ،‬واستفسر عن التفاصيل‬
‫الصغيرة‪ ،‬حتى إنه طلب منى إعادة ما قلته عدة مرات‪.‬‬
‫لم يفاتحني في المر مرة أخرى‪ ،‬ولعدة أسابيع كانت مقابلتنا وحواراتنا عتنصب‬
‫فقط حول العمل بالمصنع والشراكة بيننا‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫أبدت سهير شيئ ا من الضجر بسبب طريقة سرد زوجها‪ ،‬لما مر به من أحداث‪،‬‬
‫واعتراضا علي إغراقها في التفاصيل نظرت في عينيه بقوة وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬لم أعرف حتى الن طبيعة ما يعترضك من مشاكل تمنعك من العودة لسرتك‬
‫ولحياتك التي دمرتها‪.‬‬
‫ثام أجهشت في البكاء وقالت بصعوبة‪.‬‬
‫‪ -‬ل أحد يسأل عنا‪ ،‬نعيش كالغرباء‪.‬‬
‫‪ -‬أهذا معقول؟!‪.‬‬
‫‪ -‬هل أنت متصور أن الناس سوف تهب لمؤازرة أسرتك؟‪ ،‬حياتك كلها كانت مشاكل‬
‫ودائم ا كنت عمشغول ا بما في رأسك‪ ،‬لم يكن لديك اعتبار لصداقة أو لقرابة‪ ،‬عشت معك‬
‫سنوات طويلة ل أتذكر أن قام أحد بزيارتنا أو قمنا بزيارته‪ ،‬عزلتنا عن الناس فتجنبونا‪،‬‬

‫‪200‬‬
‫لم يكن لك صديق إل إبراهيم سالم‪ ،‬دكنت عأخاف من تلك الصداقة ول أصدقها‪ ،‬وها هي‬
‫اليام تثابت أنى كنت على حق‪ ،‬هو قدلتل وأنت دمطارد!‪.‬‬
‫‪ -‬المرحوم إبراهيم افتداني بحياته‪ ،‬إنه صديق عمري‪.‬‬
‫‪ -‬أية صداقة ولم يكن بينكما ثاقة‪ ،‬لقد وصل الخلف بينكما لحد القطيعة والعداء عدة‬
‫مرات‪ ،‬أنت بنفسك أفضيت إلي بأنك ضقت بتصرفاته معك وبأنك لم تعد تثاق به‪ ،‬وقلت‬
‫إنه يخافك ويتهرب منك ونعتك بالشخص الزئبقي الذي ل يفهمه أحد أو يتوقع رد فعله‪،‬‬
‫أنسيت؟‪.‬‬
‫‪ -‬هذا رأيك أنت في دائماا‪ ،‬وقلت لك من قبل‪ ،‬بأني لست بزئبقي بل أتصرف علي‬
‫طبيعتي ودون تكلف‪ ،‬وعلي من يريد التعامل معي أن يتقبلني على حالي‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا يجبر الناس من حولك على ذلك؟ ما هي استفادتهم من تعاملهم معك؟ كنت‬
‫طوبعتك‪.‬‬
‫تضيق بأهلي ول تسأل عن أشقائك بالشهور‪ ،‬حتي ألقي الناس د‬
‫أطرق ينظر للرض في خجل‪ ،‬وفى محاولة لمتصاص غضبها قال بصوت‬
‫متهدج‪.‬‬
‫‪ -‬لم أكن أنتظر منك أن تجلديني بتلك القسوة‪ ،‬تعرفين بأن كل ما حدث فدلر ع‬
‫ض على‪.‬‬
‫‪ -‬بعد سنوات‪ ،‬عيعلم ال كيف مرت بنا‪ ،‬راجع وتريد من الجميع أن يتحملك ويغفر لك‬
‫أخطاءك وأنت لم تغفر لحد أخطأ بحقك ولو بدون قصد‪ ،‬أنسيت أن حياتك كانت‬
‫محصورة بين شغلك في الهرام وبين المحالكم‪ ،‬عداواتك مع الجميع كانت حديث‬
‫الجميع‪ ،‬كنت ترى نفسك الوطني الوحيد والشريف الوحيد في البلد كلها؟!‬
‫اعتدلت وقالت في حزم‪.‬‬
‫‪ -‬إما أن تجد حلا لما أنت فيه وتعود لترعي مصالح نهاد ويوسف وتعمل لمستقبلهما‬
‫إواما أن تعود من حيث أتيت‪ ،‬يمكننا أن نكمل حياتنا بدونك‪.‬‬
‫أبدي ندمه الشديد وقال‪.‬‬
‫‪ -‬عندك حق‪ ،‬لقد أتعبتكم كثاي ارا‪ ،‬لكنى عتلعبت اأيضاا‪ ،‬وأنا لم أختر ما حدث‪.‬‬
‫‪ -‬أنا غير مقتنعة بأنه لم يكن أمامك طريق غير الذي مضيت فيه‪ ،‬ثام إن الوضاع في‬
‫مصر تغيرت فلماذا ل تعود وتواجه من تسببوا في هروبك من مصر‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ما زالت هناك مشاكل خطيرة تواجهني‪ ،‬بمجرد أن أنتهي منها سأعيش بقية حياتي‬
‫من أجلكم‪ ،‬وأعدك بأن نعيش سعداء‪ ،‬أنا الن رجل غنى جداا‪.‬‬
‫‪ -‬يا رضا لو خيرت أي ولد‪ ،‬أو بنت‪ ،‬بين أبيه وبين كنوز الدنيا لختار أباه‪.‬‬
‫‪ -‬الولدان أصبحا في سن الشباب‪ ،‬والمال سوف يسعدهما ويعوضهما عما فات‪.‬‬
‫‪ -‬سوف نري‪ ،‬لم تسألني عن أحد من أهلك أو من أهلي‪ ،‬إيه نسيت الناس؟‪.‬‬
‫‪ -‬كنت أتتبع أخبارهم والحمد ل جميعهم بخير‪.‬‬
‫‪ -‬الجميع بخير! هل قلت لي البقية في حياتك في أمي؟ ماتت من ثالث سنوات‪.‬‬
‫‪ -‬عرفت بموتها في حينه‪ ،‬البقية في حياتك‪ ،‬يبدو أني قدرت الموقف خطأ‪ ،‬قلت لنفسي‬
‫ل داعي لن تقلب عليها المواجع بعد كل هذا الوقت‪.‬‬
‫‪ -‬ولكنها أمي وأنت زوجي‪.‬‬
‫‪ -‬أنا آسف‪ ،‬أرجوك يا سهير‪ ،‬أنا ل أطلب منك أن تغفري لي أخطائي أو أن تتجاوزي‬
‫عن تقصيري في حقكم‪ ،‬ولكنى أطلب منك أن تستمعي جيدا لما أقوله‪ ،‬أحتاج لن‬
‫تسمعيني جيداا‪.‬‬
‫‪ -‬ل أفهم حتى الن هدفك من أن دتسمعني كل تفاصيل حكايتك‪.‬‬
‫‪ -‬عندما أنتهي من كلمي سوف تعرفين لماذا جئت قبل أن أنهي كل مشاكلي‪.‬‬
‫قال ذلك وغرق في حزن عميق وبدأ يتلعثام في الكلم‪ ،‬ثام أجهش في بكاء مرير‬
‫لفت انتباه المحيطين‪ ،‬ارتبكت سهير وترجته أن يتماسك فقال بصعوبة‪.‬‬
‫‪ -‬في الحقيقة أنا بحاجة لمساعدتك‪ ،‬ل أثاق في الدنيا إل بك‪.‬‬
‫‪ -‬تحتاج لمساعدتي أنا؟‪ ،‬كيف؟‪.‬‬
‫‪ -‬سوف أخبرك كيف‪.‬‬
‫‪ -‬أشعر بأني أختنق بسبب النلعقاب‪ ،‬أرجوك خلصني بسرعة‪.‬‬
‫شعر بتراجعها عن جلده فقال‪.‬‬
‫‪ -‬تعرفين عشقي لدلع الستات في النقاب‪ ،‬وأنت مثايرة جدا به‪.‬‬
‫فقالت في دلل‪.‬‬
‫‪ -‬زي ما أنت لم تتغير!‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫في شهر مايو ‪2007‬م‪ .‬تواعد سيلفيو مع محمد يوسف علي لقاء خاص بينهما‬
‫ل‪.‬‬
‫بمنزل الخير الذي انتظر هذا اللقاء طوي ا‬
‫حضر سيلفيو مبك ار عن الموعد‪ ،‬رحب به محمد يوسف في لهفة ولفت انتباه‬
‫الضيف فخامة مأدبة العشاء فابتسم وقال‪.‬‬
‫‪ -‬محمد حبيبي‪ ،‬أنا صديقك سيلفيو وجئت من أجل العمل‪ ،‬أحسبتني روبرتا؟‪.‬‬
‫قال ذلك وانطلق لدقائق في ضحك مبالغ فيه أيضاا‪ ،‬ما إن ينتهي حتى ينظر‬
‫إلى محمد يوسف في دهشة ويشير إليه مقوسا جسمه الضخم للخلف فيتكور كرشه‬
‫للمام ويقول بصعوبة ررووبررتتت‪ ،‬ثام ينفجر ضاحك ا غير قادر على نطق بقية‬
‫الحروف‪.‬‬
‫‪ -‬أنت صديقي العزيز‪ ،‬وأنا أحتفل بك‪.‬‬
‫‪ -‬وأنا سعيد بك‪ ،‬ولكنى أحسد روبرتا‪.‬‬
‫استمر في الضحك فابتسم محمد يوسف خجلا وتركه على راحته‪.‬‬
‫علي العشاء لم يتوقف عن الضحك حتى بح صوته ودمعت عيناه وكان محمد‬
‫يوسف يبتسم ويتحداه بنظراته المندهشة‪ ،‬وقبل أن ينتهيا من تناول الطعام قال سيلفيو‪.‬‬
‫‪ -‬فهمت أنك علي علقة طيبة مع الجماعة‪ ،‬على جانبي الحدود المصرية الليبية‪.‬‬
‫التقط محمد يوسف طرف الخيط وقرر أن يجذبه لنهايته التي كان يتوقعها فقال‪.‬‬
‫‪ -‬هذا صحيح‪ ،‬لكن ل تنسع أن البدوي ل يصادق غريبا إل لمصلحة‪ ،‬والمال كان هو‬
‫العامل الحاسم في علقتي بهم‪.‬‬
‫‪ -‬لكنهم كانوا صادقين معك ولم يتدخلوا فيما ل يعنيهم وهذا مهم جداا‪.‬‬
‫شعر محمد يوسف بالخيط قد التف تماما حول إصبعه فسأله‪.‬‬
‫‪ -‬ل أفهم قصدك‪.‬‬
‫صارحه سيلفيو بأنه قرر تهريب بعض الثاار الفرعونية عن طريق ليبيا‪ ،‬وطلب‬
‫منه تعزيز علقته بسالم وذكريا‪ ،‬وراح يشرح الخطة التي أعدها لذلك فقال‪.‬‬
‫‪ -‬عليك الستعداد للعودة إلي ليبيا في أغسطس القادم‪ ،‬لكن هذه المرة كرجل أعمال‬
‫ايطالي‪ ،‬يسعى للبحث عن وكلء لمنتجنا من الهواتف النقالة‪ ،‬وأيض ا عليك تأسيس عدة‬
‫فروع هناك لشركة السياحة‪ ،‬على أن يكون ذلك بأماكن قريبة من صديقيك حتى يسهل‬

‫‪200‬‬
‫عليك إشراكهما في العمل‪ ،‬وعليك أن تغدق عليهما بالموال والهدايا‪ ،‬باختصار يجب‬
‫أن يكون شغلك الشاغل خلل الفترة القادمة هو توثايق علقتك بهما‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫وصلت ليبيا‪ ،‬وذهبت من فوري لمدينة البيضا‪ ،‬اتصلت هاتفيا بسالم الذي لم يصدق‬
‫أذنيه‪.‬‬
‫‪ -‬قال من يتكلم؟‪.‬‬
‫‪ -‬ألو‪ ،‬أنا محمد يا أخ سالم‪.‬‬
‫‪ -‬محمد عمن؟‪.‬‬
‫‪ -‬أنا محمد يوسف يا أخ سالم‪ ،‬أل تذكرني‪ ،‬مصر‪ ،‬زكريا‪ ،‬المركب‪ ،‬إيطاليا‪ ،‬هل‬
‫تذكرت؟‪.‬‬
‫‪ -‬معقول‪ ،‬كيف نجوت يا أستاذ؟‪.‬‬
‫‪ -‬هذه قصة طويلة سأحكيها لك‪ ،‬أنا هنا في ليبيا‪ ،‬بمدينة البيضا‪.‬‬
‫‪ -‬هذا خبر سعيد‪ ،‬وال اتشوقنا لك‪ ،‬مسافة الطريق وأكون عندك‪.‬‬
‫كانت السعادة والفرح باديين على وجه سالم الذي بادرني بالحضان‪ ،‬فارتحت‬
‫لمكانتي لديه‪ ،‬اندهشت من أنه لم يتردد فى التعرف علي بعد تغيير شكلي‪ ،‬سألته فقال‬
‫يمكن أن يكون شكلك الحقيقي هو ما أنت عليه الن‪ ،‬قلت لك من قبل أن المهاجر وهو‬
‫مقيم لدينا‪ ،‬هارب وخائف‪ ،‬تختفي ملمحه الحقيقية بسبب ما يلقيه من معاناه شديدة‪،‬‬
‫وأضاف أيضا بأنني بأي صورة سأكون محمد يوسف‪ ،‬نفس الشخص بنفس الروح‬
‫والصوت‪ ،‬ومع وجاهة ما قاله إل إنني قررت التزام الحذر‪.‬‬
‫علي مأدبة الغذاء باستراحته رويت له كيف نجوت ودخلت إيطاليا لبدأ رحلة‬
‫نجاح سريعة في دنيا العمال‪ ،‬وكان سالم يستمع وهو يردد‪.‬‬
‫‪ -‬صح كده‪ ،،،‬صح كده‪.‬‬
‫استوضحت منه المر‪ ،‬فقال إن سماسم كانت تصر علي أني نجوت وأني في‬
‫أفضل حال وسأكون وش الخير عليهم كما قالت في السابق‪.‬‬
‫كانت الرض دمعمهدة أمامي‪ ،‬أفهمته بأني جئت لأرد إليه جزءاا من جميله الذي‬
‫يطوق عنقي‪ ،‬وأخبرته بما قررته من مشاركته في بعض العمال بليبيا‪ ،‬وسلمته مليون‬

‫‪200‬‬
‫دينار ليؤسس بمدينة البيضا منفذا فاخ ار لبيع الهواتف النقالة وكذلك فرعا لشركة‬
‫السياحة‪.‬‬
‫شعرت به عجينة طرية في يدي فقمت بتشكيله فو ار لما أبغى فقلت له‪.‬‬
‫‪ -‬سأنهي بعض العمال في طرابلس ثام أعود ليطاليا‪ ،‬لو احتجت لي مبلغ من المال‬
‫اتصل بي وسأحوله لك في الحال‪.‬‬
‫أعطيته مائة ألف دينار‪ ،‬عشرة في المائة من قيمة العمال‪ ،‬رفض أن يأخذ‬
‫مقابلا لخدماته‪ ،‬أفهمته أن المبلغ هو أجره مقابل إنجازه للعمل واتفقنا على أنه ل مجال‬
‫للعواطف في العمل‪.‬‬
‫‪---------‬‬
‫بعد شهر كان سالم قد انتهى من تأسيس وترخيص الشركة والمحل‪ ،‬وزاولنا العمل بهمة‬
‫لشهور زادت من ترسيخ علقتي بسالم وبوجهاء القبيلة الذين أغرقتهم بالهدايا وكان‬
‫أهمها بالطبع الفياج ار والعطور الباريسية‪.‬‬
‫بعد ارتياحه للأوضاع في ليبيا ازرني سيلفيو بمكتبي بالمصنع ومعه صابرينا‪،‬‬
‫أخذتني المفاجأة‪ ،‬فلم أهتم بضحكاته وتحذيراته لصابرينا من غيرة روبرتا‪ ،‬لم أتمالك‬
‫نفسي وأقبلت عليها مرحبا‪ ،‬يسبقني الفرح والابتهاج إليها‪.‬‬
‫‪ -‬لقد إفتقدك كثاي ارا‪ ،‬ما هذه الغيبة الطويلة؟‪.‬‬
‫استقبلتني بابتهاج واضح‪ ،‬قبلتني وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬دشغل يا محمد ‪ ،،،‬دشغل مهم شغلني عنك‪.‬‬
‫‪ -‬ول حتى مكالمة تليفونية؟‪.‬‬
‫‪ -‬كنت خارج إيطاليا من حوالي ثامانية أشهر وغرقت في العمل‪.‬‬
‫اجتاحتني موجة من المودة والحنين فسألتها بلهفة‪.‬‬
‫عمل؟‪.‬‬
‫‪ -‬وما طبيعة هذا الدشغل؟‪ ،‬وما هذا السفر الطويل؟‪ ،‬علم أم ع‬
‫‪ -‬مفاجأة محمد‪ ،‬مفاجأة‪ ،‬دكنت في مصر‪.‬‬
‫لحظت ارتباكي فسألتني‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا بك محمد‪ ،‬سرحت في مصر ول إيه؟‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -‬مصر وحشتني فع ا‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬نفسك تزور عمصر؟‪.‬‬
‫‪ -‬ليتنى أستطيع‪.‬‬
‫نظرت لسيلفيو الذي ابتسم لها فالتفتت إلي وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬سوف تزورها الشهر القادم‪.‬‬
‫كان أقصى دور توقعته لي في تخطيط سيلفيو هو أن أذهب إلى ليبيا لتأمين‬
‫عملياته عبر الحدود المصرية الليبية ولم تط أر على ذهني فكرة الدخول لمصر‪.‬‬
‫وقبل أن أهم باستيضاح المر قالت‪.‬‬
‫‪ -‬محمد‪ ،‬لنا في مصر دشغل مهم نريد إخراجه عن طريق ليبيا‪ ،‬وأنا اقترحت على‬
‫سيلفيو أن تتولي أنت المر‪.‬‬
‫‪ -‬تعلمون بأنى ل أستطيع دخول مصر‪ ،‬ل أريد أن أدخل السجن سيلفيو‪.‬‬
‫ابتسم وقال بهدوء زاد من توجسي‪.‬‬
‫‪ -‬ل تخف محمد‪ ،‬أنت تعمل مع سيلفيو‪ ،‬جهز نفسك للسفر إلي مصر‪.‬‬
‫غلبني خوفي فلم أستطع السيطرة على أعصابي وأخذت الرعشة بأطرافي‪ ،‬توقعت‬
‫أنى على وشك الوقوع في عفخ خطير‪ ،‬فسيلفيو تاجر ومهرب آثاار ومن الطبيعي أنه‬
‫يتعامل مع تاجر أو أكثار من تجار الثاار الكبار في مصر‪ ،‬وجميعهم يعرفني‬
‫ويكرهني‪.‬‬
‫لحظ سيلفيو توتري الشديد فقال‪.‬‬
‫‪ -‬لن يعرفك أحد بمصر‪ ،‬سنجري لك عملية تجميل بسيطة لنغير من بصمات أصابعك‬
‫ومن ملمحك‪ ،‬لتطابق صورتك بجواز السفر‪ ،‬كما أن كل أوراقك سليمة‪.‬‬
‫‪ -‬وما العمل عندما أنتهي من مشاكلي وأعود لمصر بشكل رسمي وقانوني؟‪.‬‬
‫‪ -‬جل ما سيفعله طبيب التجميل هو أنه سوف يسرع من تأثاير عوامل الزمن على‬
‫وجهك‪ ،‬فعدعمعرك الحقيقي أربعون عام ا ومعك أوراق رسمية تقول أن عمرك عخمسون‬
‫عاماا‪ ،‬سنصلح هذا الخلل‪ ،‬ويمكننا إعادة وجهك لطبيعته الولى‪ ،‬وبسهولة‪ ،‬وحينما تريد‬
‫ذلك‪ ،‬وسنغير من بصماتك حتى ل نترك فرصة لدني احتمال بأن تتعرف عليك‬
‫السلطات المصرية‪.‬‬
‫‪ -‬المشكلة ما زالت قائمة فبصماتي هي الثابات الوحيد لشخصيتي بمصر‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫تذكرت أموالى في البنك بجنيف فأسقط في يدي‪ ،‬فلو أني أخبرته بشأنها سأفقد‬
‫ثاقته بي‪ ،‬تأكدت أنى في ورطة حقيقية فلذت بالصمت ولكن الرجل أراحني بسرعة حين‬
‫قال‪.‬‬
‫‪ -‬لن تكون هناك مشكلة‪ ،‬سوف نصور بصماتك بدقة ونحفظها في قرص مدمج‪،‬‬
‫وبجراحة بسيطة دنغير عدة خطوط منها‪ ،‬وفى أي وقت يمكن أن نعيدها لصلها‪.‬‬
‫تركني الخوف للقلق ولم تهدأ أعصابي إل بعدما ذهبت للطبيب الذي حدده لي‬
‫سيلفيو وتأكدت منه بأنها عملية مضمونة ودقيقة يقوم بها الكومبيوتر من اللف للياء‪،‬‬
‫وأخبرني الطبيب أنه ديجرى عملية تغيير البصمات لحساب الرجال المهمين والثاقة‬
‫بالنسبة له فقط وفى مقدمتهم سيلفيو العسخي‪.‬‬
‫بعدما أتم الطبيب المهمة سألته‪.‬‬
‫‪ -‬متى يمكنني استعادة بصماتي؟‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن إعادتها الن أو بعد عشرين عاما‪.‬‬
‫لم أستطع أن أمنع نفسي من الضحك‪ ،‬فقال‪.‬‬
‫‪ -‬تراني عجو از جدا‪ ،‬ولكنى شباب أكثار منك‪ ،‬وعلى العموم معك القرص المدمج‪،‬‬
‫وهناك مئات الطباء في أوروبا يستطيع أقلهم خبرة أن يعيد بصماتك في أقل من دقيقة‬
‫طالما معك التصوير‪ ،‬ثام نصحني بالاحتفاظ بعدة نسخ من التصوير في عدة أمالكن‬
‫مختلفة‪.‬‬
‫اخترت بنفسي طبيب التجميل‪ ،‬الذي سيغير من ملمح وجهي‪ ،‬كان رجلا‬
‫مجنون ا ومهووس ا بعمله‪ ،‬اتفقت معه علي ما اقترحه سيلفيو‪ ،‬ففاجأني بقوله‪.‬‬
‫‪ -‬أنا ل أحب الإرهابيين‪ ،‬ولكنى أحب عملي‪ ،‬ودمستعد لن أدجري جراحة تجميل‬
‫للشيطان نفسه‪.‬‬
‫ضحك فنفرت من عنجهيته ومن تلميحه بأني إرهابي‪.‬‬
‫‪ -‬أنت تدلحب المال أكثار من حبك لمهنتك أو حتى لنفسك‪.‬‬
‫قلت ذلك بعصبية‪ ،‬استمر يضحك وقال‪.‬‬
‫‪ -‬أنت ذكى‪ ،‬فهمت غرضي بسرعة‪ ،‬بالفعل أريد منك مبلغ ا كبيراا‪ ،‬الإرهاب يدر ربح ا‬
‫هائلا أليس كذلك؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ولكنى لست إرهابيا أو قاتلا‪ ،‬أنا هارب من الظلم والاضطهاد‪ ،‬أنا دمعالرض للنظام‬
‫السوري الذي يطاردني في أوروبا‪ ،‬ولدى أسرة أخاف عليها‪.‬‬
‫توقف عن ضحكه المستفز وقال بجدية مصطنعة‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا‪ ،‬لم أقصد مضايقتك‪ ،‬فالجميع هنا ينظر للعربي على أنه إرهابي بالفطرة‪،‬‬
‫ولكنى أعتقد أنها نظرة غير منطقية‪ ،‬فلكل قاعدة استثاناء‪.‬‬
‫‪ -‬هل سنناقش خطوات الجراحة أم أبحث عن طبيب آخر؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬سنبدأ فو ارا‪ ،‬وسوف أترك لك تحديد آجري‪ ،‬أنا أثاق بك‪ ،‬هل اتفقنا؟‪.‬‬
‫قام بإحداث تغييرات بسيطة بالنف والجبهة والذنين وخط الشعر الأمامي‪ ،‬ثام‬
‫صعبغ الشعر ليبدو أنه أشقر بطبيعته وتتخلله بعض الشعيرات البيضاء‪ ،‬وبعد عدة‬
‫قام ب ع‬
‫أيام أصبحت أنا صاحب الصورة الموجودة على جواز السفر‪ ،‬لحظ الطبيب ارتياحي‬
‫لما قام به فطلب عشرة آلف دولر‪.‬‬
‫طلبت منه أن أقوم بمسح أي بيانات عنى من على ذاكرة الكومبيوتر‪ ،‬فوافق‬
‫فأعطيته ما طلبه فقد أعجبت بمهارته‪ ،‬برغم اشمئزازي من طريقة تعامله معي‪.‬‬
‫توجهت من فوري إلى مبني إدارة المصنع‪ ،‬دخلت علي سيلفيو دون أن أتكلم‪،‬‬
‫أخذته المفاجأة فصاح‪.‬‬
‫‪ -‬رائع محمد‪ ،‬رائع‪ ،‬كدت أل أعرفك‪.‬‬
‫هاتف صابرينا‪.‬‬
‫ل‪ ،‬مفاجأة عزيزتي مفاجأة‪ ،‬هيا‬
‫‪ -‬عزيزتي صابرينا‪ ،‬أين أنت‪ ،‬أريدك في المكتب حا ا‬
‫بسرعة لنبدأ العمل‪.‬‬
‫شعرت بالثاقة والرهبة عندما سمعت جملته الخيرة‪.‬‬
‫بعد أقل من نصف ساعة كانت صابرينا تبدى دهشتها من قدرة الطبيب على‬
‫البداع ثام التفتت لسيلفيو وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬تلك هيئة ععاللم‪ ،‬وليس مراجع حسابات سيلفيو‪.‬‬
‫ضحك ضحكة ثاقة واطمئنان وقال‪.‬‬
‫‪ -‬هو فعلا سيكون ععاللم ا من هذه اللحظة صابرينا‪ ،‬ألم تقولي من قبل إنه كنز من‬
‫المعلومات القيمة والمفيدة لنا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫تراجع عدة خطوات ثام مال بجذعه للخلف وأشار نحونا بيديه وقال‪.‬‬
‫‪ -‬والن أصبح لدى عالم بالتاريخ والحضارة المصرية‪ ،‬وعالمة بالديانات القديمة‪.‬‬
‫صاحت به‪.‬‬
‫‪ -‬وبالجماعات الدينية السرية سيلفيو‪ ،‬ل تنسع ذلك أبداا‪.‬‬
‫تغيرت ملمحه وصمت قليلا وأعطانا ظهره وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لن أتجادل معك ولكني أحذرك من مغبة محاربتك لتلك الجماعات‪.‬‬
‫ثام استدار نحوها‪ ،‬ونظر إليها بتعاطف واضح‪ ،‬وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬أل يكفيك ما حدث‪.‬‬
‫‪ -‬لبد لي من معرفة ما يخفونه‪.‬‬
‫‪ -‬يدهم طويلة وقادرة على البطش‪.‬‬
‫‪ -‬لن يمنعني عنهم إل الموت‪.‬‬
‫‪ -‬أحتاج إليك صابرينا‪.‬‬
‫‪ -‬حقاا؟‪ ،‬حتى بعدما أصبح محمد جاه از على هذا النحو الرائع‪.‬‬
‫‪ -‬تعرفين منزلتك عندي‪.‬‬
‫‪ -‬أليس من الفضل أن نتكلم في العمل سيلفيو؟‪.‬‬
‫‪ -‬حسناا‪ ،‬لنبدأ جلسة العمل‪.‬‬
‫قال ذلك بنبرة اليأس والقلق ثام نظر إلي وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬نعمل لصالح مجموعة متخصصة‪ ،‬تعمل بالثاار التي تحكى تاريخا قديما‪ ،‬تاريخا‬
‫يكون مهم ا ومفيدا للجامعات والمتاحف‪ ،‬وأنت تعلم من دراستك أن الحضارة المصرية‬
‫فريدة في نقطة محددة‪ ،‬وهى اهتمامها المبالغ فيه باللهة وبالحياة فيما بعد الموت‪.‬‬
‫‪ -‬ليس من العلم في شيء أن نصدر أحكام ا قاطعة على الحضارة المصرية القديمة في‬
‫حين أن العديد من أسرارها لم يكتشف بعد‪.‬‬
‫‪ -‬أنا لست دمتخصصا مثالك في تاريخ الفراعين‪ ،‬أنا مهتم فقط‪ ،‬ثام أضاف‪.‬‬
‫‪ -‬المتاحف والجامعات هنا بأوروبا‪ ،‬وأيض ا بالوليات المتحدة المريكية‪ ،‬لها مواصفات‬
‫معينة فيما تشتريه منا‪ ،‬وأعتقد أن هناك جماعات ومحافل سرية تقوم بدفع مبالغ طائلة‬
‫مقابل تماثايل محددة ونقوش معينة‪ ،‬ربما هي تعاويذ هامة لطقوسهم الدينية‪ ،‬هذه‬

‫‪200‬‬
‫الجماعات تهتم كثاي ار بمقابر الكهنة بمصر وبنقوشها وسجلتها‪ ،‬ورجالنا في مصر‬
‫يبحثاون ليل نهار عن آثاار تنطبق عليها تلك الشروط‪ ،‬وقال أيضاا‪.‬‬
‫‪ -‬في الماضي دفعنا مليين الدولرات في آثاار اعتقدنا أنها هامة وثامينة ثام وجدنا‬
‫صعوبة بالغة في تسويقها لعدم أهميتها التاريخية‪ ،‬ستتعاون مع صابرينا في تحديد الثار‬
‫الهام تاريخي ا‪ ،‬يتبقى لدينا مشكلة إخراج الثاار من مصر‪ ،‬بعدما ضيقت علينا الحكومة‬
‫المصرية الخناق‪ ،‬بالمطارات والمواني‪ ،‬لجأنا إلي البحر لسنوات‪ ،‬لكن تهريب المخدرات‬
‫والشباب عبر المتوسط دفع السلطات المصرية لن تحكم سيطرتها على سواحلها‪،‬‬
‫والن أعتقد أننا بك نملك طريق ا جديدا وآمن ا لتهريب الثاار عبر الحدود المصرية‬
‫الليبية‪.‬‬
‫سألته‬
‫‪ -‬هل أفهم من ذلك أن هناك آثاا ار مهمة تستعد لخراجها من مصر‪.‬‬
‫أشار رأسه إلي صابرينا فقالت‪.‬‬
‫‪ -‬الحكومة المصرية منعتني من العمل بمصر لفترة من الوقت‪ ،‬إرضااء للمخابرات‬
‫السرائيلية‪ ،‬فعهدت بالبحث هناك لتلميذي أحمد حجازي‪ ،‬وهو من أبناء محافظة‬
‫الشرقية‪.‬‬
‫‪ -‬وما علقة إسرائيل بالبحث فى تاريخ الحضارة المصرية؟‪.‬‬
‫‪ -‬موضوع البحث الذي أشرت إليه هو نفي وجود مدينة حوارييس المذكورة بالتوراة‪،‬‬
‫إواثابات أن العبرانيين لم يعيشوا أبدا في مدن مصرية قديمة بل كانوا بدوا رحلا يسكنون‬
‫الصحراء والمستنقعات‪ ،‬وكان المصريون يتجنبون الختلط بهم حيث يعتبرونهم‬
‫أن كل إدعاءاتهم حول الصراع مع حكام مصر‬
‫أنجاسا‪ ،‬وهذا يثابت بالدليل القاطع د‬
‫والستيلء على ذهب المصريين بالخديعة هي أمور مزيفة وأن أحداث خروجهم من‬
‫مصر ملفقة أيض ا‪ ،‬وبذلك يكون أهم سفر لديهم‪ ،‬وهو سفر الخروج‪ ،‬مزيف ا‪.‬‬
‫‪ -‬وما علقة هذا الكلم بالتجار في الثاار؟‪.‬‬
‫‪ -‬ستفهم كل شيء في حينه‪ ،‬المهم الن هو أن حجازي عأبلغني بأنه في طريقه للوصول‬
‫إلى كنز ثامين‪ ،‬المشكلة أنه ل يملك المهارة الكافية للقراءة الدقيقة للكتابة المصرية‬
‫القديمة‪ ،‬ولننا نعمل بشكل سرى وغير قانوني فل نستطيع أن نستعين بأي من الدخبراء‬

‫‪200‬‬
‫المصريين أو الجانب حفاظا على السرية وخوفا علي ما أنفقناه من أموال‪ ،‬والن أنت‬
‫خبير فى اللغة المصرية القديمة‪ ،‬وعلى أفضل مستوى‪ ،‬وقد أصبحت فردا منا‪.‬‬
‫واتفقنا على خطة العمل‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫دعوت لجتماع ثالثاي‪ ،‬كلا من زكريا وساللم‪ ،‬وتكلمنا في صراحة ووضوح عن‬
‫طبيعة العمل بيننا في المرحلة القادمة‪ ،‬رحب سالم وتردد زكريا وأبدي تخوفه من المر‪،‬‬
‫فهو ل يعرف حساسيته بالنسبة للحكومة بمصر أو بليبيا‪ ،‬وبعد نقاش طويل اتفقنا علي‬
‫بدء العمل‪ ،‬علي أن أعود لمصر مع زكريا صباح اليوم التالي‪ ،‬أعطيت لسالم مائة ألف‬
‫دينار ليشترى هدايا للشيخ سالم وسماسم وأفراد القبيلة‪ ،‬وأعطيت لزكريا خمسين ألف‬
‫دولر فانفتحت شهيته للعمل‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫ما إن لمست قدماي أرض مدينة الزقازيق حتي وجدته بجواري‪ ،‬شابا أسمرع‬
‫فارعع الطولل‪ ،‬هادئ الملمح‪ ،‬رخيم الصوت‪ ،‬له عيون براقة تنم عن ذكاء وثاقة بالنفس‪.‬‬
‫اصطحبني علي الفور إلي متحف صان الحجر‪ ،‬وقف بي أمام لوحة جداريه‪،‬‬
‫جاءوا بها من مقبرة منهوبة على بعد خمسة عشر كيلومت ار من منطقة صان الحجر‪،‬‬
‫قمت بتصويرها بدقة متناهية‪ ،‬وبشقته بمدينة الزقازيق‪ ،‬قضيت أسبوع ا فى مراجعة‬
‫نقوش وخراطيش اللوحة‪ ،‬ولأهمية المعلومات التي كانت تشير إليها اللوحة أمضينا ما ل‬
‫يقل عن ستة أشهر في السعي خلف آثاار تلك المقبرة المنهوبة‪ ،‬اجتهد الوسطاء وبذلنا‬
‫جهود مضاعفة حتى تمكنا من جمع محتويات المقبرة في صفقة كلفتنا خمسين مليون‬
‫جنيه مصري‪ ،‬وأخرجنا الدشغل من مصر‪ ،‬وخرجت أنا بخمسة مليين دولر وخرج كل‬
‫من سالم وزكريا بنصف مليون دولر فملكت عقل وقلب كليهما‪.‬‬
‫عكفنا علي دراسة محتويات المقبرة‪ ،‬استعانت صابرينا بمراجع ل حصر لها‪ ،‬ودققنا‬
‫في العهد القديم وفي التلمود‪ ،‬كما استطلعت آراء بعض علماء الآثاار اليهودية وبعض‬
‫خبراء اللغات السامية‪ ،‬واستعانت بالعديد من المؤرخين وبغيرهم من جهابذة علماء‬
‫الثاار والحضارات القديمة على مستوى العالم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫خرجنا بمعلومات شبه مؤكدة عن وجود معبد مهم‪ ،‬مدفون تحت الرض‪ ،‬وقد حددنا‬
‫مكانه علي بعد خمسة كيلومترات من مكان المقبرة المنهوبة‪ ،‬في منطقة زراعية بالقرب‬
‫من مدينة الحسينية بمحافظة الشرقية‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كانت صابرينا تؤمن‪ ،‬إيمان ا ل يتزعزع‪ ،‬بأنه ل وجود تاريخي للنبي موسي‪،‬‬
‫وتعتبر أن اليهود المعاصرين هم نسل مشترك للعبرانيين والمصريين‪ ،‬الذين خرجوا سويا‬
‫من مصر في حلف ضم أتباع إخناتون‪ ،‬نبي التوحيد المصري‪ ،‬من المصريين‬
‫والعبرانيين ومعهم فلول الهكسوس والذين كانوا يقطنون إقليم جاسان بمصر كأسري‪،‬‬
‫وتعتقد أيضا بأن النبي موسي القرآني‪ ،‬أو ملشي التوراتي‪ ،‬ما هو إل إخناتون أو أنه‬
‫أوزيرسيف‪ ،‬حاكمه علي إقليم جاسان‪ ،‬وتنظر للديانة اليهودية علي أنها منتحلة من‬
‫العقيدة التونية‪ ،‬ولم تكن تشك لحظة في أنها ستجد خبيئة بمكان ما تؤكد آراءها تلك‪،‬‬
‫مما يساعدها علي إثابات زيف الديان التي تنسب نفسها للسماء‪.‬‬
‫في الحقيقة لم أعتقد قطط بما تؤمن به صابرينا برغم أنها عرضت علي صورة جدارية‬
‫عليها رسرم يشبه إخناتون ويعلوها نقش باللغة الرامية‪ ،‬وقد أكد لها علماء النصوص‬
‫والنقوش واللغات السامية بأن هذا النقش يؤكد أن الصورة للنبي موسي‪ ،‬أو ملشي‪ ،‬نبي‬
‫العبرانيين‪.‬‬
‫ت للعمل والبحث‪ ،‬فالرغبة العارمة في المعرفة واقتحام المجهول‬
‫وبالرغم من ذلك تععحمدسب د‬
‫لم تترك للتردد أدنى مساحة في نفسي‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫وصلت مدينة الحسينية مساء يوم الثالثااء‪ ،‬السادس عشر من يونية لسنة ‪2009‬م‪.‬‬
‫قدمني حجازي للناس هناك على أنى رجل أعمال مصري‪ ،‬قادم من الخليج وأسعى‬
‫لشراء قطعة أرض لإقامة مزرعة ومشروع لتسمين العجول‪ ،‬وأشاع بأني أعرض مبلغ ا‬
‫كبيرا ثامنا للفدان‪ ،‬وتحركنا بحكمة حتى فزنا بقطعة الرض المقصودة في صفقة‬
‫معقولة وطبيعية‪.‬‬
‫وبالستعانة بجهاز فحص باطن الرض‪ ،‬بالموجات فوق الصوتية‪ ،‬حددنا مكان‬
‫التنقيب بالضبط‪ ،‬أحطنا المكان بسور عالل من الطوب واستعنا بعمال التراحيل في‬

‫‪200‬‬
‫عمل حفرة كبيرة طولها خمسون متر وعرضها عشرون متر وبعمق خمسة أمتار‪ ،‬وكنت‬
‫حريص ا على تغيير العمال كل يوم‪ ,‬عندما أصبحنا فوق سطح المعبد تقريب ا حدث شيء‬
‫خطير‪ ،‬فقد حضر للمكان ضابط برتبة كبيرة بمديرية أمن الشرقية‪ ،‬وبدون مقدمات قال‬
‫إنه يتتبعنا منذ فترة وإنه يعرف ما نصبو إليه‪ ،‬وأنه يستطيع حمايتنا وتأمين عملنا مقابل‬
‫مائة ألف جنيه عن كل شهر طوال فترة العمل ومليون دولر عند عثاورنا على غنيمة‪.‬‬
‫على الرغم من توتري الشديد كان أحمد حجازي يتعامل مع الرجل ببساطة‪،‬‬
‫أبديت له دهشتي من موقفه فقال‪.‬‬
‫‪ -‬اطمئن‪ ،‬هذا الرجل تعاملنا معه من قبل وهو صادق وقادر على أن يفي بوعده لنا‪،‬‬
‫فقط علينا أن نحرص على العدفع في المواعيد المتفق عليها‪.‬‬
‫بعد أشهر من العناء تمكنا من الدخول للمعبد‪ ،‬كان عبارة عن غرفة فسيحة جدا‬
‫وتغطى جدرانها نقوش ورسومات ألوانها زاهية‪ ،‬ويغلب عليها اللون الحمر والصفر‪،‬‬
‫وبمنتصفها توجد طاولة كبيرة من الرخام الحمر وعلى الطاولة‪ ،‬في المنتصف‬
‫بالضبط‪ ،‬يوجد تمثاال من الذهب الخالص لعجل صغير‪.‬‬
‫دخلنا غرفة فوجدنا بها العديد من التماثايل والتمائم وبعض البرديات‪ ،‬وفي‬
‫مواجهة بابها كانت هناك لوحة جداريه كبيرة للفرعون إخناتون يتعبد لتون وهو عاري‬
‫وتظله الشمس بأشعتها ويقف بجواره رجل مهيب الطلعة لم أتعرف عليه‪ ،‬المفاجأة في‬
‫تلك اللوحة كانت هي صورة عارية لطفلة رائعة الحسن والجمال كما التمثاال المدفون‬
‫بليبيا‪ ،‬وتحت الرسم نقش يتحدث عن أن الثالثاة إخوة في محبة آتون‪.‬‬
‫دلفنا لغرفة أخري فوجدنا بها طاولة خشبية كبيرة وعليها عدد من السواطير‪،‬‬
‫فعرفنا أننا في المذبح‪ ،‬وكما توقعت كانت الغرفة الثاالثاة‪ ،‬هي قدس القداس‪ ،‬غرفة‬
‫ضيقة ومستطيلة وخالية تماماا‪ ،‬فبدت لنا كطرقة أو عمعمر‪ ،‬دخلنا فيه حتى واجهنا باب ا‬
‫ضيق ا ومنخفض ا‪ ،‬دخلنا منه فرأينا تمثاال ا من الذهب لحية أو لثاعبان‪ ،‬يرتفع على عصا‬
‫طويلة من النحاس‪ ،‬وخلف التمثاال كانت هناك لوحة جدارية كبيرة‪ ،‬تصور البركان في‬
‫حالته النشطة‪ ،‬وعليها نقش باللغة المصرية القديمة يقول ‪ -‬قدس القداس للعظيم الذي‬
‫يمن علينا بالحياة‪ ،‬ومكتوب بالآرامية‪ ،‬قدس القداس لله أوزير سيف‪ ،‬الله‪ ،‬أهيه آش‪،‬‬
‫آهيه رب موسي‪ ،‬آهيه الذي آهيه‪ ،‬أنا هو الكائن‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫كانت مفاجأة ل تصدق‪ ،‬كيف يكون الله الشمسي آتون الرقيق والمتحضر‪ ،‬إله‬
‫إخناتون‪ ،‬هو نفسه الله يهوه‪ ،‬إله الصحراء والعاصفة‪ ،‬إله البدو الجلف؟!‪.‬‬
‫لم أستوعب ما يعنيه هذا النقش‪ ،‬ضربتني الحيرة وجال بذهني أن بالمر سرا‬
‫مخفياا‪ ،‬وتاقت نفسي لحل طللسم تلك الفترة الغامضة من حياة البشرية‪.‬‬
‫أفرغنا المعبد تمام ا من محتوياته ونزعنا اللوحات الجدارية كاملة‪ ،‬وفى يوم‬
‫الاثانين‪ ،‬التاسع عشر من أبريل لسنة ‪2010‬م‪ .‬دفعنا للضابط مليون دولر وبالفعل‬
‫ساعدنا بإخلص في الخروج بالكنز من الشرقية إلى القاهرة رأسا حيث كان زكريا‬
‫بانتظارنا على أول طريق الفيوم‪.‬‬
‫عاد حجازي للشرقية وتولى زكريا قيادة السيارة إلى الفرافرة‪ ،‬وبعد أسبوع أقلني‬
‫سيلفيو‪ ،‬مع مجموعتي الثارية‪ ،‬من البحر‪ ،‬وكان سعيدا بالصفقة التي قبض عربونها‬
‫عشرين مليون دولر من متحف شهير بأوروبا‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫مر عليه أسبوع كامل دون أن يشعر بمرور الوقت‪ ،‬هو وروبرتا فقط بالمنزل‪،‬‬
‫تمني أن يمتد السبوع لسابيع دأخري‪ ،‬ولكن بدون سابق إنذار دعا سيلفيو لجتماع‬
‫ثالثاي بمنزل محمد يوسف‪ ،‬وقد حضر مبك ار عن الموعد بساعة‪ ،‬كان التوتر والغضب‬
‫باديين عليه‪ ،‬فتوقع محمد يوسف أن هناك مشكلة بسبب الصفقة الخيرة‪ ،‬قال سيلفيو‪.‬‬
‫‪ -‬صابرينا تسببت لنا فى مشكلة كبيرة‪ ،‬محمد‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا فعلت؟‪.‬‬
‫‪ -‬كان من شروط المشتري للشغل الخير‪ ،‬أن أسلمه أي تصوير للمعبد ولمحتوياته‪،‬‬
‫وأل يتدم نسخ أية نقش أو حتى كلمة واحدة من المعبد‪ ،‬وكان الاتفاق واضحا ودمحددا‪،‬‬
‫لو تم تسريب معلومة واحدة عن المعبد أكون دمدان ا له بالخمسين مليون دولر‪ ،‬قيمة‬
‫الصفقة‪.‬‬
‫‪ -‬وما علقة صابرينا بهذا؟‪.‬‬
‫‪ -‬لقد أمدها المصري أحمد حجازي بتصوير كامل ودقيق للمعبد ولمحتوياته من‬
‫تماثايل ونقوش وبرديات وغيرها‪ ،‬وهي الن تد ل‬
‫صر على أن تدعم أبحاثاها بهذا التصوير‪،‬‬
‫وبالرغم من تحذيري لها فإنها تدلعد الن لمؤتمر صحفي لتعلن فيه هذا الاكتشاف الهام‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬فلتهدأ سيلفيو‪ ،‬لقد حصلت على أموالك‪ ،‬ولن يستطيع المتحف أن يلحقك‪.‬‬
‫نظر إليه نظرة شك وقال‪.‬‬
‫ظن أنه دفع تلك الموال في هذه الصفقة؟‪.‬‬
‫‪ -‬محمد‪ ،‬عمن تع د‬
‫‪ -‬أنت قلت أنه متحف شهير هنا بأوروبا؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬أعتقد أن من تعاملوا معي علي أنهم خبراء تابعون للمتحف‪ ،‬أظنهم وسطاء لجهة‬
‫مجهولة تسعي خلف معلومات معينة يخفيها الفراعنة فى معابدهم ومقابرهم‪.‬‬
‫أبدي محمد يوسف دهشته من كثارة الجماعات الدينية السرية بأوروبا فقال‬
‫سيلفيو‪.‬‬
‫‪ -‬أعتقد أن تلك الجماعات تتخذ من بعض الكنائس‪ ،‬هنا بأوروبا وأمريكا وغيرها من‬
‫الدول‪ ،‬ستا ار لخفاء نشاطها‪.‬‬
‫ثام أضاف بعصبية شديدة‪.‬‬
‫‪ -‬هؤلء يمكنهم تدميرنا في لحظة‪ ،‬ول أعرف كيف أتصرف‪.‬‬
‫‪ -‬درد عليهم أموالهم‪ ،‬ونأخذ بضاعتنا؟‪.‬‬
‫‪ -‬لو كانت الدمشكلة في المال كنت أعدته لهم بل وتركت لهم الشغل مجاناا‪ ،‬تلك‬
‫الجماعات يعتبرون الإخلل بالاتفاق سببا وجيها للقتل والتدمير‪.‬‬
‫راح يتحرك في المكان في توتر شديد ثام التفت إليه وقال‪.‬‬
‫‪ -‬محمد‪ ،‬أنا دأحب أسرتي‪ ،‬وقد أخطأت عندما لم أبلغك بشرطهم‪ ،‬كان يمكننا السيطرة‬
‫على الموقف من بدايته لكنه خطئي أنا‪ ،‬محمد تكلم معها‪ ،‬نحن جميعا في موقف‬
‫صعب‪ ،‬محمد‪ ،‬لقد فقدت عقلها ولم تعد تهتم إل بتخاريفها‪.‬‬
‫هدأ محمد يوسف من روعه‪ ،‬وامتل هو بالخوف فلول مرة يري سيلفيو خائفا بل‬
‫ويرتعد‪ ،‬وقد ارتبك حين قال له سيلفيو وهو يغادر‪.‬‬
‫‪ -‬عزيزى محمد‪ ،‬أنصحك بأل تسرف فى التقرب من بعض الكنائس في روما‪،‬‬
‫أعرف أنك تكثار من التبرع لبعضها‪ ،‬ول أفهم غرضك من ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬أتبرع للنشطة الخيرية‪.‬‬
‫‪ -‬حسناا‪ ،‬تعلم أني حريص عليك وعلي مصلحتك‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫واصل رضا جلل حديثاه لزوجته فقال‪.‬‬
‫لم تحضر صابرينا وتركني سيلفيو مهموم ا يمر بي الوقت ثاقيل ا ممل ا‪ ،‬فلم أكن في حالة‬
‫نفسية تسمح لي بتدبر المر‪ ،‬وقبل أن يأخذني النوم من همومي رن جرس الهاتف‪.‬‬
‫اعتذرت صابرينا لعدم حضورها ودعتني لمنزلها فو ارا‪ ،‬أغلقت الخط قبل أن أفهم‬
‫منها ما يحدث‪ ،‬فتعاظم خوفي‪.‬‬
‫كانت سعيدة ومتألقة‪ ،‬استقبلتني بح اررة وقبل أن أستقر على المقعد قالت‪.‬‬
‫‪ -‬لقد قدمت إلي أعظم دليل مادي على صحة نظريتي في الديان البراهيمية‪ ،‬دليل‬
‫سيكشف للناس حقيقة تلك الأوهام التي عسلععبتهم حريتهم وطمست طبيعتهم منذ آلف‬
‫السنين‪.‬‬
‫‪ -‬أي دليل وأية أوهام؟‪.‬‬
‫‪ -‬الدليل على أن الديان السماوية ل تعدو كونها وهم ا وأن النبياء أدعياء‪ ،‬أليس هذا‬
‫شيئا مهما سوف يساعد علي تحرير البشرية من القيود البالية لتلك الديان؟‪.‬‬
‫‪ -‬بل قولي شيئ ا خطيرا سوف يدمر البشرية والحضارة والتقدم‪.‬‬
‫‪ -‬على العكس‪ ،‬سوف يسترد النسان حريته‪ ،‬ويكون سيد نفسه فيختار ما يسعده‪.‬‬
‫‪ -‬تسفيه الدين واحتقاره لن يجلب إل الفوضى وتدمير الحضارة‪.‬‬
‫‪ -‬الدين لم يكن أبدا ضرورة لحياة النسان ولتنظيم المجتمع‪ ،‬النسان أبدع حضارات‬
‫عظيمة قبل ظهور ما يسمي بالديان السماوية بل وهناك مجتمعات بل دين أقامت‬
‫إمبراطوريات عظيمة في التاريخ القديم والحديث؟‪.‬‬
‫راحت تشرح مبررات عدائها للديان فقالت‪.‬‬
‫‪ -‬لقد نشأ الدين وتطور في أحضان السلطة والكهنة‪ ،‬كان وما زال هو الدمخدر الذي‬
‫عمكن السلطة والغنياء من استغلل غيرهم من البشر‪ ،‬بالفعل أنا أري أن الدين هو‬
‫أفيون الشعوب وفيتامين الفقراء‪ ،‬يعطيهم وهم العخلص‪ ،‬ويبشرهم بفرصة ثاانية في‬
‫لخرى‪ ،‬فيتركون خيرات الدنيا وبهاء الحياة لمستغليهم يستمتعون به‪.‬‬
‫الحياة ا د‬
‫أبديت دهشتي كيف لمثالها أن تشقي لسنوات وتدمر حياتها من أجل أن تثابت‬
‫للعالم أن الديان عوهم وأن ال غير موجود‪ ،‬وهرب ا من مجادلتها أخبرتها بأن سيلفيو‬
‫منزعج بشدة بسبب سعيها لتسريب معلومات عن الصفقة الخيرة‪ ،‬فقالت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬حسنا‪ ،‬كنت قد قررت تأجيل العلن عن هذا الكتشاف‪ ،‬فأنا متأكدة من أننا‬
‫سنحصل على المزيد‪ ،‬وبأن الخطر لم يظهر بعد‪.‬‬
‫راحت تساومني علي التعاون معها بغير علم سيلفيو على وعد أل تنشر شيئ ا إل‬
‫بعد الرجوع إلي‪.‬‬
‫اندهشت وتوجست خيفة من شراكة تجمع بين من يسعي لجمع المال ومن‬
‫يسعي للمعرفة‪ ،‬تذكرت حالي فزالت دهشتي وزاد خوفي ولكني لم أخجل‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫جمعنا لقاء آخر فأتحفتني بهجوم شديد على الديان البراهيمية‪ ،‬أبديت‬
‫اعتراضي فراحت من جديد تعدد مبرراتها فقالت‪.‬‬
‫‪ -‬الديان البراهيمية تحرض علي رفض الخر وتدميره مما نتج عنه قتل وذبح وحرق‬
‫المليين بسبب الصراع بين تلك الديان‪ ،‬كما قتل المليين نتيجة للصراع بين مذاهب‬
‫الدين الواحد منها‪.‬‬
‫تنهدت بعمق وأضافت‪.‬‬
‫‪ -‬لقد سلبت تلك الديان البشرية حريتها وقدرتها على البداع‪ ،‬ولنها ل تملك قوة‬
‫العفرض الذاتي ول تستطيع الصمود أمام العقل‪ ،‬بسبب هشاشة فكرتها وتعارضها مع‬
‫قواعد التفكير الموضوعي‪ ،‬لم ولن يكون أمامها فرصة للاستمرار إل بالقوة والجبار‪.‬‬
‫كانت منطلقة في الحديث‪ ،‬فقاطعتها قائلا في ضيق صدر‪.‬‬
‫‪ -‬ما هو هدفك من تجريد الناس من إيمانهم؟‪.‬‬
‫أنكرت أن يكون هذا هو هدفها وكأنها تتحدث إلي نفسها قالت‪.‬‬
‫‪ -‬أهدف إلي حماية النسان من العنف والتطرف ‪ ،،‬اسعي لتجفيف أنهار الدماء التي‬
‫تسفك باسم ال زو ار وبهتان ا ‪ ،،‬أريد حماية الحضارة من التدمير على أيدي الحمقى ‪،،‬‬
‫أحارب من أجل السلم‪ ،‬من أجل التقدم والحضارة‪.‬‬
‫لذت بالصمت ثام اندفعت في ضحك كالبكاء‪ ,‬ارتبكت لحالها ولم أعد أميز‬
‫مشاعري نحوها‪ ،‬تركتها تبكى حتى هدأت وواصلت حديثاها فقالت‪.‬‬
‫‪ -‬أحلم بعالم بل إرهاب‪ ،‬بل عنف‪.‬‬
‫قامت من مكانها وأعطتني ظهرها وأضافت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬كان عمري شه ار واحدا عندما قتل الفلسطينيون والدي في دورة اللعاب الوليمبية‬
‫بميونخ سنة ‪1972‬م‪.‬‬
‫ألجمتني المفاجأة‪ ،‬لحظت ارتباكي وانفلت أعصابي فقالت‪.‬‬
‫‪ -‬لعلمك أنا إيطالية ولست إسرائيلية‪.‬‬
‫اقتربت منى وربتت على كتفي ثام جلست بجواري وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬في عام ‪1952‬م‪ ،‬استولت السلطات المصرية على ممتلكات جدي وأجبرته على‬
‫الفرار من الإسكندرية فهاجر بأبي طفلا إلى إسرائيل‪ ،‬شب والدي إسرائيليا مخلصا لبلده‪،‬‬
‫وأصبح بطل إسرائيل في الوثاب بالزانة‪ ،‬وتعرف على والدتي‪ ،‬اليهودية الإيطالية والتي‬
‫تكبره بثالثاة أعوام‪ ،‬في روما إبان بطولة العالم للعاب القوى‪ ،‬كانت أرملة ولديها طفل‪،‬‬
‫تركته مع والدتها بروما‪ ،‬وذهبت لتعيش مع أبي بإسرائيل‪.‬‬
‫تمخطت بقوة ثام أضافت‪.‬‬
‫‪ -‬عادت أمي إلى إيطاليا وتفرغت لرعايتي مع شقيقي الكبر‪ ،‬وبعد عدة سنوات‬
‫تزوجت من مهندس إيطالي وأنجبت منه شقيقي الجميل روبرتو‪ ،‬كان شاب ا واعداا‪ ،‬صار‬
‫أجمل ما في حياتي محمد‪.‬‬
‫توقفت عن الكلم وانتحبت ثام أكملت حديثاها‪.‬‬
‫‪ -‬لقد فقدت أمي وزوجها ومعهم روبرتو الرائع تحت أنقاض مركز التجارة العالمي في‬
‫تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر بنيويورك‪.‬‬
‫أصبح الموقف ل يحتمل‪ ،‬تماسكت ولتغيير مجرى الحديث سألتها‪.‬‬
‫‪ -‬سيلفيو فرح لقرارك بعدم الكشف عن أسرار الصفقة الخيرة‪ ،‬إنه يخاف عليك‪.‬‬
‫‪ -‬سيلفيو ل يخاف إل على نفسه‪ ،‬أنت ل تعرفه‪.‬‬
‫مسحت دموعها وأضافت‪.‬‬
‫‪ -‬لم أكن أتمنى العمل معه أبدا‪ ،‬لكن الجميع حاربوني ولم يتركوا لي أية فرصة‪.‬‬
‫‪ -‬من هؤلء الذين يهددونك صابرينا؟‪.‬‬
‫‪ -‬جماعة تتبنى ديانة مريبة ولها طقوس تعبدية شاذة‪ ،‬تسمي نفسها جماعة المؤمنين‬
‫بإله النور‪ ،‬أعتقد أن لها علقة بالديانات المصرية القديمة‪.‬‬
‫‪ -‬ما علقة جماعة هذا شأنها بأبحاثاك عن الديانات البراهيمية؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬كنت أعمل في تحقيق بعض وثاائق مكتشفة بمنطقة البحر الميت وفوجئت بأحد‬
‫أساتذتي يخفى عددا كبيرا منها ببيته‪ ،‬وعلى غير عادته أصبح شخص ا عصبي ا ومتوترا‬
‫لقصى درجة‪ ،‬وقد أخبرني الرجل بأن تلك الوثاائق تكشف عن أسرار خطيرة ستهز‬
‫العالم‪ ،‬فقد تأكد أن أعضاء جماعة الأسينين‪ ،‬التي أسست للديانة المسيحية‪ ،‬هم في‬
‫الحقيقة أحفاد اللفيف المصري الذي خرج مع اليهود بقيادة ما يسمى بموسى التوراتي أو‬
‫ما يعتقد هو بأنه أوزير سيف المصري‪ ،‬أهم أتباع الفرعون إخناتون‪.‬‬
‫تيقنت من أنها ستأخذني بعيدا في الحوار‪ ،‬فأنا أعرف قدرتها الهائلة على الحوار‬
‫والجدال‪ ،‬الذي لو امتد لشهور ما قل حماسها أبداا‪ ،‬ولسيطر على الحوار وأوجه دفة‬
‫الحديث قلت‪.‬‬
‫‪ -‬لم أفهم علقة تلك الجماعة بكل ما تتكلمين عنه؟‪.‬‬
‫‪ -‬خلل أبحاثاي‪ ،‬وتنقيبي في الرض والكتب‪ ،‬اكتشفت تاريخ جماعة دينية قديمة‬
‫منشقة على جماعة الأسينين وتؤمن بأن إله الظلم قد استولي على الكون بعدما تمكن‬
‫من خداع إله النور‪ ،‬وأنه لبد من تدمير الحياة علي الرض ليعود الكون خالص ا لله‬
‫النور‪ ،‬ولأهمية الاكتشاف تتبعت هذه الجماعة عبر التاريخ‪ ،‬فتجمعت لدى معلومات‬
‫تؤكد أن هذه الجماعة مازالت موجودة وتتخذ من بعض الكنائس بأوروبا والشرق‬
‫الوسط غطاء لديانتها السرية وستا ار لنشطتها المريبة‪ ،‬واكتشفت وثايقة قديمة تؤكد‬
‫سعي هذه الجماعة لتدمير العالم لتخليصه من قبضة إله الشر حينئذ يهبط للرض إله‬
‫النور ليسلم الكون لتباعه المخلصين‪ ،‬أعضاء الجماعة‪ ،‬ليحكموه للبد بعدما يحولهم‬
‫إلي ملئكته المقربين‪.‬‬
‫‪ -‬كيف تعتدين بتلك الخزعبلت؟‪.‬‬
‫‪ -‬ليست خزعبلت‪ ،‬إنها الحقيقة‪ ،‬هل تعلم أن هذه الجماعة منتشرة في عدد كبير من‬
‫الدول وتضم شخصيات هامة ولها ثاقل كبير في دولها‪ ،‬ومن بين أعضائها رؤساء دول‬
‫وملوك ووزراء ورجال أعمال وفنانين ومثاقفين لدرجة تدعوك للدهشة‪.‬‬
‫ذكرني حديثاها بتفاصيل قصة إبراهيم سالم وعلي العمرناوي‪ ،‬وقد انزعجت لفكرة‬
‫ربط قصتها بما يدور فى ذهني من ذكريات‪ ،‬فقلت لأنهى هذا الحوار‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬كان قد أبلغني حجازي بأن هناك مجموعة من الوسطاء عرضوا عليه شراء محتويات‬
‫مقبرة فرعونية‪ ،‬من المتوقع أنها ستزيح الستار عن الكثاير من أسرار العقائد المصرية‬
‫القديمة‪.‬‬
‫‪ -‬لقد أخبرني بذلك‪.‬‬
‫‪ -‬ألن تأتي لمصر لمتابعة هذه الصفقة؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬لن يوافق سيلفيو‪ ،‬ولكنى أثاق في وعدك بمساعدتي‪.‬‬
‫‪ -‬أي وعد؟‪.‬‬
‫‪ -‬أن تسهل لحجازي تصوير كل محتويات تلك المقبرة‪.‬‬
‫‪ -‬أعدك مقابل أن تلتزمي باتفاقنا بأل تعلني شيئا إل بالاتفاق بيننا‪.‬‬
‫‪ -‬حسن ا‪ ,‬أوافق‪ ،‬متى تغادر إلي مصر؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل أدري‪ ،‬ولكن بمجرد أن أنتهي من بعض العمال الهامة هنا سأغادر من فوري‪.‬‬
‫‪ -‬أتابع نجاحك الساحق في دنيا العمال‪ ،‬أتمنى لك التوفيق‪.‬‬
‫‪ -‬شك ار صابرينا‪ ،‬لن أنسى مساعدتك لي‪ ،‬متى أراك مرة دأخرى؟‪.‬‬
‫‪ -‬سأذهب إلى إسرائيل‪ ،‬سأبقى هناك لعدة أشهر‪.‬‬
‫‪ -‬ولعمـَ كل تلك الفترة؟‬
‫‪ -‬زيارة عمل‪ ،‬فهناك كشف خطير في منطقة بالقدس القديمة تسمى تالبيوت‪ ،‬ويعتقد‬
‫عدد من العلماء بأن ما عثاروا عليه هو قبر المسيح وعائلته‪ ،‬وقد شكلوا فريقا من علماء‬
‫الثاار والحصاء واستعانوا بعلماء في الوراثاة والحمض النووي‪ ،‬وفي الحفريات‪،‬‬
‫واستعانوا بي كمحققة للوثاائق‪.‬‬
‫قلت فى غضب وضيق صدر‪.‬‬
‫‪ -‬هذا تجديف يسعي لهدم العقيدة المسيحية‪ ،‬ولطعن السلم بخنجر مسموم‪.‬‬
‫‪ -‬محمد‪ ،‬تعلم موقفي من الديان منذ تعارفنا فلماذا تصيح في الن هكذا؟ من حقك‬
‫وحق الجميع رفض هذه المعلومات وكذا العتراض على نتائجها ولكن من واجبنا‪،‬‬
‫نحن العلماء‪ ،‬أن دنطلع البشرية على ما لدينا من معلومات‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫في السبوع الخير من شهر يوليو لسنة ‪2010‬م دنلشعر كتاب بعنوان قبر عائلة‬
‫المسيح‪ ،‬وفى يوم الخميس‪ ،‬السادس والعشرون من أغسطس لسنة ‪2010‬م عقد المخرج‬
‫العالمي جيمس كاميرون‪ ،‬مخرج فيلم تيتانيك‪ ،‬مؤتمرا صحفي ا بمكتبة نيويورك حيث‬
‫أعلن أنه يمتلك أدلة دامغة‪ ،‬وغير مسبوقة‪ ،‬تثابت وجود قبر المسيح‪ ،‬وكانت صابرينا‪،‬‬
‫بروفيسور تحقيق الوثاائق‪ ،‬هي نجمة المؤتمر بل منازع‪.‬‬
‫وفي يوم الحد‪ ،‬التاسع والعشرين من أغسطس لسنة ‪2010‬م أذاعت قناة‬
‫ديسكفري المريكية وقناة رؤية الكندية فيلما بعنوان } قبر يسوع الضائع { وكان المنتج‬
‫المنفذ هو كاميرون نفسه‪ ،‬وأعدت صابرينا المادة العلمية للفيلم‪.‬‬
‫كنت أتابع نشاطها المحموم وأشفق عليها‪ ،‬حاولت الاتصال بها عدة مرات‬
‫لطمئن عليها بل جدوى‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫دخلت مصر عن طريق ليبيا في شهر سبتمبر ‪2010‬م‪ ،‬ذهبت من فوري إلى شقتي‬
‫بمدينة الحسينية‪ ،‬كنت أشعر ببعض المان هذه المرة فطلبت من أحمد حجازي أن‬
‫يذهب لمدينة دمياط الجديدة ويحتال كي يعطيكم بعض المال‪ ،‬وسعيت أنا لؤدي‬
‫المانة التي حملني إياها الشاب الذي تعرفت عليه علي اللوح الخشبي لدقائق قبل أن‬
‫يغرق‪ ،‬ذهبت لقريته‪ ،‬كفر شحاتة مركز فاقوس شرقية‪ ،‬وبسهولة عثارت على أسرته‪،‬‬
‫وبالطبع كانت أسرة رقيقة الحال‪ ،‬أب مريض وأم مكافحة وعدد من الشقاء ما زال‬
‫عودهم أخضر‪ ،‬كان له أخ تلميذ بمدرسة فاقوس الثاانوية الصناعية ويعمل صبيا بورشة‬
‫لصلح السيارات‪ ،‬علي مشارف القرية‪ ،‬بعد وقت الدراسة‪ ،‬توقفت بالسيارة أمام الورشة‬
‫لسمعه صوت الموتور‪ ،‬تحركت به بعيدا وقلت له‪.‬‬
‫وطلبت منه أن يركب بجواري د‬
‫‪ -‬أنت شقيق أحمد إبراهيم بدير‪.‬‬
‫ارتبك الشاب‪ ،‬نظر إلى بلهفة وتحشرج صوته وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬أتعرف المرحوم أحمد؟‪.‬‬
‫لتجنب استمرار الحوار قلت له‪.‬‬
‫‪ -‬في الحقيقة ل أعرفه‪ ،‬ولكنه ترك أمانة مع صديق له‪ ،‬وقد طلب منى صديقه هذا أن‬
‫أعطيها لوالد أحمد‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫مددت يدي بالحقيبة للشاب المرتبك وقلت له‪.‬‬
‫‪ -‬خللي بالك‪ ،‬بتلك الحقيبة نصف مليون جنيه‪ ،‬اذهب فو ار وأعطها لوالدك‪.‬‬
‫أنزلته وتحركت بالسيارة سريع ا هرب ا منه ومن رغبة في البكاء كانت تلح ععلعمي‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫طلبت من حجازي ترتيب مقابلة مع الوسطاء لمناقشتهم فيما لديهم‪ ،‬وتنكرت في‬
‫شخصية خبير إيطالي‪ ،‬ويعمل لصالح سفارته بمصر‪ ،‬فأنا أعرف أن كل من يعمل‬
‫بتجارة الثاار يثاق ثاقة عمياء في الجانب وقد انتبه لذلك كبار النصابين في الدشغلة‬
‫فكان منهم من يستعين برجل أو امرأة من الجانب ويقدمونهم لضحاياهم كخبراء آثاار‬
‫يعملون لصالح سفارة من السفارات‪ ،‬وكلمة سفارة دائما ما تكون كفيلة وحدها بإبهار‬
‫الضحايا وكسب ثاقتهم حتى لو كانت السفارة السرائيلية‪.‬‬
‫أول مقابلة كانت مع خمسة من الشباب‪ ،‬من مدينة المطرية بمحافظة الدقهلية‪،‬‬
‫بعيونهم رجاء ولهفة‪ ،‬شاهدت معهم التصوير‪ ،‬فرأيت أجزاء من لوحات جداريه دتظهر‬
‫نقوش ا وخراطيش بها معلومات مذهلة دفعتني لن أبذل مجهودا ذهني ا شاق ا لتمكن من‬
‫قراءة المكتوب علي التماثايل الموجودة بالتصوير‪ ،‬تأكدت من أني بصدد كشف خطير‪،‬‬
‫ولني محظوظ‪ ،‬كما أوحت لي نبوءة سماسم‪ ،‬وقع بيدي صيد ثامين‪ ،‬فقد تبين لي وجود‬
‫عدة لفائف بجوار أحد التماثايل‪ ،‬فطلبت من حجازي أن يستفسر منهم عن تلك اللفائف‪،‬‬
‫فقال أحدهم بعدم اكتراث‪.‬‬
‫‪ -‬يوجد بالمقبرة ستة لفائف جلدية كبيرة‪ ،‬كل منها ملفوف داخل كيس من القماش‪ ،‬أظنه‬
‫من الكتان‪ ،‬حينما فضضنا إحداها وجدناها عبارة عن كتاب من عدة صفحات‪ ،‬من‬
‫الجلد أيضا‪ ،‬بكل صفحة عدة أعمدة طولية من الكتابة كتلك الموجودة على التماثايل‪،‬‬
‫فأعدناها كما كانت‪ ،‬علها تكون مهمة لمن سيشترى التماثايل‪.‬‬
‫طلبت رؤية المكان لقراءة النقوش الجداريه بالمقبرة وفحص اللفائف‪ ،‬رفضوا وأصروا‬
‫على أن أحدد ثامن الدشغل وأن يروا الفلوس قبل أي تحرك وقال أحدهم‪.‬‬
‫‪ -‬لقد تعرضنا لعمليات عنصب عديدة‪ ،‬كنا نعرض التصوير فيؤكد الخبير أنها سليمة‬
‫ويطلب شرط ا عشرة آلف جنيه‪ ،‬وعندما يحضر يدعى أنها شمال‪ ،‬مرة يقول مقلدة‪،‬‬
‫ومرة يدعي أنها مصنوعة من عجينة فرنسية‪ ،‬مع أننا كنا موجودين لحظة فتح المقبرة‪،‬‬

‫‪200‬‬
‫ونحن متأكدون من سلمة الثاار الموجودة بها‪ ،‬لقد بعنا ما نملكه واقترضنا‪ ،‬وسحبنا‬
‫معنا معظم أصدقائنا وأغريناهم بالغنى حتى أصبح عددنا عشرين فردا كل منهم لم يعد‬
‫يملك جنيهاا‪.‬‬
‫‪ -‬ولكنى لم أطلب منكم شرطا‪ ،‬بل سأدفع لكم الن‪.‬‬
‫تهللت أساريرهم وتبادلوا النظرات ليستحثاوا بعضهم البعض على الصمود وعدم‬
‫إظهار لهفتهم‪ ،‬سألتهم‪.‬‬
‫‪ -‬كيف تخدعون وأنتم شباب دمتعللم؟‪.‬‬
‫قال أحدهم‪.‬‬
‫‪ -‬شغلة الثاار كالمخدرات‪ ،‬تسحب الفرد من الواقع ليعيش في الخيال ويفقد عقله‪.‬‬
‫‪ -‬لكن هذه الدشغلة تحتاج للذكاء والشجاعة‪.‬‬
‫‪ -‬نحن أذكياء ول نفتقد الشجاعة ولكن عند الكلم في الثاار نغيب عن الوعي‪.‬‬
‫ثام ضحك وأضاف في أسي‪.‬‬
‫‪ -‬وكأنه منهج دراسي بمدرسة النصب‪ ،‬كنا نشرب المقلب نفسه وبنفس الطريقة عدة‬
‫مرات‪ ،‬كلما خسرنا كلما تورطنا أكثار‪ ،‬ول نكف عن تكرار المحاولة‪ ،‬حتى أفلسنا‪.‬‬
‫ادعيت الدهشة واصطنعت الضحك ثام ناولت الشاب الذي كان أكثارهم حديثاا‬
‫فتوقعت أنه قائدهم‪ ،‬مبلغ مائة ألف جنيه مقابل أن يرتب لي طريقة لفحص المقبرة‬
‫بنفسي‪ ،‬وطمأنتهم بأن المال لهم على أية حال‪ ،‬سواء كان الدشغل سليما أم ل‪.‬‬
‫وعندما شاهدت السعادة والارتياح على وجوههم‪ ،‬أضفت‪.‬‬
‫‪ -‬أرجو أن يكون الشغل تحت أيديكم إوال ستفوتكم فرصة عظيمة‪.‬‬
‫أكدوا بأن الكنز تحت سيطرتهم وقال أحدهم والفرحة الغامرة ترج جسده رجاا‪.‬‬
‫‪ -‬كيف نضيع الفرصة‪ ،‬وهذه أول مرة نمسك فلوس ا من الشغلة دي‪.‬‬
‫اتفقنا على اللقاء بعد شهر‪ ،‬للذهاب إلي إيطاليا‪ ،‬لعرض الشغل على خبراء‬
‫متحف روما والاتفاق على ثامنه‪ ،‬على أن أعطيهم مائة ألف دولر عند فحصى للدشغل‬
‫ل‪ ،‬ل يمكن تتبعه‪ ،‬وبه خط غير مسجل باسم أحد‬
‫بنفسي‪ ،‬وأعطيت قائدهم هاتف ا جوا ا‬
‫لدي شركة المحمول وعليه رقم هاتف‪ ،‬ونبهت عليه أل يستخدمه‪ ،‬فقط يرد على الرقم‪،‬‬
‫المسجل على الهاتف‪ ،‬حين يطلبه‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪----------‬‬
‫المجموعة الخرى من الوسطاء كانت مفاجأة دمدهشة‪ ،‬مصطفى النجار‪ ،‬هيثام‬
‫بدر‪ ،‬الحاج عيد الهللي‪ ،‬صيد ثامين‪ ،‬أخطر تجار الثاار بمصر في سلة واحدة‪ ،‬هذا‬
‫أبعد مما تمنيته‪ ،‬يبدو أن نبوءة عسمالسم ل تكف عن محاولتها لتأكيد صحتها‪.‬‬
‫طفح الحقد من جوفي ولكني نجحت في السيطرة على أعصابي وتعاملت معهم‬
‫بشكل طبيعي‪ ،‬فأنا أعلم الناس بذكائهم الشرير وبقدرتهم علي البطش‪.‬‬
‫طلبت من حجازي أن ديرلحب بهم فقال النجار بعنجهية واضحة‪.‬‬
‫‪ -‬ل داعي لمترجم‪ ،‬يمكنك أن تتكلم بالنجليزية‪.‬‬
‫وافقت واعترض رفيقاه‪ ،‬قال هيثام بدر‪.‬‬
‫‪ -‬إيطالي‪ ،‬إنجليزي‪ ،‬الستاذ حجازي يترجم لنا لكي نفهم ما يقال‪.‬‬
‫ارتحت لنعدام الثاقة بينهم‪ ،‬وعتحدثات بالنجليزية وقام حجازي بالترجمة‪ ،‬عرفتهم‬
‫بنفسي فعرفوني بمواقعهم السياسية ليؤكدوا مدي نفوذهم بمصر‪ ،‬فتأكدت أنهم‪ ،‬وأمثاالهم‪،‬‬
‫بمثاابة السوس الذي ينخر في عظام النظام ليخلص البلد منه ومنهم‪.‬‬
‫قالت سهير في ضجر‪.‬‬
‫‪ -‬تأخرت على الولد والنقاب كتم أنفاسي‪ ،‬عليك أن تختصر أو نكمل في يوم آخر‪.‬‬
‫‪ -‬ساعة واحدة فقط وسأنتهي‪.‬‬
‫‪ -‬أل يوجد مكان آخر‪ ،‬نكمل فيه حديثانا بل نقاب‪ ،‬ألم أوحشك بعد؟‪.‬‬
‫‪ -‬أشتاق إليك بجنون‪ ،‬لكن التوتر والحرص‪ ،‬على أن تعرفي كل شيء أخذاني منك‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫بمجرد أن دلفت إلى الشاليه أزاحت عن وجهها النقاب‪ ،‬تنفست بعمق وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬الن يمكنك أن تتكلم علي راحتك‪.‬‬
‫ضحك واتجه للمطبخ لديلعد الشاي‪ ،‬واضطجعت هي علي الكنبة وخلعت‬
‫ملبسها لتعري النصف العلي من جسدها‪ ،‬ومرت بهما خمس دقائق عجيبة‪ ،‬كان هو‬
‫يستجمع ذاكرته ويجتر آلم الماضي وديهدئ من لهفته على ولديه وزوجته‪ ،‬بينما كانت‬
‫هي تتحدث إلى نفسها ودتخلطط لتنال ما دحرمت منه لسنوات‪ ،‬وراحت تتحدث إلي نفسها‬
‫‪ ،،‬ليس من المعقول إنه لم يضاجع امرأة طوال تلك الفترة الطويلة ‪ ،،،‬هو زوجي وأعرفه‬

‫‪200‬‬
‫جيداا‪ ،‬قد ل يخطر الجنس على باله لشهور ولكن لو ط أر علي ذهنه ديمكن له أن يقفز‬
‫على أول امرأة تقابله حتى لو كان ذلك في الطريق العام‪.‬‬
‫ضحكت على حالها‪ ،‬ارتعشت شفتاها وزاد من توترها طعم الدمع في فمها ‪،،،‬‬
‫هل فكر مرة في حالي؟ ‪ ،،،‬هل تصور أن أية امرأة يمكن أن تحيا بدون أن يلمس‬
‫جلدها جلد رجل لخمسة أعوام؟ ‪ ،،،‬أظنه لم يسأل نفسه هذا السؤال بل إنه قد ل يكون‬
‫قد اهتم بهذا الموضوع من الأساس ‪ ،،،‬إنه ل يعرف كيف جاهدت نفسي وتجرعت آلم‬
‫كبت غريزتي لسنوات كي ل دأهين نفسي ‪ ،،،‬أيعرف‪ ،‬هذا الناني‪ ،‬أنه قد مرت علي‬
‫أوقات تمنيت فيها أن يختطفني أحدهم ويغتصبني ‪ ،،،‬آه ‪ ،،،‬لقد كنت أععجعبن من أن‬
‫أستجيب لغراء أي رجل راودني عن نفسي وهم دكثادر‪.‬‬
‫أخذت الفكار والتساؤلت تقفز إلى عقلها من مكان سحيق بداخلها‪ ،‬ارتبكت‬
‫وارتعشت أطرافها‪ ،‬اصفر لونها وسال على وجهها ورقبتها عرق ساخن وقد شعرت‬
‫بحسرة على السنوات التي دأهدرت من شبابها الذي بدأ ينزوي‪ ،‬تجدد بداخلها ما كان‬
‫ينتابها من غيظ وحنق على زوجها الذي تركها تعانى في مقاومة طبيعتها كامرأة‪.‬‬
‫حاولت السيطرة على مشاعرها والهرب من أفكارها تلك‪ ،‬فراحت عتشلغل نفسها‬
‫بالتمعن فى أثااث العشاليه الفخم‪.‬‬
‫وضع الشاي علي المنضدة واقترب منها حتى أصبح خلفها تمام ا وقال‪.‬‬
‫‪ -‬هل أعجبك الشاليه؟‪.‬‬
‫استدارت إليه وبعينيها عتاب وشوق وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬رضا‪ ،‬أنا معك منذ أكثار من ثالث ساعات‪ ،‬وبعد غياب خمس سنوات لم تقل لي‬
‫كلمة واحدة تدل على أنك تفتقدني‪ ،‬إيه فاكرني جمادا ول إيه؟‪.‬‬
‫تدفقت دموعها وفقدت سيطرتها على أعاصير نفسها‪ ،‬اختلجت عضلت وجهها‬
‫وارتج جسدها‪ ،‬وعبرت نفسها السنوات الخمس العجاف فتلشى الغضب وذهبت عنها‬
‫الحسرة وفاضت بها الرغبة‪ ،‬تسارعت أنفاسها واحمر وجهها فكاد أن يضيء إوان لم‬
‫تمسسه نار‪.‬‬
‫أظلمت عيناها‪ ،‬ذهب سوادهما واحمر بياضهما‪ ،‬وهمت به وهم بها والدهشة‬
‫تغمره ‪ ،،،‬ما أجمل أن يعود النسان لطبيعته الحقيقية بل عخجل أو مواربة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫وهى تلتهم شفتيه‪ ،‬وتلفح أنفاسها الساخنة وجهه‪ ،‬تذكر ليلته المشهودة مع‬
‫صابرينا حين تناولا سوي ا الفطر السينائي فقال لنفسه ‪ ،،‬يا إلهي إنها نفس الطبيعة‪،‬‬
‫نفس خلجات الوجه وتلون البشرة إواشعاع الرغبة بالعيون ‪ ،،،‬نفس صراخ الشبق في‬
‫ح اررة العشفاه ‪ ،،،‬يا إلهي‪ ،‬أيمكن للرغبة الجامحة أن تحتوى النسان فيعود لطبيعته‬
‫الولي متوحدا مع الكون‪ ،‬أيمكنها أن تزيح وهم الحضارة لتأخذه لبدايات التاريخ‪،‬‬
‫لكهوف الجبال‪ ،‬لكواخ الصحارى‪ ،‬حيث كان الجنس عتعبددا واندماجا مع الطبيعة‪.‬‬
‫انتبه على ألم بشفتيه‪ ،‬راحت تلتهم كل جزء من وجهه تصل إليه بشفتيها‬
‫وبأسنانها وبدا المر وكأنها ستأكله‪ ،‬كلما شعرت به يتألم ازدادت شهيتها لطعم جلده‬
‫ولعابه‪ ،‬لول دموعها‪ ،‬عبللت وجهه‪ ،‬لاحترق جلده بلهيب أنفاسها‪ ،‬وكأن في جوفها يشتعل‬
‫موقد نار‪.‬‬
‫تمني لو أنه استعد لها‪ ،‬ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه‪ ،‬فقد تأكد له أنها لن‬
‫ظرف خمس دقائق‪ ،‬أطول‬
‫تتركه ليستعد‪ ،‬فراح يعمل على إثاارتها لعله ينتهي منها في ع‬
‫مدة يسمح بها مرض السكر‪.‬‬
‫بعد دقائق من القبلت المتوحشة والحضان العنيفة‪ ،‬تطايرت قطع الملبس‬
‫وتعري جسديهما وابتل بالعرق الدافئ‪ ،‬الرعشة تفتك بها‪ ،‬شهيقها ضجيج متقطع والزفير‬
‫آهات تبوح بالحسرة وتبعث على السي‪ ،‬غرست أظافرها فى كتفيه‪ ،‬ارتجت فى‬
‫أحضانه وبدا أنها تفقد وعيها‪ ،‬أمسك بها بقوة‪ ،‬هاجت بين ذراعيه وهوت به أرضاا‪ ،‬غاب‬
‫عقلها فتسامت روحها‪ ،‬صارعته فصرعها عدة مرات من فرط حساسيتها‪ ،‬كلما ارتجت‬
‫انهال عليها‪ ،‬فتصرخ منه وبه‪ ،‬ليسرع من ضرباته ويزيد من قوتها‪ ،‬علها تغتال بلذة‬
‫اللم رغبتها التي أرقتها لسنوات‪ ،‬سحقها‪ ،‬ارتبكت واستغاثات‪ ،‬فأغاثاها بغزوات دأخر‪،‬‬
‫همد جسدها وأوشك على الغرق فى بركة مباركة من العرق الساخن والماء الدافق الذي‬
‫استمر يخرج منها كدفقات لذيذة يرتاح لها الجسد وتأنس لها الروح‪.‬‬
‫هبط عنها‪ ،‬فتمددت بجواره تعاني فرط اللذة وشدة الظمأ‪ ،‬راح يقبلها ويكلمها‪،‬‬
‫وكيف لها أن تبادله الكلم وهى تحلق في فضاء نفسها‪ ،‬استدار ليحتضنها فراعه أن‬
‫قلبها يدق بقوة وكأنه سيحطم ضلوعها‪ ،‬أخذ يجفف عرقها الغزير‪ ،‬حاولت أن تنطق فلم‬
‫تسعفها أنفاسها والتصق لسانها بحلقها‪ ،‬قام وأحضر كوبا من الماء وعبوة من عصير‬

‫‪200‬‬
‫الفاكهة‪ ،‬وجلس خلفها وأخذها بين فخذيه وبدأ يسقيها الماء والعصير كما فعل في ليلته‬
‫الليلء مع صابرينا‪.‬‬
‫راح يداعبها بكلماته الرقيقة ويرجوها أن تكف عن البكاء‪ ،‬ففاجأته قائلة‪.‬‬
‫‪ -‬ألم يخطر ببالك احتمال خيانتي لك‪.‬‬
‫مع توقعه لسؤال كهذا فقد شعر بالصدمة وقال في غضب‪.‬‬
‫‪ -‬لم يخطر هذا الحتمال على بالى أبدا فأنا أعرف أنك إنسانة دمحترمة ول يمكن أن‬
‫تلعرعخصي عنفلسك‪ ،‬كما أن المرأة التي تدلحب ل تخون‪.‬‬
‫‪ -‬ل تخون ولكنها تتألم وتأكل نفسها‪.‬‬
‫‪ -‬أعدك بأن نعيش عأحلى لعيشة ونعوض ما فاتنا‪.‬‬
‫‪ -‬وهل يمكن تعويض العشباب يا رضا‪.‬‬
‫‪ -‬الغني والنفوذ كفيلن بأن يعيش النسان لمائة عام مستمتع ا بحياته‪.‬‬
‫بأدائه الجيد وبكلمه المعسول سيطر عليها تماما وواصل سرد حكايته‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫شاهدت معهم التصوير‪ ،‬وكان هو نفس ما شاهدته مع الشباب‪ ،‬فسألتهم‪.‬‬
‫‪ -‬هل هذا الدشغل تحت أيديكم؟‪.‬‬
‫قال النجار بصلف‪.‬‬
‫‪ -‬شوف يا خواجة إحنا ناس كبار في البلد دي وأهم ناس في شغلة الثاار في مصر‬
‫وعليك أن تثاق فيما نقوله‪.‬‬
‫ضايقني غروره فقلت له‪.‬‬
‫‪ -‬لكنى شاهدت نفس التصوير مع مجموعة أخري من الوسطاء‪.‬‬
‫فقال هيثام بدر بهدوئه الدمخيف‪.‬‬
‫‪ -‬في شغلتنا‪ ،‬يبدأ الموضوع بتصوير واحد‪ ،‬وعندما تتناوله الأيدي دينعسخ منه العشرات‪،‬‬
‫ويمكنك أن تجد نفس التصوير مع العشرات من الوسطاء‪ ،‬المهم الدشغل تحت عسيطرة‬
‫عمن‪.‬‬
‫ولأضعهم في حجمهم الحقيقي‪ ،‬قلت له‪.‬‬
‫‪ -‬ولكنكم وسطاء أيضا فما الفرق؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫رد في غضب‪.‬‬
‫‪ -‬الدشغل يخصنا نحن فقط‪ ،‬إوان اعتمدته عليك أن تعطينا سعره الن‪ ،‬إوان اتفقنا لن‬
‫تدفع دولرا واحدا إل عندما تجلس على الدشغل بنفسك‪ ،‬واعلم أنه ل يوجد في عبر مصر‬
‫من يجرؤ على خداعنا‪.‬‬
‫وأضاف في عنجهية وهو ينظر لي ولحجازي‪.‬‬
‫‪ -‬وأنتما أيضا لن تفك ار في خداعنا‪.‬‬
‫استععشطد غضبا وقلت لرد له تهديده‪.‬‬
‫‪ -‬ونحن أيض ا أقوياء ول يستطيع أحد خداعنا‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫تدخل عيد الهللي بعمكر قائ ا‬
‫‪ -‬إيه يا جماعة؟‪ ،‬ما تصلوا بينا على النبي‪ ،‬الخير كثاير وكلنا نريد لليلة أن تمر على‬
‫خير‪ ،‬وربنا ما يجيب خيانة‪.‬‬
‫‪ -‬الشغل يسعر علي الطبيعة‪.‬‬
‫قلت ذلك بحزم فقال هيثام بدر‪.‬‬
‫‪ -‬أفهم من ذلك أنك اعتمدت الدشغل؟‪.‬‬
‫‪ -‬عنعم‪ ،‬الدشغل سليم‪.‬‬
‫‪ -‬ستدفع مليون دولر لمعاينة الدشغل ولو لم تتم الصفقة يصبح المبلغ من حقنا‪.‬‬
‫‪ -‬سيكون المبلغ جاهزا عند عودتي من إيطاليا‪ ،‬بعد شهر‪ ،‬كيف نتصل بكم؟‪.‬‬
‫‪ -‬الستاذ حجازي يعرف كيف يتصل بنا‪.‬‬
‫‪ -‬أين يقع مكان المقبرة؟‪.‬‬
‫اندفع النجار كالمدفع‪.‬‬
‫‪ -‬لما نشوف فلوسك تعرف المكان‪.‬‬
‫‪ -‬لبد أن أعرف المكان ولو بالتقريب إوال كيف أدعؤلمن نفسي؟‪.‬‬
‫قال هيثام بدر بهدوئه الدمدلهش‪.‬‬
‫‪ -‬ل تشلغل بالك بحكاية التأمين تلك‪ ،‬نحن نستطيع تأمينك حتى تخرج من عمصر‪ ،‬ولو‬
‫أردت أن نحميك في إيطاليا نفسها‪ ،‬يمكنا ذلك‪.‬‬
‫قال ذلك وهو ينظر إلي باستعلء بغيض‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬من المفتعرض أنكم تعلمون أنه لبد لي من معرفة المكان لستطيع تحديد السرة‬
‫صاحبة المقبرة‪ ،‬أو التي أقيمت في عهدها‪ ،‬كنت أعتقد أنكم تعرفون أن هذه المعرفة هي‬
‫أهم بند في تحديد ثامن الدشغل‪.‬‬
‫وكأني أغريته‪ ،‬قال عيد بل اكتراث لتحذير رفيقيه‪.‬‬
‫‪ -‬هي في مكان ما ببحيرة المنزلة‪.‬‬
‫ذهبوا بعدما فاضت بي الكراهية وملني حقد أسود‪ ،‬قررت تدميرهم‪ ،‬عأجرت‬
‫نفسي بحمام دافيء‪ ،‬تمددت على السرير عاريا وبدأت محاولتي للنوم مغناطيسيا‬
‫لدخل في الحالة الذهنية آلفا‪ ،‬وبعد ساعتين كانت الخطة واضحة بذهني فقررت البدء‬
‫في التنفيذ‪ ،‬حال تفريغها في تكتيكات وخطوات عملية‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫عدت ليطاليا لنجاز بعض المهام‪ ،‬وقابلت سيلفيو وصابرينا‪ ،‬كلاا على حدة‪،‬‬
‫شرحت لهم ظروف الصفقة دون أن أطلعهما علي التصوير‪ ،‬تحمس سيلفيو للصفقة‪،‬‬
‫وكادت صابرينا أن تفقد عقلها حين أخبرتها بأمر اللفائف‪ ،‬فقد توقعت أنها خبيئة أوزير‬
‫سيف‪.‬‬
‫في الموعد المتفق عليه اتصلت هاتفيا بقائد مجموعة الشباب ليحضروا فو ار‪،‬‬
‫لشقتي بالحسينية‪ ،‬وحدث أن أخبرتهم بأني شاهدت تصوي ار لدشغلهم مع أشخاص مهمين‬
‫في البلد‪ ،‬استشاطوا غضبا وقال أحدهم وكأنه عيصدرخ‪.‬‬
‫‪ -‬لن يستطيع أحد أن يقترب من المكان‪ ،‬فقد أنفقنا كل ما نملك على هذا الدشغل‪.‬‬
‫كنت أسعي لغضابهم وتفجير ثاورتهم لتأكد من أن الطمع قد أحكم سيطرته‬
‫علي نفوسهم‪ ،‬دعوتهم للهدوء ورحت أداعب أحلمهم فقلت‪.‬‬
‫‪ -‬لقد تم اعتماد خمسين مليون دولر ثامن ا لمحتويات المقبرة‪ ،‬سأعرض على أصحاب‬
‫المكان عشرين أخضر والباقي كله لكم‪ ،‬ثالثاون مليووووون دوللللر صاااااافى لكم‬
‫يا شباب‪ ،‬هل اتفقنا؟‪.‬‬
‫ردوا في نفس واحد وعيونهم تتلقى في ذهول‪.‬‬
‫‪ -‬اتفقنا حضرتك‪ ،‬اتفقنا‪.‬‬
‫فتحت حقيبة مكتظة بالموال وقلت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬سأعطيكم مليون جنيه حالا بشرط أن تثابتوا لي سيطرتكم على الشغل‪ ،‬يمكن تأجيل‬
‫موضوع فحص الشغل لبعض الوقت‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫اندفع أحدهم قائ ا‬
‫‪ -‬إحنا طوع سيادتك‪ ،‬تحت أمر حضرتك يعنى‪.‬‬
‫شغلت الكومبيوتر المحمول وأشرت للتصوير وقلت بحزم‪.‬‬
‫‪ -‬أريد هذه اللفائف‪ ،‬سأعتبرها دليل سيطرتكم على الدشغل‪.‬‬
‫لم أنظر إليهم وأضفت‪.‬‬
‫‪ -‬سأعطيكم مليون جنيه أخري حينما تسلموني إياها‪.‬‬
‫أعطيتهم المال ورحت اشرح لهم تفاصيل الخطة التي أعددتها‪.‬‬
‫بعد أسبوع أعطيتهم ستة لفائف‪ ،‬كالتي تظهر بالتصوير تماماا‪ ،‬ليبدلوها بالصلية دون‬
‫أن يثايروا أدني شك لدى أصحاب الشغل‪.‬‬
‫سعدت باللفائف وفرحوا بالفلوس كثاي ارا‪ ،‬نظرت لقائدهم‪ ،‬اسمه حنفي‪ ،‬رأيت‬
‫الشيطان يسكن عينيه‪ ،‬قلت له‪.‬‬
‫‪ -‬ما حصلتم عليه من مال لن أخصمه من ثامن الدشغل‪ ،‬هو عربون للصداقة بيننا‪،‬‬
‫وسوف أعطيكم كل ما تطلبونه‪ ،‬شرط أنه من هذه اللحظة ستنفذون ما أطلبه منكم‪،‬‬
‫بكل دقة وبدون مناقشة‪ ،‬يجب أل يتصرف أحدكم أي تصرف غير الذي سأمليه عليه‪،‬‬
‫لو التزمتم بذلك لن تصبحوا أغنياء فقط بل ستصبحون رجالنا في لمصر‪ ،‬هل أنتم‬
‫مستعدون لذلك‪.‬‬
‫قالوا في نفس واحد‬
‫‪ -‬تحت أمرك يا باشا لو عايز نحرق البلد نحرقها‪.‬‬
‫ضحكنا كأصدقاء وتبادلنا إلقاء النكات‪ ،‬كان أحمد حجازي يترجم وتعبيرات‬
‫وجهه تعبر عن دهشته واستغرابه لما يحدث وعندما أصبحنا بمفردنا ألح على أن يفهم‬
‫ما أدبره‪ ،‬فقلت له‪.‬‬
‫أنت وصابرينا تحتاجان لما باللفائف من معلومات وأسرار‪ ،‬وسيكون لكما ذلك‪،‬‬
‫أما بقية الدشغل فهو ما يهم سيلفيو‪ ،‬فأرجو أن تترك لي الليلة كلها‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ساعدته في تصوير محتوي اللفائف تصوي ار دقيقاا‪ ،‬بكامي ار حديثاة ومبهرة في‬
‫إمكاناتها‪ ،‬حتى إن الحروف والكلمات كانت أوضح مما في اللفائف‪.‬‬
‫كنت قد قررت إضافةع دبعلد جديلد لخطتي بعدما سيطر علي الطمع فى الستيلء‬
‫على ثامن الصفقة لنفسي‪.‬‬
‫ألقيت نظرة على محتويات اللفائف وعلي الرغم من معرفتي الهائلة بتاريخ‬
‫الحضارات والديان فقد انتابني الذهول‪ ،‬فما هو مدون بها كان خطي ار‪.‬‬
‫كانت كل لفيفة عبارة عن خمس ورقات كبيرة من اللجلد العفالخر ومكتوب عليها‬
‫بقلم اردواز بطريقة الكتابة الهيروغليفية المقدسة ولكن بطريقة فريدة على طرق التدوين‬
‫المصرية‪ ،‬فبكل ورقة إحد عشر عمودا من السطور‪ ،‬بكل عمود خمسة وعشرون‬
‫ل لفيفلة كتاب ا مستقل ا بذاته ويناقش قضية معينة ويبوح بأسرار‬
‫عسطر‪ ،‬ويمكن اعتبادر دك ب‬
‫تتعلق بموضوع محدد في تلك القضية‪.‬‬
‫الدمدهش أنها دكتلعبت على مدى عدة أجيال لدتغطى فترة زمنية تتجاوز اللفي عام‬
‫ببضع مئات من السنين‪ ،‬يبدو أن أجيال من المؤرخين تتبع جماعة دينية قديمة توارثات‬
‫تدوين الحداث والمعلومات التاريخية التي تهم تلك الجماعة‪.‬‬
‫يبدأ التدوين‪ ،‬في أوراق اللفة الولي‪ ،‬بأحداث مذبحة جبل حوريب بسيناء‪ ،‬والتي‬
‫قادها يوشع بن نون‪ ،‬ضد المصريين الذين خرجوا مع العبرانيين من مصر‪.‬‬
‫ومن الجدير بالذكر أن أوراق اللفة الخيرة كانت غير مكتملة‪ ،‬مما يدل علي أن‬
‫التدوين توقف عندها كليا ولسبب غير واضح‪.‬‬
‫وتعتبر تلك اللفائف سجل ا تاريخي ا للوقائع المهمة التي عمرت بها مصر والشام‪،‬‬
‫وكذا الجزيرة العربية‪ ،‬من زمن طرد اليهود من مصر‪ ،‬حوالي ‪ 1700‬ق‪.‬م وحتى ما بعد‬
‫ظهور السلم بعقود قليلة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كان أحمد حجازي منزعجا بشدة من تغير أسلوبي في العمل وتجاهلي لرائه‪،‬‬
‫وأبدي تخوفه من صدامنا مع تجار الثاار‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫طمأنته وخفت منه‪ ،‬كان لدي هاجس أنه يعرف شيئا عن تاريخي من صابرينا‪،‬‬
‫طلبت منه أن يحدثاني عن نفسه وظروفه‪ ،‬لم يخذلني وكأنه كان ينتظر مني ذلك فراح‬
‫يسرد قصته‪ ،‬فقال‪.‬‬
‫‪ -‬تخرجت من كلية آداب الزقازيق‪ ،‬قسم تاريخ‪ ،‬وأملا في الحصول على وظيفة معيد‬
‫بالكلية بذلت أقصى جهد حتى حصلت على درجة الماجستير في التاريخ المصري‬
‫القديم‪ ،‬ولن عائلتي تعلعج بأعضاء من جماعة الخوان المسلمين‪ ،‬لم أعين معيدا أو فى‬
‫أي وظيفة دأخري‪ ،‬وبعد مئات الشكاوى لرئيس الجمهورية دعينت مدرسا لمادة التاريخ‬
‫بمدرسة الزقازيق الثاانوية بنين‪ ،‬قضيت ثالث سنوات من المعاناة على يد إدارة المدرسة‬
‫ومن بعض المدرسين‪ ،‬من أعضاء جماعة الخوان‪ ،‬بسبب محاولتي لتعليم تلمذتي‬
‫التاريخ المصري القديم بشكل صحيح ومنقح من خزعبلت اليهود‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫ضحك ثام استطرد قائ ا‬
‫‪ -‬حدث أن عبرت عن دهشتي من تفاصيل قصة النبي موسي وكيف للفرعون أن‬
‫يخرج بنفسه على رأس جيش إمبراطورية عظمى‪ ،‬كمصر‪ ،‬ليطارد فلول العبيد‬
‫العبرانيين؟‪ ،‬وأبديت دهشتي من أن الجيش المصري يبتلعه البحر عن بكرة أبيه‪ ،‬دون‬
‫أدنى لذكر لهذا العحدث العجللل بأي من وثاائق العالم القديم أو حتى في تاريخ مصر‬
‫اللحق!‪ ،‬أوقفتني الو ازرة عن العمل‪ ،‬ثام نقلت للعمل بمحافظة مرسى مطروح‪ ،‬وعندما‬
‫تغيبت عن العمل فصلوني نهائياا‪.‬‬
‫‪ -‬هذا أقل واجب بعد هذا الذي قلته‪.‬‬
‫‪ -‬عشت أيام ا سوداء‪ ،‬فقر وخوف وشك بسبب رفض الناس لي وتهكمهم على‪ ،‬راسلت‬
‫العديد من الجامعات الأوروبية‪ ،‬طلبا لمنحة لدراسة الدكتوراه في التاريخ المصري‬
‫القديم‪ ،‬وبالفعل حصلت على موافقة عدة جامعات ولكنى اخترت جامعة روما لن لي‬
‫بإيطاليا بعض القارب والصدقاء القدامى الذين هاجروا إليها منذ سنوات‪ ،‬وهناك‬
‫التقيت بصابرينا‪ ،‬المدرسة بقسم تاريخ الديان‪ ،‬ورئيسة فريق تحقيق الوثاائق بمركز‬
‫الحضارات القديمة التابع للجامعة‪ ،‬كانت إنسانة راقية وذكية‪ ،‬ومبهورة بالحضارة‬
‫المصرية القديمة لدرجة أنها هي التي تقربت منى عندما علمت بأنى مصري وأدرس‬
‫التاريخ المصري القديم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬أكنت تعرف بأنها إسرائيلية؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬هي إيطالية‪ ،‬يهودية إيطالية‪ ،‬كما أن ذلك لن يغير من موقفي منها‪ ،‬فقد تعاملت‬
‫معي بأخلق عالية‪ ،‬وكانت بحق أفضل أستاذة لي ولمجموعة من شباب الباحثاين‬
‫بالجامعة من مختلف الجنسيات‪ ،‬بعد فترة أصبحت أقرب طالب دراسات عليا للدكتورة‬
‫صابرينا مما حدا بها أن تختارني عضوا بفريقها لتحقيق الوثاائق‪ ،‬مما حسن من أحوالي‬
‫المادية وساعدني في التقدم السريع في دراستي للدكتوراه‪.‬‬
‫تعرفت على ابنة شقيقها مونيكا‪ ،‬طبيبة السنان‪ ،‬وصارت بيننا علقة حب‬
‫قوية‪ ،‬ومع كل التحرر الذي تعيشه أوروبا عارض والد مونيكا زواجنا بشدة‪ ،‬ولول وقوف‬
‫صابرينا بجانبنا ما تم الزواج‪ ،‬وفي الحقيقة أنا مدين لها بنجاحي في تأسيس أسرة‬
‫صغيرة‪ ،‬سعيدة وناجحة‪.‬‬
‫أنجبت خديجة وعلى‪ ،‬وسارت الحياة بنا من نجاح إلى نجاح حتى اصطدمت‬
‫صابرينا بإدارة الجامعة وببعض القوى السياسية بروما فشتتوا جهودها وعملوا على‬
‫تدمير إنجازاتها العلمية‪ ،‬ووصل المر إلى تسريح فريقها البحثاي‪ ،‬وكانت نتيجة وقوفي‬
‫بجانبها أن ألغت الجامعة منحتي الدراسية وأصبحت فى الشارع‪.‬‬
‫من جديد عشت أياما صعبة‪ ،‬حتى دعتني صابرينا للذهاب إلى نابولي للعمل‬
‫مع سيلفيو الذى اهتم بعملها وقرر تمويل أبحاثاها‪ ،‬عملت معها بمصر لعدة سنوات‪،‬‬
‫ولكن حدث أن ضيقت الحكومة المصرية عليها الخناق فاتفقنا على أن أقيم أنا بمصر‬
‫وأزاول نشاطا اقتصاديا في نطاق محافظتي الشرقية والسماعيلية‪ ،‬استقرت أعمالي‬
‫بمصر وكانت غطاءاا جيدا لنشاطنا في التنقيب والبحث عن الثاار وبالفعل حققت‬
‫نجاحا كبي ار في هذا المجال‪.‬‬
‫‪ -‬أتسمى التنقيب عن الثاار وتهريبها نجاح ا؟‪.‬‬
‫أخذته المفاجأة ولكنه تماسك بسرعة وقال بمكر‪.‬‬
‫‪ -‬ل عتبنسع أنك تقوم بنفس المهمة‪.‬‬
‫‪ -‬لست مصرياا‪ ،‬أنا سوري‪.‬‬
‫نهض واقف ا وهو يضحك بطريقة مستفزة ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬ل أصدق هذا‪ ،‬أنت مصري يا أستاذ محمد‪ ،‬أنا متأكد من ذلك‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ارتبكت وانتابني القلق‪ ،‬ومع هذا قلت في هدوء‪.‬‬
‫‪ -‬تعلمت بمصر وعملت بها لفترة طويلة ولكني سوري‪ ،‬والسيدة التي طلبت منك‬
‫مساعدتها‪ ،‬بدمياط الجديدة كانت حبيبتي طوال فترة إقامتي بمصر‪ ،‬وقد علمت أنها تمر‬
‫بظروف صعبة فرأيت أن أساعدها‪.‬‬
‫قلت هذا ثام فاجأته بقولي‪.‬‬
‫‪ -‬أريدك أن تصفى أعمالك هنا وتعود ليطاليا‪.‬‬
‫تغيرت ملمح الرجل وقال بغضب‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ محمد‪ ،‬أنا أعمل مع صابرينا ولن أنفذ إل أوامرها‪.‬‬
‫‪ -‬الوضع أصبح خطيرا‪ ،‬ففي روما هناك من ديهدد صابرينا وهنا من يراقبنا منذ فترة‪،‬‬
‫أري أن فرص حصولنا علي المقبرة تتلشي مع الوقت‪.‬‬
‫تحول غضبه إلي خوف وتردد حين أخبرته بأن لدى خطة للاستيلء على المقبرة‬
‫سأنفذها بمفردي وأن عليه الختفاء تماما‪ ،‬لنه الخيط الوحيد الذي يمكن أن يكشفنا‬
‫للسلطات المصرية أو لصحاب المقبرة‪ ،‬لنه ببساطة معروف للوسطاء‪ ،‬ومع خوفه‬
‫وتردده التزم بتنفيذ ما أمليته عليه‪.‬‬
‫قام سريعا بتصفية أعماله بمصر وزدت له من رصيده بالبنك بروما ما قيمته‬
‫مليوني يورو شرط أل يخبر صابرينا باتفاقنا هذا إل بعد عودتي ليطاليا‪ ،‬فاشترط أن‬
‫أتحمل كل المسئولية عن أفعالي والنتائج التي قد تترتب عليها‪ ،‬وعدته بذلك‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫علي مائدة عشاء فاخرة‪ ،‬بشقتي بالحسينية‪ ،‬تحدثات معهم باللغة العربية على طريقة‬
‫نطق الخواجات‪ ،‬كنت أتكلم ببطء وبعد كل جملة أسألهم إن كانوا قد فهموا ما أقوله!‪،‬‬
‫كانوا مرتاحين لجتماعي بهم بمفردي‪ ،‬سألتهم‪.‬‬
‫‪ -‬ما قولكم‪ ،‬لو أن أحدهم يسعي للستيلء على صفقتكم وسلبكم حقكم؟‪.‬‬
‫صرخوا في غضب‪ ،‬وفى عنفس واحد‪.‬‬
‫‪ -‬نذبحه‪ ،‬هو ومن يتشدد له‪.‬‬
‫كنت أتوقع الجابة فضغطت على أعصابهم أكثار لأختبر مدى استعدادهم‪.‬‬
‫‪ -‬مهما كان قويا وصاحب نفوذ؟‬

‫‪200‬‬
‫قال حنفي وقد ارتسمت على وجهه ملمح الحقد والغضب‪.‬‬
‫‪ -‬يا روح ما بعدك روح يا باشا‪ ،‬بعدما أمسكنا بالفلوس في أيدينا‪ ،‬هي أو الموت‪.‬‬
‫بتحد‪.‬‬
‫ثام نظر لصدقائه بقوة فردوا النظرة بأعنف منها فاستدار نحوي وقال د‬
‫‪ -‬ما هي الحكاية بالضبط سيادتك؟‪.‬‬
‫طلبت منهم أن يهدءوا ليتمكنوا من التفكير السليم‪ ،‬فأخذوا يأتون بحركات‬
‫مجنونة‪ ،‬منهم من راح يقرض أظافره حتى سالت منها الدماء ومنهم من أخذ يضرب‬
‫رأسه بكفه ثام يضرب كفيه ببعضهما‪ ،‬شرحت لهم المشكلة التي تواجههم وأنا أجول‬
‫بنظري علي وجوههم لتأكد من أن القلق يتلعب بهم وأضغط بأقصى ما يمكنني على‬
‫أعصابهم الملتهبة‪ ،‬أنهيت كلمي بأن قلت لهم‪.‬‬
‫‪ -‬كنا بإيطاليا نخطط للدفع بكم لعلى المواقع لتكونوا ذراعنا القوية بمصر‪.‬‬
‫قال حنفي بغضب حقيقي‪.‬‬
‫‪ -‬حضرتك‪ ،‬قل لنا من هم وسنتخلص منهم فو ارا‪.‬‬
‫أخفيت سعادتي بالجملة الخيرة وقلت‪.‬‬
‫‪ -‬نقتلهم ويفتضح أمرنا وتضيع أحلمكم خلف القضبان‪ ،‬وتعرضوني للخطر‪.‬‬
‫قال أحدهم‪.‬‬
‫‪ -‬لو حضرتك تتصرف في عشرة أخضر‪ ،‬ندفعها لصحاب الدشغل ونحضره إلى هنا‪،‬‬
‫ونحن نأتمنك على بقية الفلوس‪.‬‬
‫نظرت إليه بدهشة مصطنعة وحركت رأسي يمينا ويسا ار وأنا أرسم على وجهي‬
‫ابتسامة تنم عن خيبة أملى ثام قلت‪.‬‬
‫‪ -‬كلمك هذا أكبر دليل على أنكم ما زلتم في سنة أولى دشغل‪ ،‬أولا كيف لك أن تأتمني‬
‫على الفلوس‪ ،‬ثااني ا لن أستطيع تحويل الفلوس لمصر قبل شهر فالسلطات دهنا تراقب‬
‫التحويلت الكبيرة‪ ،‬وخلل تلك المدة يمكن للخرين أن يسيطروا على الدشغل‪ ،‬حتى لو‬
‫بالشراء‪ ،‬فهم أغنياء وأقوياء‪.‬‬
‫سألني حنفي مرة أخري‪.‬‬
‫‪ -‬من هؤلء؟‪ .‬لماذا ل تريد لنا أن نعرفهم؟‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ل تسألني عمن هم بل اسألني كيف نتصرف لنحصل على الدشغل‪ ،‬فأنا أريد تنفيذ هذه‬
‫الصفقة معكم‪ ،‬فأنتم شباب قوى وشجاع ويعجبني إخلصكم لبعضكم البعض‪.‬‬
‫زادت كلماتي من حماسهم فقال حنفي‪.‬‬
‫‪ -‬قل لنا ماذا نفعل ونحن ننفذ فو ارا‪.‬‬
‫تبادلوا نظرات قوية‪ ،‬فقلت ببساطة وفي هدوء‪.‬‬
‫‪ -‬نستولي على الدشغل فو ار‪.‬‬
‫أخذتهم المفاجأة‪ ،‬تبادلوا نظرات الشك والخوف‪ ،‬ثام قال حنفي‪.‬‬
‫‪ -‬لكن أصحاب الدشغل يعرفوننا جيدا فنحن من يمدهم بكل ما يحتاجونه من مؤن‪.‬‬
‫‪ -‬من المؤكد أنهم تعاملوا مع غيركم؟‪.‬‬
‫‪ -‬هم أربعة رجال أشداء ومسلحون ومن عائلت كبيرة‪ ،‬ولن يتركوا حقهم حتى لو‬
‫قتلونا‪ ،‬كما أنهم ل يغادرون المكان أبداا‪.‬‬
‫‪ -‬لم أقل إننا سوف نسلبهم حقهم‪.‬‬
‫‪ -‬كيف؟‪.‬‬
‫أعرف أن الاستفهام دليل قاطع على الموافقة‪ ،‬قلت‪.‬‬
‫‪ -‬سوف نستولي علي الشغل ونخفيه لحين وصول الفلوس فتأخذون حقكم وأسافر‬
‫بالدشغل‪ ،‬ثام تعطون لصحابه حقهم وتشرحون لهم أنكم فعلتم ذلك اضط ار ار بعدما نما‬
‫لعلمكم أن هناك من يسعي لنهب الشدغدل بالقوة‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫بدا لي أنهم اقتنعوا بكلمي‪ ،‬فاستطرت قائ ا‬
‫‪ -‬لدى خطة محكمة سنناقشها مع ا وعندما نتفق على الخطوات نبدأ التنفيذ‪.‬‬
‫ولأحافظ على حماسهم أعطيتهم مليون جنيه بحجة تغطية تكاليف الخطة‪،‬‬
‫اشتعلت عيونهم حماسة‪ ،‬طلبت منهم وصف المكان والطرق المؤدية إليه‪ ،‬فأخبرني‬
‫حنفي بأن المكان بمنطقة تسمي تل الذهب‪ ،‬داخل مياة بحيرة المنزلة‪ ،‬وشرح كيفية‬
‫الوصول والخروج من المكان‪ ،‬فأعد رسم الخطة بناء علي تلك المعلومات‪.‬‬
‫نفذت مع حنفي عدة بروفات للوصول للمكان والخروج منه إلي المكان الذي‬
‫اقترحه‪ ،‬شقة بمدينة فاقوس بمحافظة الشرقية‪ ،‬قبل يومين من التنفيذ طلبت من الشباب‬
‫أن يتوقفوا عن إمداد حراس المكان بالطعام والشراب والدخان‪ ،‬وفي اليوم المتفق عليه‪،‬‬

‫‪200‬‬
‫أعددت وجبة ضخمة من الكباب والكفتة بعد خلطهما بمخدر قوى وسريع‪ ،‬يستمر عمله‬
‫لمدة يوم كالمل‪ ،‬وفى النقطة التي حددناها على الشاطئ أنزلتهم في ميعاد العصر‬
‫ليبحروا باللنش إلى العتل ومعهم عدة حقائب جلدية كبيرة‪.‬‬
‫كان ميعاد الرجوع عند أذان المغرب بالضبط‪ ،‬وخلل تلك الفترة حضرت إلي‬
‫دمياط الجديدة‪ ،‬تجولت بالمدينة لمدة نصف ساعة ووقفت أمام منزلنا لمدة عشر دقائق‬
‫ورأيت نهاد ويوسف أمام المنزل‪ ،‬عندما شعرت بأن يوسف يشتبه في ذهبت من فوري‪،‬‬
‫ووصلت للمكان قبل أذان المغرب بعشر دقائق‪ ،‬وعلى اتفاقنا رن هاتفي النقال‪ ،‬قال‬
‫حنفي كلمة تمام ثام أغلق الخط‪ ،‬استدرت بالسيارة واتجهت نحو الشاطئ حتى كدت‬
‫ألمس مياة البحيرة‪ ،‬انتظرتهم بلهفة كادت أن تقتلني‪ ،‬وبعد دقائق قاموا بنقل الحقائب‬
‫إلى السيارة وانطلقنا إلى مدينة فاقوس‪.‬‬
‫أصبح الوضع صعب ا جدا وسيطر التوتر على الجميع‪ ،‬كنا خائفين حتي من‬
‫أنفسنا‪ ،‬وصلنا إلي الشقة في حوالي التاسعة مساءاا‪ ،‬تمددنا جميعا لنريح أجسادنا‬
‫المرهقة وأعصابنا الملتهبة‪ ،‬وبين الحين والخر كنت أمطرهم بكلمات التشجيع والطراء‬
‫لدغدغة المل بداخلهم‪.‬‬
‫استأذنتهم في الذهاب لمدينة الزقازيق لمقابلة الشخص المنوط به استقبال‬
‫ي منهم للشقة حتى أعود‪.‬‬
‫التحويل البنكي من إيطاليا وأكدت عليهم بعدم مغادرة أ د‬
‫كنت علي موعد مع النجار وشلته بشقة الحسينية في تمام الثاانية عشرة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫ما إن عدلف من الباب حتى سألني النجار عن حجازي‪ ،‬أخبرته بأنه سيكون‬
‫صلف‪.‬‬
‫موجودا غدا فقال في ع‬
‫‪ -‬الفلوس جاهزة؟‬
‫‪ -‬في السابعة من صباح العغد تتسلمون الفلوس ونتحرك لفحص الدشغل‪.‬‬
‫فقال بغطرسة‪.‬‬
‫‪ -‬يبقي نمشي ونأتي في الميعاد‪ ،‬لدينا مصالح‪.‬‬
‫وكأنه يهددني أشار إلى بأصبعه وقال‪.‬‬
‫‪ -‬غدا الساعة السابعة هذا آخر كلم‪ ،‬من غير المناسب أن نحضر ول نري جدية‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ابتلعت غضبى واستفسرت عما يرمي إليه‪ ،‬قال‪.‬‬
‫‪ -‬من يخل بالتفاق يغرم مائة ألف دولر‪.‬‬
‫وافقت ودفعت بمفتاح الشقة للحاج عيد بحجة أنه قد أستغرق في نوم عميق فل‬
‫أفتح الباب فيعتبرني النجار مخلا ويطالبني بالفلوس‪.‬‬
‫قال عيد بعفوية‪.‬‬
‫‪ -‬أتعطينا المفتاح ول تخاف؟!‪.‬‬
‫ابتسمت له وأنا أقول للنجار‪.‬‬
‫‪ -‬نحن شركاء وسوف يكون بيننا صفقات أخري‪ ،‬كما أني أثاق بكم‪.‬‬
‫راحوا وراحت من قلبي أي شفقة بهم‪ ،‬تناولت حبة مهدئة‪ ،‬وراجعت مع نفسي‬
‫خطوات تنفيذ بقية الخطة ثام كتبت ورقة للنجار أرجوه فيها انتظاري لمدة ساعة واحدة‬
‫لني ذهبت للطبيب بسبب معاناتي من مغص شديد‪ ،‬ولطمئنه أخبرته بوجود المال‬
‫بحقيبة بحجرة نومي‪.‬‬
‫تناولت حبة واقية من تأثاير الدمخدر‪ ،‬كنت أخشي على نفسي من الجميع‪،‬‬
‫ضبطت المنبه على الساعة السابعة والنصف ووضعته على البوفيه في غرفة المعيشة‬
‫ليكون في مواجهة الجالس بالنتريه‪ ،‬تركت مفتاحا للشقة في شباك المنور في الناحية‬
‫المقابلة لباب الشقة وتحركت بالسيارة إلى فاقوس‪.‬‬
‫دخلت على الشباب دمهللا لهنئكم بقرب وصول الفلوس من إيطاليا‪ ،‬تسامرنا‬
‫وضحكنا كثاي ار وبعد حوالي الساعة استأذن حنفي في النزول لحضار طعام ومشروبات‬
‫غازية وسجائر‪ ،‬أخبرته بأني قد جلبت معى كل ما يحتاجون إليه‪ ،‬وقد وضعته‬
‫بالمطبخ‪ ،‬أصر على النزول فتيقنت أنهم يخشون أن أفعل بهم ما فعلوه بأصحاب الدشغل‬
‫فقلت له‪.‬‬
‫‪ -‬علي راحتك يا أخ حنفي‪ ،‬ولكنك بذلك تخالف ما اتفقنا عليه‪.‬‬
‫فقال في حدة غير متوقعة‪.‬‬
‫‪ -‬نحن المسئولون عن حماية أنفسنا من هذه اللحظة‪.‬‬
‫كنت أتوقع تصرفهم هذا‪ ،‬فقلت في هدوء وثاقة‪.‬‬
‫‪ -‬افعلوا ما هو في مصلحتكم‪ ،‬فقط أحذركم بأن الموقف ل يحتمل أي خطأ‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪---------‬‬
‫كما توقعت‪ ،‬قسموا أنفسهم إلي مجموعتين لتبادل ساعات النوم والحراسة‪،‬‬
‫تركتهم وشأنهم‪ ،‬ورحت أتصرف وكأني ل أهتم بما يفعلونه‪ ،‬تمددت على كنبة النتريه‬
‫وعندما أحضروا المراتب والغطية ليناموا بالصالة تأكدت من مدى خوفهم منى‪.‬‬
‫تظاهرت بالنوم فسمعتهم يتجادلون همساا‪ ،‬كانوا مختلفين حول أسلوب التعامل‬
‫معي‪ ،‬أفصح بعضهم عن خشيتهم من غضبي وضياع فرصة عمرهم فأكد لهم حنفي‬
‫بأنني سوف أكون طوع أيديهم‪ ،‬بما دفعته من أموال فى دشغل‪ ،‬هم من يسيطر عليه‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وكأنه يشتبك في‬
‫بمجرد أن أغمض أحدهم عينيه راح يصدر ضجيج ا هائ ا‬
‫مشاجرة بحي شعبي‪ ،‬كان بجواره ثالثاة يقاومون ببسالة سلطان النوم‪ ،‬طلبت من أحدهم‬
‫أن يغلق الشباك لني أشعر بالبرد‪ ،‬فتحجج بأن الشباك يخرج دخان السجائر ثام امتثال‬
‫للمر بعد إلحاح منى‪.‬‬
‫هممت بإشعال سيجارة فلم تشتعل الولعة الروبسون‪ ،‬ناولني أحدهم ولعته‪،‬‬
‫أشعلت السيجارة فقال وهو يضحك‪.‬‬
‫‪ -‬يا باشا‪ ،‬ولعتك الضخمة لم تسعفك‪ ،‬والصيني أم نصف جنيه قضت الغرض‪.‬‬
‫رحنا نتبادل الحديث‪ ،‬وأثاناء ذلك‪ ،‬كنت أضغط على زر إطلق الغاز المنوم‪،‬‬
‫من الولعة الروبسون‪ ،‬التي كانت تحتوى على حوالي لترين من الغاز المنوم‪ ،‬وخلل‬
‫خمس دقائق كانوا جميعا عيدغطون في نوم عميق‪.‬‬
‫وهنا لم تستطع سهير أن تتماسك فانطلقت منها ضحكة ساخرة وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أين أتيت بهذا الغاز؟‪.‬‬
‫‪ -‬تستطيعين في نابولي أن تشترى بالمال قنبلة نووية لو أردتل‪.‬‬
‫واصلت سهير سخريتها من زوجها وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬وطبع ا اشتريت واحدة بالفعل!‪.‬‬
‫‪ -‬سأفعل حين أحتاج إليها‪.‬‬
‫طلب منها الصبر حتى ينتهي‪ ،‬وبصعوبة سيطرت على نوبة الضحك التي‬
‫ل‪.‬‬
‫انتابتها فاستطرد قائ ا‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬بعد حوالي الساعة كنت أتحسس طريقي إلي القاهرة متجنبا كمائن الشرطة علي‬
‫الطريق‪ ،‬وفى تمام الساعة السادسة صباح ا كنت علي أول طريق القاهرة الفيوم‪.‬‬
‫انطلق زكريا بالسيارة قاصدا واحة الفرافرة‪ ،‬ورحت في النوم بعد أن نبهت عليه‬
‫أن يوقظني في تمام السابعة مهما دكنت متعباا‪ ،‬فالحبة المضادة للغاز المنوم أصابتني‬
‫بتعب شديد‪.‬‬
‫بصعوبة فرقت جفوني عن بعضهم وطلبت } حنفي { على هاتفه النقال‪ ،‬كان‬
‫غاضبا وثاائ ار ومع هذا جاءني صوته مبحوحا وضعيفا لدرجة أنه كلما حاول أن يصرخ‬
‫ل‪.‬‬
‫كان صوته يختفي تماماا‪ ،‬كان يهذي بكلم غير مفهوم‪ ،‬نهرته قائ ا‬
‫‪ -‬كلنا في خطر شديد‪ ،‬اسمعني جيدا وافتح ميكروفون الهاتف حتى يسمعني أصدقاؤك‬
‫أيضاا‪ ،‬لقد استيقظت فوجدت نفسي مع الدشغل في شقة الحسينية وبجواري الثالثاة رجال‬
‫الذين كانوا ينازعونكم الصفقة‪ ،‬استولوا على مليوني دولر‪ ،‬كنت أحتفظ بها بالشقة‪،‬‬
‫وهددوني بالاستيلء على المال والدشغل إذا لم أدفع لهم ثامانية عشر مليون دولر قبل‬
‫تمام الساعة العاشرة من صباح اليوم‪ ،‬يعني بعد ثالث ساعات من الن‪.‬‬
‫وكأن سهير ضبطت زوجها بغلطة مهمة فصاحت به قائلة‪.‬‬
‫‪ -‬قلت للنجار‪ ،‬وللذين معه‪ ،‬إن بالشقة مليون دولر وتقول لحنفي إنها مليونا دولر‪.‬‬
‫لم يستجب لاستفزاز سهير‪ ،‬ابتسم وقال‪.‬‬
‫‪ -‬فى الحقيقة لم يكن بالشقة مليون جنيه مصري‪ ،‬ولكنى تعمدت إغراء الشباب إواثاارة‬
‫طمعهم بمبلغ أكبر‪.‬‬
‫أخبرت الشباب بأني الن في طريقي إلي القاهرة لحضار بقية المبلغ‪ ،‬لستلم‬
‫الشغل وأخرج به من فوري‪ ،‬فقد وعدوني بالمساعدة فى ذلك حال تسلمهم المال‪.‬‬
‫سمعت صراخ الشباب وتهديدهم بقتلنا جميعاا‪ ،‬سألني حنفي في يأس‪.‬‬
‫‪ -‬ونصيبنا وحق أصحاب الشغل؟‪.‬‬
‫‪ -‬هم من يسيطر علي الشغل الن‪ ،‬كما أن المبلغ أصبح عشرين أخضر فقط‪.‬‬
‫وأضفت‪ ،‬بنبرة حزن‪ ،‬لكي أضغط على أعصابهم‪.‬‬
‫‪ -‬كلمتكم لني أحببتكم في الحقيقة‪ ،‬وكنت أريد مصلحتكم‪ ،‬ول أستحق تهديدكم‪ ،‬فأنتم‬
‫من أخطأ‪ ،‬فنزولك لشراء الطعام هو ما مكنهم من رصدنا بشقة فاقوس‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫سمعته يهدئ من ثاورة زملئه ثام يسألني‪.‬‬
‫‪ -‬والن قل لنا كيف نتصرف وسننفذ ما تقترحه فو ار وبدون نقاش‪.‬‬
‫‪ -‬هم الن بشقة الحسينية‪ ،‬وكما قلت لك سوف تنتهي مهلتهم لي بعد ثالث ساعات‪،‬‬
‫اذهب إليهم من فورك‪ ،‬ستجد مفتاح الشقة بشباك المنور المواجه لباب الشقة‪ ،‬ادخل‬
‫ستجدهم مخمورين‪ ،‬لقد تناولوا ليلة أمس كميات كبيرة من الخمر‪ ،‬اقتلوهم‪ ،‬وحذار أن‬
‫تتركوا أيا منهم حياا‪ ،‬بعد ذلك كلمني بالتليفون علي هذا الرقم لحضر إليكم فو ارا‪ ،‬هيا‬
‫بسرعة‪ ،‬في انتظار مكالمة منك‪ ،‬ربنا معكم‪ ،‬ربنا مع الحق‪.‬‬
‫رفعت سهير يدها وكأنها تلميذة تستأذن في الكلم وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬متى شربوا الخمر؟‪.‬‬
‫ابتسم رضا وقال‪.‬‬
‫‪ -‬قلت إني ضبطت المنبه على الساعة السابعة والنصف صباحاا‪.‬‬
‫هزت سهير رأسها لتؤكد علي كلمه فأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬هذا ليس منبه ا عادى ا‪ ،‬كان ملغوم ا بأمبول من الألومنيوم يحتوى على حوالي خمسة‬
‫لترات من الغاز المنوم المضغوط‪ ،‬وقد ضبطته ليطلق كل كمية الغاز في أقل من‬
‫دقيقة‪ ،‬في تمام السابعة والنصف صباحاا‪.‬‬
‫تجاهل اعتراضها على ما قاله وأكمل حكايته‪.‬‬
‫بعد حوالي الساعتين كنت أسمع أنفاس حنفي تتسارع على الجانب الخر‪ ،‬كانت‬
‫أوضح من كلماته‪ ،‬فهمت منه أنه قد انتهى من الثالثاة في عضون دقائق ولكنه لم يجد‬
‫بالشقة إل مليون جنيه فقط كما أنه ل يوجد أثار للدشغل بالشقة‪ ،‬سألته‪.‬‬
‫‪ -‬هل أنت متأكد من أنهم ماتوا جميعاا؟‪.‬‬
‫وجاءتني أجمل جملة سمعتها منذ سنوات‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬لقد ذبحتهم بيدي‪.‬‬
‫دمرت الشريحة وألقيتها من شباك السيارة‪ ،‬أخذت نفسا عميقا وانزلقت في المقعد‬
‫ثام أغمضت عيني‪ ،‬لم أرد حتى على أسئلة زكريا الذي لم ينفك يسأل‪.‬‬
‫‪ -‬من هؤلء؟‪ ،‬ولماذا أنت سعيد هكذا بموتهم؟‪.‬‬
‫التفت نحوه ونظرت إليه بعيني اليسري وقلت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬مات ثالثاة شياطين‪.‬‬
‫‪ -‬سماسم كلها بركة‪ ،‬فها أنت ذا وقد أصبحت صاحب ثاروة طائلة وسطوة مرعبة كما‬
‫تنبأت لك‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫انشغلت بمباشرة أعمالي بإيطاليا‪ ،‬والتي نمت بشكل كبير بمساعدة سيلفيو الذي‬
‫بدا سعيدا بالصفقة الخيرة حتى إنه أخذ يتقرب مني كثاي ار حتى خلته الخ الذي لم تلده‬
‫أمي‪ ،‬كلما تقرب منى شب ار تقربت منه ذراعا فازداد شعوري بالذنب ناحيته لني أخفيت‬
‫عنه عأمر اللفائف‪ ،‬كما كذبت عليه بشأن ما تكلفته في الصفقة الخيرة‪ ،‬فقد حصلت منه‬
‫على عشرين مليون دولر ولم أنفق منها أكثار من مليونين واستوليت على بقية المبلغ‬
‫لنفسي‪ ،‬وفي الحقيقة كنت قد احتفظت باللفائف لساوم صابرينا عليها حتى ل‬
‫تفضحني لدي سيلفيو‪.‬‬
‫كانت التغطية الصحفية لحادث مقتل النجار ورفيقيه واسعة‪ ،‬وأزعجني أن‬
‫الشباب تحدثاوا في التحقيقات عن رجل ايطالي خدعهم وحرضهم علي الجريمة‬
‫واستولى منهم على مجموعة من التماثايل الثارية القديمة‪ ،‬وذلك بمساعدة رجل مصري‬
‫اسمه أحمد ول يعرفون عن الرجلين أية معلومات أخرى‪ ،‬وبالطبع قدم الشباب لمحاكمة‬
‫عاجلة ونالوا حكم ا بالعدام‪ ،‬وواصلت الصحف التحريض ضد تجارة الثاار وكان‬
‫هناك تعاطف شديد من الرأي العام مع الشباب المخدوع‪ ،‬كما لم تنقطع المقالت‬
‫الصحفية المتعاطفة معهم‪.‬‬
‫يبدو أني في ورطة كبيرة‪ ،‬ماذا لو أن السلطات المصرية توصلت لشخصية‬
‫حجازي‪ ،‬وماذا عن الضابط الكبير الذي ساعدنا إبان عملنا بالحسينية؟‪ ،‬أل يمكن أن‬
‫يتعرف على شخصية حجازي؟ ‪ ،،،‬يا ال ‪ ،،،‬ستكون كارثاة‪ ،‬فالعالم أصبح قرية صغيرة‬
‫والانتربول الدولي ل عيرعحم‪ .‬ارتبكت كثاي ار واضطربت أحوالي‪ ،‬فلول مرة منذ هروبي من‬
‫مصر أرتكب مثال هذا الخطأ الستراتيجي‪ ،‬كيف لم أحسب وأتوقع نتائج ما فعلته‬
‫بمصر‪ ،‬تمنيت موت أحمد حجازي أو اختفاءه من على وجه الرض‪ ،‬وما زاد الطين‬
‫بله هو ما حدث بعد ذلك بعدة أشهر‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫بحجة أن لديها موضوعا خطي ار تود مناقشته معي طلبت صابرينا حضوري فو ار‬
‫لشقتها بروما‪.‬‬
‫ألفيتها علي حال غير كل أحوالها التي عرفت من قبل‪ ،‬كانت ترتدي قميص نوم‬
‫شفافا يبرز لونه المووف أكتافا بيضاء وردية‪ ،‬مساحيق الوجه وضعت بعناية فزادتها‬
‫جمال ا على جمالها‪ ،‬شعرها الشقر يسترسل على كتفيها ويدعوك لن تغمض عينيك‬
‫علي جمالها وتستنشق عبيرها‪ ،‬نظرات عينيها تحرضك على التقدم وافتراس لحمها‬
‫الوردي‪.‬‬
‫خرج مني شهيق طويل تبعته آهة هامسة‪ ،‬سألتها في دهشة‪.‬‬
‫‪ -‬ما هذا صابرينا‪ ،‬نيو لوك جديد‪ ،‬هل تنتظرين أحد؟‪.‬‬
‫‪ -‬بانتظارك أنت‪ ،‬أنا سعيدة بما توصلنا إليه وقررت أن نحتفل سوياا‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو أننا سنحتفل بطقس جنسي؟!‪.‬‬
‫ضحكت في ليونة مغرية وأفسحت الطريق فتبعتها للداخل وأنا مبهور بجاذبيتها‬
‫ومندهش كيف أنى عميت كل هذا الوقت عن تلك الفتنة والدلل‪ ،‬لحقت بها واحتضنتها‬
‫من الخلف‪ ،‬أفلتت مني برفق‪ ،‬وواصلت إغرائي فقالت‪.‬‬
‫‪ -‬أنت عفظ محمد‪ ،‬كل يوم تثابت لي أنك عربي‪.‬‬
‫اعترضت قائلا‪.‬‬
‫‪ -‬انتظري صابرينا‪ ،‬أنا مصري ولست عربياا‪ ،‬تعرفين حساسيتي تجاه هذا الأمر‪.‬‬
‫‪ -‬لم أقصد أن أضايقك‪ ،‬الناس بمصر مهووسون بالجنس‪ ،‬فقد تعرضت هناك للتحرش‬
‫الجنسي مرات عديدة‪ ،‬من شباب‪ ،‬من رجال دمتقدمين في السن‪ ،‬متعلمين‪ ،‬من جهلء‪،‬‬
‫موظفين‪ ،‬رجال أمن‪ ،‬حتى خدم الدغرف بالفنادق تحرشوا بي محمد‪ ،‬حتى أصبح لدى‬
‫قناعة بأنكم تمارسون الجنس في كل لحظة‪ ،‬وكنت أفكر كيف عأسعدك‪ ،‬فقررت أن‬
‫أمنحك نفسي الليلة محمد‪ ،‬آل يروق لك ذلك؟‪.‬‬
‫أفهمتها أن مصر هي بلد الكبت الجنسي بل منازع لسباب ثاقافية واجتماعية‬
‫واقتصادية‪ ،‬ارتبكت وسألتني‪.‬‬
‫‪ -‬أفهم من ذلك أنك ل تريدني محمد؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫تنبه إلى أن سهير تنظر إليه في غيظ وحنق كاد أن يقذف بالدم من عينيها‬
‫ووجنتيها‪ ،‬ابتسم وتنحنح وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬طلبت أن أمدها باللفائف لتؤكد لزملئها الكاديميين حقيقة وجودها‪.‬‬
‫أخي ار استطاعت سهير أن تنطق فقالت ببطء وهى تغمض عينيها كي ل تراه‪.‬‬
‫حك لي بالتفصيل ما حدث بينك وبين صابرينا‪ ،‬ول تكذب علي‪.‬‬
‫‪-‬ا ل‬
‫أصر علي أنه لم يحدث بينه وبين صابرينا شيء‪ ،‬ويبدو أنه لم ينجح في‬
‫تهدئتها فلذ بالصمت حتى تنتهي من توبيخها له‪ ،‬ثام اقترح عليها أن تق أر ما حدث بينه‬
‫وبين صابرينا على الفلشة‪ ،‬وافقت حين أخبرها بأنه سجل كل شيء بالفلشة وهو ل‬
‫يتوقع بأنهما سيلتقيان في يوم من اليام‪ ،‬جلست أمام الكومبيوتر فقرأت‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫احتلت ملمح الخجل وجهها وقالت وهى عتشعدر بالحباط‪.‬‬
‫‪ -‬أل أعجبك محمد؟‪.‬‬
‫‪ -‬كيف وأنت قادرة على إثاارة تمثاال من الحجر‪ ،‬فما بالك بي؟‪.‬‬
‫ثام قلت بجدية واضحة‪.‬‬
‫‪ -‬أشعر بأنك تحاولين رشوتي‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬في الحقيقة أنا أحاول مكافأتك ورشوتك‪ ،‬أتمانع؟‪.‬‬
‫قالت ذلك ثام ارتمت في أحضاني وراحت تقبلني وتخلع عنى قميصي‪ ،‬لم دأثاعبر‬
‫فثاار جنونها وقالت في غضب‪.‬‬
‫‪ -‬محمد لم ديخلق من يرفض صابرينا‪.‬‬
‫‪ -‬لم تفهميني‪ ،‬ببساطة أنا ل أمارس الجنس بل استعداد كيميائي دمسبق‪ ،‬إنه مرض‬
‫السكر يا عزيزتي‪.‬‬
‫‪ -‬آه‪ ،‬مرض السكر‪ ،‬لدى العحل‪.‬‬
‫خرجت من المطبخ وهى تشير إلي بشيء بيدها وتقول‪.‬‬
‫‪ -‬أحضرت هذا من سيناء‪ ،‬إنه فطر ل أتذكر اسمه الن‪ ،‬كان المصريون القدماء‬
‫يقدسونه لما يسببه من نشاط جنسي عارم لدي تناوله‪.‬‬
‫‪ -‬إنه فطر المانتيا موسكاريا‪ ،‬سبب آلم الذكور في العالم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫اقتربت مني وقالت في دلل سال له لعابي‪.‬‬
‫‪ -‬هل تسمى الفحولة الجنسية ألم ا للذكر؟‪.‬‬
‫ضحكت من إصرارها على الاستمرار في إغرائي‪ ،‬وقلت‪.‬‬
‫‪ -‬أبدع المصريون ختان الذكر ليشبه قضيبه هذا الفطر حال انتصابه‪.‬‬
‫ابتسمت في خجل ثام قالت بصوت يفيض رغبة‪.‬‬
‫‪ -‬اشتقت لتجربة هذا اللفطر‪.‬‬
‫تجاهلت دعوتها الفجة‪ ،‬شعرت بالخجل وقالت بصوت مبحوح دمبغلر‪.‬‬
‫‪ -‬محمد أتهرب مني؟‪.‬‬
‫في محاولة لتجنب فشل أتوقعه رحت أحدثاها عن تاريخ الجنس عند قدماء‬
‫المصريين‪ ،‬نظرت إلى في غيظ وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬حسن ا محمد‪ ،‬أنت تأخذني لجواء المعرفة والعلم لتخلى عن محاولة رشوتك‪ ،‬حسن ا‪،‬‬
‫ماذا عن اللفائف‪ ،‬أين هي؟‪.‬‬
‫كنت أعرف أنه لن يهدأ لها بال حتى تحصل عليها‪ ،‬ولكنى كنت قد عقدت‬
‫العزم على عدم خيانة سيلفيو أكثار مما فعلت‪ ،‬فقلت في حزم‪.‬‬
‫‪ -‬يكفيك التصوير الدقيق لها ولما بها من معلومات‪ ،‬ماذا تبغين غير ذلك؟‪.‬‬
‫شعرت بأعصابها تفلت منها ولكن يبدو أنها قررت الاستمرار في محاولة إقناعي‬
‫بتسليمها اللفائف‪ ،‬فقالت‪.‬‬
‫‪ -‬من غير اللفائف لن يكون لدى دليل على ما سوف أعلنه على العالم‪.‬‬
‫نظرت إليها نظرة عتاب وغضب وقلت‪.‬‬
‫‪ -‬لقد وعدتي بعدم نشر أي معلومات تجنينها من عملنا سويا إل بعد اتفاقنا علي ذلك‪.‬‬
‫لم ترد فأضفت في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬أراك تناقضين نفسك‪ ،‬تدعين بذل الجهد والوقت لنقاذ العالم من جماعة دينية سرية‪،‬‬
‫ومن جهة ثاانية تحاربين كل الديان وتضعين نفسك فى مواجهة الدنيا بجميع أطيافها‪،‬‬
‫مما قد ديكلفك حياتك‪ ،‬فبمجرد أن دتعلني هذه المعلومات‪ ،‬عسدتطلق عليك ألف رصاصة‪،‬‬
‫وحتم ا ستصيبك إحداها‪.‬‬
‫‪ -‬أنا أكاديمية وباحثاة ول يمكنني عتكدتم مثال تلك المعلومات‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬تبحثاين عن الشهرة والمجد وقبلهما عن انتصار ديشبع رغبتك في الانتقام؟‪.‬‬
‫قالت في غضب وبحدة‪.‬‬
‫‪ -‬أتنكر أن هذا وذاك من حقي؟‪.‬‬
‫‪ -‬أنت تثايرين شكوكي حول أهدافك‪ ،‬المشكلة أننى كنت قد عزمت علي مساعدتك‬
‫بالرغم من أنى ل أصدق حكاية تلك الجماعة الدينية التي تريد تدمير العالم‪.‬‬
‫‪ -‬ولماذا ل تصدق؟‪.‬‬
‫‪ -‬للن لم أظفر بمعلومة عن هذه الجماعة!‪.‬‬
‫‪ -‬لو أفضيت إليك بسرها هل تستمر في التعاون معي أم ستخاف علي مشاريعك؟‪.‬‬
‫‪ -‬هذا يتوقف علي ما سوف أسمعه‪.‬‬
‫‪ -‬حسناا‪ ،‬هذه الجماعة تتخفى خلف إحدي الكنائس العالمية‪ ،‬وتتمتع بنفوذ هائل على‬
‫مستوى العالم‪ ،‬لدرجة أنها تتحكم في اختيار رؤساء بعض الدول الهامة وتسيطر على‬
‫العديد من المراكز الحساسة في العالم‪.‬‬
‫توقفت عن الحديث فجأة والتفتت إلي وقالت في مكر‪.‬‬
‫‪ -‬أنا مندهشة لهتمامك الشديد بمعرفة سر هذه الجماعة‪ ،‬سلمني اللفائف أخبرك المزيد‬
‫عن تلك الجماعة وعن الكنيسة التي تتخفي خلفها‪.‬‬
‫وقفت غاضب ا وقلت في ضيق صدر‪.‬‬
‫‪ -‬لن أعطيك اللفائف‪ ،‬ل أرى ضرورة لها في حربك المقدسة ضد جماعتك المزعومة‪.‬‬
‫تيقنت من حقيقة غضبتي‪ ،‬أخذت هيئة الباحثاة والكاديمية وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬آل تتفق معي بأنه عندما يثابت بالدليل القاطع أن الديان كانت أكبر خديعة للبشر‪،‬‬
‫سوف يتراجع الهوس بالدين وتتلشى مثال تلك الجماعات الدينية الباطنية‪ ،‬ونضمن أن‬
‫يحيا العالم في سلم‪.‬‬
‫‪ -‬من قال أن الدين يخضع لي حسابات عقلية‪ ،‬التدين غريزة يستعلي بها النسان‬
‫على طبيعته‪ ،‬إنها غريزة التطلع للخلود‪ ،‬كما أن الدين يجيب ببساطة علي أسئلة معقدة‬
‫من قبيل من نحن؟‪ ،‬من أين أتينا؟‪ ،‬إوالى أين ننتهي؟‪ ،‬وغيرها من السئلة التي تحير‬
‫البشرية منذ البداية‪.‬‬
‫كانت تنظر إلي فى دهشة‪ ،‬استوعبت معنى نظراتها فاستطردت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬عندما عيلرث إنسان‪ ،‬عقيدة أو ديانة‪ ،‬فهي من أول المر تكون جزءاا منه‪ ،‬يكبر معه‬
‫ويتوحد به‪ ،‬مع الوقت تصبح عقيدته هويته‪ ،‬يخمد بداخله اليمان بها فترات ولكنه‬
‫يتعصب لها في لحظات المواجهة مع الخر وذلك ليحافظ على هويته وعلى وجوده‪،‬‬
‫وفى هذه الظروف فإنه لن ديناقش أو يراجع ما يعتقد‪ ،‬بل على العكس فإنه سعيجتعلهد ليل‬
‫نهار ليزيد من اقتناعه إوايمانه به‪ ،‬وقد يصل به المر إلى التضحية بحياته من أجل‬
‫الدفاع عما يؤمن به‪ ،‬بهذا الفهم يمكنك أن تتخلصي من الدهشة عندما يصادفك إنسان‬
‫متح ل‬
‫ضر ويستخدم التكنولوجيا في حياته اليومية بكثاافة ويتحدث بالعلم والمنطق‪ ،‬ثام‬ ‫د‬
‫تفاجئين بتبنيه لديانة ساذجة وبدائية بل ويحرص على الالتزام بطقوس ل يقرها عقل أو‬
‫منطق‪ ،‬لماذا هذا الشخص المتحضر ل يسأل نفسه هل ما يؤمن به صحيح أم عوهم‬
‫وخرافة؟‪.‬‬
‫‪ -‬لنه في هذه الحالة يدافع عن وجوده‪.‬‬
‫‪ -‬كما أن ما يؤمن به النسان يحميه من الجنون‪ ،‬سواء كان ذلك بوعي منه أو بدون‪،‬‬
‫فالنسان يسكنه خوف مريع من قدره الذي يجهله‪ ،‬من الموت الذي يطارده‪ ،‬حتى إنه‬
‫يكره بقوة أن يفكر بالمر‪ ،‬فيدفعه الكره والخوف لليمان بما ورثاه‪ ،‬إنه الرعب من الموت‬
‫والفناء عزيزتي صابرينا‪ ،‬والن لماذا تسعين لتجريد النسان مما يقيه الجنون دون أن‬
‫تعطيه البديل؟‪.‬‬
‫حركت رأسها علمة على اتفاقها معي في ال أري ثام قالت‪.‬‬
‫‪ -‬من المثاير حقاا‪ ،‬أن آباء الحضارة من العلماء والفلسفة‪ ،‬اعتقدوا أنه كلما تقدم‬
‫النسان حضاري ا وملك أمره بالعلم كلما اضمحلت السطورة وتراجع دور الدين‪ ،‬ولكن‬
‫العكس تماما هو ما حدث!‪.‬‬
‫‪ -‬محاولة الغرب لفرض ثاقافة وسياسة العولمة والضغط الشديد للرأسمالية المتوحشة‬
‫دفعت بالمهزومين إلي أن يلوذوا بالدين كهوية‪ ،‬يستظلون بها في مواجهة الخر‬
‫المنتصر‪ ،‬الصحوة الدينية التي تجتاح العالم هي في حقيقتها هروب إلي الماضي‪،‬‬
‫خوف ا من الذوبان في ثاقافة عاتية غريبة عن مجتمعاتهم‪ ،‬بعدما أيقنوا عجز ثاقافتهم عن‬
‫مواجهتها‪.‬‬
‫أقرت بقدرتي علي القناع فلم أترك الفرصة تهرب من يدي فأضفت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬كما أن فضح خطأ ما يعتقده الفرد قد يدفعه للذوذ عن عقيدته حتى لو بالقتل‬
‫والتدمير‪ ،‬واحتمال أنه يراجع معتقداته‪ ،‬في الغالب يكون إحتمالا ضعيف ا جدا‪.‬‬
‫قالت مستسلمة‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تقترح؟‪.‬‬
‫‪ -‬أقترح أن تقتصر بحوثانا علي كشف سر مثال تلك الجماعات المجنونة‪.‬‬
‫وافقت علي القتراح وفاجأتني بأنها علي علم بتبرعاتي السخية للكنيسة‬
‫النجليكانية وأنها تعرف بعلقتي القوية بالب سيرجوني‪ ،‬فادعيت بأني فعلت ذلك بناء‬
‫علي نصيحة من سيلفيو لستغل النفوذ الهائل لتلك الكنيسة في دنيا السياسة والقتصاد‬
‫بأوروبا‪ ،‬فقالت‪.‬‬
‫‪ -‬هذا ما يخيفني منك‪ ،‬تتلهف علي معرفة سر الجماعة التي أسعي خلفها‪ ،‬ثام تتبرع‬
‫لحدي الكنائس الثالث التي تحوم من حولها الشبهات!‪.‬‬
‫هنا حاول رضا أن تكتفي زوجته بهذا القدر وتستمع إليه‪ ،‬فأغلق الكومبيوتر‬
‫المحمول فصرخت فيه‪.‬‬
‫‪ -‬إما أن أكمل قراءة ما كتبته عن علقتك بتلك السيدة إوال فسأذهب من فوري‪.‬‬
‫أسقط في يده فهو يعرف أن زوجته تغار عليه كما يعرف أنها لن تصدق أبدا أنه‬
‫لم يضاجع صابرينا مهما حاول أن يقنعها بغير ذلك‪ ،‬كما أن بقية الحوار بينه وبين‬
‫صابرينا سيجعل زوجته تفهم الحداث بشكل أفضل‪ ،‬وهو ديخطط لدور مهم لها في‬
‫الحداث القادمة‪ ،‬وهذا يتطلب أن تعرف تفاصيل الحداث‪.‬‬
‫لم عيدعد أمامه إل أن يقول الحقيقة كما حدثات‪ ،‬كما أنه ل يلوى على شيء فهو‬
‫يعلم بأن هذا قد يكون اللقاء الخير بينهما‪.‬‬
‫اشترط عليها أن تسمعه‪ ،‬بدون أن تلومه‪ ،‬حتى ل يضطر إلي أن يخفى عنها‬
‫شيئاا‪ ،‬وافقت‪ ،‬فقام من مكانه ليتحرك بالمكان‪ ،‬ثام أعطى لها ظهره وراح يحكي‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫أمسك بكتفيها وضمها إلي صدره ثام دفع جبهته في جبهتها‪ ،‬رفع وجهها‬
‫فتلمست الشفاه‪ ،‬همس قائلا‪.‬‬
‫‪ -‬أما زلتل تريدين رشوتي أم غيرلت رأيك؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫دفعت رأسها في صدره وقالت بخجل‪.‬‬
‫‪ -‬لم أغير رأيي ولكنك أجبرتني علي تشغيل عقلي فذهبت رغبتي‪.‬‬
‫ضحك وقال ليداعبها‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو أن الفطر لن يكون مفيدا لمرضى الدسكر فقط‪ ،‬بل لمرضى اللعلم أيضاا‪.‬‬
‫تملصت من أحضانه وهي تقول في تحد مثاير‪.‬‬
‫‪ -‬فلنجرب الفطر‪ ،‬فلنجرب ما قدسه القدماء‪.‬‬
‫‪ -‬عليك بمشروب مانح للطاقة وكوب من العصير الطازج‪.‬‬
‫كف فجأة عن الكلم‪ ،‬تظاهر بالتعب وطلب من زوجته شيئ ا يسد به رمقه‪،‬‬
‫دخلت المطبخ على مضض‪ ،‬فطرح جسده على الكنبة وشغل الكومبيوتر بسرعة ليق أر‬
‫ما كتبه عن وقائع ليلته المذهلة مع صابرينا لعله يستطيع أن يحذف منه بسرعة ما‬
‫سوف يغضبها‪ ،‬فقرأ‪.‬‬
‫تناولنا الفطر وآه من هذا الفطر‪ ،‬لم أعد مندهشا لتقديس القدماء له‪ ،‬فما حدث ل‬
‫يمكن تصديقه إل عن تجربة‪ ،‬فهو يمنحك شعورا حقيقي ا بالسعادة الغامرة والرضا‬
‫والتوحد مع الكون من حولك‪.‬‬
‫فجأة اجتاحتني رغبة جنسية عارمة كادت أن تدفعلجر جسدي وتذهب بعقلي‪ ،‬قفزت‬
‫لريح نفسي بممارسة الحب‪ ،‬كنت في حالة مزاجية خيالية ملأتني بشعور أسطوري‬
‫بالفوران الجسدي يتبعه شعور خيالي باللذة والاكتفاء‪ ،‬يتلوه رغبة جامحة وفوران جسدي‬
‫يتزايد كل مرة‪ ،‬وهكذا استمر بي الحال لأكثار من ساعتين‪ ،‬وبل مقدمات شعرت بإجهاد‬
‫شديد‪ ،‬كنت منهك ا لقصى درجة مع شعور مريع بالجوع والعطش‪.‬‬
‫تحركت بصعوبة نحو كوب العصير وأنا ل أصدق أنى سألحق به‪ ،‬تناولته في‬
‫جرعة واحدة طويلة أخرجت بعدها بصعوبة زفيرا قصيرا‪ ،‬وعندما حاولت أن أمل‬
‫صدري بشهيق عميق زاغ منى البصر ورحت ألهث ونزفت عرق ا غزي ارا‪ ،‬استجمعت كل‬
‫ما بقى بجسدي من قوة وقفزت بجنون لقبض علي المشروب المانح للطاقة‪ ،‬تناولته‬
‫بسرعة فائقة فشعرت بالحيوية تدب في جسدي فأسرعت نحو صابرينا لسقيها مما‬
‫شربت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫كانت غائبة عن الوعي تقريبا ومبللة بالعرق‪ ،‬انزعجت لحالها فجلست خلفها‬
‫وأسندتها على صدري‪ ،‬تجرعت بصعوبة ما صببته فى فمها‪ ،‬بدأت تتعافى شيئ ا فشيئاا‪،‬‬
‫تحدثات إليها فوضعت سبابتها اليمني على فمها ومدت شفتيها وقالت هامسة وعينيها‬
‫غائمة شبه مغلقة‪.‬‬
‫‪ -‬هششش‪.‬‬
‫لذت بالصمت حائ ارا‪ ،‬فأثاناء ممارستنا للحب لم أكن أشعر بوجودها إطلقاا!‪،‬‬
‫ضم جسدها وتبسطه ببطء مرات‬
‫أخذت أراقبها وهى تتقلب بجواري ثام تتلوى وتعدزدوم ثام تع د‬
‫متتالية‪ ،‬سألتها عدة مرات‪.‬‬
‫‪ -‬صابرينا‪ ،‬ماذا بك؟‪.‬‬
‫لم ترد‪ ،‬فقمت أبحث عن السجائر‪ ،‬فسمعتها تهمس‪.‬‬
‫‪ -‬أشعر بجسمى خفيفاا‪ ،‬عأشدعر وكأني أطير في الهواء‪.‬‬
‫أخذت تزوم وهى تنظر في سعادة غامرة لجسدها الممدود‪ ،‬ثام ابتسمت وهى‬
‫تأخذ شهيق ا شعرت أنا بلذته‪ ،‬فما بالها هي‪ ،‬سألتها‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا بك صابرينا‪ ،‬لماذا تتأملين في جسدك هكذا؟‪.‬‬
‫همت بالضحك‪ ،‬تقطعت أنفاسها وقالت بصعوبة‪.‬‬
‫‪ -‬جسدي!‪ ،‬إنه ضعيف‪ ،‬لم يتحمل ما شعر به من متعة ولذة فضاق بروحي فأطلقها‬
‫من محبسها لتعيش حقيقتها‪ ،‬متوحدة بالكون‪ ،،،‬بالحياة‪ ،،،‬بالسعادة‪ ،،،‬بالنعييييييم‪.‬‬
‫أغمضت عينيها وتنفست بعمق عدة مرات‪ ،‬فقلت‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو أن هذا الفطر يحتوى على مادة تسبب الهلوسة‪ ،‬نحن نهذي صابرينا‪.‬‬
‫طلبت أن أتركها قليلا لتستمتع بتلك الهلوسة فهي أمتع ما عاشته في حياتها‪،‬‬
‫تركتها وشأنها‪ ،‬أسرعت بتناول ما يسد رمقي وأخذت حمام ا دافئ ا أعاد جسدي لسيرته‬
‫الولي‪ ،‬خرجت إليها منتشياا‪ ،‬كانت منتبهة وفى عينيها بريق مدهش‪.‬‬
‫مسحت بيدها اليمنى على شعرها‪ ،‬ثام نظرت إلي بعيون مذهولة وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬محمد‪ ،‬من أين جاء كل هذا الشعور بالسعادة والهناء‪ ،‬من الروح أم من العقل‪ ،‬هل‬
‫هو شعور محبوس في مكان ما بداخلنا وحرره الفطر؟‪.‬‬
‫همت بالوقوف فترنحت كالمخمورة‪ ،‬أسندتها فدفعتني عنها وقالت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬لو أنني أهذي‪ ،‬ولو أن ما أشعر به غير حقيقي‪ ،‬فبماذا تفسر أن جسدي ما زال حتى‬
‫هذه اللحظة ينتفض من اللذة والمتعة؟‪.‬‬
‫أنا أيض ا أمتلئ بلذة ومتعة أسطورية ومع هذا قلت لها‪.‬‬
‫‪ -‬الجسد يشعر باللم وكذلك بالمتعة أثاناء الحلم وكأنهما حقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬فما أنا فيه مختلف‪.‬‬
‫‪ -‬ل أفهمك‪.‬‬
‫‪ -‬ما حدث اليوم يؤكد لي نظرية تسيطر على تفكيري منذ فترة‪.‬‬
‫قالت ذلك في هدوء ورزينة فقلت وأنا أغالب الضحك‪.‬‬
‫‪ -‬أية نظرية؟!‪.‬‬
‫ثام فقدت السيطرة على بركان الضحك الذي يفور بداخلي فانفجرت ضاحك ا‪،‬‬
‫حاولت العتذار فقلت بصعوبة‪.‬‬
‫‪ -‬آسف صابرينا ‪ ،،‬إنه الفففططررر ‪ ،،‬آسف صابرينا ‪ ،،‬إنه الففطططرررر‪.‬‬
‫لم أتوقف عن الضحك بالرغم من السعال والدموع والرشح العغزير من أنفى‪ ،‬وكأنها‬
‫توقعت أنني لن أتوقف عن الضحك‪ ،‬تجاهلت سخريتي وأخذت تشرح نظريتها‪ ،‬فانتبهت‬
‫بقوة لما تقوله فقد قالت كلما مدهشا‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫دخلت سهير وهى تحمل ما أعدته من طعام‪ ،‬نظرت نحوه وهى تضع الطباق‬
‫على المنضدة‪ ،‬فلحظت شروده‪ ،‬فقالت وهى تمد يدها نحوه بطبق‪.‬‬
‫‪ -‬عجيب ما أسمعه منك‪ ،‬مغامرات‪ ،‬جنس‪ ،‬فلوس‪ ،‬قتل‪ ،‬وبعد ذلك كلم دكفر إوالحاد‪.‬‬
‫انتبه لتهكمها وارتاح إلي أنها لم تطلب منه أن يحكى ما جرى مع صابرينا‬
‫فانتهز الفرصة وقال وهو يغلق الكومبيوتر‪.‬‬
‫‪ -‬تسلم يدك‪ ،‬ذكريني أين توقفنا؟‪.‬‬
‫‪ -‬عند الست صابرينا والفطر العجييييب‪.‬‬
‫ضحك على طريقة نطقها للكلمة الخيرة واستطرد يحكى‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫واصلت صابرينا شرح نظريتها فقالت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬من أين يأتي الشعور بالسعادة والجذل الذي يشعر بهما النسان جراء تناوله‬
‫للمخدرات والعقاقير؟‪ ،‬من مخازن الذاكرة أم من مخازن العقل الباطن؟‪ ،‬هل تعمل‬
‫المخدرات والعقاقير علي فتح بوابات تلك المخازن فتتدفق منها مشاعر وأحاسيس‬
‫وأيضا أفكار ونظريات تفسر وتوضح ما يواجهه العقل الواعي للنسان من أسئلة‬
‫وتحديات تشغله وتؤرقه كثاي ارا؟‪ ،‬هل توارثات البشرية عبر أجيالها ما هو مختزن بالذاكرة‬
‫واللوعي منذ بدء الحياة كما توارث الصفات الجسدية والنفسية للباء والجداد؟‪ ،‬أليس‬
‫من المحتمل أنه بكل جيل من الأجيال حدث أن البعض كان يمتلك منطقة ل وعي‬
‫غامرة بالمشاعر والفكار الخلقة وبالخيال والبداع‪ ،‬وصدف أن بعض ا منهم كانت‬
‫لديه بوابات‪ ،‬عهشة لتلك المخازن‪ ،‬تحطمت في ظل ظروف ذاتية‪ ،‬أو موضوعية‬
‫عاشوها‪ ،‬فتدفقت لديهم موجات عارمة من المشاعر والفكار والتصورات والخيالات‪،‬‬
‫بعضهم لم يتحملها فطاش عقله وأصيب بالجنون والعخبل‪ ،‬أما البعض الخر‪ ،‬ولظروف‬
‫ملئمة نفسية وعقلية‪ ،‬استطاع أن يستوعب تلك الفكار والتصورات وهذا الخيال‬
‫والبداع فكان منهم العلماء والفلسفة‪ ،‬وأيض ا النبياء ومن على شاكلتهم؟‪.‬‬
‫كنت مندهش ا لقدرتها علي ترتيب أفكارها‪ ،‬سألتها في تهكم‪.‬‬
‫‪ -‬وهل لهذه النظرية علقة بأبحاثاك حول الديان والجماعات الدينية السرية؟‪.‬‬
‫نظرت إلى نظرة متقدة وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا استمر الاعتقاد بالديان وبالغيب حتى بعدما سبر النسان أغوار الطبيعة‬
‫وسيطر عليها؟ محمد لدى تفسير جديد وفريد لتلك المعضلة‪.‬‬
‫لذت بالصمت ثام وضعت يدها على فمها وكأنها ما زالت تفكر وأضافت‪.‬‬
‫‪ -‬تدفق مشاعر وأحلم ورؤى وخيالت غير مفهومة من مخازن اللوعي والذاكرة عند‬
‫بعضهم‪ ،‬في كل جيل وكل مجتمع‪ ،‬جعلت أحدهم يتصور أن هذه المشاعر والحلم‬
‫والخيالت زرعتها برأسه قوى خارجة عنه ومسيطرة عليه‪ ،‬فبدأ يتخيل آلهة تختاره هو‬
‫بالذات لتبعث من خلله برسائلها وشفراتها للبشر‪ ،‬فسرها من أسموا أنفسهم بالرسل‬
‫والنبياء وكذلك الئمة والزعماء الدينيين علي أنها وحى من السماء‪ ،‬وهذا كان سمة‬
‫الحكماء في الشرق‪ ،‬أما حكماء الغرب فأطلقوا علي ما يتفجر بعقولهم إلهام ا وإبداعاا‪،‬‬

‫‪200‬‬
‫ولهذا عرف الغرب الفلسفة ولم يعرف غير القليل جدا من النبياء‪ ،‬ولهذا نجد الزخم‬
‫الديني يأتي دوم ا من الشرق ويقاومه الغرب‪.‬‬
‫‪ -‬ما أسمع منك إل تخاريف‪ ،‬فلو أن كل ما أبدعه النسان من نظريات علمية‬
‫وتكنولوجيا وفلسفات وفنون‪ ،‬كان مخزونا بالعقل الباطن وبذاكرة البشر منذ البداية‪،‬‬
‫فمن يا تري وضعها بعقول البشر؟‪.‬‬
‫حد وقالت ببساطة دمدهشة‪.‬‬
‫نظرت إلى بثاقة وتع د‬
‫‪ -‬ال هو من وضعها‪.‬‬
‫كانت إجابتها مفاجأة محيرة‪ ،‬نظرت إليها وقلت في دهشة‪.‬‬
‫‪ -‬ل اصدق ما أسمعه‪ ،‬صابرينا التي تحارب الديان تؤمن بال؟‪.‬‬
‫عاجلتني بقولها‬
‫‪ -‬طبعاا‪ ،‬ول أظن أن هناك إنسان ا عاقل ا ل يؤمن بوجود ال‪.‬‬
‫صحت‪.‬‬
‫‪ -‬يا ال! عفل عمـَ كل هذا الجهد والعناء؟‪.‬‬
‫‪ -‬أؤمن بال ولكني ل أتصوره قد اختص بعضهم ليتوسط بينه وبين بقية خلقه‪.‬‬
‫ازدادت حيرتي وقررت أن أهدأ لستطلع أفكارها‪ ،‬فقلت لها بهدوء مصطنع‪.‬‬
‫‪ -‬وضحي كلمك‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا‪ ،‬هناك بالعقل البشرى منطقة في اللوعي دتخزن بها ما أسميه أنا الوديعة‬
‫اللهية‪ ،‬وهى تشبه ما يطلق عليه في علوم الحاسوب‪ ،‬السوفت وير‪ ،‬وضعها ال بعقل‬
‫كل إنسان لتساعده على اكتشاف حقيقة الوجود‪.‬‬
‫‪ -‬النسان ظهر على الرض منذ مليين السنيين‪ ،‬فلماذا لم ديعفعل هذا السوفت وير منذ‬
‫البداية ويقي البشر ما عاشه من مرض وفقر وجهل؟‪.‬‬
‫‪ -‬لن النسان شغل نفسه‪ ،‬ولآلف السنين‪ ،‬بالغيبيات والساطير‪ ،‬لنه بحث عن ال‬
‫خارج نفسه‪ ،‬ولكن مع خبرته الطويلة تأكد من عدم استفادته من التفكير في الغيب أو ما‬
‫نسميه ما وراء الطبيعة‪ ،‬وانكب على دراسة الطبيعة وقوانينها فهتك أسرارها وسيطر‬
‫عليها‪ ،‬وأصبح كما أراده ال يملك مصيره‪.‬‬
‫وكأنها تستكشف مدي تأثاري بكلمها العجيب نظرت إلي وقالت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬يمتلك كل من الحيوان والنبات ذاكرة صلبة‪ ،‬أو ما نسميه الغريزة‪ ،‬هذه الذاكرة تكفيه‬
‫لن ديكرر نفسه منذ مليين السنين‪ ،‬وجل ما يفعله هو أن يتأقلم مع الطبيعة من حوله‪،‬‬
‫أما النسان فهو الوحيد بين المخلوقات الذي يمتلك سوفت وير‪ ،‬وهذا الخير هو سبب‬
‫آلمه وعذابه‪ ،‬فهو يؤرقه ويغريه لسبر أغوار المجهول ومحاولة العفهم والمعرفة‪ ،‬فيسعي‬
‫جاهدا ليعرف نفسه ويكتشف كل أسرار الطبيعة من حوله ومن هنا تأتى مأساته البدية‪،‬‬
‫فهو ل يقر بكونه جزءاا من الطبيعة ويحاول بل كلل أن يتعالى على طبيعته وعلى‬
‫الطبيعة التي هو جزء منها‪ ،‬وبسبب عدم قدرته على ذلك امتل بالحساس بالعجز‬
‫والضعف ومع هذا لم ينفك السوفت وير بعقله يحرضه ويوهمه بأنه فوق الطبيعة ويدفعه‬
‫للسمو عليها‪ ،‬فما ابتدعه النسان من أخلق ومن فنون وعلوم وكذلك سعيه نحو المجد‬
‫والخلود كان بسبب أنه ل يريد أن يستسلم لحقيقة أنه مخلوق وفقط‪ ،‬فظل للف السنين‬
‫يبحث عن اللهة‪ ،‬وراح يتخيلها ويبدعها وينسج من حولها الساطير‪ ،‬وحاول جاهدا أن‬
‫يربط مصيره باللهة‪ ،‬وذلك بسبب شعوره الغامض بأنه ل يشبه شيئا في الطبيعة‪ ،‬بل‬
‫ديشبه تلك اللهة التي تخيلها‪ ،‬فهو أسير رغبة غير واعية لن يكون خالدا يملك مصيره‬
‫كاللهة‪ ،‬من أول لحظة لوجوده علي الرض وتؤرقه باستمرار طبيعته كبعشر‪ ،‬فهو‬
‫يمرض‪ ،‬يشيخ‪ ،‬يموت‪ ،‬ولنه ل يمكنه الإفلت من قبضة طبيعته فقد تطلع منذ البداية‬
‫لخالق تصور شكله وقدراته بما يليق به‪ ،‬وحسب ما أنتجه عقله وحسب ما استطاع‬
‫استيعابه من خيالت إوابداع‪ ،‬أو بمعنى آخر‪ ،‬عبد النسان بقوة إواخلص ما تصوره‬
‫على أنه ال‪ ،‬أو بشكل أكثار صراحة لقد عبد النسان وقدس ما تمناه لنفسه من صفات‬
‫وقدرات‪.‬‬
‫وفي محاولة مستميتة للخلص من فكرة الفناء‪ ،‬التي تؤرقه في كل لحظة من حياته‪،‬‬
‫تصور الموت على أنه انفصال للوديعة اللهية ) السوفت وير( أو الروح أو العقل‬
‫والتحاقها بالله مع عودة الجسد ليذوب في الطبيعة‪ ،‬أي أن الموت هو تحرر الروح من‬
‫سجن الطبيعة‪ ،‬لتحيا حقيقتها خالدة كجزء من ال الخالد‪ ،‬وهناك ديانات ذكية تكلمت‬
‫عن التحاق روح النسان بروح ال الكلية بعد الموت‪ ،‬وتصورت أن كل ما في الكون من‬
‫حياة هي روح ال الكلية‪ ،‬وعلى كل روح بشرية أن تخوض حياتها كتجربة خاصة تعود‬
‫بعدها لتلتحق بروح ال الكلية‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬تلك محاولة فاشلة لثابات أن النسان هو من اكتشف ال‪ ،‬وأن ال لم ديرسل رسلا أو‬
‫أنبياء ليعلم النسان بوجوده وبحقيقته‪.‬‬
‫‪ -‬أمهلني حتى أوضح فكرتي‪ ،‬اتفقنا أن النسان هو جزء من الطبيعة ولن ال خلق‬
‫الطبيعة متنوعة جاء النسان متنوعا تنوعا يسمح له بالتأقلم مع الطبيعة التي يعيش‬
‫فيها‪ ،‬وهذا هو فعل الهارد وير في النسان‪ ،‬ومع تنوع الطبيعة وتأقلم النسان مع‬
‫تنوعها‪ ،‬تنوعت المجتمعات والمجموعات البشرية واختلفت درجات تطورها ونضجها‬
‫وقدرتها على التصور والتخيل‪ ،‬وانعكس هذا على تصورهم ل فجاء متنوعا عبر المكان‬
‫والزمان‪ ،‬ومن هذه النقطة جاء تنوع الديان واختلفها‪ ،‬إذن ال واحد‪ ،‬ولكن نحن البشر‬
‫نختلف في تصورنا له ولهدفه من خلقنا‪ ،‬وتأتي المشكلة عندما يتصور كل فريق أنه هو‬
‫الذي عيعلرف حقيقة ال وعغرضه من العخلق‪ ،‬ويصدق أن ما بعقله وقلبه هو الحقيقة‬
‫الوحيدة‪ ،‬وما بعقل وقلب غيره هو الضلل‪ ،‬فيتصور نفسه مفوض ا من ال لقتال وتدمير‬
‫هذا الخر‪ ،‬والحقيقة أنه يقتل ويدمر من أجل الوهام التي تحتل عقله‪ ،‬ما أود أن أقوله‬
‫هو أن ال عيسدكن عقل وقلب كل إنسان‪ ،‬بل إن ال هو روح النسان‪.‬‬
‫‪ -‬إوالى أين ستنتهي بنا تلك السفسطة؟‪.‬‬
‫‪ -‬كنت قد اعترضت علي أبحاثاي بحجة أنها ل تقدم للنسان بديلا عن الدين الذي‬
‫يحميه من الجنون‪ ،‬وما أقوله الن هو البديل المقنع الذي سوف يهدئ من روعه‪.‬‬
‫شعرت بدوار وخفقان بصدري‪ ،‬طلبت منها أن تختصر لني أشعر بالتعب‪،‬‬
‫تجاهلت ما أقول وواصلت حديثاها بحماس فقالت‪.‬‬
‫‪ -‬بعدما نثابت‪ ،‬وبما ل يدع مجال ا للشك‪ ،‬أن ما يؤمن به الناس‪ ،‬من أديان ورسالت‬
‫ووحي من السماء‪ ،‬ما هو إل محض أوهام وأساطير ومن صنع بشر مثالهم‪ ،‬نقدم لهم‬
‫الحقيقة وهى أن ال موجود بداخل كل إنسان وباستطاعة كل فرد أن يكتشف ال بداخله‬
‫ويتوحد فيه فيصبح خي ارا‪ ،‬عطوفاا‪ ،‬ذكي ا ومبدعاا‪ ،‬وقبل كل ذلك يتأكد من أنه أزلي وخالد‬
‫كما ال‪ ،‬فيركن لتلك الحقيقة ويعيش مقتنعا بذاته ول يضطر لن يبررها أو يعتذر‬
‫عنها‪ ،‬لنها جزء من ال‪ ،‬وبهذه الفكرة البسيطة يستطيع النسان التوحد مع الكون الذي‬
‫هو الخير والحب‪ ،‬المعرفة والخلود‪.‬‬
‫انتبهت لكلماتها الخيرة وكأني سمعتها من قبل فصحت فيها‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬انتظري‪ ،‬أسمعك وكأني أسمع نبدي الل أدريين الديب العالمي باولو كويلو‪.‬‬
‫‪ -‬بالضبط محمد‪ ،‬هو كذلك‪ ،‬أنا أتبنى أفكار العظيم كويلو‪.‬‬
‫قلت ببطء وبشيء من السخرية‪.‬‬
‫‪ -‬أيها النسان‪ ،‬اذهب وافعل ما تشاء‪ ،‬فقط حاول أن تلتلزم بالحب في كل أفعالك‪.‬‬
‫يا لدهشتي!‪ ،‬بدلا من أن تغضب ارتسمت على وجهها ملمح الرضا وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح محمد‪ ،‬صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬نحن ندعو إلى نزعة روحانية إنسانية تؤكد على اليمان بال وفى نفس الوقت‬
‫تستخدم الكود الأخلقي للديان كلها‪ ،‬أو الخلق المتفق عليها إنسانياا‪.‬‬
‫‪ -‬تحاولون صنع خلطة من الديان‪ ،‬تخترعون دينا تلفيقيا‪.‬‬
‫‪ -‬بل ندعو لطريقة إيمان تقبل الاختلف وتعطى مساحة من الحرية لكل إنسان وترشده‬
‫لاستكشاف قوته الداخلية أو الطاقة اليجابية بداخله‪.‬‬
‫‪ -‬بدين شخصي لكل فرد؟‪.‬‬
‫‪ -‬بل ندعو للتحرر من القيود التي فرضتها الديان على النسان‪ ،‬فبعد تطور النسانية‬
‫تحولت الشرائع والمحرمات لقيد خانق لحرية النسان ولحركة المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬كيف لمجتمع أن يعيش بل دين أو شريعة؟‪.‬‬
‫‪ -‬وما الحاجة للشريعة أو حتى للدين‪ ،‬وقد تقدمت المجتمعات الغربية بمجموعة من‬
‫القناعات والقوانين‪ ،‬ثابت أنها أكثار عدلا إوانسانية بل وأكثار واقعية وعقلنية من كل‬
‫الشرائع التي تدعيها الديان‪ ،‬وما تنعم به البشرية من حرية وعدالة ورفاهية هي نتيجة‬
‫للتفكير العقلني للبشر بعدما تيقنوا من أن الديان ل تقدم إل الوهم والتخلف وتسمح‬
‫بالستغلل‪ ،‬ولم تجن منها البشرية إل العنف والكراهية ورفض الخر‪.‬‬
‫انتابني هاجس بأنها قد تكون عضوة بجماعة دينية باطنية وأن أبحاثاها ودراستها‬
‫لخرى‪ ،‬وكأني أنساق خلف عحدسي‬
‫ما هي إل جزء من صراع جماعتها مع الجماعات ا د‬
‫هذا‪ ،‬قلت لها‪.‬‬
‫‪ -‬لن أسلمك اللفائف إل بعدما تكشفي لي سر الجماعة الدينية التي تسعين خلفها‪،‬‬
‫وأرى ما تملكينه من وثاائق وأدلة ضد الديان‪.‬‬
‫بوغتت برد فعلى‪ ،‬فسعت للتخفيف من وطأة كلمها المريب فقالت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬أل تكفيك المعلومات الحاسمة فيما بحوزتك من اللفائف؟‪.‬‬
‫قلت بضيق صدر‪.‬‬
‫‪ -‬تلك اللفائف‪ ،‬وغيرها من الوثاائق التاريخية‪ ،‬ل ترقى للدليل القاطع‪ ،‬لقد دونها بشر‬
‫لمثالنا‪ ،‬ومن المؤكد أنهم عكتبوا ما اعتقدوا أنه صحيح‪ ،‬كتبوا وجهة نظرهم وتفسيرهم‬
‫للحداث‪ ،‬وليس من العدل أن دتضفى عليها عقداسة وتجردي‪ ،‬ما لدي المؤمنين بالديان‬
‫من وثاائق وأدلة‪ ،‬من تلك القداسة‪.‬‬
‫دأسقط في عيدها ولم عيدعد لديها دفرصة للمراوغة فقامت وشغلت جهاز البروجيكتور‬
‫لتعرض عليه ما لديها من وثاائق وأدلة تاريخية ضد الديان‪.‬‬
‫قامت سهير من مكانها وهى تقرض أظافرها وراحت تجوب المكان في توتر‬
‫واضح‪ ،‬ثام نظرت لزوجها وقالت بحدة‪.‬‬
‫‪ -‬لقد اختنقت مما أسمعه‪ ،‬وحتى الن لم أعرف هدفك من أن دتسمعني كل كلم هذه‬
‫السيدة‪ ،‬كما أنك تحاول أن تقنعني بأنك تدافع عن ال والديان وهذا لم يكن عهدي بك‬
‫من قبل‪ ،‬أنت دتسلرد كلمها بقوة ومنطق وترد عليها بردود ضعيفة‪ ،‬أرجوك يا رضا لم‬
‫صبر على هذا الهدراء‪ ،‬ما جدوى أن دتسمعني هذا الحوار بالتفصيل الدململ؟‪.‬‬
‫يعد لدى ع‬
‫أطرق رضا للرض وأحس بخيبة أمله في الستراتيجية التي اتبعها ليضمن من‬
‫زوجته مساعدة صادقة توقع أنه سيحتاج إليها في وقت ما‪ ،‬وقال في نفسه سهير تغيرت‬
‫كثاي ارا‪.‬‬
‫حرك رأسه ليؤكد لها أنه رضخ لرغبتها ثام نظر إليها وقال‪.‬‬
‫‪ -‬أريدك أن تستوعبي كل ما تحتويه هذه الفلشه من معلومات‪.‬‬
‫نزع الفلشة من جهاز الكومبيوتر وناولها لزوجته وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬أرجو أن تحتفظي بها في مكان سرى‪ ،‬إواذا حدث لي مكروه‪ ،‬عليك أن تتعرفي على‬
‫ما بها‪ ،‬لتتمكني من حماية أنفسكم مما قد يتهدددكم ويهدد البشرية كلها‪.‬‬
‫‪ -‬من المؤكد أنها تحتوي علي نفس الخزعبلت التي أسمعتني إياها؟‪.‬‬
‫وكأنها تذكرت شيئ ا مهم ا‪ ،‬صمتت ثام نظرت إلى زوجها وقالت بغضب‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا يتهدد الولد يا رضا؟‪ ،‬ألم يكفك ما عانيناه بسببك‪ ،‬لتأتى اليوم وتمل حياتنا‬
‫خوفا ودرعبا؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ارتعد لغضبها‪ ،‬فهو يعرف مدي خوفها على ولديها‪ ،‬قال ليهدئ من روعها‪.‬‬
‫‪ -‬خلل شهور سيكون لديكم أموال طائلة‪ ،‬قد دتغرى البعض بكم‪.‬‬
‫‪ -‬بناقص تلك الموال‪ ،‬ومن هؤلء البعض؟‪.‬‬
‫‪ -‬كتبت كل شيء بالتفصيل في حافظة‪ ،‬باسم يوسف ونهاد‪ ،‬بها كل احتمالت الخطر‬
‫التي قد تواجهكم لو قدر أنى لم د‬
‫ت قبل أن أنهي المشاكل التي تواجهني الن‪.‬‬
‫‪ -‬فهمت أن عودتك تعنى نهاية مشاكلك وعودتك لولدك‪.‬‬
‫‪ -‬قلت لك منذ قليل أن هناك مشاكل خطيرة لم أنته منها بعد‪.‬‬
‫‪ -‬صدعت رأسي بكلم ل يفيد ولم تتكلم عما يحيط بك وبنا من أخطار‪.‬‬
‫‪ -‬بالفلشه كل شيء بالتفصيل‪.‬‬
‫‪ -‬أنت طلبت أل أقرأها إل إذا حدث لك مكروه‪ ،‬وأنا أريد أن أعرف حالا ما هي‬
‫الخطار التي دتهلدد أولدي‪ ،‬إوال عليك أن تحتفظ بفلشتك وتتركنا في حالنا‪.‬‬
‫أصبح الدموقف صعباا‪ ،‬ولكنه ل يملك إل أن يعلمها كل شيء‪ ،‬فهو يعرف أنه قد‬
‫يموت بأية لحظة وعلى أسرته أن تدافع عن وجودها‪ ،‬لم يعد يفيد شيئ ا أن يلوم نفسه أو‬
‫أن تلومه هي‪ ،‬فالحداث تتسارع ولم يعد لديه وقت‪ ،‬فقال لها في رجاء‪.‬‬
‫‪ -‬احتفظي بالفلشه‪ ،‬وأعطني الفرصة لشرح لك كل شيء‪.‬‬
‫تناولت سهير الفلشه في غضب وأخذت تقلبها بيدها ثام قالت‪.‬‬
‫‪ -‬شيء مدهش‪ ،‬أتلك الفلشة هى ما سيحدد مصيرنا؟!‬
‫‪ -‬هذه الفلشه كنز ل يقدر بثامن‪.‬‬
‫‪ -‬تاني يا رضا‪ ،‬كنز‪ ،‬فلوس‪ ،‬دمرت حياتك وحياتنا بسبب المال‪ ،‬وها أنت تملك‬
‫المليين وما زال الجشع ديعمى قلبك‪.‬‬
‫‪ -‬ل أقصد الفلوس‪ ،‬بل أقصد أنها عكنز من المعرفة سيفيد البشرية كلها‪ ،‬ويقضى على‬
‫الشر‪ ،‬ما بهذه الفلشه من معلومات سوف يجنب العالم الدمار‪.‬‬
‫لم تستوعب كلمه المثاير‪ ،‬ابتسمت وقالت في سخرية‪.‬‬
‫‪ -‬كما بالفلم‪ ،‬دهم يقتلونك‪ ،‬وأقوم أنا باللنضال من أجل نشر رسالتك ثام أموت أيض ا‬
‫وأترك من خلفي يتيمين ل حول لهم ول قوة!‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ل داعي للسخرية يا سهير‪ ،‬أشعر بأنك غير سعيدة بعودتي ول ترحبين بوجودي‪،‬‬
‫لكن المر عجد خطير وليس أمامك عخيار آخر غير ما قدلدر لك‪ ،‬فأرجو أن تسمعيني‬
‫لشرح لك ما هو موجود بهذه الفلشا‪ ،‬ثام أكمل حكاية كل شيء بالتفصيل‪.‬‬
‫رفعت يدها في وجه وقالت في لهجة تحذير‪.‬‬
‫ي من كان بأن‬
‫‪ -‬ل أريد ليوسف ونهاد أن يعيشا في تهديد وخوف‪ ،‬ولن أسمح ل د‬
‫يمسهما‪ ،‬اسمع يا رضا سنعتبرك لم تعدعد‪ ،‬ولتبق كما أنت الستاذ محمد السوري‪.‬‬
‫اندفعت نحو باب الشاليه فلحق بها وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬أرجوك يا سهير‪ ،‬انتظري وسأنتهي سريع ا وبعدها اتخذي القرار الذي ديريحك‪.‬‬
‫عادت على عمضض وعلى شرط أن يحكى بسرعة لنها تأخرت على الولد‪،‬‬
‫كما أنها تشعر بإرهاق شديد‪ ،‬فراح يشرح لها ما بالفلشه من معلومات ووثاائق وكيفية‬
‫تقسيمها إلي عدة حافظات عحسب كل دلغة كتبت بها الوثاائق‪ ،‬وداخل كل حافظة قدلسعمت‬
‫الوثاائق بدورها إلي أجزاء حسب ما تعالجه من موضوعات وحسب الفترة الزمنية‬
‫الخاصة بها‪.‬‬
‫‪ -‬هناك حافظة مهمة تتحدث عن عدة جماعات دينية تحج إلى فلسطين ومصر‪،‬‬
‫والعجيب أنها تسدلك في ذهابها إوايابها نفس طريق خروج اليهود من مصر‪ ،‬وهو‬
‫نفس الطريق الذي سلكته السرة المقدسة في زيارتها لمصر عند هروبها من‬
‫بطش الرومان‪ ،‬وتعتقد صابرينا أن إحدى هذه الجماعات تتبنى عقيدة مدمرة‬
‫وتخطط للسيطرة على العالم لتدميره‪ ،‬وحصرت شكوكها في ثالث جماعات‬
‫متقاربة في عقائدها وطقوسها‪ ،‬وكنت قد تقربت أنا بقوة من كنيسة أعتقد أنها‬
‫غطاء لحدى هذه الجماعات الثالثاة‪ ،‬ومن حظي أو قولي من أقداري أن هذه‬
‫الجماعة راحت تتقرب مني بقوة وتكشف لي أسرارها‪ ،‬بل وتسعي لضمي‬
‫لعضويتها‪.‬‬
‫وهناك حافظة‪ ،‬بعنوان يوسف ونهاد‪ ،‬بها كل احتمالت الخطر التي قد‬
‫تواجهكم‪ ،‬وبها كل شيء بالتفصيل عن ممتلكاتي وحساباتي بالبنوك بأوروبا وأمريكا‪،‬‬
‫وأرقام حساباتكم وحجم الموال المودعة بأسمائكم وصو ار لعقود بيع وشراء لكل ما أملك‬
‫بأسمائكم أيضاا‪ ،‬العقود والمستندات الصلية ستصلك في الوقت المناسب‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫فاجأته قائلة‪.‬‬
‫‪ -‬وأين تفاصيل علقتك بصابرينا‪.‬‬
‫ابتسم واقترب منها‪ ،‬قبل وجنتيها وقال‪.‬‬
‫‪ -‬بالفلشه تفاصيل ما عشته لحظة بلحظة‪ ،‬منذ خرجت من مصر وحتى الن‪ ،‬ل‬
‫تتعجلي المر‪ ،‬ودعيني أكمل لك بعض التفاصيل الهامة‪ ،‬فقال‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كعادتها اختفت صابرينا‪ ،‬فجأة وبدون مقدمات‪ ،‬ولكن بدا لي هذه المرة أن المر‬
‫مختلف‪ ،‬فسيلفيو نفسه ل يعرف عنها شيئاا‪ ،‬طال غيابها فذهبت إلى روما واجتهدت في‬
‫البحث عنها وعن أحمد حجازي دون طالئل‪.‬‬
‫انشغلت بأعمالي التي توسعت بشكل كبير بفضل علقتي بمجلس الكنيسة‬
‫الأنجليكانية بروما وخاصة بالب سيرجوني‪.‬‬
‫في شهر فبراير ‪2011‬م‪ .‬ازرني سيلفيو بمنزلي وطلب منى السفر إلى شرم‬
‫الشيخ بسيناء‪ ،‬على أن أدخلها عن طريق إسرائيل كسائح ايطالي‪ ،‬حيث سيكون في‬
‫انتظاري شخص هام‪ ،‬من طرف الكنيسة النجليكانية بروما‪ ،‬لنهم بحاجة إلي هناك في‬
‫مسألة سأعرفها في حينها‪ ،‬رحبت بالرحلة أملا في مقابلة صابرينا‪ ،‬كان لدى يقين أنها‬
‫هناك‪ ،‬إما في مصر أو في إسرائيل‪.‬‬
‫قضيت أسبوعا بتل أبيب متنقلا ما بين المستشفى وهيئة الثاار السرائيلية‪ ،‬فقد‬
‫انتهزت فرصة وجودي هناك للطمئنان على صحتي‪ ،‬وكنت أذهب لهيئة الثاار بتل‬
‫أبيب أملا في العثاور على صابرينا‪ ،‬أو على القل لأسمع عنها أية عخعبر‪ ،‬ولكن خاب‬
‫مسعاي‪.‬‬
‫مساء يوم الخميس‪ ،‬الثاالث من شهر مارس ‪2011‬م‪ .‬وبعد أن أخذت قسط ا‬
‫وفيرا من الراحة بغرفتي بفندق ريزورينا بمدينة شرم الشيخ‪ ،‬سمعت طرق ا على الباب‪،‬‬
‫فتحت وكانت مفاجأة من العيار الثاقيل‪.‬‬
‫ارتبكت بعض الشيء وتنحيت جانب ا ليدخل مدير الفندق الذي كنت أعرفه‬
‫ويعرفني جيداا‪ ،‬تقابلنا عدة مرات بمكتب الأب سيرجوني‪ ،‬وأعرف أيض ا أنه‪ ،‬ودون بقية‬
‫أعضاء سكرتارية الكنيسة‪ ،‬كان محل ثاقة الكاهن‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫قبل أن يجلس سألته‪.‬‬
‫‪ -‬سيد تارديني‪ ،‬لم أعرف أنك تدير واحدا من أهم فنادق شرم الشيخ‪.‬‬
‫نظر إلي طويلا ثام قال بثاقة‪.‬‬
‫‪ -‬أنا المسئول عن تسيير أعمال الكنيسة النجليكانية علي مستوي العالم‪.‬‬
‫جلس ووضع ساق ا علي الخرى ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬أعتقد أن سيلفيو أخبرك بالمر‪.‬‬
‫‪ -‬لم يخبرني سيلفيو بشيء‪.‬‬
‫وقف وعلى وجهه علمات الحدة والغضب‪ ،‬وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لكن نحن طلبنا منه أن يخبرك بما نحتاجه منك‪ ،‬ول أصدق أنك لم تساله عما نريده‬
‫منك‪.‬‬
‫يبدو أنه أحس بغضبي لطريقة حديثاه إلي فقال في احترام‪.‬‬
‫‪ -‬عزيزي محمد‪ ،‬عتعلرف الكنيسة التي أخدمها وعتعلرف أن لها نشاطا خيريا يغطى تقريبا‬
‫كل مكان بالعالم‪ ،‬وها أنا أعلمك أن لكنيستنا أيض ا استثامارات هائلة بأماكن مختلفة من‬
‫العالم‪ ،‬والنظام المعمول به لدينا هو الاستعانة برجال أعمال ناجحين مثالك لنتشارك في‬
‫المشاريع الكبيرة‪ ،‬وذلك حتى ل تظهر الكنيسة في الصورة‪ ،‬لسباب ستعرفها في حينها‪،‬‬
‫ولن سيلفيو له علقات قوية في مصر ودول الشرق الوسط طلبنا منه ترشيح شخصية‬
‫بمواصفات معينة‪ ،‬هو يعرفها جيداا‪ ،‬للقيام بالمهمة هنا بمصر‪ ،‬وكانت مفاجأة سعيدة‬
‫أنه قام بترشيحك أنت فوافق الكاهن على الفور‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫قاطعته قائ ا‬
‫‪ -‬علقتي بكم قوية فلماذا لم يفاتحني الب سيرجوني في المر دمباشرة‪.‬‬
‫وكأنه يتوقع السؤال أجاب بسرعة‪.‬‬
‫‪ -‬سيلفيو أكثار منا خبرة بمصر وبأحوالها‪.‬‬
‫ثام نظر إلى نظرة متوهجة وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬ولن الععرض دمغبلر‪ ،‬لم نشك في موافقتك عليه‪.‬‬
‫امتعضت لنظراته إلي فقال في دهشة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ل تستخف بالمر‪ ،‬فقد جلس أمامي‪ ،‬من قبلك‪ ،‬العشرات من الشخصيات العظيمة‪،‬‬
‫لم يستخفوا بالمر أبدا وكانوا عقلء‪ ،‬استغلوا الفرصة ودهم الن يتبوءون مناصب هامة‬
‫ومواقع حساسة على مستوى العالم‪.‬‬
‫لذت بالصمت فأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬لثاقة الأب سرجيوني بك طلب مني‪ ،‬طبع ا بعد موافقتك على العمل معنا‪ ،‬أن دأخبرك‬
‫بأمر ترشيحك لعضوية جماعتنا الدينية النسانية الخيرية‪.‬‬
‫كان المر مفاجأة أربكت مشاعري وضربت عقلي بعطل مؤقت فلم أعد أتبين‬
‫ما أشعر به‪ ،‬ذكريات أليمة وتخمينات مخيفة أخذت تطرق عقلي بقوة‪ ،‬آثارت مواصلة‬
‫الصمت‪ ،‬فغضب الرجل وقال بحدة‪.‬‬
‫‪ -‬أريد معرفة رأيك الن‪.‬‬
‫‪ -‬فيما يتعلق بعضوية الجماعة؟‪.‬‬
‫حد وقال من بين أسنانه‪.‬‬
‫نظر إلى بتع د‬
‫‪ -‬بخصوص مشاركتنا في استثامار كبير هنا بسيناء‪.‬‬
‫‪ -‬بالطبع أوافق على التعاون معكم‪.‬‬
‫ارتسمت على وجهه ملمح الرضا والاطمئنان فأضفت‪.‬‬
‫‪ -‬لكن كيف أرشح لعضوية جماعة ل أعرف عنها الكثاير؟‪.‬‬
‫‪ -‬كيف وقد تبرعت لها العام الماضي فقط بأكثار من مليوني يورو؟‪.‬‬
‫أطرقت أنظر للرض ثام قلت وكأنني أتحدث مع نفسي‪.‬‬
‫‪ -‬تبرعت للكنيسة لعجابي بنشاطها الخيري في المناطق الفقيرة من العالم‪.‬‬
‫أخذ الرجل يتجول في المكان للحظات‪ ،‬عاقدا يديه على بطنه المكورة والممتدة‬
‫أمامه لمسافة ليست بالقليلة‪ ،‬ثام التفت نحوي بسرعة ثام اقترب منى وألقي بجسده‬
‫بجواري‪ ،‬ارتكن بكوعه اليسر على فخذه وبيده الشمال راح يمسح جبهته ثام عيفلرك‬
‫يبد لي قلقا أو متوت ارا‪ ،‬وبعد لحظات من الصمت المتبادل‪ ،‬مال‬
‫عينيه‪ ،‬ومع هذا لم د‬
‫برأسه نحوى وقال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬عنحدن دنرلشح العضو حسب ذكائه وحسب النجاح الذي يحققه في عمله وحياته‪ ،‬وكذلك‬
‫حسب تبرعاته للجماعة وقبل كل هذا حسب نقاء دمه‪ ،‬وعندما تقربت أنت من الكنيسة‬
‫راقبناك وأسعدنا أنك رجل محايد ديني ا‪.‬‬
‫قاطعته معترضاا‪.‬‬
‫‪ -‬أنا دمسللم‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫فألجمني قائ ا‬
‫‪ -‬يا عردجل‪ ،‬لم نرك تدخل مسجدا أو ضبطناك دتصلى كما يفعل المسلمون‪.‬‬
‫‪ -‬هذا ل يتنافي مع كوني دمسلماا‪.‬‬
‫وضع يده اليمنى تحت إبطه اليسر‪ ،‬وأمسك ذقنه بين إبهام اليد اليسري‬
‫ودسبابتها‪ ،‬ثام نظر إلى وقال‪.‬‬
‫‪ -‬حسن ا‪ ،‬ما هو السلم؟‪.‬‬
‫‪ -‬هو اليمان بال والتسليم له‪.‬‬
‫تهلل وجه الرجل لكلماتي وصفق بيديه وقال‪.‬‬
‫‪ -‬إذن نحن مثالك مسلمون‪ ،‬فاسم جماعتنا ) المسلمون ل أو المنتظرون ل ( ولكننا‪،‬‬
‫وعلى العكس منك‪ ،‬عنلتعلزم بشرائعه وطقوس عبادته‪.‬‬
‫لحظ مدي دهشتي وعجزي عن الكلم‪ ،‬نظر في عيني مباشرة‪ ،‬وكأنه ق أر ما‬
‫بها من تساؤلت أضاف‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن اعتبارنا مسلمين بالمعنى الذي قلته‪.‬‬
‫تمالكت نفسي وسألته‪.‬‬
‫‪ -‬أعلم بوجود كنائس تابعة لجماعات وفرق دينية‪ ،‬أما أن يكون العكس‪ ،‬فهذا ما لم‬
‫أعلم به من قبل‪.‬‬
‫ضحك بطريقة مسرحية ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬الكنيسة النجليكانية واجهة تمكن جماعتنا من النشاط والحركة‪ ،‬في كل وقت وكل‬
‫مكان وبسرية تامة‪.‬‬
‫‪ -‬ولماذا جماعتكم سرية؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬لنها تمهد الكون ليوم الخلص‪ ،‬يوم إشراق إله النور على الكون‪ ،‬لنها ل تؤمن‬
‫بخزعبلت الديان البراهيمية فتحتاج لن تكون سرية‪.‬‬
‫توقعت بقية الحكاية ولكنى قررت أن يستمر الحوار بشكل طبيعي‪ ،‬بين شخص‬
‫عيعلرف ما يقوله وآخر يجهل ويستغرب ما يسمعه‪ ،‬قلت له متصنعا الغضب‪.‬‬
‫‪ -‬أي إله‪ ،‬وأنت دتسمى الديان السماوية خزعبلت؟‪.‬‬
‫فقال في دهشة حقيقية‪.‬‬
‫‪ -‬اله الحق‪ ،‬أهناك إله غيره؟‪.‬‬
‫‪ -‬بالعالم مئات الديان والعقائد ويدعي كل منها أنه يعبد الله الحق‪ ،‬ويعطى تصوره‬
‫للإله الذي يعبده‪ ،‬فما هو تصور جماعتك لربكم؟‪.‬‬
‫وكأنه في مأزق‪ ،‬حاول تغيير دفة الحديث فقال‪.‬‬
‫‪ -‬عزيزي محمد‪ ،‬لماذا تقربت من كنيستنا دون أي كنيسة دأخرى؟‪.‬‬
‫تمالكت أعصابي وقلت في بساطة‪.‬‬
‫‪ -‬قلت لك أني دأعجبت بالنشاط الخيري لكنيستكم وبتفاني أعضائها في فعل الخير‬
‫ومسارعتهم بمساعدة الناس‪.‬‬
‫استحسن كلمي فوضع يده على كتفي وقال‪.‬‬
‫ضعل الطريق الصحيح‪ ،‬نحن نتعرف بسهولة‬
‫‪ -‬هذا لن بداخلك مؤمن ا حقيقي ا‪ ،‬ولكنه ع‬
‫على الشخص المؤمن بفطرته‪ ،‬ونعمل على ضمه للجماعة بأن نرشحه للعضوية لمدة‬
‫عام‪ ،‬يصبح بعدها عضوا عاملا تحت الاختبار لمدة عام آخر‪ ،‬إواذا أجازه عضوان من‬
‫الجماعة‪ ،‬عينضم للجماعة ليحتل موقع ا يتناسب مع درجة ذكائه ومستوى نشاطه وأعماله‬
‫وتبرعاته‪ ،‬والأب سيرجوني وأنا قمنا بترشيحك للعضوية‪ ،‬وفى نيتنا أن دنجيز عضويتك‬
‫بالجماعة‪.‬‬
‫ابتسمت له وأنا أنصت لكلمات سمالسم وهى تدوي بأذني‪ ،‬انتبهت لتحديق‬
‫تارديني في وجهي فقلت بسرعة‪.‬‬
‫‪ -‬شك ار للأب سيرجوني ولك‪.‬‬
‫اتجه ناحية شباك الغرفة وأزاح الستارة وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬أحب مشاهدة أضواء شرم الشيخ من النافذة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ثام التفت نحوي وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬لعلك تذكر‪ ،‬أنه في مرة من المرات‪ ،‬التي دخلت فيها الكنيسة بروما‪ ،‬ألخذت عينة من‬
‫دمك لتحليلها لضمان عدم إصابتك بإنفلون از الخنازير‪ ،‬في هذا اليوم تم التأكد من نقاء‬
‫جيناتك الوراثاية وعندها تم اعتماد ترشيحك للعضوية‪ ،‬وبعد أسابيع ستكون عضوا تحت‬
‫الاختبار‪ ،‬ومع هذه الصفة الجديدة ستكلف بمهام ومسؤوليات‪ ،‬أهمها اللتزام بالاشتراك‬
‫في معسكرات العداد والتأهيل‪ ،‬وبقدر ما تحصله من لعلم بأسرار الديانة وشريعتها‬
‫الغراء‪ ،‬ستقترب من إجازتك من معلم الحق لداء مناسك فريضة العحج الكبرى‪ ،‬لتنعم‬
‫حينها بحماية وعطف معلم الحق وتنطلق من نجاح إلى نجاح‪ ،‬وتتبوأ أرفع المناصب‬
‫وأخطرها في بلدك أو بأي بلد آخر تراه الجماعة‪ ،‬فبعد أداء الحج ستصبح ابنا ل فل‬
‫تعرف الفشل أو الخوف بعدها أبداا‪.‬‬
‫سألته بلطف ولين‪.‬‬
‫‪ -‬إلى أين يكون هذا الحج؟‪.‬‬
‫‪ -‬لمكان هنا بسيناء وآخر بالصحراء شرق نيل مصر‪ ،‬سوف تعرفهما في حينه؟‪.‬‬
‫وكأني أتوسل إليه سألته‪.‬‬
‫‪ -‬هل انتظاركم للهكم يشبه انتظار اليهود للدمخللص‪ ،‬أو المسيحيون لعودة المسيح مرة‬
‫أخري‪ ،‬أو كانتظار المسلمون للمهدي‪ ،‬أو‪ ،‬عهل هو شيء من هذا القبيل؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل يمكنني السترسال معك في الحديث أكثار من ذلك‪ ،‬هذا ليس شأني‪ ،‬وممنوع على‬
‫أن دأخبعرك بشيء لم يطلب منى أن أخبرك به‪.‬‬
‫صمت لبرهة وراح يمسح على رأسه ويفرك عينيه ثام يمسح وجهه وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬لني أعتبرك صديقا ورفيقا بالجماعة سأخبرك بشيلء هام‪.‬‬
‫انتبهت‪ ،‬فربما ألتقط معلومة تروى ظمئى لمعرفة أسرار جماعته تلك‪ ،‬فقال‪.‬‬
‫‪ -‬عضوية الجماعة تكون من طرفنا بالترشيح ثام بالجازة‪ ،‬ودون معرفة من العضو‪،‬‬
‫ولكنه لكي ديصلبح عضوا عام ا‬
‫ل‪ ،‬لبد من موافقته الصريحة على شروط الانضمام‬
‫للجماعة‪ ،‬وأولها أن عضوية الجماعة أبدية‪ ،‬فالموت فقط هو نهاية العضوية‪ ،‬والشرط‬
‫الثااني هو الطاعة العمياء لقيادته‪ ،‬والتراخي أو إفشاء أي من أسرارنا يعني موته‬
‫الدمحقق‪ ،‬وثاالثاهم هو أن دكل ما يملكه من ثاروة يصبح ملكا للجماعة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬كل ثاروتي!؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬ليس المر كما فهمت‪ ،‬ما أقصده هو أن كل إمكانات العضو وممتلكاته تكون‬
‫تحت تصرف الجماعة في دمقالبل أن عتكون بدورها‪ ،‬بكل أموالها ونفوذها‪ ،‬في خدمته‪.‬‬
‫ليس كل ما قاله بجديد علعي‪ ،‬ولكنه اقترب بي من اليقين بأن هذه جماعة إبراهيم‬
‫سالم وقبيلة العمارنة‪ ،‬وفي الغالب هي جماعة صابرينا!‪ ،‬سألته‪.‬‬
‫‪ -‬هل سيلفيو عضو بالجماعة؟‪.‬‬
‫نظر إلى في غضب‪ ،‬فأوضحت دافعي للسؤال‪.‬‬
‫‪ -‬هو من رشحني للعمل معكم‪ ،‬وقد يسألني عن طبيعة تعاوني معكم‪ ،‬فأخشى أن أخبره‬
‫بشيء قد تعتبره الجماعة إفشاء للسرار‪.‬‬
‫أطرق ينظر للرض ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬ليس بالضرورة أن كل من يتعاون معنا يكون عضوا بالجماعة‪ ،‬فسيلفيو ومن علي‬
‫شاكلته‪ ،‬يعملون لحسابنا ولكنهم غير مؤهلين على الطلق لعضوية الجماعة ول‬
‫يمكنهم أبدا أن ينالوا هذا الشرف‪ ،‬فالمرشح للعضوية لبد من أن تتوافر به صفات‬
‫ضم لصفوفنا فاسدا أو شري ار‬
‫معينة‪ ،‬أهمها نقاء جيناته الوراثاية‪ ،‬واليمان الصادق‪ ،‬ول عن د‬
‫حتى لو كانت جيناته الوراثاية نقية‪.‬‬
‫اصطنعت الغضب وقلت في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬سيلفيو ليس بشرير أو فاسد‪.‬‬
‫لف وجهه بابتسامة مريبة وقال‪.‬‬
‫‪ -‬نعرفه أكثار منك‪ ،‬إنه طماع وماكر‪ ،‬ونعرف أنه يخطط لنهب أموالك‪.‬‬
‫كانت الجملة الخيرة صادمة فصرخت فيه‪.‬‬
‫‪ -‬وضح كلمك‪ ،‬فهو يسيطر على معظم أموالي‪.‬‬
‫‪ -‬هو يستخدمك‪ ،‬كما استخدم غيرك‪ ،‬كغطاء لعماله ومشاريعه‪.‬‬
‫توقف عن الكلم للحظات‪ ،‬واحترقت أعصابي حين قال‪.‬‬
‫‪ -‬لقد استغل ثاقتك به ليسيطر على أموالك ويمسك برقبتك بيديه‪ ،‬إنه يكرر معك ما‬
‫فعله بغيرك من قبل‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫لحظ انزعاجي الشديد فراح يهدئ من روعي وطمأنني بأنه سوف يمد لي يد‬
‫العون لسترد أموالى‪.‬‬
‫سألته في هدوء‪.‬‬
‫‪ -‬حدثاني عن المهمة التي سنقوم بها هنا في سيناء؟‪.‬‬
‫اندهش الرجل لتجاوزي السريع لخوفي علي أموالي‪ ،‬فهو ل يعرف أننى‬
‫الأخطر وأنني من عيستعلغل سيلفيو وليس العكس‪ ،‬فقلت لحرره من دهشته‪.‬‬
‫تنس وعدك بمساعدتي‬
‫‪ -‬سأبذل قصارى جهدي لكون عند حسن ظنكم بي‪ ،‬لكن ل ع‬
‫على استرداد أموالى‪.‬‬
‫اقتنع بالمقايضة وقال مبتسماا‪.‬‬
‫‪ -‬ل فرق بين رجل أعمال شرير وآخر طيب‪ ،‬الجميع تحركهم المصلحة‪ ،‬هات وخد‪.‬‬
‫قال ذلك ثام خرجت منه ضحكات صافية‪ ،‬أضاف بعدها‪.‬‬
‫‪ -‬نواجه هنا مشكلة لم نكن نتوقعها‪ ،‬فسيناء ومنذ آلف السنين‪ ،‬ومدعظم أراضيها‬
‫مهجورة ومجهولة بالنسبة للمصريين‪ ،‬وحتى عندما كانت إسرائيل هنا‪ ،‬كنا في مأمن من‬
‫أن يطلع أحد على مكان مدينة ال المقدسة‪ ،‬واليوم يتكالب أبناء الوادي بمصر علي‬
‫شراء واستصلح مساحات شاسعة من سيناء‪ ،‬وما إن تدفقت الموال على سيناء حتى‬
‫تنازعت قبائل البدو النفوذ والسيطرة على أكبر مساحة من الرض لتبيعها لبناء‬
‫الوادي‪ ،‬وبسبب هذا التنادفس المسعور بين القبائل حدث انتشار واسع للبدو في أنحاء‬
‫سيناء‪ ،‬حتى فوجئنا بهم يقتربون من الطريق السري المؤدى إلى مدينتنا‪ ،‬ومنذ حوالي‬
‫الشهر فوجئ أمير المدينة بهم يحطون الرحال على جانبي هذا الطريق‪ ،‬وخوف ا من‬
‫تكالب قبائل البدو على جيش المدينة إن حاول ردهم‪ ،‬قرر دمعللم الحق أن تتولى قيادة‬
‫الكنيسة في روما عحل تلك الدمشلكلة بطريقة سلمية‪.‬‬
‫قدسة‪ ،‬جيش‪ ،‬معلم الحق‪ ،‬كلمات أرهقت أعصابي‪ ،‬تماسكت وسألته‪.‬‬
‫مدينة دم ع‬
‫‪ -‬ما هو الحل الذي تتصوره قيادة الكنيسة؟‪.‬‬
‫‪ -‬تم التفاق على شراء الراضي‪ ،‬المحيطة بالطريق المؤدى للمدينة‪ ،‬من القبيلة أو‬
‫من القبائل التي دتسيطر عليها‪ ،‬إواقامة مشروح زراعي وسياحي عليها‪.‬‬
‫‪ -‬وما هي المشكلة التي تواجهكم لتنفيذ ذلك؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬يجب أن تتم عملية الشراء بشكل طبيعي وأن يكون الهدف منها دمقنع للسلطات‬
‫المصرية‪ ،‬وأيض ا للبدو‪ ،‬كما أن تملك الرض وتخصيصها بسيناء مقصور على‬
‫المصريين والعرب‪ ،‬وقد استقر ال أري على أن تكون الرض والمشاريع التي ستقام عليها‬
‫باسمك على أن تضطلع الجماعة بالتمويل كله‪.‬‬
‫قام وتحرك في الغرفة وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬من دحسن الحظ أنك‪ ،‬وعلى الرغم من أنك سوري الجنسية‪ ،‬تعرف مصر جيداا‪ ،‬فقد‬
‫أخبرنا سيلفيو أنك عتععلمت وأقمت بمصر فترة طويلة‪.‬‬
‫شعرت بأني دمدين لسيلفيو مرة دأخرى‪ ،‬ما زال الرجل يحفظ سري ويمنحني‬
‫حمايته‪ ،‬كما تبين لي أن الكنيسة ليست من القوة والمنعة كما كنت أتصور‪ ،‬سألته‪.‬‬
‫‪ -‬أين هذه الرض وعكم عتبدلغ مساحتها؟‪.‬‬
‫‪ -‬جنوب منطقة سانت كاترين‪ ،‬من جبل موسى إلى منطقة الجبال الصخرية‪ ،‬وتقدر‬
‫مساحتها بحوالي خمسة عشر ألف فدان‪.‬‬
‫راح يشرح علي خريطة‪ ،‬لشبه جزيرة سيناء‪ ،‬تفاصيل المكان وأسماء القبائل التي يحتمل‬
‫أنها تتنازع السيطرة على المنطقة‪ ،‬أعطاني الخريطة ومعها كتيب صغير لشرح‬
‫تفاصيلها‪ ،‬وعدته بإنجاز المهمة علي أكمل وجه فقال‪.‬‬
‫‪ -‬ما نخشاه هو استمرار ابتزاز البدو‪ ،‬أقصد أن ما سديدفع لهم من مال في سبيل تخليهم‬
‫عن وضع يدهم على تلك المساحة‪ ،‬سيغرى كل بدوى لن يقترب منك ويزعجك بكل‬
‫الطرق والساليب لكي تدفع له كي يرحل‪ ،‬وقبل أن تلتقط أنفاسك ستجد غيره دينالوشك‪،‬‬
‫وسندخل بذلك دوامة من القلق والاستنزاف المادي‪.‬‬
‫راح ينظر إلى بقوة وكأنه ينتظر حلا أقترحه‪ ،‬وعندما لحظ حيرتي أضاف‪.‬‬
‫‪ -‬سوف نمدك بكل ما تحتاجه من أموال‪ ،‬نحن نثاق في ذكائك وحسن تصرفك‪.‬‬
‫‪ -‬إذن اطمئن يا صديقي‪ ،‬فالذكاء والمال هما محركا العالم وحكامه للبد‪.‬‬
‫ابتسم مزهوا ببدء العمل‪ ،‬فداعبته بمكر قائلا‪.‬‬
‫‪ -‬ل أرى أي جديد‪ ،‬فأنتم تقدسون الجبل والصحراء‪.‬‬
‫حد‪.‬‬
‫ابتسم في استعلء وقال في عت د‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬هناك فرق‪ ،‬الديان الإبراهيمية هي من ديقلدس العجبل والحجر وتتبنى طقوسا وثانية‬
‫ل يقرها عقل‪ ،‬أما نحن فنتخذ من الجبال لحصون ا توفر لنا المن والسرية‪.‬‬
‫ثام أضاف ليزيد من حيرتي‪.‬‬
‫‪ -‬غيرنا يعدبدد إلها مزعوما أما نحن فنعبدد إله الحق ودنلعد الدنيا لاستقباله‪.‬‬
‫حاولت استدراجه ليبوح بالمزيد فقال في حزم‪.‬‬
‫‪ -‬ل تععتععجل المور‪ ،‬سوف تعرف الكثاير بمعسكر العداد الذي سيعقد في أكتوبر‬
‫القادم في بيرو بأمريكا الجنوبية‪.‬‬
‫ثام أشار إلى بيده وكأنه يحذرني وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬ل تسألني مرة عن أي شيء يخص الجماعة‪ ،‬من الفضل أن يقتصر تعاملنا على‬
‫موضوع الرض والمشروع‪ ،‬هل اتفقنا؟‪ ،‬والن قل لي كيف ومتى ستبدأ؟‪.‬‬
‫شعرت بالحباط لفشلي في سبر أغواره‪ ،‬أعاد على سؤاله فقلت وأنا شالرد‪.‬‬
‫‪ -‬سأدرس المنطقة على الطبيعة أولا‪.‬‬
‫لم أشعر به يغادر‪ ،‬ومر بي وقت‪ ،‬ليس بالقصير‪ ،‬وأنا ل أستطيع التفكير فيما‬
‫سمعته أو فيما أنا مقبل عليه‪ ،‬بل لم أستطع حتى أن أغادر مقعدي إل بصعوبة بالغة‬
‫اندهشت لها‪ ،‬وبعد محاولت مضنية فشلت في الوصول للحالة الذهنية ألفا‪ ،‬استجرت‬
‫بالنوم فأبى وتركني للرق يفتك بأعصابي الدمتعبة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫مع عبق المكان وانبهاري بمنطقة سانت كاترين شعرت بأني أقترب من معرفة‬
‫أسرار خطيرة‪ ،‬تخلصت بصعوبة من عوسعوسة سمالسم‪ ،‬والعجيب أنى لم أفكر في التراجع‬
‫بل امتلت رغبة في مواصلة المشوار حتى النهاية‪.‬‬
‫كنت أتجول بالمنطقة وعيناى حائرتان تبحثاان في كل مكان لتريحا قلبي المعلق‬
‫بمدخل تلك المدينة المزعومة‪ ،‬كلما شعرت بالتعب والإرهاق كنت عأتمدد بالسيارة‬
‫لخطف دقائق من النوم العزيز‪.‬‬
‫كنت أتذكر صابرينا مع كل عجيب أسمعه أو أراه من زوار المكان‪ ،‬كانت‬
‫دهشتي عظيمة فمظهر الزوار ينبئ عن مستوى علمي وثاقافي رفيع ومع هذا فإنهم‬
‫يؤمنون بخرافات وأساطير ساذجة‪ ،‬فها هي أمريكية تعمل دمبرمجة كومبيوتر بشركة إنتل‬

‫‪200‬‬
‫لعمال الحاسوب‪ ،‬حدثاتني عن صاحبة الدير حديثاا مدهشاا‪ ،‬قالت في ذهول المؤمن‪،‬‬
‫إنها قديسة وهبت حياتها للمسيح وعندما ماتت حملتها الملئكة ودفنتها أعلي الجبل!‪.‬‬
‫وعلى جبل موسى شاهدت مجموعات تصلى خاشعة تحت شجرة ضخمة‪،‬‬
‫يعتقدون بأنها مباركة وأن ال كلم موسى من خللها وفي ظلها عخط بيده ألواح الشريعة‬
‫وناوله إياها‪ ،‬شيئ ا فشيئ ا تخلت عنى الدهشة ولم أعد أشعر إل بالاستهجان لما أسمعه‬
‫وأراه‪ ،‬وشعرت بتعاطف مع صابرينا‪ ،‬ول أدرى هل افتقادي لها وخوفي عليها هو سبب‬
‫ما اعتراني من مشاعر قوية نحوها‪ ،‬أم كنت بحاجة لمن ينتشلني من بحر الشك وعدم‬
‫اليقين الذي أوشك أن يبتلعني‪.‬‬
‫في يومي الخير بالمنطقة‪ ،‬وبعد جولة مرهقة‪ ،‬دخلت إلى السيارة متعبا لقصى‬
‫حد‪ ،‬غفلت عيناي لدقائق كانت كافية لستعيد شيئ ا من الحيوية والنتباه‪ ،‬عهممت‬
‫بتدخين سيجارة فشعرت بضيق في صدري‪ ،‬ترجلت من السيارة لاستنشق هواءا نقي ا‪،‬‬
‫فلمحته يجلس على صخرة كبيرة ويحدق بي كعادته منذ أن انتبهت إليه‪ ،‬للمرة الولي‪،‬‬
‫قبل أربعة أيام‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كان يتبعني في كل جولتي بالمنطقة‪ ،‬حسبته يراقبني‪ ،‬شاب طويل ونحيف‪،‬‬
‫ملمح وجهه هادئة ول تفتقد للوسامة‪ ،‬يظهر فجأة بالقرب منى‪ ،‬وعندما يتأكد من أنه قد‬
‫أثاار انتباهي‪ ،‬يختفي لبعض الوقت‪ ،‬ثام يظهر ليعيد الكرة‪.‬‬
‫تجاهل ندائي عدة مرات‪ ،‬اقتربت أكثار وأنا أقول‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -‬هل يمكننا التحدث قلي ا‬
‫قبل أن أكمل جملتي وجدته بجواري‪ ،‬وكأنه قفز طائ ار من مكانه‪ ،‬لم تمكنه‬
‫تخفله‬
‫أنفاسه المتلحقة من الكلم فراح يحرك رأسه لعلى ولسفل بتوتر واضح لم ل‬
‫ابتسامة وديعة ارتسمت على وجهه‪ ،‬انتبهت إلي أن نظراته زائغة فسألته‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا بك؟‪.‬‬
‫‪ -‬أتتحدث العربية!‪ ،‬كنت أظنك أجنبي ا‪ ،‬عندما ناديتني بالعربية استغربت المر‪.‬‬
‫‪ -‬أنا رجل أعمال ايطالي‪ ،‬من أصل سوري‪ ،‬كما أنى عشت بمصر فترة طويلة‪.‬‬
‫تلعثام وهو يقول‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬هذا أمر عظيم ‪ ،،،‬عظيم جدا ‪ ،،،‬أحقا زرت وشاهدت ثالث دول؟‪.‬‬
‫قالها بطريقة لفتت انتباهي بقوة‪ ،‬يبدو أن هذا الشاب مندوه‪ ،‬نادته النداهة‪ ،‬كان‬
‫من الواضح أن الرغبة في معرفة العالم والسياحة فيه تمتص رحيق نفسه‪ ،‬بدا لي أنه‬
‫مفصول عن واقعه تماما ومندمج بحلمه‪ ،‬فهمته بسرعة وقلت له‪.‬‬
‫‪ -‬تقريب ا أنا دزرت ثالثاين دولة‪ ،‬ولدى خطة مستقبلية للسياحة ببقية دول العالم‪.‬‬
‫رأيت بعينيه خليطا من الدهشة والحباط والتمني‪ ،‬فأضفت‪.‬‬
‫‪ -‬كنت أتابعك وأنت تتقرب من السياح الجانب بشكل أثاار دهشتي‪.‬‬
‫أخذ يفرك يديه وأطرق ينظر للرض ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬أعرض عليهم خدماتي‪ ،‬فقط لأستمتع بحكاياتهم عن بلدهم‪ ،‬عن المطارات‬
‫والطائرات الحديثاة‪ ،‬القطارات والسيارات‪ ،‬السينما والمسرح‪ ،‬المدارس والجامعات‪،‬‬
‫الحروب والصراعات بين الدول‪ ،‬وغيرها من الحكايات المدهشة‪.‬‬
‫وقال في يأس‪ ،‬كانت الكلمات تخرج من فمه وكأنها تبكى‪.‬‬
‫‪ -‬أتمني وأحلم بأن أتجول فى جميع أنحاء العالم وأشاهد الدنيا المتنوعة‪.‬‬
‫بكي عجزه وانتحب حتى ارتاح‪ ،‬رفع رأسه ونظر إلى نظرة رجاء وقال‪.‬‬
‫‪ -‬كرهت العيش محبوسا بين هذه الجبال‪.‬‬
‫اعتمدت خطة محكمة لغرائه ومغازلة حلمه لعله يساعدني في معرفة المنطقة‬
‫وقاطنيها‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫اسمه الحقيقي أمنحتب‪ ،‬ويدعى لنفسه اسم حمدان عندما يتواجد بهذه المنطقة ‪ ،،،‬بدوى‬
‫واسمه أمنحتب!؟‪ ،‬ديعهيأد لي أنه يحاول أن يلفت نظري إلى أنه ليس بدويا وليس من‬
‫المنطقة‪ ،‬ظننته من أبناء الوادي‪ ،‬الذين استوطنوا سيناء‪ ،‬سألته‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا هذا السم‪ ،‬أمنحتب؟‪ ،‬ولماذا تنتحل غيره؟‪ ،‬ومن أين أنت؟‪.‬‬
‫ابتسم وقال في ثاقة‪.‬‬
‫‪ -‬كل أفراد قبائل تيه موسي لهم أسماء مصرية قديمة‪.‬‬
‫لول مرة أسمع ببدو تيه موسي‪ ،‬سألته‪.‬‬
‫‪ -‬من هم بدو تيه موسى؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬هناك قبائل بدو الشرق‪ ،‬يعود أصلهم للنباط ولبعض قبائل الجزيرة العربية‪،‬‬
‫ويشكلون غالبية البدو بسيناء‪ ،‬وهناك قبائل بدو الغرب‪ ،‬وتعود أصولهم للجزيرة العربية‬
‫أيضاا‪ ،‬وكانوا قد هاجروا قديم ا بصحبة الجيوش السلمية إلى منطقة المغرب العربي‬
‫واستقروا هناك لمئات السنين‪ ،‬وعمل الحكام المماليك على جلبهم وتوطينهم بسيناء‬
‫بغرض منازعة بدو الشرق‪ ،‬وعلى الرغم من أنهم أقلية إل أنهم أكثار قوة ومنعة وتعصب ا‬
‫لصولهم العربية البدوية‪ ،‬بدو تيه موسي أصولهم مصرية أي أنهم فلحون ولهذا ل‬
‫يعتبرهم بدو الشرق أو الغرب بدوا مثالهم‪ ،‬بل ويستعلون علينا‪ ،‬ويعاملونا بقسوة وعنف‬
‫ليمنعونا من الاقتراب من مناطقهم‪ ،‬وفي الحقيقة نحن نكرههم ونحتقرهم‪.‬‬
‫سكت عن الكلم للحظات‪ ،‬ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬بسبب خلف ديني عميق تم طرد أجدادي من مصر إلى سيناء وذلك منذ آلف‬
‫السنين‪ ،‬وأجبرتنا طبيعة أرض سيناء على العيش كالبدو‪ ،‬إل أننا ما زلنا فلحين‬
‫ونمتهن الزراعة أكثار من الرعي‪.‬‬
‫أعرف أن الفلح يكره البدوي لجهله وتخلفه وأفهم لماذا يعتبر البدوي الفلح‬
‫شخص ا وضيعاا‪ ،‬لكني لم أستوعب حكاية الخلف الديني العميق الذي ذكره فطلبت منه‬
‫التوضيح‪ ،‬فحاول المراوغة وقال‪.‬‬
‫‪ -‬كيف أساعدك؟‪.‬‬
‫‪ -‬أنا عمن يريد مساعدتك‪ ،‬أريد أن أمنحك الفرصة لتجوب العالم كله‪.‬‬
‫فقد سيطرته علي نفسه‪ ،‬اقترب منى مأخوذا بالمفاجأة‪ ،‬حاول أن يجذب يدي‬
‫ليقبلها‪ ،‬تمنعت فقال بصوت كله رجاء‪.‬‬
‫‪ -‬سيكون صنيعك هذا جميلا لن أنساه ما حييت‪ ،‬لكن كيف يكون ذلك؟‪.‬‬
‫أكملت الحوار ببساطة وتلقائية فسألته‪.‬‬
‫‪ -‬هل لديك بطاقة الرقم القومي وجواز للسفر؟‪.‬‬
‫‪ -‬الحكومة المصرية سجلت جميع البدو ومنحتهم بطاقات الرقم القومي وجوازات للسفر‬
‫ومنعت عنا كل ذلك‪ ،‬إنها ل تعترف بوجودنا‪.‬‬
‫ثام أضاف بصوت ل يخلو من الدهشة والحباط‪.‬‬
‫‪ -‬وحتى اليهود عندما كانوا هنا لم يعيرونا أدنى اهتمام‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬هذه ليست مشكلة‪ ،‬لدي الحل‪ ،‬أتعرف لغات غير اللغة العربية؟‪.‬‬
‫فقال بلهفة‪.‬‬
‫‪ -‬أتحدث النجليزية والفرنسية ويمكنني التفاهم باليطالية واللمانية‪ ،‬تعلمت هذه‬
‫اللغات من السياح ومن دحجاج المدينة‪.‬‬
‫توقف عن الكلم فجأة وبدا أنه يمنع نفسه من البوح بكلم خطير‪.‬‬
‫طعمت عقلي بقوة‪ ،‬إل أنى قررت تأجيل‬
‫وبالرغم من أن كلمات‪ ،‬حجاج‪ ،‬مدينة‪ ،‬لع ع‬
‫الاستجواب أو كما يقولون‪ ،‬قررت تسويته على نار هادئة‪ ،‬قلت له‪.‬‬
‫‪ -‬أنت وسيم وجسمك رياضي وتتحدث عدة لغات‪ ،‬يمكن أن أجد لك فرصة عمل‬
‫بفندق كبير بمدينة شرم الشيخ‪ ،‬وحينها تتعرف عن قرب على الكثاير من الأجانب‪ ،‬ومن‬
‫كل شكل ولون‪ ،‬وبعدما انتهي من بعض أعمالي هنا‪ ،‬سوف أصطحبك في رحلة‬
‫طويلة‪ ،‬نجوب خللها بلدان أوروبا‪.‬‬
‫أطرق ينظر للرض وسألني باحترام‪.‬‬
‫‪ -‬ولماذا تفعل معي ذلك؟!‪.‬‬
‫حتى ل ينتابه أي شك تجاهي قلت ببساطة‪.‬‬
‫‪ -‬أريد أن أشترى عدة آلف من الفدنة هنا‪ ،‬بهذه المنطقة‪.‬‬
‫قال مستغرب ا المر‪.‬‬
‫‪ -‬كل هذه المساحة‪ ،‬وهنا‪ ،‬وماذا ستفعل بها؟‪.‬‬
‫‪ -‬سأنشيء عدة مزارع وحدائق لأمهد المكان لإقامة مشروع سياحي كبير‪.‬‬
‫‪ -‬كيف والمنطقة صحراء قاحلة ومعظمها منطقة صخرية؟‪ ،‬ناهيك عما ستواجهه من‬
‫مشاكل مع البدو ومع سكان المدينة‪.‬‬
‫‪ -‬أية مدينة؟‪.‬‬
‫ارتبك وقال بسرعة‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا ستفعل مع بدو تيه موسى؟‪ ،‬هم ل يسمحون لحد بأن يقترب من جبالهم‪.‬‬
‫‪ -‬بالنسبة لمشكلة المياه‪ ،‬لدى خطة لمد مواسير لجلب الماء من نهاية ترعة السلم إلى‬
‫هنا‪ ،‬وسأبنى أحواض كبيرة لتخزين مياه السيول‪ ،‬وبالطبع سنقوم بحفر عدة آبار للمياه‬
‫الجوفية‪ ،‬كما يمكن جلب المياة بأسطول ضخم من سيارات النقل المجهزة لذلك‪ ،‬أما بدو‬

‫‪200‬‬
‫الشرق والغرب فبالمال سوف أشترى عهدهم‪ ،‬يبقى لدينا بدو تيه موسى‪ ،‬يبدو أنى‬
‫بحاجة لمساعدتك للتفاهم معهم‪.‬‬
‫سألني والدهشة لم تغادره بعد‪.‬‬
‫‪ -‬ولماذا كل هذا‪ ،‬وفي سيناء مناطق أخري تناسب مشروعك‪.‬‬
‫قلت له في زهو وثاقة‪.‬‬
‫‪ -‬هذا هو الفرق بيني وبينك يا حمدان‪ ،‬تجلس تنتظر حلمك أن يأتي إليك‪ ،‬أما أنا‬
‫فأسعى بإصرار لتحقيق هدفي ول أعرف المستحيل ‪ ،،،‬ماذا لو نجحنا في زراعة‬
‫المنطقة ثام أنشأنا فندق ا كبيرا ومجموعة من المخيمات والمطاعم والمقاهي‪ ،‬ثام سوقنا‬
‫المكان كمكان سياحي ديني عالمي؟‪ ،‬هل تتصور أرباح هذا المشروع؟‪.‬‬
‫لم يرد واكتفى بنظرات الدهشة والعجاب فأضفت‪.‬‬
‫‪ -‬سنجلب السياح إلى الطبيعة والصحراء وعبق تاريخ الديان‪ ،‬إلى حيث الهدوء‬
‫والمتعة والحياة الصحراوية والروحية‪.‬‬
‫جاءني صوته عميقاا‪.‬‬
‫‪ -‬بالفعل سوف تكسب الكثاير‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫لكمال السيطرة عليه عاجلته قائ ا‬
‫‪ -‬بل قل سوف نكسب الكثاير‪ ،‬أل تود أن تكون شريكي في كل أعمالي هنا‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫لم أعطه الفرصة للتفكير‪ ،‬أكملت إغرائي له قائ ا‬
‫‪ -‬كل ما عليك فعله هو أن تمدني بكل ما أحتاجه من معلومات كافية عن المنطقة‬
‫وعن القبائل التي تسيطر عليها‪ ،‬وتكون رسولي لبدو تيه موسى‪.‬‬
‫فقال بسرعة‪.‬‬
‫‪ -‬لنا نفوذ كبير على هذه المنطقة بالذات‪ ،‬حاربنا كثاي ار لنزيح القبائل البدوية من هذا‬
‫المكان‪ ،‬وشقيقي الكبر هو شيخ قبائل تيه موسى‪ ،‬وهو أيض ا أمير المدينة المقدسة‪.‬‬
‫لطم عقلي مجددا بجملته الخيرة‪ ،‬ولكني قررت التعامل معه بروية وحسبما‬
‫تقتضي خطة السيطرة عليه‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫عملت جاهدا‪ ،‬لمدة أسبوع‪ ،‬على توثايق علقتي بهذا الشاب‪ ،‬ويبدو أنى نجحت‬
‫في ذلك‪ ،‬فبدون مسعي مني كان يبادرني كل مرة بحكاية يراها هو بسيطة وعادية وكنت‬
‫أعتبرها أنا خطوة هائلة في طريقي نحو المعرفة‪.‬‬
‫في شرم الشيخ عاش حمدان أسبوعا من الخيال‪ ،‬ولممـَ ل وقد كلفني إبهاره مائة‬
‫ألف دولر‪ ،‬اطمأننت لمتانة العلقة بيننا فطلبت منه أن يرتب لي مقابلة مع أخيه‪،‬‬
‫فارتبك بشدة وقال‪.‬‬
‫‪ -‬من الفضل أكلمه أنا‪ ،‬وأطلب منه مساعدتك‪.‬‬
‫نظرت إليه في ضيق فتلعثام كثاي ار ثام أضاف‪.‬‬
‫‪ -‬ل يمكنك مقابلته فالحرس يقتل أي غريب بمجرد اقترابه من المدينة‪.‬‬
‫كلماته ترهقني وتشعل أعصابي‪ ،‬تصنعت الهدوء‪ ،‬سألته‪.‬‬
‫‪ -‬عن أيةع مدينة وأي عحرس تتحدث؟‪ ،‬أتتلعب بي‪ ،‬ل أصدق أن هناك مدينة خلف‬
‫تلك الجبال‪ ،‬ول أن هناك أميرا أو حرسا في نطاق أقدم دولة في العالم‪ ،‬حمدان‪ ،‬إما أن‬
‫ل‪.‬‬
‫تحدثاني بالحقيقة إوال فهو فراق بيننا‪ ،‬الن‪ ،‬حا ا‬
‫هممت بمغادرة المكان وأنا أنظر إليه في حزن وكأني أودعه‪ ،‬اضطرب حاله‬
‫وراح يبحث عن كلمات لنقاذ الموقف‪ ،‬كانت الحيرة بادية في نظراته‪ ،‬سألني‪.‬‬
‫‪ -‬هل تصدق ما سأقوله؟‪.‬‬
‫لم أرد عليه‪ ،‬فقال‪.‬‬
‫‪ -‬دنحن نسدكن مدينة محصنة‪ ،‬هناك خلف الجبال الصخرية‪ ،‬وللمدينة أمير‪ ،‬ل يدخل‬
‫أو يخرج منها أحد إل بأذنه‪ ،‬ول ديملكن لي غريب الاقتراب منها‪ ،‬فهي مزودة بأحدث‬
‫أجهزة للمراقبة ودمعؤمنة بأعلى تكنولوجيا يمكن أن يتصورها بشر‪.‬‬
‫بنبرة عتحد قلت له‪.‬‬
‫‪ -‬مدينة عميت عنها عشرات الأقمار الصناعية التي يمكنها رصد إبرة مدفونة في‬
‫صحراء شاسعة‪.‬‬
‫‪ -‬كل منشآت المدينة‪ ،‬من معابد وقصور ومنازل‪ ،‬منحوتة بالجبل ول يمكن رصدها‪.‬‬
‫قلت في نبرة سخرية لستفزه‪.‬‬
‫‪ -‬وكأنكم قوم عاد وثامود‪ ،‬أتكون مدينتكم هي ارم ذات العماد؟!‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫لم يغضب وأكمل حديثاه ببساطة أثاارت دهشتي فقال‪.‬‬
‫‪ -‬ل أتصور وجود ما يشبه مدينتنا بالعالم‪ ،‬نحن نعيش بأهم مكان على وجه الرض‪،‬‬
‫ول يمكنك أن تتخيل ما به من جمال وعلوم وتكنولوجيا‪.‬‬
‫ضرب رأسي صداع مع دوار‪ ،‬كدت أتقيأ‪ ،‬تماسكت بصعوبة وقلت‪.‬‬
‫‪ -‬ودليل ذلك أنك تريد مغادرتها من أجل مشاهدة العالم‪ ،‬ماذا تتوقع أن تراه هناك‪،‬‬
‫الظلم‪ ،‬الجوع‪ ،‬المرض‪ ،‬الجهل‪ ،‬التخلف‪ ،‬الفتن‪ ،‬الحروب؟‪.‬‬
‫‪ -‬أريد أن أعيش الختلف‪ ،‬التنوع‪ ،‬الحرية‪ ،‬لو حبست إنسانا دمععدما داخل قصر‬
‫جدرانه من الذهب وفيه كل ما تتوق إليه نفسه‪ ،‬شرط آل يغادره أبداا‪ ،‬أتضمن آل يتمرد‬
‫من أجل حريته؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل أعتبر الفقير ح ار علي أية حال‪ ،‬والحقيقة أقول لك‪ ،‬لم ولن ينال النسان حريته‬
‫أبداا‪ ،‬وهذا لنه دوم ا يكون أسيرا لماضيه‪ ،‬لفكاره ومعتقداته‪ ،‬لحلمه وتطلعاته‪ ،‬وعلي‬
‫رغم سعيه وتعطشه للحرية فإنه بطبيعته غير دحر‪ ،‬لنه مخلوق‪ ،‬لنه يموت ول يعرف‬
‫مصيره‪.‬‬
‫قال بأسى‪.‬‬
‫‪ -‬ل أفهم ما تقول‪ ،‬وكل ما أريده هو رؤية العالم ومعرفة أشكال أخري للحياة‪.‬‬
‫‪ -‬وأنا أيضاا‪ ،‬أشتاق لرؤية عالمك ومعرفته‪ ،‬أعتقد أنه مكان رائع‪.‬‬
‫‪ -‬أني أراه كالسجن‪ ،‬عمل ليل نهار‪ ،‬ل يسلم أحد من عجرفة الدحراس‪ ،‬ل حركة إل‬
‫بإذن مسبق من المير‪ ،‬كل عمن فى المكان يعيش كالخدم للكهنة وللحجاج‪.‬‬
‫تغرغرت عيناه بالدموع وأضاف بصوت مشروخ‪.‬‬
‫‪ -‬كل فرد بالمدينة يعتبر نفسه محظوظا لكونه من أهلها‪ ،‬ل أعرف لماذا أنا مختلف‬
‫عنهم‪ ،‬أعيش تعيس ا بقدر ما هم سعداء‪ ،‬وكأن حلمي بالحرية لعنة أصابتني جزاء عدم‬
‫إيماني بخرافاتهم‪.‬‬
‫كاد رأسي يغلي‪ ،‬تحاملت على نفسي وسألته‪.‬‬
‫‪ -‬أية دحجاج وأية كهنة يا حمدااااان؟‪.‬‬
‫يبدو أن الفتي قرر البوح بكل ما لديه‪ ،‬ليريحني ويرتاح‪ ،‬فقد قال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬في بداية الشتاء من كل عام يأتي للمدينة العشرات لداء مناسك الحج‪ ،‬وكل ثامان‬
‫سنوات‪ ،‬وفى منتصف الصيف‪ ،‬يأتون بالمئات فيما يسمي بالحج الكبير‪ ،‬والكهنة هم‬
‫سدنة الجماعة التي تحج للمدينة والتي يقيم بها دائم ا رأس الجماعة‪ ،‬معلم الحق‪.‬‬
‫تزاحمت برأسي الفكار والحكايات‪ ،‬إبراهيم سالم‪ ،‬على العمرناوي‪ ،‬تمثاال ميريت‬
‫آتون الذهبي‪ ،‬اللواء الجمال‪ ،‬سيلفيو وصابرينا‪ ،‬الب سيرجوني وتابعه تاردينى‪،‬‬
‫تلعبت بى الهواجس والظنون‪ ،‬هل أقترب بالفعل من معرفة أسرار تلك الجماعة‪ ،‬أم أن‬
‫هناك من يتلعب بي؟!‪ ،‬فلو كانت جماعة تارديني هي العمعنية بكل المعلومات التي‬
‫تتزاحم برأسي‪ ،‬فعدمن عيتحعدث لحمدان؟!‪.‬‬
‫ضربني دوار شديد‪ ،‬ورحت أقاوم رغبة قوية في التقيؤ‪ ،‬انهمر مني عرق غزير‪،‬‬
‫انزعج حمدان لحالي فقال‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا بك؟‪ ،‬ماذا أفعل؟‪.‬‬
‫طلبت منه أن يتركني لأغفو قليلا‪.‬‬
‫‪ ،،،‬آه يا حمدان‪ ،‬أنت ل تعرف أنك سبب ما أنا عليه‪ ،‬بال عليك‪ ،‬يا وزيري‪،‬‬
‫أن تترفق بي كما تعرفق هارون بموسى!‪ ،‬ل تخش سحر آل فرعون‪ ،‬فبيد تضيء وعص ا‬
‫تتلوي أبطل ال سحرهم‪ ،‬ول تخف‪ ،‬يا ثااني اثانين‪ ،‬في غياهب دجب السرار‪ ،‬فإن ال‬
‫معنا‪ ،‬بنسيج عنكبوت وبحمامة تبيض‪ ،‬قد تدعمى عنا عيون الظالمين‪ ،‬فنكمل هجرتنا‬
‫إلى اليقين‪ ،‬إلي حقيقة الوجود‪.‬‬
‫أفقت من غفوتي وأنا أشعر بعقلي مشتعلا وبالحيوية تدب في أوصالي‪ ،‬قررت‬
‫أن أخفي الفتي عن تاردينى‪ ،‬كنت أشعر به يراقبني‪.‬‬
‫اصطحبته إلى منطقة دهب‪ ،‬منطقة هادئة وبسيطة قد تساعدني على التفكير‬
‫والتأمل‪ ،‬كما أنها تعج بالجانب وهذا يناسبه تماماا‪.‬‬
‫في واحدة من الوقات القليلة التي كان يتعافي فيها من الخمر سألته‪.‬‬
‫‪ -‬كيف تسيطرون على كل مساحة الرض الممتدة أمام مدينتكم؟‪.‬‬
‫باعد بين جفونه بصعوبة ثام نظر إلي بارتياب وقال‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو أننا فقدنا السيطرة عليها في الفترة الخيرة‪ ،‬لسبب ل أعرفه بدأ البدو يتنازعون‬
‫السيطرة على تلك المنطقة‪ ،‬سقط من بينهم قتلي بالمئات‪ ،‬وفي النهاية لجئوا للتحكيم‪،‬‬

‫‪200‬‬
‫لخرى مع‬
‫وأصبحت المنطقة من حق قبيلة الترابيين بعدما دفعت دية قتلى القبائل ا د‬
‫تعويض مالي كبير عن مساحة الرض‪.‬‬
‫‪ -‬وهل اشتركتم في هذا النزاع؟‪.‬‬
‫‪ -‬في السابق كان جيش المدينة يعتمد وسيلة الاغتيال لترهيب كل من يقترب من‬
‫المكان‪ ،‬ولكن هذه المرة توافد البدو بكثاافة‪ ،‬ولنهم يحترفون حرب العصابات ويجيدون‬
‫الكر والفر‪ ،‬قرر الأمير أن يتركهم يتصارعون أملا في أن يضعفوا بعضهم بعضا‬
‫وحينها يكون له تصرف حاسم معهم دون أن يلفت النظار لمكان المدينة‪.‬‬
‫‪ ،،،‬لو أن جماعة تارديني هي جماعة حمدان‪ ،‬كيف لم يعرفه تارديني؟‪ ،‬ألم‬
‫يت ارعم لمسامع الفتي‪ ،‬وهو شقيق أمير تلك المدينة المزعومة شيئا عن خطة الجماعة‬
‫للسيطرة على الرض؟‪ ،‬قد يكون هو من يراقبني لصالح الجماعة!؟ ‪ ،،،‬علي أية حال‬
‫ليس هناك فرصة للتراجع‪ ،‬أرغب بشدة في اللعب مع المجهول‪.‬‬
‫قررت أن أستخلص من الفتي كل ما يعرفه‪ ،‬سألته‪.‬‬
‫‪ -‬هل أنت متدين يا حمدان؟‪.‬‬
‫قال بتلقائية‪.‬‬
‫‪ -‬لقبيلتي دين أراه خرافة‪ ،‬وهذا ما يخنقني ويجعلني أشعر بالوحدة والغربة بين أهلي‪.‬‬
‫راح يفرك في صدره ثام أعطاني ظهره وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬موسم الحج هو عيد بدو تيه موسي‪ ،‬ملبس جديدة‪ ،‬فرح‪ ،‬رقص وغناء‪ ،‬الجنس‬
‫يمارس بجنون وعلي المل‪ ،‬أي عردجل لية امرأة‪ ،‬وهذا تعافه نفسي ول أعرف لماذا‪.‬‬
‫‪ -‬أليس الجنس الجماعي من طقوس التعبد للله؟‪.‬‬
‫‪ -‬أي إله هذا الذي يرضي بتلك الخزعبلت؟‪.‬‬
‫اندهشت لحديثاه وأخذت كلمه بحذر‪ ،‬سألته‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعرف شيئ ا عن ديانات وعقائد العالم؟‪.‬‬
‫فقال بتلقائية‪ ،‬زادت من دهشتي‪ ،‬لكنها قللت من ارتيابي منه‪.‬‬
‫‪ -‬أعرف الكثاير‪ ،‬منذ الصغر نتعلم وندرس مئات الديان والعقائد الموجودة في جميع‬
‫أنحاء العالم‪ ،‬كل شاب منا لبد له من أن يتم دراسة ما يعتبره الخرون دكتب ا مقدسة‪ ،‬قبل‬
‫أن يعتبره الكهنة جديرا بدخول مععبد المدينة والمشاركة في طقوس الحج‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫سألته‪.‬‬
‫‪ -‬فهمت أنكم ل تعترفون بديانات أخري‪ ،‬غير ديانتكم‪ ،‬هل لديكم كتاب مقدس؟‪.‬‬
‫‪ -‬لدينا كتاب مقدس مكتوب بعدة لغات ويحكى قصة العخلق‪ ،‬وتاريخ السماء والرض‬
‫منذ بدء الصراع بين إله النور إواله الظلم‪ ،‬ويؤكد معلم الحق أن ما تدعيه الكتب‬
‫المقدسة للديان الخرى ما هو إل انتحال وتزييف لحقائق كتابنا المقدس‪.‬‬
‫‪ -‬أريد قراءة كتابكم هذا‪.‬‬
‫‪ -‬ذلك ممنوع على أي فرد من خارج المدينة‪.‬‬
‫‪ -‬ولماذا كتب بعدة لغات؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل أعرف السبب‪.‬‬
‫راح يتحدث عن نشأة الديان وتاريخها فأسمعني ما لم أتوقعه من بدوي معزول‬
‫عن العالم‪ ،‬لم تعد بي قدرة على الاحتمال فقلت لنفسي ‪ ،،،‬لبد أن هناك من يتلعب‬
‫بي‪ ،‬ليس من المعقول أن أتخبط في نفس المعلومات في كل مكان‪ ،‬حتى بدون أن‬
‫أسعي إليها‪ ،‬من المؤكد أن هناك من يريد أن عيحدرث أفكاري وعيغسل دمخي‪ ،‬ليزرع به ما‬
‫يريده‪ ،‬إنه أسلوب المخابرات للسيطرة على الضحية‪.‬‬
‫لمت نفسي‪ ،‬كيف لي أن أنسى أن هناك من يطاردني منذ سنوات؟!‪ ،‬لم أعد أعرف‬
‫ما بداخلي من مشاعر‪ ،‬أهو الخوف أم الشك‪ ،‬أم أنه اليأس؟‪ ،‬ل‪ ،‬إنه الضياع‪ ،‬فعلا أنا‬
‫ضائع‪ ،‬ل‪ ،‬أنا مريض‪ ،‬هل أصابني عمس من الجنون؟‪ ،‬ل إنه مس من اللجن‪ ،‬الجنون‬
‫من اللجن‪ ،‬لبد أن شيطانا يتلعب بعقلي‪ ،‬لعله حنزب‪ ،‬سوف أقبض عليه وأوثاقه ليلهو‬
‫به الطفال‪ ،‬أفبعد قرون من إسلمه يرتد على عقبيه ويعاود محاولته لغراء المختارين‬
‫وصرفهم عن رسالتهم‪ ،‬لن يشفع فيه سليمان تلك المرة!‪.‬‬
‫غرق حمدان في حلمه‪ ،‬راح يعب الخمر عب ا‪ ،‬يحوم من حول الجانب‪ ،‬يتتبعهم في‬
‫كل مكان‪ ،‬يستجدى صداقتهم وأحاديثاهم‪ ،‬لم أكف عن مراقبته لحظة‪ ،‬كنت أشك في كل‬
‫شيء من حولي‪ ،‬أي شخص وأية موقف‪ ،‬طاش عقلي ولم تعد لدى أدنى قدرة على‬
‫التركيز أو التفكير‪.‬‬
‫من قلب الحيرة‪ ،‬تذكرت ال فأنار قلبي باليمان والطمأنينة‪ ،‬قبضت بنواجذي علي‬
‫ديني‪ ،‬أملا في أل تضيعني الحيرة وأل يفتك بأعصابي الشك‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫بعد جلسة ناجحة من التنويم المغناطيسي الذاتي دخلت في الحالة الذهنية آلفا‪،‬‬
‫أفقت منها منتشي ا بعض الشيء‪ ،‬رحت أنظر إليه وهو يغط في نومه‪ ،‬فضبطت نفسي‬
‫تشفق عليه وتحبه‪ ،‬انتبه إلي بجواره فقال وهو يغالب النعاس‪.‬‬
‫‪ -‬وجدتك تغط فى نوم عميق فلم أشأ أن أقلق راحتك‪.‬‬
‫‪ -‬حمدان‪ ،‬أراك صديقي وأحبك بالفعل‪ ،‬فهل نحن أصدقاء‪ ،‬هل تحبني يا حمدان؟‪.‬‬
‫‪ -‬أكثار من أي شخص آخر على وجه الرض‪.‬‬
‫ضبطت نفسي تصدقه‪ ،‬قلت له‪.‬‬
‫‪ -‬أريد الدخول لمدينتكم ومشاهدة معالمها‪.‬‬
‫يبدو أني فاجأته‪ ،‬جلس مرتبكاا‪ ،‬وكأنه يتحدث إلى نفسه قال‪.‬‬
‫‪ -‬هذا صعب‪ ،‬بل مستحيل‪.‬‬
‫شعرت بتردد موقفه هذه المرة‪ ،‬فقررت الضغط عليه بقوة‪ ،‬قلت في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا ل تريد مساعدتي في ذلك؟‪.‬‬
‫قام من مكانه واتجه نحوى وهو يشير نحوي بذراعيه وقال في نبرة رجاء‪.‬‬
‫‪ -‬بال عليك‪ ،‬المدينة سر ل يجب البوح به‪ ،‬ول يستطيع أي غريب الدخول إليها‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا؟‪.‬‬
‫‪ -‬المدينة تخص جماعة دينية تحرص كل الحرص على أن تبقى عقيدتها وطقوسها‬
‫سرية‪ ،‬ول تتردد لحظة في القضاء على ما يهدد بإفشاء سرها‪.‬‬
‫‪ -‬أتراني أصدق هذا الهدراء؟‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا ل دتصدقني؟‪.‬‬
‫تفجرت غيظا فقلت في غضب‪.‬‬
‫‪ -‬كيف تكون مدينتكم س ار وأنت الن تحكى معي عنها وتفشى لي بأسرارها؟‪.‬‬
‫‪ -‬أنا وأنت وما أقوله‪ ،‬وما سمعته منى‪ ،‬أقوال دمرعسلة‪ ،‬سيعتبرها الخرون أساطير‪،‬‬
‫وتخاريف‪ ،‬أما أن تدخل المدينة فهذا خطير‪ ،‬سنقتل فو ار‪.‬‬
‫قلت في محاولة لستف اززه‪.‬‬
‫‪ -‬ل أصدق ما تقوله عن جماعتكم ومدينتكم‪ ،‬وأراه وهم ا من محض خيالك‪ ،‬وهذا‬
‫يكفي‪ ،‬أنت غير صريح معي‪ ،‬وتهدر وقتي بل فائدة‪ ،‬هذا فراق بيننا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ارتاح لما قلته‪ ،‬وكأني أنقذته من ورطة كبيرة فقال‪.‬‬
‫‪ -‬هذا أفضل‪ ،‬اعتبر أن كل ما قلته‪ ،‬لك‪ ،‬هو وهم وخيال‪.‬‬
‫‪ ،،،‬أهذا البدوي يتلعب بي ‪ ،،،‬وكأنه وجد ضالته فيما قلته‪ ،‬إنه يتخلي عني‬
‫بسهولة مريبة‪ ،‬لماذا هو غير منزعج من تهديدي بالفتراق؟‪ ،‬أين حلمه الذي يعيش من‬
‫أجله؟‪ ،‬لأجرب معه تكتيك ا آخر‪ ،‬قلت‪.‬‬
‫‪ -‬أعرف أن ما سمعته منك ليس بخيال‪ ،‬ومتأكد من أنك تخاف علي‪ ،‬وأنا ل أحب أن‬
‫أخسرك‪ ،‬لكني مثالك دمتيم بالمعرفة‪ ،‬المجهول يثايرني ويذهب بعقلي‪.‬‬
‫شعرت بتردده حين قال‪.‬‬
‫‪ -‬أليس هناك طريقة دأخرى لتعرف ما تريد بدون دخولك للمدينة؟‪.‬‬
‫اتفقنا علي أن ننسى المر مؤقت ا لحين الستقرار علي طريقة مناسبة تحقق‬
‫غرضنا دون أن نتورط في مشاكل‪ ،‬وتعمدت أل أفاتحه في المر لعدة أيام‪ ،‬تركته‬
‫منغمسا في حلمه‪ ،‬ورحت أخطط للمر‪.‬‬
‫غاص الشاب في الملذات‪ ،‬بدا لي أنه ليمكنه التخلص من حلمه‪ ،‬قلت له يوم ا‬
‫لختبر موقفه‪.‬‬
‫‪ -‬للسف يا حمدان‪ ،‬سوف نفترق بعد أيام‪ ،‬لقد أبلغني المحامى اليوم بقرار الحكومة‬
‫بتأجيل البت فى الموافقة على مشروعي بسيناء‪ ،‬سأغادر إلى أوروبا خلل أيام‪.‬‬
‫دبلغ ع‬
‫ت‪ ،‬حاول أن يتكلم‪ ،‬انحبس صوته فراح يحرك ذراعيه ويديه وكأنه يستغيث‪.‬‬
‫قلت فى حزن مصطنع‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو أننا لن نحقق أحلمنا‪.‬‬
‫صرخ‪.‬‬
‫‪ -‬لعنة ال على المدينة وعلى أهلها‪.‬‬
‫ثام قال وهو يتوسل إلي‪.‬‬
‫‪ -‬ألن تصطحبني معك؟‪ ،‬لقد وعدتني بذلك‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو أن ذلك مستحيل‪ ،‬كما الدخول لمدينتكم‪.‬‬
‫‪ -‬لعنة ال على المدينة وعلى أهلها‪.‬‬
‫أمسك برأسه وأجهش بالبكاء‪ ،‬فقلت له‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬لست بحاجة لي‪ ،‬أنت تحتاج إلى المال‪.‬‬
‫نظر إلي ليستوضح المر‪.‬‬
‫‪ -‬رؤيتي لمدينتكم‪ ،‬تساوى مليين الدولرات‪ ،‬وبها يمكنك أن تزور كل بلد الدنيا‪.‬‬
‫ارتسمت على وجهه علمات الحيرة‪ ،‬فقلت بطريقة مسرحية‪.‬‬
‫‪ -‬علينا استغلل الفرصة لتحقيق أحلمنا؟!‬
‫قال في استسلم‪.‬‬
‫‪ -‬المر يحتاج إلى تخطيط حتى ل ينكشف أمرنا‪.‬‬
‫أخذت تفاصيل الخطة تتضح بذهني شيئ ا فشيئ ا وأنا أستمع إليه‪ ،‬فقد قال‪.‬‬
‫‪ -‬الخروج من المدينة يكون لمهمة رسمية‪ ،‬ولبد من الحصول علي تصريح بالخروج‬
‫والدخول‪ ،‬عند الخروج يمنح الخارج رقم سري يقوم بتسجيله على اللوحة الإلكترونية‬
‫لبوابة المدينة‪ ،‬والتي ل تفتح له عند الدخول إل بعد فحص بصمات أصابعه وتسجيله‬
‫لرقمه السري على اللوحة اللكترونية خارج البوابة‪ ،‬وفحص البصمات إجراء ل يمكن‬
‫التحايل عليه‪.‬‬
‫‪ -‬سأجد أنا حل ا لموضوع البصمات‪ ،‬يتبقى أن أتعرف على المدينة بدقة حتى أتحرك‬
‫بداخلها بشكل طبيعي‪.‬‬
‫عهم بوصفها‪ ،‬قاطعته قائلا‪.‬‬
‫‪ -‬مهما كان وصفك دقيقا فلن يغني هذا عن مشاهدتها بدقة‪.‬‬
‫سألني في دهشة‪.‬‬
‫‪ -‬كيف يكون هذا؟‪.‬‬
‫ناولته ساعة يد رائعة‪ ،‬اعتبرها هدية فشكرني‪ ،‬ابتسمت وقلت‪.‬‬
‫‪ -‬بهذه الساعة كامي ار يمكنها التصوير بدقة متناهية‪ ،‬ولمدة ثامان وأربعين ساعة‬
‫متواصلة‪ ،‬عليك تصوير كل ما يمكن أن أصادفه خلل تجوالي بالمدينة‪.‬‬
‫رمقني بنظرة ارتياب وخوف‪ ،‬قلت‪.‬‬
‫‪ -‬ل تخف‪ ،‬ل يمكن لحد اكتشاف تلك الكاميرا‪.‬‬
‫ارتسمت على وجهه علمات الستسلم‪ ،‬قلت‪.‬‬
‫‪ -‬هل نبدأ العمل‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ابتسم وقال‪.‬‬
‫‪ -‬وليكن ما يكون‪.‬‬
‫التقط صورا دقيقة لبصمات يديه وأصابعه‪ ،‬للتأكد من دقة عمل الكاميرا‪،‬‬
‫واستبدلت ذاكرة الكامي ار بواحدة أخري‪ ،‬وأعطيته مائة ألف دولر ليقوم بجولة واسعة‬
‫بأرجاء سيناء‪ ،‬وعدت ليطاليا على وعد اللقاء‪ ،‬فى أقرب فرصة‪ ،‬فى شرم الشيخ‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫بحثات كثاي ار عن صابرينا بل طائل‪ ،‬وكان شيئا مريبا أن يسألني عنها سيلفيو‪،‬‬
‫وعندما أخبرته بأني ل أعلم عنها شيئ ا أبدي دهشة عظيمة‪.‬‬
‫انغمست في اجتماعات ل تنتهي مع رجال الكنيسة بروما من أجل إنجاز‬
‫مشروع سيناء في وقت قياسي‪ ،‬ونجحت في اعتمادهم لخطتي لجلب المياه للمنطقة‬
‫ولماكيت المشروع النهائي‪ ،‬ولم أعد أشك لحظة في أنى قد اكتسبت ثاقتهم‪ ،‬فقد أشادوا‬
‫كثاي ار بهمتي الفائقة وبتخطيطي الذكي لتنفيذ العمال المطلوبة فور الحصول على‬
‫موافقة الحكومة المصرية‪.‬‬
‫لم أكن قريب ا من سيلفيو كما كنت في تلك اليام‪ ،‬كثاي ار ما أبدي إعجابه بنشاطي‬
‫ونجاحي‪ ،‬ولم يبخل على بحمايته‪ ،‬ومع هذا غضب عندما ألححت عليه ليطلعني علي‬
‫ما يعرفه عن الكنيسة ونشاطها بمصر‪ ،‬وقال في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬ل تسأل إل عما يعنيك‪ ،‬ل داعي لن تعرف ما ل يخصك‪ ،‬فهذا يهدر طاقتك‬
‫ويجعلك مترددا وقد يسبب لك مشكلات أنت في غنى عنها‪.‬‬
‫أعطاني ظهره وأضاف في نبرة هادئة‪.‬‬
‫‪ -‬لقد أنجزت العديد من الأعمال لصالح تلك الكنيسة ولغيرها‪ ،‬حصدت منها عشرات‬
‫المليين‪ ،‬ل أسألهم ول يسألوني‪ ،‬هم يدفعون وأنا أنفذ‪ ،‬هذا كل ما في المر‪ ،‬ويقيني أن‬
‫سبب نجاحي معهم أنى ل أعرف‪ ،‬ولم أعبسعع لن أعرف‪ ،‬عنهم شيئاا‪.‬‬
‫لم يسألني عن طبيعة مهمتي بسيناء‪ ،‬لفت نظره لذلك فقال‪.‬‬
‫‪ -‬ولعمـَ أسأل؟‪ ،‬كنت وسيط ا بينكما‪ ،‬وأخذت عأجرى وانتهى المر بالنسبة لي‪.‬‬
‫بالرغم من أن الكنيسة كانت تعاملني وكأني بالفعل صرت عضوا بالجماعة‪،‬‬
‫ومع امتناني لسيلفيو‪ ،‬إل أني لم أكن أشعر بالمان‪ ،‬كنت أخاف الجميع‪ ،‬وأصبت بداء‬

‫‪200‬‬
‫عضعال‪ ،‬كنت أفسر كل كلمة أو حركة من أي شخص من حولي على أنها جزء من‬
‫د‬
‫مؤامرة يحيكها ضدي مجهول ليوقع بي‪.‬‬
‫تلقيت اتصالا هاتفي ا من مكتب المحامى المصري الشهير رابح عاشور‪،‬‬
‫أخبرني بأن مكتبه قد حصل على موافقة الحكومة على المشروع وانتهي من كل‬
‫الجراءات‪ ،‬فأسرعت بالتعاقد مع عدة شركات أوروبية لنجاز المشروع بسرعة‪.‬‬
‫وقبل السفر لسيناء‪ ،‬ذهبت لطبيب التجميل وخلل دقائق أصبحت بصماتي هي‬
‫بصمات حمدان بالضبط‪.‬‬
‫انتظرت لفترة حتى استقرت المور بمصر للرئيس الجديد‪ ،‬وذهبت لشرم الشيخ‬
‫في يوم الاثانين الموافق الخامس والعشرون من شهر أبريل ‪2011‬م‪ ،‬وخلل أسبوع‬
‫واحد‪ ،‬كان قد انتهى المحامى ورجاله من إخلء المنطقة من قبيلة الترابيين‪ ،‬مع ضمان‬
‫من شيخها بعدم اقتراب أي بدوى من المنطقة‪ ،‬ولم يستغرق استخراج تصاريح العمل‬
‫للشركات المنفذة للمشروع أكثار من عدة أيام‪ ،‬تدفقت بعدها المعدات على المنطقة‪ ،‬التي‬
‫تحولت لخلية عنحل‪ ،‬عمل ليل نهار‪.‬‬
‫لم يغب حمدان عن تفكيري لحظة‪ ،‬كنت دائم ا بانتظاره‪ ،‬أتوقع ظهوره بين لحظة‬
‫وأخري‪ ،‬الحقيقة كنت قلقا للغاية‪ ،‬فالشكوك لم تترك عقلي يرتاح للحظة‪.‬‬
‫‪ ،،،‬أخدعني حمدان؟ ‪ ،،،‬هل انكشف أمره؟‪.‬‬
‫قضيت أياما طويلة في قلق وتوجس‪ ،‬لم أعد أحتمل إلحاح تارديني‪ ،‬بسرعة‬
‫إنجاز العمل‪ ،‬وبالرغم مما يبديه من احترام‪ ،‬في تعامله معي‪ ،‬ما زال الشك يراودني في‬
‫أنه لم يقلع عن مراقبتي بعد‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كلما سنحت الفرصة كنت أجوب منطقة سانت كاترين وجبل موسى بحثا ا عن‬
‫حمدان‪ ،‬دكنت قد اشتريت ساعة بها جهاز متطور لاقتفاء الثار‪ ،‬كالذي أعطاني إياه‬
‫إبراهيم سالم ودفنته مع التمثاال في رمال ليبيا‪.‬‬
‫صعدت جبل سانت كاترين مع السياح ورأيت منهم نفس التصرفات التي‬
‫أدهشتني من قبل‪ ،‬عشرات السياح يسجدون لشجرة التين الضخمة‪ ،‬والمئات يناجون‬
‫صاحبة الدير‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ل‪،‬‬
‫قضيت أياما عند سفح جبل موسى‪ ،‬أستكشف الجبل نها ار وأنام بالسيارة لي ا‬
‫ل‪ ،‬وفي النهار تبدو وكأنها تشتعل دون أن تمسسها نار‪،‬‬‫رأيت شجيرات تضئ لي ا‬
‫امتلت رهبة من المكان‪ ،‬دذلهعل مني العقل وانتفض القلب وتصبب عرقي بغ ازرة وكأن‬
‫الزمان يعود بي لقبل ثالثاة آلف عام‪ ،‬لرى القدماء عمبهورين بما يشاهدونه على الجبل‬
‫ل‪ ،‬لم أدر بنفسي إل وأنا‬
‫من ظواهر طبيعية خارقة‪ ،‬خيالت تدفقت على عقلي طوي ا‬
‫بالناحية الخرى من سفح الجبل‪ ،‬أشار جهاز اقتفاء الثار إلى أني ابتعدت عن السيارة‬
‫بعدة كيلومترات‪ ،‬كنت وحيدا ومرهقاا‪ ،‬يكاد الجوع والعطش أن يفتكا بي في هذا المكان‬
‫الموحش‪ ،‬لم يتوقف تدفق البول لدقائق عديدة حتى تحجر لساني‪ ،‬يا ال‪ ،‬شغلني‬
‫المشروع وتأخر حمدان عن تناول العلج لعدة أيام‪ ،‬ماذا لو أصبت بغيبوبة الدسكر في‬
‫ك ل محالة‪.‬‬
‫سعأبهعل د‬
‫هذا المكان المنعزل؟‪ ،‬ع‬
‫الهاتف الجوال‪ ،‬أين هو؟ بالسيارة‪ ،‬يا ال‪ ،‬قررت أن أذهب للسيارة‪ ،‬بعد أقل من‬
‫نصف المسافة فقدت القدرة حتى على الوقوف ناهيك عن المشي‪ ،‬إنها النهاية‪ ،‬ملعونة‬
‫سمالسم‪ ،‬ملعون المال والنفوذ‪ ،‬اللعنة على اللواء الجمال وعلي تاردينى‪ ،‬على صابرينا‬
‫وسيلفيو‪ ،‬اللعنة على الجميع‪.‬‬
‫سأهلك من الجفاف‪ ،‬إنها النهاية ول شك‪ ،‬يا ال‪ ،‬أنجو من جبروت اللواء الجمال‬
‫وأتغلب على البحر لموت في الصحراء‪ ،‬حرمت أولدي من أبيهم‪ ،‬وها أنا الن أحرمهم‬
‫ثاروته‪.‬‬
‫أخذت أبكى بل دموع‪ ،‬استجمعت كل ما بقى بجسدي من قوة وتحركت في‬
‫المكان‪ ،‬ليس هناك إل الصخر والرمل وبعض الشجار اليابسة‪ ،‬نعزعت جذع ا يابس ا‬
‫وأخذته عكازاا‪ ،‬ل لهش به عن غنمي‪ ،‬ول أملا في أن يتحول لثاعبان فيبتلع ثاعابين‬
‫السحرة الهواة‪ ،‬بل لأتوكأ عليه حتى ل أهوي على الحصى المدبب‪ ،‬وفي شطحة من‬
‫الجنون رحت أغرس العصا في الرمل وكأني أحاول أن أحفر بئ ار‪ ،‬عكلت يدي وخارت‬
‫قوتي‪ ،‬ركعت على الرض مستسلما‪ ،‬تذكرت أن البدو يضربون الرمل تحت سفوح‬
‫الجبال بالعصا فيتفجر منه الماء‪ ،‬الذي ينهمر‪ ،‬حينما تمطر السماء‪ ،‬من أعلى الجبل‬
‫ليتجمع في أحواض من الصخر تتناثار بسفح الجبل‪ ،‬وحينما تنثار الرياح الرمال علي‬
‫سطح الماء فإنها تغطيه وتحميه من البخر وتحفظه لعشرات السنين!‪ ،‬لم أعد أقوي على‬

‫‪200‬‬
‫الوقوف‪ ،‬رحت أتقلب على الرمال وأنا أبكى وأصرخ يا رب أولدي‪ ،‬يا ربببببب‪،‬‬
‫أولدددددي‪.‬‬
‫حاولت الوقوف‪ ،‬استندت على العصا‪ ،‬انغرست في الرمل بسرعة‪ ،‬انهرت على‬
‫الرمل‪ ،‬زحفت نحوها لخلعها من الرمل فخرجت مبللة بالماء‪ ،‬كالمجنون رحت أطعن‬
‫الرمل بقوة‪ ،‬اندفع الماء يتلل تحت أشعة الشمس فبدا كسيل من اللؤلؤ المذاب‪ ،‬قذفت‬
‫بجسمي نحوه‪ ،‬شربت حتى ارتويت‪ ،‬ألقيت بنفسي على الرمال التي رطبها ماء اللؤلؤ‪،‬‬
‫شعرت بالعافية تعلدب في أوصالي‪ ،‬تيقنت أن ما حدث ما هو إل إشارة من ال لتمسك‬
‫بإيماني وأمضى في طريقي لنقذ العالم من الهوس الديني الذي انحرف بالبشرية عن‬
‫رسالتها من أجل الخير والسلم والعدل‪ ،‬بعد اليوم لن يزحزحني شيء عن إيماني بال‬
‫قيد أنملة‪ ،‬توضأت باللؤلؤ‪ ،‬وصليت ل عدة ركعات وشكرته كثاي ارا‪ ،‬لم أشعر بانتعاش‬
‫وحيوية كما شعرت بعدما فرغت من الصلة‪.‬‬
‫لم تتمالك سهير نفسها‪ ،‬فأطلقت العنان لضحكاتها تجلجل في الشاليه‪ ،‬فقال‪.‬‬
‫‪ -‬أعرف أنك ل تصدقيني‪ ،‬ولكنى أقول الحقيقة‪.‬‬
‫قالت سهير بصعوبة وهي تغالب ضحكها‪.‬‬
‫ك تصلى ولو لمرة واحدة‪.‬‬
‫‪ -‬عشت معك لأكثار من ثالثاة عشر عاماا‪ ،‬لم عأعر ع‬
‫استمرت تضحك‪ ،‬كاد أن يتفجر غيظ ا‪ ،‬تركها وجلس صامت ا يقضم أظافره‪،‬‬
‫دقيقتين وتوقفت عن الضحك‪ ،‬اقتربت منه وانحنت لتقبله في جبهته وهى تقول‪.‬‬
‫‪ -‬ل تغضب‪ ،‬أكمل‪ ،‬أنا أصدقك‪ ،‬أكمل أرجوك حتى ننتهي‪ ،‬تأخرت على الولد‪.‬‬
‫نظر إليها في حيرة ثام استطرد حكايته المثايرة فقال‪.‬‬
‫نفضت عن نفسي الخوف من النهاية التي أندفع نحوها‪ ،‬وتمكنت من الدوران‬
‫حول الجبل حتى وصلت للسيارة‪ ،‬مكثات ثالثاة أيام بمستشفي شرم الشيخ حتى تم ضبط‬
‫نسبة السكر بالدم‪ ،‬وقبل خروجي فوجئت بزيارة تاردينى‪ ،‬سألته كيف عرف بمكاني‪،‬‬
‫ابتسم ولم يرد فتأكدت من أنه يراقبني بالفعل‪ ،‬اصطحبني للفندق لستجم لبعض الوقت‬
‫قبل أن أستأنف نشاطي بالمشروع‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫في صباح اليوم التالي‪ ،‬وأنا أتأهب لمغادرة الغرفة‪ ،‬خفق قلبي لطرق خفيف علي‬
‫الباب‪ ،‬احتضنته طويلا وسألته عن أحواله‪ ،‬ولم ألمه على التأخير فيكفيني أنه جاء‪ ،‬لم‬
‫أسأله حتى عن التصوير‪ ،‬بالفعل أحب هذا الشاب الرائع‪.‬‬
‫راح ينظر إلى في دهشة بينما أكرر عليه سؤالي عن أحواله‪ ،‬ابتسم وقال‪.‬‬
‫‪ -‬ألن تلقي نظرة على التصوير؟!‬
‫‪ -‬آه‪ ،‬التصوير‪ ،‬لقد أنساني خوفي عليك أمر المدينة والتصوير‪.‬‬
‫بلهفة أدرت جهاز البروجيكتور وشاهدت ما أذهلني‪ ،‬مع كل لقطة كنت‬
‫أستوضح منه المر فيشرح بالتفصيل كل ما يتعلق بها‪ ،‬مكثانا بالغرفة طوال اليوم‪،‬‬
‫تحملت تذمره حتى استوعبت كل ما شاهدته ثام اصطحبته لفندق آخر‪ ،‬وتركته هناك‬
‫يمارس حلمه وتوجهت أنا لمكان المشروع‪.‬‬
‫عدت إليه بعد أسبوع لناقش معه ترتيبات دخولي للمدينة‪ ،‬قضينا سوي ا يوم ا‬
‫رائعا‪ ،‬وعندما حان موعد عودته للمدينة‪ ،‬قررت اصطحابه حتى مدخلها‪ ،‬لتعود على‬
‫المكان‪ ،‬وكان قد أخبرني أنه سيخرج مرة دأخرى بعد حوالي شهر من الن‪.‬‬
‫في الطريق إلى المدينة راح ديلقي بنصائحه‪.‬‬
‫‪ -‬سوف تشاهد على الطبيعة كيفية تسجيل رقم الدخول والخروج‪ ،‬وكذا فحص‬
‫البصمات على البوابة اللكترونية‪.‬‬
‫توقف عن الكلم ونظر إلى في دهشة وسألني‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا عن البصمات؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل تشغل بالك فبصماتي الن هي بصماتك‪.‬‬
‫رمقني بنظرة شك‪ ،‬هممت بتوضيح المر لكنه واصل حديثاه‪.‬‬
‫‪ -‬في الداخل تصرف علي طبيعتك‪ ،‬ل تبادر بالحديث مع أحدهم‪ ،‬فخلل أيام العمل‪،‬‬
‫يعرج على المعبد‬
‫يمضى كل فرد لعمله دون أن يتحدث إلي غيره‪ ،‬وبعد انتهاء العمل د‬
‫ليصلى ثام يعود لمنزله‪ ،‬ل حوارات متبادلة ول صخب بالمدينة إل يوم السبت‪ ،‬يوم‬
‫الجازة السبوعية‪ ،‬حيث يبكر الناس ليصلوا بالمعبد ثام ينطلقون إلى الحدائق ليقضوا‬
‫النهار في اللهو وتناول الطعام والمشروبات‪ ،‬وفى أول الليل يذهب الجميع إلى المسرح‬
‫حيث يستمعون لوعظ الكهنة إوارشادات مشرف المدينة‪ ،‬ويقدمون شكواهم وطلباتهم إلى‬

‫‪200‬‬
‫المير‪ ،‬ثام يشاهدون ما يعرض من مسرحيات ويستمعون للموسيقى الصاخبة‪ ،‬وفي‬
‫المسرح لكل فرد الحرية كاملة في أن يفعل ما يشاء‪.‬‬
‫صمت يفكر‪ ،‬وكأنه يحاول آل ينسي أي شيء‪ ،‬ثام أضاف‪.‬‬
‫‪ -‬يسمح بالدخول طوال أيام السبوع‪ ،‬أما الخروج من المدينة فيكون من صباح يوم‬
‫الثالثااء إلى مساء يوم الخميس فقط‪ ،‬ولهذا أقترح أن تدخل صباح الثالثااء وتخرج ظهر‬
‫الخميس‪ ،‬وبهذا يمكن تقليل احتمال أن تواجه أية مشكلة بالداخل‪ ،‬أنا أعمل مشرفا على‬
‫الحديقة الملكية جنوب المدينة‪ ،‬وفى الغالب ل أذهب إلى هناك إل يوم الحد‪ ،‬منزلي‬
‫بالمطلع السابع‪ ،‬المدرج الثااني برقم ‪ ،33‬ستقيم فيه‪ ،‬ل تخشع الجيران‪ ،‬فكل شخص في‬
‫حاله تماما‪ ،‬خلل أيام العمل‪.‬‬
‫اعتدل في مقعده وأضاف‪.‬‬
‫ت بأن هناك من‬
‫‪ -‬احرص علي آل تلفت نظر حراس المدينة لتحركاتك‪ ،‬إذا عشعر د‬
‫يتتبعك أو يراقبك توجه فو ار لبوابة الخروج لتغادر المدينة من فورك‪ ،‬فهذا لن يستغرق‬
‫منك مدة ساعة واحدة‪ ،‬وهى دمدة لن يتمكن فيها من يتبعك من استصدار أمر بالقبض‬
‫عليك من المير‪.‬‬
‫لم يشعر بأني خائف فراح ينظر إلى بدهشة‪ ،‬والحقيقة كنت مشغولا برمي قطع‬
‫معدنية دمعمغنطة لستخدمها كعلمات على الطريق عند عودتي فقد يكون لها قيمة‪ ،‬إذا‬
‫جد في المر جديد‪ ،‬انتبهت له وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬كن حذ ار لأقصى درجة‪ ،‬من خاف سلم‪ ،‬انتبه لكل شيء من حولك‪.‬‬
‫‪ -‬لن ألفت انتباه أحد‪ ،‬وسوف أغادر من فوري عند أقل بادرة خطر‪.‬‬
‫عل صوته وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬هذا مهم‪ ،‬لنك لو عأثارت انتباههم‪ ،‬قد يتبعونك إلى خارج المدينة‪ ،‬هذا إن تمكنت من‬
‫الخروج‪.‬‬
‫شعرت بخوف حقيقي‪ ،‬أوقفت السيارة وسألته‪.‬‬
‫‪ -‬ما العمل حينئذ؟‪.‬‬
‫‪ -‬سأكون قريب ا دائم ا من بوابة الخروج‪ ،‬عندما تخرج سأراك‪ ،‬تختفي أنت وأظهر لهم أنا‬
‫وأطلعهم على رقم خروجي وبصماتي التي على جهاز فحص البصمات‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫توقف عن الكلم وفغر فاه‪ ،‬نظر إلي مشدوها ثام خبط فخذه بكفه وقال‪.‬‬
‫‪ -‬البصمات‪ ،‬كيف ستخدع جهاز فحص البصمات؟‪.‬‬
‫قلت بثاقة وأنا أبتسم له‪.‬‬
‫صورت‬
‫‪ -‬لن أخدع الجهاز‪ ،‬فبصماتي بالفعل مطابقة لبصماتك‪ ،‬أتذكر حين ع‬
‫بصماتك؟ قام الطبيب بإيطاليا بتغير بصماتي لتطابق بصماتك‪.‬‬
‫انزلق برفق في مقعده ورجع بظهره للخلف ولذ بالصمت‪ .‬سألته لداعبه‪.‬‬
‫‪ -‬وما العمل لو أنك لم ترنى عند خروجي من البوابة؟‪.‬‬
‫‪ -‬سوف أراك بالتأكيد‪ ،‬سأحوم حول المكان‪ ،‬وفور خروجك ل تبحث عني‪ ،‬اختبئ‬
‫بسرعة واتصل على هاتفي النقال‪ ،‬وحتى لو لم أرك تخرج‪ ،‬سأظهر نفسي لجواسيس‬
‫المدينة‪ ،‬ادفن هاتفك بمكان قريب من البوابة قبل دخولك إلي هناك‪.‬‬
‫سألته‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا لو أمسكوا بي قبل أن تظهر لهم أنت؟‪.‬‬
‫قال ببساطة وكأنه يسخر منى‪.‬‬
‫‪ -‬سدتقعتل فو ارا‪ ،‬وسيعرفون أنى من ساعدك‪ ،‬فيقبضون علي ليقتلني المير بيديه‪.‬‬
‫انكمشت في المقعد‪ ،‬غير قادر علي الكلم‪ ،‬وكأن ما قاله ل يكفى‪ ،‬ضحك بل‬
‫داعي وأتحفني بقوله‪.‬‬
‫‪ -‬لو تتبعوك فلن تكون بأمان أبدا‪ ،‬يمكنهم الوصول إليك أينما كنت وبأسرع مما‬
‫تتصور‪ ،‬لديهم فريق دمطاردة خارق في كفاءته‪ ،‬يمكنه العمل بأي مكان بالعالم‪.‬‬
‫تابعنا طريقنا‪ ،‬يلفنا صمت جليل ل يقطعه إلى صوت احتكاك العجلت‬
‫بالحصى المتناثار على الرمال‪.‬‬
‫توقفنا بعدما قطعنا مسافة خمسة كيلو مترات جنوب جبل موسى‪ ،‬ترجل حمدان‬
‫لمسافة ثام أشار إلي فتبعته‪ ،‬وفاجأني قائلا‪.‬‬
‫‪ -‬هل معك ما يكفى من تلك القطع المعدنية؟‪ ،‬ما زالت أمامنا مسافة‪.‬‬
‫تمالكت نفسي لبدو طبيعي ا وقلت‪.‬‬
‫‪ -‬إنه جهاز اقتفاء الثار قد احتاج إليه في طريق العودة‪ ،‬لست بدوي ا ول أعرف‬
‫الصحراء‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫وكأنه لم يسمعني‪ ،‬واصل سيره وأنا أتبعه‪ ،‬كنت كل مائتي خطوة أزرع بالرمال‬
‫قطعة ممغنطة‪ ،‬وعند كل مرة نغير اتجاه السير‪ ،‬كنت أصنع من الحصى شكل ا هندسي ا‬
‫معين ا عند كل زاوية للنحناء‪ ،‬عند الاتجاه جنوب ا أو شمالا أصنع مثالثا ا‪ ،‬غرب ا أو شرق ا‬
‫أصنع دمربعاا‪ ،‬اتجهنا جنوبا لمسافة كيلو متر واحد ثام للشرق لمسافة كيلومترين‪ ،‬وأخي ار‬
‫في اتجاه الجنوب لمسافة ثالثاة كيلومترات‪ ،‬وهنا قال حمدان‪.‬‬
‫‪ -‬انظر هناك‪.‬‬
‫كان الضباب كثايفاا‪ ،‬لمحت ستارة هائلة من السحاب السود‪ ،‬تمتد من الرض‬
‫للسماء‪.‬‬
‫قال في زهو وهو يشير إلي خيال ضخم بدأت أتبينه شيئا فشيئا‪.‬‬
‫‪ -‬خلف هذا الجبل توجد أعظم مدينة على وجه الرض‪.‬‬
‫قال ذلك ثام حث الخطا نحو الجبل‪ ،‬الذي كان يرتفع في السماء كلما اقتربنا منه‪،‬‬
‫بعد قليل كنا تحت جبل يسد الفق كأنه نهاية الدنيا‪ ،‬لم عأعر له نهاية عن يميني أو عن‬
‫يساري‪ ،‬رجعت برأسي للخلف وأنا أنظر إليه‪ ،‬تطوحت وسقطت على ظهري‪ ،‬أعدت‬
‫المحاولة وعقلي ل يصدق ما أشاهده‪ ،‬فكأنه يخترق السماء ويشقها‪ ،‬للحظات هيئ لي‬
‫أنه ليس بجبل‪ ،‬بل هي السماء تنحني بشدة لتلتقي بالرض‪ ،‬إنها نهاية الدنيا كما كنت‬
‫أظن وأنا صغير‪ ،‬أتسابق مع أصدقاء الطفولة لنمسك بالسماء عندما تلتقي بالرض في‬
‫مرمى أبصارنا‪ ،‬كن نجرى ونجرى حتى تنهك قوانا فنعود لبيوتنا على وعد بإعادة‬
‫المحاولة في اليوم التالي!‪.‬‬
‫كان المنظر مهيب ا ويكاد أن ديطيدح بالعقل‪ ،‬كتل ضخمة من الدسحب تسرع نحو‬
‫الجبل لترتطم به في صمت رهيب‪ ،‬تتفجر عليه فتعود أدراجها قطع تتموج وتتشكل في‬
‫أشكال أسطورية‪ ،‬تتداخل في بعضها البعض‪ ،‬في طريق هروبها بعيدا عن الجبل‪،‬‬
‫لتصنع أشكال أخرى‪ ،‬تصورتها كائنات أسطورية تلعب وتلهو مع الجبل‪ ،‬هذا أسد‪،‬‬
‫وهذا فيل‪ ،‬وهذه بقرة‪ ،‬وتلك تشبه الديناصورات المجنحة‪ ،‬هذا إنسان ضخم‪ ،‬وتلك صور‬
‫لبشر وملئكة ولأنصاف آلهة‪ ،‬أخذني الخيال وكأني أشاهد فيلم جونسون وآلهة الحرب‬
‫أتذكرينه؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫كان رضا يحكى بطريقة مثايرة حتى أن سهير لم تسمعه وهو يسألها‪ ،‬أعاد عليها‬
‫السؤال فقالت مذهولة وبصوت ضعيف‪.‬‬
‫‪ -‬آه‪ ،‬نعم أتذكره‪ ،‬أكمل‪ ،‬شوقتني‪.‬‬
‫‪ -‬كانت هناك دسحب بيضاء وسحب سوداء‪ ،‬وأخري بين بين‪ ،‬تتموج بسرعة بالقرب‬
‫من قمة الجبل‪ ،‬كما تفعل الريح الشديدة في السماء الملبدة بالسحب‪ ،‬في نهار يوم غائم‬
‫ودمملطر‪ ،‬تعبت عيناي من متابعة ما تبدعه حركة الدسحب‪ ،‬رحت أتابع خيالها على‬
‫الرمال التي وكأنها تحولت لمرآة تعكس ما يجرى في السماء‪ ،‬تجاهلت مداعبات‬
‫السحاب للجبل ولهوه بعيني‪ ،‬فى حذر تراجعت للخلف كثاي ار حنى تمكنت من رؤية‬
‫الجبل جيدا ‪ ،،،‬يا ال ‪ ،،،‬يا ال ‪ ،،،‬ما هذا الجمال والبداع‪ ،‬كأني أرى قوس قزح من‬
‫أمامي ومن فوقى‪ ،‬اعتادت عيني المنظر‪ ،‬فعدت للواقع‪ ،‬لحت الشمس وأطلقت أشعتها‬
‫على الجبل فارتدت ألوان ا زاهيةا تتداخل لتكون أشكال ا‪ ،‬قد ل تعنى شيئ ا في تفاصيلها‪،‬‬
‫ولكنها تعطيك إحساسا عجيبا بالروعة والجمال وتأخذك لدنيا الخيال والوهام‪ ،‬انغمست‬
‫في الاستمتاع بما أراه من سيمفونيات ملونة‪ ،‬تارة أنظر لعلى أتابع تابلوهات متتالية‬
‫تؤديها الدسحب‪ ،‬وتارة أدريح عيني بالنظر في مرآة الرمال لرى خيالت الدسحب تتموج‬
‫على الرمال فتظللها للحظات‪ ،‬يهرب بعدها الظل أمام أشعة الشمس‪ ،‬فتتوهج المئات‬
‫من حصي الرخام المتناثارة على الرمال‪ ،‬فأغمض عيني على عشرات الشموس‪.‬‬
‫ل أجد من الكلمات ما أصف به ما رأيته على شاشة الجبل العملقة من لوحات‬
‫رائعة من اللوان الزاهية والمتداخلة بإبداع منقطع النظير‪ ،‬لم ينتشلني من ذهولي‬
‫ودهشتي إل سؤال جال بخاطري‪ ،‬كيف عمى الناس عن تلك الكنوز من الرخام‬
‫الفاخر؟‪.‬‬
‫ناداني حمدان‪ ،‬اقتربت منه فقال‪.‬‬
‫‪ -‬أل ل‬
‫ق بقطعة معدنية هنا‪ ،‬المدخل على يمين هذه النقطة بمسافة خمسمائة متر‪ ،‬تبعته‬
‫حتى وقف أمام جزء أملس من الجبل‪ ،‬ومحدد من جوانبه كمستطيل ضخم‪.‬‬
‫‪ -‬أيمكنك تمييز هذا الجزء من الجبل؟‪ ،‬إنه بوابة الدخول‪.‬‬
‫حركت رأسي لطمئنه إنه بإمكاني ذلك فقال‪.‬‬
‫‪ -‬ما يهم‪ ،‬هو عرضه‪ ،‬الذي يبلغ مائة خطوة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫تبعته في اتجاه اليمين حتى توقف وقال‪.‬‬
‫‪ -‬ها هي لوحة تسجيل رقم الدخول والخروج‪ ،‬وبجوارها لوحة فحص البصمات‪.‬‬
‫نظر نحوي وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬هنا نهاية رحلتك معي‪ ،‬عندما أدخل ترحل فو ار حتى ل يراك أحدهم‪.‬‬
‫كنت مشدوه ا بما أشاهده‪ ،‬انتبهت إليه يقول‪.‬‬
‫‪ -‬ما إن أكتب الرقم السري وأضع يدي مفرودة على هذه الشاشة الصغيرة سيفتح الباب‬
‫ويغلق بعد عشر ثاواني‪.‬‬
‫اللوحة تشبه لوحة مفاتيح الكومبيوتر‪ ،‬عليها عشرة صفوف من الرقام تبدأ من‬
‫الصفر وتنتهي بالرقم ‪ 9‬بالحروف العربية ‪ ،01234567 89‬وأوضح حمدان أنه‬
‫يجب علمس كل رقم في الصف المقابل له فمثالا يجب لمس الرقم خمسة بالصف‬
‫السادس لن الصف الول هو صف الصفر‪.‬‬
‫قبل أن يلمس حمدان لوحة الرقام قلت له‪.‬‬
‫‪ -‬انتظر‪ ،‬لقد نسيت أن تخبرني بأمر هام‪.‬‬
‫تلفت حوله وجال بعينيه بالمكان‪ ،‬ليعلمني بأنه يخشي أن يرانا أحدهم وقال‪.‬‬
‫‪ -‬ل أعتقد أني نسيت شيئا‪.‬‬
‫‪ -‬بأية لغة يتحدث أهل المدينة؟‪.‬‬
‫‪ -‬ليس لنا لغة دمحددة‪ ،‬نحن نتحدث مع بعضنا البعض باللغة المصرية القديمة‪ ،‬ونتعبد‬
‫في المعبد ونق أر التراتيل باللغة الآكادية والرامية وأحيانا بالعبرية والعربية‪ ،‬والجميع هناك‬
‫يمكنه التحدث باللغة النجليزية‪.‬‬
‫‪ -‬أمجمع لغات هذا؟ كيف يتفاهم سكان مدينة واحدة وهم يتحدثاون بعدة لغات؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬ما أقصد هو أننا نتحدث لغة هي مزيج من جميع هذه اللغات‪.‬‬
‫‪ -‬ولماذا لم تخبرني بذلك؟‪.‬‬
‫‪ -‬أنت تتحدث العربية والنجليزية‪ ،‬كما أنك لن تتحدث مع أحد‪ ،‬لنك ستخرج قبل يوم‬
‫العطلة‪ ،‬حيث يتحدث الناس بالمعبد أو المسرح‪ ،‬ألم نتفق على ذلك؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫بأل أدخل المسرح أو‬
‫أطرقت أنظر للرض ولم أرد عليه‪ ،‬فأعاد تأكيده على د‬
‫المعبد في أي وقت‪ ،‬والحقيقة أنى كنت أجادله لتأكد من أنه ل يوجد لديه أدنى تردد في‬
‫تنفيذ ما اتفقنا عليه‪ ،‬راح يلمس الرقام على اللوحة فخفق قلبي بقوة‪ ،‬سألته‪.‬‬
‫‪ -‬ما هو‪ ،‬بالضبط‪ ،‬تاريخ خروجك القادم؟‪.‬‬
‫لم يسمعني‪ ،‬كان يحدق في الباب الصخري‪ ،‬الذي أخذ يتحرك ليدخل في الجبل‬
‫من الناحية اليمنى‪ ،‬نسيت سؤالي ونظرت من الباب فلم أر إل دائرة من الضوء يحيط‬
‫بها ظلم دامس‪ ،‬انتبهت لشبح حمدان يلتفت نحوى ويقول‪.‬‬
‫‪ -‬بعد عام من الن‪.‬‬
‫كانت الصدمة شديدة حتى أنى هممت باقتحام الباب قبل أن ديغلق فلم تسعفني‬
‫قدماي على الحركة‪ ،‬حاولت أن أصرخ فيه فصعقني بنظرة مرعبة‪ ،‬كانت عيناه تلمعان‬
‫في الظلم في حدة وغضب فهيئ لي أنه جن أو عفريت‪ ،‬ارتبكت بشدة‪ ،‬تراجعت على‬
‫صراخه المكتوم ‪ ،،،‬ارجع بسرعة ‪ ،،،‬ارجع بسرعة‪.‬‬
‫هرولت خائف ا في اتجاه العودة‪ ،‬الشك والاضطراب يثاقلن حركتي ويحدان من‬
‫سرعتي‪ ،‬ارتكنت على السيارة للتقط أنفاسي‪ ،‬رحت ألهث وكان جسدي يرتج على‬
‫نفضات قلبي الذي كاد أن يحطم قفصه‪ ،‬انزلق جسمي على السيارة حتى لمست‬
‫مؤخرتي الرمال والحصي‪ ،‬جلست حزين ا بائس ا ‪ ،،،‬أهذا البدوي يتلعب بى؟ ‪ ،،،‬ما‬
‫حقيقة هذا الشاب؟ ‪ ،،،‬هل هو جزء من الوهام والخيالت التي أخذت تمل عقلي منذ‬
‫فترة حتى ظننت نفسي مريضا بالهلوسة البصرية والسمعية‪ ،،، ،‬أعرف أن الضغوط‬
‫النفسية تسبب هذا النوع من الهلوسة والخداع ‪ ،،،‬ولكن ماذا عن الجماعة والمزرعة‬
‫والحج؟ ‪ ،،،‬ماذا عن حكاية إبراهيم سالم وعلى العمرناوى؟ ‪ ،،،‬ماذا عن التصوير‬
‫الدمدهش الذي أتاني به حمدان من خلف هذه الجبال؟ ‪ ،،،‬أيكون خلف تلك الجبال‬
‫مدينة لللجن والشياطين؟‪ ،‬هل أنا أهذي؟‪ ،‬أشعر بعقلي خاوياا‪ ،‬هل أوشكت علي الجنون‪،‬‬
‫أم أني قد دجننت بالفعل؟‪.‬‬
‫ذهبت من فوري للفندق‪ ،‬عندما رآني تاردينى أقبل على غاضب ا وقال بصوت‬
‫منخفض به من الحدة الكثاير‪.‬‬
‫‪ -‬أين كنت؟‪ ،‬هناك تعليمات دمشددة بإنجاز العمل في أسرع وقت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫تذكرت أنى مرشح لعضوية الجماعة ويمكن أن أحج معهم لتلك المدينة‬
‫المزعومة‪ ،‬هدأت أعصابي بعض الشيء‪ ،‬وقررت التركيز في العمل لنيل ثاقة الجماعة‪.‬‬
‫بعد ثالثاة أشهر أوشك العمل بالمشروع على الانتهاء‪ ،‬وبدأت الشركة اللمانية‬
‫في ميكنة المزرعة لتعمل آليا بشكل كامل‪ ،‬ليكون بإمكاني إنجاز ومباشرة معظم أعمال‬
‫المزرعة من مكتبي‪ ،‬وكذلك يمكن مراقبة كل سنتيمتر من المزرعة‪ ،‬وما حولها من‬
‫جميع التجاهات‪ ،‬وتأمينها بشكل كامل‪.‬‬
‫اطمأننت على المشروع فعدت ليطاليا لإنجاز بعض العمال الخاصة بي‪،‬‬
‫وكان بانتظاري مشكلة خطيرة كادت أن تدمرني تماماا‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫لحظت أن سيلفيو متحفظ في تعامله معي‪ ،‬على غير عادته في الفترة الخيرة‪ ،‬كلما‬
‫التقينا كان يستمع إلى ول ينطق بكلمة‪ ،‬فقط يرمقني بنظرات كلها شك وريبة‪ ،‬وفى‬
‫الحقيقة أنى كما كنت أحبه كنت أخاف منه فهو يعرف عنى الكثاير ول أعرف عنه إل‬
‫القليل‪ ،‬فهو ل يسمح لك بأن تعرف عنه إل ما يفيد عملك معه فقط‪.‬‬
‫لم يطل بي التفكير فيما غيره من ناحيتي‪ ،‬فقد جاء لمنزلي بدون ميعاد مسبق‪،‬‬
‫رحبت به بح اررة‪ ،‬دلف من الباب دون أن ينبس ببنت شفة‪ ،‬توجست منه خيفة‪ ،‬وبل‬
‫مقدمات قال في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬لنفض الشراكة بيننا‪.‬‬
‫تمالكت نفسي وسألته‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا تريد أن تبعدني عنك سيلفيو؟‪.‬‬
‫وبحركة مسرحية صحت غاضباا‪.‬‬
‫‪ -‬أنت من زج بي للعمل مع الكنيسة في سيناء‪ ،‬والن تلومني لهمالي لمشاريعنا‬
‫المشتركة؟!‬
‫لم تنطلل عليه حيلتي‪ ،‬راح ينظر إلى وعلي وجهه ابتسامة مرعبة‪ ،‬عقد يديه‬
‫خلف ظهره واتجه نحو البار‪ ،‬تناول عبوةا من الجعة المثالجة وعبه في جوفه بسرعة‬
‫خاطفة ثام سحق العبوة بيده وقال دون أن ينظر إلي‪.‬‬
‫‪ -‬محمد‪ ،‬سيلفيو أصبح يخافك‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫أطلق ضحكات صاخبة أرعبتني‪ ،‬ثام أضاف‪.‬‬
‫‪ -‬أصبحت قوي ا وعنيفاا‪ ،‬محمد‪.‬‬
‫استمر يضحك‪ ،‬خفت ولكني تماسكت بسرعة‪ ،‬قال‪.‬‬
‫‪ -‬ولكنك لست ذكيا بما فيه الكفاية‪.‬‬
‫كان متوت ار للغاية‪ ،‬مع اضطرابي الشديد حاولت تخمين سبب غضبه‪ ،‬لم أفلح‪،‬‬
‫قلت له بهدوء اليائس‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا أنت غاضب هكذا‪ ،‬فلنتكلم بصراحة‪ ،‬ماذا جد فى المور؟‪.‬‬
‫تراجع عن البار بظهره عدة خطوات للخلف حتى شعر بأنفاسي المتلحقة علي‬
‫مؤخرة رقبته‪ ،‬والتفت نحوى بسرعة فلطم أنفى بأنفه‪ ،‬ثابت عينيه المشتعلتين في عيني‬
‫الحائرتين ثام قال بهدوء غاضب وببطء مخيف‪.‬‬
‫‪ -‬أتذكر صفقة الثاار الخيرة التي أخرجناها من مصر؟‪.‬‬
‫مع أول كلمة نطق بها‪ ،‬اتضح المر‪ ،‬قلت‪.‬‬
‫‪ -‬وكيف أنسي أنجح صفقاتنا؟‪.‬‬
‫تراجع للخلف خطوة وقال وكأنه يندب حظه أو يلوم نفسه‪.‬‬
‫‪ -‬سيلفيو الطيب عموعل الصفقة‪ ،‬وبدون أن يرى لها أي تصوير‪ ،‬لنه يثاق بصديقه‬
‫وشريكه محمد يوسف‪.‬‬
‫ثام رفع ذراعيه وشرع بوجهه لعلى وكأنه يشكوني للسماء وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬لكن صديقه خدعه‪ ،‬خانه‪.‬‬
‫صفق بيديه في دهشة وكز على أسنانه وعيناه تطلقان أشعة غضب حارقة‪،‬‬
‫رددت عليه بنظرة خاوية ورحت أحرك كتفدى وذراععدي في استنكار‪ ،‬نظر نحوي في‬
‫سخرية واستعلء وأضاف فى صلف‪.‬‬
‫‪ -‬كأنك تفكر بكذبة دأخرى تبرر بها فعلتك النكراء؟‪.‬‬
‫لملمت أشلء نفسي بسرعة‪ ،‬وقلت في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬لم أكذب عليك أبداا‪ ،‬إما أن توضح ما تقصده‪ ،‬أو ننهى هذا الحديث الدمهين‪.‬‬
‫ل‪ ،‬لبد من أن أشرح لك‪ ،‬لعلك مظلوم‪.‬‬
‫‪ -‬حسن ا يا عزيزي‪ ،‬فع ا‬
‫قال ذلك وجلس متصنعا الهدوء ثام رفع رأسه ونظر إلي وأضاف‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬من أسبوع جاءني صديق قديم‪ ،‬يعمل بالإنتربول الدولي‪ ،‬وقص على قصة مثايرة‬
‫وطلب مساعدتي‪ ،‬تحدث عن رجل إيطالي عغرر بمجموعة من الشباب المصري‬
‫ودفعهم لقتل ثالثاة من رجال السياسة والعمال المشهورين بمصر‪ ،‬واستولى على‬
‫مجموعة هامة من الثاار المصرية‪ ،‬انتظرتك أن تعترف لي بما فعلته فخاب رجائي‪.‬‬
‫‪ -‬سيلفيو‪ ،‬أنت ربحت من هذه الصفقة الكثاير‪ ،‬فما يضيرك من أنى قد أنتقمت لنفسي‬
‫من مجموعة من الأفاقين‪ ،‬دمروا حياتي وقتلوا أعز أصدقائي‪.‬‬
‫‪ -‬وبماذا أضرتك مجموعة الشباب‪ ،‬لتلقى بهم في التهلكة؟‪.‬‬
‫‪ -‬هذا قدرهم‪ ،‬سيلفيو‪ ،‬أنت من علمني أنك عندما تحصل على مصلحتك ينتهي المر‬
‫بالنسبة لك‪ ،‬فلماذا تهتم الن بما ل يعنيك؟!‬
‫‪ -‬هذا صحيح‪ ،‬أنا بالفعل ل أهتم حتى للف شاب مصري أو غير مصري‪.‬‬
‫ثام قام من مكانه وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لكن ما شاهده سيلفيو في التصوير الذي أعطاه إياه صديقه‪ ،‬أمر يهمه جدا‪،‬‬
‫أتفهم؟‪ ،‬الحكومة المصرية أقامت الدنيا ولم تقعدها حتى الن بحثا ا عن الرجل الإيطالي‬
‫وعن محتويات المقبرة المنهوبة‪ ،‬استعانت بالإنتربول‪ ،‬وأصدرت نشرة حمراء لجميع‬
‫متاحف العالم بالثاار المنهوبة‪ ،‬ودعت الحكومات إلى تطبيق معاهدة اليونسكو التي‬
‫تقضى بإعادة الثاار التي تخرج من بلدها بطرق غير مشروعة‪.‬‬
‫‪ -‬أخبرتني بأن المتحف ربما كان وسيطا بينك وبين جهة مجهولة تهتم بالثاار المصرية‬
‫القديمة‪ ،‬أي أن التماثايل التي أخرجناها لن تعرض بأي متحف‪.‬‬
‫‪ -‬من اشترى تلك التماثايل‪ ،‬أي ا كان هو‪ ،‬اشترط أل تتسرب أية معلومة عنها‪ ،‬واشترط‬
‫أيضا أن تكون محتويات المقبرة كاملة‪.‬‬
‫قلت في دهشة‪.‬‬
‫‪ -‬بالفعل هي كاملة؟‪.‬‬
‫‪ -‬في التصوير تظهر مجموعة من اللفائف‪ ،‬أنت استوليت عليها وأعطيتها لصابرينا‬
‫المجنونة‪ ،‬أليس كذلك؟‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫حاولت الكلم فعاجلني قائ ا‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬لو أن المجهول الذي اشتري الدشغل شاهد هذا التصوير‪ ،‬ماذا تتوقع عزيزي محمد؟‪،‬‬
‫سنقتل من فورنا‪ ،‬سنقتل بسببك‪ ،‬سنقتل بسببك‪.‬‬
‫صمت لبرهة‪ ،‬ونظر إلى في غيظ غاضب ثام صرخ قائلا‪.‬‬
‫‪ -‬أريد تلك اللفائف‪ ،‬وفو ارا‪ ،‬إوال سأدمرك قبل أن تقضي علي بكذبك وخداعك‪.‬‬
‫لم يعد هناك مجال للنكار‪ ،‬قمت وأحضرت اللفائف وناولته إياها‪ ،‬متحجج ا‬
‫بأني لا أعرفه إل مهتما بالمال‪ ،‬وصابرينا بالعلم والمعرفة‪ ،‬وقلت له متصو ار أني قد‬
‫سويت ما بيننا من خلف‪.‬‬
‫‪ -‬ها أنت معك اللفائف‪ ،‬وصابرينا حصلت على ما باللفائف من معلومات‪.‬‬
‫صرخ في دهشة واستنكار‪.‬‬
‫‪ -‬ألدى صابرينا تصوير؟‪ ،‬هذا لن يحل المشكل الذي نواجهه‪ ،‬لبد من الحصول على‬
‫ما لديها من تصوير لتلك اللفائف‪.‬‬
‫ثام أشار إلى بسبابته اليمنى وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬أنت من تسبب في هذه المشكلة وعليك حلها وبسرعة‪.‬‬
‫‪ -‬أمهلني عدة أيام وسأنهي هذه المشكلة‪.‬‬
‫قال غاضبا وكأنه يحدث نفسه‪.‬‬
‫‪ -‬شريك مجنون وآخر خائن‪.‬‬
‫أخنك‪ ،‬وسأحصل على التصوير‪ ،‬حتى لو تخلصت من صابرينا‪.‬‬
‫‪ -‬لم د‬
‫تجمد في مكانه للحظات ثام انفجر كالبركان‪.‬‬
‫‪ -‬لو ماتت صابرينا فمن العدل أن تموت أنت أيضاا‪.‬‬
‫ثام رفع يده في وجهي محذ ار‪.‬‬
‫‪ -‬إياك أن تصيبها بسوء‪ ،‬لن أنجو لمن شقيقها أو من زوجتي‪ ،‬ولن تنجو أنت منى‪.‬‬
‫كما جاء غاضب ا خرج حانقاا‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كنت أسارع الزمن‪ ،‬بحثات عنها في كل مكان يمكن أن توجد به‪ ،‬لم أعثار لها‬
‫علي أثار‪ ،‬وفي تلك الثاناء حدث أن أبلغني أحد رجالي المكلفين بمراقبة اللواء الجمال‬
‫بلندن‪ ،‬بأن الرجل تخلى أخي ار عن حذره وأصبح دائم الظهور في الععلن وأنه ل ينفك‬

‫‪200‬‬
‫يجتمع مع معارضي نظام الرئيس شفيق بالخارج‪ ،‬سعيا لتشكيل جبهة مناهضة للنظام‬
‫المصري‪.‬‬
‫قررت الذهاب إلى لندن لتصفية حسابي مع الجمال‪ ،‬فمع خوفي المريع من‬
‫سيلفيو وصابرينا‪ ،‬لم عيفدتر حقدي علي هذا الرجل لحظة واحدة‪.‬‬
‫كنت أحب التجوال بميدان البيكاديللي الشهير بلندن‪ ،‬وحدث أن جلست‬
‫لستريح بحديقة صغيرة بأحد أطراف الميدان‪ ،‬فلمحت حجازي بمفرده‪ ،‬خارجا من دار‬
‫للسينما خلف الحديقة‪ ،‬أمسكت بذراعه‪ ،‬رحب بي بح اررة وكأنه سعيد لرؤيتي‪ ،‬وليس‬
‫هارب ا منى بصحبة صابرينا‪.‬‬
‫سألته لماذا يختبئ منى هو وصابرينا‪ ،‬فأنكر ذلك‪ ،‬وتحجج بأنهم مشغولون‬
‫بتجهيز كتاب صابرينا للطباعة‪ ،‬سألته لماذا لندن‪ ،‬فقال‪.‬‬
‫‪ -‬أنت تعرف خشيتها من بعض الجماعات الدينية التي تعج بها كنائس إيطاليا‪ ،‬كما‬
‫أنها تريد أن تكون بالقرب من عدد من علماء الديان والتاريخ هنا بلندن‪.‬‬
‫أعطاني عنوان شقتها علي وعد بأن نلتقي هناك مساء يوم غد‪.‬‬
‫قابلتني بفتور بالغ‪ ،‬وما إن سمعتني أقول بأن سيلفيو غاضب منها حتى تحولت‬
‫لكتلة مشتعلة من الغضب وقالت في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬ولماذا يغضب؟‪ ،‬لم أعد أعمل معه‪ ،‬هو يعلم ذلك‪ ،‬ماذا يريد منى هذا الوغد؟‪.‬‬
‫‪ -‬اللفائف هي السبب‪ ،‬يقول إن نشرها يهدد حياته وحياتنا أيضاا‪.‬‬
‫‪ -‬ما يهدد حياتكما‪ ،‬هو ما فعلته أنت بمصر‪ ،‬وهذا ل شأن لي به‪.‬‬
‫ابتسمت وقلت لهدئ من توترها‪.‬‬
‫‪ -‬حجازي ل يخفى عنك شيئاا‪.‬‬
‫اتجهت نحوه وهى تنظر إليه بعطف وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬هذا صحيح‪ ،‬إنه شخص نقي‪ ،‬ل يعرف الخداع والقتل كالخرين‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا‪ ،‬ولكنى لم أخدعك‪ ،‬وقتلت من قتل صديقي وطردني من بلدي‪.‬‬
‫‪ -‬هذا ليس شأني‪ ،‬وما بيني وبينك انتهي‪ ،‬يوم حرضت حجازي‪ ،‬ليخفي عني أعمالك‬
‫القذرة‪.‬‬
‫احتقن وجهي من الغضب‪ ،‬ارتبكت ولكنها لم تهدأ‪ ،‬سألتني في ضيق صدر‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ماذا تريد منى الن؟‪.‬‬
‫‪ -‬أدريد ما لديك من تصوير لما باللفائف‪ ،‬لنمحو أي أثار لها‪ ،‬وتنتهي جميع مشاكلنا مع‬
‫سيلفيو ومع الإنتربول‪ ،‬ويمكننا بعدها أن نعاود العمل والبحث‪ ،‬فما زال هناك الكثايرد من‬
‫المعلومات مدفونا هناك في أرض مصر‪.‬‬
‫‪ -‬وما علقة الإنتربول بالمر؟‪.‬‬
‫‪ -‬الحكومة المصرية استعانت بالنتربول وأمدته بتصوير المقبرة‪ ،‬وأصدرت نشرة حمراء‬
‫بالثاار المنهوبة‪.‬‬
‫هدأ غضبها بعض الشيء وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬هكذا المر إذن؟!‪.‬‬
‫راحت تنظر إلي بتش د‬
‫ف ثام أضافت‪.‬‬
‫‪ -‬ما أحوزه من تصوير أصله معك أنت‪ ،‬وهذا يضمن أل يربط أحد بين محتويات‬
‫المقبرة وبين ما سأنشره من معلومات‪.‬‬
‫ما تقترحه بالفعل يؤمني جانب النتربول‪ ،‬ولكن لن يؤمنا من انتقام من يخشاهم‬
‫سيلفيو‪ ،‬هممت بإيضاح المر لها‪ ،‬فصدمتني بقولها‪.‬‬
‫‪ -‬ولكني لو نشرت صورة اللفائف ومعها صور الصفحات‪ ،‬سيعرفون بأني قد اطلعت‬
‫على اللفائف الحقيقية‪ ،‬من المؤكد أنهم سوف يسألوني عن مصدرها‪ ،‬فأخبرهم بأنها ملك‬
‫رجل العمال اليطالي‪ ،‬سوري الصل‪ ،‬محمد يوسف‪ ،‬وأنه باع لي التصوير مقابل‬
‫مبلغ كبير من المال‪ ،‬وقد يسألوني كيف تعرفت عليك‪ ،‬فأحكى لهم حكاية المركب‬
‫الغارقة وما حدث بعدها‪ ،‬ما رأيك؟‪.‬‬
‫‪ -‬أرجوك صابرينا‪ ،‬هذا خطير جداا‪ ،‬إنه تهديد صريح‪.‬‬
‫‪ -‬لو أعطيتني اللفائف لن أنشر أي صورة لها‪ ،‬فقط سأستعين بها في إقناع من‬
‫يعارض نظريتي من العلماء‪.‬‬
‫حدثاتني نفسي بأنها تحاول خداعي‪ ،‬لم يعد لدى خيار آخر‪ ،‬أعطيتها موافقتي‬
‫المبدئية علي أن تعطيني مهلة لتسوية أموري مع سيلفيو‪.‬‬
‫مع صدمتي الكبيرة فيها‪ ،‬لم أعدلم إل نفسي‪ ،‬فالخطأ خطئي‪ ،‬تخليت عن حذري‬
‫وانشغلت بالكنيسة وبمشروعها‪ ،‬ولم أراقب نتائج ما فعلته بمصر‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫عدت إلى إيطاليا وعملت بجد وسرية على تحويل أموالى إلى بنك باركليز‬
‫بنيويورك علي حساب باسمك وباسم يوسف ونهاد‪ ،‬واشتريت‪ ،‬باسمك أيضاا‪ ،‬شقة فخمة‬
‫بأفضل شوارع مدينة ما نهاتن بنيويورك‪.‬‬
‫عندما سمعت سهير ذلك لم تعدعد متأكدة مما يفتعل بنفسها من مشاعر‪ ،‬شعرت‬
‫ببعض الفرح لما يلمح إليه زوجها‪ ،‬فالحياة بأمريكا حلمها القديم والكبير‪ ،‬ولكن ما‬
‫سمعته من زوجها ملها رعبا على ولديها‪ ،‬آثارت الصمت وواصلت الاستماع لحكايته‬
‫المثايرة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫لم يخبر سيلفيو بما دار مع صابرينا‪ ،‬فهو يعرف نتيجة ذلك‪ ،‬التعجيل بنهايته‪،‬‬
‫قضي أسبوع ا بسيناء يتابع المشروع‪ ،‬وأسبوع ا آخر في مستشفي } حداسا { بتل أبيب‬
‫استعاد فيه الكثاير من حيويته الجسدية والذهنية‪ ،‬ومن هناك طار إلى لندن‪.‬‬
‫كان يقضى‪ ،‬النهار متسكعا بشوارع وحدائق لندن الشاسعة‪ ،‬والمساء على المقاهي‬
‫العربية بشارع الإيدجيوار‪ ،‬ليتابع أخبار اللواء الجمال‪ ،‬وحين حانت اللحظة نفذ خطة‬
‫محكمة فتخلص بسرعة من اللواء‪ ،‬زادت ثاقته بنفسه‪ ،‬وبات يعتقد أن نبوءة سماسم ما‬
‫هي إل رسالة من السماء تحثاه على المضي قدما في طريقه‪.‬‬
‫لم يغادر غرفته بالفندق‪ ،‬أمضي ثالثاة أيام متواصلة في الصلة وقراءة القرآن‪،‬‬
‫لم يكل لسانه من ترديد الأذكار والدعية‪ ،‬ولم يمنعه من مواصلة الاستمتاع بالعبادة إل‬
‫شعوره بالتوتر يخيم على الفندق خوفا من هذا المسلم الذي يغلق على نفسه غرفته‬
‫ليصلى ليل نهار‪.‬‬
‫بعد أسبوع كان قد شفي من نشوة الانتقام من اللواء وتفرغ تماما للتفكير في خطة‬
‫للتخلص من تهديد صابرينا‪ ،‬وصنع بيده‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬مجموعة من اللفائف المزيفة‪،‬‬
‫فقد اتخذ ق ار ار بالقضاء عليها وعلي حجازي‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫في الميعاد المتفق عليه‪ ،‬توجهت إلي شقتها‪ ،‬عندما لمحت اللفائف بيدي‬
‫عاملتني برقة استعدت معها ذكرى ما كان بيننا من ود وصداقة‪ ،‬كان حجازي يجلس‬

‫‪200‬‬
‫بمقعده ل يتحدث ويكتفي بالنظر إلى‪ ،‬تذكرت أن لديه أسرة صغيرة يحبها‪ ،‬وضبطت‬
‫نفسي مترددا‪.‬‬
‫طلبت منها أن تطلعني على ما لديها من وثاائق تاريخية عن الديان البراهيمية‬
‫وخاصة الدين الإسلمي‪ ،‬وبعد تناول العشاء أخذت تعرض على مسودة كتابها المنشود‬
‫وكان عبارة عن مخزن بارود ل شك في أنه سيدمر العالم تدمي ارا‪ ،‬لم تترك لي فرصة‬
‫لألتقط أنفاسي‪ ،‬ناولتني وثايقة قديمة مكتوبة باللغة العربية‪ ،‬تتحدث عن انتشار العقيدة‬
‫الوزيرية وعبادة إيزيس بمكة والحجاز في الفترة التي سبقت ظهور السلم مباشرة‪،‬‬
‫وكان بها معلومات مثايرة وخطيرة حول نشأة الديانة السلمية بالجزيرة العربية‪ ،‬لم يعد‬
‫لدى شك في أن ما عقدت هي العزم عليه لا يقل خطورة عما تسعي إليه بعض‬
‫الجماعات الدينية السرية‪ ،‬بت مقتنع ا بوجوب تجريدها من كل ما بيدها من وثاائق‬
‫وأبحاث‪ ،‬وامتلت بشعور غريب ولكنه مريح‪ ،‬وهو أني أقوم بحماية العالم من الفتن‬
‫والحروب المدمرة‪.‬‬
‫أخرجت سيجارة لشعلها‪ ،‬وضعتها بفمي وتظاهرت بالحديث مع صابرينا‬
‫وضغطت على زر الولعة الروبسون‪ ،‬وفي أقل من دقيقة راحا في نوم عميق‪ ،‬وبل‬
‫مقدمات تخلت عني الحماسة والشجاعة وانفرد بي التردد‪ ،‬ما زال لهما في قلبي مكان‪،‬‬
‫لم أستطع قتلهما‪ ،‬تخلصت من ترددي‪ ،‬حقنتهما بمنوم قوى ثام استوليت علي كل ما‬
‫يمكن أن يكون له صلة بالمر‪.‬‬
‫قبل أن أتركهما وأغادر‪ ،‬طرأت على ذهني خطة سريعة‪ ،‬انتظرت حتى هدأت‬
‫المنطقة ونجحت في نقلهما لسيارة صابرينا‪ ،‬وقدت السيارة على الطريق الدائري حول‬
‫منطقة نسدن لعلى أجد مرتفعا أسقط السيارة من عليه‪ ،‬مرت ساعة دون أن أجد ما‬
‫أبحث عنه‪ ،‬الخوف شل تفكيري‪ ،‬لم يعد أمامي فرصة للتردد‪ ،‬أغلقت زجاج السيارة ثام‬
‫أطلقت بداخلها كمية كبيرة من الغاز السام‪ ،‬تركت السيارة على جانب الطريق وهرولت‬
‫مبتعدا بما أحمله من قنابل صابرينا‪.‬‬
‫ذهبت من فوري لسيلفيو بمكتبه بالمصنع‪ ،‬أعطيته كل ما معي‪ ،‬ولحظت أنه لم‬
‫يسألني كيف تحصلت علي كل هذه الشياء الهامة‪ ،‬لم يسألني حتى عن صابرينا‪،‬‬
‫وراح يستمع لإلحاحي عليه بالعودة لسابق عهدنا دون أن يرد بكلمة واحدة أو حتى ينظر‬

‫‪200‬‬
‫إلى‪ ،‬كان مشغولا بالشخبطة في ورقة أمامه على المكتب وهو يسند رأسه على ساعده‬
‫اليسر‪.‬‬
‫قلت في يأس‪.‬‬
‫‪ -‬بعدما نتخلص من كل هذه الشياء‪ ،‬ستنتهي كل المشاكل التي تواجهنا‪.‬‬
‫رمقني بنظرة‪ ،‬لن أنساها ما حييت‪ ،‬كان فيها من الغيظ والحقد والاستعلء ما‬
‫أربكني كثاي ارا‪ ،‬لم أستطع التحكم في رعشة قوية ضربت أطرافي‪ ،‬فاحمر لها وجهي‬
‫ل‪.‬‬
‫خج ا‬
‫طالت نظرته تلك حتي شعرت بضآلة شأني‪ ،‬غضبت وصرخت فيه‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا بك سيلفيو؟‪ .‬أليس لديك ما تخبرني به؟‪.‬‬
‫ل‪ ،‬لقد صفيت الشراكة بيننا‪ ،‬ثاانياا‪ ،‬كل ما أعطيته لي الن هو ملكي‪ ،‬أنا‬
‫‪ -‬نعم نعم‪ ،‬أو ا‬
‫دفعت ثامنه‪ ،‬ومن العدل أن يكون في حوزتي‪ ،‬فل شأن لك به‪.‬‬
‫هذا أقل مما توقعته بعد نظراته الشريرة‪ ،‬ومع هذا قلت له في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬هكذا إذن؟‪ ،‬فمتى أحصل على مالي؟‪.‬‬
‫‪ -‬ليس لك لدى مال‪ ،‬أنت أعطيتني عدة مليين‪ ،‬لكنك ربحت من العمل معي‪،‬‬
‫بالخداع والتدليس‪ ،‬عشرات المليين‪.‬‬
‫هب واقف ا وأشار إلي بسبابته وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬في الحقيقة أنت تدين لي بعدة مليين‪.‬‬
‫تحقق ما حذرني منه تاردينى‪ ،‬تقبلت المر وقلت‪.‬‬
‫‪ -‬حسن ا‪ ،‬ل أريد المال‪ ،‬أنت صاحب فضل كبير على‪ ،‬ولكن ما معك يهدد حياتي‪،‬‬
‫أرجوك‪ ،‬لبد أن نتخلص منه‪.‬‬
‫وحدث ما لم أتوقعه من سيلفيو الحريص والذي يفكر بعمق وروية قبل أن يقدم‬
‫على أقل فعل‪ ،‬خرجت منه ضحكات مستهترة ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬أنت لست مخادع فقط‪ ،‬أنت مجنون أيضاا‪ ،‬أتطلب من سيلفيو أن يتخلص من‬
‫عشرات المليين من أجل أن يحميك أنت؟!‪.‬‬
‫استمر يضحك‪ ،‬فعرفت أن معركتي الحقيقية هي ضد هذا المتعالي‪ ،‬فضمرت له‬
‫ش ار لو علمه لبادر بسحقي‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫قبعت بالمنزل لعدة أيام‪ ،‬ل أرد على الهاتف ولم أفتح بابي لي شخص‪ ،‬لم‬
‫أتمكن بعد من ترجمة ما بداخلي من خوف وغضب إلي خطة للقضاء علي سيلفيو‪ ،‬لم‬
‫أدعد أعرف ما حل بي؟ أهو اكتئاب أم يأس‪ ،‬أهو الغضب أم الخوف؟‪ ،،‬أم أنه شعور‬
‫غامض بالنهاية‪ ،‬بالفشل‪ ،‬بالضياع؟‪ ،‬اضطرب حالي‪ ،‬ولم تنفع جلسات التنويم‬
‫المغناطيسي في استعادة اتزاني النفسي‪.‬‬
‫في نهار يوم من أيام سبتمبر الحارة والرطبة‪ ،‬استيقظت على طرق شديد على‬
‫الباب‪ ،‬كان هناك من يطرق الباب بإصرار‪ ،‬يبدو أنه يعرف أنى بالداخل‪ ،‬نظرت من‬
‫العين السحرية فرأيته غاضباا‪ ،‬يكز على أسنانه وهو يطرق الباب بعنف‪.‬‬
‫فتحت الباب في حذر‪ ،‬اقتحم المنزل وهو يصرخ‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا قتلت صابرينا؟‪.‬‬
‫اصطنعت الدهشة‪ ،‬انكرت معرفتي بالمر‪.‬‬
‫‪ -‬صابرينا ماتت؟‪ ،‬كيف ماتت؟‪ ،‬من قتلها؟‪.‬‬
‫لم يرد وصوب إلي نظرات نارية‪ ،‬فقلت فى حزن شديد وبصوت متهدج‪.‬‬
‫‪ -‬لم أقتلها‪ ،‬صدقني لم أقتلها‪.‬‬
‫بكيت‪ ،‬لمحت ابتسامة صفراء علي وجهه‪.‬‬
‫‪ -‬أنت قتلتهما‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬لقد قمت بتخديرهما فقط‪ ،‬أخذت ما أريده وتركتهما بالشقة يغطان في نوم‬
‫عميق‪ ،‬تركتهما أحياء‪ ،‬أنا متأكد من ذلك‪.‬‬
‫فقال بهدوء أثاار دهشتي‪.‬‬
‫‪ -‬وعمن في رأيك فعلها؟‪.‬‬
‫‪ -‬قد تكون الجماعة الدينية التي تطاردها من سنوات‪.‬‬
‫تلشت ابتسامته الخبيثاة‪ ،‬بادرته بالهجوم‪ ،‬قلت في حدة‪.‬‬
‫‪ -‬وربما أنت من قتلها‪ ،‬فأنت أيضا صاحب مصلحة في التخلص منها‪.‬‬
‫أفلتت أعصابه‪ ،‬هاج وماج‪ ،‬وراح يهدد ويصرخ في‪.‬‬
‫‪ -‬أنت مخادع‪ ،‬لقد سببت لي مشكلة خطيرة مع زوجتي ومع صديق عمري‪ ،‬أنت‬
‫أخطر ما يتهددني الن‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫انزعجت لتهديده المباشر والصريح‪ ،‬رحت أهدئ من ثاورته وأغريه بما ينتظرنا‬
‫من مكاسب كبيرة لو استمر التعاون‪.‬‬
‫‪ -‬سيلفيو‪ ،‬لقد ماتت صابرينا وما تفعله الن لن يجدي نفعاا‪ ،‬فلنتعاون ونبحث عن‬
‫قاتلها وننتقم منه‪.‬‬
‫‪ -‬أي تعاون تتحدث عنه أيها القاتل؟‪.‬‬
‫صرخت‪.‬‬
‫‪ -‬لم أقتلها‪ ،‬واحتمال أنك من قتلها ل يقل وجاهة عن اتهامي بذلك‪ ،‬ومن الفضل أن‬
‫تهدأ لنتدارس المر‪ ،‬فقد يكون هناك من يترصدنا ليتحين الفرصة للقضاء علينا‪.‬‬
‫انتبه لما أقوله‪ ،‬ونظر إلي ليستوضح ما أقصده‪.‬‬
‫‪ -‬ل أنا ول أنت قتلها‪ ،‬أعتقد أن هناك عمن يسعى خلف ما جمعناه من وثاائق‬
‫ومعلومات‪ ،‬وهذا بحوزتك الن‪ ،‬وهذا يعنى أنه لم يحصل عليه‪ ،‬ومن المنطقي أنه‬
‫سيفكر بمن كانت تعمل معه صابرينا‪ ،‬أو سيفكر في أصدقائها‪ ،‬ومن السهل عليه أن‬
‫يصل إليك إوالى بل قد يصل لسرتك فزوجتك صديقتها الحميمة‪.‬‬
‫قرأت ملمح الانزعاج تحتل وجهه فأضفت بروية‪.‬‬
‫‪ -‬لن يفيدك أن تضحى بى الن؟‪ ،‬والقاتل طليق يسعي خلف ما بحوزتك أنت‪.‬‬
‫قال في سخرية‪ ،‬لم تكن كافية لإخفاء توتره‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا تقترح؟‪.‬‬
‫‪ -‬نتعاون ونكمل ما بدأته صابرينا‪ ،‬فهذا يضمن لنا مليين دأخرى‪ ،‬وفى نفس الوقت‪،‬‬
‫نضع خطة لخراج الثاعبان من جحره لنفتك به قبل أن يصل إلينا‪.‬‬
‫بدا لي أننى أحقق نجاحا كبي ار في السيطرة علي الرجل‪ ،‬فأضفت‪.‬‬
‫‪ -‬نواصل التنقيب بمصر‪ ،‬لدي معلومات أكيدة عن أماكن متخمة بالثاار والوثاائق‪.‬‬
‫قال في حسرة‪.‬‬
‫‪ -‬ما فعلته أنت بمصر‪ ،‬جعل الحكومة هناك تضرب بيد من حديد على يد كل من‬
‫يقترب من الآثاار‪ ،‬كما أنها شددت الرقابة على منافذ التهريب من مصر‪.‬‬
‫‪ -‬هذا رد فعل مؤقت‪ ،‬أنا أكثار دراية منك بمصر‪ ،‬فمصر ومنذ آلف السنين تسلك‬
‫طريق رد الفعل فقط‪ ،‬صدقني هوجة وتعدي وسرعان ما سوف تعود المياه لمجاريها‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫أرهقه الطمع فهدأ تماما وقال‪.‬‬
‫‪ -‬حسن ا‪ ،‬أنت عمن تسبب في تلك المشكلة‪ ،‬ومن المنطقي أن أعطيك الفرصة لتحلها‪.‬‬
‫وقال وهو يهم بالمغادرة‪.‬‬
‫‪ -‬من الفضل أن يكون لديك حل جذري لما يواجهني من مشاكل‪ ،‬أراك بعد أسبوع‪.‬‬
‫ثام التفت إلي وقال في استعلء‪.‬‬
‫‪ -‬احرص على أن تهديني صفقة كبيرة لتهدئ من غضبى عليك‪ ،‬وبعدها قد نبحث‬
‫لمر سوياا‪ ،‬ولنرى إمكانية أن تعود المياه بيننا لمجاريها‪.‬‬
‫اع‬
‫‪----------‬‬
‫فشلت في الوصول للحالة الذهنية ألفا بالرغم من محاولتي العديدة‪ ،‬وبدأت‬
‫أعاني من رعشة بأطرافي مع دوخة مريرة‪ ،‬كانت تجبرني علي إفراغ أحشائي فتشوي‬
‫عصارتها حلقي شياا‪ ،‬كدت أستسلم يأساا‪ ،‬فإذا بي اكتشفت خطأ الطريقة التي دأفكر بها‪،‬‬
‫وكأن الوحي لم يشأ أن يجاريني في الخطأ فعطل عقلي وحرمني اللهام‪ ،‬خوفي من‬
‫سيلفيو جعلني أبحث عن خطة لحمايته مع منحه مليين الدولرات لحمى نفسي منه‪.‬‬
‫ضرورة التخلص منه هي ما كان يجب التفكير به‪ ،‬بالفعل تمكنت من الوصول‬
‫للحالة الذهنية ألفا وخرجت منها بخطة دمحكمة‪.‬‬
‫أخبرته بسفري إلى سيناء لمباشرة المشروع‪ ،‬وعليه أن ينتظر أخبارا سارة لدي‬
‫عودتي بعد أسبوع بالضبط‪ ،‬كنت مدفوعا برغبة قوية‪ ،‬تسكنني منذ لقائي الخير‬
‫بسيلفيو‪ ،‬لبذل جهد عظيم في العمل والتقرب من الكنيسة ومن تارديني أملا في نيل‬
‫حمايتهما من المجهول الذي ينتظرني‪ ،‬نقص وزنى كثاي ار بسبب الخوف والقلق‪.‬‬
‫توجهت إلى الردن ومن الردن إلى مطار بني غازي‪ ،‬أعطيت لسالم الكثاير‬
‫من المال وحملته بالهدايا لشيخ القبيلة ورجالها ونسائها‪ ،‬ووعدته باستئناف العمل قريب ا‬
‫عبر الحدود المصرية الليبية‪.‬‬
‫وصلت نابولي‪ ،‬كان بانتظاري‪ ،‬قلت في فرح‪.‬‬
‫‪ -‬تمثاال معجزة لميريت آتون‪ ،‬كبرى بنات إخناتون‪ ،‬التمثاال الفرعوني الوحيد في العالم‬
‫الذي يبلغ وزنه حوالي خمسة كيلوجرامات من الذهب‪ ،‬بحوزة رجل من البدو‪ ،‬ويعرضه‬
‫للبيع بعشرة مليين دولر‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫تهلل وجهه فرحا ومع هذا قال‪.‬‬
‫‪ -‬أليس هذا ثامن ا مبالغ ا فيه؟‪ ،‬مع مصاريف التهريب سيصل ثامنه للضعف‪.‬‬
‫‪ -‬ولو بلغ عدة أضعاف‪ ،‬ل يهم‪ ،‬هناك من سيدفع فيه مائتي مليون دولر وأكثار‪.‬‬
‫‪ -‬وعمن هذا المجنون الذي يدفع هذا المبلغ في تمثاال حتى لو كان من الماس؟‪.‬‬
‫لذ بالصمت يفكر ثام أضاف‪.‬‬
‫‪ -‬كيف يدفع أحدهم مبلغا كهذا في تمثاال سيخرج من بلده بطريقة غير شرعية‪ ،‬أنت‬
‫تعلم ما تلزم به اتفاقية اليونسكو المتاحف والحكومات‪ ،‬وتعلم أيضا أن أثارا ثامينا كهذا‬
‫لبد له من الاستقرار بعمتعحف شهير في نهاية المر‪ ،‬إوال يبقى الثار كأنه شيك بنكي‬
‫غير قابل للصرف‪.‬‬
‫‪ -‬من أقصده لن يشتريه ليبيعه لمتحف‪ ،‬بل ليخفيه عن أنظار العالم‪.‬‬
‫‪ -‬أتعرف هذا المجنون الدمتيم بهذا التمثاال‪ ،‬وتعرف كيف نصل إليه؟‪.‬‬
‫‪ -‬بعدما أجلب التمثاال إلى هنا سدأخبرك بكل التفاصيل‪ ،‬ولكن هناك شرطا مهما لتنفيذ‬
‫هذه العملية‪ ،‬سينتهي دوري بمجرد إحضاره‪ ،‬وتتولى أنت بمفردك عملية البيع‪ ،‬لن‬
‫المشتري سيتراجع لو علم بوجود شركاء لك هنا بأوروبا‪.‬‬
‫‪ -‬أوافق‪ ،‬ولكنى أشعر بأن هناك ما تخفيه عنى بخصوص هذه الصفقة‪.‬‬
‫‪ -‬بالتأكيد لدى ما أخفيه‪ ،‬ولكنك في آمان وستعرف كل شيء في ميعاده‪ ،‬أتثاق بي؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬ل أثاق بك‪.‬‬
‫ابتسمت له مستسلما‪ ،‬واتفقنا علي الخطوات وبدأنا التنفيذ‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫في منتصف ليلة الاثانين الموافق التاسع عشر من سبتمبر ‪2011‬م‪ .‬دخل يخت‬
‫سيلفيو بمحمد يوسف إلى دعمق البحر وأسقطه في لنش كان بانتظارهما‪ .‬وبعد الفجر‬
‫بقليل هبط إلي الشاطئ الليبي واستقل السيارة بجانب صديقه سالم‪.‬‬
‫استراحا لبعض الوقت باستراحة سالم بمدينة البيضا‪ ،‬وبعد تناول الغذاء‪ ،‬تقدما‬
‫سيارة نقل محملة ببضائع متنوعة من مواد غذائية وملبس ومنسوجات وبعض الهدايا‬
‫القيمة إلي أفراد القبيلة‪ ،‬وهى عادة حرص محمد يوسف علي آل تنقطع‪ ،‬بالرغم من أن‬

‫‪200‬‬
‫المشاريع التي أقامها بمضارب القبيلة ضمنت له ولء أفرادها‪ ،‬ناهيك عن أنها كانت‬
‫غطاء جيدا لنشاطه في تهريب الثاار‪.‬‬
‫ا‬
‫بالفعل كان كل فرد بالقبيلة ديحبه ويحرص على حمايته وحفظ أس ارره‪ ،‬حتى أن‬
‫الفرد منهم لم يكن يسمح لنفسه أن يذكر‪ ،‬ولو مع نفسه‪ ،‬كلمة واحدة عن نشاط محمد‬
‫يوسف بالمنطقة‪ ،‬وكان يكفيهم أن يعتبروه رجل ا صاحب أفضال عليهم وأنه وش الخير‬
‫بالنسبة لجميع من بالقبيلة كما قالت عنه سمالسم‪.‬‬
‫قضى يوما في ضيافة شيخ القبيلة‪ ،‬وفى هذه المرة حرص على أن يتحدث مع‬
‫سمالسم لعله يعرف منها السر الذي سوف يعرفه دون أي شخص آخر في العالم‪ ،‬ولماذا‬
‫سيموت عندما يعرف هذا السر؟‪.‬‬
‫‪ -‬كل ما أعرفه قلته لك‪ ،‬وقد تحقق الكثاير من نبوءتي‪ ،‬ولكنك لم ولن تستطيع مقاومة‬
‫الشيطان الذي يحتلك ويحرضك على المعرفة المستحيلة‪ ،‬ستبقي حزين ا وتسعى بكل ما‬
‫لديك من مال ونفوذ لتعرف السر‪ ،‬لكن ليام معدودات‪ ،‬ستموت بعدها‪.‬‬
‫‪ -‬ول عمـَ الموت؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل يجوز لنسان أن يجمع ما بين المال والسلطان والمعرفة‪.‬‬
‫‪ -‬للعمـَ‪ ،‬وهناك العشرات من جمعوا بين الملك والمعرفة‪ ،‬والملك هو المال والسلطان‪ ،‬ألم‬
‫يؤت سليمان الملك والحكمة‪.‬‬
‫حد فقالت‪.‬‬
‫نظر إليها نظرة ثاقة وتع د‬
‫‪ -‬أوتي سليمان الحكمة ولم يؤت المعرفة‪ ،‬فهو لم يعرف بعرش ملكة سبأ إل من‬
‫الدهددهد‪ ،‬ولم يأته بعرشها إل رجدل أتاه ال علم الكتاب‪ ،‬قلت لك ستعرف ما لم يعرفه أحدد‬
‫من قبلك‪ ،‬وعندها ستموت‪.‬‬
‫ثام أشارت إليه ليصمت وقالت في حسم‪.‬‬
‫لمر‪.‬‬
‫لمر ‪ ،،،‬دقضى ا ع‬
‫لمر ‪ ،،،‬دقضى ا ع‬
‫‪ -‬دقضى ا ع‬
‫لم يستطع التخلص من تأثاير كلمها‪ ،‬وفى هذا اليوم كان شبح صديقه إبراهيم‬
‫سالم يطارده كل لحظة ويملؤه رعب ا وخوف ا على أسرته‪ ،‬وقد انتابه شعور غامض بأن‬
‫تمثاال ميريت آتون‪ ،‬المدفون في الرمل سيكشف له اللسر الذي تد ل‬
‫صر عليه العرافة‪ ،‬وأنه‬
‫سيكون سبب موته‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪----------‬‬
‫في الفترة الخيرة‪ ،‬كان يضرب رأسه لساعات صداع خبيث‪ ،‬فيتقيأ خللها مرات‬
‫عديدة وينهمر منه العرق فيبهت لونه بشكل مرعب‪ ،‬وبعد معاناة شديدة يغادره الصداع‬
‫بعد أن يكون قد أنهكه تماما فيغط في نوم عميق يستيقظ منه حزينا بائساا‪ ،‬وقد عاود‬
‫أطباء المخ والعصاب‪ ،‬والطباء النفسيين‪ ،‬في أوروبا إواسرائيل وعلى الرغم من‬
‫الفحوصات الكثايرة التي خضع لها فشلوا في تحديد سبب معاناته بدقة‪ ،‬فاقترحوا الرهاق‬
‫الجسدي والعقلي سببا لمأساته‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫مساء يوم الخميس اصطحب سالم ضيفه وصديقه محمد يوسف في سيارته‬
‫للتجول في مضارب القبيلة‪ ،‬ابتعدا عن الواحة فأعطى لسالم حقيبة بها نصف مليون‬
‫دينار ثام قال له‪.‬‬
‫‪ -‬احميني حتى أذهب لحضار أغراضي التي دفنتها هناك‪.‬‬
‫وفي الطريق سأله برفق ودحب حقيقي‪.‬‬
‫‪ -‬لم تسأل لماذا أعطيتك المال‪.‬‬
‫‪ -‬لضعها بحساب الشركة بالبنك‪.‬‬
‫‪ -‬هذا مالك أنت‪ ،‬نصف مليون دينار أجر ما سنقوم به الليلة من عمل‪.‬‬
‫‪ -‬أية عمل؟‪.‬‬
‫‪ -‬أريد إحضار أغراضي والخروج بها من ليبيا دون أن يراني أحد‪ ،‬في الزيارة السابقة‬
‫لحظت أن بعض أعضاء اللجان الشعبية وبعض عناصر الشرطة يراقبونني‪ ،‬وهذه‬
‫المرة أشعر بهم يحومون من حولي‪ ،‬يبدو أن لديهم تعليمات بتعقب تحركاتي في ليبيا‪.‬‬
‫‪ -‬ل تخف‪ ،‬الكل مشغول باحتفالت الفاتح وبالذكرى الثاانية لتنصيب سيف السلم‬
‫القذافي رئيس ا للبلد‪ ،‬والتي ستقام ببني غازي السبوع القادم‪ ،‬والتعليمات أن كل ليبيا‬
‫تتجمع هناك لعمل مظاهرة مليونية لمبايعة وتأييد الرئيس سيف القذافى‪ ،‬فهذا الحتفال‬
‫الول بالفاتح في عهد سيف على الرغم من أنه يتولى الحكم منذ أكثار من عامين‪ ،‬لم‬
‫يكن لديه الوقت للاحتفال‪ ،‬كما كان يفعل أبوه‪ ،‬فقد انشغل بالمذابح التي شملت أرجاء‬
‫ليبيا ليرضخ القبائل المناوئة لحكمه‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬كنت أتابع أخبار تلك المذابح‪ ،‬خفت عليكم كثاي ار‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬نحن على عهدنا معهم‪ ،‬فمصير قبيلة ورفلة ل يخفى على أحد‪.‬‬
‫‪ -‬هذا صحيح‪ ،‬عشرة آلف قتيل من قبيلة واحدة‪ ،‬هذه إبادة وليست حرب ا‪.‬‬
‫‪ -‬فعلها أبوه من قبل‪.‬‬
‫‪ -‬أرجو أن تؤمن لي الطريق تماماا‪.‬‬
‫ولغرائه أكثار قلت‪.‬‬
‫‪ -‬هذه المرة ستكون الخيرة التي أدخل وأخرج فيها من البحر‪ ،‬فمن الواضح أن سيف‬
‫القذافي يتعاون مع أوروبا إوايطاليا بالذات في موضوع الهجرة الغير شرعية‪.‬‬
‫‪ -‬هل نتوقف عن عمليات التهريب؟‪.‬‬
‫‪ -‬هذا لصالح القبيلة‪ ،‬لتتجنبوا بطش سيف الإسلم بكم إن عجد بالمور جديد‪.‬‬
‫‪ -‬لقد اعتمدنا عليك كثاي ار لكسب قوتنا في الفترة الماضية؟‪.‬‬
‫‪ -‬لديكم كل ما أملكه بليبيا وهناك المشاريع التي أقمناها بالواحة‪ ،‬يمكنك توسيع النشاط‬
‫والمشاريع‪ ،‬وستكون شركاتي بإيطاليا رهن إشارتك‪.‬‬
‫‪ -‬تعلم أننا لن نتوقف عن التهريب عبر الحدود مهما فعل سيف القذافي معنا‪ ،‬أشعر‬
‫بأن هناك أسباب أخري لتصفية أعمالك هنا‪.‬‬
‫‪ -‬أخطط للعودة إلى مصر‪ ،‬لصفى حساباتي مع من دمروني وطردوني من بلدي‪،‬‬
‫وأحتاج إليك حوتا كبيرا في دنيا العمال هنا بليبيا‪ ،‬فقد أحتاج لمساعدتك ولن تتمكن‬
‫من ذلك إل وأنت حوت‪ ،‬ل تتصل بي‪ ،‬أنا سأتصل بك‪ ،‬الدشغل بيننا يجب أن يبدو كأي‬
‫شغل بين شركتين‪ ،‬هذا سيكون أفضل في الفترة القادمة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كان محمد يوسف قد قرر فعلا أن تكون عملية تهريب التمثاال من ليبيا هي‬
‫الخيرة‪ ،‬ولكنه في نفس الوقت كان يتعمد تقديم رشوة كبيرة لسالم ليسيطر عليه تماماا‪،‬‬
‫فعلى الرغم من أنه متأكد من أن سالم ديحبه بالفعل وعيحترمه‪ ،‬ولكنه في نهاية المر‬
‫بدوى‪ ،‬ومحمد يعتقد بأن البدوي ل ينتمي إل لنفسه ولقبيلته ولمصلحته‪ ،‬والفلوس أغلى‬
‫لديه من أبيه وأمه بل من أبنائه‪ ،‬ويعرف أن البدوي ل يمنعه عن تحقيق مصلحته‬
‫انتماء لوطن أو لصداقة أو حتى أية قيمة أخلقية‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫بالفعل‪ ،‬لم يتوان فرد في القبيلة كلها‪ ،‬من أصغر شاب إلى شيخها‪ ،‬عن‬
‫مساعدته من قبل‪ ،‬ولكنه في المرات السابقة كان يهرب حجارة أو كما يطلق عليها‬
‫أهالي الواحة معسالخيط‪ ،‬أما هذه المرة فالوضع دمختللف‪ ،‬فهذا تمثاال من الذهب وزنه‬
‫يتجاوز الخمسة كيلو جرامات‪ ،‬وهو عيعلرف جيدا عسطوة الذهب على البدوي‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫ذهب محمد يوسف للجهة الغربية لمضارب القبيلة بمفرده متخفيا خلف أستار‬
‫الليل‪ ،‬وربض سالم بمكانه على مشارف القبيلة لتأمين طريق العودة لصديقه‪.‬‬
‫دخل بسيارته لعمق الصحراء تجاه غرب مضارب القبيلة‪ ،‬وبعد مسافة خمسة‬
‫كيلومترات بالضبط توقف بالسيارة وترجل ومعه بندقيته اللية‪ ،‬فهو لن يتورع عن تدمير‬
‫أي شخص سيقف في طريقه حتى لو كان سالم نفسه‪.‬‬
‫دقائق وكانت الحقيبة بالسيارة بعدما فتحها وتأكد من محتوياتها وتصفح بعض‬
‫المستندات الهامة وابتسم وهو يقلب صفحات جواز سفره المصري‪.‬‬
‫وضع البندقية على المقعد بجواره بحيث تكون في متناول يده‪ ،‬وعاد أدراجه‬
‫للمدق متجه ا نحو الطريق الممهد الذي يربط المنطقة المركزية لواحة الكفرة بمدينة‬
‫البيضا التي وصلها تحت أستار الليل‪.‬‬
‫وفى يوم الجمعة الموافق الثاالث والعشرين من سبتمبر ‪2011‬م‪ .‬وفى تمام‬
‫الساعة الرابعة والربع كان على بعد خمسة كيلو مترات من الساحل الإيطالي‪ ،‬طلب من‬
‫قائد اللنش أن يبطئ من السرعة قليلا وينفذ عدة لفات واسعة‪.‬‬
‫نفذ اللنش عدة لفات استغرقت حوالي نصف الساعة مرت عليه كالدهر بسبب‬
‫خوفه من أن يغدر به سيلفيو بالرغم من العشرة ملايين دولر التي أخذها منه‪.‬‬
‫استغرق في التفكير بكل الاحتمالت‪ ،‬محاول ا التخلص من القلق والتوتر اللذين‬
‫أفقداه القدرة على التركيز وجعله يعمعزق أطراف أصابعه حتى نزف منها الدم‪ ،‬لمح‬
‫العيخت من بعيد فتنفس الصعداء‪ ،‬وخلل دقائق كان يحتضن غريمه‪.‬‬
‫تهلل سيلفيو للقائه فقال‪.‬‬
‫‪ -‬شيء عظيم أنك لم تخذلني‪ ،‬برافو‪ ،‬لقد أنجزت العملية بسرعة كبيرة وكأنك وجدت‬
‫البضاعة بانتظارك على الشاطئ الليبي‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ارتبك محمد يوسف لتلك الملحوظة الصحيحة‪ ،‬ولكنه تماسك بسرعة وقال‪.‬‬
‫‪ -‬دأجهز لذلك طيلة الأسابيع الماضية‪ ،‬ووضعت خطة سريعة وآمنة‪ ،‬ففي خلل‬
‫ساعات‪ ،‬من تلقي البائع المال‪ ،‬كان التمثاال على الجانب الليبي‪ ،‬وخرجت به من هناك‬
‫بسرعة‪ ،‬فرجلكم في ليبيا أغلق البر والبحر لجل خاطركم في إيطاليا‪.‬‬
‫جليلة‪ ،‬نحن نعتبره إيطالي ا‪ ،‬ول تنعس أن ليبيا لنا ‪-‬‬
‫ل‬ ‫‪.‬إنه رجل عظيم‪ ،‬قدم لنا خدماتل‬
‫‪ -‬يبدو أن الدنيا كلها لكم‪ ،‬المهم اليوم‪ ،‬وبدون تأخير‪ ،‬عليك أن تنشيء بريدا إلكترونيا‬
‫جديدا لتبعث برسالة على هذا البريد اللكتروني‪.‬‬
‫قاطعه سيلفيو في دهشة‪.‬‬
‫‪ -‬إنه البريد اللكتروني الخاص بالكنيسة النجليكانية بروما‪ ،‬هكذا إذن‪ ،‬الن فهمت‬
‫لماذا دتبعد نفسك عن العملية‪ ،‬حسناا‪ ،‬كنت أعتبر هؤلء الناس بالفعل مجانين ولهم‬
‫تصرفات مريبة‪ ،‬ولكن من حسن حظي أنى لم أشغل بهم بالى‪ ،‬فقط انشغلت بأموالهم‪،‬‬
‫وأنت محق بشأنهم‪ ،‬بالفعل يدهم سخية جداا‪.‬‬
‫‪ -‬اكتب الرسالة التالية ‪ -‬تمثاال ميريت آتون بحوزتي‪ ،‬مطلوب مائة مليون دولر‪-‬‬
‫يأتك الرد ألغ عنوان البريد الالكتروني‪ ،‬وأ ب‬
‫عد‬ ‫وانتظر الرد لمدة ساعة واحدة فقط‪ ،‬إن لم ل‬
‫الكرة في اليوم التالي‪ ،‬بعنوان بريد إلكتروني جديد‪ ،‬وتنتظر ساعة واحدة بالضبط‪ ،‬وهكذا‬
‫كل يوم‪ ،‬حتى يأتيك الرد خلل ساعة من إرسالك للرسالة‪ ،‬وعندما يأتيك الرد سأخبرك‬
‫كيف تتصرف‪.‬‬
‫بعد ساعة من كتابته للرسالة تلقي سيلفيو الرد‪ ،‬جملة ‪ -‬نحن جاهزون‪-‬‬
‫قال له محمد يوسف بتوتر واضح‪.‬‬
‫‪ -‬ل ترد عليهم‪ ،‬سيسألونك حالا أهم سؤال لديهم‪.‬‬
‫‪ -‬ها هي رسالة جديدة‪ ،‬يسألونني‪ ،‬هل لدي شركاء؟‪.‬‬
‫‪ -‬اكتب لهم ‪ -‬ل أحد على وجه الرض يعرف أو رأى ما معي بعد موت الجنرال‪.-‬‬
‫‪ -‬من هذا الجنرال؟‪.‬‬
‫‪ -‬كلمة السر‪ ،‬سيتأكدون بها من صدقك‪ ،‬وعليك انتظار رسالة الجديدة‪.‬‬
‫‪ -‬حسن ا‪ ،‬ها هي رسالة جديدة يسألون ‪ -‬كيف ومتى اللقاء؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬حلدد المكان والميعاد للتسليم حسب ما تراه أنت‪ ،‬ل تخف سيلفيو‪ ،‬لن يفكروا في‬
‫إيذائك‪ ،‬بل سيقدرون صنيعك‪ ،‬ويعتبرونك قد قدمت لهم خدمة عظيمة‪.‬‬
‫‪ -‬لأول مرة أبيع تمثاال ا فرعوني ا لكنيسة‪ ،‬هل أنت متأكد مما نخطط له؟ لماذا تهتم هذه‬
‫الكنيسة بتمثاال فرعوني؟!‪ ،‬لماذا يدفعون كل تلك الموال في هذا التمثاال؟‪.‬‬
‫‪ -‬أعرف أن هذا التمثاال مهم جدا لهم‪ ،‬ولكن ل أعرف السبب‪ ،‬وعلينا أن نحصل على‬
‫المال وليضعوا التمثاال في مؤخرتهم‪ ،‬لماذا نهتم؟‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا محمد‪ ،‬سأراك بعد التنفيذ‪ ،‬لنحتفل بتلك الصفقة العجيبة‪.‬‬
‫انشغل محمد يوسف ببيع بعض الصول المملوكة له بإيطاليا وبتحويل ثامنها‬
‫إلى حساب زوجته ببنك باركليز بنيويورك‪ ،‬ولم يشغل باله بتصرفات سيلفيو‪ ،‬فهو يعرف‬
‫أن الرجل سيلتزم حرفي ا بتنفيذ ما اتفقوا عليه ليضمن الحصول على المائة مليون دولر‪.‬‬
‫وبعد القضاء على سيلفيو راح يراقب الوضاع من حوله‪ ،‬وحينما تأكد من أن‬
‫المور تسير وفق ما خطط لها‪ ،‬توجه بكل عقله للكنيسة ومشروعها‪ ،‬ولعضوية‬
‫الجماعة التي تتخفي خلفها‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫واصل سرد تفاصيل ما مر به من أحداث فقال‪.‬‬
‫‪ -‬أبلغني الب سيرجوني بأنه قد تمت الموافقة على قبولي عضوا بالجماعة‪ ،‬على‬
‫الرغم من أن فترة الترشح للعضوية لم تنته بعد‪ ،‬وأخبرني أيضا بأنى سأكون من أعضاء‬
‫بعثاة الحج الكبير لمدينة ال العام القادم‪ ،‬ثام قال بجدية‪.‬‬
‫‪ -‬عليك الن أن تقبل أو ترفض عضوية الجماعة‪ ،‬ثام تلا على الشروط‪ ،‬والتي أعرفها‬
‫من قبل‪ ،‬أعطيته موافقتي‪ ،‬فنبه علي بضرورة حضور معسكر العداد لعضوية‬
‫الجماعة والذي سيعقد في جبال بيرو بأمريكا الجنوبية‪.‬‬
‫أديت بشكل جيد في هذا المعسكر‪ ،‬وبعدما أصبحت عضوا عاملا بالجماعة‬
‫شعرت بالقوة والسطوة وبأني قد اقتربت من معرفة السر المميت‪.‬‬
‫أثاناء المعسكر وبعده‪ ،‬كثاي ار ما تذكرت نبوءة سمالسم‪ ،‬ولكن بل صداع وبل‬
‫خوف‪ ،‬فها أنا ذا أصبحت في سعة كبيرة من المال وصاحب نفوذ وسطوة في كل مكان‬

‫‪200‬‬
‫بالعالم بفضل عضويتي بالجماعة‪ ،‬ولول مرة منذ سنوات بدأت أشعر بالمان‬
‫والطمأنينة‪.‬‬
‫حين سمعت زوجها ينطق بكلمة أمان سألته في دهشة‪.‬‬
‫‪ -‬أي أمان هذا؟‪ ،‬وقد سجنت نفسك بجماعة استولت علي مالك ول يمكنك تركها‪.‬‬
‫‪ -‬على العكس‪ ،‬لقد منحتني عضوية الجماعة المزيد من القوة والمال‪ ،‬فلم أتوان لحظة‬
‫عن استثامار عضويتي بها‪ ،‬ونفذت عمليات كبيرة حصدت منها مبالغ طائلة ونجحت‬
‫في إخفائها عن الجماعة‪ ،‬والن لم يعد يشغلني إل أن أكشف لسرها‪ ،‬ثام أقضى على‬
‫محمد يوسف السوري‪ ،‬وأعود لكم ولبلدي رضا جلل‪.‬‬
‫قام وأحضر حقيبة مليئة بالمال وناولها لزوجته فسألته‪.‬‬
‫‪ -‬ما زلت ل أفهمك‪ ،‬أسمعتني حكاية طويلة‪ ،‬ثام أعطيتني فلشه تقول إن بها معلومات‬
‫خطيرة دتلهم العالم‪ ،‬تقول إنك حولت أموال طائلة باسمي لمريكا‪ ،‬ثام تناقض نفسك‪ ،‬تقول‬
‫إنك تخطط للعودة لمصر‪ ،‬ثام تعطيني مالا كثايرا‪ ،‬ل أفهم ما تريده مني بالضبط‪ ،‬ما هو‬
‫هدفك من كل ذلك؟‪.‬‬
‫‪ -‬فعلا أنا دمضطرب‪ ،‬ل أخفى عليك أنا لم أستقر على رأى بعد‪ ،‬ولكن ما أعرفه جيدا‬
‫هو أني قررت أن أنهى الكابوس الذي نعيشه منذ لست سنوات‪ ،‬وسأفعل كل ما بوسعي‬
‫لجمع عشمل دأسعرتي وأمنحها حياة تستحقها‪.‬‬
‫‪ -‬ومتى ينتهي هذا المر؟‪.‬‬
‫لذت بالصمت لبرهة‪ ،‬تفكر بأمر ما‪ ،‬ثام أضافت‪.‬‬
‫‪ -‬كيف ستتصرف مع تلك الجماعة الدينية التي عتحدثات عنها؟‪.‬‬
‫‪ -‬بعدما أحج إلى مدينتهم المزعومة‪ ،‬سأعمل على كشف سرهم للعالم‪ ،‬وحينما تتضح‬
‫المور‪ ،‬أقرر ما إن كنت سأعود لمصر أم نهاجر لمريكا‪.‬‬
‫‪ -‬متى تسافر‪ ،‬وهل سأراك قبل السفر‪.‬‬
‫‪ -‬مساء بعد غد‪.‬‬
‫أعطاها هاتف ا جوالا ل يمكن تتبعه وبه شريحة غير موثاقة لدي شركة المحمول‪،‬‬
‫ونبه عليها بأل تتصل به تحت أي ظرف من الظروف‪ ،‬وطمأنها بأنه سيكون على‬
‫اتصال دائم بها‪ ،‬وطلب منها أن تقوم بفتح حساب باسمها ببنك باركليز بمدينة دمياط‪،‬‬

‫‪200‬‬
‫على أن يتقابل في الشاليه‪ ،‬صباح يوم الاثانين‪ ،‬لتسليمه رقم الحساب بالبنك مع صور‬
‫شهادات الميلد الخاصة بها وبولديهما‪ ،‬وكذا صور جوازات السفر‪.‬‬
‫في الميعاد‪ ،‬الدمتفق عليه‪ ،‬تسلم منها كل ما طلبه من أوراق وودعها وداع ا سريع ا‬
‫ومتوترا على أمل اللقاء القريب‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫خرج ابن آدم من العدم قلت ياه ‪ ،،‬رجع ابن آدم للعدم قلت ياه‪،‬‬
‫تراب بيحيا وحي بيصير تراب ‪ ،،‬الصل هو الموت ول الحياة‪.‬‬
‫وعجبي‬
‫صلج جاهين‬

‫‪200‬‬
‫صحف القاهرة‪.‬‬
‫في ديسمبر ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪ -‬جحافل من سكان غزة تقتحم الحدود مع مصر‪.‬‬
‫‪ -‬اشتباكات عنيفة بين قوات المن المصرية وعصابات حماس‪.‬‬
‫‪ -‬القاهرة دتنلذر حكومة حماس المقالة‪ ،‬وتهدد باجتياح القطاع‪.‬‬
‫‪ -‬إسرائيل تمتنع عن التعليق على الحداث وتصف الحداث بصراع عربي خالص‪.‬‬
‫وكالت النباء العالمية‪.‬‬
‫‪ -‬إنذار شديد اللهجة للقاهرة من إيران وتركيا‪ ،‬يحذ ارنها من المساس بقطاع غزة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬عدة تفجيرات بشرم الشيخ وطابا‪ ،‬وسقوط المئات ما بين قتيل وجريح‪.‬‬
‫‪ -‬القاهرة تحذر من نفاد صبرها‪.‬‬
‫‪ -‬إسرائيل تقتحم جنوب لبنان وتدمير شديد للبنية التحتية ببيروت ومدن الجنوب‪،‬‬
‫وحزب ال يرد بإطلق عشرات الصواريخ على مدن شمال إسرائيل‪.‬‬
‫‪ -‬مجلس المن يدعو أطراف النزاع بالشرق الوسط لضبط النفس‪.‬‬
‫صحف العالم‪.‬‬
‫‪ -‬القوات المصرية تقتحم قطاع غزة‪ ،‬وتعتقل المئات من قيادات وكوادر حماس‪ ،‬تعيين‬
‫حاكم عسكري مصري للقطاع بعد ضمه لمصر إدارياا‪.‬‬
‫‪ -‬الطائرات المصرية تدك معاقل وحصون حزب ال بجنوب لبنان‪.‬‬
‫‪ -‬الحكومة المصرية تحذر جماعة الخوان المسلمين من إثاارة القلقل أثاناء الحرب‪.‬‬
‫‪ -‬إسرائيل تدمر مفاعلت إيران النووية‪ ،‬والسطول المريكي يدك دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬أمريكا ترفض وقف إطلق النار وتدعو الشعب السوري للطاحة بنظام السد‪.‬‬
‫‪ -‬انقلب عسكري عنيف‪ ،‬مقتل دمرشد الثاورة اليرانية واعتقال الرئيس نجاد‪.‬‬
‫‪ -‬إنذار أمريكي لتركيا بعدم التدخل في النزاع الدائر بالشرق الوسط‪.‬‬
‫‪ -‬الجيش اللماني يشتبك مع نظيره التركي وأنباء عن تدخل روسيا ضد تركيا‪.‬‬
‫‪ -‬انقلب عسكري يطيح بحكم البعث في سوريا‪.‬‬
‫‪ -‬الجيش التركي يطيح بحكومة حزب العدالة والتنمية‪ ،‬ويعلن الحكام العرفية‪.‬‬

‫وكالت النباء العالمية‪.‬‬


‫‪ -‬اجتماع لمجلس المن لمناقشة الصراع الدائر بالشرق الوسط‪ ،‬واتفاق بين الدول‬
‫الخمس الكبرى على محاصرة النزاع إقليمياا‪.‬‬
‫‪ -‬فرض الوصاية الدولية على الضفة والقطاع ولبنان والردن‪ ،‬لحين إعادة بناء‬
‫مؤسسات تلك الدول وتنظيم انتخابات حرة بها‪.‬‬
‫‪ -‬دعم دولي لليمن الجنوبي وليبيا الشرقية‪ ،‬وللجمهورية الصحراوية جنوب المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬دول الخليج تتحول إلي الملكية الدستورية‪ ،‬مع الاحتفاظ ببعض السلطات للملك أسوة‬
‫بالعربية السعودية‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬اتفاق دولي على اقامة الدولة الفلسطينية في مطلع عام ‪2013‬م‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫صحف القاهرة‪.‬‬
‫في ديسمبر ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪ -‬تزايد النفوذ المصري بمنطقة الشرق الوسط‪ ،‬يدعم موقفها في الصراع مع دول‬
‫حوض النيل‪.‬‬
‫‪ -‬دول حوض النيل تتراجع عن منازعة مصر وتدعو لاجتماع بالقاهرة للتفاهم وترتيب‬
‫الوضاع‪.‬‬
‫‪ -‬زيادة حصة مصر من مياه النيل للضعف‪ ،‬مقابل عشرة مليارات متر مكعب من‬
‫المياه لسرائيل‪.‬‬
‫‪ -‬تعاون غير مسبوق بين القاهرة وتل أبيب‪ ،‬التكنولوجيا السرائيلية تغرق السواق‬
‫المصرية‪ ،‬تعاون بين مصر إواسرائيل لزراعة مليين الفدنة بسيناء والصحراء الغربية‪.‬‬
‫‪ -‬النمو الاقتصادي المصري الهائل يحاصر جماعة الخوان المسلمين‪ ،‬وتزايد نفوذ‬
‫الحزاب الليبرالية في الشارع المصري‪.‬‬
‫صحف القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬الحزاب تدعو إلى دستور ليبرالي حديث أسوة بالدول الوروبية‪.‬‬
‫‪ -‬تزايد الضغوط الدولية على النظام المصري للسراع بالصلحات الديمقراطية‪.‬‬
‫صحف القاهرة فى ديسمبر ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الرئيس شفيق يتخلى عن رئاسة الحزب الحاكم ويدعو إلى انتخاب جمعية تأسيسية‬
‫لإعداد دستور جديد للبلد‪.‬‬
‫‪ -‬إطلق حرية تشكيل الحزاب والجمعيات إواصدار الصحف‪.‬‬
‫‪ -‬خمس جامعات مصرية من بين أفضل خمسمائة في العالم‪ ،‬وجامعة القاهرة في‬
‫المركز الخامس عشر بعد المائة‪.‬‬
‫‪ -‬مصر تحتل المركز الحادي والعشرين عالمي ا من حيث متوسط عدخل العفرد‪.‬‬
‫‪ -‬الصناعة المصرية تتبوأ مكانة عالمية‪.‬‬
‫‪ -‬شفيق يؤكد أن مصر لن تستخدم القمح المصري كسلح لخضاع دول المنطقة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬المزارع المصرية بالسودان وأثايوبيا وأوغندا وتنزانيا تنتج ربع محصول العالم من‬
‫خمس محصول العالم من القمح‪.‬‬
‫الحبوب والخضروات والفاكهة‪ ،‬ومصر تنتج د‬
‫‪ -‬تراجع أسعار القمح بعد طرح مصر لكميات هائلة منه بالسواق العالمية‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫انقضت أسابيع ولم يتصل بها‪ ،‬ولم تجد سهير في نفسها الشجاعة لتفعل هي‪،‬‬
‫قالت في نفسها ‪ ،،،‬إنه رضا لم يتغير ل يقيم اعتبارا لحد‪ ،‬حتى لقرب الناس إليه‪.‬‬
‫ومع غضبها منه أخذ الخوف على زوجها يكبر بداخلها‪ ،‬لحظ إبناها شرودها‬
‫كثاي ار‪ ،‬كانت تجلس بمفردها بالساعات وكثاي ار ما سمعاها تتحدث إلي نفسها‪ ،‬وأزعجهما‬
‫كثاي ار الشد العصبي والتوتر الشديد الذي بات يسيطر على تصرفاتها‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫أنها تعمدت أن تنشئهما يعتمدان على نفسيهما‪ ،‬وحرصت على أن يحصل علي‬
‫بطولت المدارس في لعبة الكراتيه‪ ،‬إل أن خوفها عليهما تحول إلى رعب وهلع في الفترة‬
‫الخيرة‪ ،‬في مرة لحظ يوسف أن أمه تسير بسيارتها خلف أتوبيس المدرسة حتى‬
‫بوابتها‪ ،‬وعلى غير عادتها كانت تنتظر عودته على ناصية الشارع‪ ،‬وضاقت نهاد‬
‫باتصالت أمها الهاتفية‪ ،‬التي لم تكن تنقطع ساعة واحدة‪ ،‬خلل تواجدها بكليتها‪،‬‬
‫إواصرارها على أن تعود يوميا من القاهرة لتبيت فى أحضانها‪ ،‬وتعاود لكليتها صباح‬
‫اليوم التالي مما أرهقها كثاي ارا‪ ،‬ناهيك عن مشاكل التغيب عن المبيت بالمدينة الجامعية‪،‬‬
‫ومرة دأخرى دخلت عليها نهاد بغرفتها فوجدت بيدها مسدساا‪ ،‬ادعت أنه من رائحة أبيها‪،‬‬
‫ومرة ثاالثاة انزعجا كثاي ار حين بدلت أمهما باب المنزل بباب مصفح‪.‬‬
‫لم يعد المر محتملاا‪ ،‬سألها يوسف عن سبب التغير الكبير في حياتهم‪ ،‬كانت‬
‫ترفض الجابة وتؤكد عليه‪ ،‬هو وأخته‪ ،‬أن ينتبها لنفسيهما جيداا‪ ،‬وأن يتوخيا الحذر‪ ،‬فقد‬
‫يكون هناك من يراقبهما ليوقع بهما ضررا أو سوءاا‪ ،‬التزما بتعليماتها رغم رفضهما لأن‬
‫يتصرفا بطريقة تفرض عليهما دون معرفة السبب في ذلك‪.‬‬
‫جينات الصحفي رضا جلل كانت تؤرق ابنته نهاد‪ ،‬انفردت بأمها وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬ماما‪ ،‬لقد تغيرت كثاي ارا‪ ،‬دائم ا شاردة‪ ،‬لا تتحدثاين معنا‪ ،‬أصبحت عصبية على غير‬
‫عادتك‪ ،‬ولعلمك يوسف متوتر وغاضب من هذا التغيير‪ ،‬فقط يا أمي نريد أن نعرف‬
‫السبب‪ ،‬نريد أن نعرف مما تخافي بهذا الشكل‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ليس هناك سبب محدد يا نهاد‪ ،‬فقط أخاف عليكما‪.‬‬
‫صرخت فيها فجأة‪.‬‬
‫‪ -‬كيف ل أخاف عليكما؟! وأنتما كل ما أملك في هذه الدنيا‪.‬‬
‫‪ -‬يا أمي‪ ،‬فقط نريد معرفة السبب‪ ،‬على القل لنأخذ حذرنا ونتصرف بشكل صحيح‪.‬‬
‫حاصرتها نهاد‪ ،‬هي بنت أبيها‪ ،‬لن تنفض عنها حتى تعرف ما تريد‪ ،‬قالت سهير‬
‫في حنان بالغ‪.‬‬
‫‪ -‬نهاد‪ ،‬أنت كبيرة وعاقلة كفاية‪ ،‬وتعرفين أن والدك اختفي في ظروف غامضة‪ ،‬ومن‬
‫المؤكد أن هناك من دفعه لذلك‪ ،‬وأي ا كان من هو فلن يتورع عن إيذائنا‪ ،‬ليس لدى شيء‬
‫محدد‪ ،‬ولكنه إحساسي فقط‪.‬‬
‫‪ -‬ل يا أمي‪ ،‬لقد تغيرت كثاي ار بعد زيارة رجل العمال السوري لنا وحديثاه عن أبى‪،‬‬
‫يبدو أنه أخبرك بما تخفينه عنا‪.‬‬
‫ارتبكت سهير ولم تجد ما تقوله‪ ،‬لذت بالصمت فألقت نهاد بقنبلة‪.‬‬
‫‪ -‬لعلمك‪ ،‬يوسف يؤكد أن هذا الرجل هو أبي‪ ،‬ولكنه يخفى نفسه عنا‪.‬‬
‫صمتت برهة ثام أضافت‪.‬‬
‫‪ -‬وأنا مع رأي يوسف‪.‬‬
‫لم يعد أمامها مفر من مصارحتهما بالحقيقة‪ ،‬نادت على يوسف‪ ،‬واحتضنتهما‬
‫وراحت تحكى وهى تبكى في م اررة قصة اختفاء أبيهما وما يتهددهما من أخطار‪.‬‬
‫لا دموعها‪ ،‬ول ما بثاته فيهما من خوف‪ ،‬منعهما من الشعور بالفرح والسعادة‪،‬‬
‫أبوهما حي‪ ،‬لقد تحدثاا معه ولمساها‪ ،‬وهناك أمل في لقائه مرة أخرى‪ ،‬أقسم يوسف بأن‬
‫لن يتركه يرحل مرة أخرى‪ ،‬وراحت نهاد تحثاه على ذلك‪.‬‬
‫اتفق ثالثاتهم علي منعه‪ ،‬عند حضوره‪ ،‬من المغادرة‪ ،‬إوان كان من الصعب‬
‫الاستقرار بمصر فليهاجروا جميع ا لمريكا وليحدث ما يحدث‪.‬‬
‫استقروا على أسلوب حياة يوفر لهم الحماية والمن لحين عودة رضا جلل‪،‬‬
‫وكثاي ار ما جرت بينهم مناقشات حامية حول ما هو الفضل لهم في الفترة القادمة‪ ،‬مصر‬
‫أم أمريكا؟‪ ،‬كانت الهجرة لمريكا بمثاابة حلم سهير الكبير‪ ،‬كما أن نهاد تعيش مع هذا‬
‫البلد العظيم منذ سنوات في أحلم يقظتها وعلى الشبكة العنكبوتية‪ ،‬أما يوسف فلم يشغل‬

‫‪200‬‬
‫باله بأي مكان تعيش أسرته‪ ،‬كان كل همه هو أن يحمى أباه‪ ،‬فقد صور له عقله‬
‫المراهق أنه يستطيع أن يدفع عن أبيه جميع ما يتهدده من أخطار‪ ،‬وانغمس في أحلم‬
‫اليقظة ليسعد بالانتصار على أعداء أبيه‪.‬‬
‫صحف القاهرة‬
‫في مايو ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪ -‬اندماج الأحزاب والتنظيمات اليسارية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي‪ ،‬واندماج‬
‫الحزاب الليبرالية مع حزب الوفد‪ ،‬والحزب الوطني الجديد يمثال يمين الوسط‪.‬‬
‫‪ -‬حزب الوفد يتبني الدعوة للقومية المصرية إواحياء قيم الحضارة المصرية القديمة‪.‬‬
‫‪ -‬مرشد جماعة الخوان‪ ،‬يعلن اقتصار نشاط الجماعة على النشاط الدعوي‪.‬‬
‫‪ -‬إصدار القانون الموحد لدور العبادة‪ ،‬والتطبيق الصارم لمبدأ المواطنة‪.‬‬
‫‪ -‬استثامارات مصرية هائلة بدول حوض النيل وبالعراق وسوريا‪.‬‬
‫‪ -‬تجمع اقتصادي إقليمي بين دول حوضي النيل والفرات‪.‬‬
‫‪ -‬مصر ترأس تجمع النيل والفرات وكذا الاتحاد من أجل المتوسط‪.‬‬
‫‪ -‬إلغاء تأشيرة دخول المصريين لدول الاتحاد الوروبي‪ ،‬وتسهيلت كبيرة في منح‬
‫تأشيرات السفر للمصريين إلى كل من كندا والوليات المتحدة المريكية‪.‬‬
‫‪ -‬مائة مليون سائح يزورون مصر هذا العام‪.‬‬
‫‪ -‬مصر وجنوب إفريقيا وألمانيا والب ارزيل والهند أعضاء دائمون بمجلس المن‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫صباح يوم الجمعة‪ ،‬الول من يونيه ‪ 2012‬م‪ .‬كان هناك من يطرق الباب‬
‫الخارجي لمنزل أسرة رضا جلل‪ ،‬فتح يوسف الباب‪ ،‬ارتمي في حضن أبيه وهو يبكى‬
‫ويقول‪.‬‬
‫‪ -‬أنت بابا صح‪ ،‬أنت بابا‪ ،‬عرفتك قبل كده‪.‬‬
‫أغلق البوابة من خلفه وراح يقبل يوسف ويعتصره في حضنه والفتى يتفجر‬
‫فرحاا‪ ،‬خرجت نهاد تستطلع المر‪ ،‬فطارت لتحط في أحضانه‪ ،‬شعر بأنه خيال ينبض‪،‬‬
‫تلشي جسده من فرط السعادة والفرح‪ ،‬نادت نهاد أمها‪ ،‬فخرجت والدموع في عينيها‪،‬‬
‫كانت تراقب ما يحدث من شباك غرفة النوم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫انزعجت سهير لكم القلق والتوتر الباديين على زوجها‪ ،‬سألته‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا بك؟‪.‬‬
‫مد يده إليها بفلشة‪ ،‬وانشغل بمداعبة يوسف ونهاد‪ ،‬قالت وهى تتفحصها‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا بك؟‪ ،‬فيها إيه الفلشة؟‪.‬‬
‫اعتدل في جلسته وقال‪.‬‬
‫‪ -‬اسمعوني‪ ،‬اسمعوني جيدا‪ ،‬أنتم المل في إنقاذ العالم من الدمار‪.‬‬
‫لم تتمالك نفسها‪ ،‬صرخت فيه‪.‬‬
‫‪ -‬لن أسمح لك بتوريطهما في مشاكلك‪.‬‬
‫نظر إليها في عتاب وقال‪.‬‬
‫‪ -‬ما قصدته هو أنكم بهذه الفلشة سيكون بحوزتكم معلومات سوف تنقذ البشرية من‬
‫الدمار‪ ،‬وأي مجد هذا الذي ينتظر من ينقذ البشرية من الجنون والدمار‪.‬‬
‫‪ -‬ل نريد هذا المجد‪ ،‬ما نريد إل المان‪.‬‬
‫لنه ل يملك ال القليل من الوقت‪ ،‬نحى العواطف جانب ا وقام من مكانه واستدار‬
‫حتى أصبح في مواجهة الثالثاة وقال موجه ا كلمه لزوجته‪.‬‬
‫‪ -‬لقد حكيت لك بالتفصيل‪ ،‬وأعطيتك فلشة دمسجلا عليها كل ما مر بي من أحداث‬
‫خلل السنوات السابقة‪.‬‬
‫تناول من يدها الفلشة الجديدة‪ ،‬أمسكها بأصابعه وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬وبهذه كل ما مر بي من أحداث منذ لقائنا الماضي‪ ،‬عليكم قراءتها في تأدن‪.‬‬
‫فاضت من عينيه الدموع واختنق وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬وحينها ستعرفون ما لم يعرفه في الدنيا إل أنا وأنتم‪ ،‬وأنا أثاق في ذكائكم وفى التزامكم‬
‫بما سأقوله‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫تأكد من أنه يأخذ بعقولهم وانتباههم فاستطرد قائ ا‬
‫‪ -‬الوضع أصبح جداا خطي ار‪ ،‬إما أن أنجح في إنقاذ العالم من الدمار ونعود للعيش‬
‫سوياا‪ ،‬أو أن ديقضى على ويستمر التهديد الخطير بفناء العالم‪ ،‬أحتاج لمن أأتمنه على‬
‫أسراري‪ ،‬ول أثاق إل بكم‪ ،‬ولو أني لمت‪ ،‬فعليكم أن تنجزوا ما عجزت أنا عنه‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ألقت نهاد بنفسها في أحضانه وتبعها يوسف‪ ،‬وبكت سهير وراحت تدعو ال‬
‫لينقذ زوجها وولديها‪ ،‬فقال لهم بجدية واضحة‪.‬‬
‫‪ -‬ليس هذا وقت العواطف‪ ،‬هذا وقت العمل‪ ،‬وجودكم بمصر خطر علينا جميعاا‪ ،‬مهما‬
‫بحثاوا عني لن يجدوني‪ ،‬من المؤكد أنهم سوف يبحثاون عنكم‪ ،‬ولهذا عليكم إنهاء‬
‫إجراءات الهجرة لمريكا بسرعة‪ ،‬أنتم تملكون أموال ا طائلة هناك‪ ،‬وهناك شقة فاخرة‬
‫باسمك يا سهير‪ ،‬وهناك توصية بالسفارة المريكية من صحفي أمريكي شهير‪ ،‬تربطني‬
‫به صداقة قوية‪ ،‬ولهذا ستحصلون على تأشيرة الهجرة بمجرد إجراء المقابلة بالسفارة‪،‬‬
‫وبأمريكا ستكون المور أفضل من هنا‪.‬‬
‫أعطى لزوجته أرقام الحسابات البنكية ببنك باركليز بنيويورك وكذلك عقد ملكية‬
‫الشقة‪ ،‬وكذا أوراق تثابت ملكيتهم لعدد من المشروعات التجارية بالمدينة‪ ،‬ونبه عليها بأن‬
‫تدعجلهز كل الوراق والمستندات المطلوبة لتتقدم هي والولد للحصول على تأشيرة‬
‫الدخول لمريكا‪ ،‬وأن تكتب عقد بيع لمنزلهم بدمياط الجديدة باسم شقيقيه‪ ،‬وتبعث به‬
‫إليهما عن طريق البريد في نفس يوم مغادرتهم لمصر‪ ،‬وألح عليهم بالتزام السرية‬
‫والحيطة في تحركاتهم‪ ،‬ثام أكد عليهم أن يكونوا بأمريكا بعد أسبوعين على الكثار‪،‬‬
‫ووعدهم بأنه سوف ينجز بعض المهام العاجلة بأوروبا ثام يلحق بهم في أمريكا في أسرع‬
‫وقت ممكن‪.‬‬
‫بعدما اطمأن لحماس زوجته وأولده لتنفيذ ما طلبه منهم‪ ،‬احتضن نهاد وقال لها‬
‫بحنان كاد يذيب قلبه‪.‬‬
‫‪ -‬ألم تحلمي يا عزيزتي بأمريكا‪ ،‬سوف تعيشين هناك بقية عمرك‪ ،‬وفى أعلى مستوى‬
‫ممكن هناك‪.‬‬
‫ثام نظر لزوجته وليوسف وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬وأنت يا بطل أل تحب أن تكون أمريكي ا وتعيش عيشة الثارياء‪ ،‬وأظنك بالهجرة‬
‫لمريكا يا سهير تكونين قد حققت أغلى أمانيك‪.‬‬
‫‪ -‬المان لنهاد ويوسف أهم عندي من كل أحلمي‪ ،‬أنا لم أعد أحلم إل من أجلهما‪.‬‬
‫طمأنها بأنه سوف ينجح في مهمته‪ ،‬ثام قال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬أنتم الثالثاة مسئولون أمام ال وأمامي عما تحوزونه من معلومات‪ ،‬لو حدث لي‬
‫مكروه انسوا أمري‪ ،‬وتصرفوا بما تمليه عليكم ضمائركم وبما يقتضيه الواجب نحو ال‬
‫والنسانية ‪ ،،،‬نهاد أثاق في عقلك ‪ ،،،‬يوسف أمك وأختك في عينيك ‪ ،،،‬سهير‬
‫فلتصمدي من أجلنا جميعاا‪.‬‬
‫ثام اقترب من زوجته وهمس لها‪.‬‬
‫‪ -‬فلتقرئي ما كتبته بالفلشة بمفردك‪ ،‬فيها لبخ كثاير‪ ،‬ل داعي لن يقرأها الولدان‪.‬‬
‫ودع أسرته وانطلق في مهمته المجيدة لنقاذ البشرية‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫لم تتردد سهير أو تتوان عن تنفيذ توجيهات زوجها بسرعة مغادرة مصر إلى‬
‫الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬والحقيقة أن حماس الولد للهجرة لمريكا أحيا بداخلها‬
‫حلمها القديم وزاد من تصميمها على تحقيقه‪ ،‬حتى إنها نسيت قراءة ما بالفلشة كما‬
‫طلب منها زوجها‪.‬‬
‫وبفضل ما أعده من ترتيبات قوية حصلت أسرته على تأشيرة الدخول لمريكا‬
‫بسرعة وبسهولة‪ ،‬حتى إنهم وصلوا إلى شقتهم الفسيحة والفخمة بحي مانهاتن بنيويورك‬
‫بعد حوالي ثالثاة أسابيع من زيارته الخيرة لهم بدمياط‪ ،‬وتحديدا في يوم الربعاء‬
‫العشرين من يونيه ‪2012‬م‪.‬‬
‫ولتقانهم جميعا الإنجليزية‪ ،‬وبفضل ثاروتهم الكبيرة‪ ،‬انفرجت لهم أسارير أمريكا‪،‬‬
‫فلم يواجهوا الصعوبات الولى التي يواجهها المهاجرون إلي هناك‪.‬‬
‫تقدمت نهاد لدراسة العلم بجامعة أدلفي بنيويورك‪ ،‬وتم قبول يوسف بمدرسة‬
‫فوردهام العدادية بنفس حيهم السكنى‪ ,‬وبدا للسرة أن الحياة أقبلت عليهم بعدما‬
‫أذاقتهم الكثاير من مرها‪ ،‬فأخذوا يتنسمون رائحة الحياة فى حرية ويتذوقون طعم السعادة‬
‫التي تبعثاها بالنفس أرض الحلم‪.‬‬
‫وبعد شهر تقريباا‪ ،‬استقرت الحياة بأسرة رضا جلل وطابت لهم الحياة بأمريكا‪،‬‬
‫وباتت سهير تشعر بالمن بعد خوف‪ ،‬ونسى الولدان أيام الحرمان من أبيهما‪ ،‬وتخلصا‬
‫من الشعور بذل اليتم‪ ،‬وفى ظهر يوم الحد‪ ،‬الثااني والعشرين من يوليو ‪2012‬م‪ .‬تلقت‬
‫سهير مكالمة هاتفية‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ألو‪ ،‬أيوة يا سهير‪ ،‬حمد ال على السلمة‪.‬‬
‫‪ -‬إزيك يا رضا؟‪ ،‬عامل إيه؟ أنت هنا ول إيه؟ متى نراك؟‪.‬‬
‫‪ -‬أنا كويس‪ ،‬أنا في واشنطن‪ ،‬لدي مقابلة هامة‪ ،‬بعدها سأكون عندكم‪.‬‬
‫‪ -‬إيه أخرك عنا كل ده؟‪.‬‬
‫‪ -‬سافرت لبعض الدول‪ ،‬كنت أبحث عن معلومة احتجتها لحل لغز الناس إللي كلمتك‬
‫عنهم من قبل‪ ،‬الجماعة والكنيسة‪ ،‬وكمان لحل مشاكلنا‪.‬‬
‫‪ -‬هو لسه فيه مشاكل؟‪.‬‬
‫‪ -‬ألم تقرئي ما كتبته في الفلشة الخيرة؟‪.‬‬
‫‪ -‬ول الولي‪ ،‬انشغلت بإجراءات السفر‪ ،‬هيكون فيها إيه يعنى؟‪ ،‬أكيد كلم يشبه ما‬
‫سمعته منك في مصر‪.‬‬
‫‪ -‬كده غلط يا سهير‪ ،‬الوضع خطير ول يحتمل التهريج‪ ،‬المهم‪ ،‬المهم أن تحافظي‬
‫عليهما‪ ،‬فى عينيك يا سهير‪ ،‬طبعا هما معك‪.‬‬
‫‪ -‬خفت أنهم يفتشوني بالمطار‪ ،‬ويعملوا لنا مشاكل‪ ،‬تركتهما في مصر‪.‬‬
‫‪ -‬مش معقول كده يا سهير‪ ،‬أنت لم تصدقيني في أي شيء قلته‪ ،‬ولهذا تأخذين‬
‫الموضوع ببساطة شديدة‪ ،‬مع أن الموضوع خطير جداا‪.‬‬
‫‪ -‬بدل ما تصرخ في‪ ،‬وتتعصب على‪ ،‬خلص نفسك‪ ،‬وخلصنا‪ ،‬مما نحن فيه‪.‬‬
‫‪ -‬آسف‪ ،‬ل تغضبي‪ ،‬تحمليني‪ ،‬أنا متوتر‪ ،‬خائف من ضياع ما بهما من معلومات‪.‬‬
‫‪ -‬لن يضيع شيئ‪ ،‬أنا أحتفظ بهما في خزينة ببنك مصر بالمنصورة‪.‬‬
‫‪ -‬عظيم‪ ،‬عظيم جدا‪ ،‬أعط بالك لنفسك وللولدين‪.‬‬
‫‪ -‬فيه إيه يا رضا‪ ،‬نبرة صوتك متغيرة كثاي ار؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل تشغلي بالك بي‪ ،‬انشغلوا بأنفسكم وفقط‪.‬‬
‫‪ -‬رضا ‪ ،‬رضا ‪ ،‬درحت فين‪.‬‬
‫‪ -‬معك يا سهير‪ ،‬أنا معك‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا بك؟‪ ،‬صارحني‪ ،‬فيه خطر على الولدين؟‪ ،‬تكلم يا رضا‪ ،‬رد على‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬ل يوجد في أمريكا من يعرف أن لي علقة بكم‪.‬‬
‫‪ -‬وأين يوجد من عيعلم؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬أعتقد أن أجهزة المن بمصر تتبعني‪ ،‬أظنهم توصلوا لشخصيتي الحقيقية‪.‬‬
‫‪ -‬كيف حدث هذا ؟‪ ،‬ومتى؟‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو أنهم تعرفوا على شخصيتي الحقيقية بعدما تم القبض على سالم وزكريا بتهمة‬
‫تهريب السلح عبر الحدود من ليبيا إلي مصر‪ ،‬منذ ثالثاة أشهر‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا سنفعل؟‪.‬‬
‫‪ -‬المن المصري ليس مشكلة‪ ،‬المشكلة الحقيقة هي الجماعة الدينية‪ ،‬لقد هربت منهم‬
‫بعدما عرفت الكثاير من أسرارهم‪ ،‬وهم الن يسعون خلفي‪.‬‬
‫صرخت به‪.‬‬
‫‪ -‬وكيف سنتصرف؟‪.‬‬
‫‪ -‬اهدئي‪ ،‬ل داعي للصراخ‪.‬‬
‫اختنقت بالبكاء‪ ،‬وبالكاد أمكنها أن تنطق فقالت‪.‬‬
‫‪ -‬وبعدين يا رضا؟‪.‬‬
‫‪ -‬بعد مقابلتي للمسئولين الأمريكيين‪ ،‬سوف ينتهي أمر هذه الجماعة‪.‬‬
‫‪ -‬فلماذا أنت خائف بهذا الشكل؟‪.‬‬
‫‪ -‬أخشى أن يصلوا إلي قبلها‪.‬‬
‫سألته في يلأس‪.‬‬
‫‪ -‬وبعدين يا رضا؟‪.‬‬
‫‪ -‬أهم شيء فى العالم‪ ،‬وفى الوجود‪ ،‬هما الفلشتان‪ ،‬والولدان من قبلهما طبعاا‪.‬‬
‫‪ -‬ألو ‪ ،،،‬رضا ‪ ،،،‬ألو ‪ ،،،‬رضا‪ ،‬رد على‪.‬‬
‫‪ -‬معك يا سهير‪ ،‬أنا آسف لني ورطتك في هذا المر‪ ،‬ولكنى ل أثاق في الدنيا إل بك‪،‬‬
‫لو حدث وأنهم وصلوا إلى قبل المقابلة‪ ،‬اتركي الولدين هنا وارجعي لمصر بسرعة‪،‬‬
‫انسخي عشرات الدنسخ من الفلشتين وابعثاي بهم لكل مسئول بمصر وبالعالم إن أمكنك‬
‫ذلك‪ ،‬ول تنسى الصحف والفضائيات‪ ،‬آه‪ ،‬قناة الجزيرة أهم قناة بالنسبة لهذا الموضوع‪،‬‬
‫وأيض ا قناة البي بي سي‪ ،‬فلهما مصداقية كبيرة لدى الناس‪.‬‬
‫‪ -‬وبعدين؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬ارجعي أمريكا بسرعة‪ ،‬وبمجرد أن تطمئني على الولدين‪ ،‬اذهبي إلى واشنطن‪ ،‬إلى‬
‫فندق ريزورت‪ ،‬حجزت باسمك غرفة هناك بتاريخ خمسة في الشهر القادم‪ ،‬تقريب ا يوم‬
‫وخطاب‪ ،‬اقرئي الخطاب والفلشة‪،‬‬
‫ر‬ ‫أحد‪ ،‬تركت لك باستقبال الفندق طردا به فلشة‬
‫واحتفظي بهما في عينيك‪ ،‬بهما معلومات خطيرة وتفاصيل الحداث منذ أن حضرت‬
‫إليكم بدمياط‪ ،‬في المرة الخيرة‪ ،‬وحتى هذه اللحظة‪ ،‬انسخيها وابعثاي بالنسخ إلي كل‬
‫أعضاء مجلسي الكونجرس والنواب‪ ،‬وكذا لكل قنوات التليفزيون والصحف التي‬
‫تستطيعين الوصول إليها هنا بأمريكا‪.‬‬
‫ول تعطي الخطاب إل لرئيس المخابرات المريكية بنفسه‪ ،‬إوان شعرلت بخطر‬
‫اقرئيه واحفظي ما به وتخلصي منه ثام اذهبي إليه بأية طريقة وأخبريه بما فيه‪.‬‬
‫‪ -‬وبعدين؟‪.‬‬
‫‪ -‬نفذي إللي قلته لك بالحرف‪ ،‬والباقي على ربنا‪.‬‬
‫‪ -‬حاضر يا رضا‪ ،‬أمري ل‪ ،‬اتصل فور انتهاء المقابلة‪.‬‬
‫‪ -‬حاضر‪ ،‬ل إله إل ال‪.‬‬
‫‪ -‬محمد رسول ال‪ ،‬خللي بالك من نفسك يا رضا‪.‬‬
‫سارع بالاتصال بصديقه الصحفي جيمس راؤول ليحثاه على سرعة إنجاز ما‬
‫طلبه منه فالوقت يداهمهما‪ ،‬وهو يشعر بمئات العيون تترصده ويكاد يسمع خطوات‬
‫ثاقيلة مرعبة تقترب من باب حجرته في كل لحظة‪.‬‬
‫راح يقطع الغرفة ذهابا إواياباا‪ ،‬وينصت لي صوت يعتقد أنه سمعه‪ ،‬يجرى نحو‬
‫باب الغرفة ليسترق السمع‪ ،‬وعندما ل يجد شيئ ا يعود لحالته الولى من التوتر البالغ‬
‫والخوف الثاقيل على صدره‪ ،‬وبعد حوالي الساعة عرن هاتفه النقال‪ ،‬وكان على الطرف‬
‫الخر صديقه الصحفي جيمس‪.‬‬
‫‪ -‬آلو‪ ،‬أيوه يا جيمس‪ ،‬إيه الخبار؟‪.‬‬
‫‪ -‬تمام يا صديقي‪ ،‬كله تمام‪ ،‬أنا في الطريق إليك مع شخصية هامة جدا‪ ،‬لقد أخبرته‬
‫بأن معك الدليل على كل ما سمعه منى‪ ،‬أرجو آل تخذلني‪ ،‬لو حدث ولم يقتنع الرجل‬
‫بما ستقوله له سنكون في موقف صعب جداا‪ ،‬أتفهمني؟‪.‬‬
‫‪ -‬سأقنعه بالتأكيد‪ ،‬بسرعة يا جيمس‪ ،‬أشعر بهم بالقرب منى‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬حسناا‪ ،‬ل تخف‪ ،‬دقائق ونكون عندك‪ ،‬اهدأ؟‪.‬‬
‫‪ -‬حسن ا‪.‬‬
‫شعر بحركة خارج غرفته‪ ،‬هم بالتوجه نحو الباب لاسترقاق السمع‪ ،‬دفتح الباب‬
‫فجأة واقتحم الغرفة رجلن فارعا الطول وبالغا الضخامة‪ ،‬تلقى علي رأسه ضربة قوية‪،‬‬
‫تراجع مترنح ا وانهار على الرض‪.‬‬
‫راح يسترجع مسيرة حياته والحداث العجيبة التي مر بها خلل السنوات‬
‫الخيرة‪ ،‬تحدث إلى أبيه واحتضن أمه وأشقائه وكذلك صديقه إبراهيم‪ ،‬الجميع يبتسم له‪،‬‬
‫شعر براحة وسكينة لم يشعر بهما من قبل فعرف أنه الموت‪ ،‬سمع سماسم تناديه ‪ ،،،‬ل‬
‫تحزن فهذا قدرك‪.‬‬
‫رأى نهاد ويوسف يبكيان في عهلع‪ ،‬فغادرته الراحة والسكينة وتملكه شعور مريع‬
‫بالخوف عليهما وبالعجز عن حمايتهما‪ ،‬رأى من بين جفونه المرتعشة الرجلين يستوليان‬
‫على كل ما بالغرفة من أمتعة وأشياء تخصه‪ ،‬لحظات وكأنه يرى خيال جيمس يقتحم‬
‫الغرفة ويهرع نحوه‪ ،‬شعر بصديقه يتمدد بجواره ويخور كالذبيحة‪ ،‬مرة أخرى يرى‬
‫يوسف ونهاد يبكيانه بحرقة‪ ،‬غضب بشدة من الموت‪ ،‬وكيف ل يغضب ولم يعد‬
‫بإمكانه أن ينقذ أسرته وماله‪ ،‬وها هي حياته وجهوده وتضحياته تذهب هباءا‪ ،‬ها هو‬
‫يموت والوحوش متربصة بأسرته فكيف ل يشعر بالقهر‪ ،‬ها هو يموت والعالم يتهدده‬
‫خطر عظيم‪ ،‬نجح في كشف أسرار أخطر كارثاة دتهدد بفناء البشرية‪ ،‬وها هو يموت قبل‬
‫أن ينجز مهمته التي ساقه إليها القدر‪ ،‬كان غاضبا لقصى عحد من الموت الذي أخذ‬
‫يسحبه شيئ ا فشيئ ا من غضبه ليسلمه مرة أخرى لراحة اليأس والاستسلم‪ ،‬تحشرجت‬
‫أنفاسه وتقطعت‪ ،‬أخذ النور يتسرب من بين جفونه الثاقيلة‪ ،‬امتل بالظلم‪ ،‬وكأنه في‬
‫دوار النوم سمع صدى أصوات لها رهبة‪ ،‬تأتي مجسمة من فج عميق‪.‬‬
‫‪ -‬تمام يا أفندم ‪ ،،،‬تم إعدامهما ‪ ،،،‬معي كل أمتعتهما ‪ ،،،‬لم أترك شيئ ا بالحجرة‪،‬‬
‫حتى ملبسهما الداخلية معي ‪ ،،،‬تمام يا أفندم سأغادر فو ارا‪.‬‬
‫ما زال حي ا‪ ،‬ما زال يسمع أحدهم بالغرفة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬تمام يا أفندم ‪ ،،،‬وجدناهما مقتولين ‪ ،،،‬ماتا منذ دقائق ‪ ،،،‬ل‪ ،‬لم نجد أي شيء‬
‫بالغرفة ‪ ،،،‬يبدو أن من قتلهما أخذ حتى ملبسهما‪ ،‬نعم عرايا تمام ا ‪ ،،،‬تمام يا أفندم‬
‫سنغادر فو ارا‪.‬‬
‫وبعد لحظات سمع بصعوبة بالغة من يقول‪.‬‬
‫‪ -‬إنه ميت ‪ ،،،‬هيا بنا نخرج ‪ ،،،‬من قتله؟ ومن هذا الذي بجواره؟ ‪ ،،،‬مش مهم‪ ،‬المهم‬
‫أنه ميت هيا بنا ‪ ،،،‬انتظر لفتش الغرفة ‪ ،،،‬هيا بنا‪ ،‬لن تجد شيئا‪ ،‬واضح أن من‬
‫قتلهما عكنس الغرفة‪.‬‬
‫آخر ما سمعه لحظة وداعه للحياة‪ ،‬آلمه لقصي حد‪ ،‬سمع صوت ا كريه ا يقول‪.‬‬
‫‪ -‬هيا لنخرج من هنا بسرعة ‪ ،،،‬بعد كل هذا الجهد يموت هذا الكلب قبل أن نصل إليه‬
‫‪ ،،،‬انتظر أريد أن أشرب من دمه لأفي بوعدي لمي‪.‬‬
‫مات رضا جلل‪ ،‬فهل مات سره معه؟‪ ،‬هل ما زال بإمكانه إنقاذ العالم وهو‬
‫ميت؟‪ ،‬يملكنه ذلك!‪ .‬فالبشرية تعيش دائما علي ما صنعه وأبدعه أمواتها!‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫لم يهدأ لها بال بعد مكالمة زوجها‪ ،‬لحظ ابناها توترها الشديد‪ ،‬أمطراها‬
‫بالسئلة ولكنها لم تشف شغفهما بإجابة مقنعة‪ ،‬فعاشا عدة أيام في توتر وقلق ل يعلمان‬
‫لهما سبب ا‪ ،‬ولكنهما توقعا أن لذلك علقة بأبيهما‪.‬‬
‫راحت سهير وولداها يعدون الدقائق والساعات‪ ،‬كانت تمر بهم ثاقيلة‪ ،‬حتى‬
‫حدث ما كانوا يخشونه‪ ،‬ففي ظهر يوم الربعاء‪ ،‬الخامس والعشرين من يوليو ‪2012‬م‪.‬‬
‫حدث أن شاهدوا في نشرة الخبار بالتلفاز خبر مقتل الصحفي المريكي الشهير جيمس‬
‫راؤول ورفيقه‪.‬‬
‫وانشغلت وسائل العلم بمقتل هذا الصحفي المثاير للجدل‪ ،‬وكذا بالبحث عن‬
‫سر علقته برجل أعمال‪ ،‬إيطالي الجنسية وسوري الصل‪ ،‬وجد مقتول ا معه‪ ،‬بغرفة‬
‫رجل العمال بفندق كونكورد بواشنطن‪.‬‬
‫ل يوجد من الكلمات ما يمكن بها وصف حالة شابين صغيرين فقدا أباهما للمرة‬
‫الثاانية وهما في دغربتهما‪ ،‬على بعد آلف الكيلومترات من الهل والقارب‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫كانت الصدمة شديدة‪ ،‬لعلها كانت أقسى من وقع فقدهما الول له‪ ،‬كاد يوسف‬
‫أن يفقد عقله المراهق‪ ،‬راح يتوعد قتلة أبيه ويقسم بأن يدمرهم‪ ،‬ونهاد ل تملك إل أن‬
‫تؤكد على وعيده‪ ،‬وبقلب جريء كقلب أبيها‪ ،‬طلبت من يوسف أن عيكف عن البكاء‬
‫ليفك ار كيف يصلان لمن قتل أباهما‪.‬‬
‫مع حزنها العميق‪ ،‬لم تبلل عينيها دموع‪ ،‬فقد شعرت بالخطر يحوم من حول‬
‫ولديها‪ ،‬وهذا ما لن تسمح به أبداا‪ ،‬هداها تفكيرها بأن من قتل زوجها لبد له من أن‬
‫يبحث عنهم وأنه ل محالة سيصل إليهم‪ ،‬قررت أن تبدأ هي بالهجوم ل أن تنتظر من‬
‫يسحق فلذات كبدها‪.‬‬
‫عندما فاجأها الولدان بأنهما يريدان أن يطلعا على المعلومات التي تركها‬
‫أبوهما‪ ،‬فقدت أعصابها تمام ا وأخذت تصرخ وتلقى إليهما بالوامر الصارمة ‪ ،،،‬ممنوع‬
‫الكلم في هذا الموضوع ‪ ،،،‬ليس لنا أي علقة بهذا الرجل ‪ ،،،‬نحن مصريون وهو‬
‫سوري ‪ ،،،‬اسمه محمد يوسف وأبوكما هو رضا جلل ‪ ،،،‬ستمضيان في حياتكما‬
‫كالمعتاد ‪ ،،،‬نحن فقدناه منذ لست سنوات‪ ،‬فما الجديد في المر؟‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫بكي يوسف بشدة وتوسل إليها قائ ا‬
‫‪ -‬أرجوك يا أمي‪ ،‬أريد أن أنتقم من قتلة أبى؟‪.‬‬
‫راعها حزنه وانكساره‪ ،‬احتضنته وقالت‪.‬‬
‫‪ -‬أشعر بما يشتعل بداخلك وأستطيع أن أفهمك‪ ،‬ولكنك ما زلت صغيرا يا يوسف‪ ،‬وأنا‬
‫وأختك ليس لنا أحد غيرك‪ ،‬أتريد أن تلحق بأبيك؟‪.‬‬
‫راحت تبكى بحرقة أزعجتهما حتى أنهما تناسيا ما يؤلمهما وانشغل بمحاولة‬
‫تهدئة روعها‪ ،‬وعندما تأكدت من سيطرتها على الموقف قالت‪.‬‬
‫‪ -‬اسمعاني جيدا‪ ،‬أنا من سيقوم بالمهمة التي طلبها أبوكما‪ ،‬هو طلب أن نبعث‬
‫بالفلشتين إلى المسئولين إوالى الصحافة ومختلف وسائل العلم‪.‬‬
‫‪ -‬هذا ما كنت أنوى فعله يا أمي‪.‬‬
‫ثام استدار نحو أخته وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬أليس كذلك يا نهاد؟‪.‬‬
‫أومأت نهاد برأسها لتؤكد على كلمه‪ ،‬فقالت سهير في حسم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬سأغادر إلي مصر غداا‪ ،‬وخلل يومين على الكثار‪ ،‬سأكون قد أنجزت المهمة‬
‫وأعود إليكما‪ ،‬وعندها نتدبر عأمرنا‪.‬‬
‫قالا في نفس واحد‪.‬‬
‫‪ -‬نذهب معك‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬لن تذهبا لي مكان‪ ،‬ستمكثاان بالشقة حتى أعود‪ ،‬سوف أتصل بكما على هاتف‬
‫الشقة عدة مرات يوميا لطمئن عليكما‪ ،‬يعنى ممنوع الخروج من الشقة‪.‬‬
‫هبطت بمطار القاهرة بمفردها‪ ،‬فجر يوم السبت الثاامن والعشرين من يوليو‬
‫‪2012‬م‪ .‬وبادرت من فورها بتنفيذ المهمة‪ ،‬لتكمل مشوار زوجها الراحل من أجل إنقاذ‬
‫العالم من الدمار‪ ،‬ولم عتسمح رغبتها السطورية في حماية ولديها‪ ،‬وفي الانتقام لمقتل‬
‫زوجها‪ ،‬لدنى تردد بأن يتسرب إلي نفسها‪.‬‬
‫فهل ستنجح تلك الزوجة الوديعة في مقارعة الشيطان وأعوانه؟‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫صحف القاهرة فى أغسطس ‪2012‬م‪.‬‬


‫‪ -‬غنيم يفوز بجائزة نوبل في الطب‪ ،‬والببلوي في الاقتصاد‪.‬‬
‫‪ -‬الرئيس شفيق يمنح غنيم والببلوي قلدة النيل‪.‬‬
‫‪ -‬توحيد نظام التعليم ما قبل الجامعي‪ ،‬إوالغاء التعليم الزهري فى مراحل ما قبل‬
‫المرحلة الجامعية‪ ،‬وقصر الدراسة بجامعة الزهر على الدراسات الدينية والشرعية‪،‬‬
‫واقتصار التعليم الخاص والجنبي على المرحلة الابتدائية وما قبلها‪.‬‬

‫صحف القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬حزب الوفد يحصد ثالثاين بالمائة من مقاعد المجالس المحلية على مستوى‬
‫الجمهورية‪ ،‬والجماهير تأمل في تحسين مستوى الخدمات‪.‬‬
‫‪ -‬إجراءات لتشجيع المصريين على النفاق‪ ،‬والسياحة الداخلية‪.‬‬
‫‪ -‬تضاعف عدد دور السينما والمسرح بالقاهرة وكذا بعواصم المحافظات والمراكز‪.‬‬
‫‪ -‬مصر تقترب من المركز الول في دورة ألعاب البحر المتوسط بالإسكندرية‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫صحف القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬الرئيس شفيق يفتتح معرض الكتاب في أضخم عرس ثاقافي في العالم‪.‬‬
‫‪ -‬فلسطين دولة شرف المعرض هذا العام‪.‬‬
‫‪ -‬عشرة ملايين زائر من مصر ومن مختلف دول العالم للمعرض‪.‬‬
‫‪ -‬ندوة أدباء نوبل بالقاهرة يحضرها الرئيس شفيق وخمسة عشر من أدباء نوبل من‬
‫مختلف دول العالم‪.‬‬
‫‪ -‬مطار القاهرة من أفضل عشرة مطارات على مستوى العالم‪.‬‬
‫‪ -‬خمسون مليون مستخدم للشبكة العنكبوتية بمصر‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫قبل حلول عصر نفس يوم وصولها للمنصورة‪ ،‬كانت قد أنجزت سهير مهمتها‬
‫بنجاح‪ ،‬تمددت لترتاح قليلا من عناء السفر الطويل والجهد السريع الذي بذلته‪ ،‬راحت‬
‫في سبات إجباري أفاقت منه مفزوعة على ولديها‪ ،‬فقد أنساها حماسها وخوفها أن‬
‫تتصل بهما كما وعدتهما‪.‬‬
‫اعتذرت عن تأخرها في الاتصال وطمأنتهما بأنها بخير وأنجزت المهمة بأمان‬
‫وأنها ستعود غدا إلى نيويورك‪.‬‬
‫بعدما تناولت العشاء طلبت فنجانين من القهوة‪ ،‬تناولتهما بنهم‪ ،‬ومن ثام جلست‬
‫لتق أر ما سجله زوجها بالفلشة‪ ،‬التي أعطاها لها في زيارته الخيرة لدمياط الجديدة‪،‬‬
‫كتب يقول‪.‬‬
‫كنت قد أشرت في حديثاي إلى حضوري معسكر العداد لعضوية الجماعة‪،‬‬
‫ولكنى لم دأحدثاك عنه بالتفصيل‪.‬‬
‫مع فجر يوم الحد‪ ،‬الثاالث والعشرين من أكتوبر ‪2011‬م‪ ،‬كنا قد انتهينا من‬
‫نصب الخيام بمنطقة صحراوية قاسية بدولة بيرو بأمريكا الجنوبية‪.‬‬
‫بدأ المعسكر بطقس يسمى طقس الوتديداد‪ ،‬وهو طقس سحري للهاء وخداع‬
‫ى هذا الطقس بملبس تشبه ملبس الحرام لدي المسلمين‪ ،‬ويبدأ‬
‫الله الساطي‪ ،‬ويؤد ع‬
‫بصلة تسمى صلة ناماز لاستحضار المه‪ ،‬وتعنى القوى المسيطرة على نظام الكون‪،‬‬

‫‪200‬‬
‫وتؤدى تلك الصلة بطريقة تشبه حلقة الذكر لدى الصوفيين‪ ،‬وتتلى بعدها ترنيمة‬
‫قصيرة‪.‬‬
‫بعدها تقدم كاهن‪ ،‬ديسمونه العحم نوتر ) خادم الله (‪ ،‬العضاء الجدد إلى البئر‬
‫المقدسة‪ ،‬وقام‪ ،‬وعدد من مساعديه‪ ،‬بأخذ مقاس جسم كل فرد منا وتخطيط البعاد علي‬
‫ورقة تسلم له ثام يطلب منه أن يخلط الرمال بحبوب الشعير بماء البئر‪ ،‬ليصنع لنفسه‬
‫تمثاالا نائما على الرض‪ ،‬بنفس مقاييس وأبعاد جسده‪ ،‬وينبه عليه بضرورة رش التمثاال‬
‫بماء البئر المقدس في منتصف كل ليلة حتى نهاية المعسكر‪.‬‬
‫بعدها أدينا رقصة الكاجورا‪ ،‬حيث يرتدى الكاهن والعضاء الدجدد تنورة معلق ا‬
‫بها ذيل حيوان‪ ،‬ثام اصطففنا في دائرة يتوسطها الكاهن‪ ،‬وعلى نغمات غناء حزين‬
‫يسمى غناء التفجع‪ ،‬راحت أجسادنا تميدل لليمين ولليسار في تناسق ولمدة ساعة‪.‬‬
‫بعد راحة قصيرة بدأ طقس المناولة أو طقس أورفيوس‪ ،‬حيث يلتف الجميع حول‬
‫طاولة عليها الوجبة السماوية‪ ،‬وتتكون من ثالثاة وثالثاين إبريقا من الخمر‪ ،‬ثامانية‬
‫وسبعين رغيف ا من الدخبز غير المختمر‪ ،‬ستة عشر زوج ا من الحمام ‪ ،‬ثامان زجاجات‬
‫من عصير الزهور‪ ،‬سبع زجاجات مليئة باللبن‪ ،‬سلطانية كبيرة من اللبن الرائب‪ ،‬ثالث‬
‫ضر‪ ،‬وكان علينا أن نأتي على تلك المأدبة تماما‪ ،‬فهي طعامنا طوال‬
‫حزم كبيرة من الدخ ع‬
‫اليوم‪ ،‬ومثالها كل يوم‪ ،‬ولمدة أسبوع المعسكر‪ ،‬عدا اليوم الخير‪ ،‬حيث سيطعمنا ال‬
‫الزهار والورود!‪.‬‬
‫في ساعات النهار الخيرة‪ ،‬تبدأ دروس الجينانا‪ ،‬وتعنى المعرفة الشاملة‪ ،‬حيت‬
‫يتدارس الموجودون تاريخ الخلق والتاريخ البشرى لمدة ثالث ساعات‪ ،‬عتلا بعدها العحم‬
‫نوتر علي أسماعنا نقدا رهيبا للديان الإبراهيمية والتي يسمونها الديانات الملفقة‪،‬‬
‫وبعدما عدد نواقصها وتناقضاتها‪ ،‬نادي بنفسه لقامة صلة الغروب‪ ،‬لتبدأ بعدها‬
‫تمارين ضبط الذات وتهذيب العنفس بغرض تدريب العضو على الوصول للنيرفانا‪ ،‬وهى‬
‫أعلى مستوى دممكن من الصفاء النفسي والتوحد مع روح إله النور‪.‬‬
‫كاد الجوع أن يهلكني‪ ،‬رحت أعلعد الثاواني والدقائق‪ ،‬كما فعلت على اللوح الخشبي‬
‫في البحر‪ ،‬تمسكت بالصبر واستعنت بالدعاء حتى جاء‪ ،‬بعد عناء شديد‪ ،‬اليوم السابع‬
‫والخير للمعسكر‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫بعد صلة الشروق من اليوم الخير‪ ،‬تقدمنا العحم نوتر إلى منطقة التماثايل‪،‬‬
‫امتلت بالدهشة‪ ،‬فمع توقعي لما سوف تئول إليه تماثايل مصنوعة من الرمل والشعير‬
‫بعد رشها يومي ا بالماء‪ ،‬كانت دهشتي عظيمة‪ ،‬ول أستطيع التعبير بالكلمات عما أحدثاه‬
‫في نفسي‪ ،‬وقع منظر تمثاال يشبهني‪ ،‬تركته أصفر وبعد أسبوع وجدته أخضر يانعا‪.‬‬
‫وقف كل عضو بجانب تمثااله ليشكر ال على قبوله عضوا بالجماعة‪ ،‬بارك‬
‫العحم نوتر التحاقنا بالجماعة ودعا لنا بالتوفيق‪ ،‬عدنا للخيام لنتناول كمية من الزهور‬
‫والورد‪ ،‬كانت هي طعامنا الوحيد في هذا اليوم‪.‬‬
‫بعد صلة منتصف النهار‪ ،‬بدأ طقس التوربوليوم‪ ،‬حيث دذبح دثاور أصفر فاقع‪،‬‬
‫عيدسر الناظرين‪ ،‬جمعت دمائه بإناء نحاسي ضخم تحت أقدام العحم نوتر‪ ،‬دقائق وأشار‬
‫نحونا‪ ،‬فتقدمنا في صف منتظم نحوه‪ ،‬كنا جميع ا عرايا‪ ،‬كما ولدتنا أمهاتنا!‪ ،‬راح يتلو‬
‫بعض التراتيل بصوت مؤثار بالنفس وهو يمد يده في الناء لينضح منه الدم ليلطخ به‬
‫أجسادنا‪ ،‬ول أعلم ماذا فعلوا بلحم الثاور‪.‬‬
‫بعدما انتهى من تعميدنا نادي لصلة التوبة‪ ،‬حيث يتوجه المعسكر بالدعاء‬
‫للسيد المنتظر‪ ،‬أفالو كيسفا ار‪.‬‬
‫انتهى المعسكر وأصبحت عضوا عاملا بتلك الجماعة المجنونة‪ ،‬ولكن للسف‪،‬‬
‫فمع كل ما عانيته من جوع وتعب‪ ،‬خلل أيام المعسكر‪ ،‬لم أخرج بأية معلومة جديدة‬
‫عن أهداف ومخططات تلك الجماعة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫بعد لقائه بأسرته بدمياط الجديدة في شهر نوفمبر ‪2011‬م‪ .‬عمل رضا جلل‬
‫بجد ونشاط حتى اكتمل مشروع الجماعة بسيناء‪ ،‬وكان قد عقد العزم على القيام برحلة‬
‫استجمام إلى أسبانيا ليريح أعصابه المتعبة ويعاود طبيب العيون هناك‪ ،‬فقد بدأ يعانى‬
‫من مشاكل بشبكية العين‪ ،‬من جراء مرض الدسكر‪ ،‬ولكنه فوجئ باستدعائه إلى إيطاليا‬
‫لقضاء أسبوع التفجع‪ ،‬والذي يقام قبل ميعاد الحج الكبير‪.‬‬
‫في منطقة بجنوب إيطاليا‪ ،‬تحيطها الجبال في شكل نصف دائرة يشكل شاطئ‬
‫البحر قاعدتها‪ ،‬نصبت خيام المعسكر على شكل دائرة كبيرة بالقرب من الشاطئ‪ ،‬كانت‬
‫الخيام فخمة وتتوفر بها كل وسائل الراحة‪ ،‬ولكن تبقي مشكلة الطعام كما كانت في‬

‫‪200‬‬
‫معسكر بيرو‪ ،‬فالطعام فطير غير دمختمر يسمى المزه وكعك أبيض يسمى الدارونا‪،‬‬
‫وحلوى تشبه الهريسة تسمى هاروسيت‪ ،‬والشراب خليط من العسل البيض والخمر‬
‫ويسمى شراب الهاوما‪ ،‬مع ماء دمحلى بالسكر‪ ،‬كانت الكمية المخصصة لكل فرد ل‬
‫تكفى لسد رمق طفل‪ ،‬ناهيك عن رجل في سن وجسم رضا جلل‪ ،‬وأسقط في يده حينما‬
‫نما لعلمه أن الجوع والعطش وقيام الليل من شعائر التعبد بذلك المعسكر‪ ،‬هكذا كان‬
‫أول القصيدة دكفر‪ ،‬فهو عيععشق الحرية ول يحب التقيد بأية طقوس تعبدية‪ ،‬خاصة تلك‬
‫التي لها مواقيت محددة وتجهيزات ودمقدمات كالصيام والصلة‪.‬‬
‫مساء يوم الثالثااء‪ ،‬السابع عشر من يناير ‪2012‬م‪ .‬اكتمل العدد بالمعسكر‪،‬‬
‫لعمار‪ ،‬نصفهم من النساء ونصفهم من الرجال‪ ،‬بالضافة‬
‫مائتا شخص‪ ،‬من مختلف ا ع‬
‫إلى أعضاء مجمع البانثايون الذين يقومون على أمر تنظيم المعسكر‪ ،‬وبالطبع كان‬
‫هناك مجلس الكهنة بالضافة إلى دمشلرف ورئيس المعسكر‪ ،‬وكان النظام صارماا‪ ،‬دوز ع‬
‫ع‬
‫العضاء علي ععشر مجموعات‪ ،‬تتألف كل منها من عشرين عضواا‪ ،‬وعلى رأس كل‬
‫مجموعة عأمير يختاره رئيس المعسكر من بين أفرادها‪ ،‬حسب ذكائه وقدراته وسابقة‬
‫أعماله‪ ،‬وله السمع والطاعة من أفراد مجموعته‪ ،‬الدمدهش أن كل عفرد بالمعسكر كان له‬
‫حافظة مدون بها كل أعماله ونشاطاته لصالح الجماعة‪ ،‬وكان رضا جلل أمير‬
‫مجموعته بالطبع‪.‬‬
‫جذب انتباهه تمتع نساء المعسكر بقدر وافر من الجمال والرقة‪ ،‬حتى كبار السن‬
‫منهن‪ ،‬كعن في غاية الناقة والنوثاة‪ ،‬فتوقع طقسا جنسيا تعبدياا‪ ،‬وراح يسترجع مشاهد‬
‫وأحداث موقعته مع صابرينا‪ ،‬حين سحقها بمساعدة الفطر السينائي‪ ،‬تمنى أسبوع ا من‬
‫الدسكر والجنس والعربدة‪ ،‬وتاقت نفسه بالفعل إلى حفل جنسي لعله يؤمن بما تعتقده‬
‫تلك الجماعة!‪.‬‬
‫في الساعات الولي من الليل‪ ،‬وبعد النتهاء من التنظيم الإداري للمعسكر‪،‬‬
‫دنودي على أمراء المجموعات للاجتماع بمجلس الكهنة ومسئولي المعسكر‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫استمرت تق أر بشغف ما كتبه زوجها‪ ،‬عن أسبوع التفجع‪ ،‬فقرأت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫هيئ إلي أن هناك من حولي وجوها أعرفها‪ ،‬رجالا ونساءا مشهورين في أوروبا‪،‬‬
‫كانت التعليمات صارمة‪ ،‬ممنوع أن يسأل عضو زميله عن اسمه الحقيقي أو عن عمله‪،‬‬
‫فلكل عضو بالمعسكر رقم كودي‪ ،‬ديعرف وعيتعامل به‪ ،‬ول يعرف السماء الحقيقية إل‬
‫رئيس الدمعسكر والمشرف‪ ،‬وكان مسموحا لبعض الشخصيات بالتنكر‪ ،‬كنت أحمل رقم‬
‫‪ ،69995‬وعرفت فيما بعد أنه أيض ا رقم عضويتي بالجماعة‪ ،‬التي أصبحت تضم‬
‫سبعين ألف عضو بالتمام والكمال‪.‬‬
‫لفت انتباهي بقوة أن رئيس مجلس الكهنة كان أصغر الحضور سناا‪ ،‬كان في‬
‫العقد الثاالث من عمره‪ ،‬ومع هذا كان هو صاحب المر والنهى بالمعسكر‪ ،‬وكان من‬
‫بين أعضاء مجلس الكهنة سيدة واحدة‪ ،‬في العقد الرابع من عمرها‪ ،‬ولكنها فائقة‬
‫الجمال‪.‬‬
‫دتلي علينا نظام المعسكر وتسلمنا خطة النشاط اليومي‪ ،‬ثام استمعنا لوعظ طويل‬
‫من رئيس مجلس الكهنة‪ ،‬وبعد ذلك وزعت علينا كتيبات بها العديد من التراتيل والدعية‬
‫مع عدد من أوراق الشريعة‪ ،‬ليتدارسها كل أمير مع أفراد مجموعته‪.‬‬
‫كان علي أفراد كل مجموعة أن يتناولوا الطعام والشراب سوي ا خلل ساعات‬
‫الراحة النهارية‪ ،‬والتي تمتد من الساعة التاسعة صباحاا‪ ،‬من بعد صلة الشروق‪ ،‬إلى‬
‫الساعة الثاانية ظه ارا‪ ،‬ميعاد صلة الانتصار‪ ،‬وعلى كل مجموعة أن تعقد حلقات دراسة‬
‫أسرار الشريعة من عبعد صلة الغروب‪ ،‬على أن تستمر حلقات الدراسة حتى منتصف‬
‫الليل تماماا‪ ،‬حيث تبدأ فترة الراحة الليلية‪ ،‬حيث يمكن للفراد تناول القليل من الطعام‬
‫ونيل قسط من الراحة ليستيقظوا قبل شروق الشمس ليبدأ يوم جديد من أيام المعسكر‪.‬‬
‫كان البرد يدك العظام دكاا‪ ،‬والوقت المتاح للراحة والنوم قليلا‪ ،‬والطعام ل عيلسد‬
‫العرمق‪ ،‬ومع هذا كان كل من حولي يردد التراتيل والدعية ويمارس التقشف والتطهر في‬
‫حماس بالغ‪ ،‬بالطبع كان هناك قبلت وأحضان‪ ،‬ضحك وعسعمر‪ ،‬لكن ل ممارسة للحب‬
‫علي الطلق‪ ،‬الجميع يتجنب ذلك بالرغم من أنه مباح ومتاح‪ ،‬وذلك حتى ل يضيع‬
‫يومر دون ممارسة العبادة والدراسة‪ ،‬فبعد ممارسة الجنس لبد له من أن يتطهر قبل أن‬
‫يعاود ممارسة نشاطه بالمعسكر‪ ،‬ويكون التطهر بالاستحمام بالماء ثالث مرات‪ ،‬ثام بعد‬

‫‪200‬‬
‫ذلك بدخان من البخور‪ ،‬في حمام يشبه الساونا‪ ،‬لثالث مرات أيضاا‪ ،‬وعلى مدى أربع‬
‫وعشرين ساعة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫ى من نساء‬
‫حاول رضا جلل أن يجد امرأة تسرى عنه ولكنه لم ينل موافقة أ د‬
‫المعسكر‪ ،‬على الرغم من أنه كان يختار من يراودها عن نفسها بعناية‪ ،‬وكاد أن يجن‬
‫من الغيظ وهو يرى في عين من ترفضه رغبة جامحة ويسمع من بين شفتيها فحيح‬
‫النثاى يزاحم الحروف‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫أخذت الثاارة من سهير مأخذها وهى تق أر تفاصيل أيام المعسكر‪ ،‬فقرأت‪.‬‬
‫في أول ليلة من ليالي المعسكر‪ ،‬انتظم العضاء في حلقات العسمر‪ ،‬للتعارف‬
‫وتبادل المعلومات حول صفات إله الحق وحول أسرار الشريعة وأركان العقيدة‪ ،‬وكذا‬
‫عشاء ل ديسمن ول ديغنى من‬
‫ا‬ ‫لدراسة الأناشيما أو المحرمات‪ ،‬وبعد منتصف الليل تناولنا‬
‫جوع ثام خلدنا للنوم‪ ،‬قاومت الرق كثاي ار حتى هزمته‪ ،‬وما إن غفلت عيناي حتى‬
‫استيقظت علي صوت ميكروفون المعسكر‪ ،‬إنه وقت الفجر‪ ،‬انتظمنا بسرعة في عشرة‬
‫صفوف متتالية‪ ،‬كل مجموعة في صف‪ ،‬تقدم الكاهن الكبر‪ ،‬ومن خلفه الكاهنة‪ ،‬ليؤم‬
‫خبر‪ ،‬والتي تبدأ مع بداية ظهور أشعة الشمس‬
‫المعسكر في صلة الشروق أو صلة د‬
‫كإضاءة‪ ،‬تعلهم في خجل بإزاحة أستار الليل من فوق قمة الجبل الشرقية‪ ،‬توضأ الجميع‬
‫بالماء ثام صلينا كما يصلى المسلمون‪ ،‬أربع ركعات طويلة‪ ،‬كل ركعة تستغرق عشر‬
‫دقائق‪ ،‬وعلى الساجد أن يضع ذقنه على الرض ويتوجه بوجه للمام‪ ،‬إلي ال‪ ،‬وعليه‬
‫أن ديعبر عن فرحه وسعادته أثاناء الصلة‪.‬‬
‫بعد الصلة بدأ الكاهن في تلوة التراتيل والدعية والجميع يردد من خلفه ‪،،،‬‬
‫آمين ‪ ،،،‬المجد للله الذي وجد بذاته ‪ ،،،‬آمين ‪ ،،،‬وكل اللهة تبتهج لرؤيته كملك لكل‬
‫السماوات ‪ ،،،‬آمين‪ .‬وارتفع صوته وهو يتلو باللغة السريالية‪ ،‬تراتيل الفرح بشروق‬
‫الشمس‪ ،‬وراح الجميع يردد من خلفه بفرح غامر ‪ ،،،‬هاللويا ‪ ،،،‬أهيا كطيورش هيل‬
‫طايطر ‪ ،،،‬هاللويا ‪ ،،،‬مليهر لويتم اللهيف ‪ ،،،‬هاللويا ‪ ،،،‬هاللويا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫كانت الصوات ترتفع تدريجيا بالتراتيل والدعاء ليصل المصلون لحالة هيستيرية‬
‫من الفرح تزامنت مع عبور قرص الشمس قمة الجبل الشرقية‪ ،‬ويستمر التهليل والصراخ‬
‫بالتراتيل والابتهالت لمدة ساعة تقريباا‪ ،‬تبدأ بعدها فترة الراحة الصباحية‪ ،‬تناولنا وجبة‬
‫الإفطار‪ ،‬جزء صغير من فطيرة المزة وكعكة دارونا واحدة مع ملعقتان من الماء المحلي‬
‫بالسكر ثام كأس من شراب الهاوما‪ ،‬خلدنا بعدها إلى الراحة‪ ،‬وحين توسط قرص الشمس‬
‫السماء انتظمنا بسرعة ورشاقة في دوائر متتالية عددها سبعة‪ ،‬فى المركز دائرة صغيرة‪،‬‬
‫من أربعة أشخاص وهم رئيس مجلس الكهنة والكاهنة ومعهم دمشرف المعسكر ورئيسه‪،‬‬
‫وتليها دائرة من أعضاء مجلس الكهنة ومعهم أمراء المجموعات‪ ،‬ثام بعد ذلك خمس‬
‫دوائر متتالية من أعضاء الجماعة‪ ،‬وأظنها تمثايل حي للنيرين العظيمين‪ ،‬الشمس‬
‫والقمر‪ ،‬والخمسة كواكب السيارة‪.‬‬
‫بعد تأدية صلة الانتصار‪ ،‬أو صلة عرع‪ ،‬وهى أيض ا من أربع ركعات طويلة‪،‬‬
‫بدأت الدائرة‪ ،‬المشكلة من رؤساء المجموعات وأعضاء مجلس الكهنة‪ ،‬في الدوران‬
‫عكس اتجاه الساعة من حول الدائرة المركزية الساكنة في مكانها‪ ،‬بينما راحت‬
‫المجموعات الخمس الخرى تدور باتجاه اليمين‪ ،‬وصدحت حناجر الدائرة المركزية‬
‫بتلوة الترانيم والدعية والجميع يردد من خلفها ‪ ،،،‬آمين ‪ ،،،‬آمين‪.‬‬
‫افترشت الدوائر الست الرض بينما راحت الدائرة المركزية تدور ببطء في اتجاه‬
‫عقرب الساعة وهى تتلو من جديد أدعية وتراتيل والجميع يرددها من خلفها بأصوات‬
‫أخذت ترتفع تدريجيا حتى بلغت الحماسة والثاقة بالنصر أوجها ‪ ،،،‬سأبقى هنا حيث‬
‫تظهر الشمس ‪ ،،،‬آمين ‪ ،،،‬أنا ال واحد أحد ‪ ،،،‬هاللويا ‪ ،،،‬موجد نفسي بنفسي ‪،،،‬‬
‫هاللويا ‪ ،،،‬ليس لي كفوا أحد ‪ ،،،‬هاللويا ‪ ،،،‬وع وع نو سنو ‪ ،،،‬هاللويا‪.‬‬
‫سيطرت على الجميع حالة من البكاء الهيستيري وارتعشت الأجساد وراحت‬
‫تنتفض بقوة‪ ،‬أصبح الوضع ل يحتمل بالنسبة لي‪ ،‬ل أستطيع البكاء وجسدي ل‬
‫ينتفض‪ ،‬أخذ منى القلق مداه خوفا من أن يكون هناك من يراقبني ويلحظ شرودي وأنى‬
‫أحرك شفتدى دون أن أنطق بكلمة‪ ،‬وقد يق أر السخرية في ملمح وجهي‪ ،‬لم تكن المشكلة‬
‫ى الولرع بل كانت في الدهشة التي سيطرت على‬
‫في تمثايل دور المجذوب أو العتقل م‬

‫‪200‬‬
‫تفكيري‪ ،‬بسبب ما كنت أسمعه من ابتهالت وأدعية مصرية قديمة دتتلي باللغات‬
‫السريالية والرامية والعبرية!‪.‬‬
‫استمرت التراتيل والدعية حتى قربت الشمس على الغروب دون عكلل أو عملل‪،‬‬
‫بل كاد الحماس أن يفتك بالجمع الدمنهك‪ ،‬ومع غروب الشمس أدينا صلة الغروب أو‬
‫صلة آتوم‪ ،‬ثالث ركعات سريعة مع البكاء والنحيب إواظهار الحزن‪.‬‬
‫بعد الصلة افترشنا الرض في عدة دوائر متتالية‪ ،‬كما فعلنا مع صلة‬
‫الانتصار‪ ،‬وبشكل جماعي وفى صوت واحد‪ ،‬هادئ وعشجي‪ ،‬صدح المكان بأدعية‬
‫وتراتيل حزينة ‪ ،،،‬يا إله الرعد والبرق والصاعقة والطوفان ‪ ،،،‬يا هازم لوياثاان يا‬
‫طاووس يا راكب الشيروبينو ‪ ،،،‬يا سيد الكون ورئيس العالم ‪ ،،،‬يا حامى مصر أرضك‬
‫ومنزلك ‪ ،،،‬أهيا كطيورش هيل طايطر مليهر ‪ ،،،‬لويتم اللهيف يه ياتيه هيوا ‪ ،،،‬أيها‬
‫الماء الول البدئى ‪ ،،،‬يا رب أريشكيجال ‪ ،،،‬يا نمو ‪ ،،،‬يا يم ‪ ،،،‬يا تعامة ‪ ،،،‬يا رع‬
‫‪ ،،،‬يا أوقيانوس ‪ ،،،‬يا نوت ‪ ،،،‬يا مردوخ ‪ ،،،‬يا أنليل ‪ ،،،‬ياعرب شو ‪ ،،،‬عرب جب ‪،،،‬‬
‫عرب سين ‪ ،،،‬عرب ننليل ‪ ،،،‬يا رب نفر فبرورع ‪ ،،،‬رب نبخوريا ‪ ،،،‬رع وع إن رع‬
‫‪ ،،،‬وع وع نو سنو ‪ ،،،‬وع وع نو سنو‪.‬‬
‫بعد ذلك بدأت فترة الراحة الليلية‪ ،‬تناولنا العشاء‪ ،‬كما فى وجبة الفطور‪ ،‬وهرعنا‬
‫لننال لقسط ا من الراحة انتظا ار لبدء حلقات الدراسة والمناقشة والتي ستستمر للعدة‬
‫ساعات‪ ،‬ولظروفي الخاصة كنت أحاول أن أبدو كعضو نشط ومتحمس للدراسة‬
‫فحرصت على استعراض ثاقافتي الواسعة والمتنوعة‪.‬‬
‫عانيت من حيرة شديدة‪ ،‬لماذا القول‪ ،‬يا حامى مصر‪ ،‬أرضك ومنزلك؟! ‪،،،‬‬
‫لماذا انتهي الدعاء الخير بكلمات وع وع نو سنو؟!‪.‬‬
‫أسبوعر قاسل‪ ،‬فقدت خلله حوالي عشرة كيلوجرامات من وزنى‪ ،‬كنت مشغول ا‬
‫بأمور الجماعة ولم أنس خيانة حمدان‪ ،‬الذي أخذ من مالي ومن وقتي الكثاير دثام غدر‬
‫بي‪ ،‬لو أنه كان قد ساعدني على الدخول لمدينته المزعومة‪ ،‬لكنت قد تعرفت على لسر‬
‫هذه الجماعة وعلى ديانتها العجيبة ووفرت الجهد والوقت‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫مع مرور أكثار من عشرة أشهر على اختفاء حمدان خلف الجبال لم يكل رضا‬
‫جلل في البحث عنه‪ ،‬كان يخشى أن عيشلعي به للجماعة‪.‬‬
‫ولقد حرضته نفسه علي الذهاب إلي منطقة تل العمارنة‪ ،‬للبحث عن معلومة قد‬
‫تساعده على سبر أغوار تلك الجماعة‪ ،‬ولم تتسند له الجرأة أو الفرصة ليفعل‪.‬‬
‫مع مرور الوقت دون الوصول لمعلومات جديدة كانت المخاوف والذكريات‬
‫المؤلمة تفترسه‪ ،‬أشباح إبراهيم سالم وصابرينا وحجازي وسيلفيو تأبى أن تفارق خياله‪،‬‬
‫وبالطبع كان الرجل مشغولا بسلمة أسرته‪ ،‬وكثاي ار ما شعر بالخجل لتركها وحيدة تواجه‬
‫مصيرها‪ ،‬ليهيم في الدنيا خلف أسطورة تشغله‪ ،‬أنب نفسه كثاي ار لعزعجه بأسرته في دوامة‬
‫تلك الحداث المثايرة والغبية التي أنهكته‪ ،‬والغريب أنه ارتاب فى زوجته لبعض الوقت‪،‬‬
‫فلم يكن واثاق ا من تقييمها للمور‪ ،‬وقد خشي أن تبوح بسره لولديه‪ ،‬ومن ثام يتسرب‬
‫للخرين؟‪.‬‬
‫تمنى الخلص مما أصبح فيه‪ ،‬صار ذا مال وسطوة ولكنه محروم من المان‪،‬‬
‫من أسرته‪ ،‬من راحة العقل‪ ،‬وبالرغم من معاناته واضطرابه الداخلي‪ ،‬مضي كالمندوه‬
‫نحو قدره المحتوم‪ ،‬وسعى بقوة نحو المعرفة المميتة التي كان يشعر بها تجذبه كما‬
‫تجذب النار الفراشة لتهلكها‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫عمعرت أيام الدمعسكر بطيئة دمملة‪ ،‬تحاملت على نفسي الكثاير من الجوع‬
‫والرهاق‪ ،‬ولكن لم يخيب ال ظني‪ ،‬ففي اليوم الخير للدمعسكر‪ ،‬تلا الكاهن خطبة‬
‫حماسية‪ ،‬تسمى خطبة الوداع‪ ،‬كان الحماس يسيطر على الجميع‪ ،‬حتى إننا وقفنا بل‬
‫نظام أثاناء الخطبة‪ ،‬بدا الكاهن فرحا ومسرو ار وهو يعلن أن الجماعة قد أتمت‬
‫ك أن‬
‫عضويتها‪ ،‬سبعين ألف نالج من الدمار‪ ،‬سبعين ألف معتوق في يوم راغناروك‪ ،‬عل ل‬
‫تتخيلي الصخب والصراخ والتهليل الذي أصم أذني‪ ،‬وجدت صعوبة بالغة للتقط بقية‬
‫ما جاء بالخطبة‪ ،‬حيث قال‪.‬‬
‫‪ -‬إن الحج القادم‪ ،‬في السبوع الخير من شهر مايو ‪2012‬م‪ ،‬هو الحج الكبر في‬
‫تاريخ الجماعة المنتظرة‪ ،‬الجماعة الناجية‪ ،‬وهو الحج الخير قبل التوحد مع سنال‪ ،‬مع‬
‫روح ال‪ ،‬وللسف لم يسمح لي الصياح والصراخ بمتابعة بقية كلمه‪ ،‬كما أنى انشغلت‬

‫‪200‬‬
‫بالتفكير فيما سمعته للتو‪ ،‬كنت أعرف أن هناك حجا في شهر مايو القادم‪ ،‬فقد تم‬
‫تأجيله من شهر فبراير لعطاء الفرصة للانتهاء من أعمال المزرعة وضمان السرية‪،‬‬
‫ولكن لم أكن أعرف أنه الحج الخير‪ ،‬الخير قبل ماذا؟‪ ،‬كيف يكون التوحد مع روح‬
‫ال؟‪ ،‬لماذا وصف الرجل أعضاء الجماعة بالناجين من الدمار؟‪ ،‬أي دمار يعنيه؟‪ ،‬هل‬
‫التوحد مع ال يعنى انتحار كبير كما فعلت بعض الجماعات الدينية السرية في أمريكا‬
‫واليابان؟‪.‬‬
‫وعلى الرغم من حذري الشديد‪ ،‬اضطررت للاستفسار من أعضاء مجموعتي‬
‫عن بعض المور‪ ،‬لعلهم يعرفون شيئ ا ل أعرفه‪ ،‬خاصة عندما وجدتهم متحمسين‬
‫بجنون لكل ما ينطق به الكاهن‪ ،‬ولكن خاب ظني‪ ،‬لم أجد من بينهم من يعرف أكثار‬
‫منى‪ ،‬وحتى ل يشعر بي أي من المسئولين عن المعسكر أخذت أصيح مثالهم وأقفز في‬
‫الهواء‪ ،‬وأنا أضحك من نفسي‪ ،‬وعلى حالي وحال النسان‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫بعد انتهاء الدمعسعكر‪ ،‬غادره حوالي مائة من الشخصيات التي تتبوأ مناصب‬
‫مهمة في بلدها‪ ،‬ومكث الباقون بالمعسر بغرض قضاء يوم للاحتفال والترفيه‪ ،‬فكان‬
‫من الطبيعي أن يبقى رضا جلل‪ ،‬فنفسه تتوق لبعض الراحة والترفيه لعله ينسى ما‬
‫لقاه من إجهاد وتعب‪.‬‬
‫صدحت في أرجاء المكان‪ ،‬موسيقى الهارد روك الصاخبة‪ ،‬سيطر جنون‬
‫الرقص على الجميع وسط سحابة ضخمة من دخان السجائر المحشوة بالحشيش‬
‫والماريجوانا‪ ،‬ودسمعت فرقعات فتح العشرات من زجاجات الخمر‪ ،‬تلعبت الخمر‬
‫بالعقول وضبط الحشيش المزجة‪ ،‬فتحرر الجميع من ملبسهم‪ ،‬وبدأت الملمسات‬
‫والاحتكاكات‪ ،‬ارتخت الجفون‪ ،‬وراح الجمع يستنشق عبير الشبق فى الجواء‪ ،‬فدكت‬
‫السماع رعشات الجساد وهمساتها‪ ،‬بالرغم من ضخب الموسيقى‪ ،‬وقد أخذت‬
‫الضحكات الماجنة تتفرق وعتهن شيئا فشيئا لتسمع كآهات وفحيح‪.‬‬
‫لم تكن صحته على ما يرام‪ ،‬فقد كثاي ار من وزنه‪ ،‬ولكن هل ديضيع الرجل فرصة‬
‫كتلك التي تلوح بالفق؟‪ ،‬لجنس جماعي‪ ،‬وعلى المل‪ ،‬أية امرأة لي رجل؟‪ ،‬نساء ليس‬
‫كمثالهن نساء‪ ،‬حور عين‪ ،‬كلما رنا ببصره لحداهن جحظت عيناه وسال من فمه‬

‫‪200‬‬
‫اللعاب‪ ،‬وراح ينفخ لعله يهدئ من ثاورة قلبه في قفصه‪ ،‬بعدما ملت الرغبة شرايينه‬
‫بالدرينالين‪.‬‬
‫قرر الفوز بأجمل حورية بالمعسكر‪ ،‬وقعت عيناه على تمثاال من العمرعمر‪ ،‬جمال‬
‫صارخ‪ ،‬أنوثاة طاغية‪ ،‬دلوعة رقيقة غرورها يفوق الخيال‪ ،‬امرأة عبضة ممشوقة القوام‪،‬‬
‫بيضاء شقراء‪ ،‬خضراء العيون‪ ،‬طازجة ناضجة‪ ،‬لم تتجاوز الثالثاين من عمرها إل‬
‫بسنوات قليلة‪.‬‬
‫بعدما حدد هدفه‪ ،‬قعرعر أن يصيبه إصابة قاتلة‪ ،‬طار إلى خيمته‪ ،‬أخرج من‬
‫الحقيبة قطعة من اللفطر السينائي‪ ،‬وحمد ربه أنه احتاط لكل الاحتمالت‪ ،‬كان قد توقع‬
‫أن الدمعسكر سيكون موقعة جنسية تفوق كل معاركه السابقة‪ ،‬وعندما عمر أسبوع‬
‫المعسكر دون أية دلئل تشير لي فعل جنسي بالمعسكر خاب ظنه وأفلتت أعصابه‬
‫وتكالب عليه التعب وخيبة المل‪ ،‬ولكنه كعادته دائم ا يمكنه أن يشحذ كل قواه وقدراته‬
‫عند اللزوم‪ ،‬وهل هناك ألزم من إشباع رغبته المتأججة‪ ،‬وهيامه بتمثاال العمرعمر هذا؟‪.‬‬
‫وضع في جيبه عدة مكعبات من سكر النبات‪ ،‬وعدة كبسولت أكسيجينية‪ ،‬تكفى‬
‫واحدة منها لمنح الجسم طاقة هائلة‪.‬‬
‫تناول الرجل قطعة الفطر مع كبسولة‪ ،‬دقائق قليلة وشد جسمه وشحذ عزمه‬
‫واقتحم أرض المعركة‪ ،‬ما زال تمثاال المرمر يتمنع على بعض الرجال الذين يحومون‬
‫من حوله‪ ،‬في لحظة كان يأخذها من يديها ليراقصها‪ ،‬تلمسها فاشتعل جسده‪ ،‬دقائق‬
‫وشعر ببركة الفطر تسرى بجسده‪ ،‬تسرب من حولهما الرجال ليبحث كل منهم عن رفيقة‬
‫تعجبه‪ ،‬وانشغل الجميع في معارك جنسية عاتية‪ ،‬وبدا المر وكأن هناك العشرات من‬
‫شاشات العرض‪ ،‬تبث أفلما جنسية متنوعة‪ ،‬هذا راكب‪ ،‬وهذا مركوب‪ ،‬هذا واقف‪ ،‬وهذا‬
‫راكع على ركبتيه‪ ،‬هذا قد انتهت معركته واستلقى على الرض ليستريح‪ ،‬وهذه ما زالت‬
‫تتلوى وتتمنى المزيد‪.‬‬
‫تلشى ضجيج الموسيقى‪ ،‬ولم تبق بأذنيه إل آهات مثايرة وصرخات لذيذة‪ ،‬راح‬
‫يضرب بسيفه كبطل من أساطير الإغريق‪ ،‬توحد مع رغبته ومتعة إشباعها‪ ،‬ما إن بدأ‬
‫جسده يرتجف حتي شعر بروحه تتسامي وتتوحد مع نغمات الكون وكأنه فى لحظة‬

‫‪200‬‬
‫كشف‪ ،‬يبذل من أجلها الزاهد عمره فى تعبد وتقشف‪ ،‬وقد ل ينالها‪ ،‬كانت خليلته تتشنج‬
‫من تحته وتدزلبد وترجوه المزيد‪.‬‬
‫أخذ يقتحمها بسرعة وقوة وينسحب منها بروية حتى خارت قواه‪ ،‬بعد حوالي‬
‫الساعة‪ ،‬أفاق من هلوسته فإذا بفريسته منهكة لقصى درجة‪ ،‬نزل عنها برفق وجلس من‬
‫خلفها وأخذ جسمها كله في أحضانه ليساعدها على أن تتحكم في الرعشة القوية التي‬
‫ترجها بعنف‪ ،‬لحظات وسمع الجميع من حوله يحتجون ويعترضون‪ ،‬شرع ببصره نحوهم‬
‫فلمح الحقد في عيون الرجال والغيرة بعيون النساء‪.‬‬
‫هم بتركها لترتاح على الرض فاذا بجمع من النساء عيهم به فلذ بخليلته‪ ،‬تمنت‬
‫عليه المزيد فأنهكها حتى فارقها الوعي‪ ،‬تركها وسط نظرات العجمع المندهشة‪ ،‬وحدث أن‬
‫صعرعخ أحدهم معترضاا‪.‬‬
‫ع‬
‫‪ -‬أظنه تناول الفطر المقدس‪ ،‬وهذا غير مسموح به إل في أيام الحج فقط‪.‬‬
‫وافقه الجميع‪ ،‬وبدأ الهمس يتزايد ويتحول إلى صياح فرمى في جوفه قطع السكر‬
‫مع كبسولتين‪ ،‬استعاد حيويته في لحظات وادعي أن تلك قدراته الخاصة‪ ،‬ولنه عضو‬
‫جديد ومن المفترض أنه ل يعرف بحكاية الفطر المقدس هذا‪ ،‬وأيده رئيس المعسكر‬
‫الذي دعا الجميع إلي نبذ الغيرة قائلا‪.‬‬
‫‪ -‬ل تجعلوا الغيرة تعمى قلوبكم‪ ،‬فلو كان الرجل قد تناول الفطر فلبد له من أن ينهار‬
‫جسدياا‪ ،‬كما أنه لم يتناول الشراب الشافي من أثاره‪ ،‬فلو كان قد تناول الفطر لهلك‪.‬‬
‫صفق له الرجال وأقبلت النساء تقبله وتداعبه‪ ،‬ذهب للخيمة ونام‪ ،‬وفى الصباح‬
‫كان أول من غادر المعسكر‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫ذهب من فوره إلى نابولي‪ ،‬وبعدما نجح في تحويل مبالغ كبيرة لحساب أسرته‬
‫بالبنك‪ ،‬تفرغ لاكتشاف أسرار الجماعة‪ ،‬قضى عدة أيام في مراجعة ما استولي عليه من‬
‫صابرينا‪ ،‬وقضى ساعات ل دتعد على الشبكة العنكبوتية‪ ،‬يفتش عن أي معلومة قد تفيده‬
‫في سعيه‪.‬‬
‫وبحجة الاطلع على سابقة أعمال الشركات المشاركة في تجهيز مشروع‬
‫سيناء‪ ،‬سافر كثاي ار حول العالم‪ ،‬وجاب العديد من مكتبات الكنائس المسيحية‪ ،‬بمختلف‬

‫‪200‬‬
‫طوائفها‪ ،‬بأوروبا والشرق الوسط‪ ،‬وأمضى الساعات الطوال يبحث بمكتبات المعابد‬
‫اليهودية بالعراق وبمصر وأيض ا باليمن والمغرب‪ ،‬وحتى المعابد الهندوسية والبوذية‬
‫ومعابد الديانات الغابرة بالشرق الوسط وأمريكا الجنوبية‪.‬‬
‫جمع عشرات الكتب التي تتناول الديانات القديمة والساطير بالشرح والتحليل‪،‬‬
‫وقام بزيارة بلد لم تخطر له على بال من قبل‪ ،‬قرى بائسة بالهند وكشمير‪ ،‬زار شمال‬
‫الصين وجاب إقليم التبت‪ ،‬ذهب إلى كنائس أثايوبيا‪ ،‬وعاش أياما عديدة بين قبائل‬
‫أفريقية يدرس أساطيرها عن الخلق وأصل الإنسان‪ ،‬ذهب إلى بيرو وبوليفيا‪ ،‬وتععداعرس مع‬
‫حكماء قبائل المايا معتقداتهم حول نهاية العالم‪ ،‬رحلت طويلة ومضنية‪ ،‬بل ودمكلفة‬
‫أيضاا‪ ،‬لم يجن منها إل المزيد من الحيرة وخسارة الوقت والمال‪ ،‬ولكنه خرج بيقين أن‬
‫الأساطير والأديان‪ ،‬جميعها‪ ،‬تتشابه في مضمونها وتختلف في تفاصيلها‪ ،‬وكأنها‬
‫خرجت من أسطورة واحدة جامعة أو تشعبت من دين واحد عغالبر‪ ،‬جميعها تتحدث عن‬
‫قوى عليا تتحكم بمصير البشر‪ ،‬وتتناول نضال قوى الخير ضد قوى الشر‪ ،‬دائما هناك‬
‫إله للخير إوان تعددت أسماؤه إواله للشر إوان تنوعت صوره‪ ،‬درس الديانات الصحراوية‪،‬‬
‫ديانات البدو قمرية التقويم‪ ،‬فوجدها تتشابه في احترامها الدمطلق للقبة السماوية وفى‬
‫تقديسها للجبل والحجر‪ ،‬وللبل والعفرس‪ ،‬وتتشابه في التوحيد وفى التفريق الصارم بين‬
‫كل ما هو لهوت وما هو ناسوت‪ ،‬وتفهم ديانات الخصب والفداء‪ ،‬شمسية التقويم‪،‬‬
‫حين تشابهت في الخلط والتداخل بين ما هو لهوتي وما هو ناسوتي‪ ،‬وحيث تتعدد فيها‬
‫اللهة ويتشابه فيها مجتمع اللهة مع المجتمع العبشري‪ ،‬وتتطابق في تقديلسها لإلهة‬
‫أنثاى‪ ،‬دائم ا هي عذراء بتول‪ ،‬على الرغم من أنها أم الله الذي هو أبو نفسه‪.‬‬
‫عرف أن راغناروك هو يوم الموت والانبعاث في أسطورة ألمانية تتحدث عن‬
‫موت الععالم واللهة جميعهم‪ ،‬لتبعث الحياة من جديد بخلق آخر‪ ،‬من البشر واللهة‪،‬‬
‫وهكذا دواليك إلي ما ل نهاية‪ ،‬واندهش كثاي ار عندما عرف أن الناشيما أو المحرمات‬
‫في عقيدة الجماعة تطابق ما هو موجود بالشريعة اليهودية‪ ،‬تلك التي تصفها الجماعة‬
‫بالديانة الملفقة!‪.‬‬
‫وأغرب ما صادفه‪ ،‬على الطلق‪ ،‬خلل جولته المكوكية بين مختلف بلد‬
‫العالم‪ ،‬هو ما وجده في بلد النوبة‪ ،‬بمصر والسودان‪ ،‬فالنوبي يؤمن بالديان‬

‫‪200‬‬
‫البراهيمية الثالثاة خلل حياته‪ ،‬وذلك في ترتيب معين فيما ديعرف بالنظرية العقائدية‪،‬‬
‫حيث يتم تعميد المولود النوبي في مياه نهر النيل على الطريقة المسيحية القديمة‪ ،‬ثام‬
‫في سنوات الطفولة المتأخرة يتلقى التعليمات اليهودية ويتم تعميده يهودي ا فى عامه‬
‫الثاالث عشر‪ ،‬وبعد البلوغ‪ ،‬في العام الخامس عشر من عمره تقريبا‪ ،‬يتعلم القرآن‬
‫والشريعة السلمية ويصير مسلم ا قلب ا وقالب ا‪ ،‬ويحرص النوبي على أن يزين جدران‬
‫منزله بنجمة داود وبجوارها الصليب ويحتضنهما الهلل!‪.‬‬
‫وفي العراق كانت دهشته عظيمة‪ ،‬الصابئة يعبدون الكواكب السبع السيارة التي‬
‫تسكنها الملئكة العظام‪ ،‬واليزيديين‪ ،‬يتوجهون بصلتهم نحو الشمس ويعبدون‬
‫الشيطان ويقدسون يزيد بن معاوية بن أبى سفيان!‪.‬‬
‫بجبل لبنان اختلط بفقهاء الدروز‪ ،‬يؤمنون بتعجدسد اللهوت في الناسوت‪ ،‬وبأن‬
‫ال قد حل فى جسد الحاكم بأمر ال الفاطمي‪ ،‬الذي توارى عن النظار ولكنه سيعود‬
‫ليمل الدنيا عدلا وسلما‪ ،‬وبالرغم من أنها ديانة باطنية‪ ،‬وبالرغم من قسوتهم‬
‫وسلوكياتهم‪ ،‬التي تخلو من الخلق والمبادئ‪ ،‬إل أنه وجدها ديانة ل تدعو للعنف‪.‬‬
‫في إيران درس ليام طويلة سيرة النبي المدهش‪ ،‬عزرادشت‪ ،‬وكذا تفاصيل ديانته‬
‫المذهلة‪ ،‬وخاصة معراجه الرائع خلل السموات السبع‪ ،‬وتأكد من أنها ديانة راقية تنبذ‬
‫العنف‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫استمرت سهير تق أر في دهشة ما سجله زوجها حيث كتب يقول‪.‬‬
‫أجهدت ذهني ا ونفسي ا وبدأت أعانى من حالة غريبة‪ ،‬كنت وكأني أحلم وأنا‬
‫مستيقظ تماماا‪ ،‬ولخبرتي بأحلم اليقظة تيقنت من أن المر غير طبيعي‪ ،‬كنت أرى‬
‫نبوءات ورؤى تتعلق بمصير العالم‪ ،‬أفقد بعدها الوعي لساعات‪ ،‬أفيق منها بصعوبة وأنا‬
‫أعانى من صداع رهيب‪ ،‬يكاد أن يفتت رأسي‪ ،‬وعندما أنتهي من كتابة أو تسجيل الحلم‬
‫أو الرؤية‪ ،‬يختفي الصداع فجأة وأسترد حيويتي وصفائي الذهني فى الحال‪ ،‬وفى‬
‫الحقيقة لست متأكداا‪ ،‬هل كنت أكتب ما أكتبه رغبة منى في التدوين؟‪ ،‬أم أن هناك قوة‬
‫خفية احتلت عقلي وتدعسيدرني لما تريد؟!‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫بعد فترة بدأت أشاهد في أحلمي تفاصيل أحداث تاريخية هامة‪ ،‬كنت أعرف‬
‫بعضها وأجهل أغلبها‪ ،‬وما أزعجني كثاي ار هو أنى كنت دائم ا أحد الفاعلين المؤثارين في‬
‫تلك الحداث‪ ،‬كنت وكأني أشاهد نفسي‪ ،‬نفس الوجه‪ ،‬نفس الجسم‪ ،‬نفس الصوت!‪،‬‬
‫بالطبع كانت شخصيتي وملبسي وتصرفاتي مختلفة في كل مرة‪ ،‬حسب اختلف الزمن‬
‫الذي حدث به ما أشاهده‪.‬‬
‫دفعتني تلك الحلم والرؤى لدراسة العقائد والديانات التي تؤمن بتناسخ الرواح‬
‫وبالتجسد‪ ،‬ولكني لم أخرج بمعلومة ترد لي ثاقتي بعقلي وبقدراتي الذهنية‪ ،‬اعتقدت في‬
‫بادئ المر‪ ،‬أن الضغط المعرفي المتزايد على عقلي المحدود هو ما دفعه ليعيد صياغة‬
‫أحداث التاريخ والمستقبل في أوهام تتماشى مع ما شاهدته أنا في الواقع وعرفته من‬
‫جولتي حول العالم‪ ،‬ولكن هذا التبرير لم ينجح في إقناعي بأني ما زلت أحتفظ بقواي‬
‫العقلية‪.‬‬
‫عاودت طبيبي الخاص في روما فنصحني بدخول المستشفى لضبط ضغط الدم‬
‫وخفض نسبة السكر‪ ،‬فهذا وذاك كانا في أخطر مستوياتهما‪ ،‬وبالفعل قضيت‬
‫بالمستشفى عدة أيام تمكنت بعدها من استرداد عافيتي‪ ،‬وتوجهت من فوري إلى لندن‪،‬‬
‫لمعاودة طبيب نفسي شهير‪ ،‬بناء على نصيحة الأطباء‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫رحب بي الطبيب بشكل مبالغ فيه‪ ،‬ومع مظهره المحترم وأسلوبه الوقور‪ ،‬لم أرتح‬
‫إليه‪ ،‬يبدو فى العقد الثاامن من عمره بالرغم من شباب عينيه‪.‬‬
‫حدد سعر الجلسة بثالثامائة جنيه إسترليني‪ ،‬والمدهش أنه بعد جلسة واحدة تبدد‬
‫توجسي منه وبدأت أشعر بطمأنينة في صحبته‪ ،‬منحته ثاقتي وكان ذلك خطأ فادح‪ ،‬كاد‬
‫قضاء مبرماا‪.‬‬
‫ا‬ ‫أن يقضى على‬
‫رويت له بدقة ما أعانيه‪ ،‬يبدو أنه لم يصدقني وتصور أني أتلعب به‪ ،‬فبعد‬
‫عدة جلسات فوجئت به ينهرني ويحذرني بأنه في طريقه لاتخاذ قرار بوقف الجلسات‬
‫والتخلي عن مساعدتي‪ ،‬لنه يعتقد أنها بل طائل‪ ،‬واتهمني بأني أخفي عنه الحقيقة‪،‬‬
‫وأحاول نسج حكايات من خيالي لقنعه بما أريده أنا‪ ،‬وقال إن عقلي الواعي ما زال هو‬

‫‪200‬‬
‫من ديسيطر على أثاناء الجلسات‪ ،‬بالرغم من محاولته المتعددة لتحفيز عقلي الباطن‬
‫لديظهر نفسه‪.‬‬
‫يريد سماع الحلم والرؤى كما راودتني‪ ،‬ول يريد منى تفسيرها أو ترتيبها لتبدو‬
‫منطقية‪ ،‬علي أن أسردها وفقط‪ ،‬فأعدتها علي مسامعه بتفاصيلها الدمزعجة‪.‬‬
‫بعد عدة جلسات مجهدة أخبرني الطبيب‪ ،‬مارك جوزيف‪ ،‬أن عقلي الواعي‪،‬‬
‫وبسبب ما تعرض له من ضغوط شديدة‪ ،‬يقوم كل فترة بعملية إيقاف ذاتي لنشاطه‪،‬‬
‫لديخلى كل مساحة الوعي به ليحتلها عقلي الباطن‪ ،‬وفى تلك الحالة تختفي ذاكرتي‬
‫الشخصية‪ ،‬وتفتح بوابات الذاكرة الجمعية والمختزنة في جينات خليا عقلي والتي أورثاها‬
‫لي الأسلف‪ ،‬منذ بدء الخليقة وحتى اليوم‪ ،‬وعبر أجيال ل نهائية من الباء‪.‬‬
‫كان تفسيره مريباا‪ ،‬طلبت منه مزيدا من اليضاح فقال‪.‬‬
‫‪ -‬إن المعرفة والخبرة الشخصية والجماعية دتسعجل في جينات خاملة يتوارثاها البشر منذ‬
‫بداية الخلق وحتى اليوم‪ ،‬وتحمل تلك الجينات ما يسمى بمخازن الذاكرة الجمعية وبها‬
‫أفلم مسجلة لكل ما عاشه أسلفنا من أحداث‪ ،‬وأكد على حقيقة أن معرفة وخبرة كل‬
‫جيل دتنسخ في حافظة بالذاكرة الجمعية الموجودة على هذه الجينات‪.‬‬
‫وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬عند توقف نشاط العقل الواعي‪ ،‬وهذا يحدث ناد ار ولشخاص لهم مواصفات خاصة‪،‬‬
‫تتجلى لهم الحقيقة الولى والزلية‪ ،‬الحقيقة اللهية وحقيقة الخلق‪ ،‬وهو يعتقد أن هناك‬
‫عقلا ل يتحمل هذه الحقيقة فيهذى ويكون مصيره الجنون‪ ،‬وهناك عقل يتحملها لتوافر‬
‫ظروف ومواصفات خاصة‪ ،‬فيكون النبياء والفلسفة العظام‪.‬‬
‫نفس كلم صابرينا عن الذاكرة الجمعية وبوابات الذاكرة والعقل الباطن‪ ،‬تماديت‬
‫معه في حوار عميق تأكدت منه بأنه يؤمن بتناسخ الرواح‪ ،‬حيث تتكرر الروح عبر‬
‫آلف الجيال‪ ،‬محتفظة بخبرة كل جيل بمخازن ذاكرتها الجمعية‪ ،‬ويؤمن أيض ا‬
‫بالحدلول‪ ،‬ففي ظروف خاصة وخلل أوقات معينة من تاريخ البشرية تعلحل كائنات‬
‫سماوية‪ ،‬يسميها الهفتات‪ ،‬في بعض مواليد البشر‪ ،‬ليتجسدوا ويشبوا بش ار لهم قدرات‬
‫خاصة‪ ،‬وذلك من أجل أن ينفذوا إرادة ال في توجيه البشر‪ ،‬والدنيا‪ ،‬نحو الغاية التي‬

‫‪200‬‬
‫يبتغيها لهم‪ ،‬وغالبا ما تكون هذه الوجهة غير متوقعة من البشر فيسمونها القضاء‬
‫والقدر‪.‬‬
‫مع اعتراض عقلي على أفكاره فقد ضبطت نفسي ترتاح وتسكن لكلمه وذلك‬
‫حين قال إن المعرفة الكثايفة المختزنة بعقلي‪ ،‬وتحت تأثاير الحداث المثايرة التي عشتها‪،‬‬
‫عملت على توليد موجات من الطاقة بخليا مخي‪ ،‬أدت إلى تفكيك شفرة الجينات‬
‫المختزنة للذاكرة الجمعية التي مرت بها روحي منذ خلقها الول‪ ،‬وهذه بدورها عملت‬
‫على فك شفرة الجينات الدمختزنة للذاكرة اللهية بعقلي‪.‬‬
‫عندما اكتشفت طبيبي عرفت أنى أوقعت نفسي في ورطة كبيرة‪ ،‬لقد أفشيت‬
‫أسراري لرجل مجنون‪ ،‬نعم مجنون‪ ،‬فالرجل في اليام الخيرة من علقتنا‪ ،‬لم يعد‬
‫يتعامل معي كطبيب مع مريضه أو حتى كصديق مع صديقه‪ ،‬في الجلسة الخيرة راح‬
‫يلح على ويرجوني أن أعيد على مسامعه‪ ،‬مرات ومرات‪ ،‬كل ما رأيته في أحلمي‪،‬‬
‫نزلت على رغبته بالرغم مما كنت أشعر به من ضجر وضيق‪ ،‬وعندما انتهيت فوجئت‬
‫به عيخدر ساجدا تحت قدمي ويقبلهما وهو يطلب منى أن دأباركه‪.‬‬
‫تجاهلت تصرفاته المجنونة‪ ،‬لكنه تمادى‪ ،‬أخذ يناديني بالدمعخللص وهو يبكى‬
‫وينتحب‪ ،‬قررت أن أنهى علقتي بهذا الطبيب المجذوب‪ ،‬ولكن حدث أن طلب منى أن‬
‫أمنحه موافقتي على أن يكتب بالصحف والمجلت العلمية عن حالتي المدهشة‪ ،‬وما زاد‬
‫الطين عبله أنه ألقى على مسامعي أمنيته في أن عيدخط كتابا يضم كل ما رويته له من‬
‫أحلم ورؤى‪.‬‬
‫رفضت‪ ،‬وحذرته من أنه يتخطى آداب المهنة وهددت بمقاضاته‪ ،‬راح عيلح‪،‬‬
‫وبإصرار‪ ،‬لوافق وأمنحه أعظم فرصة في حياته ليثابت للعالم صدق نظريته في تناسخ‬
‫الرواح والحلول وكذا فى تفسير الحلم والرؤى والذاكرة الجمعية‪.‬‬
‫كان الطبيب يمتلك تسجيلت دقيقة‪ ،‬لكل ما رويته له عما عمر بي من أحداث‬
‫خلل السنوات اللست الماضية‪ ،‬وهكذا وجدت نفسي أواجه نفس المشكلة التي واجهتها‬
‫مع صابرينا وسيلفيو‪ ،‬هناك على وجه الرض من يعرف تفاصيل قصتي‪ ،‬وهذا ما ل‬
‫يمكن أن أسمح به أبدا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫بدا لي أن الطبيب لن يردعه شيء عن تنفيذ ما أعتزمه فقررت التخلص منه‪،‬‬
‫فدبرت لذلك خطة دمحكمة‪ ،‬والمدهش هو أنى شاهدت تفاصيل تلك الخطة‪ ،‬وكما عندفذتها‬
‫بعد ذلك بالضبط‪ ،‬في حلم جديد وكأني عمن عقرعر عقدر الردجل ومصيره‪.‬‬
‫أخبرته بموافقتي‪ ،‬وبأن هناك أحلما جديدة ورؤى خطيرة أخرى أقترح أضافتها‬
‫للكتاب‪ ،‬طار فرح ا ل يصدق نفسه‪ ،‬وعندما تأكدت من سيطرتي التامة عليه‪ ،‬اقترحت‬
‫أن نخرج سويا للريف الهادئ‪ ،‬متحججا بأن الماكن الهادئة والنائية عن العمران‬
‫تساعدني كثاي ار علي استعادة ما راودني من أحلم ورؤي‪.‬‬
‫فجر اليوم التالي أقلني بسيارته إلي منطقة نائية بالريف النجليزي‪ ،‬خارج مدينة‬
‫كامبريدج‪ ،‬ترجلنا من السيارة وجلسنا تحت شجرة ضخمة‪ ،‬وعندما اطمأننت للمكان‬
‫هاجمته بسرعة خاطفة وقيدته بالحبال‪ ،‬والمدهش أنه لم يبد أدنى مقاومة‪ ،‬وكأنه كان‬
‫راضي ا عما أفعل‪ ،‬راح ديردد جملة واحدة وهو يبتلسم‪.‬‬
‫‪ -‬افعل ما تشاء لتطهرني وأنال رضاك وغفرانك‪.‬‬
‫لم تأخذني رأفة برجل دملسن ومجنون‪ ،‬انتابتني رغبة عارمة في تعذيبه قبل قتله‪،‬‬
‫كانت ابتسامته واستسلمه المريب يدفعاني لتدميره تماماا‪ ،‬لم يصرخ إل بعد فوات‬
‫الأوان‪.‬‬
‫تدفقت منه الدماء بغ ازرة‪ ،‬وبدلا من أن يصرخ‪ ،‬هذا المجنون‪ ،‬لتوقف‪ ،‬كان‬
‫عيصدرخ ليستعطفني ويرجوني أن أنهى حياته بسرعة‪ ،‬إن كنت أرى أن هذا هو قدره‪ ،‬هذا‬
‫ظر‪ ،‬الذي هبط من السماء ليحاسب العبعشر‬ ‫المجنون كان ي ل‬
‫صر على أنى المسيح الدمنتع ع‬ ‫د‬
‫وديعدلمر الشرار‪ ،‬كلما أمعنت في إشباع رغبتي الشيطانية في تحطيمه‪ ،‬كان يصرخ‪.‬‬
‫‪ -‬طهرني يا يسوع فأنا شرير‪ ،‬خلصني يا مخلص والحقني بك‪.‬‬
‫أوشكت علي الجنون‪ ،‬رحت أشاهد‪ ،‬كفيلم سينمائي مجسم‪ ،‬كل الأحداث التي‬
‫عشتها من قبل‪ ،‬وفي نفس اللحظات كانت هناك فكرة خبيثاة عتلح على عقلي‪ ،‬أنا كهذا‬
‫ف ولو القليل جدا من الحقيقة بالرغم من لحظات الكشف العديدة‬
‫الطبيب جاهل لم أعر د‬
‫التي عشتها‪ ،‬أنا مثاله مجنون لم ولن يستوعب عقلي عفهم الحقيقة على الرغم من‬
‫بساطتها!‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫فجأة انتابني هالجس أن هناك عمن دبر لي ما واجهته وأواجهه من مواقف‬
‫وأحداث ليتلعب بي ويحقق وجوده بمراقبتي حائ ار‪ ،‬رحت أرد على صرخاته بصراخ‬
‫أقوي‪.‬‬
‫‪ -‬سأخلصك من أوهامك ‪ ،،،‬سأخلصك من أوهامك‪.‬‬
‫كاد الصداع أن ديعدلمر رأسي وامتلت بشعور مرير بالضياع‪ ،‬فجأة ذهب‬
‫الصداع وهدأت بداخلي الرغبة فى التدمير‪ ،‬نظرت حولي فلم أر إل حطام الطبيب‬
‫وسط بركة من الدماء‪ ،‬انزعجت كثاي ار لما حدث‪.‬‬
‫أخفيت أثاار المجزرة بسرعة‪ ،‬أهلت الكثاير من الطين على الدماء وحملت جثاة‬
‫الطبيب إلى السيارة وأضرمت بها النار‪ ،‬وهربت بسرعة من المكان‪.‬‬
‫مشيت لمسافة طويلة حتى وصلت إلى كامبريدج‪ ،‬وأخذت القطار إلى لندن ثام‬
‫المترو إلى منطقة بادنجتون‪ ،‬التقط أمتعتي من الفندق‪ ،‬ووصلت نابولي في مساء نفس‬
‫اليوم‪.‬‬
‫كنت في حيرة من أمري‪ ،‬لم أحلم مرة واحدة بحدث يخص جماعتي الدينية!‪ ،‬وها‬
‫هي أحلمي قد اقتصرت علي أحداث المستقبل‪ ،‬فلماذا ل أحلم‪ ،‬ولو مرة واحدة‪ ،‬بشئ له‬
‫صلة بهذه الجماعة أو بمصيري معها!‪.‬‬
‫لم يعد باستطاعتي التفكير أو التخطيط‪ ،‬أو حتى تذكر مواقف أو أحداث قريبة‪،‬‬
‫وكأن عقلي توقف عن العمل واحتل مكانه عقل آخر أسطوري‪ ،‬كنت أشعر به وهو‬
‫يلقى في ذهني بأفكاره وخططه‪ ،‬وراح كالخناس يحرضني علي تنفيذ ما يريده‪ ،‬كنت‬
‫أحلم وأستيقظ لنفذ‪ ،‬بشكل آلي‪ ،‬ما وسوس به في صدري‪ ،‬مما أوقعني في مشاكل‬
‫عديدة‪.‬‬
‫لم أستسلم وعملت جاهدا على استرجاع ذاكرتي الشخصية وقدراتي الذهنية‪،‬‬
‫قرأت عشرات الكتب التي تعالج ضعف الذاكرة‪ ،‬بحثات على الشبكة العنكبوتية حتى‬
‫فهمت واستوعبت آلية التفكير وتفعيل الذاكرة‪ ،‬تعلمت ومارست تمارين ذهنية عديدة‬
‫لتقوية الذاكرة وتنشيط الذهن‪ ،‬بعد جهد كبير ومعاناة شديدة‪ ،‬نجح المر‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫قررت أن أمنح نفسي إجازة‪ ،‬كنت بحاجة ملحة للراحة والهدوء‪ ,‬ولكن هيهات أن‬
‫أنال مرادي‪ ،‬بعدما حررت عقلي من سيطرة العقل المجهول‪ ،‬انشغلت بحمدان‬
‫وبالجماعة وسرها حتي إني لم أعد أفكر بأسرتي وأهملت أعمالي الخاصة‪.‬‬
‫نبهني الأب سيرجوني لفتور همتي بالمشروع وبندرة زيارتي للكنيسة بروما‪،‬‬
‫تحججت بالمرض فقال إنهم يعرفون بدخولي للمستشفى بنابولي وسفري إلى لندن‬
‫للعلج‪ ،‬وعندما أكد لي أنه اطمأن علي صحتي بطريقته الخاصة‪ ،‬تأكدت أن الكنيسة‬
‫تراقبني عن عكعثاب‪ ،‬دفعني الخوف للتزم بالحذر‪ ،‬وبالفعل عملت جاهدا لعود لطبيعتي‬
‫التي يعرفونها عنى‪ ،‬وكثافت من زياراتي واتصالتي بالكنيسة‪ ،‬وحرصت على تنفيذ‬
‫تعليمات سيرجوني وتاردينى بطريقة تنم عن ذكائي وإخلصي للجماعة‪.‬‬
‫وبالرغم من إنشغالي الشديد فقد واصلت البحث الدءوب في تاريخ الجماعات‬
‫الدينية السرية‪ ،‬ودرست بعمق طقوس وأهداف العديد منها‪ ،‬فتجمعت لدى مراجع‬
‫صممت خطة رصينة لترتيب‬
‫تاريخية ووثاائق نادرة‪ ،‬وساعدني عقل الصحفي كثاي ارا‪ ،‬ف ع‬
‫الحداث والبحث عن الحقيقة في كل ما جمعته من معلومات ووثاائق‪ ،‬كأبحاث صابرينا‬
‫ووثاائقها ولفائف تل الذهب ببحيرة المنزلة‪ ،‬وكذا وثاائق من مكتبة الفاتيكان تتحدث عن‬
‫تاريخ جماعة دينية سرية كانت تتبنى ديانة غابرة وعقيدة غريبة‪ ،‬وقد تم تدمير أفراد هذه‬
‫قضاء مبرم ا في بداية القرن الخامس عشر الميلدي‪،‬‬
‫ا‬ ‫الجماعة والقضاء عليهم‬
‫والمدهش هو اكتشافي بأن طقوس هذه الجماعة البائدة تتطابق مع تلك التي مارستها‬
‫بنفسي بمعسكرات الجماعة‪.‬‬
‫وتمكنت من جمع وثاائق هامة من معابد كثايرة على امتداد المعمورة‪ ،‬مثال معبد‬
‫غوردوا ار بالهند ومعبد أتوكو شيما باليابان‪ ,‬ومعابد مردوخ بالعراق وأنليل بسوريا‪ ،‬ومعبد‬
‫بوربودير البوذي بجاكارتا‪ ،‬وكذلك وثاائق تاريخية عن مصر القديمة وعن عقائد وديانات‬
‫مدينة الإسكندرية‪ ،‬وقمت بزيارة دأخرى سريعة لبيرو بأمريكا الجنوبية قاصدا مضارب‬
‫قبيلة هندية‪ ،‬معزولة عن العالم‪ ،‬لدرس معتقداتها وأساطيرها‪.‬‬
‫أخذت الصورة تتضح في ذهني شيئ ا فشيئاا‪ ،‬واستطعت تجميع وترتيب تواريخ‬
‫العديد من الفكار والمعتقدات الدينية من مختلف بلدان العالم فتأكد لي أنها تتطابق‬
‫تقريبا مع ما قرأته بوثاائق الفاتيكان‪ ،‬بخصوص الجماعة البائدة التي تشبه جماعة‬

‫‪200‬‬
‫المنتظرين للله‪ ،‬في تفاصيل عقيدتها وطقوسها‪ ،‬أمسكت بطرف الخيط‪ ،‬ورحت أتتبع‬
‫تاريخ وعقيدة تلك الجماعة‪ ،‬البائدة‪ ،‬وتتبع آثاارها في الديانات المحلية والبدائية المنتشرة‬
‫في أقاليم الهند إوايران العراق وبعض دول أمريكا الجنوبية‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫تتبنى تلك الجماعة ديانة مدهشة‪ ،‬وتؤمن بأن الله السمى لم ولن يشغل نفسه‬
‫بالكون أو بالخلق‪ ،‬فقط هو موجود ول موجود غيره‪ ،‬حدث وأن تسامي منه نور فكان هو‬
‫الإله أهورا‪ ،‬الذي هو آتون أو راما ‪ ،‬وهو نفسه راماتراسو أو أمون‪ ،‬ويدعى أفالو‬
‫كيسفارا‪ ،‬هو مردوخ‪ ،‬هو براهما أو فشنو‪ ،‬هو بجفان و ننرساخ‪ ،‬هو أنليل هو إنكى أو‬
‫شماش‪ ،‬هو زيوس هو خنوم هو حدد‪ ،‬هو كذلك شن بن ويدعى الله الصادق‪ ،‬ويعرف‬
‫أيض ا باسم ميثاه ار إله النور‪ ،‬وهو براهما الذي هو فشنو‪ ،‬وأهو ار راهمان أعظم أسمائه‬
‫على الطلق‪ ،‬ظل أبدا طويلا يتبختر بعرشه على ماء مقدس دمظلم‪ ،‬التقط قبضة من‬
‫النور العظم‪ ،‬فصار الوجود من حوله دخان‪ ،‬راح يفتقه فكانت الرض والسماء‬
‫والكواكب والنجوم‪ ،‬وخلق البشر‪ ،‬في ظل شجرة التين المقدسة‪ ،‬من طين قبضه من قاع‬
‫بحيرة‪ ،‬علي شكل زهرة اللوتس بمركز الرض‪ ،‬شمال مصر العليا‪ ،‬بعدما خلطه بدم‬
‫الله الزلي كنجو وتبعه بخلق الحياة‪ ،‬هو الواحد الحد‪ ،‬إله الحق وسيد العالم‪ ،‬هو‬
‫الخير والنماء‪ ،‬هو الحب الذي ل ينتهي‪ ،‬هو ال الطيب‪ ،‬الذي يحب الأهيما أو السلم‪،‬‬
‫ويرنو إلى الهدوء والهناء والاستمتاع بالحياة‪ ،‬يحب النوم والراحة‪ ،‬وقد سعد لخلقه أول‬
‫البشر‪ ،‬مشيا أو آدم‪ ،‬على شاكلته‪ ،‬وحبه كثاي ار فأبدع له زوجة هي مشيانا أو حواء‬
‫واستمتع بمتابعة تصرفاتهما وأسلوب حياتهما‪ ،‬ساعدهما على التزاوج والنجاب‬
‫وأسكنهما ونسلهما جناته وحدائقه الغناء تجرى من تحتها النهار‪ ،‬وأباح للبشر‬
‫الاستمتاع بكل مباهج الحياة‪ ،‬فقط حرم عليهم أكل الحنطة ودشرب الدم‪ ،‬متعته تكمن في‬
‫ممارسة قدرته على الخلق والبداع‪ ،‬كل يوم فاكهة جديدة‪ ،‬نبات رائع‪ ،‬خضار يانع‪ ،‬كل‬
‫يوم يبدع طيرا جديدا يغرد في سمائه‪ ،‬سمكة رائعة تزين بحاره وأنهاره‪ ،‬حيوانا لحمه‬
‫طيب يسعى في غاباته ومروجه الخضراء‪ ،‬أهدى البشر النار ومنحهم النور‪ ،‬صنع‬
‫الحياة ليستمتع بها وخلق البشر ليعرفوه وليؤنسوا وحدته‪ ،‬قضت حكمته أل حاجة للبشر‬
‫بالمعرفة والعلم أكثار مما علمهم هو إياه‪ ،‬معرفة بسيطة وعلم محدود يكفى ليستمتعوا‬

‫‪200‬‬
‫بحياتهم‪ ،‬فالمعرفة الحرة ستحرمهم من الاستمتاع بالحياة والعلم الممدود سيمنحهم القلق‬
‫والتعاسة‪ ،‬قدر لهم الموت ل لشيء إل لنه ينتشي بتجديد الخلق والحياة‪ ،‬ل بعث ول‬
‫حساب‪ ،‬هي فار فهار‪ ،‬أرواح تتوالد لتجدد معها نشوة الله الذي يفرح بمتابعه مخلوقاته‬
‫ويسعده تنوع وتناقض سلوكياتها‪.‬‬
‫للف السنين سارت الحياة على الرض كما أرادها أهو ار راهمان‪ ،‬ولكن قرينه‬
‫إله الظلام‪ ،‬الذي نبع من الفراغ الذي تركه الله أهو ار حين خرج من نور الله السمي‪،‬‬
‫وحين قبض منه ليخلق الكون‪ ،‬ويعرف باسم أنفروماثايوس أو أهريمان‪ ،‬الذي هو‬
‫بجفنتارو‪ ،‬هو إنكى الذي هو سوكاريس‪ ،‬فولكان الذي هو طارطاروس‪ ،‬هو أند ار الذي‬
‫هو ماروت‪ ،‬هو أريشكيجال الذي هو توسكو‪ ،‬ويدعى إله الظلم والدمار‪ ،‬إله الموت‬
‫والجحيم والصواعق‪ ،‬إله العالم الخر‪ ،‬عالم العشر واللسحر والعمكر‪.‬‬
‫إله الشر هذا غار غيرة خبيثاة من قرينه‪ ،‬إله النور والخير‪ ،‬في أول المر حاول‬
‫تقليده في خلقه‪ ،‬فخلق أول ما خلق أرواحا لغواء البشر‪ ،‬خلق للنساء إيزاناكي ليحثاهن‬
‫على الفجور‪ ،‬وللذكور إيزاتاخي ليوسوس في صدورهم بالحقد والعنف‪ ،‬خلق مخلوقات‬
‫لتعبده ويتحكم بمصائرها كما يفعل قرينه‪ ،‬فجاء صنعه مسخ ا‪ ،‬خلق السيرينيات بأجسام‬
‫طيور ضخمة ورؤوس نساء‪ ،‬والرافانات كل منها بعشرة رؤوس‪ ،‬خلق الغناطير وحوشا‬
‫مرعبة بجسم حصان ورأس إنسان‪ ،‬وخلق الساطير بذيل وأذن فرس‪ ،‬بعدها خلق التيتان‬
‫الشريرة والساج عفاريت الوبئة‪.‬‬
‫دأب إله النور علي القضاء على مخلوقات أهريمان الشريرة‪ ،‬فامتل الخير‬
‫غيظ ا وحقدا على مخلوقات الول فعمل على تدميرها‪ ،‬فخلق البراكين والزلزل‪ ،‬وأطلق‬
‫الديناصورات الضخمة‪ ،‬خلق البرد والعحر‪ ،‬ولن قدرة إله الحق كانت تحبط مشيئته‬
‫الشريرة‪ ،‬تحول حقده إلى قرينه أهورا‪ ،‬فتودد إليه وأبدى ندمه على تعكير صفوه‪ ،‬وأقنعه‬
‫بأن يتناولا العشاء الرباني احتفالا بالصلح بينهما‪.‬‬
‫منذ ثامانية آلف عام بحساب أهل الرض‪ ،‬وهو ما يساوى يوما واحدا من أيام‬
‫السماء‪ ،‬وفى يوم حزين‪ ،‬يعرف بيوم روس هشنا‪ ،‬أعد أهريمان وجبة من طعام الآلهة‪،‬‬
‫من لحم الحمامة اللهية إنفو‪ ،‬حمامة بيضاء وبحجم الجبل‪ ،‬وكان قد سقاها حتى‬
‫الثامالة من ماء بئر سدرة المسحور‪ ،‬الموجود فى قاع الجحيم المظلم‪ ،‬أور‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫خر في سبات عميق‪ ،‬واستولى أهريمان على‬
‫تناول أهو ار اللحم المسحور ف ع‬
‫الكون‪ ،‬وراح ديعد عدته ويجهز الكون لمعركته القادمة مع أهو ار حال استيقاظه‪ ،‬بعد‬
‫ثامانية آلف عام من عمر الرض‪ ،‬فأرسل إلى الرض جيش ا من عدة آلف من‬
‫ملئكته الشرار‪ ،‬ملئكة اليازتا‪ ،‬يقودهم مائتان من ملئكة الميشا بنتار‪ ،‬ويأتمر جيش‬
‫الملئكة هذا بأمر الخوهو ماناه‪ ،‬رئيس الملئكة الروح أوزير‪.‬‬
‫هبط جيش ملئكة الله الساطي ليعسكر في صحراء سيناء‪ ،‬ومنها هبط إلي‬
‫وادي النيل بمصر‪ ،‬حيث كانت الحياة بدائية لقصى درجة‪ ،‬كانت الناس تجمع الفاكهة‬
‫والنباتات وتصيد الحيوانات والطيور لتؤمن طعامها يوم ا بيوم‪ ،‬ظهر لهم أوزير وجيشه‬
‫على أنهم شعب مهاجر من أقصى الرض بعد أن أتى على بلدهم زلزال مدمر‪،‬‬
‫وادعوا بأن ال هو من دلهم على أرض مصر ليسكنوها مع أهلها الطيبين‪ ،‬وأقنعهم‬
‫أوزير بأنه يمكنه تحويل حياتهم لتصبح مريحة ومرفهة‪ ،‬علمهم بناء المدن وتأمين‬
‫الطعام‪ ،‬وعلمهم السمر والمرح لتصبح حياتهم رغدة كما حياة اللهة‪.‬‬
‫بثاهم العلم وقواعده وأطلعهم على المعرفة وأسرارها‪ ،‬وعلمهم مساعده نابو‬
‫الكتابة وعلوم الفلك واللسلحر‪ ،‬علمهم الملك إيا صنع الفلك وركوب النهر والبحر وصيد‬
‫السمك‪ ،‬وعلمتهم ملئكة الهفتات السبعة حساب الوقت والزراعة والصناعة والمخيط‪،‬‬
‫ودربهم فيلق ملئكة التيتان على أعمال الحرب لحماية مدنهم الجميلة وحقولهم الغناء‪،‬‬
‫وتولى أيضا الحكيم أوزير تعليمهم الحكمة والطب‪ ،‬وعلمهم كيف يستخدمون العقل‬
‫وأسس التفكير المنطقي‪ ،‬لتطوير حياتهم ولتأمين خبزهم‪ ،‬وأقنعهم بالاعتماد على أنفسهم‬
‫بدلا من ذل اللهة والخضوع لتقلبات أمزجتهم‪.‬‬
‫انفجرت الحضارة في بر مصر‪ ،‬وتعلم النسان كيف يملك مصيره‪ ،‬وشيدت‬
‫المدن الكبيرة وازهرت أرض مصر الشاسعة‪ ،‬وفاحت في أرجائها رائحة الدخبز‪ ،‬وتكاثار‬
‫الناس وملـَئـَوا الرض حياة وعمارة‪.‬‬
‫ولعظيم صنيعهم‪ ،‬تزوج أوزير من إيزي ملكة مصر‪ ،‬وعأغوت نساء مصر جيش‬
‫أوزير فتزوج منهم ملئكة إله الظلم واختلط النسل‪ ،‬وخرجت مجموعات من المصريين‬
‫بقيادة ملئكة البغي لجل نشر الحضارة والمعرفة في ربوع الرض فجابوا سواحل لبنان‬

‫‪200‬‬
‫وبلد ما بين النهرين‪ ،‬ونزلوا سوريا ومنها إلي أوروبا‪ ،‬وانتشروا في ربوع إيران والهند‬
‫وبعض مناطق الصين‪.‬‬
‫تحول أمر الوجود تمام ا‪ ،‬الإله الساطي بات هو من يعمل بجد لنقاذ البشر‬
‫ولحماية الكون الذي استولى عليه‪ ،‬وروح إله الحق هي من تحاول تدمير الرض بمن‬
‫عليها في كل مرة تحاول مقاومة تأثاير السحر الذي يقيدها‪.‬‬
‫يعتقد أصحاب تلك الديانة بأن غالبية البشر الن‪ ،‬بخلياهم جينات من البشر‬
‫ومن ملئكة البغي وهم البشر الخليط‪ ،‬وهناك قلة من البشر اليوم‪ ،‬وهم نسل من فروا‬
‫من ملئكة أوزير‪ ،‬قد حافظوا علي نقاء دمائهم وجيناتهم ويسمونهم البشر الخالص‪.‬‬
‫ولن البشر الخليط كانوا أكثار قوة وذكاء‪ ،‬فقد سيطروا على العالم‪ ،‬بالسياسة‬
‫وبالمال والسلح والديان‪ ،‬وقد حرضهم إله الظلم علي محاربة إله النور بعدما سماه‬
‫لهم‪ ،‬بالخديعة والتزوير‪ ،‬بعل بزول الذي هو ست أو ستان‪ ،‬الذي هو الشيطان أو‬
‫إبليس‪ ،‬وليساعدهم علي تجهيز الرض لمحاربته حال استيقاظه‪ ،‬داوم علي إرسال‬
‫العشرات من ملئكته ليتجسدوا بش ار وبقدرات خاصة‪ ،‬كانوا يحلون بأرحام نساء السر‬
‫القوية والتي يتقلد أفرادها مناصب حساسة‪ ،‬مما يمكنهم من تبوأ أهم المناصب السياسية‬
‫والاقتصادية والعلمية في جميع دول العالم‪ ،‬وذلك بمساعدة وحماية كهنة إله البغي‪،‬‬
‫والذين دأبوا علي إنشاء التنظيمات السرية لمطاردة البشر الخالصين ولفرض سيطرتهم‬
‫على العالم‪.‬‬
‫وفى اعتقادهم أنه في الشهر التاسع من العام ‪2012‬م‪ .‬سينتهي اليوم اللهي‪،‬‬
‫ويزول أثار الطعام المسحور‪ ،‬وحينئذ‪ ،‬وبل شك‪ ،‬سيدمر إله الحق‪ ،‬إله البغي وملئكته‪،‬‬
‫ثام يهبط الرض ليشن حربا مدمرة ليقضى على كل البشر الخليط ليصبح الكون كله‬
‫خالص ا له ولخلقه النقي‪ ،‬كون ا له وجه واحد هو الحياة والسلم والمان‪ ،‬جنة بل نار‪،‬‬
‫حياة دائمة بل مرض أو موت‪ ،‬ل خوف ول ضعف‪ ،‬حرية مطلقة‪ ،‬واستمتاع بل حدود‪.‬‬
‫ولكي يدرب إله البغي البشر على طاعته فقد قيد حريتهم في إشباع غرائزهم‬
‫بشرائع عجيبة‪ ،‬وأثاقل كاهلهم بقرابين الدم وبطقوس ل يقرها عقل‪ ،‬وعتعمعد إذللهم‬
‫فأجبرهم على تقديس الطبيعة من جبال وأحجار‪ ،‬الشمس والقمر والنجوم‪ ،‬الناقة والفرس‬
‫والبقرة‪ ،‬وكذا الشكال الهندسية‪ ،‬خاصة الدمكعبةع والدمتقاطعة منها‪ ،‬وأجبرهم على تشييد‬

‫‪200‬‬
‫المعابد الفسيحة‪ ،‬المكشوفة منها والمسقوفة‪ ،‬ولم ينفك عن تحريضهم علي خوض‬
‫الحروب المدمرة فيما بينهم ليشبع رغبته في الشر والتدمير‪.‬‬
‫كانت روح الله النائم تحوم حول الرض وعباده من البشر الخالصين‪ ،‬توحي‬
‫إليهم بالصبر وتمدهم بالقدرة على مقاومة الفساد والشر‪ ،‬فكانت نبوءات ودعوات العديد‬
‫هباء بفعل مكر إله‬
‫من النبياء والرسل‪ ،‬ويا لحسرة البشر‪ ،‬ذهب جهد النبياء والرسل ا‬
‫البغي ودهاء من أرسلهم من أنبياء ورسل‪ ،‬وجدوا دائما ضالتهم وخلفاءهم في فساد عتاة‬
‫البشر الخليط‪.‬‬
‫وقد تمكن بعض البشر الخالصين من الفتك بأوزير فمزقوه إرب ا وبعثاروا أج ازءه‬
‫في أرجاء مصر‪ ،‬إل أن زوجته إيزى‪ ،‬وبمساعدة ملئكته نجحت في جمع أشلئه‬
‫وهبطت به للعالم السفلى‪ ،‬تحت الأرض السابعة‪ ،‬بعدما أجلست ابنهما الخليط حور‬
‫على عرش مصر‪ ،‬ومع موت أوزير انسحب جيش ملئكة البغي وارتفعوا للسماء‪ ،‬وكما‬
‫هو متوقع‪ ،‬قدس البشر الخليط الملك أوزير ونصبوه إلها لعالم الموتى ونسجوا من‬
‫حوله الساطير‪.‬‬
‫ظلت الحقيقة المطلقة لملك ا للبشر الخالصين‪ ،‬الذين وهبوا أنفسهم لمساعدة‬
‫خالقهم في مسعاه لاسترداد عرش الكون‪ ،‬نظموا أنفسهم في جماعة سرية لمقاومة شر‬
‫البشر الخليط وإلههم الباغي‪ ،‬أسموها جماعة الناجين من الدمار‪ ،‬وتحتفظ قيادة‬
‫الجماعة بالحقيقة المطلقة شفاهاة‪ ،‬وتتوارثاها في سرية تامة عبر الجيال‪.‬‬
‫وتحكى الساطير والمعلومات العجيبة‪ ،‬التي جمعتها من كل بلد العالم‪ ،‬أن‬
‫البشر الخالصين تمكنوا من إغراء الملك أمنحتب الثاالث للزواج من الملكة تي‪،‬‬
‫الخالصة النقية‪ ،‬وضاجعها س ار أحد الكهنة الخالصين‪ ،‬فأنجبت أمنحتب الرابع‪ ،‬ولى‬
‫عهد ملك مصر‪ ،‬بش ار نقياا‪ ،‬وكان هذا مخطط ا ذكياا لعادة السيطرة على العالم‪،‬‬
‫وبالفعل تولى إخناتون دملك مصر وأخذ يدعو البشر إلى التوبة وعبادة ال الواحد الحد‪،‬‬
‫وتواترت الخطة الذكية في أنحاء كثايرة من العالم‪ ،‬فكان هناك زرادشت وميثاه ار وبوذا‪،‬‬
‫وغيرهم من النبياء والمرسلين‪ ،‬ولكن مكر البشر الخليط أحبط جهد رسل الخير‪،‬‬
‫وسقطت مصر في يد الشرار مرة دأخرى‪ ،‬فتأكد كهنة الجماعة أنه ل أمل لهم إل بإيقاظ‬
‫ال من نومه إوابطال السحر السود الذي سقط ضحيته‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ت إليهم روح إله النور بالتخطيط لتدمير العالم في نفس موعد تناول‬
‫وقد أعبوحع ب‬
‫العشاء الرباني‪ ،‬لحظة بدء اليوم اللهي التالي‪ ،‬يوافق شهر سبتمبر ‪2012‬م بحساب‬
‫أهل الرض‪ ،‬حيث تتحقق بتدمير العالم رغبته وأمنيته المقدسة في الانتقام من غريمه‬
‫وكذا تدمير ملئكته ومحو كل عبثاهم بالكون وبمخلوقاته‪.‬‬
‫انصب جل نشاط جماعة } الناجون من الدمار { على التجهيز والتخطيط‬
‫للسيطرة على العالم ليتمكنوا من تدميره حينما تحين اللحظة‪ ،‬إلى أن اكتشف أمرهم في‬
‫القرن الخامس عشر‪ ،‬فشنت جيوش المبراطوريات‪ ،‬السبانية والبرتغالية والعثامانية‪،‬‬
‫حرب ا ل هوادة فيها علي الجماعة فاقتلعتها من جذورها‪ ،‬ولكن حدث أن تمكن بعض‬
‫أعضاؤها من الهرب إلى العالم الجديد بأمريكا الشمالية والجنوبية‪ ،‬وبعض دول أفريقيا‪،‬‬
‫وكمن الكهنة والفقهاء بمكان سري بسيناء‪.‬‬
‫في القرن السابع عشر تمكنت الجماعة من إعادة تجميع صفوفها‪ ،‬وبدأت العمل‬
‫بتكتيكات جديدة ومثايرة‪ ،‬فتغير المر مرة أخري‪ ،‬ونجح أعضاؤها في اختراق‬
‫التنظيمات السرية لكهنة البشر الخليط‪ ،‬وزرعوا العديد من أعضاء الجماعة في صفوف‬
‫المحافل الماسونية وبنوادي الروتاري والليونز على مستوى العالم‪ ،‬وسيطروا على‬
‫عصابات مافيا السلح والمخدرات في العالم‪ ،‬وساعدوا علي تشكيل العشرات من‬
‫جماعات التطرف الديني والعرقي بجميع أرجاء المعمورة‪.‬‬
‫استعان مجلس الكهنة بقدرتهم على السحر واستحضار الروح الهقدوش‪ ،‬في‬
‫قصر الاكتشافات العلمية والتطبيقات التكنولوجية الهامة فى مختلف المجالت على‬
‫العلماء من أعضاء جماعتهم‪ ،‬كما زودوا رجال العمال والتجار من أعضاء الجماعة‬
‫بأسرار السواق والبورصات العالمية‪ ،‬وكذا بالتوقعات الحقيقية لحداث المستقبل‪ ،‬كما‬
‫تمكنوا من الدفع برجالهم إلى الصفوف المامية في عالم السياسة ودنيا العلم بكل‬
‫دول العالم تقريباا‪.‬‬
‫ازداد المر تعقيداا‪ ،‬البشر الخليط يعد العدة لحربه القادمة‪ ،‬والبشر الخالص‬
‫بدوره يجهز أسلحته لتدمير العالم! ‪ ،،،‬خلف من أسعى؟! ‪ ،،،‬من يضغط على الزناد‬
‫ل؟!‪.‬‬
‫أو ا‬

‫‪200‬‬
‫كانت دهشتي عظيمة‪ ،‬من عقائد وديانات جماعات كنت أعتبرها متحضرة‬
‫للغاية‪ ،‬ويحتل أعضاؤها قمة الهرم العلمي والسياسي وكذا الاقتصادي بالعالم‪ ،‬تعجبت‬
‫لقدرة النسان على أن يكذب ويصدق نفسه‪ ،‬حتى إنه يضحي بعمره للدفاع عن عقائد‬
‫هو نفسه من أبدعها عبر أجياله‪ ،‬ثام يخدع نفسه وينسبها للسماء!‪.‬‬
‫لم أصدق أنه‪ ،‬وفي القرن الحادي والعشرين‪ ،‬ما زال هناك من يؤمن بتلك‬
‫الخرافات‪ ،‬ولكنى بعد ذلك قرأت العجب العجاب عندما قررت تتبع أسطورة انتظار‬
‫المخلص‪ ،‬وكذا العودة الثاانية للمسيح ومثالها قصة المسيح الدجال والمهدي المنتظر‪،‬‬
‫جميعها تتحدث عن الحرب بين أتباع ال والشيطان‪ ،‬وفى الحقيقة اتفقت الساطير في‬
‫المضمون إوان تباينت في الشكل والصياغة‪.‬‬
‫كيف لحدهم أن يؤمن بأن مدينة القدس الحقيقية قد رفعها ال للسماء وأنها‬
‫سوف تهبط بأسوارها من السماء بصحبة يسوع في عودته الثاانية للض؟!‪ ،‬كيف‬
‫لحدهم أن يصدق أن الحرب بين المسيح الدجال والمهدي المنتظر ستكون بالسيوف‬
‫والحراب وبين راكبي الخيل؟!‪.‬‬
‫فكرة عودة الله للرض متواترة في كل الديان‪ ،‬فكنيسة الدفنتست تدعى أن‬
‫المسيح هبط بالفعل للرض وقد بدأ في محاسبة الموتى!‪ ،‬وفكرة المهدي المنتظر‬
‫راسخة في الديانة الزرادشتية‪ ،‬وقد أورثاتها للديانة السلمية وخاصة لمذهب الشيعة‬
‫الفارسي‪ ،‬وهناك جماعات تؤمن ببوذا المنتظر!‪.‬‬
‫ومعركة هيرمجدون في عقيدة الكنيسة الإنجيلية وعقيدة شهود يهوه‪ ،‬تتطابق‬
‫فكرتها مع فكرة الصراع بين المسيح الدجال والمهدي المنتظر لدى المسلمين‪.‬‬
‫حركة المولودين ثاانيةا بأمريكا يجلدون أنفسهم ليطهروها ويكفرون عن ذنوبهم‪،‬‬
‫كما يفعل شيعة العراق إوايران‪ ،‬أملا في دخول المدينة المقدسة التي ستهبط من السماء‬
‫ثاانية وتدعو أعضاؤها لجلد‬
‫ومثالها جماعة جلدو الذات والتي تؤمن بعودة المسيح ا‬
‫أنفسهم للتطهر‪ ،‬ومثالهم جماعة القساوسة التورانيين‪.‬‬
‫وقد أذاعت شبكة هشيم نت‪ ،‬اليهودية المتخصصة في عرصد علمات يوم‬
‫القيامة‪ ،‬أن حرب يأجوج ومأجوج وظهور المسيح اليهودي سيكون فى الفترة من نهاية‬
‫‪2011‬م إلى نهاية ‪2012‬م‪ .‬وادعت أن هناك ساعة يتوارثاها الحاخامات‪ ،‬جيلا بعد‬

‫‪200‬‬
‫جيل‪ ،‬يسمونها ساعة المسيح اليهودي المنتظر‪ ،‬وعندما تشير عقارب تلك الساعة إلى‬
‫ظهر المسيح اليهودي نفسه من تل أبيب ليقود اليهود لغزو‬
‫سي ل‬
‫الثاانية عشر بالضبط‪ ،‬د‬
‫العالم والانتقام من جميع أعدائهم‪ ،‬وهى ساعة من الذهب الخالص ولها إطار من‬
‫الفضة‪ ،‬الدمريب في المر هو أن حاخامات القبالة يحددون عدد اليهود الطاليت‬
‫) الذين يرتدون الطاليس اليهودي (‪ ،‬والذين سيتبعون المسيح في حربه‪ ،‬برقم السبعين‬
‫عألف‪ ،‬وقد شدعدوا على أنهم الملتزمون بالصلوات اليهودية الثالث‪ ،‬لم أكن أعرف أن‬
‫اليهود يصلون ثالث مرات‪ ،‬أتكون صلتهم كتلك التي أديناها بمعسكرات الجماعة؟‪.‬‬
‫أربكتني المعلومات التي تدفقت على‪ ،‬خلل بحثاي بالمواقع اليهودية والمسيحية‬
‫والسلمية على الشبكة العنكبوتية‪ ،‬كنت أعرف أن الرقم سبعين رقم دمقدس لدى‬
‫الديانات البراهيمية الثالثاة‪ ،‬ولكن الجديد هو أن رقم السبعين ألف هو نفس الرقم الذي‬
‫حدده الرسول محمد ) عليه الصلة والسلم ( لتباع المسيح الدجال الذي يسبق ظهور‬
‫المهدي المنتظر!‪ ،‬وهو نفس ععدد أعضاء جماعة الناجون من الدمار!‪.‬‬
‫ملمح مسيح اليهود المنتظر تتطابق مع ما ذكره الرسول عليه الصلة والسلم‬
‫عن صفات المسيح الدجال!‪ ،‬والمدهش حق ا هو ما طرحه الحاخامات اليهود عن‬
‫شروط حرب يأجوج ومأجوج‪.‬‬
‫قالوا إن زلزال عنيف سيدمر إسرائيل ومن بعدها ستدعدلمر الزلزل والفيضانات‬
‫الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬ثام تبدأ حروب نووية تغطى جميع أنحاء العالم‪ ،‬لتبدأ معها‪،‬‬
‫وتحديدا في الربع الخير من العام ‪2012‬م‪ ،‬الجولة الولى من حرب يأجوج ومأجوج‬
‫ليذهب ضحيتها ملياران ونصف من البشر‪ ،‬وفى الجولة الثاانية سديباد ملياران‬
‫آخران!‪.‬‬
‫هل هي مصادفة أن تتطابق الرقام والمواقيت‪ ،‬إنها لصدفة عجيبة ومريبة! ‪،،،‬‬
‫كيف تقوم حرب كهذه؟! ‪ ،،،‬ل أفهم!‪ .‬ولكن ما لفت انتباهي بقوة هو ما قاله الحاخام‬
‫كرادي الذي تنبأ بإعصار توسينامى‪ ،‬الذي ضرب سواحل شرق أسيا‪ ،‬قبل حدوثاه بعام‬
‫كامل‪ ،‬قال‪.‬‬
‫‪ -‬إن ال سيضرب العالم بسلسلة من الكوارث الطبيعية ليدمره قبل اندلع حرب‬
‫يأجوج ومأجوج‪ ،‬وقال أيضا أن إعصار توسينامي‪ ،‬وكذلك إعصار كاترينا الذي‬

‫‪200‬‬
‫ضرب ولية أورليانز بأمريكا‪ ،‬ما هما إل بروفة صغيرة ليوم الخسف الذي سينال‬
‫شرق العالم وغربه!‪.‬‬
‫إنه لمر مدهش أن يدعي الحاخام إمتون يتسحاق بأن حرب ا عنيفة لدرجة ل‬
‫يتصورها عقل قد اندلعت منذ سنوات بين الملئكة بالسماء!‪ .‬أي حرب تلك بين ملئكة‬
‫السماء؟! ‪ ،،،‬وكيف تكون تلك الحرب؟! ‪ ،،،‬وما هي أسلحتها؟! ‪ ،،،‬وعلاعم يتحاربون؟!‬
‫‪ ،،،‬ولصاللح من يتصارعون؟!‪.‬‬
‫سياسيون ورؤساء دول تؤمن بالعودة الثاانية للمسيح أو بظهور المهدي المنتظر‪،‬‬
‫أركان نظام المللي في إيران يؤمنون بظهور المهدي المنتظر في العام ‪2012‬م‪ ،‬وبأنه‬
‫سوف يدمر الوليات المتحدة إواسرائيل ويقضى على كل أركان العشر في العالم! ‪ ،،،‬هل‬
‫يعقل أن ينازل رئيس دولة نامية الوليات المتحدة استنادا على أسطورة! حق ا إن النسان‬
‫أسير لما يعتقد‪.‬‬
‫كلما تعمقت في قراءاتي وأبحاثاي ازداد المر غموضاا‪ ،‬كل الديانات تشترك في‬
‫الاعتقاد بعودة الله للرض‪ ،‬عودة سوف تلزمها حرب ضروس لتدمير الشر ليعم‬
‫بعدها السلم والمان أرجاء الدنيا!‪ ،‬وتتشابه الديان البراهيمية الثالثاة‪ ،‬خاصة في‬
‫المواعيد التي تطرحها لظهور علمات الساعة وعودة المخلص اليهودي أو المسيح أو‬
‫المهدي المنتظر‪ ،‬بل وتتطابق في مضمون ما تطرحه من شرائع هي في حقيقتها تعبير‬
‫عن شعور‪ ،‬المؤمنين بتلك الديان‪ ،‬بذنب دفين في أعماق النفس‪ ،‬ويتضح ذلك من‬
‫تبنيها لطقوس وقرابين هي في حقيقتها محاولة دمخلصة ويائسة للاعتذار للخالق عن‬
‫خطلأ ما‪ ،‬ولنيل عفوه وغفرانه!‪.‬‬
‫المدهش أن التنبؤات اليهودية بنهاية العالم تتطابق مع ما يعتقد المسلمون بأنها‬
‫العلمات الصغرى والكبرى ليوم القيامة‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫قرأت في جريدة النيوز ويك المريكية خبرا منسوبا لوكالة ناسا الفضائية‬
‫المريكية‪ ،‬يتحدث الخبر عن أن هناك دجرم ا فضائياا‪ ،‬هائلا في حجمه‪ ،‬سوف يرتطم‬
‫بالرض في شهر سبتمبر ‪2012‬م‪ ،‬وسوف يؤدى هذا الارتطام إلى انبعاث غازات‬
‫ل‪.‬‬
‫سامة دتصاحبها إشعاعات شمسية سوف تدمر الحياة على الرض تدمي ار كام ا‬

‫‪200‬‬
‫ل‪ ،‬وادعت أن الكاتب يتبنى نبوءات قبائل‬
‫عكعذبت وكالة ناسا الخبر جملة وتفصي ا‬
‫المايا بأمريكا الجنوبية‪ ،‬وأكدت على أنها ل عتحجب أي معلومات عن الشعب المريكي‪،‬‬
‫وقد سعخعرت الوكالة في ردها من محرر الخبر بشكل قاسل‪.‬‬
‫لم أطمئن لطريقة صياغة الخبر ول لسلوب تكذيبه السريع والمستهتر‪ ،‬وما زاد‬
‫من شكوكي هو انقطاع الحديث حول هذا المر بشكل حاد ومثاير وغير معهود في دنيا‬
‫الصحافة‪.‬‬
‫بات المر برمته مثاير للريبة ‪ ،،،‬لماذا هذا التاريخ الذي ذكره الخبر؟ ‪ ،،،‬هل‬
‫سيكون يوم الارتطام هو يوم القيامة؟ كيف يكون يوم الدمار هو يوم القيامة؟! ‪ ،،،‬من‬
‫سيقوم في هذا اليوم؟ ‪ ،،،‬ال أم الموتى من البشر؟! الحياء ستموت قبل قيامة‬
‫الموات‪ ،‬فلماذا سمى بيوم القيامة وليس بيوم الموت‪ ،‬يوم اللم والعذاب‪ ،‬يوم الهول‬
‫العظيم والدمار الكيد؟! في الحقيقة كنت أجد كلمة راغناروك أشمل من يوم القيامة‬
‫لوصف هذا اليوم الموعود؟!‪.‬‬
‫بعد عدة محاولت تمكنت من الاتصال هاتفي ا بالصحيفة وتحدثات مع الصحفي‬
‫جيمس راؤول محرر الخبر‪ ،‬ادعيت بأنى أعمل بوكالة الفضاء البريطانية وأن لدى‬
‫معلومات هامة قد تساعده في دتدعيم الخبر المثاير الذي كذبته وكالة ناسا‪ ،‬كان الرجل‬
‫متحفظ ا في كلمه معي لقصى حد‪ ،‬ولكنى نجحت في اقتناص مقابلة معه بواشنطن‬
‫خلل أيام‪.‬‬
‫بذلت جهودا مضنية لتنويم عقلي مغناطيسيا من أجل الوصول للحالة الذهنية‬
‫ألفا آملا في اقتناص خطة محكمة للسيطرة على هذا الصحفي وسبر أغواره‪ ،‬وبعد عدة‬
‫محاولت فاشلة نجح المر أخي ارا‪ ،‬مما منحنى سعادة لم أتذوقها منذ أسابيع طويلة‪ ،‬فها‬
‫أنا ذا أستعيد قدراتي على الحلم وتصور المستقبل‪ ،‬تلك القدرات التي كنت فقدتها تمام ا‬
‫بسبب انشغالي لشهور في البحث في الديانات القديمة وفي أساطير الشعوب المختلفة‪.‬‬
‫ذهبت من فوري إلى الطبيب لتأكد من أن بصمات أصابعي هي بصمات‬
‫محمد يوسف‪ ،‬وأنه لم يحدث بها تغيير منذ أن غيرتها بعد خدعة حمدان وخيانته لي‪،‬‬
‫فإجراءات التفتيش والفحص بالمطارات المريكية دقيقة وصارمة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫تقابلت معه‪ ،‬شاب في العقد الرابع من عمره‪ ،‬وعلى الرغم من تمتعه بوسامة‬
‫حبط ا بامتياز‪ ،‬وقد أثاار ضيقه وعمق من‬
‫واضحة وثاقافة عميقة إل أنه كان إنسان ا دم ع‬
‫إحباطه التكذيب الدمهين لسبقه الصحفي بخصوص نهاية العالم في عام ‪2012‬م‪.‬‬
‫وكما توقعت دارت بيننا مباراة في الذكاء حسمها هو لصالحه عندما قال إن‬
‫وكالة ناسا كانت محقة في تكذيبها‪ ،‬وأنه قام بنشر الخبر على مسئوليته لتنبيه العالم‬
‫لمؤامرة مجهولة دتحاك ضده‪ ،‬ثام فاجأني بقوله إنه متأكد من أنى ل أملك أي دليل يساند‬
‫ادعاءه بنهاية العالم في عام ‪2012‬م‪ ،‬وأنه غير مرتاح لهدفي من لقائه‪ ،‬ثام اتهمني‬
‫مباشرة بأني أسعى خلفه من أجل مطاردة مصدره‪.‬‬
‫سألته عن مصدر الخبر فحاول أن يكون فظا غليظا ليبعدني عن طريقه وأقسم‬
‫أنه لن يتعاون معي أبدا مهما كلفه المر‪ ،‬أسقط في يدي‪ ،‬صارحته بما لدى من‬
‫معلومات عن مؤامرة تحاك بالفعل ضد البشرية‪ ،‬الدمدهش أنه صدقني في كل ما قلته‪،‬‬
‫بل أكد على كلمي‪.‬‬
‫وثاق بي الرجل وأخبرني بأن له صديق ا‪ ،‬أستاذ كرسي للكيمياء الحيوية بجامعة‬
‫هارفارد‪ ،‬وهو رجل طيب القلب ومسيحي مؤمن‪ ،‬ومتزوج من أستاذة للفيزياء النووية‬
‫بنفس الجامعة‪ ،‬صديقه هذا لحظ تغيرات كبيرة في شخصية زوجته وسلوكها في الفترة‬
‫الخيرة‪ ،‬راحت تتغيب كثاي ارا‪ ،‬وعلى غير عادتها‪ ،‬عن المنزل وعن الجامعة‪ ،‬ناقشها في‬
‫المر فتعاملت معه بعصبية زائدة وغضب شديد‪ ،‬ورفضت حتى مجرد الكلم معه‪،‬‬
‫وبعد عدة شهور فوجئ بطلبها الانفصال عنه‪.‬‬
‫في أول المر تصور الرجل أن زوجته على علقة بآخر‪ ،‬بدأ في مراقبتها‪،‬‬
‫فوجئ بترددها علي قس معروف‪ ،‬يتبع الكنيسة النجليكانية بنيويورك‪ ،‬ولنها لم تكن‬
‫مؤمنة من قبل‪ ،‬كانت دهشة الرجل كبيرة عندما تتبعها وهى تدخل تلك الكنيسة لتختفي‬
‫بداخلها لأيام‪ ،‬وعندما تكرر المر وازداد غموضاا‪ ،‬قرر تفتيش حجرتها وأمتعتها لعله‬
‫يعثار على شيء ما يفسر له ما يدور حوله من أحداث‪ ،‬فعثار على كتيب‪ ،‬مكتوب بخط‬
‫اليد‪ ،‬يحتوي علي تعاويذ سحرية وتراتيل ودعوات غريبة لجماعة تسمى نفسها جماعة‬
‫الناجين من الدمار‪ ،‬وتؤمن هذه الجماعة بعودة إله النور للرض‪ ،‬بعد استيقاظه من‬
‫سبات طويل بسبب تناوله لطعام مسحور أعده له إله الظلم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ضربني دوار عنيف وراح يدق رأسي صداع مقيت‪ ،‬واجتاحني شعور باليأس‬
‫والضياع حتى أنى اقتربت من الرجل لتحسسه لتأكد من أنه حقيقي‪ ،‬وبأني ل أحلم‪،‬‬
‫أو وقعت فريسة لمجهول يتلعب بي!‪.‬‬
‫اكتشفت أنه عبث بمتعلقاتها الشخصية‪ ،‬هددت بتدميره وإخفائه‪ ،‬مع أولده‪ ،‬من‬
‫على وجه الرض لو أنه تحدث في المر‪ ،‬حتى مع نفسه‪ ،‬فهو وأولده كفار تجرى في‬
‫عروقهم وشرايينهم دماء ملئكة الشر والبغي‪ ،‬نجح الرجل في استعطافها إواقناعها بأنه‬
‫لن يتطرق لهذا المر حتى مع نفسه‪.‬‬
‫منذ لحظة المواجهة مع زوجته والرجل يرتعد خوف ا علي أولده‪ ،‬ولنه رجل مؤمن‬
‫فهو يخاف ال أكثار‪ ،‬ولنه رجل يفكر بشكل منطقي‪ ،‬فقد تأكد من أن صمته لن ينجيه‬
‫أو ينجي أبناءه‪ ،‬خاف أن يقتل قبل أن يستطيع تنبيه العالم لما يحاك ضده من مؤامرة‬
‫مدمرة‪ ،‬وهداه تفكيره لن يلجأ إلى صديقه جيمس راؤول ليشركه في المر‪ ،‬وبحسه‬
‫الصحفي راح جيمس يراقب زوجة صديقه‪ ،‬الدكتورة كريستينا‪ ،‬فتأكد من حقيقة اختفائها‬
‫لفترات طويلة داخل الكنيسة الأنجليكانية‪ ،‬وزاد من هاجسه مشاهدته لشخصيات سياسية‬
‫وعلمية واقتصادية‪ ،‬معروفة بأمريكا وأوروبا‪ ،‬وهى تتسلل إلى تلك الكنيسة لتختفي‬
‫بداخلها لساعات طويلة‪ ،‬ولنه ل يملك معلومات مؤكدة عن حقيقة ما يحدث‪ ،‬ولنه ل‬
‫يملك رفاهية الوقت‪ ،‬فقد هداه تفكيره لتحذير العالم بخبر مفبرك عن يوم القيامة‪ ،‬ولكن‬
‫بعد تكذيب وكالة ناسا للخبر تناسى الجميع للمر‪ ،‬وقد امتل جيمس رعبا وخوفا بعدما‬
‫اختفى صديقه وأولده‪ ،‬اختفوا تماما من على وجه الرض‪ ،‬ولأنه مقاتل بطبيعته‪ ،‬فإنه‬
‫يريد مواصلة القتال ولكنه خائف ويشعر بأنه يتخبط في الظلم‪ ،‬لدرجة أنه حاول عدة‬
‫مرات أن ينهى حياته‪ ،‬ولهذا فإنه يعتبر ظهوري في هذا الوقت إشارة من السماء‬
‫بالنضال ووعد بالانتصار!‬
‫طلبت رؤية الدكتورة كريستينا هذه‪ ،‬كمنا أمام المدخل الرئيسي لكلية العلوم‬
‫بجامعة هارفارد لعدة ساعات‪ ،‬فجأة توارى جيمس خلف أحد العمدة الضخمة بمدخل‬
‫الكلية‪ ،‬وهو يهمس بقوة ويشير نحو سيدة رائعة الجمال تتجه نحو سيارتها‪ ،‬كانت مفاجأة‬
‫مذهلة وسبب ا وجيه ا لصداع مريب ضرب رأسي ورقبتي‪ ،‬كدت أسقط أرض ا قبل أن‬
‫أتمكن من التحرك بسرعة لأختفي خلف عمود آخر‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫خليلتي بأسبوع التفجع‪ ،‬هي ل شك في ذلك‪ ،‬لم أنسها أبداا‪ ،‬هربت من مواجهتها‬
‫ل بد أنها سوف تتذكرني فو ارا‪ ،‬فهل تنسى من سحقها بصحراء إيطاليا؟!‪.‬‬
‫أخبرت جيمس بأمر الدكتورة كريستينا‪ ،‬وبحقيقة اشتراكها في أسبوع التفجع الذي‬
‫نظمته الجماعة التي أبحث خلفها‪.‬‬
‫عرفت بمخططهم الشرير‪ ،‬وكذا أعرف تقريب ا مكانهم السري بصحراء سيناء‪ ،‬إل‬
‫أنه ينبغي العمل الجاد والسريع لمعرفة تفاصيل مخططهم‪ ،‬لو تكلمنا في هذه المرحلة‪،‬‬
‫فلن يصدقنا أحد‪ ،‬وسنموت على الفور‪ ،‬وتستمر المؤامرة على البشرية‪ ،‬اتفقنا على أن‬
‫يختفي جيمس عن النظار‪ ،‬حتى أحج مع الجماعة إلى مدينتهم المزعومة بسيناء‪،‬‬
‫لعلى أستطيع فك طلسم خطتهم الشريرة‪ ،‬وبعد عودتي لواشنطن يتولى هو أمر إبلغ‬
‫قادة الوليات المتحدة بما يتجمع لدينا من معلومات‪ ،‬فهو على علقة قوية بالمخابرات‬
‫المركزية والبيت البيض وكذا بالعديد من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫مع كل الإثاارة التي احتلتها‪ ،‬لم تستطع سهير أن تسيطر علي غضبها‪ ،‬فزوجها‬
‫يحكي في إسهاب‪ ،‬تمام ا كما فعل في لقائهما بدمياط الجديدة‪.‬‬
‫حتى اللحظة لم يقل ما يكفي لتقديمه للسلطات‪ ،‬هنا بمصر أو بأمريكا؟‪ ،‬وما زاد‬
‫من توترها أنها كانت متأكدة من توصلهم لحقيقة زوجها خلل أيام‪ ،‬ومن أنهم‬
‫سيخضعونها لتحقيق صارم‪ ،‬فبماذا تخبرهم؟‪ ،‬حاولت النتهاء سريعا من القراءة‪ ،‬لكنها‬
‫بتأن‪.‬‬
‫خافت أن يفوتها شيرء مهرم‪ ،‬فواصلت قراءة ما كتبه زوجها د‬
‫‪----------‬‬
‫يوم الاثانين‪ ،‬الثااني من أبريل ‪2012‬م‪ ،.‬وصلت روما لمقابلة الكاهن وقيادات‬
‫الكنيسة‪ ،‬قابلت عنده تارديني الذي رحب بي بشكل مبالغ فيه‪ ،‬وأثاار قلقي عندما سألني‬
‫عن رحلة أمريكا الخيرة‪ ،‬تماسكت أمامه وبررت المر بأني كنت في حاجة ملحة‬
‫للراحة والاستجمام‪ ،‬فقال بحدة وهو ينظر للكاهن الذي كان صامتا ومتجهما بشكل‬
‫أخافني كثاي ار‪.‬‬
‫‪ -‬آل ترى أنه قد آن الوان لترابط بسيناء؟ نحن بحاجة للعمل ليل نهار لتجهيز المزرعة‬
‫والاستراحات للحج‪ ،‬لم يعد أمامنا إل عدة أسابيع على موعد الحج‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫أخبرتهما بأن معظم تجهيزات وتشطيبات المشروع يتم تصنيعها وتجهيزها بمقر‬
‫شركات المقاولت المتعاقدة معنا‪ ،‬ووعدتهما بإنجاز العمل قبل موعد الحج بفترة معقولة‪،‬‬
‫وكأنه لم يسمعني قال تارديني في حسم‪.‬‬
‫‪ -‬عليك أن تنهى أي ارتباط لك بالعالم‪ ،‬قبل سفرك لسيناء‪ ،‬بعد أسبوع من الن‪ ،‬لنك‬
‫لن تغادر سيناء بعد تأديتك لمناسك الحج الكبير‪ ،‬ستمكث بالمزرعة‪ ،‬لتأمين التجمع‬
‫الكبير في شهر سبتمبر القادم‪ ،‬وعليك العمل بسرعة لإضافة المئات من الغرف سابقة‬
‫التجهيز‪ ،‬نريد مضاعفة القدرة الاستيعابية للمكان عدة مرات‪ ،‬ل داعي لي رفاهية‪ ،‬فقط‬
‫يجب توفير الساسيات اللزمة لقامة العضو ليوم واحد فقط‪ ،‬وعليك تجهيز وسائل نقل‬
‫سريعة وفعالة لنقل الفواج بسرعة وخفة لمدخل المدينة المقدسة‪ ،‬بمعني أن المشروع‬
‫سيكون فقط محطة تجميع للعضاء الذين سيتم نقلهم فو ار وبسرعة للمدينة المقدسة‪.‬‬
‫انتهي من حديثاه ومد يده وناولني ورقة وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬بهذه الورقة رقم حساب باسمك ببنك باركليز هنا بروما‪.‬‬
‫ارتبكت بشدة‪ ،‬ولكنى تماسكت بسرعة وأقنعت نفسي بأنها صدفة ل غير‪،‬‬
‫وأعطيتهما الوعد بالتنفيذ الفوري لكل ما كلفت به‪ ،‬فقال‪.‬‬
‫‪ -‬أنفق كما تشاء‪ ،‬لن يراجعك أحد‪.‬‬
‫شكرتهما علي الثاقة‪ ،‬واستأذنت في النصراف فقال الب سيرجوني‪.‬‬
‫‪ -‬بسبب انشغالك الدائم‪ ،‬ولعدم امتلكك للوقت لحضور المحاضرات هنا بروما‪ ،‬لم‬
‫نتمكن من إطلعك على أسرار عقيدتنا‪ ،‬ولهذا‪ ،‬ولول مرة‪ ،‬سنخالف أسلوبنا في تناول‬
‫السرار من أجلك‪ ،‬فأنت رجل مخلص لقصى حد‪.‬‬
‫مد يده وناولني كشكولا وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬لقد كتبته بنفسي وبخط يدي‪ ،‬اقرأه جيدا ثام تخلص منه‪ ،‬ممنوع أن يقرأه‪ ،‬أو حتى يراه‪،‬‬
‫أي شخص غيرك‪.‬‬
‫ثام ابتسم في بحنان وقال‪.‬‬
‫‪ -‬أنا من رشحك لحضور الحج الكبر‪ ،‬ولحسن حظك أنه الحج الخير قبل العودة‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫ثام أشار بيده قائ ا‬
‫‪ -‬يمكنك الذهاب الن‪ ،‬أستودعك ال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬سأراك في الحج‪.‬‬
‫‪ -‬ل‪ ،‬لن أحضر الحج الخير‪ ،‬لدي مهام عاجلة هنا بروما وعلي إنجازها بسرعة‪،‬‬
‫سنتقابل في التجمع الكبير‪.‬‬
‫قال ذلك ثام تحولت ملمحه وقال في جدية واضحة‪.‬‬
‫‪ -‬يمكنك الاتصال بي في أي وقت تشاء للاستفسار عما يستعصى عليك فهمه‪.‬‬
‫عادت إليه ابتسامته مرة أخرى وقال بثاقة وطمأنينة‪.‬‬
‫‪ -‬أنت مهم للغاية لدينا‪ ،‬وثاقتنا بك بل حدود‪ ،‬اذهب وفق ال مسعاك‪.‬‬
‫اقترب من النهاية‪ ،‬نهايتي‪ ،‬امتلت بحب الدنيا وتسربت منى الشجاعة والجرأة‪،‬‬
‫الحياة هي أجمل نعمة وأعظم هبة من الخالق‪.‬‬
‫رغم ا عن أنف تاردينى قررت أن أمنح نفسي عدة أيام من الرفاهية والمتعة‪،‬‬
‫عاودت الطبيب ثام نزلت بأفخم فنادق روما وأنا أنوى لنساء إيطاليا خي ارا‪ ،‬ولكن يبدو أنه‬
‫لم يكن لهن نصيب‪ ،‬انشغلت بقراءة كتاب الكاهن ولم أخرج بجديد‪ ،‬استدعيت النوم‬
‫فأبي‪ ،‬وبعد ساعتين من الرق حدثات مفاجأة من العيار الثاقيل‪ ،‬مفاجأة كادت أن تطيح‬
‫بجهد السنوات السابقة‪ ،‬أبلغني استقبال الفندق بأن هناك شخصاا‪ ،‬يقول إنه صديق قديم‪،‬‬
‫ينتظرني في لوبي الفندق‪ ،‬توجست خيفة‪ ،‬لم يعد لي أصدقاء!‪.‬‬
‫يبدو أنه يعرفني!‪ ،‬يبدو عليه النفعال‪ ،‬يداه ترتعشان‪ ،‬استقبلني بترحاب مبالغ‬
‫فيه‪ ،‬إنه متوتر للغاية‪ ،‬حرصت علي أن أبدو قويا وحازما‪ ،‬قبل أن أجلس سألته في‬
‫حدة‪.‬‬
‫‪ -‬كيف تكون صديق ا قديم ا ول أعرفك‪ ،‬هل تفسر لي هذا؟‪.‬‬
‫أطرق ينظر للرض‪ ،‬جلست‪ ،‬عهعم بالجلوس وتلعثام وهو يقول‪.‬‬
‫‪ -‬لكنى أعرفك ‪ ،،،‬نعم أعرفك ‪ ،،،‬أعرفك جيداا‪.‬‬
‫أي شخص يعرفه في؟‪ ،‬مع دهشتي البالغة سألته في حذر‪.‬‬
‫‪ -‬كيف تعرفني وأنا ل أعرفك؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل تعرفني‪ ،‬ولكنك بالتأكيد تعرف صابرينا وسيلفيو وتعرف أيض ا حجازي‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫قال ذلك ثام رسم على وجهه ابتسامة صفراء‪ ،‬قررت مجابهته‪ ،‬أشعر بأنه يرتعد‬
‫يأت بجديد‪ ،‬فالبعض بإيطاليا يعرف بشراكتي لسيلفيو في‬
‫خوف ا منى‪ ،‬كما أنه لم ل‬
‫مشاريع عديدة وكذا بصداقتي للدكتورة صابرينا‪.‬‬
‫‪ -‬كانوا أغلى الناس لدي‪ ،‬وما علقتك أنت بهؤلء؟‪.‬‬
‫رد بسرعة وبغضب لم أتوقعه‪.‬‬
‫– لن يفيدك هذا النفاق‪ ،‬أعرف تفاصيل علقتك بهم وطبيعة عملك مع ثالثاتهم‪.‬‬
‫لم ديملهلني لسيطر على دهشتي فأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬صابرينا شقيقتي الوحيدة‪ ،‬وحجازي زوج إبنتي‪ ،‬وسيلفيو صديقي المقرب‪.‬‬
‫راح ينظر إلي مدعيا البكاء‪ ،‬فهمته من فوري‪ ،‬نصاب مبتدئ يسعى لابتزازي‪،‬‬
‫ولني ل أملك الوقت قررت أن أحتويه لنهي المر‪ ،‬قلت له‪.‬‬
‫‪ -‬بدون مقدمات‪ ،‬ما هو المطلوب منى بالضبط؟‪.‬‬
‫قال بوضوح ل لبس فيه‪.‬‬
‫‪ -‬كل ما تملك‪ ،‬فهو من حق عائلت من قتلتهم‪.‬‬
‫ضحكت استخفاف ا بما قاله‪ ،‬على الرغم مما يعتمل بداخلي من توتر‪.‬‬
‫عال أزعجني‪.‬‬
‫قال بصوت ل‬
‫‪ -‬أنت قتلتهم‪.‬‬
‫قلت ببطء وبقوة‪.‬‬
‫‪ -‬هذا غير صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬أو تسببت في مقتلهم‪.‬‬
‫كان مترددا‪ ،‬قررت محاصرته‪ ،‬قلت‪.‬‬
‫‪ -‬تلك أوهامك أنت وأطماعك‪.‬‬
‫كما توقعت‪ ،‬ارتبك بشدة‪ ،‬فأضفت‪.‬‬
‫‪ -‬لو لديك الدليل على أوهامك تلك‪ ،‬فمن الفضل أن تبلغ بها السلطات؟‪.‬‬
‫قال في لعثامة الخوف‪.‬‬
‫‪ -‬بم‪ ،‬بماذا تفسر مقتلهم جميع ا وخلل عدة أشهر؟‪.‬‬
‫‪ -‬اذهب للبوليس واسأله‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫أوشك علي الانهيار فقلت في ضيق صدر‪.‬‬
‫‪ -‬أنت تحسدني علي ثاروتي وتحاول ابتزازي‪.‬‬
‫لم يرد والتزم الصمت‪ ،‬فقلت له‪.‬‬
‫‪ -‬أنت من يحتاج إلي المال‪ ،‬لقد أعطيت لحجازي مبالغ طائلة‪ ،‬وعائلة سيلفيو غنية‬
‫جداا‪ ،‬وصابرينا لم تكن تهتم بالمال ولم تترك من خلفها أسرة‪.‬‬
‫انكشف تماما‪ ،‬ارتبك‪ ،‬حاول التماسك‪ ،‬وأخي ار قال بوضوح‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا‪ ،‬أنا اهتم بالمال‪.‬‬
‫استمر في ابتزازي بغباء فقال‪.‬‬
‫‪ -‬كل ما أنت فيه هو من جهد صابرينا شقيقتي وسيلفيو صديقي‪.‬‬
‫‪ -‬ها أنت ذا تبدي حقدك وغيرتك منى‪.‬‬
‫خنقني بغبائه وطمعه‪ ،‬وقفت لنهى المقابلة وأنا أقول باستعلء‪.‬‬
‫‪ -‬لن تنال منى ليرة واحدة‪ ،‬وأنصحك بنسيان أمري‪.‬‬
‫فاجأني بقوله‪.‬‬
‫‪ -‬لدى معلومات خطيرة عنك وعن نشاطك مع سيلفيو‪ ،‬إن لم نتفاهم الن سأبلغها‬
‫للسلطات‪ ،‬أو على القل سأشي بك لعائلة سيلفيو‪.‬‬
‫ارتسمت على وجهي ابتسامة مرتعشة‪ ،‬كتمت غيظي وخوفي‪ ،‬قلت له‪.‬‬
‫‪ -‬ليس لدي وقت لضيعه في مثال هذا الكلم الفارغ‪ ،‬لننهي هذا المر‪ ،‬الن وللبد‪،‬‬
‫دكبم تريد؟‪.‬‬
‫‪ -‬عشرة مليين يورو‪.‬‬
‫قلت في حزم‪.‬‬
‫‪ -‬مليون يورو‪ ،‬ل لشيء‪ ،‬ولكن من أجل صابرينا‪.‬‬
‫لم يصمد الرجل أمام صلبتي‪ ،‬راح يرجوني بأن أجعلهم خمسة مليين وهو يعد‬
‫بأن يختفي من حياتي بعد ذلك‪ ،‬قلت‪.‬‬
‫‪ -‬سأعطيك غدا مليون يورو‪ ،‬وبعد شهر أعطيك مليون آخر‪ ،‬فلدى أزمة سيولة خانقة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫وافق علي عرضي مرغماا‪ ،‬وفي اليوم التالي سلمته الجزء الول من التفاق‬
‫وحذرته من التصال بي قبل موعد تسلمه لبقية المال‪ ،‬بعد شهر في نفس الفندق‪،‬‬
‫وأضمرت له في نفسي أم ارا‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫تدهورت صحتي كثاي ار في اليام الخيرة‪ ،‬عاودتني نوبات الصداع الشديد‬
‫والدوخة‪ ،‬مع رعشة خفيفة بالأيدي وثاقل بلساني‪ ،‬توجهت من فوري لتل أبيب‪ ،‬ومكثات‬
‫بالمستشفي لمدة أسبوع‪.‬‬
‫فوجئت بزيارة تارديني‪ ،‬جاء ليطمئن علي صحتي وليصطحبني لسيناء بناء‬
‫على تكليف الب سيرجوني‪ ،‬إنهم يراقبوني عن كثاب‪ ،‬ألزمت نفسي بالحذر‪.‬‬
‫التهم العمل كل وقتي‪ ،‬ومع هذا‪ ،‬وبالرغم من حذري الشديد‪ ،‬لم أستطع أن أنسي‬
‫خيانة حمدان‪ ،‬حمت حول مدخل المدينة المزعومة عدة مرات دون جدوى‪.‬‬
‫انشغلت بتشطيبات المزرعة والاستراحات والفندق لاستقبال رحلة الحج القادمة‪،‬‬
‫والتي تختلف هذه المرة عن سابقاتها‪ ،‬فالعدد خمسة آلف فرد‪ ،‬وكانت هناك مخاوف‬
‫من أن يثاير دخول هذا العدد لسيناء‪ ،‬انتباه السلطات بمصر إواسرائيل‪ ،‬كانت تعليمات‬
‫القيادة بروما واضحة‪ ،‬لبد من التزام الحذر وضمان الهدوء والسرية‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كانت قيادة الجماعة قد قررت تقديم موعد الحج الخير‪ ،‬وكذلك التجمع الكبير‪،‬‬
‫وذلك لسباب لم أعرفها‪.‬‬
‫أصبح العبء كبيرا والوقت ضيق ا‪ ،‬يجب تجهيز المكان في غضون خمسة‬
‫أشهر ليستوعب حوالي خمسين ألف عضوا‪ ،‬عشرة آلف يأتون من منطقة تل العمارنة‬
‫أولا ثام يتبعهم أربعون ألف ا من جميع دول العالم‪ ،‬مع سكان المدينة البالغ عددهم عشرين‬
‫ألف ا يصبح العدد سبعين ألف ا‪ ،‬هم جنود جيش الله المنتظر‪.‬‬
‫بدأت أسرار الجماعة تتكشف لي بسرعة وكثاافة‪ ،‬ولكن الطريقة التي سوف‬
‫تتبعها الجماعة لتدمير العالم لم ترد في الكشكول الذي أعطاني إياه الب سيرجوني‪،‬‬
‫وكذلك لم أستطع استخلص أي معلومة حولها من تارديني‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫لبد من إفشال مخطط تلك الجماعة الغبية‪ ،‬بأي شكل وبأية طريقة‪ ،‬ومهما كان‬
‫الثامن‪ ،‬كيف لجماعة من المخابيل أن تمتلك هذه القوة وهذا النفوذ؟‪ ،‬كيف يمكنها تدمير‬
‫العالم في غفلة من مئات الحكومات وأجهزة المخابرات والمن والتي يمكنها رصد نملة‬
‫عرجاء تختبئ خلف حبة رمل في صحراء شاسعة؟!‪.‬‬
‫كيف يؤمن بتلك التخاريف‪ ،‬المئات من العلماء الفذاذ في مختلف مجالت‬
‫العلم‪ ،‬وأيضا المئات من رجال المال والسياسة الذين يسيطرون على المواقع الهامة‬
‫والحساسة بمختلف دول العالم‪.‬‬
‫كيف تمكنت تنظيمات كتلك من السيطرة على السلطة والثاروة بأهم دول‬
‫العالم؟‪ ،‬كيف للشيء وضده أن يمثال نفس درجة التهديد بفناء البشرية؟‪ ،‬كيف تنفذ‬
‫جماعة صغيرة عملية تدمير هذا العالم الكبير؟‪.‬‬
‫مرة أخري شاهدت تصوير حمدان للمدينة المقدسة‪ ،‬تملكتني الدهشة كيف لم‬
‫أنتبه لهذا من قبل؟! صورة تتكرر على جدران معبد المدينة المزعومة‪ ،‬حتى بعدما‬
‫علمت بانضمام أستاذة للفيزياء النووية كالدكتورة كريستينا إلى تلك الجماعة لم أنتبه‬
‫للمر‪ ،‬كنت أعتقد أنها تصوير للفطر السينائي المقدس لدي الجماعات التي تعتمد‬
‫طقوس الجنس كعبادة‪ ،‬أو أنها تصوير لبركان في حالة نشاط وثاورة!‪.‬‬
‫إنها تصوير لنفجار نووي‪ ،‬وضحت الصورة في لوحة جدارية تصور إله‬
‫الجماعة في صورة نسر ضخم يضم جناحيه وهو يهبط من السماء ليحط فوق قمة‬
‫انفجار نووي‪.‬‬
‫امتلت رهبة وفزع ا من استنتاجى هذا‪ ،‬رحت أكذب نفسي‪ ،‬كيف لجماعة دينية‬
‫أن تمتلك ما لم تقدر عليه دول كبيرة ولديها من الإمكانات العلمية والمادية ما ل ديععد ول‬
‫يحصى؟‪ ،‬هل اخترقوا أجهزة المخابرات في العالم لهذه الدرجة؟!‬
‫أرهقني التفكير وأنهكت أعصابي تماماا‪ ،‬بدأت أعانى مرة أخرى من الصداع‬
‫والرعشة في أطرافي‪.‬‬
‫فها أنا ذا‪ ،‬قد عرفت‪ ،‬تقريباا‪ ،‬نوع السلح الذي تخطط الجماعة لستخدامه في‬
‫مسعاها لتدمير البشرية‪ ،‬لكن ما هي تفاصيل خطتها الشريرة؟‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫اكتمل المشروع تماما قبل موعد الحج بفترة معقولة‪ ،‬وأصبحت بمفردي في تلك‬
‫المزرعة الشاسعة‪ ،‬وبالكاد كانت ساعات اليوم تكفى لمراجعة الشاشات التي تبث عليها‬
‫المئات من أجهزة المراقبة المنتشرة بأرجاء المزرعة وكذا المناطق المحيطة بها‪.‬‬
‫رحت أتابع بل كلل عشرات الشاشات المرصوصة بغرفة المراقبة‪ ،‬كنت من‬
‫مكاني أستطيع‪ ،‬وبوضوح تام‪ ،‬استكشاف كل سنتيمتر مربع من المزرعة وكذا غرف‬
‫الفندق والاستراحات وأيضا كل المسافة المرئية المحيطة بالمزرعة‪ ،‬ومن كل جانب‪.‬‬
‫وكأني عأحدلم‪ ،‬سمعت صوت حمدان يناديني‪ ،‬شعرت بأنفاسه وح اررة جسمه‪،‬‬
‫تمنيت أن يكون الحلم حقيقة أو أن يتحول إلى رؤية‪ ،‬انتبهت مذعو ارا‪ ،‬هناك يد تمسك‬
‫بكتفي‪ ،‬إنه حمدان!‪ ،‬العرق يسيل علي وجهه ورقبته‪ ،‬ويتنفس بصعوبة بالغة‪ ،‬احتضنته‬
‫قبل أن يسقط أرض ا‪ ،‬غرقت في دمائه‪ ،‬صرخت‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا بك يا حمدان؟‪ ،‬ماذا حدث؟‪.‬‬
‫أجابني بصعوبة‪.‬‬
‫‪ -‬قتلوني‪ ،‬ويبحثاون عنك‪ ،‬سوف يقتلونك‪.‬‬
‫طعن طعنات غائرة ببطنه وبصدره‪ ،‬حاولت أن أكتم الدم‪ ،‬سألته‪.‬‬
‫‪ -‬عمن فعل بك هذا؟‪.‬‬
‫‪ -‬رجال المن بالمدينة‪ ،‬ضبطوني عندما كنت أصور معبد اليقونة‪.‬‬
‫‪ -‬كيف هذا‪ ،‬ولم يكن معك كاميرا؟‪.‬‬
‫‪ -‬ابتعت واحدة حديثاة لصور ما لم أصوره في المرة السابقة‪ ،‬لعلي أعوضك عن عدم‬
‫استطاعتي إدخالك المدينة‪.‬‬
‫‪ -‬ليتك لم تفعل‪ ،‬فسوف أدخلها برفقة الحجاج بعد عدة أيام‪.‬‬
‫‪ -‬سوف دتقتل قبل أن تدخل إلى هناك‪ ،‬صدرت أوامر لكل أجهزة المن بالبحث عنك‬
‫وقتلك فو ارا‪.‬‬
‫‪ -‬كيف عرفوني؟‪ ،‬هل أخبرتهم عنى؟‪.‬‬
‫‪ -‬لم أخبرهم عنك‪ ،‬ول هم يعرفونك‪ ،‬ولكنهم بالتأكيد سوف يبحثاون بكل الماكن التي‬
‫ترددت أنا عليها من عقبل‪ ،‬وسيعرفون بأنى كنت ألزمك في الفترات التي قضيناها مع ا‬

‫‪200‬‬
‫العام الماضي‪ ،‬صدقني سوف يصلون إليك‪ ،‬أرجوك حاول الاختفاء في أي مكان‪ ،‬غير‬
‫أسمك‪ ،‬غير شكلك‪ ،‬فقد تنجو‪.‬‬
‫‪ -‬لو أني ل محالة مقتول كما فهمت من كلمك‪ ،‬فلماذا جازفت بنفسك لتحذرني؟‪.‬‬
‫‪ -‬لم أجازف لحذرك‪ ،‬كنت قد عاهدت نفسي أن أساعدك في معرفة حقيقتهم‪ ،‬ها هي‬
‫الكامي ار‪ ،‬ولكن عليك بمغادرة سيناء وتغيير هويتك وشكلك فقد تنجو‪.‬‬
‫تناولتها من يده‪ ،‬حاولت تشغيلها وكأني نسيت أن حمدان يموت‪ ،‬انتبهت ليده‬
‫ل‪ ،‬رفض وقال‪.‬‬
‫تتحسس ساقي اليمنى‪ ،‬قررت أن أذهب به للمستشفي حا ا‬
‫‪ -‬أنا ميت ميت‪ ،‬لو أنقذتني اليوم سأموت غدا أو بعد غد‪ ،‬اهرب أنت من هنا‪.‬‬
‫احتضنته وهمست في أذنه‪.‬‬
‫‪ -‬لن أهرب‪ ،‬لن أضيع دمك‪ ،‬سأنتقم لك‪ ،‬لن أتركهم يقتلون أسرتي‪ ،‬لبد من منعهم‪.‬‬
‫قال بصعوبة بالغة‪.‬‬
‫‪ -‬حينما داكتشف أمري‪ ،‬هربت بسرعة‪ ،‬فلحق بي منهم اثانان عند سفح الجبل‪ ،‬قمت‬
‫بتصويرهما‪ ،‬قاومتهما وأصبت أحدهما في وجهه‪ ،‬احفظ ملمحهما‪ ،‬قد يساعدك ذلك‬
‫في تجنبهما‪.‬‬
‫راح يلهث ويبتلع ريقه بصعوبة ثام أضاف ببطء شديد‪.‬‬
‫‪ -‬سوف يعذبونني بل رحمة لبوح بسرك قبل أن يقتلوني‪.‬‬
‫كنت أحبه‪ ،‬وأقدر تضحيته من أجلى‪ ،‬ولكن ها هو يتمنى الموت‪ ،‬فهل كثاير‬
‫على أن أحقق له أمنيته الخيرة!‪.‬‬
‫مات حمدان بيدي وفى أحضاني‪ ،‬ومع أن الموت والقتل أصبحا وجهين من‬
‫أوجه حياتي‪ ،‬فقد حزنت لموته‪ ،‬خلعت عنه ملبسه ودفنته بالمزرعة‪ ،‬ثام عدت لحرق‬
‫الملبس وأنظف المكان‪ ،‬وكذلك أجهزة المراقبة من أي أثار له‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫هما ل يعرفاني وأحفظ هيئتهما‪ ،‬لبد لي أن أفاجئهما وأقضى عليهما‪ ،‬ومن‬
‫الخطاء التي ارتكبتها تركيزي على مشاهدة نهاية التصوير عدة مرات لحفظ هيئة‬
‫اللذين يسعيان خلفي‪ ،‬لم أشاهد التصوير‪ ،‬لو أني كنت فعلت لعرفت الكثاير قبل دخولي‬
‫للمدينة‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫قضيت ثالثاة أيام متواصلة أحوم حول الماكن التي ترددت عليها بصحبة‬
‫ليال وأنا أدقق في شاشات المراقبة بل طائل‪ ،‬ثالثاة أيام بلياليهم لم أذق‬
‫حمدان‪ ،‬ثالثاة ل‬
‫للزاد أو النوم طعم ا‪ ،‬كنت خائف ا‪ ،‬شيئ ا فشيئ ا راح الحقد‪ ،‬على قاتلي حمدان وعلى‬
‫جماعتهم الشريرة‪ ،‬يزيح عن نفسي الخوف ويملؤني عزيمة إواص ار ار علي التخلص‬
‫منهما‪.‬‬
‫أنهكت صحتي تماما وضاقت نفسي بفكرة أنى مراقب عن كثاب‪ ،‬ناهيك عن أنى‬
‫ل‪ ،‬كنت أشتاق لقراءة الصحف والنوم بعمق لصفى ذهني وأريح جسدي‬
‫مطارد أص ا‬
‫لعلى أنجح في تنويم نفسي مغناطيسي ا وأخرج بخطة تنجيني‪.‬‬
‫نزلت بفندق موفنبيك بمدينة شرم الشيخ كشخصية خليجية‪ ،‬التهمت الصحف‬
‫المصرية والجنبية المتوافرة بالفندق‪ ،‬وقع نظري على خبر هو آخر ما كنت أتوقعه أو‬
‫أحتاجه في هذا الوقت الحرج‪.‬‬
‫تم القبض على بعض متعهدي الهجرة الغير شرعية بمصر وليبيا‪ ،‬وهم من‬
‫البدو‪ ،‬قاطني المنطقة الحدودية بين البلدين‪ ،‬بزعامة زكريا من واحة الفرافرة بمصر‬
‫ويعاونه المدعو سالم كرير سالم من واحة الكفرة بليبيا‪.‬‬
‫تحدثات الصحف عن ضلوع عصابة الهجرة الغير شرعية‪ ،‬في تهريب الثاار من‬
‫ن القضية في عهدة أجهزة المن المصرية منذ عدة أسابيع‪.‬‬
‫مصر‪ ،‬وقالت إ د‬
‫وقع الخبر على كالصاعقة‪ ،‬وأفقدني توازني تماماا‪ ،‬فأنا تعاملت مع زكريا‬
‫وسالم باسم محمد يوسف السوري‪ ،‬أتعامل بمصر بنفس الاسم والشخصية‪ ،‬حاولت‬
‫التماسك لفكر في حل لهذا المأزق الخطير‪ ،‬تمنيت أن يحميني زكريا وينكرني سالم‬
‫وأن يصمدا لمدة أسبوعين فقط‪ ،‬حتى أدخل المدينة المقدسة لكشف الدمخطط الشرير‬
‫لهذه الجماعة وأعلنه للعالم وبعدها ليحدث ما يحدث‪.‬‬
‫في صباح اليوم التالي‪ ،‬طلبت كل صحف اليوم الموجودة بالفندق لتابع أي‬
‫خبر بشأنهما‪ ،‬فهما صديقاي علي أية حال‪ ،‬وقرأت ما كنت أخشاه‪ ،‬خبرا عقلب كياني‬
‫رأس ا على ععقب‪ ،‬محامى الشباب المحكوم عليهم‪ ،‬في قضية مقتل النجار وصاحبيه‪،‬‬
‫تقدم بطلب للنائب العام لعادة التحقيق بالقضية بعد ظهور معلومات جديد تتعلق‬
‫بتهريب الثاار عبر الحدود المصرية الليبية‪ ،‬واتضاح شخصية الرجل الإيطالي وشريكه‬

‫‪200‬‬
‫المصري أحمد حجازي المتهمين بالتحريض على قتل السياسيين الثالثاة ونهب الثاار‪،‬‬
‫وبعدما أشار الخبر إلى مقتل حجازي بلندن‪ ،‬ألمح محرر الخبر إلي مفاجأة مذهلة‬
‫خلل أيام ‪.‬‬
‫إنها النهاية‪ ،‬ما عدت أدرى بطبيعة مشاعري‪ ،‬هل أنا خائف على حياتي‪ ،‬أم‬
‫خائف أل أتمكن من إنقاذ أسرتي والعالم؟‪.‬‬
‫هاجمتني بقسوة نوبات الدوخة والقيء‪ ،‬ولكن ما ضايقني بشدة هو رعشة يداي‬
‫وعدم قدرتي على التركيز أو التفكير‪ ،‬تناولت الحبوب المهدئة لطفئ أعصابي‬
‫المشتعلة وأخفف من وطأة الصداع الرهيب‪.‬‬
‫ضبطت نفسي أعد الثاواني والدقائق‪ ،‬وكأني أتحسس اللوح الخشبي وسط أمواج‬
‫البحر‪ ،‬تذكرت معجزة نجاتي من الغرق فتسرب لنفسي بعض المل‪ ،‬دعوت ال أن‬
‫يساعدني لمنع الكارثاة التي تحيط بالبشرية وليكن بعدها ما يكون‪.‬‬
‫اضطرب كياني‪ ،‬وأخذت أتحدث إلي نفسي‪ ،‬وعدت لأحلم وأنا مستيقظ‪ ،‬وهذا ما‬
‫كنت قد أقلعت عنه منذ فترة‪ ،‬شعرت برغبة جامحة في أن أتوضأ وأصلى‪ ،‬وكأني أرى‬
‫النهاية تسرع نحوى أخذت أبكى حالي وأشكو ل ضعفي وقلة حيلتي‪ ،‬بحثات عن‬
‫مصحف لق أر فيه‪ ،‬مرت الساعات كدقائق معدودة‪ ،‬شعرت بالسكينة والطمأنينة تسرى‬
‫في جسدي ونفسي‪ ،‬فتيقنت بأن ال معي‪ ،‬قررت أن أطرح الخوف واليأس جانب ا وأذهب‬
‫من فوري للمزرعة لكمل مهمتي وأراجع أجهزة المراقبة لعل قاتلي حمدان ظه ار بها‬
‫فأفاجئهما بما أعددته لهما‪.‬‬
‫وكانت أول أمارات رضا ال عني‪ ،‬في لوبي الفندق وقعت عيناي على شاب‪،‬‬
‫هو آخر من كنت أتصور بأني سألقاهم يوما ما‪ ،‬ابن اللواء الجمال‪ ،‬يجلس برفقة‬
‫شخص مهيب الطلعة ومهندم لقصى درجة‪ ،‬كان يستمع في صمت لحديث ابن اللواء‬
‫وبنظراته غضب عظيم‪.‬‬
‫كانت عيونهما تدور في المكان‪ ،‬يبحثاان عن شخص ما‪ ،‬سمعت أحدهما يسأل‬
‫الجرسون إن كان يعرف شخص ا باسم محمد يوسف قد يكون نزل بالفندق من قبل‪،‬‬
‫فنصحهما بالتوجه لموظف الاستقبال‪ ،‬فأطلعه ابن اللواء على صورة شخصية‪ ،‬وسأله‬

‫‪200‬‬
‫إن كان قد رأى صاحبها من قبل فأجاب بالنفي‪ ،‬وعندما سمعت ابن الجمال يتحدث إلى‬
‫لمن‪.‬‬
‫مرافقه باحترام شديد‪ ،‬تأكدت من أنه من رجال ا ع‬
‫توقعت أن زكريا وسالم باحا باسمى للسلطات وأنهم قد توصلوا لشخصية محمد‬
‫يوسف عن طريق شخصية حجازي‪ ،‬وبالطبع كان من السهل عليهم تتبع خطواتي‬
‫ليصلوا إلى بسيناء‪ ،‬وأظن أن هناك بأجهزة المن من استطاع الربط بين شخصيتي‬
‫محمد يوسف ورضا جلل‪ ،‬المختفي منذ أكثار من خمس سنوات‪ ،‬إوال من أين أتى ابن‬
‫اللواء الجمال بصورة شخصية لي؟!‪ ،‬يبدو أن اختلف البصمات والهيئة بين‬
‫الشخصيتين هو ما حدا بأجهزة المن أن تتريث قبل الاقتراب منى‪ ،‬وقد يكون هناك عمن‬
‫قرر البحث خلفي لحسابه الخاص كابن اللواء الجمال‪ ،‬ولكن عمن يكون هذا الشخص‬
‫الذي برفقته؟‪.‬‬
‫بعد ساعة واحدة‪ ،‬كنت قد عرفت أنه ضابط عظيم بجهاز حساس‪ ،‬وابن أخت‬
‫مصطفى النجار وصهر اللواء الجمال‪ ،‬أبيه الروحي والذي دفع به‪ ،‬أيام مجده‪ ،‬ليتولي‬
‫منصب ا قيادي ا بأهم جهاز أمني بمصر‪.‬‬
‫ل؟ قاتل‬
‫قررت أن الزم المزرعة والتزم بالسكون تماماا‪ ،‬لرى من سيلحق بي أو ا‬
‫حمدان‪ ،‬أم طالبا ثاأر الجمال والنجار‪ ،‬أم السلطات المصرية‪ ،‬وبالطبع لم أستبعد أن‬
‫يكون شقيق صابرينا قد وشى بي للمافيا وتوقعت أنهم أرسلوا خلفي بعض رجالهم‪،‬‬
‫ابتهلت إلى ال كثاي ار أل يخذلني‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫احترفت التنكر‪ ،‬في النهار أنتحل شخصية رجل بدوى يرعى أغنامه بالقرب من‬
‫المزرعة‪ ،‬وفى المساء قد أتنكر في هيئة سائح تاه منه الطريق‪ ،‬أو رجل شرطة يجوب‬
‫المنطقة لتأمينها‪ ،‬ثام حدث ما توقعته‪.‬‬
‫ضبطهما يحومان حول بوابة المزرعة‪ ،‬تنكرت في شخصية عامل الحديقة‪،‬‬
‫ورحت أسقى الزرع وأحواض الورد بالقرب من البوابة‪ ،‬اقتربا منى‪ ،‬تظاهرت بتجاهلهما‬
‫وأنا أتحسس سلحي في حذر‪ ،‬مرت بي دقائق خانقة كانت كافية لمتلئ خوف ا وغضباا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫قال إنهما يحملن رسالة هامة للمسئول عن المزرعة‪ ،‬أخبرتهما بأنه خرج‬
‫وسيعود بعد ساعة‪ ،‬سألني عن شيلء يأكلانه‪ ،‬رحبت بهما ودعوتهما لركوب العربة‬
‫بجانبي لندخل إلى المبنى الداري حيث يمكنهما النتظار‪.‬‬
‫أكرمت ضيافتهما فاكتسبت ثاقتهما بسرعة‪ ،‬حتى إنهما رافقاني بل تردد في جولة‬
‫بالسيارة في المزرعة الشاسعة‪ ،‬بالطبع كان بإمكاني قتلهما في لحظة‪ ،‬ولكنى قررت‬
‫الصبر ريثاما أطلع على فحوى الرسالة التي يحملانها‪ ،‬خاب مسعاي‪ ،‬عدنا للمزرعة‬
‫وجلسا في الانتظار‪ ،‬ذهبت لقل المسئول من عند البوابة‪ ،‬دخلت عليهما بشخصية‬
‫محمد يوسف صاحب المزرعة‪ ،‬قدما لي نفسيهما‪ ،‬باحترام كبير‪ ،‬على أنهما من ضباط‬
‫أمن المدينة المقدسة وقد خرجا في أثار شاب خائن لجماعته‪ ،‬وقال إنه مصاب ويعتقدان‬
‫بأنه في طريقه لمقابلة شريك له‪ ،‬ما زال مجهول ا بالنسبة لهما‪ ،‬ثام أطلعاني على خطاب‬
‫من أمير المدينة يأمر بمساعدتهما‪ ،‬طلبا مراجعة أجهزة مراقبة المزرعة والمناطق‬
‫المحيطة بها فربما يظهر هذا الشاب على شاشات المراقبة‪.‬‬
‫رحبت بالتعاون معهما ودخلنا سوي ا غرفة المراقبة‪ ،‬اشتاقت نفسي لتدخين‬
‫سيجارة‪ ،‬استأذنتهما في التدخين خارج الغرفة‪ ،‬طلب مني أحدهما‪ ،‬بوقاحة وكأنه‬
‫يأمرني‪ ،‬بأن أدخن سيجارتي بالحجرة حتى ل يضيع الوقت‪ ،‬وأصرا على أن نبدأ العمل‬
‫فو ارا‪ ،‬فليكن‪ ،‬أنا جاهز‪ ،‬فقد تناولت القراص المضادة لتأثاير الغاز المنوم‪ ،‬تظاهرت‬
‫بمحاولة إشعال السيجارة وأنا أشرح لهما إمكانات أجهزة المراقبة‪ ،‬دقيقة وخ ار في ثابات‬
‫عميق‪.‬‬
‫بعد ساعة أخذا يقاومان النعاس‪ ،‬وقد تيقنا بأنهما في ورطة عظيمة‪ ،‬مطروحان‬
‫تحت أقدامي ومقيدان بقوة وعنف‪ ،‬كنت أراقبهما والحقد يكاد أن يفجرني‪ ،‬استعاد‬
‫أحدهما وعيه أولا‪ ،‬راح يحدق بي في خوف ودهشة‪ ،‬وبصعوبة سألني‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا تفعل بنا ذلك؟‪ ،‬ألست أنت المسئول عن المزرعة؟!‪.‬‬
‫‪ -‬أنا هو‪ ،‬لماذا قتلتما حمدان؟‪.‬‬
‫‪ -‬ل نعرف شخص ا بهذا الاسم‪.‬‬
‫تداركت المر سريعاا‪.‬‬
‫‪ -‬أقصد أمنحتب‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫سألني في ذهول‪.‬‬
‫‪ -‬كيف عرفت باسمه‪.‬‬
‫ثام فغر فاه وأضاف في دهشة‪.‬‬
‫‪ -‬أنت صديقه‪ ،‬أنت من حرضه على تصوير المدينة‪.‬‬
‫وهو يقاوم النعاس‪ ،‬تمكن زميله من النطق بصعوبة فقال‪.‬‬
‫‪ -‬كيف؟‪ ،‬هل أنت دمندس علينا؟‪ ،‬هل أنت من أجهزة المن بمصر؟‪.‬‬
‫‪ -‬لن يفيدكما في شيء أن تعرفا من أنا‪ ،‬فأنتما ميتان‪.‬‬
‫حاول أحدهما النيل من شجاعتي وإصراري فقال‪.‬‬
‫‪ -‬لن يفيدك ما تفعله‪ ،‬فرجالنا سوف يصلون إليك بأسرع مما تتوقع‪.‬‬
‫راح ينظر لرفيقه‪ ،‬تبادل ابتسامات منفرة أثاارت أعصابي‪ ،‬قلت في غضب‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ولكنى لن أقتلكما حتى تتمنيا الموت‪.‬‬
‫‪ -‬لنرى من سيموت أو ا‬
‫الرغبة في التدمير تؤرقني منذ فتكي بالطبيب النجليزي‪ ،‬تاقت نفسي لوصلة‬
‫تعذيب مريعة‪ ،‬خلعت عنهما ملبسهما فتعريا تماماا‪ ،‬صعقتهما بالكهرباء عدة مرات‪،‬‬
‫زكمت أنفى رائحة الشواء‪ ،‬رحت أجلدهما بالسياط بعنف وقسوة‪ ،‬في كل ضربة كان‬
‫السياط ينزل علي أحدهما ليعود بقطعة من جلده‪ ،‬نشع الدم من كل بقعة من جلديهما‪.‬‬
‫كانا متماسكين بشكل دمدهش‪ ،‬كاد أن يحرق أعصابي ويقربني من جنون‬
‫الغضب‪ ،‬صرخت فيهما أن يسترحماني‪ ،‬لم يفعل‪ ،‬كدت أن أنهار أمام صمودهما‬
‫العجيب هذا‪ ،‬جئت بكمية كبيرة من الزيت‪ ،‬تغلي وتفور‪ ،‬وبالملعقة كنت أسقط عليهما‬
‫الزيت الساخن جدا بروية وباستمتاع اندهشت له كثاي ار‪.‬‬
‫ل‪ ،‬راحا يبتهلن لربهما في أول المر‪ ،‬وبعد لحظات توجها إلى‬
‫لم أنتظر طوي ا‬
‫بالاستعطاف وطلبا الرحمة‪ ،‬لم أرحمهما‪ ،‬تماديت في المر‪ ،‬كنت أشعل السيجارة ثام‬
‫أغرسها في أماكن الجلد القليلة التي ما زالت تحتفظ بلونها الطبيعي‪ ،‬لم أشعر بالتعب‬
‫إل بعد عدة ساعات‪ ،‬أشبعت فيها كل ما هو مدفون في أعماق نفسي من الغريزة‬
‫الفطرية‪ ،‬الرغبة فى العنف والتدمير‪.‬‬
‫انهرت لهثا ا على المقعد‪ ،‬محاولا أن أستجمع شتات أفكاري‪ ،‬لأبدع وسيلة‬
‫قاسية لتعذيبهما من جديد‪ ،‬سألني أحدهما وهو يئن من اللم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬لماذا تعذبنا؟‪ ،‬هل يفيدك ذلك؟‪.‬‬
‫‪ -‬أحب ذلك‪ ،‬متعتي هي تعذيب البشر واستمتع بتناول اللحم البشري المسلوق ومرقته‪،‬‬
‫أهذا شيء غريب؟‪.‬‬
‫نظر إلي في غيظ‪ ،‬وكأنه يحاول أن يبصق علي‪ ،‬خاف وتراجع‪ ،‬ثام صرخ‪.‬‬
‫‪ -‬أنت شخص دموي وشرير‪.‬‬
‫ت في هيستيريا وأنا أشير نحوهما‪ ،‬أحاول أن أتكلم ول أستطيع‪ ،‬كانت‬ ‫ل‬
‫صحب د‬
‫الحروف تخرج منى متفرقة‪ ،‬دم‪ ،،‬دم‪ ،،‬وي ‪ ،،،‬شر‪ ،،،‬شر‪ ،،‬يرررر‪ ،،،‬تنعتني‬
‫بالدموي وبالشرير لني سأقتل اثانين‪ ،‬قل عشرة‪ ،‬عشرين‪ ،‬وجماعتكم تسعي لتدمير‬
‫العالم وقتل مئات المليين من البشر‪ ،‬فبماذا أسميها؟!‪.‬‬
‫‪ -‬نفعل ذلك من أجل استرداد إله النور لعرش الكون‪ ،‬لعله يرضى فنحمى البشرية من‬
‫غضبه ومن الفناء البدي‪.‬‬
‫‪ -‬أى إله يا مجانين؟‪.‬‬
‫‪ -‬إله النور‪ ،‬ليس كمثاله شيء‪ ،‬ل إله إل هو‪ ،‬خالق الكون‪ ،‬واهب الحياة!‪.‬‬
‫‪ -‬إله جماعتكم هذا ل يعنى بالنسبة لي شيئاا‪ ،‬ولسوف أحبط مخططها الشرير‪.‬‬
‫‪ -‬لن تنجح‪ ،‬فكل شيء سيتم في موعده مهما حدث‪ ،‬تلك مشيئة ال ول راد لمشيئته‪.‬‬
‫‪ -‬أي إله هذا الذي يأمر بالقتل والدمار‪ ،‬تلك إرادتكم الشريرة‪ ،‬سأقطع من لحمكما وأمل‬
‫به الثالجة فقد اشتقت للحم البشر‪.‬‬
‫رحت أساومهما من أجل معلومة جديدة عن الجماعة‪ ،‬أتعباني كثاي ارا‪ ،‬وحين‬
‫أخبرتهما بأني أعرف الكثاير عن مخطط جماعتهما‪ ،‬انهار أحدهما وقال لصديقه‪.‬‬
‫‪ -‬أل تري الخنجر بيده؟‪ ،‬أظنه سيقطع من لحمنا قبل أن يقتلنا كما قال‪ ،‬أترى أنه‬
‫يضير جماعتنا أن يعرف سرها رجل مجنون ووحيد في الصحراء؟‪ ،‬أظنه سيموت بعد‬
‫ساعات؟‪ ،‬فهز رفيقه رأسه موافق ا إياه على رأيه‪.‬‬
‫عقدنا صفقة‪ ،‬أكف عن تعذيبهما‪ ،‬وأقتلهما بسرعة‪ ،‬مقابل أن يطلعاني علي ما‬
‫يعرفان من معلومات حول مخطط الجماعة‪ .‬قال‪.‬‬
‫الجماعة تمكنت من صنع المئات من القنابل الذرية والهيدروجينية والنيترونية‪،‬‬
‫وكذا العشرات من القنابل الارتجاجية‪ ،‬التي تسبب الزلزل المدمرة وكذلك الفيضانات‬

‫‪200‬‬
‫والعاصير الدمهلكة‪ ،‬كما اخترعت تكنولوجيا تتيح استخدام أشعة الليزر في إحداث‬
‫تغيرات حادة في مناخ المناطق المختلفة من العالم‪.‬‬
‫وقد تم بالفعل توزيع تلك القنابل على مناطق كثايرة حول العالم‪ ،‬تم اختيارها‬
‫بعناية لضمان التدمير الشامل للرض‪ ،‬وكانت مفاجأة كبيرة‪ ،‬عندما أخبرني أحدهما‪،‬‬
‫أن إعصار توسينامي كان نتيجة لتجربة قنبلة ارتجاجية‪ ،‬ل يزيد وزنها عن كيلو جرام‬
‫واحد‪ ،‬في المحيط الهادي‪ ،‬وأن زلزال هاييتي الخير كان التجربة الخيرة لتلك التقنية‪،‬‬
‫وقال إن أجهزة الليزر قد تمت تجربتها بنجاح فتم إحراق روسيا إواغراق باكستان‪،‬‬
‫وضربت العاصير القوية سواحل أمريكا عدة مرات‪.‬‬
‫أقسما بأنهما لم ينطقا إل بالحقيقة‪ ،‬وانتظ ار أن أفي بوعدي‪ ،‬ساومتهما من‬
‫جديد‪ ،‬سألتهما‪.‬‬
‫‪ -‬كيف سيتم تفجير كل هذا العدد من القنابل المدمرة في وقت واحد؟‪.‬‬
‫كل ما يعرفانه هو أن معلم الحق ورئيس المعسكر والمشرف‪ ،‬ومعهم أمير‬
‫المدينة يشكلون ما يسمى باللجنة الرباعية‪ ،‬وهذه اللجنة هي من يعرف طريقة التفجير‬
‫وهى أيض ا من سيحدد ساعة التنفيذ‪.‬‬
‫لم أعد أحتمل اضطراب المشاعر بداخلي واختلط المر على عقلي‪ ،‬ذبحتهما‪،‬‬
‫ومن مكاني وجهت لودرا للحفر بعمق في الجهة الغربية من المزرعة‪ ،‬دفنتهم ونظفت‬
‫المكان من آثاار المذبحة‪ ،‬وكذا تم تنظيف أجهزة المراقبة من أي أثار لهما‪ ،‬جمعت‬
‫ملبسهما وتوجهت بها إلى منطقة طابا ودفنتها في الرمال تحاشيا لحتمال رصدهما‪،‬‬
‫وكيف ل احتاط بعد ما سمعته عن القدرات التكنولوجية لجماعتهما‪.‬‬
‫تدفق الحجاج على المزرعة‪ ،‬مبك ار عن الموعد بعدة أيام‪ ،‬وحدث ما توقعته‪،‬‬
‫سألني تارديني وهو في غاية التوتر عن رجلي المدينة‪ ،‬أنكرتهما‪ ،‬فطلب منى فحص‬
‫أجهزة المراقبة‪ ،‬وتعجب من عدم وجود أثار لهما‪.‬‬
‫لمحت في نظراته بعض الشك‪ ،‬تماسكت‪ ،‬وحاولت أن أشتت انتباهه فسألته عما‬
‫حدث ولماذا تقدم موعد الحج‪ ،‬فقال إن ذلك بسبب احتمال حدوث تسريب لمعلومات‬
‫مهمة عن الجماعة‪ ،‬وأضاف بأن تقديم ميعاد التجمع الكبير‪ ،‬لعدة أسابيع‪ ،‬بات فى حكم‬
‫المؤكد‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫حضر وفد من المدينة للقاء بعض الحجاج‪ ،‬وعلى الفور عقدت عدة اجتماعات‬
‫طلب منى تعطيل أجهزة المراقبة والتصنت‪ ،‬كنت مشغول ا بمتابعة اجتماع‬
‫سرية‪ ،‬بعدما د‬
‫أمير المدينة‪ ،‬مع الدكتورة كريستينا‪ ،‬ودعيت لحضور بعض تلك الجتماعات‪ ،‬كان‬
‫التوتر باديا على الجميع‪ ،‬كانت الحوارات سريعة ومقتضبة‪ ،‬واقتصر دوري على تلقى‬
‫التعليمات‪.‬‬
‫لم أندهش لوجود بعض الشخصيات العامة وبعض مشاهير الفن والعلم من‬
‫مصر بين الحجاج‪ ،‬ولكن ما كاد أن يدفعني للجنون هو وجود أم طارق ومروة بين‬
‫الحجاج‪ ،‬وهما من كبار تجار الثاار بمصر‪ ،‬وكانا علي علقة قوية بإبراهيم سالم‪،‬‬
‫كيف تمكنتا من دخول الجماعة؟ أليستا فاسدتين كما سيلفيو؟!‪ ،‬تمنيت أن أصفع‬
‫تارديني وأعلمه بحقيقة طهارة أعضاء جماعته‪.‬‬
‫عدة أيام مليئة بالخوف والقلق‪ ،‬وبل نوم‪ ،‬تدهورت صحتي بسرعة‪ ،‬عادت‬
‫الرعشة لطرافي أشد من كل مرة‪ ،‬وثاقل لساني وبت عاجزا عن الكلم‪ ،‬ول أجد من‬
‫الكلمات ما يسعفني لصف معاناتي مع الدوخة والقيء المستمر‪.‬‬
‫أوصي طبيب من أعضاء الجماعة بدخولي للمستشفى لجراء بعض التحاليل‬
‫الطبية‪ ،‬رفض تاردينى أن أغادر المكان‪ ،‬متحججا بأنه ل يريد أن يفوتني الحج الخير‪،‬‬
‫توقعت أنه يحدد إقامتي بالمزرعة‪ ،‬ساءت صحتي أكثار فاصطحبني إلي مستشفي شرم‬
‫ب عن‬
‫الشيخ‪ ،‬عدنا للمزرعة مساء نفس اليوم وقد تحسنت صحتي بعض الشيء‪ ،‬لم أغ ب‬
‫نظره لحظة واحدة وظل صامتا طوال طريق العودة‪ ،‬يبدو أنه يشك في بالفعل‪ ،‬كنت‬
‫خائف ا من كل شيء من حولي‪ ،‬وتوجست أن تفشل نبوءة سماسم بعدما كدت أن أؤمن‬
‫بها‪ ،‬بذلت مجهودا كبيرا للسيطرة على انفعالتي وتصرفاتي لبدو طبيعيا على الرغم‬
‫من خوفي وتوتري الشديدين‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫أوشك رضا جلل على الجنون‪ ،‬فما لديه من معلومات ووثاائق‪ ،‬وعلى‬
‫خطورتها‪ ،‬ل تكفى لن يصدقه أحد‪ ،‬بل قد يعامل من الجميع بسخرية واستهتار‪ ،‬وهل‬
‫يضمن أل يقع بيد ضابط أمن‪ ،‬أو بيد مسئول يكون في الوقت عضوا بالجماعة فيفتك‬
‫به‪ ،‬وتضيع الفرصة الوحيدة للعالم في النجاة من الدمار الذي ينتظره‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫كان يبتهل ل أن يساعده‪ ،‬كان بقلبه بعض التردد والشك وعدم اليقين‪ ،‬ما عاد‬
‫يعرف أي رب يدعوه ولم يعد يفرق بين الحقيقة والوهم!‪ ،‬استغفر كثاي ار وحاول أن يدفع‬
‫عن نفسه الشك‪ ،‬حين واتته الفرصة توضأ وصلي‪ ،‬راح يبكي حتى شعر وكأن هناك من‬
‫غسل قلبه بالثالج والعبعرد‪ ،‬اتسع صدره لهواء الدنيا‪ ،‬وانتبه عقله بأقصى ما يمكنه‪ ،‬أحس‬
‫بعافية أسطورية تدب بأوصاله‪ ،‬ما عاد به خوف أو قلق‪ ،‬وامتل بثاقة ل نهائية بأن ال‬
‫معه‪ ،‬وتأكد من نجاحه في تأدية ما دأختير له!‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫اتجهت الوفود نحو المدينة لتدخلها تحت أجنحة الظلم‪ ،‬ومع أول ضوء لنهار‬
‫اليوم التالي‪ ،‬أغلقت بوابة المزرعة‪ ،‬ولحقت بتاردينى ومعه رجل من المدينة‪ ،‬وصلنا‬
‫لمدخلها والنهار يطل على الدنيا بروية‪ ،‬وقد أخذت الشمس ترسل أشعتها برفق لترتاح‬
‫على صخور الجبل‪ ،‬فتلمح العين لوحة عظيمة من اللوان الزاهية والمتداخلة بإبداع‬
‫يفوق الخيال‪ ،‬لوحة راحت تتسع شيئا فشيئا وهى تزيح بقوة إواصرار‪ ،‬للعلى وللسفل‪،‬‬
‫ضفتي الضباب الكثايف‪ ،‬الذي راح يتسلق أشعة الشمس ليبتعد عن صخور الجبل‪ ،‬التي‬
‫أخذت تتوهج بألوان الطيف‪ ،‬وكانت دهشتي عظيمة وأنا أنظر لسفل الجبل لري كتل‬
‫الضباب الضخمة وهى تنهار وتنكمش على نفسها‪ ،‬لتهرب بعيدا عن الجبل الساخن‪،‬‬
‫فتتراجع كأمواج من البخار الكثايف‪ ،‬تتلطم وتتداخل في بعضها البعض‪ ،‬تنكمش حين ا‬
‫وتنفجر حينا خلل زحفها‪ ،‬فوق الرمال الباردة‪ ،‬لتغادر المكان قبل أن تلحق بها ح اررة‬
‫الشمس‪.‬‬
‫شيئ ا فشيئ ا أخذت أشعة الشمس تحتل كل مساحة الجبل‪ ،‬لتحول صخوره‬
‫المتعرجة إلى اللف من المصابيح الملونة‪ ،‬تضيء النفس بهجة ودهشة‪.‬‬
‫وصلنا للمدخل وكتب مرافقنا أرقام ا على اللوحة الرقمية على يمين المدخل‪،‬‬
‫لحظات وتحرك الجبل فى صمت‪ ،‬فظهرت فوهة النفق‪ ،‬الذي خدعني أمامه حمدان من‬
‫قبل‪ ،‬دلفنا من البوابة وخطونا عدة خطوات ونحن تقريبا ل نرى شيئاا‪ ،‬كنا نفتح أعيننا‬
‫بصعوبة بالغة بسبب الضاءة المبهرة‪ ،‬والتي ازداد سطوعها حينما أغلقت البوابة لمن‬
‫خلفنا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ركبنا سيارة كهربائية تشبه سيارات ملعب الجولف‪ ،‬كالتي لدى بالمزرعة‪،‬‬
‫وعندما تحركت بنا لم أستطع تجاهل الدهشة بداخلي‪ ،‬كان النفق‪ ،‬أو السق كما‬
‫يسمونه‪ ،‬عبارة عن طريق ضيق بين جبلين عظيمي الارتفاع‪ ،‬يضيق ثام يتسع قليلا‬
‫ليضيق أكثار فأكثار حتى نهايته‪ ،‬ومن على ارتفاع ل يزيد عن الخمسة أمتار‪ ،‬كانت‬
‫تبعث من جانبي الشق‪ ،‬وتتجه للسفل‪ ،‬إضاءة قوية حولت المكان إلى نهار عجلي‪.‬‬
‫كان نهر الضوء الباهر يمتد أمامي‪ ،‬بل نهاية‪ ،‬مسقوفا بالظلم الدامس‪ ،‬كان‬
‫صوت دوران عجلت السيارة يدوي بالنفق وكأنه ضجيج عجلت حربية في أرض‬
‫المعركة‪ ،‬قطعنا المسافة التي ل تزيد علي ألفي متر‪ ،‬في حوالي عشر دقائق‪ ،‬كنت‬
‫وكأني غائب عن الوعي‪ ،‬كانت تخرج من جانبي الشق أبخرة بنية ذكية الرائحة‪ ،‬عرفتها‬
‫من فوري‪ ،‬حشيش نقي‪ ،‬رحت أتنفس بعمق‪.‬‬
‫كاد عقلي أن يشت منى تحت وطأة ما ترسله العين والنف من إشارات قوية‬
‫لفتح بوابات السعادة والدهشة بجميع أنحاء مخي‪ ،‬ما كدت أسيطر على عقلي لحفظه‬
‫من الذهول حتى فقدته وكأنه سراب فشعرت بالضياع‪.‬‬
‫وكأن الكون كله ضياء‪ ،‬يحتويني وحدي‪ ،‬وكأني الوجه الخر لحقيقته الزلية!‪،‬‬
‫انتابني فرح طالغ‪ ،‬فكل شيء جميل عشته من قبل يعاودني الحساس به‪.‬‬
‫فاض نهر الضياء بنوره في بحر النهار الباهر‪ ،‬في الناحية الخرى حيث‬
‫ساحة المدينة‪ ،‬توقفت السيارة بمحطة الوصول‪ ،‬نظرت خلفي فهالني ارتفاع الجبلين‬
‫على جانبي الشق‪ ،‬فعرفت سر الضاءة لسفل‪ ،‬وكذا فائدة تصاعد البخرة المخدرة‪.‬‬
‫نظرت أمامي‪ ،‬فتعلقت عيناي بما تراه‪ ،‬كدت أسقط أرض ا عدة مرات‪ ،‬انتبهت لما‬
‫تحت أقدامي ومشيت بصحبة تارديني أنظر في كل الاتجاهات مذهولا‪ ،‬فقدت السيطرة‪،‬‬
‫فطار عقلي وهوي جسدي‪.‬‬
‫بعد حوالي المائة متر‪ ،‬ظهرت من تحتنا ميادين المدينة الدمذهلة‪ ،‬هبطنا حوالي‬
‫خمسة عشر درجة من الرخام الحمر القاني‪ ،‬المشبح بعروق بيضاء‪ ،‬لنجد أنفسنا أمام‬
‫ساحة دائرية ليس لها نهاية وكأنها تمتد لتختفي تحت سفوح الجبال الملونة الشاهقة‬
‫والتي تحيط بالمدينة من كل جانب‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫بعد عشر دقائق من المشي كنا في وسط أحد ميادين الساحة‪ ،‬كان محاطا‬
‫بأشجار النخيل الملكي الشاهقة وتتوسطه حديقة غناء فيها كل أنواع شجر الفاكهة‬
‫المنسق في أشكال هندسية مريحة للعين‪ ،‬مربعات من شجر الرمان‪ ،‬مستطيلت من‬
‫لرز‪ ،‬دوائر من‬
‫أشجار الخوخ والموالح‪ ،‬مكعبات شاسعة من أشجار العنب وأشجار ا ع‬
‫أشجار أخرى ل أعرفها‪ ،‬تسلل تارديني وتركني وحدي‪ ،‬وكنت حريص ا على أن أبتعد‬
‫عن طريق أم طارق ومروة وغيرهما من المصريين‪.‬‬
‫دلفت إلي الحديقة‪ ،‬جلست دقائق لستعيد نفسي ولتأكد من أن ما أراه حقيقي‪،‬‬
‫لم أعد أسمع إل سيمفونية من هديل الحمام واليمام تتخللها شقشقة العصافير‪ ،‬أسكرني‬
‫تغريد البلبل‪ ،‬فتاقت نفسي لغلم لؤلؤي‪ ،‬نظرت لعله يخرج من أحد النهار‪ ،‬تلك التي‬
‫تجري من تحتي‪ ،‬وبيديه أبارق الخمر واللبن‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فقد امتصت أغصان النخيل أشعة الشمس فهذبتها‬
‫تجولت فى الحديقة مزهو ا‬
‫وأرسلتها ضيااء يتلل على أوراق الشجر من تحتها‪ ،‬ثام تتسلل من بين أوراق الشجر‬
‫لتضيء العشرات من مربعات الورود والزهور التي حيرتني ألوانها وأربكني عبيرها‪،‬‬
‫تلعب العبير بأنفي وعقلي‪ ،‬ما إن أتأكد من أنه يفوح من أشجار البرتقال والليمون حتي‬
‫أستنشق رائحة الدفل‪ ،‬ما إن أستسلم لها حتى يقتحم أنفى عبير الورد‪ ،‬رحت أتحسس‬
‫قدممي والرض من تحتي‪ ،‬فقد مر بي وقت وأنا أطير‪.‬‬
‫انتهت الحديقة بطريق دائري من الرخام البيض الشفاف‪ ،‬كان يتلل في ضوء‬
‫الشمس الدمنهك بعد رحلته بين الغصان‪ ،‬خلته لددجة‪ ،‬خضت فيها دون أن أشلح ثاوبي‪،‬‬
‫لمحت هدهدا فتواريت‪ ،‬قد يبلغ سليمان بأمري‪.‬‬
‫لمحت ثاورا ضخماا‪ ،‬لونه أصفر فاقع‪ ،‬يرتفع فى الهواء بساقيه الماميتين‪،‬‬
‫ويرتكن بالخلفيتين على قاعدة شاهقة من الرخام البيض الشفاف‪ ،‬يندفع الماء‪ ،‬من فمه‬
‫ومن عضوه الذكري‪ ،‬ليرتفع عالي ا ثام يسقط على ظهر تمثاال من الفيروز الزرق الرائق‬
‫لنثاى فرس النهر‪ ،‬تقبع في قاع صحن كبير من الرخام البيض الشفاف‪ ،‬أمعنت النظر‬
‫لعلي أميز الرخام من الماء‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫لزمت الطريق الرخامي فى دورانه حول النافورة‪ ،‬فرأيت‪ ،‬فى الناحية الخري‬
‫منها‪ ،‬أشجا ار قصيرة تشتعل ناراا‪ ،‬لم أشعر بح اررتها‪ ،‬اقتربت فإذا بشجر المانجروف‬
‫يطلق خيوط ا من الزيت لتتوهج في أشعة الشمس فيكاد يضيء ولو لم تمسسه نار‪.‬‬
‫دخلت ساحة كبيرة ترتفع في منتصفها عدة تماثايل دقيقة الصنع‪ ،‬فهذا تمثاال‬
‫أسود هائل لحمامة ترتفع عالي ا على قاعدة رخامية بيضاء‪ ،‬وعن يمينها يرتفع تمثاال‬
‫أحمر ليمامة تهم بالطيران وهى تحمل على ظهرها تمثاالا أبيض صغيرا لشخص يحثاها‬
‫على الطيران‪ ،‬وكأنه يركب فرساا‪ ،‬وهذا تمثاال أحمر كبير لطائر الفينيق يرسل جناحيه‬
‫ليحيط بقرص أحمر كقرص الشمس لحظة غروبه‪.‬‬
‫كانت الساحة تكتظ بالطفال في ملبسهم الزاهية‪ ،‬يلعبون ويمرحون‪ ،‬فامتلت‬
‫نفسي بفرحة العيد‪.‬‬
‫أكملت جولتي مذهولا‪ ،‬توقفت أمام صرح عظيم يرتفع نحو عنان السماء‪ ،‬وتلتف‬
‫من حوله صاعدة‪ ،‬درجات سلم رخامي ينتهي أعلى الصرح‪ ،‬بل خوف ارتقيت السلم‬
‫إلي السطح‪ ،‬منظر الحدائق والنافورات من تحتي ل يصدق‪ ،‬مددت بصري لقصى ما‬
‫أستطيع‪ ،‬نحو الجبال الملونة من حولي‪ ،‬فبدت كأعشاش النحل‪.‬‬
‫نزلت قاصدا محطة للسيارات الكهربائية‪ ،‬رأيتها من أعلى‪ ،‬تدلقطل الناس نحو‬
‫الجبال في كل التجاهات‪ ،‬من محطة دائرية تخرج منها طرق مرقمة وتتجه لكل‬
‫النواحي‪ ،‬وعلى ناصية كل طريق منهم توجد عدة سيارات‪ ،‬ركبت إحداها قاصدا منزل‬
‫حمدان‪ ،‬رقم ‪ 33‬المطلع السابع بالدرج الثااني‪ ،‬كلما اقتربت السيارة من الجبل كان‬
‫يصعد نحو السماء لتزيد مساحة ما يبديه من فخامة وجمال‪.‬‬
‫ارتقيت درجات سلم حلزوني طويل منحوت في رخام الجبل بدقة وجمال‪ ،‬رحت‬
‫أتمعن بالعديد من الثاعابين الحجرية والعديد من تماثايل الطيور والحيوانات علي جانبي‬
‫المطلع‪ ،‬وهي تصطحبني خلل صعودي‪.‬‬
‫لم أستطع أن أمنع نفسي‪ ،‬خطوت علي الدرج الول لشاهد منازله فبدا لي‬
‫وكأنه يمتد إل ما ل نهاية‪ ،‬مددت قدمي في خوف وحذر‪ ،‬لو لم تكن المنازل مرقمة‬
‫لحتار أصحابها‪ ،‬فالمداخل متشابهة لدرجة التطابق‪ ،‬كل باب منزل دمحاط بأربعة‬

‫‪200‬‬
‫أعمدة‪ ،‬اثانين على كل جانب‪ ،‬وتحمل العمدة تاجا مثالث الشكل وعليه نقوش‬
‫ورسومات دمذهلة‪.‬‬
‫عدت أدراجي وارتقيت السلم إلي الدمعدارج الثااني‪ ،‬فوجدت نفس العمدة تحيط‬
‫بأبواب المنازل ولكن التاج كان مستطيلا هذه المرة ويحمل نقوشا بل رسومات!‪.‬‬
‫وقفت لدقائق‪ ،‬أتفحص العمدة والتاج وألوان الرخام المتموجة والمتداخلة في‬
‫أشكال مذهلة‪ ،‬دلفت من المدخل إلي غرفة المعيشة‪ ،‬كانت فسيحة وتتوسطها طاولة‬
‫للطعام ويحيط بها أربعة مقاعد‪ ،‬جميعها من الرخام البني المشبح بعروق صفراء‪،‬‬
‫حسبتهم ل يعرفون الثااث الخشبي‪ ،‬حتى شاهدت‪ ،‬على يميني‪ ،‬عددا من المقاعد‬
‫الخشبية الفاخرة تحيط بنافورة رائعة‪ ،‬الجدران تغطيها صور للكواكب والطيور‪ ،‬كانت‬
‫هناك غرفتان للنوم كلتاهما فسيحة وبها من الثااث الفخم مال يصدق‪ ،‬ويفصلهما عن‬
‫غرفة المعيشة ستائر فخمة من القماش المقوى‪ ،‬جدرانهما من الرخام الملون ومعلق‬
‫عليها لوحات زيتية لمناظر مبهرة من الطبيعة‪.‬‬
‫دخلت الحمام وكانت حكايته حكاية‪ ،‬البانيو وطقم الحمام منحوتان من رخام‬
‫أحمر مشبح بعروق بيضاء‪ ،‬لتكون مع اللوان الداكنة المتداخلة على جدران الحمام‪،‬‬
‫لوحة بصرية دمدهشة‪ ،‬أما عن الصنابير والمقابض والشطافات فحدث بل حرج‪ ،‬وكأنها‬
‫تماثايل منحوتة من النيكل كروم‪ ،‬أما المطبخ فمن الصعب وصف فخامته‪.‬‬
‫كانت الضاءة مبهرة ولكنها تبعث في النفس الراحة والشعور بالفخامة‪ ،‬وكأنها‬
‫مكيفة‪ ،‬كانت الح اررة داخل شقة حمدان معتدلة ومنعشة‪.‬‬
‫في الحقيقة كنت مندهش ا من سلوك حمدان‪ ،‬كيف طاوعته نفسه لن يفر من‬
‫هذا المكان الجميل والهادئ‪ ،‬وتتوق نفسه لعيشة الصحراء القاسية‪ ،‬أيستبدل الذي هو‬
‫خير بالذي هو أدنى؟!‪ ،‬حق ا ل في خلقه شئون!‪.‬‬
‫نظرت لساعة يدي الضخمة‪ ،‬هرولت هابط ا درجات اللسلم‪ ،‬قاصدا المسرح‬
‫الكبير‪ ،‬فقد حان وقت التجمع لسماع خطبة معلم الحق وتلقى التعليمات الخاصة‬
‫بمناسك الحج‪ ،‬زادت دهشتي من حمدان ولمما أشاهده‪.‬‬
‫الساحة‪ ،‬أمام المسرح‪ ،‬تعج بالحوريات وبالحمام والعصافير‪ ،‬أظنهن فتيات‬
‫البغاء المقدس‪ ،‬ترتدي كل منهن طرحة شفافة تلتف لتعصر الصدر مع جزء من الثاديين‬

‫‪200‬‬
‫ليتكور أعلهما ويبرزان ككرتين من المرمر‪ ،‬تمر الطرحة بمنتصف ظهرها ثام من بين‬
‫فخذيها للمام لتحملها على ساعدها اليمن‪ ،‬فإذا التفتت رأيت منطقة البطن بيضاء‬
‫ناعمة‪ ،‬ضيقة ومشدودة وكأنها قطعة أرابيسك نحتت من المرجان الوردي‪.‬‬
‫يذهب جمال أفخاذهن بالعقل‪ ،‬بياضهن يكاد يشف عن عظامهن‪ ،‬تناسق‬
‫دمدهش‪ ،‬فخذ مخروطي ينساب هابط ا فإذا به ساق ا من العاج البيض مسحوبة بعناية‬
‫لتنتهي بقدم بلون الورد وصغيرة كقدم صبية على أعتاب البلوغ!‪.‬‬
‫أغمضت عيني علي وجوه ناضرة وأجساد ساحرة‪ ،‬وفتحتها علي نظرات أنثاوية‬
‫جريئة‪ ،‬مهرجان ألوان ترتد من عيون تشع سح ار وضياء‪ ،‬مشدوه ا أمعنت النظر لم أجد‬
‫في عخلقهن تبديل‪ ،‬وكأنهن استنسخن من أفروديت إلهة الجمال‪ ،‬ل اختلف إل في لون‬
‫الشعر‪ ،‬وأي شعر هذا الذي ينساب ليغطى جزءاا من كتفين مكتظين يغريانك‬
‫بالتهامهما‪.‬‬
‫‪ ،،،‬أع سيرة حمدان كسيرة أبيه آدم في توقه للمعرفة وسعيه نحو سبر أغوار‬
‫ضبح بما يعرفه‪ ،‬الجنة‪ ،‬من أجل ما لن يعرفه‪ ،‬حقيقته‪ ،‬وأكل من‬
‫المجهول؟ ‪ ،،،‬ألم دي ع‬
‫الشجرة التى حرمت عليه؟ ‪ ،،،‬يبدو أن خطيئة أبينا آدم لم دتغتععفر بعد‪ ،‬على الرغم من‬
‫محاولت الفداء بدماء البشر والكباش وبآلم ابن الله على الصليب!‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫ما كدت أشفي من سحر الحوريات حتى هالني منظر عجلين من الذهب‬
‫يتوهجان تحت أشعة الشمس بأعلى باب المسرح‪ ،‬تمالكت نفسي‪ ،‬دلفت من باب‬
‫المسرح وصعدت إلى المدرجات‪ ،‬وأخذت مكاني بين الجمع المبتهج‪.‬‬
‫كان المسرح عبارة عن ساحة دائرية فسيحة يحيط بها مدرج دائري يرتفع بمقدار‬
‫عشرين درج ا من الجرانيت الخضر‪ ،‬استمعنا أولا لكلمة المير الذي رحب بالحجيج‬
‫ودعاهم لزيارة معالم المدينة بعد انتهاء مراسم الحج‪ ،‬واستمعنا من بعده لعدد من رجال‬
‫الدين‪ ،‬ألقى بعضهم بالمواعظ وبعضهم بالترايتل والبتهالت‪ ،‬ثام نعمنا بغناء ملئكي‬
‫لمجموعة من الحوريات‪ ،‬على أنغام موسيقى ناعمة تنساب لتراقص ذرات العبير‬
‫ليحملها النسيم همسات‪ ،‬غمرتني سعادة استعذت بال من وقعها على نفسي!‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫كنت أستمع للغناء وأنا أجول بنظري فى جوانب هذا المسرح الرائع‪ ،‬شرعت‬
‫ببصري لعلى فلمحت أسراب الحمام تتغزل على حواف المسرح‪ ،‬دهشت لكتل سحاب‬
‫بيضاء‪ ،‬راحت تنخفض وتلتصق ببعضها البعض‪ ،‬بدت لي وكأنها صارت سقف ا‬
‫للمسرح‪ ،‬كانت أشعة الشمس تتخلل السحب خجلي فتضيء المسرح بأضواء تتدرج‬
‫ألوانها في بهجة‪ ،‬لف المسرح صمت وسكون‪ ،‬فغادرته لدنيا الخيال والساطير‪ ،‬لحظات‬
‫وصدح المكان بتغريد الحوريات ابتهالت عذبة‪ ،‬أخذت الجمع حماسة عظيمة‪ ،‬وعلت‬
‫الحناجر بالدعاء‪ ،‬نظرت فإذا به يخطو في خيلء ليتوسط ساحة المسرح‪ ،‬إنه معلم‬
‫الحق!‪ ،‬كان الرجل يرفل في ثاوب لونه أحمر قالتم‪ ،‬تتلل به خيوط من الذهب فتحيطه‬
‫بهالة ضوء قرمزية‪ ،‬وعلى كتفه طاليت مطرز بالذهب والفضة‪ ،‬كطاليس حاخامات‬
‫اليهود‪ ،‬شعر ذقنه‪ ،‬البيض الكثايف‪ ،‬يكاد يلمس الرض‪ ،‬يعلو رأسه تاج مرصع‬
‫بالحجار الكريمة ويرتفع منه هلل ذهبي يحتضن كرة من العقيق الحمر‪ ،‬وبيمناه‬
‫صولجان من الذهب‪ ،‬حين رفعه نحو الحجاج ارتج المكان لصياحهم‪ ،‬أشار بيسراه فساد‬
‫المسرح صمت جليل‪ ،‬كانت أنفاس الحماسة والبهجة‪ ،‬تخرج منهم كفحيح هامس‪.‬‬
‫بدأ ببعض المواعظ ثام هنأ الحجيج باختيار ال لهم ليشهدوا آخر وأهم حج لديه‪،‬‬
‫انتبهت لكلماته الخيرة فتنبهت لمهمتي الخطيرة‪ ،‬شحذت ذهني لركز في كل كلمة منه‬
‫لعلى ألتقط ما يفيدني في معرفة كيفية تفجيرهم للعالم‪ ،‬كدت أموت رعب ا حين سمعته‬
‫يقول ‪ ،،،‬نظ ار لمروق شخصية هامة من أعضاء الجماعة‪ ،‬واحتمال إفشائها لبعض‬
‫أس اررنا لشخص مجهول‪ ،‬لم نصل إليه بعد‪ ،‬قررنا تقديم موعد التجمع النهائي إلى‬
‫السبوع الخير من شهر أغسطس القادم‪ ،‬صمت قليلا وهو يجوب بنظره في الجمع‬
‫الحاشد ثام قال‪.‬‬
‫‪ -‬لقد أوحى إلي روح هقدوش بأن نقوم بأداء طقوس إيقاظ إله الحق في يوم السبت‬
‫الخامس والعشرين من أغسطس القادم‪ ،‬ليهبط للرض وديدمر الشرار وينقذ البشرية من‬
‫الفناء‪ .‬قال ذلك ثام رفع يديه لعلى وبيمناه الصولجان وأضاف وهو يبكى‪.‬‬
‫‪ -‬سنسترضيه فيرضى‪.‬‬
‫ردد الجمع من خلفه ‪ ،،،‬هاللويا ‪ ،،،‬هاللويا‪ .‬تكرر ذلك عدة مرات‪ ،‬ثام أشار بيديه‬
‫فعم المكان صمت مهيب‪ ،‬وأضاف‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬كل الحبة فدا محبتك‪.‬‬
‫ردد الجمع ‪ ،،،‬هاللويا ‪ ،،،‬هاللويا‪ .‬لحظات وارتفع صوته بالدعاء فساد الجمع‬
‫حماس هيستيري‪ ،‬ثام اصطف خلفه عدد من أتباعه في صفوف متساوية وتلقينا‬
‫التعليمات بالصطفاف في سبعين صفا متتالية ومتساوية في الطول‪ ،‬ثام خرجنا من‬
‫المسرح في نظام صارم‪ ،‬كان الجميع يبتهل بالدعاء‪ ،‬وصلنا للنافورة الرائعة‪ ،‬وسط‬
‫الميدان الواسع الذي وصفته سابقاا‪ ،‬طاف الجمع من حولها سبع مرات‪ ،‬وفى الطواف‬
‫الخير اقترب‪ ،‬معلم الحق‪ ،‬من الثاور الصفر‪ ،‬وسمعته يقول‪.‬‬
‫‪ -‬ل تغضب ول تخذلنا يوم العرض عليك‪ ،‬أليست الثاماني كالتسع؟! أليست كلها أيامك‬
‫وشهورك؟‪ ،‬بلى أيها العظيم‪.‬‬
‫قال ذلك وأشار للجميع بالصمت‪ ،‬استمر الصمت الجليل لعدة دقائق‪ ،‬وفجأة‬
‫صاح مهنئ ا للجميع وقال إن روح هقدوش أبلغه بأن روح إله النور أبدت ارتياحها لن‬
‫يكون يوم السبت الموافق الخامس والعشرين من شهر أغسطس القادم هو يوم‬
‫راغناروك‪.‬‬
‫هلل الحجيج وهم يتجهون نحو المعبد‪ ،‬كنت مندهش ا من عجائب النسان‪ ،‬كيف‬
‫يهلل هؤلء لقتل أبنائهم وأقاربهم‪ ،‬كيف يؤمنون بتلك الخزعبلت؟! فأي إله هذا الذي ل‬
‫يرضى إل بالقتل والتدمير؟!‪ ،‬شعرت باليأس يتسرب إلى نفسي حين تذكرت رجال‬
‫تنظيم القاعدة البائسين‪ ،‬وهم يرقصون علي أشلء البشر في شوارع بغداد وأفغانستان‬
‫وغيرها من البلدان التي ابتليت بهم ‪ ،،،‬هل هناك فرق بين هؤلء وأولئك؟‪ ،‬ألم تهن على‬
‫النتحاري نفسه؟! ‪ ،،،‬فللعمـَ الدهشة من أن تهون عليه أرواح غيره من البشر ‪ ،،،‬ومن‬
‫يأمر بالحرب والتدمير‪ ،‬من أجل البترول أو غيره من الثاروات‪ ،‬أيختلف عن هؤلء‬
‫المجانين؟ ‪ ،،،‬إنها نفس الرغبة في ممارسة العنف والتدمير ‪ ،،،‬تلك الغريزة الدفينة في‬
‫النفس البشرية‪ ،‬يمارسها الجميع بأساليب مختلفة‪ ،‬ويبدو أن الحضارة لم تحد منها إل‬
‫ل‪.‬‬
‫قلي ا‬
‫أحبطني حديثاي مع نفسي‪ ،‬فلم أعدعد عأهعتم بجمال المدينة وبلسحعر فتياتها‪ ،‬وأصبح‬
‫كل شيء من حولي يبدو حقي ار ومجنوناا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫قبل دخول المعبد ارتدت النساء والفتيات النقاب‪ ،‬وتسلم كل رجل منا ثاوبا من‬
‫القماش البيض ليلف به جسده بنفس طريقة كهنة المعابد البوذية‪ ،‬وكذلك وضع كل‬
‫واحد فينا على كتفه شالا يسمونه الطاليس‪ ،‬كالذي على كتف معلم الحق‪ ،‬وكان هذا‬
‫مدهشاا‪ ،‬وكأن جماعتهم تنتخب من كل دين معروف‪ ،‬طقسا أو شعيرة‪.‬‬
‫لفت انتباهي‪ ،‬لحظة دخولي المعبد‪ ،‬وجود سبعة من الثايران الصفراء‪ ،‬كل ثاور‬
‫دمقيد من أطرافه على طاولة ضخمة في وسط ساحة المعبد‪ ،‬توجهت كل مجموعة‬
‫لتحيط بطاولة منهم في شكل دوائر متتالية‪ ،‬فكان حول كل طاولة اثانتا عشرة دائرة‪،‬‬
‫دقيقة واتجه الدمعلم الحق نحو الطاولة الولى وهو ممسك بسيف كبير وأخذ يردد بعض‬
‫الدعية‪ ،‬ونحن نرددها من خلفه‪ ،‬وفجأة هوى بالساطور على رقبة الثاور ليضربه سبع‬
‫ضربات قوية‪ ،‬انفصلت رأس الثاور عن جسده‪ ،‬واندفعت منه نافورة من الدماء‪ ،‬راح‬
‫المعلم يغمس يديه في الدم ثام يلتفت نحو أفراد الدائرة الولى ليلطخ خدي كل فرد بها‬
‫بالدم‪ ،‬وحين ينتهي من دائرة تتراجع للخلف لتحل محلها الدائرة التالية لها‪ ،‬تكرر ذلك‬
‫عند كل طاولة‪ ،‬وهكذا حتى دلطخت خدود كل من بالمعبد بدم الثاور‪ ،‬كنت بالدائرة‬
‫الخيرة حول الطاولة الخيرة‪ ،‬عندما اقترب منى ليمسحني بالدم‪ ،‬رأيته عن قرب‪ ،‬وحين‬
‫تلقت نظراتنا امتلت بالخوف والقلق‪ ،‬وبذلت مجهودا كبي ار لتمالك نفسي‪.‬‬
‫اصطفت الجموع خلف معلم الحق فأصبحت الثايران المذبوحة من خلفنا‪ ،‬أععم‬
‫الرجل الجمع في صلة طويلة ومتعبة‪ ،‬وفى الركعة العاشرة والخيرة كدت أسقط أرضاا‪،‬‬
‫تماسكت بالرغم من شدة اللم بظهري‪ ،‬لقد كان يوما قاسياا‪ ،‬فبعد الصلة أتحفنا الرجل‬
‫بخطبة الحج‪ ،‬والتي استمرت لكثار من ساعتين‪ ،‬ناهيك عن النتظار لساعات أمام‬
‫الدثاور لتلطيخ خدي بالدم المقدس!‪ ،‬ومما جعل الوضع ل يطاق هو الشعور المميت‬
‫بالجوع الذي غشي عقلي خاصة عندما اقتحمت أنفى رائحة العشواء‪ ،‬أثاناء الخطبة‬
‫المملة التي لم أخرج منها بجديد‪.‬‬
‫تناولت الكثاير من اللحم المشوي‪ ،‬وفى الحقيقة كان شهياا‪ ،‬وكيف ل يكون وهو‬
‫لحم دمقدس وععشاء رباني!‪ ،‬العشاء المقدس لجماعة الناجين من الدمار‪ ،‬حيث يذبح ثاور‬
‫أصفر فاقع عيدسدر الناظرين‪ ،‬رم از لله النور‪ ،‬ويؤكل لحمه في هذا اليوم فقط من كل‬
‫عام‪ ،‬وديحعرم ذبحه أو أكله في أي وقت آخر من السنة‪ ،‬ومن يفعل ذلك من أعضاء‬

‫‪200‬‬
‫الجماعة فقد أنكر معلوما من الدين بالضرورة وباء بكفر صريح‪ ،‬واعتبر مرتدا فيقتل‬
‫بفعلته!‪ ،‬كانت مفاجأة غير سارة عندما عرفت أنه بعد هذا العشاء سيبدأ على الفور‬
‫الصوم المقدس‪ ،‬والذي سيمتد حتى نهاية مناسك الحج‪ ،‬مساء يوم غد‪ ،‬ولني ل أكره‬
‫شيئا مثالما أكره أعراض نقص السكر بالدم فقد التهمت عدة قطع آخري من اللحم بالرغم‬
‫من شعوري بالمتلء الشديد‪.‬‬
‫انتهي اليوم الول للحج‪ ،‬خرجت من المعبد منهكاا‪ ،‬ومع ذلك قررت التجول‬
‫لبعض الوقت في ساحات المدينة‪ ،‬كانت الضاءة باهرة‪ ،‬إنهم يعشقون النور رمز‬
‫إلههم‪ ،‬ويكرهون الظلم رمز الله الساطي‪ ،‬وحدث أن لمحت تاردينى بجواري فسألته‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا الطقس هنا منعش لدرجة مدهشة؟‪.‬‬
‫‪ -‬إنهم يستخدمون تكنولوجيا الكيمتريل لمتصاص الح اررة وضبط الرطوبة بالجو‪،‬‬
‫حيث تقوم طائرة برش خليط من أكسيد اللومنيوم وأملح الباريوم فوق المدينة‪ ،‬فتتشكل‬
‫سحابة من الكيمتريل وتعمل كمرآة مزدوجة‪ ،‬تعكس الح اررة لسفل لتدفئة المدينة‪،‬‬
‫وتعكس ح اررة الشمس لعلى فتحميها من الحر الشديد‪ ،‬كما تقوم بامتصاص الرطوبة‬
‫من أرجاء المدينة‪.‬‬
‫ابتسم وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬لعلك لحظت‪ ،‬ونحن بالمسرح‪ ،‬أن السحب تجمعت وانخفضت حتى بدت كسقف‬
‫المسرح؟‪.‬‬
‫‪ -‬بالفعل لحظت ذلك‪ ،‬واندهشت له‪.‬‬
‫‪ -‬هذا بفعل أجهزة دمتطورة من أجهزة الليزر‪ ،‬يمكنها التحكم بحركة السحاب‪.‬‬
‫تمنيت أن يستمر في الشرح والتوضيح إل أنه استأذن ليذهب للجتماع بأمير‬
‫المدينة‪ ،‬وبالرغم من اقتراب الليل من منتصفه إل أنى واصلت جولتي بالمدينة‪ ،‬اقتربت‬
‫من منطقة النافورة‪ ،‬تلك التي طفنا من حولها‪ ،‬أثاار انتباهي حوض دائري واسع من‬
‫الشجار القصيرة‪ ،‬كانت إضاءة أطرافه خافتة بينما وسطه يسطع بنور وكأنه يخرج من‬
‫مشكاة هائلة‪ ،‬فيها زجاجة كبيرة بها مصباح وهاج وكأنه كوكب دري‪ ،‬نور يحيطه نور‪،‬‬
‫ارتاحت له عيناي‪ ،‬اقتربت فإذا بها شجرة زيتونة تتلل بمئات المصابيح الصغيرة‬
‫المتوهجة‪ ،‬اقتربت أكثار لمتع نظري بذلك المشهد المهيب فبدا لي أن المصابيح تطير‬

‫‪200‬‬
‫من حول الشجرة تارة وتحط عليها تارة أخري‪ ،‬مددت يدي لمسك بإحداها فإذا بها‬
‫خنفسة مضيئة‪ ،‬إنها أنثاى الحباحب أو الفراشات النارية الوهاجة‪ ،‬تصدر منها‪ ،‬في‬
‫موسم التزاوج‪ ،‬إضاءة حيوية تصنع هالة ضوئية من حول شجر المانجروف لتجذب‬
‫إليها الذكور‪.‬‬
‫فاض بي العتعب فذهبت للنوم‪ ،‬في استراحة الحجاج‪ ،‬جفاني النوم على الرغم من‬
‫التعب والفرش الوثاير‪ ،‬فلم يعد أمامي بالمدينة إل يوم واحد ولم أتوصل لتفاصيل‬
‫التخطيط الشرير للجماعة‪ ،‬حاولت م ار ار أن أنام مغناطيسيا لخرج بخطة محددة‬
‫ففشلت‪ ،‬رحت أسترجع تفاصيل كل الصور التي شاهدتها على جدران المعبد لعلى‬
‫أكتشف جديدا فلم أفلح‪ ،‬جلست في فراشي انتظر ضوء النهار بفارغ الصبر‪.‬‬
‫قضينا نهار اليوم الثااني بالمعبد‪ ،‬بدأنا اليوم بصلة عخعبر ثام استمعنا لوعظ معلم‬
‫الحق‪ ،‬ورتلنا العديد من الناشيد خلف جوقة من الكهنة‪ ،‬وفى وقت الظهيرة جمعنا بين‬
‫صلة عرع وآتوم لندخل قدس القداس لنتم مناسك الحج‪.‬‬
‫دلف‪ ،‬معلم الحق‪ ،‬من باب كبير إلى قدس القداس‪ ،‬وراح المير يدخلنا إليه‬
‫لسرار‪ ،‬كان الحاج‪ ،‬أو الحاجة‪،‬‬‫فرادي‪ ،‬لينال كل حاج البركات ويتعرف على لسر ا ع‬
‫يخرج بعد لحظات وهو يبكى رافعا يديه نحو السماء ويبتهل بالدعاء‪.‬‬
‫كنت أدعو ال أن ينصرني ويثابت أقدامى‪ ،‬فنظرة واحدة في وجه معلم الحق هذا‬
‫ملتني رعبا فكيف لي أن أصمد أمامه لثاوان؟‪.‬‬
‫دخلت عليه ممسكا بأعصابي تحت أسناني‪ ،‬كان يجلس على كرسي كبير من‬
‫الخشب ويدارى جزاءا من وجهه بكفيه ليخفى إضاءة قوية تشع منه‪ ،‬وزاد من هيئته‬
‫صع بالدجواهر والقلنسوة الذهبية علي رأسه‪.‬‬
‫المهيبة‪ ،‬الوشاح الدمر ع‬
‫أخبرني‪ ،‬مبتسماا‪ ،‬بأني من المختارين الخالصين‪ ،‬وأنى بالحج قد نلت رضا ال‪،‬‬
‫ثام أشار لي بالقتراب‪ ،‬اقتربت فربت على رأسي وقال‪ ،‬نشكر لك جهودك في حماية‬
‫الجماعة‪ ،‬ثام أضاف‪ ،‬سينتهي المر خلل أربعة أشهر‪ ،‬سيهلبط ال للرض لينقذنا‬
‫ويسلمنا العالم لنديره نيابة عنه وللبد‪ ،‬قال ذلك ثام أشار لي بالخروج‪.‬‬
‫استدرت قاصدا الباب‪ ،‬وقعت عيني على لوحة جدارية مذهلة‪ ،‬تظاهرت بأني‬
‫ت عدة صور لتلك الجدارية الخطيرة‪.‬‬
‫تعثارت‪ ،‬وفى لحظات كنت قد التقط د‬

‫‪200‬‬
‫رقص قلبي فرحاا‪ ،‬فقد عرفت كيف سدتدار الحرب ضد البشرية‪ ،‬خرجت رافعا‬
‫ى للسماء‪ ،‬وبعيني دموع حقيقة‪ ،‬لشكر ال على مساندتي‪ ،‬كنت أبكى وأنا أحمد ال‬
‫عيعد د‬
‫من قلبي‪ ،‬شعرت براحة كبيرة وأمان عظيم‪ ،‬فقد عرفت أن ال معي وأنه قد يغفر لي ما‬
‫اقترفته من ذنوب‪ ،‬وشعرت بندم حقيقي لبعدي عنه‪ ،‬وقررت أن أتوب إليه‪ ،‬توبة ل‬
‫شبهة فيها ول رجعة‪ ،‬وانتويت أداء مناسك الحج والمكوث بمسجد الرسول‪ ،‬عليه الصلة‬
‫والسلم‪ ،‬لسنة كاملة عأخدم زواره وعأنام بجوار قبره الطالهر‪.‬‬
‫انتهى الحج قبل منتصف الليل‪ ،‬وغادر العديد من الحجاج المدينة ليقوموا بجولة‬
‫فى سيناء ومن ثام يتسربون إلي منطقة الصحراء الغربية مقابل محافظة المنيا‪،‬‬
‫وينتظرون بقية الحجاج الذين ستلحقون بهم بعد يومين‪ ،‬وفى سرية تامة وتمويه كبير‪،‬‬
‫ليتموا مناسك الحج الكبير بزيارة بيت ال بجبل الدم‪ ،‬كدت أن أخرج مع الخارجين‪ ،‬لول‬
‫أن تارديني نصحني بمشاهدة المدينة في الجولة التي أعدها المير للحجاج‪ ،‬مكثات‬
‫أفكر في انتظار الجولة‪ ،‬لعلي أكتشف جديداا‪ ،‬فقد ط أر علي ذهني سؤال خطير وكان‬
‫على أن أبحث له عن إجابة‪ ،‬ضبطت آلة التصوير بالساعة وفي نيتي تصوير كل ما‬
‫تراه عيني لتفحصه في هدوء حينما أعود للمزرعة‪.‬‬
‫في صباح اليوم التالي ذهب البعض إلى المسرح ليلهو ويمارس الجنس‬
‫والعربدة‪ ،‬وتجمع بقيتنا فى ساحة كبيرة شمال شرق المدينة حيث محطة التليفريك‪.‬‬
‫كان التليفريك فريدا من نوعه‪ ،‬يهبط أرضا ليستقله الركاب‪ ،‬ثام يصعد لعلى‬
‫ويعبر ببطء وتؤدة من شرق المدينة لغربها‪ ،‬ثام يتوجه نحو الجنوب ليسير بنا بعد ذلك‬
‫نحو الشرق مرة أخرى ليعبر بعدها نحو الشمال فرأيت عجباا‪.‬‬
‫كانت المدينة من تحتنا ومن حولنا دمذهلة‪ ،‬بعدما انتهى التليفريك من الدوران‬
‫فوق ساحة المدينة أعاد الكرة مرة أخرى ولكن هذه المرة ارتفع بنا نحو قمم الجبال التي‬
‫تحيط بالمدينة من نواحيها الربعة‪.‬‬
‫على قمة الجبل الشرقي رأيت خزانات عميقة‪ ،‬وكأنها منحوتة في قمة الجبل‪،‬‬
‫تتجمع بها مياه المطار‪ ،‬وقال المرشد إن هناك عدة قنوات تنقل مياه المطار من كل‬
‫شبر من فوق قمم الجبال المحيطة بالمدينة إلى تلك الخزانات‪ ،‬ورأيت أيض ا على الجبل‬
‫الشرقي تمثاالا ضخماا‪ ،‬نصفه العلى لنسان ونصفه السفل يبدو كجبل صغير‪ ،‬يستند‬

‫‪200‬‬
‫علي قمة الجبل الكبير بقدمي إنسان‪ ،‬إنه إله الكنعانيين‪ ،‬الله عحدد أو عهدد‪ ،‬اندهشت‪،‬‬
‫ما علقة هذا الله بعقيدة هذه الجماعة؟‪ ،‬قبل أن أجد إجابة وقع نظري على عمود‬
‫ثاعباني‪ ،‬كبير ومهيب‪ ،‬يخرج من قمة الجبل ليتلوى وهو يصعد لعنان السماء‪ ،‬فبدا لي‬
‫وكأنه إعصار أو بركان نشط‪ ،‬يخرج من الجبل!‪.‬‬
‫كانت هناك المئات من التماثايل‪ ،‬القل حجماا‪ ،‬تحتل قمم الجبال في كل‬
‫الجهات‪ ،‬ولكنى مرة دأخرى ألمح تمثاالا ضخما ومضحكا على قمة الجبل الغربي‪ ،‬تمثاالا‬
‫لرجلا منتصبا قضيبه‪ ،‬وعلى رأسه ريشتان عاليتان ويمسك بيده سوطا نهايته مثالثاة‪.‬‬
‫نجحت في التقاط عدة صور لمبنى معدني كبير يعلوه هوائي ضخم‪ ،‬وهمست‬
‫للكاميرا‪ ،‬من المؤكد أنه مركز التصالت بالمدينة‪.‬‬
‫لم أكد أستمتع بالبهجة التي أشاعها في نفسي منظر القضيب وهو يمتد من بين‬
‫فخذي التمثاال لكثار من متر أمامه!‪ ،‬حتى أربكني منظر تمثاال ضخم ومخيف لفعوان‬
‫زاحف متعدد الرؤؤس ومن فوقه تمثاال أسود‪ ،‬على هيئة جسم إنسان بل رأس‪ ،‬يضرب‬
‫الفعوان بحربة كبيرة‪ ،‬لم أعد أحتمل هذا الهراء‪ ،‬ما علقة تلك الجماعة بأسطورة‬
‫الفعى لوثايان وبقاتلها الله بلعال؟!‪ ،‬وهل يكون لها علقة بأسطورة القديس مار‬
‫جرجس‪ ،‬الذي صرع التنين لينقذ الميرة من بين أنيابه‪ ،‬بعدما كان قد التهم المئات من‬
‫قبلها‪ ،‬ونشر الرعب بين الناس لشهور؟!‪.‬‬
‫ما رأيته بعد ذلك جعلني أسأل المرشد عن سبب وجود كل تلك التماثايل المخيفة‪،‬‬
‫ل‪.‬‬
‫فهمس لي قائ ا‬
‫‪ -‬هذه تماثايل خادعة للله الساطي‪.‬‬
‫كنت أدعو ال أن تتسع ذاكرة الكاميرا‪ ،‬وأن يمنحني الثابات والتركيز والصبر‬
‫حتى أخرج من هذه المدينة الجميلة والملعونة والتي يسكنها عتاة مجانين العبعشر‪.‬‬
‫هبط بنا التلفريك لنستقل السيارات في قافلة كبيرة اتجهت نحو الحدود الجنوبية‬
‫للمدينة حيث قصر المير‪ ،‬مبنى فخم من الحجارة المصقولة‪ ،‬يرتفع على أعمدة تعلوها‬
‫تيجان ضخمة‪ ،‬وتحيط به وتعلوه حدائق غناء منسقة بشكل رائع‪.‬‬
‫تجاوزنا القصر وأكملنا السير نحو الحد الجنوبي وبعد حوالي ربع الساعة كنا‬
‫أمام مبنى المحكمة المنحوت في الجبل‪ ،‬وقفت مبهو ار أمام مدخلها‪ ،‬اثانا عشر عمودا‬

‫‪200‬‬
‫ترتفع من الرض إلى قرب نهاية الجبل تتبعتها بنظري فكدت أسقط للخلف‪ ،‬رجعت‬
‫للخلف امتا ار عديدة حتي تمكنت من رؤية التيجان أعلى العمدة‪ ،‬كان على كل تاج‬
‫قرص ضخم من الذهب‪ ،‬يلمع تحت أشعة الشمس‪ ،‬فيعكسها نحو الرض‪ ،‬فبدا لي أن‬
‫هناك اثانتي عشرة شمسا تعلو المبنى‪.‬‬
‫اتجه بنا ركب السيارات نحو الشرق لعدة كيلومترات‪ ،‬حيث خبيئة الفرعون‪ ،‬مبنى‬
‫حجري دمستطيل ويرتفع لمسافة ل تقل عن عشرة أمتار‪ ،‬طوله مثال عرضه‪ ،‬حوالي‬
‫خمسة أمتار‪ ،‬ويعلوه تمثاال نحاسي ضخم لثاعبان أو لحية‪ ،‬في الحقيقة ل أعرف الفرق‬
‫بين الثاعبان والحية!‪ ،‬اقتربت من هذا البناء الشاهق فرأيت ما ل يمكن لعيني أن تخطئه‪،‬‬
‫كانت الخراطيش والنقوش الفرعونية تغطى جوانب البناء الربعة من أسفل‪ ،‬لتحكى‬
‫قصة جنود الشيطان التي طاردت نبي ال الحق‪ ،‬وأفشلت صنيعه بعدما خلعوه من حكم‬
‫مصر وطردوه للصحراء‪ ،‬وتواصل الخراطيش سرد أحداث كثايرة مبهمة‪ ،‬وفى النهاية‬
‫تحدثات عن المؤامرة التي حبكها البدو الجلف ضد النبي المطارد ليقتلوه‪ ،‬وبينت كيف‬
‫أن روح إله الحق رفعته للسماء ليصطحب أبانا الذي فى السماء‪ ،‬فى عودته الميمونة‬
‫للرض‪ ،‬يوم الخلص!‪.‬‬
‫بعدما تأكدت من نجاحي في تصوير جميع النقوش على المبنى‪ ،‬لحقت بالركب‬
‫الذي بدأ يتحرك ببطء قاصدا معبد قوس قزح المنحوت في الركن الجنوبي من شرق‬
‫المدينة‪ ،‬توقفت بنا السيارات قبل المعبد بحوالي الكيلو متر‪ ،‬نزلنا وخلعنا الحذية كما‬
‫طلب منا المرشد‪ ،‬وواصلنا السير على القدام في اتجاه المعبد‪ ،‬كان هذا أصعب ما‬
‫واجهته بتلك المدينة المجنونة‪.‬‬
‫لقد نزلت منحد ار شديدا فكنت كمن يهوى لسفل‪ ،‬وقد بينت لي شدة انحدار هذا‬
‫الجزء من ساحة المدينة ما اندهشت له أول أمس‪ ،‬لماذا ينخفض الجبل كثاي ار من هذه‬
‫الناحية؟!‪.‬‬
‫ونحن نهبط المنحدر كانت المدينة تختفي من خلفنا شيئا فشيئاا‪ ،‬بينما يرتفع‬
‫الجبل بسرعة نحو السماء ليشق جبال السحب فتتناثار فوق قمته فى منظر تضطرب له‬
‫العقول‪ ،‬كلما نظرت لعلى الجبل هيئ لي أنه يتجه نحوى ليدهسني‪ ،‬فاكتفيت بالنظر‬
‫لسفله فرأيت بداية درجات سلم عريض‪ ،‬تتبعته لعلى فأخذت درجاته تضيق شيئا‬

‫‪200‬‬
‫فشيئا حتى انطبق يمينه على يساره فبدا السلم كخط متعرج‪ ،‬وقد نبهنا المرشد إلي أننا‬
‫سوف نصعد أكثار من خمسمائة درجة لنصل للساحة أمام المعبد‪ ،‬كان لبد من التوقف‬
‫عدة مرات للتقاط النفاس خلل رحلة الصعود التي استغرقت ما يقرب من الساعة‪.‬‬
‫كان الصعود خطأ آخر ارتكبته‪ ،‬فكل ما جنيته من تلك الرحلة المرهقة هو‬
‫مشاهدة واجهة المعبد على شاشة عرض عظيمة وسماع أساطير غريبة من المرشد‬
‫الذي بين لنا في أول المر أن هذا المعبد ل يدخله إل معلم الحق في يوم هو من‬
‫يحدده‪ ،‬حيث يتعبد ل ويجدد العهد مع الروح هقدوش ويتلقي منه السرار المقدسة‪،‬‬
‫وذكرنا المرشد بأن معلم الحق سوف يدخل المعبد يوم الثالثااء‪ ،‬الخامس والعشرين من‬
‫شهر سبتمبر القادم‪ ،‬ليؤدى طقس إيقاظ ال‪ ،‬وقبل أن يبدأ العرض على الشاشة أشار‬
‫المرشد إلى عدد من أشجار التين على يمين المعبد وقال إنها أشجار البرسا المقدسة‪،‬‬
‫والتي جلس ال في ظلها وهو يبدع المخلوقات‪ ،‬خلق ما يشبه ثامرتها فكان القلب‪،‬‬
‫وصنع نسخة من أوراقها فكان اللسان‪ ،‬عمد بصره فلمح ظله يمتد أمامه‪ ،‬فخلق الجسد‬
‫علي شاكلته‪ ،‬أعجب بما صنع فصاح دمهللا دبشرى‪ ،‬دبشرى لما صنعت يداي‪ ،‬فسمي‬
‫مخلوقه عبعشر‪ ،‬أثانى علي الشجرة‪ ،‬وحين تنهد راضي ا دخلت أنفاسه في أنف مخلوقه فدبت‬
‫فيه الحياة وصار بش ار سوياا‪.‬‬
‫أعجبتني السطورة وتعجبت لقدرة النسان على مزج الخيال بالواقع ليبدع من‬
‫الوهام ما يأخذ بعقله‪ ،‬انتبهت على صوت المرشد وهو يتابع الشرح على شاشة العرض‬
‫التي ظهرت عليها واجهة المعبد‪ ،‬فقال‪.‬‬
‫‪ -‬دمحرم على أي فرد أن يرى واجهة المعبد في الواقع‪ ،‬ولهذا فإنها تختفي تحت الكسوة‬
‫المقدسة‪ ،‬ذلك الغطاء الحمر من قماش المشمع المقوى‪ ،‬ويتم تصوير الواجهة بآلة‬
‫تصوير خاصة‪ ،‬ل تتأثار بالخداع اللكتروني‪ ،‬أثاناء تغيير الكسوة والذي يقوم به معلم‬
‫الحق بمساعدة أمير المدينة وأعضاء مجلس الكهنة‪ ،‬كل ثامان سنوات‪ ،‬بعد الحج الكبير‬
‫بأسبوع‪.‬‬
‫في الحقيقة أثاارت الواجهة دهشتي لروعتها‪ ،‬فلم أنتبه لكلمات المرشد‪ ،‬كانت‬
‫واجهة المعبد قطعة من الجمال اللوني المتمازج وكأنها أقواس قزح ترتفع على عدد كبير‬
‫من العمدة التي تعلوها تيجان ذهبية‪ ،‬ويعلو قوس القزح عدد من الشرفات المنحوتة في‬

‫‪200‬‬
‫الجبل وعلى سور الشرفات يمكن مشاهدة العديد من دلفين البحر وكأنها تسبح وتلهو‬
‫في الماء‪ ،‬ويظهر باب المعبد في أسفل الواجهة كمستطيل صغير تحيط به عدة أعمدة‬
‫رخامية تحمل سقف الباب كتاج مثالث من الرخام الحمر القاني‪ ،‬وقال المرشد إن‬
‫واجهة العمععبد ترتفع سبعين مت ار فوق العمدة لتلتحم نهايتها مع قمة الجبل‪ ،‬إوان عرضها‬
‫عيبدلغ أربعة وثامانين مت ار بالضبط كحاصل ضرب الرقمين المقدسين‪ ،‬السبعة والثاني‬
‫عشر‪.‬‬
‫هبطنا درجات السلم بأسرع مما صعدنا‪ ،‬ولحسن الحظ لم نصعد المنحدر بل‬
‫توجهنا نحو مدخل نفق ضخم أسفل الجبل‪ ،‬تجاوزناه في دقائق معدودة لنجد أنفسنا في‬
‫والد مترامي الطراف تحيط به الجبال أيضا من كل جانب‪ ،‬قادنا المرشد بين الحقول إلى‬
‫المنطقة الصناعية حيث تتناثار بالمكان عدة مصانع‪ ،‬ومحطة ضخمة لمعالجة الصرف‬
‫الصحي للمدينة وتحويله لسماد عضوي‪ ،‬يستخدم لتخصيب حقول الوادي‪ ،‬ويا لدهشتي!‬
‫كانت هناك محطة كهرباء نووية!‪ ،‬انتهت الجولة أمام معبد اليقونة الضخم‪ ،‬وسمعت‬
‫المرشد يقول هنا تصنع اليقونات المقدسة‪ ،‬الحمد ل ما زال في ذاكرة الكامي ار متسع‪.‬‬
‫في العودة من الوادي للمدينة‪ ،‬ركبنا المترو الذي ينقل العمال والفلحين من‬
‫المدينة إلى الوادي والعكس‪.‬‬
‫وهكذا تأكد لي أن ما سعيت خلفه هو بالفعل خطر حقيقي وليس أوهاماا‪ ،‬تأكدت‬
‫ل‪.‬‬
‫أن الموضوع عجد خطير وأنني ل أملك من الوقت إل قلي ا‬
‫في طريقي للخروج من المدينة قادني تارديني لجتماع هام مع معلم الحق‪،‬‬
‫وحين أخبرني أن معلم الحق سيجتمع بي على انفراد كان المر بمثاابة صدمة شديدة‪،‬‬
‫تصورت أنهم قد اكتشفوا أمري‪ ،‬فوضت أمري ل وذهبت بصحبته إلى المعبد ودخلت‬
‫بمفردي على معلم الحق‪ ،‬كانت أوصالي ترتعد وأحشائي ترتجف‪ ،‬ولكن المقابلة الحانية‬
‫من الرجل ساعدتني على أن أتمالك نفسي بعض الشيء‪ ،‬طلب منى أن دأعد المزرعة‬
‫والستراحات بسرعة‪ ،‬ثام كلفني بأخطر مهمة يمكن أن يقوم بها عضو بالجماعة‪ ،‬وعدته‬
‫ببذل قصارى جهدي‪ ،‬فأطلعني على تفاصيل المهمة وأكد على السرية التامة ثام دعا لي‬
‫بالتوفيق وقععبعل رأسي قبل أن أمضى!‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫في طريقنا للمزرعة حاول تاردينى أن يعرف ما دار في مقابلتي مع معلم الحق‪،‬‬
‫فخاب مسعاه وشكرت ال كثاي ار على توفيقه‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫لدمدة عشهر‪ ،‬بذلت مجهودا خرافيا لتجهيز المزرعة وزيادة سعة الاستراحات‪ ،‬وفي أول‬
‫فرصة تصفحت ما بالكامي ار لأنقله على الفلشة‪ ،‬فألهمني ال الجابة على السؤال الذي‬
‫كان يجول بخاطري بل إجابة‪ ،‬كيف لمدينة بهذه الضخامة والتجهيزات أن تختفي عن‬
‫أعين العالم؟‪ ،‬دخلت على موقع جوجل إرث على الشبكة العنكبوتية لستطلع المر‬
‫فظهرت المزرعة بتفاصيلها عندما وجهت المؤشر إلي موقعها على الخريطة‪ ،‬وعندما‬
‫وجهت المؤشر لموقع المدينة ظهرت مكانها سلسة جبال قاسية‪ ،‬حركت المؤشر لمسح‬
‫سيناء بالكامل بل فائدة‪ ،‬وعند مراجعتي لما تحويه ذاكرة الكامي ار من تصوير وجدت ما‬
‫توقعته‪ ،‬لم تلتقط الكامي ار صورة واحدة وأنا في التليفريك فوق قمم الجبال المحيطة‬
‫بالمدينة‪ ،‬على الرغم من تسجيل الكامي ار لهمسات الحجاج وكلم المرشد!‪ ،‬وكل ما‬
‫صورته قبل الصعود‪ ،‬فوق المدينة‪ ،‬وبعدما نزلنا للرض مرة أخري‪ ،‬موجود بالكامي ار‬
‫بوضوح‪ ،‬ول وجود لي صورة التقطتها من فوق المدينة!‪ ،‬عجبت للمر‪ ،‬أعدت الشريط‬
‫عدة مرات حتى التقطت أذني كلام المرشد أمام معبد قوس قزح والذي لم أنتبه له في‬
‫حينه‪ ،‬قال بوضوح إنه يتم تصوير واجهة المعبد عند تغير الكسوة وبعد تعطيل تقنية‬
‫الخداع الالكتروني‪ ،‬وهكذا هداني ال للحل‪ ،‬فخططت لتنفيذه في الوقت المناسب‪ ،‬ولم‬
‫أستعجل المر‪ ،‬فقد منحنى معلم الحق تصريحا مفتوحا بالدخول للمدينة المقدسة‪،‬‬
‫وكذلك بالخروج منها‪ ،‬وقتما أشاء‪ ،‬من أجل إنجاز ما كلفني به‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫انتهت سهير من قراءة ما كتبه زوجها وشاهدت ما صوره‪ ،‬وفى الحقيقة كانت غير‬
‫صر على نسج‬ ‫سعيدة وتشعر بعدم الراحة لطريقة زوجها في الحديث‪ ،‬واندهشت لماذا ي ل‬
‫د‬
‫اللغاز المحيرة في حديثاه؟ لقد عرف كيف ستدير الجماعة عملية تدمير العالم وهى لم‬

‫‪200‬‬
‫تعرف‪ ،‬وجد الحل لمشكلة اختفاء المدينة ولم يطلعها عليه‪ ،‬لم تستطع أن تتخلص مما‬
‫أصابها من إحباط‪ ،‬بكت حتى جفت بعينيها الدموع ‪ ،،،‬كل هذا التعب ولم أتوصل‬
‫لشيء!‪.‬‬
‫فوضت أمرها ل‪ ،‬وقررت العودة فو ار‪ ،‬لتكون بجوار أولدها‪ ،‬وليكن ما يكون‪.‬‬
‫‪----------‬‬

‫‪200‬‬
‫إن لم أجد حلمال لحلمه سأطلق طلقتي‬
‫وأموت مثل ذبابة زرقاء في هذا الظلم‪.‬‬
‫) محمود درويش(‬

‫‪200‬‬
‫في منتصف ليلة الجمعة‪ ،‬الثاالث من أغسطس ‪2012‬م‪ ،‬اصطحب رجال المباحث‬
‫الفيدرالية سهير إلى خارج مطار نيويورك‪ ،‬وكانت مفاجأة كبيرة لها عندما وجدت أولدها‬
‫بانتظارها بمقر المباحث الفيدرالية بنيويورك‪.‬‬
‫ي من كان بأن يلحق‬
‫تحملها الجميع حين ثاارت وهددت بأنها لن تسمح ل د‬
‫بأولدها أدني ضرر‪ ،‬وتوعدت بتدمير من يفكر بذلك‪ ،‬وعلى الرغم من محاولت‪،‬‬
‫يوسف ونهاد‪ ،‬لتهدئتها‪ ،‬وصل المر إلى انهيارها تماماا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪----------‬‬
‫بعد سيطرتها على أعصابها واستعادتها لبعض الهدوء‪ ،‬سمح الطباء للجنرال‬
‫سيرويس‪ ،‬مدير المباحث الفيدرالية‪ ،‬بزيارتها والحديث معها‪ ،‬وبرحابة صدر شرح‬
‫الجنرال لها الظروف التي حتمت احتجاز ولديها بمقر المباحث‪ ،‬وبعدما أفهمها أن هذا‬
‫إجراء لحمايتهما من تهديد مجهول ولكنه محتمل جداا‪ ،‬تمكن الرجل من قلبها وكسب‬
‫ثاقتها فأبدت استعدادها للتعاون معه عشرط أن يتعهد لها شخصيا بضمان سلمة يوسف‬
‫ونهاد‪.‬‬
‫وفى نهاية اللقاء وافقت على أن تقيم مع ولديها برفقة زوجة الصحفي القتيل‬
‫جيمس وابنه الصغير بمنزل تابع للمباحث الفيدرالية بالعاصمة واشنطن‪ ،‬حيث تسهل‬
‫حمايتهم وفى نفس الوقت تكون بالقرب من مقر اللجنة العامة للمخابرات العالمية التي‬
‫دعا الرئيس أوباما لتشكيلها للتعامل مع المعلومات الخطيرة التي تجمعت لدى أجهزة‬
‫المن على مستوى العالم‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كان الجنرال سيرويس هو من تعامل مع الصحفي راؤول عندما لجأ بأوراق رضا‬
‫جلل إلى المباحث الفيدرالية بواشنطن‪ ،‬وعندما دقتل الثانان كاد الجنرال أن يقتل نفسه‪،‬‬
‫فقد تعامل مع هلع ورعب جيمس بسخرية واستهتار‪ ،‬ول ينسى أنه قال له‪.‬‬
‫‪ -‬لول أنك ابن أخ أعز أصدقائي لاعتقلتك بتهمة إزعاج السلطات أو على القل‬
‫لسلمتك لمصحة نفسية‪ ،‬ومازالت تؤلمه دموع الحباط واليأس التي انهمرت من‬
‫عيون جيمس‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫عندما علم الجنرال سيرويس بمقتل جميس وصاحبه‪ ،‬طلب عنهما تحريات‬
‫سريعة وقام بمراجعة الوراق التي كان قد سلمها جيمس لبعض المسئولين بواشنطن‪،‬‬
‫وكذا قام بقراءة ما وصل إليه من فلشات‪ ،‬التي بعثات بها سهير له ولغيره من‬
‫المسئولين بواشنطن‪ ،‬فهاله ما بها من معلومات وأحداث حتى إنه لم يستطع التخلي عن‬
‫فكرته المسبقة بأن جيمس وصديقه مخبولن‪ ،‬ولكن توالت التقارير سريع ا لتؤكد على‬
‫صحة كل ما جاء بالوراق‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫طلب جيمس لقاء الجنرال بلير مدير المخابرات المركزية المريكية‪ ،‬السي آي‬
‫إيه‪ ،‬وبعد لقاء استمر ثالث ساعات‪ ،‬لم يعد لديهما مجال للتردد وهرعا على الفور إلى‬
‫لقاء الرئيس أوباما‪.‬‬
‫أبدى الرئيس اهتماما شديدا بتلك المعلومات‪ ،‬واستمع باهتمام بالغ لتوقعات‬
‫ل‪ ،‬كيف لم ترصد أجهزة‬
‫مديري أهم جهازي أمن في العالم‪ ،‬ولكنه طرح عليهما سؤا ا‬
‫المراقبة مثال هذه المدينة المزعومة؟‪.‬‬
‫غادرا البيت البيض بعدما حصل من الرئيس على قرار بتشكيل اللجنة العامة‬
‫للمخابرات العالمية علي أن يقدما تفسيرا دمقنع ا لعدم رصد تلك المدينة من قبل مئات‬
‫القمار الصناعية وغيرها من وسائل المراقبة الدقيقة‪ ،‬والتي تغطي كل شبر من الكرة‬
‫الرضية وفضائها‪ ،‬وذلك خلل أسبوع من تاريخه‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫تم تشكيل اللجنة العامة للمخابرات العالمية من ضابط عظيم من كل دولة من‬
‫دول مجموعة العشرين‪ ،‬المسيطرة على الاقتصاد العالمي‪ ،‬بالإضافة إلى ثالث دول‬
‫هامة بالشرق الوسط وهى مصر والمملكة العربية السعودية ودولة إسرائيل‪ ,‬وتم إسناد‬
‫رئاسة اللجنة إلى الجنرال بيتر‪ ،‬ويساعده الجنرال سيرويس‪ ،‬وقد تم إحاطة تشكيل اللجنة‬
‫بسرية تامة للتعامل مع احتمال اختراق الجماعة الرهابية لبعض أجهزة المن‬
‫والمخابرات على مستوى العالم حتى إن رئيس كل دولة هو من قام بترشيح ضابط من‬
‫مخابراته لعضوية اللجنة وبشكل سرى للغاية بعد اتصال شخصي من الرئيس أوباما‪،‬‬
‫ومنذ اللحظة الولى تم الاتفاق على استبعاد السياسيين‪ ،‬عدا رؤساء الدول المشاركة‬
‫باللجنة‪ ،‬من معرفة أدنى معلومة عن تشكيل اللجنة أو عن مهمتها‪.‬‬
‫وراح الجميع يعمل في سرية تامة وبهمة عالية‪ ،‬فالكل يدرك أن الوقت يداهمهم‪،‬‬
‫وعلى الرغم من النشاط المحموم لعضاء اللجنة‪ ،‬فقد مرت ثالثاة أسابيع دون الوصول‬
‫لجديد‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫توترت العصاب لقصى درجة‪ ،‬حين توالت التقارير من جميع أنحاء العالم‬
‫تتحدث عن أحداث مريبة راحت تضرب الاقتصاد العالمي‪ ،‬فقد اجتاحت حمي البيع‬

‫‪200‬‬
‫جميع البورصات العالمية‪ ،‬مما أدى إلى انهيار العديد منها‪ ،‬وتخريب اقتصاديات دول‬
‫جنوب شرق أسيا والشرق الوسط والعديد من دول أوروبا‪ ،‬وبدا أن العالم في طريقه‬
‫لسوأ كساد يمكن أن يتعرض له القتصاد العالمي‪ ،‬وراحت الكوارث الاقتصادية‬
‫العالمية تتوالى بل مقدمات أو أسباب مقنعة لخبراء الاقتصاد‪ ،‬الذين أبدوا دهشتهم من‬
‫انهيار أسهم المئات من البنوك والشركات العالمية في نفس الوقت الذي ارتفعت فيه‬
‫أسعار الذهب والفضة وغيرها من المعادن الثامينة والحجار الكريمة لمستويات خيالية‪،‬‬
‫وقد تزامن مع الصعود الصاروخي لسعار الذهب‪ ،‬نشاط محموم في سوق الأنتيكات‬
‫واللوحات الفنية النادرة‪ ،‬وبدا المر وكأن هناك من يتخلص مما يمتلكه‪ ،‬ليشترى الذهب‬
‫وغيره من المعادن النفيسة‪ ،‬وكذا التدحف والوحات الفنية النادرة‪.‬‬
‫على ضوء تلك المعلومات دعا الجنرال بيتر اللجنة العامة للمخابرات لاجتماع‬
‫سرى لمناقشة أسباب ونتائج ما يحدث من تخريب دمتععععمد لاقتصاديات العالم‪ ،‬ولمحاولة‬
‫الجابة على سؤال جديد من الرئيس أوباما ‪ ،،،‬هل ما يحدث له علقة بأسطورة‬
‫الجماعة المزعومة ومدينتها المخفية؟‪.‬‬
‫قبل الاجتماع توالت تقارير من إسرائيل ومصر أثاارت الدهشة وفتكت بأعصاب‬
‫الجميع‪ ،‬وكأن هناك تطابقا بين المعلومات المصرية والسرائيلية‪ ،‬فالدولتان تتحدثاان‬
‫عن تدفق كبير لسياح السفاري من إسرائيل لصحراء سيناء‪ ،‬وقد تم التأكد من معلومات‬
‫مريبة حول كنه تلك الرحلت وهؤلء السياح‪ ،‬فمعظمهم شخصيات مرموقة علميا‬
‫واقتصادياا‪ ،‬بدولهم وعلى مستوى العالم‪ ،‬ومما أثاار شكوك أجهزة المن في البلدين‪ ،‬هو‬
‫اختفاء تلك الوفود بعد دخولها لسيناء بساعات‪.‬‬
‫في الاجتماع لم يتمكن الجنرال بيتر من التحكم في أعصابه‪ ،‬وبدا محبطا وعلى‬
‫وشك الانهيار عندما سمع الجنرال سيرويس يقول‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو أن الجماعة قررت تقديم موعد تجمعها الكبير المزعوم‪.‬‬
‫في نهاية الاجتماع اقترح الضابط المصري حضور زوجة رضا جلل‪ ،‬الاجتماع‬
‫القادم لتستجوبها اللجنة‪ ،‬فقد لحظ أن جلل ديراهن على ذكاء زوجته‪ ،‬وعلي ما لديها‬
‫ضلة‬ ‫من معلومات‪ ،‬في كشف الغموض الذي أحاط به الحل الذي توصل إليه لمع ل‬
‫د‬
‫اختفاء تلك المدينة المزعومة‪ ،‬والذي أشار إليه بوضوح فيما كتبه‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪----------‬‬
‫لم يعد لدي الجنرال بيتر صبرر‪ ،‬فذهب بنفسه لمقر إقامة سهير‪ ،‬ليعيد استجوابها‬
‫بنفسه ويستمع لرأيها فيما يواجهونه من معضلت وألغاز‪.‬‬
‫أبدت سهير دهشتها للجنرال من حبسها بالفيل لسابيع دون سماع ما لديها‬
‫ومناقشتها في المر‪ ،‬اعتذر الجنرال وأوضح لها أن العصاب مشدودة وهذا يسمح‬
‫بأخطاء كثايرة ومنها عدم سماع أقوالها حتى اليوم‪.‬‬
‫فجرت سهير مفاجأة‪ ،‬اندهش لها الجنرال‪ ،‬فقد أخبرته أن زوجها تحدث معها‬
‫هاتفياا‪ ،‬قبل وفاته بيومين أو ثالثاة‪ ،‬حيث أخبرها بأنه قد ترك لها رسالة وفلشة بفندق‬
‫بواشنطن ل تتذكر اسمه‪ ،‬وأخبرها أيضا بأنه قد حجز باسمها غرفة بذلك الفندق‪ ،‬ل‬
‫تتذكر موعده‪ ،‬وبررت حجبها لتلك المعلومات بأنها بذلت مجهودا كبيرا لتتذكر اسم‬
‫الفندق فلم تنجح‪ ،‬كما أنها ممنوعة من الخروج من الفيل‪ ،‬وحتى من استعمال الهاتف‪،‬‬
‫ثام أجهشت في البكاء وأضافت‪.‬‬
‫‪ -‬كنت أرغب في الوصول بنفسي للخطاب والفلشة‪ ،‬لعرف ما بهما قبل أن أخبركم‪،‬‬
‫كنت خائفة على ولدي وأريد أن أتأكد من أنهما في أمان ‪ ،،،‬أنا خائفة ‪ ،،،‬أنا خائفة‪.‬‬
‫ربت الجنرال على كتفها وقال‪.‬‬
‫‪ -‬لست غاضب ا منك‪ ،‬وأتفهم موقفك‪ ،‬لكن أرجوك ل تخفى عنى أي معلومة حتى لو‬
‫حسبتيها بسيطة وغير مهمة‪.‬‬
‫قال ذلك ثام راح يتحدث هاتفيا مع الجنرال سيرويس‪ ،‬وبعد عشر دقائق تلقى‬
‫مكالمة تليفونية تهلل لها وجهه وطلب من سهير مرافقته لفندق ريزورت بواشنطن‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫في مكتبه بمبنى المخابرات المركزية بواشنطن كان أعضاء اللجنة العالمية‬
‫للمخابرات ومعهم سهير يطلعون علي ما كتبه رضا جلل ويشاهدون ما وضعه على‬
‫الفلشة من تصوير‪ ،‬كتب يقول‪.‬‬
‫زوجتي العزيزة‪ ،‬أعرف أنى قد أطلت عليك‪ ،‬ولكنى ل أثاق إل بك وبصديقي‬
‫جيمس‪ ،‬وأعتذر لتوريطك فى هذا المر‪ ،‬ولكن هذا قدرنا‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫كنت قد زرتك في دمياط الجديدة وطلبت منك الذهاب لمريكا على وعد اللقاء‬
‫وجمع شملنا بعد أسابيع‪ ،‬وقد أعطيتك في هذا اليوم فلشة تحوى الحداث والمعلومات‬
‫التي جمعتها منذ لقائنا الول بدمياط الجديدة‪ ،‬والن سأروي ما حدث خلل الشهر‬
‫الماضي‪ ،‬وقبل هروبي من سيناء لختفي بعيدا عن متناول يد تلك الجماعة القاتلة‬
‫وعن يد كل من يطاردني‪ ،‬فهم كثار‪.‬‬
‫حدثاتك عن استدعاء معلم الحق لي بعد انتهاء مناسك الحج‪ ،‬لقد كلفني الرجل‬
‫بالمسئولية عن نقل أجهزة مهمة من المدينة المقدسة إلى المزرعة وتسليمها لشخاص‬
‫معينين من لقعبل قيادة الكنيسة النجليكانية بروما‪ ،‬وكذا استلم طرود منهم ونقلها‬
‫للمدينة‪.‬‬
‫بعد انتهائي من تجهيز المزرعة والاستراحات لاستقبال التجمع‪ ،‬وعودتي من‬
‫الإجازة التي قدمت إليكم بدمياط خللها‪ ،‬راقبت من يطاردني بمدينة شرم الشيخ‬
‫وتحركات السلطات المصرية فوجدت الوضاع آمنة إلي حد معقول‪ ،‬ومع هذا قررت‬
‫عدم مغادرة المزرعة نهائي ا لختفي عن أي عين يحتمل أنها ترصدني‪ ،‬وتفرغت لتنفيذ‬
‫ما كلفني به معلم الحق‪.‬‬
‫كنت أدخل المدينة وأخرج منها وقتما أشاء‪ ،‬ومع هذا التزمت بالحذر الشديد في‬
‫تحركاتي وفى حواراتي مع قيادات المدينة‪ ،‬تتبعت ما يدخل ويخرج من المدينة من‬
‫أجهزة وتجهيزات‪ ،‬كنت مندهشا لقصى عحد‪ ،‬كيف تخرج وتدخل طرود بهذا الحجم من‬
‫الحدود المصرية؟‪ ،‬وكيف تخترق المواني والمطارات حول العالم بهذا الشكل؟!‪.‬‬
‫وعحعدث أن حضر للمزرعة شخص يبدو أنه يتبوأ موقع ا رفيع ا بالجماعة‪ ،‬أصر‬
‫هذا الشخص على أن أصطحبه بنفسي ليسلم ما معه لمعلم الحق يدا بيد‪ ،‬وبرر ذلك‬
‫بأنه يحمل طردا هام ا للغاية وأطلعني على مكتوب من الأب سيرجوني بروما يأمر‬
‫بتنفيذ ما يطلبه منى هذا الرجل‪.‬‬
‫ولمجيئه يوم دخول معلم الحق لمعبد قوس قزح للتعبد والاطلع‪ ،‬وهذا يستمر‬
‫عدة أيام في العادة‪ ،‬حل بضيافتي فأكرمته وسعد بصحبتي‪ ،‬وخلل يومين توطدت‬
‫العلقة بيننا‪ ،‬وهذا بفضل الساعات الطويلة التي قضيناها سوي ا‪ ،‬كما أنى لم أبخل عليه‬
‫بأشهى الطعام وأزكى الشراب‪ ،‬والحمد ل أنى فعلت فقد كسبت ثاقته بسرعة‪ ،‬شجعتني‬

‫‪200‬‬
‫رقته في أن أبدى له دهشتي من أن مدينة بهذا الحجم تختفي عن أنظار العالم كل هذه‬
‫السنوات‪ ،‬فأخبرني الرجل بأن الجماعة تضم أعظم علماء العالم في مختلف فروع العلوم‬
‫التطبيقية‪ ،‬وأنهم قد توصلوا لتكنولوجيا تسمى الخداع الإلكتروني حيث يمكنهم إخفاء‬
‫الكرة الرضية نفسها‪ ،‬وليس المدينة فقط‪ ،‬فتأكدت من أنه المبنى المعدني الذي يعلوه‬
‫الهوائي الضخم‪.‬‬
‫كنت قد أخبرتك بأن ال قد ألهمني العحل وبالفعل أنا في طريقي لتنفيذه‪ ،‬ولكن‬
‫الخطر هو أنى قد عرفت من هذا الرجل بأنه يحمل نسخا دقيقة لجهزة إطلق‬
‫السلحة النووية لدى كل من الوليات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين‪ ،‬وقال‬
‫الرجل أنه بوصول تلك الجهزة لمعلم الحق فأنه يستطيع أن يطلق كل ما يملكه العالم‬
‫من سلح نووي في غضون ساعة واحدة‪ ،‬وعندما أبديت دهشتي وعدم تصديقي لما‬
‫يقوله‪ ،‬أخبرني بأمر جلل‪ ،‬فقال‪.‬‬
‫‪ -‬المر مدهش بالفعل‪ ،‬ولكنني اشتركت بنفسي في تنفيذ تجربة حية لجهاز إلكتروني‬
‫من اختراع علماء الفيزياء بالجماعة‪ ،‬وبعدها بت أصدق أننا قادرون على كل شيء‪.‬‬
‫سكت لبرهة ثام سألني‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تعرف عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالوليات المتحدة المريكية؟‪.‬‬
‫‪ -‬أعرف أن تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لدن‪ ،‬قام بضرب برجي التجارة العالمي‬
‫ومبنى البنتاجون بالطائرات‪ ،‬وقد اتخذها المحافظون الجدد بقيادة بوش الابن ذريعة‬
‫لتدمير العراق وأفغانستان والاستيلء على ثاروات العالم السلمي‪.‬‬
‫ابتسم في سخرية وكأنه يستهزئ بما أقوله‪ ،‬أبديت اعتراضي فقال‪.‬‬
‫‪ -‬أنت تصدق إذن رواية بوش؟‪.‬‬
‫‪ -‬نعم أصدق‪ ،‬وأحب أن أصدق‪ ،‬ويسعدني أن يتلقى المارد الأمريكي صفعة مهينة‪،‬‬
‫على يد مجموعة من الشباب المتمرد على سطوة أمريكا‪ ،‬كما أن أسامة بن لدن اعترف‬
‫بنفسه بمسئولية تنظيم القاعدة عما حدث‪.‬‬
‫‪ -‬وهل تتصور أن مجموعة مطاردة في جبال أفغانستان‪ ،‬وتعيش عيشة بدائية جداا‪،‬‬
‫يمكن لها أن تقوم باختراق كل وسائل الدفاع المريكية؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬كثاي ار ما احترت لهذا المر‪ ،‬لكني تمنيت أن يكون الضعفاء هم من صفعوا أمريكا‪،‬‬
‫كما أن اعتراف بن لدن وعدم وجود تفسير آخر لما حدث‪ ،‬جعلني أصدق تلك الرواية‬
‫كما صدقها الكثايرون‪.‬‬
‫‪ -‬هناك تفسير صحيح لما حدث‪ ،‬وكادت أن تتوصل إليه لجان التحقيق المريكية‬
‫وأهمهم لجنة التحقيقات الفيدرالية برئاسة بوب كين‪ ،‬ولكن نفوذ أعضاء الجماعة‪،‬‬
‫استطاع التغطية على الحقيقة وجعل الجميع يتبنى تفسير بوش وأعوانه‪ ،‬والحقيقة هي‬
‫أن جماعتنا هي المسئولة عن تلك الحداث‪ ،‬والتي في حقيقتها كانت تجربة حية‬
‫لقدرات هذا الجهاز الفذ الذي اخترعه علماؤنا‪ ،‬والذي يستطيع اختراق الأكواد السرية‬
‫للاتصالت في الجهزة الحساسة بالوليات المتحدة المريكية وبأي مكان بالعالم‪ ،‬ولقد‬
‫تم وضع هذا الجهاز بغرفة سرية ببدروم المبنى رقم سبعة من ملحقات مركز التجارة‬
‫العالمي‪ ،‬وعن طريقه تم توجيه الطائرات لضرب برجي مركز التجارة ومبني البنتاجون‬
‫بل واختراق كود الاتصال بطائرة الرئيس نفسه‪ ،‬وفى نفس اللحظة تم التشويش على‬
‫جميع أجهزة الدفاع الجوى وعلي جميع المطارات العسكرية بأمريكا‪ ،‬في الحقيقة تحولت‬
‫الوليات المتحدة من عملق قادر وقوى إلى كائن مشلول تمام ا ل حول له ول قوة‪ ،‬ولم‬
‫تسترد أمريكا أنفاسها إل حينما عدعمعر العجهاز نفسه ذاتيا وبعدما أدى مهمته بنجاح‪،‬‬
‫ولمدة ساعة كاملة‪.‬‬
‫قال ذلك ثام ابتسم وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬بعد أحداث سبتمبر لم تتوقف البحاث من أجل تطوير هذا الجهاز ليعمل خلل‬
‫دقائق‪ ،‬علي فك جميع الشفرات الموجودة على أية بقعة‪ ،‬بالكرة الرضية أو بالفضاء‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫كان الخبر دمذهل ا ومرعب ا‪ ،‬الجماعة تمتلك عدة وسائل لتدمير العالم‪ ،‬تكفى كل‬
‫وسيلة منها للقضاء على البشرية قضااء مبرماا‪ ،‬فها هو الشيطان مدفون هناك‪ ،‬على‬
‫الحدود السويسرية الفرنسية‪ ،‬ينتظر في خبث ليبتلع الكرة الرضية بما عليها‪ ،‬وها هو‬
‫جهاز البث الإلكتروني سيضرب العالم بالشلل التام‪ ،‬وها هي شفرات التفجير النووي‪،‬‬
‫لكل الدول النووية العظمى‪ ،‬بيد معلم الحق هذا‪ ،‬وقبل كل ذلك هناك المئات من القنابل‬
‫النووية والارتجاجية وأجهزة تغير المناخ قد تم برمجتها وتوزيعها على أماكن عديدة‬

‫‪200‬‬
‫بالكرة الرضية‪ ،‬تم اختيارها بعناية لضمان تدمير الكرة الرضية بنظام الدومينو‪ ،‬حيث‬
‫يؤدى تفجير منها إلى تنشيط بركان ومن بعده زلزال ثام فيضانات ومن بعدها أعاصير‬
‫مدمرة‪.‬‬
‫لم يعد أمامي من الوقت إل قليرل‪ ،‬وفي الحقيقة لم تكن المشكلة في الوقت فقط‪،‬‬
‫المشكلة الكبري هي كيف أجعل قادة العالم يصدقونني؟‪ ،‬ولو أني نجحت فى إقناعهم‬
‫بالمر‪ ،‬كيف لي أن أضمن أل يتسرب الخبر للجماعة فيبكر دمعلم الحق بالبدء في‬
‫الكارثاة؟‪ ،‬ومن يضمن أن قادة العالم سوف يتصرفون بذكاء وسرية لحباط مخطط تلك‬
‫الجماعة الشريرة؟‪.‬‬
‫ما دهشت له في تلك الليلة‪ ،‬وأزعجني كثاي ارا‪ ،‬هو تلشي قدرتي على النوم‬
‫مغناطيسياا‪ ،‬كما أن الحلم والرؤى توقفت تمام ا‪.‬‬
‫فى تلك الليلة لم يغمض لي لجفن‪ ،‬توضأت وكلما انتهيت من صلة انهمكت في‬
‫أخري‪ ،‬وهكذا بل توقف حتى تيبس ظهري‪ ،‬جلست أق أر القرآن فغفلت عيني‪ ،‬ل أدرى‬
‫هل نمت أم رحت في غيبوبة الوجد والحب اللهي‪ ،‬صدح في أذني آذان الفجر‬
‫فانتفضت مذهولا من أين يأتي صوت الذان وأقرب مسجد للمكان علي دبعد حوالي‬
‫مائتي كيلومتر؟!‪ ،‬شعرت بعقلي دمتقدا وبحيوية لم أعهدها بجسمي من قبل‪ ،‬توقعت أن‬
‫تأتيني الرؤيا مرة دأخرى فهدأت نفسي وقمت لصلة الفجر‪.‬‬
‫أثاناء الصلة هيئ لي أنى أغادر جسدي وأطفو عالياا‪ ،‬كنت أنظر بدهشة‬
‫لجسدي وهو يركع ويسجد‪ ،‬ثام ابتعد جسدي‪ ،‬والمكان‪ ،‬كثاي ار وبدا المر وكأني أحيط‬
‫بالكرة الرضية بنظري‪ ،‬راحت الرض تتضاءل حتى بدت كالكرة الصغيرة تسبح وسط‬
‫كومة هائلة من الكرات المضيئة‪ ،‬مختلفة الحجام‪ ،‬أخذ الكون يتضاءل حتى احتويته‬
‫بنظرة خاطفة‪ ،‬ما هي إل لحظة واحدة وعاد كل شيء لصله‪ ،‬كون ل نهائي في حجمه‬
‫يحتويني كشيء ل نهاية لصغره!‪ ،‬انتهيت من صلتي‪ ،‬تحسست جسدي‪ ،‬لم أشعر به‬
‫وكأني أصبحت خيالا‪ ،‬نورا‪ ،‬هواءا‪ ،‬عدما؟ ل أدرى‪ ،‬بصعوبة بالغة مددت يدي وتناولت‬
‫المصحف فعاد لي عقلي وجسدي‪ ،‬لحظات واجتاحتني رغبة جامحة في النوم‪ ،‬بالكاد‬
‫تسلقت السرير‪ ،‬نمت أقل من الساعة‪ ،‬لأصحو فرح ا مهللا‪ ،‬كبرت كثاي ار ‪ ،،،‬ال أكبر‬

‫‪200‬‬
‫‪ ،،،‬ال أكبر‪ ،‬فقد تيقنت بأن ال معي فهدأت نفسي‪ ،‬وتأكدت من جدوي العحل الذي‬
‫كنت قد قررته‪ ،‬وبدأت من فوري فى تنفيذه‪.‬‬
‫جازفت بالاتصال بالمهندس جوفني‪ ،‬كبير مهندسي مصنع الهواتف المحمولة‪،‬‬
‫الذي كنت شريكا في ملكيته بنابولي‪ ،‬لستحثاه على إنجاز ما طلبته منه بسرعة‪،‬‬
‫فأخبرني بأنه سوف يحضر لشرم الشيخ غدا ليسلمني ما طلبته منه‪.‬‬
‫تظاهرت بأني أعانى من عمغص عشديد وأحتاج لمعاودة الطبيب‪ ،‬وتمت المقابلة‬
‫مع جوفني بقسم الاستقبال بمستشفى شرم الشيح بناء على اتفاقنا أمس‪ ،‬تمددنا على‬
‫أسرة متجاورة‪ ،‬فتمكنا من إتمام الصفقة بسرعة فائقة‪ ،‬ودون أن يدرى بنا أحد‪.‬‬
‫في اليوم التالي دخلت بالرجل للمدينة وتركته على باب معلم الحق ورحت‬
‫أتجول بالمدينة‪ ،‬ركبت سيارة حتى الجبل الغربي للمدينة وتمكنت من دفن الحل‪ ،‬الذي‬
‫ألهمني ال إياه‪ ،‬في مكان قدرت أنه أسفل المبنى المعدني الذي حدثاتك عنه‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫لم يتمالك الجنرال بيتر نفسه من الغضب‪ ،‬وقال وكأنه يتحدث إلى نفسه‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا يصنع هذا المصري كل تلك اللغاز الغامضة‪.‬‬
‫راح يتحرك في المكان في عصبية بالغة‪ ،‬التفت نحو الجنرال سيرويس وقال‪.‬‬
‫‪ -‬كيف حصل هؤلء على أجهزة شفرة إطلق السلحة النووية حتى أصدق أنهم‬
‫قلدوها‪ ،‬أظن هذا المصري يتلعب بنا‪ ،‬أي جهاز هذا الذي يتحدث عنه ويقول إنه‬
‫أصاب الوليات المتحدة بالشلل التام بعدما فجر برجي التجارة العالمي ومبني‬
‫البنتاجون‪ ،‬هذا شيء ل يصدق‪.‬‬
‫استدار‪ ،‬ليعطي للحضور ظهره‪ ،‬وراح يردد‪.‬‬
‫‪ -‬هذا غير معقول ‪ ،،،‬غير معقول‪.‬‬
‫وأضاف بغضب‪.‬‬
‫‪ -‬أعتقد أن هذا المصري يتلعب بنا‪.‬‬
‫ثام التفت نحو الجنرال سيرويس مرة أخرى وقال‪.‬‬
‫‪ -‬نحن نهذى يا سيادة الجنرال‪.‬‬
‫قال الجنرال سيرويس بهدوء وهو ينظر في اللشيء‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬لو كان المصرى‪ ،‬شخصا مخبولاا‪ ،‬أو أنه يتلعب بنا كما تقول‪ ،‬فكيف عرف بحقيقة‬
‫إعصاري توسينامي وكاترينا‪ ،‬وكذا زلزال هاييتي‪ ،‬وكيف نما لعلمه نتائج التحقيقات‬
‫السرية التي تمت بشأن حرائق روسيا وفيضانات وباكستان؟!‪ ،‬أعتقد أنه علينا التحدث‬
‫مع ذلك المهندس الإيطالي‪.‬‬
‫ثام لمعت عيناه بالدهشة وهو يقول للجنرال بيتر‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو لي أن المصري احتاج لهاتف محمول بمواصفات خاصة‪.‬‬
‫صاحت سهير‪.‬‬
‫‪ -‬كنت أتساءل لماذا كتب زوجي أرقام ا ل معني لها بالخطاب الذي تركه لى بالفندق‪،‬‬
‫لو رتبنا تلك الرقام حسب السطور الموزعة عليها‪ ،‬سيكون لدينا رقم هاتف نقال‪،‬‬
‫مصري‪01225339133،‬؟ إنه من أرقام شركة موبينيل المصرية‪.‬‬
‫ارتاح الحضور لما توصلوا إليه‪ ،‬وبعد سبعين دقيقة كانت اللجنة تتحدث‪،‬‬
‫بالفيديو كنفرانس‪ ،‬مع المهندس جوفني الموجود بمبنى المخابرات الإيطالية بنابولي‪،‬‬
‫والذي أوضح لهم بأنه قام بصنع هاتف نقال‪ ،‬على شكل ساعة يد وبمواصفات خاصة‪،‬‬
‫لصالح السيد محمد يوسف‪ ،‬وقد سلمه له في شرم الشيخ مقابل عشرين ألف يورو‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫قام رجل المخابرات المصري بالاتصال بشركة موبينيل فتأكد خلل دقائق من‬
‫أن هذا الرقم مسجل لديهم باسم محمد يوسف‪ ،‬رجل أعمال إيطالي الجنسية‪ ،‬وأخبرته‬
‫الشركة بأن هذا الرقم لخط بزنس بفاتورة ولم يستخدم حتى الن ولو لمرة واحدة‪.‬‬
‫بعد الاجتماع توالت الخبار السيئة‪ ،‬انهيار جليدي ضخم بالقطب الشمالي يهدد‬
‫بغرق عشرات المدن بسواحل أفريقيا الشمالية وكذا سواحل بريطانيا وأسبانيا‪ ،‬فيضانات‬
‫ضخمة بجنوب شرق أسيا وعلي سواحل اليابان‪ ،‬رصد عدة زلزل تضرب العديد من‬
‫الدول جنوب خط الاستواء‪.‬‬
‫تأكد للجميع أن الجماعة تجرى تجارب حية لسلحتها الفتاكة‪ ،‬ومع المعلومات‬
‫القادمة من الحدود المصرية السرائيلية عن استمرار تدفق آلف السياح في رحلت‬
‫سفاري ثام اختفائهم‪ ،‬المريب داخل سيناء‪ ،‬بات من المؤكد أن الجماعة علي وشك تنفيذ‬
‫مخططها بتدمير العالم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫وقد تناقلت وسائل العلم الكثاير من القاويل والتخمينات والتوقعات حول بدء‬
‫أحداث يوم القيامة‪ ،‬فساد الهلع جميع أنحاء العالم خاصة مع فشل الحكومات في تقديم‬
‫تفسيرات مقنعة لما يحدث بأرجاء المعمورة‪ ،‬هذا وقد تزايدت حالت الانتحار بجميع‬
‫مناطق العالم‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫أثاناء اجتماع اللجنة العالمية للمخابرات بمقر و ازرة الدفاع المريكية‪ ،‬البنتاجون‪،‬‬
‫فى يوم السبت‪ ،‬الخامس والعشرين من أغسطس ‪2012‬م‪ .‬فوجئ الحضور بوجود‬
‫رؤساء الدول العشرين‪ ،‬بالضافة للرئيس المصري والعاهل السعودي ورئيس الوزراء‬
‫الإسرائيلي‪ ،‬خارج قاعة الاجتماع‪ ،‬فقد رأى الرؤساء ضرورة أن يكون القرار بيد‬
‫السياسيين‪ ،‬مع احترامهم الشديد للعسكريين وتقديرهم لما يبذلونه من جهود خارقة‪.‬‬
‫اشتعلت العصاب وعلى غير العادة امتلت القاعة بدخان السجائر‪ ،‬بالرغم من‬
‫توسلت وأوامر الجنرال بيتر للحضور بالكف عن التدخين‪ ،‬تفجرت الصدور بالغضب‬
‫وتعالت أصوات السعال‪ ،‬وفجأة صاح الضابط السرائيلي يطلب الكلمة وهو يرفع جهاز‬
‫الكومبيوتر خاصته عالياا‪ ،‬عساد القاعة هدوء متولتر‪ ،‬فقد تمنى الجميع أن يكون هذا‬
‫الضابط المغرور قد توصل لحل لتلك الورطة العجيبة والغير متوقعة‪.‬‬
‫تكلم الضابط السرائيلي بثاقة مبالغ فيها وبأعصاب باردة ل تتناسب مع الموقف‬
‫العصيب‪ ،‬قال‪.‬‬
‫‪ -‬كل ما حاول أن يفهمنا إياه المصري‪ ،‬صحيح وخطير‪ ،‬وأعتقد أنه لجأ لللغاز‬
‫حماية لخطته العبقرية‪.‬‬
‫جال بنظره بين الحضور وتمادي في ابتسامته المستفزة‪ ،‬صاح به الجنرال بيتر‬
‫بأن يطرح ما لديه بسرعة فأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬لقد توصل المصري إلى أن الجماعة ستقوم باستخدام القمار الصناعية وشبكة‬
‫النترنت فى تفجير القنابل حول العالم‪ ،‬ولنه رجل ذكى ويعرف أن تعطيل القمار‬
‫الصناعية والشبكة العنكبوتية تعنى شلل ا تام ا للعالم وخسائر فادحة ل يمكن تعويضها‪،‬‬
‫فقد بذل مجهودا خارق ا ليطلعنا على العحل المن‪.‬‬
‫وأضاف‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬أود أن أعلن عن إعجابي بالمصري وتقديري لذكائه وحسن تصرفه‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫ثام ابتسم في ثاقة وواصل حديثاه قائ ا‬
‫‪ -‬كيف لم ينتبه أحدنا‪ ،‬خلل اليام الماضية‪ ،‬لما ذكره‪ ،‬حين قال إنه عرف كيف‬
‫ستدير الجماعة خطة تدمير العالم عندما شاهد اللوحة الجدارية في قدس القداس‪ ،‬إنها‬
‫الشبكة العنكبوتية بل جدال‪.‬‬
‫راح ينظر للجنرال بيتر وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬وقد أشار أيضاا‪ ،‬وبوضوح‪ ،‬لتلك التجربة المريبة التي تجرى في منطقة سيرن‪ ،‬على‬
‫الحدود الفرنسية السويسرية‪ ،‬حينما قال‪ ،‬وهناك الشيطان مدفون على الحدود السويسرية‬
‫الفرنسية‪ ،‬وأنا أتساءل ماذا لو فشلت تلك التجربة بفعل فاعل؟‪.‬‬
‫لم ينتظر إجابة وواصل حديثاه فقال‪.‬‬
‫‪ -‬ستدعدعمر الكرة الرضية بما عليها‪ ،‬وفي دقائق معدودة‪.‬‬
‫راح ينظر للجمع‪ ،‬الذي ساده سكون الحباط والضجر‪ ،‬وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬من حسن الحظ‪ ،‬وجود السادة الرؤساء خارج القاعة‪ ،‬أرجو من الجنرال بيتر حثاهم‬
‫على اتخاذ قرار فوري بوقف تلك التجربة المريبة لدرء أي خطر محتمل منها‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫قام الجنرال بالاتصال بالرئيس أوباما‪ ،‬ثام توجه بالحديث للحضور قائ ا‬
‫‪ -‬سيتم إيقاف التجربة وسوف يعطينا‪ ،‬الرئيس أوباما‪ ،‬التمام بذلك بعد عشر دقائق من‬
‫الن‪.‬‬
‫أشار للضابط السرائيلي ليواصل حديثاه فقال‪.‬‬
‫‪ -‬كل ما تحدث عنه المصري صحيح‪ ،‬نعم هناك ما يعرف بتكنولوجيا الخداع‬
‫الإلكتروني‪ ،‬إواسرائيل تستخدم تلك التكنولوجيا المتقدمة منذ عشر سنوات لإخفاء مواقعها‬
‫الهامة والحساسة إوابعادها عن عيون القمار الصناعية‪ ،‬حتى إن العالم أعتقد أن هناك‬
‫اتفاق ا بيننا وبين شركة جوجل بغرض عدم إظهار تلك المواقع على الشبكة العنكبوتية‪،‬‬
‫والحقيقة أن هذه المواقع ل يمكن رصدها أو تصويرها من الفضاء‪ ،‬لن هناك لوحة‬
‫إلكترونية ترتسم في الفضاء لتخفى هذه المواقع تمام ا‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫تهلل الجنرال بيتر وصاح في الضابط قائ ا‬
‫‪ -‬وهل هناك حل يا بنى لهذه المعضلة؟‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫أجاب الضابط وهو يتمايل في زهو وخيلء‪.‬‬
‫‪ -‬المهندس اليطالي قال إنه سلم المصري هاتف ا نقالا على شكل ساعة يد‪ ،‬والمصري‬
‫قال بوضوح إنه دفن الحل تحت الجبل الغربي لهذه المدينة‪ ،‬ويقيني بأن الحل الذي دفنه‬
‫الرجل بالمدينة هو هذا الهاتف‪ ،‬وقد أمدنا الرجل العظيم برقم هذا الهاتف‪ ،‬وهكذا يمكننا‬
‫أن نحدد موقع المدينة فو ارا‪ ،‬فإذا ما اخترقنا اللوحة الفضائية فوق المدينة فسوف تظهر‬
‫على تلك الشاشة في نفس اللحظة‪.‬‬
‫قال ذلك وهو يشير نحو شاشة عرض كبيرة‪ ،‬تعرض ما تبثاه عشرات القمار‬
‫الصناعية‪ ،‬من مشاهد من جميع أنحاء المعمورة‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫صاح به الجنرال سيرويس قائ ا‬
‫‪ -‬كيف يمكن اختراق ما تتحدث عنه من لوحة إلكترونية فضائية؟‪.‬‬
‫‪ -‬لو تم قذف موقع المدينة بقنبلة نيترونية متطورة‪ ،‬وفى وقت ل يتجاوز الربعين ثاانية‪،‬‬
‫ستجذب النيترونات دكل اللكترونات من منطقة يبلغ قطرها حوالي عشرين كيلومتر‬
‫مربع‪.‬‬
‫ثام ابتسم وأضاف‪.‬‬
‫‪ -‬وإليكم الخبر السعيد‪ ،‬تمتلك إسرائيل العشرات من تلك القنبلة الحديثاة جداا‪.‬‬
‫صاح الجميع مهنئين أنفسهم‪ ،‬وبعضهم بعض ا‪ ،‬ولول مرة‪ ،‬منذ أكثار من ثالثاة‬
‫أسابيع‪ ،‬يبتسم الجنرال بيتر وتتعالى ضحكات الجنرال سيرويس‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫بعد خمس دقائق اعتلى المنصة ضابط المخابرات المصري‪ ،‬ليطلع الجميع على‬
‫أنه تم الاتصال بالهاتف المفترض بأنه موجود بالمدينة‪ ،‬وقد تم تحديد موقعه بدقة‬
‫متناهية‪ ،‬ثام أضاف والدموع تنهمر من عينيه‪.‬‬
‫‪ -‬لقد تراجع منسوب المياة ببحيرة ناصر‪ ،‬وبمجري النيل‪ ،‬لدرجة خطيرة تهدد مصر‬
‫بجفاف شديد‪.‬‬
‫أنهى الجنرال بيتر محادثاة هاتفية تلقاها على هاتفه المحمول ثام أشار للجمع بالصمت‬
‫وقال‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬لقد أبلغني للتو‪ ،‬الرئيس أوباما‪ ،‬بأنه قد تم التأكد من إيقاف تجربة مضاهاة‬
‫الانفجار الكوني العظيم والتي كانت تجرى بنفق يمتد تحت منطقة سيرن‪ ،‬كما‬
‫أحيطكم علم ا بأن قادة الدول المشاركة باللجنة سوف ينضمون حالا للاجتماع‬
‫وسيتولى الرئيس أوباما رئاسة الجلسة‪.‬‬
‫وفى خلل خمس دقائق كان كل قائد دولة يجلس بجوار ضابط مخابراته‪ ،‬بينما‬
‫توسط الرئيس أوباما الجنرال بيتر والجنرال سيرويس على منصة الاجتماع‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫تحدث الجنرال بيتر حديثا ا هامس ا مع الرئيس أوباما‪ ،‬توجه بعدها أوباما للرئيس‬
‫ل‪.‬‬
‫المصري بالحديث قائ ا‬
‫‪ -‬نشكر للرئيس شفيق تعاونه الغير محدود من أجل إنقاذ العالم‪ ،‬وأرجو أن يأمر فو ار‬
‫بإخلء المنطقة‪ ،‬المحيطة بالمكان المفترض أن به مدينة الشرار‪ ،‬من أي سكان‪.‬‬
‫قال الرئيس المصري‪.‬‬
‫‪ -‬لقد تحدثات من فوري لقائد الجيش الثاالث المصري بسيناء وتم توجيه الطائرات‬
‫بالفعل لمسح المنطقة إواخلئها وسأتلقى منه التمام خلل عشر دقائق من الن‪.‬‬
‫فقال له الرئيس أوباما‪.‬‬
‫‪ -‬سيدي الرئيس‪ ،‬نعرف حساسية موقفكم تجاه دولة إسرائيل‪ ،‬ولكن نظ ار للظروف‬
‫الراهنة نرجو من سيادتكم السماح للطائرات السرائيلية بدخول المجال الجوى لسيناء‬
‫لتفجير القنبلة النيترونية فوق مدينة الأشرار تلك‪.‬‬
‫قال الرئيس المصري‪.‬‬
‫‪ -‬سأحتاج لخمس دقائق للتحدث مع قادة الجيش بمصر لترتيب الوضاع‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫شكره الرئيس أوباما ثام توجه بالحديث لرئيس الوزراء الإسرائيلي قائ ا‬
‫‪ -‬كم من الوقت يمكن لدولتكم تجهيز القنبلة والطائرات إوانجاز المهمة‪.‬‬
‫فمال برأسه ليستمع لضابط مخابراته المغرور ثام وقف متهللا وقال‪.‬‬
‫‪ -‬بعد عشر دقائق‪ ،‬من إعطاء الذن للطائرات السرائيلية بعبور الجواء المصرية‪،‬‬
‫سوف تظهر تلك المدينة على هذه الشاشة‪.‬‬
‫وأضاف بطريقة مسرحية‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬فليتذكر العالم عظمة إسرائيل وفضلها‪.‬‬
‫أبلغ الرئيس المصري الرئيس أوباما بأن الجواء المصرية جاهزة لدخول‬
‫الطائرات السرائيلية‪ ،‬وتركزت العيون على رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي أظهر تماسك ا‬
‫وثاقة ارتاح لهما الجميع‪.‬‬
‫شيئ ا فشيئ ا تحولت العيون في قلق بالغ نحو الشاشة الكبيرة بالقاعة‪ ،‬ومرت‬
‫العشر دقائق مرور الدهر على المجتمعين بالقاعة‪ ،‬صمت جليل‪ ،‬همهمة متوترة تسمع‬
‫هنا وهناك‪ ،‬وفجأة صاح الجنرال بيتر‪.‬‬
‫‪ -‬يا إلهي إنها حقيقة‪ ،‬إنها كالشيطان يطل علينا ليدمرنا‪.‬‬
‫كان الجميع غرقي في ذهولل عظيلم‪ ،‬صاح ضابط المخابرات السعودي‪.‬‬
‫‪ -‬إنهم قوم يأجوج ومأجوج‪ ،‬إنهم الشر المؤكد والدمار الذي يسبق يوم القيامة‪ ،‬إنها‬
‫العلمة الكبرى على يوم الهول العظيم‪.‬‬
‫قال ذلك وراح يخطب في الجمع المندهش‪.‬‬
‫‪ -‬اعلموا عباد ال‪ ،‬أنهم إن تمكنوا من تدمير السور من حولهم وخرجوا إلينا فإنه الدمار‬
‫والفناء المؤكدين‪ ،‬أغثانا يا مهدي ‪ ،،،‬أغثانا يا منتظر‪.‬‬
‫قال ذلك وراح يصيح النجدة‪ ،‬يا ال ‪ ،،،‬النجدة يا ال ‪ ،،،‬ل المر من قبل ومن‬
‫بعد ‪ ،،،‬ل المر من قبل ومن بعد‪.‬‬
‫طلب الرئيس أوباما من الجميع التزام الهدوء ثام التفت للجنرال بيتر وسأله‪.‬‬
‫‪ -‬هل يمكن تدمير هؤلء المجانين‪ ،‬مع الحفاظ علي ما يملكونه من تكنولوجيا؟‪.‬‬
‫ثام نظر للمجتمعين وقال‪.‬‬
‫‪ -‬أعتقد أننا بحاجة لتلك التكنولوجيا المتقدمة لتعويض العالم خسارته بسبب العمال‬
‫الشريرة لهؤلء المجانين‪.‬‬
‫وافقه الجميع على رأيه‪ ،‬بينما وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي في مكانه وقال‪.‬‬
‫‪ -‬تمتلك إسرائيل قنبلة هيدروجينية متطورة‪ ،‬لدي تفجيرها‪ ،‬فإنها تقضى على كل كائن‬
‫حي‪ ،‬حتى الميكروبات‪ ،‬وذلك في مساحة يتجاوز قطرها العشرين كيلو متر مربع‪،‬‬
‫حيث إنها تحول كل كمية الكسيجين‪ ،‬في هذه المساحة‪ ،‬إلى ماء ثاقيل‪ ،‬ويستمر فعلها‬
‫لمدة ثالث ساعات تكون كافية لتدمير الحياة تماما فى ذلك المكان‪ ،‬ومن حسن حظ‬

‫‪200‬‬
‫العالم‪ ،‬أن دولة إسرائيل تمتلك العشرات من تلك القنبلة‪ ،‬ويمكنها تنفيذ المهمة خلل‬
‫خمس عشرة دقيقة من الن‪.‬‬
‫التفت إلي الرئيس المصري وقال في استعلء‪.‬‬
‫‪ -‬هذا بعدما يأذن لنا صديقي الرئيس المصري‪.‬‬
‫تعلقت النظار بالرئيس شفيق الذي وقف ببطء‪ ،‬وكأنه يفكر بأمر ما‪ ،‬ثام رفع‬
‫هامته عاليا وقال في ثاقة ووقار‪.‬‬
‫‪ -‬ليعلم رئيس الوزراء الإسرائيلي‪ ،‬أن مصر تمتلك العشرات من القنبلة الهيدروجينية‬
‫التي تحدث عنها‪ ،‬ويمكننا إنجاز هذه المهمة بإطلق الصاروخ القاهر ليصل إلى موقع‬
‫المدينة في زمن ل يتجاوز الخمس دقائق إن اتفق الجميع على ذلك‪.‬‬
‫بعد ثالث ساعات‪ ،‬من حديث الرئيس المصري‪ ،‬تأكدت جميع أجهزة الرصد‬
‫العالمية من تدمير جميع صور الحياة بمدينة الشر تلك‪.‬‬
‫قام الرئيس المصري ليتحدث للحضور‪ ،‬فهنأ الجميع على النجاح فى حماية‬
‫العالم من التدمير‪ ،‬ثام استحث القادة على التعهد بمساعدة الدول التي أضيرت من جراء‬
‫الفيضانات والزلزل والحرائق والتدمير‪ ،‬ونبه الجميع إلي أن مصر مقبلة على مرحلة‬
‫خطيرة بسبب جفاف بحيرة السد العالي وتراجع منسوب النيل‪ ،‬فتعهد القادة بالعمل على‬
‫إنقاذ مصر وغيرها من الدول الدمتضررة‪.‬‬
‫هدأت العصاب كثاي ار وبدأت الحاديث الجانبية والمباحثاات الثانائية‪ ،‬وخيمت‬
‫السعادة على القادة‪ ،‬وبعد ساعتين كان القادة يستمعون إلى الكلونيل الفرنسي ديلون‪،‬‬
‫قائد القوات الدولية بسيناء‪ ،‬وهو يتحدث إليهم من داخل المدينة الميتة ععبر القمار‬
‫الصناعية‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫هنأ الرئيس أوباما القادة والضباط على نجاحهم في إنقاذ البشرية واقترح استمرار‬
‫عمل اللجنة العليا للمخابرات العالمية للعمل من أجل تقدم البشرية وحماية إنجازاتها‪ ،‬ثام‬
‫أطلق مبادرة تمنى من الجميع الموافقة عليها فقال‪.‬‬
‫‪ -‬أتمني تبني القادة العظام‪ ،‬المتواجدون بالقاعة‪ ،‬اقتراح ا يقضي بالنزع الكامل لكافة‬
‫أسلحة الدمار الشامل من جميع أنحاء العالم‪ ،‬وبأن يتعهد الجميع بالعمل المشترك‬

‫‪200‬‬
‫والجاد من أجل نشر قيم الديمقراطية والتقدم والحضارة في العالم‪ ،‬والقضاء على الفقر‬
‫والمراض وكذا علي التخلف والجهل والتطرف الديني‪.‬‬
‫وافق الحضور على اقتراح الرئيس أوباما‪ ،‬وقبلوا جميع ا دعوة الرئيس شفيق‬
‫لحضور المؤتمر الدولي‪ ،‬للسلم والتنمية‪ ،‬بمدينة شرم الشيخ الشهر القادم‪ ،‬وذلك‬
‫لمناقشة الجراءات التي سوف يتخذها العالم لمساعدة الدول الدمتضررة إواعادة تعمير‬
‫المناطق المنكوبة‪ ،‬وكذا توقيع معاهدة دولية ملزمة لكافة الدول تتضمن أفكار‬
‫ومقترحات الرئيس أوباما‪.‬‬
‫وقد انشغلت أجهزة المن والدمخابرات‪ ،‬على اتساع المعمورة‪ ،‬في عجمع وتدمير‬
‫ما بعثارته الجماعة‪ ،‬في أرجاء العالم‪ ،‬من أجهزة تدميرية ومن قنابل نووية وارتجاجية‪.‬‬
‫‪----------‬‬
‫عادت سهير وولداها إلي مدينة نيويورك‪ ،‬وبالرغم من الحزن الشديد لفقدهما‬
‫طف‬
‫أبيهما كان الفخر يمل نهاد ويوسف بما قدمه أبوهما للبشرية‪ ،‬وقد كسب يوسف تعا د‬
‫العالم وهو يتحدث عن أبيه بفخر إواجلل‪ ،‬وعأجل الجميع صمود سهير وأكب ار فيها حبها‬
‫لزوجها وغفرانها له‪ ،‬وكذا تجاوزها لما أصاب أسرتها من خوف وحرمان لسنوات‪ ،‬وقد‬
‫أبكت نهاد المليين وهي تبكي أباها‪ ،‬وقدروا موقفها حين قالت‪ ،‬إن والدها عاش يحب‬
‫مصر ومات من أجل النسانية وإنها تشعر بروحه تهيم هناك‪ ،‬في أجواء مصر‪ ،‬فوق‬
‫قريته شعرباص بمحافظة دمياط‪ ،‬وإنها تأمل أن يساعدها الرئيس شفيق في إعادة جثامانه‬
‫ليدفن وسط أهله وأقاربه بقريته‪ ،‬وأضافت أنها سوف تتخلى عن حلمها بالعيش بأمريكا‬
‫لتكون بجوار والدها الراحل‪.‬‬
‫وبالفعل تلقت أسرة رضا جلل دعوة من الرئيس شفيق بالعودة لحضان الوطن‪،‬‬
‫ومنحت مصر الأسرة فيل رائعة بالقاهرة الجديدة‪ ،‬بعدما تبرعت بكل أموالها لصالح‬
‫مصر التي تمر بأزمة غير مسبوقة بسبب تراجع منسوب نهر النيل‪ ،‬هذا وقد تلقت نهاد‬
‫دعوة العديد من الصحف المصرية للتدريب والعمل بها‪ ،‬ولكنها اختارت جريدة الهرام‬
‫إكرام ا لذكرى والدها‪ ،‬وقد أحاطت مصر‪ ،‬شعب ا وحكومة‪ ،‬أسرة الفقيد رضا جلل بحب‬
‫عظيم ساعدها على التماسك والستمرار في الحياة بثاقة وشموخ‪.‬‬
‫تمت‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫د‪ /‬عبد الرحمن نجاح‪.‬‬
‫دمياط‪.‬‬
‫‪2010 /1/7‬م‪.‬‬

‫‪200‬‬

You might also like