Professional Documents
Culture Documents
تصليح لغوي222
تصليح لغوي222
رواية
200
رقم اليداع-:
الترقيم الدولي-:
إهداء
200
200
فمرعى لغزلن ودي ارل لرهبانن. .... لقد صار قلبي قابلل كل صورة
ركائبه ،فالتحب ديني إوايماني. .... تأدين بدين الحب أنى توجهت
ابن عربي.
200
في تمام الساعة السادسة إل خمس دقائق من صباح يوم الثالثااء ،الثاالث من
مايو لسنة 2005م ,أوقف الدكتور إبراهيم سالم سيارته ،في شارع جانبي ،وترجل
ع أبى الفدا بالزمالك البحرية ،مع أول خطوة له بالشارع أظهرته شاشات
قاصدا شار ع
المراقبة وهو يخرج ،من جيب قميصه ،الدعوة المريبة التي تلقاها بالمس ،ليتأكد من
العنوان موضوع الدعوة ،فتلقفته عيون مدربة حتى باب فيل الصفا بمنتصف الشارع.
وقع نظره على اسم مالك الفيل ،الدكتور على توفيق ،فاستغرب المر ،وما أن
تخطي البوابة حتي فوجيء بعدد من الحراس تعددل تصرفاتهم المنظمة والجامدة على
أنهم ليسوا مدنيين على الطلق فتسارعت ضربات قلبه وتصبب عرقه.
كان الصداع ينهش رأسه ،بسبب أرق ليلة أمس ،وها هو ل يستطيع أن يستجمع
أفكاره المشتتة ويساوره شعور خبيث بالضياع ،وكأنه شخص آخر غير إبراهيم سالم
المشهور بالشجاعة والقدام .أخذته المفاجأة ،لم ينبس ببنت شفة ،امتثال آلي ا للوامر،
أطلع أحدهم على الدعوة ووقع باسمه في دفتر الحضور ،ثام سلمه هاتفه المحمول
ومفاتيح السيارة ،وبناء على إشارة من الحارس رفع رأسه واتجه ببصره نحو مبنى شيك
وفخم يتوارى معظمه خلف أشجار المانجو الضخمة.
الفيل تبدو كجزيرة تحيط بها الشوارع من كل الجوانب ،يمتد سورر عالل من يسار
البوابة الضخمة ليقطع مسافة طويلة ليحيط بمساحة شاسعة من الحدائق الغناء قبل أن
200
يعود ليلتحم بالجانب اليمن للبوابة ،ومع اللشجار الكثايفة علي امتداد السور ل يمكن
لحد رؤية مبنى الفيل من الخارج.
ينتهي السور من أعلى بسور آخر ،من الحديد المشغول ،يزيد من ارتفاعه
كثاي ارا ،وعلى كل زاوية من زوايا السور الربعة يوجد كشك للحراسة ،كتلك التي دتشاهد
بمقرات أجهزة الدولة الحساسة ،وترتفع على السور عدة كشافات كهربائية كبيرة ،تستمر
في إضاءة الشارع حتى الساعات الولى من الصباح ،وقد لحظ إبراهيم أعلي السور
العديد من كاميرات المراقبة.
يحتضن السور بداخله حديقة بديعة تمتد على جانبي طريق رئيسي دمحدد
بأشجار متنوعة ولكنها منسقة في أشكال هندسية ،مربعات ،مثالثاات ،ودوائر ،لتلقى
بظللها وتسقط ما علق بها من قطرات الندى على قطع البازلت السود المصقولة
والمثابتة في أرضية الطريق بأشكال بديعة ،يتفرع هذا الطريق إلى عدة طرقات دمعمهدة
بقطع البازلت أيضاا ،وتلتف حول أحواض من الزهور دمنسقة بشكل جذاب ،ومرة دأخري
تتجمع كل الطرقات لتصبح طريق ا واسعاا ،يمتد لمسافة قصيرة ،يتحول بعدها إلى دائرة
تحيط بحمام سباحة واسع .مشى إبراهيم مشدوه ا بموازاة الجانب اليمن لحمام السباحة
حتى وجد نفسه أمام ساحة فسيحة ترتسم بأرضها أشكال وصور ضخمة لعدد من
الحيوانات والطيور أبدعها فنان بارع من آلف القطع الصغيرة من الرخام الملون،
مأخوذا بجمال أرضية الساحة كاد أن يتعثار بأول درجات سلم الفيل الذي يمتد أفقيا
بطول الساحة الرخامية.
بحذر اعتلي حوالي عشر درجات من الرخام البيض الملس ،مأخوذا بما يراه،
وقف يتأمل بدهشة جمال الباب المصنوع من خشب الرو والمشغول بالنحاس الحمر
وبعشرات القطع من الزجاج الملون والمعشق في أشكال متداخلة بشكل جذاب ،في
أعلى ضفتي الباب تتجاور نجمتان ثامانيتان ،تحت كل منهما قنديل ضخم تبدأ من
أسفلهم أشكال مبهرة من النحاس الحمر ،رجع للخلف قليلا ليتابع الرسومات النحاسية
أسفل الباب فوقع نظره على حذائه ذو اللون الهافان فانتبه لما هو مقبل عليه ،فهو عادة
ل يرتدى هذا الحذاء إل في معشاويره الهامة ومغامراته المثايرة ،وقبل أن يرتب نفسه
200
ويدعوها للثابات ،اتجهت الضفة اليمنى للباب نحو الداخل ،وظهر من يرحب به ويدعوه
للدخول.
في خضم جهوده للسيطرة على نفسه وتجميع شتات أفكاره لم يل ل
ق على الرجل
بالتحية ،وتبعه في صمت نحو صالة فسيحة تتجاور في منتصفها عدة صالونات
فاخرة.
حين جلس انتبه لشيء زاد من حيرته ،فالرجل الواقف أمامه أقل ما يوصف به
أنه رجل محترم ،كان وسيما ومهندما وذا مهابة ،كما أنه يتحدث بلباقة وثاقة .فراح
إبراهيم يبرر لنفسه ما يراه ،،،من المؤكد أن صاحب الدعوة شخصية كبيرة وغنية جدا
ومن الطبيعي أن يكون خادمه بهذا المظهر!.
----------
إبراهيم سالم رجل أعمال من مدينة طنطا ،تجاوز الربعين من عمره بقليل،
معروف بحدة الطبع والعصبية الشديدة ،وبالرغم من وسامته الواضحة إل أن ملمحه
جامدة وليس من السهل قراءة تعبيرات وجهه ،وقد أضفي عليه الكثاير من الهيبة طوله
الفارع وبنيانه القوي.
التحق بكلية ط ب
ب ،القصر العيني ،نزولا على رغبة والده ،صاحب اللوكاندات
والبا ازرات ،وعلى الرغم من سنوات دراسة الطب الطويلة لم عيفتر حلمه في دراسة التاريخ
والثاار.
بعد تخرجه بعدة أشهر ،مات والده ،فترك وظيفته كطبيب امتياز ،وانكب من
فوره ،وبحماس ،ديدير دممتلكات السرة ودينمى نشاطه في دنيا السياحة ،فاقترب بشدة من
موضوعات التاريخ العملية ،السياحة والثاار.
ومن أول المر بدا أن ل شيء يمكن أن عيحد من طموحه ومن إص ارره على
تحقيق حلمه في امتلك المال والسطوة ،فاندفع خلف طموحه معتمدا على شجاعته
وعشقه للمغامرة ،فعاش حياته على حافة الخطر.
----------
حاول إبراهيم جاهدا أن يتخلص من الفكار التي راودته منذ وصلته الدعوة وراح
يتحدث إلى نفسه ،،،أليس من المحتمل أن الرجل الكبير ،الذي أتعامل معه منذ سنوات
200
من خلف ستار كثايف من الوسطاء ،قد قرر أن يتعامل معي بشكل مباشر ووجها
لوجه؟ ،وال ممكن ،ليه ل؟ ،،،ويمكن يكون هو المسئول الكبير في الدولة الذي يتداول
اسمه ،فيما بيننا ،على أنه الكبير في الدشغلة ،،،كل شيء جايز ،،،وقد يكون واحدا
من تجار الثاار الكبار الذين تعاملت معهم أو شاركتهم في بعض الصفقات الكبيرة،
فأقل واحد منهم أصبح من أغنياء البلد وله من السطوة والنفوذ ما ترتعد له الوصال ،،،
هو ،بالتأكيد هو ،عبد المسيح ساويرس ،لم أصدق أبدا ما كان يبديه من تبريرات
لتصرفاته الدمريبة ولطريقة تعامله معنا ،أنا قلت قبل كده للنجار وعيد ،وحتى لهيثام بدر،
أن هذا القبطي وراءه لسر كبير ،وكثاي ار ما حاولت لفت انتباههم إلى أنه يعمل لصالح
آخرين ،من داخل البلد أو من خارجه ،وأن له غرضا آخر من الدشغلة ،غير المال ،،،
قد يكون صاحب هذا المكان هو اللسر الكبير لصديقي ،رضا جلل ،لقد أفضي إلي
بأنه على علقة بشخصية هامة ومطلعة على ما يجرى في البلد ،وبأنها مصدر
المعلومات والسرار الخطيرة ،التي تفجرها بين الحين والحين ،تحقيقاته الصحفية حول
ل ،ألم يصل بنا الحال ،نحن كبار دتجار الثاار ،إلى
نشاط تجار ومهربي الثاار ،،،فع ا
درجة الشك في بعضنا البعض بسبب تلك التحقيقات الصحفية؟ ،،،فعلا هذا استنتاج
صحيح ،إوال كيف عرف رضا بأدق أس اررنا والتي كان يصدمنا بها بين الحين والخر
في مقالته وتحقيقاته التي كادت أن تدمرنا؟ ،،،من المؤكد أنها شخصية تتبوأ منصب ا
حساسا بالبلد ،بدليل أن رضا رفض رفضا باتا أن يفشى لي باسم ذلك المسئول ،،،آه
ل ،انتظر ،أليس من المحتمل أن رضا كان يدعى ذلك ليخيفنا ويبتزنا ،،،وال
فع ا
دممكن ،فهو شخص ذكى وماكر ل شك في ذلك ،،،أي ا كان من هو صاحب الدعوة،
لماذا يدعوني للجتماع به فى هذا الموعد المبكر وبهذه الطريقة؟ ،أيريد أن عيسلبني
أموالى أو أن ديقاسمني رزقي؟ ،،،ليكن من يكون ،يا روح ما بعدك روح ،،،إيه يا أبا
لخرى؟ ،،،فلتعتبر ما أنت
خليل ماذا بك؟ ،ألم تقض سنوات في انتظار مغامرة تلو ا د
مقبل عليه دمغامرة جديدة ،ولو أنى ل أتوقع أن هناك مغامرة كمغامرة العام الماضي فى
خرائب تل العمارنة ،،،على أية حال عليك أن تهدأ وتتحكم في أعصابك.
بدا للخادم أن إبراهيم مستغرق في تفكيره ،فسأله بأدب عجم.
-سيادتك تشرب إيه؟.
200
دون أن ينظر للرجل قال.
-قهوة سادة من فضلك.
،،،معقول يا رضا ،هل هذا جزاء صداقتي معك؟ عكم أسديت لك من خدمات ،هل هذا
جزائي؟ ،تشي بي وتورطني؟.
تجاذبته أفكار متناقضة ،ل يريد أن يصدق أن صديق عمره يمكن أن يخونه ،،،
أعرف أنه جشع للمال ،لكن ل أظنه يضحى بي لي سبب ،،،ولماذا يفعل ذلك وقد
مكنته من الحصول على كل ما عحلدعم به ولم يستطع تحقيقه ل من اللطب أو من
الصحافة ،شقة فخمة بمدينة دمياط الجديدة ،سيارة فورد آخر موديل ،شقة برأس البر،
إوايه؟ بشارع ،53وصف أول على البحر ،ثامنها اليوم ل يقل عن مليون جنيه ،وبعد ما
كان يسدكن بشقة ،حجرة وصالة بالسيدة ،لديه اليوم شقة فخمة بمساكن شيراتون
المطار ،،،آه ،،،حكايتك إيه يا رضا؟ ،منذ أيام الدراسة بالقصر العيني وأنا أعرفك كما
أعرف نفسي ،دتغالب في الدنيا وهى دتغالب فيك ،تغير موقفك بين لحظة ودأخرى ،مرة
يمين ومرة شمال ،محتار ما بين مبادئك وتطلعاتك ،تريد الجمع بين النقيضين الشرف
صعب يا صديقي ،نصحتك بأن تختار إحداهما ليمكنك الستمتاع بحياتك
والثاروة ،،،ع
،،،عمرك وعنفسك قصير يا رضا ،وحبك لولدك وخوفك عليهم هو نقطة ضعفك ،،،
انسحبت من معارك حين أوشكت علي النتصار فيها ،كنت تساوم من أجل عسلمتك
مع أقل تهديد ،تبدى الكثاير من الشجاعة ،وبل سابق إنذار ،تتصرف كما الجبان ،،،
وكتابك الخير عن الجماعات الباطنية والديانات السرية كاد أن يتسبب في مقتلك لول
تراجعك المفاجئ والدمهين عن أفكارك ،رفضت نصيحة كل من حولك بعدم طبع هذا
الكتاب ،حتى عتصور الجميع أنك لن تتراجع هذه المرة حتى لو كلفك ذلك حياتك! ،،،
هل يمكن أن يبيعني رضا بالمال بعد كل ما فعلته من أجله؟ ،ل أظنه يفعل فهو يعرف
مدي سطوتي وعاقبة غضبي ،ويعرف بأني سأعصف به فو ارا ،لحظة أن أحسبه يشكل
خط ار علي مصالحي.
----------
200
جمعت عدم الرغبة في دراسة الطب ،بين إبراهيم سالم ورضا جلل ،فمع حلمه
الكبير بدنيا الصحافة اضطر رضا لدخول كلية الطب بناء على رغبة والده الذي أفنى
عمره يعمل تومرجياا بالوحدة الصحية بقريتهم عشعرعباص بمحافظة دمياط ،فقد دأب والده
على أن يلقى على مسامعه ،ليل نهار ،بأمنيته العظيمة في أن يراه طبيباا ،يحمل له
الحقيبة كما حملها لعشرات الطباء الذين عمل معهم.
قضي فترة تدريبه كطبيب امتياز بمستشفى فارسكور المركزي وعمل بعدها
كطبيب تكليف بالوحدة الصحية بقريتهم ،لم يعر الطبيب الشاب ،من قبل أو من بعد،
إنسان سعيد كأبيه ،يمشي بجواره يجوب شوارع القرية مبتسماا ،يلقى التحية على كل من
يقابلهما في الطريق ،حتى لو كان طفلا صغي ار ل يعيرهما أدنى اهتمام.
رحل والده ،بعدما عاش ،بضعة أشهر ،في سعادة ونشوة أنسته ستة عقود من
الفقر والمعاناة ،فلم يكذب عخبر ،استقال من و ازرة الصحة ،وقرر العمل بالصحافة.
وبعد كفاح مرير استطاع الطبيب السابق تثابيت أقدامه في مهنة المتاعب ،وبعد
فترة ليست بالقصيرة ،أظهعر كرامات وموهبة دفعته للصفوف المامية بجريدة الهرام،
ولنه من يومه وسيم وذكى ودمشاكس وملحب للقاهرة وصخبها احتضنته العاصمة ،فأقام
بها عدة سنوات شهدت صولته وجولته في الحب والعشق ،وفى لحظة لم يتوقعها شعر
بالضيق والعملل من حياته الدمنفلتة ،فتزوج بفتاة جميلة من نفس قريته ،ولحسن حظه
كانت تعتبره أعظم هدية منحتها لها الحياة ،وليضمن حياة قاهرية آمنة ،قرر أن دتقيم
أسرته بمدينة دمياط الجديدة.
----------
اندمج إبراهيم فى مراجعة كل الحتمالت التي جالت بخاطره ،فمنذ الطاحة
بعائلتي السويسي والجابري ،يراوده هاجس غامض بأن هناك مجهولا يترقبه ليتحين
الفرصة ليدمره ويستولى على أمواله.
معد يده بشكل آلي وتناول فنجان القهوة ،وعندما هم برفعها نحو فمه انتبه إلى أن
الخادم ما ازعل واقف ا في مكانه ،ينظر إليه ويبتسم بهدوء وثاقة ،ارتبك قليلا ثام تعمد أن
ينظر بقوة في عيني الخادم وقال في حدة.
-إيه؟ فيه إيه؟ خلص ،شك ار على القهوة.
200
-العفو يا أفندم.
وضع الفنجان على المنضدة ببطء وأخذ نفس ا بطيئ ا ليهدئ من توتره وأضاف.
-لماذا تنظر إلى هكذا؟.
وهو يثابت عينيه في عيني إبراهيم قال في تعالل.
-سعادتك شرفتنا عبدري فأحببت أن أعرفك بأن موعدك سيكون في تمام التاسعة وبأن
النظام هنا ديعحبتم أل يفارق الضيف مكانه أبدا لحين بدء الجتماع.
لمح الدهشة ترتسم على وجه الضيف ،فابتسم وأكمل حديثاه.
صحف والمجلت وأيض ا يمكنك مشاهدة
-لن تشعر بالملل فهناك في المكتبة كل ال د
التلفزيون.
وقبل أن ينتهي من حديثاه انحنى للمام قليلا ثام استقام بشكل ملحوظ وأخذ
يتراجع للخلف وهو يشير إلى صدره بسبابته اليمنى وقال باستظراف.
-وأنا هنا للبى طلباتك.
ثام أضاف سريع ا وبجدية واضحة.
-فقط ل تتجاوز هذا الصالون.
توترت أعصاب إبراهيم وتملكته الحيرة ،قال في غضب.
-كيف هذا؟ الدعوة حددت الموعد فى الساعة السادسة صباح ا والن أنت تقول أن
الجتماع في التاسعة! وأل أبرح مكاني! ،وكأنك تتوقع مني اللتصاق بالمقعد لثالث
ساعات ،للعمـَ؟ أين نحن؟ في رئاسة الجمهورية ،أم في أمن الدولة؟!.
تبددت علمات الثاقة من وجه الخادم وارتعشت عضلت وجهه بسرعة خاطفة
وبدا أنه يبذل مجهودا للسيطرة على إرتباكه ،قال من بين أسنانه.
-أية خدمة دأخرى يا دكتور إبراهيم؟.
قال ذلك واستدار قاصدا سلم الفيل الداخلي ،ومع اشتعال أعصاب إبراهيم فقد
تمكن من السيطرة على نفسه وقرعر أل يستفز هذا الرجل العصبي مجدداا ،فحتى هذه
اللحظة هو ل يعرف عمن يكون أو لدى عمن عيعمل ،نادي على الرجل باحترام.
-لو سمحت ،ل تغضب منى ،فقط أريد أن أعرف أين أنا ،وماذا يجرى هنا؟.
ل.
ثام استدرك متسائ ا
200
-كيف عرفت اسمي ومهنتي؟
توقف في مكانه ثام التفت ببطء ليواجهه بوجه جامد ونظرة باردة وقال.
-بسيطة ،أنت وقعت في دفتر الحضور على البوابة ،ثام أن النظام هنا يقضى بأن
يطلعنا الرجل الكبير ،قبل المقابلة ،على بعض المعلومات الشخصية عن الضيف
لنستطيع العمل على خدمته وعلي راحته.
قبل أن ينتهي من كلمه كان قد اتجه نحو السلم وصعد درجاته ليقف علي
طرقة الدور العلوي مستندا علي سور السلم مثابتا نظراته الجامدة على إبراهيم المندهش.
لم يقتنع بما سمعه ،ولكنه تيقن من أن الخادم عتعمعد أن يزيد من حيرته ،فاكتفى
بالصمت والنظر نحوه في غيظ وحنق ،عندما اشتم رائحة أعصابه قام من مكانه عاقدا
يديه خلف ظهره وأخذ يتجول في المكان ،ينظر للسقف تارة ويتأعمل السجاد تحت قدميه
تارة أخري ،فلفت انتباهه أن الصالون بدا جديدا وكأنه أول من جلس فيه ،ومع هذا
فالسجاد يبدو قديما رغم نظافته ،ومع بساطة الملحوظة إل أنها زادت من تخوفه من
تلك المقابلة ،فراح يمعن التفكير فيما يمكن أن يواجهه فى هذا المكان ،فخبرته في دشغلة
الثاار علمته أهمية التروي والتفكير العميق ،وأكسبته ملكة سرعة البديهة والقدرة على
ف الحاسم فى الوقت المناسب ،مع ضرورة المجازفة والمخاطرة عند اللزوم.
التصر د
مع مرور الوقت ،وكما هو متوقع منه ،بدأ يشعر بالثاارة التي افتقدها منذ
شهور ،أنعشه هذا قليلا ومع ذلك لم يستطع التخلص من بعض الهواجس التي ما
انفكت تهاجمه من حين لخر ،خاصة بعدما سيطر عليه شعور غير مريح بأن هذه
المقابلة ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبله ،وراح عيسترلجع ما كان يعتريه من مخاوف أثاناء
مغامراته في عالم تجارة الثاار ،فكثاي ار ما حدثاته نفسه بأن هناك شخصيالت هامةا في
البلد تتحكم من خلف الستار في تلك الدشغلة الدمربحة جداا ،ولكنه لم يمتلك دليلا على
توقعاته تلك.
على الرغم منه ،اضطربت أفكاره و مشاعره ،فمع الثاارة تنامي بداخله خوف
حقيقي وقلق خبيث على ثاروته ،وأيض ا على اسمه وسمعته ،فألقى بجسده على المقعد
وقبل أن يلمس نعفسه شيرء من اليأس لجأ للحيلة التي يتقنها ويلوذ بها للتخلص من
200
القلق والتوتر ،أحلم اليقظة ،حيث يصول ويجول ويدمر أعداءه ،ليخرج دائما سالما
غانم ا في جميع ما ينسجه في خياله من أحداث ومواقف.
اندمج في حلم مثاير وأخذ ديرتب أحداثاه ضمن سيناريو يحقق فيه انتصا ار ساحق ا
على كل أعدائه ،أحعس بعقله يتخفف قليلا من القلق والتوتر ،وهدأت أعصابه بعض
الشياء ،مدد ساقيه وعقد يديه خلف رأسه ورجع بظهره ورأسه للخلف ،أغمض عينيه
ليشاهد الحداث التي يعيشها تمر بذهنه كفيلم مثاير ،حين شعر بنشوة النتصار تثااءب
وفتح عينيه فلمح الخادم ،مازال بمكانه ويحدق فيه ،سدد إليه نظرة قوية ،لم يرمش
للخادم جفن وحين انفرجت أساريره عن ابتسامة ثاقة لم يعد لدي إبراهيم أدنى شك في أنه
موجود بمكان هام وحساس.
تجاهله وقال في نفسه ،ليكن ما يكون ،بكثايره ساعة ويتضح كل شيء ،ثام عمعد
يده وتناول جريدة الهرام وراح يتصفحها في محاولة لتجاهل عيون الخادم المصوبة
نحوه باستمرار ،وكأنه يتعمد أن ديفهمه بأنه دمراقب ععن عكعثاب ،فكلما تلقت العيون كان
الخادم يتعمد أن يتحداه بنظرات قوية ،أزعجته بالفعل.
مرت به الدقائق ثاقيلة متوترة إواذا برجلين يشبهان الخادم الول يتقدمان ناحيته
بثابات ،لحظة وظهر من خلفهما رجلن ما أن لمحهما حتى عهب واقفا مأخوذا بتلك
المفاجأة ،فحتى هذه اللحظة كان يعتقد أنه مدعوو بمفرده لهذا اللقاء.
كان النجار وعيد يتبعان الخادمين وعيونهما تتجول حائرة في المكان تتفحصه
في دهشة وقلق تفاقما بسرعة حين وقعت أعينهم على إبراهيم الذي وقف متجمدا في
مكانه وعلى وجهه علمات الحيرة والشك.
في صمت اقتربت أجسامهم ،ولفحت أنفاسهم وجوه بعضهم البعض ،تشابكت
اليادي في ترحيب متوتر ،وتبادلت العيون سؤال عجزت عقولهم في تلك اللحظة عن
إجابته ،،،ما هي الحكاية؟.
----------
مصطفى النجار وعيد الهللي يشكلن مع إبراهيم سالم أهم لحلف في دنيا تجارة
وتهريب الثاار في عبر مصر ،النجار في الصل دمعدلرس لغة إنجليزية بمدرسة طلخا
200
الثاانوية للبنين ،وسليل عائلة عريقة ،ولجادته اللغة ولوسامته وهيبة طلعته ،وبالطبع
لنفوذ عائلته ،كان ضمن أول فوج من مبعوثاي و ازرة التربية والتعليم للتدريب بإنجلترا.
بعد عودته من لندن ،ولسبب غير معلوم ،تغيرت أحواله وتبدلت طباعه ،وبات
ل يفكر إل بالمال والنفوذ ،في البداية اقتحم مجال تجارة الراضي والعقارات وحقق في
ذلك نجاح ا ملحوظاا ،وحدث أن تعرف على الحاج عيد الهللي ،من كبار ملك
الراضي الزراعية بمنطقة البراري بمحافظة كفر الشيخ ،ولم يجد عيد صعوبة في
استدراج صديقه الجديد لدشغلة تجارة الثاار التي تورط هو فيها من قبل على يد صديقه
غنيمة باشا ،الضابط الكبير بمديرية أمن كفر الشيخ.
ولحظهما السيئ تعثا ار في نصاب شهير في الدشغلة ،الدكتور هيثام بدر ،خبير
الثاار ،وكادا أن يخس ار كل أموالهما على يده ،فقد حدث أن توسطا في بيع عدة تماثايل
أثارية ،وعرضا تصوير الدشغل ) مجموعة التماثايل الثارية موضوع الصفقة( على
الدكتور هيثام فأقر بأن الدشغل يمين ) يمين تعنى سليم أو أصلي في لغة تجار الثاار (
ضر ) أخضر تعني مليون دولر ( ،اعتبراها فرصة لن
وأعلن استعداده لشرائه بعشرة أخ ع
تعوض واشتريا الدشغل من أصحابه بثالثاة مصري ) مصري تعني مليون جنيه مصري
( ،وبعدما تععسلعم منهما هيثام عبدر مائة ألف جنيه ،قيمة الشرط
) مبلغ من المال ديدفع لخبير الثاار قبل أن ينتقل لمعاينة القطعة الثارية ويتم مصادرة
الشرط لصالح الخبير في حالة أن الثار دمقلد أو أنه لم يتمكن من الدخول عليه (
أطلعهما على حقيبة مكتظة برزم الدولرات ثام انتقل بصحبة رجاله لمعاينة الدشغل،
وبينما النجار وعيد يمنيان نفسيهما بالثاروة الهائلة ،أعلن هيثام بدر أن الدشغل شمال
) دمقلد ( ،عولعحببلك تمثايليته اتهمهما بتبديل الدشغل وهاج وماج ثام عفر وتركهما صرعي
لخيبة الرجاء.
مع الصدمة الشديدة ،لم عيهن عزمهما في تسويق الدشغل ،ومن دحسن الحظ أن
التقيا بإبراهيم سالم ،الذي اقتنع بالشغل بعدما أكد له صديقه ،رضا جلل ،أن الثاار
سليمة ،فسعى بإخلص لدي صديقه ،رجل العمال اللماني بيتر ،وباعه الدشغل بتسعة
أخضر ،تحصل هو منها على مليون دولر ونال صداقة النجار وعيد.
----------
200
في صمت وتوجس أخذ كل منهم مكانه وانشغل بمتابعة حركة العخدم في محاولة
لكشف حقيقة المكان ،دقائق واشتعلت أعصاب إبراهيم فقام من مكانه غاضب ا واقترب
من صديقيه ،مال نحوهما وهو يصوب نظراته لتلتقي بنظرات الخدم الجامدة وهمس
ل.
قائ ا
-إيه الحكاية بالضبط؟ كنت أتصور أن الدعوة لي بمفردي.
-وأنا مثالك ،واستغربت المر عندما التقيت مع الحاج عيد على البوابة.
قال النجار ذلك وهو ينظر إلي عيد الذي أكد على كلمه.
ازداد المر غموض ا فرجع بجذعه للخلف وقال.
-آه ،لو أن المر هكذا ،أعتقد أنه سيكون هناك آخرون.
قال عيد محاولا تهدئة إبراهيم.
-إيه يا سي إبراهيم؟ ،فيه إيه ،ما لك؟ ،ما اللي يجي يجي ،واجتماع اجتماع ،هو إيه
ى يعنى؟ ،أنت خايف من حاجة؟.
اللي هيجر ع
ثام وضع ييده على فمه وصمت قليلا وكأنه يتحدث إلي نفسه قال.
-صحيح ،يطلع إيه المكان ده؟.
قال إبراهيم وهو يفرك يديه في بعضهما البعض.
-أنا غير مطمئن لهذا المكان ول لهذا الجتماع.
قال عيد بتلقائيته المضحكة والمحببة لبراهيم.
-يا دكتور ،ما تطول بالك حبتين ،نخاف ليه ،أكيد صاحب المكان راجل من الكبار،
تعامل معنا من قبل عن طريق وسيط ،ويريد التعامل معنا وجه ا لوجله فعمل لنا حفل
استقبال كما في الفلم.
تعالت في المكان ضحكات يائسة ،ما لبثات أن تحولت إلى قهقهة مفتعلة ،وكأنهم
يحاولون تجاهل نظرات الخدم الذين اصطفوا بل حركة على بسطة الدور العلوي.
تبادلوا النظرات واليماءات لعلها تمنحهم شعو ار بالطمأنينة ،وعندما فقدت
نظراتهم معناها تواروا خلف ضحكات مجلجلة ومتقطعة ،لم تنجح في قمع ما يعتمل
بداخلهم من قلق وتوتر.
200
ضجر
ل ،فتحول ما بداخلهم من قلق وتوتر إلى شعور بال ع
مر بهم الوقت ثاقي ا
والغضب ،وفى محاولة للسيطرة على أعصابهم ،أخذوا يتبادلون أطراف الحديث حول
أحوالهم وأحوال أولدهم ثام ععرجوا على استعراض مشاريعهم وأحوالها ،ولكنهم لم يتطرقوا
أبدا لمواضيع دشغلة الثاار ،فمنذ فترة ويدعى كل منهم للخر ،وعلى عكس الحقيقة ،أنه
قد توقف عن أي نشاط في هذا المجال وتفرغ لمشاريعه الضخمة ولقتناص الصفقات
والتوكيلت التجارية ،وتقوية موقعه الجتماعي والقتصادي بالندماج في تنظيمات
الحزب الحاكم والنشاط السياسي.
والحقيقة أن كل واحد منهم كان يزاول نشاطه في الدشغلة خفية ،وهذا هو الشيء
المتوقع من كل من تذوق طعم أموال تلك الدشغلة المثايرة! ،فبرغم ما حققوه من ثاروة
وسطوة ،إل أن كل منهم ما زال يراوده المل في صفقة ضخمة ،ولذلك فإنه يحتفظ
دائم ا بعينيه في قمة رأسه شاخصة في كل التجاهات ،ويوجه أذنيه كما الرادار ليلتقط
صدفة ،فالدمحتمل لديه مؤكد
أية فرصة قد تلوح في الفق ،فتاجر الثاار ل يترك شيئا لل د
إلى أن يثابت العكس ,ينشر شباكه ،من الوسطاء ،لتغطى كل أرجاء البلد ،حتي ل
يفلت منه أي صيد ،ويمده الوسطاء بتقارير فورية بكل جديد في مجال الشغلة ،فكل
معلومة مهما بدت للخرين بسيطة لبد له من التعامل معها بجدية وبما يملكه من ذكاء
وخبرة.
مع محاولتهم لقهر القلق وكسر العملل ،كانت الدقائق ساكنة رتيبة ،ومع احتلل
ملمح الضجر والضيق لوجوههم الشاحبة ،حدث أن اقتحم المكان ثالثاة من الخدم،
وكأنهم دنسخ من هؤلء المرابطين على بسطة الدور العلوي ،تقدموا نحو الصالون،
بخطى ثاابتة ومن خلفهم ثالثاة من الضيوف الدجدد ،ما إن لمحهم إبراهيم حتى قال.
-ال ال ،الن اتضح كل شيء.
نهض عيد من مكانه ليرحب بالقادمين ،قال وهو ينظر لبراهيم.
-جالك كلمي يا دكتور؟ وال ده حفل استقبال.
تقدم عيد ومد يده ليحيى الضيوف ،جلس هيثام بدر وعبد المسيح وأم طارق دكلا
ع
في مقعده صامت ا مأخوذا بالمفاجأة ،وراح كل واحد من الحضور يتبادل نظرات
200
الستفهام مع فريقه ونظرات الشك والريبة مع الفريق الخر ،بينما اتجه الخدم ليصطفوا
بجوار زملئهم بالدور العلوي.
اخترق صوت إبراهيم المتوتر جدار الصمت ،الذي لف المكان ،واختلجت
عضلت وجهه وهو يقول.
-واضح أنه حفل استقبال ،بالضبط كما قلت يا حاج عيد.
تعالت ضحكات النجار وعيد وسط دهشة الخرين ،وعلى غير المتوقع قال عبد
المسيح بثاقة واستخفاف.
-واضح أن هذا اجتماع على مستوى القاعدة ،ما شاء ال كبار تجار الثاار مشرفين.
قاطعه عيد قائلا فى حدة.
صلى على المسيح يا أخي ،آثاار إيه وبتاع
-ما تصلى على النبي يا عبد المسيح ،ول ع
إيه؟ ،هو ده مكانه؟ ،دمش لما نعرف إحنا فين؟.
ثام قام واتجه نحوه وأضاف فى حنق.
-ول أنت عارف إحنا فين؟ ومن هو صاحب الليلة؟.
ثام التفت نحو إبراهيم وأضاف.
-الظاهر أن كلمك صح يا دكتور ،ساويرس ده غامض وحويط.
استخف الرجل بكلم عيد ،لكنه لحظ العشك في نظرات من حوله فقال.
-إيه الحكاية؟ ،والمسيح أنا مثالكم ل أعرف شيئا عن هذه الليلة ،لكن المسألة واضحة،
فطالما كلنا هنا فمن المنطقي أن يكون هذا الجتماع بخصوص النتيكه.
ثام ابتسم ونظر للحاج عيد وأضاف باستظراف.
-أظن أن كلمة أنتيكه أفضل من كلمة الثاار؟.
هجم عليه عيد وأطبق في خناقه وقال بغضب مكتوب.
-ل تنطق بالكلمة دي هنا ،أنت إيه؟ عبعجم.
لم يغضب ساويرس وحاول أن يضحك ،ولن النجار يعرف أن عيد يتحين
الفرصة لينال من ساويرس تدخل ليهدئ الموقف فقال.
-دممكن تهدأ أنت وهو لنتكلم مع بعض بصراحة يمكن نفهم ما نحن فيه؟.
فقالت أم طارق وكأنها تتحدث إلى نفسها.
200
-كنت أتصور أن ال ارلجل الكبير واحد منكم ،أو على القل شخصية تعرفونها.
وقف هيثام بدر وجال بنظره فى المكان ثام قال في توتر واضح.
-أنا غير مرتاح لما يحدث.
ثام نظر في ساعته وأضاف.
-الجتماع بعد ساعة ،ساعة ول نعرف شيئ ا عن صاحب الدعوة!.
مسح وجهه وشعره بيده اليمنى وقال في ندم وكأنه يؤنب نفسه والخرين.
-الغلطة غلطتنا كلنا ،المفروض أننا نتريث في مثال هذه المواقف ،ما كان يجب علينا
أن نحضر الجتماع ده إل بعدما نعرف حكايته إيه ،طبع ا كل واحد أخفى الخبر عن
الخرين معتقدا أنها صفقة جديدة ،لقد أطاح الطمع بعقولنا.
نظر للجميع شز ار ثام أضاف في غيظ.
طر على بال أي منا أن تلك الدعوة قد تكون فيها نهايتنا جميعاا؟!.
-ألم يخ د
خرجت الكلمة الخيرة من فمه كتنهيدة يأس واستسلم تراجع بعدها للخلف وألقى
بجسده على المقعد وأغمض عينيه وأخذ يهز رأسه يمين ا ويسا ار والتزم الصمت ،فانتقلت
منه عدوى الدتودجس والندم إلى الجميع ،وهذا متوقع ،فها هو أسطورة المغامرات
والشجاعة ينهار أمامهم ،وكان إبراهيم أكثار الحضور دهشة لحال الرجل فراح يسترجع
تاريخ هيثام بدر وهو ل يصدق أنه من كان يتكلم للتو.
----------
الدكتور هيثام بدر ،هو نفسه سيد الخضري ،صاحب ورشة لسمكرة السيارات
بمدينة دكرنس بمحافظة الدقهلية ،في الربعينات من عمره ،ضئيل الجسم ،ذكى لدرجة
مخيفة ،طموح إلى حد الجنون ،كان ميسور الحال ،ويتمتع بصحة جيدة وبزوجة جميلة،
ومع هذا لم يقنع يوما بمهنته ،كان يؤمن بأنه قد دخلق للفضل لول فقر عائلته الذي
حرمه من أن ديكمل تعليمه ،ويري نفسه أفضل من أناس من حوله قد حققوا الثاروة
والنفوذ ،وكان حلمه الكبير هو أن يصبح صاحب سلسلة معارض لتجارة السيارات وأن
يعيش حياة فاخرة.
حدث أن أقنعه شقيق زوجته بأن له صديق ا عثار أسفل منزله على تمثاال أثارى
يساوى مليين الجنيهات ،ولكن المشكلة أن الخبير طلب عشرط بقيمة عشرة آلف من
200
الجنيهات لكي يتحرك لفحص التمثاال وتسعيره ،كلمة مليين جعلته كالمخمور ،فسارع
من فوره وعفك شهادة استثامار باسم ابنه الوحيد ليدفع قيمة الشرط.
ضعر الخبير ،وكان في الحقيقة نصاباا ،كل ما يفعله ،هو والعشرات أمثااله ،أن
عح ع
يجلس على أية مقهى في منطقة نزلة السمان أو في شارع الهرم ،في انتظار صيد
ثامين ،ودائم ا ل ديخيب الطماع أمل النصاب! ،استقبلوا الخبير استقبال البطل الفاتح ،ثام
كانت الصدمة ،أخبرهم بأن التمثاال شمال ،ومن عجينة فرنسية ،ولتقان دوره أخذ ديعرلدد
جمل من عينة ،،،لتسعلم يد من صنعه ،،،ده لو كان يمين كان أقله يساوى سبعة
أخضر ،كان يتكلم وكل من حوله يشعر بالضياع.
لم ييئس أو يندفر من الدشغلة ،بالرغم من أنه كان ضحية لعدة مرات في مسلسل
النصب المستمر ،مسلسل تجارة الثاار ،حتي باع كل ما يملك واقترض بالربا ،لم يقلع
عن حلمه الذي سيطر عليه ،ولم يفكر فى ذلك فى أية لحظة ،أهمل عمله وأسرته،
ب ربوع مصر ،من أقصاها لدناها ،وكما يقال ،كثارة البكاء
وخلل سنتين كان قد جا ع
يعلم النوح ،قرر الرجل أن يمارس اللعبة لحسابه ،استأجر مكتب ا فخم ا بالقاهرة ،وأطلق
على نفسه الدكتور هيثام بدر خبير الثاار ،وبطريقة أو بأخرى تحصل على عدة آلف
من الدولرات ووزعها على مائة رزمة من الورق البيض وتم ترتيبها وبشرها بعناية،
فبدت في الحقيبة كثاروة طائلة.
انهمر عليه المال كالمطر ،في اليوم الواحد كان يخرج في عدة مشاوير أقلهم
بعشرة آلف جنيه ،نجح المر فاستخدم ععددا كبي ار من الوسطاء والشركاء ووزعهم
لبحساب على جميع محافظات الجمهورية ،منهم من يجمع المعلومات ،ومنهم من يبرمج
الضحية.
اقتنى سيارة دفع رباعي ،نيسان سوداء ،تخطف العقل قبل العبصر ،وخلل ثالث
سنوات أخرى أصبح من كبار رجال دشغلة الثاار في مصر ،وبات الحلم حقيقة وامتلك
الرجل عدة معارض لتجارة السيارات بالقاهرة وبعض المحافظات.
فاحت رائحته وبالطبع اشتمتها أجهزة المن ،ولكنه ،بذكائه وسخائه ،استطاع
ضبط نغمة القيادات المنية وبرمجة بعض الشخصيات الهامة ،ولم ديحرم مكتبه يوم ا
من الدرعتب العالية ،التي يطمئن لوجودها الزبون الذي آتى للمكتب وبيده كيس ورقى
200
يمتلئ بعدة رزم من فئة المائة جنيه ليودعها كشرط قبل أن يتحرك معه سيد أو أحد
رجاله حسب الشغل وقيمة الشرط ،ولكي يؤمن نفسه أشاع سيد أنه على صلة وطيدة مع
بعض الشخصيات التي تتقلد مناصب حساسة بالبلد ،وزعم أن درتبة كبيرة ،في أهم
جهاز حساس بالبلد هو الوسيط بينه وبين السفارات الجنبية ،التي يبيعها الثاار.
----------
200
ضج المكان بالضحك ،وما أصدق وأحلى ضحك الوقات الصعبة ،احمر وجه
عيد خجلا وأخذ يمسح ما تساقط من جبهته قطرات ،فهو يعلم أن الجميع يتذكر ويتندر
بحكايته مع مروة ،فمن أول نظرة شغف بها حب ا وكاد أن يتبعها إلي أي مكان تذهب
إليه ،كما يفعل صبيانها ،وعندما حكي للنجار عن إعجابه بها واحترامه لها اعتقد
النجار بأن الرجل قد نالها ولكنه يسعى لفتح حوار حولها ليحكى له عن لياليه الحمراء
معها ،والتي يعرفها النجار وغيره كثايرون ،وحدث أن فاتحه عيد بنيته الزواج منها،
فعرف النجار أنها لعبت على الرجل المتصابي وأخفت عنه حقيقتها ،وقص عليه ما
يعرفه الجميع عنها ،أسقط في يده وأقسم على النجار أن ل يفضحه ويخبر بالمر أحداا،
ولكن كيف للنجار أن يتكتم حكاية كتلك ،فكان كلما اجتمعت لشلتهم يبدأ السهرة
باستفزاز عيد بحكاية مروة ،ليقضوا السهرة يضحكون على طريقته الظريفة في الدفاع
عن نفسه وتبريره لما حدث ،فكان يكفى تذكيره فقط بالحكاية لينطلق هو في الكلم بل
توقف ،مرة دينكر كل الحكاية ،ومرة ديلقر بسذاجته ،بل ويشاركهم السخرية من نفسه ،كان
يتحدث عنها بكراهية واستهزاء ،ثام يعتريه هم عظيم وندم على ليالي طويلة جفاه فيها
النوم لشغفه بها ،نفس الليالي التي كانت هي تتلوى فيها تحت عشيق ثام تلقى به لتعتلي
آخر ،في نوبات من الشبق المجنون ،ذاقه الجميع إل هو.
----------
مروة من مدينة المحلة الكبرى ،وتعمل ممرضة بالمستشفى الجامعي بطنطا،
دخلت دشغلة الثاار عن طريق شقيقها ،الوسيط الشهير في تجارة الثاار بمنطقة الدلتا،
ولجمالها ولرشاقتها حدث أن استغلها شقيقها في نصب شباكه على الشباب الطامع في
الغنى السريع ،وقد ساعدها على حبك شخصية الدكتورة خبيرة الثاار ،صوتها الرخيم
وقدرتها على نطق بعض الكلمات والجمل باللغة النجليزية ،وكان هذا بالطبع دمبه ار
لشباب القاليم ،الذين يشكلون غالبية ضحايا وهم التجار بالثاار.
بفضل الطعام الجيد ،والملبس الفاخرة ،تحولت مروة من مجرد ممرضة شاحبة
اللون إلى هانم تشبه في طلتها نجمات السينما ،وقد أوقعت في شباكها بأستاذ للشعة
بكلية طب طنطا وتزوجته بعدما أغرقته في طمع امتلك الثاروة الطائلة ،والمدهش أن
هذا الستاذ الدكتور ،وعلى الرغم من امتلكه لمركز أشعة شهير بطنطا ،كان يرافقها
200
في جولتها بين المحافظات كمساعد لها ،بل وبلغ بهما المر إلي أنها تسافر بدونه إلى
محافظات الصعيد ومدن القناة لتغيب هناك ليام وأحيان ا لسابيع بصحبة عدد من
رجالها ،كانت تختارهم بعناية تبع ا لطبيعة المهمة التي تسافر من أجلها ،وكان أهم
مساعديها ،ومن أحب عشاقها إلي قلبها ،شاب مفتول العضلت يعمل كدمعدرب لكرة
القدم بنادي الحوار بالمنصورة ،كانت تقدمه لعملئها على أنه المقدم إيهاب بمديرية
آمن الدقهلية ،ومن مساعديها أيضا الشاب الوسيم ،ابن مدينة شربين بالدقهلية ،الستاذ
عحسن مدرس البتدائي ،وكانت تقدمه لضحاياها على أنه عردجل أعمال مصري من أم
كويتية ويمتلك عدة شركات بالقاهرة والمنصورة.
كانت واسعة الحيلة ونموذجا للنشاط والحركة الدءوبة ،لكن عتكدمن نقطة ضعفها
الخطيرة في شبقها الجنسي الرهيب ،مما كان يدفعها لبذل الكثاير من المال والجهد من
عأجل الحفاظ على فريق ععلفدي من العشاق القوياء بالقرب منها ،وقد أوقعها هذا في
مشاكل كثايرة ،أحرقت أعصابها وأهدرت الكثاير من وقتها وأموالها ،مما منح غريمتها ،أم
طارق ،الفرصة تلو الخري لختراق مجموعتها واقتناص عدة صفقات ناضجة من بين
يديها.
----------
دقيقة وفتر الضحك وتحول لسعال دمتقطع ينتهي بآهات عميقة ،،،آه يا أنا،
آهههه ،،،آه يا با ،،،آهههه .تمخط هيثام ومسح دموعه ثام تنهد وقال.
-ل أخاف إل من البوليس ،مع أنى شغلت تحت يدي درعتبا كبيرة ،إل أنى ل أحبهم ول
أثاق فيهم ،دكنت أخشى أنهم يعاملونني كما يتعامل أحدهم مع الدمرشد ،يستخدمه
لصالحه ،فلوس ،قضايا ،نسوان ،وفى لحظة يتخلص منه.
وكأنه وجد ضالته هز رأسه وأضاف في ثاقة.
-فخامة المكان ده ل تعددل على أنه يتبع البوليس.
سكت عن الكلم ثام أشار برأسه وعينيه نحو العخدم وقال.
-وهؤلء ،واقفون هناك انتباه وعيونهم مصوبة نحونا باستمرار ،وهذا يؤكد أنهم ليسوا
من الشرطة ،وطالما نحن بعيدون عنها فل داعي للخوف.
200
ضحك النجار عاليا فرمقه الجميع في دهشة ،تجاهلهم وأخرج منديلا ومسح
طب
عينيه ووجهه ،وقال لنفسه مستنك ار مايسمعه ،،،هيثام بدر يخاف من الشرطة! ع
ل؟!.
اللواء شريف كان إيه ،محامي دخلع مثا ا
----------
اشتهر هيثام بأنه دشجاع لدرجة الجنون ،مقدام ل يخشى الموت ،قبل كل عملية
يتنادى هو ورجاله بجملة – هيا بنا لدينا موتة اليوم ،وبالفعل كانوا يتوقعون الموت مع
كل عملية عنصب كبيرة يقومون بها ،ويحكى عن جرأة هيثام ورجاله حكايات تبدو
كالساطير ،ولعمـَ ل ،وحكاية عنصب هيثام بدر على مدير أمن ،إحدي محافظات
الصعيد ،تبدو كحدوتة من الخيال.
اهتدي إلي مقبرة منهوبة بإحدي محافظات الصعيد ،وكما فعل من قبل ،وضع
بالمكان عدة تماثايل شمال ،مختلفة الحجام والحجارة ،ونجح رجاله في برمجة زبون من
رجال العمال الصاعدين فى دنيا المال والتجارة ) برمجة الزبون تعني إغراءه
بالمكسب الكبير إواقناعه بجدية المر ( ،ولكي يتأكد من أصالة الدشغل ويبحث عن
مشتلر ،تردد الزبون على مقاهي النزهة وشارع الهرم ،بطريقة تبدو طبيعية تقابل مع هيثام
بدر والذي أكد له أن هذا الدشغل يبلغ ثامنه عشرين أخضر ،وبأنه على استعداد لشرائه
فو ارا ،وبطريقته الشهيرة سيطر على الزبون تماماا ،وذلك بأن عرض عليه حقيبته
المنتفخة بدرعزم الدولرات ،فلم عيدعد لدى الزبون أدنى شك في أنه على وشك اقتناص
صفقة كبيرة ،ولحماية نفسه من تبعات تلك الدشغلة المجهولة بالنسبة له ،قرر أن ديشلرك
فى المر صديقه اللواء شريف ،مدير أمن المحافظة التابع لها مكان المقبرة.
عتحعمس اللواء لنهاء الصفقة ولكن بطريقته الخاصة ،ضغط بكل نفوذه على
أصحاب المقبرة حتي تنازلوا له عنها مقابل مليون جنيه وقام بنقل الدشغل إلى شقته
بعاصمة تلك المحافظة .كانت مفاجأة دمرلعبة لهيثام بدر ،أن الليلة دخلها مدير أمن
معروف بشراسته وجشعه ،حضر اللواء وطلب من هيثام أن يفي بوعده ،ولم يكن أمامه
أدنى فرصة للتراجع ،ذهب مع اللواء لشقته وأخذ يستعرض معه القطع الثارية ،وأكد
على صحتها وقال أنه سوف يشتريها بعشرة أخضر ،اختلف الرجلن على الثامن وأخي ار
اتفقا على خمسة عشر مليون دولر.
200
تحدث بالهاتف ،ثام أكد للواء الملهوف ،أن الموال قد تحركت بالفعل وسوف
تصل بعد ثالث ساعات بالضبط ،طغت السعادة على اللواء فأمر للضيوف بجبل من
الكباب والكفتة ،وعندما لحظ توتر هيثام بدر سأله.
-لماذا أنت متوتر هكذا؟.
-أخشى كمائن الشرطة على الطريق؟.
-أنا الحاكم بأمري هنا ،ول أعمل حسابا لحد ،حتى لكبر رأس في البلد.
-الحمد ل ،إن شاء ال ربنا يتمم علينا بخير.
راح اللواء يتناول القطع الثارية وعيتفحصها ويبدى دهشته من روعة ودقة
صنعها ،ثام يستفهم من الخبير ،هيثام ،عما هو مكتوب عليها وعن قيمتها التاريخية،
يضع قطعة ويحمل غيرها ،وهكذا ،وبعد فترة قال هيثام.
-سأذهب لنتظر سيارة الفلوس على حدود المحافظة ،ساعة واحدة فقط وأعود
لسيادتك ومعي الخير كله.
-سيارتي تحت والسائق هيوصلك لي مكان تريده.
ل.
عاد بعد ساعتين فوجد اللواء غاضباا ،وقبل أن يجلس في مكانه عاجله قائ ا
-هي إيه الحكاية يا دكتور؟ ،فين الفلوس؟.
لم عيدرد ،فاقترب منه اللواء وقال ببطء وقوة.
-لما أسألك ترد علي ،فين الفلوس؟.
قال في عتحدد.
-بصراحة ،ذهبت لتحدث مع شركائي ،وفوجئت بهم يرفضون الشغل ،فبعدما أعادوا
فحصه اكتشفوا أنه شمال.
صاح فيه اللواء.
-نعم يا روح دأمك ،أنت تخسرني مليون جنيه!؟ ده أنا كنت أدفنك بالحيا.
تهديد ووعيد من طرف اللواء وعتحد وثابات من جانب هيثام حتى عنفععذ صبره فأخرج
من جيبه إسطوانة مدمجة ) سي دي ( وقال في حدة.
-انتظر سيادتك ،شاهد هذه السطوانة ،وبعدها هدد كما تريد.
200
دارت به الدنيا ،فقد سجل هيثام كل ما دار بالشقة بالصوت والصورة ،انهار على
المقعد وهو يحاول أن يتخلص من رابطة العنق ويفتح أزرار قميصه ليستطيع التنفس،
فقال له هيثام بدر وهو يهم بمغادرة الشقة.
-على فكرة رجالي في طريقهم للقاهرة ومعهم عدة دنسخ من هذه السطوانة ،لو أصابني
مكروه أنت تعرف ما سوف يحدث.
تركه هيثام يستجمع أشلء عقله المبعثارة ،وحمد ال على نجاح خطته الجهنمية،
فقد صور اللقاء بكامي ار سرية ،في شكل قلم وضعه بجيب قميصه ،وعندما ذهب
لستقبال سيارة الموال ،قام رجاله ،الذين كانوا في انتظاره على حدود المحافظة ،بعمل
عدة نسخ من التصوير ثام عادوا أدراجهم إلي القاهرة ،وعاد هو ليقمع اللواء ويسكته
للبد.
----------
أطاح مرور الوقت بمعظم التوتر لدى الضيوف وأخمد الكثاير من هواجسهم فعادوا
للحديث عن ذكرياتهم ،منهم من بدأ فى عتاب رفيقه ليصفى خلف ا قديم ا بينهما ،وهناك
من انشغل بسيجارته ،يتأملها بين أصابعه وهي ترتفع نحو شفتيه ،يشفطها بقوة،
فيستطيل وجهه ،ثام تنتفخ أوداجه فتخرج من فمه سحابة من الدخان ،يتأملها وهى تتلوى
لتأخذ أشكالا مختلفة ،وقبل أن تختفي يتبعها بسحابة دأخرى.
مد كل منهم يده وتناول ما رغبه من شراب وانشغل بتناوله ،وبالفعل أصبحوا
أكثار هدوءا وثاقة ،ولكن ما إن تقع عين أحدهم على الرجال ،المنتصبين على سور
بسطة الدور العلوي ،حتى تراوده الهواجس مرة دأخرى ويعيد ضبط جلسته على المقعد
وهو يجول بنظره بين زملئه ،ليتفادي نظرات الخدم الباردة ،ويحتمي برفاقه.
مع أن كل منهم كان يرتدى ساعة باهظة الثامن ،إل أنهم جميعاا ،وفى نفس
اللحظة ،انتبهوا لوجود ساعة حائط أنيقة في مواجهتهم ،راحوا يراقبون حركة عقرب
الثاواني متجاهلين عقرب الدقائق البطيء بشكل ل يحتمل ،وحين انتصب عقرب الدقائق
عمودي ا على عقرب الساعات انطلقت دقات رتيبة تداخلت مع خفقات قلوبهم ،لتعلن
تمام التاسعة.
200
في نفس اللحظة دلف من الباب شخص مهيب الطلعة ،تقدم في ثاقة وثابات نحو السلم
الداخلي متجاهلا الضيوف ،حين لمحه العخدم دبت فيهم الحركة وانفرجت أساريرهم عن
ابتسامة تدل على الحب والحترام ،فتيقن الضيوف أنه صاحب الدعوة فراحوا يتأملونه
في حيرة.
كان الرجل ملفت ا للعنظر ،شعره أسود كثايف تتخلله في انتظام شعيرات بيضاء ،مما يوحى
بأنه في نهاية العقد الخامس من عمره ،بشرته الوردية تدل على رعغد العيش ،هامته
المرفوعة وخطواته الواثاقة تبوح بالسلطة والنفوذ ،ويشهد جسده الممشوق طولا وعرضا
بأنه شخص رياضي.
ارتقي درجات السلم ،دون أن يعير اثانتي عشرة عينا تحدق فيه أدنى اهتمام،
ألقى التحية علي رجاله وصافحهم فردا فرداا ،فبدت عليهم علمات الرضا والمتنان.
تبادل الضيوف نظرات بها الكثاير من الدهشة والغضب ،وقبل أن ينطق أحدهم
ليعلق على ما يحدث ،اقتحم المكان سبعة رجال ،يشبهون تماما هؤلء المرابطين على
بسطة الدور العلوي ،واصطفوا في صمت مهيب خلف الضيوف مباشرة ،فراح الضيوف
يقلبون وجوههم لعلي وللخلف ،وهم يتبادلون نظرات الستفهام.
لم يعد لدى إبراهيم سالم أدنى شك في أنه في حضرة الحكومة ،فشد جسده ورجع
ل ،فى محاولة للتغلب
بجذعه للخلف ،ساندا ذراعيه علي ظهر المقعد ،وتثااءب طوي ا
على الهواجس التي أخذت تضرب عقله من جديد ،وقرر أن يستسلم للحداث وليكن ما
يكون ،وتعمد أن يلتزم بالصمت حتى ل عيشعر الخرون بما يعتلمل بداخله من قلق
وتوجس ،فهو ل يعلم أن ما يجول بذهنه كان ،فى نفس اللحظة ،يطرق رءوسهم ،وأن ما
يشعر به كانت تضيق به صدورهم.
----------
كان إبراهيم ينظر لساعة يده تارة ويفركها بيمناه تارة ،محاولا التخلص من
مشاعر خبيثاة أخذت تتصاعد بداخله ،نفس ما كان يفترسه ويفتك بأعصابه من مشاعر
أيام المتحانات الشفوية بكلية الطب ،مما كان يشعره بالضياع ،لقد كاد أن يكره نفسه
ويترك الكلية بسبب معاناته المريعة مع تلك المشاعر الكريهة.
200
تحرك أحد الرجال السبعة من خلف الضيوف وأحضر من نهاية الصالة مكتبا
صغي ار ومقعدا ووضعهما في مواجهة الضيوف ،وهبط السلم بسرعة خادم آخر ليضع
على المكتب فنجان ا من القهوة وزجاجة مياه معدنية ،ثام التفت نحو الضيوف وقال
بجدية لم تخفف منها ابتسامة حاول أن يرسمها على وجهه.
ي منكم شيئاا؟.
-هل يريد أ و
طلبوا مااء بارداا ،فكمية العرق التي تصببت منهم خلل الدقائق الخيرة كانت
كافية ليشعروا بالعطش الشديد.
ما كادوا ينتهون من إرواء ظمئهم وتجفيف وجوههم من العرق ،حتى فوجئوا
بالرجل المهيب يرتكن بيديه علي المكتب وهو ينظر إليهم في استعلء ،ومن خلفه يقف
ثالثاة رجال ،ل يقلون عنه هيبة ووقا ارا ،بيد كل منهم ملف تبرز منه بعض الوراق،
وضعوها بنظام على المكتب ثام تراجعوا لمكانهم في لمح البصر.
ساد المكان صمت رهيب وتركزت العيون الحائرة على الرجل ،ألقي تحية
صعفح الملفات بسرعة عوسط
الصباح ثام رحب بالضيوف ،كلا بلقبه وباسمه ،ثام عجلس عيت ع
صمت ل يقطعه إل صوت النفاس المتسارعة وحفيف حركة صمت الجليل ،ع
عحالة من ال ع
اللرقاب وهى توجه العيون لتدعحلدق في ذلك العشخص العملهيب بنظرات مندهشة ثام ترتد
لدتلقى لبعضها البعض بتساؤلت حائرة.
أغلق الملفات ،وبحركة سينمائية ،عخبط عليها بيمناه وهو ينظر مبتسما
للضيوف ،ثام ارتكن على المكتب بكوعيه وعغطى قبضته اليمنى بيده اليسري وأسند
عليهما ذقنه ،راح يتفحص الضيوف بنظرات بها من الود ما لم يكن يكفي للتغطية على
ما بها من صرامة واستعلء.
شبك ذراعيه أمام صدره ،وقام من مكانه ليقف فى مواجهتهم ،ارتكن بمؤخرته
على حافة المكتب ،وحين اطمأن لثابات وقفته ،ارتكز على الساق اليسري وثانى من
أمامها الخرى لتستند مقدمة فردة الحذاء اليمني على رخام الرض ،ثام قال.
-نعرفكم جيداا ،ونعرف عنكم ما قد ل تعرفونه عن أنفسكم ،والن سأقول لكم عمن نحن
ولماذا دعوناكم لهذا الجتماع.
اعتدل في وقفته وأرخي ذراعيه بجواره ،واحتلت وجهه علمات الحزم وقال.
200
-عنحن لقسم السيطرة والتوجيه المعنوي بأهم جهاز أمني بالدولة ،ومعكم اللواء حمدي
الجمال مدير القسم ونائب رئيس الجهاز.
حاول كل واحد منهم أن يبلع ريقه ،وعندما لم يجد ما يبلعه مد يده ،وهو ينظر
إلى اللواء ،وتناول جرعتين من الماء ثام تنحنح وهو يخطف نظرة يائسة لرفاقه.
تابع اللواء الجمال حديثاه.
-لقد أسديتم إلينا خدمات عظيمة ،صحيح أن ذلك كان دون قصد منكم ،ولكن كنتم
عند دحسن ظننا بكم ،وأديتم مهمتكم بنجاح لسنوات ،لكن في الفترة الخيرة لحظنا
انحسار نشاطكم وخمود همتكم ،وقد يكون ذلك أيض ا بدون قصد منكم ،ولهذا فكرت في
هذا الجتماع ،لنتكلم مع بعضنا البعض ،ولدنعحلول خدماتكم لنا ،والغير مقصودة ،إلى
فعل دمعخطط ودمنظم.
عسكت اللواء عن الكلم ،وأخذ ينتقل بنظراته من ضيف لخر ببطء وكأنه
يستمتع بما يبدونه من علمات القلق والحيرة ،ثام تقدم خطوات وعقد يديه من خلف
ظهره وبدأ يدور من حولهم وهو يتابع خيال الضاءة على مقدمة حذائه ،ثام قال.
-كل منكم عملدين لنا بما حققه من ثاروة ومكانة في المجتمع ،لقد ساعدناكم كثاي ارا ،بل
وتدخلنا لحماية إوانقاذ بعضكم من الوقوع في قبضة الشرطة.
وكأنه يعرف ما يدور بأذهانهم ،تنهد وأضاف.
-وكأني أسمع أحدكم يتحدث إلي نفسه متشككا فيما قلته ،وهذا حقه ،فقد ل يعرف
بعضكم أنه في يوم الثانين ،الثااني عشر من يونيه لسنة 2000م ،وفى تمام الساعة
الحادية عشرة مسااء ،أوقف كمين للشرطة على طريق القاهرة الزقازيق سيارة رقم
} 212100ملكي القاهرة {.
توقف خلف الدكتور إبراهيم وانحنى ليقترب من أذنه وسأله.
-أظنك تعرف هذه السيارة يا دكتور؟.
لم ينتظر الرد ،وواصل تحركه خلف الضيوف واستمر في حديثاه المثاير.
ى نادرر ،ل أعرف
-لم عيدكن الدكتور في السيارة بمفرده كان في حقيبة السيارة تمثاال أثار و
كيف أصف لكم كيف كان حاله حينئذ ،ارتبك بشدة عندما أقدم الضابط على تفتيش
السيارة ،اعتقد أن هناك من أبلغ عنه فأسقط في يده ،ولرتباكه الشديد تأكد الضابط من
200
أنه سوف يجد ممنوعات بالسيارة ،ترجل الدكتور وتحرك يائسا وقبل أن يهم بفتح حقيبة
السيارة ،هرول جندي نحو الضابط وناوله جهاز اللسلكي ليتحدث مع مدير أمن
الشرقية الذي طلب منه التوجه فو ار لمدخل مدينة الزقازيق لمرافقة سيارة المحافظ في
طريقها لمبنى المحافظة ،انطلقت سيارة الكمين بالضابط وجنوده وأفلت الدكتور بجلده
وبالتمثاال.
ابتسم وهو ينظر لبراهيم فى دهشة ،ثام واصل حديثاه.
-ليس هذا فقط ،بعدما عسلم التمثاال للمشتري فوجئنا به يعود من نفس الطريق ،يقود
سيارته بمفرده ومعه عشرة مليين دولر ،تعجبنا لجرأته ،كنا نعرف أن قلبه ميت ولكن
ليس لهذه الدرجة ،المهم أمنا له الطريق حتى وصل لمأمنه.
انعقد لسان إبراهيم من المفاجأة ولكنه وبل تفكير عرعمق اللواء بنظرة تحدى ،وكأنه
يستخف بما يسمعه ،عفهم اللواء فحوي نظرات إبراهيم فرمقه في غضب وقال.
-ل أصدق أنك قد نسيت تلك الواقعة يا دكتور.
عشد شدقه اليمن ليرسم على وجهه نصف ابتسامة ،ثام قال في استخفاف.
-طبع ا فاكر ،وهل هذه واقعة تنسى؟.
لم يهتم بما قاله إبراهيم وواصل حديثاه للضيوف فقال.
-تلك كانت العملية الثاانية التي نجح فيها الدكتور بعد العديد من المحاولت الفاشلة.
----------
عن طريق البازار ،عتقعرب إبراهيم من بعض تجار الثاار فجذبه عالمهم الدمثاير،
وعرف منهم وعنهم ما مله رغبة في دخول هذا المجال الغامض ،وكأي دمستععجد فى تلك
الدشغلة ،كان ضحية لعمليات عنصب مدهشة ،فى إحداها كان قد تلقى مكالمة تليفونية
ف أنه
صد ع
من مجهول تحدث معه بحذر ومسكنة وقال ،إنه عرب أسرة فقيرة من الفيوم ،ع
وجد أسفل منزله زلعة بها حوالي خمسة كيلو جرامات من العملت الذهبية القديمة ،وأن
هناك من نصحه بالتصال به.
مأخوذا بالمفاجأة ،أسرع في اليوم التالي إلي الفيوم ،وفى عمصلى على شط
ترعة ،تقابل مع ثالثاة رجال ،يوحي ظاهرهم بالفقر والعجهل ،أدوا سوي ا صلة العصر
جماعة ثام أقسم أحدهم على أن يتناولوا الطعام سوياا ،ليكون بينهم عيش وملح ،وبعدما
200
تناولوا الشاي أقسموا جميعا على المصحف بأل تكون بينهم خيانة ،ثام عرضوا عليه
واحدة من العملت مؤكدين له علي أنهم يبيعون ما معهم كعذهب وفقط.
توجه من فوره إلى أحد أصدقائه المشهود له بالكفاءة والخبرة في تقييم الذهب
القديم ،فأكد له أن العملة من الذهب القديم ،وأخبره بأن الجرام منها ثامنه ثالثاة آلف
دولر ،وكان ثامن الكيلوجرام من الذهب في تلك الفترة ل يتجاوز المائة ألف من
الجنيهات ،فاتفق معهم على شراء نصف ما لديهم بمائتي ألف من الجنيهات ،على أن
يشترى منهم الباقي بعد اسبوع ،متحججا بأنه يمر بأزمة سيولة ،فاشترطوا عليه أن يكون
التسليم في سوق الفيوم العمومي ،حيث سيقابله أحدهم ومعه حقيبة بها خضروات وعليه
ل،
أن يأخذها منه ويعطيه الفلوس ،ولحرصه الشديد أصر إبراهيم أن يزن الذهب أو ا
وبعدما تأكد من الوزن عسلم الردجل الفلوس وطار بغنيمته إلى القاهرة مشغولا بما قد
يواجهه من كمائن للشرطة على الطريق.
كانت صدمته شديدة حين أخبره صديقه بأن ثامن ما في الحقيبة من عملت ل
يتجاوز المائة جنيه ،فهي عبارة عن قطع من الصفيح المطلي بماء الذهب المستخدم
في طلء قطع الثااث المنزلي ،كان المقلب مثاي ار للسخرية ،حتى أنه تمنى أن تبتلعه
الرض ول أنه يكون في هذا الموقف الذي سيجعله حتما مثاا ار لسخرية تجار الثاار،
وهذا ما أوغر صدره بشدة وقرر النتقام لكرامته في الوقت المناسب.
لم يتخلى عن حلمه ،فبعدما عهضم المقلب الول قرر الذهاب للوادي الجديد
للبحث عن قطعة آثاار ،فقد نما لعلمه أن الكثايرين ينقبون هناك ،مصريين وأجانب
يعملون تحت مظلة بعض البعثاات الجنبية للتنقيب عن الثاار.
فى إحدي رحلته إلي هناك ،وفي المسافة ما بين الواحات البحرية وواحة
الفرافرة ،حدث أنه توقف ليرتاح قليلا عند كشك صغير يعيش فيه غفير بمزرعة داخل
الصحراء ويستغله كمقهى يقدم الشاي والقهوة لعابري الطريق ،الغفير كان لبق ا وسلمح
الوجه على الرغم من مظهره الفقير ،ومن أول لقاء صار بينهم لود لدرجة أنه أقسم على
إبراهيم أن عيدمر عليه فى طريق عودته ،أوفعى إبراهيم بوعده وعرعج على الكشك ،وفوجئ
بالرجل يحكى أنه أثاناء عمله على شق ترعة بالمزرعة وجد تمثاالا من الذهب لللقطد يزن
ش الرجل أرض الكشك وأخرج تمثاالا ذهبيا للقط أبيس،
حوالي نصف الكيلو جرام ،نب ع
200
أطاح بعقل إبراهيم ،صور التمثاال بكامي ار الهاتف الجوال ،وعندما أخبره الرجل بأنه ل
يريد أكثار من مائة ألف جنيه ليشترى قطعة أرض بالقرب من أرض أشقائه بقرية
الكفاح ،بالقرب من الفرافرة ،تأكد لبراهيم أنه بإزاء فرصة ثامينة ،وفى نزلة السمان،
تلقفه سمسار واصطحبه إلى الرجل الوحيد الذي يمكنه شراء مثال هذا التمثاال ،ذهبا إلي
مكتب للستيراد والتصدير في عمارة ضخمة خلف دار القضاء العالي ،أناقة الحرس
على مدخل المكتب وفخامة الثااث أدخل الطمأنينة على قلبه وعلى عقله المشغول
بحلمه عما يدور حوله.
من خلف مكتب فخم كانت الحماسة ترسم ملمح وجه الباشا الذي أسمع إبراهيم
من الكلم ما أعجز عقله عن محاولة التفكير ،،،ما شاء ال ،،،سبحان ال ،،،معقول
هذا الجمال؟ ،،،هذا أعظم تمثاال رأته عيني منذ عشر سنوات ،،،هذا شيء نادر جدا
،،،لو أن هذا التمثاال في حوزتك الن أشتريه منك فو ار بعشرة أخضر ،ولكي يطملئن
طلب من إبراهيم
قلبه أدخله الباشا حجرة خلف المكتب بها عتل من درعزم الدولرات ،ثام د
دفع مبلغ الشرط ،مائة ألف جنيه ،ليتحرك معه فو ار لتمام الصفقة ،بعد حوالي الثالث
ساعات أحضر إبراهيم المبلغ فتحرك نحو الهدف موكب من سيارتي دفع رباعي
بإحداهما المال وبالخري عحرس مدجج بالسلح.
اقترب الموكب من مكان الكشك ،حاول إبراهيم م ار ار التصال هاتفي ا بالغفير
ليعلمه بمقدمه ولكن الرجل لم يرد عليه أبداا ،اشتعلت أعصابه وغلى الدم في عروقه
ومع هذا لم يفقد المل في إتمام الصفقة ،أكملوا طريقهم ،فوجدوا الكشك خاوياا ،ولم
يتمكن إبراهيم من العثاور على الغفير ،على عمضض انتظر الباشا لمدة ساعتين قرر
بعدها العودة ،عشعر إبراهيم بالخجل أكثار من شعوره بالحسرة على ماله.
لعدة أيام لم يتوقف عن محاولة التصال هاتفي ا بالغفير الذي أجابه أخي ارا،
فانفجر فيه غاضب ا ولكن الرجل قابل غضبه ببكاء مرير ،وراح ديعبلرر فعلته بأنه عندما
شاهد السيارتين اعتقد أن إبراهيم قد أبلغ عنه الحكومة فهرب من المكان ،واعتذر الرجل
وأقسم بأنه سوف ينتظره غدا وقت آذان العصر.
وكله خجل طلب من الباشا أن يذهب معه للوادي الجديد عمرة دأخرى فاشترط
عليه أن يدفع هذه المرة خمسين ألفا من الجنيهات ،امتثال إبراهيم وتحرك الموكب وما
200
إن اقتربوا من المكان حتى انهمرت عليهم طلقات الرصاص وأصبح الموقف ل يحتمل
ففعر الموكب نحو القاهرة والغضب يأخذ بالباشا ومرافقيه لدرجة أن إبراهيم أخذ يعتذر
ويهدئ من روعهم ،فأفهموه أنه قد تعرض للعنصب وكاد أن يتسبب لهم في مشكلة كبيرة،
أبدى أسفه وأقسم بأن ينتقم من هذا الرجل مهما كلفه المر ،فلم يكن يعرف أن هذا
الغفير ما هو إل أحد رجال الباشا والذين وزعهم في ربوع مصر ومعهم من الطعم ما
يصطادون به الطامعين في الغنى ،إنها أحدي حيل الداهية هيثام بدر.
----------
تحرك اللواء بين الضيوف حتى توقف خلف عبد المسيح وابتسم وهو يقول.
-قد ل يعرف بعضكم أن المهندس ساويرس له نشاط واسع في السياحة وخدمة المراء
والشيوخ العرب ،نعرف أنكم ترتابون فيه اعتقادا منكم بأنه يعمل لصالح الحكومة ،وهذا
حقيقي فقد تعاون مع الجهاز في دشغل سيطرة على بعض الشخصيات العربية الهامة،
ولكنه لم يكن يعلم أننا نتتبع نشاطه في تجارة وتهريب الثاار ،وعلى الرغم من ذكائه
المتقد فإنه كان ضحية لعمليات عنصب متكررة ومتشابهة حتى أوشك على الفلس لول
تدخلنا لنقاذه.
قال ذلك ثام مال بجسمه نحو عبد المسيح وأضاف.
-أظنك لم تنعس المقلب الذي شربته في مدينة فاقوس؟.
تعالت ضحكاته ثام وضع يدا على كتف عبد المسيح ومسح بالخري وجهه ،ثام
ل.
استطرد قائ ا
-دفع عبد المسيح تقريب ا كل أمواله في تمثاال فرعوني دمقلد ،وعندما وجدناه يترنح ،دبرنا
له لقاء مع شخص مجهول ومعه تمثاال من حجر اللشست ،ومهدنا له الطريق ليبيعه
بعشرة أخضر ،أخذ هو ثامانية ،وأعطى للرجل اثانين.
تحرك اللواء حتي أصبح فى مواجهة ساويرس ،نظر فى عينيه وأضاف.
-مفاجأة مش كده؟.
لم ينطق ساويرس ونظر للرض لديخفى ما يشدعر به من قلق وخجل ،فقد جال
بخاطره بأنه على وشك أن يخسر أمواله وكذلك ثاقة الحضور.
----------
200
عبد المسيح ،قاهري قبطي ،مولع بالمال ول يأبه كثاي ار بالدين ،عمل لسنوات كمهندس
إلكترونيات باتحاد الذاعة والتليفزيون ،عجنته القاهرة بالفهلوة وبحب العسهر والعسعمر،
وعمل لعدة سنوات بالتليفزيون الكويتي ،وجمع أموال طائلة ،بفضل راتبه الكبير وبفضل
صداقته لبعض الشيوخ ورجال العمال بمنطقة الخليج.
بعدما استقر به الحال بالقاهرة تحولت الفيلل الخاصة به في الدقي ،إلي قبللة
لشيوخ الخليج ،فقد أعدها كفندق وكباريه ل يدخله إل أغنياء الخليج وحسناوات روسيا
والمغرب وبالطبع المصريات ،أطعم نساء الرض ،وعن طريق صديقه المحامى
الشهير منتظر الهباب ،والذي اكتسب شهرته بالدفاع عن معتقلي الجماعات السلمية،
استطاع تلبية رغبات كهول الخليج بالزواج من مصريات جميلت وأبكار.
استثامر أمواله في مجال اللكترونيات وشارك زوج شقيقته الوحيدة في امتلك
سلسلة مطاعم شهيرة دتغطى العديد من المدن عبر عدة وليات أمريكية ،كانت ملمحه
تبعث على الطمأنينة ،وكان موهوبا في ععقد الصداقات والعلقات مع الجميع من حوله
وخاصة أصحاب المناصب الهامة ،وكثاي ار ما كان ديباهى أصدقاءه بقدرته على أن
يرشي أبويه.
وفى الحقيقة كان أمره دمحي ار للعديد من تجار الثاار ،كان الرجل يظهر فجأة
أثاناء تنفيذ ليلة من دشغل الثاار ،ودائم ا ما يكون هو المنقذ عند حدوث خلف أو ظهور
مشكلة أثاناء التنفيذ ،ثام يختفي لفترة ليعاود الظهور في اللحظة المناسبة ليساعد أحدهم
في تجاوز أزمة خطيرة ثام يختفي كما ظهر بدون مقدمات ،مما دفع البعض لن يتعامل
معه بتحفظ اعتقادا منهم بأنه يخفي وراءه س ار كبي ارا ،ولكن هذا لم يمنع أحدهم ،حين
يجد نفسه في أزمة ،أن يتمني ظهور عبد المسيح لنقاذه ،ولنه لم يخذل أحدهم قط ،فقد
اكتسب ثاقة بعضهم ،بالرغم من استمرار عجزهم عن فك طلسمه ،وقد جذبت تصرفاته
الغريبة أنظار الصحفي رضا جلل ،الذي دأب على مهاجمة وفضح تجار ومهربي
الثاار فى الفترة الخيرة.
----------
200
ق أر اللواء صمت وشرود الضيوف على أنه استسلم تام لما أراد أن يلقيه في
روعهم ،بأنه المحرك لكل ما معر بهم من أحداث مثايرة في دنيا تجارة وتهريب الثاار،
فتراجع للخلف حتى أصبح في مواجهتهم ،وانتقل بنظره بين النجار وعيد وقال.
-لم يقنع النجار بما حققه من تجارة الراضي والعقارات ،فطمع في مكسب
التجار بالثاار ،وفي الحقيقة الرجل كان مثاالا للحركة والنشاط ،وقد استفدنا منه
كثاي ارا.
ب واقفا وقال في توتر.
لم عيدعد يطيق صب ارا ،فه ع
-كيف هذا وأنا ل أعرفكم ،من أنتم؟
ثام جلس النجار على أثار نظرة غاضبة من اللواء الذي أكمل حديثاه.
-النجار كان مندفعاا ،كما هو الن ،ل يفكر كثاي ار فيما هو دمقبل عليه ،في أول المر
عجاب أنحاء مصر بصحبة الحاج عيد ،وحدث أن اشتريا دشغلا بعدة مليين ثام أوقعهما
حظهما العاثار في طريق هيثام بدر الذي نصب عليهما.
نظر في ضيق لهيثام بدر الذي أغمض عينيه حتى ل يرى اللواء ويتجنب
نظرات الضيوف ،ثام واصل اللواء حديثاه فقال.
-كادا أن يفقدا عقليهما وراحا يتصرفان بجنون ،كان ذلك مفيدا لنا ،فأغلقنا أمامهما
جميع دسبل البيع ،وحدث ما توقعناه ،انشغلت محافظات الدلتا لشهور بما لدي النجار
من آثاار ،مجموعات من الوسطاء تتحرك في كل التجاهات لتجذب مجموعات أخرى،
وهكذا عنعشعر النجار حلم الثاراء بين آلف الشباب المغامر فشغلهم عما يدور حولهم
لشهور طويلة ،بعدها بدأ اليأس يتسرب إليه إوالي الشباب من حوله ،فعملنا على أن
يلتقي الحاج عيد بالدكتور إبراهيم ،الذي نجح في بيع الدشغل لصديقه بيتر ،ولكن في
الفترة الخيرة تراجع نشاط النجار وعيد بسبب انشغالهما بأعمالهما التجارية وبنشاطهما
السياسي بالحزب الوطني.
ب النجار واقفا ليعترض علي ما يسمعه وقال.
مرة أخرى عه ع
-هذا كلدم دمرسل ،والناس تردده فيما بينها ،فقد دأب الفاشلون على أن ينسجوا من
حول الناجحين الكثاير من الشاعات.
توجه نحو زملئه بالكلم وكأنه يخطب فيهم ،فارتفع صوته وهو يقول.
200
-ل أحد يريد أن يصدق أن هناك من جمع ماله بالشقاء والتعب ،أي رجل غني لبد
وأنه يكون تالجر مخدرات أو آثاار ،هذا شيء غير معقول!.
كظم اللواء غيظه وقال له باستخفاف.
-هل تضحك علينا أم على نفسك ،لسنا هنا في النيابة لتنكر ما أقوله ،نحن هنا لنتكلم
في صراحة ،أعرف أني أقول ما تعرفونه ولكنى أمهد لكلم آخر مهم للغاية.
ارتبك النجار وتلعثام ثام قال في حدة.
-أرجو أن سعادتك تقول الكلم المهم بدون تمهيد ،نحن ننتظر منذ ساعات.
احتلت وجهه الجاد ابتسامة ثاقة ،ثام استند بذراعيه على ظهر مقعد من مقاعد
الصالون وقال في تحدد.
ل ،ولكن واضح أنك دمتعجل ،كطبعك دائماا ،حسناا ،والن
-طلبت منك أن تصبر قلي ا
،،،الن ،لو أن الجميع هنا مقتنع ،وأنت أولهم يا نجار ،بأننا كنا معكم خطوة بخطوة
منذ البداية ،نتحكم في كل الدشغلعة ،يمكن أن ندخل في الموضوع مباشرة.
صمت الجميع ،فراح يرمقهم بنظراته ،ثام انتبه فجأة ،وابتسم وهو يقول.
-أخبارك إيه يا أم طارق؟ ،لقد أسدينا إليك معروف ا كبي ار حين أخطرنا الحكومة الكويتية
بأن الشيخ عحعمد قد مات بسبب إفراطه في تناول المنشطات الجنسية.
----------
أم طارق ،أو سوزان ،سيدة بورسعيدية ،بالكاد حصلت على دبلوم الثاانوي
التجاري ،عملت لسنوات كبائعة بمحل ملبس ،بالشارع التجاري بالمدينة ،ثام تزوجت
بموظف صغير بحي الععرب ،وعاشت معه سنوات طويلة من الكفاح خرجت منها بثالثاة
من الذكور وفتاة هي أصغرهم ،وقبل أن ينهي طارق عامه الدراسي الول بمدرسة
بورسعيد الثاانوية بنين ،مات والده بعد معاناة شديدة وسريعة مع الفشل الكلوي ،ولن
معاش الوالد بالكاد كان يكفي السرة لمنتصف الشهر ،ترك طارق الدراسة وعمل كتاجر
متجول بالشارع التجاري ،والتحقت أمه بالعمل بمحل للمشغولت الذهبية كان قبلة تجار
العملة ووسطاء تجارة الثاار من كل محافظات القناة وشمال الدلتا.
تعرفت أم طارق بأحد الوسطاء ،كان رجلا ماك ار وواسع الحيلة ،أغدق عليها
بالمال والهدايا فأخذ بلدلبها ،واستطاع استغلل أناقتها ولباقتها في اليقاع بالمبتدئين في
200
دشغلة الثاار ،شاركته في عمليات عنصب دمحكمة ،وزعا فيما بينهما الدوار ،هو وسيط
يأتي لها بمبتدئ مخمور بحلم الثاراء ،وهى الدكتورة والخبيرة في الثاار والتي ل تتحرك
إل بعشرط ل يقل عن عشرة آلف جنيه.
تغيرت الحوال بسرعة ،فامتلك طارق محل أقمشة بالشارع التجاري ،وبالطبع تركت
السرة حي الزهور لتقطن بشقة فاخرة بطرح البحر.
طلبت من شريكها الزواج فأبى فافترقا ،لم تتراجع وقررت العمل لحسابها،
واستعانت بابنها طارق ليرافقها في رحلتها المكوكية لمحافظات مصر ،نجح معها
المر وارتفع رصيدها في البنك وامتلكت عمارة فاخرة بطرح البحر ،كما اقتنت سيارة
مرسيدس آخر موديل ،ويشاع أن هذا الغنى الفاحش جاء من نصبة محكمة ،حيث
ى.
نجحت فى أن تبيع أمبول زئبق أحمر لشيخ كويتي ،وهذه حكاية تستحق أن دترو ع
ديحكى أنها تعرفت على شيخ مغربي محترف نصب ،ومشهور عنه قدرته على
عفك العرصد ) العرصد عفريت أو جان اتم تسخيره بالسحر لحراسة المقبرة الفرعونية من
اللصوص ،وهذه إحدى أوهام دشغلة الثاار ( .في ليلة ،من ليالي النس التي جمعت
بينهما ،أخبرها الشيخ بأنه يستطيع تلوين الزئبق البيض ليصير أحمر ويصمد أمام كل
الختبارات التي يثاق بها كل عمن يصدق ويعتقد في قصة الزئبق الحمر ،وكيف ل
يصمد وهو نفسه من اقترح تلك الختبارات وأهمها أنه ل يختلط بعصير الليمون أو أنه
عند عصره بمنديل فإنه ل يصبغه باللون الحمر ،وبالفعل وبعد جهد جهيد إوانفاق
صنع لها الشيخ أمبولا يحتوى على عشرة جرامات من الزئبق الحمر.معظم أموالها ع
ولمدة عام لم تأل جهدا حتى استطاعت برمجة كهل كويتي يعتقد في قدرة الزئبق
الحمر على منحه شباب يدوم طويلا وقدرة جنسية خارقة تمكنه من دق حصون
حسناوات العالم بمختلف أشكالهن وألوانهن ،باعته المبول مقابل عشرة مليين دولر،
ولحسن حظها حقن الكهل نفسه بالزئبق فمات من فوره ونالت هي الغنى والمان ،ومن
نجاح إلى نجاح أصبحت الدكتورة سوزان من كبار الدشغلة فى مصر ،ولم ينافسها في
مكانتها إل الدكتورة مروة.
----------
ارتبكت بشدة ،فتجاهلها اللواء وتوجه بحديثاه لهيثام بدر.
200
صح من الن
-وأنت يا دكتور هيثام ،عليك أن تغير من أسلوب دشغلك ،وتشتغل ع
فصاعداا ،أسلوبك في الشغل أحبط الكثاير من الشباب ،أنت من تسبب في تفاقم المشكلة
التي نواجهها الن ،زملؤك قلصوا من نشاطهم وأنت أفسدت علينا المر.
----------
جمع رجال هيثام بدر معلومات دقيقة عن أحد أثارياء الصعيد ،يمتلك عدة مزارع
للدواجن ومجز ار آلياا ،ويحوز بزمام مركز البداري بأسيوط حوالي مائة فدان تتوسطهم
فيلل رائعة يقيم فيها يومي الحد والثانين من دكل دأسبوع ليباشر ضيعته.
ذهبت عصابة هيثام إلى الفيلل ظهر يوم الحد وتوقفوا أمام بوابتها بحجة تعطل
سيارتهم ،أوعزوا للغفير بأنهم رجال أعمال من القاهرة وطلبوا منه السماح لهم بالوضوء
والصلة وأخذ قسط من الراحة ريثاما ينتهي أحدهم من إصلح السيارة ،فأدخلهم وجهز
لهم مكان ا للصلة والراحة بالحديقة.
بعدما فرغ أحدهم من صلته أخذ يهذى بكلمات غير مفهومة ويأتي بحركات
غريبة ،كانت أطرافه وعضلت وجهه تتشنج لعتأدخذ أوضاع ا مخيفة ،عندما حاول الغفير
المساعدة منعه هيثام بدر وأفهمه أن هذا الرجل شيخ طيب وعمكشوف عنه الحجاب
وعليهم أن يتركوه حتى يهدأ وحينها سيخبرهم بما يحدث.
دقائق وهدأ الرجل وقام من مكانه واتجه نحو دركن من الحديقة وسأل.
-عمن المحظوظ صالحب هذا المنزل؟.
أثاار السؤال فضول الحارس فقال.
-أنا صاحبه ،لماذا تسأل؟
قال ذلك ثام عقد يديه وأراحهما على بطنه الممتدة أمامه ،فقال الرجل مبتهجاا.
-أبلشر يا حاج أبلشر.
ثام أشار نحو الرض وأضاف.
-يوجد هنا خير كثاير ،فيه لكنز مدفون في هذا المكان ،عندما أنتهي من قراءة التعويذة
عليكم أن تحفروا حفرة مربعة ،مترين في مترين وعمقها متر واحد وعندها سوف يخرج
اللكنز إن شاء ال.
200
رفض الغفير ما ديقال ،ولكن خمسين ألف من الجنيهات ،تكفلت بإقناعه
بالتعاون ،ق أر الرجل تعويذته وسط صمت مهيب ،وبدأ الرجال الحفر بهمة والغفير
يستحثاهم على أن ينتهوا بسرعة قبل أن يراهم أحد ،تعمدوا التباطؤ ،فهم يعرفون ميعاد
عودة صاحب الضيعة الذي ما لبث أن جاء ينادى على الغفير من عند البوابة ،فأخرج
هيثام من ملبسه تمثاالا صغي ار من النحاس المطلي بالذهب ودفنه تحت التراب ،عندما
اقترب صاحب الضيعة أخرجه في فرح وأخذ ينظفه وسط تهليل رجاله ،،،ال أكبر ،،،
ال أكبر ،،،نحمدك يا رب ،،،نحمدك يا رب ،وقف الغفير مطأطئا الرأس ويرتعش
مذعو ارا ،فاندفع الرجل نحو الغرباء صائح ا في غضب.
-ماذا تفعل أنت وهو في بيتي؟
-بيتك كيف يعني يا حاج؟.
وأشار هيثام للغفير وأضاف.
-هذا الرجل أخبرنا بأنه صاحب البيت ،وعندما اكتشف الشيخ ،وبالصدفة ،وجود لكنز
في هذا المكان دفعنا له خمسين ألف جنيه ليسمح لنا بالحفر إواخراج الكنز.
نظر الرجل للغفير ليفهم منه الحكاية ،فقص عليه الحكاية من بدايتها ،تريث
الرجل وطلب منهم أن يعيدوا كل شيء لحاله وأن يدخلوا للفيل ليتناقشوا في المر،
رفضوا ورددوا في نفس واحد وكأنهم جوقة ،حرام عليك يا حاج ،ده رزقنا ،حرام عليك،
تروح من ربنا فين ،وتحولوا من معتدين إلى أصحاب حق ،أخذ الرجل يهدئ من روعهم
ضض ،أن يأخذوا نصيبهم نقدا ويرحلوا على
ويطمئنهم ،وبعد حوار طويل قبلوا ،وعلى عم ع
أل يعودوا أو يخبروا أحدا بما حدث ،وقضوا ليلتهم في ضيافته ريثاما يدبر المال ،وفي
الصباح تسلم هيثام بدر نصف مليون جنيه ،وبالطبع لم ينعس أن ديعجلرد الغفير من فرحته
واسترد منه الخمسين ألف جنيه.
----------
قرر أن يتريث حتى تتضح المور ،لم عيدرد وأخذ يتبادل مع زملئه نظرات بها
ضجر ،فهم إبراهيم ما يرنو إليه هيثام فوقف ليقول في حنق.
الكثاير من القلق وال ع
-للن لم نعرف ما هو المطلوب منا!.
200
عقد يديه خلف ظهره وأطرق ينظر للرض ،أشار لبراهيم بالجلوس وتقدم ببطء
نحو المكتب ،جلس خلفه ومد يديه ليمسك بحرف المكتب وضغط عليه فرجع بجسمه
كله للخلف ،ثام نظر نحو الضيوف قي ثاقة وتح د وقال.
-نعمل على توجيه تفكير واهتمام الجماهير إلى موضوعات معينة ،نختارها بدقة
وعناية وذلك للتغطية على أمور سياسية واقتصادية هامة وخطيرة ،موضوعات نعمل
من خللها على إيهام الجمهور بأن لرأيه أهمية في كيفية التعامل مع مشاكل بلده،
وبمساعدة رجالنا في وسائل العلم المختلفة تمكنا من تسويق قضايا هامشية على أنها
قضايا هامة ودملحة ،بهذا السلوب تمكنت الدولة من تمرير مشروعات خطيرة بدون
مشاكل أو اضطرابات من الجمهور الذي نعلم أنه ل يمكنه استيعاب استراتيجيات
النظام وخططه من أجل التقدم والزدهار للوطن.
ارتاح اللواء لنظرات الدهشة في عيون الضيوف وأضاف بخيلء.
-لبد وأنكم تتذكرون قصة ظهور العذراء في كاتدرائية العباسية بعد النكسة ،حكاية
بسيطة وذكية أعطت للشعب بصيص أمل بعدما عانى من اليأس والضياع ،وفي بداية
حكم السادات أخرجنا مارد الخوان والجماعات الدينية من القمقم لمواجهة قوى اليسار
في الجامعات والشارع ،وفى نهاية حكمه لجأ إلى سياسة النفتاح لعله ينقذ الموقف،
وانقسمت البلد إلى حشاشين ومتدينين ،وبسبب عدم التخطيط الجيد لهذه الستراتيجية
كادت الفتنة الطائفية أن تأتى على الخضر واليابس ،وبعد معاهدة كامب ديفيد أشعلنا
الصراع بين جماهير الهلي والزمالك ودعمنا بقوة الطرق الصوفية وجماعات السلفيين،
صعبت موجة التدين في صالح الخوان وتفريعاتها من
ولكن المور ازدادت سوءاا ،و ع
جماعات العنف الديني ،وكما يقال انقلب السحر على الساحر ،فحين لجأ النظام للعنف
تم اغتيال السادات وترنحت مصر بقوة ،فكان لبد للرئيس مبارك من أن يطيح بقيادات
الجهزة المنية.
تنهد عدة مرات وكأنه يتجرع ذكريات غير محببة إلى نفسه ثام أضاف.
-أعيد تشكيل قسم التوجيه المعنوي من رجال درسوا التخطيط الستراتيجي والعمل
السياسي وعلم الجتماع وغيره ،وأصبح القسم عيلعج برجال تدربوا بالوليات المتحدة،
وأصبح عملنا يعتمد على العلم والتخطيط وليس على اجتهاد البعض من قياداته.
200
تجرع قليلا من الماء المثالج ،ليزيل تأثار صوته بما يحكيه ،وارتسمت على وجهه
ملمح الخجل ثام استطرد.
-كان علينا العمل بسرعة وكفاءة للسيطرة على تيار التدين الجارف الذي لم ينفك
صب بقوة في مصلحة جماعة الخوان بأفكارها الخطيرة التي دتهدد أمننا القومي ،مرة
عي د
أخري دعمنا الطرق الصوفية وكذا السلفيين فكانوا عند حسن ظننا بهم ،حاربوا الخوان
بضراوة وساعدونا في احتواء المليين من المتدينين.
أخذ يفرك جبهته ،وكأنه يفكر بأمر ما ،ثام واصل حديثاه.
-طبع ا لدينا مناطق عشوائية بها عدد هائل من السكان لكنهم ل يمثالون أي تهديد
للنظام الن ،فمن ناحية هم كائنات بيولوجية تعيش يومها كما هو ،ل يرفضون واقعا لم
يروا غيره ،ول يفكرون في مستقبل ل يعلمون عنه شيئاا ،ومن ناحية دأخرى ،ولدحسن
حظنا ،هذه الكائنات ل تخشى شيئ ا قدر خشيتها من الحكومة ،وعلى الرغم بأنهم
بالمليين فإنهم بل وعى ومعزولون تماما عن الحياة ،ول يحسب لهم حساب.
قام من مكانه وتحرك نحو الضيوف وقال في جدية واضحة.
-يتبقي لدينا حوالي أربعة مليين من الشباب المتمرد والرافض لواقعه ،والذي يسعى
بإصرار لن يعيش حياة أفضل ،هؤلء هم مشكلتنا الحقيقية ،لديهم إصرار عجيب ول
ينفكون يتحركون في كل اتجاه ليتملصوا من واقعهم ،يصطفون طوابير طويلة أمام
السفارات الجنبية ،يتكدسون بمراكب الموت بالبحر المتوسط ،يجمعهم نفس الحلم
ونفس القدرة على الرفض ،تهون على الواحد منهم حياته في سبيل تحقيق هدفه ،هؤلء
الشباب يثايرون مخاوفنا ،يشكلون مستودع ا ل ينضب لمعارضي النظام ،خاصة قوى
التغيير الليبرالية ،والتي لن تألوا جهدا من أجل تنظيم هؤلء الشباب وتحويل تمردهم
العشوائي إلى تمرد منظم يهدد النظام الحاكم بقوة.
ساد الصمت ،ووضح عليه التوتر والنفعال وهو يتحرك في المكان ،وكأنه
يتحدث إلى نفسه أضاف.
-هذا النوع من الشباب عندما يجد الطرق دمغلقة أمامه وليس هناك فرصة لحراك
اجتماعي يعطيه المل في الحياة والنجاح ،غدا أو بعد غد ،يفتك به الحقد الطبقي،
وتشتعل بداخله الرغبة في التمرد ،والمشكلة أنه ل ينقصهم الذكاء كما أنهم قد نالوا قد ار
200
جيدا من التعليم ،ويعرفون ،أن أسلوب إدارة الدولة من قبل النظام هو العائق الحقيقي
الذي يحرمهم من حقوقهم وتحقيق طموحاتهم ،وهذا التفكير الخاطئ ،بالطبع ،سوف
يدفعهم للثاورة والتمرد ،ترددنا بين العديد من الخطط والتدابير التي صممها رجالنا ،لكن
شبح الفشل في السبعينيات لم عيلغب عن أذهاننا ،كاد أن يدب فينا اليأس ونحن نرى
المشاكل الخطيرة تتوالى على الوطن ،غلء ،فتنة طائفية ،دعوات انفصالية مريبة ،في
سيناء ،في مناطق النوبة ،وغير ذلك من المشاكل ،وحدث أن تلقينا تقارير أمنية تتناول
انتشار ظاهرة التنقيب عن الثاار والتجار بها بكل محافظات مصر ،وبالفعل وجدنا
ضالتنا في تلك التقارير وقررنا خوض التجربة فأتت بنتائج مبهرة وفى فترة قصيرة
للغاية ،فعملنا على دخول المئات من الشباب المغامر إلى هذا الملعب الذي سعينا بقوة
لزيادة قدرته الستيعابية ولزيادة جاذبيته ،شيئ ا فشيئ ا تضخمت الظاهرة وانتظمت تلقائي ا
وتوزعت بداخلها المهام والدوار ،وباتت لها لوائح وأعراف تحكمها ،وقيادات تسيطر
عليها ،وانهمك الجميع في حلم الثاراء السريع ،هذا دينقب وهذا يدملول ،هذا يحرس
ويحمى ،وهذا يجلب شيخ ا من المغرب ليفك العرصد ،هذا يصور القطع الثارية على
أسطوانات مدمجة ،وهذا يتولى عرضها على التجار والخبراء ،وكأي دشغلة كان هناك
صب وديخعدع الخرين.
من يزور القطع الثارية ،وهناك من عين د
لحظنا أنه لم يغادر ملعب الثاار أحرد حتى لو تعرض للفشل والخديعة مرات
ومرات ،وازدحم الملعب باللف ،الكل ديعمنى نفسه بالثاراء السريع ،يتساوى في ذلك
الغنى والفقير ،الشاب والكهل ،الرجل والمرأة ،المثاقف والجاهل ،الجميع يدخل الدوامة
ول يخرج منها وهذا بالضبط ما نريده وعملنا من أجله.
تبادل النجار مع زملئه نظرات متوترة ثام قال في حدة.
-لم نعرف حتى الن لما جمعتنا وماذا تريد منا بالضبط.
لم يلعره اللواء أدنى اعتبار واستطرد في حديثاه فقال.
-ما نحتاجه الن ،هو اليقاع بالشباب الدمتمرد في فخ دشغلة الثاار ،نريده أن يعيش
في غيبوبة ،أن ينسى الواقع ويهرب لحلم اليقظة ،هذا مهم للغاية بالنسبة لنا في الفترة
القادمة ،فلدينا مهام جسام يجب التعامل معها بشكل سريع وحاسم ،لدينا مشاكل ضخمة
200
مع إسرائيل وحماس ،هناك مزاحمة إيران وتركيا لنا فى كل مكان ،وأهم من ذلك كله هو
ضمان انتقال سلمى وهادئ للسلطة في مصر.
انحنى نحو النجار ،ووضع يده اليمنى فوق كتفه اليسر وأضاف.
-جمعتكم ،لخمول همتكم وتقلص نشاطكم في الدشغعلة ،مما أدى إلى هدوء كبير في
الملعب وباتت خطتنا دمهددة بالفشل.
توجه للمكتب وجلس يرمق الضيوف بنظرة مخيفة وقال في نبرة حاسمة.
-اسمع أنت وهو ،كل واحد منكم ينسى أنه يقدر يفلت من قبضتي ،أو ينجو بما حققه
من ثاروة ،كل أموالكم هي ملكنا ،ونستطيع أن نستردها في أي وقت نشاء.
ت قليلا ليعطيهم فرصة للتأقلم مع تهديده ،ثام نظر نحو النجار وقال.
صم ع
-هل عرفت لما جمعتكم اليوم؟.
في تردد وقف النجار وهو يبتلع ريقه ثام قال في تخاذل واضح.
-نريد أن نعرف ما هو المطلوب منا وسوف ننفذه فو ارا.
ابتسم اللواء وارتاح لما أبداه النجار من استسلم فقال في هدوء وثاقة.
ل ،ليل نهار ،نريد أن يسيطر
-مطلوب تسخين الملعب مرة دأخرى ،نريد نشاط ا متواص ا
حلم الثاراء السريع على الجميع ،على المقاهي ،على نواصي الشوارع ،في النوادي وفى
مراكز الشباب ،نريد أن يدخل الملعب كل يوم آلف الشباب.
تغيرت ملمحه وارتسمت على وجهه علمات الغضب ،ثام ركز نظراته النارية
على هيثام بدر وقال في قوة.
صب ويحتال في
-من هذه اللحظة سوف نضرب بيد من حديد على يد كل من عين د
الدشغلة ،مفهوم يا سيد يا خضري ،أقصد يا دكتور هيثام؟.
بلع هيثام بدر ريقه بصعوبة وحاول أن يتكلم ولكن اللواء عاجله بقوله.
-أنت بالذات كل نشاطك كان علينا بالخسارة ،وعليك أن تغير من أسلوبك.
خيم على الضيوف صمت الخوف والترقب ،صوب اللواء نحوهم نظرات
غاضبة ثام خبط بيديه على المكتب وقال في استعلء.
-لست بحاجة لن أذكركم بأنه باستطاعتي ،وبسهولة ،أن ألقى بكم في السجن بعدما
أصادر كل أموالكم ،ل أحب التهديد ولكن عليكم جميعا تنفيذ ما سوف أطلبه منكم ،كل
200
ما فعله الجهاز من أجلكم ،كان على مسئوليتي الخاصة ،أحذركم فالموضوع الن
أصبح شخصياا ،أرجوا أن تتقوا غضبى.
وكما يفعل المدرس ،عمعد سبابته اليمنى نحو الدكتور إبراهيم وأضاف.
-لبد أن ينتهي التنافس بينك وبين هيثام بدر ،لقد أخذت حقك منه ،فل داعي
لستمرار الصراع بينكما.
ثام عمعد سبابته لقصى مداها فكادت أن تلمس وجه هيثام وقال في غضب.
-تحذير أخير لك ،عليك أن تغير من أسلوب دشغلك ،وأن تنهي صراعك مع الدكتور.
وتنقل بسبابته بينهما محذ ار وأضاف.
-أعرف ما يدبره كل منكما للخر.
----------
بعدما نجحت مجموعة إبراهيم ،النجار ،عيد ،في بيع الدشغل موضوع نصبة
هيثام بدر ،هدأت العصاب وتفتحت الشهية لمزيد من الصفقات ،ولكن ما فعله بهم
هيثام بدر وغيره كان يؤرقهم ليل نهار ويشعرهم بالدذل والمهانة.
ظفر أولا برجال الفيوم ،تقرب إليهم الحاج عيد ،وبعدما نال
استقر الرأي على ال ع
ثاقتهم أخبرهم بأن هناك شيخ مغربي ،مشهود له بالكفاءة والصدق ،أكد له وجود مقبرة
فرعونية بقطعة أرض تخص أحدهم ،وأن الشيخ أبدى استعداده لفتح المقبرة مقابل نسبة
له فيها ،ولكن عليهم دفع مائتي ألف جنيه تكاليف البخور اللزمة لفك العرصد الذي
يحمى المقبرة ،وبالفعل اتفق الطرفان على قسمة المبلغ فيما بينهم.
جاء الشيخ إدريس ليشرف على الحفر ،ق أر بعض التعاويذ وحرق كميات من
البخور ،وبعد عدة أيام قام بسحب أول الخير ،لقط ذهبي مزيف ،بعدما أطاح الذهب
بالعقول عقرر الشيخ إدريس الذهاب للمغرب لحضار بخور بحوالي أربعمائة ألف جنيه
لسحب كل محتويات المقبرة ،ومرة أخرى اقتسم الطرفان المبلغ ،وهكذا تحصل إبراهيم
على ثالثامائة ألف من الجنيهات ،فلوسه بالضافة إلى مائة ألف جنيه تأديب وتهذيب!،
وقد تعمد بعدها الظهور في الصورة ليؤكد لنصابي الفيوم أنه قد سقاهم من نفس الكأس.
200
لم يتوان إبراهيم لحظة في البحث عن الغفير النصاب ،حتى ظفر به وقام
بتعذيبه بل رحمة حتى اعترف أمامه بأن ما حدث كان من تخطيط هيثام بدر ،فقام
إبراهيم بدفنه حيا في الصحراء على الرغم من توسلت شريكيه.
ذهب الدكتور إبراهيم ليعرض على هيثام بدر اسطوانة مدمجة لدشغل ثامين ،تلقف
هيثام بدر الطعم بعد استلمه لمائة ألف جنيه قيمة الشرط ،واعتقد أنه سوف يسقي
إبراهيم مقلبا آخر ،تحرك الموكب إلى الطريق الدولي الساحلي ،وقبل مصيف بلطيم
بمسافة انحرف الموكب ليدخل بين تلل الرمل ليقع في قبضة كمين أعده باحتراف
رجال الحاج عيد.
وبعد حوالي الساعة كان هيثام بدر وخمسة من رجاله يقفون على قارعة الطريق
الدولي يتوسلون لية سيارة أن تقلهم لمدينة بلطيم ،بعدما جردوا من كل شيء ،ساعات
اليد والهواتف المحمولة ،ومائة ألف دولر ،كانت موزعة علي مئات الرزم من الورق
البيض لتبدوا الحقيبة مكتظة بالورق الخضر ،وقد أضرم إبراهيم النار في السيارتين
وكاد أن يجبر هيثام ورجاله على خلع جميع ملبسهم لول أن تدخل النجار وعيد لمنعه
من التمادي في النتقام.
عرف هيثام عبدر أن هناك من هو أكثار منه ش ار ومك ارا ،ومع هذا لم يأل جهدا في
محاولته لتدمير الشركاء الثالثاة الذين لم يترددوا في الرد عليه بقوة وشراسة ،وبعد عكر
لخرى مما شكل حالة من الردع وعفر بات واضحا أن المجموعتين تخشى كلتاهما ا د
المتبادل ،فصار بينهما شبه اتفاق على هدنة ،ومع الوقت نسج الحاج عيد علقة طيبة
لخرى.
بتحالف هيثام بدر وتولى رعاية مصالح كل مجموعة لدى ا د
----------
استسلم الضيوف تمام ا فراح اللواء يتجول من حولهم في خيلء ثام قال دون أن
ينظر إليهم.
-مطلوب نشاط مكثاف خلل اليام والشهور القادمة ،في كل مراحل الدشغلة ،تنقيب،
بيع ،شراء ،مطلوب تجنيد جيوش من الوسطاء لتوسيع دائرة الدشغلة لقصى احد ممكن،
اصرفوا نقودا كثايرة ،أظهروا للشباب ثاراءكم الفاحش ،ولئم ،سهرات ،سيارات آخر
موديل ،فيلت ،انشروا بينهم الحلم في الثاراء وأعطوهم المل في ذلك.
200
نزلت على الضيوف بعض السكينة ،فتبادلوا النظرات فيما بينهم وكأنهم
يستحثاون أحدهم ليتكلم عما يشغلهم في تلك اللحظة.
وقف هيثام بدر وتنحنح ليلفت انتباه اللواء ثام قال.
-جميعنا يمر بأزمة سيولة ،فقد وضعنا كل أموالنا في مشاريع لخدمة البلد ،كما أن
الدشغلة تمر الن بفترة ركود ،ومعنى هذا أن ما سوف ننفقه لن نستطيع تعويضه.
ارتسمت على وجه اللواء ملمح الدهشة والتعجب مما يسمعه ،فذهب وجلس
خلف المكتب واستند بيديه على حرفه ودفع جذعه للخلف ثام رفع رأسه لينظر في
السقف ،لحظات وانطلق في ضحك متواصل ،ينظر لرجاله ثام يعاود الضحك ،انزعج
الضيوف وتوجسوا خيفة وندموا على ما قاله هيثام ،اعتدل اللواء في جلسته وقال.
-هيثام بدر يقول إنكم مفلسون؟ .هل يرد عليه أحدكم أم أرد أنا؟.
أجابوه بضحكات خجلة ،ففهم اللواء مقصدهم فقال في استنكار.
-أليست صفقة واحدة قادرةا على إنعاش محافظة بأكملها؟!.
رمقهم بنظرات غاضبة ،وراح يحرك رأسه يمين ا ويسا ار ثام تنهد وأضاف.
-اطمئنوا ،سوف نحدد نطاق نشاط كل واحد منكم ،وأماكن التنقيب ،وبالطبع سنقوم
بالقبض على بعض رجالكم ليبدو الموضوع طبيعياا.
تحرك ليقترب منهم ورسم على وجهه ابتسامة ضجر وأضاف.
-سنعطى كل واحد منكم قرضا بقيمة خمسة مليين من الجنيهات ،يسدده بعدما ننتهي
من مهمتنا ،عليكم استعادة ثاقة الشباب في الدشغلة ،ومن جانبنا سنقوم بإثاارة القضية
بشكل واسع في جميع وسائل العلم ،لنشير للمكاسب الخرافية التي يحصدها تجار
الثاار.
تنفسوا الصعداء ،وتحمسوا لنتهاز الفرصة أملا فى أن يغنموا منها مليين
أخري ،وقبل أن ينهي اللواء الجتماع وقف عيد الهللي ليثاير قضية لم تكن في
الدحسبان ،وبطريقته الشهيرة فى التحدث ،والتي يمد فيها أول حرف في كل كلمة ،قال.
-ما تصلى على النبي يا باشا ،فيه مشكلة نسينا نتكلم فيها.
تجهم الباشا مستفس ار بإيماءة من رأسه عن المشكلة ،فقال الحاج عيد.
-سعادتك الصحفي ،رضا جلل ،عارفه سعادتك طبعاا.
200
ثام نظر إلي الدكتور إبراهيم وأضاف.
-صاحبك يا دكتور.
وبسرعة توجه مرة أخرى بالحديث إلى اللواء وقال.
-الرجل ده ،سبب لنا مشاكل كثايرة وفضحنا وسط الخلق ،فكرك يعنى أنه يسكت عنا
لو رجعنا نشتغل بضمير؟.
ابتسم اللواء ،ثام تنهد وحرك رأسه في استعلء وهو يقول.
-ودي مشكلة يا حاج عيد؟! من أدخله ملعبكم يخرجه منه.
ثام نظر نحو إبراهيم وأضاف.
-ول إيه يا دكتور؟.
انزعج إبراهيم بشدة للتحريض ضد صديقه ،فرمق عيد بنظرة غاضبة ثام قال.
-رضا هلل ل يمثال لنا أدنى مشكلة ،هم يكرهونه ويبادروه دائم ا بالعداء ،يضايقهم ما
يأخذه منا بالرغم من خدماته لنا والتي ل تقدر بثامن ،فهو خبير بالثاار المصرية،
صر على وأفضل من يق أر اللغة المصرية القديمة ،هؤلء دينهم الخذ بل عطاء ،وهو ي ل
د
أن يقبض ثامن خدماته لنا ،وكذلك ثامن سكوته عنا ،أولا بأول ،وهم يعلمون أنه لو عسبب
لنا مشكلة حقيقية سأكون أنا أول من يتصدى له ،الدشغل دشغل سعادتك.
----------
لم تستقر علقة رضا جلل بتجار الثاار على حال ،تارة يهاجمهم بضراوة
ويفضح ممارساتهم وأسرارهم ،ثام يتراجع حين يتدخل صديقه الدكتور إبراهيم ليتولى
عملية إسكاته لفترة ،يحددها رضا بنفسه بناء على ما ظفر به من غنالئم.
كانت شخصيته محيرة لهؤلء التجار ،فهو يساعدهم ،عن طريق صديقه إبراهيم،
كأفضل من يق أر خراطيش ومساطر الثاار ويتعرف على قيمتها التاريخية ببر مصر
كله ،ولكنه ،وعلى الرغم مما يتحصل عليه منهم ،كان ل يتورع ،ودون سابق إنذار ،عن
فضح أسرارهم وشن الحملت الصحفية ضدهم غير عابئ بتهديد أو وعيد ،وكثاي ار ما
حذره الدكتور إبراهيم من عواقب تلك اللعبة الخطرة ،وأفهمه بأنه لول تدخله لحمايته
لتخلصوا منه منذ زمن مهما كلفهم المر ،وهم قادرون على ذلك.
200
بالفعل كان المر مدهشاا ،فرضا جلل كانت تنتابه بين الحين والخر نوبة من
الشجاعة السطورية والوطنية الجارفة فيهاجم تجار الثاار بضراوة ،وعندما يعيد إبراهيم
سالم برمجته على موجه المصلحة والفلوس كان يسارع بتغيير موقفه ،وبالرغم من ذلك
كان شديد العتزاز بشخصيته المثايرة للجدل ،وكثاي ار ما كان يردد أنا إنسان وفقط ،أنا
الطبيعة كما هي بخيرها وشرها.
وكان إبراهيم سالم أكثار تجار الثاار حاجة لخدمات رضا ،فقد كان الكثار
نشاطا ونجاحا في الفترة الخيرة ،ول ينسى فضله في إتمام صفقة التمثاال الذهبي
لميريت آتون ،والذي تحصل عليه العام الماضي ،من منطقة بالصحراء الغربية ل تبعد
كثاي ار عن أطلل مدينة تل العمارنة.
----------
قال اللواء في ضيق صدر.
-علي أية حال ،هذا الصحفي أصبح يمثال لنا مشاكل في نواحي أخرى ،وأنت قلت أنه
مفيد بالنسبة لكم ،ألن يكون من الفضل أن نجعله يتفرغ للعمل معكم؟.
سأله عيد في لهفة.
-إزاي يعني يا باشا؟.
-قضية تهريب آثاار ،يتفسح له فيها ،سنتين ثالثاة في السجن ،وبذلك يفقد قلمه
ومصداقيته لدي الناس ،وعندها يكون طوع أيديكم.
ل.
عهعم إبراهيم بالكلم فتلعثام كثاي ار فعاجله اللواء قائ ا
-الموضوع كله سيكون لصالحك يا دكتور ،أنت لن تتركه في محنته ،وبهذا يصبح
أسير إحسانك وتصير أنت ملذه الوحيد ،فتمتلك خبرته ومعرفته بالثاار.
أطرق ينظر للرض ل يدرى ماذا يقول ،هل يوافق على ما ديعدبر لصديقه أم
يعترض لعلهم يتراجعون؟ ،فإذا باللواء يهمس في أذنه.
-وابن الحاج عمران ألم يكن صديقك أيضاا ،لتخاف عليه كما تخاف على صديقك
رضا جلل؟.
مادت الرض من تحت أقدام إبراهيم ،وكاد أن يسقط أرضاا ،ولعمـَ ل وها هو
نائب رئيس أهم جهاز أمني بمصر يعرف بقصته مع على العمرناوي .طفح الخوف من
200
جوفه ولكنه ،وكعادته ،تماسك ليلحق بزملئه الذين التفوا حول حقائب المال على
مكتب اللواء ،وبدون تفكير منه اقترب من اللواء وهمس في أذنه.
-على فكرة يا سيادة اللواء ،كل ما كان يربطني بعلي العمرناوي دشغل نفذناه سوي ا
وبعدها كل واحد راح لحاله.
ل.
رسم اللواء على وجهه نصف ابتسامة وهمس له قائ ا
-ماشي يا دكتور ،أريدك أنت وساويرس في موضوع مهم.
اقترب من عبد المسيح ،الذي كان يتحدث لم طارق ،وجذبه من ذراعه وانتحي
ل.
به جانباا ،بينما كان اللواء يواصل حديثاه للضيوف قائ ا
-نشكر لكم حضوركم ،أرجو أن تكونوا عند حسن ظننا بكم ،كل واحد منكم يوقع أمام
اسمه في الكشف قبل أن يتسلم حقيبته.
تكلم اللواء مع كل ضيف على انفراد ليناقش معه أسلوب عمله بالمحافظات
المخصصة له ويذكر له بعض أسماء مساعديه وكيفية التعامل معهم ،ثام يسلمه خطة
تفصيلية ،مكتوبة ،بما يجب عليه القيام به.
وقف إبراهيم خلف ساويرس ليكون الخير في طابور المغادرين حتى يتسنى له الحديث
مع اللواء ليعرف فيما يريده ،ممد يده ليصافح اللواء فوضع الخير بيده ورقة صغيرة
وضغط علي يده ليخفيها عن أنظار قد تكون منتبهة لهما ،وقبل أن يحاول استيضاح
ل.
المر همس له اللواء قائ ا
-سأنتظركما في هذا العنوان ،اليوم في تمام الساعة التاسعة مسااء.
----------
شهد عام 2001م ،انهيار إمبراطوريتي عائلتي السويسي الجابري ومن ثاععم انعقد
لواء تجارة وتهريب الثاار في عبر مصر لمجموعة من التجار الدجدد ل يتجاوز عددهم
الخمسة عشر تاج ارا ،وأهمهم بالطبع الستة الذين اجتمع بهم اللواء الجمال ،وكان من
المعروف أن تجاوز قيادات عائلتي السويسي والجابري للخطوط الحمراء ،في علقتهم
ببعض أصحاب المناصب الهامة بالبلد ،هو السبب في الطاحة بهم وتدميرهم ،ولهذا
كان الخرون أكثار حرصاا ،ومما زادهم حرص ا وحذ ار هو الحيرة والدهشة مما يجرى في
نطاق الشغلة ،فمنذ بداية عام 2002م ،لحظوا أن الدولة بدأت نشاطا غير مسبوق
200
للسيطرة علي شغلة الثاار ،تحاصرهم وتضيق عليهم الخناق ثام فجأة تنفرج المور وتنفذ
صفقات كبيرة دون أدنى محاولة للمنع من جانب السلطات ،كان من الواضح لهم أن
السلطات ترصد نشاطهم ومع هذا ل تقترب منهم أو حتى تحاول أن تفسد عليهم أية
صفقة! ،فقط تطارد المبتدئين في الدشغلة ،وتقبض على مجموعات من الشباب في
مختلف المحافظات بتهمة التنقيب عن الثاار.
وحقيقة المر أنه ،وبفعل فاعل ،سيطر على الشباب المصري هوس التنقيب
عن الثاار والتجار بها ،ولن الدشغلة مغلقة على رجالها كان عجل ما يفعله هؤلء
الشباب هو الجري خلف إشاعة هنا أو هناك ،أو أنهم يحاولون القتراب من فلن ،الذي
يحوز قطعة أثارية ويسعى لبيعها ،أو من فلن الذي أصابه داء الثاراء فجأة ،وحتما ول دبد
أنه قد باع قطعة أثارية ،فيحاولون التعرف إليه.
الجميع يحكى ما سمعه ،وكأنه حضر وشارك في حدوثاه بالتفصيل ،وتجمع
الشباب المغامر في مجموعات ،يمضون الساعات الطويلة على المقاهي يتبادلون
الحكايات المثايرة عن دشغلة الثاار وعما تدره من ثاروات هائلة.
استنتج كبار الدشغلة أن هناك س ار غامض ا خلف كل ما يحدث ،خاصة عندما
أكد البعض منهم لزملئه أنه قد عشععر بيد خفية تساعده في عقد بعض الصفقات ،ومنهم
من قال أنه شعر بهذه العيد تمتد إليه لتنقذه من قبضة الشرطة عدة مرات.
كان عبد المسيح يستمع لتلك القاويل والشكوك ول ديعلق عليها ،مما زاد من شك
زملئه في أنه يخفى عنهم الكثاير ،وأنه يعمل مع الحكومة ،ولم يكن إبراهيم يهتم بما
يسمعه من زملئه في الشغلة ،فهو يؤمن بأن نجاحه يعود لذكائه ولشجاعته ،ومع هذا
فقد اتفق الجميع على أن الدشغلة أصبحت غير آمنة فى الفترة الخيرة ،فاتفقوا على
تهدئة الوضاع وتجميد نشاطهم لبعض الوقت ،فراح كل منهم يعمل بحماس على
توسعة وتعظيم أعماله ومشاريعه الخاصة ،وقد استغل بعضهم حالة الفوضى السياسية
والقتصادية التي تعيشها مصر ،ونجح في تهريب معظم أمواله إلي خارج البلد.
وها هو اللواء قد وضعهم فى مواجهة الحقيقة ،فحررهم من توجسهم من الدولة،
فعقدوا العزم على أن يكونوا عند حسن ظن النظام بهم ،وبطبيعة الحال كان لبد لهم من
استغلل الموقف لصالحهم ،فعمل كل منهم على زيادة تلل أمواله وتأمينها.
200
..هيثام بدر ،افتتح عددا آخر من معارض السيارات ،بعدة محافظات بعدما
اقتنص توكيل سيارات ألماني ا شهي ارا.
..مصطفى النجار ،أصبح صاحب أكبر شركة للمقاولت وتجارة العقارات
بمنطقة الدلتا وبعد حوالي ثالث سنوات نجح ،بمساعدة عيد الهللي ،في اقتناص مقعد
الفئات بمجلس الشعب ،عن دائرة طلخا بمحافظة الدقهلية.
..عيد الهللي ،نجح في استصلح مئات الفدنة بمنطقة البراري بمحافظة كفر
الشيخ ،كما أنشأ مزارع سمكية رائدة بالمنطقة ،وتوسع في إنشاء العديد من مزارع
الدواجن ،وبفضل علقاته الوطيدة بكبار المسئولين بالدولة ،لم يتأثار بأزمة أنفلون از
الطيور ،بل إنه استغل الزمة ليحصد المليين ،وكان ينفق بل حساب على ولئم
أصدقائه كبار رجال الطرق ،فأصبح من أقطابهم بل ومن أصحاب الكرامات لديهم.
..وكان عبد المسيح قد استثامر أمواله في مجالت جديدة ،أنشأ قرية سياحية
فخمة بمنطقة رأس سدر ،ومصنع نفرتيتي للسيراميك ،بالضافة لمصنع سيلفر للدوات
الكهربائية ،وأصبح نجم ا كبي ار في عالم الصناعة والسياحة ،وتبوأ مكانة بارزة بلجنة
سياسات الحزب الحاكم ،وعين عضوا بمجلس الشورى.
..ومن قبل اجتماعه باللواء الجمال ،كان إبراهيم سالم ،قد فضل لسباب
خاصة به ،تهريب معظم أمواله لسويسرا ،واكتفى بنشاط محدود في مجال السياحة.
..أم طارق ،امتلكت مطعما شهي ار للسماك بمنطقة طرح البحر ببورسعيد ،وتم
انتخابها كعضو بمجلس محلى المحافظة ،وهي أيضا أمين مساعد المرأة بالحزب
الحاكم ببورسعيد ،ونظ ار لنشاطها الباهر في المجال الجتماعي قام محافظ بورسعيد
بتكريمها في عام 2003م ,بوصفها الم المثاالية للمحافظة.
..مروة ،تعافت أخي ار من عدة انتكاسات كبيرة كادت تقضى عليها ،فقد أفلتت
منها المور فجأة مما أدى إلى طلقها من أستاذ الطب ،ونشوب معارك دموية بين
عشاقها ،مما أعطى الفرصة لمنافستها اللدود أم طارق لن تشن عليها حملة محمومة
بغرض كشفها وتشويه سمعتها والطاحة بها خارج مجال دشغلة الثاار ،ولكن بفضل
أموالها وخبرتها الكبيرة أوقعت في شباكها عميد شرطة بمديرية كفر الشيخ فتزوجها،
200
وساعدها كثاي ار حتى افتتحت فندقها الفخم بمصيف بلطيم ،واستأنفت نشاطها القديم
ولكن بشكل دمعنظم هذه المرة فحققت نجاحات متعددة.
..مع أنه كان قد أمن مستقبله المادي عن طريق علقته المثايرة بتجار الثاار
وبفضل صداقته لبراهيم سالم ،ومع انتهازيته المعروفة ،لم يتوان رضا جلل فى
خوض بعض المعارك الوطنية على كافة الجبهات دفاع ا عن الناس والوطن ،مما سبب
صداعا شديدا لكل من النظام الحاكم وزعماء المعارضة ،فظفر بعداء الجميع له ،ولن
بيته من زجاج فقد تهشمت أجزاء كثايرة من شخصيته ،ففضل الهروب من العاصمة
وأقام بمدينة دمياط الجديدة إقامة شبه دائمة ،ليكون قريب ا من أهله لعله يشعر ببعض
المان الذي افتقده كثاي ار فى الفترة الخيرة.
----------
غلبه التعب فنام بعمق ،ولم تشأ زوجته أن تقلقه ،فقد رأته حين عاد ظهر اليوم،
مجهدا وشاحب اللون ،فاكتفت بالطمئنان عليه كل فترة لتتأكد من أنه بخير ،ولكنها
اضطرت ليقاظه قبل وقت آذان العشاء بدقائق ،فهناك ضيف ل تعرفه من قبل يجلس
في الصالون.
استيقظ بصعوبة بالغة أدهشت زوجته ،وأقبل يرحب بضيفه الذي يزوره لول
مرة ،كان الحراج بادي ا على عبد المسيح.
-آسف على الزعاج ،اتصلت على تليفونك عدة مرات ولكنه كان مغلقا طوال الوقت،
فخشيت أن يكون عجد في المر جديد.
-ل إزعاج ول حاجة ،أنت شرفتنا يا باشمهندس.
كان الجهاد باديا على إبراهيم فتناول قهوته واجما مما زاد من حرج ساويرس
الذي قال وهو يميل بجسمه نحو المنضدة ليضع الفنجان الفارغ.
-ألديك فكرة يا دكتور ،فيعمـَ يريدنا اللواء الجمال؟.
-ليس لدى أدنى فكرة ،ولكن طالما أنه أسند إلينا أصعب الماكن بالبلد ،فهناك
بالتأكيد دشغل مهم ،خاص بجهازه المني ،يريد أن يناقشه معنا على انفراد.
ابتسم عبد المسيح وهو يرجع بجسمه للخلف وقال.
200
-لم أعهدك تفكر بهذه الطريقة يا دكتور ،هل من المنطقي أن يناقش اللواء ببيته أمو ار
خاصة بعمله في هذا الجهاز المني الرفيع.
انتبه إبراهيم وأدار أجهزة الستشعار بعقله ثام قال بدهشة.
-كنت اعتقد أن العنوان ،الذى أعطاني إياه ،هو لمقر من مقرات الجهاز المني.
-هذا عنوان شقته الخاصة ،وأود أن أصارحك بسابق معرفتي بهذا الرجل ،لقد ساعدته
عدة مرات في بيع قطع أثارية نادرة.
تصفح إبراهيم شبكة المعلومات التي احتلت كل صفحات الذاكرة لديه ،وازدادت
حيرته حين سمع ساويرس يقول.
-اللواء الجمال شخص خطير ،ويده باطشة وغير نظيفة.
-ل تعطي الموضوع أكبر من حجمه ،قد يكون لديه دشغل ويريدنا أن نبيعه له.
-كان يمكنه الستعانة بي كما في السابق ،أو بك بمفردك ،لو كانت مصلحته لديك
هذه المرة؟.
-صحيح ،كلمك منطقي ،هيا بنا نذهب إليه لنعرف بالضبط ماذا يريد منا.
----------
في التاسعة مسااء أغلق عبد المسيح باب المصعد ،وراح يق أر أرقام شقق الدور
السابع ،ثام مشى في التجاه اليمن ومن خلفه إبراهيم المشدوه بفخامة الطرقة وقد زاد
من رونقها الضاءة الخافتة.
استحث إبراهيم ليقترب ثام طرق باب الشقة .24
فتح الباب ،ودون أن يتفوه بكلمة ترحيب واحدة استدار عائدا للداخل ،أغلق عبد
المسيح الباب وأشار لرفيقه بأن يتبعه نحو المكتب ،غضب إبراهيم من مقابلة اللواء
التي تخلو من أي أثار للذوق ،فأكد له ساويرس أن هذا هو أسلوبه المعتاد مع الجميع
سواء كان في العمل أو في منزله.
دلفا إلي المكتب ،فألفياه جالسا على مكتبه الفخم ،يعبث بأدراجه وهو ينظر بين
الحين والخر لشيء يشد انتباهه على شاشة جهاز الكومبيوتر المحمول ،وبعد
لحظات ،يبدو أنه وجد ما يبحث عنه ،أخذ يهز رأسه لعلى ولسفل وقد انفرجت أسارير
وجهه عن ابتسامة رضا.
200
وضع فلشة في جهاز الكومبيوتر ثام وجه شاشته نحو ضيفيه ،ثام قام من خلف
المكتب ليجلس بجوارهما وراح يعبث في ذقنه بشماله ويشير بيده الخرى نحو إبراهيم ثام
نحو الشاشة ،فهم إبراهيم أنه يطلب منه النظر لشاشة الكومبيوتر ومع ذلك تعمد أن
يستوضح المر بنظرات وهزات من رأسه ويديه ،وكأنه ل يفهم ما هو المطلوب منه ،قام
اللواء من مكانه غاضب ا وارتكن بمقعدته على حرف المكتب ليصبح في مواجهته تمام ا
وأشار إلي الشاشة وقال في حدة.
-انظر جيدا يا دكتور ،هيه ،هل تعرف هذا التمثاال؟.
تيقن إبراهيم أن اللواء يعرف عنه الكثاير فارتبك بعض الشيء ،ولكنه قال في
هدوء وبنبرة تحدد.
-عنعم أعرفه ،وأعرفه جيداا.
خرجت من اللواء بعض الضحكات المصطنعة ولكنها لم تمكنه من إخفاء توتره
وتوجسه ،اقترب من إبراهيم ونظر بقوة في عينيه وقال بنبرة تهديد.
-وهل لحد أن ينسي تمثاالا ثامنه عشرون مليون دولر.
تحرك ليدور من حول المقاعد ،حتى توقف خلف إبراهيم ،وانحنى ليقترب بفمه
من أذنه اليمنى وقال بصوت مسموع.
-احلك لي حكايته؟.
عرف أن اللواء يختبر قوة أعصابه ،قرر التريث ولم يرد أو حتى يلتفت إليه،
فاستقام اللواء في مكانه وعقد يديه خلف ظهره وقال وهو يتحرك من حول ضيفيه.
-حسن ا يا دكتور ،منذ عام تقريب ا قمت بتحريض الشاب } علدى { ،ابن الحاج عمران،
ليسرق هذا التمثاال من مكان ما بالصحراء ،غرب محافظة المنيا ،ثام قمت ببيعه
للخواجة بيتر ،صديقك اللماني ،بعشرين مليون دولر ،ودقبض على بيتر وحكم عليه
بالسجن لمدة ثالث سنوات ،وتم إيداع التمثاال بالمتحف المصري ،في الدور الول ،في
نهاية الطرقة التي تحتضن آثاار توت عنخ آمون ،وتحديدا في الدولب التاسع على
اليسار ،ويحمل التمثاال رقم .12564
200
قال ذلك ثام توجه نحو المكتب وألقى بجسمه على المقعد وأخذ ينظر بتحد
لبراهيم الذي استمر في صمته المثاير لعصاب اللواء ،وساد المكان توتر مكتوم ،مما
حدا بساويرس أن يتدخل محاولا تهدئة العصاب المشتعلة ،فابتسم وهو يقول.
-هل سيادتك تحقق مع الدكتور بشأن هذا التمثاال؟ ،فقط لكي نفهم.
كانت نظراته حائرة ما بين اللواء الغاضب إوابراهيم المتحفز ،وقد أكد إبراهيم
على استفهام ساويرس بنظرة تحد قوية صوبها نحو اللواء الذي قال في تردد.
-باختصار نريد هذا التمثاال.
تجاهل نظرات الدهشة التي صوبها إليه ضيفاه ،لوأشار بسبابته اليمنى نحو
إبراهيم وقال في حسم.
-أنت قبضت ثامنه ،وعليك أن تعيده لمن دفع الثامن.
اتضحت الرؤية وانكشف الرجل ،رجع إبراهيم بجسمه للخلف ووضع ساقه
اليمنى على الخرى ،وببطء أخرج علبة السجائر والولعة من جيب الجاكت ،وببطء
أيض ا أشعل سيجارة وانشغل بمتابعة دوائر الدخان الخارجة من فمه ،وبحركة مسرحية
التفت نحو اللواء وقال.
-لم أدكن أعلم أن بيتر من القوة لدرجة أنه يجند لصالحه من هو في مقامك.
أفلتت العصاب واندفع اللواء غاضب ا نحو إبراهيم الذي استقام واقف ا في لمح
البصر وراح عيلكز على أسنانه ،فصدر عنها صوت مخيف ،تلمست الجباه بشكل ينذر
ل.
بالخطر ،حاول ساويرس أن يحول بينهما فدفعه اللواء وصرخ قائ ا
-اسمع يا دكتور ،لزم تفهم أن روحك في يدي ،وليس أمامك فرصة إل أن تنفذ ما
أطلبه منك ،إوال فالشيخ عمران موجود ،وأنت تعرف ما أعنيه.
بالرغم من هذا التهديد المريع ،ضغط جبهة اللواء بجبهته وقال بصوت يرعشه
الغضب.
-إبراهيم سالم ل ديعهدد ،هذا التمثاال دشغل نفذته وانتهي المر.
ساد المكان صمت مرعب ،قطعته ضحكات عالية من اللواء الذي تزحزح
للخلف ببطء وهو يشير بيده نحو إبراهيم ،ثام توقف فجأة عن الضحك ،وقال في
غضب.
200
-أنك تخدع نفسك ،تعرف أن المر لم ينته ،العمارنة يبحثاون عن ابنهم في كل مكان،
وأظنك تعرف ما سوف يحدث لك لو أنهم عرفوا بعلقتك به ،كما أن هناك من دفع
لصديقك بيتر خمسين مليون دولر ولم يستلم التمثاال ،وهذا المشتري يريد هذا التمثاال
بأي ثامن ،ومهما كلفه المر.
انهار إبراهيم على المقعد وقال في ضيق.
-كنت مجرد وسيط بين بيتر وعلدى ،وانتهي دوري بإتمام الصفقة ،أما بخصوص على
العمرناوى فأقسم بأني ل أعرف عنه شيئا منذ ذلك الوقت.
ارتاح اللواء لما أبداه إبراهيم من ضعف واستسلم فقال.
-حسنا يا دكتور ،ندخل في الموضوع ،أريد هذا التمثاال وبسرعة ،فما هو قولك؟.
لم يرد إبراهيم ،فقد اجتاحه خوف دمخلجل ويائس فشرد بذهنه بعيداا ،فلو أنه تمكن
من الفلت من يد اللواء ومن يعمل لصالحهم فماذا عن قبيلة العمارنة؟ ،وماذا عن
المأزق الذي وضعه فيه اللواء حين تكلم عن على العمرناوى أمام ساويرس ،المشهور
بعدم قدرته على الحتفاظ بأقل لسر ولو لدقائق معدودة ،فما بالك وقد عرف بعلقته
بعلبي؟ ،كان الموقف صعب ا جدا علي إبراهيم ،بعدما ظل لشهور طويلة يعاني الرعب
والفزع من احتمال تسرب خبر علقته بهذا الشاب الذي ل يوجد تاجر آثاار في مصر ل
يعرف بقبيلته التي تسيطر على مناطق آثارية شهيرة.
انتبه إبراهيم ليد عبد المسيح تهزه برفق ،فسمع اللواء يقول.
-ما قولك يا دكتور؟ ،نريد هذا التمثاال وفو ارا.
قال وهو يستجمع أفكاره.
-كيف ،وأنت تقول إنه بالمتحف المصري؟.
ما إن حرر عقله من شروده حتى ارتبك لقول اللواء.
-بسيطة يا دكتور ،نبدله بنسخته المقلدة التي تحتفظ بها؟.
نجح في السيطرة على أعصابه ،وفى استعادة جرأته المعهودة وقال.
-ليس لدي أية نسخ ،كما أن التمثاال موجود بالمتحف ،أي أنه دمعسعجل ،وهذا يعني أنه
فقد قيمته لي مهرب آثاار ،فأينما ذهبت قطعة أثارية مسجلة فلبد من عودتها للمتحف
ل.
مرة أخري ،عاجلا أم آج ا
200
رسم اللواء على وجه ابتسامة تحبد ،وقال في ثاقة.
-يا دكتور ،راجع نفسك ،ول داعي للمراوغة ،بيتر موجود ،وأيض ا تريكة النحات
موجود ،ولدي صورة فاتورة الذهب الذي اشتريته من محل يوسف السرجاني صديقك.
لذ إبراهيم بالصمت ،ليستجمع شظايا عقله التي تطايرت عندما دخلت أذنه
كلمات اللواء الخيرة ،وحتى ل يستفز اللواء أكثار فيتفوه بالمزيد أمام ساويرس ،ولكنه لم
يعد يطيق صب ار حينما قال اللواء.
-ستقوم أنت وساويرس باستبدال التمثاال الصلي بالمقلد الذي لديك ،وليس لك صالح
ماذا سنفعل به بعد ذلك.
فانحنى للمام ليطفئ السيجارة في الطفاية على الطاولة وقال.
-الحكومة تريد التمثاال ،والتمثاال موجود لديها ،ما المشكلة في ذلك!
ارتبك اللواء وأتي بحركات ل إرادية فهم منها إبراهيم أن الرجل يخفي قصة مريبة
ل.
فعاجله قائ ا
-لنتكلم بصراحة ،عمن يريد هذا التمثاال؟ ،أعتقد أن الموضوع لحسابك الشخصي.
كان الستنتاج سريع ا وصحيح ا فلم يعد لديه فرصة للمراوغة ،طلب سيجارة
فناوله إبراهيم إحداها ،وقال عبد المسيح.
-أول مرة أشوف سيادتك وأنت تدخن سجائر!.
انحنى ليقترب من لهب الولعة ،التي أمسك بها إبراهيم وقد تعمد ألد يتحرك من
مكانه ليختبر قوة أعصاب اللواء ،وبالفعل لحظ ارتعاش عضلت وجهه وأصابعه،
فتأكد من أنه بالفعل مرتبك ومتوتر ،فنظر في عينيه يستحثاه على الكلم ،وقد توقع أن
يستمع لحكاية مثايرة ولكنه كان يخشى أن تكون خطيرة أيضاا.
نفخ دخان ا كثايفاا ،وراح يتفحص السيجارة في يده ثام قال في استسلم.
-حسناا ،سأكلمك بصراحة ،فهل تعدني بأن تتكلم أنت أيض ا بصراحة؟.
أومأ إبراهيم برأسه موافقا فتوجه اللواء ليجلس خلف مكتبه ،للحظات مرت ثاقيلة،
جال بنظره بين ضيفيه ،ثام قال فى تردد.
-لكي تستطيع أجهزة المن العمل في داخل الدول الخرى فإنها تحرص على عنسج
علقات شخصية قوية بين أفرادها وبين بعض الشخصيات الهامة في تلك الدول،
200
وخلل سنوات عملي الطويلة بدول أوروبا أصبح لدي أصدقاء من أعضاء بعض أجهزة
المخابرات هناك ،ولقد قدم هؤلء لمصر خدمات جليلة ،وقد فوجئت باتصالت عديدة
منهم ،بل إن بعضهم حضر خصيص ا لمصر لمقابلتي بشكل سرى ،وجميعهم ديلح في
أنه قد جاء دوري لرد لهم جزاءا من خدماتهم لي ،وفوجئت بقصة بيتر والقبض عليه
بالمطار ومصادرة التمثاال ،وطلبوا معلومات دمفصلة عن بيتر ،وعن كل من له علقة
بالتمثاال ،وبالطبع طلبوا منى البحث عن على العمرناوي ،وبالفعل تقابلت مع بيتر،
ومقابل وعد بإخراجه من السجن وتهريبه للخارج ،حكي لي تفاصيل علقته بك،
وتفاصيل صفقة التمثاال ،فتتبعت حسابات وتحويلت شركتك ،فتأكدت من صدق
كلمه ،وعرفت أن هذا التمثاال ظل بحوزتك لمدة شهر ،وعلى فكرة بيتر هو من توقع
أنك قمت بتقليد التمثاال ،وكما قلت لك معي فاتورة الذهب الذي اشتريته لتستخدمه فى
تقليد التمثاال ،وهي باسمك وقد سلمها لى يوسف السرجاني بنفسه ،فهو من رجالي
المخلصين ،ذهبت للقصر وتتبعت خطواتك هناك حتى تأكدت من علقتك بعلي الذي
اختفى تمام ا في تزامن واضح مع القبض على بيتر بالمطار وبحوزته التمثاال.
توقف عن الكلم وراح يطفئ السيجارة في الطفاية ببطء متعمد ،ثام واصل حديثاه
الذي نزل على إبراهيم كالصاعقة ،فقال بنبرة تهديد واضحة.
-دقتل بيتر في السجن ،بعدها طلبوا مني البحث عن على العمرناوى ،وأن أمدهم
بمعلومات وافية عن أي شخص قد تكون له علقة بهذا التمثاال ،من قريب أو من بعيد،
تيقنت من نيتهم بتدمير كل من له علقة بالتمثاال ،ولن هناك من يعرف بعلقتك
بتريكة النحات فقد اضطررت لقتله قبل أن يصلوا إليه ويتفوه أمامهم باسمك ،وعلى فكرة
دقتل مع تريكة رجل عرفت بعد ذلك أنه من المبتدئين في ادلشغلة وكان يسعى لشراء
تمثاال مقلد من تريكة لينصب به ،وقد ضحيت به لثابت لهم أنه تم تدمير كل من له
علقة بالتمثاال ،ولني أعتبرك من رجالي فقد أخفيت عنهم اسمك ،وأيض ا لني توقعت
ما طلبوه منى بعد ذلك ،وهو إخراج التمثاال من المتحف وتسليمه لهم مهما تكلف المر،
وحمدت ال على أنى تصرفت بشكل صحيح بناء على توقعاتي ،يعني أنا احتفظت بك
لحاجة توقعتها.
200
قال ذلك ثام نظر لبراهيم ،الذي كان في حالة من الهلع والرتباك لسماعه بمقتل
بيتر وتريكة ،وكيف أنه لم يعرف بمقتلهم من قبل ،أضاف اللواء.
-لقد أسديت إليك خدمة عظيمة عندما أخفيت عنهم اسمك ،وأريد أن ترد لي هذه
الخدمة ،أريد هذا التمثاال.
تصبب العرق من جبهة إبراهيم وشحب لونه ،ولم يعد يسمع ما يقال له فقد انفصل عما
يدور حوله ،وعاد بذاكرته لما قبل عدة شهور عمضت ،ليستعيد حكايته المثايرة مع على
العمرناوى وتمثااله الذهبي.
==========
في مساء يوم الثالثااء ،العاشر من أغسطس لسنة 2004م .وفى الملهى الليلي
لفندق سوفيتيل أولد وينتر ،بشارع كورنيش النيل بالقصر ،تقابل إبراهيم سالم مع على
العمرناوي ،ذلك الشاب السمر ،طويل القامة ،قوى البنيان ،كان مقبلا علي الحياة ،دائم
البتسام ويبدي الكثاير من أمارات الستهتار والتهور ،ولم يكن ينفك أبدا عن مرافقة
الحسناوات ،خاصة الجنبيات منهن ،والنفاق عليهن ببذخ.
ما إن دلف بقدمه لداخل الملهى ،حتي شاهده يخوض معركة شرسة ضد أفراد
المن بالملهى ،وفهم أن الشاب غير مرغوب فيه بالمكان لتحرشه بالنساء وهو مخمور،
فتدخل ونجح في تخليصه منهم ،وبصعوبة تمكن من إقناعه بالخروج معه.
بذل مجهودا كبي ار للسيطرة على الشاب السمر الذي كان يترنح ويتلفظ بكلم
غير مفهوم ،أدخله إلى السيارة بصعوبة وخرج ليبحث عن أجزخانة ،حصل على بعض
ما يلزم لفاقة الشاب وتوجه إلى شارع خالد بن الوليد حيث فندقه الصغير ،فلوبيتر،
وقصد شقته بالدور الخير ،واقتاده إلى الحمام ليفرغ بجوفه زجاجة من الدواء المسبب
للقيء ،فتصبب عرقه وبهت لونه وأوشك علي أن يفقد وعيه تماماا ،حثاه على التقيؤ ،بدأ
يترنح بقوة واندفع من فمه سائل أصفر له رائحة الكحول النفاذة ،تكررت بنجاح محاولت
الشاب لفراغ السائل الساخن من جوفه وانهار بعدها ل يدرى عن نفسه شيئاا ،أسنده
إبراهيم ووضع رأسه تحت ماء الصنبور البارد ،فشهق عدة مرات ،وبدا أنه يستعيد وعيه
شيئ ا فشيئاا.
200
نام بعمق وبعد حوالي ساعة انتبه للم بذراعه ،كان إبراهيم يخرج البرة من
ذراعه بعدما انتهي من حقنه بمحلول الجلوكوز الدمخفف ،أخذ الشاب يتحسس مكان
اللم وهو يجول ببصره في الغرفة مندهش ا ويردد.
-أين أنا؟ ،أنا فين؟ ،من أنت؟.
ابتسم إبراهيم وقال وهو يربت على صدر الشاب.
-حمد ال علي السلمة ،لقد أتعبتني ،إيه يا رجل أشربت با ار بأكمله؟ ،اشرب فنجان
القهوة ده لعله يفوقك حبتين.
في حيرة ودهشة تناول القهوة ،ثام سأل.
-صحيح ،أين أنا ،ومن أنت؟.
قال إبراهيم وهو يضبط عليه الغطاء.
-حينما تستعيد صحتك سوف تعرف كل شيء ،والن حاول أن تنام لترتاح.
بعد ساعة أخري استيقظ الشاب وهو يشعر بتحسن كبير ،وعندما وقعت عيناه
على أصناف الطعام والفاكهة على الطاولة بجواره ،هجم على الطعام وأعمل فيه يديه
وفمه فأتى على كل ما تحمله الطاولة في دقائق ،كان فمه ل يلحق يديه ،فتساقط منه
الكثاير من الطعام فبدا وكأنه ديطعم معه الطاولة والسجاد على الرض ،فرغت الطباق
فكفت يداه عن الحركة ،واستمر يلوك الطعام ببطء وهو مغمض العينين ،لم يتمالك
إبراهيم نفسه فضحك عالياا ،فانتبه الشاب ورمقه بنظرات قلقة ولم يتكلم ،ثام توجه إلى
ل ،تسبقه عبارات الشكر والعتذار،
الحمام وخرج منه شخصا آخعر ،شخصا هادئا خجو ا
فقال له إبراهيم.
-حمدا ل علي سلمتك.
ابتسم وقال بلهجته الصعيدية المحببة لبراهيم.
-أنا متشكر جوى يا بيه ،هو اسم حضرتك إيه؟.
ل ،طلعت لي سيادتك في
-أنا الدكتور إبراهيم ،من القاهرة ،جئت لرفه عن نفسي قلي ا
البخت وأضعت على السهرة.
-ل أتذكر إل أني كنت أتعارك مع المن بالملهى ،ماذا جري بعدها؟.
حكي إبراهيم ما حدث بالملهي فشكره علي ثام سأله.
200
-لكن سيادتك ل تعرفني من قبل ،فللعمـَ فعلت معي كل هذا؟.
-أنت ل تعرفني لكنى أعرفك ،كل مرة أزور فيها القصر كنت أراك في فندق ،في
مطعم أو في ملهي ،لفت انتباهي أنك كنت تتصرف بنفس الطريقة في كل مرة ،إما أنك
تتحرش ببنت من السياح ،أو تجالس أخرى ،تضحك معها لبعض الوقت ثام تسبها أو
تضربها ،يتدخل المن وتصير معركة ,أغيب عن القصر ،أسابيعع ،شهو ارا ،وأعود
لجدك علي نفس الحال ،وكأنك أصبحت جزاءا أساسيا من رحلتي للقصر.
فجأة تعالت ضحكات إبراهيم ،ثام نظر في حنان للشاب السمر وأضاف.
-لم أعد أتصور القصر بدونك ،في الزيارة الخيرة لم أجدك فضبطت نفسي وأنا
أجوب فنادق القصر بحثاا عنك ،وهذه المرة عندما وجدتك في حالة يرثاي لها ،ل أعرف
لماذا قررت أن أتعرف عليك وأسمع حكايتك.
استمر على يرمقه بنظرات امتنان وهو مندهش لما يشعر به من عواطف جياشة
نحو هذا الرجل الذي ل يعرفه من قبل ،وغاب بذهنه يحاول أن يجيب عن أسئلة ألحت
عليه ،فانتبه ليد إبراهيم علي كتفه وسمعه يقول.
-إيه؟ ،ل تريد أن تحكي لي حكايتك.
-ول حكاية ول حاجة يا بيه ،أنا اسمى على ،والدي هو الحاج عمران ،شيخ قبيلة
العمارنة.
-قبيلة العمارنة معروفة ،وتسيطر على البر الغربي المواجه لمحافظة المنيا.
-بالضبط كده ،وأنا حاصل على بكالوريوس التجارة من جامعة المنيا ،ولكنى ل أعمل
بشهادتي ،أساعد أبى في إدارة شئون القبيلة ،أنا غني جداا ،ولكني أضيق ذرع ا بحياة
الصحراء وبتقاليد القبيلة ،والقصر هي متنفسي الوحيد ،كلما سنحت لي الفرصة
أحضر إلي هنا لرفه عن نفسي ،لكن المشكلة.
توقف فجأة عن الكلم وأطرق ينظر للرض ،وبدا وكأنه يحاول أن يمنع كلم ا
مخجلا من أن يجرى على لسانه ،حثاه إبراهيم على أن يواصل حديثاه فقال.
-المشكلة كانت تتكرر في كل مرة ،ينفذ المال قبل أن اكتفي من القصر ،ومن هنا
تبدأ المعارك ،إما بسبب حساب الفندق ،أو بسبب بنت من السياح ،طالما أني أنفق
200
عليها ببذخ تكون رهن إشارتي ،وما أن تشعر بأني قد أفلست تتنكر لي ،وتفلت
أعصابي ول أتركها حتى أتسبب لها في فضيحة.
ما إن سمع الجملة الخيرة حتي انفجر في الضحك وقال بصعوبة.
-فضيحة! ،لمن يا علي؟ وهل يعرفون بعضهم بعضا هنا؟!.
ابتسم في خجل ثام أطرق ينظر للرض وهو يقول بنغمة صوت ساخرة.
-على قولك يا دكتور ،أتعرف أن معركة اليوم كانت بسبب بنت ألمانية كفلقة القمر،
أنفقت عليها في أسبوع واحد حوالي عسبعين ألف جنيه ،ومن جمالها لم نغادر غرفتي
بالفندق خلل هذا السبوع ،لما خلصت الفلوس عادت من فورها لصديقها اللماني،
عندما شاهدتها تجالسه اليوم في الملهى أفلتت مني أعصابي ،هجمت عليها ودارت
معركة بيني وبين صديقها ولول تدخل المن كنت خلصت حقي منهما.
-سبعون ألف جنيه في أسبوع واحد ،ليه ،مارلين مونرو؟.
بدون تردد قال في هيام وحسرة.
-أجمل من مارلين يا دكتور.
رسم إبراهيم على وجهه نصف ابتسامة وتنحنح قليلا ثام قال.
-كنت أعتقد أن نساء ألمانيا ل يأبهن إل بالفحولة الجنسية للرجل.
قال ذلك ثام أطلق العنان لضحكات عالية خرجت قوية فاختلطت بسعال شديد،
خرج منه كصرخات مبحوحة ،استمر يضحك ،ومن بين غمامة الدموع ،علمح بصعوبة
على وجه الشاب علمات الغضب والخجل ،فوضع يده على فمه ليكتم الضحك عفسعل
عدة مرات ،ثام تنحنح وقال.
-لم أقصد التشكيك بقدراتك ،لكني دمندهش من تصرفها معك.
-أولا أنا قدراتي معروفة لكل من وطأت قدماها القصر ،ثااني ا حضرتك تتحدث عن
النسوة كبار السن ،اللواتي يجبن الشوارع هنا ،أو في الغردقة أو حتى بالوادي الجديد،
تبحث كل منهن عن شاب عفحل ليضاجعها ،أسبوعاا ،أسبوعين ،مقابل إغداقها عليه
بالمال ،وطبع ا كل شاب من هؤلء يبذل قصارى جهده لينال إعجابها لعلها تصطحبه
معها لبلدها وتنقذه من البلد دي ومن اللي فيها ،أما الحسناوات منهن فل يشغلن
أنفسهن إل بالفلوس والهدايا.
200
-يمكن يا علي ،يبدو أنك خبير في تلك المسألة.
انتبه لشيء مهم ،فاقترب منه وسأله في عطف.
-خلصت فلوسك قبل أن تشبع من القصر هذه المرة أيضاا ،صح؟.
لم يرد وأطرق ينظر للرض ،فربت إبراهيم علي كتفه وأضاف.
-ل تهتم للمر ،أنت ضيفي اليوم وغداا ،لكن بعد غد سأنتهي من أعمالي وأعود
للقاهرة ،أرجو أن تغادر القصر عند ذلك ،كفاية مشاكل هذه المرة ،اتفقنا؟.
-ماشي ،هو حضرتك هنا في زيارة عمل ول سياحة؟.
-لدي عمل هنا ،ولو هناك وقت استغله لرفه عن نفسي بعض الشيء.
قال ذلك ثام أشار بسبابته اليمنى نحو على ،وأضاف وهو يضحك.
-لكن من غير نساء.
ضحك علي للحظات ثام توقف فجأة وقال.
-لكن حضرتك دكتور ومن القاهرة ،فما هو العمل الذي يمكن أن تؤديه بالقصر؟.
-لدي بعض العمال الخاصة هنا ،ثام وما شأنك بعملي؟.
-ما فعلته معي معروف يطوق رقبتي ،وفكرت أنه يمكن أن نصبح أصدقاء؟ ،لكن
يبدو أن لحضرتك رأيا آخعر.
-بل أرحب بصداقتك ،ولكنك ،وكما هي عادتك ،متسرع ،فنحن لم نتعرف علي بعضنا
البعض سوي منذ ساعتين أو ثالث فقط ،اترك كل شيء يأخذ وقته ،وفى الوقت
المناسب لن يكون بيننا أسرار.
-كلمك صح يا دكتور ،ما رأيك في أن نخرج لنكمل السهرة سوياا ،أعرف مكان ا راقي ا
ترتاده أجمل النساء ويقدم أجمل الخمور وألذ الطعام.
-ل أعتقد أنك جائع ،كما أن الليل قعدرب على النتهاء ،وأنا ليس لي ل في النساء ول
في الخمر ،الحقيقة أنك تعشق السهر ،ولو على حساب صحتك ،علي أية حال سأذهب
معك.
صاح على في حماس.
-أنت ضيفي الليلة ،السهرة على حسابي.
ثام تذكر أنه دمفللس ،فأضاف في خجل وبصوت منخفض.
200
-أقصد أن حساب سهرة الليلة سيكون دينا علي ،سوف أرده إليك في المرة القادمة.
-أنت ضيفي اليوم وغداا ،وفى المرة القادمة سأكون أنا ضيفك.
-ومتى ستحضر للقصر في المرة القادمة.
-عندي شغل هنا بعد أسبوعين.
ضحك على وهو يقول.
-شغل تانى ،وال قلبي يقول لي إن حكايتك حكاية يا دكتور.
-أمازلت مخمو ار يا على؟.
على الرغم من توبيخ إبراهيم ،ومع خوفه من إغضاب صديقه الجديد ،لم يتمكن
من التوقف عن الضحك إل بصعوبة بالغة ،وعندما عهعم بالعتذار خرجت منه الكلمات
متقطعة والجمل متفرقة ،وقال في نبرة اعتذار.
-لم أقصد مضايقتك يا دكتور ،ول التدخل فيما ل يعنيني ،أنا أضحك على حالي،
ولني أعتبر نفسي حكاية ،وأتصور أن كل شخص آخر هو مثالي يخفى عن الخرين
حكايته ،عندما تستمع لحكايتي سوف تعذرني وتتفهم موقفي.
----------
كان إبراهيم سالم يتعقب الشاب } عليا { طيلة الشهور الماضية ،فحين نما
لعلمه أن البن الكبر للشيخ عمران دائم التردد على مدينة القصر ،ويعشق السهر
بنسائه وخمره ،راقبه كثاي ار ليتفهم شخصيته تماماا ،وفي يوم لقائهما الول قرر أن يقتنص
الفرصة ليتعرف إليه ويوطد علقته به ،لعله ينجح عن طريقه فيما فشل فيه عدة مرات
من قبل.
كان إبراهيم قد ابتاع لوحة جدارية أثارية من ناحية محافظة المنيا ،وأبلغه صديقه
رضا جلل أن اللوحة تشير بدقة لمكان مقبرة الملكة نفرتيتي ،بالقرب من منطقة أطلل
تل العمارنة بالصحراء الغربية.
تحرك في كل مكان ،واستعان برامي حواس ،صاحب النفوذ الكبير على رجال
هيئة الثاار ،وأيض ا بصديقه أحمد عزمي ،ابن إبراهيم عزمي ،صاحب النفوذ الكبير
على كل مسئولي الدولة ،وبالفعل تمكن من إدخال رجاله ومعداته للمكان ،وما هي إل
ساعة أو ساعتين حتي حضر الشيخ عمران ومن خلفه جيش من الفرسان الدمدججين
200
بالسلح ،وأمر رجاله بالقبض على جميع الغرباء ومصادرة المعدات ،وبعد تدخل العديد
ل.
من الشخصيات السياسية والمنية ،أفرج عنهم بعدما أنذرهم قائ ا
-سأترككم تذهبون لولدكم هذه المرة ،ولكن المرة القادمة سيموت أي شخص ،مهما
كان ،لحظة أن تطأ قدمه هذه الرض ،وربما قبل ذلك.
نظر لرجاله في غضب ثام قال بصوت عميق ،وكأنه يأتي من جوف الزمن.
-تعين حراسة ليل نهار على المكان ،أطلقوا النار فو ار على من تطأ قدمه المكان.
انتهي من كلمه واستدار ليغيب في الصحراء ومن خلفه رجاله منتظمين في
صفوف مهيبة ،وبالرغم من أنه لم ينس قطط ملمح القسوة والصرامة على وجه الشيخ
عمران ،لم يتورع إبراهيم عن محاولة التسلل للمكان ،وبالكاد نجي بأعجوبة في محاولته
الخيرة ،وكعادته لم يسمع لنصيحة أصحاب النفوذ بنسيان أمر المقبرة وقرر العتماد
على ذكائه وسعة حيلته ،فجمع عن القبيلة ما استطاع من معلومات ،وها هي خطته
تقترب من أن تأتى بأكلها بعد شهور من الصرار والتخطيط المستمر.
----------
مع أول النهار ،عاد بصيده الثامين إلي الفندق ،بعدما استمتعا بسهرة رائعة بأحد
الملهي الليلية ،ساعده على خلع ملبسه والنوم في السرير ،ثام أدار جهاز التكييف،
ليطرد الحر من الغرفة ،وراح يتأمله وهو يغط في نوم عميق مستعيدا كل ما سمعه منه
أثاناء السهرة ،فقد اخترقت دأذنيه كلمات أدارت كل أجهزة اللحفظ والتخيل والتفكير بعقله.
فقد تجاهل الشاب تحذيراته وانكب على زجاجات العخمر يفرغها بجوفه بسرعة
دمدهشة ثام بدأ يهذي بكلم عجيب أثاار انتباه إبراهيم فكف عن محاولة منعه من تناول
المزيد من الخمر ،مبديا اهتماما بالغا بما يسمعه ،وراح يستحث غنيمته على البوح
بالمزيد بنظرات وتعبيرات وجه تعبر عن الدهشة ،فاسترسل علي يقول.
-أنت تتعجب من نهمي للخمر والنساء ومن إسرافي في إنفاق المال ،أولا أنا أريد أن
انسي تعاستي ،ثاانيا أنا لم أتعب في جني هذا المال ،هو يأتيني بل تعب ،فقط اطلب
فينهمر علي ،كل شهر أستلم شيك ا بنكي ا بعشرة آلف دولر ،وأحيان ا بأضعاف ذلك،
يبعثاه لي جماعة من المجانين ،أجانب من دول مختلفة ،ل أعرف حكايتهم مع والدي
ول مع مكان عجيب عندنا في الصحراء يحجون إليه كل عدة سنوات.
200
راح يرمقه بنظرات العشك ليستفزه على السترسال ،فأضاف.
-ل أحبهم ول أفهمهم ،تصرفاتهم غامضة ،يعتقدون أنهم يشتروني بالمال ،وأنا أمير
ابن أمير ،ل يستطيع أي ا من كان أن يشتريني.
أتي علي الزجاجة الثاالثاة ،طلب غيرها فرفض إبراهيم ،فقد لحظ أن الشاب بدأ
يحذق ويتنفس بصعوبة ،رضخ علي وبعد لحظات تمكن من مواصلة حديثاه.
-أتحملهم علي عمضض لن والدي يحترمهم جدا وأوصاني بهم.
أجبرته نوبة من الزغطة القوية على السكوت ،ناوله إبراهيم كوبا من الماء
البارد ،عبه في جوفه ،وأخذ يحذق بقوة حتى هدأت الزغطة ،تنحنح بعدها ثام قال.
-لم أكن خادما لهم ،فقط كنت دليلهم في الصحراء ،فليس هناك من يعرف الطريق إلى
مكانهم المقدس إل الشيخ عمران وأنا.
كان إبراهيم يستمع بانتباه شديد لما يقوله الشاب المخمور والذي استرسل في
ل.
الحديث وكأنه ديزيح عن قلبه عهما ثاقي ا
-يأتون إلينا كل عدة سنوات ،فتعم مضارب القبيلة احتفالت صاخبة ،رقص وعزمر
وولئم ،ويرتدى كل أفراد القبيلة الملبس الجديدة ،عيد بحق وحقيقي ،يستمر لمدة
يومين ،بعدها ،يتقدمهم الشيخ عمران إلى عمق الصحراء ،يغيبون ليوم واحد ثام يعاود
بهم ليقضوا معنا يوم ا آخر ثام يغادرون لبلدهم.
توقف عن الكلم وضغط عينيه بيمناه ثام مسح بها على رأسه وأضاف.
-في بعض الحيان يأتون كمجموعات صغيرة ،وفو ار يخرج بهم الشيخ عمران إلى
الصحراء ،ويعودون في نهاية نفس اليوم ويغادرونا فو ارا ،ممنوع على أي فرد في القبيلة،
حتي أنا ،أن يسأل عن أي شيء يخص هؤلء الجانب ،هم سياح يأتون فى رحلت
سفاري وفقط ،بعد انتهائي من امتحانات السنة الثاانية بالكلية حدث أن مرض الشيخ
فأسند إلي حماية أخطر سر من أسرار القبيلة كما قال ،ذهبت معه عدة مرات حتى تأكد
من أني قد خبرت الطريق جيداا ،وفي المرة الخيرة باح لي بسره الكبير.
وأضاف على أن الوفود التي تقصد مضارب القبيلة هم أعضاء جماعة دينية باطنية،
وأنهم يرتبطون بالقبيلة عن طريق صلة الدم ،وما حدث هو أن الكهنة المصريين ومعهم
قواد الجيش كانوا قد تكالبوا على الملك النبي ،جد آل عمران ،فشتتوا أتباعه في بقاع
200
الرض ،واستمرت ديانتهم سرية لمئات السنين ،وحين قويت شوكة أتباعها ،وكان ذلك
فى نهاية فترة حكم المماليك لمصر ،تمكنوا من نقل بعض أفخاذ القبيلة من الجزيرة
العربية ،ومن شمال أفريقيا ،ومن جنوب أسبانيا ،وجنوب إيطاليا ،وتوطينهم بصحراء
البر الغربي لمنطقة وسط الصعيد.
بدأ الشاب يتلعثام في الكلم ،وثاعدقعل لسانه كثاي ارا ،ولم يعد إبراهيم يستوعب ما
يسمعه ،فقام بدفع الحساب واتجه بصيده نحو مقهى في نهاية شارع العوامية ،وحثاه
على تناول كوب كبير من القهوة الثاقيلة ،وبدلا من أن يستعيد قدرته على التركيز
والكلم ،أخذ يتقيأ بعنف وتصبب منه عرق غزير فخاف إبراهيم على صيده وقرر
العودة به إلي الفندق على أن يعيد الكرة في الغد.
لم يتوقف الشاب عن محاولة السترسال في الحديث ،فتعمد إبراهيم قيادة السيارة
ببطء وقام بفتح نوافذها ليضمن هواء دمنلعش لصديقه الذي قال في وضوح.
-حذرني الشيخ من إغضابهم وقال أن يدهم باطشة وأن منهم شخصيات هامة على
كافة المستويات ومن كل جنسيات العالم تقريباا.
وقال أيض ا أن قيادات الجماعة تأتى لداء العمرة كل عدة شهور ،ويؤدون
مناسك الحج إلى بيت ال كل ثامانية سنوات ،وقال أيضاا ،وبالرغم من أن قبيلته تدين
بالسلم إل أنها تتبع تلك الجماعة ولكن كهنة الجماعة أعفوا رجالها من الحج والعمرة،
وكذلك من بقية طقوس العبادة ،حفاظا علي السرية ،وقد ساعدوا شباب القبيلة على
التعلم واكتساب الخبرات النادرة في مختلف المجالت ،ومنعوا الزواج من خارج القبيلة
حفاظ ا على نقاء الدم .وأضاف أنه بعد مرض الشيخ عمران ،كان هو من يقوم بحماية
الوفود وبقيادتها إلى أماكن الحج والعمرة ،وبأنه ،ورغما عنه ،قام بأداء مناسك الحج
والعمرة ،وكذلك بقية طقوس العبادة ،بالنيابة عن جميع أفراد القبيلة كما كان يفعل والده،
دقائق قليلة وتوقف الشاب فجأة عن الكلم واستسلم لنعاس متقطع فأسرع به إبراهيم إلى
الفندق.
----------
راح إبراهيم يستعيد ما سمعه مرات ومرات ويتفحصه بخبرته ليستخلص منه ما
قد يفيده في اقتناص الغنيمة الكبرى.
200
فتح عينيه فوجده نائما على المقعد فاعتقد أنه جلس بجواره ليرعاه ،فجاشت
عاطفته نحو صديقه الجديد ،وبرفق حاول إيقاظه ليستريح في السرير ،استيقظ إبراهيم
بصعوبة ،كمن يتعافي من إغماءة ،وسمعه على يهذي ببعض الكلمات ،،،الجماعة
،،،المكان المقدس ،،،القبيلة ،،،الشيخ عمران.
بعد حمام فاتر استرد إبراهيم كامل لياقته الجسدية والعقلية ،اقترح علي أن يتناول
صباح.
طعام الغذاء بالغرفة ثام يخلدا للنوم مرة أخرى ليستطيعا السهر عحتى ال ع
على طاولة الغداء تقمص إبراهيم دور الغير دمهتم بما سمعه أمس من على
الذي نبهته الكلمات ،التي نطق بها إبراهيم ،إلى أنه قد أفرط في الحديث ليلة أمس،
فاختار هو أيضا أن يلتزم الصمت انتظا ار لن يبادر الدكتور بالحديث ليعرف كم أفلتت
منه المور ،ولكن هيهات أن يصمد أمام دهاء إبراهيم ،فبعد دقائق لم يعد يطيق صب ارا،
ل.
فبادر هو بالكلم قائ ا
-كنت تتكلم وأنت نائم يا دكتور ،أظنك كنت تردد بعض ما سمعته منى ليلة أمس.
-ليس من عادتي الكلم وأنا نائم! ،ماذا قلت؟.
-جماعة ،مكان مقدس ،القبيلة ،الشيخ عمران ،أشياء يهيئ لي أنى تحدثات بها.
نظر إليه إبراهيم بعدم مبالة وقال.
-فعلا أنت تكلمت في أشياء كثايرة ،أظنها تخاريف الخمر وقلة النوم ،ورددتها أنا من
الجهاد ،ل تشغل بالك ،أريدك أن تأكل جيداا ،فمعدتك فارغة بالتأكيد.
لم يقتنع بما قاله إبراهيم ،فسأله في مكر.
-هل تذكرني بما قلته أمس وأنا مخمور.
رسم إبراهيم على وجهه تعبيرات تؤكد عدم اهتمامه وقال.
-أنت لم تكف عن الكلم لحظة واحدة ،تكلمت عن قبيلتك وعن جماعة دينية تحج
لمكان سري ل يعرفه إل أنت والشيخ عمران ،حكاية تشبه حكايات الفلم.
قال ذلك ثام نظر في عيني على وأضاف ساخ ارا.
-يبدو أن هذا بسبب إسرافك في مشاهدة الفلم الهندية.
قال ذلك ثام ضحك كثاي ار فنجح في استفزاز علي الذي بذل مجهودا كبي ار ليكظم
غضبه وقال في حذر.
200
-لو أنك ل تصدق ما سمعته مني ليلة أمس ،فكيف ستصدق ما لم أعدقبله بعد.
تمهل إبراهيم وآثار الصمت ،وتظاهر بالنشغال بتناول الطعام ليوحي لصديقه
الصغير بأنه بالفعل غير مصدق لما سمعه ،بل وغير مهتم.
وحدث ما توقعه ،طلب منه على أن يسمعه جيدا لنه سيبوح له بسر خطير،
ل ،فهذه الثاقة هي ما ستمكنه من مقبرة
ابتهج بثاقة الشاب به ،فهذا ما سعي إليه طوي ا
نفرتيتي التي منعه عنها الشيخ عمران ،وهو ليس في عجلة من أمره ،فها هو يسيطر
علي ولي عهد القبيلة ،فحتى لو انتظر لسنوات فحتما سيموت الشيخ عمران ويتولى
على قيادة القبيلة ،وحينها ستتاح الفرصة ليحصل على مراده.
انتبه إبراهيم وراح يستمع لعلي في اهتمام شديد.
-كل ما قلته صحيح ،أنا كنت دليلهم في الحج الخير ،في شهر فبراير الماضي.
صمت قليلا ثام أضاف وهو ينظر لبراهيم.
-سأحكي ما عشته ورأيته بعيني واحكم أنت علي ما سوف تسمعه مني.
ضحك إبراهيم ثام قام من مكانه ليقف خلفه وربت على كتفه وهو يقول.
-لم أقصد أن أغضبك ،فقط الكلم كان غريب ا علي أذني ،تكلم فكلي أذان صاغية.
ثام أشعل سيجارة وجلس في وضع يوحي بالهتمام والحترام ،فقال الشاب.
-هؤلء الناس يؤمنون بدين عجيب ،حجهم جنس وعربدة ،يصلون بطريقة غريبة
ويسجدون لتمثاالي رجل وامرأة ،أظنهم من الذهب الخالص.
عند سماعه لكلمة ذهب ،ذهب عقله ،ارتعشت يداه وأخذ يتحرك في مقعده وهو
فاقد القدرة على التركيز ،وكأنه يحلم بأنه العالم نيوتن يفتح حجره لتسقط به تفاحة فينظر
لها متعجبا كيف لم يلهم التفاح المليين من قبله ما ألهمه إياه! ،أو أنه أرشميدس وهو
يصرخ ،وجدتها ،وكأنه أول من اقتنى حوض ا للستحمام وأول من دفع بجسمه الماء
خارج الحوض فأوحى له الماء ما أوحى!.
شرب كوبا من الماء المثالج في محاولة للتقليل من شدة انفعاله ،وراح يفكر
بطريقة يضمن بها أن يبوح الشاب بالمزيد من تلقاء نفسه ،فوجد ضالته في كتاب
صديقه ،رضا جلل ،عن الجماعات الدينية السرية والتي يحج أعضاؤها لمصر
ليمارسوا طقوس عتعدبد شاذة ،فقاطع عليا وراح يقص بعض ما يتذكره من الكتاب.
200
بعدما انتهي من حكاياته المثايرة ،كان قد تخلص من دهشته واستعاد قدرته على
التركيز الشديد وأمسى عقله في أوج نشاطه ،وبقدرته الفائقة على التوقع تيقن بأنه على
أعتاب فرصة خطيرة ،ولكن حدث أن فعقععد الشاب ،وبشكل مفاجئ الهتمام بمواصلة
ط في نوم عميق فقد اطمأن إلي أن
الكلم ،فقام وتمدد على السرير وسرعان ما عغ ع
صديقه الجديد يصدقه وهذا ما كان يبغيه من حديثاه ،دأسقط في يد إبراهيم فأقنع نفسه
بحمام آخر ،وقرر النوم حتى المساء آملا في سماع ما يرضيه.
استيقظ وترك لعلى خمسة آلف دولر مع ورقة يخبره فيها بأنه خرج لنجاز
بعض العمال المهمة ،وأنه سيكون بانتظاره غدا لتناول طعام الغذاء بمطعم سافوي
بشارع النيل ،الساعة الرابعة عص ارا ،ولم ينعس أن يتمني له سهرة رائعة.
تثااءب عدة مرات ثام فرك وجهه وعينيه فتباعدت جفونه وجال بنظره يبحث عن
صديقه فلمح النقود ،ق أر الورقة فطار ما تبقى بعينيه من أثار للنوم ،راح يعد النقود تارة
ويتقلب في السرير تارة أخري ،في محاولة لضاعة الوقت حتى يأتي موعد السهر
بملهي القصر ،كان يشعر بالمتنان لموقف إبراهيم منه ولكن ما أصابه بالدهشة حق ا
هو شعوره بافتقاده لرجل لم يعرفه إل بالمس فقط.
شعر بشيء من الراحة والسكينة ،فها هو يتذوق ،ولول مرة ،مشاعر الصداقة
الحقيقية ،وكأنه يولد من جديد ,نظر لصورته في المرآة وراح يدقق في ملمحه ،فبانت
له حقيقته ،سكير وععربيد ،سفيه وأهوج ،وعلى غير عادته ،راح يسأل نفسه ،،،عكم من
المال أنفقت على النساء والساقطات؟ ،،،ما هو دورك في الحياة؟ ،،،أضعت عمرك
في التعليم وكان مصيرك أن تعمل دليلا لكلب أولد كلب ،،،الدكتور إبراهيم يترك
أسرته ويأتي لخر الدنيا ،لعيععمل وديحقق ذاته؟ ،،،ماذا فعلت أنت؟ لماذا ترضي بهذا
الضياع؟ ،،،ليه دتعلرض نفسك للمهانة كل يوم؟ ،،،يوم دتنفق ببذخ ويوم يلقون بك في
الشارع لنك لم تدفع الحساب ،أنسيت أنك أمير؟ ،،،أنسيت أنك ستصبح مسئولا عن
اللف من أبناء قبيلتك؟ ،،،لماذا ل تكون كالشيخ عمران ،رجل محترم وله هيبة لدى
الحكومة والناس أو كالدكتور إبراهيم؟.
غادر الفندق بسرعة ،ليغير المكان ،أملا فى أن يساعده ذلك على التخلص من
المشاعر الغريبة التي كادت أن تخنقه ،توجه إلي الفندق الذي كان يقيم به ليأتي
200
بأمتعته ،فوقعت عيناه على البنت اللمانية في لوبي الفندق ،فعشععر برغبة ععارمة في
النتقام.
----------
على مائدة الطعام ،بمطعم سافوي ،كان إبراهيم يستمع للشاب وهو يحكى
بحماس كيف أنه أغرى اللمانية بالمال ووعدها بهدية ثامينة ،ثام أخذها لغرفته
وضاجعها ثالث مرات ثام طردها بعدما فضحها أمام الجميع بالفندق.
لم يتمالك إبراهيم نفسه فانطلقت منه ضحكات جميلة ،أثاارت انتباه رواد المطعم،
فشعر على بالخجل وسأل صديقه بعينيه لماذا تضحك ،فمعد إبراهيم رأسه نحوه وهمس
ل.
له قائ ا
-تاني يا على تقول فضيحة ،هي البنت دى من بلدكم ول إيه؟.
ثام أضاف وهو يغالب الضحك.
-وبعدين أنت تقول ثالث مرات ،يعني هي المستفيدة وأنت اللي أهلكت نفسك!
انفجر علي في الضحك حتى كاد أن يختنق بما في فمه من طعام فتأكد لبراهيم
أن الشاب في أفضل حالته المزاجية ،وتوقع أنه سيعب الخمر عب ا بقية اليوم ،فوضع
خطة لستدراجه لديكمل حكايته المثايرة ،ولكن مرة أخرى يعاند الحظ إبراهيم ،فبعدما
انتهى على من تناول طعامه قال لبراهيم.
-لن أنسى جميلك أبدا يا دكتور ،إوان شاء ال نتقابل عند عودتك للقصر في المرة
القادمة ،إوان شاء ال سوف أسدد لك ما على من دين.
-لماذا؟ ،ألم نتفق علي قضاء اليوم أيض ا مع بعضنا البعض؟.
-كان بودي ،ولكن الشيخ عمران اتصل بي ليستدعيني فو ارا ،وهو ناد ار ما يفعل.
ودع كل منهما الخر وتواعدا على اللقاء بعد ثالثاة أسابيع.
==========
بمجرد وصوله للقاهرة ،استدعي صديقه رضا جلل وأعاد على مسامعه ما
قصه عليه علي العمرناوي ،فأكد له صدق ما قاله الشاب ،ثام فاجأ إبراهيم بأن أطلعه
علي لسر خطير احتفظ به لنفسه طويلا فقال.
200
-كنت أتتبع عددا من أعضاء جماعة دينية تتعبد إلى قرص العشمس ويحجون إلى
مكان ما بالبر الغربي لمدينة القصر ،وذلك في بداية النصف الثااني من شهر نوفمبر
كل عام ،وفى يوم لن أنساه أبداا ،يوم الحد الموافق السادس عشر من نوفمبر لسنة
1997م ،وتحت جنح الظلم توغل أعضاء هذه الجماعة ،لمسافة خمسة كيلومترات
تقريباا ،في عمق صحراء البر الغربي ،وحطوا رحالهم بمكان تحيطه الجبال من ثالث
جهات في شكل هلل يحتضن جهة الشرق ،أشعلوا المشاعل وبعدما انتهوا من تناول
الطعام والمشروبات الروحية ،انتظموا في شكل دائرة كبيرة ليحيطوا في مركزها برجل
وامرأة ،وعلي الفور صدحت الموسيقي الصاخبة وانهمك الجميع في رقص إيقاعي
منتظم ،شيئا فشيئا انتابت الجمع حالة هيستيرية فبدوا كمجاذيب حلقات الذكر في
الموالد ،وفي نفس اللحظة راح كل منهم يخلع عنه ملبسه قطعة قطعة ،وعلى إيقاع
الموسيقي ،حتى تعري الجميع تماماا ،كانوا يتوقفون عن الرقص لدقائق ليتلوا التراتيل
والدعية وليتبادلوا القبلت الساخنة ويدلكون أجساد بعضهم البعض في اشتهاء ،بعد
فترة راحت النساء تتأوه فخرجت منهن التراتيل همس ا وفحيحاا ،انتصب الرجال جميع ا بل
استثاناء ،وتحولت الدائرة إلى دائرتين الداخلية من النساء ومن خلفهن الرجال ،كل امرأة
خلفها من يداعبها ويتحسس جسدها ونهديها وهو يحتضنها من الخلف ،كان الثانائي
بالوسط يبكيان بشدة وهما يلوكان شيئ ا ما في أفواههما ،امتل المكان بالصراخ وبترديد
التراتيل والدعية ،وبعد قليل بدأت دائرة الرجال في الدوران في اتجاه عقرب الساعة
ودائرة النساء في التجاه المعاكس ،وتلعبت الموسيقي بالجساد وذهبت الرغبة
العارمة بالعقول ،واشتد الحماس وتعالت الصوات بالبكاء والنحيب ،وفجأة خيم
الصمت على المكان الذي سكن تماماا ،وفى وسط الدائرة نام الرجل على ظهره فاعتلته
المرأة بسرعة خاطفة ،لم تسكن عن الحركة لحظة واحدة ،وحين تصبب منها عرق غزير
أخذت تجول بين الحضور بنظرات زائغة وهى تحرك رأسها يمين ا ويسا ارا ،وللحظات
ترنو بنظرها لعلي ثام تنظر للجمع من حولها بعيون زائغة ،ومرة أخري تهز رأسها يمينا
ويسا ارا ،دقائق وفقدت السيطرة على نفسها تمام ا فأخذت تصرخ وتحذق وتتلوي من فوق
الرجل ،ل يكاد جسدها أن ينكمش حتى يتمدد بسرعة ،ثام ينكمش ببطء حتي يتكور
تماما وفى لمح البصر يتمدد مرة دأخرى ،وهكذا في انقباضات قوية متتالية كانت تعدرج
200
جسدها كله عرجا عنيفاا ،وبالرغم مما شعرت به من إثاارة فقد استطعت التقاط بعض
الكلمات من بين صراخها ،هووه ..هووه ..ياه ..ياه ..جاهوفاه ..جاهوفاه ..هييي
..هييي ،كان الجمع يرد عليها وسط أصوات البكاء والنحيب هاللويا ..وزاويت نيم ..
هاللويا ..تو بي إز تو بي ..هاللويا ..هاللويا.
هدأ جسدها فجأة ،وقبل أن تنهار من فوقه أنزلها الرجل وأراحها على ظهرها
وباعد بين فخذيها فأسندتهما على ساعديها ،وسقط فوقها وظل يصعد ويهبط حوالي
نصف الساعة بل توقف ،وحين توقعت أن المرأة قد هلكت ،أخذ جسد الرجل ينقبض
وينبسط ثام ارتجف في سرعة وقوة وصرخ ..زرز نو سييم ..زرز نو سييم .ورد عليه
الجمع آتون ..آتون ،وهم في حالة من الرتجاج الجسدي والبكاء عبدعلت ما بداخلي من
خوف وحذر إلى دهشة وذهول.
وقف الرجل فناوله أحدهم كوب تناوله علي ثالث جرعات ثام رفع يديه لعلي
وشرع بوجهه نحو السماء ،وراح يدور حول المرأة ،التي ما زالت تتشنج على الرض
وينهمر منها العرق بغ ازرة ،لحظات وسكن جسدها عن الحركة وأخذت تتكلم بصوت
غريب وكأنه يأتي من المجهول ،كانت تنطق بكلمات غريبة في بطء وقوة ،وانشغل
الرجل بتدوين ما يسمعه منها ،عندما انتهت من الكلم أشارت بيدها للرجل فجلس
خلفها وأخذها بين ساقيه وأسند ظهرها على صدره وسقاها من الكأس ثالث جرعات.
دقائق ووقف الرجل والمرأة وتحركا في حيوية فائقة ،بدا أنهما في حالة نادرة من
التألق الجسدي والنفسي ،وحين بدأت أشعة الشمس تشق الفق لتزيح بقايا الليل وتمهد
لفق ،اتجه الرجل وبصحبته المرأة نحو الجبل ليقفا
الطريق لظهور قرص الشمس في ا د
أمام مدخل كهف بباطن الجبل ،واصل الركوع والسجود وهما يرتلن الناشيد والتراتيل
ببطء وقوة ثام اختفيا بداخل الكهف لمدة تقارب الساعة ،وأثاناء ذلك أنهمك الجميع في
موقعة جنسية حامية الوطيس ،الشاب يعتلي من تبدو كأمه والرجل ينام من تحت من
هي كابنته ،وكان الشبه كبير بين الشباب من الذكور والناث ،قرب نهاية الساعة
تسارعت النفاس وغطى صراخ الشبق على تأوهات اللذة ،وفى اللحظة نفسها التي
انهارت فيها الجساد على الرض ،خرج الرجل والمرأة من الكهف وبيد كل منهما إناء
كبير وراحا يساعدان الجميع على تناول جرعات من الشراب ،من يشرب يسرع في
200
حيوية ونشاط إلى باب الكهف ليرتل الدعية والناشيد ،استمر ذلك حتى توسطت
الشمس السماء ،فأحرقوا كمية كبيرة من الخشاب تحت صخرة مفلطحة وحين التهبت
ألقوا عليها بكمية كبيرة من البخور والعشاب فامتل المكان بدخان أبيض كثايف تحول
شيئا فشيئا إلى سحابة ضخمة تبدأ من الرض وبارتفاع عدة أمتار ،دخلها أولا الكاهن
ورفيقته وخرجا منها بعد لحظات وعلي جسديهما قطرات كثايفة من العرق ،تبعهما
الباقون في صفين متوازيين ،يمسك كل رجل بيد رفيقته ،وبعدما انتهوا من حمام البخار
ارتدوا أغطية للجسم تشبه ملبس الحرام في حج المسلمين ،ثام توجهوا من خلف الرجل
والمرأة ناحية الشرق في عمق الصحراء حتى وصلوا لنقطة معينة وقفوا عندها وسجدوا
رافعين أيديهم للسماء في صمت جليل لفترة من الوقت ،بدأ بعدها الكاهن ديرتل وينشد
عدة مزامير ،والجمع يردد من خلفه باكي ا منتحباا ،ظلوا على حالهم هذا حتى غربت
الشمس فتبادلوا القبلت والحضان وهم في حالة من الفرح العارم ،ارتدوا ملبسهم وألقوا
في النار المشتعلة بملبس الحرام ،واستقلوا السيارات وعادوا إلى الفندق بمدينة
القصر.
في صباح اليوم التالي ،خرجوا مبك ار في رحلة إلى الدير البحري ،كنت أراقبهم
وهم يتجولون بساحة المعبد ،وفي حوالي الساعة التاسعة صباحاا ،تعالت الصرخات،
عدد من الشباب يهاجمون أفراد المجموعة دون غيرها ،منهم من يطلق النار ومنهم من
يطارد من اختبأ منهم ليذبحه بالسيف ،مثالوا بالجثاث وبقروا بطون النساء الحوامل
وأخرجوا الجنة ومزقوها.
استمر الذبح والتنكيل بالجثاث حوالي الساعة دون مغيث ،اختبأت فقد شلني
الخوف بعدما تيقنت أن القتلة يستهدفون هذه المجموعة بالتحديد ،فخشيت أنهم كانوا
يراقبونهم ،ومن المحتمل أن يكون أحدهم قد لمحني بالمس فاعتقد بأنى منهم ،فل
يتردد في الفتك بي لو حدث ووقعت علي عيناه.
لو تذكر أن كلا من الجماعة السلمية وجماعة الجهاد نفيا مسئوليتهما عن
الحادث ،وبعد أيام أعلنت الداخلية أن رجالها حاصروا الرهابيين في كهف بالجبل لعدة
أيام ثام وجدوهم جثاثا ا هامدة ،وحقيقة ما حدث هو أن الشباب القتلة هربوا ليختبئوا بكهف،
في نفس المكان الذي كانت تؤدي به الجماعة طقوسها بالمس ،وعندما اشتد بهم الجوع
200
فتشوا المكان بحثاا عن شيلء يأكلونه فعثاروا علي بقية طعام الجماعة ،تناولوا كل ما
وجدوه ،وأصيبوا بعد قليل بنوبة من الجنون فأخذوا يصرخون ويضربون بعضهم البعض
لفترة ،انهاروا بعدها تمام ا وماتوا ،كنت أراقبهم فظننتهم أصيبوا بلوثاة عقلية فقتلوا
بعضهم البعض.
قمت بجمع كل ما وجدته بالمكان من بقايا الطعام ،ومن بين ما وجدته بالمكان
وجدت عدة قطع تشبه قطع الفطر أو المشروم ،أرشدت البوليس لمكان الشباب وغادرت
إلى القاهرة ،وذهبت من فوري لصديق ،أستاذ علم النبات بكلية علوم القاهرة ،فتعرف
علي ما عرضته عليه ،وأخبرني أن هذا نوع من الفطر غير موجود بأي مكان فى العالم
سوي فى شبه جزيرة سيناء ،وأنه ديعتبر فط ار ساماا ،فعند تناوله تنتاب الشخص هلوسة
سمعية وبصرية وفوران جسدي هائل مع رغبة جنسية عارمة ،ويستمر ذلك لعدة ساعات
تنتهي بانهيار جسدي يتبعه تشنجات شديدة بكل أنحاء الجسد ثام اختناق شديد ،ليموت
خلل دقائق إن لم يتناول شرابا يحتوى على كمية هائلة من السكريات ومن السعرات
الح اررية.
وعرفت منه أن بدو سيناء استخدموا هذا الفطر منذ القدم كمنشط جنسي دون أن
يتأذى منهم أحد ،فقد اكتشفوا مشروبا مانحا للطاقة ليس له مثايل ،وذلك حينما لحظوا
أن طائر السلوى عيدحط على شواطئ سيناء منهك ا وموشك ا علي الهلك ،إل أنه كان
يواصل الطيران إلى قلب سيناء ،ليتغذى على ما يعرف بالعمن ،وهو سائل يفرزه جذع
شجرة تعرف بشجرة السيكوم ،ول توجد أيضا إل بسيناء ،هذا السائل يتحول ،مع قطرات
الندى في وقت الفجر ،إلى بلورات شديدة الحلوة ،عندما يتناولها طائر السلوى فإنه
ينتفض وينتعش وكأنه دبعث من جديد.
وأضاف رضا جلل.
-أنا أفشي هذا اللسر لول مرة ،وعموم ا أنا أعتقد أن هذا الشاب تحدث معك عن
جماعة دأخرى غير تلك التي حدثاتك عنها الن ،فهناك العديد من تلك الجماعات.
أشعل رضا سيجارة وراح يتأمل الدخان الخارج من فمه وهو يتشكل قبل أن
يختفي ،ثام انتبه لشيء وكأنه تذكره للتو فقال.
200
-ما حدث لم يردع تلك الجماعة عن معاودة الحضور للقصر ،فقد جاءوا في العام
التالي ولكنهم كانوا أكثار حذ ارا ،نزلوا في عدة فنادق بدلا من فندق واحد ،واصطحبوا
معهم من بلدهم حراسة خاصة وسرية ،وعرفت مدى قوتهم ونفوذهم عندما تولت هذه
الحراسة تصفية كل من كان له علقة بالشباب الذي ارتكب المذبحة في حقهم ،فهناك
من مات في حادث سيارة ،وهناك من مات مسموماا ،وهناك من اختفى ولم يعثار له أبدا
على أثار ،ولم يقترب منهم أحد بعد ذلك أبداا ،وهذا ما دفعني للحتفاظ بسرهم ولم أتطرق
إليه في كتابي أو في أي من مقالتي.
شعر إبراهيم بسخونة غريبة في رأسه فأمسك به بين يديه ،وسأل رضا.
-لماذا ذبح الشباب أعضاء هذه الجماعة بالذات دون غيرها من تلك الجماعات
العديدة ،والتي تأتي إلي مصر وفى أوقات محددة ومعروفة للجميع لتمارس طقوس ا
غريبة وشاذة.
-أعتقد أن ذلك بسبب ممارسة تلك الجماعة لزنا المحارم ،والذي تعتبره الجماعة طقسا
مقدساا ،فعلمن المؤكد أن هؤلء الشباب كانوا يراقبونهم ،فشاهدوا هلوسة جنسية دمقززة
للنفس ،وأعتقد أيض ا أن ارتداءهم لملبس تشبه ملبس الحرام لدي المسلمين
وصلواتهم التي تشبه صلتنا بالضبط ،هو ما أوعغعر قلوب الشباب عليهم .عرف
إبراهيم لسر قوة الشيخ عمران ،ولماذا رفض ،هذا الرجل الغامض ،كل ما قدمه له من
إغراءات ،وتأكد كذلك من أن الرجل سيقاتل بضراوة لمنع أية قدم غريبة من أن تطأ أي
لشبر من مضارب قبيلته ،وبات مقتنعا بأن علي العمرناوي هو أمله الوحيد في اقتناص
صفقة قد تكون العظم في دشغلة الثاار.
----------
عصر يوم الحد ،الثاالث من أكتوبر لسنة 2004م ،وبمطعم الكرنك بشارع
النيل بالقصر ،استقبل إبراهيم صديقه عليا بحفاوة بالغة ،ولحظ أنه ليس كعهده في
المرة الماضية ،سأله عن أحواله وسبب تغيره ،فأجابه الشاب بأنه يشعر بتفاهة وضعه
وبأن والده يضيع مستقبله من أجل هؤلء الجانب ،وأنه يريد أن يعمل ويحقق ذاته
ليستمتع بحياته كأي شاب في عمره.
200
شعر إبراهيم ببعض القلق من تغير الحالة النفسية لعلى ،فعمل على تغيير دفة
الحديث فتقمص شخصية صديقه رضا جلل وراح يسرد على الشاب بحماس مفتعل
كل ما عرفه عن الجماعة الدينية التي ذبح أفرادها بالقصر ،وكان إبراهيم قد قرر أن
يأخذ من تلك القصة مبر ار لما سوف يبديه من اهتمام بتفاصيل ما سمعه من علي في
لقائهما السابق.
وقد جرت المقادير بأحداث سريعة ومثايرة ،فقد تمكنت مشاعر الصداقة الحقة
صحبة
من الدكتور والشاب ،وأصبحت بينهما ثاقة ل حدود لها ،فبعد عدة أيام من ال د
الصاخبة في ملهي وفنادق القصر وأثاناء استمتاعهما بسهرة فخمة بصالة فندق
إيزيس ،ععب على كمية كبيرة من الخمر ،أطاحت بقدرته على التركيز ،فقال وبصعوبة.
-لعلمك يا دكتور كل ما قلته لي منذ أيام ل يقاس بما لدي.
نظر إبراهيم نحوه باهتمام فأضاف علي.
-تمنيت أن افعل ما فعله شباب الدير البحري لول خوفي من الشيخ عمران.
تنهد بقوة واحتلت علمات اللم والندم وجهه ثام قال في خجل.
-أعترف بأني طمعت في أموالهم ولكن لم يمنعني ذلك من استهجان تصرفاتهم
الشاذة ،كدت أتفجر حقدا وغضباا ،وسألت نفسي كيف للشيخ عمران ،الرجل الذي
عهدته مسلم ا ملتزماا ،أن يقوم على خدمة هؤلء الكفار بل ويعترف لي بأنه يعتقد ما
يعتقدون ويطلب مني أن أتبني عقيدتهم مثاله بما أني سأصبح أمير القبيلة من بعده ،أنا
أتمزق من داخلي ،أحب والدي وأحترمه ،ولكنى في الفترة الخيرة ضبطت نفسي أنتقده
وأرفض تصرفاته ،وكلما شعرت تجاهه بمشاعر غير دمحببة إلى نفسي ،كنت أهرع إلى
هنا أعب خم ار وأغرق نفسي في بحر النساء لعلها تهدأ.
ترقرقت عيناه بالدموع وأضاف.
-كنت شاب ا مستقيماا ،كانت الدنيا بالنسبة لي أخلق ا ورجولة والتزاماا ،ولكن بعد ما
حدث ،شعرت بأني شخصان مختلفان ولست شخصا واحداا ،ولني ل أستطيع أن أغير
من المر شيئا أقبلت على دنيا المجون لعلى أستعيد نفسي ،شخص ا واحدا حتى لو كان
سيئاا ،وأنت تري كيف أعيش الضياع ،ولكن بعدما تعرفت عليك نما بداخلي مرة أخري
على العمرناوي الدمحترم ،اكتشفت أنني لم أستطع القضاء عليه ،إنه الن يحتقرني
200
ويعذبني ،يحرضني على أن أكون محترما مرة دأخرى ،،،أريد أن أكون محترما يا
دكتور ،هل هذا ممكن؟.
قال ذلك وأجهش في البكاء مما أربك إبراهيم كثاي ارا ،فقد عشعر بتعاطف كبير مع
على ،ولكنه لم يستطيع أن يتخلى عن خطته وهدفه منها ،فأخذ يهدئ من روع الشاب
ووعده بأن يساعده على استعادة احترامه لنفسه ،ثام قال له.
-شوف يا على ،أخبرتك بمدى اهتمامي بموضوع الجماعات الدينية ،وأنا الن أطلب
منك أن تحكى لي تفاصيل رحلتك معهم للحج ،فهل تستطيع ذلك أم نرجئ الكلم في
هذا الموضوع إلي يوم آخر؟.
حرك الشاب رأسه ليؤكد علي أنه يريد أن يتكلم الن ،ثام جفف دموعه وقال.
-إنهم يمارسون الجنس المقدس بشبق ونشوة أسطورية كأهم مراسم حجهم ،ويتعبدون
لتمثاالين من الذهب ،لرجل يبدو جسمه كجسم امرأة فبدا لي وكأنه تمثاال لخناتون،
والثااني لسيدة أعرفها تماما فهي الملكة تي أم إخناتون وزوجته.
ثام نظر لبراهيم في فخر واعتزاز وقال.
-على فكرة يا دكتور أنا هوايتي هي الطلع على الكتب والمجلت التي تهتم بتاريخ
الفراعنة.
ابتسم إبراهيم وهز رأسه ليوحي له بأنه يصدقه ،فاستطرد علي.
-كان الرجال يرتدون ملبس تشبه ملبس الحرام السلمية ،أما النساء فكانوا كانوا
طوال الرحلة عرايا تماما إل من نقاب أسود ،يغطى كل الوجه فل يظهر منه إل العين
اليسري ،وتبدأ طقوس الحج بانتظام الجميع في صفوف متساوية ،ثام يبدءون في الركوع
والسجود خلف الكاهن الذي يقف بالضبط بحيث تلمس جبهته أصابع التمثاالين عند
سجوده ،بعد انتهاء الصلة دخل الكاهن إلى الكهف ثام خرج وبيده علبة من الذهب راح
ينثار ما بها من تراب على التمثاالين ،لتصدح بعدها الدعية والناشيد في المكان،
وينتهي فاصل البتهالت سريعا ليغرقوا لعدة ساعات في مجون ل يصدق ،تطهروا
بعدها بأدخنة البخور المحترق ،بعد ذلك قام الكاهن ومعه الكاهنة بحمل التمثاالين
وأدخلوهما إلى غرفة مبطنة بألواح من الذهب ومكثاا بداخلها ،بينما وقف الجميع أمام
الباب يسترقون السمع في شوق وصمت مهيب ،بعد دقائق تعالت من داخل الغرفة
200
أصوات تأوهات مكتومة تحولت بسرعة لصرخات حادة ومتقطعة ،ععم بعدها المكان
صمت رهيب إل من بعض الهات الممتدة ،دقائق وسمعت الرجل والمرأة يصرخان
بكلمات غريبة ما إن ترامت لمسامع الجمع حتى راحوا يبكون وينتحبون ،بعد قليل خرج
الرجل يخطو في ثاقة وشموخ وبيمناه عصا صغيرة وبجواره المرأة تمشي على أطراف
أصابع قدميها وتمد جسدها للمام وتفرد ذراعيها في نشوة وكأنها تحاول أن تطير،
عندها طغى على الحضور فرح عارم وانطلقوا في الصراخ والتهليل وتبادل الحضان
والقبلت ،وكأنهم يتبادلون التهاني على نجاح أو انتصار ما ،رفع الكاهن يده لعلى
فكتم الجميع أنفاسهم ليستمعوا لما يقوله الرجل .
غرفة ذهبية ،تمثاال ،ذهب ،كلمات أشعلت حماس إبراهيم وملته بالمل في
صفقة أسطورية ،أخذ يسجل في عقله بعض النقاط الهامة تمهيدا لمناقشتها مع علي
باستفاضة لحقاا ،وبالطبع لم ينعس أن يستحث الشاب ليواصل كلمه بإيماءات من رأسه
وبنظرات شغوفة بمعرفة المزيد ،كان علطى مرتاحا لهتمام صديقه هذه المرة ،فقال.
-انتهي الرجل من حديثاه وأخذ يلوح بالعصا للجمع ثام ألقاها على الرض فصارت في
التو واللحظة ثاعبان ا يتلوى زاحف ا ثام راح يقفز هنا وهناك والجميع يتحاشاه في فرح ،ثام قفز
الثاعبان لعلى وللمام قفزة خاطفة وسريعة وكأنه قذيفة واختفي في الرمل بعدها ،صرخ
الكاهن في الجمع الذي كان منشغلا بالثاعبان ،وعندما امتلك أبصارهم أخرج يده اليمنى
من ملبسه فخرجت بيضاء من غير سوء ،لوح بها عاليا فتللت كمصباح يضئ
نها ارا ،صرخوا في جنون وأخذوا يرددون كلمة لم أفهم معناها حتى الن ...هاللويا ...
هاللويا ،تيقنت أنهم يمارسون السحر السود ،فشعرت بموجة من الخوف والجزع تلهو
بأعصابي ،انسحبت لختبئ ،وأثاناء انشغالهم بحرق ملبس الحرام وتجهيزهم لمتعتهم
استعدادا للرحيل ،تسللت إلى الكهف ،بمجرد أن دلفت للداخل نظرت في أول غرفة
وكانت على يميني ،فوجدتها واسعة وتدعغطى جدرانها رسومات فرعونية رائعة ،وبها عدة
تماثايل مختلفة الحجام واللوان وفى نوعية الحجارة التي صنعت منها ،إبداع ل يصدقه
عقل ،بعدها دخلت من باب على اليسار فوجدت نفسي في الغرفة الذهبية ولم يكن
بداخلها إل التمثاالن علي قاعدة من الرخام البيض الشفاف ،جميع غرف الكهف بل
باب ولكن في نهايته رأيت بابا كبي ار من الخشب ،دفعته لدخل إلى غرفة فسيحة
200
جدرانها مطلية باللون الحمر القاني ويتوسطها تمثاال من الذهب طوله حوالي نصف
متر يستند على قاعدة من الفيروز الزرق الشفاف ،المدهش أن ضوء النهار كان يدخل
من نافذة عميقة بالجدار الشرقي للغرفة ،فينعكس على التمثاال وقاعدته فيضئ الغرفة
بمزيج خيالي من الشعة الذهبية وأطياف متداخلة من اللون الزرق واللون الحمر،
قرأت على قاعدة التمثاال كتابة باللغة المصرية القديمة دخطت بالطريقة الهيروغليفية،
وكذلك عدة نقوش وخراطيش مكتوبة بعدة لغات ،تعرفت منها بالطبع على كلمات
عربية ،إوانجليزية ،وأيضا قرأت كلمات قبطية ودأخرى عبرية بنفس المعنى وكأن العبارات
الصلية كانت مترجمة لعدة لغات ،وأنا أستطيع قراءة الكتابة المصرية ،كما أنى أعرف
الكثاير من الكلمات العبرية ،فلي صديقة إسرائيلية ،قضيت معها هنا بالقصر شه ار
ل.
كام ا
قال ذلك ثام مص شفتيه وأضاف.
-نعم هي يهودية إنما جميلة جداا ،وحشتني كثاي ارا.
تضايق إبراهيم لتغيير على لدفة الحديث فقال من بين أسنانه.
-لقد أثارت اهتمامي وشوقتني لحديثاك ،أرجوك أكمل ول تخرج عن الموضوع.
ضحك على ثام قال.
-آسف يا دكتور ،نسيت أنك ل تهتم بالنساء ،ما علينا ،أتذكر جيدا بعض الجمل
المكتوبة على قاعدة التمثاال منها ،الذي ل اسم له ،،الذي يعيش في الحقيقة ،،سيد
العالم ،،دمعطى أنفاث الحياة ،وفجأة جاءني هاجس أن الفتاه التي خصصوها لمرافقتي
قد تأتى للبحث عنى ،ارتبكت وخرجت بسرعة للطرقة ،كنت مشتت ا مذهولا فمشيت
ععكس اتجاه الخروج من الكهف ،توغلت في سرداب طويل يؤدى إلى دغرفة تبدو كغرفة
للكراكيب ،محتوياتها في حالة من الفوضى العارمة ،أخليت مدخل الغرفة من الكراكيب،
فظهرت قمة تمثاال من الذهب طوله حوالي نصف متر ،يتوارى خلف مجموعة كبيرة من
الواني الفخارية وعدد من التماثايل الصغيرة من البازلت والجرانيت وكومة من الوناسات
والمكاحل ،وخلف التمثاال تابوت صغير تغطيه نقوش رائعة ،أثاار التمثاال انتباهي بشدة،
فبينما كنت أتفحصه وأتمعن فيه سرت في جسدي رجفة خفيفة شعرت بعدها بخوف
200
عظيم ،وبالرغم من أنه تمثاال لطفلة صغيرة فقد اعتقدت أنها تنظر في عيني وتعلهم
بالحديث إلى.
بالرغم من السرور البالغ الذي شعر به إبراهيم وهو يسمع جملة ،تمثاال ذهب،
يرددها علي م ار ارا ،فإنه لم يعد يطيق صب ار فسأل على.
-لمن هذا التمثاال وهذا التابوت؟.
-قرأت ما معناه مريتان أو ماريام أو مريم أو ميريت آتون.
أطاحت الجملة الخيرة بما تبقى لدي إبراهيم من قدرة على الحتمال ،قرض
أظافر يده المرتعشة ،انتبه لذلك على ،فتوقف عن الكلم وغطى شفته العليا بالسفلى
وأخذ يهز رأسه يمينا ويسا ار ثام تنهد وقال.
-وكأنك ل تصدقني؟.
ل.
كان إبراهيم يصدقه ولكنه لم يكن يصدق نفسه ،أوضح المر لعلى قائ ا
-هذا طبع يلزمني منذ الصغر ،عندما دأثاار أو أتشوق لحكاية أو حتى لفيلم أو
دمسللعسل ،ترتعش يداي وأقرض أظافري ،أصدقك ومتشوق لسماع وصف هذا التمثاال.
-آه ،التمثاال ،لم أر مثاله من قبل ،وكأنه ليس من صنع العبشر ،منذ رأيته لم تفارق
صورته خيالي ،ولم أستطع أن أمنع عقلي من التفكير به يوما واحداا.
توقف على عن الكلم ورجع بظهره للخلف ،ومسح فمه وأخذ نفس ا عميق ا
وأخرجه ببطء ،فكان له صوت مسموع يبعث على السى ،تكرر ذلك عدة مرات ،فلم
يشأ إبراهيم أن يقاطع شرود الشاب وتأمله ،بل تمسك بالصبر فكان كالصياد يكمن
لفريسته انتظا ار لوقوعها في شباكه ،انهمك في تناول الطعام ليدارى تململه من الصمت
الذي لف الطاولة ،لحظات وسمع علياا يقول وكأنه يتحدث إلى نفسه.
-خمسة كيلو جرامات من الذهب ،جمال يأخذ باللباب ،فكرت في الستيلء عليه
لكنى أخاف من غضب الشيخ عمران ،ومن رد فعل تلك الجماعة المجنونة.
قال ذلك ثام راح ينفخ مهموماا ،ثام نظر إلي إبراهيم وأضاف.
-لو أنى استوليت على هذا التمثاال ،كيف أتصرف فيه؟ ،لو عرضته للبيع سأعرض
نفسي لخطر القبض علي وأتسبب في كارثاة لل عمران؟ ،لو حولته لسبائك من
الذهب ،تصبح قيمته ل تستحق المخاطرة ،ما رأيك يا دكتور؟.
200
،،،دكتور! ،،،الدكتور راح في دنيا أخري ،،،معقولة ،،،كل شيء يحدث كما
خططت له ،وبهذه السرعة؟ ،،،على يسألني أنا كيف يتصرف في تمثاال فرعوني ،وزنه
خمسة كيلو من الذهب القديم!.
لم يجد من الكلمات ما يجيب به ،اكتفى بالنظر إلي الشاب وهو يتمسك بمقعده
ل.
حتى ل يقفز نحوه ويقبله ،وقد استمر على في حديثاه قائ ا
-الموضوع بالنسبة لي ليس من أجل المال ،بل أريد النتقام من تلك الجماعة.
تعالت ضحكاته فجأة ،لم تسعفه يده من منع تطاير الرزاز من فمه ،نظر إليه
على في دهشة ثام بادله الضحك ،كان إبراهيم يضحك سعيدا بتدابير القدر الذي أوقع
بصيد ثامين في شباكه بسرعة وسلسة ،وكان علي يضحك على ضحك صديقه.
،،،ركز واهدأ قليلا يا إبراهيم ،،،لم يحن وقت الفرح والضحك بعد ،،،خذ
حذرك الولد يتكلم اليوم بسهولة غريبة ،،،أنا غير مطمئن لهذا ،،،معقولة أيكون هذا
الولد جزاءا من خطة لليقاع بي واصطيادي؟ ،،،ل ،ل ،ل أصدق هذا ،فانا من سعي
خلفه ،ولصالح من يفعل بي ذلك؟ ،ل ،ل ،أنه يتكلم على سجيته ،،،صحيح أنا
مندهش من كشفه لس ارره بهذه السرعة ،لكن ذلك يبدو أم ار طبيعي ا من شخص مستهتر
مثاله ،،،عموما احذر صاحبك ول تخونه ،،،أكيد ،وربنا يستر.
بينما يرفع كوب الماء إلي فمه سأله إبراهيم في بساطة وتلقائية.
-هل يمكنك الحصول علي هذا التمثاال؟.
أجابه علي ببطء وبنبرة صوت قوية.
-لو أضمن عدم افتضاح أمري يمكنني إحضاره فو ارا.
-وكيف يفتضح أمرك والتمثاال موجود بغرفة ل يدخلها أحد؟.
حرك رأسه يمينا ويسا ار ثام قال ،وكأنه يتحدث إلى نفسه.
-وال دمملكن ،،،وال كلمك منطقي يا دكتور.
ثام مسح على رأسه بيده عدة مرات وأضاف.
-ولو أحضرته ،كيف أتصرف به؟.
200
،،،كده الطبخة نضجت تماماا ،لقد أمسكت بطرف الخيط بقوة ،وعلي الن أن
ل ،ل تندفع ،،،ل ،لم يعد يجدي النتظار فقد تفلت
ابدأ في لفه بحذر ،،،انتظر قلي ا
مني المور.
مال بجسمه على مائدة الطعام وأشار بيده لعلى ليقترب منه وقال له.
-اترك لي مسألة التصرف في التمثاال.
اعتلت وجهه الدهشة ،ووضع سبابته اليمني في أذنه لينفضها وهو ينظر
للدكتور يستوضح المر ،فابتسم إبراهيم وأضاف.
-هذا هو العمل الذي سألتني عنه من قبل ،لقد تخرجت من كلية الطب ولكني لم
أعمل أبدا بمهنة الطب ،أنا رجل أعمال لدي مكتب للستيراد والتصدير ،وأمتلك عدة
مشروعات سياحية ،ومع هذا فإن معظم ثاروتي جمعتها من تجارة الثاار.
لم تفارق الدهشة على ،فتوقف إبراهيم عن الكلم ونظر حوله ثام اقترح أن يكمل
حديثاهما في السيارة ،وفى الطريق راح يشرح لعلي بعض أسرار شغلة الثاار وخطوات
تنفيذ عملية البيع والشراء فقال.
-أول خطوة لبد من التأكد من أن الثار موجود وتحت سيطرتنا ثام نتأكد من أنه سليم
وله قيمة تاريخية.
تململ علي ثام طلب معرفة المطلوب منه تنفيذه بشكل عملي فقال الدكتور.
-أولا تقوم بتصوير التمثاال ،بكامي ار حديثاة ،من كل الزوايا والبعاد لتوضيح سيمترية
التمثاال وكذلك النقوش والكتابة بدقة ،سواء كانت على المسطرة علي ظهر التمثاال ،أو
على قاعدته ،وبعد ذلك سأقوم بعرض التصوير على التاجر الجنبي الذي أتعامل معه،
ولو أقر الصفقة سيعرض علي سع ارا ،إوان قبلت أنت بالسعر الذي عرضه ،سأعطيك
مليون دولر ونبدأ بعدها في التفاوض للتفاق علي خطوات تنفيذ الصفقة.
فوجئ بالشاب يضحك بشدة وهو يرمقه بنظرات قرأها على أنها استهتار بما
سمعه ،أسقط في يده.
،،،وكأن هذا الشاب كان يلعب بك ليعرف من أنت ويتعرف علي أخبارك ،وها
هو يسخر منك ،،،اعتقدت أني علي وشك النجاح ،،،وما العمل؟ ،،،يبدو أنك لم
200
تفهم هذا الشاب جيدا ،،،وما العمل؟ ،،،ليس أمامك إل أن تصبر وتشترى منه للنهاية
،،،حسناا.
نظر إبراهيم إليه في عتاب ،فقال على وهو يحاول أن يتوقف عن الضحك.
-تصوير إيه ،ومليون إيه؟ ،وكأننا اتفقنا يا دكتور.
-ولما ل نتفق يا على؟! هذه صفقة أقلها ستجني منها عشرة مليين دولر.
-قلت عكم؟.
-عشرة مليين دولر ،ويمكن أكثار من ذلك.
أخذ على يحك رأسه بأصابع يده اليمنى ثام يمسح بها على وجهه وهو يهز رأسه،
ثام لذ بصمت ،ل يدل على تفكير ،بل على الحيرة والتوتر وعدم القدرة على اتخاذ قرار.
وكأنه عقد العزم على أن يسحب الكلم من فم على ،لم ينفك إبراهيم يغريه
وديعبلسط له المر مؤكدا على ضمان نجاحه بسهولة وآمان ،واستمر في ذلك حتى نطق
على وقال ببطء وكأنه منوم مغناطيسياا.
-موافق ،لكنك ستأتي معي لتصور التمثاال بنفسك.
قال ذلك وعقد يديه خلف رأسه ،وعاد بظهره للخلف ،وراح ينظر للشارع من
خلف زجاج المطعم ،وراح يردد مع نفسه ،ربنا ديسدتر ،،،،ربنا ديسدتر ،،،،ربنا ديسدتر.
،،،غالى والطلب رخيص ،،،ما هو الرخيص؟ ،هل تعرف إلي أين يأخذك هذا
الشاب؟ ،ل تجعل الطمع ينسيك الحذر ،،،آه طبعاا ،العحعذر واجب ،،،اتفقنا؟ ،،،ربنا
يستر.
في محاولة للهرب من حديثاه مع نفسه ،أخذ إبراهيم يضغط أنفه بين سبابة
إوابهام اليد اليمني ثام يتركها ليندفع منها هواء الزفير بقوة ،ثام سأل عليا بلهفة ،عن
الميعاد ،فاتفقا علي الذهاب في فجر الغد بعدما تعهد إبراهيم بالتجهيز للرحلة لتكون
مريحة وسريعة.
----------
استهلك على بقية يومه متنقلا بين الفنادق ،لم تجف شفتاه لحظة واحدة ،إن لم
تبللها الخمر ،رطبها شهد اللرضاب ،وبعدما تذوق عدة أنواع من فاكهة الشفاه ،هام
200
بإحداها ،كريز ساخن ،خداها في لون حب الرمان ،دافئا الملمس ،اشتهاها فغزاها
ففتحها في ساعة من المتعة السطورية.
عاد للفندق سكران تهزه النشوة ،دلف للحمام وخرج ليتمدد علي السرير ،وعندما
وجده إبراهيم علي حاله هذه ،بلع رغبته في الحديث ،وجلس يغالب شوقه لمغامرة الغد،
وعلى الرغم من اطمئنانه على ترتيب كل شيء بدقة فقد سلمه حماسه للرق فلم تذق
عيناه للنوم طعماا ،وبالكاد تمدد علي السرير وأغلق جفنيه لتتلعب بأعصابه أحلم
اليقظة.
==========
بدأت الرحلة في الرابعة فج ارا ،وقبل أن يغرق الشاب في النوم مرة تل على رفيقه
الرشادات والتعليمات.
-ستأخذ الطريق على طول ،وقبل حدود محافظة المنيا توقف وأيقظني.
بالرغم من عدم نومه ،كان إبراهيم في كامل لياقته الجسدية والذهنية ،وهذا عهده مع
صفقات الثاار الكبيرة ،وفي المكان الدمتفق عليه أيقظ صديقه الذي نبه عليه أن يعاود
السير في نفس الطريق لمسافة عشرة كيلومترات ،التهمتها السيارة في ظرف عدة دقائق،
أبطأ بعدها من سرعة السيارة انتظا ار للتعليمات فأشار على نحو طريق فرعى يتجه غربا
لمانة.
وبانحدار شديد نحو النيل ،حيث مرسى معدية ا ع
كانت المعدية ضخمة ولكنها قديمة ودمتهاللكة فتردد قليلا في الصعود على
ظهرها بالسيارة ،فهو ل ينسى ما قرأه عن مآسي أهل الصعيد مع مثال تلك المعديات
المتهالكة؟!.
مرت به الدقائق ثاقيلة ومرعبة حتى رست المعدية على الشاطئ الغربي ،وعندما
هم بالحديث إلى على ،التصق لسانه بسقف حلقه ،تناول جرعات من الماء البارد فانفك
لسانه ،لم ينطق بل التزم بإرشادات على فسار بموازاة النيل نحو الجنوب لمسافة عشرة
كيلومترات بالضبط كما أشار عداد المسافات بالسيارة ،فقد تلقي تنبيه مشدد بأنه ل
مجال للخطأ حتى لو بمقدار أمتار قليلة إوال فالرمل مثاواهما ،فالصحراء دمعخادعة
وعبطنها واسعة.
200
انحرفت السيارة في اتجاه الجنوب الغربي بزاوية خمسة وأربعين درجة لتجتاز
عمدق ا ضيق ا وشديد الوعورة ،يمتد في عمق الصحراء لمسافة خمسة كيلومترات لينتهي
فجأة بتلل من الرمل في صحراء ممتدة في اتجاهات متشابهة ،عرف إبراهيم قيمة
وجود البوصلة حين أشار عليه على بضبطها ليقطع بالسيارة مسافة عشرة كيلو متر في
اتجاه الغرب ليكون خط السير عمودي ا علي مجري نهر النيل.
شحذ كل حواسه ليلتزم ،وبدقة متناهية ،بالتعليمات فكاد أن عيلشم رائحة أعصابه
المشتعلة ،فمنظر الصحراء الممتدة بجلل ومهابة ،وكثاافة التلل والحجار المتناثارة
على مدى البصر ،كالبثاور على وجه قبيح ،لحري ببث الكآبة والخوف في العنفس مهما
تحلت بالشجاعة والقدام.
شعر بالخوف يطفح من أحشائه ،ذاق طعمه في طرف لسانه وشم رائحته في
زفراته ،حاول أن يضحك فجاء ضحكه كهسهسة الدمرتعلعد ،كرر المحاولة فخرج ضحكه
ضعفه ثام
كفحيح لجفاف حلقه وتشقق لسانه ،تجرع قليلا من الماء ،عسب خوفه واحتقر ع
ابتلع ريقه ومال برأسه نحو علي وقال.
-وال أنت غلطان لي ،لقد أخفتني من الطريق مع أنه ناعم كالحرير وآمن.
هم بالضحك فأسكته على بقوله.
-أنت لسه شفت حاجة ،الصعب لم يألت بعد.
انفجر ضاحكا ونظر للدكتور بعيون دامعة ثام قال بصعوبة.
-أقسم بال أنك خائف يا دكتور.
قال ذلك ثام استغرق في ضحكه الذي ما لبث أن تحول إلى دسعال فأمطر تابلوه
السيارة والزجاج من أمامه برزاز كثايف ،تناول عدة مناديل ورقية وأخذ يجفف دموعه
ليتمكن من الرؤية ،ثام مد يده لينظف التابلوه والزجاج.
،،،الظاهر أن الولد ده ل يعرف من أنا ،،،ماشي يا على ،سنري من سيضحك
في النهاية ،،،تحكم بأعصابك حتى ل يشعر بخوفك.
ل.
رسم على وجهه نصف ابتسامة وأغمض عينه اليمني والتفت نحو علي قائ ا
-إبراهيم سالم ل يخاف ،فقط أنا حريص علي أن ننهي مهمتنا بنجاح.
200
قال ذلك وشرد بذهنه يفكر فيما أورط نفسه به ،وحمد ال على أنه استعد لكل
الحتمالت ،كان علي كلما وجده متجهم ا وشاردا ردد في سخرية.
-وال أنت خائف يا دكتور ،،،هو أنت لسه شفت حاجة.
يقولها ويضحك ثام يعاود العكعرة ،تمالك غضبه ،وحاول أن يجاري الشاب في
ضحكه ،فبالكاد استطاع تحريك عضلت وجهه ليرسم عليه ابتسامة خاوية نجح في
تثابيتها بمكانها لدقائق حاول خللها التخلص من هاجس راح يراوده ،بأن هذا الشاب قد
يكون هو الطعم الذي اصطاده به أعداؤه وأنه ذاهب لحتفه الن.
انزلق علي في مقعده حتى كاد أن يجلس على ظهره ،التفت إليه إبراهيم وقال
في محاولة لفتح حوار جاد.
-ل تنعس يا على أن دتخرج الزكاة عن نصيبك في هذه الصفقة ،فهذا التمثاال بمثاابة
العكنز ،وشرع ا تستحق عنه زكاة الركائز ،عشرون بالمائة من ثامنه ،وهذا لتضمن أن
ل.
فلوسك تبقي حل ا
بالرغم من محاولته لكبتها ليتمكن من الكلم ،تعالت ضحكاته ،وأخي ار تمكن من
إفلت بعض الكلمات من حلقه فقال.
-حلل ول حرام يا دكتور ،هل تفرق معنا كثاي ارا؟.
-تفرق معي أنا يا أخي ،أنا رجل يخاف ربنا.
خرجت منه الكلمات مترددة وغير مقنعة مما زاد من قوة نوبة الضحك التي
تجتاح عليا ،فلم عيلجد إبراهيم غضاضة في أن يبتسم ،وقد ترك العنان لخياله لعيحدلم لعله
ينسى خوفه ولو إلى حين.
----------
قطعت السيارة المسافة المطلوبة ،فطلب منه علي أن يسير نحو الشمال في خط
مستقيم لمسافة خمسة كيلومترات.
تمادى الطريق في قسوته ،وتناثارت الحجارة تحت عجلت السيارة فرجتها رجا
شديداا ،تقيأ إبراهيم وتفصد منه عرق غزير بلل ملبسه ،وفقد قدرته على التركيز
وأصبح من الصعب عليه التحكم بعجلة القيادة ،وبصعوبة بالغة اجتاز شريط ا ضيق ا
يمر بين جبلين صغيرين ،لم يبلغا الرشد بعد ،بعدها كتم أنفاسه حتى عبر نفقا في كتلة
200
صف بالصخرة ،وبعد
صخرية كبيرة ل ترقى لن يقال عنها جبل وأكبر من أن تو ع
معاناة شديدة ،توقف بالسيارة في النقطة المتفق عليها.
تنفس الصعداء نهج ا وأخذ يكتم أنفاسه ويطلقها ببطء في محاولة لتهدئة نفض
قلبه ،تناول عبوة من عصير الفاكهة وراح يجفف عرقه وهو يراقب عليا الذي ترجل من
السيارة وذهب ليقيس مساحة الظل تحت صخرة هائلة ،ثام نظر في ساعة يده ومشي
بعدها في اتجاهات متعددة ومتضاربة يبحث عن آثاار بالرمال ويضع فى أماكن معينة
علمات مختلفة الحجام والشكال من الحجارة.
وبعد حوالي الساعة عاد علي للسيارة وقد تبدل حاله ،كان متوت ار ويرتجف بشدة،
وراح يلعن الظروف ويسب الحظ في غضب ،نظر إبراهيم للشاب ،وهو يشعر بالحباط
واليأس يتسللن إلى نفسه المجهدة ،وهمس يسأله.
-ماذا بك يا على؟ ..إيه؟ ..فيه إيه؟ ..دتهنا ول إيه؟.
انشغل علي بإخراج مسدسه وفحصه حتى أنه لم يسمع السؤال مما حدا بإبراهيم بأن
يصرخ فيه.
-رد على ،فيه إيه ؟ ...دتهنا ،،،انكشفنا؟.
رمقه على بنظرة غضب ونهره لول مرة منذ تعارفهما ،وقال.
-امسك أعصابك يا دكتور ،ل ت ل
صبح فدي هكذا مرة دأخرى ،أنا ل أحب ذلك ،وبعدين
كيف نتوه وأنا أعرف الصحراء كما أعرف نفسي؟.
ثام استطرد قائلا لبراهيم الذي كان يبادله نظرات الغضب والقلق.
-المهم دمسدسك جاهز؟.
-طبعاا ،وبالسيارة أيضا بندقية آلية ،،،لكن ليه؟ إيه الحكاية؟.
-ول حاجة ،فقط كن مستعداا ،فيه قطيع من الغزلن عمر من هناك منذ دقائق ،ومن
قراءة آثااره بالرمال عرفت أننا سنصادفه في طريقنا ل محالة.
-يا سلم يا على! ،مرعوب بالشكل ده من بضعة غزلن؟.
ل.
ضحك علي ضحكات متوترة ثام التفت نحو إبراهيم قائ ا
-حتم ا سيكون في أثار قطيع الغزلن قطيع آخر من الذئاب الجائعة ،ذئاب مفترسة.
قال ذلك واعتدل ينظر في الفضاء أمامه وأضاف.
200
-أهم دور للدليل في تلك المنطقة أنه يبتعد عن طريق الذئاب ،لكن ل أدرى لي سبب
اتخذت الغزلن طريق عكس ما تعودت عليه ،إنه الحظ السيئ.
-هل في رأيك نرجع ،ونعاود في يوم آخر؟.
تنهد على ،وانزلق في مقعده وهو ينظر حائ ار في كل التجاهات ،ثام قال وكأنه
يتحدث إلى نفسه.
-وكيف الرجوع يا طبيب؟ الخطر من أمامنا ومن خلفنا.
اعتدل في جلسته وقال في عجلة وكأنه تذكر شيئا مهماا.
-دقد السيارة ببطء حسب ما سأدلك وأشير عليك ،وأغلق نوافذ السيارة جيداا.
-أقسم أنك تدهععرج يا على؟ ،هل زجاج السيارة سوف يحمينا من ذئاب مفترسة؟.
حاولت ضحكة وحيدة أن تفلت من سجن الكآبة والخوف بداخله ،فابتسم بنصف
وجهه اليمن والتفت نحو صديقه ورمقه بنظرة حانية من عينه الشمال وقال.
-الزجاج لن يمنع الذئاب يا دكتور ،ولكنه سوف يمنع ما هو أخطر منها.
ل.
ارتبك وراح ينظر للشاب في خوف واستفهام ،فأجابه قائ ا
-بعد كيلو متر بالضبط ،ستقفز من الرمل أسراب من الثاعابين الطائرة لتنتشر فى
الفضاء كالجراد ،وسوف تهاجم السيارة بضراوة.
ل.
خبط إبراهيم بيديه على مقود السيارة وصرخ قائ ا
-ال أكبر ،ثاعابين وتطير كالجراد؟ ال أكبر ،هذا ما كان ينقصني اليوم.
قال ذلك ولذ بالصمت للحظات ثام تجهم وقال في دهشة.
-ولكن كيف يكون في هذا المكان ثاعابين طائرة؟.
قال علي بزهو غير مبرر.
-الجد الكبر لقبيلة العمارنة ،كان ملك ا ونبياا ،هو عمن جلبها من سيناء ،وعمل على
توطينها هنا حتى إنه بور الراضي الزراعية على جانبي مجري النيل ليحمى ثاعابينه
المقدسة من عدوها اللدود ،أبو قردان ،الذي يلتهمها كالديدان.
قال ذلك وعاودته نوبة ضحك شديدة أدمعت عينيه ،فلم يعد يرى وجه صديقه ،الذي
كان شاردا يحاول أن يبعد عن ذهنه فكرة أن عليا عنصب عليه وعيسخر منه.
دقيقة وخمدت نوبة الضحك فمسح على دموعه وقال في سخرية.
200
-هذه الثاعابين ،تدفن نفسها في الرمل وتدخل في بيات شتوي لعدة أشهر ،لو أمسكتها
بيدك ل تستطيع أن تفرقها من أية عصا جافة.
أطلق عدة ضحكات باردة ثام أضاف.
-ل أدري كيف نسيت أنها لم تدخل في بياتها الشتوي بعد ،واضح أن الحظ يعاندنا.
نظر إليه إبراهيم في امتعاض وقال.
-لو أنك أطلعتني من قبل على تلك المعلومات لدكدنا اخترنا الوقت المناسب.
-الظاهر أن خمر المس كانت مضروبة ،أنستني أن أناقش معك تفاصيل الرحلة،
وعلى العموم ل تخف سوف نصل لهدفنا بعد قليل ،ادعد ال أن يسترها معنا ،أكيد
دعوتك مستجابة ،فأنت ل تحب الحرام.
ل.
قال ذلك وراح في نوبة من الضحك الصاخب مما استفز إبراهيم فانفجر قائ ا
-شغلتنا ل تحتمل التهريج يا علي ،وماذا تتوقع مني وأنت تعرض حياتنا للخطر.
ارتبك على لنظرات إبراهيم النارية ولصوت غضبه المخيف وقال.
-أنا ،أنا فقط أحاول أن أروح عن نفسي بعض الشيء ،ل أخفي عليك أني خائف،
معذرةا يا دكتور ،لكن ل تصيح في هكذا مرة أخري.
على مضض اعتذر لعلي الذي شعر بضيق صدر صديقه فقال.
-أغلق نوافذ السيارة جيداا ،وجهز المسدس والبندقية ،سأقود أنا المسافة الباقية.
قاد على السيارة ببطء وفى اتجاهات متعددة ،ومتضادة أحياناا ،فتصور إبراهيم
أن السيارة تدور حول نفس المكان ،وفي لمح البصر أحاطت بالسيارة أسراب من
الثاعابين الطائرة ،كانت تندفع من الرمل ،وكأن هناك المئات من البنادق ،مدفونة
بالرمل ،تطلق قذائفها في نفس اللحظة في اتجاه السيارة ،لحظات وتكونت سحابة
مخيفة من ثاعابين تفلطح جسدها من منطقة البطن فتبدو كأجنحة ،كان الوضع ل
يحتمل بالنسبة لبراهيم ،فهو ل يخاف في حياته إل من رؤية ثاعبان ،فما بالك بهذه
العداد الهائلة التي تهاجم السيارة بشراسة وكأنها تريد تحطيمها للفوز بمن فيها.
التفت نحو علي وسأله.
-هل هناك أمل في خروجنا من تلك الورطة؟.
-ل تععخف ،نحن على وشك الوصول ،حالا سنبتعد عن الثاعابين.
200
امتل بالهواجس وبمشاعر الندم والحسرة ،وفجأة سمع علديا ديهللل ويهنئه على النجاة
من الثاعابين ،فانفرجت أساريره واستعاد إص ارره علي إنجاز المهمة.
لم يدم به الحال طويلا فبعد عدة مئات من المتار عاد على لعسب الظروف والدنيا
وهو ديعغاللب عناد عجلة القيادة حتى إنه مال عليها بكل جسمه وشحذ كل قوته حتى
رضخت له فنجح في إدخال السيارة إلي كهف كبير بالجبل ثام أوقف المحرك وراح
ظر لصديقه الدمندهش
يسترق السمع وهو يجول بنظره إلي خارج الكهف ،ودون أن عين د
مما يحدث قال في يأس.
-حتم ا ستمر الذئاب من هنا بين لحظة وأخري ،على ال أنها ل تشدم رائحتنا.
ضحك في نفسه ،من نفسه ومن خوفه ،وراح يسترق السمع هو الخر ،لحظات
وشعر براحة اليأس تجلى نفسه فتنسيها الخوف والقلق فانزلق في المقعد وهو ديعرلدد في
نفسه ،فليحدث ما يحدث ،وبعد حوالي لنصف الساعة ،تنبه إلى أن عليا تحرك بالسيارة
ليخرج من الكهف وسمعه يقول.
-الظاهر أن اللست الوالدة داعية لك يا دكتور ،أتسمع صراخ الغزلن ،كنا سنصرخ
بدلا منها.
شعر بشيء من المان وقال.
-أليس من الفضل النتظار لبعض الوقت؟.
-ل داعي للنتظار ،فطالما وجدت الذئاب طعامها هدأت ،ليس لديها طمع البني آدم،
مهما عظم ما بيده يطمع في المزيد ،كحالنا يا دكتور.
تقبل إبراهيم النقد اللذع علي مضض وقال في ضيق صدر.
-لم أعهدك فيعلسوفا من قبل ،متى نصل للمكان أيها الفيلسوف؟.
-بعد كيلو متر واحد بالضبط ،سندخل في عبطن الجبل الذي يظهر أمامنا هناك ،ثام
عنعدبر نفق ا طويلا يخترقه إلى حيث وادي الموت ،وهو والد شاسع ينتهي عند سفح جبل
العدم حيث الكهف المقصود.
بعد معاناة حقيقةا وصل إلى غرضهما ،جبل الدم ،ذلك الجبل المهيب والدمدلهش،
صخوره لونها بيج ،يقترب من لون بشرة النسان ،وتغطيها بكثاافة عروق صخرية طولية
200
بارزة ومتعرجة لونها أحمر قالن وكأنها سيول من الدم النازف من جسد الجبل ،نسى
إبراهيم كل معاناته وأخذ يشهق وهو يقول في دهشة بالغة.
-يا ال ،ل أصدق ما أراه ،هذا ليس حقيقياا ،إنه وهم أو سحر ،نعم هذا لسحر.
فقال علي في حنان.
-اهدأ وأمسك أعصابك يا دكتور ،أنت لم تعر شيئ ا بعد.
قال ذلك ودخل بالسيارة في كهف ببطن جبل الدم ،وطلب من إبراهيم أن يفعل مثاله
ويشرب الكثاير من الماء ومن المياه الغازية ،لن أمامهما مسافة طويلة سيقطعونها
مترجلين على الصخور والحصى ،ولن يستطيع أحدهما أن يحمل معه شيئ ا لنه
سيحتاج لجسمه خفيفا ولطرافه حرة ليتمكن من حفظ توازنه وهو يعبر بين الصخور
وفوقها.
اتجها ناحية الجنوب ،بموازاة جبل الدم ،وبعد حوالي نصف ساعة من الصعود
الدمجلهد والهدبوط الدمخيف وجدا أمامهما ،تحت سفح الجبل ،ساحة فسيحة دممهدة ،فتأكد
إبراهيم أن هناك فعلا من يقصد هذا المكان فاطمأن قلبه.
عب ار الساحة في نفس التجاه حتى توقف على ونظر إلى يمينه ،حيث باب الكهف
ت الضوءالمقصود ،وأشار لبراهيم ليتبعه إلى دالخل الكهف ،كلما خطوا بداخله عخف ع
شيئ ا فشيئاا ،فأخرج على مصباحه الضوئي لدينير المكان وأكد على إبراهيم أل ينظر إلى
يمينه أو إلى يساره وأن عليه أن ينظر أمامه فقط حتى يصل للغرفة ،وكأنه توقع أن
إبراهيم سيحاول استكشاف المكان ،وبالفعل عندما طلب أن يرى الدغرعفة العذهبية وبقية
غرف الكهف رفض على بشدة فلم يحاول ذلك ثاانيةا خاصة عندما لحظ تحول علي
إلي شخص عصبي للغاية.
تبعه إبراهيم إلي الغرفة في صمت وشغف ،الفعدم عفالغرر ،العينان جاحظتان
ومندهشة ،أنفاسه تتسارع ثام تتباطأ وقد شعر بقلبه ينبض بقوة وكأنه يحاول أن يحطم
الضلوع لديعحرر نفسه من محبسه ،مسح وجهه بيديه ثام نفخ فيهما بقوة في محاولة للتحكم
برعشة أطرافه فخاب أمله ،اشتدت الرعشة وتصبب عرقه بغ ازرة ليبملل ملبسه ،لحظ
على حال صديقه فقال.
-لقد نبهت عليك بتناول كمية كبيرة من الماء وكذا من العصائر.
200
لم يسمع إل طنينا بأذنيه ثام غشي بصره وراح يترنح ،تلقفه على قبل أن ينهار على
الرض ،أجلسه أرض ا وأخرج من ملبسه عبوة من عصير الفاكهة وناولها له فأفرغها
في جوفه ،لحظات وشعر بالنشاط يدب بجسده فقام وتحرك في الحجرة ليتفحص
محتوياتها ،وبسرعة نفض عن نفسه التعب والدهشة وترك العنان للثاارة تجتاحه ،ودون
أن ينبس بكلمة أخرج الكامي ار ليصور الغرفة ،فصرخ فيه علي.
-يا دكتور كلمي واضح ،ستصور التمثاال فقط ،ل يجب أن يظهر بالتصوير أي
شيء آخر.
امتثال للتعليمات وأخرج من جيبه الصفحة الولى من جريدة الهرام ،عدد المس،
ثام فردها على قاعدة التمثاال وراح يصوره من كل الزوايا تصوي ار دقيقاا.
----------
كان تعب العودة دمحعتملا لدي إبراهيم فقد أخذته الحلم لديعحللق بعيدا في فضاء من
الخيال أوشك أن يصبح حقيقة.
علي البر الشرقي للنيل ترجل على من السيارة قاصدا العبارة لتقله مرة أخري للبر
الغربي في طريقه لمضارب القبيلة ،وقبل أن تأخذ السيارة سرعتها ،شاهده يجرى خلفه
ويشير له ليتوقف ،لحظات وكان على يرتكن بذراعيه على شباك السيارة ويهمس له
ل.
قائ ا
-المليون دولر ،تكون دولرات جديدة ،من بعد سنة 2000م.
-إن شاء ال ،ده أنت طلعت داهية يا علي ،علي ميعادنا ،ل إله إل ال.
-محمد رسول ال.
----------
ما إن وصل لمقر شركته بالقاهرة حتي بادر إبراهيم سالم بالتصال بالخواجة بيتر
وأرسل له بالتصوير على بريده اللكتروني ،وعلي كرسيه الهزاز جلس ينتظر الرد،
وخلل ذلك حاول تنويم نفسه مغناطيسياا ،كما علمه صديقه رضا جلل ،ليصل بعقله
للحالة الذهنية ألفا التي يعتقد أنها تعيد لجسمه النشاط والحيوية ويستعيد معها قدراته
200
العقلية وأهمها القدرة على التفكير والتخطيط ،وبالفعل استرخت عضلت جسمه وعاد
عقله لنشاطه المعهود ،لكنه بدأ يشعر بخوف غامض لم يجد له تفسي ارا،
وبعد عدة ساعات وصله الرد من الخواجة واستغرقا حوالي الساعة في فصال وجدال
محموم حتى اتفقا في النهاية علي الثامن وعلى طريقة الدفع وكذا علي ميعاد التسليم.
----------
تسلم إبراهيم خطاب ضمان بنكي من شركة بيتر بألمانيا بما قيمته خمسة
وعشرون مليون دولر ،وخلل أسبوع كان قد انتهى من تصدير بضائع إلى ألمانيا
قيمتها الحقيقية خمسة مليين جنيه ،وكان ثامن التمثاال هو الفرق بين القيمة الحقيقية
للبضائع وبين قيمتها علي الوراق الرسمية ،وهكذا أصبحت العملية في مراحلها
النهائية ،التسليم والتسلم ،فقام بالتصال بعلي العمرناوي واتفقا علي تناول طعام الغداء
سوي ا بصالة طعام فندق أرابيسك بشارع محمد فريد بالقصر يوم السبت ،الثالثاين من
أكتوبر لسنة 2004م.
انتظر إبراهيم الشاب السمر لكثار من ساعتين ،ومع ذلك استقبله بحفاوة ،فهو
بالفعل قد اشتاق إليه ،وفى الحقيقة لم يكن على أقل منه لهفة لهذا اللقاء ،ولكنه بالكاد،
استطاع اليوم ،أن يقنع الشيخ عمران بأن يسمح له بالذهاب للمنيا لنهاء بعض
الجراءات الخاصة بتسجيله للدراسات العليا بكليته ،ولنه استقل القطار فكان لبد له
أن يتأخر عن موعده ،ولم يكن إبراهيم في حاجة لتبريرات على واعتذاره عن التأخير،
فيكفى أنه جاء.
وبعد تناولهما طعام الغذاء لحظ أن عليا لم يتناول العخمر كعادته فتوقع أنه ينتظر
أمارة للصفقة فسأله.
-لقد تأخر الوقت وأغلقت البنوك أبوابها أين ستحتفظ بالمليون دولر؟.
تهلل وجه على وقال وهو يغالب لهفته.
-عايز تفهمني أن الفلوس معك الن؟.
-الفلوس بالسيارة ،هيا بنا ،أوصلك بالفلوس للمكان الذي تريده.
ارتبك على وتلعثام وهو يقول في خجل.
-ل تفهمني خطأ يا دكتور ،أنت تسلمني الفلوس ،وليس لك صالح أين أحتفظ بها.
200
نظر إليه إبراهيم في دهشة وابتسم ليغالب ظنه ثام قال.
-كما تريد يا صديقي ،فلوسك وأنت دحر فيها ،لكن هناك كلم مازال بيننا.
-ساعة زمن وألحق بك في الفندق.
في السيارة سلمه إبراهيم حقيبة الفلوس ثام أنزله على ناصية شارع د .لبيب حبشى
وأكمل هو طريقه إلى الفندق وهو يغالب هواجسه وقلقه من التغيير في أسلوب تعامل
علي معه.
ألقى علي السرير بجسده الدمرهق ،من جراء السفر وكثارة التفكير ،وعبثاا حاول أن
يطمئن نفسه ،وقبل أن يبلغ به التوتر مداه سمع طرق ا على الباب ،رحب بعلي ودون أن
يتطرق لما حدث بينهما على الغذاء سأله.
-هيه يا بطل ،متى التنفيذ؟.
وهو شارد الذهن قال.
-في أي وقت تحدده يا دكتور؟.
-نذهب الفجر ،حتى يمكنني الرجوع للقاهرة قبل دخول الليل.
تلعثام علي وهو يقول.
-على طول كده؟.
قال ذلك وراح يتجول بالغرفة في حيرة واضحة ،وعندما لحظ توتر الشاب
وعصبيته الزائدة سأله مباشرة.
-فيه إيه يا علي؟ ،إياك تكون متردداا ،الموضوع دخل في العجد ولم يعد بمقدورنا
التراجع ،نقتل أنا وأنت فو ارا.
التفت إليه بوجه محتقن من الغضب وقال.
-من يقدر يقتلني يا دكتور؟ ،أظنك عارف من هو علي العمرناوي وعمن دهم أهله.
-أعرف ،لكن تقلبك يخيفني.
-ل عتخف يا دكتور ،أنا لست متردداا ،فقط المشوار ثاقيل علي قلبي.
-أليست عشرة مليين دولر بكافية لتحمل أي تعب ،مبلغ يمكنك أن تحقق به
أحلمك ،مثالا يمكنك امتلك ملهي ليلى شيك وحينها ستمطر عليك السماء نساء ،ومن
كل شكل ولون ،وتعيش حياتك وتضمن مستقبلك.
200
-ماشى يا دكتور ،ما هو أنا ناقص إغراء.
قال ذلك ثام نظر لبراهيم بقوة وسأله.
صعنم؟.
-عمن سيشترى هذا ال ع
-هذا ليس من شأنك يا علي.
-ليه؟ .ألست أنا صاحب التمثاال ،أم لديك رأي آخر يا دكتور؟.
-عليك إحضار التمثاال وحينها عتقلبض فلوسك هذا هو دورك وتلك هي حدودك.
رد في غضب وهو يلوح لبراهيم بسبابته اليمنى.
-ل ترسم لي حدودي يا دكتور ول داعي لن تغضبني فذلك ل يحمد عقباه.
-ولعمـَ التهديد يا علي ،نعيد للناس فلوسها وربنا يتولني برحمته.
خرجت منه الجملة الخيرة مرتعشة ويائسة ،قالها ليختبر ما يجول بخاطر الشاب
الذي ارتبك وقال في هدوء غير متوقع وبنبرة عتاب.
-كل هذا الغضب لني أريد أن أعرف من هو الطرف الخر في الصفقة؟.
لم يترك الفرصة تفلت من بين يديه وقرر الضغط على الشاب الطامع في المليين
فقال.
-يا صديقي ،أهم قاعدة في شغلتنا هي التزام كل فرد بدوره فقط ،ول يجب أن عيعلرف
أكثار مما يحتاج إليه ليؤدى دوره بدقة ،كما أن المعرفة بين مالك التمثاال والمشترى تكون
خطيرة علي كليهما ولهذا فكل منهما يستعين بوسيط ليقوم بترتيب الصفقة إواتمامها
ليحمي نفسه ،ولهذا يأخذ الوسيط مبلغا كبي ارا.
-وماذا لو حدث ونصب أحدهما على الخر؟.
-هذا دمستحيل ،لن المشترى يريد إتمام الصفقة بهدوء وسلم مهما كلفه ذلك من مال،
لنه سوف يربح أضعاف ما يدفعه ،كما أن البائع يكون حريص ا على التخلص من
البضاعة وقبض ثامنها ،وقبل هذا وذاك تسليم الفلوس وعدها والتأكد من سلمتها يتم
قبل تسليم الدشغل ،أنا وسيط عنك كما أن الخواجة وسيط عن المشتري ،ودوري هو
تأمين فلوسك ودوره تأمين البضاعة للمشترى.
تمادي في محاولته لطمأنة علي ولكنه لم يعد مطمئن ا لما يبديه الشاب من لهفة
في الستفسار إوالحاح في السئلة ،فراح يراجع خطته لتأمين الصفقة ،فهو يعرف أن
200
ساعة التنفيذ تععتبدل النفوس ويعرف أن حضور المال يذهب بالعقول فيسود الطمع
والشر.
----------
أعد إبراهيم العدة لجميع الحتمالت التي توقعها ودرسها جيدا فقام بوضع خطط
أساسية وأخرى بديلة للتعامل مع أي طارئ ،بسرعة وكفاءة.
انطلقا نحو الهدف في الفجر ،كان صمت على وشروده يضخان مزيدا من القلق
والحذر في نفسه وعقله ،وكلما حاول أن يفتح بابا للحديث معه كان الشاب يرد
باقتضاب ،وفجأة التفت إليه علي وسأله.
-هل البندقية والمسدس معك؟.
زم شفتيه ونفخ الهواء بسرعة فخرجت منه صفارة الدهشة والمفاجأة وقال.
-نسيت المسدس في القاهرة لكن البندقية تحت الكنبة الخلفية أل تكفى؟.
نظر إليه على نظرة شك وهمس وكأنه يتحدث إلى نفسه قال.
-تكفى جداا.
قال ذلك وانزلق في مقعده ،وحين لحظ إبراهيم تهلل وجهه بابتسامة صفراء حمد
ال ،مرة أخري ،على أنه استعد جيدا لكل الحتمالت.
مرة أخرى اعتدل في جلسته وقال.
-لم أرك ترتدي هذه الساعة الضخمة من قبل ،أتراها تليق بسنك يا دكتور؟.
لم يفاجأ بالسؤال ،فقد توقع من على أي شيء ،من الكلم إلى الفعل ،ولهذا
ل.
استطاع أن يدرد بعفوية دمقنعة قائ ا
-عادى ،أهداني إياها ابني في عيد ميلدي الماضي ،وقد أشتراها على ذوقه ،فهو ما
زال دمراهقاا ،لبستها اليوم لني أتفاءل بها كثاي ارا.
ب الساعة من وجه على وأضاف.
عقر ع
-هل أعجبتك؟ ،لول أنها هدية من ابني لعطيتها لك.
اطمأن للكلم فقال.
-نزودها لك يا دكتور ،ربنا يخلى لك ابنك ،هو اسمه إيه؟.
-اسمه دأسامة.
200
-عاشت السامي يا دكتووورر.
همس بالكلمة الخيرة بطريقة مريبة ثام انزلق ،مرة أخري ،في مقعده ولذ بالصمت.
وعند النقطة التي تولى فيها القيادة ،في المرة السابقة ،طلب من إبراهيم أن يتوقف
ليتولى هو القيادة ،فترجاه الخير أن ديكمل هو الطريق لنه دمتععولتر للغاية والقيادة دتهلدئ
من عأعصابه ،وتحجج أيض ا بأن قيادة على ترجه رج ا عنيف ا يجعله يتقيأ وهو ل يحب
ذلك ،والدمدلهش أن عليا استجاب فواصل إبراهيم القيادة حتى وصل إلى جبل الدم ،بعد
خوف ومعاناة ل يقلن عما حدث لهما في المرة السابقة.
كانت الشمس تقترب لتحتل قلب السماء حين ترجل على الصخور القاسية حتى
بلغا باب الكهف ،ومن لحظتها بدأ علي يتعامل بصلف وعجرفة مع إبراهيم فتأكد
الخير أنه كان دمحق ا في شكوكه نحو هذا الشاب السمر ،وبالرغم من أنه أدار كل
أجهزة النذار الدمبكر في عقله وجسمه وجهز كل وسائل دفاعاته السريعة والدمميتة ،فإنه
كان حريصا علي أن يتصرف بعفوية وتلقائية
ما إن دلفا إلي داخل الغرفة حتى أشار علي إلي حزام بنطلون إبراهيم وقال فى
توتر شديد ،على الرغم من محاولته للبتسام.
-يا رجل ،هل يصح لمن هو في مثال سنك أن يرتدي حزاما كهذا؟.
عرف أنه واقع تحت التفتيش الدقيق ،رسم على وجهه ابتسامة مترددة وقال.
-لبسته تحسبا للعرج على الطريق ليسند ظهري.
فقال على بسخرية واضحة.
-اعتقدت أنه أيض ا هدية من دأسامة ابنك.
-آه ،أسامة ابنى ،ل ،أنا اشتريته بعد الرحلة الماضية.
التفت نحو التمثاال ولديعغلير دفة الحديث وأضاف.
-يدك معي يا علي لنضع التمثاال في الحقيبة.
لم يمنع الحذر الدهشة من أن تجتاحه ،أخذ يتأمل التمثاال ،وهو عيقف في عظمة
للباب ،اقترب منه وبدأ يتحسسه بلهفة أنسته حذره للحظات ،فجأة انتبهوبهاء عيخلطف ا ع
لخرى ،وهو يقبضها ويبسطها ،ويقول لعلى وهو يصوب المسدس نحوه ويمد له يده ا د
بلهجة آمرة.
200
-مفاتيح السيارة ،والساعة اللي في إيدك ،واخلع الحزام ،هيا بسرعة.
طلب على للساعة
مع أنه كان قد توقع ذلك السيناريو الذي بدأ لتوه ،إل أنه ارتبك ل ع
والحزام ،وفي محاولة لكسب الوقت رمقه بنظرة عتاب وقال.
-ليه كده؟ ،فلنعبد من حيث أتينا عودنلعبد للناس فلوسها وينتهه المر.
رفع علي المصباح ليضئ وجه إبراهيم وقال.
-لبد أن ينتهي هذا الموضوع حالا إوانعس موضوع الفلوس.
كان علي يتحدث بعصبية ويرتجف كالمحموم ،ولنه يعرف أن الخائف ل يمكن
توقع تصرفه ،أو رد فعله ،قرر التعامل مع هذا الشاب الهوج بحذر شديد وفي محاولة
أخري للسيطرة علي الموقف ،قال.
-ماشي يا علي ،ديمكنني عتدبر المر ،سأقوم أنا بدفع الفلوس.
لم يفلح في إثاناء الشاب عما عزم عليه بل إنه تمادي فى عصبيته ،مد إبراهيم يده
بمفاتيح السيارة فتلقفها علي ،بيده الخاوية ،ووضعها في جيب بنطلونه ،وأشار بيده
للساعة فأخذ إبراهيم يحاول خلعها من يده وهو ينظر بحذر للمسدس ولكنه لم يستطع
أن يمنع نفسه من مواصلة محاولته لنقاذ الموقف فقال.
-من أجل أي شيء تضحي بي وبالمليين؟.
-لجل حماية قبيلتي ولحافظ على عهد والدي.
لم يعد لديه أدنى شك في أن عليا لن يتراجع ،كما هو متأكد من أنه هو نفسه لن
يتراجع عن خطته لقتناص فرصة عمره ،ناوله الساعة وتصنع بأنه يخلع الحزام وبينما
ينظر في عين علي بغضب وثابات ضغط بقوة على كوشة الحزام ،وما هي إل لحظات
حتى أمسك على برأسه وبدأ يترنح يمينا ويسا ار ثام سقط على الرض غائبا عن الوعي،
دقيقة وبدأت بجسمه تشنجات قوية ،احتقن لها وجهه بشدة وجحظت عيناه ،وكأنها على
وشك النطلق من مقلتيهما ،ثام تحول لونه إلى اللون الزرق ،تعالت ،لدقيقة ،حشرجة
متقطعة من صدره ،وهنت للحظات ،ثام توقف تنفسه تماماا.
كان يراقبه وهو يموت محاولا إقناع نفسه بأنه في حالة دفاع عن النفس وبأن هذا
الشاب هو صريع طمعه وغبائه ليهرب من حقيقة أنه خطط لقتل الشاب في كل
الحوال ،تحت وطأة طمعه في الستيلء علي كل محتويات المكان.
200
----------
دقة العحدس ومهارة التخطيط من أهم مميزات إبراهيم سالم فقد عجهز الساعة
ليستدل بها على الطريق والحزام لديميت حينما يكون الموت هو الحل الوحيد ،كثاي ار ما
صعبة.
استعان بتلك الساعة في عحسم صفقات ع
كان صاحب القطعة الثارية يشترط تغمية إبراهيم وهو في طريقه لمعاينة الثار،
وكم تمنى أن تكون لديه وسيلة تمكنه من معرفة الماكن التي يرتادها وهو معصوب
العينين ،كان تحكم صاحب الثار فيه لهذا العحد يشعره بالمهانة ويؤلمه ،ولكن طمعه في
الصفقة كان كافي ا ليبتلع كرامته.
وحدث أنه اشتكى للخواجة بيتر حال كرامته التي تئن ،تحت وطأة جروحها
المتكررة ،فأحضر له ساعة اليد تلك ومستلزماتها مقابل مائة ألف دولر ،فكان إبراهيم
يرمى في طريقه بأقراص معدنية صغيرة تبعث بذبذبات قوية لتلتقطها الساعة فيما بعد
فيتعرف على الطريق بسهولة ،وكثاي ار ما فاجأ حائزي الثاار ووسطائهم بأنه يعرف مكان
الثار ،وحائزه ،مما كان يربكهم تمام ا فيتمكن من السيطرة على الجميع وفرض السعر
الذي يحدده بنفسه ،لكن هذه المرة اضطر إبراهيم لضافة تكنولوجيا جديدة لديطور من
أداء الساعة ،فألحق بشاسيه السيارة مسدسا معدنيا كان قد اشتراه من تركيا لبنه أسامة،
وبالرغم من أنه مسدس ديعتععبر لعبة للطفال إل أنه يمكنه أن يطلق بكفاءة وفى صمت
طلقات من المعدن تشبه الخردقة ،وتمكن من أن ديثابت الشرائح اللكترونية على
الطلقات دون أن يعيق عملية الطلق أو إرسال الذبذبات ،ثام نجح في تصميم جهاز
إطلق كهربائي وأوصله بالمسدس ،الذي ألصقه بشاسيه السيارة ،على أن يكون زر
الطلق بدواسة السيارة ،وفى مدي الحركة الطبيعية لقدمه اليسري.
كما أمده الخواجة بيتر بكمية من الغاز القاتل ،يحتفظ بها منذ أيام عمله
بالمخابرات اللمانية في تسعينيات القرن الماضي ،وهذا الغاز هو أحد السلحة
الكيميائية الخطيرة التي تستخدمها المخابرات في عمليات القتل النظيف ،ويمكن ضغط
كمية منه تبلغ خمسة لترات مكعبة في علبة صغيرة من الصلب ل تتعدى مساحتها
خمسة xخمسة سنتيمترات ،كالتي استخدمها إبراهيم كدكوشة لحزام بنطلونه ،وقد
ص على أن يكون عبلف ،أو لزر المان ،للخلف وأل يفتح إل إذا ضغطه ولفه لليسار
عحلر ع
200
بقوة وحينها تنطلق كل كمية الغاز في لحظات لتغطى مساحة تبلغ الخمسين مت ار
ضمن تلك المساحة وخلل دقائق معدودة، مربعاا ،فتقضى على أي كائن حي موجود ل
حيث تصاب عضلته بتشنجات قوية تستنزف الموصلت الكيميائية في جهازه
العصبي لتصاب بعدها جميع العضلت ،بما فيها عضلت التنفس ،بالشلل التام
فيموت خنق ا إل إذا تم حقنه في أي مكان بجسمه بالمصل المضاد والذي يحمى الجسم
من تأثاير هذا الغاز لمدة يوم كامل حماية أكيدة.
----------
استعاد رباطة جأشه وسحب الجثاة لخارج الكهف ودفنها في الرمال بعيدا عن
المدخل ،وبعد معاناة بدنية ونفسية حقيقية وصل بغنيمته إلي السيارة ،ولم يعرف هو
نفسه سبب ا للتزامه بنصيحة على ،حيث لم يأخذ معه أي شيء آخر من الغرفة.
عندما وصل إلى البر الشرقي للنيل ارتبك لسماعه أذان المغرب وبدون تفكير
ضغط بقوة على دواسة البنزين لتلتهم السيارة الطريق نحو القاهرة آملا بلوغها قبل
انتصاف الليل وذلك ليتجنب كمائن الشرطة على الطريق والتي دتشلكل هاجس ا دمرلعب ا
لكل من يعمل بتهريب وتجارة الثاار.
----------
دلف لغرفة مكتبه بالشركة وألقي بجسده علي أول مقعد وجده وعبثا ا حاول أن
يتناسى ما حدث ،وما إن ضم جفنيه حتى توالت عليه مشاهد أحداث اليوم ،بتفاصيلها،
عبثاا حاول التفريق بين جفنيه ،ليوقف ذلك العرض المخيف ،فهوت نفسه في بحر
مضطرب بأمواج متلطمة من المشاعر المتناقضة ،ومع ذلك لم ينل حزنه لما حدث
من مدي سعادته باستحواذه علي تمثاال كهذا ،كما لم يحرمه الخوف من العجاب
بقدرته على التوقع والتدبر.
دقائق وأخذ القلق يفرض سيطرته على تفكيره ،وشيئ ا فشيئ ا تحول القلق إلى خوف
أمسك بغيض ،فقد سيطر عليه هاجس فتك قبيلة العمارنة به وبأسرته،
برأسه وحركه بعنف لليمين ولليسار ،وكأنه يحاول أن ينفض عن عقله ما علق به من
أفكار بغيضة ملته بخوف مؤلم ومريع.
200
بعدما فكر كثاي ار بخطة تنجيه مما ينتظره بات مقتنعا بأن النجاة دمستحيلة وأنه لم
يعد يملك أدنى فرصة للتراجع ،وبجرأة العيالئس إواقدامه قععرعر أن يمضى في طريقه لتمام
الصفقة وليحددث ما يحدث ،فبادر بالتصال بالخواجة بيتر ليتفقا علي مكان وميعاد
الستلم والتسلم.
----------
أقلته للسفارة اللمانية سيارة ديبلوماسية تابعة للسفارة ،وما إن إجتازت السيارة
البوابة ،حتى ترجل منها متجها نحو الخواجة بيتر الذي كان يقف فى انتظاره.
-أهلا يا خواجة.
-أهلا دكتور ،وصلتك الفلوس.
-كله تمام بيتر ،كله تمام ،متى ستدعغالدر؟.
-سأغادر اليوم حتى أكون في استقبال البضاعة غدا في مطار برلين.
ودع إبراهيم الخواجة بعدما أطلعه علي ق ارره بأن تلك الصفقة هي الخيرة بينهما ،حاول
بيتر معرفة السبب دون جدوى فتمني له التوفيق فيما خططه لحياته.
توجه من فوره إلى شقته ،بمنطقة المعادي ،والتي خصصها لخفاء أس ارره
ومقتنياته الهامة ،وحيث يمنح نفسه بعض الهدوء والسترخاء الضروريين لجلسات
التنويم المغناطيسي الذاتي ،للوصول للحالة الذهنية ألفا ،حيث التفكير الدقيق واقتناص
اللخطط الدمنظمة لحل ما يواجهه من مشاكل خطيرة.
----------
وهو يتفحص دنسخة دمقلدة للتمثاال تملكته دهشة ممزوجة بإعجاب بصديقه
الفنان ،تريكة النحات ،فبالرغم من أن تريكة هذا يستطيع بالكاد أن يكتب اسمه إل أنه
يمتلك موهبة دمذلهلة في النحت وكثاي ار ما أدهش إبراهيم ونال إعجابه الشديد وماله
الوفير ،وكان من الطبيعي أن يحب تريكة إبراهيم ،أكثار من أي شخص آخر علي وجه
الرض ،فبالرغم من جهله وعفويته إل أنه كان يقدر من يحترم موهبته.
----------
200
بعد موقعة القصر بشهور قليلة فعقععد إبراهيم الكثاير من وزنه وأصبحت عصبيته
ل تطاق فاعتزل أسرته واكتفى بالسؤال عنهم بالتليفون وأهمل أعماله الخاصة ،وقبع
بشقة المعادى ل يفارقها إل ناد ارا.
أسابيع من الخوف والعتردقب مرت عليه كالدهر ،وبعدما سلمه الترقب إلى اليأس،
قرر قطع أي صلة له بموضوع الثاار ،وبماضيه كله إن أمكن ،علي أن يفعل كل ما
بوسعه لحماية أولده وحماية ما جمعه لهم من ثاروة كبيرة ،وبالفعل سخر كل تفكيره
وجهده من أجل تحويل ما يملكه من عقارات إلى أموال سائلة يسهل عليه إخفاؤها
بحساباته السرية بالخارج ،وراح ديخطط لديمهد أرض كندا ليزرع فيها أسرته حين يأتي
الوقت الدمناسب.
==========
انتبه إبراهيم إلى اللواء الجمال وهو يسأله.
-إيه يا ععمنا ،أنت سرحان في إيه؟ ،أريد منك الجابة.
-أيةا إجابة؟.
لقصر ،وعندما أعاد
أجابه وهو شارد فمازالت مشاعره مضطربة لتذكره ملحمة ا د
عليه اللواء السؤال نظر بجرأة وتحد في عينيه قال.
-دقل لي أنت ،كيف أخرج تمثاالا كهذا من المتحف؟.
بدا الغضب واضحا على اللواء فاقترب منه ووضع يده الديمنى على كتفه اليسر
ثام انحنى نحوه ونظر في عينيه وقال ببطء ينم عن قبوله التحدي.
-وبعدين يا دكتور؟! كما أخرجت غيره من قبل.
-كان هذا ممكنا عقبل تسجيل محتويات المتحف بدقة وقبل المراقبة اللكترونية.
ل ،ثام ابتسم وهو يقول.
قال ذلك ثام قطب جبينه ولذ بالصمت قلي ا
-لقد أوضحت لك أن اختفاء أثار دمعسجل سيقيم الدنيا ولن يقعدها حتى يعود.
تراجع اللواء للخلف وارتسمت على وجهه ابتسامة استعلء وقال.
-لنتكلم في المفيد يا دكتور ،نحن نريد هذا التمثاال بأية طريقة وبأي عثامن.
طلب منه إبراهيم أن يكون صريح ا معه لنه غير مقتنع بحكاية مصلحة البلد
ل.
فاعترف اللواء قائ ا
200
-الموضوع مصلحة شخصية.
هب واقف ا وصفق بيديه ودار حول نفسه مرتين ثام اقترب من اللواء وقال.
-كده الكلم يحلي ،الشغل ده شكله كبير.
بعد تهديدات من اللواء وصمود وتحد من إبراهيم اتفق الطرفان على نسبة
عشرين بالمائة من قيمة التمثاال تقسم ما بين إبراهيم وعبد المسيح ،وقد أصر إبراهيم أنه
لن يبدأ في تنفيذ المهمة إل بعد تحويل المال لحسابهما في بنوك سويسرا.
كان التغير السريع في أسلوب تعامل اللواء معه ،من التهديد إلى الرضوخ التام
لطلباته ،كافي ا ليتأكد أن الخطر الداهم يتمثال في اللواء الجمال ،وبات مقتنع ا أكثار من
أي وقت مضي بأنه ميت مع وقف التنفيذ ،فقرر السراع في تنفيذ خطته لتهريب أسرته
لكندا.
اتفقوا علي خطة محكمة للحصول علي التمثاال ،وقد أمدهم اللواء بشفرة الدخول
علي شبكة مراقبة المتحف المصري المتصلة بمجلس الوزراء وبجهاز مباحث أمن
الدولة ،ومديرية أمن القاهرة ,وحرص اللواء علي أن يظل المر سرياا ،وعندما تطرق
إلى ضرورة التخلص من أي شخص له علقة بهذا التمثاال ،فهم إبراهيم غرضه ومع
هذا سأله في جزلع.
-شخص مثال عمن يا سيادة اللواء ،أنا ول عبد المسيح؟.
-أقصد صديقك الصحفي رضا جلل ،أتوقع أن لديه عخعب ار بموضوع التمثاال وأنت
تعرفه مثالي ،انتهازي واستغللي ومن المؤكد أنه سوف يبتزنا أو يفعلها ويشى بنا؟.
حاول إقناع اللواء بعدم إقحام صديقه في الموضوع دون جدوى ،فقد أصر على
التخلص من رضا ،كما تخلص من الخواجة بيتر ومن تريكة ،فعرف إبراهيم أنه ورضا
جلل ينتظرهما مصير واحد ،وأنه ل توجد فرصة لنجاتهما معاا ،وأنه لبد من العمل،
وبسرعة ،لنقاذ ما يمكن إنقاذه.
أنهى اللواء اللقاء وهو يتميز غيظا من إبراهيم سالم الذي أملي شروطه عليه ،ولم
يغفر له طمعه في خمسة مليين دولر أخرى بعدما كان قد حصل من قبل علي
عشرين مليوناا ،في نفس الصفقة ،وحتى عبد المسيح الذي كان طوع يديه حصل لنفسه
هو الخر على خمسة مليين دولر!.
200
كان اللواء كالسد الجريح ،فقد جرحه الطمع وجعله عرضة لنهش الثاعالب ،ولكن
هذا هو حال البشر ،أي بشر ،إن داعبت غريزة الطمع لديه امتلكته تماماا ،وبالرغم من
أنها غريزة سيئة السمعة ،ولها نتائج مدمرة ،إل أنها أوضح غرائز البشر قاطباة ،وكانت،
ومازالت ،من ضرورات استمرار الحياة وتطورها.
-----------
نجح إبراهيم في الحصول على تأشيرة دخول كندا لزوجته وأولده الثالثاة
أسامة ،وندى ،ونادين ،وساعده على ذلك المشروع الستثاماري الكبير الذي اشتراه لتوه
بمونتر ،وكان قد نجح س ار في بيع كل أملكه بمصر وتحويل ثامنها لحساب أسرته
ببنك باركليز بذات المدينة الكندية.
تبقت هناك مشكلة هامة ،بدت عصية علي الحل ،أمواله في سويسرا ،فهو لن
يستطيع مغادرة مصر ،ولو ليوم واحد ،لتحويل أمواله لحساب أسرته فاللواء حمدي
يراقبه من ناحية ،كما أن تحرك المبالغ الكبيرة بين دول العالم أصبح صعبا جدا منذ
أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأمريكا ،وبالرغم من استق ارره على خطة قد تضمن
وصول هذه الموال لسرته بكندا ،في سرية وآمان ،إل أنه تحول إلى كتلة متحركة من
التوتر والقلق ،وعندما لحظ أفراد أسرته شروده وعصبيته الزائدة حسبوها نوبة من
نوبات الكتئاب التي كثاي ار ما كانت تنتابه بين الحين والخر ويندمج فيها لتسحبه تمام ا
عما حوله فيبدو وكأنه ل يهتم حتى بأقرب الناس إليه ،ولنه إبراهيم سالم فلم تمنعه
حالته النفسية السيئة من المضي قدما لتأمين ما جمعه لصالح أولده ،ولمحاولة النتقام
مدمن ديعد العدة لتدميره.
----------
اطمأدن إبراهيم سالم إلي خطوات خطته السرية ،ثالثاية البعاد ،فقام باستدعاء
رضا جلل علي وجه السرعة ،تقابل الصديقان بمكانهما المفضل ،مقهى الندوة الثاقافية
بباب اللوق ،وحين لحظ رضا أن صديقه يقرض أظافره ،بذهول الخائف وشرود
ل.
اليائس ،تيقن أن صديقه واقع في ورطة كبيرة فبادره قائ ا
-ماذا بك ،سرحان وتقرض أظافرك ،فيه إيه يا إبراهيم؟.
200
نظر إبراهيم إليه مليا وتدفقت دموعه ،انزعج رضا بشدة ،فهو لم يعر صديعقه
الجريء } ذا القلب الميت { ،أبو قلب ميت ،يبكى من قبل.
-إبراهيم سالم يبكي! ،مؤكد فيه دمصيبة ،قل لي فيه إيه؟
مسح دموعه ونظر لصديقه بعيون ذهب منها الشرود فلمعت بالغضب وقال.
-ليس هناك وقت للشرح ،اسمع ما سأقوله ونفذ ما أطلبه منك ،الوضع خطير جداا.
في لحظات امتل رضا بالقلق والتوجس فقال.
-يا سلم يا إبراهيم ،هذا غير معقول ،لزم أعرف إيه الموضوع قبل أي كلم.
رضخ إبراهيم وسرد عليه القصة فتوترت أعصابه وارتعشت أطرافه وعضلت
وجهه بوضوح ،حاول إبراهيم طمأنته فقال.
-علي أية حال أنا ميت أما أنت فلزم تعيش ،أحتاج إليك حي ا وفى أمان أيضاا.
ل تستطيع الكلمات وصف حالة رضا ،كان الخوف يرجه رجاا ،ومع ذلك
اجتاحته الرغبة في المعرفة وأخذ الولع بالثاارة يناوش الصحفي بداخله ،وراح التناقض
المشهور به يرسم علماته ودللته على وجهه ولسانه ،تناقض الخوف والشجاعة،
الندالة والشهامة ،الطمع والقناعة.
هدأ رضا قليلا بعدما شعر بأن الموضوع عجد خطير ،ثام استمع جيدا لتفاصيل
الخطة التي أعدها إبراهيم ،فتصارع بداخله الطمع في التمثاال ومليين سويس ار مع
الخوف علي حياته ومستقبل أولده ،ولكنه حسم تردده عندما تأكد من أنه ل يملك
البديل.
تأكد لبراهيم استيعاب صديقه لتفاصيل الخطة فأعطاه شيك ا بقيمة ثالثاين مليون
دولر على بنك أوف سويس بجنيف ،مع رقم الحساب والكود السري له بالبنك وكذلك
أعطاه رقم حساب زوجته في مونتر ،وقبل أن ينهي اللقاء أعطاه حقيبة صغيرة بها
مائتا ألف دولر وأكد عليه بضرورة التزام الحذر والسرية ،وأن يحرص على آل يعرف
مخلوق بمكانه.
-أريدك متماسك ا وجريئاا ،ل تخاف من شيء ،فالمفروض أنك ميت ،فكر جيدا قبل أن
تقدم علي أي تصرف ،أمامك ثالثاة أيام لتدبر حالك وتجهز نفسك.
----------
200
بالرغم من الرتباك والضطراب المفاجئ في حياته فقد التزم رضا بتنفيذ
تعليمات إبراهيم بدقة ،اتصل بصديقته في شقة المغامرات وطلب منها المغادرة وقفل
الشقة لنه سوف يغيب عدة أيام لظروف طارئة وعاد من فوره إلى منزله ،بمدينة دمياط
الجديدة ،تناول العشاء مع أولده وبذل مجهودا كبي ار ليبدو علي طبيعته ،وعندما انفرد
بزوجته حكي لها ،تفصيلياا ،المشكلة الخطيرة التي يواجهها وأخبرها بضرورة مغادرته
لمصر خلل ثالثاة أيام ثام سلمها عقد ملكية شقة القاهرة ومبلغ مائة ألف دولر ورقم
حسابه بالبنك مع توكيل لها بالصرف.
وكأنه يتحدث في أمر بسيط وعادي وينتظر من زوجته أن تتقبل ما سمعته
بصدر رحب ،حاول أن يغير دفة الحديث ليرتب معها شئون السرة بدونه فصرخت
سهير قائلة.
-انتظر ،انتظر أنت بتقول أيه؟ ،هل تتكلم بجد أم أنك تتلعب بي كعهدك.
-أنا في منتهي الجدية ،ومن مصلحتك ومصلحة الولد أل تعرفي أكثار من ذلك،
أعرف أني صدمتك وأخذتك على دغرة ،ولكن صدقيني لو لم تنفذي ما قلته قد تتعرضين
أنت والولدين لخطر عظيم ،هروبي سيحميكم ،بعد ثالثاة أيام يجب أن أكون شخص ا
مفقودا في نظر السلطات والناس ،ومن قبلهم الولدان ،وتأكدي بأني سأكون قريبا منكم
أتابعكم وأحميكم.
كانت تنظر إليه مذهولة ول تتكلم ،فهي ل تعرف ماذا تقول أو ماذا تفعل ،فقد
توقف عقلها عن التفكير تماما حتى عندما سمعته يقول لها.
-ليس لدي وقت ،تماسكي حتى اختفى وبعدها تصرفي بشكل طبيعي ،يعنى تبحثاي
ل ،وحاول أن يضاحكها فقال.
عنى وتتصرفي علي أني مفقود فع ا
-ل تبالغين في الموضوع ،زوجة اختفي زوجها ،تحزن آه ،لكن مش قوي يعني.
لم تضحك ،تجمد وجهها وخل من أية تعبيرات ،فعندما عشععرت بالخطر على
ولديها تيقنت من جدية المر وأن عليها الختيار ،إما ولداها إواما زوجها ،لم تتردد في
التضحية به.
خرجا للصالة فوجدا الولدين يشاهدان التليفزيون ،جلس رضا معهما ،لدقائق،
يداعبهما ويتكلم معهما بطريقة عادية اندهشت لها سهير ،حتى إنها بدأت تشك مرة
200
أخري في أنه يحبك عليها أحدى قصصه ورواياته ،فهو يحب حكي الحواديت وتدبير
المقالب وكثاي ار ما أختبر قوة مقالته بقراءتها علي زوجته وقياس رد فعلها.
تبعته إلي الباب ثام أفضت له بشكوكها ،ابتسم في توتر وقال.
-سهير ،أبوس إيدك ،كل شيء لزم يبدو وكأنه طبيعي.
----------
أخبر إبراهيم زوجته بأنه بصدد تنفيذ مهمة كبيرة ،عتبع دشغلة الثاار ،تستلزم
غيابه لمدة شهرين وبأنه سوف يلحق بهم بكندا فور انجازه لتلك المهمة ،أعطاها تذاكر
السفر لكندا وراجع معها الوراق والمستندات ،كأوراق قبول الولد هناك في مدارس
مونتر وأوراق المنزل الذي اشتراه لهم هناك وكذا أرقام حساب أفراد السرة ببنك
باركليز ،ونبه عليها بأن تكون بالمطار في تمام الساعة الواحدة ظه ار لتلحق بموعد
الطائرة ،في الساعة الرابعة عص ارا ،وكان قد تعمد أن يكون موعد السفر هو وقت
انشغال اللواء بمتابعة إخراج التمثاال من المتحف ،فلم يشك لحظة فى أن الرجل يراقب
أسرته كما يراقبه ولهذا وضع خطة للهاء عيونه وجذب انتباهها بعيدا عن أسرته حتى
تقلع بهم الطائرة إلى كندا.
تقبلت زوجة إبراهيم المر بشكل عادى ،فقد تعودت منه القيام بسفريات طويلة
يعود منها كل مرة سالم ا غانماا ،وتعودت على أن تتصرف أثاناء غيابه بهدوء وثاقة كما
أن الهجرة لكندا كانت فكرتها التي ألحت على زوجها كثاي ار لتقنعه بها ،ومن فرط
سعادتها بتحقيق حلمها ،بالعيش بكندا ،لم تقترح علي زوجها ،ولو من باب المجاملة،
تأجيل سفرهم حتى ينتهي من مهمته ليسافروا سوياا.
----------
تدرب عبد المسيح علي الدخول ،عن طريق الشبكة العنكبوتية ،إلي موقع
المراقبة اللكترونية للمتحف وتعطيله لدقائق ،وبعدما تأكد الرفيقان من تحويل المبلغ
المتفق عليه لحسابهما شرعا في تنفيذ خطة تبديل التمثاال بالنسخة المقلدة.
بينما يراقبهما اللواء ،كثاي ار ما اعترته الدهشة لمهارة تجار الثاار في الحركة
والتمويه والتي قد تفوق قدرات رجال المن والمخابرات.
200
ففي تمام الساعة السابعة والنصف من صباح يوم الخميس ،كانت سيارة إبراهيم
تقف أمام محطة البنزين على يمين منزل كوبري قصر النيل ،من ناحية الدقي ،وبعد
لحظات كانت تقف بجوارها تمام ا سيارة دمدير المتحف المصري ،ألقى كل منهما التحية
على الخر وترجل إبراهيم وهو يحمل بيده حقيبة جلدية كبيرة ،وضعها بسرعة بسيارة
المدير ثام أعطاه حقيبة أخري بها مليون جنيه مصري.
قاد كل منهما سيارته في اتجاه عكس الخر ،اتجه إبراهيم إلى شارع جامعة
الدول العربية ليجلس على مقهى ،ليريح أعصابه قليلا وليعيد ترتيب أفكاره ،ولم ينعس أن
يتصل بزوجته ليوقظها لترتب نفسها للذهاب إلى المطار في ميعاد مناسب ،أما مدير
المتحف فقد اتجه لميدان التحرير وأمام محطة المترو أبطأ من سيره حتى جاءت سيارة
نيسان صني سوداء وعندما أصبحت بموازاته تمام ا ألقى فيها بحقيبة الفلوس ثام أكمل
طريقه نحو المتحف حيث كان مدير أمن المتحف في استقباله حيث فتح البوابة بنفسه
لسيارة المدير وحمل الحقيبة وتبعه إلي مكتبه.
في تمام الساعة التاسعة والنصف صباح ا تلقى إبراهيم على هاتفه المحمول
ثالث رنات فتأكد من أن شريكيه بالمتحف قد نجحا في إدخال النسخة الدمقلدة إلى
المتحف فقام من فوره واتجه إلي فيل السوسنة بالمهندسين ليطمئن علي سير المور
ويراجع خطوات التنفيذ مع عبد المسيح ،وبعد حوالي ثالث ساعات توجه إلي مطعم
كنتاكي التحرير لمقابلة مدير المتحف وراجع معه خطوات التنفيذ لحظة بلحظة ثام ناوله
حقيبة بها مليون جنيه ،بقية المهر أو التفاق بينهما،
وبالرغم من أن الرجل عنصر بارز بالمكتب السياسي لمانة الحزب الحاكم بالعاصمة
ل.
ويتمتع بعلقة وثايقة بكبار المسئولين فقد أبدي تخوفه لبراهيم ،قائ ا
-هذه المرة تبدو مختلفة عما سبقها يا دكتور ،أخشى من خلو تلك العملية من مسئول
كبير يحمينا لو حدث شيء خارج حساباتنا ل قدر ال؟.
طمأن إبراهيم الرجل بأن العملية لصالح رأس كبيرة ،ل يصح ظهورها في
الصورة بأية حال من الحوال ثام قام بالتصال بعبد المسيح ليضبط ساعات اليد الثالث
بالدقيقة والثاانية.
200
خرج المدير من المطعم ليجد زوجته تنتظره في سيارتها ،ركب بجوارها وانطلقت
به ليترجل من السيارة على بعد خمسين مت ار من بوابة الدخول للمتحف ،بينما جلس
إبراهيم على مقهى قريب لتناول قهوته ،وفى تمام الساعة الواحدة والنصف مشي نحو
المتحف ،توقف للحظات أمام سيارته الواقفة على مسافة قريبة ليطمئن على استعدادها
للمهمة ثام أكمل طريقه إلى داخل المتحف.
اتجه إلى الطرقة الفسيحة على يسار المدخل وانشغل بمشاهدة مجموعة آثاار
توت عنخ آمون ،توقف أمامها لدقائق ثام مد بصره لنهاية الطرقة وحين لمح التمثاال،
يقف شامخاا ،ازدادت ضربات قلبه وارتبك بعض الشيء ،أخذ يتنفس بعمق وبطء حتى
ل.
هدأ قلبه وبردت أعصابه قلي ا
اختبأ بسرعة ،عخلف عامود بأول الطرقة ،بعدما ارتكب خطأا جسيماا ،فقد نظر
في ساعة يده ،وهو يعرف أن الكاميرات تراقب جميع من بالمتحف فلم يستبعد أن تلفت
تلك الحركة البسيطة النتباه إليه.
اتجه نحو الطرقة الدمقابلة ،على يمين المدخل ،وارتكن بظهره على بابها من
ناحية السلم وبذل كل ما في وسعه ليسيطر على أعصابه وعلي حركة أطرافه ،رنا
ببصره لعلى فلمح عقارب الساعة الكبيرة ،الدمعلقة أعلى باب الدخول ،تقترب من
الدقيقة الخامسة والخمسين من بعد الواحدة ظه ارا ،اعتدل في وقفته وهم بالقتراب من
الطرقة اليسري فوجد الحراس وموظفي المتحف يخلونه من الزوار لتغيير نوبتجية
الحراسة وقد تزاحم الزوار على البسطة الكبيرة التي تنتهي إليها درجات السلم العريضة.
زاحم جموع الزوار حتى تمكن من الوقوف علي مدخل الطرقة تمام ا فلمح المدير
يدفع أمامه عربة كبيرة عليها عدة حقائب ويمشى بجواره مدير أمن المتحف ،فتحرك في
المكان حتى تأكد من أنه في مرمى بصر وانتباه شريكيه.
حين أشارت الساعة إلى ما قبل الثاانية بدقيقتين ،استقبل رنة على هاتفه النقال،
بنغمة كان قد خصصها لساويرس ،فمسح من فوره بسبابته اليمنى على عينه اليمنى،
من الداخل للخارج ثالث مرات ثام رنا ببصره نحو شريكيه فشاهدهما يقفان أمام مجموعة
آثاار توت عنخ آمون وقد بدأ المدير في إنزال الحقائب من على العربة ،وبعد دقيقة
أخري بالضبط تلقى إبراهيم من عبد المسيح رنة أخري فأخرج من جيب بنطلونه لمشطا
200
أسود ثام مرره على شعره مرتين ،ببطء من المام للخلف ،ثام وضع المشط في جيب
قميصه ،وعمعد بصره فلمحهما يقفان أمام دولب التمثاال.
بعد عشرة دقائق معر الرجلن من أمامه يدفعان العربة نحو مكتب المدير في
نهاية الطرقة اليمنى ،وفى نفس اللحظة طلب الحراس من الواقفين ،على البسطة
الفسيحة ،نزول السلم حيث يمكنهم العودة بعد ساعة.
بعد خمس عشرة دقيقة تلقى إبراهيم ثالث رنات ،بنغمة مدير المتحف ،تنفس
الصعداء وهاتف زوجته فأخبرته بأنهم في انتظار النداء على الرحلة إلي كندا ،وبعد
لحظات شعر فيها بالرتياح لنجاحه في تهريب أسرته من مصر لم يعد يشعر إل
بالخواء والوحشة ،مشى بثاقة نحو كشك المحفوظات والحقائب وناول العامل إيصالا
برقم ،556678فسلمه حقيبة جلدية ثاقيلة اندس بها وسط الخارجين من المتحف.
انطلق بسرعة ليبتعد عن المنطقة ،ثام عاد ليفحص ميدان التحرير ،كان يراقب
من يراقبه ،وحين واتته الفرصة انطلق قاصدا منطقة المعادى الجديدة ،جلس على أول
مقهى قابله بالمنطقة وراح يتناول قهوته وهو يشعر بعقله معطلا ونفسه خاوية.
----------
في تمام الساعة الرابعة والنصف عص ار تلقى رضا جلل على هاتفه النقال
ثالث رنات ،فاتجه من فوره إلى موقف السيارات الخاص بفندق سميراميس ،وبعد
دقيقتين كانت هناك سيارة تقف بجوار سيارته ،وبموازتها تماماا ،ترجل إبراهيم حاملا
الحقيبة ووضعها بسيارة رضا ثام استند علي نافذتها ،اقترب من أذن رضا ،الذى التصق
ل.
بمقعد القيادة ،ناوله حقيبة صغيرة وهمس له قائ ا
-معك قطعة آثاار ل تقدر بثامن ،وبهذه الحقيبة خمسون ألف جنيه وجهاز لقتفاء
الثار ،قد تحتاج إليه ،هيا تحرك بالسيارة وغادر مصر من فورك ،ولو عجد في المور
جديد سأصل أنا إليك ،أينما كنت ،لنرتب أمورنا مرة أخرى.
لم يرد رضا واكتفى بتحريك رأسه ثام انطلق في طريقه ،حتى دون أن يلقى نظرة
الوداع على صديق عمره ،وهكذا هو الخوف ديجلى النفس ليظهرها على حقيقتها فيبرز
أسوأ ما فيها.
200
وفى تمام الساعة التاسعة ،مساء نفس اليوم ،استقل رضا جلل التوبيس
المتجه إلى واحة الفرافرة ،من محطة جنوب الصعيد ،بمنطقة الزهر.
----------
بعدما اطمأن للتزام رضا بتعليماته انطلق بسيارته ليقطع طريق الكورنيش ذهابا
إواياب ا عدة مرات ،وراح ينظر إلى النيل وكأنه يمل ناظريه بجمال صفحته وهى تتلل
تحت أشعة شمس الغروب المختلطة بأضواء المباني الضخمة علي ضفافه ،وفي تمام
السادسة مساءاا ،اتصل هاتفيا باللواء الجمال وقال كلمة ،جاهز ،وعندما سمع منه نفس
الكلمة ،اتجه من فوره إلى فيل السوسنة بالمهندسين.
دخل بالسيارة من بوابة الفيل وحمل الحقيبة ومشى نحو الباب في خطوات آلية،
ف إلى الداخل حتى وقعت عيناه على اللواء ،على الرغم من أن الساعة ما
وما إن عدل ع
زالت تشير إلى السادسة والنصف ،ألقى إبراهيم بجسده على أول مقعد واجهه ،ثام رجع
بجسمه للخلف ،وتأوه ونفخ بقوة ثام أراح ذراعه اليمنى على ظهر المقعد والتفت نحو عبد
المسيح الذي كان يجلس صامت ا ثام نحو اللواء وقال غاضباا.
-أعتقد أن موعدنا في تمام السابعة يا سيادة اللواء؟.
-قل لي أنت ،لماذا أجلت التسليم إلي السابعة بالرغم من خروجك من المتحف حوالي
الساعة الثاانية والربع ،أين كنت خلل كل هذا الوقت؟.
-هذا الوقت من أجل تأمين العملية ،وكنت أعرف أنك تراقبني لحظة بلحظة فراوغتك
لثابت لك أنى على كفاءة كبيرة ،قد تفوق كفاءة أمهر رجالك.
قال ذلك وانفجر ضاحك ا مما أغاظ اللواء كثاي ارا ،فطلب منه بصلف أن يفتح
الحقيبة ،وبمجرد أن شاهد التمثاال مد يده وأخذ الحقيبة ثام تراجع للخلف حتى أصبح في
مواجهة إبراهيم وعبد المسيح ثام تقدم منهما وأخرج مسدسه الكاتم للصوت وقال.
-لم يعد لي حاجة بكما.
ثام صوب المسدس نحو عبد المسيح ،الذي انهار في مكانه ،فعاجله اللواء
ببطلقة في مقدمة رأسه فسقط صريع ا في صمت مرعب ،وبسرعة خاطفة صو ع
الدمسدس نحو رأس إبراهيم الذي واجهه بابتسامة سخرية اندهش لها اللواء فسأله في
غيظ مكتوم.
200
ل؟.
-أتضحك وأنت سوف تقتل حا ا
تعالت ضحكات إبراهيم ،دخل العشك قلب اللواء فتراجع للخلف ،وقال وهو يغالب
حيرته.
-قل لماذا تضحك ويمكن أن أتركك لتعيش.
-لن أخبرك أبداا ،عاملها لك مفاجأة.
كانت ضحكات إبراهيم كطعنات في عقله ،ومرة أخري تراجع للخلف عدة
خطوات ،وهو مازال يصوب المسدس لرأس إبراهيم ،فتح الحقيبة ليكشف عن التمثاال
وراح يقارنها بصورة أخرجها من جيبه ،يبدو أنه اقتنع بأن معه التمثاال المطلوب وبأن
إبراهيم يسخر منه فهجم عليه ،فى نفس اللحظة حاول إبراهيم إخراج مسدسه ولكن
اللواء تمكن من إسقاطه أرض ا وشل حركته تماماا ،وضع فوهة المسدس في فم إبراهيم
الذي استسلم لقدره ،ضغط على الزناد فتهشم رأس إبراهيم وتناثار مخه على الرض،
نظف اللواء مسدسه ووضعه في جرابه وجلس على المقعد يرقب القتيلين فى نشوة لم
يكن هناك ما يبررها إل انتظاره لمن سيبدله الذهب الصفر بالخضر.
----------
مات إبراهيم وهو يضحك على نهايته ،التي توقعها وأعد لها الدعدة ،مات راضيا
بانتصاره على اللواء ،في مباراة رفيعة المستوى أظهر فيها تفوق ا منقطع النظير ،فقد ألقم
اللواء الطعم ،ولم يكن لديه شك في أن الرجل بات ميتا منذ تلك اللحظة.
فعندما استجوب اللواء تريكة النحات ،اعترف له بأنه قام بتقليد نسخة واحدة فقط
لبراهيم سالم ،ولن الباشا لم يجد دمبر ار لن يقلد إبراهيم التمثاال لكثار من مرة ،خاصة
وأن النسخة تتكلف الكثاير ،ولنه راقب عن كثاب كل خطوات تبديل التمثاالين فقد بات
متأكدا من حيازته للتمثاال الصلي.
وقد كذب تريكة إعتقادا منه أنه بذلك يحمي صديقه إبراهيم سالم الذي كان قد
تسلم منه نسختين من التمثاال ،واحدة كان يعد العدة لعادتها للكهف فقد فكر أن ذلك قد
يحميه من انكشاف أمره لقبيلة العمارنة ،والخرى كان يخطط لبيعها لتجار الثاار على
أنها أصلية ،فهو يعرف أنه من الصعب عليهم اكتشاف أنها مقلدة ،ولو حدث وعرف
200
المشتري أنها مقلدة فإنه حتما سيخفى المر حتى يتمكن من بيعها لخر ،وتتسع الحلقة
وتتوه نقطة بدايتها ومعها الحقيقة ،وهكذا لن يصل إليه أحد أبداا.
----------
الحد 2005 /15/5م.
جريدة الجمهورية.
-مقتل رجلي أعمال في ظروف غامضة داخل فيل السوسنة بالمهندسين.
-العثاور على جثاة الدكتور إبراهيم سالم ،صاحب شركة الدكتور للستيراد والتصدير
ورجل السياحة المشهور ،وبجوارها جثاة المهندس عبد المسيح ساويرس صاحب مصانع
اللكترونيات والسيراميك.
-مصادر دمطلعة تشير إلى عمليات مشبوهة إوالي عملية تصفية حسابات بين
الرجلين ،وهناك احتمال قوى بأن أحدهما قتل الخر ثام انتحر.
-معلومات عن علقتهما بتهريب وتجارة الثاار ،واحتمال تصفيتهما من لقبل مافيا
تهريب الثاار غير مستبعد.
-اختفاء أسرة الدكتور إبراهيم سالم في يوم مقتله ،ديثاير الكثاير من التساؤلت.
----------
كانت الصدمة كبيرة على أسرتي إبراهيم سالم وعبد المسيح ساويرس ،وتوجست
زوجة رضا جلل خيفة ،بعد علمها بمصرع صديق زوجها المقرب ،وتأكدت من مدي
الخطر المحيط بزوجها فعملت على كتمان خبر اختفائه لفترة.
هذا وقد سيطر الرعب والخوف من المجهول على كل تجار ومهربي الثاار
بمصر ،واعتبروا أن لقاءهم باللواء الجمال هو بمثاابة بداية النهاية لهم ،فقد تلقوا خبر
تصفية الدكتور والمهندس بهلع شديد وبات كل منهم عيخشى لقاء الخر أو حتى مجرد
التصال به هاتفياا ،وبدون اتفاق تصرفوا جميع ا بنفس الطريقة ،طريقة الخائف الذي ل
يفكر إل بالفرار والنجاة ،فقرروا تجميد نشاطهم في شغلة الثاار ،وبدأ البعض منهم في
تصفية أعماله بمصر تمهيدا للهروب خارجها حينما تحين الفرصة لذلك ،وقبل مرور
ي منهم أدنى فرصة للفلت
ثالثاة أسابيع على الحادث ،تيقنوا جميع ا بأنه لم يعد لدي أ د
من قبضة الجهة الحساسة التي باتت تقبض بقوة على رقابهم وتراقبهم عن كثاب فقد تم
200
اقتيادهم ،بالقوة الجبرية مع بقية كبار الدشغلة ،إلى فيل الصفا بالزمالك ،لحضور
اجتماع آخر مع اللواء الجمال ،وكان عددهم هذه المرة خمسة عشر رجلا بالضافة إلي
أم طارق ومروة.
لم ديغمض اللواء حمدي عينيه عنهم لحظة واحدة ،فمعهم أكثار من ثالثاين مليون
جنيه من أموال الدولة ،تسلموها على مسؤوليته الشخصية ،ولنه يعرف طريقة تفكيرهم
فقد توقع رد فعلهم علي مقتل إبراهيم وساويرس ،فكثاف من مراقبتهم خشية هروبهم
وتحمله لمسئولية ضياع المال العام ،وقد تأكد له حدسه بما أبدوه من سلوك هيستيري
في الحتياط الزائد عن الحد وانسحاب من المجتمع مع نشاط دءوب لتصفية ممتلكاتهم.
كان الخوف والشك هما سيد الموقف في هذا اللقاء ،غير مسموح بالمناقشة أو
حتى بطرح السئلة ،واقتصر الجتماع على الستماع للتعليمات والوامر ،وقد وزعت
عليهم خطط تفصيلية للنشاط المطلوب من كل فرد منهم بعد تعديلها ،وتم التنبيه عليهم
بدقة التنفيذ وكذلك تحذيرهم من التكاسل وعواقبه.
بدأ كل فرد منهم في تنفيذ ما دكلف به علي أمل النجاة ،وعلى غير الدمتوقع منهم،
أنفقوا بسخاء لدغدغة أحلم الثاراء السريع لدى الجماهير ،فانطلقت في ربوع مصر
إشاعات وحكايات مثايرة عن الثاراء الذي حققه الكثايرون من عمليات التنقيب عن الثاار
والتجار بها ،وبالفعل جذبت الشغلة آلف ا مؤلفة من الحالمين بالغنى السريع ،وازدحم
الملعب الوهمي باللف من مختلف العمار والمستويات الجتماعية.
هوجة وضربت البلد ،سيطر هوس التنقيب عن الثاار والتجار بها على حوارات
الجماهير ،على المقاهي ،بالنوادي ،في المصانع والغيطان ،في أي مكان يمكنك أن
ترى مجموعات من الشباب ،ذوي الهمة والطموح والحلم الكبيرة ،يستمعون مذهولين
لعشرات الحكايات عن فلن الذي نقب تحت منزله وأخرج قطع أثارية بمليين الدولرات،
أو عن فلن الذي باع وربح المليين وافتتح معرض ا للسيارات أو مولا كبير أو ،،،أو،،،
أو.
ومع انتشار ثاقافة انتظار الفعرج ،إما بضربة حظ ،إواما من السماء ،والتي زرعتها
في عقول المصريين وسائل العلم المختلفة ،بات حلم الثاراء السريع والعسهل ديسيطر
على البلد كلها فأصابها بدوار وشبه غيبوبة.
200
----------
السبت 25/6/2005م.
جريدة الهرام.
-اختفاء الصحفي رضا جلل ،دمساعد رئيس تحرير الهرام في ظروف غامضة.
-هل هناك علقة بين اختفاء رضا جلل ومقتل صديقه إبراهيم سالم.
-طلب إحاطة بمجلس الشعب حول اختفاء الصحفي جلل.
-وقفة احتجاجية للصحفيين أمام نقابتهم لمطالبة و ازرة الداخلية بالعلن عما لديها
من معلومات حول الختفاء الدمريب للصحفي رضا جلل.
-الداخلية تنفى إخفاؤها لي معلومات حول ملبسات اختفاء الصحفي رضا جلل.
برنامج الحقيقة ،قناة دريم .2
الحد 26/6/2005م.
زوجة الصحفي رضا جلل ،تقول لوائل البراشي ،إن زوجها كان قد أخبرها بأنه
دمكلف بمهمة صحفية سرية خارج مصر لمدة شهر ،وأضافت بأنها فهمت منه أنه يعتبر
أن تلك المأمورية مهمة جدا بالنسبة لمستقبله المهني ،وحتى مع مقتل صديقه إبراهيم
سالم ،في نفس يوم سفره ،لم ديساورها أدني شك بخصوص سلمة زوجها ،خاصة أن أي
من زملئه بالجريدة لم يسأل عنه خلل الفترة الماضية ،وهذا ما زاد من اعتقادها بأن
المسئولين بالهرام يعرفون بطبيعة مهمته الصحفية ويعرفون أين هو ،وقالت.
-انقضى أكثار من شهر ولم يتصل بي ليطمئنني عليه ،عصف بي القلق فقمت
بالتصال بالسيد رئيس تحرير الهرام ،وكذا ببعض زملئه الصحفيين ،للستفسار عنه
فأخبرني رئيس التحرير بأنه ل يوجد في دعرف الصحافة ما يسمى بالمهمة أو المأمورية
السرية وكل ما يعرفه هو أن زوجي حصل على اجازة من الجريدة لمدة ثالثاة أشهر
لظروف اجتماعية لم يفصح عنها لحد.
أجهشت الزوجة بالبكاء ثام استطردت.
-ما يثاير دهشتي هو أن الجميع ،في الجريدة وفي النقابة وحتي بو ازرة الداخلية،
يتعاملون مع موضوع اختفاء زوجي باستخفاف ،وكأنه رجل ل قيمة له ،وقد تقدمت
200
ببلغ للنائب العام الذي كشفت تحقيقاته أن ل الهرام ول الداخلية ول أية جهة أخري
بالبلد تعلم شيئ ا عن زوجي منذ اختفائه ،لم أترك باب ا إل وطرقته بل فائدة.
وفي نهاية اللقاء توجهت باستغاثاة لرئيس الجمهورية ليتدخل لكشف الغموض الذي
يحيط بمصير زوجها وأن يعيده لسرته ،أو على القل لو كان بالسجن فمن حقها
أن تعرف مكانه ،ولو كان قد مات فمن حقه أن ديدفن وديكرم مثاواه.
----------
جاب اللواء الجمال البلد ،طولا وعرضاا ،بحثاا عن رضا جلل ،لم يترك شب ار
واحدا من مصر إل وبحث فوقه وتحته دون جدوى ،وعندما تأكد أل أحد ،حتى زوجة
ف ،وطالما رضا ،يعرف مكانه ،اطمأن بعض الشيء ،فعلى القل رضا خائف ومخت ل
د
هذا هو حاله فلن يتسبب له في أدنى دمشكلة ،إوان ظهر فمن المؤكد أنه سيكون أول من
يصل إليه وينتهي منه في لمح البصر ليستمر في اختفائه ،فينشلغل به الناس فترة،
ف البعض من مصير هذا الصحفي المثاير للعجدل ،وهذا وذاك يضيفان الكثاير
ولعيخ ب
لدفرص نجاح خطته للسيطرة على الجماهير وتوجيه اهتماماتها فى تلك الفترة من تاريخ
مصر.
==========
صحف القاهرة.
الخميس 1/9/2005م.
-اشتداد وطأة حملت الدعاية النتخابية مع بلوغ المرحلة الثاالثاة للنتخابات
البرلمانية.
-المنافسة حامية بين مرشحي الوطني ومرشحي المحظورة وبعض المستقلين.
-سيطرة رأس المال والبلطجة على دمجعمل العملية النتخابية.
صحف القاهرة
الثنين 2005 /12/9م.
-فوز كاسح للحزب الوطني بالمرحلة الثاالثاة لنتخابات مجلس الشعب.
صد أغلبية مقاعد البرلمان ،بعد فوزه بجميع مقاعد المرحلة الثاالثاة.
-الوطني يح د
230 -مقعدا للوطني 150،للمستقلين 88 ،للمحظورة و 15لحزاب المعارضة.
200
-انضمام 145من العضاء المستقلين بمجلس الشعب إلى الحزب الحاكم.
-نظيف ،وللمرة الثاانية ،رئيس ا للوزراء ورجال العمال يحتلون عشر و ازرات لول مرة
في تاريخ مصر الحديث.
صتحف القاهرة.
ت
الحد 2005 /9/10م.
-مصر تشهد أول انتخابات رئاسية متعددة في تاريخها.
-نعمان جمعة ،رئيس حزب الوفد ،وأيمن نور ،رئيس حزب الغد ،أقوي منافسي مبارك
على مقعد الرئاسة.
-المستشار مرعي ،رئيس اللجنة العليا للنتخابات ،يؤكد على نزاهة وشفافية انتخابات
الرئاسة القادمة.
صحف القاهرة.
ت
السبت 2005 /11 /19م.
-فوز كاسح للرئيس مبارك ،والعالم يشيد بنزاهة النتخابات الرئاسية بمصر.
-بشائر الخير للرئيس المبارك المنتخب ،ارتفاع مؤشرات البورصة ،وتحسن مستوى
القتصاد المصري.
صحف القاهرة.
ت
-اتهام أيمن نور بتزوير توكيلت حزب الغد.
-الحكم بحبس وصيف انتخابات الرئاسة خمس سنوات في قضية التزوير.
-إسقاط عضوية أيمن نور بمجلس الشعب.
----------
ق اللواء الجمال حتى أذنيه في التمهيد والعداد لكبر عملية توجيه وسيطرة عغر ع
على الجماهير يقوم بها نظام حالكم علي مستوي العالم ،كان الرجل على ثاقة كبيرة
بقدرته على تحقيق نجاح ،منقطع النظير ،في تنفيذ عملية انتقال السلطة من الب
طغعمة الحاكمة وأذنابها على الدولة المصرية
للبن ،بما يضمن استمرار سيطرة ال د
وثارواتها المهولة ومن ثاعم عتضمن الدول الكبرى مصالحها بالمنطقة.
200
كان اللواء يلقى دعما هائلا من الخارج ومن الداخل ،وبرز دوره بقوة في الحياة
السياسية المصرية حتى بات يعرف بعراب التوريث ،لم تنقطع اتصالته ومقابلته مع
الرئيس البن ،وفى الحقيقة إن الحفنة الحاكمة ،وأذنابها ،كانت تد ارلهن وتعتمد عليه
فتعاظم طموحه وراح يخطط للجلوس على كرسي رئيس وزراء الرئيس القادم.
على مدار الربع والعشرين ساعة يومياا ،لم تنقطع اجتماعات اللواء الجمال
بالصحفيين والعلميين الذين يعملون بتوجيه منه شخصياا ،ولم يتوان لحظة عن
مساندة تجار المخدرات ،وقام برصد دقيق لمناطق نفوذ البلطجية والمسجلين خطر
واعمل على تنظيمهم في مجموعات ،كل مجموعة تحت سيطرة رجل من رجاله وأوكل
لها تنفيذ جزء هام من خطة واسعة النطاق كان يمسك هو بكل خيوطها بيده حتى
يضمن عدم تسريب أي معلومة عنها إلى قوي المعارضة.
وبعد أن أثابت البلطجية وتجار المخدرات جدارتهم بثاقته ،قام بتنظيمهم في
تشكيلت شبه عسكرية ،موازية للجان الحزب الحاكم ،في كل قري ومراكز وأحياء
الجمهورية ،وترك الرجل الحبل علي الغارب لتلك الميليشيات الثاورية ،كما كان يحب أن
ديسميها ،لتمارس العنف وفرض السيطرة على الشارع وتعيث في البلد فساداا.
وأصبح من المعروف للكافة أن اللواء الجمال يخوض معركة شرسة ضد أمين
تنظيم الحزب الحاكم من أجل الستحواذ على ثاقة أسرة الرئيس فلم يتورع عن توجيه
النقد اللذع لتصرفات أحمد عز ،وأعلن م ار ار أنه غير دمطملئن لخططه للسيطرة علي
الجماهير ،ولضمان النجاح لخطته سعى بدأب لدي السرة الحاكمة من أجل تحييد
قيادات الحزب الحالكم ،وخاصة أمين التنظيم ،وكان له ما أراد بعدما أقنع السرة
الحاكمة بقدرته على حشد مليين الناخبين أمام لجان النتخابات ،وذلك أمام أعين
المراقبين الدوليين وكاميرات الصحف والفضائيات ،لنتخاب الرئيس البن دون الحاجة
لخطط التسويد والتزوير المفضوحة والمكررة والتي أنهمك جهابذة الحزب الحاكم في
العداد لها بتفصيل العديد من القوانين سيئة السمعة لدى الرأي العام.
كما نجح في تشتيت جهود المثاقفين الوطنين وفي حرمانهم من وسائل التأثاير في
الجمهور ،واجتهد لظهارهم أمام العالم علي أنهم لقلة يائسة ومعزولة ،ل صوت لها أمام
هدير الجماهير التي تؤيد الحزب الحالكم ومرشحه الشاب ،أمين لجنة السياسات
200
وصاحب الفكر الجديد ،وأصبح من الواضح ،لي دمراقب للوضاع في مصر ،أن البلد
باتت في قبضة الجهاز الحساس الذي يديره اللواء الجمال ،وفى الحقيقة كان الرجل
دمنظم ا ودمجتهدا وأظهر قدرات خارقة في العداد والتنظيم ،فقد عمل لسنوات علي ربط
جميع الفئات والجماعات المؤثارة في الدولة بالسرة الحاكمة ،ونجح في استغلل جماعة
أنصار السنة وحرض أعضاؤها علي استخدام العنف في صراعها مع شباب جماعة
الخوان المسلمين الرافضين لصفقة الحكومة والجماعة لتأييد عملية التوريث ،كما
حرض بعض قيادات الخوان على استفزاز الدمثاقفين وتكفيرهم ومن ثام ترويعهم بتدبير
بعض العتداءات البدنية على عدد منهم.
ضم المعمعة السياسية والفوضى القتصادية والنفلت المني كانت ل
وفي خ ع
الساحة خالية ،والظروف مواتية ،لتجار الثاار من أجل تنفيذ اللخطط المنوط بهم تنفيذها
تحت الشراف المبالشر للواء الجمال.
----------
كانت زوجة إبراهيم سالم قد تلقت ،علي حسابها ببنك باركليز بمونتر ،مبلغ
خمسة عشر مليون دولر محول من بنك أوف سويس بسويسرا.
وبفضل الموال التي استولى عليها رجل العمال اليطالي ،والسوري الصل،
محمد يوسف ،من الدكتور إبراهيم سالم استطاع تثابيت أقدامه في دنيا الصناعة والتجارة
بأوروبا ،فبات يمتلك نسبة معقولة من أسهم مصنع شهير لصناعة اللكترونيات
والهواتف النقالة بإيطاليا ،كما دخل في شراكة في العديد من الستثامارات مع صديقه
وربيب نعمته رجل العمال اليطالي سيلفيو لوكاز ،صاحب المصانع والكازينوهات
والفنادق بإيطاليا وفي بعض دول أوروبا ،وملك تجارة وتهريب الثاار في العالم ،أو ملك
الدشغل النظيف كما كان يحب أن يطلق علي نفسه.
----------
القاهرة في يوليه 2009م.
-القنوات الدينية والرياضية تفرض سيطرتها على الساحة العلمية بمصر.
-ظاهرة غريبة تجتاح صحف المحروسة ،صفحات الرياضة تحتل ثالث أرباع حجم
أية جريدة مصرية ،ل فرق بين الصحف القومية والحزبية والدمستقلة.
200
-فتنة وصراع بين جماهير الهلي والزمالك قبل المباراة الفاصلة بين الفريقين في
صراعهما المحموم على درع الدوري الدممتاز.
-تقدم الزمالك بهدفين ل يحسم له بطولة قبل موقعة الجمعة القادم .8/8
-الشحن الجماهيري فاق كل تصور وينذر بالخطر ،وجماعات اللتراس تسيطر على
شوارع القاهرة والمحافظات.
-قناة الهلي صاحبة أعلى نسبة مشاهدة في الشهور الخيرة ،والبرامج الرياضية
التليفزيونية منقسمة ما بين مؤيد للزمالك ومؤيد للهلي.
-رصد معارك شوارع كبيرة بين جمهور الناديين بالقاهرة وفي عدة محافظات.
-ما يحدث غريب علي الشعب المصري ،الطباء النفسيون وعلماء الجتماع يتحدثاون
عن غياب الهدف لدى الجماهير ،وأن ما يحدث هو أكبر دليل لحاجة مصر لمشروع
قومي يوظف الطاقات الهائلة لدي الشباب.
القاهرة في ديسمبر 2009م.
-ظاهرة البلطجة ،وفرض التاوات ،والتحرش الجنسي ،تسيطر على الشارع المصري
على الرغم من انتشار ارتداء النقاب وتربية اللبحي بين المصريين.
لسر المصرية تمنع بناتها من الخروج من المنازل والفصول الدراسية خالية من
-اد
الفتيات ،وعلى غير العادة ،الشوارع المصرية خالية من المارة من بعد صلة العشاء.
-الشوارع الرئيسية بالعاصمة ومدن المحافظات تحت سيطرة البلطجية والعصابات
ل.
المتنافسة والتي تخرج من جحورها لي ا
-ما يحدث بمصر ظاهرة غريبة ل تتسق مع تاريخ الشعب المصري الدمساللم.
-الناس تصدرخ أين قانون الطوارئ وأين مؤسسات الدولة؟ ،واتهامات لجهزة و ازرة
الداخلية بالتواطؤ مع البلطجية ،لتأديب الشعب بسبب الانتقادات التي طالت أداء جهاز
الشرطة ونزاهة قياداته.
-نواب المعارضة بمجلس الشعب يؤكدون أن جهاز الشرطة يتعمد نشر حالة من
الفوضى والعنف بالشارع المصري ردا على فضح وسائل العلم لما يحدث بأقسام
ومراكز الشرطة من تعذيب وانتهاكات لحقوق النسان.
-انقسام بحزب العغد واختفاء أحزاب العمل والتجمع والحرار.
200
-تفجر الصراعات في النقابات المهنية وشرذمة العمل النقابي بمصر ،وفرض
الحراسة على نقابات الطباء والمحامين والتجاريين واستمرارها على نقابة المهندسين.
-حالة من الفوضى الدمريبة دتسيطر على الشارع المصري ،وانفلت جنوني للسعار،
والسلع الفاسدة ومجهولة العمصعدر تمل أرفف المحلت التجارية.
-الحكومة تحاول السيطرة على السعار قبل انتخابات مجلس الشعب ،وخططها
لضبط السواق تأتى بنتائج كارثاية على جموع المصريين ،فالحملت الدمكثافة لرجال
ضبط الأسواق بل طائل ،وبالرغم من تهديد نظيف بتطبيق قانون
التموين والشرطة ل ع
الطوارئ على التجار الجشعين واعتقالهم.
صحف القاهرة في يناير 2010م.
ت
جريدة المصري اليوم.
-هل ما تشهده مصر هو الفوضى الخلقة التي خططت لها وتنفذها الوليات المتحدة
المريكية؟.
-فشل أحزاب المعارضة الرئيسية في تشكيل جبهة وطنية لمناهضة التوريث.
-تسدرب أنباء ،شبه مؤكدة عن صفقة كبيرة بين الحزب الوطني والخوان المسلمين
لضمان تأييدهم للتوريث مقابل إطلق يدهم في الاقتصاد المصري وغض الطرف عن
سيطرتهم على المؤسسات الدينية ووسائل العلم.
فبراير .2010
جريدة الدستور المصرية.
-أيمن نور وحيدا ومنعزلا ويفقد بجدارة الجماهيرية التي حققها في انتخابات الرئاسة.
-نور يصدرخ يائسا بل مجيب ،ما يحكمشي ،وسط سخرية هائلة من الجماعات
والشخصيات السياسية وتجاهل قيادات الحزاب.
-أيمن نور يؤذن في مالطة ،نور في وادل والشعب في وادل ،ول حياة لمن تنادى.
فبراير 2010م.
جريدة المصري اليوم.
200
-أنباء قوية عن نية الدكتور البرادعي ،الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية ،الترشح
لمنصب رئيس الجمهورية في ديسمبر القادم.
-قائمة المرشحين للرئاسة تشمل الدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في
العلوم ،وعمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية.
-هجوم إعلمي واسع النطاق على البرادعي وزويل وموسى.
-عمرو موسى ديعلن تأييده للرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية القادمة.
-تشكيل الجمعية المصرية للتغيير من نفس قيادات العمل السياسي التي تسببت من
قبل في شرذمة الحزاب وابتذال الدعوة للتغيير ،وتجربة عزيز صدقي في الجبهة
المصرية من أجل الديمقراطية ،وتجربة الدكتور يحيى الجمل مع حزب الجبهة
الديمقراطية ،ما زالتا ماثالتين للعيان ،لم يجن منهما الشعب غير مزيدل من الحباط.
جريدة الهرام المصرية.
-زويل ينفى نيته للترشح للرئاسة ويواصل سعيه لنشاء جامعة دمتخصصة في
التكنولوجيا والبحاث العلمية.
-أسامة سرايا رئيس تحرير الهرام يشن حملة شرسة ضد الدكتور البرادعي.
جريدة الدستور المصرية.
-استياء عام من هجوم الصحف الحكومية على الدكتور البرادعي.
-إبراهيم عيسى ديهاجم بضراوة كلا من أسامة سرايا رئيس تحرير الهرام ،ومحمد على
إبراهيم رئيس تحرير الجمهورية.
صحف القاهرة
-استقبال حافل للدكتور البرادعي بمطار القاهرة ،واعتقال أيمن نور وأحمد ماهر
دمنسق حركة شباب 6أبريل وكذلك عدد من شباب حركة كفاية بتهمة العداد لقلب
نظام الحكم وتغيير الدستور بالقوة.
-الصحف القومية تتجاهل وصول الدكتور البرادعي لمصر.
ظم.
-عزعخم الدعوة للتغيير يتعا ع
مارس 2010م.
برنامج القاهرة اليوم.
200
-الدكتور البرادعي ديصلرح لعمرو أديب ،بأنه لن يتراجع عن دعوته من أجل الصلح
السياسي بمصر ،ويقول هذا حق بلدي وشعبي على.
حه لانتخابات الرئاسة في ديسمبر القادم.
شد -البرادعي يعلن عتعر ع
صحف القاهرة في أبريل 2010م.
-صحف المعارضة تبشر بالبرادعي والصحف الحكومية تتهمه بأنه رأس الحربة
لمؤامرة أمريكية وغربية على مصر ورئيس تحرير الجمهورية يدعو لطرده من مصر.
-المن يحاصر تحركات البرادعي ويمنعه من حضور مؤتمر جماهيري بالمنصورة.
-انقسامات حادة في الجمعية المصرية للتغيير بسبب غموض علقة البرادعي
بالجماعة المحظورة وغيابه عن مصر لفترات طويلة.
الربعاء 28/4/2010م.
صحف القاهرة
-الحزب الوطني يكتسح انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى في عملية تزوير
فجة وغير مسبوقة.
-أضعف إقبال على صناديق الانتخابات في تاريخ مصر ،الحكومة تدعى أن نسبة
التصويت تجاوزت نسبة %70والمعارضة تؤكد أن نسبة التصويت ل تتعدى %2
بأي حال من الحوال ،وصحف المعارضة تنشر صورا عديدة للجان وهى خاوية من
المواطنين ودتظلهر موظفي المحليات وهم يقومون بتسويد بطاقات التصويت.
-المعارضة تدلرس مقاطعة انتخابات مجلس الشعب القادمة اعتراضا على التزوير.
-الحديث عن صفقات انتخابية سرية بين الوطني والمحظورة وعدد من الحزاب
الهامشية ردا على مقاطعة أحزاب المعارضة الرئيسية للانتخابات البرلمانية القادمة.
-كما كان متوقع ا ،انشقاق في الجمعية المصرية للتغيير.
القاهرة في مايو 2010م.
الصحف القومية.
-باي باي برادعي ،،،البرادعى يعلن تراجعه عن التردشح لانتخابات الرئاسة القادمة
بسبب ضعف الدعم الجماهيري والانقسامات الحادة في جمعيته للتغيير.
-البرادعي يغادر القاهرة ليستقر بصفة دائمة بالنمسا.
200
صحف المعارضة.
-نظام الحكم الفرعوني يمتص الهجوم الليبرالي ويسدد ضربة قاضية لدعاة التغيير.
-الطريق مفتوح أمام مرشح الحزب الوطني لمقعد الرئاسة.
-الحباط يسيطر على الدنعخبة المثاقفة وعلي القوى السياسية ،والجماهير مستسلمة
لقدارها.
القاهرة ،الثلثاء 2010 /8/6م.
-الصحف تتحدث عن النجاح الكبير لمباحث الثاار في ضبط عدة عمليات كبيرة
لعصابات التنقيب عن الثاار وتهريبها في دمختعلف محافظات مصر ،وكفر الشيخ
والشرقية في المرتبة الولى من حيث عدد قضايا التنقيب عن الثاار.
-تطبيق قانون الطوارئ للحد من عمليات نهب وتهريب الثاار وكذا غسيل الموال.
-تقارير دولية تتحدث عن أن حجم غسيل الموال في مصر ،خلل الستة أشهر
الخيرة ،تجاوز الخمسين مليار دولر ،معظمها في تجارة الثاار والمخدرات.
-عشرات المليارات من الدولرات القذرة تدخل مصر في صفقات وهمية لعشرات
الشركات المشبوهة.
-وزير الداخلية يؤكد أن كل ما ديقال بأن مصر أصبحت ملجأ لغسيل وتبيض الموال
القذرة ما هو إل إشاعات مغرضة للنيل من سمعة مصر بعد تحقيقها لنجاح اقتصادي
منقطع النظير ويؤكد أن السلطات تسيطر تماما على الوضاع.
-لجنة السياسات دتقر خطتها للغاء الدعم بعد رفع المرتبات إواقرار قانون المعاشات
والتأمينات الاجتماعية ،ومصيلحي ديعللن إلغاء دعم رغيف الدخبز وأنبوبة البوتوجاز
بالكوبونات ،ونظيف يعلن بدء العمل بنظام الدعم النقدي للفئات الكثار احتياجاا.
صحف المعارضة.
-الشعب عيلئن تحت وطأة الغلء ،البطالة تصل لعلى مستوياتها ،%30 ،وقانون
الطوارئ سيف مسلط على رقاب المصريين ،والفساد والفوضى عنوان المرحلة.
-المجلس العالمي لحقوق النسان ديعلرب عن بالغ قلقه بشأن الوضاع المتردية
بلمصر ،والبرلمان الوروبي يدين بالجماع ممارسات النظام الحالكم في لمصر،
الكونجرس المريكي يهدد بإلغاء المعونة المريكية للمصر.
200
-دول حوض النيل ،بمعاونة الصين إواسرائيل ،عتعمل على تنفيذ مخططات شيطانية
لخنق مصر بحرمانها من حقها التاريخي في مياه النيل.
صحف القاهرة.
الخميس 15/7/2010م.
-تصاعد التوتر في الشارع المصري مع اشتعال حملت الدعاية لانتخابات مجلس
الشعب في أغسطس القادم.
-انتشار واسع النطاق لظاهرة الثاأر في الصعيد وسلح المال يسيطر على الحملت
الانتخابية في ظل الغلء الشديد.
-أحزاب المعارضة الرئيسية تقاطع الانتخابات البرلمانية والمحظورة تخوضها بكثاافة
غير متوقعة وإدانة القوى الوطنية لموقف الخوان النتهازي.
الحد 10/8/2010م.
-الحزب الوطني يحصد غالبية مقالعد البرلمان ،ويفوز بجميع مقاعد كوتة المرأة.
-أربعمائة مقعد للوطني وخمسة عشر للمحظورة ومقعد واحد لحزب الجيل.
-المؤتمر العام للحزب الوطني ديسمى مرشحه للرئاسة في مؤتمره العام في سبتمبر
القادم وأنباء قوية عن نية الرئيس عدم الترشح.
-قيادات وجماهير الحزب الوطني تطالب بإعلن السيد جمال مبارك مرشح ا للحزب
لخوض انتخابات الرئاسة ورئيس الحزب الدستوري والسيد فخري أبو النور سكرتير
عام حزب الوفد في طليعة مرشحي أحزاب المعارضة لانتخابات الرئاسة.
صحف القاهرة.
الربعاء 1/9/2010م.
-إعلن جمال مبارك مرشحا عن الحزب الوطني لخوض انتخابات الرئاسة القادمة
وسط حالة من الحشد الجماهيري والتأييد الإعلمي لم يسبق لها مثايل ،والمؤشرات تؤكد
قدرته على حسم الانتخابات لصالحه من الجولة الولى.
-الاستعدادات على قدم وساق لانتخابات الرئاسة في ديسمبر القالدم ومؤسسة الرئاسة
تؤكد أنها تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين ،والحكومة تعلن التزامها بإجراء
انتخابات نزيهة وشفافة.
200
-الحكومة تنجح في ضبط السعار والسيطرة على السوق ،اختفاء ظاهرة البلطجة
وعودة الانضباط للشارع المصري ،ثالثاون بالمائة زيادة في المرتبات الشهر القالدم.
-إلغاء القضايا المرفوعة من بنك التنمية الزراعي على عشرات الآلف من الفلحين
وجدولة ديون شباب الخريجين لصالح الصندوق الاجتماعي.
-التصالح في قضايا البناء علي الراضي الزراعية إوايصال المرافق للمخالفين.
-طرح عشرات اللف من قطع أراضى البناء بالمدن الجديدة بنظام الدقرعة وبأسعار
زهيدة ،ومائة ألف قطعة مبالن وثالثاة مليارات دعما لمشروع } ا ل
بن بيتك {.
-الدولة والقطاع الخاص يتعهدان بتوفير مليوني فرصة عمل خلل الشهور القادمة
والعالم يراقب المعجزة المصرية.
-صعود مصر للدور النهائي لبطولة القارات المقامة بكوريا الجنوبية بعد فوزها على
أمريكا ،2-3وقد سبق لها الفوز على ألمانيا وكوريا الجنوبية.
-الشعب متفائل بالسيد جمال مبارك ،والصحافة تلقبه بلوش الخير.
----------
سبتمبر 2010م.
توجه أحد معاوني رجل العمال محمد يوسف إلى مدينة دمياط الجديدة حيث
عرض على زوجة الصحفي رضا جلل شراء شقتها الواقعة بشارع الصعيدي ،الشارع
الرئيسي بالمدينة ،لرغبته في تأسيس شركة للتوكيلت الملحية بميناء دمياط ،حين
عرض الرجل مبلغ مليونين من الجنيهات ثامنا لشقة ل يتجاوز ثامنها الحقيقي أكثار من
ربع المليون فهمت الزوجة الشارة ووافقت على البيع فو ارا ،وعندما عاد الرجل ليعرض
عليها أن تشترى منه الشقة مرة أخري ،وبأي مبلغ ،لنه مضطر للمغادرة إلي دبي تأكد
حدسها بأن هذا الرجل مرسل من لدي زوجها فدخلت السعادة إلى قلبها لول مرة منذ
أكثار من خمسة أعوام ،وعلى الرغم من أنها كانت تنتظر مثال هذه الرسالة ،إل أنها
كانت بالفعل دمندهشة من التوقيت ،وتساءلت كيف عرف زوجها بحاجتها الماسة للمال
بعدما تعبعخعر ما تركه لها في انهيار البورصة المصرية في مارس الماضي ،ولكن يكفيها
أن زوجها أوفي بوعده بأن يكون قريب ا منهم فشعرت بالطمأنينة علي ولديها من بعد
خوف.
200
الثلثاء ،الخامس من أكتوبر 2010م.
-إلغاء العرض العسكري بمناسبة انتصارات السالدس من أكتوبر وأنباء عن تدهور
صحة الرئيس ،ومؤسسة الرئاسة تؤكد أن الرئيس بصحة جيدة وأنه في طريقه للمانيا
لجراء بعض الفحوصات الطبية للاطمئنان على الجراحة التي أجراها العام الماضي.
الجمعة 8/10/2010م.
-التلفزيون المصري يذيع خبر وفاة الرئيس في مستشفى هايدلبرج الجامعي بولية
بادن فورتمبيرج جنوب غرب ألمانيا.
-جنازة عسكرية وشعبية مهيبة ،يحضرها زعماء العالم يوم الاثانين القادم.
-الجماهير دتعلبر عن حزنها لوفاة الرئيس الب في مسيرات ضخمة بالقاهرة
والمحافظات وتبايع جمال مبارك رئيس ا للجمهورية من أجل الاستقرار واستكمال مسيرة
التنمية والتقدم.
200
صحف المعارضة.
-انسحاب جميع مرشحي الحزاب من انتخابات الرئاسة .ت اردجع دفرص جمال مبارك
وتقدم دمذهل للفريق شفيق.
-الصراع على الرئاسة بات منح ل
ص ار فيما بين المال وبين القلب الصلب للنظام د
الحاكم.
صحف القاهرة .
الخميس 25/11/2010م.
-في دعرس ديمقراطي ومن خلل أنزه انتخابات تشهدها مصر عبر تاريخها ،الفريق
شفيق يحسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الولى.
-ثامانون بالمائة من الصوات للفريق شفيق وعشرون فقط لجمال مبارك.
-الرئيس الدمنتخب ،يؤدي اليمين الدستورية أمام مجلسي الشعب والشورى يوم الربعاء
الموافق الول من ديسمبر القادم.
صحف القاهرة.
الحد 5/12/2010م.
-الحكومة تتقدم باستقالتها لشفيق ،والرئيس يشكرها على جهودها السابقة وديكللف وزير
الداخلية السابق ،اللواء حبيب العادلي ،بتشكيل الو ازرة الجديدة.
-خطاب هام للرئيس أمام الجتماع المشترك لمجلسي الشعب والشورى لتحديد
أولويات حكمه خلل الخمس سنوات القادمة.
-الرئيس ديعلن أن القضاء على الفساد والمحسوبية وفرض النظام وتطبيق العدالة
الاجتماعية من أولويات حكمه.
-الرئيس عيلحل مجلسي الشعب والشورى ويدعو الشعب لانتخاب برلمان جديد.
صحف القاهرة.
الثلثاء 15/2/2011م.
-فوز الحزب الوطني بثالثاي مقاعد مجلسي الشعب والشورى وللمستقلين ثالث المقالعد.
-الوطني يفوز 270مقعدا ،الخوان بخمسين مقعداا ،و 120للمستقلين والحزاب
مجتمعة تفوز بعشرين مقعداا ،والوطني يفوز بجميع مقاعد المرأة.
200
-الفوز الكبير للخوان والمستقلين عيلحد من دعاوى المعارضة بتزوير الانتخابات.
-الرئيس شفيق يتولى منصب رئيس الحزب الوطني وانضمام مائة عضو من
المستقلين إلى الحزب الحاكم.
- -ثاورة تصحيح بالحزب الوطني ،إلغاء لجنة السياسات بالحزب وتغييرات كبيرة في
صفوف قياداته ،استبعاد أحمد عز ،على الدين هلل ،صفوت الشريف ،محمد كمال،
والعديد من قيادات الصف الول بالحزب.
-حكومة جديدة برئاسة الدكتور مفيد الدين شهاب ،الفريق عنان وزي ار للدفاع ،سفيرنا
بواشنطن يتولى حقيبة الخارجية واللواء فادى الحبشي وزي ار للداخلية.
-تغييرات شاملة للمحافظين ،وكما جرت العادة ،اقتسم العسكريون ورجال الشرطة
وأساتذة الجامعات ورجال القضاء مقاعد المحافظين.
----------
كان رجل العمال ،محمد يوسف ،شغوفا بمتابعة أخبار مصر مما لفت انتباه
صديقته الإيطالية روبرتا فسألته.
صحف والتليفزيون،
-حبيبي محمد دائم ا ما أجدك منهمك ا في متابعة أخبار مصر بال د
كما أنك شغوف بالمسلسلت والفلم والغاني المصرية ،ول تق أر إل الجرائد اليطالية
والمصرية ،ما هي حكايتك ،هل أنت سوري أم مصري؟.
ابتسم وهو يقول.
-أنا مصري الهوى ،أنت لم تزوري مصر ولهذا لن ألومك على دهشتك من حبي
وشغفي بهذا البلد.
ثام تنهد بعمق وأضاف.
-أنا لعشت بمصر أجمل أيام عمري ،إبان دراستي بجامعة القاهرة ،كما عملت بمصر
لسنوات طويلة ،وقد نجحت هناك نجاح ا باه ار وأصبحت أمتلك مشاريع سياحية كبيرة
بمصر.
-حسن ا ،أنا لن أستمع لقصة حياتك ،أريد فقط أن أسألك عما قرأته بالجريدة فشغلك
لدرجة أنك ،ولول مرة منذ تعارفنا ،ل تشعر بوجودي.
200
-آسف روبرتا ،أنا فعلا دمتأثار اليوم بالخبار السياسية المتلحقة القادمة من مصر،
فبعد انهيار النظام القديم أرجو أن يكون النظام الجديد على قدر مصر ومقامها ،لعلمك
أنا لي أعداء كثايرون من أصحاب النفوذ إبان العهد البائد ،وقد استغلوا نفوذهم
للاستيلء على أموالى وتحطيمي في السوق مما دفعني للهرب من مصر ،وبصراحة
أريد تصفية حساباتي والانتقام منهم.
-ولماذا ل تنسى ماضيك بمصر وتعود لبلدك سوريا؟ ،معك أموال تمكنك من تحقيق
نفوذ واسع هناك.
-الوضع هناك أسوأ منه في مصر بمراحل ،في سوريا المناصب والعمال والصفقات
حكر على طائفة العلويين الدموية والدمستلغلة وعلى قيادات حزب البعث ،فكيف لي أن
ر
أعيش أو أن أعمل بدولة تعتقل شعب ا بأكمله.
قال ذلك ثام لذ بصمت حزين للحظات ثام نظر نحوها وأضاف.
-أتعلمين أن نصف الشعب السوري مهاجر لخارج سوريا؟!.
ضجر وقالت.
ضحكت في ع
-ل أحب الحديث في السياسة ،كنت فقط أختبر قدراتك العقلية ،لني بصراحة بدأت
أشك في سلمتها.
قالت ذلك وأطلقت ضحكات ماجنة ثام أضافت.
-رجل جاء ليطاليا مطرودا ودمفللسا ،وفيما ل يزيد عن خمس سنوات أصبح من رجال
العمال المرموقين في نابولي ،بل بإيطاليا كلها ،ولديه استثامارات في عدة دول
أوروبية ،يسكن بمنزل فاخر ،ويركب سيارة أحدث موديل ومن أغلى طراز ،وقبل هذا
وذاك لديه روبرتا أجمل نساء إيطاليا ،رجل لديه كل هذا ويشتاق ليام العفلس والمطاردة
من أعدائه ،رجل يعيش أجواء الحرية والتقدم ويتوق للعيش في بلد دمتخلفة تحكمها
أنظمة مستبدة وفاسدة ،عردجل هذا حاله إما أنه دمتخلف أو مجنون.
نظر إليها بعيون دامعة وقال بصوت متهدج.
-أشتاق كثاي ار لمصر ،للمشى فى شوارعها ،وللسهر على مقاهيها ،وقضاء ليلة ،من
ليالي رمضان ،في حي الدحسين بالقاهرة.
فقالت بانزعاج حقيقي.
200
-من المؤكد أنك لست في طبيعتك اليوم ،أستطيع أن أتفهم هذا ،سأذهب إلى روما
لمدة أسبوع وعندما أعود أرجو أن تكون قد توصلت لقرار ،أتريد روبرتا الجميلة أم تريد
العسعفر إلى مصر؟.
قالت ذلك وهمت بالخروج وهى تضحك في سخرية وتغنى ،،،حبيبي عربي ،،،
حبيبي متخلف.
قذفها بعلبة السجائر وهو يصرخ فيها.
-روبرتا ،تعلمين بأني ل أحب أن ينعتني أحد بالعربي.
----------
توجس محمد يوسف خيفة بعدما علم من الصحف بخبر تعيين اللواء الجمال
محافظ ا لدمياط ،ومع ذلك كان سعيدا بعض الشيء لبعاده عن الجهاز المني
الحساس ،كما أنه يعلم أن كرسي المحافظ بمصر دائم ا ما يكون ترضية لرجال النظام
قبل الستغناء عنهم نهائياا ،وهذا يعني أن يوم تصفية الحساب بينهما قد اقترب كثاي ارا.
وبالرغم من انشغاله بالعمل بمشروع الكنيسة الانجليكانية بسيناء ،وكذا بالسعي
لكشف أسرارها ،لم ينعس لحظة واحدة ثاأره مع الرجل ،فراح يفكر ويخطط لتدميره حين
تواتيه الفرصة لذلك ،فاللواء هو العقبة الحقيقية أمام عودته لوطنه وبدء حياة جديدة
يحقق بها ما عجز عن تحقيقه من قبل من أحلم وطموحات ،وليعوض أسرته عما
عانته ،بعدما فاتها وحيدة دتصارع الحياة في بلد قاس ومجتمع بائس.
----------
بعد عدة أشهر ،خرج اللواء الجمال في حركة تغيير محدودة للمحافظين ،ودأجبر
على اعتزال العمل السياسي ،فأسس شركة للاستيراد والتصدير ،وخلل فترة زمنية
قصيرة ،وبفضل علقاته مع بعض المسئولين الذين استمروا في النظام الجديد ،نجح
في السيطرة على سوق اللحوم المجمدة بمصر بعدما أزاح منافسيه بسرعة وقسوة ،وبعد
فترة قصيرة تيقن الرجل من أن هناك من يخطط لتدميره فعمل سريعا على نقل نشاطه
لبريطانيا ،وعن طريق علقته الوطيدة ببعض رجال المخاب ارت النجليزية إم ،6تمكن
من تأسيس شركة لتجارة العقارات ببريطانيا ،وبعد أسابيع من استق ارره بلندن انطلقت
200
إشاعات قوية عن بدء مفاوضات جادة بينه وبين رجل العمال المصري ،محمد
الفايد ،لشراء محلت هارودز الشهيرة.
هذا وقد شرع اللواء الجمال من فوره في تأسيس الجبهة المصرية للتغيير لتضم
العديد من رجال العمال المصريين الهاربين للخارج ،وبفضل أموال ونفوذ أعضاء
الجبهة في القارة العجوز ،فقد شكلت تهديدا حقيقي ا لنظام حكم الفريق شفيق ،وقد أسفر
الصراع بين الجبهة والنظام المصري عن تعرض اللواء الجمال لمحاولة اغتيال فاشلة
في لندن ،تسببت في توتر شديد في العلقات المصرية البريطانية.
----------
لم ينقطع محمد يوسف لحظة عن مراجعة ومتابعة تقارير رجاله المكلفين بمراقبة
اللواء الجمال ،أول ا بأول ،ولعمـَ ل واللواء هو صيده الثامين والخطر المحدق به وبأسرته،
وعندما لحظ أن الرجل يزداد قوة مع مرور الوقت تيقن من أنه ل يملك رفاهية
النتظار ،وعلى الرغم من انشغاله بمشروع الكنيسة ،وتعرض علقته بشريكه سيلفيو
لخطر شديد بسبب مساندته للدكتورة صابرينا ،فقد عقرر العمل أولا وفو ار علي تدمير
عدوه اللدود.
----------
وقد تمكن محمد يوسف ،خلل السنة الماضية ،من التقرب كثاي ار إلى الكنيسة
النجليكانية بروما ،سعيا خلف نفوذها القوى بكل جوانب الحياة اليطالية ،وأيضا
لشباع رغبته القوية في المعرفة ،فالصحفي المشاكس لم يمت بداخله بعد.
وقد تجمعت لديه معلومات شبه مؤكدة بأن هناك جماعة دينية باطنية تعمل من
أجل تدمير العالم وتتخذ من إحدى كنائس روما ستارا لنشاطها السري ،وسعي بدأب
لتحديد تلك الكنيسة ،ومع الوقت وبعد جهد جهيد تجمعت لديه معلومات خطيرة عن
تلك الكنيسة وجماعتها السرية والتي من بين أعضائها شخصيات ذات نفوذ واسع في
كل دول العالم تقريباا.
وقد ربط بين ما عرفه من الدكتورة صابرينا وبين ما عاشه من ملبسات وأحداث
مثايرة بسبب تمثاال ميريت آتون ،وقد وجهه حدسه للتقرب من هذه الكنيسة بالذات فتبرع
لها بسخاء حتى صار من المقربين جدا لكاهنها ،الب سيرجوني ،وقد عمل لشهو ار
200
طويلة ،وبعزيمة ل تلين وبعقل دمدلبر ،على نسج علقات متوازنة بينه وبين تلك
الكنيسة ،صاحبة النفوذ الهائل في العالم ،وكذا مع المافيا صاحبة النفوذ الكبير في
إيطاليا ،وذلك عن طريق سيلفيو ،مما جعله الرجل المناسب لنشاء إوادارة المشروع
الكبير للكنيسة بمنطقة جنوب سانت كاترين بسيناء.
وبفضل ذكائه وتمكنه من تاريخ مصر القديم ،وبفضل أموال الدكتور إبراهيم
سالم ،حقق الرجل ثاروة هائلة ونفوذا غير محدود ،حتي إنه لم يكن يصدق أو يستوعب
ما حققه ،فكاد أن يعتقد في صدق نبوءة سمالسم ،عرافة قبيلة السواللم بليبيا.
----------
إبان سعيه خلف صابرينا بلندن تأكد من علقة اللواء الجمال بالكنيسة
النجليكانية بروما ،فاستغل قدراته الصحفية في الحاطة بكل تفاصيل حياة الرجل،
فبات ل يشك لحظة في أن اللواء قام بقتل إبراهيم سالم وساويرس ليحصل على التمثاال
الذهبي لصالح تلك الكنيسة تحديدا ،فهو لم ينعس أن إبراهيم كان قد أخبره بأن ثاأره في
هذا التمثاال.
وهكذا رتب محمد يوسف أولوياته حيث قرر البدء باللواء الجمال ،ثام العمل بعد
ذلك علي إنهاء خلفه الخطير مع صديقه سيلفيو والدكتورة صابرينا ،ليتفرغ بعد ذلك
لكشف السر الخطير للكنيسة النجليكانية وجماعتها الدينية السرية.
----------
بغرفته ،بفندق إنتركونتينال بمنطقة بادنجتون ،وسط العاصمة لندن ،قضي
محمد يوسف ثالثاة أيام في التفكير العميق من أجل التوصل لخطة محكمة لتدمير
الجمال ،ساعات طويلة والرجل يعانى من الصداع والرق بل طائل ،اضطر بعدها
لتجهيز نفسه للبدء في طقوس التنويم المغناطيسي الذاتي أملا في الوصول للحالة
الذهنية آلفا ،وبعد حمام سالخن تناول حبة مهدئة مكنته من النوم الهادئ لخمس ساعات
كاملة ،وقد ساعده النوم الهادئ على النجاح في جلسة تنويم مغناطيسي طويلة ومجدية
مكنته من الوصول للحالة الذهنية آلفا ،استيقظ منها ولديه خطة ،واضحة بتفاصيلها
الدقيقة ،وجاهزة للتنفيذ.
----------
200
يوم السبت ،السادس من أغسطس لسنة 2011م .وصلت رسالة من مجهول
على البريد اللكتروني ،لكاهن الكنيسة الأنجليكانية بروما يمثال فحواها تهديدا خطيرا
لمصير الكنيسة ورعاياها .تقول الرسالة – التمثاال الصلي لميريت آتون بحوزة
الجنرال ،وهو يسعى لبيعه لتاجر آثاار إنجليزي ،والتمثاال خاصتكم مقلد كالذي بالمتحف
المصري ،وعلي سطح القدم اليمني لكل منهما نفس العلمة ).(4
----------
حينما تسلم وفد الكنيسة التمثاال من اللواء الجمال في مايو 2005م ،قام من
فوره بإيوائه في الكهف السري بالصحراء الغربية المصرية ،وبعد مرور شهر أخذت
الكنيسة في إمطار و ازرة الثاقافة وهيئة الثاار المصرية بعشرات الرسائل التي تتحدث عن
أن التمثاال الذهبي لميريت آتون والذي يحمل رقم ،12564هو في الحقيقة تمثاال
مزيف .ولسابق تاريخ هذا الثار ،والقبض على مهربه في المطار ثام موته بالسجن لم
تبد هيئة الثاار أدنى اهتمام بتلك الرسائل ،حتى وصلتها رسالة قوية من البروفيسور
ل
توماس ليلى ،المصرولوجست الشهير بجامعة هونولولو بالوليات المتحدة ،يخبرهم فيها
بأن لديه شكوك ا قوية حول التمثاال الذهبي لميريت آتون والموجود بالمتحف المصري،
وأضاف بأنه دمنكب على دراسته منذ إعلن الدكتور حواس اكتشافه لهذا التمثاال ،ولهذا
فإنه يقترح أن يقوم خبراء هيئة الثاار المصرية بمراجعة المعلومات الخاصة بهذا
التمثاال والمرفقة بالرسالة ،وأبدى البروفيسور استعداده للمساعدة في إجراء الفدحوصات
العلمية لهذا التمثاال.
وبالفعل قامت هيئة الثاار ،بتشكيل لجنة من خبراء الهيئة ،لدراسة التمثاال،
انتهت إلى أنه بالفعل تمثاال مزيف ،فقامت الهيئة برفع التمثاال في سرية تامة ا ا
تقاء
لفضيحة علمية مدوية.
وبرفع النسخة المقلدة من المتحف إواعادة النسخة الصلية لمكانها ،ومقتل كل
من لهم علقة بعملية الستيلء علي التمثاال من مكانه السري ،اعتقد قادة الكنيسة أنهم
قد تخلصوا من أكبر تهديد واجهته الكنيسة منذ الزمة الكبيرة التي تسبب فيها المريكي
راى وينفيلد سميث الذي بحث في كتل التلتات في تل العمارنة والتي اكتشفها الشاب
200
الخطير هاني أسعد في عام 1965م1966 ،م .فكانا قاب قوسين أو أدنى من كشف
أسرار الجماعة.
----------
قلبت الرسالة حال الكنيسة رأسا على ععقب ،وأعلنت حالة الطوارئ بين صفوف
رعاياها على مستوى العالم ،فالتجمع الكبير ،والذي تعد له الجماعة منذ فجر التاريخ،
سيعقد بعد عدة أشهر ،ووجود هذا التمثاال في متناول تجار الثاار ،وكذا استمرار اختفاء
على العمرناوى ،ديهدد بكارثاة قد تطيح بأحلم الكنيسة في السيطرة على العالم،
وبالجهود المضنية التي بذلتها ،على مدى ثامانية آلف عام ،أجيال متعاقبة من
المؤمنين المخلصين من أجل إعداد وتهيئة الظروف ليقاظ إله النور.
تحركت قيادة الكنيسة بسرعة في محاولة لحتواء العخطر ،ومن فورها شكلت
لجنة من أفضل رجالها ،للقيام برحلة سريعة إلى بيت ال بجبل الدم المقدس ،بصحراء
مصر الغربية ،لمطالعة التمثاال الذهبي لميريت آمون واستيضاح المر.
----------
كان الشيخ عمران ،وابنه وولى عهده ،توفيق ،في دهشة كبيرة بسبب التصرفات
الغريبة للكنيسة الم بروما ،فمنذ أكثار من ثالثاة آلف وخمسمائة عام وجماعة المؤمنين
تحج كل عام إلى منطقة البحر الميت والمدينة المقدسة بسيناء على أن ل تطأ قدم أي
حاج منهم منطقة جبل الدم المقدس إل كل ثامان سنوات فيما يسمى بالحج الكبير،
وناد ار ما كانت الكنيسة تضطر لرسم عكهنة دجددا بالجبل المقدس ،أو أن يؤدى قادتها
دعمرة للشكر عند تحقيق إنجاز هام في مسيرتها نحو العداد لشراق إله الحق على
الدنيا.
كان شيئ ا مثاي ار حق ا ما حدث يوم الخميس التاسع عشر من مايو لسنة 2005م,
حين فوجئ الشيخ عمران في هذا اليوم بثالثاة من أعضاء الجماعة يطلبون منه
اصطحابهم إلى بيت ال بجبل الدم ،حين أبدى الرجل دهشته من المر أطلعوه على
الأمر الصادر لهم بالرحلة من دمعللم العحق الممتلئ بالروح الدقدس ولم يطلعوه علي
السبب ،وها هو المر يتكرر بعد ست سنوات وبنفس الكيفية ،ففي يوم الاثانين الخامس
200
عشر من أغسطس لسنة 2011م ,حل ضيفا على الشيخ وفد من عشرة أفراد ،مسلحين
بأمر بالرحلة من الكالهن الكبر للكنيسة بروما ،فأرسل برفقتهم ابنه توفيقا.
في هذا اليوم تأكدت شكوك الشيخ ،بأن ما حدث من قبل ويتكرر الن ،له
علقة وطيدة باختفاء ابنه على ،وقد ترعسخ لديه هذا اليقين عندما أخضعه ،هذه المرة،
وفد الكنيسة لتحقيق دقيق ،حيث طلبوا منه أن يعيد على مسامعهم كل ما يعرفه ،أو
ظن أن ابنه قد هرب
يكون قد نمى لعلمه ،حول ملبسات اختفاء على ،فبعدما كان عي د
للخارج بصحبة امرأة أجنبية ،مله الخوف على ولده البكر.
----------
تأكد لقادة الكنيسة ،بما ل يدع مجالا للشك ،بأن التمثاال دمعقعلد ،فأصدر الكالهن
الكبر بروما أوامره بالحصول فو ار على التمثاال الحقيقي مع تدمير كل من له صلة بهذا
الموضوع ،وقد تم استنفار كل رجال الجماعة بمختلف أجهزة المخابرات بمختلف أنحاء
صب هامة وحساسة على مستوى العالم ،وكذا تعبئة أعضائها الذين يشغلون منا ل
المعمورة ،وبل دمبالغة كانت الجماعة تسابق الزمن لإرجاع التمثاال لمكانه قبل ميعاد
الحج الكبير القادم ،فالجميع ترتعد فرائصه خوف ا من معرفة معلم الحق بالمر.
ولم ديسفر النشاط المحموم لرجال الجماعة إل عن تدمير وسحق اللواء الجمال
بعد تجريده من كل أمواله وممتلكاته ،هذا ولم يعدثار البوليس الإنجليزي على أي أثار
للواء الجمال فبادرت الحكومة النجليزية باتهام السلطات المصرية بتدبير عملية خطف
وقتل قائد الجبهة المصرية للتغيير.
----------
الثنين 2011 /22/8م.
الصحف المصرية.
-الحكومة المصرية تنفى صلتها بحادث اختفاء اللواء الجمال ،المسئول البارز في
النظام البائد وقائد ما يسمى بالجبهة المصرية للتغيير بلندن.
-تمديد قانون الطوارئ ثالث سنوات جديدة لضمان استقرار مصر وحماية إنجازاتها.
200
-لجنة شئون الحزاب تمنح الترخيص لثالثاة أحزاب جديدة وهى حزب الاوعد ،حزب
الطريق الدمستقيم ،حزب الصلح ،وترفض التصريح لحزاب الوسط والكرامة
والصلح والتنمية.
-الرئيس شفيق يصف نشاط جماعة الخوان بأنه تهديد للمن القومي.
ظر إلى البرامج المتناقضة لحزاب
-حيرة الشباب وتشرذم المثاقفين ،البعض ين د
المعارضة على أنها تهديد لاستقرار الوطن.
-اتجاه كبير بين النخبة السياسية لتدشين نظام الحزبين الكبيرين.
-حزب جديد عيجمع بعض رموز الطبقة المثاقفة مع عدد كبير من رجال العمال،
ويتقدمهم رجل البنوك البارز السيد جمال سيف صهر الرئيس.
-أعضاء حركة كفاية ،وشباب 6أبريل ،وشباب حزب الغد ،وشباب حزب الجبهة
الديمقراطية ،وبعض شيوخ الجمعية المصرية للتغيير ،يكنسون مقام السيدة غدا
احتجاجا على تمديد قانون الطوارئ.
-اختلسات كبيرة بحزب الوفد ،وسيطرة الجمعيات الهلية على الحزب ،وغموض
علقة الحزب ببعض أجهزة المخابرات ،ولجنة شئون الحزاب تدعجلمد نشاطه.
-سامح عاشور رئيس الحزب الناصري يعلن قرار اللجنة المركزية للحزب بالندماج
مع الحزب الحاكم ،تقدي ار للمواقف القومية للرئيس شفيق.
-تقلص عضوية حزب العغد يهدد بإلغاء رخصة الحزب.
-حملة صحفية كبيرة ضد الممارسات الاحتكارية لقيادات الجماعة المحظورة في سوق
الحديد والأسمنت والسكر واحتكارها لسوق العقارات الفاخرة.
-لول مرة في تاريخ صراع الدولة ضد المحظورة ،اعتقال المرشد العام للجماعة
المحظورة ،الدكتور عصام العريان ،واعتقال اللف من كوادرها ،والحكومة تتهمها
بالعمل علي تدمير الاقتصاد المصري.
-----------
بدلا من أن يسعد بثاأره من اللواء الجمال ،غرق محمد يوسف في خوف عميق
وكريه ،فالطريقة السريعة والقاسية التي تعاملت بها الكنيسة مع الجمال أزعجته كثاي ار،
كما أرقه أنه تأكد من أن الكنيسة ،التي يعمل لصالحها بسيناء ،هي نفسها المعنية
200
بتمثاال ميريت آتون ،وبالرغم من دهشته من دقة توقعه لذلك اندهش أكثار لتدابير القععدر،
حتي راح يتساءل مع نفسه ،،،هل من المعقول أن تكون نبوءة عرافة ،بدوية جاهلة
كسماسم ،بتلك الدقة المتناهية؟!.
وبالفعل استأنف الرجل سعيه خلف صابرينا التي تهدده ،إما أن يسلمها ما معه
من لفائف أثارية إواما أن تفضح أمره فيكون هو وأسرته في مرمي نيران السلطات
المصرية والكنيسة وتضيع عليه فرصة معرفة ما لم يعرفه إنسان قبله ،كما أخبرته
بذلك سماسم ،وهو إن سلمها اللفائف فسوف يدمره سيلفيو ويستولي علي أمواله التي
ضحى بمستقبله من أجل أن يجمعها لولده.
لم تعد لديه فرصة للتراجع فقرر التخلص من صابرينا وكذا من صديقها
المصري أحمد حجازي ،فتفرغ لمراقبتها عن كثاب حتى حانت الفرصة ،ظهر يوم
الخميس الموافق الول من سبتمبر ،وبناء علي اتفاقهم السابق ،حمل اللفالئف إلى شقتها
بمنطقة نيسدن بلندن ،وبعد عدة ساعات كان بفيلته بنابولي يتفحص ما استولى عليه
من شقتها من وثاائق ودراسات وأبحاث دمذهلة.
----------
راح محمد يوسف يق أر مسودة الكتاب القنبلة ،التي كانت صابرينا في سبيلها
لنهاء إعداده للنشر ،وراح ديعبلرر لنفسه فعلته وديقنعها بأنه ما فعل إل الصواب ،فهذا
الكتاب لجدير بإثاارة الفتنة والفوضى في أوساط المتدينين بجميع أنحاء العالم مما
سيؤدى ،ل محالة ،لموجة من العنف والرهاب سوف تجتاح العالم كله ،بل قد يتسبب
في حروب طاحنة تهدد البشرية بالفناء ،فهي تفضح في هذا الكتاب القنبلة الكثاير من
العقائد الشاذة للجماعات الدينية السرية المنتشرة بالعالم وخاصة الوروبي ،والخطر
أنها تطرح الكثاير مما تعتقد أنها أدلة تاريخية وعلمية تكشف حقيقة الديان البراهيمية
الثالثاة ،التي تؤكد أنها ل تعدوا كونها منتجات ثاقافية واجتهادات بشرية تعكس الثاقافة
العلمية والتاريخية والدنظم الاجتماعية والسياسية السائدة إبان الحقب التاريخية التي
نشأت فيها تلك الديان ،وهذا في رأي محمد يوسف دينذر بإثاارة الفتن والقلقل في
العالم ،فمن المؤكد أن الجماعات الباطنية ،وجماعات الرهاب والتطرف الديني ،سوف
تخرج من مخابئها لتعمل على تدمير استقرار المجتمعات والدول بل استثاناء ،فهي
200
تدعي بأن الدين اليهودي دملفق من أساطير المم ،التي اختلط واحتك بها اليهود،
وتنشر وثاائق تؤكد بأن النبي موسى ما هو إل أمير مصري دم ا ولحم ا ،وأن نبيهم
يوشع بن نون هو من قتله ،هو ومن معه من المصريين في مذبحة جبل حوريم بسيناء
إبان الخروج اليهودي من مصر! ،كما يتحدث الكتاب بالتفصيل عن العثاور على
جثاامين يسوع وزوجته وابنه وكذلك أمه وأشقاؤه مما قد يمثال إشكالية عميقة في بنية
اللهوت المسيحي ،وأيضا يهاجم الكتاب السلم بضراوة ويدعي أن القرآن قد أصبغ
على أساطير التو ارة قداسة ل تستحقها حين نسبها للسماء ،وبأن اليهود المطرودون من
بلد فارس قد تحالفوا مع بعض جماعات السرسينين وأسسوا دين ا توافقياا ،يجمع بين
مذاهب اليهودية ومذاهب المسيحية ،وفرضوه بقوة السيف ،كما يناقش الكتاب في تهور
وهذيان دور الحجاج بن يوسف الثاقفمى وكذلك الخليفة عبد الملك بن مروان في تدشين
اللهوت السلمي وضبط النص القرآني وتوحيده.
بعدما انتهي من قراءة ما تحت يده من أبحاث وكتب صابرينا ،بات مقتنعا بأن
مقتلها أنقذه وأنقذ البشرية من فتنة كبري.
----------
كان يعلم في ق اررة نفسه بأنه قد أخطأ في حق سيلفيو ،وفي حق نفسه ،حين
أخفي عنه أمر لفائف تل الذهب ببحيرة المنزلة ،بمصر ،وأنه كاد أن يتسبب في كارثاة
عندما أمد صابرينا بتصوير دقيق لمحتويات تلك اللفائف الخطيرة.
كان من الطبيعي ،بعدما حدث بينهما ،أن تتسم علقتهما بالشك وعدم الثاقة،
وبالفعل راح سليفيو يعمل على تحجيم دور محمد يوسف في دنيا البزنس تمهيدا
للتخلص منه في هدوء ،وهو لم ينسع الشر والحقد ،في عيون سيلفيو ،حين هدده الخير
بدفع ثامن خيانته له.
منذ ذلك الحين ،اختلطت مشاعر محمد يوسف ،تارة يشعر بالندم على ما اقترفه في
حق نفسه وحق صديقه ،وتارة يشدعر بالخوف من انتقام سيلفيو ،ولقد حاول م ار ار أن ينقذ
فبعدما نفذ علقته بالرجل أو على القل أن يحصل على أمواله دون جدوى،
عمليته ضد صابرينا تعقدت المور أكثار من ذي قبل ،فبرغم حصول سيلفيو على ما
أراده إل أن مقتل صابرينا وقف عقبة كئودا أمام أية محاولة لصلح العلقة بين
200
الرجلين ،فهي أخت صديق سيلفيو المقرب كما أنها الصديقة الصدوق لزوجته ،ولم يكن
سيلفيو يريد قتلها ،بل أراد تجريدها مما لديها من وثاائق ،لعله يتقي شر من اشتري منه
محتويات مقبرة عتل الذهب.
بعدما تسلم اللفائف والتصوير دأب سيلفيو علي التهرب من لقائه ،فتيقن محمد
يوسف بأن الرجل ل محالة قاتله بعدما استولي على معظم أمواله ،فرفضه لتدمير
اللفائف وعزمه بيعها بمليين الدولرات يعنى احتمال وصولها لضباط الانتربول الدولي
والذين يبحثاون منذ شهور عن رجل أعمال إيطالي نهب محتويات مقبرة أثارية بمصر
وحرض على ذبح ثالثاة من قيادات الحزب الحالكم هناك.
أخ ـَـَذت نوب ـَـَات الص ـَـَداع الرهي ـَـَب تض ـَـَرب أرس ـَـَه لي ـَـَل نه ـَـَار ،وراح
يعانى من رعشة قوية بالطراف مع عـَـَدم اتـَزان فـَي مشـَـَيته ،فلزم الفـَراش
عدة أيام بمنزله في رعاية دمعمرضة وتحت عنايـَة طـَـَبيبه الخـَـَاص ،وعنـَـَدما
اسـَترد شـَـَيئا مـَن عـَافيته لذ بصـَـَديقته ،الجميلـَـَة روبرتـَـَا ،ينشـَد معهـَـَا بعـَض
طلـَـَب الهـَـَدايا وأصـَـَرت
الهدوء والراحة ،ولكنها خيبـَـَت ظنـَه ،فلـَـَم تتـَوانع ععـَـَن ع
علـَـَى أن يصـَـَطحبها ف ـَي رحلـَـَة إلـَـَى فرنسـَـَا ،اختلفـَـَا فتخلـَـَت عنـَـَه فلجـَـَأ إلـَـَى
فنـَـَدق بـَـَارتي بنـَـَابولى محـَـَاولا الاسـَـَترخاء والعمـَـَل علـَـَى إيجـَـَاد خطـَـَة لنقـَـَاذ
.الموقف
وها هو تمثاال ميريت آتون ،يبين كراماته للمرة الثاانية على التوالي ،ففي يوم
الثالثااء 30/9/2011م .نشرت جميع الصحف اليطالية عخبر مصرع رجل العمال
سيلفيو لوكاز واثانين من حراسه ،وأعلنت الشرطة اليطالية أن ما حدث ل يعدو كونه
حلقة من حلقات الانتقام والصراع على النفوذ بين عصابات المافيا اليطالية والتي
بلغت أوج نشاطها في الشهور الخيرة ،وبعد عدة أيام غطت أخبار المظاهرات
الضخمة والعصيان المدني ضد نظام دحكم سيف السلم القذافي فى ليبيا على ما
عداها من أخبار بوسائل العلم اليطالية.
----------
200
بعد زوال خطر كل من اللواء الجمال وصابرينا وسيلفيو ،وكذا تهديد الإنتربول
الدولي ،تنفس محمد يوسف الصعداء وراح يستعيد نبوءة سمالسم العرافة فزاد عزمه على
أن يستأنف سعيه خلف أسرار الكنيسة التي يعمل لصالحها بسيناء.
أمضى الرجل بعض الوقت في مراقبة الوضاع من حوله وفى متابعة نشاط
الكنيسة بعدما عمل بذكاء على استعادتها لتمثاالها ،فقد كان يخشى أن يكون رجال
الكنيسة قاموا باستجواب سيلفيو بخصوص التمثاال قبل قتله ،وكذلك راقب عن كثاب
عائلة سيلفيو خوفا من أن يكون العردجل قد ذكر القصة الحقيقية للتمثاال لي شخص
قريب منه أو لي من أفراد عائلته ذات النشاط الجرامي العتيد.
وبعد مرور ثالثاة أسابيع على مقتل سيلفيو فوجئ محمد يوسف باستدعاء كاهن
الكنيسة له ،فذهب من فوره على الرغم من جذعه وخوفه من توقيت الاستدعاء ،وفوجئ
بأن الكاهن يبشره بخبر ترسيمه عضوا عاملا بالجماعة وذلك بالمعسكر الذي ستقيمه
الجماعة بصحراء بيرو بأمريكا الجنوبية ،في السبوع الخير من شهر أكتوبر القادم.
----------
بعد عودته من معسكر بيرو ،وارتياحه للوضاع من حوله ،قرر محمد يوسف
العمل س ار على نقل ما تبقى في حوزته من أموال لاستثامارها في مدينة نيويورك
بالوليات المتحدة المريكية ،فاستثامر باسم زوجته وولديه مليين الدولرات في مشروع
تجارى ضخم بالمدينة ،كما اشتري باسم زوجته شقة فاخرة بحي مانهاتن ،وحرص على
أن يضع بحساب كل فرد منهم مبلغا ضخما بأحد بنوك المدينة ،وذلك ليضمن لهم
سهولة الحصول على تأشيرة الدخول لمريكا عندما تحين الفرصة لذلك.
وقد حقق نجاحا باه ار في إنجاز معظم خطوات مشروع الكنيسة بسيناء مما حدا
بالكنيسة بأن تطلق يده في جبال من الدول ارت حرص ا منها على النتهاء سريع ا من
باقي خطوات المشروع ،فأخذ يغرف من أموال الجماعة ليحولها لحساب أسرته.
وكأن الدنيا دتقلبل عليه تحقيقا لنبوءة سمالسم ،فقد تخلص من أعدائه وها هو
يعب بل حساب من بئر أموال الجماعة الذي ل ينضب ،زادت ثاقته بنفسه وآمن بقدرته
على الانتصار ،ولول مرة منذ سنوات بدأ يشعر بالطمأنينة فتفجرت بداخله الشواق
200
الجارفة نحو أسرته ،فخطط لزيارة مدينة دمياط الجديدة إبان إحدي رحلته المكوكية
لسيناء.
----------
200
يعرف محمد يوسف مدي لعشق أسرته لقضاء مساء كل يوم جمعة على كافييه جيتارا،
بنهاية شارع الصعيدي بمدينة دمياط الجديدة ،فهو من ععوعدهم على ذلك ،وتوقع أنهم ما
زالوا يلتزمون بهذا الروتين في حياتهم ،وبعد عدة أيام قضاها في تأمين نفسه والتأكد من
أن المدينة دمعقمة وآمنة استأجر شاليها علي البحر ،وبدأ يتردد على كافييه جيتا ار
ليقضى به عدة ساعات يومي ا حتى تأكد من سيطرته على المكان وعلى العاملين به،
بفضل سخائه معهم.
200
في يوم الجمعة ،الخامس والعشرين من نوفمبر لسنة 2011م ،ذهب إلى هناك
مبك ار ليستعد نفسي ا للاقتراب من أسرته ،مع ضمان أل يتعرف عليه ولداه ،ومع اختلط
مشاعر القلق والفرح بداخله أمضى عدة ساعات ما بين القراءة في كتاب وبين كمبيوتره
المحمول متصفحا لبعض المواقع المهمة بالنسبة لعماله.
في حوالي الساعة السابعة مساءا تسارعت نبضات قلبه ،فقد رأى زوجته تدخل
الساحة ،الموجودة أمام الكافييه ،وهى تقود سيارتها وبجانبها ابنه يوسف وفى المقعد
الخلفي رأى ابنته نهاد فخفق قلبه وابتهج.
جلست السرة خارج الكافييه فاعتدل في جلسته ليتمكن من متابعتهم بالمرايا
التي تبطن الجدار المواجه له ،سيطر علي نفسه بصعوبة بالغة ،شاهد نهاد تخرج
كومبيوترها المحمول من حقيبته فتذكر ولعها بعالم النترنت ،وضحك قلبه لمشاغبات
يوسف لخته بين الحين والخر.
بعد حوالي الساعة ،جاءه الجرسون ،يطلب مساعدته في عحل دمشكلة تواجه النسة نهاد
مع كومبيوترها ،فطلب أن تأتى هي لتجلس بجواره ،وبعد تردد عهلت عليه بابتسامة
أضفت على المكان كله طمأنينة وجمال ورفرف معها قلبه ،رحب بها بشكل لفت أنظار
المحيطين ،ارتبكت نهاد وارتسم على وجهها خجل جذاب ولكنها جلست بجواره فهو
يبدو أكبر سن ا من والدها.
تباطأ في حل المشكلة ليتمكن من اختطاف المزيد من النظرات لوجهها ،فأحبطه
ما بعينيها من دحزن عميق.
أخي ار أنجز المهمه ،فأبدت شكرها في رقة بالغة ،وهام هو بملمحها الجميلة
فقال.
-أريد شراء الكومبيوتر ده بمليون جنيه ،أتبيعينه لي؟.
-بمليون جنيه؟! من غير فلوس خالص ،ما يغلش عليك يا ععمو.
-أتكلم بجد ،يكفى أنه السبب في أن ألتقي بأجمل وأرق بنت في مصر.
أسعدتها كلماته الرقيقة وأثار فيها حنانه البالغ فترقرقت عيناها بالدموع.
-كلمك يذكرني بأبي ،كان يتكلم معي بنفس طريقة وأسلوب حضرتك.
أسعدته كلماتها وآلمته دموعها ،ولكنه انزعج فعلا عندما قالت له.
200
-حضرتك تشبه بابا خالص يا عمو ،وال وأنا داخلة اعتقدت أنك بابا.
حاول أن يتصرف على طبيعته ،ابتسم في صمت واطمأن عندما قالت.
-لكن لهجة حضرتك ليست مصرية.
-أنا رجل أعمال إيطالي ،وأصلا من سوريا ،أنا هنا في دشغل.
-حضرتك نورت مصر.
-دي منورة بشمسك يا حتة مارون جلسيه.
-ياه يا عمو ،دي بالذات كلمات بابا لي.
-بابا مسافر ول إيه؟.
-يا ليته مسافر ،لقد اختفي منذ حوالي ست سنوات ،ول نعلم عنه شيئاا.
-اختفى! ،يعنى إيه اختفى؟.
-هذا ما حدث ،بحثانا في كل مكان بل فائدة ،لكني لم أفقد المل في لقائه.
في محاولة لتغيير دفة الحديث سألها ،عن أحوالها فعرف أنها بالسنة الولي
بكلية العلم ،جامعة القاهرة ،وتتمني العمل كصحفية كما كان والدها ،وأن أخاها
} يوسف { طالب بالثااني العدادي ويود التخرج كضابط شرطة كما كان يتمني والده،
طلب التعرف عليه ،فأشارت إليه ،كان يلهو بالدراجة في الساحة ،رنا ببصره للخارج
يفتش عنه فلحظ أن الم تنظر إليهما ويبدو عليها القلق والتوتر ،أبدى ملحظته لنهاد
فاستأذنت لتكلم أمها.
شرحت نهاد لمها ما حدث واعتذرت لجلوسها مع رجل غريب فطلبت منها أن
تستأذن منه وتعود إليها بسرعة.
تبعت الم ابنتها وتظاهرت بأنها متجهة إلى الحمام ،عندما لمحها محمد يوسف
حاول أن يخفى وجهه عنها لكنه سمعها توجه إليه التحية.
أل تكون نهاد قد أزعجتك.
-مساء الخير يا فندم ،أشكرك وأرجو د
كانت السعادة تحاول أن تقتحم نفسه لتطرد منها التوتر والقلق ،ولكنها بالكاد
وجدت لنفسها مكان ا ضئيل ا بداخله ،ولكنه كان كافي ا ليشعره بالراحة ،تمكن من رسم
بسمة على وجهه ورد تحيتها ،لم ينظر إليها حين اعتقد أنها ستمد يدها للسلم ولكنها
أكملت طريقها ،كانت تحاول مداراة ارتباكها فالرجل يشبه بالفعل زوجها كثاي ارا.
200
سيطرت على أعصابها واتجهت نحوه وهي تمد يدها إليه ،تلقف يدها بيده مرحبا
بها فى توتر ،فرأت آثاار عحرق قديم بظهر يده اليمنى ،ل تنكره عيناها أبداا ،هي يد
زوجها! ولم ديقلل من ظنها لهجته السورية ول الناقة التي لم تعتدها منه.
تمعنت في وجهه فوجدته فقط يشبه زوجها ،شعرت بشيء من الحباط ،ودعته
واستدارت لتمضى فلحظت انفعاله الشديد فعادت إليها الظنون بقوة ،طلبت من نهاد
أن تأخذ منه رقم هاتفه بحجة أنهم قد يحتاجون لمساعدته في إنشاء مشروعها التجاري
المزمعة عليه ،فهرولت نهاد متهللة الوجه نحوه وقالت.
-أتمني أشوفك مرة تانية ،ممكن رقم تليفون حضرتك.
-قوى قوى ،وأنا أطول يا جميل.
-لمش معقول يا عمو ،كل كلمك زى بابا.
-قلت لك اعتبرينى زى بابا ،هل اتفقنا؟.
-طبعا يا عمو ،اتفقنا.
-يوم الجمعة القادم نتقابل هنا ،أريد أن أسمع حكاية والدك فقد أستطيع المساعدة.
أبدي لنهاد سعادته بالتعرف علي والدتها ومدح ذوقها وطلب أن يتعرف علي
أخيها يوسف ،فخرجت وعادت به يلهث ،نظر يوسف للرض متجهما وهو يقترب ببطء
من الرجل الذي رحب به بح اررة وتحايل ليطيل الحديث معه ولكن الشاب المراهق كان
يرد باختصار شديد ثام استدار مسرعا نحو أمه ثام لحقت بهما نهاد ،وجلس محمد
يوسف يستطعم السعادة التي فاضت بها نفسه وهو يضحك علي طبائع ابنه يوسف
التي لم تتغير أو تتبدل.
----------
بفارغ الصبر كان ينتظر رنين هاتفه النقال ولم يخب ظنه.
-مساء الخير يا أفندم ،أشكرك مرة أخرى لهتمامك بنهاد ،وأريد أن أرد العزومة
لحضرتك ،أنا وافقت على أنك تدفع لنا حساب الكافييه لنك رجل محترم.
وعندما سمعها تقول سنكون بانتظارك يوم الجمعة القادم قال بسرعة.
-هذا ميعاد بعيد قوى ،الن أفضل يا سهير.
200
لم ترد ،ضربتها الحيرة ،هل تخدعها أذناها كما فعلت عيناها ،استمرت في
صمتها حتي بعدما سمعته يقول.
-سأحضر لديكم حالا ،أتمني أن يوسف ونهاد ما زال مستيقظين.
بعد حوالي عشر دقائق فتح يوسف بوابة المنزل وهو متجهم ،لم ينطق حتى
بكلمة ترحيب بالضيف الذي عبر الحديقة إلى داخل المنزل ،أمطرته نهاد بكلمات
الترحيب والفرح يقفز من عينيها بينما كانت سهير تقف متجمدة بمكانها صامتة وعيناها
حائرتان في مقلتيهما.
قال ليوسف وهو يجول بنظره في المكان.
-آسف علي إزعاجك يا يوسف لكن هناك أم ار مهما لبد أعبن أطلعكم عليه.
-ل نعرفك قبل اليوم.
-أنا أعرفكم ومعي رسالة من أبيكم.
هرج ومرج من يوسف ونهاد ،،،بابا موجود ،،،بابا عايش ،،،بابا عايش،
أجهشت نهاد في البكاء وهي تحتضن أخيها بين ذراعي أمها ،لم يتمالك محمد يوسف
نفسه فانهمر الدمع من عينيه وهو يقول.
-عايش وفى أحسن حال ،لكن وبدون شرح أو توضيح يجب أل يعرف احد غيركم
بذلك ،هذا يمثال خط ار كبي ار علي حياته.
وكأنها تعرف تفاصيل حكاية والدها قفزت من مكانها وصرخت.
-ل ،حياته ل ،ل يا عمو ،لن نتحدث مع أحد ،أليس كذلك يا يوسف؟.
-من الذي يهدد بابا وأنا أدمره.
ابتسم الرجل وقال ليوسف.
-بالضبط كما حكي لي عنك والدك ،رجل قوى وجرئ.
ثام التفت لسهير وأضاف.
-أتذكرين أن أحدهم اشترى منكم الشقة ثام ردها عليكم مرة أخرى.
ردوا جميع ا في نفس واحد.
-نعم نتذكره.
200
أخبرهم بأنه كان من طرف والدهم ،ثام شرع يحكي لهم قصة ملفقة عن مقابلته له
بإيطاليا ،بعد هروبه من مصر ،بسبب تهديد البعض له بالقتل ،وكيف أنهما تشاركا فى
العمل ونجحا نجاح ا باه ارا ،وأن والدهما أرسله لمصر ليطمئن عليهم وأنه يتحين تحسن
الوضاع بمصر وسيحضر ليواجه أعداءه ويعوض أولده عن فترة غيابه.
كان يحكي بطلقة ،جعلت سهير تتذكر أسلوب زوجها في الحديث ،وعندما رأي
السعادة تكاد تفتك بالولد قال.
-لدي مفاجأة أخري ولكن بعدما أشرب عصيرع ليمونل من عيد نهاد ،عصيرع ليمون يدوى
من فضلك.
صاحت في فرح.
-مش معقول يا عمو ،بابا كان يحب أن أعمل له عصير الليمون بتلك الطريقة.
بسرعة أقبلت متهللة وقالت.
-تفضل يا عمو ،ها هو الليمون ،أين المفاجأة؟.
-أبوكم كان طوال الفترة الماضية قريب ا منكم ،وقد حام حول منزلكم فى مثال هذا الوقت
شعرا به.
من العام الماضي ،ويومها تعقبك أنت ويوسف حتي المنزل دون أن عت د
قفز يوسف من مكانه صائحاا.
-صح يا عمو ،صح يا نهاد ،قلت لك يومها أن هناك شخص ا يشبه بابا يسير خلفنا
خفت ودفعتني إلى داخل المنزل.
ل بالسيارة،
حركت نهاد رأسها في حسرة فأضاف يوسف في نبرة حزن وعتاب.
-لو كنت سمعتل كلمي كنا كلمناه وأجبرناه على أل يتركنا ويذهب.
حين رأى الفرح يمرح في وجهيهما لم يتمالك نفسه فقال بصوت مشروخ.
-الحفاظ على حياة والدكما تتطلب منكما أعلى درجات السرية والحذر.
-ل تخف يا عمو ،لكن بلغ بابا بأني زعلن منه ونفسي أشوفه ،،،ل ،،،ل تقل له
شيئا ،،،قل له إنى زعلن منه وأنه لم يوحشني أبداا.
أجهش في البكاء فضمه محمد يوسف في حضنه وراح يمسح على شعره ويقبل
رأسه.
-أشعر وكأني في حضن أبي ،كان يحضنني بنفس الطريقة.
200
قال يوسف ذلك وقد احتلت وجهه تعبيرات الدهشة ،وراح يحرك يديه ول يستطيع
الكلم ،كانت نظراته حائرة ،مسح دموعه ثام هرول إلى غرفته.
طلب محمد يوسف من نهاد أن تلحق بأخيها لتهدئ من خاطره ،ولأنه يريد أن
يتكلم مع أمها علي انفراد ،امتثالت وقصدت غرفة أخيها ،فالتفت نحو سهير وقال.
-لو لم تكوني قد عرفلتنى تبقى مشكلة.
-عرفتك من أول وهلة ,لعمـَ تنكر نفسك؟ ،هل ما زال هناك خطر؟ ،أنا خائفة على
الولدين ،قل لي هل هناك خطر عليهما؟.
طمأنها ووعدها بأن ينهي كل مشاكله خلل أشهر قليلة ،وعندما أصرت علي
أن تسمع منه الحكاية كاملة ،منذ أن غادرهم حتى اليوم ،تواعدا على اللقاء في اليوم
التالي ،فهو ما آتي إل ليحكي لها بعدما قرر أن يشركها في المر ،هذا ولم تنم سهير
من فرط ما ألم بها من قلق وخوف ،وسهر الولدان حتى الصباح من فرط فرحهما
بأخبار والدهما.
----------
على كافييه جيتارا ،وفى الميعاد المتفق عليه ،أقبلت سهير وهى ترتدي النقاب ،فقام
لاستقبالها مرحباا.
-إزيك يا رضا ول أقول يا أستاذ محمد؟ .وإشمعني بقى سوري ،وإيه اللي أنت عامله
في نفسك ،عملت عملية تجميل ول إيه؟.
-لحلمك على ،ارتاحي واشربي حاجة وسوف أحكى لك كل شيء وبالتفصيل.
-ل أريد أن أشرب شيئ ا ،،،أشرب إ ازي والنقاب خانقني.
-وال النقاب جميل عليك.
-كما أنت ،لم تتغير ،ما زلت تهيم بالمنقبات.
-خير ما عملتل أنك ارتديتيه ،حتى ل تعرضي نفسك للقيل والقال ويمكن ده يلفت
لمن إلى.
نظر أجهزة ا ع
-مش كده وبس ،ده لو يوسف لمحنى جالسة معك ستكون كارثاة.
-ربنا يحميه ،طالع لبيه حنبلي.
-ل وحياة والديك ،بلش حكاية طالع لأبيه ،أنا ما حيلتيش غيره.
200
-ياه يا سهير! ،أنا وحش قوى كده؟.
-ل طبع ا أنت زى الفل ،بس اترك الولد في حاله.
-ده ابني يا سهير زى ما هو ابنك.
-شوف يا رضا أنت بهدلتنا كثاير ،وبصراحة أنا خائفة على الولد ،أريد لهم المان،
ما رأيك؟.
-كل ما حدث لي ولكم كان علي الرغم مني ،ولم يكن لدى خيار آخر.
-ما زلت دتنلكر نفسك ،معنى هذا أن هناك خطرا ما زال يحيط بك.
-ل ،معظم الخطر الذي كان يتهددني زال والحمد ل ،لكن هناك خطرا أكبر يحيط
بكم وبكل الناس ،بل بالدنيا كلها.
-ل أفهم ما تقول ،أرجوك إما أن تشرح لي لفهم ،إوال فلتعد من حيث أتيت.
تغيرت ملمحه وهو يتذكر تفاصيل ما مر به من أحداث مثايرة ،مسح عن وجهه
ورقبته عرقا غزي ارا ،ثام تناول كوبا من الماء ورجع بجسمه للخلف وراح يحكي ،وبعدما
قص عليها حكاية إبراهيم سالم مع اللواء الجمال بدأ في سرد تفاصيل رحلة هروبه من
مصر فقال.
-سلمني إبراهيم التمثاال ومجموعة أوراق خاصة بحساباته في الخارج ،وكما أوصاني،
ذهبت من فوري إلي واحة الفرافرة ،قاصدا شخص ا اسمه زكريا ليساعدني على الهروب
من مصر ،كنت مضطربا بشدة وأتحرك كأني مندوه لمصيري ،ل أخفي عليك كان
يختلط بداخلي الطمع والولع بالثاارة بالخوف المريع من المجهول ،زكريا ،من وجهاء
الفرافرة ،وصاحب مقهى المحطة الشهير هناك ،رجل جريء ولكنه طيب القلب وعشهم،
عندما أخبرته بأني هارب من أحكام بالسجن بسبب ديوني للبنوك وأريد الهرب إلي
إيطاليا حيث ينتظرني صديق سوف يساعدني علي أن أبدأ هناك من جديد ،قال.
-أنا أخرجت من مصر يطلع مليون عنفر ،ولو المور في ليبيا أعفضل من كده ،ممكن
أفضي مصر في حسبة خمس ست سنوات.
وضحك ضحكات تدل على العفخر واللثاقة ثام قال بجدية.
-شوف يا أخ ،قلت لي إن اسمك محمد يوسف ،ماشي ،أنا لن أستغلك ،لكنك دتعتععبر
حالة خاصة ،يعني ستدفع عشرين ألفا حتى تخرج مع الفوج.
200
طلبت أن أخرج إلي ليبيا بمفردي فأوصل المبلغ إلي خمسين ألف جنيه ،ثام
أخذني إلى مكان عبشع ومولحش ،في بطن الجبل بأعلي الواحة ،يسمونه العمخزن،
أمضيت في هذا المكان يومين من أسوأ أيام حياتي ،كنت أستلقي على حصيرة بحوش
واسع ،أشرب الماء من عبوة قذرة وأقضى حاجتي بنفس المكان ،لم تغفل عيني دقيقة
من الخوف ومن الحشرات التي كانت تجوب المكان بكثاافة ،في الرمل ،على الجدران
وبفضاء المخزن.
في الميعاد بالضبط ،جاءني يقود سيارة دفع رباعي ،متهالكة بعض الشيء،
نادي على بفرح.
-جاهز يا أخ محمد؟.
هرولت إليه وأنا أصرخ هامساا.
-جاهز ،،،أرجوك يا أخ زكريا أنقذني من هذا المكان.
ربت على كتفي وقال وهو يضحك.
-جمد أعصابك يا أخ محمد ،فأنت لم تعر الصعب بعد.
خطفت يده لقبلها وأنا أقول.
-أرجوك ،أوصيهم بي خي ارا ،أنا مريض ،ول أتحمل البهدلة.
ربت على كتفي في حنان وقال.
-اركب ونتكلم في الطريق.
قبل أن نتحرك بالسيارة طلب ما اتفقنا عليه من مال فقلت له.
-آل تأتمني على الفلوس يا أخ زكريا؟.
-في شغلتنا دي ،المهر قبل الفرح.
أعطيته ما طلب ،فابتسم وقال.
-أنا مبسوط منك يا أخ محمد ،ل تفاصل كما يفعل المصريون.
-ألست مصريا يا أخ زكريا ؟.
-معظم قبيلتي بليبيا ،ممكن تقول عني ليبي مصري.
قال ذلك وانفجر ضاحك ا ثام أضاف.
-نحن البدو وطننا هو القبيلة والمصلحة.
200
لم أستطع الضحك ،ابتسمت رغم حزني حين تذكرت أن معظم حدودنا تحت
سيطرة البدو.
كان الرجل كريم ا معي طوال الرحلة ،ونصحني بأن أكون سخي ا حتى أضمن
معاملة حسنة من الجميع ،ووعدني خي ارا.
وصلنا للجهة الخرى من الحدود المصرية الليبية ،وكان بانتظارنا سالم ،ابن ععم
زكريا وشريكه ،درجل في الربعينات من عمره ،طويل ونحيف وملمح وجهه قاسية ،كان
ب بنا في حرارة ثام استدار ليتفحصني وهو
يرتدى ملبس نظيفة وعليه عباءة فاخرة ،عرح ع
يقول.
-الدشغلة باين عليها كبيرة يا ابن عمى.
المدهش أن زكريا أوصاه بي وشدد علي أن دأعامل معاملة خاصة ،وتولي شرح
ظروفي وضرورة خروجي بسرعة ليطاليا وأنه يمكنني تحمل تكاليف رحلة بمفردي،
طلب سالم خمسون آلف دولر تكاليف القامة والرحلة فوافقت من فوري.
تحرك زكريا بالسيارة وبعد دقائق اختفي في الصحراء فشعرت بالغربة وبرغبة
قوية في البكاء لكنى تماسكت وقررت الصمود وتحدى المجهول الذي ينتظرني.
لحظ سالم شرودي فطمأنني وقال.
-ل تقلق يا أخ ،،،ما اسمك؟.
تذكرت بأني كنت قد أخبرت زكريا بإسمى الجديد فقلت بسرعة.
-محمد يوسف ،رجل أعمال ،من القاهرة ،من مصر.
قال بأني ضيفه حتى أغادر ،وبمجرد أن تحرك بالسيارة طلب المال فناولته ما
طلب فقال.
-دأخلزن الناس هناك ،في المخزن ،خلف التل الكبير بأعلى مضارب القبيلة.
التفت إليه محاولا جذب يده من على عجلة القيادة لقبلها.
-أرجوك يا أخ سالم ،ل داعي للمخزن ،لقد أوصاك بي الخ زكريا ،سأدفع ما تطلبه
لكن بلش المخزن.
تعالت ضحكاته وهو يقول.
-إياك عجعربت العمخزن اللي في الناحية التانية؟ ،ده فندق بالنسبة للي هنا.
200
اشتد جزعي وتحشرجت أنفاسي وأوشكت علي البكاء فقال.
-على العموم المخزن لساه فاضي ،ولجل خاطر زكريا ،ستقيم بمضيفة منزلي ،وكمان
سدأخبر الجميع بأنك صديق لزكريا.
ابتسم وأضاف.
-أنت ل تعرف ماذا يعني زكريا لي فرد بالقبيلة؟.
قال ذلك ثام التزم الصمت بقية الطريق وشرد ذهني فيما ينتظرني هنا وهناك.
بل تخطيط توطدت علقتي بسالم ،وقبل مرور أسبوع صار بيننا ما يشبه
الصداقة ،كان يحب الجلوس إلى ويأنس لحديثاي ودكنت أنتظر حضوره إلى المضيفة
بفارغ الصبر ،في مرة طلبت منه أن يفي بوعده ويخرجني في رحلة بمفردي فقال.
-خروجك بمفردك خطر فقد يلقون بك في البحر لينتهوا من رحلتهم سريعاا.
صارت بيننا ثاقة كبيرة وراح ديععاملني كصديق حقيقى ،وبعد عدة أيام أخري
اصطحبني للسلم علي عمه الشيخ سالم ،شيخ القبيلة ،كان رجلا دمهيب الطلعة ،على
الرغم من هدوء ملمح وجهه ،كان عيجللس ،بصدر ساحة كبيرة ،على كرسي كبير،
وعال ،ويتوجه بالحديث إلى جمع غفير من الناس ،يفترشون الرض منل مستطيل
أمامه ،ألقينا السلم فأفسحوا لنا ممر بينهم ورحب بنا الشيخ.
-أهلا بك يا غالى وابن الغالي وأهلا بضيفك صديق الحبيب زكريا.
عتقدم وسلم على عمه وقبل يديه ،تقدمت خلفه وعهممت بأن أفعل مثاله ،ولكن
الشيخ جذب يده بسرعة قبل أن أقبلها ،وسط ضحكات الجميع ،نظرت لسالم فوجدته
طعلب منى الجلوس ،همست لسالم.
يضحك هو الخر ،نظرت للشيخ فابتسم و ع
-لماذا يضحكون؟ ،هل فعلت شيئا ديضحك؟.
-اجلس وبعدين أفهمك.
بعدما أنهي الشيخ حديثاه ،انصرف الحضور ،فرحب بنا مرة أخري وطلب منا
النتظار لمقابلة عسعمالسم العععرافة لنها تريد أن تتحدث معي ،وابتسم وهو يقول.
-سماسم تقول أنك وش الخير ،وقالت عنك كلم ا طيب ا.
ارتبكت لكلمة عرافة ،وخشيت أنها قد تكشف أمري! ،جاهدت لأتماسك وأكون
على طبيعتي ،دقائق ودخلت المضيفة سيدة في العقد الرابع من عمرها ،طويلة وبدينة
200
بعض الشيء ،مرفوعة الهامة وتمشي بثاقة وثابات ،ترتدي ملبس بيضاء ،وتنم
ملمحها عن جمال آخذ بالزوال ،وقف سالم مرحب ا وعاجلها الشيح بكلمات الترحاب،
سلمت على سالم في استعلء ،ثام توجهت حيث يجلس الشيخ فأفسح لها مكان ا بجواره
فعرفت موقعها في القبيلة.
همست للشيخ طويلا وكان يستمع إليها وهو ينظر إلي بين الحين والخر ،أخذ
مني القلق مأخذه حتى قال.
تعال ،دقرب هنا ،إنها
-هنيئا لك يا أخ محمد ،الشيخة تقول إنك عردجل عمبدروك وطيب ،ع
تبغي الحديث معك.
اقتربت ومددت يدي ،لسلم عليها ،لم تمد يدها وقالت وهى تخبط بيدها على
المقعد.
-اجلس ،اجلس هنا بجواري.
ل ،حاولت الاعتذار فابتسمت وقالت في دهشة.
ترددت خج ا
-أنت ضيف القبيلة ويمكنك أن تجلس بجوار الشيخ ،ما فيها شيء.
ابتسم الشيخ وهو يقول.
-حلمك عليه يا سماسم ،الرجل ل يعرف عاداتنا وتقاليدنا ،عندما دخل علينا عهم بتقبيل
يدي مثالما فعل سالم ،هو ل يعرف أن الضيف ل يفعل ذلك.
عرفت لماذا ضحك الجميع حين دخلت عليهم فارتاحت نفسي ،سألتني.
-كيف حال زكريا ،كيف صحته؟ ،أنت من رائحة الحبيب؟.
ضحك الشيخ ومعه سالم ،نظرت لسالم مستوضح ا المر ،تجاهلتهما وقالت.
-ل تشغل بالك بهما ،اخبرني كيف حال زكريا؟.
ثام ابتسمت في تحد وأضافت.
-هما يضحكان ليفهمانك أن زكريا حبيبي.
التفتت نحوهما وقالت في خيلء ،وهى تهز رأسها.
-اضحكا كما تريدان ،زكريا حبيبي ،ولخر نفس في سأحبه ،موتا بغيظكما.
تعالت ضحكاتهما ،وابتسمت أنا ،فقالت بثاقة.
-ل تحكم علي الن ،أنا كنت أجمل بنت في الصحراء.
200
قلت في خجل.
-وما زلت أجمل النساء.
شكرتني بارتياح وقالت.
-أردت مقابلتك كي أخبرك بأمر هام يخصك.
لحظت هلعي وشحوبي ،طمأنتني ثام رمقتني بنظرة قوية وقالت في جدية.
-ستصبح شخصا دمهما بالنسبة لنا هنا ،سوف تذهب ولكنك ستعود إلينا بعد سنوات
قليلة بعدما تكون قد حققت حلمك ،حلم كل بني آدم ،الثاروة والدسلطة.
تهللت أساريري وابتسمت وأنا أستمع إليها ،ولكنها أضافت.
-ولكن بداخلك شيطانا لن يتركك تهنأ بما سوف تحققه.
تجهمت وملني الخوف بسرعة خاطفة ،فاستطردت.
-شيطان المعرفة ،سوف تسعى بكل جهدك ومالك لتعرف لسر ما عرفه أحد من قبلك،
لن تهدأ حتى تعرفه لتموت بعدها بأيام قليلة.
سألتها في عجعزع.
-ولمعـَ الموت؟.
-لا يمكن أن يجتمع لإنسان ثاالوث الثاروة والسلطة والمعرفة.
نظرت إلى بعطف وأضافت.
-ليس بيدك ما تفعله حيال قدرك المحتوم ،قضى المر.
نعم ،ولعي بمعرفة أسرار الحضارات والديانات القديمة هو ما أوصلني للولع
بمعرفة خبايا وأسرار لتجارة الثاار وتهريبها وهى بدورها سلمتني للمأساة التي دأعيشها
الن ،ظلت كلماتها تتردد بأذني حتى شممت رائحة الموت الذي لم أكن أتصوره يحدث
لي بالرغم من محاولتي المتكررة لقناع نفسي بحقيقته المطلقة.
عندما أخبرني سالم بأن إقامتي معهم قد تمتد لعدة شهور ،بسبب بدء تنفيذ
المعاهدة الجديدة بين ليبيا إوايطاليا لمجابهة الهجرة الغير شرعية ،أسقط في يدي وركبني
عهدم عظيم ،ولكني قررت أن أتعلم اللغة اليطالية خلل تلك الفترة فجاءني سالم بكل ما
يلزم لذلك وعهد بي لرجل من القبيلة يجيد تعليم اليطالية.
200
انكببت على الكتب والعش عارلئط ،وعلى متابعة الشرح ،ثالثاة أشهر متصلة ،ليل
نهار ،حتى تمكنت من تلك اللغة تماماا ،اعترف لي معلمي بذلك ففرحت بقدرتي على
النجاز وزادت ثاقتي بنفسي ،وعندما أخبرني سالم أن الوارد على وشك أن يكتمل وأن
على الستعداد للسفر خلل أيام كنت سعيدا ومبتهجا وكأني نسيت ما تركته خلفي أو
أني آمنت لما أنا دمقبل عليه.
احتمال الغرق ،أو القبض علي من قبل خفر السواحل اليطالي ،دفعني لتخاذ
قرار بضرورة دفن التمثاال في مكان ما بالصحراء ،حتى تتحسن الحوال وأعود لخذه،
ذهبت لسالم وطلبت مساعدته في إخفاء ما أحتفظ به من أوراق ومستندات وأغراض
أخري بمكان ل يعرفه أحد لحين عودتي.
-تراك تعود إلينا مرة دأخرى؟ .هل صدقت كلم سمالسم؟.
ى.
-لن عأنسي ما فعلته معي يا أخ سالم ،بالتأكيد سأعود وعسعتر ع
-بدليل أنك ل تأتمنا على أغراضك.
-أبداا ،سأخفيها معك وبمعرفتك ،ولكنها مستندات هامة دتدين ناس ا مهمة في مصر،
وأنا ل أريد أن أترك شيئ ا للظروف ،فقد يحدث شيء فتورطكم تلك المستندات في
مشاكل أنتم في غنى عنها.
ضالرب القبيلة
أمن سالم لي الطريق ،وتعمقت لمسافة طويلة بالصحراء ،عخلف عم ع
من الناحية الغربية ،والتي تعتبر مهجورة تماماا ،حيث نشاط القبيلة يتجه ناحية الشمال
أو الشرق ،وقمت بدفن التمثاال وبعض أوراقي في مكان ميزته بعدة علمات ثام صورته
جيدا بكامي ار الهاتف المحمول ثام ضممت الشريحة فى أوراق إبراهيم سالم المغلفة جيداا،
وعملت ما في وسعي لزالة آثاار أقدامي من علي الرمال.
----------
مساء يوم الثالثااء ،السادس عشر من شهر أغسطس 2005م .ودعت شيخ القبيلة
وسمالسم ،وذهبت بصحبة سالم إلي مدينة البيضا ،بالقرب من الساحل الليبي ،ظل
صامت ا وكلما حاولت التحدث إليه كان عيدرد باقتضاب ،ضربني القلق.
-هل أنت غاضب منى في شيء يا أخ سالم؟.
-أبداا.
200
أوضح لي أنه ل يحب وداع الحبة والصدقاء فتيقنت أنه صار لي بليبيا
صديق حقيقي ،أعطاني أرقام هواتف أصدقائه بايطاليا لستعين بهم عند الحاجة ،وراح
يلقي علي بالنصائح والتوجيهات لحافظ علي سلمتي ،عندما تجاوزنا مدينة البيضاء
واقتربنا من الساحل أخبرني بأنه لول مرة ل يدخل زبون المخزن ،وقال.
-الداخل للمخزن مفقود والخارج منه مولود ،بمجرد دخول الشخص المخزن يصبح
بالنسبة لنا فلوس ،سواء عاش أو مات سوف نقبضها.
حكي لي أنهم يستقبلون كل عدة أشهر حوالي مائتي شخص من مصر ومن بعض
الدول الفريقية ،رجال من كل العمار ولكن الغالبية دائم ا تكون من الشباب صغير
السن ،يتم تخزين الوارد في مبنى صغير كالصندوق المغلق ،فقط نافذة صغيرة بالسقف،
يأكل الفرد منهم طعام ا ل يغنى من جوع ويشرب من عبوات قذرة ،ويقضي حاجته
بالرمل في فناء المخزن ،ممنوع الخروج من المخزن لي سبب من السباب ،لو عملر ع
ض
أحدهم يترك ليموت ،إواذا أصيب أحدهم بلوثاة في عقله كانوا يتخلصون منه برصاصة
لنه بحالته هذه سوف يمثال خط ار شديدا على سطح العمرلكب وسط أهوال البحر ،كما ل
يمكن إعادته من حيث جاء ،فهناك قانون يحكمنا ،إما أن يصل الشاب منهم لإيطاليا
وينسى ما عاناه ،وإما أنه يموت لينسي أيضا ما عاناه.
حاول أن يضحك فلم يستطع ،صمت قليلا وتجهم كثاي ار ثام قال في حزن.
-علي أية حال ،الشاب منهم يغادرنا هزيلا وأصفر اللون ،وما أن تلمس أقدامه أرض
إيطاليا ،ينسي كل ما عاشه من خوف وتعب وعيستعلرد صحته ولونه وحماسه بسرعة ل
دتصعدق ،فعلا السعادة لحظة تمحو ما قبلها من تعاسة مهما طالت.
مرة أخري صمت للحظات ثام التفت نحوي وأضاف.
-أنا أحكى هذا الكلم لني أجدك متلهف ا علي المغادرة وكأنك عشت لدينا الهوال،
على أية حال ،بمجرد وصولك لإيطاليا سوف تنسى دخوفك وتعبك.
شكرته علي ما فعله من أجلي وأبديت جذعي وخوفي علي ولدي وبكيت بم اررة،
فراح يهدئ من روعي ويحثاني علي التماسك فالرحلة صعبة وطويلة.
اقتربنا من الشاطئ فأطفأ أنوار السيارة وأكمل الطريق ببطء فلحقت بنا سيارة
للشرطة الليبية ،ارتبكت فضحك وقال.
200
-ل تععخف ،الشرطة لها نسبة في الدشغل ،يأخذونه قبل أن يصعد الشباب للمركب،
يعدون الرؤوس ويحسبون عحقهم ويأخذونه فو ارا.
ترجل إلي سيارة الشرطة وناول أحدهم مظروف ا منتفخ ا فعادوا أدراجهم بسرعة،
أكملنا الطريق للشاطئ على القدام ،كان صفير الريح يختلط بصوت تلطم المواج
فيزيد ما يبثاه في الظلم من خوف وهلع ،كنت أتحرك بصعوبة علي رمال الشاطئ
الناعمة ،طلبت منه أن يتمهل قليلا فقال في حسم وقوة دون أن يلتفت إلى.
-من الن فصاعداا ،ما في كلم ،ما في شكوى ،ما في خوف ،سيطر على نفسك
وعلى دخوفك ،وعليك الالتزام بالتعليمات ،أي خطأ يعني موتك فو ارا.
دلذت بالصمت خائفاا ،بدأت أتبين الشاطئ ،سمعت همهمة كبيرة ،أمعنت نظري
فلمحت أشباح رفاقي بالرحلة ،يجلسون القرفصاء في عدة صفوف ،عندما تعرفوا على
صمت مخيف وسط طبيعة
سالم ساد بينهم صمت الذل والقهر ،ل حركة ول نفس ،فقط ع
ت بشدة من رائحتهم ،وكأنهم كانوا يقضون حاجتهم في
ل تخاف فل تصمت لحد ،عنفر د
ملبسهم.
التقط مشاعري وأفكاري التفت إلي وقال.
-معظمهم من عمصر.
تنهد وأضاف.
-كثاي ار ما سألت نفسي ،لماذا الشباب المصري يقدم على النتحار ليخرج من بلده؟،
مع عأنها بلد عجميلة ،أنا زرت الساحل الشمالي والسكندرية ،أماكن فوق الوصف.
-لو أن الشاب منهم وجعد طاقة نور في مصر كان نحت في الصخر وما تركها ،لكن
ظلم والفعقر يملؤهم رعبا ويأسا حتى فقدوا الحساس بقيمة الحياة ،لم عيدعد الموت يفرق
ال د
ظلم،
معهم ،وفى الحقيقة هم يبحثاون عن فرصة للحياة بعدما أماتهم في مصر الفقر وال د
ومصر ليست كورنيش السكندرية وفنادقها ،ول هي الساحل الشمالي ،فيه مصر تانية،
لمنداسةع تحت أقدام الحكام والفاسدين الذين نهبوها وسلبوا هؤلء حقهم في الحياة ،مصر
الفقيرة والمقهورة هي التي تتقيأ هؤلء من دجوفها.
-ال ال ،لم أكن أعرف أنك سياسي كبير.
ضحك وبكيت فقال.
200
ظلم في ليبيا أيضاا ،وللدرعكب ،صحيح نحن نلوذ بالصح ارء لنعيش فيها
-لكن الفقر وال د
كافين خيرنا شرنا ،ولكنها لم دتنسلنا ما نلقيه من ذل وقهر على يد حكام ليبيا ،أتعلم أن
حكومة القائد ل تقدم لقبيلتنا أي شيء ،ل خدمات ،ل مرتبات ،ل مساعدات ،لقد
طردونا لمن واحة الدكفرة ،إلى الرمل الناشف ،لن المرحوم أبى ،وكان شيخ القبيلة،
رفض أن ديعقببل عيد القذافي عندما جاء لزيارة الواحة سنة 1976م .غضب القذافي علينا
فحاربنا في أرزاقنا ،وأوقعنا في خلفات خطيرة مع القبائل الموالية له ،أصبح أفراد
القبيلة دعرضة للقتل والدسجن ،والتهم الثاأر خيرة لرجالنا ،توسط بعض شيوخ القبائل بيننا
فاشترط القائد أن دنغادر الدكفرة ونسكن في عمق الصحراء ،على الحدود مع مصر ،كل
ظلم والقهر ولم نغادر بلدنا يا أخ محمد.
هذا ال د
ابتعدنا قليلا عن جمع الشباب ،واستطرد قائلا.
-لول ما فتحه لنا زكريا من باب للرزق عن طريق تهريب البضائع والبشر ،عبر
الحدود مع مصر ،ما كان للقبيلة أن تجد طعامها ،ولعلمك بعد صلحه مع إيطاليا بدأ
يضيق علينا ،ولول الرشاوى ما تركونا دنخلرج شاب ا واحدا من هنا ليطاليا.
تنهد بعمق عدة مرات ولذ بالصمت ،قلت له.
-مع كل ما تعانيه فما زلت تستطيع أن تتدبر عيشك وتعيش بالصحراء ح ارا ،أما هؤلء
الشباب فل حرية ول كرامة ،ول ملذ يلجئون إليه ،كل واحد منهم ترك خلفه كومة من
اللحم هو أملهم في أن يظلوا على قيد الحياة ،وقبل كل ذلك دهم شباب يجلده طموحه ليل
نهار.
أطلعني بأنه قد أوصي القبطان ليضعني بمقدمة المركب ،شردت فيما أنا مقبل
عليه وشعرت ببعض الطمأنينة حين جذبني بقوة ليضمني إليه ليودعني بح اررة.
انطلق بسيارته فعانيت نفس المشاعر الخبيثاة التي اجتاحتني حين تركني زكريا
واستدار عائدا إلى مصر ،اجتمعت على عوحعشة الدغربة وعقهر الوحدة ودذل الخوف،
سالت دموعي وتسارعت دقات قلبي ،وكأني مقطوع عن الدنيا ،عن الماضي
والمستقبل ،شغلتني نبوءة سماسم فرحت أقنع نفسي بها علها تتحقق.
----------
200
قبطان المركب رجل جزائري قوى البنيان ،طويل وضخم ،أشعث الشعر ويغطي
ظلماء كانت تفتقد
شعر ذقنه نصف صدره العلى ،فظ وكريه الصوت وكأن تلك الليلة ال د
شكله المرعب.
أوقفني بجواره بمقدمة المركب ثام طلب من رجاله تحميل المركب بهدوء ونظام
فتحرك الشباب ببطء ،وكأنهم مغيبون ،عخلف ردجل قادهم ليرصهم في باطن المركب،
راح القبطان يلقى بالتعليمات.
-ول حركة ول نفس ،حتى ل تفقد المركب توازنها ،الموج عالي اليوم ،من سيتحرك من
مكانه سوف نلقي به في البحر.
رفععع الرجال اللهلب وأداروا المحركات وبدأت المركب تتحرك في تؤدة مبتعدة عن
الشاطئ ،ولعدة ساعات كنت ل أسمع غير صوت هدير المحرك يختلط بأصوات الريح
والأمواج.
بدأت المواج تلهو بالمركب ،فقد كانت صغيرة وقديمة ،وأصدر المحرك طقطقة
تنبئ بأعطال سوف تحدث ل محالة.
طالرد دكعتل
لح ضوء الفجر في الفق ،ورويدا رويدا أخذت أشعة الشمس تد ع
ظلمة والضباب ،وتدفعها أمامها على سفح الماء ،بدأت أتبين الحمولة ،شباب أكبرهم
ال د
سن ا لم يتجاوز الثالثاين من عمره ،معظمهم مصريون ،عرفتهم من ملمحهم الهادئة
والمستسلمة ،وكان هناك عدد من الشباب الفريقي طوال القامة ،كانت النحافة بادية
عليهم وعظام وجوههم كانت بارزة وكأنهم هياكل عظمية مغلفة بالجلد.
مع ضوء النهار زادت المركب من سرعتها فانطلقت في عرض البحر الذي بدا
أنه بل نهاية ،سمح القبطان بالكلم دون الحركة ،فأخذت كل مجموعة من الشباب
تتحدث مع بعضها البعض وكأنهم أصدقاء منذ زمن ،تبين من لهجة الحديث أن
الشباب المصري من محافظات ،ومن مستويات اجتماعية مختلفة ،وكأنها جبهة وطنية
على سطح المركب!.
يبدو أن بعضهم تبين أنى مصري فتعلقت بي أعينهم ،أظنهم اعتبروني أحد
رجال المركب فنظراتهم كان بها من الرجاء أكثار من الطمأنينة.
فجأة صدح الصوت الكريه ،مرة أخرى راح القبطان يلقى بتعليماته.
200
-سنقترب حالا من سالحل عقبدرص ،دسكت دهس ،كله صامت ،كله يخفض رأسه ول
يرفعها إل حين يسمع جملة ،كما كنت.
تعدكور كل منهم في مكانه وظل على حالته تلك لمدة ساعة كاملة ،فتخيلتهم وقد
كتموا أنفاسهم فماتوا ،حين صرخ القبطان ،كما كنت ،اعتدلوا وعادوا لتبادل الأحاديث
والابتسامات ،وكأنهم مستيقظون من نوم هادئ ،شيئ ا فشيئ ا بدأت أنفر من هذا الشباب
الخاضع لقصي حد يمكن تصوره ،قررت أل أشغل بالى إل بعنفسي.
رحت أستعيد ما مر بي من أحداث ،وركبني العغم حين تذكرت أولدي ومستقبلي
الذي أضعته في لحظة غلبني فيها الطمع والخوف ،شرد ذهني في المجهول الذي يفتح
لي أحضانه فسيطر على الدحزن واليلأس فلم أدر بنفسي إل والقبطان يصرخ في رجاله
ليغيروا من ترتيب رص حمولة المركب.
وكأنه يغلى في لمرعجل الكون ،غضب البحر وهاج ،وراح يطلق من جوفه جبال
من الماء ويضرب بها في كل الاتجاهات وبدا لي وكأنه يخوض حربا من أجل البقاء،
أصبح الوضع خطي ارا ،وكادت المركب أن تفقد توازنها عدة مرات.
صرخ القبطان بصوته المخيف.
-على الجميع الالتزام بالهدوء وبالنظام إواتباع التعليمات.
ازداد اضطراب البحر ،هاج وماج بأقصى ما أمكنه ،وكأنه يحاول الخلص من
قبضة أسطورية تخنقه ،أمسكت العصبية بتلبيب رجال المركب وأخذ منهم التوتر مداه
فراحوا يوجهون السباب والشتائم للشباب المستسلم تماما لقداره ،،،أنتم لوش عفقر ،،،
سنغرق يا أولد الكلب ،،،أنتم أنجاس وأولد كلب.
لم ينبس أحدهم بكلمة ،الدكل خائف ودمسعتسللم ،راح بعضهم يدعو ال من أجل
النجاة ومنهم من راح ديردد آيات من القرآن والمفاجأة أنه كان على المركب بعض
الشباب المسيحي ،عرفتهم حين صلوا.
مرت ساعة من الخوف والعصبية ولم يهدأ البحر فتحول الخوف إلى يلأس وبدأ
بعض الشباب يردون السباب على البحارة ،وكان هذا شيئ ا خطيرا انتبه له القبطان
بسرعة فأصدر تعليماته العلنية بدحسن معاملة الشباب ووبخ رجاله ،وبعدما سيطر على
الموقف راح يقول وهو يرسم على وجهه ابتسامة خبيثاة.
200
-إيه يا شباب؟ ،هل يصح أن نختلف بعدما وصلنا والحمد ل؟! ،احمدوا ربنا علي أن
البحر لم يغضب إل بعد اقترابنا من سواحل إيطاليا ،نحن والحمد ل تقريب ا وصلنا
للمكان الذي يجب أن تبدءوا منه السباحة نحو الشاطئ.
فرح الشباب باقتراب تحقق حلمهم ،وتناسوا ما سوف يواجهونه من أخطار ،كنت
أعرف أن القبطان يكذب ولكنى لم أستطع الاعتراض ،فمن مكاني رأيت رجال المركب
يخرجون أسلحتهم ويجهزونها للطلق.
بعد حوار مقتضب مع الشباب قال القبطان.
-سنتوقف هنا ،الشاطئ على بعد حوالي ربع الساعة سباحة ،حينما أتأكد من عدم
وجود دورية لخفر السواحل سأعطيكم الشارة لتقفزوا فى الماء ،كل خمسة مع بعض.
تبادل الشباب نظرات الشك والريبة ،فالبحر غاضب ويهدد بإلتهام من يقتحمه،
وبالرغم من محاولتهم للتماسك إواظهار الشجاعة كنت ل أرى منهم إل استسلم اليائس
ودذل الخائف ،فذلك بالضبط ما كنت أشعر به ،دقيقة وعاد القبطان ليعلن للشباب وهو
يدعى الفرح.
-أنتم بالفعل سعداء العحظ ،بسبب هياج البحر ليس هناك دوريات لخفر السواحل،
الطريق أمان إلى الشاطئ ،مبروك مبروك ،هيا ،اقفزوا ،كل خمسة مع بعض كما قلت،
هيا يا شباب ،إيطاليا تناديكم.
قال الجملة الخيرة بطريقة مسرحية ولم يتمالك نفسه فانفجر ضاحكا وضحك
رجاله من خلفه مما أكد الشك لدي الشباب فتبادلوا نظرات الخوف والتردد.
أشرعت السلحة ،ففععغعرت الفواه واصفرت الوجوه وزاغت البصار ،عندما تأكد
القبطان من ترددهم ،كشر عن أنيابه وراح يوجه إليهم أفظع السباب وأقوى التهديدات،
وأفلتت أعصاب رجاله عندما أروا الشباب يقفون ساكنين ل يتحركون ،يبدو أن أطرافهم
تجمدت من الخوف ،سمعت صوت شد أجزاء السلح ،بعدها هدد القبطان بإطلق
النار خلل دقيقة واحدة إن لم يقفز الشباب في البحر.
وكأنهم تدبروا أمرهم في صمت وبسرعة ،فوجدوا أن القفز في البحر هو ما
ب أحدهم فجأة بحالة
يحمل بصيص أمل في النجاة ،تحركت أول مجموعة لتقفز فدأصي ع
200
هياج فأرداه البحارة قتيلا علي الفور ،صرخ أحدهم ،،،يا قتلة ،،،حرام عليكم ،وعهم
بالهجوم على عمن أطلق الرصاص ،فأردوه قتيلا في الحال.
شيء مرعب ومخيف ول يتصوره عقل ،بحر هائج وشباب ثاائر فقد عقله،
وسلح بيد أندال يطلقون النار بعشوائية الخوف تجاه الشباب ،اختبأت مذهولا مما
عيحددث ،وما هي إل دقائق حتى مات ما يقدرب من خمسين شاباا ،ومعهم القبطان وجميع
البحارة.
كانت ثاورة الشباب عارمة ودمرلعبة ،لم أعد أتبين حقيقة مشاعري ،هل أنا حزين
على انطفاء خمسين مصباح من مصابيح الدنيا ،أم مرتاح لثاورتهم ولتغلبهم على
خوفهم ،سمعت نفسي تقول ،،،هذا هو المصري ،يستسلم حتى تظنه فقد الحياة نفسها،
وفى لحظة ديصبح ماردا ليس له مثايل!.
انتبهت فجأة لشيء خطير ،من سيقود المركب؟! تذكرت مقالاتي عن خطورة
الانتفاضات الشعبية العشوائية ،تلك المقالة التي جلبت لي عداء المثاقفين بمصر
واتهامهم لي بالعمالة للنظام الحاكم وبأني أدعو لليأس والاستسلم!.
دقائق وترامى لمسامعي حديث الشباب وهم يتجادلون في عصبية عن كيفية
التصرف ،لم يكن لدي أحدهم أدني فكرة عن قيادة المركب ،أسقط فى أيديهم ولمحت
بعضهم ينزوي يائس ا محبط ا بينما أجهش آخرون ببكاء المقهور والعاجز وكان الذهول
لسان حال بقيتهم ،فجأة صاح أحدهم.
-انتظروا ،ما زال أحدهم حيا وموجودا بالمركب ،رأيت المصري يختبئ أثاناء المعركة،
ابحثاوا عنه ،أكيد أنه يستطيع قيادة المركب والقتراب بها من الشاطئ.
عرفت أنهم بحاجة إلى فشعرت بشيء من المان بعدما أجهدني الخوف من
الموت الذي مل المركب وما زال يحيط بنا ،فها هو البحر هائج كوحش كاسر ويتلعب
بالمركب ومن عليها وكأنه لم يكتف بما دألقى إليه من جثاث.
خرجت من مخبئي فأحاطوا بي ودهم يهللون وبصعوبة قلت لهم.
-أنا رجل أعمال هارب من ديوني وقد تلقيت معاملة خاصة لني دفعت الكثاير.
مع صدمتهم صدقوني فأكملت حديثاي لحثاهم على التعاون والصمود لنحافظ
علي المركب حتى نصل للشاطئ أو حتى يصل إلينا خفر السواحل ،فصرخ أحدهم.
200
-ل ،نغرق أحسن من أنهم يرجعونا مصر ،كده ول إيه ،أنت وهو؟.
ي
لم تكن مفاجأة لي أن أيده الجميع فتلك كانت المحاولة الثاالثاة على القل ل د
منهم ،وقد باع الهل ما يملكون واستدانوا من أجل تحقيق الحلم اليطالي.
بعد محاولت مضنية نجحنا في توجيه المركب باتجاه الرياح فاستعادت الكثاير
من توازنها ،تعالت صيحات الستحسان ،وبدأ أحدهم يغنى بصوت عذب وهم يصفقون
ويرددون من خلفه.
راح بعضهم ديشيد بي وبعضهم يسخر منى ،،،تسلم لنا يا بطل ،،،وال أنت
عشكعلك منهم وبتعرف في البحر .قال آخر ،،،يا عم الرجل عهارب من مصر ودافع
كثاير ،،،شكله من الشلة اللي تهدبر البنك من دول ولتخلع على بره ،،،أنت منهم يا
حلو؟ ،،،خلتونا على الحديدة ،ال يخرب بيوتكم ،،،يا ععم كلمه كويس مش جايز يبقى
دحوت في إيطاليا وينفعنا ،،،يعنى هما كانوا نفعونا جوه لما هينفعونا بره.
ظلم والقهر فلم أفلح.
حاولت إفهامهم بأني هربت من مصر بسبب ال د
مرت ساعة ،ول عجديد تحت العشمس ،الخوف واليأس من النجاة يملؤنى،
والحماس والمل يداعبهم ،أري البحر وحش ا يستعد للتهامنا ،ول هم لهم إل استطلع
العشاطئ اليطالي ،قررت أل أحبط آمالهم لعل ال يجعل لنا مخرجا.
ساعة أخرى وبدأت العمرلكب عتتعرعنح ثام مالت بشدة على جانبها اليمن ،وقبل أن
تنقلب مالت بقوة نحو اليسار ،يمين ،شمال ،يمين ،شمال ،رج عنيف ،كنا نتحرك
بإستمرار لنحفظ توازنها فحققنا بعض النجاح ،ولكنها ما لبثات أن قذفت بنا للخلف
ورفعت مقدمتها نحو السماء ،ووقفت على الماء بمؤخرتها ،لتعبر من تحتها موجة عالية
كالجبل ،فتساقط الشباب لمقدمة المركب وهى تهوى نحو الماء ،وقبل أن تشق البحر
نحو أعماقه استقرت مستوية على سطح الماء.
امتلت المركب بالماء وبما قذفناه من بطوننا ،أمسكنا بعضنا البعض وبأي
شيء كانت تصل إليه أيادينا ،كنت أصرخ فيهم ليعملوا على حفظ توازن المركب ،لم
أعد أسمع منهم كلمة ،كان صوت ارتطام المواج يبتلع كل الصوات حتى طقطقة
المحرك لم نعد نسمعها ،لم نيئس ولم نأل جهدا للحفاظ على المركب عائمة ،كنا نتحدى
غضب البحر ونقاوم جبروته ،وكأننا نواجه كل ما نرفضه في الحياة.
200
المدهش أن هناك شابا أخذ يسب البحر ويطلق نكالت أضحكت الجميع ،قلت
ل ،عهم يضحك وهم يبكى ،فبكيت. في نفسي فع ا
صرخ أحدهم ،،،عهلنغعرق ،،،عهلنغعرق ،كانت هناك جبال هائلة ترتفع من العبحر،
تدور وتتلوى وهى تصعد نحو السماء لمسافة تتجاوز المائة متر ثام تنهار لعتسدقط في
البحر فتشقه نحو العماق فيرتفع الماء من حولها في دائرة من التلل كانت ترتفع
بسرعة ،دون أن تدور حول نفسها ،ثام تتهادى هابطة نحو الماء فتدفعه في كل
الاتجاهات أمواجا عاتية في منظر دمريع أهلك نفوسنا المرتعدة.
بذلنا ما في وسعنا لنستدير بالمركب أو أن نوقفها قبل أن تدخل وسط تلك الغابة
الكثايفة من جبال الماء ،التي كانت تلعب وتمرح من حولنا وكأنها تعبر عن فرحها بما
نبديه من خوف وجزع.
أوقفنا الماكينات فهدأت سرعة المركب ثام توقفت فراحت تتلعب بها المواج،
وكأنه ععز على البحر أن نلتقط أنفاسنا ،صرخ أحدهم وهو يشير للخلف ،،،استر يا
رب ،،،استر يا رب ،جبل هائل يخرج من الماء ويرتفع متلوي ا نحو السماء وهو ديسلرع
من خلفنا ،يبدو أنه يطاردنا بإصرار ،كان منظره عمهيب ا وكأنه ملك الموت ،لم يكن لدينا
أدنى عشك في سقوطه فوقنا ،قفز البعض من المركب عهلعا من الجبل الذي كان يقترب
منا ويميل نحونا وكأنه يريد أن يحتضن المركب بمن عليها.
لحظات وعحملنا جبل آخر ،خرج من تحتنا كوحش أسطوري ،رفع المركب عاليا
ثام انهار من تحتها فألقى بها بعيدا على سطح البحر الذي استوي هادئا وديعا ،لهثانا
نتنفس الصعداء ،فامتلت الصدور بهواء مثاقل بالرطوبة فضاقت حتى زاغت منا
البصار وهمدت الجساد ،لحظات ولحق بنا جبل الماء من خلفنا ،وأراح نفسه فوقنا،
فضربنا ضربة ساحقة ماحقة.
----------
لم أدر بنفسي إل وأنا أتشبث بلوح خشبي كبير ،ومازالت المواج ل تخجل من
نفسها ،دقائق وهدأ البحر وتبدل حاله وكأنه ليس بقاتل ،لم أصدقه ،انتظرت طويلا
أترقب غدره فلم عيغددر ،رحت أنظر في كل الاتجاهات بحثا ا عن الشباب فلم ألمح أحدا أو
200
عأسمع استغاثاة ،توقعت أن المواج قذفت بي بعيدا عنهم ،ما استغربته في نفسي
ورفضته هو شعوري بالرضا لني بمفردي على اللوح ،فهو بالكاد يحملني.
تشبثات باللوح وسلمت عأمري ،عاد البحر لبعض مداعباته الغبية ،فجأة ديعزملجر
ويثاور ،وقبل أن يغرقني يهدأ ليستقبل أمطارا كانت تتساقط كالسيول وكأن هذا ما كان
ينقصني ،ماء من كل ناحية ،كرهت الماء بالرغم من عطشى المريع ،ضربني صداع
شديد ووهن مني السمع والبصر فأبصرت حقيقة توحدي مع الكون الذي بدا وكأنه عاد
لبدايته الولى ،ماء مقدس يتبختر على سطحه الفيروزي عرش ليس كمثاله عرش.
سطعت شمس الغروب حانية ،تتلل أشعتها الذهبية على وجه البحر الهادئ،
نظرت نحوه فإذا به كلطفل شيطاني شقي أنهى لتوه لهوه خوفا من أمه ،الشمس ،بعدما
استمتع باللعبة المقدسة ،لعبة الموت والحياة ،وها هو عيخلد للنوم دمجب ار وهو يبتسم في
صق عليه ،تراجعت فربما استيقظ غاضب ا فيبتلعني.
خبث ،عهعممت أن عأب د
انسحبت أشعة الشمس لعلى لتصبغ الفضاء كله باللون الحمر القحواني،
تاركة سطح البحر لتزحف عليه دكتل الظلم لتزيده كآبة ودرعب ا ،شعرت بوحدة موحشة
طف بى وبالشباب.
فأخذت أكلم البحر وأرجوه أن عيل د
توارت الشمس في نهاية الفق ،وراح الظلم يطارد فلول أشعتها التي كانت
تتسرب ضعيفة واهنة من بين جبال السحب السوداء ،قضى عليها فأظلم الفق.
وسط الظلم الدامس بدا لعيني وكأنها ترى الفق يتلون باللون الفضي ،لمحت
ل ،دثام عيسدقط تحت جبل أسود فيظلم
القمر يقفز بين تلل الدسحب فيضئ سطح البحر قلي ا
الكون من حولي ،قليلا وعيحلرر القمر نفسه من ال د
ظلمة فتلحق به سحابة بيضاء ،يداعبها
فتتحول عنه سريعا ليضئ الدنيا بضوء فضي عخالفت.
طويت الليل ،ساعات ثاقيلة ،ساعة أد ارلقب علهو القععمر وقفزاته بين جبال الدسدحب،
وساعة أبكى بم اررة ثام أضحك وأناجى البحر تذللا ،وأحيان ا أفقد أعصابي فأسبه،
امتلت بمشاعر متباينة ،ديداعبني بصيص عأمل في النجاة ودخول إيطاليا ،يجتاحني
بعده خوف دمريع يكاد ديحطمني وفجأة تحتلني راحة اليأس والاستسلم.
عدد الثاواني ،ودكلما عأتعممت العدد لستين عأصيح دقيقة ،وعأعيد العكرة ،ثام فكرت
كنت عأ د
عدد إلي ستين ثام عأصمت لنفس المدة لأضيف لحسابي دقيقة حتى أصل للعدد أن عأ د
200
ثالثاون دقيقة ثام أصمت دمدة عتقارب ما عمضى من الوقت وأصيح ساعة ،تفانيت في العد
والحساب حتى لغبت عن الددنيا ،ول أعرف هل أددغمى على من التعععب والعخوف أو كان
ذلك غيبوبة مرض السكر ،أو ربما تغلب سلطان النوم على ملك العخوف فاستولي علي
فنمت.
رأيت ضوء الشمس من خلف جفوني ،كانت أشعتها تدغدغ وجهي ،استعدت
شيئا من وعيى ،كان منهكا كما جسدي ،بعد مجهود تمكنت من الجلوس على اللوح،
البحر هادئ تماما ،سطحه يمتد مستويا بل نهاية ،كانت أسراب الشموس تبعث من
تحت سطح الماء بأضواء لمعة ومبهرة ،ل تصبر عليها العين لثاوالن معدودات،
تحملت ألم الضوء بعيني وحولت نظري نحو السماء ،فلم أصبر ،كانت الشمس وكأنها
دفرن هائل متوهج يرمي بحممه علي الدنيا ،مع التركيز على وجه العبد ل.
لم أتناول علج الدسعكر منذ ثالثاة أيام ،انهمر منى البول وتشقق لساني ،وكأني
أري جسمي يضمحل شيئا فشيئاا ،آه ،أنه الجفاف! ،أمسكت بخرطومي لمنع هذا
السراف في فقد الماء ،لم ينفعني ذلك ،اشتهيت أن أبلع ريقي ،فعلتها ببطء وجزع ،الألم
شديد ،إبر دتغرس في حلقي ،بلعت ريق ا ساخن ا ،وسال الدم من جانبي فمي.
كاد الجوع يسلبني ما تبقي لدي من عقل ،راح يضربني في بطني ضربات
ملتوية ،تبدأ من المعدة الخاوية لتشق طريقها بين أشلء أمعائي المضطربة لتنتهي بألم
شديد في فتحة الشرج وكأني دمقلبل على نوبة فتاكة من السهال والتعنية ،ما إن يهدأ
المغص حتى أشعر وكأن هناك عشر از كهربائيا يخرج من فقرات رقبتي لديشلعل رأسي
بصداع بل هوية وبدوخة كريهة تغسدل جسمي بعرق بارد ،لحظات وتتملكني رغبة
كريهة في التقيؤ ،وكلما تجشأت زاغ مني العبصر وأطلقت أمعائي ريحا عاتية.
تسارعت أنفاسي وبدأت أسعل بشدة فعرفت أن نوبة الربو الدشعبي أبت إل أن
تشارك في تدميري ،تضاءل عخطر البحر وأصابني الهلع من التدمير الذاتي جراء
غيبوبة سكرية أو نوبة من نوبات عنقص الدسكر المريعة ،وربما أزمة ربو مميتة ،يئست
فضحكت ،فاشتد السعال وبللني عرق بارد ،استسلمت لأقداري ،تمددت ورحت أربت
على اللوح وأقبله بين الحين والخر تعبي ار عن امتناني له علي أية حال.
200
بعد ساعة ،ساعتين ،شعرت ببعض التحسن بجسدي وبقدراتي الذهنية ،ويبدو
صر بطني ،وبفضل أشعة الشمس
أن أمعائي اعتادت الجوع ،لم أعد عأشدعر بقبضته تع د
القوية عكف صدري عن ععزف موسيقاه الكريهة على مسامعي.
كرهت أن أموت وحيداا ،رحت أرنو ببصري في كل الاتجاهات آملا في أن أرى
أي ا من الشباب ،فتشت سطح البحر من حولي مرات ومرات ،وقبل أن أكف عن
محاولتي أبصرتهما عن بعد ،يضربان الماء في عغعشم ،بدو دمنهكين وعلى وشك الغرق،
صوتي والهن دمتقعلطع ،لم يسمعاني ،لوحت بقميصي ثام اسعتمت لأوجه لوح الخشب
نحوهما ،وبعد معاناة كبيرة اقتربنا من بعضنا بعض ا ،مددت يدي نحو أحدهما فأبصرت
وجه بائس دمستسلم ،جلد وجهه ورقبته وأكتافه ،عأحمر ملتهب وكأن نارا أحرقته فتشقق،
كانت شفتاه دمتولرمتين وعيناه غائرتين مذعورتين ،لم يحاول أن يمد يده واستسلم للبحر
فغاص بهدوء ،ساعدت الخر حتى تمدد بجواري ،كلمته فعزعفر من أعماقه آهة واهنة
دمستسلمة ،اندهشت لجبروت الشمس في حضرة البحر ،فالشاب بدا كأنه خارج لتوه من
فرن مشتعل ،كانت أنفاسه ثاقيلة بطيئة ومتقطعة ،لشهيقه فحيح ،وزفيره كعنفخ الدمجلهد.
طلب ماء ،تبولت على القميص ثام عصرته في فمه وعفمي ،فهدأنا قليلا ،طريقة
تنفسه تزعجني ،أعرف أنه تنفس ما قبل الموت المؤكد ،سألته عن بقيتهم فهمس
بصعوبة ،،بلعهم البحر واحد و ار الثااني ،بلعهم كلهم ،بدل ما يروحوا إيطاليا راحوا
الجنة.
كان يلهث ويسعل ثام يخبط بيديه على لوح الخشب في وهن عظيم ،تمنيت
البكاء فعزت علي عيني الدموع ،وكأن النار تحرقهما ،ألم ل ديحتععمل.
حاول أن يبتسم فتشققت قشرة جافة كانت تغطى وجهه ،صرخ ،آه يا وشى ،،،
وششيييي ،،،وراح عيلئن وهو يحاول أن يستطرد فقال بصعوبة.
-غرقوا كلهم ،أصبحت وحدي ،خفت من الظلم ومن السمك ،كنت أضرب الماء بكل
قوتي وبجميع أطرافي لبتعد عن عزرائيل الذي استفرد بالشباب ،كان يضرب الماء
بأجنحته المرعبة ويقبض بيديه المتيبستين على حمامة بيضاء تتلل في الظلم ،يصعد
ليوردها مثاواها فيسد الفق ويضفى على الدنيا كآبة الموت ،وفي لمح البصر يعود،
ليقبض بيده علي حمامة أو اثانتين أو ثالث ،ثام يصعد مبتهجا ليطفئ بجناحيه النجوم
200
وعيدعم الكون ظلم القبور ،بعد فترة اكتشفت أنى لم أبرح مكاني ،تلشى إحساسي
بالمكان والزمان ،ملني الغضب ،عكعمنت له في انتظار أن يأتي ليحصد حمامتي ،وقد
أضمرت في نفسي أم ارا ،سأفقأ عينه قبل أن ينتزعها مني.
مع أول ضوء للنهار رأيت بعضهم دمملددا على سطح الماء تهدهده المواج،
وحدي نجوت ،عشععر عزرائيل بما سررته في نفسي فآثار السلمة وأمهلني إلى حين.
بالرغم مما نحن فيه أعجبتني طريقته في الحديث ،فشجعته ليواصل فقال.
-تمنيت البكاء ،الخوف ،الرجاء ،تمنيت حتى اليأس ،لم أعد أشعر بشيء ،الفضاء
من حولي وبداخلي ،الحياة والموت يلتقيان في ،شيء واحد ،وجود واحد ،اخترت الحياة
فوجدت سيد ،الذي غرق الن ،سألته فيه عحد غيرك؟ قال ،لا ،راحوا كلهم ،وأضاف ،أن
السماك الضخمة كانت تقفز وتصهل فرح ا وهي تمزق أوصالهم ،قلت في نفسي إنها
أوهام البحر ،لقد رأى ما رأيته عزرائيل سمك ا متوحش ا.
وقال أيضاا ،كان سيد مجهدا لقصي درجة ،تععذعبت كثايرا لحفظ عليه حمامته,
دكلما استسللم كنت أهجم عليه لشده لسطح الماء ،كنت خائف ا من البقاء في الماء وحيداا،
أجهدني أيما إجهاد ،كان علي أن أختار ،إما أنا إواما هو ،وقبل أن أتخذ قراري انزلق
من يدي وطارت حمامته.
أمسك الشاب ،الممدد بجواري علي اللوح ،بوجهه وحاول أن يضحك ،تألم وعخرعج
ضحكه مبحوحا كالنين ،هدأت من روعه فراح في سبات عميق ،دعوت أن ينقذنا
أحدهم ،وتمددت بجواره لحافظ على توازن أغلى ما أملك ،لوحي!.
صوت محرك يداعب سمعي ،وجهت أذني فاقترب الصوت ،دب النشاط في
أوصالي وشحذت كل حواسي ،حجبت بيدي أشعة الشمس عن عيني ورحت أفتش
سطح البحر ،لم أرع شيئاا ،لوحت بقميصي لعل أحدهم يراني ،كنت ملهوف ا وقلبي ينتفض
بقوة ،مرت دقائق عديدة ول جديد على سطح البحر ،شعرت بأني أهذي أو لعله عوهم
البحر ،استسلمت وبسطت جسدي على اللوح وأغمضت عيوني المجهدة.
اقترب الصوت ،فرقت جفوني بيدي فتأكدت من أنه يخت وأن عليه من شاهدنا،
ذهب عنى العتعب ولملت على الشاب لبشره بالنجاة.
-لقد نجونا.
200
نظر إلي بنصف عين وهم بالكلم فارتعشت شفتاه ،وكأنه فقد حنجرته ،همس
فحيح ا من أعماق صدره.
-خلص ،اسمعني ،،،اسمي ،،،أحمد إبراهيم ،،،أحمد إبراهيم بدير ،،،لما تنزل
مصر ،،،قل لوالدي إواخوتي يسامحوني لأني خيبت أملهم.
قال ذلك ثام احتواني بنظرة غريبة قبل أن يغيب عن الوعي ،حاولت مساعدته ،لم أتمكن
من المساك بحمامته ،طارت.
حفظت اسمه وعنوانه ،شغلني هذا الشاب كثاي ار ،أحببته في دقائق ولم أنسه حتى
أديت المانة لهله ،المانة التي بثاها بداخلي حين احتواني بنظرته المدهشة لحظة
فتحه لقفص صدره ،ليطلق حمامته ،لتطير إلى هناك ،إلى ما ل نهاية!.
----------
دار اللنش من حولي في دوائر متتالية ،أخذت تضيق حتى اقترب منى فرأيت
رجلا يرتلكن على سور اللنش ،ألقى إلى بلسللم من اللحبال وهو يقول باليطالية.
-تشبث بالحبل جيداا ،وتسلق السلم بقوة وعلى مهلك.
بسرعة سألني باللغة النجليزية.
-هل تتحدث اليطالية؟.
-نعم ،نعم ،،،أنا ،،،أنا أتحدث اليطالية.
-هذا جيد ،ما هي حكايتكما؟ ،هل الشخص الذي بجوارك بخير؟.
أمسكت بالسلم في حرص كي ل أفقد توازني وأغرق في حضرة العيخت ،حاولت
أن أرفع صوتي ليسمعني الرجل.
-غرقت بنا المركب أمس ،كل من فيها ماتوا.
-يبدو أنكم دخلتم لمنطقة الدوامات ،هل الشخص الذي بجوارك بخير؟.
-ل ،إنه ميت.
-الق به في البحر ،وامسك بالحبل جيدا وأنت تصعد السلم ،احرص علي أل تفقد
ظر لعلي أو للسفل ،هل تفهمني؟.
توازنك ،ل عتن د
200
كان اليخت ضخما ،كأنه منزل من طابقين يرتفع من فوقى ،وبإصرار المتشبث
بالحياة ،كنت علي سطح اليخت بعد دقائق معدودة ،ألقيت علي لوحي الخشبي نظرة
امتنان ،رأيته أكبر وأعظم من البحر.
----------
شربت جرعات من الماء البارد فدبت الحيوية بأوصالي ،وتناولت بعض الطعام فهدأ
جسمي وارتاحت نفسي وبدأت ماكينات عقلي بالدوران ،تمددت على السرير أحاول أن
دأصدق أني نجوت فلم عتغلفدل عيناي ،طلب صاحب اليخت رؤيتي ،صعدت إليه حول
حمام السباحة ،رجل ضخم الجسم والرأس ،ممتلئ الوجه ،أحمر البشرة ،يرتدي لباس
البحر وبجانبه مقعد محظوظ ،يكاد أن يضئ في وضح النهار ،يرتاح سعيدا من تحت
امرأة بيضاء ،عبضعة ،هادئة الجمال ومبهرة في هيئتها ،استرقت منها نظرة أزاحت مني
العتعب والخوف.
ألقيت التحية فمد الرجل يده نحوى مرحبا ومهنئا على النجاة ،طلب منى الجلوس
بجواره ،جلست في خجل ،فقال.
-قالوا إنك تتحدث الإيطالية ،هذا جيد ،قل لي ما هي الحكاية.
مال بجسمه ليواجهني تماما ،وأضاف وهو ينظر في عيني بقوة.
-لم أشأ إبلغ الدسلطات حتى أسمعك.
انتهيت فقال.
-تلك هي المرة الثاانية التي تصادفني فيها نفس المأساة.
قال ذلك ثام التفت نحو السيدة وأضاف.
-أتذكرين المركب التي غرقت في يناير الماضي ،أيضا لم يندج منها أحد.
نظرت إليه وقالت في غضب.
-لم تساعدهم ،ولم تبلغ السلطات لتأتي وتنقذهم ،كما ستفعل هذه المرة.
-صابرينا ،يقول إن جميع من كان معه غرق ،فعدم أبلغ السلطات وأجلب لنفسي
المشاكل؟.
اعتدل في جلسته وأضاف في حدة.
-تعرفين مشاكلي مع السلطات وعخفر السواحل.
200
اندفعت بجسمها للمام وصفقت بيديها ،ثام إنفجرت ضاحكة وقالت وهي تشير
نحوي.
-سيلفيو ،هذا الردجل يتحدث اليطالية ،عأنسيت؟.
تجهم للحظات ثام قال في أدب جم.
-اذهب لترتاح ،لن نعود للشاطئ قبل عدة ساعات ،وحينها سنتدبر المر سوياا.
تمددت علي السرير فغرقت في نوم عميق.
----------
أخبرتنى صابرينا فيما بعد ،أنه وبعد انصرافي ،دار بينهما حوار غاضب ،حيث
اتهمته بأنه قاسى القلب ،وأصرت علي أن يتأكد من أنه ل يوجد بالماء أحياء ،فرضخ
وأمر قائد العيخت بالبحث في أكبر مساحة ممكنة من البحر ،وبعد ثالث ساعات تأكدوا
من عدم وجود أي ناج آخر ،وراح يذكرها بطبيعة دشغلهما وبما يفرضه عليهما من
حذر ،وقال بأنه عندما وجد شخص على قيد الحياة أنقذه ،يقصدني ،وعند ذلك باغتته
بسؤال.
-ماذا ستفعل به؟ لو سلمته للسلطات سوف يعيدونه لبلده بعدما عغامر بحياته ليدفر
منها؟.
-لو سلمته سأكشف نفسي للسلطات ،عندما نقترب من الشاطئ ننزله ليسبح إلي هناك
ويتععدبر أمره ،كما كان سيفعل لو لم تغرق مركبه ،ويكفى أننا أنقذناه من الغرق.
-نخرج إلي البحر ونعود بدون تفتيش ،يمكننا اصطحابه معنا.
وضغطت على أعصابه أكثار فأضافت.
-سيلفيو ،هذا أقل شيء دتكلفر به عن تقاعسك عن مساعدة الشباب الذي غرق دون أن
تحاول مساعدتهم في المرة السابقة.
-وكأني مسئول عما يجري لهؤلء المهاجرين ،حسناا ،سأفعل ،هذا من أجلك أنت.
----------
كأني أسمع طرق ا علي الباب ،قفزت مفزوع ا لفتحه ،ألقت بالتحية وجلست على
ل ،التزمت الصمت وشحذت ذهني لستكشف
طرف السرير وراح هو يتفحصني طوي ا
مصيري في نظرات عينيه وتعبيرات وجهه ،لحظ اضطرابي ،فاقترب منى ووضع يده
200
على كتفي وسألني عن أوراقي ،فأخبرته بأن بحارة المركب استولوا عليها ،فسألني عن
جنسيتي ولماذا هربت من بلدي ،حين عرفت بأني رجل أعمال مصري تهلل وجهها
وراحت تتحدث بحماس عن مصر وعن حضارتها ،وحين سألتني إن كنت أعرف شيئ ا
عن اللغة المصرية القديمة ،أجبتها في ثاقة بأني أستطيع قراءتها وكتابتها ثام تحدثات
باستفاضة عن طرق تدوينها ،فقفزت من مكانها لتقف في مواجهتي ،لفحت أنفاسها
العطرة وجهي وهى تقول بحماس.
-هذا شيء عظيم ،يبدو أنك دارس جيد للحضارة المصرية.
لم أترك الفرصة تفلت منى فتماديت في تعضيد موقفي ،وكأنها وجدت ضالتها،
اقتربت مني حتى اعتقدت أنها ستأخذني في أحضانها ،لكنها استدارت فجأة ثام صفقت
ظر لسيلفيو ،الذي لم يكن أقل منها ابتهاجاا.
بيديها وهى تن د
كنت سعيدا بسيطرتي على الموقف على الرغم مما أعانيه من خوف وقلق،
قررت الصمت حتى أستوضح موقفهما مني فسألني.
-أنت رجل أعمال فما شأنك بالحضارة المصرية ولغاتها.
ثام طلب منى أن أروي له بالتفصيل ،كل شيء عني ،ليرى إن كان بإمكانه
مساعدتي في إيطاليا أم نفترق على العبر ،فألقمته حكايتي كأحسن ما عيكون القصص،
وقد أثابتت اليام أن ذلك كان توفيق ا من ال .قلت له.
-درست الحضارة المصرية وعملت كمرشد سياحي خاص لبعض شركات السياحة،
وبعد سنوات عملت بتجارة التحف والنتيكة ،بمنطقة خان الخليلي ،ونجح المر
صر ،نجح عملي وتنوع نشاطي ،وتخطى رصيدي
لق د
فامتلكت آخر بالهرم ومثاله با د
بالبنك رقم الستة أصفار ،وامتلكت فندقا بالقصر ،وحدث أن ت اردجع النشاط السياحي
بعد الزمة الاقتصادية العالمية ،ولني متخ ل
صص في تجارة التدعحف عغالية الثاععمن ،وهذه د
بالطبع لها زبون مخصوص ،توقف العمل بالبا ازرات تمام ا ،تراكمت على الديون
وصدرت ضدي لعدة أحكام باللسجن وبدأت البنوك في اتخاذ الجراءات القانونية لبسط
سيطرتها على كل أملكي ،ضاق بي الحال وشعرت بالرض تميد من تحت أقدامى،
لفلت من شباكه،
السجن أمامي والفقر من ورائي ،الفقر الذي كافحت سنوات طويلة ع
صديق عقديم ،كنت
تسرب اليأس إلي نفسي وكدت أن أقبل علي النتحار حتى جاءني ع
200
أعرف أنه ديتالجر س ار بالثاار الفرعونية ،عرض على تصوي ار لقطعة أثارية عنالدرة
لفحصها لصالحه ،كانت قطعة نادرة وعقيمةع جداا ،أخبرني بأنه أخذ مباركة البائع على
عشرة مليين من الجنيهات في حين أنه برمج مشتري ا بعشرين مليون دولر ،لم أتردد
في مشاركته في تلك الصفقة علها تنقذني من أزمتي المالية ،لبعت بعض أملكي الغير
محجوز عليها ،وسلمته خمسة مليين من الجنيهات ،انتظرت الفرج فجاءتني الصاعقة،
ط في يدي ،عشت أياما صعبة ،ثام قررتلقد باع القطعة وهرب بالمال من مصر ،أعلسق ع
النصب على من يقع في طريقي ،بالفعل برمجت رجل أعمال من حالبي الدولة ليشترى
بقية أملكي ،سال لعابه ودفع لي خمسة مليين دولر ،تمكنت من تهريبها لحد بنوك
سويس ار عن طريق سفير لمصر بإحدى دول أوروبا ،ولني ممنوع من السفر هربت من
مصر بتلك الطريقة آملا أن أبدأ عمل ا بأوروبا يعوضني خسائري ،ولعلي أصدف في
صديقي النصاب.
سألني عن كيفية تأكدي لمن أصالة القطعة الثارية ،وعلى أي أساس أثاعمنها ،ل
أدري لماذا كنت أتوقع منه مثال تلك الأسئلة ،المهم أني وفقت فى الجابة على كل
ظعر لصابرينا وقال.
أسئلته كخبير آثاار محترف ،ويبدو أن الرجل صدقني ،فعن ع
-يبدو أن الصيد ثامين صابرينا.
ابتسمت ،وتناولت قلم ا وورقة ورسمت عدة حروف بالطريقة الهيروغليفية،
فنطقتها بسهولة وشرحت معناها بثاقة واقتدار ثام أعدت كتابتها بالطريقة الهيراطيقية ثام
بالديموطيقية ونطقتهم بالطريقتين ،فتهلل وجهها وقالت.
-من المؤكد أن الصيد ثامين سيلفيو.
-هذا عظيم له ولنا.
لم أفهم ما يرمي إليه ولكن حدسي كان يؤكد على أنهما مهتمان بالثاار
الفرعونية ،هممت باستيضاح المر فربت الرجل على كتفي وقال.
-ل تخش شيئا ،،،سوف أساعدك.
تأخرت عنه قليلا وقالت وهي تشير إليه.
-لن يرحمك لو اكتشف أنك أخفيت عنه شيئاا.
ثام أضافت وهي تهم باللحاق به.
200
-لمعرفتك بتاريخ بلدك وبلغته القديمة أنقذتك وستساعدك كثاي ارا ،وتلك هي قيمة المعرفة
يا عزيزي ،إنها أهم من العمال والدسلطة.
عندما سمعت منها ذلك ارتبكت ،حاولت أن عأشدكرها ،فتجمد لساني والتصقت
تشفتاي واندفع الدم كله لرأسي فتوهج وجهي وشعرت برأسي ينبض بقوة ،فقد عتذكر د
نبوءة عسمالسم ،وتأكدت من أنى دمعسير ل محالة لمر ما ،اصطفتني له السماء من بين
العالمين.
----------
عرفت أنه وثاق بي ،أو أنه ل يخشي جانبي ،حينما أكمل مهمته بالبحر فى
وجودي ،وعلى مرأي مني ،فعند غروب الشمس ،انطلق اليخت إلى المياه الدولية ،وراح
يدور من حول مركب للصيد عدة مرات ثام توقف ليلتصق بها تماماا ،نقلت إليه مجموعة
من الصناديق الكبيرة وطار بعدها فوق سطح الماء نحو الشاطئ ،وعلى الرغم من
السرعة الرهيبة فقد وصلنا للشاطئ بعد حوالي ثالث ساعات فتأكد لي أن مركبنا غرق
بعيدا جدا عن الشاطئ اليطالي.
دخلنا مارينا اليخوت دون أن يلتفت إلى أحد ،فتيقنت أن الفساد لغة عالمية ل
تعترف بفروق حضارية أو ثاقافية.
جلست صابرينا بجواره تتحدث إليه ،وانشغلت أنا بمشاهدة المباني الرائعة على
جانبي الطريق ،دخلنا مدينة نابولي الخلبة ،مدينة هادئة ونظيفة ،شوارعها منظمة
ورائعة ،المنازل على الجانبين متشابهة تماما وألوانها زاهية ،مدينة ثارية حقاا.
كنت مغتاظ ا من مدي النظافة والنظام والهدوء ،بالرغم من إضاءة الشوارع الباهرة،
تبدو علي الناس السعادة والرضا ،الملبس نظيفة ومتناسقة والابتسامة تدزين ملمحهم،
الغنى واضح من فخامة السيارات التي تجوب الشوارع ،تحسرت على المصريين وركبني
العغم.
مرات ومرات شهقت من العجاب وعزفرت من الغيظ ،التفتت إلي وسألتني.
-هل أعجبتك نابولي؟.
فقلت وما زالت عيناي دمعلقة بالجمال من حولي.
-حقا إنها مدينة خلبة.
200
فقالت بفخر.
-كل دمدن إيطاليا رائعة ،هنا تاريخ عظيم ،مثالما لديكم في مصر.
فقلت في حسرة.
-لكنكم حافظتم على حضارتكم وتاريخكم ،وعنحدن أهدرنا الحضارة واحتقرنا التاريخ.
-هذا صحيح ولقد حاولت أن أفهم سبب ذلك ولم أفلح.
ثام ابتسمت في فرح وأضافت ،أن أجدادها عاشوا بمدينة الإسكندرية حتى
خمسينات القرن الماضي ،وأن أباها ولد بالإسكندرية ،وأنه حببها في الاستماع لاغاني
دأم كلثاوم وعبد الوهاب ،ثام فاجأتني بقولها.
-لقد دزرت مصر كثاي ارا ،ذهبت إلى القصر ،وأقمت شهو ار في بلدة صان الحجر
وذهبت كثاي ار لمنطقة تل المسخوطة.
لم أتمالك نفسي من الدهشة فسألتها.
-لكن تلك الماكن ليست علي عأجندة الدسياح؟.
ابتسمت وهي تقول.
-خلص وصلنا ،نكمل كلمنا بعدين.
----------
دخلنا من بوابة ضخمة ،تفتح إلكتروني ا ،فدلفت السيارة إلى حديقة كثايفة
الشجار على جانبي المدخل ،لتقف أمام فيل صغيرة ولكنها دمبهرة بهندستها إواضاءتها،
ترجلت مع صابرينا وعبر سيلفيو بالسيارة بوابة ،بالناحية الخري من الفيل ،أغلقت من
خلفه فو ارا ،وعرفت أنه دخل لمصنعه والذي ينتج ماركة شهيرة من الهواتف النقالة.
رحت أشكرها وأثاني علي سيلفيو لما فعله من أجلي ثام أبديت رغبتي في أل
أثاقل عليهما أكثار من ذلك ،فضحكت بصوت عالل وقالت.
-أنت لم تفهم بعد ،لا يمكنك أن تغادر ,هو أنقذك وسمح ببقائك على اليخت لديثالبت لي
أنه ليس قاسيا ،فشاهدت ما حدث في عمق البحر.
سيطر علي الشك عندما راحت بل دالع ،تتحدث عن ضلوع سيلفيو في تهريب
وتجارة الثاار من منطقة الشرق الوسط وخاصة من مصر ،وذكرت أن المركب التي
أفرغت حمولتها باليخت كانت قادمة من مرفأ عزبة البرج ،ثام سألتني.
200
-كيف ستغادر إوالى أين ستذهب ،وليس معك أوراق ومالك هناك في سويسرا؟.
أطرقت أنظر للرض ل أجد ما أقوله ،فقالت.
-أنصحك بأن تتمهل ،سيلفيو يمكنه مساعدتك ،أعتقد أنه يفكر كيف يستفيد منك.
وأفهمتني بأنه رجل أعمال من الطراز الول ،وله نشاط اقتصادي دمتشلعب في
عدة دول أوروبية ،ويملك نفوذا هائل ا في دنيا العمال ،ثام أضافت.
-أنت تمتلك قد ار معقولا من المال وهو يهوى توظيف الموال مقابل أرباح.
لم أقتنع بما قالته ولكني احترمت رغبتها في عدم البوح بكل ما لديها ،وبل دالع
قلت لها.
-أري بأنك من دفعه لنقاذي إوادخالي إيطاليا ،لماذا فعللت ذلك؟.
عتغيرت ملمح وجهها الجميل ورسم الدحزن علماته عليه وقالت.
-في رحلة كرحلتنا تلك ،شاهدنا مركب ا عتغرق ،كان ععشرات الشباب ديقاومون الغرق،
ض سيلفيو مساعدتهم أو حتى
وعبسبب أهمية وخطورة الععملية التي كنا بصددها ،عرف ع
إبلغ السلطات حتى ل يفتضح أمره ،توترت علقتنا بعدها وامتنعت عن العمل معه
لفترة ،لول تدخل زوجته ما كنت لعمل معه مرة دأخرى ،وهذه المرة ولنك فرد واحد
وجدها فرصة مثاالية ليرضيني.
-كنت أظنك زوجته.
فضحكت بدلل وهى تقول.
-أنا أعمل معه ،هو دمتزوج من صديقتي المقربة ،سيدة رائعة الجمال والشخصية،
لعمال السرية لزوجها ،ولعلمك هو يحبني ويحترمني ،فأنا
بالطبع هي ل عتعرف طبيعة ا ع
أيضا شقيقة صديقه المقرب ،كما أني مفيدة جدا له ،وهذا السبب الخير قد يتلشي بعد
ظهورك بل وقد يتغير الموقف كله.
سألتها وأنا أتبعها لداخل الفيل.
-ولكن كيف سيتغير الموقف؟.
-ستفهم كل شيء في حينه.
----------
200
الفيل هي مقر إدارة مصنع سيلفيو ،دخلنا إلى مكتب كبير وعفخم ومؤثاث بعناية،
جلست على أول مقعد واتجهت صابرينا إلى الثالجة وأشارت لي بكنز من الجعة،
وسألتني في تردد.
-هل تشرب؟.
-تناولتها من يدها وشربتها بسرعة.
-أوه ،،،توقعت أنك سترفض ،وتقول إنها حرام.
قالت ذلك وهى تحاول تقليد صوتي فضحكت ،نظرت إلى في ريبة فقلت لها.
-موضوع الحلل والحرام ،بل الدين نفسه ل يشغلني كثاي ارا.
تنهدت بعمق وألقت بنفسها على المقعد ولذت بالصمت قليلا ثام قالت.
-أنا على العكس منك ،موضوع الدين هو شغلي العشالغل ،سألتني لماذا زرت صان
الحجر وتل المسخوطة ،حسن ا ،لم أذهب إلى هناك كسائحة بل ذهبت كباحثاة أكاديمية،
متخصصة في الديان القديمة في منطقة الشرق الوسط ،وبالطبع كانت دراسة
الديانات المصرية القديمة أهم جانب في أبحاثاي التي نلت عنها درجة الدكتوراه من
جامعة روما ،ترأست قسم دراسات حضارات الشرق القديمة وكونت فريق ا رائع ا من
طلاب الدراسات العليا بالقسم ،كانوا من جنسيات مختلفة ،ولعلمك كان أفضلهم
مصري ا ،وضعنا خطة طموحة لإجراء المزيد من البحاث والدراسات حول علقة
الديانات المصرية القديمة ،وكذا أساطير الشرق القديمة ،بالديانات البراهيمية.
-هل عتقصدين اليهودية والمسيحية والسلم.
-ل ،أقصد الديانتين اليهودية والمسيحية فالسلم غير دمعترف به كدين سماوي في
الوساط الكاديمية هنا.
-ولكن السلم يقر بأن اليهودية والمسيحية أديان سماوية ،كما أن هناك حوارا بين
تلك الديان الثالثاة؟.
-إنه حوار دعائي ل طائل منه ،فكل دين منهم يعتقد أنه الصحيح وغيره زائف.
لذت بالصمت وشردت حزينة ،فقلت لبدأ الحوار معها مرة أخري.
-الن فهمت لماذا تجيدين اللغة المصرية القديمة.
لم ترد ،ترددت قليلا ثام قلت.
200
-هل ما زلتل تواصلين أبحاثاك بالجامعة.
وكأني نطقت بما أغضبها ،قالت وهى تشيح بوجهها عنى كي ل أرى ما ارتسم
عليه من علمات الغضب والدحزن.
-لقد تركت العمل بالجامعة ،ولكنى أواصل أبحاثاي.
ارتبكت لغضبها ولكنى أشفقت عليها من الحزن فسألتها.
-لماذا تركت الجامعة؟.
رمقتني بنظرة عتاب وقالت.
صحفي أو ضابط بالبوليس.
-تريد معرفة كل شيء وكأنك ع
تلعثامت في الكلم ثام تماسكت وقلت.
-ل ،أبداا ،فقط ارتحت للحديث معك وشعرت بالمان بعد الاضطراب والخوف الذي
عشته لشهور طويلة ،فحرصت على الحديث معك لتقرب إليك وأتغلب على الشعور
المرير بالغربة ،واعتقدت أنى دأسرى عنك حتى يعود سيلفيو.
-حسن ا ،يمكنني أن أتفهم ذلك ،علي أية حال هو لن يأتي إل بعد عدة أيام ،فلديه
أشغال كثايرة ،بعدما ينتهي منها سيذهب لزوجته وأولده.
-وأنت ألن تذهبي لزوجك وأولدك؟.
عال ،فسعدت بذلك.
ضحكت بصوت ل
-ل جديد ،المصري هو المصري تحت أية ظروف وفى أي مكان ،علبط.
قالت الكلمة الخيرة بلسان عربي لمكعسر فالتهب وجهي خجلا ،أضافت.
-أنا غير دمعتزوجة ،هل هذا يريحك؟.
واصلت ضحكاتها ثام احتوتني بنظرة أنثاوية ماكرة وهى تقول.
-أنا خبيرة بالمصريين ،ما إن يتعرف المصري على امرأة أجنبية حتى ينحصر كل
تفكيره في كيفية استدراجها ليضاجعها ،أليس هذا صحيحاا؟.
اكتفيت بالصمت وغض البصر وبابتسامة خجولة فقالت.
-ل تستبق الحداث ،وعلى العموم أنت ضيفي الليلة ،والن حاول أن ترتاح.
نهضت وأزاحت الستارة فظهر باب ففتحته وقالت هذه غرفة سيلفيو ،يرتاح فيها
من عناء العمل ،مفروشة جيدا وبها حمام رائع ،ويوجد بالدولب ملبس كثايرة ،ولكنى ل
200
أظن أنها ستنفعك فهي خاصة به ،وأنت ترى كم هو ضخم ،ولكنها يمكن أن تؤدى
الغرض مؤقت ا حتى نشترى ما تحتاجه.
نظرت لساعة يدها وأضافت.
-هي الن العاشرة مساءاا ،حاول أن تنام ولو لساعة ،فانت بحاجة للراحة ،وسوف أمر
عليك فى تمام الثاانية عشرة لنذهب لتناول العشاء بأحد مطاعم سيلفيو.
----------
لم ينفعني الحمام الدافئ فلم يغلمض لي جفن ،تزاحمت برأسي أفكار عديدة
وأسئلة دمحيرة ،،،هل ما أعيشه حلم أم حقيقة؟ ،،،هل أنا دمسير؟ ،،،كيف نجوت من
الغرق لينقذني رجل عيععمل بتهريب وتجارة الثاار؟ ،،،كيف دبر القدر أن التقى بصابرينا
المجنونة بحضارة مصر والدمهعتمة بالديانات المصرية القديمة؟.
عشرات السئلة والجوبة ،كانت تضطرني لستعيد بشيء من الجدية نبوءة
سماسم ،وعلى الرغم من شعوري ببعض الطمأنينة لم أتمكن من النوم ،كلما أغمضت
عيني أسمع صوت سماسم يدوى في الحجرة ،يأتي من كل اتجاه.
نائم ،فقدت قدرتي على التركيز والتفكير
لم أعد أعرف هل أنا أحلم مستيقظ ا أم ر
،،،آه ،يا إلهي ،،،لم أتناول علج الدسعكر منذ أيام ،ملني الخوف من الغيبوبة
السكرية ،أخذت أعب الماء عب ا وأفرغه في نفس الوقت وكأني وصلة خرطوم ما بين
الصنبور وقاعدة الحمام.
عشممت رائحة الموت يحوم من حولي ،يتحين الفرصة لينقض على ،ملني
الخوف ولم أجد من يغيثاني ،سخرت من سماسم ونبوءتها ،وبصعوبة ارتديت ملبسي
وألقيت بجسمي علي السرير فهويت في غياهب دجب عميق.
----------
اندهشت لحالتي ،استدعت الطبيب الذي اقترح نقلى للمستشفى ،رفضت
صابرينا فقرر بروتوكولا للعلج وأحضر دمعملرضة لدتشلرف على لعلجي.
استعدت ععافيتي بعد ثالثاة أيام علم عتتدركني خللهما إل ناد ار ،و ازرني سيلفيو وكان
بحق منزعج ا لتدهور صحتي وأوصى بي صابرينا التي لم تتراجع عن دعوتها لنتناول
العشاء سوياا.
200
مساء يوم الخميس التالي كنا نتناول العشاء بمطعم الطاهي المجنون وسط
مدينة نابولي ،وعلى الععشاء سألتني.
-هل فكرت فيما ستفعله في إيطاليا ،وكيف ستقيم هنا بدون أوراق؟.
-ل أدرى ماذا سأفعل ،ولكنى سأبحث عن المصريين هنا بنابولي ليساعدوني.
فقالت وهى تبتسم.
-أرأيت كيف كان سيلفيو دمنزلعجا لمرضك؟.
-نعم لحظت ذلك ،إنه رجل طيب القلب.
عندما سمعت منى ذلك دوت ضحكاتها في المطعم ثام قالت.
-أنت لم تفهم بعد ،هذا رجل مقتنص للدفرص وليس في قلبه مكان للمشاعر ،إنه دمعملثال
صدق أن هناك عشخص ا عغيري عيفهم في
بارع يستطيع أن يقنعك بما يريد ،الحقيقة أنه ما ع
الثاار المصرية ويستطيع قراءة اللغة المصرية القديمة ،وعندما يكون هذا الشخص
هاربا ومطاردا مثالك ،فهو ديعملثال له فرصة ذهبية ،أتوقع أنه سوف يساعدك حتى يمتلكك
تمام ا ،انتظر وسترى ،ل تخف منه ،هو رجل عملي ويعتمد على تبادل المصالح في
علقته بالخرين ،وأؤكد لك أنه سوف يتصرف لصالحه وصالحك.
-لا يمكن أن أهددك في وظيفتك ،هذا لن يحدث.
-ل ،ل ،أنا ل أقصد ذلك ،هو ل يمكنه الاستغناء عنى ،ولكنى أتوقع أنه فقط ديريد
عرجلا عيعتلمد عليه في رحلت العبحر ،أو لنجاز أعماله في مصر والشرق الوسط،
انتظر وسترى فهو ل يترك فرصة لتضيع من بين يديه.
أقلتني للمكتب ونبهت علي بعدم مغادرته حتى يحضر سيلفيو إلي بعد يومين،
فطلبت منها أن تبقى لنتحدث قليلا فما زلت أشعر بقلق واضطراب فقالت.
-حسن ا ،سأصعد معك ،ولكن عليك أن تعلم أنى علست دمستعدة لقامة علقة.
لم أستطع إخفاء ملمح الخجل ،والشعور بالخيبة ،فأضافت وهى تتبعني.
-احتمال بعدين.
بغموضها أيقظت هذه السيدة بداخلي الصحفي ،سألتها.
تركت العمل بالجامعة؟.
ل لمـَ
-ع
-وفيعمـَ عيهمك ذلك؟.
200
-فقط اعتقدت أنه يمكن أن نكون أصدقاء.
-حسن ا ،سأخبرك ولو أنى مندهشة من إصرارك على معرفة كل شيء بهذه السرعة.
نظرت في وجهي وأضافت.
-عند إعدادي لبعض البحاث اللزمة لترقيتي لوظيفة أستاذ بالجامعة ،انقلبت الدنيا
من حولي رأس ا على عقب ،وتعرضت لهجوم العديد من الساتذة اليهود بالجامعة ،كما
شنت ضدي بعض الصحف حملت شرسة كانت نتيجتها أن الجامعة رأت أن دراساتي
ب لها مشاكل خطيرة ،هي في غنى عنها ،فرفضت أبحاثاي ،تقدمت بالتماسات
جل د
ست ب
ع
وشكاوى عديدة ،لم يساندني أحد ،ل في الجامعة ول من خارجها ،فالجميع هنا يخاف
من تهمة غامضة ،معاداة السامية ،لم أعد أحتمل الضغوط الشديدة التي تعرضت لها،
تقدمت باستقالتي للجامعة فقبلتها على الفور.
قلت في دهشة.
-كنت أعتقد أن هذا ل يحددث إل في البلد المتخلفة.
-تتباين دول العالم في الثاقافة ،وفي مستوى التقدم والحضارة ،ولكنها متشابهة في
ظلم والفععساد وفي سيطرة قلة على وعى وثاقافة المجتمع وتوجيه حركته في اتجاه
وجود ال د
عمصالحها.
-وهل كانت أبحاثاك تهدد مصالحهم لتلك الدرجة؟.
-مشكلة اليهود أنهم ينظرون لي شيء يمسهم أو قد ينال من تاريخهم أو ديانتهم ،ولو
بشكل عارض ،على أنه تهديد خطير فيحاربونه بل هوادة.
ضب اليهود من أبحاثاك.
-وماذا عأغ ع
-هل أنت مطلع على تاريخ الديان؟.
قلت بثاقة واعتزاز.
-أنا ضليع في تاريخ حضارات الشرق ومهتم بالديانات والساطير الشرقية.
عندما سمعت ذلك قامت وقبلتني ثام أضافت.
-يبدو أن سيلفيو ليس وحده عمن سيتمسك بك ،يبدو أنى سأحتاج إليك في إتمام بعض
أبحاثاي التي لم تكتمل بعد.
ابتسمت وهى تشير نحوى وقالت.
200
-وأيضا وجودك معه سيمنحني الوقت الذي أحتاج إليه.
-لم أعرف بعد سبب غضبهم من أبحاثاك؟.
راحت تتحرك في المكان بتوتر واضح ثام قالت.
-أبحاثاي تؤسس لنظرية تقول أن ،ديانة العبرانيين هي في حقيقتها عقيدة آتون
المصرية ،وأن اليهود استنسخوا شريعة إخناتون وادعوا أن موسى تسلمها باليد من الله
يهوه علي الجبل بسيناء.
تأت بجديد ،فالكثاير من المفكرين بحثاوا في هذه المور بعمق ،منهم عالم النفس
-لم ل
جيمس فرويد الذي أشار إلى أن موسي هو في حقيقته أمير مصري ،والعالم ايمانويل
فليكوفسكي الذي أشار للتطابق المذهل بين قصة إخناتون وموسى وأوديب ،وأخطرهم
الباحث المصري سيد القمني الذي حاول إثابات أن إخناتون هو موسى التوراتي نفسه.
كانت تستمع إلي بشغف فانتهزت الفرصة لاستعراض دقدراتي المعرفية ،فقد
قررت أن أعمق لديها الشعور بأهميتي وبالحاجة إلي ،عندما انتهيت صاحت.
صدفة!.
ا -رائع ،شيء ل يصدق ،معقول أن يكون لقاؤنا
أنارت وجهها الجميل ابتسامة رائعة ثام قالت.
-عذهبت عدة مرات لخرائب تل العمارنة ولمنطقتى صان الحجر وتل المسخوطة،
لتتبع تاريخ الهكسوس إبان فترة احتللهم لمصر ،فكانت هناك مسألة تحيرني ،لماذا لم
عيخرج اليهود مع الهكسوس عندما طردوا من مصر؟ ،وهل مكثاوا بمصر بإرادتهم أم أن
المصريين هم من استبقوهم ليستعبدوهم؟ ،ولماذا العبرانيين بالذات دون بقية قبائل
الرعاة التي تحالفت لاحتلل مصر؟.
قبل أن أستجمع أفكاري لجيبها ،أضافت.
-هناك أيض ا سؤال لم أجد له إجابة ،كيف اختفي الهكسوس من التاريخ بعد خروجهم
من مصر؟ ،أفهم أن ينتهوا سياسي ا لكن أن ينعدم ذكرهم في التاريخ بمجرد خروجهم من
مصر ،هذا ما ل أستوعبه!.
أشرت عليها بمراجعة كتاب النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة لسيد القمني
وكتاب مقدمة في فقه اللغة للعلمة لويس عوض وكتابات المفكر السوري فراس
200
السواح ،فاقترحت أن أشرح لها أفكارهم ،فأبديت استعدادي لكل ما تطلبه مني ،ثام طلبت
منها أن تطلعني علي بعض دراساتها ،فقالت.
-ل تستبق الحداث ،اترك كل شيء لوقته ،صمتت لبرهة من الوقت ثام سألتني.
-مرة دأخرى أسألك ،هل أنت دمعتدين؟.
-نعم ،أنا مسلم.
-أعرف أنك مسلم ،لكنى أسأل ،هل أنت متدين؟.
-إلى حلد ما.
ابتسمت وقالت بدلل دمبلهج.
-إذن هناك احتمال أن نختلف سوياا.
لم تترك لي الفرصة لستوضح منها المر ،ذهبت ولم نتقابل مرة أخرى إل بعد
حوالي العام ،ولم أعلم عنها شيئ ا بالرغم من سعيي لذلك بدأب ،وبعدما تعمقت علقتي
بسيلفيو وأصبحنا شركاء وتقريبا أصدقاء ،لم أستطع الحصول منه على أية معلومة
عنها ،كلما سألته عنها كان يكتفي بأن يقول.
-ستتصل بك عندما تحتاج إليك.
----------
شعرت بفراغ هائل بعد اختفاء صابرينا ،وكمحاولة للتخلص من الشعور المرير
بالغربة والوحدة تعلقت بسيلفيو وكأني غريق يتعلق بقشة ،عشععر هو بذلك ويبدو أن هذا
أسعده ،فبعد عدة أيام من دكموني بمكتبه ،حضر ليفتح معي حوارا عن أحوالي بمصر،
ولم تكن مفاجأة أنه أعاد على ذات السئلة التي طرحها على من قبل ،وبالطبع أجبته
بشكل دمنظم كما فعلت على العيخت ،وحدث أن سألني كيف أنى لم أستغل خبرتي هذه
في الاتجار بالثاار لأحقق ثاروة خيالية ،وضحك حين تذكر أني أخبرته من قبل بأن
الفرصة الوحيدة التي أتيحت لي خرجت منها بخسارة ضخمة ،استمر الحوار الضاحك
بيننا ،شعرت بألفة ومشاعر قوية تجاهه وفجأة تغيرت نبرات صوته وملمح وجهه وقال
لي.
-أوليس مثاي ار للدهشة والتساؤل ما نحن فيه الن ،أنا أعمل بتهريب الثاار من مصر،
ثام أكون في مهمة بالبحر وصدفةا أنقذ غريقا يكون هو أيضا له كل تلك الخبرة بالثاار؟.
200
ادعيت بأنني لم أعرف أنه يتاجر بالثاار إل الن ،فأنكر علي ذلك وقال إن
صابرينا قد أخبرتني ثام قال بحدة لم أتوقعها.
-أنت ظهرت وقت أن كنت أنا في أشد الحاجة لمن هو في خبرتك ،فتخلي عني
ل ،ولكن الن أريد أن أعرف اسمك الحقيقي ،وطبيعة عملك بمصر.
حذري قلي ا
اصطنعت الغضب الحزين وقلت له.
-أنا عملدينر لك بحياتي فلماذا أكذب عليك ،كما أنى بحاجة إلى مساعدتك وأسعى بكل
جهدي لكسب ثاقتك ،يبدو أني لم أوفق في ذلك للسف.
-لو كنت صادق ا فيما أخبرتني به فهذا سيكون في مصلحتك ومصلحتي ،قلت إن
اسمك محمد يوسف ولكنك لم تقل لي من أي مدينة بمصر؟.
بدا لي أنه سوف يتحري عنى ،أخبرته بأني من مدينة المنصورة وإقامتي
بالقاهرة ،أخبرني بأنه يعرف المنصورة حين كان يعمل ملحق ا ثاقافي ا بالسفارة اليطالية
بمصر في التسعينيات ،وكأني أتحداه قلت له.
-من المؤكد أن لك اتصالت بمصر ويمكنك أن تستعلم عنى إن كنت تهتم لأمري.
راح ينظر للسقف ،على طريقة المحققين بالمخابرات وأمن الدولة ،ثام ألقى علي
بقنبلة حين التفت نحوى في حركة سينمائية وقال.
-أتعرف الدكتور إبراهيم سالم ،هو يعمل بالنتيكة المقلدة وأحيان ا بالصلية؟.
سيطرت بسرعة علي أعصابي وعلى طريقة نطقي للكلمات ،قلت له.
-في الحقيقة أنا سمعت عن هذا الرجل ولكنى ل أعرفه شخصيا.
حرك رأسه مستغرب ا المر ،فقلت له.
-أنا أعرف با ازره الشهير بخان الخليلي وأعرف العديد من العاملين به ولكنى لم أتقابل
معه أبداا.
-لقد قتل هذا الرجل في مايو الماضي وقد غطت وسائل العلم الحادث بكثاافة.
-هربت إلى ليبيا قبل هذا التاريخ ،واختبأت بواحة الكفرة لعدة أشهر قبل إبحارنا إلى
إيطاليا.
يبدو أنه أقتنع بكلمي ،انبسطت أساريره وراح ينظر للسقف مرة أخري وكما
توقعت ،ألقمني مفاجأة أخرى حين قال.
200
-حسناا ،أنت من المنصورة ،فلبد وأنك عتعلرف مصطفى النجار.
أجبته ببساطة وتلقائية.
-طبعاا ،أعرفه فهو عضو بارز بالحزب الحاكم ،وأعرف أنه لص وفاسد.
ضحك كالطفل الصغير وهو يقول.
-تعاملت معه مرة في صفقة آثاار ،بالفعل هو للص ولكنه ذكي جداا.
أبديت دهشتي بأن النجار ،رجل السياسة ،يتاجر بالثاار ،فقال إدن العديد من
رجال العمال والسياسة بمصر كونوا ثاروات طائلة من الاتجار بالثاار ،أبديت
استنكاري لتدمير تاريخ مصر ،نظر إلي في دهشة وقال.
-عندما عتخدرج من مصر قطعة آثاار مهملة ،فيحتفي بها العالم ،أيكون هذا تدميرا؟!
الثاار الفرعونية في نظر الكثاير منكم أصنام ،أليس كذلك؟ ،ويتعامل آخرون مع كنوز،
ل تقدر بثامن ،علي أنها حجارة ،أليس هذا صحيح ا ؟ ،أي تدمير هذا؟.
لم يكن في صالحي مجادلته ،خاصة وأنا أسعي لتطوير علقتي به ،تراجعت
ل.
عن موقفي قائ ا
-أتفق معك تمام ا فيما قلته ،ول أخفيك س ار أن هناك بمصر من يرى أنه من الفضل
للثاار الفرعونية أن تكون في حوزة من يهتم بها.
فجأة غير مجري الحديث وطلب مني أن أحكي مرة أخري تفاصيل رحلة هروبي
من مصر وتفاصيل إقامتي في ليبيا.
كنت أتابع ملمح وجهه وهو يستمع إلى باهتمام شديد ،فتأكدت مما توقعته بعد
حواري مع صابرينا ،سوف يساعدني ليستخدمني في تهريب الثاار من مصر ،وبالفعل
قال.
-يمكننا أن نستخرج لك أوراق ا رسمية ،وسليمة ،من القنصلية السورية هنا بنابولي،
أوراق ا تثابت أنك مواطن سوري ويقيم بإيطاليا بشكل شرعي ،صباح الغد سأرسل إليك
من يلتقط لك عددا من الصور الشخصية.
ثام ضحك وهو يضيف.
-ستكون محمد يوسف السوري.
قمت من مكاني لقبله شاك ار فدفعني عنه برفق وقال.
200
-عزيزي محمد ،هذا عمل بيننا ،وليس هناك مجال للشكر في العمل ،أتفهمني؟.
سألني وهو يهم بالخروج.
-كم تملك من المال؟.
-خمسة ملايين من الدولرات.
وعدني بنسبة في ملكية المصنع ولحين تحقيق ذلك عهد إلي بوظيفة مراجع
لحسابات المصنع ،كما وعدني بامتلك منزلي الخاص قريباا.
تبعته للباب فقال دون أن يلتفت إلي.
-محمد لو أنك أطعتني ستجني أضعاف ما تملكه في فترة قصيرة.
-أتمنى هذا حتى أسدد ديوني وأعود لبلدي.
توقف حتى أصبحت بجواره وقال.
-ل ..ل ..عليك أن دتعيد التفكير في خططك للمستقبل ،فقد تتفتح أمامك فرص
وآفاق ل تخطر لك الن على بال.
قلت له ببساطة وتلقائية.
-أنا عملدين لك بحياتي وأتمنى أن أكون عند حسن ظنك.
-سوف نرى عزيزي محمد ،،سوف نرى.
----------
بت أسي ار للخوف والقلق ،أخذت أطرافي ترتعش وجسمي كله ينتفض مع
ضربات قلبي التي كانت تدوي في رأسي ،لماذا سألني عن إبراهيم سالم ومصطفى
النجار؟ .هل يبعث بمن يلتقط لي صو ار ليستعلم عني؟ ،عكدبعر بداخلي الشك ،تشتتت
أفكاري وضربي صداع هائل لم أندج منه إل حين قمعه سلطان النوم.
جاء من صورني وذهب ،مرت الساعات واليام ثاقيلة كئيبة وكان القلق والتوتر
يأكلن ويشربان من أعصابي التي احترقت إل قليلا.
بعد ثالثاة أيام ،وعلى غير ما توقعت ،دخل على سيلفيو المكتب متهللا وجهه،
تلقيته بمشاعر محايدة ما بين المل واليأس ،كنت أتععحعرك وأتععكعلم كالرجل اللي ،بالفعل
لم أكن أشعر بأطرافي أو أستطيع التحكم فيها ،لحظ هو ذلك فسألني.
-هل أنت خائف؟.
200
لم أرد ،ابتسم ومد يده إلى بالوراق وجواز السفر ،وكأني عتحولت لشخص آخر
ل أعرفه ،نسيت خوفي ويأسى وامتلت بالمل والفرح ورحت أتصفح الوراق وجواز
السفر ،كانت أوراق ا رسمية سليمة ،صادرة من القنصلية السورية بنابولي تؤكد أنى محمد
يوسف السواح ،رجل العمال السوري والمولود في قضاء حلب بسوريا في الثاالث من
أغسطس لسنة 1955م.
هدأت أعصابي كثاي ار وشعرت بأن الرحلة قد بدأت للتو ،وسمعت كلمات سماسم
تدوي في رأسي ،شكرته كثاي ار ثام قلت له.
-أبدو في الصور أكبر من عمري الحقيقي بعشر سنوات.
ابتسم الرجل وهو يقول.
-تلك لمحمد يوسف البالغ من الدعمر خمسين عام ا كما هو مثابت في الوراق ،تعمدنا
ذلك لسباب ستعرفها في الوقت المناسب.
ابتسم في حنان وناولني كتابا ضخما وقال.
-أدريد لمنك دمراجعة هذا القاموس اللماني ،إنه أهم مرجع في العالم يشرح ويفصل
حروف ا وكلماتل لطلغة المصرية القديمة ويبين معانيها ،كما يسرد تاريخ السرات بشكل
صل ،بالكلمات وبالتصوير.
دمفع ع
-أل تصدق أنى خبير باللغة المصرية القديمة وبالتاريخ الفرعوني؟!
-أصدق ولكني أحتاج لأن دتثاقل لمعرفتك في هذا المجال.
----------
عملت بهمة وعنشاط لشهور بلقسم الحسابات بالمصنع ،بعد انتهاء الععمل كنت أذهب
للمكتب لنكب على قاموس سيلفيو ،كان الكتاب رائعا ومثاي ار ولكني لم أكتف به ،رحت
أدعنلقب في المكتبات عن أي كتاب ذي صلة بالموضوع ،ثالثاة آلف دولر أنفقتها علي
الكتب.
كان مندهشا لحماسي في العمل والقراءة ،ومن إسرافي في شراء الكتب فقال.
-ديعجبني حماسك للعمل ،ولكن أن تنفق كل هذا المبلغ ثامن ا لكتب حول الحضارة
المصرية القديمة ،فيقيني أنك مجنون بها كصابرينا.
سألته عنها فكرر على مسامعي.
200
-عندما تحتاج إليك سوف تتصل بك.
ولكنه أضاف هذه المرة.
-ولكن بنشاطك هذا ،أعتقد أنها سوف تحتاج إليك قريباا.
----------
مع حماسه في الاطلع وجمع المعلومات وشعوره بالثاقة في النجاح فيما يتوقعه
من مهام سيكلفه بها سيلفيو ،لم يستطع محمد يوسف التخلص من الشعور الكريه
بالغربة ،وبالوحدة الخانقة التي أخذت تلفه لفاا.
راح يتعرف علي بعض الشخاص ،وكان إن شعر ببوادر صداقة ولو طفيفة
يتمسك بها وينفخ فيها لتكبر بداخله ،حتى ل تترك فيه مساحة تكفى الشعور بالغربة
ليعمل على إيلمه ،وكانت أهم شخصية تعرف عليها في تلك الفترة ،واستمرت
علقتهما طويلا ،هي روبرتا ،فتاة إيطالية منطلقة في الحياة ،جميلة ورقيقة ،ذكية
وتعشق الحرية والاستمتاع بالحياة.
كان كلما شعر بالوحدة تخنقه لعذ بروبرتا فتغيثاه بعدة أيام مشبعة لكل رغباته
واحتياجاته ،فيعود بعدها لحماسه الول نحو العمل والتهام الدكتب.
----------
في يوليو من العام 2006م .طلب منى سيلفيو الاستعداد للسفر لسويس ار لمراجعة
الحسابات الخاصة بفندق اللب هوتيل بجينيف وعتحويل الرباح على حسابه بالفرع
الرئيسي لبنك كارتيل بروما ،وبالفعل أنجزت المهمة باقتدار في غضون أسبوعين ،وقد
تمكنت من تحويل مبلغ عشرة مليين دولر لصالح أسرة إبراهيم سالم بكندا وحولت
لحساب سيلفيو ببنك كارتيل بروما مبلغ خمسة مليين دولر ،من فلوس إبراهيم سالم،
وحولت بقية المال إلي حسابي ببنك آخر بجينيف.
استقبلني سيلفيو بارتياح وأخبرني أنه قد دبر هذه الرحلة ليري كيف سأتصرف
في أموالي ،وأثاني علي قدراتي وقرر مكافأتي فقال.
-أنت الن صديقي وشريكي.
ثام ابتسم وسألني بلهفة.
-أخبار المذاكرة إيه؟.
200
-أية دمذاكرة سيلفيو؟.
طعنعة.
فقال بدهشة دمص ع
-مذاكرة الفراعين حبيبي.
-اطمأن سيلفيو ،أعتقد أنى سأنجح بامتياز.
بدت عليه السعادة وهو يقول.
-تحويلك لموالك إلى حسابي تصرف ذكى ،ودليل واضح على ثاقتك بى وهذا أسعدني
كثاي ارا ،أنا أيضا أثاق بك.
قال ذلك ثام تحولت ملمحه وقال بجدية.
-هل تعيد على مسامعي بالتفصيل كيف خرجت من مصر إلى ليبيا ،وكيف خرجت
من ليبيا إلى عرض البحر؟.
كما فى المرات السابقة ،استمع إلي باهتمام شديد ،واستفسر عن التفاصيل
الصغيرة ،حتى إنه طلب منى إعادة ما قلته عدة مرات.
لم يفاتحني في المر مرة أخرى ،ولعدة أسابيع كانت مقابلتنا وحواراتنا عتنصب
فقط حول العمل بالمصنع والشراكة بيننا.
----------
أبدت سهير شيئ ا من الضجر بسبب طريقة سرد زوجها ،لما مر به من أحداث،
واعتراضا علي إغراقها في التفاصيل نظرت في عينيه بقوة وقالت.
-لم أعرف حتى الن طبيعة ما يعترضك من مشاكل تمنعك من العودة لسرتك
ولحياتك التي دمرتها.
ثام أجهشت في البكاء وقالت بصعوبة.
-ل أحد يسأل عنا ،نعيش كالغرباء.
-أهذا معقول؟!.
-هل أنت متصور أن الناس سوف تهب لمؤازرة أسرتك؟ ،حياتك كلها كانت مشاكل
ودائم ا كنت عمشغول ا بما في رأسك ،لم يكن لديك اعتبار لصداقة أو لقرابة ،عشت معك
سنوات طويلة ل أتذكر أن قام أحد بزيارتنا أو قمنا بزيارته ،عزلتنا عن الناس فتجنبونا،
200
لم يكن لك صديق إل إبراهيم سالم ،دكنت عأخاف من تلك الصداقة ول أصدقها ،وها هي
اليام تثابت أنى كنت على حق ،هو قدلتل وأنت دمطارد!.
-المرحوم إبراهيم افتداني بحياته ،إنه صديق عمري.
-أية صداقة ولم يكن بينكما ثاقة ،لقد وصل الخلف بينكما لحد القطيعة والعداء عدة
مرات ،أنت بنفسك أفضيت إلي بأنك ضقت بتصرفاته معك وبأنك لم تعد تثاق به ،وقلت
إنه يخافك ويتهرب منك ونعتك بالشخص الزئبقي الذي ل يفهمه أحد أو يتوقع رد فعله،
أنسيت؟.
-هذا رأيك أنت في دائماا ،وقلت لك من قبل ،بأني لست بزئبقي بل أتصرف علي
طبيعتي ودون تكلف ،وعلي من يريد التعامل معي أن يتقبلني على حالي.
-وماذا يجبر الناس من حولك على ذلك؟ ما هي استفادتهم من تعاملهم معك؟ كنت
طوبعتك.
تضيق بأهلي ول تسأل عن أشقائك بالشهور ،حتي ألقي الناس د
أطرق ينظر للرض في خجل ،وفى محاولة لمتصاص غضبها قال بصوت
متهدج.
-لم أكن أنتظر منك أن تجلديني بتلك القسوة ،تعرفين بأن كل ما حدث فدلر ع
ض على.
-بعد سنوات ،عيعلم ال كيف مرت بنا ،راجع وتريد من الجميع أن يتحملك ويغفر لك
أخطاءك وأنت لم تغفر لحد أخطأ بحقك ولو بدون قصد ،أنسيت أن حياتك كانت
محصورة بين شغلك في الهرام وبين المحالكم ،عداواتك مع الجميع كانت حديث
الجميع ،كنت ترى نفسك الوطني الوحيد والشريف الوحيد في البلد كلها؟!
اعتدلت وقالت في حزم.
-إما أن تجد حلا لما أنت فيه وتعود لترعي مصالح نهاد ويوسف وتعمل لمستقبلهما
إواما أن تعود من حيث أتيت ،يمكننا أن نكمل حياتنا بدونك.
أبدي ندمه الشديد وقال.
-عندك حق ،لقد أتعبتكم كثاي ارا ،لكنى عتلعبت اأيضاا ،وأنا لم أختر ما حدث.
-أنا غير مقتنعة بأنه لم يكن أمامك طريق غير الذي مضيت فيه ،ثام إن الوضاع في
مصر تغيرت فلماذا ل تعود وتواجه من تسببوا في هروبك من مصر.
200
-ما زالت هناك مشاكل خطيرة تواجهني ،بمجرد أن أنتهي منها سأعيش بقية حياتي
من أجلكم ،وأعدك بأن نعيش سعداء ،أنا الن رجل غنى جداا.
-يا رضا لو خيرت أي ولد ،أو بنت ،بين أبيه وبين كنوز الدنيا لختار أباه.
-الولدان أصبحا في سن الشباب ،والمال سوف يسعدهما ويعوضهما عما فات.
-سوف نري ،لم تسألني عن أحد من أهلك أو من أهلي ،إيه نسيت الناس؟.
-كنت أتتبع أخبارهم والحمد ل جميعهم بخير.
-الجميع بخير! هل قلت لي البقية في حياتك في أمي؟ ماتت من ثالث سنوات.
-عرفت بموتها في حينه ،البقية في حياتك ،يبدو أني قدرت الموقف خطأ ،قلت لنفسي
ل داعي لن تقلب عليها المواجع بعد كل هذا الوقت.
-ولكنها أمي وأنت زوجي.
-أنا آسف ،أرجوك يا سهير ،أنا ل أطلب منك أن تغفري لي أخطائي أو أن تتجاوزي
عن تقصيري في حقكم ،ولكنى أطلب منك أن تستمعي جيدا لما أقوله ،أحتاج لن
تسمعيني جيداا.
-ل أفهم حتى الن هدفك من أن دتسمعني كل تفاصيل حكايتك.
-عندما أنتهي من كلمي سوف تعرفين لماذا جئت قبل أن أنهي كل مشاكلي.
قال ذلك وغرق في حزن عميق وبدأ يتلعثام في الكلم ،ثام أجهش في بكاء مرير
لفت انتباه المحيطين ،ارتبكت سهير وترجته أن يتماسك فقال بصعوبة.
-في الحقيقة أنا بحاجة لمساعدتك ،ل أثاق في الدنيا إل بك.
-تحتاج لمساعدتي أنا؟ ،كيف؟.
-سوف أخبرك كيف.
-أشعر بأني أختنق بسبب النلعقاب ،أرجوك خلصني بسرعة.
شعر بتراجعها عن جلده فقال.
-تعرفين عشقي لدلع الستات في النقاب ،وأنت مثايرة جدا به.
فقالت في دلل.
-زي ما أنت لم تتغير!.
----------
200
في شهر مايو 2007م .تواعد سيلفيو مع محمد يوسف علي لقاء خاص بينهما
ل.
بمنزل الخير الذي انتظر هذا اللقاء طوي ا
حضر سيلفيو مبك ار عن الموعد ،رحب به محمد يوسف في لهفة ولفت انتباه
الضيف فخامة مأدبة العشاء فابتسم وقال.
-محمد حبيبي ،أنا صديقك سيلفيو وجئت من أجل العمل ،أحسبتني روبرتا؟.
قال ذلك وانطلق لدقائق في ضحك مبالغ فيه أيضاا ،ما إن ينتهي حتى ينظر
إلى محمد يوسف في دهشة ويشير إليه مقوسا جسمه الضخم للخلف فيتكور كرشه
للمام ويقول بصعوبة ررووبررتتت ،ثام ينفجر ضاحك ا غير قادر على نطق بقية
الحروف.
-أنت صديقي العزيز ،وأنا أحتفل بك.
-وأنا سعيد بك ،ولكنى أحسد روبرتا.
استمر في الضحك فابتسم محمد يوسف خجلا وتركه على راحته.
علي العشاء لم يتوقف عن الضحك حتى بح صوته ودمعت عيناه وكان محمد
يوسف يبتسم ويتحداه بنظراته المندهشة ،وقبل أن ينتهيا من تناول الطعام قال سيلفيو.
-فهمت أنك علي علقة طيبة مع الجماعة ،على جانبي الحدود المصرية الليبية.
التقط محمد يوسف طرف الخيط وقرر أن يجذبه لنهايته التي كان يتوقعها فقال.
-هذا صحيح ،لكن ل تنسع أن البدوي ل يصادق غريبا إل لمصلحة ،والمال كان هو
العامل الحاسم في علقتي بهم.
-لكنهم كانوا صادقين معك ولم يتدخلوا فيما ل يعنيهم وهذا مهم جداا.
شعر محمد يوسف بالخيط قد التف تماما حول إصبعه فسأله.
-ل أفهم قصدك.
صارحه سيلفيو بأنه قرر تهريب بعض الثاار الفرعونية عن طريق ليبيا ،وطلب
منه تعزيز علقته بسالم وذكريا ،وراح يشرح الخطة التي أعدها لذلك فقال.
-عليك الستعداد للعودة إلي ليبيا في أغسطس القادم ،لكن هذه المرة كرجل أعمال
ايطالي ،يسعى للبحث عن وكلء لمنتجنا من الهواتف النقالة ،وأيض ا عليك تأسيس عدة
فروع هناك لشركة السياحة ،على أن يكون ذلك بأماكن قريبة من صديقيك حتى يسهل
200
عليك إشراكهما في العمل ،وعليك أن تغدق عليهما بالموال والهدايا ،باختصار يجب
أن يكون شغلك الشاغل خلل الفترة القادمة هو توثايق علقتك بهما.
----------
وصلت ليبيا ،وذهبت من فوري لمدينة البيضا ،اتصلت هاتفيا بسالم الذي لم يصدق
أذنيه.
-قال من يتكلم؟.
-ألو ،أنا محمد يا أخ سالم.
-محمد عمن؟.
-أنا محمد يوسف يا أخ سالم ،أل تذكرني ،مصر ،زكريا ،المركب ،إيطاليا ،هل
تذكرت؟.
-معقول ،كيف نجوت يا أستاذ؟.
-هذه قصة طويلة سأحكيها لك ،أنا هنا في ليبيا ،بمدينة البيضا.
-هذا خبر سعيد ،وال اتشوقنا لك ،مسافة الطريق وأكون عندك.
كانت السعادة والفرح باديين على وجه سالم الذي بادرني بالحضان ،فارتحت
لمكانتي لديه ،اندهشت من أنه لم يتردد فى التعرف علي بعد تغيير شكلي ،سألته فقال
يمكن أن يكون شكلك الحقيقي هو ما أنت عليه الن ،قلت لك من قبل أن المهاجر وهو
مقيم لدينا ،هارب وخائف ،تختفي ملمحه الحقيقية بسبب ما يلقيه من معاناه شديدة،
وأضاف أيضا بأنني بأي صورة سأكون محمد يوسف ،نفس الشخص بنفس الروح
والصوت ،ومع وجاهة ما قاله إل إنني قررت التزام الحذر.
علي مأدبة الغذاء باستراحته رويت له كيف نجوت ودخلت إيطاليا لبدأ رحلة
نجاح سريعة في دنيا العمال ،وكان سالم يستمع وهو يردد.
-صح كده ،،،صح كده.
استوضحت منه المر ،فقال إن سماسم كانت تصر علي أني نجوت وأني في
أفضل حال وسأكون وش الخير عليهم كما قالت في السابق.
كانت الرض دمعمهدة أمامي ،أفهمته بأني جئت لأرد إليه جزءاا من جميله الذي
يطوق عنقي ،وأخبرته بما قررته من مشاركته في بعض العمال بليبيا ،وسلمته مليون
200
دينار ليؤسس بمدينة البيضا منفذا فاخ ار لبيع الهواتف النقالة وكذلك فرعا لشركة
السياحة.
شعرت به عجينة طرية في يدي فقمت بتشكيله فو ار لما أبغى فقلت له.
-سأنهي بعض العمال في طرابلس ثام أعود ليطاليا ،لو احتجت لي مبلغ من المال
اتصل بي وسأحوله لك في الحال.
أعطيته مائة ألف دينار ،عشرة في المائة من قيمة العمال ،رفض أن يأخذ
مقابلا لخدماته ،أفهمته أن المبلغ هو أجره مقابل إنجازه للعمل واتفقنا على أنه ل مجال
للعواطف في العمل.
---------
بعد شهر كان سالم قد انتهى من تأسيس وترخيص الشركة والمحل ،وزاولنا العمل بهمة
لشهور زادت من ترسيخ علقتي بسالم وبوجهاء القبيلة الذين أغرقتهم بالهدايا وكان
أهمها بالطبع الفياج ار والعطور الباريسية.
بعد ارتياحه للأوضاع في ليبيا ازرني سيلفيو بمكتبي بالمصنع ومعه صابرينا،
أخذتني المفاجأة ،فلم أهتم بضحكاته وتحذيراته لصابرينا من غيرة روبرتا ،لم أتمالك
نفسي وأقبلت عليها مرحبا ،يسبقني الفرح والابتهاج إليها.
-لقد إفتقدك كثاي ارا ،ما هذه الغيبة الطويلة؟.
استقبلتني بابتهاج واضح ،قبلتني وقالت.
-دشغل يا محمد ،،،دشغل مهم شغلني عنك.
-ول حتى مكالمة تليفونية؟.
-كنت خارج إيطاليا من حوالي ثامانية أشهر وغرقت في العمل.
اجتاحتني موجة من المودة والحنين فسألتها بلهفة.
عمل؟.
-وما طبيعة هذا الدشغل؟ ،وما هذا السفر الطويل؟ ،علم أم ع
-مفاجأة محمد ،مفاجأة ،دكنت في مصر.
لحظت ارتباكي فسألتني.
-ماذا بك محمد ،سرحت في مصر ول إيه؟.
ل.
-مصر وحشتني فع ا
200
-نفسك تزور عمصر؟.
-ليتنى أستطيع.
نظرت لسيلفيو الذي ابتسم لها فالتفتت إلي وقالت.
-سوف تزورها الشهر القادم.
كان أقصى دور توقعته لي في تخطيط سيلفيو هو أن أذهب إلى ليبيا لتأمين
عملياته عبر الحدود المصرية الليبية ولم تط أر على ذهني فكرة الدخول لمصر.
وقبل أن أهم باستيضاح المر قالت.
-محمد ،لنا في مصر دشغل مهم نريد إخراجه عن طريق ليبيا ،وأنا اقترحت على
سيلفيو أن تتولي أنت المر.
-تعلمون بأنى ل أستطيع دخول مصر ،ل أريد أن أدخل السجن سيلفيو.
ابتسم وقال بهدوء زاد من توجسي.
-ل تخف محمد ،أنت تعمل مع سيلفيو ،جهز نفسك للسفر إلي مصر.
غلبني خوفي فلم أستطع السيطرة على أعصابي وأخذت الرعشة بأطرافي ،توقعت
أنى على وشك الوقوع في عفخ خطير ،فسيلفيو تاجر ومهرب آثاار ومن الطبيعي أنه
يتعامل مع تاجر أو أكثار من تجار الثاار الكبار في مصر ،وجميعهم يعرفني
ويكرهني.
لحظ سيلفيو توتري الشديد فقال.
-لن يعرفك أحد بمصر ،سنجري لك عملية تجميل بسيطة لنغير من بصمات أصابعك
ومن ملمحك ،لتطابق صورتك بجواز السفر ،كما أن كل أوراقك سليمة.
-وما العمل عندما أنتهي من مشاكلي وأعود لمصر بشكل رسمي وقانوني؟.
-جل ما سيفعله طبيب التجميل هو أنه سوف يسرع من تأثاير عوامل الزمن على
وجهك ،فعدعمعرك الحقيقي أربعون عام ا ومعك أوراق رسمية تقول أن عمرك عخمسون
عاماا ،سنصلح هذا الخلل ،ويمكننا إعادة وجهك لطبيعته الولى ،وبسهولة ،وحينما تريد
ذلك ،وسنغير من بصماتك حتى ل نترك فرصة لدني احتمال بأن تتعرف عليك
السلطات المصرية.
-المشكلة ما زالت قائمة فبصماتي هي الثابات الوحيد لشخصيتي بمصر.
200
تذكرت أموالى في البنك بجنيف فأسقط في يدي ،فلو أني أخبرته بشأنها سأفقد
ثاقته بي ،تأكدت أنى في ورطة حقيقية فلذت بالصمت ولكن الرجل أراحني بسرعة حين
قال.
-لن تكون هناك مشكلة ،سوف نصور بصماتك بدقة ونحفظها في قرص مدمج،
وبجراحة بسيطة دنغير عدة خطوط منها ،وفى أي وقت يمكن أن نعيدها لصلها.
تركني الخوف للقلق ولم تهدأ أعصابي إل بعدما ذهبت للطبيب الذي حدده لي
سيلفيو وتأكدت منه بأنها عملية مضمونة ودقيقة يقوم بها الكومبيوتر من اللف للياء،
وأخبرني الطبيب أنه ديجرى عملية تغيير البصمات لحساب الرجال المهمين والثاقة
بالنسبة له فقط وفى مقدمتهم سيلفيو العسخي.
بعدما أتم الطبيب المهمة سألته.
-متى يمكنني استعادة بصماتي؟.
-يمكن إعادتها الن أو بعد عشرين عاما.
لم أستطع أن أمنع نفسي من الضحك ،فقال.
-تراني عجو از جدا ،ولكنى شباب أكثار منك ،وعلى العموم معك القرص المدمج،
وهناك مئات الطباء في أوروبا يستطيع أقلهم خبرة أن يعيد بصماتك في أقل من دقيقة
طالما معك التصوير ،ثام نصحني بالاحتفاظ بعدة نسخ من التصوير في عدة أمالكن
مختلفة.
اخترت بنفسي طبيب التجميل ،الذي سيغير من ملمح وجهي ،كان رجلا
مجنون ا ومهووس ا بعمله ،اتفقت معه علي ما اقترحه سيلفيو ،ففاجأني بقوله.
-أنا ل أحب الإرهابيين ،ولكنى أحب عملي ،ودمستعد لن أدجري جراحة تجميل
للشيطان نفسه.
ضحك فنفرت من عنجهيته ومن تلميحه بأني إرهابي.
-أنت تدلحب المال أكثار من حبك لمهنتك أو حتى لنفسك.
قلت ذلك بعصبية ،استمر يضحك وقال.
-أنت ذكى ،فهمت غرضي بسرعة ،بالفعل أريد منك مبلغ ا كبيراا ،الإرهاب يدر ربح ا
هائلا أليس كذلك؟.
200
-ولكنى لست إرهابيا أو قاتلا ،أنا هارب من الظلم والاضطهاد ،أنا دمعالرض للنظام
السوري الذي يطاردني في أوروبا ،ولدى أسرة أخاف عليها.
توقف عن ضحكه المستفز وقال بجدية مصطنعة.
-حسنا ،لم أقصد مضايقتك ،فالجميع هنا ينظر للعربي على أنه إرهابي بالفطرة،
ولكنى أعتقد أنها نظرة غير منطقية ،فلكل قاعدة استثاناء.
-هل سنناقش خطوات الجراحة أم أبحث عن طبيب آخر؟.
-ل ،سنبدأ فو ارا ،وسوف أترك لك تحديد آجري ،أنا أثاق بك ،هل اتفقنا؟.
قام بإحداث تغييرات بسيطة بالنف والجبهة والذنين وخط الشعر الأمامي ،ثام
صعبغ الشعر ليبدو أنه أشقر بطبيعته وتتخلله بعض الشعيرات البيضاء ،وبعد عدة
قام ب ع
أيام أصبحت أنا صاحب الصورة الموجودة على جواز السفر ،لحظ الطبيب ارتياحي
لما قام به فطلب عشرة آلف دولر.
طلبت منه أن أقوم بمسح أي بيانات عنى من على ذاكرة الكومبيوتر ،فوافق
فأعطيته ما طلبه فقد أعجبت بمهارته ،برغم اشمئزازي من طريقة تعامله معي.
توجهت من فوري إلى مبني إدارة المصنع ،دخلت علي سيلفيو دون أن أتكلم،
أخذته المفاجأة فصاح.
-رائع محمد ،رائع ،كدت أل أعرفك.
هاتف صابرينا.
ل ،مفاجأة عزيزتي مفاجأة ،هيا
-عزيزتي صابرينا ،أين أنت ،أريدك في المكتب حا ا
بسرعة لنبدأ العمل.
شعرت بالثاقة والرهبة عندما سمعت جملته الخيرة.
بعد أقل من نصف ساعة كانت صابرينا تبدى دهشتها من قدرة الطبيب على
البداع ثام التفتت لسيلفيو وقالت.
-تلك هيئة ععاللم ،وليس مراجع حسابات سيلفيو.
ضحك ضحكة ثاقة واطمئنان وقال.
-هو فعلا سيكون ععاللم ا من هذه اللحظة صابرينا ،ألم تقولي من قبل إنه كنز من
المعلومات القيمة والمفيدة لنا.
200
تراجع عدة خطوات ثام مال بجذعه للخلف وأشار نحونا بيديه وقال.
-والن أصبح لدى عالم بالتاريخ والحضارة المصرية ،وعالمة بالديانات القديمة.
صاحت به.
-وبالجماعات الدينية السرية سيلفيو ،ل تنسع ذلك أبداا.
تغيرت ملمحه وصمت قليلا وأعطانا ظهره وقال.
-لن أتجادل معك ولكني أحذرك من مغبة محاربتك لتلك الجماعات.
ثام استدار نحوها ،ونظر إليها بتعاطف واضح ،وأضاف.
-أل يكفيك ما حدث.
-لبد لي من معرفة ما يخفونه.
-يدهم طويلة وقادرة على البطش.
-لن يمنعني عنهم إل الموت.
-أحتاج إليك صابرينا.
-حقاا؟ ،حتى بعدما أصبح محمد جاه از على هذا النحو الرائع.
-تعرفين منزلتك عندي.
-أليس من الفضل أن نتكلم في العمل سيلفيو؟.
-حسناا ،لنبدأ جلسة العمل.
قال ذلك بنبرة اليأس والقلق ثام نظر إلي وأضاف.
-نعمل لصالح مجموعة متخصصة ،تعمل بالثاار التي تحكى تاريخا قديما ،تاريخا
يكون مهم ا ومفيدا للجامعات والمتاحف ،وأنت تعلم من دراستك أن الحضارة المصرية
فريدة في نقطة محددة ،وهى اهتمامها المبالغ فيه باللهة وبالحياة فيما بعد الموت.
-ليس من العلم في شيء أن نصدر أحكام ا قاطعة على الحضارة المصرية القديمة في
حين أن العديد من أسرارها لم يكتشف بعد.
-أنا لست دمتخصصا مثالك في تاريخ الفراعين ،أنا مهتم فقط ،ثام أضاف.
-المتاحف والجامعات هنا بأوروبا ،وأيض ا بالوليات المتحدة المريكية ،لها مواصفات
معينة فيما تشتريه منا ،وأعتقد أن هناك جماعات ومحافل سرية تقوم بدفع مبالغ طائلة
مقابل تماثايل محددة ونقوش معينة ،ربما هي تعاويذ هامة لطقوسهم الدينية ،هذه
200
الجماعات تهتم كثاي ار بمقابر الكهنة بمصر وبنقوشها وسجلتها ،ورجالنا في مصر
يبحثاون ليل نهار عن آثاار تنطبق عليها تلك الشروط ،وقال أيضاا.
-في الماضي دفعنا مليين الدولرات في آثاار اعتقدنا أنها هامة وثامينة ثام وجدنا
صعوبة بالغة في تسويقها لعدم أهميتها التاريخية ،ستتعاون مع صابرينا في تحديد الثار
الهام تاريخي ا ،يتبقى لدينا مشكلة إخراج الثاار من مصر ،بعدما ضيقت علينا الحكومة
المصرية الخناق ،بالمطارات والمواني ،لجأنا إلي البحر لسنوات ،لكن تهريب المخدرات
والشباب عبر المتوسط دفع السلطات المصرية لن تحكم سيطرتها على سواحلها،
والن أعتقد أننا بك نملك طريق ا جديدا وآمن ا لتهريب الثاار عبر الحدود المصرية
الليبية.
سألته
-هل أفهم من ذلك أن هناك آثاا ار مهمة تستعد لخراجها من مصر.
أشار رأسه إلي صابرينا فقالت.
-الحكومة المصرية منعتني من العمل بمصر لفترة من الوقت ،إرضااء للمخابرات
السرائيلية ،فعهدت بالبحث هناك لتلميذي أحمد حجازي ،وهو من أبناء محافظة
الشرقية.
-وما علقة إسرائيل بالبحث فى تاريخ الحضارة المصرية؟.
-موضوع البحث الذي أشرت إليه هو نفي وجود مدينة حوارييس المذكورة بالتوراة،
إواثابات أن العبرانيين لم يعيشوا أبدا في مدن مصرية قديمة بل كانوا بدوا رحلا يسكنون
الصحراء والمستنقعات ،وكان المصريون يتجنبون الختلط بهم حيث يعتبرونهم
أن كل إدعاءاتهم حول الصراع مع حكام مصر
أنجاسا ،وهذا يثابت بالدليل القاطع د
والستيلء على ذهب المصريين بالخديعة هي أمور مزيفة وأن أحداث خروجهم من
مصر ملفقة أيض ا ،وبذلك يكون أهم سفر لديهم ،وهو سفر الخروج ،مزيف ا.
-وما علقة هذا الكلم بالتجار في الثاار؟.
-ستفهم كل شيء في حينه ،المهم الن هو أن حجازي عأبلغني بأنه في طريقه للوصول
إلى كنز ثامين ،المشكلة أنه ل يملك المهارة الكافية للقراءة الدقيقة للكتابة المصرية
القديمة ،ولننا نعمل بشكل سرى وغير قانوني فل نستطيع أن نستعين بأي من الدخبراء
200
المصريين أو الجانب حفاظا على السرية وخوفا علي ما أنفقناه من أموال ،والن أنت
خبير فى اللغة المصرية القديمة ،وعلى أفضل مستوى ،وقد أصبحت فردا منا.
واتفقنا على خطة العمل.
----------
دعوت لجتماع ثالثاي ،كلا من زكريا وساللم ،وتكلمنا في صراحة ووضوح عن
طبيعة العمل بيننا في المرحلة القادمة ،رحب سالم وتردد زكريا وأبدي تخوفه من المر،
فهو ل يعرف حساسيته بالنسبة للحكومة بمصر أو بليبيا ،وبعد نقاش طويل اتفقنا علي
بدء العمل ،علي أن أعود لمصر مع زكريا صباح اليوم التالي ،أعطيت لسالم مائة ألف
دينار ليشترى هدايا للشيخ سالم وسماسم وأفراد القبيلة ،وأعطيت لزكريا خمسين ألف
دولر فانفتحت شهيته للعمل.
----------
ما إن لمست قدماي أرض مدينة الزقازيق حتي وجدته بجواري ،شابا أسمرع
فارعع الطولل ،هادئ الملمح ،رخيم الصوت ،له عيون براقة تنم عن ذكاء وثاقة بالنفس.
اصطحبني علي الفور إلي متحف صان الحجر ،وقف بي أمام لوحة جداريه،
جاءوا بها من مقبرة منهوبة على بعد خمسة عشر كيلومت ار من منطقة صان الحجر،
قمت بتصويرها بدقة متناهية ،وبشقته بمدينة الزقازيق ،قضيت أسبوع ا فى مراجعة
نقوش وخراطيش اللوحة ،ولأهمية المعلومات التي كانت تشير إليها اللوحة أمضينا ما ل
يقل عن ستة أشهر في السعي خلف آثاار تلك المقبرة المنهوبة ،اجتهد الوسطاء وبذلنا
جهود مضاعفة حتى تمكنا من جمع محتويات المقبرة في صفقة كلفتنا خمسين مليون
جنيه مصري ،وأخرجنا الدشغل من مصر ،وخرجت أنا بخمسة مليين دولر وخرج كل
من سالم وزكريا بنصف مليون دولر فملكت عقل وقلب كليهما.
عكفنا علي دراسة محتويات المقبرة ،استعانت صابرينا بمراجع ل حصر لها ،ودققنا
في العهد القديم وفي التلمود ،كما استطلعت آراء بعض علماء الآثاار اليهودية وبعض
خبراء اللغات السامية ،واستعانت بالعديد من المؤرخين وبغيرهم من جهابذة علماء
الثاار والحضارات القديمة على مستوى العالم.
200
خرجنا بمعلومات شبه مؤكدة عن وجود معبد مهم ،مدفون تحت الرض ،وقد حددنا
مكانه علي بعد خمسة كيلومترات من مكان المقبرة المنهوبة ،في منطقة زراعية بالقرب
من مدينة الحسينية بمحافظة الشرقية.
----------
كانت صابرينا تؤمن ،إيمان ا ل يتزعزع ،بأنه ل وجود تاريخي للنبي موسي،
وتعتبر أن اليهود المعاصرين هم نسل مشترك للعبرانيين والمصريين ،الذين خرجوا سويا
من مصر في حلف ضم أتباع إخناتون ،نبي التوحيد المصري ،من المصريين
والعبرانيين ومعهم فلول الهكسوس والذين كانوا يقطنون إقليم جاسان بمصر كأسري،
وتعتقد أيضا بأن النبي موسي القرآني ،أو ملشي التوراتي ،ما هو إل إخناتون أو أنه
أوزيرسيف ،حاكمه علي إقليم جاسان ،وتنظر للديانة اليهودية علي أنها منتحلة من
العقيدة التونية ،ولم تكن تشك لحظة في أنها ستجد خبيئة بمكان ما تؤكد آراءها تلك،
مما يساعدها علي إثابات زيف الديان التي تنسب نفسها للسماء.
في الحقيقة لم أعتقد قطط بما تؤمن به صابرينا برغم أنها عرضت علي صورة جدارية
عليها رسرم يشبه إخناتون ويعلوها نقش باللغة الرامية ،وقد أكد لها علماء النصوص
والنقوش واللغات السامية بأن هذا النقش يؤكد أن الصورة للنبي موسي ،أو ملشي ،نبي
العبرانيين.
ت للعمل والبحث ،فالرغبة العارمة في المعرفة واقتحام المجهول
وبالرغم من ذلك تععحمدسب د
لم تترك للتردد أدنى مساحة في نفسي.
----------
وصلت مدينة الحسينية مساء يوم الثالثااء ،السادس عشر من يونية لسنة 2009م.
قدمني حجازي للناس هناك على أنى رجل أعمال مصري ،قادم من الخليج وأسعى
لشراء قطعة أرض لإقامة مزرعة ومشروع لتسمين العجول ،وأشاع بأني أعرض مبلغ ا
كبيرا ثامنا للفدان ،وتحركنا بحكمة حتى فزنا بقطعة الرض المقصودة في صفقة
معقولة وطبيعية.
وبالستعانة بجهاز فحص باطن الرض ،بالموجات فوق الصوتية ،حددنا مكان
التنقيب بالضبط ،أحطنا المكان بسور عالل من الطوب واستعنا بعمال التراحيل في
200
عمل حفرة كبيرة طولها خمسون متر وعرضها عشرون متر وبعمق خمسة أمتار ،وكنت
حريص ا على تغيير العمال كل يوم ,عندما أصبحنا فوق سطح المعبد تقريب ا حدث شيء
خطير ،فقد حضر للمكان ضابط برتبة كبيرة بمديرية أمن الشرقية ،وبدون مقدمات قال
إنه يتتبعنا منذ فترة وإنه يعرف ما نصبو إليه ،وأنه يستطيع حمايتنا وتأمين عملنا مقابل
مائة ألف جنيه عن كل شهر طوال فترة العمل ومليون دولر عند عثاورنا على غنيمة.
على الرغم من توتري الشديد كان أحمد حجازي يتعامل مع الرجل ببساطة،
أبديت له دهشتي من موقفه فقال.
-اطمئن ،هذا الرجل تعاملنا معه من قبل وهو صادق وقادر على أن يفي بوعده لنا،
فقط علينا أن نحرص على العدفع في المواعيد المتفق عليها.
بعد أشهر من العناء تمكنا من الدخول للمعبد ،كان عبارة عن غرفة فسيحة جدا
وتغطى جدرانها نقوش ورسومات ألوانها زاهية ،ويغلب عليها اللون الحمر والصفر،
وبمنتصفها توجد طاولة كبيرة من الرخام الحمر وعلى الطاولة ،في المنتصف
بالضبط ،يوجد تمثاال من الذهب الخالص لعجل صغير.
دخلنا غرفة فوجدنا بها العديد من التماثايل والتمائم وبعض البرديات ،وفي
مواجهة بابها كانت هناك لوحة جداريه كبيرة للفرعون إخناتون يتعبد لتون وهو عاري
وتظله الشمس بأشعتها ويقف بجواره رجل مهيب الطلعة لم أتعرف عليه ،المفاجأة في
تلك اللوحة كانت هي صورة عارية لطفلة رائعة الحسن والجمال كما التمثاال المدفون
بليبيا ،وتحت الرسم نقش يتحدث عن أن الثالثاة إخوة في محبة آتون.
دلفنا لغرفة أخري فوجدنا بها طاولة خشبية كبيرة وعليها عدد من السواطير،
فعرفنا أننا في المذبح ،وكما توقعت كانت الغرفة الثاالثاة ،هي قدس القداس ،غرفة
ضيقة ومستطيلة وخالية تماماا ،فبدت لنا كطرقة أو عمعمر ،دخلنا فيه حتى واجهنا باب ا
ضيق ا ومنخفض ا ،دخلنا منه فرأينا تمثاال ا من الذهب لحية أو لثاعبان ،يرتفع على عصا
طويلة من النحاس ،وخلف التمثاال كانت هناك لوحة جدارية كبيرة ،تصور البركان في
حالته النشطة ،وعليها نقش باللغة المصرية القديمة يقول -قدس القداس للعظيم الذي
يمن علينا بالحياة ،ومكتوب بالآرامية ،قدس القداس لله أوزير سيف ،الله ،أهيه آش،
آهيه رب موسي ،آهيه الذي آهيه ،أنا هو الكائن.
200
كانت مفاجأة ل تصدق ،كيف يكون الله الشمسي آتون الرقيق والمتحضر ،إله
إخناتون ،هو نفسه الله يهوه ،إله الصحراء والعاصفة ،إله البدو الجلف؟!.
لم أستوعب ما يعنيه هذا النقش ،ضربتني الحيرة وجال بذهني أن بالمر سرا
مخفياا ،وتاقت نفسي لحل طللسم تلك الفترة الغامضة من حياة البشرية.
أفرغنا المعبد تمام ا من محتوياته ونزعنا اللوحات الجدارية كاملة ،وفى يوم
الاثانين ،التاسع عشر من أبريل لسنة 2010م .دفعنا للضابط مليون دولر وبالفعل
ساعدنا بإخلص في الخروج بالكنز من الشرقية إلى القاهرة رأسا حيث كان زكريا
بانتظارنا على أول طريق الفيوم.
عاد حجازي للشرقية وتولى زكريا قيادة السيارة إلى الفرافرة ،وبعد أسبوع أقلني
سيلفيو ،مع مجموعتي الثارية ،من البحر ،وكان سعيدا بالصفقة التي قبض عربونها
عشرين مليون دولر من متحف شهير بأوروبا.
----------
مر عليه أسبوع كامل دون أن يشعر بمرور الوقت ،هو وروبرتا فقط بالمنزل،
تمني أن يمتد السبوع لسابيع دأخري ،ولكن بدون سابق إنذار دعا سيلفيو لجتماع
ثالثاي بمنزل محمد يوسف ،وقد حضر مبك ار عن الموعد بساعة ،كان التوتر والغضب
باديين عليه ،فتوقع محمد يوسف أن هناك مشكلة بسبب الصفقة الخيرة ،قال سيلفيو.
-صابرينا تسببت لنا فى مشكلة كبيرة ،محمد.
-ماذا فعلت؟.
-كان من شروط المشتري للشغل الخير ،أن أسلمه أي تصوير للمعبد ولمحتوياته،
وأل يتدم نسخ أية نقش أو حتى كلمة واحدة من المعبد ،وكان الاتفاق واضحا ودمحددا،
لو تم تسريب معلومة واحدة عن المعبد أكون دمدان ا له بالخمسين مليون دولر ،قيمة
الصفقة.
-وما علقة صابرينا بهذا؟.
-لقد أمدها المصري أحمد حجازي بتصوير كامل ودقيق للمعبد ولمحتوياته من
تماثايل ونقوش وبرديات وغيرها ،وهي الن تد ل
صر على أن تدعم أبحاثاها بهذا التصوير،
وبالرغم من تحذيري لها فإنها تدلعد الن لمؤتمر صحفي لتعلن فيه هذا الاكتشاف الهام.
200
-فلتهدأ سيلفيو ،لقد حصلت على أموالك ،ولن يستطيع المتحف أن يلحقك.
نظر إليه نظرة شك وقال.
ظن أنه دفع تلك الموال في هذه الصفقة؟.
-محمد ،عمن تع د
-أنت قلت أنه متحف شهير هنا بأوروبا؟.
-ل ،أعتقد أن من تعاملوا معي علي أنهم خبراء تابعون للمتحف ،أظنهم وسطاء لجهة
مجهولة تسعي خلف معلومات معينة يخفيها الفراعنة فى معابدهم ومقابرهم.
أبدي محمد يوسف دهشته من كثارة الجماعات الدينية السرية بأوروبا فقال
سيلفيو.
-أعتقد أن تلك الجماعات تتخذ من بعض الكنائس ،هنا بأوروبا وأمريكا وغيرها من
الدول ،ستا ار لخفاء نشاطها.
ثام أضاف بعصبية شديدة.
-هؤلء يمكنهم تدميرنا في لحظة ،ول أعرف كيف أتصرف.
-درد عليهم أموالهم ،ونأخذ بضاعتنا؟.
-لو كانت الدمشكلة في المال كنت أعدته لهم بل وتركت لهم الشغل مجاناا ،تلك
الجماعات يعتبرون الإخلل بالاتفاق سببا وجيها للقتل والتدمير.
راح يتحرك في المكان في توتر شديد ثام التفت إليه وقال.
-محمد ،أنا دأحب أسرتي ،وقد أخطأت عندما لم أبلغك بشرطهم ،كان يمكننا السيطرة
على الموقف من بدايته لكنه خطئي أنا ،محمد تكلم معها ،نحن جميعا في موقف
صعب ،محمد ،لقد فقدت عقلها ولم تعد تهتم إل بتخاريفها.
هدأ محمد يوسف من روعه ،وامتل هو بالخوف فلول مرة يري سيلفيو خائفا بل
ويرتعد ،وقد ارتبك حين قال له سيلفيو وهو يغادر.
-عزيزى محمد ،أنصحك بأل تسرف فى التقرب من بعض الكنائس في روما،
أعرف أنك تكثار من التبرع لبعضها ،ول أفهم غرضك من ذلك.
-أتبرع للنشطة الخيرية.
-حسناا ،تعلم أني حريص عليك وعلي مصلحتك.
----------
200
واصل رضا جلل حديثاه لزوجته فقال.
لم تحضر صابرينا وتركني سيلفيو مهموم ا يمر بي الوقت ثاقيل ا ممل ا ،فلم أكن في حالة
نفسية تسمح لي بتدبر المر ،وقبل أن يأخذني النوم من همومي رن جرس الهاتف.
اعتذرت صابرينا لعدم حضورها ودعتني لمنزلها فو ارا ،أغلقت الخط قبل أن أفهم
منها ما يحدث ،فتعاظم خوفي.
كانت سعيدة ومتألقة ،استقبلتني بح اررة وقبل أن أستقر على المقعد قالت.
-لقد قدمت إلي أعظم دليل مادي على صحة نظريتي في الديان البراهيمية ،دليل
سيكشف للناس حقيقة تلك الأوهام التي عسلععبتهم حريتهم وطمست طبيعتهم منذ آلف
السنين.
-أي دليل وأية أوهام؟.
-الدليل على أن الديان السماوية ل تعدو كونها وهم ا وأن النبياء أدعياء ،أليس هذا
شيئا مهما سوف يساعد علي تحرير البشرية من القيود البالية لتلك الديان؟.
-بل قولي شيئ ا خطيرا سوف يدمر البشرية والحضارة والتقدم.
-على العكس ،سوف يسترد النسان حريته ،ويكون سيد نفسه فيختار ما يسعده.
-تسفيه الدين واحتقاره لن يجلب إل الفوضى وتدمير الحضارة.
-الدين لم يكن أبدا ضرورة لحياة النسان ولتنظيم المجتمع ،النسان أبدع حضارات
عظيمة قبل ظهور ما يسمي بالديان السماوية بل وهناك مجتمعات بل دين أقامت
إمبراطوريات عظيمة في التاريخ القديم والحديث؟.
راحت تشرح مبررات عدائها للديان فقالت.
-لقد نشأ الدين وتطور في أحضان السلطة والكهنة ،كان وما زال هو الدمخدر الذي
عمكن السلطة والغنياء من استغلل غيرهم من البشر ،بالفعل أنا أري أن الدين هو
أفيون الشعوب وفيتامين الفقراء ،يعطيهم وهم العخلص ،ويبشرهم بفرصة ثاانية في
لخرى ،فيتركون خيرات الدنيا وبهاء الحياة لمستغليهم يستمتعون به.
الحياة ا د
أبديت دهشتي كيف لمثالها أن تشقي لسنوات وتدمر حياتها من أجل أن تثابت
للعالم أن الديان عوهم وأن ال غير موجود ،وهرب ا من مجادلتها أخبرتها بأن سيلفيو
منزعج بشدة بسبب سعيها لتسريب معلومات عن الصفقة الخيرة ،فقالت.
200
-حسنا ،كنت قد قررت تأجيل العلن عن هذا الكتشاف ،فأنا متأكدة من أننا
سنحصل على المزيد ،وبأن الخطر لم يظهر بعد.
راحت تساومني علي التعاون معها بغير علم سيلفيو على وعد أل تنشر شيئ ا إل
بعد الرجوع إلي.
اندهشت وتوجست خيفة من شراكة تجمع بين من يسعي لجمع المال ومن
يسعي للمعرفة ،تذكرت حالي فزالت دهشتي وزاد خوفي ولكني لم أخجل.
----------
جمعنا لقاء آخر فأتحفتني بهجوم شديد على الديان البراهيمية ،أبديت
اعتراضي فراحت من جديد تعدد مبرراتها فقالت.
-الديان البراهيمية تحرض علي رفض الخر وتدميره مما نتج عنه قتل وذبح وحرق
المليين بسبب الصراع بين تلك الديان ،كما قتل المليين نتيجة للصراع بين مذاهب
الدين الواحد منها.
تنهدت بعمق وأضافت.
-لقد سلبت تلك الديان البشرية حريتها وقدرتها على البداع ،ولنها ل تملك قوة
العفرض الذاتي ول تستطيع الصمود أمام العقل ،بسبب هشاشة فكرتها وتعارضها مع
قواعد التفكير الموضوعي ،لم ولن يكون أمامها فرصة للاستمرار إل بالقوة والجبار.
كانت منطلقة في الحديث ،فقاطعتها قائلا في ضيق صدر.
-ما هو هدفك من تجريد الناس من إيمانهم؟.
أنكرت أن يكون هذا هو هدفها وكأنها تتحدث إلي نفسها قالت.
-أهدف إلي حماية النسان من العنف والتطرف ،،اسعي لتجفيف أنهار الدماء التي
تسفك باسم ال زو ار وبهتان ا ،،أريد حماية الحضارة من التدمير على أيدي الحمقى ،،
أحارب من أجل السلم ،من أجل التقدم والحضارة.
لذت بالصمت ثام اندفعت في ضحك كالبكاء ,ارتبكت لحالها ولم أعد أميز
مشاعري نحوها ،تركتها تبكى حتى هدأت وواصلت حديثاها فقالت.
-أحلم بعالم بل إرهاب ،بل عنف.
قامت من مكانها وأعطتني ظهرها وأضافت.
200
-كان عمري شه ار واحدا عندما قتل الفلسطينيون والدي في دورة اللعاب الوليمبية
بميونخ سنة 1972م.
ألجمتني المفاجأة ،لحظت ارتباكي وانفلت أعصابي فقالت.
-لعلمك أنا إيطالية ولست إسرائيلية.
اقتربت منى وربتت على كتفي ثام جلست بجواري وقالت.
-في عام 1952م ،استولت السلطات المصرية على ممتلكات جدي وأجبرته على
الفرار من الإسكندرية فهاجر بأبي طفلا إلى إسرائيل ،شب والدي إسرائيليا مخلصا لبلده،
وأصبح بطل إسرائيل في الوثاب بالزانة ،وتعرف على والدتي ،اليهودية الإيطالية والتي
تكبره بثالثاة أعوام ،في روما إبان بطولة العالم للعاب القوى ،كانت أرملة ولديها طفل،
تركته مع والدتها بروما ،وذهبت لتعيش مع أبي بإسرائيل.
تمخطت بقوة ثام أضافت.
-عادت أمي إلى إيطاليا وتفرغت لرعايتي مع شقيقي الكبر ،وبعد عدة سنوات
تزوجت من مهندس إيطالي وأنجبت منه شقيقي الجميل روبرتو ،كان شاب ا واعداا ،صار
أجمل ما في حياتي محمد.
توقفت عن الكلم وانتحبت ثام أكملت حديثاها.
-لقد فقدت أمي وزوجها ومعهم روبرتو الرائع تحت أنقاض مركز التجارة العالمي في
تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر بنيويورك.
أصبح الموقف ل يحتمل ،تماسكت ولتغيير مجرى الحديث سألتها.
-سيلفيو فرح لقرارك بعدم الكشف عن أسرار الصفقة الخيرة ،إنه يخاف عليك.
-سيلفيو ل يخاف إل على نفسه ،أنت ل تعرفه.
مسحت دموعها وأضافت.
-لم أكن أتمنى العمل معه أبدا ،لكن الجميع حاربوني ولم يتركوا لي أية فرصة.
-من هؤلء الذين يهددونك صابرينا؟.
-جماعة تتبنى ديانة مريبة ولها طقوس تعبدية شاذة ،تسمي نفسها جماعة المؤمنين
بإله النور ،أعتقد أن لها علقة بالديانات المصرية القديمة.
-ما علقة جماعة هذا شأنها بأبحاثاك عن الديانات البراهيمية؟.
200
-كنت أعمل في تحقيق بعض وثاائق مكتشفة بمنطقة البحر الميت وفوجئت بأحد
أساتذتي يخفى عددا كبيرا منها ببيته ،وعلى غير عادته أصبح شخص ا عصبي ا ومتوترا
لقصى درجة ،وقد أخبرني الرجل بأن تلك الوثاائق تكشف عن أسرار خطيرة ستهز
العالم ،فقد تأكد أن أعضاء جماعة الأسينين ،التي أسست للديانة المسيحية ،هم في
الحقيقة أحفاد اللفيف المصري الذي خرج مع اليهود بقيادة ما يسمى بموسى التوراتي أو
ما يعتقد هو بأنه أوزير سيف المصري ،أهم أتباع الفرعون إخناتون.
تيقنت من أنها ستأخذني بعيدا في الحوار ،فأنا أعرف قدرتها الهائلة على الحوار
والجدال ،الذي لو امتد لشهور ما قل حماسها أبداا ،ولسيطر على الحوار وأوجه دفة
الحديث قلت.
-لم أفهم علقة تلك الجماعة بكل ما تتكلمين عنه؟.
-خلل أبحاثاي ،وتنقيبي في الرض والكتب ،اكتشفت تاريخ جماعة دينية قديمة
منشقة على جماعة الأسينين وتؤمن بأن إله الظلم قد استولي على الكون بعدما تمكن
من خداع إله النور ،وأنه لبد من تدمير الحياة علي الرض ليعود الكون خالص ا لله
النور ،ولأهمية الاكتشاف تتبعت هذه الجماعة عبر التاريخ ،فتجمعت لدى معلومات
تؤكد أن هذه الجماعة مازالت موجودة وتتخذ من بعض الكنائس بأوروبا والشرق
الوسط غطاء لديانتها السرية وستا ار لنشطتها المريبة ،واكتشفت وثايقة قديمة تؤكد
سعي هذه الجماعة لتدمير العالم لتخليصه من قبضة إله الشر حينئذ يهبط للرض إله
النور ليسلم الكون لتباعه المخلصين ،أعضاء الجماعة ،ليحكموه للبد بعدما يحولهم
إلي ملئكته المقربين.
-كيف تعتدين بتلك الخزعبلت؟.
-ليست خزعبلت ،إنها الحقيقة ،هل تعلم أن هذه الجماعة منتشرة في عدد كبير من
الدول وتضم شخصيات هامة ولها ثاقل كبير في دولها ،ومن بين أعضائها رؤساء دول
وملوك ووزراء ورجال أعمال وفنانين ومثاقفين لدرجة تدعوك للدهشة.
ذكرني حديثاها بتفاصيل قصة إبراهيم سالم وعلي العمرناوي ،وقد انزعجت لفكرة
ربط قصتها بما يدور فى ذهني من ذكريات ،فقلت لأنهى هذا الحوار.
200
-كان قد أبلغني حجازي بأن هناك مجموعة من الوسطاء عرضوا عليه شراء محتويات
مقبرة فرعونية ،من المتوقع أنها ستزيح الستار عن الكثاير من أسرار العقائد المصرية
القديمة.
-لقد أخبرني بذلك.
-ألن تأتي لمصر لمتابعة هذه الصفقة؟.
-ل ،لن يوافق سيلفيو ،ولكنى أثاق في وعدك بمساعدتي.
-أي وعد؟.
-أن تسهل لحجازي تصوير كل محتويات تلك المقبرة.
-أعدك مقابل أن تلتزمي باتفاقنا بأل تعلني شيئا إل بالاتفاق بيننا.
-حسن ا ,أوافق ،متى تغادر إلي مصر؟.
-ل أدري ،ولكن بمجرد أن أنتهي من بعض العمال الهامة هنا سأغادر من فوري.
-أتابع نجاحك الساحق في دنيا العمال ،أتمنى لك التوفيق.
-شك ار صابرينا ،لن أنسى مساعدتك لي ،متى أراك مرة دأخرى؟.
-سأذهب إلى إسرائيل ،سأبقى هناك لعدة أشهر.
-ولعمـَ كل تلك الفترة؟
-زيارة عمل ،فهناك كشف خطير في منطقة بالقدس القديمة تسمى تالبيوت ،ويعتقد
عدد من العلماء بأن ما عثاروا عليه هو قبر المسيح وعائلته ،وقد شكلوا فريقا من علماء
الثاار والحصاء واستعانوا بعلماء في الوراثاة والحمض النووي ،وفي الحفريات،
واستعانوا بي كمحققة للوثاائق.
قلت فى غضب وضيق صدر.
-هذا تجديف يسعي لهدم العقيدة المسيحية ،ولطعن السلم بخنجر مسموم.
-محمد ،تعلم موقفي من الديان منذ تعارفنا فلماذا تصيح في الن هكذا؟ من حقك
وحق الجميع رفض هذه المعلومات وكذا العتراض على نتائجها ولكن من واجبنا،
نحن العلماء ،أن دنطلع البشرية على ما لدينا من معلومات.
----------
200
في السبوع الخير من شهر يوليو لسنة 2010م دنلشعر كتاب بعنوان قبر عائلة
المسيح ،وفى يوم الخميس ،السادس والعشرون من أغسطس لسنة 2010م عقد المخرج
العالمي جيمس كاميرون ،مخرج فيلم تيتانيك ،مؤتمرا صحفي ا بمكتبة نيويورك حيث
أعلن أنه يمتلك أدلة دامغة ،وغير مسبوقة ،تثابت وجود قبر المسيح ،وكانت صابرينا،
بروفيسور تحقيق الوثاائق ،هي نجمة المؤتمر بل منازع.
وفي يوم الحد ،التاسع والعشرين من أغسطس لسنة 2010م أذاعت قناة
ديسكفري المريكية وقناة رؤية الكندية فيلما بعنوان } قبر يسوع الضائع { وكان المنتج
المنفذ هو كاميرون نفسه ،وأعدت صابرينا المادة العلمية للفيلم.
كنت أتابع نشاطها المحموم وأشفق عليها ،حاولت الاتصال بها عدة مرات
لطمئن عليها بل جدوى.
----------
دخلت مصر عن طريق ليبيا في شهر سبتمبر 2010م ،ذهبت من فوري إلى شقتي
بمدينة الحسينية ،كنت أشعر ببعض المان هذه المرة فطلبت من أحمد حجازي أن
يذهب لمدينة دمياط الجديدة ويحتال كي يعطيكم بعض المال ،وسعيت أنا لؤدي
المانة التي حملني إياها الشاب الذي تعرفت عليه علي اللوح الخشبي لدقائق قبل أن
يغرق ،ذهبت لقريته ،كفر شحاتة مركز فاقوس شرقية ،وبسهولة عثارت على أسرته،
وبالطبع كانت أسرة رقيقة الحال ،أب مريض وأم مكافحة وعدد من الشقاء ما زال
عودهم أخضر ،كان له أخ تلميذ بمدرسة فاقوس الثاانوية الصناعية ويعمل صبيا بورشة
لصلح السيارات ،علي مشارف القرية ،بعد وقت الدراسة ،توقفت بالسيارة أمام الورشة
لسمعه صوت الموتور ،تحركت به بعيدا وقلت له.
وطلبت منه أن يركب بجواري د
-أنت شقيق أحمد إبراهيم بدير.
ارتبك الشاب ،نظر إلى بلهفة وتحشرج صوته وهو يقول.
-أتعرف المرحوم أحمد؟.
لتجنب استمرار الحوار قلت له.
-في الحقيقة ل أعرفه ،ولكنه ترك أمانة مع صديق له ،وقد طلب منى صديقه هذا أن
أعطيها لوالد أحمد.
200
مددت يدي بالحقيبة للشاب المرتبك وقلت له.
-خللي بالك ،بتلك الحقيبة نصف مليون جنيه ،اذهب فو ار وأعطها لوالدك.
أنزلته وتحركت بالسيارة سريع ا هرب ا منه ومن رغبة في البكاء كانت تلح ععلعمي.
----------
طلبت من حجازي ترتيب مقابلة مع الوسطاء لمناقشتهم فيما لديهم ،وتنكرت في
شخصية خبير إيطالي ،ويعمل لصالح سفارته بمصر ،فأنا أعرف أن كل من يعمل
بتجارة الثاار يثاق ثاقة عمياء في الجانب وقد انتبه لذلك كبار النصابين في الدشغلة
فكان منهم من يستعين برجل أو امرأة من الجانب ويقدمونهم لضحاياهم كخبراء آثاار
يعملون لصالح سفارة من السفارات ،وكلمة سفارة دائما ما تكون كفيلة وحدها بإبهار
الضحايا وكسب ثاقتهم حتى لو كانت السفارة السرائيلية.
أول مقابلة كانت مع خمسة من الشباب ،من مدينة المطرية بمحافظة الدقهلية،
بعيونهم رجاء ولهفة ،شاهدت معهم التصوير ،فرأيت أجزاء من لوحات جداريه دتظهر
نقوش ا وخراطيش بها معلومات مذهلة دفعتني لن أبذل مجهودا ذهني ا شاق ا لتمكن من
قراءة المكتوب علي التماثايل الموجودة بالتصوير ،تأكدت من أني بصدد كشف خطير،
ولني محظوظ ،كما أوحت لي نبوءة سماسم ،وقع بيدي صيد ثامين ،فقد تبين لي وجود
عدة لفائف بجوار أحد التماثايل ،فطلبت من حجازي أن يستفسر منهم عن تلك اللفائف،
فقال أحدهم بعدم اكتراث.
-يوجد بالمقبرة ستة لفائف جلدية كبيرة ،كل منها ملفوف داخل كيس من القماش ،أظنه
من الكتان ،حينما فضضنا إحداها وجدناها عبارة عن كتاب من عدة صفحات ،من
الجلد أيضا ،بكل صفحة عدة أعمدة طولية من الكتابة كتلك الموجودة على التماثايل،
فأعدناها كما كانت ،علها تكون مهمة لمن سيشترى التماثايل.
طلبت رؤية المكان لقراءة النقوش الجداريه بالمقبرة وفحص اللفائف ،رفضوا وأصروا
على أن أحدد ثامن الدشغل وأن يروا الفلوس قبل أي تحرك وقال أحدهم.
-لقد تعرضنا لعمليات عنصب عديدة ،كنا نعرض التصوير فيؤكد الخبير أنها سليمة
ويطلب شرط ا عشرة آلف جنيه ،وعندما يحضر يدعى أنها شمال ،مرة يقول مقلدة،
ومرة يدعي أنها مصنوعة من عجينة فرنسية ،مع أننا كنا موجودين لحظة فتح المقبرة،
200
ونحن متأكدون من سلمة الثاار الموجودة بها ،لقد بعنا ما نملكه واقترضنا ،وسحبنا
معنا معظم أصدقائنا وأغريناهم بالغنى حتى أصبح عددنا عشرين فردا كل منهم لم يعد
يملك جنيهاا.
-ولكنى لم أطلب منكم شرطا ،بل سأدفع لكم الن.
تهللت أساريرهم وتبادلوا النظرات ليستحثاوا بعضهم البعض على الصمود وعدم
إظهار لهفتهم ،سألتهم.
-كيف تخدعون وأنتم شباب دمتعللم؟.
قال أحدهم.
-شغلة الثاار كالمخدرات ،تسحب الفرد من الواقع ليعيش في الخيال ويفقد عقله.
-لكن هذه الدشغلة تحتاج للذكاء والشجاعة.
-نحن أذكياء ول نفتقد الشجاعة ولكن عند الكلم في الثاار نغيب عن الوعي.
ثام ضحك وأضاف في أسي.
-وكأنه منهج دراسي بمدرسة النصب ،كنا نشرب المقلب نفسه وبنفس الطريقة عدة
مرات ،كلما خسرنا كلما تورطنا أكثار ،ول نكف عن تكرار المحاولة ،حتى أفلسنا.
ادعيت الدهشة واصطنعت الضحك ثام ناولت الشاب الذي كان أكثارهم حديثاا
فتوقعت أنه قائدهم ،مبلغ مائة ألف جنيه مقابل أن يرتب لي طريقة لفحص المقبرة
بنفسي ،وطمأنتهم بأن المال لهم على أية حال ،سواء كان الدشغل سليما أم ل.
وعندما شاهدت السعادة والارتياح على وجوههم ،أضفت.
-أرجو أن يكون الشغل تحت أيديكم إوال ستفوتكم فرصة عظيمة.
أكدوا بأن الكنز تحت سيطرتهم وقال أحدهم والفرحة الغامرة ترج جسده رجاا.
-كيف نضيع الفرصة ،وهذه أول مرة نمسك فلوس ا من الشغلة دي.
اتفقنا على اللقاء بعد شهر ،للذهاب إلي إيطاليا ،لعرض الشغل على خبراء
متحف روما والاتفاق على ثامنه ،على أن أعطيهم مائة ألف دولر عند فحصى للدشغل
ل ،ل يمكن تتبعه ،وبه خط غير مسجل باسم أحد
بنفسي ،وأعطيت قائدهم هاتف ا جوا ا
لدي شركة المحمول وعليه رقم هاتف ،ونبهت عليه أل يستخدمه ،فقط يرد على الرقم،
المسجل على الهاتف ،حين يطلبه.
200
----------
المجموعة الخرى من الوسطاء كانت مفاجأة دمدهشة ،مصطفى النجار ،هيثام
بدر ،الحاج عيد الهللي ،صيد ثامين ،أخطر تجار الثاار بمصر في سلة واحدة ،هذا
أبعد مما تمنيته ،يبدو أن نبوءة عسمالسم ل تكف عن محاولتها لتأكيد صحتها.
طفح الحقد من جوفي ولكني نجحت في السيطرة على أعصابي وتعاملت معهم
بشكل طبيعي ،فأنا أعلم الناس بذكائهم الشرير وبقدرتهم علي البطش.
طلبت من حجازي أن ديرلحب بهم فقال النجار بعنجهية واضحة.
-ل داعي لمترجم ،يمكنك أن تتكلم بالنجليزية.
وافقت واعترض رفيقاه ،قال هيثام بدر.
-إيطالي ،إنجليزي ،الستاذ حجازي يترجم لنا لكي نفهم ما يقال.
ارتحت لنعدام الثاقة بينهم ،وعتحدثات بالنجليزية وقام حجازي بالترجمة ،عرفتهم
بنفسي فعرفوني بمواقعهم السياسية ليؤكدوا مدي نفوذهم بمصر ،فتأكدت أنهم ،وأمثاالهم،
بمثاابة السوس الذي ينخر في عظام النظام ليخلص البلد منه ومنهم.
قالت سهير في ضجر.
-تأخرت على الولد والنقاب كتم أنفاسي ،عليك أن تختصر أو نكمل في يوم آخر.
-ساعة واحدة فقط وسأنتهي.
-أل يوجد مكان آخر ،نكمل فيه حديثانا بل نقاب ،ألم أوحشك بعد؟.
-أشتاق إليك بجنون ،لكن التوتر والحرص ،على أن تعرفي كل شيء أخذاني منك.
----------
بمجرد أن دلفت إلى الشاليه أزاحت عن وجهها النقاب ،تنفست بعمق وقالت.
-الن يمكنك أن تتكلم علي راحتك.
ضحك واتجه للمطبخ لديلعد الشاي ،واضطجعت هي علي الكنبة وخلعت
ملبسها لتعري النصف العلي من جسدها ،ومرت بهما خمس دقائق عجيبة ،كان هو
يستجمع ذاكرته ويجتر آلم الماضي وديهدئ من لهفته على ولديه وزوجته ،بينما كانت
هي تتحدث إلى نفسها ودتخلطط لتنال ما دحرمت منه لسنوات ،وراحت تتحدث إلي نفسها
،،ليس من المعقول إنه لم يضاجع امرأة طوال تلك الفترة الطويلة ،،،هو زوجي وأعرفه
200
جيداا ،قد ل يخطر الجنس على باله لشهور ولكن لو ط أر علي ذهنه ديمكن له أن يقفز
على أول امرأة تقابله حتى لو كان ذلك في الطريق العام.
ضحكت على حالها ،ارتعشت شفتاها وزاد من توترها طعم الدمع في فمها ،،،
هل فكر مرة في حالي؟ ،،،هل تصور أن أية امرأة يمكن أن تحيا بدون أن يلمس
جلدها جلد رجل لخمسة أعوام؟ ،،،أظنه لم يسأل نفسه هذا السؤال بل إنه قد ل يكون
قد اهتم بهذا الموضوع من الأساس ،،،إنه ل يعرف كيف جاهدت نفسي وتجرعت آلم
كبت غريزتي لسنوات كي ل دأهين نفسي ،،،أيعرف ،هذا الناني ،أنه قد مرت علي
أوقات تمنيت فيها أن يختطفني أحدهم ويغتصبني ،،،آه ،،،لقد كنت أععجعبن من أن
أستجيب لغراء أي رجل راودني عن نفسي وهم دكثادر.
أخذت الفكار والتساؤلت تقفز إلى عقلها من مكان سحيق بداخلها ،ارتبكت
وارتعشت أطرافها ،اصفر لونها وسال على وجهها ورقبتها عرق ساخن وقد شعرت
بحسرة على السنوات التي دأهدرت من شبابها الذي بدأ ينزوي ،تجدد بداخلها ما كان
ينتابها من غيظ وحنق على زوجها الذي تركها تعانى في مقاومة طبيعتها كامرأة.
حاولت السيطرة على مشاعرها والهرب من أفكارها تلك ،فراحت عتشلغل نفسها
بالتمعن فى أثااث العشاليه الفخم.
وضع الشاي علي المنضدة واقترب منها حتى أصبح خلفها تمام ا وقال.
-هل أعجبك الشاليه؟.
استدارت إليه وبعينيها عتاب وشوق وقالت.
-رضا ،أنا معك منذ أكثار من ثالث ساعات ،وبعد غياب خمس سنوات لم تقل لي
كلمة واحدة تدل على أنك تفتقدني ،إيه فاكرني جمادا ول إيه؟.
تدفقت دموعها وفقدت سيطرتها على أعاصير نفسها ،اختلجت عضلت وجهها
وارتج جسدها ،وعبرت نفسها السنوات الخمس العجاف فتلشى الغضب وذهبت عنها
الحسرة وفاضت بها الرغبة ،تسارعت أنفاسها واحمر وجهها فكاد أن يضيء إوان لم
تمسسه نار.
أظلمت عيناها ،ذهب سوادهما واحمر بياضهما ،وهمت به وهم بها والدهشة
تغمره ،،،ما أجمل أن يعود النسان لطبيعته الحقيقية بل عخجل أو مواربة.
200
وهى تلتهم شفتيه ،وتلفح أنفاسها الساخنة وجهه ،تذكر ليلته المشهودة مع
صابرينا حين تناولا سوي ا الفطر السينائي فقال لنفسه ،،يا إلهي إنها نفس الطبيعة،
نفس خلجات الوجه وتلون البشرة إواشعاع الرغبة بالعيون ،،،نفس صراخ الشبق في
ح اررة العشفاه ،،،يا إلهي ،أيمكن للرغبة الجامحة أن تحتوى النسان فيعود لطبيعته
الولي متوحدا مع الكون ،أيمكنها أن تزيح وهم الحضارة لتأخذه لبدايات التاريخ،
لكهوف الجبال ،لكواخ الصحارى ،حيث كان الجنس عتعبددا واندماجا مع الطبيعة.
انتبه على ألم بشفتيه ،راحت تلتهم كل جزء من وجهه تصل إليه بشفتيها
وبأسنانها وبدا المر وكأنها ستأكله ،كلما شعرت به يتألم ازدادت شهيتها لطعم جلده
ولعابه ،لول دموعها ،عبللت وجهه ،لاحترق جلده بلهيب أنفاسها ،وكأن في جوفها يشتعل
موقد نار.
تمني لو أنه استعد لها ،ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ،فقد تأكد له أنها لن
ظرف خمس دقائق ،أطول
تتركه ليستعد ،فراح يعمل على إثاارتها لعله ينتهي منها في ع
مدة يسمح بها مرض السكر.
بعد دقائق من القبلت المتوحشة والحضان العنيفة ،تطايرت قطع الملبس
وتعري جسديهما وابتل بالعرق الدافئ ،الرعشة تفتك بها ،شهيقها ضجيج متقطع والزفير
آهات تبوح بالحسرة وتبعث على السي ،غرست أظافرها فى كتفيه ،ارتجت فى
أحضانه وبدا أنها تفقد وعيها ،أمسك بها بقوة ،هاجت بين ذراعيه وهوت به أرضاا ،غاب
عقلها فتسامت روحها ،صارعته فصرعها عدة مرات من فرط حساسيتها ،كلما ارتجت
انهال عليها ،فتصرخ منه وبه ،ليسرع من ضرباته ويزيد من قوتها ،علها تغتال بلذة
اللم رغبتها التي أرقتها لسنوات ،سحقها ،ارتبكت واستغاثات ،فأغاثاها بغزوات دأخر،
همد جسدها وأوشك على الغرق فى بركة مباركة من العرق الساخن والماء الدافق الذي
استمر يخرج منها كدفقات لذيذة يرتاح لها الجسد وتأنس لها الروح.
هبط عنها ،فتمددت بجواره تعاني فرط اللذة وشدة الظمأ ،راح يقبلها ويكلمها،
وكيف لها أن تبادله الكلم وهى تحلق في فضاء نفسها ،استدار ليحتضنها فراعه أن
قلبها يدق بقوة وكأنه سيحطم ضلوعها ،أخذ يجفف عرقها الغزير ،حاولت أن تنطق فلم
تسعفها أنفاسها والتصق لسانها بحلقها ،قام وأحضر كوبا من الماء وعبوة من عصير
200
الفاكهة ،وجلس خلفها وأخذها بين فخذيه وبدأ يسقيها الماء والعصير كما فعل في ليلته
الليلء مع صابرينا.
راح يداعبها بكلماته الرقيقة ويرجوها أن تكف عن البكاء ،ففاجأته قائلة.
-ألم يخطر ببالك احتمال خيانتي لك.
مع توقعه لسؤال كهذا فقد شعر بالصدمة وقال في غضب.
-لم يخطر هذا الحتمال على بالى أبدا فأنا أعرف أنك إنسانة دمحترمة ول يمكن أن
تلعرعخصي عنفلسك ،كما أن المرأة التي تدلحب ل تخون.
-ل تخون ولكنها تتألم وتأكل نفسها.
-أعدك بأن نعيش عأحلى لعيشة ونعوض ما فاتنا.
-وهل يمكن تعويض العشباب يا رضا.
-الغني والنفوذ كفيلن بأن يعيش النسان لمائة عام مستمتع ا بحياته.
بأدائه الجيد وبكلمه المعسول سيطر عليها تماما وواصل سرد حكايته.
----------
شاهدت معهم التصوير ،وكان هو نفس ما شاهدته مع الشباب ،فسألتهم.
-هل هذا الدشغل تحت أيديكم؟.
قال النجار بصلف.
-شوف يا خواجة إحنا ناس كبار في البلد دي وأهم ناس في شغلة الثاار في مصر
وعليك أن تثاق فيما نقوله.
ضايقني غروره فقلت له.
-لكنى شاهدت نفس التصوير مع مجموعة أخري من الوسطاء.
فقال هيثام بدر بهدوئه الدمخيف.
-في شغلتنا ،يبدأ الموضوع بتصوير واحد ،وعندما تتناوله الأيدي دينعسخ منه العشرات،
ويمكنك أن تجد نفس التصوير مع العشرات من الوسطاء ،المهم الدشغل تحت عسيطرة
عمن.
ولأضعهم في حجمهم الحقيقي ،قلت له.
-ولكنكم وسطاء أيضا فما الفرق؟.
200
رد في غضب.
-الدشغل يخصنا نحن فقط ،إوان اعتمدته عليك أن تعطينا سعره الن ،إوان اتفقنا لن
تدفع دولرا واحدا إل عندما تجلس على الدشغل بنفسك ،واعلم أنه ل يوجد في عبر مصر
من يجرؤ على خداعنا.
وأضاف في عنجهية وهو ينظر لي ولحجازي.
-وأنتما أيضا لن تفك ار في خداعنا.
استععشطد غضبا وقلت لرد له تهديده.
-ونحن أيض ا أقوياء ول يستطيع أحد خداعنا.
ل.
تدخل عيد الهللي بعمكر قائ ا
-إيه يا جماعة؟ ،ما تصلوا بينا على النبي ،الخير كثاير وكلنا نريد لليلة أن تمر على
خير ،وربنا ما يجيب خيانة.
-الشغل يسعر علي الطبيعة.
قلت ذلك بحزم فقال هيثام بدر.
-أفهم من ذلك أنك اعتمدت الدشغل؟.
-عنعم ،الدشغل سليم.
-ستدفع مليون دولر لمعاينة الدشغل ولو لم تتم الصفقة يصبح المبلغ من حقنا.
-سيكون المبلغ جاهزا عند عودتي من إيطاليا ،بعد شهر ،كيف نتصل بكم؟.
-الستاذ حجازي يعرف كيف يتصل بنا.
-أين يقع مكان المقبرة؟.
اندفع النجار كالمدفع.
-لما نشوف فلوسك تعرف المكان.
-لبد أن أعرف المكان ولو بالتقريب إوال كيف أدعؤلمن نفسي؟.
قال هيثام بدر بهدوئه الدمدلهش.
-ل تشلغل بالك بحكاية التأمين تلك ،نحن نستطيع تأمينك حتى تخرج من عمصر ،ولو
أردت أن نحميك في إيطاليا نفسها ،يمكنا ذلك.
قال ذلك وهو ينظر إلي باستعلء بغيض.
200
-من المفتعرض أنكم تعلمون أنه لبد لي من معرفة المكان لستطيع تحديد السرة
صاحبة المقبرة ،أو التي أقيمت في عهدها ،كنت أعتقد أنكم تعرفون أن هذه المعرفة هي
أهم بند في تحديد ثامن الدشغل.
وكأني أغريته ،قال عيد بل اكتراث لتحذير رفيقيه.
-هي في مكان ما ببحيرة المنزلة.
ذهبوا بعدما فاضت بي الكراهية وملني حقد أسود ،قررت تدميرهم ،عأجرت
نفسي بحمام دافيء ،تمددت على السرير عاريا وبدأت محاولتي للنوم مغناطيسيا
لدخل في الحالة الذهنية آلفا ،وبعد ساعتين كانت الخطة واضحة بذهني فقررت البدء
في التنفيذ ،حال تفريغها في تكتيكات وخطوات عملية.
----------
عدت ليطاليا لنجاز بعض المهام ،وقابلت سيلفيو وصابرينا ،كلاا على حدة،
شرحت لهم ظروف الصفقة دون أن أطلعهما علي التصوير ،تحمس سيلفيو للصفقة،
وكادت صابرينا أن تفقد عقلها حين أخبرتها بأمر اللفائف ،فقد توقعت أنها خبيئة أوزير
سيف.
في الموعد المتفق عليه اتصلت هاتفيا بقائد مجموعة الشباب ليحضروا فو ار،
لشقتي بالحسينية ،وحدث أن أخبرتهم بأني شاهدت تصوي ار لدشغلهم مع أشخاص مهمين
في البلد ،استشاطوا غضبا وقال أحدهم وكأنه عيصدرخ.
-لن يستطيع أحد أن يقترب من المكان ،فقد أنفقنا كل ما نملك على هذا الدشغل.
كنت أسعي لغضابهم وتفجير ثاورتهم لتأكد من أن الطمع قد أحكم سيطرته
علي نفوسهم ،دعوتهم للهدوء ورحت أداعب أحلمهم فقلت.
-لقد تم اعتماد خمسين مليون دولر ثامن ا لمحتويات المقبرة ،سأعرض على أصحاب
المكان عشرين أخضر والباقي كله لكم ،ثالثاون مليووووون دوللللر صاااااافى لكم
يا شباب ،هل اتفقنا؟.
ردوا في نفس واحد وعيونهم تتلقى في ذهول.
-اتفقنا حضرتك ،اتفقنا.
فتحت حقيبة مكتظة بالموال وقلت.
200
-سأعطيكم مليون جنيه حالا بشرط أن تثابتوا لي سيطرتكم على الشغل ،يمكن تأجيل
موضوع فحص الشغل لبعض الوقت.
ل.
اندفع أحدهم قائ ا
-إحنا طوع سيادتك ،تحت أمر حضرتك يعنى.
شغلت الكومبيوتر المحمول وأشرت للتصوير وقلت بحزم.
-أريد هذه اللفائف ،سأعتبرها دليل سيطرتكم على الدشغل.
لم أنظر إليهم وأضفت.
-سأعطيكم مليون جنيه أخري حينما تسلموني إياها.
أعطيتهم المال ورحت اشرح لهم تفاصيل الخطة التي أعددتها.
بعد أسبوع أعطيتهم ستة لفائف ،كالتي تظهر بالتصوير تماماا ،ليبدلوها بالصلية دون
أن يثايروا أدني شك لدى أصحاب الشغل.
سعدت باللفائف وفرحوا بالفلوس كثاي ارا ،نظرت لقائدهم ،اسمه حنفي ،رأيت
الشيطان يسكن عينيه ،قلت له.
-ما حصلتم عليه من مال لن أخصمه من ثامن الدشغل ،هو عربون للصداقة بيننا،
وسوف أعطيكم كل ما تطلبونه ،شرط أنه من هذه اللحظة ستنفذون ما أطلبه منكم،
بكل دقة وبدون مناقشة ،يجب أل يتصرف أحدكم أي تصرف غير الذي سأمليه عليه،
لو التزمتم بذلك لن تصبحوا أغنياء فقط بل ستصبحون رجالنا في لمصر ،هل أنتم
مستعدون لذلك.
قالوا في نفس واحد
-تحت أمرك يا باشا لو عايز نحرق البلد نحرقها.
ضحكنا كأصدقاء وتبادلنا إلقاء النكات ،كان أحمد حجازي يترجم وتعبيرات
وجهه تعبر عن دهشته واستغرابه لما يحدث وعندما أصبحنا بمفردنا ألح على أن يفهم
ما أدبره ،فقلت له.
أنت وصابرينا تحتاجان لما باللفائف من معلومات وأسرار ،وسيكون لكما ذلك،
أما بقية الدشغل فهو ما يهم سيلفيو ،فأرجو أن تترك لي الليلة كلها.
200
ساعدته في تصوير محتوي اللفائف تصوي ار دقيقاا ،بكامي ار حديثاة ومبهرة في
إمكاناتها ،حتى إن الحروف والكلمات كانت أوضح مما في اللفائف.
كنت قد قررت إضافةع دبعلد جديلد لخطتي بعدما سيطر علي الطمع فى الستيلء
على ثامن الصفقة لنفسي.
ألقيت نظرة على محتويات اللفائف وعلي الرغم من معرفتي الهائلة بتاريخ
الحضارات والديان فقد انتابني الذهول ،فما هو مدون بها كان خطي ار.
كانت كل لفيفة عبارة عن خمس ورقات كبيرة من اللجلد العفالخر ومكتوب عليها
بقلم اردواز بطريقة الكتابة الهيروغليفية المقدسة ولكن بطريقة فريدة على طرق التدوين
المصرية ،فبكل ورقة إحد عشر عمودا من السطور ،بكل عمود خمسة وعشرون
ل لفيفلة كتاب ا مستقل ا بذاته ويناقش قضية معينة ويبوح بأسرار
عسطر ،ويمكن اعتبادر دك ب
تتعلق بموضوع محدد في تلك القضية.
الدمدهش أنها دكتلعبت على مدى عدة أجيال لدتغطى فترة زمنية تتجاوز اللفي عام
ببضع مئات من السنين ،يبدو أن أجيال من المؤرخين تتبع جماعة دينية قديمة توارثات
تدوين الحداث والمعلومات التاريخية التي تهم تلك الجماعة.
يبدأ التدوين ،في أوراق اللفة الولي ،بأحداث مذبحة جبل حوريب بسيناء ،والتي
قادها يوشع بن نون ،ضد المصريين الذين خرجوا مع العبرانيين من مصر.
ومن الجدير بالذكر أن أوراق اللفة الخيرة كانت غير مكتملة ،مما يدل علي أن
التدوين توقف عندها كليا ولسبب غير واضح.
وتعتبر تلك اللفائف سجل ا تاريخي ا للوقائع المهمة التي عمرت بها مصر والشام،
وكذا الجزيرة العربية ،من زمن طرد اليهود من مصر ،حوالي 1700ق.م وحتى ما بعد
ظهور السلم بعقود قليلة.
----------
كان أحمد حجازي منزعجا بشدة من تغير أسلوبي في العمل وتجاهلي لرائه،
وأبدي تخوفه من صدامنا مع تجار الثاار.
200
طمأنته وخفت منه ،كان لدي هاجس أنه يعرف شيئا عن تاريخي من صابرينا،
طلبت منه أن يحدثاني عن نفسه وظروفه ،لم يخذلني وكأنه كان ينتظر مني ذلك فراح
يسرد قصته ،فقال.
-تخرجت من كلية آداب الزقازيق ،قسم تاريخ ،وأملا في الحصول على وظيفة معيد
بالكلية بذلت أقصى جهد حتى حصلت على درجة الماجستير في التاريخ المصري
القديم ،ولن عائلتي تعلعج بأعضاء من جماعة الخوان المسلمين ،لم أعين معيدا أو فى
أي وظيفة دأخري ،وبعد مئات الشكاوى لرئيس الجمهورية دعينت مدرسا لمادة التاريخ
بمدرسة الزقازيق الثاانوية بنين ،قضيت ثالث سنوات من المعاناة على يد إدارة المدرسة
ومن بعض المدرسين ،من أعضاء جماعة الخوان ،بسبب محاولتي لتعليم تلمذتي
التاريخ المصري القديم بشكل صحيح ومنقح من خزعبلت اليهود.
ل.
ضحك ثام استطرد قائ ا
-حدث أن عبرت عن دهشتي من تفاصيل قصة النبي موسي وكيف للفرعون أن
يخرج بنفسه على رأس جيش إمبراطورية عظمى ،كمصر ،ليطارد فلول العبيد
العبرانيين؟ ،وأبديت دهشتي من أن الجيش المصري يبتلعه البحر عن بكرة أبيه ،دون
أدنى لذكر لهذا العحدث العجللل بأي من وثاائق العالم القديم أو حتى في تاريخ مصر
اللحق! ،أوقفتني الو ازرة عن العمل ،ثام نقلت للعمل بمحافظة مرسى مطروح ،وعندما
تغيبت عن العمل فصلوني نهائياا.
-هذا أقل واجب بعد هذا الذي قلته.
-عشت أيام ا سوداء ،فقر وخوف وشك بسبب رفض الناس لي وتهكمهم على ،راسلت
العديد من الجامعات الأوروبية ،طلبا لمنحة لدراسة الدكتوراه في التاريخ المصري
القديم ،وبالفعل حصلت على موافقة عدة جامعات ولكنى اخترت جامعة روما لن لي
بإيطاليا بعض القارب والصدقاء القدامى الذين هاجروا إليها منذ سنوات ،وهناك
التقيت بصابرينا ،المدرسة بقسم تاريخ الديان ،ورئيسة فريق تحقيق الوثاائق بمركز
الحضارات القديمة التابع للجامعة ،كانت إنسانة راقية وذكية ،ومبهورة بالحضارة
المصرية القديمة لدرجة أنها هي التي تقربت منى عندما علمت بأنى مصري وأدرس
التاريخ المصري القديم.
200
-أكنت تعرف بأنها إسرائيلية؟.
-ل ،هي إيطالية ،يهودية إيطالية ،كما أن ذلك لن يغير من موقفي منها ،فقد تعاملت
معي بأخلق عالية ،وكانت بحق أفضل أستاذة لي ولمجموعة من شباب الباحثاين
بالجامعة من مختلف الجنسيات ،بعد فترة أصبحت أقرب طالب دراسات عليا للدكتورة
صابرينا مما حدا بها أن تختارني عضوا بفريقها لتحقيق الوثاائق ،مما حسن من أحوالي
المادية وساعدني في التقدم السريع في دراستي للدكتوراه.
تعرفت على ابنة شقيقها مونيكا ،طبيبة السنان ،وصارت بيننا علقة حب
قوية ،ومع كل التحرر الذي تعيشه أوروبا عارض والد مونيكا زواجنا بشدة ،ولول وقوف
صابرينا بجانبنا ما تم الزواج ،وفي الحقيقة أنا مدين لها بنجاحي في تأسيس أسرة
صغيرة ،سعيدة وناجحة.
أنجبت خديجة وعلى ،وسارت الحياة بنا من نجاح إلى نجاح حتى اصطدمت
صابرينا بإدارة الجامعة وببعض القوى السياسية بروما فشتتوا جهودها وعملوا على
تدمير إنجازاتها العلمية ،ووصل المر إلى تسريح فريقها البحثاي ،وكانت نتيجة وقوفي
بجانبها أن ألغت الجامعة منحتي الدراسية وأصبحت فى الشارع.
من جديد عشت أياما صعبة ،حتى دعتني صابرينا للذهاب إلى نابولي للعمل
مع سيلفيو الذى اهتم بعملها وقرر تمويل أبحاثاها ،عملت معها بمصر لعدة سنوات،
ولكن حدث أن ضيقت الحكومة المصرية عليها الخناق فاتفقنا على أن أقيم أنا بمصر
وأزاول نشاطا اقتصاديا في نطاق محافظتي الشرقية والسماعيلية ،استقرت أعمالي
بمصر وكانت غطاءاا جيدا لنشاطنا في التنقيب والبحث عن الثاار وبالفعل حققت
نجاحا كبي ار في هذا المجال.
-أتسمى التنقيب عن الثاار وتهريبها نجاح ا؟.
أخذته المفاجأة ولكنه تماسك بسرعة وقال بمكر.
-ل عتبنسع أنك تقوم بنفس المهمة.
-لست مصرياا ،أنا سوري.
نهض واقف ا وهو يضحك بطريقة مستفزة ثام قال.
-ل أصدق هذا ،أنت مصري يا أستاذ محمد ،أنا متأكد من ذلك.
200
ارتبكت وانتابني القلق ،ومع هذا قلت في هدوء.
-تعلمت بمصر وعملت بها لفترة طويلة ولكني سوري ،والسيدة التي طلبت منك
مساعدتها ،بدمياط الجديدة كانت حبيبتي طوال فترة إقامتي بمصر ،وقد علمت أنها تمر
بظروف صعبة فرأيت أن أساعدها.
قلت هذا ثام فاجأته بقولي.
-أريدك أن تصفى أعمالك هنا وتعود ليطاليا.
تغيرت ملمح الرجل وقال بغضب.
-أستاذ محمد ،أنا أعمل مع صابرينا ولن أنفذ إل أوامرها.
-الوضع أصبح خطيرا ،ففي روما هناك من ديهدد صابرينا وهنا من يراقبنا منذ فترة،
أري أن فرص حصولنا علي المقبرة تتلشي مع الوقت.
تحول غضبه إلي خوف وتردد حين أخبرته بأن لدى خطة للاستيلء على المقبرة
سأنفذها بمفردي وأن عليه الختفاء تماما ،لنه الخيط الوحيد الذي يمكن أن يكشفنا
للسلطات المصرية أو لصحاب المقبرة ،لنه ببساطة معروف للوسطاء ،ومع خوفه
وتردده التزم بتنفيذ ما أمليته عليه.
قام سريعا بتصفية أعماله بمصر وزدت له من رصيده بالبنك بروما ما قيمته
مليوني يورو شرط أل يخبر صابرينا باتفاقنا هذا إل بعد عودتي ليطاليا ،فاشترط أن
أتحمل كل المسئولية عن أفعالي والنتائج التي قد تترتب عليها ،وعدته بذلك.
----------
علي مائدة عشاء فاخرة ،بشقتي بالحسينية ،تحدثات معهم باللغة العربية على طريقة
نطق الخواجات ،كنت أتكلم ببطء وبعد كل جملة أسألهم إن كانوا قد فهموا ما أقوله!،
كانوا مرتاحين لجتماعي بهم بمفردي ،سألتهم.
-ما قولكم ،لو أن أحدهم يسعي للستيلء على صفقتكم وسلبكم حقكم؟.
صرخوا في غضب ،وفى عنفس واحد.
-نذبحه ،هو ومن يتشدد له.
كنت أتوقع الجابة فضغطت على أعصابهم أكثار لأختبر مدى استعدادهم.
-مهما كان قويا وصاحب نفوذ؟
200
قال حنفي وقد ارتسمت على وجهه ملمح الحقد والغضب.
-يا روح ما بعدك روح يا باشا ،بعدما أمسكنا بالفلوس في أيدينا ،هي أو الموت.
بتحد.
ثام نظر لصدقائه بقوة فردوا النظرة بأعنف منها فاستدار نحوي وقال د
-ما هي الحكاية بالضبط سيادتك؟.
طلبت منهم أن يهدءوا ليتمكنوا من التفكير السليم ،فأخذوا يأتون بحركات
مجنونة ،منهم من راح يقرض أظافره حتى سالت منها الدماء ومنهم من أخذ يضرب
رأسه بكفه ثام يضرب كفيه ببعضهما ،شرحت لهم المشكلة التي تواجههم وأنا أجول
بنظري علي وجوههم لتأكد من أن القلق يتلعب بهم وأضغط بأقصى ما يمكنني على
أعصابهم الملتهبة ،أنهيت كلمي بأن قلت لهم.
-كنا بإيطاليا نخطط للدفع بكم لعلى المواقع لتكونوا ذراعنا القوية بمصر.
قال حنفي بغضب حقيقي.
-حضرتك ،قل لنا من هم وسنتخلص منهم فو ارا.
أخفيت سعادتي بالجملة الخيرة وقلت.
-نقتلهم ويفتضح أمرنا وتضيع أحلمكم خلف القضبان ،وتعرضوني للخطر.
قال أحدهم.
-لو حضرتك تتصرف في عشرة أخضر ،ندفعها لصحاب الدشغل ونحضره إلى هنا،
ونحن نأتمنك على بقية الفلوس.
نظرت إليه بدهشة مصطنعة وحركت رأسي يمينا ويسا ار وأنا أرسم على وجهي
ابتسامة تنم عن خيبة أملى ثام قلت.
-كلمك هذا أكبر دليل على أنكم ما زلتم في سنة أولى دشغل ،أولا كيف لك أن تأتمني
على الفلوس ،ثااني ا لن أستطيع تحويل الفلوس لمصر قبل شهر فالسلطات دهنا تراقب
التحويلت الكبيرة ،وخلل تلك المدة يمكن للخرين أن يسيطروا على الدشغل ،حتى لو
بالشراء ،فهم أغنياء وأقوياء.
سألني حنفي مرة أخري.
-من هؤلء؟ .لماذا ل تريد لنا أن نعرفهم؟
200
-ل تسألني عمن هم بل اسألني كيف نتصرف لنحصل على الدشغل ،فأنا أريد تنفيذ هذه
الصفقة معكم ،فأنتم شباب قوى وشجاع ويعجبني إخلصكم لبعضكم البعض.
زادت كلماتي من حماسهم فقال حنفي.
-قل لنا ماذا نفعل ونحن ننفذ فو ارا.
تبادلوا نظرات قوية ،فقلت ببساطة وفي هدوء.
-نستولي على الدشغل فو ار.
أخذتهم المفاجأة ،تبادلوا نظرات الشك والخوف ،ثام قال حنفي.
-لكن أصحاب الدشغل يعرفوننا جيدا فنحن من يمدهم بكل ما يحتاجونه من مؤن.
-من المؤكد أنهم تعاملوا مع غيركم؟.
-هم أربعة رجال أشداء ومسلحون ومن عائلت كبيرة ،ولن يتركوا حقهم حتى لو
قتلونا ،كما أنهم ل يغادرون المكان أبداا.
-لم أقل إننا سوف نسلبهم حقهم.
-كيف؟.
أعرف أن الاستفهام دليل قاطع على الموافقة ،قلت.
-سوف نستولي علي الشغل ونخفيه لحين وصول الفلوس فتأخذون حقكم وأسافر
بالدشغل ،ثام تعطون لصحابه حقهم وتشرحون لهم أنكم فعلتم ذلك اضط ار ار بعدما نما
لعلمكم أن هناك من يسعي لنهب الشدغدل بالقوة.
ل.
بدا لي أنهم اقتنعوا بكلمي ،فاستطرت قائ ا
-لدى خطة محكمة سنناقشها مع ا وعندما نتفق على الخطوات نبدأ التنفيذ.
ولأحافظ على حماسهم أعطيتهم مليون جنيه بحجة تغطية تكاليف الخطة،
اشتعلت عيونهم حماسة ،طلبت منهم وصف المكان والطرق المؤدية إليه ،فأخبرني
حنفي بأن المكان بمنطقة تسمي تل الذهب ،داخل مياة بحيرة المنزلة ،وشرح كيفية
الوصول والخروج من المكان ،فأعد رسم الخطة بناء علي تلك المعلومات.
نفذت مع حنفي عدة بروفات للوصول للمكان والخروج منه إلي المكان الذي
اقترحه ،شقة بمدينة فاقوس بمحافظة الشرقية ،قبل يومين من التنفيذ طلبت من الشباب
أن يتوقفوا عن إمداد حراس المكان بالطعام والشراب والدخان ،وفي اليوم المتفق عليه،
200
أعددت وجبة ضخمة من الكباب والكفتة بعد خلطهما بمخدر قوى وسريع ،يستمر عمله
لمدة يوم كالمل ،وفى النقطة التي حددناها على الشاطئ أنزلتهم في ميعاد العصر
ليبحروا باللنش إلى العتل ومعهم عدة حقائب جلدية كبيرة.
كان ميعاد الرجوع عند أذان المغرب بالضبط ،وخلل تلك الفترة حضرت إلي
دمياط الجديدة ،تجولت بالمدينة لمدة نصف ساعة ووقفت أمام منزلنا لمدة عشر دقائق
ورأيت نهاد ويوسف أمام المنزل ،عندما شعرت بأن يوسف يشتبه في ذهبت من فوري،
ووصلت للمكان قبل أذان المغرب بعشر دقائق ،وعلى اتفاقنا رن هاتفي النقال ،قال
حنفي كلمة تمام ثام أغلق الخط ،استدرت بالسيارة واتجهت نحو الشاطئ حتى كدت
ألمس مياة البحيرة ،انتظرتهم بلهفة كادت أن تقتلني ،وبعد دقائق قاموا بنقل الحقائب
إلى السيارة وانطلقنا إلى مدينة فاقوس.
أصبح الوضع صعب ا جدا وسيطر التوتر على الجميع ،كنا خائفين حتي من
أنفسنا ،وصلنا إلي الشقة في حوالي التاسعة مساءاا ،تمددنا جميعا لنريح أجسادنا
المرهقة وأعصابنا الملتهبة ،وبين الحين والخر كنت أمطرهم بكلمات التشجيع والطراء
لدغدغة المل بداخلهم.
استأذنتهم في الذهاب لمدينة الزقازيق لمقابلة الشخص المنوط به استقبال
ي منهم للشقة حتى أعود.
التحويل البنكي من إيطاليا وأكدت عليهم بعدم مغادرة أ د
كنت علي موعد مع النجار وشلته بشقة الحسينية في تمام الثاانية عشرة.
----------
ما إن عدلف من الباب حتى سألني النجار عن حجازي ،أخبرته بأنه سيكون
صلف.
موجودا غدا فقال في ع
-الفلوس جاهزة؟
-في السابعة من صباح العغد تتسلمون الفلوس ونتحرك لفحص الدشغل.
فقال بغطرسة.
-يبقي نمشي ونأتي في الميعاد ،لدينا مصالح.
وكأنه يهددني أشار إلى بأصبعه وقال.
-غدا الساعة السابعة هذا آخر كلم ،من غير المناسب أن نحضر ول نري جدية.
200
ابتلعت غضبى واستفسرت عما يرمي إليه ،قال.
-من يخل بالتفاق يغرم مائة ألف دولر.
وافقت ودفعت بمفتاح الشقة للحاج عيد بحجة أنه قد أستغرق في نوم عميق فل
أفتح الباب فيعتبرني النجار مخلا ويطالبني بالفلوس.
قال عيد بعفوية.
-أتعطينا المفتاح ول تخاف؟!.
ابتسمت له وأنا أقول للنجار.
-نحن شركاء وسوف يكون بيننا صفقات أخري ،كما أني أثاق بكم.
راحوا وراحت من قلبي أي شفقة بهم ،تناولت حبة مهدئة ،وراجعت مع نفسي
خطوات تنفيذ بقية الخطة ثام كتبت ورقة للنجار أرجوه فيها انتظاري لمدة ساعة واحدة
لني ذهبت للطبيب بسبب معاناتي من مغص شديد ،ولطمئنه أخبرته بوجود المال
بحقيبة بحجرة نومي.
تناولت حبة واقية من تأثاير الدمخدر ،كنت أخشي على نفسي من الجميع،
ضبطت المنبه على الساعة السابعة والنصف ووضعته على البوفيه في غرفة المعيشة
ليكون في مواجهة الجالس بالنتريه ،تركت مفتاحا للشقة في شباك المنور في الناحية
المقابلة لباب الشقة وتحركت بالسيارة إلى فاقوس.
دخلت على الشباب دمهللا لهنئكم بقرب وصول الفلوس من إيطاليا ،تسامرنا
وضحكنا كثاي ار وبعد حوالي الساعة استأذن حنفي في النزول لحضار طعام ومشروبات
غازية وسجائر ،أخبرته بأني قد جلبت معى كل ما يحتاجون إليه ،وقد وضعته
بالمطبخ ،أصر على النزول فتيقنت أنهم يخشون أن أفعل بهم ما فعلوه بأصحاب الدشغل
فقلت له.
-علي راحتك يا أخ حنفي ،ولكنك بذلك تخالف ما اتفقنا عليه.
فقال في حدة غير متوقعة.
-نحن المسئولون عن حماية أنفسنا من هذه اللحظة.
كنت أتوقع تصرفهم هذا ،فقلت في هدوء وثاقة.
-افعلوا ما هو في مصلحتكم ،فقط أحذركم بأن الموقف ل يحتمل أي خطأ.
200
---------
كما توقعت ،قسموا أنفسهم إلي مجموعتين لتبادل ساعات النوم والحراسة،
تركتهم وشأنهم ،ورحت أتصرف وكأني ل أهتم بما يفعلونه ،تمددت على كنبة النتريه
وعندما أحضروا المراتب والغطية ليناموا بالصالة تأكدت من مدى خوفهم منى.
تظاهرت بالنوم فسمعتهم يتجادلون همساا ،كانوا مختلفين حول أسلوب التعامل
معي ،أفصح بعضهم عن خشيتهم من غضبي وضياع فرصة عمرهم فأكد لهم حنفي
بأنني سوف أكون طوع أيديهم ،بما دفعته من أموال فى دشغل ،هم من يسيطر عليه.
ل ،وكأنه يشتبك في
بمجرد أن أغمض أحدهم عينيه راح يصدر ضجيج ا هائ ا
مشاجرة بحي شعبي ،كان بجواره ثالثاة يقاومون ببسالة سلطان النوم ،طلبت من أحدهم
أن يغلق الشباك لني أشعر بالبرد ،فتحجج بأن الشباك يخرج دخان السجائر ثام امتثال
للمر بعد إلحاح منى.
هممت بإشعال سيجارة فلم تشتعل الولعة الروبسون ،ناولني أحدهم ولعته،
أشعلت السيجارة فقال وهو يضحك.
-يا باشا ،ولعتك الضخمة لم تسعفك ،والصيني أم نصف جنيه قضت الغرض.
رحنا نتبادل الحديث ،وأثاناء ذلك ،كنت أضغط على زر إطلق الغاز المنوم،
من الولعة الروبسون ،التي كانت تحتوى على حوالي لترين من الغاز المنوم ،وخلل
خمس دقائق كانوا جميعا عيدغطون في نوم عميق.
وهنا لم تستطع سهير أن تتماسك فانطلقت منها ضحكة ساخرة وقالت.
-ومن أين أتيت بهذا الغاز؟.
-تستطيعين في نابولي أن تشترى بالمال قنبلة نووية لو أردتل.
واصلت سهير سخريتها من زوجها وقالت.
-وطبع ا اشتريت واحدة بالفعل!.
-سأفعل حين أحتاج إليها.
طلب منها الصبر حتى ينتهي ،وبصعوبة سيطرت على نوبة الضحك التي
ل.
انتابتها فاستطرد قائ ا
200
-بعد حوالي الساعة كنت أتحسس طريقي إلي القاهرة متجنبا كمائن الشرطة علي
الطريق ،وفى تمام الساعة السادسة صباح ا كنت علي أول طريق القاهرة الفيوم.
انطلق زكريا بالسيارة قاصدا واحة الفرافرة ،ورحت في النوم بعد أن نبهت عليه
أن يوقظني في تمام السابعة مهما دكنت متعباا ،فالحبة المضادة للغاز المنوم أصابتني
بتعب شديد.
بصعوبة فرقت جفوني عن بعضهم وطلبت } حنفي { على هاتفه النقال ،كان
غاضبا وثاائ ار ومع هذا جاءني صوته مبحوحا وضعيفا لدرجة أنه كلما حاول أن يصرخ
ل.
كان صوته يختفي تماماا ،كان يهذي بكلم غير مفهوم ،نهرته قائ ا
-كلنا في خطر شديد ،اسمعني جيدا وافتح ميكروفون الهاتف حتى يسمعني أصدقاؤك
أيضاا ،لقد استيقظت فوجدت نفسي مع الدشغل في شقة الحسينية وبجواري الثالثاة رجال
الذين كانوا ينازعونكم الصفقة ،استولوا على مليوني دولر ،كنت أحتفظ بها بالشقة،
وهددوني بالاستيلء على المال والدشغل إذا لم أدفع لهم ثامانية عشر مليون دولر قبل
تمام الساعة العاشرة من صباح اليوم ،يعني بعد ثالث ساعات من الن.
وكأن سهير ضبطت زوجها بغلطة مهمة فصاحت به قائلة.
-قلت للنجار ،وللذين معه ،إن بالشقة مليون دولر وتقول لحنفي إنها مليونا دولر.
لم يستجب لاستفزاز سهير ،ابتسم وقال.
-فى الحقيقة لم يكن بالشقة مليون جنيه مصري ،ولكنى تعمدت إغراء الشباب إواثاارة
طمعهم بمبلغ أكبر.
أخبرت الشباب بأني الن في طريقي إلي القاهرة لحضار بقية المبلغ ،لستلم
الشغل وأخرج به من فوري ،فقد وعدوني بالمساعدة فى ذلك حال تسلمهم المال.
سمعت صراخ الشباب وتهديدهم بقتلنا جميعاا ،سألني حنفي في يأس.
-ونصيبنا وحق أصحاب الشغل؟.
-هم من يسيطر علي الشغل الن ،كما أن المبلغ أصبح عشرين أخضر فقط.
وأضفت ،بنبرة حزن ،لكي أضغط على أعصابهم.
-كلمتكم لني أحببتكم في الحقيقة ،وكنت أريد مصلحتكم ،ول أستحق تهديدكم ،فأنتم
من أخطأ ،فنزولك لشراء الطعام هو ما مكنهم من رصدنا بشقة فاقوس.
200
سمعته يهدئ من ثاورة زملئه ثام يسألني.
-والن قل لنا كيف نتصرف وسننفذ ما تقترحه فو ار وبدون نقاش.
-هم الن بشقة الحسينية ،وكما قلت لك سوف تنتهي مهلتهم لي بعد ثالث ساعات،
اذهب إليهم من فورك ،ستجد مفتاح الشقة بشباك المنور المواجه لباب الشقة ،ادخل
ستجدهم مخمورين ،لقد تناولوا ليلة أمس كميات كبيرة من الخمر ،اقتلوهم ،وحذار أن
تتركوا أيا منهم حياا ،بعد ذلك كلمني بالتليفون علي هذا الرقم لحضر إليكم فو ارا ،هيا
بسرعة ،في انتظار مكالمة منك ،ربنا معكم ،ربنا مع الحق.
رفعت سهير يدها وكأنها تلميذة تستأذن في الكلم وقالت.
-متى شربوا الخمر؟.
ابتسم رضا وقال.
-قلت إني ضبطت المنبه على الساعة السابعة والنصف صباحاا.
هزت سهير رأسها لتؤكد علي كلمه فأضاف.
-هذا ليس منبه ا عادى ا ،كان ملغوم ا بأمبول من الألومنيوم يحتوى على حوالي خمسة
لترات من الغاز المنوم المضغوط ،وقد ضبطته ليطلق كل كمية الغاز في أقل من
دقيقة ،في تمام السابعة والنصف صباحاا.
تجاهل اعتراضها على ما قاله وأكمل حكايته.
بعد حوالي الساعتين كنت أسمع أنفاس حنفي تتسارع على الجانب الخر ،كانت
أوضح من كلماته ،فهمت منه أنه قد انتهى من الثالثاة في عضون دقائق ولكنه لم يجد
بالشقة إل مليون جنيه فقط كما أنه ل يوجد أثار للدشغل بالشقة ،سألته.
-هل أنت متأكد من أنهم ماتوا جميعاا؟.
وجاءتني أجمل جملة سمعتها منذ سنوات.
-نعم ،لقد ذبحتهم بيدي.
دمرت الشريحة وألقيتها من شباك السيارة ،أخذت نفسا عميقا وانزلقت في المقعد
ثام أغمضت عيني ،لم أرد حتى على أسئلة زكريا الذي لم ينفك يسأل.
-من هؤلء؟ ،ولماذا أنت سعيد هكذا بموتهم؟.
التفت نحوه ونظرت إليه بعيني اليسري وقلت.
200
-مات ثالثاة شياطين.
-سماسم كلها بركة ،فها أنت ذا وقد أصبحت صاحب ثاروة طائلة وسطوة مرعبة كما
تنبأت لك.
----------
انشغلت بمباشرة أعمالي بإيطاليا ،والتي نمت بشكل كبير بمساعدة سيلفيو الذي
بدا سعيدا بالصفقة الخيرة حتى إنه أخذ يتقرب مني كثاي ار حتى خلته الخ الذي لم تلده
أمي ،كلما تقرب منى شب ار تقربت منه ذراعا فازداد شعوري بالذنب ناحيته لني أخفيت
عنه عأمر اللفائف ،كما كذبت عليه بشأن ما تكلفته في الصفقة الخيرة ،فقد حصلت منه
على عشرين مليون دولر ولم أنفق منها أكثار من مليونين واستوليت على بقية المبلغ
لنفسي ،وفي الحقيقة كنت قد احتفظت باللفائف لساوم صابرينا عليها حتى ل
تفضحني لدي سيلفيو.
كانت التغطية الصحفية لحادث مقتل النجار ورفيقيه واسعة ،وأزعجني أن
الشباب تحدثاوا في التحقيقات عن رجل ايطالي خدعهم وحرضهم علي الجريمة
واستولى منهم على مجموعة من التماثايل الثارية القديمة ،وذلك بمساعدة رجل مصري
اسمه أحمد ول يعرفون عن الرجلين أية معلومات أخرى ،وبالطبع قدم الشباب لمحاكمة
عاجلة ونالوا حكم ا بالعدام ،وواصلت الصحف التحريض ضد تجارة الثاار وكان
هناك تعاطف شديد من الرأي العام مع الشباب المخدوع ،كما لم تنقطع المقالت
الصحفية المتعاطفة معهم.
يبدو أني في ورطة كبيرة ،ماذا لو أن السلطات المصرية توصلت لشخصية
حجازي ،وماذا عن الضابط الكبير الذي ساعدنا إبان عملنا بالحسينية؟ ،أل يمكن أن
يتعرف على شخصية حجازي؟ ،،،يا ال ،،،ستكون كارثاة ،فالعالم أصبح قرية صغيرة
والانتربول الدولي ل عيرعحم .ارتبكت كثاي ار واضطربت أحوالي ،فلول مرة منذ هروبي من
مصر أرتكب مثال هذا الخطأ الستراتيجي ،كيف لم أحسب وأتوقع نتائج ما فعلته
بمصر ،تمنيت موت أحمد حجازي أو اختفاءه من على وجه الرض ،وما زاد الطين
بله هو ما حدث بعد ذلك بعدة أشهر.
----------
200
بحجة أن لديها موضوعا خطي ار تود مناقشته معي طلبت صابرينا حضوري فو ار
لشقتها بروما.
ألفيتها علي حال غير كل أحوالها التي عرفت من قبل ،كانت ترتدي قميص نوم
شفافا يبرز لونه المووف أكتافا بيضاء وردية ،مساحيق الوجه وضعت بعناية فزادتها
جمال ا على جمالها ،شعرها الشقر يسترسل على كتفيها ويدعوك لن تغمض عينيك
علي جمالها وتستنشق عبيرها ،نظرات عينيها تحرضك على التقدم وافتراس لحمها
الوردي.
خرج مني شهيق طويل تبعته آهة هامسة ،سألتها في دهشة.
-ما هذا صابرينا ،نيو لوك جديد ،هل تنتظرين أحد؟.
-بانتظارك أنت ،أنا سعيدة بما توصلنا إليه وقررت أن نحتفل سوياا.
-يبدو أننا سنحتفل بطقس جنسي؟!.
ضحكت في ليونة مغرية وأفسحت الطريق فتبعتها للداخل وأنا مبهور بجاذبيتها
ومندهش كيف أنى عميت كل هذا الوقت عن تلك الفتنة والدلل ،لحقت بها واحتضنتها
من الخلف ،أفلتت مني برفق ،وواصلت إغرائي فقالت.
-أنت عفظ محمد ،كل يوم تثابت لي أنك عربي.
اعترضت قائلا.
-انتظري صابرينا ،أنا مصري ولست عربياا ،تعرفين حساسيتي تجاه هذا الأمر.
-لم أقصد أن أضايقك ،الناس بمصر مهووسون بالجنس ،فقد تعرضت هناك للتحرش
الجنسي مرات عديدة ،من شباب ،من رجال دمتقدمين في السن ،متعلمين ،من جهلء،
موظفين ،رجال أمن ،حتى خدم الدغرف بالفنادق تحرشوا بي محمد ،حتى أصبح لدى
قناعة بأنكم تمارسون الجنس في كل لحظة ،وكنت أفكر كيف عأسعدك ،فقررت أن
أمنحك نفسي الليلة محمد ،آل يروق لك ذلك؟.
أفهمتها أن مصر هي بلد الكبت الجنسي بل منازع لسباب ثاقافية واجتماعية
واقتصادية ،ارتبكت وسألتني.
-أفهم من ذلك أنك ل تريدني محمد؟.
200
تنبه إلى أن سهير تنظر إليه في غيظ وحنق كاد أن يقذف بالدم من عينيها
ووجنتيها ،ابتسم وتنحنح وأضاف.
-طلبت أن أمدها باللفائف لتؤكد لزملئها الكاديميين حقيقة وجودها.
أخي ار استطاعت سهير أن تنطق فقالت ببطء وهى تغمض عينيها كي ل تراه.
حك لي بالتفصيل ما حدث بينك وبين صابرينا ،ول تكذب علي.
-ا ل
أصر علي أنه لم يحدث بينه وبين صابرينا شيء ،ويبدو أنه لم ينجح في
تهدئتها فلذ بالصمت حتى تنتهي من توبيخها له ،ثام اقترح عليها أن تق أر ما حدث بينه
وبين صابرينا على الفلشة ،وافقت حين أخبرها بأنه سجل كل شيء بالفلشة وهو ل
يتوقع بأنهما سيلتقيان في يوم من اليام ،جلست أمام الكومبيوتر فقرأت.
----------
احتلت ملمح الخجل وجهها وقالت وهى عتشعدر بالحباط.
-أل أعجبك محمد؟.
-كيف وأنت قادرة على إثاارة تمثاال من الحجر ،فما بالك بي؟.
ثام قلت بجدية واضحة.
-أشعر بأنك تحاولين رشوتي.
-نعم ،في الحقيقة أنا أحاول مكافأتك ورشوتك ،أتمانع؟.
قالت ذلك ثام ارتمت في أحضاني وراحت تقبلني وتخلع عنى قميصي ،لم دأثاعبر
فثاار جنونها وقالت في غضب.
-محمد لم ديخلق من يرفض صابرينا.
-لم تفهميني ،ببساطة أنا ل أمارس الجنس بل استعداد كيميائي دمسبق ،إنه مرض
السكر يا عزيزتي.
-آه ،مرض السكر ،لدى العحل.
خرجت من المطبخ وهى تشير إلي بشيء بيدها وتقول.
-أحضرت هذا من سيناء ،إنه فطر ل أتذكر اسمه الن ،كان المصريون القدماء
يقدسونه لما يسببه من نشاط جنسي عارم لدي تناوله.
-إنه فطر المانتيا موسكاريا ،سبب آلم الذكور في العالم.
200
اقتربت مني وقالت في دلل سال له لعابي.
-هل تسمى الفحولة الجنسية ألم ا للذكر؟.
ضحكت من إصرارها على الاستمرار في إغرائي ،وقلت.
-أبدع المصريون ختان الذكر ليشبه قضيبه هذا الفطر حال انتصابه.
ابتسمت في خجل ثام قالت بصوت يفيض رغبة.
-اشتقت لتجربة هذا اللفطر.
تجاهلت دعوتها الفجة ،شعرت بالخجل وقالت بصوت مبحوح دمبغلر.
-محمد أتهرب مني؟.
في محاولة لتجنب فشل أتوقعه رحت أحدثاها عن تاريخ الجنس عند قدماء
المصريين ،نظرت إلى في غيظ وقالت.
-حسن ا محمد ،أنت تأخذني لجواء المعرفة والعلم لتخلى عن محاولة رشوتك ،حسن ا،
ماذا عن اللفائف ،أين هي؟.
كنت أعرف أنه لن يهدأ لها بال حتى تحصل عليها ،ولكنى كنت قد عقدت
العزم على عدم خيانة سيلفيو أكثار مما فعلت ،فقلت في حزم.
-يكفيك التصوير الدقيق لها ولما بها من معلومات ،ماذا تبغين غير ذلك؟.
شعرت بأعصابها تفلت منها ولكن يبدو أنها قررت الاستمرار في محاولة إقناعي
بتسليمها اللفائف ،فقالت.
-من غير اللفائف لن يكون لدى دليل على ما سوف أعلنه على العالم.
نظرت إليها نظرة عتاب وغضب وقلت.
-لقد وعدتي بعدم نشر أي معلومات تجنينها من عملنا سويا إل بعد اتفاقنا علي ذلك.
لم ترد فأضفت في حدة.
-أراك تناقضين نفسك ،تدعين بذل الجهد والوقت لنقاذ العالم من جماعة دينية سرية،
ومن جهة ثاانية تحاربين كل الديان وتضعين نفسك فى مواجهة الدنيا بجميع أطيافها،
مما قد ديكلفك حياتك ،فبمجرد أن دتعلني هذه المعلومات ،عسدتطلق عليك ألف رصاصة،
وحتم ا ستصيبك إحداها.
-أنا أكاديمية وباحثاة ول يمكنني عتكدتم مثال تلك المعلومات.
200
-تبحثاين عن الشهرة والمجد وقبلهما عن انتصار ديشبع رغبتك في الانتقام؟.
قالت في غضب وبحدة.
-أتنكر أن هذا وذاك من حقي؟.
-أنت تثايرين شكوكي حول أهدافك ،المشكلة أننى كنت قد عزمت علي مساعدتك
بالرغم من أنى ل أصدق حكاية تلك الجماعة الدينية التي تريد تدمير العالم.
-ولماذا ل تصدق؟.
-للن لم أظفر بمعلومة عن هذه الجماعة!.
-لو أفضيت إليك بسرها هل تستمر في التعاون معي أم ستخاف علي مشاريعك؟.
-هذا يتوقف علي ما سوف أسمعه.
-حسناا ،هذه الجماعة تتخفى خلف إحدي الكنائس العالمية ،وتتمتع بنفوذ هائل على
مستوى العالم ،لدرجة أنها تتحكم في اختيار رؤساء بعض الدول الهامة وتسيطر على
العديد من المراكز الحساسة في العالم.
توقفت عن الحديث فجأة والتفتت إلي وقالت في مكر.
-أنا مندهشة لهتمامك الشديد بمعرفة سر هذه الجماعة ،سلمني اللفائف أخبرك المزيد
عن تلك الجماعة وعن الكنيسة التي تتخفي خلفها.
وقفت غاضب ا وقلت في ضيق صدر.
-لن أعطيك اللفائف ،ل أرى ضرورة لها في حربك المقدسة ضد جماعتك المزعومة.
تيقنت من حقيقة غضبتي ،أخذت هيئة الباحثاة والكاديمية وقالت.
-آل تتفق معي بأنه عندما يثابت بالدليل القاطع أن الديان كانت أكبر خديعة للبشر،
سوف يتراجع الهوس بالدين وتتلشى مثال تلك الجماعات الدينية الباطنية ،ونضمن أن
يحيا العالم في سلم.
-من قال أن الدين يخضع لي حسابات عقلية ،التدين غريزة يستعلي بها النسان
على طبيعته ،إنها غريزة التطلع للخلود ،كما أن الدين يجيب ببساطة علي أسئلة معقدة
من قبيل من نحن؟ ،من أين أتينا؟ ،إوالى أين ننتهي؟ ،وغيرها من السئلة التي تحير
البشرية منذ البداية.
كانت تنظر إلي فى دهشة ،استوعبت معنى نظراتها فاستطردت.
200
-عندما عيلرث إنسان ،عقيدة أو ديانة ،فهي من أول المر تكون جزءاا منه ،يكبر معه
ويتوحد به ،مع الوقت تصبح عقيدته هويته ،يخمد بداخله اليمان بها فترات ولكنه
يتعصب لها في لحظات المواجهة مع الخر وذلك ليحافظ على هويته وعلى وجوده،
وفى هذه الظروف فإنه لن ديناقش أو يراجع ما يعتقد ،بل على العكس فإنه سعيجتعلهد ليل
نهار ليزيد من اقتناعه إوايمانه به ،وقد يصل به المر إلى التضحية بحياته من أجل
الدفاع عما يؤمن به ،بهذا الفهم يمكنك أن تتخلصي من الدهشة عندما يصادفك إنسان
متح ل
ضر ويستخدم التكنولوجيا في حياته اليومية بكثاافة ويتحدث بالعلم والمنطق ،ثام د
تفاجئين بتبنيه لديانة ساذجة وبدائية بل ويحرص على الالتزام بطقوس ل يقرها عقل أو
منطق ،لماذا هذا الشخص المتحضر ل يسأل نفسه هل ما يؤمن به صحيح أم عوهم
وخرافة؟.
-لنه في هذه الحالة يدافع عن وجوده.
-كما أن ما يؤمن به النسان يحميه من الجنون ،سواء كان ذلك بوعي منه أو بدون،
فالنسان يسكنه خوف مريع من قدره الذي يجهله ،من الموت الذي يطارده ،حتى إنه
يكره بقوة أن يفكر بالمر ،فيدفعه الكره والخوف لليمان بما ورثاه ،إنه الرعب من الموت
والفناء عزيزتي صابرينا ،والن لماذا تسعين لتجريد النسان مما يقيه الجنون دون أن
تعطيه البديل؟.
حركت رأسها علمة على اتفاقها معي في ال أري ثام قالت.
-من المثاير حقاا ،أن آباء الحضارة من العلماء والفلسفة ،اعتقدوا أنه كلما تقدم
النسان حضاري ا وملك أمره بالعلم كلما اضمحلت السطورة وتراجع دور الدين ،ولكن
العكس تماما هو ما حدث!.
-محاولة الغرب لفرض ثاقافة وسياسة العولمة والضغط الشديد للرأسمالية المتوحشة
دفعت بالمهزومين إلي أن يلوذوا بالدين كهوية ،يستظلون بها في مواجهة الخر
المنتصر ،الصحوة الدينية التي تجتاح العالم هي في حقيقتها هروب إلي الماضي،
خوف ا من الذوبان في ثاقافة عاتية غريبة عن مجتمعاتهم ،بعدما أيقنوا عجز ثاقافتهم عن
مواجهتها.
أقرت بقدرتي علي القناع فلم أترك الفرصة تهرب من يدي فأضفت.
200
-كما أن فضح خطأ ما يعتقده الفرد قد يدفعه للذوذ عن عقيدته حتى لو بالقتل
والتدمير ،واحتمال أنه يراجع معتقداته ،في الغالب يكون إحتمالا ضعيف ا جدا.
قالت مستسلمة.
-ماذا تقترح؟.
-أقترح أن تقتصر بحوثانا علي كشف سر مثال تلك الجماعات المجنونة.
وافقت علي القتراح وفاجأتني بأنها علي علم بتبرعاتي السخية للكنيسة
النجليكانية وأنها تعرف بعلقتي القوية بالب سيرجوني ،فادعيت بأني فعلت ذلك بناء
علي نصيحة من سيلفيو لستغل النفوذ الهائل لتلك الكنيسة في دنيا السياسة والقتصاد
بأوروبا ،فقالت.
-هذا ما يخيفني منك ،تتلهف علي معرفة سر الجماعة التي أسعي خلفها ،ثام تتبرع
لحدي الكنائس الثالث التي تحوم من حولها الشبهات!.
هنا حاول رضا أن تكتفي زوجته بهذا القدر وتستمع إليه ،فأغلق الكومبيوتر
المحمول فصرخت فيه.
-إما أن أكمل قراءة ما كتبته عن علقتك بتلك السيدة إوال فسأذهب من فوري.
أسقط في يده فهو يعرف أن زوجته تغار عليه كما يعرف أنها لن تصدق أبدا أنه
لم يضاجع صابرينا مهما حاول أن يقنعها بغير ذلك ،كما أن بقية الحوار بينه وبين
صابرينا سيجعل زوجته تفهم الحداث بشكل أفضل ،وهو ديخطط لدور مهم لها في
الحداث القادمة ،وهذا يتطلب أن تعرف تفاصيل الحداث.
لم عيدعد أمامه إل أن يقول الحقيقة كما حدثات ،كما أنه ل يلوى على شيء فهو
يعلم بأن هذا قد يكون اللقاء الخير بينهما.
اشترط عليها أن تسمعه ،بدون أن تلومه ،حتى ل يضطر إلي أن يخفى عنها
شيئاا ،وافقت ،فقام من مكانه ليتحرك بالمكان ،ثام أعطى لها ظهره وراح يحكي.
----------
أمسك بكتفيها وضمها إلي صدره ثام دفع جبهته في جبهتها ،رفع وجهها
فتلمست الشفاه ،همس قائلا.
-أما زلتل تريدين رشوتي أم غيرلت رأيك؟.
200
دفعت رأسها في صدره وقالت بخجل.
-لم أغير رأيي ولكنك أجبرتني علي تشغيل عقلي فذهبت رغبتي.
ضحك وقال ليداعبها.
-يبدو أن الفطر لن يكون مفيدا لمرضى الدسكر فقط ،بل لمرضى اللعلم أيضاا.
تملصت من أحضانه وهي تقول في تحد مثاير.
-فلنجرب الفطر ،فلنجرب ما قدسه القدماء.
-عليك بمشروب مانح للطاقة وكوب من العصير الطازج.
كف فجأة عن الكلم ،تظاهر بالتعب وطلب من زوجته شيئ ا يسد به رمقه،
دخلت المطبخ على مضض ،فطرح جسده على الكنبة وشغل الكومبيوتر بسرعة ليق أر
ما كتبه عن وقائع ليلته المذهلة مع صابرينا لعله يستطيع أن يحذف منه بسرعة ما
سوف يغضبها ،فقرأ.
تناولنا الفطر وآه من هذا الفطر ،لم أعد مندهشا لتقديس القدماء له ،فما حدث ل
يمكن تصديقه إل عن تجربة ،فهو يمنحك شعورا حقيقي ا بالسعادة الغامرة والرضا
والتوحد مع الكون من حولك.
فجأة اجتاحتني رغبة جنسية عارمة كادت أن تدفعلجر جسدي وتذهب بعقلي ،قفزت
لريح نفسي بممارسة الحب ،كنت في حالة مزاجية خيالية ملأتني بشعور أسطوري
بالفوران الجسدي يتبعه شعور خيالي باللذة والاكتفاء ،يتلوه رغبة جامحة وفوران جسدي
يتزايد كل مرة ،وهكذا استمر بي الحال لأكثار من ساعتين ،وبل مقدمات شعرت بإجهاد
شديد ،كنت منهك ا لقصى درجة مع شعور مريع بالجوع والعطش.
تحركت بصعوبة نحو كوب العصير وأنا ل أصدق أنى سألحق به ،تناولته في
جرعة واحدة طويلة أخرجت بعدها بصعوبة زفيرا قصيرا ،وعندما حاولت أن أمل
صدري بشهيق عميق زاغ منى البصر ورحت ألهث ونزفت عرق ا غزي ارا ،استجمعت كل
ما بقى بجسدي من قوة وقفزت بجنون لقبض علي المشروب المانح للطاقة ،تناولته
بسرعة فائقة فشعرت بالحيوية تدب في جسدي فأسرعت نحو صابرينا لسقيها مما
شربت.
200
كانت غائبة عن الوعي تقريبا ومبللة بالعرق ،انزعجت لحالها فجلست خلفها
وأسندتها على صدري ،تجرعت بصعوبة ما صببته فى فمها ،بدأت تتعافى شيئ ا فشيئاا،
تحدثات إليها فوضعت سبابتها اليمني على فمها ومدت شفتيها وقالت هامسة وعينيها
غائمة شبه مغلقة.
-هششش.
لذت بالصمت حائ ارا ،فأثاناء ممارستنا للحب لم أكن أشعر بوجودها إطلقاا!،
ضم جسدها وتبسطه ببطء مرات
أخذت أراقبها وهى تتقلب بجواري ثام تتلوى وتعدزدوم ثام تع د
متتالية ،سألتها عدة مرات.
-صابرينا ،ماذا بك؟.
لم ترد ،فقمت أبحث عن السجائر ،فسمعتها تهمس.
-أشعر بجسمى خفيفاا ،عأشدعر وكأني أطير في الهواء.
أخذت تزوم وهى تنظر في سعادة غامرة لجسدها الممدود ،ثام ابتسمت وهى
تأخذ شهيق ا شعرت أنا بلذته ،فما بالها هي ،سألتها.
-ماذا بك صابرينا ،لماذا تتأملين في جسدك هكذا؟.
همت بالضحك ،تقطعت أنفاسها وقالت بصعوبة.
-جسدي! ،إنه ضعيف ،لم يتحمل ما شعر به من متعة ولذة فضاق بروحي فأطلقها
من محبسها لتعيش حقيقتها ،متوحدة بالكون ،،،بالحياة ،،،بالسعادة ،،،بالنعييييييم.
أغمضت عينيها وتنفست بعمق عدة مرات ،فقلت.
-يبدو أن هذا الفطر يحتوى على مادة تسبب الهلوسة ،نحن نهذي صابرينا.
طلبت أن أتركها قليلا لتستمتع بتلك الهلوسة فهي أمتع ما عاشته في حياتها،
تركتها وشأنها ،أسرعت بتناول ما يسد رمقي وأخذت حمام ا دافئ ا أعاد جسدي لسيرته
الولي ،خرجت إليها منتشياا ،كانت منتبهة وفى عينيها بريق مدهش.
مسحت بيدها اليمنى على شعرها ،ثام نظرت إلي بعيون مذهولة وقالت.
-محمد ،من أين جاء كل هذا الشعور بالسعادة والهناء ،من الروح أم من العقل ،هل
هو شعور محبوس في مكان ما بداخلنا وحرره الفطر؟.
همت بالوقوف فترنحت كالمخمورة ،أسندتها فدفعتني عنها وقالت.
200
-لو أنني أهذي ،ولو أن ما أشعر به غير حقيقي ،فبماذا تفسر أن جسدي ما زال حتى
هذه اللحظة ينتفض من اللذة والمتعة؟.
أنا أيض ا أمتلئ بلذة ومتعة أسطورية ومع هذا قلت لها.
-الجسد يشعر باللم وكذلك بالمتعة أثاناء الحلم وكأنهما حقيقة.
-ل ،فما أنا فيه مختلف.
-ل أفهمك.
-ما حدث اليوم يؤكد لي نظرية تسيطر على تفكيري منذ فترة.
قالت ذلك في هدوء ورزينة فقلت وأنا أغالب الضحك.
-أية نظرية؟!.
ثام فقدت السيطرة على بركان الضحك الذي يفور بداخلي فانفجرت ضاحك ا،
حاولت العتذار فقلت بصعوبة.
-آسف صابرينا ،،إنه الفففططررر ،،آسف صابرينا ،،إنه الففطططرررر.
لم أتوقف عن الضحك بالرغم من السعال والدموع والرشح العغزير من أنفى ،وكأنها
توقعت أنني لن أتوقف عن الضحك ،تجاهلت سخريتي وأخذت تشرح نظريتها ،فانتبهت
بقوة لما تقوله فقد قالت كلما مدهشا.
----------
دخلت سهير وهى تحمل ما أعدته من طعام ،نظرت نحوه وهى تضع الطباق
على المنضدة ،فلحظت شروده ،فقالت وهى تمد يدها نحوه بطبق.
-عجيب ما أسمعه منك ،مغامرات ،جنس ،فلوس ،قتل ،وبعد ذلك كلم دكفر إوالحاد.
انتبه لتهكمها وارتاح إلي أنها لم تطلب منه أن يحكى ما جرى مع صابرينا
فانتهز الفرصة وقال وهو يغلق الكومبيوتر.
-تسلم يدك ،ذكريني أين توقفنا؟.
-عند الست صابرينا والفطر العجييييب.
ضحك على طريقة نطقها للكلمة الخيرة واستطرد يحكى.
----------
واصلت صابرينا شرح نظريتها فقالت.
200
-من أين يأتي الشعور بالسعادة والجذل الذي يشعر بهما النسان جراء تناوله
للمخدرات والعقاقير؟ ،من مخازن الذاكرة أم من مخازن العقل الباطن؟ ،هل تعمل
المخدرات والعقاقير علي فتح بوابات تلك المخازن فتتدفق منها مشاعر وأحاسيس
وأيضا أفكار ونظريات تفسر وتوضح ما يواجهه العقل الواعي للنسان من أسئلة
وتحديات تشغله وتؤرقه كثاي ارا؟ ،هل توارثات البشرية عبر أجيالها ما هو مختزن بالذاكرة
واللوعي منذ بدء الحياة كما توارث الصفات الجسدية والنفسية للباء والجداد؟ ،أليس
من المحتمل أنه بكل جيل من الأجيال حدث أن البعض كان يمتلك منطقة ل وعي
غامرة بالمشاعر والفكار الخلقة وبالخيال والبداع ،وصدف أن بعض ا منهم كانت
لديه بوابات ،عهشة لتلك المخازن ،تحطمت في ظل ظروف ذاتية ،أو موضوعية
عاشوها ،فتدفقت لديهم موجات عارمة من المشاعر والفكار والتصورات والخيالات،
بعضهم لم يتحملها فطاش عقله وأصيب بالجنون والعخبل ،أما البعض الخر ،ولظروف
ملئمة نفسية وعقلية ،استطاع أن يستوعب تلك الفكار والتصورات وهذا الخيال
والبداع فكان منهم العلماء والفلسفة ،وأيض ا النبياء ومن على شاكلتهم؟.
كنت مندهش ا لقدرتها علي ترتيب أفكارها ،سألتها في تهكم.
-وهل لهذه النظرية علقة بأبحاثاك حول الديان والجماعات الدينية السرية؟.
نظرت إلى نظرة متقدة وقالت.
-لماذا استمر الاعتقاد بالديان وبالغيب حتى بعدما سبر النسان أغوار الطبيعة
وسيطر عليها؟ محمد لدى تفسير جديد وفريد لتلك المعضلة.
لذت بالصمت ثام وضعت يدها على فمها وكأنها ما زالت تفكر وأضافت.
-تدفق مشاعر وأحلم ورؤى وخيالت غير مفهومة من مخازن اللوعي والذاكرة عند
بعضهم ،في كل جيل وكل مجتمع ،جعلت أحدهم يتصور أن هذه المشاعر والحلم
والخيالت زرعتها برأسه قوى خارجة عنه ومسيطرة عليه ،فبدأ يتخيل آلهة تختاره هو
بالذات لتبعث من خلله برسائلها وشفراتها للبشر ،فسرها من أسموا أنفسهم بالرسل
والنبياء وكذلك الئمة والزعماء الدينيين علي أنها وحى من السماء ،وهذا كان سمة
الحكماء في الشرق ،أما حكماء الغرب فأطلقوا علي ما يتفجر بعقولهم إلهام ا وإبداعاا،
200
ولهذا عرف الغرب الفلسفة ولم يعرف غير القليل جدا من النبياء ،ولهذا نجد الزخم
الديني يأتي دوم ا من الشرق ويقاومه الغرب.
-ما أسمع منك إل تخاريف ،فلو أن كل ما أبدعه النسان من نظريات علمية
وتكنولوجيا وفلسفات وفنون ،كان مخزونا بالعقل الباطن وبذاكرة البشر منذ البداية،
فمن يا تري وضعها بعقول البشر؟.
حد وقالت ببساطة دمدهشة.
نظرت إلى بثاقة وتع د
-ال هو من وضعها.
كانت إجابتها مفاجأة محيرة ،نظرت إليها وقلت في دهشة.
-ل اصدق ما أسمعه ،صابرينا التي تحارب الديان تؤمن بال؟.
عاجلتني بقولها
-طبعاا ،ول أظن أن هناك إنسان ا عاقل ا ل يؤمن بوجود ال.
صحت.
-يا ال! عفل عمـَ كل هذا الجهد والعناء؟.
-أؤمن بال ولكني ل أتصوره قد اختص بعضهم ليتوسط بينه وبين بقية خلقه.
ازدادت حيرتي وقررت أن أهدأ لستطلع أفكارها ،فقلت لها بهدوء مصطنع.
-وضحي كلمك.
-حسنا ،هناك بالعقل البشرى منطقة في اللوعي دتخزن بها ما أسميه أنا الوديعة
اللهية ،وهى تشبه ما يطلق عليه في علوم الحاسوب ،السوفت وير ،وضعها ال بعقل
كل إنسان لتساعده على اكتشاف حقيقة الوجود.
-النسان ظهر على الرض منذ مليين السنيين ،فلماذا لم ديعفعل هذا السوفت وير منذ
البداية ويقي البشر ما عاشه من مرض وفقر وجهل؟.
-لن النسان شغل نفسه ،ولآلف السنين ،بالغيبيات والساطير ،لنه بحث عن ال
خارج نفسه ،ولكن مع خبرته الطويلة تأكد من عدم استفادته من التفكير في الغيب أو ما
نسميه ما وراء الطبيعة ،وانكب على دراسة الطبيعة وقوانينها فهتك أسرارها وسيطر
عليها ،وأصبح كما أراده ال يملك مصيره.
وكأنها تستكشف مدي تأثاري بكلمها العجيب نظرت إلي وقالت.
200
-يمتلك كل من الحيوان والنبات ذاكرة صلبة ،أو ما نسميه الغريزة ،هذه الذاكرة تكفيه
لن ديكرر نفسه منذ مليين السنين ،وجل ما يفعله هو أن يتأقلم مع الطبيعة من حوله،
أما النسان فهو الوحيد بين المخلوقات الذي يمتلك سوفت وير ،وهذا الخير هو سبب
آلمه وعذابه ،فهو يؤرقه ويغريه لسبر أغوار المجهول ومحاولة العفهم والمعرفة ،فيسعي
جاهدا ليعرف نفسه ويكتشف كل أسرار الطبيعة من حوله ومن هنا تأتى مأساته البدية،
فهو ل يقر بكونه جزءاا من الطبيعة ويحاول بل كلل أن يتعالى على طبيعته وعلى
الطبيعة التي هو جزء منها ،وبسبب عدم قدرته على ذلك امتل بالحساس بالعجز
والضعف ومع هذا لم ينفك السوفت وير بعقله يحرضه ويوهمه بأنه فوق الطبيعة ويدفعه
للسمو عليها ،فما ابتدعه النسان من أخلق ومن فنون وعلوم وكذلك سعيه نحو المجد
والخلود كان بسبب أنه ل يريد أن يستسلم لحقيقة أنه مخلوق وفقط ،فظل للف السنين
يبحث عن اللهة ،وراح يتخيلها ويبدعها وينسج من حولها الساطير ،وحاول جاهدا أن
يربط مصيره باللهة ،وذلك بسبب شعوره الغامض بأنه ل يشبه شيئا في الطبيعة ،بل
ديشبه تلك اللهة التي تخيلها ،فهو أسير رغبة غير واعية لن يكون خالدا يملك مصيره
كاللهة ،من أول لحظة لوجوده علي الرض وتؤرقه باستمرار طبيعته كبعشر ،فهو
يمرض ،يشيخ ،يموت ،ولنه ل يمكنه الإفلت من قبضة طبيعته فقد تطلع منذ البداية
لخالق تصور شكله وقدراته بما يليق به ،وحسب ما أنتجه عقله وحسب ما استطاع
استيعابه من خيالت إوابداع ،أو بمعنى آخر ،عبد النسان بقوة إواخلص ما تصوره
على أنه ال ،أو بشكل أكثار صراحة لقد عبد النسان وقدس ما تمناه لنفسه من صفات
وقدرات.
وفي محاولة مستميتة للخلص من فكرة الفناء ،التي تؤرقه في كل لحظة من حياته،
تصور الموت على أنه انفصال للوديعة اللهية ) السوفت وير( أو الروح أو العقل
والتحاقها بالله مع عودة الجسد ليذوب في الطبيعة ،أي أن الموت هو تحرر الروح من
سجن الطبيعة ،لتحيا حقيقتها خالدة كجزء من ال الخالد ،وهناك ديانات ذكية تكلمت
عن التحاق روح النسان بروح ال الكلية بعد الموت ،وتصورت أن كل ما في الكون من
حياة هي روح ال الكلية ،وعلى كل روح بشرية أن تخوض حياتها كتجربة خاصة تعود
بعدها لتلتحق بروح ال الكلية.
200
-تلك محاولة فاشلة لثابات أن النسان هو من اكتشف ال ،وأن ال لم ديرسل رسلا أو
أنبياء ليعلم النسان بوجوده وبحقيقته.
-أمهلني حتى أوضح فكرتي ،اتفقنا أن النسان هو جزء من الطبيعة ولن ال خلق
الطبيعة متنوعة جاء النسان متنوعا تنوعا يسمح له بالتأقلم مع الطبيعة التي يعيش
فيها ،وهذا هو فعل الهارد وير في النسان ،ومع تنوع الطبيعة وتأقلم النسان مع
تنوعها ،تنوعت المجتمعات والمجموعات البشرية واختلفت درجات تطورها ونضجها
وقدرتها على التصور والتخيل ،وانعكس هذا على تصورهم ل فجاء متنوعا عبر المكان
والزمان ،ومن هذه النقطة جاء تنوع الديان واختلفها ،إذن ال واحد ،ولكن نحن البشر
نختلف في تصورنا له ولهدفه من خلقنا ،وتأتي المشكلة عندما يتصور كل فريق أنه هو
الذي عيعلرف حقيقة ال وعغرضه من العخلق ،ويصدق أن ما بعقله وقلبه هو الحقيقة
الوحيدة ،وما بعقل وقلب غيره هو الضلل ،فيتصور نفسه مفوض ا من ال لقتال وتدمير
هذا الخر ،والحقيقة أنه يقتل ويدمر من أجل الوهام التي تحتل عقله ،ما أود أن أقوله
هو أن ال عيسدكن عقل وقلب كل إنسان ،بل إن ال هو روح النسان.
-إوالى أين ستنتهي بنا تلك السفسطة؟.
-كنت قد اعترضت علي أبحاثاي بحجة أنها ل تقدم للنسان بديلا عن الدين الذي
يحميه من الجنون ،وما أقوله الن هو البديل المقنع الذي سوف يهدئ من روعه.
شعرت بدوار وخفقان بصدري ،طلبت منها أن تختصر لني أشعر بالتعب،
تجاهلت ما أقول وواصلت حديثاها بحماس فقالت.
-بعدما نثابت ،وبما ل يدع مجال ا للشك ،أن ما يؤمن به الناس ،من أديان ورسالت
ووحي من السماء ،ما هو إل محض أوهام وأساطير ومن صنع بشر مثالهم ،نقدم لهم
الحقيقة وهى أن ال موجود بداخل كل إنسان وباستطاعة كل فرد أن يكتشف ال بداخله
ويتوحد فيه فيصبح خي ارا ،عطوفاا ،ذكي ا ومبدعاا ،وقبل كل ذلك يتأكد من أنه أزلي وخالد
كما ال ،فيركن لتلك الحقيقة ويعيش مقتنعا بذاته ول يضطر لن يبررها أو يعتذر
عنها ،لنها جزء من ال ،وبهذه الفكرة البسيطة يستطيع النسان التوحد مع الكون الذي
هو الخير والحب ،المعرفة والخلود.
انتبهت لكلماتها الخيرة وكأني سمعتها من قبل فصحت فيها.
200
-انتظري ،أسمعك وكأني أسمع نبدي الل أدريين الديب العالمي باولو كويلو.
-بالضبط محمد ،هو كذلك ،أنا أتبنى أفكار العظيم كويلو.
قلت ببطء وبشيء من السخرية.
-أيها النسان ،اذهب وافعل ما تشاء ،فقط حاول أن تلتلزم بالحب في كل أفعالك.
يا لدهشتي! ،بدلا من أن تغضب ارتسمت على وجهها ملمح الرضا وقالت.
-صحيح محمد ،صحيح.
-نحن ندعو إلى نزعة روحانية إنسانية تؤكد على اليمان بال وفى نفس الوقت
تستخدم الكود الأخلقي للديان كلها ،أو الخلق المتفق عليها إنسانياا.
-تحاولون صنع خلطة من الديان ،تخترعون دينا تلفيقيا.
-بل ندعو لطريقة إيمان تقبل الاختلف وتعطى مساحة من الحرية لكل إنسان وترشده
لاستكشاف قوته الداخلية أو الطاقة اليجابية بداخله.
-بدين شخصي لكل فرد؟.
-بل ندعو للتحرر من القيود التي فرضتها الديان على النسان ،فبعد تطور النسانية
تحولت الشرائع والمحرمات لقيد خانق لحرية النسان ولحركة المجتمع.
-كيف لمجتمع أن يعيش بل دين أو شريعة؟.
-وما الحاجة للشريعة أو حتى للدين ،وقد تقدمت المجتمعات الغربية بمجموعة من
القناعات والقوانين ،ثابت أنها أكثار عدلا إوانسانية بل وأكثار واقعية وعقلنية من كل
الشرائع التي تدعيها الديان ،وما تنعم به البشرية من حرية وعدالة ورفاهية هي نتيجة
للتفكير العقلني للبشر بعدما تيقنوا من أن الديان ل تقدم إل الوهم والتخلف وتسمح
بالستغلل ،ولم تجن منها البشرية إل العنف والكراهية ورفض الخر.
انتابني هاجس بأنها قد تكون عضوة بجماعة دينية باطنية وأن أبحاثاها ودراستها
لخرى ،وكأني أنساق خلف عحدسي
ما هي إل جزء من صراع جماعتها مع الجماعات ا د
هذا ،قلت لها.
-لن أسلمك اللفائف إل بعدما تكشفي لي سر الجماعة الدينية التي تسعين خلفها،
وأرى ما تملكينه من وثاائق وأدلة ضد الديان.
بوغتت برد فعلى ،فسعت للتخفيف من وطأة كلمها المريب فقالت.
200
-أل تكفيك المعلومات الحاسمة فيما بحوزتك من اللفائف؟.
قلت بضيق صدر.
-تلك اللفائف ،وغيرها من الوثاائق التاريخية ،ل ترقى للدليل القاطع ،لقد دونها بشر
لمثالنا ،ومن المؤكد أنهم عكتبوا ما اعتقدوا أنه صحيح ،كتبوا وجهة نظرهم وتفسيرهم
للحداث ،وليس من العدل أن دتضفى عليها عقداسة وتجردي ،ما لدي المؤمنين بالديان
من وثاائق وأدلة ،من تلك القداسة.
دأسقط في عيدها ولم عيدعد لديها دفرصة للمراوغة فقامت وشغلت جهاز البروجيكتور
لتعرض عليه ما لديها من وثاائق وأدلة تاريخية ضد الديان.
قامت سهير من مكانها وهى تقرض أظافرها وراحت تجوب المكان في توتر
واضح ،ثام نظرت لزوجها وقالت بحدة.
-لقد اختنقت مما أسمعه ،وحتى الن لم أعرف هدفك من أن دتسمعني كل كلم هذه
السيدة ،كما أنك تحاول أن تقنعني بأنك تدافع عن ال والديان وهذا لم يكن عهدي بك
من قبل ،أنت دتسلرد كلمها بقوة ومنطق وترد عليها بردود ضعيفة ،أرجوك يا رضا لم
صبر على هذا الهدراء ،ما جدوى أن دتسمعني هذا الحوار بالتفصيل الدململ؟.
يعد لدى ع
أطرق رضا للرض وأحس بخيبة أمله في الستراتيجية التي اتبعها ليضمن من
زوجته مساعدة صادقة توقع أنه سيحتاج إليها في وقت ما ،وقال في نفسه سهير تغيرت
كثاي ارا.
حرك رأسه ليؤكد لها أنه رضخ لرغبتها ثام نظر إليها وقال.
-أريدك أن تستوعبي كل ما تحتويه هذه الفلشه من معلومات.
نزع الفلشة من جهاز الكومبيوتر وناولها لزوجته وأضاف.
-أرجو أن تحتفظي بها في مكان سرى ،إواذا حدث لي مكروه ،عليك أن تتعرفي على
ما بها ،لتتمكني من حماية أنفسكم مما قد يتهدددكم ويهدد البشرية كلها.
-من المؤكد أنها تحتوي علي نفس الخزعبلت التي أسمعتني إياها؟.
وكأنها تذكرت شيئ ا مهم ا ،صمتت ثام نظرت إلى زوجها وقالت بغضب.
-ماذا يتهدد الولد يا رضا؟ ،ألم يكفك ما عانيناه بسببك ،لتأتى اليوم وتمل حياتنا
خوفا ودرعبا؟.
200
ارتعد لغضبها ،فهو يعرف مدي خوفها على ولديها ،قال ليهدئ من روعها.
-خلل شهور سيكون لديكم أموال طائلة ،قد دتغرى البعض بكم.
-بناقص تلك الموال ،ومن هؤلء البعض؟.
-كتبت كل شيء بالتفصيل في حافظة ،باسم يوسف ونهاد ،بها كل احتمالت الخطر
التي قد تواجهكم لو قدر أنى لم د
ت قبل أن أنهي المشاكل التي تواجهني الن.
-فهمت أن عودتك تعنى نهاية مشاكلك وعودتك لولدك.
-قلت لك منذ قليل أن هناك مشاكل خطيرة لم أنته منها بعد.
-صدعت رأسي بكلم ل يفيد ولم تتكلم عما يحيط بك وبنا من أخطار.
-بالفلشه كل شيء بالتفصيل.
-أنت طلبت أل أقرأها إل إذا حدث لك مكروه ،وأنا أريد أن أعرف حالا ما هي
الخطار التي دتهلدد أولدي ،إوال عليك أن تحتفظ بفلشتك وتتركنا في حالنا.
أصبح الدموقف صعباا ،ولكنه ل يملك إل أن يعلمها كل شيء ،فهو يعرف أنه قد
يموت بأية لحظة وعلى أسرته أن تدافع عن وجودها ،لم يعد يفيد شيئ ا أن يلوم نفسه أو
أن تلومه هي ،فالحداث تتسارع ولم يعد لديه وقت ،فقال لها في رجاء.
-احتفظي بالفلشه ،وأعطني الفرصة لشرح لك كل شيء.
تناولت سهير الفلشه في غضب وأخذت تقلبها بيدها ثام قالت.
-شيء مدهش ،أتلك الفلشة هى ما سيحدد مصيرنا؟!
-هذه الفلشه كنز ل يقدر بثامن.
-تاني يا رضا ،كنز ،فلوس ،دمرت حياتك وحياتنا بسبب المال ،وها أنت تملك
المليين وما زال الجشع ديعمى قلبك.
-ل أقصد الفلوس ،بل أقصد أنها عكنز من المعرفة سيفيد البشرية كلها ،ويقضى على
الشر ،ما بهذه الفلشه من معلومات سوف يجنب العالم الدمار.
لم تستوعب كلمه المثاير ،ابتسمت وقالت في سخرية.
-كما بالفلم ،دهم يقتلونك ،وأقوم أنا باللنضال من أجل نشر رسالتك ثام أموت أيض ا
وأترك من خلفي يتيمين ل حول لهم ول قوة!.
200
-ل داعي للسخرية يا سهير ،أشعر بأنك غير سعيدة بعودتي ول ترحبين بوجودي،
لكن المر عجد خطير وليس أمامك عخيار آخر غير ما قدلدر لك ،فأرجو أن تسمعيني
لشرح لك ما هو موجود بهذه الفلشا ،ثام أكمل حكاية كل شيء بالتفصيل.
رفعت يدها في وجه وقالت في لهجة تحذير.
ي من كان بأن
-ل أريد ليوسف ونهاد أن يعيشا في تهديد وخوف ،ولن أسمح ل د
يمسهما ،اسمع يا رضا سنعتبرك لم تعدعد ،ولتبق كما أنت الستاذ محمد السوري.
اندفعت نحو باب الشاليه فلحق بها وهو يقول.
-أرجوك يا سهير ،انتظري وسأنتهي سريع ا وبعدها اتخذي القرار الذي ديريحك.
عادت على عمضض وعلى شرط أن يحكى بسرعة لنها تأخرت على الولد،
كما أنها تشعر بإرهاق شديد ،فراح يشرح لها ما بالفلشه من معلومات ووثاائق وكيفية
تقسيمها إلي عدة حافظات عحسب كل دلغة كتبت بها الوثاائق ،وداخل كل حافظة قدلسعمت
الوثاائق بدورها إلي أجزاء حسب ما تعالجه من موضوعات وحسب الفترة الزمنية
الخاصة بها.
-هناك حافظة مهمة تتحدث عن عدة جماعات دينية تحج إلى فلسطين ومصر،
والعجيب أنها تسدلك في ذهابها إوايابها نفس طريق خروج اليهود من مصر ،وهو
نفس الطريق الذي سلكته السرة المقدسة في زيارتها لمصر عند هروبها من
بطش الرومان ،وتعتقد صابرينا أن إحدى هذه الجماعات تتبنى عقيدة مدمرة
وتخطط للسيطرة على العالم لتدميره ،وحصرت شكوكها في ثالث جماعات
متقاربة في عقائدها وطقوسها ،وكنت قد تقربت أنا بقوة من كنيسة أعتقد أنها
غطاء لحدى هذه الجماعات الثالثاة ،ومن حظي أو قولي من أقداري أن هذه
الجماعة راحت تتقرب مني بقوة وتكشف لي أسرارها ،بل وتسعي لضمي
لعضويتها.
وهناك حافظة ،بعنوان يوسف ونهاد ،بها كل احتمالت الخطر التي قد
تواجهكم ،وبها كل شيء بالتفصيل عن ممتلكاتي وحساباتي بالبنوك بأوروبا وأمريكا،
وأرقام حساباتكم وحجم الموال المودعة بأسمائكم وصو ار لعقود بيع وشراء لكل ما أملك
بأسمائكم أيضاا ،العقود والمستندات الصلية ستصلك في الوقت المناسب.
200
فاجأته قائلة.
-وأين تفاصيل علقتك بصابرينا.
ابتسم واقترب منها ،قبل وجنتيها وقال.
-بالفلشه تفاصيل ما عشته لحظة بلحظة ،منذ خرجت من مصر وحتى الن ،ل
تتعجلي المر ،ودعيني أكمل لك بعض التفاصيل الهامة ،فقال.
----------
كعادتها اختفت صابرينا ،فجأة وبدون مقدمات ،ولكن بدا لي هذه المرة أن المر
مختلف ،فسيلفيو نفسه ل يعرف عنها شيئاا ،طال غيابها فذهبت إلى روما واجتهدت في
البحث عنها وعن أحمد حجازي دون طالئل.
انشغلت بأعمالي التي توسعت بشكل كبير بفضل علقتي بمجلس الكنيسة
الأنجليكانية بروما وخاصة بالب سيرجوني.
في شهر فبراير 2011م .ازرني سيلفيو بمنزلي وطلب منى السفر إلى شرم
الشيخ بسيناء ،على أن أدخلها عن طريق إسرائيل كسائح ايطالي ،حيث سيكون في
انتظاري شخص هام ،من طرف الكنيسة النجليكانية بروما ،لنهم بحاجة إلي هناك في
مسألة سأعرفها في حينها ،رحبت بالرحلة أملا في مقابلة صابرينا ،كان لدى يقين أنها
هناك ،إما في مصر أو في إسرائيل.
قضيت أسبوعا بتل أبيب متنقلا ما بين المستشفى وهيئة الثاار السرائيلية ،فقد
انتهزت فرصة وجودي هناك للطمئنان على صحتي ،وكنت أذهب لهيئة الثاار بتل
أبيب أملا في العثاور على صابرينا ،أو على القل لأسمع عنها أية عخعبر ،ولكن خاب
مسعاي.
مساء يوم الخميس ،الثاالث من شهر مارس 2011م .وبعد أن أخذت قسط ا
وفيرا من الراحة بغرفتي بفندق ريزورينا بمدينة شرم الشيخ ،سمعت طرق ا على الباب،
فتحت وكانت مفاجأة من العيار الثاقيل.
ارتبكت بعض الشيء وتنحيت جانب ا ليدخل مدير الفندق الذي كنت أعرفه
ويعرفني جيداا ،تقابلنا عدة مرات بمكتب الأب سيرجوني ،وأعرف أيض ا أنه ،ودون بقية
أعضاء سكرتارية الكنيسة ،كان محل ثاقة الكاهن.
200
قبل أن يجلس سألته.
-سيد تارديني ،لم أعرف أنك تدير واحدا من أهم فنادق شرم الشيخ.
نظر إلي طويلا ثام قال بثاقة.
-أنا المسئول عن تسيير أعمال الكنيسة النجليكانية علي مستوي العالم.
جلس ووضع ساق ا علي الخرى ثام قال.
-أعتقد أن سيلفيو أخبرك بالمر.
-لم يخبرني سيلفيو بشيء.
وقف وعلى وجهه علمات الحدة والغضب ،وقال.
-لكن نحن طلبنا منه أن يخبرك بما نحتاجه منك ،ول أصدق أنك لم تساله عما نريده
منك.
يبدو أنه أحس بغضبي لطريقة حديثاه إلي فقال في احترام.
-عزيزي محمد ،عتعلرف الكنيسة التي أخدمها وعتعلرف أن لها نشاطا خيريا يغطى تقريبا
كل مكان بالعالم ،وها أنا أعلمك أن لكنيستنا أيض ا استثامارات هائلة بأماكن مختلفة من
العالم ،والنظام المعمول به لدينا هو الاستعانة برجال أعمال ناجحين مثالك لنتشارك في
المشاريع الكبيرة ،وذلك حتى ل تظهر الكنيسة في الصورة ،لسباب ستعرفها في حينها،
ولن سيلفيو له علقات قوية في مصر ودول الشرق الوسط طلبنا منه ترشيح شخصية
بمواصفات معينة ،هو يعرفها جيداا ،للقيام بالمهمة هنا بمصر ،وكانت مفاجأة سعيدة
أنه قام بترشيحك أنت فوافق الكاهن على الفور.
ل.
قاطعته قائ ا
-علقتي بكم قوية فلماذا لم يفاتحني الب سيرجوني في المر دمباشرة.
وكأنه يتوقع السؤال أجاب بسرعة.
-سيلفيو أكثار منا خبرة بمصر وبأحوالها.
ثام نظر إلى نظرة متوهجة وأضاف.
-ولن الععرض دمغبلر ،لم نشك في موافقتك عليه.
امتعضت لنظراته إلي فقال في دهشة.
200
-ل تستخف بالمر ،فقد جلس أمامي ،من قبلك ،العشرات من الشخصيات العظيمة،
لم يستخفوا بالمر أبدا وكانوا عقلء ،استغلوا الفرصة ودهم الن يتبوءون مناصب هامة
ومواقع حساسة على مستوى العالم.
لذت بالصمت فأضاف.
-لثاقة الأب سرجيوني بك طلب مني ،طبع ا بعد موافقتك على العمل معنا ،أن دأخبرك
بأمر ترشيحك لعضوية جماعتنا الدينية النسانية الخيرية.
كان المر مفاجأة أربكت مشاعري وضربت عقلي بعطل مؤقت فلم أعد أتبين
ما أشعر به ،ذكريات أليمة وتخمينات مخيفة أخذت تطرق عقلي بقوة ،آثارت مواصلة
الصمت ،فغضب الرجل وقال بحدة.
-أريد معرفة رأيك الن.
-فيما يتعلق بعضوية الجماعة؟.
حد وقال من بين أسنانه.
نظر إلى بتع د
-بخصوص مشاركتنا في استثامار كبير هنا بسيناء.
-بالطبع أوافق على التعاون معكم.
ارتسمت على وجهه ملمح الرضا والاطمئنان فأضفت.
-لكن كيف أرشح لعضوية جماعة ل أعرف عنها الكثاير؟.
-كيف وقد تبرعت لها العام الماضي فقط بأكثار من مليوني يورو؟.
أطرقت أنظر للرض ثام قلت وكأنني أتحدث مع نفسي.
-تبرعت للكنيسة لعجابي بنشاطها الخيري في المناطق الفقيرة من العالم.
أخذ الرجل يتجول في المكان للحظات ،عاقدا يديه على بطنه المكورة والممتدة
أمامه لمسافة ليست بالقليلة ،ثام التفت نحوي بسرعة ثام اقترب منى وألقي بجسده
بجواري ،ارتكن بكوعه اليسر على فخذه وبيده الشمال راح يمسح جبهته ثام عيفلرك
يبد لي قلقا أو متوت ارا ،وبعد لحظات من الصمت المتبادل ،مال
عينيه ،ومع هذا لم د
برأسه نحوى وقال.
200
-عنحدن دنرلشح العضو حسب ذكائه وحسب النجاح الذي يحققه في عمله وحياته ،وكذلك
حسب تبرعاته للجماعة وقبل كل هذا حسب نقاء دمه ،وعندما تقربت أنت من الكنيسة
راقبناك وأسعدنا أنك رجل محايد ديني ا.
قاطعته معترضاا.
-أنا دمسللم.
ل.
فألجمني قائ ا
-يا عردجل ،لم نرك تدخل مسجدا أو ضبطناك دتصلى كما يفعل المسلمون.
-هذا ل يتنافي مع كوني دمسلماا.
وضع يده اليمنى تحت إبطه اليسر ،وأمسك ذقنه بين إبهام اليد اليسري
ودسبابتها ،ثام نظر إلى وقال.
-حسن ا ،ما هو السلم؟.
-هو اليمان بال والتسليم له.
تهلل وجه الرجل لكلماتي وصفق بيديه وقال.
-إذن نحن مثالك مسلمون ،فاسم جماعتنا ) المسلمون ل أو المنتظرون ل ( ولكننا،
وعلى العكس منك ،عنلتعلزم بشرائعه وطقوس عبادته.
لحظ مدي دهشتي وعجزي عن الكلم ،نظر في عيني مباشرة ،وكأنه ق أر ما
بها من تساؤلت أضاف.
-يمكن اعتبارنا مسلمين بالمعنى الذي قلته.
تمالكت نفسي وسألته.
-أعلم بوجود كنائس تابعة لجماعات وفرق دينية ،أما أن يكون العكس ،فهذا ما لم
أعلم به من قبل.
ضحك بطريقة مسرحية ثام قال.
-الكنيسة النجليكانية واجهة تمكن جماعتنا من النشاط والحركة ،في كل وقت وكل
مكان وبسرية تامة.
-ولماذا جماعتكم سرية؟.
200
-لنها تمهد الكون ليوم الخلص ،يوم إشراق إله النور على الكون ،لنها ل تؤمن
بخزعبلت الديان البراهيمية فتحتاج لن تكون سرية.
توقعت بقية الحكاية ولكنى قررت أن يستمر الحوار بشكل طبيعي ،بين شخص
عيعلرف ما يقوله وآخر يجهل ويستغرب ما يسمعه ،قلت له متصنعا الغضب.
-أي إله ،وأنت دتسمى الديان السماوية خزعبلت؟.
فقال في دهشة حقيقية.
-اله الحق ،أهناك إله غيره؟.
-بالعالم مئات الديان والعقائد ويدعي كل منها أنه يعبد الله الحق ،ويعطى تصوره
للإله الذي يعبده ،فما هو تصور جماعتك لربكم؟.
وكأنه في مأزق ،حاول تغيير دفة الحديث فقال.
-عزيزي محمد ،لماذا تقربت من كنيستنا دون أي كنيسة دأخرى؟.
تمالكت أعصابي وقلت في بساطة.
-قلت لك أني دأعجبت بالنشاط الخيري لكنيستكم وبتفاني أعضائها في فعل الخير
ومسارعتهم بمساعدة الناس.
استحسن كلمي فوضع يده على كتفي وقال.
ضعل الطريق الصحيح ،نحن نتعرف بسهولة
-هذا لن بداخلك مؤمن ا حقيقي ا ،ولكنه ع
على الشخص المؤمن بفطرته ،ونعمل على ضمه للجماعة بأن نرشحه للعضوية لمدة
عام ،يصبح بعدها عضوا عاملا تحت الاختبار لمدة عام آخر ،إواذا أجازه عضوان من
الجماعة ،عينضم للجماعة ليحتل موقع ا يتناسب مع درجة ذكائه ومستوى نشاطه وأعماله
وتبرعاته ،والأب سيرجوني وأنا قمنا بترشيحك للعضوية ،وفى نيتنا أن دنجيز عضويتك
بالجماعة.
ابتسمت له وأنا أنصت لكلمات سمالسم وهى تدوي بأذني ،انتبهت لتحديق
تارديني في وجهي فقلت بسرعة.
-شك ار للأب سيرجوني ولك.
اتجه ناحية شباك الغرفة وأزاح الستارة وهو يقول.
-أحب مشاهدة أضواء شرم الشيخ من النافذة.
200
ثام التفت نحوي وأضاف.
-لعلك تذكر ،أنه في مرة من المرات ،التي دخلت فيها الكنيسة بروما ،ألخذت عينة من
دمك لتحليلها لضمان عدم إصابتك بإنفلون از الخنازير ،في هذا اليوم تم التأكد من نقاء
جيناتك الوراثاية وعندها تم اعتماد ترشيحك للعضوية ،وبعد أسابيع ستكون عضوا تحت
الاختبار ،ومع هذه الصفة الجديدة ستكلف بمهام ومسؤوليات ،أهمها اللتزام بالاشتراك
في معسكرات العداد والتأهيل ،وبقدر ما تحصله من لعلم بأسرار الديانة وشريعتها
الغراء ،ستقترب من إجازتك من معلم الحق لداء مناسك فريضة العحج الكبرى ،لتنعم
حينها بحماية وعطف معلم الحق وتنطلق من نجاح إلى نجاح ،وتتبوأ أرفع المناصب
وأخطرها في بلدك أو بأي بلد آخر تراه الجماعة ،فبعد أداء الحج ستصبح ابنا ل فل
تعرف الفشل أو الخوف بعدها أبداا.
سألته بلطف ولين.
-إلى أين يكون هذا الحج؟.
-لمكان هنا بسيناء وآخر بالصحراء شرق نيل مصر ،سوف تعرفهما في حينه؟.
وكأني أتوسل إليه سألته.
-هل انتظاركم للهكم يشبه انتظار اليهود للدمخللص ،أو المسيحيون لعودة المسيح مرة
أخري ،أو كانتظار المسلمون للمهدي ،أو ،عهل هو شيء من هذا القبيل؟.
-ل يمكنني السترسال معك في الحديث أكثار من ذلك ،هذا ليس شأني ،وممنوع على
أن دأخبعرك بشيء لم يطلب منى أن أخبرك به.
صمت لبرهة وراح يمسح على رأسه ويفرك عينيه ثام يمسح وجهه وأضاف.
-لني أعتبرك صديقا ورفيقا بالجماعة سأخبرك بشيلء هام.
انتبهت ،فربما ألتقط معلومة تروى ظمئى لمعرفة أسرار جماعته تلك ،فقال.
-عضوية الجماعة تكون من طرفنا بالترشيح ثام بالجازة ،ودون معرفة من العضو،
ولكنه لكي ديصلبح عضوا عام ا
ل ،لبد من موافقته الصريحة على شروط الانضمام
للجماعة ،وأولها أن عضوية الجماعة أبدية ،فالموت فقط هو نهاية العضوية ،والشرط
الثااني هو الطاعة العمياء لقيادته ،والتراخي أو إفشاء أي من أسرارنا يعني موته
الدمحقق ،وثاالثاهم هو أن دكل ما يملكه من ثاروة يصبح ملكا للجماعة.
200
-كل ثاروتي!؟.
-ل ،ليس المر كما فهمت ،ما أقصده هو أن كل إمكانات العضو وممتلكاته تكون
تحت تصرف الجماعة في دمقالبل أن عتكون بدورها ،بكل أموالها ونفوذها ،في خدمته.
ليس كل ما قاله بجديد علعي ،ولكنه اقترب بي من اليقين بأن هذه جماعة إبراهيم
سالم وقبيلة العمارنة ،وفي الغالب هي جماعة صابرينا! ،سألته.
-هل سيلفيو عضو بالجماعة؟.
نظر إلى في غضب ،فأوضحت دافعي للسؤال.
-هو من رشحني للعمل معكم ،وقد يسألني عن طبيعة تعاوني معكم ،فأخشى أن أخبره
بشيء قد تعتبره الجماعة إفشاء للسرار.
أطرق ينظر للرض ثام قال.
-ليس بالضرورة أن كل من يتعاون معنا يكون عضوا بالجماعة ،فسيلفيو ومن علي
شاكلته ،يعملون لحسابنا ولكنهم غير مؤهلين على الطلق لعضوية الجماعة ول
يمكنهم أبدا أن ينالوا هذا الشرف ،فالمرشح للعضوية لبد من أن تتوافر به صفات
ضم لصفوفنا فاسدا أو شري ار
معينة ،أهمها نقاء جيناته الوراثاية ،واليمان الصادق ،ول عن د
حتى لو كانت جيناته الوراثاية نقية.
اصطنعت الغضب وقلت في حدة.
-سيلفيو ليس بشرير أو فاسد.
لف وجهه بابتسامة مريبة وقال.
-نعرفه أكثار منك ،إنه طماع وماكر ،ونعرف أنه يخطط لنهب أموالك.
كانت الجملة الخيرة صادمة فصرخت فيه.
-وضح كلمك ،فهو يسيطر على معظم أموالي.
-هو يستخدمك ،كما استخدم غيرك ،كغطاء لعماله ومشاريعه.
توقف عن الكلم للحظات ،واحترقت أعصابي حين قال.
-لقد استغل ثاقتك به ليسيطر على أموالك ويمسك برقبتك بيديه ،إنه يكرر معك ما
فعله بغيرك من قبل.
200
لحظ انزعاجي الشديد فراح يهدئ من روعي وطمأنني بأنه سوف يمد لي يد
العون لسترد أموالى.
سألته في هدوء.
-حدثاني عن المهمة التي سنقوم بها هنا في سيناء؟.
اندهش الرجل لتجاوزي السريع لخوفي علي أموالي ،فهو ل يعرف أننى
الأخطر وأنني من عيستعلغل سيلفيو وليس العكس ،فقلت لحرره من دهشته.
تنس وعدك بمساعدتي
-سأبذل قصارى جهدي لكون عند حسن ظنكم بي ،لكن ل ع
على استرداد أموالى.
اقتنع بالمقايضة وقال مبتسماا.
-ل فرق بين رجل أعمال شرير وآخر طيب ،الجميع تحركهم المصلحة ،هات وخد.
قال ذلك ثام خرجت منه ضحكات صافية ،أضاف بعدها.
-نواجه هنا مشكلة لم نكن نتوقعها ،فسيناء ومنذ آلف السنين ،ومدعظم أراضيها
مهجورة ومجهولة بالنسبة للمصريين ،وحتى عندما كانت إسرائيل هنا ،كنا في مأمن من
أن يطلع أحد على مكان مدينة ال المقدسة ،واليوم يتكالب أبناء الوادي بمصر علي
شراء واستصلح مساحات شاسعة من سيناء ،وما إن تدفقت الموال على سيناء حتى
تنازعت قبائل البدو النفوذ والسيطرة على أكبر مساحة من الرض لتبيعها لبناء
الوادي ،وبسبب هذا التنادفس المسعور بين القبائل حدث انتشار واسع للبدو في أنحاء
سيناء ،حتى فوجئنا بهم يقتربون من الطريق السري المؤدى إلى مدينتنا ،ومنذ حوالي
الشهر فوجئ أمير المدينة بهم يحطون الرحال على جانبي هذا الطريق ،وخوف ا من
تكالب قبائل البدو على جيش المدينة إن حاول ردهم ،قرر دمعللم الحق أن تتولى قيادة
الكنيسة في روما عحل تلك الدمشلكلة بطريقة سلمية.
قدسة ،جيش ،معلم الحق ،كلمات أرهقت أعصابي ،تماسكت وسألته.
مدينة دم ع
-ما هو الحل الذي تتصوره قيادة الكنيسة؟.
-تم التفاق على شراء الراضي ،المحيطة بالطريق المؤدى للمدينة ،من القبيلة أو
من القبائل التي دتسيطر عليها ،إواقامة مشروح زراعي وسياحي عليها.
-وما هي المشكلة التي تواجهكم لتنفيذ ذلك؟.
200
-يجب أن تتم عملية الشراء بشكل طبيعي وأن يكون الهدف منها دمقنع للسلطات
المصرية ،وأيض ا للبدو ،كما أن تملك الرض وتخصيصها بسيناء مقصور على
المصريين والعرب ،وقد استقر ال أري على أن تكون الرض والمشاريع التي ستقام عليها
باسمك على أن تضطلع الجماعة بالتمويل كله.
قام وتحرك في الغرفة وأضاف.
-من دحسن الحظ أنك ،وعلى الرغم من أنك سوري الجنسية ،تعرف مصر جيداا ،فقد
أخبرنا سيلفيو أنك عتععلمت وأقمت بمصر فترة طويلة.
شعرت بأني دمدين لسيلفيو مرة دأخرى ،ما زال الرجل يحفظ سري ويمنحني
حمايته ،كما تبين لي أن الكنيسة ليست من القوة والمنعة كما كنت أتصور ،سألته.
-أين هذه الرض وعكم عتبدلغ مساحتها؟.
-جنوب منطقة سانت كاترين ،من جبل موسى إلى منطقة الجبال الصخرية ،وتقدر
مساحتها بحوالي خمسة عشر ألف فدان.
راح يشرح علي خريطة ،لشبه جزيرة سيناء ،تفاصيل المكان وأسماء القبائل التي يحتمل
أنها تتنازع السيطرة على المنطقة ،أعطاني الخريطة ومعها كتيب صغير لشرح
تفاصيلها ،وعدته بإنجاز المهمة علي أكمل وجه فقال.
-ما نخشاه هو استمرار ابتزاز البدو ،أقصد أن ما سديدفع لهم من مال في سبيل تخليهم
عن وضع يدهم على تلك المساحة ،سيغرى كل بدوى لن يقترب منك ويزعجك بكل
الطرق والساليب لكي تدفع له كي يرحل ،وقبل أن تلتقط أنفاسك ستجد غيره دينالوشك،
وسندخل بذلك دوامة من القلق والاستنزاف المادي.
راح ينظر إلى بقوة وكأنه ينتظر حلا أقترحه ،وعندما لحظ حيرتي أضاف.
-سوف نمدك بكل ما تحتاجه من أموال ،نحن نثاق في ذكائك وحسن تصرفك.
-إذن اطمئن يا صديقي ،فالذكاء والمال هما محركا العالم وحكامه للبد.
ابتسم مزهوا ببدء العمل ،فداعبته بمكر قائلا.
-ل أرى أي جديد ،فأنتم تقدسون الجبل والصحراء.
حد.
ابتسم في استعلء وقال في عت د
200
-ل ،هناك فرق ،الديان الإبراهيمية هي من ديقلدس العجبل والحجر وتتبنى طقوسا وثانية
ل يقرها عقل ،أما نحن فنتخذ من الجبال لحصون ا توفر لنا المن والسرية.
ثام أضاف ليزيد من حيرتي.
-غيرنا يعدبدد إلها مزعوما أما نحن فنعبدد إله الحق ودنلعد الدنيا لاستقباله.
حاولت استدراجه ليبوح بالمزيد فقال في حزم.
-ل تععتععجل المور ،سوف تعرف الكثاير بمعسكر العداد الذي سيعقد في أكتوبر
القادم في بيرو بأمريكا الجنوبية.
ثام أشار إلى بيده وكأنه يحذرني وأضاف.
-ل تسألني مرة عن أي شيء يخص الجماعة ،من الفضل أن يقتصر تعاملنا على
موضوع الرض والمشروع ،هل اتفقنا؟ ،والن قل لي كيف ومتى ستبدأ؟.
شعرت بالحباط لفشلي في سبر أغواره ،أعاد على سؤاله فقلت وأنا شالرد.
-سأدرس المنطقة على الطبيعة أولا.
لم أشعر به يغادر ،ومر بي وقت ،ليس بالقصير ،وأنا ل أستطيع التفكير فيما
سمعته أو فيما أنا مقبل عليه ،بل لم أستطع حتى أن أغادر مقعدي إل بصعوبة بالغة
اندهشت لها ،وبعد محاولت مضنية فشلت في الوصول للحالة الذهنية ألفا ،استجرت
بالنوم فأبى وتركني للرق يفتك بأعصابي الدمتعبة.
----------
مع عبق المكان وانبهاري بمنطقة سانت كاترين شعرت بأني أقترب من معرفة
أسرار خطيرة ،تخلصت بصعوبة من عوسعوسة سمالسم ،والعجيب أنى لم أفكر في التراجع
بل امتلت رغبة في مواصلة المشوار حتى النهاية.
كنت أتجول بالمنطقة وعيناى حائرتان تبحثاان في كل مكان لتريحا قلبي المعلق
بمدخل تلك المدينة المزعومة ،كلما شعرت بالتعب والإرهاق كنت عأتمدد بالسيارة
لخطف دقائق من النوم العزيز.
كنت أتذكر صابرينا مع كل عجيب أسمعه أو أراه من زوار المكان ،كانت
دهشتي عظيمة فمظهر الزوار ينبئ عن مستوى علمي وثاقافي رفيع ومع هذا فإنهم
يؤمنون بخرافات وأساطير ساذجة ،فها هي أمريكية تعمل دمبرمجة كومبيوتر بشركة إنتل
200
لعمال الحاسوب ،حدثاتني عن صاحبة الدير حديثاا مدهشاا ،قالت في ذهول المؤمن،
إنها قديسة وهبت حياتها للمسيح وعندما ماتت حملتها الملئكة ودفنتها أعلي الجبل!.
وعلى جبل موسى شاهدت مجموعات تصلى خاشعة تحت شجرة ضخمة،
يعتقدون بأنها مباركة وأن ال كلم موسى من خللها وفي ظلها عخط بيده ألواح الشريعة
وناوله إياها ،شيئ ا فشيئ ا تخلت عنى الدهشة ولم أعد أشعر إل بالاستهجان لما أسمعه
وأراه ،وشعرت بتعاطف مع صابرينا ،ول أدرى هل افتقادي لها وخوفي عليها هو سبب
ما اعتراني من مشاعر قوية نحوها ،أم كنت بحاجة لمن ينتشلني من بحر الشك وعدم
اليقين الذي أوشك أن يبتلعني.
في يومي الخير بالمنطقة ،وبعد جولة مرهقة ،دخلت إلى السيارة متعبا لقصى
حد ،غفلت عيناي لدقائق كانت كافية لستعيد شيئ ا من الحيوية والنتباه ،عهممت
بتدخين سيجارة فشعرت بضيق في صدري ،ترجلت من السيارة لاستنشق هواءا نقي ا،
فلمحته يجلس على صخرة كبيرة ويحدق بي كعادته منذ أن انتبهت إليه ،للمرة الولي،
قبل أربعة أيام.
----------
كان يتبعني في كل جولتي بالمنطقة ،حسبته يراقبني ،شاب طويل ونحيف،
ملمح وجهه هادئة ول تفتقد للوسامة ،يظهر فجأة بالقرب منى ،وعندما يتأكد من أنه قد
أثاار انتباهي ،يختفي لبعض الوقت ،ثام يظهر ليعيد الكرة.
تجاهل ندائي عدة مرات ،اقتربت أكثار وأنا أقول.
ل.
-هل يمكننا التحدث قلي ا
قبل أن أكمل جملتي وجدته بجواري ،وكأنه قفز طائ ار من مكانه ،لم تمكنه
تخفله
أنفاسه المتلحقة من الكلم فراح يحرك رأسه لعلى ولسفل بتوتر واضح لم ل
ابتسامة وديعة ارتسمت على وجهه ،انتبهت إلي أن نظراته زائغة فسألته.
-ماذا بك؟.
-أتتحدث العربية! ،كنت أظنك أجنبي ا ،عندما ناديتني بالعربية استغربت المر.
-أنا رجل أعمال ايطالي ،من أصل سوري ،كما أنى عشت بمصر فترة طويلة.
تلعثام وهو يقول.
200
-هذا أمر عظيم ،،،عظيم جدا ،،،أحقا زرت وشاهدت ثالث دول؟.
قالها بطريقة لفتت انتباهي بقوة ،يبدو أن هذا الشاب مندوه ،نادته النداهة ،كان
من الواضح أن الرغبة في معرفة العالم والسياحة فيه تمتص رحيق نفسه ،بدا لي أنه
مفصول عن واقعه تماما ومندمج بحلمه ،فهمته بسرعة وقلت له.
-تقريب ا أنا دزرت ثالثاين دولة ،ولدى خطة مستقبلية للسياحة ببقية دول العالم.
رأيت بعينيه خليطا من الدهشة والحباط والتمني ،فأضفت.
-كنت أتابعك وأنت تتقرب من السياح الجانب بشكل أثاار دهشتي.
أخذ يفرك يديه وأطرق ينظر للرض ثام قال.
-أعرض عليهم خدماتي ،فقط لأستمتع بحكاياتهم عن بلدهم ،عن المطارات
والطائرات الحديثاة ،القطارات والسيارات ،السينما والمسرح ،المدارس والجامعات،
الحروب والصراعات بين الدول ،وغيرها من الحكايات المدهشة.
وقال في يأس ،كانت الكلمات تخرج من فمه وكأنها تبكى.
-أتمني وأحلم بأن أتجول فى جميع أنحاء العالم وأشاهد الدنيا المتنوعة.
بكي عجزه وانتحب حتى ارتاح ،رفع رأسه ونظر إلى نظرة رجاء وقال.
-كرهت العيش محبوسا بين هذه الجبال.
اعتمدت خطة محكمة لغرائه ومغازلة حلمه لعله يساعدني في معرفة المنطقة
وقاطنيها.
----------
اسمه الحقيقي أمنحتب ،ويدعى لنفسه اسم حمدان عندما يتواجد بهذه المنطقة ،،،بدوى
واسمه أمنحتب!؟ ،ديعهيأد لي أنه يحاول أن يلفت نظري إلى أنه ليس بدويا وليس من
المنطقة ،ظننته من أبناء الوادي ،الذين استوطنوا سيناء ،سألته.
-لماذا هذا السم ،أمنحتب؟ ،ولماذا تنتحل غيره؟ ،ومن أين أنت؟.
ابتسم وقال في ثاقة.
-كل أفراد قبائل تيه موسي لهم أسماء مصرية قديمة.
لول مرة أسمع ببدو تيه موسي ،سألته.
-من هم بدو تيه موسى؟.
200
-هناك قبائل بدو الشرق ،يعود أصلهم للنباط ولبعض قبائل الجزيرة العربية،
ويشكلون غالبية البدو بسيناء ،وهناك قبائل بدو الغرب ،وتعود أصولهم للجزيرة العربية
أيضاا ،وكانوا قد هاجروا قديم ا بصحبة الجيوش السلمية إلى منطقة المغرب العربي
واستقروا هناك لمئات السنين ،وعمل الحكام المماليك على جلبهم وتوطينهم بسيناء
بغرض منازعة بدو الشرق ،وعلى الرغم من أنهم أقلية إل أنهم أكثار قوة ومنعة وتعصب ا
لصولهم العربية البدوية ،بدو تيه موسي أصولهم مصرية أي أنهم فلحون ولهذا ل
يعتبرهم بدو الشرق أو الغرب بدوا مثالهم ،بل ويستعلون علينا ،ويعاملونا بقسوة وعنف
ليمنعونا من الاقتراب من مناطقهم ،وفي الحقيقة نحن نكرههم ونحتقرهم.
سكت عن الكلم للحظات ،ثام قال.
-بسبب خلف ديني عميق تم طرد أجدادي من مصر إلى سيناء وذلك منذ آلف
السنين ،وأجبرتنا طبيعة أرض سيناء على العيش كالبدو ،إل أننا ما زلنا فلحين
ونمتهن الزراعة أكثار من الرعي.
أعرف أن الفلح يكره البدوي لجهله وتخلفه وأفهم لماذا يعتبر البدوي الفلح
شخص ا وضيعاا ،لكني لم أستوعب حكاية الخلف الديني العميق الذي ذكره فطلبت منه
التوضيح ،فحاول المراوغة وقال.
-كيف أساعدك؟.
-أنا عمن يريد مساعدتك ،أريد أن أمنحك الفرصة لتجوب العالم كله.
فقد سيطرته علي نفسه ،اقترب منى مأخوذا بالمفاجأة ،حاول أن يجذب يدي
ليقبلها ،تمنعت فقال بصوت كله رجاء.
-سيكون صنيعك هذا جميلا لن أنساه ما حييت ،لكن كيف يكون ذلك؟.
أكملت الحوار ببساطة وتلقائية فسألته.
-هل لديك بطاقة الرقم القومي وجواز للسفر؟.
-الحكومة المصرية سجلت جميع البدو ومنحتهم بطاقات الرقم القومي وجوازات للسفر
ومنعت عنا كل ذلك ،إنها ل تعترف بوجودنا.
ثام أضاف بصوت ل يخلو من الدهشة والحباط.
-وحتى اليهود عندما كانوا هنا لم يعيرونا أدنى اهتمام.
200
-هذه ليست مشكلة ،لدي الحل ،أتعرف لغات غير اللغة العربية؟.
فقال بلهفة.
-أتحدث النجليزية والفرنسية ويمكنني التفاهم باليطالية واللمانية ،تعلمت هذه
اللغات من السياح ومن دحجاج المدينة.
توقف عن الكلم فجأة وبدا أنه يمنع نفسه من البوح بكلم خطير.
طعمت عقلي بقوة ،إل أنى قررت تأجيل
وبالرغم من أن كلمات ،حجاج ،مدينة ،لع ع
الاستجواب أو كما يقولون ،قررت تسويته على نار هادئة ،قلت له.
-أنت وسيم وجسمك رياضي وتتحدث عدة لغات ،يمكن أن أجد لك فرصة عمل
بفندق كبير بمدينة شرم الشيخ ،وحينها تتعرف عن قرب على الكثاير من الأجانب ،ومن
كل شكل ولون ،وبعدما انتهي من بعض أعمالي هنا ،سوف أصطحبك في رحلة
طويلة ،نجوب خللها بلدان أوروبا.
أطرق ينظر للرض وسألني باحترام.
-ولماذا تفعل معي ذلك؟!.
حتى ل ينتابه أي شك تجاهي قلت ببساطة.
-أريد أن أشترى عدة آلف من الفدنة هنا ،بهذه المنطقة.
قال مستغرب ا المر.
-كل هذه المساحة ،وهنا ،وماذا ستفعل بها؟.
-سأنشيء عدة مزارع وحدائق لأمهد المكان لإقامة مشروع سياحي كبير.
-كيف والمنطقة صحراء قاحلة ومعظمها منطقة صخرية؟ ،ناهيك عما ستواجهه من
مشاكل مع البدو ومع سكان المدينة.
-أية مدينة؟.
ارتبك وقال بسرعة.
-ماذا ستفعل مع بدو تيه موسى؟ ،هم ل يسمحون لحد بأن يقترب من جبالهم.
-بالنسبة لمشكلة المياه ،لدى خطة لمد مواسير لجلب الماء من نهاية ترعة السلم إلى
هنا ،وسأبنى أحواض كبيرة لتخزين مياه السيول ،وبالطبع سنقوم بحفر عدة آبار للمياه
الجوفية ،كما يمكن جلب المياة بأسطول ضخم من سيارات النقل المجهزة لذلك ،أما بدو
200
الشرق والغرب فبالمال سوف أشترى عهدهم ،يبقى لدينا بدو تيه موسى ،يبدو أنى
بحاجة لمساعدتك للتفاهم معهم.
سألني والدهشة لم تغادره بعد.
-ولماذا كل هذا ،وفي سيناء مناطق أخري تناسب مشروعك.
قلت له في زهو وثاقة.
-هذا هو الفرق بيني وبينك يا حمدان ،تجلس تنتظر حلمك أن يأتي إليك ،أما أنا
فأسعى بإصرار لتحقيق هدفي ول أعرف المستحيل ،،،ماذا لو نجحنا في زراعة
المنطقة ثام أنشأنا فندق ا كبيرا ومجموعة من المخيمات والمطاعم والمقاهي ،ثام سوقنا
المكان كمكان سياحي ديني عالمي؟ ،هل تتصور أرباح هذا المشروع؟.
لم يرد واكتفى بنظرات الدهشة والعجاب فأضفت.
-سنجلب السياح إلى الطبيعة والصحراء وعبق تاريخ الديان ،إلى حيث الهدوء
والمتعة والحياة الصحراوية والروحية.
جاءني صوته عميقاا.
-بالفعل سوف تكسب الكثاير.
ل.
لكمال السيطرة عليه عاجلته قائ ا
-بل قل سوف نكسب الكثاير ،أل تود أن تكون شريكي في كل أعمالي هنا.
ل.
لم أعطه الفرصة للتفكير ،أكملت إغرائي له قائ ا
-كل ما عليك فعله هو أن تمدني بكل ما أحتاجه من معلومات كافية عن المنطقة
وعن القبائل التي تسيطر عليها ،وتكون رسولي لبدو تيه موسى.
فقال بسرعة.
-لنا نفوذ كبير على هذه المنطقة بالذات ،حاربنا كثاي ار لنزيح القبائل البدوية من هذا
المكان ،وشقيقي الكبر هو شيخ قبائل تيه موسى ،وهو أيض ا أمير المدينة المقدسة.
لطم عقلي مجددا بجملته الخيرة ،ولكني قررت التعامل معه بروية وحسبما
تقتضي خطة السيطرة عليه.
----------
200
عملت جاهدا ،لمدة أسبوع ،على توثايق علقتي بهذا الشاب ،ويبدو أنى نجحت
في ذلك ،فبدون مسعي مني كان يبادرني كل مرة بحكاية يراها هو بسيطة وعادية وكنت
أعتبرها أنا خطوة هائلة في طريقي نحو المعرفة.
في شرم الشيخ عاش حمدان أسبوعا من الخيال ،ولممـَ ل وقد كلفني إبهاره مائة
ألف دولر ،اطمأننت لمتانة العلقة بيننا فطلبت منه أن يرتب لي مقابلة مع أخيه،
فارتبك بشدة وقال.
-من الفضل أكلمه أنا ،وأطلب منه مساعدتك.
نظرت إليه في ضيق فتلعثام كثاي ار ثام أضاف.
-ل يمكنك مقابلته فالحرس يقتل أي غريب بمجرد اقترابه من المدينة.
كلماته ترهقني وتشعل أعصابي ،تصنعت الهدوء ،سألته.
-عن أيةع مدينة وأي عحرس تتحدث؟ ،أتتلعب بي ،ل أصدق أن هناك مدينة خلف
تلك الجبال ،ول أن هناك أميرا أو حرسا في نطاق أقدم دولة في العالم ،حمدان ،إما أن
ل.
تحدثاني بالحقيقة إوال فهو فراق بيننا ،الن ،حا ا
هممت بمغادرة المكان وأنا أنظر إليه في حزن وكأني أودعه ،اضطرب حاله
وراح يبحث عن كلمات لنقاذ الموقف ،كانت الحيرة بادية في نظراته ،سألني.
-هل تصدق ما سأقوله؟.
لم أرد عليه ،فقال.
-دنحن نسدكن مدينة محصنة ،هناك خلف الجبال الصخرية ،وللمدينة أمير ،ل يدخل
أو يخرج منها أحد إل بأذنه ،ول ديملكن لي غريب الاقتراب منها ،فهي مزودة بأحدث
أجهزة للمراقبة ودمعؤمنة بأعلى تكنولوجيا يمكن أن يتصورها بشر.
بنبرة عتحد قلت له.
-مدينة عميت عنها عشرات الأقمار الصناعية التي يمكنها رصد إبرة مدفونة في
صحراء شاسعة.
-كل منشآت المدينة ،من معابد وقصور ومنازل ،منحوتة بالجبل ول يمكن رصدها.
قلت في نبرة سخرية لستفزه.
-وكأنكم قوم عاد وثامود ،أتكون مدينتكم هي ارم ذات العماد؟!.
200
لم يغضب وأكمل حديثاه ببساطة أثاارت دهشتي فقال.
-ل أتصور وجود ما يشبه مدينتنا بالعالم ،نحن نعيش بأهم مكان على وجه الرض،
ول يمكنك أن تتخيل ما به من جمال وعلوم وتكنولوجيا.
ضرب رأسي صداع مع دوار ،كدت أتقيأ ،تماسكت بصعوبة وقلت.
-ودليل ذلك أنك تريد مغادرتها من أجل مشاهدة العالم ،ماذا تتوقع أن تراه هناك،
الظلم ،الجوع ،المرض ،الجهل ،التخلف ،الفتن ،الحروب؟.
-أريد أن أعيش الختلف ،التنوع ،الحرية ،لو حبست إنسانا دمععدما داخل قصر
جدرانه من الذهب وفيه كل ما تتوق إليه نفسه ،شرط آل يغادره أبداا ،أتضمن آل يتمرد
من أجل حريته؟.
-ل أعتبر الفقير ح ار علي أية حال ،والحقيقة أقول لك ،لم ولن ينال النسان حريته
أبداا ،وهذا لنه دوم ا يكون أسيرا لماضيه ،لفكاره ومعتقداته ،لحلمه وتطلعاته ،وعلي
رغم سعيه وتعطشه للحرية فإنه بطبيعته غير دحر ،لنه مخلوق ،لنه يموت ول يعرف
مصيره.
قال بأسى.
-ل أفهم ما تقول ،وكل ما أريده هو رؤية العالم ومعرفة أشكال أخري للحياة.
-وأنا أيضاا ،أشتاق لرؤية عالمك ومعرفته ،أعتقد أنه مكان رائع.
-أني أراه كالسجن ،عمل ليل نهار ،ل يسلم أحد من عجرفة الدحراس ،ل حركة إل
بإذن مسبق من المير ،كل عمن فى المكان يعيش كالخدم للكهنة وللحجاج.
تغرغرت عيناه بالدموع وأضاف بصوت مشروخ.
-كل فرد بالمدينة يعتبر نفسه محظوظا لكونه من أهلها ،ل أعرف لماذا أنا مختلف
عنهم ،أعيش تعيس ا بقدر ما هم سعداء ،وكأن حلمي بالحرية لعنة أصابتني جزاء عدم
إيماني بخرافاتهم.
كاد رأسي يغلي ،تحاملت على نفسي وسألته.
-أية دحجاج وأية كهنة يا حمدااااان؟.
يبدو أن الفتي قرر البوح بكل ما لديه ،ليريحني ويرتاح ،فقد قال.
200
-في بداية الشتاء من كل عام يأتي للمدينة العشرات لداء مناسك الحج ،وكل ثامان
سنوات ،وفى منتصف الصيف ،يأتون بالمئات فيما يسمي بالحج الكبير ،والكهنة هم
سدنة الجماعة التي تحج للمدينة والتي يقيم بها دائم ا رأس الجماعة ،معلم الحق.
تزاحمت برأسي الفكار والحكايات ،إبراهيم سالم ،على العمرناوي ،تمثاال ميريت
آتون الذهبي ،اللواء الجمال ،سيلفيو وصابرينا ،الب سيرجوني وتابعه تاردينى،
تلعبت بى الهواجس والظنون ،هل أقترب بالفعل من معرفة أسرار تلك الجماعة ،أم أن
هناك من يتلعب بي؟! ،فلو كانت جماعة تارديني هي العمعنية بكل المعلومات التي
تتزاحم برأسي ،فعدمن عيتحعدث لحمدان؟!.
ضربني دوار شديد ،ورحت أقاوم رغبة قوية في التقيؤ ،انهمر مني عرق غزير،
انزعج حمدان لحالي فقال.
-ماذا بك؟ ،ماذا أفعل؟.
طلبت منه أن يتركني لأغفو قليلا.
،،،آه يا حمدان ،أنت ل تعرف أنك سبب ما أنا عليه ،بال عليك ،يا وزيري،
أن تترفق بي كما تعرفق هارون بموسى! ،ل تخش سحر آل فرعون ،فبيد تضيء وعص ا
تتلوي أبطل ال سحرهم ،ول تخف ،يا ثااني اثانين ،في غياهب دجب السرار ،فإن ال
معنا ،بنسيج عنكبوت وبحمامة تبيض ،قد تدعمى عنا عيون الظالمين ،فنكمل هجرتنا
إلى اليقين ،إلي حقيقة الوجود.
أفقت من غفوتي وأنا أشعر بعقلي مشتعلا وبالحيوية تدب في أوصالي ،قررت
أن أخفي الفتي عن تاردينى ،كنت أشعر به يراقبني.
اصطحبته إلى منطقة دهب ،منطقة هادئة وبسيطة قد تساعدني على التفكير
والتأمل ،كما أنها تعج بالجانب وهذا يناسبه تماماا.
في واحدة من الوقات القليلة التي كان يتعافي فيها من الخمر سألته.
-كيف تسيطرون على كل مساحة الرض الممتدة أمام مدينتكم؟.
باعد بين جفونه بصعوبة ثام نظر إلي بارتياب وقال.
-يبدو أننا فقدنا السيطرة عليها في الفترة الخيرة ،لسبب ل أعرفه بدأ البدو يتنازعون
السيطرة على تلك المنطقة ،سقط من بينهم قتلي بالمئات ،وفي النهاية لجئوا للتحكيم،
200
لخرى مع
وأصبحت المنطقة من حق قبيلة الترابيين بعدما دفعت دية قتلى القبائل ا د
تعويض مالي كبير عن مساحة الرض.
-وهل اشتركتم في هذا النزاع؟.
-في السابق كان جيش المدينة يعتمد وسيلة الاغتيال لترهيب كل من يقترب من
المكان ،ولكن هذه المرة توافد البدو بكثاافة ،ولنهم يحترفون حرب العصابات ويجيدون
الكر والفر ،قرر الأمير أن يتركهم يتصارعون أملا في أن يضعفوا بعضهم بعضا
وحينها يكون له تصرف حاسم معهم دون أن يلفت النظار لمكان المدينة.
،،،لو أن جماعة تارديني هي جماعة حمدان ،كيف لم يعرفه تارديني؟ ،ألم
يت ارعم لمسامع الفتي ،وهو شقيق أمير تلك المدينة المزعومة شيئا عن خطة الجماعة
للسيطرة على الرض؟ ،قد يكون هو من يراقبني لصالح الجماعة!؟ ،،،علي أية حال
ليس هناك فرصة للتراجع ،أرغب بشدة في اللعب مع المجهول.
قررت أن أستخلص من الفتي كل ما يعرفه ،سألته.
-هل أنت متدين يا حمدان؟.
قال بتلقائية.
-لقبيلتي دين أراه خرافة ،وهذا ما يخنقني ويجعلني أشعر بالوحدة والغربة بين أهلي.
راح يفرك في صدره ثام أعطاني ظهره وأضاف.
-موسم الحج هو عيد بدو تيه موسي ،ملبس جديدة ،فرح ،رقص وغناء ،الجنس
يمارس بجنون وعلي المل ،أي عردجل لية امرأة ،وهذا تعافه نفسي ول أعرف لماذا.
-أليس الجنس الجماعي من طقوس التعبد للله؟.
-أي إله هذا الذي يرضي بتلك الخزعبلت؟.
اندهشت لحديثاه وأخذت كلمه بحذر ،سألته.
-هل تعرف شيئ ا عن ديانات وعقائد العالم؟.
فقال بتلقائية ،زادت من دهشتي ،لكنها قللت من ارتيابي منه.
-أعرف الكثاير ،منذ الصغر نتعلم وندرس مئات الديان والعقائد الموجودة في جميع
أنحاء العالم ،كل شاب منا لبد له من أن يتم دراسة ما يعتبره الخرون دكتب ا مقدسة ،قبل
أن يعتبره الكهنة جديرا بدخول مععبد المدينة والمشاركة في طقوس الحج.
200
سألته.
-فهمت أنكم ل تعترفون بديانات أخري ،غير ديانتكم ،هل لديكم كتاب مقدس؟.
-لدينا كتاب مقدس مكتوب بعدة لغات ويحكى قصة العخلق ،وتاريخ السماء والرض
منذ بدء الصراع بين إله النور إواله الظلم ،ويؤكد معلم الحق أن ما تدعيه الكتب
المقدسة للديان الخرى ما هو إل انتحال وتزييف لحقائق كتابنا المقدس.
-أريد قراءة كتابكم هذا.
-ذلك ممنوع على أي فرد من خارج المدينة.
-ولماذا كتب بعدة لغات؟.
-ل أعرف السبب.
راح يتحدث عن نشأة الديان وتاريخها فأسمعني ما لم أتوقعه من بدوي معزول
عن العالم ،لم تعد بي قدرة على الاحتمال فقلت لنفسي ،،،لبد أن هناك من يتلعب
بي ،ليس من المعقول أن أتخبط في نفس المعلومات في كل مكان ،حتى بدون أن
أسعي إليها ،من المؤكد أن هناك من يريد أن عيحدرث أفكاري وعيغسل دمخي ،ليزرع به ما
يريده ،إنه أسلوب المخابرات للسيطرة على الضحية.
لمت نفسي ،كيف لي أن أنسى أن هناك من يطاردني منذ سنوات؟! ،لم أعد أعرف
ما بداخلي من مشاعر ،أهو الخوف أم الشك ،أم أنه اليأس؟ ،ل ،إنه الضياع ،فعلا أنا
ضائع ،ل ،أنا مريض ،هل أصابني عمس من الجنون؟ ،ل إنه مس من اللجن ،الجنون
من اللجن ،لبد أن شيطانا يتلعب بعقلي ،لعله حنزب ،سوف أقبض عليه وأوثاقه ليلهو
به الطفال ،أفبعد قرون من إسلمه يرتد على عقبيه ويعاود محاولته لغراء المختارين
وصرفهم عن رسالتهم ،لن يشفع فيه سليمان تلك المرة!.
غرق حمدان في حلمه ،راح يعب الخمر عب ا ،يحوم من حول الجانب ،يتتبعهم في
كل مكان ،يستجدى صداقتهم وأحاديثاهم ،لم أكف عن مراقبته لحظة ،كنت أشك في كل
شيء من حولي ،أي شخص وأية موقف ،طاش عقلي ولم تعد لدى أدنى قدرة على
التركيز أو التفكير.
من قلب الحيرة ،تذكرت ال فأنار قلبي باليمان والطمأنينة ،قبضت بنواجذي علي
ديني ،أملا في أل تضيعني الحيرة وأل يفتك بأعصابي الشك.
200
بعد جلسة ناجحة من التنويم المغناطيسي الذاتي دخلت في الحالة الذهنية آلفا،
أفقت منها منتشي ا بعض الشيء ،رحت أنظر إليه وهو يغط في نومه ،فضبطت نفسي
تشفق عليه وتحبه ،انتبه إلي بجواره فقال وهو يغالب النعاس.
-وجدتك تغط فى نوم عميق فلم أشأ أن أقلق راحتك.
-حمدان ،أراك صديقي وأحبك بالفعل ،فهل نحن أصدقاء ،هل تحبني يا حمدان؟.
-أكثار من أي شخص آخر على وجه الرض.
ضبطت نفسي تصدقه ،قلت له.
-أريد الدخول لمدينتكم ومشاهدة معالمها.
يبدو أني فاجأته ،جلس مرتبكاا ،وكأنه يتحدث إلى نفسه قال.
-هذا صعب ،بل مستحيل.
شعرت بتردد موقفه هذه المرة ،فقررت الضغط عليه بقوة ،قلت في حدة.
-لماذا ل تريد مساعدتي في ذلك؟.
قام من مكانه واتجه نحوى وهو يشير نحوي بذراعيه وقال في نبرة رجاء.
-بال عليك ،المدينة سر ل يجب البوح به ،ول يستطيع أي غريب الدخول إليها.
-لماذا؟.
-المدينة تخص جماعة دينية تحرص كل الحرص على أن تبقى عقيدتها وطقوسها
سرية ،ول تتردد لحظة في القضاء على ما يهدد بإفشاء سرها.
-أتراني أصدق هذا الهدراء؟.
-لماذا ل دتصدقني؟.
تفجرت غيظا فقلت في غضب.
-كيف تكون مدينتكم س ار وأنت الن تحكى معي عنها وتفشى لي بأسرارها؟.
-أنا وأنت وما أقوله ،وما سمعته منى ،أقوال دمرعسلة ،سيعتبرها الخرون أساطير،
وتخاريف ،أما أن تدخل المدينة فهذا خطير ،سنقتل فو ار.
قلت في محاولة لستف اززه.
-ل أصدق ما تقوله عن جماعتكم ومدينتكم ،وأراه وهم ا من محض خيالك ،وهذا
يكفي ،أنت غير صريح معي ،وتهدر وقتي بل فائدة ،هذا فراق بيننا.
200
ارتاح لما قلته ،وكأني أنقذته من ورطة كبيرة فقال.
-هذا أفضل ،اعتبر أن كل ما قلته ،لك ،هو وهم وخيال.
،،،أهذا البدوي يتلعب بي ،،،وكأنه وجد ضالته فيما قلته ،إنه يتخلي عني
بسهولة مريبة ،لماذا هو غير منزعج من تهديدي بالفتراق؟ ،أين حلمه الذي يعيش من
أجله؟ ،لأجرب معه تكتيك ا آخر ،قلت.
-أعرف أن ما سمعته منك ليس بخيال ،ومتأكد من أنك تخاف علي ،وأنا ل أحب أن
أخسرك ،لكني مثالك دمتيم بالمعرفة ،المجهول يثايرني ويذهب بعقلي.
شعرت بتردده حين قال.
-أليس هناك طريقة دأخرى لتعرف ما تريد بدون دخولك للمدينة؟.
اتفقنا علي أن ننسى المر مؤقت ا لحين الستقرار علي طريقة مناسبة تحقق
غرضنا دون أن نتورط في مشاكل ،وتعمدت أل أفاتحه في المر لعدة أيام ،تركته
منغمسا في حلمه ،ورحت أخطط للمر.
غاص الشاب في الملذات ،بدا لي أنه ليمكنه التخلص من حلمه ،قلت له يوم ا
لختبر موقفه.
-للسف يا حمدان ،سوف نفترق بعد أيام ،لقد أبلغني المحامى اليوم بقرار الحكومة
بتأجيل البت فى الموافقة على مشروعي بسيناء ،سأغادر إلى أوروبا خلل أيام.
دبلغ ع
ت ،حاول أن يتكلم ،انحبس صوته فراح يحرك ذراعيه ويديه وكأنه يستغيث.
قلت فى حزن مصطنع.
-يبدو أننا لن نحقق أحلمنا.
صرخ.
-لعنة ال على المدينة وعلى أهلها.
ثام قال وهو يتوسل إلي.
-ألن تصطحبني معك؟ ،لقد وعدتني بذلك.
-يبدو أن ذلك مستحيل ،كما الدخول لمدينتكم.
-لعنة ال على المدينة وعلى أهلها.
أمسك برأسه وأجهش بالبكاء ،فقلت له.
200
-لست بحاجة لي ،أنت تحتاج إلى المال.
نظر إلي ليستوضح المر.
-رؤيتي لمدينتكم ،تساوى مليين الدولرات ،وبها يمكنك أن تزور كل بلد الدنيا.
ارتسمت على وجهه علمات الحيرة ،فقلت بطريقة مسرحية.
-علينا استغلل الفرصة لتحقيق أحلمنا؟!
قال في استسلم.
-المر يحتاج إلى تخطيط حتى ل ينكشف أمرنا.
أخذت تفاصيل الخطة تتضح بذهني شيئ ا فشيئ ا وأنا أستمع إليه ،فقد قال.
-الخروج من المدينة يكون لمهمة رسمية ،ولبد من الحصول علي تصريح بالخروج
والدخول ،عند الخروج يمنح الخارج رقم سري يقوم بتسجيله على اللوحة الإلكترونية
لبوابة المدينة ،والتي ل تفتح له عند الدخول إل بعد فحص بصمات أصابعه وتسجيله
لرقمه السري على اللوحة اللكترونية خارج البوابة ،وفحص البصمات إجراء ل يمكن
التحايل عليه.
-سأجد أنا حل ا لموضوع البصمات ،يتبقى أن أتعرف على المدينة بدقة حتى أتحرك
بداخلها بشكل طبيعي.
عهم بوصفها ،قاطعته قائلا.
-مهما كان وصفك دقيقا فلن يغني هذا عن مشاهدتها بدقة.
سألني في دهشة.
-كيف يكون هذا؟.
ناولته ساعة يد رائعة ،اعتبرها هدية فشكرني ،ابتسمت وقلت.
-بهذه الساعة كامي ار يمكنها التصوير بدقة متناهية ،ولمدة ثامان وأربعين ساعة
متواصلة ،عليك تصوير كل ما يمكن أن أصادفه خلل تجوالي بالمدينة.
رمقني بنظرة ارتياب وخوف ،قلت.
-ل تخف ،ل يمكن لحد اكتشاف تلك الكاميرا.
ارتسمت على وجهه علمات الستسلم ،قلت.
-هل نبدأ العمل.
200
ابتسم وقال.
-وليكن ما يكون.
التقط صورا دقيقة لبصمات يديه وأصابعه ،للتأكد من دقة عمل الكاميرا،
واستبدلت ذاكرة الكامي ار بواحدة أخري ،وأعطيته مائة ألف دولر ليقوم بجولة واسعة
بأرجاء سيناء ،وعدت ليطاليا على وعد اللقاء ،فى أقرب فرصة ،فى شرم الشيخ.
----------
بحثات كثاي ار عن صابرينا بل طائل ،وكان شيئا مريبا أن يسألني عنها سيلفيو،
وعندما أخبرته بأني ل أعلم عنها شيئ ا أبدي دهشة عظيمة.
انغمست في اجتماعات ل تنتهي مع رجال الكنيسة بروما من أجل إنجاز
مشروع سيناء في وقت قياسي ،ونجحت في اعتمادهم لخطتي لجلب المياه للمنطقة
ولماكيت المشروع النهائي ،ولم أعد أشك لحظة في أنى قد اكتسبت ثاقتهم ،فقد أشادوا
كثاي ار بهمتي الفائقة وبتخطيطي الذكي لتنفيذ العمال المطلوبة فور الحصول على
موافقة الحكومة المصرية.
لم أكن قريب ا من سيلفيو كما كنت في تلك اليام ،كثاي ار ما أبدي إعجابه بنشاطي
ونجاحي ،ولم يبخل على بحمايته ،ومع هذا غضب عندما ألححت عليه ليطلعني علي
ما يعرفه عن الكنيسة ونشاطها بمصر ،وقال في حدة.
-ل تسأل إل عما يعنيك ،ل داعي لن تعرف ما ل يخصك ،فهذا يهدر طاقتك
ويجعلك مترددا وقد يسبب لك مشكلات أنت في غنى عنها.
أعطاني ظهره وأضاف في نبرة هادئة.
-لقد أنجزت العديد من الأعمال لصالح تلك الكنيسة ولغيرها ،حصدت منها عشرات
المليين ،ل أسألهم ول يسألوني ،هم يدفعون وأنا أنفذ ،هذا كل ما في المر ،ويقيني أن
سبب نجاحي معهم أنى ل أعرف ،ولم أعبسعع لن أعرف ،عنهم شيئاا.
لم يسألني عن طبيعة مهمتي بسيناء ،لفت نظره لذلك فقال.
-ولعمـَ أسأل؟ ،كنت وسيط ا بينكما ،وأخذت عأجرى وانتهى المر بالنسبة لي.
بالرغم من أن الكنيسة كانت تعاملني وكأني بالفعل صرت عضوا بالجماعة،
ومع امتناني لسيلفيو ،إل أني لم أكن أشعر بالمان ،كنت أخاف الجميع ،وأصبت بداء
200
عضعال ،كنت أفسر كل كلمة أو حركة من أي شخص من حولي على أنها جزء من
د
مؤامرة يحيكها ضدي مجهول ليوقع بي.
تلقيت اتصالا هاتفي ا من مكتب المحامى المصري الشهير رابح عاشور،
أخبرني بأن مكتبه قد حصل على موافقة الحكومة على المشروع وانتهي من كل
الجراءات ،فأسرعت بالتعاقد مع عدة شركات أوروبية لنجاز المشروع بسرعة.
وقبل السفر لسيناء ،ذهبت لطبيب التجميل وخلل دقائق أصبحت بصماتي هي
بصمات حمدان بالضبط.
انتظرت لفترة حتى استقرت المور بمصر للرئيس الجديد ،وذهبت لشرم الشيخ
في يوم الاثانين الموافق الخامس والعشرون من شهر أبريل 2011م ،وخلل أسبوع
واحد ،كان قد انتهى المحامى ورجاله من إخلء المنطقة من قبيلة الترابيين ،مع ضمان
من شيخها بعدم اقتراب أي بدوى من المنطقة ،ولم يستغرق استخراج تصاريح العمل
للشركات المنفذة للمشروع أكثار من عدة أيام ،تدفقت بعدها المعدات على المنطقة ،التي
تحولت لخلية عنحل ،عمل ليل نهار.
لم يغب حمدان عن تفكيري لحظة ،كنت دائم ا بانتظاره ،أتوقع ظهوره بين لحظة
وأخري ،الحقيقة كنت قلقا للغاية ،فالشكوك لم تترك عقلي يرتاح للحظة.
،،،أخدعني حمدان؟ ،،،هل انكشف أمره؟.
قضيت أياما طويلة في قلق وتوجس ،لم أعد أحتمل إلحاح تارديني ،بسرعة
إنجاز العمل ،وبالرغم مما يبديه من احترام ،في تعامله معي ،ما زال الشك يراودني في
أنه لم يقلع عن مراقبتي بعد.
----------
كلما سنحت الفرصة كنت أجوب منطقة سانت كاترين وجبل موسى بحثا ا عن
حمدان ،دكنت قد اشتريت ساعة بها جهاز متطور لاقتفاء الثار ،كالذي أعطاني إياه
إبراهيم سالم ودفنته مع التمثاال في رمال ليبيا.
صعدت جبل سانت كاترين مع السياح ورأيت منهم نفس التصرفات التي
أدهشتني من قبل ،عشرات السياح يسجدون لشجرة التين الضخمة ،والمئات يناجون
صاحبة الدير.
200
ل،
قضيت أياما عند سفح جبل موسى ،أستكشف الجبل نها ار وأنام بالسيارة لي ا
ل ،وفي النهار تبدو وكأنها تشتعل دون أن تمسسها نار،رأيت شجيرات تضئ لي ا
امتلت رهبة من المكان ،دذلهعل مني العقل وانتفض القلب وتصبب عرقي بغ ازرة وكأن
الزمان يعود بي لقبل ثالثاة آلف عام ،لرى القدماء عمبهورين بما يشاهدونه على الجبل
ل ،لم أدر بنفسي إل وأنا
من ظواهر طبيعية خارقة ،خيالت تدفقت على عقلي طوي ا
بالناحية الخرى من سفح الجبل ،أشار جهاز اقتفاء الثار إلى أني ابتعدت عن السيارة
بعدة كيلومترات ،كنت وحيدا ومرهقاا ،يكاد الجوع والعطش أن يفتكا بي في هذا المكان
الموحش ،لم يتوقف تدفق البول لدقائق عديدة حتى تحجر لساني ،يا ال ،شغلني
المشروع وتأخر حمدان عن تناول العلج لعدة أيام ،ماذا لو أصبت بغيبوبة الدسكر في
ك ل محالة.
سعأبهعل د
هذا المكان المنعزل؟ ،ع
الهاتف الجوال ،أين هو؟ بالسيارة ،يا ال ،قررت أن أذهب للسيارة ،بعد أقل من
نصف المسافة فقدت القدرة حتى على الوقوف ناهيك عن المشي ،إنها النهاية ،ملعونة
سمالسم ،ملعون المال والنفوذ ،اللعنة على اللواء الجمال وعلي تاردينى ،على صابرينا
وسيلفيو ،اللعنة على الجميع.
سأهلك من الجفاف ،إنها النهاية ول شك ،يا ال ،أنجو من جبروت اللواء الجمال
وأتغلب على البحر لموت في الصحراء ،حرمت أولدي من أبيهم ،وها أنا الن أحرمهم
ثاروته.
أخذت أبكى بل دموع ،استجمعت كل ما بقى بجسدي من قوة وتحركت في
المكان ،ليس هناك إل الصخر والرمل وبعض الشجار اليابسة ،نعزعت جذع ا يابس ا
وأخذته عكازاا ،ل لهش به عن غنمي ،ول أملا في أن يتحول لثاعبان فيبتلع ثاعابين
السحرة الهواة ،بل لأتوكأ عليه حتى ل أهوي على الحصى المدبب ،وفي شطحة من
الجنون رحت أغرس العصا في الرمل وكأني أحاول أن أحفر بئ ار ،عكلت يدي وخارت
قوتي ،ركعت على الرض مستسلما ،تذكرت أن البدو يضربون الرمل تحت سفوح
الجبال بالعصا فيتفجر منه الماء ،الذي ينهمر ،حينما تمطر السماء ،من أعلى الجبل
ليتجمع في أحواض من الصخر تتناثار بسفح الجبل ،وحينما تنثار الرياح الرمال علي
سطح الماء فإنها تغطيه وتحميه من البخر وتحفظه لعشرات السنين! ،لم أعد أقوي على
200
الوقوف ،رحت أتقلب على الرمال وأنا أبكى وأصرخ يا رب أولدي ،يا ربببببب،
أولدددددي.
حاولت الوقوف ،استندت على العصا ،انغرست في الرمل بسرعة ،انهرت على
الرمل ،زحفت نحوها لخلعها من الرمل فخرجت مبللة بالماء ،كالمجنون رحت أطعن
الرمل بقوة ،اندفع الماء يتلل تحت أشعة الشمس فبدا كسيل من اللؤلؤ المذاب ،قذفت
بجسمي نحوه ،شربت حتى ارتويت ،ألقيت بنفسي على الرمال التي رطبها ماء اللؤلؤ،
شعرت بالعافية تعلدب في أوصالي ،تيقنت أن ما حدث ما هو إل إشارة من ال لتمسك
بإيماني وأمضى في طريقي لنقذ العالم من الهوس الديني الذي انحرف بالبشرية عن
رسالتها من أجل الخير والسلم والعدل ،بعد اليوم لن يزحزحني شيء عن إيماني بال
قيد أنملة ،توضأت باللؤلؤ ،وصليت ل عدة ركعات وشكرته كثاي ارا ،لم أشعر بانتعاش
وحيوية كما شعرت بعدما فرغت من الصلة.
لم تتمالك سهير نفسها ،فأطلقت العنان لضحكاتها تجلجل في الشاليه ،فقال.
-أعرف أنك ل تصدقيني ،ولكنى أقول الحقيقة.
قالت سهير بصعوبة وهي تغالب ضحكها.
ك تصلى ولو لمرة واحدة.
-عشت معك لأكثار من ثالثاة عشر عاماا ،لم عأعر ع
استمرت تضحك ،كاد أن يتفجر غيظ ا ،تركها وجلس صامت ا يقضم أظافره،
دقيقتين وتوقفت عن الضحك ،اقتربت منه وانحنت لتقبله في جبهته وهى تقول.
-ل تغضب ،أكمل ،أنا أصدقك ،أكمل أرجوك حتى ننتهي ،تأخرت على الولد.
نظر إليها في حيرة ثام استطرد حكايته المثايرة فقال.
نفضت عن نفسي الخوف من النهاية التي أندفع نحوها ،وتمكنت من الدوران
حول الجبل حتى وصلت للسيارة ،مكثات ثالثاة أيام بمستشفي شرم الشيخ حتى تم ضبط
نسبة السكر بالدم ،وقبل خروجي فوجئت بزيارة تاردينى ،سألته كيف عرف بمكاني،
ابتسم ولم يرد فتأكدت من أنه يراقبني بالفعل ،اصطحبني للفندق لستجم لبعض الوقت
قبل أن أستأنف نشاطي بالمشروع.
200
في صباح اليوم التالي ،وأنا أتأهب لمغادرة الغرفة ،خفق قلبي لطرق خفيف علي
الباب ،احتضنته طويلا وسألته عن أحواله ،ولم ألمه على التأخير فيكفيني أنه جاء ،لم
أسأله حتى عن التصوير ،بالفعل أحب هذا الشاب الرائع.
راح ينظر إلى في دهشة بينما أكرر عليه سؤالي عن أحواله ،ابتسم وقال.
-ألن تلقي نظرة على التصوير؟!
-آه ،التصوير ،لقد أنساني خوفي عليك أمر المدينة والتصوير.
بلهفة أدرت جهاز البروجيكتور وشاهدت ما أذهلني ،مع كل لقطة كنت
أستوضح منه المر فيشرح بالتفصيل كل ما يتعلق بها ،مكثانا بالغرفة طوال اليوم،
تحملت تذمره حتى استوعبت كل ما شاهدته ثام اصطحبته لفندق آخر ،وتركته هناك
يمارس حلمه وتوجهت أنا لمكان المشروع.
عدت إليه بعد أسبوع لناقش معه ترتيبات دخولي للمدينة ،قضينا سوي ا يوم ا
رائعا ،وعندما حان موعد عودته للمدينة ،قررت اصطحابه حتى مدخلها ،لتعود على
المكان ،وكان قد أخبرني أنه سيخرج مرة دأخرى بعد حوالي شهر من الن.
في الطريق إلى المدينة راح ديلقي بنصائحه.
-سوف تشاهد على الطبيعة كيفية تسجيل رقم الدخول والخروج ،وكذا فحص
البصمات على البوابة اللكترونية.
توقف عن الكلم ونظر إلى في دهشة وسألني.
-ماذا عن البصمات؟.
-ل تشغل بالك فبصماتي الن هي بصماتك.
رمقني بنظرة شك ،هممت بتوضيح المر لكنه واصل حديثاه.
-في الداخل تصرف علي طبيعتك ،ل تبادر بالحديث مع أحدهم ،فخلل أيام العمل،
يعرج على المعبد
يمضى كل فرد لعمله دون أن يتحدث إلي غيره ،وبعد انتهاء العمل د
ليصلى ثام يعود لمنزله ،ل حوارات متبادلة ول صخب بالمدينة إل يوم السبت ،يوم
الجازة السبوعية ،حيث يبكر الناس ليصلوا بالمعبد ثام ينطلقون إلى الحدائق ليقضوا
النهار في اللهو وتناول الطعام والمشروبات ،وفى أول الليل يذهب الجميع إلى المسرح
حيث يستمعون لوعظ الكهنة إوارشادات مشرف المدينة ،ويقدمون شكواهم وطلباتهم إلى
200
المير ،ثام يشاهدون ما يعرض من مسرحيات ويستمعون للموسيقى الصاخبة ،وفي
المسرح لكل فرد الحرية كاملة في أن يفعل ما يشاء.
صمت يفكر ،وكأنه يحاول آل ينسي أي شيء ،ثام أضاف.
-يسمح بالدخول طوال أيام السبوع ،أما الخروج من المدينة فيكون من صباح يوم
الثالثااء إلى مساء يوم الخميس فقط ،ولهذا أقترح أن تدخل صباح الثالثااء وتخرج ظهر
الخميس ،وبهذا يمكن تقليل احتمال أن تواجه أية مشكلة بالداخل ،أنا أعمل مشرفا على
الحديقة الملكية جنوب المدينة ،وفى الغالب ل أذهب إلى هناك إل يوم الحد ،منزلي
بالمطلع السابع ،المدرج الثااني برقم ،33ستقيم فيه ،ل تخشع الجيران ،فكل شخص في
حاله تماما ،خلل أيام العمل.
اعتدل في مقعده وأضاف.
ت بأن هناك من
-احرص علي آل تلفت نظر حراس المدينة لتحركاتك ،إذا عشعر د
يتتبعك أو يراقبك توجه فو ار لبوابة الخروج لتغادر المدينة من فورك ،فهذا لن يستغرق
منك مدة ساعة واحدة ،وهى دمدة لن يتمكن فيها من يتبعك من استصدار أمر بالقبض
عليك من المير.
لم يشعر بأني خائف فراح ينظر إلى بدهشة ،والحقيقة كنت مشغولا برمي قطع
معدنية دمعمغنطة لستخدمها كعلمات على الطريق عند عودتي فقد يكون لها قيمة ،إذا
جد في المر جديد ،انتبهت له وهو يقول.
-كن حذ ار لأقصى درجة ،من خاف سلم ،انتبه لكل شيء من حولك.
-لن ألفت انتباه أحد ،وسوف أغادر من فوري عند أقل بادرة خطر.
عل صوته وهو يقول.
-هذا مهم ،لنك لو عأثارت انتباههم ،قد يتبعونك إلى خارج المدينة ،هذا إن تمكنت من
الخروج.
شعرت بخوف حقيقي ،أوقفت السيارة وسألته.
-ما العمل حينئذ؟.
-سأكون قريب ا دائم ا من بوابة الخروج ،عندما تخرج سأراك ،تختفي أنت وأظهر لهم أنا
وأطلعهم على رقم خروجي وبصماتي التي على جهاز فحص البصمات.
200
توقف عن الكلم وفغر فاه ،نظر إلي مشدوها ثام خبط فخذه بكفه وقال.
-البصمات ،كيف ستخدع جهاز فحص البصمات؟.
قلت بثاقة وأنا أبتسم له.
صورت
-لن أخدع الجهاز ،فبصماتي بالفعل مطابقة لبصماتك ،أتذكر حين ع
بصماتك؟ قام الطبيب بإيطاليا بتغير بصماتي لتطابق بصماتك.
انزلق برفق في مقعده ورجع بظهره للخلف ولذ بالصمت .سألته لداعبه.
-وما العمل لو أنك لم ترنى عند خروجي من البوابة؟.
-سوف أراك بالتأكيد ،سأحوم حول المكان ،وفور خروجك ل تبحث عني ،اختبئ
بسرعة واتصل على هاتفي النقال ،وحتى لو لم أرك تخرج ،سأظهر نفسي لجواسيس
المدينة ،ادفن هاتفك بمكان قريب من البوابة قبل دخولك إلي هناك.
سألته.
-ماذا لو أمسكوا بي قبل أن تظهر لهم أنت؟.
قال ببساطة وكأنه يسخر منى.
-سدتقعتل فو ارا ،وسيعرفون أنى من ساعدك ،فيقبضون علي ليقتلني المير بيديه.
انكمشت في المقعد ،غير قادر علي الكلم ،وكأن ما قاله ل يكفى ،ضحك بل
داعي وأتحفني بقوله.
-لو تتبعوك فلن تكون بأمان أبدا ،يمكنهم الوصول إليك أينما كنت وبأسرع مما
تتصور ،لديهم فريق دمطاردة خارق في كفاءته ،يمكنه العمل بأي مكان بالعالم.
تابعنا طريقنا ،يلفنا صمت جليل ل يقطعه إلى صوت احتكاك العجلت
بالحصى المتناثار على الرمال.
توقفنا بعدما قطعنا مسافة خمسة كيلو مترات جنوب جبل موسى ،ترجل حمدان
لمسافة ثام أشار إلي فتبعته ،وفاجأني قائلا.
-هل معك ما يكفى من تلك القطع المعدنية؟ ،ما زالت أمامنا مسافة.
تمالكت نفسي لبدو طبيعي ا وقلت.
-إنه جهاز اقتفاء الثار قد احتاج إليه في طريق العودة ،لست بدوي ا ول أعرف
الصحراء.
200
وكأنه لم يسمعني ،واصل سيره وأنا أتبعه ،كنت كل مائتي خطوة أزرع بالرمال
قطعة ممغنطة ،وعند كل مرة نغير اتجاه السير ،كنت أصنع من الحصى شكل ا هندسي ا
معين ا عند كل زاوية للنحناء ،عند الاتجاه جنوب ا أو شمالا أصنع مثالثا ا ،غرب ا أو شرق ا
أصنع دمربعاا ،اتجهنا جنوبا لمسافة كيلو متر واحد ثام للشرق لمسافة كيلومترين ،وأخي ار
في اتجاه الجنوب لمسافة ثالثاة كيلومترات ،وهنا قال حمدان.
-انظر هناك.
كان الضباب كثايفاا ،لمحت ستارة هائلة من السحاب السود ،تمتد من الرض
للسماء.
قال في زهو وهو يشير إلي خيال ضخم بدأت أتبينه شيئا فشيئا.
-خلف هذا الجبل توجد أعظم مدينة على وجه الرض.
قال ذلك ثام حث الخطا نحو الجبل ،الذي كان يرتفع في السماء كلما اقتربنا منه،
بعد قليل كنا تحت جبل يسد الفق كأنه نهاية الدنيا ،لم عأعر له نهاية عن يميني أو عن
يساري ،رجعت برأسي للخلف وأنا أنظر إليه ،تطوحت وسقطت على ظهري ،أعدت
المحاولة وعقلي ل يصدق ما أشاهده ،فكأنه يخترق السماء ويشقها ،للحظات هيئ لي
أنه ليس بجبل ،بل هي السماء تنحني بشدة لتلتقي بالرض ،إنها نهاية الدنيا كما كنت
أظن وأنا صغير ،أتسابق مع أصدقاء الطفولة لنمسك بالسماء عندما تلتقي بالرض في
مرمى أبصارنا ،كن نجرى ونجرى حتى تنهك قوانا فنعود لبيوتنا على وعد بإعادة
المحاولة في اليوم التالي!.
كان المنظر مهيب ا ويكاد أن ديطيدح بالعقل ،كتل ضخمة من الدسحب تسرع نحو
الجبل لترتطم به في صمت رهيب ،تتفجر عليه فتعود أدراجها قطع تتموج وتتشكل في
أشكال أسطورية ،تتداخل في بعضها البعض ،في طريق هروبها بعيدا عن الجبل،
لتصنع أشكال أخرى ،تصورتها كائنات أسطورية تلعب وتلهو مع الجبل ،هذا أسد،
وهذا فيل ،وهذه بقرة ،وتلك تشبه الديناصورات المجنحة ،هذا إنسان ضخم ،وتلك صور
لبشر وملئكة ولأنصاف آلهة ،أخذني الخيال وكأني أشاهد فيلم جونسون وآلهة الحرب
أتذكرينه؟.
200
كان رضا يحكى بطريقة مثايرة حتى أن سهير لم تسمعه وهو يسألها ،أعاد عليها
السؤال فقالت مذهولة وبصوت ضعيف.
-آه ،نعم أتذكره ،أكمل ،شوقتني.
-كانت هناك دسحب بيضاء وسحب سوداء ،وأخري بين بين ،تتموج بسرعة بالقرب
من قمة الجبل ،كما تفعل الريح الشديدة في السماء الملبدة بالسحب ،في نهار يوم غائم
ودمملطر ،تعبت عيناي من متابعة ما تبدعه حركة الدسحب ،رحت أتابع خيالها على
الرمال التي وكأنها تحولت لمرآة تعكس ما يجرى في السماء ،تجاهلت مداعبات
السحاب للجبل ولهوه بعيني ،فى حذر تراجعت للخلف كثاي ار حنى تمكنت من رؤية
الجبل جيدا ،،،يا ال ،،،يا ال ،،،ما هذا الجمال والبداع ،كأني أرى قوس قزح من
أمامي ومن فوقى ،اعتادت عيني المنظر ،فعدت للواقع ،لحت الشمس وأطلقت أشعتها
على الجبل فارتدت ألوان ا زاهيةا تتداخل لتكون أشكال ا ،قد ل تعنى شيئ ا في تفاصيلها،
ولكنها تعطيك إحساسا عجيبا بالروعة والجمال وتأخذك لدنيا الخيال والوهام ،انغمست
في الاستمتاع بما أراه من سيمفونيات ملونة ،تارة أنظر لعلى أتابع تابلوهات متتالية
تؤديها الدسحب ،وتارة أدريح عيني بالنظر في مرآة الرمال لرى خيالت الدسحب تتموج
على الرمال فتظللها للحظات ،يهرب بعدها الظل أمام أشعة الشمس ،فتتوهج المئات
من حصي الرخام المتناثارة على الرمال ،فأغمض عيني على عشرات الشموس.
ل أجد من الكلمات ما أصف به ما رأيته على شاشة الجبل العملقة من لوحات
رائعة من اللوان الزاهية والمتداخلة بإبداع منقطع النظير ،لم ينتشلني من ذهولي
ودهشتي إل سؤال جال بخاطري ،كيف عمى الناس عن تلك الكنوز من الرخام
الفاخر؟.
ناداني حمدان ،اقتربت منه فقال.
-أل ل
ق بقطعة معدنية هنا ،المدخل على يمين هذه النقطة بمسافة خمسمائة متر ،تبعته
حتى وقف أمام جزء أملس من الجبل ،ومحدد من جوانبه كمستطيل ضخم.
-أيمكنك تمييز هذا الجزء من الجبل؟ ،إنه بوابة الدخول.
حركت رأسي لطمئنه إنه بإمكاني ذلك فقال.
-ما يهم ،هو عرضه ،الذي يبلغ مائة خطوة.
200
تبعته في اتجاه اليمين حتى توقف وقال.
-ها هي لوحة تسجيل رقم الدخول والخروج ،وبجوارها لوحة فحص البصمات.
نظر نحوي وأضاف.
-هنا نهاية رحلتك معي ،عندما أدخل ترحل فو ار حتى ل يراك أحدهم.
كنت مشدوه ا بما أشاهده ،انتبهت إليه يقول.
-ما إن أكتب الرقم السري وأضع يدي مفرودة على هذه الشاشة الصغيرة سيفتح الباب
ويغلق بعد عشر ثاواني.
اللوحة تشبه لوحة مفاتيح الكومبيوتر ،عليها عشرة صفوف من الرقام تبدأ من
الصفر وتنتهي بالرقم 9بالحروف العربية ،01234567 89وأوضح حمدان أنه
يجب علمس كل رقم في الصف المقابل له فمثالا يجب لمس الرقم خمسة بالصف
السادس لن الصف الول هو صف الصفر.
قبل أن يلمس حمدان لوحة الرقام قلت له.
-انتظر ،لقد نسيت أن تخبرني بأمر هام.
تلفت حوله وجال بعينيه بالمكان ،ليعلمني بأنه يخشي أن يرانا أحدهم وقال.
-ل أعتقد أني نسيت شيئا.
-بأية لغة يتحدث أهل المدينة؟.
-ليس لنا لغة دمحددة ،نحن نتحدث مع بعضنا البعض باللغة المصرية القديمة ،ونتعبد
في المعبد ونق أر التراتيل باللغة الآكادية والرامية وأحيانا بالعبرية والعربية ،والجميع هناك
يمكنه التحدث باللغة النجليزية.
-أمجمع لغات هذا؟ كيف يتفاهم سكان مدينة واحدة وهم يتحدثاون بعدة لغات؟.
-ل ،ما أقصد هو أننا نتحدث لغة هي مزيج من جميع هذه اللغات.
-ولماذا لم تخبرني بذلك؟.
-أنت تتحدث العربية والنجليزية ،كما أنك لن تتحدث مع أحد ،لنك ستخرج قبل يوم
العطلة ،حيث يتحدث الناس بالمعبد أو المسرح ،ألم نتفق على ذلك؟.
200
بأل أدخل المسرح أو
أطرقت أنظر للرض ولم أرد عليه ،فأعاد تأكيده على د
المعبد في أي وقت ،والحقيقة أنى كنت أجادله لتأكد من أنه ل يوجد لديه أدنى تردد في
تنفيذ ما اتفقنا عليه ،راح يلمس الرقام على اللوحة فخفق قلبي بقوة ،سألته.
-ما هو ،بالضبط ،تاريخ خروجك القادم؟.
لم يسمعني ،كان يحدق في الباب الصخري ،الذي أخذ يتحرك ليدخل في الجبل
من الناحية اليمنى ،نسيت سؤالي ونظرت من الباب فلم أر إل دائرة من الضوء يحيط
بها ظلم دامس ،انتبهت لشبح حمدان يلتفت نحوى ويقول.
-بعد عام من الن.
كانت الصدمة شديدة حتى أنى هممت باقتحام الباب قبل أن ديغلق فلم تسعفني
قدماي على الحركة ،حاولت أن أصرخ فيه فصعقني بنظرة مرعبة ،كانت عيناه تلمعان
في الظلم في حدة وغضب فهيئ لي أنه جن أو عفريت ،ارتبكت بشدة ،تراجعت على
صراخه المكتوم ،،،ارجع بسرعة ،،،ارجع بسرعة.
هرولت خائف ا في اتجاه العودة ،الشك والاضطراب يثاقلن حركتي ويحدان من
سرعتي ،ارتكنت على السيارة للتقط أنفاسي ،رحت ألهث وكان جسدي يرتج على
نفضات قلبي الذي كاد أن يحطم قفصه ،انزلق جسمي على السيارة حتى لمست
مؤخرتي الرمال والحصي ،جلست حزين ا بائس ا ،،،أهذا البدوي يتلعب بى؟ ،،،ما
حقيقة هذا الشاب؟ ،،،هل هو جزء من الوهام والخيالت التي أخذت تمل عقلي منذ
فترة حتى ظننت نفسي مريضا بالهلوسة البصرية والسمعية ،،، ،أعرف أن الضغوط
النفسية تسبب هذا النوع من الهلوسة والخداع ،،،ولكن ماذا عن الجماعة والمزرعة
والحج؟ ،،،ماذا عن حكاية إبراهيم سالم وعلى العمرناوى؟ ،،،ماذا عن التصوير
الدمدهش الذي أتاني به حمدان من خلف هذه الجبال؟ ،،،أيكون خلف تلك الجبال
مدينة لللجن والشياطين؟ ،هل أنا أهذي؟ ،أشعر بعقلي خاوياا ،هل أوشكت علي الجنون،
أم أني قد دجننت بالفعل؟.
ذهبت من فوري للفندق ،عندما رآني تاردينى أقبل على غاضب ا وقال بصوت
منخفض به من الحدة الكثاير.
-أين كنت؟ ،هناك تعليمات دمشددة بإنجاز العمل في أسرع وقت.
200
تذكرت أنى مرشح لعضوية الجماعة ويمكن أن أحج معهم لتلك المدينة
المزعومة ،هدأت أعصابي بعض الشيء ،وقررت التركيز في العمل لنيل ثاقة الجماعة.
بعد ثالثاة أشهر أوشك العمل بالمشروع على الانتهاء ،وبدأت الشركة اللمانية
في ميكنة المزرعة لتعمل آليا بشكل كامل ،ليكون بإمكاني إنجاز ومباشرة معظم أعمال
المزرعة من مكتبي ،وكذلك يمكن مراقبة كل سنتيمتر من المزرعة ،وما حولها من
جميع التجاهات ،وتأمينها بشكل كامل.
اطمأننت على المشروع فعدت ليطاليا لإنجاز بعض العمال الخاصة بي،
وكان بانتظاري مشكلة خطيرة كادت أن تدمرني تماماا.
----------
لحظت أن سيلفيو متحفظ في تعامله معي ،على غير عادته في الفترة الخيرة ،كلما
التقينا كان يستمع إلى ول ينطق بكلمة ،فقط يرمقني بنظرات كلها شك وريبة ،وفى
الحقيقة أنى كما كنت أحبه كنت أخاف منه فهو يعرف عنى الكثاير ول أعرف عنه إل
القليل ،فهو ل يسمح لك بأن تعرف عنه إل ما يفيد عملك معه فقط.
لم يطل بي التفكير فيما غيره من ناحيتي ،فقد جاء لمنزلي بدون ميعاد مسبق،
رحبت به بح اررة ،دلف من الباب دون أن ينبس ببنت شفة ،توجست منه خيفة ،وبل
مقدمات قال في حدة.
-لنفض الشراكة بيننا.
تمالكت نفسي وسألته.
-لماذا تريد أن تبعدني عنك سيلفيو؟.
وبحركة مسرحية صحت غاضباا.
-أنت من زج بي للعمل مع الكنيسة في سيناء ،والن تلومني لهمالي لمشاريعنا
المشتركة؟!
لم تنطلل عليه حيلتي ،راح ينظر إلى وعلي وجهه ابتسامة مرعبة ،عقد يديه
خلف ظهره واتجه نحو البار ،تناول عبوةا من الجعة المثالجة وعبه في جوفه بسرعة
خاطفة ثام سحق العبوة بيده وقال دون أن ينظر إلي.
-محمد ،سيلفيو أصبح يخافك.
200
أطلق ضحكات صاخبة أرعبتني ،ثام أضاف.
-أصبحت قوي ا وعنيفاا ،محمد.
استمر يضحك ،خفت ولكني تماسكت بسرعة ،قال.
-ولكنك لست ذكيا بما فيه الكفاية.
كان متوت ار للغاية ،مع اضطرابي الشديد حاولت تخمين سبب غضبه ،لم أفلح،
قلت له بهدوء اليائس.
-لماذا أنت غاضب هكذا ،فلنتكلم بصراحة ،ماذا جد فى المور؟.
تراجع عن البار بظهره عدة خطوات للخلف حتى شعر بأنفاسي المتلحقة علي
مؤخرة رقبته ،والتفت نحوى بسرعة فلطم أنفى بأنفه ،ثابت عينيه المشتعلتين في عيني
الحائرتين ثام قال بهدوء غاضب وببطء مخيف.
-أتذكر صفقة الثاار الخيرة التي أخرجناها من مصر؟.
مع أول كلمة نطق بها ،اتضح المر ،قلت.
-وكيف أنسي أنجح صفقاتنا؟.
تراجع للخلف خطوة وقال وكأنه يندب حظه أو يلوم نفسه.
-سيلفيو الطيب عموعل الصفقة ،وبدون أن يرى لها أي تصوير ،لنه يثاق بصديقه
وشريكه محمد يوسف.
ثام رفع ذراعيه وشرع بوجهه لعلى وكأنه يشكوني للسماء وأضاف.
-لكن صديقه خدعه ،خانه.
صفق بيديه في دهشة وكز على أسنانه وعيناه تطلقان أشعة غضب حارقة،
رددت عليه بنظرة خاوية ورحت أحرك كتفدى وذراععدي في استنكار ،نظر نحوي في
سخرية واستعلء وأضاف فى صلف.
-كأنك تفكر بكذبة دأخرى تبرر بها فعلتك النكراء؟.
لملمت أشلء نفسي بسرعة ،وقلت في حدة.
-لم أكذب عليك أبداا ،إما أن توضح ما تقصده ،أو ننهى هذا الحديث الدمهين.
ل ،لبد من أن أشرح لك ،لعلك مظلوم.
-حسن ا يا عزيزي ،فع ا
قال ذلك وجلس متصنعا الهدوء ثام رفع رأسه ونظر إلي وأضاف.
200
-من أسبوع جاءني صديق قديم ،يعمل بالإنتربول الدولي ،وقص على قصة مثايرة
وطلب مساعدتي ،تحدث عن رجل إيطالي عغرر بمجموعة من الشباب المصري
ودفعهم لقتل ثالثاة من رجال السياسة والعمال المشهورين بمصر ،واستولى على
مجموعة هامة من الثاار المصرية ،انتظرتك أن تعترف لي بما فعلته فخاب رجائي.
-سيلفيو ،أنت ربحت من هذه الصفقة الكثاير ،فما يضيرك من أنى قد أنتقمت لنفسي
من مجموعة من الأفاقين ،دمروا حياتي وقتلوا أعز أصدقائي.
-وبماذا أضرتك مجموعة الشباب ،لتلقى بهم في التهلكة؟.
-هذا قدرهم ،سيلفيو ،أنت من علمني أنك عندما تحصل على مصلحتك ينتهي المر
بالنسبة لك ،فلماذا تهتم الن بما ل يعنيك؟!
-هذا صحيح ،أنا بالفعل ل أهتم حتى للف شاب مصري أو غير مصري.
ثام قام من مكانه وقال.
-لكن ما شاهده سيلفيو في التصوير الذي أعطاه إياه صديقه ،أمر يهمه جدا،
أتفهم؟ ،الحكومة المصرية أقامت الدنيا ولم تقعدها حتى الن بحثا ا عن الرجل الإيطالي
وعن محتويات المقبرة المنهوبة ،استعانت بالإنتربول ،وأصدرت نشرة حمراء لجميع
متاحف العالم بالثاار المنهوبة ،ودعت الحكومات إلى تطبيق معاهدة اليونسكو التي
تقضى بإعادة الثاار التي تخرج من بلدها بطرق غير مشروعة.
-أخبرتني بأن المتحف ربما كان وسيطا بينك وبين جهة مجهولة تهتم بالثاار المصرية
القديمة ،أي أن التماثايل التي أخرجناها لن تعرض بأي متحف.
-من اشترى تلك التماثايل ،أي ا كان هو ،اشترط أل تتسرب أية معلومة عنها ،واشترط
أيضا أن تكون محتويات المقبرة كاملة.
قلت في دهشة.
-بالفعل هي كاملة؟.
-في التصوير تظهر مجموعة من اللفائف ،أنت استوليت عليها وأعطيتها لصابرينا
المجنونة ،أليس كذلك؟.
ل.
حاولت الكلم فعاجلني قائ ا
200
-لو أن المجهول الذي اشتري الدشغل شاهد هذا التصوير ،ماذا تتوقع عزيزي محمد؟،
سنقتل من فورنا ،سنقتل بسببك ،سنقتل بسببك.
صمت لبرهة ،ونظر إلى في غيظ غاضب ثام صرخ قائلا.
-أريد تلك اللفائف ،وفو ارا ،إوال سأدمرك قبل أن تقضي علي بكذبك وخداعك.
لم يعد هناك مجال للنكار ،قمت وأحضرت اللفائف وناولته إياها ،متحجج ا
بأني لا أعرفه إل مهتما بالمال ،وصابرينا بالعلم والمعرفة ،وقلت له متصو ار أني قد
سويت ما بيننا من خلف.
-ها أنت معك اللفائف ،وصابرينا حصلت على ما باللفائف من معلومات.
صرخ في دهشة واستنكار.
-ألدى صابرينا تصوير؟ ،هذا لن يحل المشكل الذي نواجهه ،لبد من الحصول على
ما لديها من تصوير لتلك اللفائف.
ثام أشار إلى بسبابته اليمنى وأضاف.
-أنت من تسبب في هذه المشكلة وعليك حلها وبسرعة.
-أمهلني عدة أيام وسأنهي هذه المشكلة.
قال غاضبا وكأنه يحدث نفسه.
-شريك مجنون وآخر خائن.
أخنك ،وسأحصل على التصوير ،حتى لو تخلصت من صابرينا.
-لم د
تجمد في مكانه للحظات ثام انفجر كالبركان.
-لو ماتت صابرينا فمن العدل أن تموت أنت أيضاا.
ثام رفع يده في وجهي محذ ار.
-إياك أن تصيبها بسوء ،لن أنجو لمن شقيقها أو من زوجتي ،ولن تنجو أنت منى.
كما جاء غاضب ا خرج حانقاا.
----------
كنت أسارع الزمن ،بحثات عنها في كل مكان يمكن أن توجد به ،لم أعثار لها
علي أثار ،وفي تلك الثاناء حدث أن أبلغني أحد رجالي المكلفين بمراقبة اللواء الجمال
بلندن ،بأن الرجل تخلى أخي ار عن حذره وأصبح دائم الظهور في الععلن وأنه ل ينفك
200
يجتمع مع معارضي نظام الرئيس شفيق بالخارج ،سعيا لتشكيل جبهة مناهضة للنظام
المصري.
قررت الذهاب إلى لندن لتصفية حسابي مع الجمال ،فمع خوفي المريع من
سيلفيو وصابرينا ،لم عيفدتر حقدي علي هذا الرجل لحظة واحدة.
كنت أحب التجوال بميدان البيكاديللي الشهير بلندن ،وحدث أن جلست
لستريح بحديقة صغيرة بأحد أطراف الميدان ،فلمحت حجازي بمفرده ،خارجا من دار
للسينما خلف الحديقة ،أمسكت بذراعه ،رحب بي بح اررة وكأنه سعيد لرؤيتي ،وليس
هارب ا منى بصحبة صابرينا.
سألته لماذا يختبئ منى هو وصابرينا ،فأنكر ذلك ،وتحجج بأنهم مشغولون
بتجهيز كتاب صابرينا للطباعة ،سألته لماذا لندن ،فقال.
-أنت تعرف خشيتها من بعض الجماعات الدينية التي تعج بها كنائس إيطاليا ،كما
أنها تريد أن تكون بالقرب من عدد من علماء الديان والتاريخ هنا بلندن.
أعطاني عنوان شقتها علي وعد بأن نلتقي هناك مساء يوم غد.
قابلتني بفتور بالغ ،وما إن سمعتني أقول بأن سيلفيو غاضب منها حتى تحولت
لكتلة مشتعلة من الغضب وقالت في حدة.
-ولماذا يغضب؟ ،لم أعد أعمل معه ،هو يعلم ذلك ،ماذا يريد منى هذا الوغد؟.
-اللفائف هي السبب ،يقول إن نشرها يهدد حياته وحياتنا أيضاا.
-ما يهدد حياتكما ،هو ما فعلته أنت بمصر ،وهذا ل شأن لي به.
ابتسمت وقلت لهدئ من توترها.
-حجازي ل يخفى عنك شيئاا.
اتجهت نحوه وهى تنظر إليه بعطف وقالت.
-هذا صحيح ،إنه شخص نقي ،ل يعرف الخداع والقتل كالخرين.
-حسنا ،ولكنى لم أخدعك ،وقتلت من قتل صديقي وطردني من بلدي.
-هذا ليس شأني ،وما بيني وبينك انتهي ،يوم حرضت حجازي ،ليخفي عني أعمالك
القذرة.
احتقن وجهي من الغضب ،ارتبكت ولكنها لم تهدأ ،سألتني في ضيق صدر.
200
-ماذا تريد منى الن؟.
-أدريد ما لديك من تصوير لما باللفائف ،لنمحو أي أثار لها ،وتنتهي جميع مشاكلنا مع
سيلفيو ومع الإنتربول ،ويمكننا بعدها أن نعاود العمل والبحث ،فما زال هناك الكثايرد من
المعلومات مدفونا هناك في أرض مصر.
-وما علقة الإنتربول بالمر؟.
-الحكومة المصرية استعانت بالنتربول وأمدته بتصوير المقبرة ،وأصدرت نشرة حمراء
بالثاار المنهوبة.
هدأ غضبها بعض الشيء وقالت.
-هكذا المر إذن؟!.
راحت تنظر إلي بتش د
ف ثام أضافت.
-ما أحوزه من تصوير أصله معك أنت ،وهذا يضمن أل يربط أحد بين محتويات
المقبرة وبين ما سأنشره من معلومات.
ما تقترحه بالفعل يؤمني جانب النتربول ،ولكن لن يؤمنا من انتقام من يخشاهم
سيلفيو ،هممت بإيضاح المر لها ،فصدمتني بقولها.
-ولكني لو نشرت صورة اللفائف ومعها صور الصفحات ،سيعرفون بأني قد اطلعت
على اللفائف الحقيقية ،من المؤكد أنهم سوف يسألوني عن مصدرها ،فأخبرهم بأنها ملك
رجل العمال اليطالي ،سوري الصل ،محمد يوسف ،وأنه باع لي التصوير مقابل
مبلغ كبير من المال ،وقد يسألوني كيف تعرفت عليك ،فأحكى لهم حكاية المركب
الغارقة وما حدث بعدها ،ما رأيك؟.
-أرجوك صابرينا ،هذا خطير جداا ،إنه تهديد صريح.
-لو أعطيتني اللفائف لن أنشر أي صورة لها ،فقط سأستعين بها في إقناع من
يعارض نظريتي من العلماء.
حدثاتني نفسي بأنها تحاول خداعي ،لم يعد لدى خيار آخر ،أعطيتها موافقتي
المبدئية علي أن تعطيني مهلة لتسوية أموري مع سيلفيو.
مع صدمتي الكبيرة فيها ،لم أعدلم إل نفسي ،فالخطأ خطئي ،تخليت عن حذري
وانشغلت بالكنيسة وبمشروعها ،ولم أراقب نتائج ما فعلته بمصر.
200
عدت إلى إيطاليا وعملت بجد وسرية على تحويل أموالى إلى بنك باركليز
بنيويورك علي حساب باسمك وباسم يوسف ونهاد ،واشتريت ،باسمك أيضاا ،شقة فخمة
بأفضل شوارع مدينة ما نهاتن بنيويورك.
عندما سمعت سهير ذلك لم تعدعد متأكدة مما يفتعل بنفسها من مشاعر ،شعرت
ببعض الفرح لما يلمح إليه زوجها ،فالحياة بأمريكا حلمها القديم والكبير ،ولكن ما
سمعته من زوجها ملها رعبا على ولديها ،آثارت الصمت وواصلت الاستماع لحكايته
المثايرة.
----------
لم يخبر سيلفيو بما دار مع صابرينا ،فهو يعرف نتيجة ذلك ،التعجيل بنهايته،
قضي أسبوع ا بسيناء يتابع المشروع ،وأسبوع ا آخر في مستشفي } حداسا { بتل أبيب
استعاد فيه الكثاير من حيويته الجسدية والذهنية ،ومن هناك طار إلى لندن.
كان يقضى ،النهار متسكعا بشوارع وحدائق لندن الشاسعة ،والمساء على المقاهي
العربية بشارع الإيدجيوار ،ليتابع أخبار اللواء الجمال ،وحين حانت اللحظة نفذ خطة
محكمة فتخلص بسرعة من اللواء ،زادت ثاقته بنفسه ،وبات يعتقد أن نبوءة سماسم ما
هي إل رسالة من السماء تحثاه على المضي قدما في طريقه.
لم يغادر غرفته بالفندق ،أمضي ثالثاة أيام متواصلة في الصلة وقراءة القرآن،
لم يكل لسانه من ترديد الأذكار والدعية ،ولم يمنعه من مواصلة الاستمتاع بالعبادة إل
شعوره بالتوتر يخيم على الفندق خوفا من هذا المسلم الذي يغلق على نفسه غرفته
ليصلى ليل نهار.
بعد أسبوع كان قد شفي من نشوة الانتقام من اللواء وتفرغ تماما للتفكير في خطة
للتخلص من تهديد صابرينا ،وصنع بيده ،مرة أخرى ،مجموعة من اللفائف المزيفة،
فقد اتخذ ق ار ار بالقضاء عليها وعلي حجازي.
----------
في الميعاد المتفق عليه ،توجهت إلي شقتها ،عندما لمحت اللفائف بيدي
عاملتني برقة استعدت معها ذكرى ما كان بيننا من ود وصداقة ،كان حجازي يجلس
200
بمقعده ل يتحدث ويكتفي بالنظر إلى ،تذكرت أن لديه أسرة صغيرة يحبها ،وضبطت
نفسي مترددا.
طلبت منها أن تطلعني على ما لديها من وثاائق تاريخية عن الديان البراهيمية
وخاصة الدين الإسلمي ،وبعد تناول العشاء أخذت تعرض على مسودة كتابها المنشود
وكان عبارة عن مخزن بارود ل شك في أنه سيدمر العالم تدمي ارا ،لم تترك لي فرصة
لألتقط أنفاسي ،ناولتني وثايقة قديمة مكتوبة باللغة العربية ،تتحدث عن انتشار العقيدة
الوزيرية وعبادة إيزيس بمكة والحجاز في الفترة التي سبقت ظهور السلم مباشرة،
وكان بها معلومات مثايرة وخطيرة حول نشأة الديانة السلمية بالجزيرة العربية ،لم يعد
لدى شك في أن ما عقدت هي العزم عليه لا يقل خطورة عما تسعي إليه بعض
الجماعات الدينية السرية ،بت مقتنع ا بوجوب تجريدها من كل ما بيدها من وثاائق
وأبحاث ،وامتلت بشعور غريب ولكنه مريح ،وهو أني أقوم بحماية العالم من الفتن
والحروب المدمرة.
أخرجت سيجارة لشعلها ،وضعتها بفمي وتظاهرت بالحديث مع صابرينا
وضغطت على زر الولعة الروبسون ،وفي أقل من دقيقة راحا في نوم عميق ،وبل
مقدمات تخلت عني الحماسة والشجاعة وانفرد بي التردد ،ما زال لهما في قلبي مكان،
لم أستطع قتلهما ،تخلصت من ترددي ،حقنتهما بمنوم قوى ثام استوليت علي كل ما
يمكن أن يكون له صلة بالمر.
قبل أن أتركهما وأغادر ،طرأت على ذهني خطة سريعة ،انتظرت حتى هدأت
المنطقة ونجحت في نقلهما لسيارة صابرينا ،وقدت السيارة على الطريق الدائري حول
منطقة نسدن لعلى أجد مرتفعا أسقط السيارة من عليه ،مرت ساعة دون أن أجد ما
أبحث عنه ،الخوف شل تفكيري ،لم يعد أمامي فرصة للتردد ،أغلقت زجاج السيارة ثام
أطلقت بداخلها كمية كبيرة من الغاز السام ،تركت السيارة على جانب الطريق وهرولت
مبتعدا بما أحمله من قنابل صابرينا.
ذهبت من فوري لسيلفيو بمكتبه بالمصنع ،أعطيته كل ما معي ،ولحظت أنه لم
يسألني كيف تحصلت علي كل هذه الشياء الهامة ،لم يسألني حتى عن صابرينا،
وراح يستمع لإلحاحي عليه بالعودة لسابق عهدنا دون أن يرد بكلمة واحدة أو حتى ينظر
200
إلى ،كان مشغولا بالشخبطة في ورقة أمامه على المكتب وهو يسند رأسه على ساعده
اليسر.
قلت في يأس.
-بعدما نتخلص من كل هذه الشياء ،ستنتهي كل المشاكل التي تواجهنا.
رمقني بنظرة ،لن أنساها ما حييت ،كان فيها من الغيظ والحقد والاستعلء ما
أربكني كثاي ارا ،لم أستطع التحكم في رعشة قوية ضربت أطرافي ،فاحمر لها وجهي
ل.
خج ا
طالت نظرته تلك حتي شعرت بضآلة شأني ،غضبت وصرخت فيه.
-ماذا بك سيلفيو؟ .أليس لديك ما تخبرني به؟.
ل ،لقد صفيت الشراكة بيننا ،ثاانياا ،كل ما أعطيته لي الن هو ملكي ،أنا
-نعم نعم ،أو ا
دفعت ثامنه ،ومن العدل أن يكون في حوزتي ،فل شأن لك به.
هذا أقل مما توقعته بعد نظراته الشريرة ،ومع هذا قلت له في حدة.
-هكذا إذن؟ ،فمتى أحصل على مالي؟.
-ليس لك لدى مال ،أنت أعطيتني عدة مليين ،لكنك ربحت من العمل معي،
بالخداع والتدليس ،عشرات المليين.
هب واقف ا وأشار إلي بسبابته وأضاف.
-في الحقيقة أنت تدين لي بعدة مليين.
تحقق ما حذرني منه تاردينى ،تقبلت المر وقلت.
-حسن ا ،ل أريد المال ،أنت صاحب فضل كبير على ،ولكن ما معك يهدد حياتي،
أرجوك ،لبد أن نتخلص منه.
وحدث ما لم أتوقعه من سيلفيو الحريص والذي يفكر بعمق وروية قبل أن يقدم
على أقل فعل ،خرجت منه ضحكات مستهترة ثام قال.
-أنت لست مخادع فقط ،أنت مجنون أيضاا ،أتطلب من سيلفيو أن يتخلص من
عشرات المليين من أجل أن يحميك أنت؟!.
استمر يضحك ،فعرفت أن معركتي الحقيقية هي ضد هذا المتعالي ،فضمرت له
ش ار لو علمه لبادر بسحقي.
200
قبعت بالمنزل لعدة أيام ،ل أرد على الهاتف ولم أفتح بابي لي شخص ،لم
أتمكن بعد من ترجمة ما بداخلي من خوف وغضب إلي خطة للقضاء علي سيلفيو ،لم
أدعد أعرف ما حل بي؟ أهو اكتئاب أم يأس ،أهو الغضب أم الخوف؟ ،،أم أنه شعور
غامض بالنهاية ،بالفشل ،بالضياع؟ ،اضطرب حالي ،ولم تنفع جلسات التنويم
المغناطيسي في استعادة اتزاني النفسي.
في نهار يوم من أيام سبتمبر الحارة والرطبة ،استيقظت على طرق شديد على
الباب ،كان هناك من يطرق الباب بإصرار ،يبدو أنه يعرف أنى بالداخل ،نظرت من
العين السحرية فرأيته غاضباا ،يكز على أسنانه وهو يطرق الباب بعنف.
فتحت الباب في حذر ،اقتحم المنزل وهو يصرخ.
-لماذا قتلت صابرينا؟.
اصطنعت الدهشة ،انكرت معرفتي بالمر.
-صابرينا ماتت؟ ،كيف ماتت؟ ،من قتلها؟.
لم يرد وصوب إلي نظرات نارية ،فقلت فى حزن شديد وبصوت متهدج.
-لم أقتلها ،صدقني لم أقتلها.
بكيت ،لمحت ابتسامة صفراء علي وجهه.
-أنت قتلتهما.
-ل ،لقد قمت بتخديرهما فقط ،أخذت ما أريده وتركتهما بالشقة يغطان في نوم
عميق ،تركتهما أحياء ،أنا متأكد من ذلك.
فقال بهدوء أثاار دهشتي.
-وعمن في رأيك فعلها؟.
-قد تكون الجماعة الدينية التي تطاردها من سنوات.
تلشت ابتسامته الخبيثاة ،بادرته بالهجوم ،قلت في حدة.
-وربما أنت من قتلها ،فأنت أيضا صاحب مصلحة في التخلص منها.
أفلتت أعصابه ،هاج وماج ،وراح يهدد ويصرخ في.
-أنت مخادع ،لقد سببت لي مشكلة خطيرة مع زوجتي ومع صديق عمري ،أنت
أخطر ما يتهددني الن.
200
انزعجت لتهديده المباشر والصريح ،رحت أهدئ من ثاورته وأغريه بما ينتظرنا
من مكاسب كبيرة لو استمر التعاون.
-سيلفيو ،لقد ماتت صابرينا وما تفعله الن لن يجدي نفعاا ،فلنتعاون ونبحث عن
قاتلها وننتقم منه.
-أي تعاون تتحدث عنه أيها القاتل؟.
صرخت.
-لم أقتلها ،واحتمال أنك من قتلها ل يقل وجاهة عن اتهامي بذلك ،ومن الفضل أن
تهدأ لنتدارس المر ،فقد يكون هناك من يترصدنا ليتحين الفرصة للقضاء علينا.
انتبه لما أقوله ،ونظر إلي ليستوضح ما أقصده.
-ل أنا ول أنت قتلها ،أعتقد أن هناك عمن يسعى خلف ما جمعناه من وثاائق
ومعلومات ،وهذا بحوزتك الن ،وهذا يعنى أنه لم يحصل عليه ،ومن المنطقي أنه
سيفكر بمن كانت تعمل معه صابرينا ،أو سيفكر في أصدقائها ،ومن السهل عليه أن
يصل إليك إوالى بل قد يصل لسرتك فزوجتك صديقتها الحميمة.
قرأت ملمح الانزعاج تحتل وجهه فأضفت بروية.
-لن يفيدك أن تضحى بى الن؟ ،والقاتل طليق يسعي خلف ما بحوزتك أنت.
قال في سخرية ،لم تكن كافية لإخفاء توتره.
-وماذا تقترح؟.
-نتعاون ونكمل ما بدأته صابرينا ،فهذا يضمن لنا مليين دأخرى ،وفى نفس الوقت،
نضع خطة لخراج الثاعبان من جحره لنفتك به قبل أن يصل إلينا.
بدا لي أننى أحقق نجاحا كبي ار في السيطرة علي الرجل ،فأضفت.
-نواصل التنقيب بمصر ،لدي معلومات أكيدة عن أماكن متخمة بالثاار والوثاائق.
قال في حسرة.
-ما فعلته أنت بمصر ،جعل الحكومة هناك تضرب بيد من حديد على يد كل من
يقترب من الآثاار ،كما أنها شددت الرقابة على منافذ التهريب من مصر.
-هذا رد فعل مؤقت ،أنا أكثار دراية منك بمصر ،فمصر ومنذ آلف السنين تسلك
طريق رد الفعل فقط ،صدقني هوجة وتعدي وسرعان ما سوف تعود المياه لمجاريها.
200
أرهقه الطمع فهدأ تماما وقال.
-حسن ا ،أنت عمن تسبب في تلك المشكلة ،ومن المنطقي أن أعطيك الفرصة لتحلها.
وقال وهو يهم بالمغادرة.
-من الفضل أن يكون لديك حل جذري لما يواجهني من مشاكل ،أراك بعد أسبوع.
ثام التفت إلي وقال في استعلء.
-احرص على أن تهديني صفقة كبيرة لتهدئ من غضبى عليك ،وبعدها قد نبحث
لمر سوياا ،ولنرى إمكانية أن تعود المياه بيننا لمجاريها.
اع
----------
فشلت في الوصول للحالة الذهنية ألفا بالرغم من محاولتي العديدة ،وبدأت
أعاني من رعشة بأطرافي مع دوخة مريرة ،كانت تجبرني علي إفراغ أحشائي فتشوي
عصارتها حلقي شياا ،كدت أستسلم يأساا ،فإذا بي اكتشفت خطأ الطريقة التي دأفكر بها،
وكأن الوحي لم يشأ أن يجاريني في الخطأ فعطل عقلي وحرمني اللهام ،خوفي من
سيلفيو جعلني أبحث عن خطة لحمايته مع منحه مليين الدولرات لحمى نفسي منه.
ضرورة التخلص منه هي ما كان يجب التفكير به ،بالفعل تمكنت من الوصول
للحالة الذهنية ألفا وخرجت منها بخطة دمحكمة.
أخبرته بسفري إلى سيناء لمباشرة المشروع ،وعليه أن ينتظر أخبارا سارة لدي
عودتي بعد أسبوع بالضبط ،كنت مدفوعا برغبة قوية ،تسكنني منذ لقائي الخير
بسيلفيو ،لبذل جهد عظيم في العمل والتقرب من الكنيسة ومن تارديني أملا في نيل
حمايتهما من المجهول الذي ينتظرني ،نقص وزنى كثاي ار بسبب الخوف والقلق.
توجهت إلى الردن ومن الردن إلى مطار بني غازي ،أعطيت لسالم الكثاير
من المال وحملته بالهدايا لشيخ القبيلة ورجالها ونسائها ،ووعدته باستئناف العمل قريب ا
عبر الحدود المصرية الليبية.
وصلت نابولي ،كان بانتظاري ،قلت في فرح.
-تمثاال معجزة لميريت آتون ،كبرى بنات إخناتون ،التمثاال الفرعوني الوحيد في العالم
الذي يبلغ وزنه حوالي خمسة كيلوجرامات من الذهب ،بحوزة رجل من البدو ،ويعرضه
للبيع بعشرة مليين دولر.
200
تهلل وجهه فرحا ومع هذا قال.
-أليس هذا ثامن ا مبالغ ا فيه؟ ،مع مصاريف التهريب سيصل ثامنه للضعف.
-ولو بلغ عدة أضعاف ،ل يهم ،هناك من سيدفع فيه مائتي مليون دولر وأكثار.
-وعمن هذا المجنون الذي يدفع هذا المبلغ في تمثاال حتى لو كان من الماس؟.
لذ بالصمت يفكر ثام أضاف.
-كيف يدفع أحدهم مبلغا كهذا في تمثاال سيخرج من بلده بطريقة غير شرعية ،أنت
تعلم ما تلزم به اتفاقية اليونسكو المتاحف والحكومات ،وتعلم أيضا أن أثارا ثامينا كهذا
لبد له من الاستقرار بعمتعحف شهير في نهاية المر ،إوال يبقى الثار كأنه شيك بنكي
غير قابل للصرف.
-من أقصده لن يشتريه ليبيعه لمتحف ،بل ليخفيه عن أنظار العالم.
-أتعرف هذا المجنون الدمتيم بهذا التمثاال ،وتعرف كيف نصل إليه؟.
-بعدما أجلب التمثاال إلى هنا سدأخبرك بكل التفاصيل ،ولكن هناك شرطا مهما لتنفيذ
هذه العملية ،سينتهي دوري بمجرد إحضاره ،وتتولى أنت بمفردك عملية البيع ،لن
المشتري سيتراجع لو علم بوجود شركاء لك هنا بأوروبا.
-أوافق ،ولكنى أشعر بأن هناك ما تخفيه عنى بخصوص هذه الصفقة.
-بالتأكيد لدى ما أخفيه ،ولكنك في آمان وستعرف كل شيء في ميعاده ،أتثاق بي؟.
-ل ،ل أثاق بك.
ابتسمت له مستسلما ،واتفقنا علي الخطوات وبدأنا التنفيذ.
----------
في منتصف ليلة الاثانين الموافق التاسع عشر من سبتمبر 2011م .دخل يخت
سيلفيو بمحمد يوسف إلى دعمق البحر وأسقطه في لنش كان بانتظارهما .وبعد الفجر
بقليل هبط إلي الشاطئ الليبي واستقل السيارة بجانب صديقه سالم.
استراحا لبعض الوقت باستراحة سالم بمدينة البيضا ،وبعد تناول الغذاء ،تقدما
سيارة نقل محملة ببضائع متنوعة من مواد غذائية وملبس ومنسوجات وبعض الهدايا
القيمة إلي أفراد القبيلة ،وهى عادة حرص محمد يوسف علي آل تنقطع ،بالرغم من أن
200
المشاريع التي أقامها بمضارب القبيلة ضمنت له ولء أفرادها ،ناهيك عن أنها كانت
غطاء جيدا لنشاطه في تهريب الثاار.
ا
بالفعل كان كل فرد بالقبيلة ديحبه ويحرص على حمايته وحفظ أس ارره ،حتى أن
الفرد منهم لم يكن يسمح لنفسه أن يذكر ،ولو مع نفسه ،كلمة واحدة عن نشاط محمد
يوسف بالمنطقة ،وكان يكفيهم أن يعتبروه رجل ا صاحب أفضال عليهم وأنه وش الخير
بالنسبة لجميع من بالقبيلة كما قالت عنه سمالسم.
قضى يوما في ضيافة شيخ القبيلة ،وفى هذه المرة حرص على أن يتحدث مع
سمالسم لعله يعرف منها السر الذي سوف يعرفه دون أي شخص آخر في العالم ،ولماذا
سيموت عندما يعرف هذا السر؟.
-كل ما أعرفه قلته لك ،وقد تحقق الكثاير من نبوءتي ،ولكنك لم ولن تستطيع مقاومة
الشيطان الذي يحتلك ويحرضك على المعرفة المستحيلة ،ستبقي حزين ا وتسعى بكل ما
لديك من مال ونفوذ لتعرف السر ،لكن ليام معدودات ،ستموت بعدها.
-ول عمـَ الموت؟.
-ل يجوز لنسان أن يجمع ما بين المال والسلطان والمعرفة.
-للعمـَ ،وهناك العشرات من جمعوا بين الملك والمعرفة ،والملك هو المال والسلطان ،ألم
يؤت سليمان الملك والحكمة.
حد فقالت.
نظر إليها نظرة ثاقة وتع د
-أوتي سليمان الحكمة ولم يؤت المعرفة ،فهو لم يعرف بعرش ملكة سبأ إل من
الدهددهد ،ولم يأته بعرشها إل رجدل أتاه ال علم الكتاب ،قلت لك ستعرف ما لم يعرفه أحدد
من قبلك ،وعندها ستموت.
ثام أشارت إليه ليصمت وقالت في حسم.
لمر.
لمر ،،،دقضى ا ع
لمر ،،،دقضى ا ع
-دقضى ا ع
لم يستطع التخلص من تأثاير كلمها ،وفى هذا اليوم كان شبح صديقه إبراهيم
سالم يطارده كل لحظة ويملؤه رعب ا وخوف ا على أسرته ،وقد انتابه شعور غامض بأن
تمثاال ميريت آتون ،المدفون في الرمل سيكشف له اللسر الذي تد ل
صر عليه العرافة ،وأنه
سيكون سبب موته.
200
----------
في الفترة الخيرة ،كان يضرب رأسه لساعات صداع خبيث ،فيتقيأ خللها مرات
عديدة وينهمر منه العرق فيبهت لونه بشكل مرعب ،وبعد معاناة شديدة يغادره الصداع
بعد أن يكون قد أنهكه تماما فيغط في نوم عميق يستيقظ منه حزينا بائساا ،وقد عاود
أطباء المخ والعصاب ،والطباء النفسيين ،في أوروبا إواسرائيل وعلى الرغم من
الفحوصات الكثايرة التي خضع لها فشلوا في تحديد سبب معاناته بدقة ،فاقترحوا الرهاق
الجسدي والعقلي سببا لمأساته.
----------
مساء يوم الخميس اصطحب سالم ضيفه وصديقه محمد يوسف في سيارته
للتجول في مضارب القبيلة ،ابتعدا عن الواحة فأعطى لسالم حقيبة بها نصف مليون
دينار ثام قال له.
-احميني حتى أذهب لحضار أغراضي التي دفنتها هناك.
وفي الطريق سأله برفق ودحب حقيقي.
-لم تسأل لماذا أعطيتك المال.
-لضعها بحساب الشركة بالبنك.
-هذا مالك أنت ،نصف مليون دينار أجر ما سنقوم به الليلة من عمل.
-أية عمل؟.
-أريد إحضار أغراضي والخروج بها من ليبيا دون أن يراني أحد ،في الزيارة السابقة
لحظت أن بعض أعضاء اللجان الشعبية وبعض عناصر الشرطة يراقبونني ،وهذه
المرة أشعر بهم يحومون من حولي ،يبدو أن لديهم تعليمات بتعقب تحركاتي في ليبيا.
-ل تخف ،الكل مشغول باحتفالت الفاتح وبالذكرى الثاانية لتنصيب سيف السلم
القذافي رئيس ا للبلد ،والتي ستقام ببني غازي السبوع القادم ،والتعليمات أن كل ليبيا
تتجمع هناك لعمل مظاهرة مليونية لمبايعة وتأييد الرئيس سيف القذافى ،فهذا الحتفال
الول بالفاتح في عهد سيف على الرغم من أنه يتولى الحكم منذ أكثار من عامين ،لم
يكن لديه الوقت للاحتفال ،كما كان يفعل أبوه ،فقد انشغل بالمذابح التي شملت أرجاء
ليبيا ليرضخ القبائل المناوئة لحكمه.
200
-كنت أتابع أخبار تلك المذابح ،خفت عليكم كثاي ار.
-ل ،نحن على عهدنا معهم ،فمصير قبيلة ورفلة ل يخفى على أحد.
-هذا صحيح ،عشرة آلف قتيل من قبيلة واحدة ،هذه إبادة وليست حرب ا.
-فعلها أبوه من قبل.
-أرجو أن تؤمن لي الطريق تماماا.
ولغرائه أكثار قلت.
-هذه المرة ستكون الخيرة التي أدخل وأخرج فيها من البحر ،فمن الواضح أن سيف
القذافي يتعاون مع أوروبا إوايطاليا بالذات في موضوع الهجرة الغير شرعية.
-هل نتوقف عن عمليات التهريب؟.
-هذا لصالح القبيلة ،لتتجنبوا بطش سيف الإسلم بكم إن عجد بالمور جديد.
-لقد اعتمدنا عليك كثاي ار لكسب قوتنا في الفترة الماضية؟.
-لديكم كل ما أملكه بليبيا وهناك المشاريع التي أقمناها بالواحة ،يمكنك توسيع النشاط
والمشاريع ،وستكون شركاتي بإيطاليا رهن إشارتك.
-تعلم أننا لن نتوقف عن التهريب عبر الحدود مهما فعل سيف القذافي معنا ،أشعر
بأن هناك أسباب أخري لتصفية أعمالك هنا.
-أخطط للعودة إلى مصر ،لصفى حساباتي مع من دمروني وطردوني من بلدي،
وأحتاج إليك حوتا كبيرا في دنيا العمال هنا بليبيا ،فقد أحتاج لمساعدتك ولن تتمكن
من ذلك إل وأنت حوت ،ل تتصل بي ،أنا سأتصل بك ،الدشغل بيننا يجب أن يبدو كأي
شغل بين شركتين ،هذا سيكون أفضل في الفترة القادمة.
----------
كان محمد يوسف قد قرر فعلا أن تكون عملية تهريب التمثاال من ليبيا هي
الخيرة ،ولكنه في نفس الوقت كان يتعمد تقديم رشوة كبيرة لسالم ليسيطر عليه تماماا،
فعلى الرغم من أنه متأكد من أن سالم ديحبه بالفعل وعيحترمه ،ولكنه في نهاية المر
بدوى ،ومحمد يعتقد بأن البدوي ل ينتمي إل لنفسه ولقبيلته ولمصلحته ،والفلوس أغلى
لديه من أبيه وأمه بل من أبنائه ،ويعرف أن البدوي ل يمنعه عن تحقيق مصلحته
انتماء لوطن أو لصداقة أو حتى أية قيمة أخلقية.
200
بالفعل ،لم يتوان فرد في القبيلة كلها ،من أصغر شاب إلى شيخها ،عن
مساعدته من قبل ،ولكنه في المرات السابقة كان يهرب حجارة أو كما يطلق عليها
أهالي الواحة معسالخيط ،أما هذه المرة فالوضع دمختللف ،فهذا تمثاال من الذهب وزنه
يتجاوز الخمسة كيلو جرامات ،وهو عيعلرف جيدا عسطوة الذهب على البدوي.
----------
ذهب محمد يوسف للجهة الغربية لمضارب القبيلة بمفرده متخفيا خلف أستار
الليل ،وربض سالم بمكانه على مشارف القبيلة لتأمين طريق العودة لصديقه.
دخل بسيارته لعمق الصحراء تجاه غرب مضارب القبيلة ،وبعد مسافة خمسة
كيلومترات بالضبط توقف بالسيارة وترجل ومعه بندقيته اللية ،فهو لن يتورع عن تدمير
أي شخص سيقف في طريقه حتى لو كان سالم نفسه.
دقائق وكانت الحقيبة بالسيارة بعدما فتحها وتأكد من محتوياتها وتصفح بعض
المستندات الهامة وابتسم وهو يقلب صفحات جواز سفره المصري.
وضع البندقية على المقعد بجواره بحيث تكون في متناول يده ،وعاد أدراجه
للمدق متجه ا نحو الطريق الممهد الذي يربط المنطقة المركزية لواحة الكفرة بمدينة
البيضا التي وصلها تحت أستار الليل.
وفى يوم الجمعة الموافق الثاالث والعشرين من سبتمبر 2011م .وفى تمام
الساعة الرابعة والربع كان على بعد خمسة كيلو مترات من الساحل الإيطالي ،طلب من
قائد اللنش أن يبطئ من السرعة قليلا وينفذ عدة لفات واسعة.
نفذ اللنش عدة لفات استغرقت حوالي نصف الساعة مرت عليه كالدهر بسبب
خوفه من أن يغدر به سيلفيو بالرغم من العشرة ملايين دولر التي أخذها منه.
استغرق في التفكير بكل الاحتمالت ،محاول ا التخلص من القلق والتوتر اللذين
أفقداه القدرة على التركيز وجعله يعمعزق أطراف أصابعه حتى نزف منها الدم ،لمح
العيخت من بعيد فتنفس الصعداء ،وخلل دقائق كان يحتضن غريمه.
تهلل سيلفيو للقائه فقال.
-شيء عظيم أنك لم تخذلني ،برافو ،لقد أنجزت العملية بسرعة كبيرة وكأنك وجدت
البضاعة بانتظارك على الشاطئ الليبي.
200
ارتبك محمد يوسف لتلك الملحوظة الصحيحة ،ولكنه تماسك بسرعة وقال.
-دأجهز لذلك طيلة الأسابيع الماضية ،ووضعت خطة سريعة وآمنة ،ففي خلل
ساعات ،من تلقي البائع المال ،كان التمثاال على الجانب الليبي ،وخرجت به من هناك
بسرعة ،فرجلكم في ليبيا أغلق البر والبحر لجل خاطركم في إيطاليا.
جليلة ،نحن نعتبره إيطالي ا ،ول تنعس أن ليبيا لنا -
ل .إنه رجل عظيم ،قدم لنا خدماتل
-يبدو أن الدنيا كلها لكم ،المهم اليوم ،وبدون تأخير ،عليك أن تنشيء بريدا إلكترونيا
جديدا لتبعث برسالة على هذا البريد اللكتروني.
قاطعه سيلفيو في دهشة.
-إنه البريد اللكتروني الخاص بالكنيسة النجليكانية بروما ،هكذا إذن ،الن فهمت
لماذا دتبعد نفسك عن العملية ،حسناا ،كنت أعتبر هؤلء الناس بالفعل مجانين ولهم
تصرفات مريبة ،ولكن من حسن حظي أنى لم أشغل بهم بالى ،فقط انشغلت بأموالهم،
وأنت محق بشأنهم ،بالفعل يدهم سخية جداا.
-اكتب الرسالة التالية -تمثاال ميريت آتون بحوزتي ،مطلوب مائة مليون دولر-
يأتك الرد ألغ عنوان البريد الالكتروني ،وأ ب
عد وانتظر الرد لمدة ساعة واحدة فقط ،إن لم ل
الكرة في اليوم التالي ،بعنوان بريد إلكتروني جديد ،وتنتظر ساعة واحدة بالضبط ،وهكذا
كل يوم ،حتى يأتيك الرد خلل ساعة من إرسالك للرسالة ،وعندما يأتيك الرد سأخبرك
كيف تتصرف.
بعد ساعة من كتابته للرسالة تلقي سيلفيو الرد ،جملة -نحن جاهزون-
قال له محمد يوسف بتوتر واضح.
-ل ترد عليهم ،سيسألونك حالا أهم سؤال لديهم.
-ها هي رسالة جديدة ،يسألونني ،هل لدي شركاء؟.
-اكتب لهم -ل أحد على وجه الرض يعرف أو رأى ما معي بعد موت الجنرال.-
-من هذا الجنرال؟.
-كلمة السر ،سيتأكدون بها من صدقك ،وعليك انتظار رسالة الجديدة.
-حسن ا ،ها هي رسالة جديدة يسألون -كيف ومتى اللقاء؟.
200
-حلدد المكان والميعاد للتسليم حسب ما تراه أنت ،ل تخف سيلفيو ،لن يفكروا في
إيذائك ،بل سيقدرون صنيعك ،ويعتبرونك قد قدمت لهم خدمة عظيمة.
-لأول مرة أبيع تمثاال ا فرعوني ا لكنيسة ،هل أنت متأكد مما نخطط له؟ لماذا تهتم هذه
الكنيسة بتمثاال فرعوني؟! ،لماذا يدفعون كل تلك الموال في هذا التمثاال؟.
-أعرف أن هذا التمثاال مهم جدا لهم ،ولكن ل أعرف السبب ،وعلينا أن نحصل على
المال وليضعوا التمثاال في مؤخرتهم ،لماذا نهتم؟.
-حسنا محمد ،سأراك بعد التنفيذ ،لنحتفل بتلك الصفقة العجيبة.
انشغل محمد يوسف ببيع بعض الصول المملوكة له بإيطاليا وبتحويل ثامنها
إلى حساب زوجته ببنك باركليز بنيويورك ،ولم يشغل باله بتصرفات سيلفيو ،فهو يعرف
أن الرجل سيلتزم حرفي ا بتنفيذ ما اتفقوا عليه ليضمن الحصول على المائة مليون دولر.
وبعد القضاء على سيلفيو راح يراقب الوضاع من حوله ،وحينما تأكد من أن
المور تسير وفق ما خطط لها ،توجه بكل عقله للكنيسة ومشروعها ،ولعضوية
الجماعة التي تتخفي خلفها.
----------
واصل سرد تفاصيل ما مر به من أحداث فقال.
-أبلغني الب سيرجوني بأنه قد تمت الموافقة على قبولي عضوا بالجماعة ،على
الرغم من أن فترة الترشح للعضوية لم تنته بعد ،وأخبرني أيضا بأنى سأكون من أعضاء
بعثاة الحج الكبير لمدينة ال العام القادم ،ثام قال بجدية.
-عليك الن أن تقبل أو ترفض عضوية الجماعة ،ثام تلا على الشروط ،والتي أعرفها
من قبل ،أعطيته موافقتي ،فنبه علي بضرورة حضور معسكر العداد لعضوية
الجماعة والذي سيعقد في جبال بيرو بأمريكا الجنوبية.
أديت بشكل جيد في هذا المعسكر ،وبعدما أصبحت عضوا عاملا بالجماعة
شعرت بالقوة والسطوة وبأني قد اقتربت من معرفة السر المميت.
أثاناء المعسكر وبعده ،كثاي ار ما تذكرت نبوءة سمالسم ،ولكن بل صداع وبل
خوف ،فها أنا ذا أصبحت في سعة كبيرة من المال وصاحب نفوذ وسطوة في كل مكان
200
بالعالم بفضل عضويتي بالجماعة ،ولول مرة منذ سنوات بدأت أشعر بالمان
والطمأنينة.
حين سمعت زوجها ينطق بكلمة أمان سألته في دهشة.
-أي أمان هذا؟ ،وقد سجنت نفسك بجماعة استولت علي مالك ول يمكنك تركها.
-على العكس ،لقد منحتني عضوية الجماعة المزيد من القوة والمال ،فلم أتوان لحظة
عن استثامار عضويتي بها ،ونفذت عمليات كبيرة حصدت منها مبالغ طائلة ونجحت
في إخفائها عن الجماعة ،والن لم يعد يشغلني إل أن أكشف لسرها ،ثام أقضى على
محمد يوسف السوري ،وأعود لكم ولبلدي رضا جلل.
قام وأحضر حقيبة مليئة بالمال وناولها لزوجته فسألته.
-ما زلت ل أفهمك ،أسمعتني حكاية طويلة ،ثام أعطيتني فلشه تقول إن بها معلومات
خطيرة دتلهم العالم ،تقول إنك حولت أموال طائلة باسمي لمريكا ،ثام تناقض نفسك ،تقول
إنك تخطط للعودة لمصر ،ثام تعطيني مالا كثايرا ،ل أفهم ما تريده مني بالضبط ،ما هو
هدفك من كل ذلك؟.
-فعلا أنا دمضطرب ،ل أخفى عليك أنا لم أستقر على رأى بعد ،ولكن ما أعرفه جيدا
هو أني قررت أن أنهى الكابوس الذي نعيشه منذ لست سنوات ،وسأفعل كل ما بوسعي
لجمع عشمل دأسعرتي وأمنحها حياة تستحقها.
-ومتى ينتهي هذا المر؟.
لذت بالصمت لبرهة ،تفكر بأمر ما ،ثام أضافت.
-كيف ستتصرف مع تلك الجماعة الدينية التي عتحدثات عنها؟.
-بعدما أحج إلى مدينتهم المزعومة ،سأعمل على كشف سرهم للعالم ،وحينما تتضح
المور ،أقرر ما إن كنت سأعود لمصر أم نهاجر لمريكا.
-متى تسافر ،وهل سأراك قبل السفر.
-مساء بعد غد.
أعطاها هاتف ا جوالا ل يمكن تتبعه وبه شريحة غير موثاقة لدي شركة المحمول،
ونبه عليها بأل تتصل به تحت أي ظرف من الظروف ،وطمأنها بأنه سيكون على
اتصال دائم بها ،وطلب منها أن تقوم بفتح حساب باسمها ببنك باركليز بمدينة دمياط،
200
على أن يتقابل في الشاليه ،صباح يوم الاثانين ،لتسليمه رقم الحساب بالبنك مع صور
شهادات الميلد الخاصة بها وبولديهما ،وكذا صور جوازات السفر.
في الميعاد ،الدمتفق عليه ،تسلم منها كل ما طلبه من أوراق وودعها وداع ا سريع ا
ومتوترا على أمل اللقاء القريب.
----------
200
خرج ابن آدم من العدم قلت ياه ،،رجع ابن آدم للعدم قلت ياه،
تراب بيحيا وحي بيصير تراب ،،الصل هو الموت ول الحياة.
وعجبي
صلج جاهين
200
صحف القاهرة.
في ديسمبر 2011م.
-جحافل من سكان غزة تقتحم الحدود مع مصر.
-اشتباكات عنيفة بين قوات المن المصرية وعصابات حماس.
-القاهرة دتنلذر حكومة حماس المقالة ،وتهدد باجتياح القطاع.
-إسرائيل تمتنع عن التعليق على الحداث وتصف الحداث بصراع عربي خالص.
وكالت النباء العالمية.
-إنذار شديد اللهجة للقاهرة من إيران وتركيا ،يحذ ارنها من المساس بقطاع غزة.
200
-عدة تفجيرات بشرم الشيخ وطابا ،وسقوط المئات ما بين قتيل وجريح.
-القاهرة تحذر من نفاد صبرها.
-إسرائيل تقتحم جنوب لبنان وتدمير شديد للبنية التحتية ببيروت ومدن الجنوب،
وحزب ال يرد بإطلق عشرات الصواريخ على مدن شمال إسرائيل.
-مجلس المن يدعو أطراف النزاع بالشرق الوسط لضبط النفس.
صحف العالم.
-القوات المصرية تقتحم قطاع غزة ،وتعتقل المئات من قيادات وكوادر حماس ،تعيين
حاكم عسكري مصري للقطاع بعد ضمه لمصر إدارياا.
-الطائرات المصرية تدك معاقل وحصون حزب ال بجنوب لبنان.
-الحكومة المصرية تحذر جماعة الخوان المسلمين من إثاارة القلقل أثاناء الحرب.
-إسرائيل تدمر مفاعلت إيران النووية ،والسطول المريكي يدك دمشق.
-أمريكا ترفض وقف إطلق النار وتدعو الشعب السوري للطاحة بنظام السد.
-انقلب عسكري عنيف ،مقتل دمرشد الثاورة اليرانية واعتقال الرئيس نجاد.
-إنذار أمريكي لتركيا بعدم التدخل في النزاع الدائر بالشرق الوسط.
-الجيش اللماني يشتبك مع نظيره التركي وأنباء عن تدخل روسيا ضد تركيا.
-انقلب عسكري يطيح بحكم البعث في سوريا.
-الجيش التركي يطيح بحكومة حزب العدالة والتنمية ،ويعلن الحكام العرفية.
200
-اتفاق دولي على اقامة الدولة الفلسطينية في مطلع عام 2013م.
----------
صحف القاهرة.
في ديسمبر 2011م.
-تزايد النفوذ المصري بمنطقة الشرق الوسط ،يدعم موقفها في الصراع مع دول
حوض النيل.
-دول حوض النيل تتراجع عن منازعة مصر وتدعو لاجتماع بالقاهرة للتفاهم وترتيب
الوضاع.
-زيادة حصة مصر من مياه النيل للضعف ،مقابل عشرة مليارات متر مكعب من
المياه لسرائيل.
-تعاون غير مسبوق بين القاهرة وتل أبيب ،التكنولوجيا السرائيلية تغرق السواق
المصرية ،تعاون بين مصر إواسرائيل لزراعة مليين الفدنة بسيناء والصحراء الغربية.
-النمو الاقتصادي المصري الهائل يحاصر جماعة الخوان المسلمين ،وتزايد نفوذ
الحزاب الليبرالية في الشارع المصري.
صحف القاهرة.
-الحزاب تدعو إلى دستور ليبرالي حديث أسوة بالدول الوروبية.
-تزايد الضغوط الدولية على النظام المصري للسراع بالصلحات الديمقراطية.
صحف القاهرة فى ديسمبر 2011م.
-الرئيس شفيق يتخلى عن رئاسة الحزب الحاكم ويدعو إلى انتخاب جمعية تأسيسية
لإعداد دستور جديد للبلد.
-إطلق حرية تشكيل الحزاب والجمعيات إواصدار الصحف.
-خمس جامعات مصرية من بين أفضل خمسمائة في العالم ،وجامعة القاهرة في
المركز الخامس عشر بعد المائة.
-مصر تحتل المركز الحادي والعشرين عالمي ا من حيث متوسط عدخل العفرد.
-الصناعة المصرية تتبوأ مكانة عالمية.
-شفيق يؤكد أن مصر لن تستخدم القمح المصري كسلح لخضاع دول المنطقة.
200
-المزارع المصرية بالسودان وأثايوبيا وأوغندا وتنزانيا تنتج ربع محصول العالم من
خمس محصول العالم من القمح.
الحبوب والخضروات والفاكهة ،ومصر تنتج د
-تراجع أسعار القمح بعد طرح مصر لكميات هائلة منه بالسواق العالمية.
----------
انقضت أسابيع ولم يتصل بها ،ولم تجد سهير في نفسها الشجاعة لتفعل هي،
قالت في نفسها ،،،إنه رضا لم يتغير ل يقيم اعتبارا لحد ،حتى لقرب الناس إليه.
ومع غضبها منه أخذ الخوف على زوجها يكبر بداخلها ،لحظ إبناها شرودها
كثاي ار ،كانت تجلس بمفردها بالساعات وكثاي ار ما سمعاها تتحدث إلي نفسها ،وأزعجهما
كثاي ار الشد العصبي والتوتر الشديد الذي بات يسيطر على تصرفاتها ،وعلى الرغم من
أنها تعمدت أن تنشئهما يعتمدان على نفسيهما ،وحرصت على أن يحصل علي
بطولت المدارس في لعبة الكراتيه ،إل أن خوفها عليهما تحول إلى رعب وهلع في الفترة
الخيرة ،في مرة لحظ يوسف أن أمه تسير بسيارتها خلف أتوبيس المدرسة حتى
بوابتها ،وعلى غير عادتها كانت تنتظر عودته على ناصية الشارع ،وضاقت نهاد
باتصالت أمها الهاتفية ،التي لم تكن تنقطع ساعة واحدة ،خلل تواجدها بكليتها،
إواصرارها على أن تعود يوميا من القاهرة لتبيت فى أحضانها ،وتعاود لكليتها صباح
اليوم التالي مما أرهقها كثاي ارا ،ناهيك عن مشاكل التغيب عن المبيت بالمدينة الجامعية،
ومرة دأخرى دخلت عليها نهاد بغرفتها فوجدت بيدها مسدساا ،ادعت أنه من رائحة أبيها،
ومرة ثاالثاة انزعجا كثاي ار حين بدلت أمهما باب المنزل بباب مصفح.
لم يعد المر محتملاا ،سألها يوسف عن سبب التغير الكبير في حياتهم ،كانت
ترفض الجابة وتؤكد عليه ،هو وأخته ،أن ينتبها لنفسيهما جيداا ،وأن يتوخيا الحذر ،فقد
يكون هناك من يراقبهما ليوقع بهما ضررا أو سوءاا ،التزما بتعليماتها رغم رفضهما لأن
يتصرفا بطريقة تفرض عليهما دون معرفة السبب في ذلك.
جينات الصحفي رضا جلل كانت تؤرق ابنته نهاد ،انفردت بأمها وقالت.
-ماما ،لقد تغيرت كثاي ارا ،دائم ا شاردة ،لا تتحدثاين معنا ،أصبحت عصبية على غير
عادتك ،ولعلمك يوسف متوتر وغاضب من هذا التغيير ،فقط يا أمي نريد أن نعرف
السبب ،نريد أن نعرف مما تخافي بهذا الشكل.
200
-ليس هناك سبب محدد يا نهاد ،فقط أخاف عليكما.
صرخت فيها فجأة.
-كيف ل أخاف عليكما؟! وأنتما كل ما أملك في هذه الدنيا.
-يا أمي ،فقط نريد معرفة السبب ،على القل لنأخذ حذرنا ونتصرف بشكل صحيح.
حاصرتها نهاد ،هي بنت أبيها ،لن تنفض عنها حتى تعرف ما تريد ،قالت سهير
في حنان بالغ.
-نهاد ،أنت كبيرة وعاقلة كفاية ،وتعرفين أن والدك اختفي في ظروف غامضة ،ومن
المؤكد أن هناك من دفعه لذلك ،وأي ا كان من هو فلن يتورع عن إيذائنا ،ليس لدى شيء
محدد ،ولكنه إحساسي فقط.
-ل يا أمي ،لقد تغيرت كثاي ار بعد زيارة رجل العمال السوري لنا وحديثاه عن أبى،
يبدو أنه أخبرك بما تخفينه عنا.
ارتبكت سهير ولم تجد ما تقوله ،لذت بالصمت فألقت نهاد بقنبلة.
-لعلمك ،يوسف يؤكد أن هذا الرجل هو أبي ،ولكنه يخفى نفسه عنا.
صمتت برهة ثام أضافت.
-وأنا مع رأي يوسف.
لم يعد أمامها مفر من مصارحتهما بالحقيقة ،نادت على يوسف ،واحتضنتهما
وراحت تحكى وهى تبكى في م اررة قصة اختفاء أبيهما وما يتهددهما من أخطار.
لا دموعها ،ول ما بثاته فيهما من خوف ،منعهما من الشعور بالفرح والسعادة،
أبوهما حي ،لقد تحدثاا معه ولمساها ،وهناك أمل في لقائه مرة أخرى ،أقسم يوسف بأن
لن يتركه يرحل مرة أخرى ،وراحت نهاد تحثاه على ذلك.
اتفق ثالثاتهم علي منعه ،عند حضوره ،من المغادرة ،إوان كان من الصعب
الاستقرار بمصر فليهاجروا جميع ا لمريكا وليحدث ما يحدث.
استقروا على أسلوب حياة يوفر لهم الحماية والمن لحين عودة رضا جلل،
وكثاي ار ما جرت بينهم مناقشات حامية حول ما هو الفضل لهم في الفترة القادمة ،مصر
أم أمريكا؟ ،كانت الهجرة لمريكا بمثاابة حلم سهير الكبير ،كما أن نهاد تعيش مع هذا
البلد العظيم منذ سنوات في أحلم يقظتها وعلى الشبكة العنكبوتية ،أما يوسف فلم يشغل
200
باله بأي مكان تعيش أسرته ،كان كل همه هو أن يحمى أباه ،فقد صور له عقله
المراهق أنه يستطيع أن يدفع عن أبيه جميع ما يتهدده من أخطار ،وانغمس في أحلم
اليقظة ليسعد بالانتصار على أعداء أبيه.
صحف القاهرة
في مايو 2012م.
-اندماج الأحزاب والتنظيمات اليسارية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي ،واندماج
الحزاب الليبرالية مع حزب الوفد ،والحزب الوطني الجديد يمثال يمين الوسط.
-حزب الوفد يتبني الدعوة للقومية المصرية إواحياء قيم الحضارة المصرية القديمة.
-مرشد جماعة الخوان ،يعلن اقتصار نشاط الجماعة على النشاط الدعوي.
-إصدار القانون الموحد لدور العبادة ،والتطبيق الصارم لمبدأ المواطنة.
-استثامارات مصرية هائلة بدول حوض النيل وبالعراق وسوريا.
-تجمع اقتصادي إقليمي بين دول حوضي النيل والفرات.
-مصر ترأس تجمع النيل والفرات وكذا الاتحاد من أجل المتوسط.
-إلغاء تأشيرة دخول المصريين لدول الاتحاد الوروبي ،وتسهيلت كبيرة في منح
تأشيرات السفر للمصريين إلى كل من كندا والوليات المتحدة المريكية.
-مائة مليون سائح يزورون مصر هذا العام.
-مصر وجنوب إفريقيا وألمانيا والب ارزيل والهند أعضاء دائمون بمجلس المن.
----------
صباح يوم الجمعة ،الول من يونيه 2012م .كان هناك من يطرق الباب
الخارجي لمنزل أسرة رضا جلل ،فتح يوسف الباب ،ارتمي في حضن أبيه وهو يبكى
ويقول.
-أنت بابا صح ،أنت بابا ،عرفتك قبل كده.
أغلق البوابة من خلفه وراح يقبل يوسف ويعتصره في حضنه والفتى يتفجر
فرحاا ،خرجت نهاد تستطلع المر ،فطارت لتحط في أحضانه ،شعر بأنه خيال ينبض،
تلشي جسده من فرط السعادة والفرح ،نادت نهاد أمها ،فخرجت والدموع في عينيها،
كانت تراقب ما يحدث من شباك غرفة النوم.
200
انزعجت سهير لكم القلق والتوتر الباديين على زوجها ،سألته.
-ماذا بك؟.
مد يده إليها بفلشة ،وانشغل بمداعبة يوسف ونهاد ،قالت وهى تتفحصها.
-ماذا بك؟ ،فيها إيه الفلشة؟.
اعتدل في جلسته وقال.
-اسمعوني ،اسمعوني جيدا ،أنتم المل في إنقاذ العالم من الدمار.
لم تتمالك نفسها ،صرخت فيه.
-لن أسمح لك بتوريطهما في مشاكلك.
نظر إليها في عتاب وقال.
-ما قصدته هو أنكم بهذه الفلشة سيكون بحوزتكم معلومات سوف تنقذ البشرية من
الدمار ،وأي مجد هذا الذي ينتظر من ينقذ البشرية من الجنون والدمار.
-ل نريد هذا المجد ،ما نريد إل المان.
لنه ل يملك ال القليل من الوقت ،نحى العواطف جانب ا وقام من مكانه واستدار
حتى أصبح في مواجهة الثالثاة وقال موجه ا كلمه لزوجته.
-لقد حكيت لك بالتفصيل ،وأعطيتك فلشة دمسجلا عليها كل ما مر بي من أحداث
خلل السنوات السابقة.
تناول من يدها الفلشة الجديدة ،أمسكها بأصابعه وأضاف.
-وبهذه كل ما مر بي من أحداث منذ لقائنا الماضي ،عليكم قراءتها في تأدن.
فاضت من عينيه الدموع واختنق وهو يقول.
-وحينها ستعرفون ما لم يعرفه في الدنيا إل أنا وأنتم ،وأنا أثاق في ذكائكم وفى التزامكم
بما سأقوله.
ل.
تأكد من أنه يأخذ بعقولهم وانتباههم فاستطرد قائ ا
-الوضع أصبح جداا خطي ار ،إما أن أنجح في إنقاذ العالم من الدمار ونعود للعيش
سوياا ،أو أن ديقضى على ويستمر التهديد الخطير بفناء العالم ،أحتاج لمن أأتمنه على
أسراري ،ول أثاق إل بكم ،ولو أني لمت ،فعليكم أن تنجزوا ما عجزت أنا عنه.
200
ألقت نهاد بنفسها في أحضانه وتبعها يوسف ،وبكت سهير وراحت تدعو ال
لينقذ زوجها وولديها ،فقال لهم بجدية واضحة.
-ليس هذا وقت العواطف ،هذا وقت العمل ،وجودكم بمصر خطر علينا جميعاا ،مهما
بحثاوا عني لن يجدوني ،من المؤكد أنهم سوف يبحثاون عنكم ،ولهذا عليكم إنهاء
إجراءات الهجرة لمريكا بسرعة ،أنتم تملكون أموال ا طائلة هناك ،وهناك شقة فاخرة
باسمك يا سهير ،وهناك توصية بالسفارة المريكية من صحفي أمريكي شهير ،تربطني
به صداقة قوية ،ولهذا ستحصلون على تأشيرة الهجرة بمجرد إجراء المقابلة بالسفارة،
وبأمريكا ستكون المور أفضل من هنا.
أعطى لزوجته أرقام الحسابات البنكية ببنك باركليز بنيويورك وكذلك عقد ملكية
الشقة ،وكذا أوراق تثابت ملكيتهم لعدد من المشروعات التجارية بالمدينة ،ونبه عليها بأن
تدعجلهز كل الوراق والمستندات المطلوبة لتتقدم هي والولد للحصول على تأشيرة
الدخول لمريكا ،وأن تكتب عقد بيع لمنزلهم بدمياط الجديدة باسم شقيقيه ،وتبعث به
إليهما عن طريق البريد في نفس يوم مغادرتهم لمصر ،وألح عليهم بالتزام السرية
والحيطة في تحركاتهم ،ثام أكد عليهم أن يكونوا بأمريكا بعد أسبوعين على الكثار،
ووعدهم بأنه سوف ينجز بعض المهام العاجلة بأوروبا ثام يلحق بهم في أمريكا في أسرع
وقت ممكن.
بعدما اطمأن لحماس زوجته وأولده لتنفيذ ما طلبه منهم ،احتضن نهاد وقال لها
بحنان كاد يذيب قلبه.
-ألم تحلمي يا عزيزتي بأمريكا ،سوف تعيشين هناك بقية عمرك ،وفى أعلى مستوى
ممكن هناك.
ثام نظر لزوجته وليوسف وأضاف.
-وأنت يا بطل أل تحب أن تكون أمريكي ا وتعيش عيشة الثارياء ،وأظنك بالهجرة
لمريكا يا سهير تكونين قد حققت أغلى أمانيك.
-المان لنهاد ويوسف أهم عندي من كل أحلمي ،أنا لم أعد أحلم إل من أجلهما.
طمأنها بأنه سوف ينجح في مهمته ،ثام قال.
200
-أنتم الثالثاة مسئولون أمام ال وأمامي عما تحوزونه من معلومات ،لو حدث لي
مكروه انسوا أمري ،وتصرفوا بما تمليه عليكم ضمائركم وبما يقتضيه الواجب نحو ال
والنسانية ،،،نهاد أثاق في عقلك ،،،يوسف أمك وأختك في عينيك ،،،سهير
فلتصمدي من أجلنا جميعاا.
ثام اقترب من زوجته وهمس لها.
-فلتقرئي ما كتبته بالفلشة بمفردك ،فيها لبخ كثاير ،ل داعي لن يقرأها الولدان.
ودع أسرته وانطلق في مهمته المجيدة لنقاذ البشرية.
----------
لم تتردد سهير أو تتوان عن تنفيذ توجيهات زوجها بسرعة مغادرة مصر إلى
الوليات المتحدة المريكية ،والحقيقة أن حماس الولد للهجرة لمريكا أحيا بداخلها
حلمها القديم وزاد من تصميمها على تحقيقه ،حتى إنها نسيت قراءة ما بالفلشة كما
طلب منها زوجها.
وبفضل ما أعده من ترتيبات قوية حصلت أسرته على تأشيرة الدخول لمريكا
بسرعة وبسهولة ،حتى إنهم وصلوا إلى شقتهم الفسيحة والفخمة بحي مانهاتن بنيويورك
بعد حوالي ثالثاة أسابيع من زيارته الخيرة لهم بدمياط ،وتحديدا في يوم الربعاء
العشرين من يونيه 2012م.
ولتقانهم جميعا الإنجليزية ،وبفضل ثاروتهم الكبيرة ،انفرجت لهم أسارير أمريكا،
فلم يواجهوا الصعوبات الولى التي يواجهها المهاجرون إلي هناك.
تقدمت نهاد لدراسة العلم بجامعة أدلفي بنيويورك ،وتم قبول يوسف بمدرسة
فوردهام العدادية بنفس حيهم السكنى ,وبدا للسرة أن الحياة أقبلت عليهم بعدما
أذاقتهم الكثاير من مرها ،فأخذوا يتنسمون رائحة الحياة فى حرية ويتذوقون طعم السعادة
التي تبعثاها بالنفس أرض الحلم.
وبعد شهر تقريباا ،استقرت الحياة بأسرة رضا جلل وطابت لهم الحياة بأمريكا،
وباتت سهير تشعر بالمن بعد خوف ،ونسى الولدان أيام الحرمان من أبيهما ،وتخلصا
من الشعور بذل اليتم ،وفى ظهر يوم الحد ،الثااني والعشرين من يوليو 2012م .تلقت
سهير مكالمة هاتفية.
200
-ألو ،أيوة يا سهير ،حمد ال على السلمة.
-إزيك يا رضا؟ ،عامل إيه؟ أنت هنا ول إيه؟ متى نراك؟.
-أنا كويس ،أنا في واشنطن ،لدي مقابلة هامة ،بعدها سأكون عندكم.
-إيه أخرك عنا كل ده؟.
-سافرت لبعض الدول ،كنت أبحث عن معلومة احتجتها لحل لغز الناس إللي كلمتك
عنهم من قبل ،الجماعة والكنيسة ،وكمان لحل مشاكلنا.
-هو لسه فيه مشاكل؟.
-ألم تقرئي ما كتبته في الفلشة الخيرة؟.
-ول الولي ،انشغلت بإجراءات السفر ،هيكون فيها إيه يعنى؟ ،أكيد كلم يشبه ما
سمعته منك في مصر.
-كده غلط يا سهير ،الوضع خطير ول يحتمل التهريج ،المهم ،المهم أن تحافظي
عليهما ،فى عينيك يا سهير ،طبعا هما معك.
-خفت أنهم يفتشوني بالمطار ،ويعملوا لنا مشاكل ،تركتهما في مصر.
-مش معقول كده يا سهير ،أنت لم تصدقيني في أي شيء قلته ،ولهذا تأخذين
الموضوع ببساطة شديدة ،مع أن الموضوع خطير جداا.
-بدل ما تصرخ في ،وتتعصب على ،خلص نفسك ،وخلصنا ،مما نحن فيه.
-آسف ،ل تغضبي ،تحمليني ،أنا متوتر ،خائف من ضياع ما بهما من معلومات.
-لن يضيع شيئ ،أنا أحتفظ بهما في خزينة ببنك مصر بالمنصورة.
-عظيم ،عظيم جدا ،أعط بالك لنفسك وللولدين.
-فيه إيه يا رضا ،نبرة صوتك متغيرة كثاي ار؟.
-ل تشغلي بالك بي ،انشغلوا بأنفسكم وفقط.
-رضا ،رضا ،درحت فين.
-معك يا سهير ،أنا معك.
-ماذا بك؟ ،صارحني ،فيه خطر على الولدين؟ ،تكلم يا رضا ،رد على.
-ل ،ل يوجد في أمريكا من يعرف أن لي علقة بكم.
-وأين يوجد من عيعلم؟.
200
-أعتقد أن أجهزة المن بمصر تتبعني ،أظنهم توصلوا لشخصيتي الحقيقية.
-كيف حدث هذا ؟ ،ومتى؟.
-يبدو أنهم تعرفوا على شخصيتي الحقيقية بعدما تم القبض على سالم وزكريا بتهمة
تهريب السلح عبر الحدود من ليبيا إلي مصر ،منذ ثالثاة أشهر.
-وماذا سنفعل؟.
-المن المصري ليس مشكلة ،المشكلة الحقيقة هي الجماعة الدينية ،لقد هربت منهم
بعدما عرفت الكثاير من أسرارهم ،وهم الن يسعون خلفي.
صرخت به.
-وكيف سنتصرف؟.
-اهدئي ،ل داعي للصراخ.
اختنقت بالبكاء ،وبالكاد أمكنها أن تنطق فقالت.
-وبعدين يا رضا؟.
-بعد مقابلتي للمسئولين الأمريكيين ،سوف ينتهي أمر هذه الجماعة.
-فلماذا أنت خائف بهذا الشكل؟.
-أخشى أن يصلوا إلي قبلها.
سألته في يلأس.
-وبعدين يا رضا؟.
-أهم شيء فى العالم ،وفى الوجود ،هما الفلشتان ،والولدان من قبلهما طبعاا.
-ألو ،،،رضا ،،،ألو ،،،رضا ،رد على.
-معك يا سهير ،أنا آسف لني ورطتك في هذا المر ،ولكنى ل أثاق في الدنيا إل بك،
لو حدث وأنهم وصلوا إلى قبل المقابلة ،اتركي الولدين هنا وارجعي لمصر بسرعة،
انسخي عشرات الدنسخ من الفلشتين وابعثاي بهم لكل مسئول بمصر وبالعالم إن أمكنك
ذلك ،ول تنسى الصحف والفضائيات ،آه ،قناة الجزيرة أهم قناة بالنسبة لهذا الموضوع،
وأيض ا قناة البي بي سي ،فلهما مصداقية كبيرة لدى الناس.
-وبعدين؟.
200
-ارجعي أمريكا بسرعة ،وبمجرد أن تطمئني على الولدين ،اذهبي إلى واشنطن ،إلى
فندق ريزورت ،حجزت باسمك غرفة هناك بتاريخ خمسة في الشهر القادم ،تقريب ا يوم
وخطاب ،اقرئي الخطاب والفلشة،
ر أحد ،تركت لك باستقبال الفندق طردا به فلشة
واحتفظي بهما في عينيك ،بهما معلومات خطيرة وتفاصيل الحداث منذ أن حضرت
إليكم بدمياط ،في المرة الخيرة ،وحتى هذه اللحظة ،انسخيها وابعثاي بالنسخ إلي كل
أعضاء مجلسي الكونجرس والنواب ،وكذا لكل قنوات التليفزيون والصحف التي
تستطيعين الوصول إليها هنا بأمريكا.
ول تعطي الخطاب إل لرئيس المخابرات المريكية بنفسه ،إوان شعرلت بخطر
اقرئيه واحفظي ما به وتخلصي منه ثام اذهبي إليه بأية طريقة وأخبريه بما فيه.
-وبعدين؟.
-نفذي إللي قلته لك بالحرف ،والباقي على ربنا.
-حاضر يا رضا ،أمري ل ،اتصل فور انتهاء المقابلة.
-حاضر ،ل إله إل ال.
-محمد رسول ال ،خللي بالك من نفسك يا رضا.
سارع بالاتصال بصديقه الصحفي جيمس راؤول ليحثاه على سرعة إنجاز ما
طلبه منه فالوقت يداهمهما ،وهو يشعر بمئات العيون تترصده ويكاد يسمع خطوات
ثاقيلة مرعبة تقترب من باب حجرته في كل لحظة.
راح يقطع الغرفة ذهابا إواياباا ،وينصت لي صوت يعتقد أنه سمعه ،يجرى نحو
باب الغرفة ليسترق السمع ،وعندما ل يجد شيئ ا يعود لحالته الولى من التوتر البالغ
والخوف الثاقيل على صدره ،وبعد حوالي الساعة عرن هاتفه النقال ،وكان على الطرف
الخر صديقه الصحفي جيمس.
-آلو ،أيوه يا جيمس ،إيه الخبار؟.
-تمام يا صديقي ،كله تمام ،أنا في الطريق إليك مع شخصية هامة جدا ،لقد أخبرته
بأن معك الدليل على كل ما سمعه منى ،أرجو آل تخذلني ،لو حدث ولم يقتنع الرجل
بما ستقوله له سنكون في موقف صعب جداا ،أتفهمني؟.
-سأقنعه بالتأكيد ،بسرعة يا جيمس ،أشعر بهم بالقرب منى.
200
-حسناا ،ل تخف ،دقائق ونكون عندك ،اهدأ؟.
-حسن ا.
شعر بحركة خارج غرفته ،هم بالتوجه نحو الباب لاسترقاق السمع ،دفتح الباب
فجأة واقتحم الغرفة رجلن فارعا الطول وبالغا الضخامة ،تلقى علي رأسه ضربة قوية،
تراجع مترنح ا وانهار على الرض.
راح يسترجع مسيرة حياته والحداث العجيبة التي مر بها خلل السنوات
الخيرة ،تحدث إلى أبيه واحتضن أمه وأشقائه وكذلك صديقه إبراهيم ،الجميع يبتسم له،
شعر براحة وسكينة لم يشعر بهما من قبل فعرف أنه الموت ،سمع سماسم تناديه ،،،ل
تحزن فهذا قدرك.
رأى نهاد ويوسف يبكيان في عهلع ،فغادرته الراحة والسكينة وتملكه شعور مريع
بالخوف عليهما وبالعجز عن حمايتهما ،رأى من بين جفونه المرتعشة الرجلين يستوليان
على كل ما بالغرفة من أمتعة وأشياء تخصه ،لحظات وكأنه يرى خيال جيمس يقتحم
الغرفة ويهرع نحوه ،شعر بصديقه يتمدد بجواره ويخور كالذبيحة ،مرة أخرى يرى
يوسف ونهاد يبكيانه بحرقة ،غضب بشدة من الموت ،وكيف ل يغضب ولم يعد
بإمكانه أن ينقذ أسرته وماله ،وها هي حياته وجهوده وتضحياته تذهب هباءا ،ها هو
يموت والوحوش متربصة بأسرته فكيف ل يشعر بالقهر ،ها هو يموت والعالم يتهدده
خطر عظيم ،نجح في كشف أسرار أخطر كارثاة دتهدد بفناء البشرية ،وها هو يموت قبل
أن ينجز مهمته التي ساقه إليها القدر ،كان غاضبا لقصى عحد من الموت الذي أخذ
يسحبه شيئ ا فشيئ ا من غضبه ليسلمه مرة أخرى لراحة اليأس والاستسلم ،تحشرجت
أنفاسه وتقطعت ،أخذ النور يتسرب من بين جفونه الثاقيلة ،امتل بالظلم ،وكأنه في
دوار النوم سمع صدى أصوات لها رهبة ،تأتي مجسمة من فج عميق.
-تمام يا أفندم ،،،تم إعدامهما ،،،معي كل أمتعتهما ،،،لم أترك شيئ ا بالحجرة،
حتى ملبسهما الداخلية معي ،،،تمام يا أفندم سأغادر فو ارا.
ما زال حي ا ،ما زال يسمع أحدهم بالغرفة.
200
-تمام يا أفندم ،،،وجدناهما مقتولين ،،،ماتا منذ دقائق ،،،ل ،لم نجد أي شيء
بالغرفة ،،،يبدو أن من قتلهما أخذ حتى ملبسهما ،نعم عرايا تمام ا ،،،تمام يا أفندم
سنغادر فو ارا.
وبعد لحظات سمع بصعوبة بالغة من يقول.
-إنه ميت ،،،هيا بنا نخرج ،،،من قتله؟ ومن هذا الذي بجواره؟ ،،،مش مهم ،المهم
أنه ميت هيا بنا ،،،انتظر لفتش الغرفة ،،،هيا بنا ،لن تجد شيئا ،واضح أن من
قتلهما عكنس الغرفة.
آخر ما سمعه لحظة وداعه للحياة ،آلمه لقصي حد ،سمع صوت ا كريه ا يقول.
-هيا لنخرج من هنا بسرعة ،،،بعد كل هذا الجهد يموت هذا الكلب قبل أن نصل إليه
،،،انتظر أريد أن أشرب من دمه لأفي بوعدي لمي.
مات رضا جلل ،فهل مات سره معه؟ ،هل ما زال بإمكانه إنقاذ العالم وهو
ميت؟ ،يملكنه ذلك! .فالبشرية تعيش دائما علي ما صنعه وأبدعه أمواتها!.
----------
لم يهدأ لها بال بعد مكالمة زوجها ،لحظ ابناها توترها الشديد ،أمطراها
بالسئلة ولكنها لم تشف شغفهما بإجابة مقنعة ،فعاشا عدة أيام في توتر وقلق ل يعلمان
لهما سبب ا ،ولكنهما توقعا أن لذلك علقة بأبيهما.
راحت سهير وولداها يعدون الدقائق والساعات ،كانت تمر بهم ثاقيلة ،حتى
حدث ما كانوا يخشونه ،ففي ظهر يوم الربعاء ،الخامس والعشرين من يوليو 2012م.
حدث أن شاهدوا في نشرة الخبار بالتلفاز خبر مقتل الصحفي المريكي الشهير جيمس
راؤول ورفيقه.
وانشغلت وسائل العلم بمقتل هذا الصحفي المثاير للجدل ،وكذا بالبحث عن
سر علقته برجل أعمال ،إيطالي الجنسية وسوري الصل ،وجد مقتول ا معه ،بغرفة
رجل العمال بفندق كونكورد بواشنطن.
ل يوجد من الكلمات ما يمكن بها وصف حالة شابين صغيرين فقدا أباهما للمرة
الثاانية وهما في دغربتهما ،على بعد آلف الكيلومترات من الهل والقارب.
200
كانت الصدمة شديدة ،لعلها كانت أقسى من وقع فقدهما الول له ،كاد يوسف
أن يفقد عقله المراهق ،راح يتوعد قتلة أبيه ويقسم بأن يدمرهم ،ونهاد ل تملك إل أن
تؤكد على وعيده ،وبقلب جريء كقلب أبيها ،طلبت من يوسف أن عيكف عن البكاء
ليفك ار كيف يصلان لمن قتل أباهما.
مع حزنها العميق ،لم تبلل عينيها دموع ،فقد شعرت بالخطر يحوم من حول
ولديها ،وهذا ما لن تسمح به أبداا ،هداها تفكيرها بأن من قتل زوجها لبد له من أن
يبحث عنهم وأنه ل محالة سيصل إليهم ،قررت أن تبدأ هي بالهجوم ل أن تنتظر من
يسحق فلذات كبدها.
عندما فاجأها الولدان بأنهما يريدان أن يطلعا على المعلومات التي تركها
أبوهما ،فقدت أعصابها تمام ا وأخذت تصرخ وتلقى إليهما بالوامر الصارمة ،،،ممنوع
الكلم في هذا الموضوع ،،،ليس لنا أي علقة بهذا الرجل ،،،نحن مصريون وهو
سوري ،،،اسمه محمد يوسف وأبوكما هو رضا جلل ،،،ستمضيان في حياتكما
كالمعتاد ،،،نحن فقدناه منذ لست سنوات ،فما الجديد في المر؟.
ل.
بكي يوسف بشدة وتوسل إليها قائ ا
-أرجوك يا أمي ،أريد أن أنتقم من قتلة أبى؟.
راعها حزنه وانكساره ،احتضنته وقالت.
-أشعر بما يشتعل بداخلك وأستطيع أن أفهمك ،ولكنك ما زلت صغيرا يا يوسف ،وأنا
وأختك ليس لنا أحد غيرك ،أتريد أن تلحق بأبيك؟.
راحت تبكى بحرقة أزعجتهما حتى أنهما تناسيا ما يؤلمهما وانشغل بمحاولة
تهدئة روعها ،وعندما تأكدت من سيطرتها على الموقف قالت.
-اسمعاني جيدا ،أنا من سيقوم بالمهمة التي طلبها أبوكما ،هو طلب أن نبعث
بالفلشتين إلى المسئولين إوالى الصحافة ومختلف وسائل العلم.
-هذا ما كنت أنوى فعله يا أمي.
ثام استدار نحو أخته وأضاف.
-أليس كذلك يا نهاد؟.
أومأت نهاد برأسها لتؤكد على كلمه ،فقالت سهير في حسم.
200
-سأغادر إلي مصر غداا ،وخلل يومين على الكثار ،سأكون قد أنجزت المهمة
وأعود إليكما ،وعندها نتدبر عأمرنا.
قالا في نفس واحد.
-نذهب معك.
-ل ،لن تذهبا لي مكان ،ستمكثاان بالشقة حتى أعود ،سوف أتصل بكما على هاتف
الشقة عدة مرات يوميا لطمئن عليكما ،يعنى ممنوع الخروج من الشقة.
هبطت بمطار القاهرة بمفردها ،فجر يوم السبت الثاامن والعشرين من يوليو
2012م .وبادرت من فورها بتنفيذ المهمة ،لتكمل مشوار زوجها الراحل من أجل إنقاذ
العالم من الدمار ،ولم عتسمح رغبتها السطورية في حماية ولديها ،وفي الانتقام لمقتل
زوجها ،لدنى تردد بأن يتسرب إلي نفسها.
فهل ستنجح تلك الزوجة الوديعة في مقارعة الشيطان وأعوانه؟.
----------
صحف القاهرة.
-حزب الوفد يحصد ثالثاين بالمائة من مقاعد المجالس المحلية على مستوى
الجمهورية ،والجماهير تأمل في تحسين مستوى الخدمات.
-إجراءات لتشجيع المصريين على النفاق ،والسياحة الداخلية.
-تضاعف عدد دور السينما والمسرح بالقاهرة وكذا بعواصم المحافظات والمراكز.
-مصر تقترب من المركز الول في دورة ألعاب البحر المتوسط بالإسكندرية.
200
صحف القاهرة.
-الرئيس شفيق يفتتح معرض الكتاب في أضخم عرس ثاقافي في العالم.
-فلسطين دولة شرف المعرض هذا العام.
-عشرة ملايين زائر من مصر ومن مختلف دول العالم للمعرض.
-ندوة أدباء نوبل بالقاهرة يحضرها الرئيس شفيق وخمسة عشر من أدباء نوبل من
مختلف دول العالم.
-مطار القاهرة من أفضل عشرة مطارات على مستوى العالم.
-خمسون مليون مستخدم للشبكة العنكبوتية بمصر.
----------
قبل حلول عصر نفس يوم وصولها للمنصورة ،كانت قد أنجزت سهير مهمتها
بنجاح ،تمددت لترتاح قليلا من عناء السفر الطويل والجهد السريع الذي بذلته ،راحت
في سبات إجباري أفاقت منه مفزوعة على ولديها ،فقد أنساها حماسها وخوفها أن
تتصل بهما كما وعدتهما.
اعتذرت عن تأخرها في الاتصال وطمأنتهما بأنها بخير وأنجزت المهمة بأمان
وأنها ستعود غدا إلى نيويورك.
بعدما تناولت العشاء طلبت فنجانين من القهوة ،تناولتهما بنهم ،ومن ثام جلست
لتق أر ما سجله زوجها بالفلشة ،التي أعطاها لها في زيارته الخيرة لدمياط الجديدة،
كتب يقول.
كنت قد أشرت في حديثاي إلى حضوري معسكر العداد لعضوية الجماعة،
ولكنى لم دأحدثاك عنه بالتفصيل.
مع فجر يوم الحد ،الثاالث والعشرين من أكتوبر 2011م ،كنا قد انتهينا من
نصب الخيام بمنطقة صحراوية قاسية بدولة بيرو بأمريكا الجنوبية.
بدأ المعسكر بطقس يسمى طقس الوتديداد ،وهو طقس سحري للهاء وخداع
ى هذا الطقس بملبس تشبه ملبس الحرام لدي المسلمين ،ويبدأ
الله الساطي ،ويؤد ع
بصلة تسمى صلة ناماز لاستحضار المه ،وتعنى القوى المسيطرة على نظام الكون،
200
وتؤدى تلك الصلة بطريقة تشبه حلقة الذكر لدى الصوفيين ،وتتلى بعدها ترنيمة
قصيرة.
بعدها تقدم كاهن ،ديسمونه العحم نوتر ) خادم الله ( ،العضاء الجدد إلى البئر
المقدسة ،وقام ،وعدد من مساعديه ،بأخذ مقاس جسم كل فرد منا وتخطيط البعاد علي
ورقة تسلم له ثام يطلب منه أن يخلط الرمال بحبوب الشعير بماء البئر ،ليصنع لنفسه
تمثاالا نائما على الرض ،بنفس مقاييس وأبعاد جسده ،وينبه عليه بضرورة رش التمثاال
بماء البئر المقدس في منتصف كل ليلة حتى نهاية المعسكر.
بعدها أدينا رقصة الكاجورا ،حيث يرتدى الكاهن والعضاء الدجدد تنورة معلق ا
بها ذيل حيوان ،ثام اصطففنا في دائرة يتوسطها الكاهن ،وعلى نغمات غناء حزين
يسمى غناء التفجع ،راحت أجسادنا تميدل لليمين ولليسار في تناسق ولمدة ساعة.
بعد راحة قصيرة بدأ طقس المناولة أو طقس أورفيوس ،حيث يلتف الجميع حول
طاولة عليها الوجبة السماوية ،وتتكون من ثالثاة وثالثاين إبريقا من الخمر ،ثامانية
وسبعين رغيف ا من الدخبز غير المختمر ،ستة عشر زوج ا من الحمام ،ثامان زجاجات
من عصير الزهور ،سبع زجاجات مليئة باللبن ،سلطانية كبيرة من اللبن الرائب ،ثالث
ضر ،وكان علينا أن نأتي على تلك المأدبة تماما ،فهي طعامنا طوال
حزم كبيرة من الدخ ع
اليوم ،ومثالها كل يوم ،ولمدة أسبوع المعسكر ،عدا اليوم الخير ،حيث سيطعمنا ال
الزهار والورود!.
في ساعات النهار الخيرة ،تبدأ دروس الجينانا ،وتعنى المعرفة الشاملة ،حيت
يتدارس الموجودون تاريخ الخلق والتاريخ البشرى لمدة ثالث ساعات ،عتلا بعدها العحم
نوتر علي أسماعنا نقدا رهيبا للديان الإبراهيمية والتي يسمونها الديانات الملفقة،
وبعدما عدد نواقصها وتناقضاتها ،نادي بنفسه لقامة صلة الغروب ،لتبدأ بعدها
تمارين ضبط الذات وتهذيب العنفس بغرض تدريب العضو على الوصول للنيرفانا ،وهى
أعلى مستوى دممكن من الصفاء النفسي والتوحد مع روح إله النور.
كاد الجوع أن يهلكني ،رحت أعلعد الثاواني والدقائق ،كما فعلت على اللوح الخشبي
في البحر ،تمسكت بالصبر واستعنت بالدعاء حتى جاء ،بعد عناء شديد ،اليوم السابع
والخير للمعسكر.
200
بعد صلة الشروق من اليوم الخير ،تقدمنا العحم نوتر إلى منطقة التماثايل،
امتلت بالدهشة ،فمع توقعي لما سوف تئول إليه تماثايل مصنوعة من الرمل والشعير
بعد رشها يومي ا بالماء ،كانت دهشتي عظيمة ،ول أستطيع التعبير بالكلمات عما أحدثاه
في نفسي ،وقع منظر تمثاال يشبهني ،تركته أصفر وبعد أسبوع وجدته أخضر يانعا.
وقف كل عضو بجانب تمثااله ليشكر ال على قبوله عضوا بالجماعة ،بارك
العحم نوتر التحاقنا بالجماعة ودعا لنا بالتوفيق ،عدنا للخيام لنتناول كمية من الزهور
والورد ،كانت هي طعامنا الوحيد في هذا اليوم.
بعد صلة منتصف النهار ،بدأ طقس التوربوليوم ،حيث دذبح دثاور أصفر فاقع،
عيدسر الناظرين ،جمعت دمائه بإناء نحاسي ضخم تحت أقدام العحم نوتر ،دقائق وأشار
نحونا ،فتقدمنا في صف منتظم نحوه ،كنا جميع ا عرايا ،كما ولدتنا أمهاتنا! ،راح يتلو
بعض التراتيل بصوت مؤثار بالنفس وهو يمد يده في الناء لينضح منه الدم ليلطخ به
أجسادنا ،ول أعلم ماذا فعلوا بلحم الثاور.
بعدما انتهى من تعميدنا نادي لصلة التوبة ،حيث يتوجه المعسكر بالدعاء
للسيد المنتظر ،أفالو كيسفا ار.
انتهى المعسكر وأصبحت عضوا عاملا بتلك الجماعة المجنونة ،ولكن للسف،
فمع كل ما عانيته من جوع وتعب ،خلل أيام المعسكر ،لم أخرج بأية معلومة جديدة
عن أهداف ومخططات تلك الجماعة.
----------
بعد لقائه بأسرته بدمياط الجديدة في شهر نوفمبر 2011م .عمل رضا جلل
بجد ونشاط حتى اكتمل مشروع الجماعة بسيناء ،وكان قد عقد العزم على القيام برحلة
استجمام إلى أسبانيا ليريح أعصابه المتعبة ويعاود طبيب العيون هناك ،فقد بدأ يعانى
من مشاكل بشبكية العين ،من جراء مرض الدسكر ،ولكنه فوجئ باستدعائه إلى إيطاليا
لقضاء أسبوع التفجع ،والذي يقام قبل ميعاد الحج الكبير.
في منطقة بجنوب إيطاليا ،تحيطها الجبال في شكل نصف دائرة يشكل شاطئ
البحر قاعدتها ،نصبت خيام المعسكر على شكل دائرة كبيرة بالقرب من الشاطئ ،كانت
الخيام فخمة وتتوفر بها كل وسائل الراحة ،ولكن تبقي مشكلة الطعام كما كانت في
200
معسكر بيرو ،فالطعام فطير غير دمختمر يسمى المزه وكعك أبيض يسمى الدارونا،
وحلوى تشبه الهريسة تسمى هاروسيت ،والشراب خليط من العسل البيض والخمر
ويسمى شراب الهاوما ،مع ماء دمحلى بالسكر ،كانت الكمية المخصصة لكل فرد ل
تكفى لسد رمق طفل ،ناهيك عن رجل في سن وجسم رضا جلل ،وأسقط في يده حينما
نما لعلمه أن الجوع والعطش وقيام الليل من شعائر التعبد بذلك المعسكر ،هكذا كان
أول القصيدة دكفر ،فهو عيععشق الحرية ول يحب التقيد بأية طقوس تعبدية ،خاصة تلك
التي لها مواقيت محددة وتجهيزات ودمقدمات كالصيام والصلة.
مساء يوم الثالثااء ،السابع عشر من يناير 2012م .اكتمل العدد بالمعسكر،
لعمار ،نصفهم من النساء ونصفهم من الرجال ،بالضافة
مائتا شخص ،من مختلف ا ع
إلى أعضاء مجمع البانثايون الذين يقومون على أمر تنظيم المعسكر ،وبالطبع كان
هناك مجلس الكهنة بالضافة إلى دمشلرف ورئيس المعسكر ،وكان النظام صارماا ،دوز ع
ع
العضاء علي ععشر مجموعات ،تتألف كل منها من عشرين عضواا ،وعلى رأس كل
مجموعة عأمير يختاره رئيس المعسكر من بين أفرادها ،حسب ذكائه وقدراته وسابقة
أعماله ،وله السمع والطاعة من أفراد مجموعته ،الدمدهش أن كل عفرد بالمعسكر كان له
حافظة مدون بها كل أعماله ونشاطاته لصالح الجماعة ،وكان رضا جلل أمير
مجموعته بالطبع.
جذب انتباهه تمتع نساء المعسكر بقدر وافر من الجمال والرقة ،حتى كبار السن
منهن ،كعن في غاية الناقة والنوثاة ،فتوقع طقسا جنسيا تعبدياا ،وراح يسترجع مشاهد
وأحداث موقعته مع صابرينا ،حين سحقها بمساعدة الفطر السينائي ،تمنى أسبوع ا من
الدسكر والجنس والعربدة ،وتاقت نفسه بالفعل إلى حفل جنسي لعله يؤمن بما تعتقده
تلك الجماعة!.
في الساعات الولي من الليل ،وبعد النتهاء من التنظيم الإداري للمعسكر،
دنودي على أمراء المجموعات للاجتماع بمجلس الكهنة ومسئولي المعسكر.
----------
استمرت تق أر بشغف ما كتبه زوجها ،عن أسبوع التفجع ،فقرأت.
200
هيئ إلي أن هناك من حولي وجوها أعرفها ،رجالا ونساءا مشهورين في أوروبا،
كانت التعليمات صارمة ،ممنوع أن يسأل عضو زميله عن اسمه الحقيقي أو عن عمله،
فلكل عضو بالمعسكر رقم كودي ،ديعرف وعيتعامل به ،ول يعرف السماء الحقيقية إل
رئيس الدمعسكر والمشرف ،وكان مسموحا لبعض الشخصيات بالتنكر ،كنت أحمل رقم
،69995وعرفت فيما بعد أنه أيض ا رقم عضويتي بالجماعة ،التي أصبحت تضم
سبعين ألف عضو بالتمام والكمال.
لفت انتباهي بقوة أن رئيس مجلس الكهنة كان أصغر الحضور سناا ،كان في
العقد الثاالث من عمره ،ومع هذا كان هو صاحب المر والنهى بالمعسكر ،وكان من
بين أعضاء مجلس الكهنة سيدة واحدة ،في العقد الرابع من عمرها ،ولكنها فائقة
الجمال.
دتلي علينا نظام المعسكر وتسلمنا خطة النشاط اليومي ،ثام استمعنا لوعظ طويل
من رئيس مجلس الكهنة ،وبعد ذلك وزعت علينا كتيبات بها العديد من التراتيل والدعية
مع عدد من أوراق الشريعة ،ليتدارسها كل أمير مع أفراد مجموعته.
كان علي أفراد كل مجموعة أن يتناولوا الطعام والشراب سوي ا خلل ساعات
الراحة النهارية ،والتي تمتد من الساعة التاسعة صباحاا ،من بعد صلة الشروق ،إلى
الساعة الثاانية ظه ارا ،ميعاد صلة الانتصار ،وعلى كل مجموعة أن تعقد حلقات دراسة
أسرار الشريعة من عبعد صلة الغروب ،على أن تستمر حلقات الدراسة حتى منتصف
الليل تماماا ،حيث تبدأ فترة الراحة الليلية ،حيث يمكن للفراد تناول القليل من الطعام
ونيل قسط من الراحة ليستيقظوا قبل شروق الشمس ليبدأ يوم جديد من أيام المعسكر.
كان البرد يدك العظام دكاا ،والوقت المتاح للراحة والنوم قليلا ،والطعام ل عيلسد
العرمق ،ومع هذا كان كل من حولي يردد التراتيل والدعية ويمارس التقشف والتطهر في
حماس بالغ ،بالطبع كان هناك قبلت وأحضان ،ضحك وعسعمر ،لكن ل ممارسة للحب
علي الطلق ،الجميع يتجنب ذلك بالرغم من أنه مباح ومتاح ،وذلك حتى ل يضيع
يومر دون ممارسة العبادة والدراسة ،فبعد ممارسة الجنس لبد له من أن يتطهر قبل أن
يعاود ممارسة نشاطه بالمعسكر ،ويكون التطهر بالاستحمام بالماء ثالث مرات ،ثام بعد
200
ذلك بدخان من البخور ،في حمام يشبه الساونا ،لثالث مرات أيضاا ،وعلى مدى أربع
وعشرين ساعة.
----------
ى من نساء
حاول رضا جلل أن يجد امرأة تسرى عنه ولكنه لم ينل موافقة أ د
المعسكر ،على الرغم من أنه كان يختار من يراودها عن نفسها بعناية ،وكاد أن يجن
من الغيظ وهو يرى في عين من ترفضه رغبة جامحة ويسمع من بين شفتيها فحيح
النثاى يزاحم الحروف.
----------
أخذت الثاارة من سهير مأخذها وهى تق أر تفاصيل أيام المعسكر ،فقرأت.
في أول ليلة من ليالي المعسكر ،انتظم العضاء في حلقات العسمر ،للتعارف
وتبادل المعلومات حول صفات إله الحق وحول أسرار الشريعة وأركان العقيدة ،وكذا
عشاء ل ديسمن ول ديغنى من
ا لدراسة الأناشيما أو المحرمات ،وبعد منتصف الليل تناولنا
جوع ثام خلدنا للنوم ،قاومت الرق كثاي ار حتى هزمته ،وما إن غفلت عيناي حتى
استيقظت علي صوت ميكروفون المعسكر ،إنه وقت الفجر ،انتظمنا بسرعة في عشرة
صفوف متتالية ،كل مجموعة في صف ،تقدم الكاهن الكبر ،ومن خلفه الكاهنة ،ليؤم
خبر ،والتي تبدأ مع بداية ظهور أشعة الشمس
المعسكر في صلة الشروق أو صلة د
كإضاءة ،تعلهم في خجل بإزاحة أستار الليل من فوق قمة الجبل الشرقية ،توضأ الجميع
بالماء ثام صلينا كما يصلى المسلمون ،أربع ركعات طويلة ،كل ركعة تستغرق عشر
دقائق ،وعلى الساجد أن يضع ذقنه على الرض ويتوجه بوجه للمام ،إلي ال ،وعليه
أن ديعبر عن فرحه وسعادته أثاناء الصلة.
بعد الصلة بدأ الكاهن في تلوة التراتيل والدعية والجميع يردد من خلفه ،،،
آمين ،،،المجد للله الذي وجد بذاته ،،،آمين ،،،وكل اللهة تبتهج لرؤيته كملك لكل
السماوات ،،،آمين .وارتفع صوته وهو يتلو باللغة السريالية ،تراتيل الفرح بشروق
الشمس ،وراح الجميع يردد من خلفه بفرح غامر ،،،هاللويا ،،،أهيا كطيورش هيل
طايطر ،،،هاللويا ،،،مليهر لويتم اللهيف ،،،هاللويا ،،،هاللويا.
200
كانت الصوات ترتفع تدريجيا بالتراتيل والدعاء ليصل المصلون لحالة هيستيرية
من الفرح تزامنت مع عبور قرص الشمس قمة الجبل الشرقية ،ويستمر التهليل والصراخ
بالتراتيل والابتهالت لمدة ساعة تقريباا ،تبدأ بعدها فترة الراحة الصباحية ،تناولنا وجبة
الإفطار ،جزء صغير من فطيرة المزة وكعكة دارونا واحدة مع ملعقتان من الماء المحلي
بالسكر ثام كأس من شراب الهاوما ،خلدنا بعدها إلى الراحة ،وحين توسط قرص الشمس
السماء انتظمنا بسرعة ورشاقة في دوائر متتالية عددها سبعة ،فى المركز دائرة صغيرة،
من أربعة أشخاص وهم رئيس مجلس الكهنة والكاهنة ومعهم دمشرف المعسكر ورئيسه،
وتليها دائرة من أعضاء مجلس الكهنة ومعهم أمراء المجموعات ،ثام بعد ذلك خمس
دوائر متتالية من أعضاء الجماعة ،وأظنها تمثايل حي للنيرين العظيمين ،الشمس
والقمر ،والخمسة كواكب السيارة.
بعد تأدية صلة الانتصار ،أو صلة عرع ،وهى أيض ا من أربع ركعات طويلة،
بدأت الدائرة ،المشكلة من رؤساء المجموعات وأعضاء مجلس الكهنة ،في الدوران
عكس اتجاه الساعة من حول الدائرة المركزية الساكنة في مكانها ،بينما راحت
المجموعات الخمس الخرى تدور باتجاه اليمين ،وصدحت حناجر الدائرة المركزية
بتلوة الترانيم والدعية والجميع يردد من خلفها ،،،آمين ،،،آمين.
افترشت الدوائر الست الرض بينما راحت الدائرة المركزية تدور ببطء في اتجاه
عقرب الساعة وهى تتلو من جديد أدعية وتراتيل والجميع يرددها من خلفها بأصوات
أخذت ترتفع تدريجيا حتى بلغت الحماسة والثاقة بالنصر أوجها ،،،سأبقى هنا حيث
تظهر الشمس ،،،آمين ،،،أنا ال واحد أحد ،،،هاللويا ،،،موجد نفسي بنفسي ،،،
هاللويا ،،،ليس لي كفوا أحد ،،،هاللويا ،،،وع وع نو سنو ،،،هاللويا.
سيطرت على الجميع حالة من البكاء الهيستيري وارتعشت الأجساد وراحت
تنتفض بقوة ،أصبح الوضع ل يحتمل بالنسبة لي ،ل أستطيع البكاء وجسدي ل
ينتفض ،أخذ منى القلق مداه خوفا من أن يكون هناك من يراقبني ويلحظ شرودي وأنى
أحرك شفتدى دون أن أنطق بكلمة ،وقد يق أر السخرية في ملمح وجهي ،لم تكن المشكلة
ى الولرع بل كانت في الدهشة التي سيطرت على
في تمثايل دور المجذوب أو العتقل م
200
تفكيري ،بسبب ما كنت أسمعه من ابتهالت وأدعية مصرية قديمة دتتلي باللغات
السريالية والرامية والعبرية!.
استمرت التراتيل والدعية حتى قربت الشمس على الغروب دون عكلل أو عملل،
بل كاد الحماس أن يفتك بالجمع الدمنهك ،ومع غروب الشمس أدينا صلة الغروب أو
صلة آتوم ،ثالث ركعات سريعة مع البكاء والنحيب إواظهار الحزن.
بعد الصلة افترشنا الرض في عدة دوائر متتالية ،كما فعلنا مع صلة
الانتصار ،وبشكل جماعي وفى صوت واحد ،هادئ وعشجي ،صدح المكان بأدعية
وتراتيل حزينة ،،،يا إله الرعد والبرق والصاعقة والطوفان ،،،يا هازم لوياثاان يا
طاووس يا راكب الشيروبينو ،،،يا سيد الكون ورئيس العالم ،،،يا حامى مصر أرضك
ومنزلك ،،،أهيا كطيورش هيل طايطر مليهر ،،،لويتم اللهيف يه ياتيه هيوا ،،،أيها
الماء الول البدئى ،،،يا رب أريشكيجال ،،،يا نمو ،،،يا يم ،،،يا تعامة ،،،يا رع
،،،يا أوقيانوس ،،،يا نوت ،،،يا مردوخ ،،،يا أنليل ،،،ياعرب شو ،،،عرب جب ،،،
عرب سين ،،،عرب ننليل ،،،يا رب نفر فبرورع ،،،رب نبخوريا ،،،رع وع إن رع
،،،وع وع نو سنو ،،،وع وع نو سنو.
بعد ذلك بدأت فترة الراحة الليلية ،تناولنا العشاء ،كما فى وجبة الفطور ،وهرعنا
لننال لقسط ا من الراحة انتظا ار لبدء حلقات الدراسة والمناقشة والتي ستستمر للعدة
ساعات ،ولظروفي الخاصة كنت أحاول أن أبدو كعضو نشط ومتحمس للدراسة
فحرصت على استعراض ثاقافتي الواسعة والمتنوعة.
عانيت من حيرة شديدة ،لماذا القول ،يا حامى مصر ،أرضك ومنزلك؟! ،،،
لماذا انتهي الدعاء الخير بكلمات وع وع نو سنو؟!.
أسبوعر قاسل ،فقدت خلله حوالي عشرة كيلوجرامات من وزنى ،كنت مشغول ا
بأمور الجماعة ولم أنس خيانة حمدان ،الذي أخذ من مالي ومن وقتي الكثاير دثام غدر
بي ،لو أنه كان قد ساعدني على الدخول لمدينته المزعومة ،لكنت قد تعرفت على لسر
هذه الجماعة وعلى ديانتها العجيبة ووفرت الجهد والوقت.
----------
200
مع مرور أكثار من عشرة أشهر على اختفاء حمدان خلف الجبال لم يكل رضا
جلل في البحث عنه ،كان يخشى أن عيشلعي به للجماعة.
ولقد حرضته نفسه علي الذهاب إلي منطقة تل العمارنة ،للبحث عن معلومة قد
تساعده على سبر أغوار تلك الجماعة ،ولم تتسند له الجرأة أو الفرصة ليفعل.
مع مرور الوقت دون الوصول لمعلومات جديدة كانت المخاوف والذكريات
المؤلمة تفترسه ،أشباح إبراهيم سالم وصابرينا وحجازي وسيلفيو تأبى أن تفارق خياله،
وبالطبع كان الرجل مشغولا بسلمة أسرته ،وكثاي ار ما شعر بالخجل لتركها وحيدة تواجه
مصيرها ،ليهيم في الدنيا خلف أسطورة تشغله ،أنب نفسه كثاي ار لعزعجه بأسرته في دوامة
تلك الحداث المثايرة والغبية التي أنهكته ،والغريب أنه ارتاب فى زوجته لبعض الوقت،
فلم يكن واثاق ا من تقييمها للمور ،وقد خشي أن تبوح بسره لولديه ،ومن ثام يتسرب
للخرين؟.
تمنى الخلص مما أصبح فيه ،صار ذا مال وسطوة ولكنه محروم من المان،
من أسرته ،من راحة العقل ،وبالرغم من معاناته واضطرابه الداخلي ،مضي كالمندوه
نحو قدره المحتوم ،وسعى بقوة نحو المعرفة المميتة التي كان يشعر بها تجذبه كما
تجذب النار الفراشة لتهلكها.
----------
عمعرت أيام الدمعسكر بطيئة دمملة ،تحاملت على نفسي الكثاير من الجوع
والرهاق ،ولكن لم يخيب ال ظني ،ففي اليوم الخير للدمعسكر ،تلا الكاهن خطبة
حماسية ،تسمى خطبة الوداع ،كان الحماس يسيطر على الجميع ،حتى إننا وقفنا بل
نظام أثاناء الخطبة ،بدا الكاهن فرحا ومسرو ار وهو يعلن أن الجماعة قد أتمت
ك أن
عضويتها ،سبعين ألف نالج من الدمار ،سبعين ألف معتوق في يوم راغناروك ،عل ل
تتخيلي الصخب والصراخ والتهليل الذي أصم أذني ،وجدت صعوبة بالغة للتقط بقية
ما جاء بالخطبة ،حيث قال.
-إن الحج القادم ،في السبوع الخير من شهر مايو 2012م ،هو الحج الكبر في
تاريخ الجماعة المنتظرة ،الجماعة الناجية ،وهو الحج الخير قبل التوحد مع سنال ،مع
روح ال ،وللسف لم يسمح لي الصياح والصراخ بمتابعة بقية كلمه ،كما أنى انشغلت
200
بالتفكير فيما سمعته للتو ،كنت أعرف أن هناك حجا في شهر مايو القادم ،فقد تم
تأجيله من شهر فبراير لعطاء الفرصة للانتهاء من أعمال المزرعة وضمان السرية،
ولكن لم أكن أعرف أنه الحج الخير ،الخير قبل ماذا؟ ،كيف يكون التوحد مع روح
ال؟ ،لماذا وصف الرجل أعضاء الجماعة بالناجين من الدمار؟ ،أي دمار يعنيه؟ ،هل
التوحد مع ال يعنى انتحار كبير كما فعلت بعض الجماعات الدينية السرية في أمريكا
واليابان؟.
وعلى الرغم من حذري الشديد ،اضطررت للاستفسار من أعضاء مجموعتي
عن بعض المور ،لعلهم يعرفون شيئ ا ل أعرفه ،خاصة عندما وجدتهم متحمسين
بجنون لكل ما ينطق به الكاهن ،ولكن خاب ظني ،لم أجد من بينهم من يعرف أكثار
منى ،وحتى ل يشعر بي أي من المسئولين عن المعسكر أخذت أصيح مثالهم وأقفز في
الهواء ،وأنا أضحك من نفسي ،وعلى حالي وحال النسان.
----------
بعد انتهاء الدمعسعكر ،غادره حوالي مائة من الشخصيات التي تتبوأ مناصب
مهمة في بلدها ،ومكث الباقون بالمعسر بغرض قضاء يوم للاحتفال والترفيه ،فكان
من الطبيعي أن يبقى رضا جلل ،فنفسه تتوق لبعض الراحة والترفيه لعله ينسى ما
لقاه من إجهاد وتعب.
صدحت في أرجاء المكان ،موسيقى الهارد روك الصاخبة ،سيطر جنون
الرقص على الجميع وسط سحابة ضخمة من دخان السجائر المحشوة بالحشيش
والماريجوانا ،ودسمعت فرقعات فتح العشرات من زجاجات الخمر ،تلعبت الخمر
بالعقول وضبط الحشيش المزجة ،فتحرر الجميع من ملبسهم ،وبدأت الملمسات
والاحتكاكات ،ارتخت الجفون ،وراح الجمع يستنشق عبير الشبق فى الجواء ،فدكت
السماع رعشات الجساد وهمساتها ،بالرغم من ضخب الموسيقى ،وقد أخذت
الضحكات الماجنة تتفرق وعتهن شيئا فشيئا لتسمع كآهات وفحيح.
لم تكن صحته على ما يرام ،فقد كثاي ار من وزنه ،ولكن هل ديضيع الرجل فرصة
كتلك التي تلوح بالفق؟ ،لجنس جماعي ،وعلى المل ،أية امرأة لي رجل؟ ،نساء ليس
كمثالهن نساء ،حور عين ،كلما رنا ببصره لحداهن جحظت عيناه وسال من فمه
200
اللعاب ،وراح ينفخ لعله يهدئ من ثاورة قلبه في قفصه ،بعدما ملت الرغبة شرايينه
بالدرينالين.
قرر الفوز بأجمل حورية بالمعسكر ،وقعت عيناه على تمثاال من العمرعمر ،جمال
صارخ ،أنوثاة طاغية ،دلوعة رقيقة غرورها يفوق الخيال ،امرأة عبضة ممشوقة القوام،
بيضاء شقراء ،خضراء العيون ،طازجة ناضجة ،لم تتجاوز الثالثاين من عمرها إل
بسنوات قليلة.
بعدما حدد هدفه ،قعرعر أن يصيبه إصابة قاتلة ،طار إلى خيمته ،أخرج من
الحقيبة قطعة من اللفطر السينائي ،وحمد ربه أنه احتاط لكل الاحتمالت ،كان قد توقع
أن الدمعسكر سيكون موقعة جنسية تفوق كل معاركه السابقة ،وعندما عمر أسبوع
المعسكر دون أية دلئل تشير لي فعل جنسي بالمعسكر خاب ظنه وأفلتت أعصابه
وتكالب عليه التعب وخيبة المل ،ولكنه كعادته دائم ا يمكنه أن يشحذ كل قواه وقدراته
عند اللزوم ،وهل هناك ألزم من إشباع رغبته المتأججة ،وهيامه بتمثاال العمرعمر هذا؟.
وضع في جيبه عدة مكعبات من سكر النبات ،وعدة كبسولت أكسيجينية ،تكفى
واحدة منها لمنح الجسم طاقة هائلة.
تناول الرجل قطعة الفطر مع كبسولة ،دقائق قليلة وشد جسمه وشحذ عزمه
واقتحم أرض المعركة ،ما زال تمثاال المرمر يتمنع على بعض الرجال الذين يحومون
من حوله ،في لحظة كان يأخذها من يديها ليراقصها ،تلمسها فاشتعل جسده ،دقائق
وشعر ببركة الفطر تسرى بجسده ،تسرب من حولهما الرجال ليبحث كل منهم عن رفيقة
تعجبه ،وانشغل الجميع في معارك جنسية عاتية ،وبدا المر وكأن هناك العشرات من
شاشات العرض ،تبث أفلما جنسية متنوعة ،هذا راكب ،وهذا مركوب ،هذا واقف ،وهذا
راكع على ركبتيه ،هذا قد انتهت معركته واستلقى على الرض ليستريح ،وهذه ما زالت
تتلوى وتتمنى المزيد.
تلشى ضجيج الموسيقى ،ولم تبق بأذنيه إل آهات مثايرة وصرخات لذيذة ،راح
يضرب بسيفه كبطل من أساطير الإغريق ،توحد مع رغبته ومتعة إشباعها ،ما إن بدأ
جسده يرتجف حتي شعر بروحه تتسامي وتتوحد مع نغمات الكون وكأنه فى لحظة
200
كشف ،يبذل من أجلها الزاهد عمره فى تعبد وتقشف ،وقد ل ينالها ،كانت خليلته تتشنج
من تحته وتدزلبد وترجوه المزيد.
أخذ يقتحمها بسرعة وقوة وينسحب منها بروية حتى خارت قواه ،بعد حوالي
الساعة ،أفاق من هلوسته فإذا بفريسته منهكة لقصى درجة ،نزل عنها برفق وجلس من
خلفها وأخذ جسمها كله في أحضانه ليساعدها على أن تتحكم في الرعشة القوية التي
ترجها بعنف ،لحظات وسمع الجميع من حوله يحتجون ويعترضون ،شرع ببصره نحوهم
فلمح الحقد في عيون الرجال والغيرة بعيون النساء.
هم بتركها لترتاح على الرض فاذا بجمع من النساء عيهم به فلذ بخليلته ،تمنت
عليه المزيد فأنهكها حتى فارقها الوعي ،تركها وسط نظرات العجمع المندهشة ،وحدث أن
صعرعخ أحدهم معترضاا.
ع
-أظنه تناول الفطر المقدس ،وهذا غير مسموح به إل في أيام الحج فقط.
وافقه الجميع ،وبدأ الهمس يتزايد ويتحول إلى صياح فرمى في جوفه قطع السكر
مع كبسولتين ،استعاد حيويته في لحظات وادعي أن تلك قدراته الخاصة ،ولنه عضو
جديد ومن المفترض أنه ل يعرف بحكاية الفطر المقدس هذا ،وأيده رئيس المعسكر
الذي دعا الجميع إلي نبذ الغيرة قائلا.
-ل تجعلوا الغيرة تعمى قلوبكم ،فلو كان الرجل قد تناول الفطر فلبد له من أن ينهار
جسدياا ،كما أنه لم يتناول الشراب الشافي من أثاره ،فلو كان قد تناول الفطر لهلك.
صفق له الرجال وأقبلت النساء تقبله وتداعبه ،ذهب للخيمة ونام ،وفى الصباح
كان أول من غادر المعسكر.
----------
ذهب من فوره إلى نابولي ،وبعدما نجح في تحويل مبالغ كبيرة لحساب أسرته
بالبنك ،تفرغ لاكتشاف أسرار الجماعة ،قضى عدة أيام في مراجعة ما استولي عليه من
صابرينا ،وقضى ساعات ل دتعد على الشبكة العنكبوتية ،يفتش عن أي معلومة قد تفيده
في سعيه.
وبحجة الاطلع على سابقة أعمال الشركات المشاركة في تجهيز مشروع
سيناء ،سافر كثاي ار حول العالم ،وجاب العديد من مكتبات الكنائس المسيحية ،بمختلف
200
طوائفها ،بأوروبا والشرق الوسط ،وأمضى الساعات الطوال يبحث بمكتبات المعابد
اليهودية بالعراق وبمصر وأيض ا باليمن والمغرب ،وحتى المعابد الهندوسية والبوذية
ومعابد الديانات الغابرة بالشرق الوسط وأمريكا الجنوبية.
جمع عشرات الكتب التي تتناول الديانات القديمة والساطير بالشرح والتحليل،
وقام بزيارة بلد لم تخطر له على بال من قبل ،قرى بائسة بالهند وكشمير ،زار شمال
الصين وجاب إقليم التبت ،ذهب إلى كنائس أثايوبيا ،وعاش أياما عديدة بين قبائل
أفريقية يدرس أساطيرها عن الخلق وأصل الإنسان ،ذهب إلى بيرو وبوليفيا ،وتععداعرس مع
حكماء قبائل المايا معتقداتهم حول نهاية العالم ،رحلت طويلة ومضنية ،بل ودمكلفة
أيضاا ،لم يجن منها إل المزيد من الحيرة وخسارة الوقت والمال ،ولكنه خرج بيقين أن
الأساطير والأديان ،جميعها ،تتشابه في مضمونها وتختلف في تفاصيلها ،وكأنها
خرجت من أسطورة واحدة جامعة أو تشعبت من دين واحد عغالبر ،جميعها تتحدث عن
قوى عليا تتحكم بمصير البشر ،وتتناول نضال قوى الخير ضد قوى الشر ،دائما هناك
إله للخير إوان تعددت أسماؤه إواله للشر إوان تنوعت صوره ،درس الديانات الصحراوية،
ديانات البدو قمرية التقويم ،فوجدها تتشابه في احترامها الدمطلق للقبة السماوية وفى
تقديسها للجبل والحجر ،وللبل والعفرس ،وتتشابه في التوحيد وفى التفريق الصارم بين
كل ما هو لهوت وما هو ناسوت ،وتفهم ديانات الخصب والفداء ،شمسية التقويم،
حين تشابهت في الخلط والتداخل بين ما هو لهوتي وما هو ناسوتي ،وحيث تتعدد فيها
اللهة ويتشابه فيها مجتمع اللهة مع المجتمع العبشري ،وتتطابق في تقديلسها لإلهة
أنثاى ،دائم ا هي عذراء بتول ،على الرغم من أنها أم الله الذي هو أبو نفسه.
عرف أن راغناروك هو يوم الموت والانبعاث في أسطورة ألمانية تتحدث عن
موت الععالم واللهة جميعهم ،لتبعث الحياة من جديد بخلق آخر ،من البشر واللهة،
وهكذا دواليك إلي ما ل نهاية ،واندهش كثاي ار عندما عرف أن الناشيما أو المحرمات
في عقيدة الجماعة تطابق ما هو موجود بالشريعة اليهودية ،تلك التي تصفها الجماعة
بالديانة الملفقة!.
وأغرب ما صادفه ،على الطلق ،خلل جولته المكوكية بين مختلف بلد
العالم ،هو ما وجده في بلد النوبة ،بمصر والسودان ،فالنوبي يؤمن بالديان
200
البراهيمية الثالثاة خلل حياته ،وذلك في ترتيب معين فيما ديعرف بالنظرية العقائدية،
حيث يتم تعميد المولود النوبي في مياه نهر النيل على الطريقة المسيحية القديمة ،ثام
في سنوات الطفولة المتأخرة يتلقى التعليمات اليهودية ويتم تعميده يهودي ا فى عامه
الثاالث عشر ،وبعد البلوغ ،في العام الخامس عشر من عمره تقريبا ،يتعلم القرآن
والشريعة السلمية ويصير مسلم ا قلب ا وقالب ا ،ويحرص النوبي على أن يزين جدران
منزله بنجمة داود وبجوارها الصليب ويحتضنهما الهلل!.
وفي العراق كانت دهشته عظيمة ،الصابئة يعبدون الكواكب السبع السيارة التي
تسكنها الملئكة العظام ،واليزيديين ،يتوجهون بصلتهم نحو الشمس ويعبدون
الشيطان ويقدسون يزيد بن معاوية بن أبى سفيان!.
بجبل لبنان اختلط بفقهاء الدروز ،يؤمنون بتعجدسد اللهوت في الناسوت ،وبأن
ال قد حل فى جسد الحاكم بأمر ال الفاطمي ،الذي توارى عن النظار ولكنه سيعود
ليمل الدنيا عدلا وسلما ،وبالرغم من أنها ديانة باطنية ،وبالرغم من قسوتهم
وسلوكياتهم ،التي تخلو من الخلق والمبادئ ،إل أنه وجدها ديانة ل تدعو للعنف.
في إيران درس ليام طويلة سيرة النبي المدهش ،عزرادشت ،وكذا تفاصيل ديانته
المذهلة ،وخاصة معراجه الرائع خلل السموات السبع ،وتأكد من أنها ديانة راقية تنبذ
العنف.
----------
استمرت سهير تق أر في دهشة ما سجله زوجها حيث كتب يقول.
أجهدت ذهني ا ونفسي ا وبدأت أعانى من حالة غريبة ،كنت وكأني أحلم وأنا
مستيقظ تماماا ،ولخبرتي بأحلم اليقظة تيقنت من أن المر غير طبيعي ،كنت أرى
نبوءات ورؤى تتعلق بمصير العالم ،أفقد بعدها الوعي لساعات ،أفيق منها بصعوبة وأنا
أعانى من صداع رهيب ،يكاد أن يفتت رأسي ،وعندما أنتهي من كتابة أو تسجيل الحلم
أو الرؤية ،يختفي الصداع فجأة وأسترد حيويتي وصفائي الذهني فى الحال ،وفى
الحقيقة لست متأكداا ،هل كنت أكتب ما أكتبه رغبة منى في التدوين؟ ،أم أن هناك قوة
خفية احتلت عقلي وتدعسيدرني لما تريد؟!.
200
بعد فترة بدأت أشاهد في أحلمي تفاصيل أحداث تاريخية هامة ،كنت أعرف
بعضها وأجهل أغلبها ،وما أزعجني كثاي ار هو أنى كنت دائم ا أحد الفاعلين المؤثارين في
تلك الحداث ،كنت وكأني أشاهد نفسي ،نفس الوجه ،نفس الجسم ،نفس الصوت!،
بالطبع كانت شخصيتي وملبسي وتصرفاتي مختلفة في كل مرة ،حسب اختلف الزمن
الذي حدث به ما أشاهده.
دفعتني تلك الحلم والرؤى لدراسة العقائد والديانات التي تؤمن بتناسخ الرواح
وبالتجسد ،ولكني لم أخرج بمعلومة ترد لي ثاقتي بعقلي وبقدراتي الذهنية ،اعتقدت في
بادئ المر ،أن الضغط المعرفي المتزايد على عقلي المحدود هو ما دفعه ليعيد صياغة
أحداث التاريخ والمستقبل في أوهام تتماشى مع ما شاهدته أنا في الواقع وعرفته من
جولتي حول العالم ،ولكن هذا التبرير لم ينجح في إقناعي بأني ما زلت أحتفظ بقواي
العقلية.
عاودت طبيبي الخاص في روما فنصحني بدخول المستشفى لضبط ضغط الدم
وخفض نسبة السكر ،فهذا وذاك كانا في أخطر مستوياتهما ،وبالفعل قضيت
بالمستشفى عدة أيام تمكنت بعدها من استرداد عافيتي ،وتوجهت من فوري إلى لندن،
لمعاودة طبيب نفسي شهير ،بناء على نصيحة الأطباء.
----------
رحب بي الطبيب بشكل مبالغ فيه ،ومع مظهره المحترم وأسلوبه الوقور ،لم أرتح
إليه ،يبدو فى العقد الثاامن من عمره بالرغم من شباب عينيه.
حدد سعر الجلسة بثالثامائة جنيه إسترليني ،والمدهش أنه بعد جلسة واحدة تبدد
توجسي منه وبدأت أشعر بطمأنينة في صحبته ،منحته ثاقتي وكان ذلك خطأ فادح ،كاد
قضاء مبرماا.
ا أن يقضى على
رويت له بدقة ما أعانيه ،يبدو أنه لم يصدقني وتصور أني أتلعب به ،فبعد
عدة جلسات فوجئت به ينهرني ويحذرني بأنه في طريقه لاتخاذ قرار بوقف الجلسات
والتخلي عن مساعدتي ،لنه يعتقد أنها بل طائل ،واتهمني بأني أخفي عنه الحقيقة،
وأحاول نسج حكايات من خيالي لقنعه بما أريده أنا ،وقال إن عقلي الواعي ما زال هو
200
من ديسيطر على أثاناء الجلسات ،بالرغم من محاولته المتعددة لتحفيز عقلي الباطن
لديظهر نفسه.
يريد سماع الحلم والرؤى كما راودتني ،ول يريد منى تفسيرها أو ترتيبها لتبدو
منطقية ،علي أن أسردها وفقط ،فأعدتها علي مسامعه بتفاصيلها الدمزعجة.
بعد عدة جلسات مجهدة أخبرني الطبيب ،مارك جوزيف ،أن عقلي الواعي،
وبسبب ما تعرض له من ضغوط شديدة ،يقوم كل فترة بعملية إيقاف ذاتي لنشاطه،
لديخلى كل مساحة الوعي به ليحتلها عقلي الباطن ،وفى تلك الحالة تختفي ذاكرتي
الشخصية ،وتفتح بوابات الذاكرة الجمعية والمختزنة في جينات خليا عقلي والتي أورثاها
لي الأسلف ،منذ بدء الخليقة وحتى اليوم ،وعبر أجيال ل نهائية من الباء.
كان تفسيره مريباا ،طلبت منه مزيدا من اليضاح فقال.
-إن المعرفة والخبرة الشخصية والجماعية دتسعجل في جينات خاملة يتوارثاها البشر منذ
بداية الخلق وحتى اليوم ،وتحمل تلك الجينات ما يسمى بمخازن الذاكرة الجمعية وبها
أفلم مسجلة لكل ما عاشه أسلفنا من أحداث ،وأكد على حقيقة أن معرفة وخبرة كل
جيل دتنسخ في حافظة بالذاكرة الجمعية الموجودة على هذه الجينات.
وأضاف.
-عند توقف نشاط العقل الواعي ،وهذا يحدث ناد ار ولشخاص لهم مواصفات خاصة،
تتجلى لهم الحقيقة الولى والزلية ،الحقيقة اللهية وحقيقة الخلق ،وهو يعتقد أن هناك
عقلا ل يتحمل هذه الحقيقة فيهذى ويكون مصيره الجنون ،وهناك عقل يتحملها لتوافر
ظروف ومواصفات خاصة ،فيكون النبياء والفلسفة العظام.
نفس كلم صابرينا عن الذاكرة الجمعية وبوابات الذاكرة والعقل الباطن ،تماديت
معه في حوار عميق تأكدت منه بأنه يؤمن بتناسخ الرواح ،حيث تتكرر الروح عبر
آلف الجيال ،محتفظة بخبرة كل جيل بمخازن ذاكرتها الجمعية ،ويؤمن أيض ا
بالحدلول ،ففي ظروف خاصة وخلل أوقات معينة من تاريخ البشرية تعلحل كائنات
سماوية ،يسميها الهفتات ،في بعض مواليد البشر ،ليتجسدوا ويشبوا بش ار لهم قدرات
خاصة ،وذلك من أجل أن ينفذوا إرادة ال في توجيه البشر ،والدنيا ،نحو الغاية التي
200
يبتغيها لهم ،وغالبا ما تكون هذه الوجهة غير متوقعة من البشر فيسمونها القضاء
والقدر.
مع اعتراض عقلي على أفكاره فقد ضبطت نفسي ترتاح وتسكن لكلمه وذلك
حين قال إن المعرفة الكثايفة المختزنة بعقلي ،وتحت تأثاير الحداث المثايرة التي عشتها،
عملت على توليد موجات من الطاقة بخليا مخي ،أدت إلى تفكيك شفرة الجينات
المختزنة للذاكرة الجمعية التي مرت بها روحي منذ خلقها الول ،وهذه بدورها عملت
على فك شفرة الجينات الدمختزنة للذاكرة اللهية بعقلي.
عندما اكتشفت طبيبي عرفت أنى أوقعت نفسي في ورطة كبيرة ،لقد أفشيت
أسراري لرجل مجنون ،نعم مجنون ،فالرجل في اليام الخيرة من علقتنا ،لم يعد
يتعامل معي كطبيب مع مريضه أو حتى كصديق مع صديقه ،في الجلسة الخيرة راح
يلح على ويرجوني أن أعيد على مسامعه ،مرات ومرات ،كل ما رأيته في أحلمي،
نزلت على رغبته بالرغم مما كنت أشعر به من ضجر وضيق ،وعندما انتهيت فوجئت
به عيخدر ساجدا تحت قدمي ويقبلهما وهو يطلب منى أن دأباركه.
تجاهلت تصرفاته المجنونة ،لكنه تمادى ،أخذ يناديني بالدمعخللص وهو يبكى
وينتحب ،قررت أن أنهى علقتي بهذا الطبيب المجذوب ،ولكن حدث أن طلب منى أن
أمنحه موافقتي على أن يكتب بالصحف والمجلت العلمية عن حالتي المدهشة ،وما زاد
الطين عبله أنه ألقى على مسامعي أمنيته في أن عيدخط كتابا يضم كل ما رويته له من
أحلم ورؤى.
رفضت ،وحذرته من أنه يتخطى آداب المهنة وهددت بمقاضاته ،راح عيلح،
وبإصرار ،لوافق وأمنحه أعظم فرصة في حياته ليثابت للعالم صدق نظريته في تناسخ
الرواح والحلول وكذا فى تفسير الحلم والرؤى والذاكرة الجمعية.
كان الطبيب يمتلك تسجيلت دقيقة ،لكل ما رويته له عما عمر بي من أحداث
خلل السنوات اللست الماضية ،وهكذا وجدت نفسي أواجه نفس المشكلة التي واجهتها
مع صابرينا وسيلفيو ،هناك على وجه الرض من يعرف تفاصيل قصتي ،وهذا ما ل
يمكن أن أسمح به أبدا.
200
بدا لي أن الطبيب لن يردعه شيء عن تنفيذ ما أعتزمه فقررت التخلص منه،
فدبرت لذلك خطة دمحكمة ،والمدهش هو أنى شاهدت تفاصيل تلك الخطة ،وكما عندفذتها
بعد ذلك بالضبط ،في حلم جديد وكأني عمن عقرعر عقدر الردجل ومصيره.
أخبرته بموافقتي ،وبأن هناك أحلما جديدة ورؤى خطيرة أخرى أقترح أضافتها
للكتاب ،طار فرح ا ل يصدق نفسه ،وعندما تأكدت من سيطرتي التامة عليه ،اقترحت
أن نخرج سويا للريف الهادئ ،متحججا بأن الماكن الهادئة والنائية عن العمران
تساعدني كثاي ار علي استعادة ما راودني من أحلم ورؤي.
فجر اليوم التالي أقلني بسيارته إلي منطقة نائية بالريف النجليزي ،خارج مدينة
كامبريدج ،ترجلنا من السيارة وجلسنا تحت شجرة ضخمة ،وعندما اطمأننت للمكان
هاجمته بسرعة خاطفة وقيدته بالحبال ،والمدهش أنه لم يبد أدنى مقاومة ،وكأنه كان
راضي ا عما أفعل ،راح ديردد جملة واحدة وهو يبتلسم.
-افعل ما تشاء لتطهرني وأنال رضاك وغفرانك.
لم تأخذني رأفة برجل دملسن ومجنون ،انتابتني رغبة عارمة في تعذيبه قبل قتله،
كانت ابتسامته واستسلمه المريب يدفعاني لتدميره تماماا ،لم يصرخ إل بعد فوات
الأوان.
تدفقت منه الدماء بغ ازرة ،وبدلا من أن يصرخ ،هذا المجنون ،لتوقف ،كان
عيصدرخ ليستعطفني ويرجوني أن أنهى حياته بسرعة ،إن كنت أرى أن هذا هو قدره ،هذا
ظر ،الذي هبط من السماء ليحاسب العبعشر المجنون كان ي ل
صر على أنى المسيح الدمنتع ع د
وديعدلمر الشرار ،كلما أمعنت في إشباع رغبتي الشيطانية في تحطيمه ،كان يصرخ.
-طهرني يا يسوع فأنا شرير ،خلصني يا مخلص والحقني بك.
أوشكت علي الجنون ،رحت أشاهد ،كفيلم سينمائي مجسم ،كل الأحداث التي
عشتها من قبل ،وفي نفس اللحظات كانت هناك فكرة خبيثاة عتلح على عقلي ،أنا كهذا
ف ولو القليل جدا من الحقيقة بالرغم من لحظات الكشف العديدة
الطبيب جاهل لم أعر د
التي عشتها ،أنا مثاله مجنون لم ولن يستوعب عقلي عفهم الحقيقة على الرغم من
بساطتها!.
200
فجأة انتابني هالجس أن هناك عمن دبر لي ما واجهته وأواجهه من مواقف
وأحداث ليتلعب بي ويحقق وجوده بمراقبتي حائ ار ،رحت أرد على صرخاته بصراخ
أقوي.
-سأخلصك من أوهامك ،،،سأخلصك من أوهامك.
كاد الصداع أن ديعدلمر رأسي وامتلت بشعور مرير بالضياع ،فجأة ذهب
الصداع وهدأت بداخلي الرغبة فى التدمير ،نظرت حولي فلم أر إل حطام الطبيب
وسط بركة من الدماء ،انزعجت كثاي ار لما حدث.
أخفيت أثاار المجزرة بسرعة ،أهلت الكثاير من الطين على الدماء وحملت جثاة
الطبيب إلى السيارة وأضرمت بها النار ،وهربت بسرعة من المكان.
مشيت لمسافة طويلة حتى وصلت إلى كامبريدج ،وأخذت القطار إلى لندن ثام
المترو إلى منطقة بادنجتون ،التقط أمتعتي من الفندق ،ووصلت نابولي في مساء نفس
اليوم.
كنت في حيرة من أمري ،لم أحلم مرة واحدة بحدث يخص جماعتي الدينية! ،وها
هي أحلمي قد اقتصرت علي أحداث المستقبل ،فلماذا ل أحلم ،ولو مرة واحدة ،بشئ له
صلة بهذه الجماعة أو بمصيري معها!.
لم يعد باستطاعتي التفكير أو التخطيط ،أو حتى تذكر مواقف أو أحداث قريبة،
وكأن عقلي توقف عن العمل واحتل مكانه عقل آخر أسطوري ،كنت أشعر به وهو
يلقى في ذهني بأفكاره وخططه ،وراح كالخناس يحرضني علي تنفيذ ما يريده ،كنت
أحلم وأستيقظ لنفذ ،بشكل آلي ،ما وسوس به في صدري ،مما أوقعني في مشاكل
عديدة.
لم أستسلم وعملت جاهدا على استرجاع ذاكرتي الشخصية وقدراتي الذهنية،
قرأت عشرات الكتب التي تعالج ضعف الذاكرة ،بحثات على الشبكة العنكبوتية حتى
فهمت واستوعبت آلية التفكير وتفعيل الذاكرة ،تعلمت ومارست تمارين ذهنية عديدة
لتقوية الذاكرة وتنشيط الذهن ،بعد جهد كبير ومعاناة شديدة ،نجح المر.
200
قررت أن أمنح نفسي إجازة ،كنت بحاجة ملحة للراحة والهدوء ,ولكن هيهات أن
أنال مرادي ،بعدما حررت عقلي من سيطرة العقل المجهول ،انشغلت بحمدان
وبالجماعة وسرها حتي إني لم أعد أفكر بأسرتي وأهملت أعمالي الخاصة.
نبهني الأب سيرجوني لفتور همتي بالمشروع وبندرة زيارتي للكنيسة بروما،
تحججت بالمرض فقال إنهم يعرفون بدخولي للمستشفى بنابولي وسفري إلى لندن
للعلج ،وعندما أكد لي أنه اطمأن علي صحتي بطريقته الخاصة ،تأكدت أن الكنيسة
تراقبني عن عكعثاب ،دفعني الخوف للتزم بالحذر ،وبالفعل عملت جاهدا لعود لطبيعتي
التي يعرفونها عنى ،وكثافت من زياراتي واتصالتي بالكنيسة ،وحرصت على تنفيذ
تعليمات سيرجوني وتاردينى بطريقة تنم عن ذكائي وإخلصي للجماعة.
وبالرغم من إنشغالي الشديد فقد واصلت البحث الدءوب في تاريخ الجماعات
الدينية السرية ،ودرست بعمق طقوس وأهداف العديد منها ،فتجمعت لدى مراجع
صممت خطة رصينة لترتيب
تاريخية ووثاائق نادرة ،وساعدني عقل الصحفي كثاي ارا ،ف ع
الحداث والبحث عن الحقيقة في كل ما جمعته من معلومات ووثاائق ،كأبحاث صابرينا
ووثاائقها ولفائف تل الذهب ببحيرة المنزلة ،وكذا وثاائق من مكتبة الفاتيكان تتحدث عن
تاريخ جماعة دينية سرية كانت تتبنى ديانة غابرة وعقيدة غريبة ،وقد تم تدمير أفراد هذه
قضاء مبرم ا في بداية القرن الخامس عشر الميلدي،
ا الجماعة والقضاء عليهم
والمدهش هو اكتشافي بأن طقوس هذه الجماعة البائدة تتطابق مع تلك التي مارستها
بنفسي بمعسكرات الجماعة.
وتمكنت من جمع وثاائق هامة من معابد كثايرة على امتداد المعمورة ،مثال معبد
غوردوا ار بالهند ومعبد أتوكو شيما باليابان ,ومعابد مردوخ بالعراق وأنليل بسوريا ،ومعبد
بوربودير البوذي بجاكارتا ،وكذلك وثاائق تاريخية عن مصر القديمة وعن عقائد وديانات
مدينة الإسكندرية ،وقمت بزيارة دأخرى سريعة لبيرو بأمريكا الجنوبية قاصدا مضارب
قبيلة هندية ،معزولة عن العالم ،لدرس معتقداتها وأساطيرها.
أخذت الصورة تتضح في ذهني شيئ ا فشيئاا ،واستطعت تجميع وترتيب تواريخ
العديد من الفكار والمعتقدات الدينية من مختلف بلدان العالم فتأكد لي أنها تتطابق
تقريبا مع ما قرأته بوثاائق الفاتيكان ،بخصوص الجماعة البائدة التي تشبه جماعة
200
المنتظرين للله ،في تفاصيل عقيدتها وطقوسها ،أمسكت بطرف الخيط ،ورحت أتتبع
تاريخ وعقيدة تلك الجماعة ،البائدة ،وتتبع آثاارها في الديانات المحلية والبدائية المنتشرة
في أقاليم الهند إوايران العراق وبعض دول أمريكا الجنوبية.
----------
تتبنى تلك الجماعة ديانة مدهشة ،وتؤمن بأن الله السمى لم ولن يشغل نفسه
بالكون أو بالخلق ،فقط هو موجود ول موجود غيره ،حدث وأن تسامي منه نور فكان هو
الإله أهورا ،الذي هو آتون أو راما ،وهو نفسه راماتراسو أو أمون ،ويدعى أفالو
كيسفارا ،هو مردوخ ،هو براهما أو فشنو ،هو بجفان و ننرساخ ،هو أنليل هو إنكى أو
شماش ،هو زيوس هو خنوم هو حدد ،هو كذلك شن بن ويدعى الله الصادق ،ويعرف
أيض ا باسم ميثاه ار إله النور ،وهو براهما الذي هو فشنو ،وأهو ار راهمان أعظم أسمائه
على الطلق ،ظل أبدا طويلا يتبختر بعرشه على ماء مقدس دمظلم ،التقط قبضة من
النور العظم ،فصار الوجود من حوله دخان ،راح يفتقه فكانت الرض والسماء
والكواكب والنجوم ،وخلق البشر ،في ظل شجرة التين المقدسة ،من طين قبضه من قاع
بحيرة ،علي شكل زهرة اللوتس بمركز الرض ،شمال مصر العليا ،بعدما خلطه بدم
الله الزلي كنجو وتبعه بخلق الحياة ،هو الواحد الحد ،إله الحق وسيد العالم ،هو
الخير والنماء ،هو الحب الذي ل ينتهي ،هو ال الطيب ،الذي يحب الأهيما أو السلم،
ويرنو إلى الهدوء والهناء والاستمتاع بالحياة ،يحب النوم والراحة ،وقد سعد لخلقه أول
البشر ،مشيا أو آدم ،على شاكلته ،وحبه كثاي ار فأبدع له زوجة هي مشيانا أو حواء
واستمتع بمتابعة تصرفاتهما وأسلوب حياتهما ،ساعدهما على التزاوج والنجاب
وأسكنهما ونسلهما جناته وحدائقه الغناء تجرى من تحتها النهار ،وأباح للبشر
الاستمتاع بكل مباهج الحياة ،فقط حرم عليهم أكل الحنطة ودشرب الدم ،متعته تكمن في
ممارسة قدرته على الخلق والبداع ،كل يوم فاكهة جديدة ،نبات رائع ،خضار يانع ،كل
يوم يبدع طيرا جديدا يغرد في سمائه ،سمكة رائعة تزين بحاره وأنهاره ،حيوانا لحمه
طيب يسعى في غاباته ومروجه الخضراء ،أهدى البشر النار ومنحهم النور ،صنع
الحياة ليستمتع بها وخلق البشر ليعرفوه وليؤنسوا وحدته ،قضت حكمته أل حاجة للبشر
بالمعرفة والعلم أكثار مما علمهم هو إياه ،معرفة بسيطة وعلم محدود يكفى ليستمتعوا
200
بحياتهم ،فالمعرفة الحرة ستحرمهم من الاستمتاع بالحياة والعلم الممدود سيمنحهم القلق
والتعاسة ،قدر لهم الموت ل لشيء إل لنه ينتشي بتجديد الخلق والحياة ،ل بعث ول
حساب ،هي فار فهار ،أرواح تتوالد لتجدد معها نشوة الله الذي يفرح بمتابعه مخلوقاته
ويسعده تنوع وتناقض سلوكياتها.
للف السنين سارت الحياة على الرض كما أرادها أهو ار راهمان ،ولكن قرينه
إله الظلام ،الذي نبع من الفراغ الذي تركه الله أهو ار حين خرج من نور الله السمي،
وحين قبض منه ليخلق الكون ،ويعرف باسم أنفروماثايوس أو أهريمان ،الذي هو
بجفنتارو ،هو إنكى الذي هو سوكاريس ،فولكان الذي هو طارطاروس ،هو أند ار الذي
هو ماروت ،هو أريشكيجال الذي هو توسكو ،ويدعى إله الظلم والدمار ،إله الموت
والجحيم والصواعق ،إله العالم الخر ،عالم العشر واللسحر والعمكر.
إله الشر هذا غار غيرة خبيثاة من قرينه ،إله النور والخير ،في أول المر حاول
تقليده في خلقه ،فخلق أول ما خلق أرواحا لغواء البشر ،خلق للنساء إيزاناكي ليحثاهن
على الفجور ،وللذكور إيزاتاخي ليوسوس في صدورهم بالحقد والعنف ،خلق مخلوقات
لتعبده ويتحكم بمصائرها كما يفعل قرينه ،فجاء صنعه مسخ ا ،خلق السيرينيات بأجسام
طيور ضخمة ورؤوس نساء ،والرافانات كل منها بعشرة رؤوس ،خلق الغناطير وحوشا
مرعبة بجسم حصان ورأس إنسان ،وخلق الساطير بذيل وأذن فرس ،بعدها خلق التيتان
الشريرة والساج عفاريت الوبئة.
دأب إله النور علي القضاء على مخلوقات أهريمان الشريرة ،فامتل الخير
غيظ ا وحقدا على مخلوقات الول فعمل على تدميرها ،فخلق البراكين والزلزل ،وأطلق
الديناصورات الضخمة ،خلق البرد والعحر ،ولن قدرة إله الحق كانت تحبط مشيئته
الشريرة ،تحول حقده إلى قرينه أهورا ،فتودد إليه وأبدى ندمه على تعكير صفوه ،وأقنعه
بأن يتناولا العشاء الرباني احتفالا بالصلح بينهما.
منذ ثامانية آلف عام بحساب أهل الرض ،وهو ما يساوى يوما واحدا من أيام
السماء ،وفى يوم حزين ،يعرف بيوم روس هشنا ،أعد أهريمان وجبة من طعام الآلهة،
من لحم الحمامة اللهية إنفو ،حمامة بيضاء وبحجم الجبل ،وكان قد سقاها حتى
الثامالة من ماء بئر سدرة المسحور ،الموجود فى قاع الجحيم المظلم ،أور.
200
خر في سبات عميق ،واستولى أهريمان على
تناول أهو ار اللحم المسحور ف ع
الكون ،وراح ديعد عدته ويجهز الكون لمعركته القادمة مع أهو ار حال استيقاظه ،بعد
ثامانية آلف عام من عمر الرض ،فأرسل إلى الرض جيش ا من عدة آلف من
ملئكته الشرار ،ملئكة اليازتا ،يقودهم مائتان من ملئكة الميشا بنتار ،ويأتمر جيش
الملئكة هذا بأمر الخوهو ماناه ،رئيس الملئكة الروح أوزير.
هبط جيش ملئكة الله الساطي ليعسكر في صحراء سيناء ،ومنها هبط إلي
وادي النيل بمصر ،حيث كانت الحياة بدائية لقصى درجة ،كانت الناس تجمع الفاكهة
والنباتات وتصيد الحيوانات والطيور لتؤمن طعامها يوم ا بيوم ،ظهر لهم أوزير وجيشه
على أنهم شعب مهاجر من أقصى الرض بعد أن أتى على بلدهم زلزال مدمر،
وادعوا بأن ال هو من دلهم على أرض مصر ليسكنوها مع أهلها الطيبين ،وأقنعهم
أوزير بأنه يمكنه تحويل حياتهم لتصبح مريحة ومرفهة ،علمهم بناء المدن وتأمين
الطعام ،وعلمهم السمر والمرح لتصبح حياتهم رغدة كما حياة اللهة.
بثاهم العلم وقواعده وأطلعهم على المعرفة وأسرارها ،وعلمهم مساعده نابو
الكتابة وعلوم الفلك واللسلحر ،علمهم الملك إيا صنع الفلك وركوب النهر والبحر وصيد
السمك ،وعلمتهم ملئكة الهفتات السبعة حساب الوقت والزراعة والصناعة والمخيط،
ودربهم فيلق ملئكة التيتان على أعمال الحرب لحماية مدنهم الجميلة وحقولهم الغناء،
وتولى أيضا الحكيم أوزير تعليمهم الحكمة والطب ،وعلمهم كيف يستخدمون العقل
وأسس التفكير المنطقي ،لتطوير حياتهم ولتأمين خبزهم ،وأقنعهم بالاعتماد على أنفسهم
بدلا من ذل اللهة والخضوع لتقلبات أمزجتهم.
انفجرت الحضارة في بر مصر ،وتعلم النسان كيف يملك مصيره ،وشيدت
المدن الكبيرة وازهرت أرض مصر الشاسعة ،وفاحت في أرجائها رائحة الدخبز ،وتكاثار
الناس وملـَئـَوا الرض حياة وعمارة.
ولعظيم صنيعهم ،تزوج أوزير من إيزي ملكة مصر ،وعأغوت نساء مصر جيش
أوزير فتزوج منهم ملئكة إله الظلم واختلط النسل ،وخرجت مجموعات من المصريين
بقيادة ملئكة البغي لجل نشر الحضارة والمعرفة في ربوع الرض فجابوا سواحل لبنان
200
وبلد ما بين النهرين ،ونزلوا سوريا ومنها إلي أوروبا ،وانتشروا في ربوع إيران والهند
وبعض مناطق الصين.
تحول أمر الوجود تمام ا ،الإله الساطي بات هو من يعمل بجد لنقاذ البشر
ولحماية الكون الذي استولى عليه ،وروح إله الحق هي من تحاول تدمير الرض بمن
عليها في كل مرة تحاول مقاومة تأثاير السحر الذي يقيدها.
يعتقد أصحاب تلك الديانة بأن غالبية البشر الن ،بخلياهم جينات من البشر
ومن ملئكة البغي وهم البشر الخليط ،وهناك قلة من البشر اليوم ،وهم نسل من فروا
من ملئكة أوزير ،قد حافظوا علي نقاء دمائهم وجيناتهم ويسمونهم البشر الخالص.
ولن البشر الخليط كانوا أكثار قوة وذكاء ،فقد سيطروا على العالم ،بالسياسة
وبالمال والسلح والديان ،وقد حرضهم إله الظلم علي محاربة إله النور بعدما سماه
لهم ،بالخديعة والتزوير ،بعل بزول الذي هو ست أو ستان ،الذي هو الشيطان أو
إبليس ،وليساعدهم علي تجهيز الرض لمحاربته حال استيقاظه ،داوم علي إرسال
العشرات من ملئكته ليتجسدوا بش ار وبقدرات خاصة ،كانوا يحلون بأرحام نساء السر
القوية والتي يتقلد أفرادها مناصب حساسة ،مما يمكنهم من تبوأ أهم المناصب السياسية
والاقتصادية والعلمية في جميع دول العالم ،وذلك بمساعدة وحماية كهنة إله البغي،
والذين دأبوا علي إنشاء التنظيمات السرية لمطاردة البشر الخالصين ولفرض سيطرتهم
على العالم.
وفى اعتقادهم أنه في الشهر التاسع من العام 2012م .سينتهي اليوم اللهي،
ويزول أثار الطعام المسحور ،وحينئذ ،وبل شك ،سيدمر إله الحق ،إله البغي وملئكته،
ثام يهبط الرض ليشن حربا مدمرة ليقضى على كل البشر الخليط ليصبح الكون كله
خالص ا له ولخلقه النقي ،كون ا له وجه واحد هو الحياة والسلم والمان ،جنة بل نار،
حياة دائمة بل مرض أو موت ،ل خوف ول ضعف ،حرية مطلقة ،واستمتاع بل حدود.
ولكي يدرب إله البغي البشر على طاعته فقد قيد حريتهم في إشباع غرائزهم
بشرائع عجيبة ،وأثاقل كاهلهم بقرابين الدم وبطقوس ل يقرها عقل ،وعتعمعد إذللهم
فأجبرهم على تقديس الطبيعة من جبال وأحجار ،الشمس والقمر والنجوم ،الناقة والفرس
والبقرة ،وكذا الشكال الهندسية ،خاصة الدمكعبةع والدمتقاطعة منها ،وأجبرهم على تشييد
200
المعابد الفسيحة ،المكشوفة منها والمسقوفة ،ولم ينفك عن تحريضهم علي خوض
الحروب المدمرة فيما بينهم ليشبع رغبته في الشر والتدمير.
كانت روح الله النائم تحوم حول الرض وعباده من البشر الخالصين ،توحي
إليهم بالصبر وتمدهم بالقدرة على مقاومة الفساد والشر ،فكانت نبوءات ودعوات العديد
هباء بفعل مكر إله
من النبياء والرسل ،ويا لحسرة البشر ،ذهب جهد النبياء والرسل ا
البغي ودهاء من أرسلهم من أنبياء ورسل ،وجدوا دائما ضالتهم وخلفاءهم في فساد عتاة
البشر الخليط.
وقد تمكن بعض البشر الخالصين من الفتك بأوزير فمزقوه إرب ا وبعثاروا أج ازءه
في أرجاء مصر ،إل أن زوجته إيزى ،وبمساعدة ملئكته نجحت في جمع أشلئه
وهبطت به للعالم السفلى ،تحت الأرض السابعة ،بعدما أجلست ابنهما الخليط حور
على عرش مصر ،ومع موت أوزير انسحب جيش ملئكة البغي وارتفعوا للسماء ،وكما
هو متوقع ،قدس البشر الخليط الملك أوزير ونصبوه إلها لعالم الموتى ونسجوا من
حوله الساطير.
ظلت الحقيقة المطلقة لملك ا للبشر الخالصين ،الذين وهبوا أنفسهم لمساعدة
خالقهم في مسعاه لاسترداد عرش الكون ،نظموا أنفسهم في جماعة سرية لمقاومة شر
البشر الخليط وإلههم الباغي ،أسموها جماعة الناجين من الدمار ،وتحتفظ قيادة
الجماعة بالحقيقة المطلقة شفاهاة ،وتتوارثاها في سرية تامة عبر الجيال.
وتحكى الساطير والمعلومات العجيبة ،التي جمعتها من كل بلد العالم ،أن
البشر الخالصين تمكنوا من إغراء الملك أمنحتب الثاالث للزواج من الملكة تي،
الخالصة النقية ،وضاجعها س ار أحد الكهنة الخالصين ،فأنجبت أمنحتب الرابع ،ولى
عهد ملك مصر ،بش ار نقياا ،وكان هذا مخطط ا ذكياا لعادة السيطرة على العالم،
وبالفعل تولى إخناتون دملك مصر وأخذ يدعو البشر إلى التوبة وعبادة ال الواحد الحد،
وتواترت الخطة الذكية في أنحاء كثايرة من العالم ،فكان هناك زرادشت وميثاه ار وبوذا،
وغيرهم من النبياء والمرسلين ،ولكن مكر البشر الخليط أحبط جهد رسل الخير،
وسقطت مصر في يد الشرار مرة دأخرى ،فتأكد كهنة الجماعة أنه ل أمل لهم إل بإيقاظ
ال من نومه إوابطال السحر السود الذي سقط ضحيته.
200
ت إليهم روح إله النور بالتخطيط لتدمير العالم في نفس موعد تناول
وقد أعبوحع ب
العشاء الرباني ،لحظة بدء اليوم اللهي التالي ،يوافق شهر سبتمبر 2012م بحساب
أهل الرض ،حيث تتحقق بتدمير العالم رغبته وأمنيته المقدسة في الانتقام من غريمه
وكذا تدمير ملئكته ومحو كل عبثاهم بالكون وبمخلوقاته.
انصب جل نشاط جماعة } الناجون من الدمار { على التجهيز والتخطيط
للسيطرة على العالم ليتمكنوا من تدميره حينما تحين اللحظة ،إلى أن اكتشف أمرهم في
القرن الخامس عشر ،فشنت جيوش المبراطوريات ،السبانية والبرتغالية والعثامانية،
حرب ا ل هوادة فيها علي الجماعة فاقتلعتها من جذورها ،ولكن حدث أن تمكن بعض
أعضاؤها من الهرب إلى العالم الجديد بأمريكا الشمالية والجنوبية ،وبعض دول أفريقيا،
وكمن الكهنة والفقهاء بمكان سري بسيناء.
في القرن السابع عشر تمكنت الجماعة من إعادة تجميع صفوفها ،وبدأت العمل
بتكتيكات جديدة ومثايرة ،فتغير المر مرة أخري ،ونجح أعضاؤها في اختراق
التنظيمات السرية لكهنة البشر الخليط ،وزرعوا العديد من أعضاء الجماعة في صفوف
المحافل الماسونية وبنوادي الروتاري والليونز على مستوى العالم ،وسيطروا على
عصابات مافيا السلح والمخدرات في العالم ،وساعدوا علي تشكيل العشرات من
جماعات التطرف الديني والعرقي بجميع أرجاء المعمورة.
استعان مجلس الكهنة بقدرتهم على السحر واستحضار الروح الهقدوش ،في
قصر الاكتشافات العلمية والتطبيقات التكنولوجية الهامة فى مختلف المجالت على
العلماء من أعضاء جماعتهم ،كما زودوا رجال العمال والتجار من أعضاء الجماعة
بأسرار السواق والبورصات العالمية ،وكذا بالتوقعات الحقيقية لحداث المستقبل ،كما
تمكنوا من الدفع برجالهم إلى الصفوف المامية في عالم السياسة ودنيا العلم بكل
دول العالم تقريباا.
ازداد المر تعقيداا ،البشر الخليط يعد العدة لحربه القادمة ،والبشر الخالص
بدوره يجهز أسلحته لتدمير العالم! ،،،خلف من أسعى؟! ،،،من يضغط على الزناد
ل؟!.
أو ا
200
كانت دهشتي عظيمة ،من عقائد وديانات جماعات كنت أعتبرها متحضرة
للغاية ،ويحتل أعضاؤها قمة الهرم العلمي والسياسي وكذا الاقتصادي بالعالم ،تعجبت
لقدرة النسان على أن يكذب ويصدق نفسه ،حتى إنه يضحي بعمره للدفاع عن عقائد
هو نفسه من أبدعها عبر أجياله ،ثام يخدع نفسه وينسبها للسماء!.
لم أصدق أنه ،وفي القرن الحادي والعشرين ،ما زال هناك من يؤمن بتلك
الخرافات ،ولكنى بعد ذلك قرأت العجب العجاب عندما قررت تتبع أسطورة انتظار
المخلص ،وكذا العودة الثاانية للمسيح ومثالها قصة المسيح الدجال والمهدي المنتظر،
جميعها تتحدث عن الحرب بين أتباع ال والشيطان ،وفى الحقيقة اتفقت الساطير في
المضمون إوان تباينت في الشكل والصياغة.
كيف لحدهم أن يؤمن بأن مدينة القدس الحقيقية قد رفعها ال للسماء وأنها
سوف تهبط بأسوارها من السماء بصحبة يسوع في عودته الثاانية للض؟! ،كيف
لحدهم أن يصدق أن الحرب بين المسيح الدجال والمهدي المنتظر ستكون بالسيوف
والحراب وبين راكبي الخيل؟!.
فكرة عودة الله للرض متواترة في كل الديان ،فكنيسة الدفنتست تدعى أن
المسيح هبط بالفعل للرض وقد بدأ في محاسبة الموتى! ،وفكرة المهدي المنتظر
راسخة في الديانة الزرادشتية ،وقد أورثاتها للديانة السلمية وخاصة لمذهب الشيعة
الفارسي ،وهناك جماعات تؤمن ببوذا المنتظر!.
ومعركة هيرمجدون في عقيدة الكنيسة الإنجيلية وعقيدة شهود يهوه ،تتطابق
فكرتها مع فكرة الصراع بين المسيح الدجال والمهدي المنتظر لدى المسلمين.
حركة المولودين ثاانيةا بأمريكا يجلدون أنفسهم ليطهروها ويكفرون عن ذنوبهم،
كما يفعل شيعة العراق إوايران ،أملا في دخول المدينة المقدسة التي ستهبط من السماء
ثاانية وتدعو أعضاؤها لجلد
ومثالها جماعة جلدو الذات والتي تؤمن بعودة المسيح ا
أنفسهم للتطهر ،ومثالهم جماعة القساوسة التورانيين.
وقد أذاعت شبكة هشيم نت ،اليهودية المتخصصة في عرصد علمات يوم
القيامة ،أن حرب يأجوج ومأجوج وظهور المسيح اليهودي سيكون فى الفترة من نهاية
2011م إلى نهاية 2012م .وادعت أن هناك ساعة يتوارثاها الحاخامات ،جيلا بعد
200
جيل ،يسمونها ساعة المسيح اليهودي المنتظر ،وعندما تشير عقارب تلك الساعة إلى
ظهر المسيح اليهودي نفسه من تل أبيب ليقود اليهود لغزو
سي ل
الثاانية عشر بالضبط ،د
العالم والانتقام من جميع أعدائهم ،وهى ساعة من الذهب الخالص ولها إطار من
الفضة ،الدمريب في المر هو أن حاخامات القبالة يحددون عدد اليهود الطاليت
) الذين يرتدون الطاليس اليهودي ( ،والذين سيتبعون المسيح في حربه ،برقم السبعين
عألف ،وقد شدعدوا على أنهم الملتزمون بالصلوات اليهودية الثالث ،لم أكن أعرف أن
اليهود يصلون ثالث مرات ،أتكون صلتهم كتلك التي أديناها بمعسكرات الجماعة؟.
أربكتني المعلومات التي تدفقت على ،خلل بحثاي بالمواقع اليهودية والمسيحية
والسلمية على الشبكة العنكبوتية ،كنت أعرف أن الرقم سبعين رقم دمقدس لدى
الديانات البراهيمية الثالثاة ،ولكن الجديد هو أن رقم السبعين ألف هو نفس الرقم الذي
حدده الرسول محمد ) عليه الصلة والسلم ( لتباع المسيح الدجال الذي يسبق ظهور
المهدي المنتظر! ،وهو نفس ععدد أعضاء جماعة الناجون من الدمار!.
ملمح مسيح اليهود المنتظر تتطابق مع ما ذكره الرسول عليه الصلة والسلم
عن صفات المسيح الدجال! ،والمدهش حق ا هو ما طرحه الحاخامات اليهود عن
شروط حرب يأجوج ومأجوج.
قالوا إن زلزال عنيف سيدمر إسرائيل ومن بعدها ستدعدلمر الزلزل والفيضانات
الوليات المتحدة المريكية ،ثام تبدأ حروب نووية تغطى جميع أنحاء العالم ،لتبدأ معها،
وتحديدا في الربع الخير من العام 2012م ،الجولة الولى من حرب يأجوج ومأجوج
ليذهب ضحيتها ملياران ونصف من البشر ،وفى الجولة الثاانية سديباد ملياران
آخران!.
هل هي مصادفة أن تتطابق الرقام والمواقيت ،إنها لصدفة عجيبة ومريبة! ،،،
كيف تقوم حرب كهذه؟! ،،،ل أفهم! .ولكن ما لفت انتباهي بقوة هو ما قاله الحاخام
كرادي الذي تنبأ بإعصار توسينامى ،الذي ضرب سواحل شرق أسيا ،قبل حدوثاه بعام
كامل ،قال.
-إن ال سيضرب العالم بسلسلة من الكوارث الطبيعية ليدمره قبل اندلع حرب
يأجوج ومأجوج ،وقال أيضا أن إعصار توسينامي ،وكذلك إعصار كاترينا الذي
200
ضرب ولية أورليانز بأمريكا ،ما هما إل بروفة صغيرة ليوم الخسف الذي سينال
شرق العالم وغربه!.
إنه لمر مدهش أن يدعي الحاخام إمتون يتسحاق بأن حرب ا عنيفة لدرجة ل
يتصورها عقل قد اندلعت منذ سنوات بين الملئكة بالسماء! .أي حرب تلك بين ملئكة
السماء؟! ،،،وكيف تكون تلك الحرب؟! ،،،وما هي أسلحتها؟! ،،،وعلاعم يتحاربون؟!
،،،ولصاللح من يتصارعون؟!.
سياسيون ورؤساء دول تؤمن بالعودة الثاانية للمسيح أو بظهور المهدي المنتظر،
أركان نظام المللي في إيران يؤمنون بظهور المهدي المنتظر في العام 2012م ،وبأنه
سوف يدمر الوليات المتحدة إواسرائيل ويقضى على كل أركان العشر في العالم! ،،،هل
يعقل أن ينازل رئيس دولة نامية الوليات المتحدة استنادا على أسطورة! حق ا إن النسان
أسير لما يعتقد.
كلما تعمقت في قراءاتي وأبحاثاي ازداد المر غموضاا ،كل الديانات تشترك في
الاعتقاد بعودة الله للرض ،عودة سوف تلزمها حرب ضروس لتدمير الشر ليعم
بعدها السلم والمان أرجاء الدنيا! ،وتتشابه الديان البراهيمية الثالثاة ،خاصة في
المواعيد التي تطرحها لظهور علمات الساعة وعودة المخلص اليهودي أو المسيح أو
المهدي المنتظر ،بل وتتطابق في مضمون ما تطرحه من شرائع هي في حقيقتها تعبير
عن شعور ،المؤمنين بتلك الديان ،بذنب دفين في أعماق النفس ،ويتضح ذلك من
تبنيها لطقوس وقرابين هي في حقيقتها محاولة دمخلصة ويائسة للاعتذار للخالق عن
خطلأ ما ،ولنيل عفوه وغفرانه!.
المدهش أن التنبؤات اليهودية بنهاية العالم تتطابق مع ما يعتقد المسلمون بأنها
العلمات الصغرى والكبرى ليوم القيامة.
----------
قرأت في جريدة النيوز ويك المريكية خبرا منسوبا لوكالة ناسا الفضائية
المريكية ،يتحدث الخبر عن أن هناك دجرم ا فضائياا ،هائلا في حجمه ،سوف يرتطم
بالرض في شهر سبتمبر 2012م ،وسوف يؤدى هذا الارتطام إلى انبعاث غازات
ل.
سامة دتصاحبها إشعاعات شمسية سوف تدمر الحياة على الرض تدمي ار كام ا
200
ل ،وادعت أن الكاتب يتبنى نبوءات قبائل
عكعذبت وكالة ناسا الخبر جملة وتفصي ا
المايا بأمريكا الجنوبية ،وأكدت على أنها ل عتحجب أي معلومات عن الشعب المريكي،
وقد سعخعرت الوكالة في ردها من محرر الخبر بشكل قاسل.
لم أطمئن لطريقة صياغة الخبر ول لسلوب تكذيبه السريع والمستهتر ،وما زاد
من شكوكي هو انقطاع الحديث حول هذا المر بشكل حاد ومثاير وغير معهود في دنيا
الصحافة.
بات المر برمته مثاير للريبة ،،،لماذا هذا التاريخ الذي ذكره الخبر؟ ،،،هل
سيكون يوم الارتطام هو يوم القيامة؟ كيف يكون يوم الدمار هو يوم القيامة؟! ،،،من
سيقوم في هذا اليوم؟ ،،،ال أم الموتى من البشر؟! الحياء ستموت قبل قيامة
الموات ،فلماذا سمى بيوم القيامة وليس بيوم الموت ،يوم اللم والعذاب ،يوم الهول
العظيم والدمار الكيد؟! في الحقيقة كنت أجد كلمة راغناروك أشمل من يوم القيامة
لوصف هذا اليوم الموعود؟!.
بعد عدة محاولت تمكنت من الاتصال هاتفي ا بالصحيفة وتحدثات مع الصحفي
جيمس راؤول محرر الخبر ،ادعيت بأنى أعمل بوكالة الفضاء البريطانية وأن لدى
معلومات هامة قد تساعده في دتدعيم الخبر المثاير الذي كذبته وكالة ناسا ،كان الرجل
متحفظ ا في كلمه معي لقصى حد ،ولكنى نجحت في اقتناص مقابلة معه بواشنطن
خلل أيام.
بذلت جهودا مضنية لتنويم عقلي مغناطيسيا من أجل الوصول للحالة الذهنية
ألفا آملا في اقتناص خطة محكمة للسيطرة على هذا الصحفي وسبر أغواره ،وبعد عدة
محاولت فاشلة نجح المر أخي ارا ،مما منحنى سعادة لم أتذوقها منذ أسابيع طويلة ،فها
أنا ذا أستعيد قدراتي على الحلم وتصور المستقبل ،تلك القدرات التي كنت فقدتها تمام ا
بسبب انشغالي لشهور في البحث في الديانات القديمة وفي أساطير الشعوب المختلفة.
ذهبت من فوري إلى الطبيب لتأكد من أن بصمات أصابعي هي بصمات
محمد يوسف ،وأنه لم يحدث بها تغيير منذ أن غيرتها بعد خدعة حمدان وخيانته لي،
فإجراءات التفتيش والفحص بالمطارات المريكية دقيقة وصارمة.
200
تقابلت معه ،شاب في العقد الرابع من عمره ،وعلى الرغم من تمتعه بوسامة
حبط ا بامتياز ،وقد أثاار ضيقه وعمق من
واضحة وثاقافة عميقة إل أنه كان إنسان ا دم ع
إحباطه التكذيب الدمهين لسبقه الصحفي بخصوص نهاية العالم في عام 2012م.
وكما توقعت دارت بيننا مباراة في الذكاء حسمها هو لصالحه عندما قال إن
وكالة ناسا كانت محقة في تكذيبها ،وأنه قام بنشر الخبر على مسئوليته لتنبيه العالم
لمؤامرة مجهولة دتحاك ضده ،ثام فاجأني بقوله إنه متأكد من أنى ل أملك أي دليل يساند
ادعاءه بنهاية العالم في عام 2012م ،وأنه غير مرتاح لهدفي من لقائه ،ثام اتهمني
مباشرة بأني أسعى خلفه من أجل مطاردة مصدره.
سألته عن مصدر الخبر فحاول أن يكون فظا غليظا ليبعدني عن طريقه وأقسم
أنه لن يتعاون معي أبدا مهما كلفه المر ،أسقط في يدي ،صارحته بما لدى من
معلومات عن مؤامرة تحاك بالفعل ضد البشرية ،الدمدهش أنه صدقني في كل ما قلته،
بل أكد على كلمي.
وثاق بي الرجل وأخبرني بأن له صديق ا ،أستاذ كرسي للكيمياء الحيوية بجامعة
هارفارد ،وهو رجل طيب القلب ومسيحي مؤمن ،ومتزوج من أستاذة للفيزياء النووية
بنفس الجامعة ،صديقه هذا لحظ تغيرات كبيرة في شخصية زوجته وسلوكها في الفترة
الخيرة ،راحت تتغيب كثاي ارا ،وعلى غير عادتها ،عن المنزل وعن الجامعة ،ناقشها في
المر فتعاملت معه بعصبية زائدة وغضب شديد ،ورفضت حتى مجرد الكلم معه،
وبعد عدة شهور فوجئ بطلبها الانفصال عنه.
في أول المر تصور الرجل أن زوجته على علقة بآخر ،بدأ في مراقبتها،
فوجئ بترددها علي قس معروف ،يتبع الكنيسة النجليكانية بنيويورك ،ولنها لم تكن
مؤمنة من قبل ،كانت دهشة الرجل كبيرة عندما تتبعها وهى تدخل تلك الكنيسة لتختفي
بداخلها لأيام ،وعندما تكرر المر وازداد غموضاا ،قرر تفتيش حجرتها وأمتعتها لعله
يعثار على شيء ما يفسر له ما يدور حوله من أحداث ،فعثار على كتيب ،مكتوب بخط
اليد ،يحتوي علي تعاويذ سحرية وتراتيل ودعوات غريبة لجماعة تسمى نفسها جماعة
الناجين من الدمار ،وتؤمن هذه الجماعة بعودة إله النور للرض ،بعد استيقاظه من
سبات طويل بسبب تناوله لطعام مسحور أعده له إله الظلم.
200
ضربني دوار عنيف وراح يدق رأسي صداع مقيت ،واجتاحني شعور باليأس
والضياع حتى أنى اقتربت من الرجل لتحسسه لتأكد من أنه حقيقي ،وبأني ل أحلم،
أو وقعت فريسة لمجهول يتلعب بي!.
اكتشفت أنه عبث بمتعلقاتها الشخصية ،هددت بتدميره وإخفائه ،مع أولده ،من
على وجه الرض لو أنه تحدث في المر ،حتى مع نفسه ،فهو وأولده كفار تجرى في
عروقهم وشرايينهم دماء ملئكة الشر والبغي ،نجح الرجل في استعطافها إواقناعها بأنه
لن يتطرق لهذا المر حتى مع نفسه.
منذ لحظة المواجهة مع زوجته والرجل يرتعد خوف ا علي أولده ،ولنه رجل مؤمن
فهو يخاف ال أكثار ،ولنه رجل يفكر بشكل منطقي ،فقد تأكد من أن صمته لن ينجيه
أو ينجي أبناءه ،خاف أن يقتل قبل أن يستطيع تنبيه العالم لما يحاك ضده من مؤامرة
مدمرة ،وهداه تفكيره لن يلجأ إلى صديقه جيمس راؤول ليشركه في المر ،وبحسه
الصحفي راح جيمس يراقب زوجة صديقه ،الدكتورة كريستينا ،فتأكد من حقيقة اختفائها
لفترات طويلة داخل الكنيسة الأنجليكانية ،وزاد من هاجسه مشاهدته لشخصيات سياسية
وعلمية واقتصادية ،معروفة بأمريكا وأوروبا ،وهى تتسلل إلى تلك الكنيسة لتختفي
بداخلها لساعات طويلة ،ولنه ل يملك معلومات مؤكدة عن حقيقة ما يحدث ،ولنه ل
يملك رفاهية الوقت ،فقد هداه تفكيره لتحذير العالم بخبر مفبرك عن يوم القيامة ،ولكن
بعد تكذيب وكالة ناسا للخبر تناسى الجميع للمر ،وقد امتل جيمس رعبا وخوفا بعدما
اختفى صديقه وأولده ،اختفوا تماما من على وجه الرض ،ولأنه مقاتل بطبيعته ،فإنه
يريد مواصلة القتال ولكنه خائف ويشعر بأنه يتخبط في الظلم ،لدرجة أنه حاول عدة
مرات أن ينهى حياته ،ولهذا فإنه يعتبر ظهوري في هذا الوقت إشارة من السماء
بالنضال ووعد بالانتصار!
طلبت رؤية الدكتورة كريستينا هذه ،كمنا أمام المدخل الرئيسي لكلية العلوم
بجامعة هارفارد لعدة ساعات ،فجأة توارى جيمس خلف أحد العمدة الضخمة بمدخل
الكلية ،وهو يهمس بقوة ويشير نحو سيدة رائعة الجمال تتجه نحو سيارتها ،كانت مفاجأة
مذهلة وسبب ا وجيه ا لصداع مريب ضرب رأسي ورقبتي ،كدت أسقط أرض ا قبل أن
أتمكن من التحرك بسرعة لأختفي خلف عمود آخر.
200
خليلتي بأسبوع التفجع ،هي ل شك في ذلك ،لم أنسها أبداا ،هربت من مواجهتها
ل بد أنها سوف تتذكرني فو ارا ،فهل تنسى من سحقها بصحراء إيطاليا؟!.
أخبرت جيمس بأمر الدكتورة كريستينا ،وبحقيقة اشتراكها في أسبوع التفجع الذي
نظمته الجماعة التي أبحث خلفها.
عرفت بمخططهم الشرير ،وكذا أعرف تقريب ا مكانهم السري بصحراء سيناء ،إل
أنه ينبغي العمل الجاد والسريع لمعرفة تفاصيل مخططهم ،لو تكلمنا في هذه المرحلة،
فلن يصدقنا أحد ،وسنموت على الفور ،وتستمر المؤامرة على البشرية ،اتفقنا على أن
يختفي جيمس عن النظار ،حتى أحج مع الجماعة إلى مدينتهم المزعومة بسيناء،
لعلى أستطيع فك طلسم خطتهم الشريرة ،وبعد عودتي لواشنطن يتولى هو أمر إبلغ
قادة الوليات المتحدة بما يتجمع لدينا من معلومات ،فهو على علقة قوية بالمخابرات
المركزية والبيت البيض وكذا بالعديد من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب.
----------
مع كل الإثاارة التي احتلتها ،لم تستطع سهير أن تسيطر علي غضبها ،فزوجها
يحكي في إسهاب ،تمام ا كما فعل في لقائهما بدمياط الجديدة.
حتى اللحظة لم يقل ما يكفي لتقديمه للسلطات ،هنا بمصر أو بأمريكا؟ ،وما زاد
من توترها أنها كانت متأكدة من توصلهم لحقيقة زوجها خلل أيام ،ومن أنهم
سيخضعونها لتحقيق صارم ،فبماذا تخبرهم؟ ،حاولت النتهاء سريعا من القراءة ،لكنها
بتأن.
خافت أن يفوتها شيرء مهرم ،فواصلت قراءة ما كتبه زوجها د
----------
يوم الاثانين ،الثااني من أبريل 2012م ،.وصلت روما لمقابلة الكاهن وقيادات
الكنيسة ،قابلت عنده تارديني الذي رحب بي بشكل مبالغ فيه ،وأثاار قلقي عندما سألني
عن رحلة أمريكا الخيرة ،تماسكت أمامه وبررت المر بأني كنت في حاجة ملحة
للراحة والاستجمام ،فقال بحدة وهو ينظر للكاهن الذي كان صامتا ومتجهما بشكل
أخافني كثاي ار.
-آل ترى أنه قد آن الوان لترابط بسيناء؟ نحن بحاجة للعمل ليل نهار لتجهيز المزرعة
والاستراحات للحج ،لم يعد أمامنا إل عدة أسابيع على موعد الحج.
200
أخبرتهما بأن معظم تجهيزات وتشطيبات المشروع يتم تصنيعها وتجهيزها بمقر
شركات المقاولت المتعاقدة معنا ،ووعدتهما بإنجاز العمل قبل موعد الحج بفترة معقولة،
وكأنه لم يسمعني قال تارديني في حسم.
-عليك أن تنهى أي ارتباط لك بالعالم ،قبل سفرك لسيناء ،بعد أسبوع من الن ،لنك
لن تغادر سيناء بعد تأديتك لمناسك الحج الكبير ،ستمكث بالمزرعة ،لتأمين التجمع
الكبير في شهر سبتمبر القادم ،وعليك العمل بسرعة لإضافة المئات من الغرف سابقة
التجهيز ،نريد مضاعفة القدرة الاستيعابية للمكان عدة مرات ،ل داعي لي رفاهية ،فقط
يجب توفير الساسيات اللزمة لقامة العضو ليوم واحد فقط ،وعليك تجهيز وسائل نقل
سريعة وفعالة لنقل الفواج بسرعة وخفة لمدخل المدينة المقدسة ،بمعني أن المشروع
سيكون فقط محطة تجميع للعضاء الذين سيتم نقلهم فو ار وبسرعة للمدينة المقدسة.
انتهي من حديثاه ومد يده وناولني ورقة وأضاف.
-بهذه الورقة رقم حساب باسمك ببنك باركليز هنا بروما.
ارتبكت بشدة ،ولكنى تماسكت بسرعة وأقنعت نفسي بأنها صدفة ل غير،
وأعطيتهما الوعد بالتنفيذ الفوري لكل ما كلفت به ،فقال.
-أنفق كما تشاء ،لن يراجعك أحد.
شكرتهما علي الثاقة ،واستأذنت في النصراف فقال الب سيرجوني.
-بسبب انشغالك الدائم ،ولعدم امتلكك للوقت لحضور المحاضرات هنا بروما ،لم
نتمكن من إطلعك على أسرار عقيدتنا ،ولهذا ،ولول مرة ،سنخالف أسلوبنا في تناول
السرار من أجلك ،فأنت رجل مخلص لقصى حد.
مد يده وناولني كشكولا وأضاف.
-لقد كتبته بنفسي وبخط يدي ،اقرأه جيدا ثام تخلص منه ،ممنوع أن يقرأه ،أو حتى يراه،
أي شخص غيرك.
ثام ابتسم في بحنان وقال.
-أنا من رشحك لحضور الحج الكبر ،ولحسن حظك أنه الحج الخير قبل العودة.
ل.
ثام أشار بيده قائ ا
-يمكنك الذهاب الن ،أستودعك ال.
200
-سأراك في الحج.
-ل ،لن أحضر الحج الخير ،لدي مهام عاجلة هنا بروما وعلي إنجازها بسرعة،
سنتقابل في التجمع الكبير.
قال ذلك ثام تحولت ملمحه وقال في جدية واضحة.
-يمكنك الاتصال بي في أي وقت تشاء للاستفسار عما يستعصى عليك فهمه.
عادت إليه ابتسامته مرة أخرى وقال بثاقة وطمأنينة.
-أنت مهم للغاية لدينا ،وثاقتنا بك بل حدود ،اذهب وفق ال مسعاك.
اقترب من النهاية ،نهايتي ،امتلت بحب الدنيا وتسربت منى الشجاعة والجرأة،
الحياة هي أجمل نعمة وأعظم هبة من الخالق.
رغم ا عن أنف تاردينى قررت أن أمنح نفسي عدة أيام من الرفاهية والمتعة،
عاودت الطبيب ثام نزلت بأفخم فنادق روما وأنا أنوى لنساء إيطاليا خي ارا ،ولكن يبدو أنه
لم يكن لهن نصيب ،انشغلت بقراءة كتاب الكاهن ولم أخرج بجديد ،استدعيت النوم
فأبي ،وبعد ساعتين من الرق حدثات مفاجأة من العيار الثاقيل ،مفاجأة كادت أن تطيح
بجهد السنوات السابقة ،أبلغني استقبال الفندق بأن هناك شخصاا ،يقول إنه صديق قديم،
ينتظرني في لوبي الفندق ،توجست خيفة ،لم يعد لي أصدقاء!.
يبدو أنه يعرفني! ،يبدو عليه النفعال ،يداه ترتعشان ،استقبلني بترحاب مبالغ
فيه ،إنه متوتر للغاية ،حرصت علي أن أبدو قويا وحازما ،قبل أن أجلس سألته في
حدة.
-كيف تكون صديق ا قديم ا ول أعرفك ،هل تفسر لي هذا؟.
أطرق ينظر للرض ،جلست ،عهعم بالجلوس وتلعثام وهو يقول.
-لكنى أعرفك ،،،نعم أعرفك ،،،أعرفك جيداا.
أي شخص يعرفه في؟ ،مع دهشتي البالغة سألته في حذر.
-كيف تعرفني وأنا ل أعرفك؟.
-ل تعرفني ،ولكنك بالتأكيد تعرف صابرينا وسيلفيو وتعرف أيض ا حجازي.
200
قال ذلك ثام رسم على وجهه ابتسامة صفراء ،قررت مجابهته ،أشعر بأنه يرتعد
يأت بجديد ،فالبعض بإيطاليا يعرف بشراكتي لسيلفيو في
خوف ا منى ،كما أنه لم ل
مشاريع عديدة وكذا بصداقتي للدكتورة صابرينا.
-كانوا أغلى الناس لدي ،وما علقتك أنت بهؤلء؟.
رد بسرعة وبغضب لم أتوقعه.
– لن يفيدك هذا النفاق ،أعرف تفاصيل علقتك بهم وطبيعة عملك مع ثالثاتهم.
لم ديملهلني لسيطر على دهشتي فأضاف.
-صابرينا شقيقتي الوحيدة ،وحجازي زوج إبنتي ،وسيلفيو صديقي المقرب.
راح ينظر إلي مدعيا البكاء ،فهمته من فوري ،نصاب مبتدئ يسعى لابتزازي،
ولني ل أملك الوقت قررت أن أحتويه لنهي المر ،قلت له.
-بدون مقدمات ،ما هو المطلوب منى بالضبط؟.
قال بوضوح ل لبس فيه.
-كل ما تملك ،فهو من حق عائلت من قتلتهم.
ضحكت استخفاف ا بما قاله ،على الرغم مما يعتمل بداخلي من توتر.
عال أزعجني.
قال بصوت ل
-أنت قتلتهم.
قلت ببطء وبقوة.
-هذا غير صحيح.
-أو تسببت في مقتلهم.
كان مترددا ،قررت محاصرته ،قلت.
-تلك أوهامك أنت وأطماعك.
كما توقعت ،ارتبك بشدة ،فأضفت.
-لو لديك الدليل على أوهامك تلك ،فمن الفضل أن تبلغ بها السلطات؟.
قال في لعثامة الخوف.
-بم ،بماذا تفسر مقتلهم جميع ا وخلل عدة أشهر؟.
-اذهب للبوليس واسأله.
200
أوشك علي الانهيار فقلت في ضيق صدر.
-أنت تحسدني علي ثاروتي وتحاول ابتزازي.
لم يرد والتزم الصمت ،فقلت له.
-أنت من يحتاج إلي المال ،لقد أعطيت لحجازي مبالغ طائلة ،وعائلة سيلفيو غنية
جداا ،وصابرينا لم تكن تهتم بالمال ولم تترك من خلفها أسرة.
انكشف تماما ،ارتبك ،حاول التماسك ،وأخي ار قال بوضوح.
-حسنا ،أنا اهتم بالمال.
استمر في ابتزازي بغباء فقال.
-كل ما أنت فيه هو من جهد صابرينا شقيقتي وسيلفيو صديقي.
-ها أنت ذا تبدي حقدك وغيرتك منى.
خنقني بغبائه وطمعه ،وقفت لنهى المقابلة وأنا أقول باستعلء.
-لن تنال منى ليرة واحدة ،وأنصحك بنسيان أمري.
فاجأني بقوله.
-لدى معلومات خطيرة عنك وعن نشاطك مع سيلفيو ،إن لم نتفاهم الن سأبلغها
للسلطات ،أو على القل سأشي بك لعائلة سيلفيو.
ارتسمت على وجهي ابتسامة مرتعشة ،كتمت غيظي وخوفي ،قلت له.
-ليس لدي وقت لضيعه في مثال هذا الكلم الفارغ ،لننهي هذا المر ،الن وللبد،
دكبم تريد؟.
-عشرة مليين يورو.
قلت في حزم.
-مليون يورو ،ل لشيء ،ولكن من أجل صابرينا.
لم يصمد الرجل أمام صلبتي ،راح يرجوني بأن أجعلهم خمسة مليين وهو يعد
بأن يختفي من حياتي بعد ذلك ،قلت.
-سأعطيك غدا مليون يورو ،وبعد شهر أعطيك مليون آخر ،فلدى أزمة سيولة خانقة.
200
وافق علي عرضي مرغماا ،وفي اليوم التالي سلمته الجزء الول من التفاق
وحذرته من التصال بي قبل موعد تسلمه لبقية المال ،بعد شهر في نفس الفندق،
وأضمرت له في نفسي أم ارا.
----------
تدهورت صحتي كثاي ار في اليام الخيرة ،عاودتني نوبات الصداع الشديد
والدوخة ،مع رعشة خفيفة بالأيدي وثاقل بلساني ،توجهت من فوري لتل أبيب ،ومكثات
بالمستشفي لمدة أسبوع.
فوجئت بزيارة تارديني ،جاء ليطمئن علي صحتي وليصطحبني لسيناء بناء
على تكليف الب سيرجوني ،إنهم يراقبوني عن كثاب ،ألزمت نفسي بالحذر.
التهم العمل كل وقتي ،ومع هذا ،وبالرغم من حذري الشديد ،لم أستطع أن أنسي
خيانة حمدان ،حمت حول مدخل المدينة المزعومة عدة مرات دون جدوى.
انشغلت بتشطيبات المزرعة والاستراحات والفندق لاستقبال رحلة الحج القادمة،
والتي تختلف هذه المرة عن سابقاتها ،فالعدد خمسة آلف فرد ،وكانت هناك مخاوف
من أن يثاير دخول هذا العدد لسيناء ،انتباه السلطات بمصر إواسرائيل ،كانت تعليمات
القيادة بروما واضحة ،لبد من التزام الحذر وضمان الهدوء والسرية.
----------
كانت قيادة الجماعة قد قررت تقديم موعد الحج الخير ،وكذلك التجمع الكبير،
وذلك لسباب لم أعرفها.
أصبح العبء كبيرا والوقت ضيق ا ،يجب تجهيز المكان في غضون خمسة
أشهر ليستوعب حوالي خمسين ألف عضوا ،عشرة آلف يأتون من منطقة تل العمارنة
أولا ثام يتبعهم أربعون ألف ا من جميع دول العالم ،مع سكان المدينة البالغ عددهم عشرين
ألف ا يصبح العدد سبعين ألف ا ،هم جنود جيش الله المنتظر.
بدأت أسرار الجماعة تتكشف لي بسرعة وكثاافة ،ولكن الطريقة التي سوف
تتبعها الجماعة لتدمير العالم لم ترد في الكشكول الذي أعطاني إياه الب سيرجوني،
وكذلك لم أستطع استخلص أي معلومة حولها من تارديني.
200
لبد من إفشال مخطط تلك الجماعة الغبية ،بأي شكل وبأية طريقة ،ومهما كان
الثامن ،كيف لجماعة من المخابيل أن تمتلك هذه القوة وهذا النفوذ؟ ،كيف يمكنها تدمير
العالم في غفلة من مئات الحكومات وأجهزة المخابرات والمن والتي يمكنها رصد نملة
عرجاء تختبئ خلف حبة رمل في صحراء شاسعة؟!.
كيف يؤمن بتلك التخاريف ،المئات من العلماء الفذاذ في مختلف مجالت
العلم ،وأيضا المئات من رجال المال والسياسة الذين يسيطرون على المواقع الهامة
والحساسة بمختلف دول العالم.
كيف تمكنت تنظيمات كتلك من السيطرة على السلطة والثاروة بأهم دول
العالم؟ ،كيف للشيء وضده أن يمثال نفس درجة التهديد بفناء البشرية؟ ،كيف تنفذ
جماعة صغيرة عملية تدمير هذا العالم الكبير؟.
مرة أخري شاهدت تصوير حمدان للمدينة المقدسة ،تملكتني الدهشة كيف لم
أنتبه لهذا من قبل؟! صورة تتكرر على جدران معبد المدينة المزعومة ،حتى بعدما
علمت بانضمام أستاذة للفيزياء النووية كالدكتورة كريستينا إلى تلك الجماعة لم أنتبه
للمر ،كنت أعتقد أنها تصوير للفطر السينائي المقدس لدي الجماعات التي تعتمد
طقوس الجنس كعبادة ،أو أنها تصوير لبركان في حالة نشاط وثاورة!.
إنها تصوير لنفجار نووي ،وضحت الصورة في لوحة جدارية تصور إله
الجماعة في صورة نسر ضخم يضم جناحيه وهو يهبط من السماء ليحط فوق قمة
انفجار نووي.
امتلت رهبة وفزع ا من استنتاجى هذا ،رحت أكذب نفسي ،كيف لجماعة دينية
أن تمتلك ما لم تقدر عليه دول كبيرة ولديها من الإمكانات العلمية والمادية ما ل ديععد ول
يحصى؟ ،هل اخترقوا أجهزة المخابرات في العالم لهذه الدرجة؟!
أرهقني التفكير وأنهكت أعصابي تماماا ،بدأت أعانى مرة أخرى من الصداع
والرعشة في أطرافي.
فها أنا ذا ،قد عرفت ،تقريباا ،نوع السلح الذي تخطط الجماعة لستخدامه في
مسعاها لتدمير البشرية ،لكن ما هي تفاصيل خطتها الشريرة؟.
----------
200
اكتمل المشروع تماما قبل موعد الحج بفترة معقولة ،وأصبحت بمفردي في تلك
المزرعة الشاسعة ،وبالكاد كانت ساعات اليوم تكفى لمراجعة الشاشات التي تبث عليها
المئات من أجهزة المراقبة المنتشرة بأرجاء المزرعة وكذا المناطق المحيطة بها.
رحت أتابع بل كلل عشرات الشاشات المرصوصة بغرفة المراقبة ،كنت من
مكاني أستطيع ،وبوضوح تام ،استكشاف كل سنتيمتر مربع من المزرعة وكذا غرف
الفندق والاستراحات وأيضا كل المسافة المرئية المحيطة بالمزرعة ،ومن كل جانب.
وكأني عأحدلم ،سمعت صوت حمدان يناديني ،شعرت بأنفاسه وح اررة جسمه،
تمنيت أن يكون الحلم حقيقة أو أن يتحول إلى رؤية ،انتبهت مذعو ارا ،هناك يد تمسك
بكتفي ،إنه حمدان! ،العرق يسيل علي وجهه ورقبته ،ويتنفس بصعوبة بالغة ،احتضنته
قبل أن يسقط أرض ا ،غرقت في دمائه ،صرخت.
-ماذا بك يا حمدان؟ ،ماذا حدث؟.
أجابني بصعوبة.
-قتلوني ،ويبحثاون عنك ،سوف يقتلونك.
طعن طعنات غائرة ببطنه وبصدره ،حاولت أن أكتم الدم ،سألته.
-عمن فعل بك هذا؟.
-رجال المن بالمدينة ،ضبطوني عندما كنت أصور معبد اليقونة.
-كيف هذا ،ولم يكن معك كاميرا؟.
-ابتعت واحدة حديثاة لصور ما لم أصوره في المرة السابقة ،لعلي أعوضك عن عدم
استطاعتي إدخالك المدينة.
-ليتك لم تفعل ،فسوف أدخلها برفقة الحجاج بعد عدة أيام.
-سوف دتقتل قبل أن تدخل إلى هناك ،صدرت أوامر لكل أجهزة المن بالبحث عنك
وقتلك فو ارا.
-كيف عرفوني؟ ،هل أخبرتهم عنى؟.
-لم أخبرهم عنك ،ول هم يعرفونك ،ولكنهم بالتأكيد سوف يبحثاون بكل الماكن التي
ترددت أنا عليها من عقبل ،وسيعرفون بأنى كنت ألزمك في الفترات التي قضيناها مع ا
200
العام الماضي ،صدقني سوف يصلون إليك ،أرجوك حاول الاختفاء في أي مكان ،غير
أسمك ،غير شكلك ،فقد تنجو.
-لو أني ل محالة مقتول كما فهمت من كلمك ،فلماذا جازفت بنفسك لتحذرني؟.
-لم أجازف لحذرك ،كنت قد عاهدت نفسي أن أساعدك في معرفة حقيقتهم ،ها هي
الكامي ار ،ولكن عليك بمغادرة سيناء وتغيير هويتك وشكلك فقد تنجو.
تناولتها من يده ،حاولت تشغيلها وكأني نسيت أن حمدان يموت ،انتبهت ليده
ل ،رفض وقال.
تتحسس ساقي اليمنى ،قررت أن أذهب به للمستشفي حا ا
-أنا ميت ميت ،لو أنقذتني اليوم سأموت غدا أو بعد غد ،اهرب أنت من هنا.
احتضنته وهمست في أذنه.
-لن أهرب ،لن أضيع دمك ،سأنتقم لك ،لن أتركهم يقتلون أسرتي ،لبد من منعهم.
قال بصعوبة بالغة.
-حينما داكتشف أمري ،هربت بسرعة ،فلحق بي منهم اثانان عند سفح الجبل ،قمت
بتصويرهما ،قاومتهما وأصبت أحدهما في وجهه ،احفظ ملمحهما ،قد يساعدك ذلك
في تجنبهما.
راح يلهث ويبتلع ريقه بصعوبة ثام أضاف ببطء شديد.
-سوف يعذبونني بل رحمة لبوح بسرك قبل أن يقتلوني.
كنت أحبه ،وأقدر تضحيته من أجلى ،ولكن ها هو يتمنى الموت ،فهل كثاير
على أن أحقق له أمنيته الخيرة!.
مات حمدان بيدي وفى أحضاني ،ومع أن الموت والقتل أصبحا وجهين من
أوجه حياتي ،فقد حزنت لموته ،خلعت عنه ملبسه ودفنته بالمزرعة ،ثام عدت لحرق
الملبس وأنظف المكان ،وكذلك أجهزة المراقبة من أي أثار له.
----------
هما ل يعرفاني وأحفظ هيئتهما ،لبد لي أن أفاجئهما وأقضى عليهما ،ومن
الخطاء التي ارتكبتها تركيزي على مشاهدة نهاية التصوير عدة مرات لحفظ هيئة
اللذين يسعيان خلفي ،لم أشاهد التصوير ،لو أني كنت فعلت لعرفت الكثاير قبل دخولي
للمدينة.
200
قضيت ثالثاة أيام متواصلة أحوم حول الماكن التي ترددت عليها بصحبة
ليال وأنا أدقق في شاشات المراقبة بل طائل ،ثالثاة أيام بلياليهم لم أذق
حمدان ،ثالثاة ل
للزاد أو النوم طعم ا ،كنت خائف ا ،شيئ ا فشيئ ا راح الحقد ،على قاتلي حمدان وعلى
جماعتهم الشريرة ،يزيح عن نفسي الخوف ويملؤني عزيمة إواص ار ار علي التخلص
منهما.
أنهكت صحتي تماما وضاقت نفسي بفكرة أنى مراقب عن كثاب ،ناهيك عن أنى
ل ،كنت أشتاق لقراءة الصحف والنوم بعمق لصفى ذهني وأريح جسدي
مطارد أص ا
لعلى أنجح في تنويم نفسي مغناطيسي ا وأخرج بخطة تنجيني.
نزلت بفندق موفنبيك بمدينة شرم الشيخ كشخصية خليجية ،التهمت الصحف
المصرية والجنبية المتوافرة بالفندق ،وقع نظري على خبر هو آخر ما كنت أتوقعه أو
أحتاجه في هذا الوقت الحرج.
تم القبض على بعض متعهدي الهجرة الغير شرعية بمصر وليبيا ،وهم من
البدو ،قاطني المنطقة الحدودية بين البلدين ،بزعامة زكريا من واحة الفرافرة بمصر
ويعاونه المدعو سالم كرير سالم من واحة الكفرة بليبيا.
تحدثات الصحف عن ضلوع عصابة الهجرة الغير شرعية ،في تهريب الثاار من
ن القضية في عهدة أجهزة المن المصرية منذ عدة أسابيع.
مصر ،وقالت إ د
وقع الخبر على كالصاعقة ،وأفقدني توازني تماماا ،فأنا تعاملت مع زكريا
وسالم باسم محمد يوسف السوري ،أتعامل بمصر بنفس الاسم والشخصية ،حاولت
التماسك لفكر في حل لهذا المأزق الخطير ،تمنيت أن يحميني زكريا وينكرني سالم
وأن يصمدا لمدة أسبوعين فقط ،حتى أدخل المدينة المقدسة لكشف الدمخطط الشرير
لهذه الجماعة وأعلنه للعالم وبعدها ليحدث ما يحدث.
في صباح اليوم التالي ،طلبت كل صحف اليوم الموجودة بالفندق لتابع أي
خبر بشأنهما ،فهما صديقاي علي أية حال ،وقرأت ما كنت أخشاه ،خبرا عقلب كياني
رأس ا على ععقب ،محامى الشباب المحكوم عليهم ،في قضية مقتل النجار وصاحبيه،
تقدم بطلب للنائب العام لعادة التحقيق بالقضية بعد ظهور معلومات جديد تتعلق
بتهريب الثاار عبر الحدود المصرية الليبية ،واتضاح شخصية الرجل الإيطالي وشريكه
200
المصري أحمد حجازي المتهمين بالتحريض على قتل السياسيين الثالثاة ونهب الثاار،
وبعدما أشار الخبر إلى مقتل حجازي بلندن ،ألمح محرر الخبر إلي مفاجأة مذهلة
خلل أيام .
إنها النهاية ،ما عدت أدرى بطبيعة مشاعري ،هل أنا خائف على حياتي ،أم
خائف أل أتمكن من إنقاذ أسرتي والعالم؟.
هاجمتني بقسوة نوبات الدوخة والقيء ،ولكن ما ضايقني بشدة هو رعشة يداي
وعدم قدرتي على التركيز أو التفكير ،تناولت الحبوب المهدئة لطفئ أعصابي
المشتعلة وأخفف من وطأة الصداع الرهيب.
ضبطت نفسي أعد الثاواني والدقائق ،وكأني أتحسس اللوح الخشبي وسط أمواج
البحر ،تذكرت معجزة نجاتي من الغرق فتسرب لنفسي بعض المل ،دعوت ال أن
يساعدني لمنع الكارثاة التي تحيط بالبشرية وليكن بعدها ما يكون.
اضطرب كياني ،وأخذت أتحدث إلي نفسي ،وعدت لأحلم وأنا مستيقظ ،وهذا ما
كنت قد أقلعت عنه منذ فترة ،شعرت برغبة جامحة في أن أتوضأ وأصلى ،وكأني أرى
النهاية تسرع نحوى أخذت أبكى حالي وأشكو ل ضعفي وقلة حيلتي ،بحثات عن
مصحف لق أر فيه ،مرت الساعات كدقائق معدودة ،شعرت بالسكينة والطمأنينة تسرى
في جسدي ونفسي ،فتيقنت بأن ال معي ،قررت أن أطرح الخوف واليأس جانب ا وأذهب
من فوري للمزرعة لكمل مهمتي وأراجع أجهزة المراقبة لعل قاتلي حمدان ظه ار بها
فأفاجئهما بما أعددته لهما.
وكانت أول أمارات رضا ال عني ،في لوبي الفندق وقعت عيناي على شاب،
هو آخر من كنت أتصور بأني سألقاهم يوما ما ،ابن اللواء الجمال ،يجلس برفقة
شخص مهيب الطلعة ومهندم لقصى درجة ،كان يستمع في صمت لحديث ابن اللواء
وبنظراته غضب عظيم.
كانت عيونهما تدور في المكان ،يبحثاان عن شخص ما ،سمعت أحدهما يسأل
الجرسون إن كان يعرف شخص ا باسم محمد يوسف قد يكون نزل بالفندق من قبل،
فنصحهما بالتوجه لموظف الاستقبال ،فأطلعه ابن اللواء على صورة شخصية ،وسأله
200
إن كان قد رأى صاحبها من قبل فأجاب بالنفي ،وعندما سمعت ابن الجمال يتحدث إلى
لمن.
مرافقه باحترام شديد ،تأكدت من أنه من رجال ا ع
توقعت أن زكريا وسالم باحا باسمى للسلطات وأنهم قد توصلوا لشخصية محمد
يوسف عن طريق شخصية حجازي ،وبالطبع كان من السهل عليهم تتبع خطواتي
ليصلوا إلى بسيناء ،وأظن أن هناك بأجهزة المن من استطاع الربط بين شخصيتي
محمد يوسف ورضا جلل ،المختفي منذ أكثار من خمس سنوات ،إوال من أين أتى ابن
اللواء الجمال بصورة شخصية لي؟! ،يبدو أن اختلف البصمات والهيئة بين
الشخصيتين هو ما حدا بأجهزة المن أن تتريث قبل الاقتراب منى ،وقد يكون هناك عمن
قرر البحث خلفي لحسابه الخاص كابن اللواء الجمال ،ولكن عمن يكون هذا الشخص
الذي برفقته؟.
بعد ساعة واحدة ،كنت قد عرفت أنه ضابط عظيم بجهاز حساس ،وابن أخت
مصطفى النجار وصهر اللواء الجمال ،أبيه الروحي والذي دفع به ،أيام مجده ،ليتولي
منصب ا قيادي ا بأهم جهاز أمني بمصر.
ل؟ قاتل
قررت أن الزم المزرعة والتزم بالسكون تماماا ،لرى من سيلحق بي أو ا
حمدان ،أم طالبا ثاأر الجمال والنجار ،أم السلطات المصرية ،وبالطبع لم أستبعد أن
يكون شقيق صابرينا قد وشى بي للمافيا وتوقعت أنهم أرسلوا خلفي بعض رجالهم،
ابتهلت إلى ال كثاي ار أل يخذلني.
----------
احترفت التنكر ،في النهار أنتحل شخصية رجل بدوى يرعى أغنامه بالقرب من
المزرعة ،وفى المساء قد أتنكر في هيئة سائح تاه منه الطريق ،أو رجل شرطة يجوب
المنطقة لتأمينها ،ثام حدث ما توقعته.
ضبطهما يحومان حول بوابة المزرعة ،تنكرت في شخصية عامل الحديقة،
ورحت أسقى الزرع وأحواض الورد بالقرب من البوابة ،اقتربا منى ،تظاهرت بتجاهلهما
وأنا أتحسس سلحي في حذر ،مرت بي دقائق خانقة كانت كافية لمتلئ خوف ا وغضباا.
200
قال إنهما يحملن رسالة هامة للمسئول عن المزرعة ،أخبرتهما بأنه خرج
وسيعود بعد ساعة ،سألني عن شيلء يأكلانه ،رحبت بهما ودعوتهما لركوب العربة
بجانبي لندخل إلى المبنى الداري حيث يمكنهما النتظار.
أكرمت ضيافتهما فاكتسبت ثاقتهما بسرعة ،حتى إنهما رافقاني بل تردد في جولة
بالسيارة في المزرعة الشاسعة ،بالطبع كان بإمكاني قتلهما في لحظة ،ولكنى قررت
الصبر ريثاما أطلع على فحوى الرسالة التي يحملانها ،خاب مسعاي ،عدنا للمزرعة
وجلسا في الانتظار ،ذهبت لقل المسئول من عند البوابة ،دخلت عليهما بشخصية
محمد يوسف صاحب المزرعة ،قدما لي نفسيهما ،باحترام كبير ،على أنهما من ضباط
أمن المدينة المقدسة وقد خرجا في أثار شاب خائن لجماعته ،وقال إنه مصاب ويعتقدان
بأنه في طريقه لمقابلة شريك له ،ما زال مجهول ا بالنسبة لهما ،ثام أطلعاني على خطاب
من أمير المدينة يأمر بمساعدتهما ،طلبا مراجعة أجهزة مراقبة المزرعة والمناطق
المحيطة بها فربما يظهر هذا الشاب على شاشات المراقبة.
رحبت بالتعاون معهما ودخلنا سوي ا غرفة المراقبة ،اشتاقت نفسي لتدخين
سيجارة ،استأذنتهما في التدخين خارج الغرفة ،طلب مني أحدهما ،بوقاحة وكأنه
يأمرني ،بأن أدخن سيجارتي بالحجرة حتى ل يضيع الوقت ،وأصرا على أن نبدأ العمل
فو ارا ،فليكن ،أنا جاهز ،فقد تناولت القراص المضادة لتأثاير الغاز المنوم ،تظاهرت
بمحاولة إشعال السيجارة وأنا أشرح لهما إمكانات أجهزة المراقبة ،دقيقة وخ ار في ثابات
عميق.
بعد ساعة أخذا يقاومان النعاس ،وقد تيقنا بأنهما في ورطة عظيمة ،مطروحان
تحت أقدامي ومقيدان بقوة وعنف ،كنت أراقبهما والحقد يكاد أن يفجرني ،استعاد
أحدهما وعيه أولا ،راح يحدق بي في خوف ودهشة ،وبصعوبة سألني.
-لماذا تفعل بنا ذلك؟ ،ألست أنت المسئول عن المزرعة؟!.
-أنا هو ،لماذا قتلتما حمدان؟.
-ل نعرف شخص ا بهذا الاسم.
تداركت المر سريعاا.
-أقصد أمنحتب.
200
سألني في ذهول.
-كيف عرفت باسمه.
ثام فغر فاه وأضاف في دهشة.
-أنت صديقه ،أنت من حرضه على تصوير المدينة.
وهو يقاوم النعاس ،تمكن زميله من النطق بصعوبة فقال.
-كيف؟ ،هل أنت دمندس علينا؟ ،هل أنت من أجهزة المن بمصر؟.
-لن يفيدكما في شيء أن تعرفا من أنا ،فأنتما ميتان.
حاول أحدهما النيل من شجاعتي وإصراري فقال.
-لن يفيدك ما تفعله ،فرجالنا سوف يصلون إليك بأسرع مما تتوقع.
راح ينظر لرفيقه ،تبادل ابتسامات منفرة أثاارت أعصابي ،قلت في غضب.
ل ،ولكنى لن أقتلكما حتى تتمنيا الموت.
-لنرى من سيموت أو ا
الرغبة في التدمير تؤرقني منذ فتكي بالطبيب النجليزي ،تاقت نفسي لوصلة
تعذيب مريعة ،خلعت عنهما ملبسهما فتعريا تماماا ،صعقتهما بالكهرباء عدة مرات،
زكمت أنفى رائحة الشواء ،رحت أجلدهما بالسياط بعنف وقسوة ،في كل ضربة كان
السياط ينزل علي أحدهما ليعود بقطعة من جلده ،نشع الدم من كل بقعة من جلديهما.
كانا متماسكين بشكل دمدهش ،كاد أن يحرق أعصابي ويقربني من جنون
الغضب ،صرخت فيهما أن يسترحماني ،لم يفعل ،كدت أن أنهار أمام صمودهما
العجيب هذا ،جئت بكمية كبيرة من الزيت ،تغلي وتفور ،وبالملعقة كنت أسقط عليهما
الزيت الساخن جدا بروية وباستمتاع اندهشت له كثاي ار.
ل ،راحا يبتهلن لربهما في أول المر ،وبعد لحظات توجها إلى
لم أنتظر طوي ا
بالاستعطاف وطلبا الرحمة ،لم أرحمهما ،تماديت في المر ،كنت أشعل السيجارة ثام
أغرسها في أماكن الجلد القليلة التي ما زالت تحتفظ بلونها الطبيعي ،لم أشعر بالتعب
إل بعد عدة ساعات ،أشبعت فيها كل ما هو مدفون في أعماق نفسي من الغريزة
الفطرية ،الرغبة فى العنف والتدمير.
انهرت لهثا ا على المقعد ،محاولا أن أستجمع شتات أفكاري ،لأبدع وسيلة
قاسية لتعذيبهما من جديد ،سألني أحدهما وهو يئن من اللم.
200
-لماذا تعذبنا؟ ،هل يفيدك ذلك؟.
-أحب ذلك ،متعتي هي تعذيب البشر واستمتع بتناول اللحم البشري المسلوق ومرقته،
أهذا شيء غريب؟.
نظر إلي في غيظ ،وكأنه يحاول أن يبصق علي ،خاف وتراجع ،ثام صرخ.
-أنت شخص دموي وشرير.
ت في هيستيريا وأنا أشير نحوهما ،أحاول أن أتكلم ول أستطيع ،كانت ل
صحب د
الحروف تخرج منى متفرقة ،دم ،،دم ،،وي ،،،شر ،،،شر ،،يرررر ،،،تنعتني
بالدموي وبالشرير لني سأقتل اثانين ،قل عشرة ،عشرين ،وجماعتكم تسعي لتدمير
العالم وقتل مئات المليين من البشر ،فبماذا أسميها؟!.
-نفعل ذلك من أجل استرداد إله النور لعرش الكون ،لعله يرضى فنحمى البشرية من
غضبه ومن الفناء البدي.
-أى إله يا مجانين؟.
-إله النور ،ليس كمثاله شيء ،ل إله إل هو ،خالق الكون ،واهب الحياة!.
-إله جماعتكم هذا ل يعنى بالنسبة لي شيئاا ،ولسوف أحبط مخططها الشرير.
-لن تنجح ،فكل شيء سيتم في موعده مهما حدث ،تلك مشيئة ال ول راد لمشيئته.
-أي إله هذا الذي يأمر بالقتل والدمار ،تلك إرادتكم الشريرة ،سأقطع من لحمكما وأمل
به الثالجة فقد اشتقت للحم البشر.
رحت أساومهما من أجل معلومة جديدة عن الجماعة ،أتعباني كثاي ارا ،وحين
أخبرتهما بأني أعرف الكثاير عن مخطط جماعتهما ،انهار أحدهما وقال لصديقه.
-أل تري الخنجر بيده؟ ،أظنه سيقطع من لحمنا قبل أن يقتلنا كما قال ،أترى أنه
يضير جماعتنا أن يعرف سرها رجل مجنون ووحيد في الصحراء؟ ،أظنه سيموت بعد
ساعات؟ ،فهز رفيقه رأسه موافق ا إياه على رأيه.
عقدنا صفقة ،أكف عن تعذيبهما ،وأقتلهما بسرعة ،مقابل أن يطلعاني علي ما
يعرفان من معلومات حول مخطط الجماعة .قال.
الجماعة تمكنت من صنع المئات من القنابل الذرية والهيدروجينية والنيترونية،
وكذا العشرات من القنابل الارتجاجية ،التي تسبب الزلزل المدمرة وكذلك الفيضانات
200
والعاصير الدمهلكة ،كما اخترعت تكنولوجيا تتيح استخدام أشعة الليزر في إحداث
تغيرات حادة في مناخ المناطق المختلفة من العالم.
وقد تم بالفعل توزيع تلك القنابل على مناطق كثايرة حول العالم ،تم اختيارها
بعناية لضمان التدمير الشامل للرض ،وكانت مفاجأة كبيرة ،عندما أخبرني أحدهما،
أن إعصار توسينامي كان نتيجة لتجربة قنبلة ارتجاجية ،ل يزيد وزنها عن كيلو جرام
واحد ،في المحيط الهادي ،وأن زلزال هاييتي الخير كان التجربة الخيرة لتلك التقنية،
وقال إن أجهزة الليزر قد تمت تجربتها بنجاح فتم إحراق روسيا إواغراق باكستان،
وضربت العاصير القوية سواحل أمريكا عدة مرات.
أقسما بأنهما لم ينطقا إل بالحقيقة ،وانتظ ار أن أفي بوعدي ،ساومتهما من
جديد ،سألتهما.
-كيف سيتم تفجير كل هذا العدد من القنابل المدمرة في وقت واحد؟.
كل ما يعرفانه هو أن معلم الحق ورئيس المعسكر والمشرف ،ومعهم أمير
المدينة يشكلون ما يسمى باللجنة الرباعية ،وهذه اللجنة هي من يعرف طريقة التفجير
وهى أيض ا من سيحدد ساعة التنفيذ.
لم أعد أحتمل اضطراب المشاعر بداخلي واختلط المر على عقلي ،ذبحتهما،
ومن مكاني وجهت لودرا للحفر بعمق في الجهة الغربية من المزرعة ،دفنتهم ونظفت
المكان من آثاار المذبحة ،وكذا تم تنظيف أجهزة المراقبة من أي أثار لهما ،جمعت
ملبسهما وتوجهت بها إلى منطقة طابا ودفنتها في الرمال تحاشيا لحتمال رصدهما،
وكيف ل احتاط بعد ما سمعته عن القدرات التكنولوجية لجماعتهما.
تدفق الحجاج على المزرعة ،مبك ار عن الموعد بعدة أيام ،وحدث ما توقعته،
سألني تارديني وهو في غاية التوتر عن رجلي المدينة ،أنكرتهما ،فطلب منى فحص
أجهزة المراقبة ،وتعجب من عدم وجود أثار لهما.
لمحت في نظراته بعض الشك ،تماسكت ،وحاولت أن أشتت انتباهه فسألته عما
حدث ولماذا تقدم موعد الحج ،فقال إن ذلك بسبب احتمال حدوث تسريب لمعلومات
مهمة عن الجماعة ،وأضاف بأن تقديم ميعاد التجمع الكبير ،لعدة أسابيع ،بات فى حكم
المؤكد.
200
حضر وفد من المدينة للقاء بعض الحجاج ،وعلى الفور عقدت عدة اجتماعات
طلب منى تعطيل أجهزة المراقبة والتصنت ،كنت مشغول ا بمتابعة اجتماع
سرية ،بعدما د
أمير المدينة ،مع الدكتورة كريستينا ،ودعيت لحضور بعض تلك الجتماعات ،كان
التوتر باديا على الجميع ،كانت الحوارات سريعة ومقتضبة ،واقتصر دوري على تلقى
التعليمات.
لم أندهش لوجود بعض الشخصيات العامة وبعض مشاهير الفن والعلم من
مصر بين الحجاج ،ولكن ما كاد أن يدفعني للجنون هو وجود أم طارق ومروة بين
الحجاج ،وهما من كبار تجار الثاار بمصر ،وكانا علي علقة قوية بإبراهيم سالم،
كيف تمكنتا من دخول الجماعة؟ أليستا فاسدتين كما سيلفيو؟! ،تمنيت أن أصفع
تارديني وأعلمه بحقيقة طهارة أعضاء جماعته.
عدة أيام مليئة بالخوف والقلق ،وبل نوم ،تدهورت صحتي بسرعة ،عادت
الرعشة لطرافي أشد من كل مرة ،وثاقل لساني وبت عاجزا عن الكلم ،ول أجد من
الكلمات ما يسعفني لصف معاناتي مع الدوخة والقيء المستمر.
أوصي طبيب من أعضاء الجماعة بدخولي للمستشفى لجراء بعض التحاليل
الطبية ،رفض تاردينى أن أغادر المكان ،متحججا بأنه ل يريد أن يفوتني الحج الخير،
توقعت أنه يحدد إقامتي بالمزرعة ،ساءت صحتي أكثار فاصطحبني إلي مستشفي شرم
ب عن
الشيخ ،عدنا للمزرعة مساء نفس اليوم وقد تحسنت صحتي بعض الشيء ،لم أغ ب
نظره لحظة واحدة وظل صامتا طوال طريق العودة ،يبدو أنه يشك في بالفعل ،كنت
خائف ا من كل شيء من حولي ،وتوجست أن تفشل نبوءة سماسم بعدما كدت أن أؤمن
بها ،بذلت مجهودا كبيرا للسيطرة على انفعالتي وتصرفاتي لبدو طبيعيا على الرغم
من خوفي وتوتري الشديدين.
----------
أوشك رضا جلل على الجنون ،فما لديه من معلومات ووثاائق ،وعلى
خطورتها ،ل تكفى لن يصدقه أحد ،بل قد يعامل من الجميع بسخرية واستهتار ،وهل
يضمن أل يقع بيد ضابط أمن ،أو بيد مسئول يكون في الوقت عضوا بالجماعة فيفتك
به ،وتضيع الفرصة الوحيدة للعالم في النجاة من الدمار الذي ينتظره.
200
كان يبتهل ل أن يساعده ،كان بقلبه بعض التردد والشك وعدم اليقين ،ما عاد
يعرف أي رب يدعوه ولم يعد يفرق بين الحقيقة والوهم! ،استغفر كثاي ار وحاول أن يدفع
عن نفسه الشك ،حين واتته الفرصة توضأ وصلي ،راح يبكي حتى شعر وكأن هناك من
غسل قلبه بالثالج والعبعرد ،اتسع صدره لهواء الدنيا ،وانتبه عقله بأقصى ما يمكنه ،أحس
بعافية أسطورية تدب بأوصاله ،ما عاد به خوف أو قلق ،وامتل بثاقة ل نهائية بأن ال
معه ،وتأكد من نجاحه في تأدية ما دأختير له!.
----------
اتجهت الوفود نحو المدينة لتدخلها تحت أجنحة الظلم ،ومع أول ضوء لنهار
اليوم التالي ،أغلقت بوابة المزرعة ،ولحقت بتاردينى ومعه رجل من المدينة ،وصلنا
لمدخلها والنهار يطل على الدنيا بروية ،وقد أخذت الشمس ترسل أشعتها برفق لترتاح
على صخور الجبل ،فتلمح العين لوحة عظيمة من اللوان الزاهية والمتداخلة بإبداع
يفوق الخيال ،لوحة راحت تتسع شيئا فشيئا وهى تزيح بقوة إواصرار ،للعلى وللسفل،
ضفتي الضباب الكثايف ،الذي راح يتسلق أشعة الشمس ليبتعد عن صخور الجبل ،التي
أخذت تتوهج بألوان الطيف ،وكانت دهشتي عظيمة وأنا أنظر لسفل الجبل لري كتل
الضباب الضخمة وهى تنهار وتنكمش على نفسها ،لتهرب بعيدا عن الجبل الساخن،
فتتراجع كأمواج من البخار الكثايف ،تتلطم وتتداخل في بعضها البعض ،تنكمش حين ا
وتنفجر حينا خلل زحفها ،فوق الرمال الباردة ،لتغادر المكان قبل أن تلحق بها ح اررة
الشمس.
شيئ ا فشيئ ا أخذت أشعة الشمس تحتل كل مساحة الجبل ،لتحول صخوره
المتعرجة إلى اللف من المصابيح الملونة ،تضيء النفس بهجة ودهشة.
وصلنا للمدخل وكتب مرافقنا أرقام ا على اللوحة الرقمية على يمين المدخل،
لحظات وتحرك الجبل فى صمت ،فظهرت فوهة النفق ،الذي خدعني أمامه حمدان من
قبل ،دلفنا من البوابة وخطونا عدة خطوات ونحن تقريبا ل نرى شيئاا ،كنا نفتح أعيننا
بصعوبة بالغة بسبب الضاءة المبهرة ،والتي ازداد سطوعها حينما أغلقت البوابة لمن
خلفنا.
200
ركبنا سيارة كهربائية تشبه سيارات ملعب الجولف ،كالتي لدى بالمزرعة،
وعندما تحركت بنا لم أستطع تجاهل الدهشة بداخلي ،كان النفق ،أو السق كما
يسمونه ،عبارة عن طريق ضيق بين جبلين عظيمي الارتفاع ،يضيق ثام يتسع قليلا
ليضيق أكثار فأكثار حتى نهايته ،ومن على ارتفاع ل يزيد عن الخمسة أمتار ،كانت
تبعث من جانبي الشق ،وتتجه للسفل ،إضاءة قوية حولت المكان إلى نهار عجلي.
كان نهر الضوء الباهر يمتد أمامي ،بل نهاية ،مسقوفا بالظلم الدامس ،كان
صوت دوران عجلت السيارة يدوي بالنفق وكأنه ضجيج عجلت حربية في أرض
المعركة ،قطعنا المسافة التي ل تزيد علي ألفي متر ،في حوالي عشر دقائق ،كنت
وكأني غائب عن الوعي ،كانت تخرج من جانبي الشق أبخرة بنية ذكية الرائحة ،عرفتها
من فوري ،حشيش نقي ،رحت أتنفس بعمق.
كاد عقلي أن يشت منى تحت وطأة ما ترسله العين والنف من إشارات قوية
لفتح بوابات السعادة والدهشة بجميع أنحاء مخي ،ما كدت أسيطر على عقلي لحفظه
من الذهول حتى فقدته وكأنه سراب فشعرت بالضياع.
وكأن الكون كله ضياء ،يحتويني وحدي ،وكأني الوجه الخر لحقيقته الزلية!،
انتابني فرح طالغ ،فكل شيء جميل عشته من قبل يعاودني الحساس به.
فاض نهر الضياء بنوره في بحر النهار الباهر ،في الناحية الخرى حيث
ساحة المدينة ،توقفت السيارة بمحطة الوصول ،نظرت خلفي فهالني ارتفاع الجبلين
على جانبي الشق ،فعرفت سر الضاءة لسفل ،وكذا فائدة تصاعد البخرة المخدرة.
نظرت أمامي ،فتعلقت عيناي بما تراه ،كدت أسقط أرض ا عدة مرات ،انتبهت لما
تحت أقدامي ومشيت بصحبة تارديني أنظر في كل الاتجاهات مذهولا ،فقدت السيطرة،
فطار عقلي وهوي جسدي.
بعد حوالي المائة متر ،ظهرت من تحتنا ميادين المدينة الدمذهلة ،هبطنا حوالي
خمسة عشر درجة من الرخام الحمر القاني ،المشبح بعروق بيضاء ،لنجد أنفسنا أمام
ساحة دائرية ليس لها نهاية وكأنها تمتد لتختفي تحت سفوح الجبال الملونة الشاهقة
والتي تحيط بالمدينة من كل جانب.
200
بعد عشر دقائق من المشي كنا في وسط أحد ميادين الساحة ،كان محاطا
بأشجار النخيل الملكي الشاهقة وتتوسطه حديقة غناء فيها كل أنواع شجر الفاكهة
المنسق في أشكال هندسية مريحة للعين ،مربعات من شجر الرمان ،مستطيلت من
لرز ،دوائر من
أشجار الخوخ والموالح ،مكعبات شاسعة من أشجار العنب وأشجار ا ع
أشجار أخرى ل أعرفها ،تسلل تارديني وتركني وحدي ،وكنت حريص ا على أن أبتعد
عن طريق أم طارق ومروة وغيرهما من المصريين.
دلفت إلي الحديقة ،جلست دقائق لستعيد نفسي ولتأكد من أن ما أراه حقيقي،
لم أعد أسمع إل سيمفونية من هديل الحمام واليمام تتخللها شقشقة العصافير ،أسكرني
تغريد البلبل ،فتاقت نفسي لغلم لؤلؤي ،نظرت لعله يخرج من أحد النهار ،تلك التي
تجري من تحتي ،وبيديه أبارق الخمر واللبن.
ل ،فقد امتصت أغصان النخيل أشعة الشمس فهذبتها
تجولت فى الحديقة مزهو ا
وأرسلتها ضيااء يتلل على أوراق الشجر من تحتها ،ثام تتسلل من بين أوراق الشجر
لتضيء العشرات من مربعات الورود والزهور التي حيرتني ألوانها وأربكني عبيرها،
تلعب العبير بأنفي وعقلي ،ما إن أتأكد من أنه يفوح من أشجار البرتقال والليمون حتي
أستنشق رائحة الدفل ،ما إن أستسلم لها حتى يقتحم أنفى عبير الورد ،رحت أتحسس
قدممي والرض من تحتي ،فقد مر بي وقت وأنا أطير.
انتهت الحديقة بطريق دائري من الرخام البيض الشفاف ،كان يتلل في ضوء
الشمس الدمنهك بعد رحلته بين الغصان ،خلته لددجة ،خضت فيها دون أن أشلح ثاوبي،
لمحت هدهدا فتواريت ،قد يبلغ سليمان بأمري.
لمحت ثاورا ضخماا ،لونه أصفر فاقع ،يرتفع فى الهواء بساقيه الماميتين،
ويرتكن بالخلفيتين على قاعدة شاهقة من الرخام البيض الشفاف ،يندفع الماء ،من فمه
ومن عضوه الذكري ،ليرتفع عالي ا ثام يسقط على ظهر تمثاال من الفيروز الزرق الرائق
لنثاى فرس النهر ،تقبع في قاع صحن كبير من الرخام البيض الشفاف ،أمعنت النظر
لعلي أميز الرخام من الماء.
200
لزمت الطريق الرخامي فى دورانه حول النافورة ،فرأيت ،فى الناحية الخري
منها ،أشجا ار قصيرة تشتعل ناراا ،لم أشعر بح اررتها ،اقتربت فإذا بشجر المانجروف
يطلق خيوط ا من الزيت لتتوهج في أشعة الشمس فيكاد يضيء ولو لم تمسسه نار.
دخلت ساحة كبيرة ترتفع في منتصفها عدة تماثايل دقيقة الصنع ،فهذا تمثاال
أسود هائل لحمامة ترتفع عالي ا على قاعدة رخامية بيضاء ،وعن يمينها يرتفع تمثاال
أحمر ليمامة تهم بالطيران وهى تحمل على ظهرها تمثاالا أبيض صغيرا لشخص يحثاها
على الطيران ،وكأنه يركب فرساا ،وهذا تمثاال أحمر كبير لطائر الفينيق يرسل جناحيه
ليحيط بقرص أحمر كقرص الشمس لحظة غروبه.
كانت الساحة تكتظ بالطفال في ملبسهم الزاهية ،يلعبون ويمرحون ،فامتلت
نفسي بفرحة العيد.
أكملت جولتي مذهولا ،توقفت أمام صرح عظيم يرتفع نحو عنان السماء ،وتلتف
من حوله صاعدة ،درجات سلم رخامي ينتهي أعلى الصرح ،بل خوف ارتقيت السلم
إلي السطح ،منظر الحدائق والنافورات من تحتي ل يصدق ،مددت بصري لقصى ما
أستطيع ،نحو الجبال الملونة من حولي ،فبدت كأعشاش النحل.
نزلت قاصدا محطة للسيارات الكهربائية ،رأيتها من أعلى ،تدلقطل الناس نحو
الجبال في كل التجاهات ،من محطة دائرية تخرج منها طرق مرقمة وتتجه لكل
النواحي ،وعلى ناصية كل طريق منهم توجد عدة سيارات ،ركبت إحداها قاصدا منزل
حمدان ،رقم 33المطلع السابع بالدرج الثااني ،كلما اقتربت السيارة من الجبل كان
يصعد نحو السماء لتزيد مساحة ما يبديه من فخامة وجمال.
ارتقيت درجات سلم حلزوني طويل منحوت في رخام الجبل بدقة وجمال ،رحت
أتمعن بالعديد من الثاعابين الحجرية والعديد من تماثايل الطيور والحيوانات علي جانبي
المطلع ،وهي تصطحبني خلل صعودي.
لم أستطع أن أمنع نفسي ،خطوت علي الدرج الول لشاهد منازله فبدا لي
وكأنه يمتد إل ما ل نهاية ،مددت قدمي في خوف وحذر ،لو لم تكن المنازل مرقمة
لحتار أصحابها ،فالمداخل متشابهة لدرجة التطابق ،كل باب منزل دمحاط بأربعة
200
أعمدة ،اثانين على كل جانب ،وتحمل العمدة تاجا مثالث الشكل وعليه نقوش
ورسومات دمذهلة.
عدت أدراجي وارتقيت السلم إلي الدمعدارج الثااني ،فوجدت نفس العمدة تحيط
بأبواب المنازل ولكن التاج كان مستطيلا هذه المرة ويحمل نقوشا بل رسومات!.
وقفت لدقائق ،أتفحص العمدة والتاج وألوان الرخام المتموجة والمتداخلة في
أشكال مذهلة ،دلفت من المدخل إلي غرفة المعيشة ،كانت فسيحة وتتوسطها طاولة
للطعام ويحيط بها أربعة مقاعد ،جميعها من الرخام البني المشبح بعروق صفراء،
حسبتهم ل يعرفون الثااث الخشبي ،حتى شاهدت ،على يميني ،عددا من المقاعد
الخشبية الفاخرة تحيط بنافورة رائعة ،الجدران تغطيها صور للكواكب والطيور ،كانت
هناك غرفتان للنوم كلتاهما فسيحة وبها من الثااث الفخم مال يصدق ،ويفصلهما عن
غرفة المعيشة ستائر فخمة من القماش المقوى ،جدرانهما من الرخام الملون ومعلق
عليها لوحات زيتية لمناظر مبهرة من الطبيعة.
دخلت الحمام وكانت حكايته حكاية ،البانيو وطقم الحمام منحوتان من رخام
أحمر مشبح بعروق بيضاء ،لتكون مع اللوان الداكنة المتداخلة على جدران الحمام،
لوحة بصرية دمدهشة ،أما عن الصنابير والمقابض والشطافات فحدث بل حرج ،وكأنها
تماثايل منحوتة من النيكل كروم ،أما المطبخ فمن الصعب وصف فخامته.
كانت الضاءة مبهرة ولكنها تبعث في النفس الراحة والشعور بالفخامة ،وكأنها
مكيفة ،كانت الح اررة داخل شقة حمدان معتدلة ومنعشة.
في الحقيقة كنت مندهش ا من سلوك حمدان ،كيف طاوعته نفسه لن يفر من
هذا المكان الجميل والهادئ ،وتتوق نفسه لعيشة الصحراء القاسية ،أيستبدل الذي هو
خير بالذي هو أدنى؟! ،حق ا ل في خلقه شئون!.
نظرت لساعة يدي الضخمة ،هرولت هابط ا درجات اللسلم ،قاصدا المسرح
الكبير ،فقد حان وقت التجمع لسماع خطبة معلم الحق وتلقى التعليمات الخاصة
بمناسك الحج ،زادت دهشتي من حمدان ولمما أشاهده.
الساحة ،أمام المسرح ،تعج بالحوريات وبالحمام والعصافير ،أظنهن فتيات
البغاء المقدس ،ترتدي كل منهن طرحة شفافة تلتف لتعصر الصدر مع جزء من الثاديين
200
ليتكور أعلهما ويبرزان ككرتين من المرمر ،تمر الطرحة بمنتصف ظهرها ثام من بين
فخذيها للمام لتحملها على ساعدها اليمن ،فإذا التفتت رأيت منطقة البطن بيضاء
ناعمة ،ضيقة ومشدودة وكأنها قطعة أرابيسك نحتت من المرجان الوردي.
يذهب جمال أفخاذهن بالعقل ،بياضهن يكاد يشف عن عظامهن ،تناسق
دمدهش ،فخذ مخروطي ينساب هابط ا فإذا به ساق ا من العاج البيض مسحوبة بعناية
لتنتهي بقدم بلون الورد وصغيرة كقدم صبية على أعتاب البلوغ!.
أغمضت عيني علي وجوه ناضرة وأجساد ساحرة ،وفتحتها علي نظرات أنثاوية
جريئة ،مهرجان ألوان ترتد من عيون تشع سح ار وضياء ،مشدوه ا أمعنت النظر لم أجد
في عخلقهن تبديل ،وكأنهن استنسخن من أفروديت إلهة الجمال ،ل اختلف إل في لون
الشعر ،وأي شعر هذا الذي ينساب ليغطى جزءاا من كتفين مكتظين يغريانك
بالتهامهما.
،،،أع سيرة حمدان كسيرة أبيه آدم في توقه للمعرفة وسعيه نحو سبر أغوار
ضبح بما يعرفه ،الجنة ،من أجل ما لن يعرفه ،حقيقته ،وأكل من
المجهول؟ ،،،ألم دي ع
الشجرة التى حرمت عليه؟ ،،،يبدو أن خطيئة أبينا آدم لم دتغتععفر بعد ،على الرغم من
محاولت الفداء بدماء البشر والكباش وبآلم ابن الله على الصليب!.
----------
ما كدت أشفي من سحر الحوريات حتى هالني منظر عجلين من الذهب
يتوهجان تحت أشعة الشمس بأعلى باب المسرح ،تمالكت نفسي ،دلفت من باب
المسرح وصعدت إلى المدرجات ،وأخذت مكاني بين الجمع المبتهج.
كان المسرح عبارة عن ساحة دائرية فسيحة يحيط بها مدرج دائري يرتفع بمقدار
عشرين درج ا من الجرانيت الخضر ،استمعنا أولا لكلمة المير الذي رحب بالحجيج
ودعاهم لزيارة معالم المدينة بعد انتهاء مراسم الحج ،واستمعنا من بعده لعدد من رجال
الدين ،ألقى بعضهم بالمواعظ وبعضهم بالترايتل والبتهالت ،ثام نعمنا بغناء ملئكي
لمجموعة من الحوريات ،على أنغام موسيقى ناعمة تنساب لتراقص ذرات العبير
ليحملها النسيم همسات ،غمرتني سعادة استعذت بال من وقعها على نفسي!.
200
كنت أستمع للغناء وأنا أجول بنظري فى جوانب هذا المسرح الرائع ،شرعت
ببصري لعلى فلمحت أسراب الحمام تتغزل على حواف المسرح ،دهشت لكتل سحاب
بيضاء ،راحت تنخفض وتلتصق ببعضها البعض ،بدت لي وكأنها صارت سقف ا
للمسرح ،كانت أشعة الشمس تتخلل السحب خجلي فتضيء المسرح بأضواء تتدرج
ألوانها في بهجة ،لف المسرح صمت وسكون ،فغادرته لدنيا الخيال والساطير ،لحظات
وصدح المكان بتغريد الحوريات ابتهالت عذبة ،أخذت الجمع حماسة عظيمة ،وعلت
الحناجر بالدعاء ،نظرت فإذا به يخطو في خيلء ليتوسط ساحة المسرح ،إنه معلم
الحق! ،كان الرجل يرفل في ثاوب لونه أحمر قالتم ،تتلل به خيوط من الذهب فتحيطه
بهالة ضوء قرمزية ،وعلى كتفه طاليت مطرز بالذهب والفضة ،كطاليس حاخامات
اليهود ،شعر ذقنه ،البيض الكثايف ،يكاد يلمس الرض ،يعلو رأسه تاج مرصع
بالحجار الكريمة ويرتفع منه هلل ذهبي يحتضن كرة من العقيق الحمر ،وبيمناه
صولجان من الذهب ،حين رفعه نحو الحجاج ارتج المكان لصياحهم ،أشار بيسراه فساد
المسرح صمت جليل ،كانت أنفاس الحماسة والبهجة ،تخرج منهم كفحيح هامس.
بدأ ببعض المواعظ ثام هنأ الحجيج باختيار ال لهم ليشهدوا آخر وأهم حج لديه،
انتبهت لكلماته الخيرة فتنبهت لمهمتي الخطيرة ،شحذت ذهني لركز في كل كلمة منه
لعلى ألتقط ما يفيدني في معرفة كيفية تفجيرهم للعالم ،كدت أموت رعب ا حين سمعته
يقول ،،،نظ ار لمروق شخصية هامة من أعضاء الجماعة ،واحتمال إفشائها لبعض
أس اررنا لشخص مجهول ،لم نصل إليه بعد ،قررنا تقديم موعد التجمع النهائي إلى
السبوع الخير من شهر أغسطس القادم ،صمت قليلا وهو يجوب بنظره في الجمع
الحاشد ثام قال.
-لقد أوحى إلي روح هقدوش بأن نقوم بأداء طقوس إيقاظ إله الحق في يوم السبت
الخامس والعشرين من أغسطس القادم ،ليهبط للرض وديدمر الشرار وينقذ البشرية من
الفناء .قال ذلك ثام رفع يديه لعلى وبيمناه الصولجان وأضاف وهو يبكى.
-سنسترضيه فيرضى.
ردد الجمع من خلفه ،،،هاللويا ،،،هاللويا .تكرر ذلك عدة مرات ،ثام أشار بيديه
فعم المكان صمت مهيب ،وأضاف.
200
-كل الحبة فدا محبتك.
ردد الجمع ،،،هاللويا ،،،هاللويا .لحظات وارتفع صوته بالدعاء فساد الجمع
حماس هيستيري ،ثام اصطف خلفه عدد من أتباعه في صفوف متساوية وتلقينا
التعليمات بالصطفاف في سبعين صفا متتالية ومتساوية في الطول ،ثام خرجنا من
المسرح في نظام صارم ،كان الجميع يبتهل بالدعاء ،وصلنا للنافورة الرائعة ،وسط
الميدان الواسع الذي وصفته سابقاا ،طاف الجمع من حولها سبع مرات ،وفى الطواف
الخير اقترب ،معلم الحق ،من الثاور الصفر ،وسمعته يقول.
-ل تغضب ول تخذلنا يوم العرض عليك ،أليست الثاماني كالتسع؟! أليست كلها أيامك
وشهورك؟ ،بلى أيها العظيم.
قال ذلك وأشار للجميع بالصمت ،استمر الصمت الجليل لعدة دقائق ،وفجأة
صاح مهنئ ا للجميع وقال إن روح هقدوش أبلغه بأن روح إله النور أبدت ارتياحها لن
يكون يوم السبت الموافق الخامس والعشرين من شهر أغسطس القادم هو يوم
راغناروك.
هلل الحجيج وهم يتجهون نحو المعبد ،كنت مندهش ا من عجائب النسان ،كيف
يهلل هؤلء لقتل أبنائهم وأقاربهم ،كيف يؤمنون بتلك الخزعبلت؟! فأي إله هذا الذي ل
يرضى إل بالقتل والتدمير؟! ،شعرت باليأس يتسرب إلى نفسي حين تذكرت رجال
تنظيم القاعدة البائسين ،وهم يرقصون علي أشلء البشر في شوارع بغداد وأفغانستان
وغيرها من البلدان التي ابتليت بهم ،،،هل هناك فرق بين هؤلء وأولئك؟ ،ألم تهن على
النتحاري نفسه؟! ،،،فللعمـَ الدهشة من أن تهون عليه أرواح غيره من البشر ،،،ومن
يأمر بالحرب والتدمير ،من أجل البترول أو غيره من الثاروات ،أيختلف عن هؤلء
المجانين؟ ،،،إنها نفس الرغبة في ممارسة العنف والتدمير ،،،تلك الغريزة الدفينة في
النفس البشرية ،يمارسها الجميع بأساليب مختلفة ،ويبدو أن الحضارة لم تحد منها إل
ل.
قلي ا
أحبطني حديثاي مع نفسي ،فلم أعدعد عأهعتم بجمال المدينة وبلسحعر فتياتها ،وأصبح
كل شيء من حولي يبدو حقي ار ومجنوناا.
200
قبل دخول المعبد ارتدت النساء والفتيات النقاب ،وتسلم كل رجل منا ثاوبا من
القماش البيض ليلف به جسده بنفس طريقة كهنة المعابد البوذية ،وكذلك وضع كل
واحد فينا على كتفه شالا يسمونه الطاليس ،كالذي على كتف معلم الحق ،وكان هذا
مدهشاا ،وكأن جماعتهم تنتخب من كل دين معروف ،طقسا أو شعيرة.
لفت انتباهي ،لحظة دخولي المعبد ،وجود سبعة من الثايران الصفراء ،كل ثاور
دمقيد من أطرافه على طاولة ضخمة في وسط ساحة المعبد ،توجهت كل مجموعة
لتحيط بطاولة منهم في شكل دوائر متتالية ،فكان حول كل طاولة اثانتا عشرة دائرة،
دقيقة واتجه الدمعلم الحق نحو الطاولة الولى وهو ممسك بسيف كبير وأخذ يردد بعض
الدعية ،ونحن نرددها من خلفه ،وفجأة هوى بالساطور على رقبة الثاور ليضربه سبع
ضربات قوية ،انفصلت رأس الثاور عن جسده ،واندفعت منه نافورة من الدماء ،راح
المعلم يغمس يديه في الدم ثام يلتفت نحو أفراد الدائرة الولى ليلطخ خدي كل فرد بها
بالدم ،وحين ينتهي من دائرة تتراجع للخلف لتحل محلها الدائرة التالية لها ،تكرر ذلك
عند كل طاولة ،وهكذا حتى دلطخت خدود كل من بالمعبد بدم الثاور ،كنت بالدائرة
الخيرة حول الطاولة الخيرة ،عندما اقترب منى ليمسحني بالدم ،رأيته عن قرب ،وحين
تلقت نظراتنا امتلت بالخوف والقلق ،وبذلت مجهودا كبي ار لتمالك نفسي.
اصطفت الجموع خلف معلم الحق فأصبحت الثايران المذبوحة من خلفنا ،أععم
الرجل الجمع في صلة طويلة ومتعبة ،وفى الركعة العاشرة والخيرة كدت أسقط أرضاا،
تماسكت بالرغم من شدة اللم بظهري ،لقد كان يوما قاسياا ،فبعد الصلة أتحفنا الرجل
بخطبة الحج ،والتي استمرت لكثار من ساعتين ،ناهيك عن النتظار لساعات أمام
الدثاور لتلطيخ خدي بالدم المقدس! ،ومما جعل الوضع ل يطاق هو الشعور المميت
بالجوع الذي غشي عقلي خاصة عندما اقتحمت أنفى رائحة العشواء ،أثاناء الخطبة
المملة التي لم أخرج منها بجديد.
تناولت الكثاير من اللحم المشوي ،وفى الحقيقة كان شهياا ،وكيف ل يكون وهو
لحم دمقدس وععشاء رباني! ،العشاء المقدس لجماعة الناجين من الدمار ،حيث يذبح ثاور
أصفر فاقع عيدسدر الناظرين ،رم از لله النور ،ويؤكل لحمه في هذا اليوم فقط من كل
عام ،وديحعرم ذبحه أو أكله في أي وقت آخر من السنة ،ومن يفعل ذلك من أعضاء
200
الجماعة فقد أنكر معلوما من الدين بالضرورة وباء بكفر صريح ،واعتبر مرتدا فيقتل
بفعلته! ،كانت مفاجأة غير سارة عندما عرفت أنه بعد هذا العشاء سيبدأ على الفور
الصوم المقدس ،والذي سيمتد حتى نهاية مناسك الحج ،مساء يوم غد ،ولني ل أكره
شيئا مثالما أكره أعراض نقص السكر بالدم فقد التهمت عدة قطع آخري من اللحم بالرغم
من شعوري بالمتلء الشديد.
انتهي اليوم الول للحج ،خرجت من المعبد منهكاا ،ومع ذلك قررت التجول
لبعض الوقت في ساحات المدينة ،كانت الضاءة باهرة ،إنهم يعشقون النور رمز
إلههم ،ويكرهون الظلم رمز الله الساطي ،وحدث أن لمحت تاردينى بجواري فسألته.
-لماذا الطقس هنا منعش لدرجة مدهشة؟.
-إنهم يستخدمون تكنولوجيا الكيمتريل لمتصاص الح اررة وضبط الرطوبة بالجو،
حيث تقوم طائرة برش خليط من أكسيد اللومنيوم وأملح الباريوم فوق المدينة ،فتتشكل
سحابة من الكيمتريل وتعمل كمرآة مزدوجة ،تعكس الح اررة لسفل لتدفئة المدينة،
وتعكس ح اررة الشمس لعلى فتحميها من الحر الشديد ،كما تقوم بامتصاص الرطوبة
من أرجاء المدينة.
ابتسم وأضاف.
-لعلك لحظت ،ونحن بالمسرح ،أن السحب تجمعت وانخفضت حتى بدت كسقف
المسرح؟.
-بالفعل لحظت ذلك ،واندهشت له.
-هذا بفعل أجهزة دمتطورة من أجهزة الليزر ،يمكنها التحكم بحركة السحاب.
تمنيت أن يستمر في الشرح والتوضيح إل أنه استأذن ليذهب للجتماع بأمير
المدينة ،وبالرغم من اقتراب الليل من منتصفه إل أنى واصلت جولتي بالمدينة ،اقتربت
من منطقة النافورة ،تلك التي طفنا من حولها ،أثاار انتباهي حوض دائري واسع من
الشجار القصيرة ،كانت إضاءة أطرافه خافتة بينما وسطه يسطع بنور وكأنه يخرج من
مشكاة هائلة ،فيها زجاجة كبيرة بها مصباح وهاج وكأنه كوكب دري ،نور يحيطه نور،
ارتاحت له عيناي ،اقتربت فإذا بها شجرة زيتونة تتلل بمئات المصابيح الصغيرة
المتوهجة ،اقتربت أكثار لمتع نظري بذلك المشهد المهيب فبدا لي أن المصابيح تطير
200
من حول الشجرة تارة وتحط عليها تارة أخري ،مددت يدي لمسك بإحداها فإذا بها
خنفسة مضيئة ،إنها أنثاى الحباحب أو الفراشات النارية الوهاجة ،تصدر منها ،في
موسم التزاوج ،إضاءة حيوية تصنع هالة ضوئية من حول شجر المانجروف لتجذب
إليها الذكور.
فاض بي العتعب فذهبت للنوم ،في استراحة الحجاج ،جفاني النوم على الرغم من
التعب والفرش الوثاير ،فلم يعد أمامي بالمدينة إل يوم واحد ولم أتوصل لتفاصيل
التخطيط الشرير للجماعة ،حاولت م ار ار أن أنام مغناطيسيا لخرج بخطة محددة
ففشلت ،رحت أسترجع تفاصيل كل الصور التي شاهدتها على جدران المعبد لعلى
أكتشف جديدا فلم أفلح ،جلست في فراشي انتظر ضوء النهار بفارغ الصبر.
قضينا نهار اليوم الثااني بالمعبد ،بدأنا اليوم بصلة عخعبر ثام استمعنا لوعظ معلم
الحق ،ورتلنا العديد من الناشيد خلف جوقة من الكهنة ،وفى وقت الظهيرة جمعنا بين
صلة عرع وآتوم لندخل قدس القداس لنتم مناسك الحج.
دلف ،معلم الحق ،من باب كبير إلى قدس القداس ،وراح المير يدخلنا إليه
لسرار ،كان الحاج ،أو الحاجة،فرادي ،لينال كل حاج البركات ويتعرف على لسر ا ع
يخرج بعد لحظات وهو يبكى رافعا يديه نحو السماء ويبتهل بالدعاء.
كنت أدعو ال أن ينصرني ويثابت أقدامى ،فنظرة واحدة في وجه معلم الحق هذا
ملتني رعبا فكيف لي أن أصمد أمامه لثاوان؟.
دخلت عليه ممسكا بأعصابي تحت أسناني ،كان يجلس على كرسي كبير من
الخشب ويدارى جزاءا من وجهه بكفيه ليخفى إضاءة قوية تشع منه ،وزاد من هيئته
صع بالدجواهر والقلنسوة الذهبية علي رأسه.
المهيبة ،الوشاح الدمر ع
أخبرني ،مبتسماا ،بأني من المختارين الخالصين ،وأنى بالحج قد نلت رضا ال،
ثام أشار لي بالقتراب ،اقتربت فربت على رأسي وقال ،نشكر لك جهودك في حماية
الجماعة ،ثام أضاف ،سينتهي المر خلل أربعة أشهر ،سيهلبط ال للرض لينقذنا
ويسلمنا العالم لنديره نيابة عنه وللبد ،قال ذلك ثام أشار لي بالخروج.
استدرت قاصدا الباب ،وقعت عيني على لوحة جدارية مذهلة ،تظاهرت بأني
ت عدة صور لتلك الجدارية الخطيرة.
تعثارت ،وفى لحظات كنت قد التقط د
200
رقص قلبي فرحاا ،فقد عرفت كيف سدتدار الحرب ضد البشرية ،خرجت رافعا
ى للسماء ،وبعيني دموع حقيقة ،لشكر ال على مساندتي ،كنت أبكى وأنا أحمد ال
عيعد د
من قلبي ،شعرت براحة كبيرة وأمان عظيم ،فقد عرفت أن ال معي وأنه قد يغفر لي ما
اقترفته من ذنوب ،وشعرت بندم حقيقي لبعدي عنه ،وقررت أن أتوب إليه ،توبة ل
شبهة فيها ول رجعة ،وانتويت أداء مناسك الحج والمكوث بمسجد الرسول ،عليه الصلة
والسلم ،لسنة كاملة عأخدم زواره وعأنام بجوار قبره الطالهر.
انتهى الحج قبل منتصف الليل ،وغادر العديد من الحجاج المدينة ليقوموا بجولة
فى سيناء ومن ثام يتسربون إلي منطقة الصحراء الغربية مقابل محافظة المنيا،
وينتظرون بقية الحجاج الذين ستلحقون بهم بعد يومين ،وفى سرية تامة وتمويه كبير،
ليتموا مناسك الحج الكبير بزيارة بيت ال بجبل الدم ،كدت أن أخرج مع الخارجين ،لول
أن تارديني نصحني بمشاهدة المدينة في الجولة التي أعدها المير للحجاج ،مكثات
أفكر في انتظار الجولة ،لعلي أكتشف جديداا ،فقد ط أر علي ذهني سؤال خطير وكان
على أن أبحث له عن إجابة ،ضبطت آلة التصوير بالساعة وفي نيتي تصوير كل ما
تراه عيني لتفحصه في هدوء حينما أعود للمزرعة.
في صباح اليوم التالي ذهب البعض إلى المسرح ليلهو ويمارس الجنس
والعربدة ،وتجمع بقيتنا فى ساحة كبيرة شمال شرق المدينة حيث محطة التليفريك.
كان التليفريك فريدا من نوعه ،يهبط أرضا ليستقله الركاب ،ثام يصعد لعلى
ويعبر ببطء وتؤدة من شرق المدينة لغربها ،ثام يتوجه نحو الجنوب ليسير بنا بعد ذلك
نحو الشرق مرة أخرى ليعبر بعدها نحو الشمال فرأيت عجباا.
كانت المدينة من تحتنا ومن حولنا دمذهلة ،بعدما انتهى التليفريك من الدوران
فوق ساحة المدينة أعاد الكرة مرة أخرى ولكن هذه المرة ارتفع بنا نحو قمم الجبال التي
تحيط بالمدينة من نواحيها الربعة.
على قمة الجبل الشرقي رأيت خزانات عميقة ،وكأنها منحوتة في قمة الجبل،
تتجمع بها مياه المطار ،وقال المرشد إن هناك عدة قنوات تنقل مياه المطار من كل
شبر من فوق قمم الجبال المحيطة بالمدينة إلى تلك الخزانات ،ورأيت أيض ا على الجبل
الشرقي تمثاالا ضخماا ،نصفه العلى لنسان ونصفه السفل يبدو كجبل صغير ،يستند
200
علي قمة الجبل الكبير بقدمي إنسان ،إنه إله الكنعانيين ،الله عحدد أو عهدد ،اندهشت،
ما علقة هذا الله بعقيدة هذه الجماعة؟ ،قبل أن أجد إجابة وقع نظري على عمود
ثاعباني ،كبير ومهيب ،يخرج من قمة الجبل ليتلوى وهو يصعد لعنان السماء ،فبدا لي
وكأنه إعصار أو بركان نشط ،يخرج من الجبل!.
كانت هناك المئات من التماثايل ،القل حجماا ،تحتل قمم الجبال في كل
الجهات ،ولكنى مرة دأخرى ألمح تمثاالا ضخما ومضحكا على قمة الجبل الغربي ،تمثاالا
لرجلا منتصبا قضيبه ،وعلى رأسه ريشتان عاليتان ويمسك بيده سوطا نهايته مثالثاة.
نجحت في التقاط عدة صور لمبنى معدني كبير يعلوه هوائي ضخم ،وهمست
للكاميرا ،من المؤكد أنه مركز التصالت بالمدينة.
لم أكد أستمتع بالبهجة التي أشاعها في نفسي منظر القضيب وهو يمتد من بين
فخذي التمثاال لكثار من متر أمامه! ،حتى أربكني منظر تمثاال ضخم ومخيف لفعوان
زاحف متعدد الرؤؤس ومن فوقه تمثاال أسود ،على هيئة جسم إنسان بل رأس ،يضرب
الفعوان بحربة كبيرة ،لم أعد أحتمل هذا الهراء ،ما علقة تلك الجماعة بأسطورة
الفعى لوثايان وبقاتلها الله بلعال؟! ،وهل يكون لها علقة بأسطورة القديس مار
جرجس ،الذي صرع التنين لينقذ الميرة من بين أنيابه ،بعدما كان قد التهم المئات من
قبلها ،ونشر الرعب بين الناس لشهور؟!.
ما رأيته بعد ذلك جعلني أسأل المرشد عن سبب وجود كل تلك التماثايل المخيفة،
ل.
فهمس لي قائ ا
-هذه تماثايل خادعة للله الساطي.
كنت أدعو ال أن تتسع ذاكرة الكاميرا ،وأن يمنحني الثابات والتركيز والصبر
حتى أخرج من هذه المدينة الجميلة والملعونة والتي يسكنها عتاة مجانين العبعشر.
هبط بنا التلفريك لنستقل السيارات في قافلة كبيرة اتجهت نحو الحدود الجنوبية
للمدينة حيث قصر المير ،مبنى فخم من الحجارة المصقولة ،يرتفع على أعمدة تعلوها
تيجان ضخمة ،وتحيط به وتعلوه حدائق غناء منسقة بشكل رائع.
تجاوزنا القصر وأكملنا السير نحو الحد الجنوبي وبعد حوالي ربع الساعة كنا
أمام مبنى المحكمة المنحوت في الجبل ،وقفت مبهو ار أمام مدخلها ،اثانا عشر عمودا
200
ترتفع من الرض إلى قرب نهاية الجبل تتبعتها بنظري فكدت أسقط للخلف ،رجعت
للخلف امتا ار عديدة حتي تمكنت من رؤية التيجان أعلى العمدة ،كان على كل تاج
قرص ضخم من الذهب ،يلمع تحت أشعة الشمس ،فيعكسها نحو الرض ،فبدا لي أن
هناك اثانتي عشرة شمسا تعلو المبنى.
اتجه بنا ركب السيارات نحو الشرق لعدة كيلومترات ،حيث خبيئة الفرعون ،مبنى
حجري دمستطيل ويرتفع لمسافة ل تقل عن عشرة أمتار ،طوله مثال عرضه ،حوالي
خمسة أمتار ،ويعلوه تمثاال نحاسي ضخم لثاعبان أو لحية ،في الحقيقة ل أعرف الفرق
بين الثاعبان والحية! ،اقتربت من هذا البناء الشاهق فرأيت ما ل يمكن لعيني أن تخطئه،
كانت الخراطيش والنقوش الفرعونية تغطى جوانب البناء الربعة من أسفل ،لتحكى
قصة جنود الشيطان التي طاردت نبي ال الحق ،وأفشلت صنيعه بعدما خلعوه من حكم
مصر وطردوه للصحراء ،وتواصل الخراطيش سرد أحداث كثايرة مبهمة ،وفى النهاية
تحدثات عن المؤامرة التي حبكها البدو الجلف ضد النبي المطارد ليقتلوه ،وبينت كيف
أن روح إله الحق رفعته للسماء ليصطحب أبانا الذي فى السماء ،فى عودته الميمونة
للرض ،يوم الخلص!.
بعدما تأكدت من نجاحي في تصوير جميع النقوش على المبنى ،لحقت بالركب
الذي بدأ يتحرك ببطء قاصدا معبد قوس قزح المنحوت في الركن الجنوبي من شرق
المدينة ،توقفت بنا السيارات قبل المعبد بحوالي الكيلو متر ،نزلنا وخلعنا الحذية كما
طلب منا المرشد ،وواصلنا السير على القدام في اتجاه المعبد ،كان هذا أصعب ما
واجهته بتلك المدينة المجنونة.
لقد نزلت منحد ار شديدا فكنت كمن يهوى لسفل ،وقد بينت لي شدة انحدار هذا
الجزء من ساحة المدينة ما اندهشت له أول أمس ،لماذا ينخفض الجبل كثاي ار من هذه
الناحية؟!.
ونحن نهبط المنحدر كانت المدينة تختفي من خلفنا شيئا فشيئاا ،بينما يرتفع
الجبل بسرعة نحو السماء ليشق جبال السحب فتتناثار فوق قمته فى منظر تضطرب له
العقول ،كلما نظرت لعلى الجبل هيئ لي أنه يتجه نحوى ليدهسني ،فاكتفيت بالنظر
لسفله فرأيت بداية درجات سلم عريض ،تتبعته لعلى فأخذت درجاته تضيق شيئا
200
فشيئا حتى انطبق يمينه على يساره فبدا السلم كخط متعرج ،وقد نبهنا المرشد إلي أننا
سوف نصعد أكثار من خمسمائة درجة لنصل للساحة أمام المعبد ،كان لبد من التوقف
عدة مرات للتقاط النفاس خلل رحلة الصعود التي استغرقت ما يقرب من الساعة.
كان الصعود خطأ آخر ارتكبته ،فكل ما جنيته من تلك الرحلة المرهقة هو
مشاهدة واجهة المعبد على شاشة عرض عظيمة وسماع أساطير غريبة من المرشد
الذي بين لنا في أول المر أن هذا المعبد ل يدخله إل معلم الحق في يوم هو من
يحدده ،حيث يتعبد ل ويجدد العهد مع الروح هقدوش ويتلقي منه السرار المقدسة،
وذكرنا المرشد بأن معلم الحق سوف يدخل المعبد يوم الثالثااء ،الخامس والعشرين من
شهر سبتمبر القادم ،ليؤدى طقس إيقاظ ال ،وقبل أن يبدأ العرض على الشاشة أشار
المرشد إلى عدد من أشجار التين على يمين المعبد وقال إنها أشجار البرسا المقدسة،
والتي جلس ال في ظلها وهو يبدع المخلوقات ،خلق ما يشبه ثامرتها فكان القلب،
وصنع نسخة من أوراقها فكان اللسان ،عمد بصره فلمح ظله يمتد أمامه ،فخلق الجسد
علي شاكلته ،أعجب بما صنع فصاح دمهللا دبشرى ،دبشرى لما صنعت يداي ،فسمي
مخلوقه عبعشر ،أثانى علي الشجرة ،وحين تنهد راضي ا دخلت أنفاسه في أنف مخلوقه فدبت
فيه الحياة وصار بش ار سوياا.
أعجبتني السطورة وتعجبت لقدرة النسان على مزج الخيال بالواقع ليبدع من
الوهام ما يأخذ بعقله ،انتبهت على صوت المرشد وهو يتابع الشرح على شاشة العرض
التي ظهرت عليها واجهة المعبد ،فقال.
-دمحرم على أي فرد أن يرى واجهة المعبد في الواقع ،ولهذا فإنها تختفي تحت الكسوة
المقدسة ،ذلك الغطاء الحمر من قماش المشمع المقوى ،ويتم تصوير الواجهة بآلة
تصوير خاصة ،ل تتأثار بالخداع اللكتروني ،أثاناء تغيير الكسوة والذي يقوم به معلم
الحق بمساعدة أمير المدينة وأعضاء مجلس الكهنة ،كل ثامان سنوات ،بعد الحج الكبير
بأسبوع.
في الحقيقة أثاارت الواجهة دهشتي لروعتها ،فلم أنتبه لكلمات المرشد ،كانت
واجهة المعبد قطعة من الجمال اللوني المتمازج وكأنها أقواس قزح ترتفع على عدد كبير
من العمدة التي تعلوها تيجان ذهبية ،ويعلو قوس القزح عدد من الشرفات المنحوتة في
200
الجبل وعلى سور الشرفات يمكن مشاهدة العديد من دلفين البحر وكأنها تسبح وتلهو
في الماء ،ويظهر باب المعبد في أسفل الواجهة كمستطيل صغير تحيط به عدة أعمدة
رخامية تحمل سقف الباب كتاج مثالث من الرخام الحمر القاني ،وقال المرشد إن
واجهة العمععبد ترتفع سبعين مت ار فوق العمدة لتلتحم نهايتها مع قمة الجبل ،إوان عرضها
عيبدلغ أربعة وثامانين مت ار بالضبط كحاصل ضرب الرقمين المقدسين ،السبعة والثاني
عشر.
هبطنا درجات السلم بأسرع مما صعدنا ،ولحسن الحظ لم نصعد المنحدر بل
توجهنا نحو مدخل نفق ضخم أسفل الجبل ،تجاوزناه في دقائق معدودة لنجد أنفسنا في
والد مترامي الطراف تحيط به الجبال أيضا من كل جانب ،قادنا المرشد بين الحقول إلى
المنطقة الصناعية حيث تتناثار بالمكان عدة مصانع ،ومحطة ضخمة لمعالجة الصرف
الصحي للمدينة وتحويله لسماد عضوي ،يستخدم لتخصيب حقول الوادي ،ويا لدهشتي!
كانت هناك محطة كهرباء نووية! ،انتهت الجولة أمام معبد اليقونة الضخم ،وسمعت
المرشد يقول هنا تصنع اليقونات المقدسة ،الحمد ل ما زال في ذاكرة الكامي ار متسع.
في العودة من الوادي للمدينة ،ركبنا المترو الذي ينقل العمال والفلحين من
المدينة إلى الوادي والعكس.
وهكذا تأكد لي أن ما سعيت خلفه هو بالفعل خطر حقيقي وليس أوهاماا ،تأكدت
ل.
أن الموضوع عجد خطير وأنني ل أملك من الوقت إل قلي ا
في طريقي للخروج من المدينة قادني تارديني لجتماع هام مع معلم الحق،
وحين أخبرني أن معلم الحق سيجتمع بي على انفراد كان المر بمثاابة صدمة شديدة،
تصورت أنهم قد اكتشفوا أمري ،فوضت أمري ل وذهبت بصحبته إلى المعبد ودخلت
بمفردي على معلم الحق ،كانت أوصالي ترتعد وأحشائي ترتجف ،ولكن المقابلة الحانية
من الرجل ساعدتني على أن أتمالك نفسي بعض الشيء ،طلب منى أن دأعد المزرعة
والستراحات بسرعة ،ثام كلفني بأخطر مهمة يمكن أن يقوم بها عضو بالجماعة ،وعدته
ببذل قصارى جهدي ،فأطلعني على تفاصيل المهمة وأكد على السرية التامة ثام دعا لي
بالتوفيق وقععبعل رأسي قبل أن أمضى!.
200
في طريقنا للمزرعة حاول تاردينى أن يعرف ما دار في مقابلتي مع معلم الحق،
فخاب مسعاه وشكرت ال كثاي ار على توفيقه.
----------
لدمدة عشهر ،بذلت مجهودا خرافيا لتجهيز المزرعة وزيادة سعة الاستراحات ،وفي أول
فرصة تصفحت ما بالكامي ار لأنقله على الفلشة ،فألهمني ال الجابة على السؤال الذي
كان يجول بخاطري بل إجابة ،كيف لمدينة بهذه الضخامة والتجهيزات أن تختفي عن
أعين العالم؟ ،دخلت على موقع جوجل إرث على الشبكة العنكبوتية لستطلع المر
فظهرت المزرعة بتفاصيلها عندما وجهت المؤشر إلي موقعها على الخريطة ،وعندما
وجهت المؤشر لموقع المدينة ظهرت مكانها سلسة جبال قاسية ،حركت المؤشر لمسح
سيناء بالكامل بل فائدة ،وعند مراجعتي لما تحويه ذاكرة الكامي ار من تصوير وجدت ما
توقعته ،لم تلتقط الكامي ار صورة واحدة وأنا في التليفريك فوق قمم الجبال المحيطة
بالمدينة ،على الرغم من تسجيل الكامي ار لهمسات الحجاج وكلم المرشد! ،وكل ما
صورته قبل الصعود ،فوق المدينة ،وبعدما نزلنا للرض مرة أخري ،موجود بالكامي ار
بوضوح ،ول وجود لي صورة التقطتها من فوق المدينة! ،عجبت للمر ،أعدت الشريط
عدة مرات حتى التقطت أذني كلام المرشد أمام معبد قوس قزح والذي لم أنتبه له في
حينه ،قال بوضوح إنه يتم تصوير واجهة المعبد عند تغير الكسوة وبعد تعطيل تقنية
الخداع الالكتروني ،وهكذا هداني ال للحل ،فخططت لتنفيذه في الوقت المناسب ،ولم
أستعجل المر ،فقد منحنى معلم الحق تصريحا مفتوحا بالدخول للمدينة المقدسة،
وكذلك بالخروج منها ،وقتما أشاء ،من أجل إنجاز ما كلفني به.
----------
انتهت سهير من قراءة ما كتبه زوجها وشاهدت ما صوره ،وفى الحقيقة كانت غير
صر على نسج سعيدة وتشعر بعدم الراحة لطريقة زوجها في الحديث ،واندهشت لماذا ي ل
د
اللغاز المحيرة في حديثاه؟ لقد عرف كيف ستدير الجماعة عملية تدمير العالم وهى لم
200
تعرف ،وجد الحل لمشكلة اختفاء المدينة ولم يطلعها عليه ،لم تستطع أن تتخلص مما
أصابها من إحباط ،بكت حتى جفت بعينيها الدموع ،،،كل هذا التعب ولم أتوصل
لشيء!.
فوضت أمرها ل ،وقررت العودة فو ار ،لتكون بجوار أولدها ،وليكن ما يكون.
----------
200
إن لم أجد حلمال لحلمه سأطلق طلقتي
وأموت مثل ذبابة زرقاء في هذا الظلم.
) محمود درويش(
200
في منتصف ليلة الجمعة ،الثاالث من أغسطس 2012م ،اصطحب رجال المباحث
الفيدرالية سهير إلى خارج مطار نيويورك ،وكانت مفاجأة كبيرة لها عندما وجدت أولدها
بانتظارها بمقر المباحث الفيدرالية بنيويورك.
ي من كان بأن يلحق
تحملها الجميع حين ثاارت وهددت بأنها لن تسمح ل د
بأولدها أدني ضرر ،وتوعدت بتدمير من يفكر بذلك ،وعلى الرغم من محاولت،
يوسف ونهاد ،لتهدئتها ،وصل المر إلى انهيارها تماماا.
200
----------
بعد سيطرتها على أعصابها واستعادتها لبعض الهدوء ،سمح الطباء للجنرال
سيرويس ،مدير المباحث الفيدرالية ،بزيارتها والحديث معها ،وبرحابة صدر شرح
الجنرال لها الظروف التي حتمت احتجاز ولديها بمقر المباحث ،وبعدما أفهمها أن هذا
إجراء لحمايتهما من تهديد مجهول ولكنه محتمل جداا ،تمكن الرجل من قلبها وكسب
ثاقتها فأبدت استعدادها للتعاون معه عشرط أن يتعهد لها شخصيا بضمان سلمة يوسف
ونهاد.
وفى نهاية اللقاء وافقت على أن تقيم مع ولديها برفقة زوجة الصحفي القتيل
جيمس وابنه الصغير بمنزل تابع للمباحث الفيدرالية بالعاصمة واشنطن ،حيث تسهل
حمايتهم وفى نفس الوقت تكون بالقرب من مقر اللجنة العامة للمخابرات العالمية التي
دعا الرئيس أوباما لتشكيلها للتعامل مع المعلومات الخطيرة التي تجمعت لدى أجهزة
المن على مستوى العالم.
----------
كان الجنرال سيرويس هو من تعامل مع الصحفي راؤول عندما لجأ بأوراق رضا
جلل إلى المباحث الفيدرالية بواشنطن ،وعندما دقتل الثانان كاد الجنرال أن يقتل نفسه،
فقد تعامل مع هلع ورعب جيمس بسخرية واستهتار ،ول ينسى أنه قال له.
-لول أنك ابن أخ أعز أصدقائي لاعتقلتك بتهمة إزعاج السلطات أو على القل
لسلمتك لمصحة نفسية ،ومازالت تؤلمه دموع الحباط واليأس التي انهمرت من
عيون جيمس.
----------
عندما علم الجنرال سيرويس بمقتل جميس وصاحبه ،طلب عنهما تحريات
سريعة وقام بمراجعة الوراق التي كان قد سلمها جيمس لبعض المسئولين بواشنطن،
وكذا قام بقراءة ما وصل إليه من فلشات ،التي بعثات بها سهير له ولغيره من
المسئولين بواشنطن ،فهاله ما بها من معلومات وأحداث حتى إنه لم يستطع التخلي عن
فكرته المسبقة بأن جيمس وصديقه مخبولن ،ولكن توالت التقارير سريع ا لتؤكد على
صحة كل ما جاء بالوراق.
200
طلب جيمس لقاء الجنرال بلير مدير المخابرات المركزية المريكية ،السي آي
إيه ،وبعد لقاء استمر ثالث ساعات ،لم يعد لديهما مجال للتردد وهرعا على الفور إلى
لقاء الرئيس أوباما.
أبدى الرئيس اهتماما شديدا بتلك المعلومات ،واستمع باهتمام بالغ لتوقعات
ل ،كيف لم ترصد أجهزة
مديري أهم جهازي أمن في العالم ،ولكنه طرح عليهما سؤا ا
المراقبة مثال هذه المدينة المزعومة؟.
غادرا البيت البيض بعدما حصل من الرئيس على قرار بتشكيل اللجنة العامة
للمخابرات العالمية علي أن يقدما تفسيرا دمقنع ا لعدم رصد تلك المدينة من قبل مئات
القمار الصناعية وغيرها من وسائل المراقبة الدقيقة ،والتي تغطي كل شبر من الكرة
الرضية وفضائها ،وذلك خلل أسبوع من تاريخه.
----------
تم تشكيل اللجنة العامة للمخابرات العالمية من ضابط عظيم من كل دولة من
دول مجموعة العشرين ،المسيطرة على الاقتصاد العالمي ،بالإضافة إلى ثالث دول
هامة بالشرق الوسط وهى مصر والمملكة العربية السعودية ودولة إسرائيل ,وتم إسناد
رئاسة اللجنة إلى الجنرال بيتر ،ويساعده الجنرال سيرويس ،وقد تم إحاطة تشكيل اللجنة
بسرية تامة للتعامل مع احتمال اختراق الجماعة الرهابية لبعض أجهزة المن
والمخابرات على مستوى العالم حتى إن رئيس كل دولة هو من قام بترشيح ضابط من
مخابراته لعضوية اللجنة وبشكل سرى للغاية بعد اتصال شخصي من الرئيس أوباما،
ومنذ اللحظة الولى تم الاتفاق على استبعاد السياسيين ،عدا رؤساء الدول المشاركة
باللجنة ،من معرفة أدنى معلومة عن تشكيل اللجنة أو عن مهمتها.
وراح الجميع يعمل في سرية تامة وبهمة عالية ،فالكل يدرك أن الوقت يداهمهم،
وعلى الرغم من النشاط المحموم لعضاء اللجنة ،فقد مرت ثالثاة أسابيع دون الوصول
لجديد.
----------
توترت العصاب لقصى درجة ،حين توالت التقارير من جميع أنحاء العالم
تتحدث عن أحداث مريبة راحت تضرب الاقتصاد العالمي ،فقد اجتاحت حمي البيع
200
جميع البورصات العالمية ،مما أدى إلى انهيار العديد منها ،وتخريب اقتصاديات دول
جنوب شرق أسيا والشرق الوسط والعديد من دول أوروبا ،وبدا أن العالم في طريقه
لسوأ كساد يمكن أن يتعرض له القتصاد العالمي ،وراحت الكوارث الاقتصادية
العالمية تتوالى بل مقدمات أو أسباب مقنعة لخبراء الاقتصاد ،الذين أبدوا دهشتهم من
انهيار أسهم المئات من البنوك والشركات العالمية في نفس الوقت الذي ارتفعت فيه
أسعار الذهب والفضة وغيرها من المعادن الثامينة والحجار الكريمة لمستويات خيالية،
وقد تزامن مع الصعود الصاروخي لسعار الذهب ،نشاط محموم في سوق الأنتيكات
واللوحات الفنية النادرة ،وبدا المر وكأن هناك من يتخلص مما يمتلكه ،ليشترى الذهب
وغيره من المعادن النفيسة ،وكذا التدحف والوحات الفنية النادرة.
على ضوء تلك المعلومات دعا الجنرال بيتر اللجنة العامة للمخابرات لاجتماع
سرى لمناقشة أسباب ونتائج ما يحدث من تخريب دمتععععمد لاقتصاديات العالم ،ولمحاولة
الجابة على سؤال جديد من الرئيس أوباما ،،،هل ما يحدث له علقة بأسطورة
الجماعة المزعومة ومدينتها المخفية؟.
قبل الاجتماع توالت تقارير من إسرائيل ومصر أثاارت الدهشة وفتكت بأعصاب
الجميع ،وكأن هناك تطابقا بين المعلومات المصرية والسرائيلية ،فالدولتان تتحدثاان
عن تدفق كبير لسياح السفاري من إسرائيل لصحراء سيناء ،وقد تم التأكد من معلومات
مريبة حول كنه تلك الرحلت وهؤلء السياح ،فمعظمهم شخصيات مرموقة علميا
واقتصادياا ،بدولهم وعلى مستوى العالم ،ومما أثاار شكوك أجهزة المن في البلدين ،هو
اختفاء تلك الوفود بعد دخولها لسيناء بساعات.
في الاجتماع لم يتمكن الجنرال بيتر من التحكم في أعصابه ،وبدا محبطا وعلى
وشك الانهيار عندما سمع الجنرال سيرويس يقول.
-يبدو أن الجماعة قررت تقديم موعد تجمعها الكبير المزعوم.
في نهاية الاجتماع اقترح الضابط المصري حضور زوجة رضا جلل ،الاجتماع
القادم لتستجوبها اللجنة ،فقد لحظ أن جلل ديراهن على ذكاء زوجته ،وعلي ما لديها
ضلة من معلومات ،في كشف الغموض الذي أحاط به الحل الذي توصل إليه لمع ل
د
اختفاء تلك المدينة المزعومة ،والذي أشار إليه بوضوح فيما كتبه.
200
----------
لم يعد لدي الجنرال بيتر صبرر ،فذهب بنفسه لمقر إقامة سهير ،ليعيد استجوابها
بنفسه ويستمع لرأيها فيما يواجهونه من معضلت وألغاز.
أبدت سهير دهشتها للجنرال من حبسها بالفيل لسابيع دون سماع ما لديها
ومناقشتها في المر ،اعتذر الجنرال وأوضح لها أن العصاب مشدودة وهذا يسمح
بأخطاء كثايرة ومنها عدم سماع أقوالها حتى اليوم.
فجرت سهير مفاجأة ،اندهش لها الجنرال ،فقد أخبرته أن زوجها تحدث معها
هاتفياا ،قبل وفاته بيومين أو ثالثاة ،حيث أخبرها بأنه قد ترك لها رسالة وفلشة بفندق
بواشنطن ل تتذكر اسمه ،وأخبرها أيضا بأنه قد حجز باسمها غرفة بذلك الفندق ،ل
تتذكر موعده ،وبررت حجبها لتلك المعلومات بأنها بذلت مجهودا كبيرا لتتذكر اسم
الفندق فلم تنجح ،كما أنها ممنوعة من الخروج من الفيل ،وحتى من استعمال الهاتف،
ثام أجهشت في البكاء وأضافت.
-كنت أرغب في الوصول بنفسي للخطاب والفلشة ،لعرف ما بهما قبل أن أخبركم،
كنت خائفة على ولدي وأريد أن أتأكد من أنهما في أمان ،،،أنا خائفة ،،،أنا خائفة.
ربت الجنرال على كتفها وقال.
-لست غاضب ا منك ،وأتفهم موقفك ،لكن أرجوك ل تخفى عنى أي معلومة حتى لو
حسبتيها بسيطة وغير مهمة.
قال ذلك ثام راح يتحدث هاتفيا مع الجنرال سيرويس ،وبعد عشر دقائق تلقى
مكالمة تليفونية تهلل لها وجهه وطلب من سهير مرافقته لفندق ريزورت بواشنطن.
----------
في مكتبه بمبنى المخابرات المركزية بواشنطن كان أعضاء اللجنة العالمية
للمخابرات ومعهم سهير يطلعون علي ما كتبه رضا جلل ويشاهدون ما وضعه على
الفلشة من تصوير ،كتب يقول.
زوجتي العزيزة ،أعرف أنى قد أطلت عليك ،ولكنى ل أثاق إل بك وبصديقي
جيمس ،وأعتذر لتوريطك فى هذا المر ،ولكن هذا قدرنا.
200
كنت قد زرتك في دمياط الجديدة وطلبت منك الذهاب لمريكا على وعد اللقاء
وجمع شملنا بعد أسابيع ،وقد أعطيتك في هذا اليوم فلشة تحوى الحداث والمعلومات
التي جمعتها منذ لقائنا الول بدمياط الجديدة ،والن سأروي ما حدث خلل الشهر
الماضي ،وقبل هروبي من سيناء لختفي بعيدا عن متناول يد تلك الجماعة القاتلة
وعن يد كل من يطاردني ،فهم كثار.
حدثاتك عن استدعاء معلم الحق لي بعد انتهاء مناسك الحج ،لقد كلفني الرجل
بالمسئولية عن نقل أجهزة مهمة من المدينة المقدسة إلى المزرعة وتسليمها لشخاص
معينين من لقعبل قيادة الكنيسة النجليكانية بروما ،وكذا استلم طرود منهم ونقلها
للمدينة.
بعد انتهائي من تجهيز المزرعة والاستراحات لاستقبال التجمع ،وعودتي من
الإجازة التي قدمت إليكم بدمياط خللها ،راقبت من يطاردني بمدينة شرم الشيخ
وتحركات السلطات المصرية فوجدت الوضاع آمنة إلي حد معقول ،ومع هذا قررت
عدم مغادرة المزرعة نهائي ا لختفي عن أي عين يحتمل أنها ترصدني ،وتفرغت لتنفيذ
ما كلفني به معلم الحق.
كنت أدخل المدينة وأخرج منها وقتما أشاء ،ومع هذا التزمت بالحذر الشديد في
تحركاتي وفى حواراتي مع قيادات المدينة ،تتبعت ما يدخل ويخرج من المدينة من
أجهزة وتجهيزات ،كنت مندهشا لقصى عحد ،كيف تخرج وتدخل طرود بهذا الحجم من
الحدود المصرية؟ ،وكيف تخترق المواني والمطارات حول العالم بهذا الشكل؟!.
وعحعدث أن حضر للمزرعة شخص يبدو أنه يتبوأ موقع ا رفيع ا بالجماعة ،أصر
هذا الشخص على أن أصطحبه بنفسي ليسلم ما معه لمعلم الحق يدا بيد ،وبرر ذلك
بأنه يحمل طردا هام ا للغاية وأطلعني على مكتوب من الأب سيرجوني بروما يأمر
بتنفيذ ما يطلبه منى هذا الرجل.
ولمجيئه يوم دخول معلم الحق لمعبد قوس قزح للتعبد والاطلع ،وهذا يستمر
عدة أيام في العادة ،حل بضيافتي فأكرمته وسعد بصحبتي ،وخلل يومين توطدت
العلقة بيننا ،وهذا بفضل الساعات الطويلة التي قضيناها سوي ا ،كما أنى لم أبخل عليه
بأشهى الطعام وأزكى الشراب ،والحمد ل أنى فعلت فقد كسبت ثاقته بسرعة ،شجعتني
200
رقته في أن أبدى له دهشتي من أن مدينة بهذا الحجم تختفي عن أنظار العالم كل هذه
السنوات ،فأخبرني الرجل بأن الجماعة تضم أعظم علماء العالم في مختلف فروع العلوم
التطبيقية ،وأنهم قد توصلوا لتكنولوجيا تسمى الخداع الإلكتروني حيث يمكنهم إخفاء
الكرة الرضية نفسها ،وليس المدينة فقط ،فتأكدت من أنه المبنى المعدني الذي يعلوه
الهوائي الضخم.
كنت قد أخبرتك بأن ال قد ألهمني العحل وبالفعل أنا في طريقي لتنفيذه ،ولكن
الخطر هو أنى قد عرفت من هذا الرجل بأنه يحمل نسخا دقيقة لجهزة إطلق
السلحة النووية لدى كل من الوليات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين ،وقال
الرجل أنه بوصول تلك الجهزة لمعلم الحق فأنه يستطيع أن يطلق كل ما يملكه العالم
من سلح نووي في غضون ساعة واحدة ،وعندما أبديت دهشتي وعدم تصديقي لما
يقوله ،أخبرني بأمر جلل ،فقال.
-المر مدهش بالفعل ،ولكنني اشتركت بنفسي في تنفيذ تجربة حية لجهاز إلكتروني
من اختراع علماء الفيزياء بالجماعة ،وبعدها بت أصدق أننا قادرون على كل شيء.
سكت لبرهة ثام سألني.
-ماذا تعرف عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالوليات المتحدة المريكية؟.
-أعرف أن تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لدن ،قام بضرب برجي التجارة العالمي
ومبنى البنتاجون بالطائرات ،وقد اتخذها المحافظون الجدد بقيادة بوش الابن ذريعة
لتدمير العراق وأفغانستان والاستيلء على ثاروات العالم السلمي.
ابتسم في سخرية وكأنه يستهزئ بما أقوله ،أبديت اعتراضي فقال.
-أنت تصدق إذن رواية بوش؟.
-نعم أصدق ،وأحب أن أصدق ،ويسعدني أن يتلقى المارد الأمريكي صفعة مهينة،
على يد مجموعة من الشباب المتمرد على سطوة أمريكا ،كما أن أسامة بن لدن اعترف
بنفسه بمسئولية تنظيم القاعدة عما حدث.
-وهل تتصور أن مجموعة مطاردة في جبال أفغانستان ،وتعيش عيشة بدائية جداا،
يمكن لها أن تقوم باختراق كل وسائل الدفاع المريكية؟.
200
-كثاي ار ما احترت لهذا المر ،لكني تمنيت أن يكون الضعفاء هم من صفعوا أمريكا،
كما أن اعتراف بن لدن وعدم وجود تفسير آخر لما حدث ،جعلني أصدق تلك الرواية
كما صدقها الكثايرون.
-هناك تفسير صحيح لما حدث ،وكادت أن تتوصل إليه لجان التحقيق المريكية
وأهمهم لجنة التحقيقات الفيدرالية برئاسة بوب كين ،ولكن نفوذ أعضاء الجماعة،
استطاع التغطية على الحقيقة وجعل الجميع يتبنى تفسير بوش وأعوانه ،والحقيقة هي
أن جماعتنا هي المسئولة عن تلك الحداث ،والتي في حقيقتها كانت تجربة حية
لقدرات هذا الجهاز الفذ الذي اخترعه علماؤنا ،والذي يستطيع اختراق الأكواد السرية
للاتصالت في الجهزة الحساسة بالوليات المتحدة المريكية وبأي مكان بالعالم ،ولقد
تم وضع هذا الجهاز بغرفة سرية ببدروم المبنى رقم سبعة من ملحقات مركز التجارة
العالمي ،وعن طريقه تم توجيه الطائرات لضرب برجي مركز التجارة ومبني البنتاجون
بل واختراق كود الاتصال بطائرة الرئيس نفسه ،وفى نفس اللحظة تم التشويش على
جميع أجهزة الدفاع الجوى وعلي جميع المطارات العسكرية بأمريكا ،في الحقيقة تحولت
الوليات المتحدة من عملق قادر وقوى إلى كائن مشلول تمام ا ل حول له ول قوة ،ولم
تسترد أمريكا أنفاسها إل حينما عدعمعر العجهاز نفسه ذاتيا وبعدما أدى مهمته بنجاح،
ولمدة ساعة كاملة.
قال ذلك ثام ابتسم وأضاف.
-بعد أحداث سبتمبر لم تتوقف البحاث من أجل تطوير هذا الجهاز ليعمل خلل
دقائق ،علي فك جميع الشفرات الموجودة على أية بقعة ،بالكرة الرضية أو بالفضاء.
----------
كان الخبر دمذهل ا ومرعب ا ،الجماعة تمتلك عدة وسائل لتدمير العالم ،تكفى كل
وسيلة منها للقضاء على البشرية قضااء مبرماا ،فها هو الشيطان مدفون هناك ،على
الحدود السويسرية الفرنسية ،ينتظر في خبث ليبتلع الكرة الرضية بما عليها ،وها هو
جهاز البث الإلكتروني سيضرب العالم بالشلل التام ،وها هي شفرات التفجير النووي،
لكل الدول النووية العظمى ،بيد معلم الحق هذا ،وقبل كل ذلك هناك المئات من القنابل
النووية والارتجاجية وأجهزة تغير المناخ قد تم برمجتها وتوزيعها على أماكن عديدة
200
بالكرة الرضية ،تم اختيارها بعناية لضمان تدمير الكرة الرضية بنظام الدومينو ،حيث
يؤدى تفجير منها إلى تنشيط بركان ومن بعده زلزال ثام فيضانات ومن بعدها أعاصير
مدمرة.
لم يعد أمامي من الوقت إل قليرل ،وفي الحقيقة لم تكن المشكلة في الوقت فقط،
المشكلة الكبري هي كيف أجعل قادة العالم يصدقونني؟ ،ولو أني نجحت فى إقناعهم
بالمر ،كيف لي أن أضمن أل يتسرب الخبر للجماعة فيبكر دمعلم الحق بالبدء في
الكارثاة؟ ،ومن يضمن أن قادة العالم سوف يتصرفون بذكاء وسرية لحباط مخطط تلك
الجماعة الشريرة؟.
ما دهشت له في تلك الليلة ،وأزعجني كثاي ارا ،هو تلشي قدرتي على النوم
مغناطيسياا ،كما أن الحلم والرؤى توقفت تمام ا.
فى تلك الليلة لم يغمض لي لجفن ،توضأت وكلما انتهيت من صلة انهمكت في
أخري ،وهكذا بل توقف حتى تيبس ظهري ،جلست أق أر القرآن فغفلت عيني ،ل أدرى
هل نمت أم رحت في غيبوبة الوجد والحب اللهي ،صدح في أذني آذان الفجر
فانتفضت مذهولا من أين يأتي صوت الذان وأقرب مسجد للمكان علي دبعد حوالي
مائتي كيلومتر؟! ،شعرت بعقلي دمتقدا وبحيوية لم أعهدها بجسمي من قبل ،توقعت أن
تأتيني الرؤيا مرة دأخرى فهدأت نفسي وقمت لصلة الفجر.
أثاناء الصلة هيئ لي أنى أغادر جسدي وأطفو عالياا ،كنت أنظر بدهشة
لجسدي وهو يركع ويسجد ،ثام ابتعد جسدي ،والمكان ،كثاي ار وبدا المر وكأني أحيط
بالكرة الرضية بنظري ،راحت الرض تتضاءل حتى بدت كالكرة الصغيرة تسبح وسط
كومة هائلة من الكرات المضيئة ،مختلفة الحجام ،أخذ الكون يتضاءل حتى احتويته
بنظرة خاطفة ،ما هي إل لحظة واحدة وعاد كل شيء لصله ،كون ل نهائي في حجمه
يحتويني كشيء ل نهاية لصغره! ،انتهيت من صلتي ،تحسست جسدي ،لم أشعر به
وكأني أصبحت خيالا ،نورا ،هواءا ،عدما؟ ل أدرى ،بصعوبة بالغة مددت يدي وتناولت
المصحف فعاد لي عقلي وجسدي ،لحظات واجتاحتني رغبة جامحة في النوم ،بالكاد
تسلقت السرير ،نمت أقل من الساعة ،لأصحو فرح ا مهللا ،كبرت كثاي ار ،،،ال أكبر
200
،،،ال أكبر ،فقد تيقنت بأن ال معي فهدأت نفسي ،وتأكدت من جدوي العحل الذي
كنت قد قررته ،وبدأت من فوري فى تنفيذه.
جازفت بالاتصال بالمهندس جوفني ،كبير مهندسي مصنع الهواتف المحمولة،
الذي كنت شريكا في ملكيته بنابولي ،لستحثاه على إنجاز ما طلبته منه بسرعة،
فأخبرني بأنه سوف يحضر لشرم الشيخ غدا ليسلمني ما طلبته منه.
تظاهرت بأني أعانى من عمغص عشديد وأحتاج لمعاودة الطبيب ،وتمت المقابلة
مع جوفني بقسم الاستقبال بمستشفى شرم الشيح بناء على اتفاقنا أمس ،تمددنا على
أسرة متجاورة ،فتمكنا من إتمام الصفقة بسرعة فائقة ،ودون أن يدرى بنا أحد.
في اليوم التالي دخلت بالرجل للمدينة وتركته على باب معلم الحق ورحت
أتجول بالمدينة ،ركبت سيارة حتى الجبل الغربي للمدينة وتمكنت من دفن الحل ،الذي
ألهمني ال إياه ،في مكان قدرت أنه أسفل المبنى المعدني الذي حدثاتك عنه.
----------
لم يتمالك الجنرال بيتر نفسه من الغضب ،وقال وكأنه يتحدث إلى نفسه.
-لماذا يصنع هذا المصري كل تلك اللغاز الغامضة.
راح يتحرك في المكان في عصبية بالغة ،التفت نحو الجنرال سيرويس وقال.
-كيف حصل هؤلء على أجهزة شفرة إطلق السلحة النووية حتى أصدق أنهم
قلدوها ،أظن هذا المصري يتلعب بنا ،أي جهاز هذا الذي يتحدث عنه ويقول إنه
أصاب الوليات المتحدة بالشلل التام بعدما فجر برجي التجارة العالمي ومبني
البنتاجون ،هذا شيء ل يصدق.
استدار ،ليعطي للحضور ظهره ،وراح يردد.
-هذا غير معقول ،،،غير معقول.
وأضاف بغضب.
-أعتقد أن هذا المصري يتلعب بنا.
ثام التفت نحو الجنرال سيرويس مرة أخرى وقال.
-نحن نهذى يا سيادة الجنرال.
قال الجنرال سيرويس بهدوء وهو ينظر في اللشيء.
200
-لو كان المصرى ،شخصا مخبولاا ،أو أنه يتلعب بنا كما تقول ،فكيف عرف بحقيقة
إعصاري توسينامي وكاترينا ،وكذا زلزال هاييتي ،وكيف نما لعلمه نتائج التحقيقات
السرية التي تمت بشأن حرائق روسيا وفيضانات وباكستان؟! ،أعتقد أنه علينا التحدث
مع ذلك المهندس الإيطالي.
ثام لمعت عيناه بالدهشة وهو يقول للجنرال بيتر.
-يبدو لي أن المصري احتاج لهاتف محمول بمواصفات خاصة.
صاحت سهير.
-كنت أتساءل لماذا كتب زوجي أرقام ا ل معني لها بالخطاب الذي تركه لى بالفندق،
لو رتبنا تلك الرقام حسب السطور الموزعة عليها ،سيكون لدينا رقم هاتف نقال،
مصري01225339133،؟ إنه من أرقام شركة موبينيل المصرية.
ارتاح الحضور لما توصلوا إليه ،وبعد سبعين دقيقة كانت اللجنة تتحدث،
بالفيديو كنفرانس ،مع المهندس جوفني الموجود بمبنى المخابرات الإيطالية بنابولي،
والذي أوضح لهم بأنه قام بصنع هاتف نقال ،على شكل ساعة يد وبمواصفات خاصة،
لصالح السيد محمد يوسف ،وقد سلمه له في شرم الشيخ مقابل عشرين ألف يورو.
----------
قام رجل المخابرات المصري بالاتصال بشركة موبينيل فتأكد خلل دقائق من
أن هذا الرقم مسجل لديهم باسم محمد يوسف ،رجل أعمال إيطالي الجنسية ،وأخبرته
الشركة بأن هذا الرقم لخط بزنس بفاتورة ولم يستخدم حتى الن ولو لمرة واحدة.
بعد الاجتماع توالت الخبار السيئة ،انهيار جليدي ضخم بالقطب الشمالي يهدد
بغرق عشرات المدن بسواحل أفريقيا الشمالية وكذا سواحل بريطانيا وأسبانيا ،فيضانات
ضخمة بجنوب شرق أسيا وعلي سواحل اليابان ،رصد عدة زلزل تضرب العديد من
الدول جنوب خط الاستواء.
تأكد للجميع أن الجماعة تجرى تجارب حية لسلحتها الفتاكة ،ومع المعلومات
القادمة من الحدود المصرية السرائيلية عن استمرار تدفق آلف السياح في رحلت
سفاري ثام اختفائهم ،المريب داخل سيناء ،بات من المؤكد أن الجماعة علي وشك تنفيذ
مخططها بتدمير العالم.
200
وقد تناقلت وسائل العلم الكثاير من القاويل والتخمينات والتوقعات حول بدء
أحداث يوم القيامة ،فساد الهلع جميع أنحاء العالم خاصة مع فشل الحكومات في تقديم
تفسيرات مقنعة لما يحدث بأرجاء المعمورة ،هذا وقد تزايدت حالت الانتحار بجميع
مناطق العالم.
----------
أثاناء اجتماع اللجنة العالمية للمخابرات بمقر و ازرة الدفاع المريكية ،البنتاجون،
فى يوم السبت ،الخامس والعشرين من أغسطس 2012م .فوجئ الحضور بوجود
رؤساء الدول العشرين ،بالضافة للرئيس المصري والعاهل السعودي ورئيس الوزراء
الإسرائيلي ،خارج قاعة الاجتماع ،فقد رأى الرؤساء ضرورة أن يكون القرار بيد
السياسيين ،مع احترامهم الشديد للعسكريين وتقديرهم لما يبذلونه من جهود خارقة.
اشتعلت العصاب وعلى غير العادة امتلت القاعة بدخان السجائر ،بالرغم من
توسلت وأوامر الجنرال بيتر للحضور بالكف عن التدخين ،تفجرت الصدور بالغضب
وتعالت أصوات السعال ،وفجأة صاح الضابط السرائيلي يطلب الكلمة وهو يرفع جهاز
الكومبيوتر خاصته عالياا ،عساد القاعة هدوء متولتر ،فقد تمنى الجميع أن يكون هذا
الضابط المغرور قد توصل لحل لتلك الورطة العجيبة والغير متوقعة.
تكلم الضابط السرائيلي بثاقة مبالغ فيها وبأعصاب باردة ل تتناسب مع الموقف
العصيب ،قال.
-كل ما حاول أن يفهمنا إياه المصري ،صحيح وخطير ،وأعتقد أنه لجأ لللغاز
حماية لخطته العبقرية.
جال بنظره بين الحضور وتمادي في ابتسامته المستفزة ،صاح به الجنرال بيتر
بأن يطرح ما لديه بسرعة فأضاف.
-لقد توصل المصري إلى أن الجماعة ستقوم باستخدام القمار الصناعية وشبكة
النترنت فى تفجير القنابل حول العالم ،ولنه رجل ذكى ويعرف أن تعطيل القمار
الصناعية والشبكة العنكبوتية تعنى شلل ا تام ا للعالم وخسائر فادحة ل يمكن تعويضها،
فقد بذل مجهودا خارق ا ليطلعنا على العحل المن.
وأضاف.
200
-أود أن أعلن عن إعجابي بالمصري وتقديري لذكائه وحسن تصرفه.
ل.
ثام ابتسم في ثاقة وواصل حديثاه قائ ا
-كيف لم ينتبه أحدنا ،خلل اليام الماضية ،لما ذكره ،حين قال إنه عرف كيف
ستدير الجماعة خطة تدمير العالم عندما شاهد اللوحة الجدارية في قدس القداس ،إنها
الشبكة العنكبوتية بل جدال.
راح ينظر للجنرال بيتر وأضاف.
-وقد أشار أيضاا ،وبوضوح ،لتلك التجربة المريبة التي تجرى في منطقة سيرن ،على
الحدود الفرنسية السويسرية ،حينما قال ،وهناك الشيطان مدفون على الحدود السويسرية
الفرنسية ،وأنا أتساءل ماذا لو فشلت تلك التجربة بفعل فاعل؟.
لم ينتظر إجابة وواصل حديثاه فقال.
-ستدعدعمر الكرة الرضية بما عليها ،وفي دقائق معدودة.
راح ينظر للجمع ،الذي ساده سكون الحباط والضجر ،وأضاف.
-من حسن الحظ ،وجود السادة الرؤساء خارج القاعة ،أرجو من الجنرال بيتر حثاهم
على اتخاذ قرار فوري بوقف تلك التجربة المريبة لدرء أي خطر محتمل منها.
ل.
قام الجنرال بالاتصال بالرئيس أوباما ،ثام توجه بالحديث للحضور قائ ا
-سيتم إيقاف التجربة وسوف يعطينا ،الرئيس أوباما ،التمام بذلك بعد عشر دقائق من
الن.
أشار للضابط السرائيلي ليواصل حديثاه فقال.
-كل ما تحدث عنه المصري صحيح ،نعم هناك ما يعرف بتكنولوجيا الخداع
الإلكتروني ،إواسرائيل تستخدم تلك التكنولوجيا المتقدمة منذ عشر سنوات لإخفاء مواقعها
الهامة والحساسة إوابعادها عن عيون القمار الصناعية ،حتى إن العالم أعتقد أن هناك
اتفاق ا بيننا وبين شركة جوجل بغرض عدم إظهار تلك المواقع على الشبكة العنكبوتية،
والحقيقة أن هذه المواقع ل يمكن رصدها أو تصويرها من الفضاء ،لن هناك لوحة
إلكترونية ترتسم في الفضاء لتخفى هذه المواقع تمام ا.
ل.
تهلل الجنرال بيتر وصاح في الضابط قائ ا
-وهل هناك حل يا بنى لهذه المعضلة؟.
200
أجاب الضابط وهو يتمايل في زهو وخيلء.
-المهندس اليطالي قال إنه سلم المصري هاتف ا نقالا على شكل ساعة يد ،والمصري
قال بوضوح إنه دفن الحل تحت الجبل الغربي لهذه المدينة ،ويقيني بأن الحل الذي دفنه
الرجل بالمدينة هو هذا الهاتف ،وقد أمدنا الرجل العظيم برقم هذا الهاتف ،وهكذا يمكننا
أن نحدد موقع المدينة فو ارا ،فإذا ما اخترقنا اللوحة الفضائية فوق المدينة فسوف تظهر
على تلك الشاشة في نفس اللحظة.
قال ذلك وهو يشير نحو شاشة عرض كبيرة ،تعرض ما تبثاه عشرات القمار
الصناعية ،من مشاهد من جميع أنحاء المعمورة.
ل.
صاح به الجنرال سيرويس قائ ا
-كيف يمكن اختراق ما تتحدث عنه من لوحة إلكترونية فضائية؟.
-لو تم قذف موقع المدينة بقنبلة نيترونية متطورة ،وفى وقت ل يتجاوز الربعين ثاانية،
ستجذب النيترونات دكل اللكترونات من منطقة يبلغ قطرها حوالي عشرين كيلومتر
مربع.
ثام ابتسم وأضاف.
-وإليكم الخبر السعيد ،تمتلك إسرائيل العشرات من تلك القنبلة الحديثاة جداا.
صاح الجميع مهنئين أنفسهم ،وبعضهم بعض ا ،ولول مرة ،منذ أكثار من ثالثاة
أسابيع ،يبتسم الجنرال بيتر وتتعالى ضحكات الجنرال سيرويس.
----------
بعد خمس دقائق اعتلى المنصة ضابط المخابرات المصري ،ليطلع الجميع على
أنه تم الاتصال بالهاتف المفترض بأنه موجود بالمدينة ،وقد تم تحديد موقعه بدقة
متناهية ،ثام أضاف والدموع تنهمر من عينيه.
-لقد تراجع منسوب المياة ببحيرة ناصر ،وبمجري النيل ،لدرجة خطيرة تهدد مصر
بجفاف شديد.
أنهى الجنرال بيتر محادثاة هاتفية تلقاها على هاتفه المحمول ثام أشار للجمع بالصمت
وقال.
200
-لقد أبلغني للتو ،الرئيس أوباما ،بأنه قد تم التأكد من إيقاف تجربة مضاهاة
الانفجار الكوني العظيم والتي كانت تجرى بنفق يمتد تحت منطقة سيرن ،كما
أحيطكم علم ا بأن قادة الدول المشاركة باللجنة سوف ينضمون حالا للاجتماع
وسيتولى الرئيس أوباما رئاسة الجلسة.
وفى خلل خمس دقائق كان كل قائد دولة يجلس بجوار ضابط مخابراته ،بينما
توسط الرئيس أوباما الجنرال بيتر والجنرال سيرويس على منصة الاجتماع.
----------
تحدث الجنرال بيتر حديثا ا هامس ا مع الرئيس أوباما ،توجه بعدها أوباما للرئيس
ل.
المصري بالحديث قائ ا
-نشكر للرئيس شفيق تعاونه الغير محدود من أجل إنقاذ العالم ،وأرجو أن يأمر فو ار
بإخلء المنطقة ،المحيطة بالمكان المفترض أن به مدينة الشرار ،من أي سكان.
قال الرئيس المصري.
-لقد تحدثات من فوري لقائد الجيش الثاالث المصري بسيناء وتم توجيه الطائرات
بالفعل لمسح المنطقة إواخلئها وسأتلقى منه التمام خلل عشر دقائق من الن.
فقال له الرئيس أوباما.
-سيدي الرئيس ،نعرف حساسية موقفكم تجاه دولة إسرائيل ،ولكن نظ ار للظروف
الراهنة نرجو من سيادتكم السماح للطائرات السرائيلية بدخول المجال الجوى لسيناء
لتفجير القنبلة النيترونية فوق مدينة الأشرار تلك.
قال الرئيس المصري.
-سأحتاج لخمس دقائق للتحدث مع قادة الجيش بمصر لترتيب الوضاع.
ل.
شكره الرئيس أوباما ثام توجه بالحديث لرئيس الوزراء الإسرائيلي قائ ا
-كم من الوقت يمكن لدولتكم تجهيز القنبلة والطائرات إوانجاز المهمة.
فمال برأسه ليستمع لضابط مخابراته المغرور ثام وقف متهللا وقال.
-بعد عشر دقائق ،من إعطاء الذن للطائرات السرائيلية بعبور الجواء المصرية،
سوف تظهر تلك المدينة على هذه الشاشة.
وأضاف بطريقة مسرحية.
200
-فليتذكر العالم عظمة إسرائيل وفضلها.
أبلغ الرئيس المصري الرئيس أوباما بأن الجواء المصرية جاهزة لدخول
الطائرات السرائيلية ،وتركزت العيون على رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي أظهر تماسك ا
وثاقة ارتاح لهما الجميع.
شيئ ا فشيئ ا تحولت العيون في قلق بالغ نحو الشاشة الكبيرة بالقاعة ،ومرت
العشر دقائق مرور الدهر على المجتمعين بالقاعة ،صمت جليل ،همهمة متوترة تسمع
هنا وهناك ،وفجأة صاح الجنرال بيتر.
-يا إلهي إنها حقيقة ،إنها كالشيطان يطل علينا ليدمرنا.
كان الجميع غرقي في ذهولل عظيلم ،صاح ضابط المخابرات السعودي.
-إنهم قوم يأجوج ومأجوج ،إنهم الشر المؤكد والدمار الذي يسبق يوم القيامة ،إنها
العلمة الكبرى على يوم الهول العظيم.
قال ذلك وراح يخطب في الجمع المندهش.
-اعلموا عباد ال ،أنهم إن تمكنوا من تدمير السور من حولهم وخرجوا إلينا فإنه الدمار
والفناء المؤكدين ،أغثانا يا مهدي ،،،أغثانا يا منتظر.
قال ذلك وراح يصيح النجدة ،يا ال ،،،النجدة يا ال ،،،ل المر من قبل ومن
بعد ،،،ل المر من قبل ومن بعد.
طلب الرئيس أوباما من الجميع التزام الهدوء ثام التفت للجنرال بيتر وسأله.
-هل يمكن تدمير هؤلء المجانين ،مع الحفاظ علي ما يملكونه من تكنولوجيا؟.
ثام نظر للمجتمعين وقال.
-أعتقد أننا بحاجة لتلك التكنولوجيا المتقدمة لتعويض العالم خسارته بسبب العمال
الشريرة لهؤلء المجانين.
وافقه الجميع على رأيه ،بينما وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي في مكانه وقال.
-تمتلك إسرائيل قنبلة هيدروجينية متطورة ،لدي تفجيرها ،فإنها تقضى على كل كائن
حي ،حتى الميكروبات ،وذلك في مساحة يتجاوز قطرها العشرين كيلو متر مربع،
حيث إنها تحول كل كمية الكسيجين ،في هذه المساحة ،إلى ماء ثاقيل ،ويستمر فعلها
لمدة ثالث ساعات تكون كافية لتدمير الحياة تماما فى ذلك المكان ،ومن حسن حظ
200
العالم ،أن دولة إسرائيل تمتلك العشرات من تلك القنبلة ،ويمكنها تنفيذ المهمة خلل
خمس عشرة دقيقة من الن.
التفت إلي الرئيس المصري وقال في استعلء.
-هذا بعدما يأذن لنا صديقي الرئيس المصري.
تعلقت النظار بالرئيس شفيق الذي وقف ببطء ،وكأنه يفكر بأمر ما ،ثام رفع
هامته عاليا وقال في ثاقة ووقار.
-ليعلم رئيس الوزراء الإسرائيلي ،أن مصر تمتلك العشرات من القنبلة الهيدروجينية
التي تحدث عنها ،ويمكننا إنجاز هذه المهمة بإطلق الصاروخ القاهر ليصل إلى موقع
المدينة في زمن ل يتجاوز الخمس دقائق إن اتفق الجميع على ذلك.
بعد ثالث ساعات ،من حديث الرئيس المصري ،تأكدت جميع أجهزة الرصد
العالمية من تدمير جميع صور الحياة بمدينة الشر تلك.
قام الرئيس المصري ليتحدث للحضور ،فهنأ الجميع على النجاح فى حماية
العالم من التدمير ،ثام استحث القادة على التعهد بمساعدة الدول التي أضيرت من جراء
الفيضانات والزلزل والحرائق والتدمير ،ونبه الجميع إلي أن مصر مقبلة على مرحلة
خطيرة بسبب جفاف بحيرة السد العالي وتراجع منسوب النيل ،فتعهد القادة بالعمل على
إنقاذ مصر وغيرها من الدول الدمتضررة.
هدأت العصاب كثاي ار وبدأت الحاديث الجانبية والمباحثاات الثانائية ،وخيمت
السعادة على القادة ،وبعد ساعتين كان القادة يستمعون إلى الكلونيل الفرنسي ديلون،
قائد القوات الدولية بسيناء ،وهو يتحدث إليهم من داخل المدينة الميتة ععبر القمار
الصناعية.
----------
هنأ الرئيس أوباما القادة والضباط على نجاحهم في إنقاذ البشرية واقترح استمرار
عمل اللجنة العليا للمخابرات العالمية للعمل من أجل تقدم البشرية وحماية إنجازاتها ،ثام
أطلق مبادرة تمنى من الجميع الموافقة عليها فقال.
-أتمني تبني القادة العظام ،المتواجدون بالقاعة ،اقتراح ا يقضي بالنزع الكامل لكافة
أسلحة الدمار الشامل من جميع أنحاء العالم ،وبأن يتعهد الجميع بالعمل المشترك
200
والجاد من أجل نشر قيم الديمقراطية والتقدم والحضارة في العالم ،والقضاء على الفقر
والمراض وكذا علي التخلف والجهل والتطرف الديني.
وافق الحضور على اقتراح الرئيس أوباما ،وقبلوا جميع ا دعوة الرئيس شفيق
لحضور المؤتمر الدولي ،للسلم والتنمية ،بمدينة شرم الشيخ الشهر القادم ،وذلك
لمناقشة الجراءات التي سوف يتخذها العالم لمساعدة الدول الدمتضررة إواعادة تعمير
المناطق المنكوبة ،وكذا توقيع معاهدة دولية ملزمة لكافة الدول تتضمن أفكار
ومقترحات الرئيس أوباما.
وقد انشغلت أجهزة المن والدمخابرات ،على اتساع المعمورة ،في عجمع وتدمير
ما بعثارته الجماعة ،في أرجاء العالم ،من أجهزة تدميرية ومن قنابل نووية وارتجاجية.
----------
عادت سهير وولداها إلي مدينة نيويورك ،وبالرغم من الحزن الشديد لفقدهما
طف
أبيهما كان الفخر يمل نهاد ويوسف بما قدمه أبوهما للبشرية ،وقد كسب يوسف تعا د
العالم وهو يتحدث عن أبيه بفخر إواجلل ،وعأجل الجميع صمود سهير وأكب ار فيها حبها
لزوجها وغفرانها له ،وكذا تجاوزها لما أصاب أسرتها من خوف وحرمان لسنوات ،وقد
أبكت نهاد المليين وهي تبكي أباها ،وقدروا موقفها حين قالت ،إن والدها عاش يحب
مصر ومات من أجل النسانية وإنها تشعر بروحه تهيم هناك ،في أجواء مصر ،فوق
قريته شعرباص بمحافظة دمياط ،وإنها تأمل أن يساعدها الرئيس شفيق في إعادة جثامانه
ليدفن وسط أهله وأقاربه بقريته ،وأضافت أنها سوف تتخلى عن حلمها بالعيش بأمريكا
لتكون بجوار والدها الراحل.
وبالفعل تلقت أسرة رضا جلل دعوة من الرئيس شفيق بالعودة لحضان الوطن،
ومنحت مصر الأسرة فيل رائعة بالقاهرة الجديدة ،بعدما تبرعت بكل أموالها لصالح
مصر التي تمر بأزمة غير مسبوقة بسبب تراجع منسوب نهر النيل ،هذا وقد تلقت نهاد
دعوة العديد من الصحف المصرية للتدريب والعمل بها ،ولكنها اختارت جريدة الهرام
إكرام ا لذكرى والدها ،وقد أحاطت مصر ،شعب ا وحكومة ،أسرة الفقيد رضا جلل بحب
عظيم ساعدها على التماسك والستمرار في الحياة بثاقة وشموخ.
تمت.
200
د /عبد الرحمن نجاح.
دمياط.
2010 /1/7م.
200