You are on page 1of 74

1

‫تصميم الغالف‪ :‬حذيفة بلهوشات‬

‫‪2‬‬
‫الفهرس‬

‫المقدمة‪4 ......................................................................................‬‬

‫جهد سنوات‪01 ...............................................................................‬‬

‫إرهاب فكري‪ ،‬وتكفير ‪10 .....................................................................‬‬

‫فهم بالمقلوب ‪12 .............................................................................‬‬

‫معارضة ‪41 ...................................................................................‬‬

‫استنساخ‪42 ...................................................................................‬‬

‫باحث غير باحث ‪65 ..........................................................................‬‬

‫خلط أصول الفقه بمباحث الحديث‪51 ........................................................‬‬

‫كذب‪54 ......................................................................................‬‬

‫هل هي خصومة مع البخاري؟ ‪52 .............................................................‬‬

‫‪3‬‬
‫المقدمة‬

‫الحمد لله والصالة والسالم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫فقد احتفى عبد النبي الشراط مدير (دار الوطن) بإصدار كتاب (صحيح‬

‫البخاري نهاية أسطورة) لرشيد أيالل‪ ،‬ولم ينس في تقديمه للكتاب أن يعرض‬

‫دعايته لكتب سبق أن طبعتها الدار‪ ،‬فيفخر على سبيل المثال بأن الدار طبعت‬
‫كتاب (آذان األنعام)‪ ،‬ا‬
‫قائال في وصفه‪" :‬كتاب العصر‪ :‬نظرية آذان األنعام دراسة‬

‫قرآنية ألبحاث داروين في الخلق والتطور"‪.1‬‬

‫ثم يتحدث عن الداعي إلصدار كتاب (نهاية أسطورة)‪ ،‬بأنه "تبرئة الرسول‬

‫المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من كذب األفاكين‪ ،‬وخفافيش فقه الظالم‪،‬‬
‫الذين يحرفون الكالم عن مواضعه ليشتروا بآيات الله ثمنًا ً‬
‫قليال"‪.2‬‬

‫بهذا االنفعال والتشنج أعلن مدير دار الوطن تقديمه للكتاب‪ ،‬ولمعرفة شيء عن‬
‫نوعية الكتب التي يحتفي بها مدير الدار‪ ،‬يجدر الحديث ا‬
‫قليال عن "كتاب‬

‫العصر" كما يصفه‪ ،‬فكتاب آذان األنعام‪ ،‬مجرد كتاب تجاري‪ ،‬وال يوجد فيه أي‬

‫محتوى علمي‪ ،‬ال عن داروين وال في العلوم الشرعية‪ ،‬وعلى سبيل المثال‪ ،‬يبدأ‬

‫الكاتبان فيه بالحديث عن معتقد داروين بالقول‪:‬‬

‫‪ 1‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬رشيد أيالل‪ ،‬دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪1102‬م‪ ،.‬ص‪.00‬‬
‫‪ 2‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.00‬‬

‫‪4‬‬
‫"ال يشك أحدٌ أنه مات موحدً ا على الفطرة السليمة"‪.3‬‬

‫فمن أين لهما أنه ال يشك أحدٌ في هذا؟ فكيف وداروين نفسه قد شرح معتقده‬

‫في سيرته‪ ،‬بأنه كان مقتن اعا بوجود الله فترة كتابته (أصل األنواع) ثم تغير هذا‬

‫المعتقد بعد ذلك‪ ،‬يقول‪" :‬مؤمن بوجود الله‪ ،‬كان هذا االقتناع قو ّيا في ذهني‪،‬‬

‫بقدر استطاعتي أن أتذكر‪ ،‬في الوقت الذي كنت أقوم فيه بكتابة "نشأة األنواع‬

‫الحية" (أصل األنواع) لكنه أصبح منذ ذلك الوقت يزيد ضع ًفا بشكل تدريجي‬

‫جدً ا‪ ،‬مع الكثير من التقلبات‪ ،‬ولكن الشك انبثق بعد ذلك"‪ ،4‬إلى أن قال‪" :‬ال بد‬

‫لي شخص ًّيا بأن أكون قان ًعا‪ ،‬بأن أظل مؤمنًا بالمذهب الال أدري"‪ ،5‬فهو ال يثبت‬

‫إلها وال ينفيه‪ ،‬فهو ال يدري‪ ،‬ومع ذلك فال يشك أحدٌ فيما قاله المؤلفان!‬
‫ا‬

‫وقد قام المؤلفان باختراع نظرية من ذهنيهما في تصوير داروين‪ ،‬مع توزيع ما‬

‫تشتت من خواطرهما في الكتاب على أنها تفسير لآليات واألحاديث‪ ،‬ليقوال‬

‫اع إِ َل ْي ِه َسبِ ايال﴾‪،6‬‬ ‫ِ‬ ‫على سبيل المثال‪﴿" :‬ولِل ِه َع َلى الن ِ ِ‬
‫اس حج ا ْل َب ْيت َم ِن ْ‬
‫اس َت َط َ‬

‫‪ 3‬آذان األنعام؛ دراسة قرآنية علمية لنظرية داروين في الخلق والتطور‪ ،‬تأليف‪ :‬عماد محمد بابكر حسن‪ ،‬باالشتراك مع‪:‬‬
‫عالء الدين محمد بابكر حسن‪( ،‬نسخة إلكترونية)‪ ،‬الخرطوم‪ ،1112 ،‬ص‪.16‬‬
‫‪ 4‬قصة حياة تشارلس داروين‪ ،‬تحرير‪ :‬فرانسيس بيكون‪ ،‬ترجمة ومراجعة‪ :‬مجدي محمود المليجي‪ ،‬المركز القومي‬
‫للترجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،1100 ،‬ص‪.605‬‬
‫‪ 5‬قصة حياة تشارلس داروين‪ ،‬ص‪ ،605‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪ 6‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.72 :‬‬

‫‪5‬‬
‫تعني قصده والتد ّبر في أسراره واألحداث التي دارت عنده‪ ،‬وهذا أمر ال يتطلب‬

‫الزيارة"‪.7‬‬

‫وهذا معناه نفي ركن من أركان اإلسالم بهذا التأويل الفاسد‪ ،‬أما تفسير قوله‬
‫است ََو ٰى َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬
‫ش﴾‪ ،8‬فهو عندهما "أن يحترم الله ذلك النظام‬ ‫تعالى‪﴿ :‬ثم ْ‬
‫الذي صنعه ويتحكم فيه!"‪9‬وعالمة التعجب من المصدر نفسه على نفسه‪.‬‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وفي تفسيرهما لقوله تعالى‪﴿ :‬و َال َت ْق َر َبا َٰهذه الش َج َر َة َفتَكونَا م َن الظالم َ‬
‫ين﴾‪،10‬‬

‫قاال‪" :‬التي منع آدم من االقتراب منها وهي الجماع بين الزوج والزوجة"‪ ،11‬فهذا‬

‫وأمثاله جعل من الكتاب في نظر عبد النبي كتاب العصر‪ ،‬وليس من تحريف‬

‫الكلم عن مواضعه!‪ ،‬فكيف إذا أضيف إلى هذا ثقل األسلوب بتك ّلف التقليد‬
‫فيكتبان ا‬
‫مثال‪" :‬معالم في الطريق"‪" ،12‬إبراهيم كان شخصية متقدة ثورية"‪،13‬‬

‫"اإلعجاز الفني في القرآن"‪" ،14‬اإلعجاز القرآني يرسم رائعة فنية "‪ ،15‬وهذا‬

‫مجرد تقليد ومحاكاة لسيد قطب في أسلوبه بل في عين كلماته‪.‬‬

‫‪ 7‬آذان األنعام‪ ،‬ص‪.641‬‬


‫‪ 8‬األعراف‪ ،‬اآلية‪.64 :‬‬
‫‪ 9‬آذان األنعام‪ ،‬ص‪.651‬‬
‫‪ 10‬البقرة‪.66 :‬‬
‫‪ 11‬آذان األنعام‪ ،‬ص‪.162‬‬
‫‪ 12‬آذان األنعام‪ ،‬ص‪.100‬‬
‫‪ 13‬آذان األنعام‪ ،‬ص‪.101‬‬
‫‪ 14‬آذان األنعام‪ ،‬ص‪.117‬‬
‫‪ 15‬آذان األنعام‪ ،‬ص‪.167‬‬

‫‪6‬‬
‫وفي شرح عملية التطور التي ابتكراها‪ ،‬يقوالن‪" :‬لما أصبح مخ اإلنسان العاقل‬
‫ً‬
‫قابال ألن تنتقل إليه علو ٌم ال يعلمها إال رب العالمين‪ ،‬بدأت عملية نقل بعض‬

‫السلطات اإللهية إليه"‪.16‬‬

‫فهذا النص وأمثاله لم يزعج مدير الدار‪ ،‬وأخذ يصيح على غيره بأنهم يشترون‬
‫بآيات الله ثمناا قلي اال‪ ،‬ولم ِ‬
‫يكفه االسترزاق بهذا الكتاب‪ ،‬حتى قفز إلى المشاركة‬

‫في الصخب حول صحيح البخاري‪ ،‬فهو موضوعه (كتاب العصر) الجديد‪،‬‬

‫فقال‪:‬‬

‫"أدعو الباحثين المنقبين في بطون كتب التراث‪ ،‬إلى أن يقارنوا بين الديانة‬

‫الزرداشتية التي كان مهدها بالد فارس قبل مجيء اإلسالم‪ ،‬وبين بعض ما ورد‬

‫في كتاب (صحيح البخاري) سيما في مسألة المعراج‪ ،‬ليقفوا على تأثير الديانة‬

‫بل الديانات والتقاليد الفارسية القديمة على هذا الكتاب"‪ ،17‬أما الحل بنظره فهو‬

‫"العودة إلى المنبع اإلسالمي الصافي‪ :‬القرآن الكريم"‪.18‬‬

‫فيقال له‪ :‬الكالم الذي ألقاه على عواهنه بأن البخاري حوى أساطير من‬

‫الزرداشتية‪ ،‬هو محض دعوى قالها دون أن يستعرض تفاصيلها‪ ،‬ليثبت التطابق‬

‫فيها‪ ،‬بخالف الحال في الكتاب الذي يقدّ م له‪ ،‬حيث سيظهر أن فيه سرقة لجهد‬

‫‪ 16‬آذان األنعام‪ ،‬ص ‪.25‬‬


‫‪ 17‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.06‬‬
‫‪ 18‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.06‬‬

‫‪7‬‬
‫ا‬
‫مشغوال بتوجيه التهم إلى‬ ‫غير‪ ،‬ولكن صاحب دار النشر لم ير هذا‪ ،‬حيث كان‬

‫البخاري عن مراجعة ما يطبعه‪.‬‬

‫أما المقارنة التي يدعو إلى عقدها فقد قيل مثلها في القرآن نفسه‪ ،‬وهي مقارنات‬

‫متهافتة‪ ،‬حيث جاء في ملحمة جلجامش التي تعود إلى القرن الثامن عشر قبل‬

‫الميالد‪ ،19‬أن "اآللهة العظام رغبوا بإحداث الطوفان"‪" ،20‬احمل ذرية الحياة‬

‫كلها إلى قلب الفلك‪ ،‬الفلك التي تبنيها أنت"‪" ،21‬اكتسحت العاصفة البالد ليوم‬

‫واحد‪ ،‬لقد هبت بسرعة‪ ،‬ثم جاء الطوفان‪ ،‬مثل حرب غمر الناس‪ ،‬لم يعد األخ‬

‫يرى أخاه‪ ،‬ولم يعد الناس يميزون السماء"‪ ،22‬فهل يثبت هذا أن هذه هي مصدر‬

‫حتما ال‪ ،‬إذ إن القرآن لما ذكر قصة نوح لم يقل إنه أنشأ القصة في‬
‫قصة نوح؟ ا‬
‫وقت النزول‪ ،‬بل تحدث عن واقعة حصلت موضوعيا من قبل‪ ،‬فال يمنع هذا أن‬

‫يخبر عنها بعض الناس على غير وجهها‪ ،‬كما لم يقل هي القصة الوحيدة التي‬

‫حصلت في العالم‪ ،‬وال تطابق بين األمرين‪.‬‬

‫يمت إلى العلمية بصلة‪ ،‬فقد ألقى‬


‫والشاهد هنا أن ما يسلكه صاحب الدار ال ّ‬

‫كلماته دون أي بيان‪ ،‬إنما هو مجرد بيع وه ٍم‪ ،‬على أنه معرفة‪ ،‬ومن هنا يصير‬

‫الجهل مر ّك ابا فيمن يصدق أمثال هذا‪ ،‬ولكنها فنيات التسويق‪ ،‬ومن هنا احتفت‬

‫‪ 19‬انظر‪ :‬ملحمة جلجامش؛ ترجمة النص المسماري مع قصة موت جلجامش‪ ،‬نائل حنون‪ ،‬دار الخريف‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1115 :‬م‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ 20‬ملحمة جلجامش‪ ،‬ص‪.107‬‬
‫‪ 21‬ملحمة جلجامش‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫‪ 22‬ملحمة جلجامش‪ ،‬ص‪.114‬‬

‫‪8‬‬
‫الدار بكتاب رشيد أيالل‪ ،‬الذي لم يخرج عن إطار بيع الوهم‪ ،‬كغيره من الكتب‬

‫التجارية التي تنشرها هذه الدار وتبالغ في تمجيدها‪.‬‬

‫التقول على صاحبه‪ ،‬وتبين الوهم الذي يباع‬


‫السطور القليلة‪ ،‬لترد ّ‬
‫فجاءت هذه ّ‬
‫للناس على أنه حقيقة‪ ،‬ولم أتتبع الكاتب في كل زلة له فيه إنها إ اذا ستطول‪ ،‬إنما‬

‫هي مسائل منبئة عن غيرها‪ ،‬تبين جد ّية الكاتب‪ ،‬وأهليته‪ ،‬وأمانته المعرفية‪.‬‬

‫يوسف سمرين‬

‫القدس‬

‫‪1102/00/6‬م‬

‫‪9‬‬
‫جهد سنوات‬

‫جاء في العرض على غالف الكتاب‪" :‬وإن كان المؤلف لم ِ‬


‫يأت بشيء من‬ ‫َ‬
‫عنده‪ ،‬فإنه بذل جهدً ا مضن ًيا في البحث والتنقيب‪ ،‬الذي أخذ منه سنوات من‬

‫الوقت"‪ ،‬صدّ قت بالشطر األول من كالمهم أول ما طالعت الكتاب‪ ،‬ولكن‬

‫التساؤل تعلق بالشطر الثاني‪ ،‬وهو الحديث عن جهد سنوات من البحث‬

‫والتنقيب‪ ،‬وهذا يصطدم بالمراجع المذكورة في الكتاب‪ ،‬وطريقة التوثيق‪ ،‬مما‬

‫يدفع إلى السؤال‪ :‬هل هو جهد سنوات كما قيل في التقديم له؟‬

‫صحيحا‪ ،‬فهذا يعني أن شبكة اإلنترنت عنده ضعيفة جدا ا‪ ،‬وهذا‬


‫ا‬ ‫فإن كان هذا‬

‫شيء من مراجع الكتاب والتي قد ينقل عنها صفحات كاملة‪ ،‬وطريقة التوثيق‪:‬‬

‫‪" .0‬ورد في موقع األلوكة تعليق على القصة من طرف أحد المعلقين"‪.23‬‬
‫‪" .1‬سأنقل لكم ً‬
‫مقاال للكاتب المصري عبد الفتاح عساكر بمنتدى الواحات‬

‫المصرية"‪.24‬‬

‫‪" .6‬إسالم البحيري في مقالة له على موقع اليوم السابع"‪.25‬‬

‫‪" .4‬جاء في منتدى األزهري ن ًقال عن الشيخ محمد العمراوي"‪.26‬‬

‫‪ 23‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.014‬‬


‫‪ 24‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.016‬‬
‫‪ 25‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.067‬‬
‫‪ 26‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.060‬‬

‫‪10‬‬
‫‪" .6‬وجدت مقالة جامعة منشورة على منتدى السودان"‪27‬واستغرق نقله‬

‫للمقالة أكثر من ‪ 01‬صفحات من الكتاب‪.28‬‬

‫‪ .5‬وقد يوثق من المكتبة الشاملة‪ ،‬فيقول‪" :‬انتهى بنصه من مقدمة الفتح عن‬

‫الموسوعة الشاملة"‪ ،29‬وال أعلم نوع المستعرض الذي عمل عليه!‬

‫‪ .2‬ويقتبس صفحتين عن "عماد الحسن رحمه الله في مقالة له نشرها على‬

‫صفحته الفيسبوكية"‪.30‬‬

‫فهذا وأمثاله مأل به كتابه‪ ،‬ولم يجد في دار النشر من ينبهه على أن هذه الطريقة‬

‫قد تسيء إلى سمعته ككاتب‪ ،‬أو إلى الدار على أنها ربحية تجارية غير جادة‪،‬‬

‫فكيف والموضوع له عنوان كبير‪ ،‬مثل الذي يحمله الكتاب؟‬

‫ولبيان الجهد المبذول في الكتاب يحسن التعرض ألول صفحة في الكتاب‪،‬‬

‫ولك أن تقيس عليها الباقي‪:‬‬

‫فأول ما بدأ به الكاتب كتابه‪ ،‬فصل فيه‪( :‬منع الرسول للصحابة من تدوين‬

‫كالمه)‪ ،31‬وابتدأ كالمه بقوله‪" :‬سنورد بعض األحاديث التي يعتبرها المحدثون‬

‫‪ 27‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.066‬‬


‫‪ 28‬انظر‪ :‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.044‬‬
‫‪ 29‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪ 30‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪ 31‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.02‬‬

‫‪11‬‬
‫صحيحة"‪ ،32‬فقال‪" :‬روى أحمد ومسلم ‪ :...‬ال تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن‪،‬‬

‫فمن كتب عني غير القرآن فليمحه"‪.33‬‬

‫ثم قال الكاتب في محاولة بيان حرصه على التوثيق‪" :‬وروى مسلم في صحيحه‬

‫عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬قال‪( :‬جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في‬

‫الكتابة فأبى)‪ .‬كتاب الزهد والرقائق‪ ،‬باب التثبت في الحديث وحكم كتابة‬

‫العلم‪ ،‬من طريق زيد بن أسلم‪ ،‬عن عطاء بن يسار‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري عن‬

‫رسول الله صلى الله عليه وسلم به"‪.34‬‬

‫والحديث بهذا اللفظ‪ ":‬جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في الكتابة‬

‫فأبى "‪ ،‬الذي أسهب الكاتب في بيان موضعه في صحيح مسلم‪ ،‬ليس في‬

‫الموضع الذي نسبه إليه وتبجح بإثباته‪ ،‬بل الطريف أنه بهذا اللفظ ليس في‬
‫صحيح مسلم ا‬
‫أصال!‪ ،‬ويظهر أنه بحث على الشبكة ووهم فظن أن اللفظ الثاني‬

‫في صحيح مسلم وليس فيه‪ ،‬ونسخ موض اعا ليس فيه ذلك اللفظ‪ ،‬وهذا يبين أي‬

‫جهد مبذول في الكتاب‪.‬‬

‫‪ 32‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.02‬‬


‫‪ 33‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.02‬‬
‫‪ 34‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.02‬‬

‫‪12‬‬
‫وهو بهذا اللفظ في (المحدّ ث الفاصل) للرامهرمزي‪ ،‬وفي سنده عبد الرحمن‬

‫بن زيد بن أسلم وهو ضعيف‪.35‬‬

‫أثرا من مراسيل ابن أبي مليكة‪ ،‬ثم نقل عن طبقات ابن سعيد‪ ،‬وما ينقله‬
‫ثم نقل ا‬
‫المحمدية)‪ ،‬لكاتبه محمود أبو ر ّية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إنما يستنسخه عن كتاب (أضواء على السنة‬

‫فقد ساق نفس ترتيب اآلثار فيها‪ ،36‬وهذه مقارنة سريعة‪:‬‬

‫في كتاب (أضواء على السنة المحمدية)‪:‬‬

‫‪-0‬بدأ برواية حديث أبي سعيد عن أحمد ثم ذكر مسلم واختصر الحديث حيث‬

‫إنه له في مسل ٍم بق ّية لم يذكرها أبو رية‪" :‬وحدّ ثوا عني وال حرج ‪.37"...‬‬

‫‪ – 1‬ثم ذكر أنهم استأذنوا فلم يؤذن لهم‪-6 ،‬نقل عن مراسيل ابن أبي مليكة‪،‬‬

‫‪-4‬نقل عن ابن سعد من الطبقات‪.38‬‬

‫وفي (صحيح البخاري نهاية األسطورة)‪:‬‬

‫‪-0‬بدأ برواية الحديث عن أحمد ثم مسلم ووقع اختصاره للحديث على نحو‬

‫كتاب محمود أبو رية‪-1 ،‬حديث (جهدنا‪ )...‬فزعم أن الحديث في صحيح‬

‫‪ 35‬انظر‪ :‬المحدّ ث الفاصل بين الراوي والواعي‪ ،‬الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عجاج الخطيب‪،‬‬
‫دار الفكر – بيروت‪ ،‬ص ‪.627‬‬
‫‪ 36‬انظر‪ :‬أضواء على السنة المحمدية‪ ،‬محمود أبو ر ّية‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬ص‪.07‬‬
‫حجاج‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪-‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص ‪ ،0655‬حديث رقم‪.6114 :‬‬
‫‪ 37‬صحيح مسلم‪ ،‬مسلم بن ّ‬
‫‪ 38‬انظر‪ :‬أضواء على السنة المحمدية‪ ،‬ص ‪.11-07‬‬

‫‪13‬‬
‫مسلم فأخطأ! ‪-6‬أنهم استأذنوا فلم يؤذن لهم‪-4 ،‬نقل عن مراسيل ابن أبي‬

‫مليكة‪-4 ،‬نقل عن ابن سعد من الطبقات‪.‬‬

‫هذه اسمها سرقة مكتملة األركان‪.‬‬

‫مقارنة بالصور بين كتاب محمود أبو رية‪ ،‬وكتاب رشيد أيالل‪:‬‬

‫النص األول من كتاب (أضواء على السنة)‪:39‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫النص الثاني من كتاب (صحيح البخاري نهاية األسطورة)‪:40‬‬

‫‪ 39‬الصورة من كتاب (أضواء على السنة المحمدية)‪ ،‬لمحمود أبو رية‪ ،‬ص‪.07‬‬
‫‪ 40‬الصورة من كتاب (صحيح البخاري نهاية األسطورة)‪ ،‬لرشيد أيالل‪ ،‬ص‪.02‬‬

‫‪14‬‬
‫والنص الذي في المربع األحمر‪ ،‬هو للحديث الذي أقحمه أيالل في النص‬

‫األصلي وقد أخطأ في تخريجه‪ ،‬وحاول التمويه في النص األصلي‪.‬‬

‫فهذا حال باحث يريد أن ينقد البخاري؟!‬

‫وهذا الذي تمسح بعنوان "انتقاد التراث الديني"‪ ،41‬كان حريا به أن يتعلم من‬

‫هذا التراث منهج البحث الرصين‪ ،‬ويعتبر بقولهم‪" :‬من جربنا عليه الكذب‪،‬‬

‫والقول المضطرب‪ ،‬والخروج عن أسلوب الصادقين‪ ،‬إلى أسلوب المدّ عين‬

‫الدعاوى الكاذبة والسارقين‪ ،‬فإنه عندنا محكوم له بالجرح‪ ،‬وأقواله ملغاة إلى‬

‫حد الطرح"‪.42‬‬

‫‪ 41‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.2‬‬


‫‪ 42‬الفارق بين المصنف والسارق‪ ،‬عبد الرحمن السيوطي‪ ،‬حققه‪ :‬هالل ناجي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪0771 :‬م‪ ،‬ص‪.60‬‬

‫‪15‬‬
‫ونبقى في الصفحة األولى‪ ،‬فبما أنه يستنسخ حججه من كتاب (أضواء على‬

‫السنة المحمدية)‪ ،‬فقد كان حر ايا به أن يرجع إلى الكتاب الذي رد عليه فيه أحد‬

‫المعلمي‪ ،‬وحمل رده عنوان‬


‫ّ‬ ‫علماء الحديث‪ ،‬وهو عبد الرحمن بن يحيى‬

‫(األنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل‬

‫والمجازفة)‪ ،‬الذي ألقمه فيه المعلمي الحجر‪ ،‬وب ّين له كيف يكون العلم‪.‬‬

‫وقول هذا الرجل‪" :‬سنورد بعض األحاديث التي يعتبرها المحدثون‬

‫صحيحة"‪ ،43‬ثم ذكره لحديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم‪ ،‬فالحديث‬

‫فالبخاري نفسه الذي يكتب عنه هذا‬


‫ّ‬ ‫مرفوعا عند بعض كبار المحدّ ثين‪،‬‬
‫ا‬ ‫ال يصح‬
‫الرجل‪ ،‬ال يصحح رفع الحديث‪ ،‬يقول ابن حجر‪" :‬منهم من ّ‬
‫أعل حديث أبي‬

‫سعيد وقال‪ :‬الصواب وقفه على أبي سعيد‪ ،‬قاله البخاري وغيره"‪.44‬‬

‫ولو رجع إلى كتاب المعلمي لوجده يذكر هذا‪ ،45‬فلِ َم يل ّبس على الناس بأنه‬

‫حديث صحيح عند المحدثين‪ ،‬وكأنه ال يوجد فيه نقاش هل هو من قول أبي‬

‫سعيد نفسه‪ ،‬أم هو مرفوع؟‬

‫ويل ّبس على الناس بعدم ذكر األحاديث األكثر واألقوى في كتابة الحديث‬

‫لي‬
‫واإلذن بها‪ ،‬ففي صحيح البخاري‪( :‬باب كتابة العلم)‪ ،‬وفيه حديث صحيفة ع ّ‬

‫‪ 43‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.02‬‬


‫‪ 44‬فتح الباري‪ ،‬علي بن أحمد بن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محب الدين الخطيب‪ ،‬دار الكتب السلفية‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪.111‬‬
‫‪ 45‬األنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة‪ ،‬عبد الرحمن بن يحيى المعلمي‪،‬‬
‫عالم الكتب‪-‬بيروت‪ ،‬ص‪.67‬‬

‫‪16‬‬
‫وأن ال َ‬
‫يقتل مسلم بكافر‪ ،46‬وقد كان عبد الله‬ ‫وكان فيها العقل‪ ،‬وفكاك األسير‪ْ ،‬‬

‫بن عمرو يكتب الحديث‪ ،47‬وفيه اإلذن بالكتابة من النبي صلى الله عليه وآله‬

‫صريحا‪.48‬‬
‫ا‬ ‫وسلم‬

‫فمدار المنع على حديث أبي سعيد الخدري‪ ،‬ولو س ّلم أنه يعارض غيره‪ ،‬فغيره‬

‫أوثق‪ ،‬وأصح‪ ،‬وأكثر‪ ،‬ولو أراد أن ينسب الوهم لمن رواه عن أبي سعيد‪ ،‬لكان‬

‫أقرب من نسبته إلى الرواة اآلخرين‪ ،‬ولو كان يريد أن ينسب الوهم فيه ألبي‬

‫سعيد لكان أقرب من نسبة الوهم إلى غيره من الصحابة! فهو فرد وغيره أكثر‬

‫منه‪ ،‬فكيف إن أمكن الجمع بين الروايات وعدم ضربها ببعضها؟‬

‫يقول المعلمي‪" :‬ليس في النهي غير حديثين‪ ،‬أحدهما متفق على ضعفه وهو‬

‫المروي عن زيد بن ثابت‪ ،‬والثاني مختلف في صحته وهو حديث أبي سعيد‪،‬‬

‫فأما أحاديث اإلذن فلو لم يكن منها إال حديث أبي هريرة في اإلذن لعبد الله بن‬

‫عمرو لكان أصح مما جاء في النهي"‪.49‬‬

‫‪ 46‬انظر‪ :‬البخاري حديث رقم‪ ،000 :‬فتح الباري‪ ،‬دار الكتب السلفية‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪.114‬‬
‫‪ 47‬انظر‪ :‬البخاري حديث رقم‪ ،006 :‬فتح الباري‪ ،‬دار الكتب السلفية‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪.115‬‬
‫‪ 48‬انظر‪ :‬البخاري حديث رقم‪ ،001 :‬فتح الباري‪ ،‬دار الكتب السلفية‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪.116‬‬
‫‪ 49‬األنوار الكاشفة‪ ،‬ص‪.46‬‬

‫‪17‬‬
‫ولكن الرجل ال يعبأ بالحديث ا‬
‫أصال‪ ،‬فيقول‪" :‬ال يمكننا بأي حال من األحوال‬

‫علما‪ ،‬ألنها ال تملك من العلم شيئًا‪ ،‬ومنهجها منهج‬


‫اعتبار خرافة الحديث ً‬
‫أهواء‪ ،‬وأسلوبها انتقائي مزاجي‪ ،‬يخضع ألقوال الرجال"‪.50‬‬

‫لما يحسبها توافق هواه يصيح ا‬


‫قائال‪ ":‬تدل داللة قطعية على منع الرسول‬ ‫ولكنه ّ‬
‫ألصحابه من تدوين كالمه"‪ ،51‬ثم لما يخالف األمر هواه يقول‪" :‬لمن يقدّ س‬

‫الصحابة ما عليه إال قراءة القرآن ‪ ....‬يمكنك أيها المقدس المقلد أن ترجع إلى‬

‫األحاديث التي تسميها صحيحة لتقف على رأي الصحابة في بعضهم"‪.52‬‬

‫فهو ال يعبأ بالصحابة‪ ،‬وال يس ّلم بصحة األحاديث‪ ،‬فعال َم إ اذا صار حديث أبي‬

‫حجرا أساس ّيا في طرحه‪ ،‬لدرجة أنه قطعي الداللة؟!‬


‫ا‬ ‫سعيد‬

‫وحتى يظهر إلى أي درجة لم يتعلم المؤلف الدرس‪ ،‬كرر نفس اآلثار التي رد‬

‫عليها المع ّلمي من قبل دون أي تغيير‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫"ورد في طبقات ابن سعد‪ :‬أن األحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب‬

‫فأنشد الناس أن يأتوه بها‪ ،‬فلما أتوه بها أمر بتحريقها"‪.53‬‬

‫‪ 50‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.41‬‬


‫‪ 51‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.07‬‬
‫‪ 52‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫‪ 53‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.01‬‬

‫‪18‬‬
‫وفرح بهذا األثر‪ ،‬ليكرر‪" :‬إن عمر بن الخطاب قام بحرق نسخ الحديث‬

‫جمعها"‪.54‬‬
‫ً‬ ‫المكتوبة بعد‬

‫وهذا األثر نقله أبو رية قب َله‪ ،55‬ولو كان هذا الرجل طال ابا للحق لرجع إلى رد‬

‫المعلمي‪ ،‬حيث إن هذا األثر سنده‪:‬‬

‫علي أحاديث‬
‫عن عبد الله بن العالء قال‪ :‬سألت أبي القاسم بن محمد أن يملي ّ‬
‫فقال‪ :‬إن األحاديث كثرت على عهد عمر ‪ ...‬فساق األثر‬

‫أيضا إنما ولد القاسم بعد وفاة عمر ببضع عشرة‬


‫قال المعلمي عقبه‪" :‬هذا منقطع ً‬

‫سنة"‪ ،56‬فهذا األثر ال يصح‪ ،‬فلم تستدل به؟‬

‫أما فرحه بمراسيل ابن أبي مليكة‪ ،‬فقد أجاب المعلمي على نفس األثر‪" :‬ال‬

‫ندري ما سنده إلى ابن أبي مليكة‪ ،‬وب ّين الذهبي أنه مرسل أي منقطع‪ ،‬ألن ابن أبي‬

‫بحجة‪ ،‬إذ ال يدرى ممن‬


‫مليكة لم يدرك أبا بكر وال كاد‪ ،‬ومثل ذلك ليس ّ‬
‫سمعه"‪.57‬‬

‫فهذا فحسب في أول صفحة من كتابه!‬

‫‪ 54‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.16‬‬


‫‪ 55‬انظر‪ :‬أضواء على السنة المحمدية‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪ 56‬األنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة‪ ،‬عبد الرحمن بن يحيى المعلمي‪،‬‬
‫عالم الكتب‪-‬بيروت‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫‪ 57‬األنوار الكاشفة‪ ،‬ص‪.66‬‬

‫‪19‬‬
‫ثم بعد ذا بصفحتين قال‪" :‬وهنا ارتأيت أن أنقل لكم ما أورده المفكر المصري‬

‫محمود أبو رية رحمه الله في كتابه (أضواء على السنة المحمدية)"‪ ،58‬فيقال له‪:‬‬

‫ها أنت كنت قاد ارا أن تنسب كالم محمود أبو رية إليه‪ ،‬ولكنك أخفيت مصدره‬
‫لتتشبع بما لم َ‬
‫تعط‪ ،‬ولماذا لم تشر إلى من رد عليه مر اة واحدة؟ فهل‬ ‫َ‬ ‫أول األمر‪،‬‬
‫ٍ‬
‫سنوات في البحث‬ ‫جهلت ر ّد المع ّلمي عليه؟ وأنت يفترض أنك َج ِهدت‬

‫والتنقيب‪ ،‬كما جاء هذا الزعم في تقديم الكتاب!‬

‫وحتى ال يطول الحديث ويتشعب‪ ،‬وحتى ال يقال في الرد على هذا الرجل بما‬
‫ليس له ا‬
‫أصال‪ ،‬يمكن للقارئ أن يرجع إلى رد المعلمي المذكور‪ ،‬على محمود‬

‫أبو رية‪ ،‬وكتابه‪ ،‬فقد وفى بالمطلوب وزيادة‪.‬‬

‫‪ 58‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.07‬‬

‫‪20‬‬
‫إرهاب فكري‪ ،‬وتكفير‬

‫عمد المؤلف إلى استعمال أساليب غير علمية‪ ،‬ومن بين تلك األساليب رمي‬

‫المخالفين له بالتهم الجاهزة‪ ،‬فيقول‪" :‬ما داعش التي نبتت بين ظهرانينا إال نتاج‬

‫زورا وبهتانًا"‪.59‬‬
‫هذه المرويات المنسوبة لرسول الله ً‬

‫"من هنا جاءت داعش‪ ،‬وجاءت كل التصورات اإلرهابية‪ ،‬من هذا الموروث‬

‫الديني"‪.60‬‬

‫مرارا‪" :‬ما أسس الفكر اإلرهابي المدمر‪ ،‬إال مرويات‬


‫وبقي يكرر هذه االسطوانة ا‬
‫تناقلتها كتب التراث‪ ،‬ومنها صحيح البخاري"‪.61‬‬

‫وهو يريد بهذا إرهاب غيره فحسب‪ ،‬بأن من لم يوافق آراءه فهو إرهابي‪ ،‬وبذا‬

‫يجر الحوار العلمي إلى تهم جاهزة بحق المخالفين‪ ،‬فهل بهذه الطريقة يكون‬

‫البحث؟ ولما سلك هذا المسلك‪ ،‬حق لنا أن نسأل‪ ،‬من الذي يرفع على رؤوس‬

‫الناس سيف التكفير بالهوى والباطل والزور؟‬

‫‪ 59‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.16‬‬


‫‪ 60‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.060‬‬
‫‪ 61‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.16‬‬

‫‪21‬‬
‫حرجا في وصفه‬
‫ا‬ ‫فصحيح البخاري الذي يتبعه أكثر المسلمين‪ ،‬لم يجد الكاتب‬

‫ألحاديثه بقوله‪ " :‬المئات منها تحمل بكوارث خطيرة‪ ،‬فمنها ما تسيء إلى مقام‬

‫األلوهية‪ ،‬ومنها ما تسيء إلى مقام النبوة"‪.62‬‬

‫ويقول‪" :‬السؤال الذي طرحناه إلسقاط أسطورة صحيح البخاري من برجها‬

‫المبني على خرافة تقديس الرجال‪ ،‬ورفعهم إلى مكانة األنبياء"‪.63‬‬

‫ويقول‪" :‬شخصية محمد بن إسماعيل البخاري لما حملته من مالمح جعلت‬

‫البعض يغالي فيها ليرفعها إلى مقام األنبياء أو أكثر "‪.64‬‬

‫ولكن من الذي قال‪ :‬إن البخاري في مقام األنبياء من كل المسلمين؟ فكيف‬

‫ويوضح أنه لما‬


‫ّ‬ ‫بأعلى من األنبياء؟ إن الكاتب يبين كيفية استنباطه لهذا االتهام‪،‬‬

‫سمعهم يقولون‪ :‬إن البخاري صحيح‪ ،‬فإنه فهم أن في هذا إساءة منهم إلى مقام‬

‫األلوهية! إذ الكتاب الكامل ال يكون إال من الكامل‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫" الكامل ال يصدر إال عن كامل‪ ،‬وبالتالي فالشيخ البخاري هو إنسان كامل‪ ،‬وال‬

‫يجري عليه الذي يجري على آدم وعلى أنبياء الله ومنهم نبينا محمد صلى الله‬

‫عليه وآله وسلم فالبخاري أكمل من الجميع وينازع الله في صفة الكمال"‪.65‬‬

‫‪ 62‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.1‬‬


‫‪ 63‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ 64‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪ 65‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫‪22‬‬
‫على هذه الطريقة من وضع له مع ّلمه درجة كاملة في تصحيحه المتحانه ّ‬
‫لتفوق‬

‫الطالب فإنه ينازع الله في صفة الكمال!‪ ،‬وإذا نادى مظلوم بكامل حقوقه؟ فهو‬

‫ينازع الله في صفة الكمال ألن الكامل ال يصدر إال عن كامل!‪ ،‬ومن وضع كتا ابا‬

‫صحيحا للطالب‪ ،‬يقال له‪ :‬كفرت! ألنك نازعت الله في الكمال‪.‬‬


‫ا‬

‫ومن ألزم غيره بقانونه ما ظلمه‪ ،‬فعلى هذا على رشيد أيالل أن يقر بأن الخطأ‬

‫الزم كل صفحة من كتابه وأنه أخطأ‪ ،‬وسها‪ ،‬وغفل‪ ،‬في كل سطر من كتابه‪ ،‬بل‬

‫في كل جملة فيه فإنها لم تكن كاملة‪ ،‬وأن الصواب جانبها حتى ال يدّ عي‬

‫الكمال‪-‬والعياذ بالله‪-‬وإال فقد ادعى ما ال يليق بالبشر‪ ،‬وزعم فيه صفة كمال ال‬

‫تصدر إال عن الله‪.‬‬

‫وبذا يذكرنا بأهل السفسطة القدامى‪ ،‬حين اعتمد بعض هؤالء على مقالة‬

‫هرقليطس األفسسي بأن األشياء ك ّلها في جريان دائم‪ ،‬حين قال‪" :‬ال يمكنك أن‬

‫مياها جديدة تغمرك باستمرار"‪ ،66‬ودفعوا بهذه‬


‫تنزل مرتين في النهر نفسه‪ ،‬ألن ً‬
‫المقالة إلى حدودها القصوى‪ ،‬من أمثال أقراطيلوس وتالمذته‪ ،‬فأنكروا أن‬

‫يكون ثمة وجود لشيء مستقر‪ ،‬حتى إنهم ترفعوا عن كل نقاش‪ ،‬بل عن كل‬

‫افتراضا بثبات األشياء التي يدور حولها‬


‫ا‬ ‫كالم‪ ،‬بحجة أن النقاش يحوي‬

‫‪ 66‬تاريخ الفلسفة‪ ،‬أميل برهييه‪ ،‬ترجمة‪ :‬جورج طرابيشي‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت–لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪:‬‬
‫‪0712‬م‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص‪.25‬‬

‫‪23‬‬
‫يزعم الصواب بأي كلمة‬
‫َ‬ ‫الكالم‪ ،67‬وكذلك الحال مع هذا الكاتب‪ ،‬فعليه أ ْن ال‬

‫يقولها‪ ،‬حتى ال يدعي الكمال‪ ،‬فيقع في المحظور‪.‬‬

‫البشري في كتاب ليس هو‬


‫ّ‬ ‫وإال فما ذكره في هذا تخليط‪ ،‬فالكمال العلمي‬

‫الكمال اإللهي الذي ال يماثله شيء في الوجود!‬

‫وفي كالمه مغالطة منطقية‪ ،‬حيث إن قوله‪" :‬الكامل ال يصدر إال عن كامل"‪ ،‬ال‬
‫امال كان هو إذن ا‬
‫كامال‪ ،‬وذلك أن القول بأن كل كامل‬ ‫ينتج منه أن من كان كتابه ك ا‬

‫ال يصدر منه إال قول كامل‪ ،‬ال يساوي أن كل قول كامل ال يصدر إال من كامل‪،‬‬

‫عكس عام‪ ،‬وهو أن كل حيوان‬


‫ٌ‬ ‫"فإن قولك كل إنسان حيوان‪ ،‬ال يلزم منه‬

‫إنسان"‪.68‬‬

‫ويتندر الغزالي بمن يقع بمثل هذه المغالطة فيقول‪:‬‬

‫"وال يستولي الشيطان بحيلته على الضعفاء أشد من إيهام العكس العام حتى‬
‫ينتهي إلى المحسوسات‪ ،‬حتى إن من رأى ً‬
‫حبال أسود مبرقش اللون‪ ،‬يرتاع منه‬

‫لشبهه بالح ّية‪ ،‬وسببه معرفته أن كل ح ّية فطويل مبرقش اللون‪ ،‬فيسبق وهمه إلى‬

‫عكسه العام‪ ،‬ويحكم بأن كل طويل مبرقش اللون فهو ح ّية"‪.69‬‬

‫‪ 67‬انظر‪ :‬تاريخ الفلسفة‪ ،‬أميل برهييه‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص‪.27‬‬


‫‪ 68‬القسطاس المستقيم‪ ،‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬تحقيق‪ :‬فيكتور شلحت‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،0716 ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ 69‬القسطاس المستقيم‪ ،‬ص‪.26‬‬

‫‪24‬‬
‫فالكاتب يبيع ما يسبق إلى أوهامه‪ ،‬فهذا حال الرجل الذي يتبجح بـ "االحتكام‬

‫إلى العقل والمنطق السليم"‪!70‬‬

‫ويخلط الكاتب بين قولنا البشر غير معصومين‪ ،‬وبين تحقق الخطأ فيهم‪،‬‬

‫فاإلنسان يمكن أن يخطئ‪ ،‬وال يلزم من هذا أن يكون مخط ائا‪ ،‬وإال صار‬

‫للمحكمة الحق أن تصدر أحكامها على أي بريء‪ ،‬كونه غير معصوم!‬

‫ولكن ماذا يقصد بقوله عن خصومه إن البخاري عندهم أكمل من الجميع وأنه‬

‫ينازع الله في صفة الكمال؟ بما أنه مغرم بالمقارنة مع داعش‪ ،‬أليس يقصد به‪:‬‬

‫"شرك األنداد‪ ،‬وهو إثبات صفات الله تعالى للمخلوقين"؟‪ ،71‬كما هي العبارة‬

‫التي سطرها التنظيم في أحد كتبه المنشورة!‬

‫ا‬
‫مستقبال‬ ‫فها هو يتفق معهم في هذا‪ ،‬بل ويزيد ليرمي من خالفه بل من سيدافع‬

‫عما يطعن هو به من أحاديث بقوله‪" :‬سينبري ع ّباد البشر إلى الدفاع عن هذا"‪،72‬‬

‫فها هو يسمي مخالفيه بعباد البشر‪ ،‬ال أنهم يعبدون الله وحده‪ ،‬أليس هذا هو‬

‫التكفير؟‬

‫وانظر ماذا يصف المخالفين له بقوله‪:‬‬

‫‪ 70‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.7‬‬


‫‪ 71‬شرك الطاعة‪ ،‬أبو صهيب العراقي‪ ،‬المكتب اإلعالمي‪ ،‬الدولة اإلسالمية في العراق والشام‪ ،‬والية نينوى‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ 72‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.55‬‬

‫‪25‬‬
‫" قداسة األشخاص حيث تم رفعهم إلى مقامات أعلى من مقامات النبوة‬

‫والرسالة‪ ،‬وحق فينا ما حق في األمم السابقة‪ ،‬التي ألهت البشر من دون الله‪،‬‬

‫واتخذتهم أربا ًبا"‪.73‬‬

‫فهذا ال عالقة له بالبحث العلمي‪ ،‬إنما له َن َفس إرهاب للخصوم‪ ،‬وتكفيرهم‪،‬‬

‫بهذه الحجج الخطاب ّية‪ ،‬لمحاولة التأثير على نفس ّية القارئ‪ ،‬ولذا كان الكتاب بيع‬

‫وهم‪ ،‬يلعب على وتر التخجيل‪ ،‬واإلرهاب‪ ،‬والتدليس‪.‬‬

‫‪ 73‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.006‬‬

‫‪26‬‬
‫فهم بالمقلوب‬

‫الوفي‪ ،‬ويبلغ‬
‫ّ‬ ‫الفهم بالمقلوب كان رفي اقا أميناا لسطور المؤلف‪ ،‬فهو صديقها‬

‫األمر بهذا الرجل أن يقلب األمور تما اما‪ ،‬ففي إسراعه إلى نصرة هواه يقول عن‬

‫ابن َح َجر‪:‬‬

‫"يستشهد بقول المديني شيخ البخاري‪" :‬دعوا قوله فإنه ما رأى مثل نفسه"‬

‫وهذا القول وإن كان ورد من ابن حجر في سياق المدح إال أن المتمعن فيه يجده‬

‫صريحا للبخاري‪ ،‬واتهامه من شيخه بأنه كان ال يرى إال نفسه‪ ،‬لكن العقول‬
‫ً‬ ‫ذما‬
‫ً‬
‫مدحا‪ ،‬على رغم أنف اللغة‪ ،‬وعلى‬
‫تطمس في مثل هاته المناسبات لترى الذم ً‬
‫رغم أنف العقل"‪.74‬‬

‫فبهذا التبجح بالعقل واللغة‪ ،‬لم ينقل السياق كما هو‪ ،‬لو كان يتعامل باحترام مع‬

‫القارئ على أقل تقدير‪ ،‬وها هو السياق‪:‬‬

‫"علي بن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث وعنه أخذ البخاري ذلك حتى‬

‫كان يقول ما استصغرت نفسي عند أحد إال عند علي بن المديني ومع ذلك فكان‬

‫علي بن المديني إذا بلغه ذلك عن البخاري يقول دعوا قوله فإنه ما رأى مثل‬

‫نفسه"‪.75‬‬

‫‪ 74‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.71‬‬


‫‪ 75‬هدي الساري مقدّ مة فتح الباري‪ ،‬علي بن أحمد بن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محب الدين الخطيب‪ ،‬دار الكتب‬
‫السلفية‪ ،‬ص‪.642‬‬

‫‪27‬‬
‫فالبخاري كان يثني على ابن المديني ويهضم من حق نفسه بجانبه‪ ،‬فيقول ابن‬

‫المديني‪ :‬دعوا قوله في استصغاره لنفسه‪ ،‬فهو لم ير مثل نفسه‪ ،‬يعني في العلم‬

‫واإلتقان‪ ،‬وإن كان يقول غير ذلك تواض اعا‪.‬‬

‫فهذا صريح أنه يعني أن البخاري أفضل منه‪ ،‬وهذه الصيغة مشهورة متكررة في‬

‫كتب الرجال‪ ،‬مما دفع بعض المصنفين إليرادها في كتابه فقال‪:‬‬

‫"فرق بين قول أحدهم ما رأيت مثل فالن‪ ،‬وقوله‪ :‬ما رأى فالن مثل نفسه‪ ،‬القول‬

‫رحال‬
‫الثاني أعلى في المدح ألن الذي يقال فيه ما رأى مثل نفسه الظاهر أنه ّ‬
‫مجتهد لقي المشايخ فأكثر وناظر أهل العلم فظهر تفوقه عليهم‪ ،‬ومن ناحية‬

‫أخرى من قال‪ :‬فالن ما رأى مثل نفسه‪ ،‬يدخل في جملتهم القائل وأنه بهذه‬

‫يفضله على الناس جمي ًعا وعلى نفسه"‪.76‬‬


‫الكلمة ّ‬

‫وذكر أمثلة على هذا كالقول في سفيان الثوري‪ :‬ما رأى مثل نفسه‪ ،‬وقول الحاكم‬

‫في الدارقطني مثل هذا‪.77‬‬

‫فلعله الكاتب يحسب أن هذه الكلمة تماثل ما جاء في تقديم الناشر له ولكتابه‪:‬‬
‫"المؤلف لم ِ‬
‫يأت بشيء من عنده"‪ ،‬فهي وإن كان مقصدها المدح‪ ،‬إال أن‬

‫سطوره حملتها على الذم دون أدنى تأويل‪.‬‬

‫‪ 76‬شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل‪ ،‬مصطفى بن إسماعيل‪ ،‬تقديم‪ :‬مقبل بن هادي الوادعي‪ ،‬مكتبة ابن‬
‫تيمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪0770 :‬م‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪.454‬‬
‫‪ 77‬شفاء العليل‪ ،‬ج‪.454 ،0‬‬

‫‪28‬‬
‫بل إن من ال يفهم العبارة السابقة يبلغ به األمر أن يقول‪" :‬الشيخ البخاري ذو‬

‫أصل فارسي فاللغة العربية ليست لغته األصلية"‪.78‬‬

‫والواقع أن جد أبيه أسلم‪ ،79‬وأبوه إسماعيل بن إبراهيم طلب العلم‪ ،‬والعلم في‬

‫تلك الفترة يطلق على العلوم الشرعية وآالتها وأهمها العربية‪ ،‬وقد نشأ البخاري‬

‫صغيرا‪ ،‬حتى صنّف وحدّ ث وما في وجهه‬


‫ا‬ ‫يتيما‪ ،‬وانهمك في طلب العلم‬
‫ا‬
‫شعرة‪ ،80‬وإذا كانت لغة المعارف في تلك األزمان هي العربية‪ ،‬فكيف بالعلوم‬

‫الدينية‪ ،‬فكيف بواحد من أخصها‪ ،‬وهو علم الحديث‪ ،‬فكيف بمن يحدث‬

‫باكرا؟ والكاتب يغفل عن سيبويه "إمام النحو‪ ،‬ح ّجة العرب‪ ،‬أبو‬
‫ويصنف فيه ا‬
‫الفارسي"‪.81‬‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫بشر‪ ،‬عمرو بن عثمان بن قنبر‪،‬‬

‫بل إن توجه سيبويه للنحو كان بعد توجهه إلى طلب الحديث‪ ،‬ومبدأ ذلك أنه‬

‫طلب الحديث على حماد بن سلمة‪ ،‬وبينما هو يستملي‪ ،‬إذ بحماد يقول‪" :‬ليس‬

‫حماد‪ :‬لحنت‬
‫أبا الدرداء"‪ ،‬فقال سيبويه‪ :‬ليس أبو الدرداء‪ ،‬وظنه اسم ليس‪ ،‬فقال ّ‬
‫يا سيبويه‪ ،‬ليس هذا حيث ذهبت‪ ،‬وإنما ليس هنا استثناء‪ ،‬ومن هنا طلب سيبويه‬

‫النحو ولزم الخليل فبرع‪.82‬‬

‫‪ 78‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.054‬‬


‫‪ 79‬سير أعالم النبالء‪ ،‬الذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬صالح السمر‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬الطبعة الحادية‬
‫عشرة‪0775 :‬م‪ ،‬ج‪ ،01‬ص‪.671‬‬
‫‪ 80‬انظر‪ :‬تذكرة الحفاظ‪ ،‬الذهبي‪ ،‬حققه‪ :‬عبد الرحمن المعلمي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.666‬‬
‫‪ 81‬سير أعالم النبالء‪ ،‬الذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬نذير حمدان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.660‬‬
‫‪ 82‬انظر‪ :‬مقدمة‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬لكتاب سيبويه‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،0771 :‬ج‪ ،0‬ص‪.2‬‬

‫‪29‬‬
‫تصحيحا ل ّلسان وإبعا ادا له عن اللحن‪ ،‬ومن هنا‬
‫ا‬ ‫فانظر كيف كان درس الحديث‬

‫توجه سيبويه إلى النحو حتى برع فيه‪ ،‬فكيف بالبخاري وهو الذي أفنى حياته‬

‫بالطلب‪ ،‬واألخذ عن الشيوخ‪.‬‬

‫ومن األمثلة على فهمه بالمقلوب‪ ،‬تشنيعه البالغ على من قال‪ :‬السنة قاضية على‬

‫القرآن‪ ،‬فبدأ بالتشنيع كعادته‪" :‬من يقرأ هذا العنوان سيصاب بالدهشة في أول‬

‫نصا يتعارض جملة‬


‫وهلة"‪ ،83‬فما معنى هذه العبارة؟ قال‪" :‬بمعنى إذا وجدت ًّ‬
‫ٍ‬
‫قاض على القرآن"‪.84‬‬ ‫ً‬
‫وتفصيال مع القرآن‪ ،‬فالحديث هنا‬

‫وهذا كذب بارد فال أحد قال بهذا من أهل العلم‪ ،‬فمن عالمات الحديث‬

‫الموضوع عندهم "مخالفة الحديث صريح القرآن"‪ ،85‬وعندها ال يكون‬

‫أيضا "مناقضة‬ ‫الحديث من السنة ا‬


‫أصال‪ ،‬ولذا من عالمات الحديث الموضوع ا‬
‫الحديث لما جاءت به السنة مناقضة ب ّينة"‪.86‬‬

‫وهنا يقال‪ :‬أي حديث هذا الذي خالف صريح القرآن بنظرك‪ ،‬حتى نرى هل هو‬
‫يناقضه بحق‪ ،‬أم أنك لست ا‬
‫أهال لتقضي في هذه األبواب؟ لم يذكر إال مثالين‬

‫فقال أحدهما حديث ابن عمر‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬

‫‪ 83‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.12‬‬


‫‪ 84‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ 85‬المنار المنيف في الصحيح والضعيف‪ ،‬محمد بن قيم الجوزية‪ ،‬تحقيق‪ :‬يحيى بن عبد الله الثمالي‪ ،‬دار عالم الفوائد‪،‬‬
‫مكة‪ ،‬الطبعة األولى‪0411 :‬هـ‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪ 86‬المنار المنيف‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪30‬‬
‫"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال الله‪ ،‬وأن محمدً ا رسول الله‪،‬‬

‫ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك‪ ،‬عصموا مني دماءهم وأموالهم إال‬

‫بحق اإلسالم‪ ،‬وحسابهم على الله تعالى"‪.‬‬

‫وتفصيال قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ال إِك َْرا َه فِي‬


‫ً‬ ‫وعلق ا‬
‫قائال‪" :‬هذا الحديث يخالف جملة‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َقد ت َبي َن الر ْشد م َن ا ْل َغي ََ َمن َيكْف ْر بِالطاغوت َوي ْؤمن بِالله َف َقد ْ‬
‫اس َت ْم َس َك‬ ‫الد ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾‪ ،88"87‬وذكر قوله تعالى‪:‬‬ ‫بِا ْلع ْر َوة ا ْلو ْث َق ٰى َال انف َصا َم َل َها َوالله َسم ٌ‬
‫يع َعل ٌ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوق ِل ا ْل َحق من ربك ْم َف َمن َشا َء َف ْلي ْؤمن َو َمن َشا َء َف ْل َيكْف ْر إِنا َأ ْعتَدْ نَا للظالمي َن ن ا‬
‫َارا‬
‫ادق َها﴾‪ ،89‬وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َل ْو َشا َء َرب َك َآل َم َن َمن فِي ْاألَ ْر ِ‬
‫ض‬ ‫اط بِ ِهم سر ِ‬
‫َأ َح َ ْ َ‬
‫ِِ‬ ‫كله ْم َج ِمي اعا َأ َف َأ َ‬
‫ين﴾‪.90‬‬ ‫نت ت ْك ِره الن َ‬
‫اس َحت ٰى َيكونوا م ْؤمن َ‬

‫ثم قال‪" :‬هؤالء يضربون بهاته اآليات عرض الحائط ويقولون لك بكل وقاحة‬

‫وجرأة على الله‪ ،‬السنة قاضية على الكتاب‪ ،‬ويبقى حكم الحديث هو النافذ‪،‬‬

‫ويتجلى في قتال الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال الله‪ ،‬وأن محمدً ا رسول الله‪...‬‬

‫الحديث‪ ،‬أما أنا فأقول وقلبي مطمئن بأن هذا الكالم لم يفه به رسول الله الذي‬

‫‪ 87‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.165 :‬‬


‫‪ 88‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ 89‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.17 :‬‬
‫‪ 90‬سورة يونس‪ ،‬اآلية‪.77 :‬‬

‫‪31‬‬
‫َاك إِال‬
‫كان خلقه القرآن‪ ،‬والذي قال عنه الله تعالى في محكم تنزيله‪َ ﴿ :‬و َما َأ ْر َس ْلن َ‬

‫َر ْح َم اة ل ْل َعا َل ِم َين﴾‪.92"91‬‬

‫فيقال‪ :‬هذا الرجل يرفض أن يتحاكم الناس إلى نصوص صحيح البخاري‬

‫المرفوعة‪ ،‬ثم ها هو يريد الناس أن نتحاكم إلى اطمئنان قلبه إلى نفي األحاديث!‬

‫وهذا الحديث ال يخالف صريح القرآن بل يوافق صريح القرآن‪ ،‬وإنما أتيت من‬

‫جهلك فلم تقنع به‪ ،‬حتى زدت عليه اتهام غيرك بالوقاحة‪ ،‬والجرأة على الله‪،‬‬

‫وبيان ذلك أن الحديث يقول‪" :‬أمرت أن أقاتل"‪ ،‬وهذا الرجل الذي يتبجح‬

‫يفرق بين القتل‪ ،‬والقتال‪ ،‬يقول ابن دقيق العيد‪:‬‬


‫بالحديث عن لغة البخاري لم ّ‬

‫"فرق بين المقاتلة على الشيء والقتل عليه‪ ،‬فإن المقاتلة مفاعلة‪ ،‬تقتضي‬

‫الحصول من الجانبين"‪.93‬‬

‫ذكر للغاية التي‬


‫فهنا المقاتلة تكون من جانبين‪ ،‬وليس قتله ألنه لم يؤمن‪ ،‬بل "هو ٌ‬
‫يباح قتالهم إليها‪ ،‬بحيث إذا فعلوها حرم قتالهم‪.‬‬

‫والمعنى‪ :‬أني لم أؤمر بالقتال إال إلى هذه الغاية‪.‬‬

‫‪ 91‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية‪.011 :‬‬


‫‪ 92‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 93‬إحكام األحكام شرح عمدة األحكام‪ ،‬تقي الدين ابن دقيق العيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حامد الفقي‪ ،‬أحمد محمد شاكر أبو‬
‫األشبال‪ ،‬مطبعة السنة المحمدية‪ ،‬القاهرة‪ ،0766 ،‬ج‪ ،1‬ص‪.166‬‬

‫‪32‬‬
‫ليس المراد‪ :‬أني أمرت أن أقاتل كل أحد إلى هذه الغاية‪ ،‬فإن هذا خالف النص‬

‫واإلجماع‪.‬‬

‫فإنه لم يفعل هذا قط‪ ،‬بل كانت سيرته أن من سالمه لم يقاتله"‪.94‬‬

‫ون بِالل ِه َو َال‬


‫صريحا‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬قاتِلوا ال ِذي َن َال ي ْؤ ِمن َ‬
‫ا‬ ‫وهذا مثله في القرآن‬

‫ين ا ْل َحق ِم َن ال ِذي َن‬ ‫ون ما حرم الله ورسوله و َال ي ِدين َ ِ‬
‫ون د َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫بِا ْل َي ْو ِم ْاآلخ ِر َو َال ي َحرم َ َ َ َ‬
‫ون﴾‪ ،95‬فها هو قال قاتلوا‬ ‫اغر َ‬ ‫أوتوا ا ْلكِتَاب حتى يعطوا ا ْل ِج ْزي َة َعن ي ٍد وهم ص ِ‬
‫َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٰ ْ‬
‫الذين ال يؤمنون‪ ،‬وذكر الغاية التي يباح قتالهم إليها‪ ،‬وهي هنا الجزية‪ ،‬وفي آية‬

‫أخرى من نفس السورة قال‪َ ﴿ :‬فإِن تَابوا َو َأ َقاموا الص َال َة َوآتَوا الزكَا َة َفإِ ْخ َوانك ْم‬

‫ين﴾‪ ،96‬فجعله اإلسالم‪ ،‬فهذه صريح في موافقة داللة الحديث نفسه‪.‬‬ ‫فِي الد ِ‬

‫ولكنه بطريقته تلك يأخذ ببعض ويترك البعض‪ ،‬ويزعم أن خصومته فحسب مع‬

‫األحاديث المخالفة للقرآن‪ ،‬فإذا كانت متفقة مع التنزيل تجده يجمجم‪ ،‬وال‬

‫يصرح‪ ،‬ولو كان ساع ايا لتقرير حكم القرآن‪ ،‬لذكر أو أشار إلى ما يخالف كالمه‬

‫من آيات‪ ،‬لكنه لم يفعل ذلك ولو مرة في كل كتابه‪.‬‬

‫‪ 94‬قاعدة مختصرة في قتال الكفار ومهادنتهم وتحريم قتلهم لمجرد كفرهم‪ ،‬أحمد بن تيمية‪ ،‬حققه‪ :‬عبد العزيز بن عبد‬
‫الله آل حمد‪ ،‬الطبعة األولى‪1114 :‬م‪ ،‬ص‪.75 ،76‬‬
‫‪ 95‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.17:‬‬
‫‪ 96‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.00 :‬‬

‫‪33‬‬
‫مع التنبيه أن قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ف َمن َشا َء َف ْلي ْؤ ِمن َو َمن َشا َء َف ْل َيكْف ْر﴾‪ ،97‬ليس في‬

‫سياق عدم اإلكراه‪ ،‬وإن كانت اآليات واألحاديث في منع إكراه الناس على‬

‫اإليمان مس ّلمة‪ ،‬إال أن االستدالل بهذه اآلية بخصوصها عليه ال يصح‪ ،‬فـ" ظاهر‬

‫هذه اآلية أنها أوجبت الزجر والردع والتقريع ال أنها واردة إذنا بالفعل‪ ،‬أال ترى‬

‫إلى ما هو منوط من قوله عز وجل‪َ ﴿ :‬ف َمن َشا َء َف ْلي ْؤ ِمن َو َمن َشا َء َف ْل َيكْف ْر إِنا‬
‫اط بِ ِهم سر ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ادق َها﴾‪ ،98‬وهو إفزاع وإرهاب وارتداع عن‬ ‫َارا َأ َح َ ْ َ‬ ‫َأ ْعتَدْ نَا للظالم َ‬
‫ين ن ا‬
‫الكفر"‪.99‬‬

‫وهذا الرجل ال خطة له يمشي عليها‪ ،‬فتارة ينفي الحديث الذي في البخاري‪،‬‬

‫لما‬
‫وأخرى في مسلم‪ ،‬وتارة أخرى يتندر بالحديث بال قيد ويسميه خرافة‪ ،‬وتارة ّ‬
‫يذكر موطأ مالك يمر وكأنه ال يتحدث عن الموطأ بل عن غيره‪ ،100‬وهذا‬

‫أيضا مالك بن أنس‪ ،‬كما في نسخة‬


‫الحديث "أمرت أن أقاتل الناس"‪ ،‬قد رواه ا‬
‫ابن وهب‪ ،‬وهي تبدأ بقوله‪ ":‬أخبرنا مالك عن أبي الزناد‪ ،‬وعن األعرج‪ ،‬عن أبي‬

‫هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى‬

‫‪ 97‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.17 :‬‬


‫‪ 98‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.17 :‬‬
‫‪ 99‬تهذيب األجوبة‪ ،‬الحسن بن حامد‪ ،‬حققه وعلق عليه‪ :‬صبحي السامرائي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬مكتبة النهضة العربية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ 0411‬هـ‪0711-‬م‪ ،‬ص ‪.061‬‬
‫‪ 100‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.060‬‬

‫‪34‬‬
‫أيضا في موطأ ابن‬
‫يقولوا ال إله إال الله‪ ...‬الحديث"‪ ،101‬ويوجد هذا الحديث ا‬
‫قاسم‪.102‬‬

‫ومن تناقضات هذا الكاتب‪ ،‬أنه قال في سياق اعتراضه على حديث في صحيح‬

‫البخاري فقال‪" :‬من المعلوم من ديننا‪ ،‬وكما تواتر عن نبينا‪ ،‬أن النوم من نواقض‬

‫الوضوء"‪ ،103‬والواقع أن حديث‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله‬

‫نفسا‪ ،104‬في حين أن النوم‬


‫إال الله"‪ ،‬متواتر روي عن رسول الله من تسعة عشر ا‬
‫من نواقض الوضوء‪ ،‬ليس من الحديث المتواتر‪.‬‬

‫أما المثال الثاني الذي زعم أنه يخالف صريح القرآن‪ ،‬فلم يكن من صحيح‬

‫البخاري‪ ،‬بل كان من صحيح مسلم‪ ،‬وهذا يبين أنه ال يوجد أي منهج في هذا‬

‫الكتاب فمع أن العنوان في البخاري‪ ،‬إال أنه يقفز كل حين هنا وهناك‪ ،‬فالمهم‬

‫وقديما قال البلقيني‪ " :‬االنتهاض لمجرد االعتراض من‬


‫ا‬ ‫عنده هو االعتراض‪،‬‬

‫جملة األمراض"‪.105‬‬

‫‪ 101‬مقدمة تقي الدين الندوي‪ ،‬لموطأ مالك‪ ،‬رواية محمد بن الحسن الشيباني‪ ،‬مع التعليق الممجد على موطأ محمد‪،‬‬
‫دار السنة والسيرة‪-‬بومبائي‪ ،‬دار القلم‪-‬دمشق‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪.16‬‬
‫‪ 102‬انظر‪ :‬مقدمة تقي الدين الندوي‪ ،‬لموطأ مالك‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪.16‬‬
‫‪ 103‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.066‬‬
‫‪ 104‬انظر‪ :‬نظم المتناثر من الحديث المتواتر‪ ،‬محمد بن جعفر الكتاني‪ ،‬دار الكتب السلفية للطباعة والنشر‪ ،‬ص‪.41-67‬‬
‫‪ 105‬مقدمة ابن الصالح ومحاسن اإلصطالح‪ ،‬توثيق وتحقيق‪ :‬عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)‪ ،‬مطبعة دار الكتاب‬
‫‪0724‬م‪ ،‬ص ‪.025‬‬

‫‪35‬‬
‫وذكر حديث عائشة‪" :‬كان فيما أنزل من القرآن‪ :‬عشر رضعات معلومات‬
‫ٍ‬
‫بخمس معلومات فتو ّفي رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫يحرمن‪ ،‬ثم نسخن‬
‫ّ‬
‫وهن مما يقرأ من القرآن"‪.‬‬
‫ّ‬

‫أيضا مالك في‬


‫وهذا الحديث ليس في صحيح مسلم فحسب‪ ،‬بل رواه ا‬

‫الموطأ‪ ،106‬وبدأ تشنيعه‪ ،‬فقال‪" :‬فهذا الحديث المنسوب إلى أمنا عائشة يتهم‬

‫القرآن بالتحريف والتزوير‪ ،‬رغم أن الله تعالى يقول في محكم تنزيله‪﴿ :‬إِنا ن َْحن‬
‫نَز ْلنَا الذك َْر َوإِنا َله َل َحافِظ َ‬
‫ون﴾‪ ،107‬فهي تقول حسب نص هذا الحديث أن رسول‬

‫رسول الله مات وآية التحريم بخمس رضعات مما يتلى من القرآن‪ ،‬وأي دارس‬

‫يمكنه التأكد أنه ال يوجد آية قرآنية واحدة في كتاب الله بهذا المعنى وبهاته‬

‫الداللة‪ ،‬لكن المرويات الغريبة كهاته والقادحة في صدقية القرآن ال مجال‬

‫لمناقشتها من طرف هؤالء مع كامل األسف‪ ،‬ويمكننا أن نأتي بعشرات بل مئات‬


‫ً‬
‫وتفصيال‪ ....‬لكن اكتفينا بهذين المثالين‬ ‫األحاديث التي تعارض القرآن جملة‬

‫ليعرف القارئ ماذا نقصد"‪.108‬‬

‫ا‬
‫سؤاال فيقول‬ ‫هذه الخطابة ال تصنع شي ائا‪ ،‬بل تذكرنا بفعل بعض األطفال تسأله‬

‫لك‪ :‬أعرف لكن ال أريد أن أقول لك! وهو ال يصدّ ق أحاديث البخاري‪،‬‬

‫‪ 106‬الموطأ‪ ،‬مالك بن أنس‪ ،‬صححه ورقمه‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪،0716 ،‬‬
‫ص‪.511‬‬
‫‪ 107‬سورة الحجر‪ ،‬اآلية‪.7 :‬‬
‫‪ 108‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫‪36‬‬
‫ويفترض بالقارئ أن يصدقه بأن عنده من األمثلة غير ما ذكره‪ ،‬ومن أحالك إلى‬
‫ٍ‬
‫غائب ما أنصفك‪ ،‬وهذا الحديث ليس مخال افا للقرآن البتة‪ ،‬فالحديث لم يقل‬

‫وقرأهن النبي إلى أن مات!‪ ،‬حتى يقال بأنه يعارض آية الحفظ لكتاب الله‪ ،‬بل‬

‫سم‬
‫فيه أنه مات‪" :‬وه ّن مما يقرأ من القرآن"‪ ،‬وهذه الصيغة للفعل تكون لما لم ي ّ‬
‫فاعله‪ ،‬أو المبني للمجهول‪ ،‬فالحديث فيه إثبات (النسخ)‪ ،‬وهو يتفق مع صريح‬

‫ت بِ َخ ْي ٍر من َْها َأ ْو ِم ْثلِ َها﴾‪ ،109‬وال‬


‫نسها ن َْأ ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َنس ْخ م ْن آ َية َأ ْو ن َ‬
‫القرآن‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬ما ن َ‬
‫يحتاج األمر للتهويل ليقال إن أي دارس يستطيع التحقق من عدم وجود آية في‬

‫عدد الرضعات‪ ،‬فهذا يعرفه الصبيان الحافظون لكتاب الله‪ ،‬فكيف بعلماء‬

‫اإلسالم الكبار؟ ولو رجع إلى تفسير الحديث عند العلماء‪ ،‬لما وجد وجها‬

‫لتبجحه بأن هذا الحديث يخالف القرآن‪ ،‬يقول النووي‪:‬‬

‫"وقولها‪( :‬فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ) هو بضم الياء‬

‫من (يقرأ) ومعناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدً ا حتى إنه صلى الله‬

‫متلوا لكونه‬
‫عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ‪ :‬خمس رضعات ويجعلها قرآنًا ً‬
‫فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك‬
‫لم يبلغه النسخ لقرب عهده ّ‬
‫وأجمعوا على أن هذا ال يتلى"‪.110‬‬

‫‪ 109‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.015 :‬‬


‫‪ 110‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬المطبعة المصرية بالقاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪0717 :‬م‪ ،‬ج‪ ،01‬ص‪.17‬‬

‫‪37‬‬
‫وهذا يظهر أن الكاتب كان يفهم بالمقلوب‪ ،‬ويشنّع في إنكاره على غيره‪ ،‬وهو‬

‫األحرى بالتشنيع عليه القتحامه ما يجهله وحديثه فيما ال يحسنه‪ ،‬ويدفع إلى‬

‫السؤال هل هي خصومة مع الحديث فحسب‪ ،‬أم تمتد إلى القرآن نفسه‪،‬‬

‫ودالالته التي تتفق مع األحاديث التي يرفضها الكاتب؟‬

‫ومن فهمه المقلوب‪ ،‬تعليقه على ما عنون له بقوله (الرسول يحاول االنتحار)‪،‬‬

‫فبعد أن ذكر جز اءا من الحديث‪ ،‬قال‪" :‬المحاولة التي قام بها ابن حجر‬

‫العسقالني‪ ،‬وغيره لتبرير رواية البخاري لبالغ إقدامه على محاولة االنتحار‬

‫معتبرا أن الزيادة (فيما بلغنا) وما بعدها ليست من كالم عائشة بل‬
‫ً‬ ‫مرات عدة‪،‬‬

‫هي زيادة الزهري‪ ،‬لكن رغم أن هذا تأويل مجرد تأويل‪ ،‬فالكذب على رسول‬

‫الله واضح من خالل هذه الرواية"‪.111‬‬

‫فهذا الرجل يفهم بالمقلوب‪ ،‬فابن حجر يقول‪" :‬إن القائل فيما بلغنا هو‬

‫الزهري‪ ،‬ومعنى الكالم أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلى الله‬
‫ً‬
‫موصوال‪ ،‬وقال‬ ‫عليه وسلم في هذه القصة وهو من بالغات الزهري‪ ،‬وليس‬

‫الكرماني‪ :‬وهو الظاهر"‪.112‬‬

‫ا‬
‫تأويال فالتأويل يكون للظاهر إلى المعنى البعيد‪ ،‬وليس‬ ‫فهذا هو الظاهر وليس‬

‫إلى المتبادر‪ ،‬فهذا الرجل يفهم العبارات بهذه الطريقة‪ ،‬وال يحسن التفريق بين‬

‫‪ 111‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.061‬‬


‫‪ 112‬فتح الباري‪ ،‬ج‪ ،01‬ص‪.667‬‬

‫‪38‬‬
‫الظاهر والمؤول‪ ،‬ويأتي ليستدرك‪ ،‬وينقد‪ ،‬فعائشة كانت مع النبي صلى الله عليه‬

‫وآله وسلم‪ ،‬وتسأله ويحدثها‪ ،‬فال حاجة بها لتقول بلغنا!‪ ،‬بل الذي قال هذا كما‬

‫هو الظاهر هو الزهري‪ ،‬ثم إنه صحيح إلى الزهري‪ ،‬فالزهري صح عنه أنه قال‬

‫بلغنا‪ ،‬وانقطع اإلسناد بعده‪ ،‬وهذا يعلمه أهل الحديث ولذا سجله ابن حجر‪ ،‬بأن‬

‫هذه الزيادة وإن صحت من قول الزهري‪ ،‬فإنها لم تصح مرفوعة‪ ،‬فأي حذلقة‬

‫وتهويل صنع هذا الرجل؟‬

‫‪39‬‬
‫معارضة‬

‫ِ‬
‫الباطل باطل‪ ،‬وكما قيل‪ :‬وبضدها تتميز‬ ‫وكما أن الز َم الحق حق‪ ،‬فإن الز َم‬

‫األشياء‪ ،‬فيقال لهذا الكاتب‪ :‬أنت رفضت روايات الصحيح‪ ،‬وسميت من ينبري‬

‫للدفاع عنها حتى قبل أن تسمع حجته بأنه يعبد البشر‪ ،‬فقلت‪" :‬سينبري ع ّباد‬

‫البشر إلى الدفاع عن هذا"‪ ،113‬ورميتهم باإلرهاب والغلو والتطرف‪ ،‬وبأن منشأ‬

‫الجرائم هو روايات الصحيح ونحوه‪ ،‬وشنعت عليهم فقلت‪" :‬يقولون بكل‬

‫وقاحة وجرأة على الله السنة قاضية على الكتاب"‪ ،114‬وزعمت "أن الله لم‬

‫يتكفل إال بحفظ كتابه الموحى إلى عبده ونبيه‪ ،‬فيسهل على ذوي النفوس‬

‫تزور وتغير في الدين تحت مسمى السنة‪ ،‬أو الحديث"‪.115‬‬


‫الخبيثة أن ّ‬

‫ولم تقنع بهذا حتى زدت فقلت‪" :‬نريد المخطوطة األصلية لصحيح البخاري‬

‫كما خطتها يمين الشيخ البخاري"‪.116‬‬

‫فيقال له‪ :‬ماذا ستقول لو أن أحدا ا عارضك بمثل حجتك‪ ،‬وقال لك إن اسم النبي‬

‫محمد صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري هو‪" :‬محمد بن عبد الله بن‬

‫عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كالب بن مرة بن كعب بن‬

‫‪ 113‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.55‬‬


‫‪ 114‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 115‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 116‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.056‬‬

‫‪40‬‬
‫لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس‬

‫بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان"‪.117‬‬

‫وزعم بأن هذا جرى عليه الكذب والتلفيق والتزوير‪ ،‬وأنه ال يأخذ به أبدا ا‪ ،‬بل ال‬

‫يأخذ إال بالقرآن‪ ،‬ثم احتج بأن القرآن لم يذكر إال اسمه‪﴿ :‬م َحمدٌ رسول‬

‫اسمه َأ ْح َمد﴾‪ ،119‬وأنه‬


‫الله﴾ ‪ ،‬فكيف إذا ادعى بأن هناك نبيا غير محمد‪ْ ﴿ :‬‬
‫‪118‬‬

‫غير األول‪ ،‬وقال إنك تعبد البشر‪ ،‬كونك قلت في مقدمة كتابك‪" :‬رسولنا‬

‫الكريم محمد بن عبد الله"‪ ،120‬وسألك‪ :‬أليست هذه "وقاحة وجرأة على الله‪،‬‬

‫السنة قاضية على الكتاب"‪ ،121‬ألست قد رفضت ما ذهبوا إليه من كونهم‬


‫‪122‬‬
‫"حكموا بأن السنة قاضية على الكتاب بمعنى أنها مبينة ومفسرة وحاكمة"؟‬

‫ثم ألزمك بأنك زعمت بأن الذي تكفل الله بحفظه هو القرآن فحسب‪ ،‬فمن أين‬
‫لك أنه تكفل بحفظ باسم نبيه وتحديده ا‬
‫كامال؟ ورماك حينها بأنك تعبد التراث‪،‬‬

‫ورواة اآلثار!‬

‫ثم امتد األمر أكثر‪ ،‬فقال لك‪ :‬إذا جرى التزوير على السنة‪ ،‬فلِ َم ال يكون قد جرى‬

‫على اللغة؟ فأخرج لنا الصحائف األصلية للمعلقات‪ ،‬وإال حكمنا بأنها ملفقة‬

‫‪ 117‬صحيح البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬دمشق‪-‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1111 :‬م‪ ،‬ص‪.741‬‬
‫‪ 118‬سورة الفتح‪ ،‬اآلية‪.17 :‬‬
‫‪ 119‬سورة الصف‪ ،‬اآلية‪.5 :‬‬
‫‪ 120‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.2‬‬
‫‪ 121‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 122‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.61‬‬

‫‪41‬‬
‫مكذوبة!‪ ،‬فأين هو إمضاء امرئ القيس وعمرو بن كلثوم؟‪ ،‬أليس هذا هو‬

‫منطقك؟‪ ،‬وال تستدل عليه بمعنى آية حتى يطالبك بوثيقة موقعة من أصحاب‬

‫الشواهد اللغوية‪ ،‬وإال فإن اللغة جميعها جرى تزويرها‪ ،‬فال يدري األمر من‬

‫النهي‪ ،‬وال الخبر من االستفهام‪ ،‬حتى تطلعه على مخطوطة أصلية للعرب‬

‫األقحاح في كل هذا‪.‬‬

‫ثم يمتد األمر إلى القتل والقتال‪ ،‬فيقول لك هذا المعارض لك بمثل حجتك‪،‬‬

‫أين في القرآن النهي عن قتل النساء والصبيان؟ أليس فيه‪:‬‬

‫ِ‬
‫احصروه ْم َوا ْقعدوا َله ْم كل‬ ‫﴿ َفا ْقتلوا ا ْلم ْش ِرك َ‬
‫ين َح ْيث َو َجدتموه ْم َوخذوه ْم َو ْ‬
‫َم ْر َص ٍد َفإِن تَابوا َو َأ َقاموا الص َال َة َوآتَوا الزكَا َة َف َخلوا َسبِي َله ْم﴾‪.123‬‬

‫فقال لك‪ :‬بأنه سيقتل األطفال والنساء‪ ،‬بل حتى من لم يقاتل‪ ،‬ما دام لم يتب‬

‫بدال‬ ‫ِ‬
‫ويؤت الزكاة‪ ،‬ومتى حاججته بالسنة‪ ،‬قال لك‪ :‬ال أقبل بغير القرآن ا‬ ‫ّ‬
‫ويصل‬

‫فلعلها مما تم تزويره‪ ،‬وقال مثلك بأنها وقاحة أن تجعلها قاضية على القرآن‪،‬‬

‫وقال مثلك بأنه ال يعبد البشر! ولذا فإنه يأخذ بقتل الولدان‪ ،‬وحجته في ذلك‪،‬‬

‫قوله تعالى‪:‬‬

‫‪ 123‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.6 :‬‬

‫‪42‬‬
‫َان َأ َب َواه م ْؤ ِمنَ ْي ِن َف َخ ِشينَا َأن ي ْر ِه َقه َما ط ْغ َياناا َوك ْف ارا﴾‪ ،124‬بعد‬
‫﴿ َو َأما ا ْلغ َالم َفك َ‬

‫قوله تعالى‪َ ﴿ :‬حت ٰى إِ َذا َل ِق َيا غ َال اما َف َق َت َله﴾‪.125‬‬

‫فمن الذي فتح لإلرهاب أبوابا مشرعة‪ ،‬وشرع ِ‬


‫بعوار منطقه سوء الفهم لكتاب‬ ‫ا‬
‫مبتدع أن يرد‬
‫ٌ‬ ‫زورا الدماء‪ ،‬فال يقدر‬
‫الله؟ حتى تستحل به المحارم‪ ،‬وتراق به ا‬
‫كفار‬
‫على مبتدع على نقيضه‪ ،‬فكيف إذا قال لك بأن من حوله من المسلمين ٌ‬
‫بشهادتك‪ ،‬ألم تقل بأنهم يعبدون البشر‪ ،‬وأنهم سلكوا مسلك األمم التي ألهت‬

‫البشر من دون الله‪ ،‬واتخذتهم أربا ابا‪ ،126‬وزعم بأنه سيضرب عنق كل من لقيه‬

‫محتجا بقوله تعالى‪:‬‬


‫ا‬ ‫من الكفار!‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َفإِ َذا َلقيتم الذ َ‬
‫ين َك َفروا َف َض ْر َب الر َق ِ‬
‫اب﴾‪ ،127‬فتهيج بأقوالك الفتن‪ ،‬ويركب‬

‫األغمار خيول الغلو بالتكفير‪ ،‬وال تنكر عليهم شي ائا‪ ،‬إال قالوا لك‪ :‬ما ذنبنا إن لم‬

‫تلتزم بلوازم كالمك‪ ،‬ولم تدفعه إلى آخر نتائجه المنطقية؟‬

‫أما أهل السنة‪ ،‬فهم أسعد الناس بالرد على أهل البدع والغلو‪ ،‬فيردون عليه بغير‬

‫ما ابتكرته أنت من قواعد لم تفطن للوازمها‪ ،‬فالقرآن نفسه يأمر بطاعة الرسول‬

‫ين آ َمنوا َأطِيعوا الل َه َو َأطِيعوا‬ ‫ِ‬


‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬يا َأي َها الذ َ‬

‫‪ 124‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.11 :‬‬


‫‪ 125‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.24 :‬‬
‫‪ 126‬انظر‪ :‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.006‬‬
‫‪ 127‬سورة محمد‪ ،‬اآلية‪.4 :‬‬

‫‪43‬‬
‫ول َوأولِي ْاألَم ِر ِمنكم َفإِن َتن ََاز ْعتم فِي َشي ٍء َفردوه إِ َلى الل ِه َوالرس ِ‬
‫ول إِن‬ ‫الرس َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ون بِالل ِه َوا ْل َي ْو ِم ْاآل ِخ ِر َٰذل ِ َك َخ ْي ٌر َو َأ ْح َسن ت َْأ ِو ايال﴾‪.128‬‬
‫كنت ْم ت ْؤ ِمن َ‬

‫وقديما كتب أحد زعماء الخوارج وهو نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عباس‬
‫ا‬
‫يسأله عن قتل الولدان‪ ،‬فأجابه‪" :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتلهم‪،‬‬

‫وأنت فال تقتلهم‪ ،‬إال أن تعلم منهم ما علم صاحب موسى من الغالم الذي‬

‫قتله"‪.129‬‬

‫وقوله إال أن تعلم منهم ما علم صاحب موسى‪ ،‬نقض مسبق عليه ما لو احتج‬

‫بقصة قتل الغالم‪ ،‬بأنه قتل لعلم الله بالغيب وهو ال يعلم الغيب‪ ،‬فكيف لو كان‬

‫نجدة من أمثال هذا الكاتب‪ ،‬لقال حينها البن عباس‪ :‬أين هي األوراق المكتوبة‬

‫على هذا من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم‪ ،‬في منع قتل الولدان؟!‬

‫أما زعم هذا الكاتب بأن الله حفظ القرآن وحده دون السنّة‪ ،‬لقوله تعالى‪﴿ :‬إِنا‬
‫ن َْحن نَز ْلنَا الذك َْر َوإِنا َله َل َحافِظ َ‬
‫ون﴾‪ ،130‬فهي حجة قديمة‪ ،‬رد عليها ابن حزم‬

‫فقال‪" :‬فإن قال قائل‪ :‬إنما عنى تعالى بذلك القرآن وحده‪ ،‬فهو الذي ضمن تعالى‬

‫حفظه ال سائر الوحي الذي ليس قرآ ًنا‪.‬‬

‫‪ 128‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.67 :‬‬


‫‪ 129‬صحيح مسلم‪ ،‬حديث رقم‪ ،0101 :‬ص‪.121‬‬
‫‪ 130‬سورة الحجر‪ ،‬اآلية‪.7 :‬‬

‫‪44‬‬
‫قلنا له وبالله تعالى التوفيق‪ :‬هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان‪ ،‬وتخصيص‬

‫للذكر بال دليل‪ ،‬وما كان هكذا فهو باطل لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َقالو ْا َلن َيدْ خ َل ا ْل َجن َة‬

‫َان هود اا َأ ْو ن ََص َارى تِ ْل َك َأ َمانِيه ْم ق ْل َهاتو ْا ب ْر َهانَك ْم إِن كنْت ْم‬
‫إِال َمن ك َ‬

‫ين﴾‪.131‬‬ ‫ِِ‬
‫َصادق َ‬

‫فصح أن ال برهان له على دعواه‪ ،‬فليس بصادق فيها‪ ،‬والذكر اسم واقع على كل‬

‫ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم من قرآن أو من سنة وحي يبين بها‬

‫َات َوالزب ِر َو َأن َْز ْلنَا إِ َل ْي َك الذك َْر لِت َبي َن‬
‫القرآن‪ ،‬وأيض ًا فإن الله تعالى يقول‪﴿ :‬بِا ْلبين ِ‬
‫َ‬
‫ون﴾‪ ،132‬فصح أنه صلى الله عليه وسلم‬ ‫لِلن ِ‬
‫اس َما نز َل إِ َل ْي ِه ْم َو َل َعله ْم َي َت َفكر َ‬

‫مأمور ببيان القرآن للناس‪.‬‬

‫وفي القرآن مجمل كثير كالصالة والزكاة والحج وغير ذلك مما ال نعلم ما ألزمنا‬

‫الله تعالى فيه بلفظه‪ ،‬لكن بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإذا كان بيانه‬

‫صلى الله عليه وسلم لذلك المجمل غير محفوظ وال مضمون سالمته مما ليس‬

‫منه‪ ،‬فقد بطل االنتفاع بنص القرآن فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه‪ ،‬فإذا‬

‫لم ند ِر صحيح مراد الله تعالى منها‪ ،‬فما أخطأ فيه المخطئ أو تعمد فيه الكذب‬

‫الكاذب‪ ،‬ومعاذ الله من هذا"‪.133‬‬

‫‪ 131‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.000 :‬‬


‫‪ 132‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.44 :‬‬
‫‪ 133‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬علي بن حزم األندلسي‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪.011‬‬

‫‪45‬‬
‫فحفظ القرآن الزمه حفظ السنة ولغة العرب التي نزل بها‪ ،‬وإال فال معنى للحفظ‬

‫دون أن يقدر أحد على فهمه‪ ،‬والتزام أحكامه‪ ،‬ومعرفة معانيه‪ ،‬قال المعلمي‪:‬‬

‫"تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة‪ ،‬وحفظ لسانه وهو‬

‫العربية‪ ،‬إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من طلبها"‪.134‬‬

‫‪ 134‬األنوار الكاشفة‪ ،‬ص‪.66‬‬

‫‪46‬‬
‫استنساخ‬

‫الباحث الحقيقي ليس بذلك الذي يسطو على جهد غيره‪ ،‬ويقوم تارة‬
‫ٌ‬
‫باحث كونه يبحث عن الحق‪ ،‬ومن‬ ‫باستنساخه حرفيا‪ ،‬وأخرى بالمعنى‪ ،‬بل هو‬

‫هنا فهو يبني على جهد من سبقه‪ ،‬فإن ادعى أحدٌ ما دعوى‪ ،‬فإنه يمحص هذه‬

‫الدعوى‪ ،‬فكيف إذا وقع الرد عليها ومناقشتها‪ ،‬بل وإفحام قائلها؟ ما باله بعدها‬

‫يستنسخ ما تم تفنيده؟‪ ،‬على هذا النحو استنسخ أيالل محتويات كتاب محمود‬

‫أبو رية‪ ،‬ولم يلتفت ولو لمرة واحدة إلى من رد عليه‪ ،‬بل كرر الحجج المتهافتة‬

‫كما هي‪ ،‬دون أدنى تطوير‪ ،‬وسار بنفس الدرب الذي سبق إليه‪.‬‬

‫فتجده يعيد كالم محمود أبو رية في النهي عن كتابة الحديث‪ ،135‬ويتجاهل رد‬

‫المعلمي عليه كأنه غير موجود‪ ،‬ويكرر الحديث عن عدالة الصحابة‪،136‬‬

‫ويتحدث عن الرواية بالمعنى‪ ،137‬وكلها مما جرت مناقشته‪ ،‬ووقع الرد عليه في‬

‫كتاب (األنوار الكاشفة)‪ ،‬ومن األمثلة على استنساخه من كتاب (أضواء على‬

‫المحمدية)‪ ،‬وتلقفه كلماته وكأنها وحي منزل!‪ ،‬أنه يشنع على رواية‬
‫ّ‬ ‫السنة‬

‫البخاري في صحيحه‪:‬‬

‫‪ 135‬انظر‪ :‬أضواء على السنة المحمدية‪ ،‬ص‪.07‬‬


‫‪ 136‬انظر‪ :‬أضواء على السنة المحمدية‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ 137‬انظر‪ :‬أضواء على السنة المحمدية‪.61 ،‬‬

‫‪47‬‬
‫(كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد غير عيسى ابن مريم‪،‬‬

‫ذهب يطعن فطعن في الحجاب)‪.‬‬

‫ليقول‪" :‬هذا الحديث في صحيح البخاري يعتبر من الطوام الكبرى المسيئة‬

‫للرسول ولدينه‪ ،‬فهو يؤكد عصمة رسول الله عيسى بن مريم عليهما السالم‪،‬‬

‫كما يؤكد على عدم عصمة نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم"‪.138‬‬

‫فهذا الرجل لو فكر بعقله بدل أن يسلمه إلى سطور محمود أبو رية تعبث به‬

‫كيفما شاءت لكان أحفظ لماء الوجه وقد طبع كتا ابا باسمه هو‪ ،‬فعال َم يكرر‬

‫أفكار غيره؟‪ ،‬فيا ليت شعري بماذا يختلف كالمه هنا عن كالم صاحب‬

‫األضواء؟ حيث فهم من الحديث أبو رية التالي‪:‬‬

‫"إقرار اإلسالم بأن البشر جمي ًعا زاغوا وفسدوا‪ ،‬وأنهم مجردون من العصمة‪،‬‬

‫معرضون القتراف الخطايا واآلثام‪ ،‬بجانب إقراره للمسيح وحده بالعصمة"‪.139‬‬

‫وقد رد عليه المعلمي فقال‪:‬‬

‫تاما لإلنسان هو ما كان بسعيه واجتهاده‪ ،‬ومن هنا‬ ‫"الفضل الذي يعتد به ً‬
‫كماال ً‬
‫كان فضل الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما وعلى سائر األنبياء الصالة والسالم‪،‬‬

‫أما طعن الشيطان بيده فليس من شأنه أن يثاب العبد على سالمته منه وال أن‬

‫يعاقب على وقوعه له‪ ،‬بل إن كان من شأنه أن يورث في نفس اإلنسان استعدا ًدا‬

‫‪ 138‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.062 ،065‬‬


‫‪ 139‬أضواء على السنة المحمدية‪ ،‬ص‪.067‬‬

‫‪48‬‬
‫ما لوسوسته فالذي يناله ذلك ثم يجاهد بسعيه ويخالف الشيطان ويتغلب عليه‬

‫أولى بالفضل ممن لم ينله"‪.140‬‬

‫والزعم الكاذب بأنه يطعن في العصمة مردود‪ ،‬يقول المعلمي‪" :‬من قال إن‬

‫النخسة دعاء للشر؟ بل إن كانت لإليالم فقط فذلك من خبث الشيطان مكن منها‬

‫كما مكن مما أصاب أيوب‪ ،‬وكما يمكن الكفار من قتل المسلمين حتى األنبياء‬

‫وذبح أطفالهم"‪.141‬‬

‫ويقول‪" :‬أين يذهب أبو رية من تدلية الشيطان آلدم إلى أن كان ما ذكره تعالى‬

‫بقوله‪َ ﴿ :‬و َع َص ٰى آ َدم َربه َف َغ َو ٰى﴾‪ ،142‬ومن قول موسى بعد قتله القبطي‪َ ﴿ :‬ق َال‬

‫ين * َق َال َرب إِني َظ َل ْمت َن ْف ِسي َفا ْغ ِف ْر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َٰه َذا م ْن َع َم ِل الش ْي َطان إِنه َعدو مضل مبِ ٌ‬
‫ِ‬

‫لِي َف َغ َف َر َله إنه ه َو ا ْل َغفور الر ِحيم﴾‪ ،143‬وقول أيوب‪َ ﴿ :‬أني َمسن ِ َي الش ْي َطان‬

‫اب﴾‪ ،144‬وقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم‪﴿ :‬خ ِذ‬ ‫ب َو َع َذ ٍ‬ ‫بِن ْص ٍ‬
‫اهلِين * وإِما ي َنز َغن َك ِمن الشي َط ِ‬
‫ف و َأ ْع ِر ْض َع ِن ا ْلج ِ‬‫ِ‬
‫ان ن َْز ٌغ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ا ْل َع ْف َو َو ْأم ْر بِا ْلع ْر َ‬
‫ف من الشي َط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َف ِ‬
‫ان‬ ‫ين ات َق ْوا إِ َذا َمسه ْم َطائ ٌ َ ْ‬‫يم * إِن الذ َ‬ ‫يع َعل ٌ‬ ‫استَع ْذ بِالله إِنه َسم ٌ‬ ‫ْ‬
‫ون﴾‪.145‬‬ ‫ت ََذكروا َفإِ َذا هم م ْب ِصر َ‬

‫‪ 140‬األنوار الكاشفة‪ ،‬ص‪.065‬‬


‫‪ 141‬األنوار الكاشفة‪ ،‬ص ‪.061‬‬
‫‪ 142‬سورة طه‪ ،‬اآلية‪.010 :‬‬
‫‪ 143‬سورة القصص‪ ،‬اآلية‪.05 ،06 :‬‬
‫‪ 144‬سورة ص‪ ،‬اآلية‪.40 :‬‬
‫‪ 145‬سورة األعراف‪ ،‬اآليات‪.110 ،111 ،077 :‬‬

‫‪49‬‬
‫ثم ذكر المؤلف حديث البخاري‪:‬‬

‫صارخا من مس‬
‫ً‬ ‫"ما من بني آدم مولود إال يمسه الشيطان حين يولد فيستهل‬

‫الشيطان غير مريم وابنها‪ .‬ثم يقول أبو هريرة‪َ ﴿ :‬وإِني أ ِعيذ َها بِ َك َوذريت ََها ِم َن‬
‫الشي َط ِ‬
‫ان الر ِجي ِم﴾‪.146‬‬ ‫ْ‬

‫ويشنع الكاتب‪" :‬فهذا الحديث يلحق مريم وابنها عيسى عليهما السالم بزمرة‬

‫من ال يمسهم الشيطان‪ ،‬وهذا تطاول على نبينا ما بعده تطاول‪ ،‬وتفضيل مريم‬

‫الصديقة ورسول الله عيسى على نبي اإلسالم"‪.147‬‬

‫وقد سبق بيان أنه يلوك كالم غيره دون مراجعة وال بحث‪ ،‬ويقال له‪ :‬المزية ال‬

‫تقتضي األفضلية‪ ،‬فمن خص بصفة ولو قيل هو أفضل فيها‪ ،‬ال يلزم منه األفضلية‬

‫المطلقة على غيره‪ ،‬في كل شيء‪ ،‬فقد يكون غيره بمجموع صفاته ال جميعها‬

‫أفضل منه‪ ،‬فـ"الزيادة في صفة من صفات الفضل ال تقتضي األفضلية‬

‫المطلقة"‪.148‬‬

‫وهكذا لو تتبع المرء كالمه‪ ،‬لما وجد ما يستحق من أجله أن يطبع كتا ابا مفر ادا‪،‬‬

‫واكتفى بقراءة كتاب (األضواء) والرد عليه (األنوار)‪ ،‬ولكن الرجل لما يحاول‬

‫‪ 146‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.65 :‬‬


‫‪ 147‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.062‬‬
‫‪ 148‬فتح الباري‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.47‬‬

‫‪50‬‬
‫أن يخرج عن كتاب (األضواء)‪ ،‬فإنه يعلق بسطور غيره‪ ،‬فهو ال يقدر إال على‬

‫التقليد الذي يرمي به غيره‪.149‬‬

‫فقد عقد ا‬
‫فصال بعنوان (الحديث في القرآن)‪ ،‬زعم فيه أن "الحديث هو مطلق‬

‫أيضا إلى نبينا محمد صلى‬


‫كالم الله المنزل على أنبيائه‪ ،‬وأنه كتاب الله الموحى ً‬

‫الله عليه وسلم"‪ ،150‬وساق بعض اآليات التي فيها وصف القرآن بالحديث مثل‬

‫ون ِر ْز َقك ْم َأنك ْم‬


‫ون * َوت َْج َعل َ‬ ‫قوله تعالى‪َ ﴿ :‬أ َفبِه َذا ا ْلح ِد ِ‬
‫يث َأنتم مدْ ِهن َ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬
‫تكَذب َ‬
‫ون﴾‪،151‬‬

‫وبدأ يشنع على علماء الحديث‪ ،‬فقال‪" :‬فلم يتورع هؤالء على توقير كلمة‬

‫الحديث التي تم إعطاؤها معنى من لدن الله تعالى‪ ،‬باإلضافة إلى المعنى‬

‫اللغوي‪ ،‬وهو كالم الله"‪.152‬‬

‫وهذا الكاتب ال يدري ما ينسخه بنفسه‪ ،‬فقد نقل قبل صفحتين عن (لسان‬

‫العرب) في معنى الحديث‪" :‬يطلق على الكالم‪ ،‬قليلة وكثيره ألنه يحدث‬

‫ويتجدد شيئًا فشيئًا‪ ،‬وجمعه أحاديث"‪.153‬‬

‫‪ 149‬انظر‪ :‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.061‬‬


‫‪ 150‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.061‬‬
‫‪ 151‬سورة الواقعة‪ ،‬اآلية‪.11 ،10 :‬‬
‫‪ 152‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪ 153‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.40‬‬

‫‪51‬‬
‫فهذه لفظ عربي معروف قبل نزول القرآن‪ ،‬ويطلق على الكالم‪ ،‬فما باله جعل‬

‫المعنى اللغوي هو كالم الله؟‬

‫ثم إن في القرآن إطالق للحديث على كالم النبي صلى الله عليه وآله وسلم‪،‬‬

‫اج ِه َح ِدي اثا َف َلما نَب َأ ْت بِ ِه َو َأ ْظ َه َره الله‬


‫ض َأ ْز َو ِ‬
‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ َأ َسر النبِي إِ َل ٰى َب ْع ِ‬

‫ض َف َلما نَب َأ َها بِ ِه َقا َل ْت َم ْن َأن َب َأ َك َٰه َذا َق َال نَب َأنِ َي‬ ‫َع َل ْي ِه َعر َ‬
‫ف َب ْع َضه َو َأ ْع َر َض َعن َب ْع ٍ‬

‫ا ْل َعلِيم ا ْل َخبِير﴾‪.154‬‬

‫المرة؟ إنه يعيد كلمات محمد شحرور‪ ،‬الذي‬


‫ولكن من أي شيء يستنسخه هذه ّ‬
‫زعم أن مصطلح الحديث هو للقرآن فقط‪ ،155‬وق ّلده فيه‪ ،‬فهذه هي طريقته‪،‬‬

‫وهذا هو مضمار سباقه‪.‬‬

‫وما قاله ال يفيد النتيجة التي زعمها‪ ،‬فقد قال‪" :‬في معظم آيات القرآن جاءت‬

‫لفظة حديث بمعنى كالم الله"‪ ،156‬فيقال بأن ورود لفظ بشكل كثير أو غالب ال‬

‫كثيرا في القرآن على نار‬


‫ودائما في معنى معين‪ ،‬فالنار ذكرت ا‬
‫ا‬ ‫حتما‬
‫يجعله ا‬
‫اآلخرة‪ ،‬وال يعني هذا عدم جواز إطالق النار على نار الدنيا‪ ،‬والتشنيع على‬

‫قائليها!‬

‫‪ 154‬سورة التحريم‪ ،‬اآلية‪.6 :‬‬


‫‪ 155‬انظر‪ :‬القرآن والحديث‪ ،‬محمد شحرور‪ ،‬األهالي للتوزيع‪ ،‬سورية‪-‬دمشق‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪ 156‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.41‬‬

‫‪52‬‬
‫وبعد هذا االضطراب بأبجديات التفكير السليم‪ ،‬يقول‪" :‬لفظة الحديث لها‬

‫معاني متعددة‪ ،‬منها ما أسلفنا في اآليات السابقة أنها تدل على كالم الله‪ ،‬فهل‬

‫المشتغلون بالحديث يشتغلون على كالم الله‪ ،‬أم على كالم الرسول وأفعاله‬

‫وأقواله"‪!157‬‬

‫وال يكف (الباحث) عن النسخ واللصق من المواقع اإللكترونية‪ ،‬والسطو على‬

‫جهد غيره‪ ،‬وهذه مقارنة بين نصه‪ ،‬وبين مقال لعبد الفتاح عساكر‪ ،‬على موقع‬

‫(أهل القرآن)‪ ،158‬بعنوان‪( :‬أقدم المخطوطات العربية)‪:‬‬

‫الصورة (‪ )0‬من كتاب صحيح البخاري نهاية األسطورة‪:159‬‬

‫ويبدأ النص المسروق من العالمة الحمراء األولى‪ ،‬حتى العالمة األخيرة‪،‬‬

‫وأصلها من مقال عساكر‪.‬‬

‫‪ 157‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.41‬‬


‫‪ 158‬رابط الموقع‪.http://www.ahl-alquran.com :‬‬
‫‪ 159‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.140‬‬

‫‪53‬‬
‫الصورة (‪ ،)1‬تبين أنه سرق من مقال عساكر دون أي تغيير‪:‬‬

‫على أن مقال عساكر‪ ،‬منشور بتاريخ‪1112/4/1 :‬م‪ ،‬وهذا الجزء منه مسروق‬

‫من مقال ألحمد عبده ماهر فهو كاتبه األصلي‪ ،‬بعنوان (مخطوطات البخاري في‬

‫العالم)‪ ،‬نشر على موقع (شباب مصر)‪ 160‬بتاريخ‪1116/5/06 :‬م‪ ،‬أي قبله‬

‫عواد‪ ،‬في حين لو رجعنا إلى‬


‫بعامين تقري ابا‪ ،‬وكلهم أحال إلى كتاب كوركيس ّ‬
‫كتابه‪ ،‬فإن كالمه توزع على صفحتين (‪ ،)006 ،001‬ولم يكن بمثل هذا‬

‫الترتيب‪ ،‬فيظهر أن الكتاب لم يرجع إلى األصل بل اكتفى بنسخ ما ظفر به عن‬

‫غيره‪.‬‬

‫عواد‪ ،‬ويظهر الفرق بينها وبين الصورتين السابقتين‪:161‬‬


‫الصورة (‪ )6‬لكالم ّ‬

‫‪ 160‬رابط الموقع‪.http://www.shbabmisr.com :‬‬


‫‪ 161‬انظر‪ :‬أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم المكتوبة منذ صدر اإلسالم حتى سنة ‪ 611‬هـ‪ ،‬كوركيس عواد‪،‬‬
‫وزارة الثقافة واإلعالم العراقية‪0711 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،006 ،001‬وقد تم دمج الشاهد من الصفحتين سو ايا للعرض‪ ،‬وتبدأ‬
‫الصفحة ‪ 006‬من قوله‪ :‬راجع د‪ .‬عدنان درويش‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫فهذا الرجل يسرق من غيره‪ ،‬وينسبه إلى نفسه‪ ،‬بكتاب يحمل اسمه‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫باحث غير باحث‬

‫إن المطالع لكتاب (نهاية األسطورة) يجعله يتساءل أين البحث في الموضوع؟‬

‫أم إن كل من ضغط في مربع بحث جوجل على كلمة (ابحث) صار اسمه‬

‫باح اثا؟ فعلى هذا ما أكثر الباحثين‪ ،‬وهذا الكاتب يلقي الكمات دون تدقيق‪ ،‬وال‬

‫تحقيق وال مراجعة‪ ،‬ويكفي أنه يحسبها أنها تصب في رؤيته ليستنسخها في‬

‫كتابه‪ ،‬ولذا تجده يقول‪:‬‬

‫"إن الحافظ الذهبي اتهم البخاري بالتدليس في حيث قال في سير أعالم النبالء‪،‬‬

‫عند تعداد الرواة عن الذهلي ما نصه‪:‬‬

‫روى عنه خالئق منهم ‪ ....‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬ويد ّلسه ً‬


‫كثيرا !!!‪ ،‬ال‬

‫يقول‪ :‬محمد بن يحيى!! بل يقول محمد فقط!! أو محمد بن خالد!! أو محمد‬

‫ويعمي اسمه‪ ،‬لمكان الواقع بينهما!!! غفر الله‬


‫ّ‬ ‫بن عبد الله‪ ،‬ينسبه إلى جده‪،‬‬

‫لهما"‪.162‬‬

‫وعالمات التعجب من هذا الكاتب‪ ،‬وكأنه ظفر بما لم يظفر به أحد‪ ،‬فيقال له‪:‬‬

‫التدليس الذي قصده هنا الذهبي ليس هو التدليس الذي يقدح في الرواية‪،‬‬

‫مدلسا وفق اصطالح المحدّ ثين‪ ،‬فيقولون في المدلس‪" :‬سمي‬


‫ا‬ ‫ويجعل صاحبها‬

‫‪ 162‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.60‬‬

‫‪56‬‬
‫يسم من حدثه‪ ،‬وأوهم سماعه للحديث ممن لم يحدّ ثه‬
‫بذلك لكون الراوي لم ّ‬
‫به"‪.163‬‬

‫يسمى تدليس الشيوخ‪ ،‬وهو "أن يصف شيخه بما لم يشتهر به‪،‬‬
‫ومن التدليس ما ّ‬
‫إيهاما للتكثير غال ًبا‪ ،‬وقد يفعل ذلك لضعف‬
‫من اسم أو لقب أو كنية أو نسبة ً‬
‫شيخه"‪.164‬‬

‫والبخاري لم يفعل هذا ليستكثر‪ ،‬فشيوخه كثر‪ ،‬وليس الذهلي بضعيف حتى‬

‫يخشى من هذا‪ ،‬ولم يوهم أنه سمع حدي اثا ليس منه‪ ،‬فال تشنيع في كل هذا وليس‬

‫هو التدليس االصطالحي‪ ،‬وإنما كان هذا لما بين البخاري والذهلي‪ ،‬وهذا وإن‬

‫ذكره الكاتب في سياق ذم‪ ،‬فهو المدح على التحقيق‪ ،‬حيث إن البخاري وإن‬

‫أخطأ عليه الذهلي‪ ،‬ورماه بما ليس فيه‪ ،‬فإن البخاري لم يسقط رواية الذهلي‬

‫قادرا أن يرميه بالضعف‪ ،‬فعلم أن هذا الكاتب ال يدري ما‬


‫لحق نفسه‪ ،‬وكان ا‬
‫ينقله‪ ،‬حيث إنه ينقل واحدة من مناقب البخاري من حيث ال يريد‪.‬‬

‫وليستكثر القدح بالبخاري قال‪:‬‬

‫‪ 163‬نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الله بن ضيف الله الرحيلي‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪1110‬م‪ ،‬ص‪.016‬‬
‫‪ 164‬تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عاصم بن عبد الله القريوتي‪،‬‬
‫مكتبة المنار‪ ،‬الزرقاء‪-‬األردن‪ ،‬ص‪.02‬‬

‫‪57‬‬
‫"إن بعضهم اتهم البخاري في عقيدته ونسب إليه ً‬
‫قوال يفيد أن القرآن مخلوق‬

‫بلفظه"‪.165‬‬

‫مع أنها هي قصته مع الذهلي‪ ،‬لكنه أراد استكثار الطعون‪ ،‬ومفادها‪ :‬أن البخاري‬

‫قال بأن أفعال العباد حركاتهم وأصواتهم وكتابتهم مخلوقة‪ ،166‬ففهم منه‬

‫الذهلي أنه يقصد بأن القرآن مخلوق إذ هم يقرأونه‪ ،‬فاتهمه‪ ،167‬ولو كان هذا‬

‫الباحث منص افا‪ ،‬لحاول أن يبحث في هذا التهمة ويعرف الحق فيها بدل أن يردد‬

‫كل كال ٍم قيل‪ ،‬ولما يكون المبحث نقيض هواه يصيح بأنهم ليسوا معصومين‪،‬‬

‫واضحا‪ ،‬نقله‬
‫ا‬ ‫فإن حسب أنه يمكنه االستفادة مما نقله عنهم ولو كان الخطأ فيه‬

‫ولم يبحث بصحة كالمهم من عدمه‪ ،‬وإال فقد كان بإمكانه أن يرجع إلى كتاب‬

‫البخاري المفرد في بيان موقفه من هذه المسألة‪ ،‬وهو كتاب (خلق أفعال‬

‫العباد)‪ ،‬الذي لم يكلف هذا الكاتب أن يرجع إليه في كتابه ولو مرة واحدة‪ ،‬بل‬

‫اكتفى بنقل االتهامات دون تحقيق وال تمحيص‪ ،‬يقول البخاري فيه عن القرآن‪:‬‬

‫"ما قرئ وحفظ وكتب ليس بمخلوق"‪.168‬‬

‫‪ 165‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.60‬‬


‫‪ 166‬انظر‪ :‬سير أعالم النبالء‪ ،‬ج‪ ،01‬ص‪.466‬‬
‫‪ 167‬انظر‪ :‬سير أعالم النبالء‪ ،‬ج‪ ،01‬ص‪.465‬‬
‫‪ 168‬خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل‪ ،‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن‬
‫عميرة‪ ،‬دار عكاظ‪ ،‬جدة‪-‬الرياض‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ص ‪.005‬‬

‫‪58‬‬
‫وعليه فيكون الذهلي فهم مقصده خطأ‪ ،‬فتهمته غير صحيحة‪ ،‬ورغم أنه أخطأ‬

‫على البخاري إال أن البخاري لم يترك روايته‪ ،‬ألن الحق كان عندهم فوق كل‬
‫إنسان‪ ،‬وإنما لم يكن يسميه باسمه ا‬
‫كامال لثقل ما ناله من ذلك االتهام‪ ،‬وال يغش‬

‫عالما فهو يعلم أنه يرويه عن الذهلي‪،‬‬


‫سامع الرواية في هذا أبدا ا‪ ،‬فإن كان السامع ا‬
‫وإال فالراوي ثقة‪ ،‬لم يضعفه ألنه اتهمه ا‬
‫خطأ‪.‬‬

‫ا‬
‫مستقال فيما بعد‪ ،‬بعنوان (البخاري مجروح‬ ‫فصال‬ ‫ِ‬
‫يكتف بهذا بل عقد ا‬ ‫لكنه لم‬

‫ومتروك الحديث) وذكر فيه أن ابن أبي حاتم وأبا زرعة تركا حديثه "بعدما كتب‬

‫إليهما محمد بن يحيى أنه أظهر عندهم بنيسابور أن لفظه بالقرآن مخلوق"‪.169‬‬

‫صحيحا‪ ،‬بل ما‬


‫ا‬ ‫فرجالن عمال بتصديق خبر ثبت أنه خطأ‪ ،‬ال يعتبر تركهما له‬

‫ينقله حجة عليه‪ ،‬فوقع ترك روايته بعد أن بلغهما كالم محمد بن يحيى الذهلي‬

‫رأسا‪ ،‬فمن رمى‬


‫فيه‪ ،‬وعلى هذا فمتى سقطت صحة كالم الذهلي؛ سقط الترك ا‬
‫شخصا بتهمة ورتب أ اثرا على هذا‪ ،‬متى سقطت التهمة بعين التحقيق لم يعد‬
‫ا‬
‫لألثر من مسوغ‪ ،‬ومن تمسك بأثر تهمة ساقطة فإنما يتمسك بنتيجة ال مقدمة‬

‫لها‪.‬‬

‫‪ 169‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.046‬‬

‫‪59‬‬
‫تبجحه بعدم اإلجماع على صحة البخاري‪ ،‬يقدم حجته التالية‪:‬‬
‫وفي سياق ّ‬
‫ّ‬
‫ويكذبون‬ ‫"الشيعة وهم نسبة مهمة من المسلمين ال يؤمنون بصحيح البخاري‪،‬‬

‫كل ما جاء فيه‪ ،‬فأين هو اإلجماع"‪.170‬‬

‫فيقال‪ :‬لو أن ا‬
‫رجال قيل له أجمع العرب على أن من نصب الفاعل‪ ،‬فقال‪ :‬قال‬
‫محمدا ا‪ ،‬بأنه أخطأ‪ ،‬هل يصح أن يقال له لنقض كالمه‪ :‬ولكني أعرف ا‬
‫رجال من‬

‫دولة عربية قال بل يصح!‪ ،‬فالحديث هنا عن علماء اللغة‪ ،‬ال العامة الذين قد‬

‫إجماع وال خالف‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫يلحنون‪ ،‬فهم ال يعتبر بهم‬

‫أما الشيعة‪ ،‬فهل الشيعة ا‬


‫أصال من أهل العلم بالحديث حتى يحتج بأنهم اتفقوا‬

‫أو اختلفوا؟ فيقال ما أول كتاب في علم الحديث لهم؟‬

‫إن أقدم كتاب للشيعة اإلمامية يعود إلى القرن العاشر الهجري‪ ،‬توفي صاحبه‬

‫سنة ‪755‬هـ‪ ،171‬ومجمل بحوثهم فيه ضعيفة إلى الغاية مقارنة بمؤلفات وقواعد‬

‫وكتب أهل السنة‪ ،‬فأين هذا من ذاك؟‪ ،‬فال يعتبرون في الوفاق والخالف فيما‬
‫ليسوا ا‬
‫أهال له‪ ،‬ثم إن كان يعتبر الخالف والوفاق مع الشيعة‪ ،‬فقد وقع خالف‬

‫بينهم هل القرآن الذي بين أيدينا محفوظ أم وقع فيه تحريف!‬

‫فعلى سبيل المثال قال المجلسي‪:‬‬

‫‪ 170‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.061‬‬


‫‪ 171‬انظر‪ :‬أصول الحديث‪ ،‬عبد الهادي الفضلي‪ ،‬مركز الغدير للدراسات‪ ،‬لبنان‪-‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1100 :‬م‪،‬‬
‫ص‪.16‬‬

‫‪60‬‬
‫"األخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي أن األخبار في هذا‬

‫الباب متواترة معنى‪ ،‬وطرح جميعها يوجب رفع االعتماد عن األخبار رأس ًا‪ ،‬بل‬

‫ظني أن األخبار في هذا الباب ال يقصر عن أخبار اإلمامة "‪.172‬‬

‫فعلى هذا فهو يعتبر حفظ القرآن محل خالف‪ ،‬ألم يحتج بخالف الشيعة مع‬

‫البخاري؟ فيوجد فيهم (وال أنسبه إليهم كلهم) من يثبت التحريف في القرآن‪،‬‬

‫محرف‪.‬‬
‫فعلى هذا ال إجماع عنده على أن القرآن غير ّ‬

‫وهذا الرجل ال يدري ما ينقله‪ ،‬فتجده ينقل ما هو حجة عليه‪ ،‬ففي سياق بيان أن‬
‫ال إجماع على صحة أحاديث البخاري‪ ،‬كتب ا‬
‫نقال عن غيره‪" :‬انتقاد ابن تيمية‬
‫وابن القيم لحديث في البخاري"‪ ،173‬غفل أنه نسخ من قبل وهو ٌ‬
‫نقل عن غيره‬

‫أيضا‪" :‬ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من‬
‫ا‬
‫‪174‬‬
‫البخاري ومسلم بعد القرآن"!‬

‫وكونهم ينقدون عد ادا ا‬


‫قليال من األحاديث‪ ،‬فهذا يعني تسليمهم الباقي‪ ،‬وتعليل‬

‫قطعة من حديث لمقارنتها بغيرها من الروايات‪ ،‬كما يسلكه أهل العلم‪ ،‬ليس فيه‬

‫اتهام للبخاري بالكذب! أو الطعن على صحيحه‪ ،‬وما ينقله حجة عليه‪ ،‬لو كان‬

‫له فهم صحيح‪ ،‬ومقصد صحيح‪.‬‬

‫‪ 172‬مرآة العقول شرح أخبار الرسول‪ ،‬محمد باقر المجلسي‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬طهران – إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ج‬
‫‪ ،01‬ص‪.616‬‬
‫‪ 173‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.040‬‬
‫‪ 174‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.040‬‬

‫‪61‬‬
‫خلط أصول الفقه بمباحث الحديث‬

‫إن كتاب أيالل يخلط العلوم الشرعية ببعضها‪ ،‬ليصل إلى النتيجة التي يريد‪ ،‬وهو‬

‫بهذا يفصح عن جهل وسقطات هائلة‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬تجده ليستكثر سطور‬

‫كتابه‪ ،‬يدخل مباحث ال شأن لها بمسألة ثبوت األحاديث‪ ،‬بل لها تعلق‬

‫باألصول‪ ،‬على سبيل المثال أدخل مبحث (السنة ناسخة للقرآن)‪ ،‬وبدأ ينسخ‬

‫أقوال العلماء‪ ،‬وغاية ما يمكنه تحصيله ترجيح قول من قال بأن السنة ال تنسخ‬

‫القرآن‪ ،‬ولكن هل هذا يعني عند هؤالء أن السنة مثلما يزعم هو غير محفوظة‪،‬‬

‫حتما ال‪ ،‬وهذا الشافعي‪ ،‬أشهر من قال بأنه‪" :‬إنما نسخ ما‬
‫وأنها حديث خرافة؟ ا‬
‫نسخ من الكتاب بالكتاب‪ ،‬وأن السنة ال ناسخة للكتاب"‪ ،175‬من أشد المنافحين‬

‫عن االحتجاج بالسنة‪ ،‬فهو القائل‪" :‬كل من قبل عن الله فرائضه في كتابه‪ ،‬قبل‬

‫عن رسول الله سننه‪ ،‬بفرض الله طاعة رسوله على خلقه‪ ،‬وأن ينتهوا إلى حكمه‪،‬‬

‫ومن قبل عن رسول الله فعن الله قبل‪ ،‬لما افترض الله من طاعته"‪.176‬‬

‫والقول بأن هذا حديث ناسخ وذلك منسوخ‪ ،‬مبحث‪ ،‬والقول بثبوت الرواية‬
‫ا‬
‫منسوخا‪ ،‬وقد ال‬ ‫ا‬
‫ناسخا وقد يكون‬ ‫مبحث آخر‪ ،‬فالحديث الصحيح قد يكون‬

‫يكون هذا وال ذاك‪ ،‬وال يض ّعف هذا وال يقوي من الحديث‪ ،‬فهذا خلط في‬

‫المباحث‪.‬‬

‫‪ 175‬الرسالة‪ ،‬محمد بن إدريس الشافعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد شاكر‪ ،‬مكتبة التراث‪ ،‬القاهرة‪0727 ،‬م‪ ،‬ص‪.015‬‬
‫‪ 176‬الرسالة‪ ،‬ص ‪.66‬‬

‫‪62‬‬
‫وعلى هذا النحو فإن الكاتب يخلط بين ثبوت الرواية والعمل بها‪ ،‬أو بين ثبوت‬

‫شيء ومشروعيته لكل المسلمين‪ ،‬أو أنه ديني وليس دنيو ايا‪ ،‬أو العكس‪.‬‬

‫وبشكل عام فلقد دارت فصول كتاب أيالل حول هذا الخلط‪ ،‬وبعضها حاله مثل‬

‫من يشنع على من قال‪ :‬إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يركب ناقة‪،‬‬

‫ويستشكل ذلك بأننا في عصر فيه سيارات‪ ،‬وحافالت‪ ،‬وطائرات! وأن هذا‬

‫معناه أن نعود بالزمن إلى الوراء‪ ،‬ونحو هذه التهويالت الفارغة‪ ،‬ويرى أن الحل‬

‫يكمن في نفي تلك الرواية‪ ،‬والكذب برواية أخرى بأنه كان يستعمل تقنية القرن‬

‫الواحد والعشرين لحل هذه المشكلة!‬

‫فمن قال بأن ثبوت كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركب الناقة‪ ،‬واستعمل‬

‫فقها أن الناس يجب أن تركبها بدل هذا‬


‫أدوات عصره كما هو الواقع‪ ،‬يلزم منه ا‬
‫المواصالت الحديثة‪ ،‬فالنظر إلى ثبوت الحديث شيء‪ ،‬واالستنباط منه شيء‬

‫آخر‪ ،‬فالثاني نظر الفقيه‪ ،‬و "قد يحمل الفقه غير فقيه‪ ،‬يكون له حاف ًظا‪ ،‬وال يكون‬

‫فقيها"‪ ،177‬ومن يبحث في األدلة اإلجمالية وكيفية االستفادة منها هو‬


‫فيه ً‬
‫األصولي‪ ،‬ولكن الكتاب خلط كل هذا ببعضه‪.‬‬

‫‪ 177‬الرسالة‪ ،‬ص‪.416‬‬

‫‪63‬‬
‫كذب‬

‫لم يتوقف الكاتب رغم سرقاته‪ ،‬واتهاماته بالزور عن الكذب على غيره بشكل‬

‫فاضح‪ ،‬وعلى سبيل المثال‪ ،‬قال‪:‬‬

‫" إن الفقهاء والمحدّ ثين خالفوا القرآن وخالفوا العلم‪ ،‬وقالوا بأن مدة الحمل‬

‫يمكن أن تصل إلى خمس سنوات !!!!‪ ،‬هذا طب ًعا استنا ًدا إلى المرويات"‪.178‬‬

‫يهول كل مسألة‪ ،‬والفقهاء قالوا ذلك وف اقا لمعارف عصرهم‪ ،‬وأرجعوا‬


‫وهكذا ّ‬
‫ذلك إلى تقدير أهل المعرفة‪ ،‬والعلم كما هو معلوم يتقدم‪ ،‬ومن يتندر بعلوم‬

‫األمس‪ ،‬سيتندر به علماء المستقبل‪ ،‬ولم يزعم الفقهاء أن تحديد أكثر الحمل‬

‫منصوص عليه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقول إن مستندهم في‬

‫هذا إلى الروايات‪ ،‬يقول البعلي‪:‬‬

‫"وغالبها ‪-‬أي مدة الحمل‪-‬تسعة أشهر وأكثرها أربع سنين ألن ما ال تقدير فيه‬

‫شرعا يرجع فيه إلى الوجود وقد وجد من تحمل أربع سنين"‪.179‬‬

‫فيقال‪ :‬هب أن هذه هي معرفة زمانهم‪ ،‬وهكذا قال لهم أطباؤهم‪ ،‬فإنهم لم‬

‫يكذبوا على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يزعموا أنهم قالوها توقي افا‪،‬‬

‫بل قالوا مرد ذلك إلى الوجود‪ ،‬وهذا ال يحكم به أمثالك‪ ،‬بل يحكم به أهل‬

‫‪ 178‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.60‬‬


‫‪ 179‬الروض الندي شرح كافي المبتدي‪ ،‬ألحمد بن عبد الله البعلي‪ ،‬المطبعة السلفية‪ ،‬ص ‪.414-416‬‬

‫‪64‬‬
‫الطب‪ ،‬ومتى حددوا أقصى مدة ممكنة للحمل علميا فإن الفقه يدور مع تحقيق‬

‫مناطات األحكام‪ ،‬وليس من الذكاء أن يكذب المرء على خصمه ليسهل عليه‬

‫الرد بعد ذلك كما قيل‪.‬‬

‫وهكذا فإن الرجل ال يتورع عن الكذب‪ ،‬وعلى سبيل المثال وضع عنواناا‬

‫لحديث سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صحيح البخاري بقوله‪:‬‬

‫(الرسول يسحر فيهذي) ثم لم يذكر شي ائا في هذا‪ ،‬بل في الحديث‪" :‬سحر النبي‬

‫صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخ ّيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله"‪.‬‬

‫وعلق على هذا بقوله‪:‬‬

‫"اعتقدوا أن رسول الله كان يتخيل أنه يقوم بالعمل ولم يقم به ‪ ....‬وذلك من‬

‫الهذيان‪ ،‬وهاته اإلساءة من اإلساءات التي لم يتورع من ألف هذا الكتاب عن‬

‫تدوينها"‪.180‬‬

‫وهذا الذي قاله كذب عليهم‪ ،‬فالهذيان هو‪" :‬كالم غير معقول مثل كالم‬

‫المبرسم والمعتوه"‪ ،181‬فأين الهذيان في تخيل شيء حصل وهو لم يحصل!‬

‫ومن صور كذبه على خصومه‪ ،‬قوله‪:‬‬

‫"محمد بن إسماعيل البخاري لم يكن يكتب أي حديث أو ينتخب أي حديث‬

‫من أحاديث الصحيح‪ ،‬من أصل أزيد من نصف مليون حديث‪ ،‬إال بعد أن يغتسل‬

‫‪ 180‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.064‬‬


‫‪ 181‬لسان العرب‪ ،‬محمد بن مكرم بن منظور‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ج‪ ،06‬ص‪.651‬‬

‫‪65‬‬
‫ويستخير الله بصالته ركعتين‪ ،‬ولكم أن تتخيلوا كم من مرة قام البخاري بصالة‬

‫االستخارة‪ ،‬ليكون الجواب هو ‪ 066‬ألف مرة‪ ،‬أي مليون ومائتي ألف ركعة‬

‫خالل ست عشرة سنة!!!"‪.182‬‬

‫فهذا الرجل يرد على نفسه بنفسه‪ ،‬فيقول بأن البخاري كان يستخير كلما انتخب‬

‫حدي اثا في الصحيح‪ ،‬ومعنى هذا أنه صلى بعدد أحاديث صحيح البخاري‪ ،‬كما‬

‫هو واضح في كالمه‪.‬‬

‫فكم عدد أحاديث صحيح البخاري بدون تكرار؟ على ما حرره ابن حجر‪،‬‬

‫فإنها‪ 1250 :‬حدي اثا تشمل المعلقات التي لم يوصلها في موضع آخر‪،183‬‬

‫فصلى عند كل حديث منها ركعتين على مدى ‪ 05‬سنة‪ ،‬فأين الغرابة في هذا؟‬

‫ولكن لما لم تعجبه هذه الحسبة‪ ،‬طار إلى التشنيع‪ ،‬وجعله يصلي عند كل‬

‫حديث قبل أي انتقاء‪ ،‬وبذا ناقض نفس ما ينقله‪ ،‬وهكذا دأبه في هذا الكتاب‪ ،‬مع‬

‫التنبيه أن الحديث قد يكون واحدا ا وله عشرة أسانيد‪ ،‬فتسمى عشرة أحاديث‪،‬‬

‫ولما يجري تضعيف طريق منها‪ ،‬يقال هذا حديث ضعيف‪ ،‬لكن قد يصح من‬

‫وجه آخر‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وهذا للتنبيه على سوء فهمه لهذا األمر‪ ،‬وبداية النسخ‬

‫واللصق والتهويل‪.‬‬

‫‪ 182‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.001‬‬


‫‪ 183‬انظر‪ :‬هدي الساري‪ ،‬ص‪.422‬‬

‫‪66‬‬
‫هل هي خصومة مع البخاري؟‬

‫يصور وكأن الخالف مع البخاري فحسب‪ ،‬ولكنه يهاجم السنة‬


‫عنوان الكتاب ّ‬
‫بشكل عام في كتابه‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫نموذجا فقط لباقي هاته الكتب المسماة كتب‬


‫ً‬ ‫"نحن اتخذنا البخاري‬

‫الحديث"‪.184‬‬

‫واألمر لم يقتصر على صحيح البخاري‪ ،‬بل الزم كالمه يمتد إلى نصوص آيات‬

‫التنزيل‪ ،‬مع عدم اتساقه في استدالالته‪ ،‬فالكتاب عبارة عن تجميع‪ ،‬وسرقات‪،‬‬

‫فماذا يتوقع القارئ منه في النهاية؟ وقد سبقت بعض األمثلة على طعنه‬

‫بأحاديث لها نفس دالالت اآليات القرآنية‪ ،‬بحجة أنه يراها مناقضة للقرآن!‬

‫وهذه أمثلة أخرى‪:‬‬

‫‪-0‬طعنه بحديث السحر الذي فيه‪ " :‬حتى إنه ليخ ّيل إليه أنه يفعل الشيء وما‬

‫فعله"‪.‬‬

‫فعلق ا‬
‫قائال‪" :‬اعتقدوا أن رسول الله كان يتخيل أنه يقوم بالعمل ولم يقم به ‪....‬‬

‫وذلك من الهذيان‪ ،‬وهاته اإلساءة من اإلساءات التي لم يتورع من ألف هذا‬

‫الكتاب عن تدوينها"‪.185‬‬

‫‪ 184‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.146‬‬


‫‪ 185‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.064‬‬

‫‪67‬‬
‫فيقال له‪ :‬ألم تقل إنك تس ّلم بصحة القرآن؟‪ ،‬قال الله تعالى فيه‪َ ﴿ :‬قالوا َيا م َ‬
‫وس ٰى‬

‫ون َأو َل َم ْن َأ ْل َق ٰى * َق َال َب ْل َأ ْلقوا َفإِ َذا ِح َباله ْم َو ِع ِصيه ْم‬


‫إِما َأن ت ْل ِق َي َوإِما َأن نك َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ي َخيل إِ َل ْيه من س ْح ِره ْم َأن َها ت َْس َع ٰى * َف َأ ْو َج َس في َن ْفسه خي َف اة م َ‬
‫وس ٰى * ق ْلنَا َال‬

‫ف إِن َك َأ َ‬
‫نت ْاألَ ْع َل ٰى﴾‪ ،186‬فعلى كالمك فإن قوله‪( :‬يخيل إليه من سحرهم)‬ ‫ت َ‬
‫َخ ْ‬
‫ا‬
‫تأويال لذاك؟‬ ‫أنه هذيان! فإن أوله يقال له فما لك لم تجد‬

‫‪-1‬استشنع حدي اثا فقال‪" :‬صحيح البخاري ينسب لرسول الله نسيان كالمه‪،‬‬

‫وكأن الله أخلف للنبي وعده إياه"‪ ،187‬مع أن الله في كتابه يقول‪َ ﴿ :‬سن ْق ِرئ َك َف َال‬

‫َنس ٰى * إِال َما َشا َء الله إِنه َي ْع َلم ا ْل َج ْه َر َو َما َي ْخ َف ٰى﴾‪ ،188‬ويقول مخاط ابا نبيه‬
‫ت َ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪﴿ :‬وإِما ي ِ‬
‫نس َين َك الش ْي َطان َف َال َت ْقعدْ َب ْعدَ الذك َْر ٰى َم َع ا ْل َق ْو ِم‬ ‫َ‬
‫ين﴾‪ ،189‬ويقال في االستثناء‪ ،‬والنسيان هنا ما قيل في سابقه‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫الظالم َ‬

‫‪-6‬استشكل حدي اثا في صحيح البخاري‪ ،‬فقال‪" :‬ال يستطيع مسلم نقي الفطرة‪،‬‬

‫سليم العقل‪ ،‬يحترم دينه ونبيه‪ ،‬أن يصدّ ق بأن رسوله الكريم صلى الله عليه‬

‫وسلم يدخل على امرأة أجنبية عنه‪ ،‬ويختلي بها في غيبة زوجها"‪ ،190‬فيقال له‬
‫ألم تقرأ قوله تعالى عن يوسف‪﴿ :‬وراودتْه التِي هو فِي بيتِها َعن ن ْف ِس ِه و َغل َق ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ‬

‫‪ 186‬سورة طه‪ ،‬اآليات‪ ،56 :‬إلى ‪.51‬‬


‫‪ 187‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.012‬‬
‫‪ 188‬سورة األعلى‪ ،‬اآلية‪.2 ،5 :‬‬
‫‪ 189‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.51 :‬‬
‫‪ 190‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.065‬‬

‫‪68‬‬
‫اب َو َقا َل ْت َه ْي َت َل َك َق َال َم َعا َذ الل ِه﴾‪ ،191‬فلو كان اعتراضه مسق اطا للرواية‪،‬‬
‫ْاألَ ْب َو َ‬
‫متوجها على قصة يوسف واختالء امرأة‬
‫ا‬ ‫بقطع النظر عن صحة فهمه لها‪ ،‬لكان‬

‫العزيز به‪ ،‬ثم أين وجد في القرآن النهي عن الخلوة باألجنبية؟ أال يتحاكم هنا‬

‫إلى كتب السنة‪ ،‬التي طعن بها‪ ،‬وسماها خرافة الحديث؟‬

‫وبحشو بالغ‪ ،‬بدأ يعرض شي ائا من نسخ صحيح البخاري ليحكم بعدها بأنه كتاب‬

‫غريب المصدر مجهول األثر‪ ،192‬حيث إنه لم يعثر على نسخة البخاري نفسه‪،‬‬
‫فيقال له‪ :‬ما تقوله لو كان حجة‪ ،‬فإن األمر يمتد إلى القرآن نفسه‪ ،‬فيقدر أي ٍ‬
‫أحد‬

‫أن يقول أين هي النسخة التي كانت عند حفصة؟‪ ،‬وأين هي اللخاف والرقاع‬

‫ونحوها مما كتب عليه القرآن أول مرة؟‪ ،‬ويظهر وقتها أن الخصومة ليس مع‬

‫السنة فحسب!‬

‫وإال فإن األمر ال يشترط له نسخة موقعة من البخاري نفسه‪ ،‬أو أن تبقى نسخة‬

‫القرآن التي أودعت عند حفصة‪ ،‬فقد كان الحفظة موجودين‪ ،‬وليس هذا في‬

‫القرآن فحسب‪ ،‬بل وال الحديث فحسب‪ ،‬فحتى كتب الفقه‪ ،‬كان هناك من‬

‫المعتنين بها‪ ،‬والحافظين لها‪ ،‬إلى درجة أن يقول القاضي الروياني على سبيل‬

‫المثال‪" :‬لو احترقت كتب الشافعي كنت أمليتها من حفظي!"‪.193‬‬

‫‪ 191‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪.16 :‬‬


‫‪ 192‬انظر‪ :‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.127‬‬
‫‪ 193‬الوافي بالوفيات‪ ،‬صالح الدين خليل بن أيبك الصفدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد األرنؤوط‪ ،‬تركي مصطفى‪ ،‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1111 :‬م‪ ،‬ج‪ ،07‬ص‪.052‬‬

‫‪69‬‬
‫وقد بلغ االعتناء بصحيح البخاري الغاية‪ ،‬وممن يذكر في مقدمة المعتنين به‬

‫"المغاربة‪ ،‬وما عرف عنهم من اهتمام بصحيح البخاري وسرعة قراءته والصبر‬

‫على سماعه وإسماعه‪ ،‬فيروى في ذلك العجب العجاب‪ ،‬وممن يذكر في هذا‬

‫الباب الحافظ أبو علي الصدفي المتوفى سنة ‪415‬هـ‪ ،‬فقد كان مما أقام للحديث‬

‫السوق العظيم‪ ،‬الذي نفقت بضائعه‪ ،‬فقد أسمع صهره ابن سعادة صحيح‬

‫البخاري ومسلم نحو ستين مرة في مدة خمس وعشرين سنة"‪.194‬‬

‫وللعلماء أسانيدهم إلى صحيح البخاري‪ ،‬فالعالم كان يقرأ البخاري على عالِم‪،‬‬

‫وال يضير إن كان لعالم نسخة من الصحيح‪ ،‬ثم قرأها عليه آخر‪ ،‬ولم يقل للعالم‬

‫أعطني نسختك‪ ،‬فيكفي أنه استنسخها لنفسه‪ ،‬كما إن أحاديث الصحيح معروفة‪،‬‬

‫موزعة على كتب الحديث من غيره‪ ،‬إلى درجة معرفة أن هذا من حديث الراوي‬

‫الفالني‪ ،‬وذلك ليس من حديثه‪ ،‬وأي اختالف في نسخة‪ ،‬يجري التنبيه عليه‪،‬‬

‫وتصحيحه أو تضعيفه بقواعد علمية‪ ،‬ليس فيها تحكّم وهوى‪.‬‬

‫ثم إنه بنتيجته هدم كل ما قاله من قبل‪ ،‬فقد استدل على عدم اإلجماع على‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬بأن العلماء نقدوا بعض أحاديثه‪ ،‬وهنا يقول ال يدري لعلهم‬

‫نقدوا غير أحاديثه!‪ ،‬بل وطعن في البخاري من قبل في أنه متروك تارة‪ ،‬ومتهم‬

‫في عقيدته تارة أخرى‪ ،‬فلم كل الصفحات السابقة‪ ،‬إن كان يجهل من ألف‬

‫صحيح البخاري؟!‬

‫‪ 194‬مدرسة اإلمام البخاري في المغرب‪ ،‬يوسف الكتاني‪ ،‬دار لسان العرب‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ج‪ ،0‬ص ‪.607‬‬

‫‪70‬‬
‫ولو بقي المسفسط مع حجة أنه ال يقبل إثبات شيء إال بنسخ موقعة من‬
‫أصحابها‪ ،‬يقال كيف به يثبت نسبه‪ ،‬في وقت لم يكن فيه ا‬
‫أصال أي محاكم‬

‫أيضا؟‬ ‫للتوثيق‪ ،‬بل يتناقل الناس أن فالناا ابن ٍ‬


‫فالن‪ ،‬فهل يطعن هو بهذا ا‬

‫كثيرا‬ ‫ٍ‬
‫تسليما ا‬
‫ا‬ ‫محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬ ‫وصلى الله وسلم على‬

‫‪71‬‬
‫المراجع‪:‬‬

‫‪ .0‬إحكام األحكام شرح عمدة األحكام‪ ،‬تقي الدين ابن دقيق العيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حامد الفقي‪ ،‬أحمد‬

‫محمد شاكر أبو األشبال‪ ،‬مطبعة السنة المحمدية‪ ،‬القاهرة‪.0766 ،‬‬

‫‪ .1‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬علي بن حزم األندلسي‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪.‬‬

‫‪ .6‬آذان األنعام؛ دراسة قرآنية علمية لنظرية داروين في الخلق والتطور‪ ،‬تأليف‪ :‬عماد محمد بابكر حسن‪،‬‬

‫باالشتراك مع‪ :‬عالء الدين محمد بابكر حسن‪( ،‬نسخة إلكترونية)‪ ،‬الخرطوم‪.1112 ،‬‬

‫‪ .4‬أضواء على السنة المحمدية‪ ،‬محمود أبو ر ّية‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة السادسة‪.‬‬

‫‪ .6‬أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم المكتوبة منذ صدر اإلسالم حتى سنة ‪ 611‬هـ‪،‬‬

‫كوركيس عواد‪ ،‬وزارة الثقافة واإلعالم العراقية‪0711 ،‬م‪.‬‬

‫‪ .5‬األنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة‪ ،‬عبد الرحمن بن‬

‫يحيى المعلمي‪ ،‬عالم الكتب‪-‬بيروت‪.‬‬

‫‪ .2‬تاريخ الفلسفة‪ ،‬أميل برهييه‪ ،‬ترجمة‪ :‬جورج طرابيشي‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت–لبنان‪،‬‬

‫الطبعة الثانية‪0712 :‬م‪.‬‬

‫‪ .1‬تذكرة الحفاظ‪ ،‬الذهبي‪ ،‬حققه‪ :‬عبد الرحمن المعلمي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪.‬‬

‫‪ .7‬تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عاصم بن عبد‬

‫الله القريوتي‪ ،‬مكتبة المنار‪ ،‬الزرقاء‪-‬األردن‪.‬‬

‫‪ .01‬تهذيب األجوبة‪ ،‬الحسن بن حامد‪ ،‬حققه وعلق عليه‪ :‬صبحي السامرائي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬مكتبة النهضة‬

‫العربية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 0411‬هـ‪0711-‬م‪.‬‬

‫‪ .00‬خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل‪ ،‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد‬

‫الرحمن عميرة‪ ،‬دار عكاظ‪ ،‬جدة‪-‬الرياض‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬

‫‪ .01‬الرسالة‪ ،‬محمد بن إدريس الشافعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد شاكر‪ ،‬مكتبة التراث‪ ،‬القاهرة‪0727 ،‬م‪.‬‬

‫‪ .06‬الروض الندي شرح كافي المبتدي‪ ،‬ألحمد بن عبد الله البعلي‪ ،‬المطبعة السلفية‪.‬‬

‫‪ .04‬سير أعالم النبالء‪ ،‬الذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬صالح السمر‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪،‬‬

‫الطبعة الحادية عشرة‪0775 :‬م‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫‪ .06‬شرك الطاعة‪ ،‬أبو صهيب العراقي‪ ،‬المكتب اإلعالمي‪ ،‬الدولة اإلسالمية في العراق والشام‪ ،‬والية‬

‫نينوى‪.‬‬

‫‪ .05‬شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل‪ ،‬مصطفى بن إسماعيل‪ ،‬تقديم‪ :‬مقبل بن هادي‬

‫الوادعي‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪0770 :‬م‪.‬‬

‫‪ .02‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬رشيد أيالل‪ ،‬دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر‪ ،‬المغرب‪،‬‬

‫الطبعة األولى‪1102 :‬م‪.‬‬

‫‪ .01‬صحيح البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬دمشق‪-‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬

‫‪1111‬م‪.‬‬

‫‪ .07‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬المطبعة المصرية بالقاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪0717 :‬م‪.‬‬

‫حجاج‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪-‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬


‫‪ .11‬صحيح مسلم‪ ،‬مسلم بن ّ‬
‫‪ .10‬الفارق بين المصنف والسارق‪ ،‬عبد الرحمن السيوطي‪ ،‬حققه‪ :‬هالل ناجي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪-‬‬

‫لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪0771 :‬م‪.‬‬

‫‪ .11‬فتح الباري‪ ،‬علي بن أحمد بن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محب الدين الخطيب‪ ،‬دار الكتب السلفية‪.‬‬

‫‪ .16‬قاعدة مختصرة في قتال الكفار ومهادنتهم وتحريم قتلهم لمجرد كفرهم‪ ،‬أحمد بن تيمية‪ ،‬حققه‪ :‬عبد‬

‫العزيز بن عبد الله آل حمد‪ ،‬الطبعة األولى‪1114 :‬م‪.‬‬

‫‪ .14‬القرآن والحديث‪ ،‬محمد شحرور‪ ،‬األهالي للتوزيع‪ ،‬سورية‪-‬دمشق‪.‬‬

‫‪ .16‬القسطاس المستقيم‪ ،‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬تحقيق‪ :‬فيكتور شلحت‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪،‬‬

‫‪0716‬م‪.‬‬

‫‪ .15‬قصة حياة تشارلس داروين‪ ،‬تحرير‪ :‬فرانسيس بيكون‪ ،‬ترجمة ومراجعة‪ :‬مجدي محمود المليجي‪،‬‬

‫المركز القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة‪1100 ،‬م‪.‬‬

‫‪ .12‬كتاب سيبويه‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪0771 :‬م‪.‬‬

‫‪ .11‬لسان العرب‪ ،‬محمد بن مكرم بن منظور‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪.‬‬

‫‪ .17‬المحدّ ث الفاصل بين الراوي والواعي‪ ،‬الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عجاج‬

‫الخطيب‪ ،‬دار الفكر – بيروت‪.‬‬

‫‪ .61‬مرآة العقول شرح أخبار الرسول‪ ،‬محمد باقر المجلسي‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬طهران – إيران‪،‬‬

‫الطبعة الثانية‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫‪ .60‬مقدمة ابن الصالح ومحاسن اإلصطالح‪ ،‬توثيق وتحقيق‪ :‬عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)‪ ،‬مطبعة‬

‫دار الكتاب ‪0724‬م‪.‬‬

‫‪ .61‬ملحمة جلجامش؛ ترجمة النص المسماري مع قصة موت جلجامش‪ ،‬نائل حنون‪ ،‬دار الخريف‪،‬‬

‫دمشق‪ ،‬الطبعة األولى‪1115 :‬م‪.‬‬

‫‪ .66‬المنار المنيف في الصحيح والضعيف‪ ،‬محمد بن قيم الجوزية‪ ،‬تحقيق‪ :‬يحيى بن عبد الله الثمالي‪،‬‬

‫دار عالم الفوائد‪ ،‬مكة‪ ،‬الطبعة األولى‪0411 :‬هـ‪.‬‬

‫‪ .64‬موطأ مالك‪ ،‬رواية محمد بن الحسن الشيباني‪ ،‬مع التعليق الممجد على موطأ محمد‪ ،‬تعليق وتحقيق‪:‬‬

‫تقي الدين الندوي‪ ،‬دار السنة والسيرة‪-‬بومبائي‪ ،‬دار القلم‪-‬دمشق‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ .66‬الموطأ‪ ،‬مالك بن أنس‪ ،‬صححه ورقمه‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪-‬‬

‫لبنان‪0716 ،‬م‪.‬‬

‫‪ .65‬نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الله بن ضيف الله الرحيلي‪،‬‬

‫الطبعة األولى‪1110 :‬م‪.‬‬

‫‪ .62‬نظم المتناثر من الحديث المتواتر‪ ،‬محمد بن جعفر الكتاني‪ ،‬دار الكتب السلفية للطباعة والنشر‪.‬‬

‫‪ .61‬الوافي بالوفيات‪ ،‬صالح الدين خليل بن أيبك الصفدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد األرنأووط‪ ،‬تركي مصطفى‪،‬‬

‫دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1111 :‬م‪.‬‬

‫‪ .67‬مدرسة اإلمام البخاري في المغرب‪ ،‬يوسف الكتاني‪ ،‬دار لسان العرب‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪.‬‬

‫‪74‬‬

You might also like