Professional Documents
Culture Documents
2
الفهرس
المقدمة4 ......................................................................................
استنساخ42 ...................................................................................
كذب54 ......................................................................................
3
المقدمة
فقد احتفى عبد النبي الشراط مدير (دار الوطن) بإصدار كتاب (صحيح
البخاري نهاية أسطورة) لرشيد أيالل ،ولم ينس في تقديمه للكتاب أن يعرض
دعايته لكتب سبق أن طبعتها الدار ،فيفخر على سبيل المثال بأن الدار طبعت
كتاب (آذان األنعام) ،ا
قائال في وصفه" :كتاب العصر :نظرية آذان األنعام دراسة
ثم يتحدث عن الداعي إلصدار كتاب (نهاية أسطورة) ،بأنه "تبرئة الرسول
المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من كذب األفاكين ،وخفافيش فقه الظالم،
الذين يحرفون الكالم عن مواضعه ليشتروا بآيات الله ثمنًا ً
قليال".2
بهذا االنفعال والتشنج أعلن مدير دار الوطن تقديمه للكتاب ،ولمعرفة شيء عن
نوعية الكتب التي يحتفي بها مدير الدار ،يجدر الحديث ا
قليال عن "كتاب
العصر" كما يصفه ،فكتاب آذان األنعام ،مجرد كتاب تجاري ،وال يوجد فيه أي
محتوى علمي ،ال عن داروين وال في العلوم الشرعية ،وعلى سبيل المثال ،يبدأ
1صحيح البخاري نهاية األسطورة ،رشيد أيالل ،دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر ،المغرب ،الطبعة األولى:
1102م ،.ص.00
2صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.00
4
"ال يشك أحدٌ أنه مات موحدً ا على الفطرة السليمة".3
فمن أين لهما أنه ال يشك أحدٌ في هذا؟ فكيف وداروين نفسه قد شرح معتقده
في سيرته ،بأنه كان مقتن اعا بوجود الله فترة كتابته (أصل األنواع) ثم تغير هذا
المعتقد بعد ذلك ،يقول" :مؤمن بوجود الله ،كان هذا االقتناع قو ّيا في ذهني،
بقدر استطاعتي أن أتذكر ،في الوقت الذي كنت أقوم فيه بكتابة "نشأة األنواع
الحية" (أصل األنواع) لكنه أصبح منذ ذلك الوقت يزيد ضع ًفا بشكل تدريجي
جدً ا ،مع الكثير من التقلبات ،ولكن الشك انبثق بعد ذلك" ،4إلى أن قال" :ال بد
لي شخص ًّيا بأن أكون قان ًعا ،بأن أظل مؤمنًا بالمذهب الال أدري" ،5فهو ال يثبت
إلها وال ينفيه ،فهو ال يدري ،ومع ذلك فال يشك أحدٌ فيما قاله المؤلفان!
ا
وقد قام المؤلفان باختراع نظرية من ذهنيهما في تصوير داروين ،مع توزيع ما
اع إِ َل ْي ِه َسبِ ايال﴾،6 ِ على سبيل المثال﴿" :ولِل ِه َع َلى الن ِ ِ
اس حج ا ْل َب ْيت َم ِن ْ
اس َت َط َ
3آذان األنعام؛ دراسة قرآنية علمية لنظرية داروين في الخلق والتطور ،تأليف :عماد محمد بابكر حسن ،باالشتراك مع:
عالء الدين محمد بابكر حسن( ،نسخة إلكترونية) ،الخرطوم ،1112 ،ص.16
4قصة حياة تشارلس داروين ،تحرير :فرانسيس بيكون ،ترجمة ومراجعة :مجدي محمود المليجي ،المركز القومي
للترجمة ،القاهرة ،1100 ،ص.605
5قصة حياة تشارلس داروين ،ص ،605بتصرف يسير.
6سورة آل عمران ،اآلية.72 :
5
تعني قصده والتد ّبر في أسراره واألحداث التي دارت عنده ،وهذا أمر ال يتطلب
الزيارة".7
وهذا معناه نفي ركن من أركان اإلسالم بهذا التأويل الفاسد ،أما تفسير قوله
است ََو ٰى َع َلى ا ْل َع ْر ِ
ش﴾ ،8فهو عندهما "أن يحترم الله ذلك النظام تعالى﴿ :ثم ْ
الذي صنعه ويتحكم فيه!"9وعالمة التعجب من المصدر نفسه على نفسه.
ِِ ِ ِ ِ
وفي تفسيرهما لقوله تعالى﴿ :و َال َت ْق َر َبا َٰهذه الش َج َر َة َفتَكونَا م َن الظالم َ
ين﴾،10
قاال" :التي منع آدم من االقتراب منها وهي الجماع بين الزوج والزوجة" ،11فهذا
وأمثاله جعل من الكتاب في نظر عبد النبي كتاب العصر ،وليس من تحريف
الكلم عن مواضعه! ،فكيف إذا أضيف إلى هذا ثقل األسلوب بتك ّلف التقليد
فيكتبان ا
مثال" :معالم في الطريق"" ،12إبراهيم كان شخصية متقدة ثورية"،13
"اإلعجاز الفني في القرآن"" ،14اإلعجاز القرآني يرسم رائعة فنية " ،15وهذا
6
وفي شرح عملية التطور التي ابتكراها ،يقوالن" :لما أصبح مخ اإلنسان العاقل
ً
قابال ألن تنتقل إليه علو ٌم ال يعلمها إال رب العالمين ،بدأت عملية نقل بعض
فهذا النص وأمثاله لم يزعج مدير الدار ،وأخذ يصيح على غيره بأنهم يشترون
بآيات الله ثمناا قلي اال ،ولم ِ
يكفه االسترزاق بهذا الكتاب ،حتى قفز إلى المشاركة
في الصخب حول صحيح البخاري ،فهو موضوعه (كتاب العصر) الجديد،
فقال:
"أدعو الباحثين المنقبين في بطون كتب التراث ،إلى أن يقارنوا بين الديانة
الزرداشتية التي كان مهدها بالد فارس قبل مجيء اإلسالم ،وبين بعض ما ورد
في كتاب (صحيح البخاري) سيما في مسألة المعراج ،ليقفوا على تأثير الديانة
بل الديانات والتقاليد الفارسية القديمة على هذا الكتاب" ،17أما الحل بنظره فهو
فيقال له :الكالم الذي ألقاه على عواهنه بأن البخاري حوى أساطير من
الزرداشتية ،هو محض دعوى قالها دون أن يستعرض تفاصيلها ،ليثبت التطابق
فيها ،بخالف الحال في الكتاب الذي يقدّ م له ،حيث سيظهر أن فيه سرقة لجهد
7
ا
مشغوال بتوجيه التهم إلى غير ،ولكن صاحب دار النشر لم ير هذا ،حيث كان
أما المقارنة التي يدعو إلى عقدها فقد قيل مثلها في القرآن نفسه ،وهي مقارنات
متهافتة ،حيث جاء في ملحمة جلجامش التي تعود إلى القرن الثامن عشر قبل
الميالد ،19أن "اآللهة العظام رغبوا بإحداث الطوفان"" ،20احمل ذرية الحياة
كلها إلى قلب الفلك ،الفلك التي تبنيها أنت"" ،21اكتسحت العاصفة البالد ليوم
واحد ،لقد هبت بسرعة ،ثم جاء الطوفان ،مثل حرب غمر الناس ،لم يعد األخ
يرى أخاه ،ولم يعد الناس يميزون السماء" ،22فهل يثبت هذا أن هذه هي مصدر
حتما ال ،إذ إن القرآن لما ذكر قصة نوح لم يقل إنه أنشأ القصة في
قصة نوح؟ ا
وقت النزول ،بل تحدث عن واقعة حصلت موضوعيا من قبل ،فال يمنع هذا أن
يخبر عنها بعض الناس على غير وجهها ،كما لم يقل هي القصة الوحيدة التي
كلماته دون أي بيان ،إنما هو مجرد بيع وه ٍم ،على أنه معرفة ،ومن هنا يصير
الجهل مر ّك ابا فيمن يصدق أمثال هذا ،ولكنها فنيات التسويق ،ومن هنا احتفت
19انظر :ملحمة جلجامش؛ ترجمة النص المسماري مع قصة موت جلجامش ،نائل حنون ،دار الخريف ،دمشق ،الطبعة
األولى1115 :م ،ص .7
20ملحمة جلجامش ،ص.107
21ملحمة جلجامش ،ص.111
22ملحمة جلجامش ،ص.114
8
الدار بكتاب رشيد أيالل ،الذي لم يخرج عن إطار بيع الوهم ،كغيره من الكتب
هي مسائل منبئة عن غيرها ،تبين جد ّية الكاتب ،وأهليته ،وأمانته المعرفية.
يوسف سمرين
القدس
1102/00/6م
9
جهد سنوات
يدفع إلى السؤال :هل هو جهد سنوات كما قيل في التقديم له؟
شيء من مراجع الكتاب والتي قد ينقل عنها صفحات كاملة ،وطريقة التوثيق:
" .0ورد في موقع األلوكة تعليق على القصة من طرف أحد المعلقين".23
" .1سأنقل لكم ً
مقاال للكاتب المصري عبد الفتاح عساكر بمنتدى الواحات
المصرية".24
10
" .6وجدت مقالة جامعة منشورة على منتدى السودان"27واستغرق نقله
.5وقد يوثق من المكتبة الشاملة ،فيقول" :انتهى بنصه من مقدمة الفتح عن
صفحته الفيسبوكية".30
فهذا وأمثاله مأل به كتابه ،ولم يجد في دار النشر من ينبهه على أن هذه الطريقة
قد تسيء إلى سمعته ككاتب ،أو إلى الدار على أنها ربحية تجارية غير جادة،
فأول ما بدأ به الكاتب كتابه ،فصل فيه( :منع الرسول للصحابة من تدوين
كالمه) ،31وابتدأ كالمه بقوله" :سنورد بعض األحاديث التي يعتبرها المحدثون
11
صحيحة" ،32فقال" :روى أحمد ومسلم :...ال تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن،
ثم قال الكاتب في محاولة بيان حرصه على التوثيق" :وروى مسلم في صحيحه
عن أبي سعيد الخدري ،قال( :جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في
الكتابة فأبى) .كتاب الزهد والرقائق ،باب التثبت في الحديث وحكم كتابة
العلم ،من طريق زيد بن أسلم ،عن عطاء بن يسار ،عن أبي سعيد الخدري عن
والحديث بهذا اللفظ ":جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في الكتابة
فأبى " ،الذي أسهب الكاتب في بيان موضعه في صحيح مسلم ،ليس في
الموضع الذي نسبه إليه وتبجح بإثباته ،بل الطريف أنه بهذا اللفظ ليس في
صحيح مسلم ا
أصال! ،ويظهر أنه بحث على الشبكة ووهم فظن أن اللفظ الثاني
في صحيح مسلم وليس فيه ،ونسخ موض اعا ليس فيه ذلك اللفظ ،وهذا يبين أي
12
وهو بهذا اللفظ في (المحدّ ث الفاصل) للرامهرمزي ،وفي سنده عبد الرحمن
أثرا من مراسيل ابن أبي مليكة ،ثم نقل عن طبقات ابن سعيد ،وما ينقله
ثم نقل ا
المحمدية) ،لكاتبه محمود أبو ر ّية،
ّ إنما يستنسخه عن كتاب (أضواء على السنة
-0بدأ برواية حديث أبي سعيد عن أحمد ثم ذكر مسلم واختصر الحديث حيث
إنه له في مسل ٍم بق ّية لم يذكرها أبو رية" :وحدّ ثوا عني وال حرج .37"...
– 1ثم ذكر أنهم استأذنوا فلم يؤذن لهم-6 ،نقل عن مراسيل ابن أبي مليكة،
-0بدأ برواية الحديث عن أحمد ثم مسلم ووقع اختصاره للحديث على نحو
35انظر :المحدّ ث الفاصل بين الراوي والواعي ،الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي ،تحقيق :محمد عجاج الخطيب،
دار الفكر – بيروت ،ص .627
36انظر :أضواء على السنة المحمدية ،محمود أبو ر ّية ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة السادسة ،ص.07
حجاج ،دار طيبة ،الرياض-المملكة العربية السعودية ،ص ،0655حديث رقم.6114 :
37صحيح مسلم ،مسلم بن ّ
38انظر :أضواء على السنة المحمدية ،ص .11-07
13
مسلم فأخطأ! -6أنهم استأذنوا فلم يؤذن لهم-4 ،نقل عن مراسيل ابن أبي
مقارنة بالصور بين كتاب محمود أبو رية ،وكتاب رشيد أيالل:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
39الصورة من كتاب (أضواء على السنة المحمدية) ،لمحمود أبو رية ،ص.07
40الصورة من كتاب (صحيح البخاري نهاية األسطورة) ،لرشيد أيالل ،ص.02
14
والنص الذي في المربع األحمر ،هو للحديث الذي أقحمه أيالل في النص
وهذا الذي تمسح بعنوان "انتقاد التراث الديني" ،41كان حريا به أن يتعلم من
هذا التراث منهج البحث الرصين ،ويعتبر بقولهم" :من جربنا عليه الكذب،
الدعاوى الكاذبة والسارقين ،فإنه عندنا محكوم له بالجرح ،وأقواله ملغاة إلى
حد الطرح".42
15
ونبقى في الصفحة األولى ،فبما أنه يستنسخ حججه من كتاب (أضواء على
السنة المحمدية) ،فقد كان حر ايا به أن يرجع إلى الكتاب الذي رد عليه فيه أحد
والمجازفة) ،الذي ألقمه فيه المعلمي الحجر ،وب ّين له كيف يكون العلم.
صحيحة" ،43ثم ذكره لحديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم ،فالحديث
سعيد وقال :الصواب وقفه على أبي سعيد ،قاله البخاري وغيره".44
ولو رجع إلى كتاب المعلمي لوجده يذكر هذا ،45فلِ َم يل ّبس على الناس بأنه
حديث صحيح عند المحدثين ،وكأنه ال يوجد فيه نقاش هل هو من قول أبي
ويل ّبس على الناس بعدم ذكر األحاديث األكثر واألقوى في كتابة الحديث
لي
واإلذن بها ،ففي صحيح البخاري( :باب كتابة العلم) ،وفيه حديث صحيفة ع ّ
16
وأن ال َ
يقتل مسلم بكافر ،46وقد كان عبد الله وكان فيها العقل ،وفكاك األسيرْ ،
بن عمرو يكتب الحديث ،47وفيه اإلذن بالكتابة من النبي صلى الله عليه وآله
صريحا.48
ا وسلم
فمدار المنع على حديث أبي سعيد الخدري ،ولو س ّلم أنه يعارض غيره ،فغيره
أوثق ،وأصح ،وأكثر ،ولو أراد أن ينسب الوهم لمن رواه عن أبي سعيد ،لكان
أقرب من نسبته إلى الرواة اآلخرين ،ولو كان يريد أن ينسب الوهم فيه ألبي
سعيد لكان أقرب من نسبة الوهم إلى غيره من الصحابة! فهو فرد وغيره أكثر
يقول المعلمي" :ليس في النهي غير حديثين ،أحدهما متفق على ضعفه وهو
المروي عن زيد بن ثابت ،والثاني مختلف في صحته وهو حديث أبي سعيد،
فأما أحاديث اإلذن فلو لم يكن منها إال حديث أبي هريرة في اإلذن لعبد الله بن
46انظر :البخاري حديث رقم ،000 :فتح الباري ،دار الكتب السلفية ،ج ،0ص.114
47انظر :البخاري حديث رقم ،006 :فتح الباري ،دار الكتب السلفية ،ج ،0ص.115
48انظر :البخاري حديث رقم ،001 :فتح الباري ،دار الكتب السلفية ،ج ،0ص.116
49األنوار الكاشفة ،ص.46
17
ولكن الرجل ال يعبأ بالحديث ا
أصال ،فيقول" :ال يمكننا بأي حال من األحوال
الصحابة ما عليه إال قراءة القرآن ....يمكنك أيها المقدس المقلد أن ترجع إلى
فهو ال يعبأ بالصحابة ،وال يس ّلم بصحة األحاديث ،فعال َم إ اذا صار حديث أبي
وحتى يظهر إلى أي درجة لم يتعلم المؤلف الدرس ،كرر نفس اآلثار التي رد
"ورد في طبقات ابن سعد :أن األحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب
18
وفرح بهذا األثر ،ليكرر" :إن عمر بن الخطاب قام بحرق نسخ الحديث
جمعها".54
ً المكتوبة بعد
وهذا األثر نقله أبو رية قب َله ،55ولو كان هذا الرجل طال ابا للحق لرجع إلى رد
علي أحاديث
عن عبد الله بن العالء قال :سألت أبي القاسم بن محمد أن يملي ّ
فقال :إن األحاديث كثرت على عهد عمر ...فساق األثر
أما فرحه بمراسيل ابن أبي مليكة ،فقد أجاب المعلمي على نفس األثر" :ال
ندري ما سنده إلى ابن أبي مليكة ،وب ّين الذهبي أنه مرسل أي منقطع ،ألن ابن أبي
19
ثم بعد ذا بصفحتين قال" :وهنا ارتأيت أن أنقل لكم ما أورده المفكر المصري
محمود أبو رية رحمه الله في كتابه (أضواء على السنة المحمدية)" ،58فيقال له:
ها أنت كنت قاد ارا أن تنسب كالم محمود أبو رية إليه ،ولكنك أخفيت مصدره
لتتشبع بما لم َ
تعط ،ولماذا لم تشر إلى من رد عليه مر اة واحدة؟ فهل َ أول األمر،
ٍ
سنوات في البحث جهلت ر ّد المع ّلمي عليه؟ وأنت يفترض أنك َج ِهدت
وحتى ال يطول الحديث ويتشعب ،وحتى ال يقال في الرد على هذا الرجل بما
ليس له ا
أصال ،يمكن للقارئ أن يرجع إلى رد المعلمي المذكور ،على محمود
20
إرهاب فكري ،وتكفير
عمد المؤلف إلى استعمال أساليب غير علمية ،ومن بين تلك األساليب رمي
المخالفين له بالتهم الجاهزة ،فيقول" :ما داعش التي نبتت بين ظهرانينا إال نتاج
زورا وبهتانًا".59
هذه المرويات المنسوبة لرسول الله ً
"من هنا جاءت داعش ،وجاءت كل التصورات اإلرهابية ،من هذا الموروث
الديني".60
وهو يريد بهذا إرهاب غيره فحسب ،بأن من لم يوافق آراءه فهو إرهابي ،وبذا
يجر الحوار العلمي إلى تهم جاهزة بحق المخالفين ،فهل بهذه الطريقة يكون
البحث؟ ولما سلك هذا المسلك ،حق لنا أن نسأل ،من الذي يرفع على رؤوس
21
حرجا في وصفه
ا فصحيح البخاري الذي يتبعه أكثر المسلمين ،لم يجد الكاتب
ألحاديثه بقوله " :المئات منها تحمل بكوارث خطيرة ،فمنها ما تسيء إلى مقام
سمعهم يقولون :إن البخاري صحيح ،فإنه فهم أن في هذا إساءة منهم إلى مقام
" الكامل ال يصدر إال عن كامل ،وبالتالي فالشيخ البخاري هو إنسان كامل ،وال
يجري عليه الذي يجري على آدم وعلى أنبياء الله ومنهم نبينا محمد صلى الله
عليه وآله وسلم فالبخاري أكمل من الجميع وينازع الله في صفة الكمال".65
22
على هذه الطريقة من وضع له مع ّلمه درجة كاملة في تصحيحه المتحانه ّ
لتفوق
الطالب فإنه ينازع الله في صفة الكمال! ،وإذا نادى مظلوم بكامل حقوقه؟ فهو
ينازع الله في صفة الكمال ألن الكامل ال يصدر إال عن كامل! ،ومن وضع كتا ابا
ومن ألزم غيره بقانونه ما ظلمه ،فعلى هذا على رشيد أيالل أن يقر بأن الخطأ
الزم كل صفحة من كتابه وأنه أخطأ ،وسها ،وغفل ،في كل سطر من كتابه ،بل
في كل جملة فيه فإنها لم تكن كاملة ،وأن الصواب جانبها حتى ال يدّ عي
الكمال-والعياذ بالله-وإال فقد ادعى ما ال يليق بالبشر ،وزعم فيه صفة كمال ال
وبذا يذكرنا بأهل السفسطة القدامى ،حين اعتمد بعض هؤالء على مقالة
هرقليطس األفسسي بأن األشياء ك ّلها في جريان دائم ،حين قال" :ال يمكنك أن
يكون ثمة وجود لشيء مستقر ،حتى إنهم ترفعوا عن كل نقاش ،بل عن كل
66تاريخ الفلسفة ،أميل برهييه ،ترجمة :جورج طرابيشي ،دار الطليعة للطباعة والنشر ،بيروت–لبنان ،الطبعة الثانية:
0712م ،ج ،0ص.25
23
يزعم الصواب بأي كلمة
َ الكالم ،67وكذلك الحال مع هذا الكاتب ،فعليه أ ْن ال
وفي كالمه مغالطة منطقية ،حيث إن قوله" :الكامل ال يصدر إال عن كامل" ،ال
امال كان هو إذن ا
كامال ،وذلك أن القول بأن كل كامل ينتج منه أن من كان كتابه ك ا
ال يصدر منه إال قول كامل ،ال يساوي أن كل قول كامل ال يصدر إال من كامل،
إنسان".68
"وال يستولي الشيطان بحيلته على الضعفاء أشد من إيهام العكس العام حتى
ينتهي إلى المحسوسات ،حتى إن من رأى ً
حبال أسود مبرقش اللون ،يرتاع منه
لشبهه بالح ّية ،وسببه معرفته أن كل ح ّية فطويل مبرقش اللون ،فيسبق وهمه إلى
24
فالكاتب يبيع ما يسبق إلى أوهامه ،فهذا حال الرجل الذي يتبجح بـ "االحتكام
ويخلط الكاتب بين قولنا البشر غير معصومين ،وبين تحقق الخطأ فيهم،
فاإلنسان يمكن أن يخطئ ،وال يلزم من هذا أن يكون مخط ائا ،وإال صار
ولكن ماذا يقصد بقوله عن خصومه إن البخاري عندهم أكمل من الجميع وأنه
ينازع الله في صفة الكمال؟ بما أنه مغرم بالمقارنة مع داعش ،أليس يقصد به:
"شرك األنداد ،وهو إثبات صفات الله تعالى للمخلوقين"؟ ،71كما هي العبارة
ا
مستقبال فها هو يتفق معهم في هذا ،بل ويزيد ليرمي من خالفه بل من سيدافع
عما يطعن هو به من أحاديث بقوله" :سينبري ع ّباد البشر إلى الدفاع عن هذا"،72
فها هو يسمي مخالفيه بعباد البشر ،ال أنهم يعبدون الله وحده ،أليس هذا هو
التكفير؟
25
" قداسة األشخاص حيث تم رفعهم إلى مقامات أعلى من مقامات النبوة
والرسالة ،وحق فينا ما حق في األمم السابقة ،التي ألهت البشر من دون الله،
بهذه الحجج الخطاب ّية ،لمحاولة التأثير على نفس ّية القارئ ،ولذا كان الكتاب بيع
26
فهم بالمقلوب
الوفي ،ويبلغ
ّ الفهم بالمقلوب كان رفي اقا أميناا لسطور المؤلف ،فهو صديقها
األمر بهذا الرجل أن يقلب األمور تما اما ،ففي إسراعه إلى نصرة هواه يقول عن
ابن َح َجر:
"يستشهد بقول المديني شيخ البخاري" :دعوا قوله فإنه ما رأى مثل نفسه"
وهذا القول وإن كان ورد من ابن حجر في سياق المدح إال أن المتمعن فيه يجده
صريحا للبخاري ،واتهامه من شيخه بأنه كان ال يرى إال نفسه ،لكن العقول
ً ذما
ً
مدحا ،على رغم أنف اللغة ،وعلى
تطمس في مثل هاته المناسبات لترى الذم ً
رغم أنف العقل".74
فبهذا التبجح بالعقل واللغة ،لم ينقل السياق كما هو ،لو كان يتعامل باحترام مع
"علي بن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث وعنه أخذ البخاري ذلك حتى
كان يقول ما استصغرت نفسي عند أحد إال عند علي بن المديني ومع ذلك فكان
علي بن المديني إذا بلغه ذلك عن البخاري يقول دعوا قوله فإنه ما رأى مثل
نفسه".75
27
فالبخاري كان يثني على ابن المديني ويهضم من حق نفسه بجانبه ،فيقول ابن
المديني :دعوا قوله في استصغاره لنفسه ،فهو لم ير مثل نفسه ،يعني في العلم
فهذا صريح أنه يعني أن البخاري أفضل منه ،وهذه الصيغة مشهورة متكررة في
"فرق بين قول أحدهم ما رأيت مثل فالن ،وقوله :ما رأى فالن مثل نفسه ،القول
رحال
الثاني أعلى في المدح ألن الذي يقال فيه ما رأى مثل نفسه الظاهر أنه ّ
مجتهد لقي المشايخ فأكثر وناظر أهل العلم فظهر تفوقه عليهم ،ومن ناحية
أخرى من قال :فالن ما رأى مثل نفسه ،يدخل في جملتهم القائل وأنه بهذه
وذكر أمثلة على هذا كالقول في سفيان الثوري :ما رأى مثل نفسه ،وقول الحاكم
فلعله الكاتب يحسب أن هذه الكلمة تماثل ما جاء في تقديم الناشر له ولكتابه:
"المؤلف لم ِ
يأت بشيء من عنده" ،فهي وإن كان مقصدها المدح ،إال أن
76شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل ،مصطفى بن إسماعيل ،تقديم :مقبل بن هادي الوادعي ،مكتبة ابن
تيمية ،القاهرة ،الطبعة األولى0770 :م ،ج ،0ص.454
77شفاء العليل ،ج.454 ،0
28
بل إن من ال يفهم العبارة السابقة يبلغ به األمر أن يقول" :الشيخ البخاري ذو
والواقع أن جد أبيه أسلم ،79وأبوه إسماعيل بن إبراهيم طلب العلم ،والعلم في
تلك الفترة يطلق على العلوم الشرعية وآالتها وأهمها العربية ،وقد نشأ البخاري
الدينية ،فكيف بواحد من أخصها ،وهو علم الحديث ،فكيف بمن يحدث
باكرا؟ والكاتب يغفل عن سيبويه "إمام النحو ،ح ّجة العرب ،أبو
ويصنف فيه ا
الفارسي".81
ّ ٍ
بشر ،عمرو بن عثمان بن قنبر،
بل إن توجه سيبويه للنحو كان بعد توجهه إلى طلب الحديث ،ومبدأ ذلك أنه
طلب الحديث على حماد بن سلمة ،وبينما هو يستملي ،إذ بحماد يقول" :ليس
حماد :لحنت
أبا الدرداء" ،فقال سيبويه :ليس أبو الدرداء ،وظنه اسم ليس ،فقال ّ
يا سيبويه ،ليس هذا حيث ذهبت ،وإنما ليس هنا استثناء ،ومن هنا طلب سيبويه
29
تصحيحا ل ّلسان وإبعا ادا له عن اللحن ،ومن هنا
ا فانظر كيف كان درس الحديث
توجه سيبويه إلى النحو حتى برع فيه ،فكيف بالبخاري وهو الذي أفنى حياته
ومن األمثلة على فهمه بالمقلوب ،تشنيعه البالغ على من قال :السنة قاضية على
القرآن ،فبدأ بالتشنيع كعادته" :من يقرأ هذا العنوان سيصاب بالدهشة في أول
وهذا كذب بارد فال أحد قال بهذا من أهل العلم ،فمن عالمات الحديث
وهنا يقال :أي حديث هذا الذي خالف صريح القرآن بنظرك ،حتى نرى هل هو
يناقضه بحق ،أم أنك لست ا
أهال لتقضي في هذه األبواب؟ لم يذكر إال مثالين
فقال أحدهما حديث ابن عمر ،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
30
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال الله ،وأن محمدً ا رسول الله،
ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك ،عصموا مني دماءهم وأموالهم إال
ثم قال" :هؤالء يضربون بهاته اآليات عرض الحائط ويقولون لك بكل وقاحة
وجرأة على الله ،السنة قاضية على الكتاب ،ويبقى حكم الحديث هو النافذ،
ويتجلى في قتال الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال الله ،وأن محمدً ا رسول الله...
الحديث ،أما أنا فأقول وقلبي مطمئن بأن هذا الكالم لم يفه به رسول الله الذي
31
َاك إِال
كان خلقه القرآن ،والذي قال عنه الله تعالى في محكم تنزيلهَ ﴿ :و َما َأ ْر َس ْلن َ
فيقال :هذا الرجل يرفض أن يتحاكم الناس إلى نصوص صحيح البخاري
المرفوعة ،ثم ها هو يريد الناس أن نتحاكم إلى اطمئنان قلبه إلى نفي األحاديث!
وهذا الحديث ال يخالف صريح القرآن بل يوافق صريح القرآن ،وإنما أتيت من
جهلك فلم تقنع به ،حتى زدت عليه اتهام غيرك بالوقاحة ،والجرأة على الله،
وبيان ذلك أن الحديث يقول" :أمرت أن أقاتل" ،وهذا الرجل الذي يتبجح
"فرق بين المقاتلة على الشيء والقتل عليه ،فإن المقاتلة مفاعلة ،تقتضي
الحصول من الجانبين".93
32
ليس المراد :أني أمرت أن أقاتل كل أحد إلى هذه الغاية ،فإن هذا خالف النص
واإلجماع.
ين ا ْل َحق ِم َن ال ِذي َن ون ما حرم الله ورسوله و َال ي ِدين َ ِ
ون د َ َ َ ََ
ِ
بِا ْل َي ْو ِم ْاآلخ ِر َو َال ي َحرم َ َ َ َ
ون﴾ ،95فها هو قال قاتلوا اغر َ أوتوا ا ْلكِتَاب حتى يعطوا ا ْل ِج ْزي َة َعن ي ٍد وهم ص ِ
َ َ ْ َ َ َ َ ٰ ْ
الذين ال يؤمنون ،وذكر الغاية التي يباح قتالهم إليها ،وهي هنا الجزية ،وفي آية
أخرى من نفس السورة قالَ ﴿ :فإِن تَابوا َو َأ َقاموا الص َال َة َوآتَوا الزكَا َة َفإِ ْخ َوانك ْم
ين﴾ ،96فجعله اإلسالم ،فهذه صريح في موافقة داللة الحديث نفسه. فِي الد ِ
ولكنه بطريقته تلك يأخذ ببعض ويترك البعض ،ويزعم أن خصومته فحسب مع
األحاديث المخالفة للقرآن ،فإذا كانت متفقة مع التنزيل تجده يجمجم ،وال
يصرح ،ولو كان ساع ايا لتقرير حكم القرآن ،لذكر أو أشار إلى ما يخالف كالمه
94قاعدة مختصرة في قتال الكفار ومهادنتهم وتحريم قتلهم لمجرد كفرهم ،أحمد بن تيمية ،حققه :عبد العزيز بن عبد
الله آل حمد ،الطبعة األولى1114 :م ،ص.75 ،76
95سورة التوبة ،اآلية.17:
96سورة التوبة ،اآلية.00 :
33
مع التنبيه أن قوله تعالىَ ﴿ :ف َمن َشا َء َف ْلي ْؤ ِمن َو َمن َشا َء َف ْل َيكْف ْر﴾ ،97ليس في
سياق عدم اإلكراه ،وإن كانت اآليات واألحاديث في منع إكراه الناس على
اإليمان مس ّلمة ،إال أن االستدالل بهذه اآلية بخصوصها عليه ال يصح ،فـ" ظاهر
هذه اآلية أنها أوجبت الزجر والردع والتقريع ال أنها واردة إذنا بالفعل ،أال ترى
إلى ما هو منوط من قوله عز وجلَ ﴿ :ف َمن َشا َء َف ْلي ْؤ ِمن َو َمن َشا َء َف ْل َيكْف ْر إِنا
اط بِ ِهم سر ِ ِ ِِ
ادق َها﴾ ،98وهو إفزاع وإرهاب وارتداع عن َارا َأ َح َ ْ َ َأ ْعتَدْ نَا للظالم َ
ين ن ا
الكفر".99
وهذا الرجل ال خطة له يمشي عليها ،فتارة ينفي الحديث الذي في البخاري،
لما
وأخرى في مسلم ،وتارة أخرى يتندر بالحديث بال قيد ويسميه خرافة ،وتارة ّ
يذكر موطأ مالك يمر وكأنه ال يتحدث عن الموطأ بل عن غيره ،100وهذا
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال :أمرت أن أقاتل الناس حتى
34
أيضا في موطأ ابن
يقولوا ال إله إال الله ...الحديث" ،101ويوجد هذا الحديث ا
قاسم.102
ومن تناقضات هذا الكاتب ،أنه قال في سياق اعتراضه على حديث في صحيح
البخاري فقال" :من المعلوم من ديننا ،وكما تواتر عن نبينا ،أن النوم من نواقض
أما المثال الثاني الذي زعم أنه يخالف صريح القرآن ،فلم يكن من صحيح
البخاري ،بل كان من صحيح مسلم ،وهذا يبين أنه ال يوجد أي منهج في هذا
الكتاب فمع أن العنوان في البخاري ،إال أنه يقفز كل حين هنا وهناك ،فالمهم
جملة األمراض".105
101مقدمة تقي الدين الندوي ،لموطأ مالك ،رواية محمد بن الحسن الشيباني ،مع التعليق الممجد على موطأ محمد،
دار السنة والسيرة-بومبائي ،دار القلم-دمشق ،بيروت ،ج ،0ص.16
102انظر :مقدمة تقي الدين الندوي ،لموطأ مالك ،ج ،0ص.16
103صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.066
104انظر :نظم المتناثر من الحديث المتواتر ،محمد بن جعفر الكتاني ،دار الكتب السلفية للطباعة والنشر ،ص.41-67
105مقدمة ابن الصالح ومحاسن اإلصطالح ،توثيق وتحقيق :عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) ،مطبعة دار الكتاب
0724م ،ص .025
35
وذكر حديث عائشة" :كان فيما أنزل من القرآن :عشر رضعات معلومات
ٍ
بخمس معلومات فتو ّفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرمن ،ثم نسخن
ّ
وهن مما يقرأ من القرآن".
ّ
الموطأ ،106وبدأ تشنيعه ،فقال" :فهذا الحديث المنسوب إلى أمنا عائشة يتهم
القرآن بالتحريف والتزوير ،رغم أن الله تعالى يقول في محكم تنزيله﴿ :إِنا ن َْحن
نَز ْلنَا الذك َْر َوإِنا َله َل َحافِظ َ
ون﴾ ،107فهي تقول حسب نص هذا الحديث أن رسول
رسول الله مات وآية التحريم بخمس رضعات مما يتلى من القرآن ،وأي دارس
يمكنه التأكد أنه ال يوجد آية قرآنية واحدة في كتاب الله بهذا المعنى وبهاته
ا
سؤاال فيقول هذه الخطابة ال تصنع شي ائا ،بل تذكرنا بفعل بعض األطفال تسأله
لك :أعرف لكن ال أريد أن أقول لك! وهو ال يصدّ ق أحاديث البخاري،
106الموطأ ،مالك بن أنس ،صححه ورقمه :محمد فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت-لبنان،0716 ،
ص.511
107سورة الحجر ،اآلية.7 :
108صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.17
36
ويفترض بالقارئ أن يصدقه بأن عنده من األمثلة غير ما ذكره ،ومن أحالك إلى
ٍ
غائب ما أنصفك ،وهذا الحديث ليس مخال افا للقرآن البتة ،فالحديث لم يقل
وقرأهن النبي إلى أن مات! ،حتى يقال بأنه يعارض آية الحفظ لكتاب الله ،بل
سم
فيه أنه مات" :وه ّن مما يقرأ من القرآن" ،وهذه الصيغة للفعل تكون لما لم ي ّ
فاعله ،أو المبني للمجهول ،فالحديث فيه إثبات (النسخ) ،وهو يتفق مع صريح
عدد الرضعات ،فهذا يعرفه الصبيان الحافظون لكتاب الله ،فكيف بعلماء
اإلسالم الكبار؟ ولو رجع إلى تفسير الحديث عند العلماء ،لما وجد وجها
"وقولها( :فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ) هو بضم الياء
من (يقرأ) ومعناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدً ا حتى إنه صلى الله
متلوا لكونه
عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ :خمس رضعات ويجعلها قرآنًا ً
فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك
لم يبلغه النسخ لقرب عهده ّ
وأجمعوا على أن هذا ال يتلى".110
37
وهذا يظهر أن الكاتب كان يفهم بالمقلوب ،ويشنّع في إنكاره على غيره ،وهو
األحرى بالتشنيع عليه القتحامه ما يجهله وحديثه فيما ال يحسنه ،ويدفع إلى
ومن فهمه المقلوب ،تعليقه على ما عنون له بقوله (الرسول يحاول االنتحار)،
فبعد أن ذكر جز اءا من الحديث ،قال" :المحاولة التي قام بها ابن حجر
العسقالني ،وغيره لتبرير رواية البخاري لبالغ إقدامه على محاولة االنتحار
معتبرا أن الزيادة (فيما بلغنا) وما بعدها ليست من كالم عائشة بل
ً مرات عدة،
هي زيادة الزهري ،لكن رغم أن هذا تأويل مجرد تأويل ،فالكذب على رسول
فهذا الرجل يفهم بالمقلوب ،فابن حجر يقول" :إن القائل فيما بلغنا هو
الزهري ،ومعنى الكالم أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلى الله
ً
موصوال ،وقال عليه وسلم في هذه القصة وهو من بالغات الزهري ،وليس
ا
تأويال فالتأويل يكون للظاهر إلى المعنى البعيد ،وليس فهذا هو الظاهر وليس
إلى المتبادر ،فهذا الرجل يفهم العبارات بهذه الطريقة ،وال يحسن التفريق بين
38
الظاهر والمؤول ،ويأتي ليستدرك ،وينقد ،فعائشة كانت مع النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ،وتسأله ويحدثها ،فال حاجة بها لتقول بلغنا! ،بل الذي قال هذا كما
هو الظاهر هو الزهري ،ثم إنه صحيح إلى الزهري ،فالزهري صح عنه أنه قال
بلغنا ،وانقطع اإلسناد بعده ،وهذا يعلمه أهل الحديث ولذا سجله ابن حجر ،بأن
هذه الزيادة وإن صحت من قول الزهري ،فإنها لم تصح مرفوعة ،فأي حذلقة
39
معارضة
ِ
الباطل باطل ،وكما قيل :وبضدها تتميز وكما أن الز َم الحق حق ،فإن الز َم
األشياء ،فيقال لهذا الكاتب :أنت رفضت روايات الصحيح ،وسميت من ينبري
للدفاع عنها حتى قبل أن تسمع حجته بأنه يعبد البشر ،فقلت" :سينبري ع ّباد
البشر إلى الدفاع عن هذا" ،113ورميتهم باإلرهاب والغلو والتطرف ،وبأن منشأ
وقاحة وجرأة على الله السنة قاضية على الكتاب" ،114وزعمت "أن الله لم
يتكفل إال بحفظ كتابه الموحى إلى عبده ونبيه ،فيسهل على ذوي النفوس
ولم تقنع بهذا حتى زدت فقلت" :نريد المخطوطة األصلية لصحيح البخاري
فيقال له :ماذا ستقول لو أن أحدا ا عارضك بمثل حجتك ،وقال لك إن اسم النبي
محمد صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري هو" :محمد بن عبد الله بن
عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كالب بن مرة بن كعب بن
40
لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس
وزعم بأن هذا جرى عليه الكذب والتلفيق والتزوير ،وأنه ال يأخذ به أبدا ا ،بل ال
يأخذ إال بالقرآن ،ثم احتج بأن القرآن لم يذكر إال اسمه﴿ :م َحمدٌ رسول
غير األول ،وقال إنك تعبد البشر ،كونك قلت في مقدمة كتابك" :رسولنا
الكريم محمد بن عبد الله" ،120وسألك :أليست هذه "وقاحة وجرأة على الله،
ثم ألزمك بأنك زعمت بأن الذي تكفل الله بحفظه هو القرآن فحسب ،فمن أين
لك أنه تكفل بحفظ باسم نبيه وتحديده ا
كامال؟ ورماك حينها بأنك تعبد التراث،
ورواة اآلثار!
ثم امتد األمر أكثر ،فقال لك :إذا جرى التزوير على السنة ،فلِ َم ال يكون قد جرى
على اللغة؟ فأخرج لنا الصحائف األصلية للمعلقات ،وإال حكمنا بأنها ملفقة
117صحيح البخاري ،محمد بن إسماعيل البخاري ،دار ابن كثير ،دمشق-بيروت ،الطبعة األولى1111 :م ،ص.741
118سورة الفتح ،اآلية.17 :
119سورة الصف ،اآلية.5 :
120صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.2
121صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.11
122صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.61
41
مكذوبة! ،فأين هو إمضاء امرئ القيس وعمرو بن كلثوم؟ ،أليس هذا هو
منطقك؟ ،وال تستدل عليه بمعنى آية حتى يطالبك بوثيقة موقعة من أصحاب
الشواهد اللغوية ،وإال فإن اللغة جميعها جرى تزويرها ،فال يدري األمر من
النهي ،وال الخبر من االستفهام ،حتى تطلعه على مخطوطة أصلية للعرب
األقحاح في كل هذا.
ثم يمتد األمر إلى القتل والقتال ،فيقول لك هذا المعارض لك بمثل حجتك،
ِ
احصروه ْم َوا ْقعدوا َله ْم كل ﴿ َفا ْقتلوا ا ْلم ْش ِرك َ
ين َح ْيث َو َجدتموه ْم َوخذوه ْم َو ْ
َم ْر َص ٍد َفإِن تَابوا َو َأ َقاموا الص َال َة َوآتَوا الزكَا َة َف َخلوا َسبِي َله ْم﴾.123
فقال لك :بأنه سيقتل األطفال والنساء ،بل حتى من لم يقاتل ،ما دام لم يتب
بدال ِ
ويؤت الزكاة ،ومتى حاججته بالسنة ،قال لك :ال أقبل بغير القرآن ا ّ
ويصل
فلعلها مما تم تزويره ،وقال مثلك بأنها وقاحة أن تجعلها قاضية على القرآن،
وقال مثلك بأنه ال يعبد البشر! ولذا فإنه يأخذ بقتل الولدان ،وحجته في ذلك،
قوله تعالى:
42
َان َأ َب َواه م ْؤ ِمنَ ْي ِن َف َخ ِشينَا َأن ي ْر ِه َقه َما ط ْغ َياناا َوك ْف ارا﴾ ،124بعد
﴿ َو َأما ا ْلغ َالم َفك َ
البشر من دون الله ،واتخذتهم أربا ابا ،126وزعم بأنه سيضرب عنق كل من لقيه
ِ ِ
﴿ َفإِ َذا َلقيتم الذ َ
ين َك َفروا َف َض ْر َب الر َق ِ
اب﴾ ،127فتهيج بأقوالك الفتن ،ويركب
األغمار خيول الغلو بالتكفير ،وال تنكر عليهم شي ائا ،إال قالوا لك :ما ذنبنا إن لم
أما أهل السنة ،فهم أسعد الناس بالرد على أهل البدع والغلو ،فيردون عليه بغير
ما ابتكرته أنت من قواعد لم تفطن للوازمها ،فالقرآن نفسه يأمر بطاعة الرسول
43
ول َوأولِي ْاألَم ِر ِمنكم َفإِن َتن ََاز ْعتم فِي َشي ٍء َفردوه إِ َلى الل ِه َوالرس ِ
ول إِن الرس َ
ْ ْ ْ ْ
ون بِالل ِه َوا ْل َي ْو ِم ْاآل ِخ ِر َٰذل ِ َك َخ ْي ٌر َو َأ ْح َسن ت َْأ ِو ايال﴾.128
كنت ْم ت ْؤ ِمن َ
وقديما كتب أحد زعماء الخوارج وهو نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عباس
ا
يسأله عن قتل الولدان ،فأجابه" :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتلهم،
وأنت فال تقتلهم ،إال أن تعلم منهم ما علم صاحب موسى من الغالم الذي
قتله".129
وقوله إال أن تعلم منهم ما علم صاحب موسى ،نقض مسبق عليه ما لو احتج
بقصة قتل الغالم ،بأنه قتل لعلم الله بالغيب وهو ال يعلم الغيب ،فكيف لو كان
نجدة من أمثال هذا الكاتب ،لقال حينها البن عباس :أين هي األوراق المكتوبة
على هذا من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،في منع قتل الولدان؟!
أما زعم هذا الكاتب بأن الله حفظ القرآن وحده دون السنّة ،لقوله تعالى﴿ :إِنا
ن َْحن نَز ْلنَا الذك َْر َوإِنا َله َل َحافِظ َ
ون﴾ ،130فهي حجة قديمة ،رد عليها ابن حزم
فقال" :فإن قال قائل :إنما عنى تعالى بذلك القرآن وحده ،فهو الذي ضمن تعالى
44
قلنا له وبالله تعالى التوفيق :هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان ،وتخصيص
للذكر بال دليل ،وما كان هكذا فهو باطل لقوله تعالىَ ﴿ :و َقالو ْا َلن َيدْ خ َل ا ْل َجن َة
َان هود اا َأ ْو ن ََص َارى تِ ْل َك َأ َمانِيه ْم ق ْل َهاتو ْا ب ْر َهانَك ْم إِن كنْت ْم
إِال َمن ك َ
ين﴾.131 ِِ
َصادق َ
فصح أن ال برهان له على دعواه ،فليس بصادق فيها ،والذكر اسم واقع على كل
ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم من قرآن أو من سنة وحي يبين بها
َات َوالزب ِر َو َأن َْز ْلنَا إِ َل ْي َك الذك َْر لِت َبي َن
القرآن ،وأيض ًا فإن الله تعالى يقول﴿ :بِا ْلبين ِ
َ
ون﴾ ،132فصح أنه صلى الله عليه وسلم لِلن ِ
اس َما نز َل إِ َل ْي ِه ْم َو َل َعله ْم َي َت َفكر َ
وفي القرآن مجمل كثير كالصالة والزكاة والحج وغير ذلك مما ال نعلم ما ألزمنا
الله تعالى فيه بلفظه ،لكن بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فإذا كان بيانه
صلى الله عليه وسلم لذلك المجمل غير محفوظ وال مضمون سالمته مما ليس
منه ،فقد بطل االنتفاع بنص القرآن فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه ،فإذا
لم ند ِر صحيح مراد الله تعالى منها ،فما أخطأ فيه المخطئ أو تعمد فيه الكذب
45
فحفظ القرآن الزمه حفظ السنة ولغة العرب التي نزل بها ،وإال فال معنى للحفظ
دون أن يقدر أحد على فهمه ،والتزام أحكامه ،ومعرفة معانيه ،قال المعلمي:
"تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة ،وحفظ لسانه وهو
العربية ،إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من طلبها".134
46
استنساخ
الباحث الحقيقي ليس بذلك الذي يسطو على جهد غيره ،ويقوم تارة
ٌ
باحث كونه يبحث عن الحق ،ومن باستنساخه حرفيا ،وأخرى بالمعنى ،بل هو
هنا فهو يبني على جهد من سبقه ،فإن ادعى أحدٌ ما دعوى ،فإنه يمحص هذه
الدعوى ،فكيف إذا وقع الرد عليها ومناقشتها ،بل وإفحام قائلها؟ ما باله بعدها
يستنسخ ما تم تفنيده؟ ،على هذا النحو استنسخ أيالل محتويات كتاب محمود
أبو رية ،ولم يلتفت ولو لمرة واحدة إلى من رد عليه ،بل كرر الحجج المتهافتة
كما هي ،دون أدنى تطوير ،وسار بنفس الدرب الذي سبق إليه.
فتجده يعيد كالم محمود أبو رية في النهي عن كتابة الحديث ،135ويتجاهل رد
ويتحدث عن الرواية بالمعنى ،137وكلها مما جرت مناقشته ،ووقع الرد عليه في
كتاب (األنوار الكاشفة) ،ومن األمثلة على استنساخه من كتاب (أضواء على
المحمدية) ،وتلقفه كلماته وكأنها وحي منزل! ،أنه يشنع على رواية
ّ السنة
البخاري في صحيحه:
47
(كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد غير عيسى ابن مريم،
للرسول ولدينه ،فهو يؤكد عصمة رسول الله عيسى بن مريم عليهما السالم،
كما يؤكد على عدم عصمة نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم".138
فهذا الرجل لو فكر بعقله بدل أن يسلمه إلى سطور محمود أبو رية تعبث به
كيفما شاءت لكان أحفظ لماء الوجه وقد طبع كتا ابا باسمه هو ،فعال َم يكرر
أفكار غيره؟ ،فيا ليت شعري بماذا يختلف كالمه هنا عن كالم صاحب
"إقرار اإلسالم بأن البشر جمي ًعا زاغوا وفسدوا ،وأنهم مجردون من العصمة،
تاما لإلنسان هو ما كان بسعيه واجتهاده ،ومن هنا "الفضل الذي يعتد به ً
كماال ً
كان فضل الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما وعلى سائر األنبياء الصالة والسالم،
أما طعن الشيطان بيده فليس من شأنه أن يثاب العبد على سالمته منه وال أن
يعاقب على وقوعه له ،بل إن كان من شأنه أن يورث في نفس اإلنسان استعدا ًدا
48
ما لوسوسته فالذي يناله ذلك ثم يجاهد بسعيه ويخالف الشيطان ويتغلب عليه
والزعم الكاذب بأنه يطعن في العصمة مردود ،يقول المعلمي" :من قال إن
النخسة دعاء للشر؟ بل إن كانت لإليالم فقط فذلك من خبث الشيطان مكن منها
كما مكن مما أصاب أيوب ،وكما يمكن الكفار من قتل المسلمين حتى األنبياء
وذبح أطفالهم".141
ويقول" :أين يذهب أبو رية من تدلية الشيطان آلدم إلى أن كان ما ذكره تعالى
بقولهَ ﴿ :و َع َص ٰى آ َدم َربه َف َغ َو ٰى﴾ ،142ومن قول موسى بعد قتله القبطيَ ﴿ :ق َال
ين * َق َال َرب إِني َظ َل ْمت َن ْف ِسي َفا ْغ ِف ْر ِ ِ
َٰه َذا م ْن َع َم ِل الش ْي َطان إِنه َعدو مضل مبِ ٌ
ِ
لِي َف َغ َف َر َله إنه ه َو ا ْل َغفور الر ِحيم﴾ ،143وقول أيوبَ ﴿ :أني َمسن ِ َي الش ْي َطان
اب﴾ ،144وقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم﴿ :خ ِذ ب َو َع َذ ٍ بِن ْص ٍ
اهلِين * وإِما ي َنز َغن َك ِمن الشي َط ِ
ف و َأ ْع ِر ْض َع ِن ا ْلج ِِ
ان ن َْز ٌغ َ ْ َ َ َ َ ا ْل َع ْف َو َو ْأم ْر بِا ْلع ْر َ
ف من الشي َط ِ ِ ِ ِ ِ ِ َف ِ
ان ين ات َق ْوا إِ َذا َمسه ْم َطائ ٌ َ ْيم * إِن الذ َ يع َعل ٌ استَع ْذ بِالله إِنه َسم ٌ ْ
ون﴾.145 ت ََذكروا َفإِ َذا هم م ْب ِصر َ
49
ثم ذكر المؤلف حديث البخاري:
صارخا من مس
ً "ما من بني آدم مولود إال يمسه الشيطان حين يولد فيستهل
الشيطان غير مريم وابنها .ثم يقول أبو هريرةَ ﴿ :وإِني أ ِعيذ َها بِ َك َوذريت ََها ِم َن
الشي َط ِ
ان الر ِجي ِم﴾.146 ْ
ويشنع الكاتب" :فهذا الحديث يلحق مريم وابنها عيسى عليهما السالم بزمرة
من ال يمسهم الشيطان ،وهذا تطاول على نبينا ما بعده تطاول ،وتفضيل مريم
وقد سبق بيان أنه يلوك كالم غيره دون مراجعة وال بحث ،ويقال له :المزية ال
تقتضي األفضلية ،فمن خص بصفة ولو قيل هو أفضل فيها ،ال يلزم منه األفضلية
المطلقة على غيره ،في كل شيء ،فقد يكون غيره بمجموع صفاته ال جميعها
المطلقة".148
وهكذا لو تتبع المرء كالمه ،لما وجد ما يستحق من أجله أن يطبع كتا ابا مفر ادا،
واكتفى بقراءة كتاب (األضواء) والرد عليه (األنوار) ،ولكن الرجل لما يحاول
50
أن يخرج عن كتاب (األضواء) ،فإنه يعلق بسطور غيره ،فهو ال يقدر إال على
فقد عقد ا
فصال بعنوان (الحديث في القرآن) ،زعم فيه أن "الحديث هو مطلق
الله عليه وسلم" ،150وساق بعض اآليات التي فيها وصف القرآن بالحديث مثل
وبدأ يشنع على علماء الحديث ،فقال" :فلم يتورع هؤالء على توقير كلمة
الحديث التي تم إعطاؤها معنى من لدن الله تعالى ،باإلضافة إلى المعنى
وهذا الكاتب ال يدري ما ينسخه بنفسه ،فقد نقل قبل صفحتين عن (لسان
العرب) في معنى الحديث" :يطلق على الكالم ،قليلة وكثيره ألنه يحدث
51
فهذه لفظ عربي معروف قبل نزول القرآن ،ويطلق على الكالم ،فما باله جعل
ثم إن في القرآن إطالق للحديث على كالم النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
ض َف َلما نَب َأ َها بِ ِه َقا َل ْت َم ْن َأن َب َأ َك َٰه َذا َق َال نَب َأنِ َي َع َل ْي ِه َعر َ
ف َب ْع َضه َو َأ ْع َر َض َعن َب ْع ٍ
ا ْل َعلِيم ا ْل َخبِير﴾.154
وما قاله ال يفيد النتيجة التي زعمها ،فقد قال" :في معظم آيات القرآن جاءت
لفظة حديث بمعنى كالم الله" ،156فيقال بأن ورود لفظ بشكل كثير أو غالب ال
قائليها!
52
وبعد هذا االضطراب بأبجديات التفكير السليم ،يقول" :لفظة الحديث لها
معاني متعددة ،منها ما أسلفنا في اآليات السابقة أنها تدل على كالم الله ،فهل
المشتغلون بالحديث يشتغلون على كالم الله ،أم على كالم الرسول وأفعاله
وأقواله"!157
جهد غيره ،وهذه مقارنة بين نصه ،وبين مقال لعبد الفتاح عساكر ،على موقع
53
الصورة ( ،)1تبين أنه سرق من مقال عساكر دون أي تغيير:
على أن مقال عساكر ،منشور بتاريخ1112/4/1 :م ،وهذا الجزء منه مسروق
من مقال ألحمد عبده ماهر فهو كاتبه األصلي ،بعنوان (مخطوطات البخاري في
العالم) ،نشر على موقع (شباب مصر) 160بتاريخ1116/5/06 :م ،أي قبله
الترتيب ،فيظهر أن الكتاب لم يرجع إلى األصل بل اكتفى بنسخ ما ظفر به عن
غيره.
54
فهذا الرجل يسرق من غيره ،وينسبه إلى نفسه ،بكتاب يحمل اسمه.
55
باحث غير باحث
إن المطالع لكتاب (نهاية األسطورة) يجعله يتساءل أين البحث في الموضوع؟
أم إن كل من ضغط في مربع بحث جوجل على كلمة (ابحث) صار اسمه
باح اثا؟ فعلى هذا ما أكثر الباحثين ،وهذا الكاتب يلقي الكمات دون تدقيق ،وال
تحقيق وال مراجعة ،ويكفي أنه يحسبها أنها تصب في رؤيته ليستنسخها في
"إن الحافظ الذهبي اتهم البخاري بالتدليس في حيث قال في سير أعالم النبالء،
لهما".162
وعالمات التعجب من هذا الكاتب ،وكأنه ظفر بما لم يظفر به أحد ،فيقال له:
التدليس الذي قصده هنا الذهبي ليس هو التدليس الذي يقدح في الرواية،
56
يسم من حدثه ،وأوهم سماعه للحديث ممن لم يحدّ ثه
بذلك لكون الراوي لم ّ
به".163
يسمى تدليس الشيوخ ،وهو "أن يصف شيخه بما لم يشتهر به،
ومن التدليس ما ّ
إيهاما للتكثير غال ًبا ،وقد يفعل ذلك لضعف
من اسم أو لقب أو كنية أو نسبة ً
شيخه".164
والبخاري لم يفعل هذا ليستكثر ،فشيوخه كثر ،وليس الذهلي بضعيف حتى
يخشى من هذا ،ولم يوهم أنه سمع حدي اثا ليس منه ،فال تشنيع في كل هذا وليس
هو التدليس االصطالحي ،وإنما كان هذا لما بين البخاري والذهلي ،وهذا وإن
ذكره الكاتب في سياق ذم ،فهو المدح على التحقيق ،حيث إن البخاري وإن
أخطأ عليه الذهلي ،ورماه بما ليس فيه ،فإن البخاري لم يسقط رواية الذهلي
163نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ،ابن حجر العسقالني ،تحقيق :عبد الله بن ضيف الله الرحيلي ،الطبعة األولى:
1110م ،ص.016
164تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ،ابن حجر العسقالني ،تحقيق :عاصم بن عبد الله القريوتي،
مكتبة المنار ،الزرقاء-األردن ،ص.02
57
"إن بعضهم اتهم البخاري في عقيدته ونسب إليه ً
قوال يفيد أن القرآن مخلوق
بلفظه".165
مع أنها هي قصته مع الذهلي ،لكنه أراد استكثار الطعون ،ومفادها :أن البخاري
قال بأن أفعال العباد حركاتهم وأصواتهم وكتابتهم مخلوقة ،166ففهم منه
الذهلي أنه يقصد بأن القرآن مخلوق إذ هم يقرأونه ،فاتهمه ،167ولو كان هذا
الباحث منص افا ،لحاول أن يبحث في هذا التهمة ويعرف الحق فيها بدل أن يردد
كل كال ٍم قيل ،ولما يكون المبحث نقيض هواه يصيح بأنهم ليسوا معصومين،
واضحا ،نقله
ا فإن حسب أنه يمكنه االستفادة مما نقله عنهم ولو كان الخطأ فيه
ولم يبحث بصحة كالمهم من عدمه ،وإال فقد كان بإمكانه أن يرجع إلى كتاب
البخاري المفرد في بيان موقفه من هذه المسألة ،وهو كتاب (خلق أفعال
العباد) ،الذي لم يكلف هذا الكاتب أن يرجع إليه في كتابه ولو مرة واحدة ،بل
اكتفى بنقل االتهامات دون تحقيق وال تمحيص ،يقول البخاري فيه عن القرآن:
58
وعليه فيكون الذهلي فهم مقصده خطأ ،فتهمته غير صحيحة ،ورغم أنه أخطأ
على البخاري إال أن البخاري لم يترك روايته ،ألن الحق كان عندهم فوق كل
إنسان ،وإنما لم يكن يسميه باسمه ا
كامال لثقل ما ناله من ذلك االتهام ،وال يغش
ا
مستقال فيما بعد ،بعنوان (البخاري مجروح فصال ِ
يكتف بهذا بل عقد ا لكنه لم
ومتروك الحديث) وذكر فيه أن ابن أبي حاتم وأبا زرعة تركا حديثه "بعدما كتب
إليهما محمد بن يحيى أنه أظهر عندهم بنيسابور أن لفظه بالقرآن مخلوق".169
ينقله حجة عليه ،فوقع ترك روايته بعد أن بلغهما كالم محمد بن يحيى الذهلي
لها.
59
تبجحه بعدم اإلجماع على صحة البخاري ،يقدم حجته التالية:
وفي سياق ّ
ّ
ويكذبون "الشيعة وهم نسبة مهمة من المسلمين ال يؤمنون بصحيح البخاري،
فيقال :لو أن ا
رجال قيل له أجمع العرب على أن من نصب الفاعل ،فقال :قال
محمدا ا ،بأنه أخطأ ،هل يصح أن يقال له لنقض كالمه :ولكني أعرف ا
رجال من
دولة عربية قال بل يصح! ،فالحديث هنا عن علماء اللغة ،ال العامة الذين قد
إن أقدم كتاب للشيعة اإلمامية يعود إلى القرن العاشر الهجري ،توفي صاحبه
سنة 755هـ ،171ومجمل بحوثهم فيه ضعيفة إلى الغاية مقارنة بمؤلفات وقواعد
وكتب أهل السنة ،فأين هذا من ذاك؟ ،فال يعتبرون في الوفاق والخالف فيما
ليسوا ا
أهال له ،ثم إن كان يعتبر الخالف والوفاق مع الشيعة ،فقد وقع خالف
60
"األخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي أن األخبار في هذا
الباب متواترة معنى ،وطرح جميعها يوجب رفع االعتماد عن األخبار رأس ًا ،بل
فعلى هذا فهو يعتبر حفظ القرآن محل خالف ،ألم يحتج بخالف الشيعة مع
البخاري؟ فيوجد فيهم (وال أنسبه إليهم كلهم) من يثبت التحريف في القرآن،
محرف.
فعلى هذا ال إجماع عنده على أن القرآن غير ّ
وهذا الرجل ال يدري ما ينقله ،فتجده ينقل ما هو حجة عليه ،ففي سياق بيان أن
ال إجماع على صحة أحاديث البخاري ،كتب ا
نقال عن غيره" :انتقاد ابن تيمية
وابن القيم لحديث في البخاري" ،173غفل أنه نسخ من قبل وهو ٌ
نقل عن غيره
أيضا" :ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية :ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من
ا
174
البخاري ومسلم بعد القرآن"!
قطعة من حديث لمقارنتها بغيرها من الروايات ،كما يسلكه أهل العلم ،ليس فيه
اتهام للبخاري بالكذب! أو الطعن على صحيحه ،وما ينقله حجة عليه ،لو كان
172مرآة العقول شرح أخبار الرسول ،محمد باقر المجلسي ،دار الكتب اإلسالمية ،طهران – إيران ،الطبعة الثانية ،ج
،01ص.616
173صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.040
174صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.040
61
خلط أصول الفقه بمباحث الحديث
إن كتاب أيالل يخلط العلوم الشرعية ببعضها ،ليصل إلى النتيجة التي يريد ،وهو
بهذا يفصح عن جهل وسقطات هائلة ،على سبيل المثال ،تجده ليستكثر سطور
كتابه ،يدخل مباحث ال شأن لها بمسألة ثبوت األحاديث ،بل لها تعلق
باألصول ،على سبيل المثال أدخل مبحث (السنة ناسخة للقرآن) ،وبدأ ينسخ
أقوال العلماء ،وغاية ما يمكنه تحصيله ترجيح قول من قال بأن السنة ال تنسخ
القرآن ،ولكن هل هذا يعني عند هؤالء أن السنة مثلما يزعم هو غير محفوظة،
حتما ال ،وهذا الشافعي ،أشهر من قال بأنه" :إنما نسخ ما
وأنها حديث خرافة؟ ا
نسخ من الكتاب بالكتاب ،وأن السنة ال ناسخة للكتاب" ،175من أشد المنافحين
عن االحتجاج بالسنة ،فهو القائل" :كل من قبل عن الله فرائضه في كتابه ،قبل
عن رسول الله سننه ،بفرض الله طاعة رسوله على خلقه ،وأن ينتهوا إلى حكمه،
ومن قبل عن رسول الله فعن الله قبل ،لما افترض الله من طاعته".176
والقول بأن هذا حديث ناسخ وذلك منسوخ ،مبحث ،والقول بثبوت الرواية
ا
منسوخا ،وقد ال ا
ناسخا وقد يكون مبحث آخر ،فالحديث الصحيح قد يكون
يكون هذا وال ذاك ،وال يض ّعف هذا وال يقوي من الحديث ،فهذا خلط في
المباحث.
175الرسالة ،محمد بن إدريس الشافعي ،تحقيق :أحمد شاكر ،مكتبة التراث ،القاهرة0727 ،م ،ص.015
176الرسالة ،ص .66
62
وعلى هذا النحو فإن الكاتب يخلط بين ثبوت الرواية والعمل بها ،أو بين ثبوت
شيء ومشروعيته لكل المسلمين ،أو أنه ديني وليس دنيو ايا ،أو العكس.
وبشكل عام فلقد دارت فصول كتاب أيالل حول هذا الخلط ،وبعضها حاله مثل
من يشنع على من قال :إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يركب ناقة،
ويستشكل ذلك بأننا في عصر فيه سيارات ،وحافالت ،وطائرات! وأن هذا
معناه أن نعود بالزمن إلى الوراء ،ونحو هذه التهويالت الفارغة ،ويرى أن الحل
يكمن في نفي تلك الرواية ،والكذب برواية أخرى بأنه كان يستعمل تقنية القرن
فمن قال بأن ثبوت كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركب الناقة ،واستعمل
آخر ،فالثاني نظر الفقيه ،و "قد يحمل الفقه غير فقيه ،يكون له حاف ًظا ،وال يكون
177الرسالة ،ص.416
63
كذب
لم يتوقف الكاتب رغم سرقاته ،واتهاماته بالزور عن الكذب على غيره بشكل
" إن الفقهاء والمحدّ ثين خالفوا القرآن وخالفوا العلم ،وقالوا بأن مدة الحمل
يمكن أن تصل إلى خمس سنوات !!!! ،هذا طب ًعا استنا ًدا إلى المرويات".178
األمس ،سيتندر به علماء المستقبل ،ولم يزعم الفقهاء أن تحديد أكثر الحمل
منصوص عليه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقول إن مستندهم في
"وغالبها -أي مدة الحمل-تسعة أشهر وأكثرها أربع سنين ألن ما ال تقدير فيه
شرعا يرجع فيه إلى الوجود وقد وجد من تحمل أربع سنين".179
فيقال :هب أن هذه هي معرفة زمانهم ،وهكذا قال لهم أطباؤهم ،فإنهم لم
يكذبوا على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يزعموا أنهم قالوها توقي افا،
بل قالوا مرد ذلك إلى الوجود ،وهذا ال يحكم به أمثالك ،بل يحكم به أهل
64
الطب ،ومتى حددوا أقصى مدة ممكنة للحمل علميا فإن الفقه يدور مع تحقيق
مناطات األحكام ،وليس من الذكاء أن يكذب المرء على خصمه ليسهل عليه
وهكذا فإن الرجل ال يتورع عن الكذب ،وعلى سبيل المثال وضع عنواناا
لحديث سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صحيح البخاري بقوله:
(الرسول يسحر فيهذي) ثم لم يذكر شي ائا في هذا ،بل في الحديث" :سحر النبي
صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخ ّيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله".
"اعتقدوا أن رسول الله كان يتخيل أنه يقوم بالعمل ولم يقم به ....وذلك من
الهذيان ،وهاته اإلساءة من اإلساءات التي لم يتورع من ألف هذا الكتاب عن
تدوينها".180
وهذا الذي قاله كذب عليهم ،فالهذيان هو" :كالم غير معقول مثل كالم
من أحاديث الصحيح ،من أصل أزيد من نصف مليون حديث ،إال بعد أن يغتسل
65
ويستخير الله بصالته ركعتين ،ولكم أن تتخيلوا كم من مرة قام البخاري بصالة
االستخارة ،ليكون الجواب هو 066ألف مرة ،أي مليون ومائتي ألف ركعة
فهذا الرجل يرد على نفسه بنفسه ،فيقول بأن البخاري كان يستخير كلما انتخب
حدي اثا في الصحيح ،ومعنى هذا أنه صلى بعدد أحاديث صحيح البخاري ،كما
فكم عدد أحاديث صحيح البخاري بدون تكرار؟ على ما حرره ابن حجر،
فإنها 1250 :حدي اثا تشمل المعلقات التي لم يوصلها في موضع آخر،183
فصلى عند كل حديث منها ركعتين على مدى 05سنة ،فأين الغرابة في هذا؟
ولكن لما لم تعجبه هذه الحسبة ،طار إلى التشنيع ،وجعله يصلي عند كل
حديث قبل أي انتقاء ،وبذا ناقض نفس ما ينقله ،وهكذا دأبه في هذا الكتاب ،مع
التنبيه أن الحديث قد يكون واحدا ا وله عشرة أسانيد ،فتسمى عشرة أحاديث،
ولما يجري تضعيف طريق منها ،يقال هذا حديث ضعيف ،لكن قد يصح من
وجه آخر ،وهكذا ،وهذا للتنبيه على سوء فهمه لهذا األمر ،وبداية النسخ
واللصق والتهويل.
66
هل هي خصومة مع البخاري؟
الحديث".184
واألمر لم يقتصر على صحيح البخاري ،بل الزم كالمه يمتد إلى نصوص آيات
فماذا يتوقع القارئ منه في النهاية؟ وقد سبقت بعض األمثلة على طعنه
بأحاديث لها نفس دالالت اآليات القرآنية ،بحجة أنه يراها مناقضة للقرآن!
-0طعنه بحديث السحر الذي فيه " :حتى إنه ليخ ّيل إليه أنه يفعل الشيء وما
فعله".
فعلق ا
قائال" :اعتقدوا أن رسول الله كان يتخيل أنه يقوم بالعمل ولم يقم به ....
الكتاب عن تدوينها".185
67
فيقال له :ألم تقل إنك تس ّلم بصحة القرآن؟ ،قال الله تعالى فيهَ ﴿ :قالوا َيا م َ
وس ٰى
ف إِن َك َأ َ
نت ْاألَ ْع َل ٰى﴾ ،186فعلى كالمك فإن قوله( :يخيل إليه من سحرهم) ت َ
َخ ْ
ا
تأويال لذاك؟ أنه هذيان! فإن أوله يقال له فما لك لم تجد
-1استشنع حدي اثا فقال" :صحيح البخاري ينسب لرسول الله نسيان كالمه،
وكأن الله أخلف للنبي وعده إياه" ،187مع أن الله في كتابه يقولَ ﴿ :سن ْق ِرئ َك َف َال
َنس ٰى * إِال َما َشا َء الله إِنه َي ْع َلم ا ْل َج ْه َر َو َما َي ْخ َف ٰى﴾ ،188ويقول مخاط ابا نبيه
ت َ
صلى الله عليه وسلم﴿ :وإِما ي ِ
نس َين َك الش ْي َطان َف َال َت ْقعدْ َب ْعدَ الذك َْر ٰى َم َع ا ْل َق ْو ِم َ
ين﴾ ،189ويقال في االستثناء ،والنسيان هنا ما قيل في سابقه. ِِ
الظالم َ
-6استشكل حدي اثا في صحيح البخاري ،فقال" :ال يستطيع مسلم نقي الفطرة،
سليم العقل ،يحترم دينه ونبيه ،أن يصدّ ق بأن رسوله الكريم صلى الله عليه
وسلم يدخل على امرأة أجنبية عنه ،ويختلي بها في غيبة زوجها" ،190فيقال له
ألم تقرأ قوله تعالى عن يوسف﴿ :وراودتْه التِي هو فِي بيتِها َعن ن ْف ِس ِه و َغل َق ِ
ت َ َْ َ َ ََ َ َ
68
اب َو َقا َل ْت َه ْي َت َل َك َق َال َم َعا َذ الل ِه﴾ ،191فلو كان اعتراضه مسق اطا للرواية،
ْاألَ ْب َو َ
متوجها على قصة يوسف واختالء امرأة
ا بقطع النظر عن صحة فهمه لها ،لكان
العزيز به ،ثم أين وجد في القرآن النهي عن الخلوة باألجنبية؟ أال يتحاكم هنا
وبحشو بالغ ،بدأ يعرض شي ائا من نسخ صحيح البخاري ليحكم بعدها بأنه كتاب
غريب المصدر مجهول األثر ،192حيث إنه لم يعثر على نسخة البخاري نفسه،
فيقال له :ما تقوله لو كان حجة ،فإن األمر يمتد إلى القرآن نفسه ،فيقدر أي ٍ
أحد
أن يقول أين هي النسخة التي كانت عند حفصة؟ ،وأين هي اللخاف والرقاع
ونحوها مما كتب عليه القرآن أول مرة؟ ،ويظهر وقتها أن الخصومة ليس مع
السنة فحسب!
وإال فإن األمر ال يشترط له نسخة موقعة من البخاري نفسه ،أو أن تبقى نسخة
القرآن التي أودعت عند حفصة ،فقد كان الحفظة موجودين ،وليس هذا في
القرآن فحسب ،بل وال الحديث فحسب ،فحتى كتب الفقه ،كان هناك من
المعتنين بها ،والحافظين لها ،إلى درجة أن يقول القاضي الروياني على سبيل
69
وقد بلغ االعتناء بصحيح البخاري الغاية ،وممن يذكر في مقدمة المعتنين به
"المغاربة ،وما عرف عنهم من اهتمام بصحيح البخاري وسرعة قراءته والصبر
على سماعه وإسماعه ،فيروى في ذلك العجب العجاب ،وممن يذكر في هذا
الباب الحافظ أبو علي الصدفي المتوفى سنة 415هـ ،فقد كان مما أقام للحديث
السوق العظيم ،الذي نفقت بضائعه ،فقد أسمع صهره ابن سعادة صحيح
وللعلماء أسانيدهم إلى صحيح البخاري ،فالعالم كان يقرأ البخاري على عالِم،
وال يضير إن كان لعالم نسخة من الصحيح ،ثم قرأها عليه آخر ،ولم يقل للعالم
أعطني نسختك ،فيكفي أنه استنسخها لنفسه ،كما إن أحاديث الصحيح معروفة،
موزعة على كتب الحديث من غيره ،إلى درجة معرفة أن هذا من حديث الراوي
الفالني ،وذلك ليس من حديثه ،وأي اختالف في نسخة ،يجري التنبيه عليه،
ثم إنه بنتيجته هدم كل ما قاله من قبل ،فقد استدل على عدم اإلجماع على
صحيح البخاري ،بأن العلماء نقدوا بعض أحاديثه ،وهنا يقول ال يدري لعلهم
نقدوا غير أحاديثه! ،بل وطعن في البخاري من قبل في أنه متروك تارة ،ومتهم
في عقيدته تارة أخرى ،فلم كل الصفحات السابقة ،إن كان يجهل من ألف
صحيح البخاري؟!
194مدرسة اإلمام البخاري في المغرب ،يوسف الكتاني ،دار لسان العرب ،بيروت-لبنان ،ج ،0ص .607
70
ولو بقي المسفسط مع حجة أنه ال يقبل إثبات شيء إال بنسخ موقعة من
أصحابها ،يقال كيف به يثبت نسبه ،في وقت لم يكن فيه ا
أصال أي محاكم
كثيرا ٍ
تسليما ا
ا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وصلى الله وسلم على
71
المراجع:
.0إحكام األحكام شرح عمدة األحكام ،تقي الدين ابن دقيق العيد ،تحقيق :محمد حامد الفقي ،أحمد
.1اإلحكام في أصول األحكام ،علي بن حزم األندلسي ،دار اآلفاق الجديدة ،بيروت-لبنان.
.6آذان األنعام؛ دراسة قرآنية علمية لنظرية داروين في الخلق والتطور ،تأليف :عماد محمد بابكر حسن،
باالشتراك مع :عالء الدين محمد بابكر حسن( ،نسخة إلكترونية) ،الخرطوم.1112 ،
.4أضواء على السنة المحمدية ،محمود أبو ر ّية ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة السادسة.
.6أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم المكتوبة منذ صدر اإلسالم حتى سنة 611هـ،
.5األنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة ،عبد الرحمن بن
.2تاريخ الفلسفة ،أميل برهييه ،ترجمة :جورج طرابيشي ،دار الطليعة للطباعة والنشر ،بيروت–لبنان،
.1تذكرة الحفاظ ،الذهبي ،حققه :عبد الرحمن المعلمي ،دار الكتب العلمية ،بيروت-لبنان.
.7تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ،ابن حجر العسقالني ،تحقيق :عاصم بن عبد
.01تهذيب األجوبة ،الحسن بن حامد ،حققه وعلق عليه :صبحي السامرائي ،عالم الكتب ،مكتبة النهضة
.00خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل ،محمد بن إسماعيل البخاري ،تحقيق :عبد
.01الرسالة ،محمد بن إدريس الشافعي ،تحقيق :أحمد شاكر ،مكتبة التراث ،القاهرة0727 ،م.
.06الروض الندي شرح كافي المبتدي ،ألحمد بن عبد الله البعلي ،المطبعة السلفية.
.04سير أعالم النبالء ،الذهبي ،تحقيق :شعيب األرنؤوط ،صالح السمر ،مؤسسة الرسالة ،بيروت-لبنان،
72
.06شرك الطاعة ،أبو صهيب العراقي ،المكتب اإلعالمي ،الدولة اإلسالمية في العراق والشام ،والية
نينوى.
.05شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل ،مصطفى بن إسماعيل ،تقديم :مقبل بن هادي
.02صحيح البخاري نهاية األسطورة ،رشيد أيالل ،دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر ،المغرب،
.01صحيح البخاري ،محمد بن إسماعيل البخاري ،دار ابن كثير ،دمشق-بيروت ،الطبعة األولى:
1111م.
.07صحيح مسلم بشرح النووي ،المطبعة المصرية بالقاهرة ،الطبعة األولى0717 :م.
.11فتح الباري ،علي بن أحمد بن حجر العسقالني ،تحقيق :محب الدين الخطيب ،دار الكتب السلفية.
.16قاعدة مختصرة في قتال الكفار ومهادنتهم وتحريم قتلهم لمجرد كفرهم ،أحمد بن تيمية ،حققه :عبد
.16القسطاس المستقيم ،أبو حامد الغزالي ،تحقيق :فيكتور شلحت ،دار المشرق ،بيروت-لبنان،
0716م.
.15قصة حياة تشارلس داروين ،تحرير :فرانسيس بيكون ،ترجمة ومراجعة :مجدي محمود المليجي،
.12كتاب سيبويه ،تحقيق :عبد السالم محمد هارون ،مكتبة الخانجي ،القاهرة ،الطبعة الثالثة0771 :م.
.17المحدّ ث الفاصل بين الراوي والواعي ،الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي ،تحقيق :محمد عجاج
.61مرآة العقول شرح أخبار الرسول ،محمد باقر المجلسي ،دار الكتب اإلسالمية ،طهران – إيران،
الطبعة الثانية.
73
.60مقدمة ابن الصالح ومحاسن اإلصطالح ،توثيق وتحقيق :عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) ،مطبعة
.61ملحمة جلجامش؛ ترجمة النص المسماري مع قصة موت جلجامش ،نائل حنون ،دار الخريف،
.66المنار المنيف في الصحيح والضعيف ،محمد بن قيم الجوزية ،تحقيق :يحيى بن عبد الله الثمالي،
.64موطأ مالك ،رواية محمد بن الحسن الشيباني ،مع التعليق الممجد على موطأ محمد ،تعليق وتحقيق:
.66الموطأ ،مالك بن أنس ،صححه ورقمه :محمد فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت-
لبنان0716 ،م.
.65نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ،ابن حجر العسقالني ،تحقيق :عبد الله بن ضيف الله الرحيلي،
.62نظم المتناثر من الحديث المتواتر ،محمد بن جعفر الكتاني ،دار الكتب السلفية للطباعة والنشر.
.61الوافي بالوفيات ،صالح الدين خليل بن أيبك الصفدي ،تحقيق :أحمد األرنأووط ،تركي مصطفى،
.67مدرسة اإلمام البخاري في المغرب ،يوسف الكتاني ،دار لسان العرب ،بيروت-لبنان.
74