You are on page 1of 18

‫سلسلة‬

‫كيف تجدد إيمانك‬

‫التبية بالقدوة في اللسلم‬

‫اللستاذ التهامي الشامي‬


‫الهنهج التوبوي في اللسل‪ ‬م ‪:‬‬
‫العجاز العلمي في القرآن الكريم لم يقتـص على العلوم التجريبية فقط ‪ ،‬بل ركك ز كذلك على العلوم‬

‫النسانية خاصة في مجال العلوم السلوكية ‪ ،‬حيث وردت آيات تتضمن توجيهات ونماذج تطبيقية‬

‫لتعديل السلوك وضبطه بالحكمة والقناع والرحمة ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬ادع إلى لسبيل ربك بالحكمة‬

‫والوعظة الحسنة وجادلهم بالت هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن لسبيله وهو أعلم‬

‫بالهتدين '' ـ النحل ‪ 125‬ـ‬

‫إن الحق لسبحانه شاء أن يكون العجاز السلوكي والخلقي فى اللسلم ينبـن على التبية بالقدوة‬

‫فكانت النماذج السلوكية الت يقدمها اللسوة الحسنة ـ الرلسول عليه السلم ـ مغايرة تماماا‬
‫للسلوكيات السلبية ‪ ،‬الت كانت لسائدة في البيئة الت نشأ فيها ‪ ،‬حيث كانت موطناا للوثنية والجمود‬

‫والقسوة والعنف … ‪ ،‬لذا كانت الغاية من بعثة الرلسول عليه السلم هي العجاز السلوكي‬

‫والخلقي ‪ ،‬عن أبي هريرة رض الله عنه قال ‪ :‬قال رلسول الله صلى الله عليه و لسلم ‪ '':‬إنما‬

‫بعثت لتمم صالح الخل ق '' ـ رواه أحمد ـ‬

‫إن التبية في اللسلم تستمد أهدافها وغايتها وألساليبها من النهج الرباني ‪ ،‬الذي يرك ز على‬

‫الجانبي الادي والروحي في النسان ‪ ،‬ويراعي في ذلك الشمول والتكامل إنطلقا من الحقائق‬

‫والعايي اللهية الثابتة ‪ ،‬الت تتوافق مع مقومات النسان التغية من أجل ترقيتها ‪ ،‬لتنشئة الفرد‬

‫السلم وتوجيهه طبقا للنمذجة ‪ ،‬الت يجب القتداء والتأس بها في كافة جوانب الحياة من منظور‬

‫الدين اللسلمي الحنيف ‪ ،‬ولقد دعا القرآن الكريم إلى التبية بالقتداء من أجل تعديل السلوك‬

‫النساني ‪ ،‬وهذا التوجه يتفق مع اللساليب العلمية التبعة حالياا فى الجال التبوي ‪ ،‬وهو يمثل‬

‫أفضل ألساليب التع كلم و أكثها تأثياا ‪ ،‬حيث يعتمد على ألسلوب عرض النماذج السلوكية التطبيقية‬

‫– النمذجة ‪ -‬لساعدة النسان على تغيي تصفاته بالتدريج ‪ ،‬وبالتالي فالتبية بالقدوة تعد من‬

‫أهم وأحدث ألساليب التعلم وتعديل السلوك ‪ ،‬لنها تتمحور حول العناية التامة ‪ ،‬والرعاية الكاملة‬

‫بمختلف جوانب شخصية النسان في مختلف كافة مراحل حياته ‪ ،‬بغية تحقيق التكيف الطلوب‬

‫والتفاعل اليجابي ‪ ،‬ليندمج الفرد في الجتمع إندماجا صالحا ومتكامل على ضوء مباديء النهج‬

‫الرباني بمعناه الشامل‪.‬ي‬


‫ول يمكن أن تتحقق جدوى التبية بالقدوة إذا لم تتحول إلى لسلوك عملي ‪ ،‬يشمل تصفات الفرد‬

‫ومشاعره وأفكاره ‪ ،‬وهذا يتطلب طبعا وجود اللسوة الحسنة ‪ ،‬أي حضور الشخص الذي ييحتذى به‬

‫من حيث جعله ألسوة ومثال ا ‪ ،‬ونموذجاا لسلوكيات وتصفات الخرين ‪ .‬والتبية بالقدوة هي من‬

‫أنجع الولسائل وأكثها فاعلية ‪ ،‬لنها تنبن على تصفات ولسلوك ومعايي ثابتة وحقيقة واقعة‬

‫وهي أبلغ من التلقي البن على التغيب والتهيب ‪ ،‬فهو ل يثمر إن لم توجد اللسوة الحسنة ‪ ،‬الت‬

‫تكون بمثابة ترجمة عملية للمعاني الجردة ‪ ،‬لن الخذ بالسلوك عملايا والتمسك به أكث إقنااعا من‬

‫الحديث عنه والثناء عليه ‪ ،‬كما أن القتداء في النسان فطرة وجبلة فطره الله عليها ‪ ،‬فهو يراقب‬

‫ويكتشف ثم يتأثر ‪ ،‬فيحاكي اللسوة بعد ذلك مباشة بدافع الحبة وإعتقاد الكمال والفضلية‪.‬ل‬

‫إن التبية بالقدوة يجب أن تكون في ظل النهج الرباني بمفهومه الوالسع ‪ ،‬بمعن أن تكون اللسوة‬

‫تستمد مصداقيتها من أصول ومعايي النظومة اللسلمية ‪ ،‬وبنااء على مكارم أخلقية مشكخصة‬

‫ورالسخة ‪ ،‬ومتجلية في كافة مجالت الحياة ‪ ،‬ول تتعلق فقط بالتبية الدينية الحضة ‪ ،‬وليس‬

‫الراد من القتداء هو اللستنساخ عن طريق الجبار ‪ ،‬بل الغاية هي الختيار والنتخاب من قبل‬

‫تبي ‪ ،‬بعد أن يقدم الربي الشخصية اللسوة ضمن النظام العياري اللسلمي ‪ ،‬لن التبية‬
‫ال ت‬
‫بالقدوة ل تقتص على فاعلية الربي وحده ‪ ،‬بل للمتبي دور فكعال فهو من يجب عليه أن يختار من‬

‫هو قدوته ‪ ،‬حت ل نتعاطى مع النمذجة من خلل التقليد والجبار ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬أولئك الذين‬

‫هداهم الله فبهداهم اقتده" ـ النعام ‪ 90‬ـ‬

‫تبي الية بأن القتداء ل يحقق غايته التبوية إنطلقا من الرتباط بشخصية وهمية ‪ ،‬بل يكون‬

‫بإتباع هديه أي القتداء بسلوكه اللموس''فبهداهم اقتده''‪ ،‬إذاا في فضاء التبية بالقدوة يكون‬

‫القتداء هو إختيار السلوك القويم وإتباعه ‪ ،‬بحيث يكون تجسيداا ملمولساا لكل ما اقتنع به التبي‬

‫من آراء وأفكار ‪ ،‬وهذا ما أشار إليه الحق لسبحانه في قوله تعالى ‪ '':‬الذين يستمعون القول فيتبعون‬

‫أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو اللباب'' ـ ال زمر ‪ 18‬ـ‬

‫اللسوة الحسهنة في اللسل‪ ‬م ‪:‬‬

‫إن إختيار اللسوة الحسنة الصل في اللسلم لم يكن ج زافاا دون ضابط ‪ ،‬فالله لسبحانه هو التفرد‬

‫بالخلق والختيار ‪ ،‬قال تعالى‪ :‬وربك يخلق ما يشاء ويختار ‪ ،‬ما كان لهم الخية لسبحان الله‬

‫وتعالى عما يشكون'' – القصص ‪ – 68‬ن‬


‫وهذا الختيار راجع إلى حكمته لسبحانه ‪ ،‬وعلمه بمن هو أهل لتحكمل الرلسالة وتبليغها ‪ ،‬قال‬

‫تعالى‪'':‬الله أعلم حيث يجعل رلسالته''‪ -‬النعام ‪ - 124‬ن‬

‫لقد جرت السنة اللهية على إختيار الرلسل والنبياء من بن البش ‪ ،‬يصيبهم ما يصيب بن جنسهم‬

‫من ساء وضاء ‪ ،‬قال تعالى ‪'' :‬وما أرلسلنا قبلك إل رجال نوحي إليهم فالسألوا أهل الذكر إن كنتم‬

‫ل تعلمون ‪ .‬وما جعلناهم جسداا ل يأكلون الطعام وما كانوا خالدين''‪ -‬النبياء ‪ 8- 7‬ـ م‬

‫ولبلوغ مقام النبوة والرلسالة ب كي لنا الحق لسبحانه في آيات عديدة القامات الت يمر بها بن البش‬

‫ليصبحوا أنبيااء ورلسلا وهي كالتالي‪ :‬ن‬

‫القام الول ‪ :‬قال تعالى ‪'' :‬وألقيت عليك محبة من ولتصنع على عين ''‪ -‬طه ‪ - 33‬م‬

‫الحبة ‪ :‬محبة الله لسبحانه تتجلى في هدايته لعبده إلى مكارم الخل ق ‪ ،‬مع الحاطة بعنايته له‬

‫وميل قلب عبده إليه وإشتياقه إلى لقائه ‪ ،‬ثم يلقي محبة اللسوة في قلوب العباد ‪ .‬ن‬

‫القام الثاني ‪:‬الصنع ‪ :‬صنع الشء ‪ :‬قام بصنعه فأجاد الفعل وأتقنه ‪ ،‬وحكسنه وزكينه بالصناعة‬

‫وأع كده إعداداا خاصاا ‪ ،‬وجودة الصنوع تتجلى في حسن أداء وظيفته ‪ ،‬أي تحقيق الغاية والنتيجة‬

‫صنع على أكمل وجه ‪ ،‬والراد من ''لتصنع على عين'' ‪ ،‬هو أن الله لسبحانه تو كلى‬
‫الت من أجلها ي‬
‫عبده بتوجيهه في جميع أطوار حياته ‪ ،‬وبالتالي ليس للمخلو ق في الصنع أثر ‪ ،‬بل هو إختيار‬

‫الشيئة في العلم السابق ‪ ،‬قال تعالى ‪'' :‬ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صد ق علياا ''‬

‫‪ -‬مريم ‪- 50‬‬

‫إن الصنع تكوين وهذا ما يفسه قوله تعالى‪ '':‬ووهبنا لهم'' ‪ ،‬أما الجعل فهو توجيه ذاتي وهذا ما‬

‫يفسه قوله تعالى ‪'' :‬وجعلنا لهم'' ‪ ،‬والتوجيه الذاتي هو القدرة على تنظيم وتكييف السلوك طبقاا‬
‫للمنهج الرباني ‪ ،‬لتحقيق الهداف والقيم الشخصية الختارة ‪ ،‬قال تعالى‪'' :‬وإنك لعلى خلق عظيم''‬

‫خلق ناتج عن التوجيه الذاتي ‪ ،‬لن لو كان تكوينياا لا كان في مدحه‬


‫القلم ‪ ، 4‬وكما هو ظاهر فإن ال ي‬
‫وجه ‪ .‬ن‬

‫القام الثالث ‪ :‬قال تعالى‪'' :‬واصطنعتك لنفس''‪ -‬طه ‪ - 41‬م‬

‫الصطناع ‪ :‬إصطناع الصنعة ‪ :‬البالغة في الجودة والتقان لبلوغ درجة الحسان ‪ ،‬أي حقق‬

‫إحسانه إليه ‪ ،‬وثبته فيه بعد انتقائه وإختياره ليجعله خالصاا له لسبحانه ‪ ،‬ول يتم إحسان صنع‬

‫الله لسبحانه إل إذا اكتملت محبته ‪ ،‬وإذا اكتملت محبته ألقى على الحبوب هيبته حت يق كلبه بي‬

‫الجمال والجلل ‪ .‬ن‬


‫القام الرابع ‪ :‬قال تعالى‪'':‬وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخية لسبحان الله وتعالى عما‬

‫يشكون'' ـ القصص ‪ - 68‬ك‬

‫الختيار‪ :‬الفاضلة والتميي بي الشياء والشخاص على ألساس الفضل والحسن ‪ ،‬وإختياره‬

‫لسبحانه مرتبط بعلمه الرادي الذي ل حدود له ‪ ،‬والنبوة والرلسالة علم اقتن بالرادة على العدل‬

‫والخي ‪ ،‬قال تعالى‪'':‬ل ينال عهدي الظالي'' – البقرة ‪ ، - 124‬وهكذا فإن الختيار هو جمع العلم‬

‫ن‬ ‫بالنبوة مع الرادة على العدل والخي ‪.‬‬

‫القام الخامس ‪ :‬قال تعالى ‪ '' :‬إن الله يصطفي من اللئكة رلسلا و من الناس إن الله لسميع بصي''‬

‫‪ -‬الحج ‪- 75‬‬

‫الصطفاء ‪ :‬أخذ صفوة الشء وخالصته ‪ ،‬ومرتبة الصطفاء هي رتبةة رفيعه للمصطفي الخيار ‪.‬‬

‫م‬

‫القام السادس‪ :‬قال تعالى" واجتبيناهم وهديناهم الى صاط مستقيم'' ‪ -‬النعام ‪- 87‬‬

‫الجتباء ‪ :‬تيسي بداية طريق الهداية ‪ ،‬لذلك نلحظ أن أغلب الحال يأتي الجتباء قبل الهداية ‪ .‬ك‬

‫القام السابع ‪ :‬قال تعالى ‪'':‬ياأيها الرلسول بلغ ما أن زل إليك من ربك ‪ ،‬وإن لم تفعل فما بلغت‬

‫رلسالته ‪ ،‬والله يعصمك من الناس إن الله ل يهدي القوم الكافرين'' ـ الائدة ‪ 67‬ـ‬

‫العصمة ‪ :‬النع والحفظ والوقاية من الوقوع في الخطأ ‪ ،‬وما أخب عنه القرآن الكريم في حق‬

‫النبياء ليست أخطاء ‪ ،‬إنما هي فتنة والفر ق هائل بي الخطأ وبي الفتنة ‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬ولقد فتنا‬

‫لسليمان وألقينا على كرلسيه جسدا ثم أناب''‪ - .‬ص ‪ - 34‬ن‬

‫ومعن''فتنا'' أي ابتليناه واختبناه ولم يخطئ من ذات نفسه ‪ ،‬والعصمة ل تنفي عن النبياء حرية‬

‫جعلت في جبلتهم ‪ ،‬فأفعالهم وإختياراتهم الناتجة عن‬


‫الرادة ‪ ،‬والقدرة على الفعل الحر الت ي‬
‫الجتهاد وخارج الوظيفة الرلسالتية ‪ ،‬هي ثمرة رجاحة العقل والحكمة ولسداد الرأي ومن منطلق‬

‫العبودية الكاملة ‪ ،‬وفي حالة محادة الصواب ل يقكرهم الحق لسبحانه على الخطاء ‪ ،‬بل يبي لهم ثم‬

‫تراجع الرادة اللهية السامية الرادة النبوية ‪ ،‬الت تنالسب فطرة النسان وتحقق إنسانيته‬

‫وبالتالي فإجتهادهم الحادي للصواب ناجم عن بشية النبياء ‪ ،‬وليست أخطاء أنبياء مكلفي‬

‫بتبليغ الرلسالة ‪ ،‬قال تعالى ‪'' :‬قل لسبحان ربي هل كنت إل بشا رلسول''‪ -‬الساء ‪ - 93‬م‬
‫وهذا ل يحط من قدرهم أو يدعو إلى عدم التباع والقتداء بهم ‪ ،‬فهم القدوة الحسنه واللسوة‬

‫الصالحة ‪ ،‬وهذا من أدل الدلئل على حكمة الله لسبحانه ‪ ،‬لنه علم أكن معج زات النبياء يتبهر وتكب‬

‫في صدور أممهم فيق كدلسونهم ‪ ،‬ومنهم من يتخذ بعضهم إلهاا ‪ ،‬وهكذا يسقط النسان في هاوية الشك‬

‫لذا الحق لسبحانه يمتحن أنبياءه أحياناا ليبكي للناس أكنهم ليسوا بآلهة بل هم عباد مكرمون ‪ ،‬قال‬

‫تعالى‪'':‬ما السيح ابن مريم إل رلسول قد خلت من قبله الرلسل ‪ ،‬وأمه صديقة كانا يأكلن الطعام‬

‫انظر كيف نبي لهم اليات ثم انظر أنى يؤفكون''‪ -‬الائدة ‪ - 79‬م‬

‫والحكمة من عصمة أنبياء الله هي أكل ينسوا شيئاا مما أوحاه الله إليهم ‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬لسنقرئك فل‬

‫تنس''‪ -‬العلى ‪ – 6‬أما بالنسبة لا هو إعتيادي وخارج الوظيفة الرلسولية فالنب ليس معصوماا من‬

‫النسيان ‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬واذكر ربك إذا نسيت ‪ ،‬وقل عس أن يهدين لقرب من هذا رشداا''‪ .‬ن‬

‫‪ -‬الكهف ‪ - 24‬م‬

‫إن محادة الصواب خارج إطار الوحي واردة لنه أمر لجب لكلي ‪ ،‬فقد تطرأ لهم مسألة في أمور الدنيا‬

‫وليس عندهم في ذلك نص شعي يستندون إليه فيجتهدون برأيهم ‪ ،‬وقد حدث هذا من رلسول الله‬

‫صلى الله عليه ولسلم في قصة أسى بدر ‪ ،‬حيث لم يكن عنده نكص صيح ‪ ،‬فاجتهد والستشار‬

‫أصحابه فأخطأ في التجيح ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬ما كان لنب أن يكون له أسى حت يثخن في الرض‬

‫تريدون عرض الدنيا والله يريد الخرة والله ع زي ز حكيم ‪ ،‬لول كتاب من الله لسبق لسكم فيما أخذتم‬

‫عذاب عظيم''‪ -‬النفال ‪ - 67‬ن‬

‫ولو لم تكن الفتنة ذات فائدة لا ابتلى الله لسبحانه بها أنبياءه ‪ ،‬لقد كانت للفت الكثي من الفوائد‬

‫والكالسب السلوكية والتبوية ‪ ،‬لم يحصلوا عليها إل بعد الوقوع في فيها ‪ ،‬وبالتالي فقصص النبياء‬

‫عليهم السلم الواردة في القرآن الكريم قدمت لنا لسيتهم بشكل إنساني واقعي ‪ ،‬إنطلقاا من‬

‫تفاعلتهم مع كل ما يحيط بهم وبكل تناقضاته ‪ .‬ن‬

‫التأس الكمكن‪  :‬م‬


‫مقام التأس بالرلسول عليه السلم يقع في دائرة المكن أو الجائ ز ‪ ،‬ضمن القدور عليه وما‬

‫يستطيعه النسان ‪ ،‬لنه لم يكن عليه السلم فو ق مستوى البشية في إمكانته الذاتية ‪ ،‬بل كان‬

‫قريب اا منا بصفاته البشية الت هي ألساس التأس ‪ ،‬لذا كان التوجيه اللهي يفرض على الرلسول أن‬

‫يقدم نفسه إلى الناس بهذه الصفة ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬قل إنما أنا بش مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله‬

‫واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمل صالحا ول يشك بعبادة ربه أحدا '' ـ الكهف ‪ 110‬ـ‬

‫وبالتالي فالقتداء به يكون من حيث صفاته الذاتية وليس بصفاته الرلسولية ‪ ،‬الت رفعها الحق‬

‫لسبحانه إلى مراتب ل تبلغها أوهام البش ‪ ،‬حي أسى بعبده وعكرج به إلى السماوات العلى حت‬

‫بلغ لسدرة النتهى ‪ ،‬وعليه يعد التأس بصفاته الذاتية مقيالساا تربوياا ‪ ،‬يحتكم إليه الؤمن في تقويم‬

‫وقياس درجة إيمانه ‪ ،‬وهذا هو السبيل القريب إلى السلم ليشعر بأن رلسول الله قريب منه بصفاته‬

‫البشية ‪ ،‬فيستطيع تصور اللسوة وتمثلها في لسلوكه ‪ .‬ن‬

‫إن الحق لسبحانه شاء أن يجعل رلسوله عليه السلم إنسانا ‪ ،‬يتمثل فيه النهج الرباني بكل أبعاده‬

‫الفكرية والروحية ‪ ،‬فكانت شخصيته تجسد العقيدة وتتجمها إلى حقيقة على أرض الواقع ‪ ،‬لذا‬

‫كانت لسيته الذاتية كتاابا مفتو احا لمته وللبشية جمعاء ‪ ،‬ليس فيها س خافي أو لغ ز محي ‪ ،‬ولقد‬

‫تعرض القرآن الكريم إلى جوانب كثية من شخصيته ‪ ،‬وبكي صفاته البشية والكرلسولية ‪ ،‬لذلك‬

‫يجب أن نلتمس اللمح الصيلة لشخصيته من القرآن الكريم كوثيقةة ألسالسية ثابتة ‪ ،‬بإعتباره‬

‫الكتاب الذي تككفل الله لسبحانه بحفظه ‪ ،‬ليجسد للمسلمي تاريخاا حكياا لشخصية الرلسول ‪ ،‬يتدترك من‬

‫خلل تد ببر اليات الت تتحدث عن خلقه ولسلوكه ولسائر شؤونه ‪ ،‬لذا فالقرآن الكريم لم يتحدث عن‬

‫تفاصل لسيته الذاتية ‪ ،‬ولكن ح كدثنا عن اللمح الصيلة لشخصيته ‪ ،‬قال تعالى ‪'':‬لقد جاءكم رلسول‬

‫من أنفسكم ع زي ز عليه ما عنتم حريص عليكم بالؤمني رؤوف رحيم'' ـ التوبة ‪ 128‬ـ‬
‫إن كلمة "من أنفسكم" تحمل في داخلها عمق العن النساني ‪ ،‬الذي يحدد اللمح العامة لشخصيته‬

‫عليه السلم ‪ ،‬لنقتدي بها ونسي على هداها إنطلقاا من ترلسيخ فكرة القتداء ‪ ،‬الت تجعل إرتباطنا‬

‫به تابع اا للرتباط بالرلسالة ‪ ،‬فالقرآن الكريم قد بي بوضوح وجلء اللمح الصيلة لشخصيته‬

‫ومدى علقتها بالخط العملي للرلسالة ‪ ،‬أكما كتب السية فلقد ألسهبت وأطنبت في ذكر الوارد والشارد‬

‫حسب أهواء التيارات الفكرية التنوعة ‪ ،‬الت طبعت النظومة الفكرية للمؤرخ أو الح كدث ‪ ،‬وبالتالي‬

‫هناك فر ق شالسع بي ما يقصه علينا الحق لسبحانه ‪ ،‬وبي ما يح كدثنا عنه ك كتاب السية ‪ ،‬قال‬

‫تعالى‪ '' :‬نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لن‬

‫الغافلي'' ـ يولسف ‪ 3‬ـ‬

‫وهذا ل يعن إقصاء كتب السية عن دائرة البحث ودرالسة التاريخ اللسلمي ‪ ،‬ولكن ما ندعو إليه‬

‫هو إعتبار القرآن الصدر اللساس ‪ ،‬الذي ل يقف عند حدوةد معينة وقوالب جاه زة ‪ ،‬بل يتحرك مع‬

‫طبيعة الوحي التجددة والتحركة ‪ ،‬الت تسعى إلى تغيي العوامل الذاتية والوضوعية ‪ ،‬وأما باقي‬

‫الصادر فيجب إخضاعها لضوابط وقواعد ومعايي محددة ‪ ،‬حت يستطيع القاريء من خلل تدبرها‬

‫إدراك مدى إنسجامها مع اللمح الصيلة الواردة في القرآن الكريم ‪ ،‬بما لها من خصائص ومميات‬

‫بشية ورلسولية جامعة لكل القيم السامية ‪ ،‬وهذه قاعدة ل بد من إعتمادها ‪ ،‬فقد روي عن الرلسول‬

‫صلى الله عليه ولسلم أنه قال ‪ ":‬تكث لكم الحاديث بعدي ‪ ،‬فإذا روي لكم حديث فاعرضوه على‬

‫كتاب الله فما وافق كتاب الله فاقبلوه وما خالف فردوه"‪ .‬فالرجوع إلى القرآن الكريم يعد من أوثق‬

‫وأصح الصادر والراجع لتكوين صورة واضحة عن حياته وأخلقه ‪ ،‬وعلقاته ومواقفه وقيادته‬

‫والتحديات ‪ ،‬الت واجهها في طريق الدعوة وتبليغ الرلسالة ‪ ،‬لن لسيته عليه السلم تمثل تاريخ‬

‫حياة ل تاريخ مرحلة ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬لقد كان لكم في رلسول الله ألسوة حسنة لن كان يرجو الله‬

‫واليوم الخر وذكر الله كثيا '' ـ الح زاب ‪ 21‬ـ‬


‫إن الشخصية الت دعا الحق لسبحانه للقتداء بها هي ''رلسول الله'' ‪ ،‬وهذا يبي بجلء أهمية‬

‫مرجعية شخصيته أل وهي الرلسالة الربانية ‪ ،‬لذا فشخصيته عليه السلم ذات مدد مستمر وثابت ‪:‬‬

‫'' الوحي اللهي''‪ ،‬لذا فسيته ليست مجرد أثر تاريخي عابر ‪ ،‬وبالتالي التأس به ل يكون في مقام‬

‫التشيف كرلسول ‪ ،‬ولكن في مقام التكليف كبش يوحى إليه ‪ ،‬أي بإتباع ما أوحي إليه من ربه ‪ ،‬كما‬

‫تبي الية بأن الرلسول عليه السلم هو قدوة وألسوة حسنة تحديداا ''لن كان يرجو الله واليوم الخر''‬

‫بمعن أن التأس برلسول الله ل يكون من نصيب إل من كان لديه مؤهلت إيمانية يقينية ‪ ،‬تتجلى‬

‫في كل أبعاد حياته وشخصيته بقدر ما يطيق ‪ .‬ن‬

‫س عظمة شخصيته عليه السلم كان في رلسولكيته ‪ ،‬وكانت رلسولكيته إمتداد لبشيته ‪ ،‬وبالتالي‬
‫إن ك‬
‫فعلقتنا به ترتك ز على ألساس صفاته الرلسولية ‪ ،‬قال تعالى ‪'':‬ما كان محمد أبا أحد من رجالكم‬

‫ولكن رلسول الله وخاتـم النبيي'' الح زاب ‪ 40‬لذا يحتاج الدارس لشخصية الرلسول عليه السلم إلى‬

‫رصد كل إشارة قرآنية تبي أحد جوانب شخصيته ‪ ،‬الت ترتبط إما بمقام بشيته أو بمقام‬

‫رلسوليته‪ :‬م‬

‫مقام بشيته ‪ :‬ن‬

‫إن شخصية الرلسول عليه السلم قبل البعثة كانت قد لسلكت القامات الولية للنبوة ‪ ،‬حيث كان‬

‫يتمتع برجاحة العقل والحكمة ولسداد الرأي ‪ ،‬وعلى خلق عظيم يأبى فعل ال كدنايا ‪ ،‬مما جعله يتصف‬

‫بكمال النهج الحياتي وبكمال الصفاء الروحي ‪ ،‬مما أعطاه طابعاا محدداا لكيانه العنوي ‪ ،‬وهذا فضل‬

‫إله كي وهبة ربانية يخص الله بها من يريد من خلقه ‪ ،‬حت يكون أحق وأجدر ليتحكمل أعباء النبوة‬

‫والتصدي لحداث التغيي والصلح ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬فقد لبثت فيكم عمراا من قبله أفل تعقلون'' ن‬

‫‪ -‬يونس ‪- 16‬‬
‫في الية تنبيه للذهان إلى إلستيفاء شخصيته البشية عنص ن زاهة السلوك قبل البعثة ‪ ،‬وتبيان‬

‫للفر ق الشالسع بي الشخصية الجتمعية النسجمة مع النظومة الفكرية الت يرعاها البش ‪ ،‬وبي‬

‫الشخصية الصطفاة النسجمة مع الفطرة الت يرعاها الحق لسبحانه ‪ ،‬حيث لكقبه قومه قبل الرلسالة‬

‫"بالصاد ق المي" ‪ ،‬وهذه مية خلقية شاهدة بذاتها على النموذج الفذ الذي يريده الله تعالى على‬

‫الرض ‪ ،‬وهو النسان بكل ما لهذه الكلمة من معن ‪ ،‬فهو رجل الفضل والعقل والكمال ‪ ،‬وصاحب‬

‫الصفات النسانية الفاضلة والصاد ق ذو الشأن العظيم ‪ ،‬ل ترى في قوله وفعله أي خلل أو ضعف‬

‫أو تناقض ‪ ،‬وهذا يبي بأن لقب '' الرلسول'' ل يستحقه إل من اتصف بكمال ن زاهة السية قبل‬

‫الدعوة ‪ ،‬وبكمال النهج الحياتي وبكمال القام الروحي ‪ ،‬وبهذه الصفات تطمئ القلوب إلى البعوث‬

‫وتركن إليه النفوس ‪ ،‬لن السلوك الشخص قبل البعثة يؤثر على مستقبل الدعوة ‪ ،‬لذا ل بد أن‬

‫يكون البعوث ذا لسية عطرة وصفاء ذهن ونفس ‪ ،‬حت ل يكون ثمة مطعن في رلسالته ‪ ،‬وبالتالي‬

‫ل يعقل أن تكون شخصية الرلسول غي لسوية قبل البعثة ‪ ،‬ثم ييوحى إليه ويستحق القرب اللهي‬

‫لنه لو لم يكن م كتسم برجاحة العقل والحكمة ولسداد الرأي والخلق العظيم لجاز عليه فعل ال كدنايا‬

‫فتنتفي فائدة إرلساله وتكون بعثته عبثا باطل ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬قل إنما أنا بش مثلكم يوحى إلي أنما‬

‫إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمل صالحا ول يشك بعبادة ربه أحدا '' ن‬

‫ـ الكهف ‪ 110‬ـ‬

‫ومن الفتاءت الضالة الض كلة تفسي قوله تعالى‪ '':‬ووجدك ضال ا فهدى'' بأنه قبل البعثة كان غي‬

‫يمهتدي ‪ ،‬بينما الراد من''ضال ا '' أي الحائر والندفع بكليته ليجاد ضالته ‪ ،‬الت يفتقدها ويسعى‬

‫وراءها ‪ ،‬وضالته قبل البعثة هي معرفة خالق الوجود الستحق حق العبودية على أفضل وجه‪ ،‬وهي‬

‫نفس ضالة إبراهيم عليه السلم ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي ‪ ،‬فلما أفل قال‬

‫لئ لم يهدني ربي لكونن من القوم الضالي ‪ .‬فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكب ‪ ،‬فلما‬

‫أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشكون ‪ .‬إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والرض حنيفا وما‬

‫أنا من الشكي'' – النعام ‪ - 79 – 77‬خ‬


‫لقد كان الرلسول عليه السلم طرازا رفيعا من الفكر الصائب والنظر السديد ‪ ،‬وامتاز بنقاء وصفاء‬

‫الفطرة وبعبقرية روحية مكنته من التواصل مع عالم الغيب ‪ ،‬والمداد منه بتوجيهات ربانية لينفتح‬

‫على الواقع الجتماعي ‪ ،‬من أجل إصلحه وتقويم كل خلل يعتيه ‪ ،‬ولينخرط في مضمار الواقع‬

‫بمختلف مستوياته ‪ ،‬فأكرمه ربه بوظيفة إلهية ولسفارة ربانية ‪ ،‬غايتها بلوغ النسانية كمالها اللئق‬

‫بها ‪ ،‬بحيث كان يتحرك بصفته الذاتية إنطلقل من قوله تعالى ‪'':‬إنك لعلى خلق عظيم'' لتجسيد‬

‫البشية في النبوة ‪ ،‬من أجل ترلسيخ اللمح الصيلة الت يريد الحق لسبحانه أن يجكسدها في‬

‫شخصية السلم ‪ ،‬حت يكون نمودجا واقعياا مطابقا لحقيقة العقيدة ‪ ،‬لن لو كان الرلسول عليه‬

‫السلم ملكا لا الستطع النسان القتداء به ‪ ،‬بحجة إتصاف اللئكة بالكمال الطلق ‪ ،‬الذي ل يعتيه‬

‫النقص ول يطرأ عليه الضعف ‪ ،‬قال تعالى ‪ '' :‬قل لو كان في الرض ملئكة يمشون مطمئني لنـ زلنا‬

‫ل''ـ الساء ‪95‬ـ‬


‫عليهم من السماء ملكاا رلسو ا‬
‫مقام رلسوليته ‪ :‬ت‬

‫لقد اتكسم مقام رلسوليته عليه السلم بالنفتاح على الوحي ‪ ،‬الذي زاده قوة وع زيماة وإقداماا على‬

‫تحمل أعباء الرلسالة من خلل الروح النابضة بالرأفة والرحمة والحبة ‪ ،‬ليعطي للكناس الصورة‬

‫الصادقة عن العقيدة في الطارين الروحي والفكري ‪ ،‬والنسجام مع خطواتها العملية ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫ن‬

‫فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاا غليظ القلب لنفضوا من حولك '' ـ آل عمران ‪ 150‬ـ ''‬

‫ومن خلل هذين القامي تتكامل شخصية الرلسول عليه السلم في لقاةء حميم ‪ ،‬مما جعل شخصيته‬

‫عليه السلم مرتك زة على ألساس من الواقعية ‪ ،‬والحكمة في الحركة واللسلوب ‪ ،‬ومن هذا النطلق‬

‫تجسدت الرلسالة في شخصيته ‪ ،‬عن عائشة رض الله عنها قالت ‪ '':‬كان خلقه القرآن ‪ ،‬يغضب‬

‫لغضبه ويرض لرضاه " ـ رواه مسلم ـ‬


‫لقد كان صلى الله عليه ولسلم أكب مربيا وهاديا بسلوكه الشخص ‪ ،‬الذي كان ترجمة حية للقرآن‬

‫الكريم ‪ ،‬لذا فهو قدوة متجددة على مر الجيال يجب التأس بها ‪ ،‬بدل العجاب السلب والتأمل‬

‫التجريدي في لسيته ‪ ،‬الت تحولت إلى مجرد صياغة لفظية ملحمية نستأنس بها ‪ ،‬دون تأثر واقعي‬

‫ملموس ول إقتداء ‪ ،‬لذا الحق لسبحانه يراعي بشية الرلسول ليكون مجال القتداء متحققاا ‪ ،‬لن‬

‫الهدف اللسمى من بيان وذكر اللمح الصيلة لشخصيته البشية والرلسولية هو تفعيلها ‪ ،‬وتأصيل‬

‫حضورها كسلوك من طرف كل مؤمن تكاملت شخصيته بفضل إختياره الحر ‪ ،‬ومدى إلتامه‬

‫بالعبودية الحقة لله لسبحانه ‪ ،‬وبالتلي فشخصيته عليه السلم تعد من أهم مصادر العرفة في‬

‫اللسلم ‪ ،‬لبناء الشخصية اللسلمية بأبعادها العقدية والتبوية والسلوكية من خلل التطبيقات‬

‫العملية ‪ ،‬قال تعالى ‪'':‬قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور‬

‫رحيم'' ـ آل عمران ‪ 31‬ـ‬

‫إن الدارس لسلوكياته عليه السلم قبل وبعد البعثة ‪ ،‬يجد بأنها تتسم باللي و الرحمة و الوعظة‬

‫الحسنة ‪ ،‬بينما لسلوكيات الجتمع الذي نشأ فيه كانت ترتك ز على العصبية القبلية والقوة الغاشمة‬

‫والعدوان ‪ ،‬وهكذا ينتفي أثر البيئة ويظهر أثر الصنعة الربانية ''لقد أدبن ربي فأحسن تأدبي''‬

‫وهذه هي الشخصية السوية في أعلى وأرقى درجاتها ‪ ،‬حيث كان عليه السلم يجسد اللسوة‬

‫الحسنة ‪ ،‬فيقدم نماذج لسلوكية تطبيقية في مواقف حية ‪ ،‬مما أتاح للصحابة رض الله عنهم تهذيب‬

‫الذات عن طريق القتداء ‪ ،‬لن خلقه العظيم كان لسلوكاا عملياا وليس منهجاا نظرياا ‪ ،‬لذلك كان ألسوة‬

‫حسنة تجسد البناء القيمي لبناء الشخصية السوية للمؤمن‪ .‬ن‬


‫لقد كان عليه السلم يتحرك بصفته الرلسالية إنطلقا من قوله تعالى ‪'':‬وما ينطق عن الهوى إنه هو‬

‫إل وحي يوحى'' النجم ‪ ، 4 3‬وكانت صفته الرلسولية هي القوة القيادية لصفته الذاتية ‪ ،‬الت ل يمكن‬

‫أن تهت أمام ك كل الؤثرات الخارجية ‪ ،‬وهذا التوازن بي القامي ‪ :‬الذاتي والرلسولي ليس شيئاا طارئاا‬
‫أو عارضاا عليه ‪ ،‬بل هو ما ارتك زت عليه شخصيته بتثبيت ال كله له في كل الواقف ‪ ،‬ومن الؤككد أن‬

‫القام الذاتي ليس الطار النهائي لدراك الحقائق الكلية ‪ ،‬لنه في حاجة إلى القام الرلسولي ليحدد‬

‫له النهج ويبي له أبعاده وولسائله ‪ ،‬وهذا محكوم بتوجيه الوحي الذي منه يستقي الرلسول عليه‬

‫السلم ألساليب الدعوة وأبعادها في التطبيق ‪ ،‬كما يتولى الوحي عملية التصحيح عند الحاجة ‪ ،‬لذا‬

‫كان عليه السلم ل يعتب الرلسالة تكليفاا صادراا من خارج ذاته ‪ ،‬بل يعتبها قضيته الجوهرية الت‬

‫تنبثق من موقع الحساس بها من منطلق إيمانه القوي ‪ ،‬الذي ل يمثل إمتيازا يغنيه عن الرشاد‬

‫والتوجيه الرباني لتصحيح مساره السلوكي ‪ ،‬وهذا اللسلوب العملي غايته مخاطبة النسان من‬

‫خلل مخاطبة رلسوله عليه السلم قصد النسجام مع خط الرلسالة ‪ ،‬لذا نجد في القرآن كثياا من‬

‫اليات تخاطب الرلسول عليه السلم بألسلوب قوي حالسم ‪ ،‬يوحي بأنن الرلسالة تحتاج إلى معاناة‬

‫وصب ‪ ،‬إنطلق اا من العنص الذاتي النابع من الصفة الرلسولية القائمة على العلم والحكمة والعرفة‬

‫وهي صفة ل يمنحها الله لسبحانه إل لصفيائه من خلقه منمن تمنيوا بنقاء الفطرة ‪ ،‬وصفاء‬

‫السيرة ونفاذ البصية ‪ ،‬وهكذا كان س إنسانيته في س رلسالته ‪ .‬م‬

‫القدوة رلسالة المة ‪ :‬ن‬

‫إن وفاة الرلسول عليه الصلة والسلم تلقي على أتباعه مسؤولية إلستمرار تجسيد اللسوة الحسنة‬

‫في جانبها العملي ‪ ،‬حت ل يختفي منهج التبية بالقدوة بوفاة من كان يجسده ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬وما‬

‫محمد إل رلسول قد خلت من قبله الرلسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على‬

‫عقبيه فلن يض الله شيئا ولسيج زي الله الشاكرين'' ـ آل عمران ‪ 144‬ـ‬


‫ومن الؤلسف أن الغبش الفكري الذي خكيم على السية النبوية أدى إلى إغفال التأس والقتداء‬

‫بالقام الذاتي ‪ ،‬فأورثنا إنفصاماا منعكساا على الواقع ‪ ،‬تسكوغها التفسيات الذرائعية لعرقلة النهج‬

‫الرباني ‪ ،‬الذي يمثل الدافع الصلي ليتقي السلوك النساني عن طريق تطوير قدراته ‪ ،‬حت يغدو‬

‫ألسوة وقدوة فيجعل لسلوكه حجة على أن الوحي مازال قائماا ‪ ،‬وفكعال ا في كيان أمة خاتم النبيئي‬

‫والرلسلي إلى يوم القيامة ‪ .‬وهذه الرؤيا تتطلب التوازن في تصور اللسوة الت يمكن إتباعها على‬

‫بصية من المر ‪ ،‬بحيث يجب أن تستند إلى الفهم الصولي القاصدي للقرآن والسنة ‪ ،‬ويكون‬

‫محورها الرلسول ألسوتنا بعيداا عن الغلو والجحاف والتاكمات الخاطئة ‪ .‬ن‬

‫الصحابة ومفهوم التأس ‪ :‬ن‬

‫إن القرآن الكريم يدعو إلى مطلق التأس بشخصية الرلسول عليه السلم ‪ ،‬بدل التكي فقط على‬

‫التأس الفقهي الرتبط بالعبادات والشعائر ‪ ،‬لكن الرلسول عليه السلم جاء باللسلم كمنظومة فكرية‬

‫متكاملة تشمل كل أبعاد شخصية النسان ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬وما آتاكم الرلسول فخذوه وما نهاكم عنه‬

‫فانتهوا'' ـ الحش ‪ 7‬ـ‬

‫إن تألسـي الصحابة رضـي الله عنهم كان شأن الخاكصة من أولي اللباب ‪ ،‬الذين اتخذوا القتداء‬

‫بالرلسول عليه السلم لسبيل إلى الطمئنان القلب والعقلي والفعل النجازي ‪ ،‬لن مفهوم التألسـي‬

‫عندهم كان له يبعد منهجي ‪ ،‬غايته الهتداء لتحقيق النهج الرباني في يبعديه اليماني والنساني‬

‫حيث كان كل صحابي يظهر بشكل متمـي جداا ‪ ،‬وتمـكيه عن بقية الصحابة يجعله عالاا وحده‬

‫تنطوي فيه العوالم ‪ ،‬ويبقى بعد ذلك بقية من التفرد ما يوافق شخصيته كنمودج ‪ ،‬وهكذا تحقق‬

‫النموذج الك كلي للتألسـي ‪ ،‬الذي صاغه الصحابة رضـي الله عنهم بشكل عملي ‪ ،‬فكل صحابي كان‬

‫يمثل أحد جوانب اللسوة الحسنة ‪ ،‬رغم إشتاكهم في أصل التألسـي ‪ ،‬فككل صحابي كانت له مـية‬

‫طغت على شخصكيته ‪ ،‬فهذا الصديق ‪ ،‬وهذا الفارو ق ‪ ،‬وهذا أمـي المة …‪ ، .‬ول أحد من الصحابة‬

‫ا كدعى أنه وصل إلى التألسـي الكامل ‪ ،‬الذي يمككنه من القتاب من مقام الرلسول عليه السلم ‪ ،‬وهذا‬

‫ما يفسـره قوله تعالى ‪ '':‬وإنك لعلى خلق عظيم''‪ .‬فالية في حد ذاتها لها دللة بالغة الهمكية في‬

‫تبيان تف كرد الرلسول عليه السلم كشخصية نمودجية شمولية ‪ ،‬يجد فيها كل مؤمن ما يحتاج إليه‬

‫ك كل حسب مقوماته الذاتية ورلسوخ عقيدته ‪ ،‬شـريطة إعمال العقل وطلب الحجة لتحقيق اليمان‬

‫واليقي ‪ ،‬لن القتداء ل يكون تمكثل لسلوكيا حت يكون تقكبل نفسيا وذهنيا ‪ .‬م‬
‫بي التباع والبتداع ‪:‬ك‬

‫قال تعالى ‪ '':‬يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم '' ـ النساء ‪ 171‬ـ أي ل تتجاوزوا الحد في القدر ‪ .‬ن‬

‫والراد بالغلو في حق الرلسول عليه السلم هو مجاوزة الحد في قدره ‪ ،‬بأن ييرفع عن مرتبة العبودية‬

‫والرلسالة ‪ ،‬وييوصف بصفات هي من خصائص الحق لسبحانه ‪ ،‬إل أن بعض ك كتاب السية أضفوا‬

‫على شخصية الرلسول عليه السلم هالة ملحمية ل يتصورها عقل ‪ ،‬ومستعصية حت على الخيال‬

‫الجامح ‪ ،‬مما أدى إلى فساد التصور القيمي بسبب الغلو العاطفي ‪ ،‬الذي ليس له ما يقابله في العقل‬

‫وهذا الغلو في التقديس هو ضب من البتداع ‪ ،‬لخروجه عن عن النهج الرباني من جهة ال زيادة‬

‫والبالغة ‪ ،‬ول ييشفع له كونه صادراا عن إجتهاد وحسن نية ‪ ،‬فإن إقتصاداا في إكتباع ‪ ،‬خي من‬

‫إجتهاد في إبتداع ‪ .‬وهذا اللون من الغلو العتقادي هو أخطر أنواع الغلو وأشده أثراا ‪ ،‬وقد وقع فيه‬

‫اليهود والنصارى ‪ ،‬وهو لسبب شيوع ضللت العقائد وبدع العبادات ‪ ،‬وهو الذي مهد السبيل وهيأ‬

‫النفوس لقبول اللساطي والخرفات حت رمت الحقيقة بالوهم ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب رض الله عنه‬

‫قال‪ :‬قال رلسول الله صلى الله عليه ولسلم ‪'':‬ل تطروني كما أطرت النصارى السيح ابن مريم إنما‬

‫أنا عبده ‪ ،‬فقولوا عبد ال كله ورلسوله'' ـ رواه البخاري ـ‬

‫والراد ب '' ل تطروني'' أي ل تمدحوني بالباطل ‪ ،‬وأرشدهم أن يصفوه بصفتي هما أعلى مراتب‬

‫الشف ‪ ،‬هما ‪ :‬عبد ال كله ورلسوله ‪ ،‬ولم يحب أن يرفعوه فو ق ما أن زله الله ع ز وجل من الزنلة الت‬

‫رضيها له ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬لسبحان الذي أسى بعبده ليل من السجد الحرام إلى السجد القص''‬

‫الساء ‪ . 1‬فالنتماء لله لسبحانه ''عبده'' يبي بأنه أفضل البش وأحسنهم وأعلهم ‪ ،‬وأقربهم إلى‬

‫الله تعالى ‪ ،‬ولقد روى أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رض الله عنه أن رجل قال ‪'':‬يا محمد‬

‫يالسيدنا وابن لسيدنا ‪ ،‬وخينا وابن خينا ‪ ،‬فقال رلسول الله صلى الله عليه ولسلم ‪ '' :‬يا أيها الناس‬

‫عليكم بتقواكم ‪ ،‬ل يستهوينكم الشيطان ‪ ،‬أنا محمد بن عبد الله ‪ ،‬عبد الله ورلسوله ‪ ،‬والله ما أحب‬

‫أن ترفعوني فو ق مزنلت الت أن زلن الله'' ن‬

‫ورغم التحذير القرآني والنبوي فقد الستكل الشيطان بعض هذه المة ‪ ،‬فوصفوا الرلسول عليه السلم‬

‫بما ل ينبغي إل لله ‪ ،‬ومن ألساليب القرآن في دفع الغلو أو رفعه ‪ ،‬التنويه بيس الشيعة والمتنان‬

‫برفع الحرج عن العباد ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬يريد الله بكم اليس ول يريد بكم العس'' ـ البقرة ‪185‬ـ‬
‫قال السعدي‪ '':‬أي يريد الله أن ييس عليكم الطر ق الوصلة إلى رضوانه أعظم تيسي ‪ ،‬ويسهلها‬

‫أبلغ تسهيل'' ن‬

‫إن الحق لسبحانه قد اختار لهذه لمة أن تكون أمة الولسطية ‪ ،‬وولسطية اللسلم ولسماحته ل يتؤخذ‬

‫من آراء الناس وأهوائهم ‪ ،‬ولكنها تؤخذ من القرآن الكريم والسنة الصحيحة ‪ ،‬والذي ينحرف عن هذه‬

‫الولسطية بغلو أو جفاء فهو غي ممثل لللسلم ‪ ،‬عن ابن عباس رض الله عنهما أن رلسول الله عليه‬

‫الصلة والسلم قال‪ '' :‬ياأيها الناس إياكم والغلو في الدين ‪ ،‬فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في‬

‫الدين'' ـ رواه أحمد ـ‬

‫القدوة الت يحث القرآن الكريم على القتداء بها ‪ ،‬هي تلك الصالحة النافعة الت تهتدي بالنهج‬

‫الرباني في كل زمن ومكان ‪ ،‬وهي عنص رئيس ذو أهمية بالغة في البناء والتبية ‪ ،‬شيطة أن‬

‫يكون القتداء منطللق من إرادة وقناعة صاحبه ‪ ،‬ومبن على التدبر والتعقل ‪ ،‬ويرجع إلى الحق‬

‫والصواب ويحتكم إليهما عند القتداء ‪ ،‬فمهما كاكن حبنا للقدوة فشع الله أحكب الينا من أي أحد‬

‫قال تعالى ‪ '':‬وقالوا ربنا إنا أطعنا لسادتنا وكباءنا فأضلونا السبيل ''ـ الح زاب ‪ 67‬ـ فاتباع الحق‬

‫هو الذي يقينا من السقوط في براثن الغلو الفض إلى '' القدوة الخارقة'' ‪ ،‬الت يستعص على‬

‫النسان إمكانية القتداء بها ‪ ،‬وهذه هي العضلة ‪ ،‬الت تواجه المة اللسلمية في عصها الحديث‬

‫فقد تسببت في أضار بليغة بالمة اللسلمية ‪ ،‬فشكوهت وجه الصحوة اللسلمية وعرقلت مسيتها‬

‫ورلسخت التط كرف والتعصب الذهب ‪ ،‬وأججت الهواء واليولت النفسية إلى أن أصبح الحق الواحد‬

‫يتع كدد ‪ ،‬وهذا ما بينه رلسول الله عليه الصلة والسلم لا قال له رجل ‪ :‬ما شاء الله وشئت ‪ ،‬فأنكر‬

‫عليه وقال‪'' :‬أجعلتن لله نداا بل ماشاء الله وحده'' ‪ ،‬فالعبادة حق خالص لله تعالى ‪ ،‬ليشاركه‬

‫فيها أحد لسواه لملك مقرب ولنب مرلسل ‪ .‬ن‬


‫إن الرلسول عليه السلم قد عكرفه الله لسبحانه بأنه "رحمة للعالي"‪ ،‬و"على خلق عظيم" و"وألسوة‬

‫حسنة"‪ ،‬فهو مبجل ألسالسا لن الله قد امتدحه ‪ ،‬وبالتالي فهو ل يحتاج إلى الدح والطراء ‪ ،‬لهذا‬

‫السبب يتعي علينا أن نعرض على القرآن الكريم تصورنا عنه ‪ ،‬لن محاولة فهم شخصيته بعيداا‬
‫عن القرآن لسيؤدي ل محالة إلى فهمه بشكل خاطئ ‪ ،‬لن كلهما ل ينفصل أحدهما عن الخر وليست‬

‫هناك مسافة بينهما ‪ ،‬لنه هو ولسيلة الوحي وإذا ما يفهمت الولسيلة بشكل خاطئ ‪ ،‬فهذا يعن أن‬

‫ل ما قد أصاب أكب ضمان لفهم الوحي بشكل صحيح ‪ ،‬لهذه اللسباب فإن التأ ك لس يجب أن يرى‬
‫خل ا‬
‫شخصيته عليه السلم من خلل القرآن ‪ ،‬ويرى القرآن من خلله ويعرفه بالقرآن ويعرف القرآن به‬

‫وينظر إلى القرآن كمرآة له وينظر إليه كمرآة للقرآن ‪ .‬ن‬

‫إن التبية باللسوة ل يمكن أن تؤتي يأكلها إل إذا تجاوزنا جملة من الطر ق واللساليب التطرفة ‪ ،‬الت‬

‫ترشد العقل النساني وترلسخ فيه جملة من البادئ والقيم الـيمطلنبة في الغلو ‪ ،‬والصالدرة لجملة من‬

‫القاصد القرآنية الت تدعو إلى شخصية إعتب ارية مفكرة ‪ ،‬بدل شخصية إمعية تفعل ما يراد منها‬

‫وتتعامل مع الفكار دون تدبر أو تريث ‪ ،‬لن بناء الشخصية يقوم على ضبط عملية التفكي‬

‫لحاصة الغلو من النفلت التطرف ‪ ،‬الذي يؤدي إلى تثبيط الع زيمة لكي ل يتمكن النسان‬

‫من الرتقاء في يلسلم القتداء ‪ ،‬الذي يعد عنصاا ألسالسياا لتحقيق بناء الشخصية اللسلمية وتحريك‬

‫فاعليتها ‪ ،‬وتطويرها وإغنائها بمباديء وقيم تستمد من اللمح الصيلة لللسوة الحسنة ‪ ،‬وهذا‬

‫يتطلب تدقيق ومراجعة وضبط وتحديد ‪ ،‬للدفع يقدماا بألسوتنا الحسنة نحو الرتقاء ‪ ،‬ورفع عنها ما‬

‫كان يعطلها من أوهام وخرافات حت يتحول القتداء إلى إتباع معقلن بدل إبتداع وهمي ‪ .‬ن‬

‫القاصد القرآنية لبناء الشخصية ‪ :‬م‬

‫القرآن الكريم يتضمن كليات الشيعة ‪ ،‬وقواعد مقاصدية كلية وج زئية لتقويم لسلوك النسان ‪ ،‬حت‬

‫يتمكن من أداء وظيفته الت خلق من أجلها ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬ول تفسدوا في الرض بعد إصلحها‬

‫وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من الحسني ‪ ''.‬ـ العراف ‪ 56‬ـ‬
‫إن اللسلم قد وضع منهجاا تربوياا جلياا ‪ :‬فقه العاملت ‪ ،‬وهو عملية تفاعلية لتقويم لسي حياة‬

‫الناس ‪ ،‬إنطلق اا من مجموعة من الباديء والقيم القاصدية ‪ ،‬لرشادهم حت ل ينحرفوا عن جادة‬

‫الصواب ‪ ،‬ويتمكنوا من التعايش والتساكن ‪ ،‬وأهم مقصد من مقاصد الشيعة هو الحفاظ على‬

‫مقومات النسان الروحية والادية ـ الكليات الخمس ـ ‪ .‬فالتأمل والتدبر لجمل ضوابط كليات‬

‫القاصد القرآنية ‪ ،‬يدرك مدى إرتباطها بإصلح السلوك لبناء الشخصية النسانية ‪ ،‬من خلل جملة‬

‫من البادئ والقيم الستمدة من الفاهيم القاصدية ‪ ،‬ليجاد الفرد الصالح والنافع من خلل التوجيه‬

‫الق لكوم ‪ ،‬الذي يرشد العقل إلى البادئ والقيم الت تمكنه من القتداء الهتدائي ‪ ،‬للرتقاء بالسلوك‬

‫اليماني الذي يع كد تجسيداا لتلك الباديء والقيم ‪ ،‬الت يتصحح الطريق وترشد السالك من خلل‬

‫ضبط عملية التفكي للتوفيق بي اللسوة والقتداء ‪ ،‬الذي هو إجتهاد دون الوقوع في الغلو الفاصم‬

‫بي اللسوة والواقع ‪ ،‬والفض إلى النطواء على الذات بكل أشكاله ‪ ،‬بسبب لسوء التوظيف للمقاصد‬

‫القرآنية ‪ ،‬الت تسعى إلى تحقيق التغيي الستهدف بغية النتقال من حالة ''عقلية القطيع'' ‪ ،‬الت‬

‫ألسكرها الجهل والتقليد فرلسكخت جملة من التعقيدات ‪ ،‬وفرضت واقعيتها مما أدى إلى ذوبان اللسوة‬

‫الحسنة في خضم التيارات الذهبية ‪ ،‬الت كان مؤداها فوض فكرية تعج بها النظومة القاصدية‬

‫الت هي الصل الذي يتستمد منه العايي الجتماعية ‪ ،‬وبالتالي إذا كان هناك خلل في العايي‬

‫الجتماعية ‪ ،‬فهناك بالتأكيد خلل في النظومة القاصدية أدى إليه التشويه واللساءة إلى اللسوة‬

‫الحسنة ‪ ،‬وطمس ملمحها الصيلة الت هي أهم مرتك ز يجب النطل ق منها ‪ ،‬لحياء الشخصية‬

‫اللسلمية الت تساهم في الرتقاء النسانية ‪.‬‬

You might also like