You are on page 1of 14

‫سلسلة‬

‫كيف تجدد إيمانك‬

‫التبتلء‬

‫تبي جدلية التوت والحياة‬

‫الستاذ التهامي الشامي‬


‫التبتلء ضميم الغيب‬

‫البل ء من بل يبلو ‪ ،‬ونقول ‪ :‬بل الثوب أي ظهارت لحمته وسداه ‪ ،‬والاراد هو إظهار حقيقة الش ء‬

‫وواقعه ‪ ،‬ونقول ‪ :‬برل المار أي جراربه واختبه لظهار حقيقته هل عاقبته خياا أم شاا ‪.‬‬

‫والبتل ء صيغة الفتعال هي للدللة على البالغة في الحدث والفعل ‪ .‬والبتل ء في مجمله قائم‬

‫على عناص متناقضة حاكمة منها الش والخي ‪.‬‬

‫والبتل ء غيب مطلق ليس للنسان سبيل إلى العلم به ‪ ،‬عب وسائل إدراكه أو حواسه ‪ ،‬ول‬

‫تقتضيه بديهة العقل ‪ ،‬قال تعالى ‪'':‬قل ل أملك لنفس نفعا ول ضا إل ما شا ء الله ولو كنت أعلم‬

‫الغيب لستكثت من الخي وما مسن السو ء إن أنا إل نذيار وبشي لقوم يؤمنون'' ‪ -‬العاراف ‪- 188‬‬

‫إن الكثي من المور الغيبية ل سبيل للنسان إلى العلم بها ‪ ،‬إلل عن طاريق الوحي اللهي ‪ ،‬لذا‬

‫اليمان بالغيب ركي ة أساسية في السلم ‪ ،‬وييعد من الخصائص المي ة للمؤمن ‪ ،‬ومن ضمن المور‬

‫الغيبية البتل ء بالخي والش ‪ ،‬وهو واقع متعالي ل يدرك النسان إل آثاره فحسب بعد حدوثه في‬

‫عالم الشهاد ة ‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬وهو الذي جعلكم خلئف الرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات‬

‫ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سيع العقاب وإنه لغفور رحيم‪ - ''.‬النعام ‪- 165‬‬

‫إن إستخلف الله سبحانه للنسان في الحيا ة الدنيا إنما هو ابتل ء له ‪ ،‬فهو إستخلف للمتحان‬

‫الغاية منه ‪ '':‬فينظار كيف تعملون''‪ -‬العاراف ‪ – 129‬أي كيف سيستجيب الار ء إزا ء ما ابتلي به من‬

‫سا ء أو ضا ء ‪ .‬والبتل ء سواا ء بالخي أو الش هو في إطار الغيب ‪ ،‬يح لدده الله مت شا ء وكيف‬

‫شا ء فى مستقبل النسان ‪ ،‬قال تعالى‪ '' :‬فقل إنما الغيب لله فانتظاروا إني معكم من النتظارين''‬

‫‪ -‬يونس ‪- 20‬‬

‫ورغم أن البتل ء غيب فهو مارتبط بأصول وقواعد ربانية تحكمه ‪ ،‬فالنسان يجب أن يسعى ويأخذ‬

‫بالسباب ‪ ،‬لكن الشيئة اللهية هي الت تضبط أشكال ا غي محدد ة من النتائج ‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬وعس‬

‫أن تكارهوا شيئا وهو خي لكم وعس أن تحبوا شيئا وهو ش لكم والله يعلم وأنتم ل تعلمون''‬

‫‪ -‬البقار ة ‪- 216‬‬

‫إن علم النسان جد محدود ‪ ،‬ل يملكنه من إستيعاب الحتمالت اللمتناهية في الفعل الواحد ‪ ،‬الذي‬

‫يحمل قصداا مشتكاا وقواسم مشتكة ‪ ،‬لن الله وحده هو الذي أحاط بكل شء ء في كليته وجزئيته‬
‫علماا وحكم اة ‪ ،‬فكل فعل له عمق إبتلئي وله إمتداده النهائي إلى عالم الغيب ‪ ،‬الذي يشكل النتائج‬

‫ليس إرتبااطا بمقدماتها الجدلية ‪ ،‬ولكن تقدياارا بالحكمة لا يجب أن تكون عليه النتائج ‪ ،‬وغالابا ما‬

‫تأتي هذه النتائج لتولض ح الغائية في التسخي لا ياريد أن يولفق الله ‪ ،‬أو ض لد التسخي لا ل ياريد‬

‫أن يولفق ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬عالم الغيب ل يعزب عنه مثقال ذر ة في السماوات ول في الرض ول أصغار‬

‫من ذلك ول أكب إل في كتاب مبي''‪ -‬سبأ ‪- 34 – 33‬‬

‫والنسان في هذا الوجود ل يستوعب إل إحتمال ا تخمنياا ‪ ،‬إنطلقاا من قواعد وضعية إستدللية ‪ ،‬هي‬

‫حصيلة تجارب بشية تسعى لثبات إحتمال ما بي الحتمالت اللمتناهية ‪ ،‬و هذه الحصيلة‬

‫العارفية هي الت جعلت البتل ء لغزاا ‪ ،‬ومارجع هذا القصور يعود إلى محدودية العقل البشي‬

‫أساس اا ‪ ،‬وخاصة عند الحديث عن أمور الغيب ‪ ،‬الت ل يملك النسان إمكانية الحاطة بصلورها‬

‫ومعانيها النهائية ‪ .‬فالنتائج ل تأتي دواما ضمن مواصفات حتملية ‪ ،‬لن الله سبحانه يتحكم فيها‬

‫بقدر ة خفية ‪ ،‬لها دللتها بالنسبة للنسان في فهم حكمة الراد ة اللهية ‪ ،‬لذا بي الحق سبحانه بأن‬

‫دور العقل في مجال البتل ء هو التأمل والتدبار ‪ ،‬لدراك الحكمة وأبعادها التبوية واليمانية من‬

‫ل ''‪ ،‬حت تنضبط الغاية الارجو ة من وجود النسان في معناها النهائي في‬
‫منظور'' أيكم أحسن عم ا‬
‫هذه الحيا ة الدنيا ‪ ،‬وعلى ضو ء هذا العن وجب أن ييفهم البتل ء الذي أراده الله سبحانه ‪ ،‬ليتكامل‬

‫اليمان من خلل إمتداد الارضا بالقضا ء والقدر ‪ ،‬وهذه هي مي ة العقيد ة السلمية الغيبية الت‬

‫تمتاز بها النفوس الؤمنة ‪ ،‬وبالتالي فالارضا بالقضا ء والقدر ليس مسألة عاطفة تنشأ وتتحارك‬

‫وفقا للحاسيس والشاعار ‪ ،‬إنما هي مسألة عقلية تعب عن وعي بلغ مستوى عاءل من التعقل ‪.‬‬

‫قال سيد قطب‪ " :‬اليمان بالغيب هو العقبة الت يتجتاز ‪ ،‬فيجتاز النسان بها مارتبة الحيوان الذي ل‬

‫يدرك إل ما تدرك حواسه ‪ ،‬إلى مارتبة النسان الذي يدرك أن الوجود أكب وأشمل من ذلك الحي‬

‫الصغي الح لدد الذي تدركه الحواس " ‪.‬‬


‫الحكمة من التبتلء‬

‫ر لب سائل يقول لاذا البتل ء ‪ ،‬والله سبحانه علمه أزلي عليم بما هو كائن وبما سيكون ؟‬

‫البتل ء هو فعالية الراد ة اللهية في حاركة الواقع ‪ ،‬قد يبدو بأنه جبية إراد ة الخالق وحتمية‬

‫مشيئته ‪ ،‬وبالتالي ل مجال لراد ة النسان ومشيئته ‪ ،‬لذا فهو ينظار إلى البتل ء نظار ة الصدفة‬

‫ومارجع هذا العتقاد النحارف عن الصواب هو تغ ل ييب الحكمة الكامنة في تداول الحوال ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫'' تلك اليام نداولها بي الناس''‪ -‬آل عماران ‪- 140‬‬

‫والتداول هو النتقال والتح رول من حال إلى حال ‪ ،‬وهذه سنة الحيا ة الت جعلها الله قائمة على‬

‫الداولة ‪ ،‬أي نقل المار من واحد إلى آخار ‪ ،‬قال تعالى‪'':‬لله المار من قبل وبعد''‪ -‬الاروم ‪- 4‬‬

‫وتداول اليام هو إشار ة إلى أوقات الارخا ء والنص ة والفارح ‪ ،‬والشد ة والهزيمة والحزن ‪.‬‬

‫إن كل إبتل ء يبتللى به النسان خياا كان أم شاا إل وله دللته في مسار الحيا ة ‪ ،‬وإتجاهه النهائي‬

‫الذي يتقابل ول يتنافار مع الحكمة ‪ ،‬الت تقتض فهماا معيناا يدرك من خلل فهم الصلة الارابطة بي‬
‫الغيب والشهاد ة ‪ ،‬هذه الصلة الو ل ي‬
‫ضحة للفعل اللهي الذي يعطي للفعل النساني بعده الذاتي ‪ ،‬مما‬

‫يؤدي إلى حقائق موضوعية ضامنة لصيور ة واقع التداول الحكوم بقدر ‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬وخلق كل‬

‫ش ء وقدره تقدياراا'' الفارقان ‪- 2‬‬

‫جبل على التعامل والتعاطي مع المور كيفما تعلنها حقائقها الدلركة له ‪ ،‬وهذا‬
‫وبما أن النسان ي‬
‫ما جعله بمعزل عن مقاييس البتل ء ‪ ،‬الذي يستدعي وعياا أخار لفهم وإستيعاب الغيب الهيمن على‬

‫عالم الشهاد ة في إطاره الطلق ‪ ،‬وكأنهما عالم واحد ممتدان في بعضهما ‪ ،‬وهذا البتغى يتورجب‬

‫الصب حت تتب لي الحكمة من البتل ء ‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صباا‬
‫وكيف تصي على ما لم تحط به خباا'' ‪ -‬الكهف ‪- 75‬‬

‫والاراد من إشتاط الصب هو تخصيص فسحة زمنية للنتقال من ظاهار المار إلى حقيقته ‪ ،‬الت‬

‫يج لليها الحق سبحانه إلى وقتها ‪ ،‬ليدرك النسان بان نتيجة الفعل ليست لزمة شطياا لقدماته‪ ،‬قال‬

‫تعالى‪ '':‬والله يعلم وانتم ل تعلمون''‪ -‬النحل ‪ – 74‬بمعن أن علم النسان مقتص على ظاهار الش ء‬

‫وقاصعلى إدراك خفاياه ‪ .‬والله سبحانه وحده عالم الغيب والشهاد ة ‪ ،‬ومحيط بأبعاد الفعل بأكث‬
‫من إحاطة صاحبه به ‪ ،‬لذا جعل سبحانه القدر ة التعققلية هي نوا ة البتل ء ومادته ‪ ،‬ومن العبث أن‬

‫يستنبط النسان الحكمة من البتل ء وهو فاقد قدرته التعققلية ‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬وأيوب إذ نادى ربه‬

‫أني مسن الض وأنت أرحم الاراحمي'' ‪ -‬النبيا ء ‪- 83‬‬

‫إن جدلية البتل ء هي قطب الارحى الذي عليه مدار وجود النسان الكلي ‪ ،‬الغاية منه وضعه على‬

‫محك المارسة السلوكية ‪ ،‬ليدرك الار ء صدق إدعائه من كذبه ‪ ،‬لن النسان ماركوز في فطارته‬

‫الستعدادية قابلية السمو والتقي أو التقهقار والنحطاط ‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬تبارك الذي بيده اللك وهو‬

‫على كل ش ء قديار ‪ .‬الذي خلق الوت والحيا ة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور''‪ -‬اللك‬

‫ل'' أي أحسن إستجابة بعد البتل ء ‪ ،‬وهكذا جعل السلم حكمة البتل ء في‬
‫‪ '' - 2 - 1‬أيكم أحسن عم ا‬
‫صميم التجاربة الحياتية ‪ ،‬وبالتالي فالعن المكن للحيا ة ل يكون إل بتأنيس البتل ء ومقاربته‬

‫ليصب ح مشوعاا أخلق ايا يستمد مصداقيته من الارضا بالقضا ء والقدر ‪ ،‬حت يتوافق مع السلوك‬

‫اليماني بكامل أبعاده ‪.‬‬

‫إن سنة البتل ء هي ا لت تجعل من حاركة النسان بما تتضمنه من أنشطة وممارسات إختبارا‬

‫للنسان ‪ ،‬وتمحيـصاا له وفقا لشيئة الله ‪ ،‬وبالتالي يجب إسـتنباط البعـاد التبويـة الختلفة‪ ،‬الت‬

‫لها دور أساس في صياغة الشخصية الؤمنة ‪ ،‬الؤهلة للقيام بدورها الطليعي فـي مواجهة الزمات‬

‫للوصول إلى مارحلة التمكي ‪ ،‬قال تعالى‪'':‬ولنبلونكم حت نعلم الجاهدين منكم والصابارين ونبلوا‬

‫أخباركم '' ‪ -‬محمد ‪'' - 31‬حت نعلم'' الاراد به علم الشهاد ة لن الجزا ء والثواب يكون على ما يقع‬

‫مشاهد ة ‪ ،‬قال سيد قطب في تفسي الية‪ '':‬إن الله ‪ -‬جلت حكمته – يأخذ البش يما هو في طوقهم‬

‫وما هو من طبيعتهم وإستعدادهم ‪ ،‬وهم ل يعلمون عن الحقائق الستكنة ما يعلمه ‪ ،‬فل بد لهم من‬

‫تكثف الحقائق ليدركوها ويعارفوها ويستيقنوها ثم لينتفعوا بها ‪ .‬والبتل ء بالسا ء والضا ء‬

‫وبالنعما ء والبأسأ ‪ ،‬وبالسعة والضيق وبالفارح والكارب ‪ ،‬كلها تكشف ما هو مخبؤ من معادن الناس‬

‫وما هو مجهول من أمارها حت لصحابها ‪ ،‬أما الاراد بعلم الله لا تتكرشف عنه النفوس بعد البتل ء‬

‫فهو تعلق علمه بها في حالته الظاهار ة الت ياراها الناس عليها ‪ ،‬ورؤية الناس لها صورتها الت‬

‫تدركها مداركهم هو الذي يؤثار فيهم ويك ل ييف مشاعارهم ‪ ،‬ويو ل يجه حياتهم بوسائلهم الداخلة في طوقهم‬

‫هكذا تتم حكمة الله في البتل ء''‬

‫قال تعالى‪'' :‬ونبلوكم بالش والخي فتنة وإلينا تارجعون'' – النبيا ء ‪- 35‬‬

‫إن إنتفا ء العلم بالغيب هو الذي جعل غي الؤمن يتألم ألاا سلبياا ‪ ،‬ويحس بعبث الوجود لنه يجهل‬
‫الغاية من البتل ء التوازن وال رتيحد بأبعاد الش والخي ‪ ،‬إتحاداا ياربطهما مع بعض بعلقة جدلية‬

‫تفض إلى الحارية والشعور بالسؤولية '' أيكم أحسن عملا ''‪ ،‬ومن هذا النظور انبسطت حكمة‬

‫البتل ء وأبانت بأن النسان ''كائن أخلقي''‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬أم حسب الذين اجتحوا السيئات أن‬

‫نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سوا ء محياهم ومماتهم سا ء ما يحكمون'' ‪ -‬الجاثية ‪- 21‬‬

‫ويستحال على أي إنسان في هذا الوجود أن ينجو من البتل ء ‪ ،‬وبالتالي ما عليه إل أن يحسن‬

‫الظن بالله ‪ ،‬ويؤمن بأنه سبحانه هو الحكيم الخبي ‪ ،‬فخبته ملزمة لحكمته الطلقة ول ينبغي ذلك‬
‫لغيه ‪ ،‬لقد أحكم خلق الشيا ء وأتقن تدبيها بحكمته وعلمه ‪ ،‬سبحانه م ر‬
‫نه ومق ردس عن فعل ما ل‬

‫ينبغي ‪ ،‬ول يقول ول يفعل إل الصواب ‪ ،‬قال تعالى ‪'':‬وعس ان تكارهوا شيئا وهو خي لكم وعس‬

‫ان تحبوا شيئا وهو ش لكم والله يعلم وانتم ل تعلمون'' ‪ -‬البقار ة ‪- 216‬‬

‫فالحق سبحانه ل يفعل شيئ اا إل لحكمة ‪ ،‬لذا فل داعي للستفهام لن كل أحكامه تعالى منهة عن‬

‫العبث ‪ ،‬وليكتشف النسان ما تلبس عليه من الغموض ‪ ،‬يجب أن يؤمن بأن البتل ء هو جز ء من‬

‫كينونته ‪ ،‬ول يستطيع أن يدرك الحكمة منه دون توافق العقل مع الوحي ‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬أفحسبتم‬

‫أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ل تارجعون''‪ -‬الومنون ‪- 115‬‬

‫والعبث يطلق على الفعل الذي ل تارجى غاية حقيقية منه ‪ ،‬وهو مناقض للحكمة والصواب ‪ ،‬والحق‬
‫سبحانه م ل‬
‫ن هه عن العبث ‪ ،‬ومتعالي عن صفات النقص والحاجة في الزل كما في البد ‪ ،‬ولكنه قض‬

‫بأن يتحارك النسان منذ بدئه بإتجاه الكمال ‪ ،‬لنه يبدأ وجوده من النقص ‪ ،‬ثم يبدأ في الرتقا ء‬

‫لكي يصل إلى كماله اللئق والمكن ‪ ،‬وبالتالي فالخالق سبحانه أوجد النسان ليصل به إلى أرقى‬

‫درجات اليمان إنطلق اا من جدلية البتل ء ‪ ،‬وشا ء سبحانه أن تكون الهداية النسانية تكليفية‬

‫وتشيعية ل هداية تكوينية أو جبية ‪ ،‬وبالتالي فالكمالت المكنة يلزمها البتل ء ‪.‬‬

‫قال تعالى‪'' :‬وهو الذي خلق السماوات والرض في ستة أيام وكان عارشه على الا ء ليبلوكم أيكم‬

‫أحسن عمل '' ‪ -‬هود ‪- 7‬‬

‫إن حيا ة النسان في جزئياتها وكلياتها إبتل ء ‪ ،‬لن ماهيته تسم ح بسيان البتل ء عليه في حياته‬

‫كلها ‪ ،‬لن كلل ما ر ي ل يكب في طبيعة البش الت خلقهم الله عليها ‪ ،‬وما أمدهم به في هذا الوجود إنما هو‬

‫للبتل ء ‪ ،‬والؤمن الصادق هو الذي يدرك إدراكاا ل ريب فيه بأن ما من ش ء في هذا الوجود إل وهو‬

‫خاضع لهيمنة الله وسيطارته الكاملة ‪ ،‬فيترقبل البتل ء بنفس راضية لنه هو محاسب ويمجلزى عما‬

‫بدر منه رضاا أم سخطاا إنطلقا من الحكمة الاربانية ‪ '':‬أيكم أحسن عملا '' ‪ ،‬أي أيكم أحسن إستجابة‬
‫سواا ء في السا ء أو الضا ء ‪ .‬ومن لم يشعار بكمال حكمته وطلقة قدرته ييستحال عليه أن يشعار‬

‫بالارضا ‪ ،‬لنه يقيس البتل ء بعقله الجرارد فل يزداد إل رهقاا ‪ ،‬ولو تلقى البتل ء يقلب ملؤه اليمان‬

‫وبعقل مد يرك للحكة الاربانية لتصف بحكمة ‪ ،‬قال تعالى ‪ '':‬إنا جعلنا ما على الرض زينة لها‬

‫لنبلونهم أيهم أحسن عملا '‪ -‬الكهف ‪- 7‬‬

‫والاراد من قوله ''ما على الرض'' أي ما ل ييع لد ول يحص من الوجودات ‪ ،‬والنسان مبتلى في هذه‬

‫الزينة ذات الكث ة الطلقة ‪ ،‬ومن رحمته سبحاته أنه ل يبتلي عباده بالكلل الطلق وإنما بالنر القليل‬

‫قال تعالى ‪'':‬ولنبلونكم بش ء من الخوف والجوع ونقص من الموال والنفس والثمارات وبش‬

‫الصابارين ‪ .‬الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ‪ .‬أولئك عليهم صلوات من‬

‫ربهم ورحمة وأولئك هم الهتدون‪ -'''.‬البقار ة ‪- 157 - 155‬‬

‫إن البتل ء ليس مسألة صدفة بل تدبي ‪ ،‬وليس تصفاا عشوائياا بل غاية ‪ ،‬إنما هـو إختبار‬

‫لظهار الكنون في علم الله ليجزى النسان على عمله ‪ ،‬لذا جعل سبحانه في كلل نوع من البتل ء‬

‫حكمة ل يدركها إل الصابارون الذين يحسنون الظن بالله ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري رض الله عنه‬

‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪":‬ما يصيب السلم من نصب ول وصب ‪ ،‬ول هم ول حزن‬

‫ول أذى ول غم حت الشوكة يشاكها إل كفار الله بها خطاياه"‪ -‬متفق عليه ‪-‬‬

‫والبتل ء نوعان ‪:‬‬

‫خص شخصا بعينه فيبتلى إما فيما يأعطي أو فيما يمنع منه ‪ ،‬بغية ال ل يارفعة أو قصد‬
‫* إبتل ء خاص ‪ :‬ي ي‬
‫التمحيص حسب إعتقاد الار ء ‪ ،‬لن سنة البتل ء تكشف إستعداد النسان وقدرته على الختيار بـي‬

‫الارضا والسخط ‪ ،‬وهي سنة مارتبطة بالتمكي إرتباطا وثيقاا ‪ ،‬لن الحق سبحانه شا ء أل ييم ل يكن إل‬

‫بعد أن يمي الخبيث من الطيب ‪ ،‬قال تعالى‪'':‬ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا‬

‫وليعلمن الكاذبي'' – العنكبوت‪- 3‬‬

‫وعلى النسان إذا ما ابتلي سوا ء بالسا ء أو الضا ء أن يعمل جارداا شاملا لساره في الحيا ة‪ ،‬ولينظار‬

‫ما قدمت يده من أسباب وما أنجزت من أعمال ‪ ،‬فإن وجد خياا فليحمد النعم سبحانه ‪ ،‬وإن وجد‬

‫ش اا فل يلومن إل نفسه ‪ ،‬وليعلم أنه إنتقام وغضب إلهي ‪ ،‬وفي هذه الحالة وجبت التوبة والوبة‬

‫بعد محاسبة النفس ‪ ،‬والعزم على تشديد الاراقبة عليها ‪ ،‬قال تعالى‪'' :‬وما أصابكم من مصيبة فبما‬

‫كسبت أيديكم ويعفو عن كثي ‪ .‬وما أنتم بمعجزين في الرض وما لكم من دون الله من ولي ول‬

‫نصي‪ -''.‬الشورى ‪- 31 - 30‬‬


‫قال ابن عطا ء الله السكندري ‪" :‬إذا فت ح الله لك باب الفهم في النع أصب ح النع عي العطا ء"‪.‬‬

‫* إبتل ء عام ‪ :‬يصيب أكب عدد من الناس بسبب الكوارث الطبيعية والماراض والوبئة ‪ ،‬وهذا‬

‫البتل ء يجب أن نلتمس منه حكمتي ‪:‬‬

‫* الولى‪ :‬طلقة القدر ة اللهية ‪ :‬وصفة القدر ة تعن في مجملها السيطار ة والتمقكن ‪ ،‬كما تعن‬

‫التخطيط والتنظيم ‪ ،‬وهذا يدل على أن قدرته سبحانه متحققة ومتعدية لكل ش ء ‪ ،‬فهو صاحب‬

‫القدر ة العظيمة الت ل يستعص عليها أمار ‪ .‬والحكمة من بيان قدرته الطلقة هي تحذيار وتنبيه‬

‫الناس ‪ ،‬لعلهم يتذلكارون بأنه هو العزيز التصف بالقتدار والغلبة والسيطار ة ‪ ،‬وكل الخلئق في‬

‫قبضته ل حول لهم ول قو ة إل به ‪ ،‬وهو القاهار والغالب على أماره ‪ ،‬وله عز ة قو ة وغلبة وإمتناع ‪.‬‬

‫وقدرته سبحانه متجلية في آيات الفاق والنفس ‪ ،‬لكن ل ينتفع منها إل من كان ذو عقل واع وفكار‬

‫مستني ‪ ،‬ومن عرطل قدراته الدراكية وأص وعاند ‪ ،‬وطغى وتجب وظن بأن ل غالب له ‪ ،‬فنهايته‬

‫إلى الضلل مهما رأى بعينه من اليات البينات والدلئل الواضحة ‪ ،‬قال تعالى‪'':‬ومن أظلم ممن يذكار‬

‫بآيات ربه ثم أعارض عنها إرنا من الجارمي منتقمون''‪ -‬السجد ة ‪- 22‬‬

‫* الثانية ‪ :‬سنة الكون‪ :‬إن الخالق سبحانه جعل لهذا الكون قواني وسن طبيعية ثابتة ‪ ،‬وق ردر‬

‫أسباب للحيا ة وأسباب للموت ‪ ،‬وضمن ما قدره أسباب الوت بالكوارث الطبيعية والماراض والوبئة‬

‫قال تعالى‪'':‬ونحن قدرنا بينكم الوت وما نحن بمسبوقي” ‪ -‬الواقعة ‪- 59‬‬

‫الوت ليس عشوائيا بل هو بقدر ‪ ،‬ومعن ''قدرنا'' أي أن الله سبحانه قدر الوت بكل أنواعه ‪ ،‬وجعل‬

‫ل مسمى ‪ ،‬فالجميع يشمله الوت لكن ل أحد يدري كيف ومت ‪ ،‬وليستطيع النسان‬
‫له أسباباا وأج ا‬
‫مهما بلغ جاهه وسلطانه أن يفار من الوت ‪ ،‬أو يح لدد أجله والكيفية الت سيموت عليها ‪ ،‬حت الوتة‬

‫الت يبدو فيها سبب قاريب ظاهار ‪ ،‬فمار قدها إلى إراد ة الله من ورا ء السباب القاريبة ‪ ،‬قال تعالى‪":‬فلم‬

‫تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذا رميت ولكن الله رمى ويلييبلى الؤمني منه بلا ء حسناا"‪-‬‬

‫النفال ‪- 17‬‬

‫وهكذا فإن تقديار أسباب الوت بالكوارث ‪ ،‬والماراض والوبئة هي أيضاا للتحفي من أجل إعمار‬

‫الحيا ة عن طاريق الكتشافات والبتكارات ‪ ،‬وتلك حكمة الله سبحانه الت أودعها في هذا البتل ء‬

‫وقدرته هي الت منحت النسان القدر ة والمكانية لن يفعل ذلك ‪ ،‬وهذا كله من تدبي الخالق‬

‫العظيم ‪.‬‬

‫إن أالحكمة من البتل ء هي إظهار اوإباراز مكنونات وخفايا الصدور ‪ ،‬ليعارف النسان حقيقته بكل‬
‫واقعية دون غبش ‪ ،‬حت يدرك مواطن الخلل والزلل ليقوم بإصلحها‪ ،‬وهكذا يصب ح البتل ء تجاربة‬

‫ييبتغى من ورائها تقويم وتصويب السلوك الستجابي ‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬وما خلقت الجن والنس إل‬

‫ليعبدون'' ‪ -‬الذاريات ‪ - 56‬وتحقيق العبودية لله يجب أن يتم من خلل الستجابةاليجابية ‪ ،‬ففي‬

‫السا ء تكون بالشكار وفي الضا ء تكون بالصب ‪ ،‬وهذا حال الؤمن الذي أخب عنه رسول الله صلى‬

‫االله عليه وسلم حيث قـال‪'' :‬عجبـا لمـار الؤمن إن أماره كله خي ‪ ،‬إن أصابته سا ء شكار فكان خياا‬
‫له ‪ ،‬وإن أصابته ضا ء صب فكـان خياا له'' ‪ -‬رواه مسلم ‪-‬‬

‫إن الحق سبحانه أراد من عباده أن يتفاعلوا مع سنة البتل ء تفاعلا إيجابياا ‪ ،‬لتسيخ البعد‬

‫اليماني التجلي في الصب والشكار ‪ ،‬قال تعالى‪'':‬إن في ذلك ليات لكل صبار شكور''‪ -‬إباراهيم ‪- 5‬‬

‫أخارج البيهقي في شعب اليمان ‪ ،‬والشهاب في مسنده عن أنس بن مالك رض الله عنه قال‪ :‬قال‬

‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪'' :‬اليمان نصفان‪ :‬نصف في الصب ‪ ،‬ونصف في الشكار''‪.‬‬

‫ولقد حذر سبحانه من يعبده فقط في حالة السا ء ‪ ،‬قال تعالى‪'' :‬ومن الناس من يعبد الله على‬

‫حارف فإن أصابه خي اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خس الدنيا والخار ة ذلك هو‬

‫الخسان البي '' ‪ -‬الحج ‪ – 11‬فالحكمة من البتل ء تكمن في تحقيق العبودية بما تحمله من‬

‫مضامي متمثلة فـي الارضا بالقضا ء والقدر ‪ ،‬لن بالارضا يدرك البتللى أرقى الاراتب اليمانية‬

‫فيشعار بالسكينة والصفا ء الاروحي ‪ ،‬وهو يعلم علم اليقي بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه ‪ ،‬وأن‬

‫ما أخطأه لم يكن ليصيبه ‪.‬‬

‫حي تشتد الزمة وتضيق الحلقة وتنعدم الحيلة ‪ ،‬ول يجد البتللى سنداا ول عوناا ول ملجأا ‪ ،‬فالخارج‬

‫الواحد هو الدعا ء والتـضع إلـى االله ‪ ،‬لنه سبحانه هو الكفيل بارفع البتل ء وكشف الض ‪ ،‬قال‬

‫تعالى‪ '':‬أمن يجيب الضطار إذا دعاه ويكشف السو ء ويجعلكم خلفا ء الرض أإله مع الله قليل ما‬

‫تذكارون'' ‪ -‬النمل ‪ - 62‬والنسان قد يغفل عن الدعا ء والتضع ساعة الارخا ء ولحظة الغفلة ‪ ،‬فينسيه‬

‫الشيطان ذكار ربه ‪ ،‬حت إذا مسه الض دعاه ‪ ،‬عن أبي هاريار ة رض الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬

‫صلى الله عليه وسلم‪'':‬من سه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكارب ‪ ،‬فليكث الدعا ء في‬

‫‪ -‬الارخا ء'' ‪ -‬رواه التمذي‬

‫والبتللى إذا صب واحتسب ‪ ،‬وأيقن بأن ما من محنة إل وفي طليها منحة ‪ ،‬فإن له أجار بغي حساب‬

‫حيث يقابل ربه وقد حطت عنه خطاياه وذنوبه ومعاصيه ‪ ،‬قال تعالى‪'':‬وليمحص االله الذين‬

‫آمنوا وليمحق الكافارين'' ‪ -‬آل عماران‪ – 141‬والحص لغة هو التنقية والتطهي ‪ ،‬والاراد هو أن الله‬
‫يبتلي الؤمن الصدوق ليطهاره من ذنوبه ‪ ،‬ويبقي له صال ح أعماله ويزيده هدى ‪ ،‬أما الحق فهو‬

‫الهلك والستئصال ‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬فل تعجبك أموالهم ول أولدهم إنما ياريد الله ليعذبهم بها في‬

‫الحيا ة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافارون '' ‪ -‬التوبة‪ - 55‬وهكذا قابل الحق سبحانه تمحيص‬

‫الؤمني بإهلك ذنوبهم ‪ ،‬نظيـار محـق أولئـك بـإهلك أنفـسهم ‪.‬‬

‫جدلية التوت والحياة‬

‫البتل ء في مجمله قائم على عناص متباينة حاكمة منها الوت والحيا ة ‪ ،‬وليس لحءد القدر ة على‬

‫معارفة ما سيؤول إليه في مماته أو محياه ‪ ،‬لن كلل ش ء قد تم وأنجز بعلم الله الزلي ‪ ،‬فجعل‬

‫الحيا ة محدود ة ومقيد ة بالوت ‪ ،‬وبالارغم من قسو ة الوت لنه نهاية للحيا ة الدنيا ‪ ،‬إل أنه يحفز فى‬

‫النسان طاقات المل ‪ ،‬ويخلق فيه الجد والبداع في الحاركة الحياتية ‪ ،‬لذا لم يهتم الوحي بتعاريف‬

‫ماهية الوت ‪ ،‬بقدر ما وجه العقل لدراك فكار ة الوت وعلقتها بحتمية البتل ء ‪ ،‬قصد تحديد وضبط‬

‫البادى ء الحياتية والدوافع السلوكية ‪ ،‬الت قد تغ ل يي مسار حيا ة النسان من لهو وعبث إلى طاعة‬

‫ومجاهد ة للستعداد للموت ‪ ،‬قال تعالى‪'':‬وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جارحتم بالنهار ثم‬

‫يبعثكم فيه ليقض أجل مسمي ثم إليه مارجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون'' – لنعام ‪- 60‬‬

‫تقارن الية بي النوم والوفا ة ‪ ،‬و بي اليقظة والبعث بالنسبة للنسان ‪ ،‬والوفا ة من الوفا ء والتوفي‬

‫بمعن الوصول إلي التمام وبلوغه ‪ ،‬والنسان عند بلوغ أجله يكون قد وفي الد ة الزمنية ‪ ،‬الت سبق‬

‫وأن حددها له الله سبحانه في الحيا ة الدنيا ‪ ،‬لذا جا ء في الية النوم مشربهه بالوفا ة وهو ما ييعارف‬

‫''بالوتة الصغارى''‪.‬‬

‫والنوم هو حالة من الغفا ء يهدأ أثنا ءه الجز ء العلوي من الدماغ ‪ ،‬وهو الذي يسيطار على التفكي‬

‫والوعي والدراك والحاركات الرادية ‪ ،‬بينما يستمار جذع الخ في العمل ‪ ،‬وهو الذي يسطي على‬

‫ماركز التنفس ‪ ،‬والتحكم في ضبات القلب وباقي الحاركات اللإرادية‪.‬‬

‫ولقد توصل علما ء الفيسيولوجيا بجامعة هارفارد بأماريكا إلى أن النوم يحدث بسبب تاراكم مخلفات‬

‫كيميائية بالدماغ تنتج عن عملية اليض ‪ ،‬الذي هو عبار ة عن عملية حارق السعارات الحارارية في‬

‫خليا الجسم للمحافظة على الحيا ة و الحاركة و النشاط ‪ ،‬وهذه الخلفات الكيميائية هي عبار ة عن‬
‫سموم منومة تزداد تدريجي اا في الدم فتؤثار على الدماغ ‪ ،‬فيشعار النسان بالتعب والجهاد والخمول‪.‬‬

‫والنوم وحده هو الذي يعمل على تنظيف الدماغ من تلك السموم والفضلت ‪ ،‬حيث يتم تحللها‬

‫وتأكسدها ‪ ،‬وهذا النظام هو الذي يؤدي إلى إراحة الجسم من التعب بفضل إرخا ء العضلت‪ ،‬وإبطا ء‬

‫التنفس ودقات القلب ‪ ،‬فتنشط خليا الدماغ وتستعيد حيويتها ونشاطها ‪.‬‬

‫والنسان مهما أوتي من قو ة فإنه ل يستطيع مقاومة سلطان النوم ‪ ،‬ولقد أظهارت التجارب والبحوث‬

‫حارم من النوم ثلثة أيام متوالية ‪ ،‬ييصاب بإرهاق شديد ويفقد القدر ة على‬
‫الختبية بأن النسان إذا ي‬
‫حارم أربعة أيام يفقد الحاسيس الختلفة ‪ ،‬وتحدث له هلوسة سمعية وبصية‬
‫التكي الفكاري ‪ ،‬وإذا ي‬
‫حارم خمسة أيام يفقد قدرته على الحاركة والكلم ‪ ،‬ويصاب بالهلع والذعار ول يستطيع الفصاح‬
‫وإذا ي‬
‫حارم أكث من ذلك يدخل في غيبوبة الوت وهي غيبوبة شبيهة بساعة الحتضار ‪.‬‬
‫عن هويته ‪ ،‬وإذا ي‬
‫حارم من النوم هي شبيهة بتلك الت تظهارعلى‬
‫ومن العجيب أن كل الحالت الت تظهار على من ي‬
‫الحت لض الذي ينتظار الوت ‪ ،‬حيث يفقد الوعي والدراك وقد تحدث له هلوسة … ‪ ،‬وهكذا فالنسان‬

‫يموت كما ينام وييعث كما يستيقظ قال تعالى‪'':‬وهو الذي يتوفاكم بالليل'' – النعام ‪ - 60‬بهذا‬

‫العن شبه الحق سبحانه النوم بالوت وهو موتة صغارى ‪ ،‬وهذا هو الس في قول الناس يوم‬

‫البعث ‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬ياويلنا من بعثنا من مارقدنا ''‪ -‬يس ‪- 52‬‬

‫إن الوت شبيه بالنوم والبعث شبيه باليقظة ‪ ،‬قال تعالى عن فتية الكهف‪'':‬تحسبهم أيقاظاا وهم رقود‬

‫'' إلى قوله ''وكذلك بعثناهم ليتسا ءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا يوماا أو بعض يوم''‬

‫‪-‬الكهف ‪ – 19 – 18‬بينما الد ة الزمنية الت استغارقوها في الارقود دون وعي أو إدراك هي ثلثمائة‬

‫وتسع سني ‪ ،‬ثم كان بعثهم أي إيقاظهم ‪ ،‬ولم يقل سبحانه وكذلك أحييناهم ‪ ،‬لن الوت هي الت‬

‫تعيقبها الحيا ة ليبدأ البعث والنشور ‪ ،‬قال تعالى‪ '':‬الذي يمييتن ثم يحيين'' – الشعارا ء ‪- 81‬‬

‫ولقد اكتشف الباحثون بأن نهاية حالة اليقظة غي متصلة ببداية حالة النوم ‪ ،‬فالنسان ينتقل‬

‫بشكل تلقائي وفجائي إلى تخطي النشاط الفكاري الواعي ‪ ،‬فل يدرك كيف أخذه النوم ودخل في‬

‫غيبوبة يفعل فيها اللوعي أكث من الوعي ‪ ،‬ويكون فيها الخيال أقوى من الواقع ‪ ،‬بخلف حالة‬

‫اليقظة الت تكون فيها عملية التفكي والشعور تشغل العقل بحضور موضوعاته الادية والعنوية ‪.‬‬

‫وهكذا فإن النسان يحقق حالة النوم بإستمارار اللوعي والحلم ‪ ،‬والنقطاع عن الحساس بوجوده‬

‫الخارجي في محدودية الزمان والكان على نحو فكار وموضوع ‪ ،‬لينطلق في نطاق اللوعي الذي‬

‫ي لتسم بقدر ة التصور ال رتسع الستمد من مصدر أكث عمقاا في الدماغ ‪.‬‬
‫ونستنتج مما تق ردم أن النوم عملية فوق الوعي ‪ ،‬يستحيل أن تتم ما لم ينصف الدماغ عن‬

‫موضوعاته الخارجية ‪ ،‬لكي يغوص في موضوعاته الداخلية عن طاريق التأمل والستغاراق ‪ ،‬حاملا‬
‫معه صور الواقع بك يلليتها من وجهة نظار حالة التفكي والشعور فقط ‪ ،‬لذا ل يظهار الفارق بي الحلم‬

‫والواقع إل من خلل اليقظة الت شبهها الحق سبحانه بالبعث ‪ ،‬وعلى أساس هذه النظار ة تكون‬

‫اليقظة ‪ /‬البعث وحدها تجاربة حقيقية ‪ ،‬قال علي بن أبي طالب رض الله عنه ‪ '' :‬الناس نيام إذا‬

‫ماتوا انتبهوا ''‪.‬‬

‫وكلمة البعث وردت في الية للتدليل على بعث النائمي ‪ ،‬كما ذكارت في عدد من اليات للتدليل على‬

‫بعث الوتى ‪ ،‬مما يبي نوع من التشابه بي النوم وبي الوت ‪ ،‬ولقد اجتمع مدلول البعث ‪ /‬اليقظة‬

‫بمدلول الوت‪ /‬الارقاد بالنسبة للموات ‪ ،‬كما اجتمع اللفظان من قبل بالنسبة للفتية الذين كانوا رقوداا‬
‫في الكهف ‪ ،‬يروي في صحي ح البخاري عن أبي ذر الغفاري رض الله عنه قال ‪ :‬كان رسول الله‬

‫صلى الله عليه و سلم إذا أوى إلى فاراشه قال ‪'' :‬باسمك اللهم أحيا و أموت''‪ ،‬وإذا استيقظ قال‪:‬‬

‫''الحمدلله الذي أحيانا بعدما أماتنا و إليه اللنشور''‪.‬‬

‫وسيظل النوم آية من آيات الخالق ‪ ،‬قال تعالى ‪'':‬ومن آياته منامكم بالليل'' ‪ -‬الاروم ‪- 23‬‬

‫ويجب أن يستمار البحث والتفكي والتدبار في آية النوم ‪ ،‬حت يدرك كل إنسان حقيقة الوت ‪ ،‬وليعلم‬

‫بأن النوم هو دخوهل في غيبوبة شبيهة بالوت ‪ ،‬حيث يصب ح النسان محبوس الراد ة ‪ ،‬وبالتالي‬

‫ييارفع عنه التكليف شعاا كاليت ‪ ،‬عن عائشة رض الله عنها قالت ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬

‫وسلم ‪'':‬رفع القلم عن ثلثة‪ :‬عن النائم حت يستيقظ ‪ ،‬وعن الصب حت يبلغ ‪ ،‬وعن الجنون حت‬

‫يعقل'' ‪ -‬رواه أحمد ‪-‬‬

‫إن الحق سبحانه أودع في النوم أساراا كما أودعها في الوت ‪ ،‬وهي ما زالت خفية عن النسان رغم‬

‫التطور التكنولوجي والتقدم العلمي ‪ ،‬وسيبقى الوت والنوم والبعث والستيقاظ علمهما عند عالم‬

‫الغيب والشهاد ة ‪.‬‬

‫وبما أن ما بعد الوت مضمار في عالم الغيب ‪ ،‬فإن الحق سبحانه رفع الحجاب ‪ ،‬وجعل حقيقته‬

‫تتجلى للنسان عندالحتضار ‪ ،‬قال تعالى ‪'':‬ولو تارى إذ الظالون في غمارات الوت واللئكة باسطوا‬

‫أيديهم أخارجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غي الحق وكنتم عن‬

‫آياته تستكبون‪ - ''.‬النعام ‪- 93‬‬

‫وساعة الحتضار ييارفع ستار الغفلة وييماط حجاب الجهل ‪ ،‬وما كان غيباا يلقفه الشك يبدو حقاا ظاهاراا‬
‫قال تعالى‪'':‬وجا ءت سكار ة الوت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد''‪ -‬ق ‪- 19‬‬

‫ساعة الحتضار هي لحظة الظهور وباروز الحقائق ‪ ،‬الت تذهل الحتلض فيصب ح كالخمور الثيمل‬

‫الذي فقد عقله وصوابه ‪ ،‬ورشده من شد ة سطوع الحقيقة ‪ ،‬لن إدراك الغيب يبعث في قلب اللطلع‬

‫الحس ة واللم إلى ح لد فقدان الوعي ‪ ،‬وهذا هو الاراد ب''سكار ة الوت''‪ ،‬وهذا الذي يبكي منه حت‬

‫الخيار والبارار ‪ ،‬ها هو الفاروق عمار بن الخطاب رض الله عنه يقول لبنه لحظة الحتضار‪:‬‬

‫''ويحك ضع خدي على الرض عساه أن يارحمن ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ويل أمي إن لم يغفار لي'' ثم قض ‪.‬‬

‫وسكار ة الوت هي أقل شد ة من سكار ة يوم القيامة ‪ ،‬لن الحقائق ستتفع درجات باروزها وسطوعها‬

‫قال تعالى ‪'':‬وجا ءت كل نفس معها سائق وشهيد ‪ .‬لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطا ءك‬

‫فبصك اليوم حديد''‪ -‬ق ‪- 22 - 21‬‬

‫إن الذهول سيشت قد بسبب الشهود والعاينة ‪ ،‬لن الحتلض أدرك فقط''حق اليقي''لحظة الوت ‪ ،‬وبعد‬

‫البعث والنشور سيتقي الدراك إلى''عي اليقي'' ‪ ،‬لن بصه أصب ح نافذ وثاقب ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫''وتارى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد''‪ -‬الحج ‪- 2‬‬

‫في الية نفي للسكار بعد إثباته ‪ ،‬ومارجع هذا الشهد الرتباكي هو طيش الصواب ‪ ،‬وإنعدام القدر ة‬

‫على إستيعاب الوقف ‪ ،‬وشد ة الدهشة لن الغيب أصب ح شهاد ة ‪ ،‬إذاا الوت هو جس عبور ياربط بي‬

‫عالم الشهاد ة وعالم الغيب ‪ ،‬والبتل ء هو إنفتاح على الوت لتنطلق الحيا ة بخطية مستقيمة متصلة‬

‫إلى فيض الحيا ة الزلي ‪ ،‬وهذا الدراك يجعل الؤمن يت ل يخذ الوجود الني الباش جس عبور‪ ،‬لحماية‬

‫الحيا ة من التبديد والضياع ‪.‬‬

‫والوت هو الارآ ة الحقة الت يتعي أن ينظار إليها الؤمن إذا ما أراد أن يعارف الحيا ة ‪ ،‬ول تكون‬

‫الصور ة واضحة إل بقدر إقتابه من الارآ ة ‪ ،‬و ما دام حبل الجل مهما طال فهو قصي ‪ ،‬فليمـدد ياعبد‬

‫الله حبل الخوف والارجا ء ‪ ،‬واعلم بأن الوت ل ينتظار إستقامتك ‪ ،‬فاستقم كما يأمارت وانتظار الوت‬

‫فقد و رد أن معاذ رض الله عنه لا حضته الوفا ة قال ‪'' :‬اللهم إني كنت أخافك ‪ ،‬و أنا اليوم‬

‫أرجوك''‬

‫فالوت بالنسبة للمؤمن هو خلص وإنعتاق من تكاليف البتل ء ‪ ،‬وإنتقال من ضيق زنزانة الدنيا‬

‫إلى جنة عارضها السماوات والرض ‪ ،‬لذا فهو ل ينفار من الوت مذعوراا ‪ ،‬بل يستشفه بشوق عظيم‬

‫حدسن الظن به سبحانه‬


‫وهو كله أمل ه وثقة ‪ ،‬بعد أن غارس حب الله في قلبه ‪ ،‬وزرع في نفسه ي‬
‫ي بأنه مدقيبله على من سبقت رحمته غضبه ‪ ،‬ومغفارته عقوبته وعفوه نقمته‬
‫وأحب لقا ءه ‪ ،‬وهو يمديف ه‬
‫إليه الارجع والحكم في الصي ‪ .‬فتع للم واعلم أن ذكار الوت هو الحيا ة ‪ ،‬فإن كان الوت غائابا عنك‬

‫الن فل بد للغائب من وصول ‪ ،‬وإذا كان المار كذلك فما أسع اللتقى وما أعجل الوصول‪.‬‬

‫عن ابن عمار رض ال لله عنهما قال ‪ :‬أتييت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاش عش ة ‪ ،‬فقام رجل‬

‫ثهم ذكاراا للموت وأكثهم‬


‫من النصار فقال‪'' :‬يا رسول الله من أكيس الناس وأحزيم الناس؟ قال‪":‬أك ي‬
‫استعداد اا للموت ‪ ،‬أولئك الكياس ذهبوا بشف الدنيا وكارامة الخار ة"‪ -‬رواه ابن ماجة ‪-‬‬

‫قال تعالى‪'' :‬إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنل عليهم اللئكة أل تخافوا ول تحزنوا وأبشوا‬

‫بالجنة الت كنتم توعدون'' ‪ -‬فصلت ‪- 30‬‬

‫اللهم ألهمنا جميعاا حسن إدراك سبل حسن الختام‬

You might also like