Professional Documents
Culture Documents
التبتل ء
البل ء من بل يبلو ،ونقول :بل الثوب أي ظهارت لحمته وسداه ،والاراد هو إظهار حقيقة الش ء
وواقعه ،ونقول :برل المار أي جراربه واختبه لظهار حقيقته هل عاقبته خياا أم شاا .
والبتل ء صيغة الفتعال هي للدللة على البالغة في الحدث والفعل .والبتل ء في مجمله قائم
والبتل ء غيب مطلق ليس للنسان سبيل إلى العلم به ،عب وسائل إدراكه أو حواسه ،ول
تقتضيه بديهة العقل ،قال تعالى '':قل ل أملك لنفس نفعا ول ضا إل ما شا ء الله ولو كنت أعلم
الغيب لستكثت من الخي وما مسن السو ء إن أنا إل نذيار وبشي لقوم يؤمنون'' -العاراف - 188
إن الكثي من المور الغيبية ل سبيل للنسان إلى العلم بها ،إلل عن طاريق الوحي اللهي ،لذا
اليمان بالغيب ركي ة أساسية في السلم ،وييعد من الخصائص المي ة للمؤمن ،ومن ضمن المور
الغيبية البتل ء بالخي والش ،وهو واقع متعالي ل يدرك النسان إل آثاره فحسب بعد حدوثه في
عالم الشهاد ة ،قال تعالى '':وهو الذي جعلكم خلئف الرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات
ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سيع العقاب وإنه لغفور رحيم - ''.النعام - 165
إن إستخلف الله سبحانه للنسان في الحيا ة الدنيا إنما هو ابتل ء له ،فهو إستخلف للمتحان
الغاية منه '':فينظار كيف تعملون'' -العاراف – 129أي كيف سيستجيب الار ء إزا ء ما ابتلي به من
سا ء أو ضا ء .والبتل ء سواا ء بالخي أو الش هو في إطار الغيب ،يح لدده الله مت شا ء وكيف
شا ء فى مستقبل النسان ،قال تعالى '' :فقل إنما الغيب لله فانتظاروا إني معكم من النتظارين''
-يونس - 20
ورغم أن البتل ء غيب فهو مارتبط بأصول وقواعد ربانية تحكمه ،فالنسان يجب أن يسعى ويأخذ
بالسباب ،لكن الشيئة اللهية هي الت تضبط أشكال ا غي محدد ة من النتائج ،قال تعالى '':وعس
أن تكارهوا شيئا وهو خي لكم وعس أن تحبوا شيئا وهو ش لكم والله يعلم وأنتم ل تعلمون''
-البقار ة - 216
إن علم النسان جد محدود ،ل يملكنه من إستيعاب الحتمالت اللمتناهية في الفعل الواحد ،الذي
يحمل قصداا مشتكاا وقواسم مشتكة ،لن الله وحده هو الذي أحاط بكل شء ء في كليته وجزئيته
علماا وحكم اة ،فكل فعل له عمق إبتلئي وله إمتداده النهائي إلى عالم الغيب ،الذي يشكل النتائج
ليس إرتبااطا بمقدماتها الجدلية ،ولكن تقدياارا بالحكمة لا يجب أن تكون عليه النتائج ،وغالابا ما
تأتي هذه النتائج لتولض ح الغائية في التسخي لا ياريد أن يولفق الله ،أو ض لد التسخي لا ل ياريد
أن يولفق ،قال تعالى '':عالم الغيب ل يعزب عنه مثقال ذر ة في السماوات ول في الرض ول أصغار
والنسان في هذا الوجود ل يستوعب إل إحتمال ا تخمنياا ،إنطلقاا من قواعد وضعية إستدللية ،هي
حصيلة تجارب بشية تسعى لثبات إحتمال ما بي الحتمالت اللمتناهية ،و هذه الحصيلة
العارفية هي الت جعلت البتل ء لغزاا ،ومارجع هذا القصور يعود إلى محدودية العقل البشي
أساس اا ،وخاصة عند الحديث عن أمور الغيب ،الت ل يملك النسان إمكانية الحاطة بصلورها
ومعانيها النهائية .فالنتائج ل تأتي دواما ضمن مواصفات حتملية ،لن الله سبحانه يتحكم فيها
بقدر ة خفية ،لها دللتها بالنسبة للنسان في فهم حكمة الراد ة اللهية ،لذا بي الحق سبحانه بأن
دور العقل في مجال البتل ء هو التأمل والتدبار ،لدراك الحكمة وأبعادها التبوية واليمانية من
ل '' ،حت تنضبط الغاية الارجو ة من وجود النسان في معناها النهائي في
منظور'' أيكم أحسن عم ا
هذه الحيا ة الدنيا ،وعلى ضو ء هذا العن وجب أن ييفهم البتل ء الذي أراده الله سبحانه ،ليتكامل
اليمان من خلل إمتداد الارضا بالقضا ء والقدر ،وهذه هي مي ة العقيد ة السلمية الغيبية الت
تمتاز بها النفوس الؤمنة ،وبالتالي فالارضا بالقضا ء والقدر ليس مسألة عاطفة تنشأ وتتحارك
وفقا للحاسيس والشاعار ،إنما هي مسألة عقلية تعب عن وعي بلغ مستوى عاءل من التعقل .
قال سيد قطب " :اليمان بالغيب هو العقبة الت يتجتاز ،فيجتاز النسان بها مارتبة الحيوان الذي ل
يدرك إل ما تدرك حواسه ،إلى مارتبة النسان الذي يدرك أن الوجود أكب وأشمل من ذلك الحي
ر لب سائل يقول لاذا البتل ء ،والله سبحانه علمه أزلي عليم بما هو كائن وبما سيكون ؟
البتل ء هو فعالية الراد ة اللهية في حاركة الواقع ،قد يبدو بأنه جبية إراد ة الخالق وحتمية
مشيئته ،وبالتالي ل مجال لراد ة النسان ومشيئته ،لذا فهو ينظار إلى البتل ء نظار ة الصدفة
ومارجع هذا العتقاد النحارف عن الصواب هو تغ ل ييب الحكمة الكامنة في تداول الحوال ،قال تعالى:
والتداول هو النتقال والتح رول من حال إلى حال ،وهذه سنة الحيا ة الت جعلها الله قائمة على
الداولة ،أي نقل المار من واحد إلى آخار ،قال تعالى'':لله المار من قبل وبعد'' -الاروم - 4
وتداول اليام هو إشار ة إلى أوقات الارخا ء والنص ة والفارح ،والشد ة والهزيمة والحزن .
إن كل إبتل ء يبتللى به النسان خياا كان أم شاا إل وله دللته في مسار الحيا ة ،وإتجاهه النهائي
الذي يتقابل ول يتنافار مع الحكمة ،الت تقتض فهماا معيناا يدرك من خلل فهم الصلة الارابطة بي
الغيب والشهاد ة ،هذه الصلة الو ل ي
ضحة للفعل اللهي الذي يعطي للفعل النساني بعده الذاتي ،مما
يؤدي إلى حقائق موضوعية ضامنة لصيور ة واقع التداول الحكوم بقدر ،قال تعالى '':وخلق كل
جبل على التعامل والتعاطي مع المور كيفما تعلنها حقائقها الدلركة له ،وهذا
وبما أن النسان ي
ما جعله بمعزل عن مقاييس البتل ء ،الذي يستدعي وعياا أخار لفهم وإستيعاب الغيب الهيمن على
عالم الشهاد ة في إطاره الطلق ،وكأنهما عالم واحد ممتدان في بعضهما ،وهذا البتغى يتورجب
الصب حت تتب لي الحكمة من البتل ء ،قال تعالى '':قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صباا
وكيف تصي على ما لم تحط به خباا'' -الكهف - 75
والاراد من إشتاط الصب هو تخصيص فسحة زمنية للنتقال من ظاهار المار إلى حقيقته ،الت
يج لليها الحق سبحانه إلى وقتها ،ليدرك النسان بان نتيجة الفعل ليست لزمة شطياا لقدماته ،قال
تعالى '':والله يعلم وانتم ل تعلمون'' -النحل – 74بمعن أن علم النسان مقتص على ظاهار الش ء
وقاصعلى إدراك خفاياه .والله سبحانه وحده عالم الغيب والشهاد ة ،ومحيط بأبعاد الفعل بأكث
من إحاطة صاحبه به ،لذا جعل سبحانه القدر ة التعققلية هي نوا ة البتل ء ومادته ،ومن العبث أن
يستنبط النسان الحكمة من البتل ء وهو فاقد قدرته التعققلية ،قال تعالى '':وأيوب إذ نادى ربه
إن جدلية البتل ء هي قطب الارحى الذي عليه مدار وجود النسان الكلي ،الغاية منه وضعه على
محك المارسة السلوكية ،ليدرك الار ء صدق إدعائه من كذبه ،لن النسان ماركوز في فطارته
الستعدادية قابلية السمو والتقي أو التقهقار والنحطاط ،قال تعالى '':تبارك الذي بيده اللك وهو
على كل ش ء قديار .الذي خلق الوت والحيا ة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور'' -اللك
ل'' أي أحسن إستجابة بعد البتل ء ،وهكذا جعل السلم حكمة البتل ء في
'' - 2 - 1أيكم أحسن عم ا
صميم التجاربة الحياتية ،وبالتالي فالعن المكن للحيا ة ل يكون إل بتأنيس البتل ء ومقاربته
ليصب ح مشوعاا أخلق ايا يستمد مصداقيته من الارضا بالقضا ء والقدر ،حت يتوافق مع السلوك
إن سنة البتل ء هي ا لت تجعل من حاركة النسان بما تتضمنه من أنشطة وممارسات إختبارا
للنسان ،وتمحيـصاا له وفقا لشيئة الله ،وبالتالي يجب إسـتنباط البعـاد التبويـة الختلفة ،الت
لها دور أساس في صياغة الشخصية الؤمنة ،الؤهلة للقيام بدورها الطليعي فـي مواجهة الزمات
للوصول إلى مارحلة التمكي ،قال تعالى'':ولنبلونكم حت نعلم الجاهدين منكم والصابارين ونبلوا
أخباركم '' -محمد '' - 31حت نعلم'' الاراد به علم الشهاد ة لن الجزا ء والثواب يكون على ما يقع
مشاهد ة ،قال سيد قطب في تفسي الية '':إن الله -جلت حكمته – يأخذ البش يما هو في طوقهم
وما هو من طبيعتهم وإستعدادهم ،وهم ل يعلمون عن الحقائق الستكنة ما يعلمه ،فل بد لهم من
تكثف الحقائق ليدركوها ويعارفوها ويستيقنوها ثم لينتفعوا بها .والبتل ء بالسا ء والضا ء
وبالنعما ء والبأسأ ،وبالسعة والضيق وبالفارح والكارب ،كلها تكشف ما هو مخبؤ من معادن الناس
وما هو مجهول من أمارها حت لصحابها ،أما الاراد بعلم الله لا تتكرشف عنه النفوس بعد البتل ء
فهو تعلق علمه بها في حالته الظاهار ة الت ياراها الناس عليها ،ورؤية الناس لها صورتها الت
تدركها مداركهم هو الذي يؤثار فيهم ويك ل ييف مشاعارهم ،ويو ل يجه حياتهم بوسائلهم الداخلة في طوقهم
قال تعالى'' :ونبلوكم بالش والخي فتنة وإلينا تارجعون'' – النبيا ء - 35
إن إنتفا ء العلم بالغيب هو الذي جعل غي الؤمن يتألم ألاا سلبياا ،ويحس بعبث الوجود لنه يجهل
الغاية من البتل ء التوازن وال رتيحد بأبعاد الش والخي ،إتحاداا ياربطهما مع بعض بعلقة جدلية
تفض إلى الحارية والشعور بالسؤولية '' أيكم أحسن عملا '' ،ومن هذا النظور انبسطت حكمة
البتل ء وأبانت بأن النسان ''كائن أخلقي'' ،قال تعالى '':أم حسب الذين اجتحوا السيئات أن
نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سوا ء محياهم ومماتهم سا ء ما يحكمون'' -الجاثية - 21
ويستحال على أي إنسان في هذا الوجود أن ينجو من البتل ء ،وبالتالي ما عليه إل أن يحسن
الظن بالله ،ويؤمن بأنه سبحانه هو الحكيم الخبي ،فخبته ملزمة لحكمته الطلقة ول ينبغي ذلك
لغيه ،لقد أحكم خلق الشيا ء وأتقن تدبيها بحكمته وعلمه ،سبحانه م ر
نه ومق ردس عن فعل ما ل
ينبغي ،ول يقول ول يفعل إل الصواب ،قال تعالى '':وعس ان تكارهوا شيئا وهو خي لكم وعس
ان تحبوا شيئا وهو ش لكم والله يعلم وانتم ل تعلمون'' -البقار ة - 216
فالحق سبحانه ل يفعل شيئ اا إل لحكمة ،لذا فل داعي للستفهام لن كل أحكامه تعالى منهة عن
العبث ،وليكتشف النسان ما تلبس عليه من الغموض ،يجب أن يؤمن بأن البتل ء هو جز ء من
كينونته ،ول يستطيع أن يدرك الحكمة منه دون توافق العقل مع الوحي ،قال تعالى '':أفحسبتم
والعبث يطلق على الفعل الذي ل تارجى غاية حقيقية منه ،وهو مناقض للحكمة والصواب ،والحق
سبحانه م ل
ن هه عن العبث ،ومتعالي عن صفات النقص والحاجة في الزل كما في البد ،ولكنه قض
بأن يتحارك النسان منذ بدئه بإتجاه الكمال ،لنه يبدأ وجوده من النقص ،ثم يبدأ في الرتقا ء
لكي يصل إلى كماله اللئق والمكن ،وبالتالي فالخالق سبحانه أوجد النسان ليصل به إلى أرقى
درجات اليمان إنطلق اا من جدلية البتل ء ،وشا ء سبحانه أن تكون الهداية النسانية تكليفية
وتشيعية ل هداية تكوينية أو جبية ،وبالتالي فالكمالت المكنة يلزمها البتل ء .
قال تعالى'' :وهو الذي خلق السماوات والرض في ستة أيام وكان عارشه على الا ء ليبلوكم أيكم
إن حيا ة النسان في جزئياتها وكلياتها إبتل ء ،لن ماهيته تسم ح بسيان البتل ء عليه في حياته
كلها ،لن كلل ما ر ي ل يكب في طبيعة البش الت خلقهم الله عليها ،وما أمدهم به في هذا الوجود إنما هو
للبتل ء ،والؤمن الصادق هو الذي يدرك إدراكاا ل ريب فيه بأن ما من ش ء في هذا الوجود إل وهو
خاضع لهيمنة الله وسيطارته الكاملة ،فيترقبل البتل ء بنفس راضية لنه هو محاسب ويمجلزى عما
بدر منه رضاا أم سخطاا إنطلقا من الحكمة الاربانية '':أيكم أحسن عملا '' ،أي أيكم أحسن إستجابة
سواا ء في السا ء أو الضا ء .ومن لم يشعار بكمال حكمته وطلقة قدرته ييستحال عليه أن يشعار
بالارضا ،لنه يقيس البتل ء بعقله الجرارد فل يزداد إل رهقاا ،ولو تلقى البتل ء يقلب ملؤه اليمان
وبعقل مد يرك للحكة الاربانية لتصف بحكمة ،قال تعالى '':إنا جعلنا ما على الرض زينة لها
والاراد من قوله ''ما على الرض'' أي ما ل ييع لد ول يحص من الوجودات ،والنسان مبتلى في هذه
الزينة ذات الكث ة الطلقة ،ومن رحمته سبحاته أنه ل يبتلي عباده بالكلل الطلق وإنما بالنر القليل
قال تعالى '':ولنبلونكم بش ء من الخوف والجوع ونقص من الموال والنفس والثمارات وبش
الصابارين .الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون .أولئك عليهم صلوات من
إن البتل ء ليس مسألة صدفة بل تدبي ،وليس تصفاا عشوائياا بل غاية ،إنما هـو إختبار
لظهار الكنون في علم الله ليجزى النسان على عمله ،لذا جعل سبحانه في كلل نوع من البتل ء
حكمة ل يدركها إل الصابارون الذين يحسنون الظن بالله ،عن أبي سعيد الخدري رض الله عنه
قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم":ما يصيب السلم من نصب ول وصب ،ول هم ول حزن
ول أذى ول غم حت الشوكة يشاكها إل كفار الله بها خطاياه" -متفق عليه -
خص شخصا بعينه فيبتلى إما فيما يأعطي أو فيما يمنع منه ،بغية ال ل يارفعة أو قصد
* إبتل ء خاص :ي ي
التمحيص حسب إعتقاد الار ء ،لن سنة البتل ء تكشف إستعداد النسان وقدرته على الختيار بـي
الارضا والسخط ،وهي سنة مارتبطة بالتمكي إرتباطا وثيقاا ،لن الحق سبحانه شا ء أل ييم ل يكن إل
بعد أن يمي الخبيث من الطيب ،قال تعالى'':ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا
وعلى النسان إذا ما ابتلي سوا ء بالسا ء أو الضا ء أن يعمل جارداا شاملا لساره في الحيا ة ،ولينظار
ما قدمت يده من أسباب وما أنجزت من أعمال ،فإن وجد خياا فليحمد النعم سبحانه ،وإن وجد
ش اا فل يلومن إل نفسه ،وليعلم أنه إنتقام وغضب إلهي ،وفي هذه الحالة وجبت التوبة والوبة
بعد محاسبة النفس ،والعزم على تشديد الاراقبة عليها ،قال تعالى'' :وما أصابكم من مصيبة فبما
كسبت أيديكم ويعفو عن كثي .وما أنتم بمعجزين في الرض وما لكم من دون الله من ولي ول
* إبتل ء عام :يصيب أكب عدد من الناس بسبب الكوارث الطبيعية والماراض والوبئة ،وهذا
* الولى :طلقة القدر ة اللهية :وصفة القدر ة تعن في مجملها السيطار ة والتمقكن ،كما تعن
التخطيط والتنظيم ،وهذا يدل على أن قدرته سبحانه متحققة ومتعدية لكل ش ء ،فهو صاحب
القدر ة العظيمة الت ل يستعص عليها أمار .والحكمة من بيان قدرته الطلقة هي تحذيار وتنبيه
الناس ،لعلهم يتذلكارون بأنه هو العزيز التصف بالقتدار والغلبة والسيطار ة ،وكل الخلئق في
قبضته ل حول لهم ول قو ة إل به ،وهو القاهار والغالب على أماره ،وله عز ة قو ة وغلبة وإمتناع .
وقدرته سبحانه متجلية في آيات الفاق والنفس ،لكن ل ينتفع منها إل من كان ذو عقل واع وفكار
مستني ،ومن عرطل قدراته الدراكية وأص وعاند ،وطغى وتجب وظن بأن ل غالب له ،فنهايته
إلى الضلل مهما رأى بعينه من اليات البينات والدلئل الواضحة ،قال تعالى'':ومن أظلم ممن يذكار
* الثانية :سنة الكون :إن الخالق سبحانه جعل لهذا الكون قواني وسن طبيعية ثابتة ،وق ردر
أسباب للحيا ة وأسباب للموت ،وضمن ما قدره أسباب الوت بالكوارث الطبيعية والماراض والوبئة
قال تعالى'':ونحن قدرنا بينكم الوت وما نحن بمسبوقي” -الواقعة - 59
الوت ليس عشوائيا بل هو بقدر ،ومعن ''قدرنا'' أي أن الله سبحانه قدر الوت بكل أنواعه ،وجعل
ل مسمى ،فالجميع يشمله الوت لكن ل أحد يدري كيف ومت ،وليستطيع النسان
له أسباباا وأج ا
مهما بلغ جاهه وسلطانه أن يفار من الوت ،أو يح لدد أجله والكيفية الت سيموت عليها ،حت الوتة
الت يبدو فيها سبب قاريب ظاهار ،فمار قدها إلى إراد ة الله من ورا ء السباب القاريبة ،قال تعالى":فلم
تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذا رميت ولكن الله رمى ويلييبلى الؤمني منه بلا ء حسناا"-
النفال - 17
وهكذا فإن تقديار أسباب الوت بالكوارث ،والماراض والوبئة هي أيضاا للتحفي من أجل إعمار
الحيا ة عن طاريق الكتشافات والبتكارات ،وتلك حكمة الله سبحانه الت أودعها في هذا البتل ء
وقدرته هي الت منحت النسان القدر ة والمكانية لن يفعل ذلك ،وهذا كله من تدبي الخالق
العظيم .
إن أالحكمة من البتل ء هي إظهار اوإباراز مكنونات وخفايا الصدور ،ليعارف النسان حقيقته بكل
واقعية دون غبش ،حت يدرك مواطن الخلل والزلل ليقوم بإصلحها ،وهكذا يصب ح البتل ء تجاربة
ييبتغى من ورائها تقويم وتصويب السلوك الستجابي ،قال تعالى '':وما خلقت الجن والنس إل
ليعبدون'' -الذاريات - 56وتحقيق العبودية لله يجب أن يتم من خلل الستجابةاليجابية ،ففي
السا ء تكون بالشكار وفي الضا ء تكون بالصب ،وهذا حال الؤمن الذي أخب عنه رسول الله صلى
االله عليه وسلم حيث قـال'' :عجبـا لمـار الؤمن إن أماره كله خي ،إن أصابته سا ء شكار فكان خياا
له ،وإن أصابته ضا ء صب فكـان خياا له'' -رواه مسلم -
إن الحق سبحانه أراد من عباده أن يتفاعلوا مع سنة البتل ء تفاعلا إيجابياا ،لتسيخ البعد
اليماني التجلي في الصب والشكار ،قال تعالى'':إن في ذلك ليات لكل صبار شكور'' -إباراهيم - 5
أخارج البيهقي في شعب اليمان ،والشهاب في مسنده عن أنس بن مالك رض الله عنه قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم'' :اليمان نصفان :نصف في الصب ،ونصف في الشكار''.
ولقد حذر سبحانه من يعبده فقط في حالة السا ء ،قال تعالى'' :ومن الناس من يعبد الله على
حارف فإن أصابه خي اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خس الدنيا والخار ة ذلك هو
الخسان البي '' -الحج – 11فالحكمة من البتل ء تكمن في تحقيق العبودية بما تحمله من
مضامي متمثلة فـي الارضا بالقضا ء والقدر ،لن بالارضا يدرك البتللى أرقى الاراتب اليمانية
فيشعار بالسكينة والصفا ء الاروحي ،وهو يعلم علم اليقي بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه ،وأن
حي تشتد الزمة وتضيق الحلقة وتنعدم الحيلة ،ول يجد البتللى سنداا ول عوناا ول ملجأا ،فالخارج
الواحد هو الدعا ء والتـضع إلـى االله ،لنه سبحانه هو الكفيل بارفع البتل ء وكشف الض ،قال
تعالى '':أمن يجيب الضطار إذا دعاه ويكشف السو ء ويجعلكم خلفا ء الرض أإله مع الله قليل ما
تذكارون'' -النمل - 62والنسان قد يغفل عن الدعا ء والتضع ساعة الارخا ء ولحظة الغفلة ،فينسيه
الشيطان ذكار ربه ،حت إذا مسه الض دعاه ،عن أبي هاريار ة رض الله عنه قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم'':من سه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكارب ،فليكث الدعا ء في
والبتللى إذا صب واحتسب ،وأيقن بأن ما من محنة إل وفي طليها منحة ،فإن له أجار بغي حساب
حيث يقابل ربه وقد حطت عنه خطاياه وذنوبه ومعاصيه ،قال تعالى'':وليمحص االله الذين
آمنوا وليمحق الكافارين'' -آل عماران – 141والحص لغة هو التنقية والتطهي ،والاراد هو أن الله
يبتلي الؤمن الصدوق ليطهاره من ذنوبه ،ويبقي له صال ح أعماله ويزيده هدى ،أما الحق فهو
الهلك والستئصال ،قال تعالى '':فل تعجبك أموالهم ول أولدهم إنما ياريد الله ليعذبهم بها في
الحيا ة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافارون '' -التوبة - 55وهكذا قابل الحق سبحانه تمحيص
البتل ء في مجمله قائم على عناص متباينة حاكمة منها الوت والحيا ة ،وليس لحءد القدر ة على
معارفة ما سيؤول إليه في مماته أو محياه ،لن كلل ش ء قد تم وأنجز بعلم الله الزلي ،فجعل
الحيا ة محدود ة ومقيد ة بالوت ،وبالارغم من قسو ة الوت لنه نهاية للحيا ة الدنيا ،إل أنه يحفز فى
النسان طاقات المل ،ويخلق فيه الجد والبداع في الحاركة الحياتية ،لذا لم يهتم الوحي بتعاريف
ماهية الوت ،بقدر ما وجه العقل لدراك فكار ة الوت وعلقتها بحتمية البتل ء ،قصد تحديد وضبط
البادى ء الحياتية والدوافع السلوكية ،الت قد تغ ل يي مسار حيا ة النسان من لهو وعبث إلى طاعة
ومجاهد ة للستعداد للموت ،قال تعالى'':وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جارحتم بالنهار ثم
يبعثكم فيه ليقض أجل مسمي ثم إليه مارجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون'' – لنعام - 60
تقارن الية بي النوم والوفا ة ،و بي اليقظة والبعث بالنسبة للنسان ،والوفا ة من الوفا ء والتوفي
بمعن الوصول إلي التمام وبلوغه ،والنسان عند بلوغ أجله يكون قد وفي الد ة الزمنية ،الت سبق
وأن حددها له الله سبحانه في الحيا ة الدنيا ،لذا جا ء في الية النوم مشربهه بالوفا ة وهو ما ييعارف
''بالوتة الصغارى''.
والنوم هو حالة من الغفا ء يهدأ أثنا ءه الجز ء العلوي من الدماغ ،وهو الذي يسيطار على التفكي
والوعي والدراك والحاركات الرادية ،بينما يستمار جذع الخ في العمل ،وهو الذي يسطي على
ولقد توصل علما ء الفيسيولوجيا بجامعة هارفارد بأماريكا إلى أن النوم يحدث بسبب تاراكم مخلفات
كيميائية بالدماغ تنتج عن عملية اليض ،الذي هو عبار ة عن عملية حارق السعارات الحارارية في
خليا الجسم للمحافظة على الحيا ة و الحاركة و النشاط ،وهذه الخلفات الكيميائية هي عبار ة عن
سموم منومة تزداد تدريجي اا في الدم فتؤثار على الدماغ ،فيشعار النسان بالتعب والجهاد والخمول.
والنوم وحده هو الذي يعمل على تنظيف الدماغ من تلك السموم والفضلت ،حيث يتم تحللها
وتأكسدها ،وهذا النظام هو الذي يؤدي إلى إراحة الجسم من التعب بفضل إرخا ء العضلت ،وإبطا ء
التنفس ودقات القلب ،فتنشط خليا الدماغ وتستعيد حيويتها ونشاطها .
والنسان مهما أوتي من قو ة فإنه ل يستطيع مقاومة سلطان النوم ،ولقد أظهارت التجارب والبحوث
حارم من النوم ثلثة أيام متوالية ،ييصاب بإرهاق شديد ويفقد القدر ة على
الختبية بأن النسان إذا ي
حارم أربعة أيام يفقد الحاسيس الختلفة ،وتحدث له هلوسة سمعية وبصية
التكي الفكاري ،وإذا ي
حارم خمسة أيام يفقد قدرته على الحاركة والكلم ،ويصاب بالهلع والذعار ول يستطيع الفصاح
وإذا ي
حارم أكث من ذلك يدخل في غيبوبة الوت وهي غيبوبة شبيهة بساعة الحتضار .
عن هويته ،وإذا ي
حارم من النوم هي شبيهة بتلك الت تظهارعلى
ومن العجيب أن كل الحالت الت تظهار على من ي
الحت لض الذي ينتظار الوت ،حيث يفقد الوعي والدراك وقد تحدث له هلوسة … ،وهكذا فالنسان
يموت كما ينام وييعث كما يستيقظ قال تعالى'':وهو الذي يتوفاكم بالليل'' – النعام - 60بهذا
العن شبه الحق سبحانه النوم بالوت وهو موتة صغارى ،وهذا هو الس في قول الناس يوم
إن الوت شبيه بالنوم والبعث شبيه باليقظة ،قال تعالى عن فتية الكهف'':تحسبهم أيقاظاا وهم رقود
'' إلى قوله ''وكذلك بعثناهم ليتسا ءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا يوماا أو بعض يوم''
-الكهف – 19 – 18بينما الد ة الزمنية الت استغارقوها في الارقود دون وعي أو إدراك هي ثلثمائة
وتسع سني ،ثم كان بعثهم أي إيقاظهم ،ولم يقل سبحانه وكذلك أحييناهم ،لن الوت هي الت
تعيقبها الحيا ة ليبدأ البعث والنشور ،قال تعالى '':الذي يمييتن ثم يحيين'' – الشعارا ء - 81
ولقد اكتشف الباحثون بأن نهاية حالة اليقظة غي متصلة ببداية حالة النوم ،فالنسان ينتقل
بشكل تلقائي وفجائي إلى تخطي النشاط الفكاري الواعي ،فل يدرك كيف أخذه النوم ودخل في
غيبوبة يفعل فيها اللوعي أكث من الوعي ،ويكون فيها الخيال أقوى من الواقع ،بخلف حالة
اليقظة الت تكون فيها عملية التفكي والشعور تشغل العقل بحضور موضوعاته الادية والعنوية .
وهكذا فإن النسان يحقق حالة النوم بإستمارار اللوعي والحلم ،والنقطاع عن الحساس بوجوده
الخارجي في محدودية الزمان والكان على نحو فكار وموضوع ،لينطلق في نطاق اللوعي الذي
ي لتسم بقدر ة التصور ال رتسع الستمد من مصدر أكث عمقاا في الدماغ .
ونستنتج مما تق ردم أن النوم عملية فوق الوعي ،يستحيل أن تتم ما لم ينصف الدماغ عن
موضوعاته الخارجية ،لكي يغوص في موضوعاته الداخلية عن طاريق التأمل والستغاراق ،حاملا
معه صور الواقع بك يلليتها من وجهة نظار حالة التفكي والشعور فقط ،لذا ل يظهار الفارق بي الحلم
والواقع إل من خلل اليقظة الت شبهها الحق سبحانه بالبعث ،وعلى أساس هذه النظار ة تكون
اليقظة /البعث وحدها تجاربة حقيقية ،قال علي بن أبي طالب رض الله عنه '' :الناس نيام إذا
وكلمة البعث وردت في الية للتدليل على بعث النائمي ،كما ذكارت في عدد من اليات للتدليل على
بعث الوتى ،مما يبي نوع من التشابه بي النوم وبي الوت ،ولقد اجتمع مدلول البعث /اليقظة
بمدلول الوت /الارقاد بالنسبة للموات ،كما اجتمع اللفظان من قبل بالنسبة للفتية الذين كانوا رقوداا
في الكهف ،يروي في صحي ح البخاري عن أبي ذر الغفاري رض الله عنه قال :كان رسول الله
صلى الله عليه و سلم إذا أوى إلى فاراشه قال '' :باسمك اللهم أحيا و أموت'' ،وإذا استيقظ قال:
وسيظل النوم آية من آيات الخالق ،قال تعالى '':ومن آياته منامكم بالليل'' -الاروم - 23
ويجب أن يستمار البحث والتفكي والتدبار في آية النوم ،حت يدرك كل إنسان حقيقة الوت ،وليعلم
بأن النوم هو دخوهل في غيبوبة شبيهة بالوت ،حيث يصب ح النسان محبوس الراد ة ،وبالتالي
ييارفع عنه التكليف شعاا كاليت ،عن عائشة رض الله عنها قالت :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم '':رفع القلم عن ثلثة :عن النائم حت يستيقظ ،وعن الصب حت يبلغ ،وعن الجنون حت
إن الحق سبحانه أودع في النوم أساراا كما أودعها في الوت ،وهي ما زالت خفية عن النسان رغم
التطور التكنولوجي والتقدم العلمي ،وسيبقى الوت والنوم والبعث والستيقاظ علمهما عند عالم
وبما أن ما بعد الوت مضمار في عالم الغيب ،فإن الحق سبحانه رفع الحجاب ،وجعل حقيقته
تتجلى للنسان عندالحتضار ،قال تعالى '':ولو تارى إذ الظالون في غمارات الوت واللئكة باسطوا
أيديهم أخارجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غي الحق وكنتم عن
وساعة الحتضار ييارفع ستار الغفلة وييماط حجاب الجهل ،وما كان غيباا يلقفه الشك يبدو حقاا ظاهاراا
قال تعالى'':وجا ءت سكار ة الوت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد'' -ق - 19
ساعة الحتضار هي لحظة الظهور وباروز الحقائق ،الت تذهل الحتلض فيصب ح كالخمور الثيمل
الذي فقد عقله وصوابه ،ورشده من شد ة سطوع الحقيقة ،لن إدراك الغيب يبعث في قلب اللطلع
الحس ة واللم إلى ح لد فقدان الوعي ،وهذا هو الاراد ب''سكار ة الوت'' ،وهذا الذي يبكي منه حت
الخيار والبارار ،ها هو الفاروق عمار بن الخطاب رض الله عنه يقول لبنه لحظة الحتضار:
''ويحك ضع خدي على الرض عساه أن يارحمن ،ثم قال :ويل أمي إن لم يغفار لي'' ثم قض .
وسكار ة الوت هي أقل شد ة من سكار ة يوم القيامة ،لن الحقائق ستتفع درجات باروزها وسطوعها
قال تعالى '':وجا ءت كل نفس معها سائق وشهيد .لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطا ءك
إن الذهول سيشت قد بسبب الشهود والعاينة ،لن الحتلض أدرك فقط''حق اليقي''لحظة الوت ،وبعد
البعث والنشور سيتقي الدراك إلى''عي اليقي'' ،لن بصه أصب ح نافذ وثاقب ،قال تعالى:
''وتارى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد'' -الحج - 2
في الية نفي للسكار بعد إثباته ،ومارجع هذا الشهد الرتباكي هو طيش الصواب ،وإنعدام القدر ة
على إستيعاب الوقف ،وشد ة الدهشة لن الغيب أصب ح شهاد ة ،إذاا الوت هو جس عبور ياربط بي
عالم الشهاد ة وعالم الغيب ،والبتل ء هو إنفتاح على الوت لتنطلق الحيا ة بخطية مستقيمة متصلة
إلى فيض الحيا ة الزلي ،وهذا الدراك يجعل الؤمن يت ل يخذ الوجود الني الباش جس عبور ،لحماية
والوت هو الارآ ة الحقة الت يتعي أن ينظار إليها الؤمن إذا ما أراد أن يعارف الحيا ة ،ول تكون
الصور ة واضحة إل بقدر إقتابه من الارآ ة ،و ما دام حبل الجل مهما طال فهو قصي ،فليمـدد ياعبد
الله حبل الخوف والارجا ء ،واعلم بأن الوت ل ينتظار إستقامتك ،فاستقم كما يأمارت وانتظار الوت
فقد و رد أن معاذ رض الله عنه لا حضته الوفا ة قال '' :اللهم إني كنت أخافك ،و أنا اليوم
أرجوك''
فالوت بالنسبة للمؤمن هو خلص وإنعتاق من تكاليف البتل ء ،وإنتقال من ضيق زنزانة الدنيا
إلى جنة عارضها السماوات والرض ،لذا فهو ل ينفار من الوت مذعوراا ،بل يستشفه بشوق عظيم
الن فل بد للغائب من وصول ،وإذا كان المار كذلك فما أسع اللتقى وما أعجل الوصول.
عن ابن عمار رض ال لله عنهما قال :أتييت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاش عش ة ،فقام رجل
قال تعالى'' :إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنل عليهم اللئكة أل تخافوا ول تحزنوا وأبشوا