You are on page 1of 22

‫سلسلة‬

‫كيف تجدد إيمانك‬

‫لاذا أوجد الله الش ؟‬

‫الستاذ التهامي الشامي‬

‫‪1‬‬
‫محتويات البحث‬

‫* القمدمة ‪ 3 ...............................................................................‬ـ ‪4‬‬

‫* ثقمافة السؤال ‪ 5 .........................................................................‬ـ ‪7‬‬

‫* التأسيس اليإماني للعقمل ‪ 8 ..............................................................‬ـ ‪10‬‬

‫* حكمة الش الطبيعي ‪ 11 ..................................................................‬ـ ‪15‬‬

‫* عبثية الش اﻷخلقاي ‪ 16..................................................................‬ـ ‪21‬‬

‫‪2‬‬
‫الـمقـدمـة‬

‫قاال تعالى ‪ " :‬ولقمد صفنا في هذا القمرآن للناس من كل مثلل ‪ ،‬وكان النسان أكث شءي جدل ل "‬

‫ـ الكهف ‪ 54‬ـ‬

‫إن الثـل هـو من أكثـر اﻷشكال التعبييإة الت لها دللة شاملة على أبلغ الحكمة ‪ ،‬و الـراد مـنه هـو‬

‫التأمل و التدبر و التفكر في الآمل والحال ‪ ،‬إل أن النـسان بسبب عناده ومكابرته قاـد يإغفل عـن كـل‬

‫هـذا ويإخـوض في الجادلة ‪ ،‬و في هـذه الحالة وجب الجـدل الحسن كأسلوب تفكي ومنهج لتعـديإل‬

‫التصوورُّ ‪ ،‬لكي يإكـون مطابقم لا للتصـديإق بالبــرهان الـصادق والـحجة الـساطعة ‪ ،‬وهـذه مهمة العرفة‬

‫النسانية البنـيـة على علـوم شتـى مـن ضمنها الفلسفة ‪ ،‬الت هـي ليست ملحـدة بطبعها أو تقمـود‬

‫لللحاد ضـرورُّة ‪ ،‬و لذلك فإنه ليس من النطقمي أن تكون النظـرة إلى الفلسفة كالنظـرة إلى اللحاد‬

‫أو إعتبارُّها طــريإلقما واض لحا إليه ‪ .‬فالفـلسفة والــديإن هما اللذان يإهتمان باﻷسئلة الـوجـوديإة فـي كـل‬

‫أبعادها ‪ ،‬وهـذا يإعن أن من الـممكن الـتـوفـيق بي الـفـلسفة الـحقمـة والنطق القمرآني ‪ ،‬إل أن بعـض‬

‫التفلسفي بفعل الحيـرة و الـقمـصـورُّ الفكـري أصابتهم لـوثـة التفلسف ‪ ،‬فاستعملوا حيلل للهـروب من‬

‫قاضايإا غيبية لم يإستطعوا تفسيها ‪ ،‬فكان أن نظمـوها في فلسفة الوهم البنية على العرفة الـظـ ن ننية‬

‫الـدسـوسة بالسـتدللتا الـسفسطـائية التـي ل تتلءيم مع الحكـمة والعقمـلنية ‪ ،‬و ليـس لـها شـأن‬

‫بالستـدلل والـ ندحض سـوى الغالطة ‪ ،‬أي التفكيـر بإستعمال النطـق الـتضليلي عـن طـريإق البهـارُّ‬

‫والدهشة من أجل قالب الحقميقمة إلى وهم ‪ ،‬للوصول إلى إستدللتا خاطئة من الصعب التخلص منها‬

‫نظرال لنجاعتها في القاناع ‪ ،‬بحيث توهم السامع بأنها حق ل يإمكن دفعه ‪ .‬وهكـذا تمككن رُّواد فلسفة‬

‫لطـلـق ‪ ،‬تـبـدأ مـنه وتـنتهـي عـنـده لنـفـي وجـود الله بصفاته‬


‫اللحاد من نشـر نـزعة تنتهج الشك ا ل‬
‫ك لمغـرنضض يإــزنيإف حقميقمة مفهـوم النطق القمرآني ‪ ،‬و ليإضفي عليه دهـشة فلسفـية‬
‫الللعللى ‪ ،‬وهـذا مـسل ض‬
‫لـمـلءي الفـراغ بيقمينياتا التجهيـل ومس نلماتا التبليـد ‪ ،‬للطعن في الخصائص المية الت تـفـ ن نرده عـن‬

‫سائــر التصــوورُّاتا ‪ ،‬هــذه الخـصائص تـتعـ ندد ولكـنها تـتجكمع فــي خاصـية واحـدة هــي الخاصية‬

‫الربانية ‪ ،‬الت تعنـي أنـه مـن عنـد الله تعالى بكـل مواصفاته و مقموماته ‪ ،‬يإقمـول سيـد قاطـب رُّحمه‬

‫‪3‬‬
‫الله فـي كـتابه ) خصائص التصـورُّ السلمـي ومقمـوماته ( ‪ ":‬الــربانية أولـى خصائص التصــورُّ‬

‫السلمي ومصـدرُّ هــذه الخصائص كـذلك ‪ ،‬فهــو تصـورُّ إعتقمادي مـوحى بـه من الله ‪ ،‬ومحصورُّ في‬

‫الـمصـدرُّ ل ليإستـمـد مـن غيــره ‪ ،‬وذلـك تمـييـز لا لـه عـن التـصـورُّاتا الفـلسفـية ‪ ،‬التـي يإنشئها الفكـر‬

‫البشي حول الحقميقمة اللهية ‪ ،‬أو الحقميقمة الكونية أو الحقميقمة النسانية ‪ ،‬والرُّتباطـاتا القمـائمة بيـن‬

‫هـذه الحقمـائق ‪ ،‬وتمييـز لا لـه كـذلك عـن العتقمـداتا الوثـنية ‪ ،‬التـي تنشئها الشاعر واﻷخيلة واﻷوهام‬

‫والتصورُّاتا البشيإة "‪.‬‬

‫إن النطـق القمـرآني استأثــر بأسلـوب يإتماهـى مـع العقمـل البشـري ‪ ،‬و جعـل آيإاتـه أدلـة مـتلئمة مـع‬

‫حـول بينه وبي الستادة من‬


‫النطق الفطري ‪ ،‬ول يإتضمن حكمال من اﻷحكام يإشول حـركة العقمل أو ليإ ل‬
‫العـلـوم ‪ ،‬و ليإـمهـد للنسـان طــريإقمــال مـختـصـرال نحــو التصديإــق واللـتـزام الـمنسجـم مـع متطـلباتا‬

‫التنيإل الحكـيـم ‪ ،‬و ليإس ن نهــل عـليه وجــود دليـل قااطـع كافـي مـقمـنع بـحسـب مستـواه الفكـري ‪ ،‬و لـم‬

‫يإتعـ كمـد الـمهاتـراتا والـمطارُّحاتا العقمدة كفلسفة الــوهم ‪ ،‬بل لـقمـد أقاـنر مـوضوع السـتـدلل العقمـلي‬

‫و دعـا إلى التأمـل والتـدبـر ‪ ،‬و عـدم قابـول شـيءي بغيـر حجة ول برهان ‪ ،‬قاال تعالى ‪ " :‬قال هاتوا‬

‫برهانكم إن كنتم صادقاي "ـ النمل ‪ 64‬ـ‬

‫و كـما عـالـج بقمـياس مـنـتظـم جــوانب الحيـاة بصفـتها نـسقمـال مـتـكـاملل تقمــود أسـسه إلـى إكـتمال‬

‫العـرفـة ‪ ،‬لتصبح مـقمياسال للحقميقمـة وقااعــدلة عقمـليلة تــدفـع بالنسان إلـى التنــوع العرفي والتبوصـر‬

‫لدرُّاك الحـق والـخضوع لـه ‪ ،‬و ل يإقمتص حيـن إلقمـائه الحقمائـق على الطرح العقمـلي فقمـط ‪ ،‬وإنما‬

‫يإستعـرض العبـرة و إظهارُّ العاقاـبة ‪ ،‬و السـبـب في ذلك هـو أن غـرضه الهدايإة التـي ل تتحقمـق إل‬

‫بالجاهدة ‪ ،‬و العزم على تحدي كل العوقااتا والثبطاتا لبلوغ منلـة عـباد الـرحمـن ‪ ،‬قاال تعالى ‪:‬‬

‫" إن فـي خلـق السماواتا واﻷرُّض واختلفا الليل والنهارُّ ليإاتا ﻷولي اﻷلباب ‪ .‬الذيإن يإذكرون الله‬

‫قاـيامال وقاـعـود لا وعـلى جنوبهم ‪ ،‬ويإتفكرون في خلق السماواتا واﻷرُّض ‪ ،‬رُّبنا ما خلقمت هذا باطلل‬
‫سبحانك فقمنا عذاب النارُّ " ـ آل عمران ‪ 190‬ـ ‪ 191‬ـ‬

‫و ما توفيقمي إل بالله‬

‫‪4‬‬
‫ثـقـافـة الـسـؤال‬

‫النسان كائن متسائل يإستفهـم عن سـبب وجـوده وكينـونته ‪ ،‬وسـبب وجـود هذا الكـون من حـوله‬

‫وهو إستفهام فطري ‪ ،‬نجده لصيقملا بالنسان كيفما كان مستواه العرفي ‪ ،‬وبفـضل السـؤال يإستعيـد‬

‫الفرد وعيه بذاته كوجود وفعل وهويإة ‪ ،‬ويإقم ن نربـه شيـئال فـشيئال مـن الحقميقمة ومجابهتها ‪ ،‬ﻷن الحقميقمة‬

‫غانفكيضة ل يإوقاظها إل السؤال التجنذرُّ عميقمـلا فـي طبيعة النسان ‪ ،‬ﻷنه عندما يإندهش يإتساءيل عن ع ننلة‬

‫اﻷشياءي وهـذه مـزيإة فـطـريإة من مــزايإا العـقمـل ‪ ،‬بــل هـي السبيـل اﻷوحـد لكـتسـاب العـلم والعـرفـة‬

‫ﻷن بمقمدارُّ ما يإسأل النسان فهـو يإكتشـف ذاتـه فـي فرادتهـا ‪ ،‬ويإكـتـنهها إكـتناهال أفـضل ويإتـقمـدم فـي‬

‫تحقميقمها ‪ ،‬فيكتشف آفاق العرفة الدائمة التج ودد لتجاوز خطأ اﻷفكارُّ الثابتة ‪ ،‬ولنيل هذا البتغى على‬

‫السائـل اللتـزام بمشـروعية السـؤال التـي يإستمـدها من التفكيـر النطقمـي ‪ ،‬وهـذا يإعنـي أنـه ل يإكفي‬

‫ط‪،‬رُّح سـؤال إعتباطي بـدون قاصديإة ‪ ،‬بـل يإجب أن نحسن صـوغه بشكل ملهم و نتعامل معه بعقمل‬

‫نقمدي ‪ ،‬ل بعقمل إستسلمي يإفض بنـا إلى الهـذرُّ و الـتشـتيت التواصل للـذهـن ‪ ،‬مما يإجعـل القمضايإا‬

‫الـماثـلة أمـام الفـكـر تظــل عالـقمـة يإصعـب القاتـراب مـنهـا ‪ ،‬بـسـبب العتقمـاداتا الـيقميـنية الـمسبـقمـة‬

‫واﻷحكـام الـ نتح ويـزيإـة الجـاهـزة ‪ ،‬و التـفسيـراتا الـنمـطيـة العتـادة التـي تـرسـخِّ يإـقمـينـية ثـقمـافــة‬

‫التلقمي ‪ ،‬السكـونة بالـفكر الستحـواذي والهـووسة بالـورُّوث الفـكري إلـى درُّجـة التقمـديإـس ‪ ،‬ﻷن‬

‫الفكـر ل ليإنتيله بشءي مثلما يإتيه حي ليإس ننلم نعنالنه للسائد والألـوفا والـورُّوث ‪ ،‬وحي يإغتال قاـدرُّته‬

‫الطبيعية على الساءيلة والستشكال والنقمد ‪ ،‬لـحص تـدوفـق التساؤلتا التحفيـزنيإة للعقمل التـي لتعـ ود‬

‫البـدايإة النطقمية لدرُّاك الحقمـيقمة التـي تـ نتسع ﻷكثــر من تفسيـر ‪ ،‬ومن غيـر ســؤال يإبقمـى النـسان‬

‫لمتل ن نقمنال جيـد لا للسائد الجاهـز و النمطـي ‪ ،‬و الـبـون شـاسع بي تلقمي جــواب تتلقمـاه كللقمطـة ‪ ،‬وبي‬

‫الـبحث عـنه ثـم إكـتشافـه كمعرفة ذاتية توحي بالـثـقمـة بعـد عنـاءي السـؤال ‪.‬‬

‫جـنلـ يي بـي سـؤال محمــود هـدفـه إظهـارُّ الـحـق والـدللة عليه والدعــوة إلـيه‬
‫و بالطبع هنـاك فــرق ل‬
‫و سؤال مذموم هدفه طمس نورُّ الحق والتشغيب عليه وشغل أهل الحق عنه ‪ ،‬رُّغـم وجـود الحجج‬

‫والباهي الدامغة واليإاتا الساطعة التعددة ‪ ،‬و يإبدو أن سؤال ‪" :‬لاذا أوجد الله الشـر ؟ قاد شنكــل‬

‫‪5‬‬
‫قاضية كبـرى شغـلت بـال الفلسفـة ‪ ،‬ﻷنـه ليإمثـل مشكـلة لهـوتية وعقملية في جـوهـر تارُّيإخِّ الفلسفة‬

‫القمـديإمة والحديإثـة ‪ ،‬ﻷنـه يإتضمن في طياته محاججة لتبحـر في الــوهم وتبتعد عن الـواقاع ‪ ،‬و تنشـر‬

‫ضبابها على كـل فكـر قااصـر لـم ليإـدرُّك بـأن قاضية الش ليسـت مشكلة علمية ‪ ،‬يإمكـن للنسان ح ولهـا‬

‫بالـزيإد من اللحظة والتجـريإب حتـى يإقمـف علـى العاني الحقميقمية التـي تجنســدها فلسفيال ‪ ،‬بـل هـي‬

‫أكث تعقميد لا من أن يإفهمها العقمل الجرد ﻷنها أعقمد من التصنيفاتا الذهنية البسطة للعقمـل ‪ ،‬ول يإمكن‬

‫فـهـمها إل من خلل الخـروج من حيـز اﻷنا الهـتاجة بالكـابـرة ‪ ،‬والـتماهية مع وهـم التفلسف الــذي‬

‫تــو نلـدتا عـنه أفـكـارُّ خاطئة ترسبت في زيإف النطق ‪ .‬و هذا الضـرب من التفكيـر يإفضـي إلى وجـوب‬

‫وجــود عالـم كالحلـم واقاـعـي بقمــدرُّ ما هــو خـيالـي ‪ ،‬وإفتـراضـي بـقمـدرُّ ما هــو حقمـيقمــي ‪ ،‬عـالـم لـه‬

‫مـواصفـاتا خاصة يإحـ ننددها اللحد ‪ ،‬و يإجب أن يإننفـذهـا الخالق حسب الطلب ليعيش اللحد في عالم‬

‫الثـل ‪ ،‬ل يإجوع فيه ول يإعرى ول يإظمأ فيه ول يإضحى ‪ ،‬عالم خيالي يإعطيه شهوة الحلم بعنفوانه‬

‫ودهشته الدائمة ‪ ،‬لـملءي الخـواءي الفجع الذي يإجعل الحياة أسطورُّة شخصية ‪.‬‬

‫وبـما أن الله لـم يإستجب لطـلب اللحد فـقمـد نـكصب نـفسـه حكـمال وخصمال ومنفـذال ‪ ،‬و أعطـى لنفـسه‬

‫اﻷحقمية في أن ليإحـ ندد من هـو الله ‪ ،‬و ما هــو دورُّه وكـيف يإجـب أن يإتصـرفا ‪ ،‬إنها فـكـرة لهــرللطنقمـكية‬

‫تفـضـي إلــى الشبهـاتا التـي قاــد ليإبتلى بهـا النسان بفعـلل من طـبيعة قاصـورُّه وجهـله الكامني فـيه‬

‫مما يإجعله يإطغى و يإشعر بالستعلءي الذاتي ‪ ،‬ويإذهب بعيـدال متجـاوزال الحـدود التـي ل يإنبغـي له أن‬

‫يإتجـاوزها ‪ ،‬حتـى ل يإبقمـى حـ يد يإحجـزه عــن التألـه ليبقمى مختلفال ومتعاليال و فــريإدال بإمتياز ‪ ،‬ل يإجد‬

‫صه فـي محيط ضيـق ل يإتعـدى مطـالب الـجسد‬‫بدايإته إل في اﻷنـا اـلممتـدة خارُّج الـذاتا ‪ ،‬الت تللح ن‬

‫ومــدرُّكاتا الحـس ‪ ،‬و لتنكـر علـيه النــوازع الــروحية والثـل الـعليا ‪ ،‬ومـن هنا كـان الـمدخل اﻷخطــر‬

‫لفـكـرة أنسنـة الله عـبـر إسباغ صفـاتا إنـسانـية عـليه ‪ ،‬مـما جعـل الـملحد ليإسائـل اللـه عـنما يإفعـل‬

‫وليإــوكجه إلـيه النقمــد ضمن الشـرط النساني الناقاـض لحقمـيقمـة هـذا الـوجـود ‪ ،‬ولن تجتمع الـحقمـيقمـة‬

‫والـوهم فـي شـيءي واحـد على الطلق ‪ ،‬لـذلك ل يإمكـن إعلءي شـأن الـوهم وإثباتا صحته بأي شكل‬

‫كان ‪ ،‬بـل الـواجـب هـو اقاتـرابنا مـن حقميقمـة ما هـو كائن بعقمـولنا لـدعم لأسس الحقميقمـة الصائبة التـي‬

‫تمكننا من إقاصاءي الـوهم ‪ ،‬لكـي ل نفـقمـد واقاـعنا الحقميقمي و نتجـنرد من واقاـعيتنا ‪ .‬فالهـروب مما هـو‬

‫‪6‬‬
‫كائن ليس الـوسيلة الثلى حقمـلا ‪ ،‬ولكـن مـواجهته هـي النفــذ ﻷنـه يإمثل ما يإجب علينا فعله لنتقمي‬

‫بالواقاع ‪ ،‬وهذا ما يإجب أن يإنشغـل به ذهننا حتـى نتمنكـن من معرفـة ما هـو صحيح ومـا هـو خاطـئ‬

‫لنفـصل بيـن ما هــو كائـن وما يإنبغي أن يإكــون أي بي الـواقاعي والثالـي ‪ ،‬ونحـن نأمـل أن لنحـننول‬

‫الـواقاع إلى ماهـو أفضل فـي ما هـو كائن ‪ ،‬وعنـدما نكتشف أننا نعيش في عالم ليس له علم بما هـو‬

‫كائن ويإفلسف ما يإجب أن يإكون ‪ ،‬تأكد أنن عالنا هذا هو عالم مزكيإف و لمخيف !‬

‫‪7‬‬
‫فـلسفـة الـوهـم‬

‫الـوهم هـو معـرفة ظنية ل تغنـي عن الحقميقمة شيئلا ‪ ،‬ﻷنه ل يإمـر بسلسلة القمواعد التعلقمة بالعـرفة‬

‫الـوضوعية ‪ ،‬التـي تـؤكد أو تنفـي البـرهان مـن أجـل تفسيـر واقاـعة ‪ ،‬أو فـهـم ظاهـرة تأسيسال على‬

‫اﻷسباب والشـروط التـي ل تنفصل عنها ‪ ،‬وكـل أشكـال الــوهم هـي ثمــرة لسـؤال مـتعلـق بـما ليس‬

‫واقاـعـ لا أمـام الحـواس ‪ ،‬يإنتـج عـنه وعـي عـبارُّة عـن أحكـام متعـددة التـصـورُّاتا غيـر الواقاعية التـي‬

‫تـزيإد من ثـراءي أشـكال الـوهم ‪.‬‬

‫والفـلسفـة ليسـت مـسارُّل لتحـورلرُّ مـن اﻷوهام فـقمـط ‪ ،‬بـل ومسارُّ إنتاج الـوهم وتأكيده أيإضال ‪ ،‬وبالتالي‬

‫ففـلسفـة الـوهم هي التـي تبن أفكارُّها على تبـريإـر غيـر معقمـول ‪ ،‬ليإقمـ ندم صورُّة معكـوسة عـن الـواقاع‬

‫الحقميقمي ل وجـود لهـا ‪ ،‬لـقمـلـب الحقمائـق وتشـويإـهـها بأسلـوب ماكـر ل يإرقاـى إلـيه الشك ‪ ،‬وهـو أسوأ‬

‫أنواع الوعي ﻷنه ناتج عن العناد والكابرة وليس عن عقميدة ‪ .‬قاال تعالى‪ " :‬ومن الناس من يإقمول‬

‫آمنا بالله ‪ ،‬فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله "ـ العنكبوتا ‪ 10‬ـ‬

‫تب ني اليإة الكريإمة صورُّة واضحة عن أصحاب العقمول العليلة والنفوس الضعيفة ‪ ،‬الذي يإقمولون ‪:‬‬

‫منكرال من القمول وزورُّال ‪ ،‬مما جعل أمرهم عليهم متلبسلا فـزعمـوا أنهم محقمون بأن ما تعيشه البشيإة‬

‫ولتعـانيإ لنه من سفـك الـدماءي ‪ ،‬وإنـتشارُّ الفقمـر والعـوز والبـؤس والتعاسة ‪ ،‬وسـيادة الظـلم والطغيان‬

‫والكـراهية وأنــواع التعصب السيطــرة ‪ ،‬كل هـذه الساوئ و الشــرورُّ ليإعيـدونها إلـى معـتقمـد تبكنـوه‬

‫وتــر لكسخِّ فـي عقمـولـهم ‪ ،‬هــو أن الله كــان ومـازال السـؤول عـن وجــود الشـر ‪ .‬معتقمـد كهـذا يإــؤجج‬

‫الـشـك ليإجـاد حال لة مـن الهتـزاز الروحي والفكـري في إيإمان السلمي الطـيبيـن ‪ ،‬الـذيإن قاـد يإعيش‬

‫بعضهم بساطة العقميـدة وسـذاجة الفكـر ‪ ،‬الت ل تتيح لهم الدخول في متاهاتا الجـدل الفكـري الـذي‬

‫يإثيــره اللحـدون ‪ ،‬الـذيإـن يإــرون بأن "معضلة الشــر"سـبب كـالفا لللحاد ‪ ،‬ولـذلك أقاـول لهؤلءي لقمـد‬

‫لقاـلفـلو لتم ما ليس لـكم بـه علـم ‪ ،‬وخضتم مع الخائضي بـدون عـلم أو إستـدلل لفـراغ اليإمان بالله‬

‫مـن الفهـم الذي يإستند إلى العقمل الراجح ‪.‬‬

‫وليإـعـ ود الفـيلسـوفا الغـريإقمي إبيقمــورُّ هــو أول مـن طــرح "معضلة الشـر" من خـلل تساؤلـه ‪ :‬كـيـف‬

‫‪8‬‬
‫يإـمكن وجـود الشـر والعاناة في العالم ‪ ،‬مع فكرة وجود إله ذي قادرُّة ومعرفة وخي مطلق ؟‬

‫وأتت محاججته على الشكل التالي ‪:‬‬

‫ش‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ إذا كان يإوجد إله كامل القمدرُّة والعرفة والخي بالعالم إذال لن يإوجد ال و‬
‫ش في العالم ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يإوجد ي‬
‫‪ 3‬ـ إذلا فإنه ل يإوجد إله كامل القمدرُّة والعرفة والخي في الن ذاته ‪.‬‬

‫إن ظاهـر هــذه الحاجـجـة "العقملنـية" وباطـنها يإع ن نبــر عـن الـوهـم ‪ ،‬ﻷنها تتضمن مقمـدمة تفتـرض‬

‫القمضية الـمراد البـرهنة عليها ‪ ،‬وبالتالي كانت النتيجة مصادرُّة الحقميقمة ‪ ،‬و هذا ليس طرحال منطقميال‬
‫فـلسفـي لا ‪ ،‬ﻷن إكـتشـافا الحقمـيقمـة يإـكـون بأسئلة مجـردة تـبحث عـن إجابـة حقمـيقمية ‪ ،‬يإمكـن قاـياسها‬

‫وقاـياس دلئلها ‪ ،‬فهــو ليإحـانجج بمنطـق متكـ نلـف يإـصب فـي خـانة الـوهم والخبـل ليتـيه فـكـر التلقمـي‬

‫في فرضياتا المكناتا ‪ ،‬وهكـذا هـو حـال اللحـد يإستـدنل بالوهم إذا أعـوزه البـرهان الصادق ‪ ،‬هـدفـه‬

‫من خلل محاججته هو أن نعرفا ماهية الله من خلل إحتمالته النغلقمة على ذاتها ‪ ،‬الت طـرحها‬

‫بنالءي على شبهة "معضلة الش" الفضية ضمنيال بالتل ن نقمي إلى ثلث إحتمالتا ‪:‬‬

‫* الحتمال اﻷول ‪ :‬الله غي م ك‬


‫نه عن النقمائص والـلمحالتا و ل ليإعتقمد فيه الكمال الطلق ‪ ،‬وبالتالي‬

‫هو عاجز ل يإستطيع أن يإوقاف الش في العالم ‪.‬‬

‫* الحتمال الثاني ‪ :‬الله شيإر بذاته ﻷنه سمح لهذه الشورُّ الكثية أن تسكن العالم ‪.‬‬

‫* الحتمال الثالث ‪ :‬الله غي موجود و كل ما يإحصل هو عشوائية أساسال ل مغزى لها ‪.‬‬

‫إحتمالت واهـية لـو كـ كررُّهـا الـملحد آلفا الراتا في اليوم ‪ ،‬فهـو فـقمـط يإستهلك ذاته فـي لهو يإلرللثى لـه‬

‫وسيجد نفسه دوملا عند نفس النقمطة يإدورُّ ببلهة إلى اﻷبد ‪ ،‬و لـن يإتمكـن أبدال من إيإجاد أي علة في‬

‫سلسلة الحتمالتا المكنة ‪ ،‬الت يإمكن أن تفس له لاذا الحياة على هذا النحو وليس غيه ؟‬

‫إن الفـلسفـة اللحاديإة حـ نلـت التفـسيـر الــوهمي للـوجـود مـحـنل التفـسيـر العقملي الغائي الكامـن فـي‬

‫اليإـاتا الكــونـية ‪ ،‬و ألغـت باقاـي اﻷدواتا الدرُّاكــية الـتعـددة التـي تتكـامـل فـيـما بينها مـن أجـل‬

‫اسـتكنـاه الحقمائـق الغيـبـية ‪ ،‬إذ يإستحيـل على النسان تحـديإـد ما هـو مـمكـن أو ضـرورُّي في عالم‬

‫‪9‬‬
‫الـماورُّائياتا ‪ ،‬ﻷنه عـالم يإقمـع خارُّج دائـرة الدرُّاك العقمـلي التجـريإب الـذي يإتـوقاـف علـى الـقمـياس‬

‫حـالولللت إختازل معــرفة الكـون‬


‫البهاني ‪ ،‬و النظم الستدللية الفـضية إلـى التصديإـق التجريإبـي ‪ ،‬و ل‬
‫كـ نلـه و حشــره فـي بــؤرُّة التناقاـض والتضاد لحسم نظرتها اللحاديإة ‪ ،‬فـكـم هـي اﻷشياءي الت نملك‬

‫عنها تصورُّاتا حسية سابقمـة و لكننا لم نـدرُّك الـحكمة من وجـودها ‪ ،‬التـي يإمكـن لكل فطـرة سليـمة‬

‫أن لتـد ننلـل عليها بأبسط الـبـديإهياتا العقمـلية بل نفــورُّ ‪ ،‬ﻷنها متوافـقمـة مع الــقمـيم والثــوابـت العـقمـلية‬

‫الـغـيـر الخـاضعة لــوجهاتا النـظــر أو الـنــزواتا والـشطـحاتا و اﻷهــواءي الـنضـويإـة تـحـت عـنـوان‬

‫الحجج والبـراهي ‪ ،‬و ماهـي فـي واقاـع اﻷمــر إل سفـسطة و شـبهـة ذاتا الـتـأثيـر الـسلبـى ‪ ،‬التـي‬

‫يإمـكـن أن لتشــلونشـ لر علـى الفطـرة السليـمة لـتبعـدها عـن الدرُّاك اليإماني الفـضـي إلـى التصديإـق‬

‫ص وورُّي ‪ ،‬الــذي يإـنسـب اﻷشـياءي إلـى الـحقمـيقمـة ل الـحقمـيقمـة إلــى اﻷشـيـاءي ‪ ،‬ﻷن ل أحــد يإعـلم كــل‬
‫ال كت ل‬
‫الحقمـيـقمـة عـن هــذا الـوجـود أي يإحيط بـه إحاطـة تامـة ‪ ،‬وإنـما يإعـرفــه معـرفـة نسـبية نـاتجة عــن‬

‫معتقمده و قاـدرُّاته العقمـلية في إطارُّ المكن ‪ ،‬ومـن هـنا يإبـدأ الـخلفا حـول إدرُّاك الحقميقمة ‪ .‬فالـمـؤمن‬

‫يإــرى بأن كــل أفـعال الله تجـري بـإرُّادتـه ومـشيئتـه وحـكـمتـه ‪ ،‬بينما الـملحد يإـستقمطع كـل هـذا‬

‫ويإتخطـاه إلـى مـا يإتعـارُّض معـه لنفـي الغيبياتا بالكـلية ‪ ،‬لجـرد أنها ل تخـضع ﻷدواتا إدرُّاكـه‬

‫الفـكـري ‪ ،‬وهـذا مــؤشـر عـقمـلي كـافـي بالنسبـة إلـيه ليعـطـي تـفسيـراتـه الــوهـمية ‪ ،‬قاـصـد سـ نند‬

‫فــراغـاتـه الـعـرفـية ‪ ،‬لبغـيـة إظهـارُّ إدرُّاك الوجود مـوقاـوفا على الحسوس فـقمـط و إدرُّاك النسان‬

‫محصـورُّ في العقمـل ‪ ،‬نافـي لا الدرُّاك بالبديإهية الـذي ل يإحتاج فــي ذهـن العاقاـل إلـى شـرح وتفسيـر‬

‫ﻷن البديإهية سليلظهــر حـتلمـا صـد لقاـها إذا تكاتـفـت كــل القمـدرُّاتا العقمـلية والعقمائـديإة وتكـاملت ملعـا‬

‫بـكـل إتـزان وتناسـق ‪ ،‬لـبيان أن ل تـعـارُّض و ل تناقاـض بـيـن وجـود الشـر و الحـكمة مـن وجـوده‬

‫وبالتالي فإفلتا الحكمة من آلتنا الدرُّاكنية البشنيإة يإجب أن ل يإفض بنا إلى التشكيك في حقميقمة‬

‫اللـه أو القمـول بعـدمـه ‪ ،‬ذلـك أن عـدم الفـهـم أو عـدم الدرُّاك ﻷبعاد ومعالـم أي أمـر مـن اﻷمـورُّ‬

‫الغيـبية ‪ ،‬يإـجـب أن ليإــؤدي إلى رُّفـضه أو معاداته ﻷنه اسـتنتـاج منافـي للتفكـيـر الـمتم ن نعـن إلـى‬

‫حـ ند الخــروج عـن التــزان الفكـري ‪ ،‬الـذي يإـدعـو إلى ال كتكـامـل بيـن الـملكـاتا الدرُّاكـية ‪.‬‬

‫‪10‬‬
11
‫حكمة الش الطبيعي‬

‫الـحكمة هـي إدرُّاك الغايإـة مـن حقمائـق اﻷشياءي على ما هـي عليه في الـوجود بقمـدرُّ الطاقاة البشيإة‬

‫واليإمان بالحكمة الـربانية ل يإنبنـي على إدرُّاك حقميقمة وجـود اﻷشياءي فقمط ‪ ،‬ولـكـن يإتأسس كـذلك‬

‫علـى الـثـقمــة فــي خالـقمها ومبـدعـها ‪ ،‬هــذه الـثـقمــة التـي يإـجـب أن تـتجــذرُّ وتـسـتـقمــر فــي العـقمــل‬

‫والـوجـدان ‪ ،‬لتـرسيـخِّ العتـقمـاد بأن الحكـمة هي الشـرط الضـرورُّي لتقمـبل الوجود على ما هو عليه‬

‫وهـذا الفهـوم ل ليإـد نرُّكه اللحلد الذي ل تهـمه الآملتا والقمـاصد الت توصله إلى الحكمة ‪ ،‬وإنما شغله‬

‫الشاغـل هـو نيـل حـظه مـن الخيـر دون الشـر فـي هـذه الحياة وهـذا منتهى ما يإطمح إليه ‪ ،‬و بسبب‬

‫مكابـرته فهو يإرى أن أي نعيم عاقاـب ل يإبـنررُّ أذى عاجلل ‪ ،‬قاــال تعالى ‪ " :‬الله خالـق كـل شءي وهو‬

‫على كل شءي وكيل"ـ الزمر ‪ 62‬ـ‬

‫اليإة تـشيـر إلى كـمال الربوبية وشموليتها ليكون الروب رُّبال لك ن نل شءي ‪ ،‬وخالقمال لكل شءي للخي وال ن‬
‫ش‬

‫مـعـال ‪ ،‬كـما خـلـق السبباتا ســوا لءي النافــذة لحصـول الـسـبب أو الـمانعـة لحصـوله ‪ ،‬وجميعها ناقاـصة‬

‫ومفـتقمـرة إلى خالـقمها سبحانـه ‪ ،‬و عاجـزة عـن الحـدوث إل بإذنـه ‪ ،‬فا"الشـر الـطبيعي" الـذي تعاني‬

‫مـنه الخلئــق إنما هــو مـن مقمــدورُّاته ‪ ،‬لـكـي يإـظهــر قاــدرُّته لـخلقمـه على أنــه التـفــ ن نرد بخلـق الشءي‬

‫وضـده بـل مـمانـع ول منـازع ‪ ،‬لـقمـد خـلقمـه و وضع لـه قاـوانـي وضـوابط وحـ كدد لـه غـايإة نـاتجـة‬

‫عـن حـكـمـة ‪ ،‬وجعـله قاـائمال فـي مفعـولته ل فـي أفـعـاله ‪ ،‬ومتع ننلضق بقمصورُّ الـادة وضعف إمكـاناتها‬

‫و انتسامهــا بالـمحـدودكيإـة ‪ ،‬وهـذا الـنقمـص لـيس نـابع لا عــن عـجـز القمــدرُّة اللهية بـل هـو مـن ذاتياتا‬

‫الطـبيعة الـاديإة و لــوازمهـا ‪ ،‬التـي س كخرها سبحانه بإرُّادتـه الكــونيـة ل بإرُّادتـه الشعـية ‪ .‬و مــن‬

‫الـبديإهي أن يإكـون الخالـق عز وجل أكمـل مـن الخلوق الـذي ل يإخلـو مـن نقمـص يإتنه عـنه الخالـق‬

‫وإتفاقاهما فـي الكـمال الطلـق مستحيـل يإمتنع عـن التصورُّ ‪ ،‬ﻷنه شاءي سبحانه أن يإكون لكل مخلوق‬

‫نقمـص هـو مظهـر كـمالـه فــل يإجـوز تعطـيـله ‪ ،‬إذ لـو اقاـتصــرتا مـشيئـته علـى مـقمــدورُّ واحـد مــن‬

‫مقمــدورُّاتـه ‪ ،‬معنـى ذلك أنه عاجـز عـن غيـره فـتـركه عجـلزا ‪ ،‬قاال تعالى ‪ :‬ولنبلـونكم بشـيءي من‬

‫الخوفا والجوع ونقمص من اﻷموال واﻷنفس والثمراتا وبش الصابريإن "ـ البقمرة ‪ 155‬ـ‬

‫‪12‬‬
‫إن اليإة تبي بوضوح بأن "الش الطبيعي" ما هو إل عبارُّة عن قاواني ونظم مسنخرة بإذن الله ‪ ،‬قاد‬

‫لتفض إلى نقمص في الخي وليست شــرال مطلقمال ‪ ،‬فالخوفا ما هو إل نقمص في اﻷمـن ‪ ،‬والجـوع نقمـص‬

‫في الشبع ‪ ،‬والفـقمـر نـقمص في الغن‪ ....‬لونقاـلس على ذلك ‪ ،‬و ذلـك دلـيـل عقمـلي قااطـع علـى حـتمـية‬

‫الـنـقمـص في الوجوداتا الـذي هـو عيـن البتلءي ‪ ،‬وبالتالي فـي إستطاعـة النـسان أن يإختـزل هــذا‬

‫النقمـص بـفـضل العـلم والعـر فة وحسـن الـتـوكل على خالـق اﻷسباب ‪ ،‬و لـكنه ل يإستطيع رُّكد تلك‬

‫القمــواني والنظـم ﻷنـها رُّهـينة بـمشيئـته سبحانـه ‪ ،‬لتحـدث اﻷشياءي كما يإـريإدها على الصيغة التـي‬

‫يإـريإدها ‪ ،‬و لها معن وهـدفال وغايإـ لة أعمـق من الحـركاتا الجـزئية الـوقاتية الـدائمة ‪ ،‬وهي قاـائمة على‬

‫أسـاس الـحكمة التـي تعنـي الغائية ونـفـي العبثيـة ‪ ،‬قاال ابن تيمية رُّحمه الله ‪ " :‬وقاـد يإـعلم بعض‬

‫الـعباد بعـض حكـمته ‪ ،‬وقاـد يإخفـى عـليهـم منهـا ما يإـخفـى ‪ ،‬والناس يإتفاضلـون فـي العلم بـحكمته‬

‫ورُّحـمته وعـدله ‪ ،‬وكـلما ازداد العبـد عللما بحقمائـق اﻷمـورُّ ‪ ،‬ازداد علـلما بحكمة الله وعدله ورُّحمته‬

‫وقادرُّته ‪" .‬‬

‫وهـذا دلـيـل على أن الـسبيل اﻷوحـد للحكمـة هـو العـلم ‪ ،‬فـمـن آمـن بالعـلم وحـده فـقمـد قاــدح فـي‬

‫الحكـمة وع كطـلها ‪ ،‬وإن آمـن بالحكمة وحـدها فـقمـد قاــدح فـي العلم ونقمـصه ‪ ،‬بـل الـواجب رُّبط العلم‬

‫بالحكـمة ليكتمـل اليإمان الـذي ليس كـلمة يإكفـي قاـولها ‪ ،‬إنما هـو إلـتـزام يإتطـلب الصـدق والجاهـدة‬

‫والستعـداد لـتحمـل الـشاق ‪ ،‬فـإذا ألـمـت بالـؤمن الشـدائـد تــذكـر أن نسـعلتها إنـما تكــون بتحقمـيـق‬

‫العبـوديإة لن بيـده اﻷمـر ‪ ،‬مـع اﻷخـذ باﻷسباب للتعبيـر عـن مدى نجاحه في الستجابة لقمتضياتا‬

‫التكليف الشـرعـي والحياتـي ‪ ،‬ونجاعـة أدائه فـي مياديإـن الحياة وحســن تدبيه لشؤونه ‪ ،‬فـتتحرك‬

‫القمابلياتا للحـ نند مـن اﻷضـرارُّ وتهـيـئة ما يإلــزم للـرقاـي إلـى مــدارُّج التـكمـال ‪ ،‬ولـن يإستطيع النسان‬

‫تحقمـيـق هـذه الغايإة وهـو غـيـر مــدرُّك لقمــواني الطبيعة الجـزئـية ‪ ،‬الـنضـويإة تـحت نظـام ك نلـي عام‬

‫شامـل ‪ ،‬وغيـر لمـلـم بأســرارُّها وخصائصها بعـد أن زوده الله سبحانـه بقمـدرُّاتا عقمـلية ‪ ،‬وسـنخـر لـه‬

‫مـا فـي اﻷرُّض جـميعـال وأمــ نده باﻷدواتا الـلزمـة ‪ ،‬لـيحقمــق خـيـرال أكـبـر للنسانـيـة مـن ورُّاءي هــذا‬

‫"الشـر" ‪ ،‬بــوصفه مخلـولقاا قاـابلل للفهـم ول يإلنحيل إلى أيإـة غائياتا خارُّجة عـنه ‪ ،‬وهـذا الفهـم أداته‬

‫القمـصوى هـي الـعلـوم والـمعارُّفا الـتـي هـي أداة الـعقمـل ‪ ،‬التـي مـككنـت النسـان مـن إبتكـارُّ أفـضـل‬

‫‪13‬‬
‫الـوسائــل لـجعـل الطبيعة تـلم لتـثـل لرُّادتـه ‪ ،‬لختـزال "الـشـر" بـغـية تـحقميـق الـخيــر ‪ .‬فالكـوارُّث‬

‫الطبيعية التـي نـراها "شـرلا" تسي وتفعـل وفـق قاواني يإسـودها النتظام وثباتا أصـل السببية ‪ ،‬مما‬

‫يإــو نفـر للنسان الـبيـئة الضـرورُّيإة لسلمـة التفكيـر العقملي وإستنباطاته وتـوقاعاتـه إذ بالعلم يإمكـن‬

‫تـعليـل كــل ظاهـرة كـونية بـواسطة القمـواني الت تهيمن عليها ‪ ،‬فـإذا تمنكن من فهمها وإستيعابها‬

‫استطاع أن يإحنول السلب القمائم فـيها إلى إيإجاب ‪.‬‬

‫ومما سبـق ذكره نرى أن حـ كد العلم هـو النظـر في الـمـوجوداتا للبحث عن النعلـل الفاعلة فيها ‪ ،‬وذلك‬

‫لغـرض فـهـمها وتفسيـرها وإستخـراج قاواعدها وقاـوانينها ‪ ،‬إما لتجنب أضارُّها وإما لتطويإع فـوائـدها‬

‫وهـكـذا تصبح الكــوارُّث الطبيعية هـي الـمـرجع الـذي يإـستمـ ند مـنـه النسـان العــرفـة ‪ ،‬الت تساعـده‬

‫على إكتشافا الخيــر الللمـلسـلتتـر فيما كان يإــراه "شــلرا مـستطيـرلا" ‪ ،‬الــذي جعـله الله قاابـلل للختـزال‬

‫و مـرتهنال بعملية التطـورُّ الخكلق طبقمال للـمشيئة اللهية ‪ ،‬ليعيش الناس نـوعـال مـن السعادة فـي إطارُّ‬

‫حدود مـا يإسمح بـه التجلي اللهـي ‪ ،‬وهذا ما جعـل كــبارُّ عـلماءي الكــونـياتا اليـوم ل ليإنكـرون التنظيم‬

‫الغائي أي الـحكمة فـي ما يإــكتشفــونه ‪ ،‬مـما جعلهـم يإـقمــورون بــوجـود حـكـمـة فائـقمـة ومـذهـلـة فـي‬

‫التـركـيب البـديإع ﻷجـزاءي الكـون ‪ ،‬بحيث وجـدوا أن كــل مـخلـوق تحكـمه قاـواني ومباديءي لها طابع‬

‫الشمـول كـامنة فـي فـيه ولـيس خارُّجه ‪ ،‬و تخضع لتسلسـل منطـقمي سببـي محـ كدد سلفال ‪ ،‬ليسيـر كـل‬

‫شءي وفقمها بما في ذلك النسان نفسه ‪ .‬والقاـرارُّ بحقميقمة هـذا التـقمـان الغائي يإب ني بـجلءي ل غبش‬

‫فيه أن ما يإبدو من "شـر" في بعض أوجه الـحياة إنـما هــو مقمصــود ‪ ،‬فـلـو دقاـقمـنا النظــر فـيه لعلمنا‬

‫أنـه صادرُّ عـن مـحض الحكـمة الـمتجليـة فـي قاـوله تعالى ‪ " :‬و يإستخلفكم فـي اﻷرُّض فينظـر كيف‬

‫تعملون "ـ اﻷعرافا ‪ 129‬ـ‬

‫الحكـمة الـربانية تكمـن فـي "كيف تعملون" فـيما سكخـر الله سبحانه للنسان في هذه الدنيا ‪ ،‬حيث‬

‫جعـل كـل مـوجـود خاضعال لس ننة التغييـر مـن خـلل اﻷسباب الـطبيعية الـودعة في كـل كائن ‪ ،‬وقاـد‬

‫سكخـر بعـضها و جعـلها خاضعـة للتغيـيـر والتبديإل ‪ ،‬تـبعال لرُّادة النسـان لليقمــننوي الخيـر ل ويإللضنعلف‬

‫"الشـر"‪ ،‬وجعـل بعضها ظاهـلرا وبعضها خـفـليا لليتـونسـل بالجـلني إلـى معـرفـة الخفــي بالجتهـاد‬

‫وإتعاب النفس وإعمال الفكـر ‪ ،‬حتـى يإتبني الجـ ند مـن القمنص والجتهد مـن الفنرط ‪ ،‬فيكـون ثوابهـم‬

‫‪14‬‬
‫بقمدرُّ إجتهادهم ومراتبهم على قادرُّ علومهم ‪ ،‬طبقمال لقمـولـه تعالى‪ " :‬قال هل يإستوي الذيإن يإعلمون‬

‫والذيإن ل يإعلمون إنما يإتذكر أولو اﻷلباب "ـ الزمر ‪ 9‬ـ‬


‫و لـم يإجعـل سبحانه جـريإان اﻷمــورُّ فـي هــذا العالـم ضمـن سنـن الخـوارُّق ‪ ،‬وإننـما ن‬
‫ضمـن السنـن‬

‫الـرتـيبة ليإصال النـفـع إلى خـلقمـه ‪ ،‬فـل مـجـال لحـوادث عشـوائية غيـر محـددة اﻷسباب ‪ ،‬فكل ما‬

‫يإحـدث قاـابـل للتفسيـر والتنبـؤ مـن حيث البـدأ ‪ ،‬ﻷن الخالق سبحانه شاءي أن تكون بنية العالم على‬

‫صـورُّة تسمـح بـتنبـلؤ عقملي لكـ ن نل ظاهرة أو حـدث ‪ ،‬قاال تعالى ‪ ":‬سـنـريإهـم آيإـاتنا فـي الفاق وفي‬

‫أنفسهم حت يإتبي لهم أنه الحق ‪ ،‬أو ل يإكفي بأن رُّبك على كل شهيد "ـ فصلت ‪ 53‬ـ‬

‫ومعن ‪ :‬سنيإهم آيإاتنا" أي سنمكن النسان بفضل قادرُّاته العقملية من إكتشافا القمواني الللملضلمـر لنة‬

‫في كـنـه اﻷشياءي ‪ ،‬الت لتم ن نكـ لنها من أداءي وظائـفها فـي هـذا الـوجـود ‪ ،‬و ل يإمـكن للنسان أن يإغ ن نيـر‬

‫هـذه القمـواني أو الخروج عليها ‪ ،‬بل قاـدرُّتـه تتمثـل في إتخاذ قاـرارُّاتا مـؤثرة ومهمة من خلل هذه‬

‫القمواني الحتمية ‪ ،‬الت سكخرها الله إيإاه دون قايود قااهـرة لتطـويإر سبـل الحياة و إعمارُّ اﻷرُّض‬

‫وإصلحها ‪.‬‬

‫ومن الـؤسف أن بعض التفيقمهي جعلـوا "الش الطبيعي" قاضالءي ل مـر كد له لتبـريإـر أخطـاءي النسان‬

‫وفشله في تدبيـر وإدارُّة شـؤونه ‪ ،‬وأبشع ما في هذا الفتاءي هـو أنهم ليإر ن نسخـون في عقمـول السلمي‬

‫الطيبي ‪ ،‬الذيإـن قاد يإعيش بعضهم بساطة العقميـدة وسذاجة الفكر رُّوح الستسلم والنهزامية ‪ ،‬ولـو‬

‫تـدبروا قاوله تعالى ‪ " :‬قال سيوا في اﻷرُّض فانظروا كيف بدأ الخلق ‪ ،‬ثم الله يإنش النشأة الخرة‬

‫إن الله على كل شءي قاديإر "ـ العنكبوتا ‪ 20‬ـ‬

‫لعلموا بأن الحق سبحانه يإدعوهم ويإأمرهم بضورُّة النظر العقملني اللزم للتفكر والتدبر‪ ،‬لكتشافا‬

‫القمواني والنظم الـربانية التحكمة فـي اﻷرُّض ومن عليهـا ‪ ،‬إضافـة إلى أخـذ العبـرة من آثارُّ اﻷقاـوام‬

‫الغابـرة مـن أجـل إكتساب مـزيإد مـن الخبـرة والبحـث عـن الـحكـمـة ‪ ،‬لستكمـال السيـرة الـحضارُّيإـة‬

‫النسانية بمنهجية أكثـر رُّشدال وأقاـل أخطالءي ‪ ،‬وهـذا التـوجيه الــربانـي يإحثـنا علـى تـوظيف " الـشـر‬

‫الطبيعي" تـوظيفال عملي لا في حياتنا بغـية إختـزال معانـاة النسان ‪ ،‬بـدل أن نضفـي عليـه الغمـوض‬

‫ب وإنتقمـاضم مـن الله ل مـر كد لـه ‪ ،‬بينما هــو‬


‫ونـس ن نيجه بالـطلسيم و نستسلم لـه عـن قاـناعـة بأنه عــذا ض‬

‫‪15‬‬
‫حتمي بسبب القمواني والنظم الجارُّيإة فـي هـذا الــوجـود ‪ ،‬و ليـس أمــرال طارُّئال أو نازللة مفـردلة ‪ ،‬بـل‬

‫هــو عــلةل وغـايإـة خلـ لق النسان بـما تقمـتضيه حكـمة الله مـن وجــود تكـاليـف شـرعـية وضـرورُّاتا‬

‫حياتية ‪ ،‬ونوازل كونية ومدافعاتا بشيإة ‪ ،‬للكشف عن من أحسن العمل ومن أساءيه ‪ ،‬لتقمام الـحجة‬

‫على النسان فليثاب على ما كسب وليإذم على ما اكتسب ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫عبثية الش الخلقاي‬

‫العبثية تتنافى مع النطق ول تحتم قاواعده ول تخضع لها ‪ ،‬ولتفض بالنسان إلى إجتارُّ أفكارُّه‬

‫الجوفاءي الت ل مضمون لها ‪ ،‬ﻷنه فقمد القمدرُّة على رُّؤيإة اﻷشياءي بحجمها الطبيعي ‪ ،‬فلم يإعد لسلوكه‬

‫معن في الحياة ‪.‬‬

‫و الش اﻷخلقاي ليإقمصد به الجوانب السلبية في تفكي النسان وسلوكه ‪ ،‬بحيث تصبح عنده رُّغبة‬

‫لملكحة في إستعمال إرُّادته الحـ نرة لرُّتكاب الشـر في حـق الخـريإن ‪ ،‬و هـذه الرُّادة الحـرة هي قاـدرُّة‬

‫واعية مـدنرُّكة و لمو نجهة ‪ ،‬تستخلص الفاهيم والبادئ اﻷخلقاية من اﻷحاسيس والنفعالتا اﻷولية‬

‫اﻷصلية من إسـتحسان أو إسـتنكـارُّ للفعـل الـفض إما للخيـر أو الشـر ‪ ،‬وبالتالـي فإن لتنبلعـة أعـمال‬

‫النسان ومسـؤولياته تـقمـع عليه وحـده ‪ .‬ومعنــى هذا أن الخيـر و الشـر ليسـا متأصليـن في فطــرة‬

‫خللنقمـنية ‪ ،‬وإنما ليإلستـندول عليهما بقمـدرُّاته العقملية ويإختارُّ أحدهما بإرُّادته الحـرة ‪ ،‬وهـذه‬
‫النسان الل ل‬
‫القمدرُّاتا قاابلة للتبية والتـوجيه نحـو الخيـر أو الشـر وهنا مـحك البتلءي و الفـتنة ‪ ،‬قاـال تعالى ‪:‬‬

‫" وهديإناه النجديإن " ـ البلد ‪ 10‬ـ‬

‫و الهدى في لغة العرب ‪ :‬هو كل ما يإدل على سبيل النجاة ويإدل على الخي والسعادة ‪ ،‬و هـدايإة الله‬

‫تـعالى تـتـم بــواسطة الـبــراهي واﻷدلــة العـقمـلية و الحجـج القمـرآنية الـدامغة ‪ ،‬التـي لتــو نجـه الرُّادة‬

‫الحـرة لتحقميق الخيــر ونـبـذ الشــر ‪ ،‬لذا جعل الله النسان هو الكائن الـوا حد الذي يإستدل على الله‬

‫من خلل آيإاتا اﻷنفـس و الفاق ‪ ،‬بـحيث جعـله سبحانه فـي مـركزيإة هذا الكـون دون غيـره وكــنرمـه‬

‫دون ســواه بالعـقمـل ‪ ،‬وليـس لـه أفـضلية إل بالـقمــدرُّة عـلى فـعــل الـخيــر ونـبـذ الـشــر لـيكــون أحـ نق‬

‫بالسـتخلفا فـي اﻷرُّض ‪ ،‬و عندما استخلفه كـ نلـفـه بإعـمارُّ اﻷرُّض وإصلحهـا وأمـره بأن ل يإبتغـي‬

‫الـفـساد فـي اﻷرُّض ‪،‬فــوكفــر لــه المـكانـاتا والــوسائـل وزنوده بالـقمــدرُّاتا الـعـقمـلية الـتـي تـجـعـلـه‬

‫قاــادرُّ لا علـى الستفـادة مـن تـلك الـمقمـوماتا ‪ ،‬لجـلب الـخيـر والسعادة لبنـي الـبشـر من خـلل اللتام‬

‫بالنطـق القمرآني ‪ ،‬الـذي يإحـوث عـلى قاـنيـم الـحـق والخيـر والـجمال ‪ ،‬إل أن النسـان ليإـغـتــنر وليإـطـغـى‬

‫فـيــزيإـغ عــن الـسبيــل الـقمـويإـم ‪ ،‬ويإــصـ ود عـن الـمنطــق الـرباني و يإـحتكم إلـى الطاغــوتا ‪ ،‬و يإنقمـلـب‬

‫‪17‬‬
‫وضعـه مـن إعـتنـاق الـفـضيلـة لـيسقمـط فـي بـؤرُّة الرذيإلة ‪ ،‬فيتكب اﻷخطاءي والزلتا والوبقماتا‬

‫وليإلبتنغي الفساد ‪ ،‬قاال تعالى ‪" :‬كل إن النسان ليطغى أن رُّآه استغن"ـ العلق ‪6‬ـ‬

‫تـشيـر هـذه اليإـة الـكريإمة إلى حقمـيقمـة سـلـوكية شـديإـدة اﻷهميـة ‪ ،‬يإـجب عـلى كـل عاقاـل رُّشـيـد أن‬

‫يإحتاط لها وهي الستغناءي ‪ ،‬بحيث يإتصورُّ النسان في كثيـر من اﻷحيان أنه قاد وصل إلى قامة العلم‬

‫و الجـاه و السلطان و القموة ‪ ،‬فـيقمـع صـريإلع جـنــون العـظـمـة بـسـبب غـــرورُّه ونكـلبــنره فـليقمبـل عـلـى‬

‫كــل فـعـل يإــوافق هــواه ويإـميـل إلـيه بإرُّادته الـحـرة ‪ ،‬والنتيجة الحتمية لـذلك هـو الطغيان الــذي‬

‫ليإـعـ ود أعظـم الفـاسد اﻷخلقاية التـي يإتعـرض لها اﻷفـراد والجتمعاتا ‪ ،‬إذ ل يإـتــوكرُّع الـطـاغـية عـن‬

‫إستخدام كل أسـاليب الـعنف والكـراه لتحقميـق رُّغباته وأهـوائـه لـيفسد فـي اﻷرُّض ويإهـلك الحـرث‬

‫والنسل ‪ ،‬وقاـد يإـتمادى أكـثـر من ذلك كـما فـعـل فـرعــون ‪ ،‬إذ قاال ‪ ":‬أنا رُّبـكـم اﻷعلى" وما أكـثــر‬

‫فــراعنة هـذا الـزمن اﻷغـبـر ‪ ،‬لذا اقاـتضت حكـمته سبحانه أن ليإسأل النسان عن أعماله الغيـر الكـره‬

‫على فعلها ‪ ،‬قاال تعالى ‪ " :‬ل ليإسأل عما يإفعل وهم ليإسألون "ـ اﻷنبياءي ‪ 23‬ـ‬

‫ومن النطـق ان ل ليإسأل الله سبحانـه عـما يإفعـل ﻷن عـلمه مطلق و أزلي وهو الحكيم الخبيـر ‪ ،‬كـل‬
‫فعـل هـو واقاع بقمـدرُّته و محـض مشيئته وصـرفا إرُّادته ال ن‬
‫نهة عن العبث ‪ ،‬ل يإـكــون في ملـكـه إل‬

‫ما يإـريإد ‪ ،‬ولـه في جميع أفعاله حكمة بالغة لتـفض إلى مصلحة الخلـق ﻷنـه سبحانه غـنـي بـكمـاله‬

‫الطـلـق ‪ ،‬ومـا كــان كـمـال ل مطـلقمـال و واجـبـال بالــذاتا كــان واجـبال يإشـمـل جـميع أفـعـاله فـي الـغايإـة‬

‫القمصـوى من الكمـال الـممكن ‪ ،‬و عليه يإكـون هـذا النظام الكـلـي الوجود أمكن اﻷنظمة التصورُّة ‪.‬‬

‫و من الـمنطـق أن يإللسـأ لل النسالن عـما يإـفـعـل ﻷن عـلمه عـلمـال نسبيـال مـكتسبـال ‪ ،‬و فـعله ليس مجـرلد‬
‫ل‬
‫حـركـلة جسميـلة بـل هـو تصـورُّ يإحمـل رُّؤى وتصـورُّاتا ‪ ،‬بـحيث ل يإفعـل فعـلل إل إذا رُّأى أن نتيجتـه‬

‫تعـود عـليه بنفـع أو دفع ضـررُّ ‪ ،‬وبالتالي فـهــو يإسعى مـن أجــل الـكمال والخـروج من النقمـص بنـالءي‬

‫على الظـروفا والصالح والـرغباتا والعـرفة ‪ ،‬وقاـد تأتي قاــرارُّته أحيانال بما ل يإشتهيه بسبب ال نتبايإـن‬

‫الـحاصل فـي تفسيـر ما يإقمـوم بـه وبيـن ما يإللحـندلثه الفعل ‪ ،‬ومـر ود ذلـك إلـى جهـله وعجـزه عـن إدرُّاك‬

‫الخي في صورُّته الكلية ‪ ،‬قاال تعالى ‪ " :‬ولو كنت أعلم الغيب لستكثتا من الخي وما مسن السوءي‬

‫إن أنا إل نذيإر وبشي لقموم يإؤمنون "ـ اﻷعرافا ‪ 188‬ـ‬

‫‪18‬‬
‫خلـق‬
‫وهـذه الحقمية تـقمـضـي بأن يإسعي النسان مـنـذ إدرُّاكـه بإتـجاه الكمال اللئـق والمكـن الـذي ل‬
‫ﻷجـلـه ‪ ،‬و أن ل يإبـق عـالقمـال في الحيـز الض ن نيق من النقمص ‪ ،‬وبلـوغ هـذا القمام يإتطلب العلم الخنلق‬

‫والب نناءي لعمارُّ اﻷرُّض ‪ ،‬وإصلحها بما فيه الكفايإة لجعـل الخيـر يإظهـر في الـوجـود ﻷن به تـتقمـوى‬

‫إرُّادة النسـان ‪ ،‬ويإــرتـقمي فـكـره ويإـتحقمـق لـه النـسجام الطلـوب عـند بلـوغ الغـايإاتا ‪ ،‬التـي تمثـل‬

‫الكـمالتا الـواقاعية النسجمة مـع طبيعة النسان و مع ممـن حـوله مـن الناس والطبيعة ‪ ،‬لكـن هـذا‬

‫ل يإلعنـي أن الكـون لسليغني طـريإقمة عمله لتنالسلبنا أو تـناسـب أفـكارُّنا ‪ ،‬ولكن يإعنـي بأنـنا يإمكـننا أن‬

‫نخـلـق عـلقاـة منسجمة مـع الوجـود نبن عليها كــل تصفاتنا وأفعالنا ‪ ،‬و إذا تمنكنا مـن فهـم هـذه‬

‫الحقميقمة سيكون أسهل علينا أن ندرُّك بأن منشأ الوعي اليقمظ يإتأسس على إمتلك الحقميقمة ل على‬

‫إمتلك الوجود ‪.‬‬

‫ومن الحزن أن الجتمعاتا البشيإة تعاني اليوم الكثي من اﻷزماتا الزمنة في ظل واقاع فاسد يإضج‬

‫صـل النسان إلـى حافـة التطـرفا ‪ ،‬فاتخـذ مـن‬ ‫بالظـلم والستبـداد ‪ ،‬بسـبب جنـون العظـمة الـذي نأو‬
‫ل ل ل‬
‫العنف والرُّهاب وسيلة لنش الخراب والدمارُّ والضطراب والفوض ‪ ،‬وما يإتبع ذلك من فقمـر وجهـل‬

‫وتفش اﻷمـراض واﻷوبئة والجاعة وتدهـورُّ البيئة الحيـويإة ‪ ،‬مما أدى إلى ثقمب اﻷوزون والتغياتا‬

‫الناخية وخطر الشعاعاتا التايإد ‪ ،‬و قاـد أفـض هـذا الواقاع الزرُّي إلـى غياب حالة اﻷمـن وإزديإاد‬

‫حالتا الـخاوفا ونسـب الجـرائم ‪ ،‬وإنتهاك لجميع العاني النسانية إلـى درُّجة أن أصبحت مهـمـة‬

‫التنبؤ بمصي النسان أمرال عسيال ومستحيلل ‪ ،‬لقمد أصبحت صورُّ الجازرُّ جزلءي من مخيلتنا ‪ ،‬و فوبيا‬

‫تكـرارُّ الآمس النسانية تلزمنا كـما يإلزمنا ظـ ولنـا ‪ ،‬وثقمافـة الخـوفا تنتج حاضـرال جـامحال متسارُّعال‬
‫ليإغرق البشيإة في اليأس والقمنوط وفقمدان اﻷمل في حياة حرة و مستقمبل آمن ‪ ،‬وهكـذا أصبح الشـر‬

‫يإتكي بألوان رُّائعة وزاهية ‪ ،‬ليخدع النناس ويإدفعهم إلى النسقمـوط في مستنقمع االعنف ‪ ،‬الذي يإنتهي‬

‫بالشـر على الصعيد الفــردي و الجتماعي كحتـمـية لـتطلعاتا اﻷنا الـمركزيإة الت ل تـرى غيـر ذاتها‬

‫وتخفق في معايإنة الحقميقمة الت تخفيها شمولية الحياة ‪ ،‬قاال تعالى‪ " :‬ظهر الفساد في الب والبحر‬

‫بما كسبت أيإدي الناس ليذيإقمهم بعض الذي عملوا لعلهم يإرجعون"ـ الروم ‪ 41‬ـ‬

‫إن النسان هذا الخلوق الذى فضله الله على سائر مخلوقااته بالعقمـل الـرشيد كفر بأنعم الله جهلل‬

‫‪19‬‬
‫وحمقمال ‪ ،‬وقاـد تحـ كول إلي كائن عبثـي و فـوضوي أكث ضاوة على وجه اﻷرُّض ‪ ،‬و جعل الش طريإقمال‬
‫وأسلـوبال لتحقميـق أهـدافه ‪ ،‬وأصبح قاـادرُّال على فعل الشـر و نشـره وتبـريإـره ‪ ،‬وإعادة إنتـاجه بشكـل‬

‫تلقمائي إلى أن أصبح مألوفال لديإه ل يإبعث فعله على اﻷس و الندم ‪ ،‬بل لشـرللعن له بطـريإقمة عقملنية‬

‫و نـ كظــر له ‪ ،‬وهكـذا أصبح " النسان ذئب النسان" ‪ ،‬إنـها مقمــولـة صادقاـة تصـننورُّ الـواقاع البشـري‬

‫كغابة مستـوحشـة ‪ ،‬أصبح فيها النسان كائنال دمــويإال كــوحش ضالرُّ كاشـلر عن أنيابه لليس ن نبـب اﻷلـم‬

‫والشقماءي ﻷخيه النسان ‪ .‬إنه قاانـون الغاب القمــوي يإسيطــر على الـضعيف و يإخـضعـه و يإستعمـلـه‬

‫كـأداة و وسيلـة مـن أجـل تحقمـيـق مـصالحه الـخاصة دون مـراعاة لنسانيته و كـرامـته ‪ ،‬مما جعـل‬

‫رُّقاعة الشـر تتـوكسع ويإـزداد حجم الخيـر تقم ولصال بشكـلل مقمـزلز جلدا حتـى انعكس على الـواقاع كـفـكـر‬

‫وممارُّسة ‪ ،‬و ترك الجال فسيلحا أمام تعاظم نذلئنبكية النسان حت أصبح رُّمزال للش ‪ ،‬فأصبح العالم‬

‫مجا لل للقموة الباطشة عند اﻷقاويإاءي ‪ ،‬وللخداع والكر والتحايإـل عنـد الضعفاءي ‪ ،‬وعلى هـذا النحو إزداد‬

‫النسان رُّغب لة في الستحواذ على الزيإد من القمـوة لشباع الرغباتا ‪ ،‬وإشباع الرغباتا يإتطلب البحث‬

‫عن أسباب القموة وإكتسابها ‪ ،‬وهكذا أصبح من له الحـق فـي الغايإة لـه الحـق في الوسيلة ‪ ،‬التـي‬

‫يإـراها مناسبة لتحقميـق غايإته ‪ ،‬وذلـك نـتيـجة للعقمـل الحسابي النفعي الذي يإجمع ويإطـرح ثـم يإختارُّ‬

‫اﻷنفع دون ما أدنى إعتبارُّ للخـريإن إلى أن دنمـر النسان نفسه جسديإال وعقمليال ونفسيال وبيئيال ‪ ،‬كل‬

‫ذلك أثبت أن عملية سيطرة النسان على البيئة بهدفا تـوسيع دائـرة نفـوذه وسلطته ‪ ،‬أصبحت في‬

‫الحقميقمـة لتهــ ندد بـقمـاءي النسان على قاـيـد الحياة ‪ ،‬وهذا البقماءي هـو مـن اﻷهـمية بحيـث يإشكـل الـشـرط‬

‫اﻷساسـي لسـتـتباب اﻷمــن الــوجـودي ‪ ،‬الـذي هـو مـن الـمبادئ الكــونية والحقمـائـق العلـويإـة التـي‬

‫يإمكـنهـا أن تـحـ ن نررُّ النسان من اﻷنـا التـي تـحتجـزه داخـل متاهـة الـتعصب والـتسلط واللإنسانـية‬

‫و من الذهبية والعقمائديإة الغارُّقاة في العتقماد بإمتلك القموة الطلقمة ‪ ،‬ومن ثمة تمكينه من الح نند من‬

‫غلواءي حب الذاتا لتوسيع مجال التعاطف الجتماعي ‪ ،‬وخلـق الناخ الـذي يإشجـع علـى تحقميق الخي‬

‫و السعي الحثيت لتعطيل عبثية الشـر اﻷخلقاي ‪ ،‬الذي حـرم النسان لـذة الحياة وسبب له ألال أعظم‬

‫و لـو أننـنـا حسـبنـا الـحصيلة بالـنسب الئــويإة فـل رُّيإب أنن نـصيب مـآمسـي الشـر اﻷخلقاـي ستكـون‬

‫أضعافا مضاعفة بكثي مما يإسببه الش الطبيعي ‪ ،‬الذي من المكن أن يإختله النسان إذا بذل جهده‬

‫‪20‬‬
‫في طلب العلم الفض إلى إعمارُّ اﻷرُّض وجعل الدنيا مطية للدارُّ الخرة ‪ ،‬أما إذا اختل وجـوده في‬

‫هـذه الحياة الدنيا وقاطعه عن كـل وجـود آخـر ‪ ،‬سينظـر إلى الدنيا كـرحلة تنتهي عنـد حافـة القمبـر‬

‫دون أن يإجعلها مـرحلة أنولى في رُّحلة أطـول ل تنتهـي أبـلدا ‪ ،‬ﻷن الحياة اﻷخـرى من منظورُّ النطق‬

‫الـرباني هـي تـتـ نمـة لزمـة للفـصل اﻷول مـن رُّحلة النسان فـي دنـيا البتلءي ‪ ،‬فـلـو إلتـزم النسان‬

‫بالـرحمة ونبـذ القمسـوة لكانت اﻷرُّض دارُّ أمـن وسلم ورُّخاءي ‪ ،‬وهـذا يإتطـلب سعيـال دائـمال و جهـدا‬

‫متـواصلل ‪ ،‬ولقمـد نكبـأنا الحـق سبحانـه عـن حـال أولئك الـذيإن تعـنودوا أن يإفكـروا بسطحية ‪ ،‬قاال‬

‫تعالى ‪ " :‬يإعلمون ظاهرال من الحياة الدنيا وهم عن الخرة هم غافلون "ـ الروم ‪– 7‬‬

‫إن كـل الـمآمسـي الت نعانيها مـر ودها إلى إقاتصارُّ عقمـولنا على زخـرفا الحياة الـدنيا ‪ ،‬الـذي انغمسنا‬

‫بالكلية في حبه وعشـق بـريإقمه الفـاني والتكالب عـليه ‪ ،‬مـما أدى بنـا إلى الغفلة عـن الخرة ونسينا‬

‫نصيبنا منها ‪ ،‬ﻷننا ألقمينا ورُّاءي ظهورُّنا النطق الرباني وتغافلنا عن منطق العقمل السليم ‪ ،‬مما أدى‬

‫بنـا إلى عجـزنا عن تحـويإل الدنيا إلى مـطـية للخرة ‪ ،‬قاال تعالى‪ " :‬وابـتغ فـيما آتـاك الله الـدارُّ‬

‫الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا ‪ ،‬وأحسن كما أحسن الله إليك ‪ ،‬ول تبغ الفساد في اﻷرُّض إن‬

‫الله ل يإحب الفسديإن "ـ القمصص ‪ 77‬ـ‬

‫اليإة الكريإمة تتضنمن مشوع أخلقاي يإرتكز على الننـزعة النسانية لتحريإر النسان والرُّتقماءي به في‬

‫أفق العن والقميمة ‪ ،‬أي الرُّتقماءي به إلى الراقاي الروحية والنفسية والعرفية والعمرانية ‪ ،‬الت تكنون‬

‫الصورُّة التكيبية التكاملة بواسطة تظافر العقمل واليإمان ‪ ،‬من أجل ترشيد إستخلفا النسان عـن‬

‫طريإق ترويإض الرُّادة النسانية ‪ ،‬على أساس أن اﻷصل في الكمال النسانني يإكمن في رُّقايه العقملي‬

‫و اﻷخلقاـي ‪ ،‬الذي يإحصل عـن طريإق تحصيل العلوم و كسب اللكاتا الفاضلة ‪ ،‬وليس عـن طـريإـق‬

‫ح ودها حدود ‪ ،‬وهذه مأساضة حقميقمية تصيب رُّواد فلسفة الوهم‬


‫الوهم الذي يإسكن منطقمة إفتاضية ل ليإ ل‬
‫الـذيإن ليإلقمـنلبلون الحقميقمة خطـلأ والخطيئة عـقميدلة ‪ ،‬لليونهمـوا الغاويإن بعالم كل شلءي فيه متـوافر و مـتاح‬

‫وكـل مستحيلل ممكن ‪ ،‬بدل من أن ليإواجهوا الواقاع الـذي يإرلفضونه وليإلحتللمـون منـه بالصـورُّة الـوهمية‬
‫الـخزونة لديإهم لم ن‬
‫صـ ن نريإن على عناديإتهم ‪ ،‬وسيبقمـون في غ ن نيهم يإعمهون مقمـتفيـن أثـر من سبقموهم في‬

‫الكابرة ‪ ،‬ﻷن اللحاد عناد واستكبارُّ وليس قاناعة ‪ ،‬ومعن هذا أنهم حت و لو وجدوا عالم خالل من‬

‫‪21‬‬
‫الشـر فـلن ليإلسللمـوا من الـوهم بـل سيتسلمـون له ويإـرتضونه منهجال وغايإلة ‪ ،‬قاال تعالى‪ " :‬وقاالـوا لـن‬

‫نؤمن لك حت تف نجر لنا من اﻷرُّض يإنبوعا ‪ .‬أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر اﻷنهارُّ خللها‬

‫تفجيا‪ .‬أو تسقمط السماءي كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله واللئكة قابيل ‪ .‬أو يإكون لك بيت من‬

‫زخرفا أو ترقاى في السماءي ‪ ،‬ولن نؤمن لرقايك حت تنل علينا كتابا نقمرؤه ‪ ،‬قال سبحان رُّبي هل‬

‫كنت إل بشا رُّسول "ـ السإاءي ‪ 90‬ـ ‪ 93‬ـ‬

‫تنم بعون الله وتوفيقمه‬

‫*****‬

‫‪22‬‬

You might also like