You are on page 1of 60

‫إيفا جنادان‬

‫آن‪-‬صوفي مونسيناي‬

‫مسجد مختلط إلسالم‬


‫روحاني وتقدمي‬

‫أفريل‪2019‬‬
fondapol.org
2
‫مسجد مختلط‬
‫إلسالم روحاين وتقدمي‬

‫إيفا جنادان‬
‫آن‪-‬صويف مونسيناي‬

‫ترجمة‬
‫سفيان أعراب‬

‫‪3‬‬
‫‪Fondation pour l’innovation politique‬‬
‫مؤسسة التجديد السيايس هي مركز بحث وتفكري (ثنك تانك) ليربايل تقدمي أورويب‬

‫نيكوال بازير ‪ : Nicolas Bazire‬رئيسا‬


‫غريغوري رشتوك ‪ : Grégoire Chertok‬نائب رئيس‬
‫دومينيك راينيي ‪ : Dominique Reynié‬مديرا عاما‬
‫كريستوف دو فوڨ ‪ : Christophe de Voogd :‬رئيس املجلس العلمي والتقييم‬

‫‪4‬‬
‫‪Fondation pour l’innovation politique‬‬
‫مؤسسة التجديد السيايس فوندابول هي مركز بحث وتفكري (ثنك تانك) ليربايل تقدمي أورويب‬

‫مؤسسة التجديد السيايس تق ّدم مساحة حر ّة للخربة والتفكري والتبادل تهتم بإنتاج األفكار واملقرتحات‬
‫ونرشها‪ .‬تساهم أيضا يف تعددية االفكار وتجديد النقاش العام يف سياق ليربايل تقدمي وأورويب‪ .‬تركّز‬
‫املؤسسة يف اعاملها عىل أربع رهانات‪ :‬النمو االقتصادي‪ ،‬البيئة‪ ،‬القيم‪ ،‬والرقمية‪.‬‬
‫موقع ‪ fondapol.org‬يوفر للجمهور كل اعامله‪ .‬واملنصة الرقمية " ‪ "Data.fondapol‬تس ِّهل الوصول‬
‫واالستخدام لكل املعلومات والبيانات املجموعة عرب مختلف الدراسات والتحقيقات وهي متاحة بالعديد‬
‫من اللغات بالنسبة للتحقيقات الدولية‪.‬‬
‫وكذلك يف املضمون التحريري للمؤسسة تعتزم وسيلة اإلعالم "انرثوبوتكني ‪Anthropotechnie‬‬
‫" استكشاف املجاالت الجديدة يف تحسني الوضعية البرشية واالستنساخ التناسيل والتهجني البرشي‪/‬‬
‫اآليل والهندسة الوراثية والتجارب يف مجال الجرثوميات‪ .‬وتساهم يف التفكري وطرح النقاش حول ما‬
‫بعد االنسانية وتقرتح مقاالت عن القضايا االخالقية والفلسفية والسياسية التي تطرحها االبتكارات‬
‫التكنولوجية يف تحسني الجسم والقدرات البرشية‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬تقدم وسيلة االعالم "ح ّرة ج ّدا‪ " Trop Libre‬عرضً ا نقديًا يوم ًيا لألخبار وحياة االفكار‪.‬‬
‫حرصا دامئا مخصص آلثار الثورة الرقمية عىل املامرسات السياسية واالقتصادية‬ ‫كام تق ّدم "‪ً "Trop Libre‬‬
‫واالجتامعية يف قسم "النهضة الرقمية‪." Renaissance Numérique‬‬
‫مؤسسة التجديد السيايس معرتف بأنها ذات منفعة عامة‪ .‬وهي مستقلة وليست مدعومة من أي حزب‬
‫سيايس‪ .‬مواردها عامة وخاصة‪ .‬دعم الرشكات واألفراد رضوري لتطوير أنشطتها‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫فهرس‬
‫مقدمة‬
‫‪.I‬ما هو اإلسالم املستنري الروحاين والتقدمي؟‬
‫‪ )1‬الحياة يف إسالم مستنري‬
‫‪ )2‬الحياة يف إسالم روحاين‬
‫‪ )3‬الحياة يف إسالم تقدمي‬
‫مسألة الرق (العبيد)‬
‫وضعية املرأة ومكانتها‬

‫‪.II‬مبادئ حركة أصوات اإلسالم املستنري‬


‫‪ )1‬الحرية والروح النقدية‬
‫‪ )2‬االنفتاح والتعددية‬
‫‪ )3‬االنسانية والعاملية‬
‫‪ )4‬العمل م ًعا يف خدمة تقدم االنسانية‬

‫‪.III‬ديانة إسالمية روحانية وتقدمية‬


‫‪ ) 1‬الطقوس‪ ،‬الالمفكّر فيه يف اإلسالم‪ .‬إعادة التفكري وإعطاء معنى للمامرسات الروحانية‬
‫‪ ) 2‬مرشوع مسجد سيمرغ‬
‫‪ ) 3‬ملاذا سيمرغ ؟‬
‫خامتة‬

‫‪6‬‬
‫ملخّص‬
‫إن ظهور إسالم روحاين وتقدمي الذي تش ّجعه مؤلفتا هذه املذكّرة أمر منتظر من طرف الكثري من‬
‫يجسد رغبة يف الحرية يف عقيدتهم ويضع معامل لرحلة روحانية تتغذى من‬
‫الفرنسيني املسلمني‪ ،‬إنه ّ‬
‫الحداثة‪.‬‬
‫وتصل‬
‫تتجسد هذه الرؤية يف مرشوع مسجد سيمرغ‪ ،‬يف هذا املسجد ميكن للمرأة أن تكون إمام ّ‬ ‫ّ‬
‫بالناس مبا فيهم الرجال‪ ،‬االختالط مسموح بني النساء والرجال واإلمامة مسموحة لكل مسلمة ومسلم‬
‫إن أرادت أو أراد أن يقوم بها‪ ،‬كل امرأة مصلية أو إمام ح ّرة يف أن ترتدي الحجاب أو ال ترتديه‪ ،‬كل‬
‫الخُطب ستُلقَى باللغة الفرنسية حتى يفهم املسلمني الفرنسيني ما يُذكر يف الخطب وتكون لهم إمكانية‬
‫التحليل العقيل للخطاب الذي يُلقى عليهم‪ ،‬كل املسلمني من كل االتجاهات الدينية والفكرية مر ّحب‬
‫بهم يف هذا املسجد‪ .‬هذا املرشوع مدعوم من قبل حركة أصوات اإلسالم املستنري التي ّأسستها كاتبتا‬
‫هذه املذكّرة والتي تدعو إىل إسالم يجمع بني االصالة واملعارصة‪ ،‬متجذر يف املوروث ومنفتح للمستقبل‪.‬‬
‫إيفا جنادان وآن‪-‬صويف مونسيناي هام املؤسستان يف سبتمرب ‪ 2018‬لحركة "أصوات االسالم‬
‫املستنري"(‪ )V.I.E‬وتحمالن مرشوع مسجد سمرغ‪ .‬شاركت إيفا جنادان يف عام ‪ 2017‬يف تأسيس جمعية‬
‫إعادة إحياء اإلسالم املعتزيل (‪ )ARIM‬التي تدعو إىل إظهار وإعادة اكتشاف هذا االتجاه الالهويت‬
‫العقالين‪ .‬آن‪-‬صويف مونسيناي صوفية غري ثنائية (بدون فصل بني الله واإلنسان)‪ ،‬ساهمت منذ ع ّدة‬
‫سنوات يف إظهار إسالم روحاين تقدمي وتساهم يف العديد من املؤمترات حول اإلسالم والتص ّوف‪ .‬كلتاهام‬
‫تديران مجموعة الفيسبوك التص ّوف التقدمي (‪ )Soufisme progressiste‬إلرشاك اإلسالم يف الوقت‬
‫الحارض وإعطاء الفرصة عرب مواقع التواصل للكثري من املسلامت واملسلمني ليعربوا بكل حرية عن‬
‫أراءهم وانشغاالتهم بعيدا عن كل ضغط من املجتمع أو من األرسة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫كُتب هذا النص بالفرنسية من طرف إيفا جنادان و آن‪-‬صويف مونسيناي‪ ،‬لصالح مؤسسة التجديد‬
‫السيايس‪ .‬هذا النص متوفر يف نسخته األصلية بالفرنسية يف موقعنا يف األنرتنت و هذه ترجمة إىل‬
‫العربية قام بها سفيان أعراب‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مسجد مختلط‬
‫إلسالم روحاين وتقدمي‬

‫إيفا جنادان‬
‫‪Eva JANADIN‬‬
‫شاركت يف تأسيس حركة أصوات اإلسالم املستنري مع آن‪-‬صويف مونسيناي وتحمل معها مرشوع مسجد سيمرغ‪ ،‬شاركت‬
‫يف عام ‪ 2017‬يف تأسيس جمعية إعادة إحياء اإلسالم املعتزيل التي تدعو إىل إظهار وإعادة اكتشاف هذا االتجاه الالهويت‬
‫العقالين‪ ،‬مستوحاة من التص ّوف فقد ساهمت منذ عدّة سنوات عرب شبكات التواصل االجتامعي إلرشاك اإلسالم يف الوقت‬
‫الحارض وأعطت الفرصة عرب مواقع التواصل للكثري من املسلامت واملسلمني ليعربوا بكل حرية عن أراءهم وانشغاالتهم‬
‫بعيدا عن كل ضغط من املجتمع أو من األرسة‪.‬‬

‫آن‪-‬صويف مونسيناي‬
‫‪Anne-Sophie MONSINAY‬‬
‫شاركت يف تأسيس حركة أصوات اإلسالم املستنري مع إيفا جنادان وتحمل معها مرشوع مسجد سيمرغ‪ ،‬صوفية غري ثنائية‬
‫(بدون فصل بني الله واإلنسان)‪ ،‬ساهمت منذ عدّة سنوات يف إظهار إسالم روحاين تقدمي وتساهم يف العديد من املؤمترات‬
‫حول اإلسالم والتص ّوف وتشارك مع إيفا جنادان يف إدارة مجموعة الفيسبوك التص ّوف التقدمي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫مقدمة‬
‫يف ظل التجاوزات املحافظة واألصولية وتفاقم التفسريات الظالمية لإلسالم‪ ،‬قام العديد من الفرنسيني‬
‫من مختلف االتجاهات ومنذ سنوات إلبراز رؤية تقدمية لإلسالم وتنوي هذه األصوات املشاركة يف بناء‬
‫مجتمع فرنيس قوي واملساهمة يف دحض األفكار التي تدعو للتفكّك واالنقسام‪.‬‬
‫يف سبتمرب ‪ 2018‬قمنا بتأسيس حركة من أجل إسالم روحاين وتقدمي "أصوات اإلسالم املستنري" وجاءت‬
‫هذه املبادرة استجابة لألعامل التي قمنا بها من خالل العديد من املناقشات يف مجموعات التواصل‬
‫االجتامعي والتي أفرزت رغبة يف التجديد والحرية من طرف الكثري من املسلمني‪ .‬لهذه األسباب نحاول‬
‫وضع أسس للمسالك أو الطرق الروحانية تأخذ بعني االعتبار التق ّدم والحداثة‪ .‬والهدف من هذه الحركة‬
‫هو نسج شبكة للتعاون بني األفراد والجمعيات التي تدعوا إل هذا "اإلسالم اآلخر" إلبراز نظرة الهوتية‬
‫دينية وروحانية جديدة‪.‬‬
‫لدينا اليوم مسؤولية روحانية ومسؤولية مدنية لعدم السامح للمتط ّرفني واملحافظني الذين يريدون‬
‫احتكار اإلسالم باحتكار تأويل القرآن والس ّنة النبوية‪ .‬نحن املسلامت واملسلمون كثريون نجتمع حول‬
‫مبادئ مشرتكة وحان الوقت لنأخذ بزمام األمور دون املتطرفني والخروج من التفكري الفردي إىل الجامعي‬
‫‪| l’innovation politique‬‬

‫لنك ِّون قوة جامعية حقيقية‪.‬‬


‫يتمحور نهجنا حول ع ّدة اهداف‪:‬‬
‫ – التجميع والتبسيط لكل القراءات الالهوتية املتوفرة حاليا والتي تتّفق مع مبادئنا األساسية‬
‫ثم إعادة إنتاجها ونرشها عىل كافة املستويات؛‬
‫ – التدخّل يف النقاشات االعالمية والوطنية الفرنسية لرشح املبادئ واالهداف واملواقف‬
‫‪fondapol‬‬

‫الالهوتية التي تتب ّناها الحركة من خالل الحضور يف أوساط ممثيل اإلسالم الفرنيس؛‬
‫ – تنشيط مساحات للحوار الحر من خالل شبكات التواصل االجتامعي وعرب تنظيم ملتقيات‬
‫ودوائر للنقاش الحر؛‬
‫ – دعم إنشاء أماكن للعبادة روحانية وتق ّدمية واملساهمة يف تكوين االمئّة‪.‬‬

‫‪ . I‬ما هو اإلسالم املستنري الروحاين والتقدمي؟‬


‫خالفا للفكر املنترش‪ ،‬ال نعتقد أنه من املمكن ترجمة كلمة "إسالم" اىل "سوميسيون " هذا املصطلح له‬
‫داللة سلبية يف اللغة الفرنسية‪ ،‬ولو ترجمنا كلمة سوميسيون للعربية لوجدناها تعني الخضوع وليس‬
‫اإلسالم‪ .‬ال توجد يف الحقيقة ترجمة لكلمة إسالم يف الفرنسية‪ ،‬يجب إذا استعامل عبارة تشمل عىل‬
‫مفاهيم "السالم" و "التخيل اإلرادي أو الواعي"‪ .‬كلمة "إسالم" التي يعود جذرها إىل س ل م (الذي يعني‬
‫ِ‬
‫السلم أو السالم) ميكن أن تُرتجم‪ :‬الدخول يف السلم‪.1‬‬
‫اإلسالم ال يعني الخضوع القهري لله‪ ،‬بل بالعكس تشري هذه الكلمة يف معناها االصيل(اإلتيمولوجي)‬
‫إىل التخيل أو االستسالم لله يف فعل حر بطريقة مساملة وعفوية لتحريك هذا السالم وإشاعته من حول‬
‫أنفسنا وهذا ال عالقة له بالخضوع الذي ينفي الحرية وينكر متاما فكرة السالم‪.‬‬
‫أه ّم الرموز االساسية لهذا الدين هو التوحيد ومن هذا املنطلق يسعى االنسان للبحث عن املعنى‬
‫ويتّبع يف ذلك الوحي القرآين كدليل يق ّدم له تعاليم روحية ويعرض عليه مجموعة من املامرسات‪.‬‬
‫‪ «Personnalité du mois: Dr Ghaleb Bencheikh», interview de Ghaleb Bencheikh,‬أنظر غالب بن الشيخ ‪1‬‬
‫‪sospelerin.over-blog.com, 1er octobre 2012 (www.sospelerin.over-blog.com/article-personnalite-du-‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪mois-dr-ghaleb-bencheikh-110769716.html).‬‬
‫واخريا االعرتاف مبحمد ليس فقط كنبي ورسول الله بل أيضا كنموذج وقدوة لنا يف قدرته عىل أن‬
‫يكون خالقا لحياته الروحانية اليومية من خالل بحثه عن إجابات يف اعامق نفسه‪ .‬هذه الشهادة هي‬
‫التي تربط جميع املسلمني وتعود باستمرار لتجديد العهد مع الله من خالل أعامل اخالقية ومامرسة‬
‫الطقوس الدينية وااللتزام مبواقف اخالقية مثل االمتنان والحكمة‪ .‬وبالرغم من أن اإلسالم يتميز يف الشكل‬
‫واملامرسات املقرتحة‪ ،‬لكن عىل مستوى التقاليد الروحانية فإننا ندرك أنه هناك تطابق ووحدة متعالية‬
‫للتعاليم االساسية لجميع التقاليد الروحانية األخرى‪.‬‬

‫‪ ) 1‬الحياة يف إسالم مستنري‬


‫إ ّن رمز النور اإللهي يعترب كمنبع بداخلنا تتدفق منه املعرفة والفطنة ويبعد عنا كل الرؤى الظالمية‪.‬‬
‫ولهذا فإن املسلم ال ميكنه إلّ أن يرفض كل التفاسري والتأويالت للدين التي تعادي انتشار العلم واملعرفة‬
‫ويعارض كل فهم لإلسالم ينقص من قيمة ذكاء القلب والعقل لصالح التقليد األعمى‪.‬‬
‫العقل مبعناه الديكاريت أو البديهي ومبعناه التحلييل أو الرتكيبي هو عالمة عىل الحكمة‪ .‬النقل مبعنى‬
‫التكرار وتقليد القدماء هو يف رأينا آفة اإلسالم اليوم‪ ،‬لو استمر املسلمني يف تقديس القدماء إىل درجة‬
‫جعلهم آلهة تعبد فإن الفكر املحافظ وما نتج منه من إسالميني وإرهاب لن يتوقف أبدا من النيل من‬

‫مسجد مختلط إلسالم روحاين وتقدمي‬


‫الكرامة اإلنسانية‪ .‬الفيلسوف الصويف الهندي محمد إقبال (‪ )1938-1877‬كان أحد املعارضني لهذا‬
‫التقليد االعمى حني يقول‪" :‬ال تنتهك شخصيتك عن طريق التقليد‪ /‬حافظ عليها ألنها جوهرة ال تقدر‬
‫بثمن‪ /‬ما مدى سعادة الرجل أن مييش بحرية‪ /‬اذهب متحررا من قيود املايض‪ /‬لو كان التقليد يشء ج ّيد‬
‫لكان النبي من الذين يقلّدون أسالفهم‪ ." 2‬لقد كان النبي ثوري مبعنى انه أحدث تغريا جذريا وشامال يف‬
‫مجتمعه بتقديم افكار جديدة وينبغي علينا أن نكون مثله يف قدرتنا عىل االنفصال من عبودية االجداد‬
‫لتحريك الخطوط لتجاوز العادات التي أصبحت ميكانيكية ومملّة بدون معنى‪.‬‬
‫إ ّن تجسيد اإلسالم املستنري هو إعطاء أهمية أكرث للعقل والتفكري واستعامل الروح النقدية التي فينا‪،‬‬
‫وفقا ملا قاله املفكر اإليراين عبد الكريم رسوش فإن ختم النب ّوة وانقطاع الوحي بعد مجيء اإلسالم ال‬
‫يعني نهاية التفسريات والتأويالت بل بالعكس هذا يفتح مجاال جديدا للتأويل الدائم واملتج ّدد‪ . 3‬وال‬
‫ميكن ألي تيار ديني أو فكر ديني أن يزعم أنه استنفذ كل إمكانيات التأويل‪.‬‬
‫مل ّا جعل الله آدم خليفة يف االرض ‪4‬ق ّدم لإلنسان القدرة عىل التفكري والنيابة عىل القرآن‪ ،‬مبا أ ّن القرآن‬
‫كتاب ال يتكلّم يجب أن ننطقه بأسئلة وجيهة‪ .‬وهذا ال يعني أن الله قد صمت وذهب ليرتكنا بل فتح‬
‫لنا باب زمن جديد "حيث أصبح كالم الله هو كالم االنسان‪ " 5‬وأن االنسان وصل مرحلة النضوج وأصبح‬
‫قادرا عىل استخدام قوته الجديدة‪ ،‬ضمريه وحريته لالستيالء عىل هذا املوروث بكل مسؤولية وحكمة‪:‬‬
‫"من وجهة النظر هذه‪ ،‬ختم النب ّوة يشري يف الواقع عىل تضحية إلهية‪ ،‬تضحية كاملة للّه يف إهدائه لكل‬
‫قوته‪ .‬وهكذا فإ ّن حركة االنسحاب من العامل تتح ّول إىل أعىل عالمات الحب‪ ،‬الحب الذي ميثّل عطاء‬
‫تخل بل عطاء‪" 6‬‬‫كل لآلخر‪ .‬هذا الختم ليس ّ‬ ‫ّ‬

‫‪2 Cité in Luce-Claude Maître, Introduction à la pensée d’Iqbal, Pierre Seghers, 1964, p. 63. Voir aussi‬‬
‫‪Souleymane Bachir Diagne, Islam et société ouverte. La fidélité et le mouvement dans la pensée de‬‬
‫‪Muhammad Iqbal, Maisonneuve et Larose, 2001, p. 97.‬‬
‫‪3 Abdolkarim Soroush, The Expansion of Prophetic Experience. Essays on Historicity, Contingency‬‬
‫‪and Plurality in Religion, Brill, 2009, p. 33-34.‬‬
‫سورة البقرة اآليات ‪30‬ـ‪4 33‬‬
‫‪5 Abdennour Bidar, L’Islam sans soumission. Pour un existentialisme musulman, Albin Michel,‬‬
‫‪2012, p. 134.‬‬
‫‪6 Ibid.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ ) 2‬الحياة يف إسالم روحاين‬
‫إعادة فهم اإلسالم دون اعتبار البعد الروحي وإضامر مسألة اإلميان هو يف الحقيقة إنكار ملعناه االصيل‬
‫وعلّة وجوده‪ .‬هذا الدين هو قبل كل يشء رحلة استكشاف ذاتية وحميمة تهدف لالرتباط مع الله‪،‬‬
‫مع أنفسنا‪ ،‬مع اآلخرين ومع الطبيعة‪ .‬هذا يعني االرتقاء ليك نتح ّول يف ذاتنا داخليا حتى يكون أثرنا‬
‫أفضل يف هذا العامل‪ ،‬هو رحلة البحث عن املعاين يف أعامق ذاتنا‪ .‬اإلسالم روحانية وليس أداة للهيمنة‬
‫السياسية أو هيكلة للعالقات االجتامعية‪ .‬العلامنية والالئكية يف فرنسا متنحنا حرية الوجدان لنعيش‬
‫حياة روحانية وعبادية بشكل مستمر وراسخ‪ .‬وبالتايل فإن مامرساتنا ليست عالمات إيديولوجية تدعوا‬
‫املسلمني للمبالغة يف الدين وال رموز متييزية طائفية وال دعوة للتفاخر والكربياء ونقض التعايش السلمي‬
‫وال تح ّدي للغرب وللحداثة‪.‬‬
‫يف فرنسا‪ ،‬ومنذ قانون عام ‪ 1905‬الذي يفصل بني الكنيسة والدولة‪ ،‬تستمد القواعد االجتامعية والقضائية‬
‫مصدرها من قانون وضعي وليس من قانون إلهي‪ .‬ماذا تبقّى إذا للدين يف بلد الئيك؟ بقي كل ما يتعلق‬
‫باملعتقدات واإلميان الداخيل (الذايت) واملامرسات العبادية مبعنى آخر كل ما هو روحاين‪ .‬إ ّن تجسيد‬
‫اإلسالم الروحاين يتمثّل يف االنتقال من دين ثابت وراكد إىل دين دينامييك ومتحرك كام تص ّوره الفيلسوف‬
‫هرني برجسون (‪1859‬ـ‪ . 7)1941‬الديانة الثابتة والراكدة لها وظيفة الحفاظ االجتامعي وإنشاء نظام‬
‫‪| l’innovation politique‬‬

‫اجتامعي صارم تجعل املجتمع كتلة متجانسة وهذا ال يعطي أي اهتامم لالحتياجات الروحانية الفردية‪.‬‬
‫وبالعكس من ذلك فإن الديانة الديناميكية املتح ّركة التي تخضع ملا يسميه برجسون "ق ّوة الحياة" أو‬
‫"زخم حيويًا" والذي يتمثل يف أن يخلق الفرد عالقة شخصية مع املطلق و ينتزع نفسه من‬ ‫بتعبري آخر ً‬
‫افراد مجموعته ويتجاوز حدودها وحدود قدراته الذاتية‪ ،‬وهكذا فإن الديانة التي تُعاش كروحانية مل‬
‫تعد "حدث اجتامعي أو واقعة اجتامعية" مبعنى مجموعة من القواعد والواجبات "مح ّددة‪ ،‬برصف‬
‫النظر ع ّني وعن افعايل‪ ،‬يف القانون و االعراف" و يضمن احرتامها "الضمري العام" بقمع "كل فعل ييسء‬
‫‪fondapol‬‬

‫إليه بسبب املراقبة التي ميارسها عىل سلوك املواطنني‪ " 8‬عىل العكس من ذلك فإن الالئكية والعلامنية‬
‫سمحتا للدين أن يصبح حقيقة روحانية و مطمح وجودي خاص‪ .‬وهذا ليس معناه أن عىل الفرد إخفاء‬
‫دينه ومامرساته يف مجال غري مريئ‪ .‬بل كل إنسان حر يف إظهار أو عدم إظهار إميانه وذلك يف حدود‬
‫القانون ويف إطار النظام العام والحريات االساسية‪ .‬هذه الكيفية الجديدة للحياة الروحانية تتطلّب‬
‫استيعاب جيد ومتلّك ذايت للمعايري والقواعد الدينية‪.‬‬
‫تدبّر القرآن بصفة روحانية وصوفية يقتيض عالقة مع الله والنص القرآين مختلفة متا ًما عن الكيفية‬
‫الكالسيكية‪ .‬لهذا ال يجب النظر إىل الله كأنه ذلك الكائن املتعايل الذي يجب أن يُخىش ويُطاع تحت‬
‫طائلة عقوبة االحرتاق يف نار جه ّنم‪ .‬والصويف ال ميارس الطقوس فقط ألن الله يطلب منه ذلك‪ ،‬إ ّن الله‬
‫غني عن العاملني وال يحتاج يف حقيقة األمر ألعاملنا العبادية‪ .‬الصويف يريد وجه الله وال يكفيه القيام‬
‫بالطقوس العبادية بطريقة حرفية وشكلية بل يحاول الوصول إىل الجوهر وهذا ال يتم إلّ بإحداث تغيري‬
‫داخيل يف النفس وتزكيتها باملجاهدات وبعد ذلك يسلك الطريق إىل الله حتى ينعم بالنظر لوجه الكريم‬
‫ويتحل بصفاته الحميدة‪ .‬وهذا ليس بدافع الخوف من العقوبة بل مبوجب املح ّبة اإللهية‪ .‬إ ّن الكثري من‬ ‫َّ‬
‫عبت عليه رابعة العدوية العابدة‬ ‫ّ‬ ‫كام‬ ‫الله‪،‬‬‫و‬ ‫االنسان‬ ‫بني‬ ‫يجمع‬ ‫الذي‬ ‫املطلق‬ ‫الحب‬ ‫لهذا‬ ‫أملحوا‬ ‫املتصوفني‬
‫املشهورة‪ ،‬وهي من أعالم الصوفية يف القرن الثامن امليالدي‪ ،‬بقولها املأثور‪" :‬يا رب إذا كنت عبدتك طمعاً‬
‫يف جنتك فاحرمني منها‪ ،‬وإذا كنت عبدتك خوفاً من نارك فأدخلني فيها‪ ،‬وإذا عبدتك طمعاً يف رؤية‬
‫وجهك الكريم فال تحرمني منه‪" 9‬‬

‫‪7 Henri Bergson, Les Deux Sources de la morale et de la religion, PUF, 1959, p. 1150.‬‬
‫‪8 Émile Durkheim, cité in Abdennour Bidar, Quelles valeurs partager et transmettre aujourd’hui ?,‬‬
‫‪Albin Michel, 2016, p. 198.‬‬
‫‪9 Cité in Jamal-Eddine Benghal, La vie de Râbi‘a al-‘Adawiyya. Une sainte musulmane du VIIIe‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪siècle, Iqra, 2010, p. 88.‬‬
‫من خصوصيات املتصوفني أنهم تذ ّوقوا هذا الحب ووجدوه يف القرآن الكريم من خالل أسامء الله‬
‫الحسنى مثل "الودود" و"الرحمن ال َّر ِحيمِ " وهذا ال يعني حبًا نظريًا وجدوه بعد تحليل فكري للقرآن‬
‫بل عاشوا تجربة روحية حقيقية سمحت لهم باإلحساس بهذا الحب‪ .‬هذا الحب الذي ميكن أن نصفه‬
‫بإحساس جسدي يغمر الجسم كله يليه إحساس عاطفي يصيب النفس ثم إحساس روحاين يلقي بنا يف‬
‫حالة خاصة من الوعي والوجدان نشعر فيه باألمن والسالم وندرك آنذاك جوهر التوحيد ونعيش تجربة‬
‫زوال االزدواجية (أو الثنائية) وزوال االنفصال بني الظاهر والباطن وبني الذات والله‪.‬‬
‫هذا القرب من الله ميكن أن نسميه املحايثة (يف مقابل املفارقة)‪ .‬وهذا املفهوم للمحايثة والكمون‬
‫قليال ما نجده يف التقاليد اإلسالمية ونجد يف املقابل مفهوم االستعالء والسمو الذي يعطي تص ّو ًرا بأن‬
‫لله خارجنا (مفارق لنا)‪ .‬لهذا يرك ّز املتصوفون أكرث عىل مفهوم املحايثة والكمون ألنه يسمح بشكل من‬
‫التواصل وال يشري لالنقطاع واالنفصال وبهذا ميكن إذا للمتصوف أن يسلك طريقه يف رحلة روحية إىل‬
‫نسا َن َونَ ْعلَ ُم َما‬ ‫الله‪ .‬هذه املحايثة نجد لها آثار كثرية يف القرآن ولنا يف هذه اآلية أ ّول دليل‪َ " :‬ولَ َق ْد َخلَ ْق َنا الْ ِ َ‬
‫تُ َو ْسو ُِس ِب ِه نَف ُْس ُه َونَ ْح ُن أَقْ َر ُب إِلَيْ ِه ِم ْن َحبْلِ الْ َور ِِيد‪ ،" 10‬هذه اآلية تشري إىل تقارب كبري يكاد يكون حيس‬
‫(فيزيقي) بني الله واإلنسان‪ .‬ومبا أن الله أقرب إلينا من حبل الوريد فإنه من املرشوع إذا أن نستدعي‬
‫تتجسد بشكل أوضح يف اآليات التالية‪َ " :‬وإِ ْذ ق ََال َربُّ َك لِلْ َم َلئِ َك ِة إِ ِّن خَالِ ٌق‬ ‫فكرة حضوره فينا‪ .‬فكرة الحضور ّ‬
‫شا ِّمن َصل َْصا ٍل ِّم ْن َح َ ٍم َّم ْس ُنونٍ ‪ ،‬فَ ِإذَا َس َّويْتُ ُه َونَ َفخ ُْت ِفي ِه ِمن ُّرو ِحي فَ َق ُعوا لَ ُه َساج ِِدي َن‪ " 11‬وكذلك يف‬ ‫بَ َ ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلية التالية‪" :‬إ ْذ ق ََال َربُّ َك للْ َم َلئ َكة إ ِّن َجاع ٌل ِف الْ ْرض َخلي َفة قَالُوا أتَ ْج َع ُل في َها َمن يُفْس ُد في َها َويَ ْسف ُك‬ ‫ِ‬
‫ال ِّد َما َء َونَ ْح ُن ن َُسبِّ ُح ِب َح ْم ِد َك َونُ َق ِّد ُس ل ََك ق ََال إِ ِّن أَ ْعلَ ُم َما لَ تَ ْعلَ ُمو َن‪." 12‬‬

‫مسجد مختلط إلسالم روحاين وتقدمي‬


‫يقول الله يف كتابه العزيز أنه نفخ يف آدم من روحه‪ ،‬آدم هنا يشري إىل النموذج األصيل للبرشية‪،‬‬
‫وجل ال يتج ّزأ فهذه‬ ‫واملتصوفون يرون هذه النفخة كأنها انبثاق من الله وكأن جزء من الله فينا والله ع ّز ّ‬
‫وكل وهذا ليس معناه أن الله بداخلنا وإلّ فال معنى حينئذ للعلو والسمو اإللهي‪ ،‬وقد نجد‬ ‫النفخة جزء ّ‬
‫إشارة أخرى أكرث داللة لروح الله املوضوع فينا يف اآلية السابق ذكرها حني أمر الله املالئكة بالسجود‬
‫لإلنسان‪ ،‬إذا اعتربنا أن املالئكة ال تسجد لغري الله فهذا يدل عىل وجود صفات إلهية يف اإلنسان‪.‬‬
‫ويف اآلية ‪ 30‬من سورة البقرة يصبح اإلنسان خليفة الله يف األرض أي وريثه وخليفته‪ . 13‬وكذلك يف اإلنجيل‬
‫يف سفر التكوين مذكور أن الله خلق اإلنسان عىل صورته‪ ، 14‬وهذا يعني أنه يوجد فينا قدرات وصفات‬
‫مامثلة للّتي يف الله من خالل قدراتنا الخالقة وقوتنا اإلبداعية التي تحثنا عىل إعادة خلق العامل باستمرار‬
‫كام يقول محمد إقبال "الله صنع العامل واالنسان جعله أكرث جاملً ‪ " 15‬وهذا بفضل الصفات اإللهية‬
‫يتصف بها حقًا حتى يصبح عىل صورة الله‪.‬‬ ‫املوجودة فينا والتي يحاول الصويف أن ّ‬
‫مصطلح أخري يشري أيضً ا ملفهوم املحايثة اإللهية وهو "األمانة" وقد ترجمها الفرنيس موريس غلوتون‬
‫ات‬‫الس َم َو ِ‬ ‫" ‪ " Dépôt confié16‬التي تعني وديعة أو باألحرى أمانة مستودعه‪" :‬إِنَّا َع َرضْ َنا َْال َمانَ َة َع َل َّ‬
‫نسا ُن إِنَّ ُه كَا َن ظَلُو ًما َج ُهولً ‪ " 17‬هذه مسؤولية‬ ‫َوالْ َ ْر ِض َوالْ ِج َبا ِل فَأَبَ ْ َي أَن يَ ْح ِملْ َن َها َوأَشْ َف ْق َن ِم ْن َها َو َح َملَ َها الْ ِ َ‬
‫كبرية وضعها الله عىل عاتقنا وعلينا اآلن القيام بتطهري ذاتنا من الداخل واالتصاف بصفات الله حتى‬
‫ات‬ ‫الصالِ َح ِ‬ ‫تستمر عملية الخلق من خاللنا ويكون أثرنا يف العامل أفضل وأجمل‪" .‬إِ َّن ال َِّذي َن آ َم ُنوا َو َع ِملُوا َّ‬
‫َس َي ْج َع ُل لَ ُه ُم ال َّر ْح َٰم ُن ُو ًّدا‪" 18‬‬

‫سورة ق اآلية ‪10 16‬‬


‫سورة ال ِحجر اآليات ‪11 29-28‬‬
‫سورة البقرة اآلية ‪12 30‬‬
‫‪13 Maurice Gloton, Une approche du Coran par la grammaire et le lexique, Al Bouraq, 2002,‬‬
‫‪p. 365‑366.‬‬
‫‪14 Genèse, I, 27.‬‬
‫‪15 Mohammed Iqbal, cité in Luce-Claude Maître, op. cit., p. 67-68.‬‬
‫‪16 Maurice Gloton, Une approche du Coran…, op. cit., p. 252.‬‬
‫سورة األحزاب اآلية ‪17 72‬‬
‫سورة مريم اآلية ‪18 96‬‬ ‫‪13‬‬
‫‪ ) 3‬الحياة يف إسالم تقدمي‬
‫خالفا للتيارات املحافظة واملقاومة للتغيري يعرض املفكر التونيس محمد الطالبي قراءته للقرآن "التي‬
‫يجب أن تراعي السياق الذي نزل فيه القرآن والتي تستوجب التحديث الدائم مع األخذ بعني االعتبار‬
‫املقاصد (مقاصد النص)"‪ .‬والذي يعترب النص املقدس ه ًدى للناس مبعنى كتاب يُسرتشَ د به ودليل توجيه‪:‬‬
‫"نتّبع الدليل الذي يرشدنا إىل الهداية ونسري إىل األمام وال ننظر إىل الوراء إىل أسالفنا بل إىل األمام إىل‬
‫املستقبل‪ ،‬مستقبل أحفادنا‪." 19‬‬
‫لهذا فإ ّن القرآن إذًا هو نقطة البداية باتجاه املستقبل يهدف للمزيد من التقدم والتحرر‪ .‬وكل جهودنا‬
‫تسعى السرتجاع هذا الروح القرآين ومبادئه التوجيهية‪ .‬ولهذا ال نعترب النص املقدس نقطة نهاية وال نعترب‬
‫األجيال األوىل من املسلمني أفضل من أجيال عرصنا اآلن والزمن الذي يفصلنا عن النسخة االصلية لإلسالم‬
‫‪20‬‬
‫هو يف الحقيقة نعمة وليس نقمة‪ .‬لقد ورد يف الحديث النبوي‪" :‬ال تس ُّبوا الدهر‪ ،‬فإ َّن الله هو الدهر‬
‫" فالزمن الذي مي ّر بدون انقطاع يدل يف رمزيته عىل الله يف عملية الخلق املتج ّدد للحياة‪ .‬املؤمنون‬
‫مدعوون إذًا إىل هذه الحركة الدامئة والخروج من االنطواء يف تقاليد األسالف والتأويالت الجامدة‪. 21‬‬
‫كام حذّرنا الفيلسوف محمد إقبال من االنعزال يف سجن املايض‪ " :‬أنت املسحور باألمس والغ ّد ‪ /‬تأ ّمل‬
‫عامل ًا آخر يف قلبك! ‪ /‬لقد زرعت يف الطني بذرة الظالم ‪ /‬تخ ّيلت الزمن كخط مستقيم ‪ / ]...[ /‬يا جاهل‬
‫‪| l’innovation politique‬‬

‫الزمن ‪ /‬أنت تجهل الحياة األبدية‪ / .‬كم من الوقت ستبقى عب ًدا لليل والنهار؟ [‪ ]...‬معرفة أصلك يبعث‬
‫فيك حياة جديدة ‪ /‬ذاته أجمل وأروع من الفجر ‪ /‬الحياة فاعل الزمن والزمن فاعل الحياة ‪ /‬ال تهينوا‬
‫الزمن ‪ /‬كان هذا أمر النبي‪" 22‬‬
‫نصا مغلقًا أو مد ّونة قانونية جامدة بل كهِداية‬ ‫ولذلك فإ ّن تجسيد اإلسالم التقدمي ال يعني اعتبار القرآن ً‬
‫وضياء يسرتشد به املرء ليخ ّط طريقة ويسري يف نوره وهذا يأيت بعد تق ّبل مفهوم أ ّن الحركة هي التي‬
‫اب لَ َريْب ِفيه‬‫تغي دائم‪ .‬يقول الله يف كتابه العزيز " َذلِ َك الْ ِكتَ ُ‬
‫تبني الحياة وإدراك أ ّن العامل واملعرفة يف ّ‬
‫‪fondapol‬‬

‫ُه ًدى �لِّلْ ُمتَّ ِق َني‪ " 23‬القرآن ه ًدى والله يحث االنسان عىل إحيائه بقراءات متجددة والبحث عن الروح‬
‫واملعنى يف أعامق آياته‪.‬‬
‫فكرة التقدمية مستوحاة أصال من زمن الوحي القرآين والتقدم االجتامعي الذي أنتجه وما علينا إلّ‬
‫نصا ثوريا يف زمانه‪ ،‬لقد حثّ عىل‬ ‫أن نستعيد هذه القوة الحيوية يف ضوء سياقنا الحايل‪ .‬كان القرآن ً‬
‫تحرير العبيد وأعطى للمرأة حقًا يف املرياث يف زمن مل يكن لها الحق يف ذلك ونهى ضمنيًا عىل تعدد‬
‫الزوجات‪ .‬قد تبدو هذه التغيريات قليلة االهمية وقد تبدو رجعية يف نظر بعض الق ّراء الحديثون‪ .‬لكن‬
‫هذه التوصيات كانت تراعي السياق االجتامعي يف ذلك الوقت وتتج ّنب الصدام مع القواعد االجتامعية‬
‫لذلك الزمان لتسمح للرسالة الروحية أن تجد طريقها إىل الناس‪ .‬وكأنها بيداغوجية إلهية تعلّمنا كيفية‬
‫التعامل مع املجتمع وترينا االتجاه الذي يجب أن نأخذه يف قراءتنا املستقبلية للرسالة القرآنية‪ .‬وعىل‬
‫االجيال الجديدة للمسلمني أن يواصلوا هذا التقدم فعليا وبإخالص للروح القرآين‪ .‬نرى اليوم ويف الكثري‬
‫وتدن واضح للحريات الفردية باملقارنة مع املعايري‬ ‫تدن واضح ملكانة املرأة ّ‬‫من املجتمعات املسلمة ّ‬
‫االجتامعية والثقافية لعرصنا وحتى لعرص الرسول لذا فعىل املسلمني أن يقوموا بإصالحات اجتامعية‬
‫إلرساء العدالة واملساوات بني الناس‪.‬‬

‫‪ Harzoune Mustapha, in compte rendu du livre de Mohamed Talbi, Universalité du Coran‬أنظر ‪19‬‬
‫‪(Actes Sud, 2002), Hommes & Migrations, n° 1238, juillet-août 2002, p. 142‬‬
‫‪(www.persee.fr/docAsPDF/homig_1142-852x_2002_num_1238_1_5092_t1_0142_0000_2.pdf).‬‬
‫حديث نبوي ‪20‬‬
‫‪ Souleymane Bachir Diagne, Comment philosopher en islam ?, Philippe Rey, 2008.‬أنظر ‪21‬‬
‫‪22 Mohammed Iqbal, cité in Luce-Claude Maître, op. cit., p. 87-88.‬‬
‫‪14‬‬ ‫سورة البقرة اآلية ‪23 2‬‬
‫هذا النهج التقدمي يتطلب م ّنا طريقة دقيقة لتأويل أو تفسري القرآن ويستلزم قراءة النص القرآين يف‬
‫جوهره وليس فقط يف ظاهره ويستوجب أيضً ا مراعات السياق الذي نزلت فيه اآليات وأسباب نزولها‬
‫واملعنى الكامن فيها‪ .‬ال مانع يف تدبّرنا آليات القرآن أن نتساءل يف أي سياق نزلت هذه اآلية أو تلك؟ ما‬
‫هو املقصود من هذه الفريضة أو تلك؟ ما هو السياق االجتامعي الذي نزلت فيه اآلية؟ وهل أحدثت‬
‫هذه اآلية أو تلك تقد ًما أو بالعكس تراج ًعا يف املجتمع الذي نزلت فيه؟ بالنسبة لهذا التساؤل األخري‬
‫ليس هناك مانع أيضً ا أن تساءل يف بعض اآليات لو طبقناها حرفيًا هل سيُن ِتج هذا التطبيق الحريف تقد ًما‬
‫يف السياق االجتامعي لعرصنا هذا أو تراج ًعا؟ إن كان تراج ًعا‪ ،‬هل ميكننا القول حينئذ أننا فقدنا جوهر‬
‫هذه اآليات وتشبثنا باملعنى الحريف فقط؟ ينبغي علينا إذًا فيام يخص بعض هذه اآليات التي تتط ّرق‬
‫للمواضيع االجتامعية أن نحاول البحث عن املبادئ التوجيهية التي تريد إظهارها واملعنى الكامن فيها‪،‬‬
‫وميكننا كذلك االستعانة بآيات أخرى غري مرتبطة بذات السياق حتى ترشدنا لرصد املعنى وتدلنا عىل‬
‫التفسري‪.‬‬

‫مسألة الرق (العبيد)‬


‫الرق من األمور املنترشة يف القرن السابع امليالدي وكان من الوظائف االجتامعية واالقتصادية يف ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬واإلسالم مل يلغيها متا ًما وكذلك اإلنجيل‪ ،‬وهذا ألن إلغاء الرق يستلزم اقرتاح منوذج اقتصادي‬
‫واجتامعي بديل وتدريجي وقد يستغرق هذا النموذج الجديد بعض الوقت لتطويره‪ .‬ومن جهة أخرى‬

‫مسجد مختلط إلسالم روحاين وتقدمي‬


‫فإن الهدف األول للوحي هو توجيه رسالة روحانية للناس حتى يستقيموا يف ذواتهم وتتحقق روحانيتهم‬
‫وهذا ال يتم إلّ بوضع قوانني عادلة وإرساء املساواة بني الناس‪ .‬والقرآن من خالل قوانينه االجتامعية‬
‫يرشح لنا كيفية التعامل لتطوير املجتمع تدريجيا‪ .‬وبالتايل مل يُلغِ الرق متا ًما ولكن حرص اسبابه ودعا‬
‫إىل تركه بحيث جعل عتق الرقاب من أفضل األعامل ونجد عىل سبيل املثال من كفارات اليمني تحرير‬
‫ش ِة َم َساكِ َني‬ ‫رقبة " لَ يُ َؤا ِخ ُذكُ ُم اللَّ ُه بِاللَّ ْغ ِو ِف أَ ْ َيانِ ُك ْم ولكن يُ َؤا ِخ ُذكُم بِ َا َعقَّدتُّ ُم الْ َ ْ َيا َن فَ َكفَّا َرتُ ُه إِطْ َعا ُم َع َ َ‬
‫ِم ْن أَ ْو َس ِط َما تُطْ ِع ُمو َن أَ ْهلِي ُك ْم أَ ْو كِ ْس َوتُ ُه ْم أَ ْو تَ ْحرِي ُر َرقَبَ ٍة فَ َمن لَّ ْم يَ ِج ْد ف َِصيَا ُم �ث َ َلث َ ِة أَيَّامٍ ذلك كَفَّا َر ُة‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫أَ ْ َيانِ ُك ْم ‪" 24...‬‬
‫مبا أن الله جعل تحرير الرقاب من أفضل األعامل وكفارة للكثري من الذنوب فهذا يشري إىل أن الله يؤيّد‬
‫إلغاء الرق والعبودية دون الدخول يف صدام مع املجتمع يف عرص النبوة‪ .‬فيام يخص العبودية اليوم فإن‬
‫الكثري من املسلمني‪ ،‬ما عدا املتشددين منهم‪ ،‬أظهروا تقدمية رصيحة بإلغائهم للعبودية كل ًيا وإدانتها‪.‬‬
‫هذا فهم حقيقي لروح النص القرآين ومقصده استطاع أن يلغي ظاهرة اجتامعية كانت متجذّرة وحان‬
‫الوقت اآلن أن يشمل هذا الفهم لروح النص متطلبات اجتامعية أخرى‪.‬‬

‫وضعية املرأة ومكانتها‬


‫أعطى القرآن حقوقا للنساء يف زمن كانت وضعيتهن صعبة جدا بحيث مل يكن مسموح له ّن بالعمل‬
‫إلّ قليال وك ّن يف خضوع شبه تام لألب أو للزوج‪ .‬وجاء الوحي وأعطى لهن حقًا يف املرياث وقلّص من‬
‫عدد الزوجات بإقامة ضمنية للزواج األحادي (الزواج من زوجة واحدة) وقدم له ّن العديد من وسائل‬
‫الحامية القانونية واملالية‪.‬‬
‫هذا تكريم للمرأة بأن أعطاها الله حقًا يف املرياث ولو كان حقها نصف ما للرجل عىل قول اآلية من‬
‫سورة النساء أ ّن لِل َّذكَ ِر ِمث ُْل َح ِّظ الْ ُنثَيَ ْ ِي‪ ، 25‬وهذه القسمة قد يراها البعض كأنها عدم مساوات بني‬

‫سورة المائدة اآلية ‪24 89‬‬


‫سورة النساء اآلية ‪25 11‬‬

‫‪15‬‬
‫الرجل واملرأة (وهذا موضوع نقاش يف بعض البلدان االسالمية مثل تونس واملغرب‪ ،‬إلخ)‪ ، 26‬لكن هذا‬
‫له مربرات اجتامعية يف ذلك الزمان إذ كان الزوج هو الذي يقوم بتوفري إمكانية العيش يف العائلة وله‬
‫عظيم للوضع‬ ‫أيضا مربرات اجتامعية أخرى يف ذلك الوقت‪ .‬لكن يف الواقع هذه اآلية أحدثت تغيريا ً‬
‫االجتامعي للمرأة يف القرن السابع للميالد بأن سمحت ألول م ّرة للمرأة أن يكون لها نصيب من املرياث‪.‬‬
‫واليوم معظم النساء يعملن ويشاركن يف إعانة األرسة مثل الرجل‪ ،‬لهذا فإنه ليس من العدل إبقاء القسمة‬
‫تغي والثورة التي أحدثها القرآن يف تحسني الوضع االجتامعي‬ ‫عىل ما كانت عليه يف زمن مىض والزمن قد ّ‬
‫للمرأة يجب أن يستمر إىل مساواة أكرث بني الرجل واملرأة‪.‬‬
‫وميكننا أيضً ا مالحظة األسلوب الراقي للقرآن حني يدعونا للحد من تعدد الزوجات بصفة تدريجية حتى‬
‫يسمح للناس أن يستوعبوا األفكار القرآنية و يحدث التغيري بدون صدام مع املجتمع يف ذلك الزمان ونجد‬
‫هذا يف اآلية التالية‪َ " :‬وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم أَلَّ تُق ِْسطُوا ِف الْيَتَا َمى فَان ِك ُحوا َما ط َ‬
‫َاب لَكُم ِّم َن ال ِّن َسا ِء َمثْ َنى َو�ث ُ َلثَ‬
‫َو ُربَاع فَ ِإ ْن ِخ ْفتُ ْم أَلَّ تَ ْع ِدلُوا فَ َوا ِح َد ًة أَ ْو َما َملَك َْت أَ ْ َيانُ ُك ْم َذلِ َك أَ ْد َن أَلَّ تَ ُعولُوا " بحيث يبدأ اآلية بتقليص‬
‫‪27‬‬

‫عدد الزوجات إىل أقل من أربع زوجات ثم يحثّ املؤمن الذي يخاف ألّ يعدل بالزواج من واحدة فقط‪.‬‬
‫القرآن يدعوا املؤمن إىل التقوى ويدعوه إىل السمو روح ًيا ويحثّه عىل الزواج من زوجة واحدة‪ .‬هذا هو‬
‫القرآن يرسم لنا الطريق إىل إعطاء املرأة حقوقها وإشارة لطيفة للسري يف هذا الطريق إىل مساواة أكرث‬
‫ويجب علينا ألّ نغفل عن إرادة الله وأن نسري عىل نهجه‪.‬‬
‫‪| l’innovation politique‬‬

‫‪ .II‬مبادئ حركة أصوات اإلسالم املستنري‬


‫تجسيد اإلسالم املستنري الروحاين والتقدمي يستلزم احرتام مجموعة من املبادئ واملعايري التي تسمح لنا‬
‫‪fondapol‬‬

‫باختيار أو‪ ،‬عىل العكس‪ ،‬بإقصاء بعض التأويالت والتفاسري لإلسالم والقرآن‪ .‬املبادئ التي اخرتناها تتميز‬
‫بكونها تحرتم قيم الحداثة وتحرتم الروح القرآين‪ .‬وهكذا أي تأويل أو تفسري للقرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫يجب أن يحرتم سبعة مقاصد‪ :‬الحرية‪ ،‬الروح النقدية‪ ،‬االنفتاح‪ ،‬التعددية‪ ،‬اإلنسانية‪ ،‬العاملية (الشمولية)‬
‫والعمل م ًعا (العمل سويًا)‪ .‬ومبناسبة إطالق حركة أصوات اإلسالم املستنري قمنا بصياغة بيانًا تأسيسيًا‬
‫سنرشحه فيام ييل‪.‬‬

‫‪ Asma Lamrabet sur l’héritage, notamment Les Femmes et‬أنظر أعمال أسماء المرابط في قضية الميراث ‪26‬‬
‫‪l’islam: une vision réformiste, Fondation pour l’innovation politique, série « Valeurs d’islam », no 8,‬‬
‫‪mars 2015, p. 28-29‬‬
‫‪(www.fondapol.org/wp-content/uploads/2015/03/074-SERIE-ISLAM-A.Lamrabet-2015-03-02-web.‬‬
‫)‪pdf‬‬
‫و كذلك أعمال صالح الدين سلطان في ميراث المرأة وقضية المساوات‪ ،‬النهضة (مصر)‪, 1999 ،‬‬
‫سورة النساء اآلية ‪27 3‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ ) 1‬الحرية والروح النقدية‬

‫اليوم‪ ،‬أنشأنا أصوات اإلسالم املستنري‪ ،‬حركة من أجل إسالم روحاين وتقدمي‪ ،‬متوازن بني إخالصه‬
‫للموروث وتطلّعه للمستقبل لريفع صوت الثقافة اإلسالمية […]‪:‬‬

‫التي تحررت من الدوغامتية الدينية والتي تضمن حرية الفكر والضمري الشخيص وتسمح لكل فرد‬
‫أن يختار وسيلة حياته الروحانية بكل حرية‪ ،‬ال إكراه يف الدين!‬
‫وتوفر للفرد إمكانية االستطالع يف أعامق نفسه لحياة روحانية رصيحة مبامرسات ح ّرة وغري إلزامية‪،‬‬
‫هذا يسمح لكل فرد أن يط ّور استقالله الذايت ويختار بكل حرية من أقوال العلامء ما يجد فيه نصيحة؛‬
‫ويعلِّم أبناءه حرية الضمري والروح النقدية ويبعدهم عن التفكري الجزمي واعتقاد امتالك الحقيقة؛‬
‫ويدعوهم إىل تقبل االختالف والتضامن واملحبة والسالم للجميع‪.‬‬
‫والذي يحفز عىل مدى الحياة لتقوية الثقة بالنفس الستطالع الذاتية العميقة واالحتياجات الروحانية‪.‬‬
‫وتكون له الشجاعة ليك ينتقد النصوص األوىل والتقاليد يف ضوء العقل ونور القلب ومبدأ الالعنف‪.‬‬
‫والذي يستلزم من كل إمام أن يتحىل بهذه املبادئ ويحمل يف خطاباته رسالة السالم‪. 28‬‬

‫مسجد مختلط إلسالم روحاين وتقدمي‬


‫يركّز هذا الجزء األول من البيان التأسييس لحركة أصوات االسالم املستنري عىل مبدأين‪ :‬الحرية والروح‬
‫النقدية أو التفكري النقدي‪ .‬بالنسبة لهذين املبدأين فإ ّن اإلعالن العاملي لحقوق االنسان والقانون الفرنيس‬
‫لفصل الكنائس والدولة (‪ )1905‬يضمنان حرية االعتقاد وحرية الضمري‪ ،‬وهذا يعني أن كل فرد حر يف‬
‫اعتقاد ديانة أو ال وله الحرية يف أن يقيم طقوس ديانته يف ظل احرتام حريات اآلخرين ويف إطار النظام‬
‫العام‪ .‬ولهذا فليس من املمكن أن يتع ّرض أي فرد ملضايقات سواء باإلكراه أو العقوبة بسبب معتقداته‬
‫الدينية من طرف أي سلطة مدنية كانت أو دينية‪ ،‬وكل تكفري مهام كان مصدره يعترب مخالفة لحرية‬
‫الضمري‪.‬‬
‫الضمري اإلنساين هو الذي يسمح لكل فرد أن يك ِّون معتقداته‪ ،‬هو هذا الصوت الداخيل الذي من خالله‬
‫ميكن الحوار مع الذات وال ميكن ألحد أن يتدخّل فيه‪ .‬هو الجزء الباطني لإلنسان الذي به يتميّز عن‬
‫اآلخرين‪ ،‬حرية الضمري هي التي تضمن قدرة التمييز وتدفع االنسان إىل فعل ما هو عادل وصحيح‬
‫وتسمح للفرد أن يك ّون تفكريه بنفسه ولنفسه ليعيش حياته مع انسجام تام مع تطلعاته العميقة‪.‬‬
‫" ال إكراه يف الدين‪ " 29‬هذا من مبادئ االسالم وهذا يعني أنه ال يوجد إلزام جسدي أو معنوي أو قانوين‬
‫إلجبار أي فرد باعتناق أو ترك الدين‪ ،‬وال إجباره أو منعه عىل تطبيق الشعائر الدينية‪ .‬ولكن ماذا عن‬
‫املسلم الذي يتعرض للضغط من طرف العائلة ومن طرف املجتمع الذي يعيش فيه ليك يقوم بالشعائر‬
‫االسالمية والطقوس الدينية‪ ،‬أليس هذا نوع من اإلكراه واالجبار؟ هذا االجبار يولّد يف الفرد الشعور‬
‫بالذنب تجاه مجتمعه وعائلته وينتهي به االمر إىل القيام بالفرائض والشعائر ليك يتج ّنب التأنيب العائيل‬
‫واالجتامعي وال يقوم بذلك من دافع ذايت ون ّية صالحة ويتص ّور الفرائض الدينية والشعائر االسالمية كأنها‬
‫مجموعة من الطقوس االجبارية وااللتزامات االخالقية دون فهم للمعنى والتي يجب القيام بها من باب‬

‫‪ Voix d’un islam éclairé. Mouvement pour un islam spirituel‬البيان التأسيسي لحركة أصوات اإلسالم المستنير ‪28‬‬
‫‪et progressiste, « Manifeste fondateur », voix-islameclaire.fr (www.voix-islam-eclaire.fr/manifeste-‬‬
‫‪fondateur/).‬‬
‫سورة البقرة اآلية ‪29 256‬‬

‫‪17‬‬
‫انها اجبارية وفروض‪ .‬لنتساءل إذًا عن هذا املفهوم القانوين "فرض" ماذا يعني؟‬
‫االلتزامات االخالقية هي من مسائل الضمري الشخيص للفرد وااللتزام بها ال ميكن أن يكون بإكراه أو إجبار‪.‬‬
‫ميكن إجبار الفرد عىل عدم القتل بوجود عوائق مادية وقانونية تجعل هذا القتل مستحيل ولكن إن كان‬
‫الفرد مقتنع يف أعامق ذاته أن القتل ظلم وجور ومضاد لألخالق فهذا يجعله يتقبّل بكل حرية الدعوة‬
‫لالمتناع عن القتل‪ .‬وبطبيعة الحال إن عزم أي فرد عىل القتل فالقانون سيعاقبه‪.‬‬
‫يف الفقه االسالمي والرشيعة االسالمية مفهوم الفرض يتعلق ليس فقط بااللتزامات االخالقية (ال تقتل‪ ،‬ال‬
‫ترسق‪... ،‬إلخ) بل يتعلق كذلك بالواجبات الدينية التي يُأ َجر الفرد عند القيام بها ويُعاقَب عىل اهاملها‬
‫سواء هذا العقاب سيكون من الله يوم القيامة أو من رجال الدين يف إطار قانون وضعي يستمد مصدره‬
‫من الرشيعة االسالمية‪ .‬هذه الحالة تثري ارتباك كيل يف أنظمة القيم فهي تجعل عىل نفس املستوى‬
‫القواعد الدينية التي من املفرتض أن تكون فردية والقواعد االجتامعية التي تنظم الحياة يف املجتمع‪.‬‬
‫من الطبيعي أن يكون هناك واجبات ومحظورات يف أي مجتمع وبالتايل ميكن معاقبة األفراد التي ال‬
‫تحرتم هذه القواعد وهذا مرشوط باالعرتاف بهدة القواعد من طرف دولة دميقراطية وعلامنية خاصة‬
‫يف السياق الفرنيس‪ .‬ال ميكن ألحد أن يتخ ّيل مجتم ًعا بدون أي قانون يعيش فيه الفرد حسب رغباته‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫مفهوم الواجبات الدينية ميكن أن يشكّل معارضة أو حتى خط ًرا عىل حرية الضمري ‪ ،‬هذا ال يعني فقط‬
‫‪| l’innovation politique‬‬

‫أ ّن العقل الفردي ليس له الحق يف السيطرة عىل الحياة الروحية الذاتية والباطنية لكن كذلك هذا املفهوم‬
‫للواجبات الدينية يضع تصنيف للمسلمني بني الذين ميارسون الطقوس الدينية وفقًا للقواعد الرسمية‬
‫التي تقدمها املؤسسات الدينية و بطريقة حرفية وبني الذين يختارون القيام ببعض الطقوس دون‬
‫األخرى و هكذا يكون الصنف األول داخل الدين حسب املنظومة الدينية الرسمية و الصنف الثاين خارج‬
‫الدين و قد يتعرض افراد الصنف الثاين للعقوبة سواء كانت رمزية أو فعلية‪ .‬وهنا تكمن املشكلة‪ ،‬بوضع‬
‫الطقوس الدينية العبادية داخل إطار قانوين متثله الرشيعة االسالمية ويتحكم الفقه يف كيفية القيام بها‪.‬‬
‫‪fondapol‬‬

‫هناك نوعان من الواجبات أو الفروض يف االسالم‪ :‬فرض عني الذي يعني الواجب الفردي مثل الصالة‬
‫والزكاة والصيام وكذلك الحج‪ ،‬وفرض كفاية الذي يعني الواجب الجامعي الذي يكفي أن يقوم ب ِه بعض‬
‫امل ُسلمني‪ ،‬أو أحدهم حتى يسقُط عن الباقني (مثل صالة الجنازة‪... ،‬إلخ)‪ .‬وفرض عني هنا ال ميثل نو ًعا من‬
‫الحرية الفردية يف القيام بالواجبات الدينية بل ميثل واج ًبا ليس للحرية الفردية أي تدخّل فيه ويف كيفية‬
‫القيام به‪ ،‬ولو تساءلنا من الذي يحتكر الترصف يف الواجبات الدينية أليس هم الفقهاء ورجال الدين؟‬
‫واملسلم العادي ليس له أن يختار من الواجبات الدينية وكيفية القيام بها ما يناسبه بل عليه االنصياع‬
‫للواجبات بحيث يكفي أن يقبل القيام بها لتأتيه النية‪ .‬ومبا أن هناك نظام خارجي (خارج الفرد) يفرض‬
‫قوانني دينية تحدد املعايري والحدود الشعائرية التي ال يجب تجاوزها فمن املستحيل تصور أي ذاتية‬
‫روحانية حقيقية وال حرية للضمري وال حرية للعبادة‪ .‬نسمع كثريا أنه ال يوجد يف االسالم كهنوت‪ ،‬نظريًا‬
‫نعم ولكن يف الواقع ال‪ . 30‬واآلن حان الوقت لكل مسلمة ولكل مسلم أن يأخذ بزمام عقله الذايت ويتحرر‬
‫من الكهنوت الذي يحتكر تحديد املعايري والشعائر وعىل كل مؤمن اآلن أن يستعيد حياته الروحانية‬
‫ليوجهها بكل إخالص ونزاهة وهذا ال يتحقق إلّ بعد تربية حقيقية ومستوى رفيع من التعليم‪.‬‬
‫ال ميكن ألي نظام اتكايل أو نظام خارجي وال ألحد أن يُجرب الفرد عىل اتباع طريقة واحدة فقط يف تجسيد‬
‫دينه‪ ،‬بطبيعة الحال ميكن ألي فرد أن يسأل اآلخر من باب املساعدة ليسرتشد به يف حكمٍ أو يساعده عىل‬
‫التمييز يف قضية ما‪ ،‬ولكن ضمري الفرد هو الوحيد الذي يختار املسار الروحاين املناسب له من دون أي‬
‫ضغط خرجي ‪ ،‬وهكذا يتغري تص ُّور املامرسات الطقوسية املنصوص عليها يف القرآن كأنها التزامات وتصبح‬
‫مقرتحات روحانية ميكننا فهمها يف سياقها وميكننا بالتايل أن نط ّور املعنى الذي فيها ونجعله يتامىش مع‬
‫‪ Abdennour Bidar, «Quels usages de la raison pour la connaissance et la conduite spirituelles‬أنظر ‪30‬‬
‫‪?» in La civilisation arabo-musulmane au miroir de l’universel: perspectives philosophiques, Unesco,‬‬
‫‪2010, p. 221-228 (http://mutazilisme.fr/abdennour-bidar/).‬‬
‫‪18‬‬
‫التخل عن بعضها وإعادة قراءتها‪ .‬وميكن للفرد حينئذ أن يختار‬
‫سياقنا الحايل وهكذا ميكننا االحتفاظ أو ّ‬
‫بكل حرية من هذه املقرتحات ما يناسب حياته الروحانية‪ .‬ومعنى ذلك ا ّن إعادة النظر يف املامرسات‬
‫الدينية والحياة الروحانية ال ميكن إلّ أن يكون عىل املستوى الفردي (الشخيص) بان يقوم الفرد بالبحث‬
‫يف أعامق ذاته ليستخرج ما يراه أكرث عدلً وأكرث فعالية يجعله يقوم برحلته الروحانية يف أحسن حال‪.‬‬

‫‪ )2‬االنفتاح والتعددية‬

‫اليوم‪ ،‬أنشأنا أصوات اإلسالم املستنري‪ ،‬حركة من أجل إسالم روحاين وتقدمي‪ ،‬متوازن بني إخالصه‬
‫للموروث وتطلّعه للمستقبل لريفع صوت الثقافة اإلسالمية […]‪:‬‬

‫الذي يشجع عىل تعددية القراءات والتفسريات للنصوص ويدين العنف الناتج من الذين يرغبون يف‬
‫فرض قراءة واحدة فقط؛‬
‫الذي يعيد التفكري يف أماكن العبادة ليجعلها تسمح باالختالط ألداء الصالة‪ ،‬ويسمح للمصليات من‬
‫النساء أن يرتدين أو ال يرتدين الحجاب ويسمح للمرأة أن تكون إمام وتؤم املصلني مبا فيهم الرجال؛‬

‫مسجد مختلط إلسالم روحاين وتقدمي‬


‫ويعيد التفكري فيها (اماكن العبادة) لتصبح مساحات للحوار الحر ويجعل فيها مكتبات مز ّودة بكتب‬
‫متنوعة يف كل امليادين مفتوحة للجميع؛‬
‫والذي يعترب الحياة الروحانية الجامعية كزمالة ورفقة يساعد أفرداها بعضهم البعض لريسم كل‬
‫واحد منهم طريقه بدون أي ضغط مجتمعي أو حكم وعظي أخالقي‪-- .‬فردي وليس وحيد‪ ،‬لنكن‬
‫أحرا ًرا م ًعا؛‬
‫والذي يسمح بإنشاء تعايش اجتامعي روحاين جديد حيث ال ينعزل املسلمني يف أمة منغلقة عىل‬
‫‪31‬‬
‫نفسها‪ --‬أ ّمتنا هي اإلنسانية‪.‬‬

‫رص عىل التعددية التي نجدها يف‬ ‫يف هذا الجزء الثاين من البيان التأسييس لحركة أصوات االسالم املستنري ن ّ‬
‫جوهر االسالم ولو أن هذه التعددية مل يُعرتَف بها متا ًما ومل تُعط أهمية حقيقية‪ .‬تقبُّل اآلخر هو يف صميم‬
‫حركة االسالم املستنري التي تشجع عىل تقبُّل اآلخر املسلم مهام كانت طائفته أو تياره يف الدين‪ ،‬سواء كان‬
‫شيعي‪ ،‬س ّني‪ ،‬معتزيل‪ ،‬صويف‪ ،‬إبايض وحتى الذين ال ينتمون ألي طائفة ويختارون ألنفسهم الطقوس التي‬
‫يريدون القيام بها ولهم تفسرياتهم الخاصة للدين االسالمي‪ .‬يجب إذًا إرساء الحوار الحر واملسامل بني كل‬
‫املسلمني ألن الحياة الروحانية الجامعية البد لها أن تأخذ بعني االعتبار تعددية التوجهات الروحانية وهذا‬
‫يف إطار ما نسميه أحرار ـ م ًعا‪ .‬وبالتايل فال ميكن ألي مسلمة أو مسلم أن يحتكر التأويالت والتفاسري وال‬
‫يسمح له بإصدار حكم عىل التوجهات الروحانية لآلخر‪.‬‬
‫وكذلك فانه من واجب املسلمني ان ينفتحوا عىل العامل‪ .‬وال ميكن لهم االنغالق والتقوقع الهويايت‬
‫والطائفي فهذا االنغالق يتعارض ليس فقط مع مرشوع اإلخاء الجمهوري بل يتعارض كذلك مع الروح‬
‫األخوية التي يدعوا إليها القرآن وهذا االنغالق ين ّمي االحساس بالخوف من التأثريات الخارجية عىل‬
‫االسالم‪ .‬وبالعكس من ذلك فإن القرآن يدعوا مختلف الشعوب ليتعارفوا وال يدعوا لالنطواء الهويايت‬
‫وال لالنعزال الفردي‪. 32‬‬
‫‪ Voix d’un islam éclairé, «Manifeste fondateur», art. cit.‬من البيان التأسيسي لحركة أصوات اإلسالم المستنير ‪31‬‬
‫سورة الحجرات اآلية ‪32 13‬‬
‫‪19‬‬
‫‪ )3‬االنسانية والعاملية‬

‫اليوم‪ ،‬أنشأنا أصوات اإلسالم املستنري‪ ،‬حركة من أجل إسالم روحاين وتقدمي‪ ،‬متوازن بني إخالصه‬
‫للموروث وتطلّعه للمستقبل لريفع صوت الثقافة اإلسالمية […]‪:‬‬

‫الذي يتب ّنى دون تحفظ مبادئ اإلعالن العاملي لحقوق االنسان ويعلن بأن الحرية‪ ،‬واملساواة واألخوة‬
‫قيم مشرتكة بني جميع الحضارات؛‬
‫الذي يدعوا إىل العدل والسالم وميارسهام خالل رفضه لكل أشكال العنف والكراهية وكل انتقام وظلم‬
‫وعنرصية ومعاداة السامية وكراهية لإلسالم ـ وينسج روابط أختية وأخوية عاملية؛‬
‫والذي يؤمن باملساواة بني املرأة والرجل يف الكرامة والحقوق ويناضل برضاوة من أجل تحرير املرأة‬
‫‪33‬‬
‫ويقاوم بشدة كل هيمنة رجولية‪.‬‬
‫‪| l’innovation politique‬‬

‫يف هذا الجزء الثالث من البيان التأسييس‪ ،‬موقفنا واضح‪ :‬يجب احرتام مبادئ اإلعالن العاملي لحقوق‬
‫اإلنسان دون رشوط ألنها متثّل قيم عرصنا هذا ومن الجدير بالذكر أن كل البرش يف االصل هم من جوهر‬
‫واحد ولهم نفس الفطرة وال يجب أن نتص ّور أن قيم الحرية واملساواة واألخوة تنتمي لفرنسا وحدها‬
‫دون العامل بل هي قيم تنتمي إىل البرشية كلها‪ ،‬وال ميكن ألي مسلم أن يُتَّ َهم بالخيانة عندما يعلن متسكه‬
‫بهذه املبادئ أل ّن هذه املبادئ موجودة أصال يف جوهر القرآن‪ .‬واألهم من ذلك فإن الشعار الفرنيس‬
‫‪fondapol‬‬

‫يعترب فرصة للتوفيق بني االسالم والجمهورية‪" :‬كلام كانت وفية لشعارها (الحرية واملساواة واألخوة)‪،‬‬
‫كلام وفّرت فرنسا لإلسالم محيط تعايش لعبقريتهام املشرتكة‪ ]...[ .‬االسالم وفرنسا تشرتكان يف نفس القيم‬
‫االساسية والتأسيسية ويف نفس األزمات التطرفية لهذه القيم املشرتكة ولهذا فإ ّن لإلسالم وفرنسا مسؤولية‬
‫مشرتكة أال وهي إحياء هذا املقدس املشرتك ويجب القيام بها بأرسع وقت‪" 34.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬فإن كل تأويل لآليات القرآنية يعارض هذه املبادئ يجب رفضه نهائيا (مامرسة تشويه األعضاء‬
‫أو الرجم‪ ،‬عىل سبيل املثال)‪ .‬كثريون الذين يدينون باستمرار اآليات التي توحي للعنف يف النص القرآين‬
‫ونجد نفس هذه اآليات تستعملها الجامعات اإلرهابية خاصة وهكذا تصبح هذه اآليات مصدر خطر بني‬
‫أيدي هذه الجامعات اإلرهابية التي تش ِّوه بذلك املحتوى الروحاين لآليات والقرآن‪ .‬وهذا التص ّور وإن كان‬
‫واسع االنتشار ال معنى له لو نظرنا لسياق نزول هذه اآليات واألوضاع السياسية يف ذلك الزمن‪ .‬وال ننىس‬
‫أن معظم النصوص املقدسة نزلت يف أزمنة كانت فيها النزاعات القبلية كثرية ودامئة وكان يستلزم عىل‬
‫هذه النصوص املقدسة أن تراعي هذا السياق وتتفاعل مع ما كان يعيشه الناس يف زمن نزولها‪ .‬كذلك لو‬
‫نظرنا إىل اإلنجيل لوجدنا فيه آيات مامثِلة ملا يف القرآن وبنفس النسبة وتوحي كذلك للعنف‪ .‬ولكن اليوم‬
‫ما عسانا أن نفعل بهذه اآليات يف القرآن؟ لنأخذ عىل سبيل املثال اآليات التالية من سورة البقرة ‪َ " :‬وقَاتِلُوا‬
‫ِف َسبِيلِ اللَّ ِه ال َِّذي َن يُقَاتِلُونَ ُك ْم َولَ تَ ْعتَ ُدوا إِ َّن اللَّ َه لَ يُ ِح ُّب الْ ُم ْعتَ ِدي َن (‪ )190‬واقْتُلُو ُه ْم َحيْثُ ث َ ِق ْفتُ ُمو ُه ْم‬
‫َوأَ ْخ ِر ُجو ُهم ِّم ْن َح ْيثُ أَ ْخ َر ُجوكُم َوالْ ِفتْ َن ُة أَشَ ُّد ِم َن الْ َقتْل َولَ تُقَاتِلُو ُه ْم ِعن َد الْ َم ْسج ِِد الْ َح َرامِ َحتَّى يُقَاتِلُوكُ ْم‬
‫ِفيه فَ ِإن قَاتَلُوكُ ْم فَاقْتُلُو ُهم كَذلِ َك َج َزا ُء الْكَا ِفرِي َن (‪ )191‬فَ ِإنِ انتَ َه ْوا فَ ِإ َّن اللَّ َه َغفُو ٌر َّر ِحي ٌم (‪َ )192‬وقَاتِلُو ُه ْم‬

‫‪ Voix d’un islam éclairé, «Manifeste fondateur», art. cit.‬من البيان التأسيسي لحركة أصوات اإلسالم المستنير ‪33‬‬
‫‪ Abdennour Bidar, « Le génie de l’islam et le génie de la France convergent au cœur », Le‬أنظر ‪34‬‬
‫‪Monde des religions, n° 93, janvier-février 2019, p. 54-56.‬‬

‫‪20‬‬
‫َحتَّى لَ تَكُو َن ِفتْ َن ٌة َويَكُو َن ال ِّدي ُن لِلَّه فَ ِإنِ انتَ َه ْوا ف ََل ُع ْد َوا َن ِإلَّ َع َل الظَّالِ ِم َني (‪ . " 35)193‬القراءة النقدية‬
‫والدراسة التدبرية للقرآن تشري أنه هناك بع ًدا تاريخيا لبعض اآليات مىض عليه الزمن وال ينفع لزماننا‬
‫هذا‪ ،‬لقد كانت الحروب التي ش ّنها الرسول دفاعية يف الحقيقة‪ .‬ويف خالل الثالثة والعرشين سنة من‬
‫الوحي القرآين استقطب محمد الكثري من األعداء بسبب ظهور اإلسالم والتهديد السيايس واالقتصادي‬
‫واالجتامعي الذي كان ميثّله النبي عند مختلف القبائل القرشية‪ ،‬ونظ ًرا ملا كان فيه املسلمني من اضطهاد‬
‫وعدوان (نهب منازلهم يف مكّة‪ ،‬التعذيب‪... ،‬إلخ) فقد أجاز الله لهم الدفاع عن أنفسهم بعد الهجرة إىل‬
‫املدينة‪ ،‬ألنه ال توجد هناك حلوال أخرى‪ .‬وهكذا فإن اإلرهابيني اإلسالميني والذين يدينون اإلسالم يحاولون‬
‫عزل اآلية ‪ 191‬من سورة البقرة "واقْتُلُو ُه ْم َح ْيثُ ث َ ِق ْفتُ ُمو ُه ْم َوأَ ْخ ِر ُجو ُهم ِّم ْن َح ْيثُ أَ ْخ َر ُجوكُم" بدافع‬
‫التعصب أو بدافع الخيانة الفكرية دون مراعاة اآليات السابقة والتالية التي تعطي السياق التاريخي‬ ‫ّ‬
‫وتبي لنا بعض السلوكيات التي يجب أن يتّصف بها املسلمني يف حروبهم‪ .‬ونجد أن هذا املقطع من‬ ‫لآلية ّ‬
‫القرآن ينص بوضوح عىل أن الهدف من هذا الرصاع كان استعادة ما ُسِق ونُهِب من املسلمني ويضيف‬
‫النص أيضً ا أن يتوقّف املسلمني عن القتال إذا تاب الخصم وتوقف عىل القتال‪ ،‬فهذا واضح أن الهدف‬
‫هو اسرتجاع منازل املسلمني يف مكة والسامح لهم مبامرسة دينهم بكل حرية‪.‬‬

‫‪ ) 4‬العمل م ًعا يف خدمة تقدم االنسانية‬

‫مسجد مختلط إلسالم روحاين وتقدمي‬


‫اليوم‪ ،‬أنشأنا أصوات اإلسالم املستنري‪ ،‬حركة من أجل إسالم روحاين وتقدمي‪ ،‬متوازن بني إخالصه‬
‫للموروث وتطلّعه للمستقبل لريفع صوت الثقافة اإلسالمية […]‪:‬‬

‫الذي يعترب أن يف النصوص االسالمية موارد فكرية مثينة ميكن أن تساهم يف الوقت الحارض وتشارك‬
‫يف التقدم الروحاين‪ ،‬السيايس واالجتامعي للبرشية؛‬
‫الذي يرشك يف كل القضايا الكربى لعرصنا اآلن‪ :‬الكفاح ضد البؤس واملعاناة واستغالل االنسان لإلنسان‬
‫والالمساواة وكل أنواع التمييز العنرصي املرتبط بالجنسية والدين والتوجه الجنيس؛ والكفاح من أجل‬
‫إتاحة التعليم والثقافة للجميع‪ ،‬ومن أجل العدالة االجتامعية وإرساء األخوة والحفاظ عىل البيئة‬
‫واالهتامم بحامية كوكبنا؛‬
‫الذي يساعد كل الضامئر االنسانية وكل املجتمعات عىل الخروج من املادية وحب املال؛‬
‫الذي يشارك يف النقشات الكربى يف املجاالت الروحانية والفلسفية والسياسية والعلمية ويف مجال‬
‫البيوإتيقا وهذا من خالل تقديم أفضل ما لديه من أفكار وحكمة؛‬
‫الذي يساهم يف جمع كل النساء وكل الرجال ذوي النوايا الحسنة يف هذا الكوكب‪ ،‬ملحدين والأدريني‬
‫ومؤمنني م ًعا لبناء عامل يسوده العدل والسالم؛‬
‫الذي يدعوا بكل قواه ملرشوع حضارة إنسانية حيث يعطي لكل إنسان الفرصة ليك يستخرج ما لديه‬
‫‪36‬‬
‫يف أعامق نفسه من أجل خدمة الجميع ويف خدمة الحياة‪.‬‬

‫يف هذا الجزء الرابع واألخري من البيان‪ ،‬نؤكد عىل أن تطوير إسالم روحاين وذايت ال يعني التوجه إىل‬
‫الفردانية واالنقطاع عن اآلخرين وعن العامل‪ .‬بل بالعكس من ذلك‪ ،‬كام يفرسه الفيلسوف الفرنيس‬
‫سورة البقرة اآليات ‪ 190‬ـ ‪35 193‬‬
‫"من البيان التأسيسي لحركة "أصوات اإلسالم المستنير ‪36‬‬

‫‪21‬‬
‫إميانويل مونييه (‪ 1905‬ـ ‪ )1950‬يف منطق الشخصانية‪ ،‬فإن الفرد الذي ال يستطيع أن يقيم عالقات‬
‫وروابط مع اآلخرين ومع محيطه ال يسعه إلّ أن ينغلق عىل نفسه ويقع يف منطق االنفصالية بني "هم"‬
‫و "نحن" أو "هم" و "أنا"‪ .‬ولهذا فإن منطق االنعزال الطائفي يتوافق متاما مع النزعة الفردانية وميكن‬
‫أن نتص ّور يف كلتا الحالتني أن العالقات اإلنسانية تستدعي املنافسة والهرمية وتستلزم حامية الهوية‬
‫وكأنها محارصة‪ .‬لذلك يجب الخروج من هذا النمط من الرؤية لآلخر حتى نتمكّن بتطوير العمل ـ م ًعا‬
‫ونستطيع االنخراط يف العامل ونكون يف خدمة املصلحة العامة وليس يف خدمة طائفة ما أو عشرية أو‬
‫املصلحة الشخصية‪.‬‬
‫واإلسالم ال يقترص يف إعطاء الوسائل الروحانية للمسلمني فقط‪ ،‬بل هذا املوروث االسالمي ميكن أن‬
‫يضيف مساهمته يف التقدم الروحاين والسيايس واالجتامعي للبرشية كلها ويف العديد من املجاالت مبا‬
‫فيها البيئة وحامية حياة الحيوان والعلوم والبيوإتيقا وتطوير أنظمة سياسية تضمن العدالة االجتامعية‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬نحن نرفض أن يكون هذا التقدم مج ّرد تقدم اقتصادي مادي وفرداين يؤدي إىل تفاقم‬
‫الالمساواة وانتشار الظلم‪.‬‬

‫ديانة إسالمية روحانية وتقدمية‬ ‫‪. III‬‬


‫‪| l’innovation politique‬‬

‫العبادة الروحانية والتقدمية تتب ّنى مبادئ حركة أصوات اإلسالم املستنري‪ .‬فإ ّن املامرسات الروحانية‬
‫مهمة يف حياتنا وهي أكرث أهمية إذا كانت يف إطار جامعي ملامرسة اإلسالم‪ ،‬لكننا نفتقر ألماكن للعبادة‬
‫ُجسد حقًا رؤيتنا لإلسالم‪ .‬نجد الكثري من املسلامت واملسلمني التقدميون يرتكون املساجد ويلجؤون‬ ‫ت ِّ‬
‫إىل املامرسات االنفرادية والبعض منهم يلتقون يف دوائر للنقاش بني املثقفني واألكادمييني ليقدموا وجهة‬
‫‪fondapol‬‬

‫نظرهم التفكيكية والحيادية والعلمية لإلسالم‪ .‬بالتأكيد أن هذه النظرة التفكيكية جد مهمة ولكنها غري‬
‫كافية إلعادة بناء منهجية جديدة تسمح لكل فرد أن يعيش حياته الروحانية بشكل يومي ويف إطار‬
‫جامعي‪.‬‬
‫إ ّن شبكة املساجد يف فرنسا تهيمن عليها التوجهات الدينية املحافظة وتهددها الرصاعات عىل السلطة‬
‫بني مختلف الفصائل القومية األجنبية واملصالح املالية املفرطة وتهددها تأثريات اإلسالموية واألصولية‬
‫الدينية‪ .‬هذا أ ّدى إىل أ ّن الكثري من املسلمني يهجرون املساجد ويتخلون عن أماكن العبادة‪ ،‬لذلك فقد‬
‫التخل عن أماكن العبادة عىل تطلعات كثرية و ُملِ َّحة إلنشاء أماكن جديدة للعبادة تلبّي‬ ‫أفرز هذا ّ‬
‫احتياجات ما نسميهم "أيتام املساجد" من املسلامت واملسلمني الذين يشعرون بوحدة شديدة يف‬
‫مامرساتهم العبادية والذين ال يجدون أنفسهم يف الرؤية التي تقدمها الديانة االسالمية‪.‬‬
‫والهدف من هذا ليس بأي حال من االحوال أن نفرض هذه املبادئ (مبادئ أصوات االسالم املستنري)‬
‫وهذه الرؤية عىل جميع املساجد الفرنسية‪ ،‬وإمنا لنعطي الفرصة للذين عندهم استعداد لالنضامم‬
‫ولتجسيد هذه املبادئ بكل حرية دون التعرض ألي مضايقات أو تهديدات أو عقوبات من طرف‬
‫إخوانهم يف الدين‪ .‬هدفنا هو ببساطة اقرتاح بديل ثقايف وديني يكون عىل قدم املساواة مع جميع‬
‫الفروع اإلسالمية األخرى‪ .‬وبحكم حرية الضمري وحرية االعتقاد التي تضمنها الالئكية‪ ،‬يجب لكل فرد‬
‫أن يكون له الحق وتُتاح له الفرصة أن يجد مكان للعبادة يستطيع فيه مامرسة دينه وفقًا ملا يستطلعه‬
‫قلبه وإميانه ويشعر فيه بالطأمنينة واالرتياح‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ ) 1‬الطقوس‪ ،‬الالمفكّر فيه يف اإلسالم‪ .‬إعادة التفكري وإعطاء معنى للمامرسات‬
‫الروحانية‬
‫الكثري من الجهود بذلت من طرف اإلصالحيني لإلسالم وذلك منذ القرن التاسع عرش ولكن يف ميادين‬
‫محددة فقط‪ .‬ففي الجانب العقائدي فقد أتاحت أدوات علم الكالم والفلسفة للمفكرين الجدد لإلسالم‬
‫القيام بأعامل كبرية ومبت ِكرة‪ .‬وبالتايل‪ ،‬تم اقرتاح قراءات جديدة للقرآن يف ضوء علوم اإلنسان واالجتامع‬
‫وكذلك علوم اللغة والبالغة واللسانيات‪ .‬وكذلك تطرقت هذه الدراسات إىل إعادة النظر يف مفاهيم الجنة‬
‫والنار ويوم الحساب واألنبياء والرسل وأعطت لإلرادة الحرة لإلنسان أهمية أكرث يف مقابل القضاء والقدر‪.‬‬
‫وعىل الرغم من أنه ال يزال من الصعب االعرتاف رسميا بالجزء االنساين والتاريخي يف فهم القرآن والسنة‪،‬‬
‫إلّ أن النقاش أصبح ممك ًنا اليوم عىل األقل يف شبكات التواصل االجتامعي ويف بعض البلدان‪ . 37‬ويجدر‬
‫باإلشارة أنه هناك بروز وانتشار خطابات الهوتية ودينية مضادة لدحض التأويالت الظالمية للرشيعة‬
‫والتأويالت التي تجاوزها الزمن (االعرتاف باملساواة بني الرجل واملرأة‪ ،‬والنضال من أجل حقوق االنسان‪،‬‬
‫‪...‬إلخ)‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يف الواقع ولألسف‪ ،‬فإ ّن هذه النضاالت مل تتوج بعد بالنجاح يف البلدان االسالمية وال‬
‫تزال بحاجة إىل دعم أكرث وقوة وشجاعة أكرب للمثابرة فيها‪.‬‬
‫يف الحقيقة‪ ،‬كل محاوالت االصالح مل تركز كث ًريا عىل الجانب الروحاين لإلسالم‪ ،‬بل ركزت أكرث عىل التحليل‬
‫التاريخي النقدي للمسائل االجتامعية والسياسية وقد أفىض هذا التحليل التاريخي النقدي إىل تسليط‬

‫مسجد مختلط إلسالم روحاين وتقدمي‬


‫الضوء عىل مدى التدخل البرشي يف الوحي القرآين وهذا يعني إعادة النظر نسبيا يف محتوى بعض‬
‫املبسط للعقيدة حتى‬‫النصوص ووضعها يف سياقها التاريخي‪ .‬هذه األشغال رضورية للخروج من التفكري َّ‬
‫نتمكن من الفصل بني ما هو يف مجال اإلميان وما هو يف مجال املعرفة التاريخية وبذلك ميكننا تفكيك‬
‫العقائد التي ليس لها أساس من الصحة ونستطيع التفكري يف النصوص بطريقة سليمة ونقية‪ .‬لكن إذا‬
‫بقينا فقط يف مرحلة التفكيك دون تقديم طريقة جديدة ومستوى آخر لقراءة النصوص‪ ،‬لن يبقى‬
‫للمسلمني إذًا سوى احتاملني يف غياب احتامل ثالث‪ :‬إما الخروج من اإلسالم (ويف هذه الحالة لكل فرد‬
‫الحرية يف أن يفعل ذلك) أو التشبث يف طقوس وعقائد ال تتالءم مع عرصنا‪.‬‬
‫حتم إىل طريقني مسدودين‪.‬‬ ‫إن عدم الجرأة عىل إعادة التفكري يف الحياة الروحانية يف اإلسالم سيؤدي ً‬
‫من جهة‪ ،‬فإن السياسة منفصلة عن الدين يف فرنسا ومل تعد النقاشات السياسية االجتامعية عىل اإلسالم‬
‫تهم املسلمني الفرنسيني‪ ،‬عىل عكس الدول االسالمية حيث ال تزال لهذه املعايري آثار ملموسة‪ .‬ومن جهة‬
‫أخرى‪ ،‬محاولة إصالح اإلسالم فقط من الجانب السيايس واالجتامعي سيوحي إىل أن اإلسالم سيايس أكرث‬
‫وليس روحاين‪.‬‬
‫غالبا ما نجد املفكرون حذرون جدا فيام يخص مسائل اإلميان ونجدهم أكرث حذ ًرا فيام يتعلق مبامرسة‬
‫العبادات اإلسالمية وتكييفها مع عرصنا‪ .‬وال نستغرب هذا الحذر ألن هذه املجاالت تتعرض للحياة‬
‫الذاتية الخاصة للفرد وقد يصعب استعامل التحليل الفكري التجريدي يف هذا املجال‪ .‬مبا أن األمر يتعلق‬
‫جل مع البحث عن مصداقية الحقائق التاريخية‪ .‬إ ّن التفكري‬ ‫بالطقوس العبادية فلسنا إذًا يف نفس ِ‬
‫الس ّ‬
‫يف معاين وتطورات املامرسات الدينية يستلزم علينا اعتبار اإلسالم حقًا كتجربة روحانية يجب القيام بها‬
‫فعل لهذا يجب عىل كل االعتبارات أن تستند أساسا للتجربة امل ُعاشة فعال وليس فقط ملناهج التفكري‪.‬‬ ‫ً‬
‫وهكذا ال يزال بعض املفكرين الجدد يف اإلسالم يعارضون فكرة إصالح مجال العبادات الذي مل يتم إعادة‬
‫التفكري فيه حتى اآلن‪ ،‬بالرغم من أنه يشكل قلب الحياة الروحانية‪ .‬فكل محاولة يقوم بها الفرد لتكييف‬
‫مامرساته العبادية لتنسجم مع الظروف املكانية والزمانية وظروفه الشخصية تعترب أمر يسء ومرفوض‬
‫‪،‬تم دراسة كل هذه الشخصيات اإلصالحية من طرف الكاتب رشيد بنزين في كتاب "المفكرون الجدد لإلسالم"‪ ،‬ألبان ميشال ‪37‬‬
‫‪2004، Rachid Benzine dans Les Nouveaux Penseurs de l’islam, Albin Michel,‬‬

‫‪23‬‬
‫عىل أساس أنه بدعة ضالة‪ .‬هذا ألن الطقوس أصبحت كام يسميه بيري بورديو "الرأسامل الرمزي" لإلسالم‪،‬‬
‫والجوهر الذي ال يجب املساس به والخط األحمر الذي ال ميكن تجاوزه أو بعبارة أخري املجال املستثنى‬
‫من استعامل العقل والتفكري النقدي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬قد يُسمح لبعض التعديالت يف العبادات (مثل تعديل‬
‫مدة الصيام يف حال طول مدة النهار‪ ،‬وتجميع الصلوات‪ ،‬واإلعفاءات للمريض واملسافر‪ ،‬وما إىل ذلك)‬
‫لكن ال يزال يُنظر إليها بنظرة سيئة ونرى ذلك يف البلدان اإلسالمية التي مينع القانون فيها إفطار رمضان‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬أصبح من الصعب للغاية إعادة التفكري يف املامرسات العبادية ألن هناك العديد‬
‫من القواعد االجتامعية والثقافية تتضارب فيام بينها وتشوش الطقوس مثل الرؤية املحافظة للعالقة‬
‫بني الرجل واملرأة ومفهوم الحياء‪ .‬هذه القواعد االجتامعية والثقافية نجدها راسخة بقوة يف الالوعي‬
‫الجامعي ولو نظرنا فيها لوجدنا أن ليس لها أساس روحاين أو ديني ألنها ال تأثر يف طبيعة العالقة بني‬
‫املؤمن والله‪ .‬ومع ذلك فهذه القواعد االجتامعية والثقافية تأثر بشكل كبري يف كيفية تصور العبادات‬
‫يف اإلسالم خاصة الجامعية منها‪.‬‬
‫هناك إشكال كبري يجب حله‪ :‬كلمة فقه التي تشري إىل الفقه االسالمي تعني يف الحقيقة الفهم العميق أو‬
‫مطلق الفهم‪ ،‬لكن الفهم فيام يخص العبادات أو املامرسات العبادية نجده سطحي ويهتم فقط بالشكل‬
‫ومل يحاول الفقه التعمق يف التفكري فيها‪ .‬وبالتايل‪ ،‬نجد بعض الحرية واملرونة يف إعادة النظر يف بعض‬
‫القواعد االجتامعية أو املعامالت التي يسنها القرآن ويف املقابل هذه الحرية واملرونة تنعدم متاما عندما‬
‫‪| l’innovation politique‬‬

‫يكون األمر يف تكييف املامرسات العبادية أو العبادات‪.‬‬


‫وبالتايل‪ ،‬فمن الشائع أن نسمع يف اإلسالم‪ ،‬وحتى من بعض املفكرين الذين يعتربون أنفسهم إصالحيني‬
‫وتقدميني‪ ،‬أن القواعد االجتامعية أو املعامالت "املجال األفقي" التي ميليها القرآن ميكن أن تخضع‬
‫للتفكري العقيل ولكن املامرسات العبادية أو العبادات "املجال العمودي" ال ميكن أن تدخل يف مجال‬
‫التفكري العقيل‪ .‬باعتبار أن هذه املامرسات رمزية فإنها إذًا غري معقولة أو بعبارة أخرى ليست سهلة‬
‫الفهم بالنسبة للعقل البرشي‪" .‬املجال األفقي للمامرسات الدينية أو املعامالت هو الذي ميكن اعتباره‬
‫‪fondapol‬‬

‫من املعقوالت عىل عكس الطقوس فهي يف مجال الالمعقول منطقيا‪ ،‬لهذا ال ميكننا أن نطرح السؤال ملاذا‬
‫العبادات"‪ . 38‬لكن‪ ،‬ليس ألن للعبادات وظيفة رمزية فإنها إذًا خالية من املعنى وال ميكن حينها أن تخضع‬
‫للتفكري البرشي والتحليل العقيل‪ .‬عىل العكس من ذلك‪ ،‬فالسؤال "ملاذا" يعترب أسايس‪ .‬إنه من التناقض‬
‫أن نقبل‪ ،‬من جهة‪ ،‬أنه ميكن استعامل الرأي الشخيص لتأويل القواعد االجتامعية يف القرآن‪ ،‬ومن جهة‬
‫فالتخل عن السؤال يف معنى الطقوس والعبادات سيعيدنا‬ ‫ّ‬ ‫أخرى‪ ،‬نرفضه فيام يخص الطقوس والعبادات‪.‬‬
‫إىل السقوط يف متاهات النقل والتقليد األعمى الذي نرفضه وقمنا بتنديده فيام سبق‪.‬‬
‫قد يعتقد بعض الناس أننا نحاول تكييف العبادات بحثًا عن السهولة وهروبًا من التطبيق ويلوموننا‬
‫عىل ذلك‪ ،‬هذا غري صحيح والتفكري يف هذا االتجاه ال يجدي نف ًعا‪ :‬فإن الطقوس ليست إلزامية عىل‬
‫أي حال‪ ،‬ولكل فرد الحرية يف التخيل عنها إذا مل تتالءم مع متطلباته الشخصية‪ .‬لو تساءلنا عن املعنى‬
‫والسبب فيام يخص الطقوس العبادية ألعدنا النظر‪ ،‬يف ضوء القرآن‪ ،‬يف املعنى املعطَى لبعض املحظورات‬
‫التي ال نجد لها أساس يف القرآن‪ :‬مثل وجوب أداء الصالة بالعربية أو حرمان النساء من الصوم أثناء‬
‫الحيض‪ .‬القرآن ينهى عن الجامع يف حالة الحيض عند املرأة باعتباره أَذًى‪ ، 39‬وقد بالغ الفقهاء يف تفسري‬
‫هذه اآلية واعتربوا هذا األذى‪ ،‬برصف النظر عن الجامع‪ ،‬حالة عدم طهارة (نجاسة) ومنعوا عىل النساء‬
‫يض ق ُْل ُه َو أَذًى فَا ْعتَ ِزلُوا‬ ‫الصوم والصالة خالل مدة الحيض‪ .‬وهذا غري صحيح‪َ " :‬ويَ ْسأَلُون ََك َعنِ الْ َم ِح ِ‬
‫يض َولَ تَ ْق َربُو ُه َّن َحتَّى يَطْ ُه ْر َن فَ ِإذَا تَطَ َّه ْر َن فَأْتُو ُه َّن ِم ْن َحيْثُ أَ َم َركُ ُم اللَّ ُه إِ َّن اللَّ َه يُ ِح ُّب‬
‫ال ِّن َسا َء ِف الْ َم ِح ِ‬

‫‪.‬طارق أوبرو‪" ،‬القرآن‪ ،‬مفاتيح للقراءة" مؤسسة التجديد السياسي فوندابول‪ ،‬سلسلة "قيم اإلسالم" رقم ‪ ،2‬أفريل ‪ ،2015‬صفحة ‪38 27‬‬
‫‪http://www.fondapol.org/wp-content/uploads/2016/01/02-TareqOubrou-Arabe-OK.pdf‬‬
‫سورة البقرة اآلية ‪39 222‬‬

‫‪24‬‬
‫وتصل خالل مدة الحيض تجعل‬ ‫التَّ َّوا ِب َني َويُ ِح ُّب الْ ُمتَطَ ِّهرِي َن"‪ . 40‬وبالتايل‪ ،‬فإن املرأة التي تختار أن تصوم ّ‬
‫العبادات تتكيّف مع حالتها ويف نهاية األمر فهي تقوم بالعبادات أكرث من املسلمني الس ّنة التقليديني‬
‫بحيث أنها ال تتوقف عن الصوم يف شهر رمضان وتصيل كل يوم‪ .‬وسنعود إىل قضية اللغة يف الصالة يف‬
‫نهاية هذا الكتاب‪.‬‬
‫من ناحية اخرى‪ ،‬يجب أن نفهم مغزى السؤال ملاذا هذه العبادة أو تلك‪ ،‬إنه يعني البحث عن العلّة‬
‫والسبب امل ِّربر للقاعدة العبادية ومقاصد هذه العبادة‪ .‬وعىل عكس القواعد االجتامعية أو املعامالت‬
‫يف القرآن‪ ،‬فإن علّة الطقوس العبادية أو العبادات ال يجب البحث عليها بالرضورة يف أسباب النزول أو‬
‫يف االسباب التاريخية‪ .‬يقول عامل األنرثوبولوجيا األسكتلندي جيمس جورج فريزر (‪1854‬ـ‪ ،)1941‬أن‬
‫الطقوس الدينية تعترب العقالنية (ليست عقالنية) ألن السبب التاريخي قد اختفى‪ .‬يف الواقع‪ ،‬من وجهة‬
‫نظر املؤرخ‪ ،‬من غري املجدي أن نفكر يف إيجاد أصل تاريخي أو سبب تاريخي لظهور الطقوس العبادية‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬بالنسبة للفيلسوف النمساوي لودفيج فيتغنشتاين (‪1889‬ـ‪ ،)1951‬ال ميكن العثور عىل سبب‬
‫الطقوس العبادية يف التاريخ أو ما قبل التاريخ‪ ،‬بل يف اكتشاف علّة بديهية نتقبّلها ونعتربها حسنة من‬
‫خالل تجربتنا أثناء القيام بهذه الطقوس أو املامرسات‪ .‬نحن ندخل هنا يف إطار تصور بديهي للعقل‬
‫وليس استداليل أو ديكاريت‪ ،‬بالرغم أن مفهوم العقل يف اإلسالم يدل دامئا عىل الفكر يف مجمله مبا فيه‬
‫الحديس الرتكيبي واالستداليل التحلييل‪ .‬املامرسات الدينية هي يف األساس أفعال غريزية أنرثوبولوجية‬
‫وغري تاريخية‪" :‬الصالة‪ ،‬يف األصل‪ ،‬غريزية‪ ]...[ .‬الصالة كوسيلة تنوير روحاين‪ ،‬هي فعل حيوي طبيعي‬
‫لكل أكرب هو الحياة‪ " 41.‬املربر األسايس للطقوس‬
‫تكتشف فيه الجزيرة الصغرية لشخصيتنا أنها تنتمي ٍّ‬

‫مسجد مختلط إلسالم روحاين وتقدمي‬


‫هو بالضبط العالقة التي تنشأ بني املامرسة والغريزة الداخلية‪ ،‬لهذا يجب البحث عن أسباب الطقوس‬
‫يف التجربة الذاتية والحميمية التي تحدث عند أداء الطقوس‪ .‬وكذلك كل املامرسات الروحانية لها ما‬
‫يربرها متا ًما ملا تكون بدافع حاجة ذاتية وعميقة تريد االرتفاع والسمو‪ ،‬مبعنى سبب داخيل وشخيص‪.‬‬
‫رضا يف نية املؤمن‪ ،‬فيمكن ٍ‬
‫حينئذ اعتبار‬ ‫عىل العكس من ذلك‪ ،‬إذا مل تكن هذه الحاجة أو السبب حا ً‬
‫العبادة باطلة دون أن يتع ّرض الشخص ألي شكل من أشكال العقوبة‪.‬‬
‫سؤال آخر أسايس‪ :‬ما هو املقصد من العبادات والطقوس؟ عند فيتغنشتاين‪ ،‬اإلنسان يقوم بالطقوس‬
‫لغرض التعبري عىل حقائق أنرثوبولوجية عميقة بطريقة رمزية أي بحركات رمزية‪ .‬ويعارض هنا فريزر‬
‫الذي يف ‪ 1890‬يف كتابه الغصن الذهبي‪ ،‬يتساءل ملاذا يقوم الناس بطقوس دينية أو سحرية ال تجدي نف ًعا‬
‫وليست فيها أي فعالية‪ . 42‬فيتغنشتاين يرفض التطرق إىل أن الحاجة من القيام بالطقوس تأيت لتحدث‬
‫فيام بعد تأث ًريا ماديا يف حياة املؤمن‪ .‬بالنسبة له‪ ،‬فإن القيام بالطقوس يف حد ذاته مينح اإلحساس بالرضا‬
‫ويثري شعو ًرا عميقًا يكفي لتربير مقاصد هذه الطقوس‪ .‬الطقوس تكفي نفسها وتجد مقصدها أثناء‬
‫املامرسة‪ ،‬يف اللحظة الحارضة‪ .‬ال يجب إذًا انتظار النتيجة يف املستقبل (الخالص‪ ،‬الحصول عىل رزق مادي‬
‫يف هذه الدنيا‪... ،‬إلخ)‪ .‬الصالة لله‪ ،‬هي أن نكون قادرون عىل أن نجعل يف الوقت لحظة خلود‪ .‬بتقديس‬
‫لحظة من الزمن بحركات وكلامت سندرك أننا حارضون كليًا‪ :‬وتصبح عملية األداء هي الهدف وال تنتظر‬
‫حينئذ أن تتحقق يف املستقبل‪ ،‬فهي بأدائها محققة ومستجابة‪ .‬وليست طلب للشفاعة اإللهية‬ ‫الصالة ٍ‬
‫ألنها يف حد ذاتها عالقة ارتباط مع الله‪.‬‬
‫املقصد أو الغرض من العبادة يجب أن يكون روحاين‪ :‬يهدف لتحول داخيل‪ ،‬تلقيني وصويف‪ ،‬وإلنشاء‬
‫عالقة ارتباط مع الذات الباطنية والحضور الكيل لله‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬يهدف للتقدم لتحقيق الذات‬
‫‪ Dr Al-Ajami, « L’impureté, et l’impureté des femmes, selon le Coran et en‬سورة البقرة اآلية ‪ 222‬ـ أنظر ‪40‬‬
‫‪Islam ; S6.V45, S5.V6, S4.V43, S2.V222 », www.alajami.fr (www.alajami.fr/index.php/2018/06/01/‬‬
‫)‪s2-v222/‬‬
‫‪41 Mohammed Iqbal, Reconstruire la pensée religieuse de l’islam, Éditions du Rocher, 1996, p. 90.‬‬
‫محمد إقبال‪ ،‬إعادة بناء الفكر اإلسالمي‬
‫‪42 Voir Ludwig Wittgenstein, « Remarques sur le Rameau d’or de Frazer », in Philosophica III, TER,‬‬
‫‪2001, p. 28-37.‬‬

‫‪25‬‬
‫والوعي‪ .‬وال ينبغي للعبادة أن يكون هدفها انتظار تدخّل خارجي سحري أو خرايف‪ .‬فهي تسمح لتوفري‬
‫طاقة داخلية لتحفيز الزخم الحيوي للمؤمن‪ .‬لذلك فالعبادة ليست وصفة طبية من شانها أن تعالج‬
‫األمراض التي يعاين منها املؤمن دون أن يبذل هذا األخري أي جهد داخيل‪.‬‬
‫لهذا‪ ،‬فإن السؤال "ملاذا" يجب أن يُطرح وبشكل منهجي ومنتظم ألنه يفتح املجال ملساءلة املعنى يف‬
‫العبادات والطقوس الدينية اإلسالمية‪ .‬لهذا وبسبب إهامل السؤال "ملاذا"‪ ،‬ركّز العلامء والفقهاء يف اإلسالم‬
‫عىل الشكل يف إقامة الطقوس والعبادات وبقي البحث عن املعنى الباطن شأن بعض املحققني الروحانيني‬
‫وكبار الصوفية‪ .‬أحد أسباب هذا املشكل هو أن العبادات يف اإلسالم كانت يف مجال الفقه اإلسالمي قبل‬
‫أن يهتم بها الصوفيون‪ .‬نجد يف أغلب الوقت الكثري من املراجع والكتب تتناول كيفية القيام بالعبادات‬
‫وال يشء عن املعنى‪ .‬لكن ال يكفي أن نحفظ عن ظهر قلب كيفية القيام بالطقوس والعبادات‪ ،‬بل يجب‬
‫تعب العبادات والطقوس وعن ماذا ت ُدل يف الطبيعة اإلنسانية؟ إ ّن السؤال عن‬ ‫طرح سؤال أسايس‪ :‬ماذا ِّ‬
‫الجوهر قبل الشكل هو الذي سيؤدي إىل معنى العبادات والطقوس وهذا البحث عن املعنى يجب أن‬
‫طقوسا وعبادات دون فهمها‪ .‬يجب إذًا‬ ‫يكون يف صميم كل تربية روحانية‪ .‬املؤمن ال ميكنه أن ميارس ً‬
‫بذل جهد للوصول إىل املعنى يف العبادات واإلفصاح بدقة عام هو ضمني فيها‪ ،‬إنها لغة حركات وأفعال‬
‫رمزية يجب التعبري عنها بالكلامت إنها شفرة يجب حلها كمجموعة من العالمات يف شكل محدود تأيت‬
‫لتعب عن أفكار عظيمة لدرجة أن الحركات واإلمياءات ال يسعها إلّ أن تشري إليها‪.‬‬‫ِّ‬
‫‪| l’innovation politique‬‬

‫لذلك‪ ،‬فإن املامرسات والطقوس هي مجرد أدوات أو آليات ومقرتحات من وحي الله تدعونا إىل التوجه‬
‫إليه وهي فُرص للتق ّرب إىل الله واالتصاف بصفاته الحميدة‪ .‬فنحن إذًا ال منارس لله بل ألنفسنا ولهذا‪،‬‬
‫ليس هناك حرج يف تفويت صالة أو الصالة بطريقة مختلفة وتكييف الصوم أو عدم الصوم‪ .‬فالقرآن يقدم‬
‫لنا أدوات وعلينا أن نتساءل عن فعاليتها اليوم من أجل رحلتنا الروحانية‪ .‬وستختلف اإلجابات بحسب‬
‫اختالف األفراد واختالف شخصياتهم الروحانية‪ ،‬واملفتاح يكمن يف النية ويف حالة الحضور‪.‬‬
‫إ ّن إعادة النظر يف املامرسات العبادية تستلزم رشط مسبق‪ ،‬أال وهو الخروج من األفكار التقليدية التي‬
‫‪fondapol‬‬

‫تجعل املامرسات العبادية إجبارية مفادها الخالص من العقوبة اإللهية‪ .‬وبدون هذا الرشط‪ ،‬ففي كل‬
‫مرة يحاول الفرد تكييف مامرساته العبادية سيشعر بالذنب وهذا اإلحساس بالذنب سيؤدي إىل نتائج‬
‫عكسية‪ .‬ال يجب إذًا النظر إىل املامرسة العبادية كأنها الغاية وال التعامل معها مبنطق املحاسبة‪ ،‬بل يجب‬
‫سيغي‬
‫هدف روحاين‪ .‬هذا التص ّور الجديد للعالقة بني املرء والله ّ‬ ‫اعتبارها كأدوات تعيننا عىل الوصول إىل ٍ‬
‫بشكل جذري مفهومنا للحياة الروحانية والدينية‪.‬‬

‫‪ ) 2‬مرشوع مسجد سيمرغ‬


‫مرشوع مسجد سيمرغ تقومان عليه إيفا جنادان وآن‪-‬صويف مونسيناي‪ ،‬وهو ال ينتمي ألي مذهب فقهي‬
‫يف اإلسالم‪ .‬لكنه يستمد إلهامه من التعاليم الصوفية ويف منهج تقدمي وليس تقليدي‪ .‬هي عبادة روحانية‬
‫وتقدمية تحث عىل البحث عن الجوهر واستكشاف معانيه الباطنية وال تحث عىل التطبيق الحريف‬
‫(أورثوبراكيس)‪ .‬والغرض من هذا املسجد تنظيم الصلوات الجامعية يسمح فيها اإلمامة ألي فرد يريد‬
‫ذلك‪ ،‬وإقامة جلسات للذكر (ذكر أسامء الله الحسنى)‪ ،‬وأناشيد صوفية‪ ،‬ودراسة القرآن والسنة النبوية‪،‬‬
‫وكذلك دراسات لإلسالم يف كل أبعاده (الروحاين‪ ،‬التاريخي‪ ،‬الفلسفي‪ ،‬األنرثوبولوجي‪ ،‬االجتامعي‪... ،‬إلخ)‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫مبادئ العبادة الروحانية والتقدمية‬

‫املساواة بني األفراد‬

‫ • إمامة املرأة‬
‫يف مسجد سيمرغ‪ ،‬تكون املرأة إمام للمصلني مبا فيهم الرجال يف الصلوات الجامعة‪ ،‬وهذا ليس جديد‬
‫ونجد نساء أمئة يف الكثري من البلدان‪ ،‬يف أمريكا‪ ،‬يف الدامنارك ويف أملانيا كذلك (أمينة ودود وآين زونفيلد‬
‫ورشين خانكان وسريان أتيس ‪ ...‬وما إىل ذلك)‪ .‬وميكن أن نذكر كذلك نساء أمئة يف الصني يؤدين الصالة‬
‫للنساء فقط وكذلك وجود مرشدات يف املغرب يتولّني بعض الوظائف مثل املرافقة الروحانية ولكن‬
‫ال تقمن بكل الوظائف التي يقوم بها الرجال األمئة‪ .‬وبالرغم من أن النساء يساهمن بقدر كبري يف‬
‫الجمعيات الثقافية اإلسالمية لكن مازالت النساء مستبعدات من وظيفة اإلمامة‪.‬‬
‫للمسلامت الحق يف حياة روحانية جامعية يف جو رائق وبكل حرية‪ .‬حاليًا املسلامت مجربات عىل الصالة‬
‫وحدهن أو مع النساء فقط‪ ،‬بحيث ال يسمح له ّن باإلمامة وال عىل اختيار عدم ارتداء الحجاب وال‬
‫الصالة بجنب الرجال‪ .‬لقد حان الوقت لتفكيك قرون من القراءة الذكورية للقرآن والسنة تحت سلطة‬
‫النظام األبوي‪ ،‬والتوقف من توظيف الدين إلرساء القداسة عىل بعض العادات االجتامعية والثقافية‬
‫واألنرثوبولوجية بخصوص العالقات بني الرجال والنساء‪.‬‬

‫مسجد مختلط إلسالم روحاين وتقدمي‬


‫ماذا يقول القرآن عن اإلمامة؟ الجواب بسيط‪ :‬ال يشء عىل اإلطالق‪ .‬ال توجد آية واحدة يف القرآن متنع‬
‫اإلمامة للمرأة‪ ،‬وال يوجد موضع يف القرآن ينص عىل أي توجيهات فيام يخص جنس الشخص الذي‬
‫يقوم بإمامة الناس ويلقي الخطبة لهم‪ .‬فقط يف السنة النبوية نجد حديث يف سنن أبو دا ُود (‪ 817‬ـ‬
‫‪ )889‬والذي يثري بعض الجدل حول قصة أم ورقة األنصارية الحافظة للقرآن‪ 43‬والتي ساهمت يف نقله‬
‫يف بدايات اإلسالم‪ .‬يقول الحديث أن النبي كان يزورها يف بيتها وأمرها أن تؤم أهل دارها وجعل لها‬
‫مؤذّن يؤذن لها‪ . 44‬هذا الحديث يجيز بكل وضوح إمامة املرأة‪ ،‬ويبقى السؤال هل كان بني املصلني‬
‫رجال ونساء أو ال‪.‬‬
‫وهناك طريق آخر لهذا الحديث يذكر أن أم ورقة طلبت اإلذن إلمامة النساء فقط يف بيتها وأُ ِذن لها‪.‬‬
‫ولكن مالعمل بالحديث النبوي األ ّول؟ من وجهة نظر التقدميني‪ ،‬مبا أن النبي مل مينع أم ورقة من‬
‫رجل من‬ ‫اإلمامة يف جامعة مختلطة فهذا يعني أنه مسموح منطقيًا‪ .‬ومبجرد أن النبي أمرها هي وليس ً‬
‫أهل دارها يكفي إلثبات صحة اإلمامة للمرأة أمام جامعة مختلطة رجال ونساء‪ .‬ويف القرن الثالث عرش‬
‫امليالدي‪ ،‬أجاز الشيخ الصويف ابن عريب (‪ 1165‬ـ ‪ )1240‬إمامة املرأة باعتباره أن الكامل الروحي اإلنساين‬
‫متاح لكال الجنسني‪ . 45‬إلّ أن املعارضني إلمامة املرأة أمام جمع مختلط يقولون غري ذلك‪ ،‬بالنسبة لهم‪،‬‬
‫مبا أ ّن الرسول مل يذكر رصاحة أنه ميكن ألم ورقة إمامة الرجال فهذا يعني أنه غري جائز‪ .‬ويعتربون أيضً ا‬
‫أن مصطلح أهلها يعني عائلتها فقط وأرستها التي ال تشمل الرجال‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن النصوص تأكّد عىل‬
‫وجود رجال يف دارها‪ ،‬عىل األقل املؤذّن وعب ًد كان يف خدمتها‪ .‬ومن الصعب تص ّور أن هذين الرجلني مل‬
‫يصليا خلفها‪ ،‬وهكذا فالتفسري وفق العقلية الذكورية يفرتض أنها كانت تؤ ّم النساء فقط وكان املؤذّن‬
‫يكتفي باألذان ثم يذهب إىل املسجد ليصيل ومعه العبد‪.‬‬
‫سنن أبي داوُد في كتاب الصالة في باب إمامة النساء‪ ،‬عن أم ورقة بنت عبد هللا بن نوفل األنصارية حافظة القرآن ‪43‬‬
‫‪ « Imâma de la femme », doctrine-malikite.fr, 27 janvier 2018 (www.doctrine-‬أنظر في هذا الموضوع ‪44‬‬
‫‪malikite.fr/forum/Imama-de-la-femme_m44296.html).‬‬
‫إبن عربي وصل بإمامة المرأة في الفتوحات المكية في معرفة األسرار المالكية و الملكية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر ‪ ،2003‬الجزء ‪45‬‬
‫‪ ،69‬المجلد ‪ ،2‬صفحات ‪ 83‬ـ ‪ .84‬أنظر كذلك‪ ،‬أسماء المرابط التي في دراسة حديثة تشير إلى "وجود أكثر من ‪ 8000‬امرأة عالمات‬
‫ومفسِّرات ومفتيات وقمن بتدريس الكثير من العلماء المسلمين من بينهم مؤسسي المذاهب الفقهية األربعة‪ .‬وهذا منذ القرن السابع للميالد"‬
‫‪().‬أسماء المرابط‪ ،‬أنظر الحاشية رقم ‪9‬‬

‫‪27‬‬
‫برصف النظر عن هذه التفسريات امللتوية واملعقدة‪ ،‬ميكننا أن نتساءل عن مصطلح "دار" املذكور يف‬
‫الحديث‪ ،‬كلمة دار متعددة الداللة يف اللغة العربية‪ ،‬وتدل يف نفس الوقت عىل منزل أو إقليم أو منطقة‬
‫أو حي‪ .‬ما املانع إذًا من التفكري أن أم ورقة قد كُلِّفَت باإلمامة لحي بأكمله مبا فيهم الرجال؟ ومبجرد أن‬
‫الرسول قد جعل لها مؤذّن تحت ترصفها يدل عىل أن الجمع كان غفريا مبا فيه الكفاية ودون شك مختلط‬
‫حتى يقتيض ذلك وجود مؤذّن ينادي للصالة‪ .‬وإذا كانت أم ورقة تؤ ّم سوى نساء منزلها‪ ،‬فال حاجة إذًا‬
‫خصيصا ملهمة األذان‪ .‬يكفي إذًا تفسري هذا الحديث بروح اجتامعية‬ ‫ً‬ ‫للمؤذّن وال ميكن تربير وجوده‬
‫تقدمية لتربير رشعية إمامة املرأة للنساء والرجال معا يف جامعة‪.‬‬
‫بالطبع‪ ،‬ميكن التساؤل عن صحة هذا الحديث وال يشء يسمح لنا بالتأكد من حقيقة األحداث وليس‬
‫هذا املهم‪ .‬كام هو الحال يف الديانات األخرى‪ ،‬فإن الخالفات حول صحة بعض الروايات والتفسريات‬
‫أو التأويالت غري نادر‪ .‬ولكن هذا يدلنا عىل وجود محاولة إلنكار حقوق املرأة من الذين يف زمن النبوة‬
‫عاشوا تحت نظام أبوي وذكوري حيث تراجعت حقوق املرأة منذ وفاة النبي‪.‬‬
‫عىل أي حال‪ ،‬ال ميكن االعتامد عىل حديث نبوي واحد فقط للترشيع حول إمامة املرأة‪ .‬وال ميكن لآلراء‬
‫املضادة إلمامة املرأة أن تستند إىل القرآن‪ ،‬ولكن تستند للفصل يف هذه القضية إىل إجامع بعض فقهاء‬
‫الس ّنة م ّر عليه الزمن وال يعكس عىل اإلطالق قيم مجتمعٍ حديث كمجتمعنا اآلن‪ ،‬وهكذا نجد يف جميع‬
‫املذاهب الفقهية السنية أن صالة الرجل خلف املرأة باطلة‪.‬‬
‫‪| l’innovation politique‬‬

‫هذا الرفض إلمامة املرأة مصدره العادة يف املبالغة يف النهي والتحريم وفقًا ملبدأ الوقاية‪ .‬فقد أصبح من‬
‫الشائع يف اإلسالم التقليدي اللجوء إىل النهي بدل اإلباحة يف الكثري من املسائل التي مل يحدد القرآن ما‬
‫يجب إتباعه‪ .‬من ناحية‪ ،‬هذا يرجع إىل اعتبار القرآن مدونة قانونية والقرآن غري ذلك‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪،‬‬
‫فإن الله حذّر اإلنسان من هذا يف قوله ع ّز وجل " َولَ تَقُولُوا لِ َم ت َِص ُف أَل ِْس َنتُ ُك ُم الْك َِذ َب هذا َح َل ٌل وهذا‬
‫َح َرا ٌم لِّتَف َ ُْتوا َع َل اللَّ ِه الْك َِذب إِ َّن ال َِّذي َن يَف َ ُْتو َن َع َل اللَّ ِه الْك َِذ َب لَ يُ ْفلِ ُحونَ"‪ ، 46‬ماذا تقول هذه اآلية؟ أولً‬
‫تدعوا إىل اتباع مبدأ معروف‪ :‬كل ما هو غري محرم فهو مباح‪ .‬وتنص املادة ‪ 5‬من إعالن حقوق اإلنسان‬
‫‪fondapol‬‬

‫واملواطن عىل ما ييل‪" :‬كل ما مل يحظره القانون ال يجوز منعه وال ميكن اجبار أي انسان عىل عمل ما ال‬
‫يأمر به القانون"‪ .‬إذا كان الله مل مينع بكل رصاحة اإلمامة للمرأة‪ ،‬فمن املنطق االعتبار أن هذا مباح‪ .‬وال‬
‫ميكن اختالق نه ًيا أو تحر ًميا حيث ال يوجد‪ .‬وكذلك اآلية تنهى عن التقول واالفرتاء عىل الله واستخدام‬
‫ذلك من أجل تربير مواقف الهوتية ومحاولة توظيف املقدس‪ .‬إذا كان القرآن قد سكت عن بعض‬
‫املسائل فهذا يعني أن االنسان قادر عىل إيجاد حلول لهذه املسائل دون الرجوع إىل الكتاب املقدس‪.‬‬
‫مبا أن القرآن مل يذكر شيئًا يف مسألة اإلمامة‪ ،‬وكذلك السنة ليست رصيحة‪ ،‬وأن آراء الفقهاء يف هذه‬
‫املسألة قد تجاوزها الزمن‪ .‬أليس بوسعنا استخدام عقولنا وضمرينا حتى نسمح إلمامة املرأة يف منطق‬
‫الصالح العام والعدالة واإلنصاف للمرأة؟ يف الواقع‪ ،‬السبب الذي يجعل الكثري من املسلمني يرفضون‬
‫إمامة املرأة ليس ديني وال الهويت‪ ،‬بل هو ثقايف ونفيس‪ .‬وهو رؤية املرأة يف املقدمة ويف موضع سلطة‬
‫وتقود الرجال‪ ،‬وكذلك تواجد جسد املرأة بجانب جسد الرجل هو الذي ميثل مشكلة عند البعض‪ .‬وهنا‬
‫تتعرض الكرامة اإلنسانية‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬لإلهانة‪ .‬هذا يعني ضم ًنا أن الرجل وحش جنيس ال يستطيع أن‬
‫يتحكم يف شهواته وأن جسد املرأة مجرد سلعة قابلة لالستهالك أو اإلخفاء‪ .‬لكن القول أ ّن املسألة ليست‬
‫دينية ال يجعلنا نغفل عن حل هذا اإلشكال من وجهة نظر الهوتية ودينية ألن أنصار هذه الرؤية‬
‫املعادية للمرأة والتي عفا عليها الزمن يحاولون باستمرار تربير مواقفهم باستعامل الحجج الدينية‪ ،‬وهذا‬
‫االرتباك وااللتباس مينع الوصول إىل حلول بناءة‪.‬‬

‫سورة النحل اآلية ‪46 116‬‬

‫‪28‬‬
‫االختالط يف الصالة‬ ‫ ‬
‫•‬
‫يف مسجد سيمرغ‪ ،‬الذي نقرتح مرشوعه اليوم‪ ،‬الصلوات مختلطة وليس هناك أي تفاضل يف الدرجة‬
‫أو متييز بني الرجال والنساء وهم جمي ًعا يصلون م ًعا يف نفس القاعة‪ .‬و يف أوقات الصالة يكون املسجد‬
‫مفتوح للكل وال يوجد أي حاجز أو فاصل مكاين بني الناس من كل جنس‪ ،‬ومبا أن املرأة تؤم املصلني‬
‫مبا فيهم الرجال‪ ،‬فستكون بالرضورة أمامهم وإذا وافق الرجال إمامة املرأة فال مانع لهم أن يختلطوا‬
‫بالنساء ويكونوا وراء أو جنب امرأة‪ ،‬وهذا ما تصبو إليه إمامة املرأة أن يجتمع املصلني يف اختالط دون‬
‫أي تفرقة أو متييز‪.‬‬
‫مل تكن النساء مستبعدات من العبادة والصالة يف املسجد‪ ،‬يف زمن النبي‪ ،‬لقد ك ّن يقفن وراء صفوف‬
‫الرجال بدون أي حاجز‪ ،‬هذا الوضع الذي يجعل النساء وراء الرجال ميكن أن يُرى كأنه ترتيب تفاضيل‬
‫عىل حساب املرأة‪ ،‬ولكن يجب أال ننىس السياق مرة أخرى‪ :‬املجتمع يف ذلك الزمان مل يكن مستعد متا ًما‬
‫إلرساء املساواة املكانية بني الجنسني‪ ،‬وكانت املرأة ال تزال يف ذلك الزمان يف وضع متدين‪ .‬واألغرب من‬
‫ذلك‪ ،‬ليس فقط أن الوضع يف املساجد اآلن ال يزال عىل ما كان عليه يف زمن النبوة بل تراجع أكرث‪ .‬نجد‬
‫اليوم يف أغلب املساجد الفرنسية فصل تام بني النساء والرجال يف قاعات الصالة بواسطة ستارة أو جدار‬
‫وهذا يف أحسن األحوال إذا مل يتم ترحيلهن إىل قاعة مجاورة أو إىل الطابق السفيل تحت قاعة الصالة‪،‬‬
‫ولنا يف مسجد باريس املثال املؤسف‪ .‬االستنتاج واضح‪ :‬مكان املرأة يف مساجدنا مرتدي لدرجة أنه يعيدها‬
‫إىل وضعها قبل اإلسالم‪ ،‬حيث كانت مهمشة ومستبعدة من العبادات الجامعية‪.‬‬
‫لرنى ماذا يخربنا القرآن عن املساواة بني الرجال والنساء؟ هناك مبادئ توجيهية عامة يف هذا املجال‬

‫مسجد مختلط إلسالم روحاين وتقدمي‬


‫توضح لنا االتجاه الذي يجب أن تتّبعه أجيال ما بعد الوحي‪ .‬فالقرآن يؤكد عىل تكامل الزوجني‪، 47‬‬
‫واملساواة يف العبادات‪ ، 48‬واملساواة بني الجنسني‪ ، 49‬مبا أن القرآن ال يجعل ترتيب هرمي بني الجنسني يف‬
‫اآليات التي ال تشري إىل سياق اجتامعي معني‪ ،‬يكفي هذا يك نفهم بوضوح أنه ال ينبغي أن يكون هناك‬
‫متييز أو ترتيب هرمي بني الجنسني يف مجتمعاتنا اإلسالمية الحالية‪.‬‬
‫يف املنطق التقدمي‪ ،‬التطور نحو مساواة أكرث بني الرجال والنساء يو ّد أن تكون الصالة مختلطة متا ًما‪،‬‬
‫يف الكثري من البلدان‪ ،‬تطورت املجتمعات واكتسبت النساء مساواة قانونية مع الرجال‪ ،‬رغم أنه ميكن‬
‫الذهاب إىل أبعد من ذلك لنصل إىل مساواة ليست فقط قانونية‪ .‬يف فرنسا‪ ،‬االختالط موجود يف جميع‬
‫االماكن العامة (يف املدارس‪ ،‬يف أحواض السباحة‪ ،‬يف قاعات الرياضة‪ ... ،‬إلخ)‪ ،‬باستثناء األماكن املخصصة‬
‫لخلع املالبس أو املرحاض‪ .‬واملسجد ليس مكان لخلع املالبس ـ عىل العكس ـ فال يوجد إذًا أي سبب‬
‫الستثناء املساجد من االختالط‪ .‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬فإن املساواة بني الرجل واملرأة هي جزء من القيم‬
‫الجمهورية ويف الدستور الفرنيس وكذلك يف ميثاق الحقوق األساسية لالتحاد األورويب‪ ،‬وأن بناء اإلسالم‬
‫يف فرنسا ال ميكنه اإلفالت من هذه القاعدة العرفية‪.‬‬
‫املجتمع الغريب مستعد لالختالط التام يف أماكن العبادة‪ ،‬وهذا هو الحال يف معظم الكنائس املسيحية‪،‬‬
‫عىل الرغم أن الكاثوليك أيضً ا لديهم مشكلة مع إرادة النساء أن يصبحن كاهنات‪ .‬لكن السؤال هو‬
‫معرفة هل املسلمني مستعدين لالختالط يف الصالة الجامعة وهل هم مستعدين لقبول اإلمامة للمرأة؟‬
‫بالنسبة لألغلبية منهم هذا غري ممكن‪ ،‬وهذه ليست مفاجأة نظ ًرا ألن املعيار الحايل‪ ،‬الغري قابل للتغيري‪،‬‬
‫هو الفصل التام بني الجنسني‪.‬‬
‫املشكل اآلن أننا مل نعد قادرين عىل االنتظار‪ ،‬الفارق كبري مع املعايري الثقافية واالجتامعية للغرب هذا‬
‫يسبب فجوة كبرية بالنسبة لالختالط بني الفضاء العام والفضاء الديني‪ ،‬وأيضً ا ألن العديد من املسلمني‬

‫سورة البقرة اآلية ‪47 187‬‬


‫سورة األحزاب اآلية ‪48 35‬‬
‫سورة النساء اآلية ‪1‬؛ سورة الحجرات اآلية ‪49 13‬‬

‫‪29‬‬
‫واملسلامت أصبحوا مستعدين لهذا االختالط وال يطيقون أن تُعتَ َب املرأة كأنها كائن أدىن أقل شأنًا‬
‫يقترص النظر إىل سامتها الجنسية فقط‪ .‬واملسجد ليس املكان املناسب العتبارات سخيفة كهذه‪ .‬نحن‬
‫يف نظر الله لسنا مجرد رجل أو امرأة بل كائنات روحانية وكائنات إلهية تحمل بداخلها األمانة اإللهية‪.‬‬
‫الصالة الجامعة يف املسجد تهدف للتواصل مع الله واالستفادة من الطاقة الروحانية التي تنبعث من‬
‫الجامعة أثناء العبادة‪ .‬وليس هنالك مكان للتصنيف الجنيس وال للتفكري يف الشهوات الجنسية‪ ،‬هذا ال‬
‫يليق باملسجد‪.‬‬
‫لكل مسلمة ومسلم أن يتساءل عن االسباب التي تدفعها أو تدفعه للذهاب إىل املسجد وال يقبل تواجد‬
‫الجنس اآلخر يف نفس القاعة‪ ،‬أمامه أو بجنبه‪ .‬عىل الذين ال يستطيعون السيطرة عىل شهواتهم الجنسية‬
‫أن يغضوا من ابصارهم أو الصالة يف الصف األول أو الذهاب إىل مسجد آخر غري مختلط أو الصالة يف‬
‫البيت‪ .‬وكذلك نفس االقرتاح بالنسبة للنساء الاليت يجدن حرج يف الركوع أمام الرجال‪ ،‬ميكنهن الصالة يف‬
‫الصف األخري أو الذهاب ملسجد غري مختلط‪ .‬ولكل فرد الحرية الختيار املسجد الذي يناسبه‪ .‬أما بالنسبة‬
‫إللزام الرجل أن يؤدي صالة الجمعة يف املسجد ـ واستثناء املرأة من الذهاب إىل املسجد‪ ،‬بطبيعة الحال‬
‫ـ فالنية الصادقة والصافية هي األساس وليس اإللزام يف حد ذاته‪.‬‬

‫ • إعادة التفكري يف وضع األمئة‬


‫‪| l’innovation politique‬‬

‫يف مسجد سيمرغ ميكن لكل مسلمة ولكل مسلم إمامة املصلني إذا أرادت أو أراد ذلك (إمام الخمس)‪.‬‬
‫فال يوجد إذًا إمام ُموكّل لهذه املهمة‪ .‬أما فيام يخص اإلمام الخطيب الذي يلقي خطب الجمعة واألعياد‪،‬‬
‫فيجب عليها أو عليه تقديم وجهة نظرها أو نظره من باب اإلرشاد والنصيحة أو التفسري وليس كحقائق‬
‫مطلقة وال إلزاميات وال محظورات‪ .‬واملصليات واملصلني مدعوون للمشاركة يف النقاش مع اإلمام بعد‬
‫الخطب‪.‬‬
‫‪fondapol‬‬

‫ال يجب أن ننىس أن اإلسالم يتميز بانعدام كهنوت مشكّل ومرتّب هرم ًيا‪ ،‬يعني هذا أن اإلمام ال يحمل‬
‫أي قداسة‪ .‬وهكذا ميكن استعامل مصطلح "كهنوت شامل" يكون فيه املؤمن‪ ،‬وليس فقط رجل الدين‬
‫الذي ينتمي لطبقة أو طائفة معينة‪ ،‬إمام للمصلني‪ .‬فاإلمام لغتًا يعني الذي يقود الجامعة يف الصالة‪،‬‬
‫فهو كاملايسرتو الذي يقود فرقة موسيقية ومهمته تنحرص يف خدمة مجتمعه‪.‬‬
‫أي مؤمن ميكنه أن يعلن نفسه إمام‪ ،‬وليس ألي سلطة عليا أن متنحه ذلك‪ ،‬فقط املجتمع هو الذي يقرر‬
‫اختيار اإلمام‪ :‬إن مل يرفضه املؤمنون وتقبلوا منه تفسرياته وتأويالته‪ ،‬فهي أو هو إذًا إمام رشعي دون‬
‫الحاجة إىل الحصول عىل إذن من سلطة عليا أو من أقرانه األمئة‪ .‬هذا‪ ،‬بالطبع‪ ،‬يطرح مشاكل كبرية يف‬
‫حالة وجود إمام يلقي خطب إلثارة العنف والدعوة للتشتت والتمزق‪ .‬ومن هنا تأيت األهمية لوضع‬
‫نظام تعليمي ودرايس لألمئة يدرسون فيه التعاليم الدينية والالهوتية التي تتامىش مع سياق املجتمع‬
‫الفرنيس واألورويب حتى نضع حد للخطابات التي تدعو للقطيعة‪.‬‬

‫الحريات الفردية‬
‫يف مسجد سيمرغ‪ ،‬املرأة مصلية أو إمام حرة يف ترتدي الحجاب أو ال ترتديه‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬ال يُس َمح‬
‫ألي شكل من أشكال الضغط الخارجي وال لوم أو معاتبة عىل لباس األفراد رجال أو نساء‪ .‬هذا من دافع‬
‫احرتام الحريات الفردية للجميع واحرتام الروابط الذاتية لكل مؤمنة ومؤمن مع الله‪ .‬يف القرآن‪ ،‬ويف‬
‫زمن النبي‪ ،‬كان الحجاب مجرد وسيلة للتمييز بني املؤمنات وغري املؤمنات وليس وسيلة أو أداة لتوثيق‬
‫العالقة مع الله‪" :‬يَا أَيُّ َها ال َّنب ُِّي قُل لِّ َ ْز َواج َِك َوبَ َناتِ َك َونِ َسا ِء الْ ُم ْؤ ِم ِن َني يُ ْدنِ َني َعلَ ْي ِه َّن ِمن َج َلبِي ِبهِن َذلِ َك أَ ْد َن‬
‫أَن يُ ْع َرفْ َن ف ََل يُ ْؤ َذيْن َوكَا َن اللَّ ُه َغفُو ًرا َّر ِح ًيم"‪. 50‬‬
‫سورة األحزاب اآلية ‪50 59‬‬
‫‪30‬‬
‫يبدو من هذا السبب األول أنه هناك بعض التناقض بني إجبار املرأة لباس الحجاب أثناء الصالة مع قبول‬
‫نزعه (بالنسبة للبعض منهن) خارج املسجد‪ .‬لكن دعنا نقرأ بكل اهتامم وتدبّر اآلية االساسية يف الحجاب‬
‫‪" :‬قُل �لِّلْ ُم ْؤ ِم ِن َني يَغُضُّ وا ِم ْن أَبْ َصا ِر ِه ْم َويَ ْح َفظُوا فُ ُرو َج ُهم َذلِ َك أَزْكَ لَ ُهم إِ َّن اللَّ َه َخ ِب ٌري بِ َا يَ ْص َن ُعو َن (‪)30‬‬
‫ضبْ َن‬ ‫ات يَغْضُ ضْ َن ِم ْن أَبْ َصا ِر ِه َّن َويَ ْح َفظْ َن فُ ُرو َج ُه َّن َولَ يُ ْب ِدي َن زِي َنتَ ُه َّن إِلَّ َما ظَ َه َر ِم ْن َها َولْ َي ْ ِ‬ ‫َوقُل �لِّلْ ُم ْؤ ِم َن ِ‬
‫ِب ُخ ُم ِر ِه َّن َع َل ُج ُيو ِبهِن َولَ يُ ْب ِدي َن زِي َنتَ ُه َّن إِلَّ لِ ُب ُعولَ ِت ِه َّن أَ ْو آبَائِ ِه َّن أَ ْو آبَا ِء بُ ُعولَ ِت ِه َّن أَ ْو أَبْ َنائِ ِه َّن أَ ْو أَبْ َنا ِء‬
‫بُ ُعولَ ِت ِه َّن أَ ْو إِ ْخ َوانِ ِه َّن أَ ْو بَ ِني إِ ْخ َوانِ ِه َّن أَ ْو بَ ِني أَ َخ َواتِ ِه َّن أَ ْو نِ َسائِ ِه َّن أَ ْو َما َملَك َْت أَ ْ َيانُ ُه َّن أَ ِو التَّا ِب ِع َني غ َْيِ‬
‫ضبْ َن ِبأَ ْر ُجلِ ِه َّن لِ ُي ْعلَ َم َما‬ ‫ات ال ِّن َساء َولَ يَ ْ ِ‬ ‫ول الْ ِ ْربَ ِة ِم َن ال ِّر َجا ِل أَ ِو الطِّفْلِ ال َِّذي َن لَ ْم يَظْ َه ُروا َع َل َع ْو َر ِ‬ ‫أُ ِ‬
‫يُ ْخ ِف َني ِمن زِي َن ِتهِن َوتُوبُوا إِ َل اللَّ ِه َج ِمي ًعا أَيُّ َه الْ ُم ْؤ ِم ُنو َن لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحو َن (‪ . ")31‬ال نجد يف هذه اآليات‬
‫‪51‬‬

‫وال يف القرآن كله األمر بتغطية الشعر وال حتى الوجه‪ ،‬بل فقط سرت الجيوب بقامش أو أي لباس آخر‪.‬‬
‫نجد فقط يف الس ّنة ما يشري إىل أن الحجاب يغطي الشعر وبالتايل فإن الس ّنة تضيف واجبات مل يعلنها‬
‫القرآن بشكل واضح‪ .‬والسنة ليست معا ِدلة للقرآن وال ميكنها أن تخالفه أو تضيف له واجبات أخرى‬
‫أو محظورات جديدة‪.‬‬
‫النص القرآين يحث عىل الحياء يف العالقات بني الرجل واملرأة وهذا صالح للرجال والنساء سويًا‪ .‬ويحث‬
‫كذلك عىل العفة للرجال والنساء م ًعا‪ ،‬وهذا ال يعني كبح وقمع الرغبات ولكن التحيل بضبط النفس‬
‫واالحرتام املتبادل‪ ،‬فهذا ال يعني أب ًدا االبتعاد عن الجنس اآلخر مهام كان‪ .‬وهذا يتعارض متا ًما مع املفاهيم‬
‫الحالية التي تشري إىل أن اإلغراء الجنيس ال يأيت إلّ من جانب املرأة وأن جسمها يثري بشكل طبيعي الرغبة‬
‫عند الرجل‪ ،‬وكأن املرأة ليست لديها رغبة وكأن جسم الرجل ال يثري فيها الرغبة بشكل طبيعي كذلك‪.‬‬

‫مسجد مختلط إلسالم روحاين وتقدمي‬


‫لهذا فإن الح ّجة ضد إمامة املرأة التي تشري إىل وجوب إخفاء جسم املرأة من أنظار الرجل تنهار وتسقط‬
‫متا ًما‪ ،‬ألنه منطقيًا سيجب كذلك عىل الرجل أن ال يؤم النساء وأن يتوارى عن أنظارهن‪ .‬عىل أي حال‪،‬‬
‫فاملسجد ليس مكان إلغواء اآلخر جنس ًيا وال وكالة للزواج‪ ،‬بل هو مكان للخشوع لله وعىل كل مؤمنة‬
‫أو مؤمن أن يتحمل مسؤوليته يف ضبط نفسه‪ .‬لهذا فإن قيمة الصالة وقدسية املكان وحالة الحضور كل‬
‫ذلك يتوقف عىل حالة الخشوع وليس عىل نسبة تغطية الجسم عن األنظار‪ ،‬كام يذكرنا القرآن يف ما‬
‫ات اللَّ ِه‬‫اس التقوى َذلِ َك خ َْي َذلِ َك ِم ْن آيَ ِ‬ ‫ييل‪" :‬يَا بَ ِني آ َد َم قَ ْد أَن َزلْ َنا َعلَيْ ُك ْم لِبَ ًاسا يُ َوارِي َس ْوآتِ ُك ْم َورِيشً ا َولِبَ ُ‬
‫لَ َعلَّ ُه ْم يَ َّذكَّ ُرو َن‪ " 52‬فالحياء ال يعتمد فقط عىل اللباس ولكن يعتمد أيضاً‪ ،‬وقبل كل يشء‪ ،‬عىل املواقف‬
‫والسلوكيات عند الفرد التي تشجع عىل ضبط النفس والتعامل مع اآلخرين ب ُخلُقٍ حميدة قولً ً‬
‫وفعل‪.‬‬
‫أما بالنسبة ملا ُذكِر يف اآلية السابقة‪َ " :‬ولَ يُ ْب ِدي َن زِي َنتَ ُه َّن إِلَّ َما ظَ َه َر ِم ْن َها" فال جدوة يف املامطلة يف التفسري‬
‫وال للمزايدة لتغطية املرأة بالكامل‪ ،‬يجب أن نفهم من هذا أنه ال يجب أن تفرط املرأة يف إظهار محاسنها‬
‫وجاملها وال تحاول االستفزاز واإلثارة‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن معايري الحياء تختلف من زمن آلخر ومن‬
‫مجتمع آلخر‪ ،‬وليست هي نفسها يف فرنسا كام يف املغرب الكبري‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ .‬والهدف هنا ليس‬
‫الحكم من هو عىل خطأ ومن هو عىل صواب‪ ،‬بل قبول اختالف عادات اللباس باختالف الثقافات‪ .‬واليوم‬
‫يف فرنسا‪ ،‬شعر املرأة ال يعترب ثقاف ًيا عورة يجب إخفاءه يف االماكن العامة‪.‬‬
‫إذا كان القرآن ال يلزم النساء الرتداء الحجاب‪ ،‬فيجب القول أيضً ا أن ال يشء مينعه‪ .‬هذا يعني أنه اختيار‬
‫حر‪ ،‬وعىل املرأة التي تختار ارتداء الحجاب ألّ تحاول فرضه عىل األخريات بجعله واج ًبا دين ًيا‪ .‬باسم‬
‫حرية الضمري‪ ،‬حظر أو إلزام ارتداء الحجاب يعترب خرقًا للحريات الفردية‪.‬‬

‫سورة النور اآليات ‪ 30‬ـ ‪51 31‬‬


‫سورة األعراف اآلية ‪52 26‬‬
‫‪31‬‬
‫الشمولية‬
‫املسلامت واملسلمون من جميع املذاهب مرحب بهم يف مسجد سيمرغ‪ ،‬دون أي متييز يف األصل والجنس‬
‫وكذلك دون متييز يف توجهاتهم الجنسية‪ .‬وبحكم مبادئ االنفتاح والتعددية واالنسانية والعاملية‪ ،‬يجوز‬
‫لغري املسلمني الحضور واملشاركة يف أنشطة املسجد‪ .‬برشط احرتام مبادئ العبادة الروحانية والتقدمية‪،‬‬
‫وعدم استعامل املسجد للمطالبات الهوياتية الشخصية التي ال عالقة لها بالعبادة يف قلب املسجد‪..‬‬

‫الفراكوفونية‬
‫اإلسالم اندمج يف جميع الثقافات التي ظهر فيها‪ ،‬لهذا فإن اإلسالم اإلندونييس ليس هو نفس اإلسالم‬
‫املغريب أو الجزائري أو التونيس أو اإلفريقي أو الرتيك أو البلقاين أو األورويب‪ .‬حتى اليوم اإلسالم الفرنيس‬
‫مل يظهر بعد‪ ،‬وهذا ناتج ألن اإلسالم الحايل إسالم قنصيل تم استرياده من املغرب الكبري بلغته العربية‪،‬‬
‫وميكن تربير هذا يف بدايات اإلسالم يف فرنسا حني كانت أغلبية املسلمني ال يتقنون اللغة الفرنسية‪ ،‬واآلن‬
‫أغلب املسلمني الفرنسيني يتكلمون اللغة الفرنسية وعلينا اآلن مسايرة السياق والتك ّيف مع الوضع‪.‬‬
‫لهذا السبب‪ ،‬يف مسجد سيمرغ‪ ،‬كل الخطب ستُلقى باللغة الفرنسية‪ ،‬وكل مصطلح باللغة العربية وكل‬
‫آية من القرآن ستُرتجم إىل الفرنسية‪ ،‬هذا لضامن الفهم لكل املستمعني‪ ،‬وكذلك الصالة ستكون بالعربية‬
‫‪| l’innovation politique‬‬

‫أحيانًا والفرنسية أحيانًا وفقًا لإلمام الذي يؤم الصالة‪ ،‬مام يسمح بالتكيف الحقيقي لإلسالم مع الثقافة‬
‫الفرنسية‪ .‬والهدف من ذلك‪ ،‬تشجيع املسلمني الفرنسيني عىل االمتالك الحقيقي لإلسالم من خالل الفهم‬
‫املع ّمق للخطابات الدينية والسامح لهم باستعامل تفكريهم النقدي لتحليل الخطاب الديني‪.‬‬
‫نجد اليوم الكثري من املسلمني الفرنسيني ال يتقنون اللغة العربية وال يفهمونها‪ ،‬ورغم هذا نجد أن‬
‫معظمهم يؤدي الصالة باللغة العربية‪ ،‬أحيانًا دون فهم ملعنى الكلامت التي يرددونها بالعربية‪ .‬إذا كانت‬
‫الصالة تقدم فرصة لالرتباط والتواصل مع الله بخشوع وصدق‪ ،‬فإنه من غري املنطق عدم فهم الخطاب‬
‫‪fondapol‬‬

‫املوجه إىل الله أثناء الصالة‪ .‬ونرى أن الحجة األساسية التي يستعملها الذين هم ضد ترجمة القرآن‬
‫للفرنسية تكمن يف الرتجمة ذاتها‪ ،‬بحيث أن الرتجمة ال ميكن أن تكون بال تأويل وقد تبتعد الرتجمة عن‬
‫املعنى األصيل للقرآن‪ ،‬وكذلك الخوف من فقدان جاملية اللغة الشعرية العربية يف الوحي‪ .‬يف الحقيقة‪،‬‬
‫الكالم عن الرتجمة نقاش زائف ألن املسلم العريب‪ ،‬كذلك‪ ،‬يعطي معنى ملا يقرأه من كلامت ومصطلحات‬
‫ويفس آياته داخل ًيا أثناء قراءته يف الصالة‪.‬‬
‫يف القرآن ِّ‬
‫فيام يتعلق بجاملية اللغة الشعرية للنص العريب‪ ،‬ال ميكننا إال املوافقة عليه ولكل فرد الحرية التامة‬
‫ملواصلة الصالة باللغة العربية إن كان يتقنها ويفهم معانيها‪ .‬ولكن إذا كان الحفاض عىل جاملية النص‬
‫سيكون عىل حساب الفهم‪ ،‬فمن األجدر التساؤل عن األولوية املعطاة للصالة‪ :‬ماذا ميكن أن نجني روحيًا‬
‫يف صالة ال نفهم فيها كالمنا؟ ال سيام أن وجوب استعامل اللغة العربية يف الصالة ليس لها أي سند ديني‬
‫أو الهويت‪ ،‬وليس يف القرآن ما يلزم الصالة باللغة العربية‪ .‬بالعكس‪ ،‬فإن النص القرآين يذكر أن اختيار‬
‫اللغة كان ليك يفهم الناس الذين نزلت عليهم الرسالة بلغتهم‪ ،‬لهذا‪ ،‬مبا أن النبي عريب وكذلك قومه فقد‬
‫نزل القرآن عربيًا وكانت الصالة باللغة العربية‪ .‬ولو نظرنا إىل الوحي والتنزيل من قبل اإلسالم لوجدناه‬
‫يوافق لغة القوم الدي ن ِّزل عليهم‪ ،‬فنجد موىس وعيىس عليهم السالم يصلون بلغات قومهم‪ ،‬وهذا يكفي‬
‫إلقناع الذين هم ضد الصالة بلغة أخرى غري العربية‪.‬‬
‫إن منع املسلم من أداء صالته بلغة أخرى غري العربية يؤدي مرة أخرى إىل االهتامم بالشكل دون‬
‫الجوهر والفهم وصفاء النية‪ .‬ويذكرنا الشاعر الصويف جالل الدين الرومي (‪ 1207‬ـ ‪ )1273‬يف الحديث‬
‫الذي يروي قصة الذين الموا بالل‪ ،‬أ ّول مؤذن يف اإلسالم‪ ،‬عىل نطقه الغري فصيح لبعض الحروف يف‬
‫األذان‪" :‬بالل الصادق‪ ،‬عند األذان وبسبب خشوعه التام وشعوره املخلص‪ ،‬كان ينطق خ بدل ح يف حي‬

‫‪32‬‬
‫عىل الصالة‪ / 53‬حتى قال بعض الناس‪" :‬يا رسول الله‪ ،‬هذا الخطأ غري مسموح‪ ،‬ونحن يف بدايات اإلسالم‪.‬‬
‫يا رسول الله خذ مؤذنًا يكون فصيح اللسان ‪ /‬يف بدايات الدين والتقوى ينبغي لسان فصيح لحي عىل‬
‫الفالح" ‪ /‬فغضب النبي حتى احم ّر وجهه‪ ،‬وأعطى بعض فضائل بالل‪ ":‬عند الله‪ ،‬نطق بالل أفضل من‬
‫الحاء والخاء والكلامت والجمل ‪ /‬ال تغضبوين حتى ال أُفيش أرساركم ـ نهايتكم وبدايتكم ـ" ‪ /‬إن مل تكن‬
‫لنفسك ريح طيبة يف الصالة‪ ،‬فاستنجد بصالة أولئك الذين قلوبهم طاهرة‪. 54‬‬

‫‪ ) 3‬ملاذا سيمرغ ؟‬
‫السيمرغ هو طائر أسطوري يف األدب الفاريس‪ ،‬نجده عند بعض املؤلفني مثل السهروردي‪( 55‬املتويف سنة‬
‫‪ )1191‬وفريد الدين العطار‪( 56‬املتويف سنة ‪ ،)1221‬وكذلك عند ابن سينا‪ .‬يرمز السيمرغ لروح القدس‬
‫ومالك االنسانية وكذلك الوعي‪ .‬يف الغنوصية الشيعية اإلسامعيلية يُعترب السيمرغ ومكان إقامته‪ ،‬شجرة‬
‫طوىب‪ ،‬رمز لإلمام الذايت‪ ،‬املرشد الباطني لكل مؤمن ليكشف له عن األنا الشخصية ويساعده عىل العثور‬
‫عىل طريقه الخاص للوصول إىل الله‪ ،‬حتى ميكنه من املعراج الساموي الذايت‪ .‬مثل الفنيق (أو العنقاء)‪،‬‬
‫ملا يتالىش السيمرغ يف النريان‪ ،‬هذا يعني موت األنا األدىن والنفس الدنيوية ثم تليه والدة روحانية (إحياء‬
‫روحاين)‪ .‬أو احرتاق الروح يف األنوار الرشقية للمعارف الروحانية السامية‪.‬‬

‫مسجد مختلط إلسالم روحاين وتقدمي‬


‫تتجىل هذه الرمزية بشكل واضح يف كتاب منطق الطري لفريد الدين العطار‪ ،‬إنها ملحمة صوفية تروي‬
‫عن رحلة قام بها الطيور بقيادة الهدهد للبحث عن َملِكهم السيمرغ‪ ،‬ويف النهاية يصل ثالثني طائ ًرا فقط‬
‫ملشاهدة الطائر البالغ الجامل‪ .‬وماذا وجدوا؟ هل وجدوا كائن خارجي متميز عن أنفسهم؟ ال‪ ،‬بل وجدوا‬
‫أنفسهم واألرسار الباطنية العميقة لذواتهم‪ .‬بالفعل‪ ،‬فإن كلمة سيمرغ بالفارسية تعني ثالثني طائ ًرا‪،‬‬
‫والفيلسوف الفرنيس هرني كوربان يرتجم هذا بطريقة مبدعة‪ " :‬إذا نظروا إىل سيمرغ‪ ،‬رأوا سيمرغ وإذا‬
‫نظروا إىل أنفسهم رأوا يس ـ مرغ (ثالثني طائر)‪ ،‬وإذا نظروا إىل أنفسهم والسيمرغ م ًعا‪ ،‬يجدون أن يس‬
‫ـ مرغ و سيمرغ حقيقة واحدة‪ .‬هناك مرتني سيمرغ ومع ذلك السيمرغ واحد‪ ،‬مطابقة يف االختالف‬
‫واختالف يف املطابقة"‪ . 57‬فالسعي الروحي يسمح للمرء أن يرى أعامق نفسه ويكتشف باطن ذاته‪،‬‬
‫إنه الهدف النهايئ للرحلة املتمثل يف إدراك أننا ما نحن عليه وأننا غري ما نحن عليه‪ .‬معرفة السيمرغ‬
‫(أو باألحرى معرفة الله) تسمح لنا مبعرفة ذاتنا الروحية أو األنا الروحانية وبذلك معرفة أنفسنا حق‬
‫املعرفة‪ :‬عندما ندرك ما نحن‪ ،‬ندرك أننا جزء من السيمرغ األبدي‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فإن البحث عن السمو يؤدي‬
‫إىل املعرفة الجوهرية لألنا اإلنسانية واألنا اإللهية‪ .‬فاملؤمن مرآة تجعلنا نتأمل وجه الله فينا ونبرص يف‬
‫روحنا انعكاس املطلق‪ .‬السيمرغ بعيد وقريب فهو يرمز للرس اإللهي‪ ،‬الذي هو متعا ٍل علينا وكام ٌن فينا‬
‫غائب وحارض‪. 58‬‬
‫يف آن واحد‪ٌ ،‬‬
‫هذا هو النهج الدي يهدف إىل حرية الضمري والذي نريد أن نقدمه للمسلامت واملسلمني الذين سيأتون‬
‫للصالة يف هذا املسجد‪ .‬ونتمنى أن يجدوا فيه املوارد الروحانية لإلسالم التي تساعدهم عىل اكتشاف‬

‫مذكور في المثنوي لجالل الدين الرومي‪ ،‬باللغة الفارسية‪ ،‬الحاء تنطق خاء ‪53‬‬
‫‪ Rûmî, Mathnawî, La Quête de l’absolu, Éditions du Rocher, 2014, vol.‬جالل الدين الرومي‪ ،‬المثنوي ‪54‬‬
‫‪III, p. 540-541.‬‬
‫أنظر للقصة الرمزية للسهروردي المالك القرمزي ‪55 Voir Sohrawardî, L’Archange empourpré, Fayard, 1976.‬‬
‫أنظر ‪56 Voir Farid-ud-Dîn ‘Attâr, La Conférence des oiseaux, adapté par Henri Gougaud, Seuil, 2002.‬‬
‫لكتاب فريد الدين العطار منطق الطير‬
‫هنري كوربان "في االسالم اإليراني" الجزء األول ‪57 Henry Corbin, En islam iranien, Gallimard, 1991, vol. I.‬‬
‫‪ Amélie Neuve-Église, « Sîmorgh : de l’oiseau légendaire du Shâhnâmeh au guide intérieur de‬أنظر ‪58‬‬
‫‪la mystique persane », La Revue de Téhéran, n° 19, juin 2007 (www.teheran.ir/spip.php?article242‬‬
‫‪- gsc.tab=0).‬‬

‫‪33‬‬
‫أنفسهم وذواتهم الروحية العميقة حتى يسعى كل واحد منهم يف طريقه إىل الله‪ .‬هذا هو الغرض من‬
‫املنهجية الصوفية اإلسالمية‪ ،‬التي تهدف لتحقيق القول املأثور لنبينا عليه السالم‪" :‬من عرف نفسه‪ ،‬عرف‬
‫ربه " ما يعادل " ‪ 59" Gnothi seauton‬يف معبد دلفي‪ .‬هذه املنهجية تهدف إىل االستقاللية الروحانية‪،‬‬
‫أي البحث عن األجوبة من داخل ذاتنا وليس التبعية لنظام خارجي يفرض نفس القوانني للكل وال يراعي‬
‫االحتياجات الروحانية للفرد‪ .‬مبعنى‪ ،‬أن نتعلم االستامع إىل هذا املرشد الداخيل‪ ،‬ضمرينا‪ ،‬حتى نحقق‬
‫ذاتنا اآلدمية يف عملية غنوصية حقيقية ملعرفة الذات‪ .‬هذا هو األمر الذي أعطاه الله آلدم‪" :‬إِ َّن َمث ََل‬
‫يس ِعن َد اللَّ ِه كَ َمثَلِ آ َدم َخلَ َق ُه ِمن تُ َر ٍ‬
‫اب ث ُ َّم ق ََال لَ ُه كُن فَ َيكُونُ"‪.60‬‬ ‫ِع َ‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬مبا أن الفرد يصعب عليه الوصول لهذا الهدف مبفرده‪ ،‬فإن هذا املسجد سيتيح مساحة‬
‫للمساعدة املتبادلة بني األفراد بإنشاء اجتامعية روحانية يف اإلسالم تتجاوز الضغوط الطائفية والعائلية‬
‫وبدون أي حكم مسبق‪ ،‬حيث تكون األولوية للتساؤل البناء واملتبادل وتدريس ثقافة روحانية إسالمية‬
‫حقيقية‪ .‬هذه األخوة ستسمح لكل األفراد أن يسلكوا طرقهم بروح تضامنية مثل الطيور التي تضامنت‬
‫وتعاونت يف ما بينها يف رحلتهم إىل السيمرغ‪ ،‬وهذا التعاضد وهذه الروح الجامعية هي التي أوصلتهم‬
‫إىل هدفهم‪" :‬أنظر إىل الباحثني املتألهني قد وصلوا إىل حرضة اإلله‪ ،‬لقد تعاونوا يف ما بينهم وتعلموا‬
‫من بعضهم البعض‪ .‬إن عدد الطرق إىل الرفيق العزيز بعدد ذرات الحياة"‪ . 61‬هذه هي التعاليم التي‬
‫اص ْوا‬
‫ات َوتَ َو َ‬ ‫نسا َن لَ ِفي خ ُْسٍ؛ إِلَّ ال َِّذي َن آ َم ُنوا َو َع ِملُوا َّ‬
‫الصالِ َح ِ‬ ‫نجدها يف سورة العرص‪َ " :‬والْ َع ْصِ؛ إِ َّن الْ ِ َ‬
‫ِالص ْ ِب‪." 62‬‬ ‫بِالْ َح ِّق َوتَ َو َ‬
‫اص ْوا ب َّ‬
‫‪| l’innovation politique‬‬

‫خامتة‬
‫نأمل أن يسمح هذا املرشوع للمسلامت واملسلمني الذين يشعرون بالوحدة‪ ،‬أن يجدوا يف هذه الرؤية‬
‫ويف هذا املكان الجديد للعبادة مأوى لهم ميكنهم من عيش حياتهم الروحانية بكل حرية وبوعي كامل‪.‬‬
‫‪fondapol‬‬

‫هذا املسجد‪ ،‬اليوم‪ ،‬موجود معنويًا يف املامرسات الشخصية للذين يتبنون هذا املرشوع‪ ،‬رجال ونساء‪.‬‬
‫ولكن املسجد غري موجود ماديًا فقط النعدام املوارد املالية‪ ،‬ونتمنى أن نجد هذه املوارد املالية يف أرسع‬
‫وقت ممكن لتوفري هذا الفضاء للذين يريدون عيش وتبادل روحانيتهم بأخ ّوة يف إطار إسالم روحاين‬
‫وتقدمي‪.‬‬

‫"أعرف نفسك بنفسك" ‪59‬‬


‫)سورة آل عمران اآلية ‪( 59‬في هذه اآلية‪ ،‬ترجمة موريس غلوتون لكن فيكون = ابحث عن نفسك فوجد نفسه ‪60‬‬
‫"فريد الدين العطار "منطق الطير ‪61‬‬
‫سورة العصر ‪62‬‬

‫‪34‬‬
‫‪SÉRIE : VALEURS D’ISLAM‬‬

‫‪1‬‬ ‫قيم اإلسالم‬ ‫‪2‬‬ ‫قيم اإلسالم‬ ‫‪3‬‬ ‫قيم اإلسالم‬

‫التعددية الدينية‬ ‫القرآن‪،‬‬ ‫اإلنسانية واإلنسية‬


‫في اإلسالم‪،‬‬ ‫مفاتيح للقراءة‬ ‫في اإلسالم‬
‫أو الوعي بالغيرية‬

‫إيريك جوفروا‬ ‫طارق أوبرو‬ ‫أحمد بويردان‬


‫جانفي ‪2015‬‬ ‫أفريل ‪2015‬‬ ‫أفريل ‪2015‬‬

‫‪4‬‬ ‫قيم اإلسالم‬ ‫‪5‬‬ ‫قيم اإلسالم‬ ‫‪6‬‬ ‫قيم اإلسالم‬

‫التصوف‪:‬‬ ‫اإلسالم‬ ‫اإلسالم‬


‫روحانية ومواطنة‬ ‫والميثاق االجتماعي‬ ‫وقيم الجمهورية‬

‫باريزا الخياري‬ ‫فيليب موليني‬ ‫سعد الخياري‬


‫جوان ‪2015‬‬ ‫أوت ‪2015‬‬ ‫جوان ‪2015‬‬

‫‪7‬‬ ‫قيم اإلسالم‬ ‫‪8‬‬ ‫قيم اإلسالم‬ ‫‪9‬‬ ‫قيم اإلسالم‬

‫التـ ـ ــربية في اإلس ـ ــالم‬ ‫النس ــاء واإلس ــالم‪،‬‬ ‫اإلسالم والديمقراطية‪:‬‬
‫رؤي ــة إصالحيــة‬ ‫األسس‬

‫مصطفى الشريف‬ ‫أسماء المرابط‬ ‫أحمد الريسوني‬


‫أكتوبر ‪2015‬‬ ‫أكتوبر ‪2015‬‬ ‫نوفمبر ‪2015‬‬

‫‪10‬‬ ‫قيم اإلسالم‬ ‫‪11‬‬ ‫قيم اإلسالم‬

‫اإلسالم والديمقراطية‬ ‫الشيعة والسنّة‪:‬‬


‫في مواجهة الحداثة‬ ‫سالم مستحيل ؟‬

‫محمد ب ّدي ابنو‬ ‫تيرييه‬


‫ماتيو ّ‬
‫ديسمبر ‪2015‬‬ ‫جانفي ‪2016‬‬

‫‪35‬‬
fondapol

36
| l’innovation politique
SÉRIE : VALEURS D’ISLAM
Libérer l’islam de l’islamisme
Mohamed Louizi, janvier 2018, 84 pages
Portrait des musulmans d’Europe : unité dans la diversité
Vincent Tournier, juin 2016, 68 pages
Portrait des musulmans de France : une communauté plurielle
Nadia Henni-Moulaï, juin 2016, 48 pages
Crise de la conscience arabo-musulmane
Malik Bezouh, septembre 2015, 40 pages
La religion dans les affaires : la finance islamique
Lila Guermas-Sayegh, mai 2011, 36 pages

37
Gouverner le religieux dans un État laïc
Thierry Rambaud, janvier 2018, 56 pages
La religion dans les affaires : la responsabilité sociale de l’entreprise
Aurélien Acquier, Jean-Pascal Gond et Jacques Igalens, mai 2011, 44 pages
La liberté religieuse
Henri Madelin, septembre 2011, 36 pages
L'Église catholique et le libéralisme
Émile Perreau-Saussine, octobre 2009, 26 pages

38
SÉRIE : HÉRITAGES DU CHRISTIANISME

Le christianisme et la modernité européenne (1)


Récuser le déni
Philippe Portier et Jean-Paul Willaime, décembre 2018, 52 pages
Le christianisme et la modernité europénne (2)
Comprendre le retour de l’institution religieuse
Philippe Portier et Jean-Paul Willaime, décembre 2018, 52 pages
La France et les chrétiens d’Orient, dernière chance
Jean-François Colosimo, décembre 2018, 56 pages

La crise orthodoxe (1) Les fondations, des origines au XIXe siècle


Jean-François Colosimo, décembre 2018, 52 pages
La crise orthodoxe (2) Les convulsions, du XIXe siècle à nos jours
Jean-François Colosimo, décembre 2018, 52 pages
Les apports du christianisme à l'unité de l'Europe
Jean-Dominique Durand, décembre 2018, 52 pages
39
NOS PUBLICATIONS
L’affaire Séralini. L’impasse d’une science militante
Marcel Kuntz, juin 2019, 60 pages
Démocraties sous tension
Sous la direction de Dominique Reynié,
mai 2019, volume I, Les enjeux, 156 pages ; volume II, Les pays, 120 pages
La longue gouvernance de Poutine
Vladislav Sourkov, mai 2019, 52 pages
Politique du handicap : pour une société inclusive
Sophie Cluzel, avril 2019, 44 pages
Ferroviaire : ouverture à la concurrence, une chance pour la SNCF
David Valence et François Bouchard, mars 2019, 64 pages
Un an de populisme italien
Alberto Toscano, mars 2019, 56 pages
Une mosquée mixte pour un islam spirituel et progressiste
Eva Janadin et Anne-Sophie Monsinay, février 2019, 72 pages
Une civilisation électrique (2) Vers le réenchantement
Alain Beltran et Patrice Carré, février 2019, 56 pages
Une civilisation électrique (1) Un siècle de transformations
Alain Beltran et Patrice Carré, février 2019, 56 pages
Prix de l’électricité : entre marché, régulation et subvention
Jacques Percebois, février 2019, 64 pages
Vers une société post-carbone
Patrice Geoffron, février 2019, 60 pages
Énergie-climat en Europe : pour une excellence écologique
Emmanuel Tuchscherer, février 2019, 48 pages
L’Opinion européenne en 2018
Dominique Reynié (dir.), éditions Marie B / collection Lignes de Repères,
janvier 2019, 176 pages
La contestation animaliste radicale
Eddy Fougier, janvier 2019, 56 pages
Le numérique au secours de la santé
Serge Soudoplatoff, janvier 2019, 60 pages
Les apports du christianisme à l’unité de l’Europe
Jean-Dominique Durand, décembre 2018, 52 pages
La crise orthodoxe (2) Les convulsions, du XIXe siècle à nos jours
Jean-François Colosimo, décembre 2018, 52 pages
La crise orthodoxe (1) Les fondations, des origines au XIXe siècle
Jean-François Colosimo, décembre 2018, 52 pages

40
La France et les chrétiens d’Orient, dernière chance
Jean-François Colosimo, décembre 2018, 56 pages
Le christianisme et la modernité européenne (2)
Comprendre le retour de l’institution religieuse
Philippe Portier et Jean-Paul Willaime, décembre 2018, 52 pages
Le christianisme et la modernité européenne (1)
Récuser le déni
Philippe Portier et Jean-Paul Willaime, décembre 2018, 52 pages
Commerce illicite de cigarettes :
Les cas de Barbès-La Chapelle, Saint-Denis et Aubervilliers-Quatre-Chemins
Mathieu Zagrodzki, Romain Maneveau et Arthur Persais, novembre 2018, 84 pages
L’avenir de l’hydroélectricité
Jean-Pierre Corniou, novembre 2018, 64 pages
Retraites : Leçons des réformes italiennes
Michel Martone, novembre 2018, 48 pages
Les géants du numérique (2) : Un frein à l’innovation ?
Paul-Adrien Hyppolite et Antoine Michon, novembre 2018, 84 pages
Les géants du numérique (1) : Magnats de la finance
Paul-Adrien Hyppolite et Antoine Michon, novembre 2018, 80 pages
L’intelligence artificielle en Chine : Un état des lieux
Aifang Ma, novembre 2018, 60 pages
Alternative für Deutschland : Établissement électoral
Patrick Moreau, octobre 2018, 72 pages
Les Français jugent leur système de retraite
Fondation pour l’innovation politique, octobre 2018, 28 pages
Migrations : La France singulière
Didier Leschi, octobre 2018, 56 pages
La révision constitutionnelle de 2008 : un premier bilan
Hugues Hourdin, octobre 2018, 52 pages
Préface d’Édouard Balladur et de Jack Lang
Les Français face à la crise démocratique : Immigration, populisme, Trump, Europe...
AJC Europe et la Fondation pour l’innovation politique, septembre 2018, 72 pages
Les “Démocrates de Suède” : un vote anti-immigration
Johan Martinsson, septembre 2018, 64 pages
Les Suédois et l’immigration (2) : fin du consensus ?
Tino Sanandaji, septembre 2018, 56 pages
Les Suédois et l’immigration (1) : fin de l’homogénéité ?
Tino Sanandaji, septembre 2018, 56 pages
Éthiques de l’immigration
Jean-Philippe Vincent, juin 2018, 56 pages
Les addictions chez les jeunes (14-24 ans)
Fondation pour l’innovation politique, juin 2018, 56 pages
Enquête réalisée en partenariat avec la Fondation Gabriel Péri et le Fonds
Actions Addictions
41
Villes et voitures : pour une réconciliation
Jean Coldefy, juin 2018, 60 pages
France : Combattre la pauvreté des enfants
Julien Damon, mai 2018, 48 pages
Que pèsent les syndicats ?
Dominique Andolfatto, avril 2018, 56 pages
L’ Élan de la Francophonie : Pour une ambition française (2)
Benjamin Boutin, mars 2018, 48 pages
L’ Élan de la Francophonie : Une communauté de langue et de destin (1)
Benjamin Boutin, mars 2018, 48 pages
L’Italie aux urnes
Sofia Ventura, février 2018, 44 pages
L’Intelligence artificielle : L’expertise partout Accessible à tous
Serge Soudoplatoff, février 2018, 60 pages
L’innovation à l’ère du bien commun
Benjamin Boscher, Xavier Pavie, février 2018, 64 pages
Libérer l’islam de l’islamisme
Mohamed Louizi, janvier 2018, 84 pages
Gouverner le religieux dans un état laïc
Thierry Rambaud, janvier 2018, 56 pages
Innovation politique 2017 (Tome 2)
Fondation pour l’innovation politique, janvier 2018, 492 pages
Innovation politique 2017 (Tome 1)
Fondation pour l’innovation politique, janvier 2018, 468 pages
Une « norme intelligente » au service de la réforme
Victor Fabre, Mathieu Kohmann, Mathieu Luinaud, décembre 2017, 44 pages
Autriche : virage à droite
Patrick Moreau, novembre 2017, 52 pages
Pour repenser le bac, réformons le lycée et l’apprentissage
Faÿçal Hafied, novembre 2017, 76 pages
Où va la démocratie ?
Sous la direction de Dominique Reynié, Plon, octobre 2017, 320 pages
Violence antisémite en Europe 2005-2015
Johannes Due Enstad, septembre 2017, 48 pages
Pour l’emploi : la subrogation du crédit d’impôt des services à la personne
Bruno Despujol, Olivier Peraldi et Dominique Reynié, septembre 2017, 52 pages
Marché du travail : pour la réforme !
Faÿçal Hafied, juillet 2017, 64 pages
Le fact-checking : Une réponse à la crise de l’information et de la démocratie
Farid Gueham, juillet 2017, 68 pages
Notre-Dame- des-Landes : l’État, le droit et la démocratie empêchés
Bruno Hug de Larauze, mai 2017, 56 pages

42
France : les juifs vus par les musulmans. Entre stéréotypes et méconnaissances
Mehdi Ghouirgate, Iannis Roder et Dominique Schnapper, mai 2017, 44 pages
Dette publique : la mesurer, la réduire
Jean-Marc Daniel, avril 2017, 52 pages
Parfaire le paritarisme par l’indépendance financière
Julien Damon, avril 2017, 52 pages
Former, de plus en plus, de mieux en mieux. L’enjeu de la formation professionnelle
Olivier Faron, avril 2017, 48 pages
Les troubles du monde, l’islamisme et sa récupération populiste :
l’Europe démocratique menacée
Pierre-Adrien Hanania, AJC, Fondapol, mars 2017, 44 pages
Porno addiction : nouvel enjeu de société
David Reynié, mars 2017, 48 pages
Calais : miroir français de la crise migratoire européenne (2)
Jérôme Fourquet et Sylvain Manternach, mars 2017, 72 pages
Calais : miroir français de la crise migratoire européenne (1)
Jérôme Fourquet et Sylvain Manternach, mars 2017, 56 pages
L’actif épargne logement
Pierre-François Gouiffès, février 2017, 48 pages
Réformer : quel discours pour convaincre ?
Christophe de Voogd, février 2017, 52 pages
De l’assurance maladie à l’assurance santé
Patrick Negaret, février 2017, 48 pages
Hôpital : libérer l’innovation
Christophe Marques et Nicolas Bouzou, février 2017, 44 pages
Le Front national face à l’obstacle du second tour
Jérôme Jaffré, février 2017, 48 pages
La République des entrepreneurs
Vincent Lorphelin, janvier 2017, 52 pages
Des startups d’État à l’État plateforme
Pierre Pezziardi et Henri Verdier, janvier 2017, 52 pages
Vers la souveraineté numérique
Farid Gueham, janvier 2017, 44 pages
Repenser notre politique commerciale
Laurence Daziano, janvier 2017, 48 pages
Mesures de la pauvreté, mesures contre la pauvreté
Julien Damon, décembre 2016, 40 pages
L’ Autriche des populistes
Patrick Moreau, novembre 2016, 72 pages
L’Europe face aux défis du pétro-solaire
Albert Bressand, novembre 2016, 52 pages
Le Front national en campagnes. Les agriculteurs et le vote FN
Eddy Fougier et Jérôme Fourquet, octobre 2016, 52 pages
43
Innovation politique 2016
Fondation pour l’innovation politique, PUF, octobre 2016, 758 pages
Le nouveau monde de l’automobile (2) : Les promesses de la mobilité électrique
Jean-Pierre Corniou, octobre 2016, 68 pages
Le nouveau monde de l’automobile (1) : l’impasse du moteur à explosion
Jean-Pierre Corniou, octobre 2016, 48 pages
L’Opinion européenne en 2016
Dominique Reynié (dir.), Éditions Lignes de Repères, septembre 2016, 224 pages
L’individu contre l’étatisme. Actualité de la pensée libérale française (XXe siècle)
Jérôme Perrier, septembre 2016, 52 pages
L’individu contre l’étatisme. Actualité de la pensée libérale française (XIXe siècle)
Jérôme Perrier, septembre 2016, 52 pages
Refonder l’audiovisuel public.
Olivier Babeau, septembre 2016, 48 pages
La concurrence au défi du numérique
Charles-Antoine Schwerer, juillet 2016, 48 pages
Portrait des musulmans d’Europe : unité dans la diversité
Vincent Tournier, juin 2016, 68 pages
Portrait des musulmans de France : une communauté plurielle
Nadia Henni-Moulaï, juin 2016, 48 pages
La blockchain, ou la confiance distribuée
Yves Caseau et Serge Soudoplatoff, juin 2016, 48 pages
La gauche radicale : liens, lieux et luttes (2012-2017)
Sylvain Boulouque, mai 2016, 56 pages
Gouverner pour réformer : Éléments de méthode
Erwan Le Noan et Matthieu Montjotin, mai 2016, 64 pages
Les zadistes (2) : la tentation de la violence
Eddy Fougier, avril 2016, 44 pages
Les zadistes (1) : un nouvel anticapitalisme
Eddy Fougier, avril 2016, 44 pages
Régionales (2) : les partis, contestés mais pas concurrencés
Jérôme Fourquet et Sylvain Manternach, mars 2016, 52 pages
Régionales (1) : vote FN et attentats
Jérôme Fourquet et Sylvain Manternach, mars 2016, 60 pages
Un droit pour l’innovation et la croissance
Sophie Vermeille, Mathieu Kohmann et Mathieu Luinaud, février 2016, 52 pages
Le lobbying : outil démocratique
Anthony Escurat, février 2016, 44 pages
Valeurs d’islam
Dominique Reynié (dir.), préface par le cheikh Khaled Bentounès, PUF, 
janvier 2016, 432 pages
Chiites et sunnites : paix impossible ?
Mathieu Terrier, janvier 2016, 44 pages
44
Projet d’entreprise : renouveler le capitalisme
Daniel Hurstel, décembre 2015, 44 pages
Le mutualisme : répondre aux défis assurantiels
Arnaud Chneiweiss et Stéphane Tisserand, novembre 2015, 44 pages
L’Opinion européenne en 2015
Dominique Reynié (dir.), Éditions Lignes de Repères, novembre 2015, 140 pages
La noopolitique : le pouvoir de la connaissance
Idriss J. Aberkane, novembre 2015, 52 pages
Innovation politique 2015
Fondation pour l’innovation politique, PUF, octobre 2015, 576 pages
Good COP21, Bad COP21(2) : une réflexion à contre-courant
Albert Bressand, octobre 2015, 48 pages
Good COP21, Bad COP21(1) : le Kant européen et le Machiavel chinois
Albert Bressand, octobre 2015, 48 pages
PME : nouveaux modes de financement
Mohamed Abdesslam et Benjamin Le Pendeven, octobre 2015, 44 pages
Vive l’automobilisme ! (2) Pourquoi il faut défendre la route
Mathieu Flonneau et Jean-Pierre Orfeuil, octobre 2015, 44 pages
Vive l’automobilisme ! (1) Les conditions d’une mobilité conviviale
Mathieu Flonneau et Jean-Pierre Orfeuil, octobre 2015, 40 pages
Crise de la conscience arabo-musulmane
Malik Bezouh, septembre 2015, 40 pages
Départementales de mars 2015 (3) : le second tour
Jérôme Fourquet et Sylvain Manternach, août 2015, 56 pages
Départementales de mars 2015 (2) : le premier tour
Jérôme Fourquet et Sylvain Manternach, août 2015, 56 pages
Départementales de mars 2015 (1) : le contexte
Jérôme Fourquet et Sylvain Manternach, août 2015, 44 pages
Enseignement supérieur : les limites de la « mastérisation »
Julien Gonzalez, juillet 2015, 44 pages
Politique économique : l’enjeu franco-allemand
Wolfgang Glomb et Henry d’Arcole, juin 2015, 36 pages
Les lois de la primaire. Celles d’hier, celles de demain.
François Bazin, juin 2015, 48 pages
Économie de la connaissance
Idriss J. Aberkane, mai 2015, 48 pages
Lutter contre les vols et cambriolages : une approche économique
Emmanuel Combe et Sébastien Daziano, mai 2015, 56 pages
Unir pour agir : un programme pour la croissance
Alain Madelin, mai 2015, 52 pages
Nouvelle entreprise et valeur humaine
Francis Mer, avril 2015, 32 pages

45
Les transports et le financement de la mobilité
Yves Crozet, avril 2015, 32 pages
Numérique et mobilité : impacts et synergies
Jean Coldefy, avril 2015, 36 pages
Islam et démocratie : face à la modernité
Mohamed Beddy Ebnou, mars 2015, 40 pages
Islam et démocratie : les fondements
Aḥmad Al-Raysuni, mars 2015, 40 pages
Les femmes et l’islam : une vision réformiste
Asma Lamrabet, mars 2015, 48 pages
Éducation et islam
Mustapha Cherif, mars 2015, 44 pages
Que nous disent les élections législatives partielles depuis 2012 ?
Dominique Reynié, février 2015, 4 pages
L’islam et les valeurs de la République
Saad Khiari, février 2015, 44 pages
Islam et contrat social
Philippe Moulinet, février 2015, 44 pages
Le soufisme : spiritualité et citoyenneté
Bariza Khiari, février 2015, 56 pages
L’humanisme et l’humanité en islam
Ahmed Bouyerdene, février 2015, 56 pages
Éradiquer l’hépatite C en France : quelles stratégies publiques ?
Nicolas Bouzou et Christophe Marques, janvier 2015, 40 pages
Coran, clés de lecture
Tareq Oubrou, janvier 2015, 44 pages
Le pluralisme religieux en islam, ou la conscience de l’altérité
Éric Geoffroy, janvier 2015, 40 pages
Mémoires à venir
Dominique Reynié, janvier 2015, enquête réalisée en partenariat avec la
Fondation pour la Mémoire de la Shoah, 156 pages
La classe moyenne américaine en voie d’effritement
Julien Damon, décembre 2014, 40 pages
Pour une complémentaire éducation : l’école des classes moyennes
Erwan Le Noan et Dominique Reynié, novembre 2014, 56 pages
L’antisémitisme dans l’opinion publique française. Nouveaux éclairages
Dominique Reynié, novembre 2014, 48 pages
La politique de concurrence : un atout pour notre industrie
Emmanuel Combe, novembre 2014, 48 pages
Européennes 2014 (2) : poussée du FN, recul de l’UMP et vote breton
Jérôme Fourquet, octobre 2014, 52 pages
Européennes 2014 (1) : la gauche en miettes
Jérôme Fourquet, octobre 2014, 40 pages
46
Innovation politique 2014
Fondation pour l’innovation politique, PUF, octobre 2014, 554 pages
Énergie-climat : pour une politique efficace
Albert Bressand, septembre 2014, 56 pages
L’urbanisation du monde. Une chance pour la France
Laurence Daziano, juillet 2014, 44 pages
Que peut-on demander à la politique monétaire ?
Pascal Salin, mai 2014, 48 pages
Le changement, c’est tout le temps ! 1514 - 2014
Suzanne Baverez et Jean Sénié, mai 2014, 48 pages
Trop d’émigrés ? Regards sur ceux qui partent de France
Julien Gonzalez, mai 2014, 48 pages
L’Opinion européenne en 2014
Dominique Reynié (dir.), Éditions Lignes de Repères, avril 2014, 284 pages
Taxer mieux, gagner plus
Robin Rivaton, avril 2014, 52 pages
L’État innovant (2) : Diversifier la haute administration
Kevin Brookes et Benjamin Le Pendeven, mars 2014, 44 pages
L’État innovant (1) : Renforcer les think tanks
Kevin Brookes et Benjamin Le Pendeven, mars 2014, 52 pages
Pour un new deal fiscal
Gianmarco Monsellato, mars 2014, 8 pages
Faire cesser la mendicité avec enfants
Julien Damon, mars 2014, 44 pages
Le low cost, une révolution économique et démocratique
Emmanuel Combe, février 2014, 52 pages
Un accès équitable aux thérapies contre le cancer
Nicolas Bouzou, février 2014, 52 pages
Réformer le statut des enseignants
Luc Chatel, janvier 2014, 8 pages
Un outil de finance sociale : les social impact bonds
Yan de Kerorguen, décembre 2013, 36 pages
Pour la croissance, la débureaucratisation par la confiance
Pierre Pezziardi, Serge Soudoplatoff et Xavier Quérat-Hément, novembre 2013,
48 pages
Les valeurs des Franciliens
Guénaëlle Gault, octobre 2013, 36 pages
Sortir d’une grève étudiante : le cas du Québec
Jean-Patrick Brady et Stéphane Paquin, octobre 2013, 40 pages
Un contrat de travail unique avec indemnités de départ intégrées
Charles Beigbeder, juillet 2013, 8 pages

47
L’Opinion européenne en 2013
Dominique Reynié (dir.), Éditions Lignes de Repères, juillet 2013, 268 pages
La nouvelle vague des émergents : Bangladesh, Éthiopie, Nigeria, Indonésie,
Vietnam, Mexique
Laurence Daziano, juillet 2013, 40 pages
Transition énergétique européenne : bonnes intentions et mauvais calculs
Albert Bressand, juillet 2013, 44 pages
La démobilité : travailler, vivre autrement
Julien Damon, juin 2013, 44 pages
LE KAPITAL. Pour rebâtir l’industrie
Christian Saint-Étienne et Robin Rivaton, avril 2013, 40 pages
Code éthique de la vie politique et des responsables publics en France
Les Arvernes, Fondation pour l’innovation politique, avril 2013, 12 pages
Les classes moyennes dans les pays émergents
Julien Damon, avril 2013, 38 pages
Innovation politique 2013
Fondation pour l’innovation politique, PUF, janvier 2013, 652 pages
Relancer notre industrie par les robots (2) : les stratégies
Robin Rivaton, décembre 2012, 40 pages
Relancer notre industrie par les robots (1) : les enjeux
Robin Rivaton, décembre 2012, 52 pages
La compétitivité passe aussi par la fiscalité
Aldo Cardoso, Michel Didier, Bertrand Jacquillat, Dominique Reynié
et Grégoire Sentilhes, décembre 2012, 20 pages
Une autre politique monétaire pour résoudre la crise
Nicolas Goetzmann, décembre 2012, 40 pages
La nouvelle politique fiscale rend-elle l’ISF inconstitutionnel ?
Aldo Cardoso, novembre 2012, 12 pages
Fiscalité : pourquoi et comment un pays sans riches est un pays pauvre…
Bertrand Jacquillat, octobre 2012, 40 pages
Youth and Sustainable Development
Fondapol/Nomadéis/United Nations, juin 2012, 80 pages
La philanthropie. Des entrepreneurs de solidarité
Francis Charhon, mai / juin 2012, 44 pages
Les chiffres de la pauvreté : le sens de la mesure
Julien Damon, mai 2012, 40 pages
Libérer le financement de l’économie
Robin Rivaton, avril 2012, 40 pages
L’épargne au service du logement social
Julie Merle, avril 2012, 40 pages
L’Opinion européenne en 2012
Dominique Reynié (dir.), Éditions Lignes de Repères, mars 2012, 210 pages

48
Valeurs partagées
Dominique Reynié (dir.), PUF, mars 2012, 362 pages
Les droites en Europe
Dominique Reynié (dir.), PUF, février 2012, 552 pages
Innovation politique 2012
Fondation pour l’innovation politique, PUF, janvier 2012, 648 pages
L’école de la liberté : initiative, autonomie et responsabilité
Charles Feuillerade, janvier 2012, 36 pages
Politique énergétique française (2) : les stratégies
Rémy Prud’homme, janvier 2012, 40 pages
Politique énergétique française (1) : les enjeux
Rémy Prud’homme, janvier 2012, 48 pages
Révolution des valeurs et mondialisation
Luc Ferry, janvier 2012, 36 pages
Quel avenir pour la social-démocratie en Europe ?
Sir Stuart Bell, décembre 2011, 36 pages
La régulation professionnelle : des règles non étatiques pour mieux responsabiliser
Jean-Pierre Teyssier, décembre 2011, 36 pages
L’hospitalité : une éthique du soin
Emmanuel Hirsch, décembre 2011, 32 pages
12 idées pour 2012
Fondation pour l’innovation politique, décembre 2011, 110 pages
Les classes moyennes et le logement
Julien Damon, décembre 2011, 40 pages
Réformer la santé : trois propositions
Nicolas Bouzou, novembre 2011, 32 pages
Le nouveau Parlement : la révision du 23 juillet 2008
Jean-Félix de Bujadoux, novembre 2011, 40 pages
La responsabilité
Alain-Gérard Slama, novembre 2011, 32 pages
Le vote des classes moyennes
Élisabeth Dupoirier, novembre 2011, 40 pages
La compétitivité par la qualité
Emmanuel Combe et Jean-Louis Mucchielli, octobre 2011, 32 pages
Les classes moyennes et le crédit
Nicolas Pécourt, octobre 2011, 32 pages
Portrait des classes moyennes
Laure Bonneval, Jérôme Fourquet et Fabienne Gomant, octobre 2011, 36 pages
Morale, éthique, déontologie
Michel Maffesoli, octobre 2011, 40 pages
Sortir du communisme, changer d’époque
Stéphane Courtois (dir.), PUF, octobre 2011, 672 pages

49
L’énergie nucléaire après Fukushima : incident mineur ou nouvelle donne ?
Malcolm Grimston, septembre 2011, 16 pages
La jeunesse du monde
Dominique Reynié (dir.), Éditions Lignes de Repères, septembre 2011, 132 pages
Pouvoir d’achat : une politique
Emmanuel Combe, septembre 2011, 52 pages
La liberté religieuse
Henri Madelin, septembre 2011, 36 pages
Réduire notre dette publique
Jean-Marc Daniel, septembre 2011, 40 pages
Écologie et libéralisme
Corine Pelluchon, août 2011, 40 pages
Valoriser les monuments historiques : de nouvelles stratégies
Wladimir Mitrofanoff et Christiane Schmuckle-Mollard, juillet 2011, 28 pages
Contester les technosciences : leurs raisons
Eddy Fougier, juillet 2011, 40 pages
Contester les technosciences : leurs réseaux
Sylvain Boulouque, juillet 2011, 36 pages
La fraternité
Paul Thibaud, juin 2011, 36 pages
La transformation numérique au service de la croissance
Jean-Pierre Corniou, juin 2011, 52 pages
L’engagement
Dominique Schnapper, juin 2011, 32 pages
Liberté, Égalité, Fraternité
André Glucksmann, mai 2011, 36 pages
Quelle industrie pour la défense française ?
Guillaume Lagane, mai 2011, 26 pages
La religion dans les affaires : la responsabilité sociale de l’entreprise
Aurélien Acquier, Jean-Pascal Gond et Jacques Igalens, mai 2011, 44 pages
La religion dans les affaires : la finance islamique
Lila Guermas-Sayegh, mai 2011, 36 pages
Où en est la droite ? L’Allemagne
Patrick Moreau, avril 2011, 56 pages
Où en est la droite ? La Slovaquie
Étienne Boisserie, avril 2011, 40 pages
Qui détient la dette publique ?
Guillaume Leroy, avril 2011, 36 pages
Le principe de précaution dans le monde
Nicolas de Sadeleer, mars 2011, 36 pages
Comprendre le Tea Party
Henri Hude, mars 2011, 40 pages

50
Où en est la droite ? Les Pays-Bas
Niek Pas, mars 2011, 36 pages
Productivité agricole et qualité des eaux
Gérard Morice, mars 2011, 44 pages
L’Eau : du volume à la valeur
Jean-Louis Chaussade, mars 2011, 32 pages
Eau : comment traiter les micropolluants ?
Philippe Hartemann, mars 2011, 38 pages
Eau : défis mondiaux, perspectives françaises
Gérard Payen, mars 2011, 62 pages
L’irrigation pour une agriculture durable
Jean-Paul Renoux, mars 2011, 42 pages
Gestion de l’eau : vers de nouveaux modèles
Antoine Frérot, mars 2011, 32 pages
Où en est la droite ? L’Autriche
Patrick Moreau, février 2011, 42 pages
La participation au service de l’emploi et du pouvoir d’achat
Jacques Perche et Antoine Pertinax, février 2011, 32 pages
Le tandem franco-allemand face à la crise de l’euro
Wolfgang Glomb, février 2011, 38 pages
2011, la jeunesse du monde
Dominique Reynié (dir.), janvier 2011, 88 pages
L’Opinion européenne en 2011
Dominique Reynié (dir.), Édition Lignes de Repères, janvier 2011, 254 pages
Administration 2.0
Thierry Weibel, janvier 2011, 48 pages
Où en est la droite ? La Bulgarie
Antony Todorov, décembre 2010, 32 pages
Le retour du tirage au sort en politique
Gil Delannoi, décembre 2010, 38 pages
La compétence morale du peuple
Raymond Boudon, novembre 2010, 30 pages
L’Académie au pays du capital
Bernard Belloc et Pierre-François Mourier, PUF, novembre 2010, 222 pages
Pour une nouvelle politique agricole commune
Bernard Bachelier, novembre 2010, 30 pages
Sécurité alimentaire : un enjeu global
Bernard Bachelier, novembre 2010, 30 pages
Les vertus cachées du low cost aérien
Emmanuel Combe, novembre 2010, 40 pages
Innovation politique 2011
Fondation pour l’innovation politique, PUF, novembre 2010, 676 pages

51
Défense : surmonter l’impasse budgétaire
Guillaume Lagane, octobre 2010, 34 pages
Où en est la droite ? L’Espagne
Joan Marcet, octobre 2010, 34 pages
Les vertus de la concurrence
David Sraer, septembre 2010, 44 pages
Internet, politique et coproduction citoyenne
Robin Berjon, septembre 2010, 32 pages
Où en est la droite ? La Pologne
Dominika Tomaszewska-Mortimer, août 2010, 42 pages
Où en est la droite ? La Suède et le Danemark
Jacob Christensen, juillet 2010, 44 pages
Quel policier dans notre société ?
Mathieu Zagrodzki, juillet 2010, 28 pages
Où en est la droite ? L’Italie
Sofia Ventura, juillet 2010, 36 pages
Crise bancaire, dette publique : une vue allemande
Wolfgang Glomb, juillet 2010, 28 pages
Dette publique, inquiétude publique
Jérôme Fourquet, juin 2010, 32 pages
Une régulation bancaire pour une croissance durable
Nathalie Janson, juin 2010, 36 pages
Quatre propositions pour rénover notre modèle agricole
Pascal Perri, mai 2010, 32 pages
Régionales 2010 : que sont les électeurs devenus ?
Pascal Perrineau, mai 2010, 56 pages
L’Opinion européenne en 2010
Dominique Reynié (dir.), Éditions Lignes de Repères, mai 2010, 245 pages
Pays-Bas : la tentation populiste
Christophe de Voogd, mai 2010, 43 pages
Quatre idées pour renforcer le pouvoir d’achat
Pascal Perri, avril 2010, 30 pages
Où en est la droite ? La Grande-Bretagne
David Hanley, avril 2010, 34 pages
Renforcer le rôle économique des régions
Nicolas Bouzou, mars 2010, 30 pages
Réduire la dette grâce à la Constitution
Jacques Delpla, février 2010, 54 pages
Stratégie pour une réduction de la dette publique française
Nicolas Bouzou, février 2010, 30 pages
Iran : une révolution civile ?
Nader Vahabi, novembre 2009, 19 pages

52
Où va la politique de l’église catholique ? D’une querelle du libéralisme à l’autre
Émile Perreau-Saussine, octobre 2009, 26 pages
Agir pour la croissance verte
Valéry Morron et Déborah Sanchez, octobre 2009, 11 pages
L’économie allemande à la veille des législatives de 2009
Nicolas Bouzou et Jérôme Duval-Hamel, septembre 2009, 10 pages
Élections européennes 2009 : analyse des résultats en Europe et en France
Corinne Deloy, Dominique Reynié et Pascal Perrineau, septembre 2009,
32 pages
Retour sur l’alliance soviéto-nazie, 70 ans après
Stéphane Courtois, juillet 2009, 16 pages
L’État administratif et le libéralisme. Une histoire française
Lucien Jaume, juin 2009, 12 pages
La politique européenne de développement : Une réponse à la crise de la
mondialisation ?
Jean-Michel Debrat, juin 2009, 12 pages
La protestation contre la réforme du statut des enseignants-chercheurs :
défense du statut, illustration du statu quo.
Suivi d’une discussion entre l’auteur et Bruno Bensasson
David Bonneau, mai 2009, 20 pages
La lutte contre les discriminations liées à l’âge en matière d’emploi
Élise Muir (dir.), mai 2009, 64 pages
Quatre propositions pour que l’Europe ne tombe pas dans le protectionnisme
Nicolas Bouzou, mars 2009, 12 pages
Après le 29 janvier : la fonction publique contre la société civile ?
Une question de justice sociale et un problème démocratique
Dominique Reynié, mars 2009, 22 pages
La réforme de l’enseignement supérieur en Australie
Zoe McKenzie, mars 2009, 74 pages
Les réformes face au conflit social
Dominique Reynié, janvier 2009, 14 pages
L’Opinion européenne en 2009
Dominique Reynié (dir.), Éditions Lignes de Repères, mars 2009, 237 pages
Travailler le dimanche: qu’en pensent ceux qui travaillent le dimanche ?
Sondage, analyse, éléments pour le débat
Dominique Reynié, janvier 2009, 18 pages
Stratégie européenne pour la croissance verte
Elvire Fabry et Damien Tresallet (dir.), novembre 2008, 124 pages
Défense, immigration, énergie : regards croisés franco-allemands sur trois priorités
de la présidence française de l’UE
Elvire Fabry, octobre 2008, 35 pages

Retrouvez notre actualité et nos publications sur fondapol.org


53
54
SOUTENEZ LA FONDATION
POUR L’INNOVATION POLITIQUE !

Pour renforcer son indépendance et conduire sa mission d’utilité


publique, la Fondation pour l’innovation politique, institution de la
société civile, a besoin du soutien des entreprises et des particuliers. Ils
sont invités à participer chaque année à la convention générale qui définit
ses orientations. La Fondation pour l’innovation politique les convie
régulièrement à rencontrer ses équipes et ses conseillers, à discuter en
avant-première de ses travaux, à participer à ses manifestations.

Reconnue d’utilité publique par décret en date du 14 avril 2004, la Fondation


pour l’innovation politique peut recevoir des dons et des legs des particuliers
et des entreprises.

Vous êtes une entreprise, un organisme, une association


Avantage fiscal : votre entreprise bénéficie d’une réduction d’impôt de 60   %
à imputer directement sur l’IS (ou le cas échéant sur l’IR), dans la limite de
5 ‰ du chiffre d’affaires HT (report possible durant 5 ans) (art. 238bis du
CGI).

Dans le cas d’un don de 20 000 €, vous pourrez déduire 12 000 € d’impôt,
votre contribution aura réellement coûté 8 000€ à votre entreprise.

Vous êtes un particulier


Avantages fiscaux : au titre de l’IR, vous bénéficiez d’une réduction d’impôt
de 66   % de vos versements, dans la limite de 20   % du revenu imposable
(report possible durant 5 ans) ; au titre de l’ISF, vous bénéficiez d’une
réduction d’impôt de 75   % de vos dons versés, dans la limite de 50 000 €.

Dans le cas d’un don de 1 000 €, vous pourrez déduire 660 € de votre
IR ou 750 € de votre ISF. Pour un don de 5 000 €, vous pourrez déduire
3 300 € de votre IR ou 3 750 € de votre ISF.

contact : Anne Flambert +33 (0)1 47 53 67 09 anne.flambert@fondapol.org

55
‫مسجد مختلط إلسالم روحاني وتقدمي‬
‫إيفا جنادان‬
‫آن‪-‬صوفي مونسيناي‬
‫إن ظهور إسالم روحاني وتقدمي الذي تشجّعه مؤلفتا هذه المذ ّكرة أمر منتظر‬
‫من طرف الكثير من الفرنسيين المسلمين‪ ،‬إنه يجسّد رغبة في الحرية في‬
‫عقيدتهم ويضع معالم لرحلة روحانية تتغذى من الحداثة‪.‬‬
‫تتجسّد هذه الرؤية في مشروع مسجد سيمرغ‪ ،‬في هذا المسجد يمكن للمرأة‬
‫أن تكون إمام وتصلّي بالناس بما فيهم الرجال‪ ،‬االختالط مسموح بين النساء‬
‫والرجال واإلمامة مسموحة لكل مسلمة ومسلم إن أرادت أو أراد أن يقوم‬
‫بها‪ ،‬كل امرأة مصلية أو إمام حرّة في أن ترتدي الحجاب أو ال ترتديه‪ ،‬كل‬
‫ال ُخطب ستُلقَى باللغة الفرنسية حتى يفهم المسلمين الفرنسيين ما يُذكر في‬
‫الخطب وتكون لهم إمكانية التحليل العقلي للخطاب الذي يُلقى عليهم‪ ،‬كل‬
‫المسلمين من كل االتجاهات الدينية والفكرية مرحّب بهم في هذا المسجد‪ .‬هذا‬
‫المشروع مدعوم من قبل حركة أصوات اإلسالم المستنير التي أسّستها كاتبتا‬
‫هذه المذ ّكرة والتي تدعو إلى إسالم يجمع بين االصالة والمعاصرة‪ ،‬متجذر‬
‫في الموروث ومنفتح للمستقبل‪.‬‬
‫إيفا جنادان وآن‪-‬صوفي مونسيناي هما المؤسستان في سبتمبر ‪ 2018‬لحركة‬
‫«أصوات االسالم المستنير»(‪ )V.I.E‬وتحمالن مشروع مسجد سمرغ‪.‬‬
‫شاركت إيفا جنادان في عام ‪ 2017‬في تأسيس جمعية إعادة إحياء اإلسالم‬
‫المعتزلي (‪ )ARIM‬التي تدعو إلى إظهار وإعادة اكتشاف هذا االتجاه‬
‫الالهوتي العقالني‪ .‬آن‪-‬صوفي مونسيناي صوفية غير ثنائية (بدون فصل‬
‫بين هللا واإلنسان)‪ ،‬ساهمت منذ ع ّدة سنوات في إظهار إسالم روحاني تقدمي‬
‫وتساهم في العديد من المؤتمرات حول اإلسالم والتص ّوف‪ .‬كلتاهما تديران‬
‫مجموعة الفيسبوك التص ّوف التقدمي (‪ )Soufisme progressiste‬إلشراك‬
‫اإلسالم في الوقت الحاضر وإعطاء الفرصة عبر مواقع التواصل للكثير من‬
‫المسلمات والمسلمين ليعبروا بكل حرية عن أراءهم وانشغاالتهم بعيدا عن كل‬
‫ضغط من المجتمع أو من األسرة‪.‬‬

‫‪Les médias‬‬ ‫‪Les données en open data‬‬ ‫‪Le site internet‬‬

‫‪fondapol.org‬‬

‫‪ISBN : 978 2 36408 189 5‬‬

‫‪5 €‬‬
‫‪11, rue de Grenelle • 75007 Paris – France • Tél. : 33 (0)1 47 53 67 00 • contact@fondapol.org‬‬

You might also like